مختصر تاريخ دمشق

ابن منظور

[التاريخ]

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين [التاريخ] باب اشتقاق اسم التاريخ والفائدة بالعناية به قال الله تعالى: " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج "، بالأهلة يدرك عدد الأعوام، وتعرف أوقات الحج والصيام، ويعتبر بها انقضاء عدد النساء من بعولتهن ومدة حملهن ووضع أجنتهن، ووقت محل الديون اللازمة، وتصرم مدد عقود الأجائر. واختلاف الفصول: وبها تحد حوادث الأمم الخالية. وفي كتاب الخراج لقدامة قال: تأريخ كل شيء آخره، وهو في الوقت غايته والموضع الذي انتهى إليه. يقال: فلان تأريخ قومه، أي إليه ينتهي شرفهم. ويقال: ورخت الكتاب توريخاً، لغة تميم، وأرخته تأريخاً، لغة قيس. ولكل مملكة وأهل ملة تاريخ. وجماع القول في تواريخهم أنهم يؤرخون بالوقت الذي تحدث فيه حوادث مشهورة هامة. بإسنادنا عن المصنف عن مشايخه عن ابن عباس: في قوله " يسألونك عن الأهلة " قال: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجلان من الأنصار، قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما

كان، لا يكون على حال واحد؟! فنزلت: " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " في حل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نسائهم والشروط التي تنتهي إلى أجل معلوم. وبسنده عن قتادة في هذه الآية قال: فجعلها الله سبحانه لصوم المسلمين وإفطارهم وحجهم ومناسكهم وعدد نسائهم ومحال ديونهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه. وقال عز وجل: " هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ".

باب في مبتدأ التاريخ واصطلاح الأمم عليه

باب في مبتدأ التاريخ واصطلاح الأمم عليه وبسنده عن مشايخه عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جبريل حدثه قال: مضى من الدنيا ستة آلاف وسبع مئة سنة. قال: وكل قطرة مطر تنزل من السماء يوكل بها ملك من الملائكة يضعها موضعها قال: ونبأ في الأرض من الأنبياء مئة ألف وأربعون ألفاً وثلاث مئة من المرسلين حتى جاء سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الأنبياء لا نبي بعده. قال: وما بقي من الدنيا إلا كما بقي من النهار إذا غابت الشمس وبقي حمرة الشمس على الحيطان. وبسنده عن ابن عباس قال: كانت فترتان: فترة بين إدريس ونوح عليهما السلام، وفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما، فكان أول نبي بعث إدريس بعد آدم، فكان بين موت آدم وبين أن بعث إدريس مئتا سنة، لأن آدم عاش ألف سنة إلا أربعين عاماً، وولد إدريس وآدم حي فمات آدم وإدريس ابن مئة سنة، فجاءته النبوة بعد موت آدم بمئتي سنة، وكان في نبوته مئة سنة وخمس سنين، فرفعه الله وهو ابن أربع مئة سنة وخمس سنين، وكان الناس من آدم إلى إدريس أهل ملة واحدة متمسكين بالإسلام وتصافحهم الملائكة، فلما رفع إدريس اختلفوا وفتر الوحي فيما بين إدريس ونوح مئة سنة، وكانت نبوة نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً وعمر بعد الغرق خمسين عاماً، ويقال مئتي عام والله أعلم. وكان سام بن نوح بعدما مات نوح ابن مئة سنة وعاش بعده مئتي سنة. وكان بين نوح وهود ثمان مئة سنة وعاش هود أربع مئة سنة وأربعاً وستين سنة. وكان لبين هود وصالح مئة سنة. وعاش صالح ثلاث مئة سنة إلا عشرين عاماً. وكان بين صالح وبين إبراهيم ست مئة سنة وثلاثون سنة.

وعاش إبراهيم مئة سنة وخمساً وسبعين سنة، وقيل مئتي سنة وسنة. وعاش إسماعيل مئة سنة وتسعاً وثلاثين سنة. وعاش إسحاق مئة سنة وثمانين سنة. وعاش يعقوب بن إسحاق مئة سنة وتسعاً وأربعين سنة. وكان بين موسى وإبراهيم سبع مئة سنة وكان الأنبياء بين موسى وعيسى متواترة وكذلك بين نوح إلى موسى. قال عز وجل: " ثم أرسلنا رسلنا تترى " بعضها على إثر بعض " كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً " إلى قوله: " ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون " فمن زعم أنه يعلم عدتهم وأسماءهم إلا الله فقد كذب، إن الله يقول لنبيه: " ومنهم من لم نقصص عليك ". وكان بين موسى وعيسى فيما روي عن كعب ست مئة سنة، وفيما روي عن ابن عباس خمس مئة سنة. وبإسناده عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: كان من آدم إلى نوح ألف ومئتا سنة، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومئة واثنتان وأربعون سنة، ومن إبراهيم إلى موسى خمس مئة وخمس وستون سنة، ومن موسى إلى داود خمس مئة وتسع وستون سنة، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاث مئة وست وخمسون سنة، ومن عيسى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست مئة سنة، فذلك خمسة آلاف وأربع مئة واثنتان وثلاثون سنة، وهذا الإجمال صحيح. وبإسناده عن عكرمة قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام. وعن ابن عباس قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى بن مريم ألف سنة وتسع مئة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس مئة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاث أنبياء وهو قوله عز وجل: " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " والذي عزز به

شمعون، وكان من الحواريين، وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولاً أربع مئة سنة وأربعا وثلاثين سنة وإن حواريي عيسى بن مريم كانوا اثني عشر رجلاً، وكان قد تبعه بشر كثير ولكنه لم يكن فيهم حواري إلا اثنا عشر رجلاً، وكان من الحواريين القصار والصياد، وكانوا عمالاً يعملون بأيديهم، وإن الحواريين من الأصفياء، وإن عيسى حين رفع كان ابن اثنتين وثلاثين سنة وستة أشهر، وكانت نبوته ثلاثين شهراً، وإن الله رفعه بجسده، وإنه حي الآن، وسيرجع إلى الدنيا فيكون فيها ملكاً ثم يموت كما يموت الناس، وقرية عيسى تسمى ناصرة، وأصحابه يسمون الناصريين، وكان يقال لعيسى: الناصري، فلذلك سميت النصارى. وبالإسناد عن أبي الوليد هشام بن عمار قال: بلغني أن من آدم إلى يوم غرقت الأرض ألفي سنة ومئتي سنة واثنتين وأربعين سنة، ومن يوم غرقت الأرض إلى أن ظهر إبراهيم ألف سنة وخمس عشرة سنة، ومن أيام إبراهيم إلى خروج بني إسرائيل من مصر أبع مئة سنة وثمانين سنة، ومن خروج بني إسرائيل إلى بنيان بنت المقدس سبع مئة سنة وستاً وأربعين سنة، ومن بنيان بيت المقدس إلى أن سباهم بخت ناصر أربع مئة سنة وعشرين سنة، ومن بخت ناصر إلى خروج عيسى بن مريم ست مئة سنة وثلاثين سنة وستة أشهر، ومن عيسى إلى أن بعث الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق ست مئة سنة وإحدى وعشرين سنة. وبسنده عن ابن شهاب: أن قريشاً كانت تعد قبل عدد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من زمن الفيل، كانوا يعدون بين الفيل وبين الفجار أربعين سنة، وكانوا يعدون بين الفجار وبين وفاة هشام بن المغيرة ست سنين، وكانوا يعدون بين وفاة هشام وبين بنيان الكعبة تسع سنين، وكانوا يعدون بين بنيان الكعبة وبين أن خرج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة خمس عشرة سنة، منها خمس سنين قبل أن ينزل عليه ثم كان العدد بعد.

وبه عن كعب قال: بدأ الله خلق السماوات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ثم جعل مع كل يوم ألف سنة. وبإسناده عن الزهري والشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحاً فأرخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض، فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين ولده أثلاثاً: فجعل لسام وسطاً من الأرض، وفيها بيت المقدس والنيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان وقيسون وذلك ما بين قيسون إلى شرقي النيل وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال، وجعل لحام قسمة غربي النيل فما وراءه إلى منخر ريح الدبور، وجعل قسم يافث في قيسون فما وراءه إلى منخر ريح الصبا. فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم. فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا: فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى، ومن مبعث عيسى إلى مبعث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل ثم أرخوا من بناء البيت حتى تفرقت معد، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا مخرجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون من خروج معد وفهر وجهينة من بني زيد من تهامة حتى مات كعب بن لؤي، فأرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل، فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة. وبسندنا عنه عن مشايخه عن عبد العزيز بن عمران قال: لم يزل للناس تأريخ، كانوا يؤرخون في الدهر الأول من هبوط آدم من الجنة لم يزل ذلك حتى بعث الله نوحاً فأرخوا من دعاء نوح على قومه، ثم أرخوا من الطوفان، ثم لم يزل كذلك حتى حرق إبراهيم فأرخوا من تحريق إبراهيم، وأرخت بنو

إسماعيل من بنيان الكعبة، ولم يزل كذلك حتى مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته فلم يزل كذلك حتى كان عام الفيل فأرخوا عمن عام الفيل. ثم أرخ المسلمون بعد من مهاجر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد كان للعرب أيضاً تأريخ. وقال أبو عبيدة: لم يزل لفارس تأريخ يعرفون أمورهم به، وتأريخ حسابهم منذ هلك يزدجرد بن شهريار. قال: ولبني إسرائيل تأريخ آخر بسني ذي القرنين.

ذكر اختلاف الصحابة في التاريخ وما نقل فيه من الاتفاق منهم

ذكر اختلاف الصحابة في التاريخ وما نقل فيه من الاتفاق منهم وبإسنادنا عنه عن مشايخه عن الزهري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرخ التأريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع الأول. قال أبو حفص: وقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة يوم الاثنين ارتفاع النهار لثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة. وعن ابن شهاب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالتأريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع. وقد روي ابتداء التأريخ، ولم يبين من أمر به. قال: والمحفوظ أن الآمر بالتأريخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وروي عن ابن عباس قال: كان التأريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. وفي رواية عن محمد بن سهل البخاري: وفيها ولد عبد الله بن الزبير. وبسنده عن عمرو بن دينار قال: كان التأريخ في عشر سنين من سني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي تلك السنة ولد ابن الزبير.

وبسنده عن سهل بن سعد قال: أخطأ الناس العدد، لم يعدوا من مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يعدوا من متوفاه، إنما عدوا من مقدمه المدينة. وكان تأريخ قريش في الجاهلية بمكة من متوفي هشام بن المغيرة. وبسنده عن ميمون بن مهران قال: وقع إلى عمر رضي الله عنه صك محله في شعبان فقال عمر: أي شعبان هذا؟ الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟ ثم جمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه فقال قائل: اكتبوا على تأريخ الروم، فقيل: إنه يطول، وإنهم يكتبون من عدد ذي القرنين، وقال قائل: اكتبوا على تأريخ الفرس، فقيل: إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فوجدوه أقام بها عشر سنين فكتب أو فكتب التأريخ على هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً من المسلمين قدم من أرض اليمن فقال لعمر: رأيت شيئاً يسمونه التأريخ، يكتبون من عام كذا وشهر كذا، فقال عمر: إن هذا لحسن فأرخوا، فلما أجمع على أن يؤرخ شاور، فاقل قوم: مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال قوم: بالمبعث، وقال قائل: حين خرج مهاجراً من مكة وقال قائل: الوفاة حين توفي. فقال: أرخوا خروجه من مكة إلى المدينة. ثم قال: بأي شهر نبدأ فنصيره أول السنة؟ فقالوا: رجب، فإن أهل الجاهلية كانوا يعظمونه، وقال آخرون: شهر رمضان، وقال بعضهم: ذو الحجة فيه الحج، وقال آخرون: الشهر الذي خرج من مكة، وقال آخرون: الشهر الذي قدم فيه. فقال عثمان: أرخوا المحرم أول السنة، وهو شهر حرام، وهو أول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس عن الحج، فصيروا أول السنة المحرم فكان أول ما أرخ في الإسلام من مهاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس: سنة إحدى وسنة اثنتين إلى يومنا هذا، وكان التأريخ في سنة سبع عشرة، ويقال في سنة ست عشرة في ربيع الأول.

وعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر، لسنتين ونصف من خلافته، فكتبه لست عشرة من المحرم، بمشورة من علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما. وعن محمد بن عمر قال: حج عمر في سنة ست عشرة وخلف على المدينة زيد بن ثابت، وفيها كتب التأريخ في شهر ربيع الأول، يعني أن في ربع الأول كتب التأريخ لا أنه جعل ابتداء التأريخ من ربيع الأول، وإنما جعل من المحرم.

ذكر تاريخ الهجرة

ذكر تاريخ الهجرة وبإسناده عن أبي حفص الفلاس: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة يوم الاثنين، ارتفاع النهار لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول. وعن يزيد بن أبي حبيب: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقام بمكة عشراً، وخرج منها في صفر، وقدم المدينة في شهر ربيع الأول. وقال ابن القواس: كان أول المحرم سنة الهجرة، يوم الخميس اليوم السابع عشر من أفروردين ماه سنة ثلاث وثلاثين لكسرى أبرواز، واليوم الثامن من أيار سنة ثلاث وثلاثين وتسع مئة لذي القرنين.

القول في اشتقاق تسمية الأيام والشهور

القول في اشتقاق تسمية الأيام والشهور وعن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق يوماً فسماه الأحد ثم خلق ثانياً فسماه الاثنين ثم خلق ثالثاً فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعاً فسماه الأربعاء ثم خلق خامساً فسماه الخميس. فخلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، ولذلك يقول الناس: يوم ثقيل، وخلق موضع القرى والأشجار يوم الأربعاء، وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس، وخلق الإنسان يوم الجمعة، وفرغ من الخلق يوم السبت. وعن أبي عمرو بن العلاء المقرئ: كانت العرب في الجاهلية يسمون الأحد أول، والاثنين أهون، والثلاثاء دبار، والأربعاء جبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار. قال: وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: إنما سمي المحرم لأن القتال حرم فيه، وصفر لأن العرب كانت تنزل فيه بلاداً يقال لها صفر، وشهرا ربيع كانوا يربعون فيهما، وجماديان كان يجمد الماء فيهما، ورجب كانوا يرجبون فيه النخل، وشعبان تشعبت فيه القبائل، ورمضان رمضت فيه الفصال من الحر، وشوال شالت الإبل بأذنابها للضراب، وذو القعدة قعدوا فيه عن القتال، وذو الحجة كانوا يحجون فيه. فأما أول السنة فالمحرم.

وبسنده عن ابن عباس في قوله: " والفجر وليال عشر " قال: هو المحرم فجر السنة. وبسنده عن عبيد بن عمير قال: المحرم شهر الله، وهو رأس السنة، فيه يكسى البيت، ويؤرخ التاريخ، ويضرب فيه الورق، وفيه يوم تاب فيه قوم فتاب الله عليهم.

السبب الذي حمل الأئمة على أن قيدوا المواليد وأرخوا التواريخ

السبب الذي حمل الأئمة على أن قيدوا المواليد وأرخوا التواريخ وبسندنا عنه عن مشايخه عن أبي عمر الخراساني قال: قال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ. أو كما قال أبو عمر. وبسنده عن حفص بن غياث قال: إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين، يعني احسبوا سنة وسن من كتب عنه. وقال حسان بن زيد: لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه. قال أبو حسان الراوي: فأخذت في التاريخ، فأنا أعمله من ستين سنة. قال الحسن بن الربيع: قدمت بغداد فلما خرجت شيعني أصحاب الحديث، فلما برزت إلى خارج، قال لي أصحاب الحديث: توقف فإن أحمد بن حنبل يجيء، فتوقفت، فجاء أحمد بن حنبل، فقعد فأخرج ألواحه فقال: يا أبا علي أمل علي وفاة عبد الله بن المبارك، في أي سنة مات؟ فقلت: سنة إحدى وثمانين، فقيل له: ما تريد بهذا؟ فقال: أريد الكذابين.

قال أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد التميمي الحافظ: ينبغي لطالب الحديث ومن عني به أن يبدأ بكتب حديث بلده، ومعرفة أهله، وبفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحه وسقيمه، ويعرف أهل الحديث به وأحوالهم معرفة تامة إذا كان في بلده علم وعلماء قديماً وحديثاً، ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه.

[دمشق والشام]

[دمشق والشام] ذكر أصل اشتقاق تسمية الشام وبإسنادنا عنه عن مشايخه عن هشام بن محمد عن أبيه قال: كان الذي عقد لهم يعني ولد نوح عليه السلام الألوية ببابل يوناطن بن نوح، فنزل بنو سام المجدل سرة الأرض، وهو فيما بين ساتيدما إلى البحر، وفيما بين اليمن إلى الشام، وجعل الله النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض فيهم، ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور ويقال لتلك الناحية الداروم، وجعل الله فيهم أدمة وبياضاً قليلاً وأعمر بلادهم وسماءهم ورفع عنهم الطاعون، وجعل في أرضهم الأثل والأراك والعشر والغاف والنخل، وجرت الشمس والقمر في سمائهم. ونزل بنو يافث الصفون مجرى الشمال والصبا، وفيهم الحمرة والشقرة، وأخلى الله أرضهم فاشتد بردها، وأجلا سماءها، فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجدي والفرقدين، وابتلوا بالطاعون، ثم لحقت عاد بالشحر، فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث، فلحقت بعدهم مهرة بالشحر، ولحقت عبيل بموضع يثرب، ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء ثم انحدر بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبيلاً فنزلوا موضع الجحفة، فأقبل سيل فاجتحفهم فذهب بهم فسميت الجحفة. ولحقت ثمود الحجر وما يليه فهلكوا ثم. ولحقت طسم وجديس باليمامة، وإنما سميت اليمامة بامرأة منهم، فهلكوا. ولحقت أميم بأرض أبار فهلكوا بها وهي يمين اليمامة والشحر ولا يصل إليها اليوم أحد، غلبت عليها الجن، وإنما سميت أبار بأبار بن أميم. ولحقت بنو يقطن بن عامر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها. ولحق قوم من بني كنعان بن حام بالشام فسميت الشام حين تشاءموا إليها، وكانت الشام يقال لها أرض بني كنعان، ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها، ونفوهم عنها، فكانت

الشام لبني إسرائيل، ووثبت الروم على بني إسرائيل، فقتلوهم وأجلوهم إلى العراق إلا قليلاً منهم. وجاءت العرب فغلبوا على الشام. وكان فالغ وهو فالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح هو الذي قسم الأرض بين بني نوح كما سمينا في الكتاب. قال: ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ. وطسم وأميم وعمليق وهو غريب بنو لوذ بن سام بن نوح. وثمود وجديس ابنا جاثر بن إرم بن سام بن نوح. وعاد وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح. والروم بنو لنطن بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام. قال أبو الجلد: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، منها ألف فرسخ للعرب، ولسائر الناس البقية. قال: والشام فيه وجهان: يجوز أن يكون مأخوذاً من اليد الشؤمى: وهي اليسرى، ويجوز أن يكون فعلى من الشؤم، وقد أشأم: أتى الشام. وقال أبو الحسين بن فارس: أما الشام فهو فعل من اليد الشؤمى: وهي اليسرى، يقال: أخذ شأمة أتى على يساره، وشأمت القوم ذهبت على شمالهم. وقال قوم: هو من شوم الإبل وهي سودها وحضارها هي البيض. ورجل شآم من أهل الشام. وقال ابن المقفع: سميت الشام بسام بن نوح، وسام اسمه بالسريانية شام وبالعبرانية شيم.

وقال الكلبي: سميت الشام بشامات لها حمر وسود وبيض، ولم ينزلها سام قط. وقيل: سميت الشام لأنها عن شمال الأرض كما أن اليمن أيمن الأرض. وقالوا: تشاءم للذين نزلوا الشام. وقال بعض الرواة: اسم الشام الأول سورية، وكانت أرض بني إسرائيل، قسمت على اثني عشر سهماً فصار لكل قسم تسعة أسباط ونصف في مدينة يقال لها شامرين وهي من أرض فلسطين، فصار إليها متجر العرب في ذلك الدهر، ومنها كانت ميرتهم فسموا الشام بشامرين ثم حذفوا فقالوا الشام.

ذكر تاريخ مدينة دمشق ومعرفة من بناها

ذكر تاريخ مدينة دمشق ومعرفة من بناها قال إسحاق بن أيوب القرشي: جيرون من بناء سليمان بن داود، بنته الشياطين، وكان الشيطان الذي بناه يدعى جيرون، وهي سقيفة مستطيلة على عمد، وسقائف على عمد وحوله مدينة تطيف بجيرون. وقال خصيف: لما هبط نوح من السفينة وأشرف من جبل حسمى رأى تل حران بين نهرين: جلاب وديصان فأتى حران فخطها، ثم أتى دمشق فخطها. فكانت حران أول مدينة خطت بعد الطوفان، ثم دمشق. وقيل: إن أصحاب الرس كانوا بحضور فبعث الله إليهم نبياً يقال له حنظلة بن صفوان فكذبوه وقتلوه، فسار عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح بولده من الرس فنزل الأحقاف، وأهلك الله أصحاب الرس. وانتشر ولد عاد في اليمن كله، وفشوا مع ذلك في الأرض، حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص دمشق وهي مدينتها، وسماها جيرون وهي إرم ذات العماد. وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الجلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح نبياً إلى عاد يعني إلى أولاد عاد بالأحقاف فكذبوه فأهلكهم الله.

وقيل: جيرون وتبريد كانا أخوين، وهما ابنا سعد بن لقمان بن عاد، وهما اللذان يعرف جيرون وباب البريد بدمشق بهما. وقال منصور بن يحيى بن سعيد الموصلي: المدن القديمة: الكعبة ومصر ودمشق والجزيرة والأبلة نينوى وحران والسوس الأقصى. وقال وهب بن منبه: دمشق بناها العازر غلام إبراهيم الخليل، وكان حبشياً وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار، وكان اسم الغلام دمشق، فسماها على اسمه، وذلك بعد الغرق، وكان إبراهيم جعله على كل شيء له، وسكنها الروم بعد ذلك بزمان. وحكي: أن بيوراسب الملك الكيوناني بنى مدينة بابل، ومدينة صور، ومدينة دمشق. وحكى الدمشقيون قالوا: كان في زمن معاوية بن أبي سفيان رجل صالح بدمشق وكان يقصده الخضر عليه السلام في أوقات يأيته فيها، فبلغ معاوية بن أبي سفيان ذلك فجاء إليه راجلاً فقال له: بلغني أن الخضر ينقطع إليك فأحب أن تجمع بيني وبينه عندك، فقال له: نعم، فجاءه الخضر عليه السلام، فسأله الرجل ذلك فأبى عليه وقال: ليس إلى ذلك سبيل. فعرف الرجل ذلك لمعاوية فقال: قل له: قد قعدنا مع من هو خير منك وحدثناه وخاطبناه وهو محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن سله عن ابتداء بناء دمشق، كيف كان؟ فقال: نعم، صرت

إليها فرأيت موضعها بحراً مستجمعاً فيه المياه، ثم غبت عنها خمس مئة سنة، ثم صرت إليها فرأيتها غيضة، ثم غبت عنها خمس مئة سنة، ثم صرت إليها فرأيتها بحراً كعادتها الأولى، ثم غبت عنها خمس مئة عام، وصرت إليها فرأيتها قد ابتدئ فيها بالبناء، ونفر يسير فيها. وقال أبو البختري: ولد إبراهيم على رأس ثلاثة آلاف ومئة وخمسين سنة من جملة الدهر الذي هو سبعة آلاف سنة. قال: وذلك بعد بنيان دمشق بخمس سنين. وقيل: إن دمشق بناها دمسقس غلام الإسكندر. قالوا: لما رجع ذو القرنين من المشرق وعمل السد بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج وسار يريد المغرب، فلما أن بلغ الشام وصعد على عقبة دمر أبصر هذا الموضع الذي فيه اليوم مدينة دمشق وكان هذا الوادي الذي يجري فيه نهر دمشق غيضة أرز. والأرزة التي وقعت في سنة ثلاث مئة وثلاث عشرة من بقايا تلك الغيضة. فلما نظر ذو القرنين إلى تلك الغيضة وكان هذا الماء الذي في هذه الأنهار اليوم مفترق مجتمعاً في واد واحد. فأخذ الإسكندر، ذو القرنين، يتفكر كيف يبني فيه مدينة، وكان أكثر فكره وتعجبه أنه نظر إلى جبل يدور بذلك الموضع وبالغيضة كلها، وكان له غلام يقال له دمسقس على جميع ملكه. ولما نزل ذو القرنين من عقبة دمر سار حتى نزل في موضع القرية المعروفة بيلدا من دمشق على ثلاثة أميال، فلما نزل ذو القرنين أمر أن يحفر له في ذلك الموضع خفيرة، فلما فعلوا ذلك أمر أن يرد التراب الذي أخرج منها إليها، فلما رد التراب إليها لم تمتلئ الحفيرة: فقال لغلامه دمسقس: ارحل فإني كنت نويت أن أؤسس في هذا الموضع مدينة، فأما إذ بان لي منه هذا فما يصلح أن يكون هاهنا مدينة. فقال له: لم؟ قال: إن بني هاهنا مدينة فإنها ما يكون يكفي أهلها زرعها. قال: وعلامة ذلك أن أهل غوطة دمشق لا تكفيهم غلاتهم حتى يشتروا لهم من المدينة ورحل ذو القرنين حتى صار إلى البثنية وحوران، وأشرف على تلك السعة، ونظر إلى تلك التربة الحمراء، فأمر أن يناول من ذلك التراب، فلما صار في يده أعجبه، فأمر أن

ينزل هناك، وأمر أن يحفر في ذلك الموضع حفيرة، فلما حفروا أومر أن يرد ذلك التراب الذي حفروا إلى المكان الذي أخرج منه، فردوه ففضل منه تراب كثير، فقال ذو القرنين لغلامه دمسقس: ارجع إلى الموضع الذي فيه الأرز إلى ذلك الوادي فاقطع ذلك الشجر وابن على حافة الوادي مدينة وسمها على اسمك، فهناك يصلح أن يكون مدينة، وهذا الموضع بحرها ومنه ميرتها يعني البثنية وحوران فرجع دمسقس ورسم المدينة وبناها وعمل لها حصناً، والمدينة التي كانت رسم دمسقس هي المدينة الداخلة، وعمل لها ثلاثة أبواب جيرون، مع ثلاثة أبواب البريد، مع باب الحديد الذي في سوق الأساكفة، مع باب الفراديس الداخلة. هذه كانت المدينة، إذا أغلقت هذه الأبواب فقد أغلقت المدينة، وخارج هذه الأبواب كان مرعى فبناها دمسقس وسكنها، ومات فيها. وكان قد بنى هذا الموضع الذي هو المسجد الجامع اليوم، كنيسة يعبد الله فيها إلى أن مات. وقيل: إن الذي بنى دمشق بناها على الكواكب السبعة، وأن المشتري بيته دمشق، وجعل لها سبعة أبواب، وصور على كل باب أحد الكواكب السبعة، وصور على باب كيسان زحل، فخربت الصور كلها التي كانت على الأبواب إلا باب كيسان، فإن صورة زحل عليه باقية إلى الساعة. وقيل: باب كيسان لزحل، باب شرقي للشمس، باب توما للزهرة، باب الصغير للمشتري، باب الجابية للمريخ، باب الفراديس لعطارد، باب الفراديس الآخر المسدود للقمر. ولما قدم عبد الله بن علي دمشق وحاصر أهلها، فلما دخلها هدم سورها، فوقع منها حجر، عليه مكتوب باليونانية، فأرسلوا خلف راهب، فقالوا له: تقرأ ما عليه؟ فقال: جيئوني بقير فطبعه على الحجر فإذا عليه مكتوب: " ويك إرم الجبابرة من رامك بسوء قصمه الله، إذا وهي منك جيرون الغربي من باب

البريد، ويلك من الخمسة أعين، نقض سورك على يديه، بعد أربعة آلاف سنة تعيش رغداً، فإذا وهي منك جيرون الشرقي أديل لك ممن تعرض لك ". قال: فوجدنا الخمسة أعين: عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. ويقال: إن ملك دمشق بنى حصن دمشق الذي حول المسجد داخل المدينة على مسحة مسجد بيت المقدس، وحمل أبواب مسجد بيت المقدس فوضعها على أبوابه، فهذه الأبواب التي على الحصن هي أبواب مسجد بيت المقدس.

اشتقاق تسمية دمشق

اشتقاق تسمية دمشق وأما اشتقاق تسمية دمشق فقيل: دمشق فعل، من قول العرب: ناقة دمشق اللحم، إذا كانت خفيفة. ويقال: إن سيف الدولة سأل عن دمشق: هل يقال فيها دمشقة أم لا؟ فأجيب إنها لا يقال إلا بغير هاء، فأعاد الجواب: إن عبد الرحمن بن حنبل الجمحي قال وهو بعسكر يزيد بن أبي سفيان عند حصارهم دمشق: الطويل أبلغ أبا سفيان عنا بأننا ... على خير حال كان جيش يكونها وأنا على بابي دمشقة نرتمي ... وقد حان من بابي دمشقة حينها وقيل: إن رجلاً من حكماء الروم قال: إنما سميت دمشق بالرومية وإن أصل اسمها دوومسكس أي مسك مضاعف لطيبها لأن دوو للتضعيف ومسكس هو المسك، ثم عربت، فقيل: دمشق. ويقال: إنه ولد لإسماعيل بن إبراهيم اثنا عشر رجلاً، فسماهم، قالا: ودما، وهو ديما، وبه سميت دومة الجندل. وولد للوط أربعة بنين وابنتان، فأما البنون فاسمهم: مآب وعمان وجلان، وملكان، والبنات زغر والرية، فعمان مدينة البلقاء سميت بعمان بن لوط، ومآب البلقاء سميت بمآب بن لوط، وعين زغر سميت بزغر بنت لوط، والرية سميت بالرية بنت لوط.

ويقال: سميت صيدا التي بالشام بصيدون بن صدقا بن كنعان بن حام بن نوح، وهو أول من ولده إرم، وسميت أريحا التي بالشام بأريحا بن مالك بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وسميت البلقاء ببالق بن عمان بن لوط لأنه بناها وسكنها. ويقال: البلقاء من عمل دمشق سميت ببلقاء بن شويرة من بني عمان بن لوط، وهو بناها. ويقال: ولد للوط أربعة، رجلان مآب وعمان، وامرأتان: زغر والرية. فعمان مدينة البلقاء سميت بعمان بن لوط، ومآب من مدائن البلقاء سميت بمآب بن لوط، وزغر سميت بزغر ابنة لوط، والرية برية بنت لوط. ويقال: إن الكسوة إنما سميت بذلك لأن غسان قتلت بها رسل ملك الروم إليه لأخذ الجزية منهم واقتسمت كسوتهم. وأما مؤتة مهموزة والهمزة ساكنة فهي الأرض التي قتل فيها جعفر بن أبي طالب. وجيرون: من قولك: جرن الشيء إذا أملاس، والجارن: الأملس من كل شيء. وجلق من قولك: جلق رأسه إذا حلقه. والجابية: من الجابية وهي الحوض، والجمع جواب. وأذرح من قولك: هو ذريحي، أي شديد الحمرة. والبلقاء: من البلق. وتدمر من قولك: دمر أي دخل. وبيروت: فيعول من البرت وهو الرجل الدليل. وجبلة: من الجبل، وكل شيء اجتمع وعظم فهو جبل. وصور: جمع من جمع صورة، ويقال: هو من صاره يصوره أي أماله. وعكا من قولك: عككته: أي حبسته، والعكة: شدة الحر.

حث النبي أمته على سكنى الشام وإخباره بتكفل الله عز وجل لمن سكنه من أهل

حث النبي أمته على سكنى الشام وإخباره بتكفل الله عز وجل لمن سكنه من أهل الإسلام وبإسنادنا عن المصنف عن مشايخه عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستجندون أجناداً، جنداً في الشام، وجنداً في العراق، وجنداً باليمن "، قال: قلت: يا رسول الله: خر لي. قال: " عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ". قال سعيد بن عبيد العزيز: وكان ابن حوالة رجلاً من الأزد، وكان مسكنه الأردن، وكان إذا حدث بهذا الحديث، قال: وما تكفل الله به فلا ضيعة عليه. وفي رواية عبد الله بن الأسقع قال: عليك بالشام فإنها صفوة الله من بلاده، يسوق إليها صفوته من عباده. وفي حديث آخر عن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: يا رسول الله، خر لي بلداً أكون فيه، فلو علمت أنك تبقى لم أختر على قربك، قال: " عليك بالشام، ثلاثاً ". فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كراهيته إياها قال: " هل تدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله يقول: يا شام يدي عليك، يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرة من عبادي، أنت سوط نقمتي وسوط عذابي، أنت الأندر، وإليك المحشر، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام، بينا أنا نائم إذا رأيت الكتاب

اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله قد تخلى من أهل الأرض، فأتبعته بصري، فإذا هو بين يدي حتى وضع بالشام. فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غدره، فإن الله قد توكل لي بالشام وأهله ". وعن عبد الله بن حوالة قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابشروا، فوا لله لأنا من كثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير حتى تكونوا أجناداً ثلاثة: جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق، وحتى يعطى الرجل المئة فيتسخطها ". قال ابن حوالة: قلت: يا رسول الله، ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون؟ قال: " والله ليفتحنها الله عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تظل العصابة البيض منهم قمصهم، المحلقة أقفاؤهم، قياماً على الرويجل الأسود منكم المحلوق، وما أمرهم من شيء فعلوه، وإن بها اليوم رجالاً لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل ". قال ابن حوالة: فقلت: يا رسول الله، اختر لي إن أدركني ذلك. قال: " إني أختار لك الشام، فإنه صفوة الله من بلاده، وإليه يجتبى صفوته من عباده. يا أهل اليمن، عليكم بالشام فإن صفوة الله من أرضه الشام، ألا فمن أباه فليسق من غدر اليمن فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ". قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول: فعرف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، كان إذا راحوا إلى مسجد نظروا إليه وإليهم قياماً حوله فعجبوا لنعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفيهم.

قال أبو علقمة: أقسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث ثلاث مرات، لا نعلم أنه أقسم في حديث مثله. وعن العرباض بن سارية السلمي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قام يوماً في الناس فوعظهم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقال: أيها الناس، يوشك أن تكونوا أجناداً مجندة، جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، فقام عبد الله بن حوالة فقال: يا رسول الله، إن أدركني ذلك فاختر لي، قال " إني أختار لك الشام فإنه عقر دار المسلمين وصفوة الله من بلاده، يجتبي إليها صفوته من خلقه، وأما أنتم فعليكم بينكم اسقوا من غدركم، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ". وعن عبد الله بن حوالة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فقال: " يا بن حوالة، كيف أنت إذا أدركتك فتنة تفور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر "؟! قلت: ما تأمرني يا رسول الله؟ قال: عليك بالشام. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ستخرج نار من حضرموت، أو من بحر حضرموت، نار قبل يوم القيامة تحشر الناس ". قال: قلنا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: " عليكم بالشام ". وفي رواية: ستخرج نار من حضرموت تسوق الناس إلى المحشر تقيل إذا قالوا، وتسير إذا ساروا. وعن كعب قال: توشك نار تخرج من اليمن تسوق الناس إلى الشام، تغدو معهم إذا غدوا وتروح معهم إذا راحوا، فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام.

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي ذر: " إذا رأيت البناء قد بلغ سلعاً فعليك بالشام ". قال: فإن حيل بيني وبين ذاك أفأضرب بسيفي من حال بيني وبين ذلك؟ قال: " لا، ولكن اسمع وأطع ولو لعبد حبشي مجدع ". وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمي، ما تأمرني؟ خر لي، قال: " هاهنا، ونحا بيده نحو الشام، إنكم محشورون رجالاً وركباناً تجرون على وجوهكم ". وعن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحشرون هاهنا وأومأ بيده إلى الشام مشاة وركباناً وعلى وجوهكم، تعرضون على الله، على أفواهكم الفدام، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه ". وعن معاوية بن حيدة القشيري أنه قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: والذي بعثك بالحق ما خلصت إليك حتى حلفت لقومي عددها يعني أنامل كفيه تالله لا أتبعك ولا أومن بك ولا أصدقك، وإني أسألك بالله: بم بعثك ربك؟ قال: بالإسلام. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم وجهك لله، وتخلي له نفسك. قال: فماحق أزواجنا علينا؟ قال: أطعم إذا طعمت، واكس إذا أكسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت، وكيف " وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً " ثم أشار قبل الشام فقال: هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون ركباناً ورجالاً، وعلى وجوهكم وأفواهكم الفدام، وأول شيء يعرب عن أحدكم فخذه.

وعن عبد الله بن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أريد الغزو في سبيل الله، فقال: " عليك بالشام، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله. الزم من الشام عسقلان، فإنها إذا دارت الرحا في أمتي كان أهلها في راحة وعافية ". وعن أبي أمامة قال: لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بالشام. وعن إياس بن معاوية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قد تكفل لي بالشام وأهلها، وإن إبليس أتى العراق فباض فيها وفرخ، وأتى مصر فبسط عبقريه واتكأ، وقال: جبل الشام جبل الأنبياء ". قال: وهذا الحديث مرسل ومنقطع بين رواته. وعن أبي الضحاك قال: أتيت ابن عمر فسألته أين أنزل فقال: إن الناصية الأولى من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساروا بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزلوا الشام، ثم نزلوا حمص خاصة، فانظر ما كانوا عليه فأته. وعن عطاء الخراساني قال: لما هممت بالنقلة من خراسان شاورت من بها من أهل العلم أين يرون أن أنزل بعيالي، كلها يقول لي عليك بالشام، ث أتيت البصرة فشاورت من بها: أين يرون لي أن أنزل بعيالي؟ كلهم يقول: عليك بالشام. ثم أتيت الكوفة فشاورت من بها من أهل العلم أين يرون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقول لي: عليك بالشام. ثم أتيت مكة فشاورت من بها من أهل العلم أين يرون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقول لي: عليك بالشام. ثم أتيت

المدينة فسألت من بها من أهل العلم: أين يرون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقول: عليك بالشام. وعن عبد الرحمن بن سابط الجمحي قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: إن لي رحماً وقرابة وإن منزلي قد نبا بي بالعراق والحجاز فخر لي فقال: أرضى لك ما أرضى لنفسي ولولدي. عليك بدمشق ثم عليك بمدينة الأسباط بانياس، فإنها مباركة السهل والجبل، نقل الله عنها أهلها حين بدلوا تطهيراً لها.

بيان أن الإيمان يكون بالشام عند وقوع الفتن والملاحم

بيان أن الإيمان يكون بالشام عند وقوع الفتن والملاحم عن عبد الله بن عمرو قال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أريت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فذهب به إلى الشام، فأولته الملك. وزاد في حديث آخر: ألا وإن الإيمان، إذا وقعت الفتن، بالشام. وعن مدرك بن عبد الله الأزدي قال: غزونا مع معاوية مصر فنزلنا بلبيس فقال عبد الله بن عمرو لمعاوية: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي أن أقوم على فرسي في الناس؟ فأذن، فقام على فرسه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رأيت في منامي أن عمود الكتاب حمل من تحت وسادي، فأتبعته بصري فإذا هو كالعمود من النور، فعمد به إلى الشام. ألا وإن الإيمان، إذا وقعت الفتن، بالشام " ثلاث مرات. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: هب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومه مذعوراً وهو يرجع فقلت: مالك بأبي أنت وأمي؟ فقال: سل عمود الإسلام من تحت رأسي فأوحشني، ثم رميت ببصري فإذا هو قد غرز في الشام. فقيل لي: يا محمد، إن الله قد اختار لك الشام ولعباده، فجعلها لكم عزاً ومحشراً ومنعة

وذكراً. من أراد الله به خيراً أسكنه الشام، وأعطاه نصيباً منها. ومن أراد به شراً أخرج سهماً من كنانته، وهي معلقة في وسط الشام وزاد في رواية: فرماه بها فلم يسلم في دنيا ولا آخرة. وعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، فقلت: ما تحملون؟ فقالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام. وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تخلى من أهل الأرض فأتبعته بصري، وإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام ". فقال ابن حوالة: يا رسول الله، خر لي، فقال: عليك بالشام. وعن عبد الله بن حوالة قال: فخرتم يا أهل الشام أن قذف الله بالفتن عن أيمانكم وعن شمائلكم، والذي نفس أبي حوالة بيده ليقذفنكم الله بفتنة يخرج منها زيافكم. وعن ابن شوذب قال: تذاكرنا الشام. قال: فقلت لأبي سهل: أما بلغك أنه يكون بها كذا؟ قال: بلى، ولكن ما كان بها فهو أيسر مما يكون بغيرها. وقال كعب: لن تزال الفتنة مراماً بها ما لم تبد من قبل الشام.

ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشام عند وقوع الفتن عقر دار

ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الشام عند وقوع الفتن عقر دار المؤمنين عن سلمة بن نفيل الكندي، وكان قومه بعثوه وافداً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينا أنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمس ركبتي ركبته، مستقبل الشام بوجهه، مولياً إلى اليمن ظهره وفي حديث: مولياً ظهره إلى اليمن إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وزعموا أن الحرب قد وضعت أوزارها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبوا بل الآن جاء القتال. لا يزال قوم من أمتي يقاتلون على أمر الله عز وجل، يزيغ الله قلوب أقوام، وينصرهم عليهم، حتى تقوم الساعة، أو حتى يأتي أمر الله. الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وهو يوحي إلي أنني مقبوض غير ملبث، وأنكم متبعي أفناداً، وعقر دار المؤمنين بالشام ". وعن كلثوم بن زياد أنه سمع سليمان بن حبيب يخبر أن أبا الدرداء كان ممن تقدم إلى حمص، فبلغ عمر أنه أحدث بها بناء، فكتب برده إلى دمشق، فرده فكان بها. فلما قتل عمر أتاه جلساؤه من أهل حمص يسألونه الرجعة إلى حمص، فتأبى عليهم فاستشفعوا عله بمعاوية، فقال أبو الدرداء: يا معاوية، أتأمرني بالخروج من عقر دار الإسلام؟! عقر الشيء: أصله.

ما جاء في أن الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي خيرته من عباده

ما جاء في أن الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي خيرته من عباده عن أبي أمامة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، وليدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب. وعن أبي أمامة أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الشام صفوة الله من بلاده، يجتبي إليها صفوته من عباده. فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطة، ومن دخلها من غيرها فبرحمة ". وعن أنس بن مالك قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، أين الناس يوم القيامة؟ فقال: " في خير أرض الله وأحبها إليه: الشام، وهي أرض فلسطين والإسكندرية من خير الأرضين المقتولون فيها لا يبعثهم إلى غيرها، فيها قتلوا ومنها يبعثون، ومنها يحشرون، ومنها يدخلون الجنة. وعن علقمة قال: قدم كعب على عمر المدينة فقال له عمر: يا كعب، ما يمنعك من النزول بالمدينة فإنها مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبها مدفنه. قال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت في كتاب الله المنزل في التوراة أن الشام كنز الله في أرضه، وبها كنز الله من عباده. وأراد عمر العراق، فقال له كعب: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من العراق، فإنها أرض مكر وأرض السحر، وبها تسعة أعشار الشر، وبها كل داء عضال، وبها كل شيطان مارد.

وعن كعب قال: أحب يعني البلاد إلى الله تعالى الشام، وأحب الشام إلى الله القدس، وأحب القدس إلى الله جبل نابلس. ليأتين على الناس زمان يتماسحونه بالحبال بينهم. وعن كعب أنه كان يقول: يا أهل الشام، إن الناس يريدون أن يضعوكم، والله يرفعكم. وإن الله يتعاهدكم كما يتعاهد الرجل نبله في كنانته، لأنها أحب أرضه إليه، يسكنها أحب خلقه إليه، من دخلها مرحوم، ومن خرج منها فهو مغبون. وعن كعب أنه قال: مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله جل وعز من أرضه، بها كنز الله عز وجل من عباده. يعني بها قبور الأنبياء: إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وعن وهب بن منبه قال: إني لأجد ترداد الشام في الكتب حتى كأنه ليس لله حاجة إلا بالشام. وعن ثابت بن معبد قال: قال الله: يا شام، أنت خيرتي من بلادي، أسكنك خيرتي من عبادي.

اختصاص الشام ببسط ملائكة الرحمة أجنحتها عليها

اختصاص الشام ببسط ملائكة الرحمة أجنحتها عليها عن زيد بن ثابت قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نؤلف القرآن في الرقاع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طوبى للشام. فقلنا: لأي ذلك؟ قال: إن ملائكة الرحمن وفي رواية: ملائكة الرحمة باسطة أجنحتها عليها ". وفي حديث آخر عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن عنده: طوبى للشام. فقلنا: ما باله يا رسول الله؟ قال: إن الرحمن لباسط رحمته عليه. وعن واثلة بن الأسقع قال: إن الملائكة تغشى مدينتكم هذه، يعني دمشق، ليلة الجمعة، فإذا كان بكرة افترقوا على أبواب دمشق براياتهم وبنودهم فيكونون سبعين رجلاً، ثم ارتفعوا. ويدعون الله لهم: اللهم اشف مريضهم، ورد غائبهم.

دعاء النبي للشام بالبركة

دعاء النبي للشام بالبركة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا وفي مدنا، وفي يمننا وفي شامنا "، فقال رجل: يا رسول الله: وفي عراقنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي صاعنا وفي مدنا، وفي يمننا وفي شامنا "، فقال رجل: يا رسول الله: وفي عراقنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بها الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان " وفي رواية: قرنا الشيطان. وعن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر ثم انفتل، فأقبل على القوم فقال: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا "، فقال رجل: والعراق يا رسول الله؟ فسكت، ثم أعاد فقال: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنافي مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا. " قال: قال رجل: والعراق يا رسول الله؟! قال: فسكت ثم أعاد فقال: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا. اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا ". قال: قال رجل: والعراق يا رسول الله! قال؟! " من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن ". وعن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا "، قال: قالوا: وفي نجدنا؟ قال: " هنالك الزلازل والفتن وبها يخرج قرن الشيطان ".

وعن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم بارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا "، فقال رجل: يا رسول الله، العراق ومصر؟! فقال: " هناك ينبت قرن الشيطان، وثم الزلازل والفتن ". وعن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا "، فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله؟! قال: " من هناك يطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر ". وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا ومدنا، ويمننا وشامنا، ثم استقبل مطلع الشمس فقال: من هاهنا يطلع قرن الشيطان، من هاهنا الزلازل والفتن " في رواية: والفدادون. وعن معاذ بن جبل قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وفي شامنا وفي يمننا وفي حجازنا ". قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، وفي عراقنا؟! فأمسك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، فلما كان في اليوم الثاني قال مثل ذلك. فقام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، وفي عراقنا؟! فأمسك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، فلما كان في اليوم الثالث قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، وفي عراقنا؟! فأمسك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه فولى الرجل وهو يبكي، فدعاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أمن العراق أنت؟ قال: نعم، قال: إن أبي إبراهيم عليه السلام هم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه: لا تفعل، فإني جعلت خزائن علمي فيهم، وأسكنت الرحمة قلوبهم ". وعن ابن عباس قال: دعا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وبارك لنا في مكتنا

ومدينتنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا "، فقال رجل من القوم: يا نبي الله، وعراقنا؟! فقال: " إن هنا يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق ". وعن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا "، فقال له رجل: يا رسول الله، فالعراق؟! فإن فيها ميراتنا وفيها حاجاتنا. قال: فسكت، ثم أعاد عليه فسكت، فقال: " بها يطلع قرنا الشيطان، وهناك الزلازل والفتن ".

بيان أن الشام أرض مباركة

بيان أن الشام أرض مباركة عن زهير بن محمد قال: حدثت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات، وخص فلسطين بالتقديس " يعني التطهير. وعن أبي بن كعب: " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها " قال: الشام. وما من ماء عذب إلا يخرج من تلك الصخرة التي ببيت المقدس. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل " وجعلنا بينهم " يعني بين مساكنهم " وبين القرى التي باركنا فيها " يعني: الأرض المقدسة " قرى " فيما بين منازلهم والأرض المقدسة " ظاهرة " يعني: عامرة مخصبة " وقدرنا فيها السير " يعني: فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام " سيروا فيها " يعني: إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من المقدسة. وقال معاوية بن أبي سفيان: إن ربك قال لإبراهيم: اعمر من العريش إلى الفرات الأرض المباركة. وكان أول من اختتن وقرى الضيف. واختتن وهو ابن ثمانين سنة. وعن سفيان في قول الله عز وجل " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض

ومغاربها " قال: الشام. وفي رواية عن الحسن قال: مشارق الشام ومغاربها. وعن قتادة في قوله تعالى " مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها " قال: التي بارك الله فيها: الشام. وعنه في قوله تعالى: " ولقد بوأ بني إسرائيل مبوأ صدق " قال: بوأهم الله تبارك وتعالى الشام وبيت المقدس. وعن كعب الأحبار قال: إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش. وعن كعب قال: جاء إليه رجل فقال: إني أريد الخروج أبتغي فضل الله. قال: عليك بالشام، فإنه ما نقص من بركة الأرضين يراد بالشام. وعن أبي عبد الملك الجزري قال: إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط كان الشام في رخاء وعافية، وإذا كان الشام في بلاء وقحط كانت فلسطين في رخاء وعافية، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كانت بيت المقدس في رخاء وعافية. وقال: الشام مباركة، وفلسطين مقدسة، وبيت المقدس قدس القدس. وروي أن ذا القرنين لما أتى العراق استنكر قلبه، فبعث إلى تراب الشام فأتى به فجلس عليه فرجع إليه ما كان يعرف من نفسه.

ما جاء في أن الشام الأرض المقدسة المذكورة في القرآن

ما جاء في أن الشام الأرض المقدسة المذكورة في القرآن عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن عمه قال: لقيت أبا ذر بالربذة فقال: كنت نائماً في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمر بي فضربني برجله ثم قال: لا أراك نائماً فيه، فقلت: بأبي وأمي، غلبتني عيني فنمت، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منه؟ قال: ألحق بالأرض المقدسة أرض الشام. قال: فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قال: قلت: أرجع إليه. قال: فكيف تصنع إذا أخرجت منه؟ قال: قلت: أخذ سيفي ثم أضرب به. قال: أوتصنع خيراً من ذلك وأقرب رشداً؟ قال: تسمع لهم وتطيع وتنساق حيثما ساقوك. قال: فوا لله لألقين الله وأنا مطيع لعثمان رضي الله عنه. وعن أبي ذر قال: جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتلو علي هذه الآية " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً " حتى فرغ من الآية. ثم قال: يا أبا ذر، لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم. قال: فجعل يتلوها ويرددها علي حتى نعست. ثم قال: يا أبا ذر، كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ قال: قلت: إلى السعة والدعة أنطلق حتى أكون حمامة من حمام مكة. قال: فكيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال: قلت: إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة. قال: فكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟ قال: قلت: إذن والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي. قال: أو خير من ذلك؟ قال: تسمع وتطيع وإن كان عبداً حبشياً. وعن عروة قال: كان في كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد: أن اعجل إلى إخوانكم

بالشام، فوا لله لقرية من قرى الأرض المقدسة يفتحها الله علينا أحب إلي من رستاق من رساتيق العراق. وعن قيس بن سكن قال: سمعت علياً ونحن بمسكن يقول: يا معشر المسلمين المهاجرين " ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين " قال: فتلكؤوا. قال: فلما رأى ذلك، قال: أف لكم، إنها سنة جرت عليكم. وعن أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر قال: قوله " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ". قال قتادة: هي الشام كلها. وقال عكرمة والسدي: هي أريحا. وقال الكلبي: دمشق وفلسطين. ومعنى المقدسة: المطهرة، وتلك الأرض طهرت من الشرك، وجعلت مسكناً وقراراً للأنبياء. وعن ثور بن يزيد قال: قدس الأرض الشام، وقدس الشام فلسطين، وقدس فلسطين بيت المقدس، وقدس بيت المقدس الجبل، وقدس الجبل المسجد، وقدس المسجد القبة. وعن وهب أنه كان يقول: إن الله كتب للشام: إني قدستك وباركتك، جعلت فيك مقامي وأنت صفوتي من بلادي، وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي، فاتسعي لهم برزقك ومساكنك كما يتسع الرحم إن وضع فيه اثنان وسعة، وإن ثلاثة مثل ذلك، وعيني عليك بالظل والمطر، من أول السنين إلى آخر الدهر، فلن أنساك حتى أنسى يميني، وحتى تنسي ذات الرحم ما في رحمها. وعن الوليد بن صالح قال: في الكتاب الأول: إن الله عز وجل يقول: يا شام، أنت الأندر، ومنك المنشر، وإليك المحشر. فيك ناري ونوري، ومن دخلك رغبة فيك فبرحمتي، ومن خرج رغبة عنك فبسخطي، تتسع لأهلها كما تتسع الرحم للولد.

إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن بالشام تسعة أعشار الخير

إعلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته أن بالشام تسعة أعشار الخير عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير عشرة أعشار: تسعة بالشام، وواحد في سائر البلدان، والشر عشرة أعشار: واحد بالشام، وتسعة في سائر البلدان. وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ". وعن عبد الله بن مسعود قال: إنكم بحيث تبلبلت الألسن بين بابل والحيرة. وإن تسعة أعشار الخير بالشام، وعشر بغيرها، وإن تسعة أعشار الشر بغيرها، وعشر بها، وفي زيادة: وسيأتي عليكم زمان يكون أحب مال الرجل فيه أحمرة ينتقل عليها إلى الشام. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان سنة خمس وثلاثين ومئة خرج مردة الشياطين، كان حبسهم سليمان بن داود في جزائر البحور، فذهب منهم تسعة أعشار إلى العراق يجادلونهم، وعشر بالشام، وفي بعض الروايات: يجادلونهم بالقرآن. وعن كعب قال: الخير عشرة أجزاء: فتسعة أجزاء الخير في الشام، وجزء في سائر الأرضين. وعن أبي إدريس قال: قدم علينا عمر بن الخطاب الشام فقال: إني أريد آتي العراق، فقال له كعب الأحبار: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك. قال: وما تكره من ذلك؟ قال: بها تسعة أعشار الشر وكل داء عضال، وعصاة الجن، وهاروت وماروت وبها باض إبليس وفرخ.

ما جاء في أن الشام مهاجر إبراهيم الخليل وأنه من المواضع المختارة لإنزال التنزيل

ما جاء في أن الشام مهاجر إبراهيم الخليل وأنه من المواضع المختارة لإنزال التنزيل عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف فجئته، إذ جاء رجل فانتبذ الناس، عليه خميصة، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص. فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف. قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. كلما خرج منهم قرن قطع. كلما خرج منهم قرن قطع. حتى عددها زيادة على عشر مرات، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم. وعن شهر بن حوشب أيضاً قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: لقد رأيتنا، وما صاحب الدينار والدرهم بأحق من أخيه المسلم، ثم لقد رأيتنا بأخرة نهان، وللدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم. ولقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لئن اتبعتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، وتركتم الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، ليلزمنكم الله عز وجل مذلة في أعناقكم، لا تنزع منكم حتى ترجعوا إلى ما كنتم عليه، وتتوبوا إلى الله عز وجل.

وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يبقى في الأرضين إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم روح الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تقيل حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منها فلها. ولقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام. فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم، ثم إذا خرجوا فاقتلوهم. فطوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه. كلما طلع منهم قرن قطعه الله تبارك وتعالى. فردد ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين مرة أو أكثر، وأنا أسمع. وفي حديث آخر: حتى يخرج في أخراهم الدجال. وعن قتادة في قوله تعالى: " إني مهاجر إلى ربي " قال: إلى الشام كان مهاجرة. وعن كعب الأحبار قال: يوشك بالرعد والبرق أن يهاجر إلى الشام، حتى لا تكون رعدة ولا برقة إلا ما بين العريش والفرات. وعن الأوزاعي قال: يهاجر الرعد والبرق إلى مهاجر إبراهيم، حتى لا تبقى قطرة إلا فيما بين العريش والفرات. وعن شريح بن سراج الحنفي عن عباد بن منصور قال: كنا عنده فنشأت سحابة برعد وبرق وظلمة فقال: حدثنا أبو قلابة أن الرعد والبرق سيهاجر من أرض العراق إلى أرض الشام، حتى لا يبقى بها رعد ولا برق.

وعن ضمرة بن ربيعة قال: سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام. فإن لم يكن منها أسري به إليها. وعن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنزلت علي النبوة في ثلاثة أمكنة: بمكة وبالمدينة وبالشام ". وفي رواية أخرى قال: " أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة: مكة والمدينة والشام ". قال الوليد: يعني بيت المقدس.

اختصاص الشام بالإضاءة عند مولد النبي صلى الله عليه وسلم

اختصاص الشام بالإضاءة عند مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله ما كان بدء أمركم؟ قال: " دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى عليه السلام، ورأت أمي كأنما خرج منها شيء أضاءت له قصور الشام ". وعن عرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين ". قال في رواية: وإن أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام. وعن عتبة بن عبد أنه حدثهم أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف كان أول شأنك يا نبي الله؟ فقال: " كانت حاضنتي من بني بكر بن سعد، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زاداً، فقلت لأخي: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا فذهب أخي، ومكثت أنا عند البهم، فأقبل إلي طيران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ فقال الآخر: نعم. قال فأقبلا يبتدراني، فأخذاني فبطحاني للقفا. فشقا بطني فاستخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج، فغسلا به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي. ثم قال: ائتني بالسكينة، فذرها في قلبي ثم أطبقه. قال:

الشام أرض المحشر والمنشر

أحدهما لصاحبه: حصه فحاصه، وختم عليه بخاتم النبوة. فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة، واجعل ألفاً من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي، أشفق أن يخر علي بعضهم. فقال أحدهما لصاحبه: لو أن أمته وزنت به لمال بهم. ثم انطلقا وتركاني، وفرقت فرقاً شديداً، ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد التبس بي، فقالت: أعيذك بالله، فرحلت بعيراً لها فحملتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي، فقالت: قد أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالحديث الذي لقيت، فلم يرعها ذلك وقالت: إني رأيت خرج مني نور أضاء له قصور الشام ". وعن عثمان بن أبي العاتكة وغيره أن آمنة بنت وهب لما وضعته كفأت عليه برمة حتى تتفرغ له. قالوا: فوجدت البرمة قد انشقت عن نور أضاءت منه لها عن قصور كثيرة من قصور الشام. وعن الضحاك وهو ابن مزاحم الهلالي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنا دعوة إبراهيم، قال وهو يرفع القواعد من البيت: " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم " حتى أتم الآية ". قال البيهقي: إنما أراد، والله أعلم، أنه كذلك في قضاء الله وتقديره قبل أن يكون آدم عليه السلام. وأما دعوة إبراهيم عليه السلام فإنه لما أخذ في بناء البيت دعا الله تعالى فقال: " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " فاستجاب الله دعاءه في نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما بشارة عيسى عليه السلام به فهو أن الله تعالى أمر عيسى عليه السلام فبشر به قومه، فعرفه بنو إسرائيل قبل أن يخلق. الشام أرض المحشر والمنشر

ما جاء في أن الشام أرض المحشر المنشر

ما جاء في أن الشام أرض المحشر المنشر عن أبي ذر قال: قيل: يا رسول الله، صلاة في بيت المقدس أفضل أم صلاة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولبسطة قوسه من حيث يرى منه بيت المقدس أفضل وخير من الدنيا جميعاً ". وعن أسماء أن أبا ذر الغفاري كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، وكان هو بيته، فجلس إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: " كيف أنت إذا أخرجوك منه؟ قال إذن ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء " وذكر الحديث. وعن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: ما أتيتك حتى حلفت عدد أصابعي هذه ألا آتيك أرانا عفان وطبق كفيه فبالذي بعثك بالحق ما الذي بعثك به؟ قال: الإسلام. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله عز وجل، وأن توجه وجهك إلى الله، وتصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، أخوان نصيران، لا يقبل الله جل وعز من أحد توبة أشرك بعد إسلامه. قلت: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت. قال: تحشرون هاهنا وأومأ بيده نحو الشام مشاة وركباناً وعلى وجوهكم، وتعرضون على الله، وعلى أفواهكم الفدام، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه، وقال: ما من مولى يأتي

مولى له فيسأله من فضل عنده فيمنعه إلا جعله الله عليه شجاعاً ينهشه قبل القضاء. قال عفان: يعني بالمولى ابن عمه. قال: وقال: إن رجلاً ممن كان قبلكم رغسه الله مالاً وولداً، حتى ذهب عصر وجاء آخر. فلما احتضر قال لولده: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، فقال: هل أنتم مطيعي وإلا أخذت مالي منكم، انظروا إذا أنا مت أن تحرقوني حتى تدعوني حمماً، ثم اهرسوني بالمهراس، وأدار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده حذاء ركبتيه. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففعلوا والله وقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده هكذا ثم أذروني في يوم راح لعلي أضل الله ففعلوا والله ذاك، فإذا هو قائم في قبضة الله تعالى فقال: يا ابن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: من مخافتك. قال: فتلافاه الله عز وجل بها. وفي رواية عند قوله: وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه: وتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ". وعن عبد الرحمن بن غنم. أن اليهود أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقاً أنك نبي فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء. فصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قالوا، فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة: " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً " إلى قوله: " تحويلا " فأمره الله بالرجوع، إلى المدينة وقال: فيها محياك ومماتك، ومنها تبعث.

وعن ابن عباس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حاصرهم يعني بني النضير حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام. وجعل لكل ثلاثة منهم بعيراً وسقاء. والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى. وعن ابن عباس قال: من شك أن المحشر هاهنا يعني الشام فليقرأ هذه الآية: " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر " قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: " اخرجوا. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر ". وفي حديث الجارود: لما قدم على عمر قال له الجارود: أما أن تسيرني إلى الشام فأرض المحشر والمنشر. وعن ابن عمر: أن مولاة له أتته فقالت: إني قد اشتد علي الزمان، وأنا أريد أن أخرج إلى العراق. قال: فهلا إلى الشام أرض المحشر، اصبري لكاع فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة ". وعن خليد وسعيد عن قتادة قال: أنجاهما الله إلى الشام أرض المحشر والمنشر، وبها يجمع الناس رأساً واحداً، وبها ينزل عيسى بن مريم، وبها يهلك الله المسيح الكذاب. وعن الصنابحي يرفعه قال: شكت الشام إلى الرحمن عز وجل فقالت: أي رب، جعلتني أضيق الأرض وأوعرها، وجعلتني لا أشرب الماء إلا عاماً إلى عام. فأوحى الله تعالى إليها: إنك داري وقراري، وأنت الأندر، وأنت منبت أنبيائي، وأنت موضع قدسي، وأنت موضع موطئي، وإليك

أسوق خيرتي من خلقي، وإليك محشر عبادي، ولم تزل عيني عليك من أول يوم من الدهر إلى آخر يوم من الدهر بالظل والمطر، وإذا يعجز أهلك المال لم يعجزهم الخبز والماء. وعن الحسن قال: نزلت قريظة على حكم سعد بن معاذ، فقتل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم ثلاث مئة وقال لبقيتهم: " انطلقوا إلى أرض المحشر، فأنا في آثاركم " يعني أرض الشام فسيرهم إليها. وعن بلال بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا وقعت الفتن فهاجروا إلى الشام، فإنها من الله بمنظر، وهي أرض المحشر. وعن الحسن قال: الشام أرض المحشر والمنشر.

ما جاء في أن بالشام يكون ملك أهل الإسلام

ما جاء في أن بالشام يكون ملك أهل الإسلام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخلافة بالمدينة والملك بالشام ". وعن علي بن أبي طالب أن يهودياً كان يقال له جير يجرة كان له على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دنانير، فتقاضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك. قال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني مالي. فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذن أجلس معك "، فجلس معه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهددونه ويتوعدونه. ففطن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما الذي تصنعون به "؟ قالوا: يا رسول الله، يهودي يحتبسك؟! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منعني ربي أن أظلم معاهداً ولا غيره ". فلما ترحل النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة: " محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهجره بطيبة، وملكه بالشام، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوله الخنا. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أراك الله. وكان اليهودي كثير المال.

وعن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا الأمر كائن بعدي بالمدينة ثم بالشام ثم بالجزيرة ثم بالعراق ثم بالمدينة ثم ببيت المقدس. فإذا كان ببيت المقدس فثم عقر دارها، ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبداً ". يعني بقوله: بالجزيرة أمر مروان بن محمد الحمار. وبقوله بالمدينة بعد العراق يعني به المهدي الذي يخرج في آخر الزمان. ثم ينتقل إلى بيت المقدس، وبها يحاصره الدجال، والله أعلم. وعن كعب قال: أجد في التوراة: أحمد عبد المختار، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بكا، وهجرته طابا، وملكه بالشام، وأمته الحمادون يحمدون الله على كل حال، ويسبحونه في كل منزلة، ويوضئون أطرافهم، ويأتزرون على أنصافهم، وهم رعاة الشمس، وصفهم في الصلاة، وصفهم في القتال سواء، رهبان بالليل أسد بالنهار، لهم دوي كدوي النحل، يصلون الصلاة حيثما أدركتهم. وفي حديث آخر: تسمع مناديهم في جو السماء. وفي حديث آخر: قلوبهم أناجيلهم. وعن كعب أنه قال: إنا نجد في كتاب الله محمداً سلطانه بالشام.

ما جاء من أن الشام سرة الدنيا

ما جاء من أن الشام سرة الدنيا عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المدينة بين عيني السماء، عين بالشام وعين باليمن، وهي أقل الأرض مطراً. وعن عبد الله بن عمرو قال: صورت الدنيا على خمسة أجزاء، على أجزاء الطير: الرأس والصدر والجناحين والذنب. رأس الدنيا الصين، والجناح الأيمن الهند، والجناح الأيسر الخزر، وخلف الهند أمة يقال لها: واق واق، وخلف واق واق منسك، وخلف منسك ناسك، وخلف ناسك يأجوج ومأجوج من الأمة ما لا يعلمه إلا الله. والجانب الآخر من الخزر ليس خلفه إلا البحر. ووسط الدنيا العراق والشام والحجاز ومصر، وذنب الدنيا من ذات الحمام إلى المغرب، وشر شيء في الطير الذنب. وعن كعب الأحبار قال: نجد صفة الأرض في كتاب الله يعني التوارة على صفة النسر: فالرأس الشام، والجناحان المشرق والمغرب، والذنب اليمن. فلا يزال الناس بخير ما لم يفدغ الرأس، فإذا فدغ الرأس هلك الناس. وأيم الذي نفس كعب بيده، ليأتين على الناس زمان لا تبقى جزيرة من جزائر العرب أو قال: مصر من أمصار العرب إلا وفيهم مقنب خيل من الشام، يقاتلونهم عن الإسلام، لولاهم لكفروا. وعن كعب قال: إن الله خلق الدنيا بمنزلة الطائر: فجعل الجناحين المشرق والمغرب، وجعل الرأس

الشام، وجعل رأس الرأس حمص وفيها المنقار، فإذا نقف المنقار يتأفف الناس، وجعل الجؤجؤ دمشق وفيها القلب، فإذا تحرك القلب تحرك الجسد، وللرأس ضربتان ضربة من الجناح الشرقي، وهي على دمشق. وضربة من الجناح الغربي، وهي على حمص، وهي أثقلهما. ثم يقبل الرأس على الجناحين، فينتفهما ريشة ريشة. وقال كعب: ويل للجناحين من الرأس، وويل للرأس من الجناحين، يرددها ثلاثاً. فالرأس الشام، والجناحان المشرق والمغرب. وعن قتادة قال: إن الرأس الشام، وإن مصر الذنب، وإن العراق الجناح. وكان يقال: ويل للجناحين من الرأس. وعن إياس بن معاوية قال: مثلت الدنيا على طائر: فمصر والبصرة الجناحان، والجزيرة الجؤجؤ، والشام الرأس، واليمن الذنب. روى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم قال: خلق الله الأرض على صورة الطير: فرأسها الشام، وجؤجؤها مكة ومنها دحيت الأرض وسائر أطرافها جميع الأرضين. وخلقت مكة قبل بيت المقدس بأربعين عاماً. وكان موضع الكعبة ربوة حمراء على وجه الماء. فلما أن خلق الله الأرض خلقها سبع أرضين، غلظ كل أرض مسيرة خمس مئة عام، وفيما بين كل أرض إلى التي تليها فتق يمسك بعضها بعضاً. وذكر علماء الأوائل أن أقاليم الأرض سبعة، وأن الهند رستمها، فجعلت صفة الأقاليم كأنها حلقة مستديرة يكتنفها ست دوائر: فالدائرة الوسطى هي إقليم بابل، والدوائر الست المحدقة بالدائرة الوسطى، كل دائرة منها إقليم من الأقاليم الستة. فالإقليم الأول منها إقليم بلاد الهند، والإقليم الثاني إقليم الحجاز، والإقليم الثالث إقليم مصر، والإقليم الرابع إقليم بابل، وهو الممثل بالدائرة الوسطى التي اكتنفتها سائر الدوائر وهو أوسط الأقاليم وأعمرها، وفيه جزيرة العرب، وفيه العراق الذي هو سرة الدنيا، وحد هذا الإقليم مما يلي

الشام يبقى عامرا بعد خراب الأمصار

أرض الحجاز وأرض نجد: الثعلبية من طريق مكة، وحده مما يلي الشام: وراء مدينة نصيبين من ديار ربيعة بثلاثة عشر فرسخاً. وحده مما يلي أرض خراسان: وراء نهر بلخ. وحده مما يلي الهند: خلف الديبل بستة فراسخ، وبغداد في وسط هذا الإقليم. والإقليم الخامس بلاد الروم والشام. والإقليم السادس بلاد الترك. والإقليم السابع بلاد الصين. الشام يبقى عامراً بعد خراب الأمصار

ما جاء من أن الشام يبقى عامرا بعد خراب الأمصار

ما جاء من أن الشام يبقى عامراً بعد خراب الأمصار عن عوف بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تخرب الأرض قبل الشام بأربعين سنة ". قال أبو عبد رب: سمعت تبيعاً أكثر من ثلاثين مرة يقول: تخرب الأرض وتعمر الشام حتى تكون من العمران كالرمانة، ولا يبقى فيها خربة في سهل ولا جبل إلا عمرت. وليغرسن فيها من الشجر ما لم يغرس في زمان نوح، وتبنى فيها القصور اللائحة في السماء، فإذا رأيت ذلك فقد نزل بك الأمر. قال أبو عبد رب: فإن كنت صدقت بالحديث حين سمعته، ولم أصدق بالأمر حين رأيته فما أنا بمؤمن. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ضد ذلك فقال: أول الأرض خراباً الشام. وعن بشر بن غنم قال: لتهدمن مدينة دمشق حجراً حجراً. قال: لعله أراد بذلك ما وجد من هدم عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس سورها حين افتتحها. وعن حسن بن القاسم الأزرقي قال: وقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ثنية تبوك فقال: ما هاهنا شام، وأشار بيده إلى جهة الشام، وما هاهنا يمن وأشار إلى جهة المدينة.

وعن أبي الأعيس القرشي، وكان قد أدرك أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سئل عن البركة التي بورك في الشام: أين مبلغ حده؟ قال: أول حدوده عريش مصر، والحد الآخر طرف الثنية، والحد الآخر الفرات، والحد الآخر جبل فيه قبر هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم. وعن أبي حاتم محمد بن حبان بن محمد بن حبان بن أحمد البستي قال: أول الشام بالس، وآخره عريش مصر.

باب تمصير الأمصار

باب تمصير الأمصار عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة لنعرض على مصحفه مصحفاً، فلما حضرت الجمعة أمر لنا بماء فاغتسلنا وطيبنا. ثم رحنا إلى الجمعة، فجلسنا إلى رجل يحدث، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فتحولنا إليه فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام. فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال ". وذكر الحديث. وعن جابر قال: سمعت عمر بن الخطاب سنة عشرين يقول: الأمصار سبعة: فالمدينة مصر، والشام مصر، ومصر والجزيرة والبحرين والبصرة والكوفة. قال أبو حاتم السجستاني: لما كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحداً إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحداً. وقال إبراهيم: قال رجل من أهل الشام: مصحفنا ومصحف أهل البصرة أحفظ من مصحف أهل الكوفة. قال: قلت: لم؟ قال: إن عثمان لما كتب المصاحف بلغة قراءة أهل الكوفة على حرف عبد الله، فبعث به إليهم قبل أن يعرض. وعرض مصحفنا ومصحف أهل البصرة قبل أن يبعث به. وعن الحسن أنه قال: لا جمعة إلا في الأمصار. فقلت له: يا أبا سعيد، ما الأمصار؟ قال: المدينة والبصرة والكوفة والبحرين والجزيرة والشام ومصر. فضل دمشق من القرآن

ما ورد في فضل دمشق من القرآن

ما ورد في فضل دمشق من القرآن وعن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تلا هذه الآية: " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ". قال: " هل تدرون أين هي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هي بالشام، بأرض يقال لها الغوطة، يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشام ". وقال ابن عباس: هي أنهار دمشق. وعن سعيد بن المسيب قال: هي دمشق ذات قرار ومعين، الغوطة. وعن يزيد بن شجرة قال: دمشق هي الربوة المباركة. وعن محمد بن خالد بن أمية الهاشمي قال: ثم إن الله تبارك وتعالى أمر عيسى بن مريم عليهما السلام وأمه أن يسكنا دمشق، وهي إرم ذات العماد. وقال الحسن: في قوله: " ذات قرار ومعين " ذات معيشة تقوتهم وتحملهم، وماء جار. قال: هي الربوة، هي دمشق. وقال الحسن البصري: " ذات قرار ومعين " قال: ذات ثمار وكثرة ماء. قال: هي دمشق.

وعن سعيد بن جبير: " ربوة ذات قرار " قال: الربوة النشز من الأرض. والقرار: المستوي. قال منصور بن أبي مزاحم: وهذا التفسير موجود في صفة ربوة دمشق، فلا يمتنع أن يكون هو الحق. وقيل: إن الربوة الرملة. وحدث مرة البهزي في خلاء وجماعة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، وحتى يأتي أمر الله وهم كذلك قال: فقلنا: يا رسول الله، من هم؟ وأين هم؟ قال: بأكناف بيت المقدس ". قال: وحدثني أن الرملة هي الربوة، وذلك أنها تسيل مغربة ومشرقة. وعن الأقرع بن شفي العكي قال: دخل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرض فقلت: لا أحسب إلا أني ميت من مرضي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلا لتبقين، ولتهاجرن إلى أرض الشام، وتموت وتدفن بالربوة، من أرض فلسطين ". وروي في حديث آخر أنه قال له: إنك لا تموت إلا بالربوة. فمات ودفن بالرملة. فكانت عك إذا مات الرجل منهم بالأردن له طرق، حمل فدفن بالرملة، لمكان الأقرع. وقال أبو هريرة: " ربوة ذات قرار ومعين " هي الرملة من فلسطين، وقيل إنها بيت المقدس. وقال قتادة: وقيل إنها الإسكندرية.

وعن زيد بن أسلم: وقيل إنها مصر. وقيل وهب بن منبه: وقيل إنها الكوفة. وقال أبو جعفر: " ربوة ذات قرار ومعين ": الكوفة. والمعين: الفرات. وعن محمد بن مسلم قال: سألت الصادق عن قول الله عز وجل: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " قال: الربوة: النجف، والقرار: المسجد، والمعين: الفرات. ثم قال: إن نفقة بالكوفة الدرهم الواحد يعدل بمئة درهم في غيرها، والركعة بمئة ركعة. ومن أحب أن يتوضأ بماء الجنة، ويشرب من ماء الجنة، ويغتسل بماء الجنة، فعليه بماء الفرات، فإن فيه مثعبين من الجنة، ويشرب من ماء الجنة، ويغتسل بماء الجنة، فعليه بماء الفرات، فإن فيه مثعبين من الجنة، وينزل من الجنة كل ليلة مثقالان من مسك في الفرات. وكان أمير المؤمنين علي يأتي النجف ويقول: وادي السلام، ومجمع أرواح المؤمنين، ونعم المضجع للمؤمن هذا المكان. وكان يقول: اللهم اجعل قبري بها. قال أبو الغنائم: في النجف ماء طيب تنزله العرب، يقال له السلام. وعن أنس قال: لما نزلت سورة التين على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرح بها فرحاً شديداً حتى تبين لنا شدة فرحه، فسألنا ابن عباس عن تفسيرها فقال: " والتين ": بلاد الشام، " والزيتون ": بلاد فلسطين، " وطور سينين ": الذي كلم الله موسى عليه. " وهذا البلد الأمين ": مكة، " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ": محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " ثم رددنا أسفل سافلين ": عبدة اللات والعزى. " إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير

دمشق من مدن الجنة

ممنون " أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، " فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين " إذ بعثك فيهم نبياً، وجمعك على التقوى يا محمد. وعن كعب قال: " والتين ": مسجد دمشق، " والزيتون ": بيت المقدس، " وطور سنين ": جبل موسى. وعن خالد بن معدان: في قوله " لم يخلق مثلها في البلاد " قال: يعني دمشق. وقال الحسن: " التين والزيتون ": جبال ومساجد بالشام. وعن قتادة: في قوله تعالى: " والتين والزيتون " قال: " التين " الجبل الذي عليه دمشق، " والزيتون ": الذي عليه بيت المقدس " وطور سنين ": جبل بالشام مبارك حسن. وقوله: " إرم ذات العماد " قال المقبري: هي دمشق. دمشق من مدن الجنة

ما ورد في أن دمشق من مدن الجنة

ما ورد في أن دمشق من مدن الجنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع مدائن من مدائن الجنة، وأربع مدائن من مدائن النار. فأما مدائن الجنة: فمكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق. وأما مدائن النار: فالقسطنطينية وطبرية وأنطاكية المحترقة وصنعاء ". قال أبو عبد الله السقطي: ليس هي صنعاء اليمن، إنما هي صنعاء بأرض الروم. وذكر البلاذري أن أنطاكية المحترقة ببلاد الروم، أحرقها العباس بن الوليد بن عبد الملك. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اختار من الملائكة أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. واختار من النبيين أربعة: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم. واختار من المهاجرين أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. واختار من الموالي أربعة: سلمان الفارسي وبلال الأسود، وصهيب الرومي وزيد بن حارثة. واختار من النساء أربعاً: خديجة بنت خويلد ومريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد واسية بنت مزاحم. واختار من الأهلة أربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. واختار من الأيام أربعة: يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر ويوم عاشوراء. واختار من الليالي أربعاً: ليلة القدر وليلة النحر وليلة الجمعة وليلة نصف شعبان. واختار من الشجر أربعاً: السدرة، والنخلة، والتينة، والزيتونة. واختار من المدائن أربعاً: مكة وهي البلدة، والمدينة وهي النخلة، وبيت المقدس وهي الزيتونة، ودمشق وهي التينة. واختار من الثغور أربعة: اسكندرية مصر وقزوين

دمشق مهبط عيسى بن مريم

خرسان، وعبادان العراق، وعسقلان الشام. اختار من العيون أربعاً: يقول في محكم كتابه: " فيهما عينان تجريان " وقال: " فيهما عينان نضاختان " فأما اللتان تجريان فعين بيسان وعين سلوان، وأما النضاختان فعين زمزم وعين عكا. واختار من الأنهار أربعة: سيحان وجيحان والنيل والفرات. واختار من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وعن كعب الأحبار أنه قال: خمس مدائن من مدائن الجنة: بيت المقدس، وحمص، ودمشق، وبيت جبرين، وظفار اليمن. وخمس مدائن من مدائن النار: القسطنطينية، والطوانة، وأنطاكية، وتدمر، وصنعاء صنعاء اليمن. وفي حديث آخر: عمورية بدل الطوانة. وعن عبد الله بن عمرو قال: الجنة مطوية في قرون الشمس بدمشق في كل عام. دمشق مهبط عيسى بن مريم

ما جاء في أن دمشق مهبط عيسى بن مريم

ما جاء في أن دمشق مهبط عيسى بن مريم عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ينزل عيسى بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق ". وزاد في حديث آخر: بين مهرودتين وتفسيره بين ممصرتين. وعنه أيضاً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أريت أن ابن مريم عليه السلام يخرج من يمنة المغارة البيضاء شرقي دمشق واضعاً يده على أجنحة الملكين، بين ريطتين ممشقتين، إذا أدنى رأسه قطر، وإذا رفع رأسه تحادر منه جمان كاللؤلؤ، يمشي عليه السكينة، والأرض تقبض له، ما أدرك نفسه من كافر مات، ويدرك نفسه حيثما أدرك بصره، حتى يدرك بصره في حصونهم وقرياتهم، حتى يدرك الدجال عند باب لدفيموت. ثم يعمد إلى عصابة من المسلمين عصمهم الله بالإسلام ويترك الكفار ينتفون لحاهم وجلودهم. فتقول النصارى: هذا الدجال الذي أنذرناه، وهذه الآخرة، ومن مسى ابن مريم كان من أرفع الناس قدراً، ويعظم مسه، ويمسح على وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم من الجنة. فبينا هم فرحون بما هم فيه خرجت يأجوج ومأجوج، فيوحي إلى المسيح عليه السلام أني قد أخرجت عباداً لي لا يستطيع قتلهم إلا أنا، فأحرز عبادي إلى الطور، فيمر صدر يأجوج ومأجوج على بحيرة الطبرية فيشربونها، ثم يقبل آخرهم فيركزون رماحهم فيقولون: لقد كان هاهنا مرة ماء، حتى إذا كانوا حيال بيت المقدس قالوا: قد قتلنا من في الأرض فهلموا لنقتل من في السماء، فيرمون نبلهم إلى السماء، فيردها الله مخضوبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا من في السماء ويتحصن ابن مريم وأصحابه

حتى يكون رأس الثور ورأس الجمل خيراً من مئة دينار اليوم. قال: كذا قال: المغارة. قال: وهو تصحيف وإنما هو المنارة. وعن ابن عياش الحضرمي قال: يخرج عيسى بن مريم عند المنارة عند باب الشرقي ثم يأتي مسجد دمشق حتى يقعد على المنبر، ويدخل المسلمون المسجد، والنصارى واليهود، كلهم يرجوه حتى لو ألقيت شيئاً لم يصب إلا رأس إنسان من كثرتهم. ويأتي مؤذن المسلمين فيقوم، ويأتي صاحب بوق اليهود وصاحب ناقوس النصارى. فيقول صاحب اليهود: أقرع، فيكتب سهم المسلمين وسهم النصارى وسهم اليهود، ثم يقرع عيسى فيخرج سهم المسلمين، فيقول صاحب اليهود القرعة ثلاث فيقرع فيخرج سهم المسلمين. ثم يقرع الثانية فيخرج سهم المسلمين، فيؤذن المؤذن، ويخرج اليهود والنصارى من المسجد ثم يخرج يتبع الدجال بمن معه من أهل دمشق، ثم يأتي بيت المقدس، وهي مغلقة قد حصرها الدجال فيأمر بفتح الأبواب، ويتبعه حتى يدركه بباب لد، ويذوب كما يذوب الشمع، ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة فيضربه فيقتله الله عز وجل على يديه، فيمكث في المسلمين ثلاثين سنة أو أربعين سنة، الله أعلم أي العددين. فيخرج على أثره يأجوج ومأجوج، فيهلك الله يأجوج ومأجوج على يديه، ولا يبقى منهم عين تطرف وتزد إلى الأرض بركتها، حتى إن العصابة ليجتمعون في العنقود، وعلى الرمانة، وينزع من كل وذكر كلاماً انقطع من الكتاب معناه من كل ذات حمة حمتها، يعني سمها، حتى إن الحية تكون مع الصبي، والأسد مع البقرة، لا تضره شيئاً، ثم يبعث الله عز وجل ريحاً طيبة تقبض روح كل مؤمن، ويبقى شرار الناس تقوم عليهم الساعة. وعن كعب قال: يهبط المسيح عليه السلام عند القنطرة البيضاء، على باب دمشق الشرقي، تحمله غمامة، واضعاً يديه على منكبي ملكين عليه ريطتان، مؤتزر إحداهما، مرتد الأخرى، إذا أكب رأسه يقطر منه الجمان.

ما جاء في أن دمشق فسطاط المسلمين

ما جاء في أن دمشق فسطاط المسلمين وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ ". وعن إبراهيم بن الجنيد قال: سمعت يحيى بن معين وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم الروم فقال يحيى: ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق ". وعن عوف بن مالك قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في بناء له، فسلمت عليه، فقال لي: " عوف؟ فقلت: نعم، فقال لي: ادخل. فقلت: أكلي أم بعضي؟ قال: بل كلك، فقال لي: يا عوف، اعدد ستاً بين يدي الساعة: أولهن موتي، فاستبكيت حتى جعل يسكنني، ثم قال لي: قل إحدى، قلت إحدى. قال: والثانية فتح بيت المقدس، قل ثنتان، فقلت: ثنتان. قال: والثالثة: موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل قعاص الغنم، قل ثلاث. فقلت: ثلاث. قال: والرابعة فتنة تكون في أمتي وعظمها، ثم قال: قل أربع، فقلت: أربع، قال: والخامسة يفيض فيكم المال حتى إن الرجل ليعطي المئة دينار فيتسخطها، قل خمس، فقلت: خمس. قال: والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم على ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً. ففساط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة، في مدينة يقال لها دمشق ".

وفي رواية أخرى: راية في الموضعين. وفي رواية عند ذكر الروم: فيغدرون فيوافونكم على ثمانين غياية. وفي رواية: غابة. والغاية: الراية، والغياية بياءين: السحابة. والغابة ينقطة واحدة: السحابة. وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل منها، فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها معقل المسلمين من الملاحم وفسطاطهم منها بأرض يقال لها الغوطة ". وعن سعيد بن عبد العزيز أن من أدرك من علمائنا كانوا يقولون: يخرج أهل مصر من مصرهم إلى ما يلي المدينة، ويخرج أهل فلسطين والأردن إلى مشارف البلقاء وإلى دمشق، ويخرج أهل الجزيرة وقنسرين وحمص إلى دمشق. وذلك لما كان حدثنا به سعيد عن مكحول عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: فسطاط المؤمنين يوم الملحمة الكبرى بالغوطة مدينة يقال لها: دمشق. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها ستفتح الشام، فعليكم بمدينة يقال لها: دمشق، فإنها خير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاط المسلمين بأرض منها يقال لها: الغوطة، ومعقلهم من الدجال: بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج: الطور ". وعن الأوزاعي قال: قدمت المدينة في خلافة هشام، فقلت: من هاهنا من العلماء؟ قالوا: هاهنا

محمد بن المنكدر، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: والله لأبدأن بهذا قبلهم، قال: فدخلت المسجد، فسلمت فأخذ بيدي فأدناني فقال: من أي إخواننا أنت؟ فقلت له: رجل من أهل الشام. قال: من أي أهل الشام؟ قلت: رجل من أهل دمشق. قال: نعم، أخبرني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " للناس ثلاث معاقل، فمعقلهم من الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية: دمشق، ومعقلهم من الدجال: بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج: طور سيناء ". وعن حسان بن عطية قال: ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كيف يحوز الأعداء أمته من بلد إلى بلد ". فقال: يا رسول الله، فهل من شيء؟ قال: " نعم، الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي فسطاطهم ومعقلهم من الملاحم، لا ينالها عدو إلا منها ". قال حفص، أحد رواة الحديث: يقول لا ينالهم عدو لهم إلا منها من الأمة. قال: وهو يوم دخلها عبد الله بن علي بجنوده. وعن يزيد بن أبي حبيب عن أبي سالم الجيشاني قال: انطلقت إلى المدينة أسأل عن علم الأحداث، فقيل لي: أين أنت عن عبد الله بن عمرو بن العاص؟ فإنه كان صعلوكاً فرغه أبوه لذلك. قال: فقدمت فأخبرت عبد الله بن عمرو بذلك، قال: نعم: فسلوني عما شئتم أخبركم به، فوا لله لو شئت لأخبرتكم بالسنة التي يخرجون فيها من مصر. قلت: يا أبا محمد، أخبرني وخر لي. قال: نعم، إنك لن تبرح مؤاماً بك ما لم يأت أهل المشرق أهل المغرب، فإذا كان ذلك خفق الدين وخفقت السنة، ووقعت بين العرب البغضاء، فأقل المؤمنين من يحجزه إيمانه، وأقل المعاهدين من يكفه ساعيه، فإن استطعت أن تسكن السروات فكن بها، وإن عجزت

فالإسكندرية، فإن عجزت فالطور أو سوق مازن فإذا أقشعت شيئاً أبيت اللعن وأصاب المأمومة، وذات الأصابع ذناباتها، فعليك بالفحص. قال عبد الرحمن بن شريح: سمعت أبا قبيل يزعم أن المأمومة أبيت الأشاعر بدمشق يوماً بها، وذا الأصابع حرلان. ثم رجع الحديث إلى يزيد بن أبي حبيب في الفحص. قال: وهي الغوطة. قال: فإنها فسطاط المسلمين، فإذا أمتعت الحمراء والبيضاء، وظن الأولياء عن الأولياء فعليك بمدينة الأسباط، فإن العافية تحوزها كما يحوز السيل الدمن. لو أرى أني أدرك ذلك لسبق رحيلي خبري، ولا أنت تدركه. يعني بمدينة الأسباط: بانياس. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ما أود أن لي مصر وكورها بعد الخمسين والمئة أسكنها، ولدمشق خير لو كنتم تعلمون. وعن نافع بن كيسان الدمشقي قال: لقيت يزيد بن شجرة الرهاوي فقلت: إني أردت أن آتي فلسطين. قال: لا تفعل، فإني أحدثك في دمشق أحاديث ليشت في غيرها، إن حبل الناس إذا اضطرب كانت عصمتهم، وإن أهلها مدفوع عنهم، وإنه لا ينزل بأرض جوع، ولا بلاء ولا فتنة إلا خفف ذلك عنهم. وعن عمرو بن جابر الحضرمي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: من سكن دمشق نجا، فقلت: أعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فعن رأيي أحدثك؟!. وعن ابن محيريز قال: قال رويفع بن ثابت الأنصاري، وكان من أصحاب الشجرة: اسكن فلسطين ما استقامت العرب. فإذا نادوا بشعار الجاهلية فاسكن دمشق، وشرقها خير من غربها.

وعن عقبة بن نافع بن عبد الحارث: أنه أوصى بنيه حين حضرته الوفاة قال: يا بني احفظوا ما أوصيكم به تنتفعوا: ألا تدانوا وإن لبستم العباء، ولا يدخل أحد منكم في بيعة الرايات السود طائعاً إن أدركتموها، ولا تدعن حظكم من دمشق وإن لم تصيبوا البيت إلا بدية. وعن كعب قال: معقل المسلمين من الملاحم دمشق، ومعقلهم من الدجال نهر أبي فطرس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور. وعنه أيضاً قال: معاقل المسلمين ثلاثة: فمعقلهم من الروم دمشق، ومعقلهم من الدجال الأردن، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور. وعن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً، لا يمتنع منها إلا دمشق وعمان. وعن أبي الأعيس عبد الرحمن بن سلمان الخولاني قال: سيأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق. وعن يزيد بن شريح التيمي عن كعب قال: يهلك ما بين حمص وثنية العقاب سبعون ألفاً، من الوغى. قلت: ما الوغى؟ قال: العطش. وعن كعب قال: لن تزالوا بخير ما لم يركب أهل الجزيرة أهل قنسرين، وأهل قنسرين أهل حمص، فيومئذ تكون الجفلة ويفزع الناس إلى دمشق.

باب في أن البركة في دمشق مضعفة

باب في أن البركة في دمشق مضعّفة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: النفقة في أرض الهجرة مضاعفة بسبع مئة ضعف، وأنتم المهاجرون أهل الشام لو أن رجلاً اشترى بدرهم لحماً من السوق فأكله وأطعم أهله كان له بسبع مئة. وعن سعيد بن سفيان القاري قال: توفي أخي وأوصى بمئة دينار في سبيل الله، فوافق ذلك صلح ابن فرعون فلم يكن عامئذ غازية، فقدمت المدينة في حج أو عمرة، فدخلت على عثمان بن عفان، وعنده رجل قاعد، وعلي قباء من بزيون وكان أصاب من الغنيمة بأرض الروم وكان جيبه وفروجه مكفوفة بحرير. فلما رآني ذلك الرجل أقبل علي يجاذبني قبائي ليخرقه. فلما رأى ذلك عثمان قال: دع الرجل فتركني ثم قال: لقد عجلتم. فسألت عثمان فقلت: يا أمير المؤمنين، توفي أخي وأوصى بمئة دينار في سبيل الله فوافق ذلك صلح ابن فرعون فلم تجئنا غازية، فما تأمرني؟ قال: هل سألت أحداً قبلي؟ قلت: لا. قال: لئن استفتيت أحداً قبلي فأفتاك غير الذي أفتيتك به ضربت عنقه. إن الله عز وجل أمرنا بالإسلام فأسلمنا كلنا فنحن المسلمون. وأمرنا بالهجرة فهاجرنا فنحن المهاجرون أهل المدينة، ثم أمرنا بالجهاد فجاهدتم. فأنتم المجاهدون أهل الشام. أنفقها على نفسك، أو على أهلك وعلى ذوي الحاجة ممن حولك فإنك لو خرجت بدرهم ثم اشتريت به لحماً فأكلت أنت وأهلك كتب لك بسبع مئة درهم. فخرجت من عنده فسألت عن الرجل الذي جاذبني، فقيل: هو علي بن أبي طالب

عليه السلام. فأتيته في منزله، فقلت: ما رأيت مني؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير "، وهذا أول حرير رأيت على أحد من المسلمين، فخرجت من عنده فبعته من الخياط. وعن عبد الرحمن بن ساباط الجمحي قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: إن لي رحماً وقرابة، وإن منزلي قد نبا بي بالعراق والحجاز. قال: أرضى لك ما أرضى به لنفسي ولولدي، عليك دمشق، عليك دمشق، ثم عليك بمدينة الأسباط بانياس، فإنها مباركة السهل والجبل، يعيش أهلها بغير الحجرين: الذهب والفضة، نقل الله عنها أهلها حين بدلوا، تطهيراً لها، وإن البركة عشر بركات خص الله بانياس من ذلك ببركتين، لا يعيل ساكنها، يعيش من برها وبحرها، وإذا وقعت الفتن كانت بها أخف منها في غيرها، فاتخذها وارتد بها، فوا لله لفدان بها أحب إلي من عشرين بالوهط. والوهط بالطائف. قال عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: أتيت صدقة بن حبيب، شيخاً كان عندنا، فسمعته يقول: سمعت أبا الكوثر يقول: كنت بدار يوحنا بحمص، وقد بسط فيها لمعاوية بن أبي سفيان، فإذا رجل قد جاء من نحو زقاق اللقانق، فسلم على معاوية فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له: ادن يا أبا إسحاق، ما ترى في حمص وطيبها؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، لموضع من دمشق صغير أحب إلي من دار بحمص. قال: ولم ذاك يا أبا إسحاق؟ قال: لأنها معقل الناس في الملاحم. قال معاوية: لا جرم، لا تركت بها حرمة. وعن ربيعة بن عبد الهدير قال: منزل في دمشق خير من عشرة منازل في غيرها من أرض حمص، ومنزل داخل دمشق خير من عشرة منازل بالفراديس، وإياك وأرباضها، فإن في سكناها الهلاك.

وعن يونس بن ميسرة بن حلبس أن رجلاً سكن طبرية بعياله شهراً فكفاهم بها عشرة أمداد من قمح، ثم تحول إلى دمشق فكفاهم خمسة أمداد قمح. وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: قلت لأبي سلام الأسود: ما نقلك من حمص إلى دمشق قال: ما سألني عن هذا عربي قبلك. قال: لأن البركة فيها مضاعفة. وفي رواية قال: بلغني أن البركة تضعف بها ضعفين. وعن مكحول: أنه سأل رجلاً: أين تسكن؟ قال: الغوطة. قال له مكحول: ما يمنعك أن تسكن دمشق، فإن البركة فيها مضعفة. وحدث يحيى بن يحيى قال: قال لي عبيد بن يعلى وهو رجل من أهل بيت المقدس، كان بعسقلان وكان عالماً ارحل من فلسطين، والحق بدمشق، فإن بركات الشام كلها مسوقات إلى دمشق. وعن كعب الأحبار قال: كل بناء بناه العبد يحاسب عليه إلا بناء دمشق. حدث أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري قال: وجدت عملاً لما كان يحمل إلى بيت المال بمدينة السلام من جميع النواحي، فمن ذلك من دمشق أربع مئة ألف وعشرون ألف دينار. وذكر المدائني أن وظيفة دمشق التي وظفها معاوية أربع مئة ألف دينار، وهذا بعد صرف ما لا بد من صرفه في ديوان الجند والولاة، وأرزاق الفقهاء والمؤذنين والقضاة. وهذا يدل على كثرة دخلها وعظم البركة في مستغلها. والله أعلم.

ما جاء في أن أهل دمشق لا يزالون على الحق

ما جاء في أن أهل دمشق لا يزالون على الحق عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق، إلى يوم القيامة ". ومن حديث آخر: أنه قال: " لا يزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون ". وعن أبي هريرة: عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها ظاهرين على الحق، لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم حتى يخرج الله كنزه من الطالقان، فيحيي به دينه كما أميت من قبل ". قال: وهذا الإسناد غريب، وألفاظ غريبة جداً. وعن أبي هريرة: عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال لهذا الأمر أو على هذا الأمر عصابة على الحق، لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله ". وروي أن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان: لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تزال من أمتي عصابة قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداء الله، كلما

ذهب حرب نشب حرب قوم آخرين، يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه، حتى تأتيهم الساعة كأنهم قطع الليل المظلم، فيفزعون لذلك حتى يلبسوا له أبدان الدروع. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم أهل الشام "، ونكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإصبعه، يومئ بها إلى الشام، حتى أوجعها. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا، لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله، أكثرهم أهل الشام ". وفي رواية: " لن تبرح هذه الأمة منصورة تقذف كل مقذف، منصورين أينما توجهوا لا يضرهم من خذلهم من الناس، هم أهل الشام ". وفي رواية: لا يبالون من خالفهم حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام. قال أبو عمرو يفصل فيه: فحدثت بهذا الحديث قتادة فقال: لا أعلم أولئك إلا أهل الشام. عن عمير بن هانئ قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية ورفع صوته: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم أهل الشام. وفي رواية مسلم بن هرمز: أنه سمع معاوية يقول في خطبته وذكر الحديث وقال في آخره: وأنا أرجوا أن تكونوا أنتم يا أهل الشام.

وفي رواية يونس بن حلبس الجندي: ثم نزع بهذه الآية: " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك " يا محمد " فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ". وعن عبد الله بن عمر: عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي " وذكر باقي الحديث. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، يقذف الله بهم كل مقذف، يقاتلون فضول الضلالة، لا يضرهم من خالفهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال، وأكثرهم أهل الشام ". وعن ثوبان أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها. وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكهم بسنة، ولا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فيستبيحهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وبعضهم يفني بعضاً، وبعضهم يسبي بعضاً. وإنه سترجع قبائل من أمتي إلى الشرك وعبادة الأوثان، وإن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون، وإنهم إذا وضعوا السيف فيهم لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة. وإنه سيخرج من أمتي دجالون كذابون قريب من ثلاثين، وإني خاتم النبيين، لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله ". وعن ابن عون الأنصاري: أن النعمان بن بشير خطب يوماً على المنبر فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لا يبالون من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". قال النعمان: فمن قال: إني أقول عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله. إن الله عز وجل يقول: " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ".

باب غناء أهل دمشق في الملاحم وتقديمهم في الحروب

باب غناء أهل دمشق في الملاحم وتقديمهم في الحروب عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كانت الملاحم خرج من دمشق بعث من الموالي هم خيار عباد الله، أبعثهم فرساً وأجودهم سلاحاً ". وفي رواية أخرى: إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي، هم أكرم العرب فرساً، وأجوده سلاحاً، يؤيد الله بهم الدين. وفي رواية عطية بن قيس: خرج بعث من دمشق، هم خيار عباد الله الأولين والآخرين. وعن ابن محيريز قال: خير فوارس تظل السماء فوارس من قيس، يخرجون من غوطة دمشق، يقاتلون الدجال. قال الوليد: أخبرني إسماعيل وغيره أنه كان في كتاب معاوية إلى عبد الله بن قرط: بلغني كتابك في مواضع رايات الأجناد المعلومة، فهي على مواضعها الأولى. فإذا حضر أهل الشام جميعاً فأهل دمشق وحمص ميمنة الإمام. قال الوليد بن مسلم. وحدثني شيخ من قدماء الجند ممن كان يلزم الجهاد في الزمان الأول أن

أهل الشام كانوا إذا غزوا الصوائف كانوا ينزلون أجناداً، كما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسيرهم، إذا ساروا إلى الشام ينزلون أرباعاً. قال الشيخ: وكما كانت بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام ثم بعده تنزل في عساكرها أسباطاً. وكان بين كل جندين فرجة، وطريق للعامة، ومجال للخيل، ومركز لها، إن كانت فزعة من ليل أو نهار. قلت: فأين كان ينزل والي الصائفة؟ وفيمن؟ قال: كان ينزل بخاصته ورهطه في القلب، في أهل دمشق، ثم ينزل أجناد الشام يمنة ويسرة. قال: وحدثني شيخ من قدماء المشيخة ممن كان يلزم الجهاد أنهم كانوا إذا كان اللقاء تقدم ربع قريش من أهل دمشق حتى يكونوا عند راية الأمير والجماعة، ثم ربع كندة من جند دمشق عن يمنتهم. قال الوليد: وقالوا يريد المشيخة لأن دمشق كانت عند سير أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشام وجه الشام، إليها ساروا، وبها بدؤوا، فلما فتحوا كان غيرها من مدائن الشام لها تبعاً. قال: فاتخذها أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داراً وفسطاطاً ومجتمعاً، وفيها منزل واليهم الأعظم وبيت مالهم. قال سليمان بن أبي شيخ: سألت أبا سفيان الحميري: كم كان جند بني أمية؟ قال: ثلاث مئة ألف، وخمسون ألفاً من أهل الشام. ومئة وخمسون ألفاً من أهل العراق.

ما جاء في أن أهل دمشق يعرفون في الجنة بالثياب الخضر

ما جاء في أن أهل دمشق يعرفون في الجنة بالثياب الخضر عن عروة بن رويم أن رجلاً لقي كعب الأحبار فسلم عليه ودعا له، فسأله كعب: ممن هو؟ قال: من أهل الشام. قال: لعلك من الجند الذين يدخل الجنة منهم سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب؟ قال: ومن هم؟ قال: أهل حمص. قال: لست منهم. قال: فلعلك من الجند الذين يعرفون في الجنة بالثياب الخضر؛ قال: ومن هم؟ قال: أهل دمشق. قال: لست منهم. قال: فلعلك من الجند الذين هم تحت ظل عرش الرحمن؟ قال: ومن هم؟ قال: أهل أردن، قال: لست منهم. قال: فلعلك من الجند الذين ينظر الله إليهم في كل يوم مرتين؟ قال: ومن هم؟ قال: أهل فلسطين. قال: نعم، أنا منهم. وفي رواية: في أهل حمص الذين يشفع شهيدهم بسبعين.

دعاء النبي لأهل الشام أن يهديهم الله ويقبل بقلوبهم إلى الإسلام

دعاء النبي لأهل الشام أن يهديهم الله ويقبل بقلوبهم إلى الإسلام عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر نحو الشام فقال: " اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر نحو اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر نحو العراق فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم قال: اللهم بارك لنا في ثمرة أرضنا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا ". وعنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر قبل العراق والشام واليمن، قال: لا أدري بأيتهن بدأ ثم قال: " اللهم أقبل بقلوبهم إلى طاعتك، وأحط من ورائهم ". وعن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وهو على المنبر نظر قبل الشام فقال: " اللهم أقبل بقلوبهم، اللهم أقبل بقلوبهم ". ونظر قبل العراق فقال نحو ذلك، " وقبل كل أفق فقال مثل ذلك ". وقال: " اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض، وبارك لنا في مدنا وصاعنا. وقال: مثل المؤمن كمثل السنبلة تخر مرة وتستقيم مرة، ومثل الكافر كمثل الأرزة لا تزال تستقيم حتى تخر ولا تشعر ".

ما روي أن أهل الشام مرابطون وأنهم جند الله الغالبون

ما روي أن أهل الشام مرابطون وأنهم جند الله الغالبون عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة فهو في رباط. ومن احتل منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد ". وعن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكاًن فإذا فتحها فاحتلها فأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة، رجالهم ونساؤهم وصبيانهم وعبيدهم، فمن احتل سلاحاً من تلك السواحل فهو في جهاد، ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط ". وعن أرطاة بن المنذر أن عمر قال لجلسائه: أي الناس أعظم أجراً؟ قال: فجعلوا يذكرون له الصوم والصلاة. قال: ويقولون: فلان وفلان بعد أمير المؤمنين. فقال: ألا أخيركم بأعظم الناس أجراً ممن ذكرتم، ومن أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى. قال: رويجل بالشام آخذ بلجام فرسه، يكلأ من وراء، بيضة المسلمين، لا يدري أسبع يفترسه، أم هامة تلدغه، أو عدو يغشاه؟ فذلك أعظم أجراً ممن ذكرتم، ومن أمير المؤمنين. وعن إبراهيم اليماني قال: قدمت من اليمن فأتيت سفيان الثوري فقلت: يا أبا عبد الله، إني جعلت في نفسي أن أنزل جدة فأرابط بها كل سنة، واعتمر في كل شهر عمرة، وأحج في كل سنة

حجة، وأقرب من أهلي، أحب إليك أم آتي الشام؟ فقال لي: يا أخا أهل اليمن. عليك بسواحل الشام، عليك بسواحل الشام. فإن هذا البيت يحجة في كل عام مائة ألف، ومئة ألف وثلاث مئة ألف، وما شاء الله من التضعيف، لك مثل حجهم وعمرهم ومناسكهم. وعن مالك بن أنس قال: قال لي أبو جعفر المنصور يوماً: ما على ظهرها أحد أعلم منك؟ قلت: بلى. قال: فسمهم لي. قلت: لا أحفظ أسماءهم. قال: قد طلبت هذا الشأن في زمان بني أمية فقد عرفته. أما أهل العراق فأهل إفك وباطل وزور. وأما أهل الشام فأهل جهاد وليس فيهم كثير علم. وأما أهل الحجاز ففيهم بقية العلم، وأنت عالم الحجاز. وعن خريم بن فاتك الأسدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أهل الشام سوط الله تبارك وتعالى في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، حرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولا يموتون إلا غماً وهماً. وعن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن الحضرمي، أيام ابن الأشعث يخطب، وهو يقول: يا أهل الشام، أبشروا فإن فلاناً أخبرني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يكون قوم من آخر أمتي يعطون من الأجر مثل ما يعطى أولهم، ويقاتلون أهل الفتن، ينكرون المنكر، وأنتم هم. وعن قتادة في قوله تعالى: " وإن جندنا لهم الغالبون " قال: هم أهل الشام. وعن كعب قال: أهل الشام سيف من سيوف الله، ينتقم الله بهم ممن عصاه في أرضه. وعن عون بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما أنزل الله عز وجل على بعض الأنبياء أن الله يقول: أهل الشام كنانتي، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم. وعن

أبي كبر النهشلي قال: كنت في الجمع يعني جمع الكوفة يوم جاء أهل الشام يقاتلون أهل الكوفة، فإذا شيخ حسن الخضاب، حسن الهيئة، على دابة له، وهو يقول: اللهم لا تنصرنا عليهم، اللهم فرق بيننا وبينهم، اللهم، اللهم. قال: قلت: يا عبد الله، ألا تتقي الله؟ ألا تخرج ترى قوماً قد جاؤوا يريدون يقاتلون مقاتلتنا ويسبون ذرارينا، وأنت تقول: اللهم لا تنصرنا عليهم، اللهم، اللهم. قال: ويحك، إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يغلب أهل الشام إلا شرار الخلق. وعن زيد بن واقد قال: سمعت مكحولاً يقول: الحمد لله الذي أطعمنا الطعام، وأسقانا الشراب، وجعلنا من أهل الشام، ويا رب لا تبقني بعد هشام.

ما جاء أن بالشام تكون الأبدال

ما جاء أن بالشام تكون الأبدال عن شريح بن عبيد قال: ذكر الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين. قال: لا، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، فيسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ". وعن شهر بن حوشب قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال: يا أهل مصر، أنا عوف بن مالك، لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: فيهم الأبدال، وبهم تنصرون، وبهم ترزقون. وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البدلاء أربعون: اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق. كلما مات منهم واحد أبدل الله تبارك وتعالى مكانه آخر، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم، فعند ذلك تقوم الساعة ". وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " دعائم أمتي عصائب اليمن، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام، كلما مات رجل أبدل الله مكانه، أما إنهم لن يبلغوا ذلك بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصيحة للمسلمين ". وعن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل

الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه. ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيمكث سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. وفي رواية تسع سنين. وعن ابن عباس يرفعه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مكة آية الشرف، والمدينة معدن الدين، والكوفة فسطاط الإسلام، والبصرة فخر العابدين، والشام معدن الأبرار، ومصر عش إبليس وكهفه ومستقره، والسند مداد إبليس، والزاني في الزنج، والصدق في النوبة، والبحرين منزل مبارك، والجزيرة معدن القتل، وأهل اليمن أفئدتهم رقيقة، ولا يعدمهم الرزق، والأئمة من قريش، وسادة الناس بنو هاشم. وعن علي رضي الله عنه قال: قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام، وهم قليل. قال كعب: الأبدال ثلاثون. وفي حديث آخر: الأبدال بالشام، والنجباء بالكوفة. وفي آخر: والأخيار من أهل العراق. وعن علي عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام.

وعن علي أنه قال وهو بالكوفة: ما أشد بلايا الكوفة، لا تسبوا أهل الكوفة، فوا لله إن فيهم لمصابيح الهدى، وأوتاد ذكر، ومتاعاً إلى حين، والله ليذقن الله بهم جناح كفر لا ينجبر أبداً. إن مكة حرم إبراهيم، والمدينة حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والكوفة حرمي. وما من مؤمن إلا وهو من أهل الكوفة، أو هواه لينزع إليها. إلا إن الأوتاد من أبناء الكوفة، وفي مصر من الأمصار، وفي أهل الشام أبدال. وعن الحسن البصري قال: لن تخلو الأرض من سبعين صديقاً، وهم الأبدال، لا يهلك منهم رجل إلا أخلف مكانه مثله، أربعون بالشام، وثلاثون في سائر الأرضين. وعن أم عبد الله بنة خالد بن معدان عن أبيها قالت: قالت الأرض للرب تبارك وتعالى: كيف تدعني وليس علي نبي؟ قال: سوف أدع عليك أربعين صديقاً بالشام. وقال الفضيل بن فضالة: الأبدال بالشام: في حمص خمسة وعشرون رجلاً، وفي دمشق ثلاثة عشر، وببيسان اثنان. وقال الحسن بن يحيى: بدمشق من الأبدال سبعة عشر نفساً، وببيسان أربعة. وعن ابن شوذب قال: الأبدال سبعون: فستون بالشام، وعشرة بسائر الأرضين. وعن عثمان بن عطاء عن أبيه عطاء قال: الأبدال أربعون إنساناً. قال: قلت له: أربعون رجلاً؟ قال: لا تقل أربعين رجلاً، ولكن قل أربعين إنساناً، لعل فيهم نساء.

وقال أبو سليمان: المجتهدون بالبصرة، والفقهاء بالعراق، والزهاد بخراسان، والبدلاء بالشام. وقال الكتاني: النقباء ثلاث مئة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة. فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة، ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد. فإن أجيبوا، وإلا ابتهل الغوث، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته. حديث شيخ من أهل صنعاء من جلساء وهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أين بدلاء أمتك؟ فأومأ بيده نحو الشام. قال: قلت: يا رسول الله، أما بالعراق منهم أحد؟ قال: بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه. وعن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيار أمتي خمس مئة، والأبدال أربعون. كلما مات بديل أدخل الله مكانه من الخمس مئة، وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون. قالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمال هؤلاء. قال: يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون فيما آتاهم الله، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". وفي رواية آخرى: خيار أمتي في كل قرن. وعن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله عز وجل في الخلق ثلاث مئة، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله تعالى في

نفي الخير عند فساد أهل الشام

الخلق أربعون، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام. ولله في الخلق سبعة، قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام، ولله تعالى في الخلق خمسة، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله تعالى في الخلق ثلاثة، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام. فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثة مئة، فإذا مات من الثلاثة مئة أبدل الله مكانه من العامة. فبهم يحيي ويميت ويمطر ويقيت، ويدفع البلاء. قيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت؟ قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فتدفع بهم أنواع البلاء. وعن أبي الزناد قال: لما ذهبت النبوة، وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلاً من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال لهم الأبدال، لا يموت الرجل منهم حتى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه، وهم أوتاد الأرض، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام، ولا بحسن التخشع، ولا بحسن الحلية، ولكن بصدق الورع، وحسن النية، وسلامة القلوب، والنصيحة لجميع المسلمين، ابتغاء مرضاة الله، بصبر دجير، ولب حليم، وتواضع في غير مذلة. واعلم أنهم لا يلعنون شيئاً، ولا يؤذون أحداً، ولا يتطاولون على أحد تحتهم، ولا يحقرونه، ولا يحسدون أحداً فوقهم، ليسوا بمتخشعين ولا متماوتين، ولا معجبين، لا يحيون لدنيا، ولا يحبون الدنيا، ليسوا اليوم في وحشة، وغداً في غفلة. نفي الخير عند فساد أهل الشام

ما جاء في نفي الخير عند فساد أهل الشام

ما جاء في نفي الخير عند فساد أهل الشام عن معاوية بن قمرة عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا هلك أهل الشام فلا خير في أمتي، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال. وفي رواية عنه: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولن تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. وعن الحسن أنه قال: خيار أهل الشام خير من خياركم، وشرار أهل الشام خير من شراركم. قالوا: لم تقول هذا يا أبا سعيد؟ قال: لأن الله تعالى قال: " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ".

ما جاء من أن بالشام تكون بقايا العرب

ما جاء من أن بالشام تكون بقايا العرب عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل معاذ بن جبل أو سعد بن معاذ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه: إني لأرى في وجهه لأحيى طالع. قال: فجاء حتى سلم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبشر يا رسول الله، فقد قتل الله كسرى. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله كسرى، ثلاثاً، ثم قال: إن أول الناس فناء، أو هلاكاً، فارس، ثم العرب من ورائها، ثم أشار بيده قبل الشام، إلا بقية هاهنا ". وفي رواية: أول الناس هلاكاً فارس، ثم العرب، إلا بقايا هاهنا يعني الشام.

باب انحياز بقية المؤمنين آخر الزمان إلى الشام

باب انحياز بقية المؤمنين آخر الزمان إلى الشام عن القاسم بن عبد الرحمن قال: مد الفرات على عهد عبد الله بن مسعود، فكره الناس ذلك، فقال عبد الله: يا أيها الناس لا تكرهوا مده فإنه يوشك أن يلتمس فيه ملء طست من ماء فلا يوجد، وذلك حين يرجع كل ماء إلى عنصره. ويكون الماء وبقية المؤمنين بالشام. وعن عبد الله بن عمرو قال: يأتي على الناس زمان، لا يبقى على الأرض مؤمن إلا لحق بالشام. وعن أبي أمامة قال: لا تقوم الساعة حتى يتحول أشرار الناس إلى العراق، وخيار أهل العراق إلى الشام، حتى تكون الشام شاماً والعراق عراقاً. وعن شرحبيل بن مسلم عن أبيه قال: بلغنا أنه لن تقوم الساعة حتى يخرج خيار أهل العراق إلى الشام، ويخرج شرار أهل الشام من الشام إلى العراق، فأكره أن يدركني أجلي وأنا بالعراق.

ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة

ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: دخل إبليس العراق فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بساق، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقريه. وفي رواية: حتى بلغ جبل بساق. وعن ابن عمر قال: نزل الشيطان بالمشرق فقضى قضاء، ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام، فمنع، فخرج على بساق، حتى جاء المغرب فباض بيضة، وبسط بها عبقريه. وعن محرز أبي حارثة القيني وأبي عثمان الغساني يعني: يزيد بن أسيد قالا: لما قدم كتاب عثمان إلى أهل الشام في القراءة قالوا: سمعنا وأطعنا، وما اختلف في ذلك اثنان. انتهوا إلى ما اجتمعت عليه الأمة، وعرفوا فضله. وعنهما: أن معاوية قال لابن الكواء: أخبرني عن أهل الأحداث من أهل الأمصار. فذكره إلى أن قال: وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم، وأعصاهم لمغويهم. وعن أم الدرداء قالت: قدم أبو الدرداء على عثمان حاجاً، فقال له عثمان: يا أبا الدرداء، إني قد استنكرت من يليني، ولم أسأل أحداً من أهل الآفاق عمن يليه إلا وقد وجدته استنكر من

يليه، فما أعرف شيئاً، فكيف بكم؟ فقال: ما يعصينا أهل بلادنا ولا يستبدون علينا. قال: فلزمها، فوا لله لنقلن الله الأمر إليكم، فقد استنكرت الأشياء، فما تعرف إلا الصلاة يا أبا الدرداء، وإنها من آخر ما ينكر من هذا الأمر. وعن عبد الملك بن عمير قال: كان عامة خطبة يزيد بن أبي سفيان وهو على الشام: عليكم بالطاعة والجماعة، فمن ثم لا يعرف أهل الشام إلا الطاعة. وعن زهير بن الأرقم قال: خطبنا علي بن أبي طالب فقال: ألا إن بسراً قد طلع من قبل معاوية، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم، وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم. استعملت فلاناً فغل وغدر، وحمل المال إلى معاوية، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية حتى لو ائتمنت أحدكم على قدح خشيت على علاقته. اللهم إني قد أبغضتهم وأبغضوني، فأرحهم مني، وأرحني منهم. وعن خباب بن عبد الله. أن معاوية بعث خيلاً فأغارت على هيت والأنبار، فاستنفر علي الناس، فأبطؤوا وتثاقلوا، فخطبهم فقال: أيها الناس، المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، فإذا دعوتكم إلى المسير أبطأتم وتثاقلتم، وقلتم: كيت وكيت، أعاليل أباطيل. سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، حيدي حياد، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصدق، فأي دار بعد داركم تمنعون؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحتم والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم. فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم مني من هو شر لكم مني

أما إنكم ستلقون بعدي ثلاثاً: ذلاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة قبيحة، يتخذها فيكم الظالمون سنة، فتبكي لذلك أعينكم ويدخل الفقر بيوتكم. وستذكرون عند تلك المواطن، فتودون أنكم رأيتموني، وهرقتم دماءكم دوني، فلا يبعد الله إلا من ظلم. والله لوددت أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم، عشرة منكم برجل من أهل الشام. فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنا وإياك كما قال الأعشى: البسيط. علقتها غرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل علقنا بحبلك، وعلقت أنت بأهل الشام، وعلق أهل الشام معاوية. وعن دغفل قال: قال المال: أنا أسكن العراق، فقال الغدر: أنا أسكن معك. وقالت الطاعة: أنا أسكن الشام، قال الجفاء: أن أسكن معك. قال العيش: أنا أسكن مصر، قال الموت: أنا أسكن معك. وقالت المروءة: أنا أسكن الحجاز، فقال الفقر: وأنا أسكن معك. قال أبو زكريا - يعني يحيى بن عثمان بن صالح: وسمعت أنه كان مكتوباً على صخرة بباب العريش يقرؤه من دخل مصر: ادخل إلى بلد وفي، وعيش رخي، وموت وحي. وعن إسماعيل بن يسار قال: لو أنزل أخوان من حصن، فسكن أحدهما الشام، وسكن الآخر العراق، ثم لقيت الشامي لوجدته يذكر الطاعة وأمر الطاعة والجهاد، ولو لقيت الآخر لوجدته يسأل عن السنة، يقول: كيف سنة كذا وكذا؟ وكيف الأمر في كذا وكذا؟ قال أبو هانئ المكتب: سئل عامر عن قتال أهل العراق وأهل الشام، فقال عامر: لا يزالون يظهرون علينا

أهل الشام لأنهم جهلوا الحق واجتمعوا، وعلمتم وتفرقتم. فلم يكن الله ليظهر أهل فرقة على جماعة أبداً. وعن سليمان بن موسى قال: إذا كان علم الرجل حجازياً، وخلقه عراقياً، وطاعته شامية فقد كمل. وعن سليمان بن موسى قال: إذا وجدت الرجل علمه علم حجازي، وسخاؤه سخاء عراقي، واستقامته استقامة شامي فهو رجل. وعن عبد الله بن الربيع قال: قال أبو جعفر لإسماعيل بن عبد الله: صف لي الناس، فقال: أهل الحجاز مبتدأ الإسلام وبقية العرب، وأهل العراق ركن الإسلام ومقاتلة عن الدين، وأهل الشام حصن الأمة وأبنية الأئمة، وأهل خراسان فرسان الهيجاء وأعنة الرجاء، والترك منابت الحصون وأبناء المغازي، وأهل الهند حكماء، استغنوا ببلادهم فاكتفوا بها عما سواها، والروم أهل كتاب وتدين نحاهم من القرب إلى البعد، والأنباط كان ملكهم قديماً فهم لكل قوم عبيد. قال: فأي الولاة أفضل؟ قال: الباذل للعطاء، والمعرض عن السيئة. قال فأيهم أخرق؟ قال: أنهكهم للرعية، وأتعبهم لها بالخرق والعقوبة. قال: فالطاعة على الخوف أبلغ في حاجة الملك أم الطاعة على المحبة؟ قال: يا أمير المؤمنين، الطاعة عند الخوف تسر الغدر، وتتابع عند المعاينة. والطاعة على المحبة تضر الاجتهاد، وتنابع عند الغفلة. قال: فأي الناس أولاهم بالطاعة؟ قال: أولاهم بالمضرة والمنفعة، قال: ما علامة ذلك؟ قال: سرعة الإجابة وبذل النفس. قال: فمن ينبغي للملك أن يتخذه وزيراً؟ قال: أسلمهم قلباً، وأبعدهم من الهوى. قال أبو الحسن الميموني: ذكر أبو عبد الله كورة من نحو الشام، فقال: قدرية، ويتكلمون به في مساجدهم، ويتعرضون للناس. ولكن أهل دمشق وأهل حمص خاصة أصحاب سنة، وهم إن رأوا الرجل يخالف السنة أخرجوه من بينهم. كانت حمص مسكن ثور بن يزيد. فلما عرفوه بالقدر أخرجوه من بينهم، فسكن بيت المقدس.

ذكر توثيق أهل الشام بالرواية وعلمهم

ذكر توثيق أهل الشام بالرواية وعلمهم قال جبير بن نفير: دخلنا على عبد الله بن عمر نسأله ونسمع منه، فقال لنا: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيراً ونذيراً، فاتبعته ناصية من الناس. كان الرجل يخرج من بين أبويه فيبايعه، فقاتلوا على الدين حتى أمن الله الناس، وحتى لزموا كلمة الحق. فلما مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشايع الناس وتحزبوا، فقامت تلك الناصية، فقاتلوا الناس حتى ردوا الناس إلى كلمة الإسلام، وحتى قالوا: لا إله إلا الله وإن نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق. فلما اجتمعوا انطلق تلك الناصية براية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعهم الشرائع التي جاء بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والهجرة، مهاجرين حتى نزلوا الشام وتركوا الناس أعراباً. فمن رآهم فلم يتعلم من هديهم وينتهي إليه، وعمي عنه ثم ابتغاه من الأعراب فهو أقل علماً وأشد عمى. وعن الزهري قال: قالت عائشة: يا أهل العراق، أهل الشام خير منكم، خرج إليهم نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير، فحدثونا بما نعرف، وخرج إليكم نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قليل فحدثتمونا بما نعرف وما لا نعرف. قال: وقال الزهري: إذا سمعت بالحديث العراقي فاردد به، ثم اردده. وقال البيهقي: فأرود به، ثم أرود به. وهو الصواب. قال الوليد بن مسلم: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن إبراهيم قال: لقيني شامي فقال: إن مصحفنا ومصحف أهل البصرة أثبت من مصحف أهل الكوفة. قال: قلنا: لم؟ قال: لأن أهل الكوفة عوجلوا، ويقرؤون على قراءة عبد الله فعوجل مصحفهم قبل أن يعرض ومصحفنا ومصحف أهل البصرة لم يبعث به حتى عرض. وعن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا، يعني في مجلسنا هذا، قال أبو عبيد الله: فعددت ألفاً وست مئة ونيفاً، فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ. وكان أبو الدرداء قائماً يستفتونه في حروف القرآن يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء. وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة، فيقرأ جزاً من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابن عامر مقدماً فيهم. وعن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: كان أبو الدرداء يأتي المسجد ثم يصلي الغداة ثم يقرأ في الحلقة ويقرئ، حتى إذا أراد القيام قال لأصحابه: هل من وليمة نشهدها أو عقيقة أو فطرة؟ فإن قالوا: نعم قام إليها، وإن قالوا لا قال: اللهم إني أشهدك أني صائم. وإن أبا الدرداء هو الذي سن هذه الحلق يقرأ فيها. وقال الشيخ، وهو أبو عمرو الكلبي: عهدت المسجد الجامع يعني بدمشق وإن عند كل عمود شيخاً، وعليه الناس يكتبون العلم. وقال الأوزاعي: كانت الخلفاء بالشام، فإذا كانت بلية سألوا عنها علماء أهل الشام وأهل المدينة، وكانت أحاديث العراق لا تجاوز جدر بيوتهم. وقال سفيان بن عيينة: من أراد المناسك فعليه بأهل مكة، ومن أراد مواقيت الصلاة فعليه بأهل المدينة،

ومن أراد السير فعليه بأهل الشام، ومن أراد شيئاً لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق. وفي حديث آخر عنه قال: من أراد الإسناد والحديث الذي يسكن إليه فعليه بأهل المدينة، ومن أراد المناسك والعلم بها والمواقيت فعليه بأهل مكة، ومن أراد المقاسم وأمر الغزو فعليه بأهل الشام، ومن أراد شيئاً لا يعرف حقه من باطله فعليه بأهل العراق. وقال الشافعي: إن أردت الصلاة يعني فعليك بأهل المدينة، وإن أردت المناسك فعليك بأهل مكة، وأن أردت الملاحم فعليك بأهل الشام، والراي عن أهل الكوفة. وقال ابن المبارك: ما دخلت الشام إلا لاستغني عن حديث أهل الكوفة. وقال موسى بن هارون: أهل البصرة يكتبون لعشر سنين، وأهل الكوفة لعشرين، وأهل الشام لثلاثين. وقال أبو عبد الله الزبيري: نسخت كتب الحديث في العشرين لأنها مجتمع العقل. قال: وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض. وقال عطاء الخراساني: ما رأيت فقيهاً أفقه إذا وجدته من شامي. قال صدقة بن خالد: قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كان يقال: من أراد العلم فلينزل بداريّا بين عنس وخولان. زاد غيره عن يزيد بن محمد، قال يزيد: عنس وخولان قريتان بدمشق، فيهما مسجدان. يتجمع في واحد عنس وفي واحد خولان. فإذا كان هذا في أهل داريّا وهي قرية من قرى دمشق فما ظنك بأهل البلد الكبير الذي يحوي الخلق؟.

باب صفة أهل الشام بالدين والثقة

باب صفة أهل الشام بالدين والثقة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: باعت امرأة طستاً في سوق الصفر بدمشق، فوجده المشتري ذهباً فقال لها: أما إني لم أشتره إلا على أنه صفر وهو ذهب، فهو لك. فقالت: ما ورثناه إلا على أنه صفر، فإن كان ذهباً فهو لك. قال: فاختصما إلى الوليد بن عبد الملك، فاحضر رجاء بن حيوة فقال: انظر فيما بينهما. فعرضه رجاء على المرأة فأبت أن تقبله، وعرضه على الرجل فأبى أن يقبله. فقال: يا أمير المؤمنين، أعطها ثمنه واطرحه في بيت مال المسلمين. وعن يزيد بن جابر قال: رأيت سواراً من ذهب، وزنه ثلاثون مثقالاً، معلقاً في قنديل من قناديل مسجد دمشق أكثر من شهر، لا يأتيه أحد فيأخذه. وعن جعفر بن محمد، قال: كنت مع أبي، محمد بن علي بمكة في ليالي العشر قبل التروية بيوم أو يومين، وأبي قائم يصلي في الحجر وأنا جالس وراءه، فجاءه رجل أبيض الراس واللحية، جليل العظام، بعيد ما بين المنكبين، عريض الصدر، عليه ثوبان غليظان، في هيئة المحرم، فجلس إلى جنبه، فعلم أبي أنه يريد أن يخفف الصلاة، فسلم ثم أقبل عليه فقال له الرجل: يا أبا جعفر، أخبرني عن بدء خلق هذا البيت كيف كان؟ فقال له أبو جعفر محمد بن علي ممن أنت؟ قال: رجل من أهل الشام، فقال له محمد بن علي: إن أحاديثنا إذا سقطت إلى الشام جاءتنا صحاحاً، وإذا سقطت إلى العراق جاءتنا وقد زيد فيها ونقص ثم قال له: بدء خلق هذا البيت. وذكر الحديث.

باب النهي عن سب أهل الشام

باب النهي عن سب أهل الشام عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تكون في آخر الزمان فتنة، يحصل فيها الناس كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبوا أهل الشام، ولكن سبوا شرارهم، فإن فيهم الأبدال. يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء فيفرق جماعتهم، حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول: هم خمسة عشر ألفاً، والمقل يقول: هم اثنا عشر ألفاً، أمارتهم: أمت أمت، يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك، فيقتلهم الله جميعاً، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم، وقاصيهم ودانيهم. وعنه أيضاً قال: يا أهل العراق لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم الأبدال. قال رجاء بن حيوة: اذكر لي رجلين من أهل بيسان، فإنه بلغني أنه اختص بيسان برجلين من الأبدال، لا يقبض الله رجلاً منهم إلا بعث الله مكانه رجلاً. ولا تذكر لي متماوتاً ولا طعاناً على الأئمة، فإنه لا يكون منهم الأبدال. وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان: أن رجلاً قال يوم صفين: اللهم العلن أهل الشام، فقال علي: لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً، فإن فهيم قوماً كارهين لما يرون، وإن فيهم يكون الأبدال. وعن أبي هريرة قال: لا تسبوا أهل الشام، فإنهم جند الله المقدم. من قتل من أهل الشام بصفين

ما ورد فيمن قتل من أهل الشام بصفين

ما ورد فيمن قتل من أهل الشام بصفين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع ملاحم في الجنة: الجمل في الجنة، وصفين في الجنة، وحرة في الجنة "، وكان يكتم الرابعة. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: سمع علي يوم الجمل أو يوم صفين رجلاً يغلو في القول، يقول الكفرة. قال: لا تقولوا، فإنهم زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا. وعن سالم بن عبيد الأشجعي قال: رأيت علياً بعد صفين، وهو آخذ بيدي ونحن نمشي في القتلى، فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ قتلى أهل الشام فقلت له: يا أمير المؤمنين، إنا في أصحاب معاوية، فقال علي: إنما الحساب علي وعلى معاوية. وعن عبد الرحمن بن نافع القارئ قال: قدمت العراق فدخلت دار علي بن أبي طالب التي كان يسكن، فإذا الموالي حلقتان يتحدثون، فجلست معهم. فخرج علي وهم يذكرون قتلى علي ومعاوية، فقالوا: قبلتنا واحدة، وإلهنا واحد، ونبينا واحد، فأين قتلانا وقتلاهم؟ فأقبل علي، فلما رآهم قصد إليهم فسكتوا، فقال علي: ما كنتم تقولون؟ فسكتوا. فقال علي: عزمت عليكم لتخبرني، فقالوا: ذكرنا قتلانا وقتلى معاوية، وأن قبلتنا واحدة، وإلهنا واحد، وديننا واحد، فقال علي: فإني أخبركم عن ذلك، إن الحساب علي وعلى معاوية. وعن سعد بن إبراهيم قال: خرج علي بن أبي طالب ذات يوم ومعه عدي بن حاتم الطائي، فإذا رجل من طيء قتيل، قد قتله أصحاب علي، فقال عدي: يا ويح هذا، كان أمس مسلماً واليوم كافراً. فقال علي: مهلاً، كان أمس مؤمناً وهو اليوم مؤمن.

وعن مكحول: أن أصحاب علي سألوه عمن قتلوا من أصحاب معاوية. قال: هم المؤمنون. وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: شهدت مع علي صفين، فأتي بخمسة عشر أسيراً من أصحاب معاوية، فكان من مات منهم غسله وكفنه وصلى عليه. وعن عبد الرحمن بن جندب قال: سئل علي عن قتلاه وقتلى معاوية، قال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة، فنجتمع عند ذي العرض، فأينا فلج، فلج أصحابه. وعن علي رضي الله عنه قال: من كان يريد وجه الله منا ومنهم نجا يعني صفين. قال عبد الله بن عروة: حدثني رجل شهد صفين قال: رأيت علياً خرج في بعض تلك الليالي، فنظر إلى أهل الشام فقال: اللهم اغفر لي ولهم. قال: فأتى عمار فأخبر، فقال: جروا له الحصير ما جره لكم. وعن عبد الله بن رباح أن عماراً قال: لا تقولوا كفر أهل الشام، ولكن قولوا: فسقوا أو ظلموا. وعن رباح بن الحارث قال: قال رجل من أهل الكوفة: كفر أهل الشام ورب الكعبة، فقال عمار: لا تقل كفروا، ولكنهم قووم مفتونون، بغوا علينا، فحق علينا قتالهم. وعنه قال: كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين، وركبتي تمس ركبته، فقال رجل: كفر أهل الشام فقال عمار: لا تقل ذلك: نبينا ونبيهم واحد، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون، جاروا عن الحق، فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه.

ذكر ما ورد في ذم أهل الشام

ذكر ما ورد في ذم أهل الشام عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجفاء والبغي في الشام ". قال: هذا حديث لا يمكن الاعتماد عليه لضعف إسناده. وعن أنس أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا ركب الناس الخيل ولبسوا القباطي ونزلوا الشام، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء عمهم الله بقعوبة من عنده. ذكر في إسناده عمرو بن زياد الثوبي، وقال: كان منكر الحديث، يسرق الحديث ويحدث بالبواطيل. عن أبي هريرة قال: سينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر. قال ابن أبزى: بلغ عمر أن أناساً تكلموا في القدر فقام خطيباً فقال: يا أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم في القدر، والذي نفسي بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما. قال: فأمسك الناس عنه، حتى نبغت نابغة أو نبغة بالشام. وعن الشيباني قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا زرعة هلك عبادنا وخيارنا في هذا الرأي، يعني القدر. كان المتكلم في القدر بالشام: غيلان القدري، وتبعه على ذلك أتباع، فأخذه

هشام بن عبد الملك فصلبه، وكفى أهل الشام أمره. وقد كانت القدرية بالبصرة أكثر، وضررهم على أهل السنة أكبر، فإنهم صنفوا في نفيه التصانيف، وألف أهل الاعتزال فيه التآليف، فأفناهم الله وأبادهم. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة أشياء: خلق الجدب، وأردفه الزهد، وأسكنه الحجاز، وخلق العفة، وأردفها الغفلة، وأسكنها اليمن، وخلق الزيف، وأردفه الطاعون، وأسكنه الشام، وخلق الفجور، وأردفه الدرهم، وأسكنه العراق. قال: وهذا حديث فيه مجاهيل لا يحتج به. وعن سليمان بن يسار قال: كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل فكتب إليه: يا أمير المؤمنين، إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء: أريد اليمن، فقال حسن الخلق: أنا معك. وقال الجفاء: أريد الحجاز، فقال الفقر: وأنا معك، وقال البأس: أريد الشام، فقال السيف: وأنا معك. وقال العلم: أريد العراق، فقال العقل: وأنا معك. وقال الغني: أريد مصر، فقال الذل: وأنا معك. فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين. فلما ورود الكتاب على عمر بن الخطاب قال: فالعراق إذاً، فالعراق إذاً. ورواه بن عائشة أيضاً: قال ابن عساكر: والمحفوظ عن كعب سوء القول في العراق، وضعف هذه الأحاديث. وعن أنس بن مالك قال: لما حشر الله الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحاً شرقية وغربية وقبلية وبحرية، فجمعتهم إلى بابل، فاجتمعوا يومئذ ينظرون، لما حشروا له إذ نادى مناد: من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه، فله كلام أهل السماء. فقام يعرب بن قحطان فقيل له: يا يعرب بن قحطان بن هود: أنت هو. فكان أول من تكلم بالعربية ولم يزل المنادي ينادي: من فعل كذا وكذا فله كذا

وكذا، حتى افترقوا على اثنين وسبعين لساناً. وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن، فسميت بابل. وكان اللسان يومئذ بابلياً. وهبطت ملائكة الخير والشر، وملائكة الحياء والإيمان، وملائكة الصحة والشفاء، وملائكة الغنى، وملائكة الشرف، وملائكة المروءة، وملائكة الجفاء، وملائكة الجهل، وملائكة السيف، وملائكة اليأس، حتى انتهوا إلى العراق، فقال بعضهم لبعض: افترقوا. فقال ملك الإيمان: أنا أسكن المدينة ومكة، فقال ملك الحياء: أنا معك، فأجمعت الأمة على أن الإيمان والحياء ببلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال مالك الشقاء: أنا أسكن البادية، فقال ملك الصحة: وأنا معك، فأجمعت الأمة على أن الصحة والشقاء في الأعراب. وقال ملك الجفاء: أنا أسكن المغرب، فقال ملك الجهل: أنا معك، فأجمعت الأمة على أن الجفاء والجهل في البربر. وقال ملك السيف: أنا أسكن الشام، فقال له ملك البأس: أنا معك. وقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال له ملك المروءة: أناملك البأس: أنا معك. وقال ملك الغنى: أنا أقيم هاهنا، فقال له ملك المروءة: أنا معك. فقال ملك الشرف: وأنا معكما، فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق. وعن حكيم بن جابر قال: أخبرت أن الإسلام قال: أنا لا حق بأرض الشام، قال الموت: وأنا معك. قال الملك: وأنا لا حق بأرض العراق قال القتل: وأنا معك. قال الجوع: وأنا لاحق بأرض العرب، قالت الصحة: وأنا معك. قال: إنما أراد بذلك كثرة ما كان بها من الطاعون، أو القتل في الجهاد، وكلاهما شهادة. وذلك مدح ليس بذم. قال الجاحظ: أشياء اتفقت ثمانية أزواج ستة عشر صنفاً، ثم اتفقت أزواجاً فصارت ثمانية أزواج: فقال الدين: أسكن الحرمين مكة والمدينة، قالت الأمانة: أنا معك. قال الغني واليسار: أسكن مصر، قال الذل: أنا معك. قال السخاء: أسكن الشام، قالت الشجاعة: وأنا معك. قال العقل: أسكن العراق، قالت المروءة: وأنا معك. قال العلم: أسكن خراسان، قال الورع: وأنا معك. قالت التجارة: أسكن خوزستان وأصبهان، قالت النذالة: وأنا معك. قال الجفاء: أسكن المغرب، قال الجهل: وأنا معك. قال الفقر: أسكن اليمن، قالت القناعة: وأنا معك. وهذا مدح ليس بذم.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل: أن عمر رضي الله عنه أتي برجل قد أفطر في رمضان. فلما رفع إليه عثر، فقال: على وجهك، أو بوجهك. تفطر وصبياننا صيام؟ فضربه الحد، وكان إذا غضب على إنسان سيره إلى الشام، فسيره إلى الشام. لم يكن عمر رضي الله عنه ينفي إلى الشام لدناءة حال أهله عنده، وإنما كان ينفي إليها لكثرة ما كان بها من الطاعون رجاء أن يكفيه الطاعون أمر من يغصب عليه، فينفيه إليها ليكون الطاعون شهادة له، ومكفراً عنه ما فرط منه. وعن أبي عسيب مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاني جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام. فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافر. وعن علي بن زيد بن جدعان قال: قال رجل لعمرو بن العاص: صف لي الأمصار. قال: أهل الشام أطوع الناس للمخلوق وأعصاهم للخالق، وأهل مصر أكيسهم صغاراً، وأحمقهم كباراً، وأهل الحجاز أسرع الناس إلى الفتنة وأعجزهم فيها، وأهل العراق أطلب الناس للعلم وأبعدهم منه. قدم عبد الله بن الكواء على معاوية، فقال له معاوية: أخبرني عن أهل البصرة. قال: يقاتلون معاً، ويدبرون شتى. قال: فأخبرني عن أهل الكوفة. قال: أنظر الناس في صغيرة وأوقعه في كبيرة. قال: فأخبرني عن أهل المدينة. قال: أحرص الناس على الفتنة، وأعجزه فيها. قال: فأخبرني عن أهل مصر قال: لقمة آكل. قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل: قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل: قال: قلادة وليدة، فيها من كل خرزة. قال: فأخبرني عن أهل الشام. قال: جند أمير المؤمنين، ولا أقول فيهم شيئاً. قال: لتقولن. قال: أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم لخالق، ولا يحسبون للسماء ساكناً.

وفي حديث آخر: أطوع الناس لمخلوق في معصية الخالق، وأجرؤهم على الموت لا يدري ما بعده. دمشقيهم يشتمل ولا يدري، وحمصيهم يسمع ولا يعي. قال: والمراد في هذه الحكايات ما كان عليه أهل الشام من طاعة أئمتهم وأمرائهم، واقتدائهم في الفتن والحروب بآرائهم، من غير نظر في عواقب الفتن كما فعلوا في سالف الزمن من قتالهم علي بن أبي طالب، وهو الإمام المرتضى، وفعلهم يوم الحرة، وحصار ابن الزبير. وتلك أمور قد خلت، وفتن قد مضت، عصم الله منها. وابن الكواء لا يعتمد على ما يرويه، فكيف يعتمد على ما يقوله عن نفسه؟ قال أبو المخيس: كنت جالساً عند الأحنف، فأتاه كتاب من عبد الملك بن مروان يدعوه إلى نفسه، فقال: يدعوني ابن الزرقاء إلى طاعة أهل الشام؟! ولوددت أن بيننا وبينهم جبلاً من نار، من أتانا منهم احترق، ومن أتاهم منا احترق. وهذا، لما كان يجري بين أهل الشام والعراق من الحروب، وأما الآن فقد آلف الله بين القلوب. وعن الأوزاعي قال: لا نأخذ من قول أهل العراق خصلتين، ولا من قول أهل مكة خصلتين، ولا من قول أهل المدينة خصلتين، ولا من قول أهل الشام خصلتين: فأما أهل العراق فتأخير السحور وشرب النبيذ، وأما أهل مكة فالمتعة والصرف، وأما أهل المدينة فإتيان النساء في أدبارهن والسماع، وأما أهل الشام فبيع العصير وأخذ الديون. قال: وهذان الأمران قد ذهبا. أما بيع العصير فليس في الشام اليوم عالم يبيحه، وأما الديوان فقد منعهموه السلطان.

وعن النعمان بن المنذر الغساني قال: كنت مع مكحول بالصائفة قال: فأتاه فتيان من أهل العراق قال: فجعلوا يسألونه، قال: فجعل يخبرهم قال: فقالوا له: عمن ومن حدثك، قال: فنشط لهم مكحول، فجعل يسند لهم، قال: فلما تهيأ قيامه ضحك، ثم قال: هكذا ينبغي لكم يا أهل العراق، لا يصلحكم إلا هذا، وأما أصحابنا هؤلاء أهل الشام فيأخذون كما تيسر. قال: ثم قام. قال الأعمش: كنا إذا جاءنا الحديث وأنكرناه قلنا: شامي وقيل لعبد الرحمن بن مهدي: أي الحديث أصح؟ قال: حديث أهل الحجاز، قيل: ثم من؟ قال: حديث أهل البصرة، قيل: ثم من؟ قال: حديث أهل الكوفة، قالوا: فالشام؟ قال: فنفض يده. في هذه الحكاية نظر، والعدوي، بعض رواتها، كذاب، ويحتمل إن كان صحيحاً أنه إنما قال ذلك لأن الغالب على أحاديث أهل الشام أحاديث الفتن والملاحم. وأما إذا جاء الحديث مسنداً من رواية ثقاتهم، بعضهم عن بعض فهو صحيح، تلزم به الحجة كما يلزم بأحاديث غيرهم. قال حميد بن إبراهيم: سألت عمرو بن عبيد عن هذه الآية: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " قال: قلت: هم أهل الشام؟ قال نعم. عمرو هو العدوي لا يحتج بما يرويه عن غيره، فكيف بما يقوله برأيه في كتاب الله مما لا يعضده بالحجة؟ قال الأوزاعي: كانوا يستحبون أن يحدثوا أهل الشام بفضائل أهل البيت، ليرجعوا عما كانوا عليه. وقال الثوري: إذا كنت بالشام فحدث بفضائل علي، وإذا كنت بالعراق فحدث بفضائل عثمان.

وهذا، لما كان في أهل الشام من الانحراف عن أهل بيت الرسول، وأما الآن فقد أمن ذلك، لما وقفوا عليه من فضائلهم. حدث أبو يحيى السكري قال: دخلت مسجد دمشق فرأيت في مسجدهما حلقاً، فقلت: هذا بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم، وملت إلى حلقة في المسجد في صدرها شيخ جالس فجلست إليه، فسأله رجل ممن بين يديه فقال: يا أبا المهلب: من علي بن أبي طالب؟ قال: خناق كان بالعراق، اجتمعت إليه جمعية فقصد أمير المؤمنين يحاربه فنصره الله عليه. قال: فاستعظمت ذلك وقمت، فرأيت في جانب المسجد شيخاً يصلي إلى سارية، حسن السمت والصلاة والهيئة فقصدت إليه فقلت له: يا شيخ، أنا رجل من أهل العراق جلست إلى تلك الحلقة. وقصصت عليه القصة، فقال لي: في هذا المسجد عجائب. بلغني أن بعضهم يطعن على أبي محمد حجاج بن يوسف فعلي بن أبي طالب من هو؟ وقد روي مثل معنى هذه الحكاية عن أهل حمص. وكلتا الحكايتين ضعيف. وأما ما تحكيه العامة من تأخير معاوية صلاة الجمعة إلى يوم السبت ورضي أهل الشام بذلك فأمر مختلق لا اصل له، ومعاوية ومن كان في عصره بالشام من الصحابة والتابعين أتقى لله وأشد محافظة على أداء فريضة، وأفقه في دينه من أن يخفى عنهم أن ذلك لا يجوز. قال: ولم أجد لذلك أصلاً في شيء من الروايات. وإنا يحكى بإسناد منقطع أن بعض مغفلي أهل الشام امتحن بذكر ذلك في العراق في زمن الحجاج، فلعل بعض الناس بلغه ذلك فعزاه إلى أهل الشام. قال: كان للحجاج قاض في الكوفة من أهل الشام يقال له أبو حمير، فحضرت الجمعة فمضى يريدها فلقيه رجل من أهل العراق فقال: أبا حمير، أين تذهب؟ قال: إلى الجمعة، قال: أما بلغك أن الأمير قد أخر الجمعة اليوم؟ فانصرف راجعاً إلى بيته. فلما

أخبار ملوك الشام قبل الإسلام

كان من الغد قال له الحجاج: أين كنت يا أبا حمير لم تحضر معنا الجمعة؟ قال: لقيني بعض أهل العراق فأخبرني أن الأمير أخر الجمعة فانصرفت. قال: فضحك الحجاج وقال: أبا حمير أما علمت أن الجمعة لا تؤخر؟ قال: وهذه الحكاية إن صحت تدل على بطلان ما يدعى على معاوية من ذلك، لأنه لو كان تقدم ذلك من معاوية لما خفي على أبي حمير حتى كان يقول للحجاج: فقد فعل مثل هذا معاوية، ولا على الحجاج حتى يقول لأبي حمير: هذا كما قال معاوية لأهل الشام. والله يعيذنا من إشاعة الكذب في السلف، ويمن علينا بالثبات على الحق. قال: وإنما يتم من الأمر ما هذا سبيله على من اشتهر منه تغفيله. كما روي عن أبي علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري قال: سألت أبا عمرو هلالاً يعني: ابن العلاء. عن أبي بكر بن بدر قال: ذكروا أنه خرج يوم خميس قد لبس ثيابه يريد الجمعة، فمر بميمون بن مهران فقال له: أين تريد: فقال: الجمعة، فقال له ميمون: قد أخروها إلى غد، فرجع إلى أهله فقال لهم: قال لي ميمون بن مهران إنهم قد أخروا الجمعة إلى غد. فأما ما كان في عصر معاوية من الصحابة والتابعين فلا يجوز أن يلحق بهم ما لا يليق. وقد كان معاوية يأمر بحضور الجمعة أهل القرى القاصية، فكيف يظن به أنه أخرها عن حاضرتها؟! كما روي عن يونس بن حنبس قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر منبر دمشق يقول: يا أهل قردا، يا أهل زاكية، يا أداني البثنية، الجمعة الجمعة، وربما قال: يا أهل قين، يا أقاصي الغوطة، الجمعة الجمعة، لا تدعوها. أخبار ملوك الشام قبل الإسلام

ذكر ما جاء من أخبار ملوك الشام قبل الإسلام

ذكر ما جاء من أخبار ملوك الشام قبل الإسلام عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب. وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان. فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنهم سيظهرون ". فذكر أبو بكر لهم ذلك فقالوا: اجعل بيننا وبينكم أجلاً، إن ظهروا كان لك كذا وكذا، وإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، فجعل بينهم أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا جعلته أراه قال: دون العشرة قال: فظهرت الروم بعد ذلك، فذلك قوله: " ألم غلبت الروم في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بعضع سنين " قال: فغلبت الروم ثم غلبت بعد: " لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ". قال سفيان: وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر. وعن عبد الله بن عباس. أنه سمع عمر بن الخطاب يسأل الهرمزان عظيم الأهواز، وكان نزل على حكم عمر

فأسلم فعفا عنه، فسأل عمر عن جيوش فارس التي بعث كسرى مع شهربراز، وما الذي كشف فارس عنهم فقال الهرمزان: كان كسرى بعث شهربراز وبعث معه جنود فارس، فملك الشام ومصر وخرب عامة حصون الروم، وطال زمانه بالشام ومصر وتلك الأرض، فطفق كسرى يستبطئه ويكتب إليه: إنك لو أردت أن تفتح مدينة الروم فتحتها، ولكنك رضيت بمكانك فأردت طول السلطان، فأكثر إليه كسرى من الكتب في ذلك وأكثر شهربراز مراجعته واعتذارا إليه، فلما طال ذلك على كسرى كتب إلى عظيم من عظماء فارس مع شهربراز يأمره بقتل شهربراز ويلي أمر الجنود، فكتب إليه ذلك العظيم يذكر أن شهربراز جاهد ناصح وأنه هو أنبل، وهو أمثل بالحرب منه، فكتب إليه كسرى يعزم عيه ليقتلنه، فكتب أيضاً يراجعه، ويقول إنه ليس لك عبد مثل شهربراز، وإنك لو تعلم ما يوازي من مكابدة الروم عذرته. فكتب إليه كسرى يعزم عليه ليقتلنه وليلين أمر الجنود، فكتب إليه يراجعه أيضاً فغضب كسرى، فكتب إلى شهربراز يعزم عليه ليقتلن ذلك العظيم، فأرسل شهربراز إلى ذلك العظيم من فارس فأقرأه كتاب كسرى فقال له: راجع في، فقال له: قد علمت أن كسرى لا يراجع وقد علمت محبتي إياك، ولكنه قد جاءني مالاً أستطيع تركه، فقال له ذلك الرجل: أفلا تدعني أرجع إلى أهلي فآمرهم بأمري، وأعهد إليهم عهدي؟ فقال بلى، وذلك الذي أملك لك فانطلق إلى أهله، فأخذ صحائف كسرى الثلاث التي كتب إليه، فجعلهن في كمه، ثم جاء حتى دخل على شهربراز ودفع إليه الصحيفة الأولى فاقترأها شهربراز فقال له شهربراز: أنت خير مني، ثم دفع إليه الصحيفة الثالثة فاقترأها. فلما فرغ شهربراز من قراءته قال: أقسم بالله لأسوأن كسرى. فأجمع شهربراز المكر بكسرى، وكاتب هرقل وذكر له أن كسرى قد أفسد فارس، وجهز بعوثها، وابتليت بملكه، وسأله أن يلقاه بمكان نصف يحكمان فيه الأمر ويتعاهدان، ثم يكشف عنه شهربراز جنود فارس ويخلي بينه وبين السير إلى كسرى. فلما جاء كتاب شهربراز دعا رهطاً من عظماء الروم فقال لهم حين جلسوا؛ أنا اليوم أحزم الناس، أو أعجز الناس، وقد أتاني أمر لا تحسبونه، وسأعرض عليكم فأشيروا

علي فيه، ثم قرأ عليهم كتاب شهربراز، فاختلفوا عليه في الرأي، فقال بعضهم: هذا مكر من كسرى، وقال بعضهم: أراد هذا العبد أن يلقاك كسرى فيشمت بك ثم لا يبالي ما لقي. فقال هرق: إن الرأي ليس حيث ذهبتم، إنه لعمري ما طابت نفس كسرى بأن يشتم هذا الشتم الذي أجد في كتاب شهربراز، وما كان شهربراز ليكتب بهذا الكتاب وهو ظاهر على عامة ملكي إلا لأمر حدث بينه وبين كسرى، وإني والله لألقينه، فكتب إليه هرقل إنه قد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وإني لاقيك، فموعدك كان كذا وكذا، فاخرج بأربعة آلاف من أصحابك فإني خارج في مثلهم، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فضع ممن معك خمس مئة، فإني سأضع بمكان كذا وكذا مثلهم، ثم ضع بمكان كذا خمس مئة، فإني سأضع بمكان كذا مثلهم، حتى نلتقي أنا وأنت في خمس مئة. وبعث هرقل الرسل من عنده إلى شهربراز فأمرهم أن يقوموا على ذلك، فإن فعل شهربراز لم يرسلوا إليه، وإن أبى ذلك عجلوا إليه بكتاب، فرأى رأيه، فافعل ذلك شهربراز. وسار هرقل في أربعة آلاف ومع شهربراز خمس مئة، فلما رآهم شهربراز أرسل إلى هرقل: أغدرت؟ فأرسل إليه هرقل: لم أغدر ولكن خفت الغدر من قبلك، وأمر هرقل بقبة ديباج فضربت لهما بين الصفين، فنزل هرقل فدخلها وأدخل ترجمانه، وأقبل شهربراز حتى دخل عليه، فانتحيا ومعهما ترجمان حتى أحكما أمرهما، واستوثق كل واحد منهما بالعهد والمواثيق، حتى إذا فرغا من أمرهم خرج هرقل، فأشار إلى شهربراز أن يقتل الترجمان لكي يخفى أمرهم وسرهما، فقتله شهربراز ثم انكشف شهربراز فجيش الجنود، وسار جيش هرقل إلى كسرى حتى أغاروا على كسرى ومن بقي معه، فكان ذلك أول هلكة كسرى، ووفى هرقل لشهربراز بما أعطاه من ترك أرض فارس وسببها، فانكشف حين ولى، وقتلت فارس كسرى، ولحق شهربراز بفارس والجنود التي معه. حدث محمد بن مهاجر الأنصاري، وذكر مسير هرقل إلى بيت المقدس فقال: إن كسرى وفارساً ظهرت على الروم بالشام وما دون خليج القسطنطينية، وسار

بجنوده حتى نزل بخليجها وأخذ في كبسه بالحجارة والكلس ليتخذوا طريقاً يبساً، فبينما هو على ذلك إذ بلغه أن ملك الهند الخزر قد خلفاه في بلاده من العراق. فانصرف عن القسطنطينية وخلف على ما ظهر عليه من مدائن الشام عاملاً في حكمه من أساورته وخيولهم فنزل ذلك العامل حمص وضبط له ما خلفه عليه، ومضى كسرى إلى عراقه، فإذا الحرب قد نشبت بني ملك الهند وبين ملك الخزر، فكتبا إليه كلاهما يسألانه النصرة على كل واحد منهما على أن يرد من والاه على صاحبه جميع ما استباح وسبى من بلاده ويزيده كذا وكذا، فرأى كسرى وأساورته أن يظاهر ملك خزر على ملك الهند لجواره ملك خزر، ومقارعته إياه في كل يوم، ولجرأة ملك الهند عليه، وتناوله الفرصة منه إذا أمكنته من بعد. فوالى كسرى ملك خزر على ملك الهند وقهراه، واستنقذا ما كان أصاب من بلاده من سبي أو غير ذلك. وزاده هدية ثلاثين ألف مملوك، وانصرف عنه جنوده فملك كسرى على الثلاثين ألف مملوك الذين خلفهم ملك خزر عنده، رجلاً، وسيرهم إلى ما خلف القسطنطينية، وأسكنهم تلك البلاد وهي يومئذ خراب. قال محمد بن مهاجر: فهم اليوم برجان. وعن العلاء بن الزبير الكلابي عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارساً، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، وظهورهم بالشام والعراق، وكل ذلك في خمس عشرة سنة.

باب تبشير النبي أمته بافتتاح الشام

باب تبشير النبي أمته بافتتاح الشام عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهاليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم من لو كانوا يعلمون ". وعن بسر بن سعيد أنه سمع في مجلس الشنئيين يذكرون أن سفيان بن أبي زهير أخبرهم: أن فرسه أعيت عليه بالعقيق، وهم في بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع إليه يسحتمله، فزعم سفيان كما ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يبتغي له بعيرا. فلم يجده إلا عند أبي جهم بن حذيفة العدوي فسامه: فقال أبو جهم: لا أبيعكه يا سول الله، ولكن خذه فاحمل عليه من شئت. فزعم أنه أخذه منه، ثم خرج حتى إذا بلغ بئر الإهاب زعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يوشك البنيان أن يبلغ هذا المكان، ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من أهل هذا البلد، ويعجبهم ريفه ورخاؤه، فيسيرون والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، إن إبراهيم عليه السلام دعا لأهل مكة، وإني أسأل الله أن يبارك لنا في صاعنا ومدنا، وأن يبارك لنا في مدينتنا بما بارك لأهل مكة ". وعن أبي ذر قال: استعيذوا بالله من زمن التباغي وزمن التلاعن. قالوا: وما ذاك؟ قال: لا تقوم الساعة حتى يكون قتال قوم دعوتهم دعوى جاهلية، فيقتل بعضهم بعضاً، ولا تقوم

الساعة حتى توقف العربية التي تنسب إلى سبعة أباء، بالأسواق، لا يمنع الرجل أن يبتاعها إلا حموشة ساقيها، وكان يقال: المحروم من حرم غنيمة كلب. قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول الناس هلاكاً قريش، وأول قريش هلاكاً أهل بيتي ". قال: ويقال: اشتكي إليه وباء المدينة فقال: اللهم انقل وباءها إلى مهيعة، اللهم حببنها إلينا ضعف ما حببت إلينا مكة. قال: ويقال: استقبل الشام فقال: يفتح ما هاهنا فيبس الناس إليه بساً، ويفتح المشرق فيبس الناس إليه بساً، والمدينة خير لهم، لو كانوا يعلمون، وبورك لهم في صاعهم ومدهم. وقال: من صبر على لأوائها وشدتها له شهيداً يوم القيامة. وعن أبي زغب الإيادي قال: نزل بي عبد الله بن حوالة صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد بلغنا أنه فرض له في المئتين فأبى إلا مئة. قال: قلت: أحق ما بلغنا أنه فرض لك في مئتين فأبيت إلا مئة؟ فوا لله ما منعه وهو نازل علي أن يقول: لا أم لك، أو لا تكفي ابن حوالة مئة في كل عام؟ ثم أنشأ يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغتم شيئاً. فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بنا من الجهد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى الناس فيهونوا عليهم ويستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن توحد بأرزاقهم، ثم قال: لتفتحن لكم الشام، ثم لتقسمن لكم كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، وحتى إن أحدكم ليعطى مئة دينار فيتسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا بن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت

الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلابل والأمور العظام. والساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه إلى رأسك. وعن البراء بن عازب قال: لما كان حيث أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة، لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول فقال: بسم الله ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء في كاني هذا الساعة. وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن فقال لي: يا محمد: إني جعلت ما وراءك مدداً لك، وجعلت ما تجاهك عصمة لك ورزقاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يزال الله يزيد الإسلام وأهله، وينقص الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى إلا جوراً، يعني جور السلطان. قيل: يا رسول الله، وما النطفتان؟ فقال: بحر المشرق والمغرب. قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي نفسي بيده، والذي نفسي بيده ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل. وعن عبد الله بن بسر قال: أهديت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: اطبخوا هذه الشاة، وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه، واطبخوا واثردوا عليه. قال: وكانت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبح وسبح الضحى أتى بتلك القصعة والتقوا عليها، فإذا كثر الناس جثا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك الله فيها. ثم قال: خذوا فكلوا، فو الذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام. ولا يذكر اسم الله تعالى عليه.

وعن سليمان قال: كنت جالساً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عصابة من أصحابه فجاءت عصابة فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بالجاهلية، كنا نصيب من الزنى فائذن لنا في الخصاء، فكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسألتهم، حتى عرف ذلك في وجهه، ثم جاءت عصابة أخرى فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بالجاهلية كنا نصيب من الآثام، فائذن لنا في الجلوس في البيوت نصوم ونقوم حتى يدركنا الموت، فسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمسألتهم حتى عرف البشر في وجهه وقال: إنكم ستجندون أجناداً، وستكون لكم ذمة وخراج وأرض يفتحها الله لكم، منها ما يكون على شفير البحر، ومدائن وقصور، فمن أدرك ذلك منكم، فاستطاع منكم أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور حتى يدركه الموت فليفعل. وعن عوف بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: الفقر تخافون أو العوز أو تهمكم الدنيا؟ إن الله عز وجل فاتح لكم أرض فارس والروم، ويصب عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغكم إلا هي. وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستفتح عليكم الشام وتجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، وهي حرام على رجال أمتي إلا بأزر، وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة ". وعن معاذ بن جبل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستهاجرون إلى الشام فتفتح لكم، ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحرة يأخذ بمراق الرجل يستشهد الله به أنفسهم، ويزكي به أعمالهم ". وعن أبي أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيفتح عليكم الشام، وستضرب عليكم بعوث يكره الرجال فيها البعث، ثم يتخلف عن قومه ثم يتبع القبائل فيقول: من أكفيه من أكفيه؟ ألا وذاك الأجير إلى آخر قطرة من دمه ".

وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنزلون منزلاً يقال له الجابية أو الجويبة يصيبكم فيه داء مصل غدة الجمل يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم ". وعن سهل بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتقوا الله يا عباد الله، فإنكم إن اتقيتم الله أشبعكم من خير الشام وزيت الشام ". وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " إلى قوله: على كل شيء قديراً " المغانم: فتوح من لدن خيبر. " تأخذونها " تلونها وتغنمون ما فيها. عجل لكم من ذلك خيبر " وكف أيدي الناس ": قريش، " عنكم " بالصلح يوم الحديبة، " ولتكون آية للمؤمنين " شاهداً على ما بعدها، ودليلاً على إنجازها، " وأخرى لم تقدروا عليها ": على علم وقتها، أفيئها عليكم، فارس والروم، " قد أحاط الله بها " قضى الله بها أنها لكم، منها الأيام والقوادس والواقوصة والمدائن والحمر بالشام ومصر والضواحي. فاجتمعت هذا الصفات فيمن قاتل فارس والروم وسائر أعاجم ذلك الزمان. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله: " وأثابهم فتحاً قريباً " قال: خيبر، قال: " وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها " قال: فارس والروم. وعن الواقدي: قال: ويقال: مكة.

وعن ابن عباس في هذه الآية: " وأخرى لم تقدروا عليها " قال: ما فتح الله من هذه الفتوح. وعن مجاهد في قوله: " أولي بأس شديد " قال: هم فارس والروم.

باب سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه وهي غزوة دومة الجندل وذات أطلاح وغزوة مؤتة وذات السلاسل

باب سرايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعوثه وهي غزوة دومة الجندل وذات أطلاح وغزوة مؤتة وذات السلاسل ذكر الواقدي: أن غزوة دومة الجندل أول غزوات الشام، وهي من المدينة على ثلاث عشرة مرحلة، ومن الكوفة على عشر مراحل في برية مرث، ومن دمشق على عشر مراحل، وهي أرض مخل وزرع، يسقون على النواضح، وحولها عيون قليلة، وزرعهم الشعير وهي مدينة عليها سور، ولها حصن عادي مشهور في العرب يدعى مارد. والثانية مؤتة، والغزوة الثالثة تبوك، والغزوة الرابعة غزوة أسامة بن زيد يبنى من أرض فلسطين في سنة عشر، والغزوة الخامسة غزوة أسامة ابن زيد آبل الزيت في سنة إحدى عشرة، وهي التي أمره عليها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مريض، فغزاها بعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ولم يفرق أحد بين غزوة يبنى وبين غزوة آبل الزيت غير الواقدي. وعندي أنهما غزوة واحدة أغار فيها على الموضعين جميعاً. والله أعلم. عن ابن عمر قال: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف قال: تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من غد إن شاء الله. قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلين مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف. قال: فغدوت فصليت فإذا أبو بكر

وعمر وناس من المهاجرين، فيهم عبد الرحمن، وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرحمن: ما خلفك عن أصحابك؟ قال ابن عمر: وقد مضى أصحابه في السفر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبع مئة رجل فقال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري. قال: وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفها على رأسه. قال ابن عمر: فدعاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقعده بين يديه فنفض عمامته بيده ثم عممه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها ثم قال: هكذا فاعتم يا بن عوف، قال: وعلى ابن عوف السيف متوشحة، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً ". قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: أيها الناس، اتقوا خمساً قبل أن يحل بكم، ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم الله بالسنين، ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون، وما نكث قوم عهدهم إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم، قطر السماء. ولولا البهائم لم يسقوا، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم الله شيعاً، وأذاق بعضهم بأس بعض. قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل، فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام، فمكث بها ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، وقد كانوا أبوا أول ما قدم يعطونه إلا السيف، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانياً وكان رأسهم، فكتب عبد الرحمن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بذلك، وبعث رجلاً من جهينة يقال له: رافع بن مكيث، وكتب يخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قد أراد أن يتزوج فيهم فكتب إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تزوج ابنة الأصبغ تماضر، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها ثم أقبل بها. وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. وأما سرية ذات أطلاح فروي عن الزهري قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلاً حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعاً من جمعهم كبيراً، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبيل. فلما رأى ذلك أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا فأفلت منهم رجل كان جريحاً في

القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره الخبر، فشق ذلك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم بالبعثة إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم. وأما غزوة مؤتة فكان سببها فيما روى عمر بن الحكم قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحارث بن عمير الأزدي، ثم أحد بني لهب إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال: أين تريد؟ قال: الشام قال: لعلك من رسل محمد، قال: نعم، أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه صبراً، ولم يقتل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول غيره، فبلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر، فاشتد عليه، وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف، ولم يبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمراء، فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم "، فقال النعمان بن مهض: أبا القاسم، إن كنت نبياً فسميت من سميت قليلاً أو كثيراً أصيبوا جميعاً، إن الأنبياء في بني إسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا: إن أصيب فلان، فلو سمى مئة أصيبوا جميعاً، ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة، اعهد، فلا ترجع إلى محمد أبداً إن كان نبياً، فقال زيد: فأشهد أنه نبي صادق بار. فلما أجمعوا المسير وقد عقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم اللواء ودفعه إلى زيد بن حارثة لواء أبيض مشى الناس إلى أمراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يودعونهم ويدعون لهم، وجعل المسلمون يودع بعضهم بعضاً، والمسلمون ثلاثة آلاف، فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون؛ دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين. قال البيهقي: فلما ودعوا عبد الله بن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك يا بن رواحة؟ قال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: " وإن منكم

إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً " فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورد. ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين. وقالوا: نبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخبره بكثيرة عدونا. فإما أن يمدنا، وإما أن يأمرنا أمراً، فشجع الناس عبد الله بن رواحة، قال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها، إياها تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين، فقال الناس: والله لقد صدق ابن رواحة، فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها: شراف ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء. وقيل: كانوا ستة آلاف من المهاجرين والأنصار وغيرهم. قال عطاف بن خالد المخزومي: وخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله، فقال: اغزوا باسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون بها رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم، وستجدون آخرين، للشياطين في رؤوسهم مفاحيص، فافلقوا هامهم بالسيوف، ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً، ولا كبيراً فانياً، ولا تعزقن نخلاً، ولا تقطعن شجراً ولا تهدموا بناء. وعن أبي هريرة قال: شهدت مؤتة. فلما رأينا المشركين رابنا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة، مالك، كأنك ترى جموعاً كثيرة! قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر أنا لم ننصر.

وعن عبد الله بن أبي بكر قال: لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إيه الحياة وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا " فقال: الآن؟ أحين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبب إلي الدنيا؟! فمضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة، وكره إليه الموت، ومناه الدنيا فقال: الآن؟ حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا! ثم مضى قدماً حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعا له. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ". ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة فاستشهد ثم دخل الجنة معترضاً، فشق ذلك على الأنصار، قيل: يا رسول الله، ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة، فسري عن قومه. وروي أنه لما قتل عبد الله بن رواحة انهزم القوم أسوأ هزيمة رأيتها قط، في كل وجه، ثم إن المسلمين تراجعوا فأقبل رجل من الأنصار، يقال له ثابت بن أقرم فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار، فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجه، وهم قليل، وهو يقول: إلي أيها الناس، فاجتمعوا إليه، قال: فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد فقال: خذ اللواء يا أبا سليمان فقال: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سن وقد شهدت بدراً، قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوا لله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد، فحمله ساعة وجعل المشركون يحملون عليه فتثبت حتى تكركر المشركون، وحمل بأصحابه، ففض جمعاً من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير وانحاش بالمسلمين فانكشفوا راجعين. قال عطاف بن خالد: لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد بن الوليد، فلما أصبح غدوا، وقد جعل مقدمته

ساقة، وساقته مقدمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وقالوا: قد جاءهم مدد، فرعبوا، فانكشفوا منهزمين، فقتلوا مقتلة لم يقتلها قوم. وروي أن زيد بن حارثة سار بهم على حبال بين الشراة والبلقاء على ريفها وعمارتها فمر بقرية من قرى حبال يقال لها اكبث، فشد أهلها على ساقة المسلمين، فأصابوهم بجراحة، وقتلوا رجلاً من المسلمين فبلغ ذلك جماعة الجيش، فاستأذنوا زيد بن حارثة في الرجعة إليهم والانتقام منهم، فقال زيد: لا أرى ذلك، لأن عدوكم أمامكم قد جمعوا لكم، ودنوا منكم، فأكره أن يفلوا حدكم ونشاطكم بقتال غيرهم، ثم لا آمن أن يجمعوا لكم فيكونوا من ورائكم، فتكونوا بين عسكرين، فمضى زيد ومن معه حتى لقوا عدوهم بين قريات ثلاث: بين مؤتة، والعمقة، وزقوقين فصافوهم هنالك. وروي أن خالداً لما أخذ الراية قاتلهم قتالاً شديداً ثم انحاز الفريقان كل عن كل قافلاً عن غير هزيمة، فقفل المسلمون على طريقهم التي أبدوا منها حتى مروا بتلك القرية والحصن الذين كانوا شدوا على ساقتهم، وقتلوا رجلاً منهم، فحاصروهم في حصنهم حتى فتحه الله عليهم عنوة، فقتل خالد بن الوليد مقاتلتهم في نقيع إلى جانب حصنهم صبراً. فبها سمي ذلك النقيع نقيع الدم إلى اليوم، وهدموا صنهم هدماً لم يعمر بعده إلى اليوم. وفي حديث أبي قتادة: ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء. قال: فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبعيه فقال: اللهم هو سيف من سيوفك، فانتصر به. قال: فيومئذ سمي خالد: سيف الله. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد. قال: فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً. قال عوف بن مالك الأشجعي " خرجت مع زيد بن حارثة في عزوة مؤتة فوافقني مددي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه،

فاتخذ كهيئة الدرقة، ومضينا، فلقينا جموع الروم. قال: وفيهم رجل على فرس له، أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يغري بالمسلمين وقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر، وعلاه فقتله فحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله عز وجل على المسلمين بعث خالد بن الوليد فأخذ من السلب. قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته، قال عوف: فقلت: لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى أن يرده عليه، قال عوف: فاجتمعنا فقصصت عليه قصة المددي وما فعله خالد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول الله، استكثرته، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رد عليه ما أخذت منه، فقلت: دونك يا خالد. ألم أقل لك! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذاك؟ فأخبرته، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا خالد، لا ترد عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمركم وعليهم كدره. وأما غزوة ذات السلاسل فهي بعد غزوة مؤتة، وقال ابن إسحاق: إنها قبل غزوة مؤتة. روي أنه بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جمعاً من بلي وقضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في سراة المهاجرين والأنصار في ثلاث مئة عامر بن ربيعة وصهيب بن سنان وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وسعد بن أبي وقاص، ومن الأنصار: أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، وسلمة بن سلامة، وسعد بن عبادة، وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب، وهي بلاد بلي وعذرة وبلقين. وذلك أن عمرو بن العاص كان ذا رحم بهم: كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألفهم بعمرو، فسار، وكان يكمن النهار، ويسير الليل، وكانت معه ثلاثون فرساً. فلما دنا من القوم بلغه أن لهم جمعاً كثيراً، فنزل قريباً منه عشاء، وهم شاتون، فجمع أصحابه الحطب يريدون أن يصطلوا، وهي أرض باردة، فمنعهم فشق ذلك عليهم حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه، فقال عمرو: قد أمرت أن تسمع لي

وتطيع، قال: نعم، قال: فافعل، وبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره أن لهم جمعاً كبيراً، ويستمده بالرجال، فبعث أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين: أبو بكر وعمر، والأنصار وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يلحق عمرو بن العاص فخرج أبو عبيدة في مئتين وأمره أن يكونا جميعاً ولا يختلفا، فساروا حتى لحقوا بعمرو بن العاص، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس ويتقدم عمراً، فقال له عمرو: إنما قدمت مدداً لي، وليس أن تؤمني وأنا الأمير، وإنما أرسلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي مدداً، فقال المهاجرون: كلا بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه، فقال عمرو: لا بل أنتم مدد لنا، فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف وكان حسن الخلق لين الشيمة قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك، فأطاع أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس، فآب إلى عمرو جمع فصاروا خمس مئة، فسار الليل والنهار حتى وطئوا بلاد بلي ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع، فلما سمعوا به تفرقوا حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلي وعذرة وبلقين، في آخر ذلك جمعاً ليس بالكثير، فتقاتلوا ساعة وتراموا بالنبل، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة بسهم فأصيب ذراعه، وحمل المسمون عليهم فهربوا وأعجزوا هرباً في بالبلاد وتفرقوا، ودوخ عمرو ما هناك، وأقام أياماً لا يسمع لهم بجمع ولا بمكان صاروا فيه، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم، وكانوا ينحرون ويذبحون، فلم يكن في ذلك أثر من ذلك. لم يكن غنائم تقسم إلا ما لا ذكر له. وفي بعض روايات هذا الخبر: حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال لها السلاسل، فبذلك سميت هذه الغزوة: ذات السلاسل. وفي هذه الرواية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني لأؤمر الرجل على القوم فيهم من هو خير منه، لأنه أيقظ عيناً، وأبصر بالحرب. وفي رواية: أن أبا عبيدة لما أطاع عمرو بن العاص وجد عمر من ذلك وقال: أتطيع ابن

النابغة وتؤمره على نفسك وعلى أبي بكر وعلينا؟! ما هذا الرأي. فقال أبو عبيدة لعمر: يا بن أم، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلي وإليه ألا نتعاصيا، فخشيت إن لم أطعه أن أعصي عمر بن الخطاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيدخل بيني وبين الناس، وإني والله لأطيعنه حتى أقفل. ففما قفلوا كلم عمر نب الخطاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشكا إليه ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن أؤمر عليكم بعدها إلا منكم يريد المهاجرين. فكانت تلك غزوة ذات السلاسل، أسر فيها ناس كثير من العرب وسبوا. قال عمرو بن العاص: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذات السلاسل، وفي القوم أبو بكر وعمر، فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده، قال: فأتيته حتى قعدت بين يديه، وقلت: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قلت: إني لست أسألك عن أهلك. قال: فأبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر. قلت: ثم من؟ حتى عدد رهطاً. قال: قلت في نفسي: لا أعود أسأل عن هذا. ولما بعث عمرو بن العاص في ذات السلاسل سأله أصحابه أن يأذن لهم أن يوقدوا ناراً ليلاً فمنعهم. فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك فأباه. فقال: قد أرسلوك إلي! لا يوقد أحد منهم ناراً إلا ألقيته فيها. قال: فلقوا العدو فهزموهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم. فلما انصرف ذلك الجيش ذكر ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشكوه إليه، فقال: يا رسول الله إني كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا ناراً فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، فأحمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره. قال: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: لم؟ قال: لأحب من تحب. قال: عائشة. قال: من الرجال؟ قال: أبو بكر.

باب غزوة تبوك

باب غزوة تبوك قال ابن عباس: لبث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من الطائف ستة أشهر، ثم أمره الله بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله ساعة العسرة، وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق، وكثر أصحاب الصفة، والصفة بيت كان لأهل الفاقة يجتمعون فيه فتأتيهم صدقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين، وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم فاحتمل الرجل الرجل أو ما شاء الله بشبعة فجهزوهم وغزوا معهم واحتسبوا عليهم، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحسبة، فأنفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف، تصدق بمئتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمئة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمر. وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اترب، ما ترك لأهله شيئاً، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل تركت لأهلك شيئاً؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقته وأطيب، قال: كم؟ قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل بصاع من تمر فتصدق. وعمد المنافقون حين رأوا الصدقات، فإذا كانت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به وقالوا: مراء، وإذا تصدق الرجل بيسير طاقته من تمر، قالوا: هذا أحوج إلى ما جاء به، فلما جاء أبو عقيل بصاعه من تمر قال: بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين والله ما كان عندي من شيء غيرهما وهو يعتذر ويستحي، فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي، فقال

المنافقون: هذا أفقر إلى صاعه من غيره، وهم في ذلك ينتظرون يصيبون من الصدقات غنيهم وفقيرهم، فلما أزف خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثروا الاستئذان وشكوا شدة الحر وخافوا، زعموا الفتنة إن غزوا، ويحلفون بالله على الكذب، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم، وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر، وهو عند هرقل قد لحق به، وكنانة بن عبد ياليل وعلقمة بن علاثة العامري، وسورة براءة تنزل في ذلك أرسالاً. ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد. فلما أنزل الله عز وجل: " انفروا خفافاً وثقالاً ". اشتكى الضعيف الناصح لله ورسوله والمريض والفقير إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: هذا أمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك، وتخلف رجال غير مستيقنين ولا ذوي علة ونزلت هذه السورة بالبيان والتفصيل في شأن رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسار بمن اتبعه حتى بلغ تبوك، فبعث منها علقمة بن مجزز المدلجي إلى فلسطين، وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، فقال: أسرع لعلك أن تجده خارجاً يتقنص فتأخذه، فوجده فأخذه وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء. فإذا بلغهم أن المسلمين أصابهم جهد وبلاء تباشروا به وفرحوا، وقالوا: قد كنا نعلم ذلك ونحذر منه، وإذا أخبروا بسلامة منهم وخير أصابوه حزنوا وعرف ذلك منهم فيهم كل عدو لهم بالمدينة، فلم يبق أحد من المنافقين أعرابي ولا غيره إلا استخفى بعمل خبيث ومنزلة خبيثة واستعلن، ولم يبق ذو علة إلا هو ينتظر الفرج فيما ينزل الله في كتابه، ولم تزل سورة براءة تنزل حتى ظن المؤمنون الظنون، وأشفقوا أن لا ينفلت منهم كبير أحد أذنب في شأن التوبة قط ذنباً إلا أنزل فيه أمر بلاء حتى انقضت، وقد وقع بكل عامل تبيان منزله من الهدى والضلالة. وعن كعب بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أراد المسير في الغزاة أذن في المسلمين بالجهاز، وكتمهم أين يجاهدون مكيدة للعدو، وما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤذن بالجهاز إلا وعندي بعير فأقوى به على الخروج معه حتى كانت تبوك، فكانت في حر شديد وحين أقبلت الثمرة، فأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجهاز

إلى تبوك وبينها للمسلمين ووافق ذلك عندي بعيرين، فرأيت أني قوي على الخروج، فتجهز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون، وأغدو أنا لأتجهز، فوا لله لكأنما أربط فأرجع وما قطعت شعرة وعندي بعيران، وأنا أرى أني قوي على الخروج إذا أردت. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون، ثم ذهبت أنظر، فإذا ما أرى رجلاً تخلف إلا رجلاً مغموصاً عليه في دينه، غير أني قد رأيت رجلين من الأنصار صحيحين كدت أسكن إليهما: هلال بن أمية الواقفي ومرارة العمري، حتى إذا أيست من الخروج قلت: أعتذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجع. قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. فلما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفاً من الناس، وضرب عبد الله بن أبي عدو الله على ذي حدة عسكراً أسفل منه نحواً من كذا وكذا، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، وخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب عليه السلام على أهله وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فأخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي، فرجع إلى المدينة، ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسفره. وعن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عزوة غزاها، حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً ولم يعاتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً تخلف عن بدر، إنما خرج يريد العير فخرجت قريش مغوثين لعيرهم، فالتقوا عن غير موعد كما قال الله عز وجل. ولعمري إن أشرف مشاهد

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس لبدر، وما كنت أحب أني شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حيث توافقنا على الإسلام، ولم أتخلف بعد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غزاها، حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها، فأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة عدوهم، وذلك حين طاب الظلال وظابت الثمار، فكان قلما أراد غزوة إلا ورى بغيرها، وكان يقول: الحرب خدعة، فأراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك أن يتأهب الناس أهبته، وأنا أيسر ما كنت، قد جمعت راحلتين، وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد وخفة الحاذ، وأنا في ذلك أصغوا إلى الظلال وطيب الثمار. فلم أزل كذلك حتى قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غادياً بالغداة، وذلك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس. وعن محمد بن مسلم الزهري قال: ثم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك وهو يريد الروم وكفار العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة ولقيه بها وفد أذرح ووفد أيلة، فصالحهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجزية، ثم قفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك ولم يجاوزها. وفي حديث غيره فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم في جهازه في غزوة تبوك إذ قال للجد بن قيس: يا جد، هل لك في بنات بني الأصفر؟ قال: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد علم قومي أنه ليس من أحد أشد عجباً بالنساء مني، وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: قد أذنت، فأنزل الله تعالى " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا " يقول: ما وقع فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر " وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " يقول لمن وراءه. وقال رجل من جملة المنافقين: لا تنفروا في الحر. فأنزل الله عز وجل: " قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا

يفقهون " ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جد في سفره، وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى وأحسنوا، وأنفق عثمان رضي الله عنه في ذلك نفقة عظيمة، لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مئتي بعير. ومما جمع من أحاديث تبوك قالوا: كانت الضافطة وهم الأنباط يقدمون المدينة بالدرمك والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإسلام، فإنما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط. فقدمت منهم قادمة، وذكروا أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأجليت معه لخم وجذام وغسان وعاملة، وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، وإنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه، ولم يكن عدو أخوف عند المسلمين منهم، وذلك لما عاينوا منهم، إذ كانوا يقدمون عليهم تجاراً، من العدد والعدة والكراع، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يغزو غزوة إلا ورى بغيرها لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا: حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، واستقبل غزواً وعدداً كبيراً، فجلا للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة عدوهم وأخبرهم بالوجه الذي يريد. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم فبعث إلى أسلم بريدة بن الحصيب، وأمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاري إلى قومه أن يطلبهم ببلادهم. وخرج أبو واقد الليثي في قومه، وخرج أبو جعد الضمري في قومه بالساحل، وبعث رافع بن مكيث وجندب بن مكيث في جهينة، وبعث نعيم بن مسعود في أشجع، وبعث في بني كعب بن عمرو عدة: بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان، وبعث في سليم عدة منهم العباس بن مرداس. وحض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين على الجهاد، ورغبهم فيه، وأمرهم بالصدقة، فحملوا صدقات كبيرة، فكان أول من حمل أبو بكر الصديق جاء بماله كله أربعة آلاف درهم فقال له

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أبقيت لأهلك شيئاً قال: الله ورسوله أعلم، وجاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أبقيت شيئاً؟ قال: نعم نصف ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر الصديق فقال: ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقني إليه، وحمل العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا، وحمل طلحة بن عبيد الله إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالاً، وحمل عبد الرحمن بن عوف إليه مالاً مئتي أوقية، وحمل سعد بن عبادة إليه مالاً وحمل محمد بن مسلمة إليه مالاً، وتصدق عاصم بن عدي بتسعين وسقاً تمراً، وهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش، وكان من أكرمهم نفقة حتى كفى ثلث ذلك الجيش مؤونتهم، حتى إن كان ليقال: ما بقيت له حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم فيقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذ: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا. ورغب أهل الغنى في الخير والمعروف. واحتسبوا في ذلك الخير وقوى ناس دون هؤلاء من هو أضعف منهم، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج، حتى إن كان النساء ليعن بكل ما قدرن عليه. لقد قالت أم سنان الأسلمية: لقد رأيت ثوباً مبسوطاً بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة فيه مسكة ومعاضد وخلاخل وأقرطة وخواتيم وخدمات مما يبعث به النساء يعن به المسلمين في جهازهم، والناس في عسرة شديدة، وحين طابت الثمار وأحبت الظلال، فالناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه. وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس بالانكماش والجد، وضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسكره بثنية الوداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب قل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل. فلما استمر برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفره، وأجمع المسير استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، ويقال محمد بن مسلمة، لم يتخلف عنه في غزوة غيرها، ويقال ابن أم مكتوم وأثبتهم محمد بن مسلمة. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما دام منتعلاً. فلما سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخلف ابن أبي عن

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد إلى ما لا قبل له به! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر العب؟! ونافق ممن هو معه على مثل رأيه ثم قال ابن أبي: والله لكأني أنظر إلى أصحابه غداً مقرنين في الحبال، إرجافاً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. فلما رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ثنية الوداع إلى تبوك وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر، ورايته العظمى إلى الزبير، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، ويقال إلى الحباب بن المنذر بن الجموح. قال: ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة، وكان دليله إلى تبوك علقمة بن الفغواء الخزاعي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الدومة، فراح منها ممسياً حيث أبرد، وكان في حر شديد. قالوا: وكان الناس مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثين ألفاً. ومن الخيل عشرة آلاف فرس، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل بطن من الأنصار أن يتخذوا لواء أو راية. والقبائل من العرب فيها الرايات والألوية، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دفع راية بني مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم. فأدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت فأعطاه الراية. قال عمارة: يا رسول الله، لعلك وجدت علي، قال: لا والله، ولكن قدموا القرآن. وكان زيد أكثر أخذاً للقرآن منك. والقرآن مقدم، وإن كان عبداً أسود مجدعاً، وأمر في الأوس والخزرج أن يحمل راياتهم أكثرهم أخذاً للقرآن. وكان أبو زيد يحمل راية بني عمرو بن عوف، وكان معاذ بن جبل يحمل راية بني سلمة. قال: وكان هرقل قد بعث رجلاً من غسان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه وإلى خاتم النبوة بين كتفيه. وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم انصرف إلى هرقل يذكر ذلك له، فدعا قومه إلى التصديق به فأبوا حتى خافهم على ملكه وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف.

وكان الذي خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تعبئة أصحابه ودنوه إلى أدنى الشام باطلاً لم يرد ذلك ولم يهم به، وشاور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخطاب: إن كنت أمرت بالمسير فسر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أمرت به ما استشرتكم فيه، قال: يا رسول الله. فإن للروم جموعاً كثيرة وليس بها أحد من أهل الشام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله تعالى لك في ذلك أمراً. وعن معاذ بن جبل قال: إنهم خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام غزوة تبوك، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً. ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً ثم قال: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي، قال: فجئناك وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك، تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل مسستما من مائها شيئاً قالا: نعم. فسبهما وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا من العين بأيديهم قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً. وعن سعيد بن أبي راشد مولى لآل معاوية قال: قدمت الشام فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فدخلنا الكنيسة فإذا أنا بشيخ كبير: فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: نعم. قلت: حدثني عن ذلك. قال: إنه لما غزا تبوكاً كتب إلى قيصر كتاباً وبعث به مع رجل يقال له دحية بن خليفة. فلما قرأ كتابه وضعه معه على سريره، وبعث إلى بطارقته ورؤوس أصحابه فقال: إن هذا الرجل ق بعث إليكم رسولاً، وكتب إليكم كتاباً يخيركم إحدى ثلاث: إما أن تتبعوه على دينه، أو تقروا له بخراج يجري عليكم ويقركم على هيئتكم في بلادكم، أو أن تلقوا إليه بالحرب. قال فنخروا نخرة حتى خرج بعضهم من برانسهم وقالوا: لا نتبعه على دينه، وندع ديننا ودين آبائنا، ولا نقر له

بخراج يجري له علينا، ولكن نلقي إليه الحرب. فقال: قد كان ذاك ولكني كرهت أن أفتات دونكم بأمر، قال عباد: فقلت لابن خثيم: أوليس قد كان قارب وهم بالإسلام فيما بلغنا؟ قال: بلى لولا أنه رأى منهم. قال: فقال: ابغوني رجلاً من العرب أكتب معه إليه جواب كتابه. قال: فأتيت وأنا شاب وانطلق بي إليه فكتب جوابه وقال لي،: مهما نسيت من شيء فاحفظ عني ثلاث خلال: انظر إذا هو قرأ كتابي هذا هل يذكر الليل والنهار، وهل يذكر كتابه إلي، وانظر هل ترى في ظهره علماً، قال: فأقبلت حتى أتيته وهو بتبوك في حلقة من أصحابه منتحين. فسألت فأخبرت به فدفعت إليه الكتاب، فدعا معاوية فقرأ عليه الكتاب. فلما أتى على قوله: دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جاء الليل فأين النهار؟ قال: فقال: إني كتبت إلى النجاشي فحرقه، فحرقه الله محرق الملك. قال عباد: فقلت لابن خثيم أليس قد أسلم النجاشي ونعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة إلى أصحابه فصلى عليه؟ قال: بلى. ذاك فلا بن فلا وهذا فلان بن فلان قد ذكرهما ابن خثيم جميعاً ونسيتهما وكتبت إلى كسرى كتاباً فمزقه، فمزقه الله، ممزق الملك. وكتبت إلى قيصر كتاباً فأجابني فيه، فلن يزال الناس يخشون منهم بأساً ما كان في العيش خير. ثم قال لي: ممن أنت؟ قلت: من تنوخ. قال: يا أخا تنوخ، هل لك في الإسلام؟ قلت: لا، إني أقبلت من قبل قوم وأنا فيهم على دين، ولست مستبدلاً بدينهم حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تبسم. فلما قضيت حاجتي قمت، فلما وليت دعاني فقال: يا أخا تنوخ، هلم فامض للذي أمرت به، قال: وكنت نسيتها فاستدرت من وراء الحلقة وألقى بردة كانت عليه عن ظهره، فرأيت على غضروف كتفه مثل المحجم الضخم. وفي رواية: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني حين دعاه إلى الإسلام، فأبى أن يسلم، وتلا هذه الآية: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " ثم قال رسو

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنك رسول قوم وإن لك حقاً، ولكن جئتنا ونحن مرملون، فقال عثمان بن عفان: أنا أكسوه حلة صفورية وقال رجل من الأنصار: علي ضيافته. قال ابن إسحاق: فلما انتهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية، وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم كتاباً فهو عندهم. فكتب ليحنة بن رؤبة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي ورسوله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة أساقفهم وسائرهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن إسحاق: وكتب لأهل جرباء وأذرح: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي لأهل أذرح: إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد، وإن عليهم مئة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصح والإحسان إلى المسلمين. ومن لجأ إليهم من المسلمين. وذكر باقي الحديث. وأعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أماناً لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاث مئة دينار. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة. وعن قيس بن النعمان السكوني قال: خرجت خيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع بها أكيدر دومة الجندل فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فقال: يا رسول الله، إنه بلغنا أن خيلك انطلقت، وإني خفت على أرضي ومالي فاكتب كتاباً لا يعرضوا من شيء لي، فإني مقر بالذي علي من الحق، فكتب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم إن أكيدر أخرج قباء من ديباج منسوج مما كان كسرى يكسوهم فقال: يا رسول الله، أقبل عني هذا فإني أهديته لك. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا في الدنيا إلا حرمة يعني في الآخرة فرجع به حتى أتى منزله، وإنه وجد في نفسه أن يرد عيه هديته فقال: يا رسول الله، إنا أهل بيت يشق علينا أن ترد علينا هديتنا، فاقبل مني هديتي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق فادفعه إلى عمر بن الخطاب قال: وقد كان عمر قد سمع ما قال رسول الله فبكى، فدمعت عيناه. وظن أنه قد لحقه شيء. فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر؟ قلت في هذا القباء ما قلت ثم بعثت به إلي، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وضع يده أو ثوبه على فيه. ثم قال: ما بعثت به إليك لتلبسه. ولكن تبيعه وتستعين بثمنه.

ذكر بعث النبي أسامة بن زيد وأمره بشن الغارة على مؤتة ويبنى وآبل الزيت

ذكر بعث النبي أسامة بن زيد وأمره بشن الغارة على مؤتة ويبنى وآبل الزيت عن أبي مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بعدما قضى حجة التمام، فتحلل به السير وضرب على الناس بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، وأمره أن يوطئ آبل الزيت من مشارف الشام بالأردن، فقال المنافقون في ذلك، ورد عليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه لخليق لها، أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لها لخليقاً. وطارت الأخبار لتحلل السير بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتكى، ووثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة. وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر عنهما، ثم وثب طليحة في بلاد بني أسد بعدما أفاق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي توفاه جل وعز فيه. وعن ابن عباس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب بعث أسامة ولم يستتب لوجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج عاصباً رأسه من الصداع، لذلك من الشأن، ولبشارة أريها في بيت عائشة. وقال: إني أريت البارحة فيما يرى النائم في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا. فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة، وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواماً يقولون في إمرة أسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقاً لها، وإنه لهها لخليق، فأنفذوا بعث أسامة. وقال: لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد.

فخرج أسامة فضرب بالجرف، وأنشأ الناس في العسكرة، ونجم طليحة، وتمهل الناس. وثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يستتم الأمر. انتظر أولهم آخرهم حتى توفي الله عز وجل نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أسامة بن زيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وجهه وجهاً، فقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتوجه في ذلك الوجه. ثم استخلف أبو بكر، فقال بأبو بكر لأسامة: ما الذي عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: عهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغير على أبنى صباحاً وأحرق. وعن الحسن بن أبي الحسن قال: ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد. فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذنه يأذن لي فأرجع بالناس فإن فعي وجوه الناس وحدهم، ولا آمن على خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثقال المسلمين أن تيخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن تمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة. فقال أبو بكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأمرني أن أنزعه؟! فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت فقي سببكم اليوم من خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب. وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر، فقال له

أسامة: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب. وما علي أن أغير قدمي ساعة في سبيل الله. فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبع مئة حسنة، تكتب له، وسبع مئة درجة ترفع له، وتمحى عنه سبع مئة خطيئة. حتى إذا انتهى قال له: إن رأيت أن تعينني بعمر بن الخطاب، فافعل. فأذن له. وقال: يا أيها الناس، فقوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعزقوا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحو شاة ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمآكله. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على أقوام يأتونكم بآنية فيها ألوا الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها. وسوف تلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيوف خفقاً. اندفعوا باسم الله. أفناكم الله بالطعن والطاعون. وفي رواية: فلما ثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقاموا حتى شهدوه. فلما فرغوا أنفذه أبو بكر رضي الله عنه على ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج أبو بكر إلى الجرف فاستنفر أسامة وبعثه، وسأله عمر فأذن له، وقال له: اصنع ما أمر به نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبل، ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعجلن لما خلفت عن عهده، فمضى أسامة مغذاً على ذي المروة، والوادي. وانتهى إلى ما أمره به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل، فسلم وغنم، وكان فراغه في أربعين يوماً سواى مقامه ومقيله راجعاً. وحدث زيد بن أسلم قال: مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعماله على قضاعة: على كلب امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي من بني عبد الله. وعلى القين عمرو بن الحكم. وعلى سعد هذيم معاوية بن فلان الوائلي. فارتد وديعة الكلبي فيمن آزره من كلب، وبقي امرؤ القيس على دينه وارتد زميل بن قطبة القيني

فيمن أزره من بني القين وبني عمرو، وارتد معاوية فيمن أزره من سعد هذيم. فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس بن فلان وهو جد سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فثار بوديعة، وإلى عمرو فأقام لزميل وإلى معاوية العذري فأقام لمعاوية، فلما توسط أسامة بلاد قضاعة بث الخيول قبلهم، وأمرهم أن ينهضوا من أقام على الإسلام إلى من رجع عنه، فخرجوا هراباً حتى أرزوا إلى دومة، واجتمعوا إلى وديعة، ورجعت خيول أسامة إليه فمضى فيها أسامة حتى أغار على الحمقتين، فأصاب في بني الضبيب من جذام. وفي بني حيليل من لخم ولفها من القبيلتين. وجازهم من آبل، ثم انكفأ سالماً غانماً. وعن عروة قال: لما فرغوا من البيعة واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة: امض لوجهك الذي بعثك له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار، وقالوا: أمسك أسامة وبعثه، فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو بكر وكان أحزمهم أمراً: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به. ثم اغز حيث أمرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر بن الخطاب فأستشره واستعن به، فإنه ذو رأي ومناصح للإسلام فافعل، ففعل أسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وبنو أسد وعامة أشجع، ومسكت طيء بالإسلام. وقال عامة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمسك أسامة وجيشه ووجههم نحو من ارتد عن الإسلام من غطفان وسائر العرب، فأبى ذلك أبو بكر أن يحبس أسامة، وقال: إنكم قد علمتم أنه قد كان من عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم في المشورة فيما لم تمض من نبيكم فيه سنة، ولم ينزل عليكم به كتاب، وقد أشرتم. وسأشير عليكم. فانظروا أرشد ذلك فائتمروا به. فإن الله لن يجمعكم عن ضلالة. والذي نفسي بيده. ما أرى من أمر أفضل في

نفسي من جهاد من منع منا عقالاً كان يأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانقاد المسلمون لرأي أبي بكر ورأوا أنه أفضل من رأيهم، فبعث أبو بكر أسامة بن زيد لوجهه الذي أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأصاب في العدو مصيبة عظيمة، وسلمه الله وغنمه هو وجيشه، وردهم صالحين، وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حين خرج أسامة حتى بلغ نقعاً حذاء نجد وهربت الأعراب بذراريهم. فلما بلغ المسلمين هرب الأعراب كلموا أبا بكر وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذراري والنساء، وأمر رجلاً من أصحابك على الجيش. واعهد إليه أمرك فلم يزل المسلمون بأبي بكر حتى رجع. وأمر خالد بن الوليد على الجيش. فقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع. ورجع أبو بكر إلى المدينة. قال الواقدي: قالوا: لم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجداً شديداً، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم مجدون في الجهاد. فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغد يوم الثلاثاء لثلاث ليال بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال: يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فاغز صباحاً على أهل أبني وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصدع وحم. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم الله، في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللهم اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصبحوا فعليكم بالسكينة والصمت، " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " وقولوا: اللهم، إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت. واعلموا أن الجنة تحت البارقة.

وعن أسامة بن زيد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بأن يغير على أهل أبنى صباحاً وأن يحرق. قالوا: ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسامة: امض على اسم الله. فخرج بلواثه معقوداً، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة فعسكر بالجرف، وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم، وجعل الناس يؤخذون بالخروج إلى العسكر، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسعيد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في رجال من المهاجرين. والأنصار عدة: قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش. فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولاً عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت القالة في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول، فرده على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً شديداً، فخرج قد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟! والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله، إن كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي. وإن هذا لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم، ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول. وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم عمر بن الخطاب، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنفذوا وبعث أسامة. ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تماثل، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنفذوا بعث أسامة، فمضى الناس إلى المعسكر، فباتوا ليلة الأحد. ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثقيل مغمور وهو

اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي. قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفيق مريح مفيق، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فإذن لي، فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن يزد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسوله الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت. فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغرزه عنده. فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهل باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا

في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلها عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذاراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا يغنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا؟ والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإني لن أوتي بأحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد. وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي اليوم الذي لدوه فيه. فدخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله، فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبهما على أسامة. قال أسامة: فأعرف أنه كان يدعو لي. قال أسامة: فرجعت إلى معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفيقاً، فجاءه أسامة فقال: اغد على بركة الله، فودعه أسامة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفيق مريح، وجعل نساؤه يتماشطن سروراً براحته. ودخل أبو بكر فقال: يا رسول الله، أصبحت مفيقاً بحمد الله. واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي. فأذن له، فذهب إلى السنح وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق إلى العسكر فانتهى إلى معسكره ونزل، وأمر الناس بالرحيل، وقد متع النهار، فبينا أسامة بن زيد يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه تخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت، فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يموت. فتوفي عليه السلام حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقوداً حتى أتى به باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغرزه عنده. فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ولا يحله أبداً حتى يغزوهم أسامة، فقال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول، فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً. اجعلهم عدة لأهل الردة، ترمي بهم في نحورهم. وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذراري والنساء، فلوا استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه ويعود أهل الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ. فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا. فلما استوعب أبو بكر كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا. قد سمعت مقالتنا. فقال: والذي نفسي بيده، لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأول منه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة، ولكن خصلة، أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا، فإنه لا غنى بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم لا؟ والله إن أبى لا أكرهه، فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة. ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر ففعل أسامة، وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم. قال: وخرج فأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإني لن أوتى بإحد أبطأ الخروج معه إلا ألحقته به ماشياً وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذي كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج، فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد. وخرج أبو بكر يشيع أسامة والمسلمين. فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، فسار أبو بكر إلى جانب أسامة ساعة ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج سريعاً، فوطئ بلاداً هادئة لم يرجعوا عن الإسلام: جهينة وغيرها من قضاعة. فلما نزل وادي القرى قدم عيناً له من بني عذرة يدعى حريثاً، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذاً حتى انتهى إلى أبنى، فنظر إلى ما هناك، وارتاد الطريق، ثم رجع سريعاً حتى لقي

أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وأمره أن يسرع للسير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة. وروى المنذر بن جهم قال: قال بريدة لأسامة: يا أبا محمد، إني شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن أطاعوه خيرهم إن أحبوا أن يقيموا في ديارهم ويكونوا كأعراب المسلمين فلا شيء لهم في الفيء ولا في الغنيمة، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، وإن تحولوا إلى دار الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة: هكذا وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي؟ ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني، وهو آخر عهده إلي أن أسرع السير وأسبق الأخبار وأن أشن الغارة عليهم بغير دعاء فأحرق وأخرب. فقال بريدة: سمعاً وطاعة لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبأ أصحابه وقال: اجعلوها غارة، ولا تمنعوا في الطلب ولا تفترقوا واجمعوا، وأخفوا الصوت واذكروا اسم الله في أنفسكم، وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع عليهم الغارة. فما نبح كلب، ولا تحرك أحد، ولا شعروا إلا بالقوم قد شنوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت، فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه، وحرق في طوائفها بالنار، وحرق منازلهم وحروثهم ومخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين، وأقام الخيل في عرصاتهم، ولم يمعنوا في الطلب. أصابوا ما قرب منهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه الذي قتل عليها أبوه يوم مؤتة، كنت تدعى سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة. خبره به بعض من سبي، وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً وأخذ لنفسه مثل ذلك. فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل، ومضى ومضى الدليل أمامه حريث العذري، فأخذوا الطريق الذي جاء منها، ودأبوا ليلتهم حتى أصبحوا بأرض بعيدة ثم طوى البلاد حتى انتهوا إلى وادي القرى في تسع ليال، ثم قصد يغذ السير إلى المدينة وما أصيب من المسلمين أحد فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص، فدعا بطارقته فقال: هذا الذي حذرتكم فأبيتم أن تقبلوه مني، قد صارت العرب تأتي من مسيرة شهر، فتغير عليكم ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه يناق: فابعث رابطة تكون بالبلقاء فبعث رابطة واستعمل

عليهم رجلاً من أصحابه، فلم يزل مقيماً حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قالوا: واعترض لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث، قرية هناك، وقد كانوا اعترضوا لأبيه في بدأته، فأصابوا من أطرافه فناهضهم أسامة بمن معه، فظفر بهم وخرق عليهم وساق من نعمهم وأسر منهم أسيرين فأوثقهما وهرب من بقي، فقدم بهما المدينة، فضرب أعناقهما. وعن يحيى بن النضر أن أسامة بن زيد بعث بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين وأنهم قد أغاروا على العدو وأصابوهم. فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر في المهاجرين وخرج أهل المدينة حتى العواتق، وبشروا بسلامة أسامة ومن معه من المسلمين، ودخل يومئذ على فرسه سبحة، كأنما خرجت من ذي خشب، عليه الدرع واللواء أمامه، يحمله بريدة، حتى انتهى به إلى المسجد فدخل فصلى ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة. فغاب خمسة وثلاثين يوماً سار عشرين في بدائه، وخمس عشرة في رجعته. وعن أبي هريرة قال: والذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثم قال الثانية ثم قال الثالثة، فقيل له يا أبا هريرة! فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيد في سبع مئة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب حول المدينة فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا له: يا أبا بكر، ردها ولا توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة، فقال: والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل الناس ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا حللت لواء عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوجه أسامة. فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.

ذكر اهتمام أبي بكر بفتح الشام وحرصه عليه

ذكر اهتمام أبي بكر بفتح الشام وحرصه عليه قال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين، وبعث الجنود إلى الشام في سنة ثنتي عشرة. وقال أيضاً: إن أبا بكر لما حدث نفسه بأن يغزو الروم فلم يطلع عليه أحداً إذ جاءه شرحبيل بن حسنة، فجلس إليه فقال: يا خليفة رسول الله، أتحدث نفسك أن تبعث إلى الشام جنداً؟ فقال: نعم، قد حدثت نفسي بذلك، وما أطلعت عليه أحداً. وما سألتني عنه إلا لشيء. قال: أجل، إني رأيت يا خليفة رسول الله فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق خرشفة من الجبل، ثم أقبلت تمشي حتى صعدت فيه من القنان العالية، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم إنك هبطت من تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة، فيها الزرع والقرى والحصون، فقلت للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة، فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية، فتوجهت بها إلى أهل قرية، فسألوني الأمان فأمنتهم ثم جئت، فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم، ففتح الله لك، وألقوا إليك السلم. ووضع الله لك مجلساً فجلست عليه، ثم قيل لك يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ " إذا جاء نصر الله والفتح " إلى آخرها. ثم انتبهت، فقال له أبو بكر: نامت عيناك، خيراً رأيت، وخيراً يكون إن شاء الله، ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إلي نفسي، ثم دمعت عينا أبي بكر ثم قال: أما الخرشفة التي رأيتنا نمشي عليها حق صعدنا إلى القنة العالية، فأشرفنا على الناس، فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه، ثم نعلو بعد ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب

والمعاش. وأما قولي للمسلمين: شنوا على أعداء الله الغارة، فإني ضامن لكم الفتح والغنيمة فإن ذلك دنو المسلمين إلى بلاد المشركين، وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة التي تقسم لهم، وقبولهم. وأما الراية التي كانت معك، فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها، واستأمنوا فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك. وأما الحصن الذي فتح الله لي، فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي، وأما العرش الذي رأيتني عليه جالساً فإن الله يرفعني ويضع المشركين. قال الله تبارك وتعالى: " ورفع أبويه على العرش " وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ علي السورة فإنه نعى إلي نفسي، وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة، وعلم أن نفسه قد نعيت إليه، ثم سألت عينا فقال: لآمرن بالمعروف ولأنهين عن المنكر ولأجهدن فيمن ترك أمر الله، ولأجهزن الجنود إلى العادلين بالله في مشارق الأرض ومغاربها حتى يقولوا: الله أحد أحد لا شريك له، أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون. هذا أمر الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا توفاني الله عز وجل لا يجدني الله عاجزاً ولا وانياً ولا في ثواب المجاهدين زاهداً. فعند ذلك أمر الأمراء. وبعث إلى الشام البعوث. وعن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال: لما أراد أبو بكر غزو الروم دعا علياً وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبا عبيدة بن الجراح، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه. قال عبد الله بن أبي أوفي وأنا فيهم فقال: إن الله عز وجل لا تحصى نعماؤه ولا يبلغ جزاء الأعمال، فله الحمد، قد جمع الله كلمتكم وأصلح ذات بينكم وهداكم إلى الإسلام ونفى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تشركوا به ولا تتخذوا إلهاً غيره، فالعرب اليوم بنو أم وأب، وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام ليؤيد الله المسلمين، ويجعل الله كلمته العليا مع أن للمسلمين في ذلك الحظ الوافر لأنه من هلك منهم هلك شهيداً. وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله ثواب المجاهدين، وهذا رأيي الذي رأيت، ما شار امرؤ علي برأيه، فقام عمر بن

الخطاب فقال: الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه. والله ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه، " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " قد والله أردت لقاءك بهذا الرأي الذي رأيت. فما قضى أن يكون حتى ذكرته، فقد أصبت أصاب الله فيك سبيل الرشاد، سرب إليهم الخيل في إثر الخيل، وابعث الرجال بعد الرجال، والجنود تتبعها الجنود. فإن الله ناصر دينه، ومعز الإسلام وأهله. ثم إن عبد الرحمن بن عوف قام فقال: يا خليفة رسول الله، إنها الروم وبنو الأصفر، حد حديد وركن شديد، ما أرى أن تقحم عليهم إقحاماً. ولكن نبعث الخيل فنغير في قواصي أرضهم ثم نرجع إليك. فإذا فعلوا ذلك بهم مراراً أضروا بهم وغنموا من أدنى أرضهم فقووا بذلك على عدوهم، ثم تبعث إلى أرضي أهل اليمن وأقاصي ربيعة ومضر ثم تجمعهم جميعاً إليك، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك وإن شئت أغزيتهم ثم سكت وسكت الناس. قال: فقال لهم أبو بكر: ماذا ترون؟ فقال عثمان بن عفان: إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدين شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحاً فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين. فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمضه، فإنا لا نخالفك، ولا نتهمك. وذكروا هذا وأشباهه، وعلي في القوم لم يتكلم. قال أبو بكر: ماذا ترى يا أبا الحسن؟ فقال: أرى أنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم نصرت عليهم إن شاء الله فقال: بشرك الله بخير! ومن أين علمت ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوأه حتى يقوم الدين وأهله ظاهرون. فقال: سبحان الله ما أحسن هذا الحديث. لقد سررتني به سرك الله. ثم إن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلى على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: أيها الناس، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد وفضلكم بهذا الدين على كل دين فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لكم، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم وشربكم وأطعمتكم. ف " إن الله مع الذين

اتقوا والذين هم محسنون " فسكت القوم، فوا لله ما أجابوا فقال عمر: يا معشر المسلمين، مالكم لا تجيبون خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد " دعاكم لما يحييكم ". أما إنه " لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً " لابتدرتموه. فقام عمرو بن سعيد فقال: يا بن الخطاب، ألنا تضرب الأمثال أمثال المنافقين؟! فما منعك مما عبت علينا فيه أن تبتدئ به؟! فقال عمر: إنه يعلم أني أجيبه لو يدعوني، وأغزو لو يغزيني. قال عمرو بن سعيد، ولكن نحن لا نغزو لكم إن غزونا، إنما نغزو لله. فقال عمر: وفقك الله فقد أحسنت. فقال أبو بكر لعمرو: اجلس رحمك الله فإن عمر لم يرد بما سمعت أذى مسلم ولا تأنيبه، إنما أراد بما سمعت أن ينبعث المتثاقلون إلى الأرض إلى الجهاد فقام خالد بن سعيد فقال: صدق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اجلس ابن أخي. فجلس. وقال خالد: الحمد لله الذي لا إله إلا هو الذي بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فالله منجز وعده ومظهر دينه ومهلك عدوه، ونحن غير مخالفين ولا مختلفين، وأنت الوالي الناصح الشفيق، تنفر إذا استنفرتنا ونطيعك إذا أمرتنا. ففرح بمقالته أبو بكر وقال: جزاك الله خيراً من أخ وخليل، فقد كنت أسلمت مرتغباً وهاجرت محتسباً، وقد كنت هربت بدينك من الكفار لكيما يطاع الله ورسوله وتعلو كلمته، وأنت أمير لناس، فسر يرحمك الله ثم إنه نزل، ورجع خالد بن سعيد فتجهز، وأمر أبو بكر بلالاً فأذن في الناس أن انفروا أيها الناس إلى جهاد الروم بالشام، والناس يرون أن أميرهم خالد بن سعيد، وكان الناس لا يشكون أن خالد بن سعيد أميرهم، وكان أول خلق الله عسكر، ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين وثلاثين وأربعين وخمسين ومئة، كل يوم، حتى اجتمع أناس كثير. فخرج أبو بكر ذات يوم. ومعه رجال من الصحابة حتى انتهى إلى عسكرهم فرأى عدة حسنة لم يرض عدتها للروم، فقال لأصحابه: ما ترون في هؤلاء؟ أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة؟ فقال عمر: ما أرضى هذه العدة لجموع بني الأصفر. فقال لأصحابه: ماذا ترون فقالوا: نحن نرى ما رأى عمر، فقال: ألا

أكتب كتاباً إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد فنرغبهم في ثوابه، فرأى ذلك جميع أصحابه. قالوا: نعم ما رأيت. افعل. فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: من خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن: سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن الله تعالى كتب على المؤمنين الجهاد وأمرهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. والجهاد فريضة مفروضة، والثواب عند الله عظيم، وقد استنفرنا المسلمين إلى جهاد الروم بالشام وقد سارعوا إلى ذلك. وقد حسنت في ذلك نيتهم وعظمت حسبتهم، فسارعوا عباد الله إلى ما سارعوا إليه ولتحسن نيتكم فيه، فإنكم إلى إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الفتح والغنيمة، فإن الله تبارك وتعالى لم يرض من عباده بالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحق ويقروا بحكم الكتاب. حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكا أعمالكم، ورزقكم أجر المجاهدين الصابرين. وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك رضي الله عنه. قال ابن حزم: ولما أجمع أبو بكر أن يبعث الجيوش إلى الشام كان أول من سار من عماله عمرو بن العاص وأمره أن يسلك على أيلة عامداً لفلسطين، فقدم عمرو أمامه مقدمة عليهم سعيد بن الحارث السهمي ودفع لواءه إلى الحجاج بن الحارث السهمي وكان جند عمرو الذين خرجوا معه من المدينة ثلاثة آلاف فيهم ناس كثير من المهاجرين والأنصار. وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمشي إلى جنب راحلة عمرو بن العاص وهو يوصيه ويقول: يا عمرو اتق الله في سر أمرك وعلانيته. واستحيه فإنه يراك ويرى عملك، وقد رأيت تقديمي إياك على من هو أقدم سابقة منك، ومن كان أعظم غناء عن الإسلام وأهله منك، فكن من عمال الآخرة. وأرد بما تعمل وجه الله. وكن والداً لمن معك ولا تكشفن الناس عن أستارهم، واكتف بعلانيتهم. وكن مجداً أمرك، واصدق اللقاء إذا لاقيت، ولا تجبن،

وتقدم في الغلول وعاقب عليه، وإذا وعظت أصحابك فأوجز وأصلح نفسك تصلح كل رعيتك. في وصية له طويلة وعهد عهده إليه يعمل به. وفي رواية: قال أبو بكر لعمرو بن العاص: إني قد استعملتك على من مررت به من مررت به من بلي وعذرة وسائر قضاعة ومن سقط هناك من العرب، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل الله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، فاندبهم إلى الجهاد في سبيل اله ورغبهم فيه، فمن تبعك منهم فاحمله وزوده. ورافق بينهم، واجعل كل قبلية على حدتها ومنزلتها. وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة أمراء إلى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة. فكان عمرو هو الذي يصلي بالناس إذا اجتمعوا، وإن تفرقوا كان كل رجل منهم على أصحابه. وكان أمر الناس إلى عمرو بن العاص يوم أجنادين ويوم فحل، وفي حصار دمشق حتى فتحت. ورد في الأصل: فحل بكسر الحاء. قال: والمحفوظ بسكونها. ولما رأى عمرو بن العاص كثرة الجموع بالشام كتب إلى أبي بكر يذكر أمر الروم وما جمعوا ويستمده، فشاور أبو بكر من عنده من المسلمين. فقال عمر بن الخطاب: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكتب إلى خالد بن الوليد، يسير بمن معه إلى عمر بن العاص فيكون له مدداً، ففعل أبو بكر. وكتب إلى خالد بن الوليد. فلما أتاه كتاب أبي بكر قال: هذا عمل عمر. حسدني على فتح العراق. وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مدداً لعمرو بن العاص وأصحابه فأكون كأحدهم فإن كان فتح شركنا فيه، أو أن أكون تحت يدي بعضهم فإن كان فتح كان ذكره له دوني، وكتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص أني كتبت إلى خالد بن الوليد يسير إليك مدداً لك. فإذا قدم عليك فأحسن مصاحبته، ولا تطاول عليه، ولا تقطع الأمور دونه لتقديمي إياك عليه، وعلى غيره. وشاورهم ولا تخالفهم. وعن موسى بن عقيبة قال: ثم بعث أبو بكر ثلاثة أمراء إلى الشام: خالد بن سعيد على جند، وعمرو بن العاص السهمي على جند، وشرحبيل بن حسنة على جند. ثم نزع خالد بن سعيد وأمر على جنده

يزيد بن أبي سفيان، فأدركه بذي المروة، فكأن عمراً وجد على خالد بن سعيد. ولما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب أبي بكر يأمره بالمسير إلى الشام، فمضى خالد على وجهه وسلك على عين التمر فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبى ابنه الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام به فمر بدومة فأغار عليها فقتل بها رجالاً، وهزمهم وسبي ابنة الجودي، ثم مضى حتى قدم الشام وبه يومئذ أبو عبيدة بن الجراح على جند، ويزيد بن أبي سفيان على جند، وعمرو بن العاص على جند وشرحبيل بن حسنة على جند، فقدم عليهم خالد بن الوليد فأمدهم يوم أجنادين وهزم الله عدوه. وحج أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة. فلما قفل من الحج جهز الجيوش إلى الشام فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، فأخذ الطريق المغربة على أيلة، وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وأمرهم أن يسلكوا التبوكية من علياء الشام. ولما بعث أبو بكر الجيوش لقتال أهل الردة وأتته وفود العرب مقرة بما كانت أنكرت راجعة إلى ما كانت خرجت منه، ورأى أبو بكر حسن خلافة ربه نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تركته وجماعة أمته ومنه عليهم بنصره وكفايته مؤونته على كل مرتد ومرتاب، وقوته عليهم جميعاً واجتماع كلمتهم على الإيمان بالله والعمل بفرائضه دعاهم إلى جهاد قيصر وكسرى ومن يليهما من أهل ملكهما، وإقامة فريضة الله عليهم بذلك، والعمل بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما كان من مسيره بنفسه وجماعة أمته إلى قيصر ومن يليهم، فأجابه إلى ذلك جماعة من المهاجرين والأنصار ومهاجرة الفتح وأمداد أهل العالية واليمن فاجتمع ل منهم أربعة وعشرون ألفاً. وولى عليهم الأمراء، وعقد لهم الألوية وجهزهم بما قدر عليه من الأموال والظهر. ولم يرض ببعثه السرايا ولا الاقتصار عليها فمضوا لما وجههم له، فوليهم الله بحسن الصحبة في العاقبة وسعة الرزق والتمكين في البلاد والنصر والفلج والظهور على من تعرض قتالهم بأجنادين ثم فحل ثم مرج الصفر ثم نزلوا على دمشق وحاصروا أهلها. وأمر أبو بكر خالداً أن ينزل تيماء ولا يبرحها، وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه وألا يقبل إلا ممن لم يرتد، ولا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره. فأقام واجتمع إليه جموع كثيرة. وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية البعوث بالشام إليهم.

فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك وبنزول من استنفرت الروم، ونفر إليهم من بهراء وكلب وسلح وتنوخ ولخم وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث، فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم، واستنصر الله، فسار إليهم خالد. فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم. فنزله خالد. ودخل عامة من كان تجمع له في الإسلام. وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك. فكتب إليه أبو بكر: أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك، فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به في طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل، فسار إليه بطريق منن بطارقة الروم يدعى باهان، فهزمه وقتل جنده. وكتب بذلك إلى أبي كبر واستنفره. وقدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة وبين اليمن وفيهم ذو الكلاع. وقدم عليه عكرمة قافلاً وغازياً فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو، فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصداقات أن يبدلوا من استبدل، فكلهم استبدل، فسمي ذلك الجيش جيش البدال. وقدموا على خالد بن سعيد، وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام، وعناه أمره. وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاص على عمالة كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاها إياه من صدقات سعد هذيم، وعذرة ومن لفهم من جذام وحدس قبل ذهابه إلى عمان، فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله إذا هو رجع، فخرج إلى عمان فأنجز له ذلك أبو بكر. فكتب أبو بكر عند اهتياجه للشام إلى عمرو أني قد كنت رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاكه مرة وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد وليته ثم وليته وقد أحببت، أبا عبد الله، أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك، فكتب إليه عمرو: إني سهم منن سهام الإسلام. وإنك بعد الله للرامي بها، والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئاً إن جاءك من ناحية من النواحي، وكتب إلى الوليد نحو ذلك فأجابه بإيثار الجهاد.

قال سعيد بن المسيب: لما بعث أبو بكر الجنود نحو الشام: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة قال: لما ركبوا مشى أبو بكر مع أمراء جنوده يودعهم حتى بلغ ثنية الوداع فقالوا: يا خليفة رسول الله، أتمشي ونحن ركبان؟! فقال: إني احتسبت خطاي هذه في سبيل الله. وفي رواية: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ". ثم جعل يوصيهم فقال: أوصيكم بتقوى الله. اغزوا في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله، فإن الله ناصر دينه ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض، ولا تعصوا ما تؤمرون، فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم: ادعوهم إلى الإسلام. فإن هم أجابوكم فاقبلوا منهم وكفوا عنهم، ثم ادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن هم فعلوا فأخبروهم أن لهم مثل ما للمهاجري، وعليهم ما على المهاجرين. وإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين فأخبروهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي فرض على المؤمنين، وليس لهم في الفيء الغنائم شيء حتى يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا أن يدخلوا في الإسلام فادعوهم إلى الجزية، فإن هم فعلوا فاقبلوا منهم وكفوا عنهم. وإن هم أبوا فاستعينوا بالله عليهم فقاتلوهم. إن شاء الله، ولا تعزقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فقدعوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون آخرين اتخذ الشيطان في أوساط رؤوسهم أفحاصاً، فإذا وجدتم أولئك فاضربوا أعناقهم إن شاء الله.

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير وقال لي: هل تدري لم فرق أبو بكر وأمر بقتل الشمامسة يلقون القتال فيقاتلون، وأن الرهبان رأيهم ألا يقاتلوا. وقد قال تعالى: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ". وقال إسحاق بن أبي قروة: إن خالداً ومن معه هبطوا من ثنية الغوطة، تقدمهم راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السوداء التي يقال لها العقاب، فبها سميت يومئذ ثنية العقاب. قال ابن إسحاق: وسار خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط ثم سار حتى نزل على قناة بصرى، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان فاجتمعوا فرابطوها، حتى صالحت بصرى على أخذ الجزية، وفتحها الله على المسلمين فكانت أول مدينة من مدائن الشام فتحت في خلافة أبي بكر. قال: وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر، ومر على حوارين فقتل وسبى. وعن عبد الرحمن بن جبير أن أبا بكر الصديق كان جهز بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيوشاً على بعضها شرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، فساروا حتى نزلوا الشام فجمعت لهم الروم جموعاً عظيمة. فحدث أبو بكر بذلك فأرسل إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق، وكتب أن انصرف بثلاثة آلاف فارس فأمد إخوانك بالشام، والعجل العجل، فأقبل خالد مغذاً جواداً، فاشتق الأرض بمن معه حتى خرج إلى ضمير فوجد المسلمين معسكرين بالجابية، وتسامع الأعراب الذين كانوا في مملكة الروم بخالد ففزعوا له، ففي ذلك يقول قائلهم: من الطويل:

ألا يا اصبحينا قبل خيل أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري فنزل خالد على شرحبيل بن حسنة ويزيد وعمرو فاجتمع هؤلاء الأربعة أمراء. وسارت الروم من أنطاكية وحلب وقنسرين وحمص وما دون ذلك، وخرج هرقل كراهية لمسيرهم متوجهاً نحو الروم وسار باهان الرومي أبي الرومية إلى الناس بمن كان معه. روي عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن المسلمين ساروا وعليهم هؤلاء الأمراء: يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة. كل على عسكر، ومن كانت الواقعة مما يلي عسكره فهو على أصحابه، وساروا، معهم النساء والذرية بالخيل والسلاح، ليس معهم حمار ولا شاة، فأخذوا على طريق فلسطين حتى نزلوا بقرية يقال لها: ثادن من قرى غزة. ومما يلي الحجاز، فلقيهم بها بطريق من بطارقة الروم فأرسل إليهم أن يخرجوا إليه أحد القواد ليكلمه. قال: فتواكلوا ذلك وقالوا لعمرو بن العاص: أنت لذلك. فخرج إليه عمرو فرحب به البطريق ومت إليه بقرابة العيص بن إسحاق بن إبراهيم. وقال: ما الذي جاء بكم، فقد كانت الآباء اقتسمت الأرض، فصار لكم ما يليكم، وصار لنا ما يلينا، وقد عرفنا أنم إنما أخرجكم من بلادكم الجهد، وسنأمر لكم بمعروف، وتنصرفون. فقال عمرو: أما القرابة فهي على ما ذكرت، وأما القسمة فإنها كانت قسمة شططاً علينا، فنحن نريد أن نزاد حتى تكون قسمة معتدلة، لنأخذ نصف ما في أيديكم من الأنهار والعمارة ونعطيكم نصف ما في أيدينا من الشوك الحجارة. وأما ما ذكرت من الجهد الذي أخرجنا، فإنا قدمنا فوجدنا في هذه البلاد شجرة يقال لها الحنطة، فعذقنا منها طعاماً لا نفارقكم حتى نصيركم عبيداً أو تقتلونا تحت أصول هذه الشجرة. قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: صدقوا، وافترقا، فاقتتلوا فكانت بينهم معركة انصرف القوم على حامية، ومضى المسلمون في آثارهم حتى طووهم عن فلسطين والأردن إلا ما كان من إيلياء وقيسارية تحصن فيها أناس فتركوهم ومضوا إلى ناحية البثينة ودمشق. وحدث أبو عثمان الصنعاني شراحيل بن مرثد قال: بعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته خالد بن الوليد إلى أهل اليمامة، وبعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام. قال: فكنت ممن سار مع خالد إلى اليمامة. فلما

قدمنا قاتلنا قتالاً شديداً وظفرنا بهم، وهلك أبو بكر واستخلف عمر بن الخطاب فبعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الشام، فقدم دمشق فاستمد أبو عبيدة عمر، فكتب عمر إلى خالد أن سر إلى أبي عبيدة بالشام فدعا خالد بن الوليد الدليل فقال: في كم نأتي إلى الحيرة؟ فقال: في كذا وكذا. قال: فعطش خالد الإبل ثم سقاها، واستقى وسقى الخيل، ثم كعم أفواه الإبل وأدبارها، وقال له الدليل: إن أنت أصبحت عند الشجرة نجوت ونجا من معك، وإن أصبحت دون الشجرة فقد هلكت وهلك من معك فسار خالد بمن معه فأصبح عند إضاءة الفجر عند الشجرة فنحر الإبل، وسقى ما في بطونها الخيل، وأطعم لحومها المسلمين، وسقى المسلمين من المزاد التي كانت تحمل معه، ثم أتى الحيرة أو الكوفة، فصالحه أسقفها. قال ابن عساكر: كذا قال، وإنما كان هذا بعد رجوعه عن الحيرة. وأبو عبيدة كان بالشام في أيام أبي بكر. وكان أبو بكر قد وجه خالد بن الوليد إلى العراق وأوصاه بمثل الذي أوصى به خالداً. وإن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشام ولم يقتحم، واستجلب الناس وعز فهابته الروم وأحجموا عنه، فلم يصبر عليه بعدما أمن، فوافقوا ابنه سعيد بن خالد مستمطراً فواقعوه فقتلواه ومن معه، وأتى الخبر خالداً فخرج هارباً حتى أتى البر فتنزل منزلاً، واجتمعت الروم إلى اليرموك فنزلوا به. وقالوا: والله لنشغلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله. وكتب خلاد بن سعيد إلى أبي بكر بالذي كان، فكتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص وكان في بلاد قضاعة بالسير إلى بلاد اليرموك ففعل. وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأمر كل واحد منهما بالغارة. وألا تغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم. وقدم عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد فسرحه نحو الشام في جند، وسمى لكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشام، فتوافوا باليرموك. فلما رأت الروم توافيهم ندموا على الذي ظهر م (نهم،

ونسوا لذي كانوا يتواعدون أبا بكر به، واهتموا وهمتهم أنفسهم وأشجوهم وشجوا بهم. ثم نزلوا الواقوصة، وقال أبو بكر: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد. فكتب اله بالمسير إلى أبي عبيدة بالشام، وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق في نصف الناس. فإذا فتح الله على المسلمين الشام فارجع إلى عملك بالعراق. وبعث خالد بالأخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري، وبمسيره إلى الشام، ودعا خالد الأدلة، فارتحل من الحيرة سائراً إلى دومة ثم طعن في البر إلى قراقر ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم؟ فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين، فكلهم قال: لا نعرف إلا طريقاً لا تحمل الجيوش يأخذه الفذ والراكب فإياك أن تغرر بالمسلمين. فعزم عليه ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيئة شديدة. فقال له خالد وللمسلمين: لا يهولنكم، فإنا عباد الله، وفي سبيل الله، وعلى طاعة خليفة رسول الله، ونحن وإن كثرنا بعد أن نتزود كالقليل المنكمش، فناشدوه فثاب فيهم فقال: لا يختلفن هديكم، ولا يضعفن يقينكم، واعلموا أن المعونة تأتي على قدر النية، والأجر على قدر الحسبة، وإن المسلم لا ينبغي له أن يكترث لشيء يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا له: أنت رجل قد جمع الله لك الخير، فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا واشتهوا مثل الذي اشتهى خالد. ولما سار خالد من الحيرة يمد أهل الشام استعمل على الضعفاء عمير بن سعد، واستعمل على من أسلم بالعراق المثنى بن حارثة الشيباني، ثم سار حتى نزل عين التمر وأغار على أهلها، ورابط حصونها مقاتلة كانت لكسرى وضعهم فيها حتى استنزلهم، فضرب أعناقهم وسبى من عين التمر بشراً كثيراً، فبعث بهم إلى أبي بكر. وذلك أول سبي قدم المدينة. من ذلك السبي أبو عمرة جد عبد الله بن أبي عمرة وعبيد مولى المعلى وأبو عبيد الله مولى بني زهرة وخير مولى أبي داود ويسار مولى قيس بن مخرمة. قال ابن إسحاق: وكان فيهم عمير بن زيتون الذي ببيت المقدس، ويسار مولى أبي بن كعب، وهو أبو الحسن بن أبي الحسن البصري، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري. ووجدوا في

كنيسة اليهود صبياناً يتعلمون الكتابة في قرية من قرى عين التمر يقال لها نقيرة. وكان فيهم حمران بن أبان مولى عثمان، وقتل هلال بن عطية بن بشر النمري وصلبه. ثم سار ففوز من قراقر وهو ماء لكلب إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليلا، فلم يهتد الطريق، فطلب دليلاً فدل على رافع بن عميرة الطائي، فأتاه رافع فاستدله على الطريق فقال: أنشد الله في نفسك وجيشك، فإنها مفازة خمس ليال ليس فيها ماء مع مضلتها، وإن الراكب المنفرد يسلكها فيخاف على نفسه التهلكة، وما يسلكها إلا مغرور. ما علمت رأيك ونصيحتك. ومرنا بأمرك. قال رافع: فابغني عشرين من الإبل سمان عظام، فأتي بهن فظمأهن حتى جهدن، فأوردها الماء فشربن حتى تملأن ثم أمر بمشافرها فقطعن ثم كعمهن كيلا تجتررن، ثم حل أذنابهن، ثم قال لخالد: تزود واحمل من أطاق أن يصر على أذن ناقته ماء فليفعل فإنها المهالك، ففعل، وساروا فسار معهم وسار خالد معه بالخيول والأثقال. فكلما سار يوماً وليلة اقتطع منهن أربعة فأطعم لحمانها. وسقى ما في أكراشها الخيل، وشرب الناس ما كانوا حملوا. وبقي منزل واحد ونفدت الإبل وخشي خالد على أصحابه في آخر يوم، فأرسل خالد إلى رافع أن الإبل قد نفدت فما ترى؟ قال: قد انتهيت إلى الري فلا بأس عليك. اطلبوا شجرة بمثل قعدة الرجل، فعندها الماء. ورافع يومئذ رمد، فطلبوها فلم يصيبوها فرجعوا إلى رافع، فقالوا: إنا لم نصبها، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. هلكتم وهلكت لا أبا لكم. اطلبوها فطلبوها فأصابوها قد قطعت الشجرة وقد بقي منها بقية، فكبر وكبر الناس. فقال: احتفروا فاحتفروا عيناً عذبة مروية، فتزودوا وسقوا وحملوا. فقال رافع: إن هذه المفازة ما سلكتها قط إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام. وفي رواية: فقال رافع. والله ما وردت هذا الماء مذ ثلاثين سنة. فقال شاعر من المسلمين: قيل هو أبو أحيحة القرشي: من الرجز لله عينا رافع أن (ى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى خمساً إذا ما سارها الجبس بكى ... ما سارها من قبله إنس يرى

ثم إن خالد بن الوليد أغار على أهل سوى، وهو ماء بهراء، قبل الصبح، وهم يشربون شراباً لهم في جفنة قد اجتمعوا عليهم ومغنيهم يقول: من الطويل ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري فزعوا أن ذلك المغني قتل تحت الغارة، فسال دمه في الجفنة. ثم استقام بخالد الطريق فتواصلت به امياه، حتى إذا أغار على مرج العذراء وبه ناس من غسان فأصاب منهم، ثم مضى حتى نزل مع أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة على قناة بصرى فنزل معهم حتى صالحت بصرى على الجزية، وكانت أول جزية وقعت بالشام في عهد أبي بكر. وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد: أما بعد. فدع العراق وخلف أهله فيه الذين قدمت عليهم وهم فيه. ثم امض مخففاً في أهل القوة من أصحابنا الذين قدموا معك العراق من اليمامة، وصحبوك من الطريق وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتي الشام فتلقي أبا عبيدة بن الجراح، ومن معه من المسلمين، فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ما روي من توقع المشركين لظهور دولة المسلمين

ما روي من توقع المشركين لظهور دولة المسلمين عن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه، وهو بإيلياء. فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم وترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم به نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذب فكذبوه، قال أبو سفيان: فوا لله لولا الحياء أن يأثروا علي كذباً لكذبته عه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول الذي قال؟ قال: قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: فماذا يأمركم؟ قال: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة وبالصدقة والعفاف والصلة، فقال: للترجمان قل له: إني سألتك عن نسبه.

فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت: رجل يأتم بقول قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه ملك؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك: بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً. وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة وبالصدقة والعفاف والصلة، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وهو نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظن أنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا هو: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الإريسين " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً " الآية. قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمُرَ أمرُ ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله علي

الإسلام، وكان ابن قاطور وهو صاحب إيلياء وهرقل سقفه على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال له بعض بطارقته: لقد أنكرنا هيئتك، فقال ابن قاطور: وكان هرقل رجلاً حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمم؟ قالوا: ليس يختتن غير اليهود، فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فليقتلوا من فيهم من اليهود، فبيناهم على أمرهم ذلك أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان بخبره عن خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا مختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن. فسأله عن العرب أيختتنون؟ فقال: نعم هم يختتنون، فقال: هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، فكتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق هرقل على خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبواهبا فغلقت ثم اطلع فقال لهم: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم؟ تتبعوا هذا الرجل. فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من إيمانهم فقال: ردوهم علي، وقال: إني إنما قلت مقالتي التي قلت لكم أنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت الذي أحب فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل. المحفوظ ابن الناظور، ويقال بالطاء المهملة. وقد كان أمير جند الروم باليرموك قد بعث عيناً من عرب الشام فدخل على المسلمين عسكرهم، فرجع إليه فأخبرهم أنهم بالليل رهبان وبالنهار فرسان، هم فيما بينهم كالعبيد وعلى من سواهم كالأسود، إذا قالوا صدقوا، وإذا عاهدوا أوفوا، يأخذون لله حقوقه ولو من أنفسهم، فقال: أف لك، لئن كنت صادقاً للموت خير من الحياة، وليمرن علينا منهم شر طويل. وفي رواية: ولو سرق ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجموه. وقد كان هرقل قبل مهزم خالد بن سعيد حج بيت المقدس، فبينما هو مقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه، فجمع الروم وقال: أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم وأن

تصالحوهم فوا لله لئن تعطوهم نصف ما أخرجت الشام، وتأخذون نصفاً، وتبقى لكم جبال الروم خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ويشاركوكم في جبال الروم، فنخر أخوه ونخر ختنه وتصدع عنه من كان حوله. فلما اجتمع المسلمون أمرهم بمنزل جامع واسع حصين، فنزلوا بالواقوصة وخرج فنزل حمص. فلما بلغه أن خالداً قد طلع على سوى فانتسف أهله وأمواله وعمد إلى بصرى فافتتحها وأباح عذراً قال لجلسائه: ألم أقل لكم لا تقاتلوهم فإنه لا قوام لكم مع هؤلاء القوم، إن دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم ولا يقوم لهم أحد حتى يبلى، فقالوا له: قاتل عن دينك ولا تجبن الناس واقض الذي عليك. قال: وأي شيء أطلب بهذا إلا توفير دينكم؟ ولما نزلت جنوج المسلمين اليرموك بعث إليه المسلمون: إنا نريد كلام أميركم وملاقاته، أفتدعونا نأتيه نكلمه، فأبلغوه فأذن لهم فأتاه أبو عبيدة كالرسول ويزيد بن أبي سفيان كالرسول والحارث بن هشام وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل، ومع أخي الملك يومئذ في عسكره ثلاثون رواقاً وثلاثون سرادقاً كلها من ديباج، فلما انتهوا إليها أبوا أن يدخلوا عليه فيها، وقالوا: لا نستحل الحرير فابرز لنا فنزل إلى فرش له ممهدة وبلغ ذلك هرقل فقال: ألم أقل لكم هذا أول الذل. أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشؤوم، ولم يتأت بينهم وبين المسلمين صلح فرجع أبو عبيدة وأصحابه واتعدوا، فكان القتال حتى جاء الفتح. حدث رجلان من غسان. قال: لما كان المسلمون بناحية الأردن تحدثنا بيننا أن دمشق ستحاصر، فقال أحدنا لصاحبه: هل لك أن ندخل المدينة فنتبين من سوقها قبل حصارها، فبينا نحن فيها نتسوق إذ أتانا رسول بطريقها اصطراخيه، فذهب بنا إليه، فقال: أنتما من العرب؟ قلنا: نعم. قال: وعلى النصرانية؟ قلنا: نعم، قال: ليذهب أحدكما إلى هؤلاء فليتحسس لنا من خيرهم ورأيهم، وليثبت الآخر على متاع صاحبه، ففعل ذلك أحدنا فلبث لبثاً ثم جاءه فقال: جئتك من عند رجال دقاق يركبون خيولاً عتاقاً، أما الليل فرهبان، وأما

النهار ففرسان، يريشون النبيل ويبرونها ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، فالتفت إلى أصحاب فقال: أتاكم منهم ما لا طاقة لكم به. قال ابن إسحاق: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يثبت لهم العدو فواقاً عند اللقاء، فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم، قال لهم: أخبروني ويلكم عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا هم بشر مثلكم؟ قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم، قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن، قال: فما بالكم تهزمون كما لقيتموهم، فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون بالليل، ويصومون بالنهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغصب ونظلم، ونأمر بما يسخط الله وننهي عما يرضي الله، ونفسد في الأرض. قال: أنت صدقتني.

ذكر ظفر جيش المسلمين بأجنادين وفحل ومرج الصفر

ذكر ظفر جيش المسلمين بأجنادين وفحل ومرج الصفر قال ابن شهاب: كانت وقعة أجنادين وفحل في سنة ثلاث عشرة: أجنادين في جمادى، وفحل في ذي القعدة. قالوا: وكانت وقعة أجنادين يوم السبت صلاة الظهر لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. قال ابن إسحاق: استخلف عمر على رأس اثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان الناس بالشام إلى خالد بن الوليد، والأمراء على منازلهم، فساروا قبل فحل من الأردن، وكانت فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة، وعلى رأس ستة أشهر من خلافة عمر، وقيل إن فحل كانت في رجب. قال الواقدي: وفي سنة أربع عشرة كان فتح مرج الصفر، فأقام المسلمون بها خمس عشرة من المحرم، وفيها زحف المسلمون إلى دمشق في المحرم فحاصروها ستة أشهر إلا يوماً. وقال ابن إسحاق: وقعة مرج الصفر يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. والأمير خالد بن الوليد.

حدث سعيد وابن جابر قالا: ثم كانت بعد أجنادين وقعة مرج الصفر. قال سعيد: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر، وطحنت طاحونتها بدمائهم، فأنزل الله على المسلمين نصره، وقتلت يومئذ أم حكيم أربعة من الروم بعمود فسطاطها. حدث عبد الله بن عمرو بن العاص في بيت المقدس، قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون ألفاً، وعلى الناس يومئذ عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر. فسار إليهم في الناس عمرو بن العاص فنفاهم إلى فحل. فأهل الشام قاطبة وعامة رواتنا يقولون إن أجنادين كانت قبل فحل، وهي في ولاية أبي بكر، وكانت فحل في ذي القعدة في خلافة عمر على رأس خمسة أشهر من خلافته. وكانت أجنادين أول وقعة بين المسلمين والروم نصر الله المسلمين، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها. قال الواقدي: كانت أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وبشر بها أبو بكر رضي الله عنه وهم بآخر رمق. قال: ومضى خالد بن الوليد إلى أصحابه حتى نزل على قناة بصرى، فيجد الأمراء مقيمين لم يفتحوا شيئاً قال: ما مقامكم بهذا الموضع؟ أنهضوا، فنهضوا بأهل بصرى فما أمسوا ذلك اليوم حتى دعوا إلى الصلح فصالحوهم وكتبوا بينهم كتاباً، فكانت أول مدينة فتحت من الشام صلحاً. وفيها مات سعد بن عبادة، وكان فتحها لخمس بقين من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة، وأهل الشام يقولون: إن فحل كانت قبل فتح دمشق. وذكر سيف بن عمر التميمي: أنها كانت بعد فتح دمشق. والله أعلم. وخلف الناس بعد فتح دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله في دمشق وساروا نحو فحل، فكان على الناس شرحبيل بن حسنة، فبعث خالداً على المقدمة وأبا عبيدة وعمراً على مجنبتيه، وعلى الخيل ضرار، وعلى الرجل عياض، وكرهوا أن يصمدوا لهرقل وخلفهم

ثمانون ألفاً، وعلموا أن بإزاء فحل جند الروم وإليهم ينظرون، وأن الشام بعدهم سلم، فلما انتهوا إلى أبي الأعور فقدموه إلى طبرية فحاصروهم، ونزلوا على فحل من الأردن، وقد كان أهل فحل حين نزل بهم أبو الأعور تركوه وأرزوا إلى بيسان فنزل شرحبيل بالناس فحلاً، والروم ببيسان، وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال، وكتبوا إلى عمر بالخبر، وهم يحدثون أنفسهم بالمقام ولا يريدون أن يريموا فحل حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر، ولا يستطيعون الإقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال، وكانت العرب تسمي تلك الغزاة فحل، وذات الردغة وبيسان، وأصاب المسلمون من ريف الأردن أفضل ما ترك فيه المشركون: مادتهم متواصلة، وخصبهم رغد، فاغترهم القوم، وعلى الروم سقلار بن محرق، ورجوا أن يكونوا على غرة فأتوهم والمسلمون لا يأمنون مجيئهم فهم على حذر، وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة. فلما هجموا على المسلمين فغافصوهم فلم يناظروهم، فاقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوه قط ليلتهم ويومهم إلى الليل فأظلم عليهم الليل وقد حاروا فانهزموا وهم حيارى وقد أصيب رئيسهم سقلار بن محراق والذي يليه فيهم نطورس، وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهناه، وركبوهم وهم يرون على أنهم على قصد وجد، فوجدوهم حيارى لا يعرفون ما حدهم، فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل فركبوه، ولحق أوائل المسلمين بهم وقد وحلوا، فركبوهم وما يمنعون يد لامس فوخزوهم بالرماح فكانت الهزيمة في فحل، وكانت مقتلتهم في الرداغ، فأصيب الثمانون ألفاً لم يفلت إلا الشريد، وكن الله عز وجل ليزدادوا بصيرة، وجدوا واقتسموا ما أفاء الله عز وجل عليهم، وانصرف أبو عبيدة بخالد من فحل إلى حمص، وصرفوا بشير بن كعب من اليرموك معهم، ومضوا بذي كلاع ومن معه، وخلفوا شرحبيل ومن معه.

باب كيف كان أمر دمشق في الفتح

باب كيف كان أمر دمشق في الفتح فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وقدم عمر بن الخطاب الشام سنة ست عشرة، فولاه الله فتح بيت المقدس على صلح ثم قفل، وكانت اليرموك سنة خمس عشرة، وعلى المسلمين أبو عبيدة بن الجراح. قال ابن إسحاق: ثم ساروا إلى دمشق، على الناس خالد، وقد كان عمر عزله وأمر أبا عبيدة، فرابطوها حتى فتح الله عز وجل. فلما قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمرته وعزل خالد استحيا أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق في سنة أربع عشرة في رجب. قال: فأظهر أبو عبيدة إمرته وعزل خالد ثم شتى أبو عبيدة شتيته وفي نسخة: شتيه بدمشق. قال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد النصف من رجب سنة أربع عشرة، صالحهم أبو عبيدة بن الجراح. وقد حاصرهم أبو عبيدة رجب وشعبان وشهر رمضان وشوال، وتم الصلح في ذي القعدة. ومنهم من قال: حاصروها أربعة عشرة شهراً. قال أبو عثمان الصنعاني: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ماء دون النهر، يعني الفرات وحاصرنا عانات وأصابنا لأواء، وقد علينا سليمان في مدد لنا. وقال أبو عثمان أيضاً: حاصرنا دمشق، فنزل يزيد بن أبي سفيان على باب الصغير، ونزل أبو عبيدة بن الجراح على باب الجابية، ونزل خالد بن الوليد على باب الشرقي، وكان أبو الدرداء في مسلحة برزة. قال: فحاصرناها أربعة أشهر. قال: وكان راهب دمشق قد طلب من

خالد بن الوليد الصلح. قال: فشرط عليه خالد بن الوليد أشياء أبي الراهب أن يجيب إليها. قال: فدخلها يزيد بن أبي سفيان قسراً من باب الصغير حتى ركبها. قال: وذهب الراهب كما هو على الحائط فأتى خالد بن الوليد ولا يعلم خالد أن يزيد قد دخلها قسراً. فقال له: هل لك في الصلح؟ قال: وتجيبني إلى ما شرطت عليك؟ قال: نعم. فأشهد عليه ففتح له باب الشرقي، فدخل يزيد فبلغ المقسلاط فالتقى هو وخالد عند المقسلاط، فقال هذا: دخلتها عنوة. وقال هذا: دخلتها صلحاً فأجمع رأيهم على أن جعلوها صلحاً. قالوا: ونظروا فإذا ما بين باب الشرقي إلى المقسلاط أبعد مما بين باب الصغير إلى المقسلاط. قال الأوزاعي: كنت عند ابن سراقة حين أتاه أهل دمشق النصارى بعهدهم فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق، إني أمنتهم على دمائم وأموالهم وكنائسهم ألا تسكن ولا تهدم، شهد يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وقضاعي بن عامر. وكتب في رجب من سنة أربع عشرة. قالوا: ولما نشب أصحاب خالد بن الوليد القتال دنا رجل منهم وفي يده اليمنى سيف، وفي اليسرى الدرقة فنادى بالبراز فقالوا: ما يقول؟ قيل: يقول إنه يدعو للمبارزة، فأنزلوا حبشياً كالبعير مستلثماً، في سلاحه، فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فأنزلوا إليه صاحب بندهم، أجلسوه على باب دلوه فتدانى فضربه المسلم فقتله، ثم نادى بالبراز، فقال: قل للشيطان يبارزك. وقيل: إن أبا عبيدة بن الجراح دخلها من باب الجابية بالأمان، ودخل خالد بن الوليد من باب الشرقي عنوة بالسيف يقتل، فالتقيا عند سوق الزيت فلم يدروا أيهما كان أول العنوة أو الأمان، فأجتمعوا فقالوا: والله لئن أخذنا ما ليس لنا سفكنا الدماء وأخذنا الأموال لنأثمن، ولئن تركنا بعض مالنا لا نأثم. قال: فاجتمعوا على أن أمضوه صلحاً. قال عباس بن سهل بن سعد: تولى أبو عبيدة حصار دمشق، وولي خالد بن الوليد القتال على الباب الذي كان عليه

وهو الباب الشرقي، فحاصر دمشق بعد موت أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً، ثم إنه لما طال على صاحب دمشق انتظار مدد هرقل ورأى المسلمين لا يزدادون إلا كثرة وقوة، وأنهم لا يفارقونه أقبل يبعث إلى أبي عبيدة بن الجراح يسأله الصلح، وكان أبو عبيدة أحب إلى الروم وسكان الشام من خالد، وكان يكون الكتاب منه أحب إليهم، فكانت رسل صاحب دمشق إنما تأتي أبا عبيدة بن الجراح وخالد يلح على أهل الباب الذي يليه فأرسل صاحب الرجال إلى أبي عبيدة فصالحه، وفتح له باب الجابية، وألح خالد بن الوليد على الباب الشرقي ففتحه عنوة، فقال خالد لأبي عبيدة: اسبهم فإني قد فتحتها عنوة، فقال أبو عبيدة إني قد أمنتهم فتمم لهم أبو عبيدة الصلح، وكتب لهم كتاباً وهذا كتابه. بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لأبي عبيدة بن الجراح ممن أقام بدمشق وأرضها وأرض الشام من الأعاجم، إنك حين قدمت بلادنا سألناك الأمان على أنفسنا وأهل ملتنا، إنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينة دمشق ولا فيما حولها كنيسة ولا ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا شيئاً منها ما كان في خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن توسع أبوابها للمارة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلها جاسوساً، ولا نكتم على من غش المسلمين، وعلى ألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا، ولا نظهر الصليب عليها، ولا نرفع أصواتنا في صلاتنا وقراءتنا في كنائسنا، ولا نخرج صليبنا ولا كتابنا في طريق المسلمين، ولا نخرج باعوثاً ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر

النيران معهم في أسواق المسلمين، ولا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً في نادي المسلمين، ولا نرغب مسلماً في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، وعلى ألا نتخذ شيئاً من الرقيق الذين جرت عليهم سهام المسلمين، ولا نمنع أحداً من قرابتنا إن أرادوا الدخول في الإسلام، وأن نلزم ديننا حيث ملكنا، لوات نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم ولا نتسمى بأسمائهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ونفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش في خواتمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نجعله في بيوتنا، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشدهم للطريق ونقوم لهم من المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نشارك أحداً من المسلمين إلا أن يكون للمسلم أمر التجارة، وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل من أوسط ما نجد، ونطعمه فيها ثلاثة أيام، وعلى ألا نشتم مسلماً، ومن ضرب منا مسلماً فقد خلع عهده. ضمنا ذلك لك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما اشترطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق. على ذلك أعطينا الأمان لأنفسنا وأهل ملتنا، وأقرونا في بلادكم التي أورثكم الله عز وجل عليها. شهد الله على ما شرطنا لكم على أنفسنا، وكفى به شهيداً. وقيل: إن يزيد بن أبي سفيان دخل دمشق هو ومن معه من باب الصغير قسراً. فكان يقتل هو والمسلمون ويسبون. فلما رأى ذلك الروم دلوا أسقفهم من باب الشرقي في قفة إلى خالد بن الوليد فأخذ لهم الأمان من خالد فأعطاهم وفتحوا له باب الشرقي فدخل خالد ومن معه حتى انتهوا إلى المقسلاط. وأجاز أبو عبيدة أمان خالد وأمضاه. قالوا: وكان صالح أهل دمشق على شيء مسمى لا يزداد عليهم إن استغنوا، ولا يحط عنهم إن افتقروا، فكان صالح أهل دمشق على دينارين دينارين وشيء من طعام، وبعضهم على الطاقة، إن زاد المال زاد عليهم، وإن نقص ترك ذلك عنهم، وكان اشترط على أهل الذمة بأرض الشام أن عليهم إرشاد الضال، وأن يبنوا قناطر أبناء السبيل من أموالهم، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام، ولا يشتموا مسلماً ولا يضربوه، ولا يرفعوا في

نادي أهل الإسلام صليباً، ولا يخرجوا خنزيراً من منازلهم إلى أفنية المسلمين، ولا يمروا بالخمر في ناديهم، وأن نوقد النيران للغزاة في سبيل الله عز وجل، ولا يدلوا للمسلمين على عورة، وألا يحدثوا بناء كنيسة، ولا يضربوا بناقوسهم قبل أذان المسلمين وألا يخرجوا الرايات في عيدهم، وألا يلبسوا السلاح في عيدهم، وألا ينحروا في بيوتهم، فإن فعلوا شيئاً من ذلك عوقبوا، وأخذ منهم فحسب لهم في جزيتهم. ومنهم من قال: وقد كان أبو بكر توفي قبل فتح دمشق وكتب عمر إلى أبي عبيدة بالولاية على الجماعة وعزل خالد، فكتم أبو عبيدة الكتاب من خالد وغيره حتى انقضت الحرب. فكتب خالد الأمان لأهل دمشق وأبو عبيدة الأمير وهم لا يدرون. قال: فكان كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بنعي أبي بكر واستعماله أبا عبيدة وعزله خالداً: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبيدة بن الجراح. سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فإن أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توفي، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ورحمة الله وبركاته على أبي بكر الصديق العامل بالحق والآمر بالقسط والآخذ بالعرف، اللين السير، الوادع، السهل القريب الحليم، ونحتسب بمصيبتنا فيه ومصيبتكم ومصيبة المسلمين عامة عند الله، وأرغب إلى الله في العصمة والتقى برحمته والعمل بطاعته ما أحيانا، والحلول في جنته إذا توفانا، فإنه لعلى كل شيء قدير. وقد بلغنا حصاركم لأهل دمشق وقد وليتك جماعة الناس، فاثبت سراياك في نواحي أرض حمص ودمشق، وما سواها من أرض الشام، وانظر في ذلك برأيك ومن حضرك من المسلمين، ولا يحملنك قولي هذا على أن تغري عسكرك فيطمع فيك عدوك، ولكن من استغنيت عنه فسيره، ومن احتجت إليه في حصارك فاحتبسه، وليكن فيمن تحتبس خالد بن الوليد فإنه لا غنى بك عنه. قالوا: فدفع ذلك الكتاب إلى خالد بن الوليد بعد فتح دمشق بنحو من عشرين ليلة فأقبل حتى دخل على أبي عبيدة فقال: يغفر الله لك، أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية فلم تعلمني، وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك؟! فقال له أبو عبيدة: وأنت

يغفر الله لك، ما كنت لأعلمك ذلك حتى تعلمه من غيري. وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنت أعلمك إن شاء الله. وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل، وأن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوام بأمر الله عز وجل، وما يضير الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه. بل يعلم الوالي أنه كاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلا من عصم الله، وقليل ما هم. ودفع أبو عبيدة عند ذلك إلى خالد بن الوليد الكتاب. قال أبو حذيفة: وولي أبو عبيدة حصار دمشق وولي خالد بن الوليد القتال على باب الشرقي وولاه الخيل إذا كان يوم يجتمع فيه المسلمون للقتال، فحاصروا دمشق بعد هلاك أبي بكر حولاً كاملاً وأياماً. وساق الحديث. وكان أهل دمشق قد بعثوا إلى قيصر وهو بأنطاكية رسلاً أن العرب قد حاصرونا وليست لنا بهم طاقة، وقد قاتلناهم مراراً فعجزنا عنهم فإن كان لك فينا وفي السلطان علينا حاجة فأمددنا وأعنا، وإلا فإنا في ضيق وجهد، فاعذرنا، وقد أعطانا القوم الأمان ورضوا منا بالجزية اليسيرة، فسرح إليهم أن تمسكوا بحصنكم وقاتلوا عدوكم على دينكم، فإنكم إن صالحتموهم وفتحتم حصنكم لهم لم يفوا لكم وجبروكم على دينهم واقتسموكم بينهم، وأنا مسرح إليكم الجيش في إثر رسولي هذا، فانتظروا جيشه فأبطأ عليهم. وكتب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بالمناهضة. وذكر سيف بن عمر: إن فتح دمشق كان بعد وقعة اليرموك. وقيل في حديث آخر: فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأيسوا، وازداد المسلمون طمعاً فيهم، وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك، إذا هجم البرد قفل الناس، وسقط النجم والقوم مقيمون. فعند ذلك انقطع رجاؤهم وندموا على دخول دمشق. وولد للبطريق الذي على أهل دمشق مولود فصنع عليه، فأكل القوم وشربوا وغفلوا عن مواقفهم ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد. فإنه كان لا ينام ولا ينيم

ولا يخفى عليه من أمورهم شيء، عيونه ذاكية وهو معني بما يليه قد اتخذ حبالاً كهيئة السلاليم وأوهاقاً. فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنوده الذين قدم بهم عليهم، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وأمثاله من أصحابه في أول نومة، وقال: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا البناء، وانهدوا إلى الباب. فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خندقهم، فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع ومذعور ثم لم يدعا أحبولة إلا أثبتاها، والأوهاق بالشرف، وكان المكان الذي اقتحموا منه أحصن مكان يحيط بدمشق، أكثره ماء وأشده مدخلاً، وتوافوا لذلك فلم يبق بمن قدم معه أحد إلا رقي أو دنا من الباب حتى إذا استووا على السور حدر عامة أصحابه، وانحدر معهم، وخلف من يحمي ذلك المكان لمن يرتقي، وأمرهم بالتكبير، فكبر الذين على رأس السور فنهد المسلمون إلى الباب، ومال إلى الحبال بشر كثير فوثبوا فيها، وانتهى خالد إلى أول من يليه فأقامهم وانحدر إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل المدينة وفزع سائر النسا، فأخذوا مواقفهم ولا يدرون ما الشأن وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم، فقطع خالد بن الوليد ومن معه أعلاق الباب بالسيوف، وفتحوا للمسلمين، فأقبلوا عليهم من داخل حتى ما بقي مما يلي باب خالد مقاتل إلا أنم. ولما شد خالد على من يليه وبلغ منهم الذي أراد عنوة وأرز من أفلت إلى أهل الأبواب التي تلي غيره، وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا وأبعدوا، فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح، فأجابوهم وقبلوا منهم، وفتحوا لهم الأبواب، وقال: ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، ودخل خالد مما يليه عنوة. فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا استعراضاً وانتهاباً، وهؤلاء صلحاً وتسكيناً، فأجروا ناحية خالد مجراهم وقالوا: قد فروا إلينا ودخلوا معنا، فأجاز لهم ذلك عمر رضي الله عنه، فأجرى النصف الذي أخذ عنوة مجرى الصلح فصار صالحاً. وكان صلح دمشق على المقاسمة، الديار والعقار ودينار عن كل رأس، واقتسموا الأسلاب، فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد، وجرى على الديار ومن بقي في الصلح جريب

من كل جريب أرض، ووقف ما كان للملوك ومن صوب معهم فيئاً وبعثوا بالبشارة إلى عمر، وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك، فأمر علي جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري وربعي بن عامر، فصرفوا بعد دمشق نحو سعد، فخرج هاشم نحو العراق في جند أهل العراق. وخرج علقمة ومسروق إلى إيلياء فنزلا على طريقها وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد، وبعث يزيد بن أبي سفيان دحية بن خليفة الكلبي في خيل بعد فتح دمشق إلى تدمر وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران فصالحوهما على صلح دمشق، ووليا القيام على فتح ما بعثا إليه. وكان أخو أبي الزهراء قد أصيبت رجله بدمشق يوم دمشق. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: مدينة دمشق افتتحها خالد بن الوليد صلحاً، وعلى هذا مدن الشام كانت كلها صلحاً دون أرضيا على يدي يزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة بن الجراح. وبينما المسلمون على حصار مدينة دمشق إذا أقبلت خيل عظيمة مخمرة بالحرير هابطة من ثنية السليمة فرآهم المسلمون وهم منحدرون منها، فخرج إليهم جماعة من المسلمين فيما بين بيت لهيا والثنية التي هبطوا منها، فهزمهم الله وطلبهم المسلمون، يترحل هؤلاء وينزل هؤلاء حتى وقفوا على باب حمص، فظن أهلها أنهم لم يأتوا حمص إلا وقد صالحوا أهلها، فقالوا: نحن على ما صالحتم عليه أهل دمشق ففعلوا. وعن عقبة بن عامر الجهني أنه قال: بعثني بعض أمراء الشام إلى عمر بن الخطاب فقدمت عليه في يوم الجمعة، وعلي خفان فقال: متى أولجت خفيك؟ قال: قلت له: يوم الجمعة الخالية، قال: ثم لم تنزعهما بعد؟ قال: قلت: ثم لم أنزعهما بعد. قال: أصبت. قال ليث: وذلك رأينا. وفي رواية أخرى: فقال عمر: أصبت السنة.

وعن عبد الرحمن بن جبير: أن المسلمين لما افتتحوا مدينة دمشق بعثوا أبا عبيدة بن الجراح وافداً إلى أبي بكر ومبشراً بالفتح، فقدم المدينة فوجد أبا بكر قد توفي رحمة الله عليه واستخلف عمر بن الخطاب، فأعظم أن يأتمر أحد من أصحابه عليه، فولاه جماعة الناس، فقدم عليهم فقالوا: مرحباً بمن بعثناه بريداً فقدم علينا أميراً. وقال مكحول: إن الذي أبرد بفتح دمشق رجل من الصحابة ليس بأبي عبيدة بل هو عقبة بن عامر. وهو أصح وعليه الناس. قال: وفي حديث عبد الرحمن بن جبير خطأ في مواضع ثلاثة: أحدها قوله: إن دمشق فتحت في خلافة أبي بكر، وإنما حوصرت في حياته، ولم تفتح إلا بعد وفاته. والثاني قوله: إن عمر ولى أبا عبيدة بالمدينة. وإنما ولاه وهو مقيم بالشام. فبعث إليه بكتاب توليته وهم محاصرو دمشق، فكتمه أبو عبيدة خالداً حتى تم الفتح. والثالث قوله: إن أبا عبيدة كان البريد بفتح البلد، وإنما كان البريد عقبة بن عامر. ويدل عليه أيضاً إجماع أهل التواريخ على أن فتح دمشق كان سنة أربع عشرة، وبلا خلاف إن أبا بكر توفي سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة. والله أعلم. عن المغيرة قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية، فإن أهلها صالحوه وذلك بأمر أبي عبيدة. وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك وكتب لهم كتاباً. وقال المغيرة: صالحهم على أنصاف منازلهم وكنائسهم ووضع الخراج. وقال ابن إسحاق وغيره: في سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحاً على يدي أبي عبيدة في ذي القعدة. قال شباب: ويقال في سنة خمس عشرة.

ذكر تاريخ وقعة اليرموك ومن قتل بها

ذكر تاريخ وقعة اليرموك ومن قتل بها تواردت الروايات وقعة اليرموك في سنة خمس عشرة. وقال ابن الكلبي: كانت يوم الاثنين لخمس مضين من رجب. وهذه الأقوال هي المحفوظة في تاريخ اليرموك. وقال سيف بن عمر: إنها كانت قبل فتح دمشق، في أول خلافة عمر سنة ثلاث عشرة. ولم يتابع على ذلك. وشهد اليرموك ألف رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم نحو من مئة من أهل بدر. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة بن الجراح. والروم عشرون ومئة ألف، عليهم باهان وسقلان يوم اليرموك. وعن كعب قال: إن لله عز وجل في اليمن كنزين جاء بأحدهما يوم اليرموك، قال: وكانت الأردن يومئذ ثلث الناس. ويجيء بالآخر يوم الملحمة الكبرى سبعون ألفاً، حمائل سيوفهم المسد. قال محمد بن إسحاق: مات المثنى بن حارث فتزوج سعد امرأته سلمى بنة حفص في سنة أربع عشرة. وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب. ودخل أبو عبيدة في تلك السنة دمشق فشتا بها. فلما ضاقت الروم سار هرقل في الروم حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم وجذام وبلقين

وبلي وعاملة، وتلك القبائل من قضاعة وغسان بشر كثير، معه من أهل أرمينية مثل ذلك بشر كثير،. فلما نزلها أقام بها. وبعث الصقلان، خصياً له، فسار في مئة ألف مقاتل، معه من أهل أرمينية اثنا عشر ألفاً عليهم جرجة، ومعهم من المستعربة من غسان وتلك القبائل اثنا عشر ألفاً، عليهم جبلة بن الأيهم الغساني، وسائرهم من الروم وعلى جملة الناس الصقلان، خصي هرقل. وسار المسلمون إليهم وهم أربعة وعشرون ألفاً، عليهم أبو عبيدة بن الجراح، فالتقوا باليرموك في رجب سنة خمس عشرة، فاقتتل الناس قتالاً شديداً حتى دخل عسكر المسلمين وقاتل نساء من قريش بالسيوف حتى دخل العسكر، منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام حتى سايفن الرجال. وعن عبد الرحمن بن جبير أن أمراء الأجناد اجتمعوا في خباء يزيد بن أبي سفيان وهم بالجابية يسمعون خبر عين لهم من قضاعة يخبرهم بكثرة القوم ومنزلهم على نهر الرقاد ومرج الجولان إذا طاف بهم أبو سفيان فقال: ما كنت أظن أني أبقى حتى أرى غلمة من قريش يذكرون أمر حربهم ويكيدون عدوهم بحضرتي لا يحضرونيه، فقالوا: هل لكم إلى رأي شيخكم؟ فقالوا: ادخل أبا سفيان، فدخل فقال: ما عندكم؟ فأخبروه بخبر القضاعي فقال: إن معسكركم هذا ليس بمعسكر إني أخاف أن يأتيكم أهل فلسطين والأردن فيحلوا بينكم وبين مددكم من المدينة فتكونوا بين عسكرهم، فارتحلوا حتى تجعلوا أذرعات خلف ظهوركم، يأتيكم المدد والخير، فقبلوا ذلك من رأيه. فقال: إذ قبلتم هذا من رأيي فأمروا خالد بن الوليد على الخيول ومروه بالوقوف فيما بين العسكرين وبين الخيول، فإنه سيكون لرحيل العسكر من السخر أصوات عالية تحدث لعدوكم فيكم طمعاً، فإن أقبلوا يريدون ذلك لقيتهم الخيول فكفتها. وإن كانت للخيول جولة وزعت عنها المرامية، فقبلوا ذلك من رأيه. ونادوا من السحر بالرحيل، فتنادت الروم إلى العرب قد هربت، فأقبلت فلقيتها الخيول وكفتها حتى سار العسكر وتبعتها المرامية وساقتها الخيول حتى نزلوا خلف اليرموك، وجعلوا أرعات خلف ظهورهم، ونزلت الروم فيما بني دير أيوب إلى ما يليها من نهر اليرموك، بينهم النهر، فعسكروا هنالك أياماً، فبعث باهان صاحبهم إلى خالد بن الوليد

إن رأيت أن تخرج إلى في فوارس وأخرج إليك في مثلهم أذاكرك أمراً لنا ولكم فيه صلاح وخير، ففعل خالد بن الوليد فوافقه ملياً فكان فيما عرض عليه أن قال: قد علمت أن الذي أخرجكم من بلادكم غلاء السعر وضيق الأمر بكم وإني قد رأيت أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وراحلة، تحمل حملها من الطعام والكسوة والأدم، فترجعون بها إلى بلادنا الجوع ولا ضيق الأمور ولكنا معشر العرب نشرب الدماء، فحدثنا ألا دماء أحلى من دماء الروم، فأقبلنا نهريق دماءكم ونشربها. قال: فنظر أصحابه بعضهم إلى بعض فقالوا: هذا ما كنا نحدث به عن العرب من شربها الدماء. قالوا: ثم زحف يعني باهان إلى المسلمين، فخرج بهم أبو عبيدة وقد جعل على ميمنته معاذ بن جبل، وعلى ميسرته قباثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعلى الخيل خالد بن الوليد. وكان الأمراء عمرو بن العاص على ربع، ويزيد بن أبي سفيان على ربع. وشرحبيل بن حسنة على ربع، وكان أبو عبيدة على ربع. وخرج الناس على راياتهم فيها أشراف رجال من العرب، فيها الأزد وهم ثلث الناس، وفيها حمير وهمدان ومذحج وخولان وخثعم، وفيها كنانة وقضاعة ولخم وجذام وكندة وحضرموت، وليس فيها أسد ولا تميم ولا ربيعة، ولم تكن دارهم، إنما كانت دارهم عراقية. فقاتلوا أهل فارس بالعراق. فلما برزوا لهم وسار أبو عبيدة بالمسلمين وهو يقول: عباد الله، انصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين، اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر ومرضاة للرب، ومدحضة للعار. ولا تبرموا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤوهم بالقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، والزموا الصمت إلا من ذكر الله عز وجل في أنفسكم حتى آمركم إن شاء الله.

قالوا: وخرج معاذ بن جبل على الناس فجعل يذكرهم ويقول: يا أهل القرآن، ومستحفظي الكتاب، وأنصار الهدى والحق، إن رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتى الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا للصادق والمصدق ألم تسمعوا لقول الله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " إلى آخر الآية. فاستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم فراراً عن عدوكم وأنتم في قبضته، وليس لكم ملتحد من دونه، ولا عز بغيره. يمشي في الصفوف ويذكرهم، حتى إذا بلغ من ذلك ما أحب ورأى من الناس الذي سره بهم، ثم حرضهم، وانصرف إلى موقفه رحمه الله. وسار في الناس عمرو بن العاص وهو أحد الأمراء كمسير أخيه معاذ بن جبل، فجعل يحرضهم ويقول: يا أيا المسلمون، غضوا الأبصار واجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب ويجزي بالإحسان إحساناً لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفراً كفراً، وقصراً قصراً، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل. قالوا: ثم رجع فوقف في موقفه معهم أيضاً. قالوا: ثم رجع أبو سفيان بن حرب وهو متطوع يومئذ، إنما استأذن أمير المؤمنين عمر أن يخرج متطوعاً مدداً للمسلمين متطوعين، فجعل الله في مخرجه بركة، فسار في صف المسلمين وهو يقول: يا معشر المسلمين، أنتم العرب وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل نائين عن أمير المؤمنين وإمداد المسلمين، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده، شديد عليكم حنقه، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ رضوان الله غداً إلا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة، ألا إنها سنة لازمة، وإن الأرض وراءكم وبينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة المسلمين صحارى وبراري ليس لأحد فهيا معقل ولا معقول إلا الصبر ورجاء ما وعد الله فهو خير معقول، فامتنعوا بسيوفكم، وتعاونوا بها ولتكن هي الحصون.

قالوا: ثم رجع أبو سفيان إلى النساء اللواتي مع المسلمين، وكان كثير من المهاجرات قد حضرن يومئذ مع أزواجهن وأبنائهن فأجلسهن خلف صفوف المسلمين وأمر بالحجارة فألقيت بين أيديهن، ثم قال لهن: لا يرجع إليكن أحد من المسلمين إلا رميتنه بهذه الحجارة وقلتن: من يرجوكم بعد الفرار عن الإسلام وأهله وعن النساء بأرض العدو؟ فالله الله. قال: ثم رجع أبو سفيان فنادى المسلمين فقال: يا معشر أهل الإسلام حضر ما ترون، فهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والجنة أمامكم، والشيطان والنار خلفكم ثم وقف موقفه. قالوا: وزحفت الروم مكانها إلى المسلمين يدفون دفيفاً معهم الصلبان وأقبلوا بالأساقفة، والقسيسين، والرهبان والبطارقة، لهم زجل كزجل الرعد وقد تبايع عظماؤهم على الموت، ودخل منه ثلاثون ألفاً، كل عشرة في سلسلة لئلا يفروا. قالوا: فلما نظر إليهم خالد مقبلين أقبل يركض حتى قطع صف المسلمين إلى نساء المسلمين وهن على تل مرتفع من العسكر حين وضعهن أبو سفيان فقال: يا سناء المسلمين، إيما رجل أقبل إليكن منهزماً فاقتلنه. ثم انصرف. فأتى أبا عبيدة فقال: إن هؤلاء قد أقبلوا بعدة زجل وفرح، وإن لهم عدة لا يردها شيء وليست خيلي بالكثيرة، ولا والله لا قامت خيلي لشدة خيلهم ورجالهم أبداً. وخيله يومئذ أما صفوف المسلمين ثلاثة. فقال خالد: قد رأيت أن أفرق خيلي فأكون في إحدى الخيلين، وقيس بن هبيرة في الخيل الأخرى ث تقف خيلنا من وراء الميمنة والميسرة، فإذا حمل على الناس ثبت الله أقدامهم. وإن كانت الأخرى حملنا خيولنا عليهم وهي جامة. وهم قد انتهت شدتهم وتفرقت جماعتهم فأرجو عندها أن يظفر الله بهم ويجعل الدائرة عليهم. وقد رأيت أن يجلس سعيد بن زيد مجلسك هذا وتقف من ورائه بحذائه في مئتين أو ثلاث مئة يكون للناس ردءاً. قالوا: فقبل أبو عبيدة مشورته وقال: افعل ما أراك الله، وأنا فاعل ما أردت. فأجلس أبو عبيدة سعيد بن زيد مكانه وفعل ما أمره به خالد، فركب فرسه وأقبل

يسير في الناس ويحرضهم ويوصيهم بتقوى الله والصبر، ثم انصرف، فوقف من خلف الناس ردءاً لهم. قيل: إن رجلاً من المسلمين أقبل يومئذ عند وصاة أبي عبيدة هذه. فقال له: إني قد أردت أن أقضي شأني فهل لك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجة؟ فقال له أبو عبيدة نعم: تقرئه مني السلام وتخبره أنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً. ثم تقدم الرجل فكان أول من استشهد رحمة الله عليه. قال: وأقبلت الروم إليهم كأنه سحابة منقضة إلى المسلمين حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين. قال: فبرز معاذ بن جبل فنادى المسلمين: يا معشر أهل الإسلام إنهم قد تهيؤوا للشدة، ولا والله لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء والصبر عند القراع. قالوا: ثم نزل عن فرسه فقال: من يريد فرساً يركبه ويقاتل عليه؟ قال: فوثب ابنه عبد الرحمن وهو غلام حين احتلم فأخذه، فقال: يا أباه إني لأرجو أن لا يكون فارساً أعظم غناء في المسلمين مني فارس، وأنت يا أبه راجل أعظم غناء منك فارس. الرجالة هم عظم المسلمين، فإذا رأوك حافظاً مترجلاً صبروا إن شاء الله وحافظوا. قال: فقال أبوه: وفقني الله وإياك يا بني. قال: ثم إن الروم تداعوا وتحاضوا وذركهم الأساقفة والرهبان. قال: فجعل معاذ إذا سمع كلامهم يقول: اللهم زلزل أقدامهم وأرعب قلوبهم، وأنزل علينا السكينة وألزمنا كلمة التقوى وحبب إلينا اللقاء ورضنا بالقضاء. قال: وخرج باهان صاحب الروم فجال فيهم حتى وقف وأمرهم بالصبر والقتال دون ذراريهم وأموالهم وسلطانهم. ثم بعث إلى صاحب الميسرة أن احمل وهو الدرنيجان وكان عدو الله متنسكاً. فقال للبطارقة والرؤوس الذين معه: قد أمركم أميركم أن تحملوا. قال: فتهيأت البطارقة فشدت على الميمنة وفيها الأزد ومذحج وحضرموت وحمير وخولان، فثبتوا حتى صدقوا أعداء الله فقاتلوهم قتالاً شديداً طويلاً. ثم إنه ركبهم من الروم أمثال

الجبال. فزال المسلمون من الميمنة إلى ناحية القلب وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر. وثبت صدر من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشفت زبيد يومئذ وهي في الميمنة، وفيهم الحجاج بن عبد يغوث، فتنادوا فترادوا واجتمعوا جميعاً. واجتمعوا وهم خمس مئة رجل فشدوا شدة نهنهوا من قبلهم من الروم وشغلوهم عن اتباع من انكشف من الميمنة. وتراد أيضاً جماعة من الميمنة المتحيزة، فشدت حمير وحضرموت وخولان بعد ما زالوا حتى وقفوا مواقفهم في الصف، واستقبل النساء سرعان من انهزم من المسلمين، معهن عمد البيوت وأخذن يضربن وجوههن ويرمين بالحجارة، فتراد الناس وثبت النساء على مواقفهن، واستحر القتال في الأزد فأصيب منهم ما لم يقتل من القبيائل، وقتل يومئذ عمرو بن الطفيل الدوسي، وحقق الله رؤيا والده الطفيل رحمه الله، فإنه رأى يوم مسيلمة أن امرأة لقيته ففتحت له فرجها فدخله، وطلبه ابنه هذا وحبس عنه. فقال: أولت رؤياي أن أقتل، وإن المرأة التي أدخلتني في فرجها الأرض، وإن ابني ستصيبه جراحة ويوشك أن يلحقني. فقتل هذا يوم اليرموك وهو يقول: يا معشر الأزد، لا يؤتين المسلمون من قبلكم. فقاتل حتى قتل. وثبت جندب بن عمرو بن حممة، وقاتل حتى قتل. وبرز أبو هريرة إلى الأزد يعاونا، وهو أحد الرؤوس من الأزد، وأطافت به الأزد، ثم اضطربوا حتى صارت الروم تجول في مجال واحد، كما تدور الرحى. قالوا: ولقلما رأى يوماً أكثر قحفاً ساقطاً ومعصماً نادراً، وكفاً طائرة من ذلك الموطن. والناس يضطربون تحت القسطل. قالوا: وجل القبائل في الميمنة حتى القلب. قالوا: والقلب في نحو ما فيه الميمنة. قالوا: وحمل عليهم خالد بن الوليد على الميسرة التي دخلت العسكر واضطرت ميمنة المسلمين إلى القلب، فصارت الميمنة والقلب شيئاً واحداً، فقتل هو وخيله نحواً من ستة آلاف. ودخل سائرهم بيوت المسلمين في العسكر مجرحين. وخرج خالد بن الوليد في خيله يطره من كان من الروم قريباً من العسكر حتى إذا أرادوا أن يمكروا به نادى عند ذلك: يا أهل الإسلام، لم يبق عند القوم من الجلد والقتال إلا ما رأيتم، الشدة الشدة، فوالذي نفسي

بيده، إني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم. قالوا: فاعترض صفوف الروم وإن في جانبه الذي يستقبل لمئة ألف من الروم، فحمل عليهم، وما هو إلا في نحو من ألف فارس. قالوا: فوالله ما بلغتهم الحملة حتى فض الله جمعهم، وشد المسلمون على من يليهم من رجالهم فانكشفوا وأتبعهم المسلمون ما يمتنعون من قتل ميمنتهم ولا ميسرتهم. ثم إن خالداً انتهى في تلك الحملة إلى الدرنيجان. وقد قال لأصحابه: لفوني في الثياب، فلف في الثياب وقال: وددت أن الله كان عافاني من حرب هؤلاء القوم فلم أرهم ولم يروني، ولم أنصر عليهم ولم ينصروا علي. وهذا يوم شر. ولم يقاتل حتى غشيه القوم فقتلوه. قالوا: وقال: أيضاً قباطر وهو في ميمنة الروم لجرجين صاحب أرمينية: احمل، فقال له: أنت تأمرني أن أحمل، وأنا أمير مثلك؟ فقال له قباطر: أنت أمير وأنا أمير، وأنا فوقك، وقد أمرت بطاعتي، فاختلفا، ثم إن قباطر حمل حملة شديدة على كنافة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان، وهم فيما بين ميسرة المسلمين إلى القلب، فكشفوا المسلمين وزالت الميسرة عن مصافها، وثبت أهل الرايات، وأهل الحفائظ فقاتلوا، وركبت الروم أكتاف من انهزم حتى دخلوا معهم العسكر، فاستقبلهم نساء المسلمين بعمد الفساطيط يضربن بها وجوههم ويرمينهم بالحجارة ويقلن: أين أين عز الإسلام والأمهات والأزواج. قال: فتعطف هؤلاء الذين انهزموا إلى المسلمين، وتنادى الناس بالحفائظ والصبر وشد قبائه بن أسامة فقاتل قتالاً شديداً وكسر في القوم ثلاثة أرماح يومئذ وقطع سيفين، وأخذ يقول كلما قطع سيفاً أو كسر رمحاً: من يعير سيفاً أو رمحاً في سبيل الله رجلاً قد حبس نفسه مع أولياء الله، قد عاهد الله ألا يفر ولا يبرح حتى يقاتل المشركين حتى يظهر المسلمون أو يموت؟ فكان من أحسن الناس بلاء في ذلك اليوم. ونزل أيضاً أبو الأعور السلمي فحرض على القتال، ثم إن الناس حيزوا إلى القلب. وفي القلب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل حيث وضعه أبو عبيدة بن الجراح. فلما نظر سعيد إلى الروم وخافهم اقتحم إلى الأرض وجثا على ركبتيه حتى إذا دنوا منه طعن برايته أول رجل من القوم ثم ثار في وجوههم كأنه الليث فأخذ يقاتل ويعطف الناس إليه. قالوا: وكان يزيد بن أبي سفيان يومئذ من أعظم الناس غناء. وكان مما يلي القلب. وشد

طرف من الروم على عمرو بن العاص. فانكشف هو وأصحابه حتى دخلوا أول العسكر وهم في ذلك يقاتلون ويشدون ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر. قال: فنزلت النساء من التل بعمدهن يضربن وجوه الرجال ونادت الناس ابنة العاص وقالت: قبح الله رجلاً يفر عن حليته، وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته، قالوا: وسمع نسوة من نساء المسلمين يقلن: ولستم بعولتنا إن لم تمنعونا. قال: فتراد المسلمون وزحف عمرو وأصحابه حتى عادوا إلى قريب من موقفهم. وقاتل أيضاً شرحبيل بن حسنة في ربعه الذي كان فيه. وكان وسطاً من الناس إلى جنب سعيد بن زيد، وانكشف عنه أصحابه فثبت وهو يقول: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ". أين الشارو أنفسهم لله ابتغاء مرضاة ربهم، وأين المشتاقون إلى جوار الله في جاره؟ قالوا: فرجع إليه ناس كثير وبقي القلب لم ينكشف أهله للمكان الذي كان فيه سعيد بن زيد. وكان أبو عبيدة من وراء ظهره ردءاً له وللمسلمين. قالوا: فلما رأى قيس بن هبيرة خيل المسلمين وراء صفهم مما يلي ميسرة المسلمين، وأن المسلمين قد دخلت ميسرتهم العسكر وأن الروم قد صمدت لهم، اعترض الروم بخيله تلك ينتظر خيل خالد بن الوليد، فتعطف بعضهم إلى بعض ورجع المسلمون في آثارهم فقاتلوهم، وحمل على من يليه من الروم، وهو في ميمنة المسلمين حتى اضطروهم إلى صفوفهم. فلما رأى خالد بن الوليد أن قيس بن هبيرة قد كشف من يليه وأن المسلمين قد رجعت راجعتهم إلى المسلمين حمل على من يليه من الروم فتعطف بعضهم على بعض، وزحف المسلمون إليهم رويداً حتى إذا دنوا منهم إذا هم ينتقضون، فبعث أبو عبيدة عند ذلك إلى سعيد بن زيد أن شد عيهم. وشد المسلمون بأجمعهم شدة واحدة وأظهروا التكبير، ثم صكوهم صكة واحدة فطعنوا بالرماح وضربوا بالسيوف، وأنزل الله تعالى نصره. وما وعد

نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب الله وجوه أعدائه ومنح أكتافهم، وأنزل الله تعالى ملائكة يضربون وجوههم حتى ولوا المسلمين أكتافهم. وقال سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال: لما جلنا هذه الجولة سمعنا صوتاً قد كاد يملأ العسكر يقول: يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين، فتعطفنا عليه فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه، وشد خالد في سرعان الناس معه يقتلون كل قتلة، وركب بعضهم بعضاً حتى انتهوا إلى مكان مشرف على أهوية فأخذوا يتساقطون فيها، وهم لا يبصرون، وهو يوم ذو ضباب. وقيل: كان ذلك في الليل. فأخذ آخرهم لا يعلم ما يلقى أولهم، يتساقطون فيها حتى سقط فيها نحو من ثمانين ألفاً فما أحصوا إلا بالقصب. وبعث أبو عبيدة شداد بن أوس ابن أخي حسان بن ثابت بعدهم، بعد ذلك اليوم بيوم واحد، فوجد من سقط في تلك الأهوية حتى عدهم بالقصب ثمانين ألفاً، يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، وسميت تلك الأهوية الواقوصة من يومئذ حتى اليوم لأنهم وقصوا فيها، وأخذوا وجهاً آخر، وقتل المسلمون في المعركة بعدما أدبروا ما لا يحصى. وغلبهم الليل فبات المسلمون. فلما أصبحوا نظروا فإذا هم لا يرون في الوادي شيئاً، فقالوا: كمن أعداء الله لنا، فلما بعثوا الخيول في الوادي تنظر هل لهم من كمين أو نزلوا بوطاء من الأرض، فإذا الرعاة يخبرونهم أنهم قد سقطوا في الواقوصة. فسألوا عن عظم الروم فقالوا: قد ترحل منهم البارحة نحو من أربعين ألفاً. ثم اتبعهم خالد بن الوليد على الخيل فقتلهم حتى مر بدمشق فخرج إليه رجال من أهل دمشق فاستقبلوه، فقالوا: نحن على عهدنا الذي كان بيننا وبينكم فقال لهم: نعم أنتم على عهدكم، ثم اتبعهم فقتلهم في القرى وفي كل وجه، حتى قدم دمشق فخرج إليه أهلها فسألوه التمام على ما كان بينهم ففعل، ومضى خالد يطلب عظم الناس حتى أدركهم بغوطة دمشق. فلما انتهوا إلى تلك الجماعة من الروم، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم فتقدم إليهم الأشتر وهو في رجال من المسلمين فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم، فمضى إليه حتى وثب عليه فاستوى هو والرومي على صخرة مستوية فاضطربا بسيفهما فأطن لأشتر كف الرومي، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره، واعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا على الصخرة ثم انحدرا وأخذ الأشتر يقول وهو في ذلك ملازم العلج

لا يتركه: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ". فلم يزل يقول ذلك حتى انتهى إلى مستوى في الجبل وقرار. فلما استقر وثب على الرومي فقتله وصاح في الناس أن جوزوا. قال: فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل خلوا الثنية وانهزموا. وكان الأشتر ذا بلاء حسن في اليرموك. قالوا: لقد قتل ثلاثة عشر. فركب خالد والمسلمون الثنية، ثم انحطوا مشرقين وأنكوا في سائر البلاد يطلبون أعداء الله في القرى والجبال، حتى وصلوا إلى حمص فخرج إليهم أهل حمص يسألونهم التمام على عهدهم وعقدهم وحريتهم، ففعل بهم خالد ما فعل بأهل دمشق، وأقام بها ينتظر رأي أبي عبيدة، ولما سار خالد بن الوليد من اليرموك في إثر من انهزم وقع أبو عبيدة في دفن المسلمين حتى غيبهم وكفاه دفن الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها، وقد كان مما يعملون أن يدفنوا الكفار بعد ما يدفنون المسلمين فكفاه الله الكفار بالواقوصة التي وقعوا فيها. فكتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يصف له أمرهم. وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشام كورة، فسمى لأبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح حمص، وليزيد بن أبي سفيان دمشق، ولشرحبيل بن حسنة الأردن، ولعمرو بن العاص ولعلقمة بن مجزز فلسطين، فإذا فرغا منها ترك علقمة وسار إلى مصر. فلما شارفوا إلى الشام دهم كل أمير منهم قوم كثير، وأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين. قالوا: ولما رأى المسلمون خيل الروم قد توجهت للهرب أفرجوا لها ولم يحرجوها، فذهبت فتفرقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرجل يفضهم، فكأنما هدم بهم حائطاً فاقتحموا في خندقهم، واقتحموا عليهم فعمدوا إلى الواقوصة حتى هووا فيها، المقترنون وغيرهم، فمن صبر للقتال هوى به من جشعت نفسه فيهوي الواحد بالعشرة ولا يطيقونه. وكلما هوى اثنان كان البقية عنهم أضعف، وكان المقترنون أعشاراً فتهافت في الواقوصة عشرون ومئة ألف، ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق، سوى من قتل في المعركة،

من الخيل والرجل، فكان سهم الفارس يومئذ ألفاً وخمس مئة وتجلل القيقاز وأشراف من أشراف الروم برانسهم، وجلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذا لم نستطع أن نرى يوم السرور، وإذا لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم. قالوا: وكان الكافرون أربعين ومئتي ألف، منهم ثمانون ألف مقيد، وأربعون ألف مسلسل للموت، وأربعون ألف مربوط بالعمائم، وثمانون ألف فارس، وثمانون ألف راجل. والمسلمون سبعة وعشرون ألفاً ممن كان مقيماً. إلى أن قدم عليهم خالد في التسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفاً ممن كان مقيماً. إلى أن قدم عليهم خالد في التسعة آلاف، فصاروا ستة وثلاثين ألفاً، وفتح الله على المسلمين آخر الليل، وقتلوهم حتى الصباح، ثم أصبحوا فاقتسموا الغنائم، ودفنوا قتلى المسلمين، وبلغوا ثلاثة آلاف، وصلى كل أمير قوم على قتلاهم.

ذكر تاريخ قدوم عمر الجابية

ذكر تاريخ قدوم عمر الجابية قال يزيد بن عبيدة: فتحت بيت المقدس سنة ست عشرة. وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية. وقال الوليد بن مسلم: ثم عاد في العام المقبل، يعني سنة ثمان عشرة، حتى أتى الجابية، يعني بعد عوده من سرغ سنة سبع عشرة، فاجتمع إليه المسلمون، فدفع إليه أمراء الأجناد ما اجتمع عندهم من الأموال، فجند ومصر الأمصار ثم فرض الأعطية والأرزاق ثم قفل إلى المدينة. وقال عبد الله بن صالح في حديثه: إن عمر قدم لجابية سنة ثمان عشرة. قال: وهذا يدل على أن عمر قدم الجابية مرتين. وعن عبد العزيز بن مروان أنه قال لكريب بن أبرهة: أخضرت عمر بن الخطاب بالجابية؟ قال: لا. قال: فمن يحدثنا عنها؟ قال: كريب: إن بعثت إلى سفيان بن وهب الخولاني حدثك عنها، فأرسل إليه فقال: حدثني عن خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية قال سفيان: إنه لما اجتمع الفيء أرسل أمراء الأجناد إلى عمر بن الخطاب أن يقدم بنفسه فقدم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن هذا المال نقسمه على من أفاء الله بالعدل إلا هذين الحيين من لخم وحذام فلا حق لهم فيه، فقام إليه أبو حديدة الأجذمي فقال: ننشدك الله يا عمر في العدل. فقال عمر: العدل أريد. أنا أجعل أقواماً أنفقوا في الظهر وشدوا العرض، وساحوا في البلاد مثل قوم مقيمين في بلادهم؟! ولو أن الهجرة كانت بصنعاء أو بعدن ما هاجر إليها من لخم

ولا جذام أحد. فقام أبو حديدة فقال: إن الله وضعنا من بلاده حيث شاء، وساق إلينا الهجرة في بلادنا فقبلناها ونصرناها، أفتلك تقطع حقنا يا عمر؟ ثم قال: لكم حقكم مع السمين ثم قسم. فكان للرجل نصف دينار. فإذا كانت معه امرأته أعطاه ديناراً. ثم دعا ابن قاطورا صاحب الأرض فقال: أخبرني ما يكفي الرجل من القوم في الشهر واليوم فأتى بالمدي والقسط فقال: يكيفيه هذان لمديان في الشهر وقسط زيت وقسط خل. فأمر عمر بمديين من قمح فطحنا ثم عجنا ثم أدمهما بقسطين زيتاً ثم أجلس عليهما ثلاثين رجلاً فكان كفاف شبعهم، ثم أخذ عمر المديين بيمينه والقسط بيساره ثم قال: اللهم لا أخلي لأحد أن ينقصهما بعدي. اللهم فمن ينقصهما فأنقص من عمره. قال الهيثم بن عمر: إني سمعت جدي يقول: لما ولي عمر بن الخطاب زار أهل الشام فنزل الجابية، وكانت دمشق تشتعل طاعوناً، فهم أن يدخلها فقال له أصحابه: أما علمت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا حل بكم الطاعون فلا تهربوا منه ولا تأتوه حيث هو، وقد علمت أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين معك قرحانون لم يصبهم طاعون قط، فأرسل عند ذلك رجلاً من جديلة ولم يدخلها هو إلى بيت المقدس فافتتحها صلحاً. ثم أتاها عمر ومعه كعب. فقال: أبا إسحاق، الصخرة، أتعرف موضعها؟ قال: إذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً وهي مزبلة ثم احفر فإنك ستجدها، فحفروا فظهرت لهم. فقال عمر لكعب: أين ترى أن نجعل المسجد قال: اجعله خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ضاهيت اليهودية والله يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها، فبناه في مقدم المسجد. فبلغ أهل العراق أنه زار أهل الشام فكتبوا إليه يسألونه أن يزورهم كما زار أهل الشام، فهم أن يفعل فقال له كعب؛ أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تدخلها. قال: ولم؟ قال: فيها عصاة الجن وهاروت وماروت يعلمان الناس السحر. وفيها تسعة أعشار الشر وكل داء معضل. فقال عمر: قد فهمت كل ما ذكرته غير الداء المعضل، فما هو؟ قال: كثرة الأموال هو الذي ليس له شفاء. فلم يأتها عمر.

ونزل المسلمون الجابية وهم أربعة وعشرون ألفاً فوقع الطاعون فيهم، فذهب منهم عشرون ألفاً، وبقي أربعة آلاف فقالوا: هاذ طوفان وهذا رجز فبلغ ذلك معاذاً فبعث فوارس يجمعون الناس، وقال: اشهدوا المدراس اليوم عند معاذ. فلما اجتمعوا قام فيهم فقال: أيها الناس، والله لو أعلم أني أقوم فيكم بعد مقامي هذا ما تكلفت اليوم القيام لكم. وقد بلغني أنكم تقولون هذا الذي وقع فيكم طوفان ورجز، والله ما هو طوفان ولا رجز وإنما الطوفان والرجز كان عذب الله به الأمم. ولكنها شهادة أهداها الله لكم استجاب فيكم دعوة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ألا فمن أدرك خمساً فاستطاع أن يموت فليمت: أن يكفر الرجل بعد إيمانه، وأن يسفك الدم بغير حقه، وأن يعطى مال الله بأن يكذب أو يفجر، وأن يظهر التلاعن بينكم، أو يقول الرجل حين يصبح: والله إن حييت أو مت ما أدري ما أنا عليه. وقوع هذا الطاعون والوباء مصداق ما روي عن معاذ بن جبل قال: ينزل المسلمون أرضاً يقال لها الجابية أو الجويبية فتكثر به أموالهم ودوابهم، فيبعث عليهم جرب كالدمل تزكو فيه أموالهم وتستشهد فيه أبدانهم. وفي رواية: يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، فيستشهد الله به أنفسكم وخياركم فيزكي أبدانكم.

ما اشترط عند فتح الشام على الذمة

ما اشترط عند فتح الشام على الذمة عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتب لعمر بن الخطاب حين صالح نصارى الشام: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا تحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها ولا نحيي ما كان منها من خطط المسلمين ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال نطعمهم، ولا نؤوي في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوساً، لوا نكتم غشاً للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركاً ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع من ذوي قراباتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه، وأن نوقر المسلمين ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السرج، ولا نتقلد السيوف، لوا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا تنقش على خواتمنا بالعربية ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن نشد زنانير على أوساطنا. وألا نظهر الصليب على كنائسنا، ولا نظهر كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسوقهم، ولا نضرب بنواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفياً، ولا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من طريق المسلمين وأسواقهم، ولا نجاوزهم بموتانا، ولا نتخذ من الطريق ما جرى عليه سهام المسلمين، ولا نطع عليهم في منازلهم. فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه: ولا نضرب أحداً من المسلمين. شرطنا لكم ذلك على

أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه الأمان. فإن نحن خالفنا عن شيء مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة في الشقاق. وفي طريق آخر. ولا نخرج شعانين ولا باعوثاً ولا نرفع أصواتنا مع أمواتا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طريق المسلمين وأسواقهم. وروى عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وألا يمنعوا من أعيادهم، ولا يهدمون شيئاً من كنائسهم. صالح على ذلك أهل المدينة وأخذ سائر الأرض عنوة. وقيل: صالحوهم على من فيها من جماعة أهلها على جزية دنانير مسماة، لا تزاد عليهم إن كثروا، ولا تنقص منهم إن قلوا. وأن للمسلمين فضول الدور والمساكن عنهم، وأسواقها. وقال ابن سراقة: كان في كتاب صلح دمشق: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق أني أمنتكم على دمائكم وأموالكم ومساكنكم وكنائسكم أن تهدم أو تسكن ما لم تحدثوا حدثاً، أو تؤووا محدثاً مغيلة. وعن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه قال: لما قدم عمر بن الخطاب الشام كان في شرطه على النصارى أن يشاطرهم منازلهم فيسكن فيها المسلمون، وأن يأخذ الحيز القبلي من كنائسهم لمساجد المسلمين. وعن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب أمر أن تهدم كل كنيسة لم تكن قبل الإسلام، ومنع أن تحدث كنيسة، وأمر ألا يظهر صليب خارجاً من كنيسة إلا كسر على رأس صاحبه. وعن أسلم مولى عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء أهل الجزية ألا يضعوا الجزية إلا على من جرت أو

مرت عليه المواسي وجزيتهم أربعون درهماً على أهل الورق منهم، وأربعة دنانير على أهل الذهب. وعليهم أرزاق المسلمين من الحنطة مديين وثلاثة أقساط زيت لكل إنسان كل شهر من كان من أهل الشام وأهل الجزيرة، ومن كان من أهل مصر إردب لكل إنسان كل شهر. ومن الودك والعسل شيء لم نحفظه، وعليهم من البز التي كان يكسوها أمير المؤمنين شيء لم نحفظه، ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث أيام، وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعاً لكل إنسان. وكان عمر لا يضرب الجزية على النساء، وكان يختم في أعناق رجال أهل الجزية. وفي حديث آخر: فلما قدم عمر الشام شكوا إليه وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنهم يكلفونا ما لا نطيق، يكلفونا الدجاج والشاء. فقال: لا تطعموهم إلا مما تأكلون مما يحل لهم من طعامكم. وعن عكرمة أن ابن عباس سئل: هل للعجم أن يحدقوا في أمصار العرب بنياناً أو شيئاً، فقال: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه كنيسة، أو قال: بيعة. ولا يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يدخلوه خنزيراً، وأيما مصر مصره العجم ففتحه الله على العرب، فللعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم. وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى على أهل الذمة بضيافة ثلاثة أيام للمسلمين ما بصلحهم من طعام ولف دوابهم. قال الأوزاعي: كتب عمر بن الخطاب في أهل الذمة أن من لم يطق منهم فخففوا عنه، ومن عجز فأعينوه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين.

وعن ضمرة بن جندب قال: قال عمر بن الخطاب في أهل الذمة: سموهم ولا تكنوهم، وأذلوهم ولا تظلموهم، وإذا جمعتكم وإياهم طريق فألجئوهم إلى أضيقها. وعن عبد الملك بن عمير أن عمر بن الخطاب اشترط على أنباط الشام للمسلمين أن يصيبوا من ثمارهم وتينهم ولا يحملوا. وعن الأحنف بن قيس أن عمر بن الخطاب اشترط على أهل الذمة إصلاح القناطر، والضيافة يوم وليلة، وإن قتل رجل من المسلمين في أرضكم فعليكم ديته. وعن ابن أبي نجيح قال: سألت مجاهداً: لم وضع عمر على أهل الشام الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن؟ فقال: لليسار. وعن الحكم بن عمر الرعيني قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمصار الشام: لا يمشين نصراني إلا مفروق الناصية، ولا يلبسن قباء، ولا يمشين إلا بزنار من جلد، ولا يلبسن طيلساناً، ولا يلبسن سراويلاً ذات خدمة، ولا يلبسن نعلاً ذات عذبة، ولا يركبن على سرج، ولا يوجد في بيته سلاح إلا انتهب.

ذكر حكم الأرضين وما جاء فيه

ذكر حكم الأرضين وما جاء فيه قال: لا خلاف بين الأئمة أن كل بلد صولح أهله على الخراج المعلوم أنه لا يجوز تغيير ما استقر عليه. وقد صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضى لأهل مدينة دمشق الصلح، لكنه لما أشكل عليه الحال في الفتح وهل سبق من دخلها عنوة أو من دخلها بالصلح أمضاها كلها صلحاً لأهلها، وقبل منهم شروطاً بذلوها، فأما ما ظهر عليه المسلمون عنوة من أعمالها ونواحيها، وحووه بالقهر والغلبة من أرضيها فقد اختلف فيه: فذهب عمر وعلي ومعاذ بن جبل إلى أنها وقف على المسلمين، لا تقسم بين من غلب عليها من الغانمين، وتجري غلتهم عليهم وعلى من بعدهم. وذهب الزبير بن العوام وبلال بن رباح إلى أنها ملك للغانمين، فتقسم بينهم على ما يراه الإمام. وذهب أبو حنيفية وسفيان الثوري إلى أن الإمام في ذلك بالخيار، إن شاء وقفها، وإن شاء قسمها ووزعها على ما يراه بين من غنمها. وذهب مالك إلى أنها تصير وقفاً بنفس الاغتنام. ولا يكون فيها اختيار للإمام. وذهب الشافعي إلى أنه ليس للإمام أن يقفها بل يلزمه أن يقسمها إلا أن يتفق على وقفها المسلمون، فيرضى ببذلك من غنمها. فأما ما روي عن عمر وعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر. وعنه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس بباناً ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، ولكن أتركها لهم حراثة. ومعنى بباناً أي باجاً واحداً وشيئاً واحداً. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عمر إلى سعد حين افتتح العراق: أما بعد. فقد بلغني كتابك، تذكر أن الناس

سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عز وجل عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس به عليك إلى العسكر من كراع أو مال فاقسمه بن من حضر من المسلمين. واترك الأرضين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بقي بعدهم شيء. وعن إبراهيم السلمي قال: لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمه بيننا فإنا فتحناه غنوة. فأبي وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا بينكم في المياه. قال: فأقر أهل السواد في أرضيهم، وضرب على رؤوسهم الجزية وعلى أرضيهم الطسق. قال أبو عبيدة: يعني بالطسيق: الخراج. وعن عتبة بن فرقد قال: اشتريت عشرة أجربة من أرض السواد على شاطئ الفرات لقضب لدوابي فذكرت ذلك لعمر فقال لي: اشتريتها من أصحابها؟ قلت: نعم. قال: رح إلي فرحت إليه فقال: يا هؤلاء، أبعتموه شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ابتغ مالك حيث وضعته. وأما ما روي عن علي رضي الله عنه وعن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد بني المسلمين فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين، فشاور في ذلك فقال له علي بن أبي طالب: دعهم يكونوا مادة للمسلمين فتركهم. وبعث عليهم عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثني عشر، وبهذا كان يأخذ سفيان بن سعيد وهو معروف من قوله إلا أنه كان يقول: الخيار في أرض الغنوة إلى الإمام إن شاء جعلها غنيمة فخمس وقسم، وإن شاء جعلها فيئاً عاماً للمسلمين ولم يخمس ولم يقسم. قال أبو عبيد: وليس الأمر عندي إلا على ما قال سفيان إن الإمام مخير في العنوة بالنظر للمسلمين والحيطة عليهم بين أن يجعلها غنيمة أو فيئاً.

وأما ما روي عن معاذ ولما قدم عمر الجابية أراد قسم الأرضين فقال له معاذ: والله إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم كان الربع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسداً وهم لا يجدون شيئاً. فانظر أمراً يسع أولهم وآخرهم. فسار عمر إلى قول معاذ. وأما ما روي عن الزبير قال سفيان بن وهب الخولاني: لما افتتحنا مصر بغير عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص، أقسمها، فقال عمرو: لا أقسمها، فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبير، قال عمرو: والله لا أقسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر أن أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة. وأما ما روي عن بلال وعن نافع مولى ابن عمر قال: أصاب الناس فتح الشام فيهم بلال، قال: وأظنه ذكر معاذ بن جبل فكتبوا إلى عمر بن الخطاب: إن هذا الفيء الذي أصبنا، لك خمسه، ولنا ما بقي، ليس لأحد منه شيء. كما صنع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فكتب عمر: ليس علي ما قلتم، ولكني أقفها للمسلمين، فراجعوه الكتاب وراجعهم، يأبون ويأبى، فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال: اللهم، أكفني بلالاً وأصحاب بلال. قال: فما حال الحول عليهم حتى ماتوا جميعاً. قال البيهقي: قوله إنه ليس علي ما قتم ليس يريد إنكار ما احتجوا به من قسمة خيبر، ويشبه أن يريد به: ليست المصلحة فيما قلتم، وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين، وجعل يأبى قسمتها لما كان يرجو من تطييبهم ذلك له، وجعلوا يأبون لما كان لهم من الحق، فلما أبوا لم يبرم عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم، ووقفها، ولكن دعا عليهم حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة، وهم لو وافقوه وافقه أفناء الناس وأتباعهم.

وفي رواية أن بلالاً قال: لتقسمنها أو لنضاربن عليها بالسيف، فقال عمر: لولا أني أترك الناس بباناً، لا شيء لهم ما فتحت قرية إلا قسمتها سهماناً كما قسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر. زاد البيهقي والخشنامي إلى آخر الحديث: ولكن أتركها لمن بعدهم جزية يقتسمونها. قال البيهقي: وفي أحاديث عمر التي لم ير فيها القسمة دلالة على أن عمر كان يرى من المصلحة إقرار الأراضي، وكان يطلب استطابة قلوب الغانمين، وإذا لم يرضوا بتركها فالحجة في قسمه قائمة بما ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قسمة خيبر وقد خالف الزبير بن العوام وبلال وأصحابه، ومعاذ، على شك من الراوي، عمر فيما رأى. والله أعلم. حدث أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو قال: حضرت عند أبي الحسن بن محمد بن مدبر، أحضر ذلك المجلس هشام بن عمار ودحيماً ومحمود بن خالد وعبد الله بن ذكوان وأحضرني فيمن أحضر فقال: إنكم لا تتهمون على الفيء، وإنما يتهم عليه أهل البدع، لأنكم تعلمون أنه ينفق في بيضة الإسلام وفي حج البيت ومجاهدة العدو وأمن السبل، فتكلم يومئذ أحمد بن محمد بن مدبر في ذلك فأبلغ، وقال: أخبروني عن مدائن الساحل: هل ترون من مستغلها حقاً للفيء؟ فقال: لا حق للفيء في مستغلها. وأعلموه أن دمشق فتحت صلحاً، وأن صلح حصونها بصلحها من أجل أنها الأم، وإن ساحلها تبع لها. قال أبو زرعة: وأعلمته يومئذ أن بعلبك صلح، وأن الوليد بن مسلم قد أثبت صلحها عن إسماعيل بن عياش. فقال ابن مدبر للمشيخة: هكذا تقولن؟ قالوا: نعم، فقبل ذلك منهم. قال أبو زرعة: وسألني أبى مدبر عن بيع الكلأ فأعلمته أن الأوزاعي يقول: الناس فيه أسوة، فتظلم إلى ابن مدبر رجل من الرعية على رجل رعى كلأ له، فلم يعده. وقال: فقيه أهل الشام لا يرى لك حقاً.

قال أبو زرعة: ورأيت أحمد بن محمد بن مدبر شديداً في الأرض، مذهبه فيها مذهب السلف في إيقافها. قال: فحدثته بحديث أرويه عن الهيثم بن عمران قال: كتب هشام بن عبد الملك إلى كلثوم بن عياض وبلغه أن خالداً القسري اشترى أرضاً من أرض الغوطة بغير إذنه فقال: أتشتري أرضاً بغير إذني؟ فأمر سالماً الكاتب أن يكتب إلى كلثوم بن عياض: عزمت عليك ألا تضع كتابي من يدك حتى تغرم الوليد بن عبد الرحمن عاملي على الغوطة أربع مئة دينار، وتبعث بها إلي إذا اشتريت أرض بغير إذنه، وكتب إلى كلثوم أن اضرب وكيلي القسري مئة مئة. وأطفء بهما، ومر من ينادي عليهما: هذا جزاء من اشترى أرضاً بغير إذن أمير المؤمنين. وذلك أنه وجد فيما وضع عمر بن عبد العزيز حين استخلف قال: هل نهت الولاة قبلي عن شراء الأرض من أهل الذمة؟ قالوا: لم ينهوا. قال: فإني قد سلمت لمن اشترى، ولكن من اليوم أنهى عن بيعها، إنها أرض المسلمين، دفعت إلى أهل الذمة على أن يأكلوا منها ويؤدوا خراجها، وليس لهم بيعها، ومن اشترى بعد اليوم. فيعاقب البيع والمشتري، وترد الأرض إلى النبطي، ويؤخذ الثمن من المسلم، فيجعل في بيت المال، لما انتهكوا من المعصية، ويدخل المال الذي أخذ النبطي بيت مال المسلمين لما وضع عمر في ذلك الديوان فهي المدة. ما كان قبل المدة، يعني قبل عمر بن عبد العزيز، وما كان بعد المدة، يعني بعد عمر. قال أبو زرعة: فاستحسن أحمد بن محمد بن مدبر هذا الحديث، وأنكر العقوبة، فقلت له: لا تبتذله رأيه، وأخبرته بحديث رويته عن إسحاق بن مسلم، وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز على خراج الأردن. فكتب إلى عمر: أما بعد. فإني وجدت أرضاً من أرض أهل الذمة بأيدي أناس من المسلمين فما يرى أمير المؤمنين فيها؟ فكتب إليه أن تلك أرض أوقفها أول المسلمين على آخرهم، فامنع ذلك البيع. إن شاء الله والسلام. وحدثته ما رويته عن القاسم بن زياد وعن عاملاً لعمر بن عبد العزيز على الغوطة، فكتب إلى عمر: أما بعد: فإن قبلنا أرضاً من أرض أهل الذمة بأيدي ناس من المسلمين قد

ابتاعوها منهم، وهم يؤدون العشر مما يخرج منها، أفضل مما كان عليها، فما يرى أمير المؤمنين؟ قال: وأنا أريد بدا وذات بدا، أرضاً من أرض الجبل اتخذها عمر، فكتب إليه عمر أن تلك أرض حبسها أول المسلمين على آخرهم، فليس لأحد أن يتمولها دونهم، فامنع ذلك البيع إن شاء الله. قال أبو زرعة: فحدثت بهذا الحديث عبد الملك بن الأصبغ من أصحاب الوليد بن مسلم فأخبرني أن عمر بن عبد العزيز لم يمت عن ضيعة بقيت في يده غير بدا وحزين من أرض بعلبك، وأنه أورثها عشراً وعدلها على ذلك أبو جعفر المنصور فصارت بأيدي ورثة عمر. قال أبو زرعة: فقال لي أحمد بن محمد بن مدبر: قد جاء فيها: من أخذ أرضاً بجزيتها فقد أتى بما يأتي به أهل الكتاب من الذل والصغار. وأما قول الثوري فقد روي عن سفيان بن سعيد قال: إذا ظهر على بلاد العدو فالإمام بالخيار إن شاء قسم البلاد والأموال والسبي، بعد ما يخرج الخمس من ذلك، وإن شاء من عليهم فترك الأرض والأموال، وكانوا ذمة للمسلمين كما صنع عمر بن الخطاب بأهل السواد، فإن تركهم صاروا عهداً توارثوا وباعوا أرضهم. قال يحيى بن آدم أحد رواة هذا الحديث: وسمعت حفص بن غياث يقول: تباع ويقضى بها الدين، وتقسم في المواريث. وأما قول مالك فإنه ذهب إلى أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بما له وأرضه، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين، لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئاً للمسلمين، وأما أهل الصلح فإنهم قوم منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا ما صلحوا عليه.

وروى عنه يحيى بن عبد الله بن بكير قال: قال مالك: كل أرض فتحت صلحاً فهي لأهلها، لأنهم منعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وكل بلاد أخذت عنوة فهي فيء للمسلمين. وقال يحيى بن آدم: كل أرض كانت لعبد الأوثان من العجم أو لأهل الكتاب من العجم أو العرب ممن يقبل منهم الجزية فإن أرضهم أرض خراج إن صالحوا على الجزية على رؤوسهم، والخراج على أرضيهم، فإن ذلك يقبل منهم، وإن ظهر عليهم المسلمون فإن الإمام يقسم جميع ما أجلبوا به في العسكر من كراع أو سلاح أو مال بعدما يخمسه، وهي الغنيمة التي لا يوقف شيء منها، وذلك قوله عز وجل: " ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه " وأما القرى والمدائن والأرض فهي فيء كما قال الله عز وجل: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " فالإمام بالخيار في ذلك: إن شاء وقفه وتركه للمسلمين، وإن شاء قسمه بين حضره. قال أبو بكر الخطيب: اختلف الفقهاء في الأرض التي يغنمها المسلمون فيقهرون العدو عليها، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بالخيار بين أن يقسمها على خمسة أسهم، فيعزل منها السهم الذي ذكره الله تعالى في آية الغنيمة فقال: " واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه " الآية. ويقسم السهام الأربعة الباقية بين الذين افتتحوها، فإن لم يختر ذلك وقف جميعها، كما فعل عمر بن الخطاب في أرض السواد. وممن ذهب إلى هذا القول سفيان بن سعيد الثوري وأبو حنيفة النعمان بن ثابت. وقال مالك: تصير الأرض وقفاً بنفس الاغتنام، ولا خيار فيها للإمام.

وقال محمد بن إدريس الشافعي: ليس للإمام إيقافها. وإنما يلزمه قسمتها، فإن اتفق المسلمون على إيقافها ورضوا أن لا تقسم جاز ذلك، واحتج من ذهب إلى هذا القول بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قسم أرض السواد بين غانمها وحائزها، ثم استنزلهم بعد ذلك عنها، واسترضاهم منها، ووقفها. فأما الأحاديث التي وردت عن عمر أنه لم يقسمها فإنه محمولة على أنه امتنع من إمضاء القسم واستدامته بأن انتزع الأرض من أيديهم، أو أنه لم يقسم بعض السواد وقسم بعضه، ثم رجع فيه. قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم، وملك أيمانهم، وهي أرض عشر، لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتتحت صلحاً على خراج معلوم فهي على ما صولحوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أخذت عنوة فهي التي اختلف المسلمون فيها. فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة تخمس، وتقسم، فيكون أربعة أخماسها خططاً بني الذين افتتحوها خاصة، ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تعالى، وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها للإمام: إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فتلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئاً فلا يخمسها ولا يقسمها، ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة، ما بقوا كما صنع عمر بالسواد، فعل ذلك. فأما حكم الدور التي هي داخل السور فقد روي عن بنت واثلة قالت: سمعت رجلاً يقول لواثلة: أرأيت هذه المساكن التي أقطعها الناس يوم فتحوا مدينة دمشق أماضية هي لأهلها؟ قال: نعم. قال: فإن ناساً يقولون هي لهم سكنى، وليس لهم بيعها ولا إتلافها بوجه من الوجوه، من صدقة ولا مهر ولا غير ذلك. فقال واثلة: ومن يقول ذلك! بل هي لهم ملك ثابت، يسكنون، ويمهرون، ويتصدقون. وأما القطائع فقد روي عن عامر قال: لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا علي، وأول من أقطع القطائع عثمان، وبيعت الأرضون في خلافة عثمان.

وروي عن أبي عمرو وغيره أن عمر وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمع رأيهم على إقرار ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون منها خراجها إلى المسلمين، فمن أسلم منهم رفع عن رأسه الخراج، وصار ما كان في يده من الأرض وداره بين أصحابه من أهل قريته، يؤدون عنها ما كان يؤدى من خراجها، ويسلمون له ماله ورقيقه وحيوانه، وفرضوا له في ديوان المسلمين، وصار من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ولا يرون أنه وإن أسلم أولى بما كان في يديه من أرضه من أصحابه من أهل بيته وقرابته، لا يجعلونها صافية للمسلمين، وسموا من ثبت منهم على دينه وقريته ذمة للمسلمين، ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شرى ما في أيديهم من الأرض كرهاً، لما احتجوا به على المسلمين من أن إمساكهم كان عن قتالهم وتركهم مظافرة عدوهم من الروم عليهم، فهاب لذلك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاة الأمر قسمهم، وأخذوا ما كان في أيديهم من تلك الأرضين، وكرهوا للمسلمين أيضاً شراءها طوعاً لما كان من ظهور المسلمين على البلاد، وعلى من كان يقاتلهم عنها، ولتركهم، كان، البعثة إلى المسلمين وولاة الأمر في طلب الأمان قبل ظهورهم عليهم. قالوا: وكرهوا شراءها منهم طوعاً بما كان من إيقاف عمر وأصحابه الأرض محبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين المجاهدين لا تباع ولا تورث قوة على جهاد من لم يظهروا عليه بعد من المشركين، ولما ألزموه أنفسهم من إقامة فريضة الجهاد لقوله عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة " إلى تمام الآية. قال: فقلت لغير واحد من مشيختنا ممن كان يقول هذه المقالة: فمن أين جاءت هذه القطائع التي بين ظهراني القرى الراخية والمزارع التي بيد غير واحد من الناس؟ فقال: إن بدء هذه القطائع أن ناساً من بطارقة الروم إذا كانت ظاهرة على الشام كانت هذه القرى التي منها هذه القطائع، كانت من الأرضين التي كانت بأيدي أنباط القرى، فلما هزم الله الروم هربت تلك البطارقة عما كان في أيديها من تلك المزارع، فلحقت بأرض الروم، ومن قتل منها في تلك المعارك التي كانت بين المسلمين والروم فصارت تلك المزارع والقرى صافية للمسلمين موقوفة يقبلها والي المسلمين كما يقبل الرجل مزرعته.

قالوا: فمنها أندركيسان يعني بدمشق. وقبيس بالبلقاء، وما على باب حمص من جبعاثا وغيرها. قالوا: فلم تزل تلك المزارع موقوفة مقبلة، تدخل قبالتها بيت المال، فتخرج نفقة مع ما يخرج من الخراج، حتى كتب معاوية في إمرته على الشام إلى عثمان أن الذي أجراه عليه من الرزق في عمله ليس يقوم بمؤن من يقوم عليه من وفود الأجناد ورسل أمرائهم، ومن يقدم عليه من رسل الروم ووفودها، ووصف في كتابه هذه المزارع الصافية وسماها له، فسأله أن يقطعه إياها ليقوى بها على ما وصف له، وأنها ليست من قرى أهل الذمة ولا الخراج فكتب إليه عثمان بذلك كتاباً. قالوا: فلم تزل بيد معاوية حتى قتل عثمان، وأفضى إلى معاوية الأمر، فأقرها على حالها، ثم جعلها من بعده حبساً على فقراء أهل بيته والمسلمين. قالوا: ثم إن ناساً من قريش وأشراف العرب سألوا معاوية أن يقطعهم من بقايا تلك المزارع التي لم يكن عثمان أقطعه إياها، ففعل، فمضت لهم أموالاً يبيعون، ويمهرون، ويورثون. فلما أفضى الأمر إلى عبد الملك بن مروان وقد بقيت من تلك المزارع بقايا لم يكن معاوية قد أقطع منها أحداً شيئاً سأله أشراف الناس القطائع منها ففعل. قالوا: إن عبد الملك سئل القطائع، وقد مضت تلك المزارع لأهلها، فلم يبق منها شيء، فنظر عبد الملك إلى أرض من أرض الخراج قد باد أهلها، ولم يتركوا عقباً أقطعهم منها، ورفع ما كان عليها من خراجها عن أهل الخراج، ولم يحمله أحداً من أهل القرى وجعلها عشراً، ورآه جائزاً له مثل إخراجه من بيت المال الجوائز للخاصة. قالوا: فلم يزل يفعل ذلك حتى لم يجد من تلك الأرض شيئاً. فسأل الناس عبد الملك والوليد وسليمان قطائع من أرض القرى التي بأيدي أهل الذمة، فأبوا ذلك عليهم، ثم سألوهم أن يأذنوا لهم في شرى الأرضين من أهل الذمة فأذنوا لهم على إدخال أثمانها بيت المال، وتقوية أهل الخراج به على خراج سنتهم مع ما ضعفوا عن أدائه، وأوقفوا ذلك في الأرضين، ووضعوا خراج تلك الأرضين عمن باعها منهم، وعن أهل قراهم، وصيروها لمن اشتراها يؤدي العشر، يبيعون ويمهرون ويورثون.

قالوا: فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك القطائع التي أقطعها عثمان ومعاوية وعبد الملك والوليد وسليمان، فلم يردها عمر على ما كانت عليه صافية، ولم يجعلها خراجاً، وأبقاها لأهلها تؤدي العشر. قال: وأعرض عمر عن تلك الأشرية بالإذن لأهلها فيها، لاختلاط الأمور فيها، لما وقع فيها من المواريث، ومهور النساء، وقضاء الديون، فلم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك. قال: وأعرض عن الأشرية التي اشتراها المسلمون بغير إذن ولاة الأمر، لما وقع في ذلك من المواريث واختلاط الأمور، وجعل الأشرية سواء، وأمضاه لأهله ولمن كان في يديه كالقطائع للأرض عشراً ليس عليها ولا على من صارت إليه بميراث أو شراء جزية. قالوا: وكتب بذلك كتاباً قرئ على الناس في سنة مئة وأعلمهم أنه لا جزية عليها، وأنها أرض عشر. وكتب أن من اشترى شيئاً بعد سنة مئة فإن بيعه مردود، وسمي سنة مئة المدة، فسماها المسلمون بعده: المدة. فأمضى ذلك فبقية ولايته، ثم أمضاه يزيد وهشام ابنا عبد الملك. قالوا: فتناهى الناس عن شراها بعد سنة مئة بسنيات، ثم اشتروا أشرية كثيرة كانت بأيدي أهلها، يؤدون العشر، ولا جزية عليها. فلما أفضى الأمر إلى أبي جعفر عبد الله بن محمد أمير المؤمنين رفعت إليه تلك الأشرية وأنها تؤدي العشر، ولا جزية عليها، وأن ذلك أضر بالخراج وكسره، فأراد ردها إلى ألها. قيل له: قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها، فبعث المعدلين إلى كور الشام سنة أربعين أو إحدى وأربعين منهم: عبد الله بن يزيد إلى حمص، وإسماعيل بن عياش إلى بعلبك، في أشباه لهم، فعدلوا تلك الأشرية على من هي بيده شرى أو ميراث أو مهر، فعدلوا ما بقي بأيدي الأنباط من بقية الأرض على تعديل مسمى، ولم تعدل الغوطة في تلك السنة، وكان من كان بيده شيء من تلك الأشرية من أهل الغوطة يؤدي العشر حتى بعث أمير المؤمنين عبد الله بن محمد، هضاب بن طوق،

ومحرز بين زريق، فعدلوا الأشرية، وأمرهم ألا يضعوا على شيء من القطائع القديمة ولا الأشرية خراجاً، وأن يمضوها لأهلها عشرية، ويضعوا الخراج على ما بقي منها بيد الأنباط وعلى الأشرية المحدثة من بعد سنة مئة إلى السنة التي عدل فيها. حدث سليمان بن عتبة أن أمير المؤمنين عبد الله بن محمد سأله في مقدمة الشام سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومئة عن سبب الأرضين التي بأيدي أبناء الصحابة، ويذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تبارك وتعالى لما أظهر المسلمين على بلاد الشام، وصالحوا أهل دمشق وأهل حمص كرهوا أن يدخلوها دون أن يتم ظهورهم وإثخانهم في عدو الله عسكروا في مرج بردى ما بين المزة وبين مرج شعبان جنبي بردى، وكانت مروجاً مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها ليست لأحد منهم، فأقاموا بها، حتى أوطأ الله المشركين ذلاً، وقهراً، وأحيا كل قوم محلتهم، وهيؤوا فيها بناء، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمضاه لهم، فبنوا الدور، ونصبوا الشجر، ثم أمضاه عثمان، ومن بعده إلى ولاية أمير المؤمنين، فقال: قد أمضيناه لأهله.

الصوافي التي استصفيت عن بني أمية

الصوافي التي استصفيت عن بني أمية فقد روي عن همام بن مسلم قال: سئل مالك بن أسن عن دار من دور الصوافي، أسكنها؟ قال: ما أدري. وسألت ابن أبي ذئب فقال: ما أدري، وسئل عباد بن كثير فقال: في هذا ما فيه. وسئل سفيان الثوري فقال: لا تنزلها، فقال له الرجل: فإن أبي في صافية ويأبى أن يخرج منها فقال سفيان: فارق أباك، قيل: فإن كان فيها مسجد، قال: فلا تصل فيه. قال: فإن كان فيها مريض؟ قال: فلا تعده. قلت: فإن كنت أعرف أهلها أشتريها منهم؟ قال: نعم. وروي عن سفيان الثوري قال: إن كانت، يعني الصوافي، لبني أمية حلالاً فهي على بني هاشم حرام، وإن كانت على بني أمية حراماً فهي على بني هاشم أحرم وأحرم.

بعض ما ورد من الملاحم والفتن يتعلق بدمشق

بعض ما ورد من الملاحم والفتن يتعلق بدمشق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم. قالها ثلاثاً. شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. قال أبو عبيد الهروي في هذا الحديث: قد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يكن، وهو في علم الله كائن، فخرج لفظه على لفظ الماضي لأنه ماض في علم الله عز وجل. وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دل على إثبات نبوته، ودل على رضاه من عمر ما وظفه على الكفرة من الجزي في الأمصار. وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أنهم سيسلمون فيسقط عنهم ما وظف عليهم بإسلامهم، فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم. والدليل على ذلك قوله في الحدث: وعدتم من حيث بدأتم، لأن بدا أهم في علم الله، وفيما قدر. وفيما قضى أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا. وقيل في قوله: منعت العراق درهمها: إنهم يرجعون عن الطاعة. قال: وهذا وجه، والأول أحسن. وعن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يغلب أهل المدي على مديهم، وأهل القفيز على قفيزهم، وأهل الإردب على إردبهم، وأهل الدينار على دينارهم، وأهل الدرهم على درهمهم، ويرجع الناس إلى بلادهم.

قال أبو عبيد: فمعناه والله أعلم: إن هذا كائن. وإنه سيمنع بعد في آخر الزمان، فاسمع قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدرهم والقفيز كما فعل عمر بأهل السواد، فهو عندي الثبت. وفي تأويل فعل عمر أيضاً حين وضع الخراج، ووظفه على أهله من العلم أنه جعله شاملاً عاماً على كل من لزمته المساحة وصارت الأرض في يده من رجل أو امرأة أو صبي أو مكاتب أو عبد، فصاروا متساوين فيها، لم يستثنى أحد دون أحد. ومما يبين ذلك قول عمر في دهقانة نهر الملك حين أسلمت فقال: دعوها في أرضها، تؤدي عنها الخراج، فأوجب عليها ما أوجب على الرجال. وفي تأويل حديث عمر من العلم إنما جعل الخراج على الأرضين التي تغل من ذوات الحب والثمار، والتي تصلح للغلة من العامر والغامر، وعطل منها المساكن والدور، التي هي منازلهم، فلم يجعل عليهم فيها شيئاً. وعن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار ولا مدي، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذلك، ثم أسكت هنيهة ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثيثاً، لا يعده عداً. قال الجريري: فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا.

وعن عبد الله بن عمرو قال: تجيش الروم فيخرجون أهل الشام من منازلهم، فيستغيثون بكم، فتغيثونهم، فلا يتخلف عنهم مؤمن، فتقتتلون، فيكون بينكم قتل كثير ثم تهزمونهم فينتهون إلى أسطوانة، إني لا أعلم مكانها عليهم، عندها الدنانير، فيكالونها بالتراس فيلقاهم الصريخ. إن الدجال يحوش ذراريكم فيلقون ما في أيديهم، ثم يأتون. وعن أبي الدرداء أنه قال: ليخرجنكم الروم من الشام كفراً كفراً حتى يوردوكم البلقاء. كذلك الدنيا تبيد وتفنى، والآخرة تدوم وتبقى. وعن أبي هريرة قال: يا أهل الشام، ليخرجنكم الروم منها كفراً كفراً حتى تلحقوا بسنبك من الأرض. قيل: وما ذاك السنبك؟ قال: حسمي جذام، ولتسيرن الروم على كوادنها، متعلقي جعابها بين بارق ولعلع. وعن خالد أنه قال: لا يذهب الليل والنهار حتى يطرد الروم أهل الشام من الشام، فيموت منهم ناس كثير من العيال بالفلاة جوعاً وعطشاً. وعن الضحاك بن مزاحم قال: هلاك دمشق نزول السفياني بين أظهرهم، ثم الروم. حدث الصنابحي أنه سمع كعباً يقول: سيعرك العراق عرك الأديم، وتفت مصر فت البعر. وروي عن واهب المعافري أنه قال: وتشق الشام شق الشعرة.

قال عمر بن يزيد النصري: يقتل أصيهب قريش في دمشق، ومعه سبعون صديقاً. وكانوا يقولون: أسعد الناس بالرايات السود من أهل الشام أهل حمص، وأشقى الناس بالرايات السود من أهل الشام أهل دمشق، واسعد الناس بالرايات الصفر من أهل الشام أهل دمشق، وأشقى الناس بالرايات الصفر من أهل الشام أهل حمص. قال خالد بن معدان: يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك. وقال: لا يخرج المهدي حتى يخسف بقرية بالغوطة تسمى حرستا.

ذكر بعض أخبار الدجال

ذكر بعض أخبار الدجال وعن النواس بن سمعان الكلابي قال: ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدجال فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة من النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط، عينه قائمة يشبه عبد العزي بن قطن، فمن رآه منكم فليقرأ فاتحة الكتاب وفاتحة سورة أصحاب الكهف، ثم قال: إنه يخرج من خلة ما بين الشام والعراق، فعاث يميناً وشمالاً، يا عباد الله اثبتوا، قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله، أرأيت ذلك اليوم الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له. قلنا: يا رسول الله، ما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون، ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت دراً، وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي على القوم فيدعوهم، ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم تتبعه أموالهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء، يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فينطلق فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف، ويقطعه جزلين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل، يتهلل وجهه ويضحك. فبينا هو كذلك إذ بعث المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين أو مبرودتين، واضع كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر. وإذا رفعه تحدر منه كجمان لؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات. ونفسه ينتهي حين ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه عند باب لد، فيقتله الله. ثم يأتي عيسى بن مريم قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينا هو كذلك إذ أوحى الله إليه: يا عيسى، قد أخرجت

عباداً لا يدان لأحد بقتالهم، فجوز عبادي إلى الطور، فيبعث الله يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة الطبرية فيشربون ما فيها، فيمر آخرهم فيقول: لقد كان في هذه ماء مرة، فيحصر نبي الله عليه السلام حتى يكون رأس الثور خيراً لأحدهم من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، فيهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون موضع شبر إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم، فيرغب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل عليهم طيراً كأعناق البخت تحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، يغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيل، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ. فبينا هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة تأخذ تحت آباطاهم فتقبض روح كل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون كما تتهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة. وعن أبي سعد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنه لم يكن نبي إلا وقد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه. إنه أعور ذو حدقة جاحظة ولا تخفى كأنها نخاعة في جنب جدار، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، ومعه مثل الجنة والنار، فجنته غبراء ذات دخان، وناره روضة خضراء، وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية دخل أوائلهم فيسلط على رجل، لا يسلط على غيره فيذبحه ثم يضربه بعصا وفي رواية: بعصاه ثم يقول: قم فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون ألست بربكم؟ فيشهدون له بالشرك. فيقول الرجل المذبوح:

يا أيها الناس، ها إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعود أيضاً فيذبحه ثم يضربه بعصاه فيقول له: قم فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون ألست بربكم؟ فيشهدون له بالشرك. فيقول المذبوح: يا أيها الناسن ها إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادني هذا فيك إلا بصيرة، فيعود فيذبحه الثالثة ويضربه بعصاه فيقول: يا أيها الناس، إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما زادني هذا فيك إلا بصيرة، ثم يعود فيذبحه الرابعة، فيضرب الله تعالى على حلقه بصفيحة من نحاس فلا يستطيع ذبحه. قال أبو سعيد: فوالله ما دريت ما النحاس، إلا يومئذ. قال: فيغرس الناس بعد ذلك ويزرعون. قال أبو سعيد: كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب. لما نعلم من قوته وجلده. وعن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أكثر خطبته ما يحدثنا عن الدجال ويحذرناه، فكان من قوله: يا أيها الناس، إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض أعظم من فتنة الدجال، إن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدحال، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج فيكم وأنا فيكم فأنا حجيج كل مسلم، وإن يخرج بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يميناً ويعيث شمالاً. يا عباد الله، اثبتوا فإنه يبتدئ فيقول: أنا نبي، ولا نبي بعدي، ثم يبتدئ فيقول: أنا ربكم، ولن تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرأه كل مؤمن، فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلى بناره فليقرأ فواتح سورة الكهف، ويستغث باله تكن عليه برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإن من فتنته أن معه شياطين تتمثل على صور الناس، فيأتي للأعرابي فيقول: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانه على صورة أبيه

وأمه، فيقولان له: يا بني ابتعه فإنه ربك. وإن من فتنتة أن يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، وأن يعود بعد ذلك وأن يصنع ذلك بنفس غيرها. يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه الآن يزعم أن له رباً غيري، فيبعثه فيقول له: من ربك؟ فيقول ربي الله وأنت عدو الله الدجال. وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك إبلك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانه على صورة إبله. وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبوه، فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، ويمر بالحي فيصدقوه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم مواشيهم من يومها ذلك أعظم ما كانت وأسمنه خواصر، وأدره ضروعاً. وإن أيامه أربعون يوماً، فيوم كالسنة، ويوم دون ذلك، ويوم كالشهر، ويوم دون ذلك، ويوم كالجمعة ويوم دون ذلك، ويوم كالأيام، ويوم دون ذلك، وآخر أيامه كالشرارة في الجريدة، يضحي الرجل بباب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى تغرب الشمس. قالوا: يا رسول الله، فكيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون في هذه الأيام القصار كمنا تقدرون في الأيام الطوال ثم تصلون. وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وغلب عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيها من نقب من أنقابها إلا لقيه ملك مصلت بالسيف، فينزل عند الضريب الأحمر عند منقطع السبخة عند مجتمع السيول. ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج، فتنفي المدينة يومئذ خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد. يدعى ذلك اليوم يوم الإخلاص. فقالت أم شريك يا رسول الله، فأين المسلمون؟ فال: ببيت المقدس، يخرج حتى يحاصرهم، وإمام المسلمين يومئذ رجل صالح، فيقال له: صل الصبح، فإذا كبر ودخل في الصلاة نزل عيسى بن مريم. قال: فإذا رآه ذلك الرجل عرفه، فيرجع يمشي القهقرى ليتقدم عيسى عليه السلام فيضع يده بين كتفيه ثم يقول: صل، فإنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيس عليه السلام وراءه، فيقول: افتحوا الباب فيفتحونه. ومع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو سلاح وسيف محلى، فإذا نظر إلى عيسى عليه السلام ذاب كما يذوب الرصاص في النار، وكما يذب الملح في الماء، ثم يخرج هارباً فيقول عيسى: إن لي

فيك ضربة لن تفوتني بها، فيدركه عند باب الشرقي فيقتله، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله عز وجل ذلك الشيء لا شجرة ولا حجر ولا دابة إلا قال: يا عبد الله المسلم، هذا يهودي فاقتله إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق قال الشيخ: شوك يكون بناحية بيت المقدس قال: ويكون عيسى في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، فيقتل الخنزير، ويدق الصليب، ويضع الجزية، ولا يسعى على شاة ولا بعير ويرفع الشحناء والبغضاء التباغض، فتنزع حمة كل ذي دابة حتى تلقى الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، ويملأ الأرض من الإسلام، ويسلب الكفار ملكهم، فلا يكون ملك إلا الإسلام وتكون الأرض كفاثور الفضة، ينبت نباتها كما كانت على عهد آدم عليه السلام، يجتمع النفر على القطف. فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة. ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات. وعن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة لنعرض على مصحفه مصحفاً، فلما حضر الجمعة أمر لنا بماء فاغتسلنا، وطيبنا ثم، رحنا إلى الجمعة، فجلسنا إلى رجل يحدث، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فتحولنا إليه، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام. فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال في أعراض جيش، فيهزم من قبل المشرق. فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تنزل بشامة وتنظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم ومعهم سبعون ألفاً عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء حتى يأتي المصر الذي يليهم فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقيم تنزل بشامة، وتنظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق المصر الذي يليهم، ثم يأتي الشام فينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعث المسلمون بسرح لهم فيصاب سرحهم فيشهد عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد، حتى إن أحدهم ليحزق

وتر قوسه فيأكله، فبينا هم كذلك إذ نادى مناد من السحر: أتاكم الغوث يا أيها الناس. فيقول بعضهم لبعض: إن هذا لصوت رجل شبعان، فينزل عيسى عليه السلام الفجر، فيقول له أمير الناس: تقدم يا روح الله فصل بنا، فيقول: إنكم معشر هذه الأمة أمراء بعضكم على بعض، فتقدم أنت فصل بنا، فيتقدم أمير الناس فيصلي لهم، فإذا انصرف أخذ عيسى عليه السلام حربته، ثم ذهب نحو الدجال، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، وضع حربته بين ثندوته فيقتله فينهزم أصحابه، فليس شيء يومئذ يجن منهم حتى الشجرة تقول: يا مؤمن، هذا كافر. وعن أسماء بنت يزيد بن السكن، وهي ابنة عم معاذ بن جبل قالت: أتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طائفة من أصحابه وذكر الدجال. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن قبل خروجه ثلاث سنين تمسك السماء قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إن دوابهم تسمن وتبطر مما تأكل لحومهم. أو كما قال. وعن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري ليلة أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا الساعة، فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها، فلم يكن عنده منها علم، ثم موسى، فلم يكن عنده منها علم، فتراجعوا الحديث إلى عيسى فقال عيسى: عهد الله إلي فيما دون وجبتها يعني: أما وجبتها فلا نعلمها. قال: فذكر من خروج الدجال فأهبط فأقتله، ويرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فلا يمرون بماء إلا شربوه ولا يمرون بشيء إلا أفسدوه، فيحارون إلى الله تبارك وتعالى، فيدعو الله فيميتهم فتحار الأرض إلى الله من ريحهم، ويحارون إلي فأدعو، فترسل السماء بالماء فتحمل أجسامهم فتقذفها في البحر. ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم، فعهد الله عز وجل إلي إذا كان ذلك فإن الساعة من الناس كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادها ليلاً أو نهاراً.

قال عبد الله: فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق " الآية. قال: وجمع الناس من كل مكان جاؤوا منه يوم القيامة فهو حدب.

ذكر شرف جامع دمشق وفضله

ذكر شرف جامع دمشق وفضله قال يزيد بن ميسرة: أربعة أجبل مقدسة بين يدي الله عز وجل: طور زيتا، وطور سينا، وطور تينا، وطور تيمنانا. قال: فطور زيتا: بيت المقدس، وطور سينا: طور موسى، وطور تينا: مسجد دمشق، وطور تيمنانا: مكة. وعن قتادة قال: أقسم الله تعالى بمساجد أربعة: قال: " والتين " وهو مسجد دمشق. " والزيتون " وهو مسجد بيت المقدس " وطور سنين " وهو حيث كلم الله موسى، " وهذا البلد الأمين " وهو مكة. قال محمد بن شعيب: سمعت غير واحد من قدمائنا يذكرون أن التين مسجد دمشق، وأنهم أدركوا منه شجراً من تين قبل أن يبنيه الوليد. قال عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر: كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان، فما تقبل منه جاءت نار فأخذته، وما لم يتقبل بقي على حاله. وقد روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به صلى في موضع مسجد دمشق. وعن القاسم أبي عبد الرحمن قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى جبل قاسيون أن هب ظلك وبركتك لجبل بيت المقدس، قال: ففعل. فأوحى الله إليه: أما إذا فعلت فإنني سأبني لي في حضنك بيتاً، أي

في وسطك. وهو هذا المسجد، يعني: مسجد دمشق أعبد فيه بعد خراب الدنيا أربعين عاماً، ولا تذهب الأيام والليالي حتى أرد عليك ظلك وبركتك، قال: فهو عند الله بمنزلة المؤمن الضعيف المتضرع. وقال كعب الأحبار: ليبنين في دمشق مسجد يبقى بعد خراب الدنيا أربعين عاماً. قال عبد الرحمن بن إبراهيم: حيطان مسجد دمشق الأربعة من بناء هود عليه السلام، وما كان من الفسيفساء إلى فوق فهو من بناء الوليد بن عبد الملك. ولما أمر الوليد عبد الملك ببناء مسجد دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحاً من حجر فيه كتاب نقش، فأتوا به الوليد فبعث إلى الروم فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى العبرانيين فلم يستخرجوه، ثم بعث إلى كل من كان بدمشق من بقية الأشبان فلم يستخرجوه، فدل على وهب بن منبه فبعث إليه، فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجدوه في ذلك الحائط، ويقال: ذلك الحائط بناه هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، فلما نظر إليه وهب حرك رأسه، فإذا هو: بسم الله الرحمن الرحيم. ابن آدم، لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طويل ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم صرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة وقبل الحسرة والندامة، وقبل أن يحل بك أجلك، وتنزع منك روحك، فلا ينفعك مال جمعته، ولا ولد ولدته، ولا أخ تركته، ثم تصير إلى برزخ الثرى ومجاورة المولى، فاغتنم الحياة قبل الموت، والقوة قبل الضعف، والصحة قبل السقم، قبل أن تؤخذ بالكظم، ويحال بينك وبين العمل. وكتب في زمان سليمان بن داود عليهما السلام. وعن زيد بن واقد قال: وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق فوجدنا فيه مغارة، فعرفنا الوليد

ذلك. فلما كان الليل وافى وبين يديه الشمع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاث أذرع في ثلاث أذرع، وإذا فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه سفط، وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه: هذا رأس يحيى بن زكريا، فأمر به الوليد فرد إلى المكان، وقال: اجعلوا المود الذي فوقه مغيراً من الأعمدة. فجعل عليه عمود مسفط الرأس. وعن زيد بن واقد قال: رأيت رأس يحيى بن زكريا حيث أرادوا بناء مسجد دمشق، أخرج من تحت ركن من أركان القبلة، وكانت البشرة والشعر على رأسه لم يتغير. وسأل رجل الوليد بن مسلم: يا أبا العباس، أين بلغك رأس يحيى بن زكريا؟ قال: بلغني أنه ثم، وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي. وعن زيد بن واقد قال: حضرت رأس يحيى بن زكريا وقد أخرج من الليطة القبلية الشرقية التي عند مجلس بجيلة، فوضع تحت عمود للسكاسك. وقد روي البلاطة بدل الليطة. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته بمسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة. وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مئة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسة آلاف، وصلاته في مسجدي بخمسين ألفاً، وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف. وعن أبي زياد الشعباني أو أبي أمية الشعباني قال: كنا بمكة فإذا رجل في ظل الكعبة، وإذا هو سفيان الثوري فقال رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ قال: بمئة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بخمسين ألف. قال: ففي بيت المقدس؟ قال: أربعين ألف صلاة. قال: ففي مسجد دمشق؟ قال: ثلاثين ألف صلاة.

وعن معاوية بن قرة قال: قال عمر بن الخطاب: من صلى صلاة مكتوبة في مسجد مصر من الأمصار كانت له كحجة متقبلة، وإن صلى تطوعاً كانت له كعمرة مبرورة. وعن كعب بمعناه، وزاد: فإن أصيب في وجهه ذلك حرم لحمه ودمه على النار أن تطعمه، وذنبه على من قتله. في المسجد، فلا تتركوا فيه أحداً حتى أصلي الليلة، ثم إنه أتى إلى باب الساعات فاستفتح الباب ففتح له، فدخل من باب الساعات فإذا برجل قائم بين باب الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة قائماً يصلي، وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال القوام: ألم آمركم ألا تتركوا أحداً يصلي الليلة في المسجد؟ فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين، هذا الخضر عليه السلام يصلي في المسجد كل ليلة. خرج واثلة بن الأسقع من باب المسجد الذي يلي باب جيرون فلقي كعب الأحبار فقال له: أين تريد؟ فقال له: واثلة بن الأسقع يريد بيت المقدس، فقال له: تعال حتى أريك موضعاً في هذا المسجد، من صلى فيه فكأنما صلى في بيت المقدس قال: فذهب به فأراه ما بين الباب الأصفر الذي يخرج منه الوالي إلى الحنية، يعني القنطرة الغربية. قال: من صلى فيما بين هذين فكأنما صلى في بيت المقدس. قال واثلة: إنه لمجلسي ومجلس قومي. قال: هو ذاك. قال أبو زرعة: مسجد دمشق خطه أبو عبيدة بن الجراح وكذلك مسجد حمص. وأما مسجد مصر فإنه خطه عمرو بن العاص زمن عمر. قال أبو ثوبان: ما ينبغي أن يكون أحد أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدهما.

لما قدم المهدي يريد بيت المقدس دخل مسجد دمشق ومعه أبو عبيد الله الأشعري كاتبه، فقال: يا أبا عبيد الله، سبقتنا بنو أمية بثلاث. قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: بهذا البيت، يعني: المسجد، لا أعلم على ظهر الأرض مثله، وبنبل الموالي، فإن لهم موالي ليس لنا مثلهم، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبداً. ثم أتى بيت المقدس فدخل الصخرة فقال: يا أبا عبيد الله وهذه رابعة. ولما دخل المأمون مسجد دمشق ومعه أبو إسحاق المعتصم ويحيى بن أكثم قال: ما أعجب ما في هذا المسجد؟ فقال له أبو إسحاق؛ ذهبه وبقاؤه. فإنا نهيئه في قصورنا فلا تمضي به العشرون سنة حتى يتغير. قال: ما ذاك أعجبني منه. فقال له يحيى بن أكثم: تأليف رخامه، فإني رأيت فيه عقداً ما رأيت مثلها. قال: ما ذاك أعجبني فقالا له: ما الذي أعجبك؟ قال: بنيانه على غير مثال متقدم. قال المأمون لقاسم التمار: اختر لي اسماً حسناً أسمي به جاريتي هذه. قال: سمها مسجد دمشق، فإنه أحسن شيء. قال الشافعي: عجائب الدنيا خمسة أشياء: أحدها منارتكم هذه، يعني منارة ذي القرنين، والثاني أصحاب الرقيم الذين هم بالروم اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر رجلاً، والثالث مرآة ببلادة الأندلس معلقة على باب مدينتها الكبيرة، فإذا غاب الرجل من بلادهم على مسافة مئة فرسخ في مئة فرسخ فإذا جاء أهله إلى تلك المنارة فقعد تحتها ونظر في المرآة يرى صاحبه بمسافة مئة فرسخ، والرابع مسجد دمشق وما يوصف من الإنفاق عليه. والخامس الرخام والفسيفساء، فإنه لا يدرى له موضع، فيقال إن الرخام كلها معجونة. والدليل على ذلك أنه لو وضعت على النار لذابت.

ما ذكر من هدم بقية كنيسة مريحنا وإدخالها في الجامع

ما ذكر من هدم بقية كنيسة مريحنا وإدخالها في الجامع عن كعب في قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " فقال: إذا هدمت كنيسة دمشق فبنيت مسجداً وظهر لبس القصب، فحينئذ تأويل هذه الآية. وهدمها الوليد بن عبد الملك. وكان معاوية أراد أن يبني مسجد دمشق فقال له كعب: ذلك أخنس قريش وما اجتمع أبواه. فلما كان الوليد بن عبد الملك بعث إلى النصارى وقال لهم في كنيستهم وسألهم إياها فأبوا، فقال لهم: ائتونا بالعهد فأتوه به فقال لهم: قد رضيتم، فأنا أسجل البعض عليكم. فنظروا فإذا كنيسة كذا، وكنيسة كذا، وكنيسة كذا. ورضوا بأن أعطوا الكنيسة وكف عن كنائسهم. قالوا: وكان معاوية بن أبي سفيان يخرج إلى الصلاة في المسجد من الموضع الذي يصلي فيه الغرباء عند باب جيرون من عند الزجاجة الخضراء فجعلت الزجاجة علامة لما سد الباب من شرق المسجد خارج الباب. قال يعقوب بن سفيان: سألت هشام بن عمار عن قصة مسجد دمشق وهدم الكنيسة قال: كان الوليد قال للنصارى من أهل دمشق: ما شئتم، إنا أخذنا كنيسة توما غنوة وكنيسة الداخلة صلحاً، فأنا أهدم كنيسة توما. قال هشام: وتلك أكبر من هذه الداخلة. قال: فرضوا أن هدم

كنيسة الداخلة، وأدخلها في المسجد. قال: وكان بابها قبلة المسجد، اليوم المحراب الذي يصلى فيه. قال: وهدم الكنيسة في أول خلافة الوليد سنة ست وثمانين، وكانوا في بنيانه سبع سنين حتى مات الوليد ولم يتم بناؤه، فأتمه هشام من بعده. وفي حديث آخر: لما هم بهدم الكنيسة، كنيسة مريحنا ليزيدها في المسجد، دخل الكنيسة، ثم صعد منارة ذات الأضالع المعروفة بالساعات، وفيها راهب يأوي في صومعة له فأحدره من الصومعة، فأكثر الراهب كلامه، فلم تزل يد الوليد في قفاه حتى أحدره من المنارة ثم هم بهدم الكنيسة، فقال له جماعة من نجاري النصارى: ما نجسر على أن نبدأ في هدمها يا أمير المؤمنين، ونخشى أن نعز أو يصيبنا شيء، فقال الوليد: تحذرون وتخافون! يا غلام، هات المعول، ثم أتى بسلم فنصبه على محراب المذبح، وصعد فضرب بيده المذبح حتى أثر فيه أثراً كبيراً، ثم صعد المسلمون فهدموه، وأعطاهم الوليد مكان الكنيسة التي في المسجد، الكنيسة التي تعرف بحمام القاسم بحذاء دار أم البنين في الفراديس، فهي تسمى مريحنا مكان هذه التي في المسجد. وحولوا شاهدها فيما يقولون إليها، إلى تلك الكنيسة. وكان أراد أن يبني المسجد اسطوانات إلى الكوى يعني الطاقات فدخل بعض البنائين فقال: لا ينبغي أن يبنى كذا ولكن ينبغي أن تبنى فيه قناطر ويعقد أركانها بعضها إلى بعض ثم تجعل أساطين، ويجعل عمد، ويجعل فوق العمد قناطر تحمل السقف، ويخفف عن العمد البناء، ويجعل بين كل عمودين ركن. قال: فبني كذلك. قالوا: ودخل المغيرة بن عبد الملك يوماً على الوليد بن عبد الملك بن مروان، فرآه مغموماً فقال له: يا أمير المؤمنين، ما سبيلك؟ قال: فأعرض عنه، ثم إنه عاوده فقال: يا أمير المؤمنين، ما سبيلك؟ قال: فقال له: يا مغيرة، إن المسلمين قد كثروا وقد ضاق بهم المسجد، وقد بعثت إلى هؤلاء النصارى أصحاب هذه الكنيسة لندخلها في المسجد فتأبوا علينا، وقد أقطعتهم قطائع كثيرة، وبذلت لهم مالاً فامتنعوا، فقال له المغيرة: يا أمير المؤمنين، لا تغتم قد دخل خالد من باب الشرقي بالسيف، وباب الجابية دخل منه أبو

عبيدة بن الجراح في الأمان فماسحهم إلى أي موضع بلغ السيف، فإن يكن لنا فيه حق أخذناه، وإن لم يكن لنا فيه حق داريناهم حتى نأخذ باقي الكنيسة فندخله في المسجد فقال له: فرجت عني، فتول أنت هذا. قال: فتولاه، فبلغت المسحة إلى سوق الريحان حتى حاذى من القنطرة الكبيرة أربعة أذرع وكسر بالذراع القاسمي، فإذا باقي الكنيسة قد دخل في المسجد، فبعث إليهم فقال لهم: هذا حق قد جعل الله عز وجل لنا، لم يصل المسلمون في غصب ولا ظلم، بل نأخذ حقنا الذي جعله الله لنا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد أقطعتنا أربع كنائس وبذلت لنا من المال كذا وكذا، فإن رأيت يا أمير المؤمنين أن تتفضل به علينا ففعل، فامتنع عليهم حتى سألوه وطلبوا إليه. قال: فأعطاهم كنيسة حميد بن درة، وكنيسة أخرى حيث سوق الجبن، وكنيسة مريم، وكنيسة المصلبة. ثم إن الوليد بعث إلى المسلمين حتى اجتمعوا لهدم الكنيسة، واجتمع النصارى فقال للوليد بعض الأقساء والفأس على كتفه وعليه قباء سفرجلي وقد شد برقبة قبائه فقال له: إني أخاف عليك من الشاهد يا أمير المؤمنين. قال: ويلك ما أضع فأسي إلا في رأس الشاهد، ثم إنه صعد، فأول من وضع فأسه في هدم الكنيسة الوليد. وسارع الناس في هدم الكنيسة، وكبر الناس ثلاث تكبيرات وزادها في المسجد. وقيل: إنه قيل للوليد: لا يهدمها أحد إلا جن، فقام يزيد بن تميم فجع له وجوه أهل البلد حتى علا الكنيسة ثم التفت إلى يزيد فقال: أين الفأس فأتاه به فقال: إن هؤلاء الكفرة يزعمون أن أول من يهدمها يجن وأنا أول من يجن في الله، فأخذ برقبة قبائه فوضعها في منطقته ثم أخذ الفأس فضرب به ضربات، ثم تناوله القوم وكل من حضر، ولم يجدوا من ذلك بداً إذ فعله أمير المؤمنين، وصاح النصارى على الدرج وولولوا، ثم التفت إلى يزيد بن تميم وهو على خراجه فقال: ابعث إلى اليهود حتى يأتوا على هدمها. ففعل فجاء اليهود فهدموها.

ما ذكر في بنائه واختيار موضعه

ما ذكر في بنائه واختيار موضعه في كتاب أخبار الأوائل أن هذه الدار المعروفة بالخضراء مع الدار المعروفة بالمطبق مع الدار المعروفة بدار الخيل مع المسجد الجامع أقاموا وقت بنائها يأخذون الطالع لها ثمان عشرة سنة. وقد حفر أساس الحيطان، حتى وافاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن المسجد لا يخرب أبداً ولا يخلو من العبادة. وأن هذه الدار إذا بنيت لا تخلو من أن تكون دار الملك أو السلطنة والضرب والحبس وعذاب الناس والقتل ومأوى الجند والعساكر والبلاء والفتنة، فبني على هذا، والله أعلم. وكانت في ذلك الزمان كلها داراً واحدة. ولما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثير، فكتب إلى الطاغية أن وجه إلي بمئتي صانع من صناع الروم فإني أريد أن أبني مسجداً لم يبنى من مضى قبلي ولا يكون بعدي مثله. فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش وأخربت الكنائس في بلدي وكنيسة بيت المقدس وكنيسة الرها وسائر آثار الروم في بلدي، فأراد الطاغية أن يفضه عن بنائه ويضعف عزمه، فكتب إليه: والله لئن كان أبوك فهمها فأغفل عنها إنها لوصمة عليه، ولئن كنت فهمتها وغيبت عن أبيك إنها لوصمة عليك، وأنا موجه إليك ما سألت. فأراد أن يعمل له جواباً فجلس له عقلاء الرجال في حظيرة المسجد يفكرون في ذلك، فدخل عليهم الفرزدق فقال: ما بال الناس! أراهم مجتمعين حلقاً، فقيل له: السبب كيت وكيت، فقال: أنا أجيبه من كتاب الله. قال الله تعالى: " ففهمناها سليمان، وكلاً أتينا حكماً وعلمناً " فسري عنهم. وروى أبو حفص أن هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم أسس الحائط الذي قبلة دمشق. ولما بنى الوليد بن عبد الملك القبة يعني: قبة مسجد دمشق فلما استقلت وتمت وقعت فشق ذلك عليه، فأتاه رجل من البنائين فقال له: أنا أتولى بنيانها على أن تعطيني

عهد الله ألا يدخل معي أحد في بنيانها ففعل ذلك، فحفر موضع الأركان حتى بلغ الماء ثم بناها، فلما استقلت على وجه الأرض غطاها بالحصر وهرب عن الوليد، فأقام يطلبه ولا يقدر عليه. فلما كان بعد سنة لم يعلم الوليد إلا وهو على بابه فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت! قال: تخرج معي حتى أريك، فخرج الوليد والناس معه حتى كشف الحصر فوجد البنيان قد انحط حتى صار مع وجه الأرض فقال: من هذا كنت تؤتى، ثم بناها بنيانها الذي عليه حتى قامت. وقيل: لما حفر لأركانها حتى بلغ الحفر إلى الماء ألقى على الماء جران الكرم، وبني الأساس عليه. قال إبراهيم بن أبى حوشب النصري وكان جده أحد قومة المسجد في بنائه قال: حدثت أن الوليد بن عب الملك بعث إليه يوماً عند فراغه من القبة الكبيرة، فلم يبق منها إلا عقد رأسها فقال له: إني عزمت أن أعمدها بالذهب قال: فقال له: يا أمير المؤمنين، اختلطت؟! هذا شيء تقدر عليه؟! قال له: يا ماجن تقول لي هذا؟! فأمر به فشق عنه وضرب خمسين سوطاً. قال: ثم قال: اذهب فافعل ما أمرت به قال: فذكر لي أنه عمل لبنة من ذهب فحملها إليه، فلما نظر إليه وعرف ما فيها وما تحتاج القبة إلى مثلها قال: هذا شيء لا يوجد في الدنيا، ورضي عنه وأمر له بخمسين ديناراً. ولما قطع الوليد بن عبد الملك بالرصاص لمسجد دمشق لأهل الكور كانت كورة الأردن أكثرهم في ذلك، فطلبوا الرصاص من النواويس الغادية وانتهوا إلى قبر حجارة في داخله قبر من رصاص، فأخرجوا الميت الذي فيه فوضعوه فوق الأرض، فوقع رأسه في هوة من الأرض وانقطع عنقه فسأل من فيه دم. فهالهم ذلك، فسألوا عنه فكان فيمن سألوا عنه عبادة بن نسي الكندي فقال لهم: هذا القبر قبر طالوت الملك. وقيل: إنه لما فرغ الوليد بن عبد الملك من بناء المسجد قال له بعض ولده: أتعبت الناس في طينه كل سنة ويخرب سريعاً، فأمر أن يسقف بالرصاص، فطلب الرصاص في

كل بلد وصل إليه، فبقي عليه موضع لم يجد له رصاصاً، فكتب إلى عماله يحرضهم في طلبه، فكتب إليه بعض عماله أن قد وجدنا عند امرأة منه شيئاً، وقد أبت أن تبيعه إلا وزناً بوزن، فكتب إليه: خذه، وإن أبت إلا وزناً بوزن، فأخذه منها وزناً بوزن، فلما وفاها قالت له: هو هدية مني للمسجد. قال لها: أنت أبيت أن تبيعي إلا وزناً بوزن شحاً منك، فتهدينه للمسجد؟! فقالت: أنا فعلت ذلك ظننت أن صاحبكم يظلم الناس في بنائه ويأخذ رحالهم، فلا رأيت الوفاء منكم علمت أنه لم يكن يظلم فيه أحداً ثم، ويبتاع وزناً بوزن، فكتب إلى الوليد في ذلك، فأمر أن يعمل في صفائحه: لله، ولم يدخله في جملة ما عمله. فهو إلى اليوم مكتوب عليه: لله. طبع بطابع على السقف. وقيل: إن المرأة كانت يهودية، وأنه كتب على الرصاص الذي أعطتهم: للإسرائيلية وذكر أنه رؤي منه شيء قبل الحريق عليه: للإٍسرائيلية. ولما أراد الوليد بناء المسجد بدمشق كان سليمان بن عبد الله هو القيم مع الصناع. وكان المشايخ يقولون: ما تم مسجد دمشق إلا بآداء الأمانة. لقد كان بفضل عند الرجال من القوام عليه الفأس ورأس المسمار، فيجيء فيضعه في الخزانة. وقيل: إن قبة دمشق الرخام التي فيها فوارة الماء أقيمت في سنة تسع وستين وثلاث مئة. وقيل: أنشئت الفوارة المنحدرة وسط جيرون في سنة ست عشرة وأربع مئة، وجرت ليلة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة وأربع مئة، بما أمر بجر القصعة من ظاهر قصر حجاج إلى جيرون وإجراء مائها القاضي فخر الدولة أبو يعلى حمزة بن الحسن بن العباس الحسيني. جزاه الله على ذلك خيراً. وتحته بخط محمد بن أبي نصر الحميدي: وسقطت في صفر من سنة سبع وخمسين وأربع مئة من جمال تحاكت بها، فأنشئت كرة أخرى، ثم سقطت عمدها وما عليها في حريق اللبادين ورواق دار الحجارة ودار خديجة، في شوال سنة اثنتين وستين وخمس مئة.

كيفية ترخيمه ومعرفة المال المنفق عليه

كيفية ترخيمه ومعرفة المال المنفق عليه قال إبراهيم بن هشام: ما في مسجد دمشق من الرخام شيء إلا رخامتا المقام، فإنه يقال إنهما من عرش سبأ، وأما الباقي فكله مرمر. قيل: هو المقام الغربي. وقيل: هما من عرش بلقيس. وقيل: كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم. وعن عمرو بن مهاجر، وكان على بيت مال الوليد بن عبد الملك أنهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبلة مسجد دمشق فكان سبعين ألف دينار، وحسبوا ما أنفقوا على مسجد دمشق فكان أربع مئة صندوق في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. قال: وأتاه حرسيه فقال: يا أمير المؤمنين، إن أهل دمشق يتحدثون أن الوليد أنفق الأموال في غير حقها، فنادى بالصلاة جامعة وخطب الناس فقال: إنه بلغني حرسي أنكم تقولون إن الوليد أنفق الأموال في غير حقها، ألا يا عمرو بن مهاجر، قم فأحضر ما قبلك من الأموال من بيت المال، قال: فأتت البغال تدخل بالمال وتصب في القبة على الأنطاع حتى لم يبصر من في الشام من في القبلة، ولا من في القبلة من في الشام. وقال: الموازين، فوزنت الأموال. وقال لصاحب الديوان: أحضر من قبلك من يأخذ رزقنا، فوجدوا ثلاث مئة ألف ألف في جميع الأمصار، وحسبوا ما يصيبهم فوجدوا عند رزق ثلاث سنين. ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل وقال: إلى ما تذهب هذه الثلاث السنين أتانا الله بمثله، وبمثله، ألا وإني إنما رأيتكم أهل دمشق تفخرون على

الناس بأربع خصال فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس. تفخرون على الناس بهوائكم ومائكم وفاكهتكم وحماماتكم، فأحببت أن يكون مسجدكم الخامس، فاحمدوا الله، فانصرفوا شاكرين داعين. وقيل: إن الوليد بن عبد الملك اشترى العمودين الأخضرين الكبيرين اللذين تحت النسر من حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بألف وخمس مئة دينار. قال أبو مسهر: عملت المقصورة لسليمان بن عبد الملك حين استخلف.

ذكر ما كان عمر بن عبد العزيز رده على النصارى عند طلبه

ذكر ما كان عمر بن عبد العزيز رده على النصارى عند طلبه قال علي بن أبي حملة: لما ولي عمر بن عبد العزيز قال نصارى دمشق: يا أمير المؤمنين، قد علمت حال كنيستنا. قال: إنها صارت إلى ما ترون، فعوضهم كنيسة من كنائس دمشق لم تكن في صلحهم يقال لها: كنيسة توما. وقيل: إن النصارى رفعوا إلى عمر بن عبد العزيز ما أخذوا عليه العهد في كنائسهم، لا تهدم ولا تسكن، وجاؤوا بكتابهم إليه فكلمهم عمر ورفع لهم في الثمن حتى بلغ مئة ألف، فأبوا، فكتب عمر إلى محمد بن سويد الفهري أن يدفع إليهم كنيستهم، إلا أن يرضهيم، فأعظمه ذلك وأعظم الناس وفيهم يومئذ بقية من أهل الفقه فشاورهم محمد بن سويد فقالوا: هذا أمر عظيم، ندفع إليهم مسجدنا وقد أذنا فيه بالصلاة، وجمعنا فيه، يهدم فيعاد كنيسة؟! فقال رجل منهم: هاهنا خصلة: لهم كنائس عظام حول مدينتهم: دير مران وباب توما والراهب وغيرها، إن أحبوا أن نعطيهم كنيستهم ولا يبقى حول مدينة دمشق كنيسة ولا بالغوطة إلا هدمت، وإن شاؤوا تركت لم كل كنيسة بالغوطة، ونسجل لهم بها سجلاً، وتركوا ما يطلبون. فدعاهم فعرض ذلك عليهم فقالوا: أنظرونا ننظر في أمرنا، فتركهم ثلاثاً، فقالوا: نحن نأخذ الذي عرضت علينا، وتكتب إلى الخليفة تخبره أنا قد رضينا بذلك، ويسجل الخليفة من قبله سجلاً منشوراً بأمان على ما بالغوطة من كنيسة أن تهدم أو تسكن. قالوا: نعم. فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك، فسره وسجل لهم في كنائسهم التي خارج مدينة دمشق والغوطة، أنهم آمنون أن تخرب أو تسكن، وأشهد لهم شهوداً.

قال عمرو بن مهاجر: سمعت عمر بن عبد العزيز، وذكر مسجد دمشق فقال: رأيت أموالاً أنفقت في غير حقها، فأنا مستدرك ما أدركت منها فراده إلى بيت المال، أعمد إلى ذلك الفسيفساء والرخام فأقلعه وأطينه، وأنزع تلك السلاسل وأجعل مكانها حبالاً، وأنزع تلك البطائن فأبيع جميع ذلك وأدخله بيت المال، فبلغ ذلك أهل دمشق فاشتد عليهم، فخرج إليه أشرافهم فيهم خالد القسري فقال لهم خالد: ائذنوا لي حتى أكون أنا المتكلم، فأذنوا له. فلما أتوا دير سمعان استأذنوا على عمر فأذن لهم، فلما دخلوا سلموا عليه، فقال له خالد: يا أمير المؤمنين، بلغنا أنك هممت في مسجدنا بكذا وكذا، قال نعم، رأيت أموالاً أنفقت في غير حقها، وأنا مستدرك ما أدركت منها فرداه إلى بيت المال، فقال له: والله ما ذلك لك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لمن هو، لأمك الكافرة؟! وغضب عمر، وكانت أمه نصرانية، أم ولد، رومية، فقال خالد: إن تك كافرة فقد ولدت مؤمناً، فاستحيا عمر، وقال: صدقت، فما قولك: فما ذلك لي؟ قال: إنا كنا معشر أهل الشام وإخواننا من أهل مصر وإخواننا من أهل العراق نغزو فيفرض على الرجل منا أن يحمل من أرض الروم قفيزاً بالصغير من فسيفساء وذراعاً في ذراع من رخام، فيحمله أهل العراق وأهل حلب إلى حلب، ويستأجر على ما حملوا إلى دمشق، ويحمل أهل حمص إلى حمص، ويستأجر على ما حملوا إلى دمشق، ويحمل أهل دمشق، ومن وراءهم حصتهم إلى دمشق، فذلك قولي: ما ذلك لك، فسكت عمر، ثم جاءه بريد من مصر من واليها يخبره أن قارباً ورد عليه من رومية فيه عشرة من الروم، عليهم رجل منهم، يريدون الوفود إلى أمير المؤمنين، فكتب إليه أن وجههم إلي ووجه معهم عشرة من المسلمين، عليهم رجل منهم، كل منهم يحسن الكلام بالرومية، ولا يعلمونهم ذلك حتى يحملوا إلي كلامهم، فساروا حتى نزلوا دمشق خارج باب البريد، فسأل الروم رئيس العشرة من المسلمين أن يستأذن لهم الوالي في دخول المسجد، فأذن لهم، فمروا في الصحن حتى دخلوا من الباب الذي يواجه القبة، فكان أول ما استقبلوا المقام، ثم رفعوا رؤوسهم إلى القبة فخر رئيسهم مغشياً عليه، فحمل إلى منزله، فأقام ما شاء الله أن يقيم ثم أفاق. فقالوا له بالرومية: ما قصتك. عهدنا بك بالرومية، وما ننكرك، وصحبتنا في طريقنا هذه فما

أنكرناك، فما الذي عرض لك حين دخلت هذا المسجد؟! قال: لأنا معشر أهل رومية نتحدث أن بقاء العرب قليل، فلما رأيت ما بنوا علمت أن لهم مدة سيبلغونها، فلذلك أصابني الذي أصابني. فلما قدموا على عمر أخبروه بما سمعوا منه فقال عمر: ألا أرى مسجد دمشق غيظاً على الكفار. وترك ما كان هم به من أمره. وقيل: إن عمر بن عبد العزيز لما استخلف أراد أن يجرد ما في قبلة مسجد دمشق من الذهب وقال: إنه يشغل الناس عن الصلاة، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه أنفق عليه غد فيء المسلمين وأعطياتهم، وليس يجتمع منه شيء فينتفع به، فأراد أن يبيضه بالجص فقيل له: تذهب النفقات فيه، فأراد أن يستره بالخزف فقيل له: تضاهي الكعبة، فبينما هو في ذلك إذ ورد عليه وفد الروم فاستأذنوا في دخول المسجد، فأذن لهم، وأرسل معهم من يعرف الرومية وقال: لا تعلموهم أنكم تعرفون الرومية، واحفظوا ما يقولون، فلما وقفا تحت القبة قال رئيسهم: كم للإسلام؟ قل: مئة سنة، قال: فكيف تصغرون أمرهم؟ ما بنى هذا البنيان إلا ملك عظيم. وأتى الرسول عمر فأخبره فقال: أما إذا هو غائظ للعدو فدعه.

ذكر ما في الجامع من القناديل وما فيه وفي البلد من الطلسمات

ذكر ما في الجامع من القناديل وما فيه وفي البلد من الطلسمات كان مكحول إذا طفئت قناديل المسجد يعني مسجد دمشق يسد أنفه. وقال: يعتري من رائحته المسك. قال عبد الرحيم الأنصاري: سمعت الأعراب وهم يزورون المسجد يقولون: لا صلاة بعد القليلة يعني الدرة. قلت له: أرأيت القليلة؟ فقال: نعم. كانت تضيء مثل السراج. قلت: من أخذها؟ قال: أما سمعت المثل: منصور سرق القلة وسليمان شرب المرة. منصور الأمير، وسليمان صاحب الشرطة. سليمان هو الأمير وهو ابن المنصور، ومنصور صاحب شرطتة. وذلك أن الأمين كان يحب البلور، فكتب إلى صاحب شرطة والي دمشق أن ينفذ إليه القليلة فسرقها ليلاً، فلما قتل المأمون الأمين رد القليلة إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين. وكانت هذه القليلة في محراب الصحابة، فلما ذهبت جعل موضعها برنية من زجاج. قال الراوي: رأيتها. ثم انكسرت بعد فلم يجعل في مكانها شيء. وعن علي بن أبي حملة قال: كنا نستر مسجد دمشق في الشتاء بلبود أحسبه قال: في عهد الوليد فدخلته الريح فهزته، فثار الناس فحرقوا اللبود.

قال أبو مروان عبد الرحيم وهو ابن عمر المازني: لما كان في أيام الوليد بن عبد الملك وبنائه المسجد احتفروا فيه موضعاً، فوجدوا باباً من حجارة مغلقاً، فلم يفتحوه، وأعلموا به الوليد، فخرج من داره حتى وقف عليه، وفتح بين يديه، فإذا داخله مغارة فيها تمثال إنسان من حجارة على فرس من حجارة في يد التمثال الواحد الدرة التي كانت في المحراب ويده الأخرى مقبوضة، فأمر بها فكسرت، فإذا فيها حبتان، حبة قمح وحبة شعير، فسأل عن ذلك فقيل له: لو تركت الكف لم تكسرها لم يسوس في هذه البلدة قمح ولا شعير. وقيل: إنه لما دخل المسلمون دمشق وقت فتحها ووجدوا على العمود الذي في المقسلاط على السفود الحديد الذي في أعلاه صنماً ماداً يده بكف مطبقة فكسروه، فإذا في كفه حبة قمح، فسألوا عن ذلك فقيل لهم: هذه الحبة القمح جعلها حكماء اليونانيين في كف هذا الصنم طلسماً حتى لا يسوس القمح، ولو أقام سنين كثيرة. وإنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه كان عمل هناك ساعات يعمل بها كل ساعة تمضي من النهار، عليها صورة عصافير وحية وغراب. فإذا تمت الساعة خرجت الحية، فصاحت العصافير وصاح الغراب، وسقطت حصاة في الطست. قال أبو المفضل يحيى بن علي القاضي: إنه أدرك في الجامع قبل حريقه طلسمات لسائر الحشرات معلقة في السقف فوق البطائن مما يلي السبع، وإنه لم يكن يوجد في الجامع شيء من الحشرات قبل الحريق. فلما احترقت الطلسمات وجدت. وكان حريق الجامع ليلة النصف من شعبان بعد العصر، سنة إحدى وستين وأربع مئة. حدث جماعة من شيوخ أهل دمشق قال: العمود الحجر الذي بين سوق الشعير وبين سوق أم حكيم عليه حجر مدور مثل الكرة كبير لعسر بول الخيل. إذا دار الفرس أو الحمار ثلاث مرات انطلق البول منه. عمله حكماء

الروم من اليونانيين. مجرب. وكان على قنطرة باب سوق أم حكيم الذي بحضرة مسجد الطباخين صنم مكسور على القنطرة للحاجات. إذا دخل إنسان فيه لحاجة لم تقض. وفي سقف مسجد الجامع طلاسم عملها الحكماء في السقف مما يلي الحائط القبلي. فمنها طلسم للصنونيات لا تدخله ولا تعشش فيه من جهة الأوساخ التي يكون منها ولا يدخله غراب. وطلسم للفأر والحيات والعقارب. وما أبصر الناس فيه من هذا شيئاً إلا الفأر. قال: ويوشك أن يكون تغير طلسمها، وطلسم للعنكبوت لا ينسج في زواياه، ويركبه الغبار والوسخ.

ما ورد في أمر السبع وابتداء الحضور فيه

ما ورد في أمر السبع وابتداء الحضور فيه قال حسان بن عطية: الدراسة محدثة، أحدثها هشام بن إسماعيل المخزومي في قدمته على عبد الملك. فحجبه عبد الملك بعد الصبح في مسجد دمشق، وعبد الملك في الخضراء، فأخبر أن عبد الملك يقرأ بقراءة هشام، فقرأ بقراءته مولى له، فاستحسن ذلك من يليه من أهل المسجد، فقرؤوا بقراءته. قال خالد بن دهقان: أول من أحدث الدراسة بدمشق هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة المخزومي، وأول من أحدث الدراسة في فلسطين الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، وكان يحضر الدراسة جماعة ممن يعرف بالعلم أو بالرئاسة، ومن القضاة ومن الفقهاء ومن المحدثين. وروي عن بعضهم أنه كره اجتماعهم وأنكره. ولا وجه لإنكاره. وسئل عبد الله بن العلاء عن الدراسة فقال: كنا ندرس في مجلس يحيى بن الحارث في مسجد دمشق في خلافة يزيد بن عبد الملك إذ خرج علينا أميرنا الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري من الخضراء، فأقبل علينا منكراً لما نصنع. فقال: ما هذا؟! أو ما أنتم فيه؟! فقلنا: ندرس كتاب الله، فقال: تدرسون كتاب الله عز وجل، إن هذا لشيء ما رأيته ولا سمعت أن كان قبل، ثم دخل الخضراء. وكان الضحاك بن عبد الرحمن أميراً على دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز.

ذكر مساجد البلد وحصرها

ذكر مساجد البلد وحصرها عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ستكون دمشق أخر الزمان أكثر المدن أهلاً، وأكثره أبدالاً وأكثره مساجد، وأكثره زهاداً، وأكثره مالاً ورجالاً، وأقله كفاراً. وهي معقل لأهلها، وذكر عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان حين بني مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنكم قد أكثرتم إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من بنى مسجداً قال بكير، أحد رواته: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله عز وجل بنى الله له مثله في الجنة. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بنى بيتاً ليعبد الله فيه من حلال، بنى الله له بيتاً في الجنة من در وياقوت. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بنى مسجداً ولو قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة. قالت: قلت يا رسول الله، وتلك المساجد التي في طريق مكة؟ قال: وتلك. قال: فغدا الحض على المساجد وبنيانها يدل على خطر محلها وعظم شأنها. وقد عدد مساجد دمشق وذكرها، وعين أكثر أسمائها وخططها، وأسماء من بناها ووصف أكثرها، فكانت جملتها أربع مئة وخمسة وعشرين مسجداً على ما فصله بالتعريف والعدد، منها ما ذكره فقال: أوله من قبلة السوق وأنت داخل من باب الجابية، ومساجد الناحية الشامية عن يمنة الداخل من الباب الشرقي، وفي القلعة مئتان وواحد وأربعون مسجداً.

قال: وأما ما عداها من المساجد التي في أرباضه وظاهره مما ليس في قرية مسكونة أو معمورة من ناحية القبلة ومن الشام ومن الشرق ومن الغرب مئة مسجد وأربعة وثمانون مسجداً. قال: وهذا يدل على اهتمام أهلها بالدين وكثرة المصلين فيها والمتعبدين. وروي عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: لما افتتح عمر بن الخطاب البلدان كتب إلى أبي موسى الأشعري وهو على البصرة يأمره أن يتخذ للجماعة مسجداً. ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة، فشهدوا الجمعة. وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك. وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك. وكتب إلى أمراء أجناد الشام لا يتبدوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجداً واحداً. ولا يتخذ القبائل مساجد كما اتخذ أهل الكوفة والبصرة وأهل مصر. وكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده. وروى محمد بن عطاء عن أبيه قال: لما قدم عمر الشام أمر ألا يتخذ في المدينة مسجدان. قال: وإنما أراد عمر بذلك المسجد الأعظم الذي تقام فيه الجمع، وإنما فرق بين مدائن الشام وبين الكوفة والبصرة في الحكم، لأن مدائن الشام ممصرة قبل الإسلام، فلا تقام في مصر واحد أكثر من جمعة، فأما الكوفة والبصرة فكل منزل نزلته قبيلة واختطته فهو بمنزلة مصر مفرد. ولم يرد بذلك النهي عن اتخاذ المساجد التي لا تقام فيها الجمعة. فأما مصر فإنها إن كانت قبل الإسلام فإن المسلمين لما افتتحوها تفرقت القبائل فيها، واختطت بها خططاً نسبت إليها فأشبه حكمها حكم الكوفة والبصرة والله أعلم.

ذكر فضل المساجد المقصودة بالزيارة

ذكر فضل المساجد المقصودة بالزيارة روي عن عبد الله بن عمرو أنه سمع يقول: ما من مسلم يأتي زيارة من الأرض أو مسجداً بني بأحجار فيصلي فيه إلا قالت الأرض: سل الله في أرضه، وأشهد لك يوم تلقاه. وقد تقدم، فيما قلناه، أن ربوة دمشق هي التي سماها الله في كتابه بالربوة. قال حسان بن عطية: إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل حضره الموت، وأوصى بالملك لرجل حتى يدرك ابنه. فكانوا يؤملون أن يدرك ابنه فيملكوه، ويكون مكان أبيه. فأتي عليه فقبض. قال: فجزعوا عليه. فلما خرجوا بجنازته وفيهم عيسى بن مريم عليه السلام فدنا من أمه فقال: أرأيت إن أنا أحييت لك ابنك أتؤمنين بي وتتبعينني؟ قالت: نعم، فدعا الله عز وجل، فجعلت أكفانه تتحلل عنه حتى استوى جالساً، فقالوا: هذا عمل ابن الساحرة، وطلبوه حتى انتهى إلى شعب النيرب فاعتصم منهم بقلعة على صخرة متعالية، فأتاه إبليس لعنه الله، فقال: جئتك وما أعتذر إليك من شيء، هذا أنت لم تنافسهم في دنياهم ولا بشبر من الأرض، صنعوا بك ما صنعوا، فلو ألقيت نفسك من هذا المكان فتلقاك روح القدس، فيذهب بك إلى ربك، فتستريح منهم. فقال عيسى: يا غوي، الطويل الغواية، إني أجد فيما علمني ربي عز وجل ألا أجرب ربي حتى أعلم أراض عني أم ساخط علي. قال: وزجره الله عنه. قال: فأقبلت عليهم أم الغلام، فقالت: يا معشر بني إسرائيل، كنتم تبكون وتشقون ثيابكم جزعاً عليه. فلما أحياه الله لكم أردتم قتله. قالوا: فما تأمرينا به؟ قالت: ائتوه فآمنوا به، فأتوه، فقالوا: خصلة بيننا وبينك، إن أنت فعلتها آمناً بك وابتعناك، قال: وما هي؟ قالوا: تحيي لنا عزيراً، قال: دلوني على قبره، فنزل عيسى معهم حتى انتهوا إلى قبره، قال: فتوضأ وصلى ركعتين ودعا. قال:

فجعل قبره ينفرج عنه التراب فخرج قد ابيض نصف رأسه ولحيته، وهو يقول: هذا فعلك يا بن مريم، فقال: لم أصنع بك، هذا فعل قومك، زعموا أنهم لا يؤمنون بي ولا يتبعوني حتى أحييك لهم، وهذا في هدى قومك يسير. قال: فأقبل عليهم يعظهم، ويأمرهم بالإيمان به واتباعه. قال: فقال له قومه: عهدناك وأنت أسود الرأس واللحية ما لنصف رأسك قد إبيض؟ قال: إني سمعت الصيحة فظننت أنها دعوة الداعية، حتى أدركني ملك فقال: إنها هي دعوة ابن مريم فانتهى الشيب إلى ما ترى. ويروى أن النيرب مصلى الخضر عليه السلام وعن ابن عباس أنه ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة، في جبل يقال له قاسيون. وعن حسان بن عطية قال: أغار ملك نبط هذا الجبل على لوط فسباه وأهله، فبلغ ذلك إبراهيم خليل الله عليه السلام، فأقبل في طلبه في عدة أهل بدر ثلاث مئة وثلاثة عشر، فالتقى هو وملك الجبل في صحراء يعفور، فعبأ إبراهيم ميمنة وميسرة وقلباً. وكان أول من عبأ الحرب هكذا، فاقتتلوا فهزمه إبراهيم، واستنقذ لوطاً وأهله فأتى هذا الموضع الذي في برزة الذي ينسب إلى مسجد إبراهيم فصلى فيه. وعن الزهري أنه قال: مسجد إبراهيم عليه السلام في قرية يقال لها برزة، فمن صلى فيه أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ويسأل الله ما شاء فإنه لا يرده خائباً. ومشايخ أهل دمشق يذكرون أن الآثارات التي بدمشق في برزة عند المسجد الذي يقال له مسجد إبراهيم عليه السلام التي في الجبل عند الشق أنه مكان إبراهيم. وأن الآثارات التي فوق الشق في الجبل هي موضع رأي إبراهيم الكوكب الذي ذكر الله في كتابه: " فلما رأى كوكباً قال: هذا ربي " أنه كان في الجبل في ذلك الموضع، وهو معروف، فمن

قصده وصلى فيه ودعا أجابه الله في دعائه. وأن ذلك الجبل كان فيه لوط النبي وجماعة من الأنبياء. وآثارهم في مواضع من الجبل بالقرب من مسجد إبراهيم. قال: وأدركت الشيوخ يقصدونه ويقيمون فيه ويصلون ويدعون الله. وهو نافع لقسوة القلوب وكثرة الذنوب، وإن بعض الشيوخ جاء من مكة فصلى في الموضع الذي فوق الشق، الموضع الذي يقال إنه رأى إبراهيم فيه الكوكب. وذكر أنه رأى في نومه إن أحببت أن ترى الموضع الذي رأى فيه إبراهيم الكوكب فاقصد دمشق، واقصد موضعاً يقال له برزة عند مسجد إبراهيم فوق الجبل فصل فيه ركعتين ثم ادع بما شئت تجب فقصدت الموضع. قال أحمد بن صالح: أدركت الشيوخ بدمشق قديماً وهم يفضلون مسجد إبراهيم الذي ببرزة ويقصدونه، ويصلون فيه ويقرؤون، ويدعون، ويذكرون أن الدعاء فيه مجاب. وهو موضع شريف عظيم، فهم يذكرون عن شيوخهم ومن أدركوا من أهل العلم أنهم يصححونه ويفضلونه ويقولون: إن مسجد إبراهيم عليه السلام، وإن الشق الذي في الجبل خارج باب المسجد هو الموضع الذي اختبأ فيه إبراهيم من النمروذ الذي كان ملك دمشق في وقت إبراهيم، والدعاء فيه مجاب، فمن قصد الله في ذلك الموضع ودعا فه بنية خالصة رأى الإجابة. قال أبو الحسن الرازي: مسجدا إبراهيم أحدهما في الأشعريين والآخر في برزة. وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسأله رجل عن دمشق وقيل: عن الآثارات بدمشق فقال: بها جبل يقال له قاسيون فيه قتل ابن آدم أخاه، وفي أسفله في الغرب ولد إبراهيم، وفيه آوى الله عيسى بن مريم وأمه من اليهود، وما من عبد أتى معقل روح الله فاغتسل وصلى ودعا لم يرده الله خائباً، فقال رجل: يا رسول الله، صفه لنا، قال: هو بالغوطة، مدينة يقال لها دمشق، وأزيدكم أنه جبل كلمه الله، وفيه ولد أبي إبراهيم، فمن أتى هذا الموضع فلا يعجز في الدعاء، فقام رجل قال: يا رسول الله، أكان ليحيى بن زكريا معقلاً؟ قال: نعم احترس فيه يحيى من هداد رجل من عاد في الغار الذي تحت دم ابن آدم المقتول، وفيه احترس إلياس النبي من ملك قومه، وفيه صلى إبراهيم ولوط وموسى

وعيسى وأيوب فلا تعجزوا في الدعاء فيه، فإن الله أنزل علي: " ادعوني أستجب لكم " وربنا يسمع الدعاء. قالوا: كيف ذلك؟ فأنزل الله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ". وعن كعب الأحبار أنه قال: إنه موضع الحاجات والمواهب من الله عز وجل لا يرد سائلاً فيه. وروي عن مكحول أنه صعد مع عمر بن عبد العزيز إلى موضع الدم يسأل الله سقياناً فسقاناً. قال مكحول: وسمعت كعب الأحبار يذكر: أنه موضع الحاجات والمواهب من الله، وأنه لا يرد سائلاً في ذلك الموضع. قال هشام: وسمعت الوليد يقول: سمعت سعيد بن عبد العزيز قال: صعدنا في خلافة هشام إلى موضع قتل ابن آدم أخاه نسأل الله يسقينا، فأتى مطر فأقمنا في الغار الذي تحت الدم ثلاثة أيام. وفي رواية: فدعونا الله فارتفع عنا وقد رويت الأرض. قال الوليد بن مسلم: سمعت ابن عباس يقول: كان أهل دمشق إذا احتبس عليهم القطر، أو غلا بيعهم أو جار عليهم سلطان، أو كانت لأحدهم حاجة صعدوا موضع ابن آدم المقتول فيسألون الله، فيعطيهم ما سألوا. وروي عن أحمد بن كثير قال: صعدت إلى موضع دم ابن آدم عليهما السلام في جبل قاسيون بدمشق، فسألت الله عز وجل الحج فحججت، وسألته الجهاد فجاهد، وسألته الزيارة والصلة في بيت المقدس وعسقلان وعكا والرباط في جميع السواحل فرزقت ذلك كله، وسألته يغنيني عن الأسواق والبيع فرزقت. ولقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وهابيل بن آدم عليهما السلام فقلت له: أسألك بحق الواحد الصمد وبحق أبيك آدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا دمك؟ فقال: إي والواحد الصمد، هذا دمي، جعله الله آية للناس، وإني دعوت الله عز وجل

فقلت: اللهم رب أبي وأمي حواء وهذا النبي المصطفى الأمي، اجعل دمي مستغاثاً لكل نبي وصديق، ومن دعا فيه فتجيبه، وسألك فتعطيه فاستجاب الله عز وجل وجعله طاهراً آمناً، وجعل هذا الجبل آمناً ومعقلاً ومعاشاً، ثم وكل الله به ملكاً يقال له عزرائيل وجعل معه من الملائكة بعدد نجوم السماء، يحفظونه ومن أتاه لا يريد إلا الصلاة فيه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد فعل وزاد كرماً وإحساناً، وإني آتيه كل خميس وصاحباي وهابيل نصلي فيه، فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن أكون مستجاب الدعوة وعلمني دعاء لكل ملمة وحاجة فقال لي: افتح فاك، قال: ففتحته، فتفل فيه، ثم قال: رزقت فالزم، رزقت فالزم. وعن كعب أنه قال: إن إلياس اختبأ من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين حتى أهلك الله الملك ووليهم غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقتلهم عن آخرهم. قال وهب بن منبه: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اجتمع الكفار يتشاورون في أمري، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ليتني بالغوطة بمدينة يقال لها دمشق حتى أتي الموضع مستغاث الأنبياء حيث قتل ابن آدم أخاه فأسأل الله أن يهلك قومي فإنهم ظالمون، فأتاه جبريل قال: يا محمد، أئت بعض جبال مكة فأو بعض غارتها فإنها معقلك من قومك. قال: فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر حتى أتيا الجبل، فوجدوا غاراً كثير الدواب ... فذكر الحديث. وعن ابن عباس قال: موضع الدم في جبل قاسيون موضع شريف كان يحيى بن زكريا وأمه فيه أربعين عاماً، وصلى فيه عيسى بن مريم والحواريون، فلو كنت سألت الله أن يغفر لعبده ابن عباس يوم يحشر البشر، فمن أتى هذا الموضع فلا يقصر عن الصلاة والدعاء فيه فإنه موضع الحوائج. ومن أراد أن يرى " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " فليأت النيرب الأعلى بين النهرين وليصعد إلى الغار في جبل قاسيون فيصل فيه، فإنه بيت

عيسى وأمه وهو كان معقلهم من اليهود. ومن أراد أن ينظر إلى إرم فليأت نهراً في حفر دمشق يقال له بردى، ومن أراد أن ينظر إلى المقبرة التي فيها مريم بنت عمران والحواريون فليأت مقبرة الفراديس. وقال الزهري: لو يعلم الناس ما في مغارة الدم من الفضل ما هنأ بهم طعام ولا شراب إلا فيها. ذكر أبو الفرج محمد بن عبد الملك بن المعلم أنه ابتدأ بناء الكهف في سنة سبعين وثلاث مئة قال: رأيت جبريل عليه السلام في المنام، فقال لي: إن الله سبحانه يأمرك أن تبني مسجداً يصلى فيه له ويذكر اسمه، وهو هذا، فقلت: وأني هذا الموضع؟ فسار إلى هذا الموضع الذي سميته أنا كهف جبريل. قلت: أنى لي بذلك؟ قال: إن الله سيوفق لك من يعينك عليه. قال أبو الفرج: وإنما سميته كهف جبريل عليه السلام ومسجد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأني رأيتهما في المنام فيه. وموضع يرى فيه جبريل ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل بقاع الأرض. قال: وجبل دمشق هذا ما أنبت شجرة قط ولا ظهر فيه ثمرة، فلما رأيت جبريل ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبت الله عز وجل ببركتهما الشجر وظهر فيه الثمر وأكل الناس ما لم يؤكل فيه قط، وصار مسجداً من مساجد الله يذكر فيه اسمه، فمن كانت له حاجة فليغسل جسده بالماء، ويلبس ثوباً طاهراً ثم يقصد إلى الكهف فيصلي فيه ركعتين، يقرأ في كل ركعة بالحمد وسبع مرات قل هو الله أحد. فإذا فرغ من صلاته يقول: اللهم صل على جبريل الروح الأمين وعلى محمد خاتم النبيين سبع مرات، ويسجد فيقول: اللهم إني أتوسل إليك بجبريل الروح الأمين ومحمد خاتم النبيين إلا قضيت حاجتي ويذكرها، فإن الله سبحانه يقضيها له إن شاء الله. ومما يرجى إجابة الدعاء فيه مسجد القدم عند القطيعة، يقال إن هناك قبر موسى بن عمران صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومسجد الباب الشرقي للصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن فيه ينزل عيسى بن مريم عليه السلام. ومسجد واثلة بن الأسقع داخل الزلاقة على النهر وهو مسجد صغير. ومسجد فضالة بن عبيد في سوق الكبير جائز مسجد درب الريحان، وهو مسجد سفل صغير، وداره بذلك الموضع، ويعرف اليوم بدار التمارين. ومسجد أوس بن أوس في درب القلي، وهو مسجد صغير. والمسجد الذي على باب زقاق عطاف، كان مسجد أيمن بن خريم. ومسجد سوق الريحان مسجد يزيد بن نبيشة وهو صحابي قرشي من بني عامر بن لؤي. ودار أبي عبيدة بن الجراح في حجر الذهب، ومسجد بالسقيفة التي عند بني عبد الصمد. ودار خالد بن الوليد، ومسجده عند باب توما. وروي بسنده عن الشيخ أبي بكر بن سيد حمدوية قال: لما أراد بناء مسجده المعروف اليوم بأبي صالح وجد في المحراب لوح من فخار عليه مكتوب: هذا مسجد الأولياء، فأصبحنا ولم نره، وغيبه الشيخ وقال: هذا شهرة.

ذكر فضل مواضع وجبال بظاهر دمشق وضواحيها

ذكر فضل مواضع وجبال بظاهر دمشق وضواحيها قال الوضين بن عطاء: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: من تكفل لي ببيت في الغوطة أتكفل له ببيت في الجنة. قال: وهو حديث منقطع. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلق الله عز وجل جمجمة جبريل عليه السلام على قدر الغوطة. قال الوليد: وبلغني أن غنم يعقوب عليه السلام كانت ترعى في مرج بالغوطة. وعن يونس بن ميسرة: أشرف عيسى بن مريم على الغوطة فقال: يا غوطة وقال الأكفاني: الغوطة إن عجز الغني أن يجمع منك كنزاً لم يعجز المسكين أن يشبع منك خبزاً. ولم يقل ابن الأكفاني: منك، في الموضعين. عن أبي مسهر، سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: إنما سميت ثنية العقاب براية خالد بن الوليد حين أشرف عليها بالراية العقاب. وعن إسحاق بن فروة أن راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السوداء صارت إلى خالد بن الوليد، فقاتل بها بني حنيفة

ومسلمة. ثم مضى إلى الجزيرة، ثم أتى الشام فقاتل بها في وقائع الشام. حدثني ابن أبي الرجال عن محمد بن عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم قال: كانت راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي يسير فيها تسمى العقاب، راية الأنصار فقلت له: يا عبد الملك، سوداء؟ قال: لا، ولكنها خضراء. ذكر أبو بكر أحمد بن يحيى البلاذري هذا المعنى ثم قال: وقوم يقولون إنها سميت بعقاب من الطير كانت ساقطة عليها. وسمعت من يقول: كان هناك مثل عقاب من حجارة. والخبر الأول أصح. قال قتادة: وحدثني رجل عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجمع بالجانبين، وأرواح الكفار تجمع ببرهوت وفي سبخة بحضرموت. قال أبو حاتم: الجانبين: اليمن. وبرهوت. من ناحية اليمن. ولا أدري تفسير أبي حاتم للجانبين محفوظاً. والله أعلم. عن سعيد بن المسيب قال: أرواح المؤمنين بأرض الجابية، وأرواح الكفار بسبخة حضرموت. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلق الله تعالى آدم من طين الجابية، وعجنه بماء الجنة. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلق الله تعالى آدم من طين الجنة، وعجنه بماء من ماء الجنة، وقال: من ماء زمزم. وحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وغيره أن جند حمص الجند المتقدم، وإنها كانت يومئذ ثغراً، وإن الناس كانوا يجتمعون بالجابية لقبض العطاء، وإقامة البعوث من أرض دمشق، في زمن عمر وعثمان حتى نقلهم إلى

معسكر دابق معاوية بن أبي سفيان لقربه من الثغور. قال: فكان والي الصائفة وإمام العامة في أهل دمشق، لأن من تقدمهم من أهل حمص وأهل قنسرين وأهل الثغور مقدمة لهم. وإلى أهلها يولون إن كنت لهم جولة من عدوهم. وعن كثير المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربعة أجبل من جبال الجنة، وأربعة أنهار من أنهار الجنة، وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة. قيل: فما الأجبل يا رسول الله؟ قال: أحد جبل يحبنا ونحبه جبل من جبال الجنة، وطور جبل من جبال الجنة، ولبنان جبل من جبال الجنة، وقاسيون جبل من جبال الجنة. والأنهار النيل والفرات وسيحون وجيحون. والملاحم بدر وأحد وخيبر والخندق. عن ابن عباس أنه كتب إلى خالد يسأله عن أشياء من البيت فكتب إليه: إن البيت أسس على خمسة أحجار: حجر من أحد، وحجرين من طور سينا ولبنان، وحجر من ثبير، وحجر من حراء. عن مجاهد قال: بني البيت من أربعة أجبل: من حراء، وطور زيتا، وطور سينا، ولبنان. عن قتادة قال: ذكر لنا أن قواعد البيت من حراء. وذكر لنا أن البيت بني من خمسة أجبل: من حراء ولبنان والجودي وطور سينا وطور زيتا. عن قتادة وذكر قول الله تبارك وتعالى " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ". قال قتادة: هذا حرم الله قد طاف به آدم ومن بعده، فلما كان إبراهيم أراه الله تعالى مكان البيت

فأتبع منه أثراً قديماً فبناه من طور زيتا وطور سينا وجبل لبنان ومن أحد وحراء. وجعل قواعده من حراء. ثم قال: " وأذن في الناس بالحج " قال قتادة في قوله تبارك وتعالى: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ". قال قتادة: إنهما بنياه على أمر قديم كان قبلهما، فبنياه من خمسة أجبل: من حراء ولبنان، أو لدبنان، والجودي وطور سينا وطور زيتا، وبنيا القواعد من حراء. عن ابن جريج قال: بني أساس الكعبة من خمسة أجبل: من طور سينا وطور زيتا، ومن لبنان ومن الجودي ومن حراء. عن كعب قال: أربعة أجبل: جبل الخليل ولبنان والطور والجودي، يكون كل واحد منهم يوم القيامة لؤلؤة بيضاء تضيء ما بين السماء والأرض، يرجعن إلى بيت المقدس حتى تجعل في زواياه ويضع الجبار جل جلاله عليها كرسيه حتى يقضي بين أهل الجنة والنار " وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ". عن كعب قال: جبل لبنان كان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال كعب: ولبنان أحد الثمانية أجبل تحمل العرش يوم القيامة.

عن أبي الزاهرية قال: أنبئنا، جبل لبنا أحد حملة العرش الثمانية يوم القيامة. عن الوضين بن عطاء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: جبل الخليل جبل مقدس، وإن الفتنة لما ظهرت في بني إسرائيل أوحى الله تعالى إلى أنبيائهم أن يفروا بدينهم إلى جبل الخليل. وحكى بعض أهل العلم قال: سمعت مشايخ أهل الشام يزعمون أن جبل الخليل إنما سمي بذلك لأن الله تبارك وتعالى لما أوحى إلى الجبل: إني أريد أن أتجلى إلى موسى على بعضك تطاولت وشمخت غير جبل الخليل فإنه استخزى وتطامن. فسمي جبل الخليل. وعن أبي هريرة وأبي الدرداء لقي أنس أبا الدرداء وأبا هريرة وابن مسعود مقبلين من سلسلة، وسلسلة حصن يكون في ساحل دمشق فيه منبر. قال: فأقمت بسلسلة، وذلك أن جبريل عرض على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر سواحل الشام فعرض عليه سلسلة فوجدها مكتوبة في أسكفة باب عدن وهي جنة المأوى. قال عبد الله بن مسعود: أقمت فيها ثلاثاً فقصرت الصلاة، والمقصر فيها كمن أتم الصلاة سبعين سنة. قال أبو الدرداء: فصليت فيها أربع ركعات قرأت في الركعة الأولى " الحمد وقل هو الله أحد " وفي الثانية " الحمد وإذا جاء نصر الله " وفي الثالثة " الحمد وقل يا أيها الكافرون " وفي الرابعة " الحمد وإذا زلزلت " وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره وحدث به. قال إبراهيم اليماني: قدمت من اليمن فأتيت سفيان الثوري فقلت: يا أبا عبد الله، إني جعلت في نفسي

أن أنزل جدة فأرابط بها كل سنة وأعتمر في كل شهر عمرة، وأحج في كل سنة حجة وأقرب من أهلي أحب إليك أم آتي الشام فقال لي: يا أخا أهل اليمن، عليك بسواحل الشام، عليك بسواحل الشام، فإن هذا البيت يحجه في كل عام مئة ألف ومئتا ألف وثلاث مئة ألف، وما شاء الله من التضعيف إلى مثل حجتهم وعمرتهم ومناسكهم. وعن كعب قال: يا أهل الشام، يا أهل الشام من أراد منكم الرفق في المعيشة مع العبادة فعليه ببيسان، ومن أراد منكم السعة في الرزق والسلامة في الدين فعليه بعرقه، ومن أراد منكم أن يجمع له دينه ودنياه فعليه بصور.

كنائس أهل الذمة التي صالحوا عليها

كنائس أهل الذمة التي صالحوا عليها قال عمر بن عبد العزيز: إنه كان في عهد أهل دمشق خمس عشرة كنيسة. قال أبو مسهر: أقام بعد فتح دمشق من بطارقة الروم بدمشق اثنا عشر بطريقاً، فأقروا في منازلهم وكان لكل بطريق منهم في منزله يعني كنيسة فأقاموا بها حيناً، ثم بدا لهم فهربوا من دمشق وتركوا تلك المنازل، فأقطعها قوم من أشراف دمشق منهم ابن بحدل وابن مدلج العذري وغيرهما. فلما ولي عمر بن عبد العزيز أخرج أولادهم منها وردها على الأعاجم، فلما مات عمر ردت إلى أولاد الذين أقطعوها. وقال رجاء بن أبي سلمة: خاصم النصارى حسان بن مالك الكلبي إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسته بدمشق فقال له عمر: إن كانت من الخمس عشرة كنيسة التي في عهدهم فلا سبيل لك إليها. قال علي بن أبي حملة: خاصمنا العجم في كنيسة بدمشق يقال لها كنيسة بني نصر، كان معاوية أطعهم إياها، فأخرجهم عمر بن عبد العزيز منها ودفعها إلى النصارى. فلما ولي يزيد ردها إلى بني نصر. قال ابن المعلى: قرأت كتاب سجل من يحيى بن حمزة لبنك نصارى قصبة دمشق أنهم ذكروا له أنه شجر بينهم وبين رئيسهم في دينهم وجماعتهم من أهل القرى وعتاقة العرب والغرباء

اختلاف وفرقة وأنهم غلبوهم على كنائسهم، وسألوا الوفاء لهم بما في عهدهم وكتابهم الذي كتبه لهم خالد بن الوليد عند فتح مدينتهم، فدعوتهم بحجتهم فأتوني بكتاب خالد بن الوليد لهم فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق يوم فتحها، أعطاهم أماناً لأنفسهم ولأموالهم وكنائسهم لا نهدمنه ولا نسكننه، لهم على ذلك ذمة الله وذمة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ألا يعرض لهم أحد إلا بخير إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد هذا الكتاب يوم كتب عمرو بن العاص وعياض بن غنم ويزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجراح ومعمر بن عتاب وشرحبيل بن حنسة وعمير بن سعد، ويزيد بن نبيشة وعبد الله بن الحارث وقضاعي بن عامر. وكتب في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة. وقرأت كتابهم فوجدته خاصة لهم، وفحصت عن أمرهم فوجدت فتحها بعد حصار، ووجدت ما وراء حيطانها لدفعة الخيل ومركز الرماح. ونظرت في جزيتهم فوجدتها وظيفة عليهم خاصة دون غيرهم، فقضيت لهم بكنائسهم حين وجدتهم أهل هذا العهد وأبناء البلد بنكاً تلداً ووجدت من نازعهم لفيفاً طرؤوا عليهم، وذلك لو أنهم أسلموا بعد فتحها كان لهم صرفها مساجد ومساكن فلهم في آخر الدهر ما في أوله، وقضيت لمن نازعهم بما كان لهم فيها من حلية أو آنية أو كسوة أو بناء أو عرصة أضافوا ذلك إليها يدفع ذلك إليهم بأعيانه إن قدر عليه أو قيمة عدل يوم ينظر فيه. شهد عدد كنائس النصارى التي دخلت في صلحهم بدمشق خمس عشرة كنيسة.

بعض الدور التي هي داخل السور

بعض الدور التي هي داخل السور لما استخلف عبد الملك بن مروان طلب من خالد بن يزيد بن معاوية شراء الخضراء، وهي دار الإمارة بدمشق، فابتاعها منه بأربعين ألف دينار وأربع ضياع بأربعة أجناد الشام اختارهن، فاختار من فلسطين عمواس، ومن الأردن قصر خالد، ومن دمشق أندركيسان، ومن حمص دير زكي. ولما بنى معاوية الخضراء بدمشق وهي دار الإمارة بالطوب. فلما فرغ منها قدم عليه رسول ملك الروم فنظر إلها فقال له معاوية: كيف ترى هذا البنيان؟ قال: أما أعلاه فللعصافير، وأما أسفلة فللفأر، قال: فنقضها معاوية وبناها بالحجارة. وعدد دوراً ليس في تعدادها كبير فائدة. وأما ما كان من البنيان خارجاً عن السور فقد روي أن كعب الأحبار خرج من دمشق ومعه نفر يشيعونه، فخرج من باب الجابية حتى إذا كان عند الثنية من دير أو في وقف ثم نظر خلفه ثم سار حتى جاوز الكسوة فلما ودعوه سألوه عن ذلك فقال أما نظري حين خرجت من باب الجابية ووقوفي على الثنية. فإن البينان يتصل إليها حتى يسير السائر في ضوء السراج حتى ينتهي إليها. وروي عن كعب أنه قال: يتصل العمران ما بين باب الجابية إلى البضيع.

وروي عن مطر بن العلاء قال: إنه كان يعرف من رأس زقاق فذايا إلى قرية تعرف بواسط في الغوطة حوانيت ومنازل. وحكى عن شيوخه أن العمران يتصل بهذا حتى يصير سوق القمح في قرحتا. وروي أنه كان على نهر بزيد رواشن مشرفة على النهر، وكان أكثر ظاهر البلد منازل القبائل وقرى متصلة وأبنية متقاربة، فخرب أكثر ذلك في الفتن والحروب والحصارات وباد أهلوه، وتمادى عليه الخراب إلى الآن، وقل موضع حفر إلا وجد فيه أثر العمارة من سائر نواحي البلد من قبليه وشرقيه وشاميه وغربيه. والله يحرس ما بقي منها ويحميه.

الأنهار المحتفرة للشرب وسقي الزرع

الأنهار المحتفرة للشرب وسقي الزرع ذكر وهب بن منبه أن في ربض الجنة نهراً من أنهار الجنة، فهو أصل أنهار الأرض كلها التي أظهرها الله عز وجل حيثما أراد أن يظهرها، وأن النيل نهر العسل في الجنة، ودجلة نهر اللبن في الجنة، والفرات نهر الخمر في الجنة، وسيحان وجيحان نهران بأرض الهند وهما نهرا الماء في الجنة. وذكر قصة نهر يزيد وأصله، وفصل ذلك تفصيلاً تماماً وما تفرع منه ومن غيره ثم قال: فهذه الأنهار التي ينتفع بها القاصي والداني، وينقسم منها الماء إلى البلد في القني فينتفع به الناس الانتفاع العام ويتفرق إلى البرك والحمامات، ويجري في الشوارع والسقايات وذلك من المرافق الهنية، والفضيلة العظيمة التي اعتدت من فضائل هذه المدينة، إذ الماء في أكثر البلاد لا ينال إلا بالثمن، وهو الذي تحصل به حياة النفوس. وقد ورد في فضل سقي الماء ما روي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس صدقة أعظم أجراً من ماء. وعن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، ما لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار. يا عائشة، من سقى الماء حيث يوجد فكأنما أعتق نفساً، ومن سقى الماء حيث لا يوجد فكأنما أحيا نفساً، ومن أخذ من منزله ملح فطيب به طعام كان كمن تصدق بذلك الطعام على أهله، ومن أخذت من منزله نار لم ينتفع من تلك النار بشيء إلا كان له صدقة. وعن أبي موسى قال: سألت ابن عباس: أي الصدقة أفضل؟ قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: اسق الماء. قال: ثم؟

مدح دمشق بطيب الهواء والماء

قال: ألم تر إلى أهل النار إذا استغاثوا يغاثوا بماء كالمهل قال: " أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ". فهذه الأحاديث تدل على أن الصدقة بالماء من القرب الكبار. وبدمشق قني لها أو قاف معينة مثبوتة عند متولي الأوقاف، وأكثرها ليس لها أوقاف ولكن يجريها المسلمون، فيحصل بها الانتفاع وتطيب بها الأسقاع. وعددها وفصلها بمواضعها وأسمائها. وعدد جملتها في داخل البلد مئة ونيف وثلاثون قناة. وفي ظاهر البلد تسع عشرة قناة. فأما الحمامات ففيها وفي ظاهرها سبعة وخمسون حماماً سوى حمامات القرى. مدح دمشق بطيب الهواء والماء

ما ورد في مدح دمشق بطيب الهواء والماء

ما ورد في مدح دمشق بطيب الهواء والماء عن وهب بن منبه قال: لما أري إبراهيم ملكوت السموات والأرض لم يسأل إلا عن غوطة دمشق وعن جنتي سبأ. كان الرشيد يقول: الدنيا أربعة منازل، قد نزلت ثلاثة منها: أحدها الرقة، والآخر دمشق، والآخر الري في وسط نهر وعلى جنتيه أشجار ملتفة متصلة وفيما بينها سوق، والمنزل الرابع سمرقند، وهو الذي بقي علي لم أنزله، وأرجو ألا يحول الحول في هذا الوقت حتى أحل به. فما كان بين هذا وبين أن توفي إلا أربعة أشهر فقط. قال أحمد بن الخير الوراق الدمشقي: لم تزل ملوك بني العباس تخف إلى دمشق طلباً للصحة وحسن المنظر، منهم المأمون فإن أقام بها، وأجري إليها قناة من نهر منين في سفح جبلها إلى معسكر بدير مران وبنى القبلة التي بأعلى دير مران وصيرها مرقباً يوقد في أعلاها النار لكي ينظر إلى ما في معسكره إذا جن عليه الليل، وكان ضوؤها وضياؤها يبلغ إلى ثنية العقاب وإلى جبل الثلج. وعن الفضل بن مروان أن المأمون صار إلى دمشق وهو رقيق فغلظ وأخذ بعض اللحم، وكان أكله قبل ذلك

في كل يوم ثمان عشرة لقمة، فلما أقام بدمشق صار أكله في كل يوم أربعاً وعشرين لقمة بزياد الثلث. ويقال: إن المأمون نظر يوماً من بناء كان فيه إلى أشجار الغوطة وبهائها فحلف بالله إنها خير مغنى على وجه الأرض. قال يحيى بن أكثم القاضي: كنت بدمشق مع المأمون وحضرت طعامه، فقدم إليه طعام كثير من الفراريج، فجعل المأمون يأكل من تلك الفراريج ويتمطق ويتملظ ويتبسم، وأنا لا أدري ما مقصده بتلمظه، فلما استحكم له طعم الفراريج وبلغ نهاية الاستتمام إلى غايته في ذوقه نظر إلى الطباخ فقال: بأي شيء سمنت هذه الفراريج؟ وبم طيبتها؟ فقال الطباخ: هذه أرعية دمشق، لم تسمن ولم تطيب، فقال لي: ما طعم من طعام الطير ولا ريح من الروائح العذبة إلا وقد خيل لي أنه في هذه الفراريج، وهذا والله أرخس لحماً وأطيب طعماً وريحاً من مسمن كسكر. ثم قال: أو ما علمت أن فراريج كسكر فيها ثقل كسكر وروائح آجامها وكأنها من طير الماء فيها الطعم فإن لم تعالج بالأبازير وتطيب بالأفواه وتروى بالزيت المغسول لم يمكن النظر إليه فضلاً عن أكله، وهي إذا عوينت بما وصفت وعولجت ففيها بقايا سنخها ولئن رجعت إلى العراق لا ذقت منها شيئاً البتة. قال ابن أبي داود: قال المعتصم بالله. ما شبهت ساكن دمشق إلا بالصائم في شدة الكلف على الطعام فإنه جائع أبداً، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، فنعمت النعمة هذه. قال: نعم، خير بقاع الأرض إلا أنه يورث الشدة.

قال الأصمعي: أحسن الدنيا ثلاثة: نهر الأبلة، وغوطة دمشق، وسمرقند. وقال: حشوش الدنيا ثلاثة: عمان وأردبيل وهيت. وعن الأصمعي قال: جنان الدنيا ثلاث: غوطة دمشق ونهر سمرقند ونهر الأبلة. وقال غيره: في الدنيا ثلاث جنان: مرو من خراسان، ودمشق من الشام، وصنعاء من اليمن، وجنة هذه الجنان صنعاء. وذكر بعض المغاربة قال: قال قوم من المشرقيين: إن الله أسكنه يعني آدم بناحية كيكدر من كورة الصين. قال: فهي التي تعرف في زماننا بمدينة لغبور. ويقولون: الصين أطيب البلاد. وأما الذي عليه العامة في الشق الغربي أن أطيب البلاد صنعاء من اليمن، ودمشق من الشام، والري من خراسان، ونجران من الحجاز.

ذكر تسمية أبوابها ونسبتها

ذكر تسمية أبوابها ونسبتها الباب القبلي المعروف بالباب الصغير، سمي بذلك لأنه كان أصغر أبوابها حين بنيت. الباب الذي يليه من القبلية بشرق: باب كيسان، ينسب إلى كيسان مولى معاوية، وقيل: نسبته إلى كيسان مولى بشر بن عمارة بن حسان بن جبار بن قرط الكلبي. وهو الآن مسدود. الباب الشرقي، سمي بذلك لأنه شرقي البلد، وكان ثلاثة أبواب باب كبير في الوسط وبابان صغيران من جانبيه سد منها الكبير والباب الصغير الذي من قبلته وبقي الصغير الشامي. باب توما من شامي البلد، ينسب إلى عظيم من عظماء الروم واسمه توما، وكانت له على بابه كنيسة جعلت بعد مسجداً. باب الجينيق من الشام أيضاً منسوباً إلى محلة الجينيق، وهو الآن مسدود. باب السلامة من شام البلد أيضاً، سمي بذلك تفاؤلاً، لأنه لا يتهيأ القتال على البلد من ناحيته لما دونه من الأنهار والأشجار. باب الفراديس من شآمه أيضاً. منسوب إلى محلة كانت خارج البلد تسمى الفراديس هي الآن خراب، وكان للفراديس باب آخر عند باب السلامة فسد، والفراديس بلغة الروم: البساتين. باب الفرج من شآمه أيضاً، محدث، أحدثه الملك العادل نور الدين وسماه بهذا الاسم تفاؤلاً لما وجد من التفريج بفتحه، وكان بقربه باب يسمى باب العمارة، فتح عند عمارة القلعة ثم سد بعد، وأثره باق في السور.

باب الحديد من شآمة أيضاً، وهو الآن خاص للقلعة التي أحدثت غربي البلد في دولة الأتراك، وسمي بذلك لأنه كل حديد فقيل الباب الحديد، ثم تركت الألف واللام تخفيفاً. باب الجنان في غربي البلد، سمي بذلك لما يليه من الجنان وهي البساتين، وقد كان مسدوداً ثم فتح. باب الجابية من غربي البلد، منسوب إلى قرية الجابية، لأن الخارج إليها يخرج منه لكونه مما يليها، وكان ثلاثة أبواب: الأوسط منها كبير ومن جانبيه بابان صغيران على مثال ما كان الباب الشرقي، وكان من الثلاثة أبواب ثلاثة أسواق ممتدة من باب الجابية إلى الباب الشرقي، كان الأوسط من الأسواق للناس، وأحد السوقين لمن يشرق بدابته، والآخر لمن يغرب بدابته، حتى إنه كان لا يلتقي فيها راكبان، فسد الباب الكبير والشامي منها، وبقي القبلي إلى الآن. وفي السور أبواب صغار غير ما ذكرنا، تفتح عند وجود الحاجة إليها. منها: باب في حارة الحاطب يعرف بباب ابن إسماعيل. وباب في المدبغة.

فضل مقابر أهل دمشق ومن بها من الأنبياء وغيرهم

فضل مقابر أهل دمشق ومن بها من الأنبياء وغيرهم كان كعب الأحبار يقول: في مقبرة باب الفراديس: يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفعون في سبعين، كل إنسان في سبعين. وعن كعب قال: بطرسوس من قبور الأنبياء عشرة، وبالمصيصة خمسة، وهي التي يغزوها الروم في آخر الزمان فيمرون بها فيقولون: إذا رجعنا من بلاد الشام أخذنا هؤلاء أخذاً، فيرجعون وقد تحلقت بين السماء والأرض. قال كعب: وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار، وبحمص ثلاثون قبراً، وبدمشق خمس مئة قبر، وببلاد الأردن مثل ذلك. وفي رواية أخرى مثله وزاد فيه: وبالثغور وبسواحل الشام من قبور الأنبياء ألف قبر، وقال بعد: وببلاد الأردن مثل ذلك، وبفلسطين مثل ذلك، وببيت المقدس ألف قبر، وبالعريش عشرة وقبر موسى بدمشق. وعن عبد الله بن سلام قال: بالشام من قبور الأنبياء ألفا قبر وسبع مئة قبر، وقبر موسى بدمشق، وإن دمشق معقل الناس في آخر الزمان من الملاحم.

وعن ابن عباس قال: من أراد أن يرى الموضع الذي قال الله عز وجل: " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " فليأت النيرب الأعلى بدمشق بين النهرين، وليصعد الغار في جبل قاسيون فيصل فيه، فإنه بيت عيسى وأمه، وهو كان معقلهم من اليهود. ومن أراد أن ينظر إلى إرم فليأت نهراً في حفر دمشق يقال له بردى. ومن أراد أن ينظر إلى المقبرة التي فيها مريم بنت عمران والحواريون فليأت مقبرة الفراديس. وفي مقبرة دمشق قبور من الصحابة الأخيار. وقد جاء في فضل المقابر التي يدفنون بها: ما روي عن أوس وهو ابن عبد الله بن بريدة عن أخيه أظنه عن أبيه قال: مات أبي بمرو وقبره بحصين. قال: وقال لي أبي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مات من أصحابي بأرض فهو قائدهم يوم القيامة. وعن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو إمامهم يوم القيامة. وفي رواية أخرى عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أحد من أصحابي يموت بأرض إلا كان قائداً ونوراً لهم يوم القيامة. وعن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان، ثم اسكن مدينة مرو، فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة، ولا يصيب أهلها سوء أبداً. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مات من أصحابي بأرض فهو شفيع لأهل تلك الأرض.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يموت أحد من أصحابي ببلد من البلدان إلا كان لهم نوراً، وبعثه الله يوم القيامة سيد أهل تلك البلد. قال الراوي: ثم قال لي موسى بن عبد الله: هذه فضيلة لكم يا أهل الكوفة، قد مات أمير المؤمنين ببلدكم. وأول مقبرة دفن المسلمون فيها بدمشق ما روي أن المسلمين يومئذ نشبوا القتال من تلك الناحية، يعني من ناحية الباب الشرقي، يوم نزولهم على دمشق، فقتل ناس من المسلمين فدفنوا في مقبرة باب توما، فهي أول مقبرة بدمشق للمسلمين. قال: وأهل العلم يذكرون أن بمقبرة دمشق من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بلال مولى أبي بكر، وسهل بن الحنظلية، وأبو الدرداء. حدث الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال: لم يتفق المسلمون على معرفة عين قبر نبي وصحابي غير قبر نبيناً محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: قال ابن الأكفاني: أراني الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني قبور الصحابة الذين بظاهر دمشق بباب الصغير: معاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الأسقع، وسهل بن الحنظلية، وأوس بن أوس وهم داخل الحظيرة مما يلي القبلة. وأبو الدرداء خارج الحظيرة، وأم الدرداء خلف الحظيرة، وعبد الله بن أم حرام ويعرف بابن امرأة عبادة بن الصامت محاذ طريق الجادة، وجماعة يقولون إنه قبر أبي بن كعب. قال: وليس بصحيح، وأم حبيب بنة أبي سفيان، أخت معاوية، زوجة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبرها بلاطة مكتوب عليها اسمها رضي

الله عنها في جنب حظيرة الصحابة وأختها على قبرها أيضاً بلاطة مكتوب عليها. وبلال بن رباح مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبره بلاطة مكتوب عليها اسمه. قال: وأراني قبر الوليد بن عبد الملك، وأخيه مسلمة خلف الحظيرة التي فيها قبور الصحابة مقابل مقبرة أمير الجيوش، على الجادة. قال: وأراني قبر بريهة بنة الحسن بن علي بن أبي طالب في قبة، وقبر سكينة بنة الحسين بن علي بن أبي طالب في قبة. وفي رواية أخرى: ووابضة بن معبد، وخريم بن فاتك، ومعبد بن فاتك، وسبرة بن فاتك. وكان بلال بن رباح نزل داريا، فتزوج بها، ومات بداريا، وحمل حتى دفن هاهنا مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومدرك بن زياد الفزاري قبره بقرية راوية من غوطة دمشق، وهو أول صحابي توفي بظاهر دمشق. وسعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج، قبره بقرية المنيحة من غوطة دمشق. وقد اختلف في قبر معاوية: فيقال إنه قبر خلف حائط المسجد الجامع موضع دراسة السبع اليوم. قال: والأصح أن قبره خارج باب الصغير. وأما قبر أم حبيبة فيمكن أن يكون قبرها هاهنا، لأنها قدمت الشام على أخيها معاوية، وذكرها أبو زرعة في طبقاته قال: والأصح أن قبرها بالمدينة. وأما بلال فقيل قبره بباب الصغير، وهو أصح الأقاويل، وقيل بباب كيسان، وقيل بداريا، وقيل إنه بحلب وهو قول ضعيف. وأما بريهة فلا أرى القول في نسبها يصح لأن أصحاب النسب لم يذكروا في ولد الحسن ابنة اسمها بريهة.

وأما سكينة بنت الحسين فإنها تزوجت بالأصبغ بن عبد العزيز بن مروان الذي كان بمصر، ورحلت إليه، فمات قبل أن تصل إليه، فيحتمل أنها قدمت دمشق وماتت بها. قال: والصحيح أنها ماتت بالمدينة وأمرهم الوالي ألا يدفنوها حتى يحضرها، وركب إلى بعض أحواله بنواحي المدينة وكان اليوم حاراً، فتغيرت رائحتها، واشتري لها طيب كثير ليغلب الرائحة فلم يغلب، ثم بعث إليهم أن ادفنوها فإني مشغول، فدفنت ولم يحضر. وسعد بن عبادة مات بحوران، فيحتمل أنه حمل ودفن في المنيحة.

حرف الألف

حرف الألف ذكر من اسمه أحمد أحمد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحمد ومحمد والحاشر والمقفي والعاقب بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أبو القاسم المصطفى خاتم النبين وسيد المرسلين ونبي الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم البصرة من نواحي دمشق قبل أن يوحى إليه، وهو صغير، مع عمه أبي طالب، ومرة أخرى في تجارة لخديجة مع ميسرة غلامها.

ذكر قدومه صلى الله عليه وسلم بصرى

ذكر قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصرى عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أشياخ من قريش. فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت. قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجرة ولا حجر إلا خر ساجداً، ولا يسجدن لنبيٍ، وإني أعرفه، خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع، فصنع لهم طعاماً، فلما أتاهم به وكان في رعية الإبل، فقال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فقال: انظروا إليه، عليه غمامة، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا إلى فيء الشجرة، فلما جلي مال فيء الشجرة عليه فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه. قال: فبينا هو قائم عليهم، وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فقتلوه، فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارجٌ في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليها ناسٌ، وإنا أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا فقال لهم: هل خلفتم خلفكم أحداً هو خير منكم؟ قالوا: لا إنا أخبرنا خبره بطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمراً أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فتابعوه، وأقاموا معه، قال: فأتاهم فقال: أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا:

أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر بلالاً وزوده الراهب من الكعك والزيت. وشب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي طالب يكلؤه الله ويحفظه، ويحوطه من أمور الجاهلية ومعايبها لما يريد به من كرامته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً وأمانة، وأصدقهم حديثاً، وأبعدهم من الفحش والأذى، ما رؤي ملاحياً ولا ممارياً أحداً، حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه، فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين. وكان أبو طالب يحفظه ويحوطه، ويعضده وينصره إلى أن مات. قال ابن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي إليه أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد جده، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجراً. فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عله وسلم فأخذ بومام ناقته وقال: يا عم، إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي، فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً. أو كما قال. قال: فخرج به معه، فلما نززلوا بظل شجرة قريباً

منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة، وتهرصت أغصان الشجرة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بحيرى نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيرى، إن لك اليوم لشأناً، ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيراً فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرى: صدقت، وقد كان ما تقول، ولكنكم ضيفٌ، وقد أحببت أن أكرمكم واصنع لكم طعاماً تأكلون منه كلكم. فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بين القوم، لحداثة سنه، في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بحيرى في القوم لم يرى الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش، لا يتخلف أحدٌ منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرى، ما تخلف عنك أحدٌ ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سناً تخلف في رحالهم. قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرى فقال له: يا غلام، أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال بحيرى ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئاً، فو الله ما أبغضت بغضهما شيئاً فقال له بحيرى: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه؟ فقال: سلني عما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده. فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ فقال: ابني، فقال له بحيرى؟ ما هو بابنك، ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً. قال: فما فعل

أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فو الله إن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شان، فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام. فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيراً وتماماً ودريساً وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرى وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا. وذكر أبو الحسن الوارق: أنه قدم مع أبي طالب لعشر ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من الفيل، وقدم الشام مع ميسرة لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الفيل، وكان الراهب الذي أخبر به في هذه القدمة اسمه نسطور الراهب. روت نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية قالت: لما بلغ رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً وعشرين سنة قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك، وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فأرسلت إليه في ذلك وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك. قال أبو طالب: هذا رزقٌ قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير، حتى قدما بصرى من الشام فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبيٌ ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، لا تفارقه. قال: هو نبيٌ، وهو آخر الأنبياء.

ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ فقال له: آخذه باللات والعزى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حلفت بهما قط، وإني لأمر فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبيٌ، تجده أحبارنا مبعوثاً في كتبهم. وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشمس فوعى ذلك كله. وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة فكان كأنه عبد. وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا فكانوا بمر الظهران قال ميسرة: يا محمد، انطلق إلى خديجة وأخبرها بما صنع الله لها على وجهك، فإنها تعرف لك ذلك، فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها فرأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها، فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك. فلما دخل ميسرة أخبرته بما رأت فقال ميسرة: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع. وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت له ضعف ما سمت له.

ذكر معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله

ذكر معرفة أسمائه وأنه خاتم رسل الله وعن جبير بن مطعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد. وقد سماه الله رؤوفاً رحيماً. وفي رواية: والعاقب الذي ليس بعده نبي. وفي رواية: وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي. وعن نافع بن جبير: أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له: أتحصي أسماء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان جبير بن مطعم يعدها؟ قال: نعم، هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر والعاقب، وقيل: وعاقب وماحٍ. فأما حاشر فبعث مع الساعة بين عذاب شديدٍ، والعاقب عاقب الأنبياء. وماحٍ محى الله به سيئات من اتبعه. وعن حذيفة قال: بينما أنا أمشي في طريق المدينة إذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي قال: سمعته يقول: أنا محمد وأحمد ونبي الرحمة ونبي التوبة والحاشر والمقفي ونبي الملاحم. وعن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: إن لي عند ربي عشرة أسماءٍ. قال أبو الطفيل: حفظت منها ثمانيةً: محمد وأحمد وأبو القاسم والفاتح والخاتم والعاقب والماحي والحاشر. وقيل إن الاسمين الباقيين يس وطه.

وعن ابن عباس: في قوله عز وجل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " يا رجل، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. فكان يقوم الليل على رجليه. فهي لغة لعكٍ، إن قلت لعكيٍ: يا رجل، لم يلتفت، فإذا قلت له طه التفت إليك. وعن الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين، محمد وأحمد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعيسى المسيح، وإسرائيل، ويعقوب، ويونس، وذو القرنين، وإلياس، وذو الكفل. ولنبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين خمسة أسماء في القرآن: محمد وأحمد وعبد الله وطه ويس قال الله تعالى في ذكر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " محمد رسول الله " وقال: " ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " وقال الله تعالى في ذكر عبد الله " وأنه لما قام عبد الله " يعني النبي صلى الله صلى عليه وسلم ليلة الجن " كادوا يكونوا عليه لبدا " وإنما كانوا يقعون على بعض كما أن اللبد يتخذ من الصوف فيوضع بعضه على بعض فيصير لبدا. وقال عز وجل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " والقرآن إنما نزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيره. وقال الله عز وجل: " يس " يعني يا إنسان، والإنسان هاهنا العاقل وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنك لمن المرسلين " وزاده غيره فقال: سماه الله في القرآن رسولاً نبياً أمياً وسماه " شاهد ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً " وسماه رؤوفاً رحيماً. وسماه نذيراً مبيناً. وسماه مذكراً. وجعله رحمة ونعمة وهادياً وسماه عبداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيد بنى داراً واتخذ مأدبةً وبعث داعياً. فالسيد: الجبار، والمأدبة: القرآن، والدار: الجنة، والداعي: أنا، فأنا اسمي في القرآن محمد، وفي الأنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد، وإنما سميت أحيد لأني أحيد أمتي عن نار جهنم، فأحبوا العرب بكل قلوبكم. وعن ابن عباس قال: لما ولد النبي صلى الله صلى عليه وسلم عق عنه عبد المطلب بكبش وسماه محمداً فقيل له: يا أبا الحارث، ما حملك على أن سميته محمداً ولم تسمه باسم آبائه؟ قال: أردت أن يحمد الله عز وجل في السماء ويحمده الناس في الأرض. قال علي بن زيد بن جدعان: تذاكروا أي بيتٍ من الشعر أحسن، فقال رجل: ما سمعنا بيتاً أحسن من قول أبي طالب: من الطويل وشق له من اسمه ليجله ... فذوا العرش محمودٌ وهذا محمد

ذكر معرفة كنيته ونهيه أن يجمع بينها وبين اسمه

ذكر معرفة كنيته ونهيه أن يجمع بينها وبين اسمه عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بالبقيع فنادى رجل: يا أبا القاسم، فالتفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الرجل: لست إياك أعني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي. وعن جابر قال: ولد لرجل منا غلام فسماه محمداً. فقال له قومه: لا ندعك تسميه باسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانطلق بابنه حامله على ظهره فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، فإنما أنا قاسم أقسم بينكم. وعن جابر بن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فأنا أبو القاسم أقسم بينكم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تجمعوا بين كنيتي واسمي أو بين اسمي وكنيتي، أنا القاسم، الله يعطي، وأنا أقسم. وأما نهيه عن الجمع بينهما فقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي. وعنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي.

وقد روي: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرخص في الجمع بينهما لولد علي بن أبي طالب. كما روي عن ابن الحنفية أن علياً قال: يا رسول الله، إن ولد لي بعدك ولدٌ، أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ فقال: نعم. فكانت رخصة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي. وروي عنه ما يدل على إباحة الجمع بينهما مطلقاً فيما روي عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إني قد ولدت غلاماً فسميته محمداً وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك. فقال: ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي، أو ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟ وذهب مالك إلى الأخذ بهذا فيما قال حمد بن زنجويه في كتاب الأدب قال: سألت ابن أبي أويس: ما كان مالك يقول في الرجل يجمع اسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنيته؟ فأشار إلى شيخ جالس معنا فقال: هذا محمد بن مالك، سماه محمداً وكناه القاسم. وكان يقول: إنما نهي عن ذلك في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كراهة أن يدعى أحدٌ باسمه أو كنيته فيلتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأما اليوم فلا بأس. وذهب الشافعي أن ذلك لا يجوز كما روي عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: لا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم كان اسمه محمداً أو غيره. قال: وقد كناه جبريل عليه السلام أبا إبراهيم. كما روي عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما ولد إبراهيم بن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم.

ذكر نسبه والاختلاف فيه

ذكر نسبه والاختلاف فيه عن أنس بن مالك وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قالا: بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجالاً من كندة يزعمون أنه منهم فقال: إنما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان بن حرب إذا قدما المدينة فيأمنا بذلك، وأنه لن ننتفي من آبائنا، نحن بنو النضر بن كنانة. قال: وخطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما. فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية. وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفساً، وخيركم أباً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد فصل في رواية أخرى فقال: ابن نزار بن معد بن عدنان بن أدد. قال محمد بن إدريس الشافعي: اسم عبد المطلب شيبة، واسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، واسم مدركة عامر بن إلياس بن مضر. وعن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك. وقال: كذب النسابون.

قال الله عز وجل: " وقروناً بين ذلك كثيراً " قال ابن عباس: لو شاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعلمه لعلمه. وأم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وعن عروة بن الزبير وسليمان بن أبي حثمة قالا: ما وجدنا في شعر شاعر ولا في علم عالم أحداً يعرف ما وراء معد بن عدنان بحقٍ لأن الله عز وجل يقول: " وقروناً بين ذلك كثيراً ". وقد اختلفوا فيما بعد عدنان اختلافاً كثيراً. واسم آمنة أم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، واسم أم عبد الله أبي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب. وأم عبد المطلب جد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمى بنت عدي بن زيد من بني النجار. وحدث عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق قال: معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن بن تارح وهو آزر بن ناحور بن شاروخ بن راغو بن فالج بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يزعمون. والله أعلم، وكان أول نبي أعطي النبوة وخط بالقلم ابن يرد بن مهليل بن قتين بن يانش بن شيث بن آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

معرفة أمه وجداته وعمومته ووعماته

معرفة أمه وجداته وعمومته ووعماته عن ابن عباس: في قوله عز وجل: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " قال: ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضريها وربعيها ويمانيها. قال محمد بن السائب الكلبي: أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة. وأمها برة بنت عبد العزى عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب. وأمها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. وأمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي. وأمها قلابة بنت الحارث بن مالك بن حباشة بن غنم بن لحيان بن عادية بن صعصعة بن كعب بن هند بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر. وأمها أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان بن عادية بن صعصعة. وأمها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة. وأمها عاتكة بنت غاضرة بن حطيط بن جشم بن ثقيف وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان واسمه إلياس بن مضر. وأمها ليلى بنت عوف بن قيس، وهو ثقيف. وأم وهب بن عبد مناف بن زهرة جد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيلة، ويقال: هند بنت أبي قيلة وهو وجر بن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملكان بن أفصى بن حارثة من خزاعة.

وأمها سلمى بنت لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وأمها مارية بنت كعب بن اليقين من قضاعة. وأم وجر بن غالب السلافة بنت واهب بن البكير بن مجدعة بن عمرو من بني عمرو بن عوف الأوس. وأمها ابنة قيس بن ربيعة من بني مازن بن لؤي بن ملكان بن أفصى أخي أسلم بن أفصى. وأمها النعجة بنت عبيد بن الحارث من بني الحارث بن الخزرج. وأم عبد مناف بن زهرة جمل بنت مالك بن قصية بن أسعد بن مليح ين عمرو بن خزاعة. وأم زهرة بن كلاب أم قصي وهي فاطمة بنت سعد بن سيل وهو جبر بن حمالة بن عوف بن عامر بن الحادر من الأزد. وأم عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي عاتكة بنت عمرو بن سعد بن أسلم بن عوف الثقفي. وأم عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم وهي أقرب الفواطم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم. وأمها تخم بنت عبد بن قصي. وأمها سلمى بنت عامر بن عمرو بن وديعة بن الحارث بن فهر. وأمها عاتكة بنت عبد الله بن وائلة بن ظرب بن عباد بن عمرو بن بكر بن يشكر بن الحارث وهو عدوان بن عمرو بن قيس، ويقال: عبد الله بن حرب بن وائلة. وأم هاشم بن عبد مناف بن قصي: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن

ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وهي أقرب العواتك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعدد من الأمهات جماعة قال: والعواتك ثلاث عشرة، والفواطم عشر، والعاتكة في كلام العرب الطاهرة. وعن قتادة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في بعض مغازيه: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب أنا ابن العواتك وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ابن العواتك " من سليم. العواتك ثلاث نسوة من سليم تسمى كل واحدة منهن عاتكة: إحداهن عاتكة بنت هلال بن فالخ بن ذكوان وهي أم عبد مناف بن قصي. والثانية: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم هاشم بن عبد مناف. والثالثة: عاتكة بنت الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان وهي أم وهب أبي آمنة أم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فالأولى من العواتك عمة الوسطى والوسطى عمة الأخرى. وبنو سليم تفخر بأشياء: منها أن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم هذه الولادات. ومنها أنها ألفت معه يوم فتح مكة، وأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم لواءهم على الألوية يومئذٍ وكان أحمر. ومنها أن عمر بن الخطاب كتب إلى أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل مصر وأهل الشام أن ابعثوا إلي من كل بلد بأفضله رجلاً: فبعث أهل الكوفة عتبة بن فرقد السلمي، وبعث أهل البصرة مجاشع بن مسعود السلمي، وبعث أهل مصر معن بن زيد بن الأخنس السلمي، وبعث أهل الشام أبا الأعور السلمي. فصار في هذه الأمصار كلهم لسليم.

وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال يوم أحد: أنا ابن الفواطم: فأولاهن فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم وهي أم عبيد الله بن عبد المطلب بن هاشم. والثانية فاطمة بنت عبد الله بن رازم بن جحوش وهي أم عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. والثالثة فاطمة بنت عبد الله بن الحارث بن وائلة بن عمرو بن عايذ بن يشكر بن عبد القيس بن عدوان وهي أم سلمى بنت عامر بن عمرة بن وديعة بن الحارث بن فهر. والرابعة فاطمة بنت عوف بن عدي بن حارثة البارقي بارق الأزد وهي أم مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب. والخامسة فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من خثعمة الأسد حلفاء في بني الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهي أم قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب. والسادسة فاطمة بنت عامر بن نصر بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثة الخزاعي وهي أم حبي بنت جليل بن سلوان الخزاعي، وحبي بنت جليل أم عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى وعبد وتخم وبرة بني قصي بن كلاب. والذي ثبت خمس من الفواطم. قال أبو عبد الله العدوي: العواتك أربع عشرة: ثلاث قرشيات وأربع سلميات وعدوانيتان وهذلية وقحطانية وقضاعية وثقفية وأسدية، أسد خزيمة. فالقرشيات من قبل أمه: آمنة بنت وهب وأمها ريطة بنت عبد العزى بن عثمان وأمها أم حبيب وهي عاتكة بنت أسد بن عبد العزى. وأمها ريطة بنت كعب، وكانت ريطة أول امرأة من قريش ضربت قباب الأدم بذي المجاز. وأمها قلابة بنت حذافة بن جمح الحظيا ويقال الخطيا.

وكان داود بن مسور المخزومي يقول: الحظيا من طريق الكلام، وغيره يقول: الخطيا من طريق الخطوة وأمها آمنة بنت عامر الجان، ويقال لعامر الجان هو عامر بن غبشان من خزاعة، وأمه عاتكة بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر. وأم أهيب بن ضبة محشية بنت محارب بن فهر. وأمها عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة وهي الثالثة. وأما السلميات فولدنه من قبل هاشم بن عبد مناف بن قصي، ومن قبل وهب بن عبد مناف بن زهرة، وأم هاشم بن عبد مناف عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، وأم مرة بن هلال عاتكة بنت مرة بن عدي بن أسلم بن أفصى من خزاعة. ويقال: إن أم مرة بن هلال بن فالج هي عاتكة بنت جابر بن قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس من سليم وهي الثانية. وأم هلال بن فالج بن ذكوان عاتكة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور وأم وهب بن عبد مناف بن زهرة عاتكة بنت الأوقص بن هلال بن فالج بن ذكوان. فهؤلاء العواتك السلميات. وأما العدوانيتان فولدتاه من قبل أبيه عبد الله بن عبد المطلب، ومن قبل مالك بن النضر. فأما التي ولدته من قبل أبيه عبد الله بن عبد المطلب وهي السابعة من أمهاته ويقال الخامسة فهي عاتكة بنت عبد الله بن ظرب بن الحارث بن وائلة العدواني، ومن قال إنها السابعة فهي عاتكة بنت عامر بن ظرب بن عمرو بن عايذ بن يشكر العدواني. ومن قبل مالك بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عمرو بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان. وأما الهذلية فولدته من قبل هاشم بن عبد مناف أم هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج واسمها ماوية بنت حورة بن عمرو بن صعصعة بن بكر بن هوزان. وأم معاوية بن بكر بن هوزان عاتكة بنت سعد بن هذيل الهذلية. وأما الأسدية فولدته من قبل كلاب بن مرة وهي الثالثة من أمهاته، وهي عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة. وأما الثقفية فهي عاتكة بنت عمرو بن سعد بن أسلم بن عوف الثقفي. وهي أم عبد

العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وعبد العزى جد آمنة بنت وهب. وأم آمنة بنت وهب برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وأما القحطانية فولدته من قبل غالب بن فهر، أم غالب بن فهر ليلى بنت سعد بن هذيل، وأمها سلمى بنت طابخة بن إلياس، وأم سلمى عاتكة بنت الأزد بن الغوث. وعاتكة أيضاً هي الثالثة من أمهات النضر. وأما القضاعية فولدته من قبل كعب بن لؤي وهي الثالثة من أمهاته. وهي عاتكة بنت رشدان بن قيس بن جهينة بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. قال الزبير بن بكار: فولد عبد المطلب بن هاشم عبد الله أبا سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا طالب واسمه عبد مناف، وفي حجره كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد جده عبد المطلب، وكان عليه رفيقا يمنعه من مشركي قريش وآل أبي طالب. أوصى عبد المطلب برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والزبير بن عبد المطلب وكان من أشراف قريش ووجوهها. وعبد الكعبة وأم حكيم البيضاء وهي توأمة أبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعاتكة وهي صاحبة الرؤيا في بدر، وبرة وأميمة وأروى بنات عبد المطلب، وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وحمزة بن عبد المطلب أسد الله، وأسد رسوله من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وكان أسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأربع سنين واستشهد يوم أحد، والمقوم وحجلا، واسمه المغيرة، وصفية، هؤلاء الأربعة لأم. وصفية أسلمت وهاجرت وأمهم هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة. والعباس بن عبد المطلب وكان أسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين وكان شريفاً عاقلاً مهيباً.

وضرار بن عبد المطلب. وأم العباس وضرار نتلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج من تيم الله بن النمر بن قاسط بن دعمي بن ربيعة بن نزار من بني القرية، والقرية أم بني عمرو بن عامر، وكان ضرار من فتيان قريش جمالاً وسخاء.، ومات أيام أوحى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عقب له. والحارث بن عبد المطلب وهو أكبر ولده، وبه كان يكنى، وحفر مع أبيه زمزم. وقثم هلك صغيراً. وبه أسمى العباس ابنه قثم، وأمهما صفية بنت جندب بن جحش بن رياب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان. وأبا لهب كناه عبد المطلب أبا لهب من حسنه. واسمه عبد العزى. وكنيته أبو عتبة وكان جواداً وأمه ليلى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول من خراعة. والغيداق بن عبد المطلب. قال مصعب بن عبد الله: اسمه مصعب، وقال غيره من قريش: اسمه نوفل. وإنما سمي الغيداق أنه كان أجود قريش وأكثرهم طعاماً ومالاً، وأمه ممنعة بنت عمرو بم مالك بن مؤمل من خزاعة، وأخوه لأمه عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو أبو عبد الرحمن بن عوف.

قال الكلبي: فكم يكن العرب بنو أب مثل بني عبد المطلب أشرف منهم، ولا أجسم، شم العرانين، تشرف أنوفهم قبل شفاههم. والعقب من بني عبد المطلب للعباس وأبي طالب والحارث وأبي لهب. وقد كان لحمزة والمقوم والزبير وحجل بني عبد المطلب أولاد لأصلابهم فهلكوا، والباقون لم يعقبوا، وكان العدد من بني هاشم في بني الحارث ثم تحول إلى بني أبي طالب ثم صار في بني العباس. ولما حضرت عبد المطلب الوفاة قال لبناته: ابكين علي حتى أسمع، وكن ست نسوة. قال محمد بن سعد: عمات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صفية بنت عبد المطلب. وكان تزوجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس. فولدت له صفياً، رجل، ثم خلف عليها العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة، وأسلمت صفية وبايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجرت إلى المدينة، وأطعمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين وسقاً بخيبر. وقبر صفية بنت عبد المطلب بالبقيع بفناء دار المغيرة بن سعيد، وتوفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب، وروت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأروى بنت عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وأمها فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم. تزوجها في الجاهلية عمرو بن وهب بن عبد قصي فولدت له طليباً، ثم خلف عليها أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فولدت له فاطمة، ثم أسلمت أروى بنت عبد المطلب بمكة وهاجرت إلى المدينة. وقيل: ماتت صفية بنت عبد المطلب سنة عشرين. وقيل: توفيت في إمارة عثمان. وروي أيضاً عن محمد بن سعد قال: عاتكة بنت المطلب تزوجها في الجاهلية أبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن

عمر بن مخزوم، فولدت له عبد الله وزهيراً وقريبة ثم أسلمت عاتكة بمكة، وهاجرت إلى المدينة. وكان من عماته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن لم يدرك الإسلام أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب، وكان تزوجها في الجاهلية كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، فولدت له عامراً وأروى وطلحة وأم طلحة. فتزوج أروى بنت كريز عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، فولدت له عثمان بن عفان، ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط، فولدت له الوليد وخالداً وأم كلثوم، بني عقبة. وبرة بنت عبد المطلب تزوجها في الجاهلية عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد، شهد بدراً. وهو زوج أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم خلف على برة بعد الأسد أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، فولدت له أبا سبرة بن أبي رهم. شهد بدراً. وأميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف تزوجها في الجاهلية جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، حليف حرب بن أمية بن عبد شمس، فولدت له عبد الله، شهد بدراً، وعبيد الله وعبداً وهو أبو أحمد. وزينب بنت جحش زوج سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمنة بنت جحش. وأطعم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميمة بنت عبد المطلب أربعين وسقاً من تمر خيبر. قال: الصحيح هذا. أسلمت أميمة.

ذكر طهارة مولده وطيب أصله

ذكر طهارة مولده وطيب أصله عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ولدتني بغي قط مذ خرجت من صلب آدم. ولم تزل تنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين من العرب: هاشم وزهرة. وعن ابن عباس: (وتقلب في الساجدين) قال: من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً. وقال عطاء بن أبي رباح قال: ما زال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقلب في أصلاب النساء حتى ولدته أمه. وعن الكلبي قال: كتبت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس مئة أم، فما وجدت فيهن سفاحاً ولا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية. وعن محمد بن جعفر العلوي قال: أشهد على أبي يحدثني عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ما أصابني من سفاح الجاهلية شيء.

وروى جعفر بن محمد عن أبيه: في قوله تبارك وتعالى: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية. وروى ابن عباس قال: كانت امرأة الجاهلية من خثعم تعرض نفسها في مواسم الحج، وكانت ذات جمال وكان معها أدم أن تطوف بها كأنها تبيعها، فأتت على عبد الله بن عبد المطلب فأظن أنه أعجبها فقالت: إني والله، ما أطوف بهذا الأدم، ومالي بها وإلى ثمنها حاجة، وإنما أتوسم هل أجد كفؤاً، فإن كانت لك إلي حاجة فقم، فقال لها: مكانك أرجع إليك، فانطلق إلى رحله فبدأ فواقع أهله فحملت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رجع إليها قال: ألا أراك ها هنا؟ قالت: ومن أنت؟ قال: الذي واعدتك. قالت: لا ما أنت هو، ولئن كنت هو لقد رأيت بين عينيك نوراً ما أراه الآن. وفي رواية قالت: هل أتيت امرأة بعدي؟ قال: نعم، امرأتي آمنة بنت وهب. قال: فلا حاجة لي فيك. إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء، فلما وقعت عليها ذهب. فأخبرها أنها قد حملت خير أهل الأرض. وقال ابن العباس: لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة متهودة، قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع علي الآن وأعطيك ئة من الإبل؟ فقال عبد الله: أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تبغينه؟ فزوجه آمنة بنت وهب، فأقام عندها ثلاثاً، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه

الكاهنة فأتاها فقالت: يا فتى، ما صنعت بعدي؟ فأخبرها، فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة، ولكني رأيت في وجهك نوراً فأردت أن يكون في، وأبى الله تعالى أن يصيره إلا حيث أراد، وقالت في ذلك شعراً. وقال ابن عباس: إن المرأة التي عرضت نفسها على عبد الله بن عبد المطلب ما عرضت امرأة من بني أسد بن عبد العزى، وهي أخت ورقة بن نوفل، قتيلة، وكانت تنظر وتعتاف، وقيل إنها قالت: مررت وبين عينيك غرة مثل غرة الفرس ورجعت وهو ليس في وجهك. وقد روي أن التي عرضت نفسها على عبد الله لم تك بغياً، وإنما كانت زوجة لعبد الله مع آمنة، فمر بها وقد أصابه أثر من طين عمل به، فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين، فدخل وغسل عنه أثر الطين ثم دخل عامداً إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسه فأبى للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج قد غشاها إلى نفسه فقالت: لا حاجة لي بك، مررت وبين عينيك غرة فرجوت أن أصيبها منك، فلما دخلت على آمنة ذهبت بها منك. قال ابن عباس: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: فداك أبي وأمي: أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال: كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي قط على سفاح. لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة صفي مهدي لا يتشعب شعبان إلا كنت في خيرهما، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري، وبين كل نبي صفتي، تشرق الأرض بنوري، والغمام لوجهي وعلمني كتابه وروى بي سحابه، وشق لي اسماً من أسمائه. فذو العرش محمود، وأنا محمد وعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني وأول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي وهم الحمادون،

يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر. فقال حسان بن ثابت في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأبيات من المنسرح: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع يوم يخصف الورق فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحم الله حسان، فقال علي بن أبي طالب: وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة. قال: هذا حديث غريب. والمحفوظ أن هذه الأبيات للعباس رضي الله عنه. كما روي عن خريم بن أوس بن جارية قال: هاجرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقدمت عليه منصرفه من تبوك فأسلمت فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يا رسول الله، إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل، لايفضض الله فاك، فأنشأ يقول: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشرٌ ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفةٌ تركب السفين وقد ... ألجم نسراً وأهله الغرق تنقل من صالبٍ إلى رحمٍ ... إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتولى بيتك المهين من ... خندف علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت ... الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي الن ... ور وسبل الرشاد نخترق قوله: لا يفضض الله فاك: أي لا يسقط ثغرك، والعوام تقول: لا يفضض. وهو خطأ. إنما هو بفتح الياء وضم الضاد الأولى. يقال: سقط فم فلان، فلم يبق له حاكم، إذا سقطت أسنانه. وقول العباس: من قبلها طبت في الظلال يعني: ظلال الجنة. وأراد أنه كان

طيباً في صلب آدم في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض، والجنة كلها ظل لا شمس فيها. وقوله في مستودع يحتمل معنيين: أحدها أن يكون أراد بالمستودع: الموضع الذي جعل به آدم وحواء عليهما السلام من الجنة، واستودعاه. والآخر أن يكون أراد الرحم أو النطفة فيه. قال أبو عبيدة: في قوله تعالى: " فمستقر ومستودع " قال: فمستقر في الصلب ومستودع في الرحم. وقوله: حيث يخصف الورق أي في الجنة، حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة. والخصف هو أن تضم الشيء إلى الشيء وتشكه معه أو تلصقه به. وكأنهما كانا يضمان الورق إلى بعض ليكون لهما لبساً وستراً. وقوله: ثم هبطت البلاد يريد أنه لما هبط آدم إلى الأرض هبطت إليه في صلبه، وهو إذ ذاك لا بشر ولا لحم ولا دم. يريد أنه نطفة لم ينتقل في هذه المراتب التي ينتقل فيها الجنين إلا نزله، يقول: بل نطفة تركب السفين: يريد ركوب نوح السفينة في وقت الطوفان، وهو في صلبه، وليس أحد الأصنام التي كانت لقوم نوح. وقوله: تنقل من صالب يعني: الصلب. قال: ولم أسمعه بهذه اللغة إلا في هذا الحديث. وقوله: إذا مضى عالم بدا طبق يريد: إذا مضى قرن بدا قرن. وإنما قيل للقرن طبق، لأنهم طبق الأرض ثم ينقرضون، ويأتي طبق آخر، أي ينقل من حال الشباب إلى الهرم. والنطق: جمع نطاق وهو ما انتطقت به المرأة أي شدته في وسطها، وانتطق به

الرجل أيضاً، ومنه سميت المنطقة. وضرب هذا مثلاً له في ارتفاعه وتوسطه في عشيرته ونجره، فجعله في علياء وجعلهم تحته نطاقاً له. وقوله: وضاءت: أي أضاءت. وعن أبي بكرة: أن جبريل عليه السلام ختن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين طهر قلبه. وعن العباس بن عبد المطلب قال: ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوناً مسروراً، قال: وأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده. وقال: ليكونن لابني هذا شأن. فكان له شأن. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كرامتي على الله أني ولدت مختوناً، ولم ير سوأتي أحد.

ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ومعرفة من كفله وما كان من أمره قبل أن يوحى إليه

ذكر مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعرفة من كفله وما كان من أمره قبل أن يوحى إليه عن أبي قتادة قال: قال عمر: يا رسول لله، أرأيت رجلاً يصوم الاثنين. قال: ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزل علي. وروى المسيب بن شريك عن شعيب عن أبيه عن جده قال: حمل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عاشوراء المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل. وعن ابن عباس قال: ولد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح مكة يوم الاثنين. ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين " اليوم أكملت لكم دينكم "، ورفع الركن يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين. وعن ابن عباس قال: ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة في يوم الاثنين في أول شهر ربيع الأول، وأنزلت عليه البقرة يوم الاثنين في ربيع الأول. وهاجر إلى المدينة في ربيع الأول، وتوفي يوم الاثنين في ربيع الأول. وفي رواية أخرى: وكان فتح بدر يوم الاثنين.

قال: والمحفوظ أن نزول " اليوم أكملت لكم دينكم " ووقعة بدر كانا في يومي جمعة. وعن مكحول: أنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس، وكان يقول: ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، وترفع أعمال بني آدم يوم الخميس. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: في يوم الاثنين ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه بعث، وفيه قبض، وهو يوم الفرقان، وفيه نزلت هذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ". وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد عام الفيل. وسميت قريش آل الله وعظمت في العرب. ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول. ويقال: ولد في رمضان في اثنتي عشرة منه يوم الاثنين حين طلع الفجر. قال: وكان إبليس يخرق السموات السبع. فلما ولد عيس عليه السلام حجب من ثلاث سماوات فكان يصل إلى أربع، فلما ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجب من السبع، ورميت الشياطين بالنجوم. فقالت قريش: هذا قيام الساعة. فقال رجل من قريش يقال له: عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف: انظروا إلى العيوق فإن كان قد رمي به فهو قيام الساعة. في حديث طويل. وقيل: ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفيل وقيل: عام الفيل، وبين الفجار والفيل عشرون سنة. وسمي الفجار لأنهم فجروا وأحلوا أشياء كانوا يحرمونها. وكان بين الفجار وبين الكعبة خمس عشرة سنة. وبين بناء الكعبة وبين مبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس سنين. قال: فبعث نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة. وكانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة. وقيل: ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول، وكان قدوم الفيل للنصف من المحرم، فبين الفيل وبين مولد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس وخمسون ليلة. وقيل: كان بين الفيل وبين مولده عشر سنين. وقيل: ولد قبل الفيل بخمس عشرة سنة.

وقيل: ولد بعد الفيل بثلاثين عاماً. وقيل: بعد الفيل بأربعين عاماً. قال: والمجمع عليه: عام الفيل. وعن محمد بن كعب وأيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قالا: خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات. ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا، فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذٍ مريض فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضاً شهراً ومضى أصحابه، فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا: خلفناه عند أخواله عدي بن النجار وهو مريض، فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي، ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي بن النجار في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك. وأخبره أخواله بمرضه، وبقيامهم عليه وما ولوا من أمره، وأنهم قبروه فرجع إلى أبيه فأخبره، فوجد عليه عبد المطلب وأخوته وأخواته وجداً شديداً. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ حمال، ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل والرواية في وفاة عبد الله بن عبد المطلب وسنه. وقيل: توفي عبد الله بن عبد المطلب بعدما أتى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن شهرين. وماتت أمه وهو ابن أربع سنين. ومات جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين، فأوصى به إلى أبي طالب. وقيل غير ذلك. وقيل: إن عبد المطلب بعث عبد الله يمتار له تمراً من يثرب فتوفي بها. قال عثمان بن أبي العاص حدثتني أمي: أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة ولدته قالت: فما شيء أنظر إليه في البيت إلا نور، وأني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول: لتقعن علي.

قالت آمنة بنت وهب: لقد علقت به يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما وجدت له مشقة حتى وضعته. فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب. ثم وقع إلى الأرض معتمداً على يديه، ثم أخذ قبضة من تراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء. وقال بعضهم: جاثياً على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الإبل تبصر بي، رافعاً رأسه إلى السماء. وولد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوناً مسروراً، فأعجب جده عبد المطلب، وحظي عنده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن. فكان له شأن. قال أبو الحكم التنوخي: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة في قريش إلى الصبح، فكفأن عليه برمة. فلما ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفعه عبد المطلب إلى نسوة يكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عنه. فأتين فوجدنه مفتوح العينين شاخصاً ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن له: ما رأينا مولوداً مثله. وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحةً عيناه شاخصاً ببصره إلى السماء. فقال: احفطنه فإني أرجو نصيب خيراً. فلما كان يوم السابع ذبح عنه، ودعا له قريشاً فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب، أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال: سميته محمداً. قالوا: فما رغبت به عن أسماء أهل بيته؟! قال: أردت أن يحمده الله في السماء، وخلقه في الأرض. وكانت آمنة بنت وهب أم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة على أخواله من بني عامر بن النجار ثم صدرت به راجعة إلى مكة، فتوفيت بالأبواء بين مكة والمدينة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن ست سنين. قال ابن إسحاق: كانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدث أنها أتيت حين حملت محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل

لها: أنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد في كل بر عامد ... وكل عبدٍ رائد يرود غير زائد فإنه عبد الحميد الماجد ... حتى أراه قد أتى المشاهد وإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمداً، فإنه اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الفرقان محمد، فسميه بذلك. فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها، وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى ويقال إن عبد الله هلك والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن ثمانية وعشرين شهراً فقالت: قد ولد الليلة لك غلام فانظر إليه. فلما جاءها عبد المطلب خبرته وحدثته بما رأت حين حملت به. وما قيل لها فيه. وما أمرت أن تسميه، فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة فقام عبد المطلب يدعو الله ويتشكر لله عز وجل الذي أعطاه إياه فقال الرجز: الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذي الأركان حتى يكون بلغة الفتيان ... أعيذه من كل ذي شنآن من حاسدٍ مضطرب العيان ... ذي همةٍ ليس له عينان حتى أراه رافع البنيان ... أنت الذي سميت في الفرقان في كتب ثابتة المثاني ... أحمد مكتوباً على اللسان قال ابن عباس: كان بنو أبي طالب يصبحون غمصاً رمطاً، ويصبح محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صقيلاً دهيناً. قال:

وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان بصحيفتهم أول البكرة فيجلسون وينتهبون ويكف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده لا يبتهب معهم. فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون مع آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه ويدخل عليه إذا خلا أو نام. وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني إنه ليؤنس ملكاً. وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام فيه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء، فكان أبو طالب يحتفظ به. فقال عبد المطلب لأم أيمن وكانت تحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بركة لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع عثمان قريباً من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة. فكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال: علي بابني فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحياطته، ومات عبد المطلب فدفن بالحجون. وقبض أبو طالب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يكون معه: وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبه حباً شديداً لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه، وصب به أبو طالب صببابة لم يصب مثلها بشيء قط، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبعوا، فكان إذا أراد أن يغديهم قال: كما أنتم حتى يحضر ابني فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، وأن لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب: إنك لمبارك. وعن حليمة بنت الحارث أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السعدية التي أرضعته قالت: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة على أتان لي قمراء

قد أذمت بالركب. وخرجنا في سنة شهباء لم تبق شيئاً، ومعي زوجي الحارث بن عبد العزى. قالت: ومعنا شارف لنا، والله إن تبض علينا بقطرة من لبن، ومعي صبي لي إن ننام ليلنا مع بكائه، ما في ثديي ما يغنيه وما في شارفنا من لبن نغذوه إلا أنا نرجو. فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتأباه، وإنما كنا نرجو كرامة رضاعةٍ من والد المولود، وكان يتيماً فكنا نقول: يتيم، ما عسى أن تصنع أمه، حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت صبياً غيري فكرهت أن أرجع ولم أجد شيئاً وقد أخذ، فقلت لزوجي: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قالت: فأتيته فأخذته فرجعت إلى رحلي. فقال زوجي: قد أخذته؟ فقلت: نعم والله. ذلك أني لم أجد غيره. فقال: قد أصبت، فعسى الله أن يجعل فيه خيراً، قالت: فوالله ما هو إلا أن جعلته في حجري، قالت: فأقبل عليه ثديي بما شاء الله من اللبن، قالت: فشرب حتى روي وشرب أخوه يعني ابنها حتى روي، وقام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا هي حافلاً، فحلب لنا ما شئنا فشرب حتى روي. قالت: وشربت حتى رويت، فبتنا ليلتنا تلك بخير شباعاً رواء، وقد نام صبياننا قالت: يقول أبوه يعني زوجها: والله يا حليمة، ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة قد نام صبينا وروي، قالت: ثم خرجنا فو الله لخرجت أتاني أمام الركب أمام الركب قد قطعتهن حتى ما تتعلق بأحد حتى إنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث، كفى علينا، ألست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: بلى والله وهي قدامنا حتى قدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن يكر فقدمنا على أجدب أرض الله، فو الذي نفس حليمة بيده إن كانوا يسرحون أغنامهم إذا أصبحوا ويسرح راعي غنمي، فتروح غنمي بطاناً لبناً حفلاً، وتروح أغنامهم جياعاً هالكة ما لها من لبن. قالت: فنشرب ما شئنا من اللبن، ما من الحاضر أحد يطلب قطرة ولا يجدها فيقولون لرعاتهم: ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة؟! فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا فتروح أغنامهم جياعاً مالها من لبن وتروح غنمي لبناً حفلاً.

قالت: وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشب في اليوم شباب الصبي في شهر، ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة، فبلغ سنة، وفي رواية: سنتين وهو غلام جفر، قالت: فقدمنا على أمه، فقلت لها وقال لها أبوه: ردي علينا ابني فلنرجع به، فإنا نخشى عليه أوباء مكة. قالت: ونحن أضن شيء به، مما رأينا من بركته. قالت: فلم نزل بها حتى قالت: ارجعا به فرجعنا به، فمكث عندنا شهرين. قالت: فبينا هو يلعب وأخوه يوماً خلف البيوت يرعيان بهماً لنا إذ جاءنا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي قد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجنا نحوه نشتد، فانتهينا إليه وهو قائم منتقع لونه فاعتنقه أبوه واعتنقته، ثم قال: ما لك أي بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ثم شقا بطني فو الله ما أدري ما صنعا وفي رواية ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه ثم رداه كما كان. قالت: فاحتملناه فرجعنا به إلى بيوتنا. قالت: يقول أبوه والله يا حليمة، ما أرى هذا الغلام قد أصيب فانطلقي فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر ما نتخوف عليه. قالت: فرجعنا به إليها. قالت: ما ردكما به وقد كنتما حريصين عليه؟ قالت: فقلت: لا والله، إلا أنا كفلناه وأدينا الحق الذي يجب علينا فيه، ثم تخوفنا الأحداث عليه، فقلنا: يكون في أهله. قالت: فقالت آمنة: والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره، فو الله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره. قالت: فتخوفتما عليه؟! كلا والله، إن لابني هذا شأناً ألا أخبركما عنه: إني حملت به فلم أحمل حملاً قط كان أخف ولا أعظم بركة منه ثم رأيت نوراً كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان، وقع واضعاً يده بالأرض رافعاً رأسه إلى السماء. دعاه والحقا بشأنكما. وفي رواية: قالت: يعني آمنة أخشيتما عليه الشيطان؟! كلا والله ماللشيطان عليه سبيل.

ما جاء في الكتاب من صفته وبشرت به الأنبياء من بعثته

ما جاء في الكتاب من صفته وبشرت به الأنبياء من بعثته عن ابن سلام: أنه لما سمع بمخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فلقيه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت ابن عالم أهل يثرب؟ قال: نعم. قال: فناشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء هل تجد صفتي في كتاب الله الذي أنزل على موسى؟ قال عبد الله بن سلام: انسب ربك يا محمد، فارتج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له جبريل عليه السلام: " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوراً أحد " فقال له ابن سلام: أشهد أنك رسول الله، وإن الله عز وجل مظهرك ومظهر دينك على الأديان وإني لأجد صفتك في كتاب الله تعالى " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً " زاد في حديث: وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله تعالى حتى تستقيم به الملة المعوجة حتى يقولوا لا إله إلا الله ويفتحوا أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً أن يقولوا لا إله إلا الله. وعن سهل مولى عثمة: أنه كان نصرانياً من أهل مريس وأنه كان يتيماً في حجر أمه وعمه وأنه كان يقرأ الإنجيل قال: فأخذت مصحفاً لعمي فقراته حتى مرت بي ورقة أنكرت أكنافها حين مرت بي ومسستها بيدي قال: فنظرت فإذا فضول الورقة ملصق بغراء قال: ففتقتها

فوجدت فيها نعت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه لا قصير ولا طويل، أبيض ذو ضفرين، بين كتفيه خاتم النبوة، يكثر الاحتباء، ولا يقبل الصدقة، ويركب الحمار والبعير، ويحتلب الشاة، ويلبس قميصاً مرفوعاً، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر وهو يفعل ذلك، وهو من ذرية إسماعيل، اسمه أحمد. قال سهل: فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء عمي فلما رأى الورقة ضربني وقال: مالك وفتح هذه الورقة وقراءتها. فقلت: فيها نعت النبي أحمد فقال: إنه لم يأتي. وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: بينا رجلان يحدث أحدهما صاحبه، وكعب خلفهما يسمع، لا يعلمان بمكانه إذ قال أحدهما لصاحبه: رأيت الليلة أو قال: البارحة كل نبي في الأرض، مع كل نبي منهم أربعة مصابيح: مصباح من بين يديه، ومصباح من خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن شماله، ومع كل رجل ممن معه مصباح مصباح، إذ قام رجل منهم فأضاءت الأرض له، في شعرة في رأسه مصباح، ومع كل رجل ممن معه أربعة مصابيح: مصباح من بين يديه، ومصباح من خلفه، ومصباح عن يمينه، ومصباح عن شماله. قلت: من هذا؟ قالوا: محمد رسول الله. فقال كعب للمحدث: يا عبد الله، عمن تحدث؟ قال: عن رؤيا رأيتها البارحة، فقال كعب: والله، لكأنك نشرت التوراة فقرأت هذا فيها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول وقد استكمل عشر سنين من هجرته. قال: فلما كان صبيحة الخميس فإذا نحن بشيخ أبيض الرأس واللحية متلثم بعمامة على قعود له، حتى جاء فنزل فعقل قعوده بباب المسجد وأنشأ يقول وينادي: السلام عليكم ورحمة الله، هل فيكم محمد رسول الله؟ قال علي: أيها السائل عن محمد رسول الله ما تريد من محمد. قال: أنا حبر من أحبار بيت المقدس قد قرأت التوراة ثمانين سنة وتدبرتها أربعين صباحاً، فوجدت فيها ذكر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن الله تبارك وتعالى يقول في التوراة: ليس بكذاب ولا قوال للكذب. وقد خرجت أطلب الإسلام على يديه فقال علي: أيها السائل عن أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أصبح القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بين أطباق الثرى. فوضع الجريدة على رأسه ونادى: وا انقطاع ظهراه، بأبي وأمي من لم أشهده ولم أره، يا محمد المصطفى، يا خير من ولدت النسائم. قال: بالله هل فيكم قرابة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال علي: يا بلال انطلق بهذا الرجل إلى منزل فاطمة عليها السلام، فانطلق به فقال لها الحبر: يا بنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا حبر من أحبار بيت المقدس، جئت أطلب الإسلام على يدي والدك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت فاطمة: يا حبر بيت المقدس، أن والدي قد مات. فنادى الحبر: وا انقطاع ظهراه بأبي وأمي من لم أره ولم أشاهد، بالله يا بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما عندك ثوب من ثياب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.؟ قالت فاطمة للحسين: هات الثوب الذي نشف فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء به فأخذه الحبر فألقاه على وجهه وجعل ينشق ريحه ويقول: بأبي وأمي من جسد نشف في هذا الثوب ثم رفع رأسه فقال: يا علي، صف لي صفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأني أنظر إليه. فبكى عليٌ بكاءً شديداً، قال: والله، إني كنت مشتاقاً إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنا أشوق إلى حبيبي منك ثم قال: بأبي وأمي، لم يكن بالطويل الذاهب ولا بالقصير، كان ربعة من الرجال، أبيض مشربٌ بحمرة، جعد المفرق، شعره إلى شحمة أذنيه، صلت الجبين، واضح الخدين، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، سبط الأشفار، أقنى الأنف، دقيق المسربة، مبلج الثنايا، كث اللحية، كأن عنقه إبريق فضة، كان الذهب يجري في تراقيه، عرقه في وجهه كاللؤلؤ، شثل الكعبين والقدمين، له شعرات ما بين لبته إلى صدره تجري كالقضيب، لم يكن على بطنه ولا على ظهره شعرات غيرها، تفوح منه رائحة المسك، إذا قام غمر الناس، وإذا مشى فكأنما يتقلع من صخرة، إذا التفت التفت جميعاً، وإذا انحدر كأنما ينحدر في صبب، أطهر الناس خلقاً، وأشجع الناس قلباً، وأسخى الناس كفاً، لم يكن قبله مثله، ولا يكون بعده مثله أبداً. قال الحبر: يا علي، إني أصبت في التوراة هذه الصفة. أيقنت أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله رسول الله.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك. قال: " نعم. أنا دعوة أبي إبراهيم، وكان آخر من بشر بي عيسى بن مريم عليهم السلام ". وعن عبد الله رضي الله عنه قال: صاحبكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خامس خمسةٍ مبشر بهم قبل أن يكونوا: إسحاق ويعقوب عليهما السلام بقول الله تعالى: " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ". ويحيى: " إن الله يبشرك بيحيى مصدقاً "، وعيسى بن مريم: " إن الله يبشرك بكلمة منه "، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول عيسى: " يأتي من بعدي اسمه أحمد " فهؤلاء أخبر بهم من قبل أن يكونوا. وعن وهب بن منبه: أن الله تعالى لما قرب موسى عليه السلام نجياً قال: رب، إني أجد في التوراة أمةً خير أمةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله. فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة هم الآخرون من الأمم، السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها، وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظراً ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر، ويقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي. ب ". ويحيى: " إن الله يبشرك بيحيى مصدقاً "، وعيسى بن مريم: " إن الله يبشرك بكلمة منه "، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول عيسى: " يأتي من بعدي اسمه أحمد " فهؤلاء أخبر بهم من قبل أن يكونوا. وعن وهب بن منبه: أن الله تعالى لما قرب موسى عليه السلام نجياً قال: رب، إني أجد في التوراة أمةً خير أمةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله. فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة هم الآخرون من الأمم، السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب، إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها، وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظراً ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر، ويقاتلون رؤوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في التوراة أمةً يأكلون الصدقات في بطونهم، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها ناراً فأكلتها، فإن لم تقبل لم تقربها النار، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، أني أجد في التوراة أمة إذا هم أحد بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة. وإذا هم بحسنة لم يعملها كتبت له

حسنة، فإن عملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في التوراة أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: ذكر وهب بن منبه في قصة داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أوحى إليه في الزبور: يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقاً سيداً، لا أغضب عليه أبداً، ولا يغضبني أبداً، وقد غفرت له قبل أن يغضبني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثلما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتون يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم. يا داود، إني فضلت محمداً وأمته على الأمم كلها، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد، إن استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبةً به أنفسهم عجلته لهم أضعافاً مضاعفة، ولهم في المدخور عندي أضعاف مضاعفة، وأفضل من ذلك. وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون الصلاة والرحمة والهدى، إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجب لهم، فإما أن يروه عاجلاً، وإما أن أصرف عنهم سوءاً، وإما أن أدخر لهم في الآخرة. يا داود، من لقيني من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشهد أن لا إله إلا الله أنا وحدي لا شريك لي صادقاً بها فهو معي في حبي وكرامتي. ومن لقيني وقد كذب محمداً وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في القبر العذاب صباً، وضربت الملائكة في وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار. وعن مقاتل بن حيان قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم عليه السلام: جد في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع يا بن الطاهرة البكر البتول، إني خلقتك من غير فحل فجعلتك آية للعالمينن فإياي فاعبد وعلي فتوكل، فسر لأخل سوران بالسريانية، بلغ من بين يديك أني أنا الله الحي القيوم الذي لا أزول. صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل والمدرعة والعمامة وهي التاج والنعلين والهراوة وهي القضيب، الجعد الرأس، الصلت الجبين، المقرون

إخبار الأحبار والرهبان والكهان بنبوته.

الحاجبين، الأنجل العينين، الأهدب الأشفار، الأدعج العينين، الأقنى الأنف، الواضح الخدين، الكث اللحية، عرقه في وجهه كاللؤلؤة، وريح المسك ينفح منه، كأن عنقه إبريق فضة، وكأن الذهب يجري في تراقيه، له شعرات من لبته إلى صرته، تجري كالقضيب، ليس على صدره ولا على بطنه شعر غيره، شثن الكف والقدم إذا جاء مع الناس غمرهم، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وينحدر في صبب، ذو النسل القليل. قال عمر بن الحكم بن رافع بن سنان وهو عم عبد الحميد بن جعفر حدثني بعض عمومتي وآبائي أنهم كانت عندهم ورقة يتوارثونها في الجاهلية حتى جاء الله تعالى بالإسلام وهي عندهم، فلما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة ذكروا له وأتوه بها. مكتوب فيها اسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب، هذا الذكر لأمة تأتي في آخر الزمان يسبلون أطرافهم، ويأتزرون على أوساطهم، ويخوضون البحور إلى أعدائهم، فيهم صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، وفي عاد ما أهلكوا بالريح، وفي هود ما أهلكوا بالصيحة. بسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تباب. كأنه استقبل قصة أخرى. قال: فعجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قرئت عليه لما فيها. إخبار الأحبار والرهبان والكهان بنبوته. عن الفلتان بن عاصم قال: كنت جالساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ شخص بصره إلى رجل، فإذا هو يهودي عليه قميص وسراويل ونعلان، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه وهو يقول: يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتقرأ التوراة؟ قال: نعم. قال: أتقرأ الإنجيل؟ قال: نعم. قال: والقرآن ولو تشاء قرأته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيما تقرأ التوراة والإنجيل، أتجدني نبياً؟ قال: إنا نجد نعتك ومخرجك، فلما خرجت رجونا أن تكون فينا، فلما رأيناك عرفنا أنك لست به. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ولم

يا يهودي؟ قال: إنا نجده مكتوباً أنه يدخل من أمته سبعون ألفاً بلا حساب، ولا نرى معك إلا نفراً يسيراً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمتي لأكثر من سبعين ألفاً وسبعين ألفاً. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بلغني أن إسرائيل لما أصابها ما أصابهم من ظهور بخت نصر عليهم وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمداً رسول الله منعوتاً في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل. فلما خرجوا من أرض الشام جعلوا يقترون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن يجدون نعتها نعت يثرب فتنزل بها طائفة منهم، ويرجون أن يلقوا محمداً فيتبعوه، حتى نزل من بني هارون ممن حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه جاءٍ ويحثون أبناءهم على إتباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه. عن نملة بن أبي نملة عن أبيه قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتبهم ويعلمونه الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلينا. فلما ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسدوه وبغوا عليه، وقالوا: ليس به. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات. فلما كانت ليلة ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا: لا نعلمه. قال: أخطأت والله حيث كنت أكره، انظروا يا معشر قريش واحصوا ما أقول لكم، ولد الليلة نبي هذه الأمة أحمد الآخر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أخطأكم فبفلسطين، به شامة بين كتفيه سوداء صفراء، فيها شعرات متواترات، فتتصدع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه. فلما صاروا في منازلهم ذكروا لأهاليهم فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام وسماه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالتقوا بعد من يومهم فأتوا اليهودي في منزله فقالوا: أعلمت؟ إنه ولد فينا مولود، قال:

أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: قبله واسمه أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فاذهبوا بنا إليه، فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه فأخرجته إليهم، فرأى الشامة في ظهره فغشي على اليهودي ثم أفاق، فقالوا: ويلك مالك؟ قال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل، وخرج الكتاب من أيديهم، وهذا مكتوب بقتلهم وببير أحبارهم، فازت العرب بالنبوة، أفرحتم يا معشر قريش؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يخرج نماؤها من المشرق إلى المغرب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت المدارس فقال: أخرجوا إلي أعلمكم. فقالوا: عبد الله بن صوريا، فخلا به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فناشده بدينه وما أنعم الله به عليهم، وأطعمهم من المن والسلوى، وظللهم به من الغمام، أتعلمني رسول الله؟ قال: اللهم نعم، وإن القوم ليعرفون ما أعرف، وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكنهم حسدوك. قال: فما يمنعك أنت؟ قال: أكره خلاف قومي، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلموا. وعن المسور بن مخرمة قال: كان عبد المطلب إذا ورد اليمن نزل على عظيم من عظماء حمير، فنزل عليه مرة من المرات فوجد عنده رجلاً من أهل اليمن، قد أمهل له في العمر وقد قرأ الكتب فقال له: يا عبد المطلب، تأذن لي أن أفتش مكاناً منك؟ قال: ليس كل مكان مني آذن لك في تفتيشه. قال: إنما هو منخريك. قال: فدونك. قال: فنظر إلى نار وهو الشعر في منخريه فقال: أرى نبوة وأرى ملكاً وأرى أحدهما في بني زهرة، فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فولدت محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل الله في بني عبد المطلب النبوة والخلافة. والله أعلم حيث وضع ذلك. وعن العباس قال: قال لي أبي عبد المطلب: قدمت اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل اليهود: يا عبد المطلب، أتأذن لي أن أنظر إلى بدنك بعيني، فقلت: انظر ما لم تكن عورة. قال: ففتح أحد منخري فنظر فيه، ثم نظر في الآخر فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى نبوة، وإني أرى ذلك في بني زهرة فكيف ذلك؟

فقلت: لا أدري. قال: هل لك من شاغة قال: فقلت: وما الشاغة؟ قال: زوجة. قلت: أما اليوم، فلا. قال: إذا قدمت فتزوج فيهم. ورجع عبد المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة وصفية، وزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت قريش حين تزوج عبد الله آمنة: ولج عبد الله على أبيه. حدث يحيى بن عروة عن أبيه أن نفراً من قريش منهم ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيداً كانوا يعظمونه، وينحرون له الجزر، ثم يأكلون ويشربون الخمر ويعكفون عليه، فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوباً على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلاباً عنيفاً، فأخذوه فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة. فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك. فقال عثمان بن الحويرث: ما له قد أكثر التنكس؟ إن هذا لأمر قد حدث. وذلك في الليلة التي ولد فيها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل عثمان يقول: من الطويل. أيا صنم العيد الذي صف حوله ... صناديد وفد من بعيد ومن قرب تكوست مغلوباً فما ذاك قل لنا ... أذاك سفيهٌ أم تكوست للعتب؟ فإن كان من مذنب أتينا فإننا ... نبوء بإقرارٍ ونلوي عن الذنب وإن كنت مغلوباً تكوست صاغراً ... فما أنت في الأوثان بالسيد الرب قال: فأخذوا الصنم فردوه على حاله، فلما استوى هتف بهم هاتف من الصنم، بصوت جهير وهو يقول: من الطويل تردى لمولودٍ أنارت بنوره ... جميع فجاج الأرض بالشرق والغرب وخرت له الأوثان طراً وأرعدت ... قلوب ملوك الأرض طراً من الرعب ونار جميع الفرس باخت وأظلمت ... وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب وصدت عن الكهان بالعتب جنها ... فلا مخبرٌ عنهم بحقٍ ولا كذب

فيال قصي ارجعوا عن ضلالكم ... وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب فلما سمعوا ذلك خلصوا نجياً، فقال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض. فقالوا: أجل. فقال لهم ورقة بن نوفل: تعلمون والله ما قومكم على دين ولقد أخطؤوا المحجة وتركوا دين إبراهيم، ما حجر تطيفون به لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر؟! يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين. قال: فخرجوا عند ذلك يضربون في الأرض ويسألون عن الحنيفية دين إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما ورقة فتنصر وقرأ الكتاب حتى علم علماً. وأما عثمان بن الحويرث فصار إلى قيصر فتنصر وحسنت منزلته عندهم. وأما زيد بن عمر بن نفيل فأراد الخروج فحبس، ثم أنه خرج بعد ذلك فضرب في الأرض حتى بلغ الرقة من أرض الجزيرة فلقي بها راهباً عالماً فأخبره بالذي يطلب فقال له الراهب: إنك لتطلب ديناً ما تجد من يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك يبعث بدين الحنيفية. فلما قال له ذلك رجع يريد مكة، فغارت عليه لخم فقتلوه. وأما عبيد الله بن جحش فأقام بمكة حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة، فلما صار بهم تنصر وفارق الإسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانياً. قال عبد الله بن محمد بن عقيل: أراد أبو طالب المسير إلى الشام فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي عم، إلى من تخلفني فما لي أم تكفلني ولا أحد يؤويني قال: فرق له ثم أردفه خافه، فخرج به فنزلوا على صاحب دير. فقال صاحب الدير: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو بابنك ولا ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم؟ قال: لأن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي. قال: وما النبي؟ قال: الذي يوحى إليه من السماء فينبئ به أهل الأرض. قال: الله أجل مما تقول. قال: فاتق عله اليهود. قال: ثم خرج حتى نزل براهب أيضاً صاحب دير فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال: ما هو بابنك وما ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم ذلك؟ قال: إن وجهه وجه نبي وعينه عني نبي. قال: وما النبي؟ قال: الذي يوحى إليه من السماء فينبىء به أهل الأرض. قال: الله أجل مما تقول. قال: فاتق عليه اليهود. قال: ثم خرج حتى نزل براهب أيضاً صاحب دير فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني قال: ما هو بابنك ومل ينبغي أن يكون له أب حي. قال: ولم ذلك؟ قال: إن وجهه وجه نبي وعينه عين نبي. قال: سبحان الله الله أجل مما تقول، فقال: يا بن أخي ألا تسمع ما يقول؟ قال: أي عم لا تنكر لله قدرة.

وعن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى عيضاً من أهل الشام، وكان متخفراً بالعاص بن وائل، وكان الله قد أتاه علماً كثيراً وجعل فيه منافع كثيرة لأهل مكة من طب ورفق وعلم، وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة في كل سنة فيلقى الناس ويقول: إنه يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة، يدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه، ومن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته. وتالله ما تركت أرض الخمر والخمير والأمن ولا حللت أرض البؤس والجوع والخوف إلا في طلبه، فكان لا يولد مولود بمكة إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد، فيقال: فصفه، فيقول: لا ويكتم ذلك، للذي قد علم أنه لاقٍ من قومه مخافةً على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يفضي إليه من الأذى يوماً. فلما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عيضاً فوقف في أصل صومعته، ثم نادى يا عيض فناداه: من هذا؟ فقال: أنا عبد الله فأشرف عليه فقال: كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين، ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين. قال: فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود. قال: فما سميته؟ قال: محمداً. فقال: والله لقد كنت أشتهي أن يكون هذا المولود فيكم أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه، فقد أتى عليهن منها إن نجمه طلع البارحة، وإنه يولد اليوم، وإن اسمه محمد. انطلق إليه فإنه الذي كنت أحدثكم عنه ابنك، قال: فما يدريك أنه ابني، ولعله يولد يومنا مولودون عدة؟ قال: قد وافق ابنك الاسم، ولم يكن الله عز وجل ليشتبه على العلماء لأنه حجة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياماً ثلاثة يظهر به الوجع ثلاثاً ثم يعافى. فاحفظ لسانك، فإنه لم يحسد حسده أحدٌ قط، ولم يبغ على أحدٍ كما يبغى عليه. وإن تعش حتى تبدو معالمه ثم يدعو، ثم يظهر لك من قومك ما لا تحتمله إلا على صبرٍ على ذلك، فاحفظ لسانك، ودار عنه. قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره أو قصر لم يبلغ السبعين يموت في وترٍ، دونها من السنين في إحدى وستين أو ثلاث وستين. الستون أعمار جل أمته.

وعن عبد الله بن عباس قال: قدم الجارود بن عبد الله، وكان سيداً في قومه، عظيماً في عشيرته، مطاع الأمر، رفيع القدر، عظيم الخطر، ظاهر الأدب، شامخ الحسب، بديع الجمال، حسن الفعال، ذا منعةٍ ومالٍ في وفد عبد القيس من ذوي الأخطار والأقدار والفضل والإحسان والفصاحة والبرهان. كل رجل منهم كالنخلة السحوق على ناقة كالفحل العتيق قد جنبوا الجياد وأعدوا للجلاد مجدين في مسيرهم حازمين في أمرهم يسيرون ذميلاً، ويقطعون ميلاً فميلاً، حتى أناخوا عند مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل الجارود على قومه، والمشايخ من بني عمه، فقال: يا قوم، هذا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأغر سيد العرب، وخير ولد عبد المطلب، فإذا دخلتم عليه، ووقفتم بين يديه، فأحسنوا عليه السلام، وأقلوا عنده الكلام، فقالوا بأجمعهم: أيها الملك الهمام والأسد الضرغام لن نتكلم إذا حضرت، ولن نجاوز إذا أمرت، فقل ما شئت فإنا سامعون، واعمل ما شئت فإنا تابعون. فنظر الجارود في كل كمي صنديد قد دوموا العمائم، وتردوا بالصوارم، يجرون أسيافهم ويسحبون أذيالهم، يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون مناقب الأخيار، لا يتكلمون طويلاً، ولا يسكتون عياً. إن أمرهم ائتمروا، وإن زجرهم ازدجروا، كأنهم أسد غيل يقدمها ذو لبدة مهول، حتى مثلوا بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما دخل القوم المسجد وأبصرهم أهل المسجد دلف الجارود أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحسر أمامه، وأحسن سلامه ثم أنشأ يقول: من الخفيف فقل ما شئت فإنا سامعون، واعمل ما شئت فإنا تابعون. فنظر الجارود في كل كمي صنديد قد دوموا العمائم، وتردوا بالصوارم، يجرون أسيافهم ويسحبون أذيالهم، يتناشدون الأشعار، ويتذاكرون مناقب الأخيار، لا يتكلمون طويلاً، ولا يسكتون عياً. إن أمرهم ائتمروا، وإن زجرهم ازدجروا، كأنهم أسد غيل يقدمها ذو لبدة مهول، حتى مثلوا بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما دخل القوم المسجد وأبصرهم أهل المسجد دلف الجارود أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحسر أمامه، وأحسن سلامه ثم أنشأ يقول: من الخفيف يا نبي الهدى أتتك رجالٌ ... قطعت فدفداً وآلاً فآلا

وطوت نحوك الصحاصح طراً ... لا تخال الكلال فيك كلالا كل دهماء يقصر الطرف عنها ... أرقلتها قلانصاً إرقالا وطوتها الجياد تجمح فيها ... بكماة كأنجم تتلالا تبتغي دفع بأس يومٍ عبوس ... أوجل القلب ذكره ثم هالا فلما سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرح فرحاً شديداً، وقربه وأدناه، ورفع مجلسه، وحباه وأكرمه، وقال: يا جارود، لقد تأخر بك وبقومك الموعد، وطال بكم الأمد، قال: والله يا رسول الله لقد أخطأ من أخطأك قصده وعدم رشده، وتلك وأيم الله أكبر خيبة، وأعظم حوبة، والرائد لا يكذب أهله ولا يغش نفسه، لقد جئت بالحق، ونطقت بالصدق والذي بعثك بالحق نبياً واختارك للمؤمنين ولياً، لقد وجدت وصفك في الإنجيل. ولقد بشر بك ابن البتول وطول التحية لك والشكر لمن أكرمك وأرسلك لا أثر بعد عين ولا شك بعد يقين. مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله. قال: فآمن الجارود وآمن من قومه كل سيد، فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سروراً، وابتهج حبوراً وقال: يا جارود، هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قساً؟ قال: كلنا نعرفه يا رسول الله. وأنا من بين قومي كنت أقفو أثره وأطلب خبره. كان قس سبطاً من أسباط العرب صحيح النسب، فصيحاً إذا خطب، ذا شيبةٍ حسنةٍ، عمر سبع مئة سنة، يتقفر القفار، لا تكنه دار، ولا يقره قرار يتحسى في تقفره بيض النعام ويأنس بالوحوش والهوام، يلبس المسوح، ويبيع السياج على منهاج المسيح لا يفتر من الرهبانية، مقر لله بالوحدانية، تضرب بحكمته الأمثال، وتكشف به الأهوال، وتتبعه الأبدال، أدرك رأس الحواريين شمعان. فهو أول من تأله من العرب، وأعبد من تعب في الحقب، وأيقن بالبعث والحساب، وحذر سوء المنقلب والمآب، ووعظ بذكر الموت، وأمر بالعمل قبل الفوت، الحسن الألفاظ الخاطب بسوق عكاظ العالم بشرق وغرب، ويابس ورطب،

وأجاج وعذب، كأني أنظر إليه، والعرب بين يديه، يقسم بالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله، وليوفين كل عامل عمله. ثم أنشأ يقول: من الخفيف هاج للقلب من جواه ادكار ... وليالٍ خلالهن نهار ونجوم يحثها قمر اللي ... ل وشمس في كل يومٍ تدار ضوؤها يطمس العيون وإرعا ... دٌ شديدٌ في الخافقين مطار وغلامٌ وأشمطٌ ورضيعٌ ... كلهم في التراب يوماً يزار وقصورٌ مشيدةٌ حوت الخي ... ر وأخرى خلت فهي قفار وكثيرٌ مما تقصر عنه ... جوسة الناظر الذي لا يحار والذي قد ذكرت دل على الل ... هـ نفوساً لها هدىً واعتبار فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلك يا جارود، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل له أورق، وهو يتكلم بكلام مؤنق ما أظن أني احفظه فهل فيكم يا معشر المهاجرين والأنصار من يحفظ لنا منه شيئاً؟ فوثب أبو بكر الصديق رضي الله عنه قائماً فقال: يا رسول الله، إني أحفظه، وكنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ حين خطب فأطنب، ورغب ورهب وحذر وأنذر، وقال في خطبته: أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت أت، مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، وآباء وأمهات، وأحياء وأموات، جميعٌ وأشتات، وأنات بعد أنات إن في السماء لخبرا، إن في الأرض لعبرا، ليلٌ داج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات رتاج، وبحار ذات أمواج، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا، أقسم قس قسماً حقاً لا حانثاً فيه ولا أثماً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ونبياً قد حان حينه، وأظلكم أوانه، وأدرككم إبانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه. ثم قال: تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية، يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد، وأين المريض والعواد، وأين الفراعنة الشداد، أين من بنى وشيد،

وزخرف ونجد، وغره المال والولد، أين من بغى وطغى، وجمع فأوعى، وقال أنا ربكم الأعلى، ألم يكونوا أكثر منكم أموالا، وأبعد منكم آمالا، وأطول منكم آجالا، طحنهم الثرى بكلكله، ومزقهم بتطاوله، فتلك عظامهم بالية، وبيوتهم خاوية، عمرتها الذئاب العاوية، كلا بل هو الله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود، ثم أنشأ يقول: من مجزوء الكامل في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إلي ... ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر قال: ثم جلس، فقام رجل من الأنصار بعده كأنه قطعة جبل، ذو هامة عظيمة وقامة جسيمة، قد دوم عمامته وأرخى ذؤابته، منيف أنوف، أشدق، حسن الصوت، فقال: يا سيد المرسلين، وصفوة رب العالمين، لقد رأين من قس عجباً، وشهدت منه مرغباً، فقال: وما الذي رأيته منه وحفظته عنه؟ فقال: خرجت في الجاهلية أطلب بعيراً لي شرد مني أقفو أثره، وأطلب خبره في تنائف ذات دعادع وزعازع ليس للركب فيها مقيل، ولا لغير الجن سيبل، وإذا بموئل مهول في طود عظيم، ليس به إلا البوم، وأدركني الليل فولجته مذعوراً لا آمن فيه حتفي، ولا أركن لغير سيفي. فبت بليلٍ طويل كأنه بليلٍ موصول، أرقب الكوكب، وأرمق الغيهب، حتى إذا عسعس الليل، وكاد الصبح أن يتنفس هتف بي هاتف: من الرجز يا أيها الراقد في الليل الأحم ... قد بعث الله نبياً في الحرم من هاشم أهل الوفاء والكرم ... يجلو وجنّات الدياجي والبهم قال: فأدرت طرفي فما رأيت له شخصاً، ولا سمعت له فحصاً، وأنشأت

أقول: أيها الهاتف في داجي الظلم ... أهلاً وسهلاً بك من طيفٍ ألم بين هداك الله في لحن الكلم ... ماذا تدعو إليه يغتنم قال: فإذا أنا بنحنحة وقائل يقول: ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله عز وجل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحبور، صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمغفر، والوجه الأزهر، والحاجب الأقمر والطرف الأحور، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله، فذلك محمداً المبعوث إلى الأسود والأبيض أهل المدر والوبر، ثم أنشأ يقول: مجزوء الرجز الحمد لله الذي ... لم يخلق الخلق عبث لم يخلنا أبداً سدىً ... من بعد عيسى واكترث أرسل فينا أحمداً ... خير نبي قد بعث صلى عليه الله ما ... حج له ركبٌ وحث قال: فذهلت عن البعير، واكتنفني السرور، ولاح الصباح، واتسع الإيضاح، فتركت المور، وأخذت الجبل، فإذا أنا بالغسق يشقشق إلى النوق، فملكت خطامه، وعلوت سنامه، فمرج طاعة، وهززته ساعة، حتى إذا لغب، وذل منه ما صعب، وحميت الوسادة، وبردت المزادة، وإذا الزاد قد هش له الفؤاد، بركته فبرك، وأذنت له فترك في روضة خضرة نضرة عطرة ذات حوذان وقربان وعبقران وعبيثران ونعنع وشيح وحلي وأقاح وجثجاث وبرار وشقائق وبهار، كأنما قد بات الجو بها مطيرا، أو باكرها المزن بكورا محلالها شجر، وقرارها نهر فجعل يرتع أبا وأصيد ضبا، حتى إذا أكلت وأكل، ونهلت ونهل وعللت وعل حللت عقاله، وعلوت جلاله وأوسعت محاله، فاغتنم الجملة ومر كالنبلة يسبق الريح، ويقطع عرض الفسيح، حتى أشرف بي على واد، وشجر من شجر عاد مورقة مونقة

قد تهدلت أغصانها كأنما بريرها حب فلفل، فدنوت فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة بيده قضيب من أراك ينكب به الأرض وهو يترنم بشعر ويقول: من البسيط يا ناعي الموت والملحود في جدثٍ ... عليهم من بقايا بزهم خرق دعهم فإن لهم يوماً يصاح بهم ... فهم إذا انتبهوا من بعضهم فرقوا حتى يعودوا لحالٍ غير حالهم ... خلقاً جديداً كما من قبله خلقوا منهم عراةٌ ومنهم في ثيابهم ... منها الجديد ومنها المنهج الخلق قال: فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام، وإذا أنا بعين خرارة في أرض خوارة، ومسجد بين قبرين، وأسدين عظيمين يلوذان به، ويتمسحان بأثوابه، فإذا أحدهما سبق الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب في يده وقال: ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك، فرجع ثم ورد بعده فقلت له: ما هذان القبران. فقال: هذان قبرا أخوين لي كانا يعبدان الله عز وجل معي في هذا الحال لا يشركان بالله عز وجل شيئاً فأدركهما الموت فقبرتهما، وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما، ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع، وانكب عليهما يقول: من الطويل خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما ألم تريا أني بسمعان مفردٌ ... وما لي فيها من خليل سواكما مقيمٌ على قبريكما لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما أبكيكما طول الحياة وما الذي ... يرد على ذي عولة إن بكاكما فإنكما والموت أقرب غائبٍ ... بروحي في قبريكما قد أتاكما أمن طول نومٍ لا تحسان داعياً ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما فلو جعلت نفسٌ لنفسٍ وقايةً ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحم الله قساً، إني أرجو أن يبعثه الله عز وجل أمة وحده. ولما ظهر سيف ذي يزن على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين أتته

وفود العرب وأمراؤها وشعراؤها تهنئه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه، وأتاه وفد قريش، منهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جدعان وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصي بن عبد الدار فدخل عليه آذنه وهو في رأس قصر يقال له غمدان، وهو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت الثقفي: من البسيط اشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً ... في رأس غمدان دارٌ فيك محلالا واشرب هنيئاً فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيباً بماء فعادا بعد أبوالا قال: والملك متضمخ بالعبير يلصف وبيص المسك في مفرق رأسه، وعليه بردان أخضران مرتدياً بأحدهما متزراً بالآخر، سيفه بين يديه وعن يمينه وشماله الملوك والمقاول، فأخبر بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا عليه، ودنا منه عبد المطلب، فاستأذنه في الكلام، فقال: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك. فقال: إن الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعاً شامخاً باذخاً وأنبتك نباتاً، طابت أرومته، وعظمت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، في أطيب موضع، وأكرم معدن. وأنت أبيت اللعن ملك العرب الذي له ينقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، سلفك خبر سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يهلك ذكر من أنت خلفه، ولن يخمل ذكر من أنت سلفه. نحن أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. قال له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم، قال ابن أختنا؟ قال: نعم. قال: ادنه ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحباً وأهلاً، وأرسلها

مثلاً. وكان أول من تكلم بها، وناقة ورحلاً ومستناخاً سهلاً وملكاً ربحلا يعطي عطاء جزلاً. قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم، فإنكم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحيا إذا ظعنتم، ثم أنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، وأجرى عليهم الأنزال، فأقاموا بذلك شهراً لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم في الانصراف، ثم انتبه إليهم انتباهة، وأرسل إلى عبد المطلب فأدناه، ثم قال: يا عبد المطلب، إني مفضٍ إليك من سر علمي أمراً لو غيرك يكون لم أبح لديه، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعة فليكن عندك مخبأ حتى يأذن الله فيه: إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون الذي ادخرناه لأنفسنا، واحتجناه دون غيرنا خبراً عظيماً وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة، للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة، فقال له عبد المطلب: مثلك أيها الملك سر وبر، فما هو فداك أهل الوبر، زمراً بعد زمر؟ قال: إذا ولد بتهامة، غلام بين يديه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة، إلى يوم القيامة. قال عبد المطلب: أيها الملك، لقد أبت بخير ما آب بمثله وافد قوم، ولولا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته من ساره إياي ما ازداد به سرورا. قال له الملك: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد، اسمه محمد، يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه، قد ولدناه مراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يعز بهم أولياؤه، ويذل بهم أعداؤه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، وتخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، ويأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله. قال عبد المطلب: عز جدك، ودام ملكك، وعلا كعبك، فهل الملك ساري بإفصاح، فقد وضح لي بعض الإيضاح.

قال له سيف ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، إنك لجده يا عبد المطلب غير كذب. قال: فخر عبد المطلب ساجداً. فقال له سيف ذي يزن: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا كعبك، فهل أحسست بشيء مما ذكرت لك؟ قال: نعم أيها الملك، إنه كان لي ابن، وكنت معجباً به، وعليه رفيقاً، وإني زوجته كريمة من كرائم قومي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام فسميته محمداً. مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه. فقال له ابن سيف ذي يزن: إن الذي قلت لك كما قلت، فاحتفظ من ابنك، واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تتداخلهم النفاسة من أن يكون لكم الرئاسة، فينصبون له الحبائل، ويبغون له الغوائل، وهو فاعل ذلك، أو أبناء عمهم غير شك، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيل ورجلٍ حتى أصير بيثرب دار ملكي، فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره، ولولا أني أقيه الآفات، وأحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره، ولأوطات على أسنان العرب كعبه، ولكني سأصرف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك، ثم دعا بالقوم فأمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد سود وعسر إماء سود ومئة من الإبل وكرش مملوء عنبراً، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك. وقال: إذا حال الحول فأتني بخبره وما يكون من أمره. قال: فمات سيف بن ذي يزن قبل أن يحول عليه الحول.

قال: وكان كثيراً مما يقول عبد المطلب: يا معشر قريش، لا يغبطني منكم بجزيل عطاء الملك، وإن كثر، فإلى نفاد، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي ذكره وفخره. فإذا قيل: وما هو؟ قال: سيعلم ما أقول ولو بعد حين. وعن مرداس بن قيس الدوسي قال: حضرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ذكرت عنده الكهانة، وما كان من تغييرها عند مخرجه فقلت: يا رسول الله، قد كان عندنا من ذلك شيء، أخبرك أن جارية منا يقال لها خلصة لم نعلم عليها إلا خيراً، إذ جاءتنا فقالت " يا معشر دوس، العجب، العجب لما أصابني، هل علمتم إلا خيراً؟ قلنا وما ذاك؟ قالت: إني لفي غنمي إذ غشيتني ظلمة، ووجدت كحس الرجل مع المرأة، وخشيت أن أكون قد حبلت. حتى إذا دنت ولادتها وضعت غلاماً أغضف له أذنان كأذني الكلب، فمكث فينا، حتى إنه ليلعب مع الغلمان إذ وثب وثبة وألقى أزراره وصاح بأعلى صوته، وجعل يقول: يا ويله، يا ويله، يا غوله، يا غوله، يا ويل غنم، يا ويل فهم، من قابس النار، الخيل والله وراء العقبة، فيهن فتيان حسان نجبة. قال: فركبنا وأخذنا الأداة، وقلنا: ويلك ما ترى؟ قال: هل من جارية طامث؟ قلنا: من لنا بها؟ فقال شيخ منا: هي والله عندي عفيفة الأم. فقلنا: فعجلها، فأتى بالجارية، وطلع الجبل، وقال للجارية: اطرحي ثوبك، واخرجي في وجوههم وقال للقوم: اتبعوا أثرها، ثم صاح برجل منا يقال له أحمر بن حابس فقال: يا أحمر بن حابس، عليك أول فارس، فحمل أحمر فطعن أول فارس، فصرعه وانهزموا، وغنمناهم. قالوا: قالوا: فابتنينا عليه بيتاً، وسميناه ذا الخلصة، وكان لا يقول لنا شيئاً إلا كان كما يقول حتى إذا كان مبعثك يا رسول الله قال لنا يوماً: يا معشر قريش، نزلت بنو الحارث بن كعب فاركبوا فركبنا فقال لنا: اكدسوا الخيل كدساً، واحشوا القوم رمساً، ألقوهم غدية، واشربوا الخمر عشية، قال: فلقيناهم فهزمونا وفضحونا، فرجعنا إليه فقلنا: ما حالك وما الذي صنعت بنا؟! فنظرنا إليه، وقد احمرت عيناه، وانتصبت

أذناه؟! وأبزم غضباً حتى كاد أن ينفطر ونام، فركبنا واغتفرنا هذه له. ومكثنا بعد ذلك حيناً ثم دعانا فقال: هل لكم في غزوة تهب لكم عزاً، وتحصل لكم حرزاً، وتكون في أيديكم كنزاً، قلنا: ما أحوجنا إلى ذلك. فقال: فاركبوا فركبنا، وقلنا: ما تقول: قال: بنو الحارث بن مسلمة، ثم قال: قفوا فوقفنا، ثم قال: عليكم بفهم ثم قال: ليس لكم فيهم دم، عليكم بمضر، هم أرباب خيل ونعم، ثم قال: لا، رهط دريد بن الصمة قليل العدد، وفي الذمة، ثم قال: لا، ولكن عليكم بكعب بن ربيعة، واشكروها صنيعة عامر بن صعصعة، فلتكن بهم الوقيعة، قال: فلقيناهم فهزمونا وفضحونا فرجعنا وقلنا: ويلك ماذا تصنع بنا؟! قال: ما أدري كذبني الذي كان يصدقني، اسجنوني في بيتي ثلاثاً، ثم ائتوني، ففعلنا به ذلك ثم أتيناه بعد ثالثة، ففتحنا عنه، فإذا هو كأنه جمرة نار، فقال: يا معشر دوس، حرست السماء، وخرج خير الأنبياء، قلنا أين. قال: بمكة، وأنا مت، فادفنوني في رأس جبل، فإني سوف أضطرم ناراً، وإن تركتموني كنت عليكم عاراً، وإذا رأيتم اضطرامي وتلهبي فاقذفوني بثلاثة أحجار، ثم قولوا مع كل جحر: باسمك اللهم، فإني أهدأ وأطفأ. قال: وإنه مات واشتعل ناراً، ففعلنا به ما أمر، وقذفناه بثلاثة أحجار، نقول مع كل حجر: باسمك اللهم، فخمد وطفئ وأقمنا حتى قدم علينا الحاج، فأخبرونا بمبعثك يا رسول الله. وعن ابن عباس: أن قريشاً أتو امرأة كاهنة فقالوا لها: أخبرينا يا شهنا بصاحب المقام، يعنون إبراهيم، فقالت: إن أنتم جرزتم كبشاً على هذه السهلة، ثم مشيتم عليها، أنبأتكم. قال: فجرزوا ثم مشى الناس عليها، فأبصرت أثر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: هذا أقربكم إليه شبهاً، فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو ما شاء الله تعالى، ثم بعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث رجال من خثعم، قال: كانوا يقولون: إن مما دعانا إلى الإسلام أنا كنا قوماً نعبد الأوثان، فبينا نحن ذات يوم عند وثن لنا

إذ أقبل يتقاضون إليه، ويرجزن الفرج من عنده لشيء شجر بينهم إذ هتف هاتف من الصنم فجعل يقول: من الرجزقمنا حتى قدم علينا الحاج، فأخبرونا بمبعثك يا رسول الله. وعن ابن عباس: أن قريشاً أتو امرأة كاهنة فقالوا لها: أخبرينا يا شهنا بصاحب المقام، يعنون إبراهيم، فقالت: إن أنتم جرزتم كبشاً على هذه السهلة، ثم مشيتم عليها، أنبأتكم. قال: فجرزوا ثم مشى الناس عليها، فأبصرت أثر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: هذا أقربكم إليه شبهاً، فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو ما شاء الله تعالى، ثم بعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث رجال من خثعم، قال: كانوا يقولون: إن مما دعانا إلى الإسلام أنا كنا قوماً نعبد الأوثان، فبينا نحن ذات يوم عند وثن لنا إذ أقبل يتقاضون إليه، ويرجزن الفرج من عنده لشيء شجر بينهم إذ هتف هاتف من الصنم فجعل يقول: من الرجز يا أيها الناس ذوو الأجسام ... من بين أشياخٍ إلى غلام ما أنتم وطائش الأحلام ... ومسند الحكم إلى الأصنام أكلكم في حيرة المنام ... أم لا ترون ما أرى أمامي من ساطع يجلو دجى الظلام ... قد لاح للناظر من تهام ذاك نبي سيد الأنام ... قد جاء بعد الكفر بالإسلام أكرمه الرحمن من إمام ... ومن رسولٍ صادق الكلام أعدل ذي حكمٍ من الحكام ... يأمر بالصلاة والصيام البر والصلات للأرحام ... ويزجر الناس عن الآثام والرجس والأوثان والحرام ... من هاشم في ذروة السنام مستعلياً في البلد الحرام قال: فلما سمعنا ذلك تفرقنا عنه، وأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمنا. وعن طلحة قال: وجد في البيت كتاب في حجر منقور في الهدمة الأولى فدعي رجلٌ فقرأه فإذا فيه: عبدي المنتخب المتمكن المنذر المختار، مولده بمكة، ومهاجره طيبة، لا يذهب حتى يقيم السنة العوجاء، ويشهد أن لا إله إلا الله، أمته الحمادون يحمدون الله عز وجل بكل أكمة، يأتزرون على أوساطهم، ويظهرون أطرافهم. لما حضرت الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة اجتمع إليه قومه من غسان فقالوا: إنه قد حضر من أمر الله عز وجل ما ترى، وقد كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين، وليس لك ولد غير مالك، فقال: لن يهلك هالك، ترك مثل مالك، إن الذي يخرج النار من الوثيمة قادر أن يجعل لمالك نسلا

ورجالاً بسلاً، وكل إلى موت، ثم أقبل على مالك فقال: أي بني، المنية ولا الدنية، العقاب ولا العتاب، التجلد ولا التلذذ، القبر خير من الفقر، إنه من قل ذل، ومن كرم الكريم الدفع عن الحريم، والدهر يومان: فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهما سينحسر، ليس ينفلت منها الملك المتوج ولا اللئيم المعلهج، سلم ليومك حيال ربك، ثم أنشأ يقول: من الطويل شهدت السبايا يوم آل محرقٍ ... وأدرك عمري صيحة الله في الحجر فلم أر ذا ملكٍ من الناس واحداً ... ولا سوقة إلا إلى الموت والقبر فعل الذي أردى ثموداً وجرهماً ... سيعقب لي نسلاً على آخر الدهر تقر بهم من آل عمرو بن عامر ... عيونٌ لذي الداعي إلى طلب الوتر فإن تكن الأيام أبلين جدتي ... وشيبن رأسي والمشيب مع العمر فإن لنا رباً علا فوق عرشه ... عليها بما تأتي من الخير والشر ألم يأتي قومي أن لله دعوةً ... يقول بها أهل السعادة والبشر إذا بعث المبعوث من آل غالبٍ ... بمكة فيما بين زمزم والحجر هنالك فابغوا نصره ببلادكم ... بني عامرٍ إن السعادة في النصر ثم قضى ساعته.

باب صفة خلقه ومعرفة خلقه

باب صفة خَلقه ومعرفة خُلقه عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضخم الرأس، عظيم العنق، مشرب العينين من حمرة، هدب الأشفار، كث اللحية، شثن الكفين والقدمين، أزهر اللون، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعاً. وعن علي قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فإني لأخطب يوماً على الناس، وحبر من أحبار يهود واقف، في يده سفر ينظر فيه، فناداني فقال: صف لنا أبا القاسم فقال علي: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بالقصير ولا الطويل البائن، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، هو رجل الشعر، أسود، ضخم الرأس، مشرب لونه حمرةً، عظيم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، وهو الشعر الذي يكون في النحر إلى السرة، هدب الأشفار، مقرون الحاجبين، صلت الجبين، بعيد ما بين المنكبي، إذا مشى يتكفأ كأنما ينزل من صبب، لم أرى قبله مثله، ولم أر بعده مثله. قال علي: ثم سكت، فقال لي الحبر: وماذا؟ قال علي: هذا ما يحضرني. قال الحبر: في عينيه حمرة، حسن اللحية، حسن الفم، تام الأذنين، يقبل جميعاً ويدبر جميعاً. فقال علي: هذه والله صفته، قال

الحبر: وشيء آخر قال علي: ما هو؟ قال الحبر: وفيه جنأ. قال علي: هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب. قال الحبر: فإني أجد هذه الصفة في سفر آبائي، ونجده يبعث من حرم الله وأمنه وموضع بيته، ثم يهاجر إلى حرم يحرمه هو، وتكون له حرمة الحرم الذي حرم الله، ونجد أنصاره الذين هاجر إليهم قوماً من ولد عمرو بن عامر أهل نخل وأهل الأرض، قبلهم يهود. قال: قال علي: هو هو رسول الله. فقال الحبر: فإني أشهد أنه نبي وأنه رسول الله إلى الناس كافةً، فعلى ذلك أحيا، وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله. قال: فكان يأتي علياً فيعلمه القرآن، ويخبره بشرائع الإسلام، ثم خرج عليٌ والحبر هناك حتى مات في خلافة أبي بكر، وهو مؤمن برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصدق به. وفي حديث آخر: أسود الحدقة: وعن رجل من الأنصار قال: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو محتب بحمالة سيفه في مسجد الكوفة، عن نعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض اللون مشرباً حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر دقيق المسربة، سهل الخد، كث اللحية، ذا وفرة كأن عنقه إبريق فضة، له شعر يجري من لبته إلى سرته كالقضيب ليس في بطنه ولا في صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعاً، ليس بالطويل ولا القصير، ولا الفاجر ولا اللئيم، كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر، لم أر مثله قبله ولا بعده. وفي رواية: كان ليس بالذاهب طولاً، وفوق الربعة، إذا جاء مع القوم غمرهم، أبيض شديد الوضح، ضخم الهامة، أغر أبلج. وفي حديث: ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير.

وفي رواية: جليل المشاش والكتد. وفي حديث: بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم بذمة، وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بداهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله. وفي حديث: كان أزهر ليس بالأبيض الأبهق. وفي حديث: في عينيه شكلةٌ. وفي حديث آخر: كان شبح الذراعين. وعن زياد مولى سعد قال: سألت سعد بي أبي وقاص: هل خضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: لا، ولا هم به. قال: كان شيبه في غنفقته وناصيته، لو شاء أعدها لعددتها. قلت: فما صفته؟ قال: كان رجلاً ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بالأبيض الأبهق ولا بالأدم ولا بالسبط ولا بالقطط، وكانت لحيته حسنة وجبينه صلتاً. مشرب بحمرة، شثن الأصابع، شديد سواد الرأس واللحية. وعن عبد الله بن مسعود قال: إن أول شيء علمته من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا إلى العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة، له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى الأنف، براق الثنايا، أدعج العينين، كث اللحية، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر يمشي على يمينه غلام أمرد حسن

الوجه مراهق أو محتلم تقفوه امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر فاستلمه، ثم استلم الغلام، ثم استلمت المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً، والغلام والمرأة يطوفان معه. قلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم أو شيء حدث؟ قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة امرأته خديجة، ما على وجه الأرض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة. وعن أبي هريرة قال: ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأن الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث. وكان أبو هريرة ينعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: كان شبح الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين، يقبل جميعاً، ويدبر جميعاً، بأبي وأمي، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق. وعن الزهري قال: سئل أبي هريرة عن صفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحسن الصفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العين، أهدب الأشفار، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، ليس لها أخمص. إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك كاد يتلألأ في الخدر، لم أر قبله ولا بعده مثله. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شثن القدمين والكفين، ضخم الساقين، عظيم الساعدين ضخم العضدين ضخم المنكبين، بعيد ما بين المنكبين، رحب الصدر، رجل الرأس، أهدب العينين، حسن الفم، حسن اللحية، تام الأذنين، ربعة من القوم لا طويل ولا قصير أحسن الناس لوناً، يقبل معاً ويدبر معاً، لم أر مثله، ولم أسمع بمثله،

وعنه من حديث: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر، مفاض البطن. وفي حديث آخر عنه: ما مشى مع أحد إلا طالهومن حديث أنس بعث وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشراً، وبالمدينة عشر، ومات وهو ابن ستين، وفي رواية: ثلاث وستين، وليس في رأسه ولا في لحيته عشرون شعرة بيضاء. وفي حديث أنس: كثير العرق، حسن الوجه. وعن أنس قال: كل ريح طيب قد شممته، فما شممت قط أطيب من ريح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل شيء لين قد مسسته، فما مسست شيئاً قط ألين من كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل شيء حسن قد رأيت، فما رأيت شيئاً قط أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث آخر: ولقد خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، فوالله ما قال لي أفٍ قط، ولم يقول لشيء فعلته: لو فعلت كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا. وفي حديث عنه أيضاً: إذا مشى كأنه يتوكأ. كان لون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسمر. قال: إنما كانت السمرة تعتري وجهه الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكثرة مقابلته للشمس. قال: وفي الحديث الصحيح أنه كان أبيض، وفي حديث آخر: كان أنور المتجرد أي أبيض الجسم.

من حديث آخر عنه: أحسن الناس قواماً، وأحسن الناس وجهاً، واحسن الناس لوناً، وأطيب الناس ريحاً، وألين الناس كفاً. وعن أنس رضي الله عنه قال: أخذت أم سلم بيدي مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقالت: يا رسول الله، هذا غلام كاتب يخدمك، قال: فخدمته تسع سنين، فما قال لشيء صنعت: أسأت ولا بئس ما صنعت. وعنه قال: كان آخر نظرة نظرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين كشف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فأشار إليهم أن امكثوا، وألقى السجف، وهلك من آخر يومه، فرأيت وجهه كأنه ورقة مصحف. وفي حديث آخر: الوجه أبيض، كث اللحية، ضخم القامة، أحمر المآقي. وعن البراء قال: ما رأيت من ذي لمةٍ في حلة حمراء أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين ليس بالقصير وليس بالطويل. وقال رجل للبراء: كان وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديداً مثل السيف؟ فقال: لا ولكن كان مثل القمر. وعنه قال: ما رأيت أحسن شعراً، ولا أحسن بشراً في ثوبين أحمرين من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسماً. وكنت إذا

نظرت إليه قلت: أكحل العينين وليس بأكحل. وعن سماك قال: سألت جابر بن سمرة عن صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان أشكل العين، ضليع الفم، منهوس العقب. وفي حديث: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم. قلت: ما أشكل العين؟ قال: طويل شق العين، قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. وعن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا ادهن وامتشط لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين. وكان كثير شعر الرأس واللحية. وقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا، وجهه كان مثل الشمس والقمر مستديراً. ورأيت عند غضروف كتفه مثل بيضة الحمامة تشبه جسده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جابر بن سمرة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فكنت أنظر إليه وإلى القمر فهو كان في عيني أحسن من القمر. وعن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل فقال: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: حبيبي إني كسوت حسن يوسف من نور الكرسي، وكسوت حسن وجهك من نور عرشي. " وقال رجل من بني عامر بن صعصعة لأبي أمامة الباهلي: صف لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض تعلوه حمرة، أدعج العينين، أهدب الأشفار، شثن الأطراف، ذو مسربة، عظيم الهامة، كثير الشعر، كأن

عرقه اللؤلؤ، أعنق الناس، آدم الوجه، لم أرى مثله قبله ولا بعده في الرجال من هو أطول منه، وفي الرجال من هو أقصر منه، إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد، وإذا التفت التفت جميعاً، منفتق الخاصرة، لا أخمص له، يطأ على قدمه كلها. عليه سحوليتان، إزاره تحت ركبتيه بأربع أصابع، ورداؤه إذا تعطف به لم يحط به فهو واضعه تحت إبطه، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو أقرب إلى كتفه اليمنى. قال: فقدمت عرفات، قال: فبينا أنا أستقري الرجال إذا أنا بموكب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا هو قائم وفي يده سوط طويل، فأخذت بخطام راحلته فاستيقظ فضربني بالسوط ضربة، ونزل العباس فقلت: والذي بعثك بالحق ما جئتك أبغيك سوءاً، قال: آلله؟ فقلت: آلله، فقرع راحلته فبركت، ثم نزل فوضع رداءه بين شعبتي الرحل، ثم أعطاني السوط، وقال: اقتد، قلت: منك، لا والذي بعثك بالحق، ما جئت إلا أسألك أي عمل يدخل الله تعالى به العبد الجنة؟ قال: تقول العدل، وتعطي الفضل. قلت: لا أطيق ذلك. قال: فأفش السلام، وأطيب الكلام، قلت: ولا هذا أطيق، قال: فهل لك من ذود؟ قلت: نعم، لي ثلاثة ذود، قال: فخذ بعيراً منها، فاسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء إلا غباً، قال: فلعلك لا ينضى بعيرك، ولا ينخرق سقاؤك حتى يدخلك الله الجنة. وفي رواية أخرى: فانطلق الرجل وهو يقول: والذي بعثك بالحق لأفعلن. فبلغني أن الرجل فعل ذلك، ثم قتل شهيداً في سبيل الله عز وجل. وعن أبي الطفيل قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبق على الأرض أحد رآه غيري. قال: قلت: كيف

رأيته؟ قال: رأيته أبيض مليحاً مقصداً إذا مشى كأنه يهوي في صبب. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت أبا جحيفة يقول: رأيت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان الحسن بن علي يشبهه، قال: وأمر لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث عشرة قلوصاً، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن نقبضها، فأبوا أن يعطونا شيئاً، فأتينا أبا بكر رضي الله عنه فأعطاناها. قال إسماعيل: قلت لأبي جحيفة: صفه لي، يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: كان أبيض قد شمط. وعن شيخ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا. قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: يا أيها الناس، لا يغرنكم هذا عن دينكم فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، ولتتركوا اللات والعزى. قال: وما يلتفت إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: قلنا: انعت لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: بين بردين أحمرين، مربوع، كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر. قال جهضم بن الضحاك: مررنا بالرجيح فرأيت بها شيخاً فقيل لي: هذا العداء بن خالد فقلت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: نعم، قلت: صفه لي، فقال: كان حسن السبلة، وكانت العرب وأهل الجاهلية يسمون اللحية السبلة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت قاعدة أغزل، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نوراً فبهت، فنظر إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما لك يا عائشة بهت؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نوراً. ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: وما يقول أبو كبير، قالت: قلت: يقول:

ومبرإ من كل غبر حيضةٍ ... وفساد مرضعةٍ وداءٍ مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبل بين عيني، وقال: " جزاك الله يا عائشة عني خيراً، ما سررت بشيء كسروري منك وفي رواية ما سررت بشيء كسروري بكلامك. " وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " استعرت من حفصة بنت رواحة إبرةً، كنت أخيط بها ثوب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسقطت عني الإبرة، فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبينت الإبرة بشعاع نور وجهه، فضحكت فقال: يا حميراء لم ضحكت؟ قلت: كان كيت وكيت، فنادى بأعلى صوته، يا عائشة الويل ثم الويل، ثلاثاً، لمن حرم النظر إلى هذا الوجه. ما من مؤمن ولا كافر إلا ويشتهي أن ينظر إلى وجهي. وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: ما رأيت بطن رسول الله صلى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ذكرت القراطيس المثني بعضها على بعض. وعن أبي معبد الخزاعي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخراعية، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي وتجلس بفناء الخيمة وتطعم وتسقي فسألوها لحماً أو تمراً، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وإذا القوم مرملون فقالت: لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى. فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شاة في كسر خيمتها. فقال: " ما هذه الشاة يا أم معبد؟ " قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، فقال: " هل بها من لبن " فقالت: هي أجهد من ذلك. فقال: " أتأذنين أن أحلبها؟ " قالت: نعم، بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشاة فمسح ضرعها، وذكر اسم الله وقال: " اللهم بارك لها في شاتها " فتفاجت

ودرت واجترت، فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيها ثجاً حتى علته النهال فسقاها فشربت حتى رويت، ثم حلب وسقى أصحابه فشربوا حتى رووا وشرب آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم، فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل حتى أراضوا ثم حلب فيها ثانياً عوداً على بدء، فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً هزلاً مخهن قليل لا نقي بهن، فلما رأى اللبن قال: من أين لكم هذا والشاء عارقة؟ قالت: لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت، قال: والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب، صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة متبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة ولم تزر به صقلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، أحور أكحل أزج أقرن، رجل، في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، فصل لا نزر ولا هذر، أزهر اللون يعني أجهر الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود مشحود، لا عابس ولا مقبح. قال: هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولو كنت وافقته لالتمست أن أصحبه ولأفعلنه إن وجدت إلى ذلك سبيلاً. وأصبح صوتٌ بمكة بين السماء والأرض يسمعونه ولا يدرون من يقوله وهو يقول: من الطويل

جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلاً خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسؤدد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلبت ... له بصريحٍ ضرة الشاة مزبد فغادره رهناً لديها لحالبٍ ... لجرتها في مصدرٍ ثم مورد فأصبح الناس قد فقدوا نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذوا على خيمتي أم معبد لحقوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجابه حسان فقال: من الطويل لقد خاب قومٌ زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسري إليهم ويغتدي ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنورٍ مجدد وهل يستوي ضلال قومٍ تسفهوا ... عمىً وهداةٌ يهتدون بمهتد نبي يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد وإن قال في قومٍ مقالة غائبٍ ... فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد ليهن أبا بكرٍ سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد ليهن بني كعبٍ مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قال عبد الملك: بلغني أن أم معبد أسلمت وهاجرت. وعن علي بن الحسين قال: قال الحسن بن علي عليهم السلام: سألت خالي هند بن أبي هالة عن حيلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان وصافاً، وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئاً أتعلق به، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعرة، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا

تجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج، سهل الخدين، ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء البطن والصدر، فسيح الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سابل الأطراف، سبط القصب، خصمان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال تقلعاً، ويخطو تكفياً ويمشي هوناً، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبداً من لقي بالسلام. قلت: صف لي منطقه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت، لايذم منها شيئاً، لم يكن يذم ذواقاً ولا يمدحه. ولا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام. فكتمتها الحسين بن علي زماناً ثم حدثته بها، فوجدته قد سبقني إليه وسأل أباه عن ترحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئاً.

قال الحسين: سألت أبي عليه السلام عن دخول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزأ لله عز وجل، وجزأً لنفسه، وجزأً لأهله. ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئاً، فكان سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، منهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم، ويشغلهم فيما أصلحهم من مسألته عنهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة. لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون رواداً عن ذواق، يخرجون أدلة يعني فقهاء قلت: أخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخزن لسانه إلا مما يعينهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوز إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة. فسألته عن مجلسه عما كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق متقاربين

يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويرحمون الغريب. فسألته عن سيرته في جلسائه فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه. قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم نصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق. ويقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام. قلت: فكيف كان سكوته؟ قال: كان سكوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أربع: على الحلم، والحذر، والتقرير، والتفكر. فأما تقريره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى. وجمع له الحلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه. وجمع له في الحذر أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه للقبيح ليتنهى عنه، واجتهاد الرأي فيما يصلح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة. وعن سعيد بن المسيب قال: قال أنس رضي الله عنه: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا يومئذٍ ابن ثماني سنين فذهبت بي أمي إليه فقالت: يا رسول الله، إن رجال الأنصار ونساءهم قد أتحفوك، غيري، وإني لم أجد ما أتحفك به إلا ابني هذا، فتقبله مني يخدمك ما بدا لك. قال: فخدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين لم يضربني مرة قط، ولم يسبني، ولم يعبس في وجهي وفي حديث أنس بن مالك قال: لم

يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سباباً ولا لعاناً ولا فحاشاً كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: ما له ترب جبينه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشر سنين، وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إياه فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه ناولها فلم ينوعها حتى يكون هو الذي ينزعها عنه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وعليه ثوب نجراني غليظ الضفة فأتاه أعرابي من خلفه فأخذ بجانب ردائه حتى أثرت الضفة في صفح عنق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد أعطنا من مال الله عز وجل الذي عندك، فالتفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني فتبسم وأمر له. وعن خارجة بن زيد: دخل نفر على زيد بن ثابت رضي الله عنه فقالوا: حدثنا أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماذا أحدثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي أرسل إلي فكتبت له، وكان إذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا. وكل هذا أحدثكم عنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نقعد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد بالغدوات، فإذا قام إلى بيته لم نزل قياماً حتى يدخل بيته، فقام يوماً، فلما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فقال: يا محمد، احمل لي بعيري هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك، وجبذه بردائه حتى أدركه فحمر رقبته، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، وأستغفر الله، لا أحمل لك حتى

تقيدني، قالها ثلاث مرات، ثم دعا رجلاً فقال: احمل له على بعيريه: على بعير شعير وعلى بعير تمر. " وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب خادماً له ولا امرأة له قط، ولا ضرب بيده شيئاً إلا أن يجاهد في سبيل الله عز وجل، ولا نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يكون لله، فإن كان لله انتقم، ولا عرض عليه أمران إلا أخذ الذي هو أيسر. حتى يكون إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه. وعنها رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منتصراً عن ظلامة ظلمها قط إلا أن ينتهك من محارم الله شيء، فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك. ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما. وعن سعد بن هاشم قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ما كان خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالت: قال الله تعالى: " إنك لعلى خلقٍ عظيم " فخلقه القرآن. وفي حديث أبي الرداء قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: خلقه القرآن، يرضى الناس لرضاه ويسخط لسخطه. وعن عطية: في قوله تعالى: " وإنك لعلى خلقٍ عظيم " قال: أدب القرآن. وعن عمرة قالت: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا بنسائه. قالت:

كان كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقاً، كان ضحاكاً بساماً. وروى الزهري عن بعض آل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كان يوم الفتح ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة أرسل إلى صفوان ابن أمية بن خلف وإلى أبي سفيان بن حرب وإلى الحارث بن هشام. قال عمر رضي الله عنه: قد أمكن الله منهم أعرفهم بما صنعوا حتى قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ". قال عمر رضي الله عنه: فانتضحت حياءً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كراهية أن يكون بدر مني، فقد قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال. وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عجز ناقته ليلاً قالت: فجعلت أنفس فيمسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده فيقول: " يا هذه يا بني حيي، وجعل يقول: يا صفية، إني أعتذر إليك مما صنعت بقومك إنهم قالوا لي كذا، إنهم قالوا لي كذا ".

باب تطهير قلبه من الغل

باب تطهير قلبه من الغل وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، وأخذه فصرعه وشق عن قلبه فاستخرج القلب، فشق القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه فأعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره قالوا إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه فرأوه منتقع اللون. قال أنس رضي الله عنه: فقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس رضي الله عنه: أن الصلاة فرضت بمكة وأن ملكين أتيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهبا به إلى زمزم، فشقا بطنه، فأخرجا حشوته في طست من ذهب، فغسلاه بماء زمزم، ثم كبسا جوفه حكمة وعلماً. وعن أبي العجفاء قال: حدثني شداد بن أوس قال: أقبل رجل من بني عامر شيخٌ كبير يتوكأ على عصاه حتى مثل بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إنك تفوه بأمر عظيم، تزعم أنك رسول الله، أرسلت إلى الناس كما أرسل موسى بن عمران وعيسى بن مريم والنبيون، وإنما أنت رجل من العريب ممن يعبد هذه الحجارة والتماثيل فما لك والنبوة؟ وإنما النبوة من بيتين، من بيت خلافة وبيت نبوة، ولست من هذا ولا هذا، ولكن لكل قول حقيقة ولكل بدو شأن، فحدثني بحقيقة قولك وبدو شأنك. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليماً لا يجهل، فقال له: " يا أخا بني عامر، إن للأمر الذي سألتني عنه قصصاً ونبأ، فاجلس حتى أنبئك بحقيقة قولي وبدء شأني "، قال فجلس العامري، وتهافت العرب حذواً بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن والدي لما بنى بأمي حملت، رأت فيما يرى النائم أن نوراً خرج من جوفها، فجعلت تتبعه بصرها حتى ملأ ما بين السماوات والأرض نوراً، فقصت ذلك على حكيمة من أهلها، فقالت لها: والله لئن صدقت رؤياك ليخرجن من بطنك غلام يعلو ذكره بين السموات والأرض، وكان هذا الحي من بني سعد بن هوزان ينتابون نساء أهل مكة فيحضنون أولادهم، وينتفعون بخيرهم، وإن أمي ولدتني في العام الذي قدموا فيه، وهلك والدي فكنت يتيماً في حجر عمي أبي طالب، فأقبل النسوان يتدافعنني ويقلن: ضرع صغير لا أب له، فما عسانا أن ننتفع به من خير؟ وكانت فيهن امرأة يقال لها أم كبشة بنت الحارث، فقالت: والله لا أنصرف، عامي هذا، خائبة أبداً، فأخذتني وألقتني على صدرها، فدر لبنها فحضنتني، فلما بلغ ذلك عكي أبا طالب أقطعها إبلاً ومقطعات من الثياب ولم يبق عم من عمومتي إلا أقطعها وكساها، فلما بلغ ذلك النسوان أقبلن إليها فقلن: والله يا أم كبشة لو علمنا بركة هذا الغلام تكون هكذا ما سبقتنا إليه. قال: ثم ترعرعت وكبرت، وقد بغضت إلى أصنام قريش والعرب، فلا أقربها ولا آتيها، حتى إذا كان بعد زمين خرجت بين أتراب لي من العرب نتقاذف بالأجلة يعني البعر، فإذا بثلاثة نفر مقبلين، معهم طست من ذهب مملوء ثلجاً، فقبضوا علي من بين الغلمان، فلما رأى ذلك الغلمان انطلقوا هراباً، ثم رجعوا فقالوا: يا معشر النفر، إن هذا الغلام ليس منا ولا من العرب. وإنه لابن سيد قريش وبيضة المجد، وما من حي من أحياء العرب إلا لآبائه في رقابهم نعمة مجللة، فلا تصنعوا بقتل هذا الغلام شيئاً، فإن كنتم لا بد قاتليه فخذوا أحدنا فاقتلوه مكانه. قال: فأبوا أن يأخذوا مني فدية، فانطلقوا وأسلموني في أيديهم فأخذني أحدهم فأضجعني إضجاعاً رقيقاً فشق ما بين صدري إلى عانتي، ثم استخرج قلبي فصدعه، فاستخرج منه مضغة سوداء منتنة فقذفها ثم غسله في تلك الطست بذلك الثلج ثم رده، ثم أقبل الثاني فوضع يده على صدري إلى عانتي فالتأم ذلك كله، ثم أقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفي ويدي، فقد لبثت زماناً من دهري وأنا أجد برد ذلك الخاتم، ثم انطلقوا وأقبل الحي بحذافيرهم وأقبلت معهم أمي التي

أرضعتني. فلما رأت ما بي التزمتني، قالت: يا محمد: قتلت لوحدتك وليتمك، وأقبل الحي يقبلون ما بين عيني إلى مفرق رأسي ويقولون: قتلت لوحدتك وليتمك، احملوه إلى أهله لا يموت عندنا، فحملت إلى أهلي. فلما رآني عمي أبو طالب قال: والذي نفسي بيده لا يموت ابن أخي حتى تسود به قريش جميع العرب، احملوه إلى الكاهن، فحملت إليه، فلما رآني قال: يا محمد حدثني ما رأيت، وما صنع بك فأنشأت أقص عليه القصص. فلما سمعه وثب علي فالتزمني وقال: يا للعرب اقتلوه، فو الذي نفسي بيده لئن بقي حتى يبلغ مبالغ الرجال ليشتمن موتاكم، وليسفهن رأيكم، وليأتينكم بدين ما سمعتم بمثله قط. قال: فوثبت عليه أمي التي أرضعتني فقالت: إن كانت نفسك قد غمتك فالتمس لها من يقتلها، فإنا غير قاتلي هذا الغلام، فهذا بدو شأني، وحقيقة قولي ". قال: فقال العامري: فما تأمرني يا محمد؟ قال: " آمرك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتصلي الخمس بوقتهن، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وتؤدي زكاة مالك ". قال: فما لي إن فعلت ذلك؟ قال: " جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، وذلك جزاء من تزكى ". قال: يا محمد، فأي المستمعات أسمع؟ قال: " جوف الليل الدامس، إذا هدأت العيون، فإن الله حي قيوم يقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له ذنبه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ " قال: فوثب العامري فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

باب عصمة الله بالرسالة عما كان يرتكبه أهل الجهالة

باب عصمة الله بالرسالة عما كان يرتكبه أهل الجهالة عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ماهممت بقبيحٍ مما يهم أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر كلتاهما عصمني الله منهما: قلت ليلةً لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في غنم لأهلها يرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت. فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناءً وصوت دفوفٍ ومزامير فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج فلانة، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بدلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس. فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك، فخرجت فسمعت مثل ذلك فقيل لي مثل ما قيل لي فسمعت كما سمعت حتى غلبتني عيني فنمت، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئاً. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الله ما هممت بعدها بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته ". وفي حديث آخر: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي إلا ورعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا ". وعن جابر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: ألا تقوم خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فلم يعد أن يشهد مع المشركين مشاهدهم. وعن أم أيمن قالت: كانت بوانة صنماً، تحضره قريش، تعظمه، تنسك له النسائك، ويحلقون رؤوسهم

عنده، ويعكفون عنده يوماً إلى الليل، وذلك يوم في السنة، وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحضر ذلك العيد مع قومه، فيأبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب فجعلن يقلن: إنا لنخاف عليك مما تضع من أحساب آلهتنا، وجعلن يقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيداً ولا تكثر لهم جمعاً. قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إلينا مرعوباً فزعاً، فقالت عماته: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أم يكون بي لمم، فقلن: ما كان الله ليبتليك بالشيطان، وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الذي رأيته؟ قال: إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح: وراءك يا محمد لا تمسه، قالت: فما عاد إلى عيد لهم حتى نبئ. وعن علي رضي الله عنه قال: قيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل عبدت وثناً قط؟ قال: لا، قالوا: هل شربت خمراً قط؟ قال: لا، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر، وما كنت أدري ما الكتاب وما الإيمان؟ وكذلك أنزل في القرآن: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ". قال ابن عباس: كان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم مع بني عمته عند الصنم الذي عند زمزم واسم الصنم إساف. قال: فرفع رأسه يوماً إلى ظهر الكعبة ثم ولى ذاهباً. قال: فقال له بنو عمته: ما لك يا محمد؟ قال: إني نهيت أن أقوم عند هذا الصنم. وعن بريدة قال: دخل جبريل عليه السلام مسجد الحرام فطفق يتقلب فبصر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائماً في ظل الكعبة. فأيقظه فقام ينفض رأسه ولحيته من التراب. فانطلق به نحو باب بني شيبة، فلقيهما ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل: ما يمنعك أن تصافح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أجد من يده ريح النحاس، فكأن جبريل أنكر ذلك، قال: أوقد فعلت؟ وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نسي ثم ذكر فقال: صدق أخي، مررت أول أمس على إساف ونائلة فوضعت يدي على أحدهما

فقلت: إن قومي رضوا بكما إلهاً مع الله لقوم سوء. قال: وإساف ونائلة كانا شابين من قريش يطوفان بالكعبة فأصابا خلوة فأراد أحدهما صاحبه، فنكسهما الله نحاساً، فجاءتهما قريش فقالوا: لولا أن الله رضي أن يعبد هذان الإنسانان لما نكسهما نحاساً. قال ابن بريدة: أما إساف فرجل من وأما نائلة فامرأة من بني عبد الدار بن قصي. وعن ابن عباس قال: أول شيء رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النبوة أن قيل استتر، وهو غلام. قال: فما رأيت عورته منذ يومئذٍ. وعن العباس قال: كنا ننقل الحجارة إلى البيت حين بنت قريش، فكانت الرجال تنقل الحجارة والنساء تنقل الشيد؛ والشيد ما يجعل بين الصخر. قال العباس: كنت أنقل أنا وابن أخي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكنا ننقل على رقابنا، ونجعل أزرنا تحت الصخرة، فإذا غشينا الناس اتزرنا فبينا أنا ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي، إذ وقع فانبطح فجئت أسعى وألقيت الحجر فإذا هو ينظر إلى السماء فقلت له: ما شأنك؟ فقام فاتزر فقال: نهيت أن أمشي عرياناً، قال العباس: فكتمت ذلك عن الناس خيفة أن يروه جنوناً.

كيف كان بدء نبوته وبعثه

كيف كان بدء نبوته وبعثه عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله، كيف علمت أنك نبي أول ما علمت حتى علمت ذلك واستيقنت؟ قال: " يا أبا ذر، أتاني ملكان وأن ببعض بطحاء مكة فوقع أحدهما بالأرض وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أه هو؟ قال: هو هو. فقال: زنه برجل، فوزنت برجل فرجحته، ثم قال: زنه بعشرة، فوزنوني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمئة، فوزنوني بمئة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنوني بألفٍ، فرجحتهم، فجعلوا ينتشرون علي من كفة الميزان، فقال أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته لرجحها، ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه فشق بطني ثم قال أحدهما لصاحبه: أخرج قلبه، أو قال: شق قلبه، فشق قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحها، ثم قال أحدهما للآخر: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه غسل الملاءة، ثم دعا بسكينة كأنها درهرهة بيضاء فأدخلت قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه، فخاط بطني فجعلا خاتم النبوة بين كتفي، فما هو إلا أن وليا عني، فكأنما أعاين الأمر معاينة ". عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن إلهي جل وعز اختارني في ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمتي، أنا سيد الثلاثة وسيد ولد آدم ولا فخر. اختارني وعلي بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب، كنا رقوداً بالأبطح ليس منا إلا مسجى بثوبه، علي عن يميني، وجعفر عن يساري، وحمزه عند رجلي، فما نبهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع علي عليه السلام تحت خدي، فانتبهت من رقدتي، وجبريل في ثلاثة أملاك، فقال له بعض الأملاك الثلاثة: يا جبريل إلى أي هؤلاء الأربعة أرسلت؟ فضربني برجله

وقال: إلى هذا، وهو سيد ولد آدم، فقال: من هذا يا جبريل؟ قال: محمد بن عبد الله سيد النبيين، وهذا علي بن أبي طالب، وهذا حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، وهذا جعفر له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ". وعن عائشة رضي الله عنها قال: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أول شأنه يرى في المنام، فكان أول ما رئي جبريل عليه السلام بأجياد، وإنه خرج لبعض حاجته فصرخ به يا محمد يا محمد فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً، ثم نظر فلم ير شيئاً، فرفع بصره فإذا هو يراه ثانياً، إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال: يا محمد، جبريل جبريل، فهرب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس ثم نظر فرآه فدخل في الناس فلم ير شيئاً ثم خرج فنظر فرآه فذلك قوله تبارك وتعالى: " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ". وعن عائشة رضي الله عناه قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغارٍ يتحنث فيه وهو التعبد الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم "، فرجع بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجف بوادره حتى دخل على خديجة

فقال: زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة: أي خديجة مالي؟ وأخبرها الخبر، فقال: لقد خشيت على نفسي، فقالت له خديجة: كلا، أبشر والله لا يخزيك الله أبداً، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي: ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة بن نوفل: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر ما أرى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. يا ليتني فيها جذع. يا ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو مخرجي هم؟ فقال ورقة بن نوفل: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني قومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي. وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمل بلغنا، فغدا من أهله مراراً لكي يتردى من رؤوس شواهق الحرم، فكلما أوفى ذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه ويرجع، فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى على ذروة جبل تبدى له جبريل فقال له: مثل ذلك. قال جابر بن عبد الله قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه: فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجئت منه فرقاً، فرجعت

فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فانزل الله تعالى: " يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر " وهي الأوثان. قال: ثم تتابع الوحي. قال عروة بن الزبير: وقد كانت خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أريت لخديجة بيتاً من قصب لا سخب فيه ولا نصب وهو قصب اللؤلؤ ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أنا رحمة مهداة ". وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله بعثني رحمة مهداة، بعثت برفع قوم وخفض آخرين ". وعن ابن عباس في قول الله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين " قال: من آمن بالله ورسوله كتب له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي من تعجيل ما كان يصيب الأمم قبل ذلك من العذاب والفتن والخسف والقذف.

ذكر الوقت الذي أوحي فيه إليه ومعرفة أول ما نزل من الوحي

ذكر الوقت الذي أوحي فيه إليه ومعرفة أول ما نزل من الوحي عن ابن جعفر قال: نزل الملك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ ابن أربعين سنة، وجبريل الذي كان ينزل عليه الوحي. وعن ابن إسحاق أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بعد بنيان الكعبة بخمس سنين ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ ابن أربعين سنة كملاً. وعن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن نزل أول؟ قال: " يا أيها المدثر " فقلت: " اقرأ باسم ربك "؟ قال سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل أول؟ قال: " يا أيها المدثر " قلت: " اقرأ باسم ربك " قال جابر: لا أحدثكم إلا ما حدثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " جاورت شهراً بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحداً ثلاث مرات، ثم رفعت بصري إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء، فجئثت فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله عز وجل " يا أيها المدثر "

ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب

ذكر ما قاسى رسول الله من التعذيب والتكذيب عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ما بين ثلاثين من يوم وليلة مالي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال ". عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: " لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله عز وجل إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت، قال: فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قولك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له ". قال عروة بن الزبير: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أقبل عليه ابن أبي معيط، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه

يخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ". وعن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ما اكثر ما رأيت قريشاً أصابت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما كانت تظهره من عداوته؟ فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، فصبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا، فبينا هم في ذلك طلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى ثم مر الثالثة، فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر واقع، وحتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشداً، فو الله ما أنت بجهول، فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا ناداكم بما تكرهون تركتموه. فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأطاحوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم أنا الذي أقول ذلك، ولقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبكي دونه ويقول وهو يبكي: ويلكم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ". ثم انصرفوا عنه وإن ذلك أكثر ما رأيت قريشاً بلغت منه قط. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني رأيته يوماً، وذرفت عيناه حين ذكر ذلك، قال:

كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت، ويده في يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، فمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما حاذى بهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعاً، فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما كان عبد آباؤنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا ذلك، ثم مضى عنهم، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه، فدفعت في صدره، فوقع على استه ودفع أبو بكر بن أمية بن خلف، ودفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقبة بن أبي معيط، ثم انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو واقف، ثم قال لهم: أما والله لا تنتهون حتى يجل الله عقابه عاجلاً. قال عثمان: فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بئس القوم أنتم لنبيكم. ثم انصرف إلى بيته، وتبعناه خلفه حتى إذا انتهى إلى باب بيته وقف على السدة ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: أبشروا، فإن الله مظهر دينه، ومتم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح الله بأيديكم عاجلاً. ثم انصرفنا إلى بيوتنا، فو الله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا. وعن أبي صخرة جامع بن شداد قال: كان فينا رجل يقال له طارق، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين: أول مرة رأيته بسوق ذي المجاز وقد دميت عرقوباه، وهو على دابة يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل من خلفه يرميه يقول: لا تسمعوا منه، هذا الكذاب. قال: قلت: من هذا المقدم؟ قالوا: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا المؤخر عمه أبو لهب. ثم قدمنا بعد فنزلنا قرب المدينة، فخرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ممن القوم؟ قلنا: من محارب، قال: من أين؟ قلنا: من الزبدة، قال: هل معكم شيء تبيعونه؟ قلنا: نعم، هذا الجمل، قال:

بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقاً من تمر، قال: فأخذ برسنه ثم دخل المدينة، قلنا: أي شيء صنعنا؟ بعنا جملنا ممن لا نعرفه ومعنا ظعينة في جانب الحائط فقالت: لقد رأيت رجلاً كأن وجهه القمر لن يخيس بكم، أنا ضامنة ثمن البعير. فلما كان الغد جاءنا رجل فقال: أنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا. قال: ففعلنا ذلك. قال: ثم دخلت المدينة فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً يخطب على المنبر، وهو يقول: يا أيها الناس، اليد العلا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك. فضج ناس من الأنصار حول المنبر فقالوا: يا رسول الله هاهنا ناس من بني ثعلبة بن يربوع أصابوا منا دماً في الجاهلية، فأذن لنا بثأرنا، قال: فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعاً بياض إبطيه، وهو يقول: ألا لا تجني أم على ولدها. وعن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل وناس من قريش، وقد نحرت جزور في ناحية الكعبة، فبعثوا فجاؤوا من سلاها فطرحوه بين كتفيه، فجاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عنه. فلما انصرف قال: وكان يستحب أن يدعو ثلاثاً. قال: اللهم عليك بقريش ثلاثاً، بأبي جهل بن هاشم، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وبأمية ابن خلف، وعقبة بن ابي معيط. قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر. قال أبو إسحاق أحد رواته: ونسيت السابع. وعن قيس بن أبي حازم أنه سمع خباباً يقول: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذٍ متوسد برداً له في ظل الكعبة، وقد بلغ منه المشركون شدة ومشقة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو لنا! قال: فجلس مغضباُ محمراً وجهه فقال: لقد من قبلكم، كان يمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم

أو عصب، فلا يفتنه ذلك عن دينه، وإن من كان قبلكم يوضع عليه المنشار فيشق باثنين فلا يفتنه ذلك عن دينه ولكنكم تعجلون، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل وفي رواية والذئب على غنمه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد فكسرت رباعيته. وأدمي وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل فأنزل الله عز وجل: " ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". وعن أبي حازم: أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنا والله، إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان يسكب الماء. ومما روى قال: كانت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغسله وعلي كرم الله وجهه يسكب الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها، فاستمسك الدم، وكسرت رباعية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ، وجرح وجهه، وكسرت البيضة على رأسه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين شر جارين؛ عقبة بن أبي معيط وبين أبي لهب، فكان يصبح على بابه الأرجام والفرث، فيدفعها بسية سيفه ويقول: يا معشر قريش، أي مجاورة هذه! وعن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليها قالت: اجتمع مشركو قريش في الحجر فقالوا: إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة، فسمعتهم فاطمة فدخلت على أبيها فقالت: يا أبه، اجتمع مشركو قريش في الحجر فقالوا: إذا مر محمد ضربه كل رجل منا. فقال: يا بنية اسكتي، ثم خرج عليهم فدخل المسجد

فرفعوا رؤوسهم ثم نكسوا فأخذ من تراب فرمى بها وجوههم ثم قال: شاهت الوجوه فما أصاب رجلاً منهم إلا قتل يوم بدر. وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " إنا كفيناك المستهزئين " قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب أبو زمعة من بني أسد بن عبد العزى، والحارث بن عطيل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراه الوليد أبا عمرو بن المغيرة فأومأ جبريل إلى أبجلة فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث الزهري فأومأ إلى رأسه قال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الحارث بن عطيل السهمي فأومأ إلى رأسه أو قال: إلى بطنه فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ومر به العاص بن وائل فأومأ إلى أخمصه، قال: ما صنعت؟ قال: كفيته، فأما الوليد بن المغيرة فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فأصاب أبجله فقطعها، وأما الأسود بن المطلب فعمي، ومنهم من يقول: نزل تحت شجرة فجعل يقول: يا بني ألا تدفعوا عني قد قتلت، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني قد هلكت ها هوذا، أطعن بالشوك في عيني فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث الزهري فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأما الحارث بن عطيل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منها. وأما العاص بن وائل فبينا هو كذلك يوماً إذ دخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت فمات منها. وقيل: فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة يعني شوكة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته.

ذكر بعض ما ورد في فضله من القرآن

ذكر بعض ما ورد في فضله من القرآن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا إذ أغفى إغفاءة أو غمي عليه فرفع رأسه متبسماً قال: إما قالوا له، وإما قال لهم: هل تدرون مم ضحكت؟ قالوا: الله ورسوله أعلم فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم: إنا أعطيناك الكوثر " حتى ختم السورة فلما قرأها قال: " أتدرون ما الكوثر؟ قال: فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي، فيه خير كثير، لذلك النهر حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب فيختلج منهم العدد فأقول: رب إنه من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ". وعن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قدر حوضي ما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق بعدد نجوم السماء ". وعن مجاهد قال: الكوثر خير الدنيا والآخرة. وعن عكرمة قال: الكوثر الخير الكثير: النبوة والكتاب. وعن ابن عباس قال: ما خلق الله عز وجل ولا ذرأ ولا برأ نفساً أكرم عليه من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما سمعت الله عز وجل

حلف بحياة أحد غيره. قال: " لعمرك، إنهم في سكرتهم يعمهون " وقال في حديث آخر: إنه وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون. وعن أبي سعيد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول كيف رفع ذكرك؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي " وعن أبي هريرة وأنس رضي اله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حديث ليلة أسري به قال: " لما انتهيت إلى سدرة المنتهى خررت ساجداً فرفعت رأسي فقلت: يا رب اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت عيسى تكليماً، وآتيت داود زبوراً، وآتيت سليمان ملكاً عظيماً، فقال: فإني قد رفعت لك ذكرك، فذكرك معي إذا ذكرت. ولا تجوز لأمتك خطبة حتى يشهدوا أنك وجعلت قلوب أمتك أناجيل، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من تحت عرشي ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل مسألة وددت أني لم أكن سألتها من قبل قلت: يا رب، إنه كان قبلي منهم من كان يحيي الموتى، ومنهم من سخرت له الريح، قال: ألم أجدك ضالاً فهديتك؟ قلت: بلى يا رب، قال: ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ قلت: بلى. قال: ألم نشرح صدرك؟ ألم أضع عنك وزرك الذي أنقض ظهرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا ربي ". وفي بعض الروايات زيادة: قال: فوددت أني لم أكثر مساءلته. وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " ورفعنا لك ذكرك " قال: لا يذكرون الله عز وجل إلا ذكرت معه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن قتادة قال: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد إلا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. وفي حديث آخر: ولا صاحب صلاة إلا ينادي فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. قال علي بن رباح: كنت عند مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو يومئذٍ على مصر، وعبد الله بن عمرو بن العاص جالس معه، فتمثل مسلمة ببيتٍ من شعر أبي طالب فقال: لو أن أبا طالب رأى ما نحن فيه اليوم من نعمة الله وكرامته لعلم أن ابن أخيه سيد، قد جاء بخير كثير، فقال عبد الله بن عمرو: ويومئذٍ كان سيداً كريماً قد جاء بخير كثير. فقال مسلمة: ألم يقل الله تعالى: " ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى " فقال عبد الله بن عمرو: أما اليتيم فقد كان يتيماً من أبويه، وأما العيلة فكل مل كان بأيدي العرب إلى القلة. قال أبو سعيد: يقول: أن العرب أسلموا ودخلوا في دين الله أفواجاً، ثم توفاه الله قبل أن يتلبس منها بشيء ومضى وتركها ومن فتنتها. قالوا: فذلك معنى قوله " عائلاً فأغنى ". وكان الربيع بن خيثم يقول: نعم المرء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان ضالاً فهداه الله، وعائلاً فأغناه الله، وشرح له صدره، ويسر له أمره، ثم يقول عرف وما عرف " من يطع الرسول فقد أطاع الله " فوض إليه فلا يأمر إلا بخير. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن

نوح " قال: كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث. وعن ابن عباس قال: إن الله عز وجل فضل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل السماء وعلى الأنبياء قالوا: يا بن عباس، ما فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله تعالى قال لأهل السماء: " ومن يقل منهم إني إلهٌ من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " وقال الله تعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " قالوا: يا بن عباس، فما فضله على الأنبياء؟ قال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: " وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه " وقال الله تعالى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً " فأرسله الله تعالى إلى الإنس والجن. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزلت علي آية: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً " قال: شاهد على أمتك ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله ". بإذنه: بأمره، وسراجاً منيراً: بالقرآن. وعن ابن عباس: " وشاهدٍ ومشهودٍ " قال: الشاهد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمشهود يوم القيامة فذلك قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ "

وعن حسين بن علي: في قوله تعالى: " ويتلوه شاهدٌ منه " قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو شاهد من الله عز وجل. وعن ابن عمر: في قول الله تبارك وتعالى: " كمشكاة " قال: المشكاة: جوف النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمصباح: النور الذي في قلبه، والزجاجة: قلبه " توقد من شجرة مباركةٍ " الشجرة: إبراهيم عليه السلام " زينونة لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ " قال: لا يهودي ولا نصراني. ثم قرأ: " ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ". وقيل في قوله عز وجل: " قد جاءكم برهان من ربكم " قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً " قال: الكتاب. قال عبد الله بن يزيد المقرئ: لم يقل هذا لنبي قبله ولا بعده. يعني قوله عز وجل: " عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين " فبدأ بالعفو قبل العتاب.

ما ورد في اصطفائه على العالمين وانتخابه من المرسلين

ما ورد في اصطفائه على العالمين وانتخابه من المرسلين عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تبارك وتعالى اختار العرب واختار منهم كنانة، أبو النضر بن كنانة ثم اختار منهم قريشاً، ثم اختار منهم بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر. " وفي حديث آخر: " وأنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر ". وفي حديث آخر عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيٍ يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر. إلا وأن الدنيا خضرة حلوة، وأن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، ألا وأن لكل غادر لواءٍ يوم القيامة، ألا وأن لواءه عند استه، ألا وأن أعظم الغدر إمام عامةٍ ".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلحم، فدفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: " أنا سيد الناس يوم القيامة فهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. قال: فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن

ربي قد غضب مني اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، إنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك عبداً شكوراً، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه!؟ ألا ترى ما بلغنا!؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب مني اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه كانت لي دعوة على قومي، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه!؟ ألا ترى ما بلغنا!؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وكلماته على الناس فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا قال: يقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنباً، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي، فيفتح الله لي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه بشيء لم يفتحه على أحد قبلي، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: ربي أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب أمتي أمتي، يا رب. فيقول أو يقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، لما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى. " وعن بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: كنا جلوساً عنده في المسجد يوم الجمعة فقال: إن أعظم أيام الدنيا عند الله عز وجل يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه تقوم الساعة، وإن أكرم خليقة الله أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه ".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر "، وفي رواية أخرى: أنا قائد المسلمين. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل أعطى موسى عليه السلام الكلام، وأعطاني الرؤية، وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود ". وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل خيرٌ: أبو بكر وعمر وعثمان وعي، واختار أمتي على سائر الأمم، فبعثني في خير قرن ثم الثاني ثم الثالث تترى ثم الرابع فرادى ". وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لسيد الناس يوم القيامة غير فخر ولا رياء، وما من الناس من أحد إلا وهو تحت لوائي يوم القيامة ينتظر الفرج، وإن بيدي للواء الحمد، فأمشي ويمشي الناس معه، حتى آتي باب الجنة فأستفتحه، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد. فإذا رأيت ربي عز وجل خررت له ساجداً شكراً له، فيقال: ارفع رأسك وقل تطع. واشفع تشفع. قال: فيخرج من النار من قد احترق، برحمة الله وبشفاعتي ". وعن حذيفة قال: قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إبراهيم خليل الله، وعيسى كلمة الله وروحه، وموسى كلمه الله تكليماً، فماذا أعطيت يا رسول الله؟ قال: " ولد آدم كلهم تحت رايتي يوم القيامة، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ". وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني لسيد الناس يوم القيامة ". وقال: " إن قذف المحصنة ليهدم عمل مئة سنة ". وعن عبيد الله قال: إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلاً، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمداً لسيد بني آدم يوم القيامة، ثم قرأ " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ".

وعن عبد الله بن شقيق عن ابن أبي الجدعاء قال: قلت: يا رسول الله، متى جعلت نبياً؟ قال: " وآدم بين الروح والجسد ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى وجبت لك النبوة؟ قال: " بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ". وعن ابن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يوم خلق الخلق جعلني في خير خلقه، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفرقتين أو قال: الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسماً وذلك قوله: " وأصحاب اليمين وما أصحاب اليمين " " وأصحاب الشمال " وأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين. أو قال: الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسماً وذلك قوله: " وأصحاب اليمين وما أصحاب اليمين " " وأصحاب الشمال " وأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين. ثم جعل القسمين أثلاثاً، فجعلني في خيرهم ثلثاً، فذلك قوله: " وأصحاب الميمنة " " والسابقون السابقون " فأنا من السابقين، وأنا خير السابقين. ثم جعل الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة؛ وذلك قوله تعالى " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم " وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله عز وجل ولا فخر. ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فذلك قوله تعالى: " يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيرا ". زاد البيهقي وغيره: " فأنا وأهل بيتي مهطرون من الذنوب ".

وعن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتطرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فإذا بعضهم يقول: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خليلاً فإبراهيم خليله. وقال آخر: ماذا بأعجب من أنه كلم موسى تكليماً، وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه، وقال آخر: وآدم اصطفاه الله، فخرج عليهم فسلم وقال: " قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجيه وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم ومن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك غلق الجنة ولا فخر، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: يا محمد، إن الله عز وجل أمرني أن آتي مشارق الأرض ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها فآتيه بخير أهل الدنيا، فأتيتها فوجدت خير أهل الدنيا العرب، ثم أمرني أن آتيه بخير العرب فوجدت خير العرب مضر، يعني، ثم أمرني أن آتيه بخير مضر فوجدت خير مضر قريش، ثم أمرني أن آتيه بخير قريش، فوجدت خير قريش بني هاشم، ثم أمرني أن آتيه بخير بني هاشم فوجدت خير بني هاشم بني عبد المطلب، ثم أمرني أن آتيه بخير بني عبد المطلب، يعني فوجدتك خير بني عبد المطلب، وما كنت في صنف من الناس إلا كانوا خيار أهل الدنيا ". عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال جبريل عليه السلام: " قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أر رجلاً أفضل من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أبٍ أفضل من بني هاشم ". وعن عبد الله بن عمر قال: كنا جلوساً ذات يوم بفناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمرت امرأة من بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال بعض القوم: هذه بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو سفيان: إنما مثل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بني هاشم كمثل الريحانة في وسط التين، فسمعت تلك المرأة فأبلغته رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج أحسبه مغضباً

فقعد على منبره فقال: " ما بال أقوال تبلغني عن أقوام، إن الله خلق سماوات سبعاً فاختار العليا فسكنها، وأسكن سماواته من شاء من خلقه، وخلق أرضين سبعاً فاختار العليا فأسكنها خلقه، ثم اختار خلقه فاختار بني آدم، ثم اختار بني آدم فاختار العرب، ثم اختار العرب فاختار مضر، ثم اختار مضر فاختار قريشاً، ثم اختار قريشاً فاختار بني هاشم، ثم اختار بني هاشم فاختارني، فلم أزل خياراً من خيار كذا. فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم ". عن ابن عباس قال: لم يزل الله تعالى يتقدم في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى آدم فمن بعده، ولم تزل الأمم تتباشر به وتستفتح به حتى أخرجه الله خير في خير أمة وفي خير قرن وفي خير أصحاب وخير بلد، فأقام به ما شاء الله وهو حرم إبراهيم ثم أخرجه إلى طيبة وهي حرم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان مبعثه من حرم إبراهيم ومهاجره إلى حرم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بالبراق ليلة أسرى به مسرجاً ملجماً. فلما أراد أن يركب استصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا، فو الله ما ركبك أحد أكرم على الله منه، فارفض البراق عرقاً وفي رواية: وأقر. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما خلق الله آدم خبره ببنيه، فجعل يرى فضائل بعضهم على بعض فرأى نوراً ساطعاً في أسفلهم، فقال: يا رب، من هذا؟ قال: هذا ابنك أحمد، وهو أول وهو آخر، وهو أول مشفع وفي رواية: وهو أول شافع. وعن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ". وعن أبي كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر ".

وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا نصتوا، وأنا شافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا. لواء الكرم بيدي ومفاتيح الجنة بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربه ولا فخر، يطوف علي ألف خادم كأنهم اللؤلؤ المكنون ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتخذ الله إبراهيم خليلاً وموسى نجياً، واتخذني حبيباً. ثم قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي ". وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني عبد الله في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم منجدل في طينته، وسوف أنبئكم بذلك، دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى عليه السلام، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات الأنبياء يرين ". وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سجد رسول الله يوماً فلم يرفع حتى ظننا أن نفسه قبضت فيها، فلما رفع قال: " إن ربي استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت: ما شئت يا رب، هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية فقلت له كذلك، فاستشارني الثالثة فقلت لم كذلك، فقال تعالى: إني لن أخزيك في أمتك يا أحمد، فبشرني أن أول من يدخل الجنة معي من أمتي سبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلي: ادع تجب، وسل تعط، فقلت لرسوله: أو معطي ربي تعالى سؤالي؟ قال: ما أرسل إليك إلا ليعطيك. وقال: أعطاني من غير فخر، غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمسي حياً صحيحاً، وأنه أعطاني ألا يخزي أمتي ولا تغلب، وأنه أعطاني الكوثر نهراً في الجنة يسيل في حوض، وأنه أعطاني القوة والنصر والرعب يسعى بين يدي شهراً، وأنه أعطاني أني أول الأنبياء دخولاً الجنة، وطيب لأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، ولم أجد لي شكراً غير هذه السجدة ". وعن عمرو بن قيس رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أدرك بي الأجل المرجو واختارني اختياراً، فنحن الآخرون ونحن السابقون

يوم القيامة. وإني قائل قولاً غير فخر: إبراهيم خليل الله، وموسى صفي الله، وأنا حبيب الله ومعي لواء الحمد يوم القيامة، وإن الله وعدني في أمتي، وأجارهم من ثلاث: لا يغمهم بسنة، ولا يستأصلهم عدو، ولا يجمعهم على ضلالة ". عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيار ولد آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخيرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

ذكر عروجه إلى السماء واجتماعه بالأنبياء

ذكر عروجه إلى السماء واجتماعه بالأنبياء حدث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة وكان من قومه عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أتيت وأنا عند البيت بين النائم واليقظان فسمعت يقال: أحد الثلاثة بين الرجلين، فانطلق بي فشرح ما بين صدري إلى كذا وكذا. قال قتادة الراوي: فقلت للذي معي: ما يعني؟ قال يقول: إلى أسفل بطنه، أشار أنس بيده إلى أسفل بطنه، فاستخرج قلبي ثم أتيت بطست من ذهب فيها من ماء زمزم فغسل ثم أعيد مكانه وحشي أو كنز إيماناً وحكمة، ثم أتيت بدابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يقال له البراق، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقت ومعي جبريل عليه السلام حتى انتهينا إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال:

جبريل. قيل ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتح لنا، وقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء، قال: فأتيت على آدم عليه السلام، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك آدم، فسلمت عليه، فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتحوا لنا، وقالوا: مرحباً ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على عيسى ويحيى ابني الخالة عليهما السلام فقلت يا جبريل، من هذان؟ قال: هذان عيسى ويحيى، فسلمت عليهما فقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم انطلقنا حتى أتيا السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتحوا لنا، وقالوا: مرحباً ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على يوسف عليه السلام. فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف أو هذا يوسف، قال: فسلمت عليه فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الرابعة فاستفتح جبريل علي السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتحوا لنا وقالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على إدريس عليه السلام فقلت يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا إدريس فسلمت عليه، فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم ففتح لنا، وقالوا مرحباً به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على هارون عليه السلام، فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا هارون، فسلمت عليه فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، ففتح لنا وقالوا: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت على موسى عليه السلام، فقلت يا جبريل من هذا؟ قال: هذا موسى، أو أخوك موسى، فسلمت عليه فقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قال: فلما جاوز به بكى، قال فنودي: ما يبكيك؟ فقال: ربي هذا غلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي. ثم انطلقنا حتى أتينا السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقالوا: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. قال: فأتيت على إبراهيم عليه السلام فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا إبراهيم أو قال: أبوك إبراهيم. فسلمت عليه فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. قال: ثم رفعت لنا سدرة المنتهى فحدث نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نبقها مثل قلال هجر، وإن ورقها مثل آذان الفيل. وحدث نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو قال:

رأيت أربعة أنهار يخرجن من أصلها. قلت: يا جبريل ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان فنهران في الجنة وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات قال: وأوتيت بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فعرضا علي، فاخترت اللبن فقيل لي: أصبت أصاب الله بك أمتك على الفطرة، وأمرت بخمسين صلاة كل يوم أو فرضت علي خمسون صلاة كل يوم، فأقبلت حتى أتيت موسى عليه السلام فقال: بم أمرت؟ قلت: بخمسين صلاة، قال: فقال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأل التخفيف لأمتك. قال: فرجعت إلى ربي عز وجل فحط عني خمساً فأقبلت حتى أتيت على موسى عليه السلام فقال: بما أمرت؟ قلت: بخمس وأربعين صلاة كل يوم، قال: فقال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. فما زلت بين ربي عز وجل وبين موسى عليه السلام يحط عني خمساً خمساًحتى رجعت بخمس صلوات كل يوم فأتيت على موسى فقال: بم أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم فقال: إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال: فقلت: لقد رجعت إلى ربي عز وجل حتى لقد استحييت منه، ولكن أرضى وأسلم. قال: فنوديت أني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وجعلت كل حسنة عشرة أمثالها. وفي حديث آخر: فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه تبسم، وإذا نظر قبل يساره بكى. قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح قال: قلت لجبريل عليه السلام: من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين هم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى. وفي آخر الحديث: ثم انطلق بي حتى أتى بي سدرة المنتهى قال: فغشيها ألوان ما أدري ما هي. قال: ثم

أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك. وفي رواية أخرى قال: فركبته يعني البراق فسار بي حتى أتيت على بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فأتاني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فأخذت اللبن فقال: اخترت الفطرة، قال: ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا. وذكر باقي الحديث. وفي آخره: ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت عشراً، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب شيء وإن عملها كتبت سيئة واحدة. وفي حديث آخر عند قوله في مراجعة الصلاة: قد استحييت من ربي مما أختلف إليه. قال: فاهبط باسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: لما جاء جبريل عليه السلام بالبراق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فكأنها صرت أذنيها فقال لها جبريل عليه السلام مه يا براق، فو الله إن ركبك مثله، فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو بعجوز تانٍ وقيل: تانىء على جانب الطريق، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: سر يا محمد، قال: فسار ما شاء الله أن يسير فإذا ثم شيء يدعوه فتنحى عن الطريق، هلم يا محمد فقال له جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء الله أن يسير قال: ثم لقي خلقاً من الخلق فقال: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، والسلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد، قال: فرد السلام، ثم لقيه الثاني فقال له مثل مقالة الأول، ثم لقيه الثالث قال له مقالة الأولين، حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء والخمر

واللبن فتناول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغوت أمتك. ثم بعث له آدم عليه السلام ومن دونه من الأنبياء فأتاهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة. ثم قال له جبريل: أما العجوز التي تانٍ أو تانىء على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه فذلك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فذلك إبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم. وفي حديث عند انتهائه إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال: فأوحي إلي اختر إن شئت نبياً عبداً، قال: نبياً عبداً. حدث أبو عبيدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا. كلما صعد عقبه استوت رجلاه كذلك مع يديه وإذا هبط استوت يداه مع رجليه حتى إذا مررنا برجل طوال سبط آدم كأنه من رجال أزد شنوءة وهو يقول ويرفع صوته ويقول: أكرمته وفضله، فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: مرحباً بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته. قال: ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ فقال: هذا موسى بن عمران قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: يعاتب ربه فيك قال: قلت: ويرفع صوته على ربه!!؟ قال: إن الله قد عرف له حدته. قال: ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرح تحتها شيخ وعياله. قال: فقال لي جبريل: اغد إلى أبيك إبراهيم عليه السلام. قال: فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام وقال إبراهيم عليه السلام: يا جبريل من هذا معك؟ قال: هذا ابنك أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقال: مرحباً بالنبي الأمي الذي بغل رسالة ربه ونصح أمته، يا بني إنك لاقٍ ربك الليلة وإن أمتك آخر الأمم وأضعفهم، فإن استطعت أن تكون حاجتك أوجلها في أمتك فافعل. قال: ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى فنزلت وربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع

وساجد، قال: ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن، فأخذت اللبن فشربته فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد. قال: ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ثم انصرفنا فأقبلنا. وعن عبد الله قال: لما أسرى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السابعة أو السادسة، إليها ينتهي ما يخرج من تحتها فيقبض منها، وإليها ما هبط من فوقها فيقبض منها " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال: فراش من ذهب، فأعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قال له أصحابه: يا رسول الله، أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها قال: قال الله عز وجل: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " الآية. قال: فأخبرهم قال: بينما أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آتٍ فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئاً ثم عدت في النوم، ثم أيقظني فاستيقظت، فلم أر شيئاً، ثم عدت في النوم، ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئاً، فإذا أنا بكهيئة خيال فاتبعته ببصرى حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهة بدوابكم هذه، بغالكم هذه مضطرب الأذنين، يقال له البراق، وكانت الأنبياء صلوات الله عليهم تركبه قبلي يقع حافره مد بصره فركبته،

فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داعٍ عن يميني: يا محمد انظرني أسألك، يا محمد انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه. فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يساري: يا محمد انظرني أسألك، يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه. فبينما أنا أسير عليه إذا أنا بامرأة حاسر عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله، فقالت: يا محمد انظرني أسألك، فلم ألتفت إليها، ولم أقم عليها. حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها به، فأتاني جبريل عليه السلام بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر فقال جبريل أصبت الفطرة، فقلت الله أكبر الله أكبر، فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ قال: فقلت: بينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يميني، يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه، ولم أقم عليه فقال: ذلك داعي اليهود أما إنك لو أجبته أو وقفت عليه لتهودت أمتك. قال: وبينما أنا أسير إذ دعاني داعٍ عن يساري فقال: يا محمد انظرني أسألك، فلم ألتفت إليه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي النصارى، أما لو أنك أجبته لتنصرت أمتك. قال: فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك، فلم أجبها، ولم أقم عليها قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها لاخترت أمتك الدنيا على الآخرة. قال: ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحاً إلى السماء، فإنما يشق بصره طامحاً إلى السماء عجبه بالمعراج. قال: فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مئة ألف ملك، قال: وقال الله عز وجل: " وما يعلم جنود ربك إلا هو " فاستفتح جبريل باب السماء قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قيل: أو قد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا

أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته تعرض عليه أرواح ذرينه المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم عرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين. ثم مضت هنية فإذا أنا بأخونه يعني بالخوان المائدة التي يؤكل عليها عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام. قال: ثم مضت هنية فإذا بأقوام بطونهم أمثال البيوت. كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطأهم. قال: فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل، وقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ". قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل قال: ينفخ على أفواههم ويلقمون ذلك الحجر ثم يخرج من أسافلهم، فسمعتهم يضجون إلى الله فقال: قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أمتك " الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ". قال: ثم مضيت هنية فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن يضجون إلى الله عز وجل قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك. قال: ثم مضيت هنية فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقون فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون. ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل على الناس

بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف عليه السلام ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي. ثم صعدت إلى السماء الثالثة فإذا أنا بيحيى وعيسى عليهما السلام ومعهما نفر من قومهما فسلمت عليهما وسلما علي. ثم صعدت إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس عليه السلام قد رفعه الله مكاناً علياً فسلمت عليه وسلم علي. قال: ثم صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون عليه السلام ونصف لحيته بيضاء ونصفها أسود تكاد لحيته تضرب سوءته من طولها. قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي. ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قمصان لنفذ شعره دون القميص، فإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا. بل هو أكرم على الله مني قال: قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران قال: ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي. ثم صعدت السماء السابعة فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن سانده ظهره إلى بيت المعمور كأحسن الرجال فقلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي. وإذا أنا بأمتي شطرين، شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد، قال: فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير. فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور ثم خرجت أنا ومعي. قال: والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة. ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة فيها تكاد أن تغطي هذه الأمة، وإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل فينشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة،

فاغتسلت فيه فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر. ثم إني رفعت إلى الجنة فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا أنا بأنهار " من ماءٍ غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى " وإذا رمانها كأنه الدلاء عظماً، وإذا أنا بطيرها كأنها بختكم هذه. فقال: عندها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى جميع الأنبياء: إن الله عز وجل قد أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأته ولا أذن سمعته ولا خطر على قلب بشر. قال: عرضت علي النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم أغلقت دوني. ثم إني إلى سدرة المنتهى فتغشى لي، وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة. قال: وقال: فرضت علي خمسون وقال: لك بكل حسنة عشرة، وإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة وإذا عملتها كتبت لك عشراً، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة. ثم رفعت إلى موسى عليه السلام فقال: ما أمرك ربك؟ قلت بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا يطيقون ذلك ومتى لا تطقه تكفر، فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم، فوضع عني عشراً وجعلها أربعين، فما زلت بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته حتى رجعت إليه فقال لي بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر

صلوات قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فرجعت إلى ربي فقلت: أي رب، خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم فوضع خمساً وجعلها خمساً. فنادى ملك عندها: تمت فريضتي وخففت على عبادي فأعطيتهم بكل حسنة عشرة أمثالها ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت قلت: بخمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإنه لا يؤوده شيء فسله التخفيف لأمتك فقلت: رجعت إلى ربي حتى استحييت. ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب ويقول إني رأيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ورأيت كذا ورأيت كذا فقال أبو جهل بن هشام: ألا تعجبون مما يقول محمد، يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس ثم أصبح فينا، وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهراً ومنقلبة شهراً فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة قال: فأخبرهم بعير لقريش: لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وإنها نفرت. فلما رجعت رأيتها عند العقبة، فأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا ومتاعه كذا وكذا، فقال أبو جهل: يخبرنا بأشياء، فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس وكيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل، فإن يكن محمد صادقاً فسأخبركم وإن يك كاذباً فسأخبركم، فجاءه ذلك المشرك فقال: يا محمد أنا أعلم الناس ببيت المقدس من فأخبرني كيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل؟ قال: فرفع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت المقدس من مقعده فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته وجعل يقول: بناؤه كذا وكذا وهيئته كذا وكذا وقربه من الجبل كذا وكذا فقال الآخر: صدقت فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما قال أو نحواً من هذا الكلام. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: في هذه الآية: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " قال: أتي بفرس فحمل عليه، قال: كان خطوه منتهى أقصى بصره فسار وسار معه جبريل عليه السلام فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله، يضاعف الله لهم الحسنة بسبع مئة ضعف وما انفصم من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين. ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: قال: هؤلاء الذين تتثاقل

رؤوسهم عن الصلاة. قال: ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع. يسرحون كما تسرح الأنعام، عن الضريع والزقوم. ووصف جهنم وحجارتها قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الصدقات عن أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبد. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج طيب ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضيج الطيب فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هو الرجل يقوم وعنده امرأة حلال فتأتي امرأة خبيثة فتبيت معه حتى يصبح. ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته يقول الله تعالى " ولا تقعدوا بكل صراطٍ توعدون ". ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقارض من حديد. كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم أتى على حجر صغير يخرج منه نور عظيم، فجعل النور يريد أن يدخل من حيث خرج ولا يستطيع. قال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها فيريد أن يردها ولا يستطيع. ثم أتى على واد فوجد ريحاً باردة طيبة ريح المسك وسمع صوتاً فقال: يا جبريل ما هذه الريح الطيبة؟ وريح المسك؟ وما هو الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر غرفي وحريري وسندسي واستبرقي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأباريقي، وقواريري، وعسلي وخمري

ولبني، فائتني بما وعدتني فقال: لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي ورسلي وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دوني أنداداً، ومن خشي أمنته، ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته، ومن توكل علي كفيته، أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد " قد أفلح المؤمنون " إلى قوله " تبارك الله أحسن الخالقين: قالت: قد رضيت. ثم أتى على واد سمع صوتاً منكراً فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: ائتني بأهلي وما وعدتني فقد كثر سلاسلي وأغلالي وسعيري وزقومي وحميمي وحجارتي وغساقي وغسليني، وقد بعد قعري واشتد حري، فائتني بما وعدتني فقال: لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب. قالت: قد رضيت. قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة ثم دخل فصلى مع الملائكة فلما قضيت قالوا: يا جبريل من هذا معك؟ قال: محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخاتم النبيين قالوا: وقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ والخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم. قال: فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً، وأعطاني ملكاً عظيماً، وجعلني أمة قانتاً يؤم بي، وأنقذني من النار وجعلها علي برداً وسلاماً. قال: ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليماً، واصطفاني برسالته وكلماته، وقربني إليه نجياً ونزل علي التوراة، وجعل هلاك فرعون على يدي، ونجى بني إسرائيل على يدي. قال: ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي خولني ملكاً، وأنزل علي الزبور وألان لي الحديد، وسخر لي الطير والجبال، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب.

ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح والجن والإنس، وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت " من محاريب وتماثيل ".. إلى آخر الآية. وعلمني منطق الطير، وأسأل لي عين القطر وأعطاني ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي. ثم إن عيسى بن مريم عليهما السلام أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي علمني التوراة والإنجيل وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني من الذين كفروا فأعادني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن للشيطان علينا سبيل. ثم أن محمداً عليه السلام أثنى على ربه فقال: كلهم أثنى على ربه وأنا مثن على ربي فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وأنزل علي القرآن فيه تبيان لكل شيء، وجعل أمتي خير الأمم، وجعل أمتي أمة وسطاً، وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون، وشرح صدري ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحاً وخاتماً. فقال إبراهيم عليه السلام: بهذا فضلكم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ثم أتي بآنية ثلاث مغطاة أفواهها فأتي بإناء فيه ماء فقيل له: اشرب فشرب منه يسيراً ثم رفع إليه إناء آخر فيع لبن فشرب منه حتى روي ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر فقال: قد رويت ولا أريده. فقيل له: قد أصبت أما إنه ستحرم على أمتك. ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. قال: ثم صعدنا إلى السماء فذكر الحديث بنحو مما تقدم إلى أن قال: ثم صعدنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقد أرسل؟ قال: نعم قالوا: حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء. فإذا برجل شمط جالس على كرسي عند باب الجنة، وعنده قوم بيض الوجوه وقوم سود الوجوه وفي ألوانهم شيء، فأتوا نهراً فاغتسلوا فيه فخرجوا منه وقد خلص من أنوارهم شيء، ثم إنهم أتوا نهراً آخر فاغتسلوا فيه وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا النهر الثالث فخرجوا وقد خلصت ألوانهم مثل ألوان أصحابهم فقال: يا جبريل من هؤلاء

بيض الوجوه وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا النهر فخرجوا وقد خلصت ألوانهم؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم هو أول رجل شمط على سطح الأرض، وهؤلاء بيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم قال: وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء " خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً " فتابوا فتاب الله عليهم، وأما النهر الأول فرحمة الله، وأما النهر الثاني فنعمة الله، وأما النهر الثالث " وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ". ثم انتهى إلى سدرة المنتهى. فقيل لي: هي السدرة إليها ينتهي كل أحدٍ من أمتك ويخرج من أصلها: " أنهارٌ من ماء غير آسنٍ وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذة للشاربين وأنهارٌ من عسل مصفى " قال: وهي شجرة يسير الراكب في أصلها مئة عام ما يقطعها. وإن الورقة منها مغطية الخلق، قال: فغشيها نور الخالق وغشيتها الملائكة فكلمه ربه عند ذلك قال له: سل. قال: إنك اتخذت إبراهيم خليلاً وأعطيته ملكاً عظيماً، وكلمت موسى تكليماً، وأعطيت داود ملكاً عظيماً وألنت له الحديد وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكاً عظيماً لا ينبغي لأحد من بعده، علمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك وأعذته وأمه من الشيطان فلم يكن له عليهما سبيل. فقال له ربه: قد اتخذتك خليلاً قال: وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن. وأرسلناك إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي يعني الأذان وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك وسطاً وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون، وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيلهم لا تجوز عليهم خطيئة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول البشر خلقاً وآخرهم مبعثاً وآتيتك سبعاً من المثاني لم أعطها نبياً قبلك وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبياً قبلك، وجعلتك فاتحاً وخاتماً.

قال: وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فضلني ربي: أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيراً ونذيراً وألقى في قلوب عدوي الرعب مني مسيرة شهر، وأحل لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهرواً، وأوتيت فواتح الكلام وخواتيمه وجوامعه، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خزمت أعينهم بالمخيط فلم يخف علي ما هم لاقون ن بعدي، وأمرت بخمسين صلاة فرجعت إلى موسى ... فذكر الحديث بمعنى ما تقدم غير أنه قال في آخره: قال: فقيل له: اصبر على خمس فإنها تجزئ عنك بخمسين، كل خمس بعشرة أمثالها قال: فكان موسى اشتد عليه حين مر به، وخبرهم حين رجع إليه. وعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم في بيته ظهراً أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت إليه، فانطلقنا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظراً فعرجا به إلى السماوات سماء سماء فلقي فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى وأري الجنة والنار. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولما انتهيت إلى السماء إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام وفرضت علي الصلوات الخمس فنزل جبريل فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلوات في مواقيتها ". وعن أم هانئ وابن عباس وغيرهم دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: أسري برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس.

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حملت على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل في فخذيها جناحان تحفز بهما رجليها، فلما دنوت لأركبها شمست فوضع جبريل عليه السلام يده على معرقها ثم قال: ألا تستحين يا براق مما تصنعين، والله ما ركب عليك عبد لله قبل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكرم على الله منه، فاستحيت حتى ارفضت عرقاً ثم أقرت حتى ركبها فعملت بأذنيها وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يقويني ولا أقويه حتى انتهى بي إلى بيت المقدس فانتهى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه وكان مربط الأنبياء قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: رأيت الأنبياء جمعوا لي فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فظننت أنه لا بد من أن يكون لهم إمام فقدمني جبريل حتى صليت بين أيديهم وسألتهم فقالوا: بعثنا بالتوحيد ". وقال بعض الرواة: فقد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه ويلتمسونه، وخرج العباس بن عبد المطلب حتى بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ: يا محمد يا محمد، فأجابه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبيك، قال: يا بن أخي عنيت قومك منذ الليلة فأين كنت؟ قال: أتيت من بيت المقدس، قال: في ليلتك؟ قال: نعم قال: هل أصابك إلا خير؟ قال: ما أصابني إلا خير. وقالت أم هانئ بنة أبي طالب: ما أسري به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة، صلى العشاء ثم نام. فلما كان الفجر أنبهناه للصبح فقام فلما صلى الصبح قال: يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي، ثم قد جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم ثم قام ليخرج فقلت: لا تحدث هذا للناس فيكذبوك ويؤذوك، فقال: والله لأحدثنهم فأخبرهم. فتعجبوا وقالوا: لم نسمع بمثل هذا قط. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: يا جبريل إن قومي لا يصدقوني، قال: يصدقك أبو بكر وهو الصديق، وافتتن ناس كثير كانوا قد وصلوا وأسلموا. وقمت في الحجر فخيل إلي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن أثاثه وأنا أنظر إليه. فقال بعضهم: كم للمسجد من باب؟ ولم أكن

عددت أبوابه فجعلت أنظر إليها وأعدها باباً باباً وأعلمهم. وأخبرتهم عن عيرات لهم في الطريق وعلامات فيها فوجدوا ذلك كما أخبرتهم. وأنزل الله تعالى: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنةً للناس " قال: كانت رؤيا عين رآها بعينه. وعن زر بن حبيش قال: أتاني حذيفة وأنا أحدث في بيت المقدس وأنا أقول أنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى فيه، فقال حذيفة: ما اسمك يا صلع؟ فإني أعرف وجهك ولا أدري ما اسمك، اقرأ القرآن فقرأت: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " فلم أجد فيها أنه صلى. قال حذيفة: والله ما صلى فيه، ولو صلى فيه لكتبت عليكم صلاة فيه، كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق. والله ما زايلا طهر البراق عودهما على بدئهما حتى رجعا. يزعمون ربطه، أو ليس سخره له قادر على أن يحبسه له، فسئل البراق فقال: دابة أبيض فوق الحمار خطوه مد البصر. وعن عبد الله بن سعد بن زرارة ما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسري بي في قفص من لؤلؤ فراشه من ذهب ". ما خص وشرف به من بين الأنبياء

ذكر ما خص به وشرف به من بين الأنبياء عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي إلى السماء الدنيا مررت على نهر عجاج يطرد مثل السهم، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وحافتاه قباب من در مجوف، فضربت بيدي إلى حمأته فإذا هو مسك، وضربت بيدي إلى رضراضه فإذا هو در فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ". وعن أنس بن مالك قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الكوثر الذي أعطاك ربك؟ قال: نهر كمثل ما بين أيلة إلى صنعاء وأيلة من أرض الشام آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، يرده طير لها أعناق كأعناق البخت، فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إنها لناعمة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكلها أنعم منها. وعن عقبة بن عامر قال: آخر ما خطب لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على شهداء أحد ثم رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني لكم فرط وأنا عليكم شهيد، وأنا أنظر إلى حوضي الآن وأنا في مقامي هذا، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أريت أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، فأخاف عليكم أن تنافسوا فيها. وعن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عز وجل يدخل من أمتي يوم القيامة سبعين ألفاً بغير حساب، مع كل ألف

سبعون ألفاً وثلاث حثيات، فقال رجل: يا رسول الله، فم سعة حوضك؟ قال: ما بين عدن وعمان. قال: وأشار بيده وأوسع وأوسع، وفيه مثعبان من ذهب وفضة. قيل: يا رسول الله، فم شرابه؟ قال: أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب ريحاً من المسك، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً، ولن يسود وجهه أبداً ". وعن أبي سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لي حوض، طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضاً من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: قد بلغت، وإني أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ". وعن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: فقلت لسعيد بن خيبر: فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أول شفيع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة. إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة وليس معه مصدق غير واحد ". وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ". وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل نبي يوم القيامة منبراً من نور، وإني على أطولها وأنورها، فيجيء المنادي

فينادي: أين النبي يعني فيقولون كلنا نبي الله فإلى أينا أرسلت؟ فيرجع فينادي: أين النبي الأمي العربي فينزل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يأتي باب الجنة ... " فذكر حديث الشفاعة بطوله. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطيت فواتح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي، فذهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنتم تنتثلونها، وربما قال: تنفلونها. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش، ولم يعط منه أحد قبلي ولا يعطي منه أحد بعدي ".وعن عوف بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أعطينا أربعاً لم يعطهن أحدٌ كان قبلنا، وسألت ربي الخامسة فأعطانيها وهي ما هي: كان النبي يبعث إلى قرية لا يعدوها وبعثت كافة للناس، وأرهب مني عدونا مسيرة شهر، وجعلت الأرض لنا طهوراً ومسجداً، وأحل لنا الخمس ولم يحل لأحد قبلنا. وسألت ربي الخامسة فأعطانيها وهي ما هي، سألته عز وجل ألا يلقاه عبد يوحده إلا دخل الجنة، فأعطانيها ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطيت خمساً لم يعطها نبي قبلي، ولا فخر؛ بعثت إلى الناس كافة، للأحمر والأسود وكان من قبلي يبعث إلى قومه، وأحل لكم الغنم وأطعمتموه، وكان قبلي يقربونه فتجيء نار فتأكله، ونصرت بالرعب يفرق مني العدو على مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأهل الكتاب لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم، وأعطيت الشفاعة، فادخرتها لأمتي يوم اليقامة، وهي نائلة منهم من مات لا يشرك بالله شيئاً ".

وفي حديث عن أبي موسى: وأعطيت الشفاعة، وإنه ليس من نبي إلا وقد قدم الشفاعة، وإني أخرت شفاعتي، جعلتها لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطيت شيئاً لا أقولهن فخراً، لم يعطهن أحدٌ قبلي: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأمم، وأحلت لي الغنائم ولم تحلل لأحد كان قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرعب. والذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة ". وفي حديث غيره: وختم بي النبيون. وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس ". وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي جبريل سمعت تسبيحاً في السماوات العلا، فرجف فؤادي، فقال جبريل: يا محمد، تقدم ولا تخف، فإن اسمك مكتوب على العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله ". وعن حذيفة بن اليمان قال: غاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج. فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قبضت فيها. فلما رفع رأسه قال: إن ربي استشارني في أمتي: ماذا أفعل بهم؟ قلت: ما شئت يا رب، هم خلقك وعبادك، فاستشار الثانية فقلت له كذلك. فقال: لم أجزك في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة نفر من أمتي سبعون ألفاً، مع كل ألف سبعون ليس علهم حساب، ثم أرسل إلي ربي: ادع تجب، وسل تعطه، فقلت لرسوله: أو يعطي ربي سؤلي؟ فقال: ما أرسل إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي غير فخر: إنه غفر لي ما تقدم وما تأخر، وشرح صدري، وأنه أعطاني ألا تجوع أمتي، ولا تغلب، وأنه أعطاني الكوثر نهراً في الجنة

يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر، وأرعب بين أمتي شهراً، وإنه أعطاني بأني أول الأنبياء دخولاً للجنة. وطيب لي لأمتي الغنيمة، وأحل كثيراً مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، فلم أجد أن أشكر إلا هذه السجدة. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي إلى السماء قربني ربي عز وجل حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى لا، بل أدنى، وعلمني السمات. قال: يا حبيبي يا محمد، قلت: لبيك يا رب. قال: هل غمك أن جعلتك آخر النبيين؟ قلت: يا رب، لا. قال: حبيبي، فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم؟ قلت: يا رب، لا. قال: أبلغ أمتك عني السلام، وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم لأفضح الأمم عندهم، ولا أفضحهم عند الأمم ". وعن سلمان قال: حضرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فإذا أعرابي جاء في رجل بدوي، قد وقف علينا فسلم فرددنا عليه، فقال: يا قوم، أيكم محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا محمد رسول الله، فقال الأعرابي: إني والله لقد آمنت بك قبل أن أراك، وأحببتك قبل أن ألقاك، وصدقتك قبل أن أرى وجهك، ولكني أريد أن أسألك عن خصال. فقال: سل عما بدا لك، فقال: فداك أبي وأمي، أليس الله عز وجل كلم موسى عليه السلام؟ قال: بلى. قال: وخلق عيسى عليه السلام من روح القدس؟ قال: بلى. قال: واتخذ إبراهيم عليه السلام خليلاً واصطفى آدم عليه السلام؟ قال: بلى، قال: بأبي أنت وأمي إيش أعطيت من الفضل، فأطرق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبط عليه جبريل فقال: الله يقرؤك السلام، وهو يسألك عما هو أعلم به منك، الله يقول: يا حبيبي، لم أطرقت رأسك؟ ارفع رأسك ورد على الأعرابي جوابه. قال: أقول ماذا يا جبريل؟ قال: الله يقول: إن كنت اتخذت إبراهيم عليه السلام خليلاً فقد اتخذتك من قبل حبيباً، وإن كنت كلمت موسى عليه السلام في الأرض فقد كلمتك وأنت معي في السماء والسماء أفضل من الأرض وإن كنت خلقت عيسى عليه السلام من روح القدس فقد خلقت اسمك من قبل أن أخلق الخلق بألفي سنة، ولقد وطئت في السماء موطئاً لم يطأه أحد قبلك، ولا يطؤه أحد بعدك، إن كنت اصطفيت آدم عليه السلام فبك ختمت الأنبياء. ولقد خلقت مئة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك. ومن يكون أكرم علي منك؟ وقد أعطيت الحوض والشفاعة والناقة

والقضيب والميزان والوجه الأقمر والجمل الأحمر والتاج والهراوة والحجر والعمرة والقرآن وفضل شهر رمضان والشفاعة. كلها لك حتى ظل عرشي في القيامة على رأسك ممدود، وتاج الحمد على رأسك معقود، ولقد قرنت اسمك مع اسمي، فلا اذكر في موضع حتى تذكر معي، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك علي ومنزلتك عندي، ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا. وعن وهب قال: قرأت في زبور داود عليه السلام ذكر نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يجوز من البحر إلى البحر، من لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه يخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب من تحت قدميه، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، لأنه يخلص المضطهد ممن هو أقوى منه، ويرأف بالضعفاء والمساكين ويصلي عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم، ويدوم ذكره مع ذكر الله عز وجل إلى الأبد. وعن جابر قال: بين كتفي آدم مكتوب: محمد رسول الله خاتم النبيين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

باب مختصر من دلائل نبوته وما طهر من بركته

باب مختصر من دلائل نبوته وما طهر من بركته عن عبد الله قال: بينما نحن مع رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشهدوا. وفي رواية أخرى: فقال كفار أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا السفار، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق. وإن كان لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به. قال: فسئل السفار فقدموا من كل وجه فقالوا: رأينا. وعن أنس بن مالك: أن أهل مكة سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين. وعن عبد الله بن عمر: في قوله عز وجل " اقتربت الساعة وانشق القمر " قال: قد كان ذلك على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انشق القمر فلقتين، فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشهدوا. وقال البيهقي: اللهم اشهد. وعن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله، دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك؛ رأيتك في المهد

تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه مال. قال: إني كنت أجذبه ويجذبني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجنته تسجد تحت العرش. وعن ابن عباس قال: خرجت حليمة تطلب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد وجدت البهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه، ما وجد أخي حراً، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت معه، حتى انتهى إلى هذا الموضع. وعن علي بن أبي طالب قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة في بعض نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله. وفي حديث آخر: ولا على شيء إلا سلم عليه. وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بمكة حجراً كان يسلم علي ليالي بعثت. إني لأعرفه إذا مررت عليه ". وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما استعلن لي جبريل جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال لي: السلام عليك يا رسول الله ". وعن ابن عباس قال: جاء رجل من بني عامر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يداوي ويعالج فقال له: أي محمد، إنك تقول أشياء، فهل لك أن أداويك؟ قال: إيه. قال: وعنده نخل وشجر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عذقاً منها فأقبل إليه وهو يسجد. يا رسول الله فقال لها: ارجعي، فرجعت فجلست على عروقها وفروعها كما كانت فقال الأعرابي: يا رسول الله، ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك، فأذن له، ثم قال: يا رسول الله، ائذن لي أن أسجد لك، قال: " لا يسجد أحد لأحد، ولو أمرت أن يسجد

أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها ". وعن يعلى بن سيابة الثقفي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا وديتين فأمرهما فاجتمعتا، فاستتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهما، فلما قضى حاجته قال: ارجعا إلى مكانكما، فرجعتا، فانطلقت فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإداوة من ماء وتوضأ، إذ أقبل إليه ناضح عوذ وريم. فلما دنا منه برك، ثم جعل يحك بجرانه الأرض يخن حتى رأيت دموعه تسيل على الأرض، فقال: هل تدري ما يقول؟ قال: يشكو إلي صاحبه يريد أن تنحره اليوم. قال: نعم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلا تفعل، قال: نعم يا رسول الله. قال: وأحسن إليه، قال: لا والله يا رسول الله لا يكرم مالٌ لي كرامته. ثم انطلق إلى البقيع، فأتى على قبرين، فقال: يعذبان، فقالوا: وفيم يا رسول الله؟ قال: في غير كبير، أما أحدهما فكان لا يسنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس. ثم أخذ جريدتين فوضعهما عليهما، قال: عسى أن يرفه عنهما حتى ييبسا. وعن أسامة بن زيد بن حارثة ما قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته التي حجها، فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة معها صبي لها، فسلمت عليه، فوقف عليها فقالت: يا رسول الله، هذا ابني فلان، والذي بعثك بالحق ما زال في جنن واحد أو كلمة تشبهها منذ ولدته إلى الساعة، فاكتنع إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبسط يده فجعله بينه وبين الرحل، ثم تفل في فيه، ثم قال: " اخرج عدو الله فإني رسول الله، ثم ناولها إياه، فقال: خذيه فلن تري منه شيئاً يريبك بعد اليوم إن شاء الله ". قال أسامة: فقضينا حجنا ثم انصرفنا. فلما نزلنا الروحاء، فإذا تلك المرأة أم الصبي قد جاءت

ومعها شاة مصلتة، فقالت: يا رسول الله، أنا أم الصبي الذي أتيتك به. قالت: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئاً يريبني إلى هذه الساعة. قال أسامة: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا سيم وهكذا كان يدعو به يحشمه، ناولني ذراعها، فامتلخت الذراع، فناولتها إياه فأكلها ثم قال: يا سيم، ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله، إنك قد قلت: ناولني فناولتكها فأكلتها، ثم قلت: ناولني فناولتكها، فأكلتها ثم قلت: ناولني الذراع، وإنما للشاة ذراعان، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إنك لو أهويت إليها ما زالت تجد فيها ذراعاً ما قلت لك. ثم قال: يا سيم قم، فاخرج فانظر هل ترى خمراً لمخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجت فمشيت حتى حسرت، فما قطعت الناس وما رأيت شيئاً أرى أنه يواري أحداً، وقد ملأ الناس ما بين السدين. قال: فهل رأيت شجراً أو رجماً، قلت: بلى، قد رأيت نخلات صغار إلى جانبهن رجم من حجارة، فقال: يا سيم، اذهب إلى النخلات فقل لهن: يأمركن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يلحق بعضكن ببعض حتى يكن سترة لمخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقل ذلك للرجم، فأتيت النخلات فقلت لهن الذي أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فو الذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تقافزهن بعروقهن وترابهن، حتى لصق بعضهن ببعض، وكن كأنهن نخلة واحدة، وقلت ذلك للحجارة، فو الذي بعث بالحق لكأني أنظر إلى تقازفهن حجراً حجراً حتى علا بعضهن بعضاً، فكن كأنهن جدار، فأتيته فأخبرته فقال: خذ الإداوة فأخذتها، ثم انطلقنا نمشي فلما دنونا منهن سبقته فوضعت الإداوة، ثم انصرفت إليه، فانطلق فقضى حاجته، ثم أقبل وهو يحمل الإداوة، فأخذتها منه ثم رجعنا. فلما رحل للخباء قال لي: يا سيم، انطلق إلى النخلات فقل لهن: يأمركن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ترجع كل نخلة منكن إلى مكانها، وقل ذلك للحجارة، فأتيت النخلات فقلت لهن الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فو الذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تقازفهن حجراً حجراً، حتى عاد كل حجر إلى مكانه، فأتيته فأخبرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس. قال: وكان أحب ما استتر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته هدف أو حائش نخل فدخل حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل؛ فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمسح سراته وذفراه فسكن ثم قال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله عز وجل إياها؟! فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه. وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما راعٍ يرعى بالحرة شاءً إذ انتهر الذئب شاة من شائه، فحال الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه ثم قال للراعي: ألا تتقي الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي، فقال الراعي: العجب من الذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلامٍ، كلام الإنس، فقال الذئب للراعي: ألا أحدثك بأعجب من هذا، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي النبأ حتى انتهى إلى المدينة فرواها في زاوية من زواياها، ثم دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه بما قال الذئب، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس فقال للراعي: حدثهم، فقام الراعي فأخبر الناس بما قال الذئب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق الراعي، ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع للإنس، ويكلم الرجل نعله، وعذبة سوطه، ونخيزة فخذه بما فعل أهله بعده. وعن المقداد بن عمرو الكندي قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعي رجلان من أصحابي، فطلبنا هل يضيفنا أحد، فلم يضفنا أحد، فأتينا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: يا رسول الله، أصابنا جوع وجهد، وإنا تعرضنا هل يضفنا أحد فلم يضفنا أحد، فدفع إلينا أربعة أعنز فقال: يا مقداد، خذ هذه فاحتلبها

فجزئها أربعة أجزاء، جزءاً لي، وجزءاً لك، وجزأين لصاحبيك، فكنت أفعل ذلك. فلما كان ذات ليلة، شربت جزئي، وشرب صاحباي جزأيهما، وجعلت جزء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القعب وأطبقت عليه، فاحتبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت في نفسي: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دعاه أهل بيت من المدينة فتعشى معهم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحتاج إلى هذا اللبن، فلم تزل نفسي تزيدني حتى قمت إلى القعب فشربت ما فيه. فلما تقار في بطني أخذني ما قدم وما حدث، فقالت لي نفسي: يجيء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جائع ظمآن، فيرفع القعب فلا يجد فيه شيئاً، فيدعو عليك، فتسجيت كأني نائم، وما كان بي نوم، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم تسليمة أسمع اليقظان، ولم يوقظ النائم، فلما لم ير في القعب شيئاً رفع رأسه إلى السماء قالك اللهم أطعم من أطعمنا، واسق من سقانا، فاغتنمت دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذت الشفرة وأنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز فأطعمه، فضربت بيدي فوقعت على ضرعها فإذا هي حافل، ثم نظرت إليهن جميعاً فإذا هن حفل، فحلبت في القعب حتى امتلأ ثم أتيته، وأنا أبتسم فقال: هيه بعض سوآتك يا مقداد! فقلت: يا رسول الله، اشرب ثم أخبر، فسرب ثم شربت ما بقي منه ثم أخبرته، فقال: يا مقداد، هذه بركة كان ينبغي لك أن تعلمني حتى توقظ صاحبينا فنسقيهما من هذه البركة. قال: قلت: يا رسول الله، إذا شربت أنت وأنا البركة فما أبالي من أخطأت. وعن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت منتحٍ فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة، فقالت: يا عبدي الله، إنما أنا امرأة وليس معي أحد، فعليمكا بعظيم الحي إن أردتما القرى، قال: فلم نجبها وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها، فقالت: يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين فقل لهما: تقول لكم أمي اذبحا هذه وكلا وأطعمانا. فلما جاء قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق بالشفرة وجيئني بالقدح. قال: إنها قد غربت وليس لها لبن، قال: فانطلق فجاء بقدح، فمسك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال:

انطلق به إلى أمك فشربت حتى رويت ثم جاء به، فقال: انطلق بهذه وجيئني بأخرى، ففعل بها كتلك، ثم سقى الغلام، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك ثم سقا أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فبتنا ليلتنا ثن انطلقنا، فكانت تسمية المبارك. وكثرت غنمها حتى حلبت حلباً إلى المدينة، فمر أبو بكر فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه، إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك فقامت إليه فقالت: يا عبد الله، من الرجل الذي كان معك؟ قال: وما تدرين من هو؟ قالت: لا. قال: هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فأدخلني عليه. قال: فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها. وعن نافع: أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زهاء أربع مئة رجل، فنزل بنا على نمير ماء، فكأنه اشتد على الناس، ورأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل فنزلوا إذ أقبلت عنز تمشي، حتى أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محددة القرنين. قال: فحلبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأروى الجند وروي. قال: ثم قال: يا نافع، املكها وما أراك تملكها، قال: فأخذت عوداً فركزته في الأرض قال: وأخذت رباطاً فربطت الشاة، فاستوثقت منها. قال: ونام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونام الناس، ونمت. قال: فاستيقظت، فإذا الحبل محلول وإذا لا شاة. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته. قال: قلت: الشاة ذهبت، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نافع، أوما أخبرتك أنك لا تملكها، إن الذي جاء بها هو الذي ذهب بها. وعن زيد بن أرقم قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض سكك المدينة. قال: فمررنا بخباء أعرابي وإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت الظبية: يا رسول الله، إن هذا الأعرابي قد اصطادني وإن لي خشفين في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي، فلا هو يريحني فأستريح، ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن تركتك، ترجعين؟ قالت: نعم، وإلا عذبني الله عذاب العشار قال: فأطلقها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يلبث

أن جاءت تلمظ. فشدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الخباء، وأقبل الأعرابي ومعه قربة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتبيعنيها؟ فقال: هي لك يا رسول الله، فأطلقها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسيح في البرية وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن علي بن أبي طالب قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلسه يحدث الناس بالثواب والعقاب، والجنة والنار، والبعث والنشور، إذ أقبل أعرابي من بني سليم، بيده اليمنى عظام نخرة، وفي يده اليسرى ضبٌ، فأقبل بالعظام فوضعها بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عركها برجله ثم قال: يا محمد، ترى ربك يعيدها خلقاً جديداً؟ فأراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوابه ثم انتظر الإجابة من السماء فنزل جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلقٍ عليم " فقرأها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأعرابي، فقال: واللات والعزى، ما اشتملت أرحام النساء ولا أصلاب الرجال على ذي لهجة أكذب منك ولا أبغض إلي منك، ولولا أن قومي يدعوني عجولاً لقتلتك، ولسررت بقتلك الأسود والأبيض من بني هاشم، فهم به علي بن أبي طالب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يا علي، أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبياً؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أعرابي، بئس ما جئتنا به، وسوء ما تستقبلني به، والله إني لمحمود في الأرض، أمين في السماء عند الملائكة، فقام الأعرابي: ورمى الضب في حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: والله لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذنبه ثم قال: يا ضب، قال: لبيك يا زين من وافى يوم القيامة، قال: من تعبد؟ قال: أعبد الله الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة ثوابه، وفي النار عذابه، قال: من أنا؟ قال: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، حتى نسبه إلى إبراهيم عليه السلام، أنت رسول الله لا يحرم من صدقك، وخاب من صدقك، فولى الأعرابي وهو يضحك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لله وإنا به نستهدي فرجع إليه فقال: بأبي وأمي

ليس الخبر كالمعاينة، أنا أشهد بلحمي ودمي وعظامي أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جئتنا كافراً وترجع مؤمناً، هل لك من مال؟ قال: والذي بعثك بالحق رسولاً ما في بني سليم أفقر مني ولا أقل شيئاً مني، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من عنده راحلة تحمل أخاه عليها؟ فقام عدي بن حاتم الطائي فقال: يا رسول الله، عندي ناقة وبراء حمراء عشراء إذا أقبلت دفت، وإذا أدبرت دفت، أهداها إلي أشعث بن وائل غداة قدمت معك من غزوة تبوك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لك عندي ناقة من درة بيضاء. وفي حديث آخر: قال الأعرابي: لا أتبع أثراً بعد عين، والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أحد أبغض إلي منك، وإنك اليوم أحب إلي من والدي ومن عيني ومني، وإني لأحبك بداخلي وخارجي وسري وعلانيتي، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك بي، إن هذا الدين يعلو ولا يعلى عليه، ولا تقبل الصلاة إلا بقرآن، قال: فعلمني، فعلمه: " قل هو الله أحد " قال: زدني، فما سمعت في البسيط ولا الوجيز أحسن من هذا، قال: يا أعرابي، إن هذا لكلام الله تعالى، ليس بشعر، إنك إن قرأت " قل هو الله أحد " مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن، وإن قرأت مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن، وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله. قال الأعرابي: نعم الإله إلهنا، يقبل اليسير ويعطي الجزيل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألك مال؟ قال: ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: أعطوه، قال: فأعطوه حتى أبطروه، فقام عبد الرحمن بن عوف وقال يا رسول الله، إن لي ناقة عشراء دون البختيّ، وفوق الأغراء، تلحق ولا تلحق، أهديت إليّ يوم تبوك، أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى الأعرابي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد وصفت ناقتك، فأصفُ ما لك عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال: نعم. قال: لك ناقة من درة جوفاء، قوائمها من زبرجد أخضر، وعنقها من زبرجد أصفر، عليها هودج، وعلى الهودج السندس والاستبرق، وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف،

يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة، فقال عبد الرحمن: قد رضيت. فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة، معهم ألف سيف وألف رمح، فقال لهم: أين تريدون؟ قالوا: نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله، قال: لا تفعلوا، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فحدثهم الحديث، فقالوا بأجمعهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم دخلوا، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلقاهم بلا رداء، فنزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا منه وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم قالوا: يا رسول الله، مرنا بأمرك. قال: كونوا تحت راية خالد بن الوليد، فلم يؤمن من العرب ولا من غيرهم ألفٌ غيرهم. وعن ابن عباس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد الحاجة أبعد. قال: فذهب يوماً فقعد تحت شجرة فنزع خفيه ولبس أحدهما، فجاء طير فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء، فانسكب منه أسود سالخ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه كرامة أكرمني الله تعالى بها، اللهم، إني أعوذ بك من شر من يمشي على رجلين، ومن شر من يمشي على أربع، ومن شر من يمشي على بطنه ". وعن عائشة قالت: كان لآل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحش، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا حس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دخل ربض، فلم يترمرم ما دام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البيت مخافة أن يؤذيه. وعن معرض بن معقيب قال: حججت حجة الوداع، فدخلت داراً بمكة، فرأيت فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأن وجهه دارة القمر، وسمعت منه عجباً: جاءه رجل من أهل اليمامة بصبي يوم ولد قد لفه في خرقة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

يا غلام، من أنا؟ قال: أنت رسول الله، قال: صدقت، بارك الله فيك، قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب. قال: قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة. وعن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الجن وما رآهم. انطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فردعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟! قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهم عائدون إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا " إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً " فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ". وعن ابن عباس قال: كان لكل قبيلة من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه الوحي، وكان الوحي إذا نزل سمع له صوت كإمرار السلسلة على الصفوان، يعني: الحجر. فلا ينزل على سماء إلا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، فإذا نزل الوحي إلى سماء الدنيا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير. قال: ثم يقال: يكون العام كذا، ويكون العام كذا، فتسمع الجن ذلك فتخبر به الكهنة، فتخبر الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا. قال: فلما بعث الله رسوله دحروا. قال: فقالت العرب: هلك من في السماء. فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيراً، وصاحب البقر يذبح كل يوم بقرة، وصاحب الشاء يذبح كل يوم شاة حتى أسرعوا في أموالهم. فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب: يا أيها الناس. أمسكوا عليكم أموالكم، فإنه

لن يهلك من في السماء، وإن هذا ليس بانتشار، أليس ترون إلى معالمكم من النجوم كما هي. فقال إبليس: لقد حدث اليوم حدث. ائتوني من تربة الأرض، فأتوه من تربة كل أرض فجعل يشمها حتى أتي من تربة مكة فشمها، فقال: من هاهنا قد حدث الحدث فنظروا فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعث. وعن أبي كعب قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلى جزع، وكان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجال من أصحابه: يا رسول الله، نجعل لك شيئاً تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس، ويسمع الناس خطبتك، فقال: نعم، فصنع له ثلاث درجات فقام عليها كما كان يقوم، فأصغى إليه الجذع فقال: اسكن، ثم التفت فقال: إن تشأ أن أعرشك في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشأ أن أعيدك رطباً كما كنت، فاختار الآخرة على الدنيا. فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أُبي، فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة. وفي رواية أخرى: فلما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم على المنبر مر إلى الجذع الذي كان يخطب إليه. فلما جاوز الجذع خار حتى تصدع وانشق، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سمع صوت الجذع، فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر. وكان إذا صلى صلى عليه، فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبيُّ بن كعب. فكان عنده في بيته حتى بلي، وأكلته الأرضة، وعاد رفاتاً. وفي حديث جابر بن عبد الله: فحنث الخشبة حنين الناقة الخلوج. وفي رواية: حنين الناقة على ولدها. وفي رواية: وإن الجذع الذي كان يقوم عليه أن كما يئن الصبي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن هذا يبكي لما فقد من الذكر.

وفي رواية عن الحسن: فحن الجذع، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحتضنه فسكن، فقال عليه السلام: لولم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة. وروى الحسن عن أنس بن مالك قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسنداً ظهره إليها. فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبراً، فبنوا له منبراً له عتبتان. فلما قدم على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أنس: وأنا في المسجد فسمعت الخشبة تخن. وفي رواية: حنت الواله، فما زالت تحن حتى نزل إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاحتضنها فسكنت. قال: فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله، الخشبة تحن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شوقاً إليه لمكانه من الله، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه. وعن عمر قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاة فقلنا: يا رسول الله؛ إن العدو قد حضر، وهم شباع والناس جياع، فقالت الأنصار: ألا ننخر نواضخنا فنطعمها الناس؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان معه فضل طعامٍ فليجئ به، فجعل الرجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً. فجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جنبه فدعا بالبركة، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذوا ولا تنتهبوا، فجعل الرجل يأخذ في جرابه وغرارته، وأخذوا في أوعيتهم، حتى إن الرجل ليربط كم قميصه فيملأه. ففرغوا والطعام كما هو. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بهما عبد محقّ إلا وقاه الله حر النار. وعن أنس بن مالك: أن أبا طلحة لما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاوياً جاء إلى أم سليم فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاوياً. هل عندك شيء؟ قالت: عندنا نحو مدّ دقيق شعير. قال: فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأكل منه. قال: فعجنته وخبزته. قال: فجاء قرصاً، فقال لي: ادع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه ناس قال مبارك: أحسبه قال: بضعة وثمانون فقلت: يا رسول الله، أبو طلحة يدعوك، فقال لأصحابه: أجيبوا أبا

طلحة، قال: فجئت مسرعاً حتى أخبرته أنه قد جاء وأصحابه. قال: فقال: والله لرسول الله أعلم بما في بيتي مني، فاستقبله أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، والله ما عندنا شيء إلا قريص رأيتك طاوياً، فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصاً. قال: فدعا بالقرص ودعا بجفنةٍ، فوضعه فيها فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء. قال: فجاء بها فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو طلحة يعصرانها حتى خرج شيء، فمسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به سبابته، ثم مسح القرص ثم قال: بسم الله، فانتفخ القرص، فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ، حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع، فقال: ادع لي عشرة من أصحابي، فدعوت له عشرة، فوضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده وسط القرص وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا حوالي القرص حتى شبعوا، ثم قال: ادع لي عشرة أخرى. قال: فدعوت له عشرة أخرى، فقال: كلوا باسم الله، فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرة عشرة، يأكلون من ذلك القرص، حتى أكلوا وأكل منه بضعة وثمانون رجلاً من حوالي القرص حتى شبعوا. قال: وأن وسط القرص حيث وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده كما هو. وعن ثابت قال: قلت لأنس: يا أنس، أخبرني بأعجب شيء رأيته. قال: نعم، يا ثابت، خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين فلم يعير علي شيئاً أسأت فيه، وإن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تزوج زينب بنت جحش قالت لي أمي: يا أنس، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبح عروساً، ولا أدري وقيل: لا أرى أصبح له غداء فهلم تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيساً، فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وامرأته. فلما أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال: ضعه في ناحية البيت فادع أبا بكر وعمر وعلياً وعثمان، ونفراً من أصحابه. ثم قال: ادع لي أهل المسجد، ومن رأيت في الطريق. قال: فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو الناس، فكرهت أن أعصيه حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: يا أنس، هل ترى من أحد؟ فقلت: لا يا نبي الله، قال: هات ذلك التور، فجئت بذلك التور، فوضعته قدامه فغمس ثلاث أصابع في التور نحو ما جئت به، قال: ضعه قدام زينب، فخرجت وأسقفت باباً من جريد. قال

ثابت: قلنا لأنس: كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟ قال: حسبت واحداً وسبعين أو اثنين وسبعين. وعن أنس بن مالك عن أمه قال: كانت لنا شاة، وفجمعت عن سمنها عكة، فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت: يا ربيبة، ابلغي هذه العكة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتأدم بها، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، هذه سمن بعثت بها إليك أم سليم. قال: فرغوا لها عكتها، ففرغت العكة، فدفعت إليها، فانطلقت بها فجاءت وأم سليم ليست في البيت، فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم، فرأت العكة ممتلئة، تقطر، فقالت أم سليم، يا ربيبة، أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فقالت: قد فعلت، وإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلقت أم سليم. ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله، إني بعث إليك معها بعكة فيها سمن. قال: قد فعلت، قد جاءت بها، فقالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها ممتلئة تقطر سمناً، قال، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا أم سليم، أتعجبين أن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟ كلي وأطعمي. قالت: فجئت إلى البيت فقسمت في قعبٍ لنا كذا وكذا، وتركت فيها ماائتدمنا به شهراً أو شهرين. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر طعاماً قدر ما يكفيهما فأتيتهما به فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار قال: فشق ذلك علي، ما عندي شيء أزيده، قال: فكأني تثاقلت، فقال: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار فدعوتهم فجاؤوا، فقال: اطعموا، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بايعوه قبل أن أن يخرجوا، ثم قال: اذهب فادعوا لي ستين من أشراف الأنصار. قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أحرد مني بالثلاثين قال: فدعوتهم، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترفعوا، فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله، فبايعوه قبل أن يخرجوا. قال: فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار. قال: فلأنا أحرد بالتسعين والستين مني بالثلاثين،

قال: فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبايعوه قبل أن يخرجوا. قال: فأكل من طعامي ذلك مئة وثمانون رجلاً، كلهم من الأنصار. وعن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسير، فنفدت أزواد القوم. قال: حتى هم بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت مابقي من أزواد القوم فدعوت الله عز وجل عليها، ففعل، فجاء ذو التمر بتمرة وذو البرببره وقال مجاهد: ورب النوى بنواه قال: فقلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: يمضغونه ويشربون عليه الماء. قال: فدعا عليها حتى ملأ القوم أزوادهم. قال: فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله عبدٌ غير شاكٍّ فيها دخل الجنة. وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثين ومئة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل مع أحدٍ منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه. فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعانّ طويل بغنمٍ يسوقها. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ياذا، بيع أو عطية، أو قال: هبة. قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة، وأمر بها فصنعت ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسواد البطن أن يشوى، وايم الله، ما من الثلاثين والمئة إلا قد حز له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزة من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه، وإن كان غائباً خبأ له. قال: وجعل منها قصعتين، فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحمله على البعير. أو كما قال. وعن أبي رجاء قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار، فإذا هو يسنو فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسل: ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا؟ قال: إني أجهد أن أرويه، فما أطيق ذلك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تجعل لي مئة تمرة أختارها من تمرك؟ قال: نعم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغرب، فما لبث أن أرواه، حتى قال الرجل: غرقت حائطي. فاختار

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تمره مئة تمرة قال: فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مئة تمرة كما أخذها منه. وعن ابن عباس قال: أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فقال: هل من ماء، هل من شن؟ قال: فجاؤوا بشنٍّ فوضع بين يديه، فوضع يده عليه السلام وفرق أصابعه، فنبع الماء من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بلال، اهتف بالناس للوضوء، فأقبلوا يتوضؤون من بين أصابع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت همة ابن مسعود الشرب. فلما توضأ صلى الصبح ثم قعد للناس، فقال: أيها الناس، من أعجب الخلق إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال عليه السلام: وكيف لا يؤمن الملائكة وهم يعلمون الأمر؟ قالوا: فالنبيون يا رسول الله، قال: وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء. قالوا: فأصحابك يا رسول الله، قال: وكيف لايؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون؟ ولكن أعجب الناس إيماناً قوم يجيئون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقوني ولم يروني. أولئك إخواني. وعن ابن عباس قال: أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، وليس في العسكر ماء، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شيء؟ قال: نعم، قال: فائتني به. قال: فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصابعه على فم الإناء، وفتح أصابعه قال: فانفجرت من بين أصابعه عيون، وأمر بلالاً، فقال: نادِ في الناس: الوضوء المبارك. وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بالزوراء فأتي بإناء فيه ماء، لا يغمر أصابعه أو قال: ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤوا، ووضع كفه في الماء، فجعلنا نرى الماء ينبع من بين أصابعه حتى توضأ القوم. قلنا لأنس: كم كنتم يومئذ؟ قال: ثلاث مئة أو زهاء ثلاث مئة.

وعن أبي قتادة قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنكم ستسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غداً. فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد. قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير حتى ابهار الليل، وأنا إلى جنبه. قال: فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمال عن راحلته، فأتيته، فدعمته من غير أن أوقظه، حتى اعتدل على راحلته، ثم سار حتى ابهار الليل، فمال عن راحلته. قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الأوليين حتى كاد أن ينجفل فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قال: أبو قتادة. قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: مازال هذا مسيري منك الليلة، فقال: حفظك الله بما حفظت به نبيه، قال: هل ترانا نخفى على الناس؛ ثم قال: هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا، فكنا سبعة ركب فعدل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الطريق فوضع رأسه ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا. قال: وكان أول من استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والشمس في ظهره، فقمنا فزعين ثم قال: اركبوا فركبنا، فسرنا حتى ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء. قال: فتوضأ منها وضوءاً دون وضوء. قال: وبقي فيها شيء من ماء. قال: ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ. ثم أذن بلال للصلاة، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم. قال: وركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا. قال: أما لكم فيّ أسوة حسنة؟ ثم قال: إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى. فمن فعل ذلك فليصلها حتى ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو بكر وعمر: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيديكم، فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا، وقال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار

وحمي كل شيء وهم يقولون: يا رسول الله، هلكنا عطشاً، قال: لا هلك عليكم ثم قال: أطلقوا لي غمري. قال: ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصب، وأبو قتادة يسقيهم. قال: فلم يعد أن رأى الناس ما في الميضأة فتكابّوا عليها. فقال رسول الله: أحسنوا الملا، كلكم سيروى. قال: ففعلوا، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصب ويسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فعرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله. قال: إن ساقي القوم آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأتى الناس الماء جامين رواء. قال عبد الله بن رباح: إني لأحدث بهذا الحديث في المسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني أحد الَّركب تلك الليلة. قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث. قال: فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار. قال: حدث فأنت أعلم بحديثكم. قال: فحدثت القوم فقال عمران بن حصين: لقد شهدت تلك الليلة، وما شعرت أن أحداً حفظه كما حفظته. وعن عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنا أسرينا ليلةً حتى إذا كان في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها. قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، قال: وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف قال: ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نام لم يوقظ حتى يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر بن الخطاب رأى ما أصاب الناس. قال: وكان رجلاً أجوف جليداً. قال: فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شكوا إليه الذي أصابهم. قال: لا ضير أو لا يضير ارتحلوا. قال:

فارتحلوا، فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بوضوء فتوضأ، ثم نودى بالصلاة فصلى بالناس. فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلِّ مع الناس، فقال: ما يمنعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: يا رسول الله، أصابتني الجنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. ثم سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشتكى إليه العطش، ثم دعا فلاناً وكان يسميهم أبو رجاء ونسيه عوف ودعا علياً فقال: اذهبا وابغيا الماء. قال: فانطلقنا فتلقينا امرأة بين مزداتين أو سطيحتين، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوف. قال: فقالا: انطلقي. فقالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: هذا الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين. فانطلقي، فجاآ بها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدثاه الحديث. قال: فاستنزلها عن بعيرها، ودعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين، أو السطيحتين، ثم أوكأ أفواههما وأطلق العزالي ثم نادى في الناس أن استقوا واسقوا، قال: فسقى من شاء، واستقى من شاء. قال: وكان آخر ذلك أن أعطى من أصابته الجنابة إناء من ماء. قال: اذهب فأفرغه عليك. قال: والمرأة قائمة تنظر ما يفعل بمائها. قال: وايم الله لقد أقلع عنها حين أقلع، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاً منها حين ابتدئ فيها. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجمعوا لها، فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها زاداً، فجعلوه في ثوب، فحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتعلمين والله إنا ما رزأناك من مائك شيئاً، ولكن الله هو سقانا. قال: فأتت أهلها، وقد احتبست عليهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب، أتاني رجلان فذهبا بي إلى الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، بالذي قد كان. فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه بأصبعيها الوسطى والسبابة، ترفعها إلى السماء تعني السماء والأرض، أو أنه لرسول الله حقاً. قال: فكان المسلمون يغيرون على المشركين حولها ولا يصيبون الصرم الذي هي فيه. فقالت تومئ لقومها: ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، هل لكم في الإسلام فأطاعوها، فجاؤوا جميعاً فدخلوا في الإسلام.

وعن ثابت قال: قلت لأنس: حدثني بشيء من هذه الأعاجيب لا تحدثه عن غيرك قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الظهر بالمدينة، ثم أتى المقاعد التي كان يأتيه عليها جبريل، فقعد عليها، فجاء بلال فنادى بالعصر، فقام من له أهلٌ بالمدينة يتوضؤون فيقضون حوائجهم، وبقي رجال من المهاجرين، لا أهل لهم بالمدينة، فأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدح رحراح وقال ابن المقرئ: أروح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح، فما وسع أصابعه كلها، فوضع هؤلاء الأربع وقال: هلموا، فتوضؤوا أجمعون، فقلت لأنس: كم تراهم؟ قال: ما بين السبعين إلى الثمانين. وفي رواية: فجعلت أنظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. وعن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ حصيات في يده، فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد أبي بكر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عمر فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في أيدينا رجلاً رجلاً فما سبحت حصاة منهنّ. وعن أنس: أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من بابٍ كان نحو دار القضاء، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر يخطب، فاستقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه ثم قال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيتٍ ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس. فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال أنس: فلا والله ما رأينا السماء سبتاً. قال: ثم دخل رجل

من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر. قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس. قال شريك: فسألت أنساً: أهو الرجل الأول فقال: لا أدري. وفي رواية: فتقشعت على المدينة فجعلت تمطر حواليها. قال: ولقد رأيت المدينة وإنها لفي مثل الإكليل. وعن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، والله لقد أتيتك وما لنا بعير يئطّ، ولا صبي يصطبح وأنشده: الطويل أتيناك والعذراء تدمى لثاتها ... وقد شغلت أمُّ الصبيِّ عن الطفل وألقى بكفيه الفتى استكانةً ... من الجوع ضعفاً ما يمرُّ وما يحلى ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العاميّ والعلهز الفسل وليس لنا إلاّ إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلاّ إلى الرسل قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يجر رداءه حتى صعد المنبر، ثم رفع يديه نحو السماء، وقال: " اللهم اسقنا غيثناً مغيثاً، مرئياً مريعاً، غدقاً طبقا عاجلاً غير

رائث، نافعاً غير ضار، تملأ به الضرع، وتنبت الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، " وكذلك تخرجون ". قال: فوالله ما ردّ يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأرواقها، وجاء أهل البطانة يصيحون: يا رسول الله، الغرق الغرق، فرفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم حوالينا ولا علينا "، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بانت نواجذه ثم قال: " لله درّ أبي طالب، لو كان حياً قرت عيناه، من ينشدنا قوله "؟ فقام علي بن أبي طالب وقال: يا رسول الله، كأنك أردت: الطويل وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمةٌ للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمةٍ وفواضل كذبتم وبيت الله يبزى محمدٌ ... ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل قال: وقام رجل من كنانة فقال: المتقارب لك الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر دعا الله خالقه دعوةً ... إليه وأشخص منه البصر فلم يك إلاّ كإلقا الرداء ... أو أسرع حتى رأينا الدِّرر دفاق العزاليّ جمّ البعاع ... أغاث به الله علينا مضر وكان كما قاله عمه ... أبو طالبٍ أبيضٌ ذو غرر به الله يسقي بصوب الغمام ... وهذا العيان كذاك الخبر ومن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق الغير

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت. حدث جلهمة بن عرفطة قال: إني لبالقاع من نمرة إذ أقبلت عير من أعلى نجد. فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه من عجز بعير فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة، ثم نادى: أيا رب البنيّة، أجرني، وإذا شيخ جندعي عشمة محدود قد جاء، فانتزع يده من أسجاف الكعبة، فقام إليه شيخ وسيم قسيم عليه بهاء الملك، ووقار الحكماء فقال: ما شأنك يا غلام، فأنا من آل الله وأجير من استجار به فقال: إن أبي مات وأنا صغير، وإن هذا استعبدني، وقد كنت أسمع أن لله بيتاً يمنع من الظلم. فلما رأيته استجرت به، فقال له القرشي: قد أجرتك يا غلام. قال وحبس الله يد الجندعي إلى عنقه. قال جلهمة بن عرفطة: فحدثت بهذا الحديث عمرو بن خارجة وكان في قعدد الحي فقال: إن لهذا الشيخ لنبأ، يعني: أبا طالب، قال: فهربت رحلي نحو تهامة، اكسع بها الخدود، وأعلو بها الكذّان حتى انتهيت إلى المسجد الحرام وإذا قريش عزين قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون، فقائل منهم يقول: اعمدوا للاّت والعزىّ، وقائل منهم يقول: اعمدوا لمناة الثالثة الأخرى. فقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه: حبّذا الرأي، أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم وسلالة إسماعيل! قالوا له: كأنك عنيت أبا طالب، قال: إنها. فقاموا بأجمعهم وقمت معهم، فدفعنا عليه بابه، فخرج إلينا رجل حسن الوجه مضفر، عليه إزار قد اتشح به، فثاروا إليه فقالوا: يا أبا طالب، أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلمَّ، فاستسق، فقال: دونكم زوال الشمس، وهبوب الريح. فلما زاغت الشمس أو كادت خرج أبو طالب

ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة ولاذ بأصبعة الغلام، وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي. ففي ذلك يقول أبو طالب: الطويل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمةٌ للأرامل يطيف به الهلاّك من آل هاشمٍ ... فهم عنده في نعمةٍ وفواضل وميزان عدلٍ لا يخيس شعيرةً ... ووزان صدقٍ وزنه غير عائل وعن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي، وركبت فرسي، فانطلقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال، فثار من تحت شجرة كأنّ ظلِّه ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: أسرج لي فرسي، فأخرج سرجاً دفتاه من ليفٍ فيهما أشر ولا بطر. قال: فأسرج. قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا، فلبثنا، وتسامت الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عباد الله، أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر المهاجرين، أنا عبد الله ورسوله. قال: ثم اقتحم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فرسه فأخذ كفاً من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني: ضرب به وجوههم. قال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله. قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا إلا امتلأت عيناه وفمه تراباً، وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الحديد.

وعن أبي زيد بن أخطب قال: مسح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسي ولحيتي وقال: اللهم جمله، وأدم جماله، فلقد عاش بضعاً ومئة سنة. وما شاب رأسه ولحيته إلا نبذاً، ولقد كان وجهه منبسطاً لم ينقبض. وعن عكاشة بن محصن قال: انقطع سيفي في يوم بدر فأعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوداً، فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت فيه حتى هزم الله المشركين. فلم يزل عنده حتى هلك. وعن عائذ بن عمرو قال: أصابتني رمية وأنا أقاتل بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، في جبهتي. فلما سالت الدماء على وجهي ولحيتي وصدري تناول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، فسكت ذلك الدم عن وجهي وصدري إلى ثندوتي ثم دعا لي قال: حسرح، كان يصف لنا من أثر يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منتهى ما كان يقول لنا، صدره فإذا غرة سائلة كغرة الفرس. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل ترون قبلتي هاهنا، فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي ". وعنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للناس: " أحسنوا صلاتكم، فأني أراكم خلفي كما أراكم قدامي ". وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرى بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء. وعن عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في أصحابه فدرت من خلفه، فعرف الذي أريد

فألقى الرداء عن ظهره، فرأيت موضع الخاتم على نغض كتفه مثل الجمع حوله خيلان كأنها الثآليل، فرجعت حتى استقبلته، فقلت غفر الله لك يا رسول الله، فقال: ولك، فقال القوم: استغفر لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، ولكم، ثم تلا الآية: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين ". وعن جابر بن سمرة قال: رأيت خاتم النبوة بين كتفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه بيضة حمامة. وعن السائب بن زيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح برأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى أثر خاتمه بين كتفيه مثل زرّ الحجلة. وعن غياث البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة، فسألته عن خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان بين كتفيه، فقال بأصبعه السبابة: هكذا، لحم ناشز بين كتفيه. وفي رواية قال: كان بضعة لحم على لون جسده. وعن ابن عمر قال: كان خاتم النبوة على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل السرقة من لحم، عليه مكتوب: محمد رسول الله.

ذكر إثبات شفاعته لأهل الكبائر من أمته

ذكر إثبات شفاعته لأهل الكبائر من أمته وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته واختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله يوم القيامة لمن مات لا يشرك بالله شيئاً ". وحدث أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أن لكل نبي شفاعة ودعوةً دعا بها في أمته فاستجيب له. وإني أريد إن شاء الله أن أدّخر دعوتي لأمتي يوم القيامة ". وعن أبي هريرة: في قول الله عز وجل: " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ". قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ". وعن ابن عباس: في قوله: " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً " قال: المقام المحمود: مقام الشفاعة. وعن أبي هريرة قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: يا رسول الله، ماذا ردّ إليك ربك في الشفاعة؟ قال: "

والذي نفس محمد بيده، لقد ظننت أنك أول من يسألني من ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم، والذي نفس محمد بيده، لما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي لهم، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً، وأن محمداً رسول الله، يصدق لسانه قلبه، وقلبه لسانه ". وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". وعن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمع رهط من أهل البصرة، وأنا فيهم، فأتينا أنس بن مالك وتشفعنا إليه بثابت البناني، فدخلنا عليه، فأجلس ثابتاً معه على السرير فقلت: لا تسلوه عن شيء غير هذا الحديث، فقال ثابت: يا أبا حمزة، إخوانك من أهل البصرة جاؤوا يسألونك عن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيؤتى آدم فيقولون: يا آدم، اشفع لذريتك، فيقول: لست لها، ولكن ائتوا إبراهيم، فإنه خليل الله، فيؤتى إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله، فيؤتى موسى صفوة الله فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأوتى فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي عز وجل، فيؤذن لي عليه فأقوم بين يديه مقاماً، فيلهمني فيه محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له

ساجداً، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي ربِّ، أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال برة أو مثقال شعيرة من إيمان فأخرجه. فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد، ارفع رأسك وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي ربِّ، أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه ذرة أو مثقال خردلة من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أرجع، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفَّع، فأقول: أي ربِّ، أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال خردلة من إيمان فأخرجه من النار. فلما رجعت من عند أنس قلت لأصحابي: هل لكم في الحسن؟ وهو مستخف في منزل أبي خليفة في عبد القيس. فأتيناه فدخلنا عليه، فقلنا: جئنا من عند أخيك أنس، فلم نسمع مثل ما حدثنا به في الشفاعة. قال: كيف حدثكم؟ قال: فحدثناه الحديث حتى إذا بلغنا قال: هيه. قلنا: لم يزدنا على هذا. قال: قد حدثنا هذا الحديث، وهو جميع، حدثني منذ عشرين سنة، ولقد ترك شيئاً، فلا أدري أنسي الشيخ أم كره أن يحدثكموه فتتكلوا، حدثني.. ثم قال في الرابعة: ثم أعود فأخر له ساجداً، ثم أحمد بتلك المحامد فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: أي ربِّ، ائذن فيمن قال لا إله إلا الله، بها صادقاً. قال: فيقول: ليس لك، وعزتي وكبريائي وعظمتي. لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. قال: فأشهد على الحسن لحدثنا بهذا الحديث يوم حدثنا به أنس. وعن أنس بن مالك قال: حدثني نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط إذ حياني عيسى. قال: فقال: هذه الأنبياء عليهم السلام قد جاءتك يا محمد ينسلون أو قال: يجتمعون إليك، فيدعون الله عز وجل أن يفرق جميع الأمم إلى حيث يسأل الله عز وجل لغم ما هم فيه، والخلق ملجمون في العرق. فأما المؤمن فهو عليه كالزُّكمة. وأما الكافر فيغشى من الموت، قال: قال عيسى عليه السلام: انتظر حتى أرجع إليك، قال: ذهب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام تحت العرش فلقي ما لم يلق ملك مصطفى، ولا نبي مرسل فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمد فقل له. ارفع رأسك. سل تعط. واشفع تشفع. قال: فشفعت في أمتي أن أخرج من كل تسعة وتسعين إنساناً واحداً. قال: فما زلت أتردد على

ربي، فلا أقوم منه مقاماً إلا شفعت، حتى أعطاني الله عز وجل من ذلك أن قال: يا محمد، أدخل من أمتك من خلق الله من شهد أنه لا إله إلا الله يوماً واحداً، مخلصاً، ومات على ذلك ". وعن ابن عمر قال: تصير الأمم جثىً، كل أمة مع نبيها فيجيء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أمته فيؤتى بهم على كوم مشرف على الأمم كلها فيقال: يا فلان: اشفع فيردها بعضهم إلى بعض حتى ينتهوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذلك قوله: " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. وقال: إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن. فبينما هم كذلك استعانوا بآدم فيقول: لست صاحب ذلك، ثم يأتون موسى فيقول كذلك، ثم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم ". وعن أبي نضرة قال: سمعت ابن عباس يخطب على منبر البصرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لم يكن نبي إلا وله دعوة ينجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد، فآدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، ويطول يوم القيامة على الناس ويشتد حتى يقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبينا آدم أبي البشر ليشفع لنا إلى ربه، فيقضي بيننا، فينطلقون إلى آدم فيقولون: يا آدم، اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فيقول آدم: لست هناكم، إني أخرجت من الجنة بخطيئتي، وإنه لا يهمني اليوم إلا

نفسي، ولكن ائتوا نوحاً، فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح، اشفع لنا إلى ربك فيقضي بيننا، فيقول: لست هناكم، إني دعوت دعوة أغرقت أهل الأرض، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: لست هناكم، إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات قوله: " إني سقيم " وقوله: " بل فعله كبيرهم هذا " وقوله للملك حين مر به فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله ما أرد بهن إلا عزة لدين الله فإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا موسى عبداً اصطفاه الله برسالته وكلمه، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم، إني قتلت نفساً بغير نفس، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فيقول: إني لست هناكم، إني اتخذت إلهاً من دون الله، فإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي، أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم كان يقدر على ما فيه حتى يفض الخاتم؟ فيقولون: لا، فيقول: فإن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين وقد حضر، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتون فيقولون: يا محمد، اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول: أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى. فإذا أراد الله أن يقضي من خلقه نادى منادٍ: أين أحمد وأمته؟ أين أحمد وأمته؟ فيجيئون فنحن الأولون الآخرون، آخر من يبعث وأول من يحاسب، فتفرج لنا الأمم عن طريقنا، فنمضي غراً محجلين من آثار الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمم أن تكون أنبياء كلها ". وعن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها، قال: ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال: لا أقعد عليه قائماً بين يدي ربي، منتصباً بأمتي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة، وتبقى أمتي بعدي، فأقول: يا رب، أمتي أمتي. قال: فيقول الله عز وجل: يا محمد، وما تريد أن أصنع بأمتك؟ فأقول: يا رب، عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون، فنمهم من يدخل الجنة برحمة الله، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي، فما أزال

أشفع حتى أعطى صكاكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، حتى إن مالكاً خازن النار يقول: يا محمد، ما تركت النار لغضب ربك في أمتك من نقمة ". وعن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطيت خمساً ولا أقول فخراً: بعثت إلى الأحمر والأسود. وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد كان قبلي. ونصرت بالرعب، يسير من أمامي مسيرة شهر. وأعطيت الشفاعة، وادخرتها لأمتي إلى يوم القيامة. وهي إن شاء الله نائلةٌ من لا يشرك بالله شيئاً ". وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألا كل نبي أعطي عطية فتنجزها، وإني اختبأت عطيتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة ". وعن عبد الله قال: أول من يشفع روح القدس جبريل ثم إبراهيم ثم موسى، ثم يقوم نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رابعاً فيشفع فيما لا يشفع فيه أحد سواه. وعن عبد الله قال: يعذب الله قوماً من أهل الإيمان فتخرجهم شفاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يبقى منهم إلا من ذكر الله منهم في القرآن: " ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين " إلى قوله: " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " ثم قال: هؤلاء الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين. وعن عبد الله بن مسعود: يشفع نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رابع أربعة: جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه نبيكم، ثم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء. ويبقى قوم في جهنم فيقال لهم: " ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين " وإلى قوله: " فما تنفعهم شفاعة الشافعين ".

قال ابن مسعود: فهؤلاء الذين يبقون في جهنم. وعن ابن عباس: في قوله عز وجل: " ولسوف يعطيك ربك فترضى ". قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة.

ما ضرب لنفسه من المثل وما ظهر من الإكمال للدين ببعثه

ما ضرب لنفسه من المثل وما ظهر من الإكمال للدين ببعثه وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه، وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون غيرها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، فتم بي البنيان، وختم بي الرسل ". وفي حديث آخر: " فأنا ذلك خاتم النبيين ولا نبي بعدي ". وعن جابر بن عبد الله قال: جاءت الملائكة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو نائم، فقال بعضهم لبعض: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن مثله كمثل رجل بنى داراً فجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً: من أجاب الدعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. قالوا: فالدار: الجنة، والداعي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن أطاع محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أطاع الله ومن عصى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد عصى الله، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرق بين الناس. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثلي كمثل رجل استوقد ناراً. فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه ويتقحمن فيها، فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقتحمون فيها ".

وعن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مثل ما آتاني الله عز وجل من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يعقل هدى الله الذي أُرسلت به ". وعن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: أني رأيت الجيش، يعني: وإني النذير، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فارتحلوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذّب بما جئت به من الحق ". وروي عن الحسن أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا كمثل قومٍ سلكوا مفازةً غبراء لا يدرون، ما قطعوا منها أكثر أم ما بقي منها؟ فحسر ظهرهم، ونفد زادهم، وسقطوا بين ظهراني المفازة، وأيقنوا بالهلكة، فبينا هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه فقالوا: إن هذا لحديث العهد بالريف، فانتهى فقال: ما لكم يا هؤلاء؟ قالوا: ما ترى. حسر ظهرنا، ونفد زادنا، وسقطنا بين ظهراني المفازة، لا ندري ما قطعنا منه أكثر أم ما بقي علينا؟ قال: ما تجعلون لي إن أوردتكم ماء رواء ورياضاً خضراً؟ قالوا: نجعل لك حكمك. قال: تجعلون لي عهودكم ومواثيقكم ألا تعصوني؟ قال: فجعلوا له عهودهم ومواثيقهم ألا يعصوه، فمال بهم فأوردهم رياضاً خضراً وماء روىً. فمكث يسيراً ثم قال: هلموا إلى رياض أعشب من رياضكم وماء أروى من مائكم فقال رجلٌ من القوم: ما قدرنا على هذا حتى كدنا ألا نقدر عليه، وقالت طائفة منهم: ألستم قد جعلتم لهذا الرجل عهودكم ومواثيقكم ألا تعصوه، وقد صدقكم في أول حديثه، وآخر حديثه مثل أوله، فراح وراحوا معه، فأوردهم رياضاً خضراً وماء روىً، وأتى الأخرى العدو من تحت ليلتهم فأصبحوا بين قتيل وأسير ".

ذكر إعزازه بالهجرة إلى المدينة

ذكر إعزازه بالهجرة إلى المدينة عن جرير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تبارك وتعالى أوحى إلي: أي هؤلاء البلاد الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنسرين ". قال أهل العلم: ثم عزم له على المدينة، فأمر أصحابه بالهجرة إليها. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلمّ بمكة ثم أمر بالهجرة وأنزل عليه: " وقل رب أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً ". وعن ابن عباس: في قوله تعالى: " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ". قال: تشاورت قريش بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح أثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال بعضهم: اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك، فبات علي على فراش النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة، وخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً، يحسبون أنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما أصبحوا ثاروا إليه. فلما رأوا علياً ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟! قال: لا أدري، فاقتصوا أثره. فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج

العنكبوت، فقالوا: لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فمكث فيه ثلاثاً. وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفي النهار بكرة وعشياً. فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنّة وهو سيد القارة. فقال له: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي عز وجل، فقال له ابن الدغنّة: فإن مثلك لا يُخرج، ولا يخرج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة. فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبا بكر لا يُخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟! فلم تكذب قريش جوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مُر أبا بكر فليتعبد في داره، وليصل فيها، وليقرأ فيها ما شاء، ولا يؤذنا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فقال ابن الدغنة ذلك لأبي بكر. فلبث أبو بكر بذلك يعبد الله في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا بقراءته في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، فيتعجبون منه، وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجزنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقري لأبي بكر الاستعلان.

قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاهدت لك عليه، فأما أن تقتصر، وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب تسمع العرب أني أُخفرت في رجلٍ عقدت له. فقال أبو بكر فإني أردّ إليك جوارك، وأرضى بجوار الله تبارك وتعالى. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ بمكة قد قال للمسلمين: قد رأيت أرض هجرتكم، أُريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: نعم. فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصحبة، وعلف راحلتين كانتا عنده، ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر. قالت عائشة: فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منقبعاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداك أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستأذن، فأُذن له فدخل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإني قد أُذن لي في الخروج. قال أبو بكر: للصحابة، بأبي وأمي يا رسول الله؟ قال: نعم. فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بالثمن. قالت عائشة: فجهزتهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنة أبي بكر نطاقها قطعتين، فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين. ثم لحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقيف فيدلج من عندهما السحر، فيصبح مع قريشٍ كبائبٍ،

ولا يسمع أمراً إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولىً لأبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل: وهو لبن منحتهما، حتى ينعق عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من الليالي الثلاث. فاستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر رجلاً من بني الدئل وهو ابن عبد العزى بن عدي هادياً خرّيتاً والخريت: الماهر بالهداية قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، وأخذ بهم طريق الساحل. وفي حديث آخر: فحدث عن أسماء بنة أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقال: أين أبوك يا بنة أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً فلطم خدي لطمة، فخرج منها قرطي. قالت: ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاث ليالٍ، ما ندري أين توجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغني بأبيات من شعر غناء العرب، وإن الناس ليتبعونه فيسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة يقول: الطويل جزى الله ربُّ الناس خير جزائه ... رفيقين حلاّ خيمتي أم معبد هما نزلا بالبرِّ وارتحلا به ... وأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعبٍ مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قالت: فلما سمعنا صوته عرفنا حيث وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن وجهه إلى المدينة، وكانوا أربعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وعبد الله بن أُريقط دليلهما.

وروى زيد بن أرقم بن شعبة وأنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الغار أمر الله شجرة فخرجت في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستره، وأن الله بعث العنكبوت فنسجت ما بينهما، فسترت وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فأقبلا يدفان حتى وقعا بين العنكبوت وبين الشجرة. وأقبلت فتيان من قريش، من كل بطن منهم رجل، ومعهم عصيهم وقسيهم وهراوتهم حتى إذا كانوا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قدر مئتي ذراع قال الدليل سراقة بن مالك بن جعشم المدلحجي: هذا الجحر ثم لا أدري أين وضع رجله؟ فقال الفتيان: أنت لم تخط منذ الليلة حتى أصبحنا فقال: انظروا في الغار، فاستقدم القوم حتى إذا كانوا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قدر خمسين ذراعاً فإذا الحمامتان فرجع، فقالوا: ما ردك أن تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فسمعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرف أن الله تبارك وتعالى درأ عنهما بهما فسمت عليهما وأخذهما إلى الحرم، فأفرخا كما ترى. وحدث أبو بكر رضي الله عنه قال: جاء رجل من المركز حتى استقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعورته يبول، قال: قلت: يا رسول الله، أليس الرجل يرانا؟ قال: لو رآنا لم يستقبلنا بعورته. يعني: وهما في الغار. وعن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر يستخفيان في الغار مرّا بعبد يرعى غنماً، فاستسقياه من اللبن، فقال: والله ما لي شاة تحلب، غير أن ههنا عتاقاً حملت أوان الشتاء فما بقي لها لبن، وقد افتجت فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائتنا بها، فدعا عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبركة، ثم حلب عشاء، فسقي أبا بكر، ثم حلب آخر فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال العبد: بالله من أنت؟ ما رأيت مثلك قط، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو تراك إن أخبرتك تكتم عليّ؟ قال: نعم. قال: إني محمد رسول الله. قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابئ؟ قال: وإنهم ليقولون ذلك. قال: فإني أشهد أنك لرسول الله، وأن ما جئت

به حق، وأنه ليس يفعل ما فعلت إلا نبي، ثم قال: أتبعك؟ قال: لا، حتى تسمع أنا قد ظهرنا، فإذا بلغك ذلك فاخرج. فتبعه بعدما خرج من الغار. وعن جابر بن عبد الله قال: لما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر مهاجرين فدخلا الغار، فإذا في الغار جحر فألقمه أبو بكر عقبه حتى أصبح، مخافة أن يخرج على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه شيء. فأقاما في الغار ثلاث ليالٍ ثم خرجا حتى نزلا خيمات أم معبد، فأرسلت إليه أم معبد: إني أرى وجوهاً حساناً، وإن الحي أحرص على كرامتكم مني. فلما أمسوا عندها بعثت إليهم مع ابن لها بشفرة وشاة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا غلام، اردد الشفرة وهات لي فرقاً يعني: قدحاً فأرسلت إليه بأن لا لبن فيها ولا ولد. قال: هات لي فرقاً فجاؤوه بقدح، فضرب على ظهرها، فاجترت ودرت، وملأ القدح فنشرب وسقى أبا بكر، ثم حلب، فبعث به إلى أم معبد. وعن أنس بن مالك قال: أقبل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة وهو مردفٌ أبا بكر ويقول: يا أبا بكر، شيخ يعرف، ونبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاب لا يعرف. قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، فيحسب الحاسب إنما يهديه الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال: يا نبي الله، هذا فارس قد لحق بنا. قال: فالتفت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم اصرعه، فصرعه فرسه، ثم قامت تحمحم. قال: ثم قال: يا نبي الله، مرني بما شئت. قال: قف مكانك لا تتركن أحداً يلحق بنا. قال: فكان أول النهار جاهداً على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان آخر النهار مسلحة له. قال: فنزل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جانب الحرة. ثم بعث إلى الأنصار فجاؤوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. قال: فركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وحفوا حولها بالسلاح. قال: فقيل في المدينة: جاء نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستسرعوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظرون إليه ويقولون: جاء نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب. قال: فإنه ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخيل لأهله

يخترف لهم منه، فعجل أن يضع التي يخترف فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع إلى أهله. فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي بيوت أهلنا أقرب؟ قال: فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي، قال: فانطلق فهيئ لنا مقيلاً. قال: فذهب فهيأ لهما مقيلاً ثم جاء فقال: يا نبي الله، قد هيأت لكما مقيلاً، قوما على بركة الله فقيلا. فلما جاء نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقاً، وأنك جئت بحق، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن عالمهم، فادعهم فسلهم، فدخلوا عليه، فقال لهم نبي الله: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا الله إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وإني جئتكم بحق، أسلموا، قالوا: ما نعلمه: ثلاثاً. وعن سراقة بن جعشم قال: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال: يا سراقة، إني رأيت آنفاً أسودة بالساحل أراها محمداً وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت: إنهم ليسوا بهم ولكن رأيت فلاناً وفلاناً انطلقوا آنفاً. قال: ثم ما لبثت في المجلس ساعة حتى قمت، فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تُخرج لي فرسي من وراء أكمة فتحبسها عليّ وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فحططت برمحي الأرض، وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي، فركبتها فترفغتها تقرب بي حتى رأيت أسوديهما. فلما دنوت منهم حيث أُسمعهم الصوت عثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت وأهويت بيدي إلى كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره ألا أضرهم، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، فترفغتها تقرب بي حتى إذا دنوت منهم عثرت بي فرسي، فخررت عنها فقمت، فأهويت بيدي إلى كنانتي، فأخرجت الأزلام فاستقسمت بها، فخرج الذي أكره ألا أضرهم، فعصيت الأزلام، وركبت فرسي فترفغتها تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يد فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين، فخررت عنها فزجرتها،

فنهضت، فلم تكد تُخرج يديها. فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان. قال معمر: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما العثان؟ فسكت ساعة ثم قال: هو الدخان من غير نار. قال الزهري في حديثه: فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره: ألا أضرهما فناديتهما بالأمان، فوقفوا، وركبت فرسي حتى جئتهم. فوقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: إن قومك جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم، وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزوني شيئاً ولم يسألوني إلا أن أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم ثم مضى. وعن جماعة من الصحابة دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: لما رأى المشركون أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حملوا الذراري والأطفال إلى الأوس والخزرج عرفوا أنها دار منعة، وقوم أهل حلقة وبأس، فخافوا خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجا منهم ليتشاوروا في أمره، وحضرهم إبليس في صورة شيخ كبير من أهل نجد مشتمل الصماء في بتّ، فتذكروا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشار كل رجل منهم برأي. كل ذلك يردّه إبليس عليهم، ولا يرضاه لهم

إلى أن قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاماً نهداً جليداً ثم نعطيه سيفاً صارماً، فيضربونه ضربة رجلٍ واحدٍ فيتفرق دمه في القبائل، فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع. قال: يقول النجدي: لله در الفتى، هذا والله الرأي، وإلا فلا. فتفرقوا على ذلك، وأجمعوا عليه. وأتى جبريل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره الخبر، وأمره ألا ينام في مضجعه تلك الليلة. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر فقال: إن الله قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر: للصحابة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بالثمن. وكان أبو بكر اشتراهما بثمان مئة درهم من نعم بني قشير. فأخذ إحداهما وهي القصواء، وأمر علياً أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه، وتغشى برداً أحمر حضرمياً كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام فيه. واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صبير الباب فيرصدونه، يريدون بياته فيأتمرون أيهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم جلوس على الباب، فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذرها على روؤسهم ويتلو: " يس والقرآن الحكيم " حتى بلغ: " سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قائل منهم: ما تنظرون؟ قالوا: محمد. قال: خبتم وخسرتم، قد والله مر بكم وذر على رؤوسكم التراب. قالوا: والله ما أبصرناه، وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وهم أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وابن العيطلة وزمعة بن الأسود وطعيمة ين عدي وأبو لهب وأبيّ بن خلف ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج. فلما أصبحوا قام عليّ عن الفراش فسألوه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا علم لي به. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منزل أبي بكر فكان فيه إلى الليل. ثم خرج هو وأبو بكر. فمضيا إلى غار ثور فدخلاه، وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، وطلبت قريش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار. فقال بعضهم: إن عليه لعنكبوتاً قبل ميلاد محمد، فانصرفوا، وساق الحديث.

وكان خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الغار ليلة الاثنين لأربع ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول، وقال يوم الثلاثاء بقديد، فلما راحوا منها عرض لهم سراقة بن مالك بن جعشم وهو على فرس له، فدعا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسخت قوائم فرسه. فقال: يا محمد، ادع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك، وأرد من ورائي ففعل، فأطلق، ورجع، فوجد الناس يلتمسون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارجعوا فقد استبرأت لكم ما هاهنا، وقد عرفتم بصري بالأثر، فرجعوا عنه. وسلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخرار ثم جاز ثنية المرة، ثم سلك لقفاً ثم أجاز مدلجة لقف، ثم استبطن مدلجة مجاح ثم سلك مرجح ثم بطن مرجح مجاح، ثم بطن ذات كشر ثم علا الجداجد ثم علا الأذاخر ثم بطن ربع، فصلى به المغرب. ثم ذا سلم ثم أعد مدلجة ثم العثيانة ثم جاز بطن الفاجة ثم هبط العرج ثم سلك في الخذوات ثم في الغائر عن يمين ركوبه، ثم هبط بطن العقيق حتى انتهى إلى الجثجاثة فقال: من يدلنا على الطريق إلى بني عمرو بن عوف ولا يقرب المدينة؟ فتعلل على طريق الظُبَيّ حتى خرج على العصبة. وكان المهاجرون قد استبطؤوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القدوم عليهم، فكانوا يغدون مع الأنصار إلى ظهر حرّة العصبة فيتحينون قدومه في أول النهار، فإذا أحرقتهم الشمس رجعوا إلى منازلهم. فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ويقال: اثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول جلسوا كما كانوا يجلسون. فلما أحرقتهم الشمس رجعوا إلى بيوتهم، فإذا رجل من يهود يصيح على أُطُم بأعلى

صوته: يا بني قيلة، هذا صاحبكم قد جاء. فخرجوا فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الثلاثة، فبعث الرجّة في بني عمرو بن عوف والتكبير، وتلبس المسلمون السلاح. فلما انتهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قباء جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقام أبو بكر يذكر الناس. وجاء المسلمون يسلمون على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كلثوم بن الهدم وهو الثبت عندنا ولكنه كان يتحدث مع أصحابه في منزل سعد بن خيثمة، وكان يسمى منزل العزّاب، فلذلك قيل نزل على سعد بن خيثمة. قالوا: وأقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببني عمرو بن عوف يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس. وخرج يوم الجمعة فجمّع في بني سالم، ويقال: أقام ببني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة. فلما كان يوم الجمعة ارتفاع النهار دعا براحلته، وحشد المسلمون وتلبسوا السلاح، وركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقته القصواء، والناس معه عن يمينه وشماله، فاعترضته الأنصار، لا يمر بدارٍ من دورهم إلا قالوا: هلمّ يا نبي الله إلى القوة والمنعة والثروة فيقول لهم خيراً، ويدعو لهم ويقول: إنها مأمورة. فلما أتى مسجد بني سالم جمّع بمن كان معه من المسلمين وهم مئة. قالوا: ثم ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقته وأخذ عن يمين الطريق حتى جاء بلحبلى ثم مضى، حتى انتهى إلى المسجد، فبركت عند مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الناس يكلمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النزول عليهم، وجاء أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب فحط رحله وأدخله منزله، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المرء مع رحله، وجاءه أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت عنده. وهذا الثبت. قال زيد بن ثابت: فأول هدية دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل أبي أيوب هدية دخلت بها أنا، قصعة مثرودة: خبز وسمن ولبن، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال: بارك الله فيك، ودعا أصحابه، فأكلوا فلم أرم الباب حتى دخلت قصعة سعد بن عبادة: ثريد وعراق، وما كان من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثلاثة والأربعة يحملون الطعام،

يتناوبون ذلك حتى تحول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من منزل أبي أيوب. قال: وكان مقامه فيه سبعة أشهر. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما بعيرين وخمس مئة درهم إلى مكة، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسودة بنت زمعة زوجته، وأسامة بن زيد، وكانت رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد هاجر بها زوجها عثمان بن عفان قبل ذلك، وحبس أبو العاص بن الربيع امرأته زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحمل زيد بن حارثة امرأته أم أيمن مع ابنها أسامة بن زيد، وخرج عبد الله بن أبي بكر معهم بعيال أبي بكر فيهم عائشة، فقدموا المدينة، فأنزلهم في بيت حارثة بن النعمان.

ذكر حروبه وغزواته وسراياه

ذكر حروبه وغزواته وسراياه قال علي بن حسين: كنا نُعلم مغازي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه كما نعلم السورة من القرآن. وعن إسماعيل بن محمد بن سعد قال: كان أبي يعلمنا مغازي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعدها علينا، وسراياه ويقول: يا بني، هذه مآثر آبائكم، فلا تضيعوا ذكرها. وكان الزهري يقول في علم المغازي: علم الآخرة والدنيا. وعن قتادة قال: غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع عشرة غزوة: واقع فيها يوم بدر. وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ ثلاث مئة وتسع عشرة، والمشركون يومئذ ألف غير خمسين، وكانت بدر في رمضان صبيحة سابع عشرة خلت من رمضان يوم الجمعة بعد هجرته بثمانية عشر شهراً أو ما شاء الله من ذلك وواقع نبي الله يوم أحد. فكان أحد من العام المقبل في شوال يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوال، وكان أصحابه يومئذ سبع مئة والمشركون ألفين، وما شاء الله من ذلك. وواقع يوم الأحزاب. وكانت بعد أحد بسنتين من هجرته، وأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما

بلغنا ألف، والمشركون أربعة آلاف وما شاء الله من ذلك. وبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لن يغزوكم المشركون بعد اليوم ". ثم كانت غزوة المريسيع، وقديد. واقع فيها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عام واحد سنة خمس من هجرته. وأما المريسيع فلقي عليه نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خزاعة بني المصطلق. وأما قديد فكان لهذيل. وواقع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر، وذلك في سنة ست من هجرته في ذي القعدة، مرجعه من الحديبية. وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس عشرة مئة. وواقع يوم الفتح سنة ثمان في رمضان، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار عشرة آلاف أو قريب من ذلك. وواقع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، وذلك والفتح في عام واحد في شوال، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ اثنا عشر ألفاً من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء من أهل مكة. وغزا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع عشرة غزوة. وواقع فيها ثماني غزوات، وهي الثمان التي ذكرناها. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعاً وعشرين سرية، فجميع غزو نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه ثلاث وأربعون غزوة. قال قتادة: مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسراياه ثلاث وأربعون. أربعٌ وعشرون سرية بعثها، وتسع عشرة غزوة خرج فيها. لقي منها ثمانية بنفسه: ببدر والأحزاب والمريسيع وقديد وخيبر وفتح مكة وحنين، والحديبية سنة ست. وبها كانت المتعة، وصده المشركون ومنعوه أن يدخل المسجد الحرام. فنحر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدي مكانه، وحلقوا وقصر بعضهم، فاستغفر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة واحدة، وصالح المشركين أن يعتمروا من العام المقبل، فاعتمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسنة سبع، وكان الفتح سنة ثمان.

وحج أبو بكر الصديق سنة تسع. وقرأ علي بن أبي طالب على الناس: " براءةٌ من الله ورسوله " " إلى الناس يوم الحج الأكبر " وكان مع أبي بكر. وحج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشر، ثم صدر إلى المدينة وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول. وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان. وقال ابن شهاب: غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً والكدر بني سليم. وغزا غطفان بنخل، ثم غزا قريشاً وبني سليم ببحران، ثم غزا يوم أحد، ثم طلب العدو حتى بلغ حمراء الأسد. ثم غزا قريشاً لموعدهم، فأخلفوه، ثم غزا بني النضير الغزوة التي أجلاهم فيها إلى خيبر، ثم غزا تلقاء نجد يريد محارباً وبني ثعلبة، وهي غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة دومة، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني المصطلق بالمريسيع، وسبى فيها جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، ثم غزوة ذات السلاسل، ثم كانت غزوة قطن قتل فيها مسعود بن عروة، وغزوة ثنية القردة أصاب فيها عيراً لقريش، وغزوة الجموم تلقاء أرض بني سليم، وغزوة حسمى وغزوة الطرف، وغزوة وادي القرى. وعن جماعة والسياق للبيهقي قال: هذه مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي قاتل فيها: بدر في رمضان سنة اثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق وهو يوم الأحزاب، وبني قريظة في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان من سنة خمس، ثم قاتل يوم خيبرمن سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، وقاتل يوم حنين،

وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان. ثم حج أبو بكر سنة تسع. ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع لتمام سنة عشر. وغزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثنتي عشرة غزوة، ولم يكن فيها قتال، فكانت أول غزوة غزاها الأبواء، وغزوة ذي العشيرة من قبل ينبع يريد كرز بن جابر، وكانت معه قريش. وغزوة بدر الآخرة، وغزوة غطفان، وغزوة الخندق يوم الأحزاب، وغزوة بني سليم بالكُدر، وغزوة بُواط، وغزوة بُحران، وغزوة الطائف، وغزوة الحديبية، وغزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعوثاً، فكان أول بعثٍ بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن بعث عبيدة بن الحارث بن المطلب نحو قريش، فلقوا بعثاً عظيماً على ماء يدعى أحياء وهو بالأبواء. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن جحش نحو مكة فلقيه عمرو بن الحضرمي بنخلة، فقتله واقد بن عبد الله، وأسروا رجلين من بني مخزوم: عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، ففديا بعدما قدما المدينة. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكباً حتى بلغوا قريباً من سيف البحر من الجار إلى جهينة. فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثين ومئة راكب من قريش، فحجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهني. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبيدة الجراح نحو ذي القصة من طريق العراق. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنذر بن عمرو وقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعنق ليموت إلى بئر معونة، فاستشهدوا جميعاً ومن معه. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة أربع مرات: مرة نحو بني قرد من

هذيل، ومرة نحو جذام من نحو الوادي، ومرة نحو مؤتة، وغزوة الجموم من بني سليم. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بن الخطاب نحو أهل تربة. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشير بن سعد الأنصاري أخا بني الحارث بن الخزرج نحو بني مرة بفدك. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن أنيس، وأبا قتادة ومسعود بن سنان وأسود بن الخزاعي فقتلوا رافع بن أبي الحَقيق وفي رواية: أبا رافع بن أبي الحقيق وهو الصواب بخيبر. وأمرهم عبد الله بن عتيك فقدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة، وهو على المنبر، فلما رآهم قال: أفلحت الوجوه. قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله. قال: أقتلتموه؟ قالوا: نعم. فدعا بالسيف الذي قتل به فسله وهو قائم على المنبر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أجل هذا طعامه في ذباب السيف. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن عُمير نحو ذات أطلاح من البلقاء فأصيب كعب ومن معه. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص نحو السلال من مشارف الشام. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد نحو وادي القرى يوم قتل مسعود بن عروة. وليس هو الثقفي. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً كرم الله وجهه فأصيب بنو بكر بالكديد. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القرطاء من هوزان. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أبي العوجاء قبل بني سليم فقتل بها ابن أبي العوجاء.

وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عكاشة بن محصن نحو الغمرة. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاصم بن الأفلح نحو هُذيل. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعد بن أبي وقاص إلى الحجاز وهو الخرّار. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر ثلاث عُمر: اعتمر من الجحفة عام الحديبية وفي رواية: من ذي الحليفة عام الحديبية فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ستٍ، واعتمر العام المقبل في ذي القعدة سنة سبع آمناً هو وأصحابه، ثم اعتمر الثالثة في ذي القعدة سنة ثمان يوم أقبل من الطائف من الجِعرانة. قال عبيد الله بن أبي زياد: هذا كتاب ما ذكرنا لنا محمد بن مسلم الزهري مما سألناه عنه من أول مخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكر صدراً من الحديث وقال: فكان أول مشهد شهده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، ورئيس المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. فالتقوا ببدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون بين الألف والتسع مئة، فكان ذلك يوم الفرقان يوم فرق الله بين الحق والباطل، فكان أول قتيل قتل يومئذ من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب. ثم كانت غزوة بني النَّضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة. فحاصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أقلت الإبل من الأموال والأمتعة إلا الحلقة وهو السلاح. فأجلاهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الشام. فأنزل الله عز وجل فيهم من أول سورة الحشر إلى قوله: " وليُخزي الفاسقين ".

ثم كانت وقعة أحد في شوال على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب. فلما نزل أبو سفيان بالمشركين أحداً قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: إني رأيت الليلة أني في درع حصينة. وإني أوّلتها المدينة، فاجلسوا في صنعكم وقاتلوا من ورائه، وكانوا قد سكّوا أزقة المدينة بالبنيان، فقال رجال من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكونوا شهدوا بدراً: يا رسول الله، اخرج بنا إليهم. فلم يزالوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دعا بلأمته فلبسها، فلما لبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته قال: أما إني أظن الصرعى ستكثر منكم ومنهم اليوم. إني رأيت في النوم بقراً منحّرة فأراني أقول: بقرٌ والله خير، فتقدم الذين يدعونه إلى الخروج فقالوا: يا رسول الله، امكث. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لا ينبغي لنبيّ أن يلبس لأمته ثم ينثني حتى يأتي الناس. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه حتى التقوا هم والمشركون بأحد، والمسلمون يومئذٍ قريب من أربع مئة، والمشركون قريب من ثلاثة آلاف، فاقتتلوا. قال الله تعالى: " ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه " إلى قوله: " والله خبير بما تعملون " وكان فيمن قتل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير من بني عبد الدار، وهو أول من جمّع الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذلك يوم نجم النفاق، وسموا المنافقين، وهم الذين حدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهض إلى المشركين بأحد، وكانوا قريباً من ثلث أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمشوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا بلغوا الجبّابة وبرزوا من دور المدينة انصرفوا إلى أهلهم، ورأسهم يومئذ عبد الله بن أبيّ، وكان عظيم تلك البحيرة في الجاهلية. ثم كانت وقعة الأحزاب لسنتين، وذلك يوم خندق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون الخندق بجبّانة المدينة، ورئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن حرب، فحاصرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بضع عشرة ليلة فخاض إلى المسلمين الكرب والأزل حتى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما

أخبر سعيد بن المسيب: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد. وأرسلت بنو قريظة إلى أبي سفيان ومن معه من الأحزاب أن اثبتوا، فإنا سنغير على قبضة المسلمين من ورائهم، فسمع نعيم بن عمرو الأشجعي وهو موادع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان نعيم رجلاً لا يكتم الحديث. فأقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره وبعث الله عليهم الريح حتى يكاد أحدٌ منهم يهتدي لموضع رجله. فارتحلوا وولوا منهزمين فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ " إلى قوله: " وما تلبثوا بها إلا يسيرا ". فلما ولى الكفار طلبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه من المسلمين حتى بلغوا جبلاً يقال له حمراء الأسد. فأنزل الله تعالى: " وكفى الله المؤمنين القتال " إلى: " وكان الله على كل شيءٍ قديرا " فأنزل الله هذا في طلبهم، وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه إلى بني قريظة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. ثم كانت غزوة الحديبية وأهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذي الحليفة بعمرة، ومن معه يومئذ بضع عشرة مئة من المسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لم نأت لقتال أحد، ولكنا جئنا لنطوف بالبيت فمن صدنا عنه قاتلناه، ورئيسهم يومئذ أبو سفيان بن حرب، فنحر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه وحلق رأسه، ثم انصرف إلى المدينة على أن يخلوا بينه وبين البيت عاماً قابلاً، فيطوف به ثلاث ليالٍ. ونزل بخيبر وأنزل الله تعالى ذكره: " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها " الآية. فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفتحها، وقسم فيها لمن بايعه بالحديبية تحت الشجرة، من غائبٍ أو شاهد من أجل أن الله كان وعدهم إياها. وخمّس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، ثم قسم سائرها مغانم بين من شهدها من المسلمين، ومن غاب عنها من أهل الحديبية، ثم اعتمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العام القابل في ذي القعدة في المدة آمناً فخرج كفار قريش من مكة وخلوها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلفوا حويطب بن عبد العزى، وأمروه إذا طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكعبة ثلاث ليالٍ أن يأتيه فيسأله أن يرتحل، فأتى

حويطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ثلاث فكلمه في الرحيل، فارتحل قافلاً إلى المدينة. ثم كانت غزوة الفتح: فتح مكة، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة في رمضان ومعه من المسلمين عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف سنة من مقدمه المدينة، فسار بمن معه من المسلمين إلى مكة، فافتتح مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد، فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم. ثم أرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ بالسلاح فرفع عنهم، ودخلوا في الدين وأنزل الله عز وجل: " إذا جاء نصر الله والفتح " إلى آخرها. ثم خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن معه من المسلمين وبمن أسلم يوم الفتح من قريش وبني كنانة قِبَل حنين. وحنين وادٍ قبل الطائف ذو مياه، به من المشركين يومئذ العجّز من هوازن، معهم ثقيف، ورئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري. فاقتتلوا بحنين فنصر الله نبيه والمسلمين، وكان يوماً شديد البأس. فأنزل الله تعالى: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ " الآية. فسبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ ستة آلاف سبي من النساء والذراري. وأخذ من الإبل والشاء ما لا يُدرى ما عدده. وخمّس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السبي والأموال، ثم جاءه وفد هوازن مستأمنين فقالوا: قد اجتحت نساءنا وذرارينا وأموالنا فاردد إلينا ذلك. قال: لست رادّاً إليكم كله، فاختاروا: إن شئتم فالنساء والذراري، وإن شئتم الأموال. قالوا: فإنا نختار نساءنا وذرارينا. فرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم نساءهم وذراريهم، وقسم النعم والشاء بين من معه من المسلمين بالجعرانة. ثم أهلّ منها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرة، وذلك في ذي القعدة، ثم قفل إلى المدينة، حتى إذا قدمها أمر أبا بكر الصديق رضي الله عنه على الحج. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك، وهو يريد الروم وكفار العرب بالشام، حتى إذا بلغ تبوك أقام بها بضع عشرة ليلة، ولقيه وفد أذرح ووفد أيلة فصالحهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

على الجونة، ثم قفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك ولك يجاوزها فأنزل الله تبارك تعالى: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار " الآية " وعلى الثلاثة الذين خلفوا "، وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الغزوة في بضعة وثمانين رجلاً. فلما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقه أولئك الثلاثة، واعترفوا بذنبهم، وكذب سائرهم، فحلفوا للرسول ما حبسهم إلا عذر، فقيل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووكلهم في سرائرهم إلى الله عز وجل. ولم يغز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة بعد حتى توفاه الله عز وجل. فكانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة عشر. ولم يغز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة قط يجلس فيها تحت لواء أو شُهر فيها سيوف إلا ذكر في القرآن. ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، وتمتع فيها بعمرة، وساق الهدي معه، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع قفل إلى المدينة فلبث شهرين وبعض شهر. ثم اشتكى شكواه الذي توفاه الله عز وجل فيه. وروى الحافظ عن جماعة من المشايخ قالوا: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة يوم الاثنين لثنتي عشرة مضت من ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا من ربيع الأول والثبت عشرة مضت من ربيع الأول فكان أول لواء عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس تسعة أشهر من مهاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعترض لعير قريش. ثم لواء عبيدة بن الحارث في شوال على ثمانية أشهر إلى رابغ، وهي على عشرة أميال من الجحفة، وأنت تريد قديداً، وكانت في شوال على رأس تسعة أشهر. ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرّار على رأس تسعة أشهر في ذي القعدة. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر على رأس أحد عشر شهراً حتى بلغ الأبواء، ثم رجع ولم يلق كيداً. وغاب خمس عشرة ليلة.

ثم غزا بواط في شهر ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهراً يعترض لعير قريش فيها أمية بن خلف ومئة رجل من قريش وألفان وخمس مئة بعير. ثم رجع ولم يلق كيداً. وبواط هي من الجحفة قريب. ثم غزا في شهر ربيع الأول عشر شهراً في طلب كُرز بن جابر الفهري حتى بلغ بدراً، ثم رجع. ثم غزا في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهراً يعترض لعيرات قريش حين بدت إلى الشام، وهي غزوة ذي العشيرة، ثم رجع. فبعث عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهراً. ثم غزا بدر القتال صبيحة سبع عشرة من رمضان يوم الجمعة على رأس تسعة عشر شهراً. ثم سرية عصماء بنت مروان قتلها عمرو بن عدي بن خرشة. قتلها لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهراً. ثم سرية سالم بن عميرة قتل أبا عفك في شوال على رأس عشرين شهراً. ثم غزوة قينقاع في النصف من شوال على رأس عشرين شهراً. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة السويق في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهراً. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني سليم بالكدر في المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهراً. ثم سرية قتل ابن الأشراف في ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً. ثم غزوة غطفان إلى نجد، وهي ذو أمر في ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً.

ثم سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي، قال عبد الله: خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس ليالٍ خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً فغبت ثمان عشرة ليلة، وقدمت يوم السبت لتسع بقين من المحرم. ثم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني سليم ببجران في جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً. ثم سرية القردة، أميرها زيد بن حارثة في جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهراً فيها أبو سفيان بن حرب. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمراء السد في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهراً. ثم سرية أميرها أبو سلمة بن عبد الأسد إلى قطن إلى بني أسد على رأس خمسة وثلاثين شهراً في المحرم. ثم غزوة بئر معونة، أميرها المنذر بن عمرو في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً. ثم غزوة الرجيع في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً. أميرها مرثد. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهراً. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدر الموعد في ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهراً. ثم سرية ابن عتيك إلى ابن أبي الحقيق في ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهراً. فلما قتل سلام بن أبي الحقيق فزعت يهود إلى سلام بن مشكم بخيبر فأبى أن يرأسهم، فقام

أسير بن رزام يحزبهم. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهراً. ثم غزا دومة الجندل في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المريسيع في شعبان سنة خمس. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق في ذي القعدة سنة خمس. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قريظة في ليالٍ من ذي القعدة وليالٍ من ذي الحجة سنة خمس. ثم سرية ابن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح في المحرم سنة ست. ثم سرية محمد بن مسلمة في المحرم سنة ست إلى القرطاء. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني لحيان إلى الغابة في ربيع الأول سنة ست. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغابة في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية عكاشة بن محصن إلى الغمرة في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية أميرها أبو عبيدة الجراح إلى ذي القصة في ربيع الآخر سنة ست. ثم سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم بالجموم في شهر ربيع الآخر سنة ست. وكانتا في شهر واحد. الجموم: ما بين بطن نخلة والنقرة.

ثم سرية زيد بن حارثة إلى العرض في جمادى الأولى سنة ست. ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة سنة ست. والطرف: على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة. ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة سنة ست. وحسمى وراء وادي القرى. ثم سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست. ثم غزوة علي عليه السلام إلى فدك في شعبان سنة ست. ثم غزوة زيد بن حارثة إلى أم قرفة في رمضان سنة ست. وكانت أم قرفة ناحية وادي القرى إلى جنبها ثم غزو ابن رواحة إلى أسير بن زارم في شوال سنة ست. ثم سرية كرز بن جابر إلى العرنيين في شوال سنة ست. ثم اعتمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر في جمادى الأولى سنة سبع. ثم انصرف من خيبر إلى وادي القرى في جمادى الآخرة فقاتل بها سنة سبع. ثم سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى تربة في شعبان سنة سبع. ثم سرية أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه في شعبان إلى نجد سنة سبع. ثم سرية بشير بن سعد إلى فدك في شعبان سنة سبع. ثم سرية غالب بن عبد الله إلى الميفعة في رمضان سنة سبع. والميفعة ناحية نجد. ثم سرية بشير بن سعد فدك في شعبان سنة سبع. ثم سرية بشير بن سعد إلى الجناب في شوال سنة سبع. ثم اعتمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة القضيّة في ذي القعدة سنة سبع. ثم غزا ابن أبي العوجاء السلمي في ذي الحجة سنة سبع.

ثم غزوة غالب بن عبد الله إلى الكديد في صفر سنة ثمان. والكديد وراء قديد. ثم سرية شجاع بن وهب في ربيع الأول سنة ثمان إلى بني عامر بن الملوح. ثم غزوة كعب بن عمير الغفاري من سنة ثمان في ربيع الأول إلى ذات أطلاح. ناحية الشام، من البلقاء على ليلة. ثم غزوة زيد بن حارثة إلى مؤتة سنة ثمان. ثم غزوة عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل في جمادى الآخرة سنة ثمان. ثم غزوة الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح في رجب سنة ثمان. ثم سرية حضرة أميرها أبو قتادة في شعبان سنة ثمان. وحضرت ناحية نجد على عشرين ميلاً عند بستان أبي عامر. ثم سرية أبي قتادة إلى إضم في رمضان سنة ثمان. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح في ثلاث عشرة مضت من رمضان سنة ثمان. ثم هدم العزى لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان. هدمها خالد بن الوليد. ثم هدم سواع. هدمه عمرو بن العاص. وكان في رمضان. ثم هدم مناة، هدمها سعد بن زيد الأشهلي في رمضان سنة ثمان. ثم غزوة بني جذيمة غزاها خالد بن الوليد في شوال سنة ثمان. ثم غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً في شوال سنة ثمان. ثم غزاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف في شوال سنة ثمان. وحج الناس سنة ثمان. ويقال إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل عتاب بن أسيد على الحج. ويقال حج الناس أوزاعاً بلا أمير. ثم سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم في المحرم سنة تسع. ثم سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سنة تسع.

ثم سرية بني كلاب في ربيع الأول سنة تسع. أميرها الضحاك بن سفيان. ثم سرية علقمة بن مجزز إلى الحبشة في ربيع الآخر سنة تسع. ثم سرية علي عليه السلام إلى الفلس في ربيع الآخر سنة تسع. ثم غزوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوك في رجب سنة تسع. ثم سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر في رجب سنة تسع. ثم هدم ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي. وحج أبو بكر سنة تسع. ثم غزوة خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان في ربيع الأول سنة عشر. وسرية علي عليه السلام إلى اليمن. يقال مرتين، إحداهما في رمضان سنة عشر. وحج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس سنة عشر. ورجع من مكة فمرض بضع عشرة ليلة. وعقد لأسامة بن زيد في مرضه إلى الشام. وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يخرج حتى بعثه أبو بكر بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي يوم الاثنين اثنتي عشرة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. فكانت مغازي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة. وكان ما قاتل منها تسعاً: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف. وكانت السرايا سبعاً وأربعين سرية. واعتمر ثلاث عمر. ويقال: قد قاتل في بني النضير، ولكن الله جعلها له نفلاً خاصة. وقاتل في غزوة وادي القرى منصرفه من خيبر. وقتل بعض أصحابه. وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن نضلة. وقتل من العدو ستة.

ما ذكر من شجاعته وشدته

ما ذكر من شجاعته وشدته عن علي قال: كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم اتقينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فما يكون منا أحدٌ أقرب إلى القوم منه. وعنه قال: لما حضر البأس يوم بدرٍ اتقينا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أشد الناس، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه. وعنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر، ونحن نلوذ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أقربنا إلى العدو وكان أشد الناس بأساً. وعن ابن إسحاق، قال: قال رجل للبراء: أي أبا عمارة، أكنتم يوم حنين وليتم؟ قال: لا والله ما ولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنا لقينا قوماً رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم. جمع هوازن، فرشقونا رشقاً ما يكادون يخطئون. قال: فأقبلوا هناك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته البيضاء. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به. قال: فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستنصر ثم قال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب قال: ثم صفهم، أو قال: صفنا. وعن البراء: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما لقي المشركين يوم حنين نزل عن بغلته فترجل.

وعن العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم نفارقه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغله الشهباء أهداها له فروة بن ثعلبة وقيل ابن نفاثة الجذامي. وهو الصواب. فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون منهزمين، وطفق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركض بغلته نحو الكفار. قال عباس: وأنا آخذ بخطام بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكفها، إرادة ألا يسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي عباس، ناد في أصحاب السمرة. قال عباس: وكنت رجلاً صيتاً، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب الشجرة وقيل السمرة قال: فووالله لكأن عطفتهم، حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولدها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك. فاقتتلوا هم والكفار. والدعوة في الأنصار: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج. فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا حين حمي الوطيس. قال: ثم أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد. قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته على ما أراه. قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحصياته. قال: فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً وفي رواية: حتى هزمهم الله قال: فكأني أنظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركض خلفهم على بغلته. وكان عبد الرحمن بن أزهر يحدث أن خالداً بن الوليد يومئذ خرج وهو على الخيل خيل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن أزهر: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما هزم الله الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في الناس ويقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى دللناه على رحله، فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى جرحه، قال الزهري: وحسبت أنه قال: وتفل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمل الناس وجهاً، وأجرأ الناس صدراً، وأشجع الناس قلباً. ولقد فرغ أهل المدينة يوماً فركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرساً لأبي طلحة عرياً وفي رواية: وفي عنقه السيف ثم قال: لن تراعوا، لن ترعوا. مرتين. إنه وجدته بحراً. وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحداً أشجع ولا أجود ولا أوضأ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضلت على الناس بأربع: بالسماحة، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش ".

ما روي في فصاحة لسانه ومنطقه وبيانه

ما روي في فصاحة لسانه ومنطقه وبيانه عن عمر بن الخطاب أنه قال: يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم نخرج من بين أظهرنا؟! قال: كانت لغة إسماعيل عليه السلام قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام يحفظنيها. وروى ابن دريد قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم جالساً مع أصحابه إذ نشأت سحابة فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، فقال: كيف ترون قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها! قال: فكيف ترون رحاها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها! قال: فكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد استقامتها! قال: فكيف ترون برقها، أوميضاً أو خفواً أم يشقّ شقاً؟ قالوا: بل يشق شقاً. قال: فكيف ترون جوفها؟ قالوا: ما أحسنه وأشد سواده! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحيا. فقالوا: يا رسول الله، ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أفصح منك. قال: وما يمنعني وإنما نزل القرآن بلسان عربي مبين؟. قال أبو بكر بن دريد: تفسير الكلام: قواعدها: أسافلها. ورحاها: وسطها ومعظمها. وبواسقها: أعاليها. وإذا استطار البرق من أعاليها إلى أسافلها فهو الذي لا يُشك في مطره. والخفو: أضعف ما يكون من البرق، والوميض نحو التبسم الخفيّ. يقال: ومض وأومض. وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أنا أفصح العرب، ربيت في أخوالي بني سعد، بيد أني من قريش ".

وقال رجل من بني سلول: يا رسول الله، أيدالك الرجل امرأته؟ قال: نعم، إذا كان ملفجاً فقال له أبو بكر: يا رسول الله ما قال لك، وما قلت له؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه قال: أيماطل الرجل أهله؟ فقلت له: نعم، إذا كان مفلساً، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لقد طفت في العرب، وسمعت فصحاءهم فما سمعت أفصح منك، فمن أدّبك؟ قال: أدّبني ربي ونشأت في بني سعد. وعن علي بن أبي طالب: في قوله عز وجل: " منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ". قال: ما بعث الله نبياً قط إلا صبيح الوجه، كريم الحسب، حسن الصوت، وإن نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان صبيح الوجه، كريم الحسب، حسن الصوت. وعن أنس قال: ما بعث الله نبياً قط إلا حسن الوجه، حسن الصوت، وكان نبيكم حسن الوجه، حسن الصوت إلا أنه كان لا يرجّع. وعن البراء بن عازب قال: قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العشاء: " والتين والزيتون " وفي حديث آخر: في العشاء، يعني: الآخرة قال: فلم أسمع أحسن صوتاً، ولا أحسن صلاة منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وكان طويل الصمت، وكان الصحابة يتناشدون الشعر ويضحكون فيبتسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ضحكوا. وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ". فقلنا: يا رسول الله، علمنا مما علمك الله. فعلمنا التشهد في الصلاة ".

وعن عمر بن الخطاب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطيت جوامع الكلام، واختُصر لي الحديث اختصاراً ". وعن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا تكلم بالكلمة رددها ثلاثاً. وإذا لقي قوماً فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً. وعن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيد الكلمة ثلاثاً ليُعقل عنه. وعن عروة بن الزبير قال: جلس رجل بفناء حجرة عائشة فجعل يتحدث قال: فقالت عائشة: لولا إني كنت أسبح لقلت له: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرد الحديث كسردكم. إنما كان حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلاً، تفهمه القلوب. وعن عائشة قالت: كان كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلاً يفقهه كل أحد. لم يكن يسرده سرداً. وعنها قالت: لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسرد الكلام كسردكم هذا. كان إذا جلس تكلم بكلام يبينه، يحفظه من سمعه. وعن ابن عباس قال: كان رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفلج الثنيتين، إذا تكلم رُئي كالنور يخرج من بين ثناياه. وعن جابر بن عبد الله قال: كان كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترتيل، أو ترسيل.

ما عرف من جوده وسخائه وبذله وعطائه

ما عرف من جوده وسخائه وبذله وعطائه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان. إن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان. وقيل في كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه القرآن. فإذا جبريل عليه السلام كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود بالخير من الريح المرسلة. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود البشر، فما هو إلا أن يدخل شهر رمضان فيدارسه جبريل القرآن، فلهو أجود من الريح. وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاء رمضان أعتق كل أسير، وأعطى ابن السبيل، وإذا كان حديث عهدٍ بجبريل كان أسرع بالخير من الريح المرسلة. وعن عائشة قالت: كان تعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان حديث عهدٍ بنزول جبريل يدارسه كان أجود من الريح المرسلة. وعن جابر بن عبد الله قال: ما سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً قط فقال: لا وما ضرب بيده شيئاً قط. وعن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا. وقال سفيان بيديه جميعاً: هكذا. ثلاث مرات. فقُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يجيء مال البحرين،

فقدم على أبي بكر بعده مال البحرين. فأمر أبو بكر منادياً فنادى: من كانت له على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة أو دين فليأتني، فأتيت أبا بكر فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، فحثنا أبو بكر فقال: عدّها، فعددتها فوجدتها خمس مئة، فقال: خذ مثلها مرتين. وعن أنس: أن رجلاً أتى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، فسأله فأعطاه غنماً بين جبلين، فأتى الرجل قومه فقال: أي قوم أسلموا، فوالله إن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي عطاء رجلٍ ما يخاف فاقة. وإن كان الرجل ليأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يريد إلا دنيا يصيبها، فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه من الدنيا وما فيها. وعنه قال: لم يُسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً قط على الإسلام إلا أعطاه. وذكر باقي الحديث. وعن زيد بن ثابت قال: جاء رجل من العرب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله أرضاً بين جبلين فكتب له بها، فأسلم، ثم أتى قومه، فقال لهم: أسلموا فقد جئتكم من عند رجلٍ يعطي عطية من لا يخاف الفاقة. وعن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس. وعن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حنين حين سأله الناس فأعطاهم من البقر والغنم والإبل حتى لم يبق من ذلك شيء. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد أعطيتكم من البقر والغنم والإبل حتى لم يبق شيء من ذلك، فماذا تريدون؟ أتريدون أن تُبخِّلوني؟ فوالله ما أنا ببخيل، ولا جبان،

ولا كذوب. فجذبوا ثوبه حتى بدت رقبته، وكأنما أنظر حين بدا منكبه مثل شقة القمر من بياضه. وعن أبي سعيد قال: دخل رجلان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألاه في ثمن بعير، فأعانهما بدينارين. فخرجا من عنده فلقيهم عمر، فقالا، وأثنينا معروفاً وشكراً ما صنع بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدخل عمر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بما قالا. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكن فلان أعطيته ما بين العشرة إلى المئة فلم يقل ذلك، إن أحدهم يسألني فينطلق بمسألته متأبطها وما هي إلا نار. قال عمر: فلم تعطيهم ما هو نار؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل. وعن علي قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال: جمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا. قال لهم: من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة، ويكون خليفتي في أهلي؟ فقال رجل لم يسمه شريك يا رسول الله: أنت كنت بحراء من يقوم بهذا؟. قال: ثم قال الآخر: فعرض ذلك على أهل بيته. فقال علي: أنا. وعن جبير بن مطعم أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لو أفاء الله فقال علي: نعماً عدد هذه العضاه، لقسمتها بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ".

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: حيكت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أُعجب بثوب ما أُعجب بها، فجعل يمسحها بيده ويقول: انظروا ما أحسنها! وفي القوم أعرابي فقال: يا رسول الله، هبها لي، فخلعها فدفعها في يده، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيياً لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، ثم أمر بمثله أن يحاك، فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المحاكة. وعن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة فقال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم، هذه الشملة منسوج في حاشيتها فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محتاجاً إليها فخرج إلينا وإنها لإزارة فجسها رجل من القوم فقال: يا رسول الله؛ أكسنيها قال: نعم. فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه. فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها إياه وقد عرفت أنه لا يرد سائلاً. فقال الرجل: والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت. قال سهل: فكانت كفنه. وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقناعٍ من رطب وأجرٍ زُغب فأعطاني ملء كفيه أو كفه حلياً أو ذهباً.

ما عرف من حسن بشره ووصف من طيب نشره

ما عرف من حسن بشره ووصف من طيب نشره وعن كعب بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سُرّ استنار وجهه، حتى كأن وجهه شقة قمر. فكنا نعرف ذلك فيه. وعن الحسين بن علي قال: قلت لعلي: كيف كانت سيرته في مجلسه يعني: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دائم البشر، سهل الخُلق، ليس بفظٍ ولا غليظ، ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح. وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط إلا متبسماً. وعنه قال: ما رأيت أحداً كان أكثر تبسماً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عمرة قالت: سألت عائشة قلت: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا؟ قالت: كان رجلاً من رجالكم، كان أحسن الناس خلقاً، وكان ضحاكاً بساماً. وعنها قالت: سألت عائشة: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا في البيت؟ قالت: ألين الناس، بساماً ضحاكاً. وعن وائل بن حجر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتي بدلو من ماء زمزم فاستنثر خارجاً من الدلو، ومضمض وقحّ فيه مسكاً أو أطيب من المسك.

وعن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدانٌ، فجعل يمسح خدي أحدهم واحداً واحداً. قال: وما أنا فمسح خدي فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار. وفي حديث جابر بن يزيد ين الأسود السوائي عن أبيه قال: ثم ثار الناس يأخذون يده يمسحون بها وجوههم. قال: وأخذت يده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحاً من المسك. وعن يزيد بن الأسود قال: حججنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع. قال: فصلى بنا صلاة الصبح. قال: فانحرف جالساً، فاستقبل الناس بوجهه فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناس. قال: ائتوني بهذين الرجلين. قال: فأتي بهما ترعد فرائصهما. قال: ما منعكما أن تصليا مع الناس؟! قالا: يا رسول الله، صلينا في الرحال. قال: فلا تفعلا. إذا أحدكم في رحله، ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معه، فإنها له نافلة، يعني: ونهض الناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونهضت وأنا يومئذ أشبّ الرجال وأجلده، قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأخذت بيده فإما وضعتها على وجهي أو على صدري فما وجدت شيئاً أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يومئذ في مسجد الخيف. وعن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا من ذلك الطريق رائحة المسك، قالوا: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الطرق وفي رواية: اليوم. وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصال، لم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه، أو ريح عرقه والشك من إسحاق ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.

وعن أنس قال: ما رأيت رجلاً قط التقم أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينحي رأسه حتى ينحي الرجل رأسه. وما رأيت رجلاً قط أخذ بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيُنزل يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزل يده. وما مسست قط ألين من قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما وجدت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنه قال: ما شممت مسكةً ولا عنبرة أطيب رائحة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا مسست خزّة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنه قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: كنت أصافح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يمس جلدي جلده فأعرف في يدي بعد ثالثةٍ أطيب من ريح المسك. وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني زوجت ابنتي، وأنا أحب أن تعينني بشيء. ولكن إذا كان غدٌ فائتني بقارورة واسعة الرأس وعود شجرة، فأنه بيني وبينك أن تدق ناحية الباب. قال: فلما كان من الغد أتاه بقارورة واسعة الرأس، وعود شجرة. قال: خذها ومُر بها ابنتك أن تغمس هذا العود في القارورة وتطيب به، قال: فكانت إذا تطيبت شم أهل المدينة رائحة ذلك الطيب. فسُموا بيوت المطيبين.

ما ذكر من حيائه وظهر من عهده ووفائه

ما ذكر من حيائه وظهر من عهده ووفائه عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد حياء من العذراء في خدرها. وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرفنا ذلك في وجهه. وعن عائشة رضي الله عنها قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد حياء من العواتق في خدورهنّ. أخبر الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره: أنه أقبل ركبان من قريش إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلقي في قلبي الإسلام. فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن فارجع. قال: فرجعت إليهم، ثم إني أقبلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت. وكان أبو رافع قبطياً. وعن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عندي فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أنت؟ قالت: أنا حنانة المزينة. قال: بل أنت حسانة المزينة وفي رواية قالت: أنا حثامة المزينة. قال: بل أنت حضانة كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. قالت: فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال! قال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة. وإن حسن العهد من الإيمان. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت عجوز تأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيبش بها ويكرمها. فقلت: بأبي أنت وأمي، إنك

لتصنع بهذه العجوز شيئاً لا تصنعه بأحدٍ؟ قال: إنها كانت تأتينا عند خديجة. أما علمت أن كرم الودّ من الإيمان؟ وعن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يبعث ببيع، فبقي له عليّ شيء فوعدته أن آتيه مكانه، فنسيت أن آتيه يومه ذلك ومن الغد، فأتيته اليوم الثالث، فوجدته في مكانه ذلك. فقال لي: لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاثة أيام وفي رواية: أنتظرك. وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ ليس لأحد من الناس فيهن رخصة: بر الوالدين مسلماً كان أو كافراً، والوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافر، وأداء الأمانة إلى مسلم كان أو كافر ".

ما ورد من مزاجه وسعة صدره

ما ورد من مزاجه وسعة صدره عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا أقول إلا حقاً ". فقال بعض الصحابة: فإنك تداعبنا يا رسول الله. فقال: لا أقول إلا حقاً. وعنه قال: قلنا: يا رسول الله، إنك تمزح معنا، قال: لا أقول إلا حقاً. وعن عائشة: أنها مزحت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنها بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل بعض مزحنا، هذا الحي من قريش. وعن أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أفكه الناس. وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مزاحاً، وكان يقول: إن الله لا يؤاخذ المّزاح الصادق في مزاحه. وعن عكرمة قال: كان في رسول الله دعابة قليلة. يعني المزاح. وعن أنس بن مالك قال: كان لي أخ يقال له: أبو عمير، وكان له عصفور يلعب به فمات العصفور، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل بيتنا فيقول: يا أبا عمير ما فعل النُّغير؟

وفي حديث آخر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس خلقاً. وكان لي أخ يقال له: أبو عمير أحسبه فطيما فطماً، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النغير. وعن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا حاملوك على ولد الناقة. فقال: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهل تلد الإبل إلا النوق؟. وعن ابن عباس: أن رجلاً سأله فقال: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمزح؟ قال ابن عباس: نعم. فقال الرجل: فما كان مزاحه؟ قال ابن عباس إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كسا ذات يوم امرأة من نسائه ثوباً واسعاً، فقال لها: البسيه واحمدي الله وجري منه ذيلاً كذيل العروس. وعن أنس قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: يا ذا الأذنين. وعن سفينة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، وكان إذا أعيا بعض القوم ألقى عليّ سيفه، ألقى علي ترسه. حتى حملت من ذلك شيئاً كثيراً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت سفينة. وعن عائشة قالت: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحريرة طبختها، فقلت لسودة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبينها: كلي فأبت. فقلت: لتأكلنّ أو لأُلطخنَّ وجهك فأبت، فوضعت يدي فيها فطلبت وجهها، فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع فخذه لها وقال لها: الطخي وجهها، فلطخت وجهي، فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، فمر عمر بن الخطاب فقال: يا عبد الله، يا عبد الله، فظن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سيدخل فقال: قوما فاغسلا وجوهكما. فقالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه.

وعن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة ذات يوم: ما أكثر بياض عينك. وعن أبي جعفر الخطمي: أن رجلاً كان يكنى أبا عمرة فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أم عمرة، فضرب الرجل يده إلى مذاكيره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مه. قال: والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم. وعن خوّات بن جبير قال: نزلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر الظهران، وخرجت من خبائي فإذا نسوة يتحدثن. قال: فأعجبني. قال: فرجعت فأخرجت حلة لي من عندي فلبستها ثم جلست إليهن، وخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبته فقال: أبا عبد الله، ما يجلسك إليهن؟! قال: فهبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، جمل لي شرود، فأنا أبتغي له قيداً. قال: فمضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبعته. قال: فألقى إلي رداء ودخل الأراك. فلكأني أنظر إلى بياض قدميه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ ثن جاء فقال: أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال السلام عليكم أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ قال: فتعجلت إلى المدينة، واجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما طال ذلك علي تحينت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فجعلت أصلي، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بعض حجره. قال: فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس، وطولت الصلاة رجاء أن يذهب ويدعني فقال: طوّل أبا عبد الله ما شئت، فلست بقائم حتى تنصرف. فقلت: والله لأعتذرن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبرئن صدره. قال: فانصرفت، فقال: السلام عليكم يا أبا عبد الله، ما فعل شراد جملك؟ فقلت: والذي بعثك بالحق، ما شرد ذاك الجمل منذ أسلمت. فقال: رحمك، مرتين أو ثلاثاُ. ثم أمسك عني فلم يعد. وسئل بعض السلف عن مرح الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كانت له مهابة. فكان يبسط الناس بالدعابة.

باب جامع في صفة أحواله وأفعاله وأقواله

باب جامع في صفة أحواله وأفعاله وأقواله وعن عائشة قالت: كان أحب الأعمال إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة؛ فعملان يجهدان ماله، وعملان يجهدان جسده. فأما اللذان يجهدان ماله فالجهاد والصدقة، وأما اللذان يجهدان جسده فالصوم والصلاة. وعن أنس بن مالك قال: ما أخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً ركبتيه بين يدي جليس له، ولا ناول يده أحداً قط فتركها حتى يكون هو يدعها. وما جلس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدٌ قط فقام حتى يقوم. وما وجدت ريحاً قط أطيب ريحاً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس بن مالك قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه. ولم يُر مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له. وعن أبي غالب قال: قلت لأبي أمامة: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن، ويكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة ولا يأنف، ولا يستكبر أن يمشي مع الضعيف والمسكين حتى يقضي حاجته وفي رواية: والأرملة. وعن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يلتفت وراءه إذا مشى، وكان ربما يتعلق رداؤه بالشجرة ولا

يلتفت حتى يرفعوه عليه. قال: لأنهم كانوا يمزحون ويضحكون قد أمنوا التفاته. وعن عائشة أنها سئلت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته؟ قالت: ما كان إلا بشراً من البشر، كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قيل لعائشة: يا أم المؤمنين، ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا خلا في بيته؟ فقالت: والله ما كان إلا بشراً، ولكن الله أكرمه، والله إن كان ليخصف نعله، ويعالج ثوبه، وأشباه ذلك، ويحدث أحاديث الناس، ولقد كان يحدثنا عن حديث من قد مضى. وعن عائشة: أنها سئلت: ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وعن أبي بردة قال: قلت لعائشة: ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله، يعني: خدمتهم. وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طويل العمد. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب التيامن ما استطاع، في طهوره ونعله وترجله، وفي شأنه كله. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نظر في المرآة قال: " الحمد لله الذي حسَّن خَلقي

وخُلقي وزان مني ما شان من غيري "، وإذا اكتحل جعل في كل عين اثنين وواحد بينهما، وكان إذا لبس نعليه بدأ باليمين، وإذا خلع باليسرى. وكان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمنى، وكان يحب التيمن في كل شيء أخذٍ وإعطاء. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عطس خمر وجهه، وغض أو خفض بها صوته. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي مشياً نعرف أنه ليس بعاجز ولا كسلان. وعن عائشة قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم. وعن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وكان أصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية، فيضحكون، ويتبسم معهم إذا ضحكوا. يعني: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس بن مالك الأشجعي عن أبيه قال: كنا نجلس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رأيت أطول صمتاً منه، فكانوا إذا أكثروا تبسم. وعن البراء قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غضب رأينا لوجهه ظلالاً. وعن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً قط. كان إذا أتي به إن اشتهى أكله، وإن كرهه تركه. وفي رواية: إن اشتهاه أكله، وإلا تركه.

وعن كعب بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أكل طعاماً يلعق أصابعه الثلاث التي ينال بهن الطعام. وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها. وعن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثاً. وقال: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ.

ما ورد في شعره وشيبه وخضابه وثيابه

ما ورد في شعره وشيبه وخضابه وثيابه عن أنس قال: كان شعر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أنصاف أذنيه وفي رواية: إلى شحمة أذنيه وفي رواية: يضرب منكبيه. وعن قتادة قال: قلت لأنس: كيف كان شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: كان شعراً رجلا، ليس بالجعد ولا بالسبط، بين أذنيه وعاتقه. وعن أنس قال: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمة جعدة. وعن زيد بن ثابت: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرق شعره، وكانت له جمة. وعن البراء قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد البياض، كثير الشعر، يضرب شعره منكبيه. وعن جابر بن سمرة قال: كأني أنظر إلى رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجمته تضرب هذا المكان، ويضرب بيده على صدره فوق ثندؤته. وفي رواية: فوق ثدييه.

وعن أبي رمثة قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخضب بالحناء والكتم. وكان شعره يبلغ كتفيه، أو منكبيه. وعن عروة قال: قالت لي عائشة: يا بن أختي، كان شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوق الوفرة ودون الجمة. وعن ابن عباس قال: كان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب موافقة أهل الكتاب في بعض مالم يؤمر فيه بشيء، فسدل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصيته ثم فرق بعد. روى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت: كنت إذا فرقت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه صدعت فرقيه عن يافوخه، فأرسلت ناصيته بين عينيه، فالله أعلم أذلك لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنا لا نكف شعراً، ولا ثوباً أم هي سيماء كان يتسوم بها. وقد قال محمد بن جعفر بن الزبير: وكان فقيهاً: ما هي إلا سيماء من سيماء الأنبياء تمسكت بها النصارى من بين الناس. وعن أم هانئ قالت: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وله أربع غدائر، يعني: ذوائب. وعن أبي إياس قال: سئل أنس عن شيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شانه الله عز وجل ببيضاء. لعل أنساً أراد: بلحية بيضاء. فقد روى عنه وعن غيره من الصحابة أنه كان شاب بعض شعره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن محمد بن سيرين قال: سألنا أنساً: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب؟ قال: لم يبلغ الخضاب. كانت في

لحيته شعرات بيض قال: فقلت له: أكان أبو بكر يخضب قال: نعم بالحناء والكتم. وفي حديث آخر عن قتادة قال: سألت أنساً " هل خضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لم يبلغ ذلك. إنما كان شيبه في صدغيه، ولكن أبا بكر وعمر خضبا بالحناء والكتم. وعن ثابت قال: سئل أنس عن خضاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لو شئت أن أعد شعرات في رأسه لفعلت. وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء. وعن أنس بن مالك قال: لم يبلغ الشيب الذي كان بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين شعرة. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: كان الشيب الذي كان بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع عشرة شعرة شيبة. وعن حميد قال: سئل أنس عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر بالحناء والكتم، وخضب عمر بالحناء وحده. فقيل: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: لم يكن في لحيته عشرون يعني: شعرة بيضاء. قال: وأصغى حميد إلى رجل إلى جنبه فقال: كن سبع عشرة. يعني: شعرة. وعن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: قلت لأنس: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب؟ قال: ما أرى كان في رأسه ولحيته خمس عشرة بيضاء. قال: فإني رأيت في شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان في بيتنا شعراً فيه صفرة. فقال له: كان يمس أصوله الصفرة؟ قال أبو بكر بن عياش: قلت لربيعة، جالست أنس بن مالك؟ قال: نعم، قلت: سمعت منه؟ قال:

نعم، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخضب، قد شاب في مقدم لحيته شيبة لو عدها العاد أحصاها. قال له أبو بكر: شبت يا رسول الله! قال: شيبتني سورة هود والواقعة. وعن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شمط مقدم رأسه ولحيته. فإذا ادهن ومشطه لم يتبين، وإذا شعث رأيته. وكان كثير الشعر واللحية. فقال رجل: وجهه مثل السيف، قال: لا، مثل الشمس والقمر، مستدير. قال: ورأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة النعامة تشبه جسده. وعن عبد الله بن همام قال: قلت: يا أبا الدرداء، أي شيء كان يخضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: يا بن أخي أو يا بني ما كان بلغ من الشيب أن يخضب. ولكن قد كان منه هاهنا وأشار بيده إلى عنفقته شعرات بيض فكان يغسله بالحناء والسدر. وعن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: صفه لي فقال: أبيض قد شمط. قال حريز: لقيت عبد الله بن بسر السلمي فقلت: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخاً قال: كان في عنفقته شعرات بيض. وعن القاسم بن زهر الأسلمي قال: رأيت شيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عنفقته وناصيته. حزرته يكون ثلاثين شيبة عدداً. وعن بشير مولى المازنيين قال: سألت جابر بن عبد الله: هل خضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا. ما كان شيبه يحتاج إلى الخضاب. كان وضح في عنفقته وناصيته، ولو أردنا أن نحصيها أحصيناها. قال محمد بن سيرين: سألنا أنساً: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب؟ قال: فقال: نعم، بالحناء والكتم.

وعن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أتينا بمشاقة من شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخضوبة بالحناء. وعن أبي سعيد، رجل من أهل الشام قال: دخلت مع مولاي على بعض أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجت إلينا شعراً أحمر فقالت: هذا شعر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روي أنه خضب بالصفرة. قال: عبيد بن جريج: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له في ذلك فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصفر لحيته. وعن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها! قال: وما هي؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها. وأما الصفرة، فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها. وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهل حتى تنبعث به راحلته. وعن أبي بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله، عجل عليك الشيب! قال: " شيبتني هود وصواحباتها "، يعني: الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت. وعن ابن عباس قال: ألظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالواقعة، والحاقة، وعم يتساءلون، والنازعات، وإذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، فاستطار منه القتير. فقال أبو بكر: قد أسرع فيك

القتير، بأبي وأمي، قال: شيبتني هود وصواحباتها هذه، وفيها المرسلات. وقال عطاء: أخواتها: اقتربت الساعة، والمرسلات عرفاً، وإذا الشمس كورت. وعن أنس بن مالك قال: بينما أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب جالسان في نحو المنبر إذ طلع عليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيوت نسائه، يمسح لحيته ويرفعها فينظر إليها. قال أنس: وكانت لحيته أكثر شيباً من رأسه. فلما وقف عليهما، قال أنس: وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، وكان عمر رجلاً غليظاً، فقال أبو بكر: بأبي وأمي، لقد أسرع إليك الشيب يا رسول الله! فرفع لحيته بيده فنظر إليها، فاغرورقت عينا أبي بكر، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أجل، شيبتني هود وأخواتها. قال أبو بكر: بأبي وأمي، وما أخواتها؟ قال: الواقعة، والقارعة، وسأل سائل بعذاب واقع، وإذا الشمس كورت. وفي رواية: قال أبو صخر: فأخبرت هذا الحديث ابن قسيط فقال: يا حميد، ما زلت أسمع هذا الحديث من أشياخي فما تركت الحاقة ما الحاقة. وعن جعفر بن محمد عن أبيه: أن رجلاً قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا أكبر منك مولداً، وأنت خيرٌ مني وأفضل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شيبتني هود وأخواتها. وما فُعل بالأمم قبل. قال أبو علي الشبَّوي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت له: روي عنك أنك قلت: شيبتني هود. قال: نعم. فقلت: ما الذي شيبك منها، قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ فقال: لا، ولكن قوله: " فاستقم كما أمرت ". وعن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يكتب إلى الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم. فاتخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً من فضة نقشه: محمد رسول الله. كأني أنظر إلى بصيصه في يده. وفي رواية عنه أيضاً:

لما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتب إلى الروم. وذكر باقي الحديث. وعنه قال: كان نقش خاتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أسطر: سطر: محمد، وسطر: رسول، وسطر: الله. وعنه قال: كان خاتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فضة كله، وفصه منه، قال: فسألت حميداً عن الفص كيف هو، فحدثني أنه لا يدري. وعن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ورق له فص حبشي، ونقشه: محمد رسول الله. وعنه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبس خاتماُ من فضة في يمينه فيه فص حبشي، وكان يجعل فصه في بطن كفه. وعنه: أن معاذ بن جبل بعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخاتم من اليمن من ورق، فصه حبشي كتب عليه: محمد رسول الله وبوجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم به، ويتختم به أبو بكر، ويتختم به عمر، ويتختم به عثمان ست سنين من إمارته، فبينا هو على بئر أريس سقط منه فنزحت البئر فلم يوجد. وعن أنس بن مالك: أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يده خاتم من ورق يوماً واحداً، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمه، فطرح الناس خواتمهم. قال البيهقي: ويُشبه أن يكون ذكر الورق وهماً سبق إليه لسان الزهري فحملوه منه على الوهم.

وهذا كما قال البيهقي رحمه الله. فإن الخاتم الذي طرحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من ذهب، ويدل على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يلبس خاتماً من ذهب، ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنبذه وقال: لا ألبسه أبداً، فنبذ الناس خواتيمهم. وعنه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع خاتماً من ذهب، وكان يجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه في يده اليمنى. فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر فنزعه وقال: " إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه في بطن كفي، فرمى به وقال: والله لا ألبسه أبداً "، فنبذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونبذ الناس خواتيمهم. وعنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ذهب ثم ألقاه، واتخذ خاتماً من ورق ونقش محمد رسول الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونهى الناس أن ينقشوه، فكان إذا لبسه جعل الفص مما يلي بطن كفه، وهو الخاتم الذي سقط من معيقيب في بئر أريس. وهذا لفظ العباس. وقال إبراهيم: لبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخاتم وجعل فصه مما يلي كفه، وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي. وعنه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ذهب فلبسه ثلاثة أيام، ففشت خواتيم الذهب في أصحابه فرمى به، واتخذ خاتماً من ورق نقش فيه: محمد رسول الله. فكان في يده حتى مات. وفي يد أبي بكر حتى مات. وفي يد عمر حتى مات، وفي يد عثمان ست سنين. فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار يختم به، فأتى قَليباً لعثمان فسقط فيها، فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ خاتماً من ورق نقش فيه: محمد رسول الله. حدث إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده المعيقيب، وجده من قبل أمه ابن أبي ذُباب قال: كان خاتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملوى بفضة. فربما كان في يدي، وكان معيقيب على خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص حين قدم من الحبشة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟! قال: هذه حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول الله، قال: فأخذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتختمه، فكان في يده حتى قبض، ثم في يد أبي بكر حتى قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم في يد عثمان. فبينا هو يحفر بئراً لأهل المدينة يقال لها بئر أريس، فبينما هو جالس على شفتها يأمر بحفرها سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه. وفي حديث أنس: قال أنس: فاختلفنا مع أمير المؤمنين ثلاثة أيام، نطلبه فلم نقدر عليه. وعن عبد الله بن جعفر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه. وروى قتادة عن أنس بن مالك قال: كأني أنظر إلى وميض خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يده اليسرى، وهو يخطبنا. وعن نافع بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يساره. ووجه الجمع بين هذه الروايات أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبس الخاتم الذهب في يمينه ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في يساره. يبين ذلك ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تختم خاتماً من ذهب في يده اليمنى على خنصره، حتى رجع إلى البيت فرماه فما لبسه، ثم تختم خاتماً من ورق فجعله في يساره. وأن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم كانوا يتختمون في يسارهم. وعن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه ثم حوله في يساره. وعن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.

وروى الزهري عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة سوداء. قال: ولا يصح هذا عن الزهري إنما حديثه: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر. وعن أنس بن مالك: أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتم بعمامة سوداء. وعن جابر قال: كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامة سوداء. وعن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناس وعليه عصابة دسمة، وروي دسماء. وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة قالا: ما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم جمعة قط إلا وهو معتم، وإن كان في إزار ورداء. وإن لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها إلى بعض واعتم بها. قال أبو عبد السلام: سألت ابن عمر: كيف كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتم؟ قال: كان يدير العمامة على رأسه، ويغرزها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه. وعن عبد الرحمن بن عوف قال: عممني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسلها من بين يدي ومن خلفي. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يلبس القلانس البيض والمزرورات وذوات الأردان. وعن ابن عمر وعن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يلبس كمة بيضاء.

وعن عائشة قالت: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنسوة بيضاء لاطئة يلبسها. وعنها قالت: كان رداء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أذرع وشبراً في ذراع وشبر. وعن ابن عمر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس رداء مربعاً. وعن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لك يكن من الثياب شيء أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القميص. وعن ابن عباس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس قميصاً فوق الكعبين مستوي الكمين بأطراف أصابعه. وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له قميص قبطي قصير الطول، وقصير الكمين وفي رواية: قميص قطن وفي رواية: قميص قطني. وعن أسماء بنت يزيد قالت: كان كم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الرصغ. وعن المغيرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبس جبة رومية ضيقة الكمين. وعنه قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض ما كان يسافر، فسرنا، حتى إذا كان في وجه الصبح انطلق حتى توارى عنا، ضرب الخلاء، ثم جاء فدعا بطهور وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة ثم غسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين.

وعن طارق بن عبد الله المحاربي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء. وعن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، ويستحب أن يصلي على فروة مدبوغة. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالثياب البيض فيلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها أمواتكم، وعليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر ". وفي رواية سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البسوا الثياب البياض، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها أطهر وأطيب. وفي رواية: فإنها من خير ثيابكم ". وفي حديث آخر عنه: وقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه لبس الحبرات وهي البرود اليمانية. وقال قتادة: سألت أنساً: أي اللباس كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أعجب، قال: الحبرة. وعن قدامة الكلابي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشية عرفة وعليه حلة حبرة. وعن جابر بن سليم، أو سليم بن جابر قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا هو جالس مع أصحابه. قال: فقلت: أيكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم فإذا هو محتبٍ ببردة قد وقع هدبها على قدميه. قال: فقلت: يا رسول الله؛ أجفو عن أشياء فعلمني. قال: " اتق الله عز وجل، ولا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، وإياك والمخيلة، فإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك

وعيرك بأمرٍ يعلمه فيك فلا تعيره بأمر تعلمه فيه ليكون لك أجرة، وعليه إثمه، ولا تشتمن أحداً ". وقد لبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثياب السود. وعن عائشة أنها قالت: صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردة سوداء من صوف فلبسها فأعجبته، فلما عرق فيها، فوجد فيها ريح النمرة قذفها. وعن عائشة قالت: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة وعليه مرط مرحل، ومن شعر أسود. وقد لبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثياب الخضر. عن أبي رمثة قال: قدمت المدينة ولم أكن رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فخرج وعليه ثوبان أخضران. وذكر الحديث. قال قتادة: خرجنا مع أنس بن مالك إلى أرض له يقال لها الراوية، فقال حنظلة السدوسي: ما أحسن هذه الخضرة، فقال أنس: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى الله عز وجل الخضرة. وقد لبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثياب الصفر. وعن عبد الله بن جعفر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران: رداء وعمامة. وعن قيلة: أنها رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد القرفصاء، وعليه أسمال مليتين كانتا تزعفران وقد نفضتا.

وقد لبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثياب الحمر. وعن عون عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في حلة حمراء، فركز عنزةً، فجعل يصلي إليها بالبطحاء يمر من ورائها الكلب والحمار والمرأة. وعن البراء بن عازب قال: ما رأيت رجلاً قط أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلة حمراء. وعن جابر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يلبس بردة الأحمر في الجمعة والعيدين. وعن نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: والله ما شمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته ثلاثة أثواب. ولا شمل أبو بكر في بيته ولا خارج بيته ثلاثة أثواب، ولا شمل عمر في بيته ولا خارج بيته ثلاثة أثواب. غير أني كنت أرى كساءهم إذا أحرموا، كان لكل واحد منهم مئزر ومشمل لعلها كلها بثمن درع أحدكم. والله لقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقع ثوبه، ورأيت أبا بكر تخلل العباء ورأيت عمر يرقع جبته برقاع من أدم وهو أمير المؤمنين. وإني أعرف في وقتي هذا من يجيز بالمئة ولو شئت لقلت ألفاً. وعن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السوق، فقعد إلى البزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم. قال: وكان لأهل السوق رجل يزن بينهم الدراهم يقال له: فلان الوزان. قال: فجيء به يزن ثمن السراويل فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتزن وأرجح؟ فقال له الوزان: إن هذا القول ما سمعته من أحد من الناس، فمن هذا الرجل؟ قال أبو هريرة: قلت: حسبك من الزهو والجفاء في دينك ألا تعرف نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال: أهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قال: فأخذها يعني يده ليقبلها فجذبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: مه إنما تفعل هذا الأعاجم بملوكها. وإني لست بملك، وإنما أنا رجل منكم. قال: ثم جلس، فاتزن الدراهم وأرجح كما أمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انصرفنا تناولت السراويل من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجملها عنه، فمنعني وقال: صاحب الشيء أحق بحمله إلا أن يكون ضعيفاً، يعجز عنه، فيعينه عليه أخوه المسلم. قلت: يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال: نعم. بالليل والنهار، وفي السفر والحضر قال الإفريقي: وشككت في قوله: مع أهلي إني أمرت بالتستر، فلم أجد ثوباً أستر من السراويل. وعن علي قال: كنت قاعداً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقيع في يوم دجن مطر، فمرت امرأة على حمار، ومعها مكاري، فهوت يد الحمار في وهدة من الأرض فسقطت المرأة، فأعرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها بوجهه. فقالوا: يا رسول الله، إنها متسرولة فقال: " اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي. ثلاثاً. يا أيها الناس، اتخذوا السراويلات، فإنها من أستر ثيابكم، وخصوا بها نساءكم إذا خرجن ". وعن أنس قال: كان لنعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبالان. وعن تمام قال: نظر هشام بن عروة إلى نعل الصلت بن دينار ولها قبالان. فقال هشام: عندنا نعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معقبة مخصرة ملسنة. وعن عمرو بن حُريث قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعلين مخصوفتين.

وعن بريدة: أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفين أسودين ساذجين، فتوضأ ومسح عليهما. وعن عائشة قالت: كان ضجاع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ينام عليه وسادة بالليل من أدمٍ حشوها ليف. وعن أبي بردة قال: دخلنا على عائشة، فأخرجت إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن. وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة، فقالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذين الثوبين.

ذكر تواضعه لربه ورحمته لأمته ورأفته بصحبه

ذكر تواضعه لربه ورحمته لأمته ورأفته بصحبه عن عمر بن الخطاب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبده. فقولوا: عبد الله ورسوله ". وعن أنس قال: إن رجلاً قال لنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا تستهوينكم الشياطين، أنزلوني حيث أنزلني الله. أنا عبد الله ورسول الله ". وفي رواية عنه: ولا يستخزينكم الشيطان. أنا محمد بن عبد الله، رسول الله. ووالله ما أحب. إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة. فلما نزل قال: يا محمد، أرسلني إليك ربك: أملكاً نبياً نجعلك أو عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. قال: بل عبداً رسولاً. وعن عائشة قالت: أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطعام فقلت: ألا تأكل وأنت متكىء، فإنه أهون عليك؟

قالت: فأصغى بجبهته حتى كاد يمسح بها الأرض قال: آكل كما يأكل العبيد، وأنا جالس. فما رأيته أكل متكئاً حتى مضى لسبيله. وعن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أتاني ملك جرمة يساوي الكعبة. فقال اختر أن تكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً. فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع لله تعالى فقال: بل أحب أن أكون عبداً نبياً، فشكر ربي عز وجل ذلك فقال: أنت أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع ". وفي حديث آخر عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائشة، لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة. وذكر بقية الحديث ". وعن حبيب بن أبي ثابت قال: قلت لأنس بن مالك: حدثنا بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تحدثنا عن غيره قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس الصوف، ويركب الحمار، ويجلس على الأرض وثيابه عليها. ويجيب دعوة الكهول، ويعتقل العنز ويحلبها. وسمعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لو دعيت إلى كراع لأجبت ". قال: كذا قال: وثيابه عليها. قال: وأحسبه: وينام عليها. وعن أنس قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يأكل متكئاً فقال: التُكأة من النعمة فاستوى قاعداً. فما رُئي بعد ذلك متكئاً. وقال: " إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد ".

وعن علي بن حسين قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو اتخذنا لك شيئاً ترتفع عليه تُكلم الناس. فقال: " لا أزال بينكم تطوون عقبى حتى يكون الله يرفعني. ثم قال: لا ترفعوني فوق حقي فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولاً ". وعن أبي موسى قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس الصوف، ويركب الحمار ويأتي مدعاة الضعيف. وعن أبي أيوب قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركب الحمار، ويخصف النعل، ويرقع القميص، ويقول: " من رغب عن سنتي فليس مني ". وعن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض، ويركب الحمار ويردف معه، ويجيب دعوة المسكين. وعن أنس: يجيب دعوة العبد. وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة الكهول، ويركب الحمار. وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير على حمار مخطوم، بجبل من ليف، وتحته إكاف من ليف. وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لبس الصوف، وانتعل المخصوف، وركب حماره، وحلب شاته، وأكل معه عياله فقد نحى الله منه الكبر، أنا عبد ابن عبد، أجلس جلسة العبد وآكل أكل العبد وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطرف طعاماً قط إلا وهو جاث على ركبتيه إني قد أوحي إلي أن تواضعوا، ولا يبغي أحد على أحد. إن يد الله عز وجل مبسوطة في خلقه. فمن رفع نفسه وضعه الله، ومن وضع نفسه رفعه الله وما يمشي امرؤ على الأرض شبراً يبتغي فيها سلطان الله إلا أكبه الله ".

وعن أبي هريرة قال: كان في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث خلال ليست في الجبارين: كان يركب الحمار، وكان لا يدعوه أسود ولا أحمر إلا أجابه، وكان يجد التمرة ملقاة فيلقيها في فيه. وعن أنس قال: لما دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله تخشعاً. وقال أنس بن مالك: كان لا يشاء العبد الأسود أن يأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيأخذ بيده فيمضي به حيث سأله إلا أقعى لحاجته. وخطب عثمان بن عفان فقال: إنا والله صحبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويواسينا بالقليل والكثير. وإن ناساً يعلموني به وعسى ألا يكون أحدهم رآه قط. وعن سهل بن حنيف قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي ضعفاء المسلمين ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم. وعن عاصم بن حدرة قال: ما أكل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خوان قط، ولا مشى معه سواد، وما كان له بواب قط. وعن الحسن: أنه ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا والله، ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجبة، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزاً، من أراد أن يلقى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه. وكان والله يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغيظ، ويركب الحمار، ويردف معه ويلعق والله يده. وعن ابن مسعود الأنصاري قال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلم رجلاً فأرعد فقال: هون عليك، فإني لست بملك. إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما بعث الله عز وجل نبياً إلا راعي غنم. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط ". وعن أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السكينة والوقار في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بعث موسى وهو يرعى غنماً لأهله. قال: وبعثت أنا، وأنا أرعى غنماً لأهلي بأجياد ". وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي لما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ". وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرحم الناس بالعيال والصبيان. وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق ومعه أناس من أصحابه، فعرضت له امرأة فقالت: يا رسول الله، لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، اجلسي في أدنى نواحي السكك حتى أجلس إليك، ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم، إني اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، إنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها صلاة وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة ". وعن أبي سعيد الخدري قال: غشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمداد من أهل اليمن وهو في المسجد مسجده، فجعلوا يتمسحون به فلما غشوه قام موئلاً إلى بيته يقول: فاراً وركبوه. قال أبو سعيد: وكنت فيمن

يدفع عنه، وغلبونا عليه حتى انتزعوا رداءه وحتى أصاب منكبه الباب فأوجعه، وقعد في حجرة عائشة منبهراً مما لقي منهم يقول: اللهم العنهم، اللهم العنهم. فلما سري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت له عائشة: هلك والله القوم يا رسول الله. قال: وما ذاك يا عائشة. قالت: أولم أسمعك تقول: اللهم العنهم؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا والله، لقد اشترطت على ربي فقلت: " اللهم، إنما أنا بشر أغضب كما يغضبون وأجد كما يجدون، فأي المسلمين ضربت أو سببت أو لعنت أو آذيت فاجعلها له مغفرة ورحمة وقربة تقربه بها يوم القيامة. كلا والله يا عائشة ". وعن الفضل بن عباس قال: دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه وعلى رأسه عصابة حمراء أو قال: صفراء فقال: ابن عمي، خذ هذه العصابة فاشدد بها رأسي. فشددت بها رأسه. قال: ثم توكأ علي حتى دخلنا المسجد فقال: " يا أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم. ولعله أن يكون قد قرُب مني خفوف من بين أظهركم. فمن كنت أصبت من عرضه أو من شعره أو من بشره أو من ماله شيئاً، هذا عرض محمد وشعره وبشره وماله فليقم فليقتص، ولا يقولن أحد منكم: إني أتخوف من محمد العداوة والشحناء. ألا وإنهما ليسا من طبيعتي وليسا من خلقي ". قال: ثم انصرف. فلما كان من الغد أتيته فقال: " ابن عمي، لا أحسب أن مقامي بالأمس أجزأ عني، خذ هذه العصابة فاشدد بها رأسي ". قال: فشددت بها رأسه. قال: ثم توكأ علي حتى دخلنا المسجد فقال مثل مقالته بالأمس ثم قال: " فإن أحبكم إلينا من اقتص ". قال: فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت يوم أتاك السائل فسألك فقلت: من معه شيء يقرضنا فأقرضتك ثلاث دراهم؟ قال: فقال: " يا فضل أعطه ". قال: فأعطيته. قال: ثم قال: " ومن غلب عليه شيء فليسألنا ندع له ". قال: فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني رجل جبان كثير النوم. قال: فدعا له. قال الفضل: فلقد رأيته أشجعنا وأقلنا نوماً. قال: ثم أتى بيت عائشة فقال للنساء مثلما قال للرجال. ثم قال: " ومن غلب عليه شيء فليسألنا ندع له. قال: فأومأت امرأة إلى لسانها. قال: فدعا لها. قالت: فلربما قالت لي: يا عائشة، أحسني صلاتك.

وعن عبد الله بن عمرو: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا قول الله عز وجل في إبراهيم " ربِّ إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم " وقال عيسى " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ورفع يديه ثم قال: اللهم، أمتي أمتي وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال، وهو أعلم فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. وعن أبى ذر قال: قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بآية حتى اصبح يرددها. والآية " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ".

ذكر تقلله وزهده وتبتله في العبادة

ذكر تقلله وزهده وتبتله في العبادة عن عائشة قالت: ما شبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم مرتين حتى مات. وعنها قالت: إن كان ليمر بنا الشهر ونصف الشهر ما توقد في بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نار لمصباح ولا لغيره. قال: قلت: سبحان الله! فبأي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: بالماء والتمر، كان لنا نسوة جيران من الأنصار لهن منائح، فربما أهدوا إلينا منها شيئاً. وفي رواية أخرى قالت: والله، لقد كان يأتي على آل محمد شهر ما نختبز فيه. قال: فقلت: يا أم المؤمنين، فما كان يأكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان لنا جيران من الأنصار جزاهم الله خيراً، كان لهم شيء من لبن يهدون منه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنها قالت: كان يأتي على آل محمد الشهر ما يوقدون فيه ناراً، إنما هو التمر والماء، إلا أن يؤتى باللحم. وعن عائشة قالت: لقد أهدى لنا أبو بكر رجل شاة لحم، فإني لأقطعنها أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ظلمة البيت، فقلت لها: هلا أسرجتم؟ فقالت: لو كان لنا ما نسرج به لأكلناه.

وعن عائشة قالت: لقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في بيتي إلا شطر من شعير فكلته ففني، فليتني لم اكله. وقالت: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما خلف ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً. وعنها قالت: لقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. وعنها قالت: والذي بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق، ما أرى منخلاً ولا أكل خبزاً منخولاً مذ بعثه الله إلى أن قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أف، أف. وعن عائشة قالت: ما رفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداءً لعشاء ولا عشاء قط لغداء. ولا اتخذ من شيء زوجين: لا قميص، ولا رداءين ولا من النعال، ولا رُئي قط فارغاً في بيته. إنما يخصف نعلاً لرجل مسكين أو يخيط ثوباً لأرملة. وعن عائشة أنها قالت: ما شبع آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أيام متتابعة من خبز البر حتى ذاق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموت. وما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصبت الدنيا علينا صباً. وعنها قالت: لقد توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني.

قال مسروق: دخلت على عائشة يوماً فدعت لي بطعام، فقالت لي: كل. فلقلما أشبع من طعام فأشاء أن أبكي إلا بكيت. قال: قلت: يا أم المؤمنين، وذاك ممه؟ قالت: أذكر الحال التي فارقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ما شبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم مرتين من خبز الشعير حتى لحق بالله عز وجل. وعن عائشة قالت: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يترك ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً، ولم يوص بشيء. وعن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخي جويرية بنت الحارث قال: والله، ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وفاته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة. وعن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التفت إلى أُحد فقال: " والذي نفسي بيده ما يسرني أن أُحداً تحول لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت أدع منه دينارين، إلا دينارين أحدهما لدين إن كان ". فمات وما ترك ديناراً ولا درهماً ولا عبداً، ولا وليدة، وترك درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعاً شعير. وعن عائشة قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطيفة وقيل: عباءة مثنية، فانطلقت فبعثت إلي بفراش حشوه صوف، ودخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذا يا عائشة؟! قالت: قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك، فذهبت فبعثت إلي بهذا. فقال: " رديه يا عائشة. فو الله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ". قالت: فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال لي ذاك ثلاث مرات قال: فقال: " رديه يا عائشة، فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ".

وعن زر بن حبيش قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن ميراث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: عن ميراث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأل لا أبالك؟! والله ما ورّث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً ولا عبداً ولا أمة. وعن عائشة قالت: لو أردت أن أخبركم بكل شعبة شعبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات لفعلت. وعن عمران بن يزيد قال: حدثني والدي قال: دخلنا على عائشة فقلنا: سلامٌ عليك يا أمّه فقالت: وعليك، ثم بكت فقلنا: ما بكاؤك يا أمّه؟ قالت: بلغني أن الرجل منكم يأكل من ألوان الطعام حتى يلتمس لذلك دواء يمريه، فذكرت نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذلك الذي أبكاني. خرج من الدنيا ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين. كان إذا شبع من التمر لم يشبع من الخبز، وإذا شبع من الخبز لم يشبع من التمر. وعن عائشة قالت: اشتد وجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعندنا سبعة دنانير أو تسعة. فقال: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ قالت: هي عندي، قال: فتصدقي بها. قالت: فشغلت، ثم قال: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ فقلت: عندي. قال: تصدقي بها. قالت: فشغلت ثم قال الثالثة: ما فعلت تلك الذهب؟ فقلت: هي عندي فقال: ائتني بها، فوضعها في يده ثم قال: " ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده، ما ظن محمد لو لقي الله وهذه عنده ". وفي رواية قالت: فأخذها فبددها. وعن عطاء قال: زار أبو هريرة قومه فأتوه برقاق من الرقاق الأول. فلما رآه بكى. فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟ فقال " ما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا بعينه قط.

وعن أبي هريرة قال: إن كان ليمر بآل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأهلة ما يسرج في بيت أحد منهم سراج، ولا توقد فيه نار. إن وجدواً زيتاً ادهنوا به، وإن وجدوا ودكاً أكلوه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ". وعنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " والله لا يقسم ورثتي ديناراً، ما تركت من شيء بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ". وعنه قال: جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، ما لي أرى لونك منكفتاً! قال الخمص، فانطلق الأنصاري إلى رحله فلم يجد فيه شيئاً، فخرج يطلب فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً له فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري عليه ألا يأخذ منه خدرة ولا تارزة ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جيدة. فاستسقى له بنحو من صاعين تمراً، فجاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أين لك هذا؟ فأخبره الأنصاري. وكان يسأل عن الشيء إذا أُتي به، فأرسل إلى نسائه بصاع، وأكل هو وأصحابه صاعاً. وقال للأنصاري: أتحبني؟ قال: نعم، والذي بعثك بالحق يعني: إني لأحبك قال: إن كنت فاتخذ البلاء كفافاً، فوالذي نفسي بيده للبلاء أسرع إلى من يحبني من الماء الجاري من قلب الجبل إلى حضيض الأرض ثم قال: " اللهم، فمن أحبني فارزقه العفاف والكفاف، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده ".

وعن أنس قال: ما أكل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خوان ولا في سُكرُّجة، ولا خبز له مرقق. قال: قلت لقتادة: فعلام كاونوا يأكلون؟ قال: على السفر. وعن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يدخر شيئاً لغد. وعن أبي ربيع قال: كنا مع أنس بن مالك في بستان له إذ أُلقيت له طنفسة، ثم جيء بخوان فوضع، ثم جيء بزهومة فوضعت على الخوان، فلما رأى ذلك أنس بكى. قال: قلنا: ما يبكيك يا أبا حمزة؟ قال: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً على طنفسة قط. ولا رأيت بين يديه خواناً قط. وعن أنس: أن خياطاً بالمدينة جعل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً فأتى بخبز شعير وإهالة سنخة وإذا فيها قرع، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه القرع، فجعلت أُقربه قدامه. قال أنس: فلم يزل القرع يعجبني منذ رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه. وعن أنس قال " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب، ولقد كانت له درع رهناً عند يهودي. فما وجد ما يفتكها حتى مات صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس قال: لبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوف، واحتذى المخصوف.

وقال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشعاً، ولبس خشناً. قال: سئل الحسن: ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، لايكاد يسيغه إلا بجرعة ماء. وعن أنس: أن فاطمة جاءت بكسرة خبز لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذه الكسرة يا فاطمة؟ قالت: قرص خبزته، فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام. وعن جابر بن عبد الله قال: لما حفر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الخندق أصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون جهداً شديداً، فمكثوا لا يجدون طعاماً حتى ربط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بطنه حجراً من الجوع. وعن ابن البجير، وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أصاب يوماً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجوع، فوضع على بطنه حجراً ثم قال: ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة، ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة. ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم. ألا يا رب منحوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله. ما له عند الله من خلاق، ألا وإن عمل الجنة حزنة بربوة، ألا وإن عمل النار سهل بشهوة. ألا يا رب شهوة ساعة أورثت خزناً طويلاً. وعن سماك أنه سمع النعمان بن بشير يخطب وهو يقول: احمدوا الله تبارك وتعالى: فربما أتى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهر يظل يتلوى، ما شبع من الدقل. وعن أبي حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النقي فقال سهل: ما

رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النقي من حين بعثه الله حتى قبضه الله. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مناخل. قال: ما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه. قال: فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخل؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار وما بقي ثريناه فأكلناه. وعن أحمد بن عبد الله العجلي قال: سألت نعيم بن حماد قلت: جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يشبع في يوم من خبز مرتين. وجاء عنه أنه كان يعد لأهله قوت سنة فكيف هذا؟! قال: كان يعد لأهله قوت سنة، فتنزل به النازلة فيقسمه فيبقى بلا شيء. وعن عمر بن الخطاب: أنه دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هجره نساؤه فوافاه على سرير رمال يعني مرمولاً متوسداً وسادةً من أدم محشوة ليفاً. فقال عمر: التفت في البيت فوالله ما رأيت شيئاً يرد البصر إلا العباء من أدم معطونة ريحها، فبكيت، فقلت: يا رسول الله، أنت رسول الله وخيرته وهذا كسرى وقيصر في الذهب والحرير، فاستوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً فقال: أو في شكٍ أنت يا بن الخطاب! أولئك قوم عجلت، يعني: طيباتهم في حياتهم الدنيا. وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء. قال: وكان عامة خبزهم الشعير. وعن ابن عمر أنه قال: إن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا.

وعن ابن عمر قال: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل في بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: يا بن عمر، مالك لا تأكل؟! قال: قلت: يا رسول الله، لا أشتهيه، قال: لكنني أشتهيه، وهذه صبح رابعة مذ لم أذق طعاماً ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي عز وجل فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت في قوم يخبؤون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت " وكأين من دابةٍ لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا اتباع الشهوات، فمن كنز دنيا يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخبأ رزقاً لغدٍ. وعن ابن عمر: " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة " قال: في جوع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الله قال: اضطجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حصير، فأثر الحصير بجلده. فلما استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول: ألا أذنتنا فنبسط لك عليه شيئاً يقيك منه؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. وعن نوفل بن إياس أنه قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليساً، وكان نعم الجليس، وإنه انقلب بنا ذات يوم إذ أدخلنا بيته، ودخل فاغتسل، ثم خرج فجلس معنا، وأُتينا بصفحة فيها خبز ولحم. فلما وضعت بكى عبد الرحمن، فقلت له: يا أبا محمد، ما يبكيك؟! قال: هلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أُرانا أُخرنا لما هو خير لنا.

وعن عمرو بن العاص قال: وهو على المنبر بمصر للناس: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما هو فأزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها. وعن عمرو بن العاص قال: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزهد فيه؛ أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزهد فيها والله ما أتت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له. قال: فقال له بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد رأينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستسلف. وفي رواية: والله، والله ما مر برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له. وعن أبي البختري قال: صحب سلمان رجلٌ من بني عبس، فكان لا يستطيع أن يفضله في عمل: إن عجن خبز، وإن سقى الركاب هيأ العلف للدواب، حتى انتهى إلى دجلة وهو تطفح، فقال له سلمان: انزل فاشرب. قال: فشرب. فقال: ازدد فازدد. قال: كم تراك نقصت منها؟ فقال: ما عسى أن أنقص من هذه. قال: فقال له سلمان: فكذلك العلم تأخذ منه ولا تنقصه، فعليك بما ينفعك. قال: فعبرنا إلى نهر دنّ فإذا الأكداس عليه من الحنطة والشعير فقال: يا أخا بني عبس، أما ترى الذي فتح خزائن هذه علينا كان برأها ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيّ؟ قال: قلت: بلى. قال: فوالذي لا إله غيره لقد كنا نمسي ونصبح وما فينا قفيز من قمح. ثم سار حتى انتهى إلى جلولاء فذكر ما فتح الله عز وجل عليهم فيها

من الذهب والفضة. فقال: يا أخا بني عبس، أما ترى الذي فتح هذه علينا كان برأها ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي؟ قلت: بلى. قال: فوالذي لا إله غيره. لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم دينار ولا درهم. وعن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً، وأجوع يوماً. فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك ". وعن أبي عسيب قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلاً فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق يمشي ونحن معه حتى دخل بعض حوائط الأنصار فقال: أطعمنا بسراً، فجاء بعذق فأكلوا، وجاء بماء فشربوا. فقال عمر: يا رسول الله: إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم إلا من ثلاثٍ: إلا من كسرةٍ يسد بها الرجل جوعته؛ وخرقة يواري بها عورته، وجُحر يتدخل فيه من الحر والقر. وعن الحسن: حدثني من صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يره وضع قصبة ولا لبنة على لبنة. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه لما نزلت هذه الآية " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " قال وصلى حتى انتفخت قدماه، وتعبد حتى صار كالشنّ البالي. فقالوا: يا رسول الله! أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وعن سفينة قال: اعتزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه قبل أن يموت بشهرين، وتعبد حتى صار كالشنّ البالي.

وعن عطاء قال: دخلت على عائشة فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبكت وقالت: وأي شأنه لم يكن عجباً؟ إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي أو قالت: في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال: يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي، قالت: قلت: إني أحب قربك، فأذنت له فقام إلى قربة من ماء فتوضأ فأكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فأذن بالصلاة، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لم ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل عليّ " إن في خلق السموات والأرض " الآية. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل كي لا ينام، فأنزل الله تعالى " طه ما أنزلنا عليك القرآن لنشقى ". وعنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى، فأنزل الله عز وجل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ". وعن عاصم بن ضمرة قال: سألنا علياً عليه السلام عن صلاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النهار فقال: إنكم لا تطيقون ذلك. قلنا: من أطاق ذلك منا. فقال: كان إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر صلى ركعتين. وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر صلى أربعاً، ويصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعاً يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من النبيين والمرسلين.

وعن علي عليه السلام قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي التطوع ثماني ركعات وبالنهار ثنتي عشرة ركعة. وكان في نسخة: ست عشرة ركعة. وعن عبد الله قال: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: يا أم المؤمنين، هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخص شيئاً من صيامٍ بعمل؟ قالت: كان أحب الأعمال إليه ما دام عليه صاحبه، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستطيع؟. وعن عائشة: عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي قائماً، فلما دخل في السن جعل يجلس حتى إذا بقي في السورة ثلاثون آية أو أربعون آية قام فقرأ بها ثم سجد. وقالت: ما رأيته يصلي في بيتي صلاة الليل جالساً قط حتى دخل في السن. وعن مسلم بن مخراق قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، إن أناساً يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثاً فقالت: قرؤواً ولم يقرؤوا. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم ليلة التمام فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، لا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله ورغب، ولا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله واستعاذ. وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التطوع فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين. وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، ثم يصلي العشاء، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين. وكان يصلي من الليل سبع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً. وليلاً طويلاً جالساً. فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد.

وعن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة: منها ركعتان يصليهما وهو جالس، ويصلي إذا طلع الفجر ركعتين قبل الصبح. فتلك ثلاث عشرة ركعة. وعن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا لم يصلّ من الليل منعه من ذلك نومٌ غلبه أو وجعٌ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. وعن أبي ذر أنه قال: قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أريد أن أبيت عندك الليلة فأصلي بصلاتك. قال: لا تستطيع صلاتي. فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل فسترته بثوب وأنا محول عنه، فاغتسل ثم فعلت مثل ذلك فقال: هكذا الغسل. ثم قام يصلي فقمت معه حتى جعلت أضرب برأسي الجدرات من طول صلاته، ثم أتاه بلال للصلاة فقال: أفعلت؟ قال: نعم. قال: إنك يا بلال تؤذن إذا كان الصبح ساطعاً في السماء. وليس ذلك الصبح. إنما الصبح هكذا معترضاً. ثم دعا بسحور فتسحر قال حاتم بن عدي: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال هذه الأمة بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر " ثم خرج فقامت الصلاة. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: نزل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً فنقبت في عمله كله، فرأيته إذا زالت الشمس أو زاغت، أو كما قال إن كان في يده عمل الدنيا رفضه، وغن كان نائماً كأنما يوقظ له، فيقوم فيغتسل أو يتوضأ، ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن، ويتمكث فيهن. فلما أراد أن ينطلق قلت: يا رسول الله، مكثت عندي شهراً، ولوددت أنك مكثت عندي أكثر من ذلك فنقبت في عملك كله فرأيتك إذا زالت الشمس - أو زاغت فإن كان في يدك عمل من الدنيا رفضته، وإن كنت نائماً فكأنما توقظ له، فتغتسل أو توضأ، ثم تركع أربع ركعات تتمهن وتحسنهن وتمكث فيهن. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبواب السماوات وأبواب الجنة تفتح في تلك الساعة، فما ترتج أبواب السماوات وأبواب الجنة حتى تصلي الصلاة، فأحببت أن يصعد لي تلك الساعة خير وزاد الأوزاعي فقال: فأحب أن يرفع عملي في أول عمل العابدين.

وعن حذيفة: أنه انتهى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قام في صلاته من الليل. فلما دخل في الصلاة قال: الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة. ثم قرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه. يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه، فكان قيامه بعد الركوع نحواً من ركوعه يقول: لربي الحمد، لربي الحمد. ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه بعد الركوع يقول: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه فكان بين السجدتين نحواً من سجوده يقول: ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي حتى صلى أربع ركعات قرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام. وعن أنس قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصلياً إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه. وعن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكون في المصلين إلا كان أكثرهم صلاة، ولا يكون في الذاكرين إلا كان أكثرهم ذكراً. هـ بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكون في المصلين إلا كان أكثرهم صلاة، ولا يكون في الذاكرين إلا كان أكثرهم ذكراً.

ذكر بنيه وبناته وأزواجه وسرياته

ذكر بنيه وبناته وأزواجه وسُرَياته عن عطاء وعمرو بن دينار قالا: ما علمنا ولدت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أزواجه إلا خديجة. وعن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية. فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة، ثم مات عبد الله. فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله عز وجل " إن شانئك هو الأبتر " ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات ابن ثمانية عشر شهراً. قال هشام بن الكلبي: فتزوج زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو العاصي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. فولدت له علياً وأمامة. وكان يقال لأبي العاص: جرو البطحاء، يعني أنه كان متلداً بها. وخرج أبو العاصي بن الربيع في بعض أسفاره إلى الشام فقال: البسيط ذكرت زينب وركت إرما ... فقلت سقيا لشخصٍ يسكن الحرما بنت الأمين جزاها الله صالحة ... وكل بعلٍ سيثني بالذي علما

وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثمان من الهجرة. وتزوج رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتبة بن أبي لهب. وتزوج أم كلثوم بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتيبة بن أبي لهب، فلم يبنيا بهما حتى بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما أنزل الله تعالى: " تبت يد أبي لهب " قال لهما أبوهما: رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتيه، ففارقاهما، ولم يكونا دخلا بهما. فتزوج عثمان بن عفان رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فولدت له عبد الله بن عثمان الذي تكنى به، وبلغ ست سنين فنقره ديك على عينه فمات. وتوفيت رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. فقدم زيد بن حارثة المدينة بشيراً بما فتح الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر، فجاء حين سوي التراب على رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانت بدر صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان من السنة الثانية للهجرة. وزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عثمان أيضاً ابنته أم كلثوم فماتت عنده في شعبان سنة تسع من الهجرة، ولم تلد له شيئاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ":لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان ". وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لليالٍ بقين من صفر في السنة الثانية من الهجرة. فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، بني علي. وتوفيت فاطمة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بستة أشهر. قال: وهذا أثبت الأقاويل، وصلى عليها العباس بن عبد المطلب، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن العباس. وعن ابن عباس قال: ولدت خديجة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن محمد. ثم أبطأ عليه الولد من بعده. فبينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكلم رجلاً والعاص بن وائل ينظر إليه إذ قال له رجل: من هذا؟ قال:

هذا الأبتر. يعني: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانت قريش إذا ولد الرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا: هذا الأبتر. فأنزل الله عز وجل: " إن شانئك هو الأبتر " إن مبغضك هو الأبتر الذي بتر من كل خير. ثم ولدت له زينب، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب، ثم ولدت المطيب، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة وكانت أصغرهم. وكانت خديجة إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه. فلما ولدت فاطمة لم يرضعها أحد غيرها. ثم ولدت مارية بنت شمعون إبراهيم، وهي القبطية التي أهداها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المقوقس صاحب اسكندرية وأهدى معها أختها سيرين وخصياً يقال له مابور، فوهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرين لحسان بن ثابت الشاعر، ولدت له عبد الرحمن بن حسان وقد انقرض ولد حسان بن ثابت. وأم بني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير إبراهيم خديجة وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد بن أسد بن العزى ابن قصي وأمها فاطمة بنت زائدة بن جندب، وهو الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن مغيص بن عامر بن لؤي. ويقال إن الطاهر هو الطيب، وهو عبد الله، والله أعلم. ويقال إن الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر في بطن. قال الزهري: تزوجها في الجاهلية وأنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد، فولدت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القاسم وبه كان يكنى، وطاهر وزينب ورقية وأم كلثوم، وفاطمة رضوان الله عليهم. فأما زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتزوجها أبو العاصي بن الربيع بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهلية، فولدت لأبي العاصي جارية اسمها أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب بعدما توفيت بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل علي وعنده أمامة. فخلف على أمامة بعد علي

المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، فتوفيت عنده. وأم أبي العاص بن الربيع هالة بنت خويلد بن أسد. وخديجة خالته أخت أمه. وهلك أبو طالب وخديجة في عام واحد قبل مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة بثلاث سنين. وعن أنس بن مالك قال: لما ولد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه إبراهيم كأنه وقع في نفسه منه شيء، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك أبا إبراهيم. وعن عبد الرحمن بن زياد قال: لما حُبِل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإبراهيم عليه السلام أتى جبريل فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله تعالى وهب لك غلاماً من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك في إبراهيم، وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة. وكان مولد إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة. ومات وهو ابن ثمانية عشر شهراً. وعن السدي قال: سألت أنس بن مالك قال: قلت: كم كان بلغ إبراهيم بن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قد كان ملأ مهده، ولو بقي لكان نبياً، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الأنبياء. وعنه قال: توفي إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ستة عشر شهراً فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادفنوه بالبقيع فإن له مرضعاً تتم رضاعته في الجنة ". وعن إسماعيل قال: سألت ابن أبي أوفى أو سمعته يسأل عن إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مات وهو صغير، ولو قضي أن يكون بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي لعاش. وعن أنس بن مالك قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه، فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل إلى البيت. وإنه ليدجن وكان ظئره فينا، فيأخذه فيقبله ثم يرجع. قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي وإن الظئرين يكملان رضاعه في الجنة ". وعن أسماء بنت يزيد حدثت: أنه لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر وعمر: أنت أحق من علم لله حقه! فقال: " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، فلولا أنه وعدٌ صادق وموعود جامع وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجداً أشد مما وجدنا. وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ". وعن ابن أبي أوفى قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنه وصليت خلفه، وكبر عليه أربعاً. وعن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن له مرضعاً في الجنة تتم رضاعته. ولو عاش لكان نبياً. ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط. وفي حديث آخر: ولو بقي لأعتقت كل قبطي. وذكر الواقدي: أن إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات يوم الثلاثاء لعشر ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر ودفن بالبقيع، وكانت وفاته في بني مازن عند أم برزة بنت المنذر من بني النجار، ومات وهو ابن ثمانية عشر شهراً.

وعن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة معهم كنانة أو ابن كنانة فخرجوا في أثرها، فأدركها هبار بن الأسود، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها وأهريقت دماً، فحُملت فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية، فقال بنو أمية: نحن أحق بها، وكانت تحت ابن عمهم أبي العاص فكانت عند هند بنت ربيعة، وكانت تقول لها هند: هذا في سبب أبيك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد بن حارثة: ألا تنطلق فتجيء بزينب؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: خذ خاتمي فأعطها إياه، فانطلق مرة، وقال مرة، فبرك بعيره، فلم يزل يتلطف حتى لقي راعياً فقال: لمن ترعى؟ قال: لأبي العاص. قال: فلمن هذه الغنم؟ قال: لزينب بنت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسار معه شيئاً ثم قال له: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم. فأعطاه الخاتم، فانطلق الراعي وأدخل غنمه، وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل. قالت: وأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا قال: فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه. فلما جاءته قال لها: اركبي بين يديه بعيره. قالت: لا ولكن، اركب أنت بين يدي، فركب وركبت وراءه حتى أتت، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هي أفضل بناتي أصيبت فيّ، فبلغ ذلك علي بن الحسين. فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك تحدث به تنتقص فيه حق فاطمة؟ قال: فقال عروة: والله إني لا أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب إني أنتقص فاطمة حقاً لها. وأما بعد ذلك فلك ألا أحدث به أبداً. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول سنة ثمان من الهجرة. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت أحمل الطعام إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي، وهما في الغار. قالت: فجاء عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أسمع من المشركين من اللغى فيك ما لا صبر لي عليه، فوجهني وجهاً أتوجهه، فلأهجرنهم في ذات الله فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أزمعت بذاك

يا عثمان؟ قال: نعم. قال: فليكن وجهك إلى هذا الرجل بالحبشة يعني: النجاشي فإنه ذو وفاء، واحمل معك رقية فلا تخلفها، ومن رأى معك من المسلمين مثل رأيك فليتوجهوا هناك، وليحملوا معهم نساءهم، ولا تخلفوهم. قال: فودع عثمان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبل يديه. قال: فبلّغ عثمان المسلمين رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال لهم: إني خارج من تحت ليلتي فمقيمٌ لكم بجدة ليلة أو ليلتين فإن أبطأتم فوجهتي إلى باضع جزيرة في البحر. قالت: فحملت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما فعل عثمان ورقية؟ قلت: قد سارا فذهبا. قالت: فقال: قد سارا فذهبا؟ قلت: نعم. فالتقت إلى أبي بكر فقال: زعمت أسماء أن عثمان ورقية قد سارا فذهبا، والذي نفسي بيده إنه لأول من هاجر بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام. وعن ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: " الحمد لله، دفن البنات من المكرمات ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها ". وعن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى " ثم قال: بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، فطفق يطرح إليهم الجبوب ويقول: سدوا خلال القبر، ثم قال: إلا أن هذا ليس بشيء، ولكن يطيب بنفس الحيّ. وفي سنة تسع ماتت أم كلثوم ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أبي جعفر قال: دخل العباس على علي بن أبي طالب وفاطمة وهي تقول: أنا أسن منك. فقال العباس: أما أنت يا فاطمة فولدت وقريش تبني الكعبة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن خمس وثلاثين سنة. وأما أنت يا علي قبل ذلك بسنوات. وتزوج علي فاطمة في رجب بعد مقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة لخمسة اشهر. وبنى بها مرجعه من بدر، وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثمان عشرة سنة. قال جعفر بن سليمان: ولدت فاطمة سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وماتت فاطمة وهي ابنة إحدى وعشرين سنة. وكانت كنية فاطمة عليها السلام أم أبيها. وعن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم تغادر منهن امرأة. فجاءت فاطمة تمشي، ما تخطىء مشيتها مشية أبيها صلوات الله عليه فقال: مرحباً يا بنتي، فأقعدها عن يمينه أو عن شماله فسارّها بشيء فبكت، ثم سارّها بشيء فضحكت، فقلت لها: خصك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بينا بالسِّرار فتبكين؟ فلما قام قلت لها: أخبريني بما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سره. فلما توفي قلت لها: أسألك بما لي عليك من حق لما أخبرتني. فقالت: أما الآن فنعم. قالت: سارني فقال: " إن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا عند اقتراب الأجل، فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك. فبكيت، ثم سارني فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو قال: سيدة نساء هذه الأمة "؟ وعن المسور بن مخرمة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويغضبني ما أغضبها ". وعن علي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: " يا فاطمة، إن الله ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك ".

وعن أبي الزبير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: " أنت أول أهل يلحق بي "، فلم تمكث بعده إلا شهرين. وعن أبي جعفر قال: ماتت بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بستة أشهر. وعن عمرو بن دينار: بثمانية اشهر. وقال المدائني: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاثٍ خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة. ولدت قبل النبوة بخمس سنين. قالت عائشة: ودفنت ليلاً. وعن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض عن تسع، وكان يقسم لثمان. وعن أنس بن مالك وابن عباس قالا: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدة نساء فوافى ذلك تخيير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه وقصره الله على أزواجه اللاتي خيرهن وآتاهن أجورهن وكان اللاتي حرم منهن حراماً بيناً، ودخل بهن دخولاً ثابتاً خمس عشرة، دخل بثلاث عشرة واجتمع عنده إحدى عشرة، وتوفي عن تسع. فأما اللتان كملتا النسوة خمس عشرة فهما عمرة والشنباء. فأما عمرة بنت يزيد الغفارية فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أُدخلت عليه وجردها للباءة رأى بها وضحاً فردها، وقد أوجب لها المهر وحرمت على من بعده، وصارت سُنة، فيمن أُدخلت عليه امرأة فأغلق باباً أو أرخى ستراً أو جرد ثوباً أو خلا للباءة أفضى أو لم يفض فقد وجب عليه الصداق.

وأما الشنباء فإنها لما أُدخلت عليه لم تكن بالمسيرة، فانتظر بها اليسر. ومات إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تفئة ذلك، فقالت: لو كان نبياً ما مات أحب الناس إليه وأعزه عليه فطلقها، وأوجب لها المهر، وحرمت على الأزواج. وأما الثلاث عشرة اللاتي بنى بهن فخديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. وكانت قبله عند أبي هالة زرارة بن النباش بن زرارة بن حبيب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم، وقبل عند عتيق بن عائذ. وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ين لؤي. وكانت قبله تحت السكران بن عمرو بن عبد شمس، ابن عمها. وعائشة بنت أبي بكر الصديق بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة. لم يتزوج بكراً غيرها. وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب. وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. وأم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحارث بن مالك بن المصطلق بن سعد بن

عمرو الخزاعي. وكانت قبله تحت مالك بن صفوان بن تولب بن ذي الشفر بن أبي سرح بن مالك بن المصطلق. وزينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة. كانت قبله تحت زيد بن حارثة بن شراحيل. وزينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين. وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وصفية بنت حيي بن أخطب بن سقية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير. وكانت قبله عند سلام بن مشكم بن الحكم بن حارثة بن الخزرج بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب. ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب. وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن عبد الله بن روبية بن هلال بن عامر بن صعصعة. وكانت قبله تحت عمير بن عمرو أحد عقدة بن غيرة من ثقيف. وأم شريك بنت جابر بن عكيم أحد بني عويص بن عامر بن لؤي. وكانت قبله تحت أبي العكير الأزدي، وكان بنو عكيم في الأزد. ثم انقرضوا فلم يبق منهم أحد. والشاة بنت رفاعة. وبنو رفاعة هؤلاء من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وكانوا حلفاء في بني قريظة في بني رفاعة من بني قريظة، فأصيبوا معهم يوم أصيبوا فانقرضوا. فأما خديجة بنت خويلد فماتت قبل أن يجامع أحداً من نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما الشاه حين خير نساءه بين الدنيا والآخرة فاختارت أن تزوج بعده فطلقها. وأما المجتمعات عنده فسودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وزينب بنت جحش، وزينب بنت خزيمة، وميمونة، وأم شريك.

وأما اللواتي توفي عنهن فعائشة، وحفصة، وأم سليم، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وزينب، وزينب والصواب: وسودة وميمونة. وكانت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية القبطية، أم إبراهيم، وريحانة بنت شمعون الخنافية، إحدى بني النضير. قال ابن أبي مُليكة: فسألت عائشة عن قسمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُمي ولده فقالت: كان يقسم لهما مرة ويدعهما مرة، فإذا قسم أضعف قسمنا، فلإحداهن يوم ولنا يومان، وعلى ذلك قسم للمرأة المملوكة النصف مما قسم للحرة، وأجمع عمر والمسلمون أن أم الولد كالمدبرة، إنها مملوكة حية مولاها، ثم هي حرة بعد مولاها حفظاً للفروج. وروى سهل بن حُنيف في حديث قال: ثم أعتق ريحانة من بني قريظة فلحقت بأهلها، واحتجبت وهي عند أهلها. وطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العالية بنت ظبيان، وفارق أخت عمرو بن كلاب، وفارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياضٍ كان بها. وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيّ. قال: وبلغنا أن العالية بنت ظبيان تزوجت قبل أن يحرم الله عز وجل نساءه. فنكحت ابن عمٍ لها من قومها وولدت فيهم. وزيد بن حارثة التي عنده زينب بنت جحش هو الذي أنعم الله عليه ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيها نزلت الآية لأنها وقعت في نفسه. فقالت عائشة: وقال لها أناس من أهل العراق إنه يقال إنه عندكم شيئاً من كتاب الله عز وجل لم تُظهروه فقالت: لو كتم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أنزل الله عز وجل عليه لكتم هذه الآية: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه " إلى آخر الآية. وقسم عمر بن الخطاب في خلافته لنساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثني عشر ألف درهم لكل

امرأة، وقسم لجويرية وصفية ستة آلاف لأنهما كانتا سبياً. وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم لهما وحجبهما. وقال ابن منده: وحج بهما. وفي حديث آخر: وتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخت بني الجون الكندي، وهم حلفاء في بني فزازة، فاستعاذت منه فقال: لقد عذت بعظيم. الحقي بأهلك، فطلقها ولم يدخل عليها. قال أبو جعفر: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وساق عنه أربع مائة دينار. كان عمار بن ياسر إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة وما يكثرون فيه يقول: أنا أعلم بتزويجه إياها. إني كنت له إلفاً وخدناً، وإني خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم حتى إذا كنا بالحزورة أجزنا على أخت خديجة وهي جالسة على أدم تبيعها فنادتني فانصرفت إليها. ووقف لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: أما لصاحبك من حاجة في تزويج خديجة؟ قال عمار: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: بلى لعمري، فذكرت لها قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: اغدوا علينا إذا أصبحنا. فغدونا عليهم. قال: فوجدناهم قد ذبحوا بقرة وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته، وكلمت أخاها فكلم أباه وقد سقي خمراً فذكرت له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومكانه، وسأله أن يزوجه فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرة طعاماً، فأكلنا منه ونام أبوها ثم استيقظ صاحياً فقال: ما هذه الحلة، وهذه النقيعة، وهذا الطعام؟ فقالت له ابنته التي كلمت عماراً: هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة. فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء

الحجر، وخرجت بنو هاشم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاؤوه فكلموه فقال: أين صاحبكم الذي يزعمون أني زوجته، فبرز له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما نظر إليه قال: إن كنت زوجته فسبيل ذلك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته. قال المؤملي: والمجتمع أن عمها عمرو بن أسد الذي زوجها. وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة قبل أن يبعثه الله عز وجل نبياً بخمس عشرة سنة، ولم يتزوج عليها حتى ماتت. وقيل: أنه تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة. وقال الواقدي: إنها كانت لما تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنت خمس وأربعين سنة. وروي عن ابن عباس قال: كانت خديجة يوم تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنة ثمان وعشرين سنة. ومهرها ثنتي عشرة أوقية. وكذلك مهور نسائه. وقال حكيم بن حزام: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة وهي ابنة أربعين سنة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن خمس وعشرين سنة. وكانت أسن مني بسنتين. ولدت قبل الفيل بخمس عشرة. وولدت أنا قبل الفيل بثلاث عشرة سنة. وتوفيت خديجة في شهر رمضان سنة عشر من النبوة وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة. فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون. ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في حفرتها. ولم تكن يومئذ سنة الجنازة والصلاة عليها. قيل: ومتى ذلك يا أبا خالد، قال: قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها، وبعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير. قالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناءٍ عليها واستغفار. فذكرها ذات يوم، فاحتملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن، قال: فرأيت رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب غضباً أُسقطت في جلدي وقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت غضب رسول الله عني لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت. فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس ورزقت مني الولد إذ حرمتموه مني. قالت: فغدا وراح علي بها شهراً. ولما هلكت خديجة جاءت خولة بنة حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله ألا تزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً. قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله إليك، عائشة بنة أبي بكر. قال: وممن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول. قال: فاذهبي فاذكريها علي. فدخلت بيت أبي بكر فقالت: يا أم رومان، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخطب عليه عائشة. قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي. فجاء أبو بكر قالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟! قال: وماذا؟ قالت: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخطب عليه عائشة. قال: وهل تصلح له، إنما هي بنت أخيه، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له. فقال: ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك في الإسلام، وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي، فرجعت فذكرت ذلك له. قال: انتظري، وخرج. قالت أم رومان: إن مُطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه؛ فوالله ما وعد وعداً قط فأخلفه لأبي بكر. فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أم الفتى فقالت: يا بن أبي قحافة، لعلك مصبىء صاحبنا فمدخله في دينك الذي أنت عليه إن تروّح إليك، قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أقولٌ هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك. فخرج من عنده، وقد أذهب الله ما كان في نفسه من عدته التي وعده، فرجع فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعته فزوجها إياه، وعائشة يومئذ ست سنين. ثم خرجت، فدخلت على سودة بنة زمعة فقالت: ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟! قالت: وما ذلك؟ قالت: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخطبك عليه. قالت: وددت. ادخلي إلى أبي فاذكري ذلك له وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السن قد تخلف عن الحج فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية فقال: من هذه؟ فقالت: خولة بنة حكيم.

قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة. قال: كفوٌ كريم. ماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذلك. قال: ادعيها لي فدعتها. قال: أي بنية إن هذه تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفوء كريم. أتحبين أن أزوجكه؟ قالت: نعم. قال: ادعيه، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه فزوجها إياه، فجاء أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثي في رأسه التراب، فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيهٌ يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سودة بنت زمعه. قالت عائشة: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج في السنُح. قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار، ونساء، فجاءت إليّ أمي، وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جُميمة، ففرقتها ومسحت وجهي بشيء من ماء ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت بي فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلسني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك بارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك. فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتنا ما نُحرت عليّ جزور ولا ذُبحت علي شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا دار إلى نسائه. وأنا يومئذ ابنة تسع سنين. وعن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة. قال: فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة. قالت: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة. وتوفيت سودة في شوال سنة أربع وخمسين بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان. قال: وهو الثبت عندنا. وقيل: توفيت في زمن عمر.

قال أبو عثمان النهدي: كان عمرو بن العاص يحدث الناس عن جيش السلاسل قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة: قلت: من الرجال؟ قال: أبوها أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب. قلت: ثم من؟ قال: فعد لي رجالاً. قال الهيثم بن عدي: توفيت عائشة سنة سبع وخمسين. وقال أبو عبيد: سنة ثمان وخمسين في شهر رمضان. وصلى عليها أبو هريرة بالمدينة، وكان استخلفه الوليد بن عتبة ومروان بن الحكم عليها. وتوفي في تلك السنة أيضاً: الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص. وكانت وفاتها ليلة سبع عشرة من رمضان بعد الوتر، فأمرت أن تدفن من ليلتها. فاجتمع الناس وحفروا فلم تر ليلة أكثر ناساً منها. نزل أهل العوالي فدفنت بالبقيع. وهي يومئذ ابنة ست وستين سنة. قال عمر: ولدت حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس سنين. وعن حسين بن أبي حسين قال: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة في شعبان على رأس ثلاثين شهراً قبل أحد. قال المدائني: تزوجها سنة ثلاث من الهجرة. وقيل عن أبي عبيدة: تزوجها سنة اثنتين.

وعن عمار بن ياسر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يطلق حفصة فجاءه جبريل فقال: لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة. وذكر ابن وهب: أن حفصة توفيت عام فتحت إفريقية. وفتحت إفريقية سنة سبع وعشرين، وفتحت أيضاً سنة خمس وثلاثين. وفتحت أيضاً سنة ثلاث وخمسين. ويقال إنها توفيت سنة خمس وأربعين، في شعبان في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وهي يومئذ ابنة ستين سنة. وقال مالك بن أنس: توفيت حفصة عام فتحت إفريقية. قال أبو زرعة: فنرى والله أعلم أن وجه قول مالك بن أنس: توفيت حفصة عام فتحت إفريقية، أنه سنة خمسين في إمرة مروان على المدينة. وفي سنة ثلاث تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت خزيمة من بني عامر بن صعصعة، وهي أم المساكين. خطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلت أمرها إليه، فتزوجها وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشّاً، في رمضان على رأس إحدى وثلاثين شهراً من الهجرة. فمكثت عنده ثمانية أشهر. وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر، على رأس تسعة وثلاثين شهراً. وصلى عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفنها بالبقيع. قال محمد بن عمر: سألت عبد الله بن جعفر: من نزل في حفرتها؟ فقال: إخوة لها ثلاثة. قلت: كم كان سنها يوم ماتت؟ قال: ثلاثين سنة أو نحوها.

قال عمر بن أبي سلمة: كان الذي خرج أبي أبا سلمة أبو أسامة الجشمي، ورماه يوم أحد بمعبلة في عضده. فمكث شهراً يداويه فبرأ، فيما يرى. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً إلى قطن، فغاب بضع عشرة ليلة، فلما قدم المدينة انتقص الجرح، فمات لثلاث بقين من جمادى الآخرة. فغسل من اليسيرة بئر بني أمية بين القرنين، وكان اسمها في الجاهلية العثير فسماها اليسيرة، ثم حمل من بئر أمية فدفن بالمدينة. قال عمر بن أبي سلمة: واعتدّت أمي حتى خلت أربع أشهر وعشراً، ثم تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودخل بها في ليال بقين من شوال، فكانت أختي تقول: ما بأس النكاح في شوال والدخول فيه. قال خليفة بن خياط: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سلمة بنت أبي أمية في شوال سنة أربع. وعن عمرو بن شعيب أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فحدثته: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عند أم سلمة، فجعل الحسن من شقّ والحسين من شقّ، وفاطمة في حجره. فقال: " رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميدُ مجيد " وأنا وأم سلمة جالستان، فبكت أم سلمة فنظر إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما يبكيك فقالت: خصصتهم وتركتني وابنتي، فقال: أنت وابنتك من أهل البيت. وقال أبو عبيد: توفيت أم سلمة سنة تسع وخمسين. قيل: سنة إحدى وستين، وقيل: توفيت سنة إحدى وستين حين جاء نعي الحسين. قال: وهذا هو الصحيح. وصلى عليها أبو هريرة وقيل: صلى عليها ابن أختها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية.

وقال عمر بن أبي سلمة: نزلت في قبر أم سلمة أنا وأخي سلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي أمية وعبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي، وكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة. وفي سنة ثلاث تزوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش، وذلك في سنة خمس في هلال ذي القعدة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة. وذكرت أم سلمة زينب بنت جحش فترحمت عليها، وذكرت بعض ما يكون بينها وبين عائشة، فقالت زينب: إني والله ما أنا كأحد من نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنهن زوجن بالمهور وزوجهن الأولياء، وزوجني الله ورسوله وأنزل الله في الكتاب يقرأه المسلمون لا يغير ولا يبدل " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه " الآية. قالت أم سلمة: وكانت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجبة. وكان يستكثر منها. وكانت امرأة صالحة، صوامة قوامة، صنعاً، تصدق بذلك كله على المساكين. وعن عائشة قالت: يرحم الله زينب بنت جحش، لقد نالت في هذه الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها نبيه في الدنيا، ونطق به القرآن، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا ونحن حوله: أسرعكن لحوقاً بي وأطولكن باعا، فبشرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسرعة لحوقها به. وهي زوجته في الجنة. وسئلت أم عكاشة بنت محصن: كم بلغت زينب بنت جحش يوم توفيت؟ فقالت: قدمنا المدينة للهجرة وهي ابنة بضع وثلاثين سنة. وتوفيت سنة عشرين. قال عمر بن عثمان: كان أبي يقول: توفيت زينب بنت جحش وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة.

وقال محمد بن المنكدر: توفيت زينب بنت جحش في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكانت أول نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاقاً به. وقيل: توفيت سنة إحدى وعشرين. قال الواقدي: غزوة المريسيع في سنة خمس. خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وقدم المدينة لهلال رمضان. وغاب شهراً إلا ليلتين. قالت عائشة: كانت جويرية جارية حلوة وفي رواية: مُلاّحة لا يكاد يراها أحد إلا ذهبت بنفسه. فبينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندي ونحن على الماء إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها. قالت عائشة: فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت. فقالت: يا رسول الله، إني امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بنت سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له فتخلصني من ابن عمه بنخلات له من المدينة، فكاتبني ثابت على ما لا طاقة لي به ولا يدان. وما أكرهني على ذلك! ألا وإني رجوتك صلى الله عليك فأعني في مكاتبتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو خيرٌ من ذلك؟ فقالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أوفي عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. قد فعلت، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ثابت فطلبها منه. فقال ثابت: هي لك يا رسول الله بأبي وأمي. فأدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان عليها من كتابتها وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس، ورجال بلمُصطلق قد اقتسموا ومُلكوا، ووُطئ نساؤهم، فقالوا: أصهار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت عائشة: فأعتق مئة أهل بيت بتزويج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها. فلا أعلم بركة على قومها منها. قال عبد الله بن زياد: وأفاء الله على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام المريسيع في غزوة بني المصطلق جويرية بنة الحارث ابن أبي ضرار وهي كعيبة من بني المصطلق، فسباها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أفاء الله عليه عامئذٍ. فلما كانت بذي الجشير والجشير من المدينة على بريد أمر رجلاً من الأنصار بحفظها كالوديعة عنده حتى يسله عنها. فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأقبل أبوها الحارث

ابن أبي ضرار وكان من أشراف قومه يفدي ابنته، لما قدم فكان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها فغيبهما في شعب العقيق ثم أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسائر الإبل فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق بشعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. ولقد كان ذلك مني في البعيرين. وما اطلع على ذلك إلا الله. فأسلم الحارث بن أبي ضرار مكانه، وأسلم معه ابنان له وأناس من قومه. وأرسل الحارث بن أبي ضرار إلى البعيرين فأتى بهما فدفع الإبل جميعها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفع إليه ابنته، فأسلمت جويرية مع أبيها وإخوتها. وحسن إسلامها. وخطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما بلغنا فنكحها. وكانت جويرية قبل عند ابن عمٍ لها يقال له: عبد الله ذو الشفر. وعن أبي قلابة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبى جويرية بنت الحارث، فجاء أبوها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها. قال: أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنّا؟ قال: بلى، وأدّيت ما عليك. قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا فقالت: فإني قد اخترت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قد والله فضحتنا. وتوفيت جويرية في ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ والي المدينة. الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أفاء الله عليه عامئذٍ. فلما كانت بذي الجشير والجشير من المدينة على بريد أمر رجلاً من الأنصار بحفظها كالوديعة عنده حتى يسله عنها. فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأقبل أبوها الحارث ابن أبي ضرار وكان من أشراف قومه يفدي ابنته، لما قدم فكان بالعقيق نظر إلى إبله التي يفدي بها ابنته، فرغب في بعيرين منها كانا من أفضلها فغيبهما في شعب العقيق ثم أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسائر الإبل فقال: يا محمد، أصبتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق بشعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. ولقد كان ذلك مني في البعيرين. وما اطلع على ذلك إلا الله. فأسلم الحارث بن أبي ضرار مكانه، وأسلم معه ابنان له وأناس من قومه. وأرسل الحارث بن أبي ضرار إلى البعيرين فأتى بهما فدفع الإبل جميعها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفع إليه ابنته، فأسلمت جويرية مع أبيها وإخوتها. وحسن إسلامها. وخطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما بلغنا فنكحها. وكانت جويرية قبل عند ابن عمٍ لها يقال له: عبد الله ذو الشفر. وعن أبي قلابة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبى جويرية بنت الحارث، فجاء أبوها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها، فأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها. قال: أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنّا؟ قال: بلى، وأدّيت ما عليك. قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا فقالت: فإني قد اخترت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قد والله فضحتنا. وتوفيت جويرية في ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ والي المدينة.

قالت جويرية: تزوجني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا بنت عشرين سنة في سنة ست. وتوفيت جويرية سنة ستين، وهي يومئذ ابنة خمس وستين سنة. وعن عروة عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش. وكان رحل إلى النجاشي فمات وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم حبيبة وإنها لبأرض الحبشة زوجها إياه الحبشي ومهرها أربعة آلاف، وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل إلى حسنة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهازه كله من عند النجاشي، ولم يرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً. وكان مهر أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مئة درهم. قال أبو بكر بن أبي خثيمة: في سنة سبع قدمت أم حبيبة ابنة أبي سفيان المدينة وبنى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس في هذه الآية " عسى أن يجعل الله بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " قال فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0 بأم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين، فصار معاوية خال المؤمنين. وكان لها يوم قدمت المدينة بضع وثلاثون سنة وتوفيت سنة أربع وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وعن ابنة أبي القين المزني قالت: كنت آلف صفية من بين أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت تحدثني عن قومها فكانت تسمع منهم. قالت: خرجنا من المدينة حيث أجلانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقمنا بخيبر، فتزوجني كنانة بنت أبي الحقيق فأعرس بي قبل قدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأيام وذبح جزوراً، ودعا اليهود وحولني في حضنه بسلالم. فرأيت في النوم كأن قمراً أقبل من يثرب حتى وقع في حجري، فذكرت ذلك لكنانة زوجي، فلطم عيني فاخضرت فنظر إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين

دخلت عليه فسألني فأخبرته. قالت: وجعلت يهود ذراريها في المدينة، وجردوا حصون النطاة المقابلة. فلما نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر وافتتح حصون النطاة دخل علي كنانة فقال: قد فرغ محمد من فتح النطاة ومن هاهنا أحد يقاتل، قد قتلت يهود حيث قتل أهل النضير، وكذبتا الأعراب فحولني إلى حصن المنزار بالشق قالت: وهو أحصن مما عندنا فخرج حتى أدخلني وبنت عمي ونشيآت معنا فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا قبل الكتيبة فسبيت في النزر قبل أن ينتهي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الكتيبة، فأرسل بي إلى رحله، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني فجئت وأنا مقنعة حيية فجلست بين يديه فقال: إن تكوني على دينك أكرهك وإن أخترت الإسلام واخترت الله ورسوله فهو خير لك. قالت: أختار الله ورسوله والإسلام. فأعتقني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ0 وتزوجني. وجعل عتقي مهري. فقد أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه اليوم نعلم أزوجة أم سرية. فإن كانت امرأة فسيحجبها وإلا فهي سرية. فقد خرج أمر ستر فسترت به، فعرف أي زوجة ثم قدم إلى وقدم فخذه لأضع رجلي عليهفأعضت ذلك ووضعت فخذي على فخذه. ثم ركبت. فكنت ألقى من أزواجه. يفخرن علي يقلن: يا بنت اليهودي وكنت أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستخف بي ويكرهني، فدخل علي يوماً وأنا أبكي فقال: مالك؟! فقلت: أزواجك يفخرن علي ويقلن: بنت اليهودي. قالت فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب ثم قال: إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي أبي هارون وعمي موسى. وعن أنس بن مالك قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي فدخل عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تبكي: فقال: ما يبكيك؟ فقالت قالت لي حفصة: أي ابنة يهودي، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك أبنة عمي وإن عمك لأبي، ولإنك لتحت نبي فيم تفخر عليك؟! ثم قال: اتقي الله يا حفصة. وعن آمنة بنت أبي قيس الغفارية قالت: أنا إحدى النساء الواتي زففن صفية إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سمعتها تقول ما بلغت

سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وتوفيت صفية سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وقبرت بالبقيع. وقيل سنة خمسين. وقيل إنها توفيت في خلافة عمر، وصلى عليها عمر. وقال عطاء: كانت صفية آخر من مات بالمدينة. وكانت وفاة ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة اثنتين وستين، وقيل سنة ثلاث وستين، وقيل سنة إحدى وستين، في خلافة يزيد بن معاوية وهي آخر من مات من أزواج النبي. وكان لها يوم توفيت ثمانون أو إحدى وثمانون سنة. وكانت جلده. قال يزيد بن الأصم: حضرت قبر ميمونة فنزل فيه 0 ابن عباس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأنا وعبيد الله الخولاني. وصلى عليها ابن عباس. قال ابن عساكر: وفي هذه التواريخ نظر. فإن في الحديث الصحيح الذي في ذكر يزيد بن الأصم عائشة قالت له: ذهبت والله ميمونة، ورمي برسنك على غاربك. وذلك يدل على أن ميمونة توفيت قبل عائشة. وكانت وفاة عائشة سنة سبع وخمسين. وقوله أيضا أن عبد الرحمن بن خالد نزل في قبرها فيه نظر. فإن عبد الرحمن بن خالد مات سنة ست وأربعين في خلافة معاوية، إلا أن يكون لخالد ابن آخرر يسمى عبد الرحمن. فهذه أسماء أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللاتي دخل بهن. وقد تزوج بغيرهن ولم يبن عليهن: منهن قتيلة بنت قيس أخت الأشعث. تزوجها فمات قبل أن يخبرها، فبرأها الله.

روى الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس فأراد أبي بكر الصديق أن يضرب رقبته، فقال له عمر بن الخطاب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفرض لها، ولم يدخل بها، وارتدت مع أخيها، فبرئت من الله ورسوله، فلم يزل به حتى كف عنه. وعن عروة أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسله: هل تزوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخت الأشعث بن قيس، قتيلة، قال: ما تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قط. ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون فملكها، فلما أتى بها وقدمت المدينة نظر إليها، فطلقها، ولم يبن بها، ويقال إنها فاطمة بنت الضحاك. قال الزهري: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان فاستعاذت منه فطلقها، فكانت تلتقط البعر وتقول: أنا الشقية. وتزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفي ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة. وتوفيت سنة ستين. ومنهن أسماء بنت كعب الجونية، وعمرة بنت يزيد الكلابية ثم من بني الوحيد، ولم يدخل بأسماء حين طلقها، وكانت عمرة قبله عند 0 الفضل بن عباس بن عبد الطلب، فطلقها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يدخل بها، ويقال: إنها أسماء بنت النعمان. وعن قتادة قال: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل اليمن أسماء بنت النعمان من بني الجون، فلما دخل بها دعاها، فقالت: تعال أنت، فطلقها. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: الجونية أستعاذت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل لها أحظى لك عنده. ولم تستعذ منه امرأة غيرها، وإنما خدعت لما رئي من جمالها وهيئتها. ولقد ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حملها على ما قالت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهن صواحب يوسف وكيدهن.

وهي أسماء بنت أبي نعمان بن أبي الجون. وقيل هي أمية بنت النعمان بن أبي الجون. قال ابن عباس: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج والغضب يعرف في وجهه فقال له الأشعث بن قيس: لا يسوءك الله يا رسول الله، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب؟ فقال: من؟ فقال: أختي قتيلة. قال: قد تزوجتها. قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردها إلى بلاده. وارتد وارتدت معه فيمن ارتد. فلذلك تزوجت لفساد النكاح بالإرتداد. وكان تزوجها قيس بن مكشوح المرادي. قال ابن أبي عون: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكندية في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة. ومنهن سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية. وهي عمة عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت، وأخواها عروة وأسماء لهما صحبة. تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فماتت قبل أن يصل إليها. قال ابن سعد: سبا، ويقال سنا بنت الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي. قال ابن عمر: كان في نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ0 سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب. وقال ابن عمر: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا أسيد إلى جدي يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد بن كلاب فتزوجها فبلغة أن بها بياضا فطلقها.

ومنهن مليكة بنت كعب الليثي. قال أبة معشر: تزوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مليكة بنت كعب، وكانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك؟ فاستعاذت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطلقها. فجاء قومها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يارسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنها صغيرة، وإنها لا رأي لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوه أن يزوجوها قريباً لهامن بني عذرة فأذن لهم. فتزوجها العذري وكان أبوها قتل فتح مكة، قتله خالد بن الوليد. قال محمد بن عمر: ومما يضعف هذا الحديث ذكر عائشة أنها قالت: ألا تستحين. وعائشة لم تكن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك السفر. قال عطاء بن يزيد الجندعي: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مليكة بنت كعب الليثي في شهر رمضان سنة ثمان، ودخل بها فماتت عنده. قال محمد بن عمر: وأصحابنا ينكرون ذلك ويقولون: لم يتزوج كنانية قط. ومنهن العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب. تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمكثت عنده دهراً ثم طلقها. ومهن خولةبنة الهذيل التغلبية، وشراف بنت فضالة الكلبية. قال علي بن مجاهد: نكح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي، وأمها خريق بنت خليفة أخت دحية، فحملت إليه من الشام، فماتت في الطريق، فنكح خالتها شراف بنة فضالة بن خليفة، فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق.

ومنهن أمرأة من بني غفار: عن سهل بن زيد الأنصاري قال: تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة من غفار فدخل بها، فأمرها فنزعت ثوبها 0 فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها، فانماز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: خذي ثوبك. وأصبح فقال: الحقي بأهلك، فأكمل لها صداقها. فأما سرارية فمنهن: مارية أم ابراهيم عليه السلام: في سنة سبع قدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس بمارية أم أبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغلته دلدل وحماره يعفور. فأهدى أمير القبط إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاريتيين أختين، وبغلة، فكان يركب على البغلة، واتخذ إحدى الجاريتين، فولدت له ابراهيم ابنه. قال عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء جعدة جميلة، فأنزلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأختها عند أم سليم بنت ملحان، فدخل عليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عليهما الإسلام، فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك وكانت حسنة الدين. ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت الشاعر فولدت له عبد الرحمن. وولدت مارية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلاما فسماه ابراهيم، وعق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة يوم سابعة، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض وسماه ابراهيم. وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أنها ولدت غلاما. فجاء أبو رافع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبشره فوهب له عبداً، وغار نساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشتد عليهن حين رزق منها الولد.

وعن علي بن أبي طالب قال: أكثر على مارية أم ابراهيم في قبطي ابن عم لها، يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذ هذا السيف فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله. قال: قلت: يارسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به أم الشاهد يرى مالم يرى الغائب؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فأقبلت متوشحا بالسيف، فوجدته عندها، فاختطت السيف فلما رآني عرف أني أريده فأتى نخلاً فرقا هربا، ثم رمى بنفسه على قفاه ثم شال برجليه، فإذا به أجب أمسح، ماله مما للرجل قيل ولا كثير. فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأم ابراهيم حين ولدت: أعتقها ولدها. قال محمد بن عمر: توفيت مارية أم ابراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المحرم سنة ست عشرة من الهجرة. فرئي عمر بن الخطاب يحشر الناس ليشهدوها، وصلى عليها، وقبرها بالبقيع. ومنهن ريحانة بنت زيد: قال محمد بن عمر الواقدي: قالوا: وكانت ريحانة بنت زيد من بني النضير متزوجة في بني قريظة. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخذها لنفسه صفياً. وكانت جميلة، فعرض عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسلم، فأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن سعية فذكر له ذلك فقال ابن سعية: فداك أبي وأمي هي تسلم. فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك، فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب، فأسلمي يصطفيك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه. فبينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة. فجاءه فقال: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد أسلمت ريحانة فسر بذلك، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءها

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أم المنذر فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في أطؤك بالملك فعلت. فقالت يارسول الله، إن أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك. فكانت في ملك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطؤها حتى ماتت عنده. وقال ابن أبي ذئب: سالت الزهري عن ريحانة فقال: كانت أمة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها. وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الواقدي: وهذا أثبت الحديثين عندنا. وكان زوج ريحانة قبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحكم. وعن عمرو بن الحكم قال: أعتق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة. وكانت عند زوج لها، وكان محباً لها مكرماً فقالت: لا أستخلف بعده أبداً. وكانت ذات جمال. فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت فيمن عرض عليه، فأمر بي فعزلت، وكان يكون له صفي في كل غنيمة. فلما عزلت خار الله لي فارتحل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل السرى وفرق السبي، ثم دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتجنبت منه حياءً فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله أختارك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه فقلت: إني اختار الله ورسوله. فلما أسلمت أعتقني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتزوجني واصدقني اثنتي عشر أوقية ونشاً، كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما كان يقسم لنساءه، وضرب علي الحجاب. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجباً بها، وكانت لا تسأله يعني شيئاً إلا أعطاها ذلك. وقيل لها: لو كنت سالت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قريظة لأعتقهم 0 وكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي. ولقد كان يخلو بها ويكثر منها. فلم تزل عنده حتى ماتت من حجة الوداع، فدفنها بالبقيع، وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة. وعن ابن شهاب قال: واستسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَريحانة من بني قريظة، ثم اعتقها فلحقت بأهلها.

وقيل كانت من بني النضير، فكانت تكون في نخلة، نخل الصدقة، وكان يقبل عندهاصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحياناً. وكان سباها في شوال سنة أربع. وقيل كان النخل في العالية. وزعم بعضهم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتدأه أول وجعه الذي توفي عندهم. وذكر أبو عبيدة أنه كان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع ولائد: مارية القبطية، وريحانة من بني قريظة، وكانت له جارية أخرى جميلة أصابها في السبي، فكادها نساؤه وخفن أن تغلبهن عليه، وكانت له جارية نفيسة وهبته لها زينب بنت جحش، وكان حجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة المحرم وصفر. فلما كان شهر ربيع الأول الذي قبض فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضي عن زينب ودخل عليها: فقالت ما أدري ما أجزيك؛ فوهبتها له. وأما الاتي خطبن ولم يتزوجهن: عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي طالب بنته أم هانئ في الجاهلية، وخطبها هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فتزوجها هبيرة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عم زوجت هبيرة وتركتني، فقال: ابن أخي، إنا قد صاهرنا إليهم، والكريم يكافئ الكريم. ثم أسلمت ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة، فخطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نفسها فقالت: والله إن كنت لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام، ولكني امرأة مصبية، وأكره أن يؤؤذوك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، وكان اسم أم هانئ فاختة. وعن ابن عباس قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مول ظهره للشمس، فضربت على منكبه. فقال: من هذا أكله الأسود؟ وكان كثيراًما يقولها، فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم. جئتك لأعرض عليك نفسي تزوجني. قال: قد فعلت، فرجعت إلى قومها فقال: قد تزوجني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: بئس ما صنعت، أنت

امرأة غيري والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب نساء تغارين عليه فيدعو الله عليك، فاستقيليه نفسك. فرجعت فقالت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقلني، قال: قد أقلتك، قال: فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر، فولدت له. فبينا هي في حائط من حيطان المدينة تغتسل إذ وثب عليها ذئب لقول النبي فأكل منها بعضها، وأدركت، فماتت. وعن ابن عباس قال: كانت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن بشر بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة عند هوذة بن علي الحنفي، فهلك عنها فرثته مالاً كثيراً فتزوجها عبد الله بن جدعان التميمي، وكان لا يولد له، فسألته الطلاق، فطلقها، فتزوجها هشام بن المغيرة فولدت له سلمة. كان من خيار المسلمين، فتوفي عنها هشام. وكانت من أجمل نساء العرب وأعظمه خلقاً، وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئاً كثيراً، وكان يغطى جسدها بشعرها. فذكر جمالها عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخطبها إلى ابنها سلمة بن الهشام بن المغيرة، فقال: حتى أستأمرها، وقيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كبرت، فأتاها ابنها فقال لها: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خطبك إلي، فقالت: ما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها، وفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستأمر؟! ارجع فزوجه: فرجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسكت عنه. وعن ابن عباس قال: خطب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري، وكان أصابها سباء فخيرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن شئت أنا، وإن شئت زوجك، فقالت: بل زوجي، فلعنتها بنو تميم. وعن عامر في قول عز وجل " ترجي من تشاء منهن " قال: كان نساء وهبن أنفسهن للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل ببعضهن، وأرجأ بعضاً فلم ينكحن بعده. منهن أم شريك.

وكانت أم شريك أمرأة من بني عامر بن لؤي بن صعصعة، وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يقبلها، فلم تتزوج حتى ماتت. عن علي بن الحسين قال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم شريك الدوسية. قال محمد بن عمرو: الثبت عندنا أنها امرأة من دوس من الأزد. قال محمد بن سعد: اسمها غزية بنت جابر بن عكيم. وكانت امرأة صالحة. والله أعلم.

معرفة عبيده وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه

معرفة عبيده وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحبه وابن حبه، وكان أبوه وأمه أم ايمن موليين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وستأتي أخباره في ترجمته. أسلم ويقال إبراهيم أبو رافع القبطي شهد أحداً والخندق والمشاهد بعدها، وزوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمى مولاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت سلمى خيبر وولدت عبيد الله بن أبي رافع، وكان كاتباً، كتب لعلي بن أبي طالب بالكوفة. ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان. وقيل: كان اسنه هرمز، كان للعباس، فوهبه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أسلم العباس أعتقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شهد أحداً والخندق، وكان على ثقل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر. وقيل: كان أبو رافع قبطياً. عن أبي رافع: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، فقالك لا حتى آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسأله، فانطلق إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسأله، فقال: الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم. وعن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر فأصاب الناس برد شديد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان له لحاف فليلحلف من لا لحاف له. فطلبت من يلحفني فلم أجد أحداً، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فأخبرته فألقى علي من لحافه، فبتنا حتى أصبحنا فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند رجليه على فراشه حية قد تطوقت، فرماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجله وقال: يا أبا رافع، اقتلها، اقتلها. قال أبو رافع: كنا آل عباس - قد دخلنا في الإسلام، وكنا نستخفي بإسلامنا، وكنت غلاماً للعباس أنحت الأقداح. فلما سارت قريش إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر جعلنا نتوقع الأخبار، فقدم علينا الحيسمان الخزاعي بالأخبار، فوجدنا في أنفسنا قوة وسرنا ما جاءنا من الخبر من ظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فو الله إني لجالس في صفة زمزم أنحت أقداماً لي وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر وبلغنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقل الخبيث أبو لهب بشر يجر رجليه قد أكبته الله وأخزاه بما جاءه من الخبر حتى جلس على طنب الحجرة، وقال الناس: ها أبو سفيان بن الحارث قد قدم واجتمع عليه الناس فقال له أبو لهب: هلم إلي يا ابن أخي، فعندك لعمري الخبر، فجاءه حتى جلس بين يديه فقال: يا بن أبي، خبرني خبر الناس فقال: نعم. والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكنافنا يضعون السلاح منا حيث شاؤوا. والله. مع ذلك هلكت الناس. لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق، لا والله لا تليق شيئاً يقول ما تبقى شيئاً - فرفعت طنب الحجرة فقلت: تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة منكرة وثاورته، وكنت رجل اًضعيفاً، فاحتملني فضرب بي الأرض وبرك على صدري يضربني، وتقوم أم الفضل ألي عمود بن عمد الحجرة فتأخذه فتقول: استضعفته أن غاب عنه سيده؟! وتقوم بالعمود على رأسه فتفلقه بشجة منكرة، وقام يجر رجليه ذليلاً، ورماه الله بالعدسة، فو الله ما مكث إلا سبعاً حتى مات. ولقد تركه أبناه فيبيته ثلاثاً ما يدفنانه حتى أنتن، وكانت قريش تتقي هذه العدسة كما تتقي الطاعون، حتى قال لهما رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان، إن أباكما قد أنتن في بيت لا تدفنانه؟! فقالا إنا نخشى عدوى هذه القرحة فقال: انطلقا فأنا أعينكما عليه. فوالله ما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد

أنسة أبو مسرح

لا يدنون منه حتى احتملوه إلى أعلا مكة فأسنداه إلى جدار، ثم رضموا عليه الحجارة. أنسة أبو مسرح مهاجري شهد بدراً وأحداً. كان من مولدي السراة لا تعرف له رواية. قال البغوي: لا أعلم روي عن أنسة حديث مسند ولا غير مسند. وقيل كنيته: أبو مسرح. وكان يأذن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس. ومات في خلافة أبي بكر اصديق رضي الله عنه. وروي عن ابن عباس قال: قتل أنسة مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببدر. وقال محمد بن عمرو: وليس ذلك بثبت. قال: ورأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر. وقد شهد أحداً. وبقي بعد ذلك أيضاً زماناً. أيمن بن عبيد بن زيد وهو ابن أم أيمن أخو أسامة لأمه. أمهما أم أيمن حاضنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أيمن فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحابه. وقتل يوم حنين. وفيه نزلت وفي أصحابه " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً " الآية. وهو أيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبي الحارث بن قيس بن مالك بن سالم غنم بن عوف بن الخزرج. روى عطاء عن أيمن بن أم أيمن رفعه قال: لاقطع إلا في ثمن المجن، وثمنه يومئذ دينار.

باذام يذكر مع طهمان ثوبان بن يجدد أبو عبد الكريم الألهاني

وروى أيضاً عطاء عن أيمن الحبشي قال: لم يقطع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السارق إلا في المجن. وكان ثمن المجن يومئذ دينار. وروى أيضاً عطاء عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع اليد في مجن، وقيمته يومئذ دينار. حديث محمد بن إدريس الشافعي قال: وقد روى شريك حديث مجاهد عن أيمن بن أم أيمن فقلت: لا أعلم لك بأصحابنا: أيمن أخو أسامة، قتل مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين قبل مولد مجاهد. ولم يبق بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحدث عنه. باذام يذكر مع طهمان ثوبان بن يجدد أبو عبد الكريم الألهاني عربي، أصابه سباء، فاشتراه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعتقه. نذكره في حرف الثاء. حنين مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ابن حنين أخي ابراهيم من عبد الله بن حنين عن ابنة أخيه عن خالها يقال: ابن الشاعر أن حنينا جده كان غلاماً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوهبه لعمه عباس فأعتقه، فكان حنين عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخدمه. وكان إذا توضأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج بوضوءه إلى أصحابه، فكان إما شربوه، وإما تمسحوا به. فحبس حنين الوضوء، فكان لا يخرج به إليهم، فشكوه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله فقال: احتبسته عندي، فجعلته في جر، فإذا عطشت شربت منه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل رأيتم غلاماً أحصى ما أحصى هذا، ثم وهبه لعمه عباس فأعتقه

ذكوان يذكر مع طهمان رافع ويقال أبو رافع

ذكوان يذكر مع طهمان رافع ويقال أبو رافع كان مولى لسعيد. كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن افحص لي عن أسماء خدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال والنساء ومواليه. فكتب إليه يخبره، قال:

وكان رافع غلاماً لسعيد بن العاص فورثه ولده، فأعتق بعضهم في الإسلام وتمسك بعضٌ، فجاء رافع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعين به على من لم يعتق حتى يعتقه. فكلمه يومئذ فيه فوهبه له فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو رافع أبو البهي. قال أبو بكر بن أبي خثيمة قال: وأبو رافع ابنه البهي بن أبي رافع، وكان يقال للبهي: رافع. وكان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر، فورثه بنوه. وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم، وقتلوا يوم بدر جميعاً. وشهد أبو رافع معهم بدراً، ثم اشترى أبو رافع أنصباء بقية بني سعيد إلا نصيب خالد بن سعيد فوهب خالد نصيبه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقوله ابنه البهي رافع بن أبي رافع من بعده. فلما ولي عمرو بن العاص سعيد المدينة دعا البهي فقال له: من مولاك؟ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه مئة سوط ثم سأله، قال: مولاي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه مئة سوط، حتى ضربه خمس مئة سوط ثم قال: أنا مولاكم. فلما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال رافع بن أبي رافع: الطويل صحت ولا شلت وضرت عدوها ... يمين ٌهراقت مهجة ابن سعيد هو ابن أبي العاصي مراراً وينتمي ... إلى أسرة طابت له وجدود وكان عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع بن أخي البهي شيخاً مسناً قد سبق اللحن وقد رويت عنه أيضاً.

رباح الأسود

والصحيح أنه رافع، وهو المراد بالحديث الذي روي عن عبد الله بن عمرو. قال: قلنا: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: ذو القلب المخموم واللسان الصادق. قال: قلنا: قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي الذي لا أثم فيه ولا بغي ولا حسد. قلنا: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة. قال: ما يعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمن على أثره؟ قال: مؤمن في خلق حسن. قلنا: أما هذا فإنه فينا. رباح الأسود غلام سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يأذن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه، وكان قد وجد عليهن قال عمر: فدخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصا، ويقولون: طلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه، وذكر الحديث. وقال فيه: قال عمر: فذهبت فإذا رباح غلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد على أسكفة الغرفة مدل رجليه على نقير، يعني: جزعاً منقوراً. قال: فقلت: يارباح، استأذن لي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي فسكت، قال: فرفعت صوتي فقلت: استأذن لي يا رباح على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني أظن أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يظن أنما جئت من أجل حفصة. والله لئن رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أضرب عنقها لأضربن عنقها. فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي ثم قال بيده هكذا، يعني أنه أشار بيده أن ادخل. في حديث طويل. رويفع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى رويفع عمر بن عبد العزيز وهو خليفة. ففرض له. قال: ولا عقب لرويفع. أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي يذكر في حرف الزاي.

زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

زيد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سمعت أبي حدثني عن جدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان فر من الزحف. قال البغوي: لا أعلم لزيد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث. سفينة أبو عبد الرحمن ويقال أبو البختري قيل: كان اسمه مهران، وقيل: أحمر، ويقال: رومان. فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفينة. وكان لأم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقته، وأشترطت عليه أن يخدمه ما عاش، وكان سفينة من مولدي الأعراب. وروي أن سفينة كان مولى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. له صحبه. وقيل: هو مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عنه بنوه عبد الرحمن ومحمد وزياد وكثير، وسعيد بن جمهان. وعن عمران البجلي عن مولى لأم سلمة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمرنا بواد أو بنهر فكنت أعبر الناس فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ماكنت منذ اليوم إلا سفينة. حدث سفينة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخلافة في أمتي تكون سنة ثم ملكاً بعد ذلك. وذكر الحديث. قال الراوي: قال لسعيد: أين لقيت سفينة قال: لقيته ببطن نخلة في زمان الحجاج. فأقمت عنده ثمان ليالٍ أسأله عن أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: قلت: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبرك. سماني

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفينة. فقلت: ولما سماك سفينة؟ قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أصحابه فثقل عليهم متاعهم، فقال لي ابسط كساءك، فبسطت فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي. فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احمل فإنما أنت سفينة فلو حملت يومئذ قدر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي إلا أن يخفوا. وفي رواية: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فكلما أعيا بعض قومي ألقى علي سيفه وترسه ورمحه حتى حملت شيئاً كثيراً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت سفينة. قال سفينة: قالت أم سلمة: أعتقك على أن تخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عشت. قلت: ولو لم تشترطي علي لخدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو ما فارقت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأعتقتني أو شارطتني أن أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عشت. وعن سفينة قال: خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين. وعنه قال: لقيني الأسد فقلت: أنا سفينة، مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فضرب بذنبه الأرض وقعد. وعن سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كنت في سفر فعرض لي الأسد فقلت: يا أبا الحارث، أنا سفينة، مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فولى رافعاً ذنبه يهمهم. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع من الجنابة. وعنه قال: ركبنا في سفينة تجاراً في البحر، فانكسرت السفينة، فرمى بنا البحر، فخرجت أمشي لا أدري أين أتوجه. فكان أول شئ رأيت الأسد. فقلت: أي يا أبا الحارث، أنا مولىً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهمهم فدفعني برأسه، فجعلت أندفع حتى أوقفني على الطريق، وفي رواية: ثم همهم، فظننت أن السلام.

سلمان أبو عبد الله الفارسي

سلمان أبو عبد الله الفارسي كان مولى لرجل من يهود، فكاتب على نفسه، وأعانه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابته حتى عتق. فكان مولاه. وقال فيه: سلمان منا أهل البيت. وسنذكره في السين. شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي ورثه عن أبيه هو وأم أيمن. وقيل: كان حبشياً. وقيل: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد انقرض ولده. قال: وقد كان له ولد بالبصرة. ولا أعلمه بقي منهم أحد. قال محمد بن سعد: كان شقران لعبد الرحمن بن عوف، فأعجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذه منه بالثمن، وكان عبداً حبشيا. ًشهد بدراً وهو مملوك، واستعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأسرى. ولم يسهم له فجداه كل رجل له أسير، فأصاب أكثر مما أصاب رجل من القوم من المقسم. وحضر بدراً أيضاُ ثلاثة أعبد مماليك. غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لسعد بن معاذ. فجداهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسهم لهم. وعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي حممة العدوي قال: 0 استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شقران مولاه على جميع ما وجد في رحال أهله المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم الشاء. وجمع الذرية ناحية. حدث شقران قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على حمارمتوجهاً إلى خيبر. قال شقران: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبر.

ضميرة بن أبي ضميرة الحميري

ضميرة بن أبي ضميرة الحميري أصابه سباء، فابتاعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعتقه، وكانت له الدار البقيع وولد. عن ضميرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بأم ضميرة وهي تبكي، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك؟ أجائعة أنت أو عارية أنت؟ قالت: يا رسول الله: فرق بيني وبين أبني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يفرق بين الوالدة وولدها. ثم أرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر. قال ابن أبي ذئب: ثم أقرأني كتاباً عنده: " بسم الله الرحمن الرحيم ". هذا كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أعتقهم وأنهم أهل بيت من العرب، إن اختاروا أقاموا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً. وكتب أبي بن كعب. طهمان مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عطاء بن السائب قال: أوصى إلي بشئ لبني هاشم، فأتيت أبا جعفر المدينة، فبعثني إلى امرأة عجوز كبيرة ابنة لعلي فقال: حدثني مولى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له طهمان أو ذكوان. قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طهمان - أو يا ذكوان - إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي، وإن مولى القوم من أنفسهم. وروى هذا الحديث وسماه مهران، وقيل ميمون. وقيل باذام وقيل كيسان. قال: فلا أدري أيما الصواب.

عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

عبيد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى شيخ عن عبيد مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت: هل كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بصلاة بسوى المكتوبة؟ قال: صلاة بين المغرب والعشاء. وعن عبيد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن امرأتين قد صامتا وأن رجل قال: يا رسول الله، إن ههنا امرأتين قد صامتا، وإنهما كادتا أن تموتا من العطش، فأعرض عنه - أو سكت - ثم عاد قال وأراه قال: بالهاجرة - قال: يا نبي الله، إنهما والله قد ماتتا أوكادتا أن تموتا قال: ادعوهما. قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عسّ فقل لإحداهما: قيئي، فقاءت قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى قاءت نصف القدح. ثم قال للأخرى قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح. ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا عما حرّم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس. فضالة مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن - يعني - أسماء خدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه فقال: وكان فضالة مولى له ثمان، نزل الشام بعد، وكان أبو مويهبة مولداً من مولدي مزينة، فأعتقه. قال الحافظ: ولم أجد ذكر فضالة هذا في موالي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه. قفيز مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يقال له قفيز. أوله قاف وآخره زاي.

كركرة مولى للنبي

كركرة مولىً للنبي كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن افحص لي عن أسماء خدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال والنساء ومواليه. فكتب إليه يخبره أن أم أيمن، بركة، كانت لأبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فورثها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقها. وكان عبيد بن عمرو الخزرجي قد تزوجها بمكة، فولدت له أيمن. ثم إن خديجة ملكة زيد بن حارثة فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تهب له زيداً، وذلك بعد أن تزوجها فوهبت له، فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو كبشة من مولدي مكة فأعتقه. وكان أنسة من مولدي السراة فأعتقه. وكان صالح وهو شقران غلام له فأعتقه. وكان سفينة غلاماً له فأعتقه. وكان ثوبان رجلاً من أهل اليمن، ابتاعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة فأعتقه، وله ست إلى الثمان. وكان رباح أسود فأعتقه. وكان يسار نوبياً أصابه في غزوة بني عبد بن ثعلبة فأعتقه. وكان أبو رافع للعباس، فوهبه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أسلم العباس بشر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقه واسمه أسلم. وكان فضالة مولىً له نزل الشام بعد زمان. وكان أبو مويهبة مولداً من مولدي مزينة فأعتقه. وكان رافع غلاماً لسعيد بن العاص فورثه ولده فأعتقه بعضهم في الإسلام، وتمسّك بعضٌ، فجاء رافع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعين به على من لم يعتقه حتى يعتقه فكلّمه يومئذ فيه فوهبه له فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مدعم غلاماً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبه له رفاعة بن زيد الجزامي من مولدي حسمى قتل بوادي القرى، روي عن أبي هريرة أنه شهد خيبر ثم انصرف إلى وادي القرى فلم يزل يحط رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادي القرى فجاءه سهم غرب فقتله، فقيل: هنيئاً له الشهادة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلّ يوم خيبر تحترق عليه في النار. قال: وكان كركرة غلاماً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهداه له. كذا فيه ولا أعلم لكركرة رواية. ولكن له ذكر في حديث. عن عبد الله بن عمرو قال: كان على رحل - وقال مرّة: على ثقل - للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يقال له: كركرة فمات، قال: هو في النار. فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلّها، وقال مرّة: أو كساء قد غلّه. قال أبو عبد الله بن منده: كركرة له صحبة، ولا تعرفوا له رواية. إلا أنه ذكر في حديث عمرو بن دينار عن سالم. كيسان مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أم كلثوم بنت علي قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمولىً لنا يقال له كيسان - أو قالت هرمز - يا كيسان، إن مولى القوم لمن أنفسهم، وإنا لا نأكل الصدقة، فلا تأكلن.

مابورا القبطي الخصي

وفي رواية: فلا تأكل الصدقة. مابورا القبطي الخصي روي عن مصعب قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصيّاً يقال له: ما بورا. والمقوقس صاحب الإسكندرية من القبط. مدعم من مولدي حسمى عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام خيبر. فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال والمتاع والثياب. فأهدى رجل من بني الضبيب يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلاماً أسود، يقال له: مدعم فوجّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وادي القرى، حتى إذا كانوا بوادي القرى. فبينما مدعم يحطّ رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه سهم عائر فقتله. فقال الناس: هنيأً له الجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً. فلما سمعوا ذلك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء الرجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شراك من نار أو شراكان من نار. وفي حديث آخر عن أبي هريرة: ومع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد له وهبه رجل من بني جزام يدعى رفاعة بن زيد. ولم يسمّه. وفي حديث آخر: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أوشراكين فقال: يا رسول الله، أصبت هذا يوم خيبر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شراك من نار أو شراكين من نار.

مهران مولى النبي صلى الله عليه وسلم

مهران مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عطاء بن السائب قال: أوصى إليّ رجل بوصيّة من الزكاة أو الصدقة فأتيت أم كلثوم بنت علي فقالت: أحذّر شبابنا أن يأخذوا منها شيئاً. فإنه حدثني ميمون - أو مهران - أنه مرّ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا ميمون - أو يامهران - إنا قومٌ نهينا عن الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأخذن من الصدقة. وروي أيضاً من غير شكٍ قال: وقالت: حدّثني مولى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له: مهران أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنا آل محمد لا تحل له الصدقة، ومولى القوم من أنفسهم. ميمون مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عطاء بن السائب قال: حدّثتني أم كلثوم بنت علي قال: أتيتها بصدقة وكانت أمرتها قالت: أحذر شبابنا، فإن ميمون - أو مهران - مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أنه مر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ياميمون - أو يامهران - إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا، فلا تأكل الصدقة. نافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يدخل الجنة شيخ زان، ولا مسكين مستكبر، ولا منان بعمله على الله عزّ وجلّ. نُفيع ويقال مسروح أبو بكرة مولى ثقيف، تدلى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حصار الطائف في بكرة، فكناه أبا بكرة، وأعتقه فكان من مواليه. نذكره في حرف النون. واقد ويقال له أبو واقد عن واقد مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.

هرمز أبو كيسان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد روي هذا الحديث عن أبي واقد، وقيل في موضع آخر واقد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر الحديث. هرمز أبو كيسان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فاطمة بنت علي أو أم كلثوم بنت علي قالت: سمعت مولىً لنا، يقال له هرمز، يكنى أبا كيسان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا، فلا تاكلوا الصدقة. وعن معاوية بن قرّة قال: شهد بدراً عشرون مملوكاً. منهم مملوك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له هرمز، فأعتقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إن الله تبارك وتعالى قد أعتقك. وإن مولى القوم منهم، وإنا أهل بيت نبتلى بأكل الصدقة. فلا تأكلها. هشام مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هشام مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أمرأتي لا تدفع يد لامس. قال طلّقها، قال تعجبني. قال: فتمتع بها. يسار مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن يعقوب بن عتبة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى قرار الكدر وكان الذي هاجه على ذلك أنّه بلّغه أن بها جمعاً من غطفان وسليم. فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم وأخذ عليهم الطريق، حتّى جاء فرأى آثار النعم ومواردها، ولم يجد في المحلّ أحداً، فأرسل في أعلى الوادي نفراً من أصحابه، وأستقبلهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بطن الوادي، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له: يسار، فسألهم عن الناس، فقال يسار: لا علم لي بهم وإنما أورد لخمس، وهذا يوم ربعي، والناس قد ارتفعوا إلى المياه، وإنما نحن غزاب في النَّعم فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوقد ظفر

أبو الحمراء واسمه هلال بن الحارث السلمي

بالنعم، فانحدر إلى المدينة، حتى إذا صلى الصبح إذا هو بيسار فرآه يصلي، فأمر القوم أن يقتسموا غنائمهم فقال القوم: يا رسول الله، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعاً، فإن فينا من يضعف عن حظ الذي يصير له، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقتسموا، فقالوا: يا رسول الله، إن كان أنمى بك العبد الذي رأيته يصلي فنحن نعطيكه في سهمك: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد طبتم به نفساً؟ قالوا: نعم، فقبله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعتقه. وارتحل الناس. فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واقتسموا غنائمهم. فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكان القوم مئتين ويسار هو الذي قتله العرنيّون. أبو الحمراء واسمه هلال بن الحارث السلمي أصابه سباء. خدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو الحمراء. رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي باب علي وفاطمة كلّ غداة فيقول: الصلاة الصلاة " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ". وعن أبي الحمراء قال: مرّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل عنده طعام في وعاء، فأدخل يده فيه فقال: غششته. من غشّنا فليس منّا. قال يحيى بن معين: أبو الحمراء صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اسمه هلال بن الحارث. وكان يكون بحمص قال يحيى: وقد رأيت بها غلاماً من ولده. وقال عمرو بن إسحاق بن إبراهيم: إن اسم أبي الحمراء: هلال بن الحارث بن ظفر السلمي. منزله خارج حمص.

أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم

أبو سلمى راعي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: أبو سلام، واسمه حريث وعداده في الشاميين. عن أبي سلمى راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدً رسول الله وآمن بالبعث والحساب دخل الجنّة، قلنا: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأدخل اصبعيه في أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة ولا أربعة. أبو صفيةّ مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى أبو كعب عن جدّه بقيّة عن أبي صفية مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزبيل، فيتغمى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الأولى يسبح حتى يمسي. أبو ضميرة والد ضميرة وزوج أم ضميرة مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي ضميرة: " بسم الله الرحمن الرحيم " كتاب من محمد رسول الله لأبي ضميرة وأهل بيته أنهم كانوا أهل بيت من العرب، وكانوا مما أفاء الله على رسوله، فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خير أبا ضميرة، إن أحب أن يلحق بقومه فقد أذن له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكونوا من أهل بيته فاختاروا الله ورسوله، ودخل في الإسلام فلا يعرض لهم أحد إلا بخير. ومن لقيهم من المسلمين فليستوصِ بهم خيراَ. وكتب أبي بن كعب. قال أسماعيل بن أبي أويس: وهو مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أحد حمير، وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب. فعرض لهم اللصوص. فأخذوا ما معهم. فأخرجوا هذا الكتاب إليهم، وأعلموهم ما فيه فقرؤوه، فردوا عليهم ما أخذوا منهم، ولم يعرضوا لهم.

أبو عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ووفد حسين بن عبد الله بن ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين، وجاءه معه بكتابهم هذا فأخذه المهدي فوضعه على بصره، وأعطى حسيناً ثلاثة مئة دينار. أبو عبيد مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدراً فيها لحم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناولني ذراعاً فناولته، فقال: ناولني ذراعاً فناولته فقال: ناولني ذراعاً، فناولته، فقال ناولني ذراعا فقال: يا نبي الله، كم للشاة من ذراع؟ قال: والذي نفسر بيده لو سكت لأعطيتني ذراعاً ما دعوت به. أبو عسيب مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبي عسيب مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاني جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت بالحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافر. وعنه قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلاً، فمرّ بي فدعاني فخرجت إليه، ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصاحب الحائط: أطعمنا بسراً، فجاء فجاء به فوضعه فأكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكلوا جميعاً، ثم دعا بماء فشرب منه ثم قال: إن هذا النعيم لتسألن يوم القيامة عن هذا،، فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر ثم قال: يا نبي الله، إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: نعم، إلا من ثلاثة: خرقة يستر بها الرجل عورته، أو كسرة يسد بها بها جوعته، أو حجر يدخل فيه، يعني من الحر والقرّ. وعن أبي عسيب أو أبي عسيم قال بهز: إنه شهد الصلاة على رسول الله قالوا: كيف نصلي عليه قال: ادخلوا أرسالاً

أبو كبشة يقال اسمه سليم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

أرسالاً. قال: فكانوا يدخلون من هذا الباب، فيصلون عليه، ثم يخرجون من الباب الآخر. قال: فلما وضع في لحده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال المغيرة: قد بقي من رجليه شيء لم تصلحوه. قالوا: فادخل فأصلحه، فدخل وأدخل يده فمس قدميه فقال: أهيلوا عليّ التراب، فأهالوا عليه، حتى بلغ أنصاف ساقيه ثم خرج فكان يقول: أنا أحدثكم عهداً برسول الله وعن ميمونة بنت أبي عسيب قالت: كان أبو عسيب يواصل بين ثلاث في الصيام. وكان يصلي الضحى قائماً فعجز. فكان يصلي قاعداً. وكان يصوم البيض. قالت: وكان في المريرة جلجل فيعجز صوته حتى يناديها به، فإذا حركه جاءت. أبو كبشة يقال اسمه سليم مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد معه بدراً. وكان من مولدي أرض دوس. قال عمران بن مناح: لما هاجر أبو كبشة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة نزل على كلثوم بن الهدم، وقيل نزل على سعد بن خيثمة. قال محمد بن عمر: شهد أبو كبشة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً وأحداً والمشاهد كلها. وتوفي أول يوم أستخلف فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك يوم الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة. وفي رواية المفضل: توفي في ولاية عمر بن الخطاب. وقيل توفي سنة ثلاث وعشرين.

أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

أبو مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد المريسيع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يقود بعائشة رضي الله عنها بعيرها. روى أبو مويهبة قال: أهبني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع. فخرجت معه، حتى أتينا البقيع، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلاً، ثم قال: ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، والآخرة شر من الأولى، يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيه ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة. فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فقال: والله، يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي عز وجل ثم الجنة وانصرف رسول الله، فلما أصبح ابتدأ وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه.؟؟؟

إماؤه صلى الله عليه وسلم

إماؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بركة وتكنى أم أيمن وهي حاضنته. عن أنس بن مالك قال: قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: أنطلق بنا إلى أم أيمن، نزورها كما كان رسول الله يزورها. فلما انتهينا إليها بكت. فقالوا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله. قال: فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء. وفي رواية فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. وعن ابن شهاب قال: لما مات النبي بكت أم أيمن وهي أم أسامة بن زيد فقيل لها ما يبكيك؟ فقالت: انقطع عنا خبر السماء فلما مات عمر قالت: اليوم وهى الإسلام. وعن أم أيمن قالت: كان لرسول الله فخارة يبول فيها، فكان إذا أصبح يقول: يا أم أيمن صبي ما في الفخارة. فقمت ليلة وأنا عطشت فغلطت فشربت ما فيها، فقال النبي: يا أم أيمن صبي ما في الفخارة فقلت: يا رسول الله، قمت وأنا عطشى فشربت ما فيها. فقال: إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا. حدث الواقدي عن أصحابه المدنيين قالوا: نظرت أم أيمن إلى النبي وهو يشرب فقالت: يا رسول الله، اسقني فقالت:

عائشة: يا أم أيمن أتقولين هذا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ قالت: ما خدمته أطول. فقال رسول الله: صدقت، فجاء بالماء فسقاها. قال عثمان بن القاسم: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الرحواء. قال: وهي صائمة، قال: وأصابها عطش شديد حتى جهدها. قال: فدلي عليها دلوا من السماء برشاء أبيض فيه ماء. قالت: فشربت، فما أصابني عطش بعد، وقد تعرضت للعطش بالصوم وفي الهواجر، فما عطشت بعد. وعن شقيق بن عقبة قال: كانت أم أيمن تلطف للنبي، وتقوم عليه فقال رسول الله: من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن فتزوجها زيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد. قال ابن شهاب: كانت أم أيمن تحضن النبي حتى كبر، فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد النبي بخمسة أشهر. وقيل: إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب. قال الواقدي: كانت أم أيمن اسمها بركة، وكانت لعبد الله بن عبد المطلب، وصارت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميراثاً، وهي أم أسامة بن زيد فأعتقها، وكان زيد بن حارثة لخديجة فاستوهبه رسول الله من خديجة. وقيل: كان النبي يقول: أم أيمن أمي بعد أمي. وقيل: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأم أيمن: يا أمه وكان إذا نظر إليها قال: هذه بقية أهل بيتي.

خضرة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

خضرة مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى عبد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا، وخضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد. أعتقهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهن. رزينة مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحيح أنها كانت لصفية بنت حيي زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت تخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن رزينة مولاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبا صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله عليه، فجاء بها يقودها سبية. فلما رأت النساء قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فأرسلها. وكان ذراعها في يده، فأعتقها ثم خطبها، وتزوجها، وأمهرها رزينة. قال أبو عبد الله بن منده: رزينة مولاة صفية زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابنتها أمة الله. ولها صحبة. رضوى مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال محمد بن عمر: قالت امرأة أبي رافع: كنا نخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا واسمي سلمى، وخضرة، ورضوى - كن إماءً له فأعتقهن وميمونة بنت سعد. سلمى وهي أم رافع مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت تخدمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن سلمى أنها قالت: صنعت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حريرة فقربتها ليأكلها. ومعه ناس من أصحابه، فبقي منها قليل. فمر بالنبي أعرابي، فدعاه النبي، فأخذها الأعرابي كلها بيده، فقال له

شيرين أخت مارية القبطية

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضعها فوضعها، وقال له: قل بسم الله، وخذ من أدناها. قالت: فشبع منها، وفضلت فضلة. وعن عائشة قالت: جاءت سلمى مولاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رسول الله تستعدي على زوجها أبي رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زعمت أنه ضربها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا رافع، لم ضربتها؟ قال: إنها تؤذيني. قال: يا سلمى، بما آذيته؟ قالت: والله ما آذيته بشيء إلا أنه قام يصلي فضرط في الصلاة فقلت: إن رسول الله قد كان أمر المسلمين: إذا خرج منهم الريح أن يتوضؤوا، فضحك النبي وقال: يا أبا رافع إنها أمرتك بخير. وعن أم رافع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: لم يكن يصيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرحة ولا نكبة إلا وضع عليه الحناء. قال مصعب: شهدت سلمى خيبر، وولدت عبيد الله بن أبي رافع. شيرين أخت مارية القبطية خالة إبراهيم بن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أهداها المقوس صاحب الإسكندرية للنبي، فوهبها لحسان بن ثابت. عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء، جعدة، جميلة، فأنزلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأختها على أم سليم بنت ملحان، فدخل عليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليهما الإسلام، فأسلمت هنالك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية، كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف، وفي خرافة النخل، فكان يأتيها هناك. وكانت حسنة الدين. ووهب أختها سرين لحسان بن ثابت الشاعر، فولدت له عبد الرحمن.

ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم

وولدت مارية لرسول الله غلاماً فسماه إبراهيم، وعق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغار نساء لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واشتد عليهن حين رزق منها الولد. وعن عائشة في حديث الإفك بطوله. قالت فيه: وقعد صفان بن المعطل لحسان بن ثابت، فضربه ضربة، فقال صفوان لحسان في الشعر حين ضربه. الطويل تلقى ذباب السيف مني فإنني ... غلام إذا هوجيت لست بشاعر ولكنني أحمي حماي وأتقي ... من الباهت الرامي البراء الطواهر فصاح حسان واستغاث الناس على صفوان، فلما جاء الناس فرّ صفوان، وجاء حسان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعداه على صفوان في ضربه إياه بالسيف، فسأله النبي أن يهب له ضربة صفوان إياه، فوهبه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغاضه منها حائطاً من نخل عظيم، وجارية قبطية تدعى شيرين فولدت لحسان ابنه عبد الرحمن الشاعر. ميمونة بنت سعد مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميمونة قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عتق ولد الزنى فقال: لأن أجهز نعلين في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولدٌ زنى. قالت: وسئل النبي عن رجل قبل امرأته وهما صائمان فقال: قد أفطرا. وفي رواية: سئل عن ولد الزنى. قال: لا خير فيه. نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنى.

أم ضميرة زوج أبي ضميرة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وعن ميمونة بنت سعد وكانت تخدم النبي قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرافلة في الزينة من غير أهلها كالظلمة يوم القيامة لا نور لها. وعن ميمونة مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يا نبي الله أفتنا في بيتِ المقدس فقال: أرض المنشر والمحشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة. قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه، أو يأتيه؟ قال: فليهد إليه زيتاً يسرج فيه، فإنه من أهدى له كان كمن صلى فيه. أم ضميرة زوج أبي ضميرة مولاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقدم ذكرها في ترجمة أبنها ضميرة. أم عياش خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثت أم عياش - وكانت خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث بها مع ابنته إلى عثمان قالت: كنت أمغث - يعني لعثمان - التمر غدوة فيشربه عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة، فسألني ذات يوم فقال: تخلطين منه شيئاً؟ قلت: أجل. قال: فلا تعودي.

خدمه صلى الله عليه وسلم

خدمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنس بن مالك أبو حمزة الأنصاري يأتي ذكره إن شاء الله. الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي ويقال: اسم الأسلع ميمون بن سنباذ. عن الأسلع قال: كنت أخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأرحل له، فقال ذات ليلة: يا أسلع، قم فارحل. قال: قلت: أصابتني جنابة يا رسول الله، قال: فسكت ساعة، وأتاه جبريل بآية الصعيد. قال: فتمسحت وصليت. فلما انتهيت إلى الماء قال: يا أسلع، قم فاغتسل، وضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى الأرض ثم نفضها ثم مسح بها وجهه ثم ضرب بيديه إلى الأرض ثم نفضها فمسح بها ذراعيه باليمنى على اليسرى، وباليسرى على اليمنى ظاهرهما وباطنهما. وقال الربيع: وأراني أي كما أراه أبوه، كلما أراه الأسلع كلما أراه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الربيع: فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبي جميلة فقال: هكذا والله رأيت الحسن يصنع.

أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند بن حارثة

أسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند بن حارثة وكانا يخدمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن يحيى بن هند بن حارثة - وكان هند من أصحاب الحديبية، وأخوه الذي بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة - فحدث يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه فقال: مر قومك بصيام هذا اليوم. قال: أرأيت إن وجدتهم قد طمعوا؟ قال: فليتموا آخر يومهم. وعن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عن أبيه هند قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قوم من أسلم فقال: مر قومك فليصوموا هذا اليوم، يوم عاشوراء، ومن وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره وفي كتاب محمد بن سعد: أسماء بن حارثة بن عبد الله بن عباد بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى. صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أهل الصفة. وتوفي سنة ست وستين بالبصرة. وهو يومئذ ابن ثمانين سنة وعن أبى هريرة قال: ما كنت أظن هنداً وأسماء أبنتي حارثة الأسلميين إلا مملوكين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال محمد بن عمر: كانا يخدمانه، لا يريمان بابه هما وأنس بن مالك. بلال بن رباح المؤذن أبو عبد الله مولى أبي بكر الصديق كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسنذكره أيضاً في حرف الباء. قال عبد الله الهوزني: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقه رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما كان له شيء. كنت أنا الذي ألي ذاك منه، منذ بعثه الله حتى توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان إذا أتاه الإنسان المتثلم فرآه عارياً يأمرني به. فانطلق، فاستقرض فأشتري البردة فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال لي يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت. فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت أؤذن بالصلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار. فلما رآني قال: يا حبشي، قلت: يالبيك، فتجهمني وقال لي قولاً عظيماً فقال أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربعة، وآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطيك الذي أعطيتك من كرامتك ولا كرامة صاحبك علي، ولكن إنما أعطيتك لأتخذك عبداً، فأردك ترعى الغنم كما كنت ترعى قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس. فانطلقت، فأذنت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله، إن المشرك الذي كنت أدنت منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، وليس عندي، وهو فاضحي فأذن لي فأبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قدأسلموا حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني. فخرجت حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وحرابي ومجني ونعلي عند رأسي، واستقبلت في بوجهي الأفق. فكلما نمت ساعة انتبهت، فإذا رأيت علي ليلاً نمت حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع، وكانت مناخات، عليهن أحمالهن، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذنت، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشر فقد جاءك الله بقضائك، فحمدت الله. وقال: ألم تمر على الركائب المناخات الأربع؟ قلت: بلى، قال: فلأن لك رقابهن، وما عليهن، فإن عليهن كسوةً وطعاماً، أهداهن لي عظيم فدك فاقبضهن ثم أقض دينك، ففعلت، فحططت عنهن أحمالهن ثم علفتهن، ثم قمت إلى تأذيني لصلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني فأذنت فقلت: من كان يطلب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدين فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبقى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دين في الأرض حتى فضل في يدي أوقيتن أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد في المسجد وحده فسلمت عليه، فقال لي: ما فعل ما قبلك؟ قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم

بكير بن شداخ الليثي ويقال بكر

يبقى شيء. فقال: أفضل شيء؟ فقلت: نعم. فقال: أنظر أن تريحني منها، فإني لست داخلا على أحد من أهلي حتى تريحني منه. فلم يأتنا أحد حتى أمسينا، فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العتمة دعاني فقال: ما فعل ما قبلك؟ قلت: معي، لم يأتنا أحد فبات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد حتى أصبح وظل فيه اليوم الثاني حتى إذا كان آخر النهار جاء راكباً، فانطلقت بهما. فأطعمتهما وكسوتهما، حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال لي: ما فعل الذي قبلك؟ قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكبر وحمد الله، شفقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك. ثم اتبعته حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة حتى أتى مبيته، فهو الذي سألني عنه. بكير بن شداخ الليثي ويقال بكر عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي وكان ممن يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو غلام. فلما احتلم جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني كنت أدخل على أهلك، وقد بلغت مبلغ الرجال، فقال النبي: اللهم، صدق قوله، ولقه الظفر، فلما كان في ولاية عمر جاء وقد قتل يهوديا فأعظم ذلك عمر وجذع وصعد المنبر قال: أفيما ولاني الله واستخلفني يقتل الرجال؟! أذكر الله رجلاً كان عنده علم إلا علمني، فقام إليه بكير بن شداخ فقال: أنا به، فقال: الله أكبر بؤت بدمه، فهات المخرج. قال: بلى. خرج فلان غازياً ووكلني بأهله فجئت إلى بابه فوجت هذا اليهودي في منزله وهو يقول: الوافر وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها وتمسي ... على قود الأعنة والحزام كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينظرون إلى فئام قال: فصدق عمر قوله، وأبطل دمه بدعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ذو مخمر ويقال ذو مخيمر الحبشي

ذو مخمر ويقال ذو مخيمر الحبشي ابن أخي - ويقال ابن أخت النجاشي ملك الحبشة. عن ذي مخمر، وكان رجلاً من الحبشة يخدم النبي قال: كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد فقال له قائل: يا رسول الله، قد انقطع الناس قال: فحبس، وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه فقال لهم: هل لكم أن نهجه هجعة - أو قال له قائل - فنزلوا فقال: من يكلؤنا الليلة؟ فقلت: أنا جعلني الله فداك، فأعطاني خطام ناقته فقال: هاك لا تكونن لكعاً قال: فأخذت بخطام ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخطائم ناقتي، فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما يرعيان، فإني كذلك أنظر إليهما حتى أخذني النوم، فلم أشعر بشيء حتى وجدت حر الشمس على وجهي، فاستيقظت فنظرت يميناً وشمالاً فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد، فأخذت بخطام ناقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخطام ناقتي، فأتيت أدنى القوم فأيقظته فقلت له: أصليت؟ قال: لا، فأيقظ الناس بعضهم بعضاً حتى استيقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بلال، هل في الميضأة ماء؟ - يعني في الإداوة - فقال: نعم، جعلني الله فداك، فأتاه بوضوء فتوضأ لم يلت منه التراب فأمر بلالً فأذن، ثم قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى الركعتين قبل الصبح، وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة، فصلى وهو غير عجل، فقال له قائل: يا نبي الله، أفطرنا؟ قال: لا، قبض الله أرواحنا وقد ردها إلينا وقد صلينا. ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن ربيعة بن كعب قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله عشاء الآخرة. فأجلس ببابه إذا دخل بيته، أقول: لعله أن يحدث لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجة، فما أزال أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سبحان الله، سبحان الله وبحمده،

حتى أمل فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقد. قال: فقال لي يوماً، لما يرى في خفتي له وخدمتي إياه: يا ربيعة، سلني، أعطك. قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أعلمك ذلك. قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وإن لي فيها رزقاً سيكفيني، ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآخرتي فأنه من الله بالمنزل الذي هو به. قال: فجئته فقال: ما فعلت يا ربيعة؟ قال: فقلت: نعم، يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك، فيعتقني من النار، قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قال: فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلت: سلني أعطك، وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري، فعرفت أن الدنيا منقطعة0وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآخرتي. قال: فصمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طويلاً، ثم قال: إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود. وعن ربيعة الأسلمي - وكان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فقال لي ذات يوم: يا ربيعة، ألا تزوج؟ قال: قلت: يا رسول الله، ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء. قال: فسكت. قال: فلما كان بعد قال لي: يا ربيعة، ألا تزوج؟ قال: قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء، وما عندي ما أعطي المرأة فقال: فقلت بعد: رسول الله أعلم بما عندي مني. يدعوني إلى التزويج. لئن دعاني هذه المرة لأجيبنه. قال: فقال لي: يا ربيعة، ألا تزوج؟ قال: قلت: يا رسول الله، ومن يزوجني، وما عندي ما أعطي المرأة. قال: فقال لي: انطلق إلى بني فلان فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة. قال: فأتيتهم فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة. قالوا: فلانة؟. قالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومرحباً برسوله فزوجوني فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أتيتك من خير أهل بيت، صدقوني وزوجوني فمن أين لي ما أعطي صداقي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبريدة الأسلمي: يا بريدة، اجمعوا لربيعة في صداقه وزن نواة من ذهب. قال: فجمعوها، فأعطوني فأتيتهم فقبلوها، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، قد قبلوا فمن أين لي ما أولم؟ قال: فقال: اجمعوا لربيعة في ثمن كبش. قال: فجمعوا. وقال لي: انطلق إلى عائشة فقل لها: فلتدفع إليك ما عندها من الشعير، قال: فأتيتها فدفعت إلي. فانطلقت بالكبش والشعير، فقالوا: أما

سعد مولى أبي بكر الصديق

الشعير فنحن نكفيكه وأما الكبش فمر أصحابك أن يذبحوه وعملوا الشعير، فأصبح والله عندنا خبز ولحم. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع أبا بكر أرضاً له فاختلف في عذق فقلت: هو في أرضي، وقال أبو بكر: هو في أرضي فتنازعنا، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، فندم فأخبرني فقال لي: قل لي كما قلت. قال: قلت: لا والله لا أقول لك كما قلت لي، قال: إذاً آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتبعته، فجاءني قومي يتبعوني فقالوا: هو الذي قال لك وهو يأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيشكو؟ قال: فالتفت إليهم فقلت: تدرون من هذا؟ هذا الصديق وذو شيبة المسلمين. ارجعوا، لا يلتفت فيراكم، فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه، فيغضب فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخبره، فيهلك ربيعة. قال: فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني قلت لربيعة كلمة كرهها، فقلت له يقول لي مثلما قلت له فأبى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا ربيعة، ومالك وللصديق؟ قال: قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله لا أقول له كما قال لي. قال: أجل، لا تقل له كما قال ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر. سعد مولى أبي بكر الصديق كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل أنه كان مولى له. عن سعد قال: قربت بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمراً، فجعلوا يقرنون، فنهى رسول الله عن القران. وعن سعد مولى أبي بكر - وكان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يعجبه خدمته - فقال: يا أبا بكر، أعتق سعداً، فقال: يا رسول الله، ما لنا ماهنٌ غيره. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعتق سعداً، أتتك الرجال، أتتك الرجال. قال أبو داود يعني السبي.

عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي

عبد الله بن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي كان يلي طهور النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحمل نعليه، ويرحل راحلته، وسنذكره في حرف العين. مهاجر مولى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخدمه. قال مهاجر مولى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خدمت النبي عشر سنين أو خمس سنين لم يقل لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته؛ لم تركته؟. أبو السمح خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أبو السمح قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان إذ اأراد أن يغتسل قال: ناولني أدواتي. قال: فناولته، وأستره، فأتي بحسن، أو حسين، فبال على صدره، فجئت لأغسله. قال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام.

كتابه صلى الله عليه وسلم

كتابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد بن العاص الأموي نذكره في ما بعد. أبي بن كعب قال ابن أبي خثيمة: كان أول من كتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي بن كعب. فكان إذا لم يحضر أبي دعا زيد بن ثابت، فكانا يكتبان له الوحي، ويكتبان إلى من كاتبه من الناس، وكان يكتب له عثمان بن عفان وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد رضي الله عنهم. قال محمد بن سعد: وكان أبي بن كعب يكتب في الجاهلية قبل الإسلام. وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانوا يقولون: أول من كتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، ثم ارتد. فكتب له عثمان بن عفان، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص. وكتب له العلاء بن الحضرمي وشرحبيل بن حسنة. وكتب على بن أبي طالب الموادعة في غزوة الحديبية. وكتب علي كتاب أهل نجران. أرقم بن أبي الأرقم المخزومي عن عمرو بن حزم: إن هذه قطائع أقطعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء القوم:

ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري

هذا كتاب من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعظيم بن الحارث المحاربي أن له فخاً لا يحاقه فيها أحد. وكتب الأرقم: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله لعظيم بن الحارث المحاربي أن له المجمعة من رأس فخ لا يحاقه فيها أحد. وكتب الأرقم. عن إبراهيم بن المنذر قال: والأرقم بن أبي الأرقم - اسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن جندب بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب. وأمه أميمة بنت عبد الحارث الخزاعية. وبقي الأرقم إلى عهد معاوية. ومات في سنة خمس وخمسين. وهو الذي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفياً في داره بأصل الصفا. آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عبد الله بن أنيس، وقد شهد بدراً. ولم يشهدها عبد الله بن أنيس. وقال عثمان بن الرقم: توفي أبي الأرقم سنة ثلاث وخمسين، وهو ابن خمس وثمانين سنة. ويكنى أبا عبد الله. وصلى عليه سعد بن أبي وقاص، ودفن بالبقيع. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين تغيب من قريش تغيب في داره. وهي التي تعرف الخيزران عند الصفا. روى عثمان بن أرقم عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة، ويفرق بين الاثنين - والإمام يعني يخطب - كالجار قصبه في النار. ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري روى علي بن محمد المدائني بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب عن النبي قالوا: قدم عبد الله بن علس الثمالي ومسليه بن هزان الحداني على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رهط من قومها بعد فتح مكة، فأسلموا، وبايعوا على قومهم، وكتب لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بما

فرض عليهم من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شمام وشهد فيه سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة. قال محمد بن اسحاق: استشهد من الأنصار، ثم من بني الحارث بن الخزرج: ثابت بن قيس بن شماس استشهد باليمامة. قال ابن منده: ثابت بن قيس بن شماس بن ثعلبة بن زهر بن امرئ القيس بن مالك بن الحارث بن الخزرج، كنيته أبو محمد. قتل باليمامة شهيداً، وشهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. روى عنه أنس بن مالك، ومحمد وإسماعيل وقيس، بنوه. روى ثابت بن قيس قال: قتل يوم قريظة رجل من الأنصار يدعى خلاداً فقيل لأمه: يا أم خلاد قتل خلاد، فجاءت وهي متنقبة فقبل لها: قتل خلاد وتجيئينا متنقبة قالت: لإن رزئت خلاداً، فلا أرزأ أحباي. فذكروا ذلك للنبي فقال: أما أن له أجر شهيدين، قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لأن أهل الكتاب قتلوه. عن أنس قال: كان ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار. فلما نزلت الآية " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " قال ثابت: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا من أهل النار، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل هو من أهل الجنة.

حنظلة بن الربيع التميمي الأسيدي الكاتب

حنظلة بن الربيع التميمي الأٌسيدي الكاتب قال حنظلة سمعت رسول الله يقول: من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ووضوئهن ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله تبارك وتعالى دخل الجنة. أو قال وجبت له الجنة. وسنذكر حنظلة في حرف الحاء. خالد بن سعيد بن العاص الأموي كتب خالد بن سعيد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راشد بن عبد رب السلامي، أعطاه غلوتين بسعجى وغلوة بحجر برهاط. فمن حاقه فلا حق له. وحقه حق. وكتب خالد بن سعيد. وأقام خالد يعني: ابن سعيد بن العاص - بعد أن قدم من أرض الحبشة مع رسول الله بالمدينة. وكان يكتب له. وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف وهو الذي مشى في الصلح بينهم وبين رسول الله. وسنذكر خالداً في حرف الخاء.

خالد بن الوليد أبو سليمان المخزومي

خالد بن الوليد أبو سليمان المخزومي وسنذكره في حرف الخاء. عن عمرو بن حزم: إن هذه قطائع أقطعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء القوم: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المؤمنين: إن عضاه وجّ وصيده، لا يعضد صيده ولا يقتل، فمن وجد يفعل من ذلك شيئاً فإنه يجلد، وتنزع ثيابه، وإن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ، فيبلغ محمداً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإن هذا من محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكتب خالد بن الوليد بأمر النبي محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: كذا. قال: وأظنه خالد بن سعيد. الزبير بن العوام أبو عبد الله الأسدي القرشي نذكره في حرف الزاي. عن عمرو بن حزم: إن، هذه قطائع أقطعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء القوم. فذكرها وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني معاوية بن جرول إلى الضبابيين، لمن أسلم منهم فأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغانم خمس الله وسهم النبي رسوله، وفارق المشركين، وأشهد على إسلامه فإنه آمن بأمان الله ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإن لهم ما أسلموا عليه من بلادهم ومياههم. وغدوة الغنم من وراء بلادهم التي أسلموا عليها مبنية. وكتب الزبير. زيد بن ثابت أبو سعيد الأنصاري الخزرجي نذكره في حرف الزاي.

سجل الكاتب

سجل الكاتب عن ابن عباس قال: كان النبي كاتب يسمى السجل. وهو فوله: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب " قال: كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء. وقال في حديث آخر: السجل هو الرجل. وعن ابن عمرو قال: وكان للنبي كاتب يقال له سجل، فأنزل الله عز وجل: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ". وقال أبو جعفر: السجل هو الملك سعد بن أبي سرح والمحظوظ عبد الله بن سعد القرشي العامري عن خليفة بن خياط: في تسمية كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زيد بن ثابت كاتب الوحي. وقد كتب له معاوية بن أبي سفيان، وكتب له حنظلة بن ربيعه الأسيدي، وكتب له سعد بن أبي سرح ثم ارتد ولحق بمكة، وكان يأذن عليه أنسة مولاه. وبلال على نفقاته، ومعيقيب بن أبي فاطمة خازنه. ويقال كان معيقيب على خاتمه. وأنس بن مالك يخدمه. ومؤذناه بلال وابن أم مكتوم. وحرسه ببدر سعيد بن زيد، وحين رجع من بدر ذكوان بن عبد القيس الأنصاري وبأحد محمد بن مسلمة، وفي الخندق الزبير بن العوام أو غيره، وبخيبر ليلة بنى بصفية أبو أيوب، وبتبوك أبو قتادة، وقد حرسه سعد بن مالك وعائذ بن عمرو المزني.

أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي التيمي

أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشي التيمي خليفة رسول الله. نذكره في حرف العين. عن سراقة بن جعثم قال: لما خرج رسول الله من مكة مهاجراً إلى المدينة جعلت قريش لمن يرده مئة ناقة. قال: فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة، مروا علي آنفاً، إني لأراهم محمداً وأصحابه قال: فأهويت له يعني أن اسكت. قال: وقلت: إنما هم بنوا فلان يبغون ضالة لهم. قال: لعله، ثم سكت. فمكثت قليلاً ثم قمت فأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي، وأخرجت سلاحي من وراء حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها ثم لبست لأمتي ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج القسم الذي أكره: لا يضره، قال: وكنت أرجو أن أرده فآخذ المئة ناقة. قال: فركبت في أثره. قال: فبينا فرسي يشتد حتى عثر، فسقطت عنه. قال: فأخرجت قداحي فاستقسمت فخرج السهم الذي أكره: لا يضره. قال: فأبيت إلا أن أتبعه فركبت. فلما بدا لي القوم ونظرت إليهم عثر فرسي وذهبت يداه في الأرض وسقطت عنه، واستخرج يديه واتبعهما دخانٌ مثل الإعصار، فعرفت أنه قد منع مني وأنه ظاهر فناديتهم فقلت: انظروا فو الله لأريبنكم ولايأتيكم مني شيء تكرهونه، فقال رسول الله: قل له ماذا تبتغي؟ فقلت: اكتب لي كتاباً يكون بيني وبينك آية. قال: اكتب له يا أبا بكر. فكتب ثم ألقاه إلي فرجعت، فسكت. فلم أذكر شيئاً مما كان حتى إذا فتح الله عز وجل على رسوله مكة وفرغ من حنين خرجت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لألقاه، ومعي الكتاب الذي كتب لي. قال: فبينا أنا عامد له دخلت بين ظهران كتيبة من كتائب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على ناقة أنظر إلى ساقه في غرزة كأنها جمارة قال: فرفعت يدي بالكتاب. فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا كتابك. قال: فقال رسول الله: هذا يوم وفاء وبر ادنه. قال: فأسلمت. ثم ذكرت شيئاً أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما ذكرت شيئاً إلا أني

عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي

قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الضالة تغشى حياضنا قد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر أن أسقيها؟ فقال رسول الله: نعم، لك في كل ذات كبد حرى أجر. قال: فانصرفت، وسقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقتي. عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي عن عبد الله بن الزبير أن النبي استكتب عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث. كذا نسبه ابن حميد. وكان يجيب عنه الملوك. وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك، فيكتب ويختم ما يقرأه لأمانته عنده. واستكتب أيضاً زيد بن ثابت. وكان يكتب الوحي ويكتب إلى الملوك أيضاً فلم يزالا كذلك حتى قبض النبي، وخلافة أبي بكر وجعل أبو بكر رضي الله عنه إلى عبد الله بن الأرقم بيت المال. فلم يزل كذلك حتى قبض أبو بكر، وولي عمر رضي الله عنه حتى قتل. ثم إن عثمان عزل عبد الله بن الأرقم عن الكتابة وبيت المال، وجعلها إلى زيد بن ثابت. فأما النبي فكان إذا غاب ابن الأرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إلى بعض أمراء الأجناد والملوك، أو يكتب لإنسان كتاباً أمر من حضر أن يكتب. وقد كتب عمر، وعلي، وزيد، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية، وخالد بن سعيد بن العاص. وغيرهم ممن سمى من العرب. وعن عبد الله بن عمر قال: أتى النبي كتاب رجل فقال لعبد الله بن الأرقم: أجب عني. فكتب جوابه ثم قرأه عليه فقال: أصبت، وأحسنت، اللهم وفقه. فلما ولي عمر كان يشاوره. وعن عبد الله بن الأرقم أنه حجّ فكان يصلي بأصحابه، يؤذن ويقيم. فأقام يوماً وقال: ليصل أحدكم فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء وأقيمت الصلاة فليصل إلى الخلاء.

عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري

قال الأعمش: قلت لشقيق: من كان كاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: عبد الله بن أرقم. قال: وقد أتانا كتاب أبي بكر بالقادسية، في أسفله؛ وكتب عبد الله بن أرقم. قال الغلابي: وهذا خطأ، إنما كانت القادسية في زمن عمر. وقد ورد في حديث قال: وأتانا كتاب عمر بالقادسية وفي أسفله: وكتب عبد الله بن أرقم. وقال في حديث آخر: قال أبي: والصحيح عندنا أن معاوية كان كاتب النبي. عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري قال ابن عباس: كان يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل فاستجار له عثمان بن عفان، فأجاره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة. وقيل أنه استأمن له يوم فتح مكة. نذكره في حرف العين. عبد الله بن زيد بن عبد ربه أبو محمد الأنصاري الخزرجي كتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أسلم من جرش، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأعطى حظ الله وحظ الرسول، وفارق المشركين، فإنه آمن بذمة الله وذمة محمد. ومن رجع عن دينه فإن ذمة الله وذمة محمد رسوله منه بريئة. ومن شهد له مسلم بإسلامه فإنه آمن بذمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه من المسلمين، وكتب عبد الله بن زيد.

وعن عبد الله بن زيد قال: رأيت في المنام رجل نزل من السماء عليه بردان أخضران أو ثوبان أخضران فقام على جذم حائط فنادى بالأذان: الله أكبر الله أكبر. مثنى مثنى، ثم قعد قعدة، ثم عاد، فأقام مثنى مثنى، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: نعم ما رأيت علمها بلالاً. وفي رواية: فقال: ألقه على بلال، فألقيته فأذن. قال: فأراد أن يقيم، فقلت يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنا رأيت، أريد أن أقيم. قال: فأقم أنت. فأقام هو وأذّن بلال. وفي رواية: قال: ألقهن على بلال. فأنه أندى منك صوتاً. قال: فلما أذّن بلال ندم عبد الله بن زيد فأمره رسول الله أن يقيم. وعن عبد الله بن زيد أنه تصدق بحائط له فأتى أبواه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالا: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنها كانت قيم وجوهنا، ولم يكن لنا شيء غيرها. فدعا عبد الله فقال: إن الله عز وجل0 قد قبل صدقتك، ورد على أبويك. قال: فتوارثاها بعد ذلك. عن محمد بن عبد الله بن زيد أن أباه حدّثه: أن أباه شهد النبي عند المنحر، ومعه رجل من الأنصار وقسم رسول الله ضحايا، فلم يصبه ولا صاحبه بشيء، فحلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه في ثوبه، فقسم منه على الرجال، وقلّم أظافره فأعطاه وصاحبه. قال: فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم. وحدث محمد بن عبد الله أيضاً: أن أباه كان يكنى أبا محمد، وكان رجلاً ليس بالقصير ولا بالطويل. قال محمد بن عمر: وكان عبد الله بن زيد يكتب بالعربية قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلاً

عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق

وقال محمد بن سعد: عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج. وقال عبد الله بن محمد بن زيد الأنصاري: ليس في آبائه ثعلبة، وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن زيد بن الحارث. وثعلبة بن عبد ربه أخو زيد وعمّ عبد الله. فأدخلوه في نسبه وهذا خطأ. وكان لعبد الله بن زيد من الولد: محمد، وأمه سعدة بنت كعب بن يساف بن عنبة بن عمرو، وهي ابنة أخي خبيب بن يساف. وأم حميد بنت عبد الله، وأمها من أهل اليمن. لعبد الله بن زيد عقب بالمدينة. وهم قليل. وشهد عبد الله العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعاً. وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله. وكانت معه راية بني الحارث بن الخزرج في غزوة الفتح، وهو الذي أري الأذان. قال محمد بن عبد الله بن زيد: توفي أبي عبد الله بن زيد بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. وهو ابن أربع وستين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان. عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق كتب عن النبي كتاب أمان لسراقة بن مالك بن جعشم. وعن سراقة بن جعشم، وذكر خبر الهجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال فيه: فقلت له: إن قومك جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم، وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزوني منه شيئاً. ولم يسألوني إلا أن أخف عنا. فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم ثم بيض. وقد جاء من وجه آخر أن أبا بكر قد كتب ذلك الكتاب. والله أعلم.

وعن عامر بن فهيرة قال: تزود أبو بكر الصديق مع رسول الله في جيش العسرة نحي سمن وعكيكة عسل، على ما كنا عليه من الجهد. وعن عائشة - في حديث لها طويل - قالت: وكان عامر بن فهيرة للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان، فأسلم عامر فاشتراه أبو بكر فأعتقه، وكان يرعى عليه مسحة له من غنم. قال زيد بن رومان: أسلم عامر بن فهيرة قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها. قال عروة بن الزبير: كان عامر بن الفهير من المستضعفين من المؤمنين، وكان ممن يعذب بمكة ليرجع عن دينه. وعن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما هاجر عامر بن فهيرة إلى المدينة نزل على سعد بن خثيمة. قالوا: آخى رسول الله بين عامر بن الفهيرة والحارث بن أوس بن معاذ. وشهد عامر بن فهيرة بدراً وأحداً وقتل يوم بئر معونة سنة أربعة من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. قال عروة: لم يكن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هاجر من مكة إلى المدينة إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة ورجل من الدّئل مشرك، كان دليلاً لهم. وعن عروة قال: قال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؛ قال: قلت: نعم. قال: فطاف فيهم وجعل يسأل عن أنسابهم فقال: هل تفقد منهم من أحد؟ قال: أفقد مولىً لأبي بكر يقال له عامر بن فهيرة فقال: كيف كان فيكم؟ قال: قلت: كان من

عمر بن الخطاب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين

أفضلنا، ومن أول أصحاب نبينا. وقال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار إلى رجل فقال: هذا طعنه وبرمحه. ثم انتزع رمحه، فذهب بالرجل علواً في السماء حتى والله ما أراه. قال عمرو فقلت: ذلك عامر بن فهيرة. وكان الذي قتله رجل من بني كلاب يقال له: جبار بن سلمى. ذكر أنه لما طعنه قال: سمعته يقول: فزت والله. قال: فقلت في نفسي: ما أقوله فزت؟ قال: فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابي فأخبرته بما كان، وسألته عن قوله: فزت. فقال: الجنة. قال: وعرض علي الإسلام فأسلمت. ودعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة من رفعه إلى السماء علواً. قال: وكتب الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامه وما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة. فقال رسول الله: فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين. وعن عروة أن عامر بن الطفيل كان يقول: من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه؛ قالوا: عامر بن فهيرة. وعن عائشة قالت: رفع عامر بن فهيرة إلى السماء، فلم توجد جسته، يروون أن الملائكة وارته. عمر بن الخطاب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسنذكره في حرف العين. عثمان بن عفان بن أبي العاص أبو عمرو الأموي أمير المؤمنين روى عن جماعة من أهل العلم. قال: قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رسول الله وافداً لقوم. وكتب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمن أسلم من قومه كتاباً فيه شرائع الإسلام. وكتب عثمان بن عفان. وسنذكر عثمان في حرف العين.

علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أمير المؤمنين كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب صلح الحديبية، وغيره من الكتب. وسنذكره في حرف العين. عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله لهؤلاء القوم فذكرها، وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد رسول الله لتميم بن أوس الداري أن له عينون قريتها كلها: سهلها وجبلها وماؤها وحرثها وكرومها وأنباطها وبقرها. ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يدخله عليه بظلم، فمن أراد ظلمهم أو أخذه منهم فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكتب علي. العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد ويقال عبد الله بن عباد كان يكتب للنبي. وعن ابن سيرين أن العلاء بن الحضرمي، كتب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدأ بنفسه. وكان العلاء عاملاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على البحرين. فتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عليها. وكانت وفاته سنة إحدى وعشرين. العلاء بن عقبة كان كاتباُ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء القوم فذكرها وذكر فيها:

محمد بن مسلمة الأنصاري

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عباس بن مرداس السلمي، أعطاه مدفورا فمن حاقه فيها فلا حق له فيها، وحقه حق، وكتب العلاء بن عقبة وشهد. ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوسجه بن حرملة الجهني من ذي المروة وما بين بلكثة إلى الطيبة إلى الجعلاب إلى جبل القبلة، لا يحاقه فيها أحد، فمن حاقه فلا حاق له، وحقّه حق. وكتب العلاء بن عقبة. وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني شنخ من جهينة: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني شنخ من جهينة، أعطاهم ما خطوا من صفينة وما حرثوا، ومن حاقهم فلا حق لهم. وحقهم حق وكتب العلاء بن عقبة وشهد. محمد بن مسلمة الأنصاري نذكره في حرف الميم. روى علي بن محمد المدائني بأسانيده قالوا: قدم وفد مهرة عليهم مهري بن الأبيض فعرض عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام فأسلم وا، ووصلهم وكتب لهم. فذكر الكتاب. وقال: وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري معاوية بن أبي سفيان أبو عبد الرحمن القرشي الأموي كاتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نذكره في حرف الميم. عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه. فإنه أمين.

المغيرة بن شعبة أبو عيسى الثقفي

المغيرة بن شعبة أبو عيسى الثقفي نذكه في حرف الميم. عن عمرو ين حزم أن هذه قطائع أقطعها رسول الله لهؤلاء القوم فذكرها. وقال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتابٌ من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحصين بن نضلة الأسدي أن له ترمد وكثيفة، لا يحاقه فيها أحد. وكتب المغيرة.

أمناؤه صلى الله عليه وسلم

أمناؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة القرشي الفهري عبد الرحمن بن عوف أبو محمد الزهري ونذكرها في حرف العين. معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي كان على خاتمه. ويقال: كان خازنه. روى إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده المعيقيب وجده من قبل أمه ابن أبي ذباب قال: كان خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديد ملوى بفضة. فربما كان في يدي. قال: وكان معيقب على خاتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن معيقب قال: قيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المسح في المسجد - يعني الحصا - فقال: إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة. والله أعلم.

ذكر سلاحه ومركوبه ومعرفة مطعومه ومشروبه

ذكر سلاحه ومركوبه ومعرفة مطعومه ومشروبه عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني - غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد. قال: رأيت في سيفي ذي الفقار فلاً. فأولته فلاً ليكونوا فيكم، ورأيت أني مردف كبشاً فأولته كبش كتيبة. ورأيت أني درع حصينة فأولته المدينة. ورأيت بقراً يذبح فبقرٌ والله. خير، فبقرٌ والله، خير. فكان ذلك على ما رأى رسول الله. وعن سعيد بن المسيب تنفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه ذا الفقار يومئذ - يعني - بدراً، وكان لمنبه بن الحجاج، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد غزا إلى بدر بسيفً وهبة له سعد بن عبادة يقال له العضب، ودرعه ذات الفضول. وعن ابن عباس أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفه ذا الفقار، وأن دحية الكلبي أهدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلته الشهباء. قال ابن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة. وقال سمرة: صنعت سيفي على سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان حنيفاً وعن مرزوق الصيقل أنه صقل سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذا الفقار. وكانت له قبيعة من فضة وبكرة في وسطه من فضة وحلقتها من فضة. وعن عبد الرحمن بن عوف قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثوراً.

وعن عبد الرحمن بن عطاء صاحب الشارعة قال: كانت درع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات الفضول، أرسل بها سعد بن عبادة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سار إلى بدر، يقال له العضب، فشهد بها بدراً حتى غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر من منّبه بن الحجاج. وعن مروان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري قال: أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفاً قلعياً، وسيفاً يدعى بتاراً. وسيفاً يدعى الحتف. وكان عنده بعد ذلك رسوب والمخذم، أصحابها عند ضم طيء، وأخذ من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح وثلاثة قسي: قوس اسمها الروحاء، وقوس من شوحط تدعى البيضاء، وقوس صفراء تدعى الصفراء. من نبع. وأصاب درعين يومئذ من سلاحهم، درع يقال لها السغدية، ودرع تدعى فضة. وقال محمد بن مسلمة الأنصاري: رأيت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد درعين: درعة ذات الفضول ودرعة فضة، كانت للقينقاعي وكان من أبطالهم. ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسغدية، درع عكير القينقاعي. وأصاب من سلاحهم مغفراً موشحاً. وقال مروان بن أبي سعيد قال: كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ درع تدعى الكتوم، من نبع كسرت يوم أحد، أخذها قتادة بن النعمان.

وعن عامر قال: أخرج إلينا علي بن الحسين سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا قبيعته من فضة وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة، وسلسلته، وإذا هو سيف قد نحل، كان لمنبه بن الحجاج السهمي، أصابه يوم بدر. وعن جعفر بن محمد قال: رأيت سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائمه من فضة ونعله من فضة، وبين ذلك حلق من فضة، قال: هو الآن عند هؤلاء يريد: آل عباس. قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد فإني لجالس عنده في جماعة إذ قال: أريكم سيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذو الفقار؟ فقلنا نعم يا أمير المؤمنين، فقام فجاء به بنفسه، فما رأيت شيئاً قط أحسن منه. إذا نصب لم ير فيه شيء، وإذ بطح على الأرض عد منه سبع فقر، وإذا هو صفيحة يمانية يحار الطرف فيه من حسنه. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد: أراه ذو الفقار كان فيه ثقب صغار. حدث أبو إسحاق عن أبيه عن جده قال: كانت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوس تدعى الكتوم من نبع، كسرت يوم أحد، كسرها قتادة بن النعمان. ثم إنه أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أقسية: قوس تدعى البهاء، وقوس صفراء تدعى الصفراء، وقوس تدعى الروحات. وكان له درعان: درع تدعىالصغدية والأخرى تدعى فضة. وثلاث أسياف: سيف قلعي. وكان عنده المخذم ورسوب. وكانت عنده ذات الفضول وسيف يقال له فضة وذو الفقار. وكانت له ثلاثة أرماح أصابها من سوق بني قينقاع. وأصاب من سلاحهم مغفراً موشحة بشبه.

وعن سعد القرط قال: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأيت الزنج يتراطنون حين رأوه ليس معه أحد. ولم يدر به الناس. قال: فارتقيت على نخلة فأذّنت. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ماهذا يا سعد؟! من أمرك بهذا؟! قال: قلت يارسول الله، بأبي أنت وأمي، إني رأيت الزنج يتراطنون، ولم يكن معك أحد فخفتهم عليك، فأردت أن يعلم أنك قد جئت حتى تجمع الناس. فقال: أصبت. إذ لم يكن معي بلال فأذّن. قال: وكان النجاشي قد أهدى له عنزتين، فأعطى بلالاً واحدة فكان يمشي بها بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفي. قال فجاء بلالا إلى أبي بكر الصديق فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أفضل أعمالكم الجهاد في سبيل الله. وقد أردت الجهاد. فقال له أبو بكر: أسألك بحقي إلا ما صبرت، إنما هو اليوم أو الغد حتى أموت. فأقام بلال معه يمشي بالعنزة بين يديه حتى توفي أبو بكر. فجاء إلى عمر فقال له كما قال لأبي بكر، فسأله عمر بما سأله أبي بكر فأبى فقال: من يؤذن؟ قال: سعد القرط، فإنه قد كان أذن بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاه العنزة فمشى بين يدي عمر، حتى قتل، ثم بين يدي عثمان، ثم لم يزل يمشي بها بين يدي الأمراء. هلم جراً. قال: حتى قدم أمير المؤمنين المهدي فغدونا بها. قال: وإذا بالحراب قد طلع بها من كل وجه فقلنا: إن عنزة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَلا يمشى معها بحربة. فرد الحراب ومشينا بها بي يديه حتى غرزناها في القبلة قال: وأتي بدابة يركبها إلى المصلى فقلنا له، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى المصلى ماشياً، ذاهباً وراجعاً. فهذه رواية آل سعد التي كانت هذه الحربة عندهم. وعن عروة أن هذه الحربة دفعها النجاشي إلى الزبير في بعض حروبه، فقاتل بها ثم قدم بها معه. فلما كان يوم أحد أخذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يده فقتل بها أبي بن خلف، فسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير: كيف كانوا يصنعون بها؟ قال: كانوا يمشون بين يديه، فدفعها إلى بلال فقال: أمشي بها بين يدي. قال: فهي في أيد المؤذنين.

وعن علي قال: كان فرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له: المرتجز، وكانت بغلته دلدل، وحماره عفير، وناقته القصواء، ودرعه ذات الفضول، وسيفه ذو الفقار. وروى جعفر عن أبيه قال: كانت ناقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسمى العضباء، وبغلته الشهباء، وحماره يعفور، وجاريته خضرة. وعن عامر قال: أخرج إلينا علي بن الحسين درع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين إذا علقت بزرافينها لم تمس الأرض، وإذا أرسلت مست الأرض. وعن مكحول قال: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترس فيها تمثال رأس كبش، فكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكانه، فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل. وعن يونس بن عبيد، مولى محمد بن القاسم قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب أسأله عن راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كانت، قال: كانت سوداء مربعة من نمرة. وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه أن راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت سوداء، ولواؤه أبيض. وعن ابن عباس قال: كانت رايات - أو قال راية - رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوداء، ولواؤه أبيض. وعن جابر قال: كان لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم دخل مكة أبيض.

وعن أبي هريرة قال: كانت راية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطعة قطيفة كانت لعائشة فسألها فشقتها - وكان لواؤه أبيض - وكان يحملها سعد بن عبادة حتى ركزها في الأنصار في بني عبد الأشهل. وهي الراية التي دخل بها خالد بن الوليد ثنية دمشق، فسميت بثنية العقاب. وفي روايه: وهي الراية التي دخل بها خالد بن الوليد ثنية دمشق، وكان اسم الراية العقاب، فسميت ثنية العقاب. وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت عمامته سوداء تسمى العقاب. ولواؤه أسود. وعن عائشة قالت: كان لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح أبيض، ورايته قطعة من مرط لي صوف مرحّل، وكانت الراية تسمى العقاب. وعن أبي هريرة قال: كانت رايه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوداء تسمى العقاب. وعن زهير بن محمد قال: اسم راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقاب. وفرسه المرتجز، وناقته العضباء والقصواء والجوعاء، والحمار يعفور، والسيف ذو الفقار، والدرع ذات الفضول، والرداء الصبح، والقدح الغمر. وكان عند سهل بن سعد ثلاثة أفراس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلفهن وأسماؤهن: لزاز واللحيف

والظراب فأما لزاز فأهداه له المقوقس. وأما اللحيف فأهداه له ربيعو بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب، وأما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي من البلقاء. ويقال وأهدى تميم الداري لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرساً يقال له الورد، فأعطاه عمر، فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع. وعن الحسن قال: كان اسم فرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السكب، وبغلته دلدل، وناقته العضباء، ووحماره يعفور وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، ورايته الغقاب، وقوسه العقفاء. قال: وكان اسم كبش إبراهيم عليه السلام حرير، واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه 0 بهيوت. واسم هدهد سليمان عفير، واسم كلب أهل الكهف قطمير، وهبط آدم بالهند وحواء بجدة. وإبليس بدست بيسان بأرض البصرة. وهبطت الحية بأصبهان. وأول فرس ملكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أواق. كان اسمه عند الأعرابي الضرس، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السكب. وكان أول ما غزا عليه يوم أحد، وليس مع المسلمين يومئذ فرس غيره، وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له مراوح، وفي رواية ملاوح. وقال يزيد بن أبي حبيب: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرس يدعى السكب. وقال ابن عباس: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرس يدعى المرتجز.

قال محمد بن عمر: فسألت محمد بن يحيى بن سهل عن المرتجز فقال: هو الفرس الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت. وكان الأعرابي من بني مرة. يعني حيث جاء خزيمة بن ثابت الأنصاري والأعرابي يقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم أبعك الفرس، وذلك أنهم أعطوه به أكثر من الثمن الذي ابتاعه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع عن البيع، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول له: قد بعتنيه، فقال له الأعرابي: من يشهد لك بذلك؟ فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخزيمة: كيف شهدت بهذا؟! قال: أشهد أن كل ما قلت هو الحق والصدق، فجعلت شهادة خزيمة كشهادة رجلين. وقيل: كانت خيل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة أفراس: لزاز، ولحاف، والمرتجز، والسكب، واليعسوب. وقيل: كانت له خمسة أفارس، فكانت عند سهل بن سعد. أسماؤها: اللحيف ويقال اللجيف، ولزاز والظرب، وكان الظرب لجنادة بن المعلى المحاربي، وكانت له فرس يقال له المرتجز كان لسوادة بن الحارث بن ظالم بن سهم المحاربي. وكانت دلدل بغلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول بغلة ركبت في الإسلام أهداها المقوقس، وأهدى معها حماراً يقال له عفير، وكانت قد بقيت حتى كان زمن معاوية. روى محمد بن إسحاق عن رجل قال: رأيت بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل عبد الله بن جعفر يجش، أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها. وعن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلة يقال لها فضة، فوهبها لأبي بكر الصديق، وحماره يعفور منصرفه من حجة الوداع. و

قال الزهري دلدل أهداها فروة بن عمرو الجذامي، وحضر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها القتال يوم حنين. قال علقمة بن أبي علقمة: بلغني أن اسم فرس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السكب، وكان أغر محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل. وكانت شهباء. وكانت بينبع حتى ماتت ثم. واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من ليف. واسم ناقته القصواء، وسيفه ذا الفقار، واسم رايته العقاب. وكانت دلدل بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقيت بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حياة أبي بكر وعمر وعثمان حتى كان زمن معاوية، وكانت مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وشهد عليها القتال يوم نهروان حيث قاتل الخوارج. وعن ابن القعقاع قال: رأيت علياً عليه السلام على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهباء، يطوف بين القتلى، ثم ردت البغلة بعد علي إلى المدينة. وعن عبد الله بن مسعود قال: كانت الأنبياء يلبسون الصوف، ويحلبون الشاة ويركبون الحمر. وكان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمار يقال له عفير. وعن ابن ممطور قال: لما فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني خبير - أصاب أربعة أزواج ثقال. وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواقي ذهب وفضة، وحماراً أسوداً مكبلاً. قال: فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحمار فكلمه الحمار، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما اسمك؟ قال يزيد بن أخرج الله عز وجل من نسل جدي ستين حماراً، كلهم لم يركبهم إلا نبي. قد كنت أتوقعك أن تركبني، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك. قد كنت من قبلك لرجل يهودي، وكنت أتعثر به عمداً، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري. قال: فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

فأنت يعفور. يا يعفورقال: لبيك. قال: أتشتهي الإناث؟ قال: لا. قال: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يركبه في حاجته، وإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل، فيأتي الباب فيقرعه بنفسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ أن أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها جزعاً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت قبره. وكانت القصواء من نعم بني الحريش، ابتاعها أبو بكر - وأخرى معها - بثمان مئة درهم، فأخذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بأربع مئة، فكانت عنده حتى نفقت، وهي التي هاجر عليها. وكانت حين قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة رباعية، وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء. وعن موسى بن جبير قال: كانت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقائح تكون بذي الجدر ولقائح تكون بالحماء، وكان كرز ابن جابر أغار عليها من الحمى، وكر يومئذ ثلاث لقائح مع سرح المدينة: لقحة من اللقائح التي بذي الجدر تدعى مهرة ولقحة تدعى الشقراء ولقحة تدعى الريا. وكانت مهرة أرسل بها سعد بن عبادة من نعم بني عقيل وكانت غزيرة، وكانت الشقراء أو الريا ابتاعهما بسوق النبط من المدينة من بني عامر. وكن يحتلبن ويسرح إليه بألبانها كل ليلة، فيشربها أهله وأضيافه. فلما كانت اللقاح بذي الجدر التي أغار عليها العرنيون سبع لقاح، فيها غلام لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له يسار الذي أصابه في بني عبد بن ثعلبة فأعتقه، وهو نوبي فقتلوه يومئذ. وقيل كانت لقائح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي أغار عليها القوم بالغابة التي بلغت عشرين لقحة. وكانت التي يعيش بها آل محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراح إليهم كل ليلة بقريتين عظيمتين

من لبن، وكان فيها لقاح غزر: الحقاء والسمراء، والعريس، والسعدية والبغوم واليسيرة. وعن أم سلمة قالت: كانت عيشتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللبن، أو أكثر عيشتنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاح بالغابة. فكان قد فرقها على نسائه. فكانت لي لقحة - تحلب - غزيرة يقال لها العريس، فكنا منها فيما نشاء من اللبن، وكانت لعائشة لقحة تدعى السمراء، ولم تكن كلقحتي فكانتا تحلبان، فتوجد لقحتي أغزر منها بمثل لبنها وثلاثة. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبث الليالي المتتابعة طاوياً لا يجدون العشاء، وكان عامة خبزهم خبز الشعير. وعن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ كسرة من خبز من شعير فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه، وأكلها. وعن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام قال: أمر أبي بحريرة فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ماهذا يا جابر. ألحم ذا؟ قال: فقلت: لا يا رسول الله، ولكن أبي أمر بحريرة، وأمرني أن آتيك بها فأخذها. ثم أتيت أبي فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. قال: ما قال؟ قال: ألحم ذا يا جابر؟ فقلت: لا يا رسول الله، ولكن أبي أمر بحريرة فصنعت، وأمرني فأتيتك بها. فقال لي: عسى أن يكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له، فأمر بها فذبحت، ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني فحملتها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيته وهو في مجلسه فقال لي: ما هذا يا جابر؟ فقلت: أتيت أبي فقال لي: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: نعم. فقال: هل قال لك شيئاً؟ قلت: نعم. قال: ماهذا يا جابر. ألحم هذا؟ فقال أبي: عسى أن يكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتهى اللحم، فقام إلى داجن فأمر بها فذبحت ثم أمر بها فشويت ثم أمرني

فأتيتك بها فقال: جزاكم الله معشر الأنصار خيراً، ولا سيما آل عمرو بن حزام وسعد بن عبادة. وعن أبي الدرداء قال: ما دعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى لحم إلا أجاب، ولا أهدي إلا قبله. وعن سليمان بن يسار أنه دخل على أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثته أنها قدمت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنباً مشوياً، فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ وعن أنس أن خياطاً دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرب إليه خبز من شعير ومرق فيه دباء وقديد. قال أنس: فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتتبع الدباء من حول الصحيفة. فلم أزل أحب الدباء بعد. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير الإدام اللحم وهو سيد الإدام. وعن عبد الله بن مسعود قال: كان أحب العراق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذراع، ذراع الشاة، وكان قد سم فيها، وكان اليهود قد سموه. وعن عائشة قالت: ما كان الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه كان لا يجد اللحم إلا قليلاً، فإذا وجده تعجل إليه، وكان الذراع أسرعها نضجاً. وعن زهدم الجرمي قال: دخلت على أبي بوجيء وهو يأكل دجاجة فقال: أدنه، فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكله. و

عن سفينة قال: أكلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حبارى. وعن عائشة أم المؤمنين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتيها وهوصائم فيقول: أصبح عنكم شيء تطعمونيه؟ فتقول: لا، ما أصبح عندنا شيء كذلك فيقول: إني صائم. ثم جاءها بعد ذلك فقالت: أهديت لنا هدية فخبأناها لك. قال: ما هي؟ قالت: حيس، قال: قد أصبحت صائماً فأكل. وعن سلمى قالت: دخل علي الحسن بن علي وعبيد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر فقالوا: اصنعي لنا طعاماً مما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب أكله. قالت للحسن: إنك يا بني لا تشتهيه اليوم فأط.... تسقيه، وجعلت منه خبزة، وجعلت أدمه الزيت ونثرت عليه ... فقربته إليهم فقالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب هذه، ويحسن أكلها. وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجبه الدباء، وهو القرع. وعن ابن عباس قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة على أم هانئ بنت أبي طالب، وكان جائعاً، فقال: هل عندك طعام آكله؟ فقالت: إن عندي لكسراً يابسة، وإني لأستحيي أن أقربها إليك، فقال: هلميها، فكسرها في ماء، وجاءته بملح فقال: ما من إدام؟ فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خلّ فقال: هلميه، فلما جاءت به صبه على طعامه، فأكل منه، ثم حمد الله عز وجل، ثم قال: نعم الإدام الخل، يا أم هانئ، لا يفقر بيت فيه خل. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيد إدامكم الملح. و

عن سويد بن النعمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسويق فأكل، وأكلنا معه، ثم تمضمض، فقام فصلى المغرب، ولم يتوضأ. وعن ابني بسر السلميين قالا: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتنا، فوضعنا تحته قطيفة لنا فجلس عليها، وأنزل عليه الوحي في بيتنا، وقدمنا إليه زبداً وتمراً، وكان يحب الزبد. وعن عبد الله بن بسر قال: جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي فنزل عليه، فذكر طعاماً فأتاه به، وذكر سويقاً وشيئاً آخر، وأتاه بشراب، فناوله من على يمينه، وأتاه بتمر فجعل يأكل. فلما قام ليأكل أخذ بلجام دابته وقال: ادع لي يا رسول الله. قال: اللهم، بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم. وعن ابن عباس أن خالته أم حميد أهدت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمناً وأقطاً وضباً، فأكل السمن والأقط وترك الضب، فلم يأكل منها. فأكلت على مائدة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الحلواء والعسل وعن ليث بن أبي سليم قال: أول من خبص الخبيص عثمان بن عفان. قدمت عليه عير تحمل النقي والعسل فخلط بينهما، وعمل الخبيص وبعث به إلى بيت أم سلمة، فلم يصادف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما جاء وضعته بين يديه، فأكله واستطابه فقال: من بعث بهذه؟ قالت: عثمان بن عفان. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه.

وفي رواية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى المربد فإذا عثمان بن عفان يقود ناقة تحمل دقيقاً وسمناً وعسلاً فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنخ فأناخ. ثم دعا ببرمة، فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فوقد تحتها حتى أدرك أو قال: نضج، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا، فأكل منه. ثم قال: هذا شيء تدعوه فارس: الخبيص. عن عبد الله بن جعفر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل القثاء بالرطب. وعن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجبه البطيخ بالرطب. وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجبه أن يفطر على الرطب ما دام الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب، ويختم بهن يجعلهن وتراً. ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً. وعن ابن عمر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل جمار نخل. وعن ام أكيدر بنت قيس الأنصارية قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علي رضي الله عنه، وعلي ناقة من مرض ولنا دوال معلقة، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل منها وقام علي يأكل منها. فطفق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي: مه، إنك ناقة حتى كف.

قالت وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: من هذا أصب فهو أنفع لك. وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل العنب خرطاً. وعن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا لم يعبه. وفي روايه: وإلا تركه. وعن عائشة أن النبي كان يستقى من بئر السقيا. وربما قال: يستعذب له الماء. وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجبه الحلو البارد. وعنها قالت: كان أحب الشراب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحلو البارد وعنها قالت: قال ثمامة بن حزن القشيري: لقيت عائشة فسألتها عن النبيذ، فحدثتني أن وفد عبد القيس سألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبيذ فنهاهم أن يشربوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم. فدعت عائشة جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها كانت تنبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كنت أنبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سقاء من الليل، وأوكيه وأعلقه، فإذا أصبح شرب منه.

وعن أنس قال: لقد سقيت بقدحي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللبن والماء والعسل والنبيذ. وعن ابن عباس عباس قال: كانت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منائح، سبعة أعنز، ترعاهن أم أيمن. قال: وقال عبد الملك بن سليمان بن أبي المغيرة عن محمد بن عبد الله بن الحصين قال: كانت منائح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترعى بأحد، وتروح كل ليلة على بيته في البيت الذي يدور فيه، وسماهن إبراهيم بن عبد الله بن عنبسة بن غزوان. قال: كن سبع منائح: عجوة، وزمزم، وسقياء، وبركة ووروسة، وأطلال، وأطراف. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس القلانس تحت العمائم، وبغير العمائم، ويلبس ويلبس العمائم بغير قلانس. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس القلانس اليمانية وهن البيض المضرية، ويلبس ذوات الآذان في الحرب. منها ما يكون من السيجان الأخضر، وكان ربما نزع قلنسوته، فجعلها سرة بين يديه. وهو يصلي. وكان من خلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسمي سلاحه ودوابه ومتاعه. وكان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أسياف: المخذم والرسوب، أهداهما له زيد الخيل الطائي حين وفد عليه فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن الخير. وكان له أيضاً العضب، وذو الفقار صار إليه يوم بدر. كان للعاص بن منبه بن الحجاج، وكان لا يفارقه في الحرب، وكان قباع سيفه وقائمته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة. وكان له حلقتان في الحمائل في موضعها من الظهر. وكانت له أربعة أدراع: ذات الوشاح، والبتراء، وذات المراسي، والخرنق. وكانت له اربعة أفراس: المرتجز، وذو العقال، والسكب والسبحى، ويقال البحر. وكان يركب البحر. وكان كميتاً.

وكانت منطقته من أدم مبشور فيها ثلاث حلق من فضة، والإبزيم والحلق على صيغة الفلك المقرونة من فضة. وكان اسم رمحه المثري، وكانت له حربة قال لها العنزة، وكان يمشي بها ويدعم عليها، وكانت تحمل بين يديه في الأعياد فيركزها أمامه ويستتر بها. ويصلي إليها. وكان له محجن قدر ذراع يمشي به ويركب به، ويعلقه بين يده على بعيره، وكانت له مخصرة تسمى العرجون، وكان اسم قوسه الكتوم، واسم كنانته الكافور، ونبله المويصلة، وترسه الدلوق، ومغفره ذو السبوغ. واسم عمامته السحاب، واسم ردائه الفتح. واسم رايته العقاب، وكانت سوداء من صوف، وكانت ألويته بيضاء، وربما جعل فيها السواد، وربما كان من خمر نسائه. وكانت له بغلة شهباء يقال لها الدلدل، وكانت بيضاء أهداها له المقوس ملك الإسكندرية وهي التي قال لها في بعض الأماكن: اربضي دلدل فربضت. وكان علي يركبها بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال غير ابن عباس: وكان عثمان بن عفان يركبها. وركبها الحسن بن علي، ثم ركبها الحسين ومحمد بن علي بن الحنفية رضي الله عنهم حتى كبرت، وعميت ودخلت مبطحة لبني مذحج فرماها رجل بسهم فقتلها. وكانت له بغلة يقال لها الأيلية. وكانت مخدوفة، طويلة، كأنما تقوم على رماه، حسنة السير فأعجبته، وهي التي قال له علي فيها: إن كانت أعجبتك هذه البغلة فإنا نصنع لك مثلها قال: وكيف ذلك؟ قال: هذه أمها فرس عربية وأبوها حمار فلو أنزينا على فرس عربية حماراً لجاءت بمثل هذه البغلة. فقال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. قال ابن عباس: فأبى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تقدم إلينا - معاشر بني هاشم خاصة - ألا نزي الحمر على الخيل العراب. فمضت السنة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامة ذلك. وكان له

حمار يدعىعفير، ويقال له اليعفور. وكان أخضر. وكان له ناقة تسمى العضباء ويقال القصواء. وكانت صهباء. وكانت له شاة يشرب لبنها يقال لها غيثة ويقال لها غوثة. وكان له قدحان اسم أحدهما الريان والآخر المضبب، وكان يسع كل واحد منها قدر مدّ فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة يعلق بها. وكان له تور من حجارة يقال له المخضب والمخضد يتوضأ فيه. وكان له مخضب من شبه يكون فيه الحناء والكتم من حر كان يجده في رأسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكانت له ربعة اسكندرانية أهداها المقوقس ملك مصر. وكانت له نعلان من السبت. وكانت مخصرة ذات قبالين وكانت صفراء. وكان له خفان ساذجان أهداهما له النجاشي ملك الحبشة، فكان ربما لبسهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويمسح عليهما. وكان له سرير وقطيفة وقصعة وجارية اسمها روضة.

باب إعلام الله نبيه بتوفيه

باب إعلام الله نبيه بتوفيه عن ابن عباس قال: لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعيت إلى نفسي. فمات في تلك السنة. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم: لك يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال: إنه ممن قد علمتم. قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم. قال: وما رئيته دعاني يومئذ إلا يريهم مني. فقال: ما تقولن في " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس " حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وقال بعضهم: لا ندري، ولم يقل بعضهم شيئاً. فقال لي: يا ابن عباس، أكذلك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلمه الله له " إذا جاء نصر الله والفتح " فتح مكة. فذلك علامة أجلك " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً " قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم. والذي عاتب عمر في ذلك عبد الله بن عوف. بين ذلك شعبة بن الحجاج في حديثه. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم.

وعن أبي هريرة قال: لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " قال: علم وحد حده الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونعى إليه نفسه بأنه لا يبقى بعد فتح مكة إلا قليلاً. وعن علي قال: نعى الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه حين أنزل عليه " إذا جاء نصر الله والفتح " فكان الفتح من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة ثمان. فلما طعن في سنة تسعة من مهاجره تتابع عليه القبائل تسعى، فلم يدري متى الأجل ليلاً أو نهاراً فعمل على قدر ذلك. فوسع السنن وشدد الفرائض وأظهر الرخص ونسخ كثيراً من الأحاديث فنسخت الرخصة الشدة والشدة في بعض الرخص، وغزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوك، وفعل فعل مودع. وعن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية " وللآخرة خير من الأولى " قال لاعباس: لا يدع الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكم إلا قليلاً لما هو خير له. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند فأختار ما عند، فبكى أبو بكر الصديق وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد خيره الله بين أن نؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا. فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر الصديق، لوكنت متخذاً خليلاً لأتخذت أبا بكر خليلاً؛ ولكن خلة الإسلام. لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.

وعن أبي المعلى بمعناه. وفي آخره: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أحد أمن علي في صحبته ولا في ذات يده من ابن أبي قحافة. لو كنت متخذاً خليلاًلأتخذت ابن أبي قحافة، ولكن ود وإخاء إيمان، وإن صاحبكم خليل الرحمن، يعني نفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أهبني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المحرم مرجعه من حجته، وما أدري أما مضى الليل أكثر أو ما بقي عليه؟ فقلت: أين تريد بأبي وأمي؟ فقال: يا أبا مويهبة، انطلق، فإني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع. قال: فخرج وخرجت معه حتى إذا جاءه أستغفر لهم طويلاً، قائماً وقاعداً ثم قال: ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها. الآخرة شر من الأولى. يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخير بين الملك والجنة وبين لقاء ربي عز وجل والجنة، فقلت: بأبي أنت وأمي، خذ خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة. فقال: ل والله يا أبا مويهبة، لقد أخترت لقاء ربي والجنة على ذلك. قال: ورجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشتكى بعد ذلك بأيام. وفي رواية: فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً أو ثماني أيام حتى قبض. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء جبريل عليه السلام بمفاتيح خزائن الدنيا فقال: يا محمد، هذه مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة أحب لك أم لقاء ربك ثم الجنة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقاء ربي ثم الجنة، وكان مع جبريل ملك الموت فقبض نفسه، وأشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصره إلى سقف البيت وهو يقول: مع الرفيق الأعلى. وقبض. وعن الحارث بن مرة الجهني قال: رأيت عنده رقاً مكتوباً عليه: بسم الله الرحمن الرحيم " نعى لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه قبل موته بشهر، ثم جمعنا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة في بيت أمنا عائشة ونحن أربعون،

فنظر إلينا، فدمعت عيناه، وقد أرم القوم ونظروا إلى الأرض، ثم تشدد فقال: مرحباً بكم، وحياكم الله، أبشروا ببشرى الله عز وجل، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: اتقوا الله فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " ومن حيث لا يأمل ولا يرجو " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره. قد جعل الله لكل شيءً قدراً " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً " فأرضوا بقضاء الله، فإن الأمر أمره. وسلم وا لأمر الله، فإن القليل تبع للكثير. ألا فليسلم القليل الكثير " واتقوا الله وقولوا قولاً سديداً " إلى قوله " كان ظلوماً جهولاً " من الله لا مني. مرحباً بكم. وحياكم الله، رحمكم الله، وآواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، رفعكم الله، رفعكم الله هداكم الله، رزقكم الله، وفقكم الله، سلمكم الله، قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وألجئكم إلى الله، وأؤديكم إليه، وأؤدي إليكم عنه، إني لكم منه نذير مبين، وأستخلفه عليكم، فاتقوا الله، ولا تعلوا على الله في عباده وبلاده " والعاقبة للمتقين " وقال: أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وإن هذا آخر ما أخلص بكم، وتخلصون بي. اسمع يا أبا بكر ما أقول لكم، ثم اعمل على ذلك، وانت تعلم أنه كذلك. إن دعائي آت بكم على كل ما أشتهي إلا ما رددت عنه من بأس ببنكم واختلا ف كلمتكم والمؤمنون شهود الله في الأرض، فالحسن ما حسنوا، والقبيح ما قبحوا. نظر امرؤ لنفسه عند اختلاف الأمة، وكف لسانه، واستبرأ قلبه ولزم الجماعة، وآثرها على الفرقة، ووركب السبيل، فسلكه ونكب السبل، وإن يد الله على الجماعة، الأمر أمرهم والقليل تبع للكثير، سل يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله، دنا الأجل. فقال: قددنا الأجل، وتدلى، فقال: ليهنك يا نبي الله ما عند الله. فليت شعري عن منقلبنا. فقال: إلى الله وإلى سدرة المنهى ثم إلى جنة المأوى والعرش الأعلى والكأس الأوفى والرفيق، والحظ والعيش الهنيء.

فقال: يا نبي الله، من يلي غسلك؟ فقال: رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى. قال: ففيم نكفنك؟ فقال: في ثيابي هذه وفي حلة يمنية، وفي بياض مصر، قال: وكيف الصلاة عليك منا؟ وبكى فقال: مهلاً. غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيراً. إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة. فإن أول من يصلي عليّ الله عز وجل " هو الذي يصلي عليكم وملائكته " ثم يأذن الله للملائكة فأول من يدخل علي من خلق الله ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها. ثم أنتم، فادخلوا علي أفواجاً فصلوا علي أفواجاً زمرةً زمرة، وسلم وا تسليماً، ولا تؤذنوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة وليبدأ زمركم الإمام وأهل بيتي الأدنى فالأدنى ثم زمر النساء ثم زمر الصبيان. قال: فمن يدخلك القبر؟ قال: زمر أهل بيتي الأدنى قالأدنى مع ملائكة كثير لا ترونهم، يروكم. قوموا فأدوا عني إلى من بعدي. فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: عبد الله بن مسعود. وفي حديث آخر عن عائشة بمعناه قال: ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بصيحة، ومن كان غائباً من أصحابي فأبلغوه عني السلام، وأشهدكم أني قد سلمت على من دخل في الإسلام، ومن بايعني على ديني هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة. وساق بقية الحديث. المؤمنون شهود الله في الأرض، فالحسن ما حسنوا، والقبيح ما قبحوا. نظر امرؤ لنفسه عند اختلاف الأمة، وكف لسانه، واستبرأ قلبه ولزم الجماعة، وآثرها على الفرقة، ووركب السبيل، فسلكه ونكب السبل، وإن يد الله على الجماعة، الأمر أمرهم والقليل تبع للكثير، سل يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله، دنا الأجل. فقال: قددنا الأجل، وتدلى، فقال: ليهنك يا نبي الله ما عند الله. فليت شعري عن منقلبنا. فقال: إلى الله وإلى سدرة المنهى ثم إلى جنة المأوى والعرش الأعلى والكأس الأوفى والرفيق، والحظ والعيش الهنيء. فقال: يا نبي الله، من يلي غسلك؟ فقال: رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى. قال: ففيم نكفنك؟ فقال: في ثيابي هذه وفي حلة يمنية، وفي بياض مصر، قال: وكيف الصلاة عليك منا؟ وبكى فقال: مهلاً. غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيراً. إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة. فإن أول من يصلي عليّ الله عز وجل " هو الذي يصلي عليكم وملائكته " ثم يأذن الله للملائكة فأول من يدخل علي من خلق الله ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها. ثم أنتم، فادخلوا علي أفواجاً فصلوا علي أفواجاً زمرةً زمرة، وسلم وا تسليماً، ولا تؤذنوني بتزكية ولا صيحة ولا رنة وليبدأ زمركم الإمام وأهل بيتي الأدنى فالأدنى ثم زمر النساء ثم زمر الصبيان. قال: فمن يدخلك القبر؟ قال: زمر أهل بيتي الأدنى قالأدنى مع ملائكة كثير لا ترونهم، يروكم. قوموا فأدوا عني إلى من بعدي. فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: عبد الله بن مسعود. وفي حديث آخر عن عائشة بمعناه قال: ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بصيحة، ومن كان غائباً من أصحابي فأبلغوه عني السلام، وأشهدكم أني قد سلمت على من دخل في الإسلام، ومن بايعني على ديني هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة. وساق بقية الحديث.

ذكر مرضه وتوفيه وتسمية اليوم الذي قبض فيه

ذكر مرضه وتوفيه وتسمية اليوم الذي قبض فيه عن عائشة قالت: رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البقيع - وفي رواية: من جنازة من البقيع - فدخل فوجدني وأنا أحد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارسأاه. قال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه. ثم قال: ومايضرك لومت قبلي فقمت عليك فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك؟ قالت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك. قالت فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وتتام به وجعه حتى استعز به، وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءه فسأبهن أن يأذن له أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر، تحط قدماه، عاصباً رأسه حتى جاء بيتي. قال عبيد الله: فحدثت هذا الحديث عبد الله بن عباس قال: تدري من الرجل الآخر؟ قال: قلت: لا. قال: علي. ثم غمي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشتد به وجعه ثم أفاق. قال: أهريقوا علي سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم. قالت: فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر، فصببنا عليه الماء حتى طفق يقول بيده: حسبكم حسبكم. قال: ثم خرج عاصباً رأسه، فجلس على المنبر، فكان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد، فأكثر الصلاة عليهم ثم قال: إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده الله فأختار ما عند الله. قال: ففهما أبو بكر فبكى، وعرف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه يريد. قال: على رسلك يا أبا بكر. انظروا هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً كان أفضل عندي في الصحبة منه. وروى ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد الله أن الذي كان ابتدأ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجعه الذي لزمه أن دخل على عائشة وهو يجد صداعاً، فوجدها تصدع وتقول: وارأساه فقال: بل أنا والله ياعائشة وارأساه،

فو الله لطار عني ما أجد وكدت أن استطار فسكنني بالمزاح على تجشم منه. فقال: وما ضرك يا عائشة لو مت قبلي، فأقوم عليك وأليك وأصلي عليك فقالت له: فما نجاني مما خشيت الحذر فقلت: أجل والله، لكأني بك لو قد فعلت قد أعرست ببعض نسائك في بيتي من آخر ذلك اليوم، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم تمادى به وجعه وهو في ذلك يدور على نسائه حتى استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو في بيت ميمونة. قالت فلما زاد ما به أجمع رأي من في البيت على أن يلدوه، وتخوفو أن يكون به ذات الجنب ففعلوا، ثم فرج عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد لدوه فقال: من صنع هذا فهبنه واعتللن بالعباس، فاتخذ جميع من في البيت العباس سبباً، ولم يكن له في ذلك رأي فقالوا: يا رسول الله، عمك العباس أمر بذلك وتخوفنا أن يكون بك ذات الجنب، فقال: إنها من الشيطان، ولم يكن الله ليسلطه علي ولا يرميني بها. ولكن هذا عمل النساء لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس، فإن يميني لا يناله، فلدوا كلهم ولدت ميمونة وكانت صائمة لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خرج رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله إلى بيت عائشة - وكان يومها بين العباس وعلي، والفضل ممسك بظهره، ورجلاه تحطان الأرض، حتى دخل على عائشة. فلم يزل عندها مغلوباً لا يقدر على الخروج وغير مغلوب وهو يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره. وعن عبد الله بن مسعود قال: كان أحب العراق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذراع الشاة. وكنا نرى أنه سم في ذراع شاة. وكنا نرى أن اليهود سموه. عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخات على عائشة فقلنا: أخبرينا عن مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: اشتكى فكان ينفث نفث آكل الزبيب، وكان يدور على نسائه. فلما اشتد شكوه استأذنهن أن يكون في بيت عائشة، ويدرن عليه، فأذن له. فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بين نفسين أحدهما العباس ورجلاه تحطاه في الأرض. قال ابن عباس فما أخبرتك من الآخر؟ قال: لا. قال: هو علي عليه السلام. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحديثني عن مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: بلى، ثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فقال: صلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله. قال: ضعوا لي ما في المخطب. ففعلنا فأغتسل ثم ذهب لينوء فإغمي عليه ثم أفاق: فقال أصلى الناس فقلت: لا. هم ينتظرونك يا رسول الله. قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن يصلي بالناس. وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً فقال: يا عمر صلي بالناس فقال: أنت أحق بذلك فصلى بهم أبو بكر بدل الإمام، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأوما إليه أن لا تتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي قاعداً. فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هات، فحدثته، فما أنكر منه شيئاً. غير أنه قال: سمت لك الرجل الذي كان مع العباس. قلت لا قال هو علي. وعن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدأ مرضه الذي مات فيه في بيت ميمونة، فخرج عاصباً رأسه، فدخل بين رجلين تحط رجلاه الأرض، عن يمينه العباس بن عبد المطلب، وعن يساره رجل لا أبالي ألا أذكره - قال عبيد الله: أخبرني ابن عباس أن الذي علي يساره علي بن أبي طالب - قالت عائشة: قلما رأيته قلت: وارأساه، أنا والله أموت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما والله لوددت أنك تموتين فأكفنك وأصلي عليك. قالت: فغضبت من قوله وقلت: أما والله إذاً لتعرس ببعض نسائك فبل أن تمسي. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارأساه، ألا أرسلي إلى ابن أبي قحافةو ابنه، فلا يطمع في الأمر طامع ثم قال: كلا يدفع الله ويدفع بالمؤمنين.

قال موسى بن يعقوب: أنه يعني بقوله: وابنه: عبد الرحمن. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ على نفسه بالمعوذات. فلما مرض وثقل كنت أقرأ بهما في يديه، وأمسح بها جسده، ألتمس بذلك بركة يديه، فدخلت عليه في مرضه أم البشير بن البراء بن معرور فقالت: يا رسول الله، ما وجدت مثل هذه الحمىالتي عليك على أحد، فقال: إنا يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر. ما يقول الناس؟ قالت: يقولون يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات الجنب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كان الله ليسلطها على رسوله، إنها همزة من الشيطان. ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وأبيك بخيبرمن الشاة. كان نصيبي منها عداد مرةٍ بعد مرة. فكان هذا أوان انقطع أبهري فمات رسول اللهم شهيداً. وعن أبي هريرة أن جبريل أتى النبي في مرضه الذي قبض فيه فقال: إن الله غز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعاً يا أمين الله. ثم جاءه من الغد فقال: يا محمد، إن الله يقرأك السلام ويقول: كيف تجدك قال: يا أمين الله. أجدني وجعاً، ثم جاءه يوم الثالث ومعه ملك الموت فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ فقال: أجدني يا أمين الله وجعاً. من هذا معك؟ قال: هذا ملك الموت، وهذا آخر عهدي بالدنيا وآخر عهدك بها، ولن آسى على هالك من ولد آدم من بعدك. ولن أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبداً. فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء. فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول: اللهم، أعني على سكرة الموت. وعن عائشة قالت: كان جبريل يأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجعه كليوم وليلة، فيسلم عليه ويقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك يامحمد؟ - وهو أعم بالذي تجد منك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً، وإن يتمم كرامتك وشرفك على الخلق وأن يكون سنة في أمتك - فيحدثه بقدر الذي يجدمن شدة أو رخاء. فإذا قال: أجدني شاكياً قال جبريل: يامحمد، إن الله لم يشدد عليك أن يكون من خلقه أحد هو أكرم عليه منك، ولكن أحب أن تدعوه وتضرع إليه ولا تكف عن ذلك حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة علىالخلق. سلي إلى ابن أبي قحافةو ابنه، فلا يطمع في الأمر طامع ثم قال: كلا يدفع الله ويدفع بالمؤمنين. قال موسى بن يعقوب: أنه يعني بقوله: وابنه: عبد الرحمن. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ على نفسه بالمعوذات. فلما مرض وثقل كنت أقرأ بهما في يديه، وأمسح بها جسده، ألتمس بذلك بركة يديه، فدخلت عليه في مرضه أم البشير بن البراء بن معرور فقالت: يا رسول الله، ما وجدت مثل هذه الحمىالتي عليك على أحد، فقال: إنا يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر. ما يقول الناس؟ قالت: يقولون يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات الجنب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كان الله ليسلطها على رسوله، إنها همزة من الشيطان. ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وأبيك بخيبرمن الشاة. كان نصيبي منها عداد مرةٍ بعد مرة. فكان هذا أوان انقطع أبهري فمات رسول اللهم شهيداً. وعن أبي هريرة أن جبريل أتى النبي في مرضه الذي قبض فيه فقال: إن الله غز وجل يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعاً يا أمين الله. ثم جاءه من الغد فقال: يا محمد، إن الله يقرأك السلام ويقول: كيف تجدك قال: يا أمين الله. أجدني وجعاً، ثم جاءه يوم الثالث ومعه ملك الموت فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ فقال: أجدني يا أمين الله وجعاً. من هذا معك؟ قال: هذا ملك الموت، وهذا آخر عهدي بالدنيا وآخر عهدك بها، ولن آسى على هالك من ولد آدم من بعدك. ولن أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبداً. فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء. فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول: اللهم، أعني على سكرة الموت. وعن عائشة قالت: كان جبريل يأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجعه كليوم وليلة، فيسلم عليه ويقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك يامحمد؟ - وهو أعم بالذي تجد منك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً، وإن يتمم كرامتك وشرفك على الخلق وأن يكون سنة في أمتك - فيحدثه بقدر الذي يجدمن شدة أو رخاء. فإذا قال: أجدني شاكياً قال جبريل: يامحمد، إن الله لم يشدد عليك أن يكون من خلقه أحد هو أكرم عليه منك، ولكن أحب أن تدعوه وتضرع إليه ولا تكف عن ذلك حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة على

الخلق. وإذا قال: أجدني مريحاً قال: أحمد الله وأشكره. فإن ربك يحب أن يحمد ويشكر، ليزيدك إلى ما أعطاك. وعن عائشة قالت: إن مما أنعم الله علي به أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض في بيتي ويومي وبين سحري ونحري، وجمع الله بين ريقي وريقه عند الموت: دخل علي أخي عبد الرحمن وأنا مسند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صدري وبيده سواك، فجعل ينظر إليه، وكنت أعلم أنه يعجبه السواك ويؤلفه فقلت آخذه لك؟ فأومأ برأسه أن نعم. فناولته إياه، فأدخله في فيه. فاشتد عليه فتناولته وقلت ألينه لك؟ فأومأ برأسه أن نعم فلينته له فأمره، وبين يديه ركوة - أو قالت علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده فيها ويمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده - وشار أين أبني حسين - بأصبعه يقول الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى حتى فبض ومالت يده. وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأسه بين ثديي ونحري فسمعته يقول: أف من كرب الموت. أف من غم الموت، ورأيته يدخل يده في الركوة وينضح على وجهه الماء. قال: قلت: يا نبي الله، تقول كذا وأنت نبي الله! فلم يزل يرددها حتى قبض. وعن عائشة قالت: حتى إذا كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأو منه في أول النهار خفة، فتقرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستشبرين، وأخلوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنساء. فبينا نحن على ذلك، لم نكن على مثل حالنا في الرجاء والهزج قبل ذلك، قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخرجن عني هذا الملك يستأذن علي، فخرج من في البيت غيري ورأسه في حجري، فجلس وتنحيت في ناحية البيت فناجى الملك طويلاً، ثم إنه دعاني فأعاد رأسه في حجري وقال للنسوة: ادخلن فقلت: ما هذا بحس جبريل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجل يا عائشة. هذا

ملك الموت جاءني فقال: إن الله عز وجل أرسلني إليك وأمرني ألا أدخل عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي أرجع، وإن أذنت لي دخلت، وأمر ألا اقبضك حتلى تأمرني، فمرني أمرك. فقلت أكفف عني حتى يأتني جبريل فهذه ساعة جبريل فخرج. فاستقبلنا بأمر لم يكن عندنا جواب ولا رأي فوجمنا وكأنما ضربنا بصاخة ما نحير إليه شيئأً، ولا يتكلم أحد من أهل البيت إعظاماً لذلك الأمرو هيبة ملأت أجوافنا. قالت عائشة: وجاء جبريل في ساعة فسلم، فعرفنا حسه، فخرج أهل البيت فدخل فقال: إن. الله عز وجل يقرأك عليك السلام يا محمد ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك. ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً، وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق، وأن تكون سنة في أمتك: فقال: أجدني وجعاً فقال: أبشر فإن الله أراد أن يبلغك ما أعد لك، قال: يا جبريل، إن ملك الموت ليستأذن علي وأخبره الخبر. فقال جبريل: يا محمد، إن ربك إليك مشتاق. أعلمك الذي يريد بك. لا والله ما استأذن ملك الموت على أحد قط ولااستأذن عليه أبداًإلا أن ربك متتم شرفك وهو إليك مشتاق. قال: فلا تبرح إذاً حتى يجيء، واذن للنساء فقال: ادني يا فاطمة، فأكبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها بأربع، وما تطيق الكلام، ثم قال: ادني مني رأسك، فأكبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وهي تضحك وما تطيق الكلام. فكان الذي رأينا منها عجباً، فسألناها بعد فقالت: أخبرني أنه قال: إني ميت اليوم فبكيت، ثم قال: إني دعوت الله أن يلحقك بي في أول أهلي وأن يجعلك معي، وادنت ابنيها منه فشمهما. وفي حديث آخر عن عائشة قالت: وخرج جبريل عليه السلام وقال: عليك السلام يا رسول الله. هذا آخر ما أنزل فيه إلى الأرض أبداً، طوي الوحي وطويت الدنيا، وما كانت لي في الأرض حاجة غيرك، ومالي قيها حاجة غيرك إلا حضورك ثم لزوم موقفي، ولا والذي بعث محمداً بالحق ما في البيت أحد يستطيع أن يحير إليه في ذلك كلمة ولا يبعث إلى أحد من رجاله أعظم ما يسمع من حديثه ووجدنا وإشفاقنا.

وعن محمد بن عمرو الواقدي قال: قالوا ولما كان قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاثة أيام هبط إليه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراماًو تفضيلاً لك وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، فلما كان الغد أتاه جبريل فقال: يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصةً لك، أسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل ومعه ملك الموت، فهبط معهما ملك يكون في الهواء يقال له اسماعيل على سبعين ألف ملك، ليس منهم ملك إلا على سبعين ألف ملك فسبقهم جبريل فقال: يا محمد، إن الله أرسلني إليك وخاصة إليك إكراماً لك وتفضيلاً لك وخاصة لك. أسألك عما هو أعلم به منك: فكيف تجدك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً. واستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل: يا محمد، هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ائذن له فأذن له جبريل، فأقبل من حيث وقف بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إن الله أرسلني إليك. وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها، وإن كرهت تركتها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم بذلك أمرت أن أطيعك فيما أمرتني فقال جبريل: يا محمد، إن الله قد اشتاق إلى لقائك فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يا ملك الموت امض لما أمرت به فقال جبريل: هذا آخر موطئي في الأرض، إنما كانت حاجتي في الدنيا، فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاءت التعزية - جاءت تسمع حسه، ولا ترى شخصه - فقالت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله. " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفاً من كل هالك. ودركاً من كل ما فات، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، إنما المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله، فقال علي: أتدرون من هذا؟ قالوا: لا، قال: هذا الخضر عليه السلام.

وفي حديث آخر: إنهم سمعوا التعزية مرتين فقال أبو بكر: هذا الخضرو اليسع، حضرا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عائشة قالت: قمت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أضع رأسه بين يدي، وأمسكت بصدره، وجعل يغمى عليه حتى يغلب، وجبهته ترشح عرقاً ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق، وما وجدت رائحة شيء قط أطيب منه، فكنت أقول له إذا أفاق: بأبي وأمي ونفسي وأهلي ما تلقى جبهتك من الرشح فقال: يا عائشة، إن نفس المؤمن تخرج بالرشح والكافر تخرج من شدقه كنفس الحمار، فعند ذلك ارتبنا وبعثنا إلى أهلينا، فكان أول رجل جاءنا ولم يشهده، أخي، بعثته إلى أبي فمات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يجيئنا أحد، وإنما صدهم الله عنه لأنه ولاه جبريل وميكائيل صلى الله عليهما. قال أنس بن مالك: دخلت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أغمي عليه فقالت: واكرباه لكربك يا أبتاه. قال: فرفع رأسه ونظر إليها وقال: يا بنية، لا كرب على أبيك بعد اليوم، لقد حضر من أبيك ما ليس الله بمؤخر عنه أحداً لموافاة يوم القيامة. قال: ثم أغمي عليه، فأتاه آت فقال: السلام عليك أأدخل؟ فقال من حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كنت من المهاجرين أو من الأنصار فارجع فإن رسول الله عنك مشغول، فرفع رأسه فقال: من تطردون؟ تطردون داعي ربي عز وجل، ادخل يا ملك الموت. قال: وكان أمر ألا يدخل عليه إلا باذن فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت أقبض روحك. قال: جئت تقبض روحي؟ ولم ألق حبيبي يا ملك الموت؟ انظرني حتى ألق حبيبي جبريل: قال: ذلك لك يا محمد. قال: وكان أمره بذلك. فخرج ملك الموت، فلقيه جبريل فقال: إين يا ملك الموت، قال: إنه سألني ألا أقبض روحه حتى يلقاك. قال: يا ملك الموت، أما ترى أبواب السماوات قد فتحت لجيئة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما ترى أبواب الجنان قد فتحت لجيئة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما ترى الملائكة قد نزلوا لجيئة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فأقبلا جميعاً حتى دخلا عليه، فسلما فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، ما بد من الموت؟ قال:

يا محمد " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت " قال: يا جبريل فمن لأمتي؟ قال: يا محمد " كل نفس ذائقة الموت وإنما نوفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " قال: فقبضه ملك الموت، وإن رأسه لفي حجر جبريل عليه السلام. فلما قبضه قالت فاطمة: واأبتاه، إلى جبريل ننعاه، من ربه أدناه، أهل السموات بالبشرى تلقاه، والرسل به تحظى وفي الجنان مأواه. ثم إنها قعدت فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم إنا لله وإنا إليه راجعون. انقطع الخبر من السماء، وما جبريل بنازل علينا أبداً أبداً. وروى أبو سعيد بن عبد الله عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزداد ثقلاً أطافوا بالمسجد، فدخل العباس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل عليه علي فأخبره بمثل ذلك فمد يده وقال: ها فتناوله فقال: ما يقولون؟ قالوا: يقولون: نخشى أن يموت، وتصايح نساؤهم لإجتماع رجالهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج متوكئاً على علي والفضل، والعباس أمامه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوب الرأس يحط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثاب الناس إليه. فحمد الله واثنى عليه.: فأقبلا جميعاً حتى دخلا عليه، فسلما فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، ما بد من الموت؟ قال: يا محمد " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت " قال: يا جبريل فمن لأمتي؟ قال: يا محمد " كل نفس ذائقة الموت وإنما نوفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " قال: فقبضه ملك الموت، وإن رأسه لفي حجر جبريل عليه السلام. فلما قبضه قالت فاطمة: واأبتاه، إلى جبريل ننعاه، من ربه أدناه، أهل السموات بالبشرى تلقاه، والرسل به تحظى وفي الجنان مأواه. ثم إنها قعدت فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم إنا لله وإنا إليه راجعون. انقطع الخبر من السماء، وما جبريل بنازل علينا أبداً أبداً. وروى أبو سعيد بن عبد الله عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزداد ثقلاً أطافوا بالمسجد، فدخل العباس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل عليه علي فأخبره بمثل ذلك فمد يده وقال: ها فتناوله فقال: ما يقولون؟ قالوا: يقولون: نخشى أن يموت، وتصايح نساؤهم لإجتماع رجالهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج متوكئاً على علي والفضل، والعباس أمامه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوب الرأس يحط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثاب الناس إليه. فحمد الله واثنى عليه. وقال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون علي الموت، كأنه استنكار منكم للموت، وما تنكرون من موت نبيكم ألم أنع إليكم؟ وينعى لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي فيمن بعث إليه؟ فأخلد فيكم؟ ألا أني لاحق بربي وإنكم لاحقون به. وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً وأوصي المهاجرين فيما بينكم فإن الله تعالى يقول: " والعصر إن الأنسان لفي خسر " إلى آخرها - وإن الأمور تجري بأمر الله. فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله، فإن الله لا يعجل لعجله أحد. ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعه " فهل عسيتم إن

توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " أوصيكم بالأنصار خيراً، فإنهم الذين تبوؤا الدار والإيمان؟ من قبلكم أن يحسنوا إليكم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسكم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. ألا ولا تستأثروا عليهم. ألا وإني فرط لكم وأنت لاحقون بي. ألا وإن موعدكم الحوض. حوض أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن يصب فيه ميزاب الكعبة ماء أشد بياضاً من اللبن وألين من الزبد، وأحلى من الشهد. من شرب منه لم يظمأ أبداً، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غداً حرم الخير كله ألا فمن أحب أن يرده علي عداً فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي. فقال العباس: يا بني الله أوص بقريش، فقال: إني إنما أوصي بهذا الأمر قريشاً، الناس تبع لقريش برهم لبرهم، وفاجرهم لفاجرهم، فاستوصوا آل قريش بالناس خيراً. يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، فإذا بر الناس برهم أئمتهم، وإذا فجر الناس عقوهم. قال الله تعالى: " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون " وعن عائشة قالت: فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باباً بينه وبين الناس - أو كشف ستراً - فرأى أبو بكر والناس يصلون خلفه، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجا أن يخلفه فيهم بالذي رأى فيهم فقال: أيها الناس أيما أحد من أمتي أصيب من المؤمنين بمصيبة من بعدي فليتعز ببمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بعدي، فإن أحداً من أمتي لم يصب كمصيبته بي. وعن أنس بن مالك في حديث قال: فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفناه، قال: قال أنس: مرت بفاطمة. قال: فقالت: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التراب؟ وعن أنس قال: لما مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضه الذي مات فيه أتاه بلال، فأذن بالصلاة فقال:

يا بلال قد بلغت فمن شاء فليصل ومن شاء فليدع. قال: يا رسول الله، فمن يصلي بالناس. قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فلما تقدم أبو بكر رفعت الستور عن رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظرنا إليه كأنه صفيحة بيضاء عليه خميصة سوداء، فظن أبو بكر أنه يريد الخروج فتأخر، فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن صل مكانك، فصلى أبو بكر، وما رأينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات من يومه. وفي حديث آخر عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم الإثنين كشف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستر الحجرة، فرأى أبا بكر وهو يصلي بالناس. قال: فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، وهو يبتسم فكدنا أن نفتتن في صلاتنا فرحاًبرؤية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فأراد أبو بكر أن ينكص، قال: فأشار إليه أن كما أنت، ثم أرخى الستر فقبض من يومه، فقام عمر فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، ولكن ربه أرسل إله كما أرسل إلى موسى، فمكث عن قومه أربعين ليلة. والله أني لأرجو أن يعيش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون - أو قال: يقولون - إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات. وعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفي مرضه: أدعوا إلي أخي قال: فدعي له علي فقال: أدن مني فدنوت منه، فاستند إلي فلم يزل يستند إلي، وإنه ليكلمني حتى إن بعض ريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليصيبني، ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثقل في حجري فصحت يا عباس، أدركني فإني هالك. فجاء العباس، فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه. وعن عائشة أنها سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها يقول: اللهم أغفر لي، وارحمني وألحقني بالرفيق. وفي روايه: وألحقني بالرفيق الأعلى. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مرض إنسان من أهله مسحه بيده اليمنى ثم يقول أذهب

الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. قالت فلما ثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه أخذت يده، فجعلت أمسح بها وأقولها قال: فنزع يده مني وقال: رب أغفر لي وأحقني بالرفيق الأعلى. قالت: فكان هذا آخر ما سمعته من كلامه. وعن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس ومسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل وأكب عليه، فقبله وبكى. قال: بأبي أنت. والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أما الموتتة التي عليك فقد متها. وعن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس، وابى عمر أن يجلس فقال: اجلس، فأبى أن يجلس، فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ومن منكم ييعبد الله فإن الله حي لا يموت. غفر لي، وارحمني وألحقني بالرفيق. وفي روايه: وألحقني بالرفيق الأعلى. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مرض إنسان من أهله مسحه بيده اليمنى ثم يقول أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. قالت فلما ثقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه أخذت يده، فجعلت أمسح بها وأقولها قال: فنزع يده مني وقال: رب أغفر لي وأحقني بالرفيق الأعلى. قالت: فكان هذا آخر ما سمعته من كلامه. وعن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس ومسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل وأكب عليه، فقبله وبكى. قال: بأبي أنت. والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أما الموتتة التي عليك فقد متها. وعن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال: اجلس، وابى عمر أن يجلس فقال: اجلس، فأبى أن يجلس، فتشهد أبو بكر فمال الناس إليه وتركوا عمر فقال: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات. ومن منكم ييعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال تعالى " وما محمد إلا رسول خد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاًو سيجزي الله الشاكرين: " قال: والله لكأن الناس لو يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس كلهم، فما سمع بشر إلا يتلوها، قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها عقرت، حتى ما تلتقي رجلاي، فأهويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات. قال: وإن أبا بكر لما توفي دفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما حضر عمر بن الخطاب الموت أوصى قال: إذا أنا مت فأحملوني إلى بيت عائشة فقولوا لها: هذا عمر بن الخطاب يقرئك السلام ويقول: أدخل أم أخرج. قال: فسكتت ساعة ثم قالت: أدخلوه فدفنوه معه، أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره. قالت: فلما دفن عمر أخذت الجلباب

فتجلببت. قال: فقيل لها مالك والجلباب؟! قالت: كان هذا زوجي وهذا أبي فلما دفن عمر تجلببت. وفي حديث عائشة فاقتحم الناس حيث ارتفعت الرنة وسجى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الملائكة بثوبه، وكذب بعض بموته، وأحرج بعض فما تكلم، وأقعد البعض وخلط آخرون فلاثوا الكلام بغير بيان، وبقي آخرون ومعهم عقولهم وأقعد آخرون، فكان عمر بن الخطاب ممن كذب بموته، وعلي ممن أقعد، وو عثمان فيمن أخرس. فخرج من في البيت على الناس ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجىً فقالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت. ويرجعه الله عز وجل وليقطعن أيدي وأرجل رجال من المنافقين يتمنون لرسول الله الموت، إنما واعده ربه عز وجل كما واعد موسى وهو آتيكم. وتوفي يوم الإثنين لثنتي عشرة من ربيع الأول، وأما علي فأقعد ولم يبرح الباب، وأما عثمان فجعل لا يكلم أحداً، يؤخذ بيده فيجاء به، ويذهب به. وفي موضع آخر: لم يكن أحد من المسلمين في مثل جلد أبي بكر والعباس قال الله عز وجل " " وعن سالم بن عبيد، وكان من أصحاب الصفة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما اشتد مرضه أغمي عليه. فلما أفاق قال: مروا بلالاً فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، ثم أغمي عليه فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره. قال: إنكن صواحبات يوسف، مروا بلالاً فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس. فأرسل إلى بلال يؤذن، وأرسل إلى أبي بكر يصلي بالناس. قال: ثم أفاق فقال: أقيمت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال: ادعوا لي إنساناً أعتمد عليه، فجاءت بريرة وإنسان آخر فانطلقوا يمشون به وإن رجليه تحطان في الأرض قال: فاجلسوه إلى جنب أبي بكر، فذهب أبو بكر يتأخر فحبسه حتى فرغ الناس من الصلاة. فلما توفي قال: كانوا قوماً آمنين، لم يكن فيهم نبي قبله، فقال عمر: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. قال: فقالوا

لي اذهب إلى صاحب نبي الله فادعه، يعني أبا بكر. قال: فذهبت أمشي فوجدته في المسجد. قال: فأجهشت أبكي فقال: لعل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي. قلت: إن عمر قال: لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا. قال: فأخذ بساعدي، ثم أقبل يمشي حتى دخل، فأوسعوا له، فأكب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر بنفسه يخبره حتى استبان له أنه توفي، فقال: " إنك ميت وإنهم ميتون " قالوا: يا صاحب رسول الله، توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال: فعلموا أنه كما قال. قالوا: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل يصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال: يجيء نفر منكم فيكبرون، ويدعون، ويذهبون، حتى يفرغ الناس. قال: فعلموا أنه كما قال. قالوا: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل يدفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم. قالوا أين يدفن؟ قال: حيث قبض الله روحه، فإنه لم يقبض إلا في موضع طيب. قال: فعرفوا أنه كما قال. ثم قال: عندكم صاحبكم، ثم خرج فاجتمع إليه المهاجرون، أو من اجتمع إليه منهم فقال: انطلقوا إلى أخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً. قال: فذهبوا حتى أتوا الأنصار. قال: فإنهم ليتآمرون إذ قال رجل من الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وقال عمر: وأخذ بيد أبي بكر فقال: سيفان في غمد إذ لا يصطلحان ثم قال: من الذي له هذه الثلاثة " إذا هما في الغار إذ يقول لصاحبه " فمن صاحبه " لا تحزن إن الله معنا " مع من؟ قال: وبسط يد أبي بكر فضرب عليها، ثم قال الناس: بايعوا فبايع الناس أحسن بيعة. وفي حديث عكرمة توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين فحبس بقية يومه وليلته والغد، حتى دفن ليلة الثلاثاء. وقالوا إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، ولكنه عرج بروحه كما عرج بروح موسى. والله لا يموت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزبد شدقاه مما توعد ويقول، فقام العباس فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات، وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر. أي قوم، فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على الله من أن يميته إماتتين،

أيميت أحدكم إماتة ويموته اثنتين؟! هو أكرم على الله من ذلك. أي أقوم، فادفنوا صاحبكم، فإن يك كما تقولون فليس يعذب على الله أن ينجث عنه التراب. إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله ما مات حتى ترك السبيل مهجاً واضحاً، فأحل الحلال، وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم، ما كان راعي غنم يتبع بها صاحبها روؤس الجبال، يخبط عليها بعصاه بمخبطها ويمدر حوضها بيده بأدأب ولا أنصب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فيكم. أي قوم، فادفنوا صاحبكم. قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن، تبكين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: أي والله، ما أبكي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكن أبكي على خبر السماء انقطع. قال أنس: لما كان اليوم الذي أحل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة أضاء منها كل شيء. فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أظلم منها كل شيء. قال: وما نفضنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.

تاريخ وفاته والخلاف في قدر حياته

تاريخ وفاته والخلاف في قدر حياته عن محمد بن قيس قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين لليلتين مضتا من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة. وقال الواقدي: وقالوا: بدئ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر. وتوفي يوم الإثنين لأثنتي عشرة مضت من ربيع الأول. قال وهو للبث عندنا. ودفن ليلة الثلاثاء وقيل دفن ليلة الأربعاء. وعن الليث بن سعد قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول، في يوم الإثنين لليلة خلت منه. وقيل يوم الإثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة. وعن الفضل بن دكين قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين مستهل ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة. 0 وعن عائشة أنها قالت: ما علمنا يدفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء. وعن أنس بن مالك قال: نبئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة، فمكث بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشراً وتوفي وهو ابن ستين سنة. ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

وفي رواية عنه أيضاً بمثله ولا أنه قال: وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال: والمحفوظ عن ربيعة أنه مات وهو ابن ستين سنة. وعن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعمار أمتي كعمري إلا الأقل. فقيل لأنس بن مالك: فكم كان عمره؟ قال: اثنين وستين. وعن مكحول قال: ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين، وأوحي إليه يوم الإثنين، وهاجر يوم الإثنين، وتوفي يوم الإثنين لثنتين وستين سنة ونصفاً. وقيل وأشهر. وكان له قبل أن يوحى إليه ثنتان وأربعون سنة، واستخفى عشر سنين وهو يوحى إليه، ثم هاجر إلى المدينة، فمكث يقاتل عشر سنين ونصف. وكان يوحى إليه عشرين سنة ونصفاً ثم توفي. قال الهيثم: وتوفي فمكث ثلاثة أيام لا يدفن، فدخل الناس عليه رسلاً رسلاً يصلون عليه، والنساء مثل ذلك، وطهره أبنا عمه الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب. وكان يناولهم عباس الماء. وكفن في ثلاث رياط بيض يمانية. فلما كفن وطهر دخل الناس عليه في تلك الأيام الثلاثة يصلون عليه عصباً عصباً. تدخل العصبة فتصلي وتسلم. وقال الهيثم: يصلون عليه عصبا عصبا لا يصفون، فلا يصلي بين أيديهم مصل، حتى فرغ من يريد ذلك ثم دفن، فأنزله في القبر عباس وعلي والفضل. وقال عند ذلك رجل من الأنصار: أشركونا في موت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه قد أشركنا في حياته. فنزل معهم في القبر وولي ذلك معهم. وعن ابن عباس قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربعين سنة، فدعا الناس إلى الإسلام، ولم يؤذن له في القتال ثلاث عشرة سنة. وكانت الهجرة عشر سنين، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين. وفي رواية أخرى عنه قال: أنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، فمكث بمكة عشراً، وبالمدينة

عشراً وقبض وهو ابن ثلاث وستين. وعن معاوية قال: بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً وستين، وأبو بكر ثلاثاً وستين، وعمر ثلاثاً وستين، وأنا ثلاثاً وستين. وعن عائشة قالت: تذاكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر ميلادهما عندي، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بكر. وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين سنة، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاثة وستين. لسنتين ونصف التي عاش بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن الشعبي قال: قرن إسرافيل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، يسمع الصوت ولا يرى أحداً، ثم قرن ببه جبريل عشرين سنة، وذلك حين أوحي إليه، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشراً فقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: الثبت عندنا ثلاث وستون سنة. وعن الحسن قال: بعث وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشراً وبالمدينة ثماني. وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. وقيل: إنه بلغ خمساً وستين سنة. عن عمار مولى بني هاشم قال: سألت ابن عباس: كم أتى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات؟ قال: ما كنت أرى مثلك في قوم يخفى عليك ذلك! قال: قلت: إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه. قال: أتحسب؟ قلت نعم. قال: امسك أربعين بعث لها، وخمسة عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف، وعشراً مهاجره بالمدينة.

وعن ابن عباس أن رسول الله أقام بمكة خمس عشرة سنة: ثماني سنين أو سبع يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني سنين أو سبع يوحى إليه. وأقام بالمدينة عشراً. وعن سعيد بن جبير أن رجلاً أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشراً بمكة، وعشراً بالمدينةز فقال: من يقول ذلك؟ لقد أنزل عليه بمكة عشراً وخمساً. وستين وأكثر. مكة يأمن ويخاف، وعشراً مهاجره بالمدينة. وعن ابن عباس أن رسول الله أقام بمكة خمس عشرة سنة: ثماني سنين أو سبع يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني سنين أو سبع يوحى إليه. وأقام بالمدينة عشراً. وعن سعيد بن جبير أن رجلاً أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشراً بمكة، وعشراً بالمدينةز فقال: من يقول ذلك؟ لقد أنزل عليه بمكة عشراً وخمساً. وستين وأكثر.

ذكر من حضر غسله ومن غسله وما كفن فيه وصفة قبره

ذكر من حضر غسله ومن غسله وما كفن فيه وصفة قبره وعن ابن عباس قال: لما أجتمع القوم لغسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس في البيت إلا أهله: عمه العباس بن عبد المطلب، وعلي ابن عمه أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وأسامة بن زيد بن حارثة، وصالح مولاه. فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خوري الأنصاري، ثم أحد بني عوف بن الخزرج، وكان بدرياً - علي بن أبي طالب فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال له علي: أدخل، فدخل فحضر غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يل من غسله شيئاً. قال: فاسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء. وجهل علي يغسله ولم ير من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء مما يراه من الميت. وهو يقول: بأبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً. حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يغسل بالماء والسدر جففوه، ثم صنع فيه ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب: ثوبين أبيضين وثوب حبرة. قال: ثم دعا العباس رجلين فقال: ليذهب أحدكم إلى أبي عبيدة بن الجراح، وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة، وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة. قال: ثم قال العباس لهما: حين سرهما: اللهم خر لرسولك. قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن العباس قال: لما أخذنا في جهازه أمر أبي بالباب فغلق دون الناس، فنادت الأنصار: نحن أخوالك، ومكاننا من الإسلام مكاننا، وهو ابن أختنا، فنادت قريش نحن عصبته،

فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين، كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، فانطلقوا إلى العباس، فكلموه وكلمته الأنصار، فأدخلوا أوس بن خولي فكان في ناحية البيت. قال ابن العباس: فبينا هم يختلفون في غسله، وقد أحضروا الماء من بئر غرس، وأحضروا سدراً وكافوراً أرسل الله عليهم النوم، فما منهم رجل إلا واضع لحيته على صدره، وقائل يقول ما يدرى من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه. فغسل في القميص، وغسل الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور، وغسله علي والفضل بن عباس،، وكان الفضل رجلاً أيداً، فكان يقلبه شقران مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان العباس بن عبد المطلب بالباب. لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحيي أن أراه حاسراص. وفي رواية: وكات أوس بن خولي رجلاً شديداً بحمل جرة الماء بيده. وعن جابر بن عبد الله أن كعب الأحبار قدم زمن عمر فقال: ونحن جلوس عند عمر: يا أمير المؤمنين، ما كان آخر ما تكلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: سل علياً. قال: أين هو؟ قال: هو ها هنا، فسأله فقال علي: أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي فقال: الصلاة الصلاة، فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يقضون. قال: فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ قال: سل علياً: قال: فسأله فقال: كنت أنا أغسله، وكان عباس جالساً، وكان أسامة وشقران يختلفان إلي بالماء. وعن أبي غطفان قال: سالت ابن عباس: أرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو إلى صدر علي. قالت: فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري. فقال ابن عباس: أيعقل! والله لتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه لمسند إلى صدر علي، وهو الذي غسله، وأخي الفضل بن عباس وأبي أبى أن يحضر، وقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نستتر، فكان عند الستر.

قال علي عليه السلام: أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا يغسله غيري، فإنه لا يرى عورتي إلا طمست عيناه. قال علي: فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر، وهما معصوبان العين. قال علي: فما تناولت عضواً إلا كأنما يقليه معي ثلاثون رجلاً، حتى فرغت من غسله. وعن عائشة قالت: لما أدرادوا غسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: والله ماندري كيف نغسله: أنجرده من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وثيابه عليه؟ فبينا هم كذلك ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أغسلوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ثيابه، فقاموا إلى النبي فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء من فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. وعن عبد الله بن الحارث في حديثه قال: فغسله علي يدخل يده تحت القميص، والفضل يمد الثوب عليه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد علي خرقة يدخل يده وعليه القميص. قال عبد الله بن قيس: فما كنا نريد رفع عضواً منه إلا رفع لنا، حتى أنتهينا إلى عورته، فسمعنا من جابني البيت صوتاً: لا تكشفوا عن عورة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث العلباء بن أحمر قال: كان علي والفضل والعباس يغسلان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنودي: علي، ارفع طرفك إلى السماء. وفي حديث ابن عباس فتنبهوا لقائل يقول: لا يدرون من هو: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه فغسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قميصه. وعن محمد بن علي أبي جعفر قال: إن رسول الله غسل ثلاثا: بماء وسدر، وغسل من بئر يقال لها: بئر غرس، كانت

لسعد بن خثيمة، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب منها. وولي غسل سفلته علي، والفضل محتضنه والعباس يصب الماء إن شاء الله أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يتنزل. وكفن في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريين وبرد حبرة. وعن عمر بن الحكم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الئر بئر غرس، هي من عيون الجنة، وماؤها أطيب المياه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعذب له منها، وغسل من بئر غرس. وعن ماها ن الحنفي عن ابن عباس قال: قلت كيف كان غسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: ضرب عليه العباس كلة له من يمانيةصفاق، فصارت سنة هنا، وفي كثير من صالحي الناس، ثمن أذن لرجال من بني هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة، وسأله الأنصار أن يدخل لهم رجلاً، فأدخل أوس بن خولي ثم دخل العباس الكلة ودعا علياً والفضل وأبا سفيان وأسامة. فلما أجتمعوا في الكلة ألقي عليهم النعاس، وعلى من وراء الكلة في البيت حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره يغطّ، فناداهم مناد أن أنتبهوا وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان طاهراً. فقال العباس: ألا بلى. وقال أهل البيت؛ صدق فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو، وغشيهم النعاس ثانية فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ثيابه. فقال أهل البيت: ألا، لا، فقال العباس: ألا نعم. وفدكان العباس حين دخل قعد متربعاً، وأقعد علي متربعاً فتواجها وأقعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حجرهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهره. ثم أغسلوه، وأستروا، فبازوا عن الصفيح وأضجعاه، فغربا رجل الصفيح وشرقا رأسه، وثم أخذوا في غسله وما يريان أنه ينبغي لهما أن يأتيا على شيء إلا قلب لهما ورفع لهما، وعليه قميص ومجول مفتوح الشق، ولم يغسل

إلا بالماء القراح، وطيبوا بالكافور ثم اعتصر قميصه ومجوله، وحنطوا مساجده ومفاصله، ووضؤوا به ذراعيه ووجهه وكفيه ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله وجمروه عوداً ونداً، ثم أحتملوه حتىوضعوه على سريره وسجوه. وعن علي في حديث آخر قال: وإن معنا لخفيف في البيت كالريح الرخاء ويصوت بنا: ارفعوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنكم ستكفون. وعن علي رضي الله عنه قال: غسلت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً. ولي دفنه وإجنانه دون الناس أربع: علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل بن العباس، وصالح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وألحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحد ونصب عليه اللبن نصباً. وعن جابر قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في برد. قال جابر ذلك الثوب نمرة. وعن ابن عباس قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوبين سحوليين. أبيضين وذاد في رواية وبرد أحمر. وفي رواية عنه قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب: قميصه الذي مات فيه، وحلة حمراء نجراتية، وإزار. وعنه قال: كفن في حلة حمراء كان يلبسها وقميص. وعن علي قال: كفن في ثلاثة أثواب: ثوبيين سحوليين وبرد حبرة.

وعن أبي هريرة: كفن في ريطتين وبرد نجراني. وعن علي قال: كفن بسبعة أثواب. وعن ابن عمر قال: كفن في ثلاثة أثواب بيض سجي بها. وعن سالم عن أبيه أنه كفن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وبرد حبرة. وعن ابن عمر أنه كفن في ثلاثة أثواب. وعن جابر بن سمرة أنه كفن في ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة. على سريره وسجوه. وعن علي في حديث آخر قال: وإن معنا لخفيف في البيت كالريح الرخاء ويصوت بنا: ارفعوا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنكم ستكفون. وعن علي رضي الله عنه قال: غسلت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً. ولي دفنه وإجنانه دون الناس أربع: علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل بن العباس، وصالح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وألحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحد ونصب عليه اللبن نصباً. وعن جابر قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في برد. قال جابر ذلك الثوب نمرة. وعن ابن عباس قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوبين سحوليين. أبيضين وذاد في رواية وبرد أحمر. وفي رواية عنه قال: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب: قميصه الذي مات فيه، وحلة حمراء نجراتية، وإزار. وعنه قال: كفن في حلة حمراء كان يلبسها وقميص. وعن علي قال: كفن في ثلاثة أثواب: ثوبيين سحوليين وبرد حبرة. وعن أبي هريرة: كفن في ريطتين وبرد نجراني. وعن علي قال: كفن بسبعة أثواب. وعن ابن عمر قال: كفن في ثلاثة أثواب بيض سجي بها. وعن سالم عن أبيه أنه كفن في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وبرد حبرة. وعن ابن عمر أنه كفن في ثلاثة أثواب. وعن جابر بن سمرة أنه كفن في ثلاثة أثواب: قميص وإزار ولفافة. وعن عائشة قالت: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاثة أثواب أحدهما برد أحمر. قال الحافظ: ذكر البرد في رواية عائشة وهم، وكل من ذكر البرد في روايته إنما شبه عليه، فإنه كفن فيه ثم نزع عنه، وذلك بين فيما روي عن عائشة قالت: أدرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بمنة كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه، وكفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، فرفع عبد اللله الحلة فقال: أكفن فيها، ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكفن فيها؟ فتصدق بها. وقيل: كان لعبد الرحمن بن أبي بكر.

وفي رواية عن عائشة أنه كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية من ثياب اليمن. وعن عائشة قالت: كفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثلاث أثواب سحولية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فها إدراجاً. وعنها أنه كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض كرسف - يعني: قطن - ليس في كفنه قميص ولا عمامة. وفي رواية عنها: فقيل: إنهم يزعمون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفن في ثوب حبرة قالت: قد جاؤوا بثوب حبرة فلم يكفن فيه. وفي رواية عنها أنه كفن في ثلاثة رياط يمانية. وعن ابن إسحاق قال: رفعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون فقلت لهم: في كم كفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: في ثلاثة أثواب، ليس قيها قميص ولا قباء ولا عمامة فقلت: كم أسر منكم يوم بدر؟ قالوا: العباس ونوفل وعقيل. قال معاذ بن جبل: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة حتى مضى. وذلك آخر ما حض عليه وتكلم به الصلاة وصية الله ووصية الرسول احفظوا وصية الله ووصية الرسول يحببكم الله ويحببكم إلى خلقه. قال: ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جهزتموني فأمسكوا عني، فإن أول الخلق يصلي علي جبريل والملائكة بأسرها، ثم مسلم والجن والأنس، وصلوا علي أفواجاً، وليبدأ أفواجكم

العباس والإمام، ثم الأفواج على الولاء الأول فالأول فدخل العباس وبنوه وسائر بني هاشم وفيهم أبو بكر. فلما فرغ الرجال جاء النساء. فلما فرغن جاء الصبيان. فلم ير الناس بعد بصلاة النساء على الجنائز بأساً. وكان الآخرون من الأمور هو الناسخ الأول. وفي حديث عائشة: ثم سجوا عليه وادنوا الناس أرسالا وهو في البيت، فجعلوا يصلون عليه حوله على غير إمام، ثم يستغفرون ويصلون، ويسلم ون، ولا يعجلهم أحد، ويدخل قوم، ويخرج آخرون عامة يومه وليلته. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضوعاً على سريره من حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلى الناس عليه، وسريره على شفير قبره. فلما أرادوا أن يقبروه نحوا السرير قبل رجليه فأدخل من هناك. ودخل في حفرته العباس بن عبد المطلب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وعلي، وشقران. وعن ابن أبي عسيم قال: لما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: كيف نصلي - يعني - عليه؟ قال: ادخلوا من هذا الباب أرسالاً أرسالاً، ثم صلوا عليه، وأخرجوا من الباب الآخر. فلما وضع في لحده قال المغيرة ببن شعبة: إنه بقي شيء من قدميه لم يصلح. قال: فادحل فاصلحه. قال: فدخل فمس قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أهيلوا علي التراب فأهالوا عليه التراب، حتى بلغ أنصاف ساقيه ثم خرج فقال: أنا أحدثم عهداً برسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله. وعن سعيد بن المسيب أن المسلمين لما أرادوا الصلاة على نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتمع رأيهم على أنه الإمام ولا إمام عليه. فدخل أبو بكر فكبر عليه أربعاً، ثم دخل عمر فكبر عليه أربعاً، ثم دخل عثمان فكبر عليه أربعاً، ثم دخل طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام، ثم تتابع الناس أرسالاً، يكبرون عليه ولا إمام لهم عليه.

وقال ابن أبي حبيب: إن علي بن أبي طالب أشار عليهم بذلك فقبلوه من قوله. وفي حديث: فلما صلي عليه نادى عمر: خلوا الجنازة وأهلها. وفي حديث أبي حازم المدني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قبضه الله دخل المهاجرون فوجاً فوجاًيصلون عليه ويخرجون، ثم دخل الأنصار على مثل ذلك، ثم دخل أهل المدينة، حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء، فكان منهن صوت وجزع كبعض ما يكون منهن، فسمعن هدة في البيت، ففرقن فسكتن فإذا قائل يقول: في الله عزاء عن كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل ما فات، والمحبور من حبره الثواب، والمصاب من لم يحبره الثواب. قال موسى بن محمد بن ابراهيم بن الحارث التميمي، قال: وجدت هذا في صحيفة خط أبي فيها: لما كفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت، فسلم وا كما سلم أبو بكر وعمر، وصفوا صفوفاً لا يومئهم عليه أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل عليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه، وتمت كلماته، فأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا ياإلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه بنا فإن كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، لا نبغي بالإيمان بدلاً ولا نشتري به ثمناً أبداً فيقول الناس آمين آمين ثم يخرجون، ويدخل آخرون حتى صلوا عليه: الرجال ثم النساء ثم الصبيان. فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره. وعن علي قال: لما وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السرير قال علي: لا يقوم عليه أحد هو إمامكم حياً وميتاً، فكان يدخل الناس رسلاً رسلاً فيصلون عليه صفاً صفاً ليس لهم إمام، ويكبرون

وعلي قائم حيال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم أنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، اللهم فأجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه فيقول الناس: آمين، حتى صلوا عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. وعن ابن عباس قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وشقران مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب: يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: انزل فنزل مع القوم فكانوا خمسة. وقد كان شقران حين وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حفرته أخذ قطيفة قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر. وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك، فدفنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس: دخل قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي والفضل وأسامة، وقيل أنهم أدخلوا عبد الرحمن بن عوف. قال: فكأني أنظر إليهم في القبر أربعة. وقيل: هم العباس وعلي والفضل وعبد الرحمن. قال: وكان بعض الأخوال يدخل مع العمومة القبر. وقيل: هم العباس وعلي والفضل وقثم. وعن سعد أنه قال في مرضه: إذا أنا مت فألحدوا لي لحداً. وفي رواية: وانصبوا علي اللبن نصباً، قال: واصنعوا بي مثلما صنع برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر أنه لحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر ولعمر. تميمي، قال: وجدت هذا في صحيفة خط أبي فيها: لما كفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت، فسلم وا كما سلم أبو بكر وعمر، وصفوا صفوفاً لا يومئهم عليه أحد، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل عليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه، وتمت كلماته، فأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا ياإلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه بنا فإن كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، لا نبغي بالإيمان بدلاً ولا نشتري به ثمناً أبداً فيقول الناس آمين آمين ثم يخرجون، ويدخل آخرون حتى صلوا عليه: الرجال ثم النساء ثم الصبيان. فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره. وعن علي قال: لما وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السرير قال علي: لا يقوم عليه أحد هو إمامكم حياً وميتاً، فكان يدخل الناس رسلاً رسلاً فيصلون عليه صفاً صفاً ليس لهم إمام، ويكبرون وعلي قائم حيال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم أنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، اللهم فأجعلنا ممن يتبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه فيقول الناس: آمين، حتى صلوا عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. وعن ابن عباس قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس، وقثم بن العباس، وشقران مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب: يا علي أنشدك الله وحظنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: انزل فنزل مع القوم فكانوا خمسة. وقد كان شقران حين وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حفرته أخذ قطيفة قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر. وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك، فدفنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس: دخل قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي والفضل وأسامة، وقيل أنهم أدخلوا عبد الرحمن بن عوف. قال: فكأني أنظر إليهم في القبر أربعة. وقيل: هم العباس وعلي والفضل وعبد الرحمن. قال: وكان بعض الأخوال يدخل مع العمومة القبر. وقيل: هم العباس وعلي والفضل وقثم. وعن سعد أنه قال في مرضه: إذا أنا مت فألحدوا لي لحداً. وفي رواية: وانصبوا علي اللبن نصباً، قال: واصنعوا بي مثلما صنع برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر أنه لحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر ولعمر. وعن أبي طلحة قال: اختلفوا في الشق واللحد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال المهاجرون: شقوا كما يحفر أهل مكة.

وقالت الأنصار: ألحدوا كما نحفر بأرضنا، فلما أختلفوا في ذلك قالوا: اللهم خر لنبيك، وبعثوا إلى أبي عبيدة وإلى أبي طلحة فأيهما جاء قبل فليعمل عليه. قال: فجاء أبو طلحة فقال: والله إني لأرجو أن يكون الله قد خار لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إنه كان يرى اللحد فيعجبه. قال: وأختلفوا فقال قائل: بالبقيع فإنه كان يكثر الإستغفار لأهل البقيع وأصحابه، فادفنوه به، قال قائل: ادفنوه عند قبره، وقال قائل: ادفنوه في مصلاه، قال أبو بكر إن عندي فيما تختلفون فيه علماً: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض، فخط حول الفراش ثم حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفراش في ناحية البيت. وحفر أبو طلحة القبر، فانتهى به إلى أصل الجدار إلى القبلة وجعل رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يلي بابه الذي كان يخرج منه للصلاة. وعن الحسن قال: جعل في قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطيفة حمراء كان أصابها في يوم حنين. قال: جعلوها لأن المدينة أرض سبخة. وعن سليمان بن موسى قال: جعلوا في لحد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحته قطيفة بيضاء، كان يجعلها على رحله إذا سافر لتقيه سبخة المدينة، وبنوا عليه اللبن بنياناً كبناء القباب، حتى لحق البناء بجدار القبر. وعن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افرشوا لي قطيفتي في لحدي، فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء. قالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعنا صوت المساحي من جوف ليلة الأربعاء. وعن أم سلمة قالت: نحن نبكي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيوتنا، لم ننم ولم نسكن لرؤيته على السرير، فسمعنا صوت الكرازين في ليلة الثلاثاء. قالت أم سلمة: فصحنا فصاح أهل المسجد،

فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى فانتحب فزادنا حزناً، وعالج الناس الدخول إلى قبره. فغلق دونهم، فيا لها مصيبة. فما أصبت بعده بمصيبة إلا هانت علي إذا ذكرت مصيبتنا به عليه السلام. وعن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أماه أكشفي لي عن قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدماً. وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر رأسه عند رجل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أبو بكر رضي الله عنه، عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 0 وعن وردان وكان بنى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إمرة عمر بن عبد العزيز على المدينة. قال وردان: كان بيت عاشة سقط شقه الشرقي. قال: فدعيت فجئت إلى عمر بن عبد العزيز. قال وردان: فقلت له: إنا نخاف أن يغلبنا الناس على قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرت بالعمد فأتيت بها، وثم أمرت بالصياصي فجعلت سرادفاً عليه. فكان ذلك السرادق أول سرادق رؤي بالمدينة فسترت عليه. فلما أصبحنا قال لي عمر: ادخل يا وردان فدخلت وحدي وأبناء المهاجرين والأنصار والعرب يتناولون ما أخرج من التراب، حتى وصلت الجدار الذي كان فيه قدم عمر بن الخطاب. فلما رأيتها قلت: أيها الأمير هذه قدم قد بدت لي فارتاع لها وارتاع من معه من قريش والأنصار والعرب فقال له سالم: أيها الأمير لم ترع، هذه قدم أبي وأبيك عمر بن الخطاب. سمعت ابن عمر يقول: كان رجل طوالاً فضاق عنه اللحد فحفروا لقدميه في الجدار. فقال: غيبها رحمك الله يا وردان. قال وردان: فبنيت طاماً على قدميه. وعن محمد بن قيس قال: انهد الهائط الذي على قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأيت قبره مرتفعاً من الأرض، وقبر أبي بكر وعمر. فقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدم في القبلة. وقبر أبي بكر وراءه من قبل رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبر عمر وراء قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل رجليه بحذاء قبر أبي بكر. كأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمام وهما خلفه.

وعن سفيان التمار قال: رأيت قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبر أبي بكر وقبر عمر مسنمة. وعن مالك بن إسماعيل قال: - أظنه - مولى لآل الزبير قال: دخلت مع مصعب من الزبير البيت الذي فيه قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر فرأيت قبورهم مستطيلة. وعن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال: كان قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر مسنمة، عليها نقل. وقال القاسم بن محمد: اطلعت وأنا صغير على القبور فرأيت عليها حصباء حمراء. وعن موسى بن طلحة قال: كان قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبور أهل أحد مسنمة. وقد كانوا يجمهرون، وكان الجمهور من الناس يسنمون، ثم الذين يلونهم الذين يجمهرون. وكان يربع آخرون. وهم قليل.

ذكر موضع قبره واختلافهم في أمره

ذكر موضع قبره واختلافهم في أمره عن عائشة قالت: لما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله يقبض نبيه في أحب الأمكنة إليه. فدفنوه حيث قبض. وروت عمرة بنت عبد الرحمن عن أمهات المؤمنين: أن أبا بكر يوم توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف نصنع بكفنه؟ فاجتمع رأيهم على أن كفنوه في ثلاثة أثواب سحول ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيهن إدراجاً بعضهن على بعض ثم قالوا: أين ندفنه؟ قال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول: ما قبض الله نبياًإلا في خير الأرض فدفنه تحت فراشه ثم قالوا كيف نبني قبره نجعله مسجداً؟ قال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لعن الله اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالوا: كيف نحفر له؟ قال أبو بكر: إن من أهل المدينة رجل يلحد، ومن أهل مكة رجل يشق، اللهم فأطلع علينا أحبهما إليك أن يعمل لنبيك فإطلع أبو طلحة، وكان يلحد، فأمروه أن يلحد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دفن. وكان صلاتهم عليه أن يدخل عليه، فيصلون عشرة لا يؤمهم عليه أحد، ثم نصبوا عليه اللبن، وكان فيمن نصب عليه اللبن المغيرة بن شعبة، فلما قيل: اصعدوا اصعدوا. قال المغيرة: إن خاتمي في قبره سقط مني فاقتحم في القبر فنظر إلى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دخل تركه بين البنيان. وكان يقول: أنا أحدثكم عهداً بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال عبد العزيز بن أبي وراد: إنهم قالوا ندفنه في بقيع الغرقد: قال: يوشك عواذ يعوذون بقبره من عبيدكم

وإمائكم فلا تعاذون. قال: فقال قائل: ادفنوه في مسجده. ففقالوا وكيف وقد لعن قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟! قالوا: نحمله إلى حرم الله وأمنه ومولده ودار قومه. قال: كيف تفعلون ولم يعهد إليكم عهداً؟ فأشار عليهم أبو بكر بدفنه في موضع فراشه فقبلوا ذلك من رأيه. وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: أن علي عليه السلام غسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس يصب الماء، والفضل بن عباس ينقل الماء، وأسامة وشقران يجيفان الباب. فلما فرغوا قال العباس - لحزنه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أدفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التراب. ولكن أعد له صندوقاً فأجعله في بيتي، فإذا كربني أمر نظرت إليه. فقال علي للعباس: يا عم مارأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدفن أولاده؟ قال: ثم تلا هذه الآية: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " ثم تلا " ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً " فبينما هم كذلك إذ هتف بهم هاتف من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت " كل نفس ذائقة الموت " و" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " فقال علي للعباس: اصبر يا عم، فقد ترى ما وعد الله عز وجل على لسان نبيه. فقال العباس: يا علي فأين سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يكون قبور الأنبياء؟ قال: في موضع فرشهم. قال: فكفنوه في قميصين أحدهما أرق من الآخر، وصلى عليه العباس وعلي صفاً واحداً. وكبر عليه العباس خمساً، ودفنوه. وعن عائشة قالت: رأيت في حجرتي ثلاثة أقمار، فأتيت أبا بكر فقال: ما أولتها؟ قلت: أولتها ولداً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسكت أبو بكر حتى قبض النبي فأتاها. فقال: هذا خير أقمارك ذهب به، ثم كان أبو بكر وعمر. دفنوا جميعاً في بيتها

باب من زار قبره بعد وفاته كمن زار حضرته قبل وفاته

باب من زار قبره بعد وفاته كمن زار حضرته قبل وفاته عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حج بعد وفاتي وزار قبري كان كمن زارني في حياتي. وعن حاطب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي. ومن مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة من الآمنين. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جاءني زائرا لم تزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة. وعن علي بن أبي طالب قال: من سأل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدرجة الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة. ومن زار قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في جوار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلى علي عند قبري وكل الله بها ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته. وكنت له شهيداً وشفيعاً. وفي رواية: يوم القيامة.

وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلى علي عند قبري سمعته. ومن صلى علي نائياً عنه أبلغته، وفي رواية: من بعيد، أبلغته. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رآني في المنام كان كمن رآني في حياتي. ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو قال: شفيعاً. وعن علي عليه السلام عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تجعلوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي وسلم وا حيث ما كنتم، فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم. 0 وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله ملائكة يسبحون في الأرض يبلغوني صلاة من صلى علي من أمتي. وعن ابن عباس قال: ليس أحد من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي عليه صلاة إلا وهي تبلغه. يقول له الملك: فلان يصلي عليك كذا وكذا صلاة. وعن كعب الأحبار قال: ذكروا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند عائشة فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا هبط سبعون ألف ملك، يضربون القبر بأجنحتهم ويحفون به، ويستغفرون له، وأحسبه قال: ويصلون عليه حتى يسموا. فإن أمسوا عرجوا، وهبط سبعون ألف ملك، يضربون القبر بأجنحته ويحفون به، ويستغفرون له. قال: وأحسبه قال: ويصلون عليه حتى يصبحوا. فكذلك حتى تقوم الساعة، فإذا كان يوم القيامة خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعين ألف ملك. وفي رواية: يزفونه.

وعن سليم بن سحيم قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم قلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هؤلاء الذين يأتونك فيسلم ون عليك، اتفقه سلامهم؟ قال: نعم، وأرد عليهم. وعن محمد بن حرب قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي فزرته وجلست بحذائه، فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا آخر الرسل، أن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: " ولوأنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا لله واستغفر لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدوا الله تواباً رحيماً وإني جئتك مستغفراً ربك من ذنوبي، مستشفعاً فيها بك، ثم بكى وأنشأ يقول: من البسيط يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف. فرقدت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومي وهو يقول: الحق الرجل فبشره بأن الله قد غفر له بشفاعتي. فاستيقظت فخرجت أطلبه، فلم أجده.

ذكر كيفية الصلاة عليه

ذكر كيفية الصلاة عليه عن ابن مسعود الأنصار يقال: أتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قولوا: اللهم صل على

محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين. إنك حميد مجيد. والسلام كما قد علمتم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يكتال بالميكال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد وأمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: بلى. قال: فأهداها لي قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله قد علمنا كيف نسلم؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد. وعن كعب بن عجرة قال: لما نزلت " إن لله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم وا تسليما " فسألنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة عليه فقال: يعني: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إن: حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد قال: ونحن نقول: وعلينا معهم. وعن بريدة الأسلمي قال: قلنا: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أخبرنا كيف نصلي عليك0 فقد علمتنا كيف نسلم عليك. قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم. إنك حميد مجيد. وعن علي قال: من صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهؤلاء الكلمات فقد صلى عليه بصلاة جميع الخلائق. قال: يقول: صلوات الله وملائكته وأنبياءه ورسله وجميع خلقه على محمد وعلى آل محمد وعليه وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته. قال: من صلى عليه بهن كل يوم ثلاث مرات، ويوم الجمعة مئة مرة حشر يوم القيامة زمرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده حتى يدخله الجنة. وعن سلامة الكندي قال: كان علي يعلمنا الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم داحي المدوحات وبارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطراتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على محمد عبدك ورسولك، الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن للحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل كما حمل، فاضطلع بأمرك لطاعته، مستوفزا في مرضاتك لغير نكل في قدم، ولا وهي في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضبا على نفاذ أمرك حتى أورى قبسا لقابس آلاء الله، يصل بأهله أسبابه به، فهديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم موضحات الأعلام، ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة. اللهم أفسح له

مفسحا في علاك أو عدنك، أو أجزه مضاعفات الخير من فضلك له، مهنئات غير مكدرات، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائك المغلول، اللهم أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم مثواه لديك 0 ونزله، وأتم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخطبة فصل، وبرهان عظيم. وعن عبد الله بن مسعود: إذا صليتم على رسول الله فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. فقالوا: علمنا. قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وولد الخير، ورسول الرحمة. اللهم ابعثه مقاما محمودا، يغبطه به الأولون والآخرون. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. د مجيد.

ذكر ما أعده الله من الثواب لمن صلى عليه

ذكر ما أعده الله من الثواب لمن صلى عليه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي واحدة. صلى الله عليه عشراً. وعن أنس بن مالك أن رسول الله قال من ذكرت عنده فليصل علي مئة. من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلي علي صلاة صلى الله عليه عشر صلوات. وحطت عنه عشر خيطات. ورفع له عشر درجات. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلوا علي، فإن الصلاة علي كفارة لكم، فمن صلى علي صلى الله عليه. وعن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رأيت أسر وجها ولا أشرق لونا منك اليوم. قال: وما يمنعني وإنما خرج جبريل من عندي آنفاً؟ قال: يا محمد، من صلى عليك صلاة واحدة كتبت له بها عشر حسنات ورد عليه مثل ما صلى عليك. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال: من صلى عليك صلاة واحدة صلى الله عليه عشراً ورفعه عشر درجات. و

عن أبي طلحة الأنصاري قال: دخلت على رسول الله. فعرفت البشر في وجهه فقلت له: يا أبي أنت وأمي يا رسول الله، ما رأيتك قط أحسن بشراً منك اليوم. قال: وما يمنعني وهذا الملك بعثه الله آنفاً إلي وأؤمأ بيده يقول لي يا محمد، أما يرضيك ألا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشراً، ولا سلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت أنا وملائكتي عليه عشراً؟ وعن أبي طلحة قال: دخلت على النبي وأسارير وجهه تبرق فقلت: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رأيتك أطيب نفساً ولا أظهر بشراً منك في يومنا هذا، فقال: ومالي لا تطيب نفسي ويظهر بشري وإنما فارقني جبريل الساعة وقال: يا محمد، من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحى عنه عشر سييآت، ورفعه عشر درجات، وقال له الملك مثلما قال: لك. قال: يا جبريل، وما ذاك الملك؟ قال: إن الله عز وجل وكل بك ملكاً من لدن خلقك إلى أن يبعثك لا يصلي عليك أحد إلا قال: وأنت صلى الله عليك. وفي رواية: ورد الله عليه مثل قوله. وعرضت علي يوم القيامة. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي في كل يوم جمعة أربعين مرة محى الله عنه ذنوب أربعين سنة ومن صلى علي مرة واحدة فتقبلت منه محى الله عنه ذنوب ثمانين سنة. ومن قرأ " قل هو الله أحد " أربعين مرة حتى يختم السورة بنى الله منارا في جسر جهنم حتى يجاوز الجسر. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي صلاة تعظيماً لحقي جعل الله له من تلك الكلمة ملكاً، جناح له في المشرق وجناح له في المغرب، ورجلاه في تخوم الأرض وعنقه ملوى تحت العرش يقول الله له: صل الله على عبدي كما صلى على نبيي فيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيصلي عليه إلى يوم القيامة.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: يا أيها الناس، إنا أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي في دار الدنيا صلاة، إنه قد كان في الله وملائكته كفاية. إن الله قال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم وا تسليما " خص بذلك المؤمنين ليثبتهم عليه. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من صلى علي كنت شفيعه يوم القيامة. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كتب عني علماً، وكتب معه صلاة علي لم يزل في أجر ما قرئ ذلك الكتاب. وعن علي بن أبي طالب عن أبي بكر أنه قال: الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمحق للذنوب من الماء للنار، والسلام على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من عتق الرقاب. والزكاة على النبي أفضل من مهج الأنفس في سبيل الله عز وجل، وحب رسول الله أفضل من ضرب البيد في سبيل الله عز وجل. وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يفارق رسول الله منا خمسة أو أربعة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ينويه من الخروج بالليل والنهار. قال: فجئته وقد خرج، فاتبعته فدخل حائطاً من حيطان الأشراف، فصلى فسجد، فأطال السجود. قلت: قبض الله روحه. قال: فرفع رأسه فدعاني فقال: ما لك؟ فقلت: يا رسول الله، أطلت السجود، قلت: قبض الله روح رسوله، لا أراه أبداً. قال: سجدت شكراً لربي فيما أبلاني من أمتي: من صلى علي صلاة من أمتي كتب الله له عشر حسنات، ومحى عنه عشر سيآت وفي حديث آخر بمعناه: من صلى علي منهم صلاة كتبت له بغير حساب.

وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً وفي وجهه السرور فقال: إن جبريل عليه السلام جاءني فقال: ألا أبشرك يا محمد بما أعطلك الله من أمتك وما أعطى أمتك منك: من صلى عليك منهم صلاة صلى الله عليه، ومن سلم عليك سلم الله عليه. وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أولاكم بي يوم القيامة أكثركم علي صلاة وعن عامر بن ربيعة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته، فليكثر عبد أو ليقل. وعن ابن عباس قال: ليس أحد من أمة محمد يصلي علي صلاة إلا وهي تبلعه. يقول له الملك: فلان يصلي عليك كذا وكذا صلاة وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له مادام اسمي في ذلك الكتاب. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا من الصلاة علي فإنها لكم زكاة، وإذا سألتم الله فسلوه الوسيلة، فإنها أرفع درجة في الجنة، وهي لرجل، وأنا أرجو أن أكون. وعن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: قالوا: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما معنى قول الله عز وجل: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم وا تسليما " فقال: إن هذا من المكتوم،

ولولا أنكم سألتموني ما أخبرتم، إن الله وكل بي ملكين، فلا أذكر عند عبد فيصلي علي إلا قال الملكان: غفر الله لك. وقال الله عز وجل؛ وملائكته جواباً للملكين: آمين. ولا أذكر عند عبد فلا يصلي علي إلا قال الملكان: لا غفر الله لك. وقال الله عز وجل وملائكته جواباً للملكين: آمين. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي. فإن من صلى - يعني: علي - صلاة من صلىالله عليه عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة. وعنه قال: من صلى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة، فليقل من ذلك أو ليكثر. وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله أعطاني ملك من الملائكة يقوم على قبري إذا أنا مت، فلا يصلي علي عبد صلاة إلا قال: يا حمد، فلان بن فلان يصلي عليك، يسميه باسمه واسم أبيه، فيصلي الله عليه مكانها عشراً. وفي رواية أن الله عز وجل أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلق، فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، لا يصلي علي أحد صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه. وقال: يا حمد، صلى عليك فلان بن فلان، وكفل لي الرب أن أرد عليه بكل صلاة عشراً. وفي رواية فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تجعلوني كقدح الراكب. قال: قيل: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما قدح الراكب؟ قال: الراكب يملأ قدحه، فإذا أراد أن يشرب منه شرب، وإن أراد أن يتوضأ توضأ منه وإلا

أهراقه. اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره. وعن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلى على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم، أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي. قال محمد بن المكرم: جامع هذا المختار هذا جدنا الذي ننتسب إليه رحمه الله. وعن مصعب بن عمير الأنصاري عن أبيه وكان بدرياً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحى عنه بها عشر سييآت، وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاةً كان أقربهم مني منزلة. وعن أبي أمامة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذكرت عنده فلم يصل علي خطي به يوم القيامة من الجنة إلى النار. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يجلس قوم مجلساً لا يصلون فيه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا كان حسرة، وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من عبد صلى علي صلاة إلا عرج بها ملاك حتى يجئ بها وجه الرحمن فيقول: اذهبوا بها على قبر عبدي تستغفر لصاحبها وتقر بها عينه. وعن عائشة قال: زيينوا مجالكم بالصلاة على النبي.

وعن وهب بن منبهة قال: الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبادة. وعن الأصمعي قال: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم وا تسليما أثرة أثره الله بها من بين الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر. وروى الواحدي بسنده عن سهل بن محمد بن سليمان قال: هذا التشريف الذي شرف الله تعالى به نبينا يقول: " إن الله وملائكته يصلون على النبي " أبلغ وأتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود له، لأنه لا يجوز أن يكون لله تعالى مع الملائكة في ذلك التشريف، وقد أخبر تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عم الملائكة بالصلاة عليه. فتشريف صدر عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك. هـ تعالى مع الملائكة في ذلك التشريف، وقد أخبر تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عم الملائكة بالصلاة عليه. فتشريف صدر عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير جواز أن يكون الله معهم في ذلك. قال الواحدي: وهذا الذي قاله سهل منتزع من قول المهدي، ولعله رآه ونظر إليه فأخذه منه وشرحه وقابل ذلك بتشريف آدم فكان أبلغ وأتم منه. والله أعلم. /

من اسم أبيه على حرف الألف

من اسم أبيه على حرف الألف أحمد بن أحمد بن وركشين أحمد بن أحمد بن يزيد بن وركشين - ويقال بركشين بن يركزان، أبو حفص البلخي المؤدب المعروف بأخي الرز. سكن دمشق. روى عن الحسن بن عرفة بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر بين يديه النكاح والتزويج فقال: كل كفؤ، ما خلا حاكياً أو حجاماً. فقيل: يا رسول الله ما الحاكي؟ قال: المصور الذي يعمل الأصنام، فقيل: يا رسول الله، وما الحجام؟ قال: النمام وهو القتات. وروى عن حماد بن المؤمل بسنده عن ابن عباس قال: كانت امرأة من بني خطمة تهجو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحرض على أصحابه، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومضه فقال: ألا رجل يكفينا هذه؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله أكفيك. فأتاها، وكانت المرأة تمارة وهي في صفةٍ لها فقال لها: أعندك أجود من هذا التمر؟ قالت: نعم، فدخلت إلى بيت لها وانكبت لتأخذ شيئاً فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير

أحمد بن أبي أحمد الجرجاني

أحداً. فأخذ الإخوان، فجعل يضرب به رأسها حتى قتلها، ثم جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رآه قال: أفلح الوجه قال: قد قضيت حاجتك يا رسول الله. قال: أما إنه لا ينتطح فيها عنزان. قال: فأرسلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلاً، ولم يتمثل بها أحد قبله. مولده سامره، وأصله بلخ. وكان يؤذن في مسجد جامع دمشق، مات في سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن أبي أحمد الجرجاني أحمد بن أبي أحمد - واسم أبي أحمد: محمد - أبو محمد الجرجاني. سكن أطرابلس، وقدم دمشق وحدث بها. روى عن حماد بن خالد الخياط عن شيوخه عن حبيب بن مسلمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين: عربوا العربي وهجنوا الهجين، للفرس سهمان وللهجهين سهم. وروى عن إسماعيل بن علية عن شيوخه عن عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة. سكن حمص. وأحاديثه ليست بمستقيمة، كأنه يغلط فيها. أحمد بن أبّا أحمد بن أبا - ويقال محمد - أبو جعفر الكاتب. ولي خراج مصر للطولونية، ثم ولاه أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون إمرة دمشق، فقدمها، ونزل دار الإمارة بها، وكان أميرها سعد الأيسر غائباً عنها. وكان ابن أبا

أحمد بن إبراهيم بن حبيب البغدادي

حازماً ذا رأي، فلم يظهر ولايته خشية أن يحول سعد عن طاعة ابن طولون. فلما قدم سعد دمشق وخرج ابن أبا له عن القصر ثم أظهر ولايته. ذكر أبو الحسن بن القواس الوراق أن أحمد بن أبا وبدر الحمامي دخلا بلاد الروم مع العجيفي صاحب ابن طولون غزاة في رجب سنة ثمانين ومئتين حتى بلغوا بلقسون.؟ أحمد بن إبراهيم بن حبيب البغدادي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن حبيب - ويقال: ابن إبراهيم بن حبيب - بن عيسى، أبو الحسن الهمذاني البغدادي الزراد. ورد دمشق حاجاً سنة عشرين وثلاث مئة. روى عن طاهر بن الفضل بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بنو سامة مني وأنا منهم، وحيثما رأيتموهم ففضلوهم واعرفوا لهم حقهم.

أحمد بن إبراهيم بن الحداد الأسدي

قال الخطيب: أحمد بن إبراهيم بن حبيب بن عيسى أبو الحسن العطار، ويعرف بالزراد. كان يسكن باب المحول. ومات في سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. وقيل في شعبان منها. أحمد بن إبراهيم بن الحداد الأسدي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن عطية بن زياد بن مزيد بن بلال بن عبد الله البهي، مولى آل الزبير، أبو بكر بن الحداد الأسدي البغدادي. نزيل تنيس. سمع بدمشق وغيرها. روى أحمد بن إبراهيم بسنده عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تمسك بالسنة دخل الجنة، قلت: يا رسول الله، وما السنة؟ قال: حب أبيك وصاحبه يعني: عمر. قال الخطيب: أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن عطية بن زياد بن مزيد بن بلال بن عبد الله الأسدي، وعبد الله يعرف بالبهي، وهو الذي يروي عن عائشة. وكنية أحمد بن إبراهيم أبو بكر، ويعرف بابن الحداد. ولد بتنيس، ونشأ ببغداد وأبوه بغدادي، ونزل أبو بكر تنيس وحدث بها وبمصر. ومزيد جده بالزاي والياء المعجمة باثنتين من تحتها. مات أحمد بن إبراهيم الحداد بتنيس سنة أربع وخمسين يعني وثلاث مئة في صفر. وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومئتين. أحمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني الشاهد أحمد بن إبراهيم بن أحمد، أبو الحسن الأصبهاني الشاهد. سمع بدمشق. روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت العطار الدمشقي بسنده عن ابن عمر قال: قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العبد الآبق يؤخذ في الحرم بعشرة دراهم. أحمد بن إبراهيم الرازي المعروف بابن الحطاب أحمد بن إبراهيم بن أحمد، أبو العباس الرازي المعروف بابن الحطاب الفقيه الشافعي. قدم دمشق مع أبيه إبراهيم بن أحمد، وسمع بها.

أحمد بن إبراهيم بن أيوب أبو بكر الحوراني

روى بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. حدث محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: كان والدي في سكرة الموت يقول لي: يا أبا عبد الله، ما لي في الدنيا حسرة غير أني مشيت في ركاب الشيوخ، وترددت إلى مجالسهم، وسافرت إلى أماكنهم بالحجاز واليمن والشام وديار مصر وغيرها. وها أنا أموت ولم يؤخذ عني كل ما سمعته على الوجه الذي أردته. قال: وكان أبي من الثقات خيراً كثير المعروف. ذكر أنه حج سنة أربع عشرة، وأنه دخل اليمن وسمع بها، وقرأ القرآن بمكة ودمشق وغيرهما وانتقل إلى الإسكندرية في قحط مصر. وتوفي بها سنة إحدى وتسعين. قال الحافظ: قرأت بخط غيث بن علي بن عبد السلام الصوري: سألت شيخنا أبا العباس أحمد بن إبراهيم الرازي عن مولده فذكر أن له نيفاً وستين سنة. قال: وكان سؤالي إياه في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين باسكندرية. أحمد بن إبراهيم بن أيوب أبو بكر الحوراني روى عن عقبة بن مكرم بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشهر تسع وعشرون، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا. أحمد بن إبراهيم بن تمام بن حبان أبو بكر السكسكي الفقيه المقرىء قاضي بعلبك. روى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: أهدي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرة من عسلٍ. فلما صلى الظهر أو العصر قال لنا: على

أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد

أماكنكم، فألعق كل رجلٍ منا لعقةً. فلما أتى علي قال لي: يا جابر أزيدك؟ قلت: نعم، فألعقني أخرى، لصغري، قال: فما زال حتى أتى على آخر القوم. توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء ضحى نهار لثلاث عشرة ليلة من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة، ودفن في باب الفراديس بعد علة طويلة. أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد ابن شاذان بن حرب بن مهران، أبو بكر البزاز، والد أبي علي بن شاذان سمع بدمشق وبجبيل وبعرقة وبصور وبحمص وبالعراق. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك. قال علي بن المحسن القاضي: قال: سمعت أبا بكر بن شاذان يقول: ولدت لسبع عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين ومئتين. وقال أحمد بن محمد العتيقي: سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة فيها توفي أبو بكر بن شاذان لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال، ثقةٌ، مأمون، فاضل، كثير الكتب، صاحب أصولٍ حسان. قال أبو بكر الخطيب: أصله من دورق، سمع جماعة كثيرة سماهم وكان يجهز البز إلى مصر فسمع من شيوخها، وكتب عن الشاميين الذين أدركهم، وكان ثقة ثبتاً صحيح السماع كثير الحديث. قال أبو ذر عبد بن أحمد الهروي: ما رأيت ببغداد في الثقة مثل القواس وبعده ابن شاذان، فقال له وراقه: ولا

أحمد بن إبراهيم بن سعد الخير

الدارقطني؟ فقال: الدارقطني إمام ليس يعد منهم، قال: وكان ابن شاذان أوثق أصحابه وأحسنهم خلقاً، وكان يجيئه أهل الأدب من أولاد الكتاب يريدون أن يترفعوا علينا فيقول لهم: لست قاعداً بالأجرة أنا قاعد في داري أعمل ما أريد، هؤلاء الغرباء الفقراء قصدوني ولهم علي حق. قال الزهري: سمعت ابن شاذان يقول: جاؤوني بجزء عن الباغندي فيه سماعي في سنة تسعٍ أو عشرٍ وثلاث مئة، ولم يكن لي منه نسخةٌ فلم أحدث به. قال القاضي أبو القاسم التنوخي: سئل ابن شاذان: أسمعت من محمد بن محمد الباغندي شيئاً؟ فقال: لا أعلم أني سمعت منه شيئاً، ثم وجد سماعه من الباغندي فسألوه أن يحدث به فلم يفعل. أحمد بن إبراهيم بن سعد الخير ابن عثمان بن يحيى بن مسلمة بن عبد الله بن قرط، أبو عمر الأزدي روى عن عمه بسنده عن أبي هريرة قال: ما كان أحدٌ منا يقول على عهد عمر بن الخطاب: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سيل ظهره دماً أو يجيب على ما قال نبيه. قال الرازي: قدم جده عبد الله بن قرط على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرط، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت عبد الله بن قرط. وكانوا من أهل حمص فانتقلوا إلى دمشق. وله عم يقال له الخطاب بن سعد الخير وأبوه، لم يرو عنه غير أبي عمر. مات في شعبان سنة ثلاثين وثلاث مئة.

أحمد بن إبراهيم بن عبد الله القرشي

أحمد بن إبراهيم بن عبد الله القرشي روى عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك، يذهب بالحفر، وينزع البلغم، ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويذهب بالبخر، ويصلح المعدة، ويزيد في درجات الجنة، ويحمد الملائكة، ويرضي الرب، ويسخط الشيطان. أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بشير ابن عبد الله بن الحسن بن يزيد بن عبد الله أبو الطيب المعروف بابن عبادل الشيباني روى عن محمد بن عبد الله بن الحكم بسنده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعاً ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. عبادل هو عبد الوهاب بن بشير، أخو عبد الرحمن بن بشير الشيباني الذي روى عن محمد بن إسحاق كتاب المغازي. كانوا أهل بيت علم، وكان فيهم جماعة محدثين. ومات أحمد بن إبراهيم في رجب سنة ثلاثة وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن إبراهيم بن فيل أبو الحسن البالسي ثم الأنطاكي نزل أنطاكية. حدث بأنطاكية سنة أربع وثمانين ومئتين عن أبي توبة الربيع بن نافع بسنده عن أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تلقي الجلب. قال: فإن تلقاه متلقٍ فاشتراه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا وردت السوق.

أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله

وروى عن إسحاق بن سعيد بن الأركون بسنده عن أنس بن مالك. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها. وروى عن أبي توبة الربيع بن نافع أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل. وفيل: جده بفاء مكسوة وياء منقوطة باثنتين من تحتها. وتوفي أحمد بن إبراهيم بأنطاكية سنة أربع وثمانين ومئتين. أحمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطاة أبو عبد الملك القرشي البسري حدث عن أبيه وجده وجماعة. وروى عنه أبو عبد الرحمن النسائي في سننه وقال: لابأس به. وجماعة أيضاً رووا عنه. وكان ثقة. حدث عن موسى بن أيوب النصيبي بسنده عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. وحدث عن محمد بن عايذ بسنده عن مجاهد قال: خرجت إلى الغزو، أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر، فلما أراد فراقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكماه، ولكن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا استودع الله شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم أعمالكما. قال أبو عيسى الخولاني: أملى علينا أبو عبد الرحمن النسائي أسماء شيوخه الذين روى عنهم فقال: أحمد بن إبراهيم القرشي، دمشقي، لا بأس به.

أحمد بن إبراهيم بن محمد بن صالح

قال الهروي: في سنة تسع وثمانين ومئتين مات أبو عبد الملك القرشي. زاد غيره: يوم الخميس لسبع عشرة مضت من شوال. أحمد بن إبراهيم بن محمد بن صالح ابن سنان أبو جعفر بن أبي إسحاق القرشي مولى بني مخزوم حدث عن أبيه بسنده عن يحيى بن حمزة الحضرمي قاضي المهدي قال: كتب إلي المهدي بعهدي، وأمرني أن أصلب في الحكم وقال في كتابه إلي: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن العباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً قدر على أن ينصره فلم يفعل. وحدث عن أبيه أيضاً بإسناده إلى عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص قال: قيل للحجاج بن يوسف حين أجلى النبط من الأمصار إلى أصولهم: ما دعاك إلى إجلائهم؟ فقال: حدثني ثلاثة عشر رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما ازدادت النبط في الإسلام عزاً إلا ازداد الإسلام ذلاً. فذلك الذي دعاني إلى إجلائهم. أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن علي بن بندار بن عباد بن أيمن، أبو الحسين بن أبي إسحاق الدينوري حدث عن عثمان بن أبي بكر بن حمود السفاقسي بدمشق بسنده عن قيس بن عباد أنه انطلق إلى علي هو ورجل آخر يقال له الأشتر، فقالا: هل عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً لم يعهده إلى الناس عامة؟ فأخرج كتاباً من قراب سيفه فقال: لا، إلا هذا، فإذا فيه: المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ألا

أحمد بن إبراهيم بن موسى المصاحفي

ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ومن أحدث حدثاً فعلى نفسه أولى، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين. لا يقبل منه صرف ولا عدل. توفي في يوم الاثنين الثالث عشر من شعبان سنة ثلاث وخمس مئة بدمشق. أحمد بن إبراهيم بن موسى المصاحفي سمع ببيروت. حدث عن عمرو بن هاشم البيروتي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن لكل أمة يهوداً وإن يهود أمتي المرجئة. أحمد بن إبراهيم بن هشام بن ملاس ابن قسيم أبو عبد الله النميري، وقيل الغساني حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان ثلث الليل الباقي هبط الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يسألني فأعطيه، هل من مستغفر يستغفرني فأغفر له، هل من تائب يتوب فأتوب عليه؟. أحمد بن إبراهيم بن هشام بن يحيى ابن يحيى أبو حارثة الغساني سيد الشام. حدث عن أبيه عن جده عن أبي جده قال: كان عبد الملك كثيراً ما كان يجلس إلى أم الدرداء فوق المسجد بدمشق وهو خليفة

أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن داود

يجلس إليها إذ أتاه غلام قد بعثه في حاجة فحبس عليه فلعنه فقالت له أم الدرداء: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يدخل الجنة لعان. حارثة بحاء مهملة وبعد الراء ثاء معجمة بثلاث. أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن داود ابن سليمان بن أيوب بن سعيد بن سعد بن عبادة بن دحيم أبو الحسن الخزرجي ويعرف بابن اللحياني حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بن أبي دجانة بسنده عن أبي هند البجلي - وكان من السلف - قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من المغرب. أحمد بن إبراهيم بن يونس بن محمد ابن يونس أبو الحسين المقدسي الخطيب روى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي في رواية الحديث فليتبوأ مقعده من النار. توفي في يوم الخميس السابع عشر من ذي القعدة سنة سبع وتسعين وأربع مئة. وقيل مات يوم الأربعاء. وإنه ثقة.

أحمد بن إبراهيم أبو جعفر الحلواني

أحمد بن إبراهيم أبو جعفر الحلواني حدث عن أحمد بن البختري الواسطي بدمشق بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فولد لسام العرب والروم وفارس، وكلٌّ فيه خير، وولد لحام القبط والبربر والحبشة، وكلٌّ فيه خير، وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والخزر، وكلٌّ لا خير فيه. أحمد بن إبراهيم أبو العباس البغدادي المقرىء وراق خلف بن هشام. قرأ القرآن بدمشق على هشام بن عمار وبغيرها على خلف بن هشام البزار وحدث عنه وعن جماعة. حدث عن خلف بن هشام قال: سمعت خلفاً يقول: قدمت الكوفة فصرت إلى سليم بن عيسى فقال لي: ما أقدمك؟ قال: قلت: أقرأ على أبي بكر بن عياش بحرف عاصم. قال: فقال لي: لا يريد. قال: قلت: بلى. قال: فدعا ابنه وكتب معه رقعةً إلى أبي بكر بن عياش ولم أدر ما كتب فيها، قال: فأتينا منزل أبي بكر، فاستأذن عليه ابن سليم فدخل فأعطاه الرقعة، وكان لخلف سبع عشرة سنة. قال فلما قرأها قال: أدخل الرجل، قال: فدخلت، فسلمت عليه. قال فصعد في النظر ثم قال لي: أنت خلف؟ قال: قلت: نعم، أنا خلف، قال: أنت لم تخلف ببغداد أحداً أقرأ منك؟ قال: قلت: لا والله لا أقرأ على رجل يستصغر رجلاً من حملة القرآن. قال: ثم تركته، وخرجت. قال: فوجه إلى سليم يسأله أن يردني إليه قال: فلم أرجع. قال: فقدمت، واحتجبت فكتبت قراءة عاصم عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش وكان أحمد بن إبراهيم البغدادي ثقة. صنف كتاباً في عدد آي القرآن وذكر في قراء أهل مدينة السلام. قال: وكان أحد الحذاق

أحمد بن إبراهيم أبو سليمان الحراني

أحمد بن إبراهيم أبو سليمان الحراني قدم دمشق. حكى عنه كعب بن عمرو بن جعفر الخنجري، قال: سمعت أحمد بن إبراهيم الحراني يقول: نمت في بعض المساجد بدمشق فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: يا أبا سليمان، لم إذا استفتحت الصلاة لا تبتدىء ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فإن بسم الله الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفاً تدع في كل استفتاحك مئة وتسعين حسنة. وإذا صليت علي في الكتاب لا تكتب وسلم تدع أربعين حسنة. قلت: كيف: ذلك يا رسول الله؟ قال: لأن وسلم أربعة أحرف، لكل حرف عشر حسنات فتلك أربعون حسنة. أحمد بن إبراهيم أبو بكر البيروتي المؤدب أنشد بمصر لإبراهيم الخواص: الطويل صبرت على بعض الأذى خوف كله ... ودافعت عن نفسي لنفسي فعزت وجرعتها المكروه حتى تدربت ... ولو جرعته جملة لاشمأزت ألا رب ذلٍ ساق للنفس عزةً ... ويا رب نفسٍ بالتعزز ذلت إذا ما مددت الكف ألتمس الغنى ... إلى غير من قال اسألوني فشلت سأصبر نفسي إن في الصبر عزةً ... وأرضى بدنياي وإن هي قلت أحمد بن إبراهيم أبو بكر الصوفي الشيخ الصالح حدث بدمشق روى عن أبي بكر بن أحمد بن خروف بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف

أحمد بن إبراهيم أبو العباس الحلبي الصفار

أحمد بن إبراهيم أبو العباس الحلبي الصفار روى عن القاضي أبي الحسين محمد بن جعفر بن أبي الزبير المنبجي بحلب بسنده عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب رضي الله عنه. أحمد بن إبراهيم أبو بكر السميرمي وسميرم: مدينة من أعمال أصبهان. حدث في جامع ميافارقين في المحرم سنة سبع وأربع مئة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم. أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط أبو الأزهر العبدي النيسابوري سمع بدمشق وغيرها عن جماعة أعيان. وروى عن مسلم والبخاري وغيرهم. حدث أبو الأزهر بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قرأ الرحمن على الناس سكتوا فلم يقولوا شيئاً، فقال

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للجن كانوا أحسن جواباً منكم، لما قرأت عليهم " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قالوا: ولا بشيء من آلائك نكذب ربنا. وحدث أبو الأزهر عن عبد الرزاق بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى علي فقال: أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضي بغيض الله، والويل لمن أبغضك بعدي. قال أبو الأزهر: كان عبد الرزاق يخرج إلى قرية له فذهبت خلفه فرآني وأنا أشتد خلفه فقال لي: يا أبا الأزهر، تعال، فاركب خلفي فحملني خلفه على البغل، ثم قال لي: ألا أخبرك حديثاً غريباً؟ قلت: بلى. فحدثني الحديث. فلما رجعت إلى بغداد أنكر علي يحيى بن معين وهؤلاء فحلفت ألا أحدث به حتى أتصدق بدرهم. قال أحمد بن يحيى بن زهير التستري: لما حدث أبو الأزهر النيسابوري بحديثه عن عبد الرزاق في الفضائل أخبر يحيى بن معين بذلك. فبينا هو عنده في جماعة أهل الحديث إذ قال يحيى بن معين: من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى بن معين وقال: أما إنك لست بكذاب وتعجب من سلامته، وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث. قال الشرقي: وبعض هذا الحديث سمعته من أبي الأزهر. وأبو الأزهر هذا كتب الحديث فأكثر، ومن أكثر لابد أن يقع في حديثه الواحد والاثنان والعشرة فما ينكر.

وقال الشرقي: قيل لي وأنا أكتب الحديث في بلدي: لم لا ترحل إلى العراق؟ فقلت: وما أصنع بالعراق وعندنا من بنادرة الحديث ثلاثة: محمد بن يحيى الذهلي، وأبو الأزهر أحمد بن أبي الأزهر، وأحمد بن يوسف السلمي فاستغنينا بهم عن أهل العراق. قال ابن عدي: وأبو الأزهر هذا بصورة أهل الصدق عند الناس، وقد روى عنه الثقات من الناس. وأما هذا الحديث عن عبد الرزاق فعبد الرزاق من أهل الصدق وهو ينسب إلى التشيع، فلعله شبه عليه لأنه شيعي. سئل أبو حامد بن الشرقي عن حديث أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن معمر في فضائل علي فقال أبو حامد: هذا حديث باطل. والسبب فيه أن معمراً كان له ابن أخ رافضي، فكان معمر يمكنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث. وكان معمر رجلاً مهيباً لا يقدر عليه أحد في السؤال والمراجعة فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر. قال أبو الأزهر النيسابوري: أنكر علي يحيى بن معين حديث عبد الرزاق في فضل علي. فلما أخبرته بقصتي معه اعتذر إلي غير مرة، وتعجب من حسن ذلك الحديث. قال مكي بن عبدان: سألت مسلم بن الحجاج عن أبي الأزهر فقال: اكتب عنه قال أبو الأزهر: كتب عني يحيى بن يحيى.

أحمد بن إسحاق بن إبراهيم

وقرىء بخط أبي عمرو المستملي قال: سألت محمد بن يحيى عن أبي الأزهر فقال: أبو الأزهر من أهل الصدق والأمانة. نرى أن يكتب عنه. قالها مرتين. كان إبراهيم بن أبي طالب يقول: رحم الله أبا الأزهر كان من أحسن مشايخنا حديثاً. قال أحمد بن سنان في ذكر مشايخ نيسابور: وأحمد بن الأزهر العبدي من مواليهم، كتب عن الناس، حسن الحديث. مات في أول سنة إحدى وستين ومئتين. وقال الحسين بن محمد القباني: توفي أبو الأزهر العبدي في سنة ثلاث وستين ومئتين. أحمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن محمد بن سلم أبو بكر الملحمي الخزاعي القاضي البغدادي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن بجير الكلاعي بسنده عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مات محرماً مات ملبياً. وحدث بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا كان يوم القيامة يدعو الله بعبد من عبيده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله. وتوفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.

أحمد بن إسحاق بن إبراهيم

أحمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو الطيب الربعي الدمشقي حدث عن القاضي أبي القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني قال: كان لأبي إبراهيم المزني رفيق معه في البيت يعرف بأبي عبد السلام، وكانا يتفقهان ويتعبدان جميعاً، وكان لهما صديق من المصريين حسن العقل حسن المذهب، متحر في تجارته وكانت له دنيا عريضة، فكان يجهد أن يبرهما بشيء فلا يقبلان منه، فاحتال عليهما يوماً بحيلة فحمل إليهما كيساً فيه ألف دينار ثم قال لهما: يا أخواي أنتما تعلمان أني لو شاطرتكما مالي كنت مسروراً بذلك، ولكن لست أطمع منكما في ذلك وهذه ألف دينار تقبلانها مني قرضاً وتدفعانها إلى من شئتما، وإلا فرداها علي حتى أكون أنا الذي أتجر بها فما رزق الله فيها من ربح كان لكما، ويكون رأس المال لي فتكونان قد انتفعتما بلا مذلة وانتفعت أنا بلا مضرة، فقال أبو عبد السلام للمزني: يا أبا إبراهيم، قد لطف بنا صاحبنا، وما ينبغي أن نأبى عليه فقبضا منه الألف دينار. وكان لهما صديق يكنى أبا يعقوب، وكان أحد المتخلين وكان مأواه السواحل، فبلغه ذلك فساءه فأخذ رقعة فكتب إليهما فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. أسعدكما الله بما ينجيكما، وعصمكما مما يرديكما، وجعل الجنة مصيركما، وموعدكما، وأعطانا مثل ذلك بمنه. أما بعد، فإن في علو ما أفل من الدنيا وأفول ما علا منها لأولي الألباب بالثقة عن الفضول مزدجر، وفي حطم العتاة الجبارين معتبر، وما تغني الآيات والنذر إلا لأولي الأفكار والنظر، ومسالمة البغاة إلى تقحم الشبهات مدعاة، والشبهة للقلوب مقساة، والقسوة أضر أدواء المحدثين وأنتح أسباب الضلالات، فلا تذهبا عما تعلمان فإنه من يزدد نشباً يزدد تعباً، والأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، وإنما هي على المؤمنين مطابق وسجون، ما لمؤمنٍ فيها فرح إلا التردد فيما بين المطبقين والتنقل فيما بين السجنين. والسلام. فلما قرآ كتابه علما ما نبههما له، وكانا لم يتجرا في الألف دينار ولم يمساها فحملاها إليه وساءلاه أن يعفيهما فأعفاهما.

أحمد بن إسحاق بن صالح بن عطاء

أحمد بن إسحاق بن صالح بن عطاء أبو بكر الوزان من أهل بغداد. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن أمية بن بسطام بسنده عن جبير بن مطعم قال: مر علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقصر رأسه قال: دخلت العمرة في الحج لا ضرورة. وروى بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. سكن بسامراء. وكان صادقاً، وقال الدارقطني: لابأس به. ومات بسر من رأى في سنة إحدى وثمانين ومئتين. وقيل: في أول يوم من المحرم يوم سبت. أحمد بن إسحاق بن محمد بن أحمد ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى، أبو جعفر الحلبي. قاضي حلب قدم دمشق. وولي قضاء حلب في أيام سيف الدولة بن حمدان، وكان حنفي المذهب ويلقب بالجرد. حدث بحلب وببغداد. روى عن علي بن أحمد الجرجاني بسنده عن قتادة عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تختم في يمينه. وروى أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن العبد بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر. قدم بغداد وحدث بها وبمصر ومات بدمشق.

أحمد بن إسرائيل بن الحسين

أحمد بن إسرائيل بن الحسين أبو جعفر الكاتب كان يكتب للمعتز في خلافة ابنه المتوكل، وقدم معهما دمشق. ثم استوزره المعتز بعد ذلك، وكان ضابطاً لأموره جزلاً موصوفاً بالذكاء. ثم نفاه المستعين سنة ثمان وأربعين إلى حلب. وولي ديوان الخراج للمتوكل والمنتصر. وكان ولي في أيام المستعين خراج أنطاكية. قال أحمد بن إسرائيل: صرت يوماً إلى عبد الله بن يحيى بن خاقان، فلما صرت في صحن الدار رأيته مضطجعاً على مصلاه مولياً ظهره باب مجلسه، فهممت بالرجوع، فقال لي الحاجب: ادخل فإنه منتبه، فلما سمع حسي جلس فقلت: حسبتك نائماً! قال: لا، ولكني كنت مفكراً. قلت: في ماذا أعزك الله؟! قال: فكرت في أمر الدنيا وصلاحها في هذا الوقت واستوائها ودرور الأموال وأمن السبل وعز الخلافة، فعلمت أنها أمكر وأنكر وأغدر من أن يدوم صفاؤها لأحد. قال: فدعوت له وانصرفت. فما مضت أربعون ليلة منذ ذلك اليوم حتى قتل المتوكل ونزل به من النفي ما نزل. قال أبو الحسين محمد بن القواس قال: ضرب أحمد بن إسرائيل وأبو نوح عيسى بن إبراهيم على باب العامة بالسياط كل واحد منهما خمس مئة، وحملا إلى منزل محمد بن علي السرخسي فمات أحمد بن إسرائيل في الطريق سنة خمس وخمسين ومئتين، ومات عيسى بن إبراهيم في دار السرخسي. أحمد بن إسماعيل بن القاسم ابن عاصم أبو جعفر وقيل أبو بكر الصدفي المصري العطار الحافظ دخل دمشق وسمع بها.

أحمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله

حدث عن عمران بن الخطاب بن مسافر التنيسي بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب يقيء، ثم يرجع في فيه فيأكله. وحدث عن روح بن الفرج بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله، ولو استزدته لزادني. توفي ليلة الأربعاء لثلاثة عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله ابن أبي البختري وهب بن وهب ويقال: ابن إسماعيل بن محمد بن أبي البختري وهب بن وهب، أبو علي القرشي الصيداوي. حدث عن أبيه بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم. أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد ابن عبد الله بن حسان بن عبد الله بن مغفل، أبو العباس المغفلي المزني من أهل البصرة، قدم دمشق، وحدث بها وببغداد ومصر عن جماعة. حدث عن أبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الترجماني بسنده عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في المعاريض لمندوحةً عن الكذب. وحدث بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل أمة بعضها في النار وبعضها في الجنة إلا هذه الأمة فإنها كلها في الجنة. خرج من مصر وتوفي بدمشق في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين ومئتين.

أحمد بن أصرم بن طاهر بن محفوظ

أحمد بن أصرم بن طاهر بن محفوظ أبو حامد السجستاني سمع بدمشق وبالبصرة. روى أبو حامد أحمد بن أصرم بن طاهر السجزي بمكة بسنده عن أبي بكر بن دريد قال: المنسرح لا تحتقر عالماً وإن قصرت ... ألحاظه في عيون رامقه وانظر إليه بعين ذي أدبٍ ... مهذب الرأي في طرائقه فالمسك بينا تراه ممتهناً ... في يد عطاره وساحقه حتى تراه بعارضي ملكٍ ... أو موضع التاج من مفارقه أحمد بن أنس بن مالك أبو الحسن الدمشقي المقرىء روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. وقرأ القرآن بحرف ابن عامر على ابن ذكوان. وكان ثقة. حدث عن عمرو بن محمد بن الغاز الجرشي بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا هام ولا صفر ولا عدوى. توفي سنة تسع وتسعين ومئتين.

من اسم أبيه على حرف الباء

من اسم أبيه على حرف الباء أحمد بن بحر اللخمي حدث عن منبه بن عثمان بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أكل سبع تمرات عجوةٍ من تمر العالية حتى يصبح لم يضره سحر، ولا سم حتى يمسي. أحمد بن بشر بن حبيب بن زيد أبو عبد الله الصوري التميمي المؤدب قدم دمشق وحدث بها عن جماعة. وحدث عنه جماعة. حدث عن محمد بن يحيى التميمي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رزق عبد أربعاً فحرم أربعاً: لم يرزق الدعاء فيحرم الإجابة لأن الله تعالى يقول " ادعوني أستجب لكم " ولم يرزق التوبة فيحرم القبول وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " ولم يرزق الشكر فيحرم المزيد وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول " لئن شكرتم لأزيدنكم " ولم يرزق الاستغفار فيحرم المغفرة وذلك أن الله تعالى يقول: " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ".

أحمد بن بشر بن عبد الوهاب

وحدث عن عبد الحميد بن بكار البيوتي بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن كانت كاملةً، وإلا زيد عليها من تطوعه ثم سائر الأعمال على مثل ذلك. أحمد بن بشر بن عبد الوهاب ابن بشر أبو طاهر ويقال: أبو طالب ويقال: أبو طالوت من أهل دمشق. حدث وحدث عنه. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل بسنده عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر يأجوج ومأجوج فقال: يستوقد المسلمون من جعابهم ونشابهم وقسيهم سبع سنين. وحدث عن أبي شاهر محمد بن جابر بن وهب بن شاهر بن أمية العنزي بسنده عن عبادة بن الأشيب قال: وفدت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وكتب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من نبي الله لعبادة بن الأشيب العنزي: إني أمرتك على قومك وحاشيتهم ممن يجري عليه عملك ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. فمن سمع بكتابي هذا ممن جرى عليه عملك وعمل بني أبيك فلم يطيعوا فليس لهم من الله معين. قال: فجئت إلى قومي فأسلموا.

من اسم أبيه على حرف التاء

من اسم أبيه على حرف التاء أحمد بن تبوك بن خالد بن يزيد ابن عبد الله بن يزيد بن تميم بن حجر أبو الميمون السلمي مولى نصر بن الحجاج بن علاط حدث عن هشام بن محمد بن السائب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في حديث الأولين عجباً: حدثني حاضني أبو كبشة عن مشيخة خزاعة أنهم أرادوا دفن سلول بن أبي حبشية، وكان سيداً معظماً شريفاً، فأتوا مقبرتهم فحفروا له، فوقعوا على باب مغلق ففتحوه، فإذا فيه سرير وعليه رجل عليه حلل عدة وعند رأسه كتاب فيه: أنا أبو شمر ذو النون، مأوى المساكين، ومستعاذ الغارمين، ورأس مثابة المستصرخين. أخذني الموت غصباً، وأورثني بقوته أرضاً، وقد أعيا الملوك الجبابرة والأبالجة والقساورة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكان ذو النون سيف بن ذي يزن.

من اسم أبيه على حرف الثاء

من اسم أبيه على حرف الثاء أحمد بن ثابت بن عتاب ويقال غياث وعراب أبو يحيى الرازي الناهكي الحافظ المعروف بفرخويه حدث بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو جيء بالسماوات والأرض وما فيهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في كفته الأخرى رجحت بهن. وحدث عن العلاء بن هلال الرقي بسنده عن عائشة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قلم أظافره يوم الجمعة وقي من السؤال مثلها. قال أبو العباس الطهراني: كانوا لا يشكون أن فرخويه كذاب. أحمد بن ثعلبة العاملي قال أحمد بن ثعلبة: سمعت بشر بن السكن يقول: حدثنا يعلى بن عبيد قال: مما وجد في الكتب: أيحسب من إذا جنه الليل انجدل أن أجعله كمن هو ساجدٌ بالليل وقائم؟ وحدث أحمد بن ثعلبة قال: سئل وكيع بن الجراح عن قتال العدو مع الإمام الجائر قال: إن كان جائراً وهو

يعمل في الغزو بما يحق عليه فقاتل معه. وإن كان يرتشي منهم ويهادنهم فقاتل على حيالك. وحدث قال: وقال أبو معاوية الأسود: في قول الله عز وجل " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً " قال: لا تجزع من ذلها ولا تنافس في عزها. قال أحمد بن ثعلبة العاملي: سمعت سلماً الخواص يقول: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة فقلت لنفسي: اقرئيه كأنك سمعته من جبريل حين يخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فازدادت الحلاوة. قال: ثم قلت لها: اقرئيه كأنك سمعته منه حين تكلم به، فجاءت الحلاوة كلها.

من اسم أبيه على حرف الجيم

من اسم أبيه على حرف الجيم أحمد بن الجحاف أبو بكر الأزدي النشوي سمع بدمشق وغيرها. حدث عن أبي الدحداح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجد الشهيد مس القبر إلا كما يجد أحدكم مس القرصة. كذا روي في هذا السند. والمحفوظ: مس القتل لا القبر. وذكره الحافظ على هذا النص من طريق آخر. أحمد بن جعفر بن أحمد بن حمكان أبو العباس القصوري الكيلي قدم دمشق وحدث بها. حدث عن أبي بكر محمد بن عيسى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المدينة قبة الإسلام ودار الإيمان وأرض الهجرة ومثوى الحلال والحرام. أحمد بن جعفر بن الحسن أبو بكر البلدي الواعظ حدث بدمشق عن جماعة. روي عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء.

أحمد بن جعفر بن حمدان

توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة. ودفن بباب الصغير. أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسن الطرسوسي حدث بصيدا من ساحل دمشق. روى عن أبي محمد عبد الله بن جابر بن عبد الله البزاز بسنده عن أبي جحيفة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا آكل وأنا متكىء. وورد في حديث آخر: أما أنا فلا آكل متكئاً. أحمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم ابن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو العباس الهاشمي الملقب بالمعتمد على الله بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومئتين. وكان قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل. ولي الخلافة بعد المهتدي بالله. وكان مولده بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومئتين في يوم الثلاثاء لثمان بقين من المحرم. وأمه أم ولد يقال لها فتيان. رومية لم تدرك خلافته.

أحمد بن جعفر بن محمد بن علي

وبويع له بسر من رأى في يوم الثلاثاء المذكور. وبويع له ببغداد يوم الأربعاء الغد من يوم بيعته بسر من رأى. وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة ويومين. وتوفي فجأة ببغداد يوم الأحد لثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين، وحمل إلى سر من رأى فدفن بها وله من السن خمسون سنة وستة أشهر وستة وعشرون يوماً. وكان مربوعاً، أسمر، نحيف الجسم، حسن العينين، مدور الوجه، على جبهته أثر جدري. فلما ولي الخلافة عبل وكثر لحمه واتسع الشيب في رأسه ولحيته. وقيل: مات المعتمد يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقين من رجب سنة سبع وسبعين ومئتين. وقيل: توفي في صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين. وبويع أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد الموفق بالله. أحمد بن جعفر بن محمد بن علي أبو الحسن البغدادي الصيدلاني قدم دمشق وحدث بها سنة أربع وأربعين وثلاث مئة عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يأخذ عني هؤلاء الكلمات أو يعلمهن أو يعمل بهن؟ قال: قلت: أنا يا رسول الله. قال: فأخذ بيدي فعقد خمساً. قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.

أحمد بن جعفر أبو العباس الفرغاني

أحمد بن جعفر أبو العباس الفرغاني المعروف بغياث حدث عن جماعة بدمشق. روى عن منصور بن إسماعيل المصري الفقيه قال: سمعت محمد بن عبيد الله بن الحكم يقول: كنت جالساً عند الشافعي فأقبل المزني فقال الشافعي: لو ناظر هذا الغلام الشيطان قطعه. أحمد بن جعفر أبو جعفر الهلالي الزاهد من أهل أعمال سرخد. ذكر أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني نزيل الأكواخ ببانياس قال: أحمد بن جعفر الهلالي كان يقيم بالمحرس يعني محرس الحوارنة بعكا وقتاً، وببلده وقتاً. وذكر أبو عبد الله القفاف قال: قال لي أحمد الهلالي: أريد أمر مع الناس إلى البلد، والإلف يجترني فقلت: ماذا؟ الإلف؟! فقال: إلف الخلوة. وقال: إنما آوي في القرية في بيتٍ داخل بيت. فإذا مللت خرجت في الغلس إلى المغار ورحت مع العتمة. فإذا كانت لي حاجةٌ خارج الدار تسورت فيها من الحائط حتى لا يلقاني أحد في باب الدار ولا أمر في زقاق فيلقاني أحد. فهذا دأب نفسي في القرية. قال أحمد الهلالي: قدمت إلى هنا، يعني عكا وما أدري ما الهوى ثم علمته. قلت له: ما الهوى؟ فقال: حب الكلام، وحب الجلوس مع الناس، وحب الشبع، وحب النوم، وحب اللباس.

أحمد بن جواد بن قطن بن كثير

قال أبو عبد الله: ولم أر قط أشد تيقظاً وانتباهاً من أحمد الهلالي، وإذا كلم إنساناً يكاد لا يسمعه، وإذا تنحنح كأنه مطلوب، ولم أسمع له قط صوتاً مرتفعاً. قال: وقال لي أحمد الهلالي: ربما جاءني الفكر فأستوحي منه، فإذا ذهب عني بلت ما يشبه الدم، ويخرج مني من أسفل شيء شديد الحرارة وتجري منخراي بمثل الدم. وقال: لا يكاد يجيء الفكر في الضوء ونعم المعين عليه الخلوة في الظلام، فقلت له: أيما أحب إليك: الفكر أو الصلاة؟ قال: أجلس أتفكر أحب إلي من الصلاة بقلب مذبذب قلت: فما تطيق أن تجمع بين الفكر والصلاة، فقال: من لي بهذا وإني مجتهد فيه. وقال أحمد: السريع علامة الخائف في قلبه ... بأنه أصفر منحوف ليس كمن كانت له جثةٌ ... كأنه للذبح معلوف أحمد بن جواد بن قطن بن كثير ابن سويد بن جعفر التميمي النيسابوري الكبيري رحل إلى الشام والعراق وسمع جماعة حدث عن محمد بن خالد بسنده عن عمران بن حصين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرض الجد مع ابنه وأبيه السدس. وكان عمران لا يفرض له مع ابنه إلا السدس. وكان كثير الحديث والرحلة. وتوفي سنة ستين ومئتين.

من اسم أبيه على حرف الحاء

من اسم أبيه على حرف الحاء أحمد بن حبيب بن عبد الملك ابن حبيب أخو أبي علي حدث عن أبي علي بشر بن موسى بن صالح بسنده عن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه: تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً فأنفقه في سبيل الله وأتصدق به. فقال عمر تمنوا: فقالوا: ما ندري ما نتمنى يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان - أحسب أنه قال: أستعين بهم على أمور المسلمين. وحدث بسنده عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اتخذ مغفراً ليجاهد به في سبيل الله غفر الله له. ومن اتخذ بيضة بيض الله وجهه يوم القيامة، ومن اتخذ درعاً كان له ستراً من النار يوم القيامة. أحمد بن حجيل بن يونس أبو عبد الله الغوثي حدث عن إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني عن عبد الصمد بن معقل قال: سمعت عمي وهب بن منبه يقول: أتى جبريل النبي يوسف عليه السلام بالبشرى وهو في السجن قال: هل تعرفني أيها الصديق؟ قال: أرى صورة طاهرة وروحاً طيباً لا يشبه أرواح الخطائين، قال: فإني رسول رب العالمين وأنا الروح الأمين. قال: فما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين وأمين رب العالمين؟ قال: ألم تعلم يا يوسف أن الله يطهر البيوت بطهر النبيين، وأن الأرض التي يدخلونها أطهر الأرضين، وأن الله تعالى قد طهر بك السجن وما حوله، يا طهر الطاهرين ويابن المتطهرين، وإنما يتطهر بفضل

أحمد بن حسن بن أحمد بن خميس

طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلصين. قال: كيف تسميني بأسماء الصديقين وتعدني مع المخلصين وقد أدخلت مدخل المذنبين وسميت بالضالين المفسدين؟ قال: لم يغير قلبك الحزن، ولم يدنس حريتك الرق، ولم تطع سيدك في معصية ربك، ولذلك سماك الله بأسماء الصديقين وعدك مع المخلصين وألحقك بآبائك الصالحين. قال هل لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين؟ قال: نعم وهب الله له الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم. قال: فماذا قدر حزنه؟ قال: سبعون ثكلى. قال: فماذا له من الأجر يا جبريل؟ قال: قدر أجر مئة شهيد. أحمد بن حسن بن أحمد بن خميس ابن أحمد بن الحسين بن موسى، أبو بكر السلماني القاضي قدم دمشق سنة ثمانٍ وعشرين وأربع مئة حاجاً. وحدث عن جماعة. حدث عن أبي علي الحسن بن أحمد بن يوسف اللحياني بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل مسكرٍ حرامٌ. أحمد بن الحسن بن أحمد بن عثمان ابن سعيد بن القاسم أبو بكر ويقال: أبو العباس - الغساني المعروف بابن الطيان الدمشقي حدث عن جماعة. وحدث عنه جماعة. حدث في سلخ صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة عن أبي عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ يس في ليلةٍ ابتغاء وجه الله عز وجل غفر له. وحدث بسنده عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جعل يس أمام حاجةٍ قضيت له.

أحمد بن الحسن بن أحمد

أحمد بن الحسن بن أحمد أبو العباس الشاهد، المعروف بابن الوراق حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب بسنده عن سالم عن ابيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين. مات يوم الاثنين الثالث عشر من صفر سنة أربع عشرة وأربع مئة. أحمد بن الحسن بن جنيدب أبو الحسن الترمذي الحافظ رحال، طوف الشام ومصر والعراق واجتاز بدمشق. سمع بمصر وبالشام وبالعراق. وروى عنه البخاري في صحيحه وأبو عيسى الترمذي في جامعه وجماعة. حدث عن أحمد بن محمد بن حنبل بسنده عن بريدة قال: غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست عشرة غزوة. وحدث عن موسى بن إسماعيل بسنده عن موسى بن أنس بن مالك قال: خطب الأشعري - يعني أبا موسى - إلى أنس رضي الله عنهما بعض بناته فقال: أخطب إليك، وقد عرفت أن النساء يباعدن بين القريب ويقربن بين البعيد. وحدث بنيسابور وكان أحد أوعية الحديث. ورد نيسابور سنة إحدى وأربعين ومئتين. وحدث في ميدان الحسين، ثم حج وانصرف إلى نيسابور وأقام بها سنة يحدث فكتب عنه كافة المشايخ وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل. أحمد بن الحسن بن الحسين بن أحمد أبو نصر الحافظ الشيرازي المعروف باللباد قدم دمشق سنة أربع وأربعين وأربع مئة. وسمع وأسمع وسكن مصر. وكان ينتقي على شيوخها.

حدث بمكة في المسجد الحرام عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن ريذة الضبي الأصبهاني بأصبهان بسنده عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل: فأتني بأبيك، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه. فلما جاء الشيخ قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيه دعنا من هذا، أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك؟ فقال الشيخ: يا رسول الله، ما يزال الله تعالى يزيدنا بك يقيناً لقد قلت في نفسي شيئاً ما سمعته أذناي، فقال: قل وأنا أستمع. قال: قلت: الطويل غذوتك مولوداً ومنتك يافعاً ... تعل بما أحني عليك وتنهل إذا ليلةً ضاقتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهراً أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طرقت به دوني فعيناني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي ... إليها مدى ما فيك كنت أؤمل جعلت جزائي غلظةً وفظاظةً ... كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل قال: فحينئذ أخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتلابيب ابنه وقال: " أنت ومالك لأبيك ". حدث الفقيه سليم أن أبا نصر اللباد الشيرازي قدم صور وجاءه وأراد أن يخرج للفقيه فوائد فلم يفعل وقرىء عليه حديث: نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث الأسقية، فقال: اجتناب الأسقية، فجعل كلما قيل له في ذلك يدفع ويقول: الصواب اجتناب، أو كما قال.

أحمد بن الحسن بن روزبه

قال أبو محمد عبد الرحمن بن صابر: سألت الشريف أبا القاسم عن قدوم أبي نصر الشيرازي دمشق فقال: سنة أربع وأربعين وأربع مئة، وفيها خرج منها. وسألته عن حاله فقال: ما كان إلا ثقة. أحمد بن الحسن بن روزبه أبو بكر البصري الفارسي حدث بدمشق. روى عن عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبد الله بن مخارق الضبعي بسنده عن مالك بن أنس: قال: وذكر زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب لربيس بن جبير: ترى غبي عني قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك: كيف بك إذا رقص بك بعيرك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً؟! أحمد بن الحسن بن زريق أبو محمد الحراني حدث بدمشق. روى عن النفيلي بسنده عن عائشة قالت: أهدى النجاشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليةً فيها خاتم من ذهب فصه حبشي، فدعا أمامة بنت أبي العاص بن أمية من ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا مية. زريق بتقديم الزاي على الراء. حدث بدمشق سنة تسع وستين.

أحمد بن الحسن بن علي بن زرعة

أحمد بن الحسن بن علي بن زرعة أبو الفرج الصوري الكاتب سكن دمشق. وتولى الاستسقاء مدة ثم عزل عنه. كتب عنه الحافظ ابن عساكر قال: وكان حسن الاعتقاد ووقف بعض أملاكه على وجوه البر. حدث بسنده عن جابر بن عبد الله قال: جعل رجل لغلامه العتق من بعده فباعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دفع إليه ثمنه وقال: أنت لثمنه أحوج والله عنه غني. وسئل أبو الفرج عن مولده فقال: ليلة الأحد ثالث شهر رمضان سنة سبع وأربعين وأربع مئة بصور. وتوفي ليلة الأحد الثاني من شهر ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وخمس مئة. ودفن في مقبرة باب الصغير. قال الحافظ ابن عساكر: شهدت دفنه والصلاة عليه. أحمد بن الحسن بن هارون بن سليمان ابن يحيى بن سليمان بن أبي سليمان أبو بكر المعروف بالصباحي البغدادي الغزال مولى أبي موسى الأشعري حدث عن جماعة بمصر ودمشق. وحدث عنه جماعة. حدث بسنده عن عروة بن مضرس الطائي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أخلقت وأنصبت وفعلت وفعلت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أدرك جمعاً فوقف مع الإمام حتى يفيض فقد أدرك، ومن لم يدرك ذلك فلا حج له. كان كوفي الأصل، وجده يحيى كان زوج حمادة بنت حماد بن أبي سليمان الفقيه وهي

أحمد بن الحسن أبو بكر الأحنف

بنت عمه. وهو بغدادي حافظ. قدم مصر وحدث بها وخرج منها، فأصيب سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة. أحمد بن الحسن أبو بكر الأحنف البغدادي الصوفي قدم دمشق وحكى عن الجنيد وأبي بكر الشبلي وغيرهما. قال: سمعت أبا جعفر الصفار الواعظ ببغداد يقول: مررت براهب سائح فقلت له: بمعبودك إلا وقفت، فوقف فقلت له: ما معك طعام ولا شراب؟ فقال: لا، أنا رجل قد دفعت بتقربي أوقاتي وقتاً بعد وقت، فلا أحب يمر عني وقت لا أدري من أنا فيه، فقلت: ما هذا الذي معك؟ قال: حصىً قلت: إيش تعمل به؟ قال: هذا حصى أسود وحصى أبيض، فإذا عملت حسنة طرحت من الحصى الأبيض على الحصى الأسود وإن عملت سيئة طرحت من الحصى الأسود في الأبيض، فإذا كان عند إفطاري عددت السواد والبياض، فإن زاد السواد على البياض فليس فيها إفطار إلى مثلها، وإن كان البياض زائداً على السواد فطرت. قال: فلطمته، فقال: ويحك، لم تلطمني؟ وأنت ممن يرى القصاص، وأما أنا فمذهبي لو لطمت هذا الخد لأدرت لك هذا الخد، فقلت: أنت كافر تقول: دفعت إلى تقربي أوقاتي، وتقول: لا أحب أن يمضي لي وقت لا أدري من أنا فيه. قال: تقول لي يا كافر فأنت مؤمن حقاً؟ فقلت: نعم. فقال: أتأمنه أن يجعلك أنا ويجعلني أنت. قال: فخصمني. وقال: سمعت أبا جعفر الصفار أيضاً ببغداد يقول: صحت براهب: يا راهب. فناداني: لا تشغلني. فقلت: بمعبودك عرفني ايش شغلك؟ فقال: كتب إلي بعض إخواني أنه قرأ في بعض الكتب أن الأرض الواسعة لتضيق على البعوضة بسخط الله، فقد أعملت فكري في الأرض وسعتها والبعوضة وصغرها فكيف ضاقت عليها بسخط الله، فلا تشغلني.

أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب

أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب ابن كثير بن حماد بن الفضل مولى عيسى بن طلحة بن عبيد الله، ويقال: مولى يحيى بن طلحة، أبو الجهم المشغراني أصله من بيت لهيا، تعلم بها ثم انتقل إلى مشغرى، قرية على سفح جبل لبنان فصار بها إمامهم وخطيبهم، وكان كثيراً ما يجيء إلى دمشق ويحدث. روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. وكان ثقة. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن الحارث بن هشام قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بأمرٍ أعتصم به قال: املك هذا، وأشار إلى لسانه. قال عبد الرحمن: فرأيته يسيراً فيما يظنني فلم أر شيئاً أشد منه. توفي ليلة السبت بعد صلاة المغرب ودفن يوم السبت لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة تسع عشرة وثلاث مئة. سقط عن دابته فمات من وقته. وقيل كان يوم الأضحى، ودفن في مقبرة باب الصغير. أحمد بن الحسين بن أحمد بن علي ابن محمد العقيقي بن جعفر بن عبد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو القاسم الحسيني العقيقي كان من وجوه الأشراف بدمشق، ومدحه أبو الفرج محمد بن أحمد الغساني الوأواء. وهو صاحب الدار والحمام بنواحي باب البريد. قال محمد بن المكرم: هذه الدار التي كانت تعرف بدار العقيقي هي الآن تربة ومدرسة للملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري دفن بها هو وولده السعيد وبنيت تربة ومدرسة.

أحمد بن الحسين بن أحمد

قال الشريف أبو القاسم العقيقي: سمعت في قول الله عز وجل في قصة يوسف وخطابه لإخوته " إنه من يتق ويصبر " قال: يتقي الله في جميع أموره، ويصبر على العزوبة كما صبر يوسف عن زليخا وعزوبته في تلك السنين كلها. مات الشريف العقيقي المذكور بدمشق يوم الثلاثاء لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، بين الظهر والعصر، وأغلقت المدينة يوم الأربعاء وأخرجت جنازته ضحوة نهار إلى المصلى وحضر بكجور وأصحابه، ومشى الأشراف خلف سريره ودفن خارج باب الصغير. أحمد بن الحسين بن أحمد أبو الحسين البغدادي المعروف بابن السماك الواعظ سمع بدمشق وبصور وبمكة. روى عن جعفر بن محمد بن نصير الخواص الخلدي الشيخ الصالح أسنده عن جعفر بن سليمان قال: سمعت مالكاً يقول: قرأت في التوراة أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل المطر على الصفا. قال أبو الحسين بن السماك: سمعت أبا بكر الرقي بدمشق يقول: سمعت أبا بكر الزقاق يقول: بني، أمرنا هذا - يعني التصوف - على أربع: لا نأكل إلا عن فاقة، ولا ننام إلا عن غلبة، ولا نسكت إلا عن خيفة، ولا نتكلم إلا عن وجدٍ. قال: وسمعته يقول: كل أحد ينتسب إلى نسب إلا الفقراء فإنهم ينتسبون إلى الله عز وجل، وكل حسب ونسب ينقطع إلا حسبهم ونسبهم، فإن نسبهم الصدق وحسبهم الفقر.

وفي رواية: وحسبهم الصبر بدل الفقر. وكان لأبي الحسين بن السماك في جامع المنصور وفي جامع المهدي مجلس وعظٍ، يتكلم فيه على طريقة أهل التصوف. قال الحافظ ابن عساكر: كتبت عنه شيئاً يسيراً، وحدثنا عن أبي عمرو بن السماك حديثاً مظلم الإسناد ومنكر المتن، فذكرت روايته عن ابن السماك لأبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، فقال: لم يدرك أبا عمرو بن السماك، هو أصغر من ذلك، لكنه وجد جزءاً فيه سماع أبي الحسين بن أبي عمرو بن السماك من أبيه، وكان لأبي عمرو بن السماك ابن يسمى محمداً ويكنى أبا الحسين فوثب على ذلك السماع، وادعاه لنفسه. قال الصيرفي: ولم يدرك الخالدي أيضاً ولا عرف بطلب العلم، إنما كان يبيع السمك في السوق إلى أن صار رجلاً كبيراً، ثم سافر وصحب الصوفية بعد ذلك. قال: وقال لي أبو الفتح محمد بن أحمد المصري: لم أكتب ببغداد عمن أطلق عليه الكذب من المشايخ غير أربعة: أحدهم أبو الحسين بن السماك. قال: ابن ماكولا وأما سماك - بفتح السين وتشديد الميم وآخره كاف فهو أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد، ابن السماك الواعظ، كان جوالاً كثير الأسفار. حدث عن جماعة، ولم أرهم يرتضونه. ومات في يوم الأربعاء الرابع من ذي الحجة سنة أربع وعشرين وأربع مئة، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب بعد أن صلي عليه في جامع المدينة. وكان يذكر أنه ولد في مستهل المحرم من سنة ثلاثين وثلاث مئة.

أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم

أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم ابن أحمد بن إبراهيم بن عمر، أبو الفضل الثغري الصوري المعروف بابن أخت الكاملي قدم دمشق عند افتتاح الفرنج صور، خذلهم الله. وحدث عن جماعة. وكان تيقظ ما في الحديث. وكان أحول. واستملى على الفقيه نصر بن إبراهيم بصور، فجاء في الإملاء حديثٌ عن عاصم الأحول فلقيته الجماعة بعاصم. روى بسنده عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع فقال: يا معشر التجار، حتى إذا اشرأبوا قال: إن التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق. قال الحافظ: سألت أبا الفضل الكاملي عن مولده فقال: في يوم الخميس التاسع من صفر سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وتوفي ليلة الثلاثاء الرابع عشر من رجب سنة ثماني عشرة وخمس مئة. ودفن بباب الصغير. أحمد بن الحسين بن الحسن ابن عبد الصمد أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف بالمتنبي من أهل الكوفة. قدم دمشق ومدح بها. قال أبو بكر الخطيب: بلغني أنه ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة، ونشأ بالشام، وأكثر المقام بالبادية، وطلب الأدب وعلم العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل عصره، وعلا شعراء وقته. واتصل بالأمير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة وانقطع إليه وأكثر مديحه. ثم مضى إلى مصر فمدح بها كافوراً الخادم، وأقام هناك مدة. ثم ورد العراق ودخل بغداد، وجالس بها أهل الأدب، وقرىء عليه ديوانه.

قال أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي قال: لما ورد المتنبي بغداد سكن في ربض حميد. قال: فمضيت إلى الموضع الذي نزل فيه لأسمع منه شيئاً من شعره، فلم أصادفه، فجلست أنتظره وابطأ علي، فانصرفت من غير أن ألقاه، ولم أعد إليه بعد ذلك. وقد كان القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي سمع منه ديوانه ورواه عنه. قال أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي: كان المتنبي وهو صبي نزل في جواري بالكوفة، وكان يعرف أبوه بعيدان السقا يستقي لنا ولأهل المحلة ونشأ هو محباً للعلم والأدب وصحب الأعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدوياً قحاً. وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والأدب. وأكثر ملازمة الوراقين وكان علمه من دفاترهم. حدث وراق كان يجلس إليه قال: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى ابن عيدان قط. كان عندي اليوم فأحضر رجل كتاباً من كتب الأصمعي يكون نحو ثلاثين ورقة ليبيعه، فأخذ ينظر فيه طويلاً فقال له الرجل: يا هذا، أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك، فإن كنت تريد حفظه فهذا إن شاء الله يكون بعد شهر، فقال له ابن عيدان: فإن كنت قد حفظته في هذه المدة فما لي عليك؟ قال: أهب لك الكتاب. قال: فأقبل يتلوه إلى آخره، ثم استلبه فجعله في كمه، وقام فعلق به صاحبه وطالبه بالثمن، فقال: ما إلى ذلك سبيل قد وهبته لي. قال: فمنعناه منه وقلنا له: أنت شرطت على نفسك هذا للغلام فتركه عليه. وكان عيدان والد المتنبي يذكر أنه من جعفي، وكانت جدة المتنبي همدانية صحيحة النسب لا شك فيها. وكانت صالحة من صلحاء النساء الكوفيات.

قال التنوخي: قال أبي: فاتفق مجيء المتنبي بعد سنين إلى الأهواز منصرفاً من فارس وسألته عن نسبه، فما اعترف لي به. وقال: أنا رجل أخيط القبائل وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بينها وبين القبيلة التي انتسبت إليها، وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم ويخافون لساني. قال: واجتمعت بعد موت المتنبي بسنين مع القاضي أبي الحسن بن أم شيبان الهاشمي الكوفي، وجرى ذكر المتنبي فقال: كنت أعرف أباه بالكوفة شيخاً يسمى عيدان يستقي على بعير له، وكان جعفياً صحيح النسب. قال: وقد كان المتنبي لما خرج إلى كلب وأقام فيهم ادعى أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن شهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين وحبس دهراً طويلاً وأشرف على القتل، ثم استتيب وأشهد عليه بالتوبة وأطلق. قال أبو علي بي أبي حامد: سمعت خلقاً بحلب يحكون، وأبو الطيب بها إذ ذاك، أنه تنبأ في بادية السماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية فقاتله وأسره وشرد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب، وحبسه طويلاً فاعتل وكاد أن يتلف، فسئل في أمره فاستتابه وكتب عليه وثيقة أشهد عليه فيها ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام. وأطلقه. وكان قد تلا على البوادي كلاماً ذكر أنه قرآن أنزل عليه، وكانوا يحكون له سوراً كثيرة منها: والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امض على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله. وهي طويلة.

قال: وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة ونحن إذ ذاك بحلب نذكر هذا القرآن وأمثاله فينكره ويجحده. قال: وقال له ابن خالويه النحوي يوماً في مجلس سيف الدولة: لولا أن الآخر جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي لأن متنبي معناه كاذب، ومن رضي أن يدعى بالكذب فهو جاهل، فقال له: أنا لست أرضى أن أدعى بهذا وإنما يدعوني به من يريد الغض مني، ولست أقدر على الامتناع. قال أبو علي بن أبي حامد: قال لي أبي: ونحن بحلب، وقد سمع قوماً يحكون عن المتنبي هذه السورة، فقال: لولا جهله!! أين قوله: امض على سننك.. إلى آخر الكلام، من قوله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين " إلى آخر القصة، وهل تتقارب الفصاحة أو يشتبه الكلامان؟! وعيدان: بكسر العين وبالياء المعجمة باثنتين من تحتها هو والد أبي الطيب المتنبي، وكان يعرف بعيدان السقاء. ولما هرب المتنبي الشاعر من مصر، وصار إلى الكوفة، وقام بها وصار إلى ابن العميد فمدحه، فقيل إنه صار إليه منه ثلاثون ألف دينار. وقال له: تمضي إلى عضد الدولة فمضى من عنده إليه، فمدحه ووصله بثلاثين ألف دينار، وفارقه على أن يمضي إلى الكوفة يحمل عياله ويجيء معهم إليه، وسار حتى وصل إلى النعمانية بإزاء قرية تقرب منها يقال لها بنورا، فوجد أثر خيل هناك، فتنسم خبرها، فإذا خيل قد كمنت له فصادفته لأنه قصدها، فطعن طعنة نكس عن فرسه، فلما سقط إلى الأرض نزلوا فاحتزوا رأسه ذبحاً، وأخذوا ما كان معه من المال وغيره، وكان مذهبه أن يحمل ماله معه أين توجه، وقتل ابنه معه وغلام من جملة خمسة غلمة كانوا معه، وإن الغلام المقتول قاتل حتى قتل.

أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي

وكان قتل المتنبي يوم الاثنين لخمس بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. وحدث أنه لما نزل المنزل الذي رحل منه فقتل جاءه قوم خفراء فطلبوا منه خمسين درهماً ليسيروا معه فمنعه الشح والكبر، وتقدموه فكان من أمره ما كان. أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي أبو بكر الأنصاري البروجردي الصوفي قدم دمشق سنة إحدى عشرة وأربع مئة، وحدث بها. روى عن أبي يعلى حمزة بن جعفر العلوي بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه. أحمد بن الحسين بن حيدرة أبو الحسين المعروف بابن خراسان الأطرابلسي شاعر مشهور. وصل دمشق لما وصل إليها بنو علوش وأقام بها أشهراً وتزوج بعد. رجل صافي الأخلاق من الرفق، مخلوق من أحسن الخلق، تشهد كرائم أخلاقه بطيب أعراقه، ريان من الفضل، يهتز في الأريحية اهتزاز النصل. شاعر مطبوع مترسل. أقام أيام مقامه بدمشق يتنقل في الحدائق ويقطع أوقاته بالشرب، ولا يدخل للحمام. ومن شعره: الطويل دعوني لقاً في الحرب أطفو وأرسب ... ولا تنسبوني فالقواضب تنسب

أحمد بن الحسين بن داناج أبو العباس

وإن جهلت جهال قومي فضائلي ... فقد عرفت فضلي معد ويعرب ولا تعتبوني إذ خرجت مغاضباً ... فمن بعض ما في ساحل الشام يغضب وكيف التذاذي ماء دجلة معرقاً ... وأمواه لبنانٍ ألذ وأعذب فما لي وللأيام لا در درها ... تشرق بي طوراً وطوراً تغرب مات أبو الحسين ابن خراسان سنة ست وتسعين وأربع مئة بطرابلس، وكان سبب وفاته ضربٌ ناله من فخر الملك بن عمار لهجاءٍ قاله فيه وفي أخيه. أحمد بن الحسين بن داناج أبو العباس الزاهد الاصطخري سكن مصر. وسمع جماعة. حدث في خمس وثلاثين وثلاث مئة إملاء بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في الشونير: عليكم بهذه الحبة السوداء فإن فيها شفاء من كل شيء إلا السام، يريد الموت. كان فارساً ممتعاً بإحدى عينيه رجلاً صالحاً زاهداً. كتب الحديث بمصر. وكان كتب عن أهل بلده والغرباء. وكتب عنه قبيل وفاته، وأملى عليهم في المسجد الجامع العتيق. توفي بمصر يوم الاثنين يوم عشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم أبو العباس مولى بني هاشم يعرف بزبيدة من أهل باب كيسان. حدث بدمشق عن أبي عبيد الله بن أخي ابن وهب عن عبد الله - يعني ابن عمرو - قال: رأيت رسول الله يسبح ويعقد بيده.

أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم

وروى عن سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل بسنده عن أبي هريرة قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تحتلم هل عليها غسل؟ فقال نعم. إذا وجدت الماء فلتغتسل. أحمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم ابن الحكم بن عبد الله أبو زرعة الحافظ الرازي قدم دمشق سنة تسع وأربعين وثلاث مئة وسمع بها وبنيسابور وببلخ وببغداد وبمصر وبتنيس. وروى عنه جماعة. روى عن أبي حامد أحمد بن محمد بن بلال بنيسابور بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقل ساكني الجنة النساء. وروى أيضاً عن أبي الحسين بن الجنيد الرازي بدمشق بسنده عن نافع عن ابن عمر قال: أتى سعد بن أبي وقاص إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: بأبي وأمي يا رسول الله، علمت أن لكل شيء ثمرة، وثمرة الصلاة الدعاء، وأحب أن تعلمني يا رسول الله. قال: يا سعد، تريد أن تتعلم الدعاء؟ قال: ببركتك يا رسول الله، قال: تعلم ما يصلح الدعاء قبل تعليمك الدعاء. قال: وما يصلح الدعاء يا رسول الله؟ قال: مطعمك يا سعد، من أحب أن تستجاب دعوته فليطب مطعمه، يا سعد، لحم نبت على السحت النار أولى به، يا سعد من لم يبال من أين يأتيه رزقه كان حقيقاً على الله ألا يبالي من أيما باب من أبواب جهنم أدخله. وحدث بسنده عن البيهقي قال: وقف أعرابي على مجلس قومٍ في المسجد فقال: أيها الناس، والله ما نتخذ السؤال صناعةً، ولا نعد الاختذاء بضاعةً، وإنها لأصعب علينا من وقع ظبى السيوف، وأمر من تجرع كاسات الحتوف. ولكن منع الاضطرار الاختيار، وإنا كنا في عيش رقيق

أحمد بن الحسين بن علي بن مهدي

الحواشي فطواه الدهر بعد السعة، وأفضى بنا بعد العلاء إلى الضعة، حتى لقد لبسنا أيدينا من القر، وأفنينا سرابيلنا من الضر، ولم نر داراً أعز من الدنيا، ولا طالباً أغشم من الموت، ومن عصف عليه الليل والنهار أردياه، ومن وكل به الموت أفناه، فرحم الله من أعطى من سعة، أو وافى من كفاف، أو آثر من خصاصة. فلم يبق في المسجد أحد إلا إعطاه. وسئل أبو زرعة عن مولده فقال: لست أحقه، ولكني خرجت إلى العراق أول دفعةٍ لطلب الحديث سنة اربع وعشرين وثلاث مئة وكان لي إذ ذاك أربع عشرة سنة أو نحوها. ووجد في كتاب أبي القاسم بن الثلاج بخطه: فقد أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي في طريق مكة سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. أحمد بن الحسين بن علي بن مهدي ابن علي بن جابر أبو الحسين الأطرابلسي المعروف بابن الشماع سكن عسقلان. وقدم دمشق وحدث بها. روى بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت. توفي أبو الحسين بن الشماع بعسقلان في صفر أو ربيع سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة. أحمد بن الحسين بن مهران أبو بكر الأصبهاني المقرىء سكن نيسابور. وهو من القراء المشهورين بخراسان. له تصانيف في القراءات. إمام عصره في القراءات، وأعبد القراء. وكان مجاب الدعوة. روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة. مرض أبو بكر بن مهران في العشر الأواخر من رمضان ثم اشتد به المرض في شوال.

أحمد بن الحسين أبو الحسين

وتوفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة، وهو يوم مات ابن ست وثمانين سنة. وتوفي ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلاسفة. قال عمر بن أحمد الزاهد: سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأى أبا بكر بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها، قال: فقلت: أيها الأستاذ، ما فعل الله بك؟ فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بحذائي وقال لي: هذا فداؤك من النار. أحمد بن الحسين أبو الحسين ابن التمار المؤذن مؤذن جامع دمشق. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أنام إلا على وتر وصلاة الضحى وصوم ثلاثة أيام من كل شهر. أحمد بن الحسين أبو الحسن البغدادي البزي يعرف بالبسطامي روى بسنده عن ابي ذر البعلبكي عن مشايخه عن عائشة قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي: حسبك، ما لمحبك حسرةٌ عند موته، ولا وحشةٌ في قبره، ولا فزعٌ يوم القيامة. قال: أبو ذر شيخ مجهول.

أحمد بن حفص بن عمر بن صالح

أحمد بن حفص بن عمر بن صالح ابن عطاء بن السائب بن أبي السائب المخزومي البلقاوي روى بسنده أن أبا هريرة قال: أتى رجلٌ من أسلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إن الآخر زنى، يريد نفسه، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى له فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنحى عنه الرابعة فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بك جنون؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: اذهبوا به فارجموه، وكان قد أحصن. أحمد بن حفص بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة أبو عمرو - ويقال: اسمه: عبد الحميد له صحبة. وهو الذي طلق فاطمة بنت قيس. شهد خطبة عمر بالجابية وعارضه في عزل خالد بن الوليد بن المغيرة. وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مدح خالد. وكانت تحته فاطمة بنت قيس فطلقها، فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لا نفقة لك. وفاطمة بنت قيس هي أخت الضحاك بن قيس الفهري. طلقها أبو عمرو وهو غائب بالشام. أحمد بن الحكم أبو حزية ويقال أبو حرب البلقاوي من أهل البلقاء عمل دمشق. حدث عن عبد الله بن إدريس، قال: وهو أحد المجهولين - قال: وفد على مولاي ملك البجة رجل من أهل الشام يستميحه، يقال له عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج، فقدم إليه طعاماً على مائدة فتحركت القصعة على المائدة فأسندها الملك برغيف. فقال له عبد الرحمن بن هرمز: حدثني أبو هريرة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

أحمد بن حمدون بن إسماعيل بن داود

إذا خرجتم في حج أو عمرة فتمتعوا كيلا تتكلوا، وأكرموا الخبز فإن الله سخر له بركات السماء والأرض، ولا تسندوا القصعة بالخبز فإنه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع. أبو حزية بالحاء المهملة والزاي. أحمد بن حمدون بن إسماعيل بن داود أبو عبد الله الكاتب شاعر في غاية الظرف والملاحة والأدب. قدم دمشق في صحبة المتوكل وامتدحه البحتري. وذكره أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة في أسماء الشعراء، وأنشد له في أحمد بن محمد بن ثوابة. وكان ابن حمدون يلقبه لبابة، وكان ابن ثوابة قد دعا أبا القاسم عبيد الله بن سليمان بن وهب فترك لموسى بن بغا رغيفاً من بيت ابن ثوابة، فمات موسى من غد ذلك اليوم فقال شعراً. قال أبو عبد الله بن حمدون: كنت مع المتوكل لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة هشام بن عبد الملك يدور في قصوره وقصور ولده، ثم خرج فدخل إلى دير هناك قديم من بناء الروم حسن البناء بين مزارع وأنهار، فدخل، فبينا هو يدور إذ بصر برقعةٍ قد ألصقت في صدره فأمر بأن تقلع وتنزل فقلعت فإذا فيها مكتوب: من الطويل أيا منزلاً بالدير أصبح خالياً ... تلاعب فيه شمال ودبور كأنك لم يسكنك بيضٌ أوانسٌ ... ولم يتبختر في فنائك حور وأبناء أملاكٍ عباشم سادةٌ ... صغيرهم عند الأنام كبير إذا لبسوا أدراعهم فعنابس ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور على أنهم يوم اللقاء ضراغمٌ ... وأنهم يوم النوال بحور ولم يشهدوا الصهريج والخيل حوله ... لديه فساطيطٌ لهم وخدور

أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة

وحولك راياتٌ لهم وعساكرٌ ... وخيلٌ لها بعد الصهيل شخير ليالي هشام بالرصافة قاطنٌ ... وفيك ابنه يا دير وهو أمير إذ العيش غضٌّ والخلافة لدنةٌ ... وأنت طريرٌ والزمان غرير وروضك مرتاضٌ ونورك نير ... وعيش بني مروان فيك نضير بلى فسقاك الغيث صوب غمامةٍ ... عليك لها بعد الرواح بكور تذكرت قومي خالياً فبكيتهم ... بشجوٍ ومثلي بالبكاء جدير فعزيت نفسي وهي نفسٌ إذا جرى ... لها ذكر قومي أنةٌ وزفير لعل زماناً جار يوماً عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس تدور فيفرح محزونٌ وينعم يائسٌ ... ويطلق من ضيق الوثاق أسير رويدك إن اليوم يتبعه غدٌ ... وإن صروف الدائرات تدور فلما قرأها المتوكل ارتاع وتطير وقال: أعوذ بالله من سوء أقداره، ثم دعا بالديراني فقال: من كتب هذه الرقعة؟ قال: لا أدري والله، وأنا منذ نزل أمير المؤمنين هذا الموضع لا أملك من أمر الدير شيئاً، يدخله الجند والشاكرية ويخرجون وغاية قدرتي أني متولد في فلاتي، فهم بضرب عنقه وخراب الدير فكلمه الجلساء وقالوا: ليس هذا ممن يتهم بالانحراف عنك والميل إلى بني أمية. إنه ليس من أهل هذه الملة. ولم يزل الفتح بن خاقان يشفع إليه حتى أمسك عنه. ثم بان بعد ذلك أن الذي كتب الأبيات رجل من ولد روح بن زنباع الجذامي، وكانت أمه من موالي هشام. مات أحمد بن حمدون يوم الثلاثاء النصف من شعبان سنة أربع وستين ومئتين. أحمد بن حمزة بن محمد بن حمزة بن خزيمة أبو إسماعيل الهروي الحداد الصوفي، المعروف بعمويه شيخ الصوفية بهراة قدم دمشق، وسمع بها وأطرابلس وغيرها وصور ونهاوند ونيسابور.

أحمد بن حميد بن سعيد بن خالد

حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الشعر حكمة. سافر الكثير، ولقي المشايخ وطاف بالبلاد. توفي بهراة في غرة رجب سنة إحدى وأربعين وأربع مئة. وكان مولده سنة تسع وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن حميد بن سعيد بن خالد ابن حميد بن صهيب بن طليب بن بخيت بن علقمة بن الصبر أبو الحسن الأزدي، المعروف بابن أبي العجائز، وهو جده سعيد حدث عن جماعة. وروى عن علي بن غالب بن سلام بسنده عن سمرة أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فذلك أفضل. يعني يوم الجمعة.

من اسم أبيه على حرف الخاء

من اسم أبيه على حرف الخاء أحمد بن خالد أبو العباس الدامغاني نزيل نيسابور. سمع بدمشق والحجاز ومصر والعراق وغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع - ثم جمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا ثم قال: العالم والمتعلم في الخير شريكان، ولا خير في سائر الناس بعد. قال أبو زكريا: فالعالم والمتعلم في الأجر سيان، كما أن الداعي والمؤمن في الدعاء شريكان. وحدث أيضاً عن داود بن رشيد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سافروا تصحوا وتغنموا. قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن خالد شيخ مفيد، كثير الرحلة، سكن نيسابور، وتوفي بها. وقال غيره: توفي سنة ثمان وثمانين ومئتين. أحمد بن خالد رجل من أهل دمشق قال أحمد بن خالد: إن محمد بن صالح بن بيهس قال لبني حنظلة وجماعة من وجوه أهل المزة بحضرة عبد الله بن طاهر: سترتم أبا العميطر ومسلمة المرواني خلافاً على أمير المؤمنين؟ فقالوا له: نحن لم نسترهم حتى خلعوا أنفسهم مما تسموا به.

أحمد بن الخضر بن بكر بن حماد

أحمد بن الخضر بن بكر بن حماد ابن الخاضب أبو بكر الإمام حدث عن أبي عمر بن كودك بسنده عن زياد بن أبي زياد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الفتى يعني: عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة. أحمد بن خلف حدث عن أحمد بن أبي الحواري بسنده عن علقمة بن الحارث قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا سابع سبعة من قومي، فسلمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد علينا، وكلمناه فأعجبه كلامنا، فقال: ما أنتم؟ قلنا: مؤمنون، قال: لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانكم؟ قلنا: خمس عشرة خصلة، خمس أمرتنا بها رسلك، وخمس أمرتنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، ونحن عليها إلى الآن، إلا أن تنهانا يا رسول الله. قال: وما الخمس التي أمرتكم بها؟ قالوا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره. قال: وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي. قلنا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، ونقيم الصلاة المكتوبة، ونؤتي الزكاة المفروضة، ونصوم شهر رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إليه السبيل. قال: وما الخصال التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قلنا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والصدق في مواطن اللقاء، والرضا بمر القضاء، وترك الشماتة إذا حلت بالأعداء. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقهاء، أدباء، كادوا يكونون أنبياء من خصال ما أشرفها، وتبسم إلينا ثم قال: وأنا أوصيكم بخمس خصال. لتكمل لكم خصال الخير: لا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تتنافسوا فيما غداً عنه تزولون، واتقوا الله الذي يعني أنتم إليه راجعون وعليه تقدمون، وارغبوا فيما إليه تصيرون وفيه تخلدون.

أحمد بن خلف الدمشقي نزيل بخارى

أحمد بن خلف الدمشقي نزيل بخارى حدث عن أبيه قال: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: الشرب في الخزف لا تطيب به نفسي، أخاف أن يكون طرحوا في التراب النجاسة والنار لا تطهره عندي، والشرب في الصفر والنحاس ربما ظهر في الماء رائحته فأفسده، والشرب في الرصاص يضر الجوف، والشرب في الفضة حرام، فلا شيء أصلح من الشرب في الزجاج. قال الربيع: وكان الشافعي أكثر شربه في كوز زجاج أو قدح زجاج. أحمد بن خليد بن يزيد أبو عبد الله الكندي الحلبي سمع بدمشق وبحلب وبالثغور وبالحجاز وبحمص وبالعراق. حدث عن عبد الله بن يزيد بن راشد الدمشقي بسنده عن جابر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا طلاق لمن لا يملك، ولا عتاق لمن لا يملك. وحدث عن أبي نعيم الفضل بن دكين بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع زوجها أو ابنها أو ذي رحم. وقيل: أو ذي محرم. وحدث بسنده عن أبي كبشة الأنماري قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة من مغازيه، فنزل منزلاً فأتيناه فيه فرفع يديه وقال: الإيمان يمانٍ والحكمة ها هنا، إلى لخم وجذام. وحدث بحلب سنة ثمان وسبعين ومئتين عن يوسف بن يونس الأفطس بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كان يوم القيامة دعا الله عبداً من عبيده فيوقفه بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله.

أحمد بن الخير الأنطرطوسي الإمام

أحمد بن الخير الأنطرطوسي الإمام من عمل طرابلس، إمام جامع انطرطوس حدث بها عن أبي ثوبان مزداد بن جميل بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلوا العشاء قبل أن يكسل الكبير وينام الصغير.

من اسم أبيه على حرف الدال المهملة

من اسم أبيه على حرف الدال المهملة أحمد بن داود من العبّاد حدث أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول لأحمد بن داود: يابن داود، إن الناس كلهم قد عملوا على الرجاء، فإن استطعت أنت وحدك تعمل على الخوف فاعمل. حدث أحمد بن داود قال: بينما سليمان بن داود يمشي مع أبيه، وهو غلام، إذ سمع صوت الرعد، فخر ولصق بفخذ أبيه داود فقال له: يا بني هذا صوت مقدمات رحمته، فكيف لو سمعت صوت مقدمات غضبه؟ أحمد بن داود بن أبي نصر ويقال: ابن نصر ويقال: ابن نصير - أبو بكر الحنظلي القومسي السمناني سمع بدمشق وغيرها. حدث عن محمد بن حميد الرازي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتي على الناس زمان يخير الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك فليختر العجز على الفجور. وحدث عن مسروق بن المرزبان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أعجز الناس من عجز بالدعاء، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام.

أحمد بن أبي داود القاضي

وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل " كل يومٍ هو في شأنٍ " قال: من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين. توفي سنة خمس وتسعين ومئتين. أحمد بن أبي داود القاضي وهو أحمد بن أبي داود - اسم أبي داود: فرج - وقيل: دعمي - بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد بن سلام بن مالك بن عبد هند بن لخم بن مالك بن قنص بن منعة بن برجان بن دوس بن الدئل بن أمية بن حذاقة بن زهر بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان. قدم دمشق في صحبة المعتصم مجتازاً إلى مصر. حماها الله تعالى. قال المأمون لأحمد بن أبي داود: ما اسم أبيك؟ قال: هو اسمه. يعني الكنية. والصحيح أن اسمه كنيته. ولي ابن أبي داود قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن. قال ابن النطاح: أحمد بن أبي داود بن قبيلة يقال لهم بنو زهر إخوة قوم يعرفون بحذاق.

قال الصولي: وذكر أبو تمام الطائي هذا في خطابه لابن أبي داود فقال: من الكامل فالغيث من زهرٍ سحابة رأفةٍ ... والركن من شيبان طود حديد لأن ابن أبي داود كان غضب عليه فشفع فيه خالد بن يزيد الشيباني فلتلك قال: والركن من شيبان ... وحكى الصولي عن أبي العيناء عنه أنه قال: ولدت سنة ستين ومئة بالبصرة. قال أبو الهذيل: دخلت على ابن أبي داود وابن أبي حفصة ينشده: من الوافر فقل للفاخرين على نزارٍ ... ومنها خندفٌ وبنو إياد رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود فقال لي أبو عبد الله: كيف تسمع يا أبا الهذيل؟ فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النقب. قال أبو هفان: لما قال مروان بن أبي الجنوب في ابن أبي داود: رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود قلت: أنقض عليه: فقل للفاخرين على نزارٍ ... وهم في الأرض سادات العباد رسول الله والخلفاء منا ... ونبرأ من دعي بني إياد وما منا إيادٌ إذ أقرت ... بدعوة أحمد بن أبي داود وقال ابن أبي داود: ما بلغ مني أحد ما بلغ هذا الغلام المهزمي، لولا أني أكره أن أنبه

عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحدٌ مثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة بعروة. قال يعقوب بن أبي إسحاق الصائغ: لما وجه المأمون بأبي إسحاق المعتصم إلى مصر وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى الغرب قال ليحيى بن أكثم: ينبغي أن ترتاد لي رجلاً لبيباً، له علم وأمانة، أنفذه مع أبي إسحاق، وأوليه المظالم في أعماله، وأتقدم إليه سراً بمكاتبتي سراً بأخباره وما يجري عليه أموره، وبما يظهر ويبطن، وما يرى من أمور قواده وخاصته، وكيف تدبيره لي الأموال وغيرها، فإني لست أثق بأحد ممن يتولى البريد، وما أحب أن أجشمه بتقليد صاحب البريد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجل من أصحابه أثق بعقله ورأيه وصدقه، فقال: جئني به في يوم كذا. فصار يحيى بأحمد بن أبي داود إلى المأمون فكلمه فوجده فهماً راجحاً فقال له: أريد إنفاذك مع أخي أبي إسحاق وأريد أن تكتب بأخباره سراً وتفتقد أحواله وأموره وتدبيره وخبر خاصته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بن أكثم مع ثقاتك، فقال له أحمد: أبلغ لك في ذلك فوق ما قدرته عندي، فجمع المأمون بين أحمد بن أبي داود وبين المعتصم وقال: قد اخترت لك هذا الرجل، فضمه إليك، فأخذه المعتصم. فلما بلغوا الأنبار وافت كتب البريد بموافاة المعتصم بالأنبار، فقال المأمون ليحيى: ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟ فقال يحيى: لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تجب المكاتبة به. وكتب يحيى إلى أحمد يعنفه ويخبره إنكار أمير المؤمنين تأخر كتبه، فوقف أحمد على الكتاب واحتفظ به ولم يجب عنه، وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة، ولم يكتب أحمد بحرف واحد من أخبار المعتصم، وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم للرحبة وأخبار عسكره، فتضاعف إنكار المأمون على يحيى، وكتب يحيى إلى أحمد وأغلظ له المخاطبة وأسمعه المكروه، فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به. وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة فتضاعف إنكار المأمون على يحيى وقال له: يا سخين العين، هذا مقدار رأيك وعقلك اللئيم إلا أن تكون غررتني متعمداً. فكتب إلى أحمد كتاباً يشتمل على كل إيعاد وإرهاب وتحذير وتخويف وخاطبه بأفحش مخاطبة فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.

وأمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي داود مشدودة يده إلى عنقه مثقلاً بالحديد محمولاً على غير وطاء، فورد الكتاب على المعتصم. ودخل أحمد بن أبي داود إليه وهم بالرقة ما جاوزوها، فرأى المعتصم كئيباً، مغموماً، فقال: أيها الأمير، أراك مفكراً، وأرى لونك حائلاً. فقال: نعم، الكتاب ورد علي من أجلك، ونبذ إليه بالكتاب، فقرأه أحمد، فقال له المعتصم: تعرف لك ذنباً يوجب ما كتب به أمير المؤمنين؟ قال: ما اقترفت ذنباً، إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلا بحجة، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟ فقال: أمر أمير المؤمنين لا يخالف، لكني أعفيك من الغل والحديد وأحملك على حال لا توهنك، وأوجهك مع غلام من غلماني أتقدم إليه بترفيهك وأن لا يعسفك فشكره وقال: إن رأيت أن تأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني إلى أن أعود فافعل. فقال له: امض ووجه معه خادماً، فصار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة ورجع إلى المعتصم فأقرأه إياها، وقال: إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقد أحوالك، وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين، فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك ولما أملته منك، فاستشاط المعتصم غضباًن وكاد يخرج من ثيابه غيظاً، وتكلم في يحيى بكل مكروه، وتوعده بكل بلاء وقال لأحمد: يا هذا، لقد رعيت لنا رعايةً لم يتقدمها إحساننا إليك، وحفظت علينا ما نرجو أن يتسع لمكافأتك عليه، ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك، أو أوثر خاصة أو حميماً عليك ما امتد بي عمر، فكن معي فأمرك نافذ في كل ما ينفذ فيه أمري، ولم يجب المأمون على كتابه، ولم يزل معه إلى أن ولي الخلافة وإلى أن ولي الواثق وإلى أيام المتوكل، فأوقع به. نقلته مختصراً. قال أبو نصر بن ماكولا: داود: بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة: أحمد بن أبي داود قاضي المعتصم والواثق،

كان موصوفاً بجودة الرأي والكرم، وهو الذي امتحن العلماء بالقول في القرآن، وبدعوتهم إلى خلق القرآن. كان يقال: أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة ثم ابن أبي داود، لولا ما وضع نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحدٍ. وكان شاعراً مجيداً فصيحاً بليغاً. قال أبو العيناء: ما رأيت رئيساً أفصح ولا أنطق من ابن أبي داود. حدث حريز بن أحمد بن أبي داود أبو مالك قال: كان أبي إذا صلى رفع يده إلى السماء وخاطب ربه وأنشأ يقول: من الكامل ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب قال محمد بن بوكرد: لم يكن لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود أخ من الإخوان إلا بنى له داراً على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبداً، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جاريةٍ هو وهبها له. دخل أبو تمام الطائي على أحمد بن أبي داود فقال له: أحسبك عاتباً يا أبا تمام؟ قال: إنما يعتب على واحدٍ، وأنت الناس جميعاً فكيف يعتب عليك؟ فقال من أين هذه يا أبا تمام؟ قال: من قول الحاذق - يعني: أبا نواس - للفضل بن الربيع: من السريع وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد قال علي الرازي: رأيت أبا تمام عند ابن أبي داود، ومعه رجل ينشد عنه: من الوافر

لقد أنست مساوىء كل دهرٍ ... محاسن أحمد بن أبي داود وما سافرت في الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي يقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد فقال ابن أبي داود: هذا المعنى تفردت به أو أخذته؟ قال: هو لي وقد ألمحت فيه بقول أبي نواس: من الطويل وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني قال مسبح بن حاتم: لقيني قاضي القضاة أحمد بن أبي داود فقال بعد أن سلم علي: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت له: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني. فقال لي: صدقت. وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم. قال أبو خليفة الفضل بن الحباب: كان في جوارنا رجل حذاء فاحتاج في أمر له أن يتظلم إلى الواثق، فأخبرنا أنه رفع قصته إليه فأمر برده إلى ابن أبي داود مع جماعة من المتظلمين قال: فحضرت إليه ينظر في أمور الناس، وتشوقت لينظر في أمري فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحدٌ فقال لي: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر القاضي. قال: ولكني أعرفك، مضيت يوماً في الخلاء فانقطعت نعلي وأعطيتني شسعاً لها، فقلت لك: إني أجيئك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت: وما مقدار ما فعلت، امض في حفظ الله، والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي ثم وقع لي في ظلامتي ووهب لي خمس مئة درهم، وقال: زرني في كل وقت. قال: فرأيناه بمتسع الحال بعد أن رأيناه مضيقاً. حدث أبو مالك حريز بن أحمد بن أبي داود قال: قال الواثق يوماً لأبي تضجراً بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلت بيوت الأموال بطلباتك، اللائذين بك والمتوسلين إليك فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فقال: يا أبا عبد الله،، والله لا منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوي من همتك، فتناولنا بما أحببت.

قال الحارث بن أسامة: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي داود، فدفعها إليهم فكلمه نظراؤهم ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فقال له: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك وأجهد في عمل غيرها لفعلت، وكيف أبخل بمالٍ أنت ملكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف بهم الأجر؟ قال: فوصله بمئة ألف درهم ففرق جميعها في بني هاشم. قال محمد بن عمرو الرومي: ما رأيت قط أجمع رأياً من ابن أبي داود، ولا أحضر حجةً، قال له الواثق: يا عبد الله، رفعت إلي رقة وفيها كذبٌ كبيرٌ، قال: ليس بعجبٍ أن أحسد على منزلتي من أمير المؤمنين، فيكذب علي قال: زعموا فيها أنك وليت القضاء رجلاً ضريراً. قال: قد كان ذاك، وأمرته أن يستخلف، وكنت عازماً على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت ذلك له. قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار - يعني أبا تمام - قال: ما كان ذلك ولكن أعطيته دونها، وقد أثاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن زهير الشاعر، وقال في آخر: اقطع عني لسانه. وهذا شاعر طائيٌّ مداحٌ لأمير المؤمنين مصيب محسن لو لم أرع له إلا قوله للمعتصم صلوات الله عليه في أمير المؤمنين أعزه الله: من الكامل واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكنٌ لوحشتها ودار قرار ولقد علمت بأن ذلك معصمٌ ... ما كنت تتركه بغير سوار قال: فوصل أبا تمام بخمس مئة دينار. قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قال أبو تمام حبيب بن أوس: من الوافر

أيسلبني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كفٍّ جماد زعمت إذاً بأن الجود أمسى ... له ربٌّ سوى ابن أبي داود قال ابن الأعرابي: سأل رجلٌ قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عير فقال: يا غلام، أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً وفرساً وجارية ثم قال: أما والله لو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك. قال أبو العيناء: ما رأيت في الدنيا أحداً أحرص على أدب من ابن أبي داود، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوماً قط فقال: يا غلام خذ بيده، بل كان يقول: يا غلام اخرج معه، فكنت أنتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره. قال عون بن محمد الكندي: عهدي بالكرخ ببغداد وإن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم قتل في مكانه، ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي ما كان مثله قط، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس وقال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء يفرق فيهم يمسك أرماقهم ويبنون به ما انهدم عليهم، ويصلحون به أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم فقال: يا أمير المؤمنين، إن فرقها عليهم غيري خفت ألا تقسم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أكبر والثناء أوفر. قال: ذلك إليك، فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم. وغرم من ماله في ذلك غرماً كبيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها. قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وإن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ لقتل. حدث علي بن الحسين الاسكافي قال: اعتل أحمد بن أبي داود فعاده المعتصم فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين، فدعا له بالعافية وقال له: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف

دينار فقال له: يا أمير المؤمنين، اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً، فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فقال له: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد: من البسيط إن المكارم والمعروف أوديةٌ ... أحلك الله منها حيث تجتمع من لم يكن بأمين الله معتصماً ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع فقيل للمعتصم في ذلك لأنه عاده وليس يعود إخوته وأخلاء أهله فقال المعتصم: كيف لا أعود رجلاً ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أوجب لي شكراًن أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط. قال محمد بن عبد الملك الزيات: كان رجلٌ من ولد عمر بن الخطاب لا يلقى أحمد بن أبي داود في محفلٍ ولا وحده إلا لعنه ودعا عليه، وابن أبي داود لا يرد عليه شيئاً. قال: فعرضت لذلك الرجل حاجة إلى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه، فمطلته واتقيت ابن أبي داود، فلما ألح علي عزمت على أن أوصل قصته، وتذممت من مطلبي. فدخلت ذات يوم على المعتصم وقصته معي واغتنمت غيبة ابن أبي داود فرفعت قصته إليه، فهو يقرأها إذ دخل ابن أبي داود والقصة في يد المعتصم، فلما قرأها دفعها إلى ابن أبي داود، فلما نظر إليها، واسم الرجل في أولها قال: يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، ينبغي أن يقضى لولده كل حاجة له، فوقع له أمير المؤمنين بقضاء الحاجة. قال محمد بن عبد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت له: تشكر لأبي عبد الله القاضي فهو الذي اعتنق قصتك وسأل أمير المؤمنين في قضاء حاجتك. قال: فوقف حتى خرج ابن أبي داود، فجعل يدعو له ويتشكر له فقال له: اذهب عافاك الله فإني إنما فعلت ذلك لعمر بن الخطاب لا لك. قال إسحاق بن إبراهيم: كنت عند الواثق يوماً، وهو بالنجف، فدخل ابن أبي داود، فقعد معنا نتحدث ولم

يك خرج الواثق بعد، فقال لي أحمد بن أبي داود: يا إسحاق قلت: لبيك، قال: أعجبني هذان البيتان، قلت: أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور، فأنشدني: من الطويل ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني فإن ولدت ما بين تسعة أشهرٍ ... إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني فقلت: قد أجاد، ولكني أنشدك بيتين أرجو أن يعجباك قال: هات، فأنشدته من الطويل ولما رمت بالطرف غيري ظننتها ... كما أثرت بالطرف توثر بالقلب وإني بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكن سوء الظن من شدة الحب قال: أحسنت يا إسحاق وخرج الواثق فقال: فيم أنتم! فحدثه ابن أبي داود وأنشده، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر لابن أبي داود بثلاثين ألفاً، فلما رجعت إلى منزلي أصبت في منزلي أربعين ألفاً فقلت: ما هذا؟ فقيل وجه إليك أبو عبد الله بهذا. قال الحسن بن خضر: كان ابن أبي داود مألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وكان قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم. فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلم فيه؟ إن هذا لوهنٌ وتقصيرٌ، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر فقال أحدهم: من البسيط اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيمٍ من الكفن وتقدم الثاني فقال: من الكامل ترك المنابر والسري تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامدٌ وأجور وقام الثالث فقال: من الطويل وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف

وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنها أصلاب قومٍ تقصف قال الحسن بن ثواب: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن مخلوق قال: كافر. قلت فابن أبي داود؟ قال: كافر بالله العظيم. قلت: بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال الله تعالى: " ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم " فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم. قال علي بن الموفق: ناظرت قوماً أيام المحنة. قال: فنالوني بما أكره، فعدت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إلي امرأتي عشاء، فقلت لها: لست آكل، فرفعته، ونمت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان يعني: إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي داود وأصحابه، فوقف بين الحلقتين وأشار بيده فقال: " فإن يكفر بها هؤلاء " وأشار إلى حلقة ابن أبي داود " فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين " وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل. قال محمد بن يحيى الصولي: كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي داود ويستحيي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس، فلما فلج أحمد ابن أبي داود في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أول ما ولي المتوكل الخلافة ولى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومئتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي داود وابنه بشراء ضياعهم وحدرهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثر ما كان إلى ابن أبي داود. وهجاهما علي بن الجهم وغيره.

قال محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ محصوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه - يعني ابن أبي داود - قال: فأدخل الشيخ في مصلاه. قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك. قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " والله ما حييتني بها ولا أحسن منها. فقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم، فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفني - يعني ولي السؤال - فقال له: سل، فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه فقال: سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟!. قال: فخجل، وقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها قال: نعم، قال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟. فقال: علموه ولم يدعوا الناس إليه قال: أفلا وسعك ما وسعهم. قال: ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت، سبحان الله شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عماراً الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربع مئة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داود ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. ومما قيل في ابن أبي داود: من الوافر إلى كم تجعل الأعراب طراً ... ذوي الأرحام منك بكل واد تضم على لصوصهم جناحاً ... لتثبت دعوة لك في إياد فأقسم أن رحمك في إيادٍ ... كرحم بني أمية من زياد

قال عبد العزيز بن يحيى المكي: دخلت على أحمد بن أبي داود، وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائداً، ولكني جئت لأحمد الله على أن سجنك في جلدك. قال أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان ابن أخي معروف الكرخي قال: رأيت في المنام كأني وأخاً لي نمر على نهر عيسى على الشط، وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينا نحن نمشي إذ امرأة تقول لصديقي هذا: ما تدري ما حدث الليلة؟ أهلك الله ابن أبي داود. فقلت أنا لها: وما كان سبب هلاكه؟ قالت: أغضب الله عليه فغضب عليه من فوق سبع سماوات. قال يوماً سفيان بن وكيع لأصحابه: تدرون ما رأيت الليلة؟ وكانت الليلة التي رأوا فيها النار ببغداد وغيرها، قال: رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هذا الكلام. فقلت: ما هذا؟ قال: أعدت لابن أبي داود. قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود - وهو وأبوه منكوبان - في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات أبوه في المحرم سنة أربعين ومئتين يوم السبت لتسع بقين منه فكان بينه وبين ابنه شهر أو نحوه، ودفن في داره ببغداد وصلى عليه ابنه العباس.

من اسم أبيه على حرف الذال

من اسم أبيه على حرف الذال أحمد بن ذكوان إمام مسجد دمشق قال: أخطأ فيه بعض النقلة، وذكر أنه روى عن عراك بن خالد. حدث عن عراك بن خالد بن يزيد بن صبيح المري بسنده عن عكرمة قال: لما عزي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات. قال: هكذا روي. والحديث محفوظ عن عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرىء إمام جامع دمشق، وهو مذكور في ترجمته.

من اسم أبيه على حرف الراء

من اسم أبيه على حرف الراء أحمد بن ربيعة بن سليمان ابن خالد بن عبد الرحمن بن زبر والد القاضي أبي محمد حدث عن جماعة، وروى عنه ولده أبو محمد عبد الله بن أحمد القاضي. حدث أحمد بن ربيعة بسنده قال: كان أبو جعفر المنصور قد استعمل على معونة البصرة عقبة بن سلم الهنائي، فذكر من إقدامه على دماء المسلمين وأموالهم وتجبره وعتوه على الله عز وجل أمراً منكراً فظيعاً، وكان على القضاء يومئذ سوار بن عبد الله، قال: فقدم رجل من التجار في البحر بجوهرة نفيسة فبلغ خبرها عقبة بن سلم فأخذ الجوهرة منه وسجنه، فجاءت زوجة له إلى سوار بن عبد الله فقالت له: أنا بالله ثم بالقاضي فقال: وما شأنك؟. قالت: إن زوجي قدم من البحر ومعه جوهرة نفيسة، فبلغ الأمر عقبة بن سلم فخبرها فاغتصبه إياها وحبسه في السجن، قال: فبعث إليه سوار رسولاً يذكر له ما تظلمت منه المرأة إليه ويقول: إن كان ذلك حقاً فأطلق الرجل واردد عليه جوهرته، فزجره عقبة وشتم سواراً شتماً قبيحاً، فرجع الرسول فأخبر سواراً بذلك، فوجه سوار لجماعة من أمنائه بمثل تلك الرسالة ليسمعوا ما يرد الجواب فأتوه فأدوا الرسالة فرد عليهم من الشتم لهم ولسوار أمراً قبيحاً، فأتوه فأخبروه بذلك، فأرسل إليه سوار: والله لئن لم تطلق الرجل وترد عليه جوهرته لآتينك في ثياب بياض ماشياً ولأدمرن عليك بغير سلاح ولا رجال، ولأقتلنك قتلة يتحدث بها الناس. فلما سمع جلساؤه رسالة سوار قالوا له: أيها الأمير، إنه والله ما يقول شيئاً إلا يفعله، وهو سوار قاضي أمير المؤمنين، وقبائل مضر وتميم وبلعنبر كلها مستجيبة له، وأنت رجل من أهل اليمن ليس بالنصرة من عشيرتك كثير، فأجبه إلى ما أمر

أحمد بن روح بن زياد بن أيوب

به، فوجه عقبة بالرجل وبالجوهرة. ووجه معه رجالاً يشهدون عليه بقبض الرجل والجوهرة. فلما صاروا إليه صاح بهم: يا أعداء الله بماذا تشهدون علي: تطلق الرجل وترد عليه جوهرته؟! قال: فانصرفوا مرعوبين. توفي أحمد بن ربيعة يوم السبت السادس والعشرين من رمضان سنة ست وثمانين ومئتين. أحمد بن روح بن زياد بن أيوب أبو الطيب البغدادي الشعراني حدث عن جماعة منهم محمد بن حرب النشائي وغيره روى عن محمد بن حرب النشائي بسنده عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما قالتا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد لغير زوجها فوق ثلاث. وروى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن عرزب الكندي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنه سيحدث بعدي أشياء فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر. قدم أحمد بن روح أصبهان قبل التسعين ومئتين. أحمد بن ريحان بن عبد الله أبو الطيب البغدادي حدث بصيدا عن جماعة. روى عن عباس الدوري بسنده عن أبي أوفى أنه تبع جنازة، فكان يسأل قائده إن كان أمامها برده حتى يؤخره. فلما وصلت إلى المقابر قام، فصلى، فكبر ثلاث تكبيرات ثم كبر الرابعة، ثم صبر حتى سبحنا به طويلاً فخفنا يكبر الخامسة، فلما انفتل سلم فقال: أظننتم أني أكبر الخامسة. إنما فعلت كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث أحمد بن ريحان بالرملة وصيدا ونزل بالشام.

من اسم أبيه على حرف الزاي

من اسم أبيه على حرف الزاي أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب أبو الحسن المقدسي قدم دمشق مجتازاً إلى الكوفة. روى عن جماعة. حدث عن إسماعيل بن حمدويه الببكندي بسنده عن تبهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به، ويل له ويل له. وحدث عن أبي عبد الرحمن أحمد بن شيبان بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة. وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة. المعروف أن كنية أحمد بن شيبان: أبو عبد المؤمن.

من اسم أبيه على حرف السين

من اسم أبيه على حرف السين أحمد بن سالم المري ويقال أحمر بالراء شاعر قدم على عبد الملك بن مروان وامتدحه. قال عمر بن شبة: قدم أحمد بن سالم المري على عبد الملك بن مروان فقال له: كيف قلت: من الطويل مقل رأى الإقلال عاراً ... فأنشده: من الطويل مقل رأى الإقلال عاراً فلم يزل ... يجوب بلاد الله حتى تمولا إذا جاب أرضاً ينتويها رمت به ... مهامة أخرى عيسه فتغلغلا فلما أفاد المال جاد بفضله ... لمن جاءه يرجو جداه مؤملا فأعطى جزيلاً من أراد عطاءه ... وذو البخل مذمومٌ يرى البخل أفضلا قال: حاجتك؟ قال: أنت أعلى بالجميل عيناً فأمر له بعشرة آلاف درهم وأحلقه بالسرف يعني من العطاء. قال علي بن بكر: يقال: أربعة آلاف هو سرف العطاء. فخرج وهو يقول: من الطويل بكف ابن مروانٍ حييت وناشني ... لأهلي من دهرٍ كثير العجائب في قصيدة، فراح بها عليه فقال: أكنت أعددت هذا؟ قال: لا. قال: أتكيل القول، فقل ولا تكثر. فإنه من أكثر هذر، وقليلٌ كافٍ خيرٌ من كثيرٍ شافٍ وأمر له بأربعة آلاف.

أحمد بن سباع أحد المتعبدين

وقال: إياك وأعراض الناس، فإن لك لساناً لا يدعك حتى يلقيك تحت كلكل هزبرٍ أبي شبلين يصمعك صمعةً لا بقية لك بعدها. فخرج إلى العراق فأتى الكوفة فأتى الحجاج بقصيدة يقول فيها من الطويل ثقيفٌ بقايا من ثمودٍ ومالها ... أبٌ ثابتٌ في قيس عيلان ينسب وأنت دعيٌّ يابن يوسف فيهم ... زنيمٌ إذا ما حصلوا يتذبذب فطلبه الحجاج فهرب فأدرك بهيت فأتي به الحجاج فأمر به، فأحرق ثم ذري في اليم، وتمثل بقول هشام بن قبيصة النميري قالها لابن محلاة الطائي وقتل بمرج راهط أبيات منها: بما أجرمت كفاك لاقيت ما ترى ... فلا يبعد الرحمن غيرك هالكا أحمد بن سباع أحد المتعبدين من إخوان أبي سليمان

أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد

حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: وجاءنا زبد بعسل فجعله يلعقه العوام منا ولا يأكل منه شيئاً، ونأكل نحن منه، قال: فقلت له: تطعمنا الشهوات؟ وتنهانا عنها، قال: إني أعرف أنكم تشتهونها، فأنا أحب أن أطعمكم شهوتكم، ولو جاءني من يعرف - يعني أهل الزهد - لم أزدهم عن الملح والخبز. قلت له: تطعمنا الزبد بالعسل ولا تأكله؟ قال: إني أخافه، إن الزبد بالعسل إسراف ثم رأيته بعد ذلك في بيت ابن سباع وقد جاءه بسكرجة فيها زبد وعسل ورغيف درمك فأكل منه. فقلت له: يا أستاذ، لم لا تأكله في بيتك وتأكله ها هنا! قال: من أكل ليسر به أخاه لم يضره أكله، إن عامل الله لا يخيب على كل حال، إنما يضره أكله لشهوة نفسه. قال: وسمعت أبا سليمان يقول: لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخي لأحببت أن أضعها في فيه. حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان: إن عباداً وأحمد بن سباع قد ذهبوا إلى الثغر!! فقال لي: إن الأباق عبيد السوء، والله والله ما فروا إلا منه فكيف يطلبونه في الثغور. أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إبراهيم الزهري سمع بدمشق وبمصر وبالعراق. وروى عنه جماعة. وكان يعد من الأبدال وسكن بغداد وخرج إلى الثغر. حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكير بسنده عن معاذ بن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الذكر يفضل على الصدقة في سبيل الله. وحدث عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة وليس فيما دون خمس ذودٍ صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة. حدث أبو إبراهيم الزهري قال: كنت جائياً من المصيصة فمررت باللكام، فأحببت أن أراهم - يعني المتعبدين - هناك، فقصدتهم ووافقت صلاة الظهر، قال: وأحسبه رأى فيهم إنساناً عرفني فقلت له: هل فيكم رجل تدلوني عليه، فقالوا: هذا الشيخ الذي يصلي بنا، فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر، فقال له ذلك الرجل: هذا من ولد عبد الرحمن بن عوف، وجده أبو أمه سعد بن معاذ، قال: فبش بي وسلم علي كأنه، مذ كان، يعرفني. قال: فقلت له أنا بالحنبلية: من أين تأكل؟ فقال لي: أنتم مقيم عندنا؟ قلت: أما الليلة فأنا عندكم، قال: ثم مضيت، فجعل يحدثني ويؤانسني حتى جاء إلى كهف جبل، فقعدت، ودخل فأخرج قعباً يسع رطلاً ونصفاً قد أتى عليه الدهور، ثم وضعه وقعد يحدثني حتى إذا كادت الشمس أن تغرب اجتمعت حواليه ظباء فاعتقل منها ظبية، فحلبها حتى ملأ القدح، ثم

أحمد بن سعد بن الحسن بن النضر

أرسلها، فلما سقط القرص حساه ثم قال: ما هو غير ما ترى، ربما احتجت إلى الشيء من هذا، فيجتمع حولي هذه الظباء فآخذ حاجتي وأرسلها. وكان أحمد بن سعد معروفاً بالخير والصلاح والعفاف إلى أن مات. وكان مذكوراً بالعلم والفضل موصوفاً بالزهد، من أهل بيت كلهم علماء ومحدثون. توفي يوم السبت ودفن يوم الأحد لخمس خلون من المحرم سنة ثلاث وسبعين وقد بلغ خمساً وسبعين سنة، وكان ميلاده سنة ثمان وتسعين، ودفن في مقبرة التبانين. أحمد بن سعد بن الحسن بن النضر أبو العباس الشيحي المعدل حدث عن جماعة حدث عن أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون المصري قال: قال الحسن بن خالويه: كنت عند سيف الدولة وعنده ابن بنت حامد فناظرني على خلق القرآن. فلما كان تلك الليلة نمت فأتاني آتٍ فقال: لم لم تحتج عليه بأول القصص " طسم، تلك آيات الكتاب المبين، نتلو عليك " والتلاوة لا تكون إلا بالكلام؟ سكن بغداد وحدث بها. وله كتاب مصنف في الزوال وعلم مواقيت الصلاة. وكان ثقة صالحاً ديناً حسن المذهب. وشهد عند القضاة وعدل. ثم ترك الشهاد تزهداً. ومات في ذي القعدة سنة ست وأربع مئة ودفن بباب حرب. أحمد بن سعيد بن سعد أبو الحسين البغدادي المعروف بالذهبي وكيل دعلج قدم دمشق في سنة سبع وستين وثلاث مئة. وحدث بها وببغداد وبمصر.

أحمد بن سعيد بن عبد الله

حدث عن أبي مزاحم، يعني موسى بن عبيد الله الخاقاني بسنده عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بالحج والعمرة، وإن ركبتي لتصيب ركبته. توفي أبو الحسين أحمد بن سعيد الدعلجي صاحب دعلج في طريق مكة بقرب مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفن هناك في المحرم سنة سبعين وثلاث مئة. أحمد بن سعيد بن عبد الله أبو الحسن المؤدب الدمشقي من أهل دمشق، سكن بغداد، وحدث عن جماعة حدث عن أبي الوليد هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان السلمي الدمشقي بسنده عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الغلام مرتهن بعقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى. قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الصدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرحم ثنتان: صلةٌ وصدقةٌ وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات وليس عليه إمام فميتة الجاهلية. ومن مات تحت راية عصبية يدعو إلى عصبية وينصر عصبية فقتلة جاهلية. كان أحمد بن سعيد مؤدباً لعبد الله بن المعتز بالله وكان صادقاً. مات في يوم الخميس لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة ست وثلاث مئة بالجانب الغربي من بغداد، ولم يغير شيبه. أحمد بن سعيد بن محمد بن الفرج وقيل أحمد بن محمد بن سعيد أبو الحارث المعروف بابن أم سعيد رحل وروى عن جماعة، وروى عنه جماعة.

أحمد بن سعيد أبو بكر الطائي الكاتب

حدث عن عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي بسنده عن النعمان بن بشير عن أبيه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم الله عبداً سمع مقالتي فحفظها، فرب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين. توفي أبو الحارث أحمد بن سعيد يوم الثلاثاء بعد العصر لسبع بقين من شعبان سنة عشرين وثلاث مئة. وقيل: كانت وفاته في رمضان من السنة. وكان شيخاً جليلاً من أهل دمشق. أحمد بن سعيد أبو بكر الطائي الكاتب مصري، سكن دمشق. حدث عن أبي العباس بن قهيدة قال: قال لي عمرو بن الحسن: رأيت إبليس في النوم، وهو راكب كركدن، يقوده بأفعى، فقال: يا عمرو بن الحسن سلني حاجتك، فدفعت إليه رقعة كانت معي، فوقع فيها: من السريع ألم تر القاضي وأصحابه ... ما يفعل الله بأهل القرى بلى ولكن ليس من شغله ... إلا إذا استعلى أذل الورى فليت أني مت فيمن مضى ... ولم أعش حتى أرى ما أرى وكل ذي خفضٍ وذي نعمةٍ ... لابد أن يعلو عليه الثرى ثم قال لي: يا عمرو بن الحسن، لا تحسدن أحداً، فإن الحسد صيرني إلى ما ترى، وغش ابني آدم ينفق عندهم. وضرب كركدنه ومضى. لعنه الله. قال الحافظ: وقد وقعت لي هذه الحكاية من وجهٍ آخر إلا أنه قيل فيها: عمرو بن محمد، وحكي معناها عن عمرو بن محمد قاضي البصرة. قال أبو سليمان بن زبر: اجتمعت أنا وعشرة، منهم أبو بكر الطائي، نقرأ فضائل علي بن أبي طالب في جامع

أحمد بن أبي السفر

دمشق، فوثب إلينا نحو المئة من أهل الجامع يريدون ضربنا. وأخذ واحد منهم يلحقني، فجاء بعض الشيوخ إلي، وكان قاضياً، في الوقت، فخلصوني من أيديهم، وعلقوا أبا بكر الطائي فضربوه، وعملوا على أنهم يسوقونه إلى الشرطة في الخضراء، فقال لهم أبو بكر: يا سادة إنما كنا في فضائل علي، وأنا أخرج لكم غداً فضائل معاوية أمير المؤمنين. واسمعوا هذه الأبيات التي قلتها وأنشأ يقول بديهاً: من السريع حب عليٍّ كله ضرب ... يرجف من خيفته القلب فمذهبي حب إمام الهدى ... يزيد والدين هو النصب من غير هذا قال فهو امرؤ ... مخالفٌ ليس له لب والناس من ينقد لأهوائهم ... يسلم وإلا فالقفا نهب فخلوه وانصرفوا. قال أبو سليمان: فقال لي الطائي: والله، لاسكنت دمشق، ورحل منها إلى حمص. قال أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني: رأيت أحمد بن سعيد الطائي شيخاً كبيراً في مجلس أبي الحسن الأخفش سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة. وله شعر منه قوله: من المديد كيف تحوي دقة الفكر ... من حكته صورة القمر رق حتى خلته ملكاً ... خارجاً عن جملة البشر فعيون الوهم تجرحه ... بخفي اللحظ والنظر أحمد بن أبي السفر ويقال ابن أبي العسر قال أحمد بن أبي السفر: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من أكل كراث بقل المائدة لم تقربه الملائكة سبعة أيام. ومن أكل الثوم لم تقربه الملائكة أربعين يوماً.

أحمد بن سلمة بن الضحاك

وقال أحمد بن أبي العسر: سمعت أبا سليمان يقول: من أكل كراث بقل المائدة لم تقربه الملائكة ثلاثة أيام، ومن أكل البصلة لم تقربه الملائكة سبعة أيامٍ. ومن أكل الثوم لم تقربه الملائكة أربعين يوماً. أحمد بن سلمة بن الضحاك دمشقي. وقيل مصري. حدث عن جماعة. روى عن محمد بن ميمون بن كامل الزيات بسنده عن أبي أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع قالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: خلق الله ريحاً قبل الأرواح بألفي عام يقال لها الأزيب، مغلق عليها أبواب الجنة، تخرج من شقوق تلك الأبواب ريح وهي الجنوب، ما هبت قط إلا هب معها وادٍ يسيل، يرى أو لم ير. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي أمامة الباهلي وجماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا عرج بعمل ابن آدم قال الله: انظروا في عمله، وهو أعلم بذلك منهم، فإن كان أصبح فسبح أول النهار وعمل خيراً فخذوا آخر النهار بأوله وألغوا ما بين ذلك. قال: وكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: من أحسن أو من أراد الله يحسن عمله طرفي النهار يغفر له ما بينهما. أحمد بن سلمة بن كامل بن إبراهيم أبو العباس المري حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده له ذاماً.

أحمد بن سلمة الأنصاري أبو موسى

أحمد بن سلمة الأنصاري أبو موسى من أهل دمشق. حدث عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة. وذكر في هذا الحديث اختلافاً. أحمد بن سليمان بن أيوب ابن داود بن عبد الله بن حذلم أبو الحسن الأسدي القاضي كان يذهب مذهب الأوزاعي في الفقه. روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. وولي قضاء دمشق نيابة عن الحسين بن عيسى بن هزوان، وكان ابن هزوان من قبل أبي طاهر محمد بن أحمد قاضي دمشق، ثم وليه بعد ذلك نيابة عن أبي الطاهر محمد بن أحمد الذهلي. وكان حذلم نصرانياً من أهل الشبعاء فأسلم على يدي الحسن بن عمران السلمي الحراني صاحب خراج دمشق. حدث أحمد بن سليمان عن بكار بن قتيبة بسنده عن ابن سيرين قال: قلت لأنس بن مالك: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خضب؟ قال: إنه لم يكن رأى من الشيب إلا ولكن خضب أبو بكر وعمر بالحناء والكتم.

أحمد بن سليمان بن زبان بن الحباب

وحذلم بفتح الحاء وسكون الذال المعجمة وبعدها لام مفتوحة. وكان أحمد بن سليمان آخر من كانت له حلقة في جامع دمشق يدرس فيها مذهب الأوزاعي. وكان شيخاً جليلاً من معدلي دمشق، وكان على قضاء دمشق. ومات في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وثلاث مئة، وهو ابن تسع وثمانين سنة، وكان ثقة مأموناً نبيلاً. وذكر أنه رأى مولده بخط أبيه سنة سبع أو تسع وخمسين ومئتين. قال أبو القاسم تمام بن محمد الرازي الحافظ: كان القاضي أبو الحسن أحمد بن سليمان ابن حذلم له مجلس في الجمعة يملي فيه في داره، فحضرنا مجلسه، فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وعن يمينه أبو بكر وعمر، وعن يساره عثمان وعلي رضي الله عنهم في داري، فجئت فجلست بين يديه وقال لي: يا أبا الحسن، قد اشتقنا إليك فما اشتقت إلينا؟ قال: فلم تمض له جمعة حتى توفي رحمه الله في النصف من شوال سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن سليمان بن زبان بن الحباب ويقال: أحمد بن سليمان بن إسحاق بن زياد بن يحيى أبو بكر الكندي المعروف بابن أبي هريرة من ولد عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس. قرأ القرآن. وروى عن جماعة. وروى عنه جماعة. حدث بدمشق سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن المخنثين وقال: أخرجوهم من بيوتكم. سئل عن مولده فقال: ولدت سنة خمس وعشرين ومئتين بدمشق. وتوفي في أول جمادى الآخر سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة وقيل: توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين.

أحمد بن سليمان أبو بكر الزنبقي الصوري

وزبان بالزاي والنون أولها التي بعدها باء مشددة معجمة بواحدة. وكان أحمد بن سليمان يعرف بالعابد لزهده وورعه. أحمد بن سليمان أبو بكر الزنبقي الصوري سكن عرقة. حدث عن جماعة. روى عن مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة، عن سمرة بن جندب بسم الله الرحمن الرحيم. من سمرة إلى بنيه سلام عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فإني أوصيكم أن تتقوا الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتجتنبوا الخبائث التي حرم الله، وتسمعوا وتطيعوا لله ولرسوله وكتبه وللخليفة الذي يقوم على أمر الله وجميع المسلمين. أما بعد. فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نصلي أي ساعة شئنا من الليل والنهار، غير أنه أمرنا أن نجتنب طلوع الشمس وغروبها وقال: إن الشيطان يغيب معها حين تغيب، ويطلع معها حين تطلع، وأمرنا أن نحافظ على الصلوات كلهن، وأوصانا بالصلاة الوسطى ونبأنا أنها صلاة العصر، وكان يأمرنا أن يحيي بعضنا بعضاً، وأن يسلم بعضنا على بعض إذا التقينا، ونهانا أن نواصل في شهر الصوم ويكرهه، وليست بالعزيمة، ونهانا أن نتلاعن بلعنة الله وغضبه أو بالنار ونهانا أن نستب. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كان أحدكم يساب صاحبه لا محالة لا يفترى عليه ويسب والديه ولا يسب قومه، ولكن إن كان يعلم ذلك فليقل إنك بخيل، وليقل: إنك جبان وليقل إنك كذوب أو ليقل إنك نؤوم وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن نقرأ القرآن كما أقرئناه. وقال: إنه نزل عىل ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا فيه فإنه مبارك كله فاقرؤوه كالذي أقرئتموه. وكان يأمرنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن شغل أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي يصلى فيه أن نصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة. وأمرنا إذا أدركتنا الصلاة ونحن ثلاثة أو أكثر من ذلك أن يقوم لنا رجل منا يكون لنا إماماً وإن كنا اثنين أن نصف معاً. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إذا قمتم إلى الصلاة فلا تسبقوا قارئكم بالسجود والركوع والقيام، وليكن هو يسبق، فإنكم تدركون ما سبقكم به في ذلك إذا كان هو يرفع رأسه في السجود والركوع والقيام قبلكم، فتدركون ما فاتكم حينئذ، فإذا كان التسليم في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدؤوا قبل التسليم فقولوا: التحيات والطيبات، الصلوات والسلام والملك لله، ثم سلموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا نفث أحدكم وهو في الصلاة فلا ينفث قدام وجهه ولا عن يمينه، ولينفثها تحت قدمه، ويدلكها بالأرض. وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى الرجل أن يتبتل وأن يحرم ولوج بيوت المؤمنين، وكان ينهى النساء أن يضطجعن بعضهن مع بعض إلا وبينهن ثياب وكان ينهى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضطجع الرجل مع صاحبه إلا وبينهما ثوب. وكان يقول: من كتم على حال فهو مثله. ومن جامع المشرك وسكن معه مثله وكان يقول: إن المؤمن يأكل في معىً واحد وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء. وكان يقول: أيكم ما صنع طعاماً قدر ما يأكل رجلان فإنه يكفي ثلاثة، أو صنع لثلاثة فإنه يكفي أربعة، ولأربعة فإنه يكفي خمسة وكنحو ذلك من العدد. وكان يقول: إذا تبايع الرجلان فإن أحدهما يبيعه بالخيار حتى يفارق صاحبه، أو يخير كل واحد منهما صاحبه فيختار كل واحد منهما هواه من البيع. وكان يقول: من ضل له مال اشتري فعرفه فجاء عليه ببينة فإن ماله يؤدى إليه، وإن الذي كان ابتاعه يتبع ثمنه عند بيعه الذي ابتاع منه. وكان يأمرنا أن نشهد الجمعة ولا نغيب عنها فإذا انتدب المؤمنون بندبة يوم الجمعة وقاموا يكتنون فإن أحدهم هو أحق بمقعده إذا رجع إليه. وكان يقول: إذا نعس أحدكم في الجمعة فليتحول عن مقعده في مكان آخر. وكان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها. وأتاه رجل من الأعراب يستفتيه في الذي يحل له والذي يحرم عليه، وفي نسكه من ماشيته في عترة وفرعة من نتيج إبله وغنمه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تحل لك الطيبات

أحمد بن سليمان البغدادي

وتحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لأخيك فتأكل منه حتى تستغني عنه فقال الرجل الأعرابي: ما يغني الذي أكل ذلك إذا بلغته، ما غناي الذي يغنيني عنه؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك أو كنت ترجو ميرة تلقاك؟ فتبلغ إليها بلحوم ماشيتك، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئاً فأطعم أهلك مما بدا لك حتى تستغني عنه. قال الرجل الأعرابي: ما غناي الذي يغنيني عنه؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أرويت أهلك غبوقاً من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام، أما مالك فإنه ميسور كله ليس فيه حرام غير أن في نتاجك من إبلك فرعاً وفي نتاجك من غنمك فرعاً تعدوه ماشيتك حتى تستغني عن لبانه، ثم إن شئت أطعمته أهلك وإن شئت تصدقت بلحمه، وأمره من الغنم من كل سائمة عتيرة. وإنه كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاده وهو عمله ولا يريد عتقهم، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئاً. وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الرقيق الذي يعد للبيع. وكان يقول: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً. قال أبو نصر بن ماكولا: أحمد بن سليمان الزنبقي بفتح الزاي وسكون النون، وفتح الباء المعجمة بواحدة، من أهل عرقة بلد يقارب طرابلس الشام. حدث أحم بن سليمان الزنبيق بعرقة عن ظالم بن أبي ظالم الحمصي قال: شهدت جنازة المسيب بن واضح بجبلة فلقناه، فسمعناه في جوف القبر يقول: لا إله إلا الله. أحمد بن سليمان البغدادي حدث بدمشق عن محمد بن محمد المصري، وكان مصاباً. قال حدثنا زنبغش قال: حدثنا مخلق مثبو قال: حدثنا وائل بن إبليس لعنه الله قال: قال لأبيه إبليس لعنه الله: يا أبه، هل رحمت أحداً قط؟ قال: نعم،

أحمد بن سليمان أبو الفتح

النازل في بيت امرأته لأنها إن شاءت أدخلته وإن شاءت أخرجته. أحمد بن سليمان أبو الفتح الشاعر المعروف بالفخري هو الذي عناه ابن هندي بقصيدته. كتب أبو الفتح أحمد بن سليمان الشاعر إلى عبد المحسن الصوري: من الوافر أعبد المحسن الصوري لم قد ... جثمت جثوم منهاضٍ كسير فإن قلت: العيالة أقعدتني ... على مضضٍ وعاقت عن مسيري فهذا البحر يحمل هضب رضوى ... ويستثني بركنٍ من ثبير وإن حاولت سير البر يوماً ... فلست بمثقلٍ ظهر البعير إذا استحلى أخوك قلاك ظلماً ... فمثل أخيك موجود النظير فما كل البرية من تراه ... ولا كل البلاد بلاد صور فأجابه عبد المحسن من الوافر جزاك الله عن ذا النصح خيراً ... ولكن جاء في الزمن الأخير وقد حدت لي السبعون حداً ... نهى عما أمرت من الأمور ومذ صارت نفوس الناس حولي ... قصاراً عذت بالأمل القصير ولو يك في البرية من يرجى ... غنينا عن مشاورة المشير أحمد بن سهل بن بحر أبو العباس النيسابوري حدث بدمشق عن جماعة. روى بإسناده عن ابن زغبة بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر على رتاحلته. ورواه الحافط عالياً من طريق آخر عن عبد تالله بن عمر أنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي على راحلته في سفرٍ حيث ما توجهت.

أحمد بن سهل بن حماد الرافقي

زاد السدي: قال عبد الله بن دينار: وكان ابن عمر يفعل ذلك. قال أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن سهل مجود، في الشاميين، ليس في مشايخنا من أقرانه أكثر سماعاً بالشام منه. وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومئتين. أحمد بن سهل بن حماد الرافقي من دمشق حدث بسنده عن عثمان بن عبد الرحمن بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله لا يقبض العلم من قلوب الناس فينزعه منهم، ولكن يقبض العلماء بعلمهم حتى لا يبقى في الأرض عالم، فعند ذلك يتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون. قيل في نسبه: الرافقي، وقيل: الدمشقي، فلعله رافقي سكن دمشق، أو دمشق سكن الرافقة فإنه قد روى عن دمشقي وحراني. والله أعلم. أحمد بن سلامة بن يحيى أبو الحسين الأبار الإمام إمام مسجد عين الحمى. حدث بسنده عن علي أنه قال: نهاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أقول نهاكم، عن تختم الذهب وعن لبس القسي وعن لبس المفدم والمعصفر وعن القراءة راكعاً.

أحمد بن سيار بن أيوب

مات أبو الحسين الأبار ودفن يوم الثلاثاء السادس من شوال سنة ست وثلاثين وخمس مئة. ودفن في مقبرة باب الفراديس. وذكر أنه ولد سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة. أحمد بن سيار بن أيوب ابن عبد الرحمن أبو الحسين المروزي إمام من أئمة أهل مرو. جمع العلم والأدب والزهد والورع، وكانت له رحلة واسعة سمع فيها بدمشق. سمع بدمشق وبمصر وببلده وببغداد وروى عنه جماعة. حدث أحمد بن سيار عن عبد الله بن عثمان بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وحدث عن هشام بن عمار بن نصر الدمشقي بسنده عن الحارث بن هشام أنه قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني بأمر أعتصم بالله أو قال: به، قال: املك عليك هذا، وأشار إلى لسانه. قال عبد الرحمن بن الحارث: فرأيت ذلك يسيراً، فلما أفطنني له إذا لا شيء أشد منه. أحمد بن سيار بالياء معجمة بنقطتين من تحتها والراء. ثقة في الحديث. وكانت أمه من موليات المأمون، ومات في ربيع الأول سنة ثمان وستين ومئتين، وكان ابن سبعين سنة وثلاثة أشهر. وكان من حفاظ الحديث. وقيل: كانت وفاته في ربيع الآخر من السنة.

من اسم أبيه على حرف الشين

من اسم أبيه على حرف الشين أحمد بن شبويه بن أحمد بن ثابت ابن عثمان بن مسعود بن يزيد بن الأكبر بن كعب بن مالك بن الحارث بن قرط بن مازن بن سنان بن ثعلبة بن حارثة ابن عمرو بن عامر أبو الحسن الخزاعي الماخزاني قرية من قرى مرو يقال لها ماخزان، ويقال: هو مولى لبديل بن ورقاء الخزاعي، وشبويه لقب. كان يسكن طرسوس، وقدم دمشق وهو ثقة حدث عن النضر بن شميل بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العمرى لمن وهبت له. حدث ثابت بن أحمد بن شنويه المروزي قال: كان يخيل لي أن لأبي أحمد بن شبويه فضيلة على أحمد بن حنبل، للجهاد وفكاك الأسرى ولزوم الثغور، فسألت أخي عبد الله بن أحمد: أيهما كان أرجح في نفسك؟ فقال: أبو عبد الله أحمد بن حنبل فلم أقنع بقوله، وأبيت إلا العجب بأبي فأريت بعد سنة في منامي كأن شيخاً حوله الناس يسمعون منه ويسألونه فقعدت إليه، فلما قام تبعته،

أحمد بن شعبي بن علي بن سنان

فقلت: يا عبد الله، أخبرني: أحمد بن محمد بن حنبل وأحمد بن شبويه أيهما عندك أعلى وأفضل؟ فقال: سبحان الله! أحمد بن حنبل ابتلي فصبر وأحمد بن شبويه عوفي، المبتلى الصابر كالمعافى؟ هيهات، ما أبعد ما بينهما. مات أحمد بن شبويه بطرسوس سنة ثلاثين أو تسع وعشرين ومئتين وهو ابن ستين سنة. أحمد بن شعبي بن علي بن سنان ابن بحر أبو عبد الرحمن النسائي القاضي الحافظ أحد الأئمة والأعلام، صنف السنن وغيرها. قدم دمشق قديماً، وسمع بها وروى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدث بمصر عن هشام بن عمار بسنده عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني. قلت: مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. وحدث أبو عبد الرحمن النسائي في شعبان سنة ثمانين ومئة بدمشق عن أبي عبد الله محمد بن رافع بسنده عن عبد الله بن مسعود يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها. قال محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون: سمعت أبا بكر بن الإمام الدمياطي يقول لأبي عبد الرحمن النسائي: ولدت في سنة أربع عشرة - يعني ومئتين - ففي أي سنة ولدت يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: أشبه أن يكون في سنة خمس عشرة يعني ومئتين، لأن رحلتي الأولى إلى قتيبة كانت في سنة ثلاثين ومئتين، أقمت عنده سنة وشهرين.

قال أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون: كنت يوماً في دهليز الدار التي كان أبو عبد الرحمن يسكنها في زقاق القناديل، ومعي جماعة ننتظره لينزل ويمضي إلى الجامع ليقرأ علينا حديث الزهري، فقال بعض من حضر: ما أظن أبا عبد الرحمن إلا يشرب النبيذ، للنضرة التي في وجهه والدم الظاهر مع السن، وقال آخرون: ليت شعرنا، ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقلت: أنا أسأله عن الأمرين وأخبركم. فلما ركب مشيت إلى جانب حماره، وقلت له: تمارى بعض من حضر في مذهبك في النبيذ، فقال: مذهبي أنه حرام بحديث أم سلمة عن عائشة: كل شراب أسكر فهو حرام، فلا يحل لأحد أن يشرب منه قليلاً ولا كثيراً قلت: فما الصحيح من الحديث في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقال: لا يصح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إباحته ولا تحريمه شيء، ولكن محمد بن كعب القرظي حدث عن جذل عن بن عباس اسق حرثك من حيث شئت، فلا ينبغي لأحد أن يتجاوز قوله. قال: وكان أبو عبد الرحمن يؤثر لباس البرود النوبية الخضر، ويقول: هذا عوض عن النظر إلى الخضرة من النبات فيما يراد لقوة البصر. وكان يكثر الجماع، مع صوم يوم وإفطار يوم، وكان له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من جارية أو اثنتين، يشتري الواحدة بالمئة ونحوها، ويقسم لها كما يقسم للحرائر. وكان قوته في كل يوم رطل خبز جيد لا يأكل غيره، كان صائماً أم مفطراً، وكان يكثر أكل الديوك الكبار، تشترى له وتسمن ثم تذبح فيأكلها، ويذكر أن ذلك ينفعه في باب الجماع. وسمعت قوماً ينكرون عليه كتاب الخصائص لعلي رضي الله عنه وتركه لتصنيف فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فلم يكن في ذلك الوقت صنفها فحكيت له ما سمعت فقال: دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله، ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأها على الناس. وقيل له، وأنا حاضر: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج؟ اللهم لا تشبع بطنه؟ وسكت، وسكت السائل. قال بعض أهل العلم: وهذه أفضل فضيلة لمعاوية لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إنا أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، فمن لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاةً ورحمةً.

قال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي الصوفي: سالت أبا الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ فقلت: إذا حدث محمد بن إسحاق بن خزيمة وأحمد بن شعيب النسائي حديثاً من تقدم منهما؟ قال: النسائي لأنه أسند، على أني لا أقدم على النسائي أحداً، وإن كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير. قال علي بن عمر الحافظ غير مرة: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. قال محمد بن طاهر: سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة فوثقه. فقلت: إن أبا عبد الرحمن النسائي ضعفه، فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم. قال أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يعرفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار ولمواظبته على الحج والجهاد. وأنه خرج إلى الفداء مع والي مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه والانبساط بالمأكول والمشروب في رحلته، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه بدمشق من جهة الخوارج. كان ابن الحداد كثير الحديث، ولم يحدث عن أحد غير أبي عبد الرحمن النسائي فقط، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله. خرج أبو عبد الرحمن من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية بن أبي سفيان وما روي من فضائله. فقال: معاوية لا يرضى رأساً برأس حتى يفضل، فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة وتوفي بها سنة ثلاث وثلاث مئة وهو مقتول.

قال: وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال. فقد روي عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب. قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة. خرج النسائي من مصر في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاث مئة، وتوفي بفلسطين يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلاث مئة. وقيل مات بالرملة ودفن ببيت المقدس.

من اسم أبيه على حرف الصاد

من اسم أبيه على حرف الصاد أحمد بن صاعد بن موسى الصوري الزاهد له كلام في الزهد والمواعظ. قال محمد بن الحسن الجوهري: دخلت على أحمد بن صاعد الصوري وهو جالس وحده في مسجده فقلت: ما لي أراك وحدك فقال: من الطويل قنعت بعلم الله ذخري وواجدي ... بمكنون أسرارٍ تضمنها صدري فلو حاز ستر السر بيني وبينه ... عن القلب والأحشاء ما علما سري قال أبو عمرو عثمان بن سليمان ابن أخت علي بن داود القنطري: دخلت مسجد دمشق فرأيت فيه ابن صاعد، فسألته عن مسألة، فأجابني، ثم سألته عن أخرى فأجابني، ثم قال لي: يا غلام، إنما يغني الله بك إذا غنيت بنفسك: إني كنت ها هنا وافد قوم فرأيت أربعة نفر يتكلمون في شيء من العلم لا أفهمه، فالتفت إلي أحدهم فقال: من الخفيف شغلتك الذنوب عن فهم علمٍ ... نافعٍ للقلوب يجلو صداها ثم أمسك والتفت إلي الثاني فقال: إن داء الذنوب داءٌ عيي ... فإلى الله أشتكي ضر داها ثم أمسك والتفت إلي الثالث فقال: فاستقل توبةً لعلك تنجو ... وازجر النفس يا أخي عن هواها

أحمد بن صافي أبو بكر التنيسي

ثم التفت إلي الرابع فقال: واقر مصر السلام منا وزوراً ... قبر ذي النون تنجون من رداها أحمد بن صافي أبو بكر التنيسي ابن رحيم البزاز قدم دمشق. وحدث بها عن جماعة. روى عن عثمان بن محمد الذهبي بسنده عن محمد الاسقاطي قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقلت: يا رسول الله، إن عبد الله بن داود حدثنا عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عنك بحديث الصادق المصدوق فهو عنك يا رسول الله. فذكر الحديث، قال: رحم لله كل من حدث به إلى يوم القيامة. رواه الحافظ بسنده إلى أبي عبد الله الاسقاطي من طريق أخرى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله، بلغنا عنك حديث الأعمش عن زيد بن وهب بن عبد الله بن مسعود في القدر. فقال: نعم، أنا قلت رحم الله الأعمش، ورحم الله زيد بن وهب، ورحم الله عبد الله بن مسعود، ورحم الله من حدث بهذا الحديث. أحمد بن صالح أبو جعفر المصري الحافظ المعروف بابن الطبري روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. قدم دمشق. حدث عن ابن وهب بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن بمحجن. وروى أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس قال: سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما يذكر في ذلك فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون

الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال: قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأما لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحه. كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم. وروى أحمد بن صالح عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: لما زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي عليهما السلام قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما ترضين أن الله اختار لك من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك؟. قال أبو زرعة: ذاكرت أحمد بن صالح مقدمة دمشق سنة سبع عشرة ومئتين قال: وسألني أحمد بن حنبل قديماً: من بمصر؟ قلت: بها أحمد بن صالح، فسر بذكره وذكر خيراً ودعا له. قال صالح بن محمد بن حبيب: قال أحمد بن صالح المصري: كان عند ابن وهب مئة ألف حديث. كتبت عنه خمسين ألف حديث، ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث والحفظ غير أحمد بن صالح. كان يعقل الحديث ويحسن أن يأخذ. وكان رجلاً جامعاً يعرف الفقه والحديث والنحو، ويتكلم في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق. وكان قدم العراق، وكتب عن عفان وهؤلاء. وكان يذاكر بحديث الزهري ويحفظه. وقال أحمد: كتبت عن ابن زبالة مئة ألف حديث، ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه. قال يعقوب بن سفيان الفسوي: كتبت عن ألف شيخ وكسرٍ كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخذه عند الله عز وجل حجة إلا رجلين أحمد بن صالح بمصر وأحمد بن حنبل بالعراق.

قال أحمد بن عبد الله العجلي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة. قال محمد بن مسلم بن واره: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران. هؤلاء أركان الدين. قال أحمد بن شعيب النسائي: أحمد بن صالح مقرىء ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب وقال: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف. قال مسلمة بن القاسم الأندلسي: الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح لعلمه وخيره وفضله. وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه، وكان سبب تضعيف النسائي له أن أحمد بن صالح رحمه الله كان لا يحدث أحداً حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة، فكان يحدثه ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة، فأتى النسائي ليسمع منه فدخل بلا إذن ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة. فلما رآه في مجلسه أنكره وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا. وقال الخطيب: ليس الأمر على ما ذكر النسائي. وكان يقال: آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق. ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما. قال بندار: كتبت إلى أحمد بن صالح خمسين ألف حديث أي: إجازة، وسألته أن يجيز لي أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي. قال الخطيب: ترى أن هذا الذي قاله بندار في أحمد بن صالح في تركه مكاتبته مع مسألته إياه ذلك

أحمد بن صالح المكي الطحان السواق

إنما حمله عليه سوء الخلق. ولقد بلغني أنه كان لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه. فلما حمل أبو داود السجستاني ابنه إليه ليسمع منه وكان إذ ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره ابنه المجلس، فقال له أبو داود: هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى فامتحنه بما أردت، فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره. ولد أحمد بمصر سنة سبعين ومئة. وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومئتين. أحمد بن صالح المكي الطحان السواق حدث بمكة عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده عن جبير بن مطعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل عرفة موقف وارتفعوا عن عرفات، والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن نظر محسر، وكل فجاج منى منحر، وكل أيام التشريق منحر. سئل أبو زرعة عن أحمد بن صالح المكي، فقال: هو صدوق، ولكن يحدث عن المجهولين، ويحدث عن الضعفاء. قال أبو محمد: روى عن المؤمل بن إسماعيل الثوري أحاديث منكرة في الفتن تدل على توهين أمره. أحمد بن صالح بن عمر بن إسحاق أبو بكر البغدادي المقرىء البزاز صاحب أبي بكر بن مجاهد حدث بأطرابلس وحمص وقرأ القرآن. وكان ثقة ضابطاً مشهوراً. حدث بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن مثل الولد البر بوالديه كمثل بلدة طيبة يزكو نباتها، يفرح حاصدها. يا طوبى لمن ضرب له هذا المثل.

أحمد بن صالح بن محمد بن صالح

قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن صالح انتقل إلى الشام، ونزل أطرابلس وحدث بها وبالرملة. وكان حياً إلى سنة تسع وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن صالح بن محمد بن صالح ابن المثنى بن ثعلبة بن عمر بن منصور بن حرب، أبو العلاء الأثط المؤدب التميمي الفارسي الجرجاني سكن صور، وحدث بدمشق. حدث بصور عن محمد بن حميد بسنده عن الركين بن الربيع عن أبيه قال: سمعت علياً يقول: استأذن عمار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده فقال مرحباً بالطيب المطيب. وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه.

من اسم أبيه على حرف الضاد المعجمة

من اسم أبيه على حرف الضاد المعجمة أحمد بن الضحاك بن مازن أبو عبد الله الأسدي القردي، مولى أيمن بن خريم إمام جامع دمشق. حدث عن خالد بن عمرو بن عبيد الله بن سعيد بن العاص بسنده عن سلمة بن نبيط عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوم النحر على جمل له أحمر. ومات في يوم السبت لليلة من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومئتين. أحمد بن ضياء وقيل أحمد ابن زياد بن ضياء بن خلاج بن كثير، أبو الحسن البجلي المسرابي حدث بمسرابا عن أبي الجماهر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حدث حديثاً فعطس عنده فهو على حق خلاج: بالخاء والجيم.

من اسم أبيه على حرف الطاء المهملة

من اسم أبيه على حرف الطاء المهملة أحمد بن طاهر بن عبد الله ابن يزيد أبو علي النيسابوري من الرحالة في طلب الحديث. سمع بدمشق وغيرها. قال أحمد بن طاهر: أنشدني مكحول البيروتي قال: أنشدني أبو الحسن الرهاوي: من البسيط إني وإن كان جمع المال يعجبني ... ما يعدل المال عندي صحة الجسد في المال عزٌّ وفي الأولاد مكرمةٌ ... والسقم ينسيك ذكر المال والولد توفي أحمد بن طاهر ليلة الاثنين السابع من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مئة. أحمد بن طاهر الدمشقي حكى عن عبد الله بن خبيق الأنطاكي الزاهد قال: سألت يوسف بن أسباط: هل مع حذيفة المرعشي علم؟ فقال: معه العلم الأكبر؛ خوف الله عز وجل. المعتضد أحمد بن طلحة أبي أحمد الموفق ويقال اسم أبي أحمد محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس المعتضد بالله بويع بالخلافة بعد عمه المعتمد على الله في رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وكان قدم دمشق، وهو ولي عهدٍ لمحاربة أبي الجيش بن أحمد بن طولون يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة إحدى وسبعين ومئتين. وأمه أم ولد يقال لها نحلة، ويقال: ضرار.

حدث المعتضد بالله عن أبيه أبي أحمد الموفق قال: كان أمير المؤمنين السفاح يعجبه السمر، وكان يطول عليه السهر، وتعجبه الفصاحة ومنازعة الرجال، فسمر عنده ذات ليلة أناس من اليمن وأناس من مضر، فيهم خالد بن صفوان التميمي وإبراهيم بن محمد الكندي، فمال بهم الحديث، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن أخوالك هم الناس، وهم العرب الأول، والذين دانت لهم الدنيا، كانت لهم اليد العليا. توارثوا الرياسة، يلبس آخرهم سرابيل أولهم، بيت المجد ومآثر الحمد لهم، منهم النعمانان والمنذران والقابوسان، ومنهم عياض صاحب البحر، ومنهم الجلندى، ومنهم ملوك التيجان، وحماة الفرسان، أصحاب السيوف القاطعة والدروع الحصينة، إن حل ضيف أكرموه، وإن سئلوا أنعموا، فمن ذا مثلهم يا أمير المؤمنين إذا عدت المآثر، وفخر مفاخر، ونافر منافر؟ فهم العرب العاربة، وسائر العرب المتعربة. فتغير وجه السفاح وقال: ما أظن خالداً يرضى بما تقول يا خالد؟ فقال: إن أذن لي أمير المؤمنين، وأمنت الموجدة تكلمت. قال: تكلم ولا تهب أحداً. فتكلم خالد فقال: خاب المتكلم، وأخطأ المتحكم، وقد قال بغير علم، ونظر بغير صواب. إذ فخر على مضر، ومنهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء من أهل بيته، وهل أهل اليمن - أصلح الله أمير المؤمنين - إلا دابغ جلد أو حائك برد أو سائس فهد، أو قائد قرد؟! دل عليهم الهدهد، وغرقهم الجرذ، وملكتهم أم ولد، وهم يا أمير المؤمنين ما لهم ألسنة فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة تدل على كتاب الله عز وجل، ولا يعرف بها صواب. إن جاوزوا قصدنا أكلوا، وإن أبوا حكمنا عنفوا. ثم التفت إلى الكندي فقال: أتفخر علي بالدرع الحصينة والفرس الراتع والسيف القاطع والدرة المكنونة ولا تفخر بخير الأنام محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فبه أدرك من ذكرت وفخر من فخرت، فأكرم به إذ كانوا أتباعه وأشياعه وبه ذكروا وافتخروا، فمنا النبي المصطفى وسيف الله عمه العباس المجتبى، ومنا علي الرضى، وأسد الله

حمزة، ومنا خير المسلمين وديان الدين وسيد أولاد المهاجرين وأبو الخلفاء الأربعين، ومن فقهه الله في الدين، وتلقن القرار من الأمين، ولنا السؤدد والعلياء وزمزم ومنى، ولنا البيت المعمور والسقف المرفوع والتسر المحبور، ولنا البيت الأعظم والسقاية والشرف، ولنا زمزم وبطحاؤها وصحراؤها ومنابتها وكل فناء لها، ولنا غياضها ومنابرها وأعلامها وحطيمها وعرفاتها وحرمها ومواقفها. فهل يعدلنا عادل أو يبلغ فخرنا مفاخر، وفينا كعبة الله؟ فمن زاحمنا زاحمناه، ومن فاخرنا فاخرناه. ثم التفت إلى الكندي فقال: كيف علمك بلغة قومك؟ قال: إني بها لجد عالم. قال: أخبرني عن الشناتر؟ قال: الأصابع. قال: فأخبرني عن الصنارة؟ قال: الأذن. قال: فأخبرني عن الجحمتين؟ قال: العينان. قال: فأخبرني عن المبزم؟ قال: السن. قال: أخبرني عن الكتع؟ قال: الذئب. قال: أتؤمن أنت بكتاب الله عز وجل؟ قال: نعم. قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه " بلسان عربي مبين " " العين بالعين " ولم يقل: الجحمة بالجحمة، وقال جل ثناؤه " جعلوا أصابعهم في آذانهم " ولم يقل: جعلوا شناترهم في صناراتهم. وقال " السن بالسن " ولم يقل: المبزم بالمبزم. وقال " فأكله الذئب " ولم يقل: فأكله الكتع. ولكني أسألك عن أربع خصال إن أقررت بها قهرت وإن أنكرتها قتلت، قال: وما هي؟ قال: أسألك عن نبي الله المصطفى أمنا أم منكم؟ قال: بل منكم.

قال: فأخبرني عن كتابه المنزل عليكم أو عليكم؟ قال: بل عليكم. قال: فأخبرني عن خلافة الله عز وجل أفينا أم فيكم؟ قال: بل فيكم. قال: فأخبرني عن بيت الله عز وجل المستقبل، لنا أم لكم؟ قال: بل لكم قال: فأي شيء يعادل هذه الخصال؟ فقال أمير المؤمنين: ما فرغت من كلامك حتى ظننت أن سريري قد عرج به إلى السماء، ما لك يا كندي ورجال مضر. وأمر له بألف درهم وقال له: الحق بأهلك. قال عبد الله بن الحسين بن سعد: في سنة إحدى وسبعين ومئتين وجه الموفق ابنه أحمد المعتضد لحرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فخرج من بغداد مع العساكر، واتصل الخبر بأبي الجيش فوجه من مصر عسكراً كبيراً زهاء خمسين ألف رجل من البربر وسائر الناس، فالتقوا بحمص فهزمهم أحمد المعتضد، ولما التقوا جعل أحمد على ميمنته ذا السيفين إسحاق بن كنداجين وعلى ميسرته محمد بن أبي الساج، فانهزم المصريون وهربوا إلى مصر ودخل أحمد المعتضد دمشق. قال أحمد بن حميد بن أبي العجائز: دخل أبو العباس أحمد المعتضد دمشق قبل أن ولي الخلافة، دخلها من باب الفراديس، فلما بلغ إلى باب البريد التفت فنظر إلى مسجد الجامع، وقف وعن دابته فقال: أي شيء هذا؟ فقيل: هذا مسجد الجامع. قال: وايش هذه الزيادة التي قدامه؟ فقالوا: هذه تسمى الزيادة، فيها التجار، ويدخل منها إلى مسجد الجامع ولكل باب للمسجد زيادة مثل هذا تشبه الدهاليز، بناء مبني بقناطر وأروقة فاستحسنها وقال: ما في الدنيا مسجد جامع عني به ما عني بهذا المسجد. ثم سار ونزل الراهب على باب دمشق أياماً ثم خرج منها إلى حرب أبي الجيش عند طواحين الرملة. وواقعه في سنة إحدى وسبعين.

قال أبو بكر بن أبي الدنيا: استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله. وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة. قال محمد بن أحمد بن البراء: ولي المتعضد بالله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وولد بسر من رأى في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومئتين. قال القاضي أبو عمرو محمد بن يوسف: قدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي في حكم، فجاء فارتفع في المجلس فأمره الحاجب بموازاة خصمه، فلم يفعل إدلالاً بعظم محله من الدولة، فصاح أبي عليه وقال: قفاه أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع يا غلام عمرو بن أبي عمرو النخاس الساعة لأتقدم إليه ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين ثم قال لحاجبه: خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرهاً وأجلس مع خصمه، فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالله، وبكى بين يديه، فصاح عليه المعتضد وقال: لو باعك لاخترت بيعه وما رددتك إلى ملكي أبداً، وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأديان. قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على المعتضد، وعلى رأسه أحداثٌ رومٌ صباح الوجوه، فنظرت إليهم، فرآني المتعضد وأنا أتأملهم. فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة، فلما خلا قال لي: أيها القاضي، والله ما حللت سراويلي على حرام قط. روى التنوخي قال: لما خرج المعتضد إلى قتال وصيف الخادم إلى طرسوس وأخذه عاد إلى أنطاكية، فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبياً إذ ذاك في المكتب. قال: فخرجت مع جملة الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر فسمعت رجلاً يقول: يا قوم، الخليفة بقباء أصفر بلا سواد قال: فقال له أحد الجيش: هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد، فجاءه الخبر بعصيان وصيف فخرج في الحال عن داره إلى باب الشماسية فعسكر به وحلف ألا

يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياماً حتى لحقه الجيش ثم خرج فهو عليه إلى الآن ما غيره. قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً. نظرت فيه فكأنه قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب. حدث صافي الحرمي قال: مشيت يوماً بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم، فلما بلغ إلى باب شغب، أم المقتدر، وقف يسمع ويتطلع من خلال الستر وإذا هو بالمقتدر، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جداً، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور، حتى إذا بلغ الدور إليه أكل عنبة واحدة مثل ما أكلوا حتى فني العنقود، والمعتضد يتميز غيظاً. قال: فرجع ولم يدخل الدار، ورأيته مغموماً فقلت: يا مولاي، ما سبب ما فعلته وما قد بان عليك؟ فقال: يا صافي، والله لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم، فإن في قتله صلاحاً للأمة. فقلت: يا مولاي، حاشاه، أي شيء عمل؟ أعيذك بالله يا مولاي، العن إبليس، فقال: ويحك أنا أبصر بما أقول، أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد، ولابد من موتي، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي، وسيجلسون ابني علياً يعني المكتفي، وما أظن عمره يطول للعلة التي به، يعني الخنازير، فيتلف عن قرب، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي، ولا يجدون بعده أكبر من جعفر فيجلسونه وهو صبي وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم، والشح على مثله في طباع الصبيان، فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب، ويبذر ارتفاع الدنيا؟ ويخربها، فتضيع الثغور

وتنتشر الأمور ويخرج الخراج، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلاً. فقلت: يا مولاي، بل يبقيك الله تعالى حتى ينشأ في حياة منك ويصير كهلاً في أيامك، ويتأدب بآدابك، ولا يكون هذا الذي ظننت. فقال: احفظ عني ما أقوله فإنه كما قلت. قال: ومكث يومه مهموماًن وضرب الدهر ضربه. ومات المعتضد، وولي المكتفي فلم يطل عمره، ومات وولي المقتدر فكانت الصورة كما قاله المعتضد بعينه. فكنت كلما وقفت على رأس المقتدر وهو يشرب ورأيته قد دعا بالأموال فأخرجت إليه، وحللت البدر وجعل يفرقها على الجواري والنساء ويلعب بها ويمحقها ويهبها ذكرت مولاي المعتضد وبكيت. قال صافي: وكنت يوماً واقفاً على رأس المعتضد فقال: هاتم فلاناً الطيبي، يعني خادماً يلي خزانة الطيب، فأحضر فقال: كم عندك من الغالية؟ فقال: نيف وثلاثون جباً صينياً مما عمله عدة من الخلفاء. قال: فأيها أطيب؟ قال: ما عمله الواثق. قال: أحضرنيه فأحضره جباً عظيماً يحمله عدة، ففتح فإذا بغالية قد ابيضت من التعشيب وجمدت من العتق في نهاية الذكاء، فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الجب، فأخذ من لطاخته شيئاً يسيراً من غير أن يشعب رأس الجب، وجعله في لحيته وقال: ما تسمح نفسي بتطريق التشعيب على هذا الجب، شيلوه. فرفع، ومضت الأيام ف جلس المكتفي يوماً، وهو خليفة، وأنا قائم على رأسه فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي فأخبره بمثل ما كان أخبر به أباه، فاستدعى غالية الواثق فجاءه بالجب بعينه ففتح فاستطابه، وقال: أخرجوا منه قليلاً، فأخرج منه مقدار ثلاثين أو أربعين مثقالاً، فاستعمل منه في الحال ما أراد، ودعا بعتيدة له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الطعام، وأمر بالجب فختم بحضرته ورفع. ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة، وجلس مع الجواري يوماً وكنت على رأسه، فأراد أن يتطيب فدعا الخادم وسأله فأخبره بمثل ما أخبر به أباه وأخاه، فقال: هات الغوالي كلها، فأحضر الجباب كلها، فجعل يخرج من كل جب مئة مثقال وأقل وأكثر فيشمه

ويفرقه على من بحضرته حتى انتهى إلى جب الواثق فاستطابه فقال: هاتم عتيدة حتى يخرج منه إليها ما يستعمل، فجاؤوه بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها. ورأى الجب ناقصاً والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كثير شيء فقال: ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالسبب على حاله، فأخذ يعجب من بخل الرجلين، ويضع منهما بذلك، ثم قال: فرقوا الجب بأسره على الجواري، فما زال يخرج منه أرطالاً أرطالاً وأنا أتمزق غيظاً، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الجب، فقلت له: يا مولاي، إن هذه الغالية أطيب الغالي وأعتقها وما لا يعتاض منه فلو تركت ما بقي منها لنفسك، وفرقت من غيرها كان أولى. قال: - وخرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد - فاستحيا مني، فرفعت الجب فما مضت إلا سنون من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى أن عجن غالية بمال عظيم. قال أبو محمد عبد الله بن حمدون: قال لي المعتضد ليلة وقد قدم له عشاء: لقمني، قال: وكان الذي قدم فراريج ودراريج، فلقمته من صدر فروج فقال: لا، لقمني من فخذه، فلقمته لقماً، ثم قال: هات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فقال: ويلك هو ذا تتنادر علي؟! هات من صدورها، فقلت: يا مولاي، ركبت القياس فضحك، فقلت: إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قال: شل المطرح وخذ ما تحته. قال: فشلته فإذا دينار واحد، فقلت: آخذ هذا؟ فقال: نعم، فقلت: يالله هو ذا تتنادر أنت الساعة علي! خليفةً يجيز نديمه بدينار؟ فقال: ويلك لا أجد لك في بيت المال حقاً أكثر من هذا، ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئاً، ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار، فقبلت يده، فقال: إذا كان غداً وجاءني القاسم - يعني ابن عبيد الله - فهو ذا أسارك - حتى تقع عيني عليه - سراراً طويلاً التفت فيه إليه كالمغضب، وانظر أنت إليه في خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له، فإذا انقطع السرار فيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج، فإذا خرجت خاطبك بجميل وأخذك إلى دعوته، وسألك عن حالك، فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني وثقل ظهرك بالدين والعيال، وخذ ما يعطيك، واطلب كل ما تقع عينك عليه، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار، فإذا أخذتها فسيسألك عما جرى بيننا فاصدقه، وإياك أن تكذبه وعرفه أن ذلك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا، وليكن

إخبارك له بعد امتناع شديد وأحلاف منه لك بالطلاق والعتاق أن يصدقه، وبعد أن يخرج من داره كل ما يعطيك. فلما كان من غد حضر القاسم فحين رآه بدأ يسارني وجرت القصة على ما واضعني عليه، فخرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة؟! فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي، فقال: ما تقنعني إلا أن تزورني اليوم وتتفرج، فقلت: أنا خادم الوزير، فأخذني إلى طياره وجعل يسألني عن حالي وأخباري فأشكو إليه الخلة والإضاقة والدين والبنات وجفاء الخليفة وإمساكه يده، فيتوجع ويقول: يا هذا ما لي لك ولن يضيق عليك ما يتسع علي، ولو عرفتني لعاونتك على إزالة هذا كله عنك فشكرته. وبلغنا داره فصعد ولم ينظر في شيء وقال: هذا يوم أحتاج أن أختص فيه بالسرور بأبي محمد فلا يقطعني أحد عنه. وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال وخلا بي في دار الخلوة، وجعل يجاذبني وينشطني، وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده وجاء الطعام، فكان هذا سبيله، فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت وأحضرني ثياباً وطيباً ومركوباً فأخذت ذلك، وكان بين يدي صينية فضة فيها مغسل فضة وخرداذي بلور وكوز وقدح بلور فأمر بحمله إلى طياري، وأقبلت كلما رأيت شيئاً حسناً له قيمة وافرة طلبته. وحمل إلي فرشاً نفيساً وقال: هذا للبنات. فلما تقوض المجلس خلا بي وقال: يا أبا محمد، أنت عالم بحقوق أبي عليك، ومودتي لك، فقلت: أنا خادم الوزير، فقال: أريد أن أسألك عن شيء، وتحلف لي أنك تصدقني عنه، فقلت: السمع والطاعة، فأحلفني بالله وبالطلاق والعتاق على الصدق، ثم قال: بأي شيء سارك الخليفة اليوم، في أمري؟ فصدقته عن كل ما جرى حرفاً بحرف، فقال: فرجت عني، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي انهل علي فشكرته وودعته وانصرفت. فلما كان من الغد باكرت المعتضد فقال: هات حديثك فسقته عليه فقال: احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها معك بسرعة. قال محمد بن يحيى الصولي: كان مع المعتضد أعرابي فصيح يقال له: شعلة بن شهاب اليشكري، وكان يأنس به،

فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ وكان عارفاً به ليرغبه في الطاعة ويحذره العصيان ويرفق به. قال شعلة: فصرت إليه فخاطبته أقرب خطاب، فلم يجيبني فوجهت إلى عمته أم الشريف، فصرت إليها فقالت: يا أبا شهاب، كيف خلفت أمير المؤمنين؟ فقلت: خلفته أماراً بالمعروف، فعالاً للخير، متعززاً على الباطل، متذللاً للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت لي: أهل ذلك هو ومستحقه وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله الممدود على بلاده، وخليفته المؤتمن على عباده، أعز به دينه، وأحيا به سنته، وثبت به شرائعه، ثم قالت: يا أبا شهاب، فكيف رأيت صاحبنا؟ قلت: رأيت حدثاً معجباً قد استحوذ عليه السفهاء، واستبد بآرائهم، وأنصت لأقوالهم، يزخرفون له الكذب، ويوردونه الندم، فقالت: هل لك أن ترجع إليه بكتابي قبل لقاء أمير المؤمنين، فلعلك تحل عقد السفهاء؟ قلت: أجل، فكتبت إليه كتاباً حسناً لطيفاً أجزلت فيه الموعظة، وأخلصت فيه النصيحة، بهذه الأبيات: من البسيط اقبل نصيحة أمٍّ قلبها وجلٌ ... عليك خوفاً وإشفاقاً وقل سددا واستعمل الفكر في قولٍ فإنك إن ... فكرت ألفيت في قولي لك الرشدا ولا تثق برجالٍ في قلوبهم ... ضغائن تبعث الشنآن والحسدا مثل النعاج خمولاً في بيوتهم ... حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا وداو داءك والأدواء ممكنةٌ ... وإذ طبيبك قد ألقى عليك يدا أعط الخليفة ما يرضيه منك ولا ... تمنعه مالاً ولا أهلاً ولا ولدا واردد أخا يشكرٍ رداً يكون له ... ردءاً من السوء لا تشمت به أحدا قال: فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد بن عيسى. فلما نظر فيه رمى به إلي ثم قال: يا أخا يشكر، ما بآراء النساء تتم الأمور ولا بعقولهن يساس الملك، ارجع إلى صاحبك فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقه وصدقه فقال: وأين كتاب أم الشريف فدفعته إليه فقرأه وأعجبه شعرها، ثم قال: والله إني لأرجو أن أشفعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان أرسل إلي المعتضد فقال: يا شعلة هل عندك علم من أم الشريف؟ قلت: لا، والله، قال: فامض مع هذا الخادم فإنك ستجدها في جملة نسائها. قال: فمضيت، فلما بصرت بي من بعيد سفرت عن وجهها

وأنشدت: من مجزوء الكامل ريب الزمان وصرفه ... وعناده كشف القناعا وأذ بعد العز منا الصعب ... والبطل الشجاعا ولكم نصحت فما أطع ... ت وكم حرصت بأن أطاعا فأبى بنا المقدار إلا ... أن نقسم أو نباعا يا ليت شعري هل نرى ... يوماً لفرقتنا اجتماعا قال: ثم بكت حتى علا صوتها، وضربت بيدها على الأخرى وقالت: يا أبا شهاب، إنا لله وإنا إليه راجعون، كأني والله كنت أرى ما أرى فقلت لها: إن أمير المؤمنين وجه بي إليك، وما ذاك إلا لجميل رأيه فيك، فقالت لي: فهل لك أن توصل لي رقعة إليه؟ قلت: هل لي فدفعت إلي رقعة فيها: من الكامل قل للخليفة والإمام المرتضى ... وابن الخلائف من قريش الأبطح علم الهدى ومناره وسراجه ... مفتاح كل عظيمةٍ لم تفتح بك أصلح الله البلاد وأهلها ... بعد الفساد وطالما لم تصلح قد زحزحت بك هضبة العرب التي ... لولاك بعد الله لم تتزحزح أعطاك ربك ما تحب فأعطه ... ما قد يحب وجد بعفوٍ واصفح يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها ... هب ظالمي ومفسدي لمصلح فصرت بالرقعة إلى المعتضد، فلما قرأها ضحك وقال: لقد نصحت لو قبل منها وأمر أن يحمل إليها خمسون ألف درهم وخمسون تختاً من الثياب، وأمر أن يحمل مثل ذلك إلى محمد بن أحمد بن عيسى. قال وصيف خادم المعتضد: سمعت المعتضد بالله ينشد عند موته وقد أخذ بكظمه يقول: من الطويل تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى ... وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولا تأمنن الدهر إني أمنته ... فلم يبق لي حالاً ولم يرع لي حقا

أحمد بن طولون أبو العباس الأمير

قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدواً ولم أمهل على ظنةٍ خلقا وأخليت دار الملك من كل نازعٍ ... فشردتهم غرباً وشردتهم شرقا فلما بلغت النجم عزاً ورفعةً ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي ... فهأنذا في حفرتي عاجلاً ألقى ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد ... لذي ملك الأحياء في حينها رفقا فأفسدت دنياي وديني سفاهةً ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى فيا ليت شعري بعد موتي ما ألقى ... إلى نعمةٍ لله أم ناره ألقى ولي المعتضد الخلافة لعشر بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. وتوفي لثمان بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومئتين. فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ويومين. وله من السن خمس وأربعون وعشرة أشهر وأيام. وكان أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق، قد وخطه الشيب، في مقدم لحيته طول. قال صافي الحرمي: لما مات المعتضد بالله كفنته في ثوبين قوهي، قيمتها ستة عشر قيراطاً. وأم المعتضد أم ولد يقال لها ضرار، وقيل خفير، ماتت قبل خلافته بيسير، ومولده سنة ثلاث وأربعين ومئتين. ولما مات بويع ابنه محمد المكتفي بالله بن المعتضد بالله. أحمد بن طولون أبو العباس الأمير ولد بسامراء، وولي إمرة دمشق والثغور والعواصم ومصر مدة. حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين أن أحمد المعروف بابن طولون، ذكروا أن طولون تبناه، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبداً يسأله فيهم، فيعجب

بذلك منه، ويزداد بصيرة فيه، وأنه دخل إليه يوماً، فقال له: ما لك؟ فقال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء. فقال: امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير، وقد خلا بها بعض الخدم، فسكت، وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج، وخشيت الحظية أن يسبقها بالقول، فأقبلت إلى الأمير من فورها، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتاباً إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعاً بالكتاب. ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير، وأراها الكتاب، وهو لا يدري ما فيه. فقالت: لا عليك، أنا أرسل به، واقعد أنت فإني أحتاج إليك، واستدعت ذلك الخادم، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه، فلما رآه سأل عن أحمد، فاستدعاه وقال: أخبرني بالصدق، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال: ما رأيت شيئاً. فقال: والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظية بقتل الخادم، فجرت إلى مولاها مرنبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظن أن الأمر قد صح عند مولاها فقال لها: أخبريني بالحق، فبرأت أحمد، وتبين له صحة الأمر، فأمر بقتلها، وحظي أحمد عنده، حتى ولاه الأمر بعده. حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي أن طولون رجل من طغرغز، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مئتين، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومئتين. ومات طولون

سنة أربعين ومئتين. ونشأ أحمد ابنه على مذهب جميل وطريقة مستقيمة، وطلب العلم وحفظ القرآن، وكان من أدرس الناس للقرآن، ورزق حسن الصوت، ودخل إلى مصر في الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومئتين. قال: وخلف أحمد بن طولون عشرة ألف ألف دينار. وقيل إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولداً، فيهم ذكور سبعة عشر. وأطبقت جريدته من الموالي على سبعة آلاف رجل. ومن الغلمان على أربعة وعشرين ألف غلام، ومن الخيل المروانية على سبعة آلاف رأس، ومن الجمال ألف وسبع مئة جمل، ومن بغال القباب والثقل ست مئة بغل، ومن المراكب الحربية مئة مركب، ومن الدواب لركابه مئة وثلاثين دابة. وكان خراج مصر في تلك السنة مع ما انضاف إليه من صاع الأمراء بحضرة السلطان أربعة آلاف ألف وثلاث مئة ألف دينار. وأنفق على الجامع في بنائه ونفقته مئة وعشرين ألف دينار، وعلى البيمارستان ومشتغله ستين ألف دينار، وعلى الميدان مئة وخمسين ألف، وعلى من ناب بالثغور ثمانين ألف دينار، وكان قائم صدقته في كل شهر ألف دينار. وراتب مطبخه وعلوفته كل يوم ألف دينار، وما يجريه على جماعة من المستخدمين وأبناء السبيل سوى ما كان يجريه السلطان خمس مئة دينار، وما يحمل لصدقات الثغور في كل شهر خمس مئة دينار، وما يقيمه من الأنزال والوظائف في كل شهر ألفي دينار. وحكي أن الجيش فرق كسوة أحمد في حاشيته. قال الحاكي: فلحقني منها نصيب، فما خلا ثوب منها من الرفاء ووجدت في بعضها رقعة. وكان أحمد بن طولون يقول: ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يشمله وقاصديه، فإنه يملكهم ملكاً لا يزول عن قلوبهم ولا تشذ معه سرائرهم.

وحدث أبو العباس أحمد بن خاقان، وكان ترباً لأحمد بن طولون قال: كان طولون تركياً من جيش يقال لهم طغرغز، وكان نوح بن أسد صاحب خراسان وجهه إلى الرشيد هارون سنة تسعين ومئة. وولد أحمد في سنة أربع عشرة ومئتين من جارية تسمى هاشم، وتوفي طولون سنة ثلاثين ومئتين ولأحمد ست عشر سنة ونشأ نشوءاً حسناً في العفة والتصون والدماثة وسماع الحديث حتى انتشر له حسن الذكر، وتصور في قلوب الناس بأفضل صورة، حتى صار في عداد من يوثق به ويؤتمن على السر والفروج والمال. وكان شديد الإزراء على الأتراك وأولادهم فيم يرتكبونه، غير راض بما يفعلونه إلى أن قال يوماً: إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإيم لا نطأ موطئاً إلا كتب علينا فيه خطيئة. والصواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب لنا بأرزاقنا إلى الثغر، ونقيم في ثواب، ففعلنا ذلك. فلما صرنا إلى طرسوس سر بما رأى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقبل على الترهب وذكر بعد هذا أنه عاد إلى العراق فزاد محله عند الأتراك فاختاره بابكباد لخلافته على مصر، فخرج إليها. وذكر غير هذا. ثم إنه غلب على دمشق بعد وفاة ايماجور أميرها. قال أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المري: كان أول دخول أحمد بن طولون دمشق لما سار من مصر إليها في سنة أربع وستين ومئتين، بعد موت والٍ كان به يقال له: أماجور، وأخذ له مال عظيم، وخرج عن دمشق إلى أنطاكية وحاصر بها سيما وأصحابه حتى ظفر به وقتله وأخذ له مالاً عظيماً وفتحها عنوة. وصار إلى طرسوس ثم رجع إلى دمشق في هذه السنة في آخرها، وخرج منها حتى بلغ الرقة في طلب غلام له هرب منه يقال له لؤلؤ خرج إلى أبي أحمد الموفق في الأمان. ثم رجع ابن طولون إلى دمشق فاعتل بها وخرج في علته إلى مصر فتوفي بمصر في ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.

قال أحمد بن محمد بن أبي العجائز وغيره من مشايخ دمشق: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم فركب إليه أحمد بن طولون ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتبه ينظرون إلى الحريق، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة، فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة: يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة: إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها. فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي: ما أنت والاعتراض على الشيخ. ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء ويقبل قوله ولا يستحلف عليه. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي فراجع أبو عبد الله بن طولون فيما بقي من المال، فأمر أن يفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم ولا يرد إلى بيت المال منه شيء. وذكر ابن أبي مطر القاضي في كتابه قال: توفي بكار بن قتيبة يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومئتين. ومات ابن طولون قبله بشهر وأربعة أيام. قال محم بن علي المادرائي: كنت أجتاز تربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً عند قبره يقرأن ملازماً القبر، ثم إني لم أره مدة ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه فقال: بلى، كان ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قال: قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب ألا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب؟ فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها، وقيل لي: ما سمعت هذه؟!

من اسم أبيه على حرف العين المهملة

من اسم أبيه على حرف العين المهملة أحمد بن عاصم أبو عبد الله الأنطاكي الزاهد صاحب المواعظ سكن دمشق، وروى عن جماعة. حدث أحمد بن عاصم عن مخلد بن حسين عن هشام بن حسان قال: مررت بالحسن في السحر، وهو جالس، قال: قلت: يا أبا سعيد، مثلك يجلس في هذا الوقت؟ قال: إني توضأت فأردتها أن تقوم فتصلي فأبت علي وأرادتني على أن تنام فأبيت عليها. قال أحمد بن عاصم: كتب أخ ليونس بن عبيد الله: أما بعد، يا أخي فاكتب إلي كيف أنت، وكيف حالك؟ فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، يا أخي فإنك كتبت إلي تسألني أكتب إليك كيف أنا، وكيف حالي، وأعلمك يا أخي أن نفسي قد ذلت بصيام اليوم البعيد الطرفين، الشديد الحر ولم تذل لي بترك الكلام فيما لا يعنيني. قال أحمد بن عاصم: التقى فضيل بن عياض وسفيان الثوري فتذاكرا، فقال سفيان لفضيل: يا أبا علي، إني لأرجو ألا نكون جلسنا مجلساً قط أعظم علينا بركة من هذا المجلس! فقال الفضيل: لكني أخاف ألا نكون جلسنا مجلساً قط أضر علينا منه. قال: ولمه يا أبا علي؟! قال: ألست تخلصت إلى أحسن حديثك فحدثتني به وتخلصت أنا إلى أحسن حديثي فحدثتك به؟ فترتبت لي وترتبت لك؟ قال: فبكى سفيان بكاء أشد من البكاء الأول ثم قال: أحييتني أحياك الله.

وكنية أحمد بن عاصم، أبو علي، ويقال: أبو عبد الله، من متقدمي مشايخ الثغور، وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوب القلوب لحدة فراسته. وكان من أقران بشر بن الحارث، والسري، والحارث المحاسبي. قال أحمد بن عاصم: إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن له بحفظ لسانك. وقال: إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق، فإنهم جواسيس القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحتسبون. روي عن أحمد بن عاصم أنه كان يقول: هذه غنيمة باردة، أصلح ما بقي من عمرك يغفر لك ما مضى. وكان يقول: يسير اليقين يخرج كل الشك من القلب، ويسير الشك يخرج اليقين كله من القلب. قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أحمد بن عاصم: يا أبا الحسن، أحب ألا أموت حتى أعرف مولاي لا معرفة الإقرار به ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت. قال أحمد بن عاصم: هممت بترك المخالطة والعزم على السكوت. وكتبت إلى الهيثم بن جميل أشاوره في ذلك، فكتب إلي: إن أبا سلمة حماد بن سلمة هم بذلك ولزم بيته، فترك إتيان السوق، فقال الناس: أبو سلمة لزم بيته، فنزل السوق فخرج حماد وجعل يقف على الشيء يساوم به لا يريد شراءه، ويقف على القوم يسلم عليهم ليدرأ تلك المقالة عن نفسه، فكسرني عن ذلك. قال أحمد بن عاصم: قلة الخوف من قلة الحزن في القلب، وإذا قل الحزن في القلب خرب القلب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب.

قال أبو عبد الله الأنطاكي: إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب يملأ القلب نوراً، وينفي عنه كل ريب ويمتلىء القلب به شكراً ومن الله خوفاً. وكان يقول: من كان بالله أعرف كان له أخوف. وقال: كل نفس مسؤولة فمرتهنة أو مخلصة، وفكاك الرهون بعد قضاء الديون، فإذا علقت الرهون أكدت الديون، وإذا أكدت الديون استحقوا السجون. وقال: الخير كله في حرفين قلت: وما هما؟ قال: تزوى عنك الدنيا ويمن عليك بالقنوع، ويصرف عنك وجوه الناس ويمن عليك بالرضا. قال أحمد بن عاصم: فرائضت القلب: اطراح الدنيا، وطرح ما يكره الله، وطهارة الضمير، وتصحيح العزم، وصيانة العقول، ورعاية النعم في المعاملة، والفهم عن الله فيما يقع التدبير. وقال: أنفع العقل ما عرفك نعم الله عليك، وأعانك على شكرها، وقام بخلاف الهوى. سئل أحمد بن عاصم. ما علامة الرجاء في العبد؟ قال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر راجياً لتمام النعمة من الله تعالى عليه في الدنيا وتمام عفوه في الآخرة. وقال: خير صاحب لك في دنياك الهم، يقطعك عن الدنيا ويوصلك إلى الآخرة. قال أحمد بن عاصم الحكيم: الناس ثلاث طبقات: فمطبوع غالب. هؤلاء أهل الإيمان والإتقان فإذا غفلوا ذكروا فرجعوا من غير أن يذكروا، وذلك قوله تعالى: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " فهؤلاء الطبقة العليا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطبقة الثانية مطبوع مغلوب، فإذا بصروا، أبصروا، فرجعوا بقوة الطباع إلى محجة العقلاء، والطبقة الثالثة مطبوغ مغلوب غير ذي طباع ولا سبيل لك أن ترده بمواعظك وأدبك إلى محجة الفضلاء.

أحمد بن عامر بن عبد الواحد

قال أحمد بن عاصم: من الطويل هممت ولم أعزم ولو كنت صادقاً ... عزمت ولكن الفطام شديد ولو كان لي عقلٌ وإيقان موقنٍ ... لما كنت عن قصد الطريق أحيد ولا كان في شك اليقين مطامعي ... ولكن عن الأقدار كيف أحيد؟ أحمد بن عامر بن عبد الواحد ابن العباس الربعي البرقعيدي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أحمد بن عبد الواحد بن عبود بسنده عن ابن عباس في قوله " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: العلماء. وحدث أيضاً عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه علمه. توفي بعد سنة ثلاث مئة. أحمد بن عامر بن محمد بن يعقوب ابن عبد الملك أبو الحسن الطائي حفيد محمود بن خالد روى عن جماعة. حدث عن محمد بن إسحاق ويعرف بابن الحريص بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قضى لأخيه حاجة كان كمن خدم الله عمره. روى أحمد عن عامر بسنده عن الشافعي قال: كنت أناظر محمد بن الحسن فكان له في قلبي وزن لأدبه وفصاحته، حتى ناظرته في

أحمد بن عامر بن معمر بن حماد

صلاة الكسوف، فقام إلى غرفة له توهمت أنه يريد تهيئة الصلاة فسمعته وهو يقول بينه وبين نفسه: يحتج علي بصبي وامرأة، يعني ابن عباس وعائشة. قال الشافعي: فذهب ما كان له في قلبي من وزن. كان من أهل بيت علم، كان فيه جماعة محدثون من قبل أبيه وأمه. مات في المحرم سنة ست وعشرين وثلاث مئة. أحمد بن عامر بن معمر بن حماد أبو العباس الأزدي حدث رجل بدمشق بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أيما رجل باع سلعة فوجدها بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء. أحمد بن العباس بن الربيع أبو بكر البغدادي الحافظ يعرف بابن الفقاعي حدث بدمشق. روى عن هبيرة بن محمد الطيب بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب. أحمد بن العباس بن محمد ابن الحسين بن عمرو بن نوح بن عمرو بن حوي بن نافع بن زرعة بن محصن ابن حبيب بن ثور بن خداش بن سكسك بن أشرس بن كندة أبو العباس الكندي المياهي وقيل في نسبه: أحمد بن الفضل بن حوي. قال: وأظن أن كنية أبيه: أبو الفضل فأسقط منه أبا.

أحمد بن العباس بن الوليد بن مزيد

حدث عن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان. أحمد بن العباس بن الوليد بن مزيد أبو العباس العذري البيروتي حدث عن محمد بن سليمان الأسدي، لوين، بسنده عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة. فلما بلغ القبر قعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حافة القبر أو على شفته، فجعل ينظر فيه فقال: يضغط المؤمن في هذا ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر ناراً. قال أبو جعفر - يعني لويناً -: الحمائل: ما تقع عليه حمائل السيف. أحمد بن عبد الله بن أحمد ابن ذكوان أبو عبيدة المقرىء قرأ القرآن وقرىء عليه. حدث عن أبيه بسنده عن ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات. مات أبو عبيدة بدمشق في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة. أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو منصور الفرغاني نزيل مصر، سمع بدمشق. حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك الدمشقي إمام مسجد باب الجابية بدمشق بسنده عن ابن عباس قال: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت محكم القرآن يعني المفصل.

أحمد بن عبد الله بن بندار

أحمد بن عبد الله بن بندار أبو الحسن الشيرازي حدث ببعلبك في ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربع مئة في المسجد المعروف بالقصر، قراءة عليه، وهو ينظر في أصله عن أبي القاسم محمود بن محمد بن عيسى الأصفهاني بشبام اليمن بسنده عن محمد بن علي الحنفي قال: قال المعلى مولى الصادق: سألت سيد جعفر بن محمد الصادق: فقلت: بأبي وأمي، إن العامة يزعمون أن الاختلاج غير صحيح قال: يا معلى هو صحيح. وذكر كتاب الاختلاج في مقدار ورقتين. أحمد بن عبد الله بن حمدون ابن نصير بن إبراهيم أبو الحسن، الرملي، المعروف بالجبريني قدم دمشق، وحدث بها عن جماعة. حدث عن أبي محمد عبد الله بن أبان بن شدد بعسقلان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لله تسعةٌ وتسعون اسماً، مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر. وحدث عن أبي محمد بن الحسن بن فيل بسنده عن أبي علي الحسن بن علي عن الوزير بن القاسم قال: دخلت الحمام فرأيت عمرو بن هاشم البيروتي في الوزن فقلت له تدخل الحمام؟ قال: دخلت الحمام فرأيت الأوزاعي في الوزن فقلت له: تدخل الحمام؟ فقال: رأيت الزهري جالساً في الوزن فقلت: تدخل الحمام؟ فقال: رأيت أنس بن مالك في الوزن فقلت له: تدخل الحمام؟ فقال: دخلت الحمام فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً في

أحمد بن عبد الله بن حميد

الوزن وعليه مئزر، فهبت أن أكلمه، فقال: يا أنس، إنما حرم الدخول إلى الحمام إلا بمئزر. أحمد بن عبد الله بن حميد ابن رزيق ويقال: أحمد بن عبد الله بن رزين بن حميد - أبو الحسن المخزومي البغدادي نزيل مصر، من ولد عمرو بن حريث سمع بدمشق وبغيرها جماعة. روى بإسناده عن أبي العباس محمد بن جعفر بن هشام بن ملاس النميري بدمشق بسنده عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشهر تسع وعشرون ليلة. وحدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان الكندي بدمشق بسنده عن جويرية بنت الحارث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها فقال لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلا عظماً أعطيته مولاة لنا من الصدقة. قال: قربيه، فقد بلغت محلها. انتقل عن بغداد إلى مصر، وأقام بها إلى أن مات في سنة نيف وتسعين وثلاث مئة، وقيل: في سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة، يوم الثلاثاء لثمان بقين من ربيع الأول وقيل يوم الاثنين لسبع خلون منه. وكان ثقة مأموناً. أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو علي العبدي حدث عن جماعة. روى عن عمر بن محمد بن الحسن النجاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حرم، وحرمي المدينة، اللهم إني أحرمها كما حرم إبراهيم مكة لا يؤوى فيها

أحمد بن عبد الله بن عبد الله

محدث ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشد. أحمد بن عبد الله بن عبد الله ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان، أبو بكر ابن أبي دجانة النصري الشاهد حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم. ولد في رجب سنة ثمانين ومئتين، وتوفي يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان سنة ست وخمسين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً. أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ابن عمر بن مسلم أبو الحسن الدمشقي المقرىء روى عن جماعة. الشيخ الصالح الثقة. حدث عن أبي الجماهير بسنده عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: اللهم ضع في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها.

أحمد بن عبد الله بن عراك

أحمد بن عبد الله بن عراك ابن الركين بن العلاء بن فطانة، أبو بكر الدهستاني حدث بدمشق وغيرها روى عن أبي نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن بن طوق بن سلام بن المختار بن سليم الربعي الخيراني بالموصل بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من جاء إلى الجمعة فليغتسل. وروى عن أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الربعي بسنده عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جنتان من ذهب وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن. أحمد بن عبد الله بن علي ابن طاوس بن موسى بن العباس بن طاوس، أبو الركاب المقرىء البغدادي سمع ببغداد، وقرأ القرآن بروايات كثيرة، وانتقل إلى دمشق في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربع مئة، فاستوطنها إلى أن مات بها. وصنف في القراءات. وأقرأ القرآن بروايات. وكان ثقة خيراً مداوماً لتلاوة القرآن ماهراً فيها. حدث بدمشق عن أبي طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان بسنده عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر. ختم القرآن في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة وعمره عشر سنين أو أقل. وتوفي في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة بدمشق

أحمد بن عبد الله بن عمر

أحمد بن عبد الله بن عمر ابن حفص ويقال جعفر أبو علي المالكي البغدادي سكن حلب، وقدم دمشق، وحدث بها. حدث عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم. أحمد بن عبد الله بن عمر الدمشقي حدث عن عبد الله بن ثابت البغدادي بسنده عن محمد بن أبي كبشة قال: سمعت هاتفاً في البحر ليلاً يقول: لا إله إلا الله، كذب المريسي على الله. قال: ثم هتف ثانية فقال: لا إله إلا الله، على ثمامة والمريسي لعنة الله. قال: وكان معنا في المركب رجل من أصحاب المريسي فخر ميتاً. أحمد بن عبد الله بن عمرو الدمشقي حدث عن أبي الحسن محمد بن محمد بن النفاخ بن بدر الباهلي بمصر بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا سخب فيه ولا نصب.

أحمد بن عبد الله بن الفرج

أحمد بن عبد الله بن الفرج ابن عبد الله أبو بكر القرشي، المعروف بابن البرامي، مولى بني أمية روى عن جماعة. روى سنة أربعين وثلاث مئة عن أبي بكر محمد بن أحمد بن إبراهيم المعافري الرملي بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشى في الرمل في شدة الحر فأحرق قدميه، فقال: لولا رمل بين غزة وعسقلان لعنت الرمل. كان أبو بكر أحمد بن عبد الله مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان كهلاً يكتب الحديث، يعرف بابن البرامي. مات سنة ست وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن بشر بن مغفل بن حسان بن عبد الله بن مغفل، أبو محمد المزني المغفلي الهروي من أعيان أهل خراسان. رحل وسمع بدمشق وبهراة وبالعراق وبمصر جماعة. وروى عنه جماعة. حدث عن محمد بن سهل العطار بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيته عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك. وحدث ببخارى إملاء عن عبد الله بن محمد بن ناجية بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا في النصف من شعبان فيغفر لكل مسلم إلا مشرك أو مشاحن. قال الحاكم: سمعت أبا محمد المزني يقول: حديث النزول وقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه صحيحة. وورد في التنزيل

أحمد بن عبد الله

ما يصدقه وهو قوله عز وجل: " وجاء ربك والملك صفاً صفا " والنزول والمجيء صفتان منفيتان من صفات الله عز وجل من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله عز وجل بلا تشبيه، جل الله عما تقول المعطلة بصفاته والمشبهة بها علواً كبيراً. وكان أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني إمام أهل العلم والوجوه وأولياء السلطان بخراسان في عصره بلا مدافعة. وكان مجاوراً بمكة، فورد الكتاب من مصر بأن يحج أبو محمد بالناس، ويخطب بعرفات ومنى وتلك المشاعر. قال: فصلى بنا بعرفات، وأتم الصلاة، فصاح الناس وعجوا، فصعد المنبر: فقال: أيها الناس، أنا مقيم وأنتم على سفر، ولذلك أتممت. توفي أبو محمد غدوة يوم الثلاثاء السابع عشر من رمضان سنة ست وخمسين وثلاث مئة. وحمل بعد الظهر تابوته إلى السهلة، فوضع على باب السلطان - يعني ببخارى - وحمل الوزير أبو علي البلعمي تابوته أحد شقيه على عاتقه بعد الصلاة، وقدم ابنه للصلاة عليه، وقدمت البغال وحملوا جثته الطيبة إلى وطنه الذي قتله حبه، بهراة ودفن بها. قال أبو نصر بشر بن أبي محمد المزني في مأتم أبيه: إن آخر كلمة تكلم بها أبوه أن قبض على لحيته بيده اليسرى ورفع يده اليمنى إلى السماء فقال: ارحم شيبة شيخ جاءك بتوفيقك على الفطرة. أحمد بن عبد الله ويقال عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب. كما زعم وهو صاحب الحال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، بايعته القرامطة بعد قتل

أخيه بنواحي دمشق، وتسمى بالمهدي واقتيد بالشام فبعث إليه المكتفي عسكراً في المحرم سنة إحدى وتسعين ومئتين، فقتل من أصحابه خلق كثير، ومضى هو في نفر من أصحابه يريد الكوفة فأخذ بقرب قرية تعرف بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى بغداد وأشهر، وطيف به على بعير، ثم بنيت له دكة فقتل عليها هو وأصحابه الذين أخذوا معه يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين ومئتين. قال أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي قال: قام مقامه - يعني مقام صاحب الجبل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال. فأسرف في سوء الفعل وقبح السيرة وكثرة القتل حتى تجاوز ما فعله أخوه وتضاعف قبح فعله على فعله وقتل الأطفال ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء. فخرج المكتفي بالله إلى الرقة وسير إليه الجيوش فكانت له وقائع، وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى هزم وهرب وظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً وأخذ معه ابن عم له يقال له: المدثر، وكان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة وهو بين يديه على الفيل وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول سنة إحدى وتسعين. ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط، وكوي جبينه بالنار وقطعت منه الأربعة ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه. وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر. وقيل إنه وأخاه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما، فيما ذكر، ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومئتين، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلاً ذريعاً لم يسمع قبل بمثله واستباح القوافل وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة

أحمد بن عبد الله بن مرزوق

وأخرج منها ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إليها وخروجه عنها فهزمهم، وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة فقوي بها، وعظم أمره في النفوس وأجلبت معه كلب وأسد وكان يدعى السيد. ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه بذي قار بين البصرة والكوفة في العراض، فهزم وأسر جريحاً ثم مات. وكان أخذه أسيراً يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر فقدم به إلى بغداد مشهوراً في ربيع الأول وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت وطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب بثأر ابنه المقتول على الدكة. ومن شعره في الفخر: من مجزوء الكامل سبقت يدي يده بضر ... بة هاشمي المحتد وأنا ابن أحمد لم أقل ... كذباً ولم أتزيد من خوف بأسي قال بد ... رٌ ليتني لم أولد يعني بدر الحمامي الطولوني أمير دمشق. أحمد بن عبد الله بن مرزوق أبو العباس الأصبهاني الدستجردي قدم دمشق، وحدث بها سنة سبع وأربعين وخمس مئة. قال الحافظ: كان يروي كتاب الترغيب والترهيب، فجلست معه لما شرع في التحديث به حرصاً مني على معارضة نسختي مرة ثانية، فكان إذا أخطأ في قراءته رددت عليه، فيشق عليه. ولقد جاء في نسخته حديث من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة،

أحمد بن عبد الله أبي الحواري

فسقط منه ذكر سهيل عن أبيه، فرددت عليه، فأراد أن يماري فيه، فقلت: هذا لا يخفى على الصبيان، ولم أعد للحضور معه. حدث أبو العباس الأصبهاني عن أبي بكر محمد بن أبي القاسم الفضل بن محمد الفراتي وغيره بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والجهاد حتى ذكر سهام الخير وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله. أحمد بن عبد الله أبي الحواري ابن ميمون بن عياش بن الحارث، أبو الحسن التغلبي الغطفاني الزاهد أحد الثقات. أصله من الكوفة وسكن دمشق. روى عن جماعة وأعيان، وروى عنه جماعة وأعيان. روى عن حفص بن غياث بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا مرض العبد أو سافر أمر أن يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، وفي رواية أخرى: كتب له مثل أجره وهو صحيح. أبو الحسن أحمد بن أبي الحواري من قدماء مشايخ الشام، من أهل دمشق تكلم في علوم المحبة والمعاملات، وصحب أبا سليمان الداراني، وأخذ طريقة الزهد من أبيه أبي الحواري. واسم أبي الحواري ميمون، ويقال عبد الله بن ميمون. ولأحمد ابن يقال له عبد الله، وكان من الزهاد أيضاً. وكان الجنيد يقول: أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام. قال يحيى بن معين - وذكر أحمد بن أبي الحواري - فقال: أهل الشام به يمطرون.

قال يوسف بن الحسين: طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة، فلما بلغ منه الغاية حمل كتبه كلها إلى البحر فغرقها، وقال: يا علم، لم أفعل بك هذا تهاوناً بك ولا استخفافاً بحقك، ولكني كنت أطلبك لأهتدي بك إلى ربي، فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك. قال يوسف بن الحسين: كان بين أبي سليمان وأحمد بن الحواري عقد لا يخالفه في شيء يأمره به، فجاءه يوماً وهو يتكلم في مجلسه فقال: إن التنور قد سجر فما تأمر؟ فلم يجبه، فقال مرتين ثلاثة، فقال أبو سليمان اذهب فاقعد فيه، كان ضاق به قلبه. وتغافل أبو سليمان ساعة، ثم ذكر فقال: اطلبوا أحمد فإنه في التنور لأنه على عقد ألا يخالفني، فنظروا فإذا هو في التنور لم تحترق منه شعرة. قال محمد بن الفيض: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول لرجلين وأنا ثالثهما، وسألاه عن شيء فقال: والله لولا ما قد جرى أو مضى من السنة وسار في الناس من تقدمة أبي بكر وعمر وعثمان ما قدمنا على عليٍّ أحداً. يعني لسابقته وفضله وقدمته. قال ابن الفيض: أدركت من شيوخنا من شيوخ دمشق ممن يربع بعلي بن أبي طالب، وذكر قوماً فيهم أحمد بن أبي الحواري. قال عيسى بن عبد الله: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: لو خيرني مخير بين أن يسجر لي تنور فأرمي بنفسي فيه، فأحترق به ولا أبعث، وبين أن أبعث ولا أحاسب ويؤمر بي إلى الجنة، لظننت أني سأموت من الفرح بالتنور من قبل أن أصير إليه، قال: قلت: أنى ومع البعث إلى الجنة فقال لنا: فأين الوقوف بين يدي الله عز وجل والتوبيخ. وكان أحمد بن أبي الحواري كريم الأخلاق، وكان من كرم أخلاقه أنه كان لا يزن كسراً ولا يأخذ كسراً، وإذا كان له درهم وكسر أخذ الدرهم ولم يأخذ الكسر، وإذا كان عليه وزن درهم ونصف وزن درهمين.

قال: وأحسن ما سمع منه: جاءه مولود، ولم يكن له شيء من الدنيا، فقال لتلميذ له قد جاءنا البارحة مولود، خذ لنا وزنة دقيق بنسيئة فقال تلميذه: والله إن هذه لمسبة على علماء الشام وعقلائها إذ لا يفتقدون هذا الشيخ، يجيئه مولود فلا يملك ثمن وزنة دقيق. قال: وكان بعض التجار قد وجه متاعاً إلى مصر، فنوى إن سلمه الله في ذهابه ومجيئه أن لأحمد مئتي درهم صحاحاً. فلما جاء المولود جاء المتاع، فدفع التاجر المئتي درهم إلى غلام له وقال: ادفعها إلى أحمد، وقل له: إن سيدي نذر إن سلم الله متاعه فلك فيه مئتا درهم، وقد سلمه الله عز وجل، فقال تلميذه: الحمد لله قد فرج عن الشيخ، فالدراهم بين يديه، حتى جاءه رجل فقال: يا أحمد البارحة جاءني مولود، عندك من الدنيا شيء؟ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا مولاي، هكذا بالعجلة ودفع المئتي الدرهم إليه، ثم قال لتلميذه: قم ويحك جئنا بالدقيق. قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: صليت صلاة في خلوة فوجدت لها لذة، قال: وأي شيء ألذك فيها؟ قلت: حيث لم يرني أحد، فقال: إنك لضعيف حيث خطر بقلبك فكر الخلق. قال محمد بن عوف: رأيت أحمد بن أبي الحواري عندنا بانطرسوس، فلما أن صلى العتمة قام يصلي على الحائط، فاستفتح ب " الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ". ثم رجعت فنمت ليلتي جمعاء، فلما كان السحر قبل انشقاق الفجر مررت بأحم بن أبي الحواري، وهو يقرأ " إياك نعبد وإياك نستعين " فلم يزل يرددها من العتمة إلى الصبح. قال عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري: كنا نسمع بكاء أبي بالليل حتى نقول قد مات، ثم نسمع ضحكه حتى نقول قد جن.

قال الحسن بن حبيب: سمعت أبي يقول: خرجت مع أحمد بن أبي الحواري إلى رباط بيروت، فلم تزل الهدايا تجيئه من أول النهار إلى نصف النهار، ثم أقامني ففرقها إلى أن غابت الشمس، وقال لي: كن كذا يا حبيب لا تزد على الله ولا تدخر عنه، فلما كان في الليل خرجت معه إلى سور البلد، فسمع الحارس يقول: قل لزين الحنان: رد السلام، فصاح وسقط، وقال: قل لكل قلب يلحق حيث يشاء. قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على بعض المتعبدين أعوده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: بحال شريفة، أسير كريم في حبس جواد مع أعوان صدق، والله لو لم يكن مما ترون لي عوض إلا ما أودع في قلبه من محبته لكنت حقيقاً على أن أدوم على الرضى عنه، وما الدنيا وما غاية البلاء فيها؟ هل هو إلا ما ترون بي من هذه العلة؟ وأوشك لئن استبد بي الأمر قليلاً لترحلني إلى سيدي، ولنعمت علةٌ رحلت بمحب إلى محبوب قد أضر به طول التخلف عنه. قال أحمد بن أبي الحواري: لا دليل على الله سواه، وإنما العلم يطلب لآداب الخدمة. قال أحمد بن أبي الحواري: صحبت أبا سليمان طول ما صحبته فما انتفعت بكلمة أقوى علي وأهدى لرشدي وأدل على الطريق من هذه الكلمة: قلت له في ابتداء أمري: أوصني فقال: أمستوصٍ أنت؟ قلت: إن شاء الله، قال: خالف نفسك في كل مراد لها فإنها الأمارة بالسوء، وإياك أن تحقر أحداً من المسلمين، واجعل طاعة الله دثاراً والخوف منه شعاراً، والإخلاص زاداً، والصدق جنة، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها: إن منا استحى من الله عز وجل في كل أوقاته وأحواله وأفعاله بلغه إلى مقام الأولياء من عباده. قال: فجعلت هذه الكلمة أمامي، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها. قال أحمد بن أبي الحواري: علامة حب الله حب طاعة الله. وقيل: حب ذكر الله، فإذا أحب الله العبد أحبه،

فلا يستطيع العبد أن يحب الله حتى يكون الابتداء من الله بالحب له، وذلك حين عرف منه الاجتهاد في مرضاته. وقال أحمد: أفضل البكاء بكاء العبد على ما فاته من أوقاته على غير الموافقة، أو بكاء على ما سبق له من المخالفة. قال حبيب بن عبد الملك: كنت عند أحمد بن أبي الحواري جالساً، فقال له رجل: يا أبا الحسن، أثابنا الله وإياك على الإسلام والسنة، فقال له أحمد: يا ذا الرجل، إنه من لم يكن مسيئاً فما هو مسلم، فقال له: يا أبا الحسن، فما السنة عندك؟ قال: أن يسلم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك وتسلم منهم. قال أحمد: ما ابتلى الله عبداً بشيء أشد من الغفلة والقسوة. وقال: من عمل بلا اتباع سنة فباطلٌ عمله. وقال: من نظر إلى الدنيا نظر إرادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه. وقال: من عرف الدنيا زهد فيها، ومن عرف الآخرة رغب فيها، ومن عرف الله آثر رضاه. ورد كتاب المأمون على إسحاق بن يحيى بن معاذ، وهو يومئذ والي دمشق بمحنة أحمد بن أبي الحواري وعبد الله بن ذكوان بالقول بخلق القرآن، وكانا على المسجد وكان ابن أبي دواد يعرفهما، فورد الكتاب على إسحاق، ولهما منه منزلة، فخفف عنهما في المحنة فأجاب عبد الله بن ذكوان وأبى أحمد بن أبي الحواري أن يجيب فحبس، ثم وجه إلى امرأته وصبيانه ليأتوه ويبكوا عليه ليرجع عن رأيه، وقيل له: ما في القرآن من الجبل والشجر مخلوق. وكان إسحاق مائلاً إليه فأجاب على هذا وكتب إسحاق بإجابتهما.

أحمد بن عبد الله بن نصر

ومات أحمد بن أبي الحواري سنة ست وأربعين ومئتين في جمادى الآخرة. وقيل سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل سنة ثلاثين ومئتين، وهو وهم. وعمره اثنتان وثمانون سنة. ومولده سنة أربع وستين ومئة. أحمد بن عبد الله بن نصر ابن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة، أبو العباس، والد القاضي أبي الطاهر الذهلي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن ربيعة بن الحارث الجبلاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني قد ثقلت، فلا تبادروني بالركوع والسجود، فإني مهما أسقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، ومهما أسبقكم إذا سجدت تدركوني إذا رفعت. مات ابن بجير القاضي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة يوم الثلاثاء سلخ ربيع الآخر. أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال أبو الفضل السلمي حدث عن أبي عبد الرحمن المؤمل بن إهاب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال أخاه أقال الله عثرته يوم القيامة. وروى أيضاً عن أبي عامر موسى بن عامر بسنده عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها فينزل بالسبخة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج إليه منها كل كافر ومنافق.

أحمد بن عبيد الله بن الحسن

وحدث عن جعفر بن محمد بن حماد بسنده عن علي بن رباح أن أعمى كان له قائد بصير فغفل البصير، فوقعا في بئر، فمات البصير وسلم الأعمى، فجعل عمر ديته على عاقلة الأعمى. قال: فسمعته يقول في الحج: من الرجز يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا خرا معاً كلاهما تكسرا مات أبو الفضل أحمد بن هلال في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن عبيد الله بن الحسن ابن شقير أبو العلاء البغدادي النحوي حدث عن أبي بكر محمد بن هارون بن المجدر ببغداد بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قضى في الجنين بغرة عبدٍ أو أمة أو بفرس أو بغل. أحمد بن عبيد الله بن فضال أبو الفتح الحلبي الموازيني الشاعر، المعروف بالماهر. قرىء عليه في صفر سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة يمدح أبا نصر صدقة بن يوسف: من الكامل لو سرت حين ملكت سيرة منصفٍ ... لسننت وحدك سنةً لم تعرف من صح قبلك في الهوى ميثاقه ... حتى تصح؟! ومن وفى حت تفي؟!

أحمد بن عبيد الله الدمشقي

عرف الهوى في الخلق مذ خلق الهوى ... بمذلة الأقوى وعز الأضعف فلألبسن حملت أو لم أحتمل ... فيك السقام عطفت أو لم تعطف حتى يعاين كل لاحٍ عاذلٍ ... مني لجاجة كل صبٍّ مدنف يا من توقد في الحشا لصدوده ... نارٌ بغير وصاله ما تنطفي وهي طويلة. مات أبو الفتح أحمد بن عبيد الله الماهر في صفر بدمشق سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة. ودفن في داره، ثم نقل إلى باب الصغير. أحمد بن عبيد الله الدمشقي روى عن الوليد بن مسلم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنعم الله على عبد نعمة فأسبغها عليه، ثم وجه إليه من يطلب المعروف عنده فزبرهم إلا وقد تعرض لزوال تلك النعمة. أحمد بن عبد الباقي بن الحسن أبو الحسين القيسي النجاد حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الخضر بن سعيد السلمي بسنده عن عبد الله قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النذر، وقال: إنه لا يرد من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به، يعني: من البخيل. خرج أبو الحسين قاصداً للحج في رجب سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة فسقط عن البعير قبل وصوله إلى الرحبة، فتوفي ودفن في الرحبة.

أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد

أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد أبو بكر العلوي الزيدي المروزي الواعظ الشافعي قدم دمشق وأملى بها الحديث، وعقد بها مجالس الوعظ وروى عن جماعة. حدث عن الشيخ السديد أبي منصور محمد بن علي بن محمد التاجر بسنده عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عرض علي الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام رجل ضربٌ من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم، يعني نفسه. ورأيت جبريل فإذا أقرب من رأيت به شبهاً دحية. أخرج أبو بكر العلوي من دمشق في ذي الحجة سنة سبع وأربعين وخمس مئة، وسار إلى ناحية ديار الملك مسعود بن سليمان، فانقطع خبره عنا بعد ذلك. وكان غير مرضي الطريقة. أحمد بن عبد الرحمن بن بكار ابن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطأة أبو الوليد القرشي العامري البسري من أهل دمشق، سكن بغداد وحدث. روى عن الوليد بن مسلم القرشي بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تسوكوا فإن السواك مطيبة للفم، مرضاة للرب عز وجل، وما جاءني جبريل عليه السلام إلا وصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرضه علي وعلى أمتي. ولولا أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، فإني لأستاك حتى خشيت أن أحفي مقاديم فمي. مات أبو الوليد القرشي يوم الثلاثاء لثلاث بقين من رمضان سنة ثمان وأربعين ومئتين. وقيل سنة ست وأربعين ومئتين.

أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن

قال: وهو وهم. والصواب الأول. وكان صدوقاً وذكر الباغندي عن إسماعيل بن عبد الله السكري أنه كان سيىء الحال، وأنه لم يسمع من الوليد بن مسلم شيئاً. قال: وكنت أعرفه شبه قاض، وإنما كان محللاً يحلل النساء للرجال، ويعطى الشيء فيطلق. قال الخطيب: وليس حاله على ما ذكر الباغندي عن هذا الشيخ، بل كان من أهل الصدق، وقد حدث عنه من الأئمة أبو عبد الرحمن النسائي وحسبك به، وذكره في جملة شيوخه الذين بين أحوالهم. أحمد بن عبد الرحمن بن الحسن أبو الحسين الطرائفي حدث عن تمام بن محمد بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوم الفتح مكة وعليه مغفر. فلما وضعه قيل: يا رسول الله، هذا المنافق متعلق بأستار الكعبة، فأمر به فقتل صبراً. توفي أبو الحسين أحمد الطرائفي يوم الأربعاء السابع من رجب سنة سبع وخمسين وأربع مئة. سمع الكثير من الشيوخ، وكتب واستورق، ولم يحدث من أول عمره، ولم تطل مدته، وكان مغفلاً، وكان مقتراً على نفسه، وجمع مالاً كثيراً. وكان شحيحاً على نفسه. وذكر أنه قال لزوج بنت أخيه في علته التي مات فيها، وقد حمله إلى عنده: أطعمني شواء فلي عشرون سنة أشتهيه. وحكي عنه أنه كان له نطع يقعد عليه، فإذا جلس كشف عن مقعدته وجلس على النطع لئلا يتخرق الثوب الذي يكون عليه. سئل أبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب عن الطرائفي فقال: ما كان إلا ثقة.

أحمد بن عبد الرحمن بن أبي الحصين

أحمد بن عبد الرحمن بن أبي الحصين أبو بكر الأنطرطوسي حدث بدمشق عن كثير بن عبيد الإمام بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة. أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان ابن القاسم بن معروف بن حبيب بن أبان بن إسماعيل، أبو علي بن أبي نصر التميمي المعدل روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل. توفي أبو علي أحمد بن عبد الرحمن في السابع والعشرين من شعبان سنة إحدى وأربعين وأربع مئة. وكان ثقة مأموناً، صاحب أصول حسنة. وكانت له جنازة عظيمة. أحمد بن عبد الرحمن بن علي ابن عبد الملك بن بدد بن الهيثم أبو عصمة اللخمي القاضي حدث بطرابلس قال: أنشدني قاضي القضاة أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف لنفسه ببغداد، والبيت الأخير مضمن: من البسيط أشتاقكم اشتياق الأرض وابلها ... والأم واحدها والغائب الوطنا أتيت أطلب أسباب السلو فما ... ظفرت إلا ببيتٍ شفني وعنى أستودع الله قوماً ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا

أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس

قال الخطيب: أنشدني الصوري الأبيات التي ضمن ابن معروف منها هذا البيت وهي: يا صاحبي سلا الأطلال والدمنا ... متى يعود إلى عسفان من ظعنا إن الليالي التي كنا نسر بها ... أبدى تذكرها في مهجتي حزنا أستودع الله قوماً ما ذكرتهم ... إلا تحدر من عيني ما خزنا كان الزمان بنا غراً فما برحت ... أيدي الحوادث حتى فطنته بنا أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس ابن محمد بن خلف بن قابوس أبو النمر الأطرابلسي الأديب حدث بصور سنة ثلاث عشرة وأربع مئة وباطرابلس عن جماعة. وروى عنه جماعة. حدث عن القاضي يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته. وحدث عن أبي محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم النحوي بسنده عن أبي جحيفة قال: قال عبد الله: ذهب صفو الدنيا فلم يبق منها إلا الكدر، فالموت تحفة كل مسلم. حدث أبو النمر بإسناده عن مسعر قال: لم يقل لبيد في الإسلام إلا هذين البيتين: من الطويل نجدد أحزاناً لدى كل هالكٍ ... ونسرع نسياناً ولم يأتنا أمن فإنا ولا كفران لله ربنا ... لكالبدن لا تدري متى يومها البدن عاصر أبو النمر بطرابلس أبا عبد الله الحسين بن خالويه، وكان يدرس العربية واللغة، وتوفي بها، وخلف ولداً شخص إلى العراق وتقدم هناك. قال أبو النمر: أنشدني الحسين بن خالويه قال: أنشدنا محمد بن أبي هاشم لمحمد بن خازم: مجزوء الكامل الله أحمد شاكراً ... فبلاؤه حسنٌ جميل

أحمد بن عبد الرحمن بن محمد

أصبحت مستوراً معا ... فى بين أنعمه أجول خلواً من الأحزان خف ... الظهر يقنعني القليل حراً فلا مننٌ لمخ ... لوق علي ولا سبيل لم يشقني حرصٌ ولا ... طمعٌ ولا أملٌ طويل سيان عندي ذو الغنى ال ... متلاف والرجل البخيل ونفيت باليأس المنى ... عني فطاب لي المقيل والناس كلهم لمن ... خفت مؤونته خليل أحمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الجارود بن هارون أبو بكر الرقي الحافظ، نزيل عسكر مكرم ذكر أنه سمع بدمشق وبحمص جماعة. وروى عنه جماعة. حدث بعسكر مكرم عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب. وحدث أيضاً بعسكر مكرم في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وثلاث مئة عن هشام بن عمار أيضاً بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتاً، للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت هذه الآية من مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشيء من نعمائك يا ربنا نكذب. فلك الحمد. وحدث أيضاً في عسكر مكرم سنة ستة وخمسين بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة.

أحمد بن عبد الرحمن بن واقد

وحدث أيضاً عن محمد بن عبد الملك الدقيقي وغيره بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله عز وجل: يابن آدم أنا بدك اللازم فاعمل لبدك، كل الناس لهم بد، وليس لك مني بد. حدث أحمد بن عبد الرحمن قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: كنا جلوساً عند الشافعي إذ أقبل رجل من أصحاب الحديث، وكان عندنا ممن لا يقام له، فقام إليه الشافعي وأجلسه بجنبه وأنشد: من المتقارب ولما تبدى لنا مقبلاً ... حللنا الحبا وابتدرنا القياما فلا تنكرن قيامي له ... فإن الكريم يجل الكراما ذكر أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة الضعفاء قال: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي يضع الحديث، ويركبه على الأسانيد المعروفة. وقال أبو بكر الخطيب: هو كذاب. أحمد بن عبد الرحمن بن واقد التنوخي البيروتي حدث ببيروت عن بكر بن سهل بن إسماعيل الدمياطي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طعام السخي دواء، وطعام الشحيح داء. وفي رواية: طعام السخي شفاء. أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى المعروف بابن ثرثار حدث عن عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب الدمشقي عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الاقتصاد في النفقة نصف العيش، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم.

أحمد بن عبد الرزاق

أحمد بن عبد الرزاق قال الحسن بن حبيب: حدثني أبي قال: دعانا محمد بن عباس الهيتي، وكان من الصالحين، وعنده جماعة منهم أحمد بن عبد الرزاق، فقدم إلينا خبيصٌ، فأخذ أحمد اللقمة من القصعة فناولني إياها وقال لي: اجعلها أنت بيدك في فمي، ففعلت؛ فقال: أتدري لم فعلت هذا، إنه يروى في الحديث: من لقم أخاه المسلم لقمة حلاوة وقاه الله مرارة يوم القيامة. وأحببت أن تلقمني إياها حتى يوقيك الله مرارة يوم القيامة. أحمد بن عبد الصمد بن محمد ابن غانم بن الحسن أبو الحسين بن أبي الفتح التميمي البزاز حدث سنة ستين وأربع مئة عن أبي الحسن رشأ بن نظيف بن ماشاء الله بسنده عن الأصمعي قال: لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة، وابن الزبير جالسٌ يسمع: من مجزوء الكامل قتل الخيار بنو الخيا ... ر ذوو المهابة والسماح والصائمون القائمو ... ن القانتون أولو الصلاح المهتدون المتقو ... ن السابقون إلى الفلاح ماذا بواقم والبقي ... ع من الجحاجحة الصباح وبقاع يثرب ويحهن ... من النوادب والصياح فقال ابن الزبير لأصحابه: يا هؤلاء، قد قتل أصحابكم فإنا لله وإنا إليه راجعون. ذكر ابن ابنة أبو المعالي عبد الصمد بن الحسين بن أحمد الأمين أنه توفي في حدود سنة سبعين وأربع مئة.

أحمد بن عبد العزيز بن محمد

أحمد بن عبد العزيز بن محمد ابن حبيب أبو الطيب المقدسي الفقيه الواعظ إمام جامع الرافقة سمع جماعة. وله ديوان شعر حسن أسمع بعضه بالرافقة. قدم دمشق غير مرة، وكان شيخاً مستوراً معيلاً مقلاً. حدث بالرافقة عن أبي عبد الله الحسين بن علي الطبري بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فإذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. ومن شعره من قصيدة: من الطويل ينال الفتى بالجود ما لاتناله ... سيوفٌ تقد السابري حداد وبالرأي إصلاح الأمور وكم بدا ... لتاركه بين الأنام فساد تأن إذا لم يتضح لك مطلبٌ ... فإن التأني في الأمور رشاد وسرك فاحفظطه وكن كاتماً له ... فإن ظهور السر حين يعاد ولم أر كالدنيا لمن كان قادراً ... يساق إليه خيرها ويزاد مات أبو الطيب بعد سنة تسع وعشرين وخمس مئة. أحمد بن عبد العزيز أبو عمرو حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في محرم بحجه أصاب امرأته وهي محرمة: يقضيان حجهما وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما ويفترقان حتى يتما حجهما. قال عطاء: وعليهما بدنة أطاعته أو استكرهها فإنما عليهما بدنة واحدة.

أحمد بن عبد القاهر بن الخيبري

وحدث عنه أيضاً عن عطاء قال: الحائض والجنب لا ينقضان عقاصاً ولا ضفيرة، ولا تمر حائض في المسجد إلا مضطرة. أحمد بن عبد القاهر بن الخيبري اللخمي الدمشقي حدث بدمشق سنة تسع وسبعين ومئتين عن منبه بن عثمان بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أشرف الإيمان أن يأمنك الناس، وأشرف الإسلام أن يسلم الناس من لسانك ويدك، وأشرف الهجرة أن تهجر السيئات، وأشرف الجهاد أن تقتل ويعقر فرسك. الخيبري: أوله خاء معجمة مفتوحة بعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها وباء معجمة بواحدة. أحمد بن عبد الملك بن علي ابن أحمد بن عبد الصمد بن بكر أبو صالح النيسابوري المؤذن الحافظ سمع بدمشق وببغداد وبخراسان. وروى عنه جماعة. وكان ثقة خياراً. حدث عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لكل نبي دعوة فأريد أن أختبىء دعوتي إن شاء الله شفاعة لأمتي يوم القيامة. أنشد أبو صالح المؤذن بسنده لمهدي بن سابق: من البسيط يا رب ساعٍ له في سعيه أملٌ ... يفنى ولم يقض من تأميله وطرا ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا العرف من يأته يحمد مغبته ... ما ضاع عرفٌ ولو أوليته حجرا قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر: أحمد بن عبد الملك أبو صالح المؤذن الأمين المتقن المحدث الصوفي نسيج وحده في طريقته وجمعه وإفادته، ما رأينا مثله، حفظ القرآن، وجمع الأحاديث، وسمع الكثير،

أحمد بن عبد الملك بن مروان

وصنف الأبواب والمشايخ، وسعى في الحراب وصحب مشايخ الصوفية، وأذن سنين حسبةً ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. وتوفي يوم الاثنين التاسع من رمضان سنة سبعين وأربع مئة. وكان قد سأل الله بمكة أن لا يقبضه إلا في شهر رمضان فكان إذا دخل شهر رجب تفرغ للعبادة إلى أن يخرج شهر رمضان. أحمد بن عبد الملك بن مروان أبو بكر البيروتي حدث ببيروت عن أبي خالد يزيد بن عبد الله بن موهب بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر في فيح جهنم. حدث ببيروت سنة إحدى وثمانين ومائتين. أحمد بن عبد المنعم بن أحمد ابن بندار بن إبراهمي أبو الفضل بن أبي الفتح المعروف بالقائد ابن الكريدي سمع جماعة، وروى عنه جماعة. وذكر أبو محمد بن صابر أنه ثقة، وأنه سأله عن مولده فقال: ولدت في شعبان سنة ثمان عشرة وأربع مئة. حدث عن أبي بكر محمد بن الجرمي بن الحسين المقرىء بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تعلموا النجوم، إنه شعبة من السحر، ونهى عنه أشد نهيٍ. كذا روي في هذا الموضع، وإنما هو عن أبي هريرة. توفي أبو الفضل أحمد يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وأربع مئة

أحمد بن عبد الواحد بن أحمد

أحمد بن عبد الواحد بن أحمد أبو بكر البجلي المكي من ولد جرير بن عبد الله قدم دمشق. روى عن جماعة. وروى عنه جماعة. حدث عن محمد بن المظفر الحافظ بسنده عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار. أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن أحمد بن عثمان بن الحكم بن الوليد بن سليمان، أبو الحسن بن أبي الحديد السلمي العدل حدث عن جماعة. وحدث عنه جماعة. وكان ثقة متفقداً لأحوال طلبة العلم والغرباء. حدث بسنده عن جده بسنده عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الأمة تزني قبل أن تحيض فقال: إن زنت فلجلدها ثم إن زنت فليجلدها فقال في الثالثة أو في الرابعة: إن زنت فليبعها ولو بضفير من شعر. ولد أحمد بن أبي الحديد في ليلة الاثنين بعد الأذان ليلة أربع عشرة من شعبان سنة ست وثمانين وثلاث مئة. وتوفي ليلة الخميس الثالث من ربيع الأول سنة تسع وستين وأربع مئة. وكان ثقة عدلاً رضىً.

أحمد بن عبد الواحد بن الموحد

أحمد بن عبد الواحد بن الموحد ابن البري أبو الحسين السلمي الشاهد سمع بدمشق وبمصر. حدث أن بعض الأشراف من بيت إسماعيل العلوي خاف والياً كان ظالماً بدمشق، وأنه لما اشتد خوفه هرب إلى بيت جده أبي الفرج الموحد بن البري، وأنه ابتنى له بيتاً في سطح داره تفرد به فيه بنفسه، وأنه أقام في ذلك البيت نحواً من سنتين ينحدر من بيته في كل ليلة جمعة لزيارة الشيخ، وأنه لما كان في بعض الليالي استأذن عليه ليلاً فانحدر إليه وقال له: إني رأيت في منامي في هذه الساعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن يمينه أبو بكر وعمر، وخلفه أو قدامه الحسن والحسين وبين يديه نعش أو سرير وعليه ميت، فسلمت عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أعلم أنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: امض إلى ابن البري وقل له: تغسل ابني، قال: فلما كمل تفسير المنام على الشيخ وإذا الصوائح على باب الدرب ينعون ولداً للشريف أو أخاه، فلما حدثوه بموته قال له: قم كما أمرك جدي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغسله، فأخذ الشريف بيد الشيخ ومضيا إلى دار الشريف وغسله، وأخرجت جنازته إلى مقبرة دير البقر، وركب الوالي في الجنازة، فلما انصرف الناس أنفذ الوالي إلى الشيخ فقال: قل للشريف ينصرف إلى داره فما خفي علينا أنه كان عندك هذه المدة، فودعهالشيخ بعد أن أوصله إلى داره وانصرف. أحمد بن عبد الواحد بن واقد أبو عبد الله التميمي المعروف بابن عبود روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدث عن محمد بن كثير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الثيب حتى تستأمر. قيل: وما إذنها؟ قال: سكوتها، أو قال صموتها.

أحمد بن عبد الواحد بن يزيد

أحمد بن عبود بباء معجمة بواحدة. كان أحمد المذكور ثقة. توفي ليلة الجمعة لليلتين خلتا من شوال سنة أربع وخمسين ومائتين. أحمد بن عبد الواحد بن يزيد أبو عبد الله العقيلي الجوبري من قرية جوبر، دمشقي. حدث عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي بسنده عن عبد الرحمن بن أبزى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في أول ركعة من وتره ب " سبح اسم ربك الأعلى " وفي الثانية ب " قل يا أيها الكافرون "، وفي الثالثة ب " قل هو الله أحد ". توفي سلخ شوال سنة خمس وثلاث مئة. أحمد بن عبد الوهاب بن عوف ابن إسماعيل أبو الحسين المزني حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو لم يبق من الدنيا إلا ليلةٌ لملك رجلٌ من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أحمد بن عبد الوهاب بن محمد

أحمد بن عبد الوهاب بن محمد ابن الحسين بن أحمد بن عبد الغني أبو بكر اللهبي، مولى بني أبي لهب، ويعرف بابن أخي محمود الكاتب، ويعرف بابن أبي صدام، ويعرف بالصابوني حدث، وحدث عنه. حدث عن محمد بن العباس بن الدرفس بسنده عن أبي مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. توفي يوم الأحد النصف من ربيع الآخر سنة تسع وستين وثلاث مئة. أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة أبو عبد الله الجبلي المعروف بالحوطي سمع، وأسمع. حدث عن أبي المغيرة بسنده إلى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخمس السلب. وحدث عن العباس بن عثمان الدمشقي بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبرأ صفية بحيضة. حدث في جبلة سنة تسع وسبعين ومئتين. أحمد بن عبيد بن أحمد بن عبيد ابن سعيد أبو بكر الصفار الرعيني الحمصي سمع بدمشق وغيرها وأسمع. حدث بتنيس سنة سبع وأربعين وثلاث مئة عن الحسن بن سعيد بن مسروق عن عبد الله القرشي الحداد بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانك.

أحمد بن عتاب أبو العباس الزفتي

أحمد بن عتاب أبو العباس الزفتي حدث بدمشق عن محمود بن خالد السلمي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربعون حسنة أعلاهن منحة العنز، لا يعمل العبد خصلة منها جاء ثوابها وتصديق موعودها إلى أدخله الله الجنة. ذكر الحافظ اختلافاً في رجاله. أحمد بن عتبة بن مكين أبو العباس السلامي الجوبري المطرز الأطروش الأحمر سمع، وأسمع. حدث عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن فياض بسنده عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة: أن أبا سعيد صنع طعاماً فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فقال: كلوا، فقال رجل منهم: أنا صائم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تكلف لك أخوك وصنع طعاماً فأفطر وصم يوماً غيره إن أحببت. توفي في رمضان سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة. وكان ثقة نبيلاً مأموناً. أحمد بن عثمان بن إبراهيم أبو بكر البغدادي الغلفي حدث بدمشق روى عن ابن أبي الدنيا بسنده عن أم سليم قالت: لم ير لفاطمة رضوان الله عليها دم في حيض ولا نفاس.

أحمد بن عثمان بن سعيد

أحمد بن عثمان بن سعيد ابن أبي يحيى أبو بكر بن أبي سعيد وقيل: ابن أبي سعد، الأحول، يعرف بكرنيب سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، في غزوة حنين والخيل تمزع بنا في أدبار القوم، أكان سيرنا هذا في الكتاب السابق؟ قال: نعم، وقلت: يا رسول الله، إني شاب وليس لي طول أتزوج به النساء أو أنكح به النساء وأنا أخاف العنت فسكت عني ثم قلت له الثانية فسكت عني ثم قلت له الثالثة فأقبل علي بوجهه ثم قال: يا أبا هريرة، أو يا أبا هر جف القلم بما أنت لاق، فاختص على ذاك أو دع. وكان أحمد ثقة حافظاً. ومات سنة ثلاث وسبعين ومئتين. أحمد بن عثمان بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن النسوي سمع جماعة، وأسمع آخرين. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " كل يومٍ هو في شأن " قال: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين. وكان أحمد بن عثمان صدوقاً ثقة. وحدث بجرجان سنة إحدى وسبعين ومئتين.

أحمد بن عثمان بن الفضل

أحمد بن عثمان بن الفضل ويقال ابن أبي الفضل بن بكر أبو بكر الربعي البغدادي المقرىء المعروف بغلام السباك قرأ القرآن العظيم وأقرأه. حدث أحمد غلام السباك المقرىء قال: ثقل علي سمعي وكان أبو الفتح بن المقرىء يقرأ علي، وكان جميل الوجه، فكنت أصرف بصري إلى فمه ولسانه مراعاة لقراءته، وكان الناس يقفون ينظرون إليه لجماله، فاتهمت فيه فساءني ذلك، فسألت الله عز وجل أن يرد علي سمعي فرده علي. سكن غلام السباك دمشق، وأقرأ بها القرآن. ومات سنة خمس وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن عثمان بن عمرو ابن بيان بن فروخ أبو الحسين البغدادي المقرىء العطشي البزاز المعروف بالأدمي سمع، وأسمع. حدث عن محمد بن عيسى بن حيان المدائني بسنده عن خلاد بن السائب عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتاني جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال. وحدث ببغداد عن عباس بن محمد الدوري بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من نيح عليه يعذب. وحدث عن أبي سعيد محمد بن يحيى البغدادي المعروف بحامل كفنه عن عبيد بن محمد الوراق قال: كان بالرملة رجل يقال له عمار، وكان - يقولون - إنه من الأبدال فاشتكى بطنه، فذهبت أعوده وقد بلغني عنه رؤيا رآها. فقلت له: رؤيا حكوها عنك!! فقال لي: نعم، رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقلت: يا رسول الله، ادع لي بالمغفرة، فدعا لي. ثم رأيت الخضر بعد ذلك، فقلت له: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله ليس بمخلوق.

أحمد بن عثمان بن البقال

فقلت: فما تقول في النبيذ؟ فقال: انه الناس عنه، فقلت: هؤلاء أنهاهم فليس ينتهون، قال: من قبل فقد قبل ومن لم يقبل فدعه، قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ قال: مات بشر يوم مات وما على ظهر الأرض أتقى لله منه. قلت: فأحمد بن حنبل؟ فقال لي: صديق. قلت له: فالحسين الكرابيسي فغلظ في أمره. فقلت: فما تقول في أمي؟ فقال: تمرض وتعيش سبعة أيام ثم تموت. فكان كما قال. وكان أحمد بن عثمان ثقة حسن الحديث ينزل بسوق العطش بالجانب الشرقي. وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاث مئة. وقيل يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر من السنة، وهو يوم النيروز المعتضدي، ومولده سنة خمس وخمسين ومئتين. أحمد بن عثمان بن البقال أبو سعيد البغدادي الفقيه حدث بدمشق، وأسمع بها. روى عن عبد الله بن محمد البغوي بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وروى عن يحيى بن محمد بن صاعد بسنده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذاً. حدث في سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.

أحمد بن عطاء بن أحمد

أحمد بن عطاء بن أحمد ابن محمد بن عطاء أبو عبد الله الروذباري الصوفي سكن صور وحدث عن جماعة، وحدث عنه جماعة. حدث إملاء بصور بسنده عن عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الولاء وعن هبته. قال أحمد بن عطاء: من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم. وقال الخطيب: سمعت أبا عبد الله الروذباري يقول: العلم موقوف على العمل به، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل. قال أحمد بن عطاء: كان في استقصاء في أمر الطهارة، فضاق صدري ليلة من كثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت: يا رب عفوك، فسمعت هاتفاً يقول: العفو في العلم فزال عني ذلك. دخل أبو عبد الله الروذباري دار بعض أصحابه، فوجده غائباً، وباب بيته مقفل، فقال: صوفي وله باب بيت مغلق، اكسروا القفل، فكسروا، فأمر بجميع ما وجدوا في الدار والبيت وأنفذه إلى السوق وباعوه وأصلحوا وقتاً من الثمن، وقعدوا في الدار، فدخل صاحب المنزل ولم يمكنه أن يقول شيئاً، فدخلت امرأته بعدهم الدار وعليها كساء، فدخلت بيتاً ورمت بالكساء وقالت: يا أصحابنا، هذا أيضاً من جملة المتاع فبيعوها. فقال الزوج لها: لم تكلفت هذا باختيارك؟ فقالت: اسكت، مثل الشيخ يباسطنا ويحكم علينا ويبقى لنا شيء ندخره عنه؟!

سئل أحمدبن عطاء عن معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله خلق آدم على صورته، فقال: إن الله جل ثناؤه خلق الخلق مرتبة بعد مرتبة، ونقله من حال إلى حال، كما قال تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين " إلى قوله: " فتبارك الله أحسن الخالقين ". وخلق آدم بل نقلات من حال إلى حال، وإنما خلق صورته كما هي، ثم نفخ فيه من روحه فلأجله قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى خلق آدم على صورته. قال أحمد بن عطاء: كلمني جمل في طريق مكة: رأيت الجمال والمحامل عليها وقد مدت أعناقها في الليل فقلت: سبحان من يحمل عنها ما هي فيه، فالتفت إلي جملٌ فقال: قل جل الله. فقلت: جل الله. قال أحمد بن عطاء: كنت راكباً جملاً فغاصت رجلا الجمل في الرمل، فقلت: جل الله، فقال الجمل: جل الله. كان أبو عبد الله الروذباري إذا دعا أصحابه إلى دعوة في دور السوقة ومن ليس من أهل التصوف لا يخبر الفقراء، وكان يطعمهم شيئاً، فإذا فرغوا أخبرهم ومضى بهم، فكانوا قد أكلوا في الوقت، ولا يمكنهم أن يمدوا أيديهم إلى طعام الدعوة إلا بالتعذر. وإنما كان يفعل ذلك لئلا تسوء ظنون الناس بهذه الطائفة فيأثمون بسببهم. وقيل: كان أبو عبد الله يمشي على إثر الفقراء يوماًن وكذا كانت عادته أن يمشي على إثرهم، وكانوا يمضون إلى دعوةٍ فقال إنسان: يقال هؤلاء المستحلون، وبسط لسانه فيهم، وقال: إن واحداً منهم استقرض مني مئة درهم ولم يرده، ولست أدري أين أطلبه، فلما دخلوا دار الدعوة قال أبو عبد الله لصاحب الدار، وكان من محبي هذه الطائفة: آتني بمئة درهم إن أردت سكون قلبي، فأتاه بها في الوقت، فقال لبعض أصحابه: احمل هذه المئة إلى البقال الفلاني وقل له: هذه المئة التي استقرض منك بعض أصحابنا، وقد وقع له في

التأخير عذر، وقد بعثه الآن فاقبل عذره، فمضى الرجل وفعل. فلما رجعوا من الدعوة اجتازوا بحانوت البقال فأخذ البقال في مدحهم ويقول: هؤلاء السادة الثقات الأمناء الصلحاء، وما في هذا الباب. وقال أبو عبد الله الروذباري: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح. أنشد أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري: من الطويل إذ أنت صاحبت الرجال فكن فتىً ... كأنك مملوكٌ لكل رفيق وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً ... على الكبد الحرى لكل صديق أحمد بن عطاء الروذباري ابن أخت أبي علي الروذباري، يرجع إلى أنواع من العلوم، منها علم القرآن وعلم الشريعة وعلم الحقيقة وإلى أخلاق في التجريد يختص بها، يربي على أقرانه من تعظيم للفقر وأهله ورياضة للفقراء ومراتبهم، وهو أوحد مشايخ وقته في بابه وطريقته. توفي في ذي الحجة سنة تسع وستين وثلاث مئ بصور وكان نشأ ببغداد وأقام بها دهراً طويلاً، وانتقل عنها فنزل صور من بلاد ساحل الشام. وفيما روى أحاديث وهم فيها وغلط غلطاً فاحشاً. قال الصوري: ولا أظنه ممن كان يتعمد الكذب، لكنه شبه عليه. قال أبو عبد الله الصوري: توفي أبو عبد الله الروذباري في قرية يقال لها منواث من عمل عكا، وحمل إلى صور فدفن بها، وكانت وفاته فجأة. وقيل إنه وقع من سطح.

أحمد بن عقيل بن محمد بن علي

أحمد بن عقيل بن محمد بن علي ابن أحمد بن رافع أبو الفتح بن أبي الفضل العبسي الفارسي المعروف بابن أبي الحوافر أصله من بعلبك. سمع، وأسمع. وكان شيخاً خيراً كثير التلاوة للقرآن صحيح السماع، حسن الاعتقاد. حدث عن أبيه بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته أيعيد الوضوء فقالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: فإن كان ذلك ما كان إلا منك قال: فسكتت. توفي أبو الفتح أحمد بن عقيل ليلة الخميس التاسع أو الثامن وعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. أحمد بن علي بن أحمد بن عمر ابن موسى أبو الحسن البصري قدم دمشق وسمع، وأسمع. حدث عن جده أحمد بن عمر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله، كما افترض الله علي من صلاة؟ قال: خمس صلوات. قال: هل علي قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: افترض الله على عباده صلوات خمساً، قال: فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهن ولا ينقص، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صدق دخل الجنة. أحمد بن علي بن أحمد أبو العباس البصري حدث بدمشق. وروى عن أبي طلحة عبد الجبار بن محمد الطلحي بسنده عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت مع أبي طلحة بن عبيد الله بعض المجالس فأوسعوا له من كل ناحية، فجلس في

أحمد بن علي بن أحمد

أدناها ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن التواضع لله تبارك وتعالى، الرضا بالدون من شرف المجالس. أحمد بن علي بن أحمد ابن صالح بن الحسن ويقال ابن علي بن منصور، أبو الحسين الطائي المعروف بابن الزيات سمع الكثير، وكتب الحديث وحدث بشيء يسير. وكان خيراً ثقةً. روى عنه غيث بن علي قال: أنشدني أحمد بن علي الطائي بمسجد القدم ظاهر دمشق: من الطويل كفى حزناً أني مقيم ببلدةٍ ... أخلاي عنها نازحون بعيد أقلب طرفي في البلاد فلا أرى ... وجوه أخلائي الذين أريد توفي يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة بدمشق، وقال: إن مولده لستة أيام بقين من سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة. أحمد بن علي بن إبراهيم أبو الحسين الأنصاري سمع، وأسمع. حدث عن أبي محمد بن الرواس بسنده عن عبد الله بن عمر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة، ثم صليت مع أبي بكر فصلى بلا أذان لا إقامة، ثم صليت مع عمر فصلى بلا أذان ولا إقامة، ثم صليت مع عثمان فصلى بلا أذان ولا إقامة.

أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد

أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ابن مهدي أبو بكر بن أبي الحسن الخطيب البغدادي الفقيه الحافظ أحد الأئمة المشهورين، والمصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين. سمع جماعة ببغداد والبصرة والكوفة ونيسابور وأصبهان والري ودينور. قدم دمشق سنة خمس وأربعين وأربع مئة حاجاً وسمع بها وحج وعاد، فسكن دمشق وحدث بها بعامة مصنفاته. حدث عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي البزاز بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان. فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه فقال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليل ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر، قال أبو سعيد: فأمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف فأبصرت عينان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انصرف علينا وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين. كان أبو بكر الخطيب يذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات أخذاً بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء زمزم لما شرب له: فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد ببغداد، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي. فلما عاد إلى بغداد حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزءٌ من سماع الخليفة القائم بأمر الله فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث وليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته؟ فسئل، فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب وأملى الخطيب في جامع المنصور، ولما مات أرادوا دفنه عند قبر بشرٍ، وكان الموضع الذي إلى جانب قبر بشرٍ قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي قبراً لنفسه،

وكان يمضي إلى ذلك الموضع، ويختم فيه القرآن ويدعو. ومضى على ذلك عدة سنين. فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه فامتنع. وقال: هذا قبر حفرته وفتحت فيه عدة فتحات لا أمكن أحداً من الدفن فيه. فقيل له: يا شيخ، لو كان بشر الحافي في الأحياء ودخلت أنت والخطيب عليه أيكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا بل الخطيب فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات فإنه أحق به منك، فطاب قلبه ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع فدفن فيه. قال أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر الحافظ: إن أبا بكر أحمد بن علي كان آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفةً وإتقاناً وحفظاً، وضبطاً لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفنناً في علله وأسانيده، وخبرةً برواته وناقليه، وعلماً بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه. ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله من يجري مجراه ولا قام بعده منهم بهذا الشأن سواه. قال أبو الفرج الأسفراييني: كان الشيخ أبو بكر الحافظ معنا في طريق الحج فكان يختم كل يوم ختم إلى قرب الغياب قراءةً بترتيل، ثم يجتمع الناس وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم. أو كما قال. قال أبو بكر الخطيب: كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ كتاباً يقول في فصل منه: وقد نفذ إلى ما عندك عمداً متعمداً أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أيده الله وسلمه ليقتبس من علومك ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله ممن له في هذا البيان سابقة حسنة وقدم ثابت وفهمٌ به حسن، وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ وصحة التحصيل ما يحسن لديك موقعه، ويجمل عندك منزلته، وأنا أرجو إذا صحت لديك منه هذه الصفة أن يلين له جانبك وأن تتوفر، وتحتمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار أو زيادة في الاصطبار، فقدماً حمل السلف من الخلف ما ربما ثقل، وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكل منهم.

قال أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني: أنشدني الحافظ أبو بكر أحمد الخطيب لنفسه في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة: من البسيط لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها ... ولا للذ وقتٍ عجلت فرحا فالدهر أسرع شيءٍ في تقلبه ... وفعله بينٌ للخلق قد وضحا كم شاربٍ عسلاً فيه منيته ... وكم تقلد سيفاً من به ذبحا قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت نائماً في منزل الشيخ أبي الحسن بن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مئة، فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة، فكأن الشيخ الخطيب جالس والشيخ أبو الفتح نصر بن إبراهيم عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لم أعرفه فسألت عنه فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء ليسمع التاريخ، فقلت في نفسي: هذه جلالة الشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه، وقلت في نفسي: وهذا أيضاً ردٌّ لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملاً على أقوامٍ، وشغلني التفكير في هذا عن النهوض إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسؤاله عن أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها، فانتبهت في الحال ولم أكلمه. مرض الخطيب رحمه الله في نصف رمضان واشتد الحال في غرة ذي الحجة وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وتوفي يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مئة وأخرج الغد يوم الثلاثاء طلوع الشمس وعبروا به من الجانب الشرقي على الجسر إلى الجانب الغربي وحضر عليه خلق كثير، وتقدم الشريف القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله وكبر عليه أربعاً وحمل إلى باب حرب فصلى عليه ثانياً أبو سعد بن أبي عمامة ودفن إلى جانب قبر بشر بن الحارث الحافي بالقرب من قبر أحمد بن حنبل. قال ابن خيرون: وتصدق بجميع ماله وهو مئتا دينار، فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء

أحمد بن علي بن جعفر بن محمد

والفقراء في مرضه، ووصى أن يتصدق بجميع ما يخلفه من ثياب وغيرها، وأوقف جميع كتبه على المسلمين، وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا كان ينفي الكذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مولده سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة وذكر هو أنه ولد يوم الخميس لستٍ بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة. رحمه الله وكان أحد من حمل جنازته الفقيه إبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري. قال أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسين النهرمنهالي المصري الفقيه الصالح رحمه الله: رأيت الشيخ أبا بكر الخطيب رحمه الله في المنام وعليه ثياب بيض حسان وعمامة بيضاء حسنة، وهو فرحان يبتسم فلا أدري قلت له ما فعل الله بك أو هو بدأني فقال لي: غفر الله لي أو رحمني وكل من يجيء به، فوقع له أنه يعني بالتوحيد، الله يرحمه أو يغفر له فأبشروا، وحدثني في هذا المعنى بأسماء لا أتحققها الآن. وانتبهت فرحاناً بذلك فرحاً شديداً، وذلك بعد وفاته رحمه الله بأيام. أحمد بن علي بن جعفر بن محمد أبو بكر الحلبي الوراق المعروف بالواصلي مؤدب أبي محمد بن أبي نصر. سكن دمشق وحدث، وحدث عنه. قال الحافظ: اشتكت عيني فشكوت إلى أبي الحسن علي بن المسلم الفقيه فقال: انظر في

أحمد بن علي بن الحسن بن محمد

المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي محمد عبد العزيز بن أحمد فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي أحمد بن علي المؤدب الواصلي الحلبي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي بكر أحمد بن عبد الله بن الفرج القرشي يعرف بابن البرامي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى أبي القاسم عيسى بن موسى بن الوليد الطائي فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى يوسف بن موسى القطان فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى جرير بن عبد الحميد. فقال: انظر في المصحف فإن عيني اشتكت فشكوت إلى مغيرة فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى إبراهيم فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى علقمة فقال: انظر في المصحف، فإن عيني اشتكت فشكوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انظر في المصحف، فإني عيني اشتكت فشكوت إلى جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انظر في المصحف. أحمد بن علي بن الحسن بن محمد ابن شاهمرد أبو عمرو الصيرفي الفقيه المصري المعروف بابن خميرة ويقال ابن خميرويه سمع، وأسمع، وحدث بدمشق. روى عن علي بن عبد الحميد الفراوي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن ابن آدم يفر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت. وحدث عن أحمد بن الوليد الفحام بسنده عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشهود. قدم دمشق سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.

أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان

أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان أبو حامد المقرىء التاجر، المعروف بالحسنوي النيسابوري سمع بدمشق وبالرملة وبمصر وببلخ وباليمن، وروى عنه جماعة. حدث عن أبي جعفر أحمد بن الفضل الصائغ بسنده عن علقمة قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرىء ما نوى. سأل أبو زرعة محمد بن يوسف الجرجاني المعروف بالكشي عن أحمد بن علي بن الحسن المقرىء الحسنوي حدث بجرجان فقال: هو كذاب. كان أبو حامد أحمد المجتهد يوسع العبادة بالليل والنهار، ومن البكائين من الخشية، وسمع من جماعة، ولو اقتصر على سماعاته الصحيحة كان أولى به، غير أنه لم يقتصر عليها، وحدث عن جماعة من أئمة المسلمين لم يسمع منهم. ذكر أبو حامد أن مولده سنة ثمان وأربعين ومئتين. قال أبو عبد الله الحافظ: قصدت أبا حامد الحسنوي في نصف المحرم سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة فسألته عن سنه فقال: أنا اليوم ابن ست وثمانين سنة. قلت: في أي سنة دخلت الشام؟ قال: في سنة ست وستين ومائتين قلت: ابن كم كنت؟ قال: ابن اثنتي عشرة سنة. قال الخطيب: ويغلب على ظني أنه عاش بعد سنة أربعين وثلاث مئة.

أحمد بن علي بن الحسن أبو بكر الأطرابلسي

أحمد بن علي بن الحسن أبو بكر الأطرابلسي يعرف بابن أبي السنديان حدث عن عبد الرزاق بن محمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعوذ بوجهك ومد بها صوته " أو من تحت أرجلكم " قال: أعوذ بوجهك " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ " قال: هذا أهون وهذا أيسر. وحدث بأطرابلس عن خشيمة بن سليمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يذهب مذمة الرضاع العبد والأمة. أحمد بن علي بن الحسن أبو منصور الأسداباذي المقرىء قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرىء المعروف بابن الصيدلاني بسندع عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صاعي تمرٍ بصاع، ولا صاعي حنطةٍ بصاعٍ، ولا درهمين بدرهم. توفي أبو منصور الأسداباذي سنة اثنتين وستين وأربع مئة. وكان شيخاً كذاباً يدعي ما لم يسمع، ويدعي سناً، ويخلق شيوخاًن ولد بالكرخ سنة ست وستين وثلاث مئة.

أحمد بن علي بن الحسن

أحمد بن علي بن الحسن ابن أبي الفضل أبو نصر بن الكفرطابي المقرىء حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال الحنائي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده ليجيئني الفقير متعلقاً بجاره الغني يقول: يا رب، سل هذا لم أغلق بابه دوني ومنعني من فضله؟ وروى أيضاً بسنده إلى همام بن الحارث قال: كنا مع حذيفة فمر رجل فقالوا: إن هذا يبلغ الأمراء الحديث، فقال حذيفة: أشهد أو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل الجنة قتات. توفي أبو نصر يوم الأحد الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة اثنتين وخمسين. أحمد بن علي بن الحسين أبو العباس الطبري الغازي قدم في شهور سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة. حدث عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن النضر المروزي الغازي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصوم جنة.

أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم

أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم أبو بكر الأموي القاضي تولى القضاء بدمشق نيابة عن أبي زرعة. وكان يلي القضاء قبل ذلك بحمص وحدث بدمشق، وروى عنه جماعة. حدث عن يحيى بن أيوب بسنده عن أنس: أن رجلاً اطلع في بعض حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقص أو مشاقص ثم مشى نحوه قال: فكأني أنظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختل له ليطعنه. وحدث عن الهيثم بن خارجة بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المسح على الخفين للمسافر ثلاث وللمقيم يوم وليلة. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين في يوم الخميس لخمس عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وكان قد بلغ التسعين سنة أو دونها. وكان من أنفس الأمويين. وصلى عليه أبو حفص عمر بن الحسن القاضي بدمشق وكبر عليه خمساً، فسئل القاضي عن تكبيره خمساً فقال: لفضل العلم. أحمد بن علي بن عبد الله ابن محمد بن مهران أبو جعفر الكوفي روى عن أبي عبيد الله أحمد بن الحسن السكوني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.

أحمد بن علي بن عبد الله

أحمد بن علي بن عبد الله ابن سعيد بن أحمد أبو الخير الكلفي الحمصي الحافظ حدث بدمشق عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن محمد بن أحمد الكندي بسنده عن أبي هرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإحصان إحصانان: إحصان عفافٍ وإحصان نكاح. وحدث عن أبي المعمر أحمد بن العباس الكاتب عن أبي عبد الله صالح بن عبيد البغدادي أن ثلاثة نفر خرجوا من بغداد فجمعتهم طريق البصرة، فقعدوا في بعض الطريق يتحدثون فقال أحدهم: ايش أجود ما يجتنبه الإنسان في الدنيا؟ فقال بعضهم: المزاح، وقال الآخر: التيه والصلف، وقال الآخر: الاستخفاف بالناس، فقال أحدهم: ليخبرنا كل واحد بما لحقه فقال صاحب المزاح: أنا أخبركم بخبري وبكى، كنت رجلاً بزازاً في الكرخ، وكان لي دكان فيها غلمان وأجراء وأنا بخير من الله عز وجل فخرجت إلى دكاني يوماً، فقعدت فيها، فلم أشعر إلا بمخنث قد عبر بي فحملني البطر والغرة بالله على المجون فقلت: كيف أصبحت يا أختي؟ فأجابني بجواب مسكت، فأسقط في يدي وخجلت وضحك كل من سمعه، فشاع ذلك في البلد حتىتحدث به النساء على مغازلهن والصبيان في المكاتب، وكنت لا أعبر بشارع إلا قالوا: هذا التاجر وصاحوا خلفي: كيف باتت أختك؟ فلم أطق الكلام، وخرجت على وجهي، وتركت كل ما أملكه، وكان ذلك بسبب مزاحي، وهأنا معكم نادم وما تنفعني الندامة. وقال صاحب التيه والصلف: أخبركم خبري: إني كنت أتقصف، وكان علي من الله نعم ما أخذتها بشكر، وكان لي ندماء أفضل عليهم، فخرجت يوماً وهم حولي، فرأيت على الطريق أعمى يفسر المنامات فقلت لأصحابي: تعالوا بنا حتى نسخر من هذا الأعمى، فسلمت عليه فرد السلام فقلت: يا عمي، إني رأيت رؤيا أريد أفسرها عليك فقال: سل عما بدا لك، فقلت: رأيت كأني آك سمكاً طرياً، فلما شبعت منه جعلت كأني أدخله في دبري فصفق الأعمى بيده، وقال كلاماً قبيحاً، فشاع ذلك في الناس وتحدث به، فكنت لا أعبر في طريق إلا قالوا لي ذلك الكلام، فلم أطق الكلام وخرجت على وجهي، وكان

أحمد بن علي بن عبيد الله

سبب ذلك التيه والصلف وتركت كل ما أملكه وهأنا معكم. فقال صاحب الاستخفاف بالناس: إني كنت حاجباً لشداد والي الجسرين؟ وكان إذا أراد أن يأكل أمرني بأخذ بابه وألا يدخل إليه أحد، فلم أشعر يوماً إلا وقد جاءني رجل يريد أن يدخل إليه فمنعته استخفافاً به، ولما تقدم إلي صاحبي، فقال: ما هذا! أنا أبو العالية وصاحبك تقدم إلي أن أجيئه في هذا الوقت فرددته فقال: ما أبرح، فحملني استخفافي به أن ضربته بعصاً كانت في يدي فولى عني وأنشأ يقول: من السريع مدحت شداداً فقال ائتني ... بالله في المنزل يا راوية فجئت أسعى وإذا بابه ... قد سد والحاجب في زاوية فقال: من أنت الذي جئته ... وقت الغدا؟ قلت: أبو العالية فقام نحوي بعصا ضخمةٍ ... وكاد أن يكسر أضلاعيه فطرت مرعوباً وناديته ... أم الذي يحجبه زانيه فسمع غلمانه، وردوا عليه، فأمر بضرب عنقي، فخرجت مرعوباً وتركت كل ما أملكه وكان ذلك سبب استخفافي بالرجل وعجبي بنفسي، وهأنا معكم ولو كنت رفقت لم يصيبني هذا. وكل ما نحن بقضاء الله عز وجل. فقدم القوم وصاروا إلى البصرة فتفرقوا وأغناهم الله عز وجل. أحمد بن علي بن عبيد الله ابن علي أبو نصرٍ السلمي الدينوري الصوفي المقرىء سمع بدمشق ومكة وبمصر وبغيرها، وروى عنه جماعة. حدث ببيت المقدس عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن أبي نصر الدمشقي بسنده عن النعمان بن بشير عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقرأ في العيدين ب " سبح اسم ربك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية ".

وحدث عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بسنده عن عمرو بن دينار قال: كان من بني إسرائيل رجل قائم على ساحل البحر، فرأى رجلاً وهو ينادي بأعلى صوته: ألا من رآني فلا يظلم أحداً. قال: فدنون منه وقلت له: يا عبد الله ما قصتك وما الذي بك؟ فقال: ادن مني أخبرك: كنت رجلاً شرطياً فجئت إلى هذا الساحل فرأيت رجلاً صياداً قد اصطاد سمكة، فسألته أن يهبها لي فأبى، فسألته أن يبيعنيها فأبى، فضربت رأسه بسوط كان معي، وأخذت منه السمكة وحملتها إلى منزلي، وقد ضربت علي إصبعي التي علقت بها السمكة فأصلحوها، وقدمت إلي فضربت علي إصبعي حتى صحت وبكيت، وكان لي جار معالج فأتيته وقلت: إصبعي، فقال هو أكلة إن أنت رميت بها وإلا هلكت قال: فرميتها. قال: فوقع الضربان في كفي قال: فجئت إليه فعرفته، وأنا أصيح فقال: إن أنت رميت بها وإلا هلكت، فرميت بها، فوقع الضربان في عضدي، فخرجت من منزلي هارباً على وجهي أصيح وأبكي، فبينا أنا أسيح في البلاد رفعت لي شجرة دوحاء فأويت إلى ظلها فنعست، وأتاني آتٍ فقال لي: لم تقطع أعضاءك وترميها؟ رد الحق إلى أهله وانج. قال: فانتبهت فعلمت أن ذلك من قبل الله عز وجل، فأتيت الصياد فوجدته قبل يخرج شبكته، فانتظرته حتى أخرجها وإذا بها سمكة كبيرة فدنوت منه وقلت: يا عبد الله، إني مملوكك فأعتقني فقال: ما أعرفك، فقلت: أنا الشرطي الذي ضربت رأسك وأخذت سمكتك، وأريته يدي. فلما رآني على تلك الحالة رق لي وقال: أنت في حلٍ، فأقبل الدود يتناثر من يدي ويسقط على الأرض، فهاله ذلك وانصرف، فاستوقفته وأخذته إلى منزلي ودعوت بابني وقلت له: احفر في هذه الزاوية، فأخرج منها جرة فيها ثلاثون ألف درهم، فقلت: اعدد منها عشرة آلاف درهم خذها فاستعن بها، ثم قلت: خذ منها عشرة آلاف أخرى اجعلها في فقراء جيرانك وقراباتك فقام لينصرف فقلت: أخبرني دعوت علي؟ قال: أنا أخبرك: لما أخذت السمكة مني وضربت رأسي رفعت رأسي إلى السماء وبكيت وقلت: يا رب خلقتني وخلقته وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً ثم سلطته علي، فلا أنت منعته من ظلمي ولا أنت جعلتني قوياً فأمتنع من ظلمه،

أحمد بن علي بن الفرج

فأسألك بالذي خلقته قوياً وجعلتني ضعيفاً أن تجعله عبرةً لخلقك. فبكيت وقلت: لقد سمع الله عز وجل دعاءك وجعلني عبرةً. أحمد بن علي بن الفرج أبو بكر الحلبي الحبال الصوفي سمع، وأسمع. حدث عن عبد الله بن محمد البغوي بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل مسكرٍ حرامٌ وكل مسكرٍ خمرٌ. وحدث عن الريان المعروف بالمدلل بسنده عن سفيان الثوري قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته أنا قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب أن أسمعه منه. أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر ابن الحسين بن جعفر بن الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات، أبو الفضل سمع أباه وجماعة. حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة قال: راح عثمان حاجاً ومعه علي بن أبي طالب وأدخلت على محمد بن جعفر امرأته فبات معها حتى أصبح، ثم غدا فلحق الناس بملكٍ، فرآه عثمان رضي الله عنه، وعليه ردع العصفر وريحه طيبه فانتهره وأفف به وقال: أتلبس المعصفر وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه؟ فقال له علي: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينهك ولا إياه إنما نهاني. كان أبو الفضل أحمد بن علي من أهل الأدب والفضل، إلا أنه كان يتهم برقة الدين وكان له شعر وهو واقف خزانة الكتب التي في الجامع في حلقة الشيخ أبي الحسن ابن الشهرزوري.

أحمد بن علي بن محمد بن بطة

وسئل عن مولده فقال: في العشر الأول من ذي الحجة سنة إحدى عشرة وأربع مئة بدمشق. وهو رافضي، وسئل عن نسبه فانتهى إلى ابن الفرات الوزير وليس هو من ولده. ثقة في روايته. وتوفي أبو الفضل يوم السبت ثاني عشر صفر سنة أربع وتسعين وأربع مئة، بدمشق أحمد بن علي بن محمد بن بطة أبو بكر البغدادي الأديب قدم دمشق وحدث بها. قال الحافظ ابن عساكر: قال لي أخي أبو الحسين هبة الله بن الحسن الفقيه: أخرج إلي أبو محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني الأول من أخبار أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن حنتم بن الحسن بن حمامي بن جرو بن واسع بن سلمة بن حاضر الأزدي إملاء أبي بكر أحمد بن علي بن محمد بن بطة البغدادي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة عن ابن دريد بخط ابن شرام، وفيه بلاغاته عليه. قال: ومن شعر ابن بطة، وقد روى قول ميمون بن مهران: من رضي من صلة الإخوان بلا شيء فليؤاخ أهل القبور - فنظمه ابن بطة: من الطويل إذا كنت ترضى من أخٍ ذي مودة ... إخاءً بلا شيء فآخ المقابرا فلا خيرها يرجى ولا الشر يتقى ... ولا حاسدٌ منها يظل محاذرا ومن شعره: من الكامل لا تصنعن إلى اللئام صنيعةً ... فيضيع ما تأتي من الإحسان وضع الصنائع في الكرام فشكرها ... باقٍ عليك بقية الأزمان ومن شعره: من مخلع البسيط ما شدة الحرص وهو قوت ... وكل ما بعده يفوت لا تجهد النفس في ارتيادٍ ... فقصرنا أننا نموت

أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس

أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأبار الخيوطي النخشبي ثم البغدادي سمع بدمشق وبغيرها، وروى عنه جماعة. حدث عن محمد بن المنهال الضرير بسنده عن ثوبان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر، والغلول، والدين. قال أبو العباس أحمد بن علي الأبار: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فبايعته على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الأبار: فذكرت ذلك لأبي بكر المطوعي فقال: لو رأيت هذا المنام ما باليت أن أقتل. قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن علي بن مسلم، سكن بغداد، وحدث بها. وكان ثقة حافظاً متقناً حسن المذهب. توفي يوم الأربعاء نصف شعبان سنة تسعين ومئتين. أحمد بن علي بن يزيد أبو جعفر العكبري السوادي ويعرف بخسرو سمع، وأسمع. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن مسعود قال: ينادي منادٍ عند حضرة كل صلاة. يا بني آدم، قوموا

أحمد بن علي بن يحيى بن العباس

فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فينادي ملك عند صلاة الصبح فيقول: يا بني آدم، قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم، ثم ينادي عند صلاة الأولى: يا بني آدم، قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، فإذا صلى العصر مثل ذلك فينامون ولا ذنب لهم، ثم يصبحون: فمدلج في خير ومدلج في شر. وحدث بسنده عن سعيد بن عبد العزيز أن رفيقاً لحبيب بن مسلمة ضاق يوماً في شيء، فقال له حبيب: إن استطعت أن تغير خلقك بأحسن منه فافعل، وإلا فسيسعك من أخلاقنا ما ضاق عنا من خلقك. أحمد بن علي بن يحيى بن العباس أبو منصور الأديب الأسداباذي قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وحدث بها وببغداد، وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره. حدث عن عبيد الله بن أحمد بن علي بسنده عن ابن عمر قال: كانت امرأة تأتي قوماً تستعير منهم الحلي ثم تمسكه. قال: فرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لتتب هذه المرأة إلى الله وإلى رسوله، وترد على الناس متاعهم. قم يا فلان فاقطع يدها. كان أحمد بن علي يحرف في كلامه، ويذكر شيئاً يدل على تخليطه وقلة تحصيله. ولد بالكرخ سنة ست وستين وثلاث مئة، وخرج من بغداد سنة أربع وأربعين واربع مئة. وكان بتبريز حياً في سنة خمسين وأربع مئة. وتوفي سنة إحدى وستين وأربع مئة. أحمد بن علي بن يوسف أبو بكر الخراز المري حدث عن مروان بن محمد الطاطري الأسدي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال: ألم أصح جسمك وأروك من الماء البارد؟ الخراز أوله خاء معجمة وآخره زاي.

أحمد بن علي أظنه أبا عمر الصوفي الدمشقي

أحمد بن علي أظنه أبا عمر الصوفي الدمشقي حدث قال: سمعت ابن يزدانيار يقول: الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس السنة، والصوفية حراس الله. وقال: سمعت سمنون يقول: إذا بسط الخليل غداً بساط المجد دخل ذنوب الأولين والآخرين في حواشيه، وإذا بدت ذرة من غير الجود ألحقت المسيء بالمحسن. وقال: سألت سمنون عن أول مقام يستحق به العبد أن يقال له عارف. فقال: هو أن يكون واقفاً بعلمه على همه، يعرف كل هم يخطر على قلبه. أحمد بن علي أبو الحسين الموصلي الجوهري المقرىء الأديب حدث بأطرابلس في ربيع الأول سنة ست وعشرين وأربع مئة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلت: يا رسول الله، أنصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه. أحمد بن عمار بن نصير الشامي أخو هشام روى عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس للدين دواء إلا القضاء والوفاء والحمد. قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن عمار بن نصير الشامي: شيخ مجهول. وهذا حديث منكر. وذكر أبو الحسن الدارقطني أن أحمد هذا أخو هشام بن عمار وقال: هو متروك الحديث.

أحمد بن عمار أبو بكر الأسدي

أحمد بن عمار أبو بكر الأسدي رجل من المتعبدين. قال أحمد بن عمار: خرجنا مع المعلم في جنازة ومعه جماعة من أصحابه فرأى في طريقه كلاباً مجتمعة، بعضها يلعب مع بعض، ويتمرغ عليه، ويلحسه، فالتفت إلى أصحابه فقال: انظروا إلى هذه الكلاب ما أحسن أخلاق بعضها مع بعضٍ. قال: ثم عدنا من الجنازة وقد طرحت جيفة، وتلك الكلاب مجتمعة عليها وهي تتهارش، بعضها على بعض فيخطف هذا من هذا ويهر عليه وهي تتقاتل على تلك الجيفة، فالتفت المعلم إلى أصحابه فقال لهم: قد رأيتم يا أصحابنا متى لم تكن بينكم الدنيا فأنتم إخوان، ومتى ما وقعت الدنيا بينكم تهارشتم عليها تهارش الكلاب على الجيفة. قال أحمد بن عمار الأسدي - وكان مسكنه في قرية قريبة من قرية أبي عبيد البسري - قال: قال أبو عبيد البسري: النفاق حيث السريرة، فاتق الله عز وجل أن يرى أنك تخشى الله عز وجل وقلبك فاجر. كان ابن عمار ينصرف إلى منزله فيجد أهله قد ناموا وتركوا له في نويعيرة ما يأكله، فكان إذا وافى ثرد خبزه في قصعةٍ وصب عليه ما يكون في النويعيرة. فأصلحوا في بعض الأيام دجاجة وتركوا له في النويعيرة جزة منها، وكانوا قد عجنوا، وبقي فضلة ماء العجين في نويعيرة أخرى فوافى ليلاً وقد ناموا فثرد الخبز على عادته واتفق أنه أخذ النويعيرة التي فيها ماء العجين فصبه على الخبز وأكل. فلما أصبحوا وجدوا سهمه من الدجاجة على حاله فذكروا له ذلك فقال: ما أكلت إلا الذي كان في قسمي.

أحمد بن أبي عمران

أحمد بن أبي عمران أبو الفضل الهروي الصوفي سمع بدمشق، وحدث بها. روى بمكة عن دعلج بن أحمد بسنده عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أمن العصبية أن يعين الرجل قومه على الحق قال: لا. وحدث عن أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب بسنده عن جابر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الظهر رفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. وحدث عن الزاهد إسماعيل بن أحمد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو ثلاث ليال. وحدث بدمشق عن محمد بن إبراهيم الأصبهاني بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. وحدث بمكة قال: سمعت محمد بن داود يقول: سمعت أبا بكر الرقاق يقول: كنت ماراً في تيه بني إسرائيل فخطر بخاطري أن علم الحقيقة مباين للشريعة، فهتف بي هاتف من تحت شجرة: يا أبا بكر، كل حقيقة لا تتبعها شريعة فهي كفر. أنشد أبو الفضل أحمد الهروي بمكة سنة خمس وتسعين قال: أنشدنا خيثمة بن سليمان قال: أنشدنا هلال بن العلاء: من البسيط اقبل معاذير من يأتيك معتذراً ... إن بر عندك فيما قال أو فجرا فقد أطاعك من أرضاك ظاهره ... وقد أجلك من يعصيك مستترا كان أبو الفضل الصوفي رحمه الله حياً سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.

أحمد بن عمر بن أبان بن الوليد

أحمد بن عمر بن أبان بن الوليد ابن شداد أبو جعفر الفارسي من أهل صور. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدث عن أبي حفص عمر بن الوليد الصوري بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: التقى موسى وآدم. قال: فقال موسى لآدم: أنت أبو الناس الذين أغويتهم وأخرجتهم من الجنة. قال: فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وألقى عليك محبة منه، فذكر هذا ونحوه مما فضله الله به قال موسى: نعم، قال آدم: فلم تلومني على عملٍ قد كتبه الله علي أن أعمله قبل أن أخلق. قال: فحج آدم موسى. أحمد بن عمر بن الأشعث ويقال ابن أبي الأشعث أبو بكر السمرقندي سكن دمشق مدة، وكان يكتب بها المصاحف، ويقرىء القرآن، وسمع بها وحدث. قال أبو الحسن بن قبيس: كان أبو بكر السمرقندي يكتب المصاحف من حفظه، فكان إذا فرغ من الوجه كتب الوجه الآخر إلى أن يجف، ثم يكتب الوجه الذي بينهما، فلا يكاد أن يزيد ولا ينقص فقلت له: لعله كان يكتب في مقدار واحد فلا يختلف عليه فقال: بل كان يكتب في قطع كبير وصغير. وكان لجماعة من أهل دمشق فيه رأي حسن، فسمعت أبا الحسن بن قبيس يذكر أنه خرج مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة فقدموه يصلي بهم وكان مزاحاً. فلما سجد بهم تركهم في الصلاة وصعد في شجرة، فلما طال عليهم انتظاره رفعوا رؤوسهم فلم يجدوه في مصلاه وإذا به في الشجرة يصيح صياح السنانير، فسقط من أعينهم، فخرج إلى

أحمد بن عمر بن العباس بن الوليد

بغداد، وترك أولاده بدمشق، واتصل في بغداد بعفيف القائمي الخادم، فكان يكرمه وأنزله في موضع من داره. فكان إذا جاءه الفراش بالطعام يذكر أولاده بدمشق ويبكي، فحكى الفراش ذلك لعفيف فقال: سله عن سبب بكائه، فسأله، فقال: إن لي بدمشق أولاداً في ضيق فإذا جاءني شيء من الطعام تذكرتهم فأخبره الفراش بذلك، فقال: سله أين يسكنون من دمشق؟ وبمن يعرفون فسأله فأخبره، فأخبر عفيفاً بذلك فبعث إليهم من حملهم من دمشق إلى بغداد. فما أحس بهم أبو بكر حتى قدم عليه ابنه أبو محمد وقد خلف أمه وإخوته عبد الواحد وإسماعيل بالرحبة، ثم قدموا بعد ذلك بغداد فلم يزالوا في ضيافة عفيف حتى مات. توفي أبو بكر السمرقندي في يوم الأحد السادس عشر من رمضان سنة تسع وثمانين وأربع مئة ببغداد. أحمد بن عمر بن العباس بن الوليد ابن سليمان بن الوليد المعروف بابن الجليد حدث عن مروان يعني ابن محمد بسنده عن المقدام بن معدي كرب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر الناس ما بين السقط إلى الشيخ الفاني. مات يوم الأربعاء لعشر بقين من رجب سنة أربع وخمسين ومئتين. أحمد بن عمر بن عطية أبو الحسين الصقلي المقرىء المؤدب كان يؤدب في مسجد رحبة البصل. روى عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي بسنده عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يسأله، فجعل عمر ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئاً، فقال له عمر: هل لك من مال؟ قال: نعم،

أحمد بن عمر بن محمد

أربعون من الإبل. قال ابن عباس: صدق الله ورسوله، لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاًن ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، فقال عمر: ما هذا؟ فقال: هكذا اقرأنيها أبي بن كعب قال: فاكتتبها؟ قال: نعم. فاكتتبها. ولد أبو الحسين الصقلي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة بدمشق. وكان ثقة ولم يكن الحديث من شأنه. وتوفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر سنة خمس وخمس مئة بدمشق. أحمد بن عمر بن محمد ابن خرشيذ قوله أبو علي الأصبهاني قدم دمشق سنة أربع وثمانين وثلاث مئة وحدث بها وبمصر. روى بسنده عن أبي رزين عن أبي هريرة قال: رأيته يضرب جبهته ويقول: يا أهل العراق، تزعمون أني أكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكون لكم المهنى وعلي الإثم؟ أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها، وإن ولغ الكلب في إناء أحدكم فلا يتوضأ فيه حتى يغسله سبع مرات. سكن أبو علي بغداد، وحدث بها، وانتقل إلى مصر، فنزلها وأقام بها حتى مات. قال العتيقي: سمعت منه ببغداد في سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، ثم سمعت منه بعد ذلك بمكة وبمصر، وكان يحضر في كل سنة مكة في موسم الحاج إلى أن توفي بمصر في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة في يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى. وكان ثقة حسن الأصول.

أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه

أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه أبو العباس البغدادي المخرمي القطان سمع بدمشق وبغيرها. روى عن هشام بن عمار بسنده عن معاوية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاجلدوهم، ثم إذا شربوا فاقتلوهم. وحدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم بسنده عن زيد بن ثابت. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص في بيع العرايا ولم يرخص في غير ذلك. توفي أبو العباس أحمد بن زنجويه في ذي القعدة سنة أربع وثلاث مئة، وكان ثقة. أحمد بن عمرو بن أحمد بن معاذ أبو الحسن العبسي الداراني حدث عن أبيه عمرو بسنده عن جابر بن عبد الله أن الله عز وجل أنزل صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزل التوراة على موسى لست ليالٍ خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم لأربعٍ وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان.

أحمد بن عمرو بن إسماعيل

أحمد بن عمرو بن إسماعيل ابن عمر أبو جعفر الفارسي المقعد الوراق قدم دمشق وروى عن جماعة. حدث عن أبي خيثمة مصعب بن سعيد بسنده عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتل دون ماله فهو شهيد. كان أبو جعفر الفارسي الوراق ثقة. أحمد بن عمرو بن جابر أبو بكر الطحان الحافظ نزيل الرملة. سمع بدمشق وبغيرها. حدث بسنده عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إذا بدلت الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار فأين الناس يومئذٍ؟ قال: على الصراط. وحدث أيضاً عن علي بن عثمان وإبراهيم بن إسحاق بسندهما عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون وكلهم قد رآه فيقولون نعم هذا الموت ثم يؤخذ فيذبح فيقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، وذلك قوله عز وجل " وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ " قال: أهل الدنيا في غفلة. مات أبو بكر أحمد بن عمرو بن جابر سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة.

أحمد بن عمرو بن الضحاك أبي عاصم

أحمد بن عمرو بن الضحاك أبي عاصم النبيل بن مخلد بن مسلم بن رافع بن رفيع، أبو بكر الشيباني الفقيه القاضي محدث ابن محدث ابن محدث من ذهل بن شيبان، أصله من البصرة وسكن أصبهان وولي قضاءها، وكان مصنفاً في الحديث، مكثراً منه، رحل فيه إلى دمشق وغيرها. وسمع وأسمع. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله. كان أحمد بن عمرو صدوقاً. قال: صحبت أبا تراب زماناً فكان يقول لي: كم تشقى، لا يجيء منك إلا قاضٍ، وكان بعد ذلك لما ولي القضاء إذا سئل عن مسألة في التصوف يقول: القضاء والدنية والكلام في علوم الصوفية محال. قال الحكيم: ذكر عند ليل الديلمي أن أبا بكر بن أبي عاصم ناصبي قال: فبعث غلاماً له معه سيف ومخلاة وقال: ائتني برأسه فجاء الغلام وأبو بكر يروي الحديث، فقال: أمرني أن أحمل إليه رأسك قال: فنام على قفاه ووضع الكتاب في يده على وجهه فقال: افعل ما شئت فلحقه آخر فقال: أمرك الأمير ألا تقتله قال: فقام أبو بكر ورجع إلى الحديث الذي قطعه، فتعجب الناس منه وتحير الرسول في أمره. وسمعته يقول: كان أبو بكر بن أبي عاصم ماراً في السوق مع أبي العباس بن شريح فقال أبو بكر لأبي العباس: لو لم يكن في ترك الدنيا إلا إسقاط الكلف وراحة القلب لكفى.

أحمد بن عمير بن يوسف

قال أبو عبد الله محمد بن أحمد الكسائي المقرىء: قال: كنت جالساً عند أبي بكر بن أبي عاصم وعنده قوم فقال رجل: أيها القاضي، بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية يقلبون الرمل فقال أحدهم: اللهم إنك قادر على أن تطعمنا خبيصاً على لون هذا الرمل فإذا هم بأعرابي بيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيديهم طبقاً عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم: قد كان ذاك. قال أبو عبد الله: وكان الثلاثة، عثمان بن صخر الزاهد أستاذ أبي تراب، وأبو تراب، وأحمد بن عمرو بن أبي عاصم وكان هو الذي دعا. كان أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل يقول: لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، ولا منحرف عن الشافعي ولا عن أصحاب الحديث. كان أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فقيهاً ظاهري المذهب، ولي القضاء بأصبهان ثلاث عشرة سنة بعد وفاة صالح بن أحمد. وتوفي أحمد بن عمرو بن أبي عاصم بأصبهان في ربيع الآخر سنة سبع وثمانين ومئتين. قال أبو عبد الله الكسائي: رأيت ابن أبي عاصم فيما يرى النائم كأنه جالس في المسجد الجامع عند الباب، وهو يصلي من قعود، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي فقلت: أنت أحمد بن عمرو؟ قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: يؤنسني ربي، قلت: يؤنسك ربك؟؟! قال: نعم فشهقت شهقة فانتبهت. أحمد بن عمير بن يوسف ابن موسى بن جوصا أبو الحسن الحافظ مولى بني هاشم ويقال: مولى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي. شيخ الشام في وقته. رحل وصنف وذاكر وروى.

أحمد بن العلاء بن هلال بن عمر

حدث عن أيوب بن علي بن الهيصم الكناني بسنده عن أبي قرصافة أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابنو المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. فقال رجل: يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في الطرق؟ قال: وهذه المساجد التي تبنى في الطرق. قال: وإخراج القمامة منها مهور حور العين. وحدث عن هشام بن عبد الملك أبي التقي بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. سئل الدارقطني عن أحمد بن عمير بن جوصا فقال: تفرد بأحاديث ولم يكن بالقوي. وقال دعلج بن أحمد: دخلت دمشق وكتب لي عن ابن جوصا جزء، ولست أحدث عنه فإني رأيت في داره جرو كلب صيني فقلت: روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن اقتناء الكلب وهذا قد اقتنى كلباً. توفي أبو الحسن أحمد بن عمير يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة عشرين وثلاث مئة. أحمد بن العلاء بن هلال بن عمر أبو عبد الرحمن الرقي القاضي، أخو هلال بن العلاء قدم دمشق في أيام أحمد بن طولون، وكان ممن خلع الموفق بن المتوكل بن المعتصم بها في سنة تسع وستين ومئتين. حدث عن عبد الله بن جعفر بسنده عن عائشة رضي الله عنها فيما قال لها يعني: أهل الإفك فبرأها الله مما قالوا قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج في سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، فقالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما أنزل الله الحجاب، فأنا أحمل في هودجي فأنزل فيه، حتى إذا فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوته تلك ودنوا من المدينة نودي بالرحيل، فخرجت حتى أذنوا

بالرحيل فتبرزت لحاجتي حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فخرجت في التماسه، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين يرحلون لي، واحتملوا هودجي فحملوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك لم يهبلهن اللحم، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جاريةً حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، وجئت مبادرةً وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينما أنا كذلك في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرف حين رآني وقد كان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها، وانطلق بالراحلة يقود بها حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، وقد هلك من أهل الإفك من هلك. وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي فاشتكيت حين قدمت المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي، إنما يدخل فيقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني منه، ولا أشعر بشيء حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت: بئس ما قلت تسبين رجلاً قد شهد بدراً! قالت: أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: فقلت: في ماذا؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي.

فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي فآتي أبوي؟ وحينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي من الغد فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمه ماذا يتحدث الناس به؟! قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟! فمكثت تلك الليلة أبكي حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت: ثم أصبحت أبكي فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد وعلياً حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود لهم فقال: يا رسول الله، ما نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك النساء والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك فدعا بريرة فقال: يا بريرة، رأيت شيئاً يريبك قالت: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال: من يعذرني من رجل قد بلغ في أهلي أذاه، فوالله ما علمت إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه إن كان من إخواننا الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا ما أمرتنا. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد كان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن استحملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: - يعني - لسعد بن عبادة، كذبت، لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، وتبادر الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر، فلم يزل يسكتهم حتى سكتوا. فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وبت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي وقد لبثت ليلتي ويومي لا يرقأ لي دمع وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار علي فأذنت لها، فجلست تبكي معي. فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلس فلم يجلس قبل ذلك منذ قيل

ما قيل. ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه شيء، فتشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جلس جلسته، فقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإني جارية حديثة السن لم أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم فصدقتم به، وإن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني. والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون " قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة. وما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ، ولكني أرجو أن يري الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر عليه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي أنزل عليه، فسري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما بعد فقد برأك الله، فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقول إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل وأنزل الله تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبةٌ منكم " إلى آخر الآيات العشر كلها. فلما أنزل الله هذا كله في براءتي قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قاله لعائشة فأنزل الله تعالى: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن تؤتوا أولي القربى " الآية، فقال أبو

أحمد بن عيسى بن علي بن ماهان

بكر: والله، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زينب بنت جحش فقال: يا زينب، ماذا علمت ورأيت؟ فقالت له زينب: ما علمت ولا رأيت إلا خيراً. أحمي سمعي وبصري. قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أهل الإفك. ولد أحمد بن العلاء سنة اثنتين وتسعين ومئة، وتوفي بالرقة في سنة ست وسبعين ومئتين وهو على القضاء. وقيل: مات وهو قاضي ديار مصر سنة أربع وسبعين ومئتين. أحمد بن عيسى بن علي بن ماهان أبو جعفر الرازي المعروف بالجوال سمع بدمشق. حدث عن عبد الرحمن بن مسلم بسنده عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن عرفجة الثقفي قال: كان علي بن أبي طالب يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً. قال عرفجة: أنا إمام النساء. أحمد بن عيسى بن يوسف أبو جعفر سمع بدمشق هشام بن عمار. حدث ببيت المقدس عن هشام بن عمار بسنده عن البراء بن عازب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه فأخذ بيده قلت: يا رسول الله، ما كنت أحسب هذه المصافحة إلا من أخلاق الأعاجم وسنتهم قال: لا، إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا لم يتتاركا حتى يغفر لهما.

أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز

أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز الخراز خاء معجمة وراء وزاي الصوفي البغدادي حدث عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوء الخلق شؤم وشراركم أسوؤكم خلقاً. قال أبو عبد الرحمن السلمي: أحمد بن عيسى الخراز إمام القوم في كل فن من علومهم. بغدادي الأصل له في مبادىء أمره عجائب وكرامات مشهورة، ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه، وهو أحسن القوم كلاماً خلا الجنيد فإنه الإمام. وقيل: إن أول من تكلم في علم الفناء والبقاء أبو سعيد الخراز. قال أبو سعيد: كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل. وقال: صحبت الصوفية ما صحبت، فما وقع بيني وبينهم خلف. قالوا: لم؟ قال: لأني كنت معهم على نفسي. قال أبو بكر الطرسوسي: أبو سعيد الخراز قمر الصوفية. قال إبراهيم بن شيبان: قال الجنيد: لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا. قال علي بن عمر الدينوري: فقلت لإبراهيم: وإيش كان حاله؟ فقال: أقام كذا وكذا سنة يخرز. ما فاته الحق بين الخرزتين. سئل أبو سعيد الخراز: هل يصير العارف إلى حال يجفو عليه البكاء؟ فقال: نعم، وإنما البكاء في أوقات سيرهم إلى الله، فإذا نزلوا بحقائق القرب وذاقوا طعم الوصول من بره زال عنهم ذلك.

قال المرتعش: الخلق كلهم عيالٌ على أبي سعيد الخراز إذا تكلم هو في شيء من الحقائق. كان الجلاء بمكة يقول: بلغني أن أبا سعيد الخراز كان مقيماً بمكة، وكان من أفقه الصوفية، وكان له ابنان مات أحدهما قبله فرآه في المنام فقال له: يا بني، أوصني فقال: يا أبه، لا تعامل الله على الحمق قال: يا بني، زدني. قال: لا تخالف الله فيما يريد. قال: يا بني، زدني. قال: لا تطيق. قال: قل. قال: لا تجعل بينك وبين الله قميصاً. قال: فما لبس القميص ثلاثين سنة، فقيل لإبراهيم الخواص ذلك فقال: أحجب ما كان من ربه في ذلك الوقت. قال أبو سعيد الخراز: الاشتغال بوقت ماضٍ تضييع وقت ثانٍ. قال أبو الفضل العباس: وذكر تلميذةً لأبي سعيد الخراز قالت: كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود، فأستقري حلاوة كلامه، فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته. فلما وقعت عيني عليه سكت وقال: جري ها هنا حدث فأخبريني ما هو فعرفته أني نظرت إليه فقال: أما علمت أن نظرك إلي معصية، وهذا العلم لا يحتمل التخليط، فلذلك حرمت هذا العلم. قال أبو سعيد الخراز: من ظن أنه ببذل المجهود يصل فمتعن، ومن ظن أنه بغير بذل المجهود يصل فمتمن. حدث أبو القاسم بن مردان ببغداد قال: كان عندنا بنهاوند فتى يصحبني، وكنت أنا أصحب أبا سعيد الخراز، فكنت إذا رجعت حدثت ذلك الفتى ما أسمع من أبي سعيد، فقال لي ذات يوم: إن سهل الله لك الخروج خرجت معك حتى أرى هذا الشيخ الذي تحدثني عنه فخرجت، وخرج معي، ووصلنا إلى مكة، فقال لي: ليس نطوف حتى نلقى أبا سعيد، فقصدناه وسلمنا عليه فقال: للشاب مسألة ولم يحدثني أنه يريد أن يسأل عن شيء، فقال له الشيخ: سل فقال: ما حقيقة التوكل؟ فقال الشيخ: ألا تأخذ الحجة من حمولا، وكان الشاب قد أخذ

حجة من حمولا وهو رئيس نهاوند وما علمت به أنا، فورد على الشاب أمر عظيم وخجل. فلما رأى الشيخ ما جاء به عطف عليه وقال: ارجع إلى سؤالك. ثم قال أبو سعيد: كنت أراعي شيئاً من هذا الأمر في حداثتي فسلكت بادية الموصل فبينا أنا سائر إذ سمعت حساً من ورائي فحفظت قلبي عن الالتفات فإذا الحس قد دنا مني، وإذا سبعان قد صعدا على كتفي فلحسا خدي، فلم أنظر إليهما حيث صعدا ولا حيث نزلا. قال أبو سعدي الخراز: كنت في بعض أسفاري وكان يظهر لي كل ثلاثة أيام شيء، فكنت آكله وأشتغل، فمضى ثلاثة أيام وقتاً من الأوقات ولم يظهر شيء، فضعفت وجلست فهتف بي هاتف: أيما أحب إليك: سبب أو قوة؟ فقلت: القوة، فقمت من وقتي ومشيت اثني عشر يوماً لم أذق شيئاً ولم أضعف. قال أبو سعيد الخراز: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية، فقلت: تعال، فقال إيش أعمل بكم، أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس. قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث. وقال: رأيت إبليس في النوم ومعي عصا فرفعته حتى أضربه فقال لي قائل: هذا لا يفزع من العصا. قلت له: من أي شيء يفزع؟ قال: من نورٍ يكون في القلب. كان أبو سعيد الخراز يقول: ليس في طبع المؤمن قول لا، وذلك أنه إذا نظر إلى ما بينه وبين ربه من أحكام الكرم استحيا أن يقول: لا. جاء أبو سعيد الخراز إلى رجل من أبناء الدنيا فقال: جئتك من عنده وأنا أعرف به منك، وأنت تشهد لي بذلك، فلا تردني إليه. كان أحمد بن عيسى يقول: إذا صدق المريد في بدايته أيده الله بالتوفيق، وجعل له واعظاً من نفسه. كما روي في الحديث، وذلك أني أصبت ميراثاً فكنت آخذ منه القوت وأتقلل منه شيئاً موزوناً كل يوم

معلوماً، ولزمت العزلة مع ذلك، فكأني خوطبت في سري ثم سمعت قائلاً يقول: إذا أنت أكلت الطعام في كل ليلة فبماذا تفضل على سائر الناس؟ ولكن اجعله في كل ليلتين أكلة، فلزمت ذلك وقتاً وصعب علي جداً لا من طريق نفسي وامتناعها علي، ولكن لعلمي بأن الطي منزلة عالية وهبة من الله جزيلة رفيعة لا يعطيها إلا من عرف قدرها، فرغبت إلى الله تعالى فيها فسألته إدامتها لي والتفضل بها علي، فوهبها لي بمنه وفضله. فكنت آكل ذلك القوت الذي كنت آكله في ليلةٍ واحدة أتناوله في ليلتين، وكنت الليلة التي أطويها يأتيني شخص جميل حسن البشرة نظيف الثياب بجامٍ أبيض فيه عسل فيقول لي: كل، فألعقه وأصبح شبعان - وهذا في المنام - ثم فني القوت الذي ادخرته فكنت أجيء بعض الطرقات إذا اختلط الظلام إلى موضع أصحاب البقل وأتقمم منه ما سقط منهم، وبقيت على ذلك أيضاً وقتاً كبيراً، ثم كنت أخيط القميص في القرية لقوم مساكين وأكتفي بأجرته أياماً، فبينا أنا يوماً مار أريد القرية في طلب الخياطة رأيت مسجداً في وسط مقبرة وفيه سدرة كبيرة وفيها نبق أخضر مباح، فقلت في نفسي: هذا المباح ها هنا وأنت تريد معاشرة الناس ومعاملتهم، فلزمت المقابر أتقلل من ذلك النبق وآخذ منه دوين البلغة حتى فني النبق ولم يبق منه شيء، ثم بقيت بعد ذلك سنين وقوتي العظام، ثم مكثت بعد العظام وقوتي الطين اليابس والرطب من الأنهار، فكنت أحياناً لا أفرق بين الطين الرطب إذا أخذته من النهر وبين الخبيص من طيبه عندي، وما وجدت لاختلاف هذه الأحوال ضيقاً من عقل ولا ضعفاً من بدن وكنت عند البقل أضعف إذا تناولته. قال أبو بكر الكتاني: تكلم أبو سعيد أحمد بن عيسى بمكة في مسألة علم، فأنكروا عليه فوجه إليه الأمير: قم واخرج من مكة، فتناول نعله وقام ليخرج، فقلنا له: اجلس يا أبا سعيد حتى ندخل على الأمير ونخاطبه بما صلح، ونعرفه مكانك، فقال: معاذ الله، اسكتوا، فلو قال غير هذا اتهمت حالي فيما بيني وبين الله عز وجل هذا ضد، من أين يقبلني إلا لقلة في، وخرج. قال أبو سعيد: أقل ما يلزم المسافر في سفره أربعة أشياء: يحتاج إلى علم يسوسه، وذكر يؤنسه، وورع يحجزه، ونفس تحمله. فغذا كان هكذا لم يبال أكان بين الأحياء أم بين الأموات.

وقال: الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم. وكان أبو سعيد الخراز يقول: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه، وهل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الأنس برب العالمين، وهل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا، ومن وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا، وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة، وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى، وهل جزاء من سلم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا، وهل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق. كان أبو سعيد الخراز يقول في معنى هذا الحديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها فقال: واعجباً ممن لم ير محسناً غير الله كيف لا يميل بكليته إليه. قالت فاطمة بنت أحمد السامرية: سمعت أخي أبا سعيد الخراز وسئل عن قوله تعالى: " ولله خزائن السموات والأرض " قال: خزائنه في السماء العبر وفي الأرض القلوب، لأن الله تعالى جعل قلب المؤمن نبت خزائنه ثم أرسل رياحاً فهبت فكسته من الكفر والشرك والنفاق والغش والخيانة، ثم أنشأ سحابة فأمطرت ثم أنبتت فيه شجرة فأثمرت الرضا والمحبة والشكر والصفوة والإخلاص والطاعة فهو قوله تعالى: " أصلها ثابت ". قال سعيد بن أبي سعيد الخراز: طلبت من أبي دانق فضة فقال لي: يا بني، اصبر، فلو أراد أبوك يركب الملوك إلى بيته ما تأبوا عليه. قال أحمد بن عيسى الخراز: كنت في البادية فنالني جوع شديد فغلبتني نفسي أن اسأل الله عز وجل طعاماً

أحمد بن عيسى أبو جعفر القمي

فقلت: ليس هذا من فعال المتوكلين، فطالبتني نفسي أن أسأل الله صبراً. فلما هممت بذلك سمعت هاتفاً يقول: من الوافر ويزعم أنه منا قريبٌ ... وأنا لا نضيع من أتانا ويسألنا القرى جهداً وصبراً ... كأنا لا نراه ولا يرانا قال أبو سعيد: فأخذني الاستقلال من ساعتي وقمت ومشيت. توفي أبو سعيد سنة سبع وسبعين ومئتين. وقيل: سنة سبع وأربعين ومئتين. وهو باطل. والأول أصح. وقيل: سنة ست وثمانين ومئتين. أحمد بن عيسى أبو جعفر القمي نزيل بيروت حدث عن أبي عبد الرحمن النسائي بسنده عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة، وفي حديث آخر وزاد فيه: ولو بكلمة طيبة.

من اسم أبيه على حرف الغين المعجمة

من اسم أبيه على حرف الغين المعجمة أحمد ويقال محمد بن الغمر ويقال ابن أبي الغمر الدمشقي قال أحمد بن أبي الغمر: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: من أمن أن يستثقل ثقل. وقال أحمد بن أبي الغمر: قال مسلمة لجلسائه: أي بيت في الشعر أحكم؟ قالوا: الذي يقول: من الطويل صبا ما صباحت علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد قال: فقال مسلمة: إيه والله، ما وعظني شعر قط ما وعظني شعر ابن حطان حين يقول: من الطويل أفي كل عامٍ مرضةٌ ثم نقهةٌ ... وننعى ولا ننعى متى ذا إلى متى فيوشك يومٌ أو توافق ليلةٌ ... يسوقان حتفاً راح نحوك أو غدا قال: فقال له رجل من جلسائه: إني والله ما سمعت بأحدٍ أجل الموت ثم أفناه قبله حيث يقول: من البسيط لم يعجز الموت شيءٌ دون خالقه ... والموت فإن إذا ما ناله الأجل وكل كربٍ أمام الموت متضعٌ ... للموت والموت فيما بعده جلل قال: فقال عبد الأعلى: من البسيط من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشمس والشعثا ويألف الظل كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا في قعر مقفرةٍ غبراء مظلمةٍ ... يطيل تحت الثرى في جوفها اللبثا

أحمد بن الغمر بن أبي حماد أبو عمر

قال أحمد بن غمر الدمشقي في قوله عز وجل " لا فارض ولا بكر عوان " قال: الفارض: الكبيرة المسنة التي ليس فيها ركوب، والبكر: هي الصغيرة وأنشدنا: من الطويل وأنت الذي أعطيت ضيفك فارضاً ... تساق إليه ما تقوم على رجل ولم تعطه بكراً، فيرضى، سمينة ... فكيف يجازي بالمودة والفضل وغمر بالغين المعجمة. أحمد بن الغمر بن أبي حماد أبو عمر ويقال: أبو عمرو الحمصي حدث بأنطرسوس من عمل دمشق عن جماعة. حدث عن عيسى بن سليمان بسنده عن علي قال: ألا أخبركم بخير الناس بعد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أبو بكر وعمر ثم الناس مستوون. وحدث عن يحيى بن يزيد الخواص بسنده عن عمر بن الخطاب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يصيح صائحٌ يوم القيامة: أين الذين أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا؟ ادخلوا الجنة لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون. ويصيح صائح: اين الذين عادوا المرضى والفقراء والمساكين في الدنيا؟ فيجلسون على منابر من نور يحدثون الله عز وجل في الحساب. حدث أحمد بن الغمر الحمصي بحمص عن سعيد بن نصير بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة، فوقف عليها، وجعل يفكر فقال: يا رب، أنت أنت وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة وأنا العواد بالذنوب، فقيل له، ارفع رأسك فأنت العواد بالذنوب وأنا العواد بالمغفرة قال: فغفر له.

من اسم أبيه على حرف الفاء

من اسم أبيه على حرف الفاء أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الضبي الرازي الحافظ أحد الأئمة الثقات والحفاظ الأثبات. سمع بدمشق وغيرها حدث عن محمد بن عبد الله بن جعفر بسنده عن أبي بن كعب قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ بسورة من الطول ثم ركع خمس ركعات، ثم سجد سجدتين وجلس كما هو مستقبل القبلة حتى انجلى كسوفها. وحدث عن يعلى بن عبيد بسنده عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دماً فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة فقال: ويلكن لا تقتلن أولادكن، أيما امرأة أصاب ولدها العذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً هندياً فلتحله بماء ثم تسعطه به. قال: فأمرت عائشة فصنعت ذلك به فبرأ. قال أحمد بن دلويه، وكان من خيار الناس: دخلت على أحمد بن حنبل فقال لي: من فيكم؟ قلت: محمد بن النعمان، فلم يعرفه، فذكرت له أقواماً فلم يعرفهم فقال: أفيكم أبو مسعود؟ قلت: نعم. قال: ما أعرف اليوم أسود الرأس أعرف بمسندات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه. كان أبو مسعود يقول: كتبت عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلاً، أدخلت في تصنيفي ثلاث مئة وعشرين

أحمد بن الفرج بن سليمان

وعطلت سائر ذلك، وكتبت ألف ألف حديث وخمس مئة ألف حديث فأخذت من ذلك ثلاث مئة ألف في التفاسير والأحكام والفوائد وغيره. أقام أبو مسعود بأصبهان يحدث بها خمساً وأربعين سنة، وتوفي في شعبان سنة ثمان وخمسين ومئتين. وكان قد سافر الكثير وجمع في الرحلة بين البصرة والكوفة والحجاز واليمن والشام ومصر والجزيرة، ولقي علماء عصره، وورد بغداد في حياة أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وذاكر حفاظها بحضرته، وكان أحمد يقدمه ويكرمه، واستوطن أصبهان إلى آخر عمره، وكانت بها وفاته وروى عنه كافة أهلها علمه. أحمد بن الفرج بن سليمان أبو عتبة الكندي الحمصي المعروف بالحجازي المؤذن مؤذن جامع حمص قدم دمشق حاجاً. حدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. ولد سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. قال: وهذا وهم، والصحيح أنه مات بحمص سنة إحدى وسبعين ومئتين. قال محمد بن عوف: والحجازي كذاب. كتبه التي عنده لضمرة وابن أبي فديك من كتب أحمد بن النضر وقعت إليه وليس عنده في حديث بقية بن الوليد الزبيدي أصل، هو فيها أكذب خلق الله، إنما هي أحاديث وقعت إليه في ظهر قرطاس كتاب صاحب حديثٍ في أولها مكتوب: حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا بقية.

أحمد بن فضالة بن الصقر

قال: ورأيته عند بئر أبي عبيدة في سوق الرستن وهو يشرب مع فتيان ومردان وهو يتقيأ الخمر، وأنا في كوة مشرف عليه في بيت كان لي فيه تجارة سنة تسع عشرة ومئتين، وكأني أراه وهو يتقيؤها وهي تسيل على لحيته، وكان أيام أبي الهرماس يسمونه الغداف، وكان له ترس فيه أربعة مسامير كبار إذا أخذوا رجلاً يريدون قتله صاحوا به أين الغداف فيجيء قائماً يضربه بها أربع ضربات حتى يقتله، قد قتل غير واحد بترسه ذاك. وما رأيته عند أبي المغيرة قط وإنما كان يتفتى في ذلك الزمان. وحدث عن عقبة بن علقمة. بلغني أن عنده كتاباً وقع إليه فيه مسائل ليست من حديثه فوقفه عليها فتى من أصحاب الحديث وقال: اتق الله يا شيخ. قال أبو هشام: وكان أبو عتبة جارنا وكان يخضب بالحمرة، وكان مؤذن مسجد الجامع، وكان عمي وأصحابنا يقولون: إنه كذاب فلم نسمع منه شيئاً. أحمد بن فضالة بن الصقر ابن فضالة بن سالم بن جميل بن عمرو بن ثوابة بن الأخنس بن مالك بن النعمان بن مالك بن النعمان بن امرىء القيس اللخمي حدث عن أبيه بسنده عن مغيث بن سمي الأوزاعي أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب فقال: يا كعب، كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن حديد. قال: وما قرن حديد؟ قال: لا تخاف في الله لومة لائم؟ قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون خليفة من بعدك تقتله أمته ظالمين له. قال: ثم مه؟ قال: ثم يقع البلاء بعد.

أحمد بن الفضل بن عبيد الله

أحمد بن الفضل بن عبيد الله أبو جعفر الصائغ أصله مروزي، سكن عسقلان. سمع بدمشق وبديار مصر وبالشام جماعة. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرهن لا يغلق. قال سعيد: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: له غنمه وعليه غرمه. أحمد بن الفيض بن محمد الغساني أظنه أخا محمد إن لم يكن محمد بن الفيض وسماه الراوي عنه أحمد لأن أحمد ومحمد عند بعض الناس سواء. حدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم بسنده أن أبا هريرة ومروان كانا مع جنازة، فجلسا قبل أن توضع، فجاء أبو سعيد الخدري فأخذ بيد مروان فقال: قم فوالله لقد علم هذا - لأبي هريرة - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع. قال أبو هريرة: صدق.

من اسم أبيه على حرف القاف

من اسم أبيه على حرف القاف أحمد بن القاسم بن عبيد الله ابن مهدي أبو الفرج البغدادي ابن الخشاب الحافظ سكن طرسوس وحدث بدمشق عن جماعة. حدث عن محمد بن الربيع بن سليمان بسنده عن حميد الطويل قال: كنا إذا أتينا أنس بن مالك قال لجاريته: قدمي لأصحابنا ولو كسراً، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن مكارم الأخلاق من أعمال الجنة. قال عيسى بن علي الوزير: كتب إلي أحمد بن القاسم الخشاب لخمس وعشرين ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وثلاث مئة كتاباً قال فيه: ولقد سمعت أبا جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن أبي عمران يقول: قال هلال الرأي: أوثق المودات ما كان في الله عز وجل. أحمد بن القاسم بن عبد الوهاب ابن أبان بن خلف أبو الحسين الجمحي، أخو جمح بن القاسم المؤذن حدث عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن الضحاك المصري قال: سمعت أبا إبراهيم المزني يقول: قال الشافعي: رأيت بالمدينة أربع عجائب: جدةً ابنة إحدى وعشرين سنة، ورأيت رجلاً فسه القاضي في مدين نوى، ورأيت شيخاً كبيراً يدور على بيوت القيان راجلاً يعلمهم الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعداً، ورأيت رجلاً يكتب بالشمال أسرع مما يكتب باليمين.

أحمد بن القاسم بن عطية

أحمد بن القاسم بن عطية أبو بكر الرازي البزاز الحافظ سمع بدمشق وغيرها. حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رضى الرب في رضى الوالد، وسخطه في سخط الوالد. وحدث عن أبي مروان هشام بن خالد الأزرق بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال: اكتب ما هو كائن من عمل أو أثر أو رزق أو أجل فكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ختم على القلم فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة. وحدث عن عبيد الله بن عمر القواريري قال: قال ابن عيينة: من طلب الحديث فقد بايع الله عز وجل. أحمد بن القاسم بن معروف أبي نصر ابن حبيب بن أبان أبو بكر التميمي ولد بسامراء وقدم مع أبيه دمشق فسكناها. حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرغ الله إلى كل عبدٍ من خلقه من خمس: من أجله، وعمله، وأثره، ومضجعه، ورزقه. توفي أبو بكر أحمد بن القاسم يوم الأحد لثلاث خلون من شعبان سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً. أحمد بن القاسم بن يوسف بن فارس ابن سوار أبو عبد الله الميانجي القاضي، أخو يوسف بن القاسم روى عن جماعة. حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده عن أبي رزين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً.

من اسم أبيه على حرف الكاف

من اسم أبيه على حرف الكاف أحمد بن كثير أحد الصالحين قال أحمد بن كثير: صعدت إلى موضع الدم في جبل قاسيون، فسألت الله عز وجل الحج فحججت، وسألته الجهاد فجاهدت، وسألته الرباط فرابطت، وسألته الصلاة في بيت المقدس فصليت، وسألته أن يغنيني عن البيع والشراء فرزقت ذلك كله. ولقد رأيت في المنام كأني في ذلك الموضع قائما أصلي فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وهابيل بن آدم فقلت له: اسألك بحق الواحد الصمد وبحق أبيك آدم وبحق هذا النبي: هذا دمك؟ قال: إي والواحد الصمد، إن هذا دمي جعله الله آيةً للناس، وإني دعوة الله رب أبي وأمي حواء ومحمد النبي المصطفى، اجعل دمي مستغاثاً لكل نبيٍّ وصديقٍ ومؤمنٍ دعا فيه فتجيبه، وسألك فتعطيه فاستجاب الله لي وجعله طاهراً آمناً وجعل هذا الجبل آمناً ومغنياً. ثم وكل الله عز وجل به ملكاً وجعل معه من الملائكة بعدد النجوم يحفظون من أتاه لا يريد إلا الصلاة فيه، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام: قد فعل الله ذلك كرماً وإحساناً وإني آتيه كل خميس وصاحباي وهابيل فنصلي فيه. وفي رواية أخرى: زيادة في أجره، فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة، وعلمني دعاءً لكل ملمةٍ وحاجة فقال لي: افتح فاك ففتحه، فتفل فيه ثم قال: رزقت فالزم، رزقت فالزم. أحمد بن كعب بن خريم أبو جعفر المري كان يسكن بالراهب: محلةٍ خارج باب الجابية قبلي المصلى ومسجد فلوس من شرقيه. روى عن أبيه أبي حارثة كعب بن خريم وغيره.

أحمد بن كيغلغ أبو العباس

حدث عن أبيه بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه، ألا لا وصية لوارثٍ، والولد للفراش وللعاهر الحجر. مات أحمد بن كعب بدمشق يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومئتين. أحمد بن كيغلغ أبو العباس ولي إمرة دمشق غير مرة في أيام المقتدر، أول ذلك سنة اثنتين وثلاث مئة وقدم تكين الخاصة والياً لها في المحرم سنة ثلاث وثلاث مئة. ووليها مرة أخرى في المحرم سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة، وعزل عنها سنة ثلاث عشرة. وكان قبل ذلك قد ولي غزو الصائفة، فغزا بلاد الروم من طرسوس في أول المحرم سنة أربع وتسعين ومئتين، فأخذ من العدو أربعة آلاف رأس سبي ودواب ومواشي كثيرة، وأمتعة، وصار إليه أحد البطارقة بالأمان. وولي إمرة مصر من قبل المقتدر مستهل جمادى الأولى سنة إحدى عشرة، ثم صرف عن مصر في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مئة، ثم ولي مصر من قبل القاهر بالله في شوال سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة وجرت بينه وبين تكين الخاصة حروب ثم خلص الأمر لأحمد بن كيغلغ إلى أن قدم محمد بن طغج بن جف الأخشيذ أميراً على مصر من قبل الراضي بالله سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة فسلم إليه مصر. وكان أديباً شاعراً فمن شعره: مجزوء الرمل لا يكن للكأس في كف ... ك يوم الغيث لبث أوما تعلم أن ال ... غيم ساقٍ مستحث ومن شعره أيضاً: مجزوء الوافر بدت من خلل الحجب ... كمثل اللؤلؤ الرطب وأدمى خدها لحظي ... وأدمى لحظها قلبي ومات أخوه إبراهيم بن كيغلغ مستهل ذي القعدة سنة ثمان وثلاث مئة.

من اسم أبيه على حرف اللام

من اسم أبيه على حرف اللام أحمد بن لبيب بن عبد المنعم أبو قابوس ويقال: أبو الفتح البزاز المعدل روى عن جماعة. حدث عن أبي يحيى زكريا بن أحمد بن موسى البلخي بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه. قالها ثلاثاً. فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من نهر الخبال، قيل: وما نهر الخبال؟ قال: صديد أهل النار.

من اسم أبيه على حرف الميم

من اسم أبيه على حرف الميم أحمد بن محمد بن أحمد ابن أبي كلثم سلامة بن بشر بن بديل أبو بكر العذري حدث في سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئة عن أبيه عن جده بسنده عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما طلعت الشمس في يوم قط أفضل من يوم الجمعة، ولا أحب إلى الله عز وجل منه. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد أبو بكر بن الكوفي الكندي المصيصي ثم الصيداوي حدث عن جماعة. روى عن أبي عمرو سلامة بن سعيد بن زياد بسنده عن تميم بن أوس الداري قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفارة كل مجلس بقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك لا إله إلا أنت وحدك. حدث في صفر سنة تسع وخمسين وثلاث مئة بصيدا. أحمد بن محمد بن أحمد بن الربيع ابن يزيد بن معيوف أبو الحسن الهمداني من أهل عين ثرماء. حدث عن محمد بن عبيد بن فياض بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين.

أحمد بن محمد بن أحمد

أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الرحمن بن يحيى بن جميع أبو بكر الغساني الصيداوي العابد والد أبي الحسين حدث عن محمد بن عبدان بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد. كان الشيخ أبو بكر أحمد بن جميع رحمه الله يقوم الليل كله، فإذا صلى الفجر نام الضحى، فإذا صلى الظهر يصلي إلى العصر، فإذا صلى العصر قام إلى قبل صلاة المغرب، فإذا صلى العشاء قام إلى الفجر. وكانت هذه عادته. فجاءه رجل ذات يوم يزوره بعد العصر فغفل، فتحدث معه وترك عادة النوم. فلما انصرف سألته عنه؟ فقال: هذا عريف الأبدال يزورني في السنة مرة. فلم، يعني، أزل أرصد إلى مثل ذلك الوقت حتى جاء الرجل فوقفت حتى فرغ من حديثه، ثم سأله الشيخ أين تريد؟ فقال: أزور أبا محمد الضرير في مغارٍ عند قال طلحة بن أبي السن: فسألته أن يأخذني معه فقال: بسم الله. فمضيت معه فخرجنا حتى صرنا عند قناطر الماء فأذن المؤذن عشاء المغرب قال: ثم أخذ بيدي وقال: قل بسم الله. قال: فمشينا دون العشر خطا فغذا نحن عند المغار مسيرة إلى بعد الظهر قال: فسلمنا على الشيخ فصلينا عنده، وتحدث معه. فلما ذهب نحو ثلث الليل قال لي: تحب تجلس ها هنا أو ترجع إلى بيتك فقلت: أرجع، فأخذ بيدي وسمى بسم الله، ومشينا نحو العشر خطا فإذا نحن على باب صيدا، فتكلم بشيء فانفتح الباب، ودخلت ثم عاد الباب. حدث طلحة بن أبي السن أن أبا الفتح ابن الشيخ حبسه في القلعة وأن زوجة طلحة اشتكت إلى عمها أبي بكر أحمد بن جميع حاله فقال لها: نعم، العصر يكون عندك إن شاء الله فقالت له: أنت لم تسأل في بابه كيف يخلونه فقال: اسكتي فانصرفت. قال طلحة: فكنت جالساً في القلعة إذ انفلق القيد من رجلي وإذا قائل يقول: أين طلحة بن أبي السن؟ فقلت: ها أنا فقال: اخرج لا بأس عليك، وإن كانت لك حاجة قضيت. فانصرفت إلى بيتي قبل العصر أو

أحمد بن محمد بن أحمد بن سلمة

العصر. فلما صلى الشيخ العصر جاء إلى بيتي يتوكأ على عكازه فاختبأت داخل البيت فقال: أين هو؟ فقالت المرأة: أليس كنت عندك، وما سألت فيه ولا مضيت إلى أحد، فقال: تخرج أو أجيء أخرجك، فخرجت وبست رأسه. وذكر السكن أن جده أبا بكر عاش سبعاً وتسعين سنة، ووالده سبعاً وتسعين سنة، وجد جده سبعاً وتسعين سنة. قال: ومات جدي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة في شعبان. وقال السكن: صام جدي وله اثنتا عشرة سنة إلى أن توفي. أحمد بن محمد بن أحمد بن سلمة أبو بكر بن أبي العباس الغساني، المعروف بابن شرام النحوي حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري بسنده عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس. قال محمد بن جعفر: وأنشدونا لمحمود الوراق: من الطويل إذا كان شكري نعمة الله نعمةً ... علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر قال عبد الله محمد بن المكرم مختصر هذا التاريخ: أذكرني هاذان البيتان ببيتين لي عملتهما في الصبا كنت أعتقد أني سبقت لمعناهما: من الكامل كيف السبيل لشكر أنعمك التي ... كثرت فعجزٌ عدها أن تحصرا ومتى أقوم بشكر نعمى شكرها ... نعمٌ يحق لمثلها أن تشكرا نقل من كتاب عتيق أن أبا بكر بن شرام توفي في يوم الثلاثاء لعشرٍ خلون من شعبان سنة سبع وثمانين وثلاث مئة.

أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان

أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان أبو زكريا النيسابوري الصوفي، المعروف بابن الصائغ قدم دمشق، وحدث بها. روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن أبي منصور العمركي السرخسي بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع يقول: لا يزال أمر هذه الأمة عالياً على من ناوأها حتى يملك اثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة خفيفة لم أسمعها. قال: فسألت أبي وهو أقرب إليه مني ما قال؟ قال: كلهم من قريش. قدم دمشق مع حاج خراسان سنة خمس عشرة وأربع مئة. توفي ليلة الجمعة لعشرٍ بقين من رمضان. أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الله بن حفص بن الخليل أبو سعد الهروي الماليني الصوفي الحافظ طاوس الفقراء سمع بدمشق. حدث، ونعم الشيخ كان، عن محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد بسنده عن أنس بن مالك قال: حدثني ابني عني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجعل فص الخاتم من غيره. وحدث عن أبي حمد الحسن بن عبد الله بن سعيد النحوي بسنده عن أنس بن مالك، حدثت الحجاج بحديث العرنيين قال: فلما كانت الجمعة قام يخطب فقال: تزعمون أني شديد العقوبة وهذا أنس حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قطع أيدي رجال وأرجلهم وسمل أعينهم. قال أنس: فوددت أني مت قبل أن أحدثه. وكان أبو سعد الهروي الماليني الصوفي أحد الرحالين في طلب الحديث والمكثرين منه. كتب ببلاد خراسان، وما وراء النهر، وببلاد فارس، وجرجان، والري، وأصبهان،

أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب

والبصرة، وبغداد، والكوفة، والشامات، ومصر. ولقي عامة الشيوخ والحفاظ الذين عاصرهم، وحدث عن جماعة. قدم بغداد عدة مرات آخرها سنة تسع وأربع مئة وخرج إلى مكة ومضى إلى مصر فأقام بها حتى مات بها يوم الثلاثاء سابع عشر شوال سنة اثنتي عشرة وأربع مئة. وكان ثقة، صدوقاً، متقناً، خيراً، صالحاً، فاضلاً. أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني الحافظ الفقيه قدم دمشق وسمع بها وبمصر وكان قد سمع ببلده وسمع بخراسان وببغداد. وروى عنه جماعة أعيان. حدث ببغداد عن أبي العباس محمد بن أحمد النيسابوري بسنده عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يأتيك الوحي؟ قال: كل ذلك: يأتي الملك أحياناً في مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت عنه. قال: وهو أشده علي، ويتمثل لي الملك أحياناً رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول. كان أبو بكر الخوارزمي البرقاني ثقة، ورعاًن متثبتاً، فهماً لم نر في المشايخ أثبت منه، حافظاً للقرآن، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه، وكان حريصاً على العلم منصرف الهمة إليه. وكان البرقاني يقول: ولدت في آخر سنة ست وثلاثين وثلاث مئة. وقال أبو بكر البرقاني: دخلت أسفرايين ومعي ثلاثة دنانير ودرهم واحد، فضاعت الدنانير مني، وبقي معي الدرهم حسب، فدفعته إلى بقال وكنت آخذ منه في كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد جزءاً من حديثه وأدخل مسجد الجامع فأكتبه، وأنصرف بالعشي، وقد فرغت منه، فكتبت في مدة شهر ثلاثين جزءاًز ثم نفد ما كان لي عند البقال فخرجت عن البلد.

أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد

سكن البرقاني بغداد ومات بها في يوم الأربعاء أول رجب سنة خمس وعشرين وأربع مئة. قال محمد بن علي الصوري: دخلت على البرقاني قبل وفاته بأربعة أيام أعوده. فقال لي: هذا اليوم السادس والعشرون من جمادى الآخرة، وقد سألت الله عز وجل أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب، فقد روي أن لله فيه عتقاء من النار عسى أن أكون منهم. قال الصوري: وكان هذا القول يوم السبت فتوفي صبيحة يوم الأربعاء مستهل رجب ودفن يوم الخميس. رحمه الله. أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن منصور أبو الحسن البغدادي الجهني، المعروف بالعتيقي قدم دمشق غير مرة، وسمع بها وببغداد جماعة، وروى عنه جماعة. حدث سنة سبع وثلاثين وأربع مئة عن علي بن محمد الرزاز بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قال: الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، فقالها يطلب بها ما عنده كتب الله له بها ألف ألف حسنة، ورفع له بها ألف ألف درجة، ووكل بها سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة. وحدث أيضاً في المسجد الجامع بدمشق سنة ثلاثين وأربع مئة عن الحسن بن جعفر بن الوضاح السمسار بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدى مرة غنماً. ولد أبو الحسن العتيقي ببغداد وهو روياني الأصل، وكان صدوقاً. سئل عن

أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بن أحمد أبو الفضل المعروف بالفراتي

مولده فقال: صبيحة يوم الخميس التاسع عشر من المحرم سنة سبع وستين وثلاث مئة. قلت: فالعتيقي نسبه إلى إيش؟ فقال: بعض أجدادي كان يسمى عتيقاً فنسبنا إليه. وكان ثقة متقناً يفهم ما عنده، وكان الخطيب ربما دلسه وروى عنه وهو في الحياة، يقول: أخبرني أحمد بن أبي جعفر العتيقي لسكناه في قطيعة بغداد. وتوفي ببغداد في صفر سنة إحدى وأربعين وأربع مئة في يوم الثلاثاء الحادي عشر من صفر وقيل سنة أربعين. والصحيح الأول. أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بن أحمد أبو الفضل المعروف بالفراتي رئيس نيسابور وهو من أهل أستوا ناحية من نواحي نيسابور. قدم دمشق حاجاً وحدث بها. روى في سنة أربعين وأربع مئة عن جده أبي عمرو الفراتي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. وحدث عن أبي الحارث محمد بن عبد الرحيم بن الحسن بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أكرم ذا شيبة فكأنما أكرم نوحاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قومه؛ ومن أكرم نوحاً في قومه فكأنما أكرم الله عز وجل. كان أبو الفضل الفراتي شيخاً جليلاً مشهوراً، قلد رئاسة نيسابور، ثم خرج إلى الحج، ودخل الشام ومصر وبغداد ثم عاد إلى نيسابور، وعقد له مجلس الإملاء، وكان حسن العشرة راغباً في صحبة الصوفية. توفي في شعبان سنة ست وأربعين وأربع مئة في الطريق بين اسفرايين واستوا، ونقل تابوته إلى أستوا في شعبان.

أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسين الكناني الفلسطيني

أحمد بن محمد بن أحمد أبو الحسين الكناني الفلسطيني حدث بدمشق. روى عن محمد بن أحمد بن القاسم الغازي الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حق المسلم على المسلم ست قالوا: وما هي يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إذا لقيه سلم عليه، وإذا دعاه أجابه، وإذا استنصح فانصح له، وإذا مات فاصحبه. توفي في المحرم سنة أربع وستين وأربع مئة. أحمد بن محمد بن أحمد ابن جعفر أبو العباس الأكار النهربيني ، أخو أبي عبد الله المقرىء من سواد بغداد، كان فلاحاً يسكن قرية الحديثة من قرى الغوطة. حدث عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي ببغداد بسنده عن عبد الله بن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الولاء وعن هبته. مات أبو العباس بقرية الحديثة في سنة سبع وعشرين وخمس مئة.

أحمد بن محمد بن أحمد

أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن إبراهيم أبو طاهر بن أبي أحمد الأصبهاني السلفي الحافظ قدم دمشق طالب حديث سنة تسع وخمس مئة، فاقام بها مدة، وكتب بها عن جماعة، وسمع ببلده، وببغداد، وبالري، وبالبصرة، وبالكوفة، وبهمذان، وبغيرها. وخرج إلى مصر وسمع بها وبالإسكندرية، واستوطن الإسكندرية وتزوج بها امرأة ذات يسار فسلمت إليه مالها، فحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له أبو منصور علي بن إسحاق المعروف بابن السلار الملقب بالعادل أمير مصر مدرسة بالإسكندرية، ووقف عليها وقفاً. حدث عن أبي الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله القارىء بسنده عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلاً مات، فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل - فإما ذكر وإما ذكر - فقال: إني كنت أبايع الناس وكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد، فغفر له، فقال ابن مسعود: أنا سمعته من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أنشد أبو طاهر لنفسه: من الطويل أنأمن إلمام المنية بغتةً ... وأمن الفتى جهلٌ وقد خبر الدهرا وليس يحابي الدهر في دورانه ... أراذال أهليه ولا السادة الزهرا وكيف وقد مات النبي وصحبه ... وأزواجه طرا وفاطمة الزهرا توفي الحافظ أبو طاهر بالإسكندرية يوم الجمعة نصف ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مئة. رحمه الله.

أحمد بن محمد بن إبراهيم

أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن حكيم بن أسيد أبو عمرو المديني الأصبهاني المعروف بابن ممك من أهل مدينة جي حدث عن أبي علي أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم المعروف بابن أبي الخناجر بأطرابلس بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع. توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة. وكان أديباً، فاضلاً، حسن المعرفة بالحديث. أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن أيسباط بن عبد الله بن إبراهيم بن بديح مولى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أبو بكر الدينوري الحافظ المعروف بابن السني حافظ مذكور، ومصنف مشهور، سمع بدمشق، والبصرة، والكوفة، وبغداد ومصر. روى عن أبي محمد بن صاعد بسنده عن أبي هريرة أو أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ بعبادة الله عز وجل، ورجل كان قلبه معلقاً بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً، ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم شماله ما صنعت يمينه.

أحمد بن محمد بن أسد بن يوسف

قال أبو علي الحسن بن أحمد بن إسحاق السني: كان أبي يكتب الأحاديث، فوضع القلم في أنبوبة المحبرة، ورفع يديه يدعو الله عز وجل، فمات. وسئل عن وفاته فقال: في آخر سنة أربع وستين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن أسد بن يوسف ابن معن بن زيد بن مزيد أبو الحسن الكلبي الملاعقي شيخ صالح حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكرموا الشهود، فإن الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم. وحدث عن معاوية بن دينويه الواعظ بسنده عن مسلم بن النضر قال: قرأت على حجر بالفسطاط مكتوب من البسيط الأرض تعجب منا حيث نعمرها ... ويكثر الضحك من آمالنا الأجل نبني وقد نفدت أيام مدتنا ... وليس ندري متى ندعى فنرتحل أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يحيى ابن يزيد بن دينار أبو الدحداح التميمي روى عن جماعة، وكان يسكن بدمشق روى عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب الأشجعي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كانت يهود تقول: من أتى امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول فأنزل الله عز وجل " نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ". توفي في سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.

أحمد بن محمد بن بشر بن يوسف

أحمد بن محمد بن بشر بن يوسف ابن إبراهيم بن حميد بن نافع، أبو الميمون القرشي مولى عثمان بن عفان المعروف بابن مامويه روى عن محمد بن سليمان المنقري بسنده عن ابن عباس أن جارية بكراً زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن بكار بن بلال العاملي حدث عن أبيه بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى يقول: يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفروني أغفر لكم. أحمد بن محمد بن بكار أبو العباس القرشي قدم دمشق، وحدث بها. روى عن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن الصفار بسنده عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن ظلم من أرض شيئاً طوقه من سبع أرضين. أحمد بن محمد بن بكر روى عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

أحمد بن محمد بن بكر بن خالد

أحمد بن محمد بن بكر بن خالد ابن يزيد أبو العباس النيسابوري الوراق، مولى بني سليم، المعروف بالقصير سمع بدمشق. حدث عن يزيد بن مهران أبي خالد الخباز بسنده عن عائشة قالت: أول مولود ولد في الإسلام عبد الله بن الزبير قالت: فجئنا به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليحنكه فقال: اطلبوا لي تمرة فطلبنا له تمرة فوالله ما وجدناها. توفي لأيامٍ خلت من ربيع الأول سنة أربع وثمانين ومئتين. أحمد بن محمد بن بكر الرملي أبو بكر القاضي الباروذي الفقيه قاضي دمشق. قال: دخلت العراق فكتبت كتب أهل العراق، وكتب أهل الحجاز، فمن كثرة اختلافهما لم أدر بأيهما آخذ، فعبرت من باب الطاق وأنا أريد الكرخ وقطيعة الربيع فحضرت صلاة المغرب، فدخلت المسجد. فلما أن قلت: الله أكبر، تفكرت في قول أهل العراق: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة، وفي قول أهل الحجاز: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. قال: فمن كثرة اختلافهما تركت الجماعة، وخرجت فأصابني غم وبت بغم. فلما كان في جوف الليل قمت وتوضأت وصليت ركعتين وقلت: اللهم اهدني إلى ما تحب وترضى، ثم أويت إلى فراشي، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم دخل من باب بني

أحمد بن محمد بن جعفر

شيبة، فأسند ظهره إلى الكعبة، ورأيت الشافعي وأحمد بن حنبل على يمين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتسم إليهما ورأيت بشراً المريسي على يسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكلح الوجه. فقلت: يا رسول الله، من كثرة اختلاف هاذين الرجلين لاأدري بأيهما آخذ، فأومأ إلى الشافعي وأحمد بن حنبل وقال: " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة " ثم أومأ إلى بشر المريسي وقال: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ". قال أبو بكر: والله لقد رأيت هذه الرؤيا وتصدقت من الغد بألف درهم، وعلمت أن الحق مع الشيخين لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان يمان والحكمة يمانية، ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموا من قريش ولا تعلموها. فوجدنا الشافعي قرشياً مطلبياً. فحق على أهل الإسلام أن يتبعوه في مقالته. وبالله التوفيق. أحمد بن محمد بن جعفر أبو جعفر المنكدري حدث بصيدا عن محمد بن إسماعيل الأيلي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأزد أزد الله، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله عز وجل إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أني كنت أزدياً ويا ليت أمي كانت أزدية. أحمد بن محمد بن حوري أبو الفرج العكبري حدث عن إبراهيم بن عبد الله بن مهران الرملي بسنده عن أنس بن مالك قال: والله الذي لا إله غلا هو لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.

أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى

أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى أبو العباس الإشبيلي الشاه سكن مصر، وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بسنده عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن منه أو قال: أقرأ منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي أبو العباس أحمد الإشبيلي ثالث عشر صفر سنة خمس عشرة وأربع مئة بالفسطاط. أحمد بن محمد بن الحجاج ابن رشدين بن سعد بن مفلح بن هلالة، أبو جعفر المهدي المصري من أهل بيت حديث، سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن يحيى بن سليمان بن يحيى بن سعيد بن مسلم بسنده عن أسامة بن شريك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد منى فإذا أناس من الأعراب قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أوتي المرء المسلم؟ قال: الخلق الحسن. توفي أبو جعفر أحمد بن محمد بن الحجاج ليلة الأربعاء، ودفن يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين ومئتين.

أحمد بن محمد بن الحسن بن السكن

أحمد بن محمد بن الحسن بن السكن ابن عمير بن سيار أبو الحسن القرشي العامري البغدادي الحافظ قدم دمشق، وحدث بها. حدث عن محمد بن موسى الخرشي بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من مسلم يفجأه مبتلىً فيقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به إلا عافاه الله من ذاك البلاء كائناً ما كان، أبداً ما عاش. وحدث عن إبراهيم بن عبد الله الهروي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بدأ أخاه بالسلام كتب الله له عشر حسنات، ومن دعا له بظهر الغيب كتب له عشر حسنات. قال أنس: إن كانت الشجرة لتفرق بيننا في السفر فنتلاقى بالسلام. وحدث عن صالح بن عبد الكبير المسمعي بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لمقام أحدكم ساعةً في سبيل الله خيرٌ من عبادة غيره سبعين عاماً لا يعصي الله فيها طرفة عين. قدم أحمد بن محمد بن السكن البغدادي أصبهان سنة أربع وثلاث مئة. وكان ليناً.

أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار

أحمد بن محمد بن الحسن بن مرار أبو بكر الضبي المعروف بالصنوبري الحلبي شاعر محسن. قدم دمشق، وله أشعار في وصفها ووصف متنزهاتها. سئل ما السبب الذي من أجله نسب جده إلى الصنوبر حتى صار معروفاً به فقال: كان جدي الحسن بن مرار صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدة مزاجه فقال له: إنك لصنوبري الشكل يريد بذلك الذكاء وحدة المزاج. فمن شعره: من الوافر دخول النار للمهجور خيرٌ ... من الهجر الذي هو يتقيه لأن دخوله في النار أدنى ... عذاباً من دخول النار فيه ومن شعره: من السريع شمسٌ غدا يشرب شمساً غدت ... حدها في النور من حده تغيب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده ومن شعره من ابيات: من البسيط ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا ... جاء الربيع أتاك النور والنور فالأرض ياقوتةٌ والجو لؤلؤةٌ ... والنبت فيروزجٌ والماء بلور ما يعدم النبت كأساً من سحائبه ... فالنبت ضربان سكرانٌ ومخمور فيه لنا الورد منضودٌ مورده ... بين المجالس والمنثور منثور من شم ريح تحيات الربيع يقل ... لا المسك مسكٌ ولا الكافور كافور

أحمد بن محمد بن الحسن بن مالك

ومن شعره: من البسيط تقول لي وكلانا عند فرقتنا ... ضدان أدمعنا در وياقوت أقم بأرضك هذا العام قلت لها ... كيف المقام وما في منزلي قوت ولا بأرضك حرٌّ يستجار به ... إلا لئيمٌ ومذمومٌ وممقوت فاستعبرت ثم قالت فالإياب متى؟ ... فقلت ما قدر الرحمن موقوت ومن شعره: من مجزوء الخفيف علليني بموعدٍ ... وامطلي ما حييت به ودعيني أفوز من ... ك بنجوى تطلبه فعسى يعثر الزما ... ن ببختي فينتبه أحمد بن محمد بن الحسن بن مالك أبو العباس الجرجاني قدم الشام حدث عن أبي بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرىء البغدادي بسنده عن أبي بردة قال: كنت جالساً عند عبيد الله بن زياد - زد في روايته - فأتي برؤوس من رؤوس الخوارج، فجعلت كلما أتي برأس أقول: إلى النار إلى النار، فعيرني عبد الله بن يزيد الأنصاري وقال: يا ابن أخي، وما تدري ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: جعل عذاب هذه الأمة في دنياها؟. أحمد بن محمد بن الحسين أبو بكر السحيمي قاضي همذان سمع بدمشق. حدث عن يحيى بن عثمان بن صالح السهمي بسنده عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب منكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره. شرقوا أو غربوا. كان صدوقاً واسع العلم.

أحمد بن محمد بن الحسين أبو العباس

أحمد بن محمد بن الحسين أبو العباس حدث عن محمد بن عبد الكريم بن محمد الطواوسي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وقبض أنس بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال: وقبض شهاب بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض سعيد بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض الكيساني بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقال الطواوسي: وقبض الطحاوي بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقال أبو العباس: وقبض الطواوسي بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال أبو الحسين: وقبض أبو العباس بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال عبد العزيز: وأخذ أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال الفقيه: وأخذ عبد العزيز بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. وقبض أبو الحسن علي بن المسلم بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره وأخذ الحافظ بيده على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.

أحمد بن محمد بن الحسين أبو حامد

أحمد بن محمد بن الحسين أبو حامد حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن أبي الذيال الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: لما مات أبو طالب ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أسرع ما وجدت فقدك يا عم. أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، أبو عبد الله الشيباني الإمام أصله من مرو، ومولده ببغداد ومنشؤه بها. أحد الأعلام من أئمة الإسلام. حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أخنع اسم عند الله عز وجل يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك. قال عبد الله: قال أبي: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع اسم عند الله فقال: أوضع اسم عند الله عز وجل. وأحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار. وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما: لم يكن في زمان قتادة مثل قتادة، ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله. وهما جميعاً سدوسيان. قال الخطيب: وقول من قال: إن أحمد من بني ذهل بن شيبان، غلط، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان. قال: حدثني من أثق به من

العلماء بالنسب قال: مازن بن ذهل بن ثعلبة الحصن، هو ابن عكابة بن صعب بن علي، ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار، فإذا قيل الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة الحصن، وإذا قلت الذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة الحصن فينبغي أن يقال أحمد بن حنبل الذهلي. على الإطلاق. كان أحمد إماماً في النقل وعلماً في الزهد والورع، وكان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين. أصله مروزي، وقدمت به أمه بغداد ونو حمل وولدته بها. قال يحيى بن معين: ما رأيت خيراً من أحمد بن حنبل قط، ما افتخر علينا قط بالعربية ولا ذكرها. وقال: ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب قط. قال محمد بن الفضل: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، فكان يجيء في كل يوم فيأخذ منه حاجته، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الله بلغني أنك من العرب فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً. ولد أحمد بن حنبل في سنة أربع وستين ومئة في ربيع الأول، وطلب الحديث في سنة تسع وسبعين وهو ابن ست عشرة. ومات في رجب يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين وسنه سبع وسبعون سنة وكان رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، وكانت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيض، وكان يعتم وعليه إزار. وقيل: كان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر شديد السمرة. رحمه الله. وجده حنبل بن هلال ولي سرخس، وكان من أبناء الدعوة. كان أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ثقة، ثبتاً، صدوقاً، كثير الحديث، وقد كان

امتحن، وضرب بالسياط. أمر بضربه أبو إسحاق أمير المؤمنين على أن يقول القرآن مخلوق فأبى أن يقول، وقد كان حبس قبل ذلك قفثبت على قوله ولم يجبهم إلى شيء، ثم دعي ليخرج إلى الخليفة المتوكل ثم أعطي مالاً فأبى أن يقبل ذلك المال. قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن محمد بن حنبل إمام المحدثين، الناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، نشأ ببغداد، ورحل إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام والجزيرة. قال أحمد: حججت خمس حجج منها ثلاث راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً. قال: وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لبنة. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: ما لك لم ترحل إلى جرير بن عبد الحميد كما رحل أصحابك لعلك كرهته؟ فقال: والله، يا بني، ما كرهته وبودي أني رحلت إليه إنه كان إماماً في الرواية. قلت: فما كان السبب؟ فقال: لو كان معي ثلاثون درهماً لرحلت، فقلت: ثلاثون درهماً؟! فقال: لقد حججت في أقل من ثلاثين. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من العراق فما خلفت بالعراق رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أتقى من أحمد بن حنبل. قال البيهقي: إنما قال هذا إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي عن تجربة ومعرفة منه بحال أبي عبد الله. رحمهم الله. قال أبو إبراهيم المزني: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن ضائعة تحتاج إلى

حاكم قال: فانظر رجلاً ممن يجلس إليك حتى نوليه قضاءها، فلما رجع الشافعي إلى مجلسه ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه فقال: إني كلمت أمير المؤمنين أن يولي قاضياً باليمن وإنه أمرني أن أختار رجلاً ممن يختلف إلي، وإني قد اخترتك، فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يوليك قضاء اليمن، فأقبل عليه أحمد بن حنبل وقال: إنما جئت إليك أقتبس منك العلم تأمرني أن أدخل لهم في القضء ووبخه، فاستحيا الشافعي. قال عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت قتيبة يقول: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين. قلت لقتيبة: تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال: إلى كبار التابعين. وقال قتيبة: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم. وقال قتيبة: أحمد بن حنبل إمام الدنيا. وقال قتيبة بن سعيد: لا يضم إلى أحمد بن حنبل أحد، ولولا أحمد لمات الورع، ما أعظم منة أحمد بن حنبل على جميع المسلمين. وقال: حق كل مسلم أن يستغفر له. وكان قتيبة يقول: يموت أحمد بن حنبل فتظهر البدع، ومات الشافعي فماتت السنن، ومات سفيان الثوري فمات الورع. قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه.

قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك رجلاً لم تر مثله، فذهب بي إلى الشافعي. قال إسحاق: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل. قال إسحاق: ولولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام. قال علي بن المديني: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة. قال الميموني: قال لي علي بن المديني: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل، فتعجبت من هذا عجباً شديداً، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قد قام في الردة وأمر الإسلام ما قام به. قال الميموني: فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام فتعجبت إليه من قول علي! فقال لي أبو عبيد مجيباً: إذاً يخصمك، قلت: بأي شيء يا أبا عبيد؟ وذكرت له أمر أبي بكر قال: إن أبا بكر رضي اعنه وجد أنصاراً وأعواناً وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً. وأقبل أبو عبيد يطري أبا عبد الله، ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله. قال أحمد بن القاسم بن مساور: كنا عند يحيى بن معين وعنده مصعب الزبيري فذكر رجلٌ أحمد بن حنبل فأطراه وزاد، فقال له رجل: " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم "، فقال يحيى بن معين: كأن مدح أبي عبد الله غلو في الدين!! ذكر أبي عبد الله من محاسن الذكر، وصاح يحيى بالرجل.

قال الحارث بن العباس: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة دينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق. يعني أحمد بن حنبل. وقال الهيثم بن جميل: أحب هذا الفتى - يعني: أحمد بن حنبل - إن عاش سيكون حجة على زمانه. سئل بشر بن الحارث عن أحمد بن حنبل بعد المحنة قال: ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبه أحمر. كان سعيد يقول: قلت لبشر بن الحارث: ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل؟ فقال: تريد مني مرتبة النبيين؟ لا يقوى بدني على هذا. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن أسفل منه وعن يمينه وعن شماله. قال علي بن شعيب: كان أحمد بن حنبل الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه. ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عاراً علينا إلى يوم القيامة أن قوماً سبكوا فلم يخرج منهم أحد. قال إبراهيم بن منه السمرقندي: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أحمد بن حنبل قلت: هو إمام؟ قال: إي والله، وكما يكون الإمام. إن أحمد بن حنبل أخذ بقلوب الناس، إن أحمد صبر على الفقر سبعين سنة. وقال إسماعيل بن خليل: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان آية. وفي رواية: لكان عجباً. قال حجاج بن الشاعر: ما رأت عيناي روحاً في جسد أفضل من أحمد بن حنبل. رحمه الله.

قال أبو عمير بن النحاس عيسى بن محمد بن عيسى وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رحمه الله. عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها. قال أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني: كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا. ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط. وقال أبو داود: لقيت مئتين من مشايخ العلم فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم. كان أبو زرعة يقول: ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل فقيل له: في العلم؟ فقال: في العلم، والزهد، والفقه، والمعرفة، وكل خير. ما رأيت عيني مثله. قال أبو حاتم: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فأعلموا أنه صاحب سنة. وقال أبو جعفر محمد بن هارون: إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع. قال إسحاق بن إبراهيم: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف وأصحابنا وكنا نتذاكر بالحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا وطريق كذا، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماع؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره؟ ما مراده، ما فقهه فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل فإنه يتكلم بكلام له قوي. قال أبو زرعة الرازي: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.

حدث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه وذكر الشافعي رحمهم الله عنده فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدناه منه. قال عبد الله: كل شيء في كتاب الشافعي: أخبرنا الثقة، فهو عن أبي. قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً فجعلت أقول: يا عباد الله، دلوني على الطريق. قال: فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق، أو كما قال. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت جالساً عند أبي رحمه الله يوماً فنظر إلى رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق فقال لي: ما هذه الرجلان لم لا تمشي حافياً حتى تصير رجلاك خشنتين؟ قال: وخرج إلى طرسوس ماشياً على قدميه. قال عبد الله: وكان أبي أصبر الناس على الوحدة لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض. وكان يكره المشي في الأسواق. قال علي بن محمد بن بدر: صليت الجمعة فإذا أحمد بن حنبل بقربٍ مني، فقام سائل يسأل، فأعطاه أحمد قطعة. فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل فقال: أعطني تلك القطعة فأبى قال: أعطني وأعطيك درهماًن فلم يفعل فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً، فقال: لا أفعل فإني لأرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه أنت. قال علي بن أبي فزارة: حدثتني أمي وأفلجت واقعدت من رجليها دهراً فقالت لي يوماً: يا بني لو أتيت أحمد بن حنبل فسألته أن يدعو الله لي. قال: فعبرت إلى أحمد فدققت عليه الباب وكان في الدهليز فقال: من هذا؟ قلت له: يا أبا عبد الله رجل من إخوانك، قال: وما حاجتك؟ قلت: إن إمي مريضة قد أقعدت من رجليها وهي تسألك أن تدعو الله لها قال: فجعل يقول: يا هذا فمن يدعو لنا نحن؟ يا هذا من يدعو لنا نحن؟ قال ذلك مراراً، فكأني استحييت فمضيت، وقلت: سلام عليكم،

فخرجت عجوز من منزله فقالت: إني قد رأيته يحرك شفتيه بشيء، وأرجو أن يكون يدعو الله لك. قال: فرجعت إلى أمي فدققت الباب فقالت: من هذا؟ فقلت: أنا علي، فقامت إلي ففتحت الباب فقلت: لا إله إلا الله إيش القصة؟ فقالت: لا أدري إلا أني قد قمت على رجلي، فتعجبت من ذلك، وحمدت الله عز وجل. قال: وذلك مسافة الطريق. قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة. فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين. وكان يقرأ في كل يوم سبعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومةً خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح، يصلي ويدعو. قال عبد الله بن أحمد: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوماً وما ذاق شيئاً إلا مقدار ربع سويق. كل ليلة كان يشرب شربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق، فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر. ورأيت موقيه قد دخلا في حدقتيه. قال سليمان بن داود: حضرت أحمد بن حنبل باليمن وقد رهن سطلاً عند فامي، فجاء ليفتكه فأخرج إليه سطلين وقال: خذ أيهما سطلك؟ قال: لا أدري فلم يأخذه وترك الفكاك عليه. قال سليمان: فقلت للفامي أخرجت سطلين إلى رجل من أهل الورع والسطول تتشابه حتى شك فيه؟ فقال: والله إنه لسطله بعينه. قال: فسمعت أحمد بن حنبل يقول له: أنت في حلٍ منه ومن الفكاك. قال حمدان بن سنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل ومعه جماعة قال: فنفدت نفقاتهم. قال: فبررتهم فأخذوا، وجاءني أحمد بن حنبل بفروة فقال: قل لمن يبيع هذه فيجيئني بثمنها فأتسع به. قال:

فأخذت صرة دراهم فمضيت بها إليه فردها. قال: فقالت امرأتي: هذا رجل صالح لعله لم يرضها فأضعفها، قال: فأضعفتها فلم يقبل، فأخذ الفروة مني وخرج. قال أحمد بن محمد القشيري: ذكروا أنه أتى على أحمد بن حنبل ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئاً من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام فخبزوا بالعجلة. فلما وضع بين يديه قال: كيف عملتم، خبزتم بسرعة؟ فقيل له: كان التنور في دار صالح ابنه مسجراً وخبزنا بالعجلة، فقال: ارفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار صالح. قال علي بن الجهم بن بدر: كان لنا جار، فأخرج إلينا كتاباً فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل، فقلنا له: كيف كتب ذلك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا أحمد بن حنبل أياماً لم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والباب مردود عليه، وإذا عليه خلقان، فقلنا له، يا أبا عبد الله، ما خبرك لم نرك منذ أيام؟! فقال: سرقت ثيابي، فقلت له: معي دنانير فإن شئت خذ قرضاً، وإن شئت صلة. فأبى أن يفعل، فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم. فأخرجت ديناراً فأبى أن يأخذه، وقال لي: اشتر لي ثوباً واقطعه بنصفين، فأومأ أنه يأتزر بنصف، ويرتدي النصف الآخر، وقال: جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق، فكتب لي. فهذا خطه رحمه الله. قال رجاء بن السندي: قلت لأحمد بن حنبل وقد عقد شراك نعله شبه التصليب: يا أبا عبد الله، إن هذا يكره! قال: فدعا بسكين فقطعه، وما قال لي كيف ولا لم؟! وسئل أحمد بن حنبل عن التوكل. فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق. قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ثم

طرح في النار، اعترض له جبريل عليه السلام فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال: فسل من لك إليه الحاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه. وقال أحمد بن حنبل: إن لكل شيء كرماً، وكرم القلوب الرضا عن الله عز وجل. كان أبو إبراهيم المزني يقول: أحمد بن حنبل أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين. قال الربيع: إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي: يا ربيع، خذ كتابي هذا وامض به، وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وائتني بالجواب. قال الربيع: فدخلت بغداد، ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر. فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، فكسر أبو عبد الله الختم، وقرأ الكتاب، فتغرغرت عيناه بالدموع فقلت: إيش فيه يا أبا عبد الله؟! قال: يذكر أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم، فسيرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده ودفعه إلي فأخذته، وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب، فسلمته إلى الشافعي، فقال لي الشافعي: يا ربيع، إيش الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. قال الشافعي: ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلي الماء لأتبرك به. وفي رواية: حتى أشركك فيه. قال أبو جعفر الأنصاري: لما حمل أحمد بن حنبل يراد به المأمون، اجتزت فعبرت الفرات إليه، فإذا هو في الخان، فسلمت عليه فقال: يا أبا جعفر تعنيت! فقلت: ليس هذا عناء. قال: فقلت له: يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله إن أجبت إلى خلق

القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير. ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء، فجعل أحمد يبكي وهو يقول: ما شاء الله، ما شاء الله. قال: ثم قال لي أحمد: يا أبا جعفر، أعد علي ما قلت. قال: فأعدت عليه. قال: فجعل يقول ما شاء الله، ما شاء الله. قال أبو بكر الشهرزوري: رأيت أبا ذر بسهرورد، وقد قدم مع واليها وكان مقطعاً بالبرص. يعني: وكان ممن ضرب أحمد بن حنبل بين يدي المعتصم. قال: دعينا في تلك الليلة ونحن خمسون ومئة جلاد فلما أمرنا بضربه كنا نغدو حتى نضربه، ثم نمر، ثم يجيء الآخر على أثره، ثم يضرب. قال أبو بكر النجاحي: لما كان في تلك الغداة التي ضرب فيها أحمد بن حنبل زلزلنا ونحن بعبادان. قال محمد الحنفي: كنت في الدار وقت أدخل أحمد بن حنبل وعشرة من العلماء. فلما أن مد أحمد ليضرب بالسوط دنا منه رجل وقال له: يا أبا عبد الله، أنا رسول خالد الحدد من الحبس، يقول لك: اثبت على ما أنت عليه، وإياك أن تجزع من الضرب، واصبر فإني قد ضربت ألف حد في الشيطان، وأنت تضرب في الله عز وجل. قال سلمة بن شبيب: كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس فقال: من منكم أحمد؟ قال أحمد: أنا، ما حاجتك؟ قال ضربت إليك من أربع مئة فرسخ، أريت الخضر عليه السلام في المنام قال لي: قم فصر إلى أحمد بن حنبل وسل عنه وقل له: إن ساكن العرش والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك. حدث أبو بكر المروزي بطرسوس قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، وعليه ثوبان مصقولان، وعلى رأسه تاج له ثمانية

أركان، في كل ركن منه ياقوتة تضيء، وكذا في رجليه نعل من لؤلؤ رطب شراكها من زبرجد أخضر، فقلت: يا أحمد، بماذا نلت ذا من ربك؟ قال: بقولي: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. قال هلال بن العلاء الرقي: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبالشافعي تفقه بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطاء. قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يوماً: إن فضلاً الأنماطي جاء إليه رجل فقال: اجعلني في حلٍ قال: لا جعلت أحداً في حل أبداً، قال: فتبسم، فلما مضت أيام قال: يا بني، مررت بهذه الآية " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " فنظرت في تفسيرها فإذا هو إذا كان يوم القيامة قام منادٍ فنادى: لا يقوم إلا من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا، فجعلت الميت في حلٍ من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله أحداً بسببه. قال أبو عيسى عبد الرحم بن زاذان: كنت في المدينة بباب خراسان وقد صلينا، ونحن قعود، وأحمد بن حنبل حاضر، فسمعته وهو يقول: اللهم من كان على هوىً أو على رأيٍ وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولاً لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترانا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا، أعزنا ولا تذلنا، أعزنا بالطاعة، ولا تذلنا بالمعاصي. وجاء إليه رجلٌ فقال له شيئاً لم أفهمه، فقال له: اصبر، فإن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.

قال أبو حاتم الرازي: قلت لأحمد بن حنبل: كيف نجوت من سيف الواثق؟ وعصا المعتصم؟ فقال لي: يا أبا حاتم، لو وضع الصدق على جرح برأ. كان أحمد بن إبراهيم يقول: من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام. قال أبو الحسن الطرخاباذي: أحمد بن حنبل محنة به يعرف المسلم من الزنديق. قال سفيان بن وكيع: أحمد بن حنبل محنة، من عاب أحمد فهو فاسق. قال محمد بن فضيل البلخي: كنت أتناول أحمد بن حنبل. قال: فوجدت في لساني ألماً، فاغتممت، ثم وضعت رأسي فنمت، فأتاني آت فقال: هذا الذي وجدت في لسانك بتناولك الرجل الصالح. قال: فانتبهت فجعلت أستغفر الله وأقول: لا أعود إلى شيء من هذا. قال: فذهب ذلك الألم. قال صالح بن أحمد: حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يعرق ثم يفيق، ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا. لا، بعد، لا، بعد. ثلاث مرات، فقلت له: يا أبه، إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ قال: يا بني، ما تدري! قلت: لا. قال: إبليس لعنه الله قائماً بحذائي عاضاً على أنامله يقول لي: يا أحمد، فتني، فأقول: لا، حتى أموت. قال عبد الله بن أحمد: لما مرض أبي، واشتد مرضه ما أن، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني عن طاوس أنه

قال: أنين المريض شكوى لله. قال عبد الله: فما أن حتى مات. قال: فلما كان قريب موته بيوم أخرج من جيبه صريرة فيها مقدار درهمين فضة فقال: كفروا عني كفارة يمين واحدة، فإني أظن أني حنثت في دهري في يمين واحدة. قال بيان بن حمد بن أبي خالد القصباني: حضرت الصلاة على جنازة أحمد بن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين، وكان الإمام عليه محمد بن عبد الله بن طاهر، فأخرجت جنازة أحمد فوضعت في صحراء أبي قيراط وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق. فلما انقضت الصلاة قال محمد بن عبد الله بن طاهر: انظروا كم صلى عليه ورائي قال: فنظرا، فكانوا ثمان مئة ألف رجل وستين ألف امرأة، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة للعصر فكانوا نيفاً وعشرين ألف رجل. قال مجمع بن مسلم: كان لنا جار قتل بقزوين. فلما كان الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة: رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكباً على فرس. فقلت له: يا أخي، ألي قد قتلت فما حاجتك؟ قال: إن الله عز وجل أمر الشهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، فكنت فيمن أمر بالحضور فأرخنا تلك الليلة فإذا أحمد بن حنبل مات فيها. قال إبراهيم بن جعفر المروزي: رأيت أحمد بن حنبل في المنام يمشي مشيةً يختال فيها، فقلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام. قال فتح بن الحجاج: سمعت في ذلك الأمر محمد بن عبد الله بن طاهر أن الأمير بعث عشرين رجلاً فحرروا كم صلى على أحمد بن حنبل؛ قال: فحرروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفاً سوى من كان في السفن في الماء. وقال في رواية أخرى: ألف ألف وثلاث مئة ألف سوى من كان في السفن.

قال الوركاني جار أحمد بن حنبل: وأسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس. وقال: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس. قال أبو يوسف بن تحتان وكان من خيار المسلمين قال: لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنه نور لأهل القبور، قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، قد كان فيهم من يعذب فرحم. قال أبو عبد الله محمد بن خزيمة الاسكندراني: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداًن فبت من ليلتي، فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته، فقلت له: يا أبا عبد الله، أي مشية هذه؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام. فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري التي كنت تدعو بهن في دار الدنيا. قال: قلت: يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء. لا تسألني عن شيء، اغفر لي كل شيء، فقال لي: يا أحمد، هذه الجنة، قم ادخل إليها، فدخلت. فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحرٍ من نور يزار به إلى الملك الغفور. قال: فقلت: ما فعل بشر؟ فقال لي: بخ بخ ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل مقبل عليه، وهو يقول: كل يا من لم تأكل واشرب يا من لم تشرب وانعم يا من لم تنعم. أو كما قال.

قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ فقال: أنا أخوك الخضر. قلت: أريد أن أسألك. قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال لي: هو من الأوتاد. قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ فقال رجل صديق. قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ فقال: رجل لم يخلف بعده مثله. فقلت له: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك أمك. قال عبد الله بن حنين: قدم علينا رجل من أهل العراق يقال: إنه من أفاضلهم، فقال لي يوماً: رأيت رؤيا وقد احتجت أن تدلني على رجل حسن العبارة يعبر. قال: قل. فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في فضاءٍ من الأرض وعنده نفر، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال لي: هذا محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقلت: وما تصنعون ها هنا؟ قال: ننتظر أمته أن يوافوه. فقلت في منامي: لأقعدن حتى أنظر ما يكون حال في أمته، فبينا أنا كذلك إذ اجتمع الناس وإذا مع كل رجل منهم قناة فظننت أنه يريد أن يبعث بعثاً. قال: فنظر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى قناة أطول من تلك القناة كلها. فقال: من صاحب القناة؟ قالوا: أحمد بن حنبل، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائتوني به، قال: فجيء به، والقناة في يده فأخذها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهزها ثم ناوله إياها وقال له: اذهب فأنت أمير القوم، ثم قال للناس اتبعوه فإنه أميركم، واسمعوا له، وأطيعوا. قال عبد الله بن حنين: فقلت له: هذه رؤيا لا تحتاج إلى عبارة. قال صدقة المقابري: كان في نفسي على أحمد بن حنبل. قال: فرأيت في النوم كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي في طريق، وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسي أن ألحق بهما فما أقدر. فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي، ثم رأيت بعد كأني في الموسم وكأن الناس مجتمعون فنادى منادٍ: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فنادى منادٍ:

أحمد بن محمد بن حمدان

يؤمكم أحمد بن حنبل، فإذا أحمد بن حنبل فصلى بهم، وكنت إذا سئلت عن شيء قلت: عليكم بالإمام، يعني: أحمد بن حنبل. قال أحمد بن نصر: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي فقلت له: يا رسول الله، بمن تأمرنا أن نقتدي من أمتك في عصرنا، ونركن إلى قوله ونعتقد مذهبه؟ فقال لي: عليكم بمحمد بن إدريس فإنه مني، وإن الله قد رضي عنه وعن جميع أصحابه ومن يصحبه ويعتقد مذهبه إلى يوم القيامة. قلت له: وبمن؟ قال: بأحمد بن حنبل، فنعم الفقيه الورع الزاهد. قال أحمد بن محمد الكندي: رأيت أحمد بن حنبل في المنام. قال: فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، ثم قال: يا أحمد، ضربت في!! قال: نعم يا رب. قال: يا أحمد، هذا وجهي فانظر إليه، فقد أبحتك النظر إليه. أحمد بن محمد بن حمدان أبو العباس بن أبي صليعة الصيداوي إمام مسجد عرق بصيدا. حدث عن أبي نصر محمد بن أحمد بن الليث الرافعي القاضي بصيدا بسنده عن يحيى بن سعيد قال: خرجت مع سعيد بن المسيب في ليلة ظلماء مطيرة ومعي سراج أو شمعة، فقال سعيد: ما هذا؟ قلت: نستضيء به حتى ندخل منزلنا. فقال: لا حاجة لنا في هذا، نور الله أفضل من هذا. سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة. قال مالك بن أنس: هم عندنا شهداء العتمة.

أحمد بن محمد بن رميح بن وكيع

أحمد بن محمد بن رميح بن وكيع ابن رجاء أبو سعيد النخعي النسوي الحافظ رجل مشهور بخراسان، وله رحلة إلى العراق، والشام، ومصر. حدث عن محمد بن عبد السلام البيروتي بسنده عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب. وحدث عن محمد بن الحسن بن قتيبة بسنده عن علي بن أبي طالب قال: تزاوروا، وأكثروا مذاكرة الحديث. فإن لم تفعلوا يندرس الحديث. وكان أحمد النسوي ثقة في الحديث. قال أبو عبد الله الحافظ: أحمد بن محمد بن رميح الحافظ الثقة المأمون ولادته بالشرمقان، ومنشؤه بمرو، ومستقره كان باليمن عند السادة الصعدية. وكذلك يقال له: الزيدي، ثم انتقل منها إلى العراق، وانصرف إلى خراسان، فأقام بنيسابور ثلاث سنين، ثم انتقل إلى العراق ثانياً، وقبله الناس وأكثروا السماع منه، ثم استدعي إلى صعدة فأدركته المنية في البادية، فتوفي بالجحفة سنة سبع وخمسين وثلاث مئة قيل في فصفر منها سمع بنيسابور، وبمرو، وبما وراء النهر وببلخ، وبهراة، وبالري وببغداد، وبالبصرة، وبالأهواز، وبالجزيرة، وبالكوفة، وبمكة، وبمصر، وبالشام، وصنف وجمع، وذاكر. وكان معدوداً في حفاظ الحديث. وضعفه أبو زرعة.

أحمد بن محمد بن روح أبو يحيى

قال الخطيب: والأمر عندنا بخلاف قول أبي زرعة، فإن ابن رميح كان ثقة ثبتاً لم يختلف شيوخنا الذين لقوه في ذلك. أحمد بن محمد بن روح أبو يحيى أحد شيوخ الصوفية حدث عن ذي النون بن إبراهيم الإخميمي. قال ذو النون: لو أن الخلق عرفوا ذل أهل المعرفة في أنفسهم عند أنفسهم لحثوا التراب في وجوههم. قال: فذكرت ذلك لطاهر، فقال: سقى الله أبا الفيض خيراً لكني أقول: لو أبدى الله نور قلوب أهل المعرفة للزاهدين والعابدين لاحترقوا، واضمحلوا، وتلاشوا حتى كأنهم لم يكونوا. قال: فذكرت ذلك لابن أبي الحواري فقال: أما ذو النون فقال ذلك في وقت ذكره لنفسه، وأما طاهر فقال ذلك في وقت ذكره لربه عز وجل. وقد أصابا جميعاً. أحمد بن محمد بن الزبير وقيل أحمد بن محمد بن شقير بن الزبير - أبو علي الأطرابلسي، المعروف بابن شقير حدث عن مؤمل بن إسماعيل بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم. وحدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده عن أم حبيبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ركع قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرم الله بدنه على النار.

أحمد بن محمد بن زكريا

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أحمد بن محمد بن الزبير كتبنا عنه وهو صدوق. أحمد بن محمد بن زكريا أبو العباس النسوي الصوفي جاور بمكة، وكان شيخ الحرم، وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي صالح خلف بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر بن عبد الرحمن المعروف بالخيام بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أترعوا الطسوس وخالفوا المجوس. وحدث عن عبد الله بن محمد بن اسفنديار قال: سمعت الحسن بن علويه قال: سمعت يحيى بن معاذ يقول: إلهي، ذنوبي لها غاية وليس لكرمك غاية، فكيف يدفع ماله الغاية وهو من صفتي ما لا غاية له وهي صفتك؟ توفي أبو العباس النسوي بعينونة سنة ست وتسعين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وتسعين. وعينونة منزل بالحجاز بين مكة ومصر. وكان ثقة. وسعى به بعض البغداديين إلى أبي المعالي بن سيف الدولة وقال: إنه ناصبي يبغض علي بن أبي طالب، فعرض على سب الصحابة فأبى، فأمر به أن يحمل إلى جسر منبج ويغرق في الفرات فعطف الله بقلوب الموكلين عليه حتى خرقوا الرقعة التي كانت معهم إلى والي منبج، وخلصه الله من أيديهم.

أحمد بن محمد بن زياد بن بشر

أحمد بن محمد بن زياد بن بشر ابن درهم أبو سعيد بن الأعرابي البصري نزيل مكة سمع بدمشق، وبالرملة، وبمصر. حدث بمكة في سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة عن الزعفراني بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء وعن هبته. وحدث بسنده عن أبي قصي إسماعيل بن محمد العذري بدمشق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل. كان أبو سعيد بن الأعرابي بصري الأصل، سكن مكة، ومات بها. وكان شيخ الحرم في وقته، صحب الجنيد وغيره، وصنف كتباً من شرف الفقر وغيره. وكتب الحديث الكثير ورواه. وكان يتفقه، ويميل إلى مذهب الحديث والظاهر. قال ابن الأعرابي: أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله وبارز بالقبيح من هو أقرب غليه من حبل الوريد. وكان ثقة. أثنى عليه كل من لقيه من أصحابه. حدث ابن الأعرابي في سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة في مسجده بمكة أن الله عز وجل جعل نعمته سبباً لمعرفته، وتوفيقه سبباً لطاعته، وعصمته سبباً لاجتناب معصيته، ورحمته سبباً للتوبة، والتوبة سبباً لمغفرته والدنو منه. وسئل أبو سعيد هذا عن أخلاق الفقراء فقال: أخلاق الفقراء السكون عند الفقر، والاضطراب عند الوجود، والأنس بالهموم، والوحشة عند الأفراح. مات أبو سعيد بن الأعرابي سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة أو سنة أربعين.

أحمد بن محمد بن سعيد

أحمد بن محمد بن سعيد ابن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، أبو بكر القرشي الوراق وراق بن جوصا المعروف بابن فطيس صاحب الخط المشهور. مولى جويرية بنت أبي سفيان. حدث عن أبي الحسن أحمد بن أبي رجاء نصر بن شاكر بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من علم عبداً آية من كتاب الله فهو مولاه، لا ينبغي له أن يخذله ولا يتبرأ منه، فإن فعل فقد فصم عروةً من عرى الإسلام. توفي في شوال سنة خمسين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً. ومولده سنة اثنتين وسبعين ومئتين. أحمد بن محمد بن سعيد أبي عثمان ابن إسماعيل بن سعيد بن منصور، أبو سعيد النيسابوري حدث بدمشق، وبصور. حدث عن حامد بن محمد بن شعيب بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا الله، ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى. كان جمع الحديث، وصنف في الأبواب والشيوخ، وأدركته الشهادة بطرسوس. خرج من نيسابور سابع رمضان سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة. وتوفي بطرسوس نصف شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. وهو ابن خمس وستين سنة.

أحمد بن محمد بن سعيد بن فورجة

أحمد بن محمد بن سعيد بن فورجة أبو طاهر الهروي الصوفي حدث بدمشق عن عبد الوهاب بن محمد الخطابي الهروي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد ابن الحسن بن حسكة بن عامر بن هشام بن عامر، أبو نصر القيسي الطريثيثي الصوفي سمع بمصر وبدمشق، وبيت المقدس. حدث في جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن منير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخلال بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عاقبتك، ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك. توفي أبو نصر الطريثيثي يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة سبع وثمانين وأربع مئة بدمشق. كانت امرأة قد جنت فرآها أبو نصر على باب الجامع مكشوفة الرأس فأمرها أن تغطي رأسها فضربته بسكين فمات بعد أيام. أحمد بن محمد بن سليمان أبو الحسن البغدادي العلاف المعروف بابن الفأفاء سمع بدمشق وبغيرها. حدث سنة أربع وثمانين ومئتين عن طالوت بن عباد الصيرفي بسنده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول الآيات طلوع الشمس من مغربها. مات نصف المحرم سنة خمس وثمانين ومئتين.

أحمد بن محمد بن سهل

أحمد بن محمد بن سهل أبو بكر البغدادي ويعرف ببكير حدث بدمشق. روى عن أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويل للذي يحدث ليضحك به قومه فيكذب، ويل له، ويل له. أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة ابن عبد الملك بن سلمة بن سليم، أبو جعفر الأزدي الحجري المصري الطحاوي الفقيه الحنفي وطحا قرية من قرى مصر. خرج إلى الشام سنة ثمان وستين ومئتين. حدث عن يونس بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: رأيت رجلاً يوم الخندق على صورة دحية بن خليفة الكلبي على دابة يناجي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة قد سدلها خلفه فسألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ذلك جبريل أمرني أن أخرج إلى بني قريظة. ولد أبو جعفر الأزدي سنة تسع وثلاثين ومئتين ليلة الأحد لعشر ليال خلون من ربيع الأول وقيل سنة ثمان وثلاثين. وتوفي ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة بمصر. وكان ثقة، ثبتاً، فقيهاً، عاقلاً، لم يخلف مثله. كان من أصحاب أبي حنيفة، وإليه انتهت رئاستهم. وكان شافعياً يقرأ على أبي إبراهيم المزني فقال له يوماً: والله، لا جاء منك شيء، فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى أبي جعفر بن أبي عمران. فلما صنف مختصره قال: رحم الله أبا إبراهيم، لو كان حياً لكفر عن يمينه.

أحمد بن محمد بن سلامة

أحمد بن محمد بن سلامة ابن عبد الله أبو الحسين الستيتي الأديب ذكر أنه من ولد ستيتة مولاة يزيد بن معاوية، ويعرف بابن الطحان. حدث بداره في دمشق عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي الاطرابلسي بسنده عن أنس بن مالك قال: قالت أم حبيبة: يا رسول الله، المرأة منا يكون لها زوجان في الدنيا ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها فلأيهما تكون للأول أو للآخر؟ قال: يا أم حبيبة تكون لأحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا. يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة. توفي يوم الاثنين السابع والعشرين من صفر سنة سبع عشرة وأربع مئة. وذكر أنه رأى بخط أبيه أن مولده يوم الثلاثاء لخمس خلون من شوال سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. سمع السيفيات من شعر المتنبي منه. وكان يتهم بالتشيع فحلف لنا أنه بريء من ذلك وأنه من موالي يزيد، فكيف يتشيع وقد زار قبر يزيد. أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس أبو العباس الحماني ويقال: أحمد بن الصلت ويقال: أحمد بن عطية ابن أخي جبارة بن مغلس البغدادي أصله من الكوفة. حدث عن أبي نعيم الفضل بن دكين بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام. قال الخطيب: أحمد بن الصلت كان ينزل الشرقية ببغداد حدث عن جماعة أحاديث أكثرها باطلة هو وضعها.

أحمد بن محمد بن عاصم الرازي

وقال الخطيب: لا أبعد أن تكون هذه الحكاية موضوعة، وحال أحمد بن الصلت أظهر من أن يقع فيها الريبة أو يدخل عليها الشبهة. وقال أبو أحمد بن عدي: أحمد بن الصلت رأيته في سنة سبع وتسعين ومئتين يحدث عن قدماء الشيوخ قد ماتوا قبل أن يولد بدهر، وما رأيت في الكذابين أقل حياء منه. مات أحمد بن الصلت في المحرم سنة اثنتين وثلاث مئة. قال الخطيب: وهذا غلط، والصواب أنه مات في شوال سنة ثمان وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن عاصم الرازي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله، الصلاة في مسجدك هذا أفضل أم في بيت المقدس، فقال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه. ولنعم المصلي هو، أرض المحشر والمنشر. أحمد بن محمد بن عامر بن المعمر ابن حماد أبو العباس الأزدي، ويعرف بابن رشاش حدث عن هشام بن عمار بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قرأ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال: مالي أراكم سكوتاً، للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك، ربنا، نكذب فلك الحمد.

أحمد بن محمد بن عبد الله ابن صدقة أبو بكر الحافظ البغدادي

وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أيما رجل باع سلعة فوجدها بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها فهو أسوة الغرماء. أحمد بن محمد بن عبد الله ابن صدقة أبو بكر الحافظ البغدادي حدث عن صالح بن محمد بن يحيى القطعي بسنده عن عائشة أنها اشترت نمرقة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: فألقيتها. قالت: ثم كأني رأيت الغضب في وجهه، فقالت عائشة: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: اتخذتها إذا دخل عليك أو جاءك وافد فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. كان أبو بكر الحافظ ثقة، وكان من الحذق والضبط على نهاية ترضي بين أهل الحديث. توفي في المحرم سنة ثلاث وتسعين ومئتين. أحمد بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله الطبرستاني قدم دمشق وحدث. روى عن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام. أحمد بن محمد بن عبد الله ابن عبد السلام أبو علي بن مكحول البيروتي حدث عن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط بالحيرة عن أبيه إبراهيم عن أبيه نبيط بن شريط قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

أحمد بن محمد بن عبد الله أبو الحسين بن المخ الصيداوي

وحدث أيضاً عنه بسنده قال: مر عمر على عثمان بن عفان فسلم عليه، فلم يرد السلام، فجاء عمر إلى أبي بكر الصديق فقال: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وما هي؟! قال: مررت على عثمان فسلمت فلم يرد علي السلام فقال أبو بكر: أو كان ذلك؟ قال: نعم. فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلما عليه، فرد عليهما السلام، فقال ابو بكر: جاءك عمر فسلم عليك فلم ترد عليه. فقال: والله يا خليفة رسول الله ما رأيته، قال: وفي أي شيء كان فكرتك؟ قال: كنت مفكراً في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فارقنا ولم نسأله كيف الخلاص والمخلص من النار؟ فقال أبو بكر: والله لقد سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرني، فقال عثمان: ففرج عنا. قال أبو بكر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تمسكوا بالعروة الوثقى: قول لا إله إلا الله. أحمد بن محمد بن عبد الله أبو الحسين بن المخ الصيداوي حدث عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو تعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة. أحمد بن عبد الله بن خاك أبو طالب الزنجاني الصوفي حدث عن أبي الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزال بسنده عن عطاء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اسمحوا يسمح لكم. وحدث عنه أيضاً بسنده عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي ولج النار.

أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو الحسن بن المدبر الكاتب

أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو الحسن بن المدبر الكاتب الذي تولى المساحة بدمشق وغيرها في أيام المتوكل سنة إحدى وأربعين ومئتين. أصله من سامراء. ولاه المتوكل خراج جندي دمشق والأردن. كان كاتباً أديباً شاعراً. وكان إذا مدحه شاعر ولم يرض شعره قال لغلامه نجح: امض به إلى المسجد الجامع فلا تفارقه حتى يصلي مئة ركعة ثم خله فتحاماه الشعراء إلا المفرد الجيد فجاءه الجمل الشاعر واستأذنه في النشيد فقال: قد عرفت الشرط؟ قال: نعم. قال: فهات إذاً فأنشده: من الوافر أردنا في أبي حسنٍ مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات وقالوا يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة فقلت لهم: وما يغني عيالي ... صلاتي إنما الشأن الزكاة فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتصبح لي الصلاة هي الصلات فضحك وقال: من أين لك هذا؟ قال: من قول أبي تمام من الكامل هن الحمام فإن كسرت عيافةً ... من حائهن فإنهن حمام فاستظرفه ووصله. والجمل هذا مصري واسمه الحسين بن عبد السلام، ويكنى أبا عبد الله. كان أحمد بن طولون أشخص أحمد بن محمد بن مدبر إلى مصر في سنة خمس وستين ومئتين وحبسه في أضيق مجلس حتى مات. وورد الخبر بموته في سنة سبعين. وقيل: إحدى وسبعين ومئتين. أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو بكر الدمشقي حدث عن طاهر بن علي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف تهلك أمةٌ أنا أولها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها؟.

أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو بكر البلخي

أحمد بن محمد بن عبيد الله أبو بكر البلخي قدم دمشق، وحدث بها. روى عن أبي الحسن محمد بن محمد بن كردان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الورع سيد العمل، من لم يكن له ورع يرده عن معصية الله إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً، وذلك مخافة الله في السر والعلانية، والاقتصاد في الفقر والغنى، والصدق عند الرضا والسخط. ألا وإن المؤمن حاكم على نفسه، يرضى للناس ما يرضى لنفسه، المؤمن حسن الخلق، وأحب الخلق إلى الله عز وجل أحسنهم خلقاً، ينال بحسن الخلق درجة الصائم القائم. وهو راقد على فراشه. لأنه قد رفع لقلبه علم فهو يشاهد مشاهدة القيامة، يعد نفسه ضيفاً في بيته، وروحه عارية في بدنه، ليس بالمؤمن حقاً حمله على نفسه، الناس منه في عفاء، وهو من نفسه في عناء، رحيم في طاعة الله، بخيل على دينه، خير مطواع، وأول ما فات ابن آدم من دينه الحياء، خاشع القلب لله، متواضع، قد برىء من الكبر، قائم على قدميه، ينظر إلى الليل والنهار، يعلم أنهما في هدم عمره، لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا جرم أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان. ولا حزن على المؤمن بعد الموت. بلى فرحته وسروه مقيم بعد الموت. أنكر الحافظ هذا الحديث بمرة. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عمر الطرسوسي المعروف بابن الجل حدث عن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسحاق بن فضالة الدمشقي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن.

أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله الخولاني الكناني

أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله الخولاني الكناني حدث عن أبيه عن جده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شربوا شيبكم الحناء، فهو أنضر لوجوهكم، وأنقى لثوبكم وأطهر لقلوبكم، وأكثر لجماعكم، وأثبت لحجتكم إذا سئلتم في قبوركم. الحناء سيد ريحان الجنة والنائم المختضب بالحناء كالمتشحط بدمه في سبيل الله عز وجل، الحسنة بعشر أمثالها والدرهم بسبع مئة والله يضاعف لمن يشاء. قال الحافظ: هذا حديث منكر. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة ابن عمرو بن عبد الله أبو الطيب النصري حدث سنة خمس وأربعين وثلاث مئة عن عبد الله بن ثابت البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن يسلم فليلزم الصمت. أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو بكر القرشي الصائغ حدث عن أبي الفرج صدقة بن المظفر بن علي بن محمد الأنصاري بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء خيرٌ كله.

أحمد بن محمد بن عبد الكريم

أحمد بن محمد بن عبد الكريم ابن يزيد بن سعيد أبو طلحة الفزاري البصري المعروف بالوساوسي حدث عن زياد بن يحيى الحساني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما أنا رحمة مهداة. سئل الدارقطني عن أبي طلحة فقال: تكلموا فيه، وسئل عنه أبو بكر البرقاني فقال: ثقة، مات سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة في المحرم. أحمد بن محمد بن عبدوس أبو بكر النسوي الحافظ الفقيه نزيل مرو الشاهجان. رحل وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي القاسم بكير بن الحسن بن عبد الله بن سلمة بن دينار الرازي بسنده عن العرباض بن سارية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً وللثاني مرة. أحمد بن محمد بن عبيدة بن زياد ابن عبد الخالق أبو بكر النيسابوري المعروف بالشعراني رحال يحدث عن أحمد بن حفص بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن حائط الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة. وإنه كان يقول: إن مجامرهم اللؤلؤ، وأمشاطهم الذهب.

أحمد بن محمد بن عبيد السلمي

أحمد بن محمد بن عبيد السلمي حدث بجونية من طرابلس. حدث عن إسماعيل بن حفص بن حسان القرشي بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الشفعة في كل شرك في ربع أو حائط لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع. أحمد بن محمد بن عثمان بن الغمطريق أبو عمرو الثقفي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي قتادة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يستنجي بيمينه، وإذا شرب فلا يتنفس في الإناء مرة. وحدث أيضاً عنه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله عز وجل: أنا الرحمن، وأنا خلقت الرحم، فاشتققت لها من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته. كان ثقة. وتوفي بدمشق في شوال سنة إحدى وستين ومئتين. أحمد بن محمد بن عجل ابن أبي دلف القاسم بن عيسى أبو نصر العجلي، المعروف بابن لجيم من أهل الكرخ من ولد أبي دلف العجلي من أهل الأدب والمعرفة. حدث عن أبي الحسين علان بن أحمد الكرخي بسنده عن الفضل بن الربيع قال: حججت مع هارون الرشيد أمير المؤمنين فمررنا بالكوفة في طاق المحامل، فإذا بهلول

أحمد بن محمد بن علي بن الحسن

المجنون قاعد يهذي، فقلت له: اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين، فسكت، فلما جاء الهودج قال: يا أمير المؤمنين، حدثني أيمن بن نائل، حدثنا قدامة بن عبد الله العامري قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى على جمل وتحته رحل رث، فلم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه بهلول المجنون. قال: قد عرفته وبلغني كلامه، قل يا بهلول. فقال يا أمير المؤمنين، هب أنك ملكت العباد طراً ودان لك العباد فكان ماذا؟ أليس مصيرك إلى قبر يحثو ترابك هذا وهذا، فقال: أجدت يا بهلول أفغيره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. من رزقه الله جمالاً ومالاً فعف في جماله وواسى في ماله كتب في ديوان الأبرار، قال: فظن أنه يريد شيئاً، فقال: فإنا قد أمرنا أن نقضي دينك، قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا تقض ديناً بدين، اردد الحق إلى أهله، واقض دين نفسك من نفسك، فإن نفسك هذه نفس واحدة، وإن هلكت والله ما انجبرت عليها، قال: فإنا قد أمرنا أن نجري عليك، قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يعطيك وينساني. أجرى علي الذي أجرى عليك لا حاجة لي في إجرائك، ومضى. هكذا قال: والصواب من الوافر هب أنك قد ملكت الأرض طراً ... ودان لك العباد فكان ماذا؟ أليس تصير في قبرٍ ويحوي ... تراثك بعد، هذا ثم هذا؟ مات أبو نصر في شوال سنة أربع مئة. أحمد بن محمد بن علي بن الحسن أبو علي الخزاعي المعروف بابن الزفتي حدث عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا بكرة كتب إلى أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يقضي الحاكم في شيء وهو غضبان. توفي أبو علي ابن الزفتي يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ست وستين وثلاث مئة.

أحمد بن محمد بن علي بن الحكم

أحمد بن محمد بن علي بن الحكم أبو بكر النرسي حدث عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، قال: وماذا؟ قال: ثم عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرىء مسلم بيمين هو فيها كاذب. كان أبو بكر النرسي حياً في سنة ست وستين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن علي بن هارون أبو العباس البرذعي الحافظ حدث عن أبي بكر محمد بن عمر بن الحكم القبلي بسنده عن مالك بن دينار قال: دخلت على الحجاج فقال لي: ألا أحدثك بحديثٍ حسنٍ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: بلى حدثني. قال: حدثني أبو بردة عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كانت له إلى الله حاجةٌ فليدع بها دبر كل صلاةٍ مفروضة. قال أبو العباس أحمد بن البرذعي: رأيت أبا الدرداء في النوم فقلت له: حدثني حديثاً حدثك به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بينك وبينه أحد فقال لي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل ما يعمله العبد الذي يتخلق به مع الفقراء. أحمد بن محمد بن علي بن مزاحم أبو عمرو المزاحمي الصوري حدث في منزله سنة ست وستين وثلاث مئة عن أبي الأزهر جماهر بن محمد الزملكاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأرواح جنودٌ مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

أحمد بن محمد بن علي بن سلمان

أحمد بن محمد بن علي بن سلمان ابن إبراهيم بن عبد العزيز أبو طاهر التميمي الكتاني الصوفي، والد عبد العزيز الحافظ حدث عن القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد الغنم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيبعثه ويمكث حلالاً. كان أبو طاهر والد عبد العزيز الحافظ قد امتنع من أكل اللحم بالأرز خشية أن يبتلع عظماً في الأرز فيقتله، فلما خرج عبد العزيز إلى بغداد واشتاقه أبوه فخرج إلى بغداد زائراً له فصادفه يوماً وقد طبخ لحماً بأرز فقدمه بين يديه فقال: قد عرفت عادتي في هذا، فقال: كل فلا يكون إلا الخير فأكل فابتلع عظماً فمات ببغداد. توفي في ذي القعدة سنة سبع عشرة وأربع مئة. أحمد بن محمد بن علي بن صدقة أبو عبد الله التغلبي الكاتب الشاعر، المعروف بابن الخياط ختم به ديوان الشعر بدمشق، كان شاعراً مكثراً مجيداً محسناً حفظه لأشعار المتقدمين وأخبارهم. فمن شعره: من الكامل لم يبق عندي ما يباع بحبةٍ ... وكفاك شاهد منظري عن مخبري إلا بقية ماء وجهٍ صنتها ... عن أن تساع وأين أين المشتري ذكر أنه ولد في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي في سنة سبع عشرة وخمس مئة. أحمد بن محمد بن عمارة بن أحمد ابن أبي الخطاب يحيى بن عمرو أبي عمارة بن راشد، أبو الحارث الليثي الكناني مولاهم حدث عن أبي سهل سعيد بن الحسن الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار: فأما أول ثلاثة

أحمد بن محمد بن عمار بن نصير

يدخلون الجنة فالشهيد، وعبدٌ مملوك أدى حق الله ونصح لمواليه، وعفيف متعفف، وأما أول ثلاثة يدخلون النار فذو ثروة من مال لا يؤدي فيه حق الله عز وجل، وفقير فخور، وإمام جائر - أو قال: مسلط. توفي الحارث يوم الخميس لثمان وعشرين ليلة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن عمار بن نصير ابن أبان بن ميسرة أبو جعفر السلمي ابن أخي هشام بن عمار حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق. مات أحمد بن محمد سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين. أحمد بن محمد بن عمر بن يونس ابن القاسم أبو سهل الحنفي اليمامي قدم دمشق مجتازاً إلى مصر، وحدث بها، وبمصر، وببغداد، وبأصبهان. روى عن بكر بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة شجرةً أصلها في منزل رجل من بني هاشم لا أسميه لكم وفرعها في السماء سماها الله عز وجل: خيرة، فإذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيراً فإنما يعني تلك الشجرة. ومن غرائبه ما رواه عن عمر بن يزيد بن الفتح بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المصلي بين المغرب والعشاء كالمتشحط بدمه في سبيل الله عز وجل. قيل عنه إنه كذاب.

أحمد بن محمد بن عمر

أحمد بن محمد بن عمر ابن عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بن محرز أبو بكر القرشي التيمي المنكدري المدني حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد العذري بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان وصلةً لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة برٍ أو تيسير عسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام. وحدث بسنده عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع وإذا أراد السجود رفعهما ولم يكن يرفع بين السجدتين. ولد أبو بكر بالمدينة. ونشأ بالحرمين، ورحل إلى مصر، والشام وغيرها. وتوفي بمرو سنة أربع وأربعين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن عمر أبو منصور القزويني المقرىء المعروف بابن المجدر حدث بدمشق في صفر سنة اثنتين وأربعين عن أبي طالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري بسنده عن بشير بن كعب عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء خير كله. قال بشير: إن فيه ضعفاً وإن فيه عجزاً فقال: أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجيئني بالمعاريض؟! لا حدثتك بحديث ما عرفتك. توفي أبو منصور يوم الثلاثاء لأربعٍ بقين من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مئة.

أحمد بن محمد بن عمرو

أحمد بن محمد بن عمرو أبو الفرج الفزاري حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله النصري بسنده عن عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المؤمن يألف، ولا خير فيمن لايألف ولا يؤلف. أحمد بن محمد بن عوف أبو الحسن المعدل حدث بدمشق عن أبي الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بشير ويعرف بابن عبادل بسنده عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة ليصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبت، ثم أتي بجنازةٍ أخرى فقال: الناس: بئس الرجل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبت. قال: فقال أبي بن كعب: يا رسول الله، ما قولك وجبت؟ قال: لتكونوا شهداء على الناس. أحمد بن محمد بن عيسى أبو بكر البغدادي نزيل حمص. صنف تاريخ الحمصيين. حدث بحمص عن الحسن بن عرفة بسنده عن أبي كبشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيركم خيركم لأهله. أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح أبو العباس بن النحاس الربعي المصري الحافظ حدث عن أبي بكر محمد بن زبان بن حبيب التجيبي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سأله جاره أن يغرز خشبةً في جداره فلا يمنعه، ثم قال: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم. قال الليث بن سعد: هذا أول ما عندنا لمالك وآخره.

أحمد بن محمد بن الفتح

وحدث أيضاً عن عبد الله بن محمد البغوي بإسناده عن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وحدث أيضاً عن محمد بن بدر بن النفاج بسنده عن ابن عباس أن محرماً وقصت به ناقته فأمرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغسلوه، ويكفنوه في ثوبيه، ولا يغطوا رأسه فإنه يبثع يوم القيامة ملبياً. استوطن أبو العباس المصري نيسابور سنة إحدى وعشرين إلى أن توفي بها يوم السبت سلخ ذي القعدة سنة ست وسبعين وثلاث مئة. وذكر أن عمره خمس وثمانون سنة. أحمد بن محمد بن الفتح ويقال ابن أبي الفتح بن خاقان أبو العباس بن النجاد العابد إمام جامع دمشق أحد الصالحين المعروفين. حدث أبو علي أحمد بن عمر بن الدلال إمام جامع دمشق قال: سمع ناس بأبي العباس أحمد بن محمد بن النجاد رحمه الله وفضله، وما خصه الله به من العلم والورع، فسافروا من بلد بعيد إليه بنية الزيارة له. فلما وصلوا إلى باب داره سمعوا أنين الشيخ من وراء الباب لوجعٍ كان به ظاهر، أنكروا عليه أنينه لفضله. فلما دخلوا عليه ابتدأهم فقال: آه اسمٌ من أسماء الله يستروح إليه الأعلاء فزاد في أنفسهم أضعاف ما كان عندهم. توفي يوم الأحد لإحدى وعشرين ليلة خلت من شعبان سنة ستين وثلاث مئة.

أحمد بن محمد بن فراس بن الهيثم

أحمد بن محمد بن فراس بن الهيثم أبو عبد الله الخطيب الفراسي ابن أخت سليمان بن حرب البصري حدث الحافظ بسنده عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري لفظاً في يوم أضحى بين الصلاة والخطبة عن عدة مشايخ في كل شيخ يقول: حدثنا في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة إلى أحمد بن محمد ابن أخت سليمان بن حرب بسنده إلى ابن عباس كلهم يقول في يوم عيد فطر أو أضحى بين الصلاة والخطبة قال: شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد فطر أو أضحى. فلما فرغ من الصلاة قال: يا أيها الناس، قد أصبتم خيراً، فمن أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم حتى يشهد الخطبة فليقم. أحمد بن محمد بن فضالة دمشقي شاعر من شعره في عمرو بنحوي السكسكي: من السريع قد علمت سكسك في حربها ... بأنه يضرب بالسيف ويطعن القرن غداة الوغى ... ويحضر الجفنة للضيف ويملأ الأعساس من قارصٍ ... عل بماء المزن في الصيف ويؤمن الخائف حتى يرى ... كأنه من ساكني الخيف غنيت عمرو بن حوي ولم ... أبغ سوى القصد بلا حيف

أحمد بن محمد بن فضالة بن غيلان

أحمد بن محمد بن فضالة بن غيلان ابن الحسين أبو علي الهمذاني الحاسدي الحمصي الصفار، المعروف بالسوسي حدث بدمشق في رجب سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة مجتازاً إلى مصر عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني بسنده عن ابن عمر قال: إن كنا لنعد لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المجلس أكثر من مائة مرة أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه. توفي بمصر في رمضان سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن الفضل بن سعيد ابن موسى أبو الحسن السجستاني نزل دمشق، وحدث بها روى عن علي بن خشرم بسنده عن ابن عمر قال: كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثنى مثنى والإقامة واحدة واحدة، غير أنه إذا قال: قد قامت الصلاة ثنى بها، فإذا سمعناها توضأنا وخرجنا إلى الصلاة. توفي في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن القاسم أبو العباس الجرمي إمام المسجد الحرام حدث بسنده عن أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي بسنده عن جرير بن عبد الله قال: قالرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم لا يرحمه الله. وفي رواية: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.

أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق

أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق أبو الحسن المعدل الأنماطي المصري روى بسنده عن الزبير بن العوام قال: كنا نحمل لحم الصيد صفيقاً وكنا نتزود ونحن محرمون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث بسنده عن الأصمعي قال: كان رجل من بني تميم يقال له حنظلة، وكان له ابن يقال له مرة، وكان يكثر الخلاف عليه، فكان أبوه ربما قاتله. فقال له ذات يوم: إنك لمر، فقال لأبيه أعجبتني حلاوتك يا حنظلة. قال: اسكت فأنت والله خبيث كاسمك. قال: أخبث مني والله من أسماني. قال: فوالله يا بني لقد تشاءمت بك يوم ولدت. قال: ما ورثته عن كلالة. قال: ما أظنك من الناس. قال: من أشبه أباه فما ظلم والشوك لا يجتنى منه العنب. قال: لا بل أشبهت أمك عليها لعنة الله. قال: والله ما كانت بأردأ من زوجها. قال: ما أحوجك إلى أدب جيد! قال: أحوج مني إليه من أدبني. قال: لقد كنت حريصاً على صلاحك دهري. قال: فوالله يا أبه ما أتيت من عجز، ولكن الله سبحانه أعطاك على قدر نيتك. قال: لقد ساءت حالك منذ تركت الدعاء لك، وأقبلت على الدعاء عليك. قال: مادح نفسه يقرئك السلام. قال: دعني من هذا فوالله لأستقبلن من أمرك ما كنت له مضيعاً، قال: إذاً والله ولا يبرد في بيتك إلا الريح. قال: والله ما جرأك على هذا أحد غيري. قال: فلم إذاً نفسك ولا تلمني. قال: ويحك ما تستحي مني! قال: ما أحسن الحياء في مواضعه. قال: والله لقد اجتمعت فيك خلال رديئة قال: فضل رداءتك يا أبه. قال: أبوك الشيطان الرجيم قال: قل لنفسك ما شئت. قال: لقد دفنت أخاك ساعة ولدت، قال: أعجبني كثرة أعمامي يا مبارك. قال: والله إنك لمغيظي بجوابك. قال: من تكلم أجيب، ومن سكت سلم. قال: ويلك قم عني. قال: إن أعفيتني من معاتبتك قمت. قال: ما يزداد كلامك إلا غلظاً. قال: والله ما يقصر عن الجواب إلا أحمق. قال: اخسأ ويلك يا كلب. قال: الكلب لا يلد إلا كلب. قال: ليس شيء أحسن من السكوت عك. قال: إذاً لا تدعك كثرة فضولك. قال: قم فوالله ما أراك تصلح أبداً. قال: فقام وهو يقول: وكيف يصلح من أنت أبوه. مات أبو الحسن أحمد ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة ثمان عشرة وأربع مئة. أحمد بن محمد بن محمد ابن عبد الله بن إسماعيل أبو حامد النيسابوري الخيري الكرابيسي القاضي المحتسب قدم دمشق حاجاً. حدث عن أبي عمرو بن مطر بسنده عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. وحدث أيضاً عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن رجاء بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي. أحمد بن محمد بن متويه أبو جعفر المروروذي المعروف بكاكوا حدث بنيسابور في شعبان سنة أربع وستين وأربع مئة عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد السراج الحلبي بسنده عن سمرة بن جندب قال: ما قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.

أحمد بن محمد بن مخلد أبو حامد الهروي

أحمد بن محمد بن مخلد أبو حامدٍ الهروي قدم دمشق سنة سبع وخمسين ومئتين. روى عن أبي الوليد - يعني: الطيالسي - عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دين كا على أبي، فدققت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، مرتين، كأنه كرهها. أحمد بن محمد بن المسلم بن الحسن أبو القاسم الهاشمي حدث سنة ست وعشرين وخمس مئة بمسجد سوق الأحد عن أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي السميساطي بقراءة أبي بكر الخطيب عليه بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يمنع أحدكم أخاه مرفقاً يضعه على جداره. توفي أبو القاسم في المحرم سنة أربع وثلاثين وخمس مئة. أحمد بن محمد بن موسى بن داود بن عبد الرحمن أبو علي النوفلي المكي العطار حدث بدمشق سنة ثمان وخمسين ومئتين عن يوسف بن علي بسنده عن صهيب قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يوحى إليه. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب صهيباً حب الوالدة ولدها. أحمد بن محمد بن موسى ابن أبي عطاء عبد الرحمن بن سعد أبو بكر القرشي - مولى عثمان بن عفان - المقرىء، المعروف بابن صريرة حدث عن وريزة بن محمد بن وريزة بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: سأل رجل عن حلية السيوف فقال: قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. فقال له:

أحمد بن محمد بن أبي موسى أبو بكر الأنطاكي الفقيه

جعلني الله فداك تقول الصديق؟ قال: نعم الصديق في الدنيا والآخرة فمن لم يقل ذلك فلا صدق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة. مات سنة خمس وعشرين وثلاث مئة. أحمد بن محمد بن أبي موسى أبو بكر الأنطاكي الفقيه حدث عن يعقوب بن كعب الحلبي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة. وحدث عن محمد بن زنبور المكي بسنده عن أم سلمة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة، أنت آخذ بناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل، ومن عذاب النار وعذاب القبر، ومن فتنة العدو ومن فتنة الفقر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. وذكر الحديث بطوله. أحمد بن محمد بن المؤمل أبو بكر الصوري حدث عن عبد الواحد بن شعيب الجبلي بجبلة بسنده عنه أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احتج آدم وموسى فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته عملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة. قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته، وأنزل عليك التوارة، وكلمك تكليماً. فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحج آدم موسى. حدث في سنة تسع وتسعين ومئتين.

أحمد بن محمد بن نفيس

أحمد بن محمد بن نفيس أبو الحسن الملطي الإمام الشاهد حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جمع القرآن متعه الله تبارك وتعالى بعقله حتى يموت. توفي يوم الجمعة لثلاث خلون من ذي الحجة سنة أربع وأربع مئة. أحمد بن محمد بن الوليد بن سعد أبو بكر المري المقرىء حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد، وحين يقوم من السجدتين. وحدث أيضاً عن محمود بن خالد بسنده عن نافع قال: كنت ردف ابن عمر إذ مر براعٍ يزمر فضرب وجه الناقة وصرفها عن الطريق، ووضع إصبعيه في أذنيه وهو يقول: أتسمع، أتسمع حتى انقطع الصوت. فقلت: لا أسمع فردها إلى الطريق وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل. وحدث أيضاً عن محمود بن خالد بسده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ومن قتل متعمداً دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون خلفة وذلك عقل العمد ما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل. قال: كذا وقع والصواب: أربعون خلفة. توفي أبو بكر المقرىء في سنة سبع وتسعين ومئتين

أحمد بن محمد بن هارون أبو الحسن الزوزني

أحمد بن محمد بن هارون أبو الحسن الزوزني من أهل خراسان قدم دمشق حاجاً. حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن جعده والعباس بن حمزة النيسابوري بسنده عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني به جبريل عن الله تبارك وتعالى لا إله إلا الله حصني. من دخل حصني أمن عذابي. ضعفه الحافظ من هذه الطريق، وذكره من طريق آخر عالياً على الصواب بمعناه. أحمد بن محمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي حدث عن أبيه بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى فإن له كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين. أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس أبو الحسين بن أبي الفضل الأنصاري الأكفاني المعدل حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسن بن السمسار بسنده عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلها وهو صائم. قالت: وكنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد من الجنابة. توفي أبو الحسين في ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.

أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك

أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك ابن المغيرة أبو جعفر العدوي النحوي، المعروف أبوه باليزيدي كان من ندماء المأمون، وقدم معه دمشق، وتوجه منها غازياً للروم. قال أبو جعفر: دخلت يوماً على المأمون بقارا وهو يريد الغزو فأنشدته مديحاً فيه أوله: من الكامل يا قصر ذا النخلات من بارا ... إني حننت إليك من قارا أبصرت أشجاراً على نهرٍ ... فذكرت أنهاراً وأشجارا لله أيام نعمت بها ... بالقفص أحياناً وفي بارا إذ لا أزال أزور غانيةً ... ألهو بها وأزور خمارا لا أستجيب لمن دعا لهدىً ... وأجيب شطاراً ودعارا أعصي النصيح وكل عاذلةٍ ... وأطيع أوتاراً ومزمارا فغضب المأمون وقال: أنا في وجه عدو وأحض الناس على الغزو وأنت تذكرهم نزهة بغداد، فقلت: الشي بتمامه، ثم قلت: فصحوت بالمأمون من سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا ورأيت طاعته مؤديةً ... للفرض إعلاناً وإسرارا فخلعت ثوب الهزل من عنقي ... ورضيت دار الخلد لي دارا وظللت معتصماً بطاعته ... وجواره وكفى به جارا

أحمد بن محمد بن حمزة بن واقد

إن حل أرضاً فهي لي وطنٌ ... وأسير عنها حيثما سارا فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين، أخبر أنه كان في سكر وخسار فترك ذلك وارعوى وآثر طاعة خليفته وعلم أن الرشيد فيها فسكن وأمسك. كان أبو جعفر العدوي أديباً، عالماً بالنحو، شاعراً، مدح المأمون والمعتصم وغيرهما. ومات قبل سنة ستين ومائة بمدة طويلة. أحمد بن محمد بن حمزة بن واقد أبو عبد الله الحضرمي من أهل بيت لهيا. روى عن أبي الجماهر محمد بن عثمان بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب. وروى عن أبيه بسنده عن أبي هريرة قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به بايلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر فيهما ثم أخذ اللبن فقال له جبريل: هديت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك. وحدث عن أبيه بسنده عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب. توفي سنة تسع وثمانين ومئتين. أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم ابن أبي الخناجر أبو علي الأنصاري الطرابلسي حدث عن يحيى بن أبي بكير الكرماني بسنده عن جابر بن سمرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن.

أحمد بن محمد بن يعقوب

قال ابن أبي الخناجر: كنت في مجلس يزيد بن هارون بواسط فجاء أمير المؤمنين، فوقف علينا في المجلس، وفي المجلس ألوف فالتفت إلى الصحابة فقال: هذا الملك. توفي ابن أبي الخناجر في جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين ومئتين. أحمد بن محمد بن يعقوب ابن عبد الله أبو الحسين البغدادي يعرف بابن توتو حدث عن عمر بن يوسف بسنده عن سري السقطي قال: قلت لديراني مرة: ما لكم تعجبكم الخضرة؟ قال: إن القلوب إذا غاصت في بحار الفكر عشيت الأبصار، فإذا نظرت إلى الخضرة عاد إليها نسيم الحياة. أحمد بن محمد بن أبي يعقوب ابن هارون الرشيد أبو الحسن الرشيدي الهاشمي حدث عن أبي العباس محمد بن الحسن بن إسماعيل بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: سمعت جدي إسماعيل بن عبد الصمد بن علي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للمملوك على مولاه ثلاث خصالٍ: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه. كذا قال. وقد سقط: عن جده. وحدث بأنطاكية وقدمها سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة بسنده عن ابن عباس " ستدعون إلى قومٍ أولي بأسٍ شديدٍ " قال: هوازن، وثقيف.

أحمد بن محمد بن يوسف أبو العباس

أحمد بن محمد بن يوسف أبو العباس المعروف بابن مردة المؤدب المقرىء الأصبهاني حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده عن عائشة قالت: كان فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أدم حشوه ليف. وحدث عنه أيضاً بسنده عن عمه حكم بن معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا شؤم، وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة والدار. أحمد بن محمد بن يونس بن عمير أبو جعفر الصوفي الأباوردي المعروف بالإسكاف حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بسنده عن بشر بن سحيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام التشريق أيام أكل وشرب. أحمد بن محمد بن التمار حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العربية كلام أهل الجنة، والعربية كلام أهل السماء، وكلامهم إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل في الموقف. أحمد بن محمد العذري الدمشقي حدث عن إبراهيم بن الحوراني بسنده عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل الذي ترى له.

أحمد بن محمد ويقال محمد بن أحمد

قال الحافظ: هذا هو أحمد بن محمد بن سلامة، وقد تقدم ذكره في كتابه. أحمد بن محمد ويقال محمد بن أحمد أبو عبد الله الواسطي الكاتب كان كاتب أحمد بن طولون. فلما استولى أبو الجيش خمارويه بن طولون على الإمرة وقعت بينهما وحشة، فكتب أبو عبد الله الواسطي إلى أبي العباس المعتضد أشعاراً يحرضه على قتال أبي الجيش. قال أحمد بن يوسف اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي للغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لأبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس لأنه أخوه وأكبر منه سناً، فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدوره، وأبو الجيش داخل قاعد في صدر مجلس أبيه، فعزاه الواسطي وبكت الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك؟ فقال العباس: أبو الجيش فديته ابني وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحدٌ أشفق عليه مني، فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحنة، أبو الجيش أميرك وسيدك ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس فقام طبارجي وسعد الأيسر فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرةٍ من الميدان فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.

أحمد بن محمد أبو القاسم المؤذن

وكتب أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي الكاتب إلى أبي العباس أحمد بن الموفق بالله يستحثه على حرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، والخروج إليه قبل وقعة الطواحين بأيام: من البسيط يا أيها الملك المرهوب جانبه ... شمر ذيول السرى فالأمر قد قربا كم ذا الجلوس ولم يجلس عدوكم ... عن النهوض لقد أصبحتم عجبا لا تبعدن عن التفريط معتكفاً ... واشدد فقد قال جل الناس قد رهبا ليس المريد لما أصبحت تطلبه ... إلا المشمر عن ساقٍ وإن لغبا طال انتظاري لقرب منك آمله ... وما أرى منك ما أصبحت مرتقبا ولو علمت يقين العلم من خبري ... وما نهضت له في الله محتسبا لسرت نحو امرىءٍ قد جد مجتهدا ... حتى يكون لما يبغونه سببا أجاد مروان في بيتٍ أراد به ... عين الصواب وما أخطا وما كذبا إذ قال حين رأى الدنيا تميد بهم ... بعد الهدو وصار الحبل منقضبا إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وذكر الحافظ ابن عساكر أنه يعيد ذكره في ترجمة محمد بن أحمد أحمد بن محمد أبو القاسم المؤذن حدث عن جعفر بن محمد بن الرواس بسنده عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سددوا وقاربوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الصلاة والوضوء إلا مؤمن.

أحمد بن محمد أظنه ابن علي الدمشقي

أحمد بن محمد أظنه ابن علي الدمشقي حدث عن أحمد بن محمد التميمي بسنده عن يحيى بن معاذ قال: لا تعذب نفسك بترك الحلال فتجرك إلى الحرام. قال أحمد بن محمد الدمشقي سمعت أبا عمير يقول: سمعت أبا العباس ثعلب يقول: سمعت أعرابياً يقول: سئل الأحنف بن قيس أنت أحلم أو معاوية؟ فقال: معاوية يحلم عن مقدرة، وإن أنا سفهت على إنسان ضربني. أحمد بن محبوب بن سليمان أبو الحسن البغدادي ثم الرملي الفقيه يعرف بغلام أبي الأديان حدث أحمد بن محبوب بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من علم عبداً آيةً من كتاب الله فهو مولاه، لا ينبغي له أن يخذله ولا يستأثر عليه، فإن هو فعل فصم عروة من عرى الإسلام. وحدث عن عبد الله بن محمد بن نصر الرملي بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه. مات أحمد بن محبوب بمدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة سبع وخمسين وثلاث مئة. أحمد بن محمود بن الأشعث ويقال ابن محبوب بن الأشعث أبو علي المعدل المتولي لعمارة المسجد الجامع بدمشق من قبل القضاة حدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من مسلم يبتلى ببلاء في جسده إلا كتب الله له كل عمل صالح كان يعمله في صحته ومرضه. قرىء لأبي علي أحمد بن محمود بن الأشعث القيم بجامع دمشق أميناً من قبل القاضي على

أحمد بن محمود بن صبيح بن مقاتل

حجر في المأذنة الغربية كتاب باليونانية ففسره بالعربية فإذا عليه مكتوب: لما كان العالم محدثاً والحدث داخل عليه وجب أن يكون له محدثٌ، وكانت الضرورة تقود إلى التعبد لمحدثه، لا كما ذكر ذو اللحيين وذو السنين وأشباههما. فلما دعت الضرورة إلى عبادة هذا الخالق بالحقيقة تجرد لإنشاء البيت، وتولى النفقة عليه محب الخير تقرباً منه إلى منشىء العالم ومبتدئه وإيثاراً لما عنده وذلك في سنة ألفين وثلاث مئة لأصحاب الاسطوان. فليذكر كل من دخل هذا البيت للصلاة فيه العاني به. نسخ من أبي علي بن الأشعث من نخسة بخطه سنة خمس وستين وثلاث مئة. أحمد بن محمود بن صبيح بن مقاتل أبو الحسن الهروي قدم دمشق سنة تسع وسبعين ومئتين. حدث عن الحسن بن علي الحلواني بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم. مات سنة إحدى وثلاث مئة. أحمد بن محمود الدمشقي حدث عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس عن حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أكل وهو صائم وهو ناسٍ فليتم صومه، فإنما هو رزق ساقه الله إليه. فقال مالك: الحديث صحيح ولكن عنى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النافلة لا الفريضة، أما سمعت إلى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان. فكل من ترك شيئاً من هذا ناسياً فعليه القضاء، وإنما الحديث في التطوع لا في الفريضة. قال الوليد: فذكرت ذلك للأوزاعي فقال: صدق مالك.

أحمد بن محمود أبو بكر الرسعني

أحمد بن محمود أبو بكر الرسعني حدث عن أبي عمير عدي بن أحمد عبد الباقي الأذني بسنده عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اقتلوا الفاعل والمفعول به. أحمد بن مردك بن زنجلة أبو عبد الله ويقال أبو جعفر الرازي حدث عن أيوب بن عروة الكوفي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشاهدين. توفي في مصر في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومئتين أحمد بن مسعود المقدسي قيل إنه دمشقي حدث عن عمرو بن أبي سلمة بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أبلى خيراً فلم يجد إلا الثناء فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بباطل فهو كلابس ثوبي زور. وحدث أيضاً بسنده عن ابن عمر أن رجلاً أتاه فقال: بم أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أهل بالحج، فانصرف عنه، ثم جاءه من العام المقبل فقال: بم أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألم تأتني عام أول؟ قال: بلى، ولكن أنس بن مالك زعم أنه قرن، فقال ابن عمر: إن أنساً كان يتولج على النساء مكشفات الرؤوس وإني كنت تحت ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج. حدث أحمد بن مسعود الخياط ببيت المقدس سنة أربع وسبعين ومئتين.

أحمد بن مسلمة بن جبلة بن مسلمة

أحمد بن مسلمة بن جبلة بن مسلمة ابن أوفى بن خارجة بن حمزة بن النعمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو العباس العذري حدث عن أحمد بن عبد الله الدمشقي بسنده عن السليط بن سبيع وكان من بني عامر قال: كنت تاجراً، وكان أكثر تجارتي في البحر، فركبت من ذلك إلى بلاد الصين فأتيت على راهب من رهبان الصين كان على دين عيسى بن مريم وكان مؤمناً فناديته: يا راهب، فأشرف من صومعته فقال: ما تشاء؟ قلت: من تعبد؟ قال: الذي هو خلقني وخلقك، قلت: يا راهب فعظيمٌ هو؟ قال: نعم يا فتى، عظيم في المنزلة، قد حوت عظمته كل شيء، لم يحلل بنفسه في الأشياء فيقال منها، ولم يعتزل فيقال ناءٍ عنها. قلت: يا راهب، فأين الله من محل قلوب العارفين؟ قال: يا فتى، إن قلوب العارفين لا تعزب عن الله بعد إذ علم أنها إليه مشتاقة. قلت: يا راهب، فما الذي قطع بالخلق عن الله؟ قال: حب الدنيا، لأنها أصل المعاصي ومنها تفجرت، ولم تصل بهم إلى إبطال تركها قلة معرفة. ولتركها ثلاث منازل: فأولها منزلة ترك الحرام من القول والفعل والعزائم، والرضا بما جل من ذلك أو دق حتى تطيع الله فيمن عصاه فيك، وتعتزل الصديق والعدو فعند ذلك تتفجر ينابيع الحكمة من قلبك، وتدع الهوى بنور الإيمان عليك. والمنزلة الثانية: ترك الفضول من القول والمقال والمنال حتى ترحم من ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك، فعند ذلك تقاد بحلاوة طاعة الله عز وجل وبعزم الإرادة، وترتبط بحبل الطاعة. والمنزلة الثالثة: ترك العلو والرئاسة، واختيار التواضع والذلة، حتى تصير مثل مملوك لسيده، وبامراج النظر تطلعت النفس إلى فضول الشهوات فأظلم القلب فلم ير جميلاً فيرغب فيه، ولا قبيحاً فيأنف منه، وبضبط النظر ذلت النفس عن فضول الشهوات فانفتح القلب فأبصر جميلاً يرغب فيه، وانكشف العقل فأبصر.

قلت: يا راهب، فأيما العقل؟ قال: أوله المعرفة، وفرعه العلم، وثمرته السنة. قلت: يا راهب، متى يجد العبد حلاوة الإيمان والأنس بالله؟ قال: إذا صفا الود، وجادت المعاملة. قلت: يا راهب، متى يصفو الود؟ قال: إذا اجتمعت الهموم فصارت في الطاعة. قلت: يا راهب، متى تخلص المعاملة؟ قال: إذا اجتمعت الهموم فصارت واحدة. قلت: يا راهب، عظني وأوجز. قال: لا يراك الله حيث يكره. قلت: زدني من الشرح لأفهم. قال: كل حلالاً،، وارقد حيث شئت. قلت: يا راهب، لقد تحليت بالوحدة! قال: يا فتى، لو ذقت طعم الوحدة لاستوحشت إليها من نفسك، الوحدة رأس العبادة. ومؤنسها الفكرة. قلت: يا راهب، فما أشد ما يصيبك في صومعتك من هذه الوحدة؟ قال: يا فتى، ليس في الوحدة شدة. الوحدة أنس المريدين قلت: يا راهب، ما أشد ذلك عليك؟ قال: تواتر الرياح العواصف في الليل الشاتي. قلت: تخاف أن تسقط فتموت؟ فتبسم تبسماً لم يفتح فاه ولكن أشرق وجهه وقال: يا فتى هل العيش إلا في السقوط، وما أشبهه من أسباب الموت! قلت: فلم يشتد ذلك عليك إن كان ذلك؟ قال: يا فتى، أما والله، إذا اشتدت علي الريح وعصفت ذكرت عند ذلك عصوف الخلق في الموقف مقبلين ومدبرين لا يدرون ما يراد بهم، حتى يحكم الله بين عباده، وهو خير الحاكمين. فصاح صيحة أفزعتني من شدتها: يا طول موقفاه! قلت: يا راهب بم يقطع الطريق إلى الآخرة؟ قال: بالسهر الدائم، والظمأ في الهواجر. قلت: يا راهب فأين طريق الراحة؟ قال: في خلاف الهوى. قلت: يا راهب، متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. قلت: يا راهب، لقد تخليت من الدنيا، وتعلقت في هذه الصومعة؟ قال: يا فتى، إنه من مشى على الأرض عثر، ففرت فرار الأكياس من فخ الدنيا، وخفت اللصوص على رحلي، فتعلقت في هذه الصومعة، وتحصنت بمن في السماء من فتنة من في الأرض، لأنهم سراقون للعقول، فتخوفت أن يسرقوا عقلي، وذلك أن القلب إذا صافى صديقه ضاقت به الأرض، وإذا أنا تفكرت في الدنيا تفكرت في الآخرة وقرب الأجل، فأحببت الرحيل إلى رب لم يزل. قلت: يا راهب، فمن أين تأكل؟ قال: من زرعٍ لم أتول بذاره، من بيدر اللطيف الخبير، ثم قال: يا فتى، إن الذي خلق الرحا هو يأتيها بالطحين، ثم أشار بيده إلى رحا ضرسه. قلت: يا راهب،

كيف حالك في هذه الدنيا؟ قال: كيف حال من يريد سفراً بعيداً بلا أهبة ولا زاد، ويسكن قبراً بلا مؤنس، ويقف بين يدي حكم عدل؟. ثم أرخى عينيه فبكى. قلت: يا راهب، ما يبكيك؟ قال: يا بني حقاً أقول لك، ذكرت يوماً مضى من أجلي لم يحسن فيه عملي، أبكاني قلة الزاد وبعد المعاد، وعقبة هبوط إلى جنةٍ أو إلى نارٍ قلت: يا راهب فلو تحولت من هذه الصومعة وخالطتنا، فإن عندنا رهباناً يخالطونا ويعاشرونا. قال: هيهات، يا فتى، كم من متعبدٍ لله بلسانه معانه له بقلبه، يقاد إلى عذاب السعير، ذلك زاهد في الظاهر، راغب في الباطن، حسن القول، خبيث المعاملة، مشارك لأبناء الدنيا لا أو يفر من جوار إبليس. قلت: أستغفر الله قال: يا فتى، سرعة اللسان بالاستغفار من غير بلوغ توبة الكذابين، ولو علم اللسان مما يستغفر الله لجف في الحنك. يا فتى، إن الدنيا منذ ساكنها الموت لم تقر بها عين كلما تزوجت الدنيا بزوج طلقها الموت، فالدنيا من الموت طالقة لم تقض عدتها بعد فمثلها مثل الحية لينٌ مسها والسم في جوفها، يحذرها رجال ذوو عقول، ويهوي إليها الصبيان لقلة عقولهم وتضرعهم بمرارة عيشهم وكدر صفوها. يا فتى، كم من طالب للدناي لا ينال حاجته، ولم يبلغ أمله، ولم يدركها، ومدرك لها إدراكاً فيه مرارة عيشها وكدر صفوها. واعلم يا فتى أن شدة الحساب ومعاينة الأهوال مع الحمل الثقيل سيثقل اليوم على المسرفين بما عملوا ومرحوا في الأرض بغير ما أمروا. يا فتى، اجتناب المحارم رأس العبادة وسيعلم المتقون بما صبروا على سجع الطريق والظمأ في الهواجر والقيام على الأقدام في ظلم الدجى وإجاعة الأكباد وعري الأجساد، وذلك أن الله عدل في قضائه سابق في مقاله، لا يضيع أجر المحسين قلت: يا راهب، إني لأريد لنفسي شيئاً من المطعم والمشرب فلا يكفيني حتى تتوق نفسي إلى أكثر من ذلك. قال: يا فتى، إن نواصي العباد في يد الله عز وجل وقبضته فلا يجوزون من ذلك إلى غيره، قد قسم أرزاقهم وفرغ من آجالهم، تدبير

الله عز وجل له في مطعمه ومشربه أحرى أن لا يجريه تدبيره لنفسه. قلت: اوه، ضربت فأوجعت وشددت فأوثقت. قال: بل أطعمت فأشبعت، ووعظت فنفعت. قلت: يا راهب، بم يستعان على الزهد في الدنيا؟ قال: بتقصير الأمل، وذكر الموت، والمداومة على العمل. قلت: يا راهب، فمتى ترحل الدنيا عن القلب، وتسكن الحكمة الصدر؟ فصاح صيحة خر مغشياً عليه، ومكث ساعة كذلك، ثم أفاق من غشيته فقال لي: كيف قلت؟ قال: فأعدت عليه القول. فقال: لا والله، لا ترحل الدنيا عن القلب وأنت نمكب على القراريط والفلوس تتلذذ بالنظر إلى كثرتها، وتستعين بكسب الحرام على جمعها، وأنت تحب النظر إلى هؤلاء وأشار بيده إلى الخلائق، ثم قال: لا أوترد موارد السباع الضارية المنقطعة عن الخلائق في الكهوف وأطراف الجبال الشواهق الصم الصلاب. يقول عيسى بن مريم: لا ينال العبد منال الصديقين ودرجة المقربين، ويعرف في الملكوت الأعلى حتى يترك امرأته أرملة عن غير طلاق، وصبيانه يتامى من غير موت، ويأوي إلى مرابض الكلاب، فعند ذلك يعرف في الملكوت الأعلى وينال الدرجة الخامسة من درجات العارفين. وأما قولك متى تسكن الحكمة الصدر؟ حتى يراك الله وقد أعتقت رقبتك من أن تكون مملوكاً لامرأتك وأجيراً لولدك. قلت: يا راهب، فما أول قيادة القلب إلى الزهد في الدنيا والرضا بالقسم؟ قال: بإماتة الحرص وبذبح حنجرة المطعم، فإن كثرة المطعم تميت القلب كما يموت البدن. قلت: يا راهب، فأكون معك وأقيم عليك؟! قال: وما أصنع بك؟ وأي أنس لي فيك؟ ومعي عاطي الأرزاق، وقابض الأرواح يسوق إلي رزقي في وقته، ولم يكلفني حمله ولا يقدر على ذلك أحد غيره. ثم قال لي: يا فتى، طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره، كما لا يجوز فيكم الشريف كذا لا يجوز كلامكم إلا بنور الإخلاص، كم من صلاة قد زخرفتموها بآية من كتاب الله كما تزخرف الفضة البيضاء بالسوداء للناظرين إليها حتى ينظروا بنور الإخلاص لا فساد لها، عند إصلاح الضمائر تكفير الكبائر ثم قال: يا فتى، إن العبد إذا أضمر على ترك الآثام أتاه القنوع. ثم قال: يا فتى، ربما استطربني الفرح من مجلسي إلى الصلاة، ولربما رأيت القلب

أحمد بن مطرف أبو الحسن السبتي القاضي

يضحك ضحكاً وأهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. يا فتى، همة العاقل النجاة والهرب، وهمة الأحمق اللهو والطرب. ثم قال: يا فتى، إذا أضمر العبد على الزهد في الدنيا تعلق قلبه في الملكوت الأعلى، نظر إلى الدنيا بعين القلة فنظره إلى ما فيها عبرة وسكوته عن القول مغنم وذلك عندما ينال الدرجة السادسة. قلت: يا راهب. فما أول الدرجات التي يقطع فيها المريدون وهي باب الإرادة؟ قال: رد المظالم إلى أهلها، وخفة الظهر من التبعات، فإن العبد لا تقضى له حاجة وعليه مظلمة ولا تبعة. قلت: يا راهب، ما أفضل الدرجات؟ قال: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، وليس فوق الرضا درجة وهي درجة المقربين. ثم عاد بالكلام على نفسه فأقبل يعاتبها وهو يقول: ويحك يا نفس، ما إن أراك في تقلبك ومثواك أثبت إلا الفرار من الحق والموت يقفوك، فأين تقرين ممن أنت له عاصية وهو إليك محسن؟! ثم قال: إلهي وسيدي أنت الذي سترت عيوبي وأظهرت محاسني حتى كأني لم أزل أعمل بطاعتك. إلهي أنا الذي أرضيت عبادك بسخطك، فلم تكلني إليهم وأمددتني بقوتك، إليه وسيدي إليك انقطع المريدون في ظلم الدجى وباكروا الدلج في ظلم الأسحار يرجون رحمتك وسعة مغفرتك. اللهم أسكني في درجة المقربين واحشرني في زمرة العارفين، فإنك أود الأجودين وأكرم الأكرمين يا مالك يوم الدين. أحمد بن مطرف أبو الحسن السبتي القاضي حدث عن جعفر بن محمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء. وحدث عن أبي جعفر أحمد بن صالح الوراق الرازي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله عموداً من نور بين يديه، فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز ذلك العمود فيقول الله عز وجل اسكن فيقول: كيف أسكن ولم تغفر لقائلها. قال: فيقول: إني قد غفرت له فيسكن عند ذلك.

أحمد بن معاوية بن وديع المذحجي

وحدث عن علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت سهلاً الخياط يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: لولا أن السنة جرت بأبي بكر ما قدمنا على عمر أحداً. سمع منه في سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. أحمد بن معاوية بن وديع المذحجي قال أحمد بن وديع: قال أبو سليمان: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الخلائق فإنما يريد الشنعة. وقال: قال أبو معاوية يعني الأسود: إخواني كلهم خير مني. قيل له: يا أبا معاوية، وكيف ذلك؟ قال: كلهم يرى لي الفضل على نفسه ومن فضلني على نفسه فهو خير مني. وحدث عن الوليد بن مسلم قال: كانت امرأة من التابعين تقول: اللهم اقبل بما أدبر من قلبي، وافتح ما أقفل منه حتى تجعله هنيئاً مريئاً بالذكر لك. وحدث عن أبي معاوية الأسود قال: القرآن وحشي، إذا تحدث وقرىء نفر القرآن. أحمد بن المعلى بن يزيد أبو بكر الأسدي ختن دحيم، قاضي دمشق نيابةً عن أبي زرعة محمد بن عثمان القاضي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبادة بن الصامت أن رجلاً سأله عن هذه الآية " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " فقال

أحمد بن مكي بن عبد الوهاب ابن أبي الكراديس أبو العباس

عبادة بن الصامت: لقد سالتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له، وهو كلام يكلم به ربك عز وجل عبده. توفي أحمد بن المعلى بدمشق في رمضان سنة ست وثمانين ومئتين. أحمد بن مكي بن عبد الوهاب ابن أبي الكراديس أبو العباس حدث عن القاضي أبي بكر بن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن البراء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى رجلاً فقال: إذا أخذت مضجعك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مات مات على الفطرة. أحمد بن منصور بن سيار بن معارك أبو بكر البغدادي المعروف بالرمادي محدث مشهور. حدث عن عثمان بن عمر بسنده عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي يعافيني فقال له: إن شئت أخرت ذلك، وإن شئت دعوت قال: ادع، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الهدى والرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضي لي اللهم شفعه في. وحدث عن أبي إسحاق إبراهيم الطالقاني سنة خمس وستين ومئتين وفيها مات بسنده عن عوف بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فيعطي الآهل حظين، ويعطي العزب حظاً.

أحمد بن منصور بن محمد أبو العباس الشيرازي

وحدث عن يزيد يعني ابن هارون بسنده عن عبد الله بن سرخس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في النفس والأهل والمال. قال محمد بن مخلد: كان الرمادي إذا اشتكى شيئاً قال: هاتوا أصحاب الحديث فإذا حضروا عنده قال: اقرؤوا علي الحديث. أحمد بن منصور بن محمد أبو العباس الشيرازي الحافظ حدث عن أحمد بن جعفر بن سليمان القزاز الفسوي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لم يأنف من ثلاث فهو مؤمن حقاً: خدمة العيال، والجلوس مع الفقراء، والأكل مع خادمه. هذه الأفعال من علامة المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه " أولئك هم المؤمنون حقاً ". توفي أحمد بن منصور في شعبان سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة وهو ابن ثمانٍ وستين سنة. أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو العباس الغساني الفقيه المالكي المعروف بابن قبيس من أهل داريا حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يتبع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة.

أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الأطرابلسي الشاعر الرفاء

أنشد أبو العباس بن قبيس بسنده عن أبي بكر محمد بن سهل قال: أنشدني بعض أصحابنا: من المنسرح أعتقني سوء ما صنعت من الر ... ق فيا بردها على كبدي فصرت عبداً للسوء فيك وما ... أحسن سوءٌ قبلي إلى أحد توفي أبو العباس أحمد بن منصور ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وستين وأربع مئة. وفي ذلك الشهر بعينه نزلت الأتراك على دمشق. أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الأطرابلسي الشاعر الرفاء كان أبوه منير منشداً ينشد أشعار العوني في أسواق أطرابلس، ويغني، ونشأ أبو الحسين وحفظ القرآن، وتعلم اللغة والأدب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضياً يعتنق مذهب الإمامية، وكان هجاء خبيث اللسان، يكثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الألفاظ العامية. فلما كثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق مدةً، وعزم على قطع لسانه، فاستوهبه يوسف بن فيروز فوهبه له وأمر بنفيه من دمشق. فلما ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ثم تغير عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه، وأراد صلبه، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياماًن ثم خرج عن دمشق، ولحق بالبلاد الشمالية ينتقل من حماه إلى شيرز إلى حلب، ثم قدم دمشق آخر قدمة صحبة الملك العادل لما حاصر دمشق الحصر الثاني. فلما استقر الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب. فمات بها في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة بطرابلس فمن شعره: من الكامل أخلى فصد عن الحميم وما اختلى ... ورأى الحمام يغصه فتوسلا ما كان واديه بأول مرتعٍ ... ذعرت طلاوته طلاه فأجفلا

وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزلٍ فالحزم أن يترحلا كالبدر لما أن تضاءل نوره ... طلب الكمال فحازه متنقلا ساهمت عيسك مر عيشك قاعداً ... أفلا فليت بهن ناصية الفلا فارق ترق كالسيف سل فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا لا ترض عن دنياك ما أرضاك من ... دنسٍ وكن طيفاً حلا ثم انجلا وصل الهجير بهجر قومٍ كلما ... أمطرتهم عسلاً جنوا لك حنظلا من غادرٍ خبثت مغارس وده ... فإذا محضت له الوفاء تأولا أو حلف دهرٍ كيف مال بوجهه ... أمسى كذلك مدبراً أو مقبلا لله علمي بالزمان وأهله ... دنت الفضيلة عندهم أن تكملا طبعوا على لؤم الطباع فخيرهم ... إن قلت قال وإن سكت تقولا قال الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماه: رأيت أبا الحسين بن منير الشاعر في النوم بعد موته، وأنا على قرنة بستان مرتفعة، فسألته عن حاله وقلت له: اصعد إلى عندي فقال: ما أقدر من رائحتي فقلت تشرب الخمر؟ فقال: شر من الخمر يا خطيب فقلت: ما هو؟ فقال: تدري ما جرى علي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس؟ فقلت له: ما جرى عليك منها؟ فقال: لساني قد طال وثخن وصار مد البصر، وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلاباً يتعلق في لساني، وأبصرته حافياً عليه ثياب رثة إلى غاية، وسمعت قارئاً يقرأ من فوقه " لهم من فوقهم ظلل من النار " الآية ثم انتبهت مرعوباً.

أحمد بن موسى بن الحسين بن علي

أحمد بن موسى بن الحسين بن علي أبو بكر بن السمسار أخو أبي العباس وأبي الحسن حدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن عبد الملك بن مروان بسنده عن أمر كرز الخزاعية قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة. أحمد بن موسى الهاشمي مولاهم حدث بدمشق عن عبيد بن آدم بن أبي إياس بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المتحابين في الله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، على منابر من نور يفزع الناس ولا يفزعون، إذا أراد الله بأهل الأرض عذاباً ذكرهم فصرف العذاب عنهم بفضل منزلتهم منه. أحمد بن المؤمل الدمشقي قال أحمد بن المؤمل: حفر حفيرة بدمشق فاستخرج منها حجر فيه مكتوب منقوش: من الوافر أيضمن لي فتى ترك المعاصي ... وأرهنه الكفالة بالخلاص أطاع الله قومٌ فاستراحوا ... ولم يتجرعوا غصص المعاصي

أحمد بن مهدي بن رستم

أحمد بن مهدي بن رستم أبو جعفر الأصبهاني المدني أحد الثقات الأثبات. حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافع بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب فرساً فصرع عنه فخمش شقه الأيمن قال أنس: فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً فقال حين سلم: إنما الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون. وحدث عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري بسنده عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند حله وإحرامه بأطيب ما أقدر عليه. قال أحمد بن مهدي: أردت أن أكتب كتاب الأموال لأبي عبيد فخرجت لأشتري ماء الذهب فلقيت أبا عبيد فقلت: يا أبا عبيد، رحمك الله أريد أن أكتب الأموال بماء الذهب فقال: اكتبه بالحبر فإنه أبقى. توفي أبو جعفر أحمد بن رستم في شوال سنة اثنتين وسبعين ومئتين: وقيل في رمضان. وكان ظاهر الثروة، صاحب ضياع، لم يحدث في وقته من الأصبهانيين أوثق منه، وأكثر حديثاً. صاحب الكتب والأصول الصحاح، أنفق عليها نحواً من ثلاث مئة ألف درهم، لم يعرف له فراش منذ أربعين سنة، صاحب صلاة واجتهاد. وتوفي أحمد بن مهدي سنة اثنتين وسبعين ومئتين في شوال.

من اسم أبيه على حرف النون

من اسم أبيه على حرف النون أحمد بن نصر بن زياد أبو عبد الله القرشي النيسابوري المقرىء الزاهد الفقيه رحل إلى الشام. حدث بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن رجلاً ممن قبلكم مات وليس معه شيء من كتاب الله عز وجل إلا تبارك. فلما وضع في حفرته أتاه الملك فثارت السورة في وجهه فقال لها: إنك من كتاب الله، وإني أكره مساءتك، وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضراً ولا نفعاً فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفقي له، فتنطلق إلى الرب تبارك وتعالى فتقول: أي رب، إن فلاناً عمد إلي من بين كتابك فتعلمني وتلاني، أفتحرقه أنت بالنار وتعذبه وأنا في جوفه فإن كنت فاعلاً ذاك به فامحني من كتابك، فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحق لي أن أغضب. قال: فيقول: اذهبي فقد وهبته لك، وشفعتك فيه. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحباً بهذا الفم فربما تلاني ومرحباً بهذا الصدر فربما وعاني، ومرحباً بهاتين القدمين فربما قامتا بي وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه. فلما حدث بهذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبق صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد بالمدينة إلا تعلمها وسماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنجية. قال أحمد بن نصر المقرىء: سألت أبا مسهر الدمشقي قلت: من يقول الإيمان قول؟ قال: مرجىء ومبتدع. قلت: فالإيمان قول وعمل؟ قال: نعم. قلت: ويزيد وينقص؟ قال: نعم، كان الأوزاعي يقول: ما من شيء يزيد إلا وينقص.

أحمد بن نصر بن شاكر بن عمار

كان أبو عبد الله أحمد بن نصر ثقة، صاحب سنة محباً لأهل الخير. توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومئتين. أحمد بن نصر بن شاكر بن عمار وهو أحمد بن أبي رجاء أبو الحسن المقرىء المؤدب حدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني بسنده عن معدان بن طلحة اليعمري قال: لقيت ثوبان فقلت: حدثني حديثاً ينفعني الله به، فسكت ثم عدت لمثلها فسكت، فقلت له مثلها، فقال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة. ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك. توفي في المحرم سنة اثنتين وتسعين ومئتين. أحمد بن نصر بن طالب أبو طالب البغدادي الحافظ حدث عن سليمان بن عبد الحميد أبو أيوب البهراني بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله أول شيء خلقه القلم، وأخذه بيده اليمنى وكلتا يديه يمين، فكتب ما يكون فيها من عمل معمول بر أو فجور، رطب أو يابس فأحصاه عنده في الذكر، ثم قال اقرؤوا إن شئتم " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " فهل النسخ إلا من شيء قد فرغ منه. توفي أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ في رمضان، وقيل شوال سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة. وكان ثقة ثبتاً.

أحمد بن نصر بن محمد أبو الحسن

أحمد بن نصر بن محمد أبو الحسن ابن أبي الليث المصري الحافظ حدث عن أبي علي محمد بن هارون الأنصاري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من عبد يخطو خطوةً إلا سئل عنها ماذا أراد بها. أنشد أحمد بن أبي الليث المصري قال: أنشدني محمد بن جعفر النحوي بطبرستان قال: أنشدنا أبو العير لنفسه: من المديد ليس لي مالٌ سوى كرمي ... فيه لي أمنٌ من العدم لا أقول الله يظلمني ... كيف أشكو غير متهم قنعت نفسي بما رزقت ... وتمطت في العلا هممي ولبست الصبر سابعةً ... هي من قرني إلى قدمي وإذا ما الدهر عاتبني ... لم يجدني كافر النعم جاء نعيه في رمضان سنة ست وثمانين وثلاث مئة. أحمد بن نصر بن محمد أبو منصور الدينوري حدث بدمشق عن أبي القاسم علي بن أحمد بن علي بن راشد العجلي بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خيركم في المئين المؤمن الخفيف الحاذ: قيل: وما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له ولا ولد.

أحمد بن النضر بن بحر أبو جعفر العسكري

أحمد بن النضر بن بحر أبو جعفر العسكري حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة قالت: ذبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمن تمتع من نسائه بقرةً. وحدث عن سعيد بن حفص النفيلي بسنده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم بارك لأمتي في سحورها، تسحروا ولو بشربة من ماء، ولو بتمرة، ولو بحبات زبيب، فإن الملائكة تصلي عليكم. توفي أحمد بن النضر في ذي الحجة سنة تسعين ومئتين. وكان من ثقات الناس وأكثرهم كتاباً. أحمد بن نظيف بن عبد الله أبو بكر الخفاف حدث عن أحمد بن عمير بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء. أحمد بن نمير الثقفي حدث عن أبيه عن ابن أسباط أن هذا كتاب يحيى بن حمزة القاضي، كان بدمشق لبنك نصارى مدينة دمشق أنهم رفعوا إلى الأمير محمد بن إبراهيم أصلحه الله قصة، وذكروا أنهم شجر بينهم وبين رئيسهم في دينهم وجماعتهم من أهل القرى وعتاقة العرب والغرباء اختلاف وفرقة، وأنهم غلبوهم على كنائسهم وسألوه النصفة لهم منهم، والوفاء لهم بما في عهدهم، وكتابه الذي كتبه لهم خالد بن الوليد عند فتح مدينتهم فأمرني الأمير محمد بن إبراهيم بعد اجتماعهم عنده وتناصبهم الخصومة بين يديه بالنظر في أمرهم، وحملهم على ما يرى من الحق والعدل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فدعوتهم بحججهم فأتوني بكتاب خالد بن الوليد لهم فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق يوم فتحها أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم لا تهدم ولا تسكن، لهم على ذلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ألايعرض لهم أحد إلا بخير إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية. شهد هذا الكتاب يوم كتب عمرو بن العاص وعياض بن غنم ويزيد بن أبي سفيان وأبو عبيدة بن الجارح ومعمر بن عتاب وشرحبيل بن حسنة وعمير بن سعد ويزيد ابن نبيشة وعبد الله بن الحارث وقضاعي بن عامر. وكتب في شهر ربيع الآخر من سنة خمس عشرة. قال يحيى بن حمزة: فنظرت في كتابهم، فوجدته خاصة لهم، وفحصت عن أمرهم فوجدت فتحها بعد حصار، ووجدت ما وراء حائطها لدفع الخيل ومراكز للرماح، ونظرت في جزيتهم فوجدتها وظيفة عليهم خاصة دون غيرهم، ووجدت أهلها عند فتحها رجلين: رجلاً رومياً قتلته الحرب أو نفته، فمساكنهم وكنائسهم قسمة بين المسلمين معروفة ليس تخفى، ورجلاً من أهلها حقن دمه هذا العهد، فمساكنهم وكنائسهم مع دمائهم لهم لم تسكن، ولم تقسم معروفة ليست تخفى. فقضيت لهم بكنائسهم حين وجدتهم أهل هذا العهد وأبناء البلد بنكاً تلادا، ووجدت من نازعهم لفيفاً طرآء، وذلك لو أنهم أسلموا بعد فتحها كان لهم صرفها مساجد ومساكن، فلهم في آخر الدهر ما لهم في أوله، وأثبت في الأصول قبل وأشهدت الله عليه وصالح المؤمنين وفاء بهذا العهد الذي عهده لهم السابقون الأخيار. فإن يكن بينهم خاصة في ذلك اختلاف نظر لهم، وقضيت لمن نازعهم بما كان لهم فيها من حلية أو آنية أو كسوة أو عرصة أضافوا ذلك إليها، يدفع ذلك إليهم بأعيانه إن قدروا عليه وسهل قبضه أو قيمة عدل يوم ينظر فيه. شهد على ذلك.

أحمد بن نهيك كاتب عبد الله بن طاهر

أحمد بن نهيك كاتب عبد الله بن طاهر قدم معه دمشق. حدث أحمد بن أبي طاهر أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك. فلم نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق، وكان يثبت كل ما يهدى إليه في قرطاس، ويدفعه إلى خازن له. فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان أمره أن يعمله، فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاساً فيه العمل الذي أمر بإخراجه، ويضعه في المحراب لئلا ينساه في السحر عند ركوبه، فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب. فلما صلى أحمد بن نهيك الفجر أخذ القرطاس من المحراب ووضعه في حقه. فلما دخل على عبد الله بن طاهر سأله عما يقدم إليه من إخراجه العمل الذي أمره به فأخرج الدرج ودفعه إليه فقرأه عبد الله من أوله إلى آخره، وتأمله ثم أدرجه ودفعه إلى أحمد بن نهيك وقال له: ليس هذا الذي أردت. فلما نظر أحمد بن نهيك فيه أسقط في يده. فلما انصرف إلى مضربه وجه إليه عبد الله بن طاهر يعلمه أني قد وقعت على ما في القرطاس فوجدته سبعين ألف دينار واعلم أنه قد لزمتك مؤونة عظيمة غليظة في خروجك ومعك زوار وغيرهم، وإنك محتاج إلى برهم وليس مقدار ما صار إليك يفي بمؤونتك وقد وجهت إليك بمئة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي ذكرتها.

من اسم أبيه على حرف الواو

من اسم أبيه على حرف الواو أحمد بن الوليد بن هشام القرشي مولى بني أمية ويعرف بالقبيطي روى عن هشام بن عمار وغيره بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في معاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً.

من اسم أبيه على حرف الهاء

من اسم أبيه على حرف الهاء أحمد بن هارون بن جعفر أبو العباس الدلاء البغدادي روى عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عزى مصاباً فله مثل أجره. أحمد بن هارون بن روح أبو بكر البردعي البرديجي الحافظ من أهل برديج من أعمال بردعة من بلاد أرمينية. روى عن حسين بن علي بن الأسود بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كفارة أحداثنا فقال: شهادة أن لا إله إلا الله. وفي رواية: عن كفارة احدانا. توفي ببغداد في رمضان سنة إحدى وثلاث مئة. وكان ثقة فاضلاً فهماً حافظاً من حفاظ الحديث المذكورين بالحفظ والفقه، ولم يغير شيبه. أحمد بن هشام بن عبد الله ابن كثير القارىء أبو الحسن الأسدي، مولى بني أسد من قريش البزار من أهل باب الصغير حدث عن محمد بن مصفر بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أسرف عبدٌ على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فاحرقوني ثم

أحمد بن همام بن عبد الغفار

اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه. ففعل ذلك به أهله. فقال الله عز وجل لكل شيء أخذ منه شيئاً أد ما أخذت منه فإذا هو قائم. قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك. فغفر الله له. أحمد بن همام بن عبد الغفار ابن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، أبو حدرد المخزومي حدث عن محمد بن سعيد بن الفضل بسنده عن أبي الدرداء قال: - لا أعلمه إلا رفعه - قال: من قال في امرىء مسلم ما ليس فيه ليؤذيه حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يقضي بين الناس.

من اسم أبيه على حرف الياء

من اسم أبيه على حرف الياء أحمد بن يحيى بن جابر بن داود أبو الحسن ويقال: أبو جعفر - ويقال: أبو بكر البغدادي البلاذري الكاتب. صاحب التاريخ سمع جماعة، وروى عنه جماعة. قال حمد بن يحيى البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى لك ذكره، ويزول عنك إثمه فقلت: من الخفيف استعدي يا نفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد قد تبينت أنه ليس للح ... ي خلودٌ ولا من الموت بد إنما أنت مستعيرةٌ ما سو ... ف تردين والعواري ترد أنت تسهين والحوادث لا تس ... هو وتلهين والمنايا تجد أي ملكٍ في الأرض أو أي حظٍ ... لامرىءٍ حظه من الأرض لحد لا ترجبي البقاء في معدن المو ... ت ودارٌ حتوفها لك ورد كيف يهوى امرؤٌ لذاذة أيا ... مٍ عليه الأنفاس فيها تعد كان البلاذري أديباً راوية، وله كتب جياد، ومدح المأمون وجالس المتوكل وتوفي في أيام المعتمد. ووسوس في آخر عمره. أحمد بن يحيى بن سهل بن السري أبو الحسين الطائي المنبجي الشاهد المقرىء النحوي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.

أحمد بن يحيى بن صالح بن بيهس

وحدث أيضاً عن أبي الحسن نظيف بن عبد الله المقرىء بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يتطير، وكان إذا بعث غلاماً سأل عن اسمه، فإن أعجبه اسمه فرح لذلك ورئي في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل القرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح بها ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة. وكان ثقة. أحمد بن يحيى بن صالح بن بيهس ابن زميل بن عمرو بن هبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب حدث أحمد بن يحيى بن صالح عن أبيه قال: قال عبد الله بن طاهر لأخي محمد بن صالح بن بيهس: إنك لتعدد ما قمت به لأمير المؤمنين كأنك طاهر بن الحسين! فقال له محمد بن صالح: إن طاهر بن الحسين حارب عن دولة أمير المؤمنين بمال أمير المؤمنين ورجاله، وأنا حاربت عن دولة أمير المؤمنين بمالي وعشيرتي. فقال له عبد الله بن طاهر: أنشدني شعرك الذي كتبت به إلى المأمون لما وجهت برأس القاسم بن أبي العميطر فأنشده: مجزوء الرمل أبلغا اليوم على البع ... د أمير المؤمنينا أنني أهلكت بالشا ... م أمير المجرمينا وقتلت ابن عظيم ال ... مارقين المعتدينا قاسماً لما غدا يس ... تحلب الحرب الزبونا وعلى معتمرٍ كر ... رت مرداةً طحونا لم تدع بالشام كبشاً ... من كباش العبشمينا ظالماً إلا سقينا ... هـ بها كأس المنونا ليت شعري أأتي المأ ... مون أنا قد عنينا

أحمد بن يحيى من أهل حجر الذهب

بالذي صار إليه ... في أمور المسلمينا وكفيناه ببيضٍ ... مرهفاتٍ من يلينا أحمد بن يحيى من أهل حجر الذهب مقعد. حدث بسنده عن جابر قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر عبد الله بن أبي بعد ما دفن وأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه. أحمد بن يحيى أبو بكر السنبلاني الأصبهاني من أهل سنبلان، محلة بأصبهان. قدم دمشق. حدث عن هارون بن سعيد، أبو عبد الرحمن الراعي الأصبهاني، وكان من خيار الناس بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى علي في كتابه لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب. قال أبو بكر السنبلاني: فأنا رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة جمعة في آخر الليل فقلت له: يروى عنك أنك قلت: من صلى علي في كتابه لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب، فأومأ برأسه مرتين أو ثلاثاً. أي: نعم. أحمد بن يحيى الأنطاكي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل أحب لكم ثلاثاً، وكره لكم ثلاثاً: أحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تنضموا لمن ولاه الله أمركم، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً. وكره لكم: قيل

أحمد بن يحيى أبو عبد الله

وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. أحمد بن يحيى أبو عبد الله ابن الجلاء أحد مشايخ الصوفية الكبار صحب أباه وذا النون المصري وأبا تراب النخشبي وغيرهم. وكان عالماً ورعاً. وكان أصله بغدادياً، وأقام بالرملة وبدمشق، وكان من جلة المشايخ وأئمة القوم. سئل أبو عبد الله: ما معنى الصوفي؟ فقال: ليس يعرف من شرط العلم، ومعناه مجرد من الأسباب كأن الله معه بكل مكان فلا يمنعه الحق من علم كل مكان فسمي صوفي. كان ابن الجلاء يقول: يحتاج العبد أن يكون له شيء يعرف به كل شيء. وكان يقول: من استوى عنده المدح والذم فهو زاهد، ومن حافظ على الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد، ومن رأى الأفعال كلها من الله فهو موحد. قال ابن الجلاء: قلت لأبي وأمي: أحب أن تهباني لله عز وجل. فقالا: قد وهبناك لله، فغبت عنهم مدة، فلما رجعت كانت ليلة مطيرة فدققت الباب فقال أبي: من ذا؟ قلت: ولدك أحمد، قال: قد كان لنا ولد فوهبناه لله عز وجل ونحن من العرب لا نسترجع شيئاً وهبناه ولم يفتح الباب. قال أبو الخير: كنت جالساً ذات يوم في موضعي هذا على باب المسجد فرفعت رأسي، فرأيت رجلاً في الهواء وبيده ركوة، فأومأ إلي فقالت له: انزل فأبى، ومر في الهواء فسئل الشيخ أبو الخير: عرفت الرجل؟ فقال: نعم، قيل له: من كان، فقال: أبو عبد الله بن الجلاء.

سئل ابو بكر محمد بن داود عن أبي عبد الله بن الجلاء: أكان يجلو المرايا والسيوف؟ قال: لا، ولكن كان إذا تكلم على قلوب المؤمنين جلاها. قال أبو عبد الله بن الجلاء: ما جلا أبي شيئاً قط، ولكنه كان يعظ الناس فيقع في قلوبهم فسمي جلاء القلوب. كان يقال: في الدنيا ثلاثة من أئمة الصوفية لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام. قال الفرغاني: ما رأيت في عمري إلا رجلاً ونصف رجل، فقيل له: من الرجل؟ قال أبو أمية الماحوزي، والنصف رجل أبو عبد الله بن الجلاء، فقيل له: لم جعلت ذاك رجلاً وهذا نصفاً؟ قال: أبو أمية يأكل شيئاً ليس للمخلوقين فيه صنع، وأبو عبد الله بن الجلاء يأكل من رحل أبي عبد الله العطار. قال أبو عمر محمد بن سليمان بن أبي داود اللباد: حضرت مجلس أبي عبد الله بن الجلاء فحدثنا أن هارون الرشيد دخل إلى بيت الله الحرام، ومعه رجل من بني شيبة، فأقام معه طويلاً، فقال له هارون: يا شيبي، قد دخلت معي هذا البيت فهل لك من حاجة؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره. قال: فأعجب هارون هذا الكلام. فلما خرج هارون من البيت أمر له بسبع بدر فقال الحسن بن حبيب لابن الجلاء يا حبيبي، أمر له بسبع بدر؟! فأعادها عليه مراراً، فقال له ابن الجلاء: كم ترددها! إذا رأيت أحداً يعظم أمر الدنيا مقته قلبي. سئل أبو عبد الله بن الجلاء عن المحبة فقال: ما لي وللمحبة، إني أريد أن أتعلم التوبة. قال أبو عمر الدمشقي: خرجنا مع أبي عبد الله بن الجلاء إلى مكة فمكثنا أياماً لم نجد ما نأكل. قال: فوقعنا

إلى حي في البرية، فإذا بأعرابية وعندها شاة فقلنا لها: بكم هذه الشاة؟ فقالت: بخمسين درهماً. فقلنا لها: أحسني فقالت بخمسة دراهم فقلنا لها: تهزئين؟ فقالت: لا، والله، ولكن سألتموني الإحسان فلو أمكنني لم آخذ شيئاً. فقال أبو عبد الله بن الجلاء: إيش الذي معكم؟ قلنا: ست مئة درهم فقال: أعطوها، واتركوا الشاة عليها فما سافرنا سفرة أطيب منها. قال أبو عبد الله بن الجلاء: كنت بمكة مجاوراً مع ذي النون فجعنا أياماً كثيرة لم يفتح لنا بشيء. فلما كان ذات يوم قام ذو النون قبل صلاة الظهر ليصعد إلى الجبل ليتوضأ للصلاة وأنا خلفه، فرأيت قشور الموز مطروحاً في الوادي وهو طري، فقلت في نفسي آخذ منه كفاً أو كفين أتركه في كمي ولا يراني الشيخ حتى إذا صرنا في الجبل ومضى الشيخ يتمسح أكلته. قال: فأخذته وتركته في كمي وعيني إلى الشيخ لئلا يراني. فلما صرنا في الجبل، وانقطعنا عن الناس التفت إلي وقال: اطرح ما في كمك يا شره، فطرحته وأنا خجل، وتمسحنا للصلاة، ورجعنا إلى المسجد وصلينا الظهر والعصر والمغرب وعشاء الآخرة. فلما كان بعد ساعة إذا إنسان قد جاء ومعه طعام عليه مكبة، فوقف ينظر إلى ذي النون، فقال له ذو النون: مر فدعه قدام ذاك، وأومأ إلي بيده، فتركه بين يدي، فانتظرت الشيخ ليأكل فلم أره يقوم من مكانه، ثم نظر إلي وقال: كل، فقلت: آكل وحدي، فقال: نعم، أنت طلبت، نحن ما طلبنا شيئاً، يأكل الطعام من طلبه، فأقبلت آكل وأنا خجل مما جرى. أو كما قال. كان أبو عبد الله بن الجلاء جالساً في المسجد وحوله جماعة، فرأى بعض من حضر على لحيته قشرة تين فنحاها منه فأراها له، فصاح وقال: تأخذ من لحيتي وتطرح في المسجد! ثم أخذها في يده، وقام إلى باب المسجد فرماها وعاد فجلس. قال ابن الجلاء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك، فيسهل عليك الإعراض عنها. سئل أبو عبد الله بن الجلاء - وقيل له: هؤلاء الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا عدة يزعمون أنهم متوكلة فيموتون! قال: هذا فعل رجال الحق فإن ماتوا فالدية على القاتل.

سئل ابن الجلاء عن الفقر، فسكت حتى خلا، ثم ذهب ورجع عن قريب وقال: كان عندي أربعة دوانيق فاستحييت من الله أن أتكلم في الفقر فذهبت فأخرجتها ثم قعد وتكلم في الفقر. وكان ابن الجلاء يقول: لولا شرف التواضع لكان حكم الفقير أن يتبختر. وكان يقول: آلة الفقير صيانة فقره، وحفظ سره، وأداء فرضه. وقال ابن الجلاء: لا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه من المودة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقاً لا يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه. وقال: الدنيا أوسع رقعة وأكثر رحمة من أن يجفوك واحد، ولا يرغب فيك آخر، وأنشد: من البسيط تلقى بكل بلادٍ إن حللت بها ... أهلاً بأهلٍ وإخواناً بإخوان كان أبو عبد الله الجلاء يقول: لو أن رجلاً عصى الله بين يدي معصية أنظر إليه، ثم غاب فلا يجوز فيما بيني وبين الله عز وجل أن أعتقد فيه ذاك الذي رأيته بعيني، لأنه يمكن أنه قد تاب ورجع إلى الله عز وجل حين غاب عني. لما مات ابن الجلاء نظروا إليه وهو يضحك، فقال الطبيب: إنه حي، ثم نظر إلى مجسه فقال: إنه ميت، ثم كشف عن وجهه فقال: لا أدري هو ميت أم حي. وكان في داخل جلده عرق على شكل: الله. وقيل: هذا كان لوالده لا له. توفي أبو عبد الله بن الجلاء يوم السبت ثاني عشر رجب سنة ست وثلاث مئة.

أحمد بن أبي خالد يزيد

أحمد بن أبي خالد يزيد ابن عبد الرحمن الكاتب أبو العباس الأحول، مولى عاصم بن الوليد بن عتبة بن ربيعة أصله من الأردن. وترقت به الحال إلى أن استوزره المأمون بعد الفضل بن سهل، وكان أبو خالد كاتباً لأبي عبيد الله وزير المهدي. حدث أسد بن سالم صاحب ديوان السواد أن أحمد بن أبي خالد قال لثمامة بن أشرس: كل أحد في الدار له مغنى غيرك فإنه لا مغنى لك في دار أمير المؤمنين فقال له ثمامة: إن مغناي في الدار والحاجة إليه بينة. قال: وما الذي تصلح له؟ قال: أشاور في مثلك. هل تصلح لمن معك أو لا تصلح؟ قال: فأفحم فما رد عليه جواباً. قال الصولي: وكان ثمامة لما قتل الفضل بن سهل قد بعث إليه المأمون في الليل فعرض عليه الوزارة وألح عليه فيها، وقال له المأمون: أريدك لكذا وكذا، فقال: إني لا أقوم بذلك يا أمير المؤمنين، وإني لأضن بموضعي وحالي أن تزول، ولم أر أحداً يعرض للخدمة والوزارة إلا لم يكد تسلم حاله، ولا تدوم منزلته، فأعفاه منها، وقال له: فأشر علي برجل يصلح لما عرفتك، فقال: أحمد بن أبي خالد الأحول يقوم بالخدمة، إلى أن ينظر أمير المؤمنين من يصلح، فدعاه المأمون، وأمره بلزوم الخدمة. فلما تمكن له الأمر واستوثقت له الحال تذمم المأمون من تنحيته عن الأمر. قال أبو العباس أحمد بن أبي خالد: كنت يوماً عند المأمون أكلمه في بعض الأمر فحضرتني عطسة فرددتها، وفهم المأمون ذلك، وقال: يا أحمد، لم فعلت هذا؟ أما علمت أنه ربما قتل ولسنا نحمل أحداً على هذه الخطيئة، فدعوت له وقلت: يا أمير المؤمنين ما سمعت كلمةٌ لملك أشرف من هذه. قال: بلى، كلمة هشام حين أراد الأبرش الكلبي أن يسوي عليه ثوبه فقال له هشام: إنا لا نتخذ الإخوان خولاً.

أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار

ومن كلام أحمد بن أبي خالد: لا يعدن شجاعاً من لم يكن جواداًن فإن من لم يقدر على نفسه بالبذل لم يقدم على عدوه بالقتل. وذكر عن بعض أهل العلم أنه قال: كان الناس يقولون: إن الشجاع لا يكون بخيلاً، وإن الشجاعة والبخل لا يجتمعان. وذلك أن من جاد بنفسه كان بماله أجود، حتى نشأ عبد الله بن الزبير فكان من الشجاعة بحيث لا يدانيه كبير أحد وكان من البخل على مثل هذا الحد، وعلى قول من أنكر اجتماع الشجاعة والبخل قوله من البسيط يجود بالنفس إن ضن الجبان بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود قال أحمد بن أبي داود: لما مات أحمد بن أبي خالد وزير المأمون في آخر سنة اثنتي عشرة ومئتين صلى عليه المأمون، ووقف على قبره، فلما دلي في قبره قال: رحمك الله، أنت والله كما قال الشاعر: من الطويل أخو الجد إن جد الرجال وشمروا ... وذو باطلٍ إن كان في القوم باطل وقيل: مات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة ومئتين. أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار ابن بغاطر بن مصعب بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أبو بكر القرشي الأموي الجرجاني حدث أحمد بن يعقوب بسنده عن الزهري أنه كان عن عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، فأراد أن يقوم فأجلسه، ثم قدمت المائدة. فلما فرغوا من الأكل قدموا البطيخ، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، روينا عن بعض عمات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلاً، ويذهب الداء أصلاً، فقال له عبد الملك لو أخبرتني يابن شهاب قبل هذا لفعلنا كذلك. ثم دعا بصاحب الخزانة فساره في أذنه، فذهب ثم رجع ومعه مئة ألف درهم فأمره فوضعها بين يدي الزهري.

وحدث أحمد بن يعقوب بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أردت أن يذكرك الله عنده فأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قال أحمد بن يعقوب: دخلت مع خالي بغداد سنة ثلاثٍ وثلاث مئة، وبغداد تغلي بالعلماء والأدباء والشعراء وأصحاب الحديث وأهل الأخبار، والمجالس عامرة وأهلها متوافرون، فأردت أن أطوف المجالس كلها، وأخبر أخبارها، فقيل لي: إن ههنا شيخاً يقال له أبو العبرطن أملح الناس، فرحلنا ولم ندخل عليه وفي القلب منه ما فيه. فلما توفي خالي وعدت إلى بغداد سألت عن أبي العبرطن فقيل: يعيش، وله مجلس، فعمدت إلى الكاغد والمحبرة، وقصدت الشيخ، فإذا الدار مملوءة من أولاد الملوك والأغنياء وأولاد الهاشميين بأيديهم الأقلام يكتبون، وإذا مستملٍ قائم في صحن الدار، وإذا شيخ في صدر الدار ذو جمال وهيئة قد وضع في رأس طاق خف مقلوب، واشتمل بفرو أسود قد جعل الجلد مما يلي بدنه، فجلست في أخريات القوم، وأخرجت الكاغد وانتظرت ما يذكر من الإسناد، فلما فرغوا قال الشيخ: حدثنا الأول عن الثاني عن الثالث أن الزنج والزط كلهم سود. وحدثني خرباق عن يناق قال: مطر الربيع ماء كله. وحدثني دريد عن رشيد قال: الضرير يمشي رويداً. قال أبو بكر: فبقيت أتعجب من أمر الشيخ، فطلبت منه خلوة في أيام أعود إليه كل يوم فلا أصل إليه حتى كانت الليلة التي يخرج فيها الناس إلى الغدير اجتزت بباب داره، فإذا الدار ليس فيها أحد فدخلت، فإذا الشيخ وحده جالس في صدر الدار، فدنوت منه، وسلمت عليه فرحب بي، وأدناني، وجعل يسائلني، فرأيت منه من جميل المحيا والعقل والأدب والظرافة واللباقة ما تحيرت، فقال لي: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، قال: وما هي؟ قلت: قد تحيرت في أمر الشيخ وما هو مدفوع إليه. مما لا يليق بعقله وحسن أدبه وبيانه وفصاحته، فتنفس تنفساً شديداً ثم قال: إن السلطان أرادني على عمل لم أكن

أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية أبو الحسن السلمي النيسابوري

أطيقه وحبسني في المطبق أيام حياته. فلما ولي ابنه عرض علي ما عرض علي أبوه فأبيت، فحبسني وردني إلى أسوأ ما كنت فيه، وذهب من يدي ما كنت أملكه، واخترت سلامة الدين، ولم أتعرض لشيء من الدنيا بشيء من ديني، وصنت العلم عما لا يليق به، فلم أجد وجهاً لخلاصي فتحامقت ونجوت بها. وها أنذا في رغد من العيش. أحمد بن يوسف بن خالد بن سالم بن زاوية أبو الحسن السلمي النيسابوري المعروف بحمدان أحد الثقات الأثبات. حدث بسنده عن عمير بن هانىء أنه سمع معاوية وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. وحدث بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رفعت إلي السدرة فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان، فأما الظاهران فالنيل والفرات، وأما الباطنان فنهران في الجنة. وأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبن فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك. مات أحمد بن يوسف السلمي سنة أربع وستين ومئتين. وقيل: سنة ثلاث وستين ومئتين. أحمد بن يوسف بن خالد أبو عبد الله التغلبي صاحب أبي عبيد حدث عن هشام بن عمار بسنده عن علي رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا، وموكله وكاتبه، والواشمة والمستوشمة، والمستحل والمستحل له ومانع الصدقة.

أحمد بن يوسف بن عبد الله

وفي رواية غيره: لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه. توفي أحمد بن يوسف في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومئتين. وقيل: في رجب. أحمد بن يوسف بن عبد الله أبو نصر الشعراني العرقي الأديب حدث بأطرابلس في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عجب ربنا تبارك وتعالى من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح أبو جعفر الكاتب أصله من الكوفة. ولي ديوان الرسائل للمأمون. يقال: إنه من بني عجل، وكان له أخ يقال له القاسم بن يوسف كان شاعراً كاتباً، وهما وأولادهما جميعاً أهل أدب وطلب للشعر والبلاغة. قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطاً رديئاً، فقال لي: إن أردت أن يجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها ثم قال: من الطويل إذا جرح الكتاب كان قسيهم ... دوايا وأقلام الدوي لهم نبلا والجلفة: فتحة رأس القلم. قال رجل لأحمد بن يوسف كاتب المأمون: والله ما أدري أيك أحسن: أما وليه من خلقك أم ما وليته من أخلاقك؟

ومن شعر أحمد بن يوسف: من البسيط يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت ... بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه قد يرزق المرء لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي ما مسني من غنى يوماً ولا عدمٍ ... إلا وقولي عليه: الحمد لله ومن شعر أحمد بن يوسف أيضاً: من الطويل إذا قلت في شيء نعم فأتمه ... فإن نعم دين على الحر واجب وإلا فقل: لا، واسترح وأرح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب ومن شعره في إفشاء السر: من الطويل إذا المرء أفشى سره بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي استودعته السر أضيق كان لأحمد بن يوسف جاريةٌ مغنيةٌ شاعرةٌ يقال لها: نسيم، وكان لها من قلبه مكان، فقالت وقد غضب عليها: من الطويل غضبت بلا جرمٍ علي تجرماً ... وأنت الذي تجفو وتهفو وتغدر سطوت بعز الملك في نفس خاضعٍ ... ولولا خضوع الرق ما كنت أصبر فإن تتأمل ما فعلت تقم به ال ... معاذير أو تظلم فإنك تقدر فرضي عنها، واعتذر إليها، وقالت ترثيه: من البسيط نفسي فداؤك لو بالناس كلهم ... ما بي عليك تمنوا أنهم ماتوا وللورى موتةٌ في الدهر واحدةٌ ... ولي من الهم والأحزان موتات ومن شعره: مجزوء الكامل قلبي يحبك يا منى ... قلبي ويبغض من يحبك لأكون فرداً في هوا ... ك فليت شعري كيف قلبك كان أحمد بن يوسف من أفاضل كتاب المأمون، وأذكاهم، وأفطنهم، وأجمعهم

أحمد بن يونس بن المسيب بن زهير

للمجالس، وكان جيد الكلام، فصيح اللسان، حسن اللفظ، مليح الخط. يقول الشعر في الغزل، والمديح، والهجاء. أشرف أحمد بن يوسف وهو في الموت على بستان له على شاطىء دجلة فجعل يتأمله؛ ويتأمل دجلة، ثم تنفس وقال متمثلاً: من البسيط ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ... ففيه ما شئت من عيبٍ لعائبه فما أنزلوه حتى مات. ومات في سنة ثلاث عشرة. وقيل: أربع عشرة ومئتين. وهو في سخطةٍ من المأمون. أحمد بن يونس بن المسيب بن زهير ابن عمرو بن حميل بن الأعرج بن عاصم بن ربيعة بن مسعود بن منقذ بن كوز بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، أبو العباس الضبي كوفي الأصل سكن بغداد، وانتقل إلى أصبهان وسمع بدمشق. حدث عن محاضر بن الموزع بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر كلام. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أحداً من أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. توفي سنة ثمان وستين ومئتين، وكتب أهل بغداد بأمانته وعدالته، وكان محله الصدق. قال أحمد بن يونس الضبي: قدمني أبي إلى الفضيل بن عياض فمسح رأسي فسمعته يقول: اللهم حسن خلقه وخلقه.

من اسمه أبان

من اسمه أبان أبان بن سعيد أبي أحيحة بن العاص ابن أمية بن عبد شمس أبو الوليد الأموي له صحبة واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض سراياه، ثم ولاه البحرين، وقدم الشام مجاهداً فقتل يوم أجنادين. وقيل: يوم اليرموك. وقيل: مات سنة تسع وعشرين. لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبو بكر أبان بن سعيد بن العاص إلى اليمن، فكلمه فيروز في دم داذويه فقال: إن قيساً قتل عمي غدراً على عدائه، وقد كان دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب، فأرسل أبان يعلى بن أمية إلى قيس فقال: اذهب فل له. أجب أبان بن سعيد فإن تردد فاضربه بسيفك، فقدم عليه يعلى، فقال: أجب الأمير أبان، فقال له قيس: أنت ابن عمي فأخبرني لم أرسل إلي؟ فقال له: إن ابن الديلمي كلمه فيك أنك قتلت عمه رجلاً مسلماً على عدائك، قال قيس: ما كان مسلماً لا هو ولا أنا، وكنت طالب ذحل قد قتل أبي وقتل عمي عبيدة وقتل أخي الأسود، فأقبل مع يعلى، فقال أبان لقيس: أقتلت رجلاً قد دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب؟ قال: قدرت أيها الأمير، فاسمع مني: أما الإسلام فلم يسلم لا هو ولا أنا، وكنت رجلاً طالب ذحل. وأما الإسلام فتقبل مني وأبايعك عليه، وأما يميني فهذه هي لك بكل حدث يحدثه كل إنسان من مذحج. قال: قد قبلنا منك، فأمر أبان المؤذن أن ينادي بالصلاة وصلى أبان بالناس صلاة خفيفة، ثم خطب فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وضع كل دم كان في الجاهلية فمن أحدث في الإسلام حدثاً أخذناه به ثم جلس، فقال: يابن الديلمي، تعال خاصم صاحبك واختصما فقال أبان: هذا دم قد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نتكلم فيه، وقال أبان لقيس: الحق بأمير المؤمنين يعني عمرو أنا أكتب لك أني قضيت بينكما، فكتب إلى عمر أن فيروز وقيساً اختصما عندي في دم داذويه فأقام قيس عندي البينة أنه كان في الجاهلية فقضيت بينهما.

قال سعيد بن العاص: لما قتل أبي يوم بدر كنت في حجر عمي أبان بن سعيد، وكان ولي صدق، وإنه خرج تاجراً إلى الشام فمكث هنالك سنة، ثم قدم علينا، وكان شديد السب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد الحرد عليه، فلما بلغني قدومه خرجت حتى جئته، فكان أول ما سأل عنه أن قال: ما فعل محمد؟ فقال عمي عبد الله بن سعيد: هو والله أعز ما كان قط، وأعلاه أمراً، والله فاعلٌ به وفاعل، فسكت ولم يسبه كما كان يفعل، وقام القوم فمكث ليالي، ثم أرسل إلى سراة بني أمية وقد صنع لهم طعاماً. فلما أكلوا قال: ما فعل رسول الله محمد؟ قالوا: فعل الله به وفعل، وقد أكثرت من السؤال عنه فما شأنك؟ فقال: شأني والله أني ما أرى شراً دخلتم إلا دخلت فيه، ولا شراً وخيراً تركتموه إلا تركته ولم أره خيراً، تعلمون أني كنت بقرية يقال لها بامردى وكان بها راهب لم ير له وجه مذ أربعين سنة. فبينا أنا ذات ليلة هنالك إذا النصارى يطيبون المصانع والكنائس ويصنعون الأطعمة ويلبسون الثياب فأنكرت ذلك منهم فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: هذا راهب يقال له: بكا، لم ينزل إلى الأرض ولم ير فيها منذ أربعين سنة، وهو نازل اليوم، فيمكث أربعين ليلة يأتي المصانع والكنائس وينزل على الناس. فلما كان الغد نزل فخرجوا، واجتمعوا، وخرجت فنظرت إليه فإذا شيخ كبير، فخرجوا وخرج معهم يطوف فيهم، فمكث أياماً، وإني قلت لصاحب منزلي: اذهب معي إلى هذا الراهب، فإني أريد أن أسأله عن شيء فخرج معي حتى دخلنا عليه فقلت: لي إليك حاجة فاخلني فقام من عنده فقلت: إني رجل من قريش، وإن رجلاً منا خرج فينا يزعم أن الله عز وجل أرسله مثلما أرسل موسى وعيسى، فقال: ممن هو؟ فقلت: من قريش، قال: وأين بلدكم؟ قلت: تهامة ثم مكة قال: لعلكم تجار العرب أهل بيتهم، قلت: نعم، قال: ما اسم صاحبك؟ قلت: محمد، قال: ألا أصفه لك ثم أخبرك عنه؟ قلت: بلى، قال: مذ كم خرج فيكم؟ قلت: منذ عشرين سنة أو دون ذلك بقليل، قال: فهو يومئذٍ ابن أربعين سنة! قلت: أجل،

قال: وهو رجل سبط الرأس، حسن الوجه، قصد الطول شئن اليدين، في عينه حمرة، لا يقاتل ببلده ما كان فيه، فإذا خرج منه قاتل فظفر، وظهر عليه، يكثر أصحابه، ويقل عدوه، قلت: والله ما أخطأت من صفته ولا أمره واحدةً، فأخبرني عنه، قال: ما اسمك؟ قلت: أبان، قال: كيف أنت أصدقته أم كذبته؟ قلت: بل كذبته، فرفع يده فضرب ظهري بكفٍ لينة واحدة ثم قال: أيخط بيده؟ قلت: لا، قال: هو والله نبي هذه الأمة، والله ليظهرن عليكم، ثم ليظهرن على العرب، ثم ليظهرن على الأرض، لو قد خرج. فخرج مكانه، فدخل صومعته، وتشبث الناس به وما أدخله صومعته غير حديثي، فقال: اقرأ على الرجل الصالح السلام، يا قوم ما ترون؟ قالوا: والله ما كنا نحسب أن تتكلم بهذا أبداً ولا تذكره. قال سعيد: وبلغنا مكانه وسيره يريد باقي غزوة الحديبية. فلما رجع تبعه عمي فأسلم. كان خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية على ما هم عليه، ولم يسلموا حتى كان نفير بدر، فلم يتخلف منهم أحد، خرجوا جميعاً في النفير إلى بدر، فقتل العاص بن سعيد على كفره، قتله علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وعبيدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام، وأفلت أبان بن سعيد فجعل خالد وعمرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نذكرك الله أن تموت على ما مات عليه أبوك وعلى ما قتل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أفارق دين آبائي أبداً. وكان أبو أحيحة قد مات بمال له بالظريبة نحو الطائف وهو كافر، فأنشأ أبان بن سعيد يقول: من الطويل ألا ليت ميتاً بالظريبة شاهدٌ ... لما يفتري في الدين عمرٌو وخالد أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكابد

فأجابه خالد بن سعيد: من الطويل أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة مقصر يقول إذا اشتدت عليه أموره ... ألا ليت ميتاً بالظريبة ينشر فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله ... وأقبل على الحي الذي هو أفقر قال: فأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكة على دين الشرك حتى قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، وبعث عثمان بن عفان إلى أهل مكة، فتلقاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانصرف عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت هدنة الحديبية، فأقبل خالد وعمرو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشة في السفينتين، وكانا آخر من خرج منها ومع خالد وعمرو أهلهما وأولادهما فلما كانا بالشعيبة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولاً وكتبا إليه يدعوانه إلى الله وحده وإلى الإسلام فأجابهما، وخرج في إثرهما حتى وافاهما بالمدينة مسلماً، ثم خرجوا جميعاً حتى قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع من الهجرة. فلما صدر الناس من الحج سنة تسع بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد إلى البحرين عاملاً عليها، فسأله أبان أن يحالف عبد القيس فأذن له في ذلك وقال: يا رسول الله، اعهد إلي عهداً في صدقاتهم وجزيتهم وما تجروا به فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ من المسلمين ربع العشر مما تجروا به، ومن كل حالم من يهودي أو نصراني أو مجوسي ديناراً الذكر والأنثى، وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مجوسي هجر يعرض عليهم الإسلام فإن أبوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وكتب لهم صدقات الإبل والبقر والغنم على فرضها وسنتها كتاباً منشوراً مختوماً في أسفله. قال الحسن: لما قدم أبان بن سعيد بن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبان، كيف تركت

أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جهدوا يعني المطر وتركت الإذخر وقد أعذق وتركت الثماد وقد حاص قال: فاغرورقت عينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: أنا أنصحكم ثم أبان بعدي. قال الحسن: وكان أبان يقرأ هذا الحرف " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " أي نتنا. حدث عنبسة بن سعيد بن العاص أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر وإن حزمهم الليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، فقال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال له أبان: أنت هذا يا وبر كلاماً نحو هذا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما جاء عثمان بن عفان مكة عام الحديبية برسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش قالت له قريش: شمر إزارك، فقال له أبان بن سعيد: من المنسرح أسبل وأقبل ولا تخف أحداً ... بنو سعيد أعزة الحرم فقال عثمان: إن التشمير من أخلاقنا. قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: خرج أبان بن سعيد بن العاص بلواء معقود أبيض وراية سوداء، يحمل لواءه رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أشرف على البحرين تلقته عبد القيس حتى قدم على المنذر بن ساوى بالبحرين. قال جعفر بن محمود بن محمد: استقبله المنذر بن ساوى على ليلة من منزله معه ثلاث مئة من قومه، فاعتنقا ورحب به وسأل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخفى المسألة فأخبره

أبان بذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياه، وأنه قد شفعه في قومه، وأقام أبان بن سعيد بالبحرين يأخذ صدقات المسلمين وجزية معاهديهم، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بما اجتمع عنده من المال فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فحمل ذلك المال. قال عيسى بن طلحة: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب ارتد أهل هجر عن الإسلام فقال أبان بن سعيد لعبد القيس أبلغوني مأمني قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله، فإن الله معز دينه ومظهره على ما سواه وعبد القيس لم ترجع عن الإسلام قال: بل أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس مثلي يغيب عنهم، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم، فقالوا، لا نفعل، أنت أعز الناس وهذا عليك وعلينا فيه مقالة، يقول قائل: فر من القتال. قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: ومشى إليه الجارود العبدي فقال: أنشدك الله أن تخرج من بين أظهرنا فإن دارنا منيعة ونحن سامعون مطيعون ولو كنت اليوم بالمدينة لوجهك أبو بكر إلينا لمحالفتك إيانا، فلا تفعل فإنك إن قدمت على أبي بكر لامك وفيل رأيك، وقال: تخرج من عند قوم أهل سمع وطاعة ثم رجعك إلينا قال: إذاً لا أرجع أبداً ولا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أبى عليهم إلا كلمة واحدة قال أبان: إن معي مالاً قد اجتمع قالوا: احمله فحمل مئة ألف درهم وخرج معه ثلاث مئة من عبد القيس خفراً حتى قدم المدينة على أبي بكر فلامه أبو بكر، وقال: ألا تثبت مع قوم لم يرتدوا ولم يبدلوا. قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع: قال عمر بن الخطاب لأبان بن سعيد حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم، وتترك عملك بغير إذن إمامك ثم على هذه الحال، ولكنك أمنته فقال: أبان: إني والله، ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كنت عاملاً لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت عاملاً لأبي بكر في فضله وسابقته وقديم إسلامه، ولكن لا أعمل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاور

أبان بن صالح بن عمير بن عبيد

أبو بكر أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين فقال له عثمان بن عفان: ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم فقدم عليهم بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم، وعرف بلادهم يعني: العلاء بن الحضرمي فأبى ذلك عمر عليه وقال: أكره أبان بن سعيد فإنه رجل قد حالفهم فأبى أبو بكر أن يكرهه، وقال: لا أفعل، لا أكره رجلاً يقول: لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجمع أبو بكر بعثة العلاء بن الحضرمي إلى البحرين. ولما استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد على البحرين قالوا: يا رسول الله، أوصه بنا. قال: فوصاه بهم. وقال أبان بن سعيد: يا رسول الله، أوصهم بي فأوصاهم به، قال خالد: فهم يعدون هذا حلفاً بيننا وبينهم. وأبان بن سعيد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس معادن. استشهد يوم أجنادين. ويقال يوم مرج الصفر. واليومان جميعاً سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر. ويقال: يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. وقيل مات سنة سبع وعشرين. وهو وهم وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبان بن سعيد عامل على البحرين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبان بن صالح بن عمير بن عبيد أبو بكر القرشي مولاهم أصله من العرب وأصابه سباء. حدث عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بخروا بيوتكم باللبان والمر والصعتر.

وحدث أبان عن نافع قال: خرجت مع طاوس إلى ابن رافع فسألته عن كرى الأرض، فحدثنا عن أبيه قال: كنا نعطي الأرض على النصف وما على الربيع، فنهانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. فلما انصرف ضرب طاوس على يدي وقال: إن كان للأرض فاكرها. دخل أبان بن صالح على عمر بن عبد العزيز فقال له: أفي ديوان أنت؟ قال: قد كنت أكره ذلك مع غيرك فأما معك فلا أبالي قال: ففرض له. وكان أبان بن صالح ثقة. قال محمد بن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة أبان بن صالح بن عمير بن عبيد يقولون: إن أبا عبيد من سبي خزاعة الذين أغار عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بني المصطلق، فوقع إلى أسيد بن أبي العيص بن أمية، فصار بعد إلى عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية فأعتقه. وقتل صالح بن عمير بالري بيتتهم الأزارقة فقتلوا في عسكرهم زمن الحجاج. وولد أبان بن صالح سنة ستين. ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومئة وهو ابن خمس وستين سنة. وحدث أبان عن الحسن بن مسلم بن نياق عن صفية بنت شيبة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب عام الفتح يقول: إن الله حرم مكة.

أبان بن عثمان بن عفان

أبان بن عثمان بن عفان ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو سعيد القرشي الأموي أمه أم عمرو بنت خندف بن عمرو الدوسي حدث نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان، وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير، وأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح. حدث أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال إذا أصبح أو أمسى ثلاث مرات: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لم يصبه شيء. فأصبح أبان قد ضربه الفالج فنظر إليه بعض جلسائه فقال: والله ما كذبت ولا كذبت ولا زلت أقولها ثلاثين سنة حتى كانت هذه الليلة فأنسيتها وكان ذلك القضاء والقدر. توفي أبان بن عثمان بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك. وكان ثقة، وكان به صمم، ووضح كثير وأصابه الفالج قبل أن يموت بسنة وكان يخضب مواضع الوضح في يده ولا يخضبه في وجهه وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يتعلم القضاء من أبان بن عثمان. وكان أبان بن عثمان قد علم أشياء من القضاء من أبيه عثمان بن عفان. قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحداً أعلم بحديثٍ ولا فقهٍ من أبان بن عثمان. وكان من كبار التابعين. حج عثمان بن أبان على الناس سنة ست وسبعين، وحج عليهم سنة سبع وسبعين، وحج عليهم سنة تسع وسبعين، وحج عليهم سنة ثمانين، وحج سنة اثنتين وثمانين، وحج على الناس سنة ثلاث وثمانين، ونزع عن المدينة في جمادى الآخرة.

أبان بن علي الدمشقي

قال المدائني: حج معاوية بن أبي سفيان فأوصى مروان بن الحكم أبان بن عثمان بن عفان، ثم قدم فسأل أبان عن مروان فقال: أساء إذني، وباعد مجلسي، فقال معاوية: تقول ذلك في وجهه قال: نعم، فلما أخذ معاوية مجلسه وعنده مروان قال لأبان: كيف رأيت أبا عبد الملك؟ قال: قرب مجلسي وأحسن إذني. فلما قام مروان قال: ألم تقل في مروان غير هذا؟! قال: بلى، ولكن ميزت بين حلمك وجهله فرأيت أن أعلى حلمك أحب إلي من أن أتعرض لجهله. فسر بذلك معاوية، وجزاه خيراً ولم يزل يشكر قوله. أبان بن علي الدمشقي قال أبان بن علي: قال صالح بن خليفة قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إن فجار القراء اتخذوا سلماً إلى الدنيا فقالوا: ندخل على الأمراء، نفرج عن المكروب، ونكلم في محبوس. أبان بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أخو عبد الملك كان أميراً على البلقاء، وكان له ابن اسمه عبد العزيز، أعقب جماعة أولاد. له ذكر، وإليه تنسب أرض أبان التي بحذاء الداودية شام الأرزة من إقليم بيت لهيا. قال الزبير بن بكار في تسمية ولد مروان قال: أمهم أم أبان بنت عثمان، وهي التي شبب بها عبد الرحمن بن الحكم فقال: من الطويل واكبدا من غير جوعٍ ولا ظما ... وواكبدا من حب أم أبان

أبان بن الوليد بن عقبة

أبان بن الوليد بن عقبة ابن أبي معيط أبو يحيى القرشي قال أبان: قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر، فأجازه، فأحسن جائزته ثم قال: يا أبا العباس، هل يكون لكم دولة؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني قال: نعم، قال: فمن أنصاركم؟ قال: أهل خراسان ولبني أمية من بني هاشم نطحات. وفي سنة ست وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة، وخرجت فيه الروم إلى الأعماق في جمادى الأولى، فلقيهم أبان بن الوليد بن عقبة ودينار بن دينار فهزمهم الله.

ذكر من اسمه إبراهيم

ذكر من اسمه إبراهيم إبراهيم الخليل عليه السلام إبراهيم بن آزر وهو تارخ بن ناحور بن شاروغ بن ارغو بن فالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن خنوخ، وهو إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. خليل الرحمن، يكنى أبا الضيفان. قيل: إن أمه كانت تخبؤه في كهف في جبل بقرية برزة في الموضع الذي يعرف بمقام إبراهيم إلى اليوم. روي عن ابن عباس أنه ولد إبراهيم بغوطة دمشق في برزة في جبل قاسيون. قال: والصحيح أن إبراهيم ولد بكوثى من إقليم بابل من العراق، وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء مغيثاً للوط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الكلبي: أول نبي إدريس ثم إبراهيم. وروي عن مجاهد أنه قال: آزر صنم ليس بأبيه. والصحيح ما تقدم. وهو إبراهيم بن آزر في القرآن، وفي التوراة إبراهيم بن تارخ، وبعضهم يقول. آزر بن تارخ. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فاي خزي أخزى من أبي الأبعد، فيقول الله: إني حرمت الجنة

على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليأخذن رجل بيد أبيه يوم القيامة فتقتطعه النار، يريد أن يدخله الجنة. قال: فينادى أن الجنة لا يدخلها مشرك، ألا إن الله قد حرم الجنة على كل مشرك. قال: فيقول: أي رب، أبي. قال: فيحول في صورة قبيحة وريح منتنة. قال: فيتركه. قال: فكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرون أنه إبراهيم، ولم يزدهم إبراهيم على هذا. قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي: وكان من قصة إبراهيم ونمروذ، أن نمروذ لما أحكم أمر ملكه، وساس أمر الناس وأذعن له الناس أخبر أنه يولد في مملكته مولود ينازعك في ملكك، ويكون سلب ملكك على يديه. قال: فدعا خيار قومه ستة رهط، فلم يترك في الرئاسة والعظم أحداً إلا اختار منهم أفضلهم، وكان سادسهم آزر أبو إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم، ثم ولى كل رجل منهم خصلة من الخصال التي كان أسس أمر ملكه عليها، وضمنها إياه، وارتهن بها رقبته إن هي ضاعت أو فسدت أو تغيرت، وقال لأولئك الرهط: أنتم خيار قومي وعظماؤهم، ولم أزل منذ سست أمر ملكي أعدكم وأختاركم، ولم يزدد في ذلك رأيي إلا قوة وفضلاً على من سواكم، وقد دعاني إلى أن أستعين بكم وأشاوركم، وإني سست أمر الملك والناس على سبع خصال، وقد وليت كل واحد منكم خصلة من تلك الخصال، نفسه بها مرتهنة عندي إن هو لم يحكمها أو يحكم أمر أهلها، فانطلقوا، فاقترعوا عليهن، فما صار لكل رجل منكم في قرعته فهو واليها وولي أهلها، وأنا له عليها وعلى أهلها عون. إني سست أمر الملك ووطنت الناس على أنه لا نعبد إلا إلهي، وعلى أنه لا سنة إلا سنتي، وعلى أنه لا أحد أولى بنفسه وماله مني، وعلى أنه لا أحد أخوف فيهم ولا أطوع عندهم مني، وعلى أنهم يد واحدة على عدوهم، وعلى أنهم خولي وعبيدي أحكم فيهم برأيي، وعلى أنه قد بلغني أنه يولد في هذا الزمان مولود فيكاثرني ويخلعني، ويرغب عن ملتي، ويقهرني، فأنا سابقكم في هذه الخصلة، وأنا وأنتم وجميع أهل مملكتي كنفس واحدة في طلبه وهلاكه ومحاربته، فمن ظفر به فله على ما احتكم، فانطلقوا فاقترعوا ثم

أعلموني ماذا صار في قرعة كل رجل منكم لكي أعرفه باسمه، وأعرف ما صار إليه. فلما اقترعوا لطف الله لما أراد من كرامة خليله وإظهاره، فصار في قرعة أبيه الآلهة التي يعبدها الناس فلا يعبد أحد من الناس صنماً لا الملك ولا غيره إلا صنماً عليه طابع آزر أبي إبراهيم، فأحكم ذلك، وقوي عليه، وصار أمينهم في أنفسهم على ذلك، لا يعدلون به ولا يتهمونه ولا يرون منه خلفاً إن هو هلك، وكان ذلك لطفاً من الله بخليله إبراهيم. فلما حملت به أمه وكانت تسمى أميلة قالت لأبيه آزر: وددت أني لو وضعت ما في بطني، فكان غلاماً فحملته أنا وأنت حتى نضعه بين يدي الملك، وهو يرى فنتولى ذبحه أنا وأنت، فإن الملك أهل ذلك منا لإحسانه إلينا وائتمانه لنا، ومتى يرك تفعل ذلك قدامه تزدد عنده رفعة وقربة ومنزلة، وكان ذلك من أم إبراهيم مكيدة وحيلة خدعت بها زوجها، لما قام في نفسها من كتمان إبراهيم إذا هي ولدته فصدقها آزر وأمنها، وظن الأمر على ما قالت. فلما حضر شهرها الذي تلد فيه قالت لزوجها: إني قد أشفقت من حملي هذا إشفاقاً لم أشفقه من حمل قبله وقد خشيت أن تكون فيه منيتي، ووطنت نفسي على الموت ولست أدري متى يبغتني، وأنا أرغب إليك بحق صحبتي إياك وتعظيمي لحقك أن تنطلق إلى الإله الأعظم الذي يعبده الملك وعظماء قومه، فتشفع لي بالسلامة والخلاص، وتعتكف عليه حتى يبلغك أني قد سلمت وتخلصت، فإن الرسل تجري فيما بيني وبينك، فإذا بلغتك السلامة رجعت إلى أهلك، وهم سالمون، وأنت محمود. قال لها آزر: لقد طلبت أمراً جميلاً واجباً لك حقه علي، وإنه فيما بيني وبينك وحق خدمتك وصحبتك يسير، وكانت أم إبراهيم تريد حين تلده وزوجها غائب أن تحفر له نفقاً تحت الأرض تغيبه فيه، فإذا رجع زوجها من عكافته أخبرته أنه قد مات، ودفن. وكانت عنده أمينة مصدقة لا يتهمها، ولا يكذبها. فانطلق الرجل حيث أمرته فاعتكف أربعين ليلة، وولد إبراهيم عليه السلام ساعة قفا أبوه، وكتمته أمه وتمكنت في أربعين ليلة من الذي أرادت من حاجتها كلها لطفاً من الله لإبراهيم، ونجاة مما أريد به حتى إذا فرغت مما أرادت، وانصرف إليها زوجها فأخبرته أنها ولدت غلاماً به عاهة شديدة ومات، واستحت أن تطلع الناس على ما به، وقبرته فصدقها زوجها، وجعلت تختلف إلى إبراهيم فتدخل إليه بالعشية، وكان جل ما يعيش به اللبن لأنه كان لا يكون مولود ذكر إلا ذبح، فسقته الألبان حولين كاملين، توجره إياه، فعاش بذلك عيشاً حسناً، وصلح عليه جسمه. فلما بلغ الفطام فصلته من ذلك اللبن، وكان إبراهيم سريع الشباب، فلما كان

ابن ثلاثة عشرة سنة وهو في السرب أخرجته أمه، فلم يشعر به أبوه حتى نظر إليه فقال لامرأته: من هذا الغلام الذي أخطأه الذبح وكيف خفي مكان هذا الغلام على الطلب والحفظة حتى بلغ مبلغه هذا؟ فلما هم أن يبطش به قالت له امرأته: على رسلك حتى أخبرك خبر هذا الغلام، اعلم أنه ابنك الذي ولد ليالي كنت معتكفاً فكتمته عنك في نفق تحت الأرض حتى بلغ هذا المبلغ، فقال لها زوجها وما الذي حملك على أن خنتني، وخنت نفسك، وخنت الملك، وأنزلت بنا من البلاء ما لا قبل لنا به بعد العافية والكرامة ورفع المنزلة على جميع قومنا؟ قالت: لا يهمنك هذا فعندي المخرج من ذلك وأنا ضامنة لك أن تزداد به عند الملك كرامة ورفعة وأمانة ونصيحة، وإنما فعلت هذا الذي فعلت نظراً لي ولك ولابنك ولعامة الناس ما أضمرت في نفسي يوم كتمت هذا الغلام وقلت: أكتمه حتى يكون رجلاً، فإن كان هو عدو الملك وبغيته التي يطلب قدناه حتى نضعه في يده، وقلنا له: دونك عدوك قد أمكنك الله منه، وقطع عنك الهم والحزن، فارحم الناس في أولادهم فقد أفنيت خولك وأهل مملكتك وإن لم يكن هو بغية الملك وعدوه فلم أذبح ابني باطلاً مع ما قد ذبح من الولدان. قال لها أبوه: ما أظنك إلا قد أصبت الرأي، فكيف لنا أن نعلم أهو عدو الملك أو غيره؟ قالت: تحبسه وتكتمه وتعرض عليه دين الملك وملته، فإن هو أجابك إلى ذلك كان رجلاً من الناس ليس عليه قتل، وإن عصانا، ولم يدخل في ملتنا علمنا علمه فأسلمناه للقتل، فلما قالت له هذا رضي به، وألقى الله في نفسه الرحمة والمحبة لإبراهيم. وكان لا يعدل به أحداً من ولده، وإذا ذكر أنه يصير للقتل يشتد وجده عليه. ما قد ذبح من الولدان. قال لها أبوه: ما أظنك إلا قد أصبت الرأي، فكيف لنا أن نعلم أهو عدو الملك أو غيره؟ قالت: تحبسه وتكتمه وتعرض عليه دين الملك وملته، فإن هو أجابك إلى ذلك كان رجلاً من الناس ليس عليه قتل، وإن عصانا، ولم يدخل في ملتنا علمنا علمه فأسلمناه للقتل، فلما قالت له هذا رضي به، وألقى الله في نفسه الرحمة والمحبة لإبراهيم. وكان لا يعدل به أحداً من ولده، وإذا ذكر أنه يصير للقتل يشتد وجده عليه. وكانت أم إبراهيم واثقة بأنه إن كان هو عدو القوم فليس أحد من أهل الأرض يطيقه ولا يقتله، ورأت أنه متى ما ينصر عليهم يكن في ذلك نجاتها ونجاة من كان من إبراهيم بسبيل، فشجعها ما كانت ترجو لإبراهيم من نصرة الله له على خلاف نمروذ ومعصيته، وذلك أوثق الأمر في نفسها، وكان نمروذ يخبر الناس قبل أن يولد إبراهيم أنه سيأتي نبي يغلبه ويظهر عليه، ويرغب عن دينه ويخلع دينه وسلطانه فذلك الذي شد لأم إبراهيم رأيها فيما ارتكبت من خلاف نمروذ وأهل ملته. وكان أبوه من شدة ما يجده من الرحمة يكتمه جهده، ويوصي بذلك أمه ويقول لها: ارفقي بابنك، ولا تعرضيه لشيء من

أمر الملك يومه هذا، فإنه غلام حدث السن لم يجتمع له رأيه ولا عقله بعد، فإذا بلغ السن واحتنك فحينئذ نفتشه وذلك منه تربص رجاء أن يحدث حادث يكون فيه لإبراهيم عافية أو مخرج لما يجد أبوه من الرحمة والمحبة والزينة التي زينه الله بها في عينه. ثم خلع إبراهيم ذلك كله ونابذهم في الله على سواء ولم يراقب شيئاً ولم يأخذه في الله هوادة ولم يخف في الله لومة لائم. وحدث الكلبي قال: كان أبو إبراهيم من أهل حران فأصابته سنة فأتى هرمزجرد ومعه امرأته أم إبراهيم واسمها يونا بنت كرينا بن كوثى من بني أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل: اسمها ايبونا من ولد افرايم بن أرغو بن فالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وولد إبراهيم بهرمزجرد. ولما بلغ إبراهيم وخالف قومه ودعاهم إلى عبادة الله بلغ ذلك الملك نمروذ فحبسه في السجن سبع سنين ثم بنى له الحير بحصى وأوقده بالحطب الجزل، وألقى إبراهيم فيه فقال: حسبي الله ونعم الوكيل. فخرج منها سليماً لم يكلم. وعن قتادة في قوله تعالى " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض " قال: خشي إبراهيم من جبار من الجبابرة فجعل الله تبارك وتعالى له رزقاً في أصابعه، فكان إذا مص أصابعه وجد فيها رزقاً. فلما خرج أراه الله تبارك وتعالى ملكوت السموات والأرض، فكان ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار. وقال محمد بن عمر الواقدي: يقول الله عز وجل " وقروناً بين ذلك كثيراً " فكان بين نوح وآدم عشرة قرون، وبين إبراهيم ونوح عشرة قرون. فولد إبراهيم خليل الرحمن على رأس ألفي سنة من خلق آدم. قال أيوب بن عتبة قاضي اليمامة: كان بين آدم ونوح عشرة آباء وذلك ألف سنة، وكان بين نوح وإبراهيم عشرة آباء

وذلك ألف سنة، وكان بين إبراهيم وموسى سبعة آباء ولم يسم السنين، وكان بين موسى وعيسى ألف وخمس مئة سنة، وكان بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم جميعاً ست مئة سنة. وهي الفترة. وكان إبراهيم يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكيلا يفوته أحد. قال مجاهد: كنت جالساً عند ابن عباس فذكروا الدجال، فقال: ما يقولون؟ قال: يقولون إنه مكتوب بين عينيه ك ف ر قال: لم أسمع، ولكنه قال: يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه قد انحدر في الوادي يلبي. وفي حديث آخر عن أبي هريرة وأما عيسى فرجل أحمر بين القصير والطويل، سبط الشعر كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس يعني الحمام، تخال رأسه يقطر ماء، وأشبه من رأيت به عروة بن مسعود. قال يعقوب بن محمد بن طحلا: كنا نبيع البز فيمر بنا إسحاق بن يسار مولى قيس بن مخرمة فيقول لنا: الزموا تجارتكم فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازاً. وعن ابن عباس في قوله عز وجل " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض " يعني به الشمس والقمر والنجوم. لما رأى كوكباً " قال: هذا ربي " حتى غاب، فلما غاب " قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي " حتى غاب، فلما غاب " قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي، هذا أكبر " حتى غابت " قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " الآية.

قال أبو سعيد الخدري: قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن داود سأل ربه فقال: يا رب، إنه يقال: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب فاجعلني رابعهم، حتى يقال: رب داود فقال: يا داود إنك لن تبلغ ذلك، وإن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط إلا آثرني عليه إذ يقول: إنكم وما تعبدون " أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين " يا داود، وأما إسحاق فإنه جاد بنفسه لي في الذبح، وأما يعقوب فإني ابتليته ثمانين سنة فلم يسىء بي الظن ساعة قط. فلن تبلغ ذلك يا داود. حدث زيد بن أسلم أن إبراهيم النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فيما بلغه مر على ناس يمتارون طعاماً، فانطلق معهم حتى قدم على ملك من الملوك يقال له نمروذ. كلما مر عليه رجل منهم يقول له نمروذ: من ربك؟ فيقول، أنت ويسجد له ويأمر له بالطعام، حتى مر عليه إبراهيم فقال له: من ربك؟ فقال: الذي يحيي ويميت " قال: أنا أحيي وأميت " إن شئت أحييك وإن شئت أمتك " قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر " وأمرهم ألا يعطوه شيئاً، فانطلق، وانطلق أصحابه الذين كانوا معه قد أعطوا الطعام غيره، حتى إذا كان قريباً من أهله قال: والله، إن دخلت على أهلي وليس معي شيء ليهلكن بي وليموتن، فانطلق إلى كثيب أعفر فملأ منه غرارتيه، ثم انطلق حتى دخل على أهله فقال لهم: انظروا ألا تمسوا من هاتين الغرارتين شيئاً، ثم أمر امرأته أن تفلي رأسه فطفقت امرأته تفلي رأسه حتى رقد، فقالت امرأته: والله ما عندي شيء أصنعه لإبراهيم ولقد قدم نصباً، ولأسرقن من الغرارتين فلأصنعن حريرة، ففتحت الغرارتين فإذا هو أجود طعام ودقيق رئي قط، فصنعت له حريرة. فلما استيقظ قربته إليه فقال لها: من أين هذا؟ قالت: سرقته من الغرارة. فضحك. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لم يكذب إبراهيم عليه السلام قط إلا ثلاث مرات: قوله في آلهتهم فلعه كبيرهم هذا، وحين دعوه إلى أن يحج إلى آلهتهم فقال: إني سقيم، وقوله: إن سارة أختي.

وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قول إبراهيم " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " في كذباته الثلاث قوله: إني سقيم، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وقوله: إن سارة أختي. ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله. وعن أبي هريرة من حديث قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خرج إبراهيم يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة وكانت من أجمل النساء، فبلغ ذلك الجبار أن في عملك رجلاً معه امرأة ما رأى الراؤون أجمل منها، فأرسل إليه فأتاه فسأله عن المرأة التي معك قال: أختي. قال: فابعث بها إلي فبعث معه رسولاً فأتاها فقال: إن هذا الجبار سألني عنك فأخبرته أنك أختي وأنت أختي في الإسلام، وسألني أن أرسلك إليه فاذهبي إليه، فإن الله سيمنعه منك. قال: فذهبت إليه مع رسوله، ولما أدخلها عليه وثب إليها فحبس عنها، فقال لها: ادعي إلهك الذي تعبدين أن يطلقني ولا أعود فيما تكرهين، فدعت الله فأطلقه، ففعل ذلك ثلاثاً، ثم قال للذي جاء بها: أخرجها عني فإنك لم تأتني بأنسية إنما أتيتني بشيطانة، فأخدمها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم فاستوهبها منها فوهبتها له. قال محمد بن سيرين: فهي أمكم يا بني ماء السماء يعني: العرب. وروي عن سلمان قال: جوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه، فجعلا يلحسانه ويسجدان له. حدث أبو الأحوص عن عبد الله قال: خرج قوم إبراهيم إلى عيد لهم، فمروا عليه فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا قال " إني سقيم " وقد كان قال قبل ذلك " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " فسمعه إنسان منهم. فلما خرجوا إلى عيدهم انطلق إلى أهله فأخذ طعاماً، ثم انطلقوا إلى آلهتهم فقربه إليهم " فقال: ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضرباً

باليمين " فكسرها إلا كبيراً لهم ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا هم بآلهتهم قد كسرت، وإذا كبيرهم في يده الفأس الذي كسر به الأصنام " فقالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " فقال الذين سمعوا إبراهيم بالأمس يقول: " وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إلى قوله ما لكم لا تنطقون، فجاهرهم إبراهيم عند ذلك فقال: " أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم " إلى قوله " إن كنتم فاعلين " قال: فجمعوا له الحطب، ثم طرحوه وسطه، ثم أشعلوا النار عليه، فقال الله " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " قال أبو إسحاق: فسمعت سليمان بن صرد يقول: لما جاؤوا ينظرون إليه إذا النار لم تصبه شيئاً قال أبو لوط عند ذلك وهو عمه: أنا صرفتها عنه، فأرسل الله عتقاً منها فأحرقته فتركته حممةً. قال مقاتل وسعيد: أول من اتخذ المنجنيق نمروذ، وذلك أن إبليس جاءهم لما لم يستطيعوا أن يدنوا من النار قال: أنا أدلكم، فاتخذوا لهم المنجنيق وجيء بإبراهيم فخلعوا ثيابه، وشدوا قماطه، فوضع في المنجنيق، فبكت السموات والأرض والجبال والشمس والقمر والعرش والكرسي والسحاب والريح والملائكة كل يقول: يا رب إبراهيم، عبدك بالنار يحرق فأذن لنا في نصرته، فقالت النار، وبكت: يا رب، سخرتني لبني آدم وعبدك يحرق بي، فأوحى الله إليهم: إن عبدي إياي عبد، وفي حبي أوذي، إن دعاني أجبته، وإن استنصركم فانصروه، فلما رمي استقبله جبريل بين المنجنيق والنار فقال: السلام عليك يا إبراهيم، أنا جبريل ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، حاجتي إلى الله ربي، فلما أن قذف سبقه

إسرافيل فسلط على قماطه وقال الله " يا نار كوني برداً وسلاماً " فلو لم يخلط بالسلام لكز فيها برداً ودخل جبريل وأنبت الله حوله روضة خضراء وبسط له بساط من درنوك الجنة، وأتي بقميص من حلل جنة عدن فألبس وأجري عليه الرزق غدوة وعشياً، إسرافيل عن يمينه وجبريل عن يساره حتى رأى الملك الرؤيا، ورأى الناس فأكثروا القول فيه. قال سفيان: لما وضع إبراهيم في المنجنيق جاءه جبريل عليه السلام فقال: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، ليس لي حاجة إلا إلى الله فأوحى الله إلى النار لئن نلت من إبراهيم أكثر من حل وثاقه لأعذبنك عذاباً لا أعذبه أحداً من خلقي. قال معتمر بن سليمان: قالت السموات: يا رب، خليلك يلقى في النار فيك، قال: قد أرى، وإن استغاثك فأغيثيه. فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، قال: فمر به جبريل فقال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال بكر بن عبد الله المزني: لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ضجت عامة الخليقة إلى ربها فقالوا: يا رب، خليلك يلقى في النار ائذن لنا فنطفىء عنه، فقال جل وعز: خليلي! ليس لي خليل غيره في الأرض، وأنا إلهه ليس له غيري، فإن استعان بكم فأعينوه وإلا فدعوه. قال: وجاء ملك القطر فقال: يا رب خليلك يلقى في النار فأذن لي فأطفىء عنه بقطرة واحدة، فقال عز وجل: هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري فإن استغاث بك فأغثه، وإلا فدعه. قال: فلما ألقي في النار قال الله تعالى " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " قال: فبردت النار يومئذٍ على أهل الشرق والغرب فلم ينضج بها كراع.

وقال عكرمة: إن نار الدنيا كلها خمدت لم ينتفع بها أحد من أهلها. ولما أخرج الله إبراهيم من النار زاده الله في حسنه وجماله سبعين ضعفاً. ولما ألقي في النار قالت أمه: لقد كان ابني يقول: إن له رباً يمنعه، وأراه يلقى في النار فما ينفعه، وإني مطلعة على هذه النار أنظر إلى ابني ما فعل. قال عكرمة: فعملت لها سلماً ثم اطلعت على السلم حتى إذا هي أشرفت أبصرت إبراهيم في وسط النار، فنادته أمه: يا إبراهيم. فلما رآها قال لها: يا أمه، ألا ترين ما صنع الله بي؟ قالت: يا بني، لولا أني أخاف النار لمشيت إليك قال: يا أمه انزلي وتعالي فقالت: يا بني فادع إلهك أن يجعل لي طريقاً فدعا ربه فجعل لها طريقاً ثم نزلت فقالت: إني أخاف، فقال: يا أمه لا تخافي هل تجدين من حر النار شيئاً قالت: لا. فسارت إليه حتى إذا دنت منه ضمت إبراهيم عليه السلام إلى صدرها، وجعلت تقبله فقال لها: يا أمه، فارجعي مما أنت عليه، فالتفتت لترجع فإذا بالنار على ممرها، فقالت: أسألك بحق إلهك إلا دعوت ربك أن يبعد النار من طريقي فدعا ربه فمرت حتى إذا كانت على رأس الحائط، وأرادت أن تنزل نادت: يا إبراهيم ابني عليك السلام. فذهبت. وروي عن علي بن أبي طالب قال: كانت البغال تتناسل، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لتحرق إبراهيم فدعا عليها، فقطع الله أرحامها ونسلها. وكانت الضفادع مساكنها النفقان فجعلت تطفىء النار على إبراهيم فدعا لها فأنزلها الماء، وكانت الأوزاغ تنفخ عليه النار وكانت أحسن الدواب فلعنها فصارت ملعونة. فمن قتل منها شيئاً أجر. روى نافع أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها، فإذا رمح منصوب فقالت: ما هذا الرمح؟ قالت: نقتل به الأوزاغ، ثم حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن إبراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفىء عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه. قال اسم المرأة التي دخلت على عائشة سائبة.

وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أما قوله " إني سقيم " فمطعون، وأما قوله " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً " قال: لما ألقي إبراهيم في النار أتاه جبريل عليه السلام ومعه طنفسة من طنافس الجنة، وقميص من قمص الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة، وقعد يحدثه. قال: فرأى أبو إبراهيم سبع ليال كأن إبراهيم قد خرج من الحائط قال: فأتى نمروذ الجبار فقالت له: ائذن لي في عظام إبراهيم أدفنها. قال: فركب نمروذ الجبار ومعه أهل مملكته. قال: فأتى الحائط فنقبه. قال: فخرج جبريل في وجوههم فولوا هاربين. قال: وتبلبلوا عند ذلك. قال: فمن ذلك اليوم سميت الأرض بابل. قال: وكانت الألسن كلها بالسريانية. قال: فتفرقوا فصارت اثنتين وسبعين لغة. قال: فلم يعرف الرجل كلام صاحبه. وفي حديث آخر: فنقب الحائط فإذا إبراهيم في روضة تهتز، وثيابه تندى على طنفسة من طنافس الجنة، عليه قميص من قمص الجنة. قال كعب: ما أحرقت النار من إبراهيم غير وثاقه. قال ابن عباس: لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبي الله ونعم الوكيل. قال: وكذلك قال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن الناس قد جمعوالكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض عبدك. وقيل: أعبدك. قال المنهال بن عمرو: أخبرت أن إبراهيم لما ألقي في النار كان فيها ما أدري إما خمسين وإما أربعين يوماً.

قال: ما كنت أياماً قط وليالي قط أطيب عيشاً مني إذ كنت فيها. ووددت أن عيشي كله مثل عيشي إذ كنت فيها. قال أبو يعقوب النهرجوري: التوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم خليل الرحمن في تلك الحال التي قال لجبريل عليه السلام، أما إليك فلا. لأنه غابت نفسه بالله، فلم ير مع الله غير الله. فكان ذهابه بالله من الله إلى الله بلا واسطة، وهو من عليات التوحيد وإظهار القدرة لنبيه أو لخليله إبراهيم عليه السلام. قال ابن عباس: لما هرب إبراهيم من كوثى وخرج من النار ولسانه يومئذٍ سرياني. فلما عبر الفرات من حران غير الله لسانه. فقيل عبراني حيث عبر الفرات، وبعث نمروذ في إثره وقال: لا تدعوا أحداً يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به، فلقوا إبراهيم فتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته. قال أبو رجاء قلت للحسن: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال: فابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالشمس فرضي عنه، وابتلاه بالنار فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة، وابتلاه بالختان. وفي حديث آخر: فأثنى عليه فأتمهن قال: يقول: فعلهن. قال ابن عباس: لم يبتل أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم. ابتلاه الله بكلماته فأتمهن فأداهن " قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " وقال أبو صالح مولى أم هانىء: في قوله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال: منهن إني

جاعلك للناس إماماً، ومنهن آيات النسك " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ". وكان الحسن يقول: ابتلاه بما مر فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما كان من المشركين، ابتلاه بالهجرة فخرج عن قومه وبلاده حتى لحق بالشام مهاجراً إلى الله، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه الله بذبح ابنه، والختان، فصبر على ذلك كله. وقال قتادة: في قوله تعالى " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال: هذا عبد الله يوم القيامة، لا ينال عهده ظالماً، وأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وعازوهم وناكحوهم، فإذا كان يوم القيامة قضى الله عهده وكرامته على أوليائه. وقال قتادة: " إني جاعلك للناس إماماً " قال: يهتدي بهداك وسنتك. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختتن إبراهيم بعد ما مرت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم. قال ابن مشكان: قال عبد الرزاق: القدوم اسم القرية وفي رواية يحيى بن سعيد، قال: قلت ليحيى: ما القدوم؟ قال: الفأس.

روى موسى بن علي عن أبيه قال: أمر إبراهيم فاختتن بقدوم، فاشتد عليه، فأوحى الله إليه: عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك. وعن أبي هريرة قال: أول من اختتن إبراهيم خليل الرحمن، اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة. قال سعيد: كان إبراهيم أول من اختتن، وأول من رأى الشيب فقال: يا رب ما هذا الشيب؟ قال: الوقار، قال: رب زدني وقاراً، وكان أول من أضاف الضيف، وأول من جز شاربه، وأول من قص أظفاره، وأول من استحد. وعن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ربط إبراهيم عليه السلام غرلته وجمعها إليه فحد قدومه وضرب قدومه بعود معه فندرت بين يديه بلا ألم ولا دم. وختن إسماعيل عليه السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وختن إسحاق وهو ابن سبعة أيام. وعن نبيط بن شريط عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول من أضاف الضيف إبراهيم، وأول من لبس السراويل إبراهيم، وأول من اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست رمضان، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأربع وعشرين من رمضان. وفي حديث واثلة بن الأسقع وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان.

روي عن أبي هريرة أنه قال لكعب الأحبار: إن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لكل نبيٍّ دعوةٌ يدعو بها، وأنا أريد إن شاء الله أن أخبىء دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. قال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال كعب لأبي هريرة: بأبي وأمي ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال أبو هريرة:: بلى. قال كعب: لما رأى إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذبحاً قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عبده هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحداً أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه، فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه، دخل على سارة امرأة إبراهيم فقال لها: أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت سارة: غدا به ليقضي حاجته. قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به. قالت سارة: فلم غدا به؟ قال: غدا به ليذبحه. قالت سارة: وليس في ذلك شيء لم يكن ليذبح ابنه، قال الشيطان: بلى والله. قالت سارة: فلم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قالت سارة: فقد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك، فخرج الشيطان من عند سارة حتى إدرك إسحاق وهو يمشي على إثر أبيه، قال له: أين أصبح أبوك غادياً بك؟ قال غدا بي لبعض حاجته. قال الشيطان: لا والله ما غدا بك لبعض حاجته، ولكنه غدا بك ليذبحك. قال إسحاق: ما كان ليذبحني، قال: بلى، قال لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال إسحاق: فوالله إن أمره بذلك ليطيعنه، فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال: أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتي، قال: أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه. قال: لم أذبحه؟ قال: زعمت أن ربك أمرك بذلك. قال: فوالله لئن كان أمرني به ربي لأفعلن. قال: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم. قال إبراهيم لإسحاق: قم أي بني فإن الله قد أعفاك، وأوحى الله إلى إسحاق: إني أعطيتك دعوة أستجيب لك فيها. قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة.

وذهب جماعة أن الذي أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه إسماعيل. وسياق القرآن يدل عليه ويدل عليه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا ابن الذبيحين. وعن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: رب قد فرغت. فقال: أذن في الناس بالحج، قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ. قال: رب، كيف أقول؟ قال: يا أيها الناس كتب عليكم الحج، حج البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض. ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟. وعن ابن عباس قال: أن جبريل عليه السلام ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، فساخ، ثم أتى به الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات، فساخ، ثم أتى به الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ. فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه: يا أبه، أوثقني لا أضطرب، فينضح عليك دمي إذا ذبحتني، فشده فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. وعن علي بن أبي طلحة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله تبارك وتعالى حين أوحى إلى إبراهيم أن أذن في الناس بالحج فقام على الحجر. فمنهم من قال: ارتفع حتى بلغ الهواء، فقال: يا أيها الناس إن الله يأمركم بالحج، فأجابه من كان مخلوقاً في الأرض يومئذٍ، ومن كان في أرحام النساء، ومن كان في أصلاب الرجال، ومن كان في البحور، فقالوا: لبيك اللهم، لبيك. فمن أبى اليوم فهو ممن أبى يومئذٍ وممن أجاب يومئذٍ. وفي حديث مجاهد فقالوا: لبيك اللهم لبيك، وكان هذا أول التلبية.

وعن عبد الله بن عمرو قال: لما أفاض جبريل عليه السلام بإبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم غدا من منى إلى عرفات فصلى بها الصلاتين، ثم وقف حتى غابت الشمس، ثم أتى به المزدلفة، فنزل بها، فبات، ثم صلى بها يعني الصبح كأعجل ما يصلي أحد من المسلمين، ثم وقف به كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين، ثم دفع إلى منى فرمى، وذبح، وحلق، ثم أوحى الله عز وجل إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين " وفي رواية أخرى: ثم أفاض حتى أتى به الجمرة فرماها، ثم ذبح وحلق، ثم أتى به البيت فطاف به. قال: ثم رجع إلى منى، فأقام بها تلك الأيام، ثم أوحى الله إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً ". وعن مجاهد أن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام حجا ماشيين. وعن معاذ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله " وإبراهيم الذي وفى " قال: كان عليه السلام يقول إذا أصبح وإذا أمسى " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون " قال محمد بن واسع: من قال حين يصبح ثلاث مرات " سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " إلى قوله " وكذلك تخرجون " لم يفته خيرٌ كان قبله من الليل. ولم يدركه يومئذٍ شر. ومن

قال حين يمسي لم يفته خير كان قبله، ولم يدركه ليلته شر. وكان إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى. وعن أبي أمامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذه الآية " وإبراهيم الذي وفى " قال: هل تدرون ما وفى؟ وفى عمل يومه بأربع ركعات الضحى. وفي رواية أخرى: وفى عمل يومه أربع ركعات من أول النهار. قال مكي: وهي عندنا صلاة الضحى. وعن الحسن " وإبراهيم الذي وفى " قال: وفى الله فرائضه. وعن مجاهد قال: بلغ وأدى. وعن عمرو بن أوس قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل " وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى " وعن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرؤية. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، لم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال: لإطعامه الطعام، يا محمد.

وعن زيد بن أسلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل بعث حبيبي جبريل عليه السلام إلى إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم، إني لم أتخذك خليلاً على أنك أعبد عبادي لي، ولكني اطلعت على قلوب الآدميين فلم أجد قلباً أسخى من قلبك فلذلك اتخذتك خليلاً. وعن وهب بن منبه قال: قرأت في بعض الكتب التي أنزلت من السماء أن الله قال لإبراهيم عليه السلام: أتدري لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب. قال: لذل مقامك بين يدي في الصلاة. وقال وهب: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً كان يسمع خفقان قلبه من بعد خوفاً من الله عز وجل. وعن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن الضيف لما جاؤوا إلى إبراهيم عليه السلام قرب إليهم العجل. قال " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه " قال: لم لا تأكلون؟ قالوا: إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمنه. قال: فقال لهم: أو ليس معكم ثمنه؟ قالوا: وأنى لنا بثمنه؟ قال: تسموا الله تبارك وتعالى إذا أكلتم، وتحمدونه إذا فرغتم، فقالوا: سبحان الله لو كان ينبغي لله أن يتخذ من خلقة خليلاً لاتخذك يا إبراهيم خليلاً. قال: فاتخذ الله إبراهيم خليلاً. وعن ابن عباس قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً وتنبأه، وله يومئذٍ مئة عبد أعتقهم وأسلموا، فكانوا يقاتلون معه بالعصي. قال: فهم أول موالٍ قاتلوا مع مولاهم. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما أراد الله أن يتخذ إبراهيم خليلاً قال ذلك للملائكة. قال: فقال ملك الموت: أنا الذي أبشره، فإني أنا الذي أقبض روحه. قال: فولاه الله ذلك.

وعن أنس بن مالك قال: قال رجل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البشر، قال: ذاك إبراهيم عليه السلام. وفي رواية: يا خير البرية. وعن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل إبراهيم، ثم قرأ " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي، أحسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار، فإن رحمتي وسعت من حسن خلقه: أن أظله في ظل عرشي، وأن أسقيه من حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري يوم لا يجاورني من عصاني. وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان إبراهيم من أغير الناس، وإنه من غيرته جعل لإسحاق مشربة فوق بيته تفتح إلى غير بيته الذي هو فيه. وعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر. صام الدهر، وأفطر الدهر. وعن سلمان قال: لما أن أري إبراهيم ملكوت السماوات فرأى رجلاً على فاحشة فدعا عليه فأهلك، ثم

رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فأهلك، ثم رأى آخر فأراد أن يدعو عليه فقال الله تبارك وتعالى: أنزلوا عبدي لا يهلك عبادي. وعن قسامة بن زهر أن إبراهيم خليل الرحمن حدث نفسه أنه أرحم الخلق، فرفع حتى أشرف على أهل الأرض. فلما رآهم وما يصنعون قال: دمر عليهم، فقال له ربه: أنا أرحم الراحمين، لعلهم يتوبون ويرجعون. وعن عطاء قال: لما رفع إبراهيم في ملكوت السموات رأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فقيل: على رسلك يا إبراهيم، إنك عبد يستجاب لك، وإني من عبدي على ثلاث: إما أن يتوب فأتوب عليه، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني، وإما أن يتمادى فيما هو فيه، فإن جهنم من ورائه. قال زيد بن علي: " فلما جن عليه الليل رأى كوكباً " قال: الزهرة. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد. ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي. وعن ابن عباس في قوله " قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " قال: اعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك. وقال القاضي إسماعيل: كان يعلم بقلبه أن الله يحيي الموتى، ولكن أحب أن يرى معاينةً.

وعن سعيد بن جبير " ولكن ليطمئن قلبي " قال: ليزداد إيماناً. وقال في مكان آخر " ليطمئن قلبي " قال: بالخلة. وعن ابن المبارك في قوله " ولكن ليطمئن قلبي " قال: بالخلة. يقول أعلم أنك اتخذتني خليلاً. وعن مجاهد " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " قال: الغراب والديك والحمامة والطاووس. وعن ابن عباس: في قوله تعالى: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " قال: قطع أجنحتها أربعاً: ربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، وربعاً ها هنا، " ثم ادعهن يأتينك سعياً " قال: هذا مثل، كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا. وقال مجاهد " فصرهن إليك " قال: يقول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقا. وعن عطاء قال: يقول: شققهن ثم اخلطهن. وعن أبي الجوزاء " فصرهن إليك " أي فعلمهن حتى يجئنك، ثم أمر بذبحها حين أجبنه. قال: فذبحهن، ثم نتفهن، وقطعهن. قال: فخلط دماءهن بعضها ببعض، وريشهن ولحومهن خلطه كله. قال: ثم قيل له: اجعل على أربعة أجبل، على كل جبل منهن جزءاً " ثم ادعهن يأتينك سعياً " قال: ففعل، ثم دعاهن. قال: فجعل الدم يذهب إلى الدم والريشة إلى الريشة واللحم إلى اللحم وكل شيء مكانه حتى أجبنه. فقال: أعلم أن الله على كل شيء قدير.

وعن الحسن في قوله " إن إبراهيم كان أمة قانتاً " قال: الأمة: الذي يؤخذ عنه العلم. وقال ابن عمر: الأمة: الذي يعلم الناس دينهم. وعن عبد الله بن شداد قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الأواه؟ قال: الأواه: الخاشع الدعاء المتضرع ثم قرأ " إن إبراهيم لأواه حليم ". وقال ابن عباس: الأواه: الموقن. وقال عبد الله: الأواه: الرحيم. وعن كعب في قوله تعالى وتقدس " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " قال: كان يتأوه، يقول: اوه، إذا ذكر النار اوه اوه. وعن أبي ميسرة: الأواه: المسبح. وعن الحسن " إن إبراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب " قال: كان إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله. وإذا نوى نوى لله.

وعن مجاهد في قوله تعالى " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " قال: ما أراد إلا الثناء الحسن. قال: فليس من أمة إلا وهي توده. وقال سفيان في قوله " وتركنا عليه في الآخرين " قال: الثناء. وعن عكرمة في قوله تعالى " وآتيناه أجره في الدنيا " قال: هو لسان الصدق الذي جعله الله له. قال: والأمم كلها تتولى إبراهيم، اليهود والنصارى والناس أجمعون، ويشهدون له بالعدل، وذلك لسان الصدق، وهو الأجر الذي آتاه في الدنيا. وعن أبي هريرة في قوله تعالى " زيتونة لا شرقية ولا غربية " قال: قلب إبراهيم عليه السلام، لا يهودي ولا نصراني. وعن قتادة في قوله تعالى " وجعلها كلمة باقية في عقبه " قال: التوحيد والإخلاص، لا يزال في ذريته من توحيد الله عز وجل. قال علي بن أبي طالب: كان الرجل يبلغ الهرم ولم يشب، وكان الرجل يأتي القوم وفيهم الرجل وولده فيقول: أيكم أبوكم، لا يعرف الأب من الابن، فقال إبراهيم: رب اجعل لي شيئاً أعرف به فأصبح رأسه ولحيته أبيضين.

قال أبو أمامة: بينما إبراهيم ذات يوم يصلي صلاة الضحى إذ نظر إلى كف خارجةٍ من السماء بين اصبعين من أصابعها شعرة بيضاء، فلم تزل تدنو حتى دنت من رأس إبراهيم فألقت الشعرة البيضاء في رأسه، ثم قالت: اشعل وقاراً. قال محمد: اشعل: خذ فاشتعل رأسه منها شيباً، فأوحى الله إلى إبراهيم أن يتطهر فتوضأ، ثم أوحى إليه أن يتطهر فاغتسل، ثم أوحى إليه أن يتطهر فاختتن قال: فكان إبراهيم من شاب واختتن. قال سلمان: سأل إبراهيم عليه السلام ربه خيراً، فأصبح ثلثا رأسه أبيض. فقال: ما هذا؟ فقيل له: عبرة في الدنيا ونور في الآخرة وعن كعب قال: قال إبراهيم عليه السلام: يا إلهي إنه ليحزنني ألا أرى في الأرض أحداً يعبدك غيري، فبعث الله ملائكته يتعبدون معه، أو نحو ذلك. قال أبو هريرة: كان إبراهيم خليل الله يزور ابنه إسماعيل على البراق، وهي دابة جبريل عليه السلام تضع حافرها حيث ينتهي طرفها، وهي الدابة التي ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به. وعن عطاء قال: كان إبراهيم خليل الرحمن إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه ميلاً في ميل. وقال عطاء: أحب الطعام إلى الله ما كثرت فيه الأيدي. قال عبيد بن عمير: كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس، فخرج يوماً يلتمس إنساناً يضيفه، فلم يجد

أحداً فرجع إلى داره فوجد فيها رجلاً نائماً، فقال: يا عبد الله! من أدخلك داري بغير إذني؟ قال: دخلتها بإذن ربها. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بأن الله قد اتخذه خليلاً. قال: ومن هو؟ فوالله لئن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه، ثم لا أبرح له خادماً حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذاك العبد أنت هو. قال: أنا؟ قال: نعم أنت. قال: فيم اتخذني ربي عز وجل خليلاً؟ قال: إنك تعطي الناس ولا تسألهم. قال سعيد بن المسيب: أول من أضاف الضيف إبراهيم خليل الرحمن. قال مجاهد: " ضيف إبراهيم المكرمين " خدمته إياهم بنفسه. قال وهب بن منبه: كان في صحف إبراهيم أو فيما أنزل الله على إبراهيم: أيها الملك المبتلى، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولا لتبني البنيان، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافرٍ. سمع جبريل عليه السلام إبراهيم عليه السلام وهو يقول: يا كريم العفو، فقال له جبريل: وتدري ما كريم العفو؟ قال: لا، يا جبريل، قال: أن يعفو عن السيئة ويكتبها حسنة. قال داود بن هلال: مكتوب في صحف إبراهيم: يا دنيا ما أهونك على الأبرار الذين تصنعت لهم وتزينت لهم، إني قذفت في قلوبهم بغضك والصدود عنك، وما خلقت خلقاً أهون علي منك، شأنك صغير وإلى الفناء تصيرين، قضيت عليك يوم خلقتك ألا تدومي لأحد، ولا يدوم لك أحد، وإن بخل بك صاحبك وشح عليك. طوبى للأبرار

الذين أطلعوني من قلوبهم على الرضا من ضميرهم وعلى الصدق والاستقامة، طوبى لهم ما لهم عندي من الجزاء إذا وفدوا إلي من قبورهم، النور يسعى أمامهم، والملائكة حافين بهم حتى أبلغهم بها ما يرجون من رحمتي. وكان إبراهيم خليل الرحمن لا يرفع طرفه إلى السماء إلا اختلاساً ويقول: اللهم نعم عيشي في الدنيا بطول الحزن فيها. قال أنس بن مالك: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما لي إن شهدت إن لا إله إلا الله وكبرته وحمدته وسبحته؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن إبراهيم سأل ربه فقال: يا رب، ما جزاء من هللك مخلصاً من قلبه؟ قال: يا إبراهيم، جزاؤه أن يكون كيوم ولدته أمه من الذنوب، قال: يا رب، فما جزاء من كبرك، قال: عظم مقامه. قال: يا رب، ما جزاء من حمدك؟ قال: الحمد مفتاح الشكر وخاتمته شكر، والحمد يعرج به إلى رب العالمين. قال: يا رب، فما جزاء من سبحك؟ قال: لا يعلم تأويل التسبيح إلا رب العالمين. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم محشورون حفاة عراة، غرلاً. ثم قال " كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين " ألا وإن أول من يكسى إبراهيم عليه السلام يوم القيامة، ألا وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي. قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم " إلى قوله " العزيز الحكيم ". وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أول ما يكسى يوم القيامة إبراهيم خليل الرحمن قبطيتين ثم يكسى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة حبرة وهو عن يمين العرش.

وعن حيدة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلاً، فأول الناس يكسى إبراهيم خليل الرحمن فيقول الله تعالى: اكسوا إبراهيم خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم، فيكسى حلة، ثم يكسى الناس على منازلهم. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول من يلبس من حلل الجنة أنا وإبراهيم والنبيون. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة قصراً من لؤلؤ ليس فيه صدع ولا وهن أعده الله لخليله إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزلاً. وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل البيت يوم فتح مكة، فرأى تماثيل إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام فقال: ما لهم قاتلهم الله؟ ما كان إبراهيم ولا إسماعيل عليهم السلام يستقسمان بالأزلام. وعن عتبة بن عبدٍ الثمالي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أقسمت لبررت. لا يدخل الجنة قبل سابق أمتي إلا بضعة عشر رجلاً منهم إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط اثنا عشر وموسى وعيسى بن مريم بنت عمران عليهم السلام. قال عبد الله بن عبد الرحمن مولى سالم: أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي أحب أن تلقاني عند زاوية القبر فالتقيا، فقال له سالم: " الباقيات الصالحات " فقال له محمد بن كعب: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقال له سالم: متى زدت فيها لا حول ولا قوة إلا بالله؟ قال: ما زلت أقولها فراجعه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول:

ما زلت أقولها. قال: فأبيت؟ فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لما أسري بي مررت بإبراهيم عليه السلام فقال لجبريل: من هذا معك؟ قال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرحب بي وسلم علي وقال: مر أمتك يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة. قال: قلت: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان، وغراسها قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. وعن سعيد بن جبير قال: كان الله يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عياناً، فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه فدخل دار إبراهيم في صورة شاب جميل، وكان إبراهيم رجلاً غيوراً، فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له: يا عبد الله من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها، فعرف إبراهيم أن هذا لأمر حدث، قال: يا إبراهيم، وإني أمرت بقبض روحك، قال: فأمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحاق، فأمهله، فلما دخل إسحاق قام إليه فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، فرق لهما ملك الموت، فرجع إلى ربه، فقال: يا رب، رأيت خليلك فزع من الموت قال: يا ملك الموت فأت خليلي في منامه فاقبضه، قال: فأتاه في منامه فقبضه. قال محمد بن المنكدر: دخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام داره وكان رجلاً غيوراً فإذا هو برجل شاب طيب الريح، قال: ما أدخلك داري؟ قال: أذن لي ربها. قال: فإن كان ربها أذن لك فهو أحق بها قال: أعرض عني يا إبراهيم، قال: فحال في صورة أسود له أنياب مختلفة وعيناه تذرفان، وله ريح منتنة وهيئةٌ الله بها أعلم، قال: يا إبراهيم أنا ملك الموت وهذه ملائكة الرحمة عن يميني وملائكة العذاب عن شماله، فإذا توفيت النفس المؤمنة جئتها في هذه الهيئة الحسنة والريح الطيبة التي رأيتني فيها ورفعتها إلى ملائكة الرحمة، وإذا توفيت النفس الكافرة جئتها في هذه الصورة وهذه الريح فرفعتها إلى ملائكة العذاب.

وعن كعب قال: كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف، ويرحم المساكين وابن السبيل، قال: فأبطأت عليه الأضياف حتى استراب ذلك، فخرج إبراهيم إلى الطريق فطلب ضيفاً فمر به ملك الموت في صورة رجل، فسلم على إبراهيم فرد إبراهيم عيه السلام ثم سأله إبراهيم: من أنت؟ قال: ابن السبيل؟ قال: إنما قعدت ها هنا لمثلك، انطلق، فانطلق به إلى منزله، فرآه إسحاق فعرفه، فبكى إسحاق، فلما رأت سارة إسحاق يبكي بكت لبكائه. قال: ثم صعد ملك الموت، فلما أفاقوا غضب إبراهيم عليه السلام وقال: بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب؟! قال إسحاق: لا تلمني يا أبه، فإني رأيت ملك الموت معك ولا أرى أجلك يا أبه إلا قد حضر فارعه في أهلك قال: فأمره بالوصية، وكان لإبراهيم بيت يتعبد فيه لا يدخله غيره، فإذا خرج أغلقه. قال: فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه، فإذا هو برجل قاعد فقال له: من أنت؟ من أدخلك؟ قال: بإذن رب البيت دخلت، قال: رب البيت أحق به. قال: ثم تنحى إبراهيم إلى ناحية البيت فصلى كما كان يصنع، فصعد ملك الموت. وقيل له: ما رأيت؟ قال: يا رب جئتك من عند عبدٍ ليس لك في الأرض بعده خير، قيل له: ما رأيت؟ قال: ما ترك خلقاً من خلقك إلا وقد دعا له في دينه أو في معيشته، ثم مكث إبراهيم ما شاء الله، ثم فتح باب بيته الذي يتعبد فيه، فإذا هو برجل قاعد فقال له إبراهيم: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال إبراهيم: إن كنت صادقاً فأرني منك آية أعرف أنك ملك الموت، قال له ملك الموت: أعرض بوجهك يا إبراهيم فأعرض إبراهيم بوجهه ثم قال: أقبل فانظر، فأقبل إبراهيم بوجهه فأراه الصورة التي يقبض فيها أرواح المؤمنين. فرأى من النور والبهاء شيئاً لا يعلمه إلا الله. ثم قال: أعرض بوجهك يا إبراهيم، فأعرض ثم قال: أقبل وانظر. فأراه الصورة التي يقبض فيها الكفار والفجار قال: فرعب إبراهيم رعباً حتى أرعدت فرائصه وألصق بطنه بالأرض، وكادت نفسه تخرج. قال: فقال إبراهيم: أعرف أعرف، فانظر الذي أمرت فامض له. قال: فصعد ملك الموت فقيل له: تلطف - يعني في قبض روح إبراهيم - فأتاه وهو في عنب له في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء، فنظر إبراهيم فرآه فرحمه، فأخذ مكتلاً فقطف

فيه من عنب، ثم جاء به فوضعه بين يديه فقال: كل فجعل ملك الموت يريه أنه يأكل وجعل يمضغه ويمجه على لحيته وعلى صدره قال: فعجب إبراهيم وقال: ما أبقت السن منك شيئاً فكم أتى لك؟ قال: فحسب قال: أتى لي كذا وكذا. مثل إبراهيم، فقال إبراهيم: قد بلغت أنا هذا فإنما أنتظر أن أكون مثل هذا، اللهم اقبضني إليك قال: فطابت نفس إبراهيم عن نفسه وقبض ملك الموت روحه في تلك الحال. وفي حديث آخر عن ابن عمر قال: لما دخل ملك الموت على إبراهيم يقبض روحه، فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت قد أمرت بك فبكى إبراهيم عليه السلام حتى سمع بكاءه إسحاق فدخل عليه فقال: يا خليل الله ما يبكيك؟! قال: هذا ملك الموت يريد أن يقبض روحي قال: فبكى إسحاق حتى علا بكاؤه بكاء إبراهيم عليهما السلام، فانصرف ملك الموت إلى الله عز وجل فقال: يا رب، إن عبدك إبراهيم جزع من الموت جزعاً شديداً، فقال: يا جبريل، خذ ريحانة من الجنة فانطلق بها مع ملك الموت إلى إبراهيم وحيه بها، وقل له: الخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق إليه وأنت خليل أما تشتاق إلى خليلك؟ فأتاه، وبلغه رسالة ربه، ودفع إليه الريحانة فقال: نعم، يا رب، قد اشتقت إلى لقائك، فشم الريحانة فقبض بها. وعاش إبراهيم مئة وخمساً وتسعين سنة. وقيل: مات وهو ابن مئتي سنة. وعن عبد الله بن أبي فراس قال: جسد إبراهيم في مغارة بين الصخرة ومسجد إبراهيم ورجلاه ها هنا، ورأسه عند الصخرة أو رأسه ها هنا، ورجلاه عند الصخرة. قال أبو السكن الهجري: مات خليل الله فجأة ومات داود فجأة. ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون. وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر.

وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: لما قدم إبراهيم على ربه قال له: يا إبراهيم، كيف وجدت الموت؟ قال: يا رب، وجدت نفسي كأنها تنزع بالسلا. قال: كيف وقد هونا عليك الموت يا إبراهيم؟ قال وهب بن منبه: أصيب على قبر إبراهيم الخليل مكتوب خلفه في حجر: من مجزوء الرجز ألهى جهولاً أمله ... يموت من جا أجله ومن دنا من حتفه ... لم تغن عنه حيله وكيف يبقى آخرٌ ... قد مات عنه أوله وزاد فيه بعض أهل العلم والمرء لا يصحبه ... في القبر إلا عمله والله أعلم. /

إبراهيم بن أحمد بن الحسن أبو إسحاق القرميسيني، المقري الصوفي. سمع بدمشق وصور وعسقلان وبيت المقدس وتنيس وخراسان والعراق. حدّث عن أبي العباس أحمد بن زنجويه القطّان، بسنده عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس، ولكن يقبض العلماء؛ فإذا لم يبق عالم اتخذ النّاس رؤوساً جهّالاً، فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. وحدّث عن أحمد بن بشر بن حبيب التميمي الصوريّ، بسنده عن أبي هريرة، قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيباً، فأمر أن يخرج على كل صغير وكبير، وحرّ وعبد، وذكر وأنثى، صاعاً من تمر، صدقة الفطر. قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أحمد بن الحسن، أبو إسحاق المقري القرميسيني، رحل وطوّف في البلاد شرقاً وغرباً، وكتب بخراسان والعراق والشام ومصر، وكان ثقة صالحاً، استوطن الموصل، وورد بغداد، وحدّث بها.

إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن علي

ومات بالموصل في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن علي ابن الحسن بن حسنون أبو الحسين الأردنّي الشاهد سمع وأسمع. حدث عن أبي هارون العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول للشباب: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مخلد: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوصي بالشباب. إبراهيم بن أحمد بن شعر الدّجاج إبراهيم بن أحمد بن كلوسدان أبو إسحاق الآملي الطبّري سمع بدمشق. روي عن أحمد بن عمير بن جوصا بدمشق، بسنده عن موسى بن طريف، قال: قال سفيان الثوري لإبراهيم بن أدهم: هذا العلم الذي قد جمعناه، أريد أن أضعه عندك؛ قال: بلغني حديثّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أعمل به، ثم أنظر فيما عرضت عليّ؛ قال: وما هو؟ قال: بلغني أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحبّني الله تعالى ويحبني الناس عليه، قال: لقد قصّرت وأوجزت، اجتنب محارم الله عزّ وجلّ، واجتنب ما في أيدي النّاس؛ فإنك إن اجتنبت ما في أيدي النّاس أحبّوك.

إبراهيم بن أحمد بن الليث أبو المظفر

إبراهيم بن أحمد بن اللّيث أبو المظفر الأزدي الكاتب كاتب الأمير وهسوذان بن محمد بن مملان الرّوادي الكرديّ قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة؛ وله رسالة يذكر فيها ما رآه في طريقه، ومن لقي من العلماء والأدباء، ويصف فيها حسن جامع دمشق؛ كتب بها إلى بعض الكتّاب بأصبهان. وكان إبراهيم من أهل الفضل، ورسالته تدل على فضله؛ فممّا ذكر فيها أبياتاً للقنوع المعرّي وكان قد لقيه بالمعرّة وذكر أنه رضي من دنياه بسد الجوع، ولبس المرقوع، ولهذا لقّب بالقنوع؛ ومن شعره المليح المطبوع: من الوافر. أرى الإدلال داعية الدّلال ... فما لي قد جزعت لذاك مالي نعم أشفقت من ملقي ولكن ... أبى لي حسن صبري أن أبالي تصدّى المصدود وكان قدماً ... على حال اتصالي من وصالي وقال سلوت متهماً غرامي ... ولست وإن سلا عنّي بسالي نويت عتابه أنّى التقينا ... ولكنّي بدا لي إذ بدا لي قال أبو بكر يحيى بن إبراهيم السّلماسي: أنشدني جماعة من شيوخنا للأستاذ أبي المظفّر هذا: من الوافر: نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء فكلهم ذئاب في ثياب ... حياتهم وفاة للوفاء حكى الأستاذ الجليل السعيد أبو المظفر إبراهيم بن أحمد بن اللّيث، قال: لما حضرت وافداً على السلطان، حضرني الشيخ أبو بكر القهستاني، فرأيت فاضلاً ملء ثوبه، مليح الشمائل، عطر الأخلاق، خفيف الروح؛ وامتدت أوقات الأنس

بيننا، فجاءني كتابه ذات يوم ينوشني، ويرغب في أن يحضر متنزهاً كان له، فأجبت ثم استبطأت غلامه، فكتبت إليه هذا البيت: من الطويل أفي الحق يا مولاي أني أنوش ... وغيري يروي في ذراكم وأعطش فجاءني جوابه مع فتىً من غلمانه حدث كان يهواه، وهو: من الطويل: أسيدنا حتى متى وإلى متى ... وماذا الوفا كم بالمنى نتنعش وعدت فأنجز ما وعدت فقد مضى ... بياض نهار ليله كان يعطش فديتك إن الخلف في الوعد وحشة ... ولكنه في مثل وعدك أوحش وسألني بأيمان الأصدقاء أن أركب في جوابها، فركبت؛ فإذا هو في باغ فيه تين ورمان، ومجالس ما رأيت مثلها نظافة؛ وطال تعاشرنا حتى انتصف الليل، ولم يزل ينشدنا من مليح أشعاره، ومليح قطعه. اسم أبي بكر: علي بن أحمد بن الحسن، أديب فاضل. أنشد إبراهيم بن أحمد بن الليث الكاتب لنفسه: من الرجز لا تغترر بالمهل ... وبعد خطو الأجل واعمل على أن يخلد ال ... ذكر بحسن العمل وأنشد لنفسه: من الوافر عليّ من الترسل ثوب عز ... وليس عليّ من شعري شعار

إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولد

إبراهيم بن أحمد بن محمد بن المولّد أبو إسحاق الرّقّي الصّوفيّ الواعظ حدّث بدمشق والرّقّة. حدّث عن الحسين بن عبد الله القطّان، بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عبد الرحمن لا تسال الإمارة. وحدّث عن أحمد بن عبد الله الناقد المصري، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كن ورعاً تكن أعبد الناس. قال أبو محمد عبد الله بن يحيى الصوفي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المولد، يقول: السياحة بالنفس: الآداب الظواهر، علماً وشرعاً وخلقاً؛ والسياحة بالقلب: الآداب البواطن، حالاً ووجداً وكشفاً. قال أبو نعيم: سمعت عمر بن واضح، يقول: سمعت إبراهيم بن المولد، يقول: عجبت لمن عرف الطّريق إلى ربّه كيف يعيش مع غيره، وهو تعالى يقول: وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له. وكان يقول: من قال بالله أفناه عنه، ومن قال منه أبقاه له. قال أبو عبد الرحمن السلمي:

إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء

إبراهيم بن أحمد بن المولد، أبو إسحاق، من كبار مشايخ الرقة وفتيانهم، صحب أبا عبد الله بن الجلاء الدمشقي، وإبراهيم بن داود القصّار الرّقي، وكان من أفتى المشايخ وأحسنهم سيرة. أنشد إبراهيم بن المولد: من الخفيف لك مني على البعاد نصيب ... لم ينله على الدنو حبيب وعلى الطّرف من سواك حجاب ... وعلى القلب من هواك رقيب زين في ناظري هواك وقلبي ... والهوى فيه زائغ ومشوب كيف يغني قرب الطبيب عليلاً ... أنت أسقمته وأنت الطبيب قال عبد الرحمن بن عمر بن نصر: سمعت إبراهيم بن المولّد يقول في مجلس مواعظه هذه الأبيات: من البسيط سجن لسان الفتى من الكرم ... ولن ترى صامتاً أخاندم الصمت أمن من كل نازلة ... من ناله نال أفضل القسم ما نزلت بالرجال نازلة ... أعظم ضراً من لفظة بفم عثرات هذا اللسان مهلكه ... ليست لدينا كعثرة القدم احذر لسانك يلقيك في تلف ... فربّ قول أذلّ ذا كرم قال الحسن بن القاسم بن اليسع: توفي إبراهيم بن المولّد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمئة؛ رأيت فيما يرى النائم أخي أبا إسحاق، فقلت له: أوصني؛ فقال: عليك بالقلة والذلة حتى تلقى ربك. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء أبو إسحاق النيسابوري الأبزاري الوراق رحل وسمع وأسمع.

حدث عن الحسن بن سفيان، بسنده عن انس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وحدث عن أبي قريش محمد بن جمعة القهستاني، بسنده عن أبي هريرة؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الأرض كلها مسجد وطهور. وحدث عن أبي القاسم عامر بن خريم الدمشقي، بسنده عن ابن عمر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الندم توبة. وعن أبي عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي بدمشق، بسنده عن بلال بن سعد، قال: أدركتهم يسيرون بين الأعراض، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهابين يصلون. وقال أبو عبد الله الحافظ، عنه: وكان من المسلمين الذين سلم الناس من يده ولسانه، طلب الحديث على كبر السن، فسمع بنيسابور، وخرج إلى نسا، وكتب بالعراق والجزيرة والشام، وجمع الحديث الكثير، وعمر حتى احتاج الناس إليه، وأدى ما عنده على القبول. توفي أبو إسحاق الأبزاري يوم الإثنين الخامس من رجب، سنة أربع وستين وثلاثمئة، وهو ابن ست أو سبع وتسعين سنة، وشهدت جنازته. سمعت أبا علي الحافظ يقول لأبي إسحاق: أنت بهز بن أسد، لثبته وإتقانه. وسمعت أبا علي غير مرة يمازح أبا إسحاق، فيقول: ترون هذا الشيخ ما اغتسل من حلال قطّ! فيقول: ولا من حرام يا أبا علي؛ وذلك أن أبا إسحاق لم يتزوج قط. عقدنا له مجالس الإملاء في دار السنة سنة اثنتين وستين وثلاثمئة، وكان يحضر الحلق.

إبراهيم بن أحمد بن محمد

إبراهيم بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن إسحاق الأنصاري الميموني القاضي سمع بدمشق والبصرة ومكة والجزيرة والقيروان والإسكندرية والرملة وغبرها. وروي عنه. حدّث عن أبي بكر عمر بن جعفر بن إبراهيم المزني الكوفي، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " إن الله جل وعلا خلق يوم خلق السموات والأرض مئة رحمة، قسم منها رحمةً واحدةً بين الخلائق، بها معاطف الوالدة على ولدها، وبها يشرب الطير الماء، وبها تتراحم الخلائق؛ فإذا كان يوم القيامة قسمها بينهم وزادها تسعاً وتسعين رحمةً. " قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أحمد بن محمد الهنيدي غير ثقة. إبراهيم بن أحمد بن محمد بن موسى أبو اليسر الأنصاري الخزرجي الموصلي المعروف بابن الجوزيّ قدم دمشق حاجاً. روى عن بشران بن عبد الملك بن مروان، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار. " إبراهيم بن أحمد بن يدغباش الحجري كان أبوه أحمد أمير دمشق من قبل أحمد بن طولون. سمع وأسمع.

إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق السلمي

روي عن أبي علي الحسين بن موسى بن بشر العكّي، بسنده عن أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يسجد قبل الإمام ويرفع رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان. " إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق السّلمي حدّث عن داود بن محمد الحجوري من أهل عين ثرما. إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق المادرانيّ الكاتب من كتّاب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، كان معه بدمشق حين قتل فخرج إبراهيم من دمشق إلى بغداد في أحد عشر يوماً فأخبر المعتضد بقتل خمارويه. مات يوم الخميس لعشر خلون من شوال سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة. إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر أبو إسحاق التّميمي ، ويقال: العجلّي، الزّاهد. أصله من بلخ، وسكن الشام، ودخل دمشق. سمع وأسمع. حدث عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله إنك تصلّي

جالساً فما شأنك؟ قال: " الجوع يا أبا هريرة؛ " قال: فبكيت، قال: فقال: " لا تبك فإن شدة يوم القيامة لا تصيب الجائع إذا احتسب في دار الدنيا. " وحدّث عن أبي إسحاق الهمداني عن عمارة بن غزية الأنصاري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الفتنة تجيء، فتنسف الجبال نسفاً، وينجو العالم منها بعلمه. " قال خالد بن يزيد بن سفيان: إن إبراهيم بن أدهم كان قاعداً في مشرقة بدمشق، إذ مر رجل على بغله، فقال له: يا أبا إسحاق إن لي إليك حاجة أحبّ أن تقضيها؛ فقال إبراهيم: إن أمكنني قضيتها، وإلا أخبرتك بعذري: فقال له: إن برد الشام شديد وأنا أريد أن أبدّل ثوبيك هذين بثوبين جديدين؛ فقال إبراهيم: إن كنت غنياً قبلنا منك، وإن كنت فقيراً لم أقبل منك؛ فقال الرجل: أنا والله كثير المال، كثير الضّياع؛ فقال له إبراهيم: أين أراك تغدو وتروح على بغلتك؟ قال: أعطي هذا وآخذ من هذا؛ فقال له إبراهيم: قم، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك!. قال قتيبة بن رجاء: إبراهيم بن أدهم بلخي. وقال يحيى بن معين: وسألت عن إبراهيم بن أدهم، فقالوا: رجل من العرب، من بني عجل، كان كبير الشأن في باب الورع، يحكى عنه أنه قال: أطب مطعمك، ولا عليك ألا تقوم بالليل، ولا تصوم بالنهار؛ وكان عامّة دعائه: اللهم انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك. قال الفضل بن موسى: حجّ أدهم أبو إبراهيم بأم إبراهيم، وكانت به حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف بن على الحلق في المسجد، وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله رجلاً صالحاً.

قال إبراهيم بن بشار الطويل: سألت إبراهيم بن أدهم، قلت: يا أبا إسحاق كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه؟ قال: غير هذا أولى بك من هذا؛ قلت: هو كما تقول رحمك الله، لعل الله ينفعنا به يوماً؛ ثم سألته الثانية، قال: لا، ويحك اشتغل بالله؛ فقلت الثالثة: إن رأيت رحمك الله، لعل الله ينفعني به يوماً. قال: كان أبي من ملوك خراسان، وكان من المياسير، وكان قد حبّب إليّ الصيد، فبينا أنا راكب فرسي، وكلبي معي، فأثرت ثعلباً أو أرنباً شك إبراهيم فحّركت فرسي، فأسمع نداءً من ورائي: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، قلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع نداء أجهر من الأول: يا إبراهيم ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت! فوقفت مستمعاً أنظر يمنة ويسرة، فلم أجد أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي، فأسمع من قربوس سرجه: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت، فوقفت، فقلت: هيهات هيهاتّ جاءني النّذير من رب العالمين، والله لا عصيت ربي بعد يومي هذا ما عصمني ربي؛ فوجهت إلى أهلي فجانبت فرسي، وجئت إلى بعض رعاة أبي، وأخذت منه جبّة وكساءً، وألقيت ثيابي إليه، فلم تزل أرض ترفعني وأرض تضعني حتى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة وهي المصيصة فعلمت بها أيّاماً، فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك بطرسوس، فإن بها المباحات والعمل الكثير؛ فبينما أنا كذلك قاعد على باب المر جاءني رجل فاكتراني أنظر إليه بستانه، فتوجهت معه، فمكثت في البستان أياّماً كثيرة،

فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحاب له ولو علمت أن البستان لخادم ما نظرته فقعد في مجلسه هو وأصحابه، فقال: يا ناطور يا ناطور؛ فأجبته، فقال: اذهب فأتنا بخير رمان تقدر عليه وأطيبه، فأتيته؛ فاخذ الخادم رمانّة وكسرها فوجدها حامضة، فقال: يا ناطور، أنت مذ كذا وكذا في بستاننا تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئاً، ولا أعرف الحلو من الحامض! قال: فغمز الخادم أصحابه وقال: ما تعجبون من كلام هذا! وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا؟ فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصّفة، وما كان، فجاء الناس عنقاً إلى البستان، فلّما رأيت كثرة الناس اختفيت والنّاس داخلون، وأنا هارب منهم! فهذا أوائل أمري. قال عبد الله بن الفرج: حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوماً في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوماً حاراً، فجلس في ظل القصر ليستريح، فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فأقره منّي السلام، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي؛ فخرج إليه فقام معه ودخل عليّ وسلّم فرددت عليه السّلام، فاستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي، وعرضت عليه الطّعام، فأبى أن يأكل، فقلت له: من أين أقبلت؟ فقال: من وراء النهر؛ قلت: أين تريد؟ قال: أريد الحج إن شاء الله قال: وكان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت: في هذا الوقت؟ فقال: بل يفعل الله ما يشاء، فقلت: فالصّحبة، فقال: إن أحببت ذلك. حتى إذا كان الليل، قال لي: قم، فلبست ما يصلح للسّفر، وأخذ بيدي، وخرجنا من بلخ، فمررنا بقرية بنا، فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدم إلينا خبزاً وبيضاً وسألنا أن نأكل، فأكلنا، وجاءنا بماء فشربنا، ثم قال لي: بسم الله قم، فأخذ بيدي، فجعلنا نسير وأنا أنظر إلى الأرض

تجذب من تحتنا كأنها الموج، فمررنا بمدينة بعد مدينة، يقول: هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة؛ ثم قال لي: الموعد هنا في مكانك هذا في هذا الوقت يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: بسم الله. قال: فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، وهذا منزل كذا، وهذه فيد، وهذه المدينة، وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج، فصرنا إلى قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزرناه ثم فارقني، وقال: الموعد في الوقت، في الليل، في المصلى. حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى، فاخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية حتى أتينا مكة في الليل، ففارقني، فقبضت عليه فقلت: الصّحبة؛ فقال: إني أريد الشام، فقلت: أنا معك؛ فقال لي: إذا انقضى الحجّ فالموعد هنا عند زمزم. حتى إذا انقضى الحجّ إذا به عند زمزم، فاخذ بيدي، فطفنا بالبيت، ثم خرجنا من مكة؛ ففعل كفعله الأول والثاني والثالث فإذا نحن ببيت المقدس؛ فلما دخل المسجد قال لي: عليك السّلام، أنا على المقام إن شاء الله ها هنا، ثم فارقني، فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه. قال إبراهيم: فرجعت إلي بلدي فجعلت أسير سير الضعفاء منزلاً بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ، وكان ذلك أول أمري. حدّث أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم، قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكل في فناء قصره، فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرّغيف، ثم شرب ماءً، ثم نام في فناء القصر؛ فألهم الله عز وجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه، فوكل به بعض غلمانه، وقال له: إذا قام هذا من نومه جئني به؛ فلّما قام الرّجل من نومه قال له الغلام: صاحب هذا القصر يريد أن يكلمك، فدخل إليه مع الغلام، فلّما نظر إليه إبراهيم قال له: أيّها الرجل، أكلت الرّغيف وأنت جائع؟

قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: وشربت الماء تلك الشربة ورويت؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: ونمت طيباً لا هم ولا شغل؟ قال: نعم؛ قال إبراهيم: فقلت في نفسي: فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس تقنع بما رأيت؟!. فخرج إبراهيم سائحاً إلى الله عز وجلّ على وجهه، فلقيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الرّيح، فقال له: يا غلام! من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم: من الدّنيا إلى الآخرة؛ فقال له: يا غلام أنت جائع؟ قال: نعم؛ فقام الشيخ فصلّى ركعتين وسلّم فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء؛ فقال لي: كل، فأكلت بقدر شبعي، وشربت بقدر ريّي، فقال لي الشيخ: اعقل وافهم، لا تحزن ولا تستعجل، فإن العجلة من الشيطان، وإياك والتمرد على الله فإنّ العبد إذا تمرّد على الله أورث الله قلبه الظلمة والضلالة مع حرمان الرّزق، ولا يبالي الله تعالى في أي واد هلك؛ إن الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً جعل في قلبه سراجاً يفرق بين الحق والباطل، والناس فيهما متشابهون؛ يا غلام إنّي معلمك اسم الله الأكبر أو قال: الأعظم فإذا أنت جعت فادع الله عز وجلّ به حتى يشبعك، وإذا عطشت فادع الله عز وجل به حتى يرويك؛ وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضاً يطوؤك، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم؛ يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا، قال: لا أبرح؛ فقال الشيخ: اللهم احجبني عنه واحجبه عني؛ فلم أدر أين ذهب. فأخذت في طريقي ذلك، وذكرت الاسم الذي علمني فلقيني رجل حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فأخذ بحجزتي، وقال لي: ما حاجتك؟ ومن لقيت في سفرك هذا؟ قلت: شيخاً من صفته كذا وكذا، وعليه كذا وكذا، فبكى؛ فقلت: أقسمت عليك بالله من ذلك الشيخ؟ قال: ذاك إلياس عليه السلام، أرسله الله عزّ وجل إليك ليعلمك أمر دينك؛ فقلت: وأنت يرحمك الله، من أنت؟ قال: أنا الخضر؛ عليهما السلام. قال سفيان الثوري: إن إبراهيم بن أدهم كان يشبه إبراهيم خليل الرحمن، ولو كان في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان رجلاً فاضلاً.

قال معاوية بن حفص: إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فاخذ به فساد أهل زمانه؛ قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: حدّثنا منصور عن ربّعي بن خراش، قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله دلّني على عمل يحببني الله عزّ وجل به ويحببني النّاس، قال: " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا، وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم. " فساد أهل زمانه. قيل لإبراهيم بن أدهم: ألّا تحدّث؟ فقد كان أصحابك يحدّثون، فقال: كان همي هدي العلماء وآدابهم. قال محمد بن مكتوم: مرّ إبراهيم بن أدهم بسفيان الثوري، وهو قاعد مع أصحابه، فقال سفيان لإبراهيم: تعال حتى أقرأ عليك علمي، قال: إني مشغول بثلاث، ومضى. قال سفيان لأصحابه: ألا سألتموه ما هذه الثلاث! ثم قام سفيان ومعه أصحابه حتى لحق إبراهيم، فقال له: إنك قلت: إني مشغول بثلاث عن طلب العلم، فما هذه الثلاث؟. قال: إني مشغول بالشكر لما أنعم عليّ، والاستغفار لما سلف من ذنوبي، والاستعداد للموت؛ قال سفيان: ثلاث وأي ثلاث!. قال أبو عثمان الأسود: كنت رفيق إبراهيم بن أدهم أربع عشرة سنةً، فحججت فلقيت عبد العزيز بن أبي داود بمكة، فقال لي: ما فعل أخوك وأخونا إبراهيم بن أدهم؟ قال: فقلت: بالشام في كوضع كذا وكذا، قال: فقال: أمّا إنّ عهدي به يركب بين يديه ثلاثون شاكريّاً، ولكنه أحب أن يتبحبح في الجنّة. قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم في بلاد الشام، فقلت: يا إبراهيم، تركت خراسان؟ فقال:

ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام، أفر بديني من شاهق إلى شاهق، ومن جبل إلى جبل، فمن رآني يقول: موسوس، ومن رآني يقول: حمّال. ثم قال: يا شقيق، لم ينبل عندنا من نبل بالحجّ ولا بالجهاد، وإنما نبل عندنا من نبل من كان يعقل ما يدخل جوفه يعني الرّغيف من حله. ثم قال: يا شقيق، ماذا أنعم الله على الفقراء! لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ولا عن حجّ ولا عن جهاد ولا عن صلة رحم، إنما يسأل عن هذا هؤلاء المساكين، يعني: الأغنياء. حدث المتوكل بن حسين العابد قال: قال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أصناف؛ فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة؛ فالزهد الفرض: الزهد في الحرام؛ والزهد الفضل: الزهد في الحلال؛ والزهد السّلامة: الزهد في الشبهات. قال حذيفة المرعشي: قدم شقيق البلخي مكة، وإبراهيم بن أدهم بمكة، فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينها، فجمعوا بينهما في المسجد الحرام، فقال إبراهيم بن أدهم لشقيق: يا شقيق، علام أصلتم أصولكم؟ فقال شقيق: إنّا أصّلنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؛ فقال إبراهيم بن أدهم: هكذا كلاب بلخ، إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت. فقال شقيق: علام أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟ فقال: أصّلنا أصولنا على انّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا. قال: فقام شقيق وجلس بين يديه، وقال: يا أبا إسحاق، أنت أستاذنا. قال بقية بن الوليد: صحبت إبراهيم بن أدهم إلى المصيصة، فبينا أنا معه، إذا رجل يقول: من يدلني على إبراهيم بن ادهم، قال: فأشرت بإصبعي إليه، فتقدم إليه فقال: السلام عليك ورحمة الله، قال: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أخبرك أن أباك توفي، وخلّف مالاً عظيماً، وأنا عبدك فلان، وهذه البغلة لك، ومعي عشرة آلاف درهم تنفقها على نفسك، وترحل إلى بلخ، والمال مستودع عند القاضي.

قال: فسكت ساعة ثم قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت حر، والبغلة لك، والمال تنفقه على نفسك. ثم التفت إليّ، فقال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: نعم؛ فارتحلنا حتى بلغنا حلوان، فلا والله لا طعم ولا شرب، وكان في يوم مثلج، فقال: يا بقّية، لعلك جائع؟ قلت: نعم؛ ادخل هذه الغيضة، وخذ منها ما شئت؛ قال: فمضيت، فقلت في نفسي: يوم مثلج، من أين لي! قال: ودخلت فإذا أنا بشجرة خوخ، فملأت جرابي وجئت؛ فقال: ما الذي في جرابك؟ قلت: خوخ؛ فقال: يا قليل اليقين، هل يكون هذا! لعلك تفكرت في شيء آخر؟ ولو أزددت يقيناً لأكلت رطباً كما أكلت مريم بنت عمران في وسط الشتاء؛ ثم قال: هل لك في الصّحبة؟ قلت: بلى. قال: فمشينا، ولا والله لا عليه حذاء ولا خفّ، حتى بلغنا إلى بلخ، فدخل إلى القاضي وسلّم عليه، وقال: بلغني أن أبي توفي، واستودع عندك مالاً: قال: أما أدهم فنعم، وأمّا أنّا فلا أعرفك؛ فأراد أن يقوم، قال: فقال القوم: هذا إبراهيم بن أدهم؛ فقال: مكانك، فقد صحّ لي انك ابنه. قال: فأخرج المال؛ قال: لا يمكن إخراجه؛ قال: دلّني على بعضه، قال: فدلّه على بعضه، فصلى ركعتين وتبسم، فقال القاضي: بلغني أنك زاهد، قال: وما الذي رأيت من رغبتي، قال: فرحك وتبسّمك، قال: أما فرحي وتبسّمي من صنع الله إياي، هذا كان حبيساً عن سبيل الله، وأعانني الله حتى جئت في إطلاقه، جعلتها كلّها في سبيل الله؛ ونفض ثوبه وخرج. قال: فقلت له: يا أبا إسحاق لم نطعم مذ شهران! قال: هل لك في الطعام؟ قلت: نعم. فصلى ركعتين، فإذا حوله دنانير، فحملت ديناراً ومضينا.

حدث أبو شعيب قال: سألت إبراهيم بن أدهم أن أصحبه إلى مكة، فقال لي: على شريطة، على أنك لا تنظر إلاّ لله وبالله، فشرطت له ذلك على نفسي، فخرجت معه. فبينا نحن في الطواف فإذا أنا بغلام قد افتتن الناس به لحسنه وجماله، فجعل إبراهيم يديم النظر إليه، فلما أطال ذلك قلت: يا أبا إسحاق، أليس شرطت على ألاّ تنظر: إلاّ لله وبالله؟ قال: بلى، فإني أراك تديم النظّر إلى هذا الغلام! فقال: هذا ابني وولدي، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه، ولولا شيء لقّبلته، ولكن انطلق فسلّم عليه منّي، وعانقه عنّي. قال: فمضيت إليه وسلّمت عليه من والده وعانقته، فجاء إلى والده فسلّم عليه ثم صرفه مع الخدم، فقال: أرجع النّظر، أيش يراد بك، فأنشأ يقول: من الوافر هجرت الخلق طرّاً في هواكا ... وأيتمتها العيال لكي أراكا ولو قطعتني في الحبّ إرباً ... لما خن الفؤاد إلى سواكا قال أبو إسحاق الفزاري: كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت، فإذا تكلّم ربّما انبسط، فأطال ذات يوم السكوت، فقلت له: لم؟ ألا تكلمت؟ فقال: الكلام على أربعة وجوه؛ فمن الكلام كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل في هذا السّلامة منه: ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفّة المؤونة على يديك ولسانك؛ ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الدّاء العضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا كلام يحب عليك نشره. فإذا هو قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام. قال سليمان الموصلي: قلت لإبراهيم بن أدهم: لقد أسرع إليك الشيّب في رأسك! قال: ما شيّب رأسي إلاّ الرفقاء.

قال شقيق بن إبراهيم البلخي: أوصى إبراهيم بن أدهم، قال: عليك بالنّاس، وإياك من النّاس، ولا بدّ من النّاس، فإنّ النّاس هم النّاس، ولسي الناس بالنّاس، ذهب النّاس وبقي النسناس، وما أراهم بالنّاس وإنّما غمسوا في ماء النّاس. قال إبراهيم: أما قولي: عليك بالنّاس، مجالسة العلماء؛ وأمّا قولي: إياّك من النّاس، مجالسة السفهاء؛ وأمّا قولي: لا بدّ من النّاس، الصّلوات الخمس والجمعة والحج والجهاد اتباع الجنائز والشراء والبيع ونحوه: وأما قولي: النًاس هم الناس، الفقهاء والحكماء؛ وأمّا قولي: ليس النّاس بالنّاس، أهل الأهواء والبدع؛ وأما قولي: ذهب الناس؛ ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ وأمّا قولي: بقي النسناس، يعني من يروي عنهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: وأمّا قولي: وما أراهم بالنّاس إنّما هم غمسوا في ماء النّاس، نحن وأمثالنا. قال حذيفة بن قتادة المرعشي: رأى الأوزاعيّ إبراهيم بن أدهم ببيروت، وعلى عنقه حزمة حطب، فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟ إخوانك يكفونك، فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو، فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة. قال طالوت: قال إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحبّ الشهرة. قال عبد الله بن الفرج القنطري العابد: اطلعت على إبراهيم بن أدهم في بستان بالشام، وهو مستلق، وإذا حيّة في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذبّ عنه حتى انتبه!. حدّث عبد الجبّار بن كثير، قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هذا السبّع قد ظهر لنا، قال: أرونيه، فلّما رآه قال: يا قسورة، إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإلاّ فعودك على بدئك؛ فولّى السبّع هارباً، قال: أحسبه يضرب بذنبه.

قال: فتعجبنا كيف فهم السبّع كلام إبراهيم بن أدهم، قال: فأقبل علينا إبراهيم، قال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا. قال خلف: فما زلت أقولها منذ سمعتها فما عرض لي لصّ ولا غيره. عن أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: كان عندنا إبراهيم بن أدهم على بعض جبال مكة يحدث أصحابه، فقال: لو أن وليّاً من أولياء الله قال للجبل: زل، لزال؛ قال: فتحرك الجبل من تحته؛ قال: فضرب برجله، ثم قال: اسكن، فإنما ضربتك مثلاً لأصحابي. حدّث موسى بن ظريف، قال: ركب إبراهيم بن أدهم البحر، فأخذتهم ريح عاصف، وأشرفوا على الهلكة، فلفّ إبراهيم رأسه في عباءة ونام!، فقالوا له: ما ترى ما نحن فيه من الشدّة؟ فقال: ليس ذا شدّة!، فقالوا ما الشدةّ؟ قال: الحاجة إلى النّاس؛ ثم قال: اللهم أريتنا قدرتك فأرنا عفوك؛ فصار البحر كأنه قدح زيت. قال شقيق البلخي: لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة في سوق الليل عند مولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جالس ناحية من الطريق يبكي، فعدلت إليه، وجلست عنده، وقلت: أيش هذا البكاء يا أبا إسحاق؟ فقال: خير، فعاودته مرةً واثنتين وثلاثة، فلّما أكثرت عليه، قال لي: يا شقيق، إن أنا أخبرتك تحدّث به، ولا تستر عليّ! فقلت: يا أخي قل ما شئت، فقال: اشتهت نفسي منذ ثلاثين سنة سكباجاً، وأنا أمنعها جهدي، فلما كان البارحة كنت جالساً وقد غلبني النّعاس إذا أنا بفتىً شاب بيده قدح أخضر يعلو منه بخار، وروائحه سكباج، قال: فاجتمعت نهمتي فقرّب مني، ووضع القدح بين يدي، وقال:

يا إبراهيم، كل: فقلت: ما آكل شيئاً قد تركته لله عزّ وجلّ؛ قال: ولا إن أطعمك الله تأكل؟ فما كان لي جواب إلاّ بكيت، فقال لي: كل، يرحمك الله، فقلت له: إنّا قد أمرنا أن لا نطرح في وعائنا إلاّ من حيث نعلم، فقال: كل، عافاك الله، فغنما أعطيت وقيل لي: يا خضر، اذهب بهذا وأطعم نفس إبراهيم بن أدهم، فقد رحمها الله من طول صبرها على ما يحمّلها من منعها، إعلم يا إبراهيم أني سمعت الملائكة يقولون: من أعطي فلم يأخذ طلب فلم يعط، فقلت: إن كان كذلك، فها أنا بين يديك لا أحلّ العقد مع الله عزّ وجلّ؛ ثم التفتّ فإذا بفتىًّ آخر ناوله شيئاً، وقال: يا خضر لقّمه أنت، فلم يزل يلقّمني حتى شبعت، فانتبهت وحلاوته في فمي. قال شقيق: فقلت: أرني كفّك، فأخذت بكفّي كفّه وقبّلتها، وقلت: يا من يطعم الجياع الشهوات إذا صححوا المنع، يا من يقدح في الضمير اليقين، يا من يشفي قلوبهم من محبته، أقرى لشقيق عندك ذاك، ثم رفعت يدّ إبراهيم إلى السماء، وقلت: بقدر هذا الكفّ وبقدر صاحبه، وبالجود الذي وجد منك جد على عبدك الفقير إلى فضلك وإحسانك ورحمتك، وإن لم يستحقّ ذاك؛ فقال: وقام إبراهيم ومشى حتى دخلنا المسجد الحرام. حدّث إبراهيم اليماني، قال: خرجت مع إبراهيم بن ادهم من صور يريد قيساريّة، فلّما كان بعض الطريق، مررنا بمواضع كثيرة الحطب، فقال: إن شئتم بتنافي هذا الموضع، فأوقدنا من هذا الحطب؛ فقلت: ذلك إليك يا أبا إسحاق، قال: فأخرجنا زنداً كان معنا فقد حنا وأوقدنا تلك النار، فوقع منها جمر كبار، قال: فقلنا: لو كان لنا لحم نشويه على هذه النّار، قال: فقال إبراهيم: ما أقدر الله أن يرزقكم، ثم قام فتمسّح للصلاة، فاستقبل القبلة، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا جلبة شديدة مقبلة نحونا، فابتدرنا إلى البحر، فدخل كلّ إنسان منّا في الماء إلى حيث أمكنه؛ ثم خرج ثور وحش يكرّه أسد، فلّما صار عند

النار طرحه فانصرف إبراهيم بن أدهم، فقال: يا أبا الحارث، تنح عنه، فلن يقدّر لك رزق، فتنحّى، ودعانا فأخرجنا سكيناً كان معنا فذبحناه واشتوينا منه بقيّة ليلتنا. سئل حذيفة المرعشي وقد خدم إبراهيم بن أدهم وصحبه فقيل له: ما أعجب ما رأيت منه؟ فقال: بقينا في طريق مكة أيّاماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد خراب فنظر إلى إبراهيم وقال: يا حذيفة أرى بك الجوع فقلت: ما رأى الشّيخ؛ فقال: عليّ بداوة وقرطاس، فجئت به، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم؛ أنت المقصود إليه بكل حال، والمشار إليه بكل معنى: من الكامل أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر ... أنا جائع أنا نائع أنا عاري هي ستّة فأنا الضّمين لنصفها ... فكن الضّمين لنصفها يا باري مدحي لغيرك وهج نار خضتها ... فأجر فديتك من دخول النّار قال: ثم دفع الرّفعة إليّ وقال: اخرج ولا تعلّق قلبك بغير الله، وادفع الرّقعة إلى أوّل من بلقاك. قال: فخرجت، فأوّل من لقيني كان رجل على بغلة، فأخذها وبكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقّعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلانّي، فدفع إليّ صرة فيها ستمئة دينار؛ ثم لقيت رجلاً آخر فقلت: من صاحب هذه البغلة؟ فقال: نصرانيّ؛ فجئت إلى إبراهيم فأخبرته بالقصّة، فقال: لا تمسّها، فإنه يجيء السّاعة؛ فلما كان بعد ساعة وافى النصرانيّ، وأكب على رأس إبراهيم بن أدهم وأسلم. قال إبراهيم اليماني: قلت لإبراهيم بن أدهم: يا أبا إسحاق إنّ لي مودة وحرمة، ولي حاجة، قال: وما هي؟ قلت: تعلّمني اسم الله المخزون، قال لي: هو في العشر الأوّل من الحديد، لست أزيدك على هذا. قال إبراهيم بن بشار: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من

ربّنا عزّ وجلّ، ثكلت عبداً أمه أحبّ الدّنيا ونسي ما في خزائن مولاه. قال أبو عتبة الخوّاص: سمعت إبراهيم بن أدهم قال لرجل: ما آن لك أن تتوب؟ قال: حتى يشاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له إبراهيم: وأين حزن الممنوع؟. قال محمد بن أبي الرّجاء القرشي: قال إبراهيم بن أدهم: إنك إذا أدمنت النّظر في مرآة التّوبة بان لك قبيح شين المعصية. قال العبّاس بن الوليد: بلغني أن إبراهيم بن ادهم دخل على أبي جعفر، فقال: ما عملك؟ قال: من الطويل نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نزقّع فقال: اخرج عني، فخرج وهو يقول: من مجزوء الخفيف اتخذ الله صاحبا ... ودع النّاس جانبا حدّث إبراهيم بن بشّار الخراسانيّ، قال: كثيراً ما كنت أسمع إبراهيم بن أدهم يقول: من الطويل لما توعد الدّنيا به من شرورها ... يكون بكاء الطّفل ساعة يوضع وإلاّ فما يبكيه منها وإنّها ... لأروع مما كان فيه وأوسع إذا أبصر الدّنيا استهل كأنّما ... يرى ما سيلقى من أذاها ويسمع قال إبراهيم بن بشار: سئل إبراهيم بن أدهم: بم يتّم الورع؟ قال: بتسوية كلّ الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللّفظ الجميل، في قلب ذليل، لربّ جليل، فكن في ذنبك، وتب إلى ربّك، يثبت الورع في قلبك، واقطع الطمع.

إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد

وعن شعيب بن حرب عن إبراهيم بن أدهم، قال: لا تجعل بينك وبين الله عليك منعماً، واعدد نعمةً عليك من غيره مغرماً. وعن خلف بن تميم، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: من البسيط أرى أناساً بأدنى الدّين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيس بالدّون فاستعن بالله عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين كتب عمرو بن المنهال المقدسيّ إلى إبراهيم بن أدهم بالرّملة: أن عظني بموعظة أحفظها عنك، قال: فكتب إليه: أما بعد، فإن الحزن على الدّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كل وقت نصيب، وللبلاء في جسمه دبيب، فبادر بالعمل قبل أن ينادي بالرحيل، واجتهد بالعمل في دار الممرّ قبل أن ترتحل إلى دار المقرّ. حدّث أبو عبد الله الجوزجاني رفيق إبراهيم بن ادهم، قال: غزا إبراهيم بن أدهم في البحر مع أصحابه، فقدم أصحابنا فأخبروني عن إبراهيم بن أدهم، عن اللّيلة التي مات فيها، اختلف خمسةً أو ستةً وعشرين مرّةً إلى الخلاء، كل ذلك يجددّ الوضوء للصلاة، فلّما شعر بالموت قال: أو تروا لي قوسي، وقبض على قوسه، فقبض الله روحه والقوس في يده، قال: فدفنّاه في بعض الجزائر في بلاد الروم. وقال الربيع بن نافع: مات إبراهيم بن أدهم سنة اثنتين وستّين ودفن على ساحل البحر. إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد ابن عبد المؤمن بن إسماعيل بن مشكان بن حرزاد البيروتيّ روى عن أبيه، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أسلم على شيء فهو له ".

إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد

إبراهيم بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ابن عبيد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الحسينيّ الموسويّ المكيّ القاضي الخطيب قدم دمشق وحدّث بها وبمكة. سمع الحديث وأسمعه. روي عن محمد بن الحسين الآجري، بسنده عن بعض أصحاب ذي النون، قال: قال عبد الباري أخو ذي النون: يا أبا الفيض لم صير الموقف بعرفات والمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ قال: لأن الكعبة بيت الله عزّ وجلّ والحرم حجابه، والمشعر بابه، فلّما قصده الوافدون أوقفهم بالباب الأول يتضرّعون، حتى لمّا أذن لهم بالدخول أوقفهم بالباب الثاني، وهو المزدلفة، فلّما أن نظر إلى تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم ويقضون تفثهم ويتطهرون من الذّنوب التي كانت تحجبهم عنه: أمرهم بالّزيارة على طهارة. قال عبد الباري: فلم كره لهم الصّيام أيّام التشريق؟ فقال: إنّ القوم زوّار الله، وهم في ضيافة الله، ولا ينبغي للضيف للذّيف أن يصوم عند من أضافه إلاّ بإذنه. فقال: يا أبا الفيض، فما معنى التعلّق بأستار الكعبة؟ فقال: مثله مثل رجل بينه وبين صاحبه جناية، فهو يتعلّق به ويستخذي له رجاء أن يهب له جرمه. قال الحاكم أبو عبد الله: جاءنا نعي القاضي الشريف أبي جعفر الموسائي الحسينيّ قاضي الحرمين في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمئة.

إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن أحمد

إبراهيم بن إسماعيل بن محمد بن أحمد ابن عبد الله أبو سعد الهرويّ الحافظ قدم دمشق وحدّث. روي عن احمد بن محمد بن بطّة الأصبهانيّ، بسنده عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الساعة التي ترجى فيها، يوم الجمعة، عند نزول الإمام ". وروي عن محمد بن أحمد بن عمارة العطّار، بسنده عن أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " عرضت عليّ أجور أمتّي حتى القذاة يخرجها الرّجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر أعظم من آية أو سورة أوتيها رجلّ ثم نسيّها ". إبراهيم بن إسماعيل أبو إسحاق العنبريّ الطوسيّ مصنف وله مسند. سمع بدمشق والحجاز والعراق ومصر وخراسان، وروي عنه الحديث. روي عن دحيم بسنده عن أبيّ هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن، لهو أشدّ بياضاً من الثّلج وأحلى من العسل، ولآنيته أكثر من عدد نجوم السّماء، وإنّي لأصدّ عنه كما يصد الرّجل إبل الرّجل عن حوضه "؛ قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا؟ قال: " نعم، لكم سيماء لأحد من الأمم تردون عليّ غرّاً محجّلين من أثر الوضوء ".

إبراهيم بن إسماعيل

قال أبو النضر الفقيه: كتبت مسند إبراهيم العنبري بخطي مئتين وبضعة عشرة جزءاً. إبراهيم بن إسماعيل روي عن هشام بن عمار، بسنده عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث ونهاني عن ثلاث؛ أوصاني أن لا أنام إلاّ على وتر، وأن أصوم ثلاثة أيّام من كل شهر يعني البيض وأن لا أدع ركعتي الضّحى؛ ونهاني أن أنقر الصّلاة كنقير الدّيك، وأن ألتفت التفات الثعلب، وأن أقعي إقعاء القرد. إبراهيم بن إسحاق بن أحمد أبو إسحاق المقرئ إمام مسجد الفرس بصور. إبراهيم بن إسحاق بن بشر بن موسى ابن صالح بن شيخ بن عميرة بن حبّان بن سراقة بن يزيد بن حميري ابن عتبة بن جذيمة بن الصّيداء بن عمرو بن قعين ابن الحارث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة ابن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو إسحاق الأسديّ البغدادي سكن دمشق وحدّث بها عن جده.

إبراهيم بن إسحاق بن أبي الدرداء

إبراهيم بن إسحاق بن أبي الدّرداء أبو إسحاق الأنصاريّ الصّرفنديّ من أهل حمص الصّرفنده: من الساحل. سمع وأسمع. روي عن جعفر بن عبد الواحد، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العباس عمّي ووصيّي ووارثي ". ذكر أبو الفرج غيث بن علي أنه حدّث بصور في رمضان سنة سبع وعشرين وثلاثمئة. إبراهيم بن أيّوب الحورانيّ الزّاهد سمع وأسمع. روي عن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي هند البجليّ وكان من السّلف قال: تذاكرو الهجرة عند معاوية، وهو على سريره مغمض العينين، فقال بعضهم: انقطعت الهجرة، وقال بعضهم: لا؛ فانتبه لهم معاوية فقال: ما كنتم تذكرون؟ فأخبروه، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التّوبة " ثلاث مرات. فقال ابن شمعون: مراده، ولا تنقطع التّوبة حتى تطلع الشّمس من قبل المغرب. قال أبو بكر الخطيب: إبراهيم بن أيوب الشاميّ كان من عباد الله الصاّلحين.

إبراهيم بن أيوب

قال عمرو بن دحيم: مات إبراهيم بن أيوب الحورانيّ لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومئتين، يوم الأحد. إبراهيم بن أيّوب حكى عن الأوزاعي أنه قال في كتاب له: اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح النّاصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعن من تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلّهم مبطلون، أفّاكون، آثمون، لا يرعوون، ولا ينظرون، ولا يتّقون، ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون، ويقولون ما لا يعلمون في سرد ما يذكرون وتسديد ما يفترون؛ والله محيط بما يعلمون. فكونوا لهم حذرين، منهم هار بين، رافضين، مجانبين؛ وإنّ علماءكم الأوّلون، ومن صلح من الآخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون؛ واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين، ولعراه ناقضين موهنين، بتوقير المبتدعين والمحدثين؛ فإنه قد جاء في توقيرهم ما تعلمون، وأيّ توقير لهم أو تعظيم اشدّ من أن تأخذوا منهم الدّين، وتكونوا بهم مقتدين، ولهم مصدّقين موادعين، مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون، على استهواء من يستهوون، وتأليف من يتالّفون من ضعفاء المسلمين، لرأيهم الذي يرون، ودينهم الذي يدينون؛ وكفى بذلك مشاركةً لهم فيما يفعلون. إبراهيم بن بحر حدّث عن أحمد بن أبي الحواريّ، قال: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه، فأبى أن يحدّثه؛ فقال الهاشمي لغلامه: يا غلام، قم؛ أبو عبد الرحمن لا يرى أن يحدّثنا. فلّما قام الهاشميّ ليركب جاء ابن المبارك ليمسك بركابه، قال: يا أبا عبد الرحمن لا ترى أن تحدّثني، وترى أن تمسك بركابي! فقال له ابن المبارك: رأيت أن أذلّ لك بدني ولا أذلّ لك حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إبراهيم بن بسام

إبراهيم بن بسّام من أهل خراسان، وفد على هشام بن عبد الملك. إبراهيم بن بشّار بن محمد أبو إسحاق الخراسانيّ الصّوفي مولى معقل بن يّسار صاحب إبراهيم بن أدهم. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدّث إبراهيم بن بشار الصوّفي الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم قال: وقف رجل صوفيّ على إبراهيم بن أدهم فقال: يا أبا إسحاق، لم حجبت القلوب عن الله عزّ وجلّ؟ قال: لأنها أحبّت ما أبغض الله، أحبّت الدّنيا، ومالت إلى دار الغرور واللهو واللّعب، وترك العمل لدار فيها حياة الأبد، في نعيم لا يزول ولا ينفذ، خالداً مخلداً، في ملك سرمد، لا نفاذ له ولا انقطاع. وقال: قلت لإبراهيم بن أدهم: أمرّ اليوم أعمل في الطّين، فقال: يا بن بشّار، إنّك طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد لقيته، كأنك بما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه، يا بن بشّار كأنك لم تر حريصاً محروماً، ولا ذا فاقة مرزوقاً!، ثم قال: ما لك حيلة؟ قلت: لي عند البقّال دانق؛ فقال: عزّ عليّ، تملك دانقاً وتطلب العمل!. وقال: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم وأبو يوسف الغاسوليّ وأبو عبد الله السّنجاريّ نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له: الأردنّ، فقعدنا نستريح، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات، فألقاها بين أيدينا، فأكلناها وحمدنا الله تعالى؛ فقمت أسعى أتناول ماءً لإبراهيم، فبادر إبراهيم فدخل النّهر حتى بلغ الماء إلى ركبيته، فقال بكفّيه فملأهما، ثم قال: بسم الله، وشرب الماء؛ ثم قال: الحمد لله، ثم خرج من النّهر، فمدّ رجليه ثم قال:

إبراهيم بن بكر أبو الأصبغ البجلي

يا أبا يوسف لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النّعيم والسّرور لجالدونا بالسّيوف أيّام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلّة التّعب. فقلت: يا أبا إسحاق، طلب القوم الرّاحة والنّعيم، فأخطاوا الطريق المستقيم؛ فتبسّم، ثم قال: من أين لك هذا الكلام!. وقال: مضيت مع إبراهيم بن أدهم في مدينة يقال لها: أطرابلس، ومعي رغيفان مالنا شيء غيرهما، وإذا سائل يسال، فقال لي: ادفع إليه ما معك!، فلبثت، فقال: ما لك؟ أعطه؛ فأعطيته وأنا متعجب من فعله، فقال: يا أبا إسحاق إنك تلقى غداً ما لم تلقه قط، واعلم أنك تلقى ما أسلفت، ولا تلقى ما خلّفت، تعّهد لنفسك، فإنك لا تدري متى يفجأك أمر ربك. قال: فأبكاني بكلامه وهوّن عليّ الدّنيا؛ قال: فلّما نظر إليّ أبكي، قال: هكذا فكن. إبراهيم بن بكر أبو الأصبغ البجليّ أخو بشر بن بكر من أهل دمشق، حدّث بمصر عن جماعة. حدّث عن أبي زرعة بن إبراهيم القرشي، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: بلغني عن أبي أمامة حديث في الوضوء، قال: فقلت: لا أنزل عن بغلتي هذه حتى آتي حمص، فاسأل أبا أمامة عن هذا الحديث؛ فأتيت حمص، فسألت عنه فدلّوني عليه في مزرعة له، فأتيت مزرعته، فسألت عنه، فقيل: هو ذاك في رحبة المسجد

إبراهيم بن بكر بن يزيد بن معاوية

شيخ كبير عليه قباء فهو أبو أمامة الباهليّ؛ قال: فخرجت حتى أتيت المسجد فإذا هو في رحبة المسجد شيخ كبير وعليه قباء فرو قد ألقاه على ظهره يتفلى في الشّمس. قال: فسلّمت عليه، قال: قلت: أنت أبو أمامة الباهليّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم يا بن أخي، فما تشاء؟ قلت: حديث بلغنا أنك تحدّث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء: قال: نعم يا بن أخي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من توضأ فغسل كفّيه ثلاثاً أذهب الله كلّ خطيئة أخطأها بهما، ومن مضمض واستنشق أذهب الله كل خطيئة أخطأها بلسانه وشفتيه، ومن توضأ فأبلغ الوضوء أماكنه، ثم قام إلى الصّلاة مقبلاً عليها فقد خرج من خطيئته مثلما ولدته أمّه " فقلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: يا بن أخي لم أسمعه مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ستاً أو سبعاً، لم أبال ألاّ أذكره، ولكن والله لا أدري كم سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو سعيد ابن يونس: توفي قريباً من سنة ست وسبعين ومئة. وفي نسخة أخرى: توفي في سنة عشر ومئتين. إبراهيم بن بكر بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميّة كان يسكن عذراء من إقليم خولان من قرى دمشق، وكانت لجدّه؛ وأمّه أمّ ولد. إبراهيم بن بنان الجوهريّ سمع وأسمع. روى عن هشام بن عمار، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال:

إبراهيم بن تميم أبو إسحاق الكاتب

قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة الرّحمن من أوّلها إلى خاتمتها، فلّما فرغ قال: " مالي أراكم سكوتاً! الجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً، ما قرأت عليهم آية فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان إلاّ قالوا: ولا بشيء من نعماء ربّنا نكذّب، فلك الحمد ". وروى عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي، بسنده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أيقظ الرّجل أهله من اللّيل فتوضّئا وصلّيا كتبا من الذّاكرين الله كثيراً والذّاكرات ". إبراهيم بن تميم أبو إسحاق الكاتب مولى شرحبيل بن حسنة ولي خراج مصر، وقدم دمشق على المأمون. قال إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن تميم: كان إبراهيم يعاني الزّرع لنفسه في حداثته، وزرع بالصّعيد وبأسافل الأرض، وكان يقول: ما طلبت ولاية الخراج حتى عرفت عقد الصّعيد وعقد أسفل الأرض، وعرفت فضله وجبيته على مرّ السنين. قال ابن يونس: كان كاتباً في ديوان الخراج ثم تناهت به الأمور إلى أن ولي خراج مصر. توفي سنة سبع عشرة ومئتين. إبراهيم بن جبلة بن عرمة الكنديّ كان من أصحاب عبد الملك بن مروان، وعمّر حتى صار من صحابة أبي جعفر المنصور.

إبراهيم بن جدار العذري

إبراهيم بن جدار العذريّ روى عن ثابت بن ثوبان العّبسي، قال: سمعت مكحولاً يقول: ويحك يا غيلان، ركبت بهذه الأمة مضمار الحروريّة غير أنك لا تخرج عليهم بالسّيف. قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يقول: ما أصيب أهل دمشق بأعظم من مصيبتهم بإبراهيم بن جدار العذريّ، وأبي مرثد الغنويّ، وبالمطعم بن المقدام الصّنعاني. وقال مروان بن محمد: وكان في زمانه أعبد أهل الشّام. وقال عبد الملك بن بزيع: جاءه رجل فأسمعه ما يكره، فقال له إبراهيم: قد سمع الله كلامك، غفر لك القبيح وكافأك بالحسن. إبراهيم بن جعفر أبو محمود الكتاميّ المغربيّ العابد قدم دمشق يوم الثلاثاء لاثنتين وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان سنة ثلاث وستين وثلاثمئة أميراً على جيوش المصريين. وكانت بين أبي محمود وبين أهل دمشق في مدة ولايته حروب كثيرة وفتن متواصلة. هلك بدمشق في صفر سنة سبعين وثلاثمئة، وكان ضعيف العقل سّيئ التدبير إبراهيم بن أبي جمعة كاتب إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

إبراهيم بن حاتم بن مهدي

إبراهيم بن حاتم بن مهدي أبو إسحاق التستريّ البلّوطي الزّاهد سكن الشام وحدّث بدمشق وأطرابلس عن جماعة. روى عن محمد بم جعفر، بسنده عن عبيد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما هلكت أمّة قطّ إلاّ بالشرك بالله، وما كان بدء شركها إلاّ التكذيب بالقدر ". وحدّث بسنده عن الحسن، قال: من كذّب بالقدر فقد كذّب بالحقّ؛ إن الله تبارك وتعالى قدّر خلقاً وقدّر أجلاً، وقدّر بلاءً وقدّر مصيبةً وقدّر معافاةً، فمن كذّب بالقدر فقد كذّب بالقرآن. وروى عن إبراهيم بن جعفر، بسنده عن حذيفة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قل طعمه صحّ بدنه وصفا قلبه، ومن كثر طعامه سقم بدنه وقسا قلبه ". حدّث أبو الحسين زيد بن عبد الله بن محمد البلّوطي، قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن حاتم البلّوطي، يقول: لقيت ثلاثة آلاف شيخ أو ثلاثمئة أبو الحسين البلّوطي يشك قلت: يا أستاذ، لقيت الخضر؟ فقال: يا بنيّ، من لم يلق الخضر لا يقول إنه وصل بعد إلى شيء. قال الشيخ أبو إسحاق: وعرضت أصول السّنّة على أبي العبّاس الخضر عليه السلام. قال أبو إسحاق: وكنت أدخل إلى بعض الشيوخ في بلدنا، وكنت صبيّاً، وكنت أتنكّر حتى يدخلوني معهم، فسمعت كلّ رجل منهم يقول للشيخ: طويت ثلاثة أيّام؛ ويقول آخر: طويت عشرة؛ ويقول آخر: طويت عشرين يوماً؛ فقلت: مالي لأنازل ما ينازل هؤلاء! فطويت ستين يوماً، وحضرت معهم، وقلت للشيخ: طويت ستين يوماً، فأخذني وقبّل ما بين عينيّ. قال لنا الشيخ أبو إسحاق: طويت سبعين يوماً، ولو كان هذا شاع عنّي ما أخبرتكم، ولولا أنّي قد قرب أجلي ما حدّثتكم.

إبراهيم بن أبي حرة الحراني

وقال أبو الحسين: ذكر عن أبي إسحاق أن رجلين من أهل الخولان تحالفا: لقد رآه أحدهما في الحجّ يوم عرفة، ورآه الآخر بالأكواخ يصلّي العيد؛ وحلفا بالطّلاق على ذلك، وارتفعا إليه، فقال لهما: صدقتما، ولا تعلما أحداً. إبراهيم بن أبي حرّة الحرّاني ويقال: النّصيبي رأى ابن عمر، وحدّث عن جماعة، وروي عنه الحديث، وقدم دمشق وحدّث بها مجتازاً إلى مكة مع الزّهري. روى عن سعيد بن جبير، أظنّه عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " لا تقربوه طيباً " يعني المحرم إذا مات. وقال: رأيت ابن عمر مسح فكأنّي أنظر اثر أصابعه على خفّيه. قال أبو زكريا يحيى بن معين: إبراهيم بن أبي حرّة الحرّاني، جزريّ، وكان من الفقهاء الذين شهدوا الموسم مع ابن هشام بن عبد الملك. وقال ابن أبي حاتم: وسمعت أبي يقول: إبراهيم بن أبي حرّة، هو ثقة لا بأس بحديثه. إبراهيم بن الحسن بن سهل حاجب المتوكل قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومئتين. مات بسرّمن رأى في شعبان سنة أربع وأربعين ومئتين.

إبراهيم بن الحسن بن محمد

إبراهيم بن الحسن بن محمد ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن عبد الله بن سليمان بن أبي كريمة أبو البركات الفارسيّ الإصطخريّ الأصل، الصّيداويّ سمع بدمشق، وحدّث بصيدا. روي عن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة المعدّل الصّيداوي، بسنده عن ابن عبّاس، أنّه قال: أصابت نبّي الله خصاصة، فبلغ ذلك عليّاً، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً ليبعث به للنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى بستاناً لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً، كل دلو بتمرة. فخيّره اليهودي على تمره، وأخذ سبع عشرة عجوة، كلّ دلو بتمرة، فجاء بها إلى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أين لك هذا يا أبا الحسن؟ قال: بلغني ما بك من الخصاصة يا نبيّ الله، فخرجت ألتمس عملاً لأصيب لك طعاماً، قال: حملك على هذا حبّ الله ورسوله؟ قال: نعم يا نبيّ الله، قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عبد يحبّ الله ورسوله إلاّ الفقر أسرع إليه من جرية السيّل على وجهه، ومن أحبّ الله ورسوله فليعدّ للبلاء تجفافاً ولهما يعني الصبر ". إبراهيم بن الحسن بن يوسف بن يعقوب أبو إسحاق المصريّ قدم دمشق طالب علم وحدّث بها عن بعض شيوخه، وكان كهلاً.

إبراهيم بن الحسين بن علي

إبراهيم بن الحسين بن علي ويقال ابن سني أبو إسحاق الهمذانيّ الكسائيّ، المعروف بابن ديزيل، ويعرف بسيفنّة ويعرف بدابّة عفّان لكثرة ملازمته إيّاه وهو أحد الثّقات الأثبات الرّحّالين في طلب الرّوايات. سمع بدمشق والحجاز عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن إسحاق بن محمد الفروي، بسنده عن عائشة، قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم. قال ابن أبي حاتم: سمعت إبراهيم يقول: كنت بالمدينة، ووافى محمد بن عبد الجبار سندول، وأفدته عن إسماعيل بن أويس وكان إسماعيل يكرمه فلّما دخل عليه أجلسه معه على السرير، وقمت أنا عند الباب، فجعل محمد بن عبد الجبار يسأل إسماعيل، فبصر بي، فقال: هذا من عمل ذاك المكدي، أخرجوه. قال: فأخرجت، ثم خرجت مع محمد بن عبد الجبار إلى مكة، فجعلت أذاكره في الطريق، فتعجب وقال: من أين لك هذا؟! قلت: هذا سماع المكدين. قال محمد بن إبراهيم الدّامغانيّ: كنّا في مجلس إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذانيّ، وكان يلقّب بسيفنّة، فتقدم إليه بعض الغرباء يسأله في أحاديث، فامتنع عليه فيها إبراهيم؛ فقال: إن حدّثتني بهذه الأحاديث وإلاّ هجوتك؛ فقال إبراهيم: وكيف تهجوني؟ قال: أقول: من السريع وقائل حالك في دنّه ... فقلت ذا من فعل سيفنّه قال: فتبسم إبراهيم وأجابه في تلك الأحاديث.

إبراهيم بن الحسين أحد الزهاد

قال الدّامغاني: إنما لقب إبراهيم بسيفنّة لكثرة كتابته الحديث، وسيفنّة طائر بمصر لا يقع على شجرة إلاّ أكل ورقها حتى لا يبقي فيها شيئاً، وكذلك إبراهيم إذا وقع إلى محدّث لا يفارقه حتى يكتب جميع حديثه. قال أبو عبد الله الحاكم عنه: ثقة مأمون. مات يوم الأحد آخر يوم من شعبان سنة إحدى وثمانين ومئتين. إبراهيم بن الحسين أحد الزهّاد حكى عن دينار وحكى عنه أحمد بن أبي الحواري. قال: دخل عليّ رجل وأنا بالفراديس، في بيت، فقال لي: عد، إن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟. قال فحدثت به ديناراً فبكى، وقال: على مثل هذا فليبك. إبراهيم بن الحسين الدمشقي حدّث عن شعيب بن أحمد البغدادي، بسنده عن عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله علي وسلم فقال لي: " يا عائشة اغسلي هذين الثوبين "، قالت: فقلت: بأبي وأمّي يا رسول الله بالأمس غسلتهما، قال: " أما علمت أن الثّوب يتّسخ، فإذا اتّسخ انقطع تسبيحه ". قال الخطيب: روى شعيب حديثاً منكراً، ثم ساق الذي سقناه.

إبراهيم بن الحسين

إبراهيم بن الحسين أبو إسحاق الغزنوي قدم دمشق وحدّث بها. روى عن أبي بكر أحمد بن الحسن الجيري، بسنده عن سالم عن أبيه، قال: رأيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر يمشون أمام الجنازة. إبراهيم بن حمزة بن نصر ابن عبد العزيز بن محمد أبو طاهر بن الجرجرائيّ المقرئ المعدّل قرأ القرآن بعدّة روايات، وسمع، وحدّث. حدّث عن أبي بكر الخطيب، بسنده عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كبيرة بكبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة بصغيرة مع الإصرار ". سئل أبو طاهر عن مولده، فقال: في سنة إحدى وأربعين وأربعمئة بدمشق. توفي في ليلة الإثنين السادس عشر من شهر ربيع الأول، ودفن يوم الإثنين سنة تسع وخمسمئة في مقابر باب الصغير بعد أن صلّى عليه الفقيه أبو الحسن علي بن المسلم. صحيح السمّاع، خلّف اثنين عليّاً ويحيى. إبراهيم بن حيّان أبو إسحاق الجبيليّ من ساحل دمشق، من أهل جبيل.

إبراهيم بن أبي حوشب النصري إبراهيم بن الخضر بن زكريا بن إسماعيل

إبراهيم بن أبي حوشب النّصري إبراهيم بن الخضر بن زكريّا بن إسماعيل أبو محمد بن أبي القاسم الصائغ سمع واسمع. وكان أبوه أبو القاسم من أهل العلم، سمع الأشراف كابن المنذر. حدّث عن عبد الوهاب بن الحسن، بسنده عن أبيّ الدّرداء، قال: رأى النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يمشي أمام أبي بكر، فقال: " أتمشي أمام من هو خير منك! إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس وغربت ". توفي يوم عاشوراء في المحرم من سنة خمس وعشرين وأربعمئة. كتب الكثير، وحدّث بشيء يسير، كان فيه تساهل في الحديث. ذكر أبو بكر الحداد أنه ثقة، وذكر الأهوازي أنه دفن بباب توما. إبراهيم بن زرعة بن إبراهيم القرشيّ إبراهيم بن سعد بن شراخ المعافريّ المصريّ وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه. إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن ابن عوف الزّهري وفد على هشام بن عبد الملك. مات سنة ثلاث وثمانين ومئة، وهو ابن خمس وسبعين سنة.

إبراهيم بن سعد الخير بن عثمان

إبراهيم بن سعد الخير بن عثمان ابن يحيى بن مسلمة بن عبد الله بن قرط الأزديّ إبراهيم بن سعد الحسنيّ الزّاهد بغدادي اجتاز بدمشق أو بساحلها. قال أبو الحارث الأولاسي: خرجت من الحصن أريد البحر، فقال لي بعض إخواننا: لا تبرح، فإني قد هيأت لك عجّة حتى تتغدّى، فجلست وأكلت معه، ونزلت إلى السّاحل، فإذا إبراهيم بن سعد العلويّ قائم يصلّي، فقلت في نفسي: يريد أن يقول لي: امش بنا على الماء، ولئن قال لأمشينّ معه؛ فما استتم ذلك الخاطر حتى سلّم من صلاته، وقال لي: يا أبا الحارث، هيه، عزمت، بسم الله، امش على ما خطر في نفسك، فقلت: بسم الله؛ فمشى على الماء، وذهبت لأمشي خلفه فغاصت رجلي في الماء، فالتفت إليّ وقال: يا أبا الحارث، أخذت العجّة برجلك، فذهب وتركني. وقال أبو الحارث الأولاسي: خرجت من مكة في غير أيام الموسم أريد الشّام، فإذا أنا بثلاثة نفر على جبل، فإذا هم يتذاكرون الدّنيا، فلّما فرغوا أخذوا يعاهدون الله أن لا يمسّوا ذهباً ولا فضّة، فقلت: وأنا أيضاً معكم، فقالوا: إن شئت، ثم قاموا، فقال أحدهم: أمّا أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا، وقال الآخر: أمّ أنا فصائر إلى بلد كذا وكذا، وبقيت أنا وآخر، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد الشام، فقال: وأنا أريد الشام؛ فكان إبراهيم بن سعد العلويّ، فوّدّع بعضاً وافترقنا، فمكثت حيناً أنتظر أن يأتيني كفايتي، فما شعرت يوماً وأنا بالأولاس، فخرجت أريد البحر، فصرت بين الأشجار، إلاّ برجل صافّ قدميه يصلّي؛ فاضطرب قلبي لمّا رأيته، وعلاني له هيبة، فلّما حسّ بي سلّم والتفت إليّ، فإذا هو إبراهيم بن سعد، فعرفته بعد ساعة، فقال لي: هاه،

فوبّخني، وقال: اذهب فغيّب عني شخصك ثلاثة أيّام ولا تطعم شيئاً ثم ائتني، فعلت ذلك، فجئته بعد ثلاثة وهو قائم يصلّي، فلّما حسّ بي وجز في صلاته ثم أخذ بيدي فأوقفني على البحر وحرّك شفتيه، فقلت في نفسي: يريد أن يمشي بي على الماء، ولئن فعل لأمشينّ، فما لبثت إلاّ يسيراً، فإذا أنا برفّ من الحيتان مدّ البصر قد أقبلت إلينا رافعةً رؤوسها فاتحةً أفواهها، فلّما رأيته قلت في نفسي: أين أبو بشر الصيّاد إنسان كان بالأولاس هذه السّاعة؟ فإذا الحيتان قد تفرّقت كأنما طرح في وسطها حجر، فالتفت إليّ وقال: فعلتها! فقلت: إنّما قلت كذا وكذا، فقال لي: مرّ، لست مطلوباً بهذا الأمر، ولكن عليك بهذه الرّمال والجبال، فوار شخصك ما أمكنك، وتقلل من الدّنيا حتى يأتيك أمر الله فإني أراك بهذا مطالباً، ثم غاب عنّي، فلم أره حتى مات؛ وكانت كتبه تصل إليّ. فلّما مات كنت قاعداً يوماً فتحرّك قلبي للخروج من باب البحر، ولم يكن لي حاجة، فقلت: لا أكره القلب فيعمى، فخرجت، فلّما صرت في المسجد الذي على الباب إذا أنا بأسود، قام إليّ فقال: أنت أبو الحارث؟ فقلت: نعم، فقال: آجرك الله في أخيك إبراهيم بن سعد، وكان اسمه ناصح، مولى لإبراهيم بن سعد، فذكر أن إبراهيم أوصاه أن يوصل إليّ هذه الرّسالة، فإذا فيها مكتوب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا أخي إذا نزل بك أمر من أمر فقر أو سقم أو أذىً فاستعن بالله واستعمل عن الله الرّضى، فإنّ الله مطلع عليك، يعلم ضميرك، وما أنت عليه، ولا بدّ لك من أن ينفذ فيك حكمه، فإن رضيت فلك الثّواب الجزيل، والأمن من الهول الشديد؛ وأنت في رضاك وسخطك لست تقدر أن تتعدّى المقدور، ولا تزداد في الرّزق المقسوم والأمر المكتوم والأجل المعلوم؛ ففي أيّ هذه تريد أن تحتال في نقضها بهمّتك، وبأيّ قدرة تريد أن تدفعها عنك عند حلولها، أن تجتليها من قبل أوانها! كلاّ والله لا بدّ لأمر الله أن ينفذ فيك طوعاً منك أو كرهاً فإن لم تجد إلى الرّضا سبيلاً فعليك بالتّجمّل، ولا تشك ممّن ليس بأهل أن يشكى، وهو من أهل الشكر والثناء القديم، ما أوفى من نعمته علينا، فما أعطى وعافى أكثر مّما زوى وأبلى، وهو مع ذلك أعرف بموضع الخير لنا منّا، وإذا اضطرّتك الأمور وقلّ صبرك، فالجأ إليه بهمّتك، واشك إليه بثّك

إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهري البغدادي

وليكن طبعك فيه، واحذر أن تستبطئه أو تسيء به ظناً، فإن لكل شيء سبباً، ولكل سبب أجل، ولكل همّ في الله ولله فرج عاجل أو آجل، ومن علم أنه بعين الله استحيا أن يراه الله يؤمّل سواه، ومن أيقن ينظر الله أسقط الاختيار لنفسه في الأمور، ومن علم أن الله الضّارّ النّافع أسقط مخاوف المخلوقين عن قلبه، وراقب الله في قربه، وطلب الأشياء من معادنها، فاحذر أن تعلّق قلبك بمخلوق خوفاً أو رجاءً، أو تفشي إلى أحد اليوم سرّك، أو تشكو إليه بثّك، أو تعتمد على إخائه، أو تستريح إليه استراحة يكون فيها موضع شكوى بثّ، فإن غنيّهم فقير في غناه، وفقيرهم ذليل في فقره، وعالمهم جاهل في علمه، فاجر في فعله، إلاّ القليل ممّن عصم الله. قال أبو الحارث الأولاسي: قلت لإبراهيم بن سعد، ما كان مبتدأ أمرك؟ قال: كنت من الغلويّة، وفي نخوتهم وتكبّرهم، والتّزيّن بالشّرف والتّعظيم به على النّاس، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النّائم، فقال لي: أنت شريف؟ فقلت: نعم يا رسول الله، أنا من أولادك؛ فقال: لم لا تتواضع في شرفك حتى تكون شريفاً؟ فالشّرف بالله يكون حقيقته الشرف والتواضع لعباده، وقضاء حوائجهم تكون المروءة، وصحبة الفقراء تزيل عنك هذا الكبر، وتدلّك على منهاج الحقّ، وإيّاك والرذكون إلى الدنيا ومحبّتها، وصحبة أهلها، وتشرّف بالفقر تكن شريفاً. قال: فانتبهت، وقد زال عنّي ما كنت أجده من التكبّر ورؤية الشرف وأنفقت كلّ ما كنت أملكه، وصحبت الفقراء، وقصدتهم في أماكنهم، وتتبّعتهم في كلّ أمورهم؛ فتلك رؤيا كانت سبب أمري. وقال: كان أحبّ شيء إليّ لبس الثّياب الفاخرة، فالآن إذا لبست ثوباً جديداً وقلّ ما ألبسه إلاّ وجدت نفسي ذلاًّ إلى أن يتّسخ أو يتخرّق، كل هذا ببركة موعظة النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهريّ البغداديّ قدم دمشق وحدّث ببغداد والمصّيصة عن جماعة.

روى عنه مسلم في صحيحه والتّرمذي والنسائي وغيرهم. حدّث عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، بسنده عن أبي موسى، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم الناس من لسانه ويده ". قال أبو بكر الخطيب: وكان ثقةً مكثراً ثبتاً، صنّف المسند وانتقل عن بغداد فسكن عين زربة مرابطاً بها إلى أن مات. قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزيّ السّلمي: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهريّ عن حديث لأبي بكر الصّديق فقال لجاريته: أخرجي إليّ الثالث والعشرين من مسند أبي بكر، فقلت له: لا يصحّ لأبي بكر خمسون حديثاً، من أين ثلاثة وعشرون جزءاً؟ فقال: كلّ حديث لم يكن عندي من مئة وجه فأنا فيه يتيم!. قال الخطيب: وكان لسعيد والد إبراهيم اتّساع من الدنّيا وإفضال على العلماء، فلذلك تمكّن ابنه من السّماع، وقدر على الإكثار عن الشيوخ، وصفّ الجوهريّ ببغداد إليه ينسب. وقال إبراهيم الهروي: حجّ سعيد الجوهريّ فحمل معه أربعمئة رجل من الزوّار سوى حشمه حجّ بهم!. حدّث عمر بن عثمان، قال: سمعت إبراهيم بن سعيد الجوهريّ يقول: دخلت على أحمد بن حنبل أسلّم عليه، فمددت يدي إليه فصافحني، فلّما أن خرجت قال: ما أحسن أدب هذا الفتى، لو انكبّ علينا كنّا نحتاج أن نقوم. مات سنة ثلاث وخمسين ومئتين. روى عن يحيى بن حسان، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: لمّا نزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية " ولتعزّروه: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذاك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: لتنصروه.

إبراهيم بن سعيد الإسكندراني المعروف بالسديد

إبراهيم بن سعيد الإسكندرانيّ المعروف بالسّديد قدم دمشق. قال أبو عبد الله بن الملحي: السّديد، إبراهيم بن سعيد، شيخ جليل القدر، واسع الأدب، مشهور بالفضل، من بيت كبير، كلّهم صحبوا بني حمدان بمصر، واستغنوا من فضلهم؛ وكان هذا السّديد نزل عند صاعد بن الحسن بن صاعد بزقاق العجم، وكان صاعد قد عمل شخص حديد ينفخ النّار ساعات، فأراد السّديد اعتباره فلم ينصبه كما يجب فأطفأ النّار، فقال صاعداً بديهاً: من الكامل نار تيّممها السّديد فزدّها ... برداً وكانت قبل وهي جحيم وكأنّما المنفاخ آية ربّه ... وكأنّ إبراهيم إبراهيم قال: وأنشدنا السّديد: من الطويل أبى فرعها لي أن أرى مثل لونه ... سواها فمبيضّ عداها كمسودّي بقلبي منها مثل ما بجفونها ... فذا مرض يحيي وذا مرض يودي وضدّان في حبّيط قلبي ومقلتي ... فهذا له مخف وهذا له مبدي قال: وأنشدنا: من البسيط في ابن توفيق من ليث العرين ومن ... هدير ساقية الطّوسيّ أشباه فيه من الثّور قرناه وجثّته ... ومن أبي القيل نتن لازم فاه قال: وقال لي يوماً: لم يبق من الولد إلاّ بنت صغيرة قد سمّتها على كفؤ لها، وأفردت ما يصلح شأنها وهو مودع عند صديق لي بالإسكندريّة، فقال له صاعد: وكم مقداره؟ فقال: هو ثلاثون ألف دينار عيناً، ثم سار لإتمام ما عرفناه.

إبراهيم بن سليمان بن داود

إبراهيم بن سليمان بن داود أبو إسحاق بن أبي داود الأسديّ، المعروف بالبرلّسي. سمع بدمشق من جماعة، وروي عنه، وكان أحد الحفاظ المجّودين الثقات الأثبات. روى عن حجّاج بن إبراهيم، عن حيان، عن محمد بن أبي رافع، عن أخيه، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا طنّت أذن أحدكم فليذكرني وليصلّ عليّ، وليقل: اللهم اذكر بخير من ذكرني ". قال أبو سعيد ابن يونس: إبراهيم بن سليمان بن داود، أسديّ، أسد خزيمة، يكنى أبا إسحاق، يعرف بابن داود البرلّسي، لأنه كان لزم البرلّس بساجور من نواحي مصر، مولده بصور، وأبوه أبو داود كوفي: وكان ثقة من حفّاظ الحديث، توفي بمصر ليلة الخميس لستّ وعشرين ليلة خلت من شعبان سنة اثنتين وسبعين ومئتين. إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ له عقب. وقد بلغني أنه لمّا أفضت الخلافة إلى بني العبّاس، اختفت رجال بني أميّة؛ وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك، حتى أخذ له دواد بن علي من أبي العبّاس الأمان. وكان إبراهيم رجلاً عالماً، فقال له أبو العبّاس ذات مرّة: حدّثني عمّا مرّ بك في اختفائك، قال: نعم، كنت مختفياً بالحيرة في منزل شارع على طريق الصّحراء، فبينما أنا على ظهر بيت ذات يوم إذا نظرت إلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة،

إبراهيم بن سليمان بن هشام

فوقع في نفسي وفي روعي أنها تريدني، فخرجت من الدّار مستنكراً حتى دخلت الكوفة، ولا أعرف بها أحداً أختفي عنده فبقيت متلدداً، فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة، فدخلت الرّحبة فجلست فيها، وإذا برجل وسيم، حسن الهيئة، على فرس قد دخل الرّحبة ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه، فقال لي: من أنت؟ وما حاجتك؟ فقلت: رجل مختف يخاف على دمه قد استجار بمنزلك؛ قال: فأدخلني منزله ثم صيّرني في حجرة تلي حرمه، فمكثت عنده في عزّ، كلّ ما أحبّ من مطعم ومشرب وملبس، لا يسألني عن شيء من حالي، ويركب كلّ يوم ركبةً؛ فقلت له يوماً: أراك تدمن الرّكوب، ففيم ذلك؟ فقال لي: إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي صبراً، وقد بلغني أنه مختف، فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري؛ فكثر تعجّبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء في شمل من يطلب دمي، فكرهت الحياة، فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فخبّرني بهما، فعرفت أنّي قتلت أباه، فقلت له: يا هذا، قد وجب عليّ حقك، ومن حقك أن أقرّب عليك الخطوة؛ قال: وما ذاك؟ قلت: أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك! قال: أحسب أنك رجل قد مللت الاختفاء فأحببت الموت؛ قلت: بل الحق، يوم كذا، بسبب كذا؛ فلّما عرف أنّي صادق اربدّ وجهه، واحمّرت عيناه، وأطرق مليّاً، ثم رفع رأسه إليّ وقال: أمّا أنت فستلقى أبي فيأخذ منك حقّه، وأمّا أنا فغير مخفر ذمّتي، فلست آمن عليك، وأعطاني ألف دينار، فلم أقبلها، وخرجت من عنده، فهذا أكرم رجل رأيته. إبراهيم بن سليمان بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ قتله مروان بن محمد بحمص، لمّا خلعه أبوه وأهل حمص.

إبراهيم بن سليمان الأفطس

إبراهيم بن سليمان الأفطس من أهل دمشق. روى عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشيّ، أنه حدّثهم عن جبير بن نفير، عن النّواس بن سمعان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يأتي القرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدّنيا، تقدمهم البقرة وآل عمران " قال نواس: وضرب لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة أمثال ما نسيتهنّ بعد قال: " تأتيان كأنّهما عبابتان بينهما شرف، أو كأنّهما غمامتان سوداوتان، أو كأنّهما ظلّة من طير صوافّ تجادلان عن صاحبهما ". قال أبو زرعة الدّمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم: ما القول في إبراهيم بن سليمان الأفطس؟ فقال: ثقة ثبت. إبراهيم بن سليم بن أيوب بن سليم أبو سعد بن أبي الفتح الرّازيّ سمع بصور ومكة وبغداد ومصر، وروى الحديث. روى عن أبيه، بسنده عن أسامة بن شريك، قال: شهدت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: ما خير ما أعطي العبد؟ قال: خلق حسن. توفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمئة بدمشق. إبراهيم بن سويد الأرمني حدّث بيروت عن أحمد بن حنبل، وسمع بدمشق.

إبراهيم بن سيار أبو إسحاق البغدادي

روى عن هشام بن عمّار، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله، أقطع ". قال: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ. قلت: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحقّ بالخلافة في زمان عليّ من عليّ، رضي الله عنهم، ورحم معاوية. إبراهيم بن سيّار أبو إسحاق البغدادي الصّوفيّ كان يسكن المصّيصة، وقدم دمشق، وحدّث بها. سمع وأسمع. روى عن سفيان بن عيينة، بسنده عن زينب بنت جحش، قالت: استيقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محمرّ وجهه، فقال: " لا إله إلاّ الله، ويل للعرب من شرّ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلّق حلقة " قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. إبراهيم بن شكر بن محمد بن علي أبو إسحاق العثمانيّ، الخاميّ، المالكيّ، الواعظ مصريّ سكن دمشق. روى عن الشريف أبي القاسم علي بن محمد بن علي الزّيدي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء ".

إبراهيم بن شمر أبي عبلة

قال ابن الأكفاني: وقدم دمشق سنة ثمان وخمسين وأربعمئة، وذكر أنه من ولد عثمان. وقال: وفيها يعني سنة سبع وستين وأربعمئة توفي أبو إسحاق إبراهيم بن شكر العثماني رحمه الله في ليلة الأحد، ودفن يوم الأحد الثاني من ذي الحجّة باب الصغير. إبراهيم بن شمر أبي عبلة ابن يقظان بن المرتحل أبو إسماعيل، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو إسحاق، ويقال: أبو العبّاس الفلسطينيّ الرمليّ، ويقال: الدّمشقيّ روى عن ابن عمر وأبي أمامة وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وغيرهم. وروى عنه مالك واللّيث والأوزاعي وغيرهم. وكان يوجهه الوليد بن عبد الملك من دمشق إلى بين المقدس فيقسم فيهم العطاء، ودخل على عمر بن عبد العزيز في مسجد داره. روى عن أنس بن مالك، قال: دخل عينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكن فينا أشمط غير أبي بكر، فكان يغلّفها بالحنّاء والكتم. قال عنه أبو حاتم: هو صدوق ثقة. قال إبراهيم: رأيت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عمر وعبد الله بن أم حرام وواثلة بن الأسقع وغيرهم يلبسون البرانس، ويقصّون شواربهم ولا يحفون حتى الجلدة، ولكن يكشفون الشّفة، ويصفّرون بالورس، ويخضبون بالحنّاء والكتم.

وقال الدارّ قطني عنه: الطّرقات إليه ليست تصفو، وهو بنفسه ثقة لا يخالف الثّقات إذا روى عن ثقة. قال إبراهيم: قدم الوليد بن عبد الملك فأمرني فتكلّمت، قال: فلقيني عمر بن عبد العزيز، فقال: يا إبراهيم لقد وعظت موعظةً وقعت من القلوب. وقال: دخلت على عمر بن عبد العزيز وهو بمسجد داره، وكنت له ناصحاً وكان مني مستمعاً، فقال: يا إبراهيم بلغني أن موسى، قال: المعنى ما الذي يخلّصني من عقابك، ويبلغني رضوانك، وينجيني من سخطك؟ قال: الاستغفار باللّسان، والنّدم بالقلب، والتّرك بالجوارح. وقال: دخلنا على عمر بن عبد العزيز يوم العيد، والنّاس يسلّمون عليه، ويقولون: تقبّل الله منّا ومنك يا أمير المؤمنين، فردّ عليهم، ولا ينكر عليهم. وقال: بعث إلي هشام بن عبد الملك فقال: يا إبراهيم إنّا قد عرفناك صغيراً واختبرناك كبيراً، ورضينا بسيرتك وبحالك، وقد رأيت أن تختلط بنفسي وخاصّتي، وأشركك في عملي، وقد ولّيتك خراج مصر. قال: فقلت: أمّا الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين فالله يجزيك ويثيبك، وكفى به مجازياً ومثيباً؛ وأمّا الذي أنا عليه فمالي بالخراج بصر، ومالي عليه قوّة. قال: فغضب حتى اختلج وجهه وكان في عينيه الحول فنظر، قال: فنظر إليّ نظراً منكراً، ثم قال: لتلينّ طائعاً أو لتلينّ كارهاً. قال: فأمسكت عن الكلام، حتى رأيت غضبه قد انكسر، وسورته قد طفئت، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتكلّم؟ قال: نعم؛ قلت: إنّ الله سبحانه وبحمده قال في كتابه: " إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " الآية. فوالله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهنّ إذ أبين، ولا أكرههنّ إذ كرهن، وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت،

إبراهيم بن شيبان بن محمد بن شيبان

ولا تكرهني إذ كرهت؛ قال: فضحك حتى بدت نواجذه؛ ثم قال: يا إبراهيم قد أبيت إلاّ فقهاً! قد رضينا عنك وأعفيناك. قال ضمرة بن ربيعة: ما رأيت لذة العيش إلاّ في خصلتين: أكل الموز بالعسل في ظلّ صخرة بيت المقدس، وحديث ابن أبي عبلة، فلم أر أفصح منه. قال إبراهيم: مرض أهلي فكانت أم الدّرداء تصنع لي الطعام، فلّما برؤوا قالت: إنّما كنا نصنع إذ كان أهلك مرضى، فأمّا إذا برؤوا فلا. قال: وقلت للعلاء بن زياد بن مطر العدويّ: إنّي أجد وسوسة في قلبي، فقال: ما أحبّ لو أنك متّ عام أوّل، إنك العام خير منك عام أوّل. وقال: من حمل شاذّ العلماء حمل شراً كبيراً. وقال لمن جاء من الثغر: وقد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل فما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب. ومن شعره: من الكامل لسانك ما بخلت به مصون ... فلا تهمله ليس له قيود وسكّن بالصّمات خبئ صدر ... كما يخبا الزّبرجد والفريد فإنك لن تردّ الدّهر قولاً ... نطقت به وأندية قعود كما لم ترتجع مسقاة ماء ... ولم يرتدّ في الرّحم الوليد قال ضمرة: مات ابن أبي عبلة سنة اثنتين وخمسين ومئة. إبراهيم بن شيبان بن محمد بن شيبان أبو طاهر النّفيليّ المرتب بالمدرسة النّظاميّة ببغداد، من أهل دمشق. ذكر لي أنه ولد ببانياس في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وأربعمئة، وكتبت عنه شيئاً يسيراً.

إبراهيم بن شيبان القرميسيني

روى عن الشريف أبي نصر محمد بن محمد بن علي الزّينبي الهاشميّ، بسنده عن جبير بن مطعم. عن أبيه، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب بالطّور. مات رابع جمادى الأولى من سنة تسع وثلاثين وخمسمئة ببغداد. إبراهيم بن شيبان القرميسيني من مشايخ الصّوفيّة سمع وأسمع، واجتاز في سياحته بمعان من البلقاء، من أعمال دمشق. روى عن علي بن الحسن بن أبي العنبر، بسنده عن العبّاس، قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنظلة الرّاهب، وحمزة بن عبد المطّلب تغسلهما الملائكة. قال: خرجت مع أبي عبد الله المغربي على طريق تبوك، فلّما أشرفنا على معان، وكان له بمعان شيخ يقال له: أبو الحسن المعاني، فنزل عليه وما كنت رأيته قبل، ولكن سمعت باسمه، فوقع في خاطري إذا دخلت إلى معان قلت له: يصلح لنا عدساً بخل، فالتفت إلينا الشيخ، وقال لي: احفظ خاطرك، فقلت له: ليس إلاّ خير، فاخذ الرّكوة من يدي، فجعلت أتقلّب على الرّمضاء، وأقول: لا أعود؛ فلمّا رضي عنّي ردّ الرّكوة إليّ. فلّما دخلنا إلى معان، قال الشيخ أبو الحسن المعاني وما رآني قط: قد عاد خاطرك على الجماعة، كل، ما عندنا عدس بخلّ. قال أبو عبد الرحمن السّلمي: إبراهيم بن شيبان، أبو إسحاق، من جملة مشايخ الجبل، نزل قرميسين، ومات بها، وقبره بها ظاهر يتبرك بحضوره، صحب أبا عبد الله المغربي وإبراهيم الخوّاص وغيرهما من المشايخ، وهو من جملة المشايخ وأورعهم وأحسنهم حالاً.

إبراهيم بن صالح بن علي

وسئل ابن المبارك عنه فقال: إبراهيم حجة الله على الفقراء والمساكين والمعاملات. وقال الإمام القشيري: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: من أراد أن يتعطّل ويتبطّل فليلزم الرّخص. وقال: علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبوديّة، وما كان هذا فهو المغاليط والزّندقة. وقال: الخلق محلّ الآفات، وأكثر منهم آفة من يأنس بهم أو يسكن إليهم. وسئل عن الورع، قال: الورع أن تسلم مما يختلج منه صدرك من الشّبهات، ويسلم المسلمون من شرّ أعضائك ظاهراً وباطناً. قال الحسن بن إبراهيم القرميسينيّ: دخلت على إبراهيم بن شيبان، فقال: لم جئتني؟ قلت: لأخدمك، قال: أستأذنت والديك؟ قلت: نعم، وأذنا لي. فدخل عليه قوم من السّوقة، وقوم من الفقراء، فقال لي: قم واخدمهم، فنظرت في البيت إلى سفرتين إحداهما جديدة والأخرى خلقة، فقدّمت الجديدة إلى الفقراء، والخلقة إلى السّوقة، وحملت الطّعام النّظيف إلى الفقراء، وغيره إلى السّوقة، فنظر إليّ واستبشر، وقال: من علمك هذا؟ قلت: حسن نيّتي فيك، فقال لي: بارك الله عليك. فما حلفت بعد ذلك بارّاً ولا حانثاً، وما عققت والديّ، ولا عقّني أحدّ من أولادي. مات سنة ثلاثين وثلاثمئة. إبراهيم بن صالح بن علي ابن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشمي أمير دمشق من قبل المهدي، وولي مصر من قبل المهدي أيضاً، وولي الجزيرة لموسى الهادي.

إبراهيم بن صالح أبو إسحاق العقيلي

قال إسحاق بن سليمان: توفي أمير المؤمنين المهدي سنة تسع وستين ومئة، وأميره على كور دمشق والأردن إبراهيم بن صالح، فتوفي المهدي، وولّي الهادي والأمير على كور دمشق والأردن وقبرس إبراهيم بن صالح، فأقّره الهادي على أعماله، فلم يزل عليها حتى مات، وولّي هارون الرّشيد الخلافة سنة سبعين ومئة، والأمير على كور دمشق والأردن وقبرس إبراهيم بن صالح، فعزله وولاّه محمد بن إبراهيم، فلم يزل والياً على كور دمشق إلى سنة اثنتين وسبعين، ثم ولّى هارون إبراهيم بن صالح، فلم يزل والياً عليها إلى سنة خمس وسبعين ومئة. قال محمد بن أبي الحواري: دخل عبّاد بن عباد على إبراهيم بن صالح، وهو على فلسطين، وعليه قلنسيان، وهو حافي، فقال: عظني. فقال: بم أعظك أصلحك الله؟ بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظر ماذا يعرض على رسول الله صلى اله عليه وسلم من عملك؛ قال: فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه على لحيته. قال داود الرطّال وكان مولى لإبراهيم بن صالح بن علي: لمّا احتضر إبراهيم بن صالح، قلت له: يا مولاي قل: لا إله إلاّ الله، قال: فعلتها ياداود؟!. قال ابن يونس: توفي يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان سنة ست وسبعين ومئة. إبراهيم بن صالح أبو إسحاق العقيليّ شاعر من أهل دمشق، فمما قرأته من شعره بخط بعض أهل الأّدب: من السريع فديت من خدّشني عابثاً ... فصار في الوجنة كالنّقش خدّش خدّي ولدمعي به ... من حبّه خدش على خدش فقلت لمّا لم أجد حيلة ... وعيل صبري ووهى بطشي:

إبراهيم بن الصباح الحميري إبراهيم بن طاهر بن بركات بن إبراهيم

إن كان يا مولاي قد فاتني ... أخذك في دنياي بالأرش فليس في الحشر لدى عرضنا ... يغفل عن ظلمك ذو العرش ها أنا يا مكتوم في حبكم ... كالشّنّ مطروح على الفرش وعن قليل غير شكّ ترى ... عبدك محمولاً على النّعش إبراهيم بن الصّباح الحميري إبراهيم بن طّاهر بن بركات بن إبراهيم ابن علي بن محمد بن أحمد بن العبّاس بن هاشم أبو إسحاق الفرشيّ، المعروف بالخشوعيّ الرّفّاء الصّوّاف سمع من جماعة. كتبت عنه وكان ثقة خيّراً. روى عن أبي القاسم علي بن محمد بن علي المصّيصيّ، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مطل الغنيّ ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبعه، ولاتبع بيعتين في بيعة ". توفي الخشوعي ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وخمسمئة، وشهدت دفنه باب الفراديس. إبراهيم بن طلحة بن عمرو ابن مرّة الجهنيّ روى عن أبيه، روى عنه ابنه سعيد.

إبراهيم بن عباد التميمي المصري

إبراهيم بن عبّاد التميميّ المصريّ روى عن هشام بن عمّار، بسنده عن ابن عباس، أنه قرأ على عثمان. إبراهيم بن العبّاس بن الحسن بن العبّاس ابن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر الصّادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين الشّريف القاضي. ولي القضاء بدمشق والخطابة في أيّام أبي تميم معدّ، الملقّب بالمستنصر، نيابةً عن قاضي قضاته أبي محمد القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان، بعد عمّه أبى تراب المحسن بن محمد بن العبّاس، ثم عزل بأبي الحسين يحيى بن زيد الزّيدي، ثم أعيد إلى القضاء. روى عن الحسين بن عبد الله الأطرابلسي. بسنده عن ابن عبّاس، قال: كان رسول الله يعوّذ الحسن والحسين عليهما السّلام، يقول: " أعيذكما بكلمات الله التّامّة من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة " ويقول: " هكذا كان إبراهيم يعوّذ ابنيه إسماعيل وإسحاق صلى الله عليهم أجمعين ". ذكر ابنه أن مولده في محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمئة. وقال ابن الأكفاني: توفي يوم السبت التاسع والعشرين من شعبان سنة أربع وخمسين وأربعمئة ضحوة نهار، ودفن في باب الصغير. إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم ابن عبيد بن زياد بن مهران بن البختريّ أبو إسحاق البغداديّ الثلاّج قدم دمشق وحدّث بها وببغداد.

إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد

روى عن عبد الله بن محمد البغويّ، بسنده عن عليّ بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليست الجنابة. ولد في سنة إحدى وثمانين ومئتين، وتوفي في رحبة مالك بن طوق ودفن بها في سنة خمس وستين وثلاثمئة. إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أبو إسحاق الختّلي سمع بدمشق وغيرها، وأسمع. روى عن أحمد بن عبد الله بن يونس، بسنده عن سهل بن سعد السّاعدي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحبّ معالي الأمور ويكره سفسافها ". وروى عن فضيل بن عبد الوهاب، بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: إن رجلاً حضرته الوفاة، فقيل له: قل: لا إله إلاّ الله، فلم يستطع أن يقولها، وهو يتكلّم؛ فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: قلها فلم يقلها، وقال: قلبي يعقل ولا أستطيع، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم؟ قال: عقوقي لوالدتي! قال: وحيّة هي؟ قال: نعم، فدعاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: ارضي عن ابنك فقالت: الّهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عنه، فقالها. أنشد إبراهيم بن الجنيد قال: أنشدني أبو الوليد رباح بن الوليد: من الرجز المرء دنياه له غرّاره ... والنّفس بالسّوء له أمّاره يا ربّ حلو غبّه مراره

إبراهيم بن عبد الله بن الحارث

قال الخطيب: الختلي، صاحب كتب الزّهد والرّقائق، بغدادي سكن سرّ من رأى وحدّث بها، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدلّ على فهمه، وكان ثقة. إبراهيم بن عبد الله بن الحارث ابن سراقة وفد مع أبيه على معاوية بن أبي سفيان. إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أبو إسحاق الورّاق، ورّاق الوزير سمع وأسمع. روى عن أحمد بن المعلّى، بسنده عن أبي عبد الله الأشعري، قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يصلّي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، فأمره أن يتمّ ركوعه. وحدّث عن محمد بن يزيد بن عبد الصّمد، بسنده عن الحسن، في قوله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال: " لا تصلها رياءً ولا تدعها حياءً ". إبراهيم بن عبد الله بن الحسن أبو الحسين هو إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن حسنون الأدرنيّ ، وقد تقدم.

إبراهيم بن عبد الله بن حصن

إبراهيم بن عبد الله بن حصن ابن أحمد بن حزم أبو إسحاق الغافقي، الأندلسيّ المحتسب: محتسب دمشق سمع الحديث الكثير ببغداد ودمشق والرملة وغيرها، وروي عنه. حدّث عن أبي بكر محمد بن إسحاق الصفّار، بسنده عن سعيد بن كثير، قال: قدم إبراهيم بن سعد العراق سنة أربع وثمانين ومئة، فأكرمه الرّشيد، وأظهر برّه، وسئل عن الغناء فأفتاهم بتحليله؛ وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع من أحاديث الزّهريّ فسمعه يتغنّى، فقال: لقد كنت حريصاً على أن أسمع منك، فأمّا الآن فلا أسمع منك حديثاً أبداً؛ فقال: إذاً لا أفقد إلاّ شخصك، وعليّ وعليّ إن حدّثت ببغداد ما أقمت حديثاً، حتى أغنّي قبله!. وشاعت هذه عنه ببغداد فبلغت الرّشيد، فدعا به، فسأله عن حديث المخزوميّة التي قطعها النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرقة الحليّ، فدعا بعود. فقال الرشيد: أعود المجمر؟ فقال: لا، ولكن عود الطّرب، فتبسم، ففهمها إبراهيم، فقال: لعلّك يا أمير المؤمنين بلغك حديث السّفيه الذي آذاني بالأمس، وألجأني أن حلفت، قال: نعم؛ فدعا له الرشيد بعود فغنّى: من البسيط يا أمّ طلحة إن البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غداً فقال الرّشيد: منكان من فقهائكم يكره السّماع؟ قال: من ربطه الله! قال: فهل بلغك عن مالك في هذا شيء؟ قال: إي والله، أخبرني أبي أنّهم اجتمعوا في مدعاة كانت لبني يربوع وهم يومئذ اجلّة، ومالك أقلّهم فقهاً وقدراً، ومعهم معازف وعيدان، يغنّون ويلعبون، ومع مالك دفّ مربّع، وهو يغنيّيهم: من الهزج سليمى أجمعت بينا ... فأين لقاؤها أينا

إبراهيم بن عبد الله بن سليمان

وقد قالت لأتراب ... لها زهر تلاقينا تعالين فقد طاب ... لنا العيش تعالينا فضحك الرّشيد، ووصله بمال عظيم. وفي هذه السنة مات إبراهيم بن سعد، وهو ابن خمس وسبعين سنة، يكنى أبا إسحق. وقال عبد المنعم بن علي بن النحوي: وفي يوم الإثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة خمس وسبعين، عزل الأنصاريّ عن حسبة دمشق، ووليها أبو إسحاق الأندلسيّ الفقيه. فسمعت أبا محمد بن الأكفاني يحكي عن شيوخه، أن أبا إسحاق كان صارماً في الحسية، وأنه كان بدمشق رجل يقلي القطايف، فكان المحتسب يريد أن يؤدّيه، فإذا رآه القطايفي قد أقبل، قال: بحقّ مولانا امض عنّي، فيمضي عنه؛ فغافله يوماً وأتاه من خلفه، وقال: وحقّ مولانا لا بدّ أن تنزل، فأمر بإنزاله وتأديبه، فلّما ضرب بالدرّة قال: هذه في قفا عثمانّ، قال المحتسب: أنت لا تعرف أسماء الصحّابة، والله لأصفعنّك بعدد أهل بدر ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، فصفعه بعدد أهل بدر، وتركه؛ فمات بعد أيّام من ألم الصّفع، وبلغ الخبر إلى مصر فأتاه كتاب الملّقب بالحاكم يشكره على ما صنع، وقال: هذا جزاء من ينتقص السّلف الصّالح. قال ابن الأكفاني: مات في يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلون من ذي الحجّة سنة أربع وأربعمئة، وكان قد كتب الكثير، وسافر ولم يحدّث، وكان مالكيّاً يذهب إلى الاعتزال. إبراهيم بن عبد الله بن سليمان ابن يوسف العبديّ حدّث بأطرابلس عن أبيه.

إبراهيم بن عبد الله بن صفوان

إبراهيم بن عبد الله بن صفوان أبو إسحاق النّصريّ الحدّاد، عمّ أبي زرعة الحافظ روى عن جماعة، وسمع منه. روى عن ضمرة بن ربيعة عن جاء بن أبي سلمة، عن سليمان بن موسى، قال: قال عمرو بن شعيب: لا نفل بعد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قلت: أيهات، أشغلك أكل الزّبيب بالطّائف! سمعت مكحولاً وهو يقول: جلت الشام والعراق ومصر أسأل عن النّفل، فلم أصب أحداً يخبرني، حتى صرت إلى دمشق، إذا رجل في غربيّ المسجد يقال له: زيد بن حارثة التميميّ، وهو يقول: حدثني حبيب بن مسلمة الفهريّ، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل في البدأة الرّبع بعد الخمس، وفي الرّجعة الثّلث بعد الرّبع. إبراهيم بن عبد الله بن العلاء ابن زبر الدّمشقي أبو إسحاق قال عنه النّسائي: ليس بثقة. وقال ابن ماكولا: زبر: بفتح الزّاي وسكون الباء: إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر، يروي عن أبيه، روى عنه أبو حاتم الرّازي.

إبراهيم بن عبد الله المسجدي

إبراهيم بن عبد الله المسجديّ قال: وجد على حجر في جيرون مكتوب: ساكن دمشق لا تتحبّر فيقصمك الله، عامل دقيق لا يفلح، نعمةً ومعصية لا يجتمعان. إبراهيم بن عبد الله بن محمد ابن علي بن مروان أبو إسحاق الشّاهد روى عن أبي عليّ الحسين بن إبراهيم بن جابر، بسنده عن جابر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق عبداً وله فيه شرك وله وفاء فهو حرّ، ويضمن نصيب شركائه بقيمة عدل بما أساء مشاركتهم، وليس على العبد شيء ". إبراهيم بن عبد الحميد أبو إسحاق الجرشيّ سمع وأسمع. روى عن أبي عبد الملك الزديّ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شوبوا شيبكم بالحنّاء، فإنه أسرى لوجوهكم، وأطيب لأفواهكم، وأكثر لجماعكم، الحنّاء سيد ريحان أهل الجنّة، الحنّاء يفصل ما بين الكفر والإيمان ". وروى عن زياد البصري عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " طالب العلم تبسط له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يطلب ". قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: يشبه أن يكون حمصياً ما به بأس.

إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم

إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم ابن ميمون روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدّث عن إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصّيصي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أجفوه في المسألة، فقام مغضباً خطيباً، فقال: " لا تسألوني عن شيء في مقامي هذا إلاّ حدثتكم " فقام رجل كان إذا لا حي دعي إلى غير أبيه، فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة واشتّد غضبه، قال: فلم ير في القوم إلاّ باكياً؛ فجثا عمر على ركبتيه، وربّما قال: قام عمر فقال: رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً؛ وربّما قال: نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فقال: " والّذي نفسي بيده لقد مثلت لي الجنّة والنّار دون هذا الحائط ". وروى عن أبيه، بسنده عن أبي كبشة الأنماري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحتجم على هامته وبين كتفيه، ويقول: " من أهراق منه هذه الدّماء فلا يضرّه أن لا يتداوى بشيء ". قال ابن زبر: وفي هذه السنة يعني سنة ثلاث وثلاثمئة توفي إبراهيم بن عبد الرحمن دحيم في المحرم. إبراهيم بن عبد الرحمن بن جعفر ابن عبد الرحمن أبو السّمح التّنوخي المعرّي، الفقيه الحنفيّ اجتاز بدمشق عند توجّهه إلى بيت المقدس، وكان زاهداً ورعاً أديباً. روى عن عبد الواحد بن محمد بن الحسن الكفرطابي، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحبّ أبناء الثمانين ".

إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي شيبان

أنشد أبو السّمح، قال: وجدت بخط محمد بن علي بن محمد البخاري المحدّث: من البسيط ما لا مني فيك أحبابي وأعدائي ... إلاّ لغفلتهم عن عظم بلوائي تركت للنّاس دنياهم ودينهم ... شغلاً بحبّك يا ديني ودنيائي ومن شعره في خواجه بزرك: من الكامل أجريت طرف الملك في سند العلى ... متصاعداً كالكوكب المتحادر وجرى وراك معاشر فتعثّروا ... دون الغبار فلالعاً للعاثر توفي أبو السمح سنة ثلاث وخمسمئة بشيزر. إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي شيبان أبو إسماعيل، ويقال: أبو أميّة، ويقال: أبو بشر، العنسيّ من أهل دمشق. ويقال: إن اسم أبي شيبان: يزيد. روى وأسند الحديث. حدّث عن يزيد بن عبيدة عن يزيد بن أبي يزيد عن بسر بن أبي أرطاة، أنه كان يدعو: اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها أجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة؛ فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما تزال تردّد هذه الدّعوات! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بهن، فلن أدعهنّ حتى أموت. وروى عن يونس بن حلبس، بسنده عن أبي حوالة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليك بالشام ".

إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك

وقال: وسألت زيد بن رفيع فقلت: يا أبا جعفر ما تقول في الخوارج في تكفيرهم النّاس؟ قال: كذبوا، يقول الله عزّ وجلّ: " ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " الآية. فمن آمن بهنّ فهو مؤمن ومن كفر بهنّ فهو كافر. قال عنه أبو مسهر: ثقة. إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك ابن مروان أبو إسحاق القرشيّ الحافظ ويقال: إنه ولد عبد الملك بن مروان، ويقال: من مواليه. رحل وسمع الحديث، وروي عنه. روى عن الربيع بن سليمان، بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البّينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، إلاّ في القيامة ". قال ابن زبر: توفي سنة عشرة وثلاثمئة ليلة السبت، ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر لاثنتي عشرة بقيت من رجب. إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، الزّهريّ شهد الدّار مع عثمان، ووفد على معاوية.

روى عن أبيه قال: إني لواقف في الصفّ يوم بدر، فنظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنّا بين غلامين من الأنصار، حديثة أسنانهما، فتمنّيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، فما حاجتك إليه؟ قال: أنبئت أنه يسبّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سواده من سوادي حتى يموت الاعجل منّا؛ فغمزني الآخر، فقال لي قوله، قال: فتعجبت لذلك. قال: فلم ألبث أن رأيت أبا جهل في النّاس، قال: فقلت لهما: ألا تريان، ها ذاك صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ فقال كلّ واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما قالا: لا، فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّيفين، فقال: كلاكما قتله، ومضى بسلبه لمعاذ بن عمر بن الجموح، قال: والرّجلان معاذ بن الجموح، ومعاذ بن عفراء. وروى عن أبيه قال: كاتبت أميّة بن خلف كتابة في أن يحفظني في صاعيتي بمكة، وأحفظه في صاغيته في المدينة، فلّما بلغ اسم عبد الرحمن، قال: لا أعرف الرّحمن، كاتبني باسمك الذي كان، فكاتبته عبد عمرو، فلّما كان يوم بدر خرجت لأحرزه في شعب حتى يأمن النّاس، فرأيت بلال مولى أبي بكر، فأقبل حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: يا معشر الأنصار، أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، فخرج معه نفر. قال عبد الرحمن: فلّما خشيت أن يدركونا خلّفت لهم ابنه أشغلهم به فقتلوه، ثم أتوا حتى لحقونا، وكان أميّة رجلاً ثقيلاً، فقلت له: ابرك. قال: فكان عبد الرحمن يرينا بظهر قدمه. وسقط من الحديث بعضه. وقدم إبراهيم بن عبد الرحمن وافداً على معاوية في خلافته، قال: فدخلت المقصورة، فسلّمت على مجلس من أهل الشام ثم جلست بين أظهرهم، فقال رجل منهم:

من أنت يا فتى؟ فقلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فقال: رحم الله أباك؛ حدثني فلان، لرجل سماه، أنه قال: والله لألحقنّ بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأحدثنّ بهم عهداً ولأكلمنّهم، فقدمت المدينة في خلافة عثمان فلقيتهم إلاّ عبد الرحمن بن عوف، أخبرت أنه بأرض له بالجرف، فركبت إليه حتى جئته، فإذا هو واضع رداءه يحوّل الماء بمسحاة في يده، فلّما رآني استحيا منّي فألقى المسحاة، وأخذ رداءه، فسلّمت عليه، وقلت: قد جئت لأمر: وقد رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلاّ ما جاءنا؟ أم هل علمتم إلاّ ما علمنا؟ قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلاّ ما قد جاءكم، ولم نعلم إلاّ ما علمتم؛ قلت: فما لنا نزهد في الدّنيا وترغبون فيها، ونخفّ في الجهاد وتتشاغلون عنه! وأنتم سلفنا وخيارنا وأصحاب نبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!. قال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما جاءكم، ولم نعلم إلاّ ما علمتم، ولكنّا بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسّرّاء فلم نصبر. وإبراهيم بن عبد الرحمن، الذي يقول: من الطويل أمتروكة شوطى وبرد ظلالها ... وذو الغصن ملتحّ أإنخصيب معي صاحب لم أعص مذ كنت أمره ... إذا قال شيئاً قلت أنت مصيب قال إبراهيم بن المنذر: توفي سنة ست وتسعين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، أمه أم كلثوم بنت عقبة أول مهاجرة هاجرت من مكة إلى المدينة، وفيها أنزلت آية الممتحنة. وقال شيخ من آل الأخفش، عن أبيه، قال: رأيت إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أسيراً بين يدي مسلم يعني يوم الحرّة فقال له: اجلس، فإن لك عندي يداً ما أراك تعلمها، وسأكافئك بها، تذكر رجلاً بين يدي معاوية يعتذر إليه من شيء بلغه

إبراهيم بن عبد الرحمن العذري

عنه، ويحلف له، وهو يأبى أن يقبل، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما يحلّ لك تكذيبه وهو يحلف، ولا أن تردّ عليه عذره وهو يعتذر، فقبل ورضي؟ قال: أذكر هذا، ولا أدري من الرّجل، قال: أنا ذلك الرجل، وقد أمّنتك ومن أحببت، فشفّعه في رجال منهم. إبراهيم بن عبد الرحمن العذريّ من أهل دمشق، روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. حدّث، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عن تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ". وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، وقيل له: كأنه كلامه موضوع، قال: لا، هو صحيح. إبراهيم بن عبد الرّزّاق بن الحسن ابن عبد الرّزّاق أبو إسحاق الأزديّ، ويقال: العجليّ الأنطاكيّ قرأ القرآن بدمشق، وصنّف كتاباً يشتمل على القراءات الثمان، وحدّث. روى عن محمد بن إبراهيم الصّوري، بسنده عن علي بن الحسين عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وروى عن محمد بن إبراهيم، بسنده عن ابن مسعود، قال: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أصبت منها كلّ شيء إلاّ الجماع يعني لا مرأة

إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة

فأنزل الله عزّ وجلّ: " أقم الصّلاة طرفي النّهار وزلفاً من اللّيل إن الحسنات يذهبن السيئات ". توفي بأنطاكية سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة. إبراهيم بن عبد الملك بن المغيرة ابن عبد الملك أبو إسحاق القرشيّ المقرئ، مولى الوليد بن عبد الملك إبراهيم بن عبد الملك روى عن هشام بن عمار، بسنده عن شهر بن حوشب، قال: سمعت عائشة تقول: ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل جوفه بغير أذىً ويخرج بغير أذىً إلاّ وجب عليه الشكر. وحدّث عن يزيد بن أبي حكيم العدني، بسنده عن الفضل بن عيسى قال إذا احتضر الرجل قيل للملك الذي كان يكتب به: كفّ؛ قال: لا، وما يدريني، لعلّه أن يقول: لا إلله إلاّ الله، فأكتبها له. إبراهيم بن عبد الواحد بن إبراهيم ابن عبد الله بن عمران أبو إسحاق العبسيّ روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدّث عن جدّه لأمه الهيثم بن مروان، بسنده عن عائشة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " إنّ من الشّعر حكمةً ". وعن جده لأمه، بسنده عن ابن عمر، أن تلبية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

إبراهيم بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام

لبّيك اللهم لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك. " توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمئة، في جمادى الأولى. إبراهيم بن عبد الوهّاب بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن عبد الله بن عبّاس الهاشميّ أمير دمشق من قبل المنصور، والصّحيح عبد الوهّاب بن إبراهيم هو الأمير، فأما ابنه إبراهيم فكان في زمن المأمون. قال ابن قتيبة: وأما عبد الوهاب بن إبراهيم فولي الشام لأبي جعفر ومات بها. إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزّرقيّ الأنصاريّ المدينيّ روى الحديث فقال: دخلت على جابر بن عبد الله بمكة، فوجدته جالساً يصلّي بأصحابه العصر وهو جالس، قال: فنظرت حتى سلّم؛ قال: قلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصلّي بهم وأنت جالس! قال: أنا مريض، فجلست وأمرتهم أن يجلسوا فيصلّوا معي، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما صلّى رجل العتمة في جماعة، ثم صلّى بعدها ما بدا له، ثم أوتر قبل أن يريم إلاّ كانت تلك اللّيلة كأنه لقي ليلة القدر في الإجابة ". وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإمام جنّة، فإن صلّى قائماً فصلّوا قياماً، وإن صلّى جالساً فصلّوا جلوساً ". قال: كنّا ننادي في بيوتنا للصّلاة ونجمّع لأهلنا. وروى عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لم الحمد لا إله إلاّ أنت المنّان بديع السّموات والأرض ذو الجلال

إبراهيم بن عتيق بن حبيب

والإكرام، أسألك الجنّة وأعوذ بك من النّار، فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد كان يدعو الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي ". وقال: " شهدت عمر يعني ابن عبد العزيز ومحمد بن قيس يحدّثه، فرأيت عمر يبكي حتى اختلفت أضلاعه ". وسئل عنه أبو زرعة فقال: مدنيّ أنصاريّ زرقيّ ثقة. إبراهيم بن عتيق بن حبيب أبو إسحاق العبسي، أخو عبد السّلام، ويقال: السّلمي مولاهم. ويقال: إن جدّه كان نصرانياً من أهل حرستا، فأسلم على يدي رجل من بني سليم، وداره بدمشق بناحية باب السّلامة. روى عن مروان بن محمد الدّمشقي، بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلاّ مع محرم من أهلها ". وعن منبه بن عثمان اللّخمي، بسنده عن أنس بن مالك، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصّلاة فابدؤوا بالعشاء ". قال عمرو بن دحيم: سألته عن مولده فقال: سنة سبع وثمانين ومئة. قال ابن أبي حاتم: سمعنا منه وهو صدوق. إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن المثنّى أبو إسحاق المصريّ الأزرق الخشّاب سمع بمصر ودمشق ورحل إلى العراق. توفي في رمضان سنة ثلاث وثلاثمئة، وكان صالح الحديث.

إبراهيم بن عثمان بن عبد الله بن عبيد ا

إبراهيم بن عثمان بن عبد الله بن عبيد ا بن أحمد بن الهيثم أبو إسحاق البهرانيّ الحورانيّ حدّث ببصرى سنة أربع عشرة وأربعمئة، وحدّث بقصيدة في مناسك الحجّ. إبراهيم بن عثمان بن محمد أبو القاسم، ويقال: أبو مدين، ويقال: أبو إسحاق. الكلبيّ الغزيّ. شاعر محسن، دخل دمشق وسمع بها سنة إحدى وثمانين وأربعمئة. ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها، وانتشر شعره هناك. وكان مولده في سنة إحدى وأربعين وأربعمئة. فمن شعره: من المتقارب هوىً يستلذّ كحكّ الجرب ... وشوق يصيبك منه النّصب تذكرت مربعنا في دمشق ... ومصطافنا بحوالي حلب وصحبة قوم إذا استنهضوا ... فضرب السّيوف لديهم ضرب وقوله: من الكامل قالوا تركت الشّعر قلت ضرورة ... باب الدّواعي والبواعث مغلق خلت الدّيار فلا كريم يرتجى ... منه النّوال ولا مليح يعشق ومن العجائب أنه لا يشترى ... ومع الكساد يخان منه ويسرق وقال يرثي الشيخ الغمام أبا الحسن الطبري، المعروف بالكيا الفقيه، ارتجالاً: من البسيط

هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ... ما للبريّة من محتومها وزر لو كان ينجي علوّ من بوائقها ... لم تكف الشّمس بل لم يخسف القمر قل للجبان الذي أمسى على حذر ... من الحمام متى ردّ الرّدى الحذر بكى على شمسه الإسلام إذ أفلت ... بأدمع قلّ في تشبيهها المطر حبر عهدناه طلق الوجه مبتسماً ... والبشر أحسن ما يلقى به البشر لئن طوته المنايا تحت أخمصها ... فعلمه الجمّ في الآفاق منتشر سقى ثراك عماد الدّين كلّ ضحى ... صافي الغمام ملثّ الودق منهمر عند الورى من أسى ألفيته خبر ... فهل أتاك من استيحاشهم خبر أحيا ابن إدريس درس كنت نورده ... فحار في نظمه الأفكار والفكر من فاز منه بتعليق فقد علقت ... يمينه بحسام ليس ينكسر كأنّما مشكلات الفقه يوضحها ... جباه دهم لها من لفظه غرر ولو عرفت له مثلاً دعوت له ... وقلت دهري إلى شرواه مفتقر وأنشد لنفسه: من الخفيف إنما هذه الحياة متاع ... والغبيّ الغبيّ من يصطفيها ما مضى فات والمؤمل غيب ... فخذ الساعة التي أنت فيها وأنشد بعضهم به في وزير كان للسّلطان سنجر، كان يكثر أن يقول لمن يغضب عليه: غرزن، وتفسيره: زوج القحبة؛ فقال للمستوفي الأصمّ المعروف بالمعين ذلك، فقال له المعين: يا مولانا ما أكثر ما تقول للنّاس: غرزن، فإن كان هذا القول حسناً فأنت ألف غرزن؛ فقال الغزّيّ في الوزير المذكور: من المتقارب لقد كنت بيذق نطع الزّمان ... فلا حفظ الله من فرزنك

إبراهيم بن عدي

جوابك عند المعين الأصمّ ... إذ جئت غرزنته غرزنك مات في سنة أربع وعشرين وخمسمئة. وقال ابن السّمعاني: بلغني أنه كان يقول: أرجو الله تعالى أن يعفو عنّي ويرحمني لأني شيخ سنّيّ جاوزت السّبعين، وأني من بلد الإمام المطّلبيّ الشافعيّ، يعني غزّة. إبراهيم بن عديّ حدّث قال: رأيت عبد الملك بن مروان، وأتته أمور أربعة في ليلة، فما رأيته تنكّر، ولا تغيّر وجهه؛ قتل عبيد الله بن زياد بالعراق، وقتل حبيش بن دلجة القينيّ بالحجاز، وانتقاض ما كان بينه وبين ملك الروم، وخروج عمرو بن سعيد إلى دمشق. إبراهيم بن عقيل بن جيش بن محمد ابن سعيد أبو إسحاق القرشيّ النّحوي، المعروف بابن المكبريّ قال الخطيب: كان صدوقاً؛ وفي قوله نظر. روى عن عليّ بن أحمد بن محمد الشّرابي، بسنده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ من الجفاء أن يمسح الرّجل جبينه قبل أن يفرغ من صلاته، وأنّ يصلّي لا يبالي من أمامه، وأنّ يأكل مع رجل ليس من أهل دينه ولا من أهل الكتاب في إناء واحد ". وكان أبو إسحاق يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود الدؤلي التي ألقاها عليه عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، وكان كثيراً ما يعد بها ولا سيّما أصحاب الحديث، وكان كثيراً يعدني بها فأطلبها منه وهو يرجئ الأمر، إلى أن وقعت إليّ في حال حياته، وإذا به قد

إبراهيم بن علي بن أحمد بن إبراهيم

ركّب عليها إسناداً لا حقيقة له؛ وإنه لم يخرج ذلك لأحد من أصحاب الحديث لهذه العلّة، نعوذ بالله من البلاء. وهذه التي سمّاها التّعليقة فهي في أول أمالي الزّجّاجي نحو من عشرة أسطر فجعلها هذا الشيخ قريباً من عشرة أوراق!. توفي ليلة الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وأربعمئة، ودفن بباب الصغير. إبراهيم بن عليّ بن أحمد بن إبراهيم أبو محمد البصريّ، المعروف بالحنّائيّ سمع بدمشق والبصرة وبغداد، وأسمع. روى عن أحمد لن إبراهيم العسكري، بسنده عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بالسّواك فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرّبّ ". وقال: قال أبو علي الحسن بن حبيب: أمر أبو العتاهية أن يكتب على قبره: من الخفيف إنّ عيشاً يكون آخره المو ... ت لعيش معجّل التّنغيص إبراهيم بن عليّ بن إبراهيم بن أحمد أبو إسحاق البضاويّ البغداديّ قدم دمشق وحدّث بها. روى عن ابن شاذان، بسنده عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.

إبراهيم بن علي بن جندل

وكان صدوقاً صالحاً مات بمصر. إبراهيم بن علي بن جندل أبو إسحاق الجنابذيّ قدم دمشق وحدّث بها. روى عن الحسن بن عبد الله الأهوازي، بسنده عن أم سلمة، قالت: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً كاملاً إلاّ شعبان، فإنه كان يصله برمضان، أو: إلى رمضان. إبراهيم بن علي بن الحسين أبو إسحاق القّبانيّ الصّوفيّ، شيخ الصّوفيّة سمع بصيدا والرّملة، وسكن صور. روى عن محمد بن الحسين الصّوفي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال العبد: لا إله إلاّ الله، قال الله تعالى: يا ملائكتي، علم عبدي أنه ليس له ربّ غيري، أشهدكم أنّي قد غفرت له ". وعن محمد بن الحسين بن الترجمان، بسنده عن انس، قال: كانت عامة وصيّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حضرته الوفاة: الصّلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره، وما يقبض بها لسانه. قال أبو الفرج غيث بن علي: أبو إسحاق القّباني شيخ الصّوفيّة بالثّغر، يرجع إلى ستر ظاهر، وسمت حسن، وطريقة مستقيمة، كثير الدّرس للقرآن، طويل الصّمت، لازم لما يعنيه، ولد بما وراء النهر، وخرج صغيراً وتغرّب، وسافر قطعة كبيرة من بلاد

إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر

خراسان والعراق والحجاز وغير ذلك، ثم نزل صور، فأقام بها واستوطنها إلى أن مات، وحدث بها، وكان سماعه صحيحاً، وأقام بصور نحواً من أربعين سنة. سألت أبا إسحاق عن مولده فقال: في سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمئة؛ وتوفي رحمه الله ليلة يوم الإثنين، نصف اللّيل، ودفن من الغد، الظّهر، العاشر من جمادى الآخرة من سنة إحدى وسبعين وأربعمئة. إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر ابن هرمة بن هذيل بن ربيع بن عامر بن صبح بن عديّ بن قيس بن الحارث بن فهر بن مالك أبو إسحاق القرشيّ الفهريّ المدينيّ قدم دمشق وامتدح الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وأجازه وارتبطه، واشتاق إلى وطنه، وقال في ذلك شعراً؛ وقدم دمشق قاصداً عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك. قال الخطيب: إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة، أبو إسحاق الفهري المدني، شاعر مفلق، فصيح مسهب، مجيد محسن القول، سائر الشعر، وهو أحد الشعراء المخضرمين، أدرك الدّولتين الأموية والهاشميّة، وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور، ومدحه فأجازه، وأحسن صلته، وكان ممّن اشتهر بالانقطاع للطّالبيّين. وقال الأصمعي: ختم الشهر بإبراهيم، وهو آخر الحجج. قال عبد الله بن إبراهيم الجمحي: قلت لابن هرمة: أتمدح عبد الواحد بن سليمان بشعر ما مدحت به أحداً غيرهّ، فتقول فيه: من الوافر

وجدنا غالباً كانت جناحاً ... وكان أبوك قادمة الجناح ثم تقول فيه: أعبد الواحد المأمول إنّي ... أغضّ حذار سخطك بالقراح فبأي شيء استوجب ذلك منك؟ فقال: إني أخبرك بالقصّة لتعذرني؛ أصابتني أزمة وقحمةً بالمدينة، فاستنهضتني ابنة عمي عمّي للخروج، فقلت لها: ويحكّ إنه ليس عندي ما يقلّ جناحي؛ فقالت: أنا أنهضك بما أمكنني؛ وكانت عندي ناب لي، فنهضت عليها بنجّد النوّام ونؤدي السّمّار، وليس من منزل أنزله إلاّ قال النّاس: ابن هرمة، حتى دفعت إلى دمشق، فأويت إلى مسجد عبد الواحد في الّيل، فجلست فيه أنتظره إلى أن نظرت إلى بزوغ الفجر، فإذا الباب ينفلق عن رجل كأنه البدر، فدنا فأذّن ثم صلّى ركعتين، وتأمّلته فإذا هو عبد الواحد، فقمت فدنوت منه وسلّمت عليه، فقال: أبا إسحاقّ أهلاً ومرحباً، فقلت: لبّيك، بأبي وأمي وأنتّ وحيّاك الله بالسّلام وقرّبك من رضوانه، فقال: أما آن لك أن تزورنا؟ فقد طال العهد، واشتد الشّوق، فما وراءك؟ قلت: لا تسألين، بأبي أنت، فإن الدّهر قد أخنى عليّ، فما وجدت مستغاثاً غيرك؛ فقال: لا ترع، فقد وردت على ما تحبّ إن شاء الله. فوالله إني لأخاطبه، فإذا بثلاثة فتية قد خرجوا كأنهم الأشطان، فسلّموا عليه، فاستدنى الأكبر منهم، فهمس إليه بشيء دوني ودون أخويه، فمضى إلى البيت، ثم رجع، فجلس إليه فكلّمه بشيء دوني ثم ولّى، فلم يلبث أن خرج ومعه عبد ضابط يحمل عبئاً من الثّياب حتى ضرب به بين يديّ، ثم همس إليه ثانية فعاد، وإذا به قد رجع ومعه مثل ذلك، فضرب به بين يديّ، فقال لي عبد الواحد: ادن يا أبا إسحاق، فإني أعلم

أنك لم تصر إلينا حتى تفاقّم صدعك، فخذ هذا وارجع إلى عيالك، فوالله ما سللنا لك هذا إلاّ من أشداق عيالنا، ودفع إليّ ألف دينار، وقال: قم فارحل فأغث من وراءك. فقمتّ إلى الباب، فلّما نظرت إلى ناقتي ضقت، فقال لي: تعال، ما أرى هذه بمبلغتك، يا غلام قدّم له جملي فلاناً؛ فوالله لكنت بالجمل أشدّ سروراً منّي بكلّ ما نلته؛ فهل تلومني أن أغصّ حذار سخط هذا بالقراح؟ ووالله ما أنشدته ليلتئذ بيتاً واحداً. قال عبد الله بن مصعب: لقيني إبراهيم بن علي بن هرمة، فقال لي: يا بن مصعب، ألم يبلغني أنك تفضّل عليّ ابن أذينة؟ نعم ما شكرتني في مديحي إياّك!، ألم تعلم: من الطويل رأيتك مختلاًّ عليك خصاصة ... كأنك لم تنبت ببعض المنابت كأنك لم تصحب شعيب بن جعفر ... ولا مصعباً ذا المكرمات ابن ثابت قال: فقلت له: يا أبا إسحاق، أقلنيها، وأنا أعاتبك، وهلمّ فروّني من شعرك ما شئت؛ فروبت له هاشميّاته فأخذتها من فيه. قال ابن زبنّج: أصابت ابن هرمة أزمة، فقال لي في يوم حارّ: اذهب فتكار لي حمارين إلى ستة أميال؛ ولم يسمّ موضعاً، فركب واحداً وركبت واحداً، ثم سرنا حتى انتهينا إلى قصور حسن بن زيد ببطحاء ابن أزهر، فدخلنا مسجده، فلّما زالت الشّمس خرج علينا مشتملاً على قميصه، فقال لمولىّ له: أذّن، فأذّن، ثم لم يكلّمنا كلمة، ثم قال له: أقم، فأقام، فصلّى بنا، ثم أقبل على ابن هرمة فقال: مرحباً بك أبا إسحاق، حاجتك؛ قال: نعم، بأبي وأميّ أبيات قلتها وقد كان عبد الله بن حسن،

وحسن، وإبراهيم، بنو حسن بن حسن وعدوه شيئاً فأخلفوه فقال: هاتها فأنشد: من البسيط أمّا بنو هاشم حولي فقد قرعوا ... نبلي الصيّاب التي جّمعت في قرني فما بيثرب منهم من أعاتبه ... إلاّ عوائد أرجوهنّ من حسن الله أعطاك فضلاً من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن قال: حاجتك؟ قال: لابن أبي مضرّس عليّ خمسون ومئة دينار؛ قال: فقال لمولىّ له: أيا هيثم، اركب هذه البغلة فائتني بابن أبي مضرّس وذكر حقّه؛ قال: فما صلّينا العصر حتى جاء به، فقال له: مرحباً بك يا بن أبي مضرّس، أمعك ذكر حقّ على ابن هرمة؟ فقال: نعم، قال: فامحه، فمحاه؛ ثم قال: يا هيثم، بع ابن أبي مضرّس من تمر الخانقين بمئة وخمسين ديناراً، وزده في كلّ دينار ربع دينار، وكل لابن هرمة بخمسين ومئة دينار تمراً، وكل لابن زبنّج بثلاثين ديناراً تمراً. قال: فانصرفنا من عنده، فلقيه محمد بن عبد الله بن حسن بالسّيالة، وقد بلغه الشعر، فغضب لأبيه وعمومته، فقال: يا ماصّ بظر أمّه، أنت القائل: على هن وهن فيما مضى وهن؟! قال: لا والله يا بنيّ، ولكني الذي أقول لك: من البسيط لا والذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزّمن لقد أتيت بأمر ما عمدت له ... ولا تعمّده قولي ولا سنني فكيف أمشي مع الأقوام معتدلاً ... وقد رميت بريء العود بالأبن

ما غبّرت وجهه أمّ مهجّنة ... إذا القتام تغشّى أوجه الهجن قال: وأم الحسن أو ولد. قال بعض الأدباء: كان لإبراهيم بن هرمة كلاب، إذا أبصرت الأضياف بشّت بهم، ولم تنبح، وبصبصت بأذنابها بين أيديهم، فقال يمدحها: من الكامل ويذل ضيفي في الظلام إذا سرى ... إيقاد ناري أو نباح كلابي حتى إذا واجهنه وعرفنه ... فدّينه ببصابص الأذناب وجعلن ممّا قد عرفن يقدنه ... ويكدن أن ينطقن بالتّرحاب قال إبراهيم بن محمد: نزلت ببنات ابن هرمة بعد أن هلك، فرأيت حالتهنّ سيّئة، فقلت لبعض بناته: قد كان أبوك حسن الحال، فما ترك لكنّ؟ قالت: وكيف؟ وهو الذي يقول: من المنسرح لا غنمي مدّ في البقاء لها ... إلاّ دراك القرى ولا إبلي ذاك أفناها، ذاك أفناها!. قال رجل من أهل الشام: قدمت المدينة فقصدت منزل إبراهيم بن هرمة، فإذا بنيّة له صغيرة تلعب بالطّين، فقلت لها: ما فعل أبوك؟ قالت: وفد على بعض الملوك الأجواد، فما لنا به علم منذ مدة، فقلت: انحري لنا ناقة فإنّا أضيافك؛ قالت: والله ما عندنا، قلت: فشاةً، قالت: والله ما عندنا، قلت، فدجاجةً، قالت: والله ما عندنا، قلت: فأعطينا بيضة، قالت: واله ما عندنا. قلت: فباطل ما قال أبوك: من المنسرح

كم ناقة قد وجات منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل قالت: فذلك الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء. قال محمد لن زكريّا: اجتاز نصيب مرّةً بالسيالة، وبها منزل ابن هرمة، فناداه: يا أبا إسحاق، فخرجت إليه بنته مذعورةً، فقال: أين أبوك؟ قالت: راح لحاجة انتهز برد الفيء، قال: فهل من قرئ؟ قالت: لا والله، قال: ولا جزور ولا شاة؟ قالت: لا والله، ولا دجاجة ولا بيضة، قال: قاتل الله أباك ما أكذبه إذ يقول: من المنسرح لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلاّ قصيرة الأجل إني إذا ما البخيل أمّنها ... باتت ضموزاً منّي على وجل قالت: فعله والله ذاك بها، أقلّها عندنا. قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: وفي هذه السّنة يعني سنة خمس وأربعين ومئة تحوّل المنصور إلى مدينة السّلام، واستتمّ بناءها سنة ست وأربعين، ثم كتب إلى أهل المدينة أن يوفدوا عليه خطباءهم وشعراءهم، فكان فيمن وفد عليه إبراهيم بن هرمة. قال: فلم يكن في الدّنيا خطبة أبغض إليّ من خطبة تقرّبني منه، واجتمع الخطباء والشّعراء من كلّ مدينة، وعلى المنصور ستر يرى النّاس من ورائه ولا يرونه، وأبو الخصيب حاجبه قائم، وهو يقول: يا أمير المؤمنين، هذا فلان الخطيب، فيقول: اخطب، ويقول: هذا فلان الشاعر، فيقول: أنشد، حتى كنت آخر من بقي؛ قال: يا أمير المؤمنين هذا ابن هرمة؛ فسمعته يقول: لا مرحباً ولا أهلاً، ولا أنعم الله بن عيناً؛ فقلت: " إنّا لله ونّ إليه راجعون " ذهبت والله نفسي، ثم رجعت إلى نفسي

فقلت: يا نفس، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت. فقال أبو الخصيب: أنشد، فأنشدته: من الطويل سرى ثوبه عنك الصّبا المتخايل ... وقرّب للبين الخليط المزايل حتى انتهيت إلى قولي: له لحظات في حوافي سريره ... إذا كرّها فيها عقاب ونائل فأمّ الذي أمّنته تأمن الرّدى ... وأمّ الذي حاولت بالثّكل ثاكل فقال: يا غلام، ارفع عني الستر، فرفع؛ فإذا وجهه كأنه فلقه قمر، ثم قال: تمّم القصيدة؛ فلّما فرغت منها قال: ادن، فدنوت، ثم قال: اجلس، فجلست، وبين يديه مخضرة، فقال: يا إبراهيم قد بلغني عنك أشياء، لولا ذلك لفضّلتك على نظرائك، فأقرّ لي بذنوبك أعفها عنكّ فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنّما يريد أن يقتلني بحجّة تجب عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلّ ذنب بلغك ممّا عفوته عني، فأنا مقرّ به؛ فتناول المخصرة فضربني بها، فقلت: من الرجز أصبر من ذي ضاغط عركرك ... ألقى بواني زوره للمبرك قال: ثم ثنّى فضربني، فقلت: من الرجز أصبر من عود بجنبيه جلب ... قد أثّر البطان فيه والحقب ثم قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم وخلعة، وألحقتك بنظائرك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجّاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنّك؛ قلت: نعم، أنت في حلّ من دمي إن بلغك أمر تكرهه.

قال ابن هرمة: فأتيت المدينة، فأتاني رجل من الطّالبيّين، فسلّم عليّ، فقلت: تنحّ عنّي، لا تشيط بدمي. وزاد في رواية؛ بعد بيتي المدح: فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك شيئاً، قال: سل؛ قال: إنّ عمّال أمير المؤمنين بالمدينة قد أنهكوا أكتافي ممّا يحدّونني على السّكر، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لي كتاباً، إن وجدت سكراناً فلا أحد، فليفعل؛ فقال له المنصور: ما كنت لأرفع حداً من حدود الله بحبّ، ولكن أكتب لك كتاباً: من جاء بك سكران جلد مئة، وجلدت أنت ثمانين؛ قال: قدر ضيت. قال: فكتب له بذلك، قال: فكان إبراهيم بن هرمة يسكر، ويطرح نفسه في الشّوارع، ويقول: من يشتري ثمانين بمئة؟ فليتقدم. قال سعيد بن سلم: لما ولّى المنصور معن بن زائدة أذربيجان قصده قوم من أهل الكوفة، فلّما صاروا ببابه، واستأذنوا عليه، فدخل الآذن، فقال: اصلح الله الأمير، بالباب وفد من أهل العراق؛ قال: من أي أهل العراق؟ قال: من الكوفة؛ قال: إيذن لهم؛ فدخلوا عليه، فنظر إليهم معن في هيئة زريّة، فوثب على أريكته، وأنشأ يقول: من الطويل إذا نوبة نابت صديقك فاغتنم ... مرمّتها فالدّهر بالنّاس قلّب فأحسن ثوبيك الذي هو لابس ... وأفره مهريك الذي هو راكب وبادر بمعروف إذا كنت قادراً ... زواك اقتدار أو غنىً عنك يذهب قال: فوثب إليه رجل من القوم، فقال: أصلح الله الأمير، ألا أنشدك أحسن من

هذا؟ قال: لمن؟ قال: لابن عمك، ابن هرمة؛ قال: هات: فأنشأ يقول: من الطويل وللنّفس تارات تحلّ بها العرى ... وتسخو على المال النفوس الشّحائح إذا المرء لم ينفعك حيّاً فنفعه ... أقلّ إذا ضمّت عليه الصّفائح لأية حال يمنع المرء مآله ... غداً فغداً والموت غاد ورائح فقال معن: أحسنت والله، وإن كان الشعر لغيرك، يا غلام أعطهم أربعة آلاف أربعة آلاف، يستعينون بها على أمورهم إلى أن يتهيأ لنا فيهم ما نريد؛ فقال الغلام: يا سيدي أجعلها دنانير أم دراهم؟ فقال معن: والله لا تكون همّتك أرفع من همّتي، صفّرها لهم. قال أحمد بن عيسى وذكر ابن هرمة: كان متّصلاً بنا، وهو القائل فينا: من المتقارب ومهما ألام على حبّهم ... فإني أحبّ بني فاطمه بني بنت من جاء بالمحكما ... ت وبالدّين والسّنّة القائمه فلست أبالي بحبّي لهم ... سواهم من النّعم السّائمه قال: فقيل له في دولة بني العباس: ألست القائل كذا، وأنشدوه هذه الأبيات؟ فقال: أعضّ الله قائلها بهن أمّه! فقال له من يثق به: ألست قائلها؟ قال: بلى، ولكن أعضّ بهن أمي خير من أن أقتل. وقال محمد بن منصور: رأت جارية المنصور وعليه قميص مرقوع، فقال وقد سمعها تقول: خليفة قميصه مرقوع: ويحك، أما سمعت قول ابن هرمة: من الكامل

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع وقال ابن الحصين: كان إبراهيم بن علي بن هرمة، يشرب في أناس بأعلى السّيالة، ثم إنه قلّ ما عنده، وكان صدر بصدار من أهل المدينة، فذكر له حسن بن حسن بن حسن، قد قدم السّيالة، وكتب إليه فذكر أن أصحاباً له قدموا عليه وقد خفّ ما معهم، ولم يذكر عن شرابه شيئاً، وكتب في أسفل كتابه: من الكامل إني استحيتك أن أقول بحاجتي ... فإذا قرأت صحيفتي فتفهّم وعليك عهد الله إن أخبرتها ... أهل السّيالة إن فعلت وإن لم فسأل حسن عن أمره، فاخبر بقصّته، فقال: وأنّا على عهد الله إن لم أخبر بقصّته أهل السّيالة، فردعه أميرها منها وكان يشتدّ على السّفهاء فقال: يا أهل السّيالة هذا ابن هرمة في سفهاء له قد جمعهم بشرب بالشّرف؛ فأنذر بذلك ابن هرمة، ففرّ هو وأصحابه، فلم يقدر عليهم. أنشد أبو مالك محمد بن مالك بن علي بن هرمة، لعمّه إبراهيم، يمدح عمران بن عبد الله بن مطيع، ويذكر ولادة أسيد بن أبي العيص إيّاه: من الوافر ستكفيك الحوائج إن ألمّت ... عليك بصرف متلاف مفيد فتىً يتحمّل الأثقال ماض ... مطيع جدّه وبنو أسيد حلفت لأمدحنّك في معدّ ... وذي يمن على رغم الحسود بقول لا يزال له رواء ... بأفواه الرّواة على النّشيد لأرجع راضياً وأقول حقاً ... ويغبر باقي الأبد الأبيد وقبلك ما مدحت زناد كاب ... لأخرج وري آبية صلود فأعياني فدونك فاعتنيني ... فما المذموم كالرّجل الحميد وكان كحيّة رقيت فصمّت ... على الصادي برقيته المعيد

فأقسم لا تعود له رقائي ... ولا أثني له ما عشت جيدي وأنشد ابن قتيبة والمبرّد: من الكامل قد يدرك الشّرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع إمّا تراني شاحباً مبتذلاً ... كالسيف يخلق جفنه فيضيع فلربّ لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع وعن عبد الله بن أبي عبيد الله بن عمّار بن ياسر، قال: زرت عبد الله بن حسن بباديته، وزاره ابن هرمة، فجاءه رجل من أسلم؛ فقال ابن هرمة لعبد الله بن حسن: أصلحك الله، سل الأسلميّ أن يأذن لي أن أخبرك خبري وخبره؛ فقال عبد الله بن حسن: إيذن له. فأذن له الأسلمي، فقال ابن هرمة: خرجت أصلحك الله أبغي ذوداً لي، فأوحشت فضفت هذا الأسلميّ، فذبح لي شاةً وخبز لي خبزاً، وأكرمني، ثم غدوت من عنده، فأقمت ما شاء الله؛ ثم خرجت أيضاً في بغاء ذود لي فأوحشت فقلت: لو ضفت الأسلميّ، فجاءني بلبن وتمر، ثم ضفته بعدما أوحشت، فقلت: التّمر واللّبن خير من الطّوى، فجاءني بلبن حامض. قال الأسلميّ: قد أجبته إلى ما سأل، فاسأله أن يأذن لي أن أخبرك لم فعلت ذلك؛ فقال: إيذن له، فأذن له، فقال: ضافني أصلحك الله فسألته: من هو؟ فقال: رجل من قريش، فذبحت له الشّاة التي ذكر، والله لو كان عندي غيرها لذبحته له حين ذكر أنه من قريش؛ فقالوا: ليس من قريش؛ إنّما هو دعيّ فيها؛ فضافني الثّانية، قال: إنه دعيّ في قريش، فجئته بتمر ولبن، ثم غدا من عندي، وغدا الحيّ فقالوا: من ضيفك البارحة؟ قال: فقلت: الذي ذكرتم أنه الدّعيّ في قريش؛ فقالوا: لا والله، ما هو فيها بدعيّ ولكنه دعيّ أدعياء؛ فضافني الثالثة على أنه دعيّ أدعياء لقريش، فواله لو وجدت له شرّاً من لبن حامض لجئته به؛ فانكسر ابن هرمة وضحكنا منه.

إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد

قال محمد بن فضالة النحوي: لقي رجل من قريش ممّن كان خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، إبراهيم بن علي بن هرمة الشعر، فقال له: ما الخبر؟ ما فعل النّاس يا أبا إسحاق؟ فقال ابن هرمة: من الطويل أرى النّاس في أمر سحيل فلا تزل ... على ثقة أو تبصر الأمر مبرما وأمسك بأطراف الكلام فإنه ... نجاتك ممّا خفت أمراً مجمجما فلست على رجع الكلام بقادر ... إذا القول عن زلاّته فارق الفما وكائن ترى من وافر العرض صامتاً ... وآخر أردى نفسه أن تكلّما وأنشد: من البسيط كأن عيني إذ ولّت حمولهم ... عنّا جناحا حمام صادفت مطراً أو لؤلؤ سلس في عقد جارية ... خرقاء نازعها الولدان فانتثرا إبراهيم بن علي بن محمد بن أحمد أبو إسحاق الدّيلميّ الصّوفي سمع بدمشق وبغداد وفارس وصور. ذكره ابن الفرضي الأندلسي، فقال: من أهل خراسان، من مدينة كرتم، دخل الأندلس سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة، فأقام بقرطبة يسيراً، ثم خرج منصرفاً إلى المشرق، وكان أحد الخيار، المتزيّنين بالفقر، والمستورين بالصّيانة والصّبر، وكان أحد من له الإجابات الظاهرة، وقد كتب الناس عنه بمصر وغيرها.

إبراهيم بن علي أبو إسحاق الرحبي إبراهيم بن عمر بن إبراهيم أبو إسحاق

إبراهيم بن علي أبو إسحاق الرّحبيّ إبراهيم بن عمر بن إبراهيم أبو إسحاق روى عن القاسم بن عيسى العصّار، بسنده إلى قطبة بنت هرم بن قطبة. أن مدلوكاً حدّثهم، أن ضمضم بن قتادة ولد له مولود أسود من امرأة من بني عجل فأوجس لذلك، فشكى إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟، قال: فيها الأحمر والأسود وغير ذلك؛ قال: فأنّى ذلك؟ فقال: عرق نزع؛ قال: وهذا عرق نزع. قال: فقدم عجائز من بني عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدّة سوداء. إبراهيم بن عمر بن حمدان أبو إسحاق الأنصاريّ الصّوفيّ حدّث قال: وقف رجل على أبي بكر الشّبليّ رحمه الله، ببغداد وقد لحقته ولقيته فسأله عمّا يهمّه في الصّلاة، فقال: أن ترمي بهمّك إلى الكون العلويّ، ومنه إلى الكون السّفليّ، ثم يخرق بعد ذلك في قلبك، لا يكون إلاّ الله. فقال: يا سيّدي، ما لي إلى ذلك من سبيل! إن رأيت أقرب من هذا؛ فقال: أن تكبّر تكبيرك كأن ملكوت الملكوت قراءتك على الجبّار، وسجودك على ثرى الثّرى جمع كلّ همّة، وإسقاط ما دون الله عزّ وجلّ حتى لا يكون إلاّ عبد وربّ. فقال: مالي إلى ذلك سبيل؛ فقال: أن تكبّر بتعظيم، وتقرأ بترتيل، وتركع بخشوع، وتسجد بإجلال وهيبة، وتسأل بإشفاق.

إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الأموي

إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، الأمويّ حدّث قال: كان عمر بن عبد العزيز يأذن لبنيه يوم الجمعة قبل أن يدخل النّاس، فإذا قال: إيهاً، قرأ الأكبر منهم، فإذا قال: إيهاً، قرا الذي يليه، حتى يقرأ طائفة منهم. قال: فإنهم دخلوا عليه في يوم جمعة، وله طحير كطحير الدّابة، وهو مستلق على ظهره لا ينظر إليهم، ثم التفت إليهم بعد وقت طويل، فقال: إيهاً، فقرا عبد الله بن عمر وكان أكبرهم يومئذ فقال: " طسم تلك آيات الكتاب المبين " لعلّك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين إلى قوله: " ما كانوا به يستهزئون "، فقال: أعد، فأعاد؛ فقال: ها، إني خرجت إلى هؤلاء وقد رضت كلاماً سوى ما كنت أكلّمهم به رجاء أن ينفعهم الله به في دينهم، فرأيت تلعّباً وتلهيّاً وقلّة إقبال عليه واستماع له، فبلغ منّي مبلغه، فقطعته وأخذت في نحو ما كنت آخذ فيه من القول، ثم نزلت بغيظي وهمّي، حتى عزّاني الله بما قرأ ابني هذا، فما عسى أصنع؟ أأنجع نفسي؟ وسمع أباه يقول لابن شهاب: ما أعلمك تعرض عليّ شيئاً، إلاّ شيئاً قد مرّ على مسامعي، إلاّ أنك أوعى له منّي. إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز أبو إسحاق المقرئ القصّار قال أبو بكر الحداد: إنه ثقة. روى عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك بفضل وضوئه.

إبراهيم بن عمرو الصنعاني

توفي في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمئة. إبراهيم بن عمرو الصّنعاني صنعاء دمشق روى عن الوّضين بن عطاء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثمانيةً أبغض خليقة لله إليه يوم القيامة: السّقّارون، وهم الكذّابون؛ والخيّالون، وهم المستكبرون؛ والذين يكنزون البغضاء لإخوانهم في صدورهم، فإذا لقوهم حلفوا لهم؛ والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله كانوا بطاءً، وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره كانوا سراعاً؛ والذين لا يشرف لهم طمع من الدنيا إلاّ استحلوه بأيمانهم، وإن لم يكن لهم بذلك حقّ؛ والمشّاؤون بالنّميمة؛ والمفّرقون بين الأحبّة؛ والباغون البراء الدّحضة، أولئك يقذرهم الرّحمن عزّ وجلّ ". إبراهيم بن عون أبو إسحاق المؤّدب سمع منه سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة. إبراهيم بن العلاء بن الضّحّاك ابن مهاجر بن عبد الرحمن بن زيد أبو إسحاق الزّبيدي، المعروف بزبريق الحمصيّ حدّث بدمشق وحمص عن جماعة، وروى عنه جماعة.

إبراهيم بن العلاء بن محمد

روى عن إسماعيل بن عيّاش، بسنده عن أبي سعيد الخّدري، قال: إنن نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ النّاس لكم تبع، وإنّه سيأتيكم رجال من أهل الأرض يتفقّهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً ". وعنه بسنده عن عبد الله بن بشر المازني، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه ". وعنه بسنده عن ابن عمر، قال: قال النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ". مات سنة خمس وثلاثين ومئتين، وكان لا يخضب. إبراهيم بن العلاء بن محمد وأظنّه والد محمد بن إبراهيم الدّمشقي، الذي كان يسكن عبادان روى عن الزّهري عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تخلّلوا بعود الآس، ولا عود الرّمّان، فإنهما يحرّكان عرق الجذام ". إبراهيم بن عيسى بن القاسم أبو إسحاق البغداديّ الكافوريّ العطّار قدم دمشق وحدّث بها. روى عن أبي سعيد الحسن بن علي العدويّ، بسنده عن مالك بن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصوم جنّة ".

إبراهيم بن عيسى العبسي

إبراهيم بن عيسى العبسيّ روى عن مروان بن محمد الدّمشقي، بسنده عن عبادة بن الصّامت، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، من جاء بهنّ يوم القيامة لم يضّيعهنّ استخفافاً بحقّهنّ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنّة؛ ومن جاء وقد استخفّ بحقّهنّ لم يكن له عند الله عزّ وجلّ عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذّبه ". قال: يقول: لم يضيّعهنّ؛ يحافظ على وضوئهن ومواقيتهنّ. إبراهيم بن فضالة بن محمد بن يعقوب ابن محمد بن فضالة بن عبيد، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو إسحاق الأنصاريّ مات في ذي العقدة سنة ثلاثين وثلاثمئة إبراهيم بن كثير أبو إسماعيل الخولانيّ من أهل بيروت، وكان رجل صدق. حدّث عن الأوزاعي قال: بعث جعونة بن الحارث رسولاً إلى عمر، يعني ابن عبد العزيز، وكان عاملاً له على غزاة، فقال له عمر: أسلم المسلمون؟ قال: نعم؛ قال: كلّهم؟ قال: نعم، إلاّ رجلاً واحداً عدلت به دابّته فساح في الثّلج؛ قال: فصنع ماذا؟ قال: فهلك؛ قال: لقد أطلقتها غير مكترث، عليّ بفلان كاتبه فكتب إلى عامله: إيّاك وغارات الشّتاء، فوالله لرجل من المسلمين أحبّ إليّ من الرّوم وما حوت.

إبراهيم بن أبي كريمة الصيداوي

إبراهيم بن أبي كريمة الصّيداويّ روى عن هشام الكتّاني، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن جبريل، عن ربّه تبارك وتعالى أنه قال: " من أخاف لي ولياً فقد بارزني، وما تقرّب إليّ عبدي المؤمن بمثل ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتنّفل إليّ حتى أحبّه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيّداً، إن سألين أعطيته، وإن دعاني أجبته، وما ردّدت أمراً أنا فاعله ما ردّدت أمر عبدي المؤمن، يكره الموت واكره مساءته، ولا بدّ له منه؛ وإن من عبادي المؤمنين لمن يشتهي الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك؛ وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو بسطت له لأفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحة ولو أسقمته لأفسده؛ وإنمن عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو أصلحته لأفسده؛ وإني أدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم، إنّ عليم خبير ". إبراهيم بن لجاج إبراهيم بن اللّيث بن حسن أبو طاهر الطّريثيثيّ الصّوفيّ سمع بدمشق. ذكره عبد الغافر في ذيل تاريخ نيسابور وقال: هو ثقة، سافر في طلب الحديث، وطاف في البلاد، ولقي المشايخ، وله قدم في الطّريقة.

إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت

إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت أبو إسحاق العبسيّ، من أنفسهم كاتب القضاة بدمشق ونائبهم، أصله من سامراء. سمع بغداد ومصر وبالس والرقة ودمشق وغيرها. روى عن الحسن بن عرفة، بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط، فمرّ بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، فقال: يا غلام، هل من لبن؟ قلت: نعم، ولكنّي مؤتمن؛ قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ قال: فأتيته بها، فمسح على ضرعها، فنزل اللّبن، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضّرع: اقلص فقلص: فأتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علّمني من هذا القول، قال: فمسح يده على رأسي، وقال: إنك لغليّم معلّم. قال أبو بكر الخطيب: بلغني أن ابن أبي ثابت سكن دمشق ومات بها، وكان ثقة. وقال أبو الحسين الرّازي: كان شيخاً جليلاً بدمشق يسأل عن المعدّلين، وأصله من العراق، سكن دمشق، تاجر نبيل، مات سنة ثمان وثلاثين وثلاثمئة، وزاد غيره: في شهر ربيع الآخر. إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمويه أبو القاسم الصّوفي الواعظ، النًصر آبادي، محلّة من محالّ نيسابور سمع بدمشق وبيروت ومصر ونيسابور وبغداد.

روى عن عبد الله بن محمد الشّرقي، بسنده عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جدّه، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح مقدّم رأسه حتى بلغ موضع القذال من مقدّم عنقه. قال أبو عبد الرحمن السلّمي: شيخ المتصوّفة بنيسابور، له لسان الإشارة، مقروناً بالكتاب والسّنّة، يرجع إلى فنون من العلم كثيرة، منها: حفظ الحديث وفهمه، وعلم التواريخ، وعلم المعاملات، والإشارة. قال أبو سعد الماليني: سمعت أبّا القاسم يقول: إذا أعطاكم حّباكم، وإذا لم يعطكم حماكم، فشتّان ما بين الحبا والحمى؛ فإذا حباك شغلك، وإذا حماك حملك. وقال في معنى قوله تعالى " إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم " قال: بعلمي اشتريتهم وبحكمي أعتقتهم، فلا ينقص علمي حكمي، ولا ينقص حكمي علمي. وقال: ليس للأولياء سؤال، إّنما هو الذّبول والخمود. وقال: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء. وسئل عن القوت، فقال: للنّفس قوت إذا أحرزت اطمأنّت، وللقلب قوت، وللسّرّ قوت، ولرّوح قوت؛ فقوت القلب الطمأنينة، وقوت السرّ الفكرة، وقوت الرّوح السّماع، لأنه صادر عن الحقّ وراجع إليه، والقوت في الحقيقة هو الله لأنه منه الكفايات؛ وأنشد يقول: من الطويل إذا كنت قوت النّفس ثم هجرتها ... فكم تلبث النّفس التي أنت قوتها ستبقى بقاء الضّبّ في الماء أو كما ... يعيش ببيداء المهامه حوتها وقيل له: إن بعض النّاس يجالس النّسوان، ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ؛

فقال: ما دامت الأشباح باقيةً، فإن الأمر والنّهي باق، والتّحليل والتّحريم مخاطب بهما، ولن يجترئ على الشّبهات إلاّ من هو يعرض للمحرّمات. وقال: ضعفت في البادية مرةً، فأيست من نفسي، فوقع بصري على القمر وكان ذلك بالنّهار فرأيت مكتوباً عليه: " فسيكفيكهم الله " فاستقللت، ففتح عليّ من ذلك الوقت هذا الحديث. وقيل له: ليس لك من المحبة شيء؛ قال: صدقوا، ولكن لي حسراتهم، فهوذا أحترق فيه. وقال: المحبة مجانبة السّلّو على كل حال، ثم أنشد يقول: من الطويل ومن كان في طول الهوى ذاق سلوةً ... فإني من ليلى لها غير ذائق وأكبر شيء نلته من وصالها ... أمانيّ لم تصدق كلمحة بارق وقال: مراعاة الأوقات من علامات التيقظ. وقال: أنت متردّد بين صفات الفعل، وصفات الذّات، وكلاهما صفته على الحقيقة، فإذا هيّمك في مقام التفرقة قرّبك بصفات فعله، وإذا بلّغك مقام الجمع قرّبك بصفات ذاته. وقال: التّقوى مثال الحقّ، قال الله تعالى: " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم ". وقال: مواجيد الأرواح تظهر بركتها على الأسرار، ومواجيد القلوب تظهر بركتها على الأبدان. قال أبو عبد الرحمن السّلمي: لمّا همّ الأستاذ أبو القاسم النّصر آبادي بالحجّ، وتهيأ له، خرجت معه إلى الحجّ سنة ستّ وستين وثلاثمئة، وكنت مع الأستاذ أي منزل نزلناه

أو بلدة دخلناها، يقول لي: قم حتى نسمع الحديث، وكان مع جلالته وكثرة ما عنده من العلم، يحمل المحبرة والبياض، ويحضر سماع الحديث، ويطلب أهله، وكان رحمه الله شديد الحرص على كتابته والحبّ له. ولمّا دخلنا بغداد قال لي: قم بنا نذهب إلى أبي بكر بن مالك القطيعي رحمه الله، وكان عنده إسناد حسن، وكان له ورّاق قد أخذ من الحاجّ شيئاً ليقرأ لهم، وفي مجلسه خلق من الحاجّ وغيرهم؛ فلّما دخلنا عليه قعد الأستاذ ناحيةً من القوم، والورّاق يقرأ فأخطأ، فردّ عليه الأستاذ، فنظر إليه الورّاق شزراً، فأخطأ أيضاً في شيء، فردّ عليه أيضاً، فنظر الورّاق إليه شزراً؛ والبغداديون لا يحتملون من أهل خراسان أن يردّوا عليهم شيئاً، فلمّا كان في المرّة الثالثة ردّ عليه، قال الورّاق: يا رجل، إن كنت تحسن تقرأ فتعال فاقرأ! كالمستهزئ به فقام الأستاذ، وقال: تأخر قليلاً، فاخذ الجزء من يده، وأخذ يقرأ قراءةً تحيّر ابن مالك ومن حوله تعجّباً منه، حتى حان وقت الظهر. قال: فسألني الورّاق: من هذا الرّجل؟ قلت: الأستاذ أبو القاسم النّص آبادي، فقام الورّاق وقال: أيّها النّاس، هذا شيخ خراسان أبو القاسم النّصرآبادي، وقد كتب الحديث ها هنا، وأقام ببغداد خمس عشرة سنةً؛ فقرأ في مجلس واحد ما كان يريد الورّاق أن يقرأه في خمسة أيام. ولمّا دخلنا البادية كان كلّما نزل عن راحلته في سيره لا تفارقه المحبرة والمقلمة والبياض، فرأيته ونحن في رحل المفسر، وفي كمّه المحبرة والمقلمة والبياض والأجزاء، فقلت له: أيها الأستاذ، في هذا الموضع، والنّاس يخفّفون عن أنفسهم؟! فقال يا أبا عبد الرحمن، ربّما أسمع شيئاً من جمّال أو غيره حكمةً، أثبته كي لا أنسى. قال: وكان في سنة من السنين قحط، فخرج النّاس إلى الاستسقاء، إلى المصلّى، فلّما ارتفع النّهار جاء غبار وريح وظلمة لا يستطيع أن يرى أحد من شدّة الغبار، ونحن مع الأستاذ أبي القاسم؛ فقال لنا الأستاذ: جئنا بأبدان مظلمة، وقلوب غافلة، ودعاء مثل الرّيح، فنحن نكيل ريحاً، فيكال علينا ريح.

فلّما كان الغد خرج وكان فقيراً ليس وراءه دنيا، ولكن له جاة عند النّاس، فدخل عليه أبناء الدّنيا وأخذ منهم شيئاً، وأمر بشراء بقرة، وكثير من لحم الغنم والأرزّ، وآلات الحلواء، وأمر منادياً في البلد: ألا من كان له حاجة في الخبز واللّحم والحلوى، فليمض غداً إلى المصلى. وأمر بالمراجل حتى حملت إلى المصلّى؛ فلّما كان الغد خرجنا معه، وأمر بطبخ المرق والأرزّ والحلوى، وجاؤوا بخبز كثير، وجاء الفقراء من الرّجال والنّساء والصّبيان، وأكلوا وحملوا إلى وقت العصر؛ فلّما صلّينا العصر إذا هي قطعة سحاب، فقال لنا: شمّروا حتى نرجع؛ فجاء الحّمالون فأخذوا الآلات ورجعوا، وأصحابه معهم. وبقي هو وأنا معه، وهو صائم وأنا أيضاً لأجل موافقته، فرجعنا، فلّما بلغنا إلى محلّة جودي كان قريباً من صلاة المغرب، فمطرنا مطراً لا نستطيع المضيّ بحال، فطلبنا مسجداً فدخلناه، وجاء المطر كأفواه القرب، والمسجد يكف بالمطر، وفي جداره محراب، فدخل الأستاذ المحراب وصلينا، وأنا في زاوية في المسجد، وقال: لعلك جائع تريد أن أطلب من الأبواب كسرةً حتى تأكل؟ فقلت: معاذ الله، أنا ساكن، قال: غداً لناظريه قريب؛ وكان يترنم مع نفسه: من الكامل خرجوا ليستسقوا فقلت لهم قفوا ... دمعي ينوب لكم عن الأنواء قالوا صدقت ففي دموعك مقنع ... لو لم تكن ممزوجةً بدماء وقلت في نفسي: ليتك لم تخرج إلى الاستسقاء حتى لم أبتل بما ابتليت به من الجوع والظما والبرد؛ ونمت في ناحية المسجد؛ فلّما كان الصّبح قال لي: قم يا أبا عبد الرحمن واطلب الماء وتطهّر حتى نصلّي ونخرج، فقمت وتوهّمت أنه قد تطهّر، فقلت: أين تطهّر الأستاذ؟ قال: ما تطهّرت؛ فخرجت وتطهّرت وصلّينا وخرجنا، وما نام ليلته، وصلّى على طهارة الأمس. قال: ولمّا دخلنا مكة حرسها الله تعالى نظر إلى تلك المقبرة، فقال:

إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القرميسيني

يا أبا عبد الرحمن، طوبى لمن كان قبره في هذه المقبرة، وليت قبري كان ها هنا؛ ثم إنه رحمه الله أقام بها مهاجراً، وقال لي: عليك بالانصراف، فقد حجبت حجّة الإسلام، فاشكر الله على ذلك وارجع إلى والدتك، فغني قبلتك منها، فيجب أن أردّك عليها؛ وكنت نويت أن أجاور معه ولم أفارقه، ولكن لم يرض لي، ليرضى الرّجوع إلى الوالدة، فقال: ترجع وتعود سريعاً إن شاء الله، فمرض هناك مدة يسيرة، فقال لي بعض أصحابنا: دخلت عليه في مرضه، فقلت له: ما تشتهي؟ قال: كوز من ماء الجمد، كما يكون بخراسان؛ قال: فخرجت من عنده، وخرجت إلى العمرة، ومعي ركوة، فطلعت سحابة وأمطرت برداً كثيراً، وما أمطرت بمكة شيئاً، فسررت بذلك، وجمعت منه مسك ركوتي، وغدوت به عليه، وقلت: سهّل الله ما تريد، فنظر إليه وتبسّم، وما شرب منه قطرةً؛ وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وستين وثلاثمئة. إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القرميسينيّ قدم دمشق وحدّث بها. إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق الطّبري الشافعيّ سمع بدمشق. إبراهيم بن محمد بن أحمد أبو إسحاق القيسيّ، المعلّم، الفقيه أصله من زيلوش قرية من قرى الرّملة، كان جندياً، ثم ترك ذلك، وتعلّم القرآن والفقه، وسمع الحديث، وحدّث ببعض مسموعاته، وأقام مدّة بمسجد الوزير

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم

المزدقاني، ثم اخرج فمضى إلى بعلبك فأقام بها يسيراً، ثم مضى إلى حماة، ثم رجع إلى دمشق، ثم عاد إلى حماة إلى أن حدثت نوبة الزّلزلة، فرجع إلى دمشق، فأقام بها يسيراً، ثم مات رحمه الله وكان ثقة مستوراً في الحادي عشر من رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمئة، ودفن في مقبرة باب الصغير. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب الهاشميّ ولي إمرة دمشق من قبل هارون الرّشيد إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن عبد الواحد أبو إسحاق الأسديّ البّزار، المحتسب، المعروف بابن خريطة مات سنة تسع عشرة وثلاثمئة. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن سهل أبو إسحاق الجرجانيّ المؤدّب، المعروف بابن شرسان رحّال، سمع بدمشق والعراق والبصرة وبلاد فارس. روى عن ابن الرّواس، بسنده عن عمرو بن العاص، عن النبّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقال لحامل القرآن: اقرأ وارق ورتّل كما كنت ترتّل، فإن منزلتك عند آخر آية ". قال حمزة: مات في صفر سنة ثمان وستين وثلاثمئة.

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصباغ

إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصّبّاغ أبو إسحاق الطّرسوسيّ حدّث بدمشق. روى عن محمد بن عمر الصّيدلاني، بسنده عن علي بن أبي طالب: حدّثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حدّثني جبريل عليه السلام، قال: يقول الله عزّ وجلّ: لا إله إلاّ الله حصني، فمن دخله أمن من عذابي. مات في يوم الخميس لليلتين خلتا من شوال سنة سبع وثمانين وثلاثمئة. إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن عبد الله أبو إسحاق الحنّائي سمع بدمشق ومصر، وكتب الكثير، وحدّث بشيء يسير. كان أديباً. خير أديب تراه النّفس، ثقة مأموناً. روى عن عبد الوهاب بن الحسن، بسنده عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا في الصّلاة، ويقول: " استووا ولا تختلفوا، إنّ الله وملائكته يصلّون على الصفّ الأوّل ". توفي يوم السابع عشر من ذي الحجّة سنة عشرين وأربعمئة. إبراهيم بن محمد بن الأزهر الدّمشقيّ روى عن وريزة بن محمد الغسّاني، بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخلّ ".

إبراهيم بن محمد بن أسد

إبراهيم بن محمد بن أسد ابن عبد الملك أبو محمد الحافظ سمع بدمشق. روى عن محمد بن عون الوحيدي، بسنده عن ابن عمر، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عشرة من قريش في الجنّة: أبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّ، وعثمان في الجنّة، وعليّ في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزّبير في الجنّة، وسعد في الجنّة، وسعيد في الجنّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنّة، وأبو عبيدة بن الجرّاح في الجنّة ". إبراهيم بن محمد بن أميّة أبو إسحاق روى عن محمد بن كثير، بسنده عن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّ من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيّين والمرسلين ". مات بدمشق يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وسبعين ومئتين. إبراهيم بن محمد بن أبي حصن الحارث ابن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر أبو إسحاق الفزاري، أحد أئمة المسلمين وأعلام الدّين روى عن جماعة وروى عنه جماعة.

حدّث عن أبي إسحاق سليمان الشيباني، بسنده عن البراء: أنهم كانوا يصّلون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الرّكوع فقال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض، ثم نتبعه. وروى عن الأعمش، بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغوني عن أمتي السّلام ". قال أبو مسهر: قدم علينا إبراهيم بن محمد الفزاري، قال: فاجتمع النّاس يسمعون منه؛ قال: فقال لي: اخرج إلى النّاس فقل لهم: من كان يرى رأي القدريّة فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى فلان فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يأتي السّلطان فلا يحضر مجلسنا؛ قال: فخرجت فأخبرت النّاس. قال ابن سعد: وكان ثقة فاضلاً، صاحب سنّة وغزو، كثير الخطأ في حديثه؛ مات بالمصّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة، في خلافة هارون. وقال النّسائي: ثقة مأمون، أحد أئمة الإسلام، كان يكون بالشام. قال أبو صالح: سمعت الفزاريّ غير مرة يقول: إن من النّاس من يحسن الثّناء عليه وما يساوي عند الله جناح بعوضة. وقال عطاء الخفّاف: كنت عند الأوزاعي فأراد أن يكتب إلى أبي إسحاق، فقال للكاتب، اكتب إليه وابدأ به فإنه والله خير منّي. وقال أبو صالح: لقيت فضيل بن عياض فغزّاني بأبي إسحاق، وقال لي: والله لربّما اشتقت إلى المصيصّة ما بي فضل الرّباط، إلاّ لأرى أبا إسحاق. وقال العجلي: إبراهيم بن محمد كوفيّ ثقة، وكان رجلاً صالحاً، قائماً بالسّنّة؛ وقال في موضع آخر: نزل الثّغر بالمصّيصة، وكان ثقة رجلاً صالحاً، صاحب

سنّة، وهو الذي أدّب أهل الثّغر، وعلّمهم السّنّة، وكان يأمر وينهى، وكان ذا دخل الثّغر رجل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه، وكان عربياً فزاريّاً؛ أمر سلطاناً يوماً ونهاه، فضربه مئتي سوط، فغضب الأوزاعي فتكلّم في أمره. وعن إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخذ هارون الرّشيد زنديقاً، فأمر بضرب عنقه، فقال الزنديق: لم تضرب عنقي يا أمير المؤمنين؟ قال: أريح العباد منك: قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلها ما فيها حرف نطق به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فأين أنت يا عدوّ الله من أبي إسحاق الفزاريّ وعبد الله بن المبارك ينخلانها ويخرجانها حرفاً حرفاً؟!. قال عبد الرحمن بن مهدي: النّاس يتفاضلون في العلم، وكلّ إنسان يذهب إلى شيء، ولم أر أحداً أعلم بالسّنّة من حمّاد بن زيد؛ فإذا رأيت بصرياً يحب حمّاد بن زيد فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت كوفيّاً يحب زائدة ومالك بن مغول، فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت شامياً يحب الأوزاعيّ وأبا إسحاق الفزاريّ فهو صاحب سنّة؛ وإذا رأيت حجازياً يحبّ مالك بن أنس فهو صاحب سنّة. قال هارون أمير المؤمنين لأبي إسحاق الفزاريّ: أيها الشيخ، بلغني أنك في موضع من العرب؛ قال: إن ذلك لا يغني عني من الله يوم القيامة شيئاً. قال الأصمعي: كنت جالساً بين يدي هارون الرّشيد أنشده شعراً، وأبو يوسف القاضي جالس على يساره، فدخل الفضل بن الرّبيع، فقال: بالباب أبو إسحاق الفزاريّ، فقال: أدخله: فلّما دخل قال: عليك السّلام يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له الرّشيد: لا سلّم الله عليك، ولا قرّب دارك، ولا حيّا مزارك؛ قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنت الذي تحرّم السّواد؟ فقال: يا أمير المؤمنين من أخبرك بهذا؟ لعلّ ذا أخبرك وأشار إلى أبي يوسف وذكر كلمةً؛ والله يا أمير المؤمنين من أخبرك بهذا؟ لعلّ ذا أخبرك وأشار إلى أبي يوسف وذكر كلمةً؛ والله يا أمير المؤمنين لقد خرج إبراهيم على جدّك المنصور، فخرج أخي معه، وعزمت على الغزو، فأتيت أبا حنيفة فذكرت ذلك له، فقال: مخرج أخيك أحبّ إليّ ممّا عزمت عليه من الغزو؛ والله ما حرّمت السّواد.

فقال الرّشيد: فسلّم الله عليك، وقرّب دارك، وحيّا مزارك، اجلس يا أبا إسحاق؛ يا مسرور ثلاثة آلاف دينار لأبي إسحاق، فأتي بها، فوضعا في يده، وخرج فانصرف. ولقيه ابن المبارك، فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من عند أمير المؤمنين، وقد أعطاني هذه الدّنانير، وأنا عنها غنيّ؛ قال: فإن كان في نفسك منها شيء قتصدّق بها. فما خرج من سوق الرّافقة حتى تصدّق بها كلّها. قال ابن أبي خيثمة: مات بالمصّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة في خلافة هارون. وقال أحمد بن حنبل: مات سنة خمس وثمانين ومئة. وقال ابن أبي السرّي: مات سنة ستّ وثمانين ومئة. وعن مخلد بن الحسين قال: غزونا مع عبد الملك بن صالح الهاشمي، فأقبلنا من غزونا، فمرّ بنا أبو إسحاق الفزاريّ فأسرع ولم يسلّم، فالتفت إليّ عبد الملك مغضباً، فقال لي: يا مخلد، مر بنا أبو إسحاق فأسرع ولم يسلّم! فقلت له: أعزّ الله الأمير، لم يرك، فزدّها ثانية وتبيّن لي فيه الغضب فقلت: أعزّ الله الأمير، أنأذن لي أن أحدّثك رؤيا رأيتها له؟ قال: حدّث. قلت: رأيت كأن القيامة قد قامت، والنّاس في ظلمة، في حيرة، يتردّدون فيها، فنادى مناد من السّماء: أيها النّاس، اقتدوا بأبي إسحاق الفزاريّ فإنه على الطّريق؛ فغدوت إليه فأعلمته، فقال لي: يا مخلد، لا تحدّث بهذا وأنا حيّ؛ ولوال غضبك أيّها الأمير ما حدّثتك.

إبراهيم بن محمد بن الحسن

إبراهيم بن محمد بن الحسن ابن أبي الحسن نصر بن عثمان أبو إسحاق، المعروف بابن متّوبه إمام جامع أصبهان؟ سمع بدمشق من جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن هنّاد بن السّريّ، بسنده عن أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبستين وبيعتين: أن يلبس الرّجل الثّوب الواحد فيشتمل به ويطرح جانبيه على منكبيه، أو يجتبي بالثّوب الواحد؛ وان يقول الرّجل للرّجل: انبذ إليّ ثوبك وأنبذ إليك ثوبي من غير أن يقبّبا أو يتراضيا؛ ويقول: دابّتي بدابّتك، من غير أن يتراضيا أو يقلّبا. قال أبو نعيم: توفي سنة اثنتين وثلاثمئة في جمادى الآخرة، روى عن الشّاميين والمصريّين وأهل العراقين، كان من العبّاد والفضلاء، يصوم الدّهر. إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال ابن أبي الدّرداء الأنصاريّ، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو إسحاق روى عن أبيه، عن أم الدّرداء، عن أبي الدّرداء، قال: لمّا دخل عمر بن الخطاب الشّام سأل بلال أن يقرّه بالشام، ففعل ذلك، قال وأخي أبو رويحة الذي آخى بينه وبيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنزل في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقال لهم: قد جئناكم خاطبين، وقد كنّا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوّجونا فالحمد لله، وإنتردّنا فلا حول ولا قوّة غلاّ بالله.

إبراهيم بن محمد بن أبي سهل

ثم إن بلالاً رأى في منامه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول له: " ما هذه الجفوة يا بلال! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ " فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يبكي عنده، ويمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسنّ والحسين فجعل يضمّهما ويقبّلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي نسمع آذانك الذي كنت تؤذّنه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السّحر، ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلّما أن قال: الله اكبر الله أكبر، ارتجّت المدينة، فلّما أن قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، زاد تعاجيجها، فلّما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرج العواتق من خدرهنّ؛ فقالوا: أبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك اليوم. قال أبو الحسن محمد بن الفيض: توفي إبراهيم بن محمد بن سليمان سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة. إبراهيم بن محمد بن أبي سهل أبو إسحاق المرورّوذي، المقرئ قدم دمشق وحدّث بها، وسمع منه بدمشق. روى عن زاهر بن أحمد السّرخسيّ، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلّلها منه من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فطرحت عليه.

إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان

إبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان ابن يحيى بن الأركون أبو إسحاق القرشيّ الدّمشقي مولى خالد بن الوليد؛ وإلى جدّه سنان تنسب قنطرة سنان بنواحي باب توما؛ وكان الاركون قسّيساً أسلم على يدي خالد بن الوليد حين فتح دمشق. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. حدّث عن محمد بن سليمان، بسنده عن أبي هريرة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: " عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا " قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ". وعن جابر قال: أهلّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجّ ليس معه عمرة. توفي يوم الثلاثاء لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وثلاثمئة وكان ثقة دفن بباب توما، وكان قد نيّف على الثمانين سنةً. إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أبو إسحاق القرشي التّيميّ من أهل المدينة. سمع وأسمع. وقدم على عبد الملك بن مروان مع الحجّاج بن يوسف، وكان قد استخصّه واستصحبه، ووفد على هشام.

روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أريد ماله بغير حقّ فقتل دونه فهو شهيد ". حدّث عمران بن عبد العزيز الزّهري، قال: لمّا ولي الحجّاج بن يوسف الحرمين بعد قتل عبد الله بن الزّبير، استخصّ إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقرّبه في المنزلة، فلم يزل على حالته عنده حتى خرج إلى عبد الملك زائراً، فخرج معه فعادله لا يترك في برّه وإجلاله وتعظيمه شيئاً، فلّما حضر باب عبد الملك حضر به معه، فدخل على عبد الملك، فلم يبدأ بشيء بعد السّلام، إلاّ أن قال: قدمت عليك يا أمير المؤمنين برجل احجاز، ولم أدع له والله نظيراً في كمال المروءة والأدب، والدّيانة والسّتر، وحسن المذهب، والطّاعة والنّصيحة، مع القرابة ووجوب الحقّ، إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقد أحضرته بابك ليسهل عليك إذنك وتلقاه ببشرك، وتفعل به ما تفعل بمثله ممّن كانت مذاهبه مثل مذاهبه. فقال عبد الملك: ذكّرتنا حقاً واجباً، ورحماً قريبةً؛ يا غلام، إيذن لإبراهيم بن طلحة. فلّما دخل عليه مرّ به حتى أجلسه على فرشه، ثم قال له: يا ابن طلحة؛ إن أبا محمد ذكّرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب، وحسن المذهب، مع قرابة الرّحم، ووجوب الحقّ، فلا تدعن حاجةً من خاصّ أمرك ولا عامّ، إلاّ ذكرتها؛ قال: يا أمير المؤمنين، إن أولى الأمور أن يفتح بها الحوائج، ويرجى بها الزّلف، ما كان لله عزّ وجلّ رضىً، ولحقّ نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولك فيها ولجماعة المسلمين نصيحة، لا أجد بدّاً من ذكرها، ولا يكون البوح بها إلاّ وأنا خال، فأخلني ترد عليك نصيحتي؛ قال: دون أبي محمد؟ قال: نعم؛ قال: قم يا حجّاج؛ فلّما جاوز السّتر، قال: قل يا ابن طلحة نصيحتك، قال: الله. يا أمير المؤمنين؟ قال: الله، قال: إنك عمدت إلى الحجّاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه لبعده من الحقّ وركونه إلى الباطل، فولّيته الحرمين، وفيهما من فيهما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي المنتسبة إلى الأخيار أصحاب

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبناء الصحابة، يسومهم الخسف، ويقودهم بالعنف، ويحكم فيهم بغير السّنّة، ويطؤهم بطغاة من أهل الشّام، ورعاع لا رويّة لهم في إقامة حقّ، ولا إزاحة باطل؛ ثم ظننت أنّ ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك، وفيما بينك وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخلّصك؛ إذا جاءتاك للخصومة في أمّته، أما والله لا تنجو هناك إلاّ بحجة تضمن لك النّجاة، فأفق على نفسك أو دع؛ فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته ". فاستوى عبد الملك جالساً وكان متكئاً فقال: كذبت لعمر الله ومقت ولؤمت فيما جئت به، قد ظنّ فيك الحجّاج ما لم يجده فيك، وربّما ظنّ الخير بغير أهله، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد؛ قال: فقمت والله ما أبصر طريقاً، فلّما خلّقت السّتر لحقني لاحق من قبله، فقال للحاجب: احبس هذا، وأدخل أبا محمد الحجّاج؛ فلبثت ملّياً لا اشكّ أنّهما في أمري، ثم خرج الآذن فقال: قم يا ابن طلحة فادخل، فلّما كشف لي السّتر لقيني الحجّاج وأنا داخل وهو خارج فاعتنقني وقبّل ما بين عينيّ، ثم قال: إذا جزى الله المتآخيين بفضل تواصلهما خيراً فجزاك الله أفضل ما جزى به أخاً، فوالله لئن سلمت لك لأرفعنّ ناظرك، ولأعلينّ كعبك، ولأتبعنّ الرّجال غبار قدميك؛ قال: فقلت: يهزأ بي. فلّما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني مجلسي الأول، ثم قال: يا ابن طلحة، لعلّ أحداً من النّاس شاركك في نصيحتك؟ قلت: لا والله، ولا أعلم أحداً كان أظهر عندي معروفاً، ولا أوضح يداً من الحجّاج، ولو كنت محابياً أحداً بديني لكان هو، ولكني آثرت الدّنيا لكان لك في الحجاج أمل، وقد أزلت الحجّاج عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استصغاراً لهما، وولّيته العراقين لما هناك من الأمور التي لا يرخصها إلا مثله، وأعلمته أنك استدعيتني إلى التولية له عليهما استزادةً له ليلزمه ما يؤّدي به عنّي إليك أجر نصيحتك، فاخرج معه فإنك غير ذامّ صحبته مع تفريطه، إيّاك ويدك عنده.

قال: فخرجت على هذه الجملة. روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأمنعنّ فروج ذوات الأنساب إلاّ من الأكفّاء. قال الزبير بن بكار: ومن ولد محمد بن طلحة بن عبيد الله: إبراهيم بن محمد، استعمله عبد الله بن الزّبير على خراج الكوفة، وكان يقال له: أسد الحجاز، وبقي حتى أدرك هشاماً. قال: فأخبرني عمّي مصعب بن عبد الله: أن هشاماً قدم حاجاً، فتظلّم من عبد الملك بن مروان في دار آل علقمة التي بين الصّفا والمروة، وكان لآل طلحة شيء منها، فأخذها نافع بن علقمة الكنانيّ، وهو خال مروان بن الحكم، وكان عاملاً لعبد الملك بن مروان على مكة، فلم ينصفهم عبد الملك من نافع بن علقمة، وقال له هشام بن عبد الملك: ألم تكن ذكرت ذلك لأمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: بلى، فترك الحقّ وهو يعرفه؛ قال: فما صنع الوليد؟ قال: اتّبع أثر أبيه، وقال ما قال القوم الظّالمون: " إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون "، قال: فما فعل فيها سليمان؟ قال: لا قفي ولا سيري؛ قال: فما فعل فيها عمر بن عبد العزيز؟ قال: ردّها، يرحمه الله؛ قال: فاستشاط هشام غضباً، وكان إذا غضب بدت حولته، ودخلت عينه في حجاجه، ثم أقبل عليه فقال: أما والله أيّها اشّيخ، لو كان فيك مضرب لأحسنت أدبك! قال إبراهيم: فهو والله في الدّين والحسب، لا يبعدنّ الحقّ وأهله، ليكوننّ لهذا نحت بعد اليوم. قال: وحدّثني مصعب بن عثمان بما جرى بين إبراهيم بن محمد وهشام بن عبد الملك في هذه القصّة، واختلفا في بعض الخبر.

ثم طلب ولد إبراهيم بن محمد في حقّهم من الدّار إلى أمير المؤمنين الرّشيد، وجاؤوا ببيّنة تشهد لهم على حقّهم من هذه الدّار، فرّدها على ولد طلحة، وأمر قاضيه وهب بن وهب بن كبير بن عبد الله بن زمعة، أن يكتب لهم به سجلاً، ففعل. قال عمّي مصعب بن عبد الله: فكنت فيمن شهد على قضاء أبي البختريّ وهب بن وهب، بردّها عليهم وكان القائم لولد طلحة فيها محمد بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبد الله؛ ثم اشتراها أمير المؤمنين هارون من عدّة ن ولد طلحة، وكتب الشّراء عليها وقبضها، فلم تزل في القبض حتى قدم أمير المؤمنين المأمون من خراسان، فقدم عليه ولد نافع بن علقمة فردّها عليهم. وقال محمد بن إسماعيل بن جعفر: دخل إبراهيم بن محمد بن طلحة على هشام بن عبد الملك، فكلّمه بشيء لحن فيه، فرّد عليه إبراهيم الجواب ملحوناً، فقال هشام: أتكلّمني وأنت تلحن! فقال له إبراهيم: ما عدوت أن رددت عليك نحو كلامك؛ فقال هشام: إن تقل ذلك، فما وجدت للعربيّة طلاوةً بعد أمير المؤمنين سليمان؛ فقال له إبراهيم: وأنا ما وجدت لها طلاوةً بعد بني تماضر من بني عبد الله بن الزّبير. وممّا هاج هشاماً على أن يقول ما قال لإبراهيم؛ أن إبراهيم طلب الإذن عليه، فأبطأ ذلك، فقال له على الباب رافعاً صوته: اللهم غلّقت دونه الأبواب، وقام بعذره الحجّاب؛ فبلغ ذلك هشاماً فأغضبه. قال محمد بن سعد: فولد محمد بن طلحة إبراهيم الأعرج، وكان شريفاً صارماً، ولاّه عبد الله بن الزّبير بن العوّام خراج العراق. وقال إبراهيم بن هرمة: أردت لابني البناء على أهله، وخروجاً إلى باديتي، ومرمّة الشتاء، ففكّرت في قريش، فلم أذكر غير إبراهيم بن طلحة، فخرجت إليه في مال له بين شرقيّ المدينة وغربيّها، وقد هيأت له شعراً، فلّما جئته قال لبنيه: قوموا إلى عمّكم فأنزلوه، فقاموا فأنزلوني عن دابّتي، فسلمت عليه وجلست معه أحدّثه، فلّما اطمأنّ بي المجلس قلت له: أردت الخروج إلى باديتي، وحضر الشتاء ومؤونته، وأردت أن أجمع على ابني أهله، وكانت الأشياء متعذّرة، فتفكرت في قومي فلم أذكر سواك، وقد هيأت لك

من الشّعر ما أحبّ أن تسمعه؛ فقال: بحقّي عليك إن أنشدتني شعراً، ففي قرابتك ورحمك وواجب حقّك، ما تعوصل به رحمك وتقضّي به حوائجك، فانصرف إلى باديتك واعذرني فيما يأتيك منّي. قال: فخرجت إلى باديتي، فإنّي لجالس بعد أيام إذا بشويهات تتسايل يتبع بعضها بعضاً، فأعجبني حسنها، فما زالت تتسايل حتى افترش الوادي منها، وإذا فيها غلامان أسودان، وإذا إنسان على دابّة يحمل بين يديه رزمة، فلّما جاءني ثنى رجله، وقال: أرسلني إليك إبراهيم بنم طلحة، وهذه ثلاثمئة شاة من غنمه، وهاذان راعيان، وهذه أربعون ثوباً، ومئتا دينار، وهو يسألك أن تعذره. وعن عبيد الله بن محمد قال: سمعت أبي يقول: لمّا مات حسن بن حسن، فحمل اعترض غرماؤه لسريره، فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة: عليّ دينه، فحمله وهو أربعون ألفاً، وكان رجلاً مسيكاً فإذا حزبه أمرّ جاد له. وعن ابن عائشة، عن أبيه: كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابنه عمر: أن تزّوج بنت إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: فتزوّجها، وكتب بذلك إلى أبيه؛ فكتب إليه: تزوّج بنت عمّها وأنت أنت؛ قال: فخطب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر بنته فزوّجه. قال: فكان إبراهيم يدخل بين الخصوم، فقال عمر لبنته: قولي لأبيك يكفّ عن الدّخول بينهم، فكان لا يكفّ عن ذلك. قال: فدخل على ابنته فقال: كيف ترين بعلك؟ قالت: بخير؛ قال: وكيف عيشك؟ قالت: تأتيني مائدة غدوة أصيب منها أنا ومن حضرني، وأخرى عشّيةً أصيب منها أنا ومن حضرني، قال: أو مالك خزانة تعوّلين عليها إن ألّم بك ملّم بأضعاف ذلك؟ قالت: لا؛ فأرسل إليها ما يحمله الرّجال أوّلهم عندها وآخرهم في السّوق؛ فسأل عمر عن ذلك فأخبر به، فملأ خزانتها بعد. وعن عبد الله بن أبي عبيدة قال: جاء كتاب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المخزوميّ وهو عامله على المدينة، أن يحطّ فرض آل صهيب بن سنان إلى فرض الموالي، ففزعوا إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة وهو عريف بني تيم ورأسها، فقال: سأجهد في ذلك ولا أتركه، فشكروا له وجزوه خيراً.

قال: وكان إبراهيم بن هشام يركب كلّ يوم سبت إلى قباء، قال: فجلس إبراهيم بن محمد بن طلحة على باب دار طلحة بن عبد الله بن عون بالبلاط، وأقبل إبراهيم بن هشام، فنهض إليه إبراهيم بن محمد فأخذ بمعرفة دابّته، فقال: اصلح الله الأمير، حلفائي، ولد صهيب، وصهيب من الإسلام بالمكان الذي هو به؛ قال: فما أصنع؟ جاء كتاب أمير المؤمنين فيهم، والله لو جاءك لم تجد بدّاً من إنفاذه؛ فقال: والله، إن أردت أن تحسن فعلت، وما يرّد أمير المؤمنين قولك، وإنك لوالد، فافعل في ذلك ما تعرف؛ فقال: مالك عندي إلاّ ما قلت لك! فقال إبراهيم بن محمد: واحدة أقولها لك، والله لا يأخذ رجل من بني تميم درهماً حتى يأخذ آل صهيب؛ قال: فأجابه والله إبراهيم بن هشام إلى ما أراد، وانصرف إبراهيم بن محمد، فأقبل إبراهيم بن هشام على أبي عبيدة بن محمد بن عمّار وهو معه فقال: لا يزال في قريش عزّ ما بقي هذا؛ فإذا مات هذا ذلّت قريش. وعن عبد الرّحمن بن أبي الزّناد قال: أمر لأهل المدينة بالعطاء في خلافة هشام بن عبد الملك، فلم يتّم من الفيء، فأمر هشام أن يتّم من صدقات اليمامة، فحمل إليهم، وبلغ ذلك إبراهيم بن محمد بن طلحة، فقال: والله لا نأخذ عطاءنا من صدقات النّاس وأوساخهم، حتى نأخذه من الفيء؛ وقدمت الإبل تحمل ذلك المال، فخرج إليهم وأهل المدينة، فجعلوا يردّون الإبل ويضربون وجوهها بأكمتّهم ويقولون: والله لا يدخلها وفيها درهم من الصّدقة؛ فردّت الإبل، وبلغ هشام بن عبد الملك، فأمر أن تصرف عنهم الصّدقة وأن يحمل إليهم تمام عطاياهم من الفيء. قال ابن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، ومات بالمدينة سنة عشر ومئة.

إبراهيم بن محمد المهدي

إبراهيم بن محمد المهديّ ابن عبد الله المنصور بن محمد عليّ بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطلب أبو إسحاق، المعروف بابن شكلة الهاشميّ ولاّه أخوه الرّشيد إمرة دمشق، فقدمها ثم عزله عنها، وولاها غيره، ثم أعاد إبراهيم إلى ولايتها. وولي إمرة الحجّ. قال حميد بن فروة: لمّا استقرّت للمأمون الخلافة، دعا إبراهيم بن المهدّي المعروف بابن شكلة، فوقف بين يديه، فقال: يا إبراهيم، أنت المتوثّب علينا تدّعي الخلافة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت وليّ الثأر، والمحكم في القصاص، والعفو أقرب للتّقوى، وقد جعلك الله فوق كلّ ذي ذنب، كما جعل كلّ ذي ذنب دونك، فإن أخذت أخذت بحقّ، وإن عفزت عفوت بفضل؛ ولقد حضرت أبي، وهو جدّك، وأتي برجل، وكان جرمه اعظم من جرمي، فأمر الخليفة بقتله، وعنده المبارك بن فضالة، فقال المبارك: إن رأى أمير المؤمنين أن يتأنّى في أمر هذا الرّجل حتى أحدثّه بحديث سمعته من الحسن؛ قال: إيه يا مبارك؛ فقال: حدّثنا الحسن، عن عمران بن حصين، أنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم الجمعة نادى مناد من بطنان العرش: ألا ليقومنّ العافون من الخلفاء إلى أكرم الجزاء، فلا يقوم إلاّ من عفا " فقال الخليفة: إيها يا مبارك، قد قبلت الحديث بقبوله وعفوت عنه. فقال المأمون: وقد قبلت الحديث بقبوله، وعفوت عنك؛ ها هنا يا عمّ، ها هنا يا عمّ. روى عن حمّاد الأبحّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نوقش الحساب عذّب ".

قال إبراهيم بن المهدي: كان سبب ولايتي دمشق، أن الهادي زوّجني أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وأمّها أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي بن عبد الله بن العبّاس، وكان لي سبع سنين، ثم إني قبل انسلاخ اثنتي عشرة سنة من مولدي أدركت، فاستحثّتني أمّ عبد الله بنة عيسى بن علي، على الابتناء بأمّ محمد بنة صالح، فاستأذنت الرّشيد في ذلك، فأعلمني أن العبّاسة أخته، قد شهدت عليك أنك حلفت يميناً بطلاقها، لحقك فيها الحنث. قال إبراهيم: وكانت البليّة في هذا الباب أن الرّشيد رغب في تزويج أمّ محمد، وأراد منّي أن أطلّقها، فامتنعت عليه من طلاقها، فتغيّر عليّ في الخاصّة، ولن يقصر بي في العامّة؛ فلم أزل في جفوة منه في الخاصّة، وسوء رأي، ويتأدّى إليّ عنه أشياء، وأشاهد بما يظهر منه إلي أن استتمت ستّ عشرة سنة، وصحّ عندي رغبة أمّ محمد في الرّشيد، وعلمت أنّها لا تصلح لي، فطلّقتها؛ فلم يكن بين تطليقي إيّاها وبين ابتناء الرّشيد بها إلاّ مقدار العدّة، ثم رجع لي الرّشيد إلى ما كنت أعهده من برّه ولطفه قبل ذلك. وحدّث إبراهيم: أن تطليقه أمّ محمد بنة صالح بن المنصور، وعقد الرّشيد نكاحها لنفسه بعده، أسكنا قلبه غمراً على الرّشيد، فكان لا يستحسن له حسناً، ولا يشكر له فعلاً جميلاً يأتيه إليه، وكان الرّشيد قد تبّين منه، فكانت تعطفه عليه الرّحم، ويصلح ذلك له جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، إلى أن دخل إبراهيم في سنة ثماني عشرة سنةً من مولده. فلّما دخل في أوّل السّنة، رأى فيما يرى النّائم في ليلة سبت قد كان يريد بالغلس الرّكوب إلى الرّشيد إلى الحلبة في صبيحتها بقصره في ظهر الرّافقة، فرأى فيما يرى النّائم، المهدّ في النّوم، فكأنه قال له: كيف حالك يا إبراهيم؟ فأجابه: وكيف يكون حال من خليفتك عليه هارون إلاّ شرّ حال! ظلمني من ميراثك، وقطع رحمي، ولم يحفظني لك، واستنزلني عن ابنة عمّي؛ فكأنه يقول لي: لقد اضطغنت عليه أشياء، أقلّ منها يضغن، وشرّ من قطيعة الرّحم الاضطغان على ذوي الأرحام، فما تحبّ الآن أن أفعل به؟

فقلت: تدعو الله عليه! فكأنه تبسّم من قولي، ثم قال: اللهم أصلح ابني هارون، اللهم أصلح عبدك هارون. قال إبراهيم: فكأني حزنت من دعائه له بالصّلاح، فبكيت، وقلت: يا أمير المؤمنين، أسألك أن تدعو الله عليه، فتدعو له! قال: فكأنه يقول لي: إنّما ينبغي للعبد أن يدعو بما ينتفع به، ويرجو فيه الإجابة، وإن دعوت الله عليه، فاستجاب لي، لم ينفعك ذلك، وقد دعوت الله له بالصّلاح، وإن استجيب دعائي بصلاحه، صلح لك فانتفعت به، ثم ولّى عنّي، ثم التفت إليّ فقال لي: قد استجيبت الدّعوة، وهو قاض عنك دينك، ومولّيك جند دمشق، وموسّع في الرّزق، فاتقّ الله يا إبراهيم فيمن تتقلّد أمره. قال: فكأني أقول له وأنا أدير السّبابة من يدي اليمنى: دمشق دمشق دمشق! قال: فكأنه يقول لي: حرّكت مسبّحة يدك اليمنى، وقلت: دمشق دمشق دمشق، تكرّرها استقلالاً لها! إنها دنيا يا بنّي، وكلّما قلّ حظّك منها كان أجدى عليك في آخرتك، وانتبهت مرعوباً، فاغتسلت، ولبست ثيابي، وركبت إلى الرّشيد، إلى قصر الخشب بالراّفقة عنه إذا لم يكن عند حرمه، فسألت عند موافاتي القصر عن خبره فأخبرت أنه يتهيّأ للصّلاة، فلّما صرت إلى الرّواق الذي هو جالس فيه، قال لي مسرور الكبير: اجلس بأبي أنت، لا تدخل على أمير المؤمنين، فإنه مغموم يبكي لشيء لا أعلمه؛ فما هو إلاّ أن سمع كلامي، حتى صاح بي: يا إبراهيم، أدخل، فديتك؛ فما هو إلاّ أن رآني حتى شهق شهقة تخوّفت عليه منها، ورفع صوته بالبكاء، ثم قال: يا حبيبي ويا بقيّة أبي وكان يقول لي كثيراً: يا بقيّة أبي، لشدّة شبه إبراهيم بالمهدّي في لونه وعينيه وأنفه أسألك بحقّ الله، وحقّ رسوله، وحقّ المهديّ، هل رأيت في نومك في هذه اللّيلة أحداً تحبّه؟ فقلت: إي، والله، يا أمير المؤمنين، لقد رأيت آنفاً المهديّ، قال: فبحقّه عليك، هل شكوتني إليه؟ وسألته أن يدعو عليّ فدعا الله لي بالصلاح، فأنكرت ذلك عليه، حتى قال لك في ذلك قولاً طويلاً. فقلت له: وحقّ المهديّ لقد كان ذلك، ولقد أخبرني بعد دعائه أن الله استجاب دعاءه، وأنك قد صلحت لي وانك تقضي ديني، وتوسع عليّ في الرّزق، وتوليني دمشق.

قال: فازداد الرّشيد في البكاء، وقال: قد وحقّه الواجب عليّ أمرني بقضاء دينك، والتّوسعة في الرّزق عليك، وتوليتك جند دمشق. ثم دعا بمسرور، وقال: احمل معك قناةً ولواءً إلى ميدان الخيل، حتى أعقد لبقّية أبي على جند دمشق إذا رجعت الخيل. فصّلى وركب وركبت معه، فلّما رجعت الخيل عقد لي على دمشق، وأمر لي بأربعين ألف دينار، فقضيت بها ديني، وأجرى عليّ في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار عمالةً، فلبثت في العمل سنتين ارتزقت فيهما ستين ألف دينار، فصار مرزقي من تلك الولاية مع ما قضى عني من الدّين مئة ألف دينار. وحدّث إبراهيم، أنه ما علم أحداً ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقّبه به أهل ذلك الجند غيره، فسئل عن السبب في ذلك، فأعلم أنه فحص عنه عقد الرّشيد له على جند دمشق، فاخبر أن كلّ ملقّب ممّن ولي إمرته لم يكن إلاّ مّمن ينحرف عنه من اليمانيّة أو المضريّة؛ فكان إن مال إلى المضريّة لقّبته اليمانيّة، وإن مال إلى اليمانيّة لقّبته المضريّة. وانه لمّا ولي وافى حمص، كتب إلى خليفته المستلم لعمله بدمشق يأمره بإعداد طعام له كما يعدّ للأمراء في العيدين، وأنه لما وافى غوطة دمشق تلقّاه الحيّان من مضر ويمن، فلقي كلّ من تلقّاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر صاحبه بإحضار وجوه الحيّين، وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدّم من كلّ حيّ الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلّما أتاه به، أمر بتصيير النّاس من الجانب الأيمن مضريّاً، وعن شماله يمنيّاً، ومن دون اليمانيّ مضريّ، ومن دون المضريّ يمانيّ، حتى لا يلتصق مضريّ بمضريّ، ولا يمانيّ بيمانيّ، ثم قدّم الطّعام، فلم يطعم شيئاً حتى حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل قريشاً موازين بين العرب، فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها، وافترض عليها حبّ العمومة والخؤولة، فليس يتعصّب قرشيّ إلاّ للجهل بالمفترض عليه؛ ثم قال: يا معشر مضر، كأنّي بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قالت: وكيف قدّمكم علينا وقد جعل بجنب اليمانّي مضريّاً، وبجنب المضريّ يمانيّاً، فقلتم با معشر مضر؛ إنّ الجانب الأيمن أعلى

من الجانب الأيسر، وقد جعل الجانب الأيمن لمضر والأيسر لليمن، وهذا دليل على تقدمته إيّأنا عليكم؛ إلا إن مجلسك يا رئيس المضريّة في غد من الجانب الأيسر، ومجلسك يا رئيس اليمانيّة من غد في الجانب الأيمن، وهذان الجانبان نوب بينكما، يكون كلّ من كان فيه في يومه متحوّل عنه في غده إلى الجانب الآخر؛ ثم سمّيت الله، ومددت يدي إلى طعامي، فطعمت وطعموا معي، فانصرف القوم عنّي في ذلك اليوم، وكلّهم لي حامد. ثم كانت تعرض الحاجة لبعض الحيّين، فاسأل قبل أن أقضيها له: هل لأحد من الحيّ الآخر حاجة شبه حاجة السائل؟ فإذا عرفتها قضت الحاجتين في وقت واحد، فكنت عند الحيّين محموداً، لا أستحقّ عند واحد منهم ذمّاً ولا عيباً ولا نبزاً ينبز به. قال أبو بكر الخطيب: بويع له بالخلافة ببغداد في أيام المأمون، وقاتل الحسن بن سهل، وكان الحسن أميراًمنقبل المأمون، فهزمه إبراهيم، فتوجّه نحوه حميد الطّوسيّ، فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم مدّة طويلة حتى ظفر به المأمون فعفا عنه، وكان أسود حالك اللّون، عظيم الجثّة، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أجود شعراً. قال: وكان إبراهيم وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النّفس، سخيّ الكفّ، وكان معروفاً بصنعة الغناء، حاذقاً بها، وله يقول دعبل بن علي يتقرّب بذلك من المأمون: من الكامل نعر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كلّ أطلس مائق إن كان إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق وقال ابن ماكولا: أما التّنّين، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعدها نون مشدّدة مكسورة، فهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور، أمير المؤمنين، كنيته أبو إسحاق، أمّه شكله نسب إليها، وكانت سوداء، وكان شديد السّواد، عظيم الجسم، فلقّب التّنّين

لذلك، ولد في سنة اثنتين وستين ومئة، وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين وقيل: في سنة ثلاث وعشرين بسرّ من رأى، كان من أحسن النّاس غناء وأعلمهم به، وهو شاعر مطبوع مكثر. قال إسحاق بن الفضل الهاشميّ: كتب طاهر بن الحسين إلى إبراهيم بن المهديّ، وهو يحاربه، في ترك التّقحّم، والأخذ بالحزم، وإبراهيم في طاعة محمد بن زبيدة: بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله وعافاك، أمّا بعد: فإنه كان عزيزاً عليّ أن أكتب إلى رجل من أهل بيت الخلافة بغير التّأمير، لكن بلغني عنك أنك مائل بالرّأي والهوى إلى النّاكث المخلوع، فإن يك ما بلغني حقّاً، فقليل ما كتبت به إليك كثير، وإن يك باطلاً فالسّلام أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته. وكتب في أسفل كتابه: من البسيط ركوبك الهول ما لم تلق فرصته ... جهل ورأيك في الإقحام تعزير أعظم بدنيا ينال المخطئون بها ... حظّ المصيبين والمغرور مغرور ازرع صواباً وحبل الرأي موترة ... فلن يردّ لأهل الحزم تدبير فإن ظفرت مصيباً أو هلكت به ... فأنت عند ذوي الألباب معذور وإن ظفرت على جهل وفزت به ... قالوا جهول أعانته المقادير قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: بعث المأمون إلى عليّ ين موسى الرّضا فحمله وبايع له بولاية العهد، فغضب من ذلك بنو العبّاس، وقالوا: لا تخرج الأمر عن أيدينا؛ وبايعوا إبراهيم بن المهديّ، فخرج إلى الحسن بن سهل فهزمه، وألحقه بواسط، وأقام إبراهيم بن المهديّ بالمدائن، ثم وجّه الحسن عليّ بن هشام وحميد الطّوسيّ، فاقتتلوا فهزمه حميد، واستخفى إبراهيم، فلم يعرف خبره، حتى قدم المأمون فأخذه. وقال إسماعيل بن علي بن إسماعيل: وبايع أهل بغداد لإبراهيم بن المهديّ بالخلافة ببغداد في داره المنسوبة إليه، في ناحية سوق العطش، وسمّوه المبارك، وقيل: سمّوه

المرضيّ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرّم سنة اثنتين ومئتين، فغلب على الكوفة والسّواد، وخطب له على المنابر، وعسكر بالمدائن، ثم رجع إلى بغداد، فأقام بها، والحسن ين سهل مقيمّ في حدود واسط خليفة للمأمون، والمأمون ببلاد خراسان، فلم يزل إبراهيم مقيماً ببغداد على أمره يدعى بإمرة المؤمنين، ويخطب له على منبر بغداد وما غلب عليه من السّواد والكوفة، ثم رحل المأمون متوجهاً إلى العراق، وقد توفي عليّ بن موسى الرضا. فلّما أشرف المأمون على العراق وقرب من بغداد، ضعف أمر إبراهيم بن المهديّ، وقصرت يده، وتفرّق النّاس عنه، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومئتين، فركب إبراهيم بن المهديّ في زيّ الخلافة إلى المصلّى فصلّى بالنّاس صلاة الأضحى، وهو ينظر إلى عسكر غليّ بن هشام مقدمة للمأمون، ثم انصرف من الصّلاة، فنزل قصر الرّصافة، وغدا النّاس فيه، ومضى من يومه إلى داره المعروفة به، فلم يزل فيها إلى آخر النّهار، ثم خرج منها باللّيل فاستتر وانقضى أمره. فكانت مدّته منذ بويع له بمدينة السّلام إلى يوم استتاره سنةً واحد عشر شهراً وخمسة أيّام، وكان سنّة يوم بويع له تسعاً وثلاثين سنة وشهرين وخمسة أيام، لأن مولده غرّة ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومئة، واستتر وسنّه إحدى وأربعون سنة وأيام، وأقام في استتاره ستّ سنين وأربعة أشهر وعشرة أيّام، وظفر به المأمون لثلاث عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة عشر ومئتين، فعفا عنه واستبقاه، فلم يزل حيّاً طاهراً مكرّماً إلى أن توفي في خلافة المعتصم بالله، وكان واسع الأدب كثير الشّعر. قال ابن مهرويه: لمّا بويع إبراهيم بن المهديّ ببغداد قلّ المال عنده، وكان قد لجأ إليه أعراب من أعراب السّواد وغيرهم، فاحتبس عليهم العطاء، فجعل إبراهيم يسوّفهم بالمال ولا يرون لذلك حقيقة، إلى أن اجتمعوا يوماً وخرج رسول إبراهيم إليهم، فصرّح لهم أنه لا مال عنده؛ فقال قوم من غوغاء أهل بغداد: فإذا لم يكن المال، فاخرجوا إلينا خليفتنا فليإنلأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل ذلك الجانب ثلاثة أصوات،

فيكون ذلك عطاءهم، فانشد دعبل في ذلك: من السريع يا معشر الأعراب لا تغلطوا ... وارضوا عطاياكم ولا تسخطوا فسوف يعكيكم حنينيّة ... لا تدخل الكيس ولا تربط والمعبديّات لقوّادكم ... وما بهذا أحد يغبط فهكذا يرزق أجناده ... خليفة مصحفة البربط البربط: العود، وأصله بالفارسية، والعرب تسميه المزهر. وقال محمد بن القاسم بن خلاد: لمّا طال على إبراهيم بن شكلة الاختفاء وضجر، كتب إلى المأمون: وليّ الثّأر محكّم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، ومن تناوله الاغترار بما مدّ له من أسباب الرّجاء أمن عادية الدّهر على نفسه، وقد جعل الله أمير المؤمنين فوق كلّ ذي عفو، كما جعل كلّ ذي ذنب دونه، فإنعفا فبفضله، وإن عاقب فبحقّه. فوقّع المأمون في قصّته أمانه، وقال فيها: القدرة تذهب الحفيظة، وكفى بالنّدم إنابة، وعفو الله أوسع من كلّ شيء. ولمّا دخل إبراهيم على المأمون، قال: من الخفيف إن أكن مذنباً فحظي أخطأ ... ت فدع عنك كثرة التّأنيب قل كما قال يوسف لبني يع ... قوب لمّا أتوه لا تثريب فقال: لا تثريب. قال ثمامة بن أشرس: قال لي المأمون: قد عزمت غداً على تقريع إبراهيم بن

المهديّ فاحضر مبكّراً، وليقرب مجلسك منّي، وقام السّماط، فبينا نحن كذلك إذ سمعت صلصلة الحديد، فرفعت نظري فإذا إبراهيم بن المهديّ موقوف على البساط، ممسوك بضبعيه، مغلولة يده إلى عنقه، قد تهدّل شعره على عينيه، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال المأمون: لا سلّم اله عليك ولا حيّاك ولا رعاك ولا كلاّك، أكفرّ يا إبراهيم بالنّعمة بغير شكر، وخروج على أمير المؤمنين بغير عهد ولا عقد! فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تذهب الحفيظة، ومن مدّ له في الاغترار هجمت به الأناة على التّلف، وقد رفعك الله فوق كل ذي ذنب، كما وضع كلّ ذي ذنب دونك؛ فإن تعاقب فبحقك، وإن تعف فبفضلك. فقال المأمون: إنّ هذين قد أشارا عليّ بقتلك وأومى إلى المعتصم والعبّاس ابنه! فقال: أشارا عليك يا أمير المؤمنين بما يشار به على مثلك في مثلي من حسن السّياسة والتدّبير، وإنّ الملك عقيم، ولكنّك تأبى أن تستجلب نصراً إلاً من حيث عوّدك الله عزّ وجلّ، وأنا عمّك، والعمّ صنو الأب؛ وبكى. فترغرغت عينا المأمون، ثم قال: يا ثمامة؛ فوثبت قائماً، فقال: إنّ من الكلام كلام كالدّرّ؛ حلّوا عن عمّي، وغيّروا من حالته في أسرع وقت، وجيئوني به. فأحضره مجلسه ونادمه، وسأله أن يغنّي، فأبى، وقال: نذرت يا سيدي لله عند خلاصي تركه، فعزم عليه، وأمر أن يوضع العود في حجره، فسمعته يغنّي: من مجزوء الكامل هذا مقام مشرّد ... خربت منازله ودوره نمّت عليه عداته ... كذباً فعاقبه أميره ثم ثنّى بشعر آخر: من الطويل ذهبت من الدّنيا وقد ذهبت منّي ... لوى الدّهر بي عنها وولّى بها عنّي

فإن أبك نفسي أبك نفساً عزيزة ... وإن أحتقرها أحتقرها على ضنّ وإنّي وإنكنت المسيئ بعينه ... بربّي تعالى جدّه حسن الظّنّ عدوت على نفسي فعاد بعفوه ... عليّ فعاد العفو منّا على منّ فقال له المأمون: أحسنت والله يا أمير المؤمنين حقاً! ؛ فرمى بالعود من حجره ووثب قائماً فزعاً من هذا الكلام؛ فقال له المأمون: اقعد واسكن، فوحياتك ما كان ذلك لشيء تتوهّمه، ووالله لا رأيت منّي طول أيّامي شيئاً تكرهه وتغتّم به. ثم أمر بكلّ ما قبض له من الأموال والدّور والعقار والدّواب والضّياع أن تردّ عليه، وأعاد مرتبته، وأمر له في تلك السّاعة بعشرة آلاف دينار، وانصرف مكرماً مخلوعاً عليه، على خيل ورجل أمير المؤمنين، واشتهر في الخاصّة والعامّة عفو أمير المؤمنين عن عمّه، فحسن موقع ذلك منهم، واستوسقوا على الطّاعة والموالاة، والشّكر والدّعاء. فقيل لثمامة: أي شيء كان جرمه؟ قال: بويع له بالخلافة بعد محمد بن هارون، والمأمون بخراسان، فلّما دخل المأمون اختفى، وأهدر المأمون دمه، ونادى عليه، فجاء من غير أن يجيء به أحد، فأمكن من نفسه، فحبسه ستة أشهر، وأخرجه، وعفا عنه. قال الفضل بن العبّاس الهاشميّ: بعث المأمون إلى إبراهيم عمّه بعدما حبسه، رجلاً يثق له، فقال: تعرف ما يعمل عمّي، وما يقول؛ قال: فعل، ثم رجع غليه، فقال: رأيته يبكي، وقد وضع إحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنّى: من الطويل فلو أنّ خدّاً من وكوف مدامع ... يرى معشباً لاخضرّ خدّي فأعشبا كأن ربيع الزّهر بين مدامعي ... بما انهل منها من حياً وتصبّبا ولو أنني لم أبك إلاً مودّعاً ... بقّية نفس ودّعتني لتذهبا وقد قلت لمّا لم أجد لي حيلةً ... من الموت لمّا حلّ أهلاً ومرحباً قال: فبكى المأمون، ثم أمر بالتحقيق عنه. وحدّث حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: لمّا دخلت على ابن شكلة في بقايا غضب

المأمون، فقلت: من البسيط هي المقادير تجري في أعنّتها ... فاصبر فليس لها صبر على حال يوماً تريش خسيس الحال ترفعه ... إلى السّماء ويوماً تخفض العالي فأطرق، ثم قال: من البسيط عيب الأناة وإنسرت عواقبها ... أن لا خلود وأن ليس الفتى حجراً فما مضى ذلك اليوم حتى بعث إليه المأمون بالرّضى، ودعاه للمنادمة؛ والتقيت معه في مجلس المأمون، فقلت: ليهنك الرّضى؛ فقال: ليهنك مثله من متيّم، وكانت جارية أهواها، فحسن موقع ذلك عندي، فقلت: من الطويل ومن لي بأن ترضى وقد صحّ عندها ... ولوعي بأخرى من بنات الأعاجم وقال المبرّد: وقّع إبراهيم بن المهديّ في رقعة كاتب له ورآه يتتّبع الغريب والوحشيّ من الكلام: إيّاك والتتّبع لوحشيّ الكلام طمعاً في نيل البلاغة، فإن هذا العيّ الأكبر، وعليك بما سهل من الكلام، مع التحفّظ لألفاظ السّفل. وقال حماد بن إسحاق عن أبيه عن جده: استزار إبراهيم بن المهديّ الرّشيد بالرّقّة، وإن الرّشيد كان لا يأكل الطعام الحارّ قبل البارد، وإنه لما وضعت البوارد على المائدة رأى فيما قرب منه قريس السّمك، فاستصغر القطع، فقال لإبراهيم: لم يصغّر طبّاخك قطع السمك؟ فقال: لم يصغّر طبّاخي القطع، وإنّما هذه ألسنة السّمك! فقال: يشبه أن يكون في هذا الجام مئة لسان؛ فقال له مراقب خادم إبراهيم وكان يتولّى قهرمة إبراهيم: فيه يا أمير المؤمنين أثر من مئة لسان! فاستحلفه على مبلغ ثمن السّمك، فاخبره أنه ألف درهمّ فرفع هارون يده عن الطعام، وحلف أن لا يطعم شيئاً دون أن يحضر مراقب ألف دينار، فأمر أن يتصدّق بها، وقال لإبراهيم: أرجو أن تكون هذه كفّارة لسرفك، على جام سمك ألف درهم! ثم أخذ الجام بيده ودفعه إلى بعض

خدمه، وقال: اخرج به من دار أخي، ثم انظر أوّل سائل تراه فادفعه إليه. قال إبراهيم: وكان شراء الجام عليّ مئتين وسبعين ديناراً، فغمزت خدمي أن يخرجوا مع الجام فيبتاعوه ممّن يدفع إليه، فكأن الرّشيد فهم ذلك منّي، فهتف بالخادم فقال: إذا دفعت الجام إلى السّائل فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: احذر أن تبيع الجام بأقلّ من مئتي دينار، فإنه خير منها: ففعل خادمه ما أمره به، فوالله ما أمكن خادمي أن يخلص الجام إلاّ بمئتي دينار. وقال عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع: ما اجتمع أخ وأختّ أحسن غناءً من إبراهيم بن المهدي وأخته عليّة وكانت تقدّم عليه. وعن الحسين بن عبد الرحمن الحلبي عن أبيه، قال: أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة من الزّنادقة سمّوا له من أهل البصرة، فجمعوا وأبصرهم طفيليّ، فقال: ما اجتمع هؤلاء إلاّ لصنيع، فانسلّ فدخل وسطهم، ومضى بهم الموكّلون حتى انتهوا إلى زورق قد أعدّ لهم، فدخلوا الزّورق، فقال الطفيليّ: هي نزهة، فدخل معهم الزّورق، فلم يك بأسرع بأن قيّد القوم وقيّد معهم الطّفيليّ، فقال الطفيليّ: بلغ تطفيلي إلى القيود! ثم سيّر بهم إلى بغداد، فدخلوا على المأمون، فجعل يدعو بأسمائهم رجلاً رجلاً فيأمر بضرب رقابهم، حتى وصل إلى الطّفيليّ، وقد استوفوا عدّة القوم، فقال للموكلّين بهم: ما هذا؟ فقالوا: والله ما ندري، غير أنّا وجدناه مع القوم فجئنا به؛ فقال المأمون: ما قصّتك ويلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، امرأته طالق إن كان يعرف ن أقوالهم شيئاً، ولا يعرف إلاّ الله، ومحمداً النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنّما رجل رأيتهم مجتمعين، فظننت صنيعاً يغدون إليه؛ فضحك المأمون وقال: يؤدّب. وكان إبراهيم بن المهديّ قائماً على رأس المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي أدبه، أحدّثك بحديث عجيب عن نفسي، فقال: قل يا إبراهيم، قال: يا أمير المؤمنين، خرجت من عندك يوماً في سكك بغداد متطرّباً، حتى انتهيت إلى موضع سمّاه فشممت

يا أمير المؤمنين من جناح أبا زير قدور فاح طيبها، فتاقت نفسي إليها، وإلى طيب ريحها، فوقفت على خيّاط، وقلت له: لمن هذه الدّار؟ فقال: لرجل من التّجّار، من البزّازين؛ فقلت: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، فرميت بطرّفي إلى الجناح فإذا في بعضه شبّاك، فأنظر إلى كفّ قد خرج من الشّباك قابضاً على بعضه، فشغلني يا أمير المؤمنين حسن الكفّ والمعصم عن رائحة القدور، فبقيت ها هنا ساعةً، ثم أدركني ذهني، فقلت للخيّاط: هل هو ممّن يشرب النبيذ؟ قال: نعم، وأحسب عنده اليوم دعوة، وليس ينادم إلاّ تجّاراً مثله مستورين. فإني كذلك إذا أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدّرب، فقال الخيّاط: هؤلاء منادموه؛ فقلت: ما أسماؤهما وماكناهما؟ فقال: فلان وفلان، وأخبرني بكناهما، فحرّكت دابّتي وداخلتهما، وقلت: جعلت فداكما، استبطأكما أبو فلان أعزّه الله، وسايرتهما، حتى أتينا إلى الباب، فأجلاني وقدّماني، فدخلت ودخلا، فلّما رآني معهما صاحب المنزل، لم يشكّ أني منهما بسبيل، أو قادم قدمت من موضع، فرحّب وأجلسني في أفضل المواضع، فجيئ يا أمير المؤمنين بالمائدة، وعليها خبز نظؤف، وأتينا بتلك الألوان، فكان طعمها أطيب من ريحها؛ فقلت في نفسي، هذه الألوان قد أكلتها، بقيت الكفّ أصل إلى صاحبتها؛ ثم رفع الطّعام وجيء بالوضوء، ثم صرنا إلى منزل المنادمة، فإذا أشكل منزل أمير المؤمنين، وجعل صاحب المنزل يلطفني، ويقبل عليّ بالحديث، وجعلوا لا يشكّون أن ذلك منه لي عن معرفة متقدمة، وإنّما ذلك الفعل كان منه لما ظنّ أني منهما بسبيل؛ حتى إذا شربنا أقداحاً خرجت علينا جارية يا أمير المؤمنين كأنها غصن بان تتثنّى، فأقبلت تمشي، فسلّمت غير خجلة، وثنيت لها وسادة فجلست، وأتي بعود فوضع في حجرها، فجسّته، فاستنبأت في جسّها حذقها، ثم اندفعت تغنّي وتقول: من الطويل توهّمها طرفي فأصبح خدّها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر وصافحها قلبي فآلم كفّها ... فمن مسّ قلبي في أناملها عقر

فهيّجت يا أمير المؤمنين لا بلي، وطربت بحسن شعرها، وحذقها؛ ثم اندفعت تغنّي: من الطويل أشرت إليها هل عرفت مودّتي ... فردّت بطرف العين إني على العهد فحدت عن الإظهار عمداً لسرّها ... وحاذت عن الإظهار أيضاً على عمد فصحت: السّلامة، يا أمير المؤمنين، وجاءني من الطّرب ما لم أملك نفسي، ثم اندفعت تغنّي الصّوت الثالث: من الطويل أليس عجيباً أن بيتاً يضمّني ... وإيّاك لا نخلو ولا نتكلّم سوى أعين تشكو الهوى بجفونها ... وتقطيع أنفاس على النّار تضرم إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكفّ تسلّم فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذقها وإصابتها معنى الشعر، وأنها تخرج من الفنّ الذي ابتدأت فيه؛ فقلت: بقي عليك يا جارية؛ فضربت بعودها الأرض، وقالت: متى كنتم تحضرون مجالسكم البغضاء؟ فندمت على ما كان منّي، ورأيت القوم كأنّهم قد تغيّروا بي، فقلت: ليس ثمّ عود؟ فقالوا: بلى والله يا سيّدنا، فأتينا بعود، فأصلحت من شأنه ما أردت، ثم اندفعت أغنّي: من الكامل ما للمنازل لا يجبن حزيناً ... أصممن أن قدم المدى فبلينا روحوا العشيّة روحة مذكورةً ... إن متن وإن حيين حيينا فما استتممته يا أمير المؤمنين حتى خرجت الجارية فأكبّت على رجلي فقبّلتها، وتقول: معذرةً يا سيّدي والله ما سمعت من يغنّي هذا الصّوت مثلك أحد، وقام مولاها وجميع من كان حاضراً فصنعوا كصنيعها، وطرب القوم، واستحثّوا الشراب فشربوا بالكاسات والطّاسات، ثم اندفعت أغنّي: من الطويل أفي الله أن تمشين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدّما إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل منّي وتبذل علقما

فردّي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما إلى الله أشكو أنها أجنبيّة ... وأني بها ما عشت بالوّد مغرما فجاءنا من طرب القوم يا أمير المؤمنين شيء خشيت أن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حتى هدأوا ممّا كانوا فيه من الطّرب، ثم اندفعت أتغنّى بالصّوت الثالث: من البسيط هذا محبّك مطوّي على كمده ... حرّى مدامعه تجري على جسده له يد تسأل الرّحمن راحته ... ممّا به ويد أخرى على كمده يا من رأى أسفاً مستهتراً دنفاً ... كانت منيّته في عينه ويده فجعلت الجارية تصبح: هذا والله الغناء يا سيّدي. وذكر الحكاية إلى أن قال: وخلوت معه،

ثم قال لي: يا سيّدي ذهب ما كان من أيّامي ضياعاً إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلحّ عليّ حتى أخبرته، فقام فقّبل رأسي، وقال: يا سيدي، وأنا أعجب يكون هذا الأدب إلاّ من مثلك! وإذا أني مع الخلافة وأنا لا أشعر! ثم سألني عن قصّتي، وكيف حملت نفسي على ما فعلت؛ فأخبرته خبر الطعام، وخبر الكفّ والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي؛ فقال: والكفّ والمعصم؟ ثم قال: يا فلانة لجارية له فجعل ينزل لي واحدةً واحدةً، فأنظر إلى كفّها ومعصمها، فأقول: ليس هي؛ قال: والله ما بقي غير أختي وأمّي، والله لأنزلنّهما إليك! فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك، ابدأ بأختك قبل الأم، فعسى أن تكون هي؛ فقال: صدقت، فنزلت، فلّما رأيت كفّها ومعصمها، قلت: هي ذه! فأمر غلمانه فصاروا إلى عشرة من جلّة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، وقال للمشايخ: هذه أختي فلانة، أشهدكم أني قد زوّجتها من سيّدي إبراهيم بن المهديّ، وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم؛ فرضيت وقبلت النّكاح، ودفع إليها البدرة، وفرّق الأخرى على المشايخ؛ ثم قال لهم: اعذروا وهذا ما حضر على الحال، فقبضوها ونهضوا. ثم قال لي: يا سيّدي، أمهّد لك بعض البيوت تنام مع أهلك، فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم خيمه؛ فقلت: بل أحضر عماريّة وأحملها إلى منزلي؛ قال: ما شئت. فأحضرت عماريّة فحملتها وصرت بها إلى منزلي. فوحقّك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاقت به بعض بيوتنا، فأولدتها هذا القائم على رأس سيّدي أمير المؤمنين. فعجب المأمون من كرم ذلك الرّجل، وسعة صدره، وقال: لله أبوهّ ما سمعت مثله قط؛ ثم أطلق الرّجل الطّفيليّ وأجازه بجائزة سنيّة، وأمر إبراهيم بإحضار الرّجل، فكان من خواصّ المأمون وأهل محبّته. وقال محمد بن الحارث بن بسخنّر: وجّه إليّ إبراهيم بن المهدي يوماً يدعوني، وذلك في أوّل خلافة المعتصم، فصرت إليه، وهو جالس وحده، وشارية جاريته خلف السّتارة؛ فقال لي: إني قلت شعراً وغنّيت فيه فطرحته على شارية، فأخذته وزعمت أنها أحذق به منّي، وأنا أقول: إني أحذق به منها، وقد رضيناك حكماً بيننا لموضعك من هذه الصّناعة، فاسمعه منّي ومنها، واحكم ولا تعجل، حتى تسمعه ثلاث مرّات، فاندفع يغنّي: من الطويل أضن بليلى وهي غير سخيّة ... وتبخل ليلى بالهوى فأجود وأنهى فلا ألوي على زجر زاجر ... وأعلم أني مخطئ فأعود فأحسن فيه وأجاد، ثم قال لها: تغنّي، فغنّت، فبرّزت فيه، حتى كأنه كان معها في أبي جاد، ونظر إليّ فعرف أني قد عرفت فضلها، فقال: على رسلك؛ ثم اندفع فغنّاه ثانية فأضعف في الإحسان، ثم قال لها: تغنّي، فبرعت وازدادت أضعاف زيادته، وكدت أشقّ ثيابي طرباً، فقال: تثبّت ولا تعجل؛ ثم غنّاه ثالثة، فلم يبق غاية في الإحكام، ثم أمرها فغنّت، فكأنما كان يلعب، ثم قال: قل: فقضيت لها، قال:

أصبت، بكم تساوي عندك الآن، فحملني الحسد له عليها والنّفاسة بمثلها، أن قلت: تساوي مئة ألف درهمّ فقال: وما تساوي على هذا الإحسان والتفّفضيل إلاّ مئة ألف درهم؟ قبّح الله رأيك، والله ما أجد شيئاً أبلغ في عقوبتك من أن أصرفك مذموماً مدحوراً، فقلت: ما لقولك: اخرج عن منزلي، جواب؛ وقمت أنصرف وقد أحفظني فعله وكلامه وأرمضني، فلّما خطوت خطوات التفتّ إليه، فقلت: يا إبراهيم، تطردني من منزلكّ فوالله ما تحسن أنت ولا جاريتك شيئاً. وضرب الدّهر ضربانه، ثم دعانا المعتصم وهو بالوزيريّة في قصر اللّيل، فدخلت ومخارق وعلّوية، والمعتصم بين يديه ثلاث جامات؛ جام فضّة مملوء ودنانير جدداً، وجام ذهب مملوءة دراهم، وجام قوارير مملوءة عنبراً، فظننّا أنها لنا، بل لم نشك في ذلك، فغنّينا وأجهدنا أنفسنا، فلم يطرب، ولم يتحرّك لشيء من غنائنا، ودخل الحاجب فقال: إبراهيم بن المهديّ، فأذن له، فدخل، فلّما أخذ مجلسه غنّاه أصواتاً أحسن فيها، ثم غنّاه بصوت من صنعته بشعره، فقال: من البسيط ما بال شمس أبي الخطّاب قد حجبت ... يا صاحبيّ لعلّ السّاعة اقتربت أشكو إليك أبا الخطّاب جاريةً ... غريرةً بفؤادي اليوم قد لعبت فاستحسنه المعتصم وطرب له، وقال: أحسنت والله يا عمّ، فقال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي إحدى هذه الجامات؛ فقال: خذ أيها شئت، فأخذ التي فيها الدّنانير؛ ونظر بعضنا إلى بعض ساعةً لأنّا رجونا أن نأخذهنّ، وغنّاه بشعر له بعد ساعة: من المتقارب فما قهوة مزة قرقف ... شمول تروق براووقها بكفّ أإنخصيب البنا ... ن يخطر بين أباريقها بأطيب من فمها نكهة ... إذا امتصت الشّهد من ريقها فقال المعتصم: أحسنت والله يا عمّ وسررت؛ قال: يا أمير المؤمنين، فإن كنت أحسنت فهب لي جاماً أخرى، فقال: خذ أيّهما شئت، فأخذ الذهب التي فيها الدّراهم؛ فأيسنا نحن، وغنّى بعد ساعة: من الطويل

ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الحبّ إذا رضيت لم يهنني ذلك الرّضى ... لعلمي به أن سوف يدركه العتب فارتجّ المجلس، وطرب المعتصم، واستخفّه الطّرب، وقام على رجليه ثم جلس، وقال: أحسنت والله يا عمّ ما شئت؛ قال إبراهيم: فإن كنت أحسنت فهب لي الجام الثالثة، قال: خذها. ونام أمير المؤمنين، فدعا إبراهيم بمنديل، فثناه عطفين، ووضع الجامات فيه وشدّه، ودعا بطين فختمه ودفعه إلى غلامه. ونهضنا لانصراف، فلّما ركب التفت إليّ فقال: يا محمد، زعمت أني وجاريتي لا نحسن شيئاً! فكيف رأيت ثمرة الإحسان ونموّه؟ وقال إبراهيم الموصلي: أرسلت أسماء بنت المهديّ إلى أخيها إبراهيم بن المهديّ، فقالت: أشتهي والله أن أسمع من غنائك، قال: إذاً والله لا تسمعي مثله، وعليه وعليه، وغلّظ في اليمين، إن لم يكن إبليس ظهر لي وعلّمني النقّر والنّغم، وصافحني، وقال: اذهب فأنت منّي وأنا منك! قال المبرّد: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: انصرفت ليلةً من عند المأمون مع إبراهيم بن المهديّ، فأنشأ يقول: من الطويل وما زلت مذ أيفعت أسعى مراهقاً ... إلى الغرض الأقصى أزور المعاليا إذا قنعت نفسي بكأس ومطعم ... فلا بلغت فيما تروم الأمانيا لحا الله من يرضى ببلغة يومه ... ولم يك ذا همّ إلى المجد ساعيا على المرء أن يسعى ويسمو بنفسه ... ويقضي إله الخلق ما كان قاضيا حدّث يحيى بن عليّ قال: قال أحمد بن أبي فنن: أنا ابن قولي: من الكامل صبّ بحبّ متيّم صبّ ... حبّيه فوق نهاية الحبّ

أشكو إليه صنيع جفونه ... فيقول مت فأيسر الخطب وإذا نظرت إلى محاسنه ... أخرجته عطلاً من الذّنب أدميت باللّحظات وجنته ... فاقتصّ ناظره من القلب قال عليّ بن هارون: وهذا البيت الأخير من هذه الأبيات هو عينها، وأخذه ابن أبي فنن ممّا أنشدنيه أبي لإبراهيم بن المهديّ: من السريع يا من لقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب جرحت خدّيه بلحظي فما ... برحت حتى اقتصّ من قلبي أنشد يعقوب بن عباد الزّبيري لإبراهيم بن المهديّ، وقد أخدمته بعض العبّاسيّات في حال استخفائه عندها جاريةً، وقالت لها: أنت له، فإن مدّ يده إليك فلا تمتنعي؛ ولم يعلم بهبتها له، وكانت مليحةً، فجمّشها يوماً بأن قبّل يدها، وقال: من مجزوء الرمل يا غزالاً لي إليه ... شافع من مقلتيه والذي أكرمت خد ... ديه فقبّلت يديه بأبي وجهك ما أك ... ثر حسّادي عليه أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه وفي رواية: بأبي من أنا مأسو ... ر بلا أسر لديه والذي أجللت خدّي ... هـ فقبّلت يديه والذي يقتلني ظل ... ماً ولا يعدي عليه أنا ضيف وجزاء الض ... يف إحسان إليه وله: من البسيط

قد شاب رأسي ورأس الحرص لم يشب ... إنّ الحريص على الدّنيا لفي تعب مالي أراني إذا طالبت مرتبة ... فنلتها طمحت عيني إلى رتب لو كان يصدقني ذهني بفكرته ... ما اشتدّ غمّي على الدّنيا ولا نصبي أسعى وأجهد فيما لست أدركه ... والموت يكدح في زندي وفي عصبي بالله ربّك كم بيت مررت به ... قد كان يعمر باللّذات والطّرب طارت عقاب المنايا في جوانبه ... فصار من بعدها للويل والخرب فامسك عنانك لا تجمح به طلع ... فلا وعيشك ما الأرزاق بالطلّب قد يرزق العبد لم تتعب رواحله ... ويحرم الرّزق من لم يموت من طلب مع أنني واجد للنّاس واحدة ... الرّزق والنّوك مقرونان في سبب وخصلة ليس فيها من ينازعني ... الرّزق أروع شيء عن ذوي الأدب يا ثاقب الفهم كم أبصرت ذا حمق ... الرّزق أغرى به من لازم الجرب قال أحمد بن كامل: سمعت ناشب المتوكلّية تغنّي لإبراهيم بن المهدي: من المجتث أنت امرؤ متجنّ ... ولست بالغضبان هبني أسات فهلاّ ... مننت بالغفران وله أو لغيره: من الطويل لحا الله من لا ينفع الودّ عنده ... ومن حبله إن مدّ غير متين ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على عهده خوان كلّ أمين وقال في ابن له يقال له: أحمد، مات بالبصرة: من الويل نأى آخر الأيّام عنك حبيب ... فللعين سحّ دائم وغروب دعته نوى لا يرتجى أوبة لها ... فقلبك مسلوب وأنت كئيب يؤوب إلى أوطانه كلّ غائب ... وأحمد في الغيّاب ليس يؤوب

تبدّل داراً غير داري وجيرةً ... سواي وأحداث الزّمان تنوب أقام بها مستوطناً غير أنّه ... على طول أيّام المقام غريب تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره ... كما في ضياء الشّمس حين تغيب سوى أن ذا يفنى ويبلى وذكره ... بقلبي على طول الزّمان قشيب وكان نصيب العين من كلّ لذّة ... فأضحى وما للعين منه نصيب وكان وقد زان الرّجال بفعله ... فإن قال قولاً قال وهو مصيب وكان به ينهى الرّكاب لحسنه ... وهجم عنه الكهل وهو لبيب وكانت يدي ملأى به ثم أصبحت ... بعدل إلهي وهي منه سليب فأصبحت محنيّاً كئيباً كأنّني ... عليّ لمن ألقى الغداة ذنوب يخال الذي يحتاجه استدّ مرةً ... فيقذفه الأدنيّ وهو حريب يقلّب كفّيه هواء وقلبه ... هناك وحيداً ما لديه غريب ينادي بأسماء الأحبّة هاتفاً ... وما فيهم للهاتفين مجيب كأن لم يكن كالدّر يلمع نوره ... بأصدافه لمّا يشنه ثقوب كأن لم يكن كالغصن في ساعة الضّحى ... بماه النّدى فاهتّز وهو رطيب كأن لم يكن كالطّرف يمسح سابقاً ... سليم الشّظا لم تختبله عيوب كأن لم يكن كالصقّر أوفى بشامخ الذ ... رى وهو يقظان الفؤاد طلوب وريحان صدري كان حين أشمه ... ومؤنس قصري كان حين أغيب يسيراً من الأيّام لم يرو ناظري ... بها منه حتى أعلقته شعوب كظلّ سحاب لم يقم غير ساعة ... إلى أن أطاحته فطاح جنوب أو الشّمس لمّا من غمام تحسّرت ... مساء وقد ولّت وآن غروب كأني به قد كنت في النّوم حالماً ... نفى لذّة الأحلام منه هبوب جمعت أطبّاء إليك فلم يصب ... دواءك منهم في البلاد طبيب

ولم يملك الآسون دفعاً لمهجة ... عليها لأشراك المنون رقيب سأبكيك ما أبقت دموعي من البكا ... لعينيّ مساءً إن نأى ونحيب وما غاب نجم أو تغّنت حمامة ... وما اخضرّ في فرع الأراك قضيب وأضمر إن أنفذت دمعي لوعة ... عليك لها تحت الضّلوع لهيب حياتي ما كانت حياتي فإن أمت ... ثويت وفي قلبي عليك ندوب يعزّ عليّ أن تنالك حدّة ... يمسّك منها في الفؤاد دبيب وما زاد إشفاقي عليك عشيّةً ... وسادك فيها جندل وجنوب ألا ليت كفاً بان منها بنانها ... يهال بها عنّي عليك كثيب فما لي إلاّ الموت بعدك راحة ... وليس لنا في العيش بعدك طيب قصمت جناحي بعدما هدّ منكبي ... أخوك ورأسي قد علاه مشيب وأصبحت في الهلاك إلاّ حشاشة ... تذاب بنار الحزن فهي تذوب تولّيتما في حجّة وتركتما ... صدىً يتولّى ناره وينوب فلا ميت إلاّ دون زرئك رزؤه ... ولو فنيت حزناً عليك قلوب وإني وإن قدّمت قبلي لعالم ... بأني وإن أبطأت منك قريب وإنّ صباحاً نلتقي في مسائه ... صباح إلى قلبي الغداة حبيب وله يرثي ابنه أحمد: من المنسرح عصتك عين دموعها شنن ... فليس يغشى جفونها الوسن وكلّها بالنجوم يرقبها ... نجم فثنى في ليله الحزن لمّا ثوى أحمد الضّريح وكا ... ن الزّاد منه الحنوط والكفن والموت يغشى بياض سنته ... كالشمس يغشى ضياءها الدّجن يطلب روحاً عندي لكربته ... والرّوح في كفّ من له المنن هيهات قد حان وقت فرقتنا ... وانبتّ بيني وبينه القرن وخانني الصّبر إذ فجعت به ... وليس عندي لواعظ أذن تركتني ساهراً إذ رقد النّا ... س أخا لوعة إذا سكنوا لله ما أهدت الرّجال إلى ال ... قبر وما شدّوا وما دفنوا

إبراهيم بن محمد بن عبد الله

من يسل شيئاً فإن لوعته ... ليس يعفي آثارها الزّمن يا ليت شخصي قد زارها منّه ... فإن عيشي من بعده غبن ولّى حبيباً يتلو أخاه كما ... يوماً تدنّى للمنحر البدن كأنّما الدّهر في تحامله ... عليّ لي عند صرفه الزّمن قال أبو حسان الزّيادي: سنة أربع وعشرين ومئتين، فيها مات إبراهيم بن المهديّ، يوم الجمعة لسبع خلون من شهر رمضان، وصلّى عليه المعتصم بالله أمير المؤمنين. إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن بكّار والد أبي عبد الملك روى عن عبد الله بن العلاء، عن الزّهري، قال: العلماء أربعة: سعيد بن المسّيب بالمدينة، وعامر الشّعبيّ بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. إبراهيم بن محمد بن عبد الله أبو إسحاق البغدادي الحنبليّ سمع بدمشق وبغداد وحمص والرّملة، وحدّ بسمرقند والشّاش. روى عن عثمان بن سعيد الدّمشقي، بسنده عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا بأسرها، يا بن جعشم يكفيك منها ما سدّ جوعتك، ووارى عورتك، وما فوق الإزار حساب عليك. "

إبراهيم بن محمد بن عبد الله

وعن محمد بن جعفر الحمصي، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يحبّ أن يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه ". إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم أبو إسحاق الأسديّ سمع الحديث، وحدّث بشيء يسير. روى عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل، فقال: يا محمد، إنّ وليّ الأمر بعدك أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ". إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن علي أبو عبد الله العقيليّ الجزريّ المقرئ سكن نيسابور، وحدّث بها، وكان قد سمع بدمشق، شيخ نيسابوريّ من أهل السّتر والدّيانة. روى عن أبي الحسن السّمسار، بسنده عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه، مرةً أو مرّتين. وعنه، بسنده عن صهيب الخير، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالسّواد، فإنه من خير خضابكم، إلا وإنه أرغب لنسائكم فيكم، ألا إنه أرهب في صدور عدوّكم ". إبراهيم بن محمد بن عبد الأعلى ابن محمد بن عبد الأعلى بن عبد الرّحمن بن يزيد بن ثابت بن أبي مريم بن أبي عطاء أبو القاسم الأنصاري، المعروف بابن عليل، مولى سهل بن الحنظليّة.

إبراهيم بن محمد بن عبد الرزاق

إبراهيم بن محمد بن عبد الرّزّاق أبو طاهر العابد الحيفيّ من أهل قصر حيفة. سمع بأطرابلس، وحدّث سنة ست وسبعين وأربعمئة. إبراهيم بن محمد بن عبيد بن جهينة أبو إسحاق الشّهرزوريّ سمع بدمشق وحمص ومصر والرّيّ، وروى عنه جماعة. روى عن الحسين بن بيان، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بالإهليلج الأسود فاشربوه، فإنه شجرة من شجر الجنّة، طعمها مرّ، وهو شفاء من كلّ داء. إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدّمشقي الحافظ أحد الجوّالين المكثرين، خرج عن دمشق قديماً، وطوّف البلاد. سمع وأسمع. روى عن عبد الله بن محمد المدني، بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا أتى وادي محسر راحلته، وقال: " عليكم بحصى الخذف ". قال الخطيب: سافر الكثير، وسمع وكتب ببغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز

إبراهيم بن محمد بن عقيل بن زيد

وأصبهان وبلاد خراسان، ثم استوطن بغداد بأخرة، وكان له عناية بصحيحي البخاري ومسلم، وعمل تعليقة أطراف الكتابين، ولم يرو من الحديث إلا شيئاً يسيراً على سبيل التّذكرة، وكان صدوقاً ديّناً ورعاً فهماً. مات في سنة إحدى وأربعمئة ببغداد، وصلى عليه أبو حامد الإسفراييني، وكان وصيّة، ودفن في مقبرة المنصور، قريباً من السّكك. إبراهيم بن محمد بن عقيل بن زيد ابن الحسن بن الحسين أبو إسحاق بن أبي بكر الشّهرزوريّ، الفقيه الفرضيّ الواعظ سمع بدمشق وصور، وحدّث. روى عن محمد بن علي بن سلوان، بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: كان النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، يمشون أمام الجنازة. توفي سنة أربع وتسعين وأربعمئة، في يوم الاثنين السابع من محرم بدمشق، وكان مولده سنة خمس وعشرين. إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عبّاس بن عبد المطلب بن هاشم أبو إسحاق المعروف بالإمام كان يكون بالحميمة من أعمال السّراة، من أعمال دمشق، وهو الذي عهدّ إليه أبوه محمد بن علي بالإمامةمنبعده، فرفع أمره إلى مروان بن محمد، فأخذه وسجنه وقتله في السّجن بحرّان. روى عن جدّه، عن العبّاس بن عبد المطلب، قال: كان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذع إذا خطب النّاس أسند إليه ظهره، قال: فلّما

كثر النّاس وانجفلوا عليه من كلّ ناحية، اتخذ له منبراً، فلّما صعده حنّ الجذع، دعاه، فأقبل يخدّ الأرض والنّاس حوله، والنّاس ينظرون فالتزمه وكلّمه، ثم قال له والنّاس يسمعون: عد إلى مكانك، فمّر حتى عاد إلى مكانه، وبحضرته المؤمنون، وجماعة من المنافقين، فازداد المؤمنون إيماناً وبصيرة، وشكّ المنافقون وارتابوا، وقالوا: أخذ محمد بأبصارنا، وهلكوا. وروى عن عبد الله بن عبّاس، قال: أرسل العبّاس بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث ابنيهما: الفضل بن العبّاس، وعبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتياه فقالا له: يا رسول الله، إنّا نراك تستعمل رجالاً من غيرنا، فاستعملنا نودّ إليك كما يؤدّون، ونصيب ما نتزوّج ونستعين به على صنيعتنا؛ فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني هاشم خاصةً، فلّما اجتمعوا عنده، قال: يا بني عبد المطلب إن الصّدقة لا تحلّ لي ولا لكم، إنّما هي أوساخ النّاس، وغسول خطاياهم، ثم دعا بمحميّة بن جزيّ الكلبيّ، فقال لمحميّة: أنكح الفضل ابنتك ونظر إلى ربيعة فقال: أنكح ابن أخيك ابنتك أم حكيم. فقال: يا رسول الله، ما كنت أخبؤها إلاّ لك؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنكحها ابن أخيك " ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم، وعوّضهم من الخمس. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى عمّاله يأمرهم أخذ الصّدقة، ويقول في كتبه: إن الصّقة لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذكر إبراهيم بن عيسى بن المنصور: أن إبراهيم بن محمد الإمام ولد سنة ثمان وسبعين، وذكر غيره أنه ولد سنة اثنتين وثمانين، وأمّه أمّ ولد بربرية اسمها سلمى. قال إسماعيل الخطبي: وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد، فسميّ الغمام بعد أبيه، وشهر بهذا الاسم، وانتشرت دعوته بخراسان كلّها، ووجّه بأبي مسلم إلى خراسان والياً على دعاته وشيعته، فتجرّد أبو مسلم لمحاربة عمّال بني أميّة، وقوي أمره، واستفحل، وأظهر لبس السّواد، وغلب على البلاد، يدعو هو ومن معه إلى طاعة الإمام، ويعمل بما يرد عليه من مكاتبة أبي إسحاق بن محمد الغمام له سامعاً منه مطيعاً له، غير مظهر

للنّاس اسمه إلاّ ممن كان من الدّعاة والشّيعة، فإنهم يعرفونه دون غيرهم من النّاس، إلى أين ظهر أمره وانكشف، ووقف مروان بن محمد على خبره، فوجّه إليه فأخذه وحبسه وقتله. وعن صالح بن سليمان قال: كان أبو مسلم يكاتب إبراهيم بن محمد، فقدم على إبراهيم رسوله فساءله، فإذا رجل من عرب خراسان فصيح، فغمّه ذلك، فكتب إلى أبي مسلم: ألم أنهك عن أين يكون رسولك عربياً؟ يطلّع مثل هذا على أمرك؟ فإذا أتاك فاقتله. وحبس الرسول، فلّما خرج من عنده قرأ الكتاب فأتى به مروان بن محمد، فأرسل فأخذ إبراهيم وحبسه، وهو بحرّان، وأمر به فغمّ، وقتل في الحبس. قال صالح بن سليمان: جعلوا على وجهه مرفقةً وقعدوا عليها؛ ويقال: إن قتله كان بحرّان في صفر سنة ثنتين وثلاثين ومئة، وله يومئذ من السّنّ إحدى وخمسون سنة، وصلّى عليه رجل يقال له: المهلهل بن صفوان. وقد ذكر أن إبراهيم الإمام كان حضر الموسم في سنة إحدى وثلاثين ومئة في جماعة من أهليه ومواليه ومعه نحو من ثلاثين نجيباً، فشهر نفسه في الموسم، ورآه أهل الشّام وغيرهم، فاشتهر عندهم، وبلغ مروان خبره في الموسم، وما كان معه من الربيء والآلة. وقيل له: إن أبا مسلم ومن لبس السّواد يأتّمون به، ويسّمونه الإمام، ويدعون إليه، فوجّه إليه في المحرم بعد منصرفه من الحجّ، فأخذه وقتله في صفر. قال إبراهيم بن هرمة يمدحه: من الطويل جزى الله إبراهيم عن جلّ قومه ... رشاداً يكفّيه ومن شاء أرشدا أغرّ كضوء الشمس يستمطر الذّرى ... ويهتاش مرتاحاً إذا هو أنفذا ومهما يكن منّي إليك فإنّه ... بلا خطأ منّي ولكن تعمّدا وقلت امرؤ غمر العطيّات ماجد ... متى ألقه ألق الجواري أسعدا غرائب شعر قلته لك صادقاً ... وأعلمته رسماً فغار وأنجدا

وأنت امرؤ حلو المؤاخاة باذل ... إذا ما بخيل القوم لم يصطنع يدا لك الفضل من هنّا وهنّا وراثة ... أباً عن أب لم يختلس تلك قعددا بناه لك العبّاس للمجد غاية ... إلى عزّ قدموس من المجد أصيدا وشيّد عبد الله إذ كان مثلها ... وشدّ بأطناب العلى فتشّيدا وشد عليّ في يديه بعروة ... وحبلين من مجد أغيرا وأحصدا وكم من غلاء أو علاً قد ورثتها ... بأحسن ميراث أباك محمّدا وأنت ارمؤ أوفى قريش حمالةً ... وأكرمها فيها مقاماً ومقعدا كريم إذا ما أوجب اليوم نائلاً ... عليه جزيلاً بثّ أضعافها غدا سعى ناشئاً للمكرمات فنالها ... وأفرع في وادي العلى ثم أصعدا على مأثرات من أبيه وجدّه ... فأكرم بذا فرعاً وبالأصل محتدا وأجرى جواداً يحسر الخيل خلفه ... إلى قصبات السّبق مثنى وموحدا إذا ساد يوماً عدّ من ولد هاشم ... أباً ذكره لا يقلب الوجه أسودا أغرّ مناقيباً بنى المجد بيته ... مكان الثّريّا ثم علاّ فكبّدا ومورد أمر لم يجد مصدراً له ... أتاك فأصدرت الذي كان أوردا وموقد نار لم يجد مطفئاً لها ... أتاك فأطفأت الذي كان أوقدا فلم أر في الأقوام مثلك سيّداً ... أهشّ بمعروف وأصدق موعدا وأنهض بالعزم الثقيل احتماله ... وأعظم إذ لا يرفد الناس مرفدا ولو لم يجد للواقفين ببابه ... سوى الثّوب ألقى ثوبه وتجرّدا ذكر هشام بن محمد بن يوسف: أن أبا مسلم كان عبداً سرّاجاً من أهل خراسان، وأنه صنع خرقاً سوداً، فجعلها في قناة؛ قال: فكانوا يسمعون في الحديث، أنها تخرج رايات سود من قبل المشرق، فكانت أنفسهم تتوق إلى ذلك، فلّما فعل أبو مسلم ذلك، تبعه عبيد وغير ذلك، وقال: من تبعني فهو حرّ، ثم خرج هو ومن اتّبعه فوقعوا بعامل كان في بعض تلك الكور، فقتلوه، واخذوا ما كان معه، وازداد من كان معه كثرةً، وسار في خراسان وأخذ كبراها، ثم كتب إلى إبراهيم بن محمد.

وكان إبراهيم فيما ذكروا مختفياً عند رجل من أهل الكوفة، قد حفر له نفقاً في الأرض، فكتب إليه أبو مسلم، فأرسل إليه رجلاً من أصحابه قد سمّى له موضعه، والرّجل الذي هو عنده فخرج رسوله حتى بلغ الرّجل، فادخله عليه، فدفع إليه كتابه، وجعل إبراهيم يسائله ما بلغوا من البلاد، وأجابه بما أجابه، فلّما ودّعه وهو يريد المسير قال له إبراهيم: أقر صاحبك السّلام، وقل له لا يمرّ بشجرة عظيمة في طريقه إلاّ نحّاها من طريقه. قال: فلّما خرج الرّجل، قال في نفسه، هذا الذي نحن نقاتل له على الدّين زعم وهو يأمرني بما أمر. قال: فجعل وجهه إلى مروان بن محمد؛ وإنما أراد بقوله: لا يمرّ بشجرة عظيمة إلاّ نحّاها من طريقه، يريد: ألاّ يمرّ برجل كبير القدر إلاّ قتله. قال: فلّما بلغ الرّجل دمشق، أتى إلى حاجب مروان، فقال: عندي لأمير المؤمنين نصيحة؛ قال: فدخل حاجبه فأعلمه، فأمره أن يدخله عليه؛ فلّما أدخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، أتريد إبراهيم بن محمد؟ قال: نعم، وكيف لي بذلك؟ قال: وجّه معي من أدفعه إليه. قال: فوّجه فرساناً إلى الكوفة، فسار الرّجل حتى إذا بلغ الكوفة، قال للفرسان الذين معه: أنظروني حتى أصل إلى الموضع الذي أريد، فإذا دخلت فاقتحموا أثري. قال: ففعل وفعلوا: فدخل إلى إبراهيم، فبينا هو يكلّمه إذ دخل القوم فأخذوه؛ فذكروا أنه قال لصاحب منزله: أمّا أنا فلا أحسب إلاّ أني قد ذهبت، فإن كان أمر قولوا لأبي مسلم فليبايع لابن الحارثيّة، وهو أبو العبّاس، وهو أخوه. قال: فلّما ظفر أبو مسلم وجّه إلى الكوفة نفراً من شيعتهم، وأمرهم أن يستخرجوا أبا العبّاس. قال: فاستخرجوه من الموضع الذي كان فيه مختفياً، قال: فمضوا به إلى مسجد الكوفة، فأصعد المنبر، قال: وهو حينئذ فتىً شاب حين اخضرّ وجهه، قال: فذهب يتكلم فأرتج عليه.

قال: فصعد عمّه داود بن عليّ على المنبر حتى كان دونه بدرجة، قال: فحمد الله أثنى عليه، وقال فيما قال: إنّ الله عزّ وجلّ رحم أوّلكم بأوّلنا، آخركم بآخرنا، أمّا وربّ هذه القبلة ما صعد على هذه الأعواد خليفةً بعد عليّ بن أبي طالب إلاّ هو؛ قال: ثم أمره أبو العبّاس أن يحجّ بالنّاس، فخرج حتى حجّ بالنّاس، ثم فرش له في مسجد الحرام فكان ينظر في المظالم، إذ جاءه حاجبه فقال له: عبد الله بن طاووس، قال: قدّمه؛ فلّما تقدّم إليه وسلّم عليه، ردّ عليه السّلام، وقال: مرحباً بابن راوية ابن عبّاس. قال: فبينا هو على ذلك إذ تقدّم إليه رجل، فقال: أبقى الله الأمير، وأتمّ عليه نعمته، إني رجل من أهل الطّائف، من ثقيف، وإن رجلاً من هذه المسوّدة عدا على غلام لي فأخذه، وقد أتيت إلى الأمير أرجو عدله ونصفته؛ فقال له داود: فبئس الرّجل أنت، وبئس الحيّ حيّك، وسينالهم وبال ذلك، وستخلص إليك حصّتك من ذلك، قم؛ فأخذه الجند فأقاموه وأبعدوه. قال إبراهيم بن علي بن هرمة يرثيه: من البسيط قد كنت أحسبني جلداً فضعضعني ... قبر بحرّان فيه عصمة الدّين قبر الإمام الذي عزّت مصيبته ... وعيّلت كلّ ذي مال ومسكين إن الإمام الذي ولّى وغادرني ... كأنّي بعده في ثوب مجنون حال الزّمان بنا إذ مات يعركنا ... عرك الضّباع أديماً غير مدهون وأعقب الدّهر ريشاً في مناكبه ... فما يزال مع الأعداء يرميني فرحمة الله أنواعاً مضاعفةً ... عليك من مقعص ظلماً ومسجون ولا عفا الله عن مروان مظلمةً ... لكن عفا الله عمن قال آمين وقال إبراهيم بن علي بن هرمة يرثيه، ويمدح أمير المؤمنين أبا العبّاس، حيث يقول: من الطويل

أتاني وأهلي باللّوى فوق مثعر ... وقد زجر اللّيل النجوم فولت زفاة ابن عبّاس وصيّ محّمد ... فأبت فراشي حسرة ما تجلّت فإن تك أحداث المنايا اخترمنه ... فقد أعظمت رزءاً به وأجلّت وإن يك غدر ناله من منافق ... فإنّ له العقبى إذا النّعل زلّت فصال بنو الشّيخ الوليّ على التي ... أصابت جروماً منهم فاستملّت فقالوا بإبراهيم ثأراً ولم يكن ... دماً سال يجري في دماء فطلّت أمروان أولى بالخلافة منكما ... أصيبت إذاً يمنى يديّ فشلّت وأنتم بنو عمّ النّبيّ ورهطه ... فقد سمّت نفسي الحياة وملّت فشأن المنايا بعدكم ثم شأنها ... وشأني إذا طافت بكم وأظلّت وقد كان إبراهيم مولى خلافة ... بها خضعت صعر الرّقاب وذلّت وأوصى لعبد الله بالعهد بعده ... خلافة حقّ لا أماني ضلّت فشّمر عبد الله لمّا تجرّدت ... لواقح من حرب وحول تجلّت فقاد إليها الحالبين فأنهلوا ... ظماءً إذا صارت إلى الريّ علّت خلايا تخلّتها الحروب ولم يكن ... خلايا لقاح خلّيت فتخلّت فقام ابن عبّاس مقام ابن حرّة ... حصان إذا البيض الصّوارم سلّت أتته الصّواحي من معدّ وغيرها ... فطّنّب ظلاًّ فوقها فاستظلّت وشام إليه الراغبون غمامةً ... عريضاً يناها أنشئت فاستهلّت جزى الله إبراهيم خير جزائه ... وجادت عليه البارقات وظلّت وكنّا به حتى مضى لسبيله ... كذات العطول حلّيت فتحلّت يعين على الجلى قريشاً بماله ... ويحمل عن هلاّكها ما أكلّت وكم من كسير السّاق لاءم ساقه ... بمعروفه حتى استوت واستمرّت تولّيتكم لمّا خشيت ضلالةً ... ألا كلّ نعش أهلها من تولّت

إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد

إبراهيم بن محمدّ بن محمد بن أحمد ابن عليّ بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب أبو علي العلويّ الزّيديّ الكوفيّ قدم دمشق هو وأولاده عمر، وعمّار، ومعد، وعدنان، وسكن بها مدةً، وما أظنه حدّث بها بشيء، ثم رجع إلى الكوفة، وحدّث بها. روى عن عمّ والده زيد بن جعفر العلويّ، بسنده عن سفينة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ليس لنبيّ أن يدخل بيتاً مزوّقاً ". أنشد له ابنه عمر: من الرجز أرخ لها زمامها والأنسعا ... ورم بها من العلى ما شسعا وارحل بها مغترباً عن العدا ... توطئك من أرض العدا متسعا يا رائد الظعن بأكناف الحمى ... بلّغ سلامي إن وصلت لعلعا وحيّ خدراً بأثيلات الغضا ... عهدت فيه قمراً مبرقعا كان وقوعي في يديه ولعا ... وأوّل العشق يكون ولعا ماذا عليها لو رثت لساهر ... لولا انتظار طيفها ما هجعا تمنّعت من وصله فكلّما ... زاد غراماً زاده تمنّعا أنا ابن سادات قريش وابن من ... لم يبق في قوس الفخار منزعا وابن عليّ والحسين وهما ... أبرّمنحجّ ولبّى وسعى نحن بنو زيد وما زاحمنا ... في المجد إلاّ من غدا مدفّعا الأكثرون في المساعي عدداً ... والأطولون بالضّراب أذرعا

إبراهيم بن محمد بن أبي ملك

من كل بسّام المحيّا لم يكن ... عند المعالي والعوالي ورعا طاب أصول مجدكم في هاشم ... وطال فيها عودنا وفرعا وأنشد له ابنه عمر: من مجزوء الكامل لمّا أرقت بجلّق ... وأقضّ فيها مضجعي نادمت بدر سمائها ... بنواظر لم تهجع وسألته بتوجّع ... وتخضّع وتفجّع صف للأحبّة ما ترى ... من فعل بينهم معي واقر السّلام على الحبي ... ب ومن بتلك الأربع قال ابنه عمر: توفي في شوال سنة ستّ وستين وأربعمئة بالكوفة. إبراهيم بن محمد بن أبي ملك أظنّه من أهل ساحل دمشق. إبراهيم بن محمد بن يعقوب التّيميّ الهمذانيّ سمع بدمشق. روى عن سليمان بن أيّوب بن حذلم الدّمشقي، بسنده عن عائشة: أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلّى تطوّعاً عليه طول القيام ركع ثم سجد سجدتين، وقرأ قاعداً بما بدا له، فإذا أراد أن يركع قام فقراً ثم سجد. إبراهيم بن محمد البغدادي سمع بدمشق. روى عن محمد بن عبد الله، عن عمران الطّرسوسيّ، عن النّباجيّ أبي عبد الله،

إبراهيم بن محمد أبو إسحاق البجلي

قال: أصل العلم خمس خصال: أوّلها الإيمان بالله، والثّانية معرفة الحقّ، والثّالثة إخلاص العمل، والرّابعة أن يكون مطعم الرّجل من حلال، والخامسة أن يكون على السّنّة والجماعة؛ فلو أن عبداً آمن بالله عزّ وجلّ، وأخلص نيّته لله، وعرف بالحقّ على نفسه، وكان مطعمه ن حلال، ولم يكن على السّنّة والجماعة، لم ينتفع من ذلك بشيء. إبراهيم بن محمد أبو إسحاق البجليّ من أهل بوشنج. سكن دمشق، وكان يصلّي في مسجد دار البطّيخ، ويكتب المصاحف، ثم تولّى الصّلاة في المسجد الجامع مدّة سنين، إلى أن توفي. سمع وأسمع. روى عن أبي عليّ بن أبي نصر، بسنده عن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ممّا أسمع، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئاً بغير حقّ، فإنّما أقطع له قطعة من النّار ". ولد في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعمئة، وتوفي في محرّم سنة ستّ وثمانين وأربعمئة، وكان شيخاً ديّناً زاهداً ثقة؛ ودفن من يومه بعد الظّهيرة في مقابر باب الصّغير. إبراهيم بن محمود بن حمزة أبو إسحاق النيّسابوريّ، الفقيه المالكي تفقّه بمصر على ابن عبد الحكم، وسمع بدمشق ومصر والحجاز والعراق وخراسان، وحدّث.

إبراهيم بن مخلد الجبيلي

روى عن محمد بن الوليد الدّمشقي، بسنده عن أنس بن مالك، أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ". قال ابن عبد الحكم: ما قدم علينا من خراسان أعرف بطريقة مالك منك، فإذا انصرفت إلى خراسان فادع النّاس إلى رأي مالك. وقال محمود بن محمد: كان عمّي يصوم النّهار ويقوم اللّيل، ولا يدع الجهاد في كلّ ثلاث سنين. وقال ابن ماكولا: يعرف بالقطّان، لم يكن بعده للمالكيّة، مدّرس بنيسابور، توفي سنة تسع ومئتين. إبراهيم بن مخلد الجبيلي حكى عن أبيه، قال: خرج عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، بصيدا، إلى الرّحى، وأخرج معه حمارةً، وعليها غرارة قمح إلى الطّاحون، فلّما صار في الطّاحون ألقى الغرارة، وخلّى الحمارة ترتع في المرج، فجاء السّبع فافترس الحمارة، فلّما طحن طحينه خرج يطلب الحمارة، فأصاب السّبع قد افترسها، فجاء إلى السّب فقال: يا كلب الله، أكلت حمارتنا فتعال احمل دقيقنا، فحمّل الغرارة على السّبع، فلّما صار إلى باب صيدا ألقى الغرارة عن السّبع، وقال له: اذهب، لا تفزع الصّبيان! إبراهيم بن مروان بن محمد الطّاطريّ روى عنه جماعة. روى عن أبيه، بسنده عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كان بحدّث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان إذا حضر رمضان قال: " إنّا رأينا هلال شعبان يوم كذا وكذا، والصّيام يوم كذا وكذا ". قال: وكان إذا

إبراهيم بن مرة

كان يوم عاشوراء، قال: " اليوم عاشوراء وإنّا صائمون، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر ". وروى عن أبيه، بسنده عن عروة بن الزّبير، أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى اله عليه وسلم كان يقبّلها وهو صائم. قال أبو حاتم: كتبنا عنه، وكان صدوقاً. إبراهيم بن مرّة حدّث عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدي خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برئ، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وبايع ". وعن الزهريّ، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار، عن المقداد بن الأسود الكنديّ، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن لقيت كافراً فقاتلته، فقطع بي، ثم أهويت لأضربه فلاذ بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله؟ قال: لا، قلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي أأقتله؟ قال: لا قلت: يا رسول الله، إنه قطع يدي أأقتله؟ قال: لا، لأنك إن قتلته كان بمنزلتك قبل أن تقتله، وكنت بمنزلته قبل أن يقولها. إبراهيم بن مسكين حكى عن أبي جعفر المنصور، قال: عدل أبو جعفر أمير المؤمنين أرض الغوطة بدمشق ثلاثين مدياً بدينار، بالقاسميّ؛ وكان أداء النّاس على ذلك، ثم قال بعض الولاة: نجعل على الدّينار نصف دانق للكتب والرّسل، ثم قال غيره بعد: نجعل على الدّينار دانقاً؛ قال: فكان ذلك كذلك إلى أن تعدّى من تعدّى.

إبراهيم بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان

إبراهيم بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص، الأموي قتل يوم نهر أبي فطرس. إبراهيم بن المطهّر أبو طاهر الجرجانيّ السبّاك، الفقيه قدم دمشق في صحبة أبي حامد الغزالي. قال عبد الغافر: كان يتلّقف الدّرس عن إمام الحرمين، ويشتغل بكتبة الحديث، والسّماع والقراءة، سعد بصحبة الإمام الغزاليّ، وخرج معه إلى العراق، وحصّل المذهب والخلاف، وصحبه إلى الحجاز والشّام، وطاف معه مدّة ما كان الغزاليّ في تلك الدّيار، ثم عاد إلى وطنه بجرجان، وأخذ في التّدريس والوعظ، وظهر له القبول لفضله، وصار من جملة الأئمة، قتل شهيداً، وجاءنا نعيه في رجب سنة ثلاث عشرة وخمسمئة. إبراهيم بن معقل أبو إسحاق النّسفيّ سمع بدمشق وبغيرها، وحدّث عن البخاريّ بكتاب الصّحيح. روى عن أبي كريب، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلّى الضّحى بنى الله له قصراً في الجنّة من ذهب ". وروى عن هشام بن عمّار، بسنده عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بني الإسلام على خمسة أسهم: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محّمداً عبده ورسوله، وأقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان ".

إبراهيم بن معمر بن شريس

إبراهيم بن معمر بن شريس أبو إسحاق الأصبهاني الجوزدانيّ سمع بدمشق وأسمع. روى عن أبي أيّوب ابن أخي زريق الحمصيّ، بسنده عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعاء الوالد لولده مثل دعاء النّبيّ لأمته ". قال أبو نعيم: توفي سنة أربع وستين، يعني ومئتين؛ كانوا إخوة ثلاثة لم يحدّث منهم إلاّ إبراهيم. إبراهيم بن منصور إبراهيم بن موسى من أهل دمشق. روى عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأس العمل بعد الإيمان بالله مداراة النّاس، وأهل المعروف في الدّنيا أهل المعروف في الآخرة، ولن يهلك أمرؤ بعد مشورة ". إبراهيم بن موهوب بن عليّ بن حمزة أبو إسحاق السّلميّ، المعروف بابن المفصّص سمع وهو صغير، وسمعت منه شيئاً يسيراً، ولم يكن الحديث من صنعته. روى عن علي بن الحسن الأزديّ، بسنده عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرؤيا الحسنة عن الرّجل الصّالح جزء من ستّة وأربعين جزءاً من النبوّة ".

إبراهيم بن مياس بن مهري بن كامل بن الصقيل

مات ودفن يوم الأحد التاسع العشرين من ذي العقدة سنة تسع وخمسين وخمسمئة، بباب الصّغير. إبراهيم بن ميّاس بن مهري بن كامل بن الصّقيل ابن أحمد بن ورد بن زياد بن عبيد بن شبيب بن نفيع بن الأعور ابن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو إسحاق بن أبي رافع القشيريّ سمع وأسمع. سئل عن مولده، فقال: في جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين وأربعمئة، بالمؤنسة من أرض الشطّ. وتوفي في يوم الإثنين الثالث من شعبان سنة إحدى وخمسمئة، ودفن عند مسجد شعبان. إبراهيم بن ميسرة الطّائفيّ سكن مكة وحدّث عن جماعة، وحدّث عنه جماعة. روى عن وهب بن عبد الله بن قارب، قال: كنت مع أبي فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول بيده هكذا عرضاً: " يرحم الله المحلّقين " قالوا: يا رسول الله والمقصّرين، فقال في الثّالثة: والمقصّرين. وسمع أنس بن مالك يقول: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة الظّهر أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، يعني العصر. وقال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب رجلاً في خلافته، غير رجل واحد تناول من معاوية فضربه ثلاثة أسواط.

إبراهيم بن نصر بن منصور

مات قريباً من سنة ثنتين وثلاثين ومئة. وقال ابن عيينة: وكان ثقة مأموناً من أوثق من رأيت. قال سفيان: كان عمرو بن دينار يحدّث بالحديث على المعنى، وكان إبراهيم بن ميسرة لا يحدّثه إلاّ على ما سمع. وكان من أصدق النّاس وأوثقهم. وقال ابن سعد: في الطبقة الرابعة من أهل مكة، مولى لبعض أهل مكة، توفي في خلافة مروان بن محمد. إبراهيم بن نصر بن منصور أبو إسحاق السّوريني، ويقال: السّورانيّ، الفقيه المطّوعيّ الشّهيد وسورين: محلّة بأعلى نيسابور، له رحلة إلى الشّام. سمع من جماعة، وروى الحديث. روى عن عبد الرحمن بن مغراء، بسنده عن ابن عباس، قال: قال أبو إسرائيل بن قشير: إنه كان نذر أن يصوم، ولا يقعد، ولا يستظلّ، ولا يتكلّم، فآتي به النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقعد واستظل وتكلّم وكفّر قال سليمان بن مطر: لمّا جمع إبراهيم المسند أراد أن ينظر في كتب ابن المبارك، فعزم رأينا ورأيه على أن يذهب إلى الحسن بن عيسى، قال: فدخلنا عليه الخان، فقلنا: إن أبا إسحاق جمع المسند فأحبّ أن ينظر في كتب أبي عبد الرحمن، قال: فسكت ساعةً، ثم رفع رأسه، فقال: لا يجوز أن أحدّث ويحيى بن يحيى حيّ. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: سمعت أبا زرعة يثني على إبراهيم بن نصر، فقال: هو رجل مشهور صدوق، أعرفه، رأيته بالبصرة، وأثنى عليه خيراً.

إبراهيم بن نصر الكرماني

قال أبو محمد: نظرت في علمه فلم أر فيه منكراً، وهو قليل الخطأ. وجد مقتولاً سنة عشر ومئتين. إبراهيم بن نصر الكرماني أحد الأبدال كان يكون بجبل لبنان من أعمال دمشق. حكى أبو عبد الله محمد بن مالك السّجستانيّ، قال: دخلت جبل لبنان مع جماعة، ومعنا أبو نصر بن بزراك الدّمشقيّ، نلتمس من به من العبّاد، فسرنا فيه ثلاثة أيّام، فما رأينا أحداً، فلّما كان اليوم الرّابع ضرّت عليّ رجلي، فإني كنت حافياً، وضعفت عن المشي، فصعدنا جبلاً شامخاً، كان عليه شجرة، وقعدنا، فقالوا لي: اجلس أنت ها هنا حتى نذهب لعلّنا نلقى واحداًمن سكّان هذا الجبل، فمضوا جميعاً وبقيت أنا وحدي، فلّما جنّ الليل صعدت إلى الشجرة، فلّما كان وجه الصّبح نزلت ألتمس الماء للوضوء، فانحدرت في الوادي لطلب الماء، فوجدت عيناً صغيرة، وتوضأت وقمت أصلي فسمعت صوت قراءة؛ فلّما أن سلّمت الأثر فرأيت كهفاً، وقدّامه صخرة، فصعدت الصّخرة، ورميت حجراً إلى الكهف خشية أن يكون فيه وحش، فلم أر شيئاً، فدخلت الكهف فإذا شيخ ضرير، فسلّمت عليه فقال: أجنّيّ أنت أم إنسيّ؟ فقلت: بل إنسيّ، فقال: لا إله إلاّ الله، ما رأيت إنسياً منذ ثلاثين سنة غيرك، ثم قال: ادخل، فدخلت، فقال: لعلّك تعبت، فاطرح نفسك، فدفعت إلى داخل الكهف فإذا فيه ثلاثة أقبر فلما كان وقت الزوال ناداني فقال: الصّلاة رحمك الله؛ فخرجت إلى العين وتمسّحت، فصلّينا جماعةً، ثم قام فلم يزل يصلّي حتى كان آخر وقت الظّهر، ثم أذّن وصلّينا العصر، ثم قام قائماً يدعو رافعاً يديه، فسمعت من دعائه: اللهم اصلح أمّة أحمد، اللهم فرّج عن أمّة أحمد، اللهم ارحم أمّة أحمد؛ إلى أن سقط القرص، ثم أذّن للمغرب ولم أر أحداً أعرف بأوقات الصّلاة منه فلّما أن صلّى المغرب قلت له: لم أسمع منك من الدّعاء إلاّ هذه الكلمات الثلاث!، فقال: من قال هذا كلّ يوم ثلاث مرّات كتبه الله من الأبدال. فلّما أن صلّينا العشاء الآخرة، قال لي: تأكل؟ فقلت: نعم؛ فقال لي: ادخل إلى

الدّاخل، فكل ما هنا لك، فدخلت فوجدت صخرة عظيمة عليها الجوز ناحيةً، والفستق ناحيةً، والزّبيب ناحيةً، والتين ناحيةً، والتفّاح ناحيةً، والخرنوب ناحيةً، والحبّة الخضراء ناحيةً، فأكلت منها ما أردت. فلما كان عند السّحر جاء هو فأكل منها شيئاً يسيراً، ثم قام فأوتر، فما زال يدعو ثم سجد، فسمعت في سجوده يقول: اللهم من عليّ بإقبالي عليك، وإضعافي إليك، وإنصاتي لك، والفهم منك، والبصيرة في أمرك، والبقاء في خدمتك، وحسن الأدب في معاملتك. فلّما رفع رأسه قلت: من أين لك هذا الدّعاء؟ فقال: ألهمت، ولقد كنت في بعض اللّيالي أدعو به، سمعت هاتفاً يهتف بي ويقول: إذا دعوت ربّك بهذا، فقم، فإنه مستجاب، فلّما أن صلّينا قلت: من أين هذه الفواكه فإني لم آكل أطيب منها؟ فقال: سوى ترى؛ فلّما كان بعد ساعة دخل الكهف طير له جناحان أبيضان، وصدر أخضر وفي منقاره حبّة زبيب، وبين رجليه جوزة، فوضع الزّبيب على الزّبيب، والجوزة على الجوز؛ فقال لي رأيته؟ فقلت: نعم؛ قال: هذا لي منذ ثلاثين سنة، يأتيني هذا، ويدخل عليّ في اليوم سبع مرّات. فلّما كان ذلك اليوم عددت مجيء الطّائر فجاء خمس عشرة مرّة، فقلت له ذلك، فقال: انظر أنت فقد زادك واحدة فاجعلنا في حلّ. وكان عليه قميص بلا كمين، ومئزر يشبه توز القوس، فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: يأتيني كلّ سنة هذا الطّائر يوم عاشوراء بعشر قطع من هذا اللّحاء، فأسويّ منه قميصاً ومئزراً، وكان له مسلّة يخيط بها. فلّما كان بعد ليال دخل سبعة أنفس، ثيابهم شعورهم، وعيونهم مشقفةً بالطول، حمر، وليس فيها دوّارة؛ فسلّموا، فقال لي: لا تخف هؤلاء الجنّ؛ فقرأ واحد منهم عليه سورة طه، والآخر سورة الفرقان، وتلقّن منهم الآخر شيئاً من سورة

الرّحمن، ثم مضوا، فسألته عنهم، فقال: هؤلاء من الرّومية؛ فقلت له: كم لك في هذا الجبل؟ فقال: أربعين سنة، كان لي عشر سنين البصر، وكنت أجمع في الصّيف من هذه المباحات إلى هذا الكهف، فلّما ذهب بصري بقيت أيّاماً لم أذق شيئاً، فجاءني هؤلاء فقالوا:: قد رحمناك فدعنا نحملك إلى حمص أو دمشق؛ فقلت: اشتغلوا بما وكلتم به؛ فلّما كان بعد ساعة جاءني هذا الطّير الذي رأيت بتفاحة فطرحها في حجري، فقلت: لا تشغلني! اطرحها إلى وقت حاجتي إليها. ثم قال لي: وقد قال هؤلاء: إن القرمطيّ دخل مكة وقتل فيها وفعل وصنع؛ فقلت: قد كان ذلك، وقد كثر الدعاء عليه، فلم منع الإجابة؟ فقال: لأن فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ فقلت: وما هن؟ قال: أوّلهنّ: أقرّوا بالله وتركوا أمره؛ والثاني: قالوا: نحبّ الرّسول، ولم يتبعوا سنته؛ والثالث: قرؤوا القرآن ولم يعملوا به؛ والرابع: قالوا: نحبّ الجنّة، وتركوا طريقها؛ والخامس: قالوا: نكره النّار، وزاحموا طريقها؛ والسادس: قالوا: إن إبليس عدّونا، فوافقوه؛ والسابع: دفنوا أمواتهم فلم يعتبروا، والثّامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم؛ والتّاسع: جمعوا المال ونسوا الحساب؛ والعاشر: نقضوا القبور وبنوا القصور. قال أبو عبد الله: فأقمت عنده أربعة وعشرين يوماً في أطيب عيشة، فلّما كان اليوم الرّابع والعشرون قال لي: كيف وصلت إلى ها هنا؟ فحدّثته بحديثي، فقال: إنّا لله! لو علمت قصتك لم أتركك عندي لأنك شغلت قلوبهم، ورجوعك إليهم أفضل لك ممّا أنت فيه؛ فقلت له: إني لا أعرف الطّريق؛ فسكت. فلّما كان عند زوال الشمس، قال: قم، قلت: إلى أين؟ قال: تمضي؛ فقلت له: فأوصني، فأوصاني، ثم قال: إذا حججت وكان يوم الزّيارة، فاطلب بين المقام وزمزم رجلاً أشقر، خفيف العارضين، مجدور، بعد صلاة العصر، فأقره منّي السّلام، وسله أن يدعو لك فإنها فائدة كبيرة لك إن شاء الله.

إبراهيم بن نصير

ثم خرج معي من الكهف، فإذا بسبع قائم، فقال لي: لا تخف، وتكلّم بكلام أظنّه كان بالعبرانية فإني لم أكن أفهمه، ثم قال لي: اذهب خلفه، فإذا وقف فانظر عن يمينك تجد الطّريق إن شاء الله. فسار السّبع ساعةً ثم وقف، فنظرت فإذا أنا على عقبة دمشق، فدخلت دمشق والنّاس قد انصرفوا من صلاة العصر، فمضيت إلى ابن بزراك أبي نصر مع جماعة، فسرّ سروراً تامّاً. فحدّثته بحديثي، فقال: أمّا نحن فما رأينا إلاّ واحداً نصرانيّاً. قال أبو عبد الله: ثم خرجنا مقدار خمسين رجلاً إلى ذلك الجبل، وسرنا فيه في تلك الأودية، وحول الجبل، فلم نقف على موضعه، فقال لي: هذا شيء كشف لك ومنعنا نحن، فرجعنا. قال: فخرجت إلى الحجّ، فوجدت الرّجل بين المقام وزمزم جالساً بعد العصر، كما وصف، وعليه ثوب شرب ومئزر ذبيقي، وهو قاعد على منديل، وقدّامه كوز نحاس، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السّلام، فقلت له: إبراهيم بن نصر الكرمانيّ يقرئك السّلام؛ فقال: وأين رأيته؟ قلت: في جبل لبنان؛ فقال: رحمه الله، قد مات؛ قلت: فمتى مات؟ قال: السّاعة دفنّاه، وكنّا جماعة، ودفنّاه عند إخوانه في الغار الذي كان فيه في جبل لبنان، فلّما أخذنا في غسله جاء ذلك الطّير فما زال يضرب بجناحيه حتى مات، فدفناه ودفنا الطّير عند رجليه؛ ثم قال: ما تقوم إلى الطّواف؟ فقمنا فطفت معه أسبوعين، ثم غاب عنّي!. إبراهيم بن نصير أبو إسحاق البعلبكّيّ

إبراهيم بن وثيمة النصري

إبراهيم بن وثيمة النّصريّ أخو زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان النّصريّ عن عراك بن خالد، قال: سمعت إبراهيم بن وثيمة النّصري يقول لعثمان بن محمد القارئ: الآيات التي يدفع الله بهنّ من اللّمم الزمهنّ في كل يوم يذهب عنك ما تجد؛ قال: وأيّ آيات هنّ؟ قال: " وإلهكم إله واحد " الآية، آية الكرسي، وخاتمة البقرة " آمن الرّسول إلى آخرها، و" إن ربّكم الله الذي خلق السمّوات والأرض " إلى المحسنين وآخر الحشر؛ فإنه بلغنا أنهنّ مكتوبات في زوايا العرش. فلزمهنّ فبرأ. وكان إبراهيم بن وثيمة يقول: اكتبوهنّ لصبيانكم من الفزع واللّمم. إبراهيم بن وضّاح الجمحيّ أحد فرسان أهل الشّام وشعرائهم. شهد صفّين مع معاوية، وقتل يومئذ. قال صعصعة بن صوحان: قتل الأشتر في تلك المعركة بيده سبعةً مبارزةً، منهم صالح بن فيروز العكّيّ، ومالك بن أدهم السّلاماني، ورياح بن عتيك الغسّانيّ، والأجلح بن منصور الكنديّ، وإبراهيم بن الوضّاح، وهو يقول: من الرجز هل لك يا أشتر في برازي ... براز ذي غشم وذي اعتزاز مقاوم لقرنه كزاز

إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

فشدّ عليه الأشتر، وهو يقول: من الرجز نعم نعم أطلبه شديداً ... معي حسام يفصم الحديدا يترك هامات العدى حصيدا فقتله. إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو إسحاق القرشيّ الأمويّ بويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن الوليد النّاقص، بعهد منه في ذي الحجّة سنة ستّ وعشرين ومئة. وقيل: إن أخاه لم يعهد إليه، وإنّه استولى بغير عهد. كان طويلاً جسيماً، أبيض جميلاً ذا شقرة، خفيف مقدم اللّحية والعارضين. قال معمر: سمعت إبراهيم بن الوليد رجلاً من بني أمية يسأل الزّهريّ وعرض عليه كتاباً من علم فقال: أحدّث عنك بهذا يا أبا بكر؟ قال: نعم، فمن يحدثّكموه غيري؟ عن برد بن سنان قال: حضرت يزيد بن الوليد حين حضرته الوفاة، فأتاه قطن فقال: أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحقّ الله لم ولّيت أمرهم أخاك إبراهيم بن الوليد؟ فغضب وقال بيده على جبهته: أنا أولّي إبراهيم؟! ثم قال لي: يا أبا العلاء، إلى من ترى أن أعهد؟ فقلت: أمر نهيتك عن الدّخول في أوّله فلا أشير عليك في آخره. قال: وأصابته إغماءة حتى ظننت انه قد مات، ففعل ذلك غير مرّة. قال: فقعد قطن فافتعل كتاباً عن لسان يزيد بن الوليد، ودعا أناساً فأشهدهم عليه. قال: ولا والله ما عهد إليه يزيد شيئاً ولا إلى أحد من النّاس.

إبراهيم بن هانئ أبو إسحاق النيسابوري

وعن ابن أبي السّريّ قال: قاتل مروان الجعديّ سليمان بن هشام وأهل بيته حتى استوى له الأمر، وهرب إبراهيم بن الوليد في صفر سنة سبع وعشرين ومئة. قال: وكان إبراهيم مسمناً خفيف العارضين، صغير العينين، أبيضاً مشرباً حمرةً، مقبولاً. وقد روي: أن إبراهيم بن الوليد لمّا سلّم الأمر لمروان بن محمد وبايعه بالخلافة، تركه حيّاً، فلم يزل حيّاً إلى سنة ثنتين وثلاثين ومئة، فقتل حينئذ فيمن قتل من بني أميّة حين زالت دولتهم. وروي: أن مروان لما ملك الأمر، واستقام له قتله. وروي: أن إبراهيم خلع يوم الاثنين لأربع عشرة ليلةً خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومئة. وقال المدائني: لم يتّم لإبراهيم بن الوليد الأمر، كان قوم يسلّمون عليه بالخلافة، وقوم يسلمون عليه بالأمارة، وأبى قوم أن يبايعوا له، وقال بعض شعرائهم: من الطويل نبايع إبراهيم في كلّ جمعة ... ألا إن أمراً أنت وإليه ضائع وعن محمد بن المبارك قال: نقش خاتم إبراهيم بن الوليد: إبراهيم يثق بالله. إبراهيم بن هانئ أبو إسحاق النيسابوريّ الأرغيانيّ نزيل بغداد. سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، وروي عنه الحديث. روى عن أبي العبّاس المدائني، بسنده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوم السّبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وبناء، ويوم الاثنين يوم سفر

إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم

وطلب رزق، ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس شديد، ويوم الأربعاء يوم لا أخذ ولا عطاء، ويوم الخميس يوم دخول على سلطان وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح ". قال ابن أبي حاتم: سمعت منه ببغداد في الرّحلة الثانية، وهو ثقة صدوق. وقال أبو بكر الخطيب: كان أحد الأبدال، ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام ومصر ومكة، ثم استوطن بغداد، وحدّث بها. وقال أحمد بن حنبل: إن كان ببغداد رجل من الأبدال فإنه أبو إسحاق النّيسابوريّ، يريد إبراهيم بن هانئ. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: كان أحمد بن حنبل مختفياً ها هنا عندنا في الدّار، فقال لي أحمد بن حنبل: ليس أطيق ما يطيق أبوك، يعني من العبادة. وعن أبي بكر النّيسابوريّ قال: حضرت إبراهيم بن هانئ عند وفاته، فجعل يقول لابنه إسحاق: يا إسحاق ارفع السّتر، قال: يا أبه السّتر مرفوع، قال: أنا عطشان؛ فجاءه بماء، قال: غابت الشّمس؟ قال: لا؛ قال: فردّه، ثم قال: " لمثل هذا فليعمل العاملون " ثم خرجت روحه ". توفي يوم الأربعاء لأربع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومئتين. إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم أبو إسحاق القرشيّ، الأطرابلسيّ، المرقانيّ قدم دمشق وحدّث بها. سمع بدمشق وروي عنه. روى عن أحمد بن كليب الطّرسوسيّ، بسنده عن أبي إدريس، قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا بفتىً برّاق الثّنايا، وإذا النّاس حوله، وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، فصدروا عنه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل.

إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام

فلّما كان من الغد هجّرت فوجدته قد سبقني بالتّهجير، فوجدته يصلّي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته جئته من قبل وجهه، فسلّمت عليه، وقلت له: والله إني لأحبّك، قال: الله؟ قلت: الله، فقال: الله؟ فقلت: الله، فأخذ بحبوتي وردائي فجذبني، وقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول " قال الله عزّ وجلّ: حقّت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ ". إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة القرشيّ، المخزوميّ ولي مكة والمدينة والموسم لهشام بن عبد الملك، ثم أقدمه الوليد بن يزيد بعد موت هشام وأخاه محمد بن هشام دمشق مسخوطاً عليهما، ودفعهما إلى يوسف بن عمر والي العراق، فعذّبهما حتى ماتا عنده. قال يعقوب بن سفيان: في سنة ستّ ومئة نزع عبد الواحد عن المدينة، وأمر إبراهيم بن هشام بن إسماعيل. قال: وفي سنة سبع حجّ بالنّاس عامئذ إبراهيم بن هشام وهو أمير على أهل مكة والمدينة، قال: وفي سنة ثمان ومئة حجّ عامئذ إبراهيم بن هشام، وفي سنة تسع ومئة وفي سنة عشر ومئة حجّ بالنّاس إبراهيم بن هشام، وفي سنة إحدى عشرة، وفي سنة اثنتي عشرة ومئة حجّ إبراهيم بن هشام، وفي سنة ثلاث عشرة عزل إبراهيم بن هشام عن المدينة. وعن الواقدي قال: وفيها يعني سنة سبع ومئة حجّ بالنّاس إبراهيم بن هشام فخطب بمنى الغد من يوم النّحر بعد الظّهر، فقال: سلوني، فأنا ابن الوحيد، لا تسألوا أحداً أعلم منّي، فقام إليه رجل من أهل العراق فقال: الأضحية أواجبة هي؟ فما درى أيّ شيء يقوله له، فنزل عن المنبر. وعن إبراهيم بن الفضل قال: بينا إبراهيم بن هشام يخطب على المنبر بالمدينة إذ

سقطت عصاً كانت معه في يده، فاشتدّ ذلك عليه فكرهه، فتناولها الفضل بن سليمان، وكان على حرسه، وناوله إيّاها، وقال: من الطويل فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر قال محمد بن الحسن: أذن إبراهيم بن هشام إذناً عامّاً فدخل عليه النّصيب، فانشده مديحاً له، فقال إبراهيم: ما هذا بشيء، أين هذا من قول أبي دهبل لصاحبنا ابن الأزرق: من البسيط إن تغد من منقلي نخلان مرتحلاً ... يبن من اليمن المعروف والجود قال: فغضب النّيب، فخلع عمامته وطرحها وبرك عليها بين يديه، ثم قال: فإن تأتونا برجل مثل ابن الأزرق نأتكم بمديح أجود من مديح أبي دهبل. عن رجل من قريش من أهل المدينة، قال: كنت أساير إبراهيم بن هشام بالمدينة وهو وال عليها، فلقيه رجل، فسلّم عليه، فرأيت رجه إبراهيم قد تغّير؛ فلّما مضى الرّجل سألته عن تغيّر وجهه، فقال لي: فطنت لذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإنّ له عليّ ديناً، وقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لصاحب الحقّ مقالاً ". وقال عبد العزيز بن محمد المخزوميّ: كتب هشام بن عبد الملك إلى إبراهيم بن هشام المخزوميّ، وكان عامله على الحجاز: أمّا بعد: فإن أمير المؤمنين قد قلّد ما كان ولاّك من الحجاز خالد بن عبد الملك، وإن أمير المؤمنين لم يعزلك حتى كنت وإيّاه، كما قال القطامي: من الوافر أمور لو تدبّرها حليم ... إذاً لنهى وهيّب ما استطاعا ولكنّ الأديم إذا تفرّى ... بلى وتعيّناً غلب الصّناعا وإنّي والله ما عزلتك حتى لم يبق من أديمك شيء أتمسّك به.

إبراهيم بن هشام بن ملاس بن قسيم

فلّما ورد كتابه على إبراهيم بن هشام تغّير وجهه، وقال: " إنا لله وإنّا إليه راجعون " أصبحت اليوم والياً، وأنا السّاعة سوقة؛ فقام رجل من بني أسد بن خزيمة، فقال: من الوافر فإن تكن الإمارة عنك زاحت ... فإنك للهشام وللوليد وقد مرّ الذي أصبحت فيه ... على مروان ثم على سعيد قال: فسرّي عنه، وأحسن جائزة الأسديّ. قتل سنة خمس وعشرين ومئة. إبراهيم بن هشام بن ملاس بن قسيم النّميريّ، وقيل الغسّانيّ إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى أبو إسحاق الغسّانيّ سمع وأسمع. ولد سنة خمسين ومئة وله شعر حسن. روى عن سويد بن عبد العزيز، عن أبي الزّبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الله هو الدّهر ". توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين. إبراهيم بن يحيى بن إسماعيل ابن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزوميّ روى عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبد الله،

إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة

قال: قال لي عبد الملك بن مروان: يا إسماعيل أدّب ولدي، فإنّي معطيك أو مثيبك؛ قال إسماعيل: يا أمير المؤمنين، وكيف بذلك، وقد حدّثتني أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اخذ على تعليم القرآن قوساً قلّده الله يوم القيامة قوساً من نار "؟ قال عبد الملك: يا إسماعيل إني لست أعطيك أو أثيبك على القرآن، إنّما أعطيك أو أثيبك على النحو. إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو إسحاق بن أبي محمد العدويّ أحد بني عديّ بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، من رهط ذي الرّمة؛ وقيل: إنّهم موالي بني عديّ بن عبد شمس، ويعرف أبوه باليزيديّ لأنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة، ثم توارى حتى استتر أمره، واتّصل بيزيد بن منصور خال المهديّ فوصله بالرّشيد، فعرف باليزيديّ. وكان إبراهيم عالماً بالأدب، شاعراً مجيداً، نادم الخلفاء، وقدم دمشق صحبة المأمون والمعتصم، وذكر دير مرّان في شعره، وكان قد سمع أباه وغيره، وروي عنه. حدّث عن أبيه، قال: كنت مع أبي عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، فسأله عن رجل من أصحابه فقده، فقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد يموت؛ قال: فضحك منه بعض القوم، وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت! فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها! غريبة، إنّ يريد في معنى: يكاد، قال الله تعالى: " جداراً يريد أن

ينقضّ " أي: يكاد، قال: فقال أبو عمرو: لا نزال بخير ما كان فينا مثلك. وحدّث قال: إنّي كنت يوماً عند المأمون، وليس معنا إلاّ المعتصم، فذكر كلاماً قال: فلم أحتمل ذلك منه يعني من المعتصم فأجبته، فأخفى ذلك المأمون، ولم يظهره ذلك الإظهار؛ فلّما صرت من غد إلى المأمون كما كنت أصير قال لي الحاجب: أمرت أن لا آذن لك، فدعوت بداوة وقرطاس، وكتبت: من الطويل أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السّكر والصّحو ولا سيّما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يليق به اللّغو ولولا حميّا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شكّ فيه هو السّرو تنصّلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسّهو فإن تعف عنّي ألف خطوي واسعاً ... وإلاّ يكن عفو فقد قصر الخطو قال: فأدخلها الحاجب، ثم خرج إليّ فأدخلني، فمّد المأمون باغيه، فأكببت على يديه فقبّلتهما، فضمّني إليه، وأجلسني. وفي رواية: أن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات: من الخفيف إنّما مجلس النّدامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه فإن انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه وحدّث قال: كنت مع المأمون في بلد الرّوم، فبينا أنا سائر في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح، وإلى جانبي قبّة، إذ برقت برقة فإذا في القبّة عريب، فقالت: إبراهيم بن اليزيدي! فقلت: لبّيك، فقالت: قل في هذا البرق أبياتاً أغنّي فيها، فقلت: من الرجز ماذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق

إبراهيم بن يحيى البيروتي إبراهيم بن يحيى الدمشقي

فارقته وهو أعزّ الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق ذاك الذي يملك مني رقي ... ولست أبغي ما حييت عتقي فتنفّست نفساً ظننت أنه قد قطع حيازيمها، فقلت: ويحك، على من هذا؟ فضحكت، ثم قالت: على الوطنّ فقلت: هيهات، ليس هذا كلّه للوطن؛ فقالت: ويلك، أفتراك ظننت أنك تستفزّني، والله لقد نظرت نظرة مريبةً في مجلس فادّعاها أكثر من ثلاثين رئيساً، والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا الوقت! قال أبو بكر الخطيب: وهو بصريّ سكن بغداد، وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب، سمع من أبي زيد الأنصاريّ وأبي سعيد الأصمعيّ، وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيديّون، وهو ما اتّفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمئة ورقة، رواه عنه ابن أخيه عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ، وذكر إبراهيم أنه بدأ بعمل ذلك وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة؛ وله كتاب مصادر القرآن وكتاب في بناء الكعبة وأخبارها وكان شاعراً مجيداً. إبراهيم بن يحيى البيروتيّ إبراهيم بن يحيى الدّمشقيّ غير ثقة. إبراهيم بن يزيد النّصريّ من أهل دمشق، كان من حرس عمر بن عبد العزيز. روى عن عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تابعوا بين الحجّ والعمرة، فوالذّي نفسي بيده لمتابعتهما لتنفي الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ". وحدّث الأوزاعيّ، عنه، عن عمر بن عبد العزيز، أنه خرج على حلقة من حرسه، قال: وقد كان نهاهم قبل ذلك أن يقوموا له إذا خرج عليهم، ولكن

إبراهيم بن يزيد

يوسّعوا؛ قال: فقال: أيّكم يعرف الرّجل الذي أمرنا أن يركب إلى مصر؟ فقالوا: كلّنا نعرفه؛ قال: فليقم إليه أحدكم فليدعه؛ فأتاه الرّسول، فقال: لا تعجل حتى أشدّ عليّ ثيابي؛ وظنّ أن ذلك استبطاء من عمر. قال: فأتاه، فقال له عمر: إن اليوم الجمعة، فلا تبرح حتى تصلّي، وأنّا بعثناك في أمر عجلة من أمر المسلمين، فلا يحملّنك استعجالنا إيّاك أن تؤخر الصّلاة عن وقتها، فإنك لا محالة أن تصلّيها، فإن الله عزّ وجلّ ذكر قوماً، فقال: " أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّاً "، ولم يكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا المواقيت. إبراهيم بن يزيد حكى، عن أبي سليمان الدّارانيّ، قال: قلت لراهب: يا راهب؛ فاخرج رأسه وقال: لست براهب، إنّما الرّاهب الذي يخشى الله، إنّما حبست نفسي عن الوقيعة في النّاس ومن أذى النّاس، اللّسان سبع إن تركته أكل النّاس. إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق أبو إسحاق السّعديّ الجوزجانيّ سكن دمشق، وحدّث عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن عمرو بن عاصم، بسنده عن أبي هريرة، قال: قلنا: يا رسول الله ونحن في غزوة تبوك، والخيل تمرّغ بنا في أدبار القوم: كان مسيرنا هذا في الكتاب الأوّل؟ قال: نعم. قال السّعديّ: سكن دمشق، يحدّث على المنبر، ويكاتبه أحمد بن حنبل، فيتقوّى بكتابه، ويقرؤه على المنبر، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التّحامل على عليّ.

إبراهيم بن يوسف

وقال الدّارقطني: أقام بمكة مدّة، وبالرّملة مدّة، وبالبصرة مدّة، وكان من الحفّاظ المصنّفين، والمخرّجين الثّقات، لكن كان فيه انحراف عن عليّ بن أبي طالب، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فخرج إليهم، فأخرجت جارية له فرّوجة لتذبح، فلم تجد أحداً يذبحها؛ فقال: سبحان الله، لا يوجد من يذبحها، وقد ذبح عليّ بن أبي طالب في ضحوة نيفاً وعشرين ألفاً. قال ابن يونس: قدم مصر سنة خمس وأربعين ومئتين، وكتبت عنه، وكانت وفاته بدمشق سنة ستّ وخمسين ومئتين. وقال أبو الدّحداح: مات سنة تسع وخمسين ومئتين، يوم الجمعة مستهل ذي القعدة. إبراهيم بن يوسف بن خالد بن سويد أبو إسحاق الرّازي الهسنجانيّ سمع بدمشق، وأسمع. روى عن طالوت بن عبّاد، بسنده عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل إمامه أن يجعل الله رأسه رأس حمار ". قال ابن ماكولا: مات الهسنجانيّ في سنة إحدى وثلاثمئة. إبراهيم بن يوسف سمع من بعض أهل العلم بعد السّتّين وأربعمئة.

إبراهيم بن يونس بن محمد بن يونس

إبراهيم بن يونس بن محمد بن يونس أبو إسحاق بن أبي نصر المقدسيّ الخطيب أصبهاني الأصل، سمع بدمشق وبيت المقدس. روى عن علي بن طاهر المقدسيّ، بسنده عن ميمونة بنت الحارث: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي على الخمرة. توفي يوم الجمعة، وصلّى عليه ابنه أبو الحسين أحمد، يوم السبت الثاني من ذي الحجّة سنة إحدى وتسعين وأربعمئة بدمشق، ودفن بمقابر باب الصّغير. وقال عن مولده: ولدت في رمضان سنة إحدى وعشرين وأربعمئة؛ وكان كثير التّلاوة للقرآن. إبراهيم أبو زرعة مولى الوليد بن عبد الملك، والد زرعة بن إبراهيم كان من مسلمة أهل الكتاب، يعدّ في الشاميّين. إبراهيم أبو إسحاق ابن النّائحة، الشّاعر من أهل دمشق. كان في زمن أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون. حدّث قال: دخلت على أبي الجيش خمارويه بن أحمد، فقال لي: أخبرني بحديث حسن، فقلت: بلغني أيّد الله الأمير أن رجلاً من الممتحنين ممّن تولّت عنه الدّنيا،

وزالت عنه النّعمة، ولحقته النّحوس، وساءت حاله، ورثّت ثيابه، وشعث شعره، وكثر سهره، وقلّ فرخه، فوجد درهماً، فقال: آخذ شعري، وأغسل ثوبي، وأدخل الحمّام؛ فكسر الدّرهم بأربعة وجعله في جيبه، ومضى يغسل ثوبه، فسقطت القطع من جيبه، ولم يبق منها إلاّ قطعة واحدة، فرجع واجتاز في طريقه بحمّام فدخله، وأعطى القطعة؛ فلّما دخل الحمّام نام فيه، وقصد ذلك الحمّام رجل من الأغنياء ذو حشم وغلمان، فدخل الحمّام وليس فيه إلاّ هذا النّائم، فأراد الغلمان طرده، فنهاهم عن ذلك، وقال: دعوه. فلّما انتبه الرّجل استحيا وأراد الخروج، فدعاه الرّجل إليه، وخاطبه وكلّمه، فإذا رجل أديب متكلم فهم ظريف، قد كملت فيه الأخلاق الشّريفة، إلاّ انه فقير لا شيء له؛ وإذا بالرّجل الغنيّ صاحب الحشم رجل قصير، أعور، مقطوع الأذنين، أحدب؛ فعجب من نفسه وحاله ومن الرّجل. فأمر الرّجل غلمانه، فغسلوا رأسه، ودعا بمزيّن فأخذ شعره، ودعا له بثياب جدد، فلبسها، وحمله معه إلى منزله، وقدّم له طعاماً سريّاً، فأكل معه، وأمر له بمئة دينار، وقال له: قد أجريت لك في كلّ شهر عشرة دنانير، أكسوك كسوة الشّتاء والصّيف. فقال له: يا سيّدي، أريد أن تحدّثني ما الذي كان بسببه قطع أذناك، وقلعت عينك، وما هذه الحدبة التي في ظهرك؟ فقال له الرّجل: يا هذا، وأيش سؤالك عمّا لا يعنيك، اله عن هذه؛ قال: لا بدّ أن تحدّثني؛ قال: يا هذا؛ إنّ هذا الذي تسألني عنه شيء ما حدّثت به أحداً قطّ، ولا جسر أحد يسألني عنه غيرك؛ وأنا الذي جلبت لنفسي هذه البليّة بإدخالك منزلي، فقم عافاك الله وانصرف. فقال: لا والله لا برحت أو تحدّثني؛ فقا: يا هذا، اختر منّي خصلة من اثنتين؛ إمّا أن تنصرف وقد سوّغتك ما وهبت لك، وإمّا أن أحدّثك وآخذ منك كلّ ما أعطيتك، وألبسك خلقك، وأضربك مئة عصاً تأديباً لك! فقال: يا سيدي، خذ منّي، واعمل بي ما شئت بعد ذلك؛ فقال للغلمان: اعتزلوا،

ثم أنشأ يحدّثني، فقال: كانت لي ابنة عمّ غنيّة موسرة، عظيمة اليسار، فخطبتها، فلم ترغب في لدمامتي وفقري، فوجّهت إليها: يا بنت عمّي، أبي وأبوك أخوان، وأنا أولى النّاس بك، وأنا أسألك أن تحبسي نفسك عليّ سنةً، فإن رزقني الله، وفتح لي، فأنا أولى النّاس بك، وإلاّ فاعملي بنفسك ما أحببت؛ فأجابتني إلى ذلك، واحتلت بعشرين ديناراً فاشتريت فرساً وسرجاً ولجاماً وسلاحاً، وخرجت إلى رجل من الفتيان ممّن يقطع الطّريق، معروف بالشّجاعة والفروسيّة، والإحسان إلى الفتيان والصّعاليك؛ وحدّثته بخبري، وطرحت نفسي عليه، وقبّلت رأسه ويديه، فأقمت عنده شهراً، وهو محسن إليّ، ثمّ خرجنا إلى الصّحراء نطلب الطّريق، ونحن عشرة فتيان أجلاد شجعان، كلّ واحد يرى نفسه. فبينما نحن جلوس إذ وافى رجل على فرس فاره، وسرج ولجام محلّى، ومعه بغل عليه صناديق، فوق الصّناديق جارية كأنّها الشّمس الطّالعة، وعليها ثياب مرتفعة، وحلّي ظاهر؛ فقال رئيسنا: قد جاءكم رزقكم؛ ثم التفت إلى رجل من أصحابه، فقال: يا فلان، قم الحق الرّجل فاقتله، وائتنا بالجارية وما معها؛ فركب الرّجل فرسه، ومضى خلف الرّجل حتى غاب عنّا وأبطا؛ فقال رئيسنا: أظنّ صاحبنا قتل الرّجل واشتغل بالجارية يضاجعها؛ ثم قال لرجلين: قوما إلى الجارية والرّجل فاحضرا ذلك إلينا؛ فمضيا واحتبسا ولم يعودا! فقال: لأصحابنا خبر؛ ثم ركب فرسه، وركبنا خيلنا، وسرنا فوافينا صاحبنا الأوّل مقتولاً، ثم سرنا فوافينا الآخرين قتيلين، وسرنا حتى لحقنا الرّجل، وإذا معه قوس موترة، وفيه السّهم؛ فرمى رئيسنا فقتله، ثم ثنّى بآخر فقتله، فانهزم الباقون، وهربوا على وجوههم، وأقمت أنا، فطلبت منه الأمان، فأمّنني، وسألته أن يأذن لي في صحبته وخدمته، فقال: خلّ قوسك وتعال سق بالجارية، وسار، ولم يأخذ من سلب القوم شيئاً، ولا من دوابّهم؛ ولم يزل سائراً إلى العصر حتى أتى ديراً فدّق بابه، فنزل إليه صاحب الدّير ففتح الدّير، ودخل الرّجل والجارية الدّير وأنا معهما، وذبح له صاحب الدّير دجاحة، وأعدّ له طعاماً سريّاً، ثم قدّم المائدة، وجلس الرّجل والجارية وأنا وصاحب الدّير وابنه، فأكلنا حتى شبعنا، ثم احضر الشّراب فلم يزالوا يشربون إلى المغرب، ثم قام إليّ وقال: اعذرني فيما أفعله بك، فإنيّ لست آمنك، وإنّما

أنت لصّ بعد كل حال، وأكره غدرك؛ ثم شدّ يدي وحبسني في بيت وأقفل عليّ، ولم يزل يشرب حتى سكر ونام، وأنا أطالع من شقّ الباب. فإذا الجارية رميت بحصاة، فأشارت إلى الذي رماها، وقالت: قف قليلاً، فلّما استثقل الفتى قامت إلى ابن صاحب الدّير، فوطئها، ثم عادت إلى مولاها؛ فغرت عليها، وقلت: مثل هذه جسرت على هذا السّيّد الشّجاع الذي ما رأت عيني مثله قطّ، فأقبلت أرمقها من خلل الباب وهي تقصد ابن صاحب الدّير يقضي حاجته منها ثم تعود، فلّما أصبح الرّجل، فتح الباب، وحلّ عني، واعتذر إليّ أيضاً. ومضت الجارية خارج الدّير لما يخرج له النّساء، فحدّثت مولاها بما كان منها، فصاح عليّ وزبرني وانتهزني فسكتّ وأنا خجل، فقلت: هذا رجل قد علم بها وراقت الجارية، فلم يظهر لها شيئاً. وأقام يومه ذلك، وأعدّ له صاحب الدّير طعاماً كما فعل بالأمس، وهو في ذلك يضاحك الجارية ويمازحها، إلى أن قدّم الطّعام، فأكلنا ثم قدّم الشّراب، فشربنا كفعلنا بالأمس سواء؛ ومع الجارية عود تغنّي به، فلّما جاء المساء، قام إليّ واعتذر إليّ وشدّ يديّ وحبسني في البيت وأقفله عليّ، وأقبل يشرب، وأنا أنظر إليه إلى أن نام، ورميت الجارية بحصاة، فأومت إليه: قف قليلاً؛ فلّما علمت أن مولاها قد استثقل قامت إليه فوطئها، ووثب مولاها إليهما مبادراً فذبحها، ثم فتح الباب عليّ، وحلّ كتافي، ودعا بصاحب الدّير وقال: خذ ابنك فواره، وحدّثه بأمره؛ وقال لي: إنّما صحت عليك لأستثبت القصّة في سكون، ولا أقدم على ما أقدم عليه إلاّ بعلم وعذر واضح. ثم أمرني فأسرجت له فرسه، فركب وحمل الصّناديق والجارية فوقها، وسار وأنا بين يديه ماش حتى انتصف اللّيل، وقال: عاونّي؛ فلم أزل أنا وهو حتى حفرنا قبراً وطرح الجارية فيه بثيابها وحليها لم ينزعه عنها وطم القبر ودفع إلى صرة، وقال: هذه مئة دينار، خذها وامض إلى أهلك، ولا تقصد هذا القبر ولا تقربه، والله لئن قربته لأنكّلنّ بك؛ فقلت: ما أقربه. وانصرفت فاختفيت ثلاثة أيام، ثم جئت إلى القبر في اللّيل، فحفرت حتى وصلت

إلى الجارية، فإذا مولاها قائم على رأسي، فأخرجني من القبر، وقطع أذنيّ، وقال: والله لئن عدت لأنكلن بك. فأقمت عشرة أيام، ثم رجعت إلى القبر، فحفرته حتى وصلت إلى الجارية، وهممت بقلع الحليّ، فإذا مولاها قائم على رأسي فأخرجني، وقلع عيني اليمنى؛ وقال ألم أقل لك: إنك لصّ، ليس فيك حيلة، والله لئن عدت لأقتلنك. وانصرفت، ثم عدت إلى القبر بعد ستة أشهر، وحفرت عليها، فقلعت عنها الحليّ، ورددت القبر كما كان، وانصرفت، فوجدت في الحليّ خمسمئة دينار، وجئت بلدي، ورفقت بابنة عمّي حتى تزوّجت بها، وكانت عظيمة النّعمة، كثيرة الجواري، فأباحتني نعمتها، ووضعت يدي في التّجارة، فكثر مالي، واتسعت دنياي، وعشقت جارية من جواري زوجتي، وبليت بها، وزاد الأمر عليّ حتى كنت لا أصبر عن نظري إليها، وبذلت لها ثلاثمئة دينار على أن تمكّنني من نفسها فلم تفعل، فقنعت بالنّظر، فشكتني إلى ستّها، وأعلمتها محبتي لها، وما بذلت لها، فحجبتها عنّي، ومنعتني من النّظر إليها. فجعلت بيني وبينها رسولاً على أن أشتريها من ستّها ثم أعتقها وأتزوّج بها، وأهب لها ألف دينار، فامتنعت وكلّمتني من وراء حجاب، فقالت: يا مولاي: اصدقني حتى أصدقك، هل أحببت ستّي قطّ؟ فقلت: إي والله، حتى جاء حبّك فأزال حبّها؛ قالت: وكذا بعدي تحبّ غيري وتبغضني، أنت رجل ملول، لا تصلح لي، فلا تتعب نفسك، فليس والله تصل إليّ أبداً. ومضت إلى ستّها فحدّثتها بكل ما جرى بيني وبينها، فطردت الرّسول، وحجبتها عنّي، فاشتد قلقي، ثم قابلتني وقالت: أخذتك فقيراً وحشاً، فكسرت بختي، ولحقني منك بلاء؛ إلى أن زاد الأمر بيني وبيتها، فمددت يدي إليها فأقبلتها إلى الأرض، وجعلت أخنقها، فبادرت الجارية التي أحبهّا فأخذت منارة عظيمة فضربت بها ظهري، وخرجت من الدّار هاربة على وجهها منّي. فماتت زوجتي ممّا خنقتها، وظهرت لي حدبة في ظهري، ولم أر الجارية إلى يومي هذا ولا سمعت لها بخبر!

إبراهيم الخياط

ثم أمر بالرّجل فنزعت عنه ثيابه، وألبسه خلقانه، وأخذ المال منه، وضربه مئتي عصاً وطرده. قال أبو إسحاق: فضحك أبو الجيش، وأمر لي بمئة دينار، فأخذتها وانصرفت. إبراهيم الخيّاط كان شيخاً فاضلاً بدمشق، يسكن بمسجد باب كيسان في سنة تسع وخمسين وثلاثمئة. أسماء الرجال على حرف الألف أبرد الدّمشقي فرّق ابن مندة بينه وبين أبرد بن يزيد الشّاميّ أبرش بن الوليد بن عبد عمرو ابن جبلة بن وائل بن قيس بن بكر بن الجلاح وهو عامر بن عوف بن بكر بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن الحاف ابن قضاعة واسمه سعيد، والأبرش لقب؛ أبو مجاشع الكلبيّ أحد الفصحاء من أصحاب هشام بن عبد الملك. عن هشام بن محمد بن السّائب الكلبيّ: أتت الخلافة هشاماً، وعنده سالم كاتبه، وكان مولاه، وإليه تنسب أجمة سالم؛ والرّبيع حاجبه؛ والأبرش الكلبيّ جليسه؛ فسجد هشام وكاتبه وحاجبه، ولم يسجد الأبرش، فلّما رفع هشام رأسه قال:

يا أبرش، ما منعك من السّجود وقد سجدت وسجد هذا وهذا؟ قال: أمّا أنت فأتتك الخلافة فشكرت الله عزّ وجلّ على عطاء جزيل، وأما هذا فكاتبك وشريكك، وأمّا هذا فحاجبك والمؤدّي عنك وإليك، وأمّا أنا فرجل من العرب لي بك حرمة وخاصيّة، وأنا أخاف أن تغيّرك الخلافة، فعلى ماذا أسجد؟ قال: وإنّما منعك من السّجود ما ذكرت!؟ نعم؛ قال: فلك ذمّة الله وذمّة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أتغيّر عليك؛ قال: الآن طاب السّجود، الله أكبر. وحدّث الأبرش، قال: دخلت على هشام بن عبد الملك، فسألته حاجة، فامتنع عليّ، فقلت: يا أمير المؤمنين لا بدّ منها، فإنّا قد ثنينا عليها رجلاً؛ قال: ذاك أضعف لك، أن تثني رجلك على ما ليس عندك؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت أظنّ أنّي أمدّ يدي إلى شيء ممّا قبلك إلاّ نلته؛ قال: ولم؟ قلت: لأنّي رأيتك لذلك أهلاً، ورأيتني مستحقّة منك؛ قال: يا أبرش، ما اكثر من يرى أنه مستحقّ أمراً ليس له بأهل؛ فقلت: أفّ لك! إنك والله ما علمت قليل الخير نكده، والله إن نصيب منك الشّيء إلاّ بعد مسألة، فإذا وصل إلينا مننت به، والله إن أصبنا منك الخير قطّ. قال: لا والله، ولكنّا وجدنا الأعرابيّ أقلّ شيء شكراً؛ قلت: والله إني لأكره الرّجل يحصي ما يعطي. ودخل عليه أخوه سعيد بن عبد الملك، ونحن في ذلك، فقال: مه يا أبا مجاشع، لا تقل ذلك لأمير المؤمنين. قال: فقال هشام: أترضى بأبي عثمان بيني وبينك؟ قلت: نعم؛ قال: قال سعيد: ما تقول يا أبا مجاشع؟ فقلت: لا تعجل، صحبت والله هذا، وهو أرذل بني أبيه، وأنا يومئذ سيّد قومي، وأكثرهم مالاً، وأوجههم جاهاً، ادعى إلى الأمور العظام من قبل الخلفاء، وما يطمع هذا يومئذ فيما صار إليه حتى إذا صار إلى البحر الأخضر غرف لنا منه غرفةً، ثم قال: حسبك؛ فقال هشام: يا أبرش، اغفرها لي، فوالله لا أعود بشيء تكرهه أبداً، صدق يا أبا عثمان. قال: فوالله ما زال لي مكرماً حتى مات.

وعن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: قال الفرزدق أبياتاً كتب بها إلى سعيد بن الوليد الأبرش الكلبيّ، فكلّم له هشاماً، وهي: من الطويل إلى الأبرش الكلبيّ أسندت حاجةً ... تواكلها حيّاً تميم ووائل على حين أن زلّت بي النّعل زلّةً ... وأخلف ظنّي كلّ حاف وناعل فدونكها يا بان الوليد فإنّها ... مفضفة أصحابها في المحافل ودونكها يا ابن الوليد فقم لها ... قيام امرئ في قومه غير حامل فكلّم فيها هشاماً، فأمر بتخليته، فقال: من الطويل لقد وثب الكلبيّ وثبة حازم ... إلى خير خلق الله نفساً وعنصراً إلى خبر أبناء الخلافة لم تجد ... لحاجته من دونها متأخراً أبى حلف كلب في تميم وعقدها ... لما سنّت الآباء أن يتغيّرا وكان حلف قديم بين كلب وتميم في الجاهلية؛ في ذلك قول جرير: من الطويل تميم إلى كلب، وكلب إليهم ... أحقّ وأولى من صداء وحميرا وعن أبي اليقظان، قال: كان بين مسلمة وهشام تباعد، وكان الأبرش الكلبيّ يدخل إليهما، وكان أحسن النّاس حديثاً وعقلاً وعلماً، فقال له هشام: كيف تكون خاصّاً بي وبمسلمة على ما بيننا؟ فقال: لأنّي كما قال الشاعر: من الطويل أعاشر قوماً لست أخبر بعضهم ... بأسرار بعض، إن صدري واسع فقال: كذلك والله أنت. وعن محمد بن سلاّم، قال: حدا الأبرش بالمنصور، فقال: من الراجز

أبق بن محمد بن بوري

أغرّ بين حاجبيه نوره ... إذا توارى ربه ستوره فأطرب المنصور، فأمر له بدرهم! فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني حدوت بهشام بن عبد الملك، فطرب فأمر لي بعشرة آلاف درهم؛ فقال: يا ربيع، طالبه بها، وقد أعطاه ما لا يستحقّه، وأخذه من غير حلّه! ؛ فلم يزل أهل الدّولة يشفعون له حتى ردّ الدّرهم وخلّي. أبق بن محمد بن بوري ابن طغتكين أتابك أبو سعيد التّركيّ ولد ببعلبك، وقدم دمشق مع أبيه محمد، فلّما مات أبوه محمد ولي إمرة دمشق يوم الجمعة الثامن من شعبان سنة أربع وثلاثين وخمسمئة، وكان أتابك زنكي بن أق سنقر صاحب حلب وبعض الشّام والموصل والجزيرة محاصراً لدمشق، فلم يصل منها إلى مقصود، ورحل عنها، وكان أبق صغير السّنّ، واستولى على أمره أنر بن عبد الله، الملّقب بمعين الدّين مملوك جدّ أبيه طغتكين، والرئيس أبو الفوارس المسيّب بن عليّ بن الصّوفي، فلّما مات أنر انبسطت بد أبق، والرئيس أبو الفوارس يدبّر الأمور، وبعد مدّة دبّر أبق وجماعة من بطانته على الرّئيس حتى أخرجه من دمشق إلى صرخد، واستوزر أخاه أبا البيان حيدرة بن عليّ مديدة، ثم استدعى عطاء بن حفاظ السّلميّ الخادم من بعلبكّ، وجعله مقدّماً على العسكر، وقتل أبا البيان، ثم قبض على عطاء وقتله، ولم يلبث بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى قدم الملك العادل محمود بن زنكي بن آق سنقر، فحاصر البلد مدّةً يسيرة وسلّم إليه بالأمان يوم الأحد العاشر من صفر سنة تسع وأربعين وخمسمئة، ووفى لأبق بما جعل له وسلّم إليه مدينة حمص، فأقام بها يسيراً، ثم انتقل منها إلى بالسن مدينة بناحية الفرات فسلّمت إليه بأمر الملك العادل، فأقام بها مدّةً، ثم توجه منها إلى بغداد، فقبله أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، وأخرج له ديواناً كفاه ببغداد، وقد كان

أبو نخيلة بن حرز ويقال حزن

قبل أن يخرج أبق الصّوفيّ من دمشق قد رفع الأقساط وما كان يؤخذ في الكور من الباعة، وكان كريماً، ومات ببغداد. أبو نخيلة بن حرز ويقال حزن ابن زائدة بن لقيط بن هدم بن يثربيّ، وقيل: أثربيّ بن ظالم بن مخاشن بن حمّان بن عبد العزّي بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أبو الجنيد، وأبو العرماس الحمّانيّ الشّاعر من أهل البصرة، وأبو نخيلة اسمه، وله كنيتان، ويقال: اسم أبي نخيلة حبيب بن حزن. وكان عاقّاً بأبيه فنفاه عن نفسه، فخرج إلى الشّام، واتّصل بمسلمة بن عبد الملك، فأحسن إليه، وأوصله إلى خلفاء بني أميّة واحداً بعد واحد، وبقي إلى أيّام المنصور، وكان الأغلب على شعره الرّجز، وله قصيد غير كثير؛ وفد على هشام بن عبد الملك؛ وولدته أمّه في أصل نخلة فسمّته أبا نخيلة، وقيل: إنه كان مطعون النّسب. عن يحيى بن نحيم، قال: لمّا انتفى أبو أبي نخيلة منه، خرج يطلب الرّزق لنفسه، فتأدّب بالبادية حتى شعر وقال رجزاً كثيراً، وقصيداً صالحاً، وشهر بهما، وشاع شعره في البدو والحضر ورواه النّاس. ثم وفد إلى مسلمة بن عبد الملك فرفع منه، وأعطاه وشفع له، وأوصله إلى الوليد بن عبد الملك، ولم يزل به حتى أغناه. قال يحيى بن نجيم: فحدّثني أبو نخيلة، قال: وردت على مسلمة بن عبد الملك فمدحته، وقلت له: من الطويل

أمسلم إنّي يا ابن كلّ خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض شكرتك إن الشّكر حبل من التّقى ... وما كلّ من أوليته نعمةً يقضي وألقيت لمّا أن أتيتك زائراً ... عليّ لحافاً سابغ الطّول والعرض وأحييت لي ذكري وما كان خامداً ... ولكنّ بعض الذّكر أنبه من بعض قال: فقال لي مسلمة: ممّن أنت؟ قلت: من بني سعد؛ فقال: ما لكم يا بني سعد وللقصيد، وإنّما حظّكم في الرّجز؛ قال: فقلت له: أنا والله أرجز العرب! ؛ قال: فأنشدني من رجزك. فكأنّي والله لمّا قال لي ذلك، لم أقل رجزاً قطّ، أنسانيه الله كلّه، فما ذكرت منه ولا من غيره شيئاً إلاّ أرجوزة لرؤبة، وقد كان قالها في تلك السّنة؛ فظننت أنها لم تبلغ مسلمة، فأنشدته إيّاها؛ فنكّس، وتتعتعت؛ فرفع رأسه إليّ، وقال: لا تتعب نفسك، فإنّي أروى لها منك!. قال: فانصرفت وأنا أكذب النّاس عنده، وأخزاهم عند نفسي؛ حتى تلطّفت بعد ذلك، ومدحته برجز كثير، فعرفني وقرّبني، وما رأيت ذلك فيه ولا قرعني به حتى افترقنا. وحدّث الأصمعي عن عبيد الله بن سالم، قال: دخل عليّ أبو نخيلة، وأنا في قبّة تركيّة مظلمة، ودخل رؤبة فقعد في ناحية منها، ولا يشعر كلّ واحد منهما بمكان صاحبه، وقد قلنا لأبي نخيلة: أنشدنا، فانشد هذه وانتحلها بنفسه: من الرجز هاجك من أروى كمنهاض الفكك ... همّ إذا لم يعده همّ فتك وقد أرتنا حسنها ذات المسك ... شادخةً الغرّة زاهراء الضّحك تبلّج الزهراء في جنح الدّلك ... يا حكم الوارث عن الملك أرديت إن لم تحب حبو المعتنك ... أنت بإذن الله إن لم تترك

مفتاح حاجات أنحناهنّ بك ... الذّخر فيها عندنا والأجر لك قال: ورؤبة يئط ويزحر، فلّما فرغ قال رؤبة: كيف أنتم أبا نخيلة؟ فقال: يا سوأتاه! ألا أراك ها هنا؟ إنّ هذا كبيرنا الذي يعلّمنا؛ فقال رؤبة: إذا أتيت الشّام فخذ منه ما شئت، وما دمت بالعراق فإيّاك وإيّاه. قال يموت بن المزرّع: سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول: قال احمد بن إسحاق: دخل أبو نخيلة اليمن فلم ير أحداً حسناً، ورأى وجهه وكان قبيحاً فإذا هو أحسن من بها، فأنشأ يقول: من الرجز لم أر غيري حسناً ... منذ دخلت اليمنا ففي حرامّ بلدة ... أحسن من فيها أنا! حدّث الدّغل بن الخطّاب، قال: بنى أبو نخيلة داره، فمّر به خالد بن صفوان، فوقف عليه، فقال له أبو نخيلة: يا أبا صفوان، كيف ترى؟ قال: رأيتك سألت إلحافاً، وأنفقت إسرافاً، وجعلت يديك سطحاً، وملأت الأخرى سلحاً، فقلت: من وضع في سطحي وإلاّ رميته بسلحي؛ ثم مضى. فقيل له: ألا تهجوه؟ قال: إذاً يقف على المجالس سنة يصف أنفي لا يعيد حرفاً!. حدّث أبو نخيلة، قال: قدمت على أبي جعفر، فأقمت ببابه شهراً لا أوصل إليه، حتى قال لي ذات يوم عبد الله بن الرّبيع الحارثيّ: يا أبا نخيلة، إن أمير المؤمنين يرشّح ابنه للعهد بالخلافة، وهو على تقديمه بين يدي عيسى بن موسى، فلو قلت شيئاً تحثّه على ذلك، وتذكر فضل المهديّ كنت بالحريّ أن تصيب خيراً منه ومن أبيه، فقلت: من الرجز.

دونك عبد الله أهل ذاكا ... خلافة الله الذي أعطاكا أصفاك والله بها أصفاكا ... فقد نظرنا زمناً أباكا ثم نظرناك لها إيّاكا ... ونحن فيهم والهوى هواكا نعم ونستذري إلى ذراكا ... أسند إلى محّمد عصاكا فأنت ما استرعيته كفاكا ... وأحفظ النّاس له أذناكا وقد حملت الرّجل والأوراكا ... وحكت حتى لم أجد محاكا وزدت في هذا وذا وذاكا ... فكلّ قول قلت في سواكا زور وقد كفرّ هذا وذاكا. وقلت أيضاً كلمتي التي أقول فيها: من الرّجز إلى أمير المؤمنين فاعمدي ... سيراً إلى بحر البحور المزبد أنت الذي يا ابن سمي أحمد ... ويا ابن بنت العرب المشيد بل يا أمين الواحد الموحدّ ... إنّ الذي ولاّك ربّ المسجد أمسى وليّ عهدها بالأسعد ... عيسى فزحلقها إلى محّمد من قبل عيسى معهداً عن معهد ... حتّى تؤدّى من يد إلى يد فيكم وتغنى وهي في تردّد ... فقد رضينا بالغلام الأمرد بل قد فزعنا غير أن لم نشهد ... وغير أنّ العهد لم يؤكد فلو سمعنا لّجة امدد أمدد ... كانت لنا كزعقة الورد الصّدي فبادر البيعة ورد الحسّد ... بيّن من يومك هذا أو غد فهو الذي تمّ فما من عنّد ... وردّ ما شئت فزده يزدد وردّه مثل رداء ترتدي ... فهو رداء السّابق المقلّد قد كان يروى أن ما كان قد ... عادت ولو فعلت لم تودد فهي ترامي فدفداً عن فدفد ... حيناً فلو قد حان ورد الورّد وحان تحويل القرين المفسد ... قال لها الله هلمّي فاسندي

فأصبحت نازلةً بالمعهد ... والمحتد المحتد خير محتد لم ترم ثرثار النّفوس الحسّد ... بمثل ملك ثابت مؤيّد لمّا انتخوا قدحاً بزند مصلد ... يلوي بمشرون القوى مستجمد يزداد إبغاضاً على التّهدد ... فزايلوا باللّين والتعبّد صمامة تأكل أكل المزبد قال: فرويت وصارت في أفواه الخدم، وبلغت أبا جعفر، فسأل عن قائلها، فأخبر أنها لرجل من زيد مناة، فأعجبته فدعاني فدخلت عليه، وإنّ عيسى بن موسى لعن يمينه، والنّاس عنده ورؤوس القّواد والجند. قال: فلّما كنت بحيث يراني ناديت: يا أمير المؤمنين، أدنني منك حتى أفهمك وتسمع مقالتي. ثال: فأومى بيده فأدنيت حتى كنت قريباً منه، فلّما صرت بين يديه، قلت ورفعت صوتي أنشده من هذا الموضع من الكلمة، ثم رجعت إلى أوّل الأرجوزة، فأنشدته من أوّلها إلى هذا الموضع أيضاً، فأعدت عليه حتى أتيت على آخرها والنّاس منصتون، وهو يتسارّ بما أنشدته، مستمع له، فلّما خرجنا من عنده، إذا رجل واضع يده على منكبي، فالتفت فإذا عقال بن شبّة، فقال: لها أنت، فقد سررت أمير المؤمنين، وإن التام الأمر على ما نحبّ فلعمري لتصيبنّ منه خيراً، وإن يك غير ذاك فابتغ نفقاً في الأرض أو سلّماً في السّماء. قال: فكتب له المنصور بصلة إلى الرّيّ، فوجّه عيسى في طلبه، فلحق في طريقه، فذبح وسلخ وجهه؛ وقيل: قتل بعدما انصرف من الرّيّ، وقد أخذ الجائزة.

أبي بن كعب بن قيس بن عبيد

أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجار وهو تيم الله ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أبو المنذر الأنصاريّ الخزرجيّ، ويكنى أيضاً أبا الطّفيل سيّد القرّاء، شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً والعقبة وغيرهما من المشاهد، وروى عنه أحاديث صالحة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، وكتب كتاب الصّلح لأهل بيت المقدس. روى قال: كان رجل بالمدينة لا أعلم رجلاً كان أبعد منزلاً من المسجد منه، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الرّمضاء والظلّماء؛ فقال: ما يسرّني أن داري إلى جنب المسجد. فنمى الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أردت بقولك: ما يسرّنّي أنّ داري إلى جنب المسجد؟ قال: أردت أن يكتب إقبالي إذا أقبلت المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي؛ قال: أنطاك الله ذلك كلّه، أنطاك الله ما احتسبت أجمع مرتين. وعن أبي الحويرث، قال: كان يهود من بيت المقدس، وكانوا عشرين رأسهم يوسف بن نون، فاخذ لهم كتاب أمان، وصالح عمر بالجابية، وكتب كتاباً، ووضع عليهم الجزية وكتب: بسم الله الرّحمن الرحيم، أنتم آمنون على دمائكم وأموالكم وكنائكسم ما لم تحدثوا أو تؤوا محدثاً، فمن أحدث منهم أو آوى محدثاً فقد برئت منه ذمّة الله، وإنّي بريء من معرّة الجيش؛ شهد معاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجرّاح، وكتب أبيّ بن كعب. وعن عليّ بن رياح اللّخميّ، قال: خطب عمر بن الخطّاب بالجابية، فقال: أيّها

النّاس، من كان يريد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن كان يريد أن يسال عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن كان يريد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن كان يريد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني له خازناً وقاسماً، أبدأ بأزواج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بالمهاجرين بن الأوّلين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، أنا وأصحابي، ثم بالأنصار الذين تبوؤا الدّار والإيمان، فمن أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة فلا يلومنّ رجل منكم إلاّ مناخ راحلته. قال ابن سعد: وأمّه صهيلة بنت الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النّجار، وكان لأبيّ بن كعب من الولد: الطّفيل ومحمد، وأمهّما أمّ الطّفيل بنت الطّفيل بن عمرو بن المنذر بن سبيع بن عبد نهم من دوس، وأمّ عمرو بنت أبيّ، ولا ندري من أمّها، وقد شهد أبيّ بن كعب العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعاً، وكان أبيّ يكتب في الجاهليّة قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ على أبيّ القرآن؛ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقرأ أمتي أبيّ ".

وعن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبيّ بن كعب لمّا وقع النّاس في أمر عثمان: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: كتاب الله، ما استبان فاعمل به، وما اشتبه فكله إلى عالمه. وعن زرّ، قال: قلت لأبيّ بن كعب: أبا المنذر، أخبرني عن ليلة القدر، فإن صاحبنا يعني ابن مسعود كان إذا سئل عنها قال: من يقم الحول يصبها، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، أما والله لقد علم أنها في رمضان، ولكن أحبّ أن لا تتّكلموا، وأنها ليلة سبع وعشرين لم يستثن قلت: أبا المنذر، أنّى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبيحة القدر تطلع الشّمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع ". وعن عيسى بن طلحة، قال: كان أبيّ رجلاً دحداحاً ليس بالقصير ولا بالطويل. وقال سهل بن سعد السّاعدي: كان أبيّ لا يغّير شيبه، أبيض الرأس واللّحية. وعن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قال أبيّ بن كعب: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّي أمرت أن أقرأ عليك القرآن " قال: قلت: يا رسول الله، وسمّيت لك؟ قال: نعم. قلت لأبيّ: وفرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني، وهو يقول: " قل: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ". وعن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عمرو فذكر ابن مسعود فقال: ذاك رجل لا أزال أحبّه بعد أن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " استقرؤوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة ". وعن أنس بن مالك، قال: افتخر الحيّان من الأوس والخزرج، فقال الأوس، منّا غسيل الملائكة حنظلة بن الرّاهب، ومنّا من اهتزّ له عرش الرّحمن، ومنّا من حمته الدّبر عاصم بن ثابت بن الأقلح، ومنّا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت؛ قال: فقال الخزرجيّون: منّا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه أحد غيرهم؛ زيد بن ثابت، وأبو زيد وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل. وعن ابن عبّاس: أن أبيّاً قال لعمر: يا أمير المؤمنين إنّي تلّقيت القرآن ممّن تلقّاه من جبريل وهو رطب. زعم أبيّ بن كعب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بالنّاس فترك آية، فقال: " أيّكم أخذ عليّ شيئاً من قراءتي؟ " فقال أبيّ: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد علمت إن كان أحد أخذها عليّ فإنك أنت هو ". وعن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرحم أمتّي أبو بكر، وأشدّهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأفرضهم

زيد، واقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وإن لكل أمّة أميناً، وأمين هذه الأمّة أبو عبيدة بن الجرّاح ". عن أبيذ بن كعب، قال: بينا أنا يوماً في المسجد إذ قرأت آية في سورة النّحل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأنيها، فقرأها رجل إلى جانبي فخالف قراءتي، فقلت: من أقرأك هذه القراءة؟ فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قرأ آخر فخالف قراءتي وقراءته، قلت: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت لله: لا أفارقكما حتى تأتيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتيناه، فأخبرته الخبر، فقال: اقرأ فقرأت، فقال: أحسنت ثم قال لآخر: اقرأ فقرا، فقال: أحسنت، ثم قال للآخر: اقرأ فقرأ، فقال: أحسنت فدخلني شكّ يومئذ لم يدخلني مثله قطّ إلاّ في الجاهلية! فلّما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لعلّ الشّيطان دخلك؟ ثم دفع بكفّه في صدري، فقال: اللهم احبس عنه الشّيطان ثم قال: أتاني آت من ربّي، فقال: يا محّمد اقرأ القرآن على حرف، فقلت: يا رب خفّف عن أمتي، ثم أتاني آت من ربي فقال: يا محمد إقرأ القرآن على حرف، فقلت يا رب خفف عن أمتي ثم أتاني آت من ربي فقال: يا محمد إقرأ القرآن على حرف، فقلت: يا رب خفف عن أمتي ثم أتاني آت من ربّي، فقال: يا محّمد اقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكلّ ردّ مسألة، فقلت: يا رب اغفر لأمّتي، ثم قلت: يا رب اغفر لأمّتي، وأخّرت الثّالثة شفاعة إلى يوم القيامة، والذي نفس محّمد بيده إنّ إبراهيم ليرغب في شفاعتي. عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبا المنذر، أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ " قال: قلت: " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "؛ فضرب في صدري، فقال: " ليهنك العلم، فوالذي نفسي بيده إن لهذه للساناً وشفتين تقدّس الملك عند ساق العرش ".

وعن أبيّ بن كعب، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذهب ربع اللّيل قام فقال: " أيّها النّاس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الرّاجفة تتبعها الرّادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه ". قال أبيّ: قلت: يا رسول الله، إنّي أكثر الصّلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: الرّبع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: أجعل النّصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: الثّلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير قال: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: إذا تكفى همّك، ويغفر ذنبك. وعن أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من شيء يصيب المؤمن في جسده إلاّ كفّر الله عنه به من الذّنوب ". فقال أبيّ بن كعب: اللهم إنّي أسألك أن لا تزال الحمّى مضارعةً الجد أبيّ بن كعب حتى يلقاك، لا يمنعه من صيام ولا صلاة ولا حجّ ولا عمرة ولا جهاد في سبيلك؛ فارتكبته الحمّى فلم تفارقه حتى مات، وكان في ذلك يشهد الصّلوات ويصوم ويحجّ ويعتمر ويغزو. قال الحارث بن نوفل: وقفت أنا وأبيّ بن كعب في ظلّ أطم حسان، وسوق النّاس يومئذ في موضع سوق الفاكهة اليوم؛ فقال أبيّ: ألا ترى النّاس مختلفة أعناقهم في طلب الدّنيا؟ قلت: بلى؛ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع النّاس بذلك وصاروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا النّاس يأخذونه ليذهبنّ به، قال: فيقتتل النّاس فيقتل من كلّ مئة تسعة وتسعون. وعن عمرو بت العاص، قال: كنت جالساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد، فقال: " ادع لي سيّد الأنصار "

فدعو أبيّ بن كعب، فقال: يا أبيّ بن كعب، آيت بقيع المصلّى، فأمر بكنسه، ثم مر النّاس فليخرجوا، فلّما بلغ عتبة الدّار رجع، فقال: يا نبيّ الله، والنّساء؟ قال: نعم، والعواتق والحيض يكنّ في آخر النّاس يشهدن الدّعوة. وعن أبيّ بن كعب، قال: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فلاناً يدخل على امرأة أبيه؛ فقال أبيّ: لو كنت أنا لضربته بالسّيف؛ فضحك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ما أغيرك يا أبيّ! إني لأغير منك، والله أغير منّي. وعن المزني قال: سمعت الشافعيّ يقول: قال رجل لأبيّ بن كعب: أوصني يا أبا المنذر؛ قال: لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحترس من صديقك، ولا تغبطنّ حيّاً إلاّ بما تغبطه به ميتاً، ولا تطلب حاجةً إلى من لا يبالي ألاّ يقضيها لك. ومرّ عمر بن الخطّاب بغلام، وهو يقرأ في المصحف: النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم وهو أب لهم، فقال: يا غلام حكّها؛ قال: هذا مصحف أبيّ؛ فذهب إليه فسأله فقال: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصّفق بالأسواق. وعن جندب، قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، وإذا النّاس في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلق حلق يتحدثون؛ قال: فجعلت أمضي الحلق حتى أتيت حلقةً فيها رجل شاحب، عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقدة وربّ الكعبة، ولا آسا عليهم، قالها ثلاث مرّات؛ قال: فجلست إليه فتحدّث بما قضي له، ثم قام، فلّما قام سألت عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبيّ بن كعب سيّد المسلمين؛ فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رثّ المنزل، ورثّ الكسوة يشبه بعضه بعضاً، فسلّمت عليه، فرّد عليّ السّلام، ثم سألني: من أنت؟ قلت: من أهل العراق؛ قال: أكثر شيء سؤالاً! قال: فلّما قال ذاك

غضبت، فجثوت على ركبتيّ، واستقبلت القبلة، ورفعت يديّ، فقلت: اللهم إنّا نشكوهم إليك، إنّا ننفق نفقاتنا، وننصب أبداننا، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهّمونا وقالوا لنا؛ قال: فبكى أبيّ، وجعل يترضّاني، وقال: ويحك، لم أذهب هناك؛ ثم قال: إنّي أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمنّ بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أخاف فيه لومة لائم؛ ثم أراه قام، فلّما قال ذلك انصرفت عنه وجعلت أنتظر الجمعة لأسمع كلامه؛ قال: فلّما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي فإذا السّكك غاصّةمنالنّاس، لا آخذ في سكّة إلاّ تلقّاني النّاس، قلت: ما شأن النّاس؟ قالوا: نحسبك غريباً؛ قلت: أجل؛ قالوا: مات سيّد المسلمين أبيّ بن كعب. قال: فلقيت أبا موسى بالعراق فحدّثته بالحديث، فقال: والهفاه! ألا كان بقي حتى يبلغنا مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عمران بن عبد الله قال: قال أبيّ بن كعب لعمر بن الخطّاب: مالك لا تستعملني؟ قال: أكره أن يدنس دينك. وعن أبي المهلب، عن أبيّ بن كعب قال: أمّا أنا فأقرأ القرآن في ثمان ليال. وعن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطّاب: اخرجوا بنا إلى أرض قومنا؛ قال: فخرجنا، فكنت أنا وأبيّ بن كعب في مؤخّر النّاس، فهاجت سحابة، فقال أبيّ: اللهم اصرف عنّا أذاها، فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: أما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها؛ فقال عمر: ألا دعوتم لنا معكم! قال معمر: عامّة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعليّ، وأبيّ بن كعب، رضي الله عنهم أجمعين. وعن مسروق، قال: سألت أبيّ بن كعب عن شيء، فقال: أكان بعد؟ قلت: لا؛ قال: فأجمّنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا. وعن أبي العالية، قال: كان أبيّ بن كعب صاحب عبادة، فلّما احتاج إليه النّاس ترك العبادة، وجلس للقوم.

أتسنر بن أوق بن الخوارزمي التركي

وعن عبد الله بن أبي نصير، قال: عدنا أبيّ بن كعب في مرضه، فسمع المنادي بالأذان، فقال: الإقامة هذه أو الأذان؟ فقلنا: الإقامة؛ فقال: ما تنتظرون؟ ألا تنهضون إلى الصّلاة؟ فقلنا: ما بنا إلاّ مكانك؛ قال: فلا تفعلوا، قوموا، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى بنا صلاة الفجر، فلّما سلّم أقبل على القوم بوجهه، فقال: أشاهد فلان، أشاهد فلان حتى دعا بثلاثة كلّهم في منازلهم لم يحضروا الصّلاة، فقال: إن أثقل الصّلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأوهما ولو حبوا، واعلم أن صلاتك مع رجل أفضل من صلاتك وحدك، وأن صلاتك مع رجلين أفضل من صلاتك مع رجل، وما أكثرتم فهو أحبّ إلى الله، وإن الصّفّ المقدّم على مثل صفّ الملائكة، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه، ألا وإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرّجل وحده أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين. قال الهيثم ين عدّي: أبيّ بن كعب توفي سنة تسع عشرة. وقال المدائنيّ: سنة عشرين، فيها مات أبيّ بن كعب. وقال محمد بن عبد الله بن نمير: مات أبيّ بن كعب في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين. وقال الواقدي: اختلف في موت أبيّ بن كعب، وأثبت الأقاويل عندنا أنه مات سنة ثلاثين. وقال ابن سعد: سنة ثلاثين، وهو أثبت هذه الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان بن عفّان أمره أن يجمع القرآن. أتسنر بن أوق بن الخوارزميّ التّركيّ ولي دمشق في ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمئة، بعد حصاره إيّاها دفعات، وأقام بها الدّعوة لبني العبّاس، وتغلّب على اكثر الشّام، وقصد مصر ليأخذها، فلم يتّم له

أجلح بن منصور الكندي

ذلك، ثم رجع إلى دمشق، ووجّه المصريّون إليه عسكراً ثقيلاً، فلّما خاف من ظفرهم به راسل تنش بن ألب أرسلان يستنجد به، فقدم دمشق سنة إحدى وسبعين وأربعمئة، فغلب على البلد، وقتل أتسنر لإحدى عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السّنة، واستقام الأمر لتتش. وكان أتسنر لمّا دخل البلد أنزل جنده آدر الدّمشقيين، واعتقل من وجوههم جماعةً، وشمّسهم بمرج راهط، حتى افتدوا نفوسهم منه بمال أدّوه إليه، ورحل جماعة منهم عن البلد إلى أطرابلس، إلى أن أريحوا منه بعد. أجلح بن منصور الكنديّ شاعر فارس، شهد صفّين مع معاوية، وقتل يومئذ. عن جابر الجعفيّ، عن الشعبيّ، عن الحارث بن أدهم وصعصعة بن صوحان، وأحدهما يزيد على الآخر: قالا: فقتل الأشتر في تلك المعركة بيده سبعة مبارزةً، منهم صالح بن فيروز العكّي، ومالك بن أدهم السّلامانيّ، ورياح بن عتيك الغسّانيّ، والأجلح بن منصور الكنديّ وإبراهيم بن الوضاح الجمحيّ، وزامل بن عتيك الجذامي، ومحمد بن روضة الجمحيّ. قالا: وقتل الأشعث فيها خمسة. وقال جابر: خرج الأجلح بن منصور وكان من فرسانهم، فلّما رآه الأشتر كره لقاءه فحمل عليه وهو يقول: من الرجز بليت بالأشتر ذاك المذحجيّ ... بفارس في حلق مدجّج كاللّيث ليث الغابة المهيّج ... إذا دعاه القرن لم يعرّج فضربه الأشتر فقتله.

أحمر بن سالم المري

أحمر بن سالم المرّيّ شاعر وفد على عبد الملك بن مروان. عن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال: دخل الأحمر بن سالم المرّيّ على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أحمر، كيف قلت: من الطويل مقلّ رأى الإقلال عاراً فلم يزل ... يجوب بلاد الله حتى تموّلا فأنشده، فأصغى إليه مطرقاً، فلّما فرغ قال: حاجتك؟ قال: أنت يا أمير المؤمنين أعلى بالجميل غنياً، فافعل ما أنت أهله، فإني لمّا أوليتني غير كافر. فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم، وألحقه في الشّرف، فخرج من عبد عبد الملك وهو يقول: من الطويل بكفّ ابن مروان حييت وناشني ... إلهي من دهر كثير العجائب فلّما أنشد عبد الملك قال: أحسنت، ويحك، يا ابن سالم، هل كنت هيأت شيئاً ممّا قلت قبل اليوم؟ قال: لا، قال: ويحك، قد أمكنك القول فلا تكثر، وقليل كاف خير من كثير غير شاف؛ ثم أمر له بخلعة وأربعة آلاف درهم وحمله، وقال: الزم بابي، وإيّاك وأعراض النّاس، فإني أرى لك لساناً لا يدعك حتى يوقعك في ورطة يوماً، فاحذر أن يوردك شعرك مورد سوء يصيّرك تحت كلكل هزبر أبي أشبل يضغمك ضغماً لا بقيّة بعد ضغمه فيك. فلم يلبث الأحمر بن سالم أن قدم العراق فهجا الحجّاج بن يوسف، وقال في هجائه: من الطويل ثقيف بقايا من ثمود ومالهم ... أب ماجد من قيس عيلان ينسب

أحنف الكلبي

إذا انتسبوا في قيس عيلان كذّبوا ... وقالوا: ثمود جدّكم والمغيّب هم ولدوكم غير شكّ فيّمموا ... بلاد ثمود حيث كانوا وعذّبوا وأنت دعيّ يا ابن يوسف فيهم ... زنيم إذا ما حصّلوا تتذبذب فطلبه الحجّاج، وأجعل فيه، وتقدّم إلى سائر عمّاله أن لا يفلتهم؛ فأخذه صاحب هيت، ووجّه به مقيّداً؛ فلّما دخل الحجّاج بن يوسف، قال: ما جزاؤك عندي إلاّ أن أعذّبك بما اختاره الله لأعدائه من أليم عقابه؛ فأحرقه بالنّار! أحنف الكلبيّ أحد من دعا إلى بيعة يزيد بن الوليد النّاقص. أحوص بن حكيم بن عمير وهو عمرو ابن الأسود العنسيّ، ويقال: الهمدانيّ قيل: إنه دمشقيّ، والصحيح أنه حمصيّ. رأى أنس بن مالك، وعبد الله بن بسر، وحدّث عن جماعة. روى عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصابه الصّداع ممّا ينزل عليه من الوحي غلّف رأسه بالحنّاء، وكان يأمر بتغيير الشّيب ومخالفة الأعاجم. وعن عبد الله بن عابر، عن عتبة بن عبد السّلمي، عن أبي أمامة الباهليّ، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يقول: " من صلّى صلاة الصّبح وهو في الجماعة، ثم ثبت حتى يسبّح فيه سبحة الضّحى، فصلّى ركعتين أو أربعاً كان له مثل أجر حاجّ ومعتمر. تام له حجّه وعمرته ".

أحوص بن عبد الله

قال ابن عديّ: وللأحوص بن حكيم روايات، وهو ممّن يكتب حديثه، وقد حدّث عنه جماعةمن الثّقات، وليس فيما يرويه شيء منكر، إلاّ أنه يأتي بأسانيد لا يتابع عليها. وقال ابن حميد: قدم الرّيّ مع المهديّ الأحوص بن حكيم، وكان قدوم المهديّ الرّيّ سنة ثمان وستين ومئة. أحوص بن عبد الله ويقال: عبد الله بن الأحوص القرشيّ، الأمويّ من بني أميّة الأصغر بن عبد شمس، أخو أميّة الأكبر، ولاّه معاوية البحرين. عن سليمان بن يسار: أن الأحوص رجل من أشراف أهل الشّام، طلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين، فمات، وهي في الحيضة الثالثة، في الدم، فرفع ذلك إلى معاوية، فلم يوجد عنده بها علم، فسأل عنها فضالة بن عبيد ومن هناك من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجد عندهم بها علماً، فبعث فيها راكباً إلى زيد بن ثابت، فقال: لا ترثه، ولو ماتت لم يرثها. أخضر القيسيّ والد مخارق بن الأخضر وفد على عبد الملك، وحكى عن جرير بن الخطفي الشاعر حدّث أبو الأخضر المخارق بن الأخضر القيسيّ، قال: قال أبي: كنت والله الذي لا إله إلا هو أخصّ النّاس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وكان عديّ بن الرّقاع خاصّاً بالوليد مدّاحاً له. فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحداً من النّزاريّة، ولا يجلس إلاّ إلى

أخطل بن الحكم بن جابر

رجل من اليمن؛ بحيث يقرب من مجلس ابن الرّقاع، إلى أن يأذن الوليد للنّاس فيدخل. فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوّك بمجلسك؟ فقال: إنّي والله ما أجلس غلي إلاّ لأنشده أشعاراً تخزيه وتخزي قومه. قال: ولم يكن ينشد شيئاً من شعره، إنّما كان ينشد من شعر غيره ليذلّه ويخوّفه نفسه؛ فأذن الوليد للنّاس ذات عشية، فدخلوا ودخلنا، فاخذ النّاس مجالسهم، وتخلّف جرير، فلم يدخل حتى دخل النّاس، وأخذوا مجالسهم، واطمأنوا فيها؛ فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السّماطين، فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، إن رأى المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرّقاع المتفرّقة أؤلف بعضها إلى بعض! قال: وأنا جالس اسمع؛ فقال الوليد: والله لقد هممت أن أخرجه على ظهرك للنّاس! فقال جرير وهو قائم كما هو: من الطويل فإن تنهني عنه فسمعاً وطاعةً ... وإلاّ فإني عرضةً للمراجم قال: فقال له الوليد: لا كثّر الله في النّاس أمثالك؛ فقال جرير: يا أمير المؤمنين، إنما أنا واحد قد سعرت الأمّة، فلو كثر أمثالي لأكلوا النّاس أكلاً. قال: فنظرت والله إلى الوليد تبسّم حتى بدت ثناياه تعجباً من جرير وجلده. قال: ثم أمره فجلس. أخطل بن الحكم بن جابر ويقال ابن معمر أبو القاسم القرشيّ سمع وأسمع. روى عن محمد بن يوسف القريابيّ، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تستأمر اليتيمة في نفسها، وصمتها إقرارها ".

أخطل بن المؤمل أبو سعيد الجبيلي

وعن الفريابيّ، بسنده عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أتستأمر النّساء في أبضاعهنّ؟ قال: إن البكر لتستأمر فتستحيي فتسكت، وإذنها سكوتها. وعن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي الدّرداء، قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر رمضان، وإن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدّ الحر، وما فينا صائم إلاّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة. قال ابن زبر: مات سنة أربع وستين ومئتين. وقال ابن منده: مات سنة ستين ومئتين. أخطل بن المؤمل أبو سعيد الجبيلي روى عن مسلم بن عبيد، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية، من بني عبد الأشهل، أنها أتت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النّساء إليك، واعلم نفسي لك الفداء أنه ما من امرأة كانت في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع، إلاّ وهي على مثل رأيي؛ إن الله بعثك إلى الرّجال والنّساء كافّةً فآمنا بك وبإلهك، وإنّا معشر النّساء محصورات، مقصورات، قواعد بيتوتكم، ومفضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرّجال فضّلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك، الجهاد في سبيل الله، وإن الرّجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مرابطاً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أولادكم؛ فما نشاركم في هذا الخير يا رسول الله؟ فالتفت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه كلّه، ثم قال: " سمعتم مقالة امرأة قطّ أحسن

أخيج بن خالد بن عقبة بن أبي معيط

من مساءلتها عن أمر دينها من هذه؟ "؟ قالوا: يا رسول الله، ما ظنّنا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا! فالتفت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها، ثم قال: " انصرفي أيّتها المرأة، واعلمي من وراءك من النّساء، أن حسن تبعّل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، وأتباعها موافقته، يعدل ذلك كله ". قال: فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً. أخيج بن خالد بن عقبة بن أبي معيط واسمه: أبان، ويقال: أجيج كان من صحابة الوليد بن عبد الملك. عن ابن الأعرابي، قال: كان عبد الله بن الحجّاج قد خرج مع نجدة بن عامر الحنفيّ الشّاريّ، فلما انقضى أمره هرب، وضاقت عليه الأرض من شدّة الطلب، فقال في ذلك: من الطويل رأيت بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطرود كفّة حابل تؤدّي إليه أن كلّ ثنيّة ... تيّممها ترمي إليه بقاتل قال: ثم لجأ إلى أخيج بن خالد بن عقبة بن أبي معيط، فسعى به إلى الوليد بن عبد الملك، فبعث إليه بالشّرط، فأخذ من دار أخيج، فأتي به الوليد، فحبسه، فقال وهو في الحبس: من الوافر أقول وذاك فرط الشّوق منّي ... لعيني إذ نأت ظمياء فيضي فما للقلب صبر يوم بانت ... وما للدّمع يسفح من مغيض كأن معتّقاً من أذرعات ... بماء سحابة خصر بضيض

بفيها إذ تخافتني حياءً ... بسر، لا تبوح به، خفيض يقول فيها: فإن يعرض أبو العبّاس عنّي ... ويركب بي عروضاً عن عروض ويجعل غرفه يوماً لغيري ... ويبغضني فإني من بغيض فإنّي ذو غنىً وكريم قوم ... وفي الأكفاء ذو وجه عريض غلبت بني أبي العاصي سماحاً ... وفي الحرب المذكّرة العضوض خرجت عليهم في كلّ يوم ... خروج القدح من كفّ المفيض فذلك من إذا ما جئت يوماً ... تلقّاني بجامعة ربوض على جنب الخوان وذاك لؤم ... وبئست تحفة الشّيخ المريض كأنّي إذا فزعت إلى أخيج ... فزعت إلى مقرقبة بيوض إوزّة غيضة لقحت كشافاً ... لقحقها إذا درجت نقيض قال: فدخل أخيج على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الله بن الحجّاج قد هجاك؛ قال: بماذا؟ فأنشده قوله: فإن يعرض أبو العباس عنّي ... ويركب بي عروضاً عن عروض ويجعل عرفه يوماً لغيري ... ويبغضني فإني من بغيض فقال الوليد: وأيّ هجاء في هذا؟ هو من بغيض إن أعرضت عنه أو أقبلت عليه، أو أحببته أو أبغضته، ثم ماذا؟ فانشده: كأني إذا فزعت إلى أخيج ... فزعت إلى مقرقبة بيوض فضحك الوليد، وقال: ما أراه هجا غيرك؛ فلّما خرج من عنده أمر بتخلية سبيل عبد الله بن الحجّاج.

إدريس بن إبراهيم أبو الحسين

إدريس بن إبراهيم أبو الحسين البغداديّ الواعظ صنّف كتاباً سمّاه: أنس الجليس، ومسرّة الأنيس: روى فيه عن جماعة، ولم يقع إليّمنروى عنه ولا ذكره أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد. إدريس بن أبي إدريس عايذ الله ابن عبد الله بن إدريس بن عايذ بن عبد الله بن عتبة بن غيلان بن مكين الخولانيّ قال المنذر بن نافع: سمعت إدريس بن أبي إدريس يقول: قال لي أبي: أتكتب شيئاً ممّا تسمع منّي؟ فقلت: نعم؛ قال: فائتني به، قال: فأتيته به فحرّقه. وعن يحيى بن الحارث قال: رأيت أبا إدريس الخولانيّ، وإدريس بن أبي إدريس يسجدان في الحجّ سجدتين. وروى عن أبيه قال: ليعقبنّ الله الذين يمشون إلى المساجد في الظّلم نوراً تامّاً يوم القيامة. وقال لأبيه: يا أبه، أما يعجبك طول صمت مسلم بن يسار؟ قال: يا بنيّ، تكلّم بالحق خير من سكوت عنه! فذهبت إلى مسلم بن يسار فأخبرته، فقال؛ يا ابن أخي، سكوت عن الباطل خير من التكلّم به. إدريس بن عبيد الله ويقال ابن عبد الله بن إدريس أبو القاسم الدّمشقيّ التّاجر سمع بمصر.

إدريس بن عمر بن عبد العزيز

إدريس بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس، الأمويّ حدّث عن أبيه. روى أن عمر بن عبد العزيز قال لجرير بن الخطفي: ما أجد لك في هذا المال حقاً، ولكن هذه فضلة من عطائي ثلاثون ديناراً، فخذها واعذر؛ قال: بل أعذرك يا أمير المؤمنين. إدريس بن محمد بن أحمد بن أبي خالد أبو عيسى الأزديّ الصّوريّ، الحلال روى عن محمد بن عبد الوهاب، بسنده عن أنس بن مالك، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصحابه شكوا إليه: أنا نصيب من الذنوب؛ فقال لهم: " لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ". إدريس بن يزيد أبو سليمان النّابلسيّ سكن العراق، وكان أديباً شاعراً. قال أبو بكر الصّوليّ: لقيني يوماً أبو سليمان النّابلسيّ في مربد البصرة؛ فقلت له: من أين؟ قال: من عند أميركم الفضل بن العبّاس، حجبني، فقلت أبياتاً ما سمعها أحد بعد؛ فقلت: أنشدينها، فأنشدني: من مخلع البسيط لمّا تفكرت في احتجابك ... عاتبت نفسي على عتابك فما أراها تميل طوعاً ... إلا إلى اليأس من ثوابك قد وقع اليأس فاستوينا ... فكن كما شئت في احتجابك

آدم نبي الله صلى الله عليه وسلم

فإن تزرني أزرك وإن ... تقف ببابي أقف ببابك والله ما أنت في حسابي ... إلاّ إذا كنت في حسابك قال: وحدّثني إدريس هذا، قال: حجبني الحسن بن يوسف اليزيدي، فكتبت إليه: من الطويل سأترككم جتى يلين حجابكم ... على أنه لا بدّ أن سيلين خذوا حذركم من نوبة الدّهر إنّها ... وإن لم تكن حانت فسوف تحين فلّما قرأ البيتين ردّني وقضى حاجتي. آدم نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنى: أبا محمد، ويقال: أبو البشر جاء في بعض الآثار أنه كان يسكن بيت أبيات، ومسجدها إليه ينسب. عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وسوى ذلك، والسّهل والحزن، والخبيث والطيّب ". وعن ابن عبّاس، قال: إن الله عزّ وجلّ خلق آدم يوم الجمعة بعد العصر، من أديم الأرض، فسمّي آدم، ألا ترى أن من ولده الأبيض والأسود، والطّيب والخبيث، ثم عهد إليه فنسي، فسميّ الإنسان، قال: فوالله ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط. وعن عبد الله بن مسعود، قال: لمّا فرغ الله من خلق ما أحبّ استوى على العرش، وقال للملائكة: " إنّي جاعل في

الأرض خليفةً " إلى قوله " إنّي أعلم ما لا تعلمون "، من شأن إبليس، فبعث جبريل عليه السّلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إنّي أعوذ بالله منك أن تنقص منّي أو تشينني، فرجع، ولم يأخذ، فقال: يا رب إنّها عادت بك فأعذتها، فبعث ميكائيل، فقالت مثل ذلك، فرجع، فبعث ملك الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به، فبّل ترابه حتى عاد طيناً لازباً واللاّزب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض ثم لم يزل حتى أنتن وتغيّر، فذلك حين يقول: من حمأ مسنون، قال: منتن؛ ثم قال للملائكة: " إني خالق بشراً من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "، فخلقه الله بيديه لكي لا يتكبّر إبليس عنه، ليقول له: تتكبّر عمّا عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه؛ فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمّرت به الملائكة، ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم فزعاً منه إبليس، كان يمّر به فيضربه، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخّار، فيكون له صلصلة، فذلك حين يقول: من صلصال كالفخّار، ويقول: لأمر ما خلقت. ودخل في فيه وخرج من دبره، فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكنّه؛ فلّما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الرّوح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلّما نفخ فيه الرّوح فدخل الرّوح في رأسه عطس، فقالت له الملائكة: قل: الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال الله: رحمك ربّك؛ فلّما دخل الرّوح في عينيه نظر إلى ثمار الجنّة؛ فلّما دخل في جوفه اشتهى الطّعام، فوثب قبل أن يبلغ الرّوح في رجليه عجلان إلى ثمار الجنّة، فذلك حين يقول: " خلق الإنسان من عجل "، فسجد الملائكة كلّهم أجمعون، إلاّ إبليس أبى واستكبر، قال الله عزّ وجلّ: ما منعك أن تسجد إذا أمرتك لما

خلقت بيدي، فقال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين. وفي حديث سعيد بن جبير، أنه قال: خلق الله عزّ وجلّ آدم من دحنا، وفي حديث آخر: ومسح ظهره بنعمان السّحاب، ونعمان: جبل بالقرب من عرفة، وبلغني أنه يتوصّل بوادي القرى ونواحيه، وهما جبلا نعمان، ونسبه إلى السّحاب لأنه يشرف عليهما ويعلوهما بالسّحاب، يركز عليهما ويعلوهما، قال الشاعر: منالطويل أيا جبلي نعمان بالله خلّيا ... سبيل الصّبا يخلص إليّ نسيمها وفي حديث آخر للحسن: انه خلق جؤجؤه من نقا ضرية، أي خلق صدره من رمل ضرية. وعن عليّ بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا عمّتكم النّخلة، فإنها خلقت من الطّين التي خلق منها آدم، وليس من الشّجر شيء يلقح غيرها، وأطعموا نساءكم الولد الرّطب، فإن لم يكن رطب فالتمر، وليس من الشّجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران عليهما السّلام ". وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممّا ذا خلقت النّخلة؟ قال: " خلقت النّخلة والرّمان والعنب من فضلة طينة آدم ". وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارج من نار، وخلق آدم ممّا وصف لكم ". وعن شعيب، قال: لمّا خلق الله آدم عليه السّلام، خلقه خلقاً عظيماً؛ قال: فنفخ فيه الرّوح وأجرأه في رجليه تحرّك، فقال الله عزّ وجلّ: " خلق الإنسان

عجولاً "، ثم جرى الرّوح فيه حتى عطس فقال: الحمد له ربّ العالمين، فقال الله عزّ وجلّ: يرحمك ربّك، آدم من أنا؟ قال: أنت الله لا إله إلاّ أنت؛ قال: صدقت. قال: فلّما أصاب المعصية، قال: يا رب، رحمتني قبل أن تعذّبني، وصدّقتني قبل أن تكذّبني فتب عليّ فتاب الله عزّ وجلّ عليه؛ قال: فذلك قوله: " فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه، إنّه هو التّواب الرّحيم ". وعن سعد بن عبادة، أن رجلاً من الأنصار أتى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة، ماذا فيه من الخير؟ قال: فيه خمس خلال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط آدم، وفيه توفّى الله آدم، وفيه ساعةً لا يسال عبد شيئاً إلاّ آتاه الله إيّاه ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم، وفيه تقوم السّاعة؛ ما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلاّ وهو يشفق من يوم الجمعة. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له؛ قال: فجلس فعطس فقال: الحمد الله، فقال له ربّه: يرحمك ربّك، إيت أولئك الملأ من الملائكة فقل: السّلام عليكم؛ فأتاهم فسلّم عليهم فقالوا: وعليك ورحمة الله؛ ثم رجع إلى ربّه تبارك وتعالى، فقال: هذه تحيتّك وتحيّة ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه، فقال له: خذ أو اختر؛ فقال اخترت يمين ربّي، وكلتا يديه يمين، ففتحها له، فإذا فيها صورة آدم وذريتّه كلّهم، وإذا كلّ رجل منهم مكتوب عند رأسه أجله، قال: فإذا آدم عليه السّلام قد كتب له ألف سنة، وإذا قوم عليهم النّور، قال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النّور؟ قال: هؤلاء الأنبياء والرّسل الذين أرسل إلى عبادي أو خلقي، وإذا فيهم رجل من أضواهم نوراً، لم يكتب له من عمره إلا أربعين سنة، قال: يا رب، ما بال هذا، هو من أضواهم نوراً لم يكتب له من عمره إلاّ أربعين سنة؟ قال: ذلك ما كتبت له؛ قال: يا رب، زده من عمري ستين سنة ".

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلّما أسكنه الله الجنّة، وأهبطه إلى الأرض، كما ذكر في القرآن، أتاه ملك الموت، فقال له آدم: عجلت عليّ! قال: ما فعلت؛ قال: بلى، بقي من عمري ستّون سنة؛ قال: ما بقي من عمرك شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، قال آدم: ما فعلت؛ قال: بلى. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فنسي فنسيت ذرّيّته، وجحد فجحدت ذرّيّته، فمن يومئذ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود؛ قال: فلقيه موسى بن عمران، فقال: أنت آدم، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة أن يسجدوا لك، وأسكنك الجنّة، فأخرجت النّاس من الجنّة بذنبك، أو بخطيئتك؟ فقال له آدم: أنت موسى، اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأنزل عليك التّوراة فيها تبيان كلّ شيء، فبكم وجدت الله كتب التّوارة قبل أن يخلقني؟ قال: بأربعين عاماً؛ قال: فوجدت فيها وعصى آدم ربّه فغوى؟ قال: نعم؛ قال: فتلومني على أن أعمل عملاً كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟!. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحجّ آدم موسى ". وعن أبيّ بن كعب، في قول الله عزّ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم " إلى قوله: " المبطلون " قال ": فجمعهم فجعلهم أزواجاً، ثم صوّرهم، ثم استيقظهم ليتكلّموا، فأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى الآية، قال: فإني اشهد عليكم السموات السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا؛ اعلموا أنه لا إله غيري، فلا تشركوا بي شيئاً، فإني سأرسل إليكم رسلاً يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي؛ فقالوا: شهدنا أنك ربّنا وإلهنا لا ربّ لنا غيرك؛ فأقروا يومئذ بالطاعة، ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم فرأى فيهم الغنّي والفقير، وحسن الصّورة وغير ذلك؛ فقال: يا ربّ، لو سوّيت بين عبادك؟ فقال: إني أحببت أن أشكر؛ ورأى فيهم الأنبياء مثل السّراج عليهم

النّور، وخصّوا بميثاق في الرّسالة والنّبوّة، وهو الذي يقول: " وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم، وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً "، وهو الذي يقول: " فأقم وجهك للدّين حنيفاً " الآية. قال: فكان روح عيسى في تلك الأرواح التي أخذ الله عزّ وجلّ عليها العهد والميثاق؟ قال: نعم، أرسل ذلك الرّوح إلى مريم، قال الله تعالى: " فأرسلنا إليها روحنا ". وعن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليمن فأخرج ذرّيّة بيضاء كأنّهم الذّرّ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج منه ذرّيّةً سوداً كأنهم الحمم؛ فقال للذّي في يمينه: إلى الجنّة ولا أبالي، وقال للّذي في كفّه اليسرى: إلى النّار ولا أبالي. وقيل لأبي إبراهيم المزني رحمه الله: أسجدت الملائكة لآدم؟ فقال: إنّ الله تعالى جعل آدم كالكعبة فأمر الملائكة أن يسجدوا نحوه تعبّداً، كما أمر عباده أن يسجدوا إلى الكعبة. وعن قتادة، قال: قوله تعالى: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " قال: سخّر لكم ما في الأرض جميعاً كرامةً من الله، ونعمة لابن آدم، متاعاً وبلغةً ومنفعةً، إلى قوله: " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء "، قال قتادة: قد علمت الملائكة من علم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدّم والفساد في الأرض، قال الله: " إني أعلم ما لا تعلمون "، قال: قد كان من علم الله انه سيكون من تلك الخليقة رسل وأنبياء وقوم صالحون، وساكن الجنّة؛ وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة حتى بلغ يا آدم أنبئهم بأسمائهم، قال: علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لا تعلم الملائكة، فسمّى كلّ شيء باسمه، وألجأ كلّ شيء إلى جنسه، قال الله عزّ وجلّ: "

ألم أقل لكم إني أعلم غيب السّموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون "، قال: وذكر لنا: أن الله لمّا اخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله بخالق خلقاً هو أعلم منّا، ولا أكرم على الله منّا، قال: فابتليت الملائكة بخلق آدم. قال: ويتبلى الله عباده بما شاء ليعلم من يطيعه ومن يعصيه. قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبر "، قال: وكانت السّجدة لآدم والطّاعة لله، وحسده عدوّ الله إبليس على ما أعطاه اللهمنالكرامة، فقال: أنا ناريّ وهو طينيّ. قوله عزّ وجلّ: " قلنا: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة وكلا منها رغداً حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين "، قال: ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكلّ شيء خلق مبتلىً، ولم يدع الله شيئاً من خلقه إلاّ ابتلاه بالطّاعة، وكما ابتلى السّماء والأرض بالطّاعة، فقال لهما: " ائتيا طوعاً أو كرهاً، قالتا، أتينا طائعين "، قال: ابتلى الله آدم فأسكنه الجنّة يأكل منها رغداً حيث شاء ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها، وقدّم إليه فيها، فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، فبدت له سوءته عند ذلك، وكان لا يراها، فأهبط من الجنّة. قوله عزّ وجلّ: " فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه "، قال: ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال: فإنّي إذا أرجعك إلى الجنّة، قال: " قالا: ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "، فاستغفر آدم ربّه وتاب إليه، فتاب عليه " إنه هو التوّاب الرّحيم " وأما عدوّ الله إبليس فوالله ما تنصّل من ذنبه ولا سأل التّوبة حين وقع بما وقع، ولكنه سأل النّظرة إلى يوم الدّين، فأعطى الله كلّ واحد منهما ما سأل.

وعن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: أخرج إبليس من الجنّة ولعن، وأسكن آدم حين قال له: " اسكن أنت وزوجك الجنّة "، فكان يمشي فيها وحشيّاً، ليس له زوج يسكن إليها، فنام نومةً، فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله عزّ وجلّ من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة؛ قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ؛ فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء؛ قالوا: لم سمّيت حوّاء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حيّ؛ فقال الله عزّ وجلّ: " اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا منها رغداً حيث شئتما " والرّغد: الهنيء " ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين "، ثم إن إبليس حلف لهما بالله: إني لكما من النّاصحين، و" قال: يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى "، وعلم أن لهما سوءة، وإنّما أراد أن يبدي لهما سوءاتهما، ما توارى عنهما، ويهتك لباسهما، فتقدّمت حوّاء فأكلت، ثم قالت: يا آدم كل، فإني أكلت فلم يضرّني؛ فلّما أكل آدم " بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة، وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما: إن الشيطان لكما عدوّ مبين "، فقال آدم: إنه حلف لي بك، ولم أكن أظنّ أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً، " وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ فأهبطهم إلى الأرض، آدم وحوّاء وإبليس والحيّة، " ولكم في الأرض مستقّر ومتاع إلى حين ". وعن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ أباكم آدم كان كالنخلة السّحوق ستّين ذراعاً، كثير الشّعر، موارى العورة؛ فلّما أصاب الخطيئة بدت له سوءته، فخرج من الجنّة؛ قال: فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربّه: أفراراً منّي يا آدم! قال: بل حياءً منك والله يا ربّ مما جئت به ". وعن خالد، قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، آدم خلق للأرض أمّ للسّماء؟ فقال: ما هذا يا أبا مبارك؟ قال: فقال: خلق للأرض؛ قال: فقلت: أرأيت لو أنه

استعصم فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له بدّ من أن يأكل منها، لأنه خلق للأرض. وعن ابن عبّاس: إن آدم كان لغته في الجنّة العربيّة، فلّما عصى ربّه سلبه الله العربيّة فتكلّم بالسّريانيّة، فلّما تاب الله عليه ردّ عليه العربيّة. وعنه في قوله " إنّ عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ". فلم تقبلها الملائكة، فلّما خلق الله آدم عرضها عليه، فقال: يا ربّ ما هي؟ قال: إن أحسنت جزيتك، وإن أسأت عذّبتك؛ قال: فقد تحمّلتها يا رب. قال: فما كان بين أن تحمّلها إلى أن أخرج من الجنّة إلاّ قدر ما بين الظّهر والعصر. قال جويبر: فقلت للضحّاك: وما الأمانة؟ قال: الفرائض على كل مؤمن، وحق على كلّ مؤمن أن لا يغشّ مؤمناً ولا معاهداً في قليل ولا كثير، فمن انتقص شيئاً من الفرائض فقد خان أمانته. وعن عطاء: إن آدم لمّا أهبط إلى الأرض كانت قدماه في الأرض ورأسه في السّماء، وكان يسمع تسبيح الملائكة وأصواتهم، وكانت الملائكة تهابه، فشكت ذلك إلى ربّها، فقيل له: يعني تواضع؛ فلّما فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم شكا ذلك لرّبه عزّ وجلّ؛ فقيل له: خطيئتك فعلت بك ذاك، غير أني سأهبط معك بيتاً تحفّ حوله، فطف كما رأيت الملائكة تطوف حول العرش، فكانت موضع كلّ قدم قرية، وما بينهما مفازة، فأتاه فطاف وصلّى عنده، فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطّوفان حين غرّق الله قوم نوح، فرفع البيت حتى بوّأه الله عزّ وجلّ لإبراهيم، فوضعه على أساسه. وعن ابن عبّاس: إن آدم عليه السّلام حجّ على رجليه من الهند أربعين حجّة. وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لمّا أهبط الله آدم طاف بالبيت سبعاً، ثم صلّى حيال المقام ركعتين ثم قال: اللهم إنك تعلم سرّي وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي

فاغفر لي ذنبي؛ أسألك إيماناً يباشر قلبي، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، ورضىً بقضائك لي؛ فأوحى الله إليه: يا آدم إنك قد دعوتني بدعاء استجبت لك فيه، ولن يدعوني أحد من ذرّيّتك من بعدك إلاّ استجبت له، وغفرت ذنبه، وفرّجت همومه وغمومه، ونزعت الفقر من بين عينيه، وأنجزت له من وراء كلّ تاجر، وأتته الدّنيا وهي كارهةً وإن كان لا يريدها. وعن وهب بن منبّه، قال: لمّا أهبط الله آدم عليه السّلام إلى الأرض، ونقص من قامته، استوحش لفقد أصوات الملائكة، فهبط عليه جبريل فقال: يا آدم ألا أعلّمك شيئاً تنتفع به للدّنيا والآخرة؟ قال: بلى؛ قال: قل، اللهم تمّم لي النّعمة حتى تهنئني المعيشة، اللهم اختم لي بخير، حتى لا تضرّني ذنوبي، اللهم اكفني مؤونة الدّنيا وكلّ هول في القيامة حتى تدخلني الجنّة في عافية. وعن أنس في قوله عزّ وجلّ: فتلّقى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم "؛ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فاغفر لي إنك خير الغافرين، لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فارحمني إنك أنت أرحم الرّاحمين، لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ إنك التّوّاب الرّحيم، وذكر أنه عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن شكّ فيه. وقال عليّ بن أبي طالب: أطيب ريح الأرض الهند، هبط بها آدم، فعلق شجرها من ريح الجنّة. وعن الحسن، قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم بأربع، فهن جماع الأمر لك ولولدك، قال: يا آدم واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين النّاس؛ فأمّا التي لي: تعبدني ولا تشرك بي شيئاً؛ وأمّا التي لك: فعملك أجزيك به أفقر ما تكون إليه؛ وأمّا التي بيني وبينك: فعليك الدّعاء وعليّ الإجابة؛ وأمّا التي بينك وبين النّاس: فتصحبهم بالذي تحبّ أن يصحبوك به.

وعن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ آدم قبل أن يصيب الذّنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه، فلّما أصاب الذّنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه، فلا يزال يأمل حتى يموت ". وعن حمّاد رجل من أهل مكة، قال: لمّا أهبط آدم عليه السّلام إلى الأرض، أتاه جبريل بثلاثة أشياء: بالدّين والعقل وحسن الخلق؛ فقال: إنّ الله يخيّرك واحداً من الثلاثة؛ فقال: يا جبريل، ما رأيت أحسن من هؤلاء إلاّ في الجنّة، فمدّ يده إلى العقل فضمّه إلى نفسه، فقال لذيناك: اصعدا؛ قالا: لا نفعل؛ قال: أتعصياني؟ قالا: لا نعصيك، ولكنّا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان؛ فصارت الثلاثة إلى آدم. عن أبي أمامة، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله، أنبيّاً كان آدم؟ قال: نعم: قال كم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون؛ قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشرة قرون؛ قال: يا رسول الله، كم كانت الرّسل؟ قال: ثلاثمئة وخمسة عشر. عن عقبة بن عامر الجهني، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " إذا جمع الله الأوّلين والآخرين فقضى بينهم وفرغ من القضاء، قال المؤمنون: قد قضى بيننا ربّنا تعالى، فمن يشفع لنا؟ فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم فإنه أبونا، وخلقه الله بيده، وكلّمه؛ فيأتونه فيكلّمونه أن يشفع لهم، فيقول لهم آدم: عليكم بنوح؛ فيأتون نوحاً، فيدلّهم على إبراهيم، ثم يأتون إبراهيم فيدلّهم على موسى، ثم يأتون موسى فيدلّهم على عيسى، ثم يأتون عيسى، فيقول لهم: أدلّكم على النّبيّ الأمّيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيأتوني، فيأذن الله عزّ وجلّ لي أن أقوم إليه، فيفوز مجلسي من أطيب ريح يشمّها أحد قطّ، حتى آتي ربّي عزّ وجلّ، فيشفّعني ويجعل لي نوراً من شعر رأسي إلى ظفر قدمي؛ ثم يقول الكافرون: هذا قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ ما هو إلاّ إبليس، هو الذي أضلّنا، فيفوز مجلسهمنأنتن ريح شمها أحد قطّ؛ ثم يعظّم لجهّنم. ويقول الشيطان لمّا قضي الأمر: إن الله وعدكم وعد الحقّ، ووعدتكم فأخلفتكم إلى آخر الآية.

آدم بن عبد العزيز بن عمر

وعن الحسن قال: يعتذر الله تبارك وتعالى إلى آدم يوم القيامة: يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذرّيّتك، قم عند الميزان فانظر ما رفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شرّه مثقال ذرّة فله الجنّة حتى تعلم أني لا أعذّب إلاّ كلّ ظالم. وعن أبيّ بن كعب، قال: إن آدم لمّا حضره الموت، قال لبنيه: أي بنيّ، إني أشتهي من ثمار الجنّة، فذهبوا يطلبونه له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل؛ فقالوا لهم: يا بني آدم، ما تريدون وما تطلبون؟ أو: ما تريدون وأين تذهبون؟ فقالوا: أبونا مريض فاشتهى من ثمار الجنّة؛ فقالوا لهم: ارجعوا، فقد قضاء أبيكم؛ فجاؤوا، فلّما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت بآدم، فقال: إليك عنّي، فإني إنّما أتيت من قبلك، خلّي بيني وبين ملائكة ربّي عزّ وجلّ؛ فقبضوه، وغسّلوه، وكفّنوه وحنّطوه، وحفروا له وألحدوا له، وصلّوا عليه، ثم دخلوا قبره، فوضعوه في قبره، ووضعوا عليه اللّبن، ثم خرجوا من القبر، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم، هذه سنتّكم. وعن ابن عمر، قال: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنه إبراهيم وكبّر عليه أربعاً، وصلّى على السّوداء فكبّر عليها أربعاً، وصلّى على النّجاشيّ فكبّر عليه أربعاً، وصلّى أبو بكر على فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكبّر أربعاً عليها، وصلّى عمر على أبي بكر وكبّر عليه أربعاً، وكبّرت الملائكة على آدم أربعاً. وعن عطاء الخراساني قال: بكت الخلائق على آدم حين توفّي سبعة أيّام. آدم بن عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمر الأمويّ وأمّه أمّ عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان بالشّام حين ذهب ملك أهل بيته، وأراد عبد الله بن عليّ قتله فيمن قتل منهم

بنهر أبي فطرس، فاستعطفه فتركه، وسكن العراق بعد ذلك، وكان شاعراً ماجناً، ثم تنسّك بعد. أنشد أبو العيناء لآدم بن عبد العزيز في البراغيث ببغداد: من الطويل هنيئاً لأهل الرّيّ طيب بلادهم ... وواليهم الفضل بن يحيى بن خالد تطاول في بغداد ليلي ومن يبت ... ببغداد يلبث ليله غير راقد بلاد إذا زال النّهار تقافزت ... براغيثها من بين مثنى وواحد ديازجة شهب البطون كأنّها ... بغال بريد سرح في موارد وقال أبو بكر الخطيب: كان شاعراً خليعاً، ثم نسك بعد ذلك، وكان ببغداد في صحابة أمير المؤمنين المهديّ. وعن المدائنيّ، قال: قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: من الوافر فإن قالت رجال: قد تولّى ... زمانكم وذا زمن جديد فما ذهب الزّمان لنا بمجد ... ولا حسب إذا ذكر الجدود وما كنّا لنخلد لو ملكنا ... وأيّ النّاس دام له الخلود؟ وعن إسحاق، قال: كان مع المهديّ رجل من أهل الموصل، يقال له: سليمان بن المختار، وكانت له لحيةً عظية عظيمة طويلة، فذهب يوماً ليركب، فوقعت لحيته تحت قدمه في الرّكاب، فذهب عامّتها، فقال آدم بن عبد العزيز في ذلك: من الهزج قد استوجب في الحكم ... سليمان بن مختار بما طوّل من لحي ... ته جزاً بمنشار أو النتف أو الحلق ... أو التحريق بالنار فقد صار بها أش ... هر من راية بيطار

فأنشدها عمر بن بزيع المهديّ، فضحك، وسارت الأبيات، فقال أسيد بن أسيد وكان وافر اللّحية: ينبغي لأمير المؤمنين أن يكفّ هذا الماجن عن النّاس، فبلغت آدم، فقال: من الرمل لحية تّمت وطالت ... لأسيد بن أسيد يعجب النّاظر منها ... من قريب أو بعيد هي إن زادت قليلاً ... قطعت حبل الوريد قال: وكان المهديّ يدني آدم ويحبّه ويقرّبه، وهو الذي قال لعبد الله بن عليّ لمّا أمر بقتله بنهر أبي فطرس: إن أبي لم يكن كآبائهم، وقد علمت مذهبه فيكم؛ فقال: صدقت، وأطلقه؛ وكان طلق النّفس، متصوّناً، ومات على توبة ومذهب جميل. وعن الزّبير، قال: وكان آدم بن عبد العزيز كلباً على الفدّام والسّؤّال، وكان بطّالاً، فجاء أعرابيّ إلى فيئة فقال: هل تعرفنّ أحداً يصنع المعروف ويرغب فيه؟ فدلّوه على آدم، وقالوا: ذاك ابن الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجاءه وهو جالس في فتية من بني عمّه، فقال: يا آدم، إنّ السّماء حبست قطرها، والأرض نبتها، وإن البادية أجحفت بنا، وإن عيالي قد هلكوا جوعاً، ووقع النقار في غنمي، فانظر في أمري؛ فقال آدم: يا ابن الخبيثة، والله لوددت أن السّماء صارت عليك طبق نحاس، لا تبضّ بقطرة، وأن الأرض ضنّت عليك فلا تنبت سنبلةً، وأن عيالك ماتوا قبل أن تأتيني بخمسمئة سنةً؛ يا بليق خذه، فوثب الكلب عليه فشقّ فروه وعقره؛ فتنحّى الأعرابيّ غير بعيد ثم قال: يا آدم، لقد خلقك اله فشوّه خلقك، ورزقك العظيمة في صرفك، فأعضّك الله ببظر أمك وبظر أمهّات هؤلاء الذين حولكّ.

وعن الزّبير بن بكار، قال: قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: من الرمل يا أمين الله إنّي قائل ... قول ذي دين وبر وحسب عبد شمس لا تهنها إنّما ... عبد شمس عمّ عبد المطّلب عبد شمس كان يتلو هاشماً ... وهما بعد لأم ولأب وعن الأصمعيّ، قال: كان آدم بن عبد العزيز وهو ابن عمر بن عبد العزيز، في أيّام حداثته، يشرب الخمر ويفرط في المجون والخلاعة، ويقول الشّعر، فرفع إلى المهديّ أنه زنديق، وأنشد شعراً له كان قاله في أيّام الحداثة على طريق المجون، فأخذه وضربه ثلاثمئة سوط يقرّره بالزّندقة، فقال: والله لا أقرّ على نفسي بباطل أبداً، ولو قطعت عضواً عضواً، والله ما أشركت بالله طرفة عين قطّ؛ فقال المهديّ: فأين قولك؟ من الرمل اسقني واسق خليلي ... في مدى اللّيل الطّويل قهوةً صهباء صرفاً ... سبيت من نهر بيل قل لمن يلحاك فيها ... من فقيه أو نبيل أنت دعها وارج أخرى ... من رحيق السّلسبيل قال: يا أمير المؤمنين، كنتمنفتيان قريش أشرب النّبيذ، وأتمجّن مع الشّباب، واعتقادي مع ذلك الإيمان بالله وتوحيده، فلا تؤاخذني بما أسلفت من قولي. قال: فخلّى سبيله. قال: ومن قوله أيضاً شعراً: من الرمل اسقني واسق غصينا ... لا نرد بالنّقد ديناً أسقنيها مزّة الطّع ... م تريك الشّين زيناً

أدهم بن محرز بن أسيد بن أخنس

قال: ثم أناب وأقلع، وقال في ذلك أشعاراً، منها قوله: من الطويل ألا هل فتىً عن شربه الرّاح صابر ... ليجزيه يوماً بذلك قادر شربت فلّما قيل ليس بمقلع ... نزعت وثوبي من أذى اللّوم طاهر أدهم بن محرز بن أسيد بن أخنس ابن رياح بن أبي خالد بن زمعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك ن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، الباهليّ، الحمصيّ أحد أمراء الجيش الذين وجّهوا مع عبيد الله بن زياد لقتال التّوّابين الذين قتلوا عند عين الوردة، وكان قد شهد صفّين مع معاوية، وكان من قوّاد الحجّاج بن يوسف. حدّث، قال: إنّ أول راية دخلت أرض حمص وركزت حول مدينتها لراية ميسرة بن مسروق العنسي، ولقد كانت لأبي أمامة، ولأبي: محرز بن أسيد راية، وأول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين لأبي: محرز بن أسيد، إلاّ أن يكون رجلاً من حمير، فإنه حمل وأبي جميعاً، فقتل كلّ واحد منهما في حملته تلك رجلاً من المشركين؛ فكان أبي يقول: أنا أول رجل من المسلمين قتل رجلاً من المشركين بحمص، إلاّ الحميري، فإني أنا وهو قتلنا في حملتنا رجلين. قال أدهم بن محرز الباهليّ: وإني لأوّل مولود ولد في الإسلام بحمص، وأوّل مولود فوض له بها، وأوّل مولود رؤي في كتف يختلف بها إلى الكتّاب أتعلّم الكتاب، ولقد شهدت مشهداً ما أحبّ أنّ لي بذلك المشهد حمر النّعم. قال خالد بن سعيد: دخل أدهم بن محرز الباهليّ أبو مالك بن أدهم على

عبد الملك، ورأسه كالثغامة، فقال: لو غيّرت هذا الشّيب؟ فذهب فاختضب بسواد ثم دخل عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قلت بيتاً لم أقل قبله ولا أراني أقول بعده؛ قال: هات؛ فقال: من الطويل ولمّا رأيت الشّيب شيناً لأهله ... تفتّيت وابتعت الشّباب بدرهم وعن أدهم بن محرز الباهليّ؛ أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح؛ قال: فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة ورأس ضلالة سليمان بن صرّد، ألا وإن السيّوف تركت رأس المسيّب بن نجبة خذاريف، ألا وقد قتل الله من رؤوسهم رأسين عظيمين ضالّين مضلّين: عبد الله بن سعد، أخا الأزد، وعبد الله بن وال، أخا بكر بن وائل؛ فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع أو امتناع. وعن عبد الملك بن عمير، قال: خرجت بوماً من منزلي نصف النّهار، والحجّاج جالس وبين يديه رجل موقف، عليه كمّةً من ديباج، والحجّاج يقول: أنت همدان مولى عليّ، تعال سبّه؛ قال: إن أمرتني فعلت، وما ذاك جزاؤه، ربّاني صغيراً، وأعتقني كبيراً؛ قال: فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن؟ قال: كنت أسمعه في قيامه وقعوده، وذهابه ومجيئه يتلو: " فلّما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله ربّ العالمين "؛ وقال: فابرأ منه؛ قال: أمّا هذه فلا، سمعته يقول: تعرضون على سبّي فسّبوني، وتعرضون على البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي، فإنّي على الإسلام. وقال: أما ليقومنّ إليك رجل يتبرأ منك ومن مولاك، يا أدهم بن محرز، قم إليه فاضرب عنقه؛ فقام إليه يتدحرج كأنه جعل، وهو يقول: يا ثارات عثمان.

أدهم مولى عمر بن عبد العزيز

قال: فما رأيت رجلاً كان أطيب نفساً بالموت منه، ما زاد على أن وضع القلنسوة عن رأسه، وضربه فندر رأسه، رحمه الله تعالى. أدهم مولى عمر بن عبد العزيز حدّث، قال: كنّا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين: تقبّل الله منّا ومنك يا أمير المؤمنين، فيردّ علينا ولا ينكر ذلك علينا. أرتاش بن تتش بن ألب رسلان ويقال: ألتاش كان أخوه الملك دقاق قد نفده إلى بعلبك، فاعتقل بها، فلّما هلك دقاق في سنة سبع وتسعين راسل طغتكين أتابك، كبشتكين التّاجي الخادم والي بعلبك في إطلاق أرتاش، فوصل إلى دمشق، فأقامه في منصب أخيه يوم السّبت لخمس بقين من ذي الحجّة أو ذي القعدة سنة سبع وتسعين وأربعمئة. فأقام بها إلى أن خرج منها سراً في صفر سنة ثمان وتسعين لاستشعار استشعره من طغتكين وزوجته أمّ الملك دقاق، ومضى إلى بغدوين ملك الفرنج، طمعاً في أن يكون له ناصراً، فلم يحصل منه على ما أمّل، فتوجّه عند اليأس منه إلى ناحية الرّحبة، ومضى إلى الشّرق فهلك. أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك ابن شدّاد بن ضمرة بن عقفان بن أبي حارثة بن مرّة بن نشبة بن غيظ بن مرّة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، ويقال: ابن زفر بن جزء بن شدّاد ويعرف بابن سهيّة، وهي أمّه، وهي بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن

خديج بن أبي جشم بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف بن شيبة بن كلب، وكانت لضرار بن الأزور، ثم صارت إلى زفر وهي حامل فجاءت بأرطاة على فراش زفر. عن المرزبانيّ، قال: وأرطاة يكنى أبا الوليد، وكان في صدر الإسلام، أدركه عبد الملك بن مروان شيخاً كبيراً، يقال: أتت عليه ثلاثون ومئة سنة، فأنشد عبد الملك: من الوافر رأيت المرء تأكله اللّيالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد وما تبغي المنيّة حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد وأعلم أنها ستكرّ حتى ... توفّي نذرها بأبي الوليد فارتاع عبد الملك وتغيّر وجهه، وقدّر أنه أراده، لأن عبد الملك يكنى أبا الوليد، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّما عنيت نفسي. وفي رواية الزّبير، قال: سرق أزطاة البيت الثاني من زبّان بن منظور بن سيّار، قال زبّان: من الوافر لئن فجعت بالقرناء يوماً ... لقد متّعت بالأمل البعيد وما تجد المصيبة فوق نفسي ... ولا نفس الأحبّة من مريد خلقنا أنفساً وبني نفوس ... ولسنا بالسّلام ولا الحديد فبلغت عبد الملك كلمة أرطاة، فأشخصه إليه، وقال له: ما أنت وذكري في شعرك! فقال: إنّي عنيت نفسي، أنا أبو الوليد، فسل عن ذلك؛ فأفلت منه فانصرف إلى أهله، وقال: من الطويل إذا ما طلعنا من ثنيّة لفلف ... فبشّر رجالاً يكرهون إبابي وأخبرهم أن قد رجعت بغبطة ... أحدّد أظفاري وأصرف نابي وأني ابن حرب لا تزال تهرّني ... كلاب عدو أو تهرّ كلابي

وعن إسماعيل بن سيّار، قال: مات ابن لأرطاة بن سهية المّريّ، مرّة غطفان، فأقام على قبره حوله، يأتيه كلّ غداة فيقول: يا عمرو إن أقمت حتى أمسي، هل أنت رائح معي؟ ويبكي وينصرف؛ ويأتي القبر عبد المساء فيقول: يا عمرو إن أقمت حتى أصبح هل أنت غاد معي؟ ويبكي وينصرف؛ فلّما كان عند رأس الحول تمثّل بشعر لبيد، فقال: من الطويل إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر ثم ترك قبره ومضى، وقال: من الطويل وقفت على قبر ابن ليلى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع هل أنت ابن ليلى إن نظرتك رائح ... مع القوم أو غاد غداة غد معي فما كنت إلاّ والهاً بعد زفرة ... على شجوها بعد الحنين المرجّع متى لا تجده تنصرف لطياتها ... من الأرض أو ترجع لإلف فتربع على الدّهر فاعتب إنه غير متعب ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع قال الزّبير بن بكّار: حدّثني عمّي مصعب بن عبد الله: أنشدني أبي لأرطاة بن سهيّة المّريّ أبياتاً مدح فيها ثابت بن عبد الله بن الزّبير، على الدّال؛ فقلت لعمّي: ما أعدّ أحداً يتقدّمني في معرفة شعر أرطاة بن سهيّة، ولا أعرف هذه الأبيات؛ ثم وجدت بعد ذلك في كتب إبراهيم بن موسى بن حديق، وكان من الفقهاء العبّاد الفصحاء، الرّواة للآثار والأخبار والشعر؛ قال أرطاة بن سهيّة المّريّ يمدح ثابت بن عبد الله بن الزّبير، فقال: من الطويل رأيت مخاضي أنكرت عبداتها ... محل أولي الخيمات من بطن أرثدا إذا راعياها أورداها شريعةً ... أعاما على دمن الحياض وصرّدا ولو جارها ابن المازنيّة ثابت ... لرّوح راعيها وندّى وأوردا

أرطاة بن المنذر بن الأسود بن ثابت

وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابيّ لأرطاة بن سهيّة المّريّ: من الطويل وإني لقوّام لدى الضّيف موهناً ... إذا غدر السير النجيل المواكل دعا فأجابته كلاب كثيرة ... على ثقة منّي بأني فاعل وما دون ضيفي من تلاد تحوزه ... لي النّفس إلاّ أن تصان الحلائل أرطاة بن المنذر بن الأسود بن ثابت أبو عديّ السّكوني الحمصيّ حدّث عن جماعة وحدّث عنه جماعة. روى عن غيلان بن معشر، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول: لقد توفي رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجدوا له كفناً، فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا لم نجد له كفتناً؛ قال: " التمسوا في مئزره " فوجدوا دينارين، فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيتّان، صلّوا على صاحبكم ". وعن ضمرة بن حبيب، قال: سمعت سلمة بن نفيل يقول: كنّا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال قائل: يا رسول الله، هل أتيت بطعام من السّماء؟ قال: نعم قال: وبماذا؟ قال: بمسخنة قال: فهل كان فيها فضل؟ قال: نعم قال: فما فعل به؟ قال: رفع، وهو يوحي إليّ أني مكفوت غير لابث فيكم، ولستم بلابثين بعدي إلاّ قليلاً، بل تلبثون حتى تقولوا: متى، وتأتون أفناداً يتبع بعضكم بعضاً، وبين يدي السّاعة موتان شديد، وبعده سنوات الزّلازل. قال أرطاة: لمّا فرض لي عمر بن عبد العزيز في جبلة، قال: يا فتى، إني أحدّثك بحديث كان عندنا من المخزون: إذا توضأت عند البحر، فالتفت إليه وقل: يا واسع المغفرة اغفر لي، فإنه لا يرتّد إليك طرفك حتى يغفر الله ذنوبك.

قال احمد بن حنبل: أرطاة بن المنذر ثقة ثقة. وعن أبي عبد الرحمن الأعرج قال: لم أر أرطاة بن المنذر قطّ يسعل ولا يعطس ولا يبزق، ولا يحكّ شيئاً من جسده، ولا يضحك، قال: وإنما عرف موته حين حضره الموت، أنه حكّ هذا عند أنفه؛ قال: فقال أصحابه: حكّ أبو عديّ! قال: فكأن جلساءه أيسوا منه حين حكّ. وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى: أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد، وهو يرى أنه قد أصبح، فإذا عليه ليبل طويل، فلّما صار تحت القبّة سمع صوت جرس الخيل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً. قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: ولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا؛ قالوا: قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان؛ قالوا: وقد مات؟ ما علمنا بموته؛ قال: فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطاة بن المنذر. فلّما أصبح الشّيخ حدّث أصحابه، فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان؛ فلّما كان نصف النّهار قدم البريد من أنطرطوس يخبر بموته. وعن أرطاة بن المنذر، وكان من الحكماء، قال: لا يزال العبد متعلماً ما كان في الدّنيا، فإذا قال: قد اكتفيت، فهو أجهل ما يكون بأمر الدّنيا. وقال: آية المتكلّف ثلاث: يتكلّم فيما لا يعلم، وينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال. وقال: احذروا الدّنيا لا تسحركم، فهي والله أسحر من هاروت وماروت. مات سنة ثلاث وستين ومئة، وفي خبر آخر، أنه مات سنة ست وخمسين ومئة.

أرطاة الفزاري

أرطاة الفزاري والد عديّ بن أرطاة، وزيد بن أرطاة دمشقي. حكى عنه ابنه عديّ بن أرطاة، أن أباه حدّثه: أنه كان من قومه رجل يشتم، فسكت ونفض ثوبه. أرقم بن أرقم السّلميّ عن أبي عبيد الله، قال: دخلت المسجد يوماً فإذا برجلين جالسين، فمشيت نحوهما، فأشار إليّ أحدهما فجلست بين أيديهما، فإذا هما قد تقنّعا برداء أحدهما، وقد بكيا حتى كادت أعينهما أن تخرج، فقالا: لا ترق على ما ترى من بكائنا، ألا إنّما أبكانا أنا كنّا في قوم أصبحنا اليوم في غيرهم؛ وذلك على عهد معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، وإذا هما أرقم بن أرقم السّلميّ وأبو مسلم الجليليّ. أرقم بن شرحبيل الأوديّ الكوفيّ أخو هذيل بن شرحبيل، سمع ابن مسعود، وابن عبّاس وصحبه إلى الشّام. قال: سافرت مع ابن عبّاس من المدينة إلى الشّام، فسألته: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: إنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: " ليصلّ بالنّاس أبو بكر " فتقدّم أبو بكر فصلّى بالنّاس، ووجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خفّةً، فانطلق يهادى بين رجلين، فلما أحسّ أبو بكر به سبّحوا، فذهب أبو بكر يتأخر، فأشار النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مكانك فاستفتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث انتهى أبو بكر

أرقم بن عبد الله الكندي

من القراءة، وأبو بكر قائم، ورسول الله جالس، فأئتمّ أبو بكر بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وائتم النّاس بأبي بكر، فما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ثقل جداً، فخرج يهادي بين رجليه لتخطان في الأرض، فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص. قال محمد بن سعد: وكان ثقة قليل الحديث. أرقم بن عبد الله الكندي رجل من تابعي أهل الكوفة. كان ممن قدم به مع حجر بن عدي الكندي إلى عذراء في أثني عشر رجلاً، فشفع فيه وائل بن حجر إلى معاوية فأطلقه. قال أبو محنف: تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية: حجر بن عدي بن جبلة الكندي، والأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثمعي من بني عامر بن شهران ثم من بني قحافة، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبد الرحمن بن حسان العنزيان من بني هميم، ومحرز بن شهاب التميمي من بني منقر، وعبد الله بن حوية السعدي من بني تميم، فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء، فحبسوا بها. ثم إن زياداً أتبعهم برجلين آخرين مع عامر بن الأسود العجلي، بعتبة بن الأخنس من بني سعد بن بكر بن هوازن، وسعيد بن نمران الهمداني ثم الناعطي، فتموا أربعة عشر رجلاً. تسمية من قتل أصحاب حجر رحمه الله: حجر بن عدي، وشريك بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري، وكدام بن حيان

إرميا بن حلقيا من سبط لاوي

العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي، بعث به إلى زياد فدفن حياً بقس الناطف، فهم سبعة قتلوا ودفنوا وصلى عليهم. قال: وزعموا أن الحسن لما بلغه قتل حجر وأصحابه، قال: صلوا عليهم، وكفنوهم، واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا: نعم؛ قال: حجوهم ورب الكعبة. تسمية من نجا منهم: كريم بن عفيف الخثعمي، وعبد الله بن حوية التميمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبد الله الكندي، وعتبة بن الأخنس، من بني سعد بن بكر، وسعيد بن نمران الهمذاني، فهم سبعة. قال الطبري: ومقتل حجر بن عديّ وأصحابه في سنة إحدى وخمسين. إرميا بن حلقيّا من سبط لاوي ابن يعقوب من أنبياء بني إسرائيل. ويقال: إنه الخضر عليه السّلام. جاء في بعض الآثار أنه وقف على دم يحيى بن زكريّا عليه السّلام بدمشق وهو يفور، فقال: أيّها الدّم دم يحيى بن زكريّا، فتنت بنو إسرائيل والنّاس فيك؛ فسكن الدّم، ورسب حتى غاب. عن الحسن، قال: إن إرميا كان غلاماً من أبناء الملوك، وكان زاهداً، ولم يكن لأبيه ابن غيره، وكان أبوه يعرض عليه النّكاح فكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربّه، فألحّ عليه أبوه، فكره أن يعصي أباه، فزوّجه في أهل بيت من عظماء أهل مملكته، فلّما أن دخلت عليه امرأته قال لها: يا هذه إني أسرّ إليك أمراً، فإن كتمتيه عليّ وسترتيه سترك الله في الدّنيا والآخرة، وإن أنت أفشيتيه فضحك الله في الدّنيا والآخرة، قالت: فإني سأكتمه عليك؛ قال: فإني لا أريد النّساء. قال: فأقامت معه سنةً، ثم إن أباه أنكر ذلك، فسأله، فقال: يا أبه ما طال ذلك

بعد؛ فدعا امرأته فسألها، فقالت مثل ذلك ففرّق بينهما، وزوّجه امرأة في بيت أشرافهم، فأدخلت عليه، فاستكتمها أمره مثل ما استكتم الأولى؛ فلّما مضت سنة، فسأله أبوه مثل ما سأل، فقال: ما طال ذلك يا أبه؛ فسأل المرأة فقالت: كيف تحمل المرأة من غير زوج؟ ما مسني! فغضب أبوه، فهرب منه حتى بعثه الله نبيّاً مع ناشية الملك وجاءه الوحي. وعن وهب بن منبه: إنّ الله تعالى لمّا بعث إرميا إلى بني إسرائيل، وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، وعملوا بالمعاصي فقتلوا الأنبياء، طمع بخت نصّر فيهم، وقذف الله في قلبه، وحدّث نفسه بالمسير إليهم لمّا أراد الله أن ينتقم به منهم، فأوحى الله إلى إرميا: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم، فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي؛ فقام إرميا فشقّ ثيابه وجعل الرّماد على رأسه وخرّ ساجداً، وقال: يا ربّ، وددت أن أميّ لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل، فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي. فقيل له: ارفع رأسك؛ فرفع رأسه؛ قال: فبكى، ثم قال: يا رب، من تسلّط عليهم؟ قال: عبدة النّيران، لا يخافون عقابي ولا يرجون ثوابي، قم يا إرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل: من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمّك قدّستك، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك، ومن قبل أن تبلغ نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشدّ اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مع الملك ناشية تسدّده وترشده. فكان معه يرشده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الأحداث، ونسوا ما نجّاهم الله من عدوّهم سنحاريب وجنوده، فأوحى الله تعالى إلى إرميا: قم فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكّرهم نعمتي، وعرّفهم أحداثهم. فقال إرميا: يا ربّ إني ضعيف إن لم تقوّني، عاجز إن لم تبلّغني، مخطئ إن لم تسدّدني، مخذول إن لم تنصرني، ذليل إن لم تعزّني. فقال الله له: أو لم تعلم أنّ الأمور كلّها تصدر عن مشيئتي، وأن الخلق والأمر كلّه

لي، وأن القلوب والألسنة كلّها بيدي أقلّبها كيف شئت فتطيعني؟ فأنا الله الذي ليس شيء مثلي، قامت السّموات والأرض وما فيهنّ بكلمتي، وأنه لا يخلص التّوحيد ولا تتمّ القدرة إلاّ لي، ولا يعلم ما عندي، وأنا الذي كلّمت البحار ففهمت قولي، وأمرتها ففعلت أمري، وحدّدت حدوداً فلا تعدو وحدّي، وتأتي بأمواج كالجبال فإذا بلغت حدّي ألبستها مذلةً لطاعتي، وخوفاً واعترافاً لأمري، وأني معك، ولن يصل إليك شيء معي، وأني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلّغهم رسالاتي، فتستوجب بذلك أجر من اتّبعك ولا ينقص من أجورهم شيئاً، وإن تقصّر عنها تستحق بذلك منّي وزر من تركته في عماية، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً، انطلق إلى قومك فقمّ فيهم، وقل لهم: إن الله ذكّركم بصلاح آبائكم، فلذلك استبقاكم يا معشر أبناء الأنبياء، وتسألهم كيف وجد آباؤهم مغبّة طاعتي، وكيف وجدوا مغبّة معصيتي؛ وهل وجدوا أحداً عصاني فسعد بمعصيتي؟ وهل علموا أحداً أطاعني فشقي بطاعتي؟ إنّ الدّواب إذا ذكرت أوطانها الصّالحة نزعت إليها، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة، وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غير وجهها. أمّا أحبارهم ورهبانهم فاتّخذوا عبادي خولاً يتعبّدونهم ويحكمون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وانسوهم ذكري وسنّتي، وغرّوهم عني، فدان لهم عبادي بالطّاعة التي لا تنبغي إلاّ لي، فهم يطيعونهم في معصيتي. وأمّا ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرّتهم الدّنيا حتى نبذوا كتابي، ونسوا عهدي، فهم يحرّفون كتابي ويفترون على رسلي جراةً منهم عليّ، وغرّة بي. فسبحان جلالي وعلّو مكاني وعظمة شأني، هل ينبغي لي أن يكون لي شريك في ملكي؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي؟ وهل ينبغي لي أن أخلق عباداً أجعلهم أرباباً ن دوني؟ أو آذن لأحد بالطّاعة لأحد؟ لا ينبغي إلاّ لي. وأمّا قراؤهم وفقهاؤهم فيدسون ما يتخيّرون، فينقادون للملوك، فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني، ويطيعونهم في معصيتي، ويوفون لهم بالعهود النّاقضة لعهدي، فهم جهلة بما يعلمون، لا ينتفعون بشيء ممّا علموا من كتابي.

وأمّ أولاد النبيّين، فمقهورون ومفتونون، يخوضون مع الخائضين، يتمنّون مثل نصري آباءهم، والكرامة التي أكرمتهم بها، ويزعمون أن لا أحد أولى بذلك منهم، بغير صدق منهم ولا تفكّر، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم، وكيف كان جهدهم في أمري، حتى اغترّ المغترون، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا وصدقوا، حتى عزّ أمري وظهر ديني. فتأنّيت هؤلاء القوم لعلّهم يستحيون منّي ويرجعون، فتطوّلت عليهم، وصفحت عنهم فأكثرت، ومددت لهم في العمر، وأعذرت لهم لعلّهم يتذكّرون، وكلّ ذلك أمطر عليهم السّماء، وأنبت لهم الأرض، فألبسهم العافية، وأظهرهم على العدوّ، ولا يزدادون إلاّ طغياناً وبعداً منّي! فحتى متى هذا؟ أبي يسخرون؟ أم بي يتمرّسون؟ أم إيّاي يخادعون؟ أم عليّ يجترئون؟. فإني أقسم بعزتي لأتيحنّ لهم فتنةً يتحير فيها الحليم، ويضل فيها رأي ذوي الرأي، وحكمة الحكيم، ثم لا سلّطنّ عليهم جبّاراً قاسياً عاتياً، ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرّأفة والرّحمة، وآليت أن يتبعه عدد سود مثل اللّيل المظلم، له فيه عساكره مثل قطع السّحاب، ومواكب مثل العجاج، وكأن حفيف راياته طيران النّسور، وحمل فرسانه كصوت العقبان، يعيدون العمران خراباً، والقرى وحشاً، ويعيثون في الأرض فساداً، ويتبّرون ما علوا تبتيراً، قاسية قلوبهم، لا يكترثون ولا يرقّون ولا يرحمون، ولا يبصرون ولا يسمعون، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل رهيب الأسد، يقشعر من هيبتها الجلود، وتطيش من سمعها الأحلام، بألسنة لا يفقهونها، ووجوه ظاهرة عليها المنكر لا يعرفونها، فوعزّتي لأعطلّنّ بيوتهم من كتبي وقدسي، ولأخلينّ مجالسهم من حديثها، ولأوحشنّ مساجدهم من عمّارها وزوّارها الذين كانوا يتزيّنون بعمارتها لغيري، ويتهجّدون فيها ويتعبّدون لكسب الدّنيا بالدّين، ويتفقّهون فيها لغير الدّين، ويتعلّمون فيها لغير العمل. لأبدّلنّ ملوكها بالعزّ الذّل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالنّعمة الجوع، وبطول العافية والرّخاء ألوان البلاء، وبلباس الدّيباج والحرير مدارع الوبر والعباء، وبالأزواج الطيّبة والأدهان جيف القتلى، وبلباس التّيجان أطواق الحديد والسّلاسل

والأغلال، ثم لأعيدنّ فيهم بعد القصور الواسعة والحصون الحصينة الخراب، وبعد البروج المشيّدة مساكن السّباع، وبعد صهيل الخيل عواء الذّئاب، وبعد ضوء السّراج دخان الحريق، وبعد الأنس الوحشة والقفار. ثم لأبدّلنّ نساءها بالأسورة الأغلال، وبقلائد الدّرّ والياقوت سلاسل الحديد، وبألوان الطّيب والأدهان النّقع والغبار، وبالمشي على الزّرابي عبور الأسواق والأنهار والخبب إلى اللّيل في بطون الأسواق، وبالخدور والسّتور الحسور عن الوجوه والسّوق والأسفار والأرواح السّموم. ثم لأدوسنّهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق لوصل ذلك إليه، إني إنّما اكرم من أكرمني، وإنّما أهين من هان عليه أمري، ثم لآمرن السّماء خلال ذلك فلتكوننّ طبقاً من حديد، ولآمرنّ الأرض فلتكوننّ سبيكةً من نحاس، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلّطت عليه الآفة، فإن خلص لهم منه شيء نزعت منه البركة، وإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوني لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرّعوا إليّ صرفت وجهي عنهم. وإن قالوا: اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك، وجعلت فينا نبوّتك وكتابك ومساجدك، ثم مكّنت لنا في البلاد واستخلفتنا فيها، وربّيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغاراً، وحفظتنا وإيّاهم برحمتك كباراً، فأنت أولى المنعمين أن لا تغّير وإن غيّرنا، ولا تبدّل وإن بدّلنا، وأن يتّم نعمته وفضله ومنّه وطوله وإحسانه. فإن قالوا ذلك، قلت لهم: إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي، فإن قبلوا أتممت، وإناستزادوا زدت، وإن شكروا أضاعف، وإن بدّلوا غيّرت، وإن غيّروا غضبت، وإذا غضبت عذّبت، وليس يقوم شيء لغضبي. قال كعب: قال إرميا: برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذلّ وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلّم بين يديك، ولكن برحمتك أبقيتني لهذا اليوم، وليس أحد أحقّ أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد منّي بما رضيت به منّي طولاً والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير تنكير ولا تغيير منّي، فإن تعذّبني فبذنبي، وإنترحمني فذلك ظنّي بك.

ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربّنا وتعاليت لمهلك هذه القرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك؛ يا ربّ سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك؛ يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمقتك هذه الأمة وعذابك إيّاهم وهم من ولد إبراهيم خليلك، وأمّة موسى نجيّك، وقوم داود صفّيك، أيّ القرى تأمن عقوبتك بعد أورشلم؟ وأيّ العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم وأمة نجّيك موسى وقوم خليفتك داود؟ تسلّط عليهم عبدة النّيران؟ قال الله تعالى: يا إرميا، من عصاني فلا يستنكر نقمتي، فإني إنّما أكرمت هؤلاء القوم على طاعتي، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين إلاّ أن أتداركهم برحمتي. قال إرميا: يا ربّ، اتخذت إبراهيم خليلاً وحفظتنا به، وموسى قرّبته نجيّاً، فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطّفنا، ولا تسلّط علينا عدوّنا. فأوحى الله إليه: يا إرميا إني قدّستك في بطن أمّك، وأخرتك إلى هذا اليوم، فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السّبيل لكنت الدّاعم لهم، وكانوا عندي بمنزلة جنّة ناعم شجرها، طاهر ماؤها، ولا يغور ماؤها، ولا تبور ثمارها ولا تنقطع، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل: إني كنت بمنزلة الرّاعي الشّفيق أجنّبهم كلّ قحط وكلّ غرّة، وأتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشاً ينطح بعضها بعضاً، فياويلهم ثم يا ويلهم، إنّما أكرم من أكرمني، وأهين من هان عليه أمري، إنّ من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي، وإن هؤلاء القوم يتبرّعون معصيتي تبرّعاً، فيظهرونها في المساجد والأسواق، وعلى رؤوس الجبال وظلال الشّجر، حتى عجّت السّماء إليّ منها، وعجّت الأرض والجبال، ونفرت منها الوحوش بأطراف الأرض وأقاصيها، وفي كلّ لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب. وقال إسحاق: هؤلاء المسمّون بإسنادهم، لمّا بلّغهم إرميا رسالة ربّهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذّبوه واتهموه، قالوا: كذبت وعظّمت على الله الفرية،

فتزعم أن الله معطّل أرضه ومساجده من كتابه وعبادته وتوحيده، فمن يعبده، حتى لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولا كتاب؟ لقد أعظمت على الله الفرية، ولقد اعتراك الجنون؛ فأخذوه وقيّدوه وسجنوه؛ فعند ذلك بعث الله عليهم بخت نصّر، فأقبل يسير بجنوده حتى نزل بساحتهم، ثم حاصرهم فكان كما قال الله تعالى: " فجاسوا خلال الدّيار ". قال: فلّما طال بهم الحصر، نزلوا على حكمه، فتحوا الأبواب، فتخلّلوا الأزقّة، فذلك قوله تعالى: " فجاسوا خلال الدّيار " وحكم فيها حكم الجاهليّة وبطش الجبّارين، فقتل منهم الثلث، وسبى الثلث، وترك الزّمني والشّيوخ والعجائز، ثم وطئهم بالخيل، وهدّم بيت المقدس، وساق الصّبيان، وأوقف النّسار في الأسواق محسّرات، وقتل المقاتلة، وخرّب الحصون، وهدم المساجد، وحرّق التّوراة، وسأل عن دانيال الذي كان كتب له الكتاب فوجده قد مات، وأخرج أهل بيته الكتاب إليه، وكان فيهم دانيال بن حزقيل الأصغر، وبنشايل، وعزرايل، وميخايل، فأمضى لهم ذلك الكتاب، وكان دانيال بن حزقيل خلفاً من دانيال الأكبر. ودخل بخت نصّر بجنوده بيت المقدس ووطئ الشّام كلّها، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، فلّما بلغ منها انصرف راجعاً، وحمل الأموال التي كانت بها، وساق السّبايا معه، فبلغ عدّة صبيانهممنأبناء الأحبار والملوك تسعين ألف غلام، وقذف الكناسات في بيت المقدس، وذبح فيه الخنازير؛ فكان الغلمان سبعة آلاف غلام من بيت داود، وأحد عشر ألفاً من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين، وثمانية آلاف من سبط أشير بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط زبالون ونفتالي بن يعقوب، وأربعة عشر ألفاً من سبط دان بن يعقوب، ويمانية آلاف من سبط يسياخير بن يعقوب، ألفين من سبط رالون بن يعقوب، ورابعة آلاف من سبط روبيل ولاوي، واثنا عشر ألفاً من سائر بني إسرائيل؛ فانطلق بهم حتى قدم أرض بابل.

أزرق بن قرة السبيعي

قال وهب: لمّ فعل بخت نصّر ما فعل، قيل له: كان لهم صاحب يحذّرهم ما أصابهم ويصفك وخبرك لهم، ويخبرهم أنك تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، وتهدم مساجدهم، وتحرّق كتابهم، فكذبوه واتّهموه وضربوه وقيّدوه وحبسوه؛ فأمر بخت نصّر فأخرج إرميا من السّجن، فقال له: أكنت تحذّر هؤلاء القوم ما أصابهم؟ قال: نعم: قال: فإني علمت ذلك؛ قال: أرسلني الله إليهم فكذّبوني؛ قال: كذّبوك وضربوك وسجنوك؟ قال: نعم؛ قال: بئس القوم قوم كذّبوا نبّيّهم رسالة ربّهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك وأواسيك؟ وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمّنتك؛ قال إرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت، ولم أخرج منه ساعة قطّ، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك، ولم يكن لك عليهم سلطان. فلّما سمع بخت نصّر هذا القول منه تركه؛ فأقام إرميا مكانه بأرض إيليا. أزرق بن قرّة السّبيعيّ من جند خراسان، وفد على الوليد بن يزيد قبل أن يستخلف، وأخبره بمنام رآه له. ذكر عليّ بن محمد عن شيوخه قال: قدم السّبيعيّ من التّرمذ أيّام هشام على نصر بن سيّار، فقال لنصر: إني رأيت الوليد بن يزيد في المنام وهو وليّ عهد شبه الهارب من هشام، ورأيته على سرير يشرب عسلاً، وسقاني بعضه. فأعطاه نصر أربعة آلاف دينار، وبعث به إلى الوليد، وكتب إليه نصر، فأتى الأزرق الوليد فدفع إليه المال والكسوة، فسّر بذلك الوليد، وألطف الأزرق، وجزّى نصراً خيراً، وانصرف الأزرق، فبلغه ققبل أن ينصرف إلى نصر موت هشام، ونصر لا علم له بما صنع الأزرق، ثم قدم عليه فأخبره.

أزنم الفزاري

أزنم الفزاريّ كان بدمشق حين مات معاوية بن يزيد. قال محمد بن سعد: لمّا دفن معاوية بن يزيد، قام مروان على قبره، فقال: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: معاوية بن يزيد، فقال: هذا أبو ليلى! فقال أزنم الفزاريّ: من البسيط إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا أزهر بن الوليد الحمصيّ سمع أمّ الدّرداء، واجتاز بدمشق إلى بيت المقدس. أزهر بن يزيد المراديّ الحمصيّ حدّث عن عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل، وشهد اليرموك في خلافة عمر، وشهد الجابية. قال كثير بن مرّة: وقال الأزهر وكان رجلاً يرمى بالفقه لمعاذ بن جبل، ونحن بالجابية: من المؤمنون؟ قال معاذ أميرهم: والكعبة إن كنت لأظنّك أفقه مما أنت! هم الذين أسلموا وصاموا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة. أزهر الكوفيّ بياع الخمر وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب النّاس وقميصه مرقوع.

أسامة بن الحسن بن عبد الله

أسامة بن الحسن بن عبد الله ابن سلمان حدّث بعرفة من أعمال أطرابلس ن ساحل دمشق، عن علي بن معبد بن نوح البغداديّ نزيل مصر، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتّي أربعين من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ". أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل ابن عبد العزّي بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عبد ودّ بن كنانة بن عوف بن عذرة ابن عديّ بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور بن كلب أبو زيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حارثة، ويقال: أبو يزيد حبّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن حبّه، استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش فيه أبو بكر وعمر، فلم ينفذ حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه أبو بكر إلى الشّام، فأغار على أبنى من ناحية البلقاء؛ وشهد مع أبيه غزوة مؤتة، وقدم دمشق، وسكن المزّة مدّة، ثم انتقل إلى المدينة فمات بها، ويقال: بوادي القرى. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه جماعة من الصّحابة والتّابعين. عن أسامة بن زيد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما تركت بعدي فتنةً أضرّ على الرّجال من النّساء ". وعنه، قال: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني والحسن فيقول: " اللهم إني أحبّهما فأحبّهما ". وعنه، أن رسول اله صلى اله عليه وسلم قال: " إنّما الرّبا في النّسيئة ".

قال محمد بن سعد: قبض النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن عشرين سنة، وكان قد نزل وادي القرى، ومات بالمدينة في آخر خلافة معاوية، وأمّه أمّ أيمن، واسمها بركة، وكانت حاضنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاته. وكان زيد بن حارثة في رواية بعض أهل العلم أوّل النّاس إسلاماً، ولم يفارق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولد له أسامة بمكّة، ونشأ حتى أدرك لم يعرف إلاّ الإسلام، ولم يدن بغيره، وهاجر مع أبيه، وكان رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبّه حبّاً شديداً، وكان عنده كبعض أهله. عن عائشة، قالت: دخل مجزّر المدلجي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأى أسامة وزيداً، وعليهما قطيفةً، قد غطيّا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض؛ فدخل عليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسروراً. وعن أسامة، قال: جاء العبّاس وعليّ يستأذنان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تدري ما جاء بهما "؟ فقلت: لا؛ قال: " لكنّي أدري، إيذن لهما " فدخلا، فقال عليّ: يا رسول الله، من أحبّ أهلك إليك؟ قال: فاطمة قال: إنّما أعني من الرّجال؛ قال: " من أنعم الله عليه، وأنعمت عليه، أسامة "؛ قال: ثم من؟ قال: ثم أنت؛ قال العبّاس: يا رسول الله، جعلت عمّك آخرهم! قال: " إنّ علياً سبقك بالهجرة ". قالت عائشة: لا ينبغي لأحد أن ينتقص أسامة بعدما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان يحب الله ورسوله فليحبّ أسامة ". عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلّقها ألبتّة، وهو غائب بالشّام، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخّطته، فقال: والله، مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك

له، فقال: ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريك، ثم قال: تلك المرأة يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني قالت: فلّما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة فنكحته، فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به. وعن ابن عمر، قال: لمّا استعمل النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة، قالوا فيه، فبلغ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " قد بلغني ما قلتم في أسامة وقد قلتم ذلك في أبيه من قبل، وإنه لخليق للإمارة، وإنه لأحبّ النّاس إليّ ". قال ابن عمر: ما استثنى فاطمة ولا غيرها. عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أمّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد، وأمره أن يغير على أبنى من ساحل البحر، قال هشام: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أمّر الرّجل أعلمه وندب النّاس؛ قال: فخرج معه سروات النّاس وخيارهم ومعه عمر؛ قال: فطعن النّاس في تأمير أسامة، قال: فخطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أناساً طعنوا في تأميري أسامة كما طعنوا في تأميري أباه، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان لأحبّ إليّ، وإن ابنه لأحبّ النّاس إليّ بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيراً. قال: ومرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يقول في مرضه " أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة ". قال: فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس فقالت: لا تعجل فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثقيل؛ فلم يبرح حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، فإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم. قال: فخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: والله لئن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فبعثه أبو بكر إلى أبنى، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، قال: فأذن أسامة لعمر. قال: فأمره أبو بكر أن يجزر في القوم؛ قال هشام: يقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال حتى يفزع القوم. قال: فمضى حتى أغار عليهم، ثم أمرهم أن يعظموا الجراحة حتى يرهبوهم؛ قال: ثم رجعوا وقد سلموا، وقد غنموا. قال: فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو أمير. قال: فساروا، فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترهم الله بها حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم. قال: فقدم بنعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: ما بالي هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا! قال عروة: فما رؤي جيش كان أسلم من ذلك الجيش. وعن عائشة، قالت: دخل أسامة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصابته عتبة الباب فشج في وجهه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بنت أبي بكر، قومي فامسحي عنه الأذى " قالت: فتقذرته؛ فقام إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يمصه ويمجه، ويقول: " لو كان أسامة جاريةً لحليته بكل شيء وزينته حتى أنفقه للرجال ".

وعن عبد الله بن دينار، قال: كان عمر بن الخطاب إذا رأى أسامة بن زيد يقول: السلام عليك أيها الأمير، فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، تقول لي هذا؟ قال: فكان يقول له: لا أزال أدعوك ما عشت الأمير، مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت علي أمير. وعن ابن عمر، قال: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي، فقلت: إنما هجرتي وهجرة أسامة واحدة؛ فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك، وإنما هاجر بك أبواك. وعن قيس بن أبي حازم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد بن الوليد، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فهلا إلى رجل قتل أبوه " يعني أسامة بن زيد. وعن يزيد بن عياض. قال: أهدى حكيم بن حزام للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الهدنة التي كانت بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش حلة ذي يزن اشتراها بثلاثمئة دينار فردها عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " إني لا أقبل هدية مشرك " فباعها حكيم، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اشتراها له، فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه حكيم فيها قال: من الطويل ما تنظر الحكام بالفضل بعدما ... بدا سابق ذو غرة وحجول فكساها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد بن حارثة فرآها عليه حكيم، فقال: بخ بخ يا أسامة، عليك حلة ذي يزن! فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل له: وما يمنعني وأنا خير منه وأبي خير من أبيه؟ ". وعن عبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن أبي طالب، قالا: دخل أسامة بن زيد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، ثم قال: " يا أسامة بن زيد عليك بطريق الجنة، وإياك أن تحيد عنه فتختلج دونها " فقال أسامة: يا رسول الله دلني على ما أسرع به قطع ذلك الطريق،؛ قال: " عليك بالظمأ في

الهواجر، وقصر النفس عن لذاتها ولذة الدنيا، والكف عن محارم الله، يا أسامة إن أهل الجنة يتلذذون بريح فم الصائم، وإن الصوم جنةٌ من النار، فعليك بذلك، وتقرب إلى الله بكثرة التهجد والسجود، فإن أشرف الشرف قيام الليل، وأقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً، وإن الله عز وجل يباهي به ملائكته، ويقبل إليه بوجهه، يا أسامة بن زيد إياك وكل كبدٍ جائعةٍ تخاصمك عند الله يوم القيامة، يا أسامة بن زيد، إياك أن تعد عيناك عن عباد الله الذين أذابوا لحومهم بالرياح والسمائم، وأظمأوا الأكباد حتى غشيت أبصارهم الظلم، أسهروا ليلهم خشعاً ركعاً " يبتغون فضلاً من الله تعالى ورضواناً سيماهم في وجوههم من آثر السجود " تعرفهم بقاع الأرض تحف بهم الملائكة تحوم حواليهم الطير تذل لهم السباع كذل الكلب لأهله يابن زيد إن الله إذا نظر إليهم سر بهم، تصرف بهم الزلازل والفتن ". ثم بكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكاء شديداً حتى اشتد بكاؤه، وخاف القوم أن يكلموه، وحتى ظن القوم أن أمراً نزل من السماء، ثم تكلم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حزين، قال: " ويح هذه الأمة ما يلقى فيها من أطاع الله عز وجل كيف يكذبونه ويضربونه ويحبسونه من أجل أنه أطاع الله "، فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، والناس يومئذٍ على الإسلام؟ قال: " نعم " قال: ففيم إذاً يعصون من أطاع الله؟ قال: " إنما يعصونهم حيث أمروهم بطاعة الله، ترك القوم الطريق ولبسوا اللين من الثياب، وخدمتهم أبناء فارس، وتزين الرجل بزينة المرأة، وتزينت المرأة منهم بزينة الرجل، دينهم دين كسرى وقيصر، همتهم جمع الدنانير والدراهم، فهي دينهم، وسنتهم القتل، تباهوا بالجمال واللباس، فإذا تكلم ولي الله، الغني من التعفف، المنحنية أصلابهم من العبادة، قد ذبحوا أنفسهم من العطش لأجل رضاء الله عز وجل، كذبوا وأوذوا وطردوا وحبسوا، وقيل لهم: قرناء الشيطان ورؤوس الضلال، تكذبون بالكتاب وتحرمون زينة الله والطيبات من الرزق التي أخرج لعباده. يا أسامة بن زيد، تأولوا الكتاب على غير تأويله، وتركوا الدين، فهم على غير دين، واستبدلوا بما تأولوا أولياء الله. يا أسامة بن زيد، إن أقرب

الناس من الله يوم القيامة من طال حزنه وظمؤه وسهره وفكرته، أولئك هم الأخيار الأبرار، لا أنبئك بصفتهم؟ قال: بلى يا رسول الله؛ قال: " هم الذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يحضروا، وإذا نظر الناس إليهم قالوا: مجانين أو موسوسين، وما بالقوم جنون ولا وسواس، ولكنهم شغلوا أنفسهم بحب الله عز وجل وطلب مرضاته " يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " " يبيتون لربهم سجداً وقياماً " " يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " فيقلون على ذلك. يا أسامة بن زيد، أكل الناس من كل نوع، أكلوا من حشيش الأرض وثمارها، وتوسد الناس الوسائد والنمارق، توسدوا اللبن والحجارة، نعم الناس بلذاتهم وشهواتهم، نعموا بجوعهم والعطش، افترش الناس لين الفرش، افترشوا الجنوب والركب، ضحك الناس من الفرح، بكوا هم من الأحزان، تطيب الناس بالطيب، تطيبوا بالماء والتراب، بنوا الناس المنازل والقصور، واتخذوا الخراب والفلوات وظلال الشجر منازل ومساجد ومقيلاً، اتخذ الناس الأندية والمجالس متحدثاً تلذذاً وتلهياً وبطراً واتخذوا المحاريب وحلق الذكر والخلوة تخشعاً وخوفاً وتفكيراً وتذكيراً وتشريفاً، أنس الناس بالحديث والاجتماع، أنسوا بذكر الله ومناجاته والوحدة والفرار بدينهم من الناس، وهب الناس أنفسهم للدنيا، وهبوا هم أنفساً هو وهبها لهم فباعوا قليلاً زائلاً واشتروا كثيراً دائماً. يا أسامة بن زيد، لا يجمع الله عليهم الشدة في الدنيا والآخرة، بل لهم الجنة، أولئك هم أحباء الله، يا ليت أني قد رأيتهم، الأرض بهم رحيمة، والجبار منهم راض، ضيع الناس أفعال النبيين وأخلاقهم، حفظوها هم وتمسكوا بها. يا أسامة بن زيد، الراغب من رغب إلى مثل رغبتهم، والمغتر المغبون من لم يلق الله عز وجل بمثل رغبتهم وأدبهم، والخاسر من خسر تقواهم وضيع أفعالهم. يا أسامة بن زيد، هم لكل أرضٍ أمان، تبكي الأرض إذا فقدتهم، ويسخط الجبار على بلدٍ ليس فيه منهم، ولا تزال الأرض باكيةً حتى يبدل الله مثله. يا أسامة بن زيد، اتخذهم لنفسك أصدقاء وأصحاباً عسى أن تنجو بهم، وإياك أن تدع ما هم عليه فتزل قدمك فتهوي في

أسامة بن زيد بن عدي

النار، يا أسامة بن زيد، زهدوا في الحلال فحرموه على أنفسهم وقد أحل لهم، طلباً للفضل فتركوه لينالوا به الزلفى والكرامات عند الله عز وجل، ولم يتكابوا على الدنيا تكاب الكلاب على الجيف؛ شغل الناس بالدنيا، شغلوا هم أنفسهم بطاعة الله عز وجل، ولم يكن ذلك إلا بتوفيق من الله عز وجل لهم، أكلوا حلو الطعام وحامضه، شعثاً غبراً هزلاً، يراهم الناس فيظنون أن فيهم داء، ويقال: قد خولطوا، وما بالقوم داء ولا خولطوا، ويقال: قد ذهبت عقولهم، وما ذهبت عقولهم، ولكنهم نظروا بقلوبهم إلى من أذهلهم عن الدنيا وما فيها، فهم عند أهل الدنيا يمشون بلا عقول حين ذهبت عقول الناس في سكرتهم بحب الدنيا ورفض الآخرة. أولئك لهم البشرى والكرامة برفضهم لهواهم وإيثارهم حق الله عز وجل على حقوق من عاشروا. فقال أسامة: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أللهم اجعله منهم " أو قال: " أنت منهم ". وعن محمد بن سيرين، قال: بلغت النخلة على عهد عثمان ألف درهم؛ قال: فعمد أسامة إلى نخلة فعقرها وأخرج جمارها وأطعمها أمه، فقالوا له: ما يحملك على هذا، وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم؟ قال: إن أمي سألتني ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتها. وعن الزهري، قال: قد حمل سعد بن أبي وقاص من العقيق إلى المدينة، وحمل أسامة بن زيد من الجرف. وقد تقدم أنه مات في خلافة معاوية، ومات معاوية سنة ستين. أسامة بن زيد بن عدي أبو عيسى التنوخي الكاتب، ويقال: الكلبي مولاهم مولى سليح، ولي كتابة الوليد بن عبد الملك، ثم قدم دمشق على يزيد بن عبد الملك، ثم ولي الخراج لهشام بن عبد الملك.

ذكر أبو الحسين الرازي في تسمية كتاب أمراء دمشق، أن أسامة بن زيد بن عدي صاحب قصر أسامة من أهل دمشق كان على ديوان الجند بدمشق في زمان الوليد بن عبد الملك، وتولى خراج مصر للوليد بن عبد الملك فاستخرج مالها اثني عشر ألف ألف دينار، وهو أول من اتخذ صاحب حمالة. قال ابن يونس: وهو الذي بنى مقياس النيل العتيق بجزيرة فسطاط مصر. قال الليث بن سعد: فيها يعني سنة سبع أو ست وتسعين دخل أسامة بن زيد مصر أميراً على أرض مصر، دخل يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وفيها يعني سنة تسع وتسعين نزع أسامة بن زيد من مصر في شهر ربيع الآخر، وأمر حيان بن شريح سنة اثنتين؛ قال: وفيها يعني سنة أربع ومئة خرج أسامة بن زيد إلى الشام فجعل على الدواوين، وأمر يزيد بن أبي يزيد على مصر. قال إسماعيل بن أبي الحكم: لما بعث سليمان بن عبد الملك أسامة بن زيد الكلبي على مصر، دخل أسامة على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبا حفص، إنه والله ما على ظهر الأرض من رجل بعد أمير المؤمنين أحب إلي رضاء منك ولا أعز علي سخطاً منك، وإن أمير المؤمنين قد وجهني إلى مصر، فأوصني بما شئت، واكتب إلي فيما شئت، فإنك لن تأمر بأمر إلا نفذ إن شاء الله. قال: ويحك يا أسامة، إنك تأتي قوماً قد ألح عليهم البلاء منذ دهر طويل، فإن قدرت على أن تنعشهم فأنعشهم؛ قال: يا أبا حفص، إنك قد علمت نهمة أمير المؤمنين في المال، وإنه لن يرضيه إلا المال؛ قال: إنك إن تطلب رضاء أمير المؤمنين بسخط الله يكون الله قادراً على أن يسخط أمير المؤمنين عليك. قال: إني سأودع أمير المؤمنين وأنت حاضر إن شاء الله فتسمع وصاته. فلما كان في اليوم الذي أراد أن يسير فيه غدا على سليمان متقلداً بسيف، متوشحاً عمامته، يتحين دخول عمر فلما عرف أن عمر قد استقر فقعد مقعده عند سليمان استأذن ودخل وسلم، ثم مثل قائماً، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا وجهي وأردت أن أحدث عهداً بأمير المؤمنين، وأن يعهد إلي أمير المؤمنين.

أسامة بن سلمان النخعي

قال: احلب حتى ينفيك الدم، فإذا أنفاك فاحلب حتى ينفيك القيح لا تنفيها لأحدٍ بعدي. قال: فخرج، فلم يزل واقفاً حتى خرج عمر من عند سليمان، فسار معه قبل منزل عمر، فقال: يا أبا حفص قد سمعت وصاة أمير المؤمنين؛ قال: وأنت قد سمعت وصاتي؛ قلت: أوصني في خاصتك؛ قال: ما أنا بموصيك مني في خاصتي إلا أوصيك به في العامة. فسار إلى مصر، فعمل فيها عملاً، والله ما عمله فرعون، فقد قص علينا ما عمل فرعون. فقلت له: فما صنعتم به حين وليتم؟ قال: عزلناه، ووقفناه بمصر في العسكر، فوالله ما جاء أحد من الناس يطلب قبله ديناراً ولا درهماً إلا وجدناه مثبتاً في بيت المال، كان أميناً في الأرض. أسامة بن سلمان النخعي ويقال: العنسي، من أهل دمشق روى عن أبي ذر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " إن الله عز وجل ليغفر للعبد ما لم يقع الحجاب " قالوا: يا رسول الله، وما وقوع الحجاب؟ قال: " أن تموت يعني النفس وهي مشركة ". أسامة بن سلام القرشي من أهل صهيا.

أسامة بن مرشد بن علي

أسامة بن مرشد بن علي ابن المقلد بن نصر بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو المظفر الكناني، الملقب بمؤيد الدولة له يد بيضاء في الأدب والكتابة والشعر. ذكر لي أنه ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمئة، وقدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وخمسمئة، وخدم بها السلطان وقرب منه؛ وكان فارساً شجاعاً، ثم خرج إلى مصر فأقام بها مدة، ثم رجع إلى الشام وسكن حماة؛ واجتمعت به بدمشق، وأنشدني قصائد من شعره سنة ثمان وخمسين وخمسمئة. قال لي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الملحي: الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ شاعر أهل الدهر، مالك عنان النظم والنثر، متصرف في معانيه، لاحق بطبقة أبيه، ليس يستقصى وصفه بمعان، ولا يعبر عن شرحها بلسان، فقصائده الطوال لا يفرق بينها وبين شعر ابن الوليد، ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد، وهي على طرف لسانه، بحسن بيانه، غير محتفل في طولها، ولا يتعثر لفظه العالي في شيء من فضولها؛ والمقطعات فأحلى من الشهد، وألذ من النوم بعد طول السهد، في كل معنى غريب وشرح عجيب. كتب على حائط دار سكنها بالموصل: من البسيط دار سكنت بها كرها وما سكنت ... روحي إلى شجن فيها ولا سكن والقبر أستر لي منها وأجمل بي ... إن صدني الدهر عن عودي إلى وطني وكتب إلى أخيه: من الخفيف

عجمتني الخطوب حيناً فلما ... عجزت أن تطيق مساغا لفظتني وسالمتني فقد عا ... د حذاري أمناً وشغلي فراغا وأخو الصبر في الحوادث إن لم ... يلقه الحين مدرك ما أراغا وكتب على حائط جامع: من الكامل هذا كتاب فتى أحلته النوى ... أوطانها ونبت به أوطانه شطت به عمن يحب دياره ... وتفرقت أيدي سبا إخوانه متتابع الزفرات بين ضلوعه ... قلب يبوح ببثه خفقانه تأوي إليه مع الظلام همومه ... وتذوده عن نومه أشجانه لكنه لا يستكين لحادث ... خوف الحمام ولا يراع جنانه ألفت مقارعة الكماة جياده ... وسرى الهواجر لا يني ذملانه يومان أجمع دهره إما سرى ... أو يوم حرب تلتظي نيرانه أنشدنا أبو المظفر: من البسيط نافقت دهري فوجهي ضاحك جذل ... طلق وقلبي كئيب مكمد باكي وراحة القلب في الشكوى ولذتها ... لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي وأنشدني أيضاً: من الكامل أصبحت لا أشكو الخطوب وإنما ... أشكو زماناً لم يدع لي مشتكى أفنى أخلائي وأهل مودتي ... وأباد إخوان الصفاء وأهلكا عاشوا براحتهم ومت لفقدهم ... فعلي يبكي لا عليهم من بكى وبقيت بعدهم كأني حائر ... بمفازة لم يلق فيها مسلكا وأنشدني أيضاً: من الكامل

أحبابنا كيف اللقاء ودونكم ... خوض المهالك والفيافي الفيح أبكيتم عيني دماً فكأنما ... إنسانها بيد الفراق جريح فكأن قلبي حين يخطر ذكركم ... لهب الضرام تعاورته الريح وأنشدني أيضاً: من البسيط يا مؤيسي بتجنيه وهجرته ... هل حرم الحب تسويفي وتعليلي يبدي لي اليأس تصريحاً فتكذبه ... طماعي وأرى والآمال تملي لي وقد رضيت قليلاتً منك تبذله ... فما احتيالي إذا استكثرت تقليلي وأنشدني ما قاله في ضرس له قلعه: من البسيط وصاحب لا تمل الدهر صحبته ... يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد لم يبد لي مذ تصاحبنا فحين بدا ... لناظري افترقنا فرقة الأبد وأنشدني: من الكامل ومماذق رجع النداء جوابه ... فإذا عرا خطب فأبعد من دعي مثل الصدى يخفى علي مكانه ... أبداً ويملا بالإجابة مسمعي وأنشدني مما عمله بقيسارية: من الطويل أراني نهار الشيب قصدي وطالما ... تجاوز بي ليل الشباب سبيلي وقد كان عذري أن أضلني الدجى ... فهل لي عذر والنهار دليلي وأنشد: من الطويل إذا ما عدا دهر من الخطب فاصطبر ... فإن الليالي بالخطوب حوامل

وكل الذي يأتي به الدهر زائل ... سريعاً فلا تجزع لما هو زائل وأنشدني: من البسيط لا تخدعن بأطماع تزخرفها ... لك المنى بحديث المين والخدع فلو كشفت عن الهلكى بأجمعهم ... وجدت هلكهم في الحرص والطمع وأنشدني من الكامل لا در درك من رجاء كاذب ... يعترنا بورود لامع لال أبداً يسوفنا بنصرة خاذلٍ ... ووفاء خوان وعطفة قال ويري سبيل الرشد لكن ما لنا ... عزم مع الأهواء والآمال وأنشدني مما قاله بمصر: من البسيط أنظر إلى صرف دهري كيف عودني ... بعد المشيب سوى عاداتي الأول تغاير من صروف الدهر معتبرٌ ... وأي حال على الأيام لم يحل قد كنت مسعر حرب كلما خمدت ... أضرمتها باقتداح البيض في القلل همي منازلة الأقران أحسبهم ... فرائسي فهم مني على وجل أمضى على الهول من ليل وأهجم من ... سيل وأقدم في الهيجاء من أجل فصرت كالغادة المكسال مضجعها ... على الحشايا وراء السجف والكلل قد كدت أعفن من طول الثواء كما ... يصدي المهند طول اللبث في الخلل أروح بعد دروع الحرب في حللٍ ... من الدبيقي فبؤساً لي وللحلل وما الرفاهة من رأيي ولا وطري ... ولا التنعم من همي ولا شغلي ولست أرضى بلوغ المجد في رفهٍ ... ولا العلا دون حطم البيض والأسل وأنشدني بعد ما قاله في خروجه من مصر، قال: من الطويل

أسباط بن واصل الشيباني

إليك فما تثني شؤونك شاني ... ولا تملك العين الحسان عناني ولا تجزعي من بغتة البين واصبري ... لعل التنائي معقب لتداني فللأسد غيل حيث حلت وإنما ... يهاب التنائي قلب كل هدان ولا تحملي هم اغترابي فلم أزل ... غريب وفاء في الورى وبيان وفياً إذا ما خان جفن لناظر ... ولم يرع كف صحبة لبنان أرى الغدر عاراً يكتب الدهر وصمةً ... ويقراه ما بين الملا الملوان ولا تسأليني عن زماني فإنني ... أنزه عن شكوى الخطوب لساني ولكن سلي عني الزمان فإنه ... يحدث عن صبري على الحدثان رمتني الليالي بالخطوب جهالةً ... بصبري على ما نابني وعراني فما أوهنت عزمي الرزايا ولا لها ... بحسن اصطباري في الملم يدان وكم نكبةٍ ظن العدى أنها الردى ... سمت بي وأعلت في البرية شاني وما أنا ممن يستكين لحادث ... ولا يملأ الهول المخوف جناني وإن كان دهري غال وفري فلم يغل ... ثنائي ولا ذكري بكل مكان وما كان إلا للنوال وللقرى ... وغوثاً لملهوفٍ وفدية عان حمدت على حالي يسار وعسرةٍ ... وبرزت في يومي ندى وطعان ولم أدخر للدهر إن راب أو نبا ... وللخطب إلا صارمي وسناني لأن جميل الذكر يبقى لأهله ... وكل الذي فوق البسيطة فان أسباط بن واصل الشيباني والد يوسف بن أسباط الزاهد شاعر مدح يزيد بن الوليد، وكان قدرياً حكى ذلك ابنه يوسف. قال يوسف: كان أبي صديقاً ليزيد بن الوليد الناقص، فلما صارت إليه الخلافة دخل عليه ومعه عشرة من الشعراء، فسلم عليه بالخلافة، وقال له: من المتقارب

إسحاق بن أحمد

أتتك تزف زفاف العروس ... عن المسلمين فخذها هنيا في قصيدة له، فأمر لهم بكذا وكذا فرق بينهم؛ ثم عاش أبي حتى أدرك أبا جعفر، فأتاه بقصيدته التي قالها في يزيد، فأمر له بأربعة آلاف درهم، فاستقلها أبي، وقال: عهد أمير المؤمنين بالفقر قريب. قال يوسف بن أسباط: مات أبي وترك مئة ألف ما أخذت منها شيئاً، إلا هذا المصحف، وليس في نفسي منه شيء. وقال يوسف: كان أبي قدرياً، وأخوالي روافض، فأنقذني الله تعالى بسيفين. قال أسباط يذكر غيبته عن قتل الوليد، وأنه لم يحضره، وقد كان قبل ذلك وبعد من المجلبين والداعين إلى قتاله وقتله؛ من المتقارب مررت بحيث قضى نحبه ... فكاد يشيب مني القذالا لذكري وقيعته إذ مضت ... ولم أك باشرت فيها قتالا ولكنني كنت في غيبةٍ ... أجل من القول عني عيالا أعرف ذا الجهل شراته ... وأذكر للناس منه خلالا ولأسباط بن واصل، مما ذكره محمد بن داود بن الجراح: من المتقارب دعاني أناجي إلهي قليلا ... إذا الليل ألقى علي السدولا إليك تيممت قولاً أصيلا ... أرجي به رب منك الفضولا لأنك تعطي على قدرةٍ ... وأنك لست بشيء بخيلا إسحاق بن أحمد روى عن جعفر بن محمد الفريابي، بسنده عن أنس، قال: دخلت على البراء بن مالك، وقد قال برجله على الحائط، وهو يترنم بالشعر، فقلت: بعد الإسلام والقرآن؟ قال: يا أخي، الشعر ديوان العرب.

إسحاق بن أحمد أبو يعقوب الطائي

إسحاق بن أحمد أبو يعقوب الطائي حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، عن محمد بن القاسم الأنباري، عن أبي القاسم العبدي قال: قال المأمون: بينما أدور في بلاد الروم وقفت على قصر عادي مبني من رخام أبيض، كأن أيدي المخلوقين رفعت عنه تلك الساعة، عليه مصراعان مردومان، عليهما كتاب بالحميرية، فطلبت من قرأه، فإذا هو مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: من الخفيف ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملك ... قد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشترك قال: فأمرت بفتح المصراعين، فدخلت، فإذا أنا بقبةٍ من رخام أبيض مكتوبٍ حواليها مثل تلك الكتابة، فقرئ فإذا هو مكتوب: من الرجز لهفي على مختلس ... في قبره محتبس قد عاش دهراً ملكاً ... منعماً بالأنس لم ينتفع لما أتي ... بجنده والحرس وإذا داخل القبة سرير من ذهب عليه رجل مسجى، حواليه ألواح من فضة، مكتوب على لوح منها عند رأسه بمثل الكتابة: من البسيط الموت أخرجني من دار مملكتي ... فاخترت مضطجعي من بعد تتريف لله عبد رأى قبري فأحزنه ... وخاف من دهره ريب التصاريف أستغفر الله من ذنبي ومن زللي ... وأسأل الله عفواً يوم توقيفي

إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد

إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد ابن عطية بن زياد بن مزيد بن بلال بن عبد الله أبو يعقوب البغدادي أخو أبي بكر بن الحداد، سمع بدمشق ببيت لهيا، وببغداد، واستوطن مصر. إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن راشد ابن سليم الثقفي، يعرف بالضامدي روى عن عمر بن عبد الواحد، بسنده عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، كما أمركم الله، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ". إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل أبو محمد السبتي القاضي سمع بدمشق وبغيرها من جماعة، وروى عنه جماعة. روى قتيبة بن سعيد، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ". مات سنة سبع وثلاثمئة. إسحاق بن إبراهيم بن بنان ويقال: بيان أبو يعقوب الجوهري مصري الأصل، سكن دمشق وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة.

إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان

روى عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ". وعن أبي داود الحراني، بسنده عن البراء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقوم جلوس على ظهر الطريق، فقال: " إن كنتم لا بد فاعلين فأفشوا السلام، واهدوا الضال، وأغيثوا الملهوف ". قال أبو سليمان بن زبر: سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، فيها توفي ابن بنان الجوهري في شعبان. إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان أبو يعقوب البغدادي الأنماطي سمع بدمشق وأسمع. روى عن هشام بن عمار، بسنده عن عائشة. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى المطر قال: " اللهم اجعله صيباً هنياً ". قال عنه الدارقطني: ثقة، وهو بغدادي. مات سنة اثنتين وثلاثمئة، يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم. إسحاق بن إبراهيم بن صالح بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي الصالحي ولي دمشق نيابة عن أبيه إبراهيم في خلافة الرشيد، وفي ولايته وقعت عصبية أبي الهيذام، حتى تفانى فيها جماعة من المسلمين وتفاقم أمرهم.

إسحاق بن إبراهيم بن عبد الواحد

عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم بدمشق، يقول على منبر دمشق: من آثره الله آثره، فرحم الله عبداً استعان بنعمته على طاعته، ولم يستعن بنعمته على معصيته، فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعةً، إلا وهو مزداد صنفاً من النعيم لم يكن يعرفه، ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه. وعن علي بن محمد المدائني، قال: ولما خرج إبراهيم من دمشق مع الوفد الذين قدم بهم على أمير المؤمنين الرشيد، استخلف ابنه إسحاق على دمشق، وضم إليه رجلاً من كندة، يقال له: الهيثم بن عوف، فغضب الناس، وحبس رؤوساً من قيس، وأخذ أربعين رجلاً من محارب فضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم، ضرب كل رجلٍ ثلاثمئة، فنفر الناس بدمشق فتداعوا إلى العصبية، ونشب الحرب، ورجعوا إلى ما كانوا عليه من القتل والنهب، فلم يزالوا على ذلك أشهراً، ثم خرج إلى حمص. إسحاق بن إبراهيم بن عبد الواحد ابن إبراهيم بن عبد الله بن عمران العبسي روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن الخولاني، بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الجنة لتزخرف لشهر رمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش فتفتقت ورق الجنة عن الحور العين يقلن: أللهم اجعل لنا من أوليائك أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا ". إسحاق بن إبراهيم بن العلاء ابن زبريق بن الضحاك بن مهاجر بن عبد الرحمن بن زيد أبو يعقوب بن أبي إسحاق الزبيدي، الحمصي وقيل: إنه دمشقي. سمع وأسمع.

إسحاق بن إبراهيم بن القاسم بن مخلد

روى عن عمرو بن الحارث، بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي يحلون عن الحوض، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقول: إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ". قال ابن أبي حاتم: كتب أبي عنه، وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن معين، وأثنى على إسحاق بن الزبريق خيراً، وقال: الفتى لا بأس به، ولكنهم يحسدونه. قال ابن يونس في تاريخ الغرباء: توفي بمصر سنة ثمان وثلاثين ومئتين، يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان. إسحاق بن إبراهيم بن القاسم بن مخلد أبو يعقوب النيسابوري سكن دمشق وحدث بها عن جماعة، وروي عنه. روى عن يوسف بن موسى المروروذي، بسنده عن خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا ". إسحاق بن إبراهيم بن أبي كامل أبو الفضل، ويقال: أبو يعقوب الحنفي المروروذي، ويقال الباوردي سكن بغداد، وحدث عن جماعة، وحدث بمصر ودمشق. روى عن الحسن بن الأشيب، بسنده عن أبي هريرة، أنه قال: يا نبي الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد المقل، وابدأ بمن تعول ".

إسحاق بن إبراهيم بن محمد

قال أبو زرعة: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن أبي كامل، ثقة حافظ، من أهل مروروذ، قدم علينا طالب علم، عن بكر بن بكار، بسنده عن أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون ويبقى واحد ". روى عن عبد الرزاق، بسنده عن عبد الله بن عدي الأنصاري، قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحابه، إذ جاءه رجل فساره في قتل رجلٍ من المنافقين، فجهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كلامه، قال: " أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: بلى، ولا شهادة له؛ قال: " أليس يصلي؟ " قال: بلى، ولا صلاة له؛ قال: " أولئك الذين نهيت عن قتلهم ". وقال ابن أبي حاتم: وهو صدوق. إسحاق بن إبراهيم بن محمد ابن خازم بن سنين أبو القاسم الختلي، البغدادي سمع بدمشق وبغيرها من جماعة، وروي عنه. روى عن محمد بن أبي السري العسقلاني، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها ". مات في سنة ثلاث وثمانين ومئتين، يوم الجمعة ليومين مضيا من شوال، وقيل: إنه مات وقد بلغ ثمانين سنة. وقال ابن قانع: مات سنة أربعٍ وثمانين ومئتين، في أولها.

إسحاق بن إبراهيم بن محمد

إسحاق بن إبراهيم بن محمد ابن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو يعقوب، ويقال: أبو الأصبغ الأنصاري روى عن أبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي، بسنده عن جابر أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على أربعين ألف درهم. قال إسحاق: حج سالم الخواص فلقي ابن عيينة في السوق، فقال: كنت أحب لقيك وما كنت أحب أن ألقاك في هذا الموضع؛ قال: فأنشأ ابن عيينة يقول: من البسيط خذ بعلمي وإن قصرت في عملي ... ينفعك عملي ولا يضررك تقصيري إسحاق بن إبراهيم بن محمد ابن عرعرة بن البرند أبو عبيد الله الشامي البصري قدم دمشق سنة إحدى وستين ومئتين، وحدث بها وبحمص. روى عن سليمان بن داود، بسنده عن أم سلمة. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى عندها جارية بوجهها سفعة، فقال: " بها نظرة فاسترقوا لها ". وعن إبراهيم بن بشار الرمادي، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على بعض نسائه بتمرٍ وسويق.

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد

إسحاق بن إبراهيم بن مخلد ابن إبراهيم بن عبد الله بن بكر، ويقال مطر بدل بكر بن عبد الله بن غالب ابن عبد الوارث، ويقال: ابن الوارث بن عبد الله بن عطية بن مرة ابن كعب بن همام بن أسمر، ويقال: أسد بدل أسمر بن مرة ابن عمرو بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه أحد أئمة الإسلام، وأعلام الدين. سمع بدمشق والشام، والري والكوفة والبصرة ومكة واليمن وخراسان. روى عن عيسى بن يونس، بسنده عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها في أيام منى وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بدفين، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجى بثوبٍ على وجهه، لا يأمرهن ولا ينهاهن، فنهاهن أبو بكر، فكشف رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وجهه الثوب، وقال: " دعهن يا أبا بكر، فإنها أيام عيد ". وعن المعتمر بن سليمان، بسنده عن علقمة بن عبد الله، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كسر سكة المسلمين الجائزة، إلا من بأس. وعن يحيى بن سعيد، بسنده عن ابن عباس. أنه كان يكبر من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق. قال محمد بن رافع: فلقيت إسحاق بن إبراهيم، فقلت: إن يحيى بن آدم حدثني عنك، عن يحيى بن سعيد، فذكرت له هذا الحديث، فحدثني كما حدثني يحيى بن آدم. قال أبو العباس: فقلت لإسحاق: كم كتب عنك يحيى بن آدم؟ قال إسحاق: نحو ألفي حديث.

قال محمد بن إسحاق بن راهويه: ولد أبي رحمه الله سنة ثلاث وستين ومئة؛ توفي رحمه الله تعالى في ليلة الأحد النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومئتين. قال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: قال لي عبد الله بن طاهر، لم قيل لك: ابن راهويه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يقال لك هذا؟ قال: قلت: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق، فقالت المراوزة: راهويه، بأنه ولد في الطريق، وكان أبي يكره هذا، وأما أنا فلست أكرهه. وعن علي بن إسحاق بن راهويه قال: ولد أبي من بطن أمه مثقوب الأذنين، قال: فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله عن ذلك، فقال: ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين؛ فقال: يكون ابنك رأساً إما في الخير وإما في الشر. قال وهب بن جرير: جزى الله إسحاق بن راهويه، وصدقة، ومعمر، عن الإسلام خيراً، أحيوا السنة بأرض المشرق. وعن يحيى بن يحيى قال: قالت لي امرأتي فاطمة: كيف تقدم إسحاق بين يديك إذا خرجت من الطارمة، وأنت أكبر منه؟ فقال: إسحاق أكثر علماً مني، وأنا أسن منه. وعن أحمد بن حفص السعدي قال: ذكر لأحمد بن حنبل، وأنا حاضر، إسحاق بن راهويه، فكره أحمد أن يقال: راهويه؛ وقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ وقال: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً. قال إسحاق بن إبراهيم: سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى حديث ابن عباس: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه خلف ظهره قال: فحدثتهن فقال له رجل: يا أبا يعقوب، رواه وكيع بخلاف هذا؛ فقال له أحمد بن حنبل: اسكت، إذا حدثك أبو يعقوب، أمير المؤمنين، فتمسك به.

إسحاق بن إبراهيم بن ميمون

أنشد أحمد بن سعيد الرباطي في إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: من السريع قربى إلى الله دعاني إلى ... حب أبي يعقوب إسحاق لم يجعل القرآن خلقاً كما ... قد قاله زنديق فساق جماعة السنة آدابه ... يقيم من شذ على ساق يا حجة الله على خلقه ... في سنة الماضين للباقي أبوك إبراهيم محض التقى ... سباق مجدٍ وابن سباق قال محمد بن إسحاق: ولما مات إسحاق بن إبراهيم، وقف رجلٌ على قبره، وقال: من الطويل فكيف احتمالي للسحاب صنيعه ... بإسقائه قبراً وفي لحده بحر وعن أبي سعيد الحسن بن عبد الصمد القهندزي، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أحفظ سبعين ألف حديث، كأنها نصب عيني. قال أبو بكر الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام، وورد بغداد غير مرة، وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلى خراسان، واستوطن نيسابور، إلى أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين، ولم أر في أحاديث البغداديين شيئاً أستدل به على أنه حدث ببغداد، إلا أن يكون على سبيل المذاكرة، والله أعلم. إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمد التميمي، المعروف أبوه بالموصلي روى عن جماعة، وروي عنه؛ وقدم دمشق مع المأمون.

عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: قال لي أبي: قلت ليحيى بن خالد، أريد أن تكلم لي سفيان بن عيينة ليحدثني بأحاديث؛ فقال: نعم، إذا جاءنا فأذكرني. قال: فجاءه سفيان، فلما جلس أومأت إلى يحيى، فقال: يا أبا محمد، إسحاق بن إبراهيم من أهل العلم والأدب، وهو مكره على ما تعلمه منه. فقال سفيان: وما تريد بهذا الكلام؟ قال: تحدثه بأحاديث؛ قال: فكره ذلك، فقال يحيى: أقسمت عليك إلا فعلت؛ قال: نعم، فليبكر إلي. قال: فقلت ليحيى: افرض لي عليه شيئاً؛ فقال له: يا أبا محمد، افرض له شيئاً؛ قال: قد جعلت له خمسة أحاديث؛ قال: زده؛ قال: قد جعلتها سبعة؛ قال: هل لك أن تجعلها عشرة؟ قال: نعم. قال إسحاق: فبكرت إليه، واستأذنت ودخلت وجلست بين يديه، فأخرج كتابه فأملى علي عشرة أحاديث، فلما فرغ قلت له: يا أبا محمد، إن المحدث يسهو ويغفل وإن المحدث أيضاً كذلك، فإن رأيت أقرأ عليك ما سمعته منك؛ قال: اقرأ فديتك؛ فقرأت عليه. وقلت له أيضاً: إن القارئ ربما أغفل طرفه الحرف، والمقروء عليه ربما ذهب عنه الحرف، فأنا في حل أن أروي جميع ما سمعته منك؟ قال: نعم، فديتك، أنت والله فوق أن تستشفع أو يشفع لك، فتعال كل يوم، فلوددت أن أصحاب الحديث كانوا مثلك. وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: جئت أبا معاوية الضرير، ومعي مئة حديث أريد أن أقرأها عليه، فوجدت في دهليزه رجلاً ضريراً، فقال: إنه قد جعل الإذن عليه اليوم إلي لينفعني، وأنا رجل جليل؛ فقلت له: معي مئة حديثٍ، وأنا أهب لك مئة درهم؛ فقال: قد رضيت.

ودخل فاستأذن لي، فدخلت وقرأت المئة حديث؛ فقال لي أبو معاوية: الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس، وأنت من رؤسائهم، وهو ضعيف معيل، وأنا أحب منفعته؛ قلت قد جعلتها له مئة دينار؛ فقال: أحسن الله جزاءك؛ فدفعتها إليه فأغنيته. قال أبو بكر الخطيب: يقال: إنه ولد في سنة خمس ومئة، وقيل: ولد بعد ذلك، وكتب الحديث عن سفيان بن عيينة وهشيم بن بشير، وأبي معاوية الضرير، وطبقتهم؛ وأخذ الأدب عن أبي سعيد الأصمعي، وأبي عبيدة، ونحوهما؛ وبرع في علم الغناء، وغلب عليه فنسب إليه، وكان حسن المعرفة، حلو النادرة، مليح المحاضرة، جيد الشعر، مذكوراً في السخاء، معظماً عند الخلفاء، وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حماد. قال إسحاق: بقيت دهراً من دهري أغلس كل يوم إلى هشيم أو غيره من المحديثن وأسمع منه، ثم أصير إلى الكسائي أو الفراء أو ابن غزالة فأقرأ عليه جزاءاً من القرآن، ثم آتي منصور زلزل فيضاربني طريقتين أو ثلاثة، ثم آتي عاتكة بنت شهدة فآخذ منها صوتاً أو صوتين، ثم آتي الأصمعي وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدثهما وأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأعلمه بما صنعت، ومن لقيت، وما أخذت، وأتغدى معه؛ فإذا كان العشي رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد. وحدث محمد بن عطية العطوي الشاعر، أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه، فوافى إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج، وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر؛ فأقبل على يحيى، فقال: أعز الله القاضي، أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن؟ قال: لا؛ قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها وأنسب إلى فن واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العطوي: فالتفت إلي يحيى بن أكثم، فقال: جوابه في هذا عليك وكان العطوي من أهل الجدل فقلت: نعم أعز الله القاضي الجواب علي. ثم أقبلت على إسحاق، فقلت: يا أبا محمد، أنت كالفراء والأخفش في النحو؟ قال:

لا؛ قلت: أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأصمعي وأبي عبيدة؟ قال: لا، قلت: أفأنت في الأنساب كالكلبي وأبي اليقظان؟ قال: لا؛ قلت: أفأنت في الكلام كأبي الهذيل والنظام؟ قال: لا؛ قلت: أفأنت في الفقه كالقاضي؟ قال: لا؛ قلت: فأنت في قول الشعر كأبي العتاهية وأبي نواس؟ قال: لا؛ قلت: فمن هاهنا نسبت إلى ما نسبت إليه لأنه لا نظير لك فيه ولا شبيه، وأنت في غيره دون رؤساء أهله. فضحك وقام فانصرف؛ فقال لي يحيى بن أكثم: لقد وفيت الحجة حقها، وفيها ظلم قليل لإسحاق، وإنه لممن يقل في الزمان نظيره. وعن محمد بن عبد الله بن الحزنبل، قال: ما سمعت ابن الأعرابي يصف أحداث بمثل ما يصف به إسحاق من العلم والصدق والحفظ، وكان كثيراً ما يقول: أسمتم بأحسن من ابتدائه في قوله: من الخفيف هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إن عهدي بالنوم عهد طويل؟ هل تعرفون من شكا نومه بمثل هذا اللفظ الحسن؟ وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقاً عالماً، وما سمعت منه شيئاً، ولوددت أني سمعت، وما كان يفوتني منه شيء لو أردته. وعن يزيد بن محمد المهلبي، قال: سمعت إسحاق الموصلي يقول: لما خرجنا مع الرشيد إلى الرقة. قال لي الأصمعي: كم حملت معك من كتبك؟ قلت: تخففت فحملت ثمانية أحمال ستة عشر صندوقاً؛ قال: فعجب، فقلت: كم معك من كتبك يا أبا سعيد؟ قال: ما معي إلا صندوقٌ واحد! قلت: ليس إلا؟ قال: وتستقل صندوقاً من حق!. وعنه قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: رأيت في منامي كأن جريراً ناولني كبة من شعر فأدخلتها في فمي، فقال بعض المعبرين: هذا رجل يقول من الشعر ما شاء. قال: وجاء مروان بن أبي حفصة يوماً إلي فاستنشدني من شعري فأنشدته: من الطويل

إذا كانت الأحرار أهلي ومنصبي ... ودافع ضيمي خازم وابن خازم عطست بأنف شامخٍ وتناولت ... يداي السما قاعداً غير قائم قال: فجعل مروان يستحسن ذلك ويقول لأبي: إنك لا تدري ما يقول هذا الغلام!. قال إسحاق: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا إسحاق أنشدني شيئاً من شعر؛ فأنشدته: من الطويل وآمرة بالبخل قلت لها: اقصدي ... فذلك شيء ما إليه سبيل قال الخطيب: كذا رأيته بخط ابن حيويه اقصدي بالدال. أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له في العالمين خليل وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال: بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يكون ينيل عطائي عطاء المكثرين تكرماً ... ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل فقال: لا، كيف؟ إن شاء الله، يا فضل أعطه مئة ألف درهم، ثم قال: لله در أبيات تأتينا بها يا إسحاق ما أجود أصولها، وأحسن فصولها؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، كلامك أحسن من شعري؛ فقال: يا فضل أعطه مئة ألفٍ أخرى. قال إسحاق: فكان ذلك أول مالٍ اعتقدته. عن أبي العيناء قال: قال لي الأصمعي يوماً: لقيني إسحاق الموصلي، فقال لي: ما تقول في قول الشاعر: من الخفيف هل إلى نظرة إليك سبيل ... يرو منها الصدى ويشفي الغليل إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير من المحب القليل فقلت له: هذا والله الديباج الخسرواني، وأعجبت به؛ فقال لي: إنه ابن ليلته، أي أنا قلته البارحة؛ فخجلت وقلت له: لا جرم، إن أثر التوليد فيه؛ قال: لا جرم، إن أثر الحسد فيك.

وإنما سرق إسحاق هذا البيت من العباس بن قطن الهلالي حيث يقول: من الطويل قفي متعينا يا مليح بنظرة ... فقد حان منا يا مليح رحيل أليس قليلاً نظرةٌ إن نظرتها ... إليك وكلاً ليس منك قليل قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: استبطأني أبو زيد الكلابي، فقال: من الطويل نزورك يا ابن الموصلي لحاجة ... ونفعك يا ابن الموصلي قليل وفي غير هذه الرواية بيت ثانٍ وهو هذا: فمالك عندي من فعالٍ أذمه ... ومالك ما يثنى عليك جميل فأعتبته. عن الناشئ قال: كتب علي بن هشام إلى إسحاق الموصلي يتشوقه، فكتب إليه إسحاق: وصل إلي منك كتاب يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، ولو ما قد عرفت من معانيه لظننت أن الرسول غلط بي وأراد غيري فقصدني، فأما ما ذكرت من التشويق واللوعة والتحريق فلولا ما حلفت عليه وصرفت الآلة إليه لقلت: من الكامل يا من شكا عبثاً إلينا شوقه ... فعل المشوق وليس بالمشتاق لو كنت مشتاقاً إلي تريدني ... ما طبت نفساً ساعةً بفراقي وحفظتني حفظ الخليل خليله ... ووفيت لي بالعهد والمثياق هيهات قد حدثت أمورٌ بعدنا ... وشغلت باللذات عن إسحاق وأنشد جحظة لإسحاق بن إبراهيم التميمي، فقال: من البسيط سقي نديمك أقداحاً معتقة ... قبل الصباح وأتبعها بأقداح تريك من حسنها في خده حللاً ... ويترك الريق منه طعم تفاح

لا تشرب الراح إلا من يدي رشأٍ ... تقبيل راحته أشهى من الراح وقال حماد بن إسحاق: أنشدني أبي: من الكامل يبقى الثناء وتذهب الأموال ... ولكل دهرٍ دولةً ورجال ما نال محمدة الرجال وشكرهم ... إلا الجواد بماله المفضال لا ترض من رجلٍ حلاوة قوله ... حتى يصدق ما يقول فعال فإذا وزنت مقاله بفعاله ... فتوازنا فأخاك ذاك جمال وعن نصر بن رباح، قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: رضى المتجني غاية لا تدرك؛ وأنشد يقول: من الوافر ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني لك كنت كنزا بذلت لك الصفاء بكل جهدي ... وكنت كما هويت فصرت جزاً وهنت عليك لما كنت ممن ... يهون إذا أخوه عليه عزاً ستندم إن هلكت وعشت بعدي ... وتعلم أن رأيك كان عجزا وأنشد حماد لأبيه: من الوافر أخلاي الأطايب حيث كانوا ... وما لي في الأطايب من خليل أخلاي القليل بكل أرضٍ ... وكل الخير في ذاك القليل قال إسحاق الموصلي: كان في قلب محمد بن زبيدة علي شيء، فأهديته إليه جارية ومعها هدية، فردها، فكتبت إليه: من المتقارب هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت أمرك لي فانكشف فإن كنت تحقد شيئاً مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف وجد لي بالعفو عن زلتي ... فبالفضل يأخذ أهل الشرف فلم يفعل، فكتبت إليه: من المجتث أتيت ذنباً عظيماً ... وأنت أعظم منه فخذ بحقك أولا ... فاصفح بفضلك عنه

فعاد إلى الجميل. وعن ثعلب قال: لقي مصعب الزبيري وصباح بن خاقان أحمد بن هشام، فقال لهما: لشيء ما شهركما إسحاق بن إبراهيم الموصلي! ؛ فقالا: بماذا؟ فقال: بقوله: من الرمل لام فيها مصعب وصباحٌ ... فعذ لنا مصعباً وصباحا عذلا ما عذلا ثم ملا ... فاسترحنا منهما واستراحا فقالا: ما قال إلا خيراً، إنما ذكرنا أنا نهيناه فلم ينته، لكن ما شهرك به أشد، قال: ما هو؟ قالا: قوله: من الطويل وصافية تعشي العيون لذيذةٍ ... رهينة عامٍ في الدنان وعام أدرنا بها الكأس الروية موهناً ... من الليل حتى انجاب كل ظلام فما ذر قرن الشمس حتى كأننا ... من العي نحكي أحمد بن هشام قال: فكأنما سود وجهه بأنقاس. قال صباح بن خاقان: اعتللت علة أشفيت منها، فبلغ ذلك إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فاغتم منها، ثم ورد عليها الخبر بإفاقتي، فكتب إلي: من الوافر حمدت الله إذ عافى صباحا ... وأعقبه السلامة والصلاحا وكنا خائفين على صباحٍ ... من الخبر الذي قد كان باحا وخوفني من الحدثان أني ... رأيت الموت إن لم يفد راحا وعن عبد الأول بن مريد، عن أبيه، قال: مات إسحاق الموصلي سنة خمس وثلاثين ومئتين، ومات فيها إسحاق بن إبراهيم الطاهري. قال: أنشدني في ذلك الوقت رجل يعرف بابن سيابة: من الوافر تولى الموصلي فقد تولت ... بشاشات المعازف والقيان

إسحاق بن إبراهيم بن نصر

وأي غضارةٍ تبقى فتبقي ... حياة الموصلي على الزمان ستبكيه المعازف والملاهي ... وتسعدهن عاتقة الدنان وتبكيه الغوية يوم ولى ... ولا تبكيه تالية القران إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو يعقوب النيسابوري، البشتي سمع بدمشق والحجاز والعراق وخراسان. وروى سنة ثلاث وثلاثمئة عن إبراهيم بن يوسف المكيائي وغيره. قال ابن ماكولا: نسب إلى بشت من أعمال نيسابور. إسحاق بن إبراهيم بن هاشم ابن يعقوب بن إبراهيم بن عمرو بن هاشم بن أحمد، ويقال: ابن إبراهيم بن زامل أبو يعقوب النهدي الأذرعي من أهل أذرعات، مدينة بالبلقاء. أحد الثقات، من عباد الله الصالحين، رحل وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن يحيى بن أيوب، بسنده عن ميمونة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوجها وهو حلال، وبنى بها بما يقال له: سرف.

إسحاق بن إبراهيم بن يزيد

وعن عبد الوهاب بن عمرو الدمشقي، بسنده عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجري عليهم الرزق وكانوا في كنف الرحمن ". وقال: خلوت في بعض الأوقات، فتفكرت وقلت: ليت شعري، إلى ما نصير؛ فسمعت قائلاً يقول: إلى رب كريم. وكان أبو يعقوب لا يكاد يفارقه قارورة البول لعلة كانت به، فدفعها إلى بعض من كان يخدمه لغسلها أو لإراقة ما فيها، فاحتاج إليها ولم يحضر من يناوله إياها، فقال: أسأل من حضر من إخواننا من المسلمين من الجن أن يناولينها، فنولها. وقال: سألت الله أن يقبض بصري، فعميت، فاستضررت في الطهارة، فسألته إعادتها، فأعاده علي تفضلاً منه. توفي أبو يعقوب يوم الأضحى سنة أربع وأربعين وثلاثمئة، وهو ابن نيف وتسعين سنة. إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو النضر القرشي الفراديسي مولى أم الحكم بنت عبد العزيز، ويقال: إنه مولى عمر بن عبد العزيز. روى عن جماعة، وروى عنه البخاري في صحيحه، وأبو داود السجستاني في سننه، وغيرهما. روى عن يحيى بن حمزة، بسنده عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا هام ولا طيرة ولا عدوى، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار ".

إسحاق بن إبراهيم بن يونس

وعن عبد العزيز بن أبي حازم، بسنده عن عائشة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الأعمال بالخواتيم ". قال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي قال: ولدت سنة إحدى وأربعين ومئة. وقال: وكان أبو مسهر يوثقه؛ وكان من الثقات البكائين. توفي في سنة سبع وعشرين ومئتين. إسحاق بن إبراهيم بن يونس ابن موسى بن منصور أبو يعقوب البغدادي المعروف بالمنجنيقي الوراق، نزيل مصر سمع ببيروت وغيرها، وأسمع. روى عن محمد بن الصباح، بسنده عن أبي بردة، عن أبيه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اشفعوا فلتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء ". وعن عبد الله بن أبي رومان، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". قال ابن عدي: المنجنيقي: بغدادي كان بمصر، وإنما لقب بالمنجنيقي، لأنه كان في جامع مصر منجنيق يصعده القوام يوقدون ثريا فيها، وكان يجلس هذا الشيخ قريباً إليه، فنسب إليه، وكان شيخاً صالحاً. توفي بمصر في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثمئة، يوم الجمعة لليلتين بقيتا منه.

إسحاق بن إبراهيم

إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب الأشقر سمع وأسمع. روى عن جرول بن جنفل، بسنده عن أبي هريرة، قال: أولم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض أزواجه بقدر من هريسة. إسحاق بن إبراهيم الرافقي قدم دمشق مع عبد الله بن طاهر لما توجه والياً على مصر من قبل المأمون. قال الطبري: ذكر أحمد بن حفص بن عمر عن أبي السمراء، قال: خرجنا مع الأمير عبد الله بن طاهر متوجهين إلى مصر، حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذا نحن بأعرابي قد اعترض، فإذا شيخ فيه بقية، على بعير له أورق، فسلم علينا، فرددنا عليه السلام. قال: وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي، وإسحاق بن أبي ربعي، ونحن نساير الأمير، وكنا يومئذ أفره من الأمير دواباً وأجود منه كساء. قال: فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا، قال: فقلت: يا شيخ، قد ألحت في النظر، أعرفت منا أمراً أنكرته؟ قال: والله ما عرفتكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتكم لسوء أراه بكم، ولكني رجل حسن الفراسة في الناس، جيد المعرفة بهم، قل فأشرت له إلى إسحاق بن ربعي، فقلت ما تقول في هذا؟ فقال: من الطويل أرى كاتباً زهو الكتابة بين ... عليه وتأديب العراق منير له حركات قد يشاهدن أنه ... عليم بتقسيط الخراج بصير قال:

إسحاق بن إبراهيم

ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال: من الطويل ومظهر بسط ما عليه ضميره ... يحب الهدايا، بالرجال مكور إخال به جبناً وبخلاً وشيمة ... تخبر عنه أنه لوزير ثم نظر إلي وأنشأ يقول: من الطويل وهذا نديم للأمير ومؤنس ... يكون له بالقرب منه سرور إخالك للأشعار والعلم راوياً ... فبعض نديمٍ مرة وسمير ثم نظر إلى الأمير فأنشأ يقول: من الطويل وهذا الأمير المرتجى سيب كفه ... فما إن له فيمن رأيت نظير عليه رداء من جمالٍ وهيبةٍ ... ووجهٌ بإدراك النجاح بشير لقد عصم الإسلام منه بذي يدٍ ... بها عاش معروفٌ وغاب نكير ألا إنما عبد الإله بن طاهر ... لنا والد بر بنا وأمير قال: فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع، وأعجبه ما قال الشيخ، فأمر له بخمسمئة دينار، وأمره أن يصحبه. إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب الفرغاني، المعروف بجيش حدث بدمشق في سنة تسع وثمانين ومئتين. روى عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، بسنده عن علي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما انتعل أحد قط ولا خصف ولا لبس ثوباً ليغدو في طلب علم يتعلمه لا غفر الله له حيث يخطو عتبة باب داره ".

إسحاق بن إبراهيم

إسحاق بن إبراهيم أبو بكر الجرجاني، ثم الإستراباذي سمع بدمشق وبغيرها، وأسمع. إسحاق بن إبراهيم أبو نصر الزوزني روى عن أبي عمرو محمد بن يحيى النيسابوري، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشرف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل ". إسحاق بن إسماعيل بن إسحاق ابن إبراهيم بن طاهر بن عبد الله أبو الحسين الطاهري من أهل سامرة، حدث بدمشق عمن لم يبلغنا اسمه؛ وكان مولده بسامرة، وسكن بدمشق مدة ثم خرج عنها، وكان يخضب بالسواد.

إسحاق بن إسماعيل

إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله ابن زكريا أبو يعقوب الرملي إسحاق بن إسماعيل من أهل دمشق. وأظنه إسحاق الخياط الذي يأتي ذكره. إسحاق بن الأشعث بن قيس وهو عندي: إسحاق بن محمد الأشعث الكندي كوفي كان في صحابة عمر بن عبد العزيز. حدث، قال: كنت في صحابة عمر بن عبد العزيز، فاستأذنته في الانصراف إلى أهلي بالكوفة، فقال لي عمر: إذا أتيت العراق فأقرهم ولا تستقرهم، وعلمهم ولا تتعلم منهم، وحدثهم ولا تسمع حديثهم. إسحاق بن أبي أيوب بن خالد ابن عباد بن زياد بن أبيه، المعروف بابن أبي سفيان من ساكني جرود من إقليم معلولا، من أعمال دمشق.

إسحاق بن بشر بن محمد

إسحاق بن بشر بن محمد ابن عبد الله بن سالم أبو حذيفة الهاشمي، مولاهم، البخاري حدث عن جماعة، وسمع منه جماعة. روى عن الحجاج بن أرطاة، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم البيت يدخله المسلم بيت الحمام، وذاك أنه إذا دخله سأل الله الجنة، واستعاذ بالله من النار؛ وبئس البيت بيت العروس وذلك لأنه يرغبه في الدنيا وينسيه الآخرة ". وعن أمير المؤمنين المأمون، بسنده عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مولى القوم منهم " وقال مرة: " من أنفسهم ". فبلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا الحديث عنه، فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال ابن عدي: وأحاديثه منكرة إما إسناداً أو متناً، لا يتابعه أحد عليه. وعن إسحاق بن منصور قال: قدم علينا أبو حذيفة البخاري، فكان يحدث عن عبد الله بن طاوس، ورجال من كبراء التابعين ممن ماتوا قبل حميد الطويل؛ قال: فقلنا له: كتبت عن حميد الطويل؟ قال: ففزع، وقال: جئتم تسخرون بي؟ حميد عن أنس؟ جدي لم ير حميداً! قال: فقلنا له: أنت تروي عمن مات قبل حميد بكذا وكذا سنة. قال: فعلمنا ضعفه، وأنه لا يعلم ما يقول. توفي يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة ست ومئتين.

إسحاق بن ثعلبة

إسحاق بن ثعلبة أبو صفوان الحميري الحمصي استعمله الرشيد على خراج دمشق. روى عن محمد المليكي، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى بامرئ قد شهد بدراً والشجرة كبر عليه تسعاً، وإذا أتى به قد شهد بدراً ولم يشهد الشجرة أو شهد الشجرة ولم يشهد بدراً كبر عليه سبعاً، وإذا أتى به لم يشهد بدراً ولا الشجرة كبر عليه أربعاً. وعن مكحول، عن سمرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كتم على غال فهو مثله ". وعنه، عن سمرة، قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستب، وقال: " إذا كان أحدكم ساباً صاحبه لا محالة، فلا يفتر عليه، ولا يسب والده، ولا يسب قومه، ولكن إن كان يعلم فليقل: إنك بخيل، إنك جبان ". وعنه، عن سمرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يعترض أحدكم أسير صاحبه، فيأخذه فيقتله ". قال عنه أبو حاتم: شيخ مجهول. وقال أبو أحمد الحافظ: روى أحاديث مسندة لا يرويها غيره.

إسحاق بن الحارث

إسحاق بن الحارث أبو الحارث، مولى بني هبار القرشي أحد المعمرين من أهل دمشق، رأى خمسة من الصحابة. قال: رأيت واثلة بن الأسقع صلى على جنازة، فكبر عليها أربعاً. وقال: رأيت أبا الدرداء أشهل أقنى، يخضب بالصفرة، ورأيت عليه قلنسوة مصرية صغيرة، ورأيت عليه عمامة قد ألقاها على كتفه؛ فقال له رجل: مذ كم رأيته؟ قال: مذ أكثر من مئة سنة. وقال: رأيت عمير بن جابر بن غاضرة بن أشرس الكندي، وكانت له صحبة، يخضب بالحناء. وقال: رأيت حشرجاً، رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه في حجره، ومسح رأسه، ودعا له. وقال: رأيت خالد بن الحواري رجلاً من الحبشة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضره الموت، فقال: اغسلوني غسلتين، غسلة للجنابة، وغسلة للموت. إسحاق بن حسان بن قوهي ويقال: قوهي لقب حسان أبو يعقوب الخريمي مولاهم المري شاعر متقدم، مطبوع مشهور، له ديوان معروف، وأصله من مرو الشاهجان، صغدي؛ ثم نزل الجزيرة والشام وسكن بغداد، وبلغني أنه قيل له: ما بال شعرك لا يسمعه أحد إلا استحسنه وقبله طبع؟ قال: لأني لا أجاذب الكلام إلا أن يساهلني عفواً، فإذا سمعه إنسان سهل عليه استحسانه.

وبلغني عن أبي العباس المبرد، قال: كان أبو يعقوب الخزيمي، واسمه إسحاق بن حسان، جميل الشعر مقبولاً عند الكتاب، له كلام قوي، ومذهب مبسوط، وكان يرجع إلى بيت في العجم كريم، وكان رجلاً من أبناء الصغد، وكان له ولاء في العرب، في غطفان؛ وكان اتصاله بمولاه ابن خريم المري الذي يقال له: خريم الناعم، وكان أبو يعقوب على ظرفه يرجع إلى إسلام وإلى وقار؛ وذهبت عيناه بعد أن طلع من السبعين، وله فيهما مراثٍِ جيدة، يتجاوز أهل عصر، وأمثاله مضروبة، وقناعة واعتصام. سمع أبو يعقوب الخريمي يوم مات أبو يوسف رجلاً يقول: اليوم مات الفقه، فقال: من السريع يا ناعي الفقه إلى أهله ... أن مات يعقوب وما يدري لم يمت الفقه ولكنه ... حول من صدر إلى صدر ألقاه يعقوب إلى يوسف ... فزال من طيب إلى طهر فهو مقيم فإذا ما ثوى ... حل وحل الفقه في قبر يعني يوسف بن أبي يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة. أنشد عون بن محمد لأبي يعقوب الخزيمي: من مجزوء الكامل باحت ببلواه جفونه ... وجرت بأدمعه شؤونه لما رأى شيباً علا ... هـ ولم يحن في العد حينه فعلا على فقد الشبا ... ب وفقد من يهوى أنينه ما كان أنجح سعيه ... وشبابه فيه معينه واللهو يحسن بالفتى ... ما لم يكن شيب يشينه

وله: من الخفيف لم ترعني دار عفت بالجناب ... دارس آيها كخط الكتاب أوحشت بعد أهلٍ وأنيس ... من جوارٍ خرائدٍ أتراب واضحات الخدود كالبقر الخن ... نس عين الحمى فروض الروابي إنما راعني لذكراي حالي ... بسجستان خادم الحجاب قل عني عناء عقلي وديني ... ودخولي في العلم من كل باب أدركتني وذاك أعظم ما بي ... بسجستان حرفة الآداب وله: من البسيط قد كنت أحسبني رأساً فقد جعلت ... أذنابهم تعتييني بالولايات الحمد لله كم في الدهر من عجبٍ ... ومن تصرف أحوالٍ وحالات بينا ترى المرء في عيطاء مشرفةٍ ... إذ زال عنها إلى دحض ومومات لا تنظرن إلى عقلٍ ولا أدبٍ ... إن الجدود قرينات الحماقات أصيب الخريمي بمصيبة في ابنه، وكان يميل إليه، فرثاه فقال: من الطويل ألم ترني أبني على الليث بيته ... وأحثي عليه الترب لا أتخشع ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته ... عليك ولكن ساحة الصبر أوسع وأعددته ذخراً لكل عظيمةٍ ... وسهم المنايا بالذخائر مولع وإني ون أظهرت مني جلادةً ... وصانعت أعدائي عليك لموجع وقال في ابن له: من الطويل أعاذل كم من منفس قد رزئته ... وفارقني شخص علي كريم وقاسيت من بلوى زمانٍ وكربةٍ ... وودعني من أقربي حميم

فعزيت نفسي غير أني بأحمدٍ ... بني مسلوب العزاء سقيم أرى الصبر عنه جمرةً مستكنةً ... لها لهب في القلب ليس يريم وخط خيال منه يعتاد مضجعي ... له كرب ما تنجلي وغموم وآثاره في البيت حيث توجهت ... بي العين حزنٌ في الفؤاد مقيم إذا رمت عنه الصبر أرجو ثوابه ... أبى الصبر قلبٌ بالحميم يهيم لعمرك إني يوم أدفن مهجتي ... وأرجع عنه صابراً لكظيم وإن فؤادي بعده لمفجعٌ ... وإن دموعي بعده لسجوم خططت له في الترب بيت إقامةٍ ... إلى الحشر فيه والنشور مقيم وكان سروراً لم يدم لي وغبطة ... وأي سرور في الحياة يدوم وروحاً وريحاناً أتى دون شمه ... من الدهر يوم بالفراق عظيم على حين أمضيت الشباب وقاربت ... خطاي قيود الشيب حين أقوم وفارقت حلو العيش إلا صبابةٌ ... عليها خطوب الحادثات تحوم فجعت بشق النفس والهم والهوى ... عذاب لعمري في الحياة أليم ألا كل عيش بعد فرقة أحمدٍ ... وكل سرور ما بقيت ذميم يعيب علي الأخلياء صبابتي ... وحزني وكل يا بني يلوم فهل كان يعقوب النبي بحزنه ... سليماً وما يزري علي حكيم كوى قلبه حزن كأن لهيبه ... توقد نيران لهن ضريم فما غير الله النبي بحزنه ... أبى ذاك رب العالمين رحيم فلولا رجاء الأجر فيك وأنه ... ثواب وإن عز المصاب عظيم وأنك قربان لدى الله نافعٌ ... وحظ لنا يوم الحساب جسيم لأضعف حزني يا بني وأوشكت ... علي البواكي بالرنين تقوم وقال في أخيه: من الطويل أقول لعيني إن يكن كل مسعدي ... فأيتها العين السخينة أسعدي

إسحاق بن حماد النميري

ولا تبخلي عيني بدمعك إنه ... متى تسلبي لي يرق دمعي وتجمدي وكيف سلوي عن حبيب خياله ... أمامي وخلفي في مقامي ومقعدي نظرت إليه فوق أعواد نعشه ... بمطروقةٍ حيرى تحور وتهتدي فجاشت إلي النفس ثم رددتها ... إلى الصبر فعل الحازم المتجلد ولو يفتدى ميت بشيء فديته ... بنفسي وما لي من طريفٍ ومتلد ولكن رأيت الموت يمسي رسوله ... ويصبح للنفس اللجوج بمرصد إسحاق بن حماد النميري من أهل بيروت. قال محمد بن شعيب: ما رأيت ولا جلست إلى مثل الأوزاعي قط، إن كان آخر مجالسه لكأولها، وذلك لم أره في أحدٍ قط؛ فقال النميري: يا أبا عبد الله وكانت فيه ثم خلة؛ قال: وما هي؟ قال: ولا فارقه جليس له إلا وهو يرى أنه كان أحظا أهل المجلس عنده؛ قال: صدقت، كذلك كان. إسحاق بن خلف الزاهد صاحب الحسن بن صالح، من أهل الكوفة. سكن الشام وحدث. قال: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة؛ والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة، لأنك تبذلهما في طلب الرياسة. وقال: لقيت عمر الصوفي بمكة، فقلت له: أراجلاً جئت أم راكباً؟ قال: فبكى، ثم قال: أما يرضى العاصي يجيء إلى مولاه إلا راكباً! وقال: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بم يختم لي؟ قال: عندها ييأس منه ويقول: متى يعجب هذا بعلمه؟

إسحاق بن داود السراج

وقال إسحاق وكان من الخائفين لله: قال أحمد بن سليم: ما يتذاكر العلم إلا بالغفلة عن العبادة. وقال: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه، ولكن الخائف من ترك الأمر الذي يخاف أن يعذب عليه. وقال: الكبائر أربعة، وأكبر الكبائر الإياس من روح الله. إسحاق بن داود السراج دمشقي ثقة. روى عن عبد الله بن وهب، بسنده عن أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر، إن للمسجد تحية وتحيته ركعتان، فقم فاركعهما ". إسحاق بن راشد أبو سليمان الحراني مولى عمر بن الخطاب، ويقال: مولى بني أمية. سمع وأسمع، وزار بيت المقدس فاجتاز بدمشق. روى عن الزهري، قال: رأيت سالم بن عبد الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا كبر للركوع رفع يديه، وذا رفع رأسه من الركوع ليسجد؛ قال: فسألت سالماً فقال: هكذا رأيت عبد الله بن عمر يفعل، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل. قال أبو عروبة الحراني: في الطبقة الثانية من التابعين إسحاق بن راشد، عقبه بحران، وولده ينسبون إلى ولاء عمر بن الخطاب، وذكر بعضهم أنه مات بسجستان، أحسبه قال: في خلافة أبي جعفر المنصور.

إسحاق بن سعيد بن إبراهيم

إسحاق بن سعيد بن إبراهيم ابن عمير بن الأركون أبو مسلمة القرشي الجمحي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مسلم يعرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كانت له صدقة ". وعن خليد بن دعلج، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمان الأرض من الغرق القوس، وأمان الاختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله، قريش أهل الله، فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس ". قال الدارقطني: ابن أركون شامي منكر الحديث. توفي في سنة ثلاث وثلاثين ومئتين. إسحاق بن سليمان بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي إسحاق بن سليم القرشي من أهل صهيا. إسحاق بن سيار أبو النضر من أهل دمشق. سمع وأسمع.

إسحاق بن سيار بن محمد بن مسلم

روى عن يونس بن ميسرة، أنه سمع أبا إدريس الخولاني قال: قدم المغيرة بن شعبة دمشق، فأتيته فسألته عما حضر، فقال: وضأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فمسح على خفيه. قال ابن أبي السائب: إن عمر بن عبد العزيز ولى إسحاق أبا النضر ومحمد بن المديني بيع ما في الخزائن، وقال: لا تبيعا بنسيئة. إسحاق بن سيار بن محمد بن مسلم أبو يعقوب النصيبي سمع بدمشق، وحدث عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن جنادة بن محمد، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتنتقن كما ينتقى التمر من حثالته ". وعن إبراهيم بن زكريا العجلي، بسنده عن علي، قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البقيع في يوم دجن ومطر، فمرت امرأة على حمار ومعها مكاري، فهوت يد الحمار في وهدة من الأرض فسقطت المرأة، فأعرض عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، فقالوا: يا رسول الله، إنها متسرولة، فقال: " اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي، ثلاثاً، أيها الناس، اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم، وخذوا بها نساءكم إذا خرجن ". مات بنصيبين في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومئتين. إسحاق بن صلتان القرشي من أهل صهيا.

إسحاق بن الضيف

إسحاق بن الضيف ويقال: إسحاق بن إبراهيم بن الضيف أبو يعقوب الباهلي البصري العسكري سمع وأسمع. روى عن عبد الرزاق، بسنده عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحب إذا أفطر أن يفطر على لبن، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء. وعن عبد الرزاق، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصلاة. وعن خالد بن محمد، بسنده عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمة ". سئل عنه أبو زرعة، فقال: صدوق. قال إسحاق: قال لي بشر بن الحارث: إنك قد أكثرت مجالستي، ولي إليك حاجة؛ إنك صاحب حديث وأخاف أن تفسد علي قلبي، فأحب أن لا تعود إلي؛ فلم أعد إليه. إسحاق بن طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، القرشي، التيمي، المديني روى عن أبيه طلحة، وابن عباس، وعائشة؛ وروي عنه. ووفد على معاوية وخطب إليه أخته أم إسحاق بنت طلحة على يزيد بن معاوية. روى عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".

وبإسناده، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أعمال العباد لتعرض على الله في كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا عبداً بينه وبين أخيه شحناء ". وبإسناده، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو علموا ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ". قال الخطيب: قال لي الحسن: لم يكن عند هذا الشيخ غير هذه الثلاثة الأحاديث. قال الزبير بن بكار: كان معاوية بن أبي سفيان قد خطب إلى إسحاق بن طلحة أخته أم إسحاق بنت طلحة على ابنه يزيد، فقال: أقدم المدينة فيأتيني رسولك فأزوجه؛ فلما شخص من عند معاوية قدم على معاوية عيسى بن طلحة، فذكر له معاوية ما قال لإسحاق، فقال له عيسى: أنا أزوجك؛ فزوج يزيد بن معاوية أم إسحاق بالمدينة حين قدم الحسن بن عيل بن أبي طالب، فلم يدر أيهما قبل، فقال معاوية ليزيد: أعرض عن هذا؛ فتركها يزيد، فدخل بها الحسن، فولدت له طلحة، ومات لا عقب له، فكانت في نفس يزيد على إسحاق؛ فلما ولي يزيد وجهز مسرف بن عقبة المري إلى أهل المدينة أمره إن ظفر بإسحاق بن طلحة أن يقتله، فلم يظفر به، فهدم داره. وعن الطبري: ولي إسحاق بن طلحة خراج خراسان، فلما صار بالري مات إسحاق بن طلحة فولي سعيد بن عثمان خراج خراسان وحربها، وكان ذلك في سنة ست وخمسين.

إسحاق بن عباد بن موسى

إسحاق بن عباد بن موسى أبو يعقوب المعروف بالختلي البغدادي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن عبد الله بن حفص، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعان على دم مسلم بشطر كلمةٍ كتب بين عينيه يوم القيامة: آيسٌ من رحمة الله ". قال أبو الدحداح: فيها يعني سنة إحدى وخمسين ومئتين، توفي إسحاق بن عباد. إسحاق بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو يعقوب الهاشمي النوفلي البصري سمع وأسمع. وهو بصري قدم دمشق. روى عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت بعض نسائه إذ وضع رأسه فنام، فضحك في منامه؛ فلما استيقظ قالت له امرأة من نسائه: لقد ضحكت في منامك، فما أضحكك؟ قال: " أعجب من ناسٍ من أمتي يركبون هذا البحر هول العدو يجاهدون في سبيل الله " فذكر لهم خيراً كثيراً. وعن جدته أم الحكم، عن أختها ضباعة بنت الزبير. أنها دفعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحماً فانتهش منه، وصلى ولم يتوضأ. قال عنه العجلي: مدني ثقة.

إسحاق بن عبد الله

عن شعيب بن صحير قال: قال بلال بن أبي بردة لجلسائه: ما العروب من النساء؟ قال: فماجوا؛ وأقبل إسحاق بن عبد الله بن الحارث النوفلي، فقال: قد جاءكم من يخبركم، فسألوه، فقال: الخفرة المتبذلة لزوجها، وأنشد: من الكامل يعرين عند بعولهن إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهن خفار إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة عبد الرحمن ابن الأسود بن سوادة ويقال: الأسود بن عمرو بن رياس أبو سليمان المديني، مولى آل عثمان بن عفان أدرك معاوية. روى الحديث عن جماعة وأسمعه. روى عن عمرو بن شعيب، بسنده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام من الغد من يوم الفتح فألزق ظهره إلى باب الكعبة، ثم قال: " لا تتوارث أهل ملتين، المرأة ترث من عقل زوجها وماله، وهو يرث من عقلها ومالها إلا أن يقتل أحدهما صاحبه عمداً، فإن قتل لم يورث من ماله ولا من عقله شيئاً؛ وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من عقله؛ أيما امرأة وعد أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها شيئاً قبل أن تملك عصمتها، ثم تملك عصمتها بالذي وعد أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها فهو لها؛ فإذا ملكت عصمتها وأكرمها أبوها أو أخوها أو أحد من أهلها بشيء فهو له، وأحق ما يكرم به أخته أو ابنته. والبينة على المدعي، ألا ويد المسلمين على من سواهم واحدة. تكافأ دماؤهم، ولا يقتل مؤمن بكافر، ويرد قوي المؤمنين على ضعيفهم، ومتسريهم على قاعدهم، ويعقد أدناهم ". ثم انصرف.

وعن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن العبد ليدعو الله وهو يحبه، فيقول: يا جبريل، اقض لعبدي هذا حاجته وأخرها، فإني أحب أن اسمع صوته؛ وإن العبد ليدعو الله وهو يبغضه، فيقول الله تعالى: يا جبريل، اقض لعبدي حاجته بإخلاصه وعجلها له، فإني أكره أن أسمع صوته ". كتب إسحاق إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في القدوم عليه، فكتب: الشقة بعيدة، والوطأة ثقيلة، والنيل قليل، ولا أنا عنك راض. وقال إسحاق: من لم يبال ما قال ولا ما قيل له، فهو كشيطان أو ولد غيةٍ. قال محمد بن سعد: في الطبقة الخامسة من أهل المدينة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، ويكنى أبا سليمان، وكان أبو فروة مولى لعثمان بن عفان، ويقولون: إن عبيد الحفار جاء بأبي فروة عبداً مكانه، فأعتقه عثمان بعد ذلك؛ وكان أبو فروة يرى رأي الخوارج، وقتل مع ابن الزبير، فدفن في المسجد الحرام. وقال بعض ولده: إنه من بلي، وإن اسمه الأسود بن عمرو، وكان ابنه عبد الله بن أبي فروة مع مصعب بن الزبير بن العوام بالعراق، وكان مصعب يثق به، فأصاب معه مالاً عظيماً. وكانت لإسحاق بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس إليه فيها أهله، وهم كثير بالمدينة. وكان إسحاق مع صالح بن علي بالشام، فسمع منه الشاميون، ثم قدم المدينة فمات بها سنة أربع وأربعين ومئة، في خلافة أبي جعفر. وكان إسحاق كثير الحديث، يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجون بحديثه. عن عتبة بن أبي حكيم، قال: جلس إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة بالمدينة في مجلس الزهري قريب منه، فجعل يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال مالك: قاتلك الله، ما جرأك على الله يا ابن أبي فروة! ألا تسند أحاديثك؟ تحدثون بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة!

إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر

قال احمد بن حنبل: لا تحل الرواية عن إسحاق بن أبي فروة. توفي سنة أربع وأربعين ومئة في خلافة أبي جعفر. إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي مولاهم، أخو إسماعيل بن عبيد الله روى عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للصائم عند فطره دعوةٌ لا ترد "؛ قال ابن أبي مليكة: فسمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. إسحاق بن عبد الرحمن بن أحمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد أبو يعلى النيسابوري الصابوني الواعظ أخو الأستاذ أبي عثمان. سمع وأسمع؛ وقدم دمشق حاجاً. روى عن أبي سعيد الرازي، بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب. قال عبد الغافر بن إسماعيل في تذييله تاريخ نيسابور: إسحاق بن عبد الرحمن، أبو يعلى الصابوني، شيخ ظريف ثقة، حسن الصحبة، خفيف المعاشرة على طريقة التصوف، قليل التكلف؛ وكان ينوب عن الأستاذ الإمام شيخ الإسلام في عقد الصوفية مجلس التذكير؛ وسمع الحديث الكثير بهراة ونيسابور وبغداد، وحدث.

إسحاق بن عبد الرحمن

توفي عشية الخميس، وصلي عليه عصر يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمئة. إسحاق بن عبد الرحمن أبو يوسف ويقال: أبو يعقوب الأنطاكي الأطروش العطار سمع بدمشق في شوال سنة سبع وثلاثين ومئتين، والموصل. روى عن هشام بن عمار، بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله خلق مئة رحمة، فبث بين خلقه منها واحدة، فهم يتراحمون بها، وادخر عنده لأوليائه تسعة وتسعين ". وعنه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن هذه الآية التي تجدونها في القرآن: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً " إنها مكتوبة في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى تقام به الملة المعوجة بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف. إسحاق بن عبد الرحمن مولى بني أمية أصله من البصرة.

إسحاق بن عبد المؤمن

إسحاق بن عبد المؤمن قال: كتب إلي أحمد بن عاصم الأنطاكي، فكان في كتابه: إنما أصبحنا في دهر حيرة تضطرب علينا أمواجه، يغلبه الهوى، العالم منا والجاهل، فالعالم منا مفتون بالدنيا يبيع ما يدعيه من العلم، والجاهل منا عاشق لها مستمد من فتنة عالمه، فالمقل لا يقنع والمكثر لا يشبع، فكل قد شغل الشيطان قلبه بخوف الفقر، فأعاذنا الله وإياك من قبول عدة إبليس وتركنا عدة رب العالمين. يا أخي لا تصحب إلا مؤمناً يعظك بعقله ومصاديق قوله، أو مؤمناً تقياً، فمتى صحبت غير هؤلاء أورثوك النقص في دينك، وقبح السيرة في أمروك؛ وإياك والحرص والرغبة فإنهما يسلبانك القناعة والرضا، وإياك والميل إلى هواك فإنه يصدك عن الحق، وإياك أن تظهر أنك تخشى الله وقلبك فاجر، وإياك أن تضمر ما إن أظهرته أرداك، والسلام. سئل عنه أبو حاتم فقال: صدوق. إسحاق بن عثمان أبو يعقوب الكلابي البصري سمع وأسمع، ووفد على عمر بن عبد العزيز. روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته أم عطية، قالت: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب، فسلم عليهن، فرددن السلام، فقال: أنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكن؛ فقلن: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال: يبايعكن على أن لا تشكرن بالله شيئاً، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن،

إسحاق بن عقيل بن عبد الرزاق

ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف؛ فقلن: نعم؛ فمد عمر يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل؛ ثم قال: اللهم اشهد. وأمرنا أن نخرج في العيدين الحيض والعتق، ونهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا. فسألته عن البهتان، وعن قوله: ولا يعصينك في معروف؛ فقال: هي النياحة. وعن خالد بن دريك، عن أبي الدرداء، يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل، ومن جرح جراحة في سبيل الله ختم الله بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة، لونها مثل لون الزعفران وريحها مثل المسك يعرفه بها الأولون والآخرون، يقولون: فلان عليه طابع الشهداء؛ ومن قاتل في سبيل الله فوق ناقة وجبت له الجنة ". قال إسحاق: قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، اثنا عشر درهماً. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن إسحاق بن عثمان، فقال: هو ثقة لا بأس به. إسحاق بن عقيل بن عبد الرزاق ابن عمر الدمشقي روى عن جده، بسنده عن أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثة لا يريحون رائحة الجنة، رجل ادعى إلى غير أبيه، ورجل كذب علي، ورجل كذب على عيني ". إسحاق بن علي الصوفي حدث قال: لقيت عمر الصوفي بمكة، فقلت له: أراجلاً جئت أم راكباً؟ فبكى ثم قال: أما يرضى العاصي يجيء إلى بيت مولاه إلا راكباً!

إسحاق بن عمارة العقيلي المديني

إسحاق بن عمارة العقيلي المديني وفد على عبد الملك بن مروان، وأقطعه داراً بدمشق عند باب توما ودار الزينبي. إسحاق بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي إسحاق بن عيسى بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الحسن الهاشمي ولي إمرة دمشق من قبل هارون الرشيد بعد عزل عبد الملك بن صالح، وكان قد ولي إمرة المدينة للمهدي، وولي البصرة للرشيد، وحدث. روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، فأبصر أبو بكر العباس بن عبد المطلب يوماً مقبلاً فتنحى له عن مكانه، ولم يره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ما نحاك يا أبا بكر؟ " فقال: هذا عمك يا رسول الله؛ قال: فسر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رؤي ذلك في وجهه. عن أبيه، بسنده عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ترك الوصية عار في الدنيا، ونار وشنار في الآخرة ". ذكر محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي: أن الرشيد قال لابنه: كان أبو العباس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت، ولم يزل في خدمة أبي محمد علي بن عبد الله إلى أن توفي، ثم خدم أبا عبد الله إلى وقت وفاته، ثم إبراهيم الإمام وأبا العباس والمنصور، فحفظ جميع أخبارهم وسيرهم وأمورهم، وكان قرة عينه في الدنيا

إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي

إسحاق ابنه، فليس فينا أهل البيت أحد أعرف بأمرنا من إسحاق، فاستكثر منه واحفظ جميع ما يحدثك به فإنه ليس دون أبيه في الفضل وإيثار الصدق، فاستكثروا من الاستماع منه، فنعم حامل العلم هو. قال أبو الحسن المدائني: تناظر قوم في مجلس إسحاق بن عيسى الهاشمي، فألزم قوم علياً دم عثمان، وعابوه بذلك فرد عليهم قوم وعابوا عثمان، فاعترض الكلام إسحاق، فقال: أعيذ علياً بالله أن يكون قتل عثمان، وأعيذ عثمان بالله أن يكون علي قتله؛ فاستحسنوا كلامه جداً. مات سنة ثلاث ومئتين، عشية الثلاثاء لثمان خلون من ربيع الآخر. إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي كان على ديوان الزمنى بدمشق، وهو من أهلها، وسكن الأردن، ووليها لهشام بن عبد الملك. سمع وأسمع. ذكر أبو الحسين الرازي أن أباه قبيصة كان بدمشق، وداره بباب البريد. وذكر إسحاق بن قبيصة فقال: كان على ديوان الزمنى بدمشق في أيام الوليد بن عبد الملك؛ قال الوليد: لأدعن الزمن أحب إلى أهله من الصحيح. قال: وكان يؤتى بالزمن حتى يوضع في يده الصدقة؛ قال: وكان إسحاق على ديوان الصدقات أيام هشام. روى عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تبايعوا الذهب إلا مثلاً بمثل، ولا الفضة إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة ". وكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: لا إمرة لك على عبادة، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر.

إسحاق بن قيس

عن إسحاق بن قبيصة، قال: قال كعب: لو غير هذه الأمة أنزلت عليهم الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه فاتخذوه عيداً يجتمعون له؛ فقيل له: أي آيةٍ يا كعب؟ فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً "، فقال عمر: فالحمد لله، قد عرفت اليوم الذي أنزل فيه، والمكان الذي أنزلت فيه: يوم عرفة في يوم الجمعة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد. إسحاق بن قيس مولى الحواري بن زياد العتكي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحكى عنه وعن مولاه. قال: كنت أبيع الفلوس في مدينة واسط، فوجدوا عندي فلساً نبهرجاً، فضربوني وأغرموني ألفاً، وألقوني في السجن، حتى هلك الحجاج؛ فلما قام عمر بن عبد العزيز علمني مولاي الحواري بن زياد خطبة، فأتيت عمر بن عبد العزيز فقلت: أصلحك الله يا أمير المؤمنين، إنه لم يبق بيت من بيوتات العرب شعرٍ أو مدرٍ ولا وبرٍ، إلا وقد فتح الله عليهم بأمير المؤمنين باباً من العدل، وأغلق عنهم باباً من الجور، وإني صاحب الفلس؛ فقال: ويحك، وما صاحب الفلس؟ فقصصت عليه القصة؛ فأمر لي كل يومٍ برغيفين وبضعةٍ من لحمٍ، ولعن الحجاج يومئذٍ، ثم بعث إلي فأعطاني ألفاً، وأعطاني خمسين درهماً أيضاً، وقال: هذه نفقة الطريق، وقال: هل لك من ولد؟ قلت: بنية، قال: قد ألحقناها في المئة. إسحاق بن محمد بن أحمد بن يزيد أبو يعقوب الحلبي حدث بدمشق وبغداد.

إسحاق بن محمد بن إبراهيم

روى في المحرم سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة، عن سليمان بن سيف، بسنده عن عثمان بن عفان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المحرم لا يَنكح ولا يُنكح ". وعنه، بسنده عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث ". إسحاق بن محمد بن إبراهيم ابن حكيم بن أسيد أبو الحسن الأصبهاني، المعروف بابن ممك أخو أبي عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حيك، وهو الأكبر. سمع وأسمع. روى عن الحسن بن عثمان، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " ويمنعون الماعون " قال: " ما تعاون الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو وأشباهه ". وعن عبد الواحد بن شعيب، بسنده عن أبي الدرداء، قال: ما دعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى لحم إلا أجاب، ولا أهدي له إلا قبله. قال أبو نعيم الحافظ: توفي في شهر رمضان، سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة، شيخ ثبت صدوق، عارف بالحديث أديب، لا يحدث لا من كتابه؛ كتب بالشام والحجاز وبالعراق، صنف الشيوخ.

إسحاق بن محمد

إسحاق بن محمد بن معمر بن حبيب أبو يعقوب السدوسي، مولاهم، البصري سكن مصر، وحدث بها، وأقدمه أحمد بن طولون دمشق سنة تسع وستين ومئتين، لما عزم على خلع أبي أحمد الموفق، مع جماعة من وجوه أهل مصر. قال ابن يونس: قدم إلى مصر، وكان مولده بالبصرة سنة أربع وتسعين ومئة، ومات بمصر في ذي الحجة سنة أربع وثمانين ومئتين؛ وكان رجلاً صالحاً، وكان يتجر في الجوهر. إسحاق بن محمد أبو يعقوب الأنصاري، الأديب، من ولد النعمان بن بشير حدث بصيدا عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، قال: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحداً فأردت بمناظرتي إياه غير الله، ولا أردت الجدال، وذلك أنه بلغني أن من ناظر أخاه في العلم وكان مناظرته إياه يريد الغلبة أحبط الله له عمل سبعين سنة. وعن محمد بن إسحاق بن راهويه، قال: سمعت أبي وسئل: كيف وضع الشافعي هذه الكتب كلها ولم يكن بكبير السن؟ فقال: عجل الله له عقله لقلة عمره. أنشد له وكان من الأدب بمنزلة ومكان إلى أبي الحسن بن الغاز، أبياتاً يقول فيها: من الطويل أبا الحسن ابن الغاز يا ذروة الأدب ... ونجل الألى عوفوا من الطعن في النسب ويا ابن الذي قد أجمع الناس أنه ... لفضل التقى في زهده راهب العرب إسحاق بن محمد البيروتي روى عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قلت: يا رسول الله، أرسل وأتوكل؟ فقال: " قيد وتوكل ".

إسحاق بن مسبح أبو يعقوب

إسحاق بن مسبح أبو يعقوب روى عن مروان بن محمد، بسنده عن عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن هذا من شأن بنات آدم " يعني: الحيض. إسحاق بن مسلمة بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم الأموي إسحاق بن مسلم الكاتب من أهل دمشق، ولي خراج الأردن في خلافة عمر بن عبد العزيز. إسحاق بن مسلم بن ربيعة بن عاصم ابن حزن بن عامر بن عوف بن عقيل بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو صفوان العقيلي كان قائداً من قواد مروان بن محمد، وولي إرمينية، وشهد مع مروان حربه بعين الجر مع سليمان بن هشام، ودخل معه دمشق، وكان إسحاق مع مروان حين توجه إلى دمشق لطلب الخلافة، وبقي إلى خلافة بين العباس، وكان أثيراً عند أبي جعفر المنصور. حدث، قال: قال المنصور: يا إسحاق بن مسلم أفرطت في وفائك لبني أمية! ؛ فقال: يا أمير المؤمنين، اسمع جوابي؛ قال: هات؛ قال: من وفى لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى؛ قال: صدقت. وعن أبي العباس المبرد قال: لما بلغ أبا جعفر المنصور وفاة أبي العباس السفاح بعث إلى إسحاق بن مسلم العقيلي وكان معه عند منصرفه من ملكة فحادثه ساعة ثم قال له:

إسحاق بن منصور بن بهرام

إنه يخطر ببالي ما يعرض للناس من الفكر، فقلت: إنه يغدا على الأنفس ويراح، وإن الأحداث غير مأمونة، فلو حدث لأمير المؤمنين حدث، ونحن بالموضع الذي نحن فيه، كيف كان الرأي؟ وما ترى عبد الله بن علي يصنع؟ قال إسحاق: أيها الأمير، ليس للكذوب رأي، أصدق الحديث أنصح لك الرأي؛ فأخبره الخبر، وسأله عن رأيه؛ فقال: إن كان ابن علي ذا حزم بعث حين يصل إليه الخبر خيلاً فتلقاك في هذا الموضع البراري، فحال بينك وبين دار الملك، وأخذتك، فأتته بك أسيراً. قال: ويحك، إن لم يفعل هذه، دعني عنها؟ قال: يقعد على دوابه، فإنما هي ليال يسيرة، قد يقدم الأنبار فيحتوي على بيوت الأموال والخزائن والكراع، فيصير طالباً، وأنت مطلوب، فإن لم يوفق قبل ذلك فلا حياة لعمك. وذكر أحمد بن يحيى البلاذري: أن إسحاق بن مسلم حج مع أبي جعفر المنصور، وكان عديله. وعن المدائني، قال: مات إسحاق بن مسلم ببثرة خرجت به في ظهره، فحضر المنصور جنازته، وحمل سريره حتى وضعه، وصلى عليه، وجلس عند قبره؛ فقال له موسى بن كعب أو غيره: أتفعل هذا به، قال: وكان والله مبغضاً لك كارهاً لخلافتك؟ فقال: ما فعلت هذا إلا شكراً لله إذ قدمه أمامي؛ قال: أفلا أخبر أهل خراسان بهذا من رأيك، فقد دخلتهم وحشة لك لما فعلت؟ قال: بلى؛ فأخبرهم فكبروا. إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج من أهل مرو، سكن نيسابور، روى عن جماعة، وروى عنه جماعة، وقدم دمشق وسمع بها.

إسحاق بن موسى بن سعيد

روى عن أبي أسامة، بسنده عن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تصبح، أظنه قال: بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ". قال أبو زرعة: وقد رأيت إسحاق وقدم علينا دمشق، فرأيته يكتب الحديث عند هشام بن عمار في سنة اثنتي عشرة ومئتين فيما أرى. سئل مسلم بن الحجاج عنه، فقال: ثقة مأمون؛ زاد البيهقي: قال الحاكم: وهو أحد الأئمة من أصحاب الحديث. مات بنيسابور يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومئتين. وقيل: يوم الخميس ودفن يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومئتين. إسحاق بن موسى بن سعيد ابن عبد الله بن أبي سلمة أبو عيسى الرملي، نزيل بغداد سمع ببيروت وقيسارية وحمص، وأسمع. روى عن محمد بن عوف الطائي، بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: جاء رجل بأبيه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخاصمه فقال: " أنت ومالك لأبيك ". قال حمزة بن يوسف: سألت الدارقطني عنه فقال: ثقة. مات في سنة عشرين وثلاثمئة، في جمادى الأولى. إسحاق بن موسى بن عبد الله ابن موسى بن يزيد بن زيد أبو موسى الأنصاري الخطمي القاضي أصله من المدينة، وسكن الكوفة، وقدم دمشق مع جعفر المتوكل سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وحدث ببغداد وغيرها عن جماعة، وروى عنه مسلم في صحيحه

إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن

والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم، وولي القضاء بنيسابور، وقال يحيى بن يحيى: هو من أهل السنة. روى عن محمد بن معن، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر ". وعن ابن عيينة، بسنده عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية، فسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يعتكفها. مات بجوسية من حمص، منصرفاً من المتوكل سنة أربع وأربعين ومئتين. إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن ابن عبيد أبو يعقوب اليحمدي، الاستراباذي، الفقيه الشافعي، يعرف بابن أبي عمران سمع بدمشق وخرسان ومصر وحران والبصرة وبغيرها. روى عن حيون بن المبارك البصري بسنده عن أنس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليستتر أحدكم في الصلاة بالخط بين يده، وبالحجر، وبما وجد من شيء؛ مع أن المؤمن لا يقطع صلاته شيء ". وقال حمزة عنه: كان من ثقاتهم وفقهائهم، يقال: إنه أول من حمل كتب الشافعي إلى استراباذ. إسحاق بن موسى بن عمران أبو يعقوب ابن أبي عمران النيسابوري، ثم الإسفرييني، الفقيه الشافعي رحل وسمع وصنف، وروي عنه.

إسحاق بن يحيى بن طلحة

روى عن أبي محمد المروزي، بسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في غزوة تبوك، فكان يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر فيجمع بينهما. قال أبو عبد الله الحافظ: هو من رستاق إسفراين، وأحد أئمة الشافعين، والرحالة في طلب الحديث، وإنما تفقه عند أبي إبراهيم المزني، وسمع المبسوط من الربيع، وكتب الحديث بخراسان والعراقين والحجاز والشام، وله مصنفات كثيرة. توفي في شهر رمضان من سنة أربع وثمانين ومئتين. إسحاق بن يحيى بن طلحة ابن عبيد الله أبو محمد التميمي، المدني رأى السائب بن يزيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سمع وأسمع، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وغزا القسطنطينية. روى عن المسيب بن رافع، عن الأسود بن يزيد قال: قدم علينا معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقسم المال بين الأختين والإبنة شطرين. قال إسحاق: أدربت مع مجاهد يعني دخل الدرب عام غزوة مسلمة بن عبد الملك. قال عنه النسائي: إنه ليس بثقة. مات سنة أربع وستين ومئة.

إسحاق بن يحيى بن معاذ

إسحاق بن يحيى بن معاذ ابن مسلم الختلي من ختلان، بلد عند سمرقند ولي دمشق من قبل المعتصم في خلافة المأمون، ثم وليها دفعة أخرى في خلافة الواثق بن المعتصم، وولي مصر من قبل المنتصر بن المتوكل في أيام المتوكل؛ وكان جد أبيه مسلم قد أقطعه معاوية بن أبي سفيان بدمشق، وكانت دار إسحاق بن يحيى خارج باب الفراديس. حدث، قال: كنت عند المعتصم أعوده، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت في عافية؛ قال: كيف تقول: وقد سمعت الرشيد يحدث عن أبيه المهدي، عن أبي جعفر المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من احتجم في يوم الخميس فمرض فيه مات فيه "؟. قيل لإسحاق بن يحيى بن معاذ: لم سكنت دمشق وفلحت أرضها، وأكثرت فيها من الغروس من أصناف الفاكهة، وأجريت المياه إلى الضياع وغيرها؟ فقال: لا يطيق نزولها إلا الملوك؛ قيل له: وكيف ذلك؟ قال: ما ظنك ببلدة يأكل في الأطفال ما يأكل في غيرها الكبار!. بلغني أن إسحاق بن يحيى مات بمصر بعد أن عزل عنها مستهل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ومئتين؛ وقيل: مات في آخر سنة خمس وثلاثين ومئتين، فقال فيه الشاعر: من الطويل سقى الله ما بين المقطم والصفا ... صفا النيل صوب المزن حيث يصوب وما بي أن أسقي البلاد وإنما ... أحاول أن يسقى هناك حبيب فإن يك يا إسحاق غبت فلم تؤب ... إلينا وسفر الموت ليس يؤوب فلا يبعدنك الله ساكن حفرةٍ ... بمصر عليها جندل وجبوب

إسحاق بن يعقوب بن إسحاق

إسحاق بن يعقوب بن إسحاق ابن عيسى بن عبيد الله أبو يعقوب الوراق المستملي الكفرسوسي سمع وأسمع. روى عن أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي، بسنده عن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قريش خالصة الله، فمن نصب لها حرباً، أو: فمن حاربها سلب، ومن أرادها بسوء خزي في الدنيا والآخرة ". بإسناده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يرد هوان قريش أهانه الله عز وجل ". عن الربيع بن سليمان قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي، قال: دخلت اليمن، وذهبت إلى صنعاء لأسمع من عبد الرزاق، فمررت بباب دار وعليه شيخ كبير، وبين يديه هاون يدق فيه خبزاً يابساً، فقلت: ما هذا؟ قال: فتوقتاً لزوجتي؛ فقلت: إن حقها لواجب عليك؛ فقال لي: أي وأبيك، أقم لترى ذلك عياناً؛ فأقمت، فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة مشايخ بيض الرؤوس واللحى كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة، فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه وسلموا عليه وأقاموا هنيئة، فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها، فدخلوا إلى الدار. فقلت له: يا شيخ أهؤلاء ولدك منها؟ فقال: نعم؛ فقلت: بار الله لك فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: أقم لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت، فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة كهول نصف كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فسلموا على الشيخ وأكبوا عليه وقبلوا رأسه، وقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا على أمكم فسلموا عليها! فدخلوا إلى الدار. قال: فقلت: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت له: بارك الله لك فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛

إسحاق بن يعقوب بن أيوب بن زياد

فأقمت، فلم يكن بأسرع من أقبل خمسة رجال سود الرؤوس واللحى كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه، ووقفوا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا على أمكم فسلموا عليها؛ فدخلوا إلى الدرا. فقلت: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت: بارك الله لك، فلقد رأيت قرة عين؛ ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت؛ فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة غلمان مرد خضر الشوارب كأن صورتهم صورة واحدة، وكأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة؛ فأكبوا على الشيخ فقبلوا رأسه، وسلموا عليه، وأقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها؛ فدخلوا إلى الدار. فقلت له: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: نعم؛ فقلت له: بارك الله فيك، فلقد رأيت قرة عين، ثم هممت بالنهوض، فقال لي: اثبت لترى ما هو أعجب من ذلك؛ فأقمت؛ فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة صبيان على ثيابهم المداد كأنما مسح على رؤوسهم بكف واحدة، وكأنما صورتهم صورة واحدة؛ فسلموا على الشيخ، وأكبوا عليه فقبلوا رأسه؛ وأقاموا هنيئة؛ فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها، فدخلوا الدار. فقلت له: يا شيخ، وهؤلاء ولدك منها؟ فقال لي: ننعم؛ فقلت له: بارك الله لك، فلقد رأيت قرة عين؛ ثم نهضت، فقال لي: يا فتى، هؤلاء الخمسة والعشرون ذكراً ولدي منها في خمسة أبطن. قال الربيع بن سليمان: ولو جاء بهذا غير الشافعي ما قبلناه منه، وإن هذا لعجب!!. إسحاق بن يعقوب بن أيوب بن زياد أبو يعقوب الداراني الوراق سمع وأسمع. روى عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم، بسنده عن جابر، قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام حتى يقرأ " ألم، تنزيل " السجدة، و" تبارك الذي بيده الملك ".

إسحاق الخياط

وعن عبد الله بن محمد، بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " يا إخواني تناصحوا في العلم، ولا يكتمن بعضكم بعضاً فإن خيانة الرجل في علمه أشد من خيانته في ماله، فإن الله تعالى سائلكم عنه ". إسحاق الخياط إن لم يكن إسحاق بن عبد المؤمن فهو آخر قال: سمعت أبا سليمان الدارني يقول: لأن تذهب الشهوة من قلبي أحب إلي من أن يقال لي: ادخل الجنة. أسد بن سليمان بن حبيب بن محمد أبو محمد الطبراني؛ يعرف بابن الحافي سمع وأسمع. حدث عن محمد بن الحسن بن نصر البغدادي، عن علي بن الحسين بن أشكاب، عن إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: أردت الخروج إلى الكوفة، فقالت لي أمي: بحقي عليك يا إسحاق إذا دخلت الكوفة فلا تصر إلى الأعمش، فقد بلغني أنه يستخف بأصحاب الحديث؛ فلما دخلت الكوفة هممت بالذهاب إلى الأعمش، ثم ذكرت وصية أمي، فتخلفت، فلما رأيت أصحاب الحديث حملني حب العلم على أن صرت إليه؛ فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من واسط؛ قال: وما اسمك؟ قلت: إسحاق بن يوسف الأزرق؛ فقال: أليس قد قالت لك أمك: إذا دخلت الكوفة فلا تصر إلى الأعمش، فإنه يستخف بأصحاب الحديث؟ وقد بلغني ذلك؛ فقلت: ليس كل ما يبلغ الناس حق؛ قال: أما الآن فخذ. حدثنا عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخوارج كلاب النار ".

أسد بن العباس بن القاسم

روى بطبرية في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمئة عن ابن عبادل. أسد بن العباس بن القاسم أبو الليث الرملي وأظنه أسد بن القاسم بن عباس، وسيأتي ذكره. أسد بن عبد الله بن يزيد ابن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري أبو عبد الله ويقال: أبو المنذر البجلي القسري أخو خالد بن عبد الله. من أهل دمشق، وقسر: فخذ من بجيلة: ولاه أخوه خالد بن عبد الله خراسان، وكان جواداً ممدحاً، وشجاعاً مقداماً؛ ودار أسد بن عبد الله بدمشق عند سوق الزقاقين بناحية دار البطيخ. قال سلم بن قتيبة بن مسلم: خطبنا أسد بن عبد الله بن يزيد بن أسد على منبر مرو وهو على ولاية خراسان فقال في خطبته: حدثني أبي عن جدي، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره شره ". روى عن أبي يحيى بن عفيف، عن جده عفيف، قال: جئت في الجاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس، وكان رجلاً تاجراً؛ فإني عنده حالس أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت في السماء فذهبت، إذا أقبل شاب فنظر إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة، فلم

ألبث إلا يسيراً حتى جاء غلام فقام عن يمنه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة؛ فقلت: يا عباس، أمر عظيم؛ فقال: أمر عظيم، تدري من هذا الشاب؟ هذا محمد بن عبد الله، ابن أخي؛ تدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي؛ تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته؛ إن ابن أخي هذا حدثني أن ربه رب السموات والأرض أمره بهذا الدين، ولا والله ما على ظهر الأرض أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. قال ابن عدي: وأسد بن عبد الله هذا معروف بهذا الحديث، وما أظن أن له غير هذا، إلا الشيء اليسير، له أخبار تروى عنه، فأما المسند عنه من أخباره فهذا الذي ذكرته يعرف به. قال فيه قيس بين الحدادية حين نزل عليه هو وناس من أهل بيته هرباً من دم أصابوه، فآواهم، وأحسن إلى قيس، وتحمل عنهم ما أصابوا في خزاعة وفي بني فراس: من البسيط لا تعذليني سليمى اليوم وانتظري ... أن يجمع الله شعباً طالما افترقا إن شتت الدهر شملاً بين جيرتكم ... فطال في نعمةٍ يا سلم ما اتفقا وقد حللنا بقسري أخي ثقة ... كالبدر يجلو دجى الظلماء والأفقا كم من ثأىً وعظيمٍ قد تداركه ... وقد تفاقم فيه الأمر وانخرقا لا يجبر الناس شيئاً هاضه أسد ... يوماً ولا يرتقون الدهر ما فتقا عن السري بن سالم مولى بني أمية، قال: قعد أسد بن عبد الله يوماً على سرير، ورجل من جرم إلى جانبه، فأقبل عبد المؤمن أبو الهندي التميمي بفرس له فعرضها على أسد؛ فقال الجرمي: من أين الهندي؟ وساومه أسد بالفرس واشتراه منه، ثم قال أبو الهندي: أيها الأمير، ما تعدون

الكبائر؟ قال أسد: أربع؛ الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال أبو الهندي: بلغني أنها خمس؛ قال: وما هن؟ قال: تجافيف على جمل، وسراج في شمس، ولبن في باطية، وخمر في علبة، وجرمي على سرير الأمير. فضحك أسد وقال: قد كنت عن هذا غنياً!. وعن المبرد، قال: سأل رجل أسد بن عبد الله، فاعتل عليه؛ فقال له السائل. والله لقد سألتك من غير حاجة؛ قال: فما الذي حملك على هذا؟ قال: رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء فأردت أن أتعلق منك بحبل مودةٍ! فوصله وأكرمه. وعن محمد بن جرير الطبري، قال: وفيها يعني سنة عشرين ومئة كانت وفاة أسد بن عبد الله في قول المدائني. وكان سبب ذلك أنه كانت به فيما ذكر دبيلة في جوفه، فحضر المهرجان وهو ببلخ، فقدم عليه الأمراء والدهاقين بالهدايا، فكان فيمن قدم عليه إبراهيم بن عبد الرحمن الحنفي عامله على هراة، وخراسان دهقان هراة، فقدما بهدية فقومت الهدية ألف ألف، فكان فيما قدما به قصران، قصر من ذهب وقصر من فضة، وأباريق من ذهب وأباريق من فضة، وصحاف من ذهب وفضة، فأقبلا وأسد جالس على سرير، وأشراف خراسان على الكراسي، فوضعها القصرين، ثم وضعا خلفهما الأباريق والصحاف والديباج المروي والقوهي والهروي وغير ذلك حتى امتلأ السماط، وكان فيما حيا به الدهقان أسداً كرة من ذهب، ثم قام الدهقان خطيباً، فقال: أصلح الله الأمير، إنا معشر العجم أكلنا الدنيا أربعمئة سنة، أكلناها بالحلم والعقل والوقار، ليس فينا كتاب ناطق ولا نبي مرسل، فكانت الرجال عند ثلاثة: رجل ميمون النقيبة أينما توجه فتح الله عليه؛ والذي يليه رجل تمت مروءته في بيته، فإن كان كذلك رجي وعظم وقود وقدم؛ ورجل رحب صدره، وبسط يده فرجي، فإن كان كذلك قود وقدم؛ وإن الله جعل صفات هؤلاء الرجال الثلاثة فيك أيها الأمير، فما نعلم أحداً هو أتم كتخدانية

منك، إنك ضبطت أهل بيتك وحشمك ومواليك، فليس أحد منهم يستطيع أن يتعدى على صغير ولا كبير، ولا غني ولا فقير؛ فهذا تمام التخدانية؛ ثم بنيت الإيوانات في المفاوز، فيجيء الجائي من المشرق والآخر من المغرب فلا يجدان عيباً إلا أني يقولا: سبحان الله، ما أحسن ما بني؛ ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مئة ألف، معه الحارث بن سريج، فهزمته وفللته، وقتلت أصحابه، وأبحت عسكره، وأما رحب صدرك وبسط يديك، فإنا ما ندري أي المالي أقر لعينك؟ أمال قدم عليك، أم مال خرج من عندك! بل أنت بما خرج أقر عيناً. قال: فضحك أسد، وقال: أنت خير دهاقيننا، وأحسنهم هدية، وناوله تفاحة كانت في يده؛ وسجد له خراسان دهقان هرة؛ وأطرق أسد ينظر إلى تلك الهدايا، فنظر عن يمينه فقال: يا عذافر بن يزيد، مر بحمل هذا القصر الذهب، فحمل؛ ثم قال: يا معن بن أحمر رأس قيس أو قال: قنسرين مر بهذا القصر يحمل؛ ثم قال: يا فلان، خذ إبريقاً، ويا فلان، خذ إبريقاً، وأعطى الصحاف حتى بقيت صحفتان؛ ثم قال: قم يا ابن الصيداء فخذ صحفة؛ فقام فأخذ واحدة فوزنها فوضعها، ثم أخذ الأخرى فوزنها؛ فقال له أسد: مالك؟ قال: آخذ أرزنهما؛ قال: خذهما جميعاً. وأعطى العرفاء وأصحاب البلاء، فقام أبو اليعفور، وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي ينادي: هلم إلى الطريق؛ فقال أسد: ما أحسن ما ذكرت بنفسك، خذ ديباجتين. قال: وقام ميمون بن الغراب فقال: إني على يساركم، إلى الجادة؛ قال: ما أحسن ما ذكرت بنفسك، خذ ديباجة. قال: وأعطى ما في السماط كله، فقال نهار بن توسعة: من الطويل تقلون إن نادى لروع مثوب ... وأنتم غداة المهرجان كثير ثم مرض أسد، فأفاق إفاقة، فخرج يوماً فأتي بكمثرى أول ما جاء، فأطعم الناس منه واحدةً واحدةً، ثم أخذ كمثراة فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة، فانقطعت الدبيلة، فهلك. واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني سنة عشرين ومئة، فعمل أربعة أشهر، وجاء

أسد بن القاسم بن العباس بن القاسم

عهد نصر بن سيار في رجب سنة إحدى وعشرين ومئة، فقال ابن عرس العبدي: من الوافر نعى أسد بن عبد الله ناع ... فريع القلب للملك المطاع ببلخ وافق المقدار يسري ... وما لقضاء ربك من دفاع فجودي عين بالعبرات سحاً ... ألم يحزنك تفريق الجماع! أتاه حمامه في جوف صيغ ... وكم بالصيغ من بطل شجاع كتائب قد يجيبون المنادي ... على جرد مسومةٍ سراع سقيت الغيث إنك كنت غيثاً ... مريعاً عند مرتاد النجاع وقال سليمان بن قتة، مولى بني تيم بن مرة، وكان صديقاً لأسد بن عبد الله: من الطويل سقى الله بلخاً حزن بلخٍ وسهلها ... ومروي خراسان السحاب المجمما وما بي لتسقاه ولكن حفرةً ... بها غيبوا شلواً كريماً وأعظما مراجم أقوامٍ ومردي عظيمةٍ ... وطلاب أوتارٍ عفرنا عثمثما لقد كان يعطي السيف في الروع حقه ... ويروي السنان الزاعبي المقوما قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة عشرين ومئة مات أسد بن عبد الله بخراسان. أسد بن القاسم بن العباس بن القاسم أبو الليث المقرئ، العبسي الحلبي سكن دمشق، وكان إمام مسجد سوق النحاسين. سمع وأسمع.

أسد بن محمد الحلبي

روى عن أبي القاسم الفضل بن جعفر، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء ". قال ابن الأكفاني: توفي في شوال سنة خمس عشرة وأربعمئة. أسد بن محمد الحلبي روى عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي، بسنده عن بهز بن حكيم القشيري، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول ما يشهد على أحدكم فخذه ". إسرائيل بن روح، ويقال: إسماعيل الساحلي الجبيلي حكى عن مالك بن أنس، قال: سألت مالك بن أنس، قلت: يا أبا عبد الله، ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم قوم عرب؟ هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ أما تسمعون الله يقول: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " قائمة وقاعدة وعلى جنبها، ولا تعدوا الفرج؛ قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون أنك تقول ذلك؛ قال: يكذبون علي، يكذبون علي، يكذبون علي. أسعد بن الحسين بن الحسن أبو المعالي، ابن القاضي أبي عبد الله الشهرستاني سمعت منه شيئاً يسيراً، وكان خيراً، وسكن الربوة مدة فكان يحسن إلى زوارها، ثم أخرج منها فانقطع، وسكن النيرب، وكان له بستان بين النهرين يظل أكثر أوقاته فيه منفرداً عن الناس.

أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب

حكى عن أبي محمد ابن الأكفاني، بسنده عن حسين الصيرفي، قال: قال لي العتابي: قدمت على أبي ومعي حمار موقر كتباً؛ فقال لي: يا كلثوم، ما على حمارك؟ قلت: كتب يا أبه؛ فقال: والله، إن ظننت عليه إلا مالاً! ؛ فعدلت كما أنا إلى يعقوب بن صالح أخي عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس، فدخلت عليه فأنشدته، فقلت: من الخفيف حسن ظني إليك أصلحك الل ... هـ دعاني فلا عدمت الصلاحا ودعاني إليك قول رسول الل ... هـ إذا قال مفصحاً إفصاحا: إن أردتم حوائجاً من وجوه ... فتنقوا لها الوجوه الصباحا فلعمري لقد تنقيت وجهاً ... ما به خاب من أراد النجاحا فقال لي: يا كلثوم، ما حاجتك؟ قلت: بدرتان؛ قال: فأمر لي بهما؛ قال: فأتيت أبي وهما معي، فقلت له: يا أبه، هذا بالكتب التي أنكرت. مات أبو المعالي سنة سبع وخمسين وخمسمئة، ودفن بباب الصغير. أسعد بن سهل بن حنيف بن واهب ابن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو، وهو بحزج ابن حنش ويقال: جلاس بن عوف بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس بن حارثة بن عمرو بن عامر أبو أمامة الأنصاري ولد على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو سماه، وحدث عنه مرسلاً. روى عن عدد من الصحابة، وروي عنه؛ وقدم على أبي عبيدة بن الجراح بكتاب من عمر رضي الله عنه، وغزا الشام.

عن ابن شهاب، أن أبا أمامة بن سهل بن حنيف أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمرضها. قل: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مات فآذنوني " قال: فخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: " ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ " فقالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نخرجك ليلاً أو نوقظك. قال: فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات. روى عن سعيد بن سعد بن عبادة، قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف سقيم، وكان مسلماً، فلم يرع أهل الدار إلا به على أمة من إماء أهل الدار يفجر بها؛ قال: فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اضربوه حده مئة سوط " قال: فقال: يا رسول الله، هو أضعف من ذلك، لو ضربته مئة سوط مات؛ قال: " فخذ له إثكالاً فيه مئة شمراخ ثم اضربوه ضربة ". قال محمد بن إسحاق: الإثكال: عذق النخلة؛ وهو في حديث يزيد: عثكالاً. عن أبي أمامة بن سهل، قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي، فكانوا يختلفون إلى الأغراض، فجاء سهم غرب إلى غلام فقتله، فلم يوجد له أصل، وكان في حجر خاله، فكتب فيه أبو عبيدة إلى عمر، فكتب فيه عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " الله ورسوله مولى منم لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له ". قال الواقدي: ذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه أسعد، وكناه أبا أمامة باسم جده أبي أمامة أسعد بن زرارة، وكان ثقة كثير الحديث. عن عتبة بن مسلم، قال: إن آخر خرجة خرج عثمان بن عفان يوم الجمعة، فلما استوى على المنبر حصبه الناس، فحيل بينه وبين الصلاة، فصلى للناس يومئذ أبو أمامة بن سهل بن حنيف. مات سنة مئة.

أسلم أبو خالد

أسلم أبو خالد ويقال: أبو زيد القرشي مولى عمر بن الخطاب، من سبي اليمن حضر الجابية مع سيده عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روى عن عمر بن الخطاب، قال: حملت على فرس عتيق في سبيل اله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أبتاعه، وظننت أنه بائعه، فسألت عن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تشتره ولو أعطاكه بدرهم واحد، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ". وروى أن عمر بن الخطاب خطب الناس بباب الجابية، فقال: يا أيها الناس، قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا كمقامي فيكم، فقال: " أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم " ثم سكت، فقلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يظهر الكذب حتى يحلف المرء قبل أن يستحلف، ويشهد قبل أن يستشهد، فمن أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لما كنا بالشام أتيت عمر بماء فتوضأ منه، ثم قال: من أين جئت بهذا الماء، فما رأيت ماء غدر ولا ماء سماء أطيب منه؟ قلت: من بيت هذه النصرانية. فلما توضأ أتاها فقال: أيتها العجوز أسلمي تسلمي، بعث الله محمداً بالحق، فكشفت عن رأسها فإذا مثل الثغامة، فقالت: عجوز كبيرة، وإنما أموت الآن؛ قال عمر: اللهم اشهد. قال أسلم: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى الشام، فاستيقظنا ليلة وقد رحل لنا رواحلنا، وهو يرحل لنفسه، وهو يقول: من الرجز

لا يأخذ الليل عليك بالهم ... والبس له القميص واعتم وكن شريك رافع وأسلم ... ثم اخدم الأقوام حتى تخدم قال: فقلت: رحمك الله يا أمير المؤمنين، لو أيقظتنا كفيناك. قال القاضي: كأن أبا تمام سمع هذا فأخذ منه قوله: من الطويل ومن خدم الأقوام يرجو نوالهم ... فإني لم أخدمك إلا لأخدما عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: اشتراني عمر سنة اثنتي عشرة، وهي السنة التي قدم الأشعث بن قيس أسيراً، فأنا أنظر إليه في الحديد يكلم أبا بكر الصديق، وأبو بكر يقول له فعلت وفعلت؛ حتى كان آخر ذلك أسمع الأشعث بن قيس يقول: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، وزوجني أختك؛ ففعل أبو بكر، فمن عليه، وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، فولدت له محمد بن الأشعث بن قيس. قال يعقوب بن شيبة: واسلم من جلة موالي عمر، كان عمر يقدمه، وكان ابن عمر يعظمه، ويعرف له ذلك؛ وكان يكنى أبا خالد، وقد زعم لي بعض أهل العلم بالنسب: أن أهل بيت أسلم يزعمون أنهم من الأشعريين. وذكر مصعب الزبيري: أن أسلم مولى عمر توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان. عن محمد بن إسحاق، قال: بعث أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة، فأقام اللناس الحج، وابتاع فيها أسلم، يقال: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وهو من الحبشة؛ مات وهو ابن مئة سنة وأربع عشرة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم. قال العجلي: أسلم مولى عمر بن الخطاب مديني تابعي ثقة من كبار التابعين. عن أبي رافع المدني، أنه سمع زيد بن أسلم يحدث عن أبيه، قال: تماريت أنا وعاصم في حسن الغناء، فقلت: أنا أحسن منك غناء؛ وقال: أنا أحسن منك غناء؛ فقلت:

أسلم بن محمد بن سلامة

انطلق بنا إلى أمير المؤمنين يقضي بيني وبينك؛ فخرجنا حتى جئناه في بيته، فقال: مالكما؟ قلنا: جئناك لتقضي بيننا أينا أحسن غناء؛ قال: فخذا؛ قال: فتغنيت ثم تغنى صاحبي، فقال: كلاكما غير محسن ولا مجمل، أنتما كحماري العبادي، قيل له أي حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا!. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: ذكرت جديثاً رواه ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ". قال: فدعوت بدواة وقرطاس لأكتب وصيتي، وغلبني النوم فنمت ولم أكتبها، فبينا أنا نائم إذ دخل داخل أبيض الثياب، حسن الوجه، طيب الرائحة؛ فقلت: يا هذا من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها؛ قال: فقلت: من أنت؟ قال: ملك الموت؛ قال: فرعبت منه، فقال: لا ترع، إني لم أومر بقبض روحك، قال: قلت: فاكتب لي إذاً براءة من النار؛ قال: هات دواةً وقرطاساً؛ فمددت يدي إلى الدواة والقرطاس الذي نمت عنه وهو عند رأسي فناولته، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أستغفر الله، أستغفر الله، حتى مل ظهر الكاغد وبطنه، ثم ناولنيه، فقال: هذا براءتك رحمك الله. وانتبهت فزعاً، ودعوت بالسراج ونظرت، فإذا القرطاس الذي نمت وهو عند رأسي مكتوب ظهره وبطنه: أستغفر الله. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة ثمانين فيها توفي أسلم مولى عمر. أسلم بن محمد بن سلامة ابن عبد الله بن عبد الرحمن أبو دفافة الكناني العماني من أهل عمان، مدينة البلقاء، قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي عطاء السائب بن أحمد، بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال: والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون

إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل الواسطي

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسر إلي في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يحدث مجلساً أنا فيهم عن الفتن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يد الفتن: " منهن ثلاث لا يكون يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ". قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط غيري. قال ابن زبر: مات سنة أربع وعشرين وثلاثمئة. خالفه الرازي، قال: مات سنة خمس وعشرين وثلاثمئة. إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل الواسطي سمع بدمشق وبيروت. روى عن أبي هبيرة محمد بن الوليد الدمشقي، بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصلاة. إسماعيل بن أحمد بن أيوب ابن الوليد بن هارون أبو الحسن البالسي الخيزراني سمع بأطرابلس وبالس وحلب. روى عن جعفر بن سهل، بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر ".

إسماعيل بن أحمد بن عبد الله

إسماعيل بن أحمد بن عبد الله أبو الفضل الجرجاني الصوفي قدم دمشق وحدث بها. روى عن الإمام أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، بسنده عن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم باركت لأمتي في صحابتي، فلا تسلبهم البركة؛ وباركت لأصحابي في أبي بكر، فلا تسلبهم البركة، واجمعهم عليه، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره؛ اللهم أعز عمر بن الخطاب؛ وصبر عثمان بن عفان؛ ووفق علي بن أبي طالب؛ واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، ووقر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ". إسماعيل بن أحمد بن عبيد الله ابن خلف، ويقال: خالد أبو إبراهيم البخاري، الكرميني، الكندقي قدم دمشق راجعاً من الحج، وحدث بها. روى عن أحمد بن محمد بن محمد بن الحسن البخاري، بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رابط يوماً في سبيل الله كان كصيام شهر وقيامه، وأجير من فتنة القبر، وأجري عليه عمله إلى يوم القيامة ". إسماعيل بن أحمد بن عبد المؤمن ابن إسماعيل بن مشكان حرزاد، ابن أبي حازم حدث ببيروت؛ وابنه إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد.

إسماعيل بن أحمد بن عمر

روى عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حرس على ساحل البحر ليلة، كان أفضل من عبادة رجل في أهله ألف سنة، كل سنة ثلاثمئة وستون يوماً، كل يوم كألف سنة ". إسماعيل بن أحمد بن عمر ابن أبي الأشعث أبو القاسم، ابن أبي بكر السمرقندي ولد بدمشق وسمع بها، ثم خرج إلى بغداد فاستوطنها إلى أن مات بها، وأدرك بها إسناداً حسناً، وسمع بها أبا الحسين ابن النقور، وأبا منصور بن غالب العطار، وأبا القاسم ابن البسري، وجماعة سواهم من أصحاب المخلص ممن دونهم، وكان مكثراً ثقة، صاحب نسخ وأصول، وكان دلالاً في الكتب. وسمعته غير مرة يقول: أنا أبو هريرة في ابن النقور، يعني لكثرة ملازمته له وسماعه منه، فقل جزء قرئ على ابن النقور إلا وقد سمعه منه مراراً. وبقي إلى أن خلت بغداد، وصار محدثها كثرة وإسناداً، حتى صار يطلب العوض على التسميع، بعد رغبته كانت إلى أصحاب الحديث وحرصه على إسماع ما عنده. وأملي في جامع المنصور زيادة على ثلاثمئة مجلس في الجمعات بعد الصلاة في البقعة المنسوبة إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل. وكان مبخوتاً في بيع الكتب، باع مرة صحيح البخاري وصحيح مسلم في مجلدة لطيفة بخط أبي عبد الله الصوري الحافظ بعشرين ديناراً؛ وقال لي: وقعت على هذه المجلدة بقيراط، لأني اشتريتها وكتاباً آخر معها بدينار وقيراط، فبعت ذلك الكتاب بدينار وبقيت هذه المجلدة بقيراط. وكان قد قدم دمشق سنة نيف وثمانين زائراً لبيت المقدس، فزارها وسمع بها من

إسماعيل بن أحمد بن محمد

جماعة، وسمع بدمشق نصر بن إبراهيم المقدسي، وحدث بدمشق في دار أبي الحسن ابن أبي الحديد، ثم رجع إلى بغداد. روى عن أبي بكر الخطيب، بسنده عن سويد بن غفلة، قال: كنا حجاجاً فوجدت سوطاً فأخذته، فقال لي القوم: ألقه فلعله لرجل مسلم؛ قال: قلت: أوليس آخذه فأمسكه خيرٌ من أن يأكله ذيب؟ فلقيت أبي بن كعب فذكرت له ذلك، فقال: قد أحسنت؛ ثم قال: التقطت صرة فيها مئة دينار، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت له ذلك، فقال: " عرفها حولاً "؛ أتيته فقلت: قد عرفتها حولاً؛ فقال لي: " عرفها سنة " فقلت: قد عرفتها سنة؛ قال: " فعرفها سنة أخرى " ثم أتيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: قد عرفتها؛ فقال: " انتفع بها ثم احفظ وكاءها وخرقتها واحص عددها فإن جاء صاحبها " قال جرير: قال شيئاً لا أحفظه. قال السمعاني: سألته عن ولاده، فقال: يوم الجمعة وقت الصلاة الرابع من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وأربعمئة بدمشق؛ توفي ليلة الثلاثاء ودفن ضحوة يوم الأربعاء السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمسمئة، ودفن بمقبرة الشهداء من غربي بغداد. إسماعيل بن أحمد بن محمد ابن عبد العزيز أبو سعيد الجرجاني، الخلال، الوراق نزيل نيسابور. رحل وسمع بدمشق وغيرها من جماعة، وروي عنه. روى عن محمد بن الحسن بن قتيبة، بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسول الله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد،

إسماعيل بن أحمد بن محمد

فأتى به ليضحي به قال: " عائشة، هلمي المدية " ثم قال: " اشحذيها بحجر " ففعلت، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: " بسم الله، اللهم تقبل عن محمد وآل محمد ". وعن محمد بن الفيض الغساني، بسنده عن عائشة، قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى ما يحب، قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " وإذا رأى ما يكره، قال: المد لله على كل حال ". قال أبو عبد الله الحافظ عنه: سكن نيسابور، وبها ولد له، وبها مات رحمه الله، وكان أحد الجوالين في طلب الحديث، والوراقين في بلاد الدنيا، والمفيدين؛ سمع في بلده ونيسابور وببغداد وبالكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر، وذكر بعض مشايخه: انتقى عليه أبو علي الحافظ: ثم عقدت له المجلس بعد وفاته؛ وكان يملي من أصوله، وكان يحسن إلى أهل العلم ويقوم بحوائجهم، فإنه صار بتجارته موسعاً عليه. توفي بنيسابور يوم الخميس السابع عشر من صفر سنة أربع وستين وثلاثمئة، وهو ابن سبع وثمانين سنة، ودفن من يومه العشية. إسماعيل بن أحمد بن محمد أبو البركات ابن أبي سعد الصوفي، المعروف بشيخ الشيوخ كان أبوه من أهل نيسابور، واستوطن بغداد، وولد له أبو البركات بها. كتبت عنه شيئاً يسيراً، وكان قدم دمشق لزيارة بيت المقدس، ونزل في دويرة السميساطي. روى عن القاضي عبد الباقي بن محمد بن غالب المعدل، بسنده عن أبي قتادة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرؤيا الصالحة من الله عز وجل، والرؤيا السوء من الشيطان؛ من رأى منكم

إسماعيل بن أبان بن محمد بن حوي

رؤيا فكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً؛ وإن رأى رؤيا حسنة فليستبشر ولا يخبر بها إلا من يحب ". قال السمعاني: سألت شيخ الشيوخ أبا البركات عن مولده فقال: في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأربعمئة؛ ومات ليلة الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وخمسمئة ببغداد. إسماعيل بن أبان بن محمد بن حوي أبو محمد، السكسكي البتلهي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن أبي مسهر، بسنده عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا ولم يلغ، كان له بكل خطوة مشاها عمل سنة صيامها وقيامها ". قال سعيد بن عبد العزيز: غسل رأسه واغتسل جسده. وعن أبي مسهر، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: جنة العالم قوله: لا أدري، فإذا أضاعها أصيبت مقاتله. قال عمرو بن دحيم: هو من بيت لهيا، مات بها يوم الثلاثاء الثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومئتين.

إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد

إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد ابن محمد بن إسحاق أبو الحارث المري الدمشقي إسماعيل بن إبراهيم بن بسام أبو إبراهيم الترجماني سمع بدمشق من جماعة، وأسمع. روى عن شعيب بن صفوان، بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: الله أكبر، لا إله إلا الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كفر الله عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر ". وعن أبي عوانه، بسنده عن الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهن: ما نقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يريد بها وجه الله إلا رفعه الله بها يوم القيامة، ولا يفتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ". قال محمد بن سعد: هو من أبناء أهل خراسان، ومنزله نحو صحراء أبي السري، توفي ببغداد لخمس ليال خلون من المحرم سنة ست وثلاثين ومئتين، وشهده ناس كثير، وكان صاحب سنة وفضل وخير كثير. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي: اذهب إلى أبي إبراهيم الترجماني فأقرئه السلام، وقل له: وجه إلي بكتاب شعيب بن صفوان؛ قال: فجئت إليه فأقرأته من أبي السلام، وقلت له: قال لك أبي: ابعث إلي بكتاب شعيب بن صفوان؛ قال: نعم، يا أبا مسعود أخرج كتاب شعيب بن صفوان؛ قال: فأخرجه، فدفعه إلى؛ قال: فجئت به إلى أبي، فجعل ينظر فيه؛ قال: ثم قال: ما رأيت أحسن من هذه

إسماعيل بن إبراهيم بن زياد إسماعيل بن إبراهيم بن العباس

الأحاديث، اكتب، قال: فجعل ينتقي ويملي علي؛ قال: ثم ذهب أبي وذهبت معه إلى أبي إبراهيم فقرأها علينا. سئل يحيى بن معين عنه، فقال: ليس به بأس. إسماعيل بن إبراهيم بن زياد إسماعيل بن إبراهيم بن العباس ابن الحسن بن العباس أبو الفضل ابن أبي الحسين بن أبي الجن الحسني ولي قضاء دمشق وخطابتها بعد أبيه أبي الحسين إبراهيم بن العباس من قبل أبي القاسم عبد الحاكم بن وهيب بن عبد الرحمن قاضي قضاة أبي تميم معد. وكان جارنا، ودخلت عليه داره، ولم يقض لي السماع منه. روى عن محمد بن عبد الرحمن التميمي، بسنده عن أنس بن مالك، قال: لما نزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " إلى قوله: " وأنتم لا تشعرون " قال: قال ثابت بن قيس: أنا والله الذي كنت أرفع صوتي عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإني أخشى أن يكون الله قد غضب علي. قال: فحزن واصفر، قال: ففقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأل عنه، فقيل: يا نبي الله، يقول: أخشى أن أكون من أهل النار، كنت أرفع صوتي عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل هو من أهل الجنة ". قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجلاً من أهل الجنة. ذكر أخوه أبو القاسم علي بن إبراهيم، أن أخاه أبا الفضل ولد لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة عشرين وأربعمئة.

إسماعيل بن إبراهيم المخلوع

وذكر ابن الأكفاني أن الشريف القاضي أبا الفضل توفي ليلة الخميس الخامس والعشرين من صفر من سنة ثلاث وخمسمئة بدمشق. إسماعيل بن إبراهيم المخلوع ابن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن سهل أبو إسحاق الكوفي، المعروف بترنجة، مولى قريش نزيل مصر، سمع بالكوفة وبالمدينة، واجتاز بدمشق وسمع بها، وسمع بمصر. روى عن صفوان بن صالح، بسنده عن أبي عبد الله الأشعري، قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه، ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل، فقام يصلي، فجعل يركع وينقر في سجوده، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أترون هذا! من مات على هذا مات على غير ملة محمد، نقر صلاته كما ينقر الغراب الدم؛ إنما مثل الذي يصلي ويركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين، فماذا تغنيان عنه؟ فأسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار، أتموا الركوع والسجود ". وعن سهل بن نصر، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ". قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وهو صدوق. قال ابن يونس: توفي بمصر ليلة الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة سبعين ومئتين، وكان قد فلج وثقل لسانه قبل موته بيسير.

إسماعيل بن إسحاق القاضي

إسماعيل بن إسحاق القاضي وليس بالحمادي البغدادي قاضي القضاة، هذا غيره. حدث بدمشق سنة ثلاث عشرة وثلاثمئة. إسماعيل بن أيوب بن سلمة ابن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي المخزومي المدني وفد على هشام بن عبد الملك يشكو إليه سجن أبيه حين تزوج فاطمة بنت حسن بن حسن. حدث أن الوليد بن الوليد كان محبوساً بمكة، فلما أراد أن يهاجر باع مالاً له يقال له: المياقة بالطائف، ونقال: من الرجز وليد هاجر وبع المياقه ... واشتر منها جملاً وناقه ثم ارمهم بنفسك المشتاقه فوجد غفلة من القوم عنه، فخرج هو وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة، مشاة يخافون الطلب، فسعوا حتى بلحوا، وقصر الوليد، فقال: من الرجز يا قدمي ألحقاني بالقوم ... لا تعداني بسلاً بعد اليوم فلما كان بحرة الأضراس نكب فقال: من الرجز هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت فدخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فقال: يا رسول الله، خسرت وأنا ميت،

فكفني في قميصك، واجعله مما يلي جلدي؛ فتوفي وكفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قميصه، ودخل إلى أم سلمة وبين يديها صبي، وهي تقول: من مجزوء الكامل أبكي الوليد بن الولي ... د أبا الوليد بن المغيره إن الوليد بن الولي - د أبا الوليد كفى العشيره قد كان غيثاً في السني - ن وجعفراً غدقاً وميره فقال: " إن كدتم لتتخذون الوليد حناناً " فسماه: عبد الله. وروى الزبير بن بكار، عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، عن عمومته موسى وإسماعيل وعمران بني عبد العزيز، قالوا: تزوج أيوب بن سلمة فاطمة بنت حسن بن حسن، زوجه إياها ابنها صالح بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، فقام في ذل عبد الله بن حسن يرده عند خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، فجعل أمرها إلى قاضيه محمد بن صفوان الجمحي، وخالد إذ ذاك والي المدينة، فاختصما بين يديه. فقال له عبد الله بن الحسن، يعني أخاها: إن هذا تزوج هذه المرأة إلى غير ولي، هي امرأة من آل حسن، والمزوج من آل جعفر. فأقبل ابن صفوان، فقال: صدق، مالك لم تزوجها إلى قومها وعشيرتها؟ ومالك تزوجتها في مسجد الفتح؟ فكان بين أيوب بن سلمة وبين محمد بن صفوان ما أستغني عن ذكره؛ وسجن أيوب. وخرج إسماعيل بن أيوب إلى هشام بن عبد الملك فشق ثوبه بين يديه، وأخبره الخبر؛ فكتب له إلى خالد بن عبد الملك: أن اجمع بين أيوب بن سلمة وبين فاطمة بنت حسن، فإن هي اختارت أيوب فافسخ ذلك وزوجها تزويجاً من ذي قبل، وإن هي لم تختره فافسخ النكاح ولا نكاح بينهما. فلما جاءه الكتاب أرسل إلى فاطمة بنت حسن، فجاءت بين كساءين من خز

إسماعيل بن أبي بكر الرملي

وأتي بأيوب بن سلمة فخيرها خالد بن عبد الملك، فاختارت أيوب، ففسخ النكاح وأنكحها نكاحاً جديداً. قالوا: فلقد رأينا جرار الطبرزذ يرمى بها فيما بين مروان ودار أيوب بن سلمة حتى شج بعض الناس. إسماعيل بن أبي بكر الرملي رأى عمر بن عبد العزيز، وسمع مكحولاً الدمشقي. إسماعيل بن بوري بن طغتكين أبو الفتح، المعروف بشمس الملوك ولي إمرة دمشق بعد قتل أبيه بوري، المعروف بتاج الملوك، في العشر الأخير من رجب سنة ست وعشرين وخمسمئة، وكان شهماً مقداماً مهيباً، استرد بانياس من أيدي الكفار في يومين، وكانت قد سلمها إليهم الإسماعيلية، وأسعر بلاد الكفار بالغارات؛ ثم مد يده إلى أخذ الأموال، وعزم على مصادرة المتصرفين والعمال؛ ولم يزل أميراً على دمشق حتى كتب إلى قسيم الدولة زنكي بن آق سنقر يستدعيه ليسلم إليه دمشق، فخافته أمه زمرد فرتبت له من قتله في قلعة دمشق في شهر ربيع الآخر من سنة تسع وعشرين وخمسمئة، ونصبت أخاه محمود بن بوري مكانه.

إسماعيل بن حرب الأطرابلسي إسماعيل بن الحسين بن أحمد

إسماعيل بن حرب الأطرابلسي إسماعيل بن الحسين بن أحمد ابن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد ابن أبي عبد الله العلوي النقيب، المعروف بالعفيف عم الشريفين العايد ومحسن، وأمه أم ولد. ولي النقابة بدمشق من قبل المقتدر بالله، وكاتبه علي بن عيسى الوزير. قرأت بخط عبد الوهاب الميدانين قال: وفي ليلة السبت توفي أبو محمد إسماعيل بن الحسين الحسيني العلوي، وأخرجت جنازته من الغد في يوم السبت لثمان خلون من رجب سنة سبع وأربعين وثلاثمئة، وكان له مشهد كبير، شهده الخاص والعام، والأمير فاتك، وصلي عليه في المصلى. إسماعيل بن حصن بن حسان أبو سليم القرشي الجبيلي من أهل جبيل، من ساحل دمشق. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. روى عن محمد بن يوسف الفريابي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوهم ". وعن محمد بن شعيب بن شابور، بسنده عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا افتتح الصلاة وكبر رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق.

إسماعيل بن أبي حكيم المدني القرشي

قال ابن زبر: وفيها يعني سنة أربع وستين ومئتين مات أبو سليم. إسماعيل بن أبي حكيم المدني القرشي مولى عثمان بن عفان، ويقال: مولى الزبير بن العوام سمع وأسمع. روى عن عبيدة بن سفيان الحضرمي، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكل ذي ناب من السباع حرام ". وعن سعيد بن مرجانة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منه إرباً منه من النار ". وعن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فوق ظهر المسجد، فقال: ما هذا الوضوء؟ قال أبو هريرة: وما تدري مم أتوضأ؟ أتوضأ من أثوار أقطٍ، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " توضؤوا مما مست النار ". وحدث، قال: بعثني عمر بن عبد العزيز. حين ولي في الفداء، فبينا أنا أجول في القسطنطينية إذ سمعت صوتاً يتغنى فيه: من الوافر أرقت وغاب عني من يلوم ... ولكن لم أنم أنا والهموم كأني من تذكر ما ألاقي ... إذا ما أظلم الليل البهيم سليم مل منه أقربوه ... وودعه المداوي والحميم وكم من حرة بين المنقى ... إلى أحد إلى ما حاز ريم

إلى الجماء من خد أسيل ... نقي اللون ليس له كلوم يضيء دجى الظلام إذا تبدى ... كضوء الفجر منظره وسيم فلما أن دنا منا ارتحال ... وقرب ناجيات السير كوم أتين مودعات والمطايا ... على أكوراها خوص هجوم فقائلة ومثنية علينا ... تقول وما لها فينا حميم وأخرى لبها معنا ولكن ... تستر وهي واجمة كظوم تعد لنا الليالي تحتصيها ... متى هو حائن منا قدوم متى تر غفلة الواشين عنا ... تجد بدموعها العين السجوم قال أبو عبد الله: والشعر لبقيلة الأشجعي؛ وسمعت العتبي صحف في اسمه فقال: نفيلة. قال إسماعيل بن أبي حكيم: فسألته حين دخلت عليه، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الوابصي الذي أخذت فعذبت ففزعت فدخلت في دينهم، فقلت: إن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بعثني في الفداء، وأنت والله أحب من أفتديه إن لم تكن بطنت في الكفر؛ قال: والله قد بطنت في الكفر. قال: فقلت له: أنشدك الله أسلم؛ فقال: أسلم وهذان ابناي، وقد تزوجت امرأة منهم وهذان ابناها، وإذا دخلت المدينة فقال أحدهم: يا نصراني، وقيل لولدي وأمهم كذلك، لا والله لا أفعل؛ فقلت له: قد كنت قارئاً للقرآن؛ فقال: إي والله قد كنت من أقرأ القراء للقرآن؛ فقلت: فما بقي معك من القرآن؟ قال: لا شيء إلا هذه الآية "

إسماعيل بن حمدويه

ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " وقد رويت هذه القصة من وجه آخر. سئل يحيى بن معين عنه، فقال: ثقة. قال محمد بن سعد: وكان كاتباً لعمر بن عبد العزيز، وتوفي سنة ثلاثين ومئة، وكان قليل الحديث. إسماعيل بن حمدويه أبو سعيد البيكندي، البخاري قدم دمشق سنة تسع وستين ومئتين؛ وروى عن جمعة، وروى عنه جماعة. روى عن عبدان، بسنده عن أبي الطفيل، قال: سمعت علياً يسأل: هل خصكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوب فيها: " لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً ". وعن أبي حذيفة، بسنده عن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك ". وعن مسلم بن إبراهيم، بسنده عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر رضاها سكوتها ". قال ابن يونس: قدم إلى مصر، وحدث بها، توفي سنة ثلاث وسبعين ومئتين.

إسماعيل بن حمد بن محمد بن المعلم

إسماعيل بن حمد بن محمد بن المعلم أبو القاسم الهمداني البيع توفي سنة أربع وخمسين وأربعمئة بدمشق في شعبان. إسماعيل بن خالد بن عبد الله ابن يزيد بن أسد البجلي القسري من وجوه أهل دمشق، كان في صحابة المنصور. حدث الوضاح بن حبيب بن بديل التميمي، عن أبيه، قال: كنت يوماً عند أبي جعفر المنصور، وعبد الله بن عياش الهمداني المنتوف، وعبد الله بن الربيع الحارثي، وإسماعيل بن خالد بن عبد الله القسري؛ وكان أبو جعفر ولى سلم بن قتيبة البصرة، وولى مولى له كور البصرة والأبلة، فورد الكتاب من مولى أبي جعفر يخبر أن سلماً ضربه بالسياط، فاستشاط أبو جعفر، وضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: أعلي يجترئ سلم؟ والله لأجعلنه نكالاً وعظة؛ وجعل يقرأ كتباً بين يديه. قال: فرفع ابن عياش رأسه وكان أجرأنا عليه فقال: يا أمير المؤمنين، لم يضرب سلم مولاك بقوته ولا بقوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك، وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطئ من سلم ما رفعت، ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل له ذلك؛ يا أمير المؤمنين، إن غضب العربي في رأسه إذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد؛ وإن غضب النبطي في استه فإذا خري ذهب غضبه. فضحك أبو جعفر، وقال: قبحك الله يا منتوف؛ وكف عن سلم. إسماعيل بن رافع بن عويمر ويقال: ابن أبي عويمر أبو رافع المدني، مولى مزينة روى عن جماعة،، وروى عنه جماعة؛ ووفد على عمر بن عبد العزيز.

إسماعيل بن رجاء بن سعيد

روى عن محمد بن المنكدر، عن جابر. قال: قال رجل: يا رسول الله، عندي دينار: قال: " أنفقه على نفسك " قال: عندي آخر؛ قال: " أنفقه على زوجتك " قال: عندي آخر؛ قال: " أنفقه على ولدك " أو " خادمك " شك الوليد قال: عندي آخر؛ قال: " اجعله في سبيل الله، وهو أخسها موضعاً ". قال ابن عدي: ولإسماعيل بن رافع أحاديث غير ما ذكرته، وأحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. وروى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه، ولا يدفع مدفع سوء يعيبه فيه، ولا يتطاول عليه في البنيان فيصد عنه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له منها ". إسماعيل بن رجاء بن سعيد ابن عبيد الله أبو محمد العسقلاني الأديب سمع وأسمع، وقدم صيدا من أعمال دمشق وقرأ بها القرآن، وبدمشق وبعسقلان. روى عن محمد بن أحمد الحندري، بسنده عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن آلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس ". قال أبو نصر بن طلاب: كان إسماعيل بن رجاء العسقلاني قدم صيدا وأنا بها، وهو طالب لقراءة القرآن وكان أديباً على الشيخ أبي الفضل محمد بن إبراهيم الدينوري بعلو إسناده، فاجتمعت معه دفعات للمحاورة والمؤانسة فأنشدني ما يروى للرشيد الخليفة: من الكامل

إسماعيل بن زياد

ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... ويه قوين أعز من سلطاني مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة بالرملة في رمضان. إسماعيل بن زياد أبو الوليد البيروتي، القاص. روى عن برد بن سنان، عن مكحول، عن عطية بن بسر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بات وفي يده غمر من لحم فأصابه شيء من الشيطان فلا يلومن إلا نفسه ". إسماعيل بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، القرشي الزهري اجتاز بدمشق غازياً. قال الزبير بن بكار: إسماعيل بن سعد بن إبراهيم، لأم ولد، استشهد بالروم. إسماعيل بن سعيد الهمداني وفد على الوليد بن عبد الملك بن مروان. بلغني عن بعض أهل العلم، قال: ودع الوليد بن عبد الملك قوم من اليمانية، فقال له إسماعيل بن سعيد الهمداني وكان في كلامه عجلة: أحسن الله لك الصحابة وعلينا الخلافة؛ فضحك الوليد، فقال له عياش بن عبد الله الموهبي: صه، لا تراك همدان تضحك من كلام سيدها؛ قال الوليد: فإن رأيتني فمه؟ قال: إذاً لا ترى من السماء إلا خطفة؛ فقال له الوليد: عفيرية يا عياش! فقال: هو ما أقول لك.

إسماعيل بن سفيان الرعيني الحجري

يعني قولهم في المثل: جبار من مس برنس عفير؛ وهو عفير بن زرعة كان من الدين والفضل بمكان، فخرج في جيش الصائفة إلى أرض الروم وجهه معاوية فوق في الجيش اختلاط، فخرج عفير ليصلح بين الناس وعليه برنس فجذب برنسه رجل من قيس، فلم يمس في ذلك الجيش قيسي إلا مكتوفاً! فجعل الرجل من اليمانية يقول لكتيفه: لعلك ممن مس برنس عفير؟ فيقول: لا والله؛ فيقول: لو كنت منهم لضربت عنقك!. ثم طلب فيهم عفير فأرسلوا؛ وعفير هذا من ولد سيف بن ذي يزن. إسماعيل بن سفيان الرعيني الحجري المصري الأعمى وفد على الوليد وسليمان، وعلى عمر بن عبد العزيز. حدث، قال: كنت أخرج إلى الوليد وسليمان بن عبد الملك فيعطوني، فلما ولي عمر بن عبد العزيز خرجت إليه، وكنت على الباب الذي يخرج منه فرفعت صوتي بالقرآن، فأرسل إلي: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر؛ قال: ما حملك إلينا؟ قلت: إني كنت أخرج إلى الوليد وسليمان بن عبد الملك فأصيب منهما؛ قال: أترى أنا كنا غافلين عنك وعن أشباهك وأنت في بلد ومنزلك؟ فأعطاني حمولتي إلى مصر، وأمرني بالانصراف. إسماعيل بن صالح بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي وهو ممن دخل دمشق. روى عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته، وأنا ابن ثمان سنين، وهو يريد عمته بنت

عبد المطلب، فوقف في طريقه على شجرة قد يبس ورقها وهو يتساقط، فقال: " يا عبد الله " قلت: لبيك يا رسول الله؛ قال: " ألا أنبئك بما يساقط الذنوب عن بني آدم كتساقط الورق عن هذه الشجرة " قلت: بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي؛ قال: " قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن الباقيات الصالحات المنجيات المعقبات ". قال محمد بن إسماعيل بن صبيح: قال الرشيد للفضل بن يحيى وهو بالرقة: قد قدم إسماعيل بن صالح بن علي وهو صديقك، وأريد أن أراه؛ فقال له: إن أخاه عبد الملك في حبسك. وقد نهاه أن يجيئك؛ قال الرشيد: فإني أتعلل حتى يجيئني عائداً. فتعلل. فقال الفضل لإسماعيل: ألا تعود أمير المؤمنين؟ قال: بلى؛ فجاءه عائداً، فأجلسه ثم دعا بالغداء. فأكل وأكل إسماعيل بين يديه؛ فقال له الرشيد: كأني قد نشطت برؤيتك لشرب قدح؛ فشرب وسقاه، ثم أمر فأخرج جوار يغنين، وضربت ستارة، وأمر بسقيه؛ فلما شرب أخذ الرشيد العود من يد جارية ووضعه في حجر إسماعيل، وجعل في عنق العود سبحة فيها عشرة درات اشتراها بثلاثين ألف دينار، وقال: عن يا إسماعيل وكفر عن يمينك بثمن هذه السبحة؛ فاندفع يغني بشعر الوليد بن يزيد في عالية أخت عمر بن عبد العزيز وكانت تحته وهي التي ينسب إليها سوق عالية بدمشق: من الطويل فأقسم ما أدنيت كفي لريبةٍ ... ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأي عليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصاب فتى قبلي فسمع الرشيد أحسن غناء من أحسن صوت، وقال: الرمح يا غلام؛ فجيء بالرمح فعقد له لواء على إمارة مصر. قال إسماعيل: فوليت ست سنين أوسعتهم عدلاً، وانصرفت بخمسمئة ألف دينار. قال: وبلغت عبد الملك أخاه ولايته، فقال: غنى والله الخبيث لهم، ليس هو لصالح بابن.

إسماعيل بن العباس بن أحمد

قال إسماعيل: دخلت على الرشيد وقد عهد إلى محمد والمأمون فيمن يهنيه من ولد صالح بن علي، فأنشأت أقول: من مجزوء الكامل يا أيها الملك الذي ... لو كان نجماً كان سعداً اعقد لقاسم بيعة ... واقدح له في الملك زنداً الله فرد واحد ... فاجعل ولاة العهد فرداً قال: فاستضحك هارون؛ وبعثت إلي أم جعفر: كيف تحبنا وأنت شآم؟ وبعثت إلي أم المأمون: كيف تحبنا وأنت أخو عبد الملك بن صالح؟ وبعثت إلي أم القاسم بعشرة آلاف درهم. فاشتريت بها ضيعتي بأرتاح. إسماعيل بن العباس بن أحمد ابن العباس بن محمد بن عيسى أبو علي النيسابوري الصيدلاني المقرئ سكن دمشق، وحدث. روى عن الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ، بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله عز وجل أهلين من الناس " قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: " هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته ". إسماعيل بن عبد الله بن خالد ابن يزيد أبو عبد الله القرشي العبدري، الرقي، المعروف بالسكري قاضي دمشق. سمع وأسمع.

روى عن عيسى بن يونس، بسنده عن مروان بن الحكم، قال: كنت جالساً عند عثمان بن عفان، فسمع علياً يلبي بعمرة وحجة فأرسل إليه فقال: ألم نكن نهينا عن هذا؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً، فلم أكن أدع قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن الوليد بن مسلم، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " يقوم الناس لرب العالمين مقدار نصف يوم، خمسين ألف سنة، فيهون ذلك اليوم على المؤمن كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب ". وعن عبيد الله بن عمرو، بسنده عن يعلى بن مرة الثقفي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سرق شبراً من الأرض جاء يحمله يوم القيامة إلى أسفل الأرضين ". عن يعلى بن الأشدق العقيلي، عن عمه، عن أبي ذر، قال: حفظت عن خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً أوصاني بهن: صلاة الضحى في الحضر والسفر، وأن لا أنام إلا على وتر، وبالصلاة عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال إبراهيم بن أيوب الحوراني: قلت لإسماعيل بن عبد الله القاضي: بلغني أنك كنت صوفياً، من أكل من جرابك كسرة افتخر بها على أصحابه؟ فقال: " حسبنا الله ونعم الوكيل ". وعن ابن فيض، قال: لم يل القضاء بدمشق بعد محمد بن يحيى بن حمزة أحد في خلافة المعتصم وخلافة الواثق، حتى كانت خلافة جعفر المتوكل فولى ابن أبي دواد إسماعيل بن عبد الله السكري في أول سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، فأقام قاضياً إلى أن عزل أحمد بن أبي دواد. وولي يحيى بن أكثم، فعزل إسماعيل بن عبد الله السكري عن القضاء وولى محمد بن هاشم بن قيسرة مكانه. مات بعد الأربعين ومئتين

إسماعيل بن عبد الله بن سماعة

إسماعيل بن عبد الله بن سماعة أبو محمد القرشي، العدوي، مولى عمر بن الخطاب أصله من الرملة. روى عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن أنس بن مالك حدثه أن أبا طلحة كان يترس بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بترس واحد، وكان أبو طلحة رجلاً حسن الرمي، فكان إذا رمى يشرف رسول الله إلى موضع قبله. وعنه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الرفق في الأمر كله ". وعنه، بسنده عن أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقلنا: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ". قال العجلي عنه: دمشقي ثقة. إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ابن جبير بن عبد الله بن كيسان أبو بشر العبدي، الفقيه المعروف بسمويه من أهل أصبهان، له رحلة واسعة سمع فيها وأسمع. روى عن سعيد بن أبي مريم، بسنده عن الهيثم بن شعبي، قال: خرجت أنا وأبو عامر المغافري إلى إيليا لنصلي، فأخبرني أبو عامر أنه سمع

إسماعيل بن عبد الله بن ميمون

أبا ريحانة يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوشم والوشر، ون مكامعة المرأة في غير شعار. وعن علي بن عياش الحمصي، بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا حمى إلا لله ورسوله ". قال ابن أبي حاتم: وهو ثقة صدوق. وقال أبو نعيم الحافظ: كان من الحفاظ والفقهاء، توفي سنة سبع وسيتين ومئتين. إسماعيل بن عبد الله بن ميمون ابن عبد الحميد بن أبي الرجال أبو النضر العجلي البغدادي أصله من مرو. سمع وأسمع وقدم دمشق وحدث بها. روى بسر من رأى في رحبة أبي عون، عن محمد بن مصعب، بسنده عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". وعن أبي النضر هاشم بن القاسم، بسنده عن أبي أمامة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع المغنيات وعن شرائهن، وعن كسبهن، وعن أكل ثمنهن. قال عنه النسائي: مروزي ليس به بأس. قال محمد بن إسحاق الثقفي: أنشدني أبو النضر العجلي لنفسه: من الطويل

إسماعيل بن عبد الله

تخبرني الآمال أني معمر ... وأن الذي أخشاه عني مؤخر فكيف وبرد الأربعين قضية ... علي بحكم قاطع لا يغير إذا المرء جاز الأربعين فإنه ... أسير لأسباب المنايا ومعثر توفي ليلة الاثنين ودفن يوم الاثنين لثلاث وعشرين خلت من شعبان سنة سبعين ومئتين وقد بلغ أربعاً وثمانين سنة. إسماعيل بن عبد الله ابن وهب أبي البختري بن وهب القرشي، الأسدي من أهل صيدا. إسماعيل بن عبد الله بن أسد ابن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن ابن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير بن قسر أبو هاشم القسري البجلي، أخو خالد ولي إمرة الموصل. روى عن أخيه خالد، عن جده، أنه قدم على عمر بن الخطاب من دمشق، فقال له: يا ابن أسد، ما الشهداء فيكم؟ فقال: الشهيد يا أمير المؤمنين من قاتل في سبيل الله حتى يقتل؛ قال: فما تقولون فيمن مات حتف أنفه لا يعلمون منه إلا خيراً؟ قال: عبد خيراً، ولقي رباً لا يظلمه، يعذب من عذبه بعد الحجة عليه، والعذرة فيه، أو يعفو عنه. قال عمر: كلاً والله، ما هو كما يقولون؛ من مات مفسداً في الأرض، ظالماً للذمة، عاصياً للإمام، غالاً للمال، ثم لقي العدو فقاتل فقتل شهيداً، ولكن الله عز وجل قد يعذب عدوه بالبر والفاجر، ومن مات حتف أنفه لا يعلمون منه إلا خيراً، كما قال الله عز

إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر

وجل: " من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين " الآية. قال ابن سعد: ولي الموصل، وكان في صحابة أبي جعفر. إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر واسم أبي المهاجر: أقرم أبو عبد الحميد، مولى بني مخزوم من أهل دمشق، كانت داره ظاهر باب الجابية، وعند طريق القنوات، وكان يؤدب ولد عبد الملك بن مروان، واستعمله عمر بن عبد العزيز على إفريقية. روى عن جماعة، وأدرك معاوية وروى عنه جماعة. روى عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ". روى عمن حدثه، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ستر فاحشة فكأنما أحيا مؤودة ". قال جابر بن عبد الله: وأنا سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الأوزاعي: أتانا إسماعيل بن عبيد الله في زمان مروان مرابطاً ببيروت، فجبذني، ثم قال: إني أركن هؤلاء القوم يعني القدرية فلعلك منهم؟ قلت: لا والله ما أنا منهم. وقال الهيثم بن عمران: رأيت إسماعيل بن عبيد الله وكان من صالحي المسلمين يخضب رأسه ولحيته. وقال عنه العجلي: شامي تابعي ثقة.

وقال الهيثم بن عمران: سمعن إسماعيل بن عبيد الله يقول: ينبغي لنا أن نحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يحفظ القرآن لأن الله يقول: " وما آتاكم الرسول فخذوه ". وقال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله وسمع ربيعة بن يزيد يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ثنى ثم ثلث فحدث إسماعيل عن كسرى ثم ثنى ثم ثلث؛ فقال ربيعة: غفر الله لك أبا عبد الحميد، حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحدث عن كسرى؟ فقال: ما حدثت عنه إلا من أجلك، انظر كيف تحدث يا ربيعة، فإنك ترى الإمام على المنبر يتكلم بالكلام فما تخرجون من المسجد حتى تختلفوا عليه، والله لأن أكذب على كسرى أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: وسمعته يحدث، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: كم أتت عليك يا إسماعيل سنة؟ قلت: ستون سنة وشهور؛ قال: يا إسماعيل، إياك والمزاج. قال عبد الملك بن مروان: ما رأيت مثلنا ومثل هذه الأعاجم، كان الملك فيهم دهراً طويلاً، فوالله ما استعاذوا منا إلا برجل واحد يعني النعمان بن المنذر ثم عادوا عليه فقتلوه؛ وأن الملك فينا مد هذه المدة فقد استعنا منهم برجال حتى في لغتنا، هذا إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر يعلم ولد أمير المؤمنين العربية! قال إسماعيل لبنيه: يا بني أكرموا من أكرمكم وإن كان عبداً حبشياً، وأهينوا من أهانكم وإن كان رجلاً قرشياً. قال ابن يونس: توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة، وكان مولده سنة إحدى وستين.

إسماعيل بن عبيد الله

إسماعيل بن عبيد الله ويقال: ابن عبيد العكي روى عن غالب بن مسعود، عن أبي هريرة قوله: أوصاني خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وسبحة الضحى في الحضر والسفر، وأنا لا أنام إلا على وتر. إسماعيل بن عبيد الله أبو علي المقرئ قرأ القرآن العظيم على هشام بن عمار بحرف ابن عامر. إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد أبو عثمان الصابوني، النيسابوري، الحافظ، الواعظ، المفسر قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة، وحدث بها، وعقد مجلس التذكير. روى عن جماعة، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل نيسابور وغيرهم. روى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، بسنده عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان؛ حب المال وطول العمر ". وأنشد لنفسه: من البسيط ما لي أرى الدهر لا يسخو بذي كرم ... ولا يجود بمعوان ومفضال

ولا أرى أحداً في الناس مشترياً ... حسن الثناء بإنعام وإفضال ولا أرى أحداً في الناس مكتنزاً ... ظهور أثنية أو مدح مقوال صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً ... كأنما نسجوا فيه بمنوال وقال: ورأيت في بعض أجزائي مكتوباً: من البسيط طيب الزمان لمن خفت مؤونته ... ولن يطيب لذي الأثقال والمؤمن فاستحسنته، وأضفت إليه من قبلي: من البسيط هذا يزجي بيسر عمره طرباً ... وذاك ينماث في غم وفي حزن فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها ... إن الحريص على الدنيا لفي محن وقال: وكنت قلت في غياب ولدي أبي نصر عبد الله الخطيب رحمه الله ورضوانه عليه: من المنسرح غاب وذكراه لم يغب أبداً ... وكان مثل السواد في الحدقه لو رده الله بعد غيبته ... جعلت مالي لشكره صدقه فلم يرد الله سبحانه وتعالى رده وقضى، قبض روحه في بعض ثغور أذربيجان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فصبراً لحكمه، ورضى بقضائه، وتسليماً لأمره " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " وإلى الله جل جلاله الرغبة في التفضل عليه بالمغفرة والرضوان والجمع بيننا وبينه في رياض الحنان بمنه وكرمه. ومن ذلك قوله: " من الطويل إذا ما أصب أموالكم ونوالكم ... ولم آمل المعروف منكم ولا البرا وكنتم عبيداً للذي أنا عبده ... فمن أجل ماذا تعب البدن الحرا

قال عنه البيهقي الحافظ: إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً. قال الإمام أبو علي الحسن بن العباس: اتفق مشايخنا من أئمة الفريقين، وسائر من ينتهي إلى علم التفسير والتذكير أن أبان عثمان كامل في آلاته، مستحق للإمامة بصفاته، لم يترقل الكرسي في زمانه على ظرفه وبيانه، وثقته وصدق لسانه مثله. وحدث أبو طالب الحراني وكان قد أمضى في خدمته العلم طرفاً صالحاً من عمره بينسابور، وقرأ على بي منصور البغدادي وأبي محمد الجويني قال: توسطت مجالس أعيان الوقت أيام السلطان أبي القاسم رحمه الله، فصادفتهم مجمعين على أن أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة، وأنه في علم الحديث علم بل عالم وبسائر العلوم متحقق عالم. وقال أبو عبد الله الخوارزمي شيخ تفقه ببغداد: دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم، فرأيت أبا عثمان مائساً في حلة الشباب، ولمته يومئذ كجناح الغداف أو حنك الغراب، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون كأبي سعد وأبي القاسم، وهو يعد على تقارب سنة صدراً وجيهاً، وشيخاً نبيهاً، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وإفضال. قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحواً من عشرين سنة، وكان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته، وتصنيفاً وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث. سمع الحديث بنيسابور وذكر بعض شيوخه وبسرخس وبهراة، وسمع بالشام

والحجاز وبالجبال وغيرها من البلاد، وحدث بخراسان إلى غزنة، وبلاد الهند وبجرجان وآمل وطبرستان والثغور، وبالشام وبيت المقدس والحجاز، وأكثر الناس السماع منه، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد، زيناً للمحافل والمجالس، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمعاً على أنه عديم النظير، وسيف السنة ودامغ أهل البدعة. وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب، فقتل، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في تربيته وتهيئه أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله، وحسن إيراده الكلام، وحفظه للأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل، وكان محترماً للحديث. وعن بعض من يوثق بقوله من الصالحين، أنه قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة. أنشد أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة أنشأها في مدح شيخ الإسلام، ويهنئه بالقدوم من الحج: من الكامل

من أبرشهر الآن إذ هبت بها ... ريح السعادة بكرة وأصيلا بقدوم من أضحى فريد زمانه ... أعني أبا عثمان إسماعيلا فضلاً وعقلاً واشتهار صيانة ... وعلو شأن في الورى وقبولا من شاء أن يلقى الكمال بأسره ... خدم احتساباً ربه المأمولا لا زال ركناً للمفاخر والعلى ... ما لاح نجم للسراة دليلا وقال أبو الحسن الفارسي: حكى الأثبات والثقات أنه كان يعقد المجلس، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف فيه أن واحداً تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت، فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال؛ واشتد الأمر على عامة الناس. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قوله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض "، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه، وتغير في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، وكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام إلى قريب من الغروب للشمس، فكان يتقلب ظهراً لبطن، ويصيح ويئن، فلم يسكن ما به، فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج؛ فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت، فودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء؛ ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة " يس " وتغير حاله وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسناد ما روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة "، ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين، الرابع من محرم سنة تسع وأربعين وأربعمئة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه

إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبيد

أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب؛ وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، وكان وقت وفاته طاعناً في سبع وسبعين من سنه. وقال أبو الحسن عبد الغافر: ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة للإمام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي البوسنجي: من الكامل أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس منه بديل بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتنزيل والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزناً عليه وللنجوم عويل والأرض خاشعة تبكي شجوها ... ويلي تولول: أين إسماعيل؟ أين الإمام الفرد في آدابه؟ ... ما إن له في العالمين عديل لا تخدعنك مني الحياة فإنها ... تلهي وتنسي والمنى تضليل وتأهبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم البقاء قليل إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبيد ابن نفيع العنسي روى عن أبيه، أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى، ويمتع النهار، إذ أجفل الناس من ناحية المسجد، فأجفلت فيمن أجفل، فإذا برجل عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أربع من كن فيه فهو مؤمن، ومن جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره، فمن جاء بثلاثة وكتم واحدة فقد كفر ".

إسماعيل بن عبد الرحمن

قال أبو حاتم: إنه من أهل الشام، من أهل حرستا. إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو هشام الخولاني، الدمشقي، الكتاني روى عن الوليد بن الوليد القلانسي، بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الجنة لتزخرف لشهر رمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول يوم من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش فشققت عن ورق الجنة عن الحور العين، فقلن: اللهم اجعل لنا من أوليائك أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا ". قال عمرو بن دحيم: مات بدمشق مستهل شعبان سنة ست وسبعين ومئتين. إسماعيل بن عبد الرحمن البصري الثمالي المعروف بالمهدي قدم دمشق في أيام هشام بن عمار، وسمع بها الحديث، وحدث بها. إسماعيل بن عبد الصمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي من أهل دمشق. حدث عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للمملوك على مولاه ثلاث؛ لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ". وهو حديث غريب.

إسماعيل بن عبد العزيز بن سعادة

إسماعيل بن عبد العزيز بن سعادة ابن حبان أبو طاهر الأمير سمع بدمشق صحيح البخاري، ولا أراه حدث به، ووقفه على دار العلم بالقدس. توفي يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة ستين. إسماعيل بن عبد الملك أبو القاسم الطوسي، المعروف بالحاكمي، الفقيه الشافعي قدم دمشق سنة تسع وثمانين وأربعمئة عديل الإمام أبي حامد الغزالي. سمعت جدي أبا المفضل يحيى بن علي القاضي يثني عليه ويذكر أنه كان أعلم بالأصول من الغزالي إلا أنه كان في لسانه ما يمنعه من الكلام. إسماعيل بن عبده رأى أبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وعليه قلنسوة سوداء. إسماعيل بن علي بن الحسين ابن بندار بن المثنى أبو سعد الاستراباذي الواعظ قدم دمشق وحدث بها، وأملى ببيت المقدس، وحدث بها عن جماعة. روى عن أبيه، بسنده عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بكى شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله إليه بصره، وأوحى إليه: يا شعيب ما هذا البكاء؟ أشواقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ قال: إلهي وسيدي، أنت تعلم، ما أبكي شوقاً إلى جنتك ولا خوفاً من النار، ولكني اعتقدت حبك بقلبي، فإذا أنا نظرت إليك فما أبالي ما الذي صنع بي؛ فأوحى الله عز وجل إليه:

إسماعيل بن علي بن الحسين

يا شعيب إن يك ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي يا شعيب، ولذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي ". قال الخطيب: ولم يكن موثوقاً في الرواية. وأنشد، بسنده عن الربيع بن سليمان، أنشدنا الشافعي: من الكامل؟ يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بقاطن خيفها والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضاً حب آل محمدٍ فليشهد الثقلان أني رافضي قال حمد الرهاوي: لما ظهر لأصحابنا كذب إسماعيل بن المثنى أحضروا جميع ما كتبوا عنه وشققوه ورموا به بين يديه؛ وكان يملي ويتكلم على الناس عند باب مهد عيسى عليه الصلاة والسلام يعني ببيت المقدس وكان حمد هذا إمام قبة الصخرة. قال أبو بكر الخطيب: قدم علينا بغداد حاجاً، وسمعت منه بها حديثاً واحداً مسنداً منكراً، وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث وعشرين وأربعمئة، ثم لقيته ببيت المقدس عند عودي من الحج في سنة ست وأربعين وأربعمئة، وسألته عن مولده فقال: ولدت بإسفراين في سنة خمس وسبعين وثلاثمئة، ومات ببيت المقدس على ما بلغني سنة ثمان وأربعين وأربعمئة. إسماعيل بن علي بن الحسين ابن محمد بن زنجويه أبو سعد الرازي، المعروف بالسمان الحافظ قدم دمشق طالب علم، وكان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو من أربعة آلاف شيخ، وسمع بدمشق وببغداد. روى عن أحمد بن محمد بن عمران بن عروة، بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " علم لا يفاد به ككنز لا ينفق منه " الصواب: " لا يقال به ".

وعن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس، بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ هذه الآية " يوم يقوم الناس لرب العالمين "، قال: " يقومون حتى يبلغ الرشح أطراف آذانهم ". قال المرتضى أبو الحسن المطهر بن علي العلوي بالري: سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. قال أبو محمد عمر بن محمد الكلبي: وجدت على ظهر جزء: مات الشيخ الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان، وقت العتمة من ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمئة، شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم ومتكلمهم ومحدثهم، وكان إماماً بلا مدافعة في القراءات والحديث، ومعرفة الرجال والأنساب، والفرائض والحساب، والشروط والمقدورات، وكان إماماً أيضاً في فقه أبي حنيفة وأصحابه، وفي معرفة الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، وفي فقه الزيدية، وفي الكلام، وكان يذهب مذهب الحسن البصري ومذهب الشيخ أبي هاشم؛ وكان قد حج بيت الله الحرام وزار القبر، ودخل العراق والشامات والحجاز وبلاد المغرب، وشاهد الرجال والشيوخ، وقرأ على ثلاثة آلاف رجل من شيوخ زمانه، وقصد أصبهان لطلب الحديث في آخر عمره، وكان يقال في مدحه وتقريظه: إنه ما شاهد مثل نفسه؛ وكان مع هذه الخصال الحميدة زاهداً ورعاً مجتهداً قواماً صواماً، قانعاً راضياً، لم يتحرم في مدة عمره، وقد أتى عليه أربع وسبعون سنة، بطعام واحد، ولم يدخل يده في قصعة إنسان ولم يكن لأحد عليه منة ولا يد في حضره ولا في سفره. مات رحمه الله تعالى ولم يكن له مظلمة، ولا تبعة من مال ولا لسان؛ كانت أوقاته موقوفة على قراءة القرآن والتدريس والرواية والدراية، والإرشاد والهداية، والوراقة والقراءة. خلف ما جمعه في طول عمره من الكتب وجعلها وقفاً على المسلمين؛ كان رحمه الله، تاريخ الزمان، وشيخ الإسلام، وبقية السلف والخلف.

إسماعيل بن علي بن عبد الله

مات في مرضه، وما فاتته فريضة ولا صلاة، وما سال منه لعاب، ولا تلوث له ثياب، وما تغير لونه؛ كان مع ما به من الضعف يحدد التوبة، ويكثر الاستغفار؛ ودفن غد ليلته يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمئة، بجبل طبرك، بقرب الفقيه محمد بن الحسن الشيباني، بجنب قبر أبي الفتح عبد الرزاق بن مردك. إسماعيل بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الحسن الهاشمي عم السفاح والمنصور، وكان معهم بالحميمة، وخرج معهم حين خرجوا لطلب الخلافة، وولي إمرة الموسم سنة سبع وثلاثين ومئة في خلافة المنصور، وولي البصرة. قال خليفة بن خياط: وأقام الحج سنة سبع وثلاثين إسماعيل بن علي، ولم تك تلك السنة صائفة؛ وقال: سنة اثنتين وأربعين أقام الحج إسماعيل بن علي. وقال الزبير بن بكار: حدثني مبارك الطبري قال: لما قدم إسماعيل بن علي من واسط أنزله أمير المؤمنين المنصور في منزل في داره، وفتح خوخة بينه وبينه، ثم جاءه أمير المؤمنين المنصور ونحن معه فسلم عليه، وعرض عليه تقديم أمير المؤمنين المهدي على عيسى بن موسى في ولاية العهد، فأجابه إلى ذلك، وبايعه. وذكر إبراهيم بن عيسى بن المنصور، أن إسماعيل بن علي ولد بالسراة سنة ثلاث ومئة، وتوفي سنة سبع وأربعين ومئة، وأمه وأم عبد الصمد كثيرة، التي يقول فيها ابن قيس الرقيات: من المنسرح عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب

إسماعيل بن علي

وعن محمد بن عمر، قال: سنة ست وأربعين ومئة مات إسماعيل بالكوفة ودفن بها إسماعيل بن علي أبو محمد العين زربي شاعر محسن. أنشد أحمد بن محمد بن عقيل الشهرزوري له: من الطويل وحقكم لا زرتكم في دجنة ... من الليل تخفيني كأني سارق ولا زرت إلا والسيوف هواتف ... إلي وأطراف الرماح لواحق وله: من المتقارب أيا راقد الليل حتى يقال ... إذا هجع الجفن: زار الخيال فما لي وعهدك عهد به ... ولا سر جفني منه اكتحال أحن إلى ساكنات الحجاز ... وقد حجزتني أمور ثقال وأحنوا على طيبات هناك ... وقد تشتهي النفس ما لا يقال وجدتك يا قلب عن حبهن ... وقلت: أما آن منهن آل وما هن سمر طوال برزن ... بلى في الحشا هن سمر طوال بكيت ففاضت بحور الدموع ... كأن لها في جفوني انسيال وظن العواذل أني سلوت ... لفقد البكاء وجاؤوا فقالوا: حقيق حقيق وجدت السلو ... وعنها؟ فقلت: محال محال دليل على أنني ما سلو ... ت ذاك التثني وذاك الدلال

لهيباً ينفث من طرفها ... إذا ما بدت له سحر حلال وهي أطول من هذا. وله: من الرمل ما على ما قلت تعويل ... كله مطل وتعليل يا غزالاً غير مكتحل ... طرفه بالسحر مكحول كل ما حملت من سقم ... فعلى الأجفان محمول رب ليل ظل يجمعنا ... كله ضم وتقبيل أشرقت كاساته وعلت ... في أعاليها أكاليل أشموس لحن مشرقة ... أم كؤوس أم قناديل في يدي بدر يطوف بها ... من جنان الخلد منقول لم يشن أعطافه قصر ... فيه بتمجين ولا طول وكأن الحسن صاح بنا ... حين وافى: نحوه ميلوا كم أباطيل نعمت بها ... حبذا تلك الأباطيل وله: من الخفيف ترك الظاعنون قلبي بلا قل ... ب وعيني عيناً من الهملان وإذا لم تفض دماً سحب أجفا ... ني على بعدهم فما أجفاني حل في مقلتي فلو فتشوها ... كان ذاك الإنسان في الإنسان وله: من الطويل ألا يا حمام الأيك عشك آهل ... وغصنك مياس وإلفك خاضر أتبكي وما امتدت إليك يد النوى ... ببين ولم يذعر جنابك ذاعر لعمر الذي أولاك نعمة محسن ... لأنت بما أولى وأنعم كافر

إسماعيل بن عمرو الأشدق بن سعيد

وله: من الطويل على الدهر أبكي أم على الدهر أعتب ... على كل شيء مذ تعتبت أعتب سئمت من العيش الذي كان نالني ... وعفت من الماء الذي كنت أشرب فكل حياة مع سواك منية ... وكل ضحى في غير أرضك غيهب قال ابن الأكفاني: إن إسماعيل بن العين زربي مولده بدمشق، وتوفي سنة سبع وستين وأربعمئة. إسماعيل بن عمرو الأشدق بن سعيد ابن العاص بن سعيد بن العاص أبو محمد القرشي الأموي روى عن ابن عباس وغيره؛ وكان مع أبيه لما غلب على دمشق، ثم سيره عبد الملك إلى الحجاز مع إخوته، ثم سكن الأعوص، واعتزل أمر السلطان، وكان عمر بن عبد العزيز يراه أهلاً للخلافة. حدث عن عبيد الله بن أبي رافع، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا ولهم حواريون، فيمكث بين أظهرهم ما شاء الله يعمل فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا انقرضوا كان من بعدهم أمراء يكبون رؤوس المنابر، يقولون ما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فإذا رأيتم أولئك فحق على كل مؤمن يجاهدهم بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك إسلام ". وعن عثمان بن عبد الله بن الحكم بن الحارث، عن عثمان بن عفان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على عثمان بن مظعون وكبر عليه أربعاً.

إسماعيل بن عياش بن سليم

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: " التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". قال الزبير بن بكار: وكان إسماعيل بن عمرو يسكن الأعوص في شرقي المدينة على بضعة عشر ميلاً، وكان له فضل، لم يتلبس بشيء من سلطان بني أمية. وقال: حدثني غير واحد أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي أن أعهد ما عدوت أحد رجلين؛ صاحب الأعوص يريد إسماعيل بن عمرو أو أعيمش بني تميم يريد القاسم بن محمد وقال محمد بن سعد: وعاش إسماعيل إلى دولة ولد العباس، فقيل له ليالي قدم داود بن علي المدينة والياً على الحرمين: لو تغيب! فقال: لا والله ولا طرفة عين؛ وكان داود قد هم به فقيل له: ليس بك حاجة أن يتفرغ لك إسماعيل في الدعاء عليك؛ فتركه ولم يعرض له. وعاش إسماعيل بن عمرو بعد ذلك يسيراً ثم مات. إسماعيل بن عياش بن سليم أبو عتبة العنسي الحمصي روى عن جماعة، وروى عنه جماعة؛ وكان حجاجاً، وكانت طريقه على دمشق، حج بضع عشرة حجة، وبعثه أبو جعفر المنصور إلى دمشق، فعدل أرضها الخراجية. روى عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن رشد بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في هذه الآية " قل: هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت

أرجلكم " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد ". وعن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن جبير بن نفير، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الأمير إذا ابتغى الزينة في الناس أفسدها ". قال أبو بكر الخطيب: وكان إسماعيل قد قدم بغداد على أبي جعفر المنصور، وولاه خزانة الكسوة، وحدث ببغداد حديثاً كثيراً. قال محمد بن عوف: سمعت أبا اليمان يقول: كان منزل إسماعيل بن عياش إلى جانب منزلي، فكان يحيي الليل، فكان ربما قرأ ثم قطع، ثم رجع فقرأ من الموضع الذي قطع منه؛ فلقيته يوماً، فقلت له: يا عم، قد رأيت منك شيئاً وقد أحببت أن أسألك عنه، إنك تصلي من الليل ثم تقطع، ثم تعود إلى الموضع الذي قطعت فتبتدئ منه! فقال: يا بني، وما سؤالك عن ذلك؟ قلت: أريد أن أعلم؛ قال: يا بني، إني أصلي فأقرأ، فأذكر الحديث في الباب من الأبواب التي أخرجتها، فأقطع الصلاة فأكتبه فيه، ثم أرجع إلى صلاتي، فأبتدئ من الموضع الذي قطعت منه. عن يحيى بن صالح، قال: ما رأيت رجلاً، كان أكبر نفساً من إسماعيل بن عياش، كما أنه إذا أتيناه إلى مزرعته لا يرضى لنا إلا بالخروف والخبيص؛ وسمعته يقول: ورثت عن أبي أربعة آلاف دينار فأنفقتها في طلب العلم. قال عثمان بن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث بن سعد يحدثهم بفضل عثمان فكفوا عن ذلك، وكان أهل حمص ينتقصون علي بن أبي طالب حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش فحدثهم بفضائله، فكفوا عن ذلك. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي لداود بن عمرو الضبي وأنا أسمع منه يا أبا سليمان، كان يحدثكم إسماعيل بن عياش هذه الأحاديث بحفظه؟ قال: نعم، ما رأيت معه كتاباً قط!؟ فقال له: لقد كان حافظاً، كم كان يحفظ؟ قال: شيئاً كثيراً،

إسماعيل بن يسار النسائي

قال له: كان يحفظ عشرة آلاف؟ قال: عشرة آلاف وعشرة آلاف! قال أبي: هذا كان مثل وكيع!. وقال أحمد بن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم. وقال أبو اليمان: كان أصحابنا لهم رغبة في العلم، وطلب شديد بالشام والمدينة ومكة، وكانوا يقولون: نجهد في الطلب ونتعب أبداننا ونغيب، فإذا جئنا وجدنا كل ما كتبنا عند إسماعيل. قال يعقوب بن سفيان: وتكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين. وقال يحيى بن معين: إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم. قال خليفة بن خياط: مات إسماعيل بن عياش سنة اثنتين وثمانين ومئة. إسماعيل بن يسار النسائي عن مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: كان إسماعيل بن يسار النسائي مولى بني تيم بن مرة؛ تيم قريش، وكان منقطعاً إلى آل الزبير؛ فلما أفضت الخلافة إلى عبد الملك بن مروان وفد إليه مع عروة بن الزبير، ومدحه، ومدح الخلفاء من ولده بعده.

وعاش عمراً طويلاً إلى أن أدرك آخر سلطان بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية. وكان طيباً مليحاً مندراً بطالاً، مليح الشعر، وكان كالمنقطع إلى عروة بن الزبير. وإنما سمي إسماعيل بن يسار النسائي، لأن أباه كان يصنع طعام العرس ويبيعه فيشتريه منه من أراد التعريس من المتجملين، وممن لم تبلغ حاله اصطناع ذلك. أنش ثعلب عن عبد الله بن شبيب له: من الطويل ألا هل إلى ما لا ينال سبيل ... وهل يسعدني إن بكيت خليل وحتى متى تبقى عظام بجيفة ... عواري برتهن الهموم، نحول وطرف أفلت رعية النجم حدة ... وجانبه التغميض فهو كليل ونفس نهاها الحب عن مستقرها ... حشاشاتها بين الضلوع تجول وقد كنت إذ شربي وشربك واحد ... لساني به مني إليك رسول وكيف وأمسي لا أزال وحارس ... علي على أن لا أراك خليل وقال يرثي أبا بكر بن حمزة بن عبد الله بن الزبير: من الكامل غلب العزاء وفاتني صبري ... لما نعى الناعي أبا بكر وأقول أعوله وقد ذرفت ... عيني فماء شؤونها يجري أنى وأي فتى يكون لنا ... شرواك عند بوازم الأمر لدفاع خصم ذي مشاغبة ... ولعائل ترب أخي فقر ولعمر من حبس المطي له ... بالأخشبين صبيحة النحر لو كان نيل الخلد أدركه ... بشر بطيب الخيم والخير لغبرت لا تخشى المنون وما ... نالتك نبل غوائل الدهر قال: وهي طويلة.

إسماعيل الأسدي

وله يرثي أبا بكر بن حمزة: من الوافر أحين بلغت ما كنا نرجي ... وكنت على أنوف الكاشحينا أبا بكر ثويت رهين رمس ... يخب بنعيك المتعجلونا وهي طويلة. قال الزبير: ودار عدي بن نوفل بالبلاط، بين المسجد والسوق، وهي التي يعني إسماعيل بن يسار النساء حين يقول: من الخفيف إن ممشاك نحو دار عدي ... كان بالقلب شقوة وفتونا إذ تراءت على البلاط فلما ... واجهتنا كالشمس تعشي العيونا قال هارون: قف، فيا ليت أني ... كنت طاوعت ساعة هارونا وقد رواها ناس لابن أبي ربيعة. إسماعيل الأسدي من ِشعراء الدولة الأموية إن لم يكن إسماعيل بن محمد الأسدي الكوفي فهو غيره كان له انقطاع إلى مروان الحمار. عن أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: إسماعيل الأسدي ولم ينسب كان منقطعاً إلى مروان بن محمد، فذكر يوماً إسماعيل عند حدينة وهو سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ومودته لمروان، فقال سعيد: ومن ذلك الملط؟ فهجاه إسماعيل بقوله: من الكامل

أسماء بن خارجة بن حصن

زعمت خدينة أنني ملط ... ولخدنة المرآة والمشط ومجامر ومكاحل ومعازف ... وبخدها من شكلها نقط أفذاك أم زعف مضاعفة ... ومهند من شأنه القط لمفرض ذكر أخي ثقة ... لم يعده التأنيث واللقط أسماء بن خارجة بن حصن ابن حذيفة بن بدر بن عمر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان أبو حسان، ويقال: أبو محمد الفزاري الكوفي وكان قد وفد على عبد الملك بن مروان. عن مالك بن أسماء بن خارجة، قال: كنت مع أبي أسماء إذ جاء رجل إلى أمير من الأمراء فأثنى عليه وأطراه، ثم أتى أسماء وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ذو اللسانين في الدنيا له لسانان من نار يوم القيامة. عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً، فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام؛ فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله عز وجل. عن البختري بن هلال قال: دخل أسماء بن خارجة على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: قد بلغني عنك خصال كريمة شريفة، فأخبرني عنها؛ قال: يا أمير المؤمنين، هي من غيري أحسن؛ قال: فإني أحب أن أسمعها منك فأخبرني بها، قال: يا أمير المؤمنين، ما أتاني رجل قط في حاجة صغرت أو كبرت فقضيتها، إلا رأيت أن

قضاءها ليس يعوض من بذل وجهه إلي؛ ولا جلس إلي رجل قط إلا رأيت له الفضل علي حتى يقوم من عندي؛ ولا جلست مع قومٍ قط فبسطت رجلي إعظاماً لهم وإجلالاً حتى أقوم عنهم. قال له عبد الملك: حق لك أن تكون شريفاً سيداً. قال أسماء بن خارجة: ما شتمت أحداً قط، ولا رددت سائلاً قط، لأنه إنما يسألني أحد رجلين: إما كريم أصابته خصاصة وحاجة، فأنا أحق من سد خلته، وأعانه على حاجته، وإما لئيم أفدي عرضي منه. وإنما يشتمني أحد رجلين: كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ بالفضل عليه فيها؛ وإما لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضاً؛ وما مددت رجلي بين يدي جليس لي قط فيرى أن ذلك استطالة مني عليه؛ ولا قضيت لأحد حاجة إلا رأيت له الفضل علي حيث جعلني في موضع حاجته. وأتى الأخطل عبد الملك فسأله حمالات تحملها عن قومه، فأبى وعرض عليه نصفها؛ فقدم الكوفة فأتى بشر بن مروان فسأله، فعرض عليه مثل ما عرض عليه عبد الملك، ثم أتى أسماء بن خارجة فحملها عنه كلها، فقال فيه: من الوافر إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء ولا رجع البشير بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء فيوم منك خير من رجال ... كثير حولهم غنم وشاء فبورك في بنيك وفي أبيهم ... وإن كثروا ونحن لك الفداء فبلغت القصة عبد الملك، فقال عرض بنا النصراني وقال محمد بن سلام الحجمي: وقال يعني القطامي يمدح أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري: إذا مات ابن خارجة بن حصن ... فلا مطرت على الأرض السماء

ولا رجع البريد بغنم جيش ... ولا حملت على الطهر النساء وقال فيه أيضاً: من الكامل فستعلمين أصادر وراده ... عنه وأي فتى فتى غطفانا وعليك أسماء بن خارجة الذي ... علا الفعال ورفع البنيانا قال أسماء: ما بذل إلي رجل قط وجهه فرأيت شيئاً من الدنيا وإن عظم وجسم عوضاً لبذل وجهه إلي. وعن مروان بن معاوية الفزاري، قال: أتيت الأعمش فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري؛ فقال لي: لقد قسم جدك أسماء قسماً فنسي جاراً له، ثم استحيا أن يعطيه وقد بدأ بآخر قبله، فبعث إليه، وصب عليه المال صباً؟ أفتفعل أنت شيئاً من ذلك؟؟؟؟!. وعن هند بنت محمد بن عتبة، عن أبيها، قال: بلغنا أن أسماء بن خارجة كان جالساً على باب داره، فمر به جوار يلتقطن البعر؛ فقال: لمن أنتن؟ فقلن: لبني سليم؛ فقال: واسوأتاه، جواري، بني سليم يلتقطن البعر على بابي! يا غلام انثر عليهن الدراهم؛ فنثر عليهن، وجعلن يلتقطن. وعن ابن الكلبي، قال: نزل أسماء بن خارجة ظهر الكوفة في روضة معشبة أعجبته، وفيها رجل من بني عبس، فلما رأى قباب أسماء قوض بيته؛ فقال له أسماء: ما شأنك؟ قال: معي كلب هو أحب إلي من ولدي، وأخاف أن يؤذيك فيقتله بعض غلمانك. فقال له: أقم وأنا ضامن لكلبك؛ فقال أسماء لغلمانه: إن رأيتم كلبه بلغ في قصاعي وقد رؤي فلا يهجه أحد منكم. فأقاموا على ذلك، ثم ارتحل أسماء، ونزل الروضة رجل من بني أسد، فجاء الكلب لعادته فنحى له الأسدي بسهم فقتله؛ فقدم العبسي على أسماء، فقال له: ما فعل الكلب؟

قال: أنت قتلته؛ قال: وكيف؟ قال: عودته عادة ذهب يرومها من غيرك فقتله؛ فأمر له بمئة ناقة دية الكلب؛ قال: هل قلت في هذا شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشده: من الطويل عوى بعد ما شال السماك بزورة ... وطالب عهداً بعده قد تنكرا وشبت له نار من الليل شبهت ... له نار أسماء بن حصن فكبرا فلاقى أبا حيان عارض قومه ... على النار لما جاءها متنورا فما رامها حتى اكتسى من روائه ... رداء كلون الأرجواني أحمرا فقال يلوم النفس: ما خفت ما أرى ... وورد المنايا مدرك من تأخرا وعن بشر أبي نصر، أن أسماء بن خارجة زوج ابنته، فلما أراد أن يهديها إلى زوجها أتاها، فقال: يا بنية، كان النساء أحق بتأديبك، ولا بد من تأديبك: كوني لزوجك أمة يكن لك عبداً، ولا تدني منه فتمليه، ولا تباعدي منه فتثقلي عليه ويثقل عليك، وكوني كما قلت لأمك: من الطويل خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب وعن العتبي، عن أبيه، أن أسماء بن خارجة شرب شراباً يقال له: الباذق، فسكر، فلطم أمه! فلما صحا قالوا له، فاغتم وقال لأمه: من الخفيف لعن الله شربة جعلتني ... أن أقول الخنا لكم يا صفية لم تكوني أهلاً لذاك ولكن ... أسرع الباذق المقدي فيه قال الرياشي: المقد: قرية من قرى حمص، وأصل الباذق: الباذاه

بالفارسية، وإنما يعرف بالمقدية، وهو حصن من أرض البلقاء. قال عبد الملك ذات يوم لجلسائه؛ هل تعلمون بيتاً قيل لحي من العرب لا يحبون أن لهم به مثل ما ملكوا، أو قيل فيهم ودوا لو فدوه بجميع ما ملكوه؟ فقال له أسماء بن خارجة: نعم يا أمير المؤمنين، نحن، قال: وما ذاك؟ قال: قول قيس بن الخطيم الأنصاري: من الوافر هنينا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة الخير بن بدر فوالله ما يسرنا أن لنا به مثل ما نملك؛ وقول الحارث بن ظالم: من الوافر فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقابا والله إني لألبس العمامة الصفيقة فيخيل إلي شعر قفاي قد خرج منها!. وقال أسماء بن خارجة: من الطويل إذا طارقات الهم أسهرن الفتى ... وأعمل في التفكير والليل زاخر وباكرني إذ لم يكن ملجاً له ... سواي ولا من نكبة الدهر ناصر فرجت له من همه في مكانه ... فزاوله الهم الدخيل المخامر وكان له من علي بظنه ... بي خيراً إني للذي ظن شاكر قال الرياشي: قال أسماء بن خارجة لامرأته: اخضبي لحيتي، فقالت: إلى كم نرقع منك ما قد خلق منك؟ فأنشأ يقول: من البسيط غيرتني خلقاً أبليت جدته ... وهل رأيت جديداً لم يعد خلقاً كما لبست جديدي فالبسي خلقي ... فلا جديد لمن لا يلبس الخلقا

ومن بارع شعر أسماء بن خارجة: من البسيط قل للذي لست أدري من تلونه ... أنا صح أم على غش يداجيني إني لأكثر مما سمتني عجباً ... يد تشج وأخرى منك تأسوني! تغتابني عند أقوام وتمدحني ... في آخرين وكل منك يأتيني هذان أمران شتى بون بينهما ... فاكفف لسانك عن ذمي وتزييني لو كنت أعرف منك الود هان له ... علي بعض الذي أصبحت توليني أرضى عن المرء ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يواسيني ورب امرئ لي أخفى بي ملاطفة ... محض الأخوة في البلوى يواسيني وملطف بسؤال أو مكاشرة ... مغض على وغر في الصدر مدفون ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... وما العدو على حال بمأمون يلومني الناس فيما لو أخبرهم ... بالغدر فيه لما كانوا يلوموني وعن الأصمعي، قال: بينما أسماء بن خارجة قد عراه الأرق في ذات ليلة، إذ سمع نادبة تبكي بصوت حزين وهي تقول: من المتقارب من للمنابر والخافقا ... ت والجود بعد زمام العرب ومن للهياج غداة الطعان ... ومن يمنع البيض عند الهرب ومن للعفاة وحمل الديات ... ومن يفرج الكرب بعد الكرب فقال أسماء بن خارجة: انظروا من مات في هذه الليلة من الأشراف، فاتبعوا هذا الصوت، فانظروا من أين هو؛ فنظروا ورجعوا إليه، فقالوا: هذه امرأة فلان البقال تبكي أباها مروان الحائك!. وعن المبارك بن سعيد الثوري، قال: بينما أسماء بن خارجة الفزاري ذات ليلة جالس في منزله على سطح ومعه نساؤه إذ سمع في جوف الليل نادبة تندب، وهي تقول: من الهزج

أسود بن أصرم المحاربي

ألا فابك على السي ... د لما تعش نيرانه ولما يطل العهد ... ولما تبل أكفانه عظيم القدر والجف ... نة ما تخمد نيرانه قال: فاستوى أسماء بن خارجة جالساً، وقد اشتد جزعه، وهو يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ". يا غلام يا غلام؛ فأتاه جماعة من غلمانه فوقفوا قريباً منه حيث يسمعون كلامه، فقال لأحدهم: يا فلان، إنه قد حدث الليلة في بعض أشرافنا حدث، فانطلق إلى منزل عكرمة بن ربعي التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب الغلام ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ قال: فاذهب إلى منزل عبد الملك بن عبيد التميمي، فانظر هل طرقهم شيء؟ فذهب ثم عاد فقال: ما طرقهم إلا خير؛ ثم لم يزل يبعث إلى منازل أشراف الكوفة رجلاً رجلاً ممن يقرب جواره فيسأل عنهم، إذ قال له بعض جيرانه: أصلحك الله، ليس الأمر كما تظن؛ قال فما هذه النادبة؟ قال: هذه ابنة فلان البقال توفي أبوها فهي تندبه!. فقال أسماء: سبحان الله، ما رأيت كالليلة قط؛ ثم أقبل على نسائه، فقال: عزمت على كل واحدة منكن إن حدث بي حدث أن تندبني نادبة بعد ليلتي هذه أبداً. قال خليفة بن خياط: وفيها يعني سنة ست وستين مات أسماء بن خارجة، وهو ابن ثمانين سنة. أسود بن أصرم المحاربي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى عنه حديثاً، وقدم الشام، وسكن داريا. قال سليمان بن حبيب المحاربي: قدم أسود بن أصرم بإبل له سمان المدينة في زمن محل وجدب من الأرض، فلما رآها أهل المدينة عجبوا من سمانتها، فذكرت

أسود بن بلال المحاربي

لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى بها، فخرج إليها، فنظر إليها، قال: " لمن جلبت إبلك هذه؟ " قال: أردت بها خادماً: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عنده خادم؟ " فقال عثمان بن عفان: عندي يا رسول الله، قال: " فأت بها "؛ قال: فجاء بها عثمان، فلما رآها أسود قال: مثلها أريد؛ فقال: " خذها يا أسود " وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبله، فقال أسود: يا رسول الله أوصني؛ قال: " هل تملك لسانك؟ " قال: فماذا أملك إذا لم أملكه؟ ؛ قال: " تملك يدك؟ " قال: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " فلا تقولن بلسانك إلا معروفاً، ولا تبسط يدك إلا إلى خير ". قال عبد الجبار بن محمد بن مهنا الخولاني في تاريخ داريا: ذكر أصرم بن أسود المحاربي، والدليل على نزوله داريا قطائع له بها معروفة به إلى اليوم. أسود بن بلال المحاربي الداراني ولي الباب والأبواب عن أبي الجماهر، قال: كنت بالباب والأبواب، وعليها الأسود بن بلال المحاربي، فأصاب الناس فزع من عدو، فصعد المنبر، فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ: " أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون "، قال: فصعق فخر عن المنبر. قال أبو القاسم: قال لي ابن أبي الحواري: أحب أن تجيء معي إلى أبي الجماهر حتى أسمع منه هذا الحديث؛ قال: فجئت معه حتى سمعه منه عند باب الساعات. قال: والأسود بن بلال من ساكني داريا، ذكره عبد الرحمن بن إبراهيم في الطبقة الخامسة من التابعين.

أسود بن قطبة أبو مفرز التميمي

عن غير واحد، أن سبب ولاية هشام بن عبد الملك الأسود بن بلال غازية البحر أن والي دمشق ولى الأسود بن بلال مدينة بيروت من ساحل دمشق لمكان أم الأسود عند سليمان بن حبيب القاضي، فأغارت الروم على سفن من التجار مرسية بنهر بيروت، فذهبت بها ومرت بها على باب ميناء بيروت، وأهلها ممسكون بأيديهم هيبة لهم، فصاح الأسود بهم وركب قوارب فيها، حتى استنقذ تلك المراكب وقتل منهم، وكتب إلى هشام، فكتب هشام إلى الأسود بولايته على البحر، فلم يزل يحمد حزمه وعزمه وصنع الله له حتى توفي هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل، وولي يزيد بن الوليد، فعزله وولاه الأردن، وولى غازية البحر المغيرة بن عمير. قال الليث: وفيها يعني سنة عشرين غزا الأسود بن بلال على الجماعة، وفي سنة إحدى وعشرين غزا حفص بن الوليد البحر، وكان بالساحل حتى قفل منه، والأسود بن بلال على الجماعة فلم يخرجوا، وفي سنة اثنتين وعشرين ومئة غزا حفص بن الوليد البحر على أهل مصر، وعلى الجماعة أسود بن بلال فضلوا من إسكندرية فأصابوا إقريطش فبلغوا الجمع فهزمهم الله، ووطنوا إقريطش وأصابوا منها رقيقاً. وفيها يعني سنة خمس وعشرين ومئة غزا الأسود بن بلال البحر وعلى أهل مصر عياش بن عقبة، غزوا إلى قبرس فأجلوها إلى الشام. قال ابن بكير: أمر يعني الوليد بن يزيد على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرس فيخيرهم فإن أحبوا ساروا إلى الشام، وإن شاؤوا ساروا إلى الروم، فاختار طائفة منهم جوار المسلمين، فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض الروم فانتقلوا إليها. أسود بن قطبة أبو مفرز التميمي شاعر مشهور، شهد اليرموك والقادسية، وغيرهما من المشاهد، وقال في ذلك أشعاراً يعد بلاءه وبلاء قومه. قال في يوم اليرموك ثم شهد القادسية: من الطويل قد علمت عمرو وزيد بأننا ... نحل إذا خاف العشائر بالسهل نجوب بلاد الأرض غير أذلةٍ ... بها عرض ما بين الفرات إلى الرمل أقمنا على اليرموك حتى تجمعت ... جلابب روم في كتائبها العضل نرى حين نغشاهم خيولاً ومعشراً ... وأسلحة ما تستفيق من القتل شفاني الذي لاقى هرقل فرده ... على رغمه بين الكتائب والرجل قتلناهم حتى شفينا نفوسنا ... من القادة الأولى الرؤوس ومن حمل نعاورهم قتلاً بكل مهندٍ ... ونطلبهم بالذحل ذحلاً على ذحل وقال أبو مفرز التميمي أيضاً: من الطويل ألم تعلمي والعلم شاف وكافي ... وليس الذي يهدي كآخر لا يهدي بأنا على اليرموك غير أشابةٍ ... غداة هرقل في كتائبه يردي وأن بني عمرو مطاعين في الوغى ... مطاعيم في اللأواء أنصبة الجهد وكم فيهم من سيد ذي توسع ... وحمال أعباء وذي نائل قهد ومن ماجد لا يدرك الناس فضله ... إذا عدت الأحساب كالجبل الشد

وقال أيضاً: من الطويل وكم قد أغرنا غارة بعد غارة ... ويوماً ويوماً قد كشفنا أهوله ولولا رجال كان حشو غنيمة ... له أما قط رجت عليهم أوائله كفيناهم اليرموك لما تضايقت ... بمن حل باليرموك منه حمائله فلا تعدمن منا هرقل كتائباً ... إذا رامها رام الذي لا يحاوله وقال أبو مفرز في بهرسير: من الوافر زعمتم أننا لكم قطين ... وقول العجز يخلطه الفجور كذبتم ليس ذلكم كذاكم ... ولكنا رحى بكم تدور ولو رامت جموعكم بلادي ... إذا كرت رحانا تستدير فللنا حدكم بلوى قديس ... ولم يسلم هنالك بهرسير فتحت البهرسير بإذن ربي ... وأعدتني على ذاك الأمور وقد عضوا الشفاه ليهلكونا ... ودون القوم مهواة جرور فطاروا قضة ولهم زفير ... إلى دار وليس بها نصير وقال أبو مفرز: من الطويل تولى بنو كسرى وغاب نصيرهم ... على بهرسيرا واستهد نصيرها غداة تولت عن ملوك بنصرها ... لدى غمرات لا يبل بصيرها مضى يزدجرد ابن الأكاسر سادماً ... وأدبر عنه بالمدائن خيرها فيا فوحة بالأخشبين لأهلها ... ويثرب إذ جاء الأمير بشيرها ويا قرحة ما تبرحن عدونا ... إذا جاءهم ما قد أسر خبيرها فأبلغ أبا حفص هديت وقل له ... فأبشر بنصر الله، أنت أميرها

أسود بن قبيس بن معدي كرب

وقال أبو مفرز: من الطويل أبلغ أبا حفص بأني محافظ ... على الحرب والأيام فيها فتوقها أحطت بطورات الكتيبة إنها ... أعدت لفخر يوم ساحت عروقها حططت عليك القوم من رأس شاهقٍ ... وقد كان أعيا قبل ذلك نيقها وحيث دفعنا بهرسير بمنطق ... من القول لم يعبأ بضاعت حقوقها وقلدت كسرى خيل موت فلم تزل ... مرازبه عنه وفيها عقوقها حللت نظام القوم لما تحمسوا ... قطعت نفوس القوم واعتاط ريقها وأعجبني منهم هنالك أنهم ... على قنن منها وقد ضاق ضيقها قال الدارقطني: أبو مفرز الأسود بن قطبة، شهد الفتوح، فتح القادسية فما بعدها، له أشعار كثيرة، وهو رسول سعد بن أبي وقاص بسبي جلولاء إلى عمر بن الخطاب، وهو شاعر المسلمين في تلك الأيام. وقال أيضاً: قال أبو مفزر بعد فتح الحيرة: من الطويل ألا أبلغا عنا الخليفة أننا ... غلبنا على نصف السواد الأكاسرا في شعر كثير قاله، وكان مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، في فتوحه. أسود بن قبيس بن معدي كرب ابن عبد كلال الحميري عن عبد الله بن يزيد بن غنيم، أنه سمع الأسود بن قبيس بن معدي كرب وكان على زمام خراج الأرض لعمر بن عبد العزيز قال: فسألني عني شيء فقلت: برئت من الإسلام إن كنت فعلت؛ فقال عمر: إلى أي دين ترجع؟ كدت أن تغرنا من عملنا، إلحق بأهلك.

أسود بن مروان المقدي البلقاوي

أسود بن مروان المقدي البلقاوي من أهل حصن مقدية من عمل أذرعات من دمشق. روى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ". وكان ثقة. أسود بن المغراء بن شراحيل ابن الأرقم بن الأسود شهد اليرموك نصرانياً، وقاتل بقوم قومه، ثم أسلم بعد ذلك بمن معه. أسيد بن الحضير بن سماك ابن عتيك بن رافع بن امرئ القيس، ويقال: ابن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت، بن مالك بن الأوس بن حارثة وهو العنقاء ابن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، واسمه عمر بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو يحيى، ويقال: أبو عتيك ويقال: أبو الحضير ويقال: أبو عيسى ويقال: أبو عمرو، الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، النقيب حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد معه العقبة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، فيما ذكره الواقدي في فتوح الشام، وذكر أن عمر جعله على ربع الأنصار، وشهد معه فتح بيت

المقدس، ثم خرج معه خرجته الثانية التي رجع فيها من سرغ أميراً على الأنصار. روى أن رجلاً من الأنصار تخلى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ". وعن ابن شفيع وكان طبيباً قال: دعاني أسيد بن حضير فقطعت له عرق النسا، فحدثني بحديثين: قال: أتاني أهل بيتين من قومي، من أهل بيت من بني ظفر، وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلم رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنا أو يعطينا، أو نحواً من هذا؛ فكلمته فقال: " نعم أقسم لأهل كل بين منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليهم " قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله؛ قال: " وأنتم فجزاكم الله خيراً، فإنكم ما علمتكم أعفة صبر ". قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فلما كان عمر بن الخطاب قسم حللاً بين الناس، فبعث إلي منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينما أنا أصلي إذ مر بي شاب من شباب قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فقلت: صدق الله ورسوله، فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء فقال: صل يا أسيد؛ فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته، فقال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدري أحدي عقبي فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني! قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذاك لا يكون في زمانك. عن عائشة، قالت: قدمنا من حج أو عمرة، فتلقينا بذي الحليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي؛ فقلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولك من المسابقة والقدم مالك، وأنت تبكي على

امرأة؛ قال: فكشف رأسه، وقال: صدقت لعمري، ليحق أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ، وقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال؛ قالت: قلت: وما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ "، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أسيد، قال: بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتحدث وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خاصرته، فقال: أصبرني فقال: " اصطبر؟ " قال: إنك عليك قميص ولم يكن علي قميص؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله. عن مالك، قال: كان أسيد بن الحضير أحد النقباء، وكانت الأنصار بينهم اثنا عشر نقيباً، وكانوا سبعين رجلاً؛ قال مالك: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام وعلى جميع الملائكة كان يشير له إلى أن يجعله نقيباً؛ قال مالك بن أنس: كنت أعجب كيف جاء من كل قبيلة رجلان، ومن قبيلة رجل حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير إليهم يوم البيعة يوم العقبة. قال مالك: عدة النقباء اثنا عشر رجلاً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وعن عبد الله بن أبي سفيان: ولقيه أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكنني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقت ". قل محمد بن سعد: وكان لأسيد من الولد: يحيى، وأمه من كندة، توفي وليس له عقب؛ وكان أبو

حضير الكتائب شريفاً في الجاهلية، وكان رئيس الأوس يوم بعاث، وهي آخر وقعة بين الأوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقتل يومئذ حضير الكتائب؛ وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة. ولحضير الكتائب يقول خفاف بن ندبة السلمي: من الطويل لو أن المنايا حدن عن ذي مهابةٍ ... لهبن حضيراً يوم غلق واقما يطوف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه مقعداً متناعما قال: وواقم أطم حضير الكتائب، وكان في بني الأشهل، وكان أسيد بن الحضير بعد أبيه شريفاً في قومه، في الجاهلية وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً، وكان يحسن العوم والرمي، وكان يسمى من كانت هذه الخصال فيه: الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد، وكان أبوه حضير الكتائب يعرف بذلك أيضاً ويسمى به. عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. قال يحيى بن بكير: مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع وصلى عليه. وعن ابن حازم وابن معيقب، قالا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعب بن عمير مع النفر الإثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، وكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، فخرج يوماً أسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل، فدخل به

حائطاً من حوائط بني ظفر وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل، وكانا ابنا عم يقال لها: بئر مرق، فسمع بهما سعد بن معاذ وكان ابن خالة أسعد بن زرارة فقال لأسيد بن حضير: آئت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه يسفه سفهاءنا وضعفاءنا، فإنه لولا ما بيني وبينه من القرابة لكفيتك ذلك؛ فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى أتاهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا والله سيد قومه قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسناً؛ فقال: إن يقعد أكلمه؛ فوقف عليهما متشتماً، فقال: يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا؟ فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال: قد أنصفتم. ثم ركز الحربة وجلس، فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ فوالله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! فكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قال: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتصلي ركعتين؛ ففعل، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً من قومي إن تابعكما لم يخالفكما أحد بعده، ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ؛ فلما رآه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به ممن عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: فماذا صنعت؟ قال: قد ازدجرتهما، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك فيه لأنه ابن خالته فقام إليه سعد مغضباً، فأخذ الحربة من يده، وقال: والله ما أراك أغنيت شيئاً؛ فخرج. فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما، قال لمصعب: هذا والله سيد من وراءه من قومه، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه، فاصدق الله فيه؛ فقال مصعب بن عمير: إن يسمع مني أكلمه. فلما وقف عليهما قال: يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره وهو متشتم أما

والله إنه لولا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني؛ فقالا له: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته أعفيت مما تكره؟ قال: أنصفتما بي؛ ثم ركز الحربة وجلس. فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ قال: فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم لتسهل وجهه؛ ثم قال: وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتركع ركعتين؛ فقام ففعل، ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه. فلما رآه رجال بني عبد الأشهل قالوا: نقسم بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، أي رجل تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا أفضلنا، أيمننا نقيبةً، وأفضلنا فينا رأياً؛ قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتصدقوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم. وعن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ". وعن أنس: أن أسيد بن حضير ورجلاً آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترق بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحدٍ منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.

وعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن المحيض " إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا يجامعوهن، فتغير وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننت أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. عن عائشة، أنها قالت: كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون في حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك، حين أقرأ القرآن وحين أسمعه؛ وإذا سمعت خطبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإذا شهدت جنازة، فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه. وعن أسيد بن حضير وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن قال: قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني وهو غلام، فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء، فهالني، فسكت؛ فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " اقرأ أبا يحيى " فقلت: قد قرأت فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا ابن حضير " فقلت قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالني؛ فقال: " تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم ".

أسيد ويقال أسيد

عن أبي قتادة، قال: انتهينا إليهم يعني بني قريظة فلما رأونا أيقنوا بالشر، وغرز علي الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه؛ قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم؛ وطلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه علي رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذاهم وشتمهم، فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء الله، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في حجر؛ قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج؛ وخاروا؛ فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل. وعن بشر بن يسار أن أسيد بن الحضير كان يؤم قومه، واشتكى، فصلى بهم قاعداً، فصلوا وراءه قعوداً. وعن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه؛ فقال عمر: أترك بني أخي عالة! فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم. توفي سنة عشرين وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع. أُسيد ويقال أَسيد شيخ من بني كلاب، من أصحاب مكحول. حدث بدمشق عن العلاء بن الزبير الكلابي، عن أبيه، قال: رأيت غلبة فارس

أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي الفلسطيني

الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة. أَسيد بن عبد الرحمن الخثعمي الفلسطيني سمع وأسمع؛ واجتاز بناحية دمشق في مضيه إلى دابق روى عن خالد بن دريك، عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: نعم، أحدثك حديثاً جيداً؛ تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة، فقال: يا رسول الله، أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ". وعن فروة بن مجاهد النخعي، عن عقبة بن عامر الجمحي، قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا عقبة، صل من قطعك، واعط من حرمك، واعف عمن ظلمك ". قال: ثم لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك سوراً ما أنزل الله في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن؟ لا يأتي عليك ليلة إلا قرأتهن فيها: " قل هو الله أحد " و" قل أعوذ برب الفلق " و" قل أعوذ برب الناس ". قال عقبة: فما أتت علي ليلة منذ أمرني بهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قرأتهن، وحق لي ألا أدعهن وقد أمرني بهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عن العلاء بن زياد، قال: إنكم في زمان أقلكم الذي ذهب عشر دينه، وسيأتي زمان أقلكم الذي يبقى عشر دينه. قال يعقوب بن سفيان: شامي ثقة. وعن ضمرة قال: توفي بالرملة سنة أربع وأربعين ومئة، قال: ورأيته يصفر لحيته

أشجع بن عمرو

أشجع بن عمرو أبو الوليد، وقيل: أبو عمرو، السلمي شاعر من ولد الشريد بن مطرود، مشهور، ولد باليمامة، ونشأ بالبصرة، وتأدب بها وقال الشعر، ثم قصد الرشيد بالرقة، وامتدحه، ومدح البرامكة، واختص بجعفر بن يحيى، وخرج معه إلى دمشق حين ندبه الرشيد للإصلاح بين أهلها. عن داود بن مهلهل، قال: لما خرج جعفر بن يحيى ليصلح أمر الشام، نزل في مضربه، وأمر بإطعام الناس فقام أشجع فأنشده: من الكامل فئتان باغية وطاغية ... جلت أمورهما عن الخطب قد جاءكم بالخيل شازبة ... ينقلن نحوكم رحى الحرب لم يبق إلا أن تدور بكم ... قد قام هاديها على القطب قال: فأمر له بصلة ليست بالسنية، وقال له: دائم القليل خير من منقطع الكثير؛ فقال له: ونزر الوزير أكثر من جزيل غيره؛ فأمر له بمثلها. قال: وكان جعفر يجري عليه في كل جمعة مئة دينار مدة مقامه ببابه. حدث أشجع السلمي، قال: أذن لنا المهدي وللشعراء في الدخول عليه، فدخلنا، فأمرنا بالجلوس، فاتفق أن جلس إلى جنبي بشار، وسكت المهدي وسكت الناس، فسمع بشار حساً، فقال لي: يا أشجع، من هذا؟ فقلت: أبو العتاهية؛ قال: فقال لي: أتراه ينشد في هذا المحفل؟ فقلت: أحسب سيفعل. قال: فأمره المهدي أن ينشد، فأنشد: من المتقارب

ألا ما لسيدتي مالها ... أدلاً فأحمل إدلالها قال: فنخسني بمرفقه فقال: ويحك، رأيت أجسر من هذا، ينشد مثل هذا الشعر في هذا الموضع؟ حتى بلغ إلى هذا الموضع: أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها ولو رامها أحد غيره ... لزلزت الأرض أثقالها ولو لم تطعه بنات النفو ... س لما قبل الله أعمالها قال: فقال بشار: انظر ويحك يا أشجع، هل طار الخليفة عن فرشه؟ قال: لا: والله ما انصرف أحد من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية. وعن أحمد بن سيار الجرجاني وكان شاعراً راوية مداحاً ليزيد بن مزيد قال: دخلت أنا وأبو محمد التيمي، وأشجع بن عمرو، وابن رزين الخزاعي، على الرشيد بالقصر الأبيض بالرقة، وكان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة، فتخللنا الدم حتى وصلنا إليه، فتقدم التيمي فأنشده أرجوزة يذكر فيها نقفور ووقعة الرشيد بالروم، فنثر عليه الدر من جودة شعره؛ ونشده أشجع: من الكامل قصر عليه تحية وسلام ... ألقت عليها جمالها الأيام قصر سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام يثني على أيامك الإسلام ... والشاهدان: الحل والإحرام وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام القصيدة، قال: وأنشده: من الكامل زمن بأعلى الرقتين قصير

يقول فيها لا تبعد الأيام إذ ورق الصبا ... خضل وإذ غصن الشباب نضير قال: فأعجب بها، وبعث إلي الفضل بن الربيع ليلاً، فقال: أني أشتهي أن أنشد قصيدتك الجواري، فابعث بها إلي؛ فبعث بها إليه. قال أبو العباس: وركب الرشيد يوماً في قبة، وسعيد بن سالم عديله، فدعا محمداً الرواية يعرف بالبيذق لقصره وكان إنشاده أشد طرباً من الغناء، فقال له: أنشدني قصيدة الجرجاني التي مدحني بها، فأنشده؛ فقال الرشيد: الشعر في ربيعة سائر اليوم؛ فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، أستنشده قصيدة أشجع التي مدحك بها: الشعر في ربيعة سائر اليوم فهم يزل به سعيد حتى استنشده، فأنشده فلما بلغ قوله: وعلى عدوك يا ابن عم محمد ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام فقال له سعيد: والله لو خرس يا أمير المؤمنين بعد هذين البيتين كان أشعر الناس. قال الصولي: من أجمع ما في هذا المعنى وأحسنه، ما قاله أشجع السلمي لعثمان بن نهيك، حدثني به يحيى بن البحتري، عن أبيه، في خبر لأبيه مع الفتح: من الخفيف كم تغضبت بالجهالة مني ... بعد ملك الرضا على عثمان ملك يا عمر الخليقة تطري ... هـ بكل المديح كل لسان وإذا جئته تبين لك الإك ... رام منه في أوجه الغلمان فامتحنت الأيام جهدي حتى ... ردني صاغراً إليه امتحاني وأراني زماني الغض من جدوا ... هـ ادعاء السرور خير زمان فتلقى بالفضل سيء فعلي ... وذنوبي بالعفو والإحسان وعن مساور بن لاحق وكان أحد الكتاب الحذاق قال: اعتل يحيى بن خالد

ثم صلح، فدخل إليه الناس يهنئونه بالعافية فدخل عليه أشجع السلمي فأنشده: من الوافر لقد قرعت شكاة أبي علي ... صفاة معاشر كانوا صحاحا فإن يدفع لنا الرحمن عنه ... صروف الدهر والأجل المتاحا فقد أمسى صلاح أبي علي ... لأهل الأرض كلهم صلاحا إذا ما الموت أخطأه فلسنا ... نبالي الموت حيث غدا وراحا وكتب أشجع بن عمرو السلمي إلى الرشيد في يوم عيد: من البسيط لا زلت تنشر أعياداً وتطويها ... تمضي بهالك أيام وتثنيها مستقبلاً جدة الدنيا وبهجتها ... أيامها لك نظم في لياليها والعيد والعيد والأيام بينهما ... موصولة لك لا تفني وتفنيها ولا تقضت بك الدنيا ولا برحت ... يطوي لك الدهر أياماً وتطويها وله يمدح جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي: من المتقارب أتصبر يا قلب أم تجزع ... فإن الديار غداً بلقع غدا يتفرق أهل الهوى ... ويكثر باك ومسترجع وتختلف الدار بالظاعني ... ن وجوهاً تشذ ولا تجمع وتمضي الطلول ويبقى الهوى ... ويصنع ذو الشوق ما يصنع فها أنت تبكي وهم جيرة ... فكيف يكون إذا ودعوا وراحت بهم أو غدت أينق ... تخب على الأين أو توضع أيطمع في العيش بعد الفرا ... ق محب لعمرك ما يطمع هنالك يقطع من يشتهي ال ... وصال ويوصل من يقطع لعمري لقد قلت يوم الفرا ... ق وأسمعت صوتك من يسمع فما عروا حين ناديتهم ... وقد قتلوك وما ودعوا

فإن تصبح الأرض عريانة ... يهب بها الشمال الزعزع فقد كان ساكنها ناعماً ... له محضر وله مربع ومغترب ينقضي ليله ... هموماً ومقلته تهمع يؤرقه ما به من الفؤا ... د فما يستقر به مضجع ألا إن بالغور له حاجة ... تؤرق عيني فما تهجع إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع يجاذبه بالحجاز الهوى ... إذا اشتملت فوقه الأضلع ولا يستطيع الفتى ستره ... إذا جعلت عينه تدمع لقد زادني طرباً بالفرا ... ق بوارق غورية تلمع إذا قلت: قد هدأت عارضت ... بأبيض ذي رونق يسطع ودوية بين أقطارها ... مفاوز أرضين لا تقطع تضل القطا بين أرجائها ... إذا ما تسدي الفتى المصقع تخطيتها بين عيرانة ... من الريح في مرها أسرع إلى جعفر نزعت همتي ... فأي فتى نحوه تنزع إذا وضعت رحلها عنده ... تضمنها البلد الممرع وما لامرئ دونه مطلب ... وما لامرئ دونه مقنع رأيت الملوك تغض الجفو ... ن إذا ما بدا الملك الأتلع يفوت الرجال بحسن القوا ... م ويقصر عن شأوه المسرع إذا رفعت كفه معسراً ... أبي الفضل والعز أن يوضعوا فما يرفع الناس من حطه ... ولا يضع الناس من يرفع يريد الملوك مدى جعفر ... وهم يجمعون ولا يجمع وكيف ينالون غاياته ... وما يصنعون كما يصنع؟ وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفه أوسع هو الملك المرتجى ألذي ... يضيق بأمثالها الأذرع يلوذ الملوك بأركانه ... إذا نابها الحدث المفظع بديهته مثل تفكيره ... إذا رمته فهو مستجمع

أشعث بن عمر

إذا هم بالأمر لم يثنه ... هجوع ولا شادن أفرع فللجود في كفه مطلب ... وللسر في صدره موضع شديد العقاب على عفوه ... إذا السوء ضمنه الأخدع وكم قائل إذ رأى همتي ... وما في فضول الغنى أصنع غدا في ظلال ندى جعفر ... يجر ثياب الغنى أشجع كأن أبا الفضل بدر الدجى ... لعشر خلت بعدها أربع لفرقته التأمت بابل ... وأشرق إذ أمه المطلع فقل لخراسان تغشى الطري ... ق فقد جاءها الحكم المقنع ولا تركب الميل عند امرئٍ ... فتصرف عن عب ما تصنع فقد حبرت يا بن يحيى البلاد ... وكل إلى ملكه أنزع وله: من الخفيف أنت في غمرة المارة أعمى ... فإذا ما انجلت فأنت بصير لا تقولن ليتني كنت قدم ... ت جميلاً وقد طوتك الأمور وله: من الهزج هي الشمس التي تطل ... ع بين الثغر والعقد كأن الشمس لما ط ... لعت في ثوبها الوردي تباهي الغرة البيضا ... ء تحت الشعر الجعد أشعث بن عمر ويقال: ابن عمرو ويقال: ابن عثمان التميمي الحنظلي البصري قدم على عمر بن عبد العزيز، وروى عنه قوله. روى أنه أتى عمر بن عبد العزيز بالشام حين استخلف؛ قال: فكلمته، قلت:

أشعث بن قيس

اسقني سقاك الله؛ قال: أين؟ قلت: بالخرنق؛ قال: وما الخرنق؟ قلت: غائط بالشجي لا يطأه طريق؛ قال: لك الويل، ما تصنع بغائط لا يطأه طريق؟ قلت: أنا رجل صاحب سائمة أريد الفلاة؛ قال: بنى بالغائط أحد قبلك أثراً؟ قلت: نعم، حفر عبد الله بن عامر بها ركية؛ قال: كم صوبها؟ قلت: خمسون ذراعاً أو خمسون قامة؛ قال: كم هي من البصرة؟ قلت: مسيرة ثلاث ليال. فكتب إلى عدي بن أرطاة: أتاني رجل من بني تميم فاستحفرني بالخرنق وزعم أنها منك مسيرة ثلاث ليال فإذا أتاك فأحفره وأحفر من جاءك من أسود وأبيض، واشترط: ابن السبيل أول ريان، وأن حريمها طول رشائها. أشعث بن قيس أبو محمد الكندي له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث يسيرة، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه به، وسكن الكوفة، وشهد الحكمين بدومة الجندل. عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: من حلف على يمين يستحق بها مالاً، وهو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان، ثم أنزل الله عز وجل تصديق ذلك: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ". فقال أشعث بن قيس: في نزلت، كان بيني وبين رجل خصومة، فاختصمنا إلى

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " شاهداك أو يمينه " فقلت: إنه يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين يستحق بها مالاً، وهو فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان ". فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك؛ ثم قرأ هذه الآية: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً " إلى آخر الآية. قال خليفة بن خياط: الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن ثور، وهو كندة بن عفير؛ أمه كبشة بنت يزيد من ولد الحارث بن عمرو بن معاوية؛ يكنى أبا محمد؛ مات في آخر سنة أربعين بعد قتل علي عليه السلام قليلاً. وقال ابن سعد: وكان اسم الأشعث معدي كرب، وكان أبداً أشعث الرأس، فسمي الأشعث؛ ووفد الأشعث بن قيس على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعين رجلاً من كندة، وكل اسم في كندة وفد بوفادته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأشعث. وقال أبو بكر الخطيب: ويعد فيمن نزل الكوفة من الصحابة، وله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواية، وقد شهد مع سعد بن أبي وقاص قتال الفرس بالعراق، وكان على راية كندة يوم صفين مع علي بن أبي طالب، وحضر قتال الخوارج بالنهروان، وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات في الوقت الذي صالح فيه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليه الحسن. قال القحذمي: تزوج قيس بن معدي كرب بنت الحارث بن عمرو آكل المرار، فولدت له الأشعث بن قيس، فقال أبو هانئ الكندي: من الوافر بنات الحارث الملك بن عمرو ... تخيرها فتنكح في ذراها لها الويلات إذ أنكحتموها ... ألا طعنت بمديتها حشاها وقد نبئتها ولدت غلاماً ... فلا عاش الغلام ولا هناها فأجابه أبو قساس الكندي: من الوافر

ألا أبلغ لديك أبا هني ... ألا تنهى لسانك عن رداها فقد طالبت هذا قبل قيس ... لتنحكها فلم تك من هواها فطافت في المناهل تبتغيها ... فلاقت منهلاً عذباً شفاها شديد الساعدين أخا حروب ... إذا ما سيل منقصة أباها وما أحيت مطيته إليها ... ولا من فوق ذروتها أتاها قال القحذمي: وآل الأشعث ينشدون هذا الشعر ولا ينكرونه؛ قال: والأشراف لا يبالون أن يكون أخوالهم أشرف من أعمامهم. قال القاضي المعافى بن زكريا الجريري: قوله في هذا الشعر: ألا تنهى لسانك عن رداها؛ أنث اللسان، وذكر أهل العلم بالعربية أن العرب تذكر اللسان وتؤنثه؛ وقيل: من أنثه أراد به اللغة والرسالة، كقول الشاعر: من البسيط إذا أتتني لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر وعن الزهري، قال: قدم الأشعث بن قيس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بضعة عشر راكباً من كندة، فدخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده، وقد رجلوا جممهم واكتحلوا، وعليهم جباب الحبرة قد كفوها بالحرير، وعليهم الديباج ظاهر مخوص بالذهب، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألم تسلموا؟ " قالوا: بلى؛ قال: " فما بال هذا عليكم؟ " فألقوه، فلما أرادوا الرجوع إلى بلادهم أجازهم بعشر أواق عشر أواق، وأعطى الأشعث اثنتي عشرة أوقية. عن خيثمة، قال: بشر الأشعث بن قيس بغلام وهو عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما والله لوددت أن لكم به قصعة من خبز ولحم! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لئن قلت ذاك إنها لمحزنة مجبنة، وإنها لثمرة القلوب وقرة العين ". عن ابن إسحاق، قال: وكان من حديث كندة حين ارتدت، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كان بعث إليهم رجلاً من الأنصار يقال له: زياد بن لبيد، وكان عقبيا بدرياً، أميراً على حضرموت، فكان فيهم حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطيعونه ويؤدون إليه صدقاتهم لا ينازعونه، فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغهم انتقاض من انتقض من العرب ارتدوا وانتقضوا بزياد بن لبيد. وكان سبب انتقاضهم به أن زياداً أخذ فيما يأخذ من الصدقة قلوصاً لغلام من كندة، وكانت كوماء خيار إبله، فلما أخذها زياد فعقلها في إبل الصدقة ووسمها جزع الغلام من ذلك فخرج يصيح إلى حارثة بن سراقة بن معدي كرب، فقال: أخذت الفلانية في إبل الصدقة فأنشدك الله والرحم فإنها أكرم إبلي علي، فخرج معه حارثة حتى أتى زياداً فطلب إليه أن يردها عليه ويأخذ مكانها بعيراً، فأبى عليه زياد، وكان رجلاً صلباً مسلماً، وخشي أن يروا ذلك منه ضعفاً وخوراً للحديث الذي كان، فقال: ما كنت لأردها وقد وسمتها في إبل الصدقة، ووقع عليها حق الله عز وجل؛ فراجعه حارثة فأبى، فلما رأى ذلك حارثة قام إلى القلوص فحل عقالها ثم ضرب وجهها، فقال: دونك وقلوصك لصاحبها وهو يرتجز ويقول: من الرجز يمنعها شيخ بخديه الشيب ... قد لمع الوجه كتلميع الثوب اليوم لا أخلط بالعلم الريب ... وليس في منعي حريمي من عيب وقال حارثة بن سراقة الكندي: من الطويل أطعنا رسول الله ما دام وسطنا ... فيال عباد الله ما لأبي بكر أيأخذها قسراً ولا عهد عنده ... يملكه فينا وفيكم عرى الأمر فلم يك يهديها إليه بلا هدى ... وقد مات مولاها النبي ولا عذر فنحن بأن نختارها وفصالها ... أحق وأولى بالإمارة في الدهر إذا لم يكن من ربنا أو نبينا ... فذو الوفد أولى بالقضية في الوفر أيجري على أموالنا الناس حكمهم ... بغير رضى إلا التسنم بالقسر

بغير رضى منا ونحن جماعة ... شهوداً كأنا غائبين عن الأمر فتلك إذا كانت من الله زلفة ... ومن غيره إحدى القواصم للظهر فأجابه زياد بن لبيد: من الطويل سيعلم أقوام أطاعوا نبيهم ... بأن عدي القوم ليس بذي قدر أذاعت عن القوم الأصاغر لعنةٌ ... قلوب رجال في الحلوق من الصدر ودنوا لعقباه إذا هي صرمت ... هواديه الأولى على حين لا عذر فإن عصا الإسلام قد رضيت به ... جماعته الأولى برأي أبي بكر فإن كنتم منهم فطوعاً لأمره ... وإلا فأنتم من مخافته صعر فنحن لكم حتى نقيم صعوركم ... بأسيافنا الأولى وبالذيل السمر رويدكم إن السيوف التي بها ... ضربناكم بدءاً بأيماننا تبري أبعد التي بالأمس كنتم غويتم ... لها يبغون الغي من فرط الصغر وكان لهم في غير أسود عبرة ... وناهية عن مثلها آخر الدهر تلعب فيكم بالنساء ابن عبه ... وبالقوم حتى نالهن بلا مهر فإن تسلموا فالسلم خير بقية ... وإن تكفروا تستوبلوا غبة الكفر فتفرقت الناس عند ذلك طائفتين، فصارت طائفة مع حارثة بن سراقة قد ارتدوا عن الإسلام، وطائفة مع زياد بن لبيد؛ فلما رأى ذلك زياد قال لهم: نقضتم العهد وكفرتم، فأحللتم بأنفسكم واغتنمتم أولاها بعد عقباها؟ فقال حارثة: أما عهد بيننا وبين صاحبك هذا الأحدث فقد نقضناها، وإن أبيت إلا الأخرى أصبتنا على رجل، فاقض ما أنت قاض. فتنحى زياد فيمن اتبعه من كندة وغيرهم قريباً، وكتب إلى المهاجر أن يمده، وأخبره خبر القوم؛ فخرج المهاجر إليه، وسمع الأشعث بن قيس صارخاً من أعلى حصنهم في شطر من الليل: من الرجز عشيرة تملك بالعشيرة ... في حائط يجمعها كالصيرة والمسلمون كالليوث الزيرة ... فيها أمير من بني المغيرة

فلما سمع الأشعث الصارخ إلى ما قد رأى من اختلاف أصحابه بادرهم فخرج من تحت ليل حتى أتى المهاجر وزياداً فسألهما أن يؤمناه على دمه وماله حتى يبلغاه أبا بكر فيرى فيه رأيه، ويفتح لهم باب الحصن، ففعلا، ويفتح لهم باب الحصن فيدخل المسلمون على أهل الحصن فاستنزلوهم فضربوا أعناقهم، واستاقوا أموالهم، واستبوا نساءهم، وكتبوا إلى أبي بكر بذلك، واستوثقوا من الأشعث حتى بعثوا به إلى أبي بكر في الحديد موثقاً، فقال له أبو بكر: كيف ترى صنيع الله بمن نقض عهده؟ فقال الأشعث: أرى أنه قد أخطأ حظه ونفس جده؛ فقال له أبو بكر: فما تأمرني فيك؟ قال: آمرك أن تمن علي فتفكني من الحديد، وتزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة؛ ففعل أبو بكر. فقال الأشعث حين زوجه أبو بكر: من الطويل لعمري وما عمري علي بهينٍ ... لقد كنت بالإخوان جد ضنين أحاذر أن تضرب هناك رؤوسهم ... وما الدهر عندي بعدها بأمين فليت جنون الناس تحت جنونهم ... ولم ترم أنثى بعدهم بجنين وكنت كذاب البو أنحت وأقبلت ... عليه بقلب والهٍ وحنين فأجابه مسلم بن صبيح السكوني: من الطويل جزى الأشعث الكندي بالغدر ربه ... جزاء مليم في الأمور ظنين أخا فجرة لا تستقال وغدرة ... لها أخوات مثلها ستكون فلا تأمنوه بعد غدرته بكم ... على مثلها فالمرء غير أمين وليس امرؤ باع الحياة بقومه ... أخا ثقةٍ أن يرتجى ويكون هدمت الذي قد كان قيس يشيده ... ويرضى من الأفعال ما هو دون وألبستنا ثوب المسبة بعدها ... فلا زلت محبوساً بمنزل هون أرى الأشعث الكندي أصبح بعدها ... هجيناً بها من دون كل هجين سيهلك مذموماً ويورث سبةً ... يبيت بها في الناس ذات قرون

وفي رواية ابن سعد: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل زياد بن لبيد على حضرموت، وقال له: " سر مع هؤلاء القوم يعني وفد كندة فقد استعملتك عليهم " فسار زياد معهم عاملاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حضرموت على صدقاتهم، الثمار والخف والماشية والكراع والعشور، وكتب له كتاباً، فكان لا يعدوه إلى غيره ولا يقبض دونه؛ فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر، كتب إلى زياد يقره على عمله ويأمره أن يبايع من قبله، ومن أبي وطئه بالسيف، ويستعين بمن أقبل على من أدبر، وبعث بكتابه إليه مع أبي هند البياضي، فلما أصبح زياد غدا بنعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس وأخذهم بالبيعة لأبي بكر وبالصدقة؛ فامتنع قوم من أن يعطوا الصدقة، وقال الأشعث بن قيس: إذا اجتمع الناس فما أنا إلا كائدهم؛ ونكص عن التقدم إلى البيعة، فقال له امرؤ القيس بن عابس الكندي: أنشدك الله يا أشعث، ووفادتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإسلامك أن تنقضه اليوم، والله ليقومن بهذا الأمر من بعده من يقتل من خالفه، فإياك إياك وأبق على نفسك، فإنك إن تقدمت تقدم الناس معك، وإن تأخرت افترقوا واختلفوا فأبى الأشعث وقال: قد رجعت العرب إلى ما كانت تعبد، ونحن أقصى العرب داراً من أبي بكر، أيبعث أبو بكر إلينا الجيوش؟ فقال امرؤ القيس: إي والله، وأخرى: لا يدعك عامل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترجع إلى الكفر؛ فقال الأشعث: من؟ قال: زياد بن لبيد؛ فتضاحك الأشعث وقال: أما يرضى زياد أن أجيره! فقال امرؤ القيس: سترى. ثم قام الأشعث فخرج من المسجد إلى منزله، وقد أظهر ما أظهر من الكلام القبيح من غير أن ينطق بالردة؛ ووقف يتربص وقال: تقف أموالنا بأيدينا ولا ندفعها ونكون من آخر الناس. قال: وبايع زياد لأبي بكر بعد الظهر إلى أن قامت صلاة العصر، فصلى بالناس العصر ثم انصرف إلى بيته، ثم غدا على الصدقة من الغد كما كان يفعل قبل ذلك، وهو أقوى ما كان نفساً وأشده لساناً، فمنعه حارثة بن سراقة بن معدي كرب العبدي أن يصدق غلاماً

منهم، وقام يحل عقال البكرة التي أخذت في الصدقة وجعل يقول: من الرجز يمنعها شيخ بخديه الشيب ... ملمع كما يلمع الثوب ماض على الريب إذا كان الريب فنهض زياد بن لبيد وصاح بأصحابه المسلمين، ودعاهم إلى النصرة لله ولكتابه، فانحازت طائفة من المسلمين إلى زياد، وجعل من ارتد ينحاز إلى حارثة، وكان زياد يقاتلهم النهار إلى الليل، فقاتلهم أياماً كثيرة، وضوى إلى الأشعث بن قيس بشر كثير، فتحصن بمن معه ممن هو على مثل رأيه، فحاصرهم زياد بن لبيد، وقذف الله الرعب في أيديهم، وجهدهم الحصار فقال الأشعث بن قيس: إلى متى نقيم في هذا الحصن قد غرثنا فيه وغرث عيالنا، وهذه البعوث تقدم عليكم ما لا قبل لنا به، والله للموت بالسيف أحسن من الموت بالجوع، ويؤخذ من قبة الرجل كما يصنع بالذرية؛ قالوا: وهل لنا قوة بالقوم، ارتأ لنا، فأنت سيدنا؛ قال: أنزل وآخذ لكم أماناً تأمنون به، قبل أن تدخل عليكم هذه الأمداد، ما لا قبل لنا به ولا يدان. قال: فجعل أهل الحصن يقولون للأشعث؛ افعل فخذ لنا الأمان، فإنه ليس أحد أحرى أن يقدر على ما قبل زياد منك؛ فأرسل الأشعث إلى زياد: أنزل فأكلمك وأنا آمن؟ قال زياد: نعم؛ فنزل الأشعث من النجير فخلا بزياد، فقال: يا ابن عم، قد كان هذا الأمر ولم يبارك لنا فيه، ولي قرابة ورحم، وإن وكلتني إلى صاحبك قتلني يعني المهاجر بن أبي أمية وإن أبا بكر يكره قتل مثلي، وقد جاءك كتاب أبي بكر ينهاك عن قتل الملوك من كندة، فأنا أحدهم، وإنما أطلب منك الأمان على أهلي ومالي؛ فقال زياد بن لبيد: لا أؤمنك أبداً على دمك وأنت كنت رأس الردة والذي نقض علينا كندة؛ فقال: أيها الرجل دع عنك ما مضى، واستقبل الأمور إذا أقبلت عليك، فتؤمن على دمي وأهلي ومالي حتى أقدم على أبي بكر فيرى في رأيه؛ فقال زياد: وماذا؟ قال: وأفتح لك النجير؛ فأمنه زياد على أهله ودمه وماله، وعلى أن يقدم به على أبي بكر فيرى فيه رأيه ويفتح له النجير.

قال محمد بن عمر الواقدي: وهذا أثبت عند أصحابنا من غيره. قال أبو مغيث: كنت فيمن حضر أهل النجير، فصالح الأشعث زياداً على أن يؤمن من أهل النجير سبعين رجلاً ففعل، فنزل سبعون ونزل معهم الأشعث، فكانوا أحداً وسبعين؛ فقال له زياد: أقتلك، لم يبق لك أمان؛ فقال الأشعث: تؤمنني على أن أقدم على أبي بكر فيرى في رأيه، فأمنه على ذلك. وعن مصعب بن عبد الله قال: أمن زياد بن لبيد الأشعث بن قيس على أن يبعث به وبأهله وماله إلى أبي بكر فيحكم فيه بما يرى؛ وفتح له النجير، فأخرجوا المقاتلة وهم كثير، فعمد زياد إلى أشرافهم سبعمئة رجل فضرب أعناقهم على دم واحد؛ ولام القوم الأشعث، فقالوا لزياد: غدر بنا الأشعث وأخذ الأمان لنفسه وماله وأهله ولم يأخذه لنا جميعاً، فنزلنا ونحن آمنون فقتلنا؛ فقال زياد: ما آمنتكم؛ قالوا: صدقت، خدعنا الأشعث. وعن عبد الرحمن بن الحويرث قال: رأيت الأشعث بن قيس يوم قدم به المدينة في حديد مجموعة يداه إلى عنقه، بعث به زياد بن لبيد والمهاجرين أبي أمية إلى أبي بكر، وكتبا إليه: إنا لم نؤمنه إلا على حكمك، وقد بعثنا به في وثاق وبأهله وماله الذي خف حمله، فترى في ذلك رأيك. قال: وتولى نهيك بن أوس بالسبي في دار ملة بنت الحارث، ومعهم الأشعث بن قيس؛ فجعل يقول: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كفرت بعد إسلامي ولكن شححت على مالي؛ فقال أبو بكر: ألست الذي تقول: قد رجعت العرب إلى ما كانت تعبد، وأبو بكر يبعث إلينا الجيوش ونحن أقصى العرب داراً، فرد عليك من هو خير منك فقال: لا يدعك عامله ترجع إلى الكفر؛ فقلت: من؟ فقال: زياد بن لبيد؛ فتضاحكت، فيكيف وجدت زياداً؟ أذكرت به أمه؟ فقال الأشعث: نعم كل الإذكار؛ ثم قال الأشعث: أيها الرجل أطلق إساري واستبقني لحربك، وزوجني أختك أم فروة بنت أبي قحافة، فإني قد تبت مما صنعت، ورجعت إلى ما خرجت منه من منعي الصدقة.

فزوجه أبو بكر أم فروة بنت أبي قحافة، فكان بالمدينة مقيماً حتى كانت ولاية عمر بن الخطاب وندب الناس إلى فتح العراق، فخرج الأشعث بن قيس مع سعد بن أبي وقاص فشهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند، واختلط بالكوفة حين اختط المسلمون، وبنى بها داراً في بني كندة، ونزلها إلى أن مات بها، وولده بها إلى اليوم. وعن قيس بن أبي خازم قال: لما قدم بالأشعث بن قيس أسيراً على أبي بكر الصديق أطلق وثاقه وزوجه أخته، اخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقبه؛ وصاح الناس: كفر الأشعث. فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت، ولكن زوجني هذا الرجل أخته، ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه، يا أهل المدينة انحروا وكلوا، ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا شرواها. حدث أبو الصلت سليم الحضرمي، قال: شهدنا صفين، فإنا لعلى صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء، فأتانا فارس على برذون مقنعاً بالحديد، فقال: السلام عليكم، فقلنا: وعليك؛ قال: فأين معاوية؟ قلنا: هو ذا؛ فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه فإذا هو أشعث بن قيس الكندي، رجل أصلع ليس في رأسه إلا شعرات فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هبوا أنكم قتلتم أهل العراق فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ الله الله، فإن الله يقول: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: نريد أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوالله لتخلن بيننا وبين الماء أو لنضعن أسيافنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه؛ فقال معاوية لأبي الأعور وعمرو بن سفيان: يا أبا عبد الله خل بين إخواننا وبين الماء؛ فقال أبو الأعور لمعاوية: كلا والله، لا نخل بينهم وبين الماء، يا أهل الشام دونكم عقيدة الله، فإن الله قد أمكنكم منهم؛ فعزم عليه معاوية حتى خلوا بينهم وبين الماء فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلاً

أشعث بن محمد بن الأشعث

حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام، وعلي إلى العراق بأهل العراق. عن أبي إسحاق، قال: صليت الفجر في مسجد الأشعث، أطلب غريماً لي، فلما صلى الإمام وضع رجل بين يدي حلة ونعلاً، فقلت: إني لست من أهل هذا المسجد، فقال: ابن قيس قدم البارحة من مكة فأمر لكل من صلى في المسجد بحلة ونعل. وعن ميمون بن مهران، قال: أول من مشت معه الرجال وهو راكب الأشعث بن قيس، وكان المهاجرون إذا رأوا الدهقان راكباً والرجال يمشون، قالوا: قاتله الله جباراً. وقال الأصمعي: أول من دفن في منزله، وصلى عليه الحسن بن علي وكانت ابنة الأشعث تحته قال: وأول من مشي بين يديه وخلفه بالأعمدة، الأشعث بن قيس. عن حكيم بن جابر، قال: لما توفي الأشعث بن قيس وكانت ابنته تحت الحسن بن علي قال الحسن: إذا غسلتموه فلا تهيجوه حتى تؤذنوني، فآذنوه، فجاء فوضأه بالحنوط وضوءاً. قال خليفة بن خياط: مات في آخر سنة أربعين بعد علي قليلاً. أشعث بن محمد بن الأشعث أبو النعمان الفارسي ويعرف: بابن أبي صرة حدث بأطرابلس. روى عن موسى بن عيسى، بسنده عن عبد الله بن الصامت، قال: سألت أبا ذر: ما يقطع الصلاة؟ قال: المرأة، والحمار، والكلب الأسود؛ قلت: ما بال الأسود من الأبيض من الأصفر؟ قال: يا ابن أخ سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما سألتني عنه، فقال: " الكلب الأسود شيطان " مرتين.

أشعث بن يزيد

أشعث بن يزيد من أهل دمشق. حدث بالكوفة عن أبي سلام الأسود. /

أشعب بن جبير ويعرف بابن أم حميدة أبو العلاء، ويقال: أبو إسحاق المدني مولى عثمان بن عفان، ويقال: مولى سعيد بن العاص، ويقال: مولى فاطمة بنت الحسين، ويقال مولى عبد الله بن الزبير. حدث عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه مرة أو مرتين. وحدث قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المحرم لا ينكح ولا ينكح ". حدث غياب بن إبراهيم قال: حدثني أشعب بن أم حميدة الذي يقال له الطامع: قال غياث: وإنما حملنا هذا الحديث عن أشعب أنه كان عليه، قال: أتيت سالم بن عبد الله أسأله، فانصرف علي من خوخة، قال لي: ويلك يا أشعب لا تسأل، فإن أبي حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليجئن أقومٌ يوم القيامة ليس في وجوههم مزعة ". وحدث أشعب الطمع عن عكرمة بن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبى حتى رمى جمرة العقبة. وأشعب الطمع اسمه شعيب، ربته بنت عثمان وكفلته، وكفلت ابن أبي الزناد معه، وكان يقول: حدثني سالم بن عبد الله وكان يبغضني في الله عز وجل، فيقال: دع هذا عنك، فيقول: ليس للحق مترك.

وقولهم هو أطمع من أشعب: هو أشعب بن جبير من أهل المدينة، يضرب بملحه المثل. قال الخطيب هذا وهو أشعب الطامع ليس بغيرة. هو أشعب بن أم حميدة، يقال: حميدة، بضم الحاء وفتح الميم، ويقال بفتح الحاء وكسر الميم، ويقال: أن أمه جعدة مولاة أسماء بنت أبي بكر الصديق. قال أبو الحسن: أشعب رجلان: أحدهما أشعب الطامع مولى عثمان وهو ابن أم حميدة، وأشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير. وقال: يضرب بملحه المثل. قال أبو بكر الخطيب: أشعب الطامع يقال: إن اسمه شعيب، وكنيته أبو العلاء، وهو أشعب بن أم حميدة، عمّر دهراً طويلاً، وأدرك زمن عثمان بن عفان، وله نوادر مأثورة، وأخبار مستطرفة، وكان من أهل مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو خال محمد بن عمر الواقدي. حدث جعفر بن سليمان قال: وقدم أشعب بغداد أيام أبي جعفر فطاف به فتيان بني هاشم فغناهم، فإذا ألحانه طرية، وحلقه على حاله، وقال: أخذت الغناء عن معبد. وقيل: اسم أبيه جبير، ويقال: أشعب بن جبير آخر ليس هو أشعب الطامع. قال: والذي عندي أنه واحد، وقال ابن ماكولا أيضاً: هما واحد. وقال الملحي بضم الميم وفتح اللام هو أشعب بن جبير الطامع. قيل لأشعب: طلبت العلم، وجالست الناس، ثم تركت وأفضيت إلى المسألة! فلو

جلست لنا وجلسنا إليك، فسمعنا منك. فقال لهم: نعم، فوعدهم، فجلس لهم. فقالوا له: حدثنا، فقال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خلتان لا يجتمعان في مؤمن ". ثم سكت، فقالوا له: ما الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة الواحدة، ونسيت أنا الأخرى. قال الأصمعي: قال أشعب: أنا أشأم الناس: ولدت يوم قتل عثمان، وختنت يوم قتل الحسين. قال: وقال الشعبي: لقيت طويس الشؤم، فقلت: ما بلغ من شؤمك؟ قال: بلغ من شؤمي أني ولدت يوم قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما فطمت مات أبو بكر، فلما راهقت قتل عمر، فلما دخلت الكتاب قتل عثمان، فلما تعلمت القرآن قتل علي، فلما أن تعلمت الشعر قتل الحسين. فقلت: ما أظن بقي من شؤمك شيء، قال: بلى، بقي من شؤمي حتى أدفنك. قال الشعبي: وأنا دفنته بحمد الله ومنه. وقيل: إن أشعب كان خال الأصمعي. قال مصعب الزبيري: خرج سالم بن عبد الله متنزهاً إلى ناحيةٍ من نواحي المدينة، هو وحرمه وجواريه، فبلغ أشعب الخبر فوافى الموضع الذي هم فيه، يريد التطفيل، فصادف الباب مغلقاً، فتسور الحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب معي بناتي وحرمي، فقال: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجه إليه سالمٌ من الطعام ما أكل، وجمل إلى منزله. حدث الأصمعي عن أشعب الطامع قال: دخلت على سالم بن عبد الله فقال لي: يا أشعب، حمل إلينا جفنةٌ من هريسة، وأنا صائم فاقعد فكل. قال: فحملت على نفسي، فقال: لا تحمل على نفسك، ما يبقى يحمل معك. قال: فلما رجعت إلى منزلي، قالت امرأتي: يا مشؤوم، بعث عبد الله بن عمر بن عثمان يطلبك، ولو ذهبت إليه لحباك، قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له: إنك مريض، قال: أحسنت، فآخذ قارورة دهن، وشيئاً من صفرة، فدخلت الحمام، ثم

تمرخت به، ثم خرجت، فعصبت رأسي بعصابة، وأخذت قصبة، واتكأت عليها، فأتيته وهو في بيتٍ مظلم، فقال لي: أشعب؟ فقلت: نعم، جعلني الله فداك، ما رفعت جنبي من الأرض منذ شهرين. قال: وسالم في البيت، وأنا لا أعلم، فقال لي سالم: ويحك يا أشعب. قال: فقلت لسالم: نعم جعلني الله فداك، منذ شهرين ما رفعت ظهري من الأرض. قال: فقال سالم: ويحك يا أشعب، قال: فقلت: نعم جعلني الله فداك، مريض منذ شهرين ما خرجت، قال: فغضب سالم وخرج، فقال لي عبد الله بن عمرو: ويحك يا أشعب، ما غضب خالي إلا من شيء؟ قال: قلت: نعم جعلت فداك، غضب من أني أكلت عنده اليوم جفنةً من هريسة. قال: فضحك عبد الله وجلساؤه، وأعطاني ووهب لي. قال: فخرجت فإذا سالمٌ بالباب، فلما رآني، قال: ويحك يا أشعب، ألم تأكل عندي؟ قال: قلت: بلى، جعلت فداك. قال: فقال سالم: والله لقد شككتني. قال الشافعي: مر أشعب، فولع به الصبيان، فأراد أن يفرقهم عنه. فقال: بمنزل فلانٍ الساعة يقسم الجوز، فأسرع الصبيان إلى المنزل الذي قال لهم، فلما رآهم مسرعين أسرع معهم. قال أبو عاصم: أخذ بيدي أبن جريج، فأوقفني على أشعب الطامع، فقال له: حدثه على ما بلغ من طمعك. قال: بلغ من طمعي أنه ما زفت امرأة بالمدينة إلا كنست بيتي رجاء أن تهدى إلي. قال الهيثم بن عدي: مر أشعب الطماع برجلٍ وهو يتخذ طبقاً، فقال: اجعله واسعاً لعلهم يهدون إلينا فيه. قال الضحاك بن مخلد: كنت يوماً أريد منزلي، فالتفت فإذا أشعب قدامي فقلت له: ما لك يا أشعب، قال: يا أبا عاصم، رأيت قلنسوتك قد مالت، فتبعتك، قلت: لعلها تسقط فآخذها، قال: فأخذتها عن رأسي فدعتها إليه، وقلت له: انصرف.

أصبغ بن عمر

قال أشعب الطامع: ما خرجت في جنازةٍ قط فرأيت اثنين يتساران إلا ظننت أن الميت قد أوصى لي بشيء. توفي أشعب الطامع سنة أربعٍ وخمسين ومائة. أصبغ بن عمر ويقال ابن عمرو ويقال ابن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل الكلبي من أهل دومة الجندل، من أطراف أعمال دمشق. أسلم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على يد عبد الرحمن بن عوف. حدث ابن عمر قال: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف فقال: " تجهز، فإني باعثك في سريةٍ من يومك هذا، لا أو من الغد. إن شاء الله. " قال ابن عمر: فسمعت ذلك، فقلت لأدخلنّ ولأصلينّ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغداة ولأسمعن وصية عبد الرحمن. قال: فقعدت فصليت، فإذا أبو بكر وعمر وناسٌ من المهاجرين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرحمن: " ما خلفك عن أصحابك؟ " قال ابن عمر: وقد مضى أصحابه من سحر، وهم مغتدون بالجرف، وكانوا سبع مائة رجل قال: أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري. قال: وعلى عبد الرحمن عمامةٌ قد لفها على رأسه. فقال ابن عمر: فدعاه نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقعده بين يديه، فنقض، عمامته بيده، ثم عممه بعمامةٍ سوداء، فأرخى بين كتفيه منها ثم قال: " هكذا يا بن عوف ". يعني: فاعتم، وعلى ابن عوف السيف متوشحه. ثم قال

أصبغ بن محمد بن محمد بن لهيعة السكسكي

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغز باسم الله وفي سبيل الله، قاتل من كفر بالله، لا تغلل ولا تغدر، ولا تقتل وليداً ". قال: فخرج عبد الرحمن بن عوف حتى لحق أصحابه، فسار حتى قدم دومة الجندل. فلما دخلها دعاهم إلى الإسلام، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، وقد كانوا أبوا أول ما قدم أن يعطوه إلا السيف. فلما كان اليوم الثالث، أسلم أصبغٌ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانياً، وكان رأسهم، وكتب عبد الرحمن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بذلك، وبعث رجلاً من جهينة يقال له رافع بن مكيث. فكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أراد أن يتزوج فيهم، فكتب إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتزوج ابنة الأصبغ تماضر. فتزوجها عبد الرحمن. وبنى بها، ثم أقبل بها، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن. أصبغ بن محمد بن محمد بن لهيعة السكسكي حدث أن الوليد بن عبد الملك حين بنى مسجد دمشق، مر برجلٍ ممن يعمل في المسجد، فرآه الوليد وهو يبكي، فقال له: ما قصتك؟ قال: يا أمير المؤمنين! كنت رجلاً جمالاً، فلقيني يوماً رجلٌ فقال لي: أتحملني إلى مكان كذا وكذا؟ فذكر موضعاً في البرية، قلت نعم، فلما حملته وسرنا بعض الطريق التفت إلي فقال لي: إن بلغنا الموضع الذي ذكرته لك وأنا حيٌ أغنيتك، وإن مت قبل بلوغي إليه فاحمل جثتي إلى الموضع الذي أصف لك، فإنّ ثم قصراً خراباً، فإذا بلغته فامكث إلى ضحوة النهار، ثم عد سبع شرافات من القصر، واحفر تحت ظل السابع منها على قدر قامة، فإنه سيظهر لك بلاطة، فاقلعها فإنك سترى تحتها مغارة فادخلها فإنك ترى في المغارة سريرين، على أحدهما رجلٌ ميت، فاجعلني على أحد السريرين ومدني عليه، وحمل جمالك هذه وحمارتك مالاً من المغارة وارجع إلى بلدك. قال: فمات على الطريق، ففعلت ما أمرني به، وكان معي أربعة أجمال وحمارة، فأوسقتها كلها مالاً من المغارة، وسرت بعض الطريق، وكان معي مخلاة، فنسيت أملؤها من ذلك المال، وداخلني الشره، فقلت: لو رجعت فملأت هذه المخلاة أيضاً من المال، فرجعت وتركت الجمال والحمارة في الطريق، فلم أجد المكان الذي أخذت منه المال، فدرت فلم أعرف. فلما أيست رجعت إلى الجمال والحمارة فلم أجدها، وجعلت أدور

أغيبر مولى هشام بن عبد الملك

في البرية أياماً فلم أجد لها أثراً. فلما يئست رجعت إلى دمشق وقد ذهبت الجمال والحمارة، ولم أحصل على شيء، واضطرني الأمر إلى ما ترى يا أمير المؤمنين. هو ذا أعمل كل يوم في التراب بدرهم. فكالما ذكرت تلك الأموال والجمال والحمارة التي فرت مني لم أملك نفسي أن أبكي هذا البكاء الذي ترى. فقال له الوليد بن عبد الملك: لم يقسم الله لك من تلك الأموال شيئاً، وإلي صارت فبنيت بها هذا المسجد. أغيبر مولى هشام بن عبد الملك حدث قال: سمعت ابن شهاب الزهري يقول: ثلاثةٌ ليس من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجعدي، والمناني، والقدري. قيل: هم أصحاب ماني الزنديق. أفلح أبو كثير ويقال أبو عبد الرحمن مولى أبي أيوب الأنصاري أدرك زمان عمر، ورأى عثمان وعبد الله بن سلام. حدث عن أبي أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل عليه، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسفل، وأبو أيوب في العلو، فانتبه أبو أيوب ذات ليلة، فقال: تمشي فوق رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتحول، فباتوا في جانب، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسفل أرفق بي ". فقال أبو أيوب: لا أعلو سقيفةً أنت تحتها، فتحول أبو أيوب في السفل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العلو. فكان يصنع طعام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبعث إليه، فإذا رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيتبع أثر أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيأكل من حيث أثر أصابعه. فصنع ذات يومٍ طعاماً فيه ثوم، فأرسل به إليه، فسأل عن موضع أثر أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: لم يأكل، فصعد إليه

فقال: أحرام؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرهه ". قال: فإني أكره ما تكره أو قال: ما كرهته. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى. روى صالح بن كيسان أن خالد بن الوليد سار حتى نزل على عين التمر. فقتل، وسبى، فكان في تلك السبايا أبو عمرة مولى بني شيبان، وهو أبو عبد الأعلى بن أبي عمرة، وعبيد مولى بلقين من الأنصار. ثم من بني زريق، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، ثم أحد بني مالك بن النجار، ويسار مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وهو جد محمد بن إسحاق. وكان في خلافة أبي بكر الصديق، وقد قيل: إن أفلح كنيته أبو عبد الرحمن، وسمع من عمر. وله دار بالمدينة. وقتل يوم الحرة، في ذي الحجة سنة ثلاث وستين في خلافة يزيد بن معاوية. وكان ثقة قليل الحديث. حدث محمد بن سيرين أن أبا أيوب كاتب أفلح على أربعين ألفاً، فجعل الناس يهنئونه ويقولون: ليهنك العتق أبا كثير. فلما رجع أبو أيوب أهله ندم على مكاتبته، فأرسل إليه فقال: إني أحب أن ترد الكتاب إلي وأن ترجع كما كنت، فقال له ولده وأهله: لم ترجع رقيقاً وقد أعتقك الله؟! فقال أفلح: والله لا يسألني شيئاً إلا أعطيته إياه، فجاءه بمكاتبته، فكسرها ثم مكث ما شاء الله، ثم أرسل إليه أبو أيوب فقال: أنت حرٌ. وما كان لك من مالٍ فهو لك. قال محمد بن سيرين: بينا أنا ذات ليلة نائمٌ، إذ رأيت أفلح أو قال: كثير بن أفلح وكان قتل يوم الحرة، فعرفت أنه ميت، وأني نائمٌ، وإنما هي رؤيا رأيتها، فقلت: أليس قد قتلت؟

أقرع بن حابس بن عقال بن محمد

قال: بلى. قلت: فما صنعت؟ قال: خيراً. قلت: أشهداء أنتم؟ قال: لا إن المسلمين إذا اقتتلوا فقتل بينهم قتلى فليسوا بشهداء. قال سعيد أحد رواته: قال هشام كلمة خفيت علي، فقلت لبعض جلسائه: ماذا قال؟ قال: قال: ولكنا ندباء. أقرع بن حابس بن عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، التميمي ثم المجاشعي. له صحبة. وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان سيد قومه. واسم الأقرع فراس، ولقب الأقرع لقرعٍ كان برأسه. وقدم دومة الجندل من أطراف أعمال دمشق في خلافة أبي بكر الصديق. حدث الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات، فقال: يا محمد، إن حمدي زين، وإن ذمي لشين. فقال: ذاكم الله عز وجل. وكان في وفد تميم الذين قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مائة من الإبل. وهو الذي قال فيه عباس بن مرداس يومئذٍ حين قصر به في العطية: " من المتقارب " أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع وما كان بدرٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئٍ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع قال جابر بن عبد الله الأنصاري: جاءت بنو تميمٍ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاعرهم وخطيبهم، فنادوا على الباب: اخرج إلينا فإن مدحنا زين، وإن ذمنا شين. قال: فسمعهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إليهم وهو

يقول: " إنما ذاكم الله الذي مدحه زين وشتمه شين. فماذا تريدون؟ " فقالوا: نحن ناسٌ من بني تميم جئناك بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ونفاخرك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت. ولكن هاتوا ". فقال الزبرقان بن بدر لشابٍ من شبانهم: يا فلان قم فاذكر فضلك وفضل قومك فقال: إن الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء. فنحن خير أهل الأرض: أكثرهم أموالاً، وأكثرهم عدداً، وأكثرهم سلاحاً؛ فمن أبى علينا فليأتنا بقولٍ هو أفضل من قولنا، وبفعلٍ أفضل من فعلنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بن قيس: قم يا ثابت بن قيس فأجبهم. فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهاً، وأعظم الناس أحلاماً، فأجابوه. الحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعزاً لدينه؛ فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قاله منع منا ماله ونفسه، ومن أبى قاتلناه. وكان رغمه علينا في الله هيناً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات. فقال الأقرع بن حابس لشاب من شبابهم: قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال: " من البسيط " نحن الكرام فلاحيٌ يعادلنا ... نحن الرؤوس وفينا يقسم الربع ونطعم الناس عند القحط كلهم ... من السديف إذا لم يؤنس القزع إذا أبينا فلا يأبى لنا أحدٌ ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليّ بحسان بن ثابت. فأتاه الرسول فقال له: وما يريد مني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كنت عنده آنفاً؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم فتكلم فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابت بن قيس بن شماس فأجابه. وتكلم شاعرهم فبعث إليك

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتجيبه. فقال حسان: قد آن لكم أن تبعثوا إلى هذا العود. فجاء حسان فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حسان، أجبه ". فقال: يا رسول الله مره فليسمعني ما قال. قال: أسمعه ما قلت. فأسمعه. فقال حسان: " من الطويل " نصرنا رسول الله والدين عنوةً ... على رغم عاتٍ من معدٍّ وحاضر بضربٍ كإيزاغ المخاض مشاشه ... وطعنٍ كأفواه اللقاح الصوادر وسل أحداً يوم استقلت شعابه ... بضربٍ لنا مثل الليوث الحوادر ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى ... إذا طاب ورد الموت بين العساكر ونضرب هام الدارعين وننتمي ... إلى حسبٍ في جذم غسان قاهر فلولا حياء الله قلنا تكرماً ... على الناس بالخفين هل من منافر؟ فأحياؤنا من خير من طئ الحصى ... وأمواتنا من خير أهل المقابر فقام الأقرع بن حابس فقال: يا محمد، لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شيئاً فاسمعه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هات ". فقال: أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم وأّنا رؤوس الناس من كل معشرٍ ... وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم وأن لنا المرباع في كل غارةٍ ... تكون بنجدٍ أو بأرض التهائم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان: " قم فأجبه ". فقال: " من الطويل " بني دارمٍ لا تفخروا إن فخركم ... يعود وبالاً عند ذكر المكارم هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خولٌ من بين ظئرٍ وخادم؟!

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أخا بني دارم، لقد كنت غنياً أن يذكر منك ما كنت ظننت أن الناس قد نسوه ". فكان قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد عليهم من قول حسان إذ يقول: هبلتم، علينا تفخرون وأنتم ... لنا خولٌ من بين ظئرٍ وخادم ثم رجع حسان فقال: وأفضل ما نلتم من المجد والعلا ... ردافتنا من بعد ذكر الأكارم فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم فلا تجعلوا لله نداً وأسلموا ... ولا تفخروا عند النبي بدارم وإلا ورب البيت مالت أكفنا ... على روسكم بالمرهفات الصوارم فقام الأقرع بن حابس فقال لأصحابه: يا هؤلاء، ما أدري ما هذا؟! قد تكلم خطيبهم فكان خطيبهم أحسن قولاً وأعلى صوتاً، وتكلم شاعرهم فكان شاعرهم أحسن قولاً وأعلى صوتاً. ثم دنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وآمن هو وأصحابه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضرك ما كان قبل هذا اليوم ". ولما قدم وفد بني تميم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو بكر: يا رسول الله استعمل عليهم القعقاع بن زرارة فإنه سيد القوم وأفضلهم. فقال عمر: يا رسول الله استعمل عليهم الأقرع بن حابس فإنه سيد القوم وأفضلهم. فقال أبو بكر: والله ما أردت بهذا إلا خلافي! قال: ما أردت خلافك ولكني رأيت ذلك. قال: فتماريا في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله تعالى: هاتين الآيتين: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " إلى قوله " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " الآية كلها. قال: فكانا لا يحدثانه حديثاً إلا استفهمه مراراً.

وفي رواية: " كاد الخيران يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قدم عليه ركب بني تميم ... " الحديث. وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث عليٌّ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليمن ذهبة وفيها تربتها، فقسمها بين يدي أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي، ثم أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن حصن الفزاري وبين علقمة بن علاثة العامري وبين زيد الخيل الطائي. فقالت قريش والأنصار: أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أتألفهم ". إذ أقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق، فقال: يا محمد، اتق الله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يطيع الله إذا عصيته؟ " قال: فسأله رجل من القوم قتله - قال: حسبته خالد بن الوليد - فولى الرجل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ". وعن ابن عباس قال: كانت المؤلفة قلوبهم خمسة عشر رجلاً منهم: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس المجاشعي، وعيينة بن حصن الفزاري، وسهيل بن عمرو من بني عمرو بن لؤي، والحارث بن هشام المخزومي، وحويطب بن عبد العزى من بني عامر بن لؤي، وسهيل بن عمرو الجهني، وأبو السنابل بن بعكك، وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزى، ومالك بن عوف النصري، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع من بني مالك، وجد بن قيس السهمي، وعمر بن مرداس السلمي، والعلاء بن الحارث الثقفي، أعطى كل رجلٍ منهم سهماً مائةً من الإبل، وأعطى ابن يربوع وحويطب خمسين من الإبل. في حديث طويل.

وهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم. وكان الأقرع بن حابس وعيينة شهدا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً والفتح والطائف. وخرج الأقرع والزبرقان إلى أبي بكر فقالا: اجعل لنا خراج البحرين ونضمن لك أن لا يرجع من قومنا أحد، ففعل. وكتب الكتاب. وكان الذي يختلف بينهم طلحة بن عبيد الله وأشهدوا شهوداً منهم عمر، فلما أتي عمر بالكتاب نظر فيه فلم يشهد، ثم قال: لا ولا كرامة، ثم مزق الكتاب ومحاه، فغضب طلحة وأتى أبا بكر، فقال: أنت الأمير أم عمر؟ فقال: عمر غير أن الطاعة لي، فسكت. وشهدا مع خالد المشاهد حتى اليمامة. ثم مضى الأقرع ومعه شرحبيل بن حسنة إلى دومة. وفي رواية أن عيينة بن بدر والأقرع بن حابس استقطعا أبا بكر أرضاً، فقال عمر: إنما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألفكما على الإسلام فأما الآن فاجهدا جهدكما. قال عبيدة: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقالا: يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضاً سبخة ليس فيها نخلٌ ولا منفعة، فإن رأيت أن تقطعناها لعلنا نحرثها ونزرعها ولعل الله ينفع بها بعد اليوم. قال: فأقطعهما إياها، وكتب لهما كتاباً وأشهد، وعمر ليس في القوم، فانطلقا إلى عمر ليشهداه فوجداه فإنهما قائماً بغير اله، فقالا: إن أبا بكر قد أشهدك على ما في هذا الكتاب أفنقرأ عليك أو تقرأ؟ قال: أنا على الحال التي ترياني، فإن شئتما فاقرآ وإن شئتما فانتظرا حتى أفرغ فأقرأ، قالا: بل نقرؤه، فقرآ، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه فمحاه، فتذمراه وقالا مقالة سيئة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتألّفكما والإسلام يومئذ ذليل، وإن الله عز وجل قد أعز الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما لا أرعى الله عليكما إن أرعيتما. قال: فأقبلا إلى أبي بكر

أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن

وهما يتذمران فقالا: والله ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل هو لو كان شاء. قال: فجاء عمر مغضباً حتى وقف على أبي بكر فقال: أخبرني عن هذه الأرض التي أقطعتها هذين الرجلين أرض لك خاصة أم هي بين المسلمين عامة؟ قال: فما حملك على أن تخص هذين بها دون جماعة المسلمين؟ قال: استشرت هؤلاء الذين حولي فأشاروا علي بذلك. قال: فإذا استشرت هؤلاء الذين حولك أكل المسلمين أوسعت مشورة ورضىً؟ قال: فقال أبو بكر: قد كنت قلت لك إنك أقوى على هذا الأمر مني ولكنك غلبتني. وفي رواية أن عثمان قال للأقرع بن حابس وللزبرقان لما أقطعهما أبو بكر قطيعة وكتب لهما كتاباً قال لهما عثمان: أشهد عمر فهو أحرز لأمركما، وهو الخليفة بعده. قال: فأتيا عمر فقال لهما: من كتب لكما هذا الكتاب؟ قالا: أبو بكر. قال: لا والله ولا كرامة، والله ليفلقنّ وجوه المسلمين بالسيوف والحجارة ثم يكون لكما هذا. قال: فتفل فيه ومحاه، فأتيا أبا بكر فقالا: ما ندري أنت الخليفة أم عمر؟! قال: ثم أخبراه فقال: فإنا لا نجيز إلا ما أجازه عمر. وقيل: إن ابن عامر استعمل الأقرع بن حابس على جيش، فأصيب هو والجيش بالجوزجان. أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن ابن أعنى بن الحارث بن معاوية بن حلاوة بن أمامة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة بن عطية بن عدي بن الحارث الكندي صاحب دومة الجندل. أتي به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم. ويقال: بقي على نصرانيته. وكتب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كتاباً. ويقال: أسلم، ثم ارتد إلى النصرانية، فقتل على نصرانيته. قال قيس بن النعمان: كان صار إلى ضم القرآن على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: خرجت خيلٌ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع بها أكيدر دومة الجندل، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، بلغني أن خيلك انطلقت وإني خفت على أرضي ومالي، فاكتب لي كتاباً لا تعرض لشيء هو لي، فإني مقرٌ بالذي علي من الحق. فكتب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم إن أكيدراً أخرج قباء منسوجاً بالذهب مما كان كسرى يكسوهم فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارجع بقبائك فإنه ليس أحدٌ يلبس هذا في الدنيا إلا حرمه في الآخرة ". فرجع به الرجل حتى إذا أتى منزله وجد في نفسه أن يرد عليه هديته، فرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنا أهل بيتٍ يشق علينا أن ترد هديتنا فاقبل مني هديتي. فقال له: " انطلق فادفعه إلى عمر ". وقد كان عمر سمع ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه فبكى ودمعت عيناه وظن أنه قد لحقه شقاء، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحدث فيّ أمرٌ؟ قلت في هذا القباء ما سمعت ثم بعثت به إليّ، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وضع يده على فيه، ثم قال: " ما بعثت به إليك لتلبسه ولكن تبيعه فتستعين بثمنه ". قال عروة: ولما توجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قافلاً إلى المدينة بعث خالد بن الوليد في أربع مائةٍ وعشرين فارساً إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده قال خالد: يا رسول الله كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابةٍ من المسلمين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعل الله يكفيك أكيدراً ". أحسب قال: يقتنص فتقبض المفتاح فتأخذه، فيفتح الله لك دومة. فسار خالد بن الوليد حتى إذا دنا منها نزل في أدبارها، لذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعلك تلقاه يصطاد ". قال: فبينما خالد وأصحابه في منزلهم ليلاً إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى في حصنه، بين امرأتيه، فاطلعت إحدى امرأتيه فرأت البقر تحتك بالباب وبالحائط، فقالت امرأته: لم أر كالليلة في اللحم، قال: وما ذاك؟ قالت: هذه البقر تحتك بالباب وبالحائط، فلما رأى ذلك أكيدر ثار، فركب على فرسٍ معدةٍ له، وركب غلمانه وأهله فطلبها حتى مر بخالدٍ وأصحابه، فأخذوه ومن

كان معه، فأوثقهم، وذكر خالد قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال خالد لأكيدر: أرأيتك إن أجرتك تفتح لي باب دومة؟ قال: نعم، فانطلق حتى دنا منها، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له فأبى عليهم أخوه، فلما رأى ذلك قال لخالد: أيها الرجل خلني فلك الله أن أفتحها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك، فأرسله خالد وأصحابه، فذكر خالد قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي أمره. فقال أكيدر: والله ما رأيتها قطٌّ جاءتنا إلا البارحة - يريد البقر - ولقد كنت أضمر لها إذا أردت أخذها فأركب لها اليوم واليومين، ولكن هذا القدر ثم قال: يا خالد، إن شئت حكمتك وإن شئت حكمتني، فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت، فأعطاهم ثمان مائةٍ من السبي وألف بعير، وأربع مائة درع، وأربع مائة رمح. وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقبل معه يحنّه بن رؤيا عظيم أيلة، فقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر، فاجتمعا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاضاهما على قضيته على دومة، وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء وكتب لهما كتاباً. وعن بلال بن يحيى قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر رضي الله عنه على المهاجرين إلى دومة الجندل، وبعث خالد بن الوليد على الأعراب معه، وقال: " انطلقوا فإنكم ستجدون أكيدر دومة يقتنص الوحش فخذوه أخذاً، فابعثوا به إلي، ولا تقتلوه وحاصروا أهلها ". قال: فانطلقوا، فوجدوا أكيدر دومة كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذوه فبعثوا به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاصروهم، فقال لهم أبو بكر: تجدون ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإنجيل؟ قالوا: ما نجد له ذكراً، قال: بلى، والذي نفسي بيده إنه لفي الإنجيل مكتوب كهيئة قرست وليست بقرست، فانظروا. فنظروا، فقالوا: نجد الشيطان خطر خطرة بقلم لا ندري ما هي. فقال له، رجل من الأنصار أو المهاجرين: أكفر هؤلاء يا أبا بكر؟ فقال: نعم، وإنكم ستكفرون. فلما كان يوم مسيلمة قال ذلك الرجل لأبي بكر: هذا الذي قلت لنا يوم دومة الجندل إنا سنكفر؟ فقال: لا، ولكن آخر أمامكم.

ألب رسلان بن رضوان بن تتش

وقيل إن خالد بن الوليد لما قدم بأكيدر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم وكتب له كتاباً فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع الصدقة ونقض العهد وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة وابتنى بها بناء سماه دومة بدومة الجندل. وروى عوانة بن الحكم، أن أبا بكر كتب إلى خالد بن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إلى أكيدر فسار إليه فقتله، وفتح دومة، وقد كان خرج منها بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عاد إليها، فلما قتله خالد مضى خالد إلى الشام. قال: ولعله أن يكون قتله بدومة الجندل عند الحيرة فهي تقرب من عين التمر. ألب رسلان بن رضوان بن تتش ابن ألب رسلان التركي ولي إمرة حلب بعد موت أبيه رضوان في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مائة وهو صبي عمره ست عشرة سنة، وتولى تدبير أمره خادم لأبيه اسمه لؤلؤ البابا، ورفع عن أهل حلب بعض ما كان جدد عليهم من الكلف وقتل أخويه ملك شاه، وأميركا، وقتل جماعة من الباطنية وكانت دعوتهم ظهرت في حلب أيام أبيه، ثم كاتب طغتكين أمير دمشق، ورغب في استعطافه، فأجابه طغتكين إلى ذلك، ودعا له على منبر دمشق في رمضان من هذه السنة. ثم قدم ألب رسلان في هذا الشهر دمشق وتلقاه طغتكين وأهل دمشق في أحسن زي، وأنزله في القلعة بدمشق، وبالغ في إكرامه، فأقام فيها أياماً، ثم عاد إلى حلب في أول شوال، وصحبه طغتكين، فلما وصل إلى حلب لم ير منه طغتكين ما يحب، ففارقه، وعاد إلى دمشق، وساءت سيرة ألب رسلان بحلب، وانهمك في المعاصي، وخافه لؤلؤ البابا فقتله بقلعة حلب في ثاني ربيع الآخر سنة ثمان وخمس مائة.

إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون

ونصب أخاً له طفلاً عمره ست سنين. وبقي لؤلؤ بحلب إلى أن قتل في آخر سنة عشر وخمس مائة ببالس. إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون ويقال إلياس بن شبى ويقال إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون ويقال إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. أرسله الله تعالى إلى أهل بعلبك، وقيل: إنه اختفى من الكفار في المغارة التي بجبل قاسيون بدمشق عشر سنين. وروي عن كعب أنه قال: إن إلياس اختبأ من ملوك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك، ووليهم غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام، فأسلم وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقتلهم عن آخرهم. وقيل: إنه أقام هارباً من قومه في كهف جبل عشرين ليلة، أو قال: أربعين، تأتيه الغربان برزقه. وروي عن الكلبي أنه قال: أول نبيٍّ بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب. وعن وهب أن حزقيل قام في بني إسرائيل بأمر الله عز وجل وطاعته، وكان فيما أعطاه الله عز

وجل عزة لبني إسرائيل حتى قبضه الله عز وجل إليه. فعظمت الأحداث في بني إسرائيل، وخالطوا عبدة الأوثان، فنصب الأوثان طوائف منهم، وطائفة منهم متمسكون بالعهد، فكانوا يقتلون الأنبياء وأبناء الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، وأحبوا الملك، حتى بعث الله إليهم إلياس بن العازر بن العيزار نبياً، وإنما كانت الأنبياء تبعث في بني إسرائيل بعد موسى، لتجديد ما نسوا من التوراة، وكانت لا تنزل عليهم الكتب. إنما كانوا يعملون بما في التوراة، ويجددون لهم ما نسوا من التوراة، وكان إلياس عليه السلام مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقوم بأمره، وينتهي الملك إلى رأيه؛ وكان سائر ملوك بني إسرائيل اتخذوا الأصنام. وكان له صنم يقال له: بعل قال ابن عباس: البعل: الرب سموا الصنم رباً، وهو بلغة اليمن البعل: الرب. وعن كعب قال: أربعة أنبياء اليوم، اثنان في الدنيا، واثنان في السماء. فأما اللذان في الدنيا: فإلياس والخضر، وأما اللذان في السماء: فعيسى وإدريس عليهما السلام. قال عبد الله بن مسعود: إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وإلياس هو إدريس. قال أحمد بن حنبل: سمعنا أن ستة من الأنبياء لهم في القرآن اسمان اسمان: محمد وأحمد، وإبراهيم وأبراهام، ويعقوب وإسرائيل، ويونس وذو النون، وإلياس إلياسين، وعيسى المسيح عليهم السلام. وقيل: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل فيلتقيان كل عام بالموسم. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: " إن إلياس لمن المرسلين؛ إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين "! قال: وإنما سمي

بعلبك، لعبادتهم البعل، وكان موضعهم يقال له: بك. فسمي بعل بك. يقول الله عز وجل: " وتذرون الله أحسن الخالقين ". وقال الحسن: إن الله عز وجل بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوماً يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة. كل ملكٍ على ناحيةٍ يأكلها؛ وكان الملك الذي كان معه إلياس يقوم له أمره، ويقتدي برأيه، وهو على هدىً من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام، فقالوا له: ما يدعوك إلياس إلا إلى الضلالة والباطل، وجعلوا يقولون له: اعبد هذه الأوثان التي يعبد الملوك، ودع ما أنت عليه، فقال الملك لإلياس: يا إلياس والله ما تدعو إلا إلى الباطل، وإني أرى ملوك بني إسرائيل كلهم قد عبدوا الأوثان التي يعبد الملوك، وهم على ما نحن عليه يأكلون ويشربون، وهم في ملكهم يتقلبون، وما تنقص دنياهم من أمرهم الذي تزعم أنه باطل، ومالنا عليهم من فضل، فاسترجع إلياس، وقام شعر رأسه وجلده، فخرج عليه إلياس. وقال الحسن: إن الذي زين لذلك الملك امرأته، وكانت قبله تحت ملكٍ جبار، وكان من الكنعانيين في طولٍ وجسم وحسن؛ فمات زوجها الأول، فاتخذت تمثالاً على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوت، فتوجته بتاجٍ مكللٍ بالدر والجواهر، ثم أقعدته على سرير تدخل عليه، فتدخنه وتطيبه، وتسجد له، ثم تخرج عنه؛ فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه. وكانت فاجرة قد قهرت زوجها، فكانت هي التي جمعت هؤلاء السبعين الذين زعموا أنهم أنبياء، وبنت بيت الأصنام ووضعت البعل. فدعاهم إلياس إلى الله فلم يزدهم ذلك إلا بعداً. فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، وعبادة غيرك فغير ما بهم من نعمتك. قال الحسن: إن الله أوحى إلى إلياس أني قد جعلت أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم. فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلياس إلى الملك فتاه، وكان تلميذه، فقال

لهم اليسع بن خطوب، وليس باليسع الذي يقال له الخضر، وذلك ابن عاميا، وكان هذا غلاماً يتيماً من بني إسرائيل، آوت أمه إلياس وأخفت أمره، وكان اليسع به ضرٌّ، فدعا الله له فعافاه من الضر الذي كان به، واتبع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه، فذهب حيثما ذهب، فلما أمسك الله عنهم القطر، أرسل إلياس اليسع إلى الملك فقال: قل له إن إلياس يقول لك: إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله، واتبعت عتاة قومك هؤلاء الكذبة الذين يزعمون أنهم أنبياء، واتبعت هوى امرأتك الخبيثة التي خانتك وأهلكتك، فاستعد للعذاب والبلاء. قال: وأمسك الله عنهم القطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام، وجهد الناس جهداً شديداً، وخرج إلياس شفقاً على نفسه حين دعا عليهم. فانطلق اليسع، فبلغ رسالته الملك، فعصمه الله من شر الملك، ولحق بإلياس. فانطلق إلياس حتى أتى ذروة جبل، فكان الله يأتيه برزقه، وفجر له عيناً معيناً لشرابه وطهوره، حتى أصاب الناس الجهد، فأكلوا الكلاب والجيف والعظام، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم: سلوا البعل أن يفرج ما بنا. قال: فأخرجوا أصنامهم، فقربوا لها الذبائح، وعكفوا عليها، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك عليهم، فقال لهم الملك: إن إله إلياس كان أسرع إجابةً من هؤلاء. فبعثوا في طلب إلياس ليدعو لهم، فلم يجبهم، فغار ماؤه، فقال: يا رب، غار مائي، فأوحى الله إليه أني قد أهلكت خلقاً كثيراً، لم أرد هلاكهم بخطايا بني إسرائيل. فقال إلياس: أي ربٍّ، دعني أنا أكون الذي أدعو لهم لعلهم يرجعون، فقيل له: نعم فأتى بني إسرائيل فقال لهم: أتحبون أن تعلموا أن الله عليكم ساخط، وإنما حبس عنكم المطر للذي أنتم عليه، فأخرجوا أوثانكم التي تعبدونها، وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه، فادعوها هل تستجيب لكم؟ وإلا دعوت ربي يفرج عنكم، فقالوا: نفعل، فأخرجوا أوثانهم، فجعلت الكذبة تدعو وتتضرع، ويدعو إلياس معهم، فلا يستجاب لهم، فقالوا: يا إلياس ادع لنا ربك، قال: فدعا إلياس ربه أن يفرج عنهم، فارتفعت سحابة مثل الترس وهم ينظرون، حتى ركزت عليهم، ثم أدحيت، ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم. فقال الحسن: فتابوا وراجعوا. وقيل تمادوا بعد ذلك، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها، فجعل يتوقع ذلك اليوم، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه،

فوثب عليه، فانطلق به، وناداه اليسع: يا إلياس، بماذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به، فكساه الله عز وجل الريش، وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة فقال: كان إنسياً ملكياً سمائياً. وقال الحسن: هو موكل بالفيافي، والخضر بالبحار وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى. وإنهما يجتمعان في كل عام بالموسم. وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: سبحان الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصلح السوء إلا الله، ما شاء الله لا قوة إلا بالله ". قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح ويمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والسرق: قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب. وعن قتادة: في قوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال: ترك الله تبارك وتعالى عليه ثناء حسناً في الآخرة. قال واثلة بن الأسقع: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة وقد كان أصابنا عطش شديد فإذا بين أيدينا آثار غيث، فسرنا ملياً، فإذا بغديرٍ وإذا فيه جيفتان، وإذا السباع قد وردت الماء، فأكلت من الجيفتين، وشربت من الماء، قال: فقلنا: يا رسول الله، هذه جيفتان وآثار السباع قد أكلت منها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. هما طهوران اجتمعا من السماء والأرض لا ينجسهما شيء، وللسباع ما شربت في بطونها، ولنا ما بقي ". حتى إذا ذهب ثلث الليل، إذا نحن بمنادٍ ينادي بصوت حزين: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، المبارك عليها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حذيفة ويا أنس، ادخلا إلى هذا الشعب، فانظرا ما هذا الصوت ".

قال: فدخلنا فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج، وإذا وجهه ولحيته كذلك، ما أدري أيهما أشد ضوءاً ثيابه أو وجهه! فإذا هو أعلى جسماً منا بذراعين أو ثلاثة. قال: فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: مرحباً، أنتما رسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالا: فقلنا: نعم، قالا: فقلنا من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا إلياس النبي، خرجت أريد مكة فرأيت عسكركم، فقال لي جندٌ من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه والقه، ارجعا فأقرئاه السلام، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ويفزع المسلمون من طولي، فإن خلقي ليس كخلقكم، قولا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني. قال حذيفة وأنس: فصافحناه، فقال لأنس خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرحب به ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض يسميه أهل السماء صاحب سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال حذيفة: هل تلقى الملائكة؟ قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم، ويسلمون علي وأسلم عليهم. قال: فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا حتى أتينا الشعب وهو يتلألأ وجهه نوراً. وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلكم ". قال: فتقدمنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعاً، وعانقه ملياً، ثم قعدا. قالا: فرأينا شيئاً كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل قد أحدقت به وهي بيض، وقد نشرت أجنحتها فحالت بيننا وبينهم، ثم صرخ بنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا حذيفة ويا أنس تقدما ". فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئاً قط أحسن منها، قد غلب خضرتها لبياضها، فصارت وجوهنا خضراء وثيابنا خضراء، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب، ورطب وبقل، ما خلا الكراث. قال: ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا بسم الله ". قالا: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟ قال: " لا ". قال لنا: هذا رزقي، ولي في كل أربعين يوماً وأربعين ليلة أكلة يأتيني بها الملائكة، وهذا تمام الأربعين يوماً والليالي، وهو شيء يقول الله عز وجل له: كن فيكون قال: فقلنا: من أين وجهك؟ قال: وجهي من خلف رومية، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمةً من الكفار. قال: فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه؟ قال: أربعة أشهر، وفارقته أنا منذ عشرة أيام، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل. قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك؟ قال: الشام وبيت المقدس

والمغرب واليمن، وليس من مسجد من مساجد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً. قال: الخضر متى عهدك به؟ قال: منذ سنة كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم، وقد كان قال: إنك ستلقى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي، فأقرئه مني السلام، وعانقه وبكى قال: ثم صافحناه وعانقناه وبكى وبكينا، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء كأنه يحمل حملاً، فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا عجباُ إذ هوى إلى السماء. فقال: " إنه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد ". قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وإسناده ليس بالقوي. وعن الخليل بن مرة قال: بينا رجل يبيع سلعة له وهو يكثر الكلام فيها، إذ أتى عليه آتٍ فقال: يا عبد الله، إن كثرة الكلام لا تزيد في رزقك شيئاً، وإن قلة الكلام لا تنقص من رزقك شيئاً، قال: عليك شأنك يا عبد الله قال: هذا شأني، ثم ولى الرجل، فلحقه، فقال: يا عبد الله، قلت لي قولاً فأحب أن تفسره لي، قال: إن من الإيمان أن تؤثر الصدق على الكذب وإن ضرك، وأن تدع الكذب وإن نفعك، وألا يكون لقولك فضل على عملك. قال: يا عبد الله، إني أحب أن تكتب لي هذا فإني أخاف أن أنساه، قال: فبينا أنا أكلمه إذ غاب عني فلم أره، فلقيت رجلاً من آل عمر رضي الله عنه، فأخبرته. فقال: هذا من قول إلياس عليه السلام. وفي حديث آخر بمعناه قال: كانوا يرونه الخضر أو إلياس عليهما السلام. وعن ثابت قال: كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطاً أصلي ركعتين، فافتتحت " حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول " فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنة. فقال لي: إذا

أماجور

قلت: " غافر الذنب " فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت: " قابل التوب " فقل: يا قابل التوب، تقبل توبتي، وإذا قلت: " شديد العقاب " فقل: يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت: " ذي الطول " فقل: يا ذا الطول طل علي منك برحمة. فالتفت فإذا لا أحد، خرجت فقلت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنةٍ؟ فقال: ما مر بنا أحد فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس. أماجور ولي إمرة دمشق في أيام المعتمد على الله سنة ست وخمسين ومائتين. ومات سنة أربع وستين ومائتين، وكان أميراً مهاباً ضابطاً لعمله، خشناً، شجاعاً، لا يقطع في جميع أعماله الطريق، فوجه مرة فارساً إلى أذرعات في رسالة، فلما رجع الفارس من أذرعات نزل اليرموك، فصادف في القرية رجلاً من الأعراب، فلما رأى الأعرابي الجندي مد يده فنتف من سبال الجندي خصلتين من شعر. فلما أن رجع الفارس إلى دمشق اتصل الخبر بأماجور ما فعل الأعرابي بالفارس، فدعاه أماجور فسأله عن القصة؟ فأخبره، فأمر بالفارس فحبس، ثم قال لكاتبه: اطلبوا معلماً يعلم الصبيان فجاؤوا بمعلم، فقال أماجور للمعلم: هو ذا أعطيك نفقة واسعة وتخرج إلى اليرموك، وأعطيك طيوراً تكون معك، فإذا دخلت القرية، تقول لهم: إني معلم جئت أطلب المعاش، وأعلم صبيانكم، فإذا تمكنت من القرية، فارصد لي الأعرابي الذي نتف سبال الفارس، وخذ خبره واسمه، ولا تبرح من القرية وإن بقيت بها مدة طويلة، حتى يوافي هذا الأعرابي القرية، فإذا رأيته قد وافى، فخذ هذا الكتاب الذي أعطيك، وادفعه إلى أهل القرية حتى يقرؤوه، ثم أرسل الطيور إلي بخبرك طيراً خلف طير، ففعل المعلم ذلك، ووافى اليرموك، وأقام بها ستة أشهر، حتى وافى الأعرابي القرية، فلما أن رآه المعلم أخرج كتاب أماجور إلى القرية: الله الله في

أمد بن أبد الحضرمي اليماني

أنفسكم، اشغلوا الأعرابي إلى ما أوافيكم، فإن جئت ولم أوافه خربت القرية، وقتلت الرجال. وخلى المعلم الطيور إلى دمشق بخبر الأعرابي، وموافاته القرية، فلما أن وصل الخبر إلى أماجور ضرب بالبوق، وخرج من وقته حتى وافى اليرموك في أسرع وقت وأحدقوا بالقرية، فأصاب الأعرابي في وسط القرية، فأخذه وأردفه خلف بعض غلمانه، ووافى به دمشق، فلما أصبح أماجور دعا بالأعرابي فقال له: ما حملك على أن رأيت رجلاً من أولياء السلطان في قرية لم يؤذك ولم يعارضك، نتفت خصلتين من سباله، فقال الأعرابي: كنت سكران أيها الأمير لم أعقل ما فعلت، فقال أماجور: ادعوا لي بحجام، فأتي بحجام، فقال: لا تدع في وجه الأعرابي ولا في رأسه، ولا على بدنه شعرة إلا نتفتها، فبدأ بأشفار عينيه ثم بحاجبيه ثم بلحيته ثم بشاربه، ثم برأسه، ثم بيديه، فما ترك عليه شعرة إلا نتفها، ثم قال: هاتوا الجلادين، فأتي بالجلادين، فضربه أربع مئة سوط، ثم أمر بحبسه، فلما كان من الغد، دعا به فضربه أربع مئة سوط آخر، ثم قطع يديه، فلما أن كان اليوم الثالث قطع رجليه فلما أن كان في اليوم الرابع ضرب رقبته وصلبه، ثم دعا بذلك الجندي من الحبس، فضربه مائة عصا وأسقط اسمه، وقال: أنت ليس فيك خير لنفسك حيث رأيت أعرابياً واحداً ليس معه أحد ولا غلمان ولا أصحاب استخذيت له وخضعت له حتى فعل بسبالك ما فعل. كيف يكون لي فيك خير إذا احتجت إليك؛ وطرده. قال أبو يعقوب الأذرعي: لما بنى أماجور الفندق الذي في الخواصين كتب على بابه: مائة سنة وسنة. قال: فما عاش بعد أن كتب ذلك إلا مائة يوم ويوم، وتوفي أماجور أمير دمشق في سنة أربع وستين ومائتين. قال أبو علي الحسن بن قريش المحاملي: رأيت أماجور الأمير في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بضبطي لطرق المسلمين، وطريق الحاج. أمد بن أبد الحضرمي اليماني أحد المعمرين، استقدمه معاوية بن أبي سفيان. قالوا: إن معاوية قال: إني لأحب أن ألقى رجلاً قد أتت عليه سنٌّ، وقد رأى

الناس يخبرنا عما رأى. فقال بعض جلسائه: ذلك رجل بحضرموت. فأرسل إليه، فأتي به، فقال له: ما اسمك؟ قال: أمد. قال: ابن من؟ قال: ابن أبد. قال: ما أتى عليك من السن؟ قال: ستون وثلاث مائة. قال: كذبت. قال: ثم إن معاوية تشاغل عنه، ثم أقبل عليه، فقال: ما اسمك؟ قال: أمد. قال: ابن من؟ قال: أبد. قال: كم أتى عليك من السن؟ قال: ثلاث مئة وستون سنة. قال: فأخبرنا عما رأيت من الأزمان، أين زماننا هذا من ذلك؟ قال: وكيف تسأل من تكذب؟ قال: إني ما كذبتك، ولكني أحببت أن أعلم كيف عقلك. قال: قال: يوم شبيه بيوم، وليلة شبيه بليلة، يموت ميت، ويولد مولود، فلولا من يموت لم تسعهم الأرض، ولولا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض. قال: فأخبرني هل رأيت هاشماً؟ قال: نعم رأيته رجلاً طوالاً، حسن الوجه، يقال، إن بين عينيه بركةً أو غرة بركةٍ. قال: فهل رأيت فهل رأيت أمية؟ قال: نعم، رأيته رجلاً قصيراً أعمى، يقال: إن في وجهه شراً أو شؤماً: قال: فهل رأيت محمداً؟ قال: من محمد؟ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ويحك، ألا فخمته كما فخمه الله؟ فقلت: رسول الله. قال: فأخبرني، ما كانت صناعتك؟ قال: كنت رجلاً تاجراً. قال: فما بلغت تجارتك؟ قال: كنت لا أشتري عيباً ولا أرد ربحاً. قال له معاوية: سلني. قال: أسألك أن تدخلني الجنة. قال: ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه، قال: أسألك أن ترد علي شبابي، قال: ليس ذاك بيدي ولا أقدر عليه، قال: لا أرى بيديك شيئاً من أمر الدنيا ولا من أمر الآخرة. قال: فردني من حيث جئت، قال: أما هذا فنعم. ثم أقبل معاوية على أصحابه، فقال: لقد أصبح هذا زاهداً فيما أنتم فيه راغبون. قالوا: كذا جاء اسمه، فالله أعلم، هل هو اسمه الذي سمي به، أو هو اسم سمى به نفسه عند طول عمره؟

امرؤ القيس بن حجر

امرؤ القيس بن حجر ابن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة، أبو يزيد ويقال أبو وهب ويقال أبو الحارث. كان بأعمال دمشق. وقد ذكر مواضع من أعمالها في شعره، فمن ذلك قوله: " من الطويل " قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل وكل هذه مواضع معروفة بحوران ونواحيها. ومن ذلك قوله في قصيدة: " من الطويل " ولما بدا حوران والآل دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا ثم قال بعدها أبيات منها: لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريجٍ كان في حمص أنكرا ففي كتاب طبقات الشعراء للجاهليين: في الطبقة الأولى: امرؤ القيس بن حجر. قال ابن كلبي: إنما سمي حجر بن عمرو بن معاوية الأكرمين آكل المرار لأن امرأته هند بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الأكرمين لما أغار عليه ابن الهيولة السليحي فأخذها، فقال:

كيف ترين الآن حجراً؟ فقالت: أراه والله خبيث الطلب، شديد الكلب، كأنه بعير أكل مراراً. والمرار نبتٌ حارٌ يأكله البعير، فيتقلص منه مشفره. وكان حجر أفوه خارج الأسنان فشبهته به، فسمي آكل المرار بذلك. حدث ابن الكلبي أن قوماً أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألوه عن أشعر الناس. فقال: ائتوا ابن الفريعة، يعني حسان. فأتوه. فقال: ذو القروح، يعني: امرؤ القيس، فرجعوا فأخبروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: صدق، رفيع في الدنيا خامل في الآخرة، شريف في الدنيا، وضيع في الآخرة، هو قائد الشعراء إلى النار. أو كما قال. قال محمد بن الحسن المخزومي: قيل لحسان بن ثابت: من أشعر الناس؟ قال: أبو أمامة يعني النابغة الذبياني. قال: ثم من؟ قال: حسبك بي مناضلاً أو منافحاً. قيل: فأين أنت من امرؤ القيس؟ قال: إنما كنت في ذكر الإنس. قدم قوم من اليمن على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا محمد أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس بن حجر. قال: " وكيف ذلك "؟ قالوا: أقبلنا نريدك فضللنا فبقينا ثلاثاً بغير ماء، فاستظللنا بالطلح والسمر وفي رواية فانطلق كل رجل منا إلى أصل شجرةٍ ليموت في ظلها فبينا نحن في آخر رمق إذ أقبل فأقبل راكب متلثم بعمامة، وتمثل رجل منا ببيتين: " من الطويل " ولما رأت أن الشريعة همها ... وأن البياض من فرائضها دامي تيممت العين التي عند ضارجٍ ... يفيء عليها الطلح عرمضها طامي فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ قال: امرؤ القيس بن حجر. قال: فلا والله

ما كذب. هذا ضارج عندكم، فحبونا على الركب إلى ماء كما ذكر، عليه العرمض، يفيء عليه الطلح، فشربنا رينا، وحملنا ما بلغنا من الطريق. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، منسيٌ في الآخرة، خاملٌ فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعر إلى النار ". ويقال: إن لبيداً قدم المدينة قبل إسلامه فقال رجل من قريش لرجل منهم: انهض إلى لبيد، فاسأله أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أشعر الناس؟ فنهض إليه فسأله. قال: " إن شئت أخبرتك من أعلمهم ". قال: بل أشعرهم. قال: " يا حسان! أعلمه "، فقال حسان: الذي يقول: " من الطويل " كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي قال: هذا امرؤ القيس، فمن الثاني؟ قال: " يا حسان أعلمه ". قال: الذي يقول: " من المتقارب " كأن تشوفه بالضحى ... تشوف أزرق ذي مخلب إذا سل عنه جلالٌ له ... يقال سليبٌ ولم يسلب قال لبيد: وهذا له أيضاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أدركته لنفعته ". ثم قال: " معه لواء الشعراء يوم القيامة حتى يتدهدى بهم في النار ". فقال لبيد: ليت هذه المقالة قيلت لي، وأني أدهدى في النار، ثم أسلم بعد، فحسن إسلامه. قال أبو سليمان الخطابي في حديث عمر، أنه ذكر امرأ القيس، فقال: خسف لهم عين الشعر، وافتقر عن معانٍ عورٍ أصح بصراً. فسره ابن قتيبة في كتابه، فقال: خسف من الخسيف، وهو البئر يحفر في حجارة،

فيستخرج منها ماءٌ كثير. وافتقر: فتح، وهو من الفقير. والفقير: فم القناة. وقوله: عن معان عور. يريد أن امرأ القيس من اليمن، وليست لهم فصاحة. قال أبو سليمان: هذا لا وجه له، ولا موضع لاستعماله فيمن لا فصاحة له، وإنما أريد بالعور ههنا: غموض المعاني ودفنها من قولك: عورت الركية إذا دفنتها، وركية عوراء، قال الشاعر: " من الزجر " ومنهل أعور إحدى العينين ... بصيرة الأخرى أصم الأذنين جعل العين التي تنبع بالماء بصيرة، وجعل المندفنة عوراء، فالمعاني العور على هذا: هي الباطنة الخفية. كقولك: هذا كلام معمى: أي غامض غير واضح. أراد عمر أنه قد غاص على معان خفية على الناس، فكشفها لهم. وضرب العور مثلاً لغموضها وخفائها، وصحة البصر مثلاً في ظهورها وبيانها. وذلك كما أجمعت عليه الرواة، من سبقه إلى معان كثيرة لم يحتذ فيها على مثال متقدم: كابتدائه في القصيدة بالنسيب، والبكاء في الأطلال، والتشبيهات المصيبة، والمعاني المقتضبة التي تفرد بها، فتبعه الشعراء عليها، وامتثلوا رسمه فيها. قال يونس بن حبيب: علماء البصرة يقدمون امرأ القيس بن حجر، وأله الكوفة يقدمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة. قال ابن سلام: واحتج لامرئ القيس من يقدمه، وليس أنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها، استحسنتها العرب واتبعته فيها الشعراء، منه: استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وتشبيه النساء بالظباء والبيض، وتشبيه الخيل بالعقبان والعصي وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين

المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيهاً؛ وأحسن الإسلام تشبيهاً ذو الرمة. قال أبو عبيدة: ذهبت اليمن بجد الشعر وهزله؛ فجده امرؤ القيس، وهزله أبو نواس. سئل الفراء يحيى بن زياد القيسي النحوي عن أشعر العرب؟ فأبى أن يقول، فقيل له: إنك لهذا موضع فقل، فقال: كان زهير بن أبي سلمى واضح الكلام، مكتفية بيوته، البيت منها بنفسه كافٍ، وكان جيد المقاطع، وكان النابغة جزل الكلام حسن الابتداء والمقطع، يعرف في شعره قدرته على الشعر، لم يخالطه ضعف الحداثة. وكان امرؤ القيس شاعرهم الذي علم الناس الشعر والمديح والهجاء بسبقه إياهم، وإنه إن كان خارجاً من حد الشعراء ينوفهم وكان لطرفة شيء ليس بالكثير، وليس كما يذهب إليه بعض الناس لحداثته، وكان لو متع بسنٍّ حتى يكبر معه شعره، كان خليقاً أن يبلغ المبالغ. وكان الأعشى يضع لسانه من الشعر حيث شاء، وكان الحطيئة نقي الشعر، قليل السقط، حسن الكلام مستويه، وكان لبيد وابن مقبل يجريان مجرىً واحداً في خشونة الكلام وصعوبته. وليس ذلك بمحمودٍ عند أهل الشعر، وأهل العربية يشتهونه لكثرة غريبه، وليس يجود الشعر عند أهله حتى يكون صاحبه يقدر على تسهيله وإيضاحه؛ فإذا نزلت عن هؤلاء فجرير والفرزدق، فهما اللذان فتقا الشعر وعلما الناس، وكادا يكونان خاتمي الشعر. وكان ذو الرمة مليح الشعر يشبه فيجيد ويحسن، ولم يكن هجاءً ولا مداحاً، وليس الشاعر إلا من هجا فوضع، أو مدح فرفع، كالحطيئة والأعشى فإنهما كانا يرفعان ويضعان، ثم قال الفراء: والله الرافع والواضع. قال ابن الكلبي: لما أقبل امرؤ القيس بن حجر يريد بني أسد ثائراً بأبيه، وكان مرثد بن علس بن ذي حزن ملك جهينة قد أمده بخمس مائة رجل من حمير رماة، فسار حتى مر بتبالة وبها ذو الخلصة، وكانت العرب كلها تعظمه، فدخل امرؤ القيس عليه وعنده قداح له ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص، يستسقم في قتال بني أسد، فخرج

الناهي، فأعاد، فخرج الناهي، فأعاد، فخرج الناهي، فكسر الأقداح وضرب بها وجه ذي الخلصة، وقال: عضضت بأير أبيك، لو كان أبوك المقتول لما عوقتني، ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلاً ذريعاً، فلم يستسقم عند ذي الخلصة حتى جاء الله بالإسلام. قال أبو عمرو بن العلاء: أقبل امرؤ القيس حتى لقي الحارث التوأم اليشكري وكان الحارث يكنى أبا شريح، فقال امرؤ القيس: " من الوافر " أحار ترى بريقاً لم يغمض فقال الحارث: كنار مجوس تستعر استعارا فقال امرؤ القيس: أرقت له ونام أبو شريح فقال الحارث: إذا ما قلت قد هدأ استطارا فقال امرؤ القيس: كأن حنينه والذعر فيه فقال الحارث: عشارٌ ولهٌ لاقت عشارا فقال امرؤ القيس: فلم يترك ببطن الجو ظبياً فقال الحارث: ولم يترك بعرصتها حمارا

فقال امرؤ القيس: فلما إذ علا بقفا أضاحٍ قال الحارث: وعت أعجاز ريقه فحارا فقال امرؤ القيس: لا بغيت أحداً بعدك بالشعر. قال الشافعي: قال امرؤ القيس: " من الطويل " ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبي على المرء عرسه ... وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي ومن شعره: فلو أن ما سعى لأدنى معيشةٍكفاني ولم أطلب قليلٌ من المال ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي قال خالد بن يزيد الكاتب: بينا أنا مارٌ بباب الطاق إذ براكب خلفي على بغلة، فلما لحقني نخسني بسوطه، فقال: أنت القائل يا خويلد: وليل المحب بلا آخر؟ قلت: نعم! قال: لله أبوك، وصف امرؤ القيس الليل الطويل في ثلاثة أبيات، ووصفه النابغة في ثلاثة أبيات، ووصفه بشار بن برد في ثلاثة أبيات، وبرزت عليهم بشطر

كلمة فلله أبوك. قلت: وبم وصفه امرؤ القيس؟ فقال: بقوله: " من الطويل " وليلٍ، كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بجوزه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ... بصبحٍ وما الإصباح فيك بأمثل قلت: وبما وصفه النابغة؟ فقال: بقوله: " من الطويل " كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب وصدرٍ أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الهم من كل جانب تقاعس حتى قلت ليس بمنقضٍ ... وليس الذي يهدي النجوم بآيب قلت له: وبم وصفه بشار؟ فقال: بقوله: " من الطويل " خليلي ما بال الدجى لا تزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح؟ أظن الدجى طالت وما طالت الدجى ... ولكن أطال الليل سقم مبرح أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليلٌ كله ليس يبرح؟ قلت له: يا مولاي هل لك في شعر قلته لم أسبق إليه؟ قال: نعم. فقلت: " من مجزوء الرمل " كلما اشتد خضوعي ... لجوىً بين ضلوعي ركضت في حلبتي خد ... ي خيلٌ من دموعي قال: فثنى رجله من بغلته وقال: هاكها فاركبها فأنت أحق بها مني. فلما مضى سألت عنه فقيل: هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي.

امرؤ القيس بن عابس بن المنذر

ومن شعر امرئ القيس: " من الطويل " إذا قلت هذا صاحبٌ قد رضيته ... وقرت به العينان بدلت آخرا وذلك أني لم أثق بمصاحبٍ ... من الناس إلا خانني وتغيرا ولما احتضر امرؤ القيس بأنقرة نظر إلى قبر فسأل عنه فقالوا: قبر امرأة غريبة فقال: " من الطويل " أجارتنا إن المزار قريب ... وإني مقيمٌ ما أقام عسيب أجارتنا إنا غريبان هاهنا ... وكل غريبٍ للغريب نسيب وروي أن هذين البيتين وجدا على قبر أبي نواس مكتوبين والبيت الأول: أجارتنا إن الخطوب تنوب امرؤ القيس بن عابس بن المنذر ابن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية ابن كندة، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الكندي، وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم، ورجع إلى بلاد قومه، وثبت على إسلامه، فلم يرتد مع من ارتد من كندة، ثم خرج إلى الشام مجاهداً وشهد اليرموك. وكان امرؤ القيس بن عابس نازلاً ببيسان من الشام. وكان شاعراً.

أمية بن أبي الصلت عبد الله

حدث رجاء بن حيوة وعرس بن عميرة أن رجلاً من حضرموت وامرأ القيس بن عابس كان بينه وبين آخر خصومة في أرض له، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحضرمي البينة، فلم تكن له بينة، فقضى على امرئ القيس باليمين، فقال الحضرمي: يا رسول الله، أمكنته من اليمين، ذهبت والله أرضي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها - يعني مال امرئٍ مسلم - لقي الله يوم يلقاه وهو عليه غضبان ". قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأ القيس فتلا عليه هذه الآية: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً " إلى آخر الآية. قال امرؤ القيس: يا رسول الله، ماذا لمن تركها؟ قال: " الجنة ". قال: فإني أشهدك أني قد تركتها. وكان امرؤ القيس جاهلياً وأدرك الإسلام. ووفد إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يرتد في أيام أبي بكر، وأقام على الإسلام، وكان له غناءٌ في الردة، وهو القائل: " من الوافر " ألا أبلغ أبا بكرٍ رسولاً ... وخص بها جميع المسلمينا فلست مجاوراً أبداً قبيلاً ... بما قال الرسول مكذبينا دعوت عشيرتي للسلم حتى ... رأيتهم أغاروا مفسدينا فلست مبدلاً بالله رباً ... ولا متبدلاً بالسلم دينا أمية بن أبي الصلت عبد الله ابن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال أبو الحكم الثقفي. شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان نبياً وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وأنه هو الذي أراد الله تعالى بقوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".

قال أبو سفيان: خرجت وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجاراً إلى الشام، فكلما نزلت منزلاً أخذ أمية سفراً له يقرؤها علينا. فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاؤوه وأهدوا له وأكرموه، وذهب معهم إلى بيتهم، ثم رجع في وسط النهار، فطرح ثوبيه، وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما وقال لي: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب نسأله؟ قلت: لا أرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأوجلن منه، قال: فذهب، وخالفه شيخ من النصارى، فدخل علي فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: ألست على دينه، قال: وإن، فإنك تسمع منه عجباً وتراه؛ ثم قال لي: أثقفي أنت؟ قلت: لا ولكني قرشي. قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحتكم، ويوصي بكم. قال: فخرج من عندنا، ومكث أمية حتى جاءنا، بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح كئيباً حزيناً ساقطاً غبوقه على صبوحه، ما يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال: نعم، قال: فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين من همه، ثم قال لي في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟ قلت: وهل بك من حديث؟ قال: والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك، قال: أما إن ذلك لشيءٌ لست فيه إنما ذلك جلت به من منقلبي؟ قال: قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إني والله لأموتن ثم لأحيين، قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، قال: فضحك ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان، لنبعثنّ ولنحاسبنّ وليدخلنّ فريق الجنة وفريق النار، فقلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك لا فيّ ولا في نفسه، قال: فكان في ذلك ليلتين، يعجب مني وأضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق فبعنا متاعنا فأقمنا بها شهرين، فارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم حتى بعدما انتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاءنا بعد هدأة الليل، فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام وأصبح حزيناً كئيباً لا يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا كذلك من بثه وحزنه ليالي، ثم قال لي: يا أبا سفيان، هل لك في المسير نتقدم أصحابنا؟ قلت: هل لك فيه؟ قال: فسر،

فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر! قلت: ما تشاء؟ قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي والله، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله. قال: وكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم. قال: فهل تعلم قرشياً أشرف منه؟ قلت: لا والله لا أعلمه. قال: أمحوج هو؟ قلت: لا بل هو ذو مال كثير. قال: وكم أتى عليه من السن؟ قلت: قد زاد على المائة. قال: فالشرف والسن والمال أزرين به. قلت: ولم ذاك يزري به؟ لا والله بل يزيده خيراً. قال: هو ذلك، هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فاضطجعنا حتى مر الثقل، قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل، وبتنا به، ثم رحلنا منه، فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان، قلت: ما تشاء؟ قال: هل لك في مثل البارحة؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فسرنا على ناقتين بختيتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر هيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: هيهاً فيه، قال: أيجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم، ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله إنه ليفعل. فقال: وذو مال؟ قال: أتعلم قرشياً أسود منه؟ قلت: لا والله ما أعلمه. قال: كم أتى له من السن؟ قلت: قد زاد على المائة، قال: فإن السن والشرف والمال أزرين به. قلت: كلا والله ما أزرى به ذاك، وأنت قائل شيئاً فقله. قال: لا تذكر حديثي حتى يأتي منه ما هو آتٍ، ثم قال: فإن الذي رأيت أصابني أني جئت هذا العالم، فسألته عن أشياء، ثم قلت: أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر قال: هو رجل من العرب. قلت: قد علمت أنه من العرب فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيت يحجه العرب. قلت: وفينا بيت يحجه العرب؟! قال: هو من إخوانكم من قريش، قال: فأصابني والله شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون إياه. فقلت: فإذا كان ما كان فصفه لي، قال: رجل شاب حتى دخل في الكهولة، بدوّ أمره يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده الملائكة. قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم عليه السلام ثلاثين رجفة كلها مصيبة وبقيت رجفة عامة فيها مصائب. قال أبو سفيان: قلت له: هذا والله الباطل. لئن بعث الله رسولاً لا يأخذه إلا

مسناً شريفاً. قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيان، تقول إن قول النصراني حق. هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كنا بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فسألناه، فإذا هو يقول أصابت أهل الشام بعدكم رجفةٌ، دمر أهلها وأصابتهم فيها مصائب عظيمة. قال أبو سفيان: فأقبل علي أمية فقال:: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان؟ قلت: أرى والله وأظن أن ما حدثك صاحبك حق. قال: فقدمنا مكة، فقضيت ما كان معي ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجراً، فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة، فبينا أنا في منزلي جاءني الناس، يسلمون علي، ويسألون عن بضائعهم، ثم جاءني محمد بن عبد الله، وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقامي، ولم يسلني عن بضاعته، ثم قام فقلت لهند: والله إن هذا يعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا قد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته، فقالت لي هند: وما علمت شأنه؟ قلت وفزعت: ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فوقذتني، وذكرت قول النصراني فوجمت حتى قالت هند: ما لك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهو الباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا. قالت: بلى والله إنه ليقول ذلك، ويواتى عليه وإن له لصحابة على دينه. قلت: هذا الباطل. قال: وخرجت فبينا أنا أطوف بالبيت لقيته فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا وكان فيها خير فأرسل فخذها ولست آخذ منك فيها ما آخذ من قومي، فأبى علي وقال: إذاً لا آخذها. فأرسلت: فأرسل فخذها وأنا آخذ منك ما آخذ من قومي. فأرسل إلى بضاعته فأخذها، وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره ولم أنشب أن خرجت إلى اليمن، فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقلت له: يا أبا عثمان، قال: ما تشاء؟ قلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره. قلت: فقد كان. قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله. قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند. قال: فالله يعلم لتصبب عرقاً، ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله أن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لآتلين إلى الله في نصره عذراً. قال: ومضيت إلى

اليمن فلم أنشب أن جاءني هناك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف، فقلت: أبا عثمان، قد كان أمر الرجل ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري. قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟ قال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبداً. قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون، قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة. وعن نافع بن عاصم بن مسعود قال: إنني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمر فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ". قال هل تدرون من هو؟ قال بعضهم: هو صيفي بن الراهب، وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل. قال: لا. قالوا: فمن هو؟ قال: هو أمية بن أبي الصلت. قال الكلبي: بينا أمية راقد ومعه ابنتان له؛ إذ فزعت إحداهما فصاحت عليه، فقال: ما شأنك؟ قالت: رأيت نسرين كشطا سقف البيت فنزل أحدهما إليك فشق بطنك والآخر واقف على ظهر البيت، فناداه، فقال: أوعى؟ قال: نعم، قال: أزكا؟ قال: لا، فقال: ذاك خير أريد بأبيكما فلم يقبله. حدث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته مائة بيت كلما أنشدته ما فيه قال: " إنه قد كاد أن يسلم ".

وحدث الشريد الهمداني قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، فبينا أنا أمشي ذات يوم إذا وقع ناقة خلفي، فالتفت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " الشريد؟ " فقلت: نعم، قال: " ألا أحملك؟ " قلت: بلى. وما بي من عناءٍ ولا لغوب، ولكن أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأناخ، فحملني، فقال: " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ " قلت: نعم. قال: " هات ". فأنشدته. قال: " أظنه قال مئة بيت، فقال: عند الله علم أمية بن الصلت ". قال أبو هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد ابن أبي الصلت أن يسلم ". وعن ابن عباس قال: أنشد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أمية بن أبي الصلت: " من الكامل " رجلٌ وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليثٌ مرصد فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فصدق ". وأنشد قوله: والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يصبح لونها يتورد فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ". وأنشد قوله: تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ". وعن عكرمة قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كل سنة في ثلاث مئة وستين كوة، تطلع كل يوم في كوة لا ترجع إلى تلك الكوة إلا ذلك اليوم من العام القابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، فتقول: رب لا

تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك. فقال: أو لم تسمعوا إلى ما قال أمية بن الصلت: حتى تجبر وتجلد؟ قلت: يا مولاي؟ أو تجلد الشمس؟ فقال: عضضت على هن أبيك إنما اضطر الروي إلى الجلد. وعن عكرمة قال: قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمية بن أبي الصلت، آمن شعره، وكفر قلبه؟ فقال: هو حقٌّ فما أنكرتم من ذلك؟ قلت: أنكرنا قوله: والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يقبح لونها يتورد ليست بطالعةٍ لهم في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد ما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها: اطلعي اطلعي، فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملكٌ، فيستقل لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها، وذلك قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما طلعت إلا بين قرني شيطان ". وما غربت الشمس قط إلا خرت لله ساجدة، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تحتها. وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا غربت إلا بين قرني شيطان ". قال ابن أبي الدنيا: إن لله تعالى من العلوم ما لا يحصى، يعطي كل واحد من ذلك ما لا يعطي غيره. لقد روي عن بكر السهمي عن أبيه أن قوماً كانوا في سفر، فكان فيهم رجل يمر الطائر فيقول: تدرون ما يقول هذا؟ فيقولون: لا فيقول: يقول: كذا وكذا، فيحيلنا على شيء لا ندري أصادق هو أم كاذب إلى أن مروا على غنم وفيها شاة قد تخلفت على سخلة لها، فجعلت تحنو عنقها إليها وتثغو فقال: أتدرون ما تقول هذه الشاة؟ قلنا: لا، قال: تقول للسخلة: الحقي لا يأكلك الذئب كما أكل أخاك عام أول في هذا المكان، قال: فانتهينا إلى الراعي، فقلنا له: ولدت هذه الشاة قبل عامك هذا؟ قال: نعم، ولدت سخلة عام أول، فأكلها الذئب بهذا المكان، ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو يحنو عنقه إليها، فقال: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: لا. قال: فإنه يلعن

راكبته، ويزعم أنها رحلته على مخيط، فهو مزنر في سنامه. قال: فانتهينا إليهم، فقلنا: يا هؤلاء، إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته ويزعم أنه رحلته على مخيط وأنه في سنامه قال: فأناخوا البعير، فحطوا عنه، فإذا هو كما قال. قال الأصمعي: كل شعر قيل في السخاء غلب عليه حاتم، وكل شعر قيل في الشجاعة غلب عليه عنترة، وكل شعر قيل في الغزل غلب عليه ابن أبي ربيعة، وكل ما قيل في الزهد غلب عليه أمية بن أبي الصلت. قال الحسين بن الحسن المروزي: سألت سفيان بن عينية عن تفسير قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء. فقال: أما بلغك حديث منصور عن مالك بن الحارث يقول الله تعالى: " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين؟ " قلت: نعم، قال: هذا تفسيره، ثم قال: أما بلغك ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب فضله ونائله فقال: " من الوافر "

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق عز وجل؟. قال أبو عاصم: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان، فحبس وشركاؤه، فحبس بستة آلاف دينار بحصته، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه، فلما دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة لأمية بن أبي الصلت بقوله لعبد الله بن جدعان: أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء كريمٌ لا يعطله صباحٌ ... عن الخلق الكريم ولا مساء فأرضك أرض مكرمةٍ بنتها ... بنو تيمٍ وأنت لها سماء إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء فقال: لا يا أبا سطام لا تذكرها قد عرفناها وقضيناها لك. ادفعوا إليه أخاه، لا تلزموه شيئاً. ومن شعر أمية بن أبي الصلت: " من الكامل " لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان بل يسفرون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان وإذا المقل أقام وسط رحالهم ... ردوه رب صواهل وقيان وإذا دعوتهم لكل مهمةٍ ... سدوا شعاع الشمس بالفرسان ومن شعره: " من الطويل " عطاؤك زينٌ لامرئٍ إن حبوته ... بخيرٍ وما كل العطاء يزين وليس بشينٍ لامرئٍ بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين قال سعيد بن المسيب: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح مكة، وكانت ذات عقلٍ ولبٍ وجمال، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها معجباً، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " يا فارعة هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً؟ "، فقالت: نعم، وأعجب منه ما قد رأيت قالت: كان أخي في سفر، فلما انصرف بدأ بي، فدخل علي، فرقد على السرير وأنا أحلق أديماً في يدي إذ أقبل طائران أبيضان أو كالطيرين أبيضين، فوقع على الكوة أحدهما،

ودخل الآخر فوقع عليه فشق الواقع عليه ما بين قصته إلى عانته، ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى. قال: أزكا؟ قال: أبى، ثم رد القلب إلى مكانه، فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين، ثم ذهبا، فلما رأيت ذلك دنوت منه فحركته، فقلت: هل تجد شيئاً؟ قال: لا، إلا توصيباً في جسدي وقد كنت ارتعت مما رأيت، فقال لي: ما لي أراك مرتاعة؟ قالت: فأخبرته الخبر، فقال: خير أريد بي ثم أصرف عني، فأنشأ يقول من أبيات: " من المنسرح " باتت همومي تسري طوارقها ... أكف عيني والدمع سابقها مما أتاني من اليقين ولم ... أوت براةً يقص ناطقها أمن تلظى عليه واقدة النار محيطٌ بهم سرادقها أم أسكن الجنة التي وعد ال ... أبرار مصفوفةٌ نمارقها لا يستوي المنزلان ثم ولا ال ... أعمال لا تستوي طرائقها قالت: فلما انصرف إلى رحله لم يلبث إلا يسيراً حتى ظعن في جنازته، فأتاني الخبر، فانطلقت إليه، فوجدته منعوشاً قد سجي عليه، فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف ورفع صوته: لبيكما ها أنذا لديكما لا ذو مال فيفديني ولا ذو أهل فيحميني، ثم أغمي عليه، إذ شهق شهقة، قلت: قد هلك الرجل فشق بصره نحو السقف ورفع صوته فقال: " من مجزوء الرجز "

لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقةً، ونظر نحو السقف فقال: لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما إن تغفر اللهم تغفر جماً ... وأي عبدٍ لك إلا ألما ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقال: لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما " من الخفيف " كل عيشٍ وإن تطاول دهراً ... صائرٌ مرةً إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا ثم مات. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا فارغة! إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها " إلى آخر الآية. قال يعقوب بن السكيت: كان أمية بن أبي الصلت بسرف قال: فجاء غراب، فنعب نعبة فقال له أمية: بفيك التراب، ثم نعب نعبة أخرى قال: بفيك التراب، ثم أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال الغراب؟ يزعم أني أشرب هذا الكأس ثم أتكئ فأموت، ثم نعب نعبة أخرى، فقال: وآية ذلك أني أقع على هذه المزبلة فأبتلع عظماً ثم أقع فأموت قال: فوقع الغراب على المزبلة فابتلع عظماً فمات، فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه ولكن لأنظرن أيصدقني عن نفسي؟ قال: فشرب الكأس ثم اتكأ فمات. قال ابن شهاب: قال أمية ابن أبي الصلت: " من البسيط " ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

قال: ثم خرج أمية إلى البحرين ونبئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام أمية بالبحرين ثماني سنين، ثم قدم الطائف، فقال لهم: ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي فهو الذي كنت تتمنى. قال: فخرج حتى قدم عليه مكة. قال: فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقول أني رسول الله وأن الله لا إله إلا هو ". قال: فإني أريد أن أكلمك، تعدني غداً؟ قال: " فموعدك غداً ". قال: فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أي ذلك شئت ". قال: فإني آتيك في جماعة فأت في جماعة، فلما كان الغد غدا أمية في جماعةمن قريش قال: وغدا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه نفرٌ من أصحابه حتى جلسوا في ظل البيت. قال: فتبدأ أمية فخطب، ثم سجع ثم أنشد الشعر قال: حتى إذا فرغ قال: أجبني يا بن عبد المطلب قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم ". قال: حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال: فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد أنه الحق. قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره. قال: ثم خرج أمية إلى الشام. قال: وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلما قتل أهل بدر، أقبل أمية من الشام حتى نزل بدراً، قال: ثم ترحل يريد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال قائل: يا بن أبي الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً. قال: وما تصنع؟ قال: أؤمن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر. قال: تدري من في القليب؟ قال: لا. قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وهما ابنا خالك وأمه رقيقة بنت عبد الشمس. قال: فجدع أنف ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول: " من مجزوء الكامل " ماذا ببدرٍ فالعقن ... قل من مرازبةٍ جحاجح قال: فرجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف، وقدم على أخته فوجدها تجلي أدماً لها، وذكر حديث الطائرين وشق بطنه وإخراج قلبه، وقول الأعلى منهما: أوعى؟ قال: وعى. قال: أقبل؟ قال: أبى. قال: فرده، ثم طار، فأتبعهما

أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد

أمية بصره، وقال: لبيكما لبيكما وقص بقية الحديث وأنشأ يقول من أبيات: " من الخفيف " ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قنان الجبال أرعى الوعولا فاجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا وخرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت. قال: ففيه أنزل الله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ". أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. أصله من مكة قدم على عبد الملك وكانت داره بدمشق. عن أمية بن عبد الله بن خالد أنه سأل عبد الله بن عمر قال: قلت له: أرأيت قصر الصلاة في السفر إنا لا نجدها في كتاب الله، إنما نجد ذكر صلاة الحضر؟ قال أمية: قال عبد الله بن عمر: يا بن أخي إن الله أرسل إلينا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نعلم شيئاً، وإنما نعمل ما رأينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل. وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خليفة بن خياط: وفي سنة ثلاث وسبعين بعث خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وهو والي البصرة أخاه أمية بن عبد الله إلى البحرين إلى أبي فديك في جمع كثير، فالتقوا فانهزم أمية وأهل البصرة.

أمية بن عبد الله بن عمرو

قال: سنة أربع وسبعين، فيها بعث عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي إلى أبي فديك، فقتل أبو فديك، وكتب عبد الملك إلى بكير: إن قتلت ابن خازم أو أخرجته من خراسان فأنت الأمير، فقتل بكيرٌ ابن خازم، وأقام والياً على حتى قدم أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فعزله، وولى أمية - يعني خراسان - ثم عزله، وولى المهلب بن أبي صفرة في سنة تسع وسبعين سجستان ولاها عبد الملك عبد الله بن علي بن عدي ثم عزله، وضمها من خراسان إلى أمية بن عبد الله، وذلك سنة ثلاث وسبعين، فولى أمية ابنه عبد الله بن أمية نحواً من ثلاث سنين فعزله عبد الملك، وولى محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله، فقتله شبيب الحروري بالأهواز قبل أن يصل إليها، وذلك سنة سبع وسبعين، ثم عزل أمية فضمت إلى الحجاج. ومات أمية بن عبد الله في ولاية عبد الملك. وقيل: إن أمية بن خالد وخالد بن يزيد بن معاوية وروح بن زنباع ماتوا بالصنبرة في عام واحد. وقيل: مات روح في سنة أربع وثمانين، وقال: أبو الحسن المدائني: مات أمية بن عبد الله بن خالد سنة سبع وثمانين. أمية بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية أبو عثمان القرشي الأموي. حدث عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم وهو أمير المدينة قال: خلق الله عز وجل الملائكة لعبادته أصنافاً، وإن منهم لملائكة قياماً صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة وملائكة سجوداً منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم تبارك وتعالى ونظروا إلى وجهه الكريم قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

أمية بن عثمان الدمشقي

قال أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: قدمت الصائفة غازياً، فدخلت على عمر بن عبد العزيز، فرحب بي وقال: أين يا أبا عثمان؟ قلت: غازياً إن شاء الله، قال: صنعت الذي يشبهك وما كان عليه أولوك وخيار سلفك، إن ها هنا شيئاً قد أمرنا به لمثل من كان في وجهتك، قال: فقبلت ذلك وكان خمسين ديناراً، فلما رجعت مررت عليه، فقال لي مثل مقالته الأولى، فقلت: يا أمير المؤمنين ما يقع مني هذا موقعاً. قال: ما يزيد على هذا أحد، ولو وجدت سبيلاً إلى أن أعطيك غيره من بيت مال المسلمين لفعلت، فقلت: إن لي ولداً، قال: هذا حق نكتب لك إلى عاملك من كان منهم يطيق معاملة المسلمين في مغازيهم فرض له في عيال المسلمين. قلت: فإن علي ديناً فاقضه عني، قال: هذا حق نكتب لك إلى عاملك، فيبيع مالك فيقضي دينك، وما فضل عليك قضاه من بيت مال المسلمين، فقلت له: والله ما جئتك لتفلسني وتبيع مالي. قال: والله ما هو غيره. قال أمية بن عبد الله: كنا عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل لرجل: تحت إبطك، فقال عمر: ما على أحدكم أن يتكلم بأجمل ما يقدر عليه، قالوا: وما ذاك؟ قال: لو قال تحت يدك كان أجمل. وكان أمية غزا طيئاً يوم المنتهب فهزمته وفي سنة ثلاثين ومائة يوم القديد قتل أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. أمية بن عثمان الدمشقي حكى عنه محمد بن عكاشة الكرماني أصول السنة على ما قيل. قدم محمد بن عكاشة الكرماني البصرة سنة خمس وعشرين ومائتين، فقال: هذا ما اجتمع أهل السنة والجماعة ممن رأيت وسمعت من أهل العلم منهم: سفيان بن عينية، فذكر

جماعة، ثم قال: وأمية بن عثمان الدمشقي وأحمد بن خالد الدمشقي، فذكر ما عليه أهل السنة من السنن. قال محمد بن عكاشة وقد كان روى لنا عن الزهري قال: من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرأ فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه. قال محمد بن عكاشة فدمت عليه نحواً من سنتين أغتسل كل ليلة جمعة وأصلي ركعتين أقرأ فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعرض عليه هذه الأصول قال: فأتت علي ليلة باردة، فاغتسلت طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصليت ركعتين قرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، فلما أخذت مضجعي أصابني حلم، فقمت الثانية فاغتسلت، ثم صليت ركعتين قرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة فلما فرغت منهما كان قريباً من السحر فاستندت إلى الحائط ووجهي إلى القبلة، فجاءني النوم، فدخل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النعت والصفة وعليه بردان من هذه البرود الثمانية، قد تأزر بإزار وارتدى بآخر فجثا مستوفزاً على رجله اليسرى وأقام اليمنى. قال محمد بن عكاشة فأردت أن أقول حياك الله يا رسول الله، فبدأني فقال: حياك الله. قال: وكنت أحب أن أرى رباعيته المكسورة فتبسم فرأيت رباعيته المكسورة فقلت: يا رسول الله الفقهاء قد خلطوا علي في الاختلاف وعندي أصيلات من السنة أعرضها قال: نعم. قلت: الرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والصبر على حكمه، والأخذ بما أمر الله، والنهي عما نهى الله، وإخلاص العمل، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين، والمسح على الخفين، والجهاد مع كل خليفة، والصلاة يوم الجمعة مع كل بر وفاجر والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة، والإيمان قول وعمل، والإيمان يزيد وينقص، والقرآن كلام الله، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم من عدل أو جور، ولا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، ولا ننزل أحداً من أهل القبلة جنة ولا ناراً، ولا نكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عملوا بالتوحيد والكف عن مساوئ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان قال محمد بن عكاشة: فوقفت على علي وعثمان كأني هبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أفضل عثمان على علي، فقلت في نفسي: علي ابن عمه وختنه، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قد علم، فقال: " عثمان ثم علي " ثم قال: " هذه السنة فتمسك بها ". وضم أصابعه وعقد على ثلاثةٍ وتسعين، وحول الإبهام

أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص

وعطفها على أصابعه. قال محمد بن عكاشة: فعرضت هذه الأصول عليه ثلاث ليال كل ليلة أقف على علي وعثمان فيبتسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قولي كأنه قد علم، ثم يقول: " عثمان ثم علي "، فكنت أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهطلان. قال: فلما قلت: والكف عن مساوئ أصحابك انتحب حتى علا صوته. قال ابن عكاشة: ووجدت حلاوة في فمي وقلبي فمكثت ثمانية أيام لا آكل طعاماً حتى ضعفت عن صلاة الفريضة فلما أكلت ذهبت عني الحلاوة. وقد روي عن منبه بن عثمان بدل أمية. قال: وهو الصحيح. أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي والد إسماعيل بن أمية كان بالشام عند قتل أبيه وبعد ذلك، وكان عند عمر بن عبد العزيز وسكن مكة. حدث محمد بن كعب قال: كنا بخناصرة في مجلس فيه أمية بن عمرو بن سعيد وعراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز فقال عمر بن عبد العزيز: ما أحد أكرم على الله عز وجل من كريم بني آدم قال الله عز وجل: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " وقال أمية بن عمرو مثل قول عمر بن عبد العزيز فقال عراك بن مالك: ما أحد أكرم على الله من ملائكته، هم خدمة داريه ورسله إلى أنبيائه، وما خدع إبليس آدم إلا أنه قال: " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما من الناصحين " قال: فقال عمر بن عبد العزيز: ما رأيك يا أبا حمزة - يعني محمد بن كعب - فيما امترينا فيه؟ قال: قلت: قد أكرم الله آدم خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة أن يسجدوا له وجعل من ذريته من تزوره الملائكة، وجعل من ذريته الأنبياء والرسل وأما قوله " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " فهذا للخلائق كلهم قال الله تعالى: " والذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون

أمية بن يزيد بن أبي عثمان

بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً " الآية، فهؤلاء من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم ذكر الجن فقال: إنهم قالوا: " وإنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً وأنا منا المسلمون " فهؤلاء من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم جمع الخلائق كلهم وقال: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية " فهؤلاء من الملائكة والإنس والجن ليس خاصة لبني آدم. أمية بن يزيد بن أبي عثمان ابن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص بن أمية الأموي. روي عن أبي مصبح الحمصي عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأس الدين النصيحة " وفي رواية عنه " الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة ". قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ". قافل أمية بن يزيد: سألت عمر بن عبد العزيز أن يفرض لابنٍ لي، فقال: لو كنت أفرض لابن لي مثله فرضت لهذا. قال أمية بن يزيد: كان عمر بن عبد العزيز إذا أملى على كتابه قال: اللهم إني أعوذ بك من شر لساني. قتله صالح بن علي بن أو عبد الله بن علي يوم نهر أبي فطرس سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

انتصار بن يحيى المصمودي

انتصار بن يحيى المصمودي المعروف برزين الدولة. غلب على دمشق في المحرم سنة ثمان وستين وأربع مائة حين هرب عنها معلى بن حيدرة بن منزو، فاجتمعت المصامدة إلى انتصار هذا، وكان زمامهم والمقدم عليهم، وقووا نفسه على الأمر فرضي أكثر الناس بذلك لسداده وحميد سيرته، فاستقر أمره يوم الأحد مستهل المحرم، وأقام والياً بها إلى أن دخلها أتسز في ذي القعدة من هذه السنة، فعوضه عن دمشق بانياس ويافا من الساحل. أنس بن السلم بن الحسن بن السلم أبو عقيل الخولاني الأنطرطوسي. حدث بدمشق سنة تسع وثمانين ومائتين عن عيسى بن سليمان الشيزري بسنده إلى أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعيذ من عذاب القبر. وحدث عن عمرو بن هشام الحراني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ". أنس بن سيرين وكنية سيرين أبو عمرة أخو محمد بن سيرين أبو حمزة، ويقال: أبو موسى. ويقال: أبو عبد الله من أهل البصرة. قدم دمشق مع أنس بن مالك. قال أنس بن سيرين: سألت ابن عمر عن الركعتين قبل الغداة أطيل فيهما القراءة؟ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي مثنى مثنى، ويوتر بركعة. قال: قلت: ليس غير هذا أسألك، قال: إنك لضخم، ألا تدعني أستقرئ لك الحديث! كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي

من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي ركعتي الغداة، وكان الأذان بأذنه. قال حماد: يعني بسرعته. قال أنس بن سيرين: سمعت أنس بن مالك قال: قال رجل من الأنصار وكان ضخماً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع الرجل له طعاماً فدعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير لهم، فصلى عليه ركعتين. قال: فقال فلان بن فلان بن الجارود لأنس: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الضحى؟ قال: ما رأيته صلاها غير ذلك اليوم. قال الأوزاعي: حدثت أن أنس بن سيرين صام يوم عرفة فجهده الصوم، فسأل ابن عمر وابن عباس وأبا سعيد الخدري وأنس بن مالك فأمروه أن يفطر ويقضي. قال أنس بن سيرين: تلقينا أنس بن مالك حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر وهو يصلي على دابته لغير القبلة، فقلنا له: إنك تصلي إلى غير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ذلك ما فعلت. وعن أنس بن سيرين قال: أقبلت مع أنس بن مالك من الشام فكان يصلي على حماره أين ما توجه به تطوعاً حتى أتينا أطط وأصبحت الأرض غدائر، فاستخار ربه واستقبل القبلة وصلى على حماره. قال أنس بن سيرين: ولد محمد بن سيرين لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان، وولدت لسنةٍ بقيت من خلافته.

أنس بن عباس بن عامر بن حي

وكانوا ستة، خمسة أخوة، وأختهم حفصة وكان أكبرهم معبد بن سيرين، ويحيى بن سيرين، ومحمد بن سيرين، وخالد بن سيرين، وأنس بن سيرين - وكان أصغرهم - وحفصة بنت سيرين. قال حماد بن زيد: قلنا لأنس بن سيرين: حدثنا بحديث عسى الله أن ينفعنا به. قال: اتقوا الله واتقوا أحاديث أحدثت لا نعرفها. وعن أنس بن سيرين قال: ولي أنس بن مالك أعمالاً من أعمال البصيرة، فاستعملني على الأبلة، قال: فقلت: تستعملني على المكس من بين عملك؟ قال: وما عليك أن تأخذ بكتاب عمر قال: قلت: وما كتاب عمر؟ قال: كتب أن آخذ من المسلمين من كل أربعين درهماً درهماً ومن أهل الذمة من كل عشرين درهماً درهماً، وممن لا ذمة له من كل عشرة. يعني درهما، فقلت: ومن لا ذمة له؟ قال: الروم كانوا يجيئون بتجارات لهم إلى المدينة فيؤخذ منهم العشر. حدث حماد بن زيد قال: أتينا أنس بن سيرين فلما رآنا قال: قد جاء اللغاطون قد جاء اللغاطون. يعني أصحاب الحديث. ومات أنس بن سيرين سنة ثمان عشرة وقيل سنة عشرين. أنس بن عباس بن عامر بن حي ابن رعل بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور السلمي، أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد عليه وكان في الجيش الذي أمد بهم عمر بن الخطاب أهل القادسية ممن شهد اليرموك.

وفيما ذكر العلماء من وفود العرب على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: وقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من بني سليم يقال له قيس بن نشبة، فسمع كلامه وسأله عن أشياء فأجابه، ووعى ذلك كله، ودعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام فأسلم، ورجع إلى قومه بني سليم، فقال: قد سمعت ترجمة الروم، وهيمنة فارس، وأشعار العرب، وكهانة الكاهن، وكلام مقاول حمير، فما يشبه كلام محمدٍ شيئاً من كلامهم، فأطيعوني وخذوا بنصيبكم منه. فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقوه بقديد وهم سبع مائة رجل، ويقال كانوا ألفاً، وفيهم العباس بن مرداس، وأنس بن عباس بن رعل، وراشد بن عبد ربه، فأسلموا وقالوا: اجعلنا في مقدمتك، واجعل لواءنا أحمر، وشعارنا مقدماً، ففعل ذلك بهم، فشهدوا معه الفتح والطائف وحنيناً. وأعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راشد بن عبد ربه رهاطاً وفيها عين يقال لها عين الرسول، وكان راشد يسدن صنماً لبني سليم، فرأى يوماً ثعلبين يبولان عليه فقال: ربٌّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب ثم شد عليه فكسره، ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ما اسمك؟ " قال: غاوي بن عبد العزى، قال: أنت راشد بن عبد ربه. فأسلم وحسن إسلامه وشهد الفتح مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير قرى عربية خيبر، وخير بني سليم راشدٌ ". وعقد له على قومه. قال عبد الله محمد بن المكرم معلق هذا المختصر: هكذا رأيت هذا البيت بتثنية الثعلب، والبيت نعرفه أن ذكر الثعلب يقال له ثعلبان، وعلى ذلك أورد علماء اللغة هذا البيت، وفي أول البيت همزة استفهام: أربٌّ يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب

أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي المدني

وما أدري هذا تصحيف أو رواية! وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو على رعل وفالج وذكوان وعصية، وهؤلاء كلهم من بني سليم، ولما قتل أصحاب بئر معونة دعا عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين ليلة حتى نزل عليه: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " فأمسك عنهم. أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي المدني حدث عن هشام بن عروة عن أبيه يحدث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ". قال أبو ضمرة: ولدت سنة أربع ومائة، وكان أبو ضمرة قدم بلخ في ولاية نصر بن سيار، ومات سنة مائتين. كان ثقة. وقيل مات سنة تسع وتسعين ومائة. قال أبو خيثمه: قال لنا أنس بن عياض: أنا أسير الله في أرضه، يعني أنه بلغ تسعين سنة. أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم ابن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، أبو حمزة، ويقال: أبو ثمامة الأنصاري النجاري، خادم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه، قدم دمشق أيام الوليد بن عبد الملك. حدث أنس بن مالك قال: كان ابن لأم سليم يقال له: أبو عمير، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمازحه إذا دخل على أم سليم، فدخل يوماً فوجده حزيناً فقال: " ما لأبي عمير حزيناً؟ فقالت: يا رسول الله مات

نغيره الذي كان يلعب به، فجعل يقول: " يا أبا عمير ما فعل النغير؟ ". وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام ". أو قال: " ثلاث ليال ". وعن عروة بن رويم قال: أقبل أنس بن مالك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بدمشق قال: فدخل عليه فقال له معاوية: حدثني بحديث سمعته من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بينك وبينه فيه أحد. قال أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإيمان يمانٍ هكذا إلى لخم وجذام ". قال الحافظ: هكذا قال معاوية، وقال: والمحفوظ على عبد الملك وعلى الوليد. وعن إسماعيل عن عبيد الله قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد: ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الساعة؟ فحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لست من الدنيا وليست مني؟ إني بعثت والساعة نستبق ". وفي رواية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم والساعة كتين ". وعن مكحول قال: رأيت أنس بن مالك يمشي في هذا المسجد فقمت إليه فقلت: كيف ترى في الوضوء من الجنازة؟ فقال: أليس إنما كنا في صلاة ورجعنا إلى صلاة؟ لا وضوء. قال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو وحده فسألته وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: ما أعرف شيئاً مما أدركنا إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت. قال أبو مسهر: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك حين استخلف في سنة ست وثمانين،

وقال إسماعيل بن عبيد الله: إنه حضر أنس بن مالك عند الوليد بن عبد الملك سنة ثنتين وتسعين، ومات أنس بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ثنتين وتسعين، وهو آخر من مات بالبصرة من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: كان يوم مات ابن تسع وتسعين سنة، وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار، وقيل: اسمها مليكة بنت ملحان، وأمها الرميصاء. قال قتاده: لما مات أنس بن مالك رضي الله عنه قال مورق: ذهب اليوم نصف العلم، قيل: كيف ذلك يا أبا المعتمر؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث قلنا: تعالى إلى من سمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى الزهري عن أنس قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن عشر سنين، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة، كون أمهاتي يحثثنني على خدمته، فدخل علينا دارنا فاستقينا من بئرنا وحلبنا له من شاة لنا داجن، فناولته فشرب، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: " الأيمن فالأيمن ". وحدث سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي وانطلقت بي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا قد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك. فخدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، فما ضربني ضربة، ولا سبني سبة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، فكان أول ما أوصاني به أن قال: " يا بني اكتم سري تك مؤمناً ". فكانت أمي وأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألنني عن سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أخبرهم به، وما أنا مخبر بسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً أبداً. وقال: " يا بني عليك بإسباغ الوضوء يحبك حافظاك ويزد في عمرك، ويا بني بالغ في الاغتسال من الجنابة فإنك تخرج من مغتسلك وليس عليك ذنب ولا خطيئة ". قال: قلت: كيف المبالغة يا رسول الله؟ قال: " تبلغ

أصل الشعر وتنقي البشرة، ويا بني إن استطعت أن لا تزال أبداً على وضوء فإنه من يأته الموت وهو على الوضوء يعطى الشهادة، ويا بني إن استطعت لا تزال أن تصلي فإن الملائكة تصلي عليك مادمت مصلياً، ويا بني إذا ركعت فأمكن كفيك من ركبتيك، وافرج بين أصابعك، وارفع مرفقيك عن جنبيك، ويا بني إذا رفعت رأسك من الركوع فأمكن كل عضوٍ منك موضعه؛ فإن الله لا ينظر يوم القيامة إلى من لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده، ويا بني فإذا سجدت فأمكن جبهتك وكفيك من الأرض، ولا تنقر نقر الديك، ولا تقع إقعاء الكلب - أو قال: إقعاء الثعلب - وإياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لابد ففي النافلة لا في الفريضة، ويا بني إذا خرجت من بيتك فلا تقعن عينك على أحد من أهل القبلة إلا سلمت عليه؛ فإنك ترجع مغفوراً لك، ويا بني إذا دخلت منزلك فسلم على نفسك وعلى أهلك، ويا بني إن استطعت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك شيء لأحد؛ فإنه أهون عليك في الحساب، ويا بني إن اتبعت وصيتي فلا يكن شيء أحب إليك من الموت ". وفي رواية: " يا بني إن قدرت أن تكون من صلاتك في بيتك مثنى فافعل ". وفي آخر الحديث ثم قال: " يا بني وذلك من سنتي، ومن أحب سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة ". وعن ابن همام قال: قال أنس: خدمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن ثمان، وقبض وأنا ابن ثمان عشرة؛ فما قال لي لشيء صنعته لما صنعته؟ ولا قال لشيء لم أصنعه لمَ لم تصنعه؟ وقال لي في مرضه: إني أوصيك بوصية فاحفظها: " أكثر الوضوء يزد في عمرك، ولا تزل طاهراً ولا تبيتن إلا على طهر؛ فإن مت متَ شهيداً، وأكثر صلاة الليل والنهار تحبك الحفظة، وصل صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين، وإذا خرجت من بيتك فسلم على من لقيت من المسلمين تزد في حسناتك، وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم يزد في بركاتك، ووقر كبير المؤمنين، وارحمنّ صغيرهم تكن معي ". وضم بين أصابعه. قال أنس بن مالك: جاءت بي أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أزرتني بنصف خمارها، وردتني ببعضه،

فقالت: يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال: " اللهم أكثر ماله وولده ". قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو مائة اليوم. وفي رواية قال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأدخله الجنة ". قال: فلقد رأيت اثنتين وأنا أرجو الثالثة. وعن ثابت وعن أنس قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا، وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، قال: " قوموا فلأصل بكم - في غير وقت صلاة - فصلى بنا "، فقال رجل لثابت: أين جعل أنساً منه؟ قال: جعله عن يمينه، ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة، فقالت أمي: يل رسول الله خويدمك أدع الله له، قال: فدعا لي بكل خير، فكان في آخر ما دعا به لي أن قال: " اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيه ". وفي حديث آخر، فقال: " اللهم أكثر ماله وولده، وأطل عمره واغفر له ". قال: فكثر مالي حتى صار يطعم في السنة مرتين، وكثر ولدي حتى دفنت من صلبي أكثر من مائة، وطال عمري حتى استحيت من أهلي واشتقت لقاء ربي، وأنا أرجو الرابعة. وفي حديث أن أنساً قال: دفنت بكفي هذه أكثر من مائة ما فيهم ولد ولا سقط. وفي حديث: وكان له بستان يحمل الفاكهة في السنة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك.

وعن أنس قال: لما كان صبيحة اليوم الذي احتلمت فيه أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال: " لا تدخل على النساء إلا بإذن ". قال: فما أتى علي يوم كان أشد علي منه. وعن ثابت البناني قال: دخلت على أنس بن مالك، فقلت: رأت عيناك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أظنه قال: نعم، قال: فقبلتهما. قال: فمشت رجلاك في حوائج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال: فقبلتهما ثم قلت: فصببت الماء بيديك؟ قال: نعم. فقبلتهما. ثم قال أنس لي: يا ثابت، صببت الماء بيدي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوضوئه، فقال لي: " يا غلام أسبغ الوضوء يزد في عمرك، وأفش السلام تكثر حسناتك، وأكثر من قراءة القرآن تجيء يوم القيامة معي كهاتين ". وقال بأصبعيه هكذا، وأرانا أبو الحسن محمد بن سنان السبابة والوسطى. وعن ثابت عن أنس قال: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عندنا، فعرق، فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلب العرق فيها فاستيقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها فقال: " يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ " قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب من ريح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ثابت: قال أنس بن مالك: ما شممت عنبراً قط، ولا مسكاً أطيب ولا مسست شيئاً قط ديباجاً، ولا خزاً ولا حريراً ألين مساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ثابت: فقلت يا أبا حمزة ألست كأنك تنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأنك تسمع إلى نغمته؟ قال: بلى والله إني لأرجو أن ألقاه يوم القيامة فأقول: يا رسول الله خويدمك، قال: خدمته عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل امرئ كما يشتهي صاحبي أن يكون. ما قال لي فيها أفٍّ، وما قال لي لما فعلت هذا؟ أو ألا فعلت هذا. وعن جميلة مولاة أنس قالت: كان ثابت إذا جاء إلى أنس قال: يا جميلة ناوليني طيباً أمس به يدي فإن ابن

أبي ثابت لا يرضى حتى يقبل يدي يقول: يدٌ مست رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس بن مالك أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: خويدمك أنس اشفع له يوم القيامة، قال: " أنا فاعل ". قال: فأين أطلبك؟ قال: " اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط؛ فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان وإلا فأنا عند حوضي لا أخطئ هذه الثلاثة المواضع ". وعن ثمامة بن أنس قال: قيل لأنس: أشهدت بدراً؟ قال: وأين أغيب عن بدر لا أم لك؟ قال الحافظ: لم يوافق أصحاب المغازي على هذا القول. وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: خرج أنس بن مالك مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توجه إلى بدر وهو غلام يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي قلابة عن أنس قال: شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية وعمرته والحج والفتح وحنيناً والطائف وخيبراً. قال إسحاق بن عثمان: سألت موسى بن أنس كم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سبع وعشرون غزوة، ثمان غزوات يغيب فيها الأشهر، وتسع عشرة يغيب فيها الأيام. قال: قلت: كم غزا أنس بن مالك؟ قال: ثمان غزوات. وعن أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ابن أم سليم أنس بن مالك.

وعن أنس بن سيرين قال: كان أنس أحسن الناس صلاة في السفر والحضر. وعن ثمامة بن عبد الله قال: كان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تفطر قدماه دماً. وعن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: كان لأنس ثوبان على المشجب كل يوم؛ فإذا صلى المغرب لبسهما فلم يقدر عليه ما بين المغرب والعشاء قائماً يصلي. وعن ثابت قال: قال أنس: يا أبا محمد خذ عني فإني أحدث عن سول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله، ولن تأخذ عن أحد أوثق مني. قال: ثم صلى بي العشاء، ثم صلى ست ركعات يسلم بين الركعتين ثم أوتر بثلاث يسلم في آخرهن. وعن أنس بن مالك قال: ما أورثتني أم سليم إلا برد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدحه الذي كان يشرب فيه، وعمود فسطاطه وصلايةً كانت تعجن عليها أم سليم الرامك بعرق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون في بيت أم سليم، فينزل عليه الوحي وهو على فراشها، فيجدل كما يجدل المحموم فيعرق؛ فكانت أم سليم تعجن الرامك بعرقه. حدث أبو نعيم - يعني عبيد الله بن هشام - عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما بقي أحد مما صلى القبلتين غيري. قال أبو نعيم: والقبلتان بالمدينة بطرف الحرة: قبلة إلى بيت المقدس، وقبلة إلى الكعبة.

وعن ثابت قال: كنت مع أنس فجاء قهرمانه، فقال: يا أبا حمزة عطشت أرضنا، قال: فقام أنس فتوضأ وخرج إلى البرية، فصلى ركعتين ثم دعا، فرأيت السحاب يلتئم، قال: ثم مطرت حتى ملأت كل شيء، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال: انظر أين بلغت السماء فنظر فلم تعد أرضه إلا يسيراً. حدث من صحب أنس بن مالك: فلما أحرم فلم أقدر أكلمه حتى حل، من شدة إتقانه على إحرامه. وقال الجريري: أحرم أنس بن مالك من ذات عرق قال: فما سمعناه متكلماً إلا بذكر الله عز وجل حتى أحل. قال: فقال لي: يا بن أخي هكذا الإحرام. قال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: دخل علينا أنس بن مالك يوم الجمعة والإمام يخطب، ونحن في بعض أبيات أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتحدث، فقال: مه، فلما أقيمت الصلاة قال: إني أخاف أن أكون قد أبطلت جمعتي بقولي لكم مه. كان أبو غالب يقول: لم أر أحداً كان أضنّ بكلامه من أنس بن مالك. قال محمد بن سيرين: كان أنس بن مالك قليل الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان إذا حدث، أو قلما يحدث إلا قال حين يفرغ: أو كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن حميد عن أنس بن مالك يحدث بحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رجل: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فغضب غضباً شديداً وقال: والله ما كل ما نحدثكم سمعناه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن كان يحدث بعضنا بعضاً ولا نتهم بعضنا.

وعن محمد بن سيرين: أن أميراً من الأمراء أعطى أنس بن مالك شيئاً من الفيء، فقال أنس: أخمس؟ فقال: لا. فلم يقبله. حدث النضر بن شداد عن أبيه قال شداد قال: اعتل أنس بن مالك فعدناه، فقلنا له: ندعو لك الطبيب. قال: الطبيب أمرضني. قال يزيد بن خصيفة: تنخم أنس بن مالك في المسجد ونسي أن يدفنها، ثم خرج حتى جاء أهله، فذكرها فجاء بسعفةٍ من نار فطلبها حتى وجدها ثم حفر لها فأعمق فدفنها. جاء زياد النميري مع القراء إلى أنس بن مالك، فقيل له: اقرأ فرفع صوته، وكان رفيع الصوت، فكشف أنس عن وجهه الخرقة، وكان على وجهه خرقة سوداء، فقال: ما هذا ما هذا ما هذا؟ ما هكذا كانوا يفعلون. قال: وكان إذا رأى شيئاً ينكره كشف الخرقة عن وجهه. وعن ابن شهاب قال: دخلت على أنس بن مالك بالهاجرة، فذكرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان، فبكى، فقلت: ما يبكيك يا أبا حمزة؟ فقال: ما أخرت له، فقلت: لا تبك إني لأرجو أن تكون أخرت لخير، صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان وما أخرت إلى الآن إلا أن تكون شهيداً على هؤلاء، فقال: والله ما أنتم على شيء مما كانوا عليه إلا الصلاة، وإنها هي المؤخرة. وعن موسى بن أنس أن أبا بكر لما استخلف بعث إلى أنس بن مالك ليوجهه إلى البحرين على السعاية قال: فدخل عليه عمر، فقال له أبو بكر: إني أردت أن أبعث هذا إلى البحرين وهو فتى شاب قال: فقال له عمر: ابعثه فإنه لبيب كاتب. قال: فبعثه فلما قبض أبو بكر قدم على عمر، فقال له عمر: هات هات يا أنس ما جئت به، قال، قال: يا أمير المؤمنين

البيعة أولاً قال: فقال: نعم. قال: فبسط يده. قال: قال: على السمع والطاعة، قال ابن عون: فما أدري، قال ما استطعت، أو قال أنس ما استطعت، قال: فأخبرته ما جئت به، قال: فقال: أما ما كان من كذا وكذا فاقبضوه، وما كان من المال فهو لك. قال: فأتيت على زيد بن ثابت وهو جالس على الباب، فقال: ألق عليه ما أعطاك أمير المؤمنين قال: فألقيت عليه، فحسب. قال ابن عون: فلا أدري أقصر على بني النجار أو قال: أنت أكثر خزرجي فيها مالاً. وفي حديث آخر: وكان المال أربعة آلاف. قال أنس: كان جرير بن عبد الله معي في سفر فكان يخدمني، فقال: إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً فلا أحداً منهم إلا خدمته. وعن الأعمش قال: شكونا الحجاج بن يوسف قال: فكتب أنس إلى عبد الملك: إني خدمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع سنين، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلاً خدم نبيهم لأكرموه. قال علي بن زيد: كنت في القصر مع الحجاج وهو يعرض الناس ليالي ابن شعث، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج: هي يا خبيث! جوال في الفتن، مرة مع علي بن أبي طالب، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث! أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما يجرد الضب. قال: يقول أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك أعني، أصم الله سمعك، قال: فاسترجع أنس، وشغل الحجاج وخرج أنس فتبعناه إلى الرحبة، فقال: لولا أني ذكرت ولدي وخشيته عليهم بعدي لكلمته بكلام في مقامي لا يستحيينني بعده أبداً. وعن أزهر بن عبد الله: كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك وكان فيمن يؤلب على الحجاج وكان مع عبد الرحمن بن الأشعث فأتوا به الحجاج فوسم في يده: عتيق الحجاج.

وقيل: إن أنس لما قال له الحجاج: إياك أعني أصم الله سمعك، كتب إلى عبد الملك بن مروان بذلك، فكتب عبد الملك إلى الحجاج: يا بن المستفرمة بحب الزبيب، لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها إلى نار جهنم، قاتلك الله، أخيفش العينين، أصك الرجلين، أسود الجاعرتين. قال أحمد بن صالح العجلي: لم يبتل أحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا رجلين معيقيب كان به هذا الداء الجذام، وأنس بن مالك كان به وضح. قال أبو جعفر محمد بن علي: رأيت أنس بن مالك أبرص وبه وضح شديد، ورأيته يأكل فيلقم لقماً كباراً. قال أيوب بن أبي تميمة: ضعف أنس عن الصوم فصنع جفنة من ثريد ودعا بثلاثين مسكيناً، فأطعمهم. وحدث محمد بن سيرين عن أنس بن مالك أنه كان عنده عصية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمات فدفنت معه بين جيبه وبين قميصه. قال أنس بن سيرين: شهدت أنس بن مالك وحضره الموت، فجعل يقول: لقنوني لا إله إلا الله فلم يزل يقولها حتى قبض. ومات وهو ابن مائة وسبع سنين وقيل: ابن تسع وتسعين، وكان آخر من مات بالبصرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي سنة تسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل سنة اثنتين وتسعين.

أنس الجهني

قال محمد السنبلاني: أتيت أنس بن مالك، فقلت: أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: قد بقي قوم من الأعراب فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي. قال أبو نعيم: مات جابر بن زيد وأنس سنة ثلاث وتسعين في جمعة. وقال أحمد بن حنبل: مات أنس بن مالك وجابر بن زيد في جمعة في سنة ثلاث وتسعين، وصلى على ابن مالك قطن بن مدرك الكلابي. أنس الجهني له صحبة على ما قيل، نزل الشام، وكان بدمشق عند مرض أبي الدرداء. قال أنس: دخلت على أبي الدرداء أعوده في مرضه، فقلت: يا أبا الدرداء إنا نحب أن تصح فلا تمرض، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المليلة والصداع يولعان بالمؤمن، وإن ذنبه مثل جبل أحد، حتى لا يدعا عليه من ذنبه مثقال حبة من خردل ". وروى يونس بن محمد بسنده عن أنس، قال يونس: وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركبوا هذه الدواب سالمة، وايتدعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي ". وروى هذا الحديث معاذ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم رواحل، فقال لهم: " اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله عز وجل منه ".

أوسط بن عمر ويقال ابن عامر

أوسط بن عمر ويقال ابن عامر ويقال: ابن إسماعيل أبو إسماعيل، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عمرو البجلي، أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وسكن دمشق وحمص، وكان له بدمشق دار عند الباب الشرقي. حدث أوسط بن عمرو البجلي قال: قدمنا المدينة بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعام، فلقيت أبا بكر على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب الناس، قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأول هذا الأول، فاغرورقت عيناه، فما استطاع أن يتكلم من العبرة، ثم قال: " يا أيها الناس سلوا الله العافية، فإنه لن يؤت أحدٌ بعد يقين خيراً من معافاة، وإياكم والكفر، فإنه لن أجد أشد من ريبةٍ بعد كفرٍ، وعليكم بالصدق، فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب؛ فإنه مع الفجور وهما في النار ". وفي حديث آخر بمعناه: " ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا ". أوس بن أوس ويقال ابن أبي أوس الثقفي، صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل دمشق وقبره بها. وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، ودان واستمع وأنصت، كان له بكل خطوةٍ يخطوها من حين يخرج من بيته إلى حين يأتي المسجد أجرها كصيام سنةٍ وقيامها ". وفي وراية: " وأنصت ولم يلغ حتى يفرغ الإمام ". وفي رواية: " مشى ولم يركب ". وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضةٌ علي ". قالوا: وكيف تعرض

أوس بن حارثة بن لأم

صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: " إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ". قال الحافظ: وقيل إنهما اثنان: أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس، وأوس بن أوس هذا الذي نزل الشام، وابن أبي أوس من أهل الطائف. أوس بن حارثة بن لأم وإليه البيت في طيئ، ابن عمرو بن طريف ين ثمامة بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن حرب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الطائي، شاعر. قدم دمشق في الجاهلية خاطباً لماوية بنت حجر بن النعمان الغسانية، وكان مقامها بدمشق، وكانت تخطب في سائر العرب من يمنيٍّ أو مضريٍّ، فلا يكلمها أحدٌ في التزويج مصرحاً إلا أن يكون في الشعر. قال عبد الله بن المبارك: سأل النعمان حاتم طيئ: من سيدكم؟ قال: أوس بن حارثة، قال: فأين أنت منه؟ قال: ما أصلح أن أكون مملوكاً له، فقال: النعمان: هذا السؤدد. قال عبد الله: فأين قراؤنا وعلماؤنا عن هذا؟! وأوس بن حارثة هذا هو أوس بن سعد الطائي.

أويس بن عامر بن مالك بن عمرو

وقيل لأوس بن حارثة: أنت أسود أم حاتم؟ وكان أوس يحتبي في ثلاثين من ولده، فقال: لو أني وولدي لحاتم لانتهبنا في غداة. وقيل لحاتم: أنت أسود أم أوس؟ فقال: بعض بني أوس أسود مني. أويس بن عامر بن مالك بن عمرو ابن سعد بن عصوان بن قرن بن رمدان بن ناحية بن مراد وهو عامر بن مالك بن أدد من مذحج، ويقال: أويس بن عمرو بن حمدان بن عصوان، ويقال: ابن سعد بن عصوان، ويقال: أويس بن عامر بن الخليص، ويقال: أويس بن عبد الله أبو عمر المرادي القرني، من تابعي أهل اليمن، أدرك حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، ووفد على عمر بن الخطاب، وسكن الكوفة ويقال: إنه مات بدمشق، وإن قبره في مقابر باب الجابية. روى أويس القرني عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله عز وجل تسعةٌ وتسعون اسماً، مائةً غير واحدة، إنه وتر يحب الوتر، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة ". وذكر الأسماء كلها. وروى عن علي وعمر من أحصاها دخل الجنة. وروى أويس القرني عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أنهما قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له: اللهم أنت حيٌ لا تموت، وخالقٌ لا تغلب، وبصيرٌ لا ترتاب، وسميعٌ لا تشك، وصادقٌ لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وندًى لا تنفد، وقريبٌ لا تبعد، وغافرٌ لا تظلم، وصمدٌ لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومجيبٌ لا تسأم، وجبارٌ لا تقهر، وعظيمٌ لا ترام، وعالمٌ لا تُعلّم، وقويٌ لا تضعف، وعلمٌ لا توصف، ووفيٌّ لا تخلف، وعدلٌ لا تحيف، وغنيٌّ لا تفتقر، وحليمٌ لا تجور،

ومنيعٌ لا تقهر، ومعروفٌ لا تقهر، ووكلٌ لا تخفر، وغالبٌ لا تُغلب، وقديرٌ لا تستأمر، وفردٌ لا تستشير، ووهابٌ لا تمل، وسريعٌ لا تذهل، وجوادٌ لا تبخل، وعزيزٌ لا تذل، وحافظٌ لا تغفل، وقائمٌ لا تنام، ومحتجب لا ترى، ودائم لا تفنى، وباقٍ لا تبلى، وواحدٌ لا تشبه، ومقتدرٌ لا تنازع ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الدعوات والأسماء على صفائح من حديد لذابت، ولو دعي بها على ماءٍ جارٍ لسكن، ومن أبلغ إليه الجوع والعطش، ثم دعا ربه أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريد جبلاً لانشعب له الجبل حتى يسلكه إلى الموضع، ولو دعا على مجنون لأفاق، ولو دعا على امرأة قد عسر عليها ولدها لهون عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعا بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أنه دخل على سلطان جائر ثم دعا بها قبل أن ينظر السلطان إليه لخلصه الله من شره، ومن دعا بها عند منامه بعث الله بكل حرف منها سبع مائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر يسبحون له، ويستغفرون له، ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات ". فقال سلمان: يا رسول الله أيعطي الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: " لا تخبر به الناس حتى أخبرك بأعظم منها فإني أخشى أن يدعوا العمل أو يقتصروا على هذا ". ثم قال: " من نام وقد دعا، فإن مات مات شهيداً وإن عمل الكبائر، وغفر لأهل بيته، ومن دعا بها قضى الله له ألف ألف حاجة ". قال البخاري: أويس القرني أصله من اليمن مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه. قال ابن عدي: وليس لأويس من الرواية شيء، وإنما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد

شك قوم فيه إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار ما يروى عنه، ومالك ينكره يقول: لم يكن. القرني: بالقاف والراء مهملة والنون. أويس: بطن من مراد، أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وجوده، وشهد مع علي صفين، وكان من خيار المسلمين. قال أصبغ بن يزيد: أسلم أويس القرني على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن منعه من القدوم بره لأمه. قال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من خير التابعين رجل من قرن، يقال له أويس القرني. حدث أسير بن جابر قال: كان محدث بالكوفة يحدثنا، فإذا فرغ من حديثه تفرقوا، ويبقى رهطٌ فيهم رجل يتكلم بكلامٍ لم أسمع أحداً يتكلم بكلامه، فأتيته ففقدته، فقلت لأصحابي: هل تعرفون رجلاً كان يجالسنا كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: أنا أعرفه ذاك أويس القرني. قلت: أفتعرف منزله؟ قال: نعم. فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي، فقلت: يا أخي من حبسك عنا؟ قال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه قال: قلت: خذ هذا البرد فالبسه. قال: لا تفعل فإنهم إذاً يؤذوني إذا رأوه. قال: فلم أزل به حتى لبسه فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن برده هذا؟! قال: فجاء موضعه، قال: أترى؟ قال: فأتيت المجلس فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة، قال: فأخذتهم بلساني أخذاً شديداً، قال: فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر بن الخطاب، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ههنا أحد من القرنيين؟ قال: فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمٍّ له، وقد كان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه، إلا مثل موضع الدينار، أو الدرهم، فمن لقيه منكم فأمروه أن يستغفر لكم. قال - يعني عمر -: فقدم علينا، قال: قلت: من أين؟ قال: من اليمن. قلت: ما اسمك؟ قال: أويس. قال: قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أماً لي قال:

قلت: أكان بك بياض فدعوت الله عز وجل فأذهبه عنك؟ قال: نعم! قال: قلت: استغفر لي قال: أو يستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين!؟ قال: فاستغفر لي. قال: قلت: أنت أخي لا تفارقني قال فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم بالكوفة. قال: فجعل ذلك الذي يسخر به يحقره قال: يقول: ما هذا فينا ولا نعرفه. قال عمر: بلى! إنه رجل كذا، قال: - كأنه يضع شيئاً - فينا يا أمير المؤمنين رجل يقال له أويس، قال: أدرك ولا أراك تدرك قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس ما هذه بعادتك فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك كذا وكذا فاستغفر لي يا أويس، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك ألا تسخر بي فيما بعد ولا تذكر ما سمعته من عمر لأحد. قال: فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت له: يا أخي ألا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به الناس، وما يجزى كل عبدٍ إلا بعمله، قال: فانملس مني فذهب. رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن هاشم مختصراً. وعن أبي هريرة قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقةٍ من أصحابه إذ قال: " ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة ". قال أبو هريرة: فطعمت أن أكون أنا ذلك، فغدوت وصليت حلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقمت في المسجد حنى انصرف الناس، وبقيت أنا وهو، فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزرٌ بخرقة مرتدٍ بقباطي، حتى وضع يده في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا نبي الله ادع الله لي، فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشهادة، وإنا لنجد منه ريح المسك الأذفر، فقلت: يا رسول الله أهو هو قال: " نعم وإنه لمملوك بني فلان ". فقلت: ألا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ فقال: " وأرى ذلك إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك أهل الجنة يا أبا هريرة، إن لأهل الجنة ملوكاً وسادة وإن هذا الأسود أصبح من ملوك أهل الجنة

وسادتهم، يا أبا هريرة إن الله يحب من خلقه الأصفياء الأحفياء الأتقياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم من كسب الحلال الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا. قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: " ذاك أويس القرني ". وما أويس القرني؟ قال: أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنبكين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضاربٌ بذقنه إلى صدره، رامٍ ببصره موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلوا القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزرٌ بإزار صوف ورداء، تحت منكبه لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قف لتشفع، فيشفعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر؛ يا عمر ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه إن يستغفر لكما يغفر الله لكما ". قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه، فلما كان في آخر سنة قبض فيها عمر في ذلك العام، صعد على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج أهل اليمن، أفيكم أويس القرني؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً فينا، نرفعه إليك وإنه ليرعى إبلنا حقيراً بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده، فقال: ابن أخيك هذا بحرمنا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات قال: فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات، فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما، ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته قالا: من الرجل؟ قال: راعي أبل وأجيرٌ لقوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة، قالا: ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: قد علمنا أن أهل السماوات وأهل الأرض كلهم عبيد لله. فما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلى هذا؟ قال: وصف لنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أويس القرني، فقد عرفنا فيك الصهوبة والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعةً بيضاء فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة، فابتدراه يقبلانه وقالا:

نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ فقال علي: أنا علي بن أبي طالب وهذا عمر أمير المؤمنين، فاستوى أويس قائماً، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً، وقالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خير الجزاء، فقال عمر: رحبك حتى ندخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا الميعاد بيني وبينك قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك ولا أعرفك بعد اليوم، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى ترى أبليهما؟ أما تراني أني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم؟ متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يديّ ويديك عقبة كؤوداً، لا يجاوزها إلا ضامرٌ مخفف مهزول. فأخف عني رحمك الله، فلما سمع ذلك عمر من كلامه ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت أن عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حمله، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ قال أويس: من جدع الله أنفه. ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا، وآخذ أنا هاهنا، فولى عمر ناحية مكة، وساق أويس إبله فوافى القوم إبلهم، وخلى عن الرعي، وأقبل على العبادة حتى لحق بالله. فهذا ما أتانا عن أويس القرني سيد التابعين. وحدث هرم بن حيان قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي همٌّ إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه، حتى سقطت عليه نصف النهار على شاطئ الفرات يتوضأ أو يغسل ثوبه، قال: فعرفته بالنعت الذي نعت لي، فإذا رجل لحيم آدم أشعر محلوق الرأس، كث اللحية، مغبر، كريه الوجه والمنظر، وعليه إزار من صوف، فسلمت عليه، فقلت: حياك الله من رجل، كيف أنت رحمك وغفر لك يا أويس؟ فقال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان

كيف أنت؟ قال: وخنقتني العبرة حين رأيت من حاله ما رأيت قال: فمددت يدي لأصافحه فأبى أن يصافحني، قال: وعجبت حين عرفني وعرف اسم أبي، ما كنت رأيته قبل ذلك ولا رآني قال: قلت: رحمك الله من أين عرفتني وعرفت اسم أبي ولم أكن رأيتك قط؟ قال: نبأني العليم الخبير، وعرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد يتحابون بروح الله وإن لم يتلاقوا ولم يتعارفوا وتفرقت بهم المنازل. قال: فقلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحفظه عنك، فقال: إني لم أدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأبي رسول الله وأمي، ولم تكن لي معه صحبة، ولكن أدركت رجالاً رأوه فحدثوني عنه نحو ما حدثوك، ولست أحب أن أفتح هذا الباب على نفسي أن أكون محدثاً أو قاصاً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس يا هرم بن حيان. قال: قلت: اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعها منك، وادع لي بدعوات أحفظها عنك فإني أحبك حباً شديداً، فقال: " سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " فأخذ بيدي فمشى على شاطئ الفرات، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين " إلى قوله " إنه هو العزيز الحكيم " قال: فنظرت إليه وأنا أحسب أنه قد غشي عليه. قال: ثم نظر إلي فقال: يا هرم بن حيان مات أبوك، فإما إلى الجنة وإما هو إلى النار، ويوشك أن تموت، ومات آدم ومات حواء ومات إبراهيم خليل الله ومات موسى نجي الله ومات داود خليفة الله ومات محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين، ومات أبو بكر خليفة المسلمين ومات خليلي وصفيي عمر بن الخطاب، وقال: واعمراه، واعمراه! وعمر يومئذ حي، وذلك عند آخر خلافته، قال: فقلت له: إن عمر لم يمت، فقال: بلى قد نعاه إلي ربي إن كنت تفهم وعقلت ما قلت وأنا وأنت غداً في الموتى، وكأن قد، ثم صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دعا بدعوات خفاف، ثم قال: عليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين، وإياك أن تفارق الجماعة فيفترق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار، ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك، وزارني فيك، اللهم أدخله علي زائراً في دارك دار السلام. وضم علي

ضيعته، وأرضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فاجعله لما تعطيه من الشاكرين، ثم قال: لا أراك فيما بعد اليوم فإني كثير الهم شديد الغم مادمت مع هؤلاء الناس حياً وأكره الشهرة، والوحدة أحب إلي فلا تطلبني خذ هكذا. قال: فجهدت أن أمشي معه ساعة فأبى علي، فدخل في بعض أزقة الكوفة، قال: فجعلت التفت إليه وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني، فسألت عنه وطلبته فلم أجد أحداً يخبر عنه بشيء، قال: فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين. أو كما قال. وفي وراية حديث آخر بمعناه، في آخره قال: فغزا غزوة أذربيجان فمات، قال: فتنافس أصحابه في حفر قبره، قال: فحفروا فإذا بصخرة محفورة ملحودة. قال: وتنافسوا في كفنه قال: فنظروا فإذا في عيبته ثياب ليس مما ينسج بنو آدم، قال: فكفنوه في تلك الثياب ودفنوه في ذلك القبر. قال علقمة بن مرثد الحضرمي: انتهى الزهد إلى ثمانية نفر من التابعين: عامر بن عبد الله، وأويس القرني، وهرم بن حيان العبدي والربيع بن خثيم القوري، وأبي مسلم الخولاني، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، والحسن بن أبي الحسن البصري. فأما أويس القرني فإن أهله ظنوا أنه مجنون، فبنوا له بيتاً على باب دارهم فكان يأتي عليه السنة والسنتان لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلقط من النوى، فإذا أمسى باعه لإفطاره، وإن أصاب حشفة خبأها لإفطاره. وعن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بن الخطاب وهو على المنبر بمنى: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين، قال: أفي قرن من اسمه أويس؟ فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال، لا يتألف ولا يؤلف، فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلى قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي، وقولوا له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليه سلامه، قال: فعادوا إلى قرن فطلبوه فوجدوه

في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي، السلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم صل عليه وعلى آله، وهام على وجهه فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد في صفين أمامه، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة، من طعنة وضربة ورمية. وروي عن ابن عمر قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام في صورة لم ينزل عليه مثلها قط، فقال: السلام عليك يا محمد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ". فقال: يا محمد إنه سيخرج في أمتك رجل يشفع فيشفعه الله في عدد ربيعة ومضر فإن أدركته فسله الشفاعة لأمتك فقال: " أي حبيبي، يا جبريل، ما اسمه وما صفته؟ " فقال: أما اسمه فأويس، وأما صفته وقبيلته في اليمن من مراد، وهو رجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، بكفه اليسرى وضح أبيض، قال: فلم يزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر النبي أوصي أبا بكر وأخبره بما قال له جبريل في أويس القرني: " فإن أنت أدركته فسله الشفاعة لك ولأمتي ". فلم يزل أبو بكر يطلبه فلم يقدر عليه، فلما احتضر أبا بكر أوصى به عمر بن الخطاب وأخبره بما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: يا عمر إن أنت أدركته فسله الشفاعة لي ولك ولأمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يزل عمر يطلبه حتى كان آخر حجةٍ حجها عمر وعلي بن أبي طالب، فأتيا رفاق اليمن، فنادى عمر بأعلى صوته: يا معشر الناس، هل فيكم أويس القرني؟ أعاد مرتين، فقام شيخ من بعض الرفاق، فقال: يا أمير المؤمنين نعم. هو ابن أخ لي، هو أخمل أمراً، وأهون ذكراً من أن يسأل مثلك عن مثله. وساق الحديث بمعنى الأحاديث المتقدمة إلى آخره، فقال أويس: جزاك الله خيراً يا عمر عن هذه الأمة، وأنت يا علي فجزاك الله خيراً عن هذه الأمة، تعيشان حميدين وتموتان فقيدين، فقالا له: أوصنا بحاجتك يرحمك الله، فقال لهم أويس: أوصيكما بتقوى الله والعمل بطاعته والصبر على ما أصابكما فإن ذلك من عزم الأمور، وأوصيكما أن تلقيا هرم بن حيان فتقرئاه مني السلام، وخبراه أني أرجو أن يكون رفيقي في الجنة. قال: فودعاه ولم يزل عمر وعلي رضي الله عنهما يطلبان هرم بن

حيان، فبينما هما ماران في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذا هما بهرم بن حيان قائماً يصلي، فانتظراه، فلما انصرف سلما عليه فرد عليهما السلام، ثم قال لهما: من أين جئتما؟ قالا: جئنا من عند أويس القرني وهو يقرئك السلام، وهو يقول لك: إني أرجو أن تكون رفيقي في الجنة قال: فلم يزل هرم بن حيان في طلب أويس، فبينا هو في الكوفة مارٌّ على شاطئ الفرات؛ إذا هو برجل أصهب، مقرون الحاجبين، أدعج العينين، يغسل طمرين له من الصوف، فدنا منه هرم بن حيان فقال: السلام عليك ورحمة الله يا أويس، فأجابه بمثل ذلك من السلام وقال له: يا هرم بن حيان، قال له هرم: كيف الزمان عليك؟ قال له أويس: كيف الزمان على رجل إذا أصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك للمؤمن فرحاً، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يترك للمؤمن صديقاً، فقال له هرم: يا أويس أما معرفتك أن عمر وعلياً وصفاك لي فعرفتك بصفتهما فأنت من أين عرفتني؟ قال له أويس: إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر في الله اختلف، قال له أويس: يا هرم اتل علي آيات من كتاب الله عز وجل، فتلا عليه هذه الآية: " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين " قال: فخرّ أويس مغشياً عليه، فلما أفاق قال له هرم: إني أريد أن أصحبك وأكون معك، فقال له أويس: لا يا هرم، ولكن إذا مت لا يكفني أحد حتى تأتي أنت، فتكفني، وتدفني، ثم إنهما افترقا، ولم يزل هرم بن حيان في طلب أويس حتى دخل مدينة من مدائن الشام يقال لها: دمشق؛ فإذا هو برجل ملفوف في عباءةٍ له، ملقى في صحن المسجد، فدنا منه فكشف العباءة عن وجهه؛ فإذا هو بأويس قد توفي، فوضع يده على أم رأسه، ثم قال: واأخاه! هذا أويس القرني مات ضائعاً، فقالوا له: من أنت يا عبد الله؟ ومن هذا؟ فقال: أما أنا فهرم بن حيان المرادي، وأما هذا فأويس القرني ولي الله، قالوا: فإنا قد جمعنا له ثوبين نكفنه فيهما، فقال لهم هرم: ما له بثمن ثوبيكم حاجة، ولكن يكفنه هرم بن حيان من ماله: قال: فضرب هرم بيده إلى مزود أويس فإذا هو بثوبين لم يكن له بهما عهد عند رأس أويس على أحدهما مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله الرحمن الرحيم لأويس القرني من النار، وعلى الآخر

مكتوب: هذا كفن لأويس القرني من الجنة. قال عبد الحمن بن أبي ليلى: لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: فيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير التابعين أويس القرني. " قال سلام بن مسكين: حدثني رجل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خليلي من هذه الأمة أويس القرني. " وعن إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: قال أويس القرني: لأعبدن الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء. قال: فكان إذا استقبل الليل قال: يا نفس، الليلة القيام، فيصف قدميه حتى يصبح، ثم يستقبل الليلة الثانية، فيقول: يا نفس الليلة الركوع فلا يزال راكعاً حتى يصبح، ويستقبل الليلة الثالثة فيقول: يا نفس الليلة السجود فلا يزال ساجداً حتى يصبح. وعن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويس القرني فوجدته جالساً قد صلى الصبح، فقلت: لا أشغله عن، فمكث مكانه ثم قام إلى الصلاة حتى صلى الظهر ثم قام إلى الصلاة فقلت: لا أشغله عن العصر فصلى العصر ثم صلى المغرب، فقلت: لابد له من أن يرجع فيفطر، فثبت مكانه حتى صلوا العشاء الآخرة، فقلت: لعله يفطر بعد العشاء الآخرة، فثبت مكانه حتى صلى الفجر ثم جلس، فغلبته عيناه فانتبه وقال: اللهم إني أعوذ بك من عين نوامة، ومن بطن لا يشبع، فقلت: بي ما عاينت منه فرجعت. ومن حديث آخر: كان أويس إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به. وكان أويس يقول إذا جنه الليل: اللهم إني أبرأ إليك من كل كبدٍ جائعة، ومن كل بدنٍ عار، اللهم لا أملك إلا ما ترى.

جاء رجل إلى أويس القرني، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم قال: كيف أنتم يا أويس؟ قال: فحمد الله. قال: كيف الزمان عليكم؟ قال: ما دنيا رجلٍ إذا أصبح لم تر أنه يمسي، وإذا أمسى لم تر أنه يصبح، فيبشر بجنة أو بنار، يا أخا مراد، إن الموت لم يبق فرحاً، يا أخا مراد، قيام المؤمن بحقوق الله لم يبق ذهباً ولا فضة، يا أخا مراد، قيام المؤمن بأمر الله لم يبق صديقاً، والله إنا لنأمرهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، فيرمونا بالعظائم، ويتخذونا أعداء، ويجدون على ذلك أعوناً، وايم الله لا يمنعني ذلك أن نقوم لله عز وجل بحق. قال بشر بن الحارث: قال أويس: لا ينال هذا الأمر حتى تكون كأنك قتلت الناس أجمعين. قال أويس القرني: لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، قضاء من الله الذي قضى " شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ". قال أبو سليمان: لما حج أويس القرني دخل المدينة، فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغشي عليه، فلما أفاق قال: أخرجوني فليس ببلدي بلدةٌ محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مدفون. مر أويس القرني على قصار في يوم شديد البرد، فرحمه أويس وجعل يبكي، فنظر إليه القصار، فقال له: يا أويس ليت تلك الشجرة لم تخلق. قال: فما سمع جواب أسرع منه. وعن عطاء قال: خرج أويس القرني غازياً راجلاً إلى ثغر أرمينية، فأصابه البطن، فالتجأ إلى أهل

إياس بن زيد ويقال ابن يزيد

خيمة فمات عندهم، ومعه جراب وقعب، فقالوا لرجلين منهم: اذهب فاحفر له قبراً، قالوا: فنظرنا في جرابه فإذا فيه ثوبان ليسا من ثياب الدنيا وجاء الرجلان فقالا: قد أصبنا قبراً محفوراً في صخرة كأنما رفعت الأيدي عنه الساعة فكفنوه ودفنوه ثم التفتوا فلم يروا شيئاً. وقال سليمان بن قيس العامري: رأيت أويس القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت. إياس بن زيد ويقال ابن يزيد أبو زكريا الخزاعي، والد عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي من التابعين، أدرك عمر بن الخطاب وكان عمر يثني عليه. روى أبو زكريا الخزاعي عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رباط يوم وليلةٍ في سبيل الله عز وجل كصيام شهرٍ وقيامه، إن مات جرى له أجر المرابط إلى أن يبعث، وأومن من الفتان، وقطع له من الجنة رزق. وعن أبي زكريا عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أو لذي حسبٍ، أو لذي حلم. قال سعيد بن عبد العزيز: كتب عمر بن الخطاب إلى يزيد بن أبي سفيان أو إلى أبي الدرداء: وأقرئا مني الرجل الصالح السلام، يعني أبا زكريا والد عبد الله بن أبي زكريا.

إياس بن معاوية بن قرة بن إياس

إياس بن معاوية بن قرة بن إياس ابن هلال بن رئاب بن عبد العزيز بن دريد بن أوس بن سواءة بن عمرو بن سارية بن ثعلبة ابن ذبيان بن ثعلبة بن أوس بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وأوس هو ابن مزينة وهي أمه، وإليهما ينسب المزنيون ومزينة بنت كلب بن وبرة. وقيل: هو إياس بن معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن زياد بن عبيد بن سواءة بن سارية وكنيته أبو واثلة المزني قاضي البصرة. ولجده صحبة وأمه امرأة من خراسان. قدم الشام في أيام عبد الملك، ثم قدم على عمر بن عبد العزيز في خلافته، ثم قدم مرة أخرى حين عزله عدي بن أرطاة عن القضاء. حدث إياس بن معاوية قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكر عند الحياء، فقالوا: الحياء من الدين، فقال عمر بن عبد العزيز: بل هو الإيمان كله. قال: قلت: يا أمير المؤمنين حدثني أبي عن جدي قرة المزني: قال كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر عنده الحياء فقالوا: يا رسول الله الحياء من الدين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحياء والعفاف والعي عن اللسان لا عي القلب والعمل من الإيمان؛ وإنهن يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا، وإن الشح والفحش والبذاء من النفاق وإنهن ينقصن من الآخرة ويزدن في الدنيا، وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا ". قال إياس: فحدثت به عمر بن عبد العزيز، فأمرني فأمليته عليه وكتبه بخطه، ثم صلى الظهر والعصر وإنها في كفه لم يضعها إعجاباً بها. دخل إياس بن معاوية الشام وهو غلام فقدم إلى قاض لعبد الملك بن مروان، وكان خصمه شيخاً صديقاً للقاضي فقال له القاضي: يا غلام أما تستحي، أتقدم شيخاً كبيراً! قال إياس: الحق أكبر منه. قال له: اسكت، قال: فمن ينطق بحجتي إذا سكت؟ قال: ما أحسبك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: ما أظنك إلا ظالماً له! قال: ما على ظن القاضي خرجت من منزلي، فدخل القاضي على عبد الملك، فأخبره الخبر. فقال له: اقض حاجته واصرفه عن الشام لا يفسد الناس علينا.

استعمل عمر بن عبد العزيز عدي بن أرطاة الفزاري على البصرة، فولى إياس بن معاوية القضاء، فهرب إياس من عدي إلى عمر بن عبد العزيز. قال سليمان بن زياد: خرج إياس إلى الشام إلى عمر بن عبد العزيز، فمات عمر قبل أن يصل إليه، فكان يجلس في مجلس مسجد دمشق في حلقة فيها قوم من قريش، فحدث رجل من بني أمية رجلاً بحديث، فرده إياس فأغلظ له الأموي، فقام إياس من الحلقة فقيل للأموي: إن هذا إياس بن معاوية المزني، قال: لم أعرفه، فلما عاد إياس من غدٍ، قال له الأموي: إنك جالستنا في ثياب السوقة بكلام الأشراف، فلم نحتمل ولم أكن عرفتك. كان إياس قاضياً بالبصرة مرتين، وكان عاقلاً من الرجال فطناً، كان فقيهاً عفيفاً. قيل لمعاوية بن قرة: كيف ابنك لك؟ قال: نعم الابن، كفاني أمر دنياي، وفرغني لآخرتي. ذكر إياس بن معاوية عند ابن سيرين، فقال: إنه لفهمٌ إنه لفهمٌ. قال: وكان رزق إياس كل شهر مائة درهم. قال ابن شوذب: كان يقال: يولد في كل مائة سنة رجل تام العقل. فكانوا يرون أن إياس بن معاوية منهم. ودخل عليه ثلاث نسوةٍ، فقال: أما واحدة فمرضع، والأخرى بكر، والأخرى ثيب، فقيل له: بم علمت؟ قال: أما المرضع فلما قعدت مسكت ثديها بيدها، وأما البكر فلما دخلت لم تلتف إلى أحد، وأما الثيب فلما دخلت نظرت ورمت بعينيها. قال حماد بن سلمة: سمعت إياس بن معاوية يقول: أذكر الليلة التي ولدت فيها، وضعت أمي على رأسي جفنة. قال المدائني: قال إياس بن معاوية لأمه: ما شيء سمعته وأنا صغير وله جلبةٌ شديدة؟ قالت:

تلك يا بني طست سقطت من فوق الدار إلى أسفل، ففزعت، فولدتك تلك الساعة. إياس بن معاوية: كنت في مكتب بالشام، وكنت صبياً، فاجتمع النصارى يضحكون من المسلمين، وقالوا: إنهم يزعمون أنه لا يكون تفل للطعام في الجنة، قال: قلت: يا معلم أليس يزعم الناس أن أكثر الطعام يذهب في البدن؟ فقال: بلى. فقال: قلت: فما تنكر أن يكون الباقي يذهبه الله في البدن كله؟ فقال: أنت شيطان. قال إياس بن معاوية: ما يسرني أن أكذب كذبةً لا يطلع عليها إلا أبي معاوية بن قرة لا أسأل عنهم يوم القيامة وأن لي بالدنيا بحذافيرها. قال ابن شبرمة: قال إياس بن معاوية: إياك وما استشبع الناس من الكلام، وعليك بما يعرف الناس من القضاء. قال إياس بن معاوية: ما خاصمت أحداً من أهل الأهواء بعقلي كله إلا القدرية. قال: قلت: أخبروني عن الظلم ما هو؟ قالوا: أخذ ما ليس له. قال: قلت: فإن لله تعالى كل شيء. قال عدي: اجتمع إياس بن معاوية وغيلان عند عمر بن عبد العزيز فقال عمر: أنتما مختلفان، وقد اجتمعتما، فتناظرا تتفقا. فقال إياس: يا أمير المؤمنين إن غيلان صاحب كلام، وأنا صاحب اختصار، فإما أن يسألني ويختصر أو أسأله وأختصر، فقال غيلان: سل. فقال إياس: أخبرني ما أفضل شيء خلقه الله عز وجل؟ قال: العقل. قال: فأخبرني عن العقل، مقسوم أو مقتسم؟ فأمسك غيلان. فقال له: أجب فقال: لا جواب عندي. فقال إياس قد تبين لك أمره يا أمير المؤمنين. إن الله تبارك وتعالى يهب العقول لمن يشاء فمن قسم له منها شيئاً، ذاده به عن المعصية، ومن تركه تهور.

قال الأصمعي: إن إياساً وغيلان اجتمعا، فقال له بعد سؤاله عن العقل وسكوته عن جوابه، قال له: سل عن غير هذا. فقال له إياس: أخبرني عن العلم قبل أو العمل؟ فقال غيلان: والله لا أجبتك فيها. فقال إياس: فدعها وأخبرني عن الخلق خلقهم الله مختلفين أو مؤتلفين؟ فنهض غيلان، وهو يقول: والله لا جمعني الله وإياك مجلس أبداً. قال الأصمعي: ومن حديث عدي أن غيلان قال لعمر: أتوب إلى الله ولا أعود إلى هذه المقالة أبداً، فدعا عليه عمر إن كان كاذباً، فأجيبت دعوته. قال عمر بن علي: قال رجل لإياس بن معاوية: يا أبا واثلة حتى متى يتوالد الناس ويموتون؟ فقال لجلسائه: أجيبوه. فلم يكن عندهم جواب، فقال إياس: حتى تتكامل العدتان: عدة أهل النار، وعدة أهل الجنة. قال سفيان بن حسين: سمعت إياس بن معاوية يقول: لأن يكون في فعال الرجل فضل عن قوله أجمل من أن يكون في قوله فضل عن فعاله. قال سفيان بن حسين: كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل تخوفت إن قمت من عنده أن يقع في. قال: فجلست حتى قام فلما قام ذكرته لإياس. قال: فجعل ينظر في وجهي ولا يقول لي شيئاً حتى فرغت فقال لي: أغزوت الديلم؟ قلت: لا، قال: غزوت السند؟ قلت: لا، قال فغزوت الهند؟ قلت: لا، قال: غزوت الروم؟ قلت: لا، قال: فسلم منك الديلم والسند والهند والروم، وليس يسلم منك أخوك هذا. قال: فلم يعد سفيان إلى ذلك. قال سفيان بن حسين: قال إياس بن معاوية: لابد للناس من ثلاثة أشياء. لابد لهم من أن تأمن سبلهم، ويختار لحكمهم حتى يعتدل الحكم فيهم، وأن يقام لهم بأمر الثغور التي بينهم وبين عدوهم، فإن هذه الأشياء إذا قام بها السلطان احتمل الناس ما كان سوى ذلك من أثرة السلطان وكل ما يكرهون.

قال العتبي: مر رجلان بإياس بن معاوية، فعرج عليه أحدهما، وتجاوز الآخر، فكان المعرج عليه أراد أن يغريه به قال: فقال إياس: أما أنت فعرجت بكرمك، وأما هو فاستمر على ثقته. قال الأصمعي: قال إياس بن معاوية: امتحنت خصال الرجال، فوجدت أشرفها صدق اللسان، ومن عدم فضيلة الصدق فقد فجع بأكرم أخلاقه. قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قال إياس بن معاوية: يا ربيعة! كل ما بني على غير أساس فهو هباء، وكل ديانة أسست على غير ورع فهي هباء. حدث المستنير بن لأخضر عن إياس بن معاوية قال: جاءه دهقان، فسأله عن المسكر، أرحام هو أم حلال؟ فقال: هو حرام. فقال: كيف يكون حراماً؟ أخبرني عن التمر، أحلال أم حرام؟ قال: حلال. قال: فأخبرني عن الكشوث، أحلال هو أم حرام؟ قال: حلال. قال: فأخبرني عن الماء. قال: حلال. قال: فما خالف ما بينهما، وإنما هو التمر والكشوث والماء، أن يكون هذا حلالاً وهذا حراماً؟ فقال إياس للدهقان: لو أخذت كفاً من تراب، فضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: لا. قال: فأخذت كفاً من ماء، فنضحته في وجهك، أكان يوجعك؟ قال: لا. قال: فأخذت كفاً من تبن، فضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: لا. قال: فإذا أخذت هذا التراب، فعجنته بالتبن والماء، ثم جعلته كتلاً حتى يجف، فضربتك به، أكان يوجعك؟ قال: نعم. ويقتلني! قال: فكذا هو التمر والماء والكشوت، إذا جمع ثم عتق حرم، كما يجفف هذا. أرسل عمر بن عبد العزيز رجلاً من أهل الشام، وأمره أن يجمع بين إياس وبين

القاسم بن ربيعة الجوشني من بني عبد الله بن غطفان، ويولي القضاء أنفذهما، فقدم يجمع بينهما، فقال إياس للشامي: سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن وابن سيرين، ولم يكن إياس يأتيهما، فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به، فقال للشامي: لا تسل عنه، فوالله الذي لا إله إلا هو إن إياساً أفضل مني وأفقه، وأعلم بالقضاء، فإن كنت فيمن يصدق، فينبغي لك أن تصدق قولي، وإن كنت كاذباً فما يحل أن توليني وأنا كذاب، فقال إياس للشامي: إنك جئت برجل فأقمته على جهنم، فافتدى نفسه من النار أن تقذفه فيها بيمين حلفها كذب فيها يستغفر الله عز وجل منها، وينجو مما يخاف. فقال الشامي: أما إذ فطنت لها فإني أوليك، فاستقضاه، فلم يزل على القضاء سنة ثم هرب، وكان يفصل بين الناس، إذا تبين له الأمر حكم به. قيل لإياس لما ولي القضاء: إنك تعجل بالقضاء. قال إياس: كم بكفك من إصبع؟ فقال: خمسة، فقال له إياس: عجلت بالجواب، قال: لم يعجل من استيقن علماً، فقال إياس: هذا جوابي. قال حميد الطويل: لما ولي إياس بن معاوية القضاء دخل عليه الحسن وإياس يبكي. فقال له: ما يبكيك؟ فذكر إياس الحديث: " القضاة ثلاثةٌ، اثنان في النار، وواحد في الجنة ". فقال الحسن: إن فيما قص الله عليك من نبأ داود وسليمان ما يرد قول هؤلاء الناس، ثم قرأ: " وداود وسليمان إذا يحكمان الحرث " إلى قوله " ففهمناها سليمان وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً " فحمد سليمان ولم يذم داود. وفي رواية أنه قال: " القضاة ثلاثة: رجل اجتهد وأخطأ فهو في النار، ورجل مال به الهوى فهو في النار، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة ". قال الحسن: أخذ الله على الحكام ثلاثة: أن لا يشتروا به ثمناً، ولا يخشوا فيه الناس، وأن لا يتبعوا الهوى. قال: ثم قرأ هذه الآية: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك " وقال: "

ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ". قال إبراهيم لإياس بن معاوية: لولا خصال فيك كنت أنت الرجل. قال: وما هي؟ قال: تقضي قبل أن تفهم، ولا تبالي من جالست، ولا تبالي ما لبست. قال: أما قولك: أقضي قبل أن أفهم، فأيهم أكثر ثلاثة أو اثنان؟ قال: لا. بل ثلاثة قال: ما أسرع ما فهمت! قال: ومن لا يفهم هذا! قال: ذلك أنا، لا أقضي حتى أفهم. وأما قولك: إني لا أبالي مع من جلست، فإني أجلس مع من يرى لي، أحب إلي من أن أجلس مع من أرى له. وأما قولك: إني لا أبالي ما لبست، فلأن ألبس ثوباً يقي نفسي، أحب إلي من ألبس ثوباً أقيه بنفسي. قال أبو محمد القرشي: استودع رجل رجلاً مالاً. ثم طلبه فجحده، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال الطالب: إني دفعت المال إليه. قال: ومن حضرك؟ قال: دفعته إليه في مكان كذا وكذا، ولم يحضرنا أحد. قال: فأي شيء كان في ذلك الموضع؟ قال: شجرة. قال: فانطلق إلى ذلك الموضع، وانظر إلى الشجرة، فلعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يبين لك حقك، لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت، فتذكر إذا رأيت الشجرة، فمضى الرجل وقال إياس للمطلوب: اجلس حتى يرجع خصمك، فجلس وإياس يقضي وينظر إليه ساعة، ثم قال له: يا هذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟ قال: لا. قال: يا عدو الله إنك لخائن. قال: أقلني أقالك الله، فأمر من يحتفظ به حتى جاء الجل، فقال له إياس: قد أقر لك بحقك فخذه به. واستودع رجل رجلاً مالاً. قال: وكان أميناً لا بأس به وخرج المستودع إلى مكة، فلما رجع طلبه فجحده، فأتى إياس بن معاوية، فأخبره، فقال له إياس: أعلم أنك أتيتني؟ قال: لا. قال: فنازعته عنه أحد؟ قال: لا. لم يعلم أحد بهذا قال: فانصرف واكتم أمرك، ثم عد إلي بعد يومين، فمضى الرجل، فدعا إياس أمينه ذاك، قال: قد حضر مال كثير أريد أن أصيره إليك، أفحصينٌ منزلك؟ قال: نعم. قال: فأعد موضعاً للمال

وقوماً يحملونه، وعاد الرجل إلى إياس، فقال له: انطلق إلى صاحبك فاطلب مالك، فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني أخبر القاضي، فأتى الرجل صاحبه، فقال له: مالي وإلا أتيت القاضي وشكوت إليه أمري، فدفع إليه ماله، فرجع الرجل إلى إياس، فقال: قد أعطاني المال، وجاء الأمين إلى إياس لموعده فزبره وانتهره، وقال: لا تقربني يا خائن. واستودع رجل رجلاً كيساً فيه دنانير وغاب الرجل، فطالت غيبته فلما طال الأمر، فتق المستودع من أسفله، وأخذ الدنانير وجعل في الكيس دراهم وخيطه والخاتم على حاله، فقدم صاحب المال بعد خمس عشرة سنة وطلب ماله، فدفع إليه الكيس بخاتمه فلم يقبله، وقال: هذه دراهم، ومالي دنانير. قال: هذا كيسك بخاتمك، فرافعه إلى عمر بن هبيرة، فقال لإياس بن معاوية: انظر في أمر هذين. فقال إياس للطالب: ما تقول؟ قال: أعطيته كيساً فيه دنانير. قال: مذ كم؟ قال: مذ خمس عشرة سنة. قال للآخر: ما تقول؟ قال: كيسه بخاتمه. قال: منذ كم؟ قال: منذ خمس عشرة سنة. قال: ففضوا الخاتم، ونثروا الدراهم، فوجدوا ضرب عشر سنين وخمس سنين، فأقر بالدنانير، فألزمه إياها. قال معتمر: رد رجل جارية اشتراها من رجل غلبه، فخاصمه إلى إياس بن معاوية، فقال له: لم تردها؟ قال: أردها بالحمق. قال إياس لها: أي رجليك أطول؟ قالت: هذه. قال: تذكرين أي ليلة ولدت؟ قالت: نعم. فقال له إياس: رد رد. قال المدائني: قيل لإياس بن معاوية: ما فيك إلا كثرة الكلام قال: أفتسمعون صواباً أو خطأ؟ قالوا: لا بل صواباً. قال: فالزيادة من الخير خير. قال: وما رمي إياس بالعي قط، وإنما عابوه بالإكثار. قال محمد بن سلام: قيل لإياس: ما فيك عيب، غير أنك معجب بقولك. فقال لهم: أو أعجبكم قولي؟

أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد

قالوا: نعم، قال: فأنا أحق بأن أعجب بما أقول وما يكون مني. قال: وهذا مما استحسنه الناس من قوله. قال ابن شوذب: كان أبو إياس يقول: الناس ولدوا أبناءً وولدت أباً. توفي إياس بن معاوية سنة اثنتين وعشرين ومئة بواسط. أيمن بن خريم بن الأخرم بن شداد ابن عمرو بن فاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار أبو عطية الأسدي، له صحبة كان يسكن دمشق ثم تحول إلى الكوفة. روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أيمن إن قومك أسرع العرب هلاكاً ". وحدث أيمن بن خريم قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيباً فقال: " يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله ". ثلاثاً، ثم قرأ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ". خريم أوله خاء معجمة مضمومة وراء مفتوحة. وأمه الظناء وأمه الصماء بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك الأسدي. قال الشعبي: أتاني عامريٌّ وأسديٌّ قال: وقد أخذ العامري بيد الأسدي فهو لا يفارقه قال: فقلت له: يا أخا بني عامر إنه قد كانت لبني أسد ست خصال لا أعلمها، كانت بحي من العرب: كانت امرأة زوجها الله عز وجل بنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السماء، والسفير بينهما جبريل، أفكانت هذه لقومك؟ وكان أول لواء عقد في الإسلام لواء عبد الله بن جحش الأسدي، أفكانت هذه

لقومك؟ وكان أول مغنم قسم في الإسلام مغنم عبد الله بن جحش، أفكانت هذه لقومك؟ وكان منهم رجل يمشي بين الناس مقنعاً، وهو من أهل الجنة عكاشه بن محصن الأسدي أخو بن غنم بن دودان، فكانت هذه لقومك؟ وكان أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان عبد الله بن وهب فقال: يا رسول الله ابسط يدك أبايعك قال: " على ماذا؟ " قال: على ما في نفسك. قال: " وما في نفسي؟ " قال: فتح أو شهادة. قال: " نعم ". فبايعه. قال: فجعل الناس يبايعونه ويقولون: على بيعة أبي سنان على بيعة أبي سنان. فكانت هذه لقومك؟ وكانوا سبع المهاجرين. روى الشعبي قال: قال مروان لأيمن بن خريم يوم المرج يوم قتل الضحاك بن قيس: ألا تخرج فتقاتل معنا؟ قال: لا. إن أبي وعمي شهدا بدراً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعهدا إلي أن لا أقاتل رجلاً يشهد أن لا إله إلا الله. قال: ائتني ببراءة من النار فأنا معك، قال: اذهب فلا حاجة لنا فيك، فقال: " من الوافر " ولست بقاتلٍ رجلاً يصلي ... على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلي إثمي ... معاذ الله من جهلٍ وطيش أأقتل مسلماً في غير شيءٍ ... فلست بنافعي ما عشت عيشي قال الواقدي: حديث خريم بن فاتك أنه قال: إن أبي وعمي شهدا بدراً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما شهد أبوه ولا عمه بدراً وأنكر ذلك هو والعلماء وقالوا: أهل بدر أعرف من ذلك لا يستطاع الزيادة فيهم ولا النقصان.

أيمن بن نابل كنيته أبو عمران

قال المدائني: كان أيمن بن خريم بن فاتك عند عبد العزيز بن مروان بمصر، فدخل عليه نصيب فأنشده مديحاً امتدحه به، فقال لأيمن: نصيبٌ أشعر منك، قال: لا والله، ولكنك طرفٌ ملولٌ فقال: أتقول: إني ملولٌ وأنا أواكلك مذ كذا وكذا وكان بأيمن برصٌ في يده فغضب ولحق ببشر بن مروان فقال: " من الوافر " ركبت من المقطم في جمادى ... إلى بشر بن مروان البريدا ولو أعطاك بشرٌ ألف ألفٍ ... رأى حقاً عليه أن يزيدا قال: ومر به نصيب بالكوفة فقال له: إني تركت غديراً ناضباً وأتيت بحراً زاخراً، وكان بشر لا يؤاكل أيمن، فاشتهى يوماً لبنا وقال للحاجب: اخرج فانظر لي من يأكل معي، فخرج فأدخل أيمن بن خريم، فلما رآه بشر آساه فقال: إني اشتهيت البارحة لبنا فهيئ لي، وأصبحت أنوي الصوم فأتيت باللبن فلما وضع بين يدي ذكرت أني صائم وليس أحد أحق بأكله منك فدونكه. فلم يلبث أن صفره وكان يغير بياض يده بالزعفران. أيمن بن نابل كنيته أبو عمران ويقال: أبو عمر المكي الحبشي مولى أبي بكر اجتاز بدمشق حين توجه إلى غزو الروم. روى أيمن بن نابل عن قدامة بن عبد الله: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقةٍ صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب ولا طرد ولا جلد ولا إليك إليك.

قال أيمن بن نابل: سألت قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن ريش الحمام قد كثر في المسجد فإذا سجد أحدنا دخل في عينيه، فقال: انفخوا. وحدث أيمن بن نابل عن ابن الزبير عن جابر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد: " بسم الله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصاحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نسأل الله الجنة ونعوذ بالله من النار ". قال أيمن بن نابل: كنت أسير مع مجاهد في أرض الروم فسألته عن صوم السفر فقال: صم فأنا الساعة صائم. ونابل بالباء الموحدة تحتها. قال السيناني: دلني على أيمن بن نابل سفيان الثوري فقال: هل لك في أبي عمران؟ فلقيته فإذا رجل حبشيٌّ طوال ذا مشافرٍ مكفوف. وكان أيمن بن نابل من سودان مكة المعتقين، وكان فصيحاً عابداً فاضلاً يحدث عنه بزهد وفضل، فقال يحيى: كان أيمن ثقة وكان لا يفصح وكانت فيه لكنة. وقال الدارقطني: أيمن ليس بالقوي خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد.

أيمن رجل من ثقيف

أيمن رجل من ثقيف والد إسحاق أبي أيمن، من أهل حمص، حكى عن ابن يناق صاحب رحاب، ورحاب قرية من عمل الصويت من نواحي دمشق. وروى عنه ابنه إسحاق أبو أيمن أنه سمع ابن يناق صاحب رحاب يقول: أنزلت في هذا الأندر ملوكاً، كسرى وقيصر وأمير المؤمنين عمر، وقد هيأت هذا المنزل لعمر كما كنت أهيئه لمن كان قبله، فإني لفي تهيئة طعام الناس وما يصلحهم جعلت أتعاهد المكان الذي أعددته له لا ينزله أحد، فأتيته فإذا فسيطيط يضرب فيه، فقلت: تنحوا رحمكم الله فإن هذا المكان أعددته لأمير المؤمنين، فقالوا: أمير المؤمنين الذي يأخذ بعمود الفسطاط؟؟! فخرج علي فإذا عليه قميص كرابيس وسخ قد كاد يتقطع من الوسخ فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أغسل قميصك هذا حتى يجف عليك؟ قال: بلى إن شئت. فاغتنمت ذلك فدعوت بقميص قبطي قد خيط فلبسه، فلما وجد لينه وقعقعته قال: ويحك يا بن يناق ائتني بقميصي قال: فجئته به ولما يجف بعد، فذهبت أدخله بيتاً، فرأى فيه صورة فأبى أن يدخله، ثم أتيته بعسل فشربه، فقال: إن هذا لا يسع الناس فهل من شراب يسع الناس؟ فأتيته بطلاء قد طبخ على الثلثين فنظر إليه فقال: ما أشبه هذا بطلاء الإبل، ثم سقى رجلاً منه، فشربه، فقال: أتجد دبيباً تجد شيئاً؟ قال: لا، ثم ثنى، فقال: تجد شيئاً؟. قال: لا. قال: ثم ثلث، فقال: أتجد شيئاً؟ قال: لا، قال: قم فامش، فمشى حتى رجع، فقال: أتجد دبيباً تجد شيئاً؟ قال: لا، قال: فقال: نعم ارزق الناس من هذا، وكتب به إلى سعد بالكوفة.

أيوب نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم بن زارح بن آموص بن ليفزر

أيوب نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم بن زارح بن آموص بن ليفزر بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام ويقال: أيوب بن آموص بن رازح بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل واختلف فيه على غير ذلك. وكان أيوب عليه السلام يسكن بالشام وديره معروف بناحية البثنية من نواحي دمشق بقرب نوى وموضع مغتسله وأندرته بتلك القرية معروف، وكانت له البثنية بأسرها سهلها وجبلها، وكانت له الخيل والإبل والبقر والغنم والحمير والعبيد. وأم أيوب بنت لوط النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، وكان تحته رحمة بنت منشأ بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق عليهم السلام. قال وهب بن منبه: كان أيوب أعبد أهل زمانه وأكثرهم مالاً، وكان لا يشبع حتى يشبع الجائع، وكان لا يكتسي حتى يكسو العاري، وكان إبليس قد أعياه أمر أيوب عليه السلام ليغويه فلا يقدر، وكان عبداً معصوماً. قال: وكانت شريعة أيوب عليه السلام بعد التوحيد إصلاح ذات البين، وإذا طلب حاجة إلى الله عز وجل خر ساجداً ثم طلب. وروي عن ابن عباس أنه قال: يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما تتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، فإن قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب أعظم من الذي عملته، وضحكك وأنت لا تدير ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك من الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك

أعظم من الذنب إذا عملته. ويحك هل تدري ما كان ذنب أيوب فابتلاه الله بالبلاء في جسده، وذهاب ماله؟ إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظلم يدرؤه عنه فلم يعنه، ولم يأمر بمعروف وينه الظالم عن ظلم هذا المسكين، فابتلاه الله عز وجل. حدث أبو إدريس الخولاني قال: أجدب الشام فكتب فرعون إلى أيوب عليه السلام أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعةً، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه، فأقطعهم وبنيهم، فدخل شعيب عليه السلام، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر شعيب قال: ذاك خطيب الأنبياء. قال: يا فرعون أما تخاف أن يغضب الله فيغضب لغضبه أهل السموات والأرض والجبال والبحار؟ فسكت أيوب، فلما خرجا من عنده، أوحى الله إلى أيوب: يا أيوب، أوسكتّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه؟ استعد للبلاء، قال أيوب: أما كنت أكفل اليتيم، وآوي الغريب، وأشبع الجائع، وأكفت الأرملة؟ فمرت سحابة يسمع فيها عشرة آلاف صوت من الصواعق، يقولون: من فعل ذلك يا أيوب؟ فأخذ تراباً فوضعه على رأسه، وقال: أنت يا رب. فأوحى الله إليه: استعد للبلاء، قال: فديني؟ قال: أسلمه لك قال: فما أبالي. قال الليث بن سعد: كان السبب الذي أصاب أيوب وابتلي به أنه دخل أهل قريته على ملكهم وهو جبار من الجبابرة - وذكر بعض ما كان ظلمه الناس ويقع به عليهم - فكلموه فأبلغوا في كلامه ورفق أيوب في كلامه له مخافةً لزرعه، فقال الله: " اتقيت عبداً من عبادي من أجل زرعك أن تصدقه مخافة منك أن يغلظ عليك؟ " فأنزل الله عز وجل به ما أنزل به من البلاء. قال الحسن: ضرب أيوب بالبلاء ثم البلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال، ثم ابتلي في بدنه، ثم ابتلي حتى قذف به في بعض مزابل بني إسرائيل، قال الحسن: فما يُعلم أيوب دعا الله عز وجل يوماً أن يكشف ما به ليس ذلك إلا صبراً واحتساباً حتى مر به رجلان، فقال أحدهما

لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله، فسمع أيوب فشق عليه، فقال: رب مسني الضر ثم رد ذلك إلى ربه فقال " وأنت أرحم الراحمين. فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم " قال: وأتيناه أهله في الدنيا ومثلهم معهم بالآخرة. وعن ابن عباس قال: قالت امرأة أيوب لأيوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك، فقال: كنا في النعماء سبعين سنة، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة، قال: فمكث في ذلك البلاء سبع سنين. قال قتادة: ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين ملقًى على كناسة بيت المقدس. وعن الحسن قال: إن كانت الدودة تقع من جسد أيوب عليه السلام فيأخذها فيعيدها إلى مكانها، ويقول: كلي من رزق الله عز وجل. قال الفضيل بن عياض: كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة، قال: ومكث أيوب مطروحاً في الكناسة سبع سنين لا يسأل الله عز وجل أن يكشف عنه، قال: وما على ظهر الأرض خليفة أكرم على الله عز وجل يومئذ من أيوب. سئل أبو العباس بن عطاء: عن قوله عز وجل: " مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " فقال: إن الله عز وجل سلط الدود على جسم أيوب كله إلا على قلبه ولسانه، فكان القلب غنياً بالله قوياً، واللسان بذكر الله رطباً دائماً، يأكل الدود الجسم كله حتى بقيت أضلاعه مشبكةً والعروق ممدودةً، وحتى ما بقي للدود شيئاً يأكله، فسلط الله الدود بعضه على بعض، فأكل بعضه بعضاً حتى بقيت دودتان، فجاعتا جميعاً، فشدت إحداهما على الأخرى فأكلتها، وبقيت واحدة فجاعت ودنت إلى القلب لتنقره، فقال أيوب عليه السلام عند ذلك " مسني الضر " أن

فقدت حلاوة ذكرك من قلبي، لأنك لو جمعت البلاء كله علي بعد أن لا أفقدك من قلبي ما وجدت للبلاء ألماً، فأوحى الله عز وجل إليه: " يا أيوب إنك لتنظر إلي غداً "، قال: يا رب بهاتين العينين، فقال له عز وجل: " يا أيوب أجعل لك عينين يقال لهما: البقاء، فتنظر إلى البقاء بالبقاء ". قال وهب بن منبه: لم يكن أصاب أيوب الجذام ولكنه أصابه أشد منه، كان يخرج في جسده مثل ثدي المرأة ثم يتفقأ. قال طلحة بن مصرف: قال إبليس: ما أصبت من أيوب شيئاً أفرح به إلا أني كنت إذا سمعت أنينه علمت أني قد أوجعته. قال سفيان: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة. قال ابن عباس: اتخذ إبليس تابوتاً فجلس في الطريق وجعل يداوي المرضى قال: فمرت به امرأة أيوب، فقالت له: هل لك أن تداوي هذا المبتلى؟ قال: نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. قال: فأتت أيوب فذكرت ذلك له. قال: ويحك ذاك الشيطان، لله علي إن عافاني لأجلدنك مائة جلدة قال: فلما عوفي قال الله له: " خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " قال: فاتخذ عذقاً في مئة شمراخ فضربها به ضربةً واحدة. قال وهب بن منبه: قال إبليس لامرأة أيوب: بم أصابكم ما أصابكم؟ قالت: بقدر الله، قال: وهذا أيضاً! فاتبعيني فاتبعته، فأراها جميع ما ذهب منهم في واد، فقال: اسجدي لي وأرد

عليكم، فقالت: إن لي زوجاً أستأمره، فأخبرت أيوب فقال: أما آن لك أن تعلمي؟ ذلك الشيطان، لئن برئت لأضربنك مئة جلدة. وعن مجاهد في قوله تعالى: " وخذ بيدك ضغثاً " قال: هي لأيوب خاصة. وقال عطاء: هي للناس عامة، وقال الحسن: فنادى حين نادى " إني مسني الشيطان بنصبٍ وعذاب " فأوحى الله عز وجل إليه " اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ " قال: فركض ركضة خفيفة، فإذا عين تنبع حتى غمرته فرد الله عز وجل جسده، ثم مضى قليلاً، ثم قيل له: " اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب " فركض ركضة أخرى، فإذا هو بعينٍ تجري فشرب منها، فطهرت جوفه، وغسلت كل قذرٍ كان فيه. قال ليث بن سليم: قيل لأيوب عليه السلام: يا أيوب لا يعجبك تصبرك، فإني قد علمت ما في كل شعرة من لحمك ودمك، ولولا أني أعطيت موضع كل شعرة منك صبراً ما صبرت. ولما اشتد على أيوب البلاء أوحى الله إليه: " لو أصبحت في يدي عبد من عبيدي لأصبحت في بلاء أشد من البلاء الذي أنت فيه، ولكنك أسير في يدي وأنا أرحم الراحمين ". وهب بن منبه قال: إن إبليس طار في المردة، فأتى مشارق الأرض ومساربها لينظر هل يجد عبداً لله عز وجل مخلصاً يثني على ربه فيغويه؟ قال: فأتاه نداء: يا لعين أتعلم أن أيوب عليه السلام عبد صالح مخلص لله عز وجل لا تستطيع أن تغويه، قال: يا رب إن أيوب قد أعطيته من المال والولد والسعة وقرة العين في الدنيا إذا نظر إليه فلا يستطيع أحد أن يغويه، ولكني سلطني على ماله وولده، وكان له ثلاثة عشر ولداً ذكوراً كلهم، وكانوا من رحمة بنت منشّا بن يوسف بن يعقوب، فقال: سلطني عليهم، فترى أيوب كيف يطيعني

ويعصيك، ويؤمن بي ويكفر بك، فقال: اذهب فقد سلطتك على ماله وولده، قال: فرجع إبليس إلى مجلسه وجمع شياطينه ومردته فقالوا: سيدنا لم حشرتنا وجمعتنا ودعوتنا؟ قال: ألا ترون هذا العبد الذي أثنى عليه ربه ومدحه، وزعم أني لا أستطيع أن أغويه، وقد سلطني على ماله وولده؟ فقاموا جميعاً، فقالوا: نحن عونك عليه. قال: فما عندكم؟ فقامت طائفة منهم مثل الجيش العظيم، معهم عواصف الريح، وقام قومٌ منهم صاحوا صيحةً خرجت لأفواههم كلهب النيران، وقام قوم منهم صاحوا صيحة رجفت الأرض منها، فقال للذين جاؤوا بعواصف الريح: انطلقوا إلى دواب أيوب وغنمه ورعاته فاحتملوها حتى تقذفوها في البحر، وأنا منطلق إليه في صورة قيمه بشأنهم فأغويه. قال: فانطلقوا فجاؤوا بالرياح من أركان الأرض فعصفتهم ثم احتملتهم حتى قذفتهم في البحر فغرقتهم، فجاء إبليس في صورة قيمه إلى أيوب وهو قائم يصلي، فقال: يا أيوب ألا أراك قائماً تصلي وقد أقبلت ريح عاصف فاحتملت دوابك وغنمك برعاتها فعصفتها وقذفتها في البحر فغرقتها وأنت قائم تصلي! قال: فلم يرد عليه شيئاً حتى فرغ من صلاته فقال: الحمد لله الذي هو رزقنيه ثم قبله مني كالقربان النقي وميزك منهم كما يميزوا الزوان من القمح. قال: فانصرف خائباً، فدعا الذين يخرج من أفواههم كلهب النيران فقال: انطلقوا إلى جنان أيوب وزرعه فأحرقوها حتى أذهب أنا إليه في صورة قيمة فأغويه، فانطلقوا فصاحوا صيحة فتوجهت ناراً من أفواههم كأنها لهب النار فأتت على جنانه ومزارعه ومعايشه فصارت كالرميم، وجاء إبليس في صورة قيمه فسلم وأيوب قائم يصلي، فقال: يا أيوب ألا أراك قائماً تصلي وقد جاء الحريق فأتى على جنانك ومزارعك ومعايشك كلها فصارت كالرميم! فلم يرد عليه شيئاً حتى فرغ من صلاته فقال: الحمد لله الذي رزقنيه ثم قبضه مني كالقربان النقي يقربه صاحبه وميزك منه كما يميز الزوان من القمح ولو كان فيك خير لقبضك معهم، ثم أقبل على صلاته، فرجع إبليس فدعا هؤلاء الذين يزيلون الأرض بصيحتهم، فقال: اذهبوا إلى منازل أيوب حتى تزلزلوا بهم وترمسوا فيها ولده وخدمه، قال: فانطلقوا فصاحوا صيحة عظيمة جعلوها دكةً واحدة، ثم جاء إبليس إلى أيوب في صورة حاضن ولده، فقال: يا أيوب إنه قد جاءت صيحة فصارت منزلك دكةً واحدة فما بقي لك ولد ولا خادم إلا رمس تحته، وأنت قائم تصلي! قال: فانصرف، فقال: الحمد لله الذي هو رزقنيهم وقبضهم مني كالقربان النقي وميزك من بينهم كما يميز الزوان من القمح،

ولو كان فيك خيراً لقبضك معهم، فانصرف إبليس عدو الله خائباً منكسراً، فأتاه نداء " كيف رأيت عبدي أيوب؟ " قال: يا رب! إن أيوب قد علم أنك ستعوضه بكل واحدٍ اثنين، ولكن سلطني على جسده فسوف ترى كيف يطيعني ويعصيك، ويؤمن بي ويكفر بك؛ قال: اذهب فقد سلطتك على جسده من غير أن أسلطك على روحه، فجاء فنفخ في إبهام قدميه. قال: فاشتعل فيه مثل النار. وروي عن مجاهد أن أول من أصابه الجدري أيوب عليه السلام. وعن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أيوب نبي الله لبث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: مذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام: لا أدري ما يقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحي إلى أيوب " اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب " فاستبطأته فبلغته ينتظر فاستقبلته فتلقته، فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ ووالله على ذلك ما رأيت أحداً أشبه به منك إذ كان صحيحاً، قال: فإني أنا هو، وكان له أندران أندر القمح وأندر الشعير، فبعث الله سحابتين فكانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما أيوب يغتسل عرياناً

خر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يخبئ في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: " يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ " قال: بلى يا رب، ولكن لا غناء بي عن بركتك. وفي حديث آخر بمعناه، قال: يا رب من يشبع من رحمتك أو من فضلك؟ وعن ابن عباس قال: سألت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " قال: " يا بن عباس رد الله امرأته إليه، وزاد في شبابها حتى ولدت له ستة وعشرون ذكراً، وأهبط الله إليه ملكاً، فقال: يا أيوب إن الله يقرئك السلام بصبرك على البلاء، فاخرج إلى أندرك، فبعث الله سحابة حمراء فهبطت عليه بجراد الذهب، والملك قائم معه، فكانت الجرادة تذهب فيتبعها حتى يردها في أندره، قال الملك: يا أيوب أما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج؟ فقال: إن هذه بركة من بركات ربي وليس أشبع منها ". وروي عن ابن عباس: أن أيوب عاش بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية وعلى ذلك مات، وتغيروا بعد ذلك وغيروا دين إبراهيم كما غيره من كان قبلهم. حدث وهب بن منبه أن ابن عباس طاف بالبيت حين أصبح سبوعاً، وأنا وطاوس معه وعكرمة مولاه، وكان قد رق بصره فكان يتوكأ على العصا، فلما فرغ من طوافه انصرف إلى الحطيم فصلى ركعتين ثم نهض فنهضنا معه فدفع عصاه إلى عكرمة مولاه، وتوكأ علي وعلى طاوس، ثم انطلق بنا إلى غربي الكعبة بين باب بني سهم وباب بني جمح فوقعنا على قوم بلغ ابن عباس أنهم يخوضون في حديث القدر وغيره مما يختلف الناس فيه، فلما وقف عليهم سلم عليهم، أجابوه ورحبوا وأوسعوا له، فكره أن يجلس إليهم ثم قال: يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم، ألم تعلموا أن لله عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيٍّ ولا بكم

وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء النبلاء الألباء العالمون بالله وبآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاماً لله عز وجل وإعزازاً وإجلالاً، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية، يعدون أنفسهم من الظالمين الخاطئين، وإنهم لأنزاه برآء، ومع المقصرين والمفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء، ولكنهم لا يرضون منه بالقليل ولا يستكثرون له الكثير ولا يدلون عليه بالأعمال، متى ما لقيتهم فهم مهتمون محزونون مروعون خائفون مشفقون وجلون فأين أنتم منهم؟ يا معشر المبتدعين اعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه. قال وهب: ثم انصرف عنهم وتركهم، فبلغ ابن عباس أنهم قد تفرقوا عن مجلسهم ذلك، ثم لم يعودوا إليه حتى هلك ابن عباس. وفي حديث آخر عن وهب قال: بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش فيختصمون فترتفع أصواتهم، فقال لي ابن عباس: انطلق بنا إليهم، فانطلقنا حتى وقفنا عليهم، قال ابن عباس: أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب وهو في حاله، قال وهب: فقلت: قال الفتى: يا أيوب أما كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك؟ يا أيوب أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عيٍّ ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله تقطعت قلوبهم وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقاً من الله وهيبة له، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية لا يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل، يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين، وإنهم لأنزاه أبرار أخيار، ومع المضيعين المفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون، يراهم الجاهل فيقول مرضى، وليسوا مرضى وقد خولطوا وقد خالط القوم أمرٌ عظيم. قال مجاهد: يؤتى بثلاثة يوم القيامة: بالغني والمريض والعبد المملوك فيقال للغني: " ما منعك من عبادتي؟ " فيقول: يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان في ملكه فيقول: " أنت كنت أشد شغلاً من هذا؟ " قال: يقول: لا بل هذا، قال: " فإن هذا لم يمنعه ذلك أن

أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري

عبدني ". قال: ثم يؤتى بالمريض قال: فيقول: " ما منعك من عبادتي؟ " قال: فيقول: شغلت على جسدي. قال: فيؤتى بأيوب في ضره، فيقول: " أنت كنت أشد ضراً من هذا؟ " قال: لا بل هذا. قال: " فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني ". قال: ثم يؤتى بمملوك فيقول: " ما منعك من عبادتي؟ " فيقول: يا رب جعلت علي أرباباً يملكونني. قال: فيؤتى بيوسف في عبوديته فيقول: " أنت كنت أشد عبودية أم هذا؟ " قال: لا بل هذا. قال: " فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني ". وعن أبي عبد الله الجدلي قال: كان أيوب نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني وقلبه يرعاني، إن رأى حسنة أطفأها وإن رأى سيئة أذاعها. قال: ذكر أبو جعفر الطبري أن عمر أيوب كان ثلاثاً وتسعين سنة. أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري أبو سليمان البغدادي الإخباري، قدم دمشق وحدث بها وبمصر. روى عن محمد بن عبد الله الرقاشي بسنده عن أبي سعيد قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناساً في مؤخر المسجد فقال: " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله، ادنوا مني فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم ". توفي بدمشق سنة تسع وخمسين، وقيل سنة ستين ومئتين.

أيوب بن بشير بن كعب العدوي البصري

أيوب بن بشير بن كعب العدوي البصري قال أيوب بن بشير: لما سير أبو ذر إلى الشام قلت له: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إذاً أحدثك به إلا أن يكون سراً. قال: ليس بسرٍّ. قلت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني. قال: هكذا روي، وأيوب لم يلق أبا ذر وإنما رواه عن رجل عنه كما رواه في حديث آخر عن فلان العنزي أنه أقبل مع أبي ذر فلما رجع تقطع الناس عنه. قلت: يا أبا ذر إني سائلك عن بعض أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: إن كان سراً من سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أخبرك به. قلت: ليس بسرٍّ، ولكن كان إذا لقي الرجل فأخذ بيده يصافحه؟ قال: على الخبير سقطت، لم يلقني قط إلا أخذ بيدي غير مرةٍ واحدة وكانت تلك آخرهن، أرسل إلي فأتيته في مرضه الذي توفي فيه فوجدته مضطجعاً فأكببت عليه فرفع يده فالتزمني. وفي حديث آخر بمعناه: فلقيني فاعتنقني وكان ذلك أجود وأجود. وعزى أيوب بن بشير سليمان بن عبد الملك على ابنه فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في الفاني وبارك لك في الباقي. أيوب بن تميم أبو سليمان التميمي المقرئ روى عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من الصلاة ركعةً فقد أدركها ". حدث أيوب بن تميم قارئ أهل دمشق عن عثمان بن أبي العاتكة قال: سمع كعب الأحبار رجلاً ينشد:

أيوب بن حسان أبو حسان الجرشي

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يهلك العرف بين الله والناس فقال كعب: والذي نفسي بيده إنه لمكتوب في التوراة. قال عبيد بن أبي السائب: إذا حدثك أيوب بن تميم عن الأوزاعي فشد يدك به. قيل: إن أيوب بن تميم توفي سنة بضع وتسعين ومئة. أيوب بن حسان أبو حسان الجرشي من أهل دمشق. روى عن ثور بن يزيد بسنده عن عمرو بن الأسود العنسي قال: أتينا عبادة بن الصامت أيام أرواد فإذا هو قائم يركع فقالت له أم حرام: يا أبا الوليد هؤلاء إخوانك جاؤوك تحدثهم فقال لها: إن كنت صحبت فقد صحبت وإن أكن سمعت فقد سمعت فحدثيهم أنت، فقالت: أتانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أين أبا الوليد؟ " فقلت: الساعة يأتيك. فألقيت له وسادةً فجلس عليها، فضحك، فقلت: ما أضحكك؟ قال: " أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا ". قلت: أدع لي أن أكون معهم. قال: " اللهم اجعلها معهم ". قالت: ثم ضحك فقلت: ما الذي أضحكك؟ قال: " أول جيشٍ من أمتي يرابطون مدينة قيصر مغفور لهم ".

أيوب بن حمران

أيوب بن حمران ويقال حمران مولى عبيد الله بن زياد، قدم دمشق على بني أمية. حدث يونس بن حبيب الجرمي قال: لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي عليه السلام وبني أبيه عليهم السلام، بعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية، فسر بقتلهم أولاً، وحسنت بذلك منزلة عبيد الله عنده، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى ندم على قتل الحسين عليه السلام، فكان يقول: وما كان علي لو احتملت الأذى وأنزلته معي في داري، وحكمته فيما يريد؛ وإن كان في ذلك وكفٌ ووهنٌ في سلطاني، حفظاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورعاية لحقه وقرابته! لعن الله ابن مرجانة فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلي سبيله ويرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله، فأبى ذلك ورده عليه وقتله، فبغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، وأبغضني البر والفاجر بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، مالي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه! ثم إن عبيد الله بن زياد بعث مولى له يقال له أيوب بن حمران إلى الشام ليأتيه بخبر يزيد، فركب عبيد الله ذات يوم حتى إذا كان في رحبة القصابين، إذا هم بأيوب بن حمران قد قدم، فلحقه فأسر إليه بموت يزيد بن معاوية، فرجع عبيد الله من مسيره ذلك وأتى منزله، وأمر عبد الله بن حصن أحد بني ثعلبة بن يربوع فنادى: إن الصلاة جامعة. وفي حديث آخر غيره: فلما تجمع الناس صعد المنبر فنعى يزيد، وعرض بثلبه لقصد يزيد إياه قبل موته خافه عبيد الله فقال الأحنف لعبيد الله: إنه قد كانت ليزيد في أعناقنا بيعة، وكان يقال: أعرض عن ذي قبر. فأعرض عنه.

أيوب بن خالد أبو عثمان الجهني الحراني

أيوب بن خالد أبو عثمان الجهني الحراني دخل دمشق. حدث عن الأوزاعي بسنده إلى ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس " وروى أحاديث أخر. قال ابن عدي: أيوب بن خالد حدث عن الأوزاعي بالمناكير، وكان ولي بريد بيروت فسمع من الأوزاعي هناك فجاء بأحاديث مناكير: قال أيوب بن خالد: خرجت إلى الأوزاعي فوافيته بدمشق، فقال لي: من أين جئت؟ فقلت: من حران. فقال لي: ومن كم فارقت في حران؟ فقلت: من ثمانية أيام. فقال لي: من حران إلى دمشق في ثمانية أيام؟ قال: على أي شيء جئت؟ فقلت: على البريد: فقال: على البريد! والله لا حدثتك بحرف، أو ترجع إلى حران وتجيء على راحلتك، أو على كريٍّ حتى أحدثك. قال: فرجعت إلى حران واكتريت منها، وجئت إليه إلى بيروت ومعي المكاري حتى شهد لي ثم حدثني. أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو سلمة القرشي المخزومي. ولد بدمشق، وأتى به أبوه إلى معاوية فسماه أيوب، ثم سكن المدينة، وقدم على هشام بن عبد الملك

أيوب بن سليمان بن داود

وكان عمر بن مصعب وأيوب بن سلمة يتواصلان، ويذكر أن أميهما أختان من ولادة العجم، وأنهما بنتا خال حيلان الملك. قال: وكانت الشهقة تعتري أيوب بن سلمة كثيراً وكان يرقى منها. حدث عن عامر بن سعيد عن أبيه قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمعرس فقال: " لقد أتيت ". فقيل لي: إنك لبالوادي المبارك يعني العقيق. وعاش أيوب بن سلمة بالدولتين دولة بني أمية لمكان بنت أخيه أم سلمة عند مسلمة بن هشام ودولة بني العباس لمكانها عند أبي العباس أمير المؤمنين. أيوب بن سليمان بن داود ابن عبد الله بن حذلم الأسدي. روى عن سويد بن عبد العزيز بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السبع. أيوب بن سليمان بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم الأموي، ولي غزو الصائفة، وكان أبوه قد رشحه لولاية العهد من بعده، فمات في حياة أبيه، ومدحه جرير بن الخطفى الشاعر. لم تعلم له رواية. وأم أيوب بن سليمان أم أبان بنت أبان بن الحكم بن أبي العاص. بايع سليمان لابنه أيوب يوم الفطر من سنة ست وتسعين، وتوفي أيوب يوم السبت

لثمان ليال خلون من المحرم، وتوفي سليمان بدابق في صفر لعشر ليال بقين من سنة تسع وتسعين، وكان بينه وبين ابنه اثنان وأربعون يوماً، وكان جرير قال فيه لما عهد إليه سليمان: " من البسيط " إن الإمام الذي ترجى نوافله ... بعد الإمام ولي العهد أيوب كونوا كيوسف لما جاء إخوته ... فاستسلموا قال ما في اليوم تثريب وقيل توفي سنة ثمان وتسعين. قال رجاء بن حيوة: لما كان الجمعة لبس سليمان بن عبد الملك ثياباً خضراً من وخز ونظر في المرآة، فقال: أنا والله الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة فصلى بالناس الجمعة، فلم يرجع حتى وعك، فلما ثقل كتب كتاب عهده إلى ابنه أيوب وهو غلام لم يبلغ. فقلت: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ إنه مما يحفظ به الخليفة في قبره أن يستخلف الرجل الصالح، فقال سليمان: كتاب أستخير الله فيه وأنظر، ولم أعزم عليه، فمكث يوماً أو يومين ثم خرقه. حدث بريد ليزيد بن المهلب قال: حملت حملين مسكاً من خراسان إلى سليمان بن عبد الملك، فانتهيت إلى باب ابنه أيوب وهو ولي العهد، فدخلت عليه، فإذا بدار مجصصة حيطانها وسقوفها، وإذا بها وصفاء ووصائف عليهم ثياب صفر وحلي الذهب، ثم دخلت داراً أخرى، فإذا حيطانها وسقوفها خضراء وإذا وصفاء ووصائف عليهم ثياب خضر وحلي الزمرد، قال: فوضعت الحملين بين يدي أيوب وهو قاعد على سرير معه امرأته، لم أعرف أحدهما من صاحبه، فانتهبت المسك من بين يديه فقلت له: أيها الأمير اكتب لي براءة، فنهرني فخرجت فأتيت سليمان فأخبرته بما كان، فقال: قد عرفنا قصتك، فكتب براءة، ثم عدت بعد أحد عشر يوماً، فإذا أيوب وجميع من كان معه في داره قد ماتوا أصابهم الطاعون.

دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده أيوب ابنه وهو يومئذ ولي عهده قد عقد له من بعده، فجاء إنسان يطلب ميراثاً من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما أخال النساء يرثن في العقار شيئاً، فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله! فأين كتاب الله؟ قال: يا غلام اذهب فائتني بسجل عبد الملك بن مروان الذي كتب في ذلك، فقال له عمر: لكأنك أرسلت إلى المصحف! قال أيوب: والله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند أمير المؤمنين ثم لا يشعر حتى يفارقه رأسه. قال له عمر: إذا أفضى الأمر إليك وإلى مثلك فما يدخل على أولئك أشد مما خشيت أن يصيبهم من هذا، فقال سليمان: مه، ألأبي حفص تقول هذا؟ قال عمر: والله لئن كان جهل علينا يا أمير المؤمنين ما حلمنا عنه. قال الأصمعي: اشتد جزع سليمان بن عبد الملك على ابنه أيوب حتى جاءه المعزون من الآفاق. فقال رجل منهم: إن امرأ حدث نفسه بالبقاء في الدنيا ثم ظن أن المصائب لا تصيبه فيها لغبين الرأي ولما حضر أيوب الوفاة وهو ولي العهد، دخل سليمان وهو يجود بنفسه، ومعه عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة وسعد بن عقبة فجعل ينظر في وجهه، فخنقته العبرة، ثم نظر فقال: إنه ما يملك العبد أن يسبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة، والناس في ذلك أضراب: فمنهم من يغلب صبره على جزعه، فذلك الجلد الحازم المحتسب، ومنهم من يغلب جزعه على صبره، فذلك المغلوب الضعيف العقدة، وليست منكم خشية، فإني أجد في قلبي لوعة، إن أنا لم أبردها بعبرة خفت أن يتصدع كبدي. فقال له عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، الصبر أولى بك فلا تحبطن. قال ابن عقبة: فنظر إلي وإلى رجاء بن حيوة نظر مستعتب يرجو أن يساعده على ما أراد من البكاء، فأما أنا فكرهت آمره أو أنهاه، وأما رجاء فقال: يا أمير المؤمنين فافعل فإني لا أرى بذلك بأساً ما لم تأت من

ذلك المفرط، وقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما مات ابنه إبراهيم واشتد عليه وجده وجعلت عيناه تدمعان قال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ". قال: فأرسل عينيه، فبكى حتى ظننا أن نياط قلبه قد انقطع، قال: فقال عمر بن عبد العزيز لرجاء: يا رجاء ما صنعت بأمير المؤمنين؟ قال: دعه يقضي من بكائه وطراً، فإنه إن لم يخرج من صدره ما ترى خفت أن يأتي على نفسه. قال: ثم رقأت عبرته، فدعا بماء فغسل وجهه، وأقبل علينا حتى قضى أيوب، وأمر بجهازه، وخرج يمشي أمام الجنازة، فلما دفناه، وحثا التراب عليه وقف ملياً ينظر إليه، وقال: " من الطويل " وقوف على قبر مقيم بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق ثم قال: السلام عليك يا أيوب، وأنشد: " من السريع " كنت لنا أنساً ففارقتنا ... فالعيش من بعدك مر المذاق ثم قال: أدن مني دابتي يا غلام، فركب، ثم عطف رأس دابته إلى القبر وقال: لئن صبرت فلم أقبلأ ألفظك من شبعٍ ... وإن جزعت فعلقٌ منفسٌ ذهبا فقال له عمر بن عبد العزيز: الصبر يا أمير المؤمنين، فأنه أقرب إلى الله وسيلة، وليس الجزع بمحيي من مات ولا راد ما فات. قال: صدقت وبالله التوفيق. وقال الأصمعي: وعزى رجل سليمان بن عبد الملك عن ابنه أيوب فقال: إن من أحب البقاء، وأمن الحدثان لعازب الرأي.

أيوب بن أبي عائشة

أيوب بن أبي عائشة حدث عن أبي هبيرة: أن رجلاً ضاف بأعمى فعشاه، فلما كان من الليل قام فتوضأ فصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم دعا فقال: اللهم رب الأرواح الفانية ورب الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح إلى أجسادها، وبطاعة الأجساد البالية إلى عروقها، وأسألك بدعوتك الصادقة فيهم، وكلمة الحق بينهم، وبشدة سلطانك، ينتظرون قضاءك، ويرجون رحمتك، ويخافون عذابك، أسألك أن تجعل النور في بصري والإخلاص في عملي، والشكر في قلبي أبداً ما أبقيتني، فحفظ الأعمى هذا الدعاء، فلما كان من القابلة، فتوضأ وصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم رفع يديه، فدعا بهذا الدعاء، فلما بلغ: أن تجعل النور في بصري أبصر الأعمى، ورد الله عز وجل إليه بصره. حدث أيوب بن أبي عائشة، وكان من الصالحين، وكان يتبرك بدعائه، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. قال: قيل لموسى عليه السلام: يا موسى إنما مثل كتاب أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتب بمنزلة وعاء فيه لبن كلما مخضته أخرجت زبدته. أيوب بن عبد الله بن مكرز ابن الأخيف العامري القرشي. حدث عن وابصة بن معبد الأسدي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا لا أريد أن أد ع شيئاً من البر والإثم إلا سألته عنه، فأتيته وحوله عصابة من الناس يستفتونه، فجعلت أتخطاهم، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت لهم: دعوني أدن منه، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه، فقال: دعوا وابصة. ادن يا وابصة ادن يا وابصة. فدنوت حتى قعدت بين يديه، فقال لي: " يا وابصة أتسألني أو أخبرك؟ " قلت: بل أخبرني يا رسول الله. قال: " أتسألني عن البر والإثم؟ " فقلت: نعم. فجمع أنامله، ثم جعل ينكت بهن في صدري ويقول: " يا وابصة استفت

أيوب بن عثمان الدمشقي

قلبك، واستفت نفسك. البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدور، وإن أفتاك الناس وأفتوك ". ثلاث مرات. وعن ابن مكرز - رجل من أهل الشام من بني عامر بن لؤي - عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله عز وجل وهو يبتغي عرضاً من الدنيا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أجر له ". فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلعلك لم تفهمه، فقال الرجل: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي من عرض الدنيا، فقال: " لا أجر له ". فأعظم ذلك الناس، فقالوا للرجل عد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له الثالثة: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي من عرض الدنيا فقال: " لا أجر له ". أيوب بن عثمان الدمشقي حدث عن عثمان بن أبي عاتكة عن كعب الحبر أنه سمع رجلاً ينشد بيت الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس فقال: والذي نفسي بيده إن هذا البيت لمكتوب في التوراة. أيوب بن محمد بن زياد بن فروخ أبو سليمان الرقي الوزان مولى ابن عباس، قدم دمشق. قيل: إن أيوب يلقب بالقلب، وقيل: إن القلب هو أيوب بن محمد الصالحي البصري. حدث عن مروان بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلام يسلخ شاةً، فقال له: " تنح حتى أريك فإني لا أراك تحسن

أيوب بن محمد بن محمد

تسلخ ". قال: فأدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط وقال: " هكذا يا غلام فاسلخ ". ثم انطلق فصلى بالناس ولم يتوضأ يعني لم يمس ماءً. وحدث أيوب عن ضمرة بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم وفيتم سبعين أمة أنتم أفضلها وأكرمها على الله عز وجل ". كان أيوب يزن القطن في الوادي، لا يخضب. مات في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين. وقيل: في سنة ست وأربعين. أيوب بن محمد بن محمد ابن أيوب أبي سليمان بن سليمان أبو الميمون الصوري، حدث بدمشق وصور. روى عن علي بن معبد بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة ". وحدث عن كثير بن عبيد الله الحذاء بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم على صورته، طوله سبعون ذراعاً ". ذكر أيوب مع الضعفاء. أيوب بن مدرك بن العلاء أبو عمرو الحنفي من أهل دمشق، قرأ القرآن وأقرأه. وحدث عن مكحول عن واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك قالا: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذهب الدنيا حتى يستغني النساء بالنساء، والرجال بالرجال ". والسحاق زنى النساء فيما بينهن.

أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد

وحدث عن مكحول عن معاوية بن قرة قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يكشفون رؤوسهم في أول قطرةٍ تكون من السماء في ذلك، ويقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو أحدث عهداً بربنا عز وجل وأعظمه بركةً ". وحدث عن مكحول عن أبي أمامة قال: لما آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الناس، آخى بينه وبين علي. وأيوب بن مدرك ضعيف. أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المكي. حدث أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد ولا يثرب - قال سفيان: لا يعير - وإن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت في الثالثة أو في الرابعة فليبعها ولو بضفيرٍ ". حدث أيوب عن موسى عن نافع قال: خرج ابن عمر يريد العمرة فأخبر أن بمكة أمراً يخاف أن يحبس. فقال: أهل بالعمرة فإن حبست صنعت كما صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية، فأهلّ بالعمرة، فلما سار قليلاً وهو بالبيداء أوجب حجاً، وقال: ما سبيل العمرة إلا سبيل الحج، وقال: أشهدكم أني قد أوجبت حجاً. وقدم مكة فطاف بالبيت سبعاً، وطاف بين الصفة والمروة سبعاً طاف لهما طوافاً واحداً، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل، فلما أتى قديداً اشترى هدياً وساق معه. كان أيوب والياً على الطائف لبعض بني أمية وكان ثقة ممن يحمل عنه الحديث. حمل عنه مالك بن أنس، وأمه أم ولد.

أيوب بن موسى ويقال ابن محمد

وفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة قتل داود بن علي أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد. أيوب بن موسى ويقال ابن محمد ويقال ابن سليمان أبو كعب السعدي، من أهل البلقاء من نواحي دمشق. حدث عن سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا زعيمٌ ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ". أيوب بن ميسرة بن حلبس أخو يونس بن ميسرة الجبلاني. قال أيوب بن ميسرة: سمعت بسر بن أبي أرطاة يقول: اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. فقلت: إني أسمعك تردد هذا الدعاء. قال: إني سمعت رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به. حلبس بالحاء غير معجمة مفتوحة وباء معجمة بواحدة. أيوب بن نافع بن كيسان ولكيسان صحبة، ويقال: لنافع أيضاً صحبة. روى عن أبيه نافع - وقيل: كيسان - أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستشرب أمتي من بعدي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يكون عونهم على شربها أمراؤهم ".

أيوب بن هلال وهلال أبو عقال

أيوب بن هلال وهلال أبو عقال ابن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي. حدث أبو زيد يحيى بن أيوب بن أبي عقال هلال أن أباه حدثه وكان صغيراً فلم يع عنه، قال: فحدثني عمي زيد بن أبي عقال عن أبيه أن أباه حدثه أن حارثة تزوج إلى طيئ بامرأة من بني نبهان فأولدها جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وزيداً، وتوفيت أمهم وبقوا في حجر جدهم لأمهم وأراد حارثة حملهم فأبى جدهم لأمهم فقال: ما عندنا خير لهم، فتراضوا إلى أن حمل جبلة وأسماء، وقيل: وأسامة وخلف زيداً، فجاءت خيل من تهامة من فزارة فأغارت على طيئ فسبت زيداً فصاروا به إلى عكاظ، فرآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أن يبعث فقال: " يا خديجة رأيت في السوق غلاماً من صفته كيت وكيت، يصف عقلاً وأدباً وجمالاً ولو أن لي مالاً لاشتريته ". فأمرت خديجة ورقة بن نوفل فاشتراه من مالها، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا خديجة هبي لي هذا الغلام بطيبةٍ من نفسك "، فقالت: يا محمد إني أرى غلاماً وضيئاً وأحب أن أتبناه وأخاف أن تبيعه أو تهبه، فقال: " يا موفقة ما أردت إلا أن أتبناه "، فقالت: به فديت يا محمد، فرباه وتبناه، إلى أن جاء رجل من الحي فنظر إلى زيد فعرفه فقال له: أنت زيد بن حارثة؟ قال: لا أنا زيد بن محمد، فقال: بل أنت زيد بن حارثة، إن أباك وعمومتك وإخوتك قد أتعبوا الأبدان، وأنفقوا الأموال في سببك فقال: " من الطويل " ألكني إلى قومي وإن كنت نائياً ... فإني قطين البيت عند المشاعر وكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر فإني بحمد الله في خير أسرة ... خيار معدٍّ كابراً بعد كابر فمضى الرجل فخبر حارثة، ولحارثة فيه أشعار منها: " من الطويل " بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحيٌّ يرجى أم أتى دونه الأجل ووالله ما أدري وإني لسائل ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل

فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرينه الشمس عند طلوعها ... ويعرض ذكراه إذا عسعس الطفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول أحزاني عليه ويا وجل سأعمل نص العيش في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرئ فانٍ وإن غره الأمل ثم إن حارثة أقبل إلى مكة في إخوته وولده وبعض عشيرته، فأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفناء الكعبة في نفر من أصحابه وزيداً فيهم، فلما نظروا إلى زيد عرفوه وعرفهم، فقالوا له: يا زيد، فلم يجبهم إجلالاً منه لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانتظاراً منه لرأيه. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هؤلاء؟ " قال: يا رسول الله، هذا أبي وهذان عماي، وهذا أخي، وهؤلاء عشيرتي. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قم فسلم عليهم يا زيد ". فقام فسلم عليهم، وسلموا عليه، وقالوا: امض معنا يا زيد. قال: ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، فقالوا له: يا محمد إنا معطوك بهذا الغلام ديات، فسم ما شئت فإنا حاملوها إليك. قال: أسألكم أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأني خاتم أنبيائه ورسله. فأبوا وتلكؤوا وتلجلجوا، وقالوا: تقبل ما عرضنا عليك يا محمد؟ فقال: " هاهنا خصلة غير هذه، قد جعلت أمره إليه، إن شاء فليقم وإن شاء فليرحل ". قالوا: قضيت ما عليك يا محمد، وظنوا أنهم قد صاروا من زيد إلى حاجتهم، قالوا: يا زيد قم قد أذن لك محمد فانطلق معنا. قال: هيهات هيهات، ما أريد برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلاً، ولا أوثر عليه والداً ولا ولداً، فأداروه وألاصوه واستعطفوه وذكروا وجد من وراءهم به، فأبى وحلف أن لا يصحبهم، فقال حارثة: يا بني أما أنا فإني مؤنسك بنفسي، فآمن حارثة وأبى الباقون، فرجعوا إلى البرية، ثم إن أخاه جبلة رجع فآمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأول لواء عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشام لزيد، وأول شهيد كان بمؤتة زيد وثانيه جعفر الطيار، وآخر لواء عقده بيده لأسامة على اثني عشر ألفاً من الناس فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: إلى أين يا رسول الله؟ قال: " عليك

بأبنى فصبحها صباحاً فقطع وحرق وخذ بثأر أبيك ". واعتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة ". فجهز إلى أن صار إلى الجرف واشتدت علة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث إلى أسامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدك، فرجع، فدخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أغمي عليه، ثم أفاق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى أسامة فأقبل فرفع يديه إلى السماء ويفرغها عليه. قالوا: فعرفنا أنه إنما يدعو له، ثم قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان فيمن غسله الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب، وأسامة يصب عليه الماء، فلما دفن عليه السلام. قال عمر لأبي بكر: ما ترى في لواء أسامة؟ قال: ما أحل عقداً عقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يحل من عسكره رجل إلا أن تكون أنت يا عمر، ولولا حاجتي إلى مشورتك لما حللتك من عسكره. يا أسامة عليك بالمياه يعني بالبوادي وكان يمر بالبوادي ينظرون إلى جيش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيثبتوا على أديانهم، إلى أن صاروا إلى عشيرته كلب فكانت تحت لوائه إلى أن قدم الشام على معاوية، فقال له معاوية: اختر لك منزلاً فاختار المزة واقتطع فيها هو وعشيرته. وقال الشاعر أعور كلب: " من الطويل " إذا ذكرت أرض لقوم بنعمةٍ ... فبلدة قومي تزدهي وتطيب بها الدين والإفضال والخير والندى ... فمن ينتجعها للرشاد يصيب ومن ينتجع أرضاً سواها فإنه ... سيندم يوماً بعدها ويخيب تأتى لها خالي أسامة منزلاً ... وكان لخير العالمين حبيب حبيب رسول الله وابن رديفه ... له ألفةٌ معروفة ونصيب فأسكنها كلباً وأضحت ببلدة ... لها منزل رحب الجناب خصيب فنصف على بر فسيح ونزهة ... ونصف على بحر أغر رطيب ثم أن أسامة خرج إلى وادي القرى إلى ضيعة فتوفي بها، وخلف في المزة ابنة له يقال

أيوب بن يزيد بن قيس

لها: فاطمة، فلم تزل مقيمة إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فجاءت، فدخلت عليه، فقام من مجلسه وأقعدها فيه، وقال لها: حوائجك يا فاطمة؟ قالت: تحملني إلى أخي، فجهزها وحملها. أيوب بن يزيد بن قيس ابن زرارة بن سلمة بن حنتم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد بن مناة بن عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، ويعرف بابن القرية النمري. والقرية التي نسب إليها هي: خماعة بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة. تزوجها مالك بن عمرو، فولدت له حنتم بن مالك. وفد على عبد الملك بن مروان. وصحب أيوب بن قرية بن مروان والحجاج بن يوسف. يضرب به المثل في الفصاحة. وكان أيوب خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج بن يوسف. وبعض الناس ينفيه ويقول لم يكن. قال الأصمعي: وأربعة لم يلحنوا في جدٍّ ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية. والحجاج أفصحهم. وسأل الحجاج ابن القرية عن الصبر؟ فقال: كظم ما يغيظك واحتمال ما ينوبك. وقال الحجاج لابن القرية: ما الإرب؟ قال: الصبر على كظم الغيظ حتى تمكنك الفرصة.

قال أيوب بن القرية: الرجال ثلاثة: عاقل وأحمق وفاجر، فالعاقل إن تكلم أجاد، وإن سمع وعى، وإن نطق نطق بالصواب، والأحمق إن تكلم عجل، وإن حدث ذهل، وإن حمل على القبيح فعل. والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حادثته شانك. وفي حديث آخر: وإن استكتمته سراً لم يكتمه عليك. قال الجاحظ: سأل الحجاج ابن القرية عن أضيع الأشياء؟ فقال: سراج في شمس، ومطر في سبخة، وبكر تزف إلى عنين، وطعام متأنق فيه عند سكران ومعروف عند غير أهله. وفي رواية: وامرأة حسناء تزف إلى أعمى، وطعام طيب يهيأ لشبعان، وصنيعةٌ عند من لا يشكرها. قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: وجه الحجاج بن يوسف أيوب بن القرية إلى عبد الرحمن بن الأشعث عيناً عليه بسجستان، فلم يلبث أن غمز به، فأدخل على عبد الرحمن. فقال له: مرحباً بالموصوف عندنا بتزين البلاغة. أأنت ابن القرية؟ قال: نعم. أصلح الله الأمير، فقال له عبد الرحمن: أخبرني عن أمر. قال: يسأل الأمير عما أحب. قال: أخبرني عن الحجاج ما أمره لديك؟ أعلى محجة القصد أم في مجانبة الرشد؟ قال: أسألك الأمان قبل البيان، قال: لك الأمان. قال: إن الحجاج على احتجاج في قصد المنهاج يمنح الظفر ويجتنب الكدر، لا تفظعه الأمور، وليس فيها بعثور، في النعماء شكور، وفي الضراء صبور فإنهاك أن تقاوله، وأعيذك بالله أن تطاوله، وهو على تربة

العدل لا تزل به النعل، ولا يعرنك الجبن ولك الحق، فإنكم خير داعية وأوثق، قال له عبد الرحمن: كذبت يا عدو الله، والله لأقتلنك، قال: فأين اللعان قال: وكيف الاقان لمن كذب وفجر والله لاقتلنك أو لتظاهرني عليه. قال له: أصلح الله الأمير. إنما أنا رسول. قال: هو ما أقول لك، فلما رأى أنه غير منتهٍ عنه تابعه وأقام معه يصدر له كتبه إلى الحجاج. فجمع له عبد الرحمن الناس فأصعده على المنبر، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الأمر الذي يدعوكم الحجاج إليه لم ينزل من السماء، ولم تقم به الخطباء ولم تسنه الأنبياء، ولم تصدر به إلينا من قبله كتب. ثم نزل، فلم يلبث أن قتل عبد الرحمن وهزم الحجاج الناس، فبعث في طلب الفار، فأتي بابن القرية أسيراً، فلقيه عنبسة بن سعيد، فقال له: أيوب! قال: أيوب، فما وراءك؟ قال: ورائي أنك مقتول، قال: كلا. إني قد أعددت للأمير كلمات صغاراً صلاباً كركب وقف قد قضين من حاجة وطراً، وقد استقبلن سفراً، قال: هو ما أقول لك. فلما أدخل على الحجاج تجاهل عليه. فقال: من أنت؟ قال: أنا أيوب. قال: يا أيوب ألم تكن في خمول من الدعة، وعدمٍ من المال، وكدرٍ من العيش، وتضعضعٍ من الهيئة، ويأسٍ من بلوغ ما بلغت، فوليتك ولاية الوالد ولم أكن لك والداً، ووليتك ولاية الراجي عندك الخير ولم أرج عندك خيراً، ووليتك ولاية الجاري باليد ولم يكن عندي يد، وأجرتك بها ثم قمت عند عبد الرحمن فقلت: إن الأمر الذي يدعوكم إليه الحجاج لم ينزل من السماء ولم ولم، والله لتعلمنّ يا بن القرية أن قتلك قد نزل من السماء. قال له: أصلح الله الأمير. إني قد أتيت إنساناً في مسك شيطان يتهددني بتخونه ويقهرني بسلطانه، فنطق اللسان بغير ما في القلب، والنصيحة لك ثابتة، والمودة لك باقية. قال: صدقت يا عدو الله، فلم كنت كاذباً وكان قلبك منافقاً وأردت كتمان ما كان الله معلنه منك، وإخفاء ما كان الله يعلمه من سريرتك، وكيف علمك بالأرض؟ قال: علمي بها كعلمي ببيتي، قال: فأخبرني عن الهند. قال: بحرها درٌ، وترابها مسك، وحطبها عود، وورقها عطر. قال: فأخبرني عن مكة. قال: تمرها دقل، ولصها بطل، إن كثر الجند بها جاعوا: وإن قلوا

بها ضاعوا. قال: فأخبرني عن عمان. قال: حرها شديد، وصيدها عتيد، يشدون الجلوف وينزلون الطفوف، وكأنهم بهائم ليس لهم راع، قال فأخبرني عن اليمامة. قال: أهل جفاء وطيرة ونكد قال: فأخبرني عن البصرة. قال: ماؤها مالح، وشربها سانح، مأوى كل تاجر، وطريق كل عابر. قال: فأخبرني عن واسط. قال: جنة بين حماةٍ وكنة. قال: وما حماتها وما كنتها؟ قال: البصرة والكوفة، ودجلة والفرات يحقران شأنها وينقصان الخير عنها. قال: فأخبرني عن الكوفة. قال: ارتفعت عن البحر، وسفلت عن الشام، فطاب ليلها، وكثر خيرها. قال: فأخبرني عن المدينة. قال: رسخ العلم فيها ووضح، وسناؤها قد طفح. قال: فأخبرني عن مكة. قال: رجالها علماء وفيهم جفاء، ونساؤها كساةٌ كعراة. قال: فأخبرني عن اليمن. قال: أصل العرب. وأهل بيوتات الحسب. قال: فأخبرني عن مصر. قال: عروس نسوة، كلهن يزفها. قال: وما ذاك بها؟ قال: فيها الثياب وإليها الأموال. قال: فأمر به فحبس عشراً، ثم أخرجه يوم العيد، فأقعده إلى جانب المنبر، ثم صعد الحجاج فخطب الناس ونزل، ثم دعا به والناس مجتمعون على الموائد، فكفوا عن الطعام، وأقبلوا يستمعون ما يكون من محاورتهما. فقال له الحجاج: يا بن القرية. كيف رأيت خطبتي؟ قال: أصلح الله الأمير، أنت أخطب العرب. قال: عزمت عليك إلا صدقتني. قال: تكثر الرد، وتشير باليد، وتقول أما بعد. قال له: ويلك! أو ما تستعين أنت بيدك في كلامك؟ قال: لا أصل كلامي بيدي حتى يضيق علي لحدي يوم أقضي نحبي. قال: علمت أني قاتلك؟ قال: ليستبقني الأمير أكن له كما كنت عليه قبل أنا في طاعته أشد مبالغة وفي مناصحته أشد نصرة، قال له: هيهات، هيهات، كذبت نفسك، وساء ظنك، وطال أملك، وكان أملك مع سوء عملك الموت قبل ذلك ثم دعا بحربة فجمع بها يده ثم هزها، فجزع أيوب من ذلك جزعاً شديداً. فقال: أصلح الله الأمير، دعني أتكلم بكلمات صعاب صلاب كركب وقف قد قضين من حاجة وطراً، وقد استقبلن سفراً، يكن مثلاً بعدي. قال: هاتهن إنهن لن ينجيك مني. قال: أصلح الله الأمير. إن

لكل جواد عثرة، ولكل شجاع سهوة ولكل صارم نبوة، ولكل حليم زلة، ولكل مذنب توبة قال: لا نقيلك عثرتك، ولا تقبل توبتك، ولا يغفر ذنبك. قال: أصغني سمعك. قال: قد أصغيتك سمعي. وأقبلت عليك وأنا ممضٍ فيك أمري. قال: أصلح الله الأمير، أنت منهج السالكين، غليظ على الكافرين، رؤوف بالمؤمنين، تام السلاح، كامل الحلم، راسخ العلم، فكن كما قال الأخطل. قال: وما قال؟ قال: قال: " من البسيط " شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا قال: ليس هذا حين المزاح، اليوم أروي من دمك السلاح. قال له: قد قال الله عز وجل: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " قال: فأطرق طويلاً ثم قال له: أخبرني بأصدق بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول: " من الطويل " وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمةً من محمد ولا فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد قال: صدقت. فرجا أيوب أن يكون له عنده فرج. قال: أخبرني بأشكل بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول: حبذا رجعها يديها إليها ... في يدي درعها تحل الإزارا ثم قال: أخبرني بأسير بيت قاله الشاعر. قال: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود قال: فأخبرني بأكرم بيت قاله الشاعر. قال: " من الوافر "

وكنا الأيمنين إذا التقينا ... وكان الأيسرين بنو أبينا فصالوا صولةً فيمن يليهم ... وصلنا صولةً فيمن يلينا فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا فقال له: كذبت يا بن اللخناء، بل كنتم ألأم وأوضع، ثم رفع القناة فوضعها بين ثندوتة، ثم غمزها حتى طلع الدم، ثم قال: هكذا يقتل اللئيم يا بن اللخناء، ثم قال: ارفعوه فرفعوه، فجعل يقول: ثكلتك أمك يا بن القرية لقد فات منك كلام كثير، ومنطق بليغ، لله درك ودرايتك. قيل: قتل الحجاج ابن القرية سنة أربع وثمانين.

أسماء النساء على حرف الألف

أسماء النساء على حرف الألف أسماء بنت عبد الله أبي بكر الصديق ذات النطاقين التيمية، زوج الزبير بن العوام، وأم عبد الله بن الزبير، وأخت عائشة الصديقة، وأمها قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. ويقال: قتلة. لها صحبة، شهدت أسماء اليرموك مع زوجها الزبير. حدث هشام عن فاطمة: أن أسماء كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها، وقالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا أن نبردها بالماء. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، ماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك كيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبداً ". قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني على الحوض أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي، " فيقول: " ما شعرت ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ". فكان ابن أبي ملكية يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. وعن مسلم القري قال: سألت ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها. فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص فيها، فادخلوا عليها فسلوها. قال: فدخلنا فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أبي واقد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه شهد اليرموك، قال: وكانت أسماء بنت أبي بكر مع الزبير في خبائها فسمعها تقول للزبير: إن كان الرجل من العدو ليمر يسعى، فتصيب قدميه عروة أطناب خبائي، فيسقط على وجهه ميتاً ما أصابه السلاح. وسميت أسماء ذات النطاقين لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تجهز مهاجراً ومعه أبو بكر الصديق أتاهما عبد الله بن أبي بكر في الغار ليلاً بسفرتهما، ولم يكن لها أشناق، فشقت لها أسماء نطاقها فشنقتها به. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة فقيل لها ذات النطاقين. وقتلة أمها نزلت فيها: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ". كانت قتلة قدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وقتلة راغبة عن الإسلام على دين قومها، ومعها ابنها الحارث بن مدرك بن عمر بن مخزوم، فأبت أسماء أن تقبل هديتها حتى تسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألته، فأنزل الله عز وجل: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " الآيات. فأدخلتها أسماء وقبلت هديتها. قال محمد بن مسلمة: تصلون ذوي أرحامكم. قال ثم نسخ هذا بقوله: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه، ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون ". وكانت أسماء مع ابنها عبد الله حين قتل، وبقيت مائة سنة حتى عميت، وماتت بعد قتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين بعد ابنها بليال، وكانت أخت عائشة لأبيها. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على

باب أبي بكر، فخرجت إليهم؛ فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة خر منها قرطي. قالت: ثم انصرفوا، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغني بأبيات شعر غنى بها العرب، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته ولا يرونه، حتى خرج بأعلى مكة: " من الطويل " جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واغتدوا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قالت: فلما سمعنا قوله، عرفنا حيث وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن وجهه إلى المدينة، وكانوا أربعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وعبد الله بن أريقط دليلهما. وعن أسماء قالت: لما توجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة معه أبو بكر، حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة آلاف أو ستة آلاف، فأتاني جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره. فقال: إن هذا والله فجعكم بماله مع نفسه فقلت: كلا يا أبه! قد ترك لنا خيراً كثيراً، فعمدت إلى حجارة فجعلتهن في كوةٍ في البيت، كان أبو بكر يجعل ماله فيها، وغطيت على الأحجار بثوب ثم جئت به، فأخذت يده فوضعتها على الثوب، فقلت: ترك لنا هذا، فجعل يجد مس الحجارة من وراء الثوب، فقال: أما إذ ترك لكم هذا فنعم. ولا والله ما ترك لنا قليلاً ولا كثيراً. قال كثير أبو الفضل: حدثني رجل من قريش من آل الزبير، أن أسماء بنت أبي بكر أصابها ورم في رأسها ووجهها، وأنها بعثت إلى عائشة بنت أبي بكر: اذكري وجعي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعل الله

يشفيني، فذكرت عائشة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجع أسماء، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل على أسماء، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب. فقال: " بسم الله أذهب عنها سوءه وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك، بسم الله ". صنع ذلك ثلاث مرات. فأمرها أن تقول ذلك، فقالت ثلاثة أيام، فذهب الورم. قال كثير: تصنع ذكر عند حضور الصلوات المكتوبات بقولها وتراً ثلاثاً. وعن ابن أبي ملكية: أن أسماء بنت أبي بكر الصديق كانت تصدع، فتضع يدها على رأسها وتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر. وعن أسماء قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه، قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه وأعلفه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير الذي أقطعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ. قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه نفر من أصحابه، فدعاني، فقال: " إخ إخ " ليحملني خلفه. قالت: واستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته. قالت: وكان أغير الناس فعرفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني أني استحيت - فمضى. فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قال: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. وعن عكرمة: أن أسماء كانت تحت الزبير بن العوام وكان شديداً عليها، فشكت ذلك إليه. فقال: يا بنية اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها فلم تزوج بعده جمع بينهما في الجنة.

قال هشام بن عروة: ضرب الزبير أسماء بنت أبي بكر، فصاحت بعبد الله بن الزبير فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت. فقال له عبد الله: أتجعل أمي عرضة ليمينك؟ فاقتحم عليه فخلصها منه، فبانت منه. قالت أسماء بنت أبي بكر: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحصي شيئاً وأكيله، فقال: " يا أسماء لا تحصي فيحصي الله عليك ". قالت: فما أحصيت شيئاً بعد قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من عندي ولا دخل علي، وما نفد عندي من رزق إلا أخلفه الله. كانت أسماء تقول لبناتها: يا بناتنا تصدقن ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الفضل لم تجدنه، وإن تصدقتن لا تجدن فضله. كان ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما يختلف. أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه. وأما أسماء فإنها كانت لا تدخر شيئاً لغد. ولما فرض عمر الأعطية، فرض لأسماء بنت أبي بكر ألف درهم. قال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله. قال: قلت: فإن ناساً هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشياً عليه، قالت: أعوذ بالله من الشيطان. حدث عثمان بن حمزة قال: أرسلتني أسماء بنت أبي بكر الصديق إلى السوق، وافتتحت بسورة الطور، فخرجت وقد انتهت إلى " ووقانا عذاب السموم " فذهبت إلى السوق ثم رجعت، وهي تكررها "

ووقانا عذاب السموم " وهي تصلي. كانت أسماء بنت أبي بكر تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها. كانت أسماء اتخذت خنجراً زمن سعيد بن العاص للصوص، وكان استعروا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها. قالت فاطمة بنت المنذر: ما رأيت أسماء لبست إلا معصفرة، حتى لقيت الله عز وجل، وإن كانت تلبس الدرع يقوم قياماً من العصفر. وكان عروة بن الزبير تعصفر له الملحفة بالدينار، قال: وإن كان لآخر ثوب لبسه لثوب عصفر له بالدينار. وعن أسماء قالت لعبد الله بن الزبير حين قاتل الحجاج: يا بني عش كريماً، ومت كريماً، لا يأخذك القوم أسيراً. وكانت أسماء تقول وابن الزبير يقاتل الحجاج: لمن كانت الدولة اليوم؟ فيقال: للحجاج. فتقول: ربما أمر باطل، فإذا قيل لها: هي لعبد الله وأصحابه، تقول: اللهم انصر أهل طاعتك ومن غضب لك. اشتكت أسماء وعبد الله بن الزبير يقاتل الحجاج، وكانت قد كبرت ورقت فنظر إليها، فقال: ما أحسن الموت، فسمعت ذلك العجوز. فقالت: يا بني والله ما أحب أن أموت يومي هذا حتى أعلم إلى ما تصير إليه، إما ظفرت فذلك الذي نرجو ونسر به، وإما الأخرى فأحتسبك وتمضي لسبيلك. وفي حديث بمعناه، فقالت له: وإياك أن تعرض على خطة فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت، وإنما عنى ابن الزبير أن يقتل فيحزنها ذلك، وكانت ابنة مائة سنة. لما قتل الحجاج يوسف بن عبد الله بن الزبير، دخل على أسماء بنت أبي بكر وقال لها: يا أمه إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم؛ ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، ومالي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك ما

سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني سمعته يقول: " يخرج من ثقيف كذاب ومبير ". فأما الكذاب فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير فأنت. فقال لها الحجاج: مبير النافقين. حدث يعلى التيمي قال: دخلت مكة بعدما قتل ابن الزبير بثلاثة أيام، وهو حينئذ مصلوب، فجاءت أمه عجوز طويلة مكفوفة البصر فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل. فقال الحجاج: المنافق، فقالت: والله ما كان منافقاً، إن كان لصواماً قواماً براً، فقال: انصرفي يا عجوز فإنك قد خرقت. قالت: لا والله ما خرقت منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يخرج من ثقيف كذاب ومبير ". فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت. لما قلت الحجاج ابن الزبير صلبه على عتبة المدينة، فمر به ابن عمر فوثب عليه، فقال له: السلام عليك يا أبا خبيب، أما والله لقد نهيتك عن هذا ثلاثاً، أما والله ما علمت إن كنت صواماً قواماً وصولاً للرحم، وإن أمة أنت شرهم لأمة صدق، فلما بلغ ذلك الحجاج أمر به فطرح في مقابر اليهود، ثم أرسل إلى أمه أن تأتيه، فأبت أن تأتيه، فأرسل إليها: لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، فلما رأى ذلك لبس سبتيه ثم خرج يتوذف إليها حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، وقد والله كنت ذات نطاقين أما أحدهما، فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه وأما الآخر، فإني كنت أرفع فيه طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطعام أبي، فأي ذلك - ويل أمك - عيرته بك؟ أما إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحدثنا أنه سيخرج من ثقيف رجلان كذاب ومبير فأما الكذاب فابن أبي عبيد، وأما المبير فأنت. قال: فانصرف عنها ولم يراجعها. قال: وفي رواية يخرج من ثقيف ثلاثة: كذاب ومبير وذيال. قالت: وأما الذيال فلم نره وسوف يرى.

لما صلب ابن الزبير، دخل ابن عمر المسجد، وذلك حين قتل ابن الزبير وهو مصلوب ومطروح، فقيل له: إن أسماء في ناحية المسجد، فمال إليها فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وأما الأرواح عند الله، فاتقي الله، وعليك بالصبر. فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل. قال ابن أبي ملكية: دخلت على أسماء بعدما أصيب ابن الزبير فقالت: بلغني أن الرجل صلب عبد الله اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه، فأتيت به بعد ذلك قبل موتها، فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعدما ذهب بصرها. وفي حديث بمعناه: وصلت عليه فما أتت عليها إلا جمعة حتى ماتت وقيل ثلاثة أيام. وعن أسماء: أنه لما قتل عبد الله بن الزبير، كان عندها شيء أعطاها إياه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرت طارقاً فطلبه، فلما جاءها به سجدت. قال الركين بن الربيع: دخلت على أسماء وقد كبرت وهي تصلي، وامرأة تقول لها: قومي، اقعدي، افعلي. من الكبر. قال هشام: أتى على أسماء مئة عام وما سقط لها سن. وزاد غيره: ولم ينكر من عقلها شيء. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: إذا أنا مت فاغسلوني وحنطوني وكفنوني ولا تذروا علي كفني حنوطاً، ولا تدفنوني ليلاً. وفي رواية: ولا تتبعوني بنار.

أسماء بنت واثلة بن الأسقع الليثية

أسماء بنت واثلة بن الأسقع الليثية حدثت عن أبيها قالت: كان أبي يصوم الاثنين والخميس فقلت: ما هذا الصوم الذي لا تدعه؟ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومهما ويقول: " تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل ". وعن أسماء بنت واثلة قالت: كان أبي إذا صلى صلاة الصبح جلس مستقبل القبلة، لا يتكلم حتى تطلع الشمس، فربما كلمته في الحاجة فلا يكلمني، فقلت له: ما هذا؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى صلاة الصبح، ثم قرأ: " قل هو الله أحد " مائة مرة قلب أن يتكلم فكلما قال: " قل هو الله أحد " غفر له ذنب سنة ". أسماء ويقال فكيهة بنت يزيد ابن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث ابن الخزرج بن عمرو بن عامر. أم عامر، ويقال أم سلمة الأنصارية الأشهلية لها صحبة، وهي من اللاتي بايعن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت اليرموك، وقتلت من الروم تسعة بعمود فسطاطها، وشهدت خيبر مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روت أسماء بنت يزيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج والنساء في جانب المسجد، وأنا فيهن، فسمع ضوضاءهن، فقال: " يا معشر النساء، أنتن أكثر حطب جهنم ". قالت: فناديت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت جريئة على كلامه، فقلت: يا رسول الله، بماذا؟ قال: " إنكن إذا أعطيتن لم تشكرن، وإذا ابتلين لم تصبرن، وإذا أمسك عنكن شكوتن، وإياكن وكفر المنعمين ". فقلت: يا رسول الله، وما المنعمون؟ قال: " المرأة تكون تحت الرجل وقد ولدت الولدين والثلاثة، فتقول: ما رأيت منك خيراً قط ".

وعن أسماء قالت: لما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببيعة النساء أتيته أنا وبنات عمٍ لي نبايعه، فعرض علينا الإسلام فأقررنا، وأخرجت ابنة عمٍ لي يدها لتبايعه فكف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده وقال: " إني لست أصافح النساء " ورأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المرأة سوارين وخواتم في أصابعها من ذهب، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصاة فرمى بها، ثم قال: " أيتها المرأة أيسرك أن يحليك الله مكان هذا سوارين وخواتم من نار؟ " قالت: لا يا رسول الله قال: " فاطرحيه إذاً " فانتزعت الخواتم فوضعتهن بين يديها، وعالجت السوارين فلم ينزع أحدهما، وعسر الآخر عليها، فاستعانت امرأة فلم تزالا تعالجاه حتى نزعتاه، فوضعتاه بين أيدينا، فوالله ما أدري من أخذه من العالمين. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلى أو تحلى أو ترك مثل عين جرادة أو مثل خربصيصة كوي بها يوم القيامة معذباً أو مغفوراً له ". فقال رجل: ما الخربصيصة؟ قال: " أصغر من عين الجرادة ". وفي رواية، أن أسماء كان عليها سواران وأنه قال: " ألق السوارين يا أسماء، أما تخافين أن يسورك الله بسوارين من نار ". قالت: فألقيتهما فما أدري من أخذهما. وعن أسماء قالت قالت امرأة من النسوة: يا رسول الله ما هذا المعروف الذي ليس لنا أن نعصيك فيه؟ فقال: " لا تنحن ". فقلت: يا رسول الله إن بني فلان قد أسعدوني على عمي فلابد من قضائهن، فأبى علي، فعاتبته مراراً فأذن لي في قضائهن، فلم أنح بعد في قضائهن ولا في غيره حتى الساعة، ولم يبق امرأة من النسوة إلا قد ناحت. وعن أم عامر بنت يزيد بن السكن، وكانت من المبايعات، أنها أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرقٍ فتعرقه، وهو في مسجد بني عبد الأشهل، ثم قام، فصلى، ولم يتوضأ. وعن أم عامر أسماء بنت يزيد قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجدنا المغرب، فجئت منزلي، فجئته بعرق وأرغفة

أسماء امرأة كانت في عصر أم الدرداء

فقلت: بأبي وأمي تعش، فقال لأصحابه: " كلوا بسم الله ". فأكل هو وأصحابه الذين جاؤوا معه، ومن كان حاضراً من أهل الدار. والذي نفسي بيده لرأيت بعض العرق لم يتعرقه وعامة الخبز، وإن القوم أربعون رجلاً، ثم شرب ما عندي في شجب، ثم انصرف، فأخذت ذلك الشجب فذهبت فطويته نسقي فيه المريض ونشرب منه في الحين رجاء البركة. الشجب: القربة تخرز من أسفلها ويقطع رأسها إذا خلقت، شبه الدلو العظيم. أسماء امرأة كانت في عصر أم الدرداء حكى أبو عبد رب الزاهد قال: أمرتني أم الدرداء أن أبيع لها جارية، فبعتها من امرأة يقال لها أسماء، فلم تلبث أن أصابها طاعون، فقلت لأم الدرداء: إن الجارية أصابها طاعون فهلكت، فقالت: لا تأخذ من ثمنها شيئاً، فلقيتها فأخبرتها، فقالت: الله! إن كانت أم الدرداء غنية تريد أن تكون أولى بالأجر مني لا أفعل، فما زلت أمشي بينهما حتى أصلحت بينهما على النصف من الثمن. آمنة ويقال أمة بنت سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، كانت زوج خالد بن يزيد بن معاوية، فطلقها، فتزوجها الوليد بن عبد الملك، وفيها يقول خالد: " من الطويل " كعابٌ أبوها ذو العصابة وابنه ... وعثمان ما اكفاؤها بكثير فإن تفتلتها والخلافة تنقلب ... بأكرم علقى منبرٍ وسرير قال الهيثم بن عدي: كانت ابنة سعيد بن العاص تحت الوليد بن عبد الملك. فمات عبد الملك فلم تبك عليه. فقال لها الوليد: ما يمنعك من البكاء على أمير المؤمنين؟ قالت: وما أقول له إلا أن

آمنة بنت الشريد زوج عمر بن الحمق

أدعو الله أن يحييه حتى يقتل لي أخاً آخر، قال: إي والله لقد كسرنا ثناياه فقالت: علمت من شقت استه السيوف، قال: الحقي بأهلك، قالت: ألذ من الدنيا وأيسر. آمنة بنت الشريد زوج عمر بن الحمق كانت بدمشق ذكر أبو الحسن علي بن محمد الكاتب الشابشتي: أن عمرو بن الحمق، لما قتل حمل رأسه إلى معاوية، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد، وكانت آمنة بنت الشريد زوجته بدمشق، فلما حمل رأس عمرو إليه أمر أن يلقى في حجرها وأن يسمع منها تقول، فلما رأته ارتاعت له. وأكبت عليه تقبله، وقالت: واضيعتا في دار هون! بقيتموه طويلاً، وأهديتموه إلي قتيلاً، فأهلاً وسهلاً، كنت له غير قالية، وأنا له غير ناسية، قل لمعاوية: أيتم الله ولدك، وأوحش منك أهلك، ولا غفر الله ذنبك، فعاد الرسول إليه بما قالت، فأمر بها فأحضرت، وعنده جماعة وفيهم إياس بن شرحبيل وكان في شدقيه نبوٌّ لعظم لسانه. فقال لها معاوية: يا عدوة الله أنت صاحبة الكلام. قالت: نعم، غير فازعةٍ ولا معتذرة، قد لعمري اجتهدت في الدعاء، وأنا أجتهد إن شاء الله إن نفع الاجتهاد والله من وراء العباد. فأمسك معاوية. فقال إياس: اقتل هذه، فما كان زوجها بأحق بالقتل منها. فقالت له: تبا لك ويلك! بين شدقيك جثمان الضفدع وأنت تأمره بقتلي كما قال تعالى: " إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين " فضحك معاوية والجماعة، وبان الخجل من إياس، ثم قال معاوية: اخرجي عني فلا أسمع بك في شيءٍ من الشام. قالت: سأخرج عنك، فما الشام لي بموطن، ولا أعرج فيه على حميم ولا سكن، ولقد أعظمت في مصيبتي، وما قرت به عيني، وما أنا إليك بعائدة ولا لك حيث كنت بحامدة، فأشار إليها بيده أن اخرجي، فقالت: عجباً لمعاوية يبسط علي غرب لسانه ويشير إلي ببنانه، فلما خرجت قال معاوية: يحمل إليها ما يقطع بها غرب لسانها ويخفف به إلى بلدها فقبضت ما أمر لها به وخرجت تريد الكوفة، فلما وصلت إلى حمص توفيت.

آمنة ويقال أمينة

آمنة ويقال أمينة بنت عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم. حدثت عن ميمونة أنها قالت: يا رسول الله أفتنا عن الصدقة. قال: " إنها حجابٌ من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله ". قالت: أفتنا في ثمن الكلب. قال: " طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها ". قالت: أفتنا عن عذاب القبر. قال: " أثر البول فمن أصابه بولٌ فليغسله، فمن لم يجد ماءً مسحه بتراب طيب. حدث شيخ من ساكني العقيق قال: إني لواقف بالعقيق وقد جاء الحاج، إذ طلعت امرأة على رحالةٍ حولها صففٌ فنظرنا إليها فأعجبنا حالها فلما أن كانت حذو قصور سفيان بن عاصم يعني ابن عبد العزيز بن مروان عدلت إليها ونحن ننظر، فاضطجعت في موضعٍ ساعة ثم قامت، فدخلت قصراً من تلك القصور فأقامت فيه ساعة، ثم خرجت، فركبت ومضت. قلنا: لننظرنّ إلى ما صنعت هذه المرأة، فجئنا مضجعها الذي اضطجعت فيه، ثم دخلنا القصر الذي دخلته؛ فإذا بكتاب يواجهنا في الجدار فإذا هو: " من الطويل " كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا بلى إن ذا الشوق الموكل بالهوى ... يزيد اشتياقاً كلما حول الصبرا مقيماً بها يوماً إلى الليل لا يرى ... أوانس قد كانت تكون بها عصرا وتحته مكتوب: وكتبت آمنة بنت عمر بن عبد العزيز: كان سفيان بن عاصم زوجها.

آمنة أو أمية بنت أبي الشعثاء الفزارية.

آمنة أو أمية بنت أبي الشعثاء الفزارية. حدثت عن مدلوك أبي سفيان قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع موالي فأسلمت، فمسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على رأسي، قالت آمنة: فرأيت ما مسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رأسه أسود، وقد شاب ما سوى ذلك. آمنة بنت محمد بن أحمد العجلية والدة الحسن بن الحنائي. حدثت عن أبي محمد عبد الله بن عبد الرزاق الأزدي بسنده عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يموت بثلاثة أيام يقول: " لا يموت أحدكم إلا وهو بالله حسن الظن ". آمنة ذات الذنب كان لها ذنب مخلوق في عجزها فنخسها مروان المرتعش فضرطت فخاصمته إلى نمير بن أوس فقضى لها بأربعين درهماً وعباءة.؟ أميمة بنت أبي بشر بن زيد الأطول الأزدية زوج عبد الله بن قرط الثمالي الأزدي. شهدت اليرموك مع بعلها. قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر: وأقبلوا - يعني الروم - حتى نزلوا بمكانٍ من اليرموك يدعى دير الخل مقابل المسلمين، والمسلمون قد تحرزوا وأصعدوا النساء.

أميمة بنت رقيقة

قالوا: فمر قيس بن هبيرة على نسوةٍ من نساء المسلمين مجتمعاتٍ، فلما رأينه قامت إليه أميمة بنت أبي بشر، وكانت تحب عبد الله بن قرط الثمالي، وكان فرس قيس أشبه شيء بفرس عبد الله بن قرط، وكان باده على الفرس شبيهاً بباده، فظنته زوجها، فقامت إليه فقالت: استمتع، بنفسي أنت. فظن قيس أنها شبهته بزوجها، قال: أظنك شبهتني بعبد الله. قالت: واسوأتاه! فانصرفت. فقال: أيتها المرأة، وإياكن أعني أيضاً، قبح الله امرأة تضطجع لزوجها، وهذا عدوه قد حل بساحته يقاتله إذا أراد منها ذلك، فلتحث التراب في وجهه، ثم لتقل: اخرج فقاتل عني فإني لست بامرأتك حتى تمنعني، فلعمري ما يقرب النساء على مثل هذه الحال إلا فسلٌ من الرجال، ثم مضى، قال: تقول المرأة: واسوأتاه! هذا يظن أني ظننت أنه زوجي، فقمت إليه أتعرض له، إنما ظننت أنه ابن قرط، ولم يكن تعشى البارحة إلا عشاء خفيفاً، كان تعشى عنده رجلان من إخوانه، فكنت قد هيأت له غداءه، فأردت أن ينزل فيتغدى. أميمة بنت رقيقة وهي أميمة بنت عبد ويقال: عبد الله بن بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها رقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد، لها صحبة، وهي من المبايعات. شهدت مؤته، وقدمت على معاوية دمشق، وروت عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. قالت أميمة بنت رقيقة: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نسوة نبايعه، فقلنا: نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فيما استطعتن وأطقتن ".

فقالت: فقلت: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال: " إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمئة امرأة، كقولي لامرأة واحدة، أو مثل كقولي لامرأة واحدة ". وفي حديث آخر: جاءت أميمة بنت رقيقة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبايعه على الإسلام. فقال: " أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى ". وعن رقيقة قالت: كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدحٌ من عيدان يبول فيه، ويضعه تحت السرير، فجاءت امرأة يقال لها بركة قدمت مع أم حبيبة من الحبشة فشربته، فطلبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجده، فقيل: شربته بركة. فقال: " احتظرت من النار بحظار ". كان معاوية قد حول أميمة إليه إلى الشام، وبنيت لها دار، ودخلت على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فقال: اندبيني يا بنت رقيقة؟ فتسجت بثوبها ثم قالت: " من الهزج " ألا ابكيه ألا ابكيه ... ألا كل الفتى فيه ثم قال: لابنتيه: اقلبنني، فقلبته هندٌ ورملة، فقالت: إنكما لتقلبان حولاً قلباً، إن وقي كبده النار غداً. ثم قال: " من الكامل " لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب

أنيسة بنت معبد المغني

قال هشام بن عروة سمعت عبد الله بن الزبير يقول: كان والله - يعني معاوية - كما قالت بنت رقيقة: " من الهزج " ألا ابكيه ألا ابكيه ... ألا كل الفتى فيه وقيل رقيقة هي أم مخرمة بن نوفل صاحبة الرؤيا في استسقاء عبد المطلب بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أنيسة بنت معبد المغني ومعبد مولى ابن قطن. يقال لها: عروس القيان. خرجت مع أبيها معبد وأخيها كردم إلى يزيد بن عبد الملك فأقاموا بالشام حياة يزيد كلها، ثم رجعوا إلى المدينة طول أيام هشام، فلما ولي الوليد بن يزيد استحضرهم فخرجوا إليه، ولم يزالوا مقيمين في عسكره حتى مات معبد، فخرج الوليد بن يزيد وأخوه الغمر متبذلين يحملان مقدم جنازته. اصطبح الوليد بن يزيد يوماً وعنده أنيسه بنت معبد وأخوها كردم وشهدة جاريته. فقال لأنيسة: أتعرفين صوتاً كان أبي يقترحه على أبيك فيه ذكر لبابة؟ فقالت: نعم. وغنته: " من الكامل " ودع لبابة قبل أن تترحلا ... واسأل فإن قلاله أن تسألا إلبث لعمرك ساعةً وتأنها ... فلعل ما بخلت به أن يبذلا حتى إذا ما الليل جن ظلامة ... ورجوت غفلة حارسٍ أن يغفلا خرجت تأطر في الثياب كأنها ... أيم يسيب على كثيبٍ أهيلا فطرب الوليد وقال: هو هو واصطبح عليه يومه، ووالى الشرب سبعة أيام فأمر فيها في كل يوم لأنيسة بألف دينار، ثم أمر أن تجهز بذلك وتزوج رجلاً شريفاً موسراً، فزوجها رجلاً من وجوه أصحابه من تنوخ. أسماء الرجال على

حرف الباء

حرف الباء بحيري الراهب الذي حذر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الروم، ورده من أرض بصرى، وكان على دين المسيح، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام. توفي قبل البعث، كان يسكن قرية يقال لها: الكفر، بينها وبين بصرى ستة أميال تعرف اليوم بدير بحيرى؛ وقيل: كان يسكن البلقاء بقريةٍ يقال لها: ميفعة وراء زيزاء. عن ابن عباس: أنا أبا بكر الصديق صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثمان عشرة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عشرين، وهم يريدون الشام في تجارة، حتى إذا نزلوا منزلاً فيه سدرة قعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ظلها، ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرى يسأله عن شيء، فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال له: ذلك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال: هذا والله نبي، ما استظل تحتها بعد عيسى بن مريم إلا محمد. ووقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، فلما نبئ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتبعه. حدث أبو داود سليمان بن موسى: أن أبا طالب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج به إلى الشام، فلما مروا بقرية يقال لها: ميفعة من أرض البلقاء، وفيهم راهب يقال له: بحيرى، فخرج إليهم بحيرى، وكانوا قبل ذلك يقدمون فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، فجعل يتخللهم حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بختري بن عبيد بن سليمان الطابخي

فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا الذي بعثه الله رحمة للعالمين. فقال شيوخ من قدم معه من قريش: وما علمك؟ قال: أنكم لما أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجداً ولا يسجد إلا لنبي، وأعرفه بالصفة وبخاتم النبوة مثل التفاحة أسفل من غضروف كتفه، ثم انطلق بحيرى فأتاهم بطعام، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رعية إبل أصحابه، فقال: أرسلوا إليه، فأرسلوا إليه، فقال بحيرى: انظروا عليه غمامة تظله! فانتهى إليهم وقد علموه على الشجرة فيء الشجرة، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومال إليه فيء الشجرة، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة كيف مال إليه! فبينا هم يأكلون وهو قائم عليهم؛ إذ هو بفوارس من الروم مقبلين، فلما رآهم بحيرى استقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ فقالوا: جئنا لأنه بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق من طرق الروم إلا وقد بعث عليه قوم وبعثنا إلى هذه الطريق. فقال: ما وراءكم أفضل لكم، قال: أرأيتم أمراً أراد الله أن يمضيه يستطيع أحد رده؟ فتبعوه وأقاموا وأتاهم بحيرى فقال: أيكم ولي هذا الغلام؟ فأشاروا إلى أبي طالب. فقال: إنهم إن رأوه عرفوه، فقتلوه، فرده أبو طالب. وذكر حديث بحيرى لما عمل الطعام ودعاهم إليه، وقد ذكرناه في ترجمة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال في آخره: وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرى فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم. فما لكم إليه سبيل، فصدقوه، وتركوه، ورجع أبو طالب فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه. بختري بن عبيد بن سليمان الطابخي الكلبي من أهل القلمون من قرية الأفاعي حدث البختري بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رجل من الناس: يا رسول الله ما العاديات ضبحاً؟ فأعرض عنه، ثم رجع إليه من الغد. فقال:

بخت نصر بن بيت بن جوذرز

ما الموريات قدحاً؟ فأعرض عنه، ثم رجع الثالثة، فقال: ما المغيرات صبحاً؟ فرفع العمامة أو القلنسوة عن رأسه بمخصرته فوجده مفرعاً رأسه. فقال: " لو وجدته طاماً رأسه لوضعت الذي فيه عيناه ففزع الملأ من قوله ". فقالوا: يا نبي الله ولم؟ قال: " إنه سيكون أناس من أمتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه ويتبعون ما تشابه منه ويزعمون أن لهم في أمر ربهم سبيلاً ولكل دين مجوس وهم مجوس أمتي وكلاب النار. فكان يقول: هم القدرية. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سموا أولادكم فإنهم من أطفالكم " والمحفوظ: أفراطكم. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشربوا أعينكم الماء ولا تنفضوا أيديكم من الماء فإنها مراوح الشيطان ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: " إنك لأول من يقاتل الخوارج، فلا تتبعن مدبراً، ولا تجهز على جريح ". وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً ". بختري باء معجمة بواحدة وخاء معجمة، وتاء معجمةٌ باثنتين من فوقها. كان فيه ضعف، وروى عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر عشرين حديثاً عامتها مناكير، منها: أشربوا أعينكم الماء، ومنها: الأذنان من الرأس. بخت نصر بن بيت بن جوذرز الملك البابلي. دخل دمشق ومضى منها إلى بيت المقدس فخربها وسبى أهلها وحملها إلى بابل وقيل إنه آمن بعد ذلك.

حدث مجاهد قال: كان من قصة بخت نصر أنه كان يتيماً بأرض لا يؤبه له، وكان فيما ذكروا من جيش نمرود صاحب إبراهيم، وكان لزنية، بغت أمه فكان من شأنه أن دانيال الأكبر وكان قد قرأ التوراة ذات يوم فأتى على هذه الآية " فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً " قال: فطوى التوراة فقال: يا رب من هذا المكان الذي يكون خراب بيت المقدس على يديه وهلاك بني إسرائيل؟ قال: فأري في المنام أن يتيماً بأرض بابل يقال له بخت نصر عليلاً فقيراً فقضيت ذلك على يديه فلما أصبح تجهز بمال عظيم، ثم خرج نحو أرض بابل حتى وردها، وملكها يومئذ سنحاريب. فدخل عليه، فقال: من أنت ومن أين أقبلت؟ قال: أقبلت من أرض بني إسرائيل وحملت معي أموالاً أقسمها في فقراء أهل أرضك ويتاماهم. قال: فأنزله وأكرمه، وأجعل يلطف اليتامى والفقراء فيعطيهم ويسأل عن أسمائهم حتى قسم مالاً كثيراً فكان لا يظفر ببخت نصر حتى أعياه ذلك فبعث من يطلبه في قرى بابل ومدائنها فلا يظفر به حتى أيس منه فأقام ببابل رجاء أن يظفر به. قال: فخرج غلامه ذات يوم إلى بعض قرى بابل للميرة، قال: فمر بغلام مريض على طريق الناس قد اتخذ له عريش، وقد فرش له الرماد، به الذرب يسيل الماء الأصفر منه، فلما نظر إليه غلام دانيال رأى منظراً فظيعاً فقال له: ما حالك يا غلام؟ قال: أنا غلام يتيم قد كنت أكد على أم لي عجوز حتى أصابني ما ترى فعجزت عني فوضعتني هاهنا يعطف الناس علي والمارة فأصيب الشيء والكسرة. فقال له: وما اسمك؟ قال: ما تسأل عن اسمي؟ قال: إن مولاي قسم مالاً كثيراً في اليتامى والمساكين فكيف غبت عنه؟ قال بخت نصر: هي أرزاق، قال: فأخبرني عن اسمك حتى أخبره بحالك فيعطيك كما يعطي غيرك، قال: اسمي بخت نصر. قال: فلما انصرف الغلام إلى سيده فأخبره بما رأى. قال دانيال: هذا بغيتي وأسر في نفسي، وانطلق معه غلامه إليه. فقال: ما اسمك؟ قال: اسمي بخت نصر، وأنا غلام يتيم من أهل بيت شرف، ولكن انقلب علينا الزمان وأصابتنا الشدة فعجزت أمي عني فألقتني هذا الموضع.

قال: فأمر غلامه فغسله وطيبه وكساه، ثم حمله حتى جاء به إلى أمه، وأجرى عليها حتى برأ وصح، وكان قبل أن ينزل به المرض يخرج مع أتراب له إلى البراري فيحتطب فكانوا يؤمرونه على أنفسهم فيحتطبون له ويحملونه فيما بينهم حتى ينتهوا إلى القرية فيحتزمون له حزمة فكان يدخلها السوق فيبيعها، فكان منها معيشته ومعيشة أمه، فلما صح قال له دانيال: يا بخت نصر هل تعلم أني قد أحسنت إليك؟ قال: نعم. قال: فما رأيك إن وصلت إلي مكافأتي هل أنت مكافيّ؟ قال: يا سيدي هل صنع أحد بأحد إلا دون ما صنعت بي، ومن أين أقدر على مكافأتك! قال: أخبرني إن ملكت يوماً من الدهر بابل وغزوت بلاد بني إسرائيل فلي الأمان منك ولأهل بيتي؟ قال: نعم. غير أني أظن أن هذا منك استهزاء! قال دانيال: لا بل هو الجد مني. قالت أمه: يا سيدي، إن كان الذي تقول حقاً فأنت الملك وهو تبع لك، فقال دانيال: أتكتب لي أماناً ولأهل بيتي يكون كتابك علامة بيني وبينك وبين أهل بيتي وأعطيك عشرين ألف درهم؟ قال: نعم. قال: فكتب له بخت نصر كتاباً أماناً بخط يده ولأهل بيته، وجهز بالذهب، وأعطاه دانيال عشرين ألف درهم، ثم ودع الملك ولحق ببلاده، فعمد بخت نصر ففرق تلك الدراهم في الغلمة الذين كان يترأس عليهم، فكساهم واشترى لهم الدواب، وكان ظريفاً كاتباً أديباً، فانطلق إلى سنحاريب الملك، فانتسب له ولزم بابه في أصحابه، فكان يوجهه في أموره وكان مظفراً حتى بدا لسنحاريب أن يغزو بيت المقدس، فبعث جواسيسه يأتونه بخبر الأرض، فانطلق بخت نصر فركب حماراً ثم جاء حتى دخل على الملك، فقال: أيها الملك إنك تبعث عيوناً إلى أرض بني إسرائيل فأحب أن أنطلق أنا بنفسي، فإني أنا أعلم منهم بالأمر الذي تدرك به حاجتك. قال له الملك: ألا أعلمتني فكنت أستعملك عليهم، ولكن امضه. فمضى حتى وردها، فكان أصحابه يسألون عن الحصون وعن العدة والرجال والمدخل والمخرج وكان بخت نصر يسأل بقوله: هل فيكم اليوم أنبياء وكتب تقرؤونها؟ قالوا: نعم. قال: أفتطيعون أنبياءكم؟ قالوا: لا. قال: أفتقيمون كتبكم؟ قالوا: لا. قال: فانصرف، وانصرف أصحابه، فأعلموا الملك ما عاينوا. وقال بخت نصر: أيها الملك إن فيهم أنبياء لا يطيعونهم وكتباً لا يقيمونها فإن نصرت فبهذا. قال سنحاريب: إنه ليس للقوم بنا يدان، وسأغزوهم بجنود لا قبل لهم بها، وكان من قصته ما كان. يروى أن بخت نصر دخل الشام ومصر في ست مائة ألف راكب وهو راكب على أسد أحمر

متعمم بثعبان، متقلداً سيفاً طوله عشرة أشبار في عرض شبر، أخضر النصل، يقطر منه الماء شبه الشرر، غمده من ذهب مرصع بصنوف الجوهر والياقوت الأحمر، منقوش عليه هذه الأبيات: " من السريع " وأنت إن لم ترج أو تتقي ... كالميت محمولاً على نعشه لا تنجش الشر فتصلى به ... فقل من يسلم من نجشه وأخمد الشر فإن هجته ... فاحرص لأعدائك في جشه للبحر أقراشٌ لها صولةٌ ... فاحذر على نفسك من قرشه إذا طغى الكبش بشحم الكلى ... أدخل رأس الكبش في كرشه وناطح الكبش له ساعةٌ ... تأخذه أنطح من كبشه فكم نجا من يد أعدائه ... وميتٌ مات على فرشه من يفتح القفل بمفتاحه ... نجا من التهمة في فشه ونابش الموتى له ساعةٌ ... تأخذه أنبش من نبشه والبغي صراعٌ له صولةٌ ... تستنزل الجبار عن عرشه قال ابن المبارك: رئي لقمان يعدو خلف بخت نصر فراسخ، فقيل له: يا ولي الله تعدو خلف هذا الكافر؟ قال: لعلي أسأله في مؤمن فيجيبني فيه. قال وهب: لما فعل بخت نصر ما فعل - يعني ما ذكر في ترجمة أرميا - قيل له: كان لهم صاحب يحذرهم ما أصابهم، ويصفك وخبرك لهم، ويخبرهم أنك تقتل مقاتلهم، وتسبي ذراريهم، وتهدم مساجدهم، وتحرق كنائسهم، فكذبوه، واتهموه، فضربوه، وقيدوه، وحبسوه، فأمر بخت نصر فأخرج أرميا من السجن، فقال له: أكنت تحذر هؤلاء القوم ما أصابهم؟

قال: نعم. قال: فأنى علمت ذلك؟ قال: أرسلني الله تعالى إليهم فكذبوني. قال: كذبوك وضربوك وسجنوك! قال: نعم. قال: فبئس القوم قوم كذبوا نبيهم، وكذبوا رسالة ربهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك، وأواسيك، وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك. قال له أرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك لو لم يكن لك عليهم سلطان. فلما سمع بخت نصر قوله تركه. فأقام أرميا بأرض إيلياء، وأخرج أهل بيت دانيال الأكبر كتاب آمان بخت نصر فأمضاه لهم، وأخرج بهم معه فكانوا خمسة أنفس: دانيال بن حزقيل وميشائيل وميخائيل وعيصو، وحرسوس، ويقال: كان عزير معهم وعزرائيل. والله أعلم. وكانوا شباباً لم يبلغوا الحلم، دانيال بن حزقيل كان أعطاه الله الحكمة، وكان عبداً صالحاً كريماً على الله عز وجل. وقال ابن عباس: إنه مزق كتاب دانيال فنشأ هؤلاء الغلمة فكانوا وصفاء وكان أكبرهم دانيال، وهو دانيال الحكيم الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من أرض بابل فعمد بخت نصر - حين سمع كلام دانيال وحكمته ونظر إليه - إلى جب في فلاةٍ من الأرض، فألقى فيه دانيال مع شبلين، وأطبق عليه الجب وهو مغلول، وقتل على دم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وذلك أن ما بعث الله تعالى بخت نصر عليهم عقوبة لهم بما قتلوا يحيى وزكريا؛ وذلك أنه أمر بالموضع الذي قتل فيه يحيى وزكريا، فرأى دماءهما تغلي، فسأل عن ذلك؟ فقالوا: هي دماء نبيين، ولا تسكن حتى يقتل بكل واحد منهما سبعون ألفاً، فلما قتل بخت نصر على دمائهما هذه العدة سكنت تلك الدماء. قال ابن عباس: لم يقتل كهلاً ولا وليداً ولا امرأة، إنما قتل أبناء الحرب وقادة الجيوش حتى استكمل هذه العدة، ودانيال في الجب مع الشبلين سبعة أيام فأوحى الله إلى نبي من بني إسرائيل كان بالشام، فقال: " انطلق فاستخرج دانيال من الجب "، فقال: يا رب! ومن يدلني عليه؟ فقال: " هو في موضع كذا وكذا يدلك عليه مركبك "، فركب أتاناً له وخرج

حتى انتهى إلى ذلك الموضع، فدارت به حمارته ثلاث مرات في أرض ملساء، فعرف أن بغيته فيها، فقال: يا صاحب الجب، فأجابه دانيال، فقال: قد أسمعت فما تريد؟ قال: أنا رسول الله إليك لأستخرجك من هذا الموضع، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يكل من توكل عليه إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، والحمد لله الذي يجزي بالإساءة غفرانا، والحمد لله الذي يكشف ضرنا عن كربنا، ثم استخرجه، وإن الشبلين لعن يمينه وعن شماله يمشيان معه، وإن ذلك النبي لفي ناحية يفرق منهما، حتى عزم عليهما دانيال أن يرجعا إلى الغيضة. قال ابن عباس: من قال عند كل سبع: اللهم رب دانيال ورب الجب، ورب كل أسد مستأسد، احفظني واحفظ علي، لم يضره السبع. وحدث قتادة عن كعب: أن بخت نصر انطلق بدانيال معه إلى أرض بابل يصدر عن رأيه، حتى قيل له: إنه مخالفٌ لك ولا يأكل لحم الخنزير. قال: فدعاه إلى طعامه فأبى أن يأكله، فسجنه في السجن حتى رأى رؤياه التي قطع بها على ما سنذكره. وحدث عن وهب أن بخت نصر سار ببني إسرائيل وكنوز بيت المقدس إلى أرض بابل، فأقام أرميا بأرض إيلياء وهي خراب، فكان يبكي وينوح على بيت المقدس، وكان يساعده عليه الخطاف فيطوف حوله، فمن ثم نهي عن قتله، وكانت بقايا من بني إسرائيل متفرقين بلغهم أمر أرميا ومقامه بإيلياء، فاجتمعوا إليه، فقالوا: قد عرفنا الآن أنك نصحتنا، ولو أطعناك لم يصبنا ما أصابنا فمرنا بأمرك. فقال لهم: أقيموا في أرضنا فنستغفر الله ونتوب إليه لعله يتوب علينا، فقالوا: إنا نخاف أن يسمع بنا بخت نصر، فيبعث إلينا من يتخطفنا، ونحن شرذمة قليلون، ولكن ننطلق إلى ملك مصر، فنستجيره، وندخل في

ذمته. فقال أرميا: ذمة الله أولى الذمم لكم، وإنكم لا يسعكم أمان أحد في الأرض إن أخافكم الله، وإن أمان الله هو أوسع لكم. قالوا: إن الأمر كما تقول، لو كان الله راضياً عنا، ولكن الله ساخط علينا، ولسنا نأمن سطوته أن يسلمنا إلى عدونا، فانطلقوا إلى ملك مصر. فأوحى الله إلى أرميا أنهم لو أطاعوا أمرك ثم كنت أطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم من بينهما مخرجاً، وما كنت لأخفرك لو أطاعوك، وإني لأقسم بعزتي لأعلمنهم أنه ليس لهم ملجأ ولا محيض إلا طاعتي، واتباع أمري، فلما وردوا على ملك مصر شكوا إليه شأنهم. فقال: أنتم في ذمتي وجواري، فسمع بذلك بخت نصر، فأرسل إلى ملك مصر أن لي قبلك عبيداً أبقوا معي، فابعث بهم إلي مصفدين، وإلا فأذن بحرب، فكتب إليه ملك مصر: إنك كاذب ما هم بعبيد. إنهم أبناء الأحرار، وأهل النبوة والكتاب، ولكنك ظلمتهم واعتديت، فلما سمع بذلك أرميا رحمهم، فبادر إليهم ليشهدهم. فأوحى الله إليه: " إني مظهر بخت نصر على هذا الملك الذي اتخذوه حرزاً ". فقال لهم ذلك أرميا، فإن لم تطيعوني أسركم بخت نصر وقتلكم، فإن آية ذلك أن الله قد أراني موضع سرير بخت نصر الذي يضعه فيه بعدما يظفر بمصر وملكها، ثم عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع بخت نصر فيه سريره، ثم قال: تقع كل قائمة من سريره على حجر منها. قال: فلجوا في رأيهم، فسار بخت نصر، فأسر الملك وبني إسرائيل، وقتل جنوده، وقسم الفيء، وأراد قتل الأساري وقد وضع سريره في ذلك الموضع، فوقعت كل قائمة منه على حجر من تلك الأحجار التي دفن أرميا. فقال له بخت نصر: ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمنتك وأكرمتك؟! قال له أرميا: إنما جئتهم محذراً أخبرتهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة من تحت سريرك، وأريتهم هذا المكان الذي يوضع فيه سريرك، فإن تحت كل قائمة حجراً دفنته، فلما رفع سريره وجد مصداق ما قال، فقال لأرميا: لو أعلم أن فيهم خيراً لوهبتهم لك، وما بي إلى قتلهم من حاجة، ولكن أقتلهم غضباً لك إذ كذبوك، واتهموا نصيحتك، فقتلهم ثم لحق بأرض بابل، فأقام أرميا بمصر، واتخذ بها جنينة وزرعاً يعيش منه. فأوحى الله تعالى إليه: " إن لك عن الزرع والمقام بأرض مصر شغلاً، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك ولا يحزنك هذا البلاء الذي يصب على إيلياء وأهلها، فالحق بهم حتى يبلغ كتابي أجله، فإني راد بني إسرائيل تارة أخرى إلى الأرض المقدسة، ومستنقذهم من عدوهم، وناظر كيف يعملون ". فخرج أرميا مذعوراً حتى أتى بيت المقدس، فأوحى الله

إليه: " سأعمره وأرفعه، وإني باعث ملكاً يقال له كورش من أرض فارس، حتى ينزل بقومه ورجاله حتى يعمرها، ويبني قصورها ومساجدها، ويكشف عن أنهارها، ويغرس أعنابها ونخلها وزيتونها "، فتوجه كورش إليها في جمع ومعه ثلاثون ألف قيم يستعملون الناس، كل قيم على ألف عامل ومعهم ما يحتاجون إليه، ولما أرميا عمارتها سأل ربه أن يقبضه إليه، فمات أرميا، وأنقذ الله بني إسرائيل بعد مائة سنة من أرض بابل على يدي دانيال. وقال كعب: كان سبب إنقاذ بني إسرائيل من بابل أن بخت نصر لما صدر من بيت المقدس بالأسارى، وفيهم دانيال وعزير وأربعة وصفاء غلمان لم يبلغوا الحلم غير دانيال، واتخذ بني إسرائيل خولا زماناً طويلاً، وإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته، فأخبرهم بما أصابه من الكرب بما في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا له: قصها علينا. قال: قد أنسيتها فأخبروني بتأويلها. فقالوا: إنا لا نقدر على أن نخبرك بتأويلها حتى تقصها علينا، فغضب، وقال لهم: اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، اذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم، وشاع ذلك في الناس، فبلغ دانيال وهو مسجون. فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك فإن عندي علم رؤياه، وإني لأرجو أن تنال بذلك عنده منزلة تكون سبب عاقبتي. قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده من هذه الرؤيا علم فأنت هو. قال دانيال: لا تخف علي، فإن لي رباً يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن، فأخبر بخت نصر بذلك، فدعا دانيال، فأدخل عليه، ولا يدخل عليه أحد إلا سجد له، فوقف دانيال فلم يسجد له، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصر لدانيال: أخبرني عما يمنعك أن تسجد لي، قال دانيال: إن لي رباً آتاني هذا العلم الذي

سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني العلم، ثم أصير في يدك أمياً لا ينتفع بي، فتقتلني، فرأيت بترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه، فتركت السجود نظراً لي ولك، فقال بخت نصر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عدنك علم الرؤيا التي رأيت؟ قال: نعم. عندي علمها وتفسيرها. رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ورأسه في السماء. أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا كنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه، وإحكام صنعته، قذفه الله حتى طحنه، فاختلط ذهبه، وفضته، ونحاسه، وحديده، وفخاره، حتى يخيل لك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم، ويكبر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السما والحجر، قال له بخت نصر: صدقت الرؤيا فما تأويلها؟ فقال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها، وأنت ملكها، وأما الفضة، ابنك من بعدها تملكها، وأما النحاس فأمة الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان تملكها امرأتان، إحداهما في مشرق اليمن، والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الذي قذف به الصنم، فدين يقذف الله به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، يبعث الله نبياً أمياً من العرب، فيدوخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى ملأها، فيحق الله به الحق، ويزهق به الباطل، ويهدي به أهل الضلال، ويعلم به الأميين، ويقوي به الضعفة، ويعز به الأذلة، وينصر به المستضعفين. قال له بخت نصر: ما أعلم أحداً استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا لأحد عندي يدٌ أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك، فاختر من ثلاث أعرضهن عليك: واحدة أن أردك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خربته، وإن أحببت كتبت لك أماناً تأمن به حيث ما سلكت، وإن أحببت أن تقيم معي، فأواسيك. قال: أما قولك: تردني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت؛ فإنها أرض كتب الله عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم، وليس تقدر أن تعمر ما خرب الله عز وجل، ولا ترد

أجلاً أجله الله حتى يبلغ الكتاب أجله، وينقضي هذا البلاء الذي كتبه الله على إيلياء وأهلها، وأما قولك: إنك تكتب لي أماناً آمن به حيث ما توجهت؛ فإنه لا ينبغي أن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق، وأما ما ذكرت من مواساتك؛ فإن ذلك أوفق لي يومي هذا حتى الله فينا قضاءه، فجمع بخت نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي، فقال لهم: هذا رجل حكيم قد فرج الله عني الكرب الذي عجزت عنه به، وإني قد رأيت أن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته، وأعظموا حقه، فإن جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال، فآثروا حاجته على حاجتي، ونزل منه دانيال بأفضل المنازل، وجعل تدبير ملكه إليه، فلما رأى ذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال، واجتمعوا إلى بخت نصر، فقالوا له: لم يكن على الأرض ملك أعز من ملكنا ولا أعظم، ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرض، واعترفت لنا الأمم، فليس يطمع فينا أحد، وإنا نخبرك أن الأمم قد طمعوا فينا منذ قلدت أمر ملكك هذا العبد الإسرائيلي، وإنك لم تفعل هذا حتى أنكرت عقلك ورأيك، وعجزت عن السياسية، وقد نصحناك، فقال لهم بخت نصر: ما أنكرت عقلي ولا رأيي، ولا تزيدني الأيام إلا تجربة وعلماً، ولكنه كان نزل بي ما رأيتم، فعجز عنه رأيي، وعجزتم أنتم، ففرج عني، فماذا تنقمون أن عمدت إلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به مع رأيي، وكل ذلك أريد به صلاح أمركم وقوام ملككم؟ قالوا: فإن كان كما تقول، أفليس يخبرك أن له رباً عظيماً هو الذي يدبر له أمره ويطلعه على الغيب؟ قال بخت نصر: بلى، يزعم أن له رباً لولاه لم يك شيئاً، ولا يعلم شيئاً. قالوا له: هذا العبد الضعيف قدر على أن يتخذ إلهاً يخبره بما شاء، فكيف لا تقدر أنت في مثل خطرك وعظم ما أوتيت من الملك على أن تتخذ إلهاً، فيخبرك بحاجتك ويكفيك ما أهمك، وتستغني به عن الناس، ونحن لك على ذلك مؤازرون؟ قال بخت نصر: فأنتم وذاك. قالوا: فأعطنا الطاعة والسلطان حتى نفرغ مما تريد، ففعل بهم ذلك، فعملوا طوله في السماء سبعون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً من الألواح ثم دسروه بالحديد والمسامير، وألبسوه الذهب، وكللوه بالياقوت وألوان الجوهر، ثم صنعوا له عيداً عظيماً، وذبحوا له الذبائح، وواعدوا الناس لذلك اليوم يجتمعون فيه، فيعبدون ذلك الصنم ويسجدون له، واتخذوا أخدوداً في الأرض، فأوقدوا فيها ناراً عظيمة، وهم أصحاب الأخدود، وكانت الأخدود باليمن وبابل، فأما الذي كان باليمن فاتخذه يوسف ذوا وناس الحميري، وهو الذي

ملك حمير، وكان صاحب عنفصير، وهو الذي قتل الناس وأحرقهم بالنار ليدعوا إلى الإسلام، وكان الأخدود الأخرى بابل اتخذها بخت نصر، فلما اجتمع الناس يوم عيدهم، أمروهم بالسجود لذلك الصنم فسجدوا، فمن أبى حرقوه في تلك الأخدود، وكان بخت نصر سبى من إيلياء سبعين ألف غلام، فقسمهم في ملوك بابل، ماخلا دانيال وميشائيل وعيصو ومرسوس فأقاموا بذلك زماناً يستخدمونهم حتى أدرك الوصفاء، فأنكر أهل بابل شأنهم، فقالوا لبخت نصر: إنا أنكرنا شأننا منذ أدرك عبيدنا، فإنا نحب أن تنفيهم منا فتخرجهم عنا، أو تأذن لنا فنقتلهم. فقال لهم: أنتم وذاك. قال: فقتلوهم جميعاً، وبقي هؤلاء العدة في يدي الملك، فكانوا يدعون الله ويقولون: يا رب قد عذبت آباءنا بذنوبهم فما بالنا؟! فأوحى الله إلى دانيال: " إني مخلصهم "، فعطف عليهم بخت نصر فلم يقتلهم، فلما أخرجوا صنمهم ليوم عيدهم، دعوا هؤلاء العدة من بني إسرائيل، فقالوا لهم: اسجدوا لآلهتنا، فقالوا: إن هذا ليس بإله نسجد له، إنما هو خشب عملته الرجال، فإن شئتم سجدنا للذي خلقه فاغتنموا خلافهم ليحرقوهم وليغيظوا بهم دانيال، فكتفوهم ثم رموا بهم في تلك النار فباتوا فيها حتى أصبحوا، فاطلع بخت نصر عليهم من قصره، فرأى فيها خمسة نفر في النار، ورأى خامسهم خلقاً عظيماً له ريش، فرأى النار قد عادت جليداً، وإذا صاحب الريش يكنفهم ويلحفهم بريشه من برد الجليد، فلما نظر بخت نصر إلى ذلك امتلأ رعباً، فدعا قومه فقال: كم كنتم ألقيتم في النار؟ قالوا: أربعة. قال: فإن معهم خامساً له ريش وهيبة وجسم لا يقدر قدرها. قالوا: ليس لنا به علم، فدعا دانيال، فسأله. فقال: هؤلاء الأربعة أعرفهم فمن الخامس صاحب الريش؟ قال: دانيال: الخامس الذي وكله الله بالظل والبرد والثلج والجليد، وهذه خزائن بيده، فأرسله إلى هؤلاء الفتية حتى صير النار جليداً حتى لا يضرهم برد الجليد. وقيل: إن دانيال قال لبخت نصر لما سأله عن الخامس، قال: ذاك جبريل بعثه الله يروح عنهم ويؤنسهم، وقيل: إن بخت نصر قال لدانيال: ألا أعلمتني حين عرض لهم فأحول بينهم وبين ما صنعوا بهم! قال دانيال: حملني على ذلك الرفق بك لما أدخل عليك أهل مملكتك ووثقت لهم

بنصر الله، وأن الله لم يخذلهم، وأردت أن يرى قومك عزة الله وسلطانه وكيف يعز أولياءه، فأمر بهم فأخرجوا من النار. قال وهب: لما وقفوا بين يدي بخت نصر قال: كيف بتم البارحة؟ قالوا: بأفضل ليلة مرت علينا منذ خلقنا، قال بخت نصر: وهي أفضل من لياليكم في بلادكم؟ قالوا له: سبحان الله ومتى كنا نطمع في بلادنا ملائكة الرحمن أن يلحفونا بالريش، ويردون عنا أذى البرد، ويستغفرون لنا، ويصافحونا! فأمرهم أن يلحقوا بدانيال فأكرمهم، فلم يزالوا حتى على ذلك ثلاث سنين، ثم إن بخت نصر رأى رؤيا أهول وأعظم مما كان رأى، فأرسل إلى عظماء قومه، فقال لهم: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا فيما يخيل إلي أشد من الأولى، وخشيت أن يكون فيها هلاكي وهلاككم، وذهاب ملككم وقد نسيتها فما ترون؟ فجعلوا علة عجزهم دانيال فقالوا: إنك عمدت إلى أسحر العالمين فوضعته عند رأسك، فهو يفزعك بسحره، ويريك الأحلام لينال منك المنزلة والكرامة، فشأنك وشأنه، وقد عمرت قبله زماناً لا ترى شيئاً تكرهه. وأنت مستغنٍ برأيك، فأدخلت على نفسك هذا البلاء، فقال لهم بخت نصر: أما عندكم غير هذا؟ قالوا: لا. قال: اخرجوا عني، ثم دعا دانيال، فقال: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا قد نسيتها هي عندي أعظم من الأولى فهل عندك علمها؟ قال: نعم. قال: إذاً فاقصصها علي، قال دانيال: رأيت شجرة عظيمة أصلها ثابت وفرعها ذاهب في السماء، في فرعها طير السماء كله، وفي ظلها وحوش الأرض وسباعها كلها، فبينا أنت تنظر إليها، وقد أعجبك حسنها وعظمها وخضرتها، والذي جمع الله في فرعها من الطير، وفي ظلها من الوحوش؛ إذ أقبل ملك يحمل حديداً كأنه الفأس على عاتقه، وهو يؤم الشجرة؛ إذ ناداه ملك من فوقه من باب من أبواب السماء فقال له: ما أمرك ربك في هذه الشجرة؟ قال: أمرني أن لا أدع منها شيئاً، فناداه الملك من فوقه: إن الله يأمرك أن لا تستأصلها من أصلها خذ بعضها وأبق بعضها، فنظرت إلى الملك قد ضرب رأسها بالفأس فانقطع منها بعض أغصانها، وتفرق ما كان فيها من الطير، وما كان في ظلها من السباع، وبقي الجذع متغيراً قد تغير حسنه وخضرته لا هيئة له. قال بخت نصر: هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال دانيال: أنت الشجرة، وما رأيت فوقها من الطير فولدك وأهلك وحشمك، وما رأيت في ظلها من السباع والوحوش فخولك وعبيدك ورعيتك،

كانوا في ظلك وملكك، وقد أغضبت الله فيما بايعت هؤلاء عليه من عمل هذا الصنم، فإنهم لن يأتوا بمثل الله أبداً، فذكر الله بك عندما أراد من هلاكك فصفح عنك، ثم رأيت الملك وقد أهم أن يستأصل الشجرة من أصلها، فناداه الآخر من فوقه أن يأخذ منها ويبقي منها، وكذلك يصنع الله بك يأخذ منك ويبقي. قال بخت نصر: وكيف يفعل بي؟ قال: يبتليك ببدنك، يعرفك به قدرته، فلا يدع صورة مما خلق وأخرى فيها الروح إلا مسخك فيها، فلبثت في ذلك البلاء سبع سنين، ولو شاء أن يجعل ذلك في أوشك من طرفة عين لفعل، ولكن ليطول عليك البلاء ويعرفك أنه ليس لك من دونه وال، ولا يملك لك أحد معه شيئاً، ثم لا يحولك في صورة من تلك الصور إلا كنت ملك ذلك الجنس وتعلوه وتقهره، فإذا انقضت السبع سنين رجعت إنساناً كما كنت أول مرة، فقال بخت نصر: فهل يقبل ربك مني توبة أو فدية أو رجعة؟ فقال: لا، حتى يعرفك قدرته وينفذ قضاءه فيك. قال: فلما قال هذا اعتزل ملكه وأهله ووكل ابنه، وأمره أن يكون السائس دانيال، وأغلق عليه أبوابه وقعد يبكي على نفسه، فمكث في البكاء سبعة أيام، فلما غمه البكاء ظهر فوق بيته يتروح من غم ما هو فيه، فساعة ظهر أنبت الله له ريشاً وزغباً، وجعل له مخاليب ومنقاراً، فصار عقاباً، ثم ذهب يطير فلا يقوم له طير في السماء إلا قهره، وتحدث به أصحاب النسور الذين يصيدون الطير فقالوا: إنه حدث في السماء طير عظيم على صورة عقاب لا يقوم له شيء ولا يطيقه إنسان، ثم حوله فرساً، فتحدث به أصحاب الأرمال، وقالوا إنه حدث في المروج حصان من الخيل ما رأينا مثله عظماً وجسماً، لا يقوم له شيء، ولا يرومه إنسان، فجعل لا يمسخ في شيء إلا ذكر عظمه وقوته وتحدث بذلك، فلم يزل في ذلك سبع سنين وولده وملكه على حاله لم يتغيروا، ولم يحدثوا فيه شيئاً، وكان يأمرهم دانيال أن لا يغيروا من أمره شيئاً حتى يرجع إليهم. وفي رواية، وكان إذا مسخ في جنس ذكراً فاشتهى الإناث واغتلم حوله أنثى، فأحرم واشتهى الذكور حوله الله ذكراً، فكان لا يصل إلى شهوته من الجماع، ولا يوصل إليه.

قالوا: وكان آخر خلق مسخ فيه بخت نصر البعوضة، فأقبل في صورتها يطير حتى دخل بيته، فحوله الله إنساناً، فاغتسل بالماء ولبس المسوح، وألقى جفن سيفه، ثم خرج به صلتاً يتوكأ عليه حتى برز إلى جناته، فأمر بجمع قومه فاجتمعوا كأجمع ما كانوا قط، ثم قال: يا أيها الناس إني وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لا يضرنا ولا ينفعنا، ولا يخلقنا ولا يرزقنا، ولا يميتنا ولا يحيينا، ولا يملك لنا من الله شيئاً، وإنه قد تبين لي من قدرة الله في نفسي أن لا إله إلا إله بني إسرائيل، فمن بايعني على هذا أو أجابني عليه، فأنا منه وهو مني، وأنا وهو في الحق سواء، ومن أبى وخالف ضربته بسيفي هذا، وأشار به إليهم - وكان فيهم مهيباً - حتى يحكم الله بيني وبينه، ألا وإني قد أجلتكم يومي هذا، فإذا أصبحت فأجيبوني، ثم انصرف عنهم، فساعة دخل بيته وقعد على فراشه قبض الله روحه. فقال وهب بن منبه: سألني ابن عباس عن قصة بخت نصر فقصصتها عليه، فقال ابن عباس: ما شبهت إيمانه إلا بإيمان سحرة فرعون حين قالوا: آمنا برب موسى وهارون. وكان وهب بن منبه يقول: لما مسخ بخت نصر كان في ذلك يعقل عقل الإنسان، ثم رد الله روحه فدعا إلى توحيد الله، وقال: كل إله باطل إلا إله السماء. قال بكار: فقيل لوهب: أمؤمناً مات؟ فقال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: قد آمن قبل أن يموت، وقال بعضهم: قتل الأنبياء، وحرق الكتب، وخرب بيت المقدس، فلن تقبل توبته. وقيل: إن بخت نصر لما قتل بني إسرائيل وخرب بيت المقدس، وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل، فسامهم سوء العذاب، فأراد أن يتناول السماء، فجمع بني إسرائيل وعظماء أهل بابل ممن عنده علم، فقال لهم: إني قد قهرت أهل الأرض، فأريد أن أتناول ملك السماء، فهل عندكم علم أو حيلةٌ أصعد إلى السماء؟ فقالوا: لا. فقال لهم: انطلقوا فاطلبوا لي حيلة أصعد بها إلى السماء. فسلط الله عليه بعوضة، فدخلت منخره، فوقعت في دماغه، فلم تزل

بخيت بن محمد بن حسان البسري

البعوضة تعذبه وتأكل دماغه، فلم يزل ينطح رأسه على الحجر حتى مات، ثم أوصى أن شقوا هامته فينظروا ما كان فيه. قال: ففعلوا، فرأوا قدرة الله، فإذا هم ببعوضة قد تعلقت بدماغه. والله أعلم أي ذلك كان. قالوا: وملك بخت نصر خمسٌ وأربعون سنة، منها تسع عشرة سنة قبل خراب أورشلم - وهي بيت المقدس - وسباء بابل، وست وعشرون بعد الخراب. قالوا: كان أمره بعدما رفع عيسى بن مريم، وقيل: كان قبل عيسى بن مريم، وقيل: كان قبل الاسكندر والمسيح بأكثر من ثلاث مائة سنة. قالوا: ومن زمن آدم إلى سبي بابل أربعة آلاف وتسع مائة وثمان عشرة سنة. بخيت بن محمد بن حسان البسري بخيت أوله باء مضمومة خاء معجمة مفتوحة وآخره تاء معجمة باثنتين من فوقها هو بخيت بن أبي عبيد البسري. من أهل بسر. كان أبوه من كبار الزهاد. قال أبو بكر الهلالي: اجتمع أصحاب الحديث بطبرية إلى بخيت بن أبي عبيد البسري، فسألوا أن يملي عليهم حديثاً، فقال: ما أحب أن ألقى الله وأنا صاحب حديث. قالوا: فاحك لنا عن أبيك شيئاً، فقال: سمعت أبي يقول: " من الرجز " البيت خالٍ والكباش تنتطح ... فمن نجا برأسه فقد ربح

بدر بن الهيثم بن خالد بن عبد الرحمن

بدر بن الهيثم بن خالد بن عبد الرحمن وقيل: بدر بن الهيثم بن نصر مولى بني هاشم الدمشقي. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طاعة الإمام حقٌ على المرء المسلم، ما لم يأمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله عز وجل فلا طاعة له ". بدر بن عبد الله أبو النجم مولى المعتضد بالله المعروف بالحمامي وبالكبير. قدم دمشق من مصر ممداً لأميرها طغج بن جف الفرغاني في خلافة المكتفي من قبل الطولونية لما حاصر القرمطي دمشق، فلقيه بكناكر، فقتل القرمطي، وانصرف إلى طبرية راجعاً إلى مصر، ثم رجع من الطريق والياً على دمشق من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون، فقدمها في شعبان سنة تسعين ومائتين. حدث أبو النجم بدر الكبير عن عبيد الله بن محمد بن رماحس بسنده عن أبي جرول زهير بن صرد الجشمي قال: لما أسرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين يوم هوازن، وذهب يفرق السبي، أتيته فأنشأت أقول: " من البسيط " امنن علينا رسول الله في كرمٍ ... فإنك المرء نرجوه وننتظر امنن على بيضةٍ قد عاقها قدرٌ ... مشتتٌ شملها في دهرها غير أبقت لنا الحرب هتافاً على حزن ... على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلماً حين يختبر امنن على نسوةٍ قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملؤه من محضها الدرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي ومت تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعماء إذا كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت جياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر إنا نؤمل عفواً منك تلبسه ... هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاعف عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر فلما سمع هذا الشعر، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ". وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ولرسوله، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لله ولرسوله. قال أبو نعيم الحافظ: بدر الأمير أبو النجم، قدم أصبهان سنة ثلاث وثمانين ومائتين لإخراج عمر بن عبد العزيز أخي أحمد بن عبد العزيز إلى مدينة السلام وقدمها أيضاً واليها عليها سنة خمس وتسعين ومائتين في رمضان، فتولاها إلى صفر من سنة ثلاث مائة، وكان عاد لأحسن السيرة، منع من نزول الجند في الدور إلا بالكراء الوافي، وكان يقرب أهل العلم، ويرفع منهم. وقال أبو نعيم أيضاً: كان عبداً صالحاً مجاب الدعوة. قال أبو بكر الخطيب: ولي بدر الإمارة في بلدان جليلة، وكان له من السلطان منزلة كبيرة، وتولى الأعمال بمصر مع ابن طولون، إلى أن فسد أمر ابن طولون وقتل، فقدم بدر بغداد، فأقام بها مدة، ثم ولاه السلطان بلاد فارس، فخرج إلى عمله وأقام هناك إلى أن توفي. حدث جحظة قال: كنت بحضرة المعتضد ذات يوم، فأمرني أن أغني صوتاً فغنيت، ثم استعاده دفعة أخرى، وطرب له طرباً شديداً، فأمر لي بمائة درهم، وقال: عرجوا به على بدر - يريد

بدر بن عبد الله أبو النجم الأرمني

صاحب جيشه - فقلت لعله أن يوجد مما أطلق لي حق الجراية، فلما وثب أمير المؤمنين حملني الخادم إلى قصر بدر، فرأيت مجلساً أحسن من مجلس الخليفة، وفيه من الغناء طرائقه، فلما رآني وثب وأجلسني في دسته وقال له الخادم: هذه تحفة أمير المؤمنين، فأكرمني، فغنيته ثلاثة أصوات، فلما سمعهن أمر بمائة ألف درهم، وعشرة تخوت ثياب، وشهريٍ لين الركوب، وغلام أسود. وانصرفت وعدت إلى مجلس أمير المؤمنين في الغد، فغنيته صوتاً فأطربه، فأمر لي بالجائزة فقلت: يا أمير المؤمنين ويعرج بي على بدر، فقال: ذلك لا يعاود. قال إسماعيل بن علي الخطبي: ورد الخبر في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وثلاث مائة بموت بدر غلام ابن طولون المعروف ببدر الحمامي، وكان أميراً على بلاد فارس كلها وكورها، وقد طالت أيامه بها، وصلحت بمكانه، والسلطان حامد لأمره فيها، وشاكر إلى مكانه بها، فورد الخبر بوفاته، وأن ابنه محمداً قام بالأمر هناك، وسكن الناس، وضبط ما تهيأ له ضبطه، فأمر السلطان أن يكتب إليه بالولاية مكان أبيه، وتأمر على بلاد فارس، وأطاعه الناس. وقيل: مات بدر بشيراز وهو أمير على فارس. بدر بن عبد الله أبو النجم الأرمني التاجر المعروف بالشيحي، عتيق عبد المحسن بن محمد، قدم دمشق دفعات. حدث عن أبي محمد الصريفيني بسنده عن شعبة عن ثابت قال: كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يقوم فيصلي فإذا قال: سمع الله لمن حمده، يقوم حتى نقول قد نسي.

بديح مولى عبد الله بن جعفر

توفي بدر ببغداد في ليلة السبت التاسع من رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة. بديح مولى عبد الله بن جعفر من أهل المدينة. حدث بديح قال: كان عبد الله بن جعفر يحدثنا قال: فأقبل علي بن أبي طالب من سفر، فلقيناه غلمة من بني عبد المطلب، فينا الحسن والحسين، فلما دفعنا إليه تناولني فضمني إليه، فقال: يا بن أخي إني معلمك كلمات سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قالهن عند وفاته دخل الجنة: لا إله إلا الله الحكيم الكريم - ثلاث مرات - الحمد لله رب العالمين - ثلاث مرات - تبارك الذي بيده الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وعن بديح قال: أن عبد الله بن جعفر قدم على عبد الملك بن مروان، فأهدى له رقيقاً من رقيق المدينة، فقال له يحيى بن الحكم وهو عنده: إنما أهديت لأمير المؤمنين وحشاً من وحوش رقيق الحجاز، وقال له يحيى بن الحكم: ما فعلت خبثة؛ يعني المدينة؟ قال له عبد الله بن جعفر: سماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيبة وسميتها خبثة! وفي رواية: خالفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أرى الله سيخالف بينك وبينه. قال أبو الحسن المدائني: دخل عبد الله بن جعفر على معاوية ومعه بديح، فقال لبديح: هات بعض هناتك، فغنى، فحرك معاوية رجليه، فقال ابن جعفر: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إن الكريم طروب. قال الأصمعي: قال الوليد بن عبد الملك لبديح: خذ بنا في المنى، فوالله لأغلبنك قال: لا تغلبني. قال: بلى لأفعلن، قال: فستعلم، قال الوليد: فإني أبداً أتمنى ضعف ما تتمنى أنت فهات،

بديع بن عبد الله أبو الحسن

قال: فإني أتمنى سبعين كفلاً من العذاب، ويلعني الله لعناً كبيراً، فعليك ضعف ذلك. قال: غلبتني قبحك الله. بديع بن عبد الله أبو الحسن مولى الميانجي حدث عن مولاه القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن ابن عباس قال؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبوني لحب الله عز وجل، وأحبوا أهل بيتي لحبي ". برد بن سنان أبو العلاء القرشي مولاهم من أهل دمشق سكن البصرة. حدث عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يؤاجر أرضه حتى ذكر رافع بن خديج أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كراء الأرضين، فترك ذلك. وحدث برد بن سنان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمه الصلاة، فجاء جبريل حين زالت الشمس، فتقدم جبريل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى الظهر، ثم جاءه حين صار الظل كأنه مثل شخص الرجل، فتقدم جبريل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى العصر، ثم جاءه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى المغرب، ثم جاءه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى العشاء، ثم أتاه اليوم الثاني جبريل حين صار الظل كأنه مثل شخص الرجل، فتقدم جبريل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى الظهر، ثم جاءه حين صار الظل مثل الرجل، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى

بركان بن عبد العزيز بن الحسين

العصر، ثم جاءه حين وجبت الشمس لوقت واحد، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى المغرب. قال: ثم قمنا نحو ثلث الليل، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى العشاء الآخرة، ثم جاءه حين أضاء الفجر وأضاء الصبح، فتقدم جبريل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، والناس خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى الغداة، ثم قال: ما بين صلاتين وقت. قال: فسأل رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة؟ فصلى بهم كما صلى به جبريل، ثم قال: " أين السائل عن الصلاة؟ ما بين الصلاتين وقت ". توفي برد بن سنان سنة خمس وثلاثين ومائة. ووثقه قوم، وضعفه آخرون قليلون، وكان قدرياً. بركان بن عبد العزيز بن الحسين ابن أحمد، أبو الحسن بن أبي محمد الأنماطي، كان مستوراً حافظاً للقرآن، ولم يكن الحديث من شأنه. حدث عن أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجوزا في الصلاة فإن خلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة ". ولد بركات ليلة نصف شعبان سنة خمس وأربعين وأربع مائة بدمشق. قال: وكان شيخاً مغفلاً. حكى أبو الحسين القيسي أنه قال له: إن الناس يقولون: إن صلاتي كافرة، فقال له: إنما يقولون إنها بدعة. فقال: هو هذا. وكان يديم الخروج إلى مغارة الدم، ويصلي بمن يكون فيها النوافل جماعةً، ولم يفرق بين بدعة وكافرة، وحكي أنه كان يعمم الصبيان يوم العيد. توفي يوم السبت ثامن عشر من رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.

بركات بن عبد الواحد بن محمد

بركات بن عبد الواحد بن محمد ابن عمرو بن حميد بن صدقة بن معترف الهمذاني الدمشقي سكن مصر. حدث عن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ". بركات بن علي بن الحسين بن مسعود أبو سعد الأردبيلي. قدم دمشق مع أخيه أبي عمرو مسعود سنة إحدى وثمانين وأربع مائة. أنشد أبو سعد بركات لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري: " من الكامل " وإذا سقيت من المحبة جرعةً ... ألقيت من فرط الخمار خماري كم تبت جهداً ثم لاح عذاره ... فخلعت من ذاك العذار عذاري بركة الأردني ويقال الأزدي قال: توضأ مكحول في منزلي، فأتيته بمنديل، فأبى أن يتمندل، وتمسح ببرقة قبائه وقال: إن فضل الوضوء بركة؛ وأنا أحب أن لا تعدو البركة ثوبي. بركة بضم الباء وتسكين الراء. بريدة بن الحصيب بن عبد الله ابن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان ابن أسلم بن أفصى، أبو عبد الله، ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو ساسان، ويقال: أبو الحصيب الأسلمي، صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أسلم حين اجتاز به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً إلى المدينة، وشهد غزوة خيبر، وأبلى يومئذ، وشهد فتح مكة، وكان معه أحد لواءي أسلم، واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقات قومه؛ وكان يحمل لواء أسامة لما بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض البلقاء يطلب قتلة أبيه بمؤته. وخرج مع عمر إلى الشام لما رجع من سرغ أميراً على ربع أسلم. حدث بريدة الأسلمي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه؛ فإن أعجبه فرح بذلك ورئي بشر ذلك في وجهه؛ وإن كره اسمه رئي كراهية ذلك في وجهه. روى بريدة أنه دخل على معاوية رجلٌ يتناول علياً ويقع فيه؛ قال فقال: يا معاوية، تأذن لي في الكلام؟ قال فقال: تكلم - وهو يرى أنه سيقول مثل ما قال صاحبه - فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني لأرجو أن أشفع عدد كل شجرةٍ ومدرة ". أفترجوها أنت يا معاوية ولا يرجوها علي؟ قال فقال: اسكت، فإنك شيخٌ قد ذهب عقلك. قال أحمد بن سنان: نزل بريدة بن الحصيب الأسلمي على مرو عن أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قال له: " كن في بعث المشرق، ثم في بعث خراسان، ثم اسكن مدينة مرو ". فقدمها، وأقام بها إلى أن توفي. وأوصى أن لا يدفن على جادة. فحفر له على جادة، فسقط، ثم تنحوا به عن الجادة، فدفنوه في زمن معاوية؛ وله عقبٌ من ولده. ودفن بمرو رجلان من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بريدة والحكم الغفاري. قال أحمد بن عثمان وهو ابن الطوسي: بريدة اسمه عامر بن حصيب، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة. وقيل: إن بريدة مات في زمن يزيد بن معاوية سنة اثنتين أو ثلاثٍ وستين. حدث بريدة

قال: كانت قريش جعلت مائةً من الإبل لمن يأخذ نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة. فركب بريدة في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سهم، فتلقى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أنت؟ " قال: بريدة. فالتفت إلى أبي بكر فقال: " يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح "؛ قال: ثم ممن؟ قال: من أسلم؛ قال لأبي بكر: سلمنا. قال: ثم ممن؟ قال: من بني سهم. قال: خرج سهمك. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتطير، ولكن يتفاءل. وفي رواية: قال بريدة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فمن أنت؟ قال: " أنا محمد بن عبد الله، رسول الله ". فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله. فأسلم بريدة وأسلم الذين معه جميعاً، فلما أن أصبح قال بريدة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تدخل المدينة إلا معك لواء. قال: فحمل عمامته ثم شدها برمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة؛ فقال بريدة: يا رسول الله تنزل علي؟ قال: " أما إن ناقتي هذه مأمورة ". قال: فسارت حتى وقفت على باب أبي أيوب فبركت. قال بريدة: الحمد لله الذي أسلمت بنو سهمٍ طائعين غير مكرهين. حدث محمد بن عمرو الواقدي عمن ذكره من شيوخه قال: قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، نعم الرجل بريدة لقومه، عظيم البركة عليهم، مررنا به ليلة مررنا ونحن مهاجرون إلى المدينة، فأسلم معه من قومه من أسلم. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الرجل بريدة لقومه وعز قومه، إن خير القوم من كان مدافعاً عن قومه ما لم يأثم، فإن الآثم لا خير فيه ". وغزا بريدة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست عشرة غزوة. حدث بريدة قال: شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتح خيبر، فكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رأى بلائي ومكاني، وأبليت وعلي ثوب أحمر، وما علمت أني ركبت في الإسلام ذنباً أعظم منه للشهرة.

حدث بريدة قال: لما كان يوم خيبر أخذ اللواء أبا بكر، فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر، فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة. فرجع الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأدفعن لوائي غداً إلى رجلٍ يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لن يرجع حتى يفتح له ". فبتنا طيبةً أنفسنا أن الفتح غداً. فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الغداة، ثم دعا باللواء، وقام قائماً؛ فما منا من رجلٍ له منزلةٌ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا يرجو أن يكون ذلك الرجل؛ حتى تطاولت أنا لها، فدفعت رأسي لمنزلةٍ كانت لي منه؛ فدعا علي بن أبي طالب وهو يشتكي عينه. قال: فمسحها ثم دفع إليه اللواء؛ وقال بريدة: إنه كان صاحب مرحب. وعن بريدة قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وللحكم الغفاري: " أنتما عينان لأهل المشرق، وبكما يحشر أهل المشرق ". فقدما مرو وماتا بها. وعنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا بريدة إنه لا يكل بصرك، ولا يذهب سمعك، أنت نورٌ لأهل المشرق ". وعن ابن بريدة قال: كان بريدة ربع الإسلام. قال أبو عبد الله: وإنما يعني بقوله ربع الإسلام، أن يكون الأول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والثاني أبو بكر، والثالث عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، والرابع بريدة. حدث رجلٌ من بكر بن وائل قال: كنت مع بريدة الأسلمي بسجستان، قال: فجعلت أعرض بعلي وعثمان وطلحة والزبير لأستخرج رأيه؛ قال: فاستقبل القبلة، فرفع يديه فقال: اللهم اغفر لعثمان،

واغفر لعلي بن أبي طالب، واغفر لطلحة بن عبيد الله، واغفر للزبير بن العوام. قال: ثم أقبل علي فقال لي: لا أبا لك، أتراك قاتلي!؟ قال فقلت: والله ما أريد قتلك، ولكن هذا أردت منك. قال: قومٌ سبقت من الله سوابق، فإن يشأ يغفر لهم بما سبق لهم، وإن يشأ يعذبهم بما أحدثوا فعل. حسابهم على الله عز وجل. وكان بريدة يقول: لا عيش إلا طراد الخيل للخيل. قال عبد الله بن مولة: بينا أنا أسير بالأهواز على دابة لي، فإذا بين يدي رجلٌ على دابة وهو يقول: اللهم ذهب قرني من هذه الأمة، اللهم ألحقني بهم. فلحقته فقلت له: وأنا معك يرحمك الله. قال: اللهم وصاحبي هذا إن أراد ذلك؛ قال: يا بن أخي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير أمتي قرن بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". قال بعض رواته: ولا أدري ذكر الثالثة أم لا. ثم يظهر فيهم السمن، ويزهقون الشهادة ولا يسألونها. قال: فإذا الرجل بريدة. قال عبد الله بن بريدة: مات والدي بمرو، وقبره بحصين؛ وهو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم. قال لي بريدة: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيما رجلٍ من أصحابي مات ببلدةٍ فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة ".

بريد الكلبي ثم العليمي

بريد الكلبي ثم العليمي والد البطريق بن بريد حدث عن أبيه أو عن ابن عمه الوليد - شك - قال: كنت بالمدينة، فأصابتنا عكة أوفى الناس منها على جبل سلع، يلتمسون الروح فجلست إلى شيخ قد جلس الناس إليه، كان رأسه ولحيته ثغامة، فسلمت؛ فقال: ممن؟ فانتسبت له، فقال: ومن أي الأجناد؟ فقلت: من الشام. فقال: والله يا أخا أهل الشام، ليخرجن إليكم الروم، فليخرجنكم منها كفراً كفراً، وليقفنّ فوارس من الروم على جبلنا هذا؛ فليتشمر أهل المدينة، ثم لينزلن الله نصره. بسر بن أرطاة ويقال: ابن أبي أرطاة، عمير بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر، أبو عبد الرحمن العامري. له صحبة؛ ويقال: لا صحبة له. وسكن دمشق، وشهد صفين مع معاوية، وكان على رجالة أهل دمشق. وولاه معاوية اليمن، وكانت له بها آثار غير محمودة. وقيل: إنه خزف قبل موته. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين. روي عن بسر بن أرطاة: أنه كان يدعو كلما ارتحل: اللهم إنا نستعينك على أمرنا كله، فأحسن عونك، ونسألك خير المحيا وخير الممات. فقال له عبيدة المليكي: أمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعتها؟ قال

بسر: نعم، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بها. وكان بسر كلما ارتحل يقول: إنا مرتحلون وربنا محمود. قال الحافظ: هذا إسنادٌ غريب، ومتنٌ غير محفوظ، والمحفوظ عن بسر بن أرطاة، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: " اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ". وعن جنادة بن أبي أمية: أنه قال على المنبر برودس حين جلد الرجلين اللذين سرقا غنائم الناس فقال: إنه لم يمنعني من قطعهما إلا أن بسر بن أبي أرطاة وجد رجلاً سرق في الغزو يقال له مصدر، فجلده ولم يقطع يده وقال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القطع في الغزو. وحدث بسر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقطع الأيدي في الغزو ". قال الواقدي: ولد بسر قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير. وأنكر أن يكون روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روايةً أو سماعاً. وغيره قال: أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه، وكان يسكن الشام، وبقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان. وأمه بنت الأبرص بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي. فولد بسر الوليد لأم ولدٍ. وشهد بسر فتح مصر، واختط بها؛ وله بمصر دار بسر، وحمام بسر. وكان من شيعة معاوية، وشهد معه صفين. وكان معاوية وجهه إلى اليمن والحجاز في أول سنة أربعين؛ وأمره أن يتقرى من كان في طاعة علي فيوقع بهم، ففعل بمكة والمدينة واليمن

أفعالاً قبيحة. وقي ولي البحر لمعاوية، وكان وسوس في آخر أيامه، وكان إذا لقي إنساناً قال: أين شيخي؟ أين عثمان؟ ويسل سيفاً؛ فلما رأوا ذلك جعلوا له في جفنه سيفاً من خشب، فكان إذا ضرب به لم يضر. قال أبو الحسن الدارقطني: بسر بن أرطاة له صحبة ولم يكن له استقامة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال العلاء بن سفيان: غزا بسر بن أرطاة الروم، فجعلت ساقته لا يزال يصاب منها طرف، فجعل يلتمس أن يصيب الذين يلتمسون عورة ساقته فيكمن لهم كمين، فيصاب الكمين، فجعلت بعوثه تلك لا تصيب ولا تظفر؛ فلما رأى ذلك تخلف في مائةٍ من جيشه، ثم جعل يتأخر حتى تخاف وحده، فبينا هو يسير في بعض أودية الروم إذ رفع إلى قرية ذات جوز كثير، وإذا براذين مربطة بالجوز ثلاثين برذوناً، والكنيسة إلى جانبهم، فيها فرسان تلك البراذين الذين كانوا يعقبونه في ساقته؛ فنزل عن فرسه فربطه مع تلك البراذين، ثم مضى حتى أتى الكنيسة فدخلها، ثم أغلق عليه وعليهم بابها، فجعلت الروم تعجب من إغلاقه وهو وحده؛ فما استقلوا إلى رماحهم حتى صرع ثلاثة، وفقده أصحابه، فلاموا أنفسهم وقالوا: إنكم لأهلٌ أن تجعلوا مثلاً للناس؛ إن كبيركم خرج معكم فضيعتموه حتى هلك، ولم يهلك منكم أحد! فبينا هم يسيرون في ذلك الوادي حتى أتوا مرابط تلك البراذين؛ فإذا فرسه مربوطٌ معها، فعرفوه، وسمعوا الجلبة في الكنيسة فأتوها، فإذا بابها مغلق، فبلغوا طائفةً من سقفها، فنزلوا عليهم وهو ممسكٌ طائفةً من أمعائه بيده اليسرى والسيف بيده اليمنى؛ فلما تمكن أصحابه في الكنيسة سقط بسر مغشياً عليه؛ فأقبلوا على من كان بقي فأسروه وقبلوا. فأقبلت عليهم الأسارى فقالوا: ننشدكم الله، من هذا الذي دخل علينا؟ قالوا: بسر بن أرطاة. فقالوا: ما ولدت النساء مثله. فعمدوا إلى معاه فردوه في

جوفه، ولم يخرق منه شيء، ثم عصبوه بعمائمهم، وحملوه على شقه الذي ليست به جراح، حتى أتوا به المعسكر فخاطوه، فسلم وعوفي. قال أيوب بن ميسرة بن حلبس: كان بسر بن أرطاة على شاتيةٍ بأرض الروم، قال: فوافق يوم الضحى؛ فالتمسوا الضحايا فلم يجدوها، فقام في الناس يوم الأضحى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد التمسنا الضحايا اليوم والتمسوها، فلم نقدر على شيء - قال: وكانت معه نجيبةٌ له يشرب لبنها لقوح - ولم نجد شيئاً نضحي به إلا هذه النجيبة، فأنا مضحٍّ بها عني وعنكم، فإن الإمام أبٌ وولد. ثم قام فنحرها فقال: اللهم تقبل من بسرٍ ومن بنيه. ثم قسموا لحمها بين الأجناد، حتى صار لهم منها جزءٌ من الأجزاء مع الناس. وعن شريح بن عبيد أن بسر بن أرطاة قال: والله ما عزمت على قوم قط عزيمةً إلا استغفرت لهم حينئذٍ ثم قلت: اللهم لا حرج عليهم. روى الشعبي: أن معاوية بن أبي سفيان أرسل بسر بن أرطاة القرشي ثم العامري في جيش من الشام، فسار حتى قدم المدينة، وعليها يومئذ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهرب منه أبو أيوب إلى عليٍّ بالكوفة. فصعد بسر منبر المدينة، ولم يقاتله بها أحد، فجعل ينادي: يا دينار، يا زريق، يا نجار، شيخٌ سمحٌ عهدته هاهنا بالأمس - يعني عثمان رضي الله عنه - وجعل يقول: يا أهل المدينة، والله لولا ما عهد إلي أمير المؤمنين، ما تركت بها محتلماً إلا قتلته. وبايع أهل المدينة لمعاوية. وأرسل إلى بني سلمة فقال: لا والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج جابر بن عبد الله حتى دخل على أم سلمة خفياً فقال لها: يا أمه!

قد خشيت على ديني، وهذه بيعةٌ ضلالة. فقالت له: أرى أن تبايع، فقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية. وهدم بسر دوراً كثيرة بالمدينة، ثم خرج حتى أتى مكة، فخافه أبو موسى الأشعري وهو يومئذٍ بمكة، فتنحى عنه، فبلغ ذلك بسراً فقال: ما كنت لأوذي أبا موسى، ما أعرفني بحقه وفضله! ثم مضى إلى اليمن، وعليها يومئذٍ عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب عاملاً لعلي بن أبي طالب، فلما بلغ عبيد الله أن بسراً قد توجه إليه هرب إلى علي، واستخلف عبد الله بن عبد المدان المرادي. وكانت عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولدت من عبيد الله غلامين من أحسن صبيان الناس وأوضئه وأنظفه، وهما عبد الرحمن وقثم، فذبحهما ذبحاً. وكانت أمهما قد هامت بهما وكادت تخالط في عقلها. وكانت تنشدهما في الموسم في كل عام تقول: " من البسيط " ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... كالدرتين تجلى عنهما الصدف ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف ها من أحسن بنييّ اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف حدثت بسراً وما صدقت ما زعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي وصفوا أنحى على ودجي إبنيّ مرهفةً ... مشحوذةً وكذاك الإثم يقترف من ذا لوالهةٍ حرى مفجعةٍ ... على صبيين ضلاّ إذ غدا السلف قال: فلما بلغ علياً رضي الله عنه مسير بسرٍ وما صنع، بعث في عقب بسر بعد منصرفه من الشام جارية بن قدامة السعدي؛ فجعل لا يلقى أحداً خلع علياً إلا قتله وأحرقه بالنار حتى انتهى إلى اليمن؛ فلذلك سمت العرب جارية بن قدامة محرقاً. قال أبو سعيد بن يونس: ويقال: إن أم عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس جويرية بنت قارظ

الكنانية. وكان عبيد الله بن العباس قد جعل ابنيه هذين عبد الرحمن وقثم عند رجلٍ من بني كنانة، وكان صغيرين؛ فلما انتهى بسرٌ إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما، فلما رأى ذلك الكناني دخل بيته، وأخذ السيف ثم خرج يشتد عليهم بسيفه حاسراً وهو يقول: " من الزجر " الليث من يمنع حافات الدار ... ولا يزال مصلتاً دون الجار ألا فتى أروع غير غدار فقال له بشر: ثكلتك أمك، والله ما أردنا قتلك، فلم عرضت نفسك للقتل؟! فقال: أقتل دون جاري، فعسى عند الله وعند الناس. فضرب بسيفه حتى قتل. وقدم بسرٌ الغلامين فذبحهما ذبحاً؛ فخرج نسوةٌ من بني كنانة، فقالت منهن قائلة: يا هذا، هذا الرجال قتلت فعلام تقتل الولدان، والله ما كانوا في جاهليةٍ ولا إسلام، والله إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الضرع الصغير، والمدره الكبير، وبرفع الرحمة، وعقوق الأرحام، لسلطان سوء. فقال لها بسر: والله لهممت أن أضع فيكن السيف. فقالت: تالله إنها لأخت التي صنعت، وما أنا لها منك بآمنة. ثم قالت للنساء واللائي حولها: ويحكن تفرقن. فقالت جويرية أم الغلامين: امرأة عبيد الله بن العباس تبكيها وذكر الأبيات بعينها. قال هشام الكلبي: من قال إن أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان بن الديان فقد أخطأ، لم تلد عائشة الحارثية إلا ابنه العباس وابنته العالية. قال واهب بن عبد الله المعافري: قدمت المدينة فأتيت منزل زينب بنت فاطمة بنت عليٍّ لأسلم عليها، فدخلت عليها الدار، فإذا عندها جماعةٌ عظيمة، وإذا هي جالسة مسفرة، وإذا امرأةٌ ليست بالجليلة، ولم تطعن في السن؛ فاحتملتني الحمية والغضب لها فقلت: سبحان الله! قدرك قدرك،

بسر بن عبيد الله الحضرمي

وموضعك موضعك وأنت تجلسين للناس كما أرى مسفرة؟! فقالت: إن لي قصة، قال: قلت: وما تلك القصة؟ قالت: لما كان أيام الحرة، وفد أهل الشام المدينة، وفعلوا فيها ما فعلوا، وكان لي يومئذ ابنٌ قد ناهز الاحتلام. قالت: فلم أشعر به يوماً وأنا جالسةٌ في منزلي إلا وهو يسعى وبسر بن أرطاة يسعى خلفه حتى دخل علي فألقى نفسه علي وهو يبكي، يكاد البكاء أن يفلق كبده، فقال لي بسر: ادفعيه إليّ: فأنا خيرٌ له. قالت: فقلت له: اذهب مع عمك، قالت: فقال: لا والله لا أذهب معه يا أمة، هو والله قاتلي. قالت فقلت: أترى عمك يقتلك!؟ لا، اذهب معه. قالت فقال: لا والله يا أمة لا أذهب معه هو والله قاتلي. قالت: وهو يبكي يكاد البكاء أن يفلق كبده، قالت: فلم أزل أرفق به وأسكته حتى سكن. قالت: ثم قال لي بسر: ادفعيه إليّ فأنا خير له؛ قال فقلت: اذهب مع عمك، قالت: فقام فذهب معه، قالت: فلما خرج من باب الدار قال للغلام: امش بين يدي، قالت: وإذا بسرٌ قد اشتمل على السيف فيما بينه وبين ثيابه؛ فلما ظهر إلى السكة، رفع بسرٌ ثيابه وشهر السيف عليه من خلفه ثم علاه به، فلم يزل يضربه حتى برد. قالت: فجاءتني الصيحة: أدركي ابنك قد قطع. قالت: فقمت أتعثر في ثيابي، ما معي عقلي. قالت: فإذا جماعةٌ قد أطافوا به، وإذا هو قتيل قد قطع، قالت: فألقيت نفسي عليه، وأمرت به يحمل. قالت: فجعلت على نفسي من يومئذ لله أن لا أستتر من أحد، لأن بسراً هو أول من هتك ستري وأخرجني للناس، فالله حسيبه. بسر بن عبيد الله الحضرمي روى عن أبي إدريس الخولاني قال: حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من قلبٍ إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن جل وعز، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه ".

بشار بن أحمد بن محمد أبو الرجاء

وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ". قال: " والميزان بيد الرحمن عز وجل، يرفع أقواماً، ويضع آخرين إلى يوم القيامة ". وعن بسر قال: سمعت أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها ". بشار بن أحمد بن محمد أبو الرجاء الأصبهاني، الحاج، القصار، الصوفي. قدم دمشق طالب علم في سنة تسعٍ وسبعين وأربع مائة بعد منصرفه من الحج. حدث عن أبي عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده بسنده، عن ابن عباس قال: بينما رجلٌ واقفٌ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة؛ فأوقصته راحلته فمات. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغسلوه بماءٍ وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه ولا تخمروه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً ". وقيل: ملبداً. بشرى بن عبد الله الروحي الرملي الخادم مولى المقتدر بالله. قدم دمشق. حدث عن علي بن عبد الحميد الغضائري قال: حدثنا أحمد بن علي الخواص، قال: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني ووبخني؛ فلحقني ما يلحق العبد بين يدي سيده؛ وقال: " يا شيخ السوء، لولا شيبتك

بشر بن إبراهيم أبو سعيد القرشي

لحرقتك بالنار ". فقلت: ما هكذا حدثنا عنك. قال: فبم حدثت عني؟ قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن جبريل، عنك أنك قلت: " ما من عبدٍ يشيب في الإسلام فأعذبه بالنار ". فقال: " صدق عبد الرزاق، صدق معمر، صدق الزهري، صدق أنس، صدق محمد نبيي، صدق جبريل. انطلقوا به إلى الجنة ". بشر بن إبراهيم أبو سعيد القرشي ويقال: أبو عمرو الأنصاري، المفلوج، من أهل دمشق. سكن البصرة. روى عن الأوزاعي بسنده عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أذنب عبدٌ ذنباً فساءه إلا غفر الله له وإن لم يستغفر منه ". وروى عن ثور بن يزيد بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رب عابدٍ جاهل، ورب عالمٍ فاجر؛ فاحذروا الجهال من العباد، والفجار من العلماء، فإن أولئك فتنة الفتناء ". وحدث عن الأوزاعي بسنده عن واثلة بن الأسقع الليثي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد الحاجة أوثق في خاتمه خيطاً. وروى عن ثور بن يزيد بسنده، عن معاذ بن جبلٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أزين الحلم لأهله ". بشر بن بكر أبو عبد الله من أهل دمشق سكن تنيس حدث عن الأوزاعي بسنده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب. "

بشر بن الحارث بن عبد الرحمن

توفي بشر في دمياط في ذي القعدة سنة خمسٍ ومائتين، وقيل: سنة مائتين. بشر بن الحارث بن عبد الرحمن ابن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، أبو نصر المروزي، الزاهد، المعروف بالحافي، أحد أولياء الله الصالحين، والعباد السائحين. قدم الشام، واجتاز بجبل لبنان. قال بشر بن الحارث: سمعت العوفي يذكر عن الزهري، عن أنسٍ قال: اتخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتماً فلبسه ثم ألقاه. وحدث عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بسنده، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثٌ لا تفطر الصائم: الحجامة، والاحتلام، والقيء ". وكان بشرٌ ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد. وتفرد بوفور العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة، واستقامة المذهب، وعزوف النفس، وإسقاط الفضول. وسمع جماعة، وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية؛ وكان يكرهها، ودفن كتبه لأجل ذلك؛ وكل ما سمع منه فإنه على طريق المذاكرة. كان أبو نصر بشر بن الحارث ابن أخت علي بن خشرم كبير الشأن؛ وكان سبب توبته أنه أصاب في الطريق كاغذةً مكتوباً عليها اسم الله وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدرهم كان معه غالية، فطيب بها الكاغذة وجعلها في شق حائط، فرأى فيما يرى النائم كأن قائلاً قال له، يا بشر طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة. قال أيوب العطار: كنت خارجاً من باب حرب فلقيني بشر بن الحارث وقال: يا أيوب انظر إلى جميل ما ينشر وقبيح ما يستر، كنت اليوم خارجاً من باب حرب فلقيني رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: هذا بشر الذي يصلي كل ليلة ألف ركعة، ويواصل في كل ثلاثة أيام

والله يا أيوب ما صليت ألف ركعة مكاناً واحداً، ولا واصلت ثلاثاً قط، إلا أني أحدثك عن بدء أمري. قلت: نعم، فقال: دعاني رجل من أهل الربض؛ فبينما أنا أمضي إليه رأيت قرطاساً على وجه الأرض، فيه اسم الله تعالى؛ فأخذته ونزلت إلى النهر، فغسلته وكنت لا أملك من الدنيا إلا درهماً فيه خمسة دوانيق، فاشتريت بأربعة دوانيق مسكاً وبدانقٍ ماء ورد؛ وجعلت أتتبع اسم الله تعالى فأطيبه. ثم رجعت إلى منزلي فنمت؛ فأتاني آتٍ في منامي فقال لي: يا بشر، كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك، وكما طهرته لأطهرن قلبك. قال بشر بن الحارث: أتيت باب المعافى بن عمران، فدققت الباب، فقيل لي: من؟ فقلت بشر الحافي. فقالت لي بنيةٌ من داخل الدار: لو اشتريت نعلاً بدانقين لذهب عنك اسم الحافي. قال أبو الحسن للحسن بن عمرو: سمعت بشراً وجاء إليه أصحاب الحديث يوماً وأنا حاضر، فقال لهم بشر: ما هذا الذي أرى معكم قد أظهرتموه؟ قالوا: يا أبا نصر، نطلب هذه العلوم، لعل الله ينفع بها يوماً. قال: علمتم أنه يجب عليكم فيها زكاة كما يجب على أحدكم إذا ملك مائتي درهم: خمسة دراهم؛ فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث أن يعمل منها بخمسة أحاديث؛ وإلا فانظروا أيش يكون عليكم هذا غداً. قال البيهقي: لعله أراد من الأحاديث التي وردت في الترغيب في النوافل؛ وأما في الواجبات فيجب العمل بجميعها. حدث قاسم بن إسماعيل بن علي قال: كنا بباب بشر بن الحارث، فخرج إلينا فقلنا: يا أبا نصر، تحدثنا؟ فقال: أتؤدون زكاة الحديث؟ قال: قلنا: يا أبا نصر وللحديث زكاة؟ قال: نعم، إذا سمعتم عملاً أو صلاة أو تسبيحاً استعملوه.

قال محمد بن المثنى البزاز: قلت لبشر بن الحارث: تذكر بكورنا إلى فلان وفلان المحدث؟ شكره الله لك؛ قال: لا بل غفره الله لي. قال بشر: لو أن رجلاً كان عندي في مثال سفيان ومعافى، ثم جلس اليوم يحدث، ونصب نفسه لانتقص عندي نقصاناً شديداً. قال بشر: إني وإن أدنيت الرجل وهو يحدث، فإنه عندي قبل أن يحدث أفضل كثيراً من كان من الناس؛ وإنما الحديث اليوم طرف من طلب الدنيا وكده؛ وما أدري كيف يسلم صاحبه، وكيف يسلم من يحفظه، لأي شيء يحفظه! قال بشر: وإني لأدعو الله أن يذهب به من قلبي، ويذهب بحفظه من قلبي، وإن لي كتباً كثيرة قد ذهبت وأراها تطوى فيرمى بها فما آخذها، وإني لأهم بدفنها كلها، وأنا حيٌ صحيح، وما أكره ترك ذلك من خيرٍ عندي، وما هو من سلاح الآخرة ولا من عدد الموت. قيل لبشر بن الحارث: يقولون إنك لا تحفظ الحديث! فقال: أنا أحفظ حديثاً واحداً إذا عملت به فقد حفظت الحديث؛ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ". حتى أفعل هذا وأحفظ الحديث. قال أيوب العطار: سمعت بشر بن الحارث يقول: حدثنا حماد بن زيد، ثم قال: أستغفر الله أن أذكر الإسناد، في القلب خيلاء. قال محمد بن المثنى السمسار: كنا عند بشر بن الحارث وعنده العباس بن عبد العظيم العنبري - وكان من سادات المسلمين - فقال له: يا أبا نصر، أنت رجل قد قرأت القرآن، وكتبت الحديث، فلم لا تتعلم من العربية ما تعرف به اللحن حتى لا تلحن؟ قال: ومن يعلمني يا أبا الفضل؟ قال: أنا يا أبا نصر، قال: فافعل، قال: قل ضرب زيدٌ عمراً، قال فقال له بشر: يا أخي ولم ضربه؟ قال: يا أبا نصر ما ضربه وإنما هذا أصل وضع، فقال بشر: هذا أوله كذب، لا حاجة لي فيه.

قال عمار: رأيت الخضر عليه السلام فسألته عن بشر بن الحارث؟ فقال: مات يوم مات، وليس على ظهر الأرض أتقى لله منه. قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجلٌ يماشيني، فتعجبت! ثم ألهمت أنه الخضر، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ فقال: أخوك الخضر، فقلت له: أريد أن أسألك، فقال: سل، فقلت: ما تقول في الشافعي رحمه الله؟ قال: هو من الأوتاد. فقلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صديق قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ فقال: لم يخلف بعده مثله. فقلت: بأي وسيلة رأيتك؟ فقال: ببرك بأمك. سأل إنسانٌ أبا خيثمة عن الرجل إذا دخل المسجد الجامع يوم الجمعة، كم يصلي؟ قال: هذا بشر بن الحارث، بلغني أنه إذا دخل المسجد الجامع صلى ركعتين ثم لم يزد عليهما حتى يصلي الجمعة وينصرف. قال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً ولا أحفظ للسانٍ من بشر بن الحارث، كان في كل شعرة عقل، ووطئ الناس عقبه خمسين سنةً ما عرف له عيبةٌ لمسلم؛ لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء، وما نقص من عقله شيء. قال بشر الحافي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: " يا بشر، تدري لم رفعك الله من بين أقرانك؟ " قلت: لا يا رسول الله قال: " باتباعك لسنتي وخدمتك للصالحين، ونصيحتك لإخوانك، ومحبتك لأصحابي وأهل بيتي، هو الذي بلغك منازل الأبرار ". قال بشر بن الحارث: ما أنا بشيءٍ من عملي أوثق مني بحب أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان يقول: لو أن الروم سبت من المسلمين كذا وكذا ألفاً، ثم فداهم رجلٌ كان في قلبه سوءٌ لأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم ينفعه ذلك.

سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع؟ فقال: أنا، أستغفر الله، لا يحل لي أن أتكلم في الورع، أنا آكل من غلة بغداد، لو كان بشر بن الحارث، صلح أن يجيبك عنه، فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد، ولا من طعام السواد، يصلح أن يتكلم في الورع. كان بشر يقول: إن الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم الدقيق. وكان يقول: طوبى لمن ترك شهوةً حاضرةً لموعد غائب لم يره. قال بشر بن الحارث: ما تركت الشهوات منذ أربعين سنة إلا أنه لا يصفو لي درهمٌ حلال. قال أبو حفص ابن أخت بشر بن الحارث: اشتهى بشر سفرجلة في علته، فقالت لي أمي: يا بني اطلب لي سفرجلة. قال: فجئت بها، فأخذها، فجعل يشمها، قال: ثم وضعها بين يديه. فقالت أمي: يا أبا نصر كلها، قال: ما أطيب ريحها! قال: فما زال يشمها حتى مات، وما ذاقها. قال عبد الوهاب: ما رأيت أحداً أقدر على ترك شهوةٍ من بشر الحافي. وقال عبد الله الرضواني: ما رأيت أحداً من الزهاد إلا وهو يذم الدنيا ويأخذ منها، غير بشر بن الحارث، فإنه كان يذمها ويفر منها. قال أحمد بن المغلس: سمعت أبا نصر بشراً وقد قال له رجل: يا أبا نصر ما أشد حب الناس لك! فغلظ ذلك عليه، ثم قال: ولك عافاك الله، قال: وكيف؟ قال: دع لهم ما في أيديهم. فذكرت لأبي نصر فقلت: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس، حدثنا مالك عن

نافع، عن ابن عمر قال: أتى رجل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا أنا عملته أحبني الله من السماء، وأحبني الناس من الأرض؟ قال: فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ". فرأيت أبا نصرٍ قد فرح به، إذ وافق قوله سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان بشر بن الحارث يقول: ينبغي لنا أن لا نحب هذه الدار، لأنها دارٌ يعصى الله فيها، ووالله لو لم يكن منا إلا أنا أحببنا شيئاً أبغضه الله عز وجل لكفانا. وكان يقول: ما عرف الخلق أفضل من شيئين: الله والدنيا؛ فإنهم إذا عرفوا الله اجتهدوا في طاعته، وإذا عرفوا الدنيا اجتهدوا في تركها. قال علي بن عثام: أقام بشر بن الحارث بعبادان عشر سنين يشرب من البحر، ولا يشرب من حياض السلاطين حتى أضر بجوفه؛ فرجع إلى أخته، وأخذه وجعٌ لا يقوم به إلا أخته. وهو يتخذ المغازل فيبيعه، وذلك كسبه. قال محمد بن يوسف الجوهري: كنت أمشي مع بشر بن الحارث في يومٍ صائف، منصرفاً من الجمعة، فاجتزنا بسور دار إسحاق بن إبراهيم، وله فيءٌ، فجعلت أزحم بشراً إلى الفيء وهو يمشي في الشمس، فقلت: لأسألنه، أيش الورع أن يمشي إنسانٌ في الشمس فيضر بنفسه، فقلت: يا أبا نصر أنا أضطرك إلى الفيء وأنت تمشي في الشمس!؟ فقال مجيباً لي: هذا فيء سوء. كان بشر لا ينام الليل، تراه بالنهار كأنه مهوس. فقيل له في ذلك، فقال: أكره أن يأتيني أمر الله وأنا نائم.

قال أبو علي الدقاق: مر بشرٌ ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كله، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيامٍ مرة. فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: لا أذكر أني سهرت ليلةً كاملة، ولا أني صمت يوماً ثم لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه يلقي في القلوب أكثر مما يفعله العبد، لطفاً منه سبحانه وكرماً. ثم ذكر ابتداء أمره كيف كان، كما ذكرناه. قالت زبدة أخت بشر: دخل علي بشرٌ ليلةً من الليالي، فوضع إحدى رجليه داخل الدار، والأخرى خارجها وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح، فلما أصبح وتهيأ للطهارة سألته وقلت: أقسمت عليك فبماذا تفكرت طول ليلتك؟ قال: تفكرت في بشر النصراني، وبشر اليهودي، وبشر المجوسي، ونفسي واسمي بشر؛ فقلت: ما الذي سبق منك إليه حتى خصك؟ فتفكرت في تفضله علي، ومنته علي في أن جعلني من خاصته، وألبسني لباس أحبائه. وقيل لبشر: لما لا تصلي في الصف الأول؟ فقال: أنا أعلم أيش يريد، يريد قرب القلوب لا قرب الأجسام. قال بشر بن الحارث: أشتهي منذ أربعين، أن أضع يداً على يد في الصلاة ما يمنعني من ذلك إلا أن أكون قد أظهرت من الخشوع ما ليس في قلبي مثله. قال أيوب العطار: انصرفت مع بشر بن الحارث يوم الجمعة من مسجد الجامع، فمررنا في درب أبي الليث، وإذا صبيانٌ يلعبون بالجوز، فلما رأوا بشر بن الحارث قالوا: بشر بشر، واستلبوا الجوز ومروا يحضرون، فوقف بشرٌ ثم قال لي: أي قلبٍ يقوى على هذا!؟ إن هذا لدربٌ لا مررت فيه حتى ألقى الله عز وجل.

قال محمد بن قدامة: لقي بشراً الحافي رجلٌ سكران، فجعل يقبله ويقول: يا سيدي يا أبا نصر، ولا يدفعه بشرٌ عن نفسه، فلما ولى تغرغرت عينا بشرٍ وقال: رجلٌ أحب رجلاً على خيرٍ توهمه، لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله. وكان بشر يقول: إذا أحب الله عز وجل أن يتحف العبد، سلط عليه من يؤذيه. وكان يقول: لا خير فيمن لا يؤذى. وكان يقول: الصبر الجميل الذي لا يشكو فيه إلى الناس. وكان يقول: من لم يحتمل الغم والأذى لم يدخل فيما يحب. قال عبيد الله الوراق: خرجت يوم جمعةٍ مع بشر بن الحارث إذ دخل المسجد وعليه فروٌ مقطع فرده العون، فذهبت لأكلمه، فمنعني، فجاء فجلس عند قبة الشعراء فقلت له: يا أبا نصر لمَ لم تدعني أكلمه؟ قال: اسكت، سمعت المعافى بن عمران يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: لا يذوق العبد حلاوة الإيمان، حتى يأتيه البلاء من كل مكان. قال محمد بن المثنى: انصرفت مع بشر بن الحارث في يوم أضحى من المصلى، فلقي خالد بن خداش المحدث، فسلم عليه، فقصر بشرٌ في السلام، فقال خالد: بيني وبينك مودة من أكثر من ستين سنة، ما تغيرت عليك، فما هذا التغير؟ فقال بشر: ما هاهنا تغيرٌ ولا تقصير، ولكن هذا يومٌ يستحب فيه الهدايا، وما عندي من عرض الدنيا شيءٌ أهدي لك، وقد روي في الحديث: أن المسلمين إذا التقيا كان أكثرهما ثواباً أبشهما بصاحبه. فتركتك لتكون أفضل ثواباً. كان ببغداد رجلٌ من التجار، وكان كثيراً ما يقع في الصوفية، قال: فرئي

بعد ذلك وقد صحبهم وأنفق عليهم جميع ما ملك. فقيل له: أليس كنت تبغضهم؟! فقال: ليس الأمر على ما توهمت، وإني صليت الجمعة يوماً وخرجت، فرأيت بشر بن الحارث خرج من المسجد مسرعاً، فقلت في نفسي: انظر إلى هذا الرجل الموصوف بالزهد، ليس يستقر في المسجد! قال: فتركت حاجتي فقلت: أنظر إلى أين يذهب؟ قال: فتبعته، فرأيته تقدم إلى الخباز واشترى بدرهمٍ خبز الماء. قال: فقلت: انظر إلى الرجل يشتهي خبز الماء! ثم تقدم إلى الشواء فأعطاه درهماً وأخذ الشواء. قال: فزادني عليه غيظاً! ثم تقدم إلى الحلاوي فاشترى فالوذجاً بدرهم. فقلت في نفسي: والله لأنغصن عليه حين يجلس ويأكل؛ ثم خرج إلى الصحراء، وأنا أقول: يريد الخضرة والماء. قال: فما زال يمشي إلى العصر وأنا خلفه، قالب: فدخل قرية، وفي القرية مسجد، وفيه رجلٌ مريض، قال: فجلس عند رأسه، وجعل يلقمه، قال: فقمت لأنظر إلى القرية، فبقيت ساعةً ثم رجعت فقلت للعليل: أين بشر؟ قال: ذهب إلى بغداد، قال: فقلت: وكم بيني وبين بغداد؟ فقال: أربعون فرسخاً، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أيش عملت بنفسي! وليس معي ما أكتري ولا أقدر على المشي، قال: اجلس حتى يرجع، قال: فجلست إلى الجمعة القابلة؛ قال: فجاء بشر في ذلك الوقت ومعه شيءٌ يأكل المريض، فلما فرغ قال له: يا أبا نصر هذا رجلٌ صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة، فرده إلى موضعه. قال: فنظر إلى كالمغضب وقال: لم صحبتني؟ قال: فقلت: أخطأت. قال: قم فامش. قال: فمشيت إلى قرب المغرب. قال: فلما قربنا قال لي: أين محلتك من بغداد؟ قلت: في موضع كذا، قال: اذهب ولا تعد. قال: فتبت إلى الله وصحبتهم وأنا على ذلك. وكان بشر يقول: من أحب العز في الدنيا والشرف في الآخرة، فليكن فيه ثلاث خصال: لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يذكر أحداً بسوء، ولا يجيب أحداً إلى طعامه. وكان بشرٌ يقول: لو لم يكن في القنوع إلا التمتع بالعز كفى صاحبه.

قال رجلٌ لبشر بن الحارث: يا أبا نصر، لا أدري بأي شيء آكل خبزي؟ قال: إذا أردت أن تأكل خبزك فاذكر العافية فاجعلها أدمك. قال بشر: كلما اشتهى رجلٌ لقاء رجل ذهب إليه. هذه فتنة، ولذةٌ يتلذذون بلقاء بعضهم بعضاً. ينبغي للإنسان أن يقبل على نفسه وعلى القرآن. وقال بشر: إذا عرفت في موضعٍ فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضعٍ لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة. قال محمد بن نعيم بن الهيصم: دخلت على بشر في علته فقلت: عظني، فقال: إن في هذه الدار نملةً تجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء؛ فلما كان يومٌ أخذت حبةً في فمها، فجاء عصفورٌ فأخذها والحبة؛ فلا ما جمعت أكلت، ولا ما أملت نالت. قلت له: زدني، قال: ما تقول في من القبر مسكنه، والصراط جوازه، والقيامة موقفه، والله مسائله، فلا يعلم إلى جنةٍ يصير فيهنى، أو إلى نارٍ فيعزى، فوا طول حزناه! وواعظم مصيبتاه! زاد البكاء فلا عزاء، واشتد الخوف فلا أمن. قال: وقال لي بشرٌ مراراً كثيرة: انظر خبزك من أين هو؟ وانظر إلى مسكنك الذي تتقلب فيه كيف هو؟ وأقل من معرفة الناس، ولا تحب أن تحمد، ولا تحب الثناء. كان بشر يقول: لا تكاد تضع يدك إلا على مراءٍ؛ إما مراءٍ بدين، وإما مراءٍ بدنيا، وهما جميعاً شر شيء، فانظر أشد الناس توقياً، وأعفهم وأطيبهم مكسباً فجالسه، ولا تجالس من لا يعينك على آخرتك. وقف بشر على أصحاب الفاكهة، فجعل ينظر إليها، فقيل له: يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئاً؟ قال: لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يعصيه، فكيف من يطيعه!.

قال بشر الحافي لرجل: احذر أن تمر في حاجتك، فيأخذك وأنت لا تدري. كان بشر الحافي يقول: أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن يطلب الدنيا، اطلبها ممن بيديه الدنيا. قال الحسن الحناط: كنت عند بشر الحافي، فجاءه نفر فسلموا عليه فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن من الشام جئنا نسلم عليك ونريد الحج، فقال: شكر الله لكم. فقالوا: تخرج معنا؟ فقال: بثلاث شرائط: لا نحمل معنا شيئاً؛ ولا نسأل أحداً شيئاً؛ وإن أعطانا أحدٌ لا نقبل. قالوا: أما أن لا نحمل فنعم؛ وأما أن لا نسأل فنعم؛ وأما أن لا نقبل إن أعطينا؛ فهذا لا نستطيع. فقال: خرجتم متوكلين على زاد الحجيج! ثم قال: يا حسن! الفقراء ثلاثة: فقيرٌ لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فذلك من جملة الروحانيين. وفقيرٌ لا يسأل، وإن أعطي قبل، فذلك ممن يوضع له موائد في حظائر القدس. وفقير يسأل، وإن أعطي قبل قدر الكفاية، فكفارته صدقه. وكان بشر يقول: الحلال لا يحتمل السرف. وكان يقول: الأخذ من الناس مذلة. وكان يقول: ليس هذا زمان اتخاذ الإخوان، إنما هو زمان خمول، ولزوم البيوت. وكان يقول: لا يجد من يحب الدنيا حلاوة العبادة. وكان يقول: يأتي على الناس زمانٌ لا تقر فيه عين حكيم. ويأتي على الناس زمانٌ تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس. وقيل لبشر: بالله يا أبا نصر، أيهما أحلى الدنانير أو الدراهم؟ قال: الطاعة والله أحلى منهما جميعاً. قال يحيى بن المختار: سمعت بشراً يقول: ما ظنكم بقومٍ وقفوا بين يدي الله عز وجل مقدار خمسين ألف عام لم يأكلوا ولم

يشربوا حتى قحلت أجوافهم من الجوع وانقطعت أكبادهم من العطش، واندقت أعناقهم من التطاول، ورجوا الفرج، أمر بهم إلى النار!. وقال بشر: سكون النفس إلى قبول المدح أشد عليها من المعاصي. وكان بشر يقول: العداوة في القرابة، والحسد في الجيران، والمنفعة في الإخوان. وقيل لبشر: العبادة لا تصلح إلا بالصيام، فقال: قد يصوم البر والفاجر، فإن كنت صائماً فاجتنب كثرة الكلام والغيبة، وأطب مطعمك لعله أن يسلم لك صومك، وإلا فاستخر الله وكل. نظر بشر الحافي إلى حدثٍ جميل فقال: إن الذي قدر على زينتك، قادر على صرف القلوب عنك. قال أحمد بن الفتح: قال لي بشر: يا أحمد، إن قوماً غرهم ستر الله عز وجل، وفتنهم حسن ثناء الناس عليهم، فلا يغلبنّ جهل غيرك بك على علمك بنفسك أعاذنا الله عز وجل وإياك من الاغترار بالستر، والاتكال على حسن الذكر. كان بشر يقول: النظر إلى الأحمق سخنة عين، والنظر إلى البخيل يقسي القلب. وكان يقول: صاحب زيغ سخي أخف على قلبي من عابدٍ بخيل. وكان يقول: بقاء البخلاء كربٌ على قلوب المؤمنين. وكان يقول: البخيل لا غيبة له، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك

لبخيل ". ومدحت امرأةٌ عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: صوامةٌ قوامة إلا أن فيها بخلاً. قال: " فما خيرها إذاً ". قال بشر: أي ليس فيها خير. قال العباس بن يوسف: أنشدني بشر بن الحارث: " من السريع " برمت بالناس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحده هذا لعمري فعل أهل التقى ... وفعل من يطلب ما عنده قد عرف الله فذاك الذي ... آنسه الله به وحده وكان بشرٌ يقول: حسبك أن أقواماً موتى تحيا القلوب بذكرهم، وأن أقواماً أحياء تقسو القلوب برؤيتهم. وكان يقول: ليس شيءٌ من أعمال البر أحب إلي من السخاء، ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق. وأنشد بشر: " من السريع " أقسم بالله لرضخ النوى ... وشرب ماء القلب المالحه أعز للإنسان من فقره ... ومن سؤال الأوجه الكالحه فاستشعر اليأس تكن ذا غنى ... وترجعن بالصفقة الرابحه فاليأس عزٌ والتقى سؤددٌ ... وشهوة النفس لها فاضحه من كانت الدنيا به برةً ... فإنها يوماً له ذابحه وأنشد بشر في القناعة: " من الوافر " أفادتني القناعة أي عزٍ ... ولا عزاً أعز من القناعه

فخذ منها لنف مالٍ ... وصير بعدها التقوى بضاعه تحز حالين: تغنى عن بخيلٍ ... وتسعد في الجنان بصبر ساعه قال أبو عاصم المتطبب: سمعت بشر بن الحارث يتمثل بهذين البيتين - وهما لمحمود الوراق - فعجبنا منه كيف بلغه هذان البيتان: " من مجزوء الرمل " مكرم الدنيا مهانٌ ... مستذلٌ في القيامه والذي هانت عليه ... فله ثم كرامه قال أبو عبد الرحمن الزاهد رفيق بشر بن الحارث: رأى صاحبٌ لنا رب العزة في النوم قبل موت بشرٍ بقليل فقال: " قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي على الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس ". قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: مات بشر سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم بستة أيام، وقد بلغ من السن خمساً وسبعين سنة، وحشر الناس بجنازته، ورئي أبو نصر التمار، وعلي بن المديني في جنازته، وهما يصيحان: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة. وذلك أن بشراً خرجت جنازته بعد صلاة الصبح، وكان نهاراً صيفاً، والنهار فيه طول، ولم يستقر في القبر إلى العتمة. وقال أبو حفص ابن أخت بشر: كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرة، سمعت الجن تنوح عليه. وقال خشنام ابن أخت بشر: رأيت خالي بشراً في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وجعل يذكر ما فعل الله من الكرامة. فقلت له: قال لك شيئاً؟ فقال: نعم فقلت له:

ما قال لك؟ قال: قال لي: " يا بشر ما استحييت مني، تخاف ذلك الخوف على نفسٍ هي لي!. قال الحسين بن إسماعيل المحاملي رأيت القاساني في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ فأوحى إلي أنه نجا بعد مدة. قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: غفر الله له. قلت: فبشر الحافي؟ قال ذاك تحيه الكرامة من الله في كل يوم مرتين. قال عاصم: رأيت في المنام كأني قد دخلت درب هشام، فلقيني بشر بن الحارث، فقلت: من أين يا أبا نصر؟ قال: من عليين، قلت: ما فعل أحمد بن حنبل؟ قال: تركت الساعة أحمد بن حنبل وعبد الوهاب الوراق بين يدي الله عز وجل، يأكلان ويشربان ويتنعمان. قلت: فأنت؟ قال: علم الله عز وجل قلت رغبتي في الطعام، فأباحني النظر إليه. قال أحمد بن الفتح: رأيت أبا نصر بشر بن الحارث في منامي وهو قاعدٌ في بستان، وبين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت له: يا أبا نصر ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي، وأباحني الجنة بأسرها وقال لي: " كل من جميع ثمارها واشرب من أنهارها، وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا ". فقلت له: زادك يا أبا نصر، فأين أخوك أحمد بن حنبل؟ فقال: هو قائمٌ على باب الجنة، يشفع لأهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق، فقلت: ما فعل معروف الكرخي؟ فحرك رأسه ثم قال لي: هيهات هيهات، حالت بيننا وبينه الحجب، إن معروفاً لم يعبد الله شوقاً إلى جنته، ولا خوفاً من ناره، وإنما عبده شوقاً إليه، فرفعه الله إلى الرقيع الأعلى، ورفع الحجب بينه وبينه ذلك الترياق المقدسي المجرب. فمن كانت له إلى الله حاجة، فليأت وليدع، فإنه يستجاب له إن شاء الله.

قال الحسين بن مروان: رأيت بشراً في النوم فقلت: يا أبا نصر، ما فعل الله بك؟ فقال: غفر الله لي، وغفر لمن تبع جنازتي، قال: فقلت: ففيم العمل؟ فأخرج كسرةً ثم قال: انظر في هذه الكسرة. وقال القاسم بن منبه: رأيت بشراً في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وقال لي: " يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك "، فقلت: يا رب ولكل من أحبني؟ فقال: " ولكل من أحبك إلى يوم القيامة ". قال إسحاق بن محمد: لما مات بشر بن الحارث رآه بعض العلماء واقفاً بين يدي الله عز وجل، فق الله: " يا بشر قد غفرت لك ولجميع من حضر جنازتك، ولسبعين ألفاً ممن سمعوا بموتك ". قال أبو العباس القرشي: أتيت أبا نصر التمار بعد موت بشر بن الحارث بأيامٍ نعزيه، فقال لنا أبو نصر: رأيته البارحة في النوم في أحسن هيئة، فقلت له: ما صنع بك ربك؟ قال: قد استحييت من ربي من كثرة ما أعطاني من الخير، وكان فيما أعطاني أن غفر لمن تبع جنازتي. قال أحمد بن الدورقي: مات جارٌ لي، فرأيته في الليل وعليه حلتان قد كسي، فقلت: أيش قصتك ما هذا؟ قال: دفن في مقبرتنا بشر بن الحارث، فكسي أهل المقبرة حلتين حلتين. قال مؤذن بشر بن الحارث: رأيت بشراً في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قلت: ما فعل بأحمد بن حنبل؟ فقال: غفر له، فقلت: ما فعل بأبي نصر التمار؟ قال: هيهات، ذلك في عليين، فقلت: فبماذا نال ما لم تنالاه؟ فقال: بفقرة وصبره على بنياته. قال محمد بن خزيمة: لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداً، فبت في ليلتي، رأيته في المنام وهو

بشر بن أبي حفص

يتبختر في مشيته، فقلت: يا أبا عبد الله، أي مشيةٍ هذه؟ فقال: مشية الخدام في دار السلام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وتوجني، وألبسني نعلين من ذهب، فقال: " يا أحمد، هذا بقولك: إن القرآن كلامي "، ثم قال لي: " يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن الثوري، كنت تدعو بها في دار الدنيا "، فقلت: يا رب كل شيء، فقيل: هيه، فقلت: بقدرتك على كل شيء، فقال لي: " صدقت "، فقلت: لا تسألني عن شيء، واغفر لي كل شيء قال: " قد فعلت ". ثم قال: " يا أحمد هذه الجنة قم فادخل إليها ". فدخلت فإذا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة ويقول: " الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين " فقلت له: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحرٍ من نور، في زلالٍ من نور يزار به إلى الملك الغفور، قال: قلت له: فما فعل بشر؟ - يعني ابن الحارث - فقال لي: بخٍ بخٍ! ومن مثل بشر! تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل مقبلٌ عليه وهو يقول: " كل يا من لم تأكل، واشرب يا من لم تشرب، وانعم يا من لم تتنعم في دار الدنيا ". قال: فأصبحت، فتصدقت بعشرة آلاف درهم. بشر بن أبي حفص ويقال: ابن أبي جعفر الكندي الدمشقي. حدث عن مكحول أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " ألا لا تغادر صيام الاثنين، فإني ولدت يوم الاثنين، وأوحي إلي يوم الاثنين، وهاجرت يوم الاثنين، وأموت يوم الاثنين ".

بشر بن حميد بن أبي مريم

بشر بن حميد بن أبي مريم المزني المدني قال بشر بن حميد: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول بخلافته بخناصرة: سمعت بالمدينة والناس يومئذٍ كثير، من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني السبعة التي وقف - من أموال مخيريق، وقال: إن أصبت فأموالي لمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضعها حيث أراه الله. وقتل يوم أحد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مخيريق خير يهود ". ثم دعا لنا عمر بتمرٍ منها، فأتي بتمرٍ في طبق فقال: كتب إلي أبو بكر بن حزم يخبرني أن هذا التمر من العذق الذي كان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل منها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين فاقسمه بيننا، قال: فقسمه فأصاب كل رجلٍ منا تسع تمرات. قال عمر بن عبد العزيز: قد دخلتها إذ كنت والياً بالمدينة، وأكلت من هذه النخلة ولم أر مثلها من التمر أطيب ولا أعذب. بشر بن حيان الخشني البلاطي قال بشر: أقبل واثلة بن الأسقع يسير حتى وقف علينا ونحن نبني مسجدنا - يعني مسجد بيت البلاط - فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من بنى لله مسجداً بنى الله له في الجنة أفضل منه ".

بشر بن عبد الله بن يسار

بشر بن عبد الله بن يسار السلمي الحمصي حدث بشر عن عبادة بن نسي بسنده عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشغل، فإذا قدم الرجل مهاجراً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفعه إلى رجلٍ منا يعلمه القرآن، فدفع إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً كان معي في البيت أعشيه عشاء أهل البيت، وكنت أقرئه القرآن؛ فانصرف إلى أهله، فرأى أن عليه حقاً، فأهدى إلي قوساً لم أر أجود منها عوداً، ولا أحسن منها عطفاً، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: ما ترى يا رسول الله؟ فقال: " جمرةٌ بين كتفيك تعلقتها "، أو قال: " تقلدتها ". حدث بشر بن عبد الله عن مكحول قال: قام فينا عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مهلّ أهل المدينة من ذا الحليفة، ومهل أهل المغرب من الجحفة، ومهل أهل نجدٍ من قرن ". قال عبد الله: وقال الناس: مهل أهل اليمن من يلملم، ولم أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بشر بن عبيد الله بن صالح أبو عبد الله القرشي الزمعي الدمشقي. حدث عن داود بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال حين يصبح: اللهم إنا أصبحنا نشهدك ونشهد ملائكتك، وحملة عرشك، أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، غفر الله له ما أصاب في يومه ذاك من ذنب؛ وإن هو قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في ليلته تلك من ذنب ".

بشر ويقال بشير بن عبد الوهاب

بشر ويقال بشير بن عبد الوهاب ابن بشير، أبو الحسن الأموي، مولى بشير بن مروان، من أهل دمشق، زاهد. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً ذات شرف وهو حين ينتهبها مؤمن ". حدث علي بن الحسين بن إسماعيل بن صبيح البزاز قال: سمعت بشر بن عبد الوهاب، وكان صاحب خير وفضل، وكان ينزل دمشق وذكر أنه قدر الكوفة فكانت ستة عشر ميلاً وثلثي الميل، وذكر أن فيها خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر، وأربعة وعشرين ألف دارٍ لسائر العرب، وستة وثلاثين ألف دارٍ لليمن، قال: أخبرني بذلك سنة أربعٍ وستين ومئتين. مات بشر بدمشق يوم السبت لليلتين خلتا من رجب سنة أربع وخمسين ومئتين. بشر بن أبي عمرو بن العلاء ابن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين بن الحارث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تيم بنمر بن أد المازني. قدم دمشق مع أبيه حين قدمها. حدث عن أبيه عن الذيال بن حرملة قال: سمعت صعصعة بن صوحان يقول: لما عقد علي بن أبي طالب الألوية أخرج لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ير ذلك اللواء منذ قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعقده ودعا قيس بن سعد بن عبادة، فدفعه إليه، فاجتمعت الأنصار وأهل بدر، فلما نظروا إلى لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكوا، فأنشأ قيس بن سعد بن عبادة يقول: " من البسيط " هذا اللواء الذي كان نحف به ... دون النبي وجبريل له مدد ما ضر من كانت الأنصار عيبته ... أن لا يكون له من غيرهم عضد

بشر بن عون أبو عون القرشي

وبسنده عنه أيضاً قال: جاء أعرابيٌّ إلى علي بن أبي طالب فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، كيف نقرأ هذا الحرف: لا يأكله إلا الخاطون؟ كلٌّ والله يخطو؟ قال: فتبسم عليٌّ وقال: يا أعرابي " لا يأكله إلا الخاطئون " قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ما كان الله ليسلم عبده. ثم التفت عليٌّ إلى أبي الأسود فقال: إن الأعاجم قد دخلت في الدين كافة، فضع للناس شيئاً يستدلون به على صلاح ألسنتهم. فرسم لها الرفع والنصب والخفض. بشر بن عون أبو عون القرشي الجوبري الدمشقي، من باب الجابية، وقيل: من قرية تدعى جوبر. حدث عن بكار بن تميم، عن مكحول، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القتال قتالان: قتال المشركين حتى يؤمنوا، أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؛ وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله؛ فإذا فاءت أعطيت العدل ". وحدث عن بكار، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع الليثي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الجمعة مثل قومٍ غشوا ملكاً، فنحر لهم الجزور، ثم جاء قومٌ فذبح لهم البقر، ثم جاء قومٌ فذبح لهم الغنم، ثم جاء قومٌ فذبح لهم النعام، ثم جاء قومٌ فذبح لهم الوز، ثم جاء قومٌ فذبح لهم الدجاج، ثم جاء قومٌ فذبح لهم العصافير ".

بشر بن العلاء بن زبر

بشر بن العلاء بن زبر أخو عبد الله وبشر هو الأكبر منهما. قال بشر: سمعت حزام بن حكيم يحدث عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله، ذهب بالأجور أصحاب الدثور؛ نصلي ويصلون، ونصوم ويصومون، ولهم فضول أموالٍ يتصدقون بها وليس لنا ما نتصدق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر! ألا أعلمك كلماتٍ تقولهن تلحق من سبقك ولا يدركك إلا من أخذ بعلمك؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " تكبر دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتسبح ثلاثاً وثلاثين - يعني - وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ". فأخبر الآخرون بذلك، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله إنهم قد قالوا مثل ما قلنا! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وعلى كل نفسٍ في كل يومٍ صدقة، فضل بصرك للمنقوص بصره صدقة، وفضل سمعك للمنقوص سمعه صدقة، وفضل شدة ذراعيك للضعيف لك صدقة، وفضل شدة ساقيك للملهوف صدقة، وإرشادك الضال صدقة، وإرشادك سائلاً أين فلانٌ فأرشدته لك صدقة، ورفعك العظام والحجر عن طريق المسلمين لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لك صدقة، ومباضعتك أهلك صدقة ". بشر بن قيس التغلبي والد قيس بن بشر، من أهل قنسرين، جالس أبا الدرداء بدمشق، فسمع منه ومن معاوية بن أبي سفيان وغيرهم. حدث بشر بن قيس قال: كان بدمشق رجلٌ يقال له ابن الحنظلية، متوحداً لا يكاد يكلم أحداً، إنما هو في

بشر بن مروان بن الحكم

صلاة، فإذا فرغ يسبح ويكبر ويهلل حتى يرجع إلى أهله. قال: فمر علينا ذات يوم ونحن عند أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: كلمة منك تنفعنا ولا تضرك؟ قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فلما قدمنا جلس رجلٌ منهم في مجلسٍ فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا فلان لو رأيت فلاناً طعن ثم قال: خذها وأنا الغلام الغفاري، فما ترى؟ قال: ما أراه إلا قد حبط أجره. قال: فتكلموا في ذلك حتى سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصواتهم فقال: " بل يحمد ويؤجر ". قال: فسر بذلك أبو الدرداء حتى هم أن يجثو على ركبتيه، فقال: أنت سمعته مراراً؟ قال: نعم، قال: ثم مر علينا يوماً آخر فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نعم الرجل خريم الأسدي، لو قص شعره وشمر إزاره ". فبلغ ذلك خريماً، فعجل فأخذ شفرةً فقص من جمته ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه. قال: فدخلت على معاوية، فرأيت رجلاً معه على السرير، شعره فوق أذنيه، مؤتزراً إلى أنصاف ساقيه. قلت: من هذا؟ قالوا: خريم الأسدي. قال: ثم مر علينا يوماً آخر فقال أبو الدرداء: كلمة منك تنفعنا ولا تضرك؟ قال: نعم، كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لنا: " إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم ولباسكم، حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ". بشر بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو مراون الأموي القرشي، أخو عبد الملك وعبد العزيز ومحمد. ولاه أخوه عبد الملك المصرين: الكوفة والبصرة. وكان كريماً ممدحاً. وداره بدمشق بعقبة الصوف، وإليه ينسب دير بشر الذي عند حجيرا. وأمه قطية بنت بشر بن عامر ملاعب الأسنة أبي براء بن مالك بن جعفر بن كلاب. وقطية بضم القاف وفتح الطاء وتشديد الياء باثنتين من تحتها.

قال الأصمعي: أنشدت يونس بن حبيب يوماً: " من البسيط " إن الرياح لتمسي وهي فاترةٌ ... وجود كفك قد يمسي وما فترا فقال لي يونس: من يقول هذا؟ قلت: الفرزدق، قال: ويك! فيمن؟ قلت: في بشر بن مروان، فقال: قد كان - والله - الفرزدق من مداحي العرب. كان بشر بن مروان بن الحكم إذا ضرب البعث على أحدٍ من جنده، ثم وجده قد أخل بمركزه، أقامه على كرسي، ثم سمر يديه في الحائط، ثم انتزع الكرسي من تحت رجليه، فلا يزال يتشحط حتى يموت. وإنه ضرب البعث على رجلٍ حديث عهدٍ بعرس ابنة عمه، فلما صار في مركزه كتب إلى ابنة عمه كتاباً ثم كتب في أسفله: " من البسيط " لولا مخافة بشرٍ أو عقوبته ... وأن يرى حاسدٌ كفي بمسمار إذاً لعطلت ثغري ثم زرتكم ... إن المحب إذا ما اشتاق زوار فورد الكتاب على ابنة عمه، فأجابته وكتبت في أسفله: ليس المحب الذي يخشى العقاب ولو ... كانت عقوبته في فجوة النار بل المحب الذي لا شيء يفزعه ... أو يستقر ومن يهواه في الدار فلما قرأ كتابها قال: لا خير في الحياة بعدها، فأقبل حتى دخل المدينة، فأتى بشر بن مروان في وقت غذائه، فلما فرغ من غذائه أدخل عليه، فقال: ما الذي دعاك إلى تعطيل ثغرك، أما سمعت نداءنا وإيعادنا!؟ فقال له: اسمع عذري، فإما عفوت وإما عاقبت، قال: ويلك وهل لمثلك من عذر! فقص عليه قصته وقصة ابنة عمه، فقال: أولى لك، ثم قال: يا غلام حط اسمه من البعث، وأعطه عشرة آلاف درهم. الحق بابنة عمك.

وعن حصين قال: كنت مع عمارة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد مع بشر بن مروان، قال: فرفع يديه بالدعاء، قال: فقال عمارة: قبح الله هاتين اليدين القصيرتين، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يزيد أن يشير بإصبعه. قال حصين: أول من أذن له في العيد بشر بن مروان. ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير، ودخل الكوفة، صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني قد استعملت عليكم رجلاً من أهل بيتٍ لم يزل الله عز وجل يحسن إليهم في ولايتهم، أمرته بالشدة والغلظة على أهل المعصية، وباللين على أهل الطاعة، فاسمعوا وأطيعوا، وهو بشر بن مروان، وخلفت معه أربعة آلاف من أهل الشام، منهم روح بن زنباع الجذامي، ورجاء بن حيوة الكندي. وكان بشر يشرب باليل وينادم قوماً من أهل الكوفة، فقال لندمائه ليلةً: إن هذا الجذامي يمنعني من أشياء أريد أن أعطيكموها. فقال له رجل مولىً لبني تميم: أنا أكفيكه. فكتب على باب القصر ليلاً: " من البسيط " إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع إن الدنانير لا تغني مكانكم ... إذا نعاك لأهل الرملة الناعي فلما أصبحوا قرأ ذلك الناس، فبلغ ذلك روحاً؛ فجاء إلى بشر فقال: ائذن لي فإن أهل العراق أصحاب توثب، فجعل بشر يتمنع عليه وهو يشتهي أن يخرج، فأذن له. فلما قدم على عبد الملك جعل يخبره عن أهل العراق فيقول له عبد الملك: هذا من جبنك يا أبا زرعة، فاستخلف عبد الملك على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن العيص بن أمية، ثم عزله وولى بشر بن مروان البصرة مع الكوفة؛ فأتاه الكتاب بولاية البصرة وهو يشرب الدواء الكبير، فقال له الأطباء: إن هذا دواء نريد أن تودع نفسك بعده،

فلا تخرج، فأبى، فلما دنا من البصرة تلقاه فيمن لقيه الحكم بن الجارود، فقال له: مرحباً وجعله عن يمينه، ثم لقيه الهزيل بن عمران البرجمي فرحب به وجعله عن يساره؛ ثم لقيه المهلب، فلما رآه يسير بينهما فقال: هذان شاهدان، وأميرنا صاحب شراب. فلم يلبث بالبصرة إلا أشهراً حتى مات. فضره ذلك الدواء. ولما ولى عبد الملك بن مروان أخاه بشر بن مروان العراقين كتب إليه بشر حين وصل: أما بعد، يا أمير المؤمنين فإنك قد أشغلت إحدى يدي وهي اليسرى، وبقيت اليمنى فارغةً لا شيء فيها. قال: فكتب إليه: فإن أمير المؤمنين قد شغل يمينك بمكة والمدينة والحجاز واليمن. قال: فما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه. فقيل له: تقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، فأصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف. فكتب إليه: أما بعد يا أمير المؤمنين، فإني كتبت إليك وأنا في أول يومٍ من أيام الآخرة، وآخر يومٍ من أيام الدنيا، وقال: " من الطويل " شكوت إلى الله الذي قد أصابني ... من الضر لما لم أجد لي مداويا فؤادٌ ضعيفٌ مستكينٌ لما به ... وعظمٌ بدا خلواً من اللحم عاريا فإن مت يا خير البرية فالتمس ... أخاً لك يغني عنك مثل غنائيا يواسيك في السراء والضر جهده ... إذا لم تجد عند البلاء مواسيا قال: فجزع عليه، وأمر الشعراء فرثوه. قال الحسن البصري: قدم علينا بشر بن مروان البصرة وهو أبيض بض، أخو خليفةٍ وابن خليفة ووالٍ على العراق، فأتيت داره، فلما نظر إلي الحاجب قال: يا شيخ من أنت؟ قلت: الحسن البصري، قال: فادخل إلى الأمير وإياك أن تطيل الحديث معه، واجعل الكلام الذي يدور بينك وبينه جواباً ولا تمكنه من المجالسة فتثقل عليه. قال: فدخلت، فإذا بشرٌ على سريرٍ عليه فرشٍ قد كاد أن يغوص فيها، وإذا رجلٌ متكئٌ على سيف، قائمٌ على رأسه، فسلمت عليه فقال: من أنت يا شيخ، أعرفك؟ قلت: الحسن البصري الفقيه.

بشر بن وهب أبو مروان السراج

قال: أفقيه هذه المدرة؟ قال: قلت: نعم أيها الأمير. قال: فاجلس، ثم قال لي: ما تقول في زكاة أموالنا، أندفعها إلى السلطان أم إلى الفقراء؟ قال: قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، قال: فتبسم ثم رفع رأسه إلى الذي كان على رأسه فقال: لشيءٍ ما يسود من يسود. ثم جعل يديم النظر إلي، فإذا أملت طرفي إليه صرف بصره عني، وإذا أطرقت أبدّ في نظره. قال: ثم قمت فاستأذنت في الانصراف، فقال لي: مصاحباً محفوظاً. قال: ثم عدت بالعشي فإذا هو قد انحدر من سريره إلى صحن مجلسه، وإذا الأطباء حواليه وهو يتململ تململ السليم، فقلت: ما للأمير؟ قالوا: محموم. ثم عدت من غد، وإذا الناعية ينعاه، وإذا الدواب قد جزوا نواصيها، قلت: ما للأمير؟ قالوا: مات. فحمل ودفن في جانب الصحراء. ووقف الفرزدق على قبره فرثاه، فلم يبق أحدٌ كان على القبر إلا خر باكياً. قال: ثم انصرفت فصليت في جانب الصحراء ما قدر لي ثم عدت إلى القبر، وإذا قد أتي بعبدٍ أسود، فدفن إلى جانبه، فوالله ما فصلت بين القبرين حتى قلت: أيهما قبر بشر بن مروان؟! وكانت ولاية بشرٍ للعراق سنة أربع وسبعين. ومات في أول سنة خمسٍ وسبعين. وقيل: مات سنة ثلاث وسبعين. بشر بن وهب أبو مروان السراج حدث عن الهيثم بن عمران، عن أبيه، عن مكحول، قال: إياك وطلبات الحوائج من الناس، فإنه فقرٌ حاضر، وعليك بالإياس، فإنه الغنى؛ ودع من الكلام ما يعتذر منه، وتكلم بما سواه؛ وإذا صليت فصل صلاة مودع. بشر وهو الحتات بن يزيد بن علقمة ابن حوي بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، أبو منازل المجاشعي التميمي.

وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد بني تميم مع جماعة من أشرافهم. وآخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين معاوية بن أبي سفيان. ووفد على معاوية. قال ابن إسحاق: فقدمت وفود العرب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي في أشراف من بني تميم، فيهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، والحتات، ونعيم بن زيد، وقيس بن الحارث، وقيس بن عاصٍ في وفد عظيم من بني تميم، معهم عيينة بن حصن الفزاري، وهم الذين دخلوا المسجد ونادوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات: أن اخرج إلينا يا محمد! فآذى لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من صياحهم فخرج إليهم فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا وقص الحديث كما ذكرناه في ترجمة الأقرع بن حابس أو بمعناه. ونزل فيهم القرآن: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ". والحتات هو الذي مات عند معاوية، وورثه الفرزدق، وهجا معاوية لأخذه ميراثه، ويجمعهما في النسب سفيان. والحتات هو القائل للفرزدق وأراد الخروج إليه إلى عمان: " من الوافر " كتبت إلي تستهدي الجواري ... لقد أنعظت من بلدٍ بعيد أقد لا تأتنا فعمان أرضٌ ... بها سمكٌ وليس بها ثريد وكان للحتات قدر وذكر في الجاهلية، ثم أسلك ووفد إلى عمر بن الخطاب. وهو الذي أجار الزبير بن العوام لما انصرف عن الجمل. وقتل الزبير في جواره. فجرير يعير مجاشعاً بذلك، فمما قال فيهم: " من الكامل " قال النوائح من قريشٍ غدوةً ... غدر الحتات وجاره والأقرع

وقال أيضاً فيهم: " من الكامل " لو كنت حراً يا بن قين مجاشعٍ ... شيعت ضيفك فرسخين وميلا وبنو مجاشع تنكر أن يكون الحتات أجاره، ويقولون: إنما كان الزبير قصد النعر بن الزمام المجاشعي، فلم يصادفه. ثم قتل من ليلته. وكان الحتات ممن هرب من عليٍّ عليه السلام؛ وهو القائل: " من المتقارب " لعمر أبيك فلا تجزعي ... لقد ذهب الخير إلا قليلا وقد فتن الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شرٌ طويلا وكان الحتات عم الفرزدق، وفد على معاوية والأحنث بن قيس وجارية بن قدامة السعدي، ففضلهما على الحتات في الجائزة، ولم يعلم بذلك الحتات؛ فلما خرجوا علم به فرجع إليه وقال: فضلت علي محرقاً ومخذلاً؟! يعني بالمحرق لأنه حرق دار الإمارة، والأحنف خذل عن عائشة والزبير - فقال معاوية: إنما اشتريت منهما دينهما ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - وكان عثمانياً - فقال: وأنا فاشتر مني ديني؛ فألحقه بهما. فخرج الحتات، فمات في الطريق، فبعث معاوية فأخذ المال. فوفد الفرزدق على معاوية فقال من أبيات: " من الطويل " أبوك وعمي يا معاوي أورثا ... تراثاً فأولى بالتراث أقاربه فما بال ميراث الحتات أخذته ... وميراث صخرٍ جامدٌ لك ذائبه فلو كان هذا الأمر في جاهليةٍ ... عرفت من المولى القليل حلائبه ولو كان هذا الأمر في عز ملككم ... لأديته أو غص بالماء شاربه فرد عليه معاوية ميراث الحتات. قال: فأنشد هذه الأبيات بعض خلفاء بني أمية

بشير بن أبان بن بشير بن النعمان

فقال: ما فعل معاوية؟ قالوا: رد عليه ماله، فقال: لو كنت مكانه لقلت له: يا مصان وضربت عنقه. بشير بن أبان بن بشير بن النعمان ابن بشير بن سعد الأنصاري. حدث عن أبيه، عن جده، قال: كتب مروان بن الحكم إلى النعمان بن بشير يخطب على ابنه عبد الملك بن مروان أم أبان بنت النعمان، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من مروان بن الحكم إلى النعمان بن بشير، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن الله ذو الجلال والإكرام، والعظمة والسلطان، قد خصكم معاشر الأنصار بنصرة دينه، وإعزاز نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد جعلك الله منهم في البيت العميم والفرع القديم، وقد دعاني ذلك إلى اختيار مصاهرتك وإيثارك على الأكفاء من ولد أبي؛ وقد رأيت أن أزوج ابني عبد الملك بن مروان ابنتك أم أبان بنت النعمان؛ وقد جعلت صداقها ما نطق به لسانك، وترنمت به شفتاك، وبلغه مناك، وحكمت به في بيت المال قبلك. فلما قرأ النعمان كتابه كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير إلى مروان بن الحكم، بدأت باسمي سنةً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلك لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كتب أحدكم إلى أحد فليبدأ بنفسه ". أما بعد فقد وصل إلي كتابك، وفهمت ما ذكرته فيه من محبتنا. أما إن تكن صادقاً فغنماً أصبت، وبحظك أخذت، لأنا أناسٌ جعل الله حبنا إيماناً، وبغضنا نفاقاً. وأما ما أطنبت فيه من ذكر شرفنا وقديم سلفنا، ففي مدح الله لنا وذكره إيانا في كتابه المنزل وقرآنه المفصل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أغنانا عن مدح أحدٍ من الناس؛ وأما ما ذكرت من أنك آثرتني بابنك عبد الملك بن مروان على الأكفاء من ولد أبيك فحظي منك مردودٌ عليهم موفرٌ لهم، غير مشاحٍ لهم فيه، ولا منازعٍ لهم عليه، وأما ما ذكرت أنك جعلت صداقها ما نطق به لساني وترنمت به شفتاي وبلغه

بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس

مناي، وحكمت به في بيت المال قبلي، فقد أصبح بحمد الله - لو أنصفت - حظي في بيت المال أوفر من حظك وسهمي فيه أجزل من سهمك، وأنا القائل: " من الطويل " فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفدٌ مما يعد كثير ولكنها نفسٌ علي كريمةٌ ... عيوفٌ لأصهار اللئام قذور لنا في بني العنقاء وابني محرقٍ ... مصاهرةٌ يسمى بها ومهور وفي آل عمرانٍ وعمر بن عامرٍ ... عقائل لم يدنس لهن حجور بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس ابن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الحارث بن الخزرج، أبو مسعود ويقال: أبو النعمان الأنصاري، والد النعمان بن بشير، له صحبةٌ وروايةٌ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بشير بفتح الباء وكسر الشين، وخلاس بفتح الخاء وتشديد اللام. حدث بشير بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله عبداً سمع مقالتي فحفظها، فرب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه. ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل؛ ومناصحة ولاة الأمر؛ ولزوم جماعة المسلمين ". وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منزلة المؤمن من المؤمن، منزلة الرأس من الجسد، متى اشتكى الجسد اشتكى له الرأس، ومتى اشتكى الرأس اشتكى له الجسد ".

شهد بشير بن سعدٍ بدراً والعقبة والمشاهد بعدهما؛ وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سريتين إلى بني مرة، إحداهما بعد الأخرى. وهو الذي كان كسر على سعد بن عبادة الأمر يوم سقيفة بني ساعدة؛ فبايع أبا بكر هو وأسيد بن الحضير أول الناس. واستشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد سنة إحدى عشرة بعد انصرافه من اليمامة. وقيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة اثنتي عشرة. وأمه وأم أخيه سماك ابني سعد بن ثعلبة: أنيسة بنت خليفة بن عدي بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأغر. وكان بشير يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً.

وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشير بن سعد في ثلاثين رجلاً إلى بني مرة بفدك، فخرج فلقي رعاء الشاء، فسأل: أين الناس؟ فقالوا: هم في بواديهم، والناس يومئذٍ شاتون لا يحضرون الماء، فاستاق النعم والشاء منحازاً إلى المدينة، فخرج الصريخ فأخبرهم، فأدركه الدهم منهم عند الليل، فتراموا بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير وأصبحوا؛ وحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير. وولى منهم من ولى، وقاتل بشيرٌ قتالاً شديداً حتى ضرب كعبه. وقيل قد مات. ورجع بنعمهم وشائهم. وكان أول من قدم بخبر السرية ومصابها علبة بن زيد الحارثي، وأمهك بشير بن سعد وهو في القتلى؛ فلما أمسى تحامل حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهوديٍ بفدك أياماً حتى ارتفع من الجراح، ثم رجع عليهم فأصابوا أصحاب بشير. وولى منهم من ولى، وقاتل بشيرٌ قتالاً شديداً حتى ضرب كعبه. وقيل قد مات. ورجع بنعمهم وشائهم. وكان أول من قدم بخبر السرية ومصابها علبة بن زيد الحارثي، وأمهك بشير بن سعد وهو في القتلى؛ فلما أمسى تحامل حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهوديٍ بفدك أياماً حتى ارتفع من الجراح، ثم رجع إلى المدينة، وهيأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام فقال: " سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير، فإن ظفرك الله بهم فلا تبقي فلهم ". وهيأ معه مائتي رجل، وعقد له اللواء. فقدم غالب بن عبد الله من سريةٍ قد ظفره الله عليهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير بن العوام: " اجلس ". وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل. فخرج أسامة بن زيد في السرية حتى انتهى إلى مصاب بشيرٍ وأصحابه، وخرج معهم علبة بن زيد. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشير بن سعد في سرية فيها ثلاث مائة إلى يمن وجبار من فدك ووادي القرى، وكان بها ناسٌ من غطفان قد تجمعوا مع عيينة بن حصن فلقيهم بشير ففض جمعهم، وظفر بهم وقتل وسبى وغنم، وهرب عيينة وأصحابه في كل وجه. وكانت هذه السرية في شوال سنة سبع. وعن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله عز وجل أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تمنينا أنه لم يسأله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد. والسلام كما قد علمتم ". قال يحيى بن سعيد الأنصاري: لما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عيادة في سقيفة بني ساعدة، فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال بشير بن البراء الأنصاري: منا أمير ومنكم أمير. قال عمر: فأردت أن أتكلم فمنعني أبو بكر، فقلت: لا أعصيه. ثم تكلم أبو بكر، فما ترك شيئاً أردت أن أتكلم به إلا تكلم به وزاد عليه، وذكر حق الأنصار وما

بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة

أعطاهم الله وقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، والأمر بيننا نصفان كقد الأنملة. فقال بشير بن سعد: والله ما إياكم أيها الرهط يكره، ولا عليكم ننفسها، ولكنا نتخوف أن يليها قومٌ - أو قال: رجال - قد قتلنا آباءهم وأبناءهم. قال يحيى: فزعموا أن عمر بن الخطاب قال: إذا كان ذلك فاستطعت أن تموت فمت. قال يحيى بن سعيد: فكان أول من بايع أبا بكر بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير. وقال عمر بن الخطاب في مجلسٍ وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنت فاعلين؟ فسكتوا - فقال ذلك مرتين أو ثلاثاً - فقال بشير بن سعد: لو فعلت ذلك قومناك تقويم القدح. فقال عمر: أنتم إذاً أنتم. بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي البصري، قيل: إنه وفد على معاوية مع أبيه. حدث بشير بن عبيد الله قال: أول من نعى الحسن بن عليٍّ بالبصرة عبد الله بن سلمة بن المحبق أخو سنان، نعاه لزياد، فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه، فبكى الناس وأبو بكرة مريض، فسمع الضجة فقال: ما هذا؟ فقالت امرأته عبسة بنت سحام من بني ربيع: مات الحسن بن علي، فالحمد لله الذي أراح الناس منه، فقال أبو بكرة: اسكتي ويحك! فقد أراحه الله من شرٍّ كثير، وفقد الناس خيراً كثيراً. قال خلاد بن عبيد: تغدى يوماً معاوية وعنده عبيد الله بن أبي بكرة، ومعه ابنه بشير - ويقال: غير

بشير بن عقربه ويقال بشر

بشير - فأكل فأكثر من الأكل، فلحظه معاوية، وفطن عبيد الله بن أبي بكرة، فأراد أن يغمز ابنه فلم يمكنه ولم يرفع رأسه حتى فرغ. فلما خرج لامه على ما صنع؛ ثم عاد إليه وليس معه ابنه، فقال معاوية: ما فعل ابنك التلقامة؟ قال: اشتكى، قد علمت أن أكله سيورثه داءً. قال سلم بن قتيبة: مر بي بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومةٌ بيني وبين ابن عمٍ لي ادعى شيئاً في داري. قال: فإن لأبيك عندي يداً، وإني أريد أن أجزيك بها، وإني والله ما رأيت شيئاً أذهب للدين، ولا أنقص للمروءة، ولا أضيع للذة، ولا أشغل لقلبٍ من خصومة. قال: فقمت لأرجع، فقال خصمي: ما لك؟ قلت: لا أخاصمك، قال: عرفت أنه حقي؟ قلت: لا ولكني أكرم نفسي عن هذا. قال: فمررت بعد ببشيرٍ وهو يخاصم فذكرته قوله؛ قال: لو كان قدر خصومتك عشر مراتٍ فعلت، ولكنه مرغاب، أكثر من عشرين ألف ألف. بشير بن عقربه ويقال بشر أبو اليمان الجهني له صحبة. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين. حدث عبد الله بن عوف الكناني - وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز على الرملة - قال: شهدت عبد الملك بن مروان قال لبشير بن عقربة الجهني يوم قتل عمرو بن سعيد بن العاص: يا أبا اليمان قد احتجت اليوم إلى كلامك، فقم فتكلم. فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قام بخطبةٍ لا يلتمس بها إلا رياءً وسمعةً وقفه الله يوم القيامة موقف رياءٍ وسمعة ". قال بشير بن عقربة: لما قتل أبي يوم أحد أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي، فقال: " يا حبيب ما يبكيك؟ أما ترضى أن أكون أنا أبوك، وعائشة أمك ". فمسح على رأسي فكان أثر يده من رأسي

بشير بن الخصاصية

أسود وسائره أبيض، وكانت بي رتة، فتفل فيها فانحلت. وقال لي: " ما اسمك؟ " قلت: بجير، قال: " بل أنت بشير ". وبشير معروف بفلسطين. بشير بن الخصاصية وهي أمه، واسم أبيه معبد، ويقال: زيد بن معبد بن ضباب بن سبيع، وقيل: ابن شراحيل بن سبع بن ضباري بن سدوس السدوسي، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان اسمه زحم، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيراً، سكن البصرة وتوجه منها إلى حمص واجتاز دمشق. حدث بشير قال: كنت أماشي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخذ بيده، فقال لي: " يا بن الخصاصية، ما أصبحت تنقم على الله تبارك وتعالى، أصبحت تماشي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال: أحسبه قال: أخذ بيده، قال: قلت: ما أصبحت أنقم على الله شيئاً، قد أعطاني الله تبارك وتعالى كل خير. قال: فأتينا على قبور المشركين، فقال: " لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً ". ثلاث مرات. ثم أتينا على قبور المسلمين فقال: " لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً ". ثلاث مرات يقولها. قال: فبصر برجلٍ يمشي بين المقابر في نعليه فقال: " ويحك يا صاحب السبتين، ألق سبتيك ". مرتين أو ثلاثاً. فنظر الرجل، فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلع نعليه. قال بشير: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعاني إلى الإسلام ثم قال لي: " ما اسمك؟ " قلت: نذير، قال: " بل أنت بشير ". قال: فأنزلني الصفة، فكان إذا أتته هدية أشركنا فيها، وإذا أتته صدقة صرفها إلينا. قال: فخرج ذات ليلة فتبعته، فأتى البقيع فقال: " السلام

عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا بكم لاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أصبتم خيراً بجيلاً، وسبقتم شراً طويلاً ". ثم التفت إلي فقال: " من هذا؟ " قال: فقلت: بشير، فقال: " أما ترضى إن أخذ الله بسمعك وقلبك وبصرك إلى الإسلام من بين ربيعة الفرس الذين يزعمون أن لولاهم لائتفكت الأرض بأهلها؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: " ما جاء بك؟ " قلت: خفت أن تنكب أو تصيبك هامةٌ من هوام الأرض. قال محمد بن عبد الكريم: إنما سمي الفرس لأن أباه نزار بن معد كان له فرس، وقبةٌ من أدم وحمار، فجعل الفرس لأكبر ولده ربيعة، والقبة للذي يتلوه وهو مضر، والحمار للثالث وهو إياد. فلذلك يقال: ربيعة الفرس، ومضر الحمراء، وإياد الحمار. حدث بشير بن الخصاصية قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبايعه، فاشترط علي فقال: " تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وتجاهد في سبيل الله ". قال: قلت: والله يا رسول الله، أما اثنتان فلا أطيقهما: الصدقة والجهاد، والله ما لي إلا عشرة زودٍ هن رسل أهلي وحمولتهن؛ وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولى فقد باء بغضبٍ من الله عز وجل، وأخاف إن حضر القتال جزعت نفسي وخفت الموت. قال: فقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ثم بسطها فقال: " لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة؟! " قال: قلت: يا رسول الله أبايعك، فبايعني عليهن كلهن. قالت ليلى امرأة بشير: إنها سمعته سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصوم يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحداً؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصم الجمعة إلا في أيامٍ هو أحدها، أو في شهر، فأما أن لا تكلم أحداً فلعمري لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خيرٌ من أن تسكت ".

بشير بن النعمان بن بشير بن سعد

بشير بن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري الخزرجي. حدث عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في خطبته أو في موعظته: " أيها الناس، الحلال بينٌ والحرام بين، وبين ذلك أمورٌ مشتبهاتٌ، فمن تركهن سلم دينه وعرضه، ومن أوضع فيهن يوشك أن يقع فيه، ولكل ملك حمى، فإن حمى الله في أرضه معاصيه ". بشير بن النعمان بن علي بن محمد ابن الحجاج بن نوح بن يزيد بن النعمان بن بشير بن سعد، أبو الخزرج بن أبي القاسم، الأنصاري النعماني المقرئ. حدث بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سيد الناس يوم القيامة، يدعوني ربي فأقول: لبيك وسعديك، والخير بيديك والشر ليس إليك ". قال: والشر ليس إليك: يعني ليس يتقرب به إليك. وحدث بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله لله أفرح بتوبة العبد من العبد يجد ضالته بالفلاة ". مات أبو الخزرج بشير بن النعمان سنة خمسٍ وأربع مائة، وقيل: سنة تسع وأربع مائة. بشير مولى معاوية بن أبي سفيان حدث عن عشرة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أحدهم حدير أبو فوزة، أنه سمعهم يقولون إذا رأوا الهلال: اللهم اجعل شهرنا الماضي خير شهر وخير عاقبة، وأرسل علينا شهرنا هذا بالسلامة والإسلام، والأمن والإيمان، والمعافاة والرزق الحسن.

بشير مولى معاوية بن بكر

بشير مولى معاوية بن بكر بفتح الباء وكسر الشين أيضاً. قال بشير مولى معاوية بن بكر: أمرني عمر بن عبد العزيز أخصي له نعلاً في خلافته. بشير مولى هشام بن عبد الملك قال: أتي هشام برجلٍ عنده قيانٌ وخمرٌ وبربط، فقال: اكسروا الطنبور على رأسه، فضربه، فبكى الشيخ. قال بشير: فقلت له وأنا أعزيه: عليك بالصبر، فقال: أتراني أبكي للضرب، إنما أبكي لاحتقاره البربط سماه طنبوراً. قال: وأغلظ رجلٌ لهشام، فقال له هشام: ليس لك أن تغلظ لإمامك. قال: وتفقد هشامٌ بعض ولده لم يحضر الجمعة فقال له: ما منعك من الصلاة؟ قال: نفقت دابتي، قال: فعجزت عن المشي فتركت الجمعة. فمنعه الدابة سنة. بشير بن كعب بن أبي الحميري أبو أيوب، ويقال: أبو عبد الله العدوي البصري. شهد وقعة اليرموك، واستخلفه أبو عبيدة على خيلٍ باليرموك بعد فراغه منه وتوجهه إلى دمشق. حدث بشير بن كعب عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنوبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ".

بطريق بن بريد بن مسلم

لما كان طاعون الجارف احتفر بشير بن أبي كعب العدوي قبراً، فقرأ فيه القرآن، فلما مات دفن فيه. حدث حجير بن الربيع عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الحياء خيرٌ كله ". فقال بشير بن كعب: إن منه ضعفاً ومن وقاراً، فقال عمران: يا حجير من هذا؟ قال: هذا بشير بن كعب، وأثنى عليه خيراً، فقال عمران: أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتزعم أن منه ضعفاً ومنه وقاراً! والله لا أحدثكم اليوم بحديث، وقام. قال مجاهد: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه؛ فقال: يا بن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تسمع! فقال ابن عباس: إنا كنا مرةً إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف. قال علي بن زيد: كان بشير بن كعب كثيراً ما يقول: انطلقوا حتى أريكم الدنيا، قال: فيجيء بهم إلى السوق وهي يومئذٍ مزبلة فيقول: انظروا إلى دجاجهم وبطهم وثمارهم. قال عنه الدارقطني: بشير ثقة، جليس ابن عباس. وأخرج عنه مسلم. بطريق بن بريد بن مسلم ابن عبد الله الكلبي العليمي من أهل دمشق. حدث عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: بلغني أن المؤمن إذا مات تمنى الرجعة إلى الدنيا، ليس ذلك إلا ليكبر تكبيرةً أو يهلل تهليلةً أو يسبح تسبيحة.

بغا أبو موسى الكبير

بغا أبو موسى الكبير أحد قواد المتوكل، قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين، فاستشعر من قربه فأشخصه من دمشق لغزو الصائفة، ومعه القواد، ففتح صملة. حدث علي بن الحسين بن عبد الأعلى قال: كان عبد الله بن طاهر قد أهدى للمعتصم شهريين ملمغين، ذكر أن خراسان لم تخرج مثلهما، فسأله بغا أن يحمله على أحدهما، فأبى وقال: تخير غيرهما ما شئت فخذه. قال: فخرجنا ولم نأخذ شيئاً، فلما صرنا بطبرستان عرض له قوم من أهلها فقالوا له: إن في بعض هذه الغياض سبعاً قد استكلب على الناس وأفناهم؛ فقال: إذا أردت الرحيل غداً فكونوا معي حتى تقفوني على موضعهم، قال: فلما رحلنا من غد حضر جماعة منهم، فانفرد بهم في عشرين فارساً من غلمانه، ومعه قوسه ونشابتان في منطقته، فصاروا به إلى الغيضة، فثار السبع في وجهه من بينهم، فقال: فحرك فرسه من بين يديه وأخذ نشابةً من النشابتين فرماه في لبته، فمر السهم فيها إلى الريش، وركب السبع رأسه، وعاد بغا إليه، فما اجترأ أحدٌ على النزول إليه حتى نزل بغا فوجده ميتاً. قال: فشبرناه، فكان من رأسه إلى رأس ذنبه ستة عشر شبراً، ووجدناه أحصى الشعر إلا معرفته. قال: فكتبنا بخبره إلى المعتصم فلحقنا جواب كتابنا بحلوان يذكر فيه أنه قد تفاءل بقتل السبع ورجا أن يكون من علامات الظفر ببابك، وأنه قد وجه إلى بغا بالشهريين الذين كان يطلب

أحدهما فمنعه، وبسبع خلعٍ من خاصة خلعه وثيابه، وخمس مائة ألف درهم صلةً له وجزاءً على قتل السبع، قال: وإنما أراد المعتصم بذلك إغراءه على طاعته ومجاهدة عدوه. وكان بغا ملوكاً لذي الرياستين الحسن بن سهل. وكان يحمق ويجهل في رأيه مع شجاعته وإقدامه وكثرة وقائعه وفتوحه؛ وولاه المستعين ديوان البريد. ومرض في جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وأربعين ومائتين، وعاده المستعين، فلما انصرف من عيادته قضى من وقته. وذكر أبو الحسن بن الوراق: أن بغا كسر باب بيت المال فأخذ منه ما أراد وجمع أصحابه، ثم صار إلى البيت، فأحرق بابه ونهبت داره ودور ولده وأسبابه بسر من رأى، فطلب الأمان فلم يؤمن، فاستتر من أصحابه وانحدر في زورق مستخفياً، فأخذته المغاربة عند الجسر بسر من رأى ليلة الخمسي لليلةٍ بقيت من ذي القعدة سنة أربعٍ وخمسين ومائتين، فقتله وليد المغربي، وطيف برأسه ثم بعث به إلى بغداد فنصب هناك.

بقية بن الوليد بن صائد

بقية بن الوليد بن صائد ابن كعب بن حريز، أبو يحمد - بضم الياء وإسكان الحاء وفتح الميم - الكلاعي الحمصي. بعثه أبو جعفر المنصور إلى دمشق لمساحتها. روى عن الزبيدي، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعي أحدكم إلى عرس أو نحوه فليجب ". حدث بقية بسنده، عن أبي الأسد السلمي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت سابع سبعة، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع كل رجلٍ منا درهماً، فاشترينا أضحيةً بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول الله قد أغلينا بها! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أفضل الضحايا أغلاها وأنفسها ". فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فأخذ بيد، ورجلاً بيد، ورجلاً برجل، ورجلاً برجل، ورجلاً بقرن، ورجلاً بقرن، وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعاً. وحدث بقية عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص في دم الحبون - الدماميل - قال: فكان عطاء يصلي وهي في ثوبه. وقد أنكروا هذا الحديث وقالوا: إن بقية قال: لم أسمعه أنا من ابن جريج. ولد بقية سنة عشرٍ ومائة، ومات سنة سبعٍ وتسعين. حدث بقية بن الوليد عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن خيار بن سلمة قال: سألت عائشة عن أكل البصل فقالت: آخر طعام أكله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامٌ فيه بصل. قال بقية بن الوليد: قدمت على شعبة فأبعدني وأقصاني، فأقمت عنده شهرين لا أصل منه إلى شيء، فبينا أنا عنده بين الظهر والعصر إذ أقبل إليه رسول الأمير فقال له: يا أبا بسطام، الأمير يقرأ

عليك السلام ويقول لك: ما تقول في رجلٍ ضرب رجلاً على الرأس فادعى المضروب أنه قد منعه الشم؟ قال: فلم يكن عند شعبة جواب، فانصرف إلى جلسائه فقال لهم: ما تقولون في مسألة الأمير؟ فقالوا: وما هي؟ فأخبرهم، فلم يكن عند القوم جواب، فالتفت إلي فقال: ما اسمك؟ قلت: بقية، قال: إذا نزل بكم هذا إلى من ترجعون؟ قلت: إليك وإلى أمثالك، قال: دع هذا عنك إلى من ترجعون؟ قلت: إلى أبي عمرو عبد الحمن بن عمرو الأوزاعي، قال: ما يقول في مسألة الأمير؟ قلت: أصبحك الله يشمه الخردل المدقوق، فإن دمعت عيناه فكاذب، وإن لم تدمع عيناه فصادق. قال: فأفتى رسول الأمير بذلك. قال: وأقبل علي فحدثني في شهرين ما كنت أرضى أن يحدثنيه في ستة أشهر. قال بقية: دخلت على هارون الرشيد فقال: يا بقية إني أحبك فقلت: ولأهل بلدي؟ قال: لا إنهم جند سوء، لهم كذا وكذا غدرة في الديوان. قال: قلت يا أمير المؤمنين إذاً أنت وليهم ماذا تعهد إليهم؟ قال: أعهد إليهم أن يكونوا لليتامى كالأب الرحيم، وللأرامل كالزوج الشفيق، ويكونوا ويكونوا، ولا أرضى منهم بذلك حتى يضعوا أيديهم على رأسي، قال: فإنهم لا يفون بذلك يا أمير المؤمنين، نحن قوم عرب يسرفون علينا، فقال هارون الرشيد: فذلك كذلك، ثم قال: حدثني يا بقية، فقلت: حدثني محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سابق العرب إلى الجنة وسلمان سابق فارس إلى الجنة، وصهيب سابق الروم إلى الجنة، وبلال سابق الحبشة إلى الجنة ". قال: زدني، قلت: حدثني محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعين ألفاً، وثلاث حثياتٍ من حثيات ربي ". قال: فامتلأ من ذلك فرحاً وقال: يا غلام ناولني أكتبها. قال: وكان القيم بأمره الفضل بن الربيع، ومتربته بعيدة، فناداني فقال لي: يا بقية ناول أمير المؤمنين بجنبك، قلت: ناوله أنت يا هامان، فقال: سمعت ما قال لي يا أمير المؤمنين؟ قال: اسكت فما كنت أنت عنده هامان حتى كنت أنا عنده فرعون.

بقي بن مخلد بن يزيد

وكان بقية بن الوليد يقول: ما أرحمني للثلاثاء ما يصومه أحد. مات بقية سنة ست وتسعين ومائة. وقيل سنة سبعٍ وتسعين ومائة بحمص. وقيل: سنة ثمانٍ، وقيل: سنة تسعٍ. وسنة سبعٍ وتسعين أصح. بقي بن مخلد بن يزيد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ أحد علماء الأندلس، ذو رحلةٍ واسعة. وكان ورعاً فاضلاً زاهداً مجاب الدعوة. وروي أن عدد شيوخه الذين روى عنهم مائتان وأربعة وثمانون رجلاً. قال عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول: جاءت امرأة إلى بقي بن خويلد فقالت: إن ابني قد أسره الروم، ولا أقدر على مال أكثر من دويرة ولا أقدر على بيعها، فلو أشرت إلى من يفديه بشيء فإنه ليس لي ليلٌ ولا نهار ولا نوم ولا قرار. فقال: نعم، انصرفي حتى أنظر في أمره إن شاء الله. قال: وأطرق الشيخ، وحرك شفتيه. قال: فلبثنا مدة، فجاءت المرأة ومعها ابنها، فأخذت تدعو له وتقول: قد رجع سالماً وله حديثٌ يحدثك به، فقال الشاب: كنت في يدي بعض ملوك الروم مع جماعة من الأسارى، وكان له إنسانٌ يستخدمنا كل يوم، يخرجنا إلى الصحراء للخدمة، ثم يردنا وعلينا قيودنا، فبينا نحن نجيء من العمل بعد المغرب مع صاحبه الذي يحفظنا، فانفتح القيد من رجلي ووقع على الأرض؛ ووصف اليوم والساعة فوافق الوقت الذي جاءت المرأة ودعا الشيخ؛ قال: فنهض إلي الذي كان يحفظني وصاح علي وقال: كسرت القيد!؟ قلت: لا إنه سقط من رجلي، فتحير وأخر صاحبه وأحضر الحداد وقيدوني، فلما مشيت خطواتٍ سقط القيد من رجلي، فتحيروا في أمري! فدعوا رهبانهم فقالوا لي: ألك والدة؟ قلت: نعم، فقالوا: وافق دعاؤها الإجابة، وقالوا: أطلقك الله فلا نقيدك. فزودوني وأصحبوني إلى ناحية المسلمين. مات بقي بن مخلد الأندلسي سنة ستٍ وسبعين ومائتين. وقيل: سنة ثلاثٍ وسبعين. وولد في رمضان سنة إحدى ومائتين.

بكار بن بلال أبو أيوب العاملي

بكار بن بلال أبو أيوب العاملي مولى الثقيف، وينسب إلى عاملة. بلغني أنه لما بلغ أهل الشام يوم صفين أن عمار بن ياسر قد قتل بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه؛ فعاد إليهم فأخبرهم أنه قد قتل؛ فنادى أهل الشام أصحاب علي: إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار بن ياسر منا. قال: فتواعدوا عن القتال حتى صلوا عليه جميعاً. حدث بكار بن بلال عن أبي عمرو الأنصاري أن علياً قال لأهل العراق: إن بسر بن أبي أرطاة قد صعد إلى اليمن، ولا أحسب هؤلاء القوم إلا ظاهرين عليكم - يعني أهل الشام - وما ذلك أنهم أولى بالحق منكم، ولكن ذاك لاجتماعهم على أميرهم وافتراقكم، وإصلاحهم في بلادهم، وفسادكم في بلادكم، وأدائهم الأمانة وخيانتكم، والله لقد فلانا فخانني، وفلانا فخانني - يعدد - وفلاناً وليته، فجمع ما جمع من المال فانطلق به إلى معاوية؛ ولقد خيل لي أني لو ائتمنت أحدكم على قدحٍ لسرق علاقته. اللهم إني قد مللتهم وملوني، اللهم اقبضني إلى رحمتك، وأبدلهم بي من هو شرٌّ لهم مني. توفي أبو بلال بكار بن بلال سنة ثلاث وثمانين ومائة. وكان مولده في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة. وهو ابن ثلاثٍ وثمانين سنة. بكار بن تميم أبو عبد الرحمن من دمشق حدث عن مكحول، عن أبي أمامة قال: كان أحب الشراب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحلو البارد.

بكار بن شعيب أبو خزيمة العبدي الدمشقي

بكار بن شعيب أبو خزيمة العبدي الدمشقي حدث عن أبي حازم المدني، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس سواءٌ كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء يكثر بإخوانه المسلمين، ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له. وقال عمر: عليك بإخوان الصدق تعيش في أكنافهم، فهم زينةٌ في الرخاء، وعدةٌ في البلاء. بكار بن قتيبة بن عبيد الله ابن أبي برذعة بن عبيد الله بن بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة، أبو بكرة الثقفي. قاضي مصر أصله من البصرة، ولي القضاء بمصر سنين كثيرة. قدم دمشق سنة تسع وستين ومائتين في صحبة أحمد بن طولون، وحدث بها، وروى عنه جماعةٌ من أهلها. حدث عن روح بن عبادة بسنده، عن ابن عباس أن أم الفضل أرسلت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة بلبن، فشربه وهو يخطب الناس. وحدث عنه أيضاً بسنده، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة. وحدث عن الضحاك بن مخلد بسنده، عن أبي بكرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الشيء يسره سجد. قال أحمد بن سهل بن بويه الهروي: كنت ألازم غريماً لي إلى بعد العشاء الآخرة، وكنت ساكناً في جوار بكار بن قتيبة، فانصرفت إلى منزلي فإذا هو يقرأ: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " إلى قوله: "

فيضلك عن سبيل الله " فوقفت أتسمع عليه قليلاً، ثم انصرفت، فقمت في السحر على أن أصير إلى منزل الغريم، فإذا هو يقرأ هذه الآية يرددها ويبكي، فعلمت أنه كان يقرؤها من أول الليل. قال سعيد بن عثمان: سمعت بكار بن قتيبة ينشد: " من الطويل " لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لعيبي في نفسي عن الناس شاغل ولي بكار بن قتيبة القضاء بمصر من قبل المتوكل. قدمها يوم الجمعة لثمانٍ بقين من جمادى الآخرى سنة ستٍ وأربعين ومائتين. وتوفي في ذي الحجة سنة سبعين ومائتين. ولم يزل قاضياً إلى أن توفي. وأقامت بمصر بلا قاضٍ سبع سنين إلى أن ولى خمارويه بن أحمد بن طولون محمد بن عبدة القضاء. وكان أحمد بن طولون أراد بكاراً على لعن الموفق فامتنع من ذلك فسجنه إلى أن مات أحمد؛ فأطلق من السجن. فمكث بعد ذلك يسيراً ثم مات؛ فغسل ليلاً وكثر الناس فلم يدفن إلى وقت صلاة العصر. وكان مولد بكار بالبصرة سنة اثنتين ومائة، ومات وهو ابن سبع وثمانين. وكان من الحمد في ولايته القضاء ومن القبول لأهلها إياه، ومن عفته عن أموالهم ومن سلامته في أحكامه، ومن اضطلاعه بذلك على نهاية ما يكون عليه مثله، حتى لو كانت أخلاقه ومذاهبه هذه فيمن تقدم لكان يبين بها عن كثيرٍ منهم. وكان الأمير أحمد بن طولون من المعرفة بحقه، والميل إليه والتعظيم لقدره على نهاية، وكان يأتي إليه وهو يملي على الناس الحديث على كثرة من كان يحضر مجلسه، فيمنع حاجبه مستمليه من الانقطاع عن الاستملاء عليه؛ ثم يصعد إليه إلى المجلس الذي كان يحدث فيه، فيقعد مع الناس فيه ويستتم بكارٌ مجلسه وهو حاضر، ثم لا يقطعه بحضوره إياه؛ فلم يزل كذلك حتى أراد منه أحمد طولون خلع أبي أحمد الموفق ولعنه، فأبى ذلك عليه، فلما رأى أحمد بن طولون أنه لا يلتئم له منه ما يحاوله منه ألب عليه سفهاء أهل الأحباش ومن سواهم من العوام، وجعله لهم خصماً. وكان يقعد له من يقيمه بين يديه مع من يخاصمه مقام الخصوم فلا يأبى ذلك ويقوم بالحجة لنفسه. وكان أحمد قد حبس القاضي بكاراً بالمرفق في القماحين. قال:

بكار بن محمد

فأدخل إليه فقال: هذا رجل كان يزعم أنه قاضي المسلمين خمسةً وعشرين سنة، وقد غصبني داري وهو ساكنها الآن ولي عليه من أجرتها خمسة دنانير؛ فسئل القاضي بكار عن ذلك فقال: لا أدري ما يقول هذا الرجل، أنا لم أنزل هذه الدار، وإنما أنزلتها كرهاً، فإن كان مغصوباً فالذي غصبه هو الذي أنزلنيها. وهذا في الجملة كلامٌ محال، ما ظننته يجوز على أحد، لأني إن كنت غاضباً فما له علي أجرة معلومة، ولئن كانت له علي أجرة بسكناي داره فما أنا غاضب. قال: فأمر للذي كان يخاصم إليه بخمسة دنانير فدفعت إلى الذي خاصمه ما كان يلبسه للجمعة وخرج إلى الباب يريد الرواح منه فيقول له الموكلون به: ارجع، فيقول: اللهم اشهد، ثم يرجع. فلم يزل كذلك فيها حتى توفي أحمد بن طولون؛ فبقي هو فيها بعد ذلك حتى توفي وأخرجت جنازته بعد العصر وكثر الناس وفيهم أصحاب أحمد بن طولون قد غطوا رؤوسهم حتى لا يعرفوا وزادت الجماعة من غير أن يرى في الناس راكبٌ واحد، فشهده أكثر ممن شهد العيد بوقارٍ وسكينة. بكار بن محمد حدث عبد الله بن سعيد بن يحيى الرقي قاضي فارس قال: كتبت إلي والدتي مرية بنت مروان بن يزيد بن عبد الملك بن عياض بن غنم القرشية من الرقة وأنا على قضاءٍ تستر تقول: حدثتني والدتي عاتكة بنة بكار عن أبيها بكار بن محمد قال: دخلت على هشام بن عبد الملك بالرصافة وهو جالسٌ في قبته الخضراء وعنده ابن شهاب الزهري: فحدثنا ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما ترك عبد الله أمراً لا يتركه إلا لله تعالى إلا عوضه الله منه ما هو خيرٌ له منه في دينه ودنياه ". قالت العجوز: فآثرني على ما أنت فيه يعوضك الله تعالى ويؤثرك. وكتب إلي في أسفل كتابها لنفسها: " من الطويل " عجوزٌ بأرض الرقتين وحيدةٌ ... لنأيك بالأهواز ضاق بها الذرع وقد ماتت الأعضاء من كل جسمها ... سوى دمع عينيها فلم يمت الدمع

بكر بن أحمد بن حفص بن عمر

تراعي الثريا ما تلذ بغمضها ... إلى أن يضيء الصبح أنجمه السبع وكم في الدجى من ذي همومٍ مقلقل ... وآخر مسرورٍ يدر له الضرع ومن أضحتكه الدار وهي أنيسةٌ ... بكاها إذا ما ناب من حادثٍ قرع بكر بن أحمد بن حفص بن عمر ابن عثمان بن سليمان، أبو محمد التنيسي المعروف بالشعراني. سمع بدمشق جماعة. حدث عن محمد بن عوف بسنده، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإخصاء وقال: " فيه نماء خلق الله تعالى ". بكر بن سهل بن إسماعيل بن نافع أبو محمد الدمياطي مولى بني هاشم، سمع بدمشق. حدث عن عبد الله بن يوسف بسنده، عن عقبة بن عامر، أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة، والذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة ". وحدث أيضاً بكر بن سهل - وكان شيخاً مربوعاً أسمر، كبير الأذنين حدث بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبدٍ يمر بقبر كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ". وفي رواية: ورد عليه السلام. توفي بدمياط في ربيع الأول سنة تسعٍ وثمانين ومائتين. وقيل: إنه مات في ربيع الآخر بالرملة بعد عوده من الحج، وإن مولده سنة ستٍ وتسعين ومائة. وكان قد جمع له بالرملة خمس مائة دينار ليقرأ عليهم التفسير فامتنع وقدم بيت المقدس، فجمع له من الرملة ومن بيت المقدس ألف دينار، فقرأ عليهم الكتاب ومات في هذه السنة.

بكر بن شعيب بن بكر بن محمد

بكر بن شعيب بن بكر بن محمد ابن أيوب بن عبد الرحمن أبو الوليد القرشي. روى عن أبي بكر القاسم بن عيسى العصار بسنده، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التمسوا ليلة القدر في السبع الأواخر ". وحدث عن سعيد بن عبد العزيز بسنده، عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ". توفي أبو الوليد يوم السبت لستٍ خلون من جمادى سنة أربعٍ وخمسين وثلاث مائة. بكر بن عبد العزيز بن إسماعيل ابن عبيد الله بن أبي المهاجر أبو عبد الحميد القرشي المخزومي. مولاهم. حدث عن سليمان بن أبي كريمة، عن حيار مولى أم الدرداء عن أم الدرداء قالت: خرج أبو الدرداء يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد جماعةً من العرب يتفاخرون، قال: فاستأذنت، فأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا أبد الدرداء ما هذا اللجب الذي أسمع؟ " قال: قلت: يا رسول الله هذه العرب تتفاخر فيما بينها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا الدرداء إذا فاخرت ففاخر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم، وإذا حاربت فحارب بقيس، إلا أن وجوهها كنانة، ولسانها أسد، وفرسانها قيس؛ إن لله يا أبا الدرداء فرساناً في سمائه يقاتل بهم أعدائه، وهم الملائكة، وفرساناً في الأرض يقاتل بهم أعداءه وهم قيس، يا أبا الدرداء، إن آخر من يقاتل عن الإسلام حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن إلا رسمه لرجلٌ من قيس ". قال: قلت: يا رسول الله من أي قيس؟ قال: " من سليم ".

بكر بن عمرو المعافري المصري

قيل لعبد الملك بن مروان: من أفضل قريش؟ قال: بنو هاشم، قيل: ثم من؟ قال: ثم بنو أمية، قيل: ثم من، قال: بنو مخزوم، قيل: ثم من؟ قال: قريشٌ بعد هؤلاء كأسنان المشط. بكر بن عمرو المعافري المصري إمام المسجد الجامع بمصر. حدث عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لو كان بعدي نبيٌ لكان عمر بن الخطاب ". توفي بكر بن عمرو في خلافة أبي جعفر المنصور، وكانت له عبادةٌ وفضل. حدث بكر عن عمرو: أنه لم ير أبا أمامة - يعني ابن سهل - واضعاً إحدى يديه على الأخرى قط، ولا أحدٌ من أهل المدينة حتى قدم الشام فرأى الأوزاعي وناساً معه يضعونه. بكر بن محمد بن بكر بن خريم أبو القاسم المزي الطرائفي المعدل. حدث بدمشق عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا "، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: " حلق الذكر ". ولد بكر بن محمد سنة تسعٍ وثلاث مائة.

بكر بن محمد بن علي بن حيد

بكر بن محمد بن علي بن حيد ابن عبد الجبار بن النضر بن مسافر بن قصي، أبو المنصور التاجر النيسابوري. حدث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمرو الخفاف بسنده، عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يدخر شيئاً لغدٍ. قال أبو بكر الخطيب: سمعت ابن حيد يقول: ولدت في سنة ست وثمانين وثلاث مائة. وحيد بكسر الحاء المهملة والياء باثنتين من تحتها. وكان بكر ثقة، حسن الاعتقاد، صحيح المذهب، كثير الدرس للقرآن، محباً لأهل الخير، متفقداً للفقراء بالبر والإرفاق. مات بالري سنة أربعٍ وستين وأربع مائة. بكر بن مصعب دخل دمشق وسئل عنها، فقال: هي جنة الدنيا للمطيع لله، إذا مات بها لا يقال له: استراح من الدنيا، يعني أنه كان في جنة فانتقل إلى جنة. بكير بن ماهان أبو هاشم الحارثي أحد دعاة بني العباس. روي عن بكير بن ماهان أنه قال: يلي من ولد العباس أكثر من ثلاثين رجلاً، ستةٌ منهم يسمون باسم واحد، وثلاثةٌ باسم واحد، يفتح أحد الثلاثة القسطنطينية.

بكير بن محمد بن بكير

قال محمد بن جرير الطبري: وفي سنة ثماني عشرة ومائة وجه بكير بن ماهان عمار بز يزيد إلى خراسان والياً على شيعة بني العباس، فنزل فيما ذكر مرو، وغير اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى محمد بن علي، فسارع إليه الناس وقبلوا ما جاءهم به، وسمعوا له وأطاعوا، ثم غير ما دعاهم إليه، وتكذب وأظهر دين الخرمية ودعا إليه، ورخص لبعضهم في نساء بعض وأخبرهم أن ذلك عن أمر محمد بن علي؛ فبلغ أسد بن عبد الله خبره، فوضع عليه العيون حتى ظفر به، فأتي به وقد تجهز لغزو بلخ، فسأله عن حاله، فأغلظ خداش له القول؛ فأمر به فقطعت يده، وقطع لسانه، وسمل عينيه. فذكر محمد بن علي عن أشياخه قال: لما قدم أسد آمل في مبدئه أتوه بخداش صاحب الهاشمية، فأمر به قرعة الطبيب فقطع لسانه وسمل عينيه وقال: الحمد لله الذي انتقم لأبي بكر وعمر منك. ثم دفعه إلى يحيى بن نعيم الشيباني عامل آمل، فلما قفل من سمرقند كتب إلى يحيى فقتله وصلبه بآمل. بكير بن محمد بن بكير أبو القاسم المنذري الطرسوسي حدث بدمشق. وروى عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم المعروف بابن أبي العقب، عن عيسى بن عبد الله، عن نعمان وهو المتعبد قال: سمعت ابن عاصم يقول: من لم ينتهز البغية عند إمكان الفرصة عض على الندم عند فوات الإمكان، فلا إمكان كسلامة الأبدان في الأيام الخالية؛ فمن أحب أن يكون في الدنيا حكيماً مؤدباً، وفي الآخرة ملكاً متوجاً فليقبل مني ثلثا خلال: ينفي عن قلبه سلطان الطمع بالإياس؛ ويميت من قلبه سورة الغضب بالتواضع لله عز وجل؛ والثالثة رأس كل خير هي ابتداؤه ووسطه وتمامه: يؤثر دلالة العقل والعلم على جلب الهوى يقع به الحق حيث كان.

بكير بن معروف أبو معاذ

بكير بن معروف أبو معاذ ويقال: أبو الحسن الأسدي الدامغاني قاضي نيسابور، سكن دمشق. قال بكير بن معروف: أخذ بيدي إبراهيم الصايغ فذهب به إلى أبي الزبير فسألته فقال أبو الزبير: حدثني ابن عم لأبي هريرة يقال له عبد الرحمن عن أبي هريرة أن ماعزاً أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: طهرني يا رسول الله، فإني قد زنيت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أو تدري ما الزنى؟ " فقال: أصبت امرأة حراماً ما يصيب الرجل من امرأته. قال: فطرده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم عاد، فطرده ثم عاد، فطرده قال: ثم عاد، فطرده، ثم عاد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتدري ما الزنى؟ " قال: نعم، أصبت من امرأةٍ حراماً ما يصيب الرجل. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أدخلت وأخرجت؟ " قال: نعم. قال له " أربع مرات، قال: نعم. قال: فأمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجم؛ فاضطرته الحجارة إلى شجرة، حتى قتل؛ فمر به رجلان فقالا: انظر إلى هذا أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطرده، ثم أتاه فطرده، فلم يذهب حتى قتل كما يقتل الكلب ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع، فسار ساعة فمر بحمار ميت، شائلٍ برجله فقال لهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلا من هذا الحمار ". فقالا: وهل يؤكل من هذا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده، إنه لفي نهر من أنهار الجنة يتقمص فيه " فقال له هزال: أنا أمرته أن يأتيك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو سترته بملحفتك كان خيراً ". وحدث بكير عن معروف عن مقاتل بن حيان بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بن مسعود " قلت: لبيك يا رسول الله، قال: " هل تدري أوثق عرى الإيمان؟ "

بلعم ويقال بلعام بن باعوراء

قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله ". توفي بكير بن معروف سنة ثلاثٍ وستين ومائة. بلعم ويقال بلعام بن باعوراء ويقال: ابن أبر، ويقال: ابن أوبر، ويقال: ابن باعر بن شتوم بن قرشيم بن ماب بن لوط بن حران بن آزر. كان يسكن قرية من قرى البلقاء، وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم، فانسلخ من دينه. له ذكر في القرآن. قال قتادة في قوله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " قيل: بلعم، وقيل أمية بن أبي الصلت. وقال الكلبي: " ولكنه أخلد إلى الأرض " قال: مال إلى الدنيا وركن إليها، فمثله " كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " فذلك الكافر هو ضالٌّ وعظته أو لم تعظه. وقال كعب الأحبار: هو بلعم، وكان رجلاً من أهل البلقاء، وكان بلغه اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وكان من الجبابرة الذين كانوا ببيت المقدس. وقال ابن عباس: في قوله تعالى " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " قال:

هو رجلٌ كان في بني إسرائيل أعطي ثلاث دعواتٍ يستجاب له فيهن ما يدعو به، وكانت له امرأة، له منها ولد، وكانت سمجةً دميمة، قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأةٍ من بني إسرائيل؛ فدعا الله لها، فلما علمت أن ليس في بني إسرائيل مثلها رغبت عن زوجها وأرادت غيره؛ فلما رغبت عنه دعا الله أن يجعلها كلبةً نباحة؛ فذهبت منه فيها دعوتان؛ فجاء بنوها وقالوا: ليس بنا على هذا صبر! أن صارت أمنا كلبةً نباحة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها أولاً؛ فدعا الله فعادت كما كانت، فذهبت فيها الدعوات الثلاث، فسميت البسوس. فقيل: أشأم من البسوس. قال أبو الفرج: المشهور عند أهل السير والأخبار أن البسوس التي يقال من أجلها: أشأم من البسوس: الناقة التي جرى فيما جرى من أمرها حرب داحس والغبراء. والمعروف من قول أهل التأويل أن قوله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها " عنى به بلعم بن باعوراء الذي دعا للجبارين على موسى وبني إسرائيل. وقال بعضهم نزلت في أمية بن أبي الصلت. قال مقاتل بن سليمان: سمعت من حدثني عن كعب الحبر، وعن جماعة من الرواة، كلهم عن بلعم بن باعوراء. وزاد بعضهم على بعض قالوا: إن بلعم بن باعوراء كان ينزل قريةً من قرى البلقاء - وفي رواية يقال لها بالعة - وكان يحسن اسم الله الأعظم، وكان متمسكاً بالدين، وإن موسى لما نزل أرض كنعان من الشام بين أريحا وبين الأردن، وجبل البلقاء والتيه، فيما بين هذه المواضع، قال: فأرسل إليه بالق الملك فقال: إنا قد رهبنا من هؤلاء القوم - يعني موسى بن عمران - وإنه قد جاز البحر ليخرجنا من بلادنا وينزلها بني إسرائيل، ونحن قومك وليس لك بقاءٌ بعدنا، ولا خير لك في الحياة بعدنا، وأنت رجلٌ مجاب الدعوة فاخرج فادع عليهم، فقال بلعم: ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون، كيف أدعو الله عز وجل عليهم، وأنا أعلم من الله ما أعلم! وإني لا أدخل في شيء من أموركم فاعذروني. فقالوا له: ما لنا من متركٍ في هذه الحال. فلم يزالوا يترفقون به ويتضرعون إليه، قال بعضهم وكانت له امرأةٌ يحبها ويطيعها

وينقاد لها فدسوا لها هدايا فقبلتها، ثم أتوها فقالوا لها: قد نزل بنا ما ترين، فيجب أن تكلمي بلعام فإنه مجاب الدعوة فيدعو الله عز وجل فإنه لا خير فيه بعدنا. فقالت له: إن لهؤلاء القوم حقاً وجواراً وحرمة، وليس مثلك أسلم جيرانه عند الشدائد، وقد كانوا مجملين في أمرك وأنت جديرٌ أن تكافئهم وتهتم بأمرهم! فقال لها: لولا أني أعلم أن هذا الأمر من الله عز وجل لأجبتهم. فقالت: انظر في أمورهم ولينفعهم جوارك. فلم تزل به حتى ضل وغوى، وكان الله عز وجل عزم له في أول أمره على الرشد ففتنته فافتتن، فركب حمارة فوجهها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، فلما سار غير بعيد ربضت به حمارته فنزل عنها فضربها حتى أذلقها، فقامت فلم تسر إلا قليلاً حتى ربضت، ففعل بها بمثل ذلك، فقامت فلم تسر إلا قليلاً حتى ربضت، فضربها حتى أذلقها، فقامت فأذن لها فكلمته فقالت: يا بلعم أني مأمورة فلا تظلمني، فقال لها: ومن أمرك؟ قالت: الله عز وجل أمرني، انظر إلى ما بين يديك، ألا ترى إلى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا يقولون: أتذهبين إلى نبي الله والمؤمنين يدعو عليهم بلعم؟! فقال بعضهم: إن الحمارة قالت: ألا ترى الوادي أمامي قد اضطرم ناراً؟ قال: فخلى سبيلها ثم انطلق حتى أشرف على رأس جبلٍ مطلٍّ على بني إسرائيل، فجعل يدعو عليهم، فلا يدعو بشيءٍ من سوء إلا صرف الله لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف الله عز وجل لسانه إلى بني إسرائيل، وجعل يترحم على بني إسرائيل ويصلي على موسى، فقال له قومه: يا بلعم أتدري ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، فقال: هذا ما لا أملك وهذا شيءٌ قد غلب الله عز وجل عليه. وأدلع لسانه. فقيل: إنه جاءته لمعةٌ فذهبت ببصره فعمي، فقال لهم: قد ذهبت الدنيا والآخرة مني، ولم يبق إلا المكر والحيلة، وليس إليهم سبيل، وسأمكر لكم وأحتال لهم: اعلموا أنهم قومٌ إذا أذنب مذنبهم ولم تغير عامتهم عمهم البلاء. فقالوا له: كيف لنا بشيء يدخل عليهم منه ذنب يعمهم من أجله العذاب؟ قال: تدسون في عسكرهم النساء، فإني لا أعلم أوشك صرعةً للرجل من المرأة؛ فانظروا نساءً لهن جمال، فأعطوهن

السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر تبيعها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأةٌ نفسها من رجلٍ إذا أرادها، فإنهم إن زنى منهم رجلٌ كفيتموهم؛ ففعلوا ذلك، فلما دخل النساء العسكر مرت امرأةٌ من الكنعانيين إسمها كبسى بنة صوريا برأس سبط بن شمعون بن يعقوب وهو زمري بن شولوا فقام إليها فأخذ بيدها حتى أعجبه جمالها، ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى فقال: إني لأظنك يا موسى ستقول هذا حرامٌ عليك! فقال موسى: أجل إنها حرام فلا تقربها، فقال: والله لا أطيعك في هذا؛ ثم دخل بها قبته فوقع عليها. فأرسل الله عز وجل الطاعون في بني إسرائيل. وكان فنحاص بن العيزار بن هارون، وهو صاحب أمر موسى، وكان رجلاً قد أوتي بسطةً في الخلق وقوةً في البطش، وكان غائباً حين صنع زمري بن شولوا ما صنع؛ فجاء والطاعون قد وقع في بني إسرائيل، فأخبر الخبر، فأخذ حربته وكانت حربته من حديد كلها، فدخل عيلهما القبة وهما مضطجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما وقد رفعهما إلى السماء بحربته قد أخذها بذراعيه واعتمد بمرفقيه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحيته فجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن عصاك. فرفع الله عز وجل الطاعون بينهم. فحسب من هلك في الطاعون سبعون ألفاً من بني إسرائيل. فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحةٍ يذبحونها القبة والذراع واللحي لاعتماده بالحربة على خاصرته وأخذه إياها بذراعيه وإسناده إياها إلى لحيته، والبكر من أموالهم وأنفسهم لأنك كان البكر من ولد هارون. وقال بعض الرواة: إن بلعم أخذ أسيراً فأتي به موسى - على نبينا وعليه الصلاة السلام - فقتله. وهكذا كانت سنتهم، وفيه نزلت " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا " إلى قوله " لعلهم

بنان بن حازم أبو عبد السلام

يتفكرون " فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر السماء. وروي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، إن كان قاله: كان مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل كمثل أمية بن أبي الصلت في هذه الأمة. بنان بن حازم أبو عبد السلام حدث ببعلبك عن ثور بن يزيد عن مدرك بم عبد الله الكلاعي عن كعب قال: إن خيار هذه الأمة خيار الأولين والآخرين، إن من هذه الأمة رجالاً إن أحدهم ليخر ساجداً لا يرفع رأسه حتى يغفر الله لمن خلفه فضلاً عنه. وكان كعب يتحرى الصفوف المؤخرة رجاء أن يكون من أولئك. بندار بن عبد الله الهمذاني الصوفي حدث بدمشق عن أبي الحسن عبد العزيز بن داود بسنده، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا ينز ع العلم من الناس بعد أن يعطيهم إياه، ولكن يذهب بالعلماء، كلما ذهب بعالم أذهب ما معه من العلم، حتى يبقى من لا يعلم فيضلوا ". وفي رواية " فيضلوا ويضلوا ". بندار بن عمر بن محمد بن أحمد أبو سعيد التميمي الروياني. قدم دمشق وحدث بها وبغيرها. حدث عن أبي محمد عبد الله بن جعفر الخبازي بسنده، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلةٍ من رجب؛ وليلة النصف من شعبان؛ وليلة الجمعة؛ وليلة الفطر؛ وليلة النحر ".

بلال بن جرير بن عطية

بلال بن جرير بن عطية ابن الخطفى، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة التميمي اليربوعي الكلبي، من البصرة، شاعر بن شاعر. وفد على بعض خلفاء بني أمية. ولي بلال السعاية على تيم والرباب، فمر بمنازل بني تيم بن عبد مناة بن أد، فلبس النساء بتوتهن، ورفعن سجوفهن، وتزين جهدهن وقلن: مرحباً بابن جرير، انزل فلك ما شئت من شواءٍ وأقطٍ وتمرٍ وسمن، فأما الطحين فطار فلا طحين، يردن بذلك ما قال فيهن جرير: إذا أخذت تيميةٌ هادي الرحا ... تنفس قنباها فطار طحينها قال: فاستحيا بلال فعدل عنهن وبه حاجةٌ إلى النزول عندهن. بلال بن الحارث بن عكم ابن سعد بن قرة بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور، ويقال: بلال ابن الحارث بن عصم بن سعيد، أبو عبد الرحمن المزني. صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل بادية المدينة. شهد الفتح، وكان يحمل أحد ألوية مزينة، وكان فيمن غزا دومة الجندل مع خالد بن الوليد. حدث بلال بن الحارث المزني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل ليتكلم الكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة؛ وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها من سخطه إلى يوم يلقاه ".

وحدث علقمة بن وقاص الليثي أن بلال بن الحارث المزني قال له: إني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء وتغشاهم، فانظر ماذا تحاضرهم به، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير، ما يعلم مبلغها، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من الشر ما يعلم مبلغها، فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه ". فكان علقمة يقول: رب حديثٍ قد حال بيني وبينه ما سمعت من بلال. وحدث علقمة أيضاً قال: أقبلت راكباً وناداني بلال بن الحارث المزني، فوقفت له حتى جاءني فقال: يا علقمة إنك أصبحت اليوم وجهاً من وجه المهاجرين، وإنك تدخل على هذا الإنسان - يعني مروان - وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يكون بعدي أمراء، من دخل عليهم فليقل حقاً، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة يرضي بها السلطان فيهوي بها أبعد من السماء ". توفي بلال سنة ستين في أواخر أيام معاوية وهو ابن ثمانين سنة. ويقال: إن بلال بن الحارث أول من قدم من مزينة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجالٍ من مزينة في رجب سنة خمسٍ من الهجرة. وقدم بلال بن الحارث مصر لغزو إفريقية سنة سبعٍ وعشرين. وكانت مزينة في غزو إفريقية أربع مائة، كان لواؤهم على حدة يحمله بلال بن الحارث. قال الواقدي: سمعنا أن بلال بن الحارث أول من قدم من وفد مزينة في رجب سنة خمس، فقال: يا رسول الله إن لي مالاً لا يصلحه غيري، فإنا كان الإسلام لا يكون إلا لمن هاجر بعنا أموالنا ثم هاجرنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حيث ما كنتم اتقيتم الله لم يلتكم من أعمالكم شيئاً ". وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع بلال بن الحارث معادن القبيلة جلسيها وغوريها، وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم. وكتب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبيلة جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم ".

بلال بن رباح أبو عبد الكريم

الغوري: ما كان من بلاد تهامة، والجلسي: ما كان من أرض نجد. قال عبد الله بن أبي بكر: جاء بلال بن الحارث المزني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستقطعه أرضاً، فقطعها له طويلةً عريضة، فلما ولي عمر قال له: يا بلال إنك استقطعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضاً عريضةً طويلةً فقطعها لك، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يمنع شيئاً يسأله، وإنك لا تطيق ما في يديك، فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه، وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين، فقال: لا أفعل والله، شيءٌ أقطعنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عمر: والله لتفعلنّ. فأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين. بلال بن رباح أبو عبد الكريم ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو الحبشي. مولى أبي بكر الصديق، وهو ابن حمامة وهي أمه، مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من المهاجرين الأولين الذين عذبوا في الله عز وجل. سكن دمشق ومات بها سنة عشرين ابن بضعٍ وتسعين. حدث بلال قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين والخمار. وروى أبو بكر الصديق عن بلال، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصبحوا بالصبح، فإنه أعظم للأجر ".

شهد بلالٌ بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعقب. وكان مولدا من مولدي بني جمح، اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأعتقه. قال الوضين بن عطاء: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر اعتزلا في الغار، فبينما هما كذلك إذ مر بهما بلال وهو في غنم عبد الله بن جدعان، وبلال مولد من مولدي مكة، قال: وكان لعبد الله بمكة مائة مملوكٍ مولد؛ فلما بعث الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بهم فأخرجوا من مكة إلا بلالاً يرعى عليه غنمه تلك؛ فأطلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من ذلك الغار فقال: " يا راعي، هل من لبن؟ " فقال بلال: ما لي إلا شاةٌ منها قوتي، فإن شئتما آثرتكما بلبنها اليوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيت بها. فجاء بها، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقعبه، فاعتقلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلب في القعب حتى ملأه، فشرب حتى روي، ثم حلب حتى ملأه، فسقى أبا بكر، ثم احتلب حتى ملأه فسقى بلالاً حتى روي، ثم أرسلها وهي أحفل ما كانت، ثم قال: " يا غلام، هل لك في الإسلام؟ فإني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". فأسلم، وقال: " أكتم إسلامك ". ففعل وانصرف بغنمه، وبات بها وقد أضعف لبنها، فقال له أهله: لقد رعيت مرعىً طيباً فعليك به، فعاد إليه ثلاثة أيام يستقيهما ويتعلم الإسلام، حتى إذا كان اليوم الرابع، فمر أبو جهل بأهل عبد الله بن جدعان فقال: إني أرى غنمكم قد نمت وكثر لبنها! فقالوا: قد كثر لبنها منذ ثلاثة أيام وما نعرف ذلك منها! فقال: عبدكم ورب الكعبة يعرف مكان ابن أبي كبشة، فامنعوه أن يرعى ذلك المرعى؛ فمنعوه من ذلك المرعى. ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة فاختفى في دارٍ عند المروة، وأقام بلالٌ على إسلامه، فدخل يوماً الكعبة وقريشٌ في ظهرها لا يعلم، فالتفت فلم ير أحداً، أتى الأصنام وجعل يبصق عليها ويقول: خاب وخسر من عبدكن فطلبته قريشٌ فهرب حتى دخل دار سيده عبد الله بن جدعان فاختفى فيها، ونادوا عبد الله بن جدعان فخرج فقالوا: أصبوت؟ قال: ومثلي يقال له هذا! فعلي نحر مائة ناقةٍ للات والعزى، قالوا: فإن أسودك صنع كذا وكذا، فدعا

به، فالتمسوه فوجدوه، فأتوه به فلم يعرفه، فدعا خوليه فقال: من هذا؟ ألم آمرك أن لا يبقى بها أحداً من مولديها إلا أخرجته؟ فقال: كان يرعى غنمك، ولم يكن أحدٌ يعرفها غيره؛ فقال لأبي جهل وأمية بن خلف: شأنكما به فهو لكما، اصنعا به ما أحببتما. فخرجا به إلى البطحاء يبسطانه على رمضائها، ويجعلان رحاً على كتفيه ويقولان: اكفر بمحمد، فيقول: لا، ويوحد الله، فبينما هما كذلك إذ مر بهما أبو بكر، فقال: ما تريدان بهذا الأسود؟ والله ما تبلغان به ثأراً، فقال أمية بن خلف لأصحابه: ألا ألعبنكم بأبي بكر لعبةً ما لعبها أحدٌ بأحد، ثم تضاحك وقال: هو على دينك يا أبا بكر فاشتره منا، فقال: نعم، فقال: أعطني عبدك نسطاساً - ونسطاس عبد لأبي بكر، حداد يؤدي خراجه نصف دينار - فقال أبو بكر: إن فعلت تفعل؟ قال: نعم، قال: فذلك لك، قال: فتضاحك وقال: لا والله حتى تعطين ابنته مع امرأته، قال: إن فعلت تفعل؟ قال: نعم، قال: قد فعلت، قال: فتضاحك وقال: لا والله حتى تزيدني معه مائتي دينار، قال أبو بكر أنت رجلٌ لا تستحي من الكذب، قال: لا واللات والعزى، لئن أعطيتني لأفعلن، فقال: هي لك، فأخذه. قال زر: قال عبد الله: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمار وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه الله بعمه أبي طالب؛ وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد وصفدوهم في الشمس؛ وما منهم أحدٌ إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحد.

قال عمرو بن عبسة: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: من تابعك على أمرك؟ قال: " حرٌّ وعبد ". يعني أبا بكر وبلالاً، فكان عمر يقول بعد ذلك: ولقد رأيتني وإني لربع الإسلام. وحدث هشام بن عروة عن أبيه قال: كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب على الإسلام وهو يقول: أحدٌ أحد، فيقول ورقة: أحدٌ أحد والله يا بلال! ثم يقبل على من يفعل ذلك به من بني جمح وعلى أمية فيقول: أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حناناً، يقول: لأتمسحن به. قال عامر: كان موالي بلال يأخذونه فيضجعونه في الشمس ثم يأخذون الحجر فيضعونه على بطنه ويعصرونه ويقولون: دينك اللات والعزى، فيقول: ربي الله، ويقول: أحدٌ أحد، فقال: وايم الله لو أعلم كلمةً هي أغلظ لكم منها لقلتها، قال: فمر أبو بكر الصديق بهم، فقالوا: يا أبا بكر أل تشتري أخاك في دينك؟ قال: بلى، فاشتراه بأربعين أوقية فأعتقه. وفي حديث آخر: أن أبا بكرٍ قال لعباس: اشتر أنت بلالاً، فاشتراه وبعث به إلى أبي بكر فأعتقه؛ فكان يؤذن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يخرج إلى الشام فقال أبو بكر: بل عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إلى الله. قال: فخرج إلى الشام فأقام بها حتى مات. وقيل: إن أبا بكر رضي الله عنه اشتراه بسبع أواقي ثم أعتقه، ثم انطلق إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله اشتريت بلالاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشركة يا أبا بكر ". فقال: قد أعتقته

يا رسول الله، فبلغ أبا بكر أنهم قالوا: اشتراه منا بسبع أواقي، لو أبى إلا أوقية لبعناه إياه. فقال أبو بكر: لو أبوا إلا مائة أوقية لاشتريته بها. قال مسلم بن صبيح: قال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا قد كثرنا فلوا أمرت كل عشرةٍ منا فبيتوا رجلاً من صناديد قريش ليلاً فأخذوه فقتلوه، فتصبح البلاد لنا؟ فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك حتى رئي في وجهه، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله، أبناؤنا، آباؤنا، إخواننا، فما زال عثمان يردد ذلك حتى ساء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولهم الأول، ورئي في وجهه حتى رفض ذلك، وأخذنا المشركون حين أمسينا، فما من أحدٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قد أعطى الفتنة غير بلال قال: الأحد الأحد. حدث الأصمعي عن العمري قال: أول من أذن بلال، وأول من ابتنى مسجداً يصلى فيه عمار بن ياسر، وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن أبي وقاص وأول من تغنى بالحجاز المصطلق أبو خزاعة، وإنما سمي المصطلق لحسن صوته. وفي حديث آخر: وأول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وأول من أفشى بمكة القرآن عبد الله بن مسعود، وأول من استشهد من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر، وأول حيٍّ آلفوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهينة، وأول حيٍّ أدوا الزكاة طائعين من أنفسهم بنو عذرة بن سعد. وعن خباب بن الأرت في قوله عز وجل " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى " الظالمين " قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعداً مع بلال وصهيب وخباب وناسٍ من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فخلوا به فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً يعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب ترد عليك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت. قال: " نعم ". قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، قال: فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل عليه السلام " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيءٍ فتطردهم فتكون من الظالمين " ثم قال: " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " فرمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: " سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " فدنونا منه يومئذٍ حتى وضعنا ركبنا على ركبته، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس معنا، فإذا أراد يقوم قام وتركنا، فأنزل الله عز وجل: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " قال: تجالس الأشراف " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " قال: عيينة والأقرع " واتبع هواه وكان أمره فرطا " قال: هلاكاً. ثم ضرب لهم مثلاً رجلين كمثل الحياة الدنيا، قال: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقعد معنا، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه، وإلا صبر أبداً حتى نقوم. قالت عائشة: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وعك أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: " من الرجز " كل امرئ مصبحٌ في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله قال: وكان بلال إذا أقلع عنه رفع عقيرته يقول: " من الطويل "

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ... بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليل وهل أردن يوماً مياه مجنةٍ ... وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعها ومدها، وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة ". وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: إلى علي، وعمار، وبلال ". وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لم يكن نبيٌ قبلي إلا قد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وعليٌ وحسن وحسين وأبو بكر وعمر والمقداد وحذيفة وسلمان وعمار وبلال "، سقط ذكر ابن مسعود وأبي ذر، وهما تمام الأربعة عشر. وعن أبي هريرة قال: قال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال عند صلاة الفجر: " يا بلال أخبرني بأرجى عملٍ عملته منفعةً في الإسلام، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة؟ " قال: ما عملت يا رسول الله في الإسلام عملاً أرجى عندي منفعةً من أني لم أتطهر طهوراً تاماً قط في ساعةٍ من ليلٍ أو نهار إلا صليت بذلك الطهور لربي ما كتب لي أن أصلي. قال بريدة: أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا بلالاً فقال: " يا بلال بم سبقتني إلى الجنة، ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك، فأتيت على قصرٍ من ذهب مربعٍ مشرف، فقلت: لمن هذا القصر؟ " قالوا: لرجل من العرب، قلت: " أنا عربي، لمن هذا القصر؟ " قالوا: لرجل من المسلمين من أمة محمد، قلت: " فأنا محمد لمن هذا القصر؟ " قالوا: لعمر بن الخطاب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا غيرتك يا عمر

لدخلت القصر ". فقال: يا رسول الله ما كنت لأغار عليك، قال: وقال لبلال: " بم سبقتني إلى الجنة؟ " قال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بهذا ". وفي رواية: ولا أذنت قط إلا صليت ركعتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بها ". وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفةً أمامي فقلت: ما هذا يا جبريل؟ " قال: بلال. خشفة: أي صوت. وعن سويد بن عمير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حوضي أشرب منه يوم القيامة ومن اتبعني من الأنبياء، ويبعث الله ناقة ثمود لصالح فيحتلبها فيشربها والذين آمنوا معه حتى يوافوا بها الموقف معه ولها رغاء ". قال: فقال له رجلٌ من القوم وأظنه معاذ بن جبل: يا رسول الله وأنت يومئذ على العضباء؟ قال: " لا ابنتي فاطمة على العضباء، وأحشر أنا على البراق فأختص به دون الأنبياء ". قال: ثم نظر إلى بلال فقال: " يحشر هذا على ناقةٍ من نوق الجنة، فيقدمنا بالأذان محضاً، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله قالت الأنبياء مثلها: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، فمن مقبولٍ منه ومردودٍ عليه "، قال: " فيتلقى بحلة من حلل الجنة، وأول من يكسى يوم القيامة من حلل الجنة بعد الأنبياء الشهداء وصالح المؤذنين ". وفي رواية: " وأول من يكتسي من حلل الجنة بعد النبيين والشهداء بلال وصالح المؤذنين ". وعن ابن عمر أنه قال: أبشر يا بلال، فقال: بم تبشرني يا عبد الله بن عمر؟ فقلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يجيء بلالٌ يوم القيامة معه لواءٌ يتبعه المؤذنون حتى يدخلهم الجنة ".

وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم المرء بلال، ولا يتبعه إلا مؤمن، وهو سيد المؤذنين، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ". وعن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يحشر المؤذنون يوم القيامة على نوقٍ من نوق الجنة، يقدمهم بلال رافعي أصواتهم بالأذان، ينظر إليهم الجمع، فيقال: من هؤلاء؟ فيقال: مؤذنو أمة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون ". وعن سليمان بن بريدة قال: دخل بلالٌ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتغدى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغداء يا بلال ". قال: إني صائم يا رسول الله، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نأكل رزقنا، وفضل رزق بلال في الجنة، أشعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتخذوا السودان فإن ثلاثةً منهم من سادات الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي؛ وبلال المؤذن ". قال الطبراني: أراد الحبش. وفي روايةٍ في حديثٍ آخر: " سادة السودان أربعة: لقمان الحبشي؛ والنجاشي؛ وبلال؛ ومهجع ". وعن عائذ بن عمرو، قال: مر أبو سفيان ببلال وسلمان وصهيب فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق هذا بعد مأخذها، فقال أبو بكر الصديق: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها! فذهب أبو بكرٍ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بذلك فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ". قال: فرجع أبو بكر فقال: يا إخوة! لعلكم غضبتم؟ قالوا: يغفر الله لك يا أبا بكر.

وعن امرأة بلالٍ: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاها فسلم فقال: " أثمّ بلال؟ " فقالت: لا، قال: " فلعلك غضبى على بلال؟ " قالت: إنه يجيئني كثيراً فيقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حدثك عني بلالٌ فقد صدقك بلال، بلال لا يكذب، لا تغضبي بلالاً، فلا يقبل منك عملٌ ما أغضبت بلالاً ". حدث زيد بن أسلم أن بني أبي البكير جاؤوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: زوج أختنا فلاناً، فقال لهم: " أين أنتم عن بلال؟ " ثم جاؤوا مرةً أخرى فقالوا: يا رسول الله أنكح أختنا فلاناً، فقال: " أين أنتم عن بلال؟ " ثم جاؤوا الثالثة فقالوا: أنكح أختنا فلاناً، فقال: " أين أنتم عن بلال، أين أنتم عن رجل من أهل الجنة! " قال: فأنكحوه. وعن أبي أمامة قال: عير أبو ذرٍ بلالاً بأنه فقال: يا بن السوداء! وأن بلالاً أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فغضب؛ فجاء أبو ذرٍ ولم يشغر، فأعرض عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أعرضك عني إلا شيءٌ بلغك يا رسول الله، قال: " أنت الذي تعير بلالاً بأمه!؟ " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي أنزل الكتاب على محمد - أو ما شاء الله أن يحلف - ما لأحدٍ على أحدٍ فضلٌ إلا بعمل، إن أنتم إلا كطف الصاع ". وعن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل بلال كمثل نحلةٍ عدت، تأكل من الحلو والمر، ثم هو حلو كله ". وعن بلال قال: مررت على فاطمة - عليها سلام الله - وهي تعالج الرحا، قال: وابنها الحسين يبكي، قال: وحانت الصلاة، قال بلال: فقلت لفاطمة: أيما أعجب إليك؟ أكفيك الرحا أو الصبي؟ فقالت فاطمة: أنا ألطف بصبيي، قال: فأخذت بقية الطحن فطحنته عنها؛

فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا بلال ما حبسك؟ " فقلت: يا رسول الله، مررت على فاطمة وهي تعالج الرحا فأعنتها على طحنها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحمتها رحمك الله ". وعن بلالٍ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بلال الق الله فقيراً ولا تلقه غنياً ". قال: قلت: وكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: " إذا رزقت فلا تخبأ، وإذا سئلت فلا تمنع ". قال: قلت: وكيف لي بذلك يا رسول الله؟ قال: " هو ذاك وإلا النار ". وعن مجاهد: في وقله عز وجل: " ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار " قال: يقول أبو جهل: أين بلال أين فلان أين فلان؟ كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار، فلا نراهم في النار! أم هم في مكان لا نراهم فيه؟ أم هم في النار لا يرى مكانهم؟!. وفي رواية: أين عمار، أين بلال؟. وفي رواية عن ابن عباس: " كنا نعدهم من الأشرار " خباباً وبلالاً. قال ابن أبي مليكة: لما كان يوم الفتح رقي بلالٌ فأذن على ظهر الكعبة فقال بعض الناس: يا عبد الله، لهذا العبد الأسود أن يؤذن على ظهر الكعبة! فقال بعضهم: إن يسخط الله يغيره، فأنزل الله جل ذكره: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليمٌ خبيرٌ ".

وعن أنس قال: أذن بلالٌ بليل، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الأذان، فرقي بلال وهو يقول: " من الرجز " ليت بلالاً ثكلته أمه ... وابتل من نضح دمٍ حبينه يرددها حتى صعد، فلما صعد نادى: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام، فلما انشق الفجر أعاد الأذان. أذن بلالٌ حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أذن لأبي بكر حياته، ثم لم يؤذن زمن عمر، فقال له عمر: ما يمنعك أن تؤذن؟ فقال: إني أذنت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض، وأذنت لأبي بكر حتى قبض لأنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا بلال، ليس شيءٌ أفضل من عملك إلا الجهاد في سبيل الله ". فخرج مجاهداً. وعن سعد القرظ قال: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيت الزنج يتراطنون حين رأوه ليس معه أحد، ولم يدر به الناس، قال: فارتقيت على نخلةٍ فأذنت، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا سعد، من أمرك بهذا؟ " قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمي أنت، إني رأيت الزنج يتراطنون ولم يكن معك أحد، فخفتهم عليك، فأردت أن يعلم أنك قد جئت حتى يجتمع الناس؛ فقال: " أصبت، إذا لم يكن معي بلالٌ فأذن ". قال: وكان النجاشي قد أهدى له عنزتين فأعطى بلالاً واحدة فكان يمشي بها بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفي. قال: فجاء بلالٌ إلى أبي بكر الصديق فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أفضل أعمالكم الجهاد في سبيل الله ". وقد أردت الجهاد، فقال له أبو بكر: أسألك بحقي إلا ما صبرت، إنما هو اليوم أو غد حتى أموت؛ فأقامٌ بلالٌ معه يمشي بالعنزة بين يديه حتى توفي أبو بكر، فجاء إلى عمر فقال له كما قال لأبي بكر، فسأله عمر بما سأله أبو بكر، فأبى، فقال: فمن

يؤذن؟ قال: سعد القرظ، فإنه قد كان أذن بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعطاه العنزة، فمشى بين يدي حتى قتل، ثم بين يدي عثمان. وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما توفي أذن بلال ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقبر، فكان إذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله انتحب الناس في المسجد، قال: فلما دفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له أبو بكر: أذن، فقال: إن كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك، وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له، فقال: ما أعتقتك إلا لله، قال: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فذلك إليك. قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم حتى انتهى إليها. وعن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية، سأل بلالٌ أن يقره بالشام، ففعل ذلك، قال: وأخي أبو رويحة الذي آخى بيني وبينه رسول الله؛ فنزل داريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان فقال لهم: قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله؛ فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله. فزوجوهما، ثم إن بلالاً رأى في منامه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال! أما آن لك أن تزورني يا بلال!. فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السحر؛ ففعل، فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر، الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله طح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر، الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازداد رجتها فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرج العواتق من خدورهن وقالوا: أبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ فما رئي يوم أكثر باكياً ولا باكيةً بالمدينة بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك اليوم.

وعن جابر قال: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: ذكر عمر بن الخطاب ذات يوم أبا بكر فجعل يصف مناقبه ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنةٌ من حسنات أبي بكر. وعن سالم: أن شاعراً امتدح بلال بن عبد الله بن عمر فقال في شعره: " من الطويل " بلال بن عبد الله خير بلال فقال له ابن عمر: كذبت، بل بلال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير بلال. وعن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من أصحابه يقال له سفينة بكتابٍ إلى معاذ، إلى اليمن؛ فلما صار في الطريق إذا هو بالسبع رابضٌ في وسط الطريق، فخاف أن يجوز فيقوم إليه فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ، وهذا كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ. قال: فقام السبع فهرول قدامه غلوةٌ ثم همهم، ثم صرخ ثم تنحى عن الطريق؛ فمضى بكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ، ثم رجع بالجواب، فإذا هو بالسبع، فخاف أن يجوز فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ، وهذا جواب كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاذ، فقام السبع فصرخ ثم همهم ثم تنحى عن الطريق؛ فلما قدم أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتدرون ما قال أول مرة؟ قال: كيف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ وأما الثانية فقال: أقرئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسلمان وصهيباً وبلالاً مني السلام ". روى الأوزاعي: أن بلالاً أتى عمر بن الخطاب فقال: الصلاة، فرددها عليه، فقال له

عمر: نحن أعلم بالوقت منك، قال له بلال: لأنا أعلم بالوقت منك، إذ أنت أضل من حمار أهلك. وحدث ابن مراهن قال: كان أناس يأتون بلالاً فيذكرون فضله وما قسم الله له من الخير، فكان يقول: إنما أنا حبشي كنت بالأمس عبداً. وعن قيس قال: بلغ بلالاً أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال: كيف تفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته. حدث من رأى بلالاً قال: كان بلال رجلاً آدم، شديد الأدمة، نحيفاً طوالاً، أجنأ له شعر كثير، خفيف العارضين، به شمطٌ كثير، وكان لا يغير. حدث سعيد بن عبد العزيز قال: قال بلال حين حضرته الوفاة: " من الهزج " غداً نلقى الأحبه ... محمداً وحزبه قال: تقول امرأته: واويلاه! قال: يقول هو: وافرحاه!. وكان سعيد بن طلحة من ولد أبي بكر يقول: كان بلال ترب أبي بكر، فكان مولده بعد الفيل بثلاث سنين أو أقل.

بلال بن سعد بن تميم أبو عمرو

بلال بن سعد بن تميم أبو عمرو ويقال أبو زرعة السكوني. إمام الجامع بدمشق، كان أحد الزهاد، له كلامٌ كثير في المواعظ، وليس له عقب. قال أبو مسهر: كان بلال بن سعدٍ بالشام مثل الحسن البصري بالعراق، فكان قارئ الشام، وكان جهير الصوت. حدث بلال بن سعد عن أبيه قال: قلنا يا رسول الله ما للخليفة بعدك؟ قال: " مثل الذي لي ما رحم وأقسط في القسط، وعدل في القسم ". قال الأصمعي: كان بلال بن سعد يصلي الليل أجمع، فكان إذا غلبه النوم في الشتاء - وكان في داره بركة ماء - فيجيء فيطرح نفسه مع ثيابه في الماء حتى ينفر عنه النوم. فعوتب في ذلك، قال: ماء البركة في الدنيا خيرٌ من صديد جهنم. قال الأوزاعي: كان بلال بن سعد من العبادة على شيء لم يسمع بأحدٍ من الأمة قوي عليه؛ كان له في كل يوم وليلة ألف ركعة. قال أبو عمرو: سمعت بلال بن سعد يقول في مواعظه: والله لكفى به ذنباً أن الله عز وجل يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها، زاهدكم راغب، وعالمكم جاهل، ومجتهدكم مقصر. قال بلال بن سعد: أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله، خيرٌ لك من أخٍ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً.

وكان يقول: لا تكن ولياً لله في العلانية وعدوه في السر. وكان يقول: لا تكن ذا وجهين وذا لسانين، فتظهر للناس أنك تخشى الله فيحمدوك وقلبك فاجر. وكان يقول: إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة. وكان يقول: أيها الناس إنكم لم تخلقوا للفناء، وإنما خلقتم للبقاء، وإنما تنقلون من دارٍ إلى دار، كما نقلتم من الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى القبور، ومن القبور إلى الموقف، ومن الموقف إلى جنةٍ أو نار. وكان يقول في موعظته: عباد الرحمن، اعلموا أنكم تعملون في أيامٍ قصار لأيام طوال، في دار زوال لدار مقام، ودار حزنٍ ونصب، لدار نعيمٍ وخلد، ومن لم يعمل في اليقين فلا يتعبنّ. وكان يقول: عباد الرحمن، أشفقوا من الله واحذروا، ولا تأمنوا مكر الله ولا تقنطوا من رحمة الله، واعلموا أن لنعم الله عز وجل عندكم ثمناً، فلا تشبهوا على أنفسكم تعملون عملاً لله لثواب الدنيا، ومن كان كذلك فوالله لقد رضي بقليل حيث استغنيتم باليسير من عرض الدنيا، ولم ترضوا ربكم فيها، ورفضتم ما يبقى لكم، وكفاكم منه يسير. وكان يقول: عباد الرحمن، أما ما وكلكم الله به فتطيعون، وأما ما تكفل الله لكم به فتطلبون! ما هكذا نعت الله عباده الموقنين؛ ذوو عقولٍ في طلب الدنيا وبلهٌ عما خلقتم له! فكما ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعته، فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله.

بلال بن أبي بردة عامر بن عبد الله

وكان يقول: من سبقك إلى الود فقد استرقك بالشكر. وكان يقول: من سبق إحسانه إليك فقد استرقك شكره. قال بلال بن سعد: لما حضرت أبي الوفاة قال: اجمع لي بنيك، فألبستهم ثياباً بيضاً ثم جئت بهم، فقال: اللهم إني أعيذهم بك من الكفر، ومن ضلالة العمل، ومن السباء والفقر إلى بني آدم. وكان بلال يقول: لا تنظر إلى صغر خطيئتك، ولكن انظر إلى من عصيته. قال سعيد بن عبد العزيز: رمي بلال بن سعد بالقدر، فأصبح فتكلم في قصصه فقال: رب مسرور مغبون، والويل لمن له الويل ولا يشعر، يأكل ويشرب وقد حق عليه في علم الله أنه من أهل النار. بلال بن أبي بردة عامر بن عبد الله أبي موسى بن قيس، أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله الأشعري البصري. ولي إمرة البصرة. حدث عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من مسلمين تواجها بسيفهما فقتل أحدهما الآخر إلا دخلا النار جميعاً ". فقيل له: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: " إنه أراد قتل صاحبه ". وحدث أيضاً عن أبيه عن جده أبي موسى الأشعري، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من وصبٍ يصيب العبد في دار الدنيا، ولا نكبة، ولا ما يصيبه في دار الدنيا إلا كان كفارةً لذنبٍ قد سلف منه، ولم يكن الله ليعود في ذنبٍ قد عاقب منه ". جاء رجلٌ إلى بلال بن أبي بردة، فسعى برجل؛ فقال لصاحب شرطته: سل عنه،

فسأل عنه فقال: أصلح الله الأمير، إنه ليقال فيه، فقال: الله أكبر، حدثني أبي عن جدي أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يسعى بالناس إلا ولد زنى ". قال جويرة بن أسماء: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وفد عليه بلال بن أبي بردة فهنأه، فقال: من كانت الخلافة - يا أمير المؤمنين - شرفته فقد شرفتها، ومن كانت زانته فقد زنتها، وأنت - والله - كما قال مالك بن أسماء: " من الخفيف " وتزيدين طيب الطيب طيباً ... إن تمسيه أين مثلك أينا وإذا الدر زان حسن وجوهٍ ... كان للدر حسن وجهك زينا فجزاه عمر خيراً؛ ولزم بلالٌ المسجد يصلي، ويقرأ ليله ونهاره؛ فهم عمر أن يوليه العراق، ثم قال: هذا رجل له فضل، فدس إليه ثقةً له فقال له: إن عملت لك في ولاية العراق ما تعطيني؟ فضمن له مالاً جليلاً؛ فأخبر بذلك عمر، فنفاه وأخرجه وقال: يا أهل العراق إن صاحبكم أعطى مقولاً ولم يعط معقولاً، وزادت بلاغته ونقصت رادته. وكان بلال بن أبي بردة يقول: يا معشر الناس، لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون. وقال بلال بن أبي بردة: رأيت عيش الدنيا في ثلاثة: امرأة تسرك إذا نظرت إليها، وتحفظ غيبك إذا غبت عنها؛ ومملوكٌ لا تهتم بشيءٍ معه وقد كفاك جميع ما ينوبك، فهو يعمل على ما تهوى، كان قد علم ما في نفسك؛ وصديقٌ قد وضع مؤنة الحفظ عنك فيما بينك وبينه، فهو لا يتحفظ في صداقتك ما يرصد به عداوتك، يخبرك بما في نفسه، وتخبره بما في نفسك. دخل مالك بن دينار على بلال بن أبي بردة فقال له: يا أبا يحيى ادع الله لي، فقال له: ما ينفعك دعائي لك وعلى بابك أكثر من مائتين يدعون عليك!.

قال محمد بن واسع: دخلت على بلال بن أبي بردة فقلت له: يا بلال إن أباك حدثني عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن في جهنم وادياً يقال له: هبهب، حقاً على الله أن يسكنه كل جبار ". وإياك يا بلال أن تكون ممن يسكنه. قال المدائني: أرسل بلال إلى قصابٍ في جواره في السحر، قال: فدخلت عليه وبين يديه كانون، وفي صحن الدار تيسٌ ضخم، فقال: أخرج الكانون واذبح التيس واسلخه وكبب لحمه، ففعلت، ودعا بخوانٍ فوضع بين يديه، وجعلت أكبب اللحم، فإذا استوى منه شيء وضعته بين يديه يأكله حتى تعرقت له لحم التيس، فلم يبق إلا بطنه وعظامه، وبقيت بضعةٌ على الكانون فقال لي: كلها، فأكلتها، وجاءت جارية بقدر فيها دجاجتان وناهضتان، ومعه صحفةٌ مغطاة لا أدري ما فيها، فقال: ويحك ما في بطني موضع، فضعيها على رأسي، فضحك إلى الجارية وضحكت إليه ورجعت، ثم دعا بشرابٍ فشرب منه خمسة أقداح، وأمر لي منها بقدح فشربته، ثم قال: الحق بأهلك. وكان بلال يخاف الجذام، فوصف السمن يستنقع به، فكان يقعد فيه ثم يبيعه؛ فترك أهل البصرة أكل السمن وشراءه إلا ممن كان يسليه في منزله. وكان بلال موصوفاً بالبخل على الطعام. قال ابن سلام: أمر بلال بن أبي بردة بالتفريق بين رجلٍ وامرأته، فقالت: يا آل أبي موسى، إنما خلقكم الله للتفريق بين المسلمين، أرادت ما صنع أبو موسى بعليٍّ ومعاوية. قال أبو زيد الأنصاري: دعا ابن أبي بردة أبا علقمة، فلما دخل عليه قال: تدري لم أرسلت إليك؟ قال: لا، قال: لأسخر بك، فقال أبو علقمة: لئن فعلت ذلك لقد سخر أحد الحكمين بصاحبه، فلعنه ابن أبي بردة وأمر بحبسه، فمكث أياماً ثم أخرجه يوم السبت، فلما وقف بين يديه

بلال بن أبي هريرة الدوسي

قال له: يا أبا علقمة ما هذا الذي في كمك؟ قال: طرف من طرف السجن، قال: أفلا تهب لنا منه؟ قال: هذا يوم لا نأخذ فيه ولا نعطي، فقال له، ما أبردك وأثقلك يا أبا علقمة! قال: أبرد مني وأثقل مني من كانت جدته يهوديةٌ من أهل السواد. وروي: أن بلالاً إنما قتله دهاؤه؛ وذلك أنه قال للسجان: خذ مني مائة ألف درهم وتعلم يوسف أني قد مت، وكان يوسف إذا أخبر عن محبوسٍ أنه قد مات أمر بدفعه إلى أهله، فطمع بلال أن يأمر يوسف بدفعه إلى أهله، قال السجان: كيف تصنع إذا دفعت إلى أهلك؟ قال: لا يسمع لي يوسف بخبرٍ ما دام والياً؛ فأتى السجان يوسف بن عمر فقال له: إن بلالاً قد مات، فقال: أرنيه ميتاً فإني أحب أن أراه ميتاً، فجاء السجان فألقى عليه شيئاً غمه حتى مات، ثم أراه يوسف. بلال بن أبي هريرة الدوسي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد مع معاوية صفين، وجعله على بعض رجالته، وبقي إلى أيام سليمان بن عبد الملك. حدث عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يخرج الدجال من هاهنا، وأشار نحو المشرق ". وروي عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بصحفةٍ تفور، فرفع يده منها ثم قال: " إن الله لم يطعمنا ناراً ". بلال بن عويمر أبي الدرداء أبو محمد الأنصاري القاضي ويقال: كان أميراً ببعض الشام، وهو في عداد أهل دمشق. حدث عن أبيه أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حبك الشيء يعمي ويصم ".

وحدث أيضاً عن أبيه أبي الدرداء قال: " ما أمكنهم من دمائكم فبما غيرتم من أعمالكم، فإن يك خيراً فواهاً واهاً، وإن يك شراً فآهاً آهاً ". هكذا سمعت من نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو سليمان الخطابي: قوله: واهاً. إنما يقال ذلك على التمني للخير، قال الشاعر: " من الرجز " واهاً لريا ثم واهاً واها وقوله لآهاً: إنما يقال ذلك في التوجع، قال نابغة بني شيبان: " من الخفيف " أقطع الليل آهةً وحنيناً ... وابتهالاً لله أي ابتهال توفي بلال بن أبي الدرداء في آخر سنة ثلاثٍ وتسعين.

أسماء النساء على حرف الباء

أسماء النساء على حرف الباء بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ ابن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة؛ أم عمرو، ويقال: أم الوليد، ويقال: أم عبد الملك، ويقال: أم المسور العذرية، صاحبة جميل بن معمر، وفدت على عبد الملك، ويقال: إن لأبيها حبا صحبة؛ وكان زوجها بنبيه بن الأسود العذري والد سعيد بن الأسود، ويقال: هي بنت خالة جميل. قال محمد بن يزيد المبرد: دخلت بثينة على عبد الملك، فأحد النظر إليها ثم قال: يا بثينة ما رأى فيك جميل حين قال ما قال؟ قالت: ما رأى الناس فيك حين ولوك الخلافة يا أمير المؤمنين؟ قال: فضحك عبد الملك حتى بدت سنٌ له كان يخفيها، فما ترك لها من حاجةٍ إلا قضاها. قال أبو عثمان المازني: حج عبد الملك بن مروان فنزل بوادي القرى، فدخلت عليه بثينة عليها ثيابٌ من ثياب البادية، وعلى وجهها برقع، فقال: أقسمت عليك إلا نحيت البرقع عن وجهك،

ففعلت، فإذا وجهٌ ليس ببارع الجمال، وعليه أثر كلفة، قال: ما أراك كما قال جميل: " من الكامل " بيضاء آنسة كأن حديثها ... درٌ تهلّل سلكه منثور ولقد طربت إليك حتى إنني ... لأكاد من طربٍ إليك أطير ما أنت يا بثينة بهذه الصفة! قالت: يا أمير المؤمنين لكنني كنت عنده كذلك، أما سمعت قول ابن أبي ربيعة: " من الرمل " ولقد قالت لأترابٍ لها ... وتعرت ذات يومٍ تبترد أكما ينعتني تبصرنني ... عمركن الله أم لا يقتصد فتضاحكن وقد قلن لها ... حسنٌ في كل عينٍ من تود فبرها وقضى حوائجها. كانت عزة كثير وبثينة تتحدثان، فأقبل كثيرٌ نحوهما، فقالت بثينة لعزة: استخفي حتى أولع بكثير، فتوارت، فأتى فسلم، فردت بثينة عليه السلام وقالت له: أما آن لك أن تشبب بنا فأنشأ يقول: " من الطويل " رمتني على قربٍ بثنية بعدما ... تولى شبابي وارجحنّ شبابها بعينين نجلاوين لو رقرقتهما ... لنوء الثريا لاستهل سحابها قال: فأطلعت عزة رأسها فقال: ولكنما ترمين نفساً مريضةً ... لعزة منها ودها ولبابها قال أدهم التميمي: لقيت كثير عزة في البادية فقال: لقيني جميل بن معمر في هذا الموضع وأنا جاءٍ من عند أبي بثينة صاحبته، فقال: من أين يا كثير؟ فقلت: من عند أبي الحبيبة - يعني

صاحبته - قال: وأين تريد؟ فقلت: أريد الحبيبة - يعني عزة - فقال: ارجع من حيث جئت. وواعد بثينة، فقلت: لا أقدر، من عندهم جئت وإذا رجعت من ساعتي اتهمني أبوها؛ فقال: لابد، فقلت: متى كان آخر عهدك بهم؟ قال: بالدوم وهم يرحضون أثواباً لهم، قال: فرجعت، فلما رآني أبو بثينة قال: يا كثير أليس كنت عندنا الآن؟ قلت: بلى ولكن ذكرت أبياتاً قلتها في عزة فأحببت أن أنشدك إياها، قال: وما هي؟ قال: وبثينة في خيمةٍ من وراء خيمته فأنشدته: " من الطويل " فقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... إليّ رسولاً والموكل مرسل بأن تجعلي بيني وبينك موعدا ... وأن تأمريني بالذي فيه أفعل وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل قال: فضربت بثينة بيدها على الخباء وقالت: اخسأ، اخسأ، فقال أبوها: ما هذا يا بثينة؟ قالت: كلبٌ يأتينا من وراء الرابية إذا نام الناس يؤذينا، قال: فرجعت إلى جميل فقلت: قد وعدتك من وراء الرابية إذا نام الناس. روى بعض أهل العلم لبثينة: " من الطويل " تواعدني قومي بقتلي وقتله ... فقلت اقتلوني واخرجوه من الذنب ولا تتبعوه بعد قتلي أذيةً ... كفى بالذي يلقاه من شدة الحب لما مات جميل بن معمر رثته بثينة بهذين البيتين، وقيل: إنهما لم تقل غيرهما: " من الطويل " وإن سلوي عن جميلٍ لساعةٌ ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها سواءٌ علينا يا جميل بن معمرٍ ... إذا مت بأساء الحياة ولينها

بحرية بنت هانئ بن قبيضة

بحرية بنت هانئ بن قبيضة ابن مسعود الشيبانية، امرأة عبيد الله بن عمر، كانت حازمة عاقلة، ووردت معه الشام، وكانت معه بصفين حين قتل. حدثت بحرية بنت هانئ: أنها زوجت نفسها من القعقاع بن شور، وبات عندها ليلةً وجاء أبوها فاستعدى علياً فقال: أدخلت بها؟ قال: نعم، فأجاز النكاح. حدث يزيد بن يزيد بن جابر أن معاوية دعا عبيد الله بن عمر فقال: إن علياً كما ترى في بكر بن وائل، قد حامت عليه، فهل لك أن تسير في الشهباء قال: نعم، فرجع عبيد الله إلى خبائه فلبس سلاحه ثم إنه فكر وخاف أن يقتل مع معاوية على حاله، فقال له مولى له: فداك أبي إن معاوية إنما يقدمك للموت، إن كان لك الظفر فهو يلي، وإن قتلت استراح منك ومن ذكرك، يقال: ابن عمر بن الخطاب، فأطعني واعتل؛ قال: ويحك قد عرفت ما قلت، فقالت له امرأته بحرية بنت هانئ: ما لي أراك مشمراً؟ قال: أمرني أمير المؤمنين أن أسير في الشهباء، قالت: هو والله مثل التابوت لم يحمله أحدٌ قطٌّ إلا قتل، أنت تقتل وهو الذي يريد معاوية، قال: اسكتي والله لأكثرن من القتل في قومك اليوم، فقالت: لا تقل هذا، خدعك معاوية، وغرك من نفسك، وثقل عليه مكانك، قد أبرم هذا الأمر هو وعمرو بن العاص قبلاليوم فيك، لو كنت مع عليٍّ أو جلست في بيتك كان خيراً لك؛ قد فعل ذلك أخوك وهو خير منك، قال: اسكتي - وهو يبتسم ضاحكاً - لترينّ الأسارى من قومك حول خبائك هذا، قالت: والله لكأني راكبةٌ دابتي إلى قومي أطلب جسدك لأن أورايه؛ إنك مخدوع، إنما تمارس قوماً غلب الرقاب، فيهم الحرون، ينظرونه نظر القوم إلى الهلال، لو أمرهم ترك الطعام والشراب ما ذاقوه؛ قال: أقصري من العذل، فليس لك عندنا طاعة. فرجع عبيد الله إلى معاوية فضم إليه الشهباء، وهم اثنا عشر ألفاً، وضم

برق الأفق المدنية

إليه ثمانية آلاف من أهل الشام فيهم ذو الكلاع في حمير؛ فقصدوا يؤمون علياً فلما رأتهم ربيعة جثوا على الركب وشرعوا الرماح، حتى إذا غشوهم ثاروا إليهم واقتتلوا أشد القتال، ليس فيهم إلا الأسل والسيوف؛ وقتل عبيد الله، وقتل ذو الكلاع؛ والذي قتل عبيد الله زياد بن خصفة التيمي، فقال معاوية لامرأة عبيد الله: لو أتيت قومك فكلمتهم في جسد عبيد الله بن عمر؟ فركبت إليهم ومعها من يجيرها، فأتتهم فانتسبت، فقالوا: قد عرفناك، مرحباً بك فما حاجتك؟ قالت: هذا الذي قتلتموه، فأذنوا لي في حمله، فوثب شبابٌ من بكر بن وائل فوضعوه على بغل، وشدوه، وأقبلت امرأته إلى عسكر معاوية، فتلقاها معاوية بسريرٍ فحمله عليه وحفر له وصلى عليه ودفنه ثم جعل يبكي ويقول: قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حياً وميتاً، وإن كان الله قد رحمه ووفقه للخير، قال: تقول بحرية وهي تبكي عليه، وبلغها ما يقول معاوية فقالت: أما أنت فقد عجلت له يتم ولده وذهاب نفسه، ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر. فبلغ معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص: ألا ترى ما تقول هذه المرأة؟ فأخبره فقال: والله لعجبٌ لك ما تريد أن يقول الناس شيئاً! فوالله لقد قالوا في خير منك ومنا، فلا يقولون فيك أيها الرجل، إن لم تغض عما ترى كنت في نفسك في غم. قال معاوية: هذا والله رأيي الذي ورثت من أبي. برق الأفق المدنية قال دحمان الأشقر: كتب عامل الحجاز إلى عبد الملك بن مروان: إن بالحجاز رجلاً يقال له ابن مسجح، أسود يغني، وقد أفسد رهبان قريش، وأنفقوا عليه أموالهم. فكتب إليه في نفيه عن الحجاز وأخذ ماله، فنفي، فخرج إلى الشام في صحبة رجلٍ له جوارٍ مغنيات، فكان معه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها فسألا من حضر عن أخص الناس بالخليفة؟ فقالوا:

هؤلاء النفر من قريش وأخصهم بنو عمه؛ فعمد ابن مسجح إلى القرشيين فسلم عليهم وقال لهم: يا فتيان هل فيكم من يضيف رجلاً غريباً من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض، وكانوا قد تواعدوا أن يذهبوا إلى قينةٍ يقال لها برق الأفق، فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمم فقال: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم وأنا أذهب مع ضيفي، فقالوا له: لا، بل تجيء أنت وضيفك، فذهبوا جميعاً إلى بيت القينة؛ فلما أتوا بالغداء قال لهم ابن مسجح: إني رجلٌ أسود، فلعل فيكم من يقذرني، فأنا أجلس ناحية، وقام، فاستحوا منه وبعثوا إليه بما أكل، فلما صاروا إلى الشراب، قال لهم مثل ذلك، ففعلوا به، وأخرجت لهم القينة جاريتين، فجلستا على سريرٍ قد وضع لهما، فغنتا إلى العشاء، ثم دخلتا وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة، وهما معها، فجلست على السرير وجلستا أسفل منها عن يمين السرير وشماله؛ قال ابن مسجح: فتمثلت بهذا البيت: فقلت أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ ... بدت لك خلف السجف أم أنت حالم فغضبت الجارية وقالت: أيضرب لنا هذا الأسود الأمثال؟! فنظروا إلي نظراً منكراً، ولم يزالوا يسكتونها، ثم غنت صوتاً فقلت: أحسنت والله، فغضب مولاها وقال: هذا الأسود يقدم على جاريتي! فقال لي الرجل الذي أنزلني عليه: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت أقوم، فتذمم القوم مني وقالوا: بل أقم وأحسن أدبك، فأقمت، وغنت لحناً لي فقلت: أخطأت والله - أي زانية - وأسأت، ثم اندفعت فغنيت الصوت، فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا والله أبو عثمان سعيد بن مسجح، فقلت: إني والله أنا هو، ولا أقيم عندكم، فوثب القرشيون فقال لي: هذا يكون عندي وقال هذا: لا بل يكون عندي، فقلت: لا والله لا أقيم إلا عند سيدكم - يعني الرجل الذي أنزله - وسألوه عما أقدمه؟ فأخبرهم، فقال له صاحب منزله: أنا أسمر الليلة عند أمير المؤمنين فهل تحسن أن تحدو؟ قال: لا والله، ولكني أصوغ لحناً على الحداء، قال: فافعل، فصنع لحناً على ألحان الحداء في هذا الشعر: " من مشطور الرجز " إنك يا معاوي المفضل ... إن زلزل الأقوام لم تزلزل

عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميل للحق حتى ينتحوا للأعدل وسمعه الفتى فقال: أحسنت والله، وأجدت، رح معي، فراح معه وجلس على الباب، فلما طابت نفس عبد الملك بعث القرشي بغلامه إليه أن يعلو السور ويرفع صوته بالأبيات، وكان من أحسن الناس صوتاً، ففعل، فلما سمع عبد الملك صوته طرب وقال: من هذا؟ قال الفتى: هذا رجلٌ من أهل الحجاز قدم علينا فأحببت أن تسمع حداءه؛ قال: هاتوه فجاؤوا به، فسمعه من قريب، ثم قال: أتغني غناء الركبان؟ قال: نعم، قال: فغن، فغناه فازداد طربه واستزاده، ثم قال له: هل تغني الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: عن، فغناه فاهتز عبد الملك طرباً، واستزاده فقال له: إن لك في القوم اسماً كبيراً فمن أنت منهم؟ قال: أنا المظلوم المنفي، المقبوض ماله ابن مسجح، فأمر بالكتاب إلى عامله برد ماله، وألا يعرض له بسوءٍ إذا عاد إلى وطنه. وأمر له بمائة، وسأل القرشي عن خبره؟ فأخبره به، فضحك حتى استغرب، فقال عن الصوت الذي أخطأت فيه الجارية فغناه وهو للحادرة: " من الكامل " بكرت سمية غدوةً فتمتع ... وغدت غدوة مفارقٍ لم يرجع وتعرضت لك فاستبتك بواضحٍ ... صلتٍ كمنتص الغزال الأتلع أسمي ما يدريك كم من فتيةٍ ... باكرت لذتهم بأدكن مترع بكروا علي بسحرةٍ فصحبتهم ... من عاتقٍ كدم الذبيح مشعشع فطرب عبد الملك ورمى إليه بمطرفٍ كان عليه وقال له: كن مع الحرس مادمت مقيماً حتى نأنس بصوتك، ففعل، وتوسل مولى برق الأفق إليه بصاحب منزله حتى وصل إليه فوصله صلةً سنية، وأخذت جاريته عنه فأكثرت وانصرفت.

بلقيس بنت شراحيل الهدهاد بن شرحبيل

بلقيس بنت شراحيل الهدهاد بن شرحبيل وفي نسبها اختلاف، ملكة سبأ. قيل: إنها ملكت اليمن تسع سنين، ثم كانت خليفةً عليها من قبل سليمان بن داود أربع سنين. قال مسلمة بن عبد الله بن ربعي: لما أسلمت بلقيس تزوجها سليمان بن داود ومهرها باعلبك. روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحد أبوي بلقيس كان جنياً ". سئل الحسن عن ملكة سبأ، وقالوا: إن أحد أبويها جني؟ فقال الحسن: لا يتوالدون؛ أي إن المرأة من الإنس لا تلد من الجن. قال مجاهد: كان تحت يدها اثنا عشر ألف قيل، تحت يد كل قيل مائة ألف. وعن مجاهد: إن ذا القرنين ملك الأرض إلا بلقيس صاحبة مأرب، وإن ذا القرنين كان يلبس ثياب المساكين ثم يدخل المدائن فينظر من عورتها قبل أن يقاتل أهلها؛ فأخبرت بلقيس بذلك، فبعثت رسولاً يصور لها صورته في ملكه حين يقعد، وصورته في ثياب المساكين، ثم جعلت كل يومٍ تطعم المساكين فتجمعهم، فجاءها رسولها بصورته، فجعلت

إحدى صورتيه على باب بيتها، والأخرى على باب الأصطوان، فكانت تطعم المساكين كل يوم، فإذا فرغوا عرضتهم واحداً واحداً حتى جاء ذو القرنين في ثياب المساكين، فدخل مدينتها، ثم جلس المساكين إلى طعامها، فلما خرجوا أخرجتهم واحداً واحداً وهي تنظر إلى صورته في ثياب المساكين، حتى مر ذو القرنين فنظرت إلى صورته فعرفته فقالت: احبسوا هذا، فقال لها: لمَ حبستني فإنما أنا مسكين من المساكين؟ قالت: أنت ذو القرنين وهذه صورتك في ثياب المساكين، والله لا تفارقني أو تكتب أماناً بملكي أو أضرب عنقك؛ فلما رأى ذلك كتب لها أماناً بملكها. فلم ينج منه أحدٌ غيرها. وعن قتادة: " إني وجدت امرأةً تملكهم " قال: بلغني أنها امرأة تسمى بلقيس - أظنه قال: بنت شراحبيل - أحد أبويها من الجن، مؤخر أحد قدميها مثل حافر الدابة؛ وكانت بأرضٍ يقال لها مأرب، على ثلاثة أيام من صنعاء. خرج ذو رعين ملك اليمن يتصيد ومعه العساكر، فطاب له الصيد وانقطع عسكره؛ فعطش واشتد عطشه، فسار في تلك الصحراء يطلب ماءً إذ رفع له خباء فقصده، فإذا شيخٌ محتبٍ بفناء الخيمة فقال: أنعم صباحاً أيها الشيخ، قال: وأنت، قال: اسقني ماءً، فقال الشيخ: يا حسنه اسقي عمك ماء، فخرجت جاريةٌ كأنها الشمس الطالعة، أصاب الصحراء من نور وجهها، وبيدها كأسٌ من ياقوتٍ أحمر، فتعجب الملك من جمالها وقال: في قصري ألف جارية ما فيهن جاريةٌ في جمالها ولا في مملكتي مثل هذا الكأس؛ فأخذ الكأس من يدها فشرب حتى روي، وانصرفت، فقال الملك: أيها الشيخ ما هذه الجارية منك؟ قال: ابنتي، قال: ألها زوج؟ قال: لا ولا تزوجت قط، قال: أفتزوجني إياها؟ قال: لا، قال: ولمَ؟ قال: لا تصلح لك، قال: لأي شيء؟ قال: لأني من الجن وأنت من الإنس، قال الملك: قد رضيت وأنا كفؤٌ كريم، أنا ذو رعين ملك اليمن بيدي والحجاز والسند والهند، وقد هويت ابنتك فلا تحرمني إياها، فقال

لها الشيخ: ما تقولين؟ قالت: إن أجابني إلى خصلةٍ واحدة تزوجت به! قال الملك: وما هي؟ قالت: لا تسألني عن شيءٍ أعمله لمَ عملته، فإني لا آلوه نصحاً؛ فمتى سألني عن شيءٍ فعلته لمَ فعلته فهو طلاقي، ولا يراني أبداً، فأجابه الملك إلى ذلك وأحضر الملك إخوانه من الجن وأقاربه، وعقد نكاح ابنته، وسار الملك إلى قصره وحملت إليه ودخل بها وجليت عليه، فكانت كل يوم تتصور له في صورةٍ جديدة، وثيابٍ جدد، وحلي جديد، ثم حملت منه؛ وكان للملك ذي رعين سبعون بنتاً وما رزق ابناً قط، وهو يشتهيه ويتمناه، فلما تم حملها ولدت ابناً من أحسن البنين، فبشر الملك بذلك فسر سروراً عظيماً وفتح بيوت الأموال للصدقات والجوائز، وقطعت ثياب الخلع للأمراء والقواد، وصنعت السروج، وأعد الطعام كل أسبوع؛ فوثبت إلى الابن فذبحته، وإلى الطعام فأراقته، وإلى الخلع والسروج فضرمت فيها النار؛ ولما بلغ ذلك الملك غضب غضباً شديداً وهم بقتلها وقام ليسألها لمَ صنعت ذلك؛ فقال له وزيره: كيف حبك لها؟ قال: ما أحببت شيئاً قط كحبي لها، ولو غابت عن بصري حسبت التلف على نفسي، فقال: أيها الملك، لا تلم إلا نفسك إذا تزوجت جنيةً ليست من جنسك ولا تحبك ولا تشفق عليك، ولعلها تبغضك وتريد فراقك ففعلت هذا! لتسلها فتخرج من قصرك فيكون ابن الملك قد مات ويزول عن الملك من يحبه ويهواه فلا يطيق فراقه ويعطيها مناها، فقال الملك: أما بغض فما تبغضني لأني أتتني محبتها لي وشفقتها علي. وتوقف الملك عن مسألتها، وهي مع ذلك متحننة على الملك غير مقصرة عن خدمته والتذلل له، فلما طهرت من نفاسها واقعها الملك فحملت، فلما تم حملها ولدت بنتاً، ولا شيء أبغض إليه من البنات إذ له سبعون بنتاً، فلما ولدتها أرسلت إليه: أيها الملك افتح بيوت الأموال وصدق وهب وأعط، وادع الأمراء والقواد؛ فلما وصلت إليه الرسالة لم يملك نفسه من الغضب أن صار إليها فقال: ما هذه؟ أنا لم يجئني ابنٌ قط، فلما جاءني سررت به ذبحته وحرمتني إياه، فلما جاءتني ابنةٌ وأنا لها كاره أمرتني بالفرح والسرور وهو عندي حزن؛ فما الذي دعاك إلى ذبح ابني ومهجة قلبي؟! فلما قال لها ذلك أسبلت عينها بالدموع والبكاء، ولطمت وجهها وهتكت ثيابها وحلقت شعرها وقالت: أيها الملك طلقتني بعد صحبة خمس سنين، وما أحببت شيئاً قط حبي إياك، فكان هذا جزائي منك أو أملي فيك! ثم قالت: أيها الملك، اعلم أني ذبحت ابني ومهجة قلبي في هواك ومحبتك، وذلك أن والدي الذي رأيته ممن

يسترق السمع من السماء، فلما ولدت الابن عرج أبي إلى السماء فسمع الملائكة يقولون: إن الله قد قضى على ابنك أنه إن عاش حتى يبلغ الحلم يذبحك على فراشك، فمن شدة حبي لك آثرتك على ابني ورأيت أن أذبحه صغيراً ولا يكبر، فيدخل قلبي من محبته ما أعاونه عليك، ولقد وجدت عليه مثلما تجد الوالدة على ولدها، إلا أني رأيت نار أطفئت، كل ذلك محبة للمك، وأما الثياب والسروج التي حرقتها والطعام الذي أهرقته فإن لي ابن عمٍّ كان مسمى علي، فلما صرت إليك حسدني وعاداني، فلما ولدت الابن جاء ابن عمي فسمّ الطعام والثياب والسروج ليهلك الملك ورجاله؛ فلذلك فعلت الذي فعلت، فلما ولدت هذه الابنة صعد والدي إلى السماء فاسترق السمع فسمع الملائكة يتحدثون أن هذه البنت أبرك بنتٍ ولدت على وجه الأرض، وأشرفه وأجله، وإنها وارثة ملكك بعد أن يغصبه غاصبٌ ليس من أهله، فهي التي ترتج منها البلاد، وتملك اليمن وحضرموت والحجاز ويجل سلطانها ويعظم شأنها حتى يكون تحت يدها ألف أمير، وتحت يد كل أميرٍ ألف قائد، تحت يد كل قائدٍ ألف جندي، وإنه يتزوج بها نبيٌ يكون في زمانها يقال له سليمان، تسمع له الجن والإنس والشياطين والسحاب والرياح ويسخر ذلك كله له ويسمعون ويطيعون أمره، ويفهم كلام الوحش والطير، فيكون بيده نصف الأرض فاستوص أيها الملك بها خيراً إذ حرمتني قربها، وانظر كيف تكون لها بعدي، فلن تراني أبداً ولن أراك بعد يومي هذا. ثم غابت عن بصره. وعن ابن عباس قال: كان سليمان إذا سار في ملكه فالإنس عن يمينه، والجن عن يساره، والشياطين بين يديه، والوحوش خلفه، والطير تظله والريح تحمله؛ وكان دليله على الماء في المفاوز الهدهد، فإذا احتاجوا إلى الماء جاء الهدهد فشم الأرض ثم نقر بمنقاره، فيحفر الماء على وجه الأرض، فبينما سليمان يسير بين المشرق والمغرب في مفازة احتاج الجنود إلى الماء، وكان الهدهد غائباً، فشكت الجنود العطش إلى آصف - وكان صاحب أمر سليمان - فقال: أيها الملك إن الجنود قد عطشوا ولا ماء، فرفع سليمان رأسه فنظر إلى الطير ففقد الهدهد فقال: " مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين " فقالت الطير: هو من الغائبين، فغضب سليمان فقال: بعد عني وأنا في المفازة معي الجنود " لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو

ليأتيني بسلطان مبين " قال: عذرٌ مبين، فلما سمع الطير ذلك استقبلوا الهدهد فقالوا: ويلك أين كنت؟ قد غضب عليك وحلف ليعذبنك أو ليذبحنك أو لتأتينه بعذرٍ مبين يخرجك من ذنبك، فلما سمع الهدهد ذلك أدبر راجعاً، فارتفع حتى أشرف على الجبال والبحور، فبينا هو كذلك إذ أشرف على جبل سبأ ونظر إلى بلقيس ملكتهم وهي جالسةٌ على عرشها وبين يديها ألف رجل متقلدون السيوف، قيام، كل رجلٍ منهم ملك على قومه؛ فلما رأى الهدهد ذلك قال: هذا حجتي التي أرجع بها إلى سليمان، فرجع فوقع بين يدي سليمان فسجد فقال سليمان: ما لك؟ وأين غبت؟ فقال: " أحط بما لم تحط به، وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقين " قال: وما نبؤك؟ قال: " إني وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء، ولها عرشٌ عظيم " إلى " فهم لا يهتدون " فدعا سليمان برقٍّ فكتب فيه بيده وطواه وختمه بخاتمه، ولم يكتب فيه عنواناً ثم قال: " سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين " إلى " فانظر ماذا يرجعون " فانطلق الهدهد بالكتاب حتى ألقاه في حجر بلقيس. وفي رواية: فجاء الهدهد وقد غلقت الأبواب، وكانت تغلق أبوابها وتضع مفاتحها تحت رأسها، فجاء الهدهد فدخل من الكوة فألقى الصحيفة عليها ففرحت وظنت أنه ألقي إليها من السماء فقالت: يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتابٌ كريم " وظنت أنه من عند الله، فمن هناك سمته كريماً، فلو أنها علمت أنه من سليمان ما سمته كريماً، كانت هي أعز في نفسها من أن تسمي كتاب سليمان كريماً، فلما فتحته قالت: " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين، قالت: يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون " قالوا: أيها الملكة ما أحدٌ في الأرض أعز منا منعةً، ولا أقوى منا بمال، ولا أشد منا بطشاً ولا أبعد منا صوتاً، ولا أقهر منا عزاً، فنرى أن نسير إليهم " والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين " فقالت: إن سليمان قد ادعى أنه نبي فإن كان

صادقاً فإن الله معه، ومن يكن الله معه يغلب، وإن كان نبياً ثم سرنا إليه أهلكنا بجنود الله، وإن سار إلينا فوطئنا بمن معه من الجنود كان فساد بلادكم وأهل ملتكم، ولكني باعثةٌ إليه بهدية، فإن كان سليمان ملكاً يرضى بالدنيا ويريدها، فإنه سيرضى منا بالهدايا واللطف، وإن كان نبياً فإنه لا يرضى دون أنى نأتيه مسلمين أو مقهورين، فإن كان نبياً أتيناه مسلمين أحب إلينا من أن يطأ بلادنا، فقال القوم: فأمرك عندنا طاعة؛ فبعثت إليه بثلاث لبناتٍ من ذهب في كل لبنةٍ مائة رطل من ذهب، وياقوتةٍ حمراء طولها شبر، مثقوبة، وثلاثين وصيفاً قد حلقت رؤوسهم، وثلاثين وصيفةً قد حلقت رؤوسهن، وكتبت إليه: إني قد بعثت إليك بهديةٍ فاقبلها؛ وبعثت إليك بياقوتةٍ طولها شبر مثقوبة فأدخل فيها خيطاً ثم اختم على طرفي الخيط بخاتمك؛ وبعثت إليك بثلاثين وصيفاً وثلاثين وصيفةً تميز الغلمان من الجواري ولا تجرد منهم أحداً. فلما فصلت الرسل من عندها جاء دمرياط - وكان أميراً على الشياطين - فقال لسليمان: إن بلقيس قد بعثت إليك بثلاث لبناتٍ من ذهب، وياقوتةٍ حمراء، وثلاثين وصيفاً وثلاثين وصيفةٍ؛ فقال سليمان لدمرياط: افرشوا لي من باب مجلسي إلى طريق القوم ثمانية أميالٍ في ميل عرضاً لبن ذهب، فبعث دمرياط الشياطين فقطعوا من الجبال الملس، فموهوه بالذهب، ففرشوا من باب سليمان الطريق للرسل ثمانية أميالٍ في ميلٍ عرضاً، ونصبوا على جنبتي الطريق أساطين من ياقوتٍ أحمر، فلما جاءت الرسل فنظروا إلى الذهب والياقوت! فقال بعضهم لبعض: أن ننطلق إلى هذا الرجل بثلاث لبناتٍ من ذهب وعنده من الذهب ما قد فرش به الطريق!؟ فقال رئيسهم إنما نحن رسل نبلغ ما أرسل به معنا؛ فمضوا حتى دخلوا على سليمان، فقرأ كتاب بلقيس، ووضعوا اللبنات بين يديه فقال: " أتمدوننّ بمال " إلى " تفرحون " قال: تفرحون بثلاث لبنات ذهب؟! انطلقوا فخذوا ما رأيتم ثلاثمائة أو ثلاثة آلاف أو ثلاثين ألفاً أو ثلاث مائة ألف أو ثلاثة آلاف ألف، فقالوا: أيها الملك إنما نحن رسل، فأمر بقبض اللبنات، ثم دعا بالياقوتة فأخذ ذرةً فربط فيها خيطاً ثم أدخلها في ثقب الياقوت حتى خرجت من الجانب الآخر، ثم جمع طرفي الخيط ثم ختم عليه، ثم دعا بتورٍ من ماء، فوضعوه، ثم أمر أولئك الوصفاء أن يتوضؤوا واحداً واحداً فميزهم

بالوضوء، الغلمان من الجواري ثم قال: هؤلاء غلمان وهؤلاء جوارٍ. قالت الرسل: أيها الملك اكتب إليها بجواب كتابها، فقال: لا، ارجعوا إليهم " فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها " الآية، فرجعت إليها الرسل فقالت: ما جئتم به من عند سليمان؟ فقالوا: ما كنت صانعةً حتى يأتيك الجنود فالآن. فاستقلت ومن معها وحملت الخزائن والسلاح على سبعين فيلاً، ثم توجهت ومعها أولئك الألف الذين بين يديها، وخلفت عرشها، فلما فصلت جاء دمرياط فقال: أيها الملك إن بلقيساً قد خرجت إليك ومعها ألف ملك قد حملت خزائنها وسلاحها على سبعين فيلاً، فقال سليمان: ما فعل عرشها أمعها أم خلفته؟ فقال: بل خلفته، قال سليمان: " فأيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين "؟ قال دمرياط: " أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإنه عليه لقويٍّ أمين " وكان سليمان يصلي الصبح ثم يجلس للناس إلى طلوع الشمس، فقال: آتيك به من حين تجلس إلى حين تقوم، فقال سليمان: أريد أعجل من ذلك، فقال آصف: " أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " قال: يرتد إليك طرفك: هو أن تنظر إلى الشيء فتتبين أنه حمار أو دابة حتى ينتهي إليك أو تنتهي إليه؛ وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف. قال: أنت؟! قال: نعم، قال: فافعل، فنزل آصف قائم السيف من يده ثم رفع يده فإذا العرش موضوعٌ بين يدي سليمان، فكاد سليمان أن يفتتن، فقال: ربي سألتك ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، ربي فجعلت في ملك يمني وفي خولي ومن يجري عليه رزقي من قدر على هذا ولم أقدر عليه، هذا نقصانٌ في ملكي، فدخلت سليمان فتنةٌ، ثم عصم فراجع فقال: أليس " هذا فضل ربي، ليبلوني أأشكر أم أكفر " الآية. " قال: نكروا لها عرشها "، وكان عرشها عليه صفائح من ذهبٍ وفضة، قد ركبت فيه فصوص الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر والدر واللؤلؤ، وكان للعرش قائمتان من زبرجد وقائمتان من ياقوتٍ أحمر، فكان تنكيرهم إياه، أن نزعوا صفيحة الذهب، فجعلوها مكان الفضة، وصفيحة الفضة مكان الذهب، والياقوت مكان الزبرجد والدر مكان اللؤلؤ والقائمتين للزبرجد مكان القائمتين للياقوت، فجاءت بلقيس فدخلت على سليمان وقد وضع لها بين

يدي سليمان كرسي، فجلست عليه، فقال سليمان: أنت امرأةٌ من العرب يا بلقيس في بيت ملكٍ ومملكة، تعبدين الشياطين وتشركين بالله، وتكفرين النعم؟! فقالت: يا سليمان إنك نبيٌ مصطفى وقد انتخبك الله لنفسه، واختارك لخلقه، ورضي بك لعباده، ولا ينبغي لك أن تعيرني، لأن الله تعالى يغير ولا يغيَر؛ فكف سليمان عنها، فأنشأت تذكر منزلتها ومجلسها، فقال سليمان لآصف: خذ بيدها فأدخلها صرحي، وكان صرح سليمان ميلاً في ميل، طول سقفه ثمانون ذراعاً قارورةٌ خضراء، أرضه وجدره وسقفه، فلما قامت بلقيس على باب الصرح حسبته لجةً وكشفت عن ساقيها وكانت بيضاء، كثيرة الشعر، فنظر سليمان إلى ساقيها ثم صرف بصره فقال آصف: أرسلي ثيابك إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير، فلما مشت في الصرح ورفعت رأسها ونظرت قالت في نفسها: لا والله ما هذا عمل الإنس، قالت: رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين "، فقال سليمان لدمرياط: اصنعوا شيئاً يذهب شعر بلقيس، فقال: الحلقة، فقال سليمان: هذا يحلق ما ظهر فكيف بما بطن؟ فصنعوا النورة، فكانت النورة أول ما صنعت. فأمر سليمان ببلقيس فانطلق بها إلى النساء فهيئت، فتزوجها سليمان فأحبها ونزلت منه بمنزلةٍ لم ينزلها أحدٌ من نسائه. وكان سليمان قبل أن يتزوج بلقيس لا يدفع خاتمه إلى أحدٍ ولا يأمن عليه أحداً، فلما تزوج بلقيس أمنها على خاتمه، وكان إذا دخل لحاجته جاءت بلقيس فدفع الخاتم إليها، فإذا قضى حاجته خرج فقال لها: هاتي ماءً فتوضئه، ثم يأخذ الخاتم منها فيخرج إلى الناس، فبينما هو ذات يوم قد دخل لحاجته، وقد دفع الخاتم لبلقيس؛ إذ جاء دمرياط فدخل في صورة سليمان ثم تسور الحائط فخرج من باب المخرج فقال لبلقيس: هاتي ماءً، فجاءته بماء فوضأته، قال: هاتي الخاتم فأخذ الخاتم فلبسه فأفرغ على الخبيث بهجة الملك؛ وكان سلطان سليمان في خاتمه، فخرج الخبيث فجلس على عرش سليمان وبنو إسرائيل حوله جلوسٌ لا ينكرونه، وآصف قائمٌ على رأسه لا يعرفه، فخرج سليمان من الحاجة، فثارت بلقيس، فقالت في نفسها: ما لسليمان أن دخل معه الخاتم؟! فقال لها سليمان: هاتي ماءً، فجاءته

بماء، فتوضأ ثم قال: هاتي الخاتم قالت: قد دفعت إليك الخاتم قال سليمان: يا بلقيس اتقي الله فإن الله قد هداك على يدي للإسلام، وأخرجك من الشرك وأهله، وإني قد ائتمنتك على سلطان ربي الذي وهبه لي فلا ينبغي لك أن تخونيني، قالت بلقيس: وأنت يا سليمان فاتق الله، فإن الله قد اصطفاك وأكرمك برسالاته، ولا ينبغي لك أن تخونني، فإني لم أخنك، فقال سليمان: من أخذ الخاتم؟ قالت: أنت أخته ولا أنكرك، فعرف سليمان أن البلية قد نزلت، فاطلع إلى مجلسه فإذا دمرياط جالسٌ على عرشه، فطرح سليمان ثيابه ولبس ثياباً دونها ثم خرج يسيح في الأرض، فإذا جاع دخل بعض القرى فيأتي العجوز جالسةً بباب بيتها فيستطعمها فترده فيقول: أطعميني فإني سليمان، فتقول: سليمان ملك الدنيا وتأخذ التراب والحجارة وترميه به وتقول: لمَ تكذب على سليمان؟ فلم يزل يطوف حتى انتهى إلى بحر القلزم، فإذا صيادون في سفينة يصيدون الحيتان، فقال لهم سليمان: أؤاجركم على نفسي على أن تطعموني. قالوا: نعم، فاستأجروه كل يومٍ بأربعة أرغفة وحوتين، فكان معهم فإذا جاءت السفينة فيها حيتان أخذ سليمان مكيلاً فنقل الحيتان من السفينة إلى البر، فلم يزل مع الصيادين. وأنكرت بنو إسرائيل أحكامهم وأمورهم وقضاياهم؛ ففزع بعضهم إلى بعض ولقي بعضهم بعضاً، وفزعت الأشراف إلى الفقهاء فقالوا: ما أنكرتم ما أنكرنا من أمر سليمان؟ فقال الفقهاء: بلى، فقالوا: لئن كان هذا سليمان لقد خولط فهلكت الأرض ومن عليها، فلقي الفقهاء آصف، فقالوا: هل أنكرت من أمر سليمان؟ فقال: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا، وكان آصف غلاماً من أولاد الأنبياء، كان في حجر سليمان قد تبناه، وكان يدخل على نسائه، فقال الفقهاء: لآصف: ادخل على النساء فسلهن؛ فدخل آصف على النساء فسألهن، فقلن: ما هذا سليمان وبكين، وقلن: لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا وهلكتم وهلكت الأرض، لا والله ما هو سليمان. وكان ذلك لتسعٍ وثلاثين ليلةً من بلية سليمان، فخرج آصف فقال: يا معشر بني إسرائيل افعلوا ما أنتم فاعلون، فإن هذا ليس بسليمان، واجتمعت بنو إسرائيل وأجمعوا على أن ينهضوا بالفاسق دمرياط؛ فبلغه ذلك فهرب وذهب معه بالخاتم صبيحة أربعين ليلة من بلية سليمان حتى أتى بحر القلزم، وكان القلزم من أبعد البحور قعراً، فرمى بالخاتم في البحر وقال: لا يرجع إلى سليمان ملكه أبداً، ثم أتى جزيرةً من القلزم فكان فيها، وبعث الله حوتاً تدعى الملكة فالتقمت الخاتم

حين طرحه الفاسق، فانطلق الصيادون الذين معهم سليمان فألقوا شبكتهم، فجروا الشبكة وألقوا ما فيها في السفينة، فأخذ سليمان مكيلاً ينقل الحيتان على عنقه إلى الشاطئ حتى حان غداؤه، فقال لأصحابه: هاتوا غدائي فأعطوه رغيفين ثم تناول بعضهم حوتاً وطرحه إليه وهي الملكة، فأخذها وشق بطنها، فبدر الخاتم فأخذه سليمان فقبله ووضعه في يده فجاءته الطير فأظلته وجاءت الريح فحفت به وجاءت الجن فطارت بجنبيه، فنظر إليه الملاحون فكبروا وخروا سجداً له، فقالوا: أيها الملك إنا لم نعرفك، فقال سليمان: لست ألومكم على ما كان ولا أحمدكم على ما صنعتم إنما هو سلطان ربي أعطانيه قهر به خلقه، وسخرهم لي. وأمر الريح فحملته ومن معه من الجنود تزيف بهم على وجه الأرض وعلى البحور حتى أتى منزله؛ ثم قال للشياطين علي بالفاسق دمرياط؛ فطافت الشياطين حتى وجدوه في جزيرة القلزم، فصرخوا به فخرج، فقالوا: يا دمرياط أجب سليمان، قال: وأين سليمان؟ أليس قد هلك، ألقيت خاتمه حيث لا يرجع ملكه إليه أبداً!؟ فقالوا: ويلك، إن سليمان قد رد الله إليه خاتمه ورجع إليه ملكه، فقال الفاسق: لا والله لا آتيه أبداً، فرجعوا إلى سليمان فقالوا: إنه قد أبى، فدعا سليمان بطينة فختمها بخاتمه ثم قال: انطلقوا بهذه الطينة واصرخوا به، فإذا خرج فاطرحوا الطينة إليه فإنه سيأتي صاغراً، فانطلقوا فصرخوا به، فلما خرج إليهم، قالوا: انطلق إلى سليمان، قال: لا والله، قالوا: فانظر في هذه الطينة، فطرحوا إليه الطينة، فنظر فيها، فبكى وقال: قهرني سليمان بسلطان ربي، فجاء حتى عبر إليهم فأخذوه وأوثقوه، وأتوا به سليمان، فلما كلمه سليمان قال له دمرياط: لا عذر لي فاصنع ما أنت صانع. فأمر سليمان الشياطين، فأتوه بحجر طوله أربعون ذراعاً فقال: خذوا الخبيث فأدخلوه في جوفه، ثم أمر بالقطر - وهو النحاس الأحمر - فصب عليه، ثم قال: خذوا هذه الصخرة فانطلقوا بها إلى القلزم فاطرحوه في قعرها ففعلت الشياطين. قال ابن عباس: لم يجر عرش صاحبة سبأٍ بين السماء والأرض ولكنه انشقت له الأرض، فجرى تحت

الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان. وكان عرشها ثلاثة أبيات بعضها على بعض من ياقوتةٍ حمراء، على أربع دعائم. قال أبو المليح: أردت سفراً فأتيت ميمون بن مهران أودعه فقال لي: لا تيأس أن تصيب في سفرك هذا أفضل ما طلبت، فإن موسى خرج يقتبس لأهله ناراً فكلمه الله، وإن صاحبة سبأ خرجت ليس شيءٌ أحب إليها من ملكها فرزقها الله الإسلام. قال همام بن منبه: قدمت مكة فجلست إلى ابن الزبير ومعه جماعةٌ من قريش. فقال رجل من قريش: ممن أنت؟ قلت: من اليمن قال: ما فعلت عجوزكم؟ قلت: أي عجوز؟ قال: بلقيس. قلت له: عجوزنا أسلمت مع سليمان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعجوزكم حمالة الحطب في جيدها حبلٌ من مسد. روى الأوزاعي قال: كسر برجٌ من أبراج تدمر، فأصابوا فيه امرأةً حسناء، دعجاء، مدرجةً مدمجة، كأن أعطافها طي الطوامير المدرجة، عليها عمامة طولها ثمانون ذراعاً مكتوبٌ على طرف العمامة بالذهب: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا بلقيس ملكة سبأ، زوجة سليمان بن داود ملكت الدنيا كافرةً ومؤمنة، ملكت ما لم يملكه أحدٌ قبلي، ولا يملكه أحدٌ بعدي، صار مصيري إلى الموت، فأقصروا يا طلاب الدنيا. ولما تزوج سليمان بلقيس قالت: ما مستني حديدةٌ قط، فقال للشياطين: انظروا أي شيءٍ يذهب بالشعر غير الحديد، فوضعوا له النورة، فكان أول من وضعها له شياطين سليمان. أسماء الرجال على

حرف التاء المثناة فوقها

حرف التاء المثناة فوقها تُبع بن حسان بن ملكيكرب بن تبع ابن الأقرن ويقال: إن اسم تبع هذا حسان بن تبع بن أسعد بن كرب الحميري، وتبع لقبٌ للملك الأكبر بلغة أهل اليمن، ككسرى بالفارسية، وقيصر بالرومية، والنجاشي بالحبشة، ملك تبع دمشق. قال أبو نصر بن ماكولا: أما تبان، أوله تاء معجمة باثنتين من فوق، وبعدها باء معجمة بواحدة، فهو تبع الحميري واسمه أسعد تبان أبو كرب بن ملكي كرب بن قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي بن سبأ، ويقال: هو أول من كسا البيت. قال سعيد بن عبد العزيز: كان تبع إذا عرض الخيل قاموا صفاً من دمشق إلى صنعاء اليمن. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أدري الحدود كفارةٌ لأهلها أم لا، ولا أدري تبع لعيناً كان أم لا، ولا أدري، ذو القرنين نبياً كان أم ملكاً؟ ". وفي رواية: " أعزير كان نبياً أم لا؟ ".

وعن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث وثلاث وثلاث، فثلاث لا يمين فيهن، وثلاث الملعون فيهن، وثلاث أشك فيهن؛ فأما الثلاث التي لا يمين فيهن: فلا يمين مع والد؛ ولا المرأة مع زوجها؛ ولا المملوك مع سيده. وأما الملعون فيهن؛ فملعونٌ من لعن والديه؛ وملعونٌ من ذبح لغير الله، وملعون من غير تخوم الأرض. وأما الذي أشك فيهن: فعزير لا أدري أكان نبياً أم لا؛ ولا أدري ألعن تبع أما لا؟ قال: ونسيت ". - يعني الثالثة - وهذا الشك من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قبل أن يتبين له أمره ثم أخبر أنه كان مسلماً. كما روي عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تسبوا تبعاً فإنه قد أسلم ". قال أبو مجلز: جاء ابن عباس إلى عبد الله بن سلام. فقال: إني أسألك عن ثلاث؟ قال: تسألني وأنت تقرأ القرآن؟! قال: نعم. قال: تسألني وأنت تقرأ القرآن؟! قال: نعم، أسألك عن تبع ما كان؟ وأسألك عن عزير ما كان؟ وأسألك عن الهدهد لمَ تفقده سليمان صلى الله على نبينا وعليه، من بين الطير؟ قال: أما تبع فإنه كان رجلاً من الهرب ظهر على الناس وسبى فتيةً من الأحبار فأفسد عليهم أوقات دعائهم فأنكر الناس تبعاً، قال: قد ترك دينكم وآلهتكم فما تقولون، أو فما تأمرون؟ فقالوا: بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب وينجو منها الصادق، فعرض ذلك تبع على أصحابه، فرضوا بذلك، فعمد بهم تبع إلى النار فأمر الفتية أن يدخلوا فيها، فألقوا مصاحفهم في أعناقهم فلما أرادوا أن يدخلوها سفعت النار وجوههم فوجدوا حرها فنكصوا، فقال تبع: لتدخلنها، فدخلوها فانفرجت عنهم حتى مضوا، ثم أمر قومه أن يدخلوها فلما أرادوا أن يدخلوها سفعت وجوههم فوجدوا حرها فنكصوا، فأمر بهم تبع أن يدخلوها فدخلوها فانفرجت لهم حتى توسطوها، فأحاطت بهم فأحرقتهم. فأسلم تبع. وكان رجلاً صالحاً. وأما عزير فإنه لما ظهر بخت نصر على بني إسرائيل خرب بيت المقدس، وشقوا المصاحف. ودرست السنة، وكان عزير توحش في الجبال، وكانت له عينٌ يشرب منها.

فمثلت له عند العين امرأة، فلما جاء ليشرب فبصر بالمرأة فانصاع. فلما جهده العطش أتاها وهي تبكي. قال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي على ابني، قال: أكان يخلق؟ قالت: لا. قال: فكان يرزق؟ قالت: لا، وذكر الحديث، قالت: ما بالك هاهنا تركت قومك؟ قال: وأين قومي؟ قالت: ادخل هذه العين فامش فيها حتى تبلغ قومك. قال: فدخلها فجعل لا يرفع قدمه إلا زيد في علمه فانتهى إلى قومه فأحيا لهم التوراة والسنة. وأما الهدهد فإن سليمان - صلوات الله على نبينا وعليه - نزل منزلاً فلم يدر ما بعد الماء، فسأل عن بعد الماء، فقالوا: الهدهد فعند ذلك تفقده. حدث محمد بن إسحاق قال: سار تبع الأول إلى الكعبة. فأراد هدمها وكان من الخمسة الذين لهم الدنيا بأسرها. وكان له وزراء. فاختار منهم واحداً وأخرجه معه وكان يسمى عميارسنا لينظر إلى مملكته، وخرج في مائة ألف وثلاثين ألفاً من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفاً من الرجالة. وكان يدخل كل بلدة وكانوا يعظمونه وكان يختار من كل بلدةٍ عشرة أنفس من حكمائهم حتى جاء إلى مكة ومعه أربعة آلاف رجل من الحكماء الذين اختارهم من بلدانٍ مختلفة، فلم يتحرك له أحد ولم يعظموه، فغضب عليهم، ودعا عميارسنا وقال: كيف شأن أهل هذه البلد الذين لم يهابوني ولم يهابوا عسكري كيف شأنهم وأمرهم؟ قال الوزير: إنهم قوم عربيون جاهلون لا يعرفون شيئاً، وإن لهم بيتاً يقال له الكعبة، وإنهم معجبون بها، ويسجدون للطاغوت والأصنام من دون عز وجل. قال الملك: إنهم معجبون بهذا البيت؟ قال: نعم. فنزل ببطحاء مكة معه عسكره، وتفكر في نفسه دون الوزير ودون الناس وعزم أن يأمر بهدم هذا البيت وأن التي سميت كعبة تسمى خربة، وأن يقتل رجالهم ويسبي نساءهم وذراريهم. فأخذه الله عز وجل بالصداع، وفتح من عينيه وأذنه وأنفه وفمه ماءً منتناً، فلم يكن يستقر أحدٌ عنده طرفة عين من نتن الريح، فاستيقظ لذلك وقال لوزيره اجمع العلماء والأطباء وشاورهم في أمري؛ فاجتمع العلماء والأطباء عنده فلم يصبر أحد منهم ولم تمكنهم مداواته؛ قال: قد جمعت حكماء بلدانٍ مختلفة ووقعت في هذه العلة،

فلم يقم أحدٌ في مداواتي، فقالوا: بأجمعهم: يا قوم أمرنا أمر الدنيا، وهذا أمرٌ سماويٌ لا نستطيع مرد أمر السماء، واشتد الأمر على الملك، فتفرق الناس وأمره كل ساعةٍ أشد، حتى أقبل الليل وجاء أحد العلماء إلى وزيره فقال: إن بيني وبينك سراً وهو أنه إن كان الملك يصدق لي في كلامه وما نواه عالجته فاستبشر بذلك الوزير وأخذ بيده وحمله إلى الملك وقال للملك إن رجلاً من العلماء ذكر: إن صدق الملك وما نواه في قلبه ولم يكتم شيئاً منه عالجه؛ فاستبشر الملك وأذن له بالدخول عليه فدخل فقال: إن بيني وبينك سراً أريد الخلوة فيه، فخلا به وقال: هل نويت في هذا البيت أمراً؟ قال: نعم، نويت أن أخرب هذا البيت وأقتل رجالهم وأسبي نساءهم، فقال: إن وجعك وبلاءك من هذا، اعلم أن صاحب هذا البيت قويٌ يعلم الأسرار، فيجب أن تخرج من قلبك جميع ما نويت من أذى هذا البيت وذلك خير الدنيا والآخرة، قال الملك: فقد أخرجت جميع المكروهات من قلبي ونويت جميع الخيرات والمعروفات، فلم يخرج العالم الناصح من عنده حتى برأ من العلة وعافاه الله عز وجل بأمر الله جل وعلا من ساعته، وخرج من منزله صحيحاً على دين إبراهيم - صلى الله على نبينا وعليه - وخلع على الكعبة سبعة أثواب، وهو أول من كسا البيت ودعا أهل مكة فأمرهم بحفظ الكعبة، وخرج هو إلى يثرب. ويثرب هي بقعةٌ فيها عين ماء ليس فيها نبت ولا بيت ولا أحد فنزل على رأس العين مع عسكره بجمع العلماء والحكماء الذين كانوا معه واختارهم من بلدانٍ مختلفة ورئيس العلماء العالم الناصح الشفيق لدين الله عز وجل الذي أعلم الملك شأن الكعبة، ثم إنهم اجتمعوا وتشاوروا فاعتزل من بين أربعة آلاف رجلٍ عالم أربع مائة رجل، كل من كان أعلم وأفهم وبايع كل واحدٍ منهم صاحبه أنهم لا يخرجون من ذلك المقام وإن ضربهم الملك وقتلهم وقرضهم وأحرقهم وجاؤوا بجملتهم ووقفوا بباب الملك وقالوا: إن خرجنا من بلداننا فطفنا مع الملك زماناً وحيناً ونريد أن نقيم في هذا المقام إلى أن نموت فيه، وإنا قد عقدنا أن لا نخرج من هذا المقام إلى أن نموت، وإن قتلتنا وحرقتنا، فقال الملك للوزير: انظر ما شأنهم يمتنعون عن الخروج معي وأنا أحتاج إليهم ولا أستغني عنهم، وأي حكمةٍ في نزولهم في هذا المقام واختيارهم؟ فخرج الوزير وجمعهم وذكر لهم قول الملك، فقالوا للوزير مثل ما قالوا للملك، قال الوزير: فما الحكمة في ذلك؟ قالوا: أيها الوزير اعلم أن شرف هذا البيت وشرف هذه البلدة بسبب هذا الرجل الذي يخرج، يقال له محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

إمام الحق، صاحب القضيب والناقة والتاج والهراوة، وصاحب القرآن والقبلة، وصاحب اللواء والمنبر، صاحب قول لا إله إلا الله، ومولده بمكة، وهجرته إلى ههنا فطوبى لمن أدركه وآمن به، وكنا على رجاء أن ندركه أو يدركه أولادنا فلما سمع الوزير مقالتهم هم أن يقيم معهم؛ فلما جاء وقت الرحيل أمر الملك أن يرحلوا، فقالوا بأجمعهم: لا نرحل، وقد أخبرنا الوزير بحكمة مقامنا ههنا؛ فدعا الملك الوزير فقال له: لم تخبرنا بمقالة القوم، قال: لأني عزمت على المقام معهم وخفت أن لا تدعني، وأعلم أنهم لا يخرجون، فلما سمع الملك منه تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر الملك أن يبنوا أربع مائة دار، لكل رجلٍ من العلماء دار، واشترى لكل منهم جاريةً وأعتقها وزوجها منه، وأعطى لكل واحد منهم عطاءً جزيلاً، وأمرهم أن يقيموا في ذلك الموضع إلى وقت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكتب كتاباً وختمه بالذهب ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصحه في شأن الكعبة، وأمره أن يدفع الكتاب إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أدركه، وإن لم يدركه إلى أولاده، وأولاد أولاده أبداً ما تناسلوا إلى حين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان في الكتاب: أما بعد، يا محمد فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزله الله عليك، وأنا على دينك وسنتك وآمنت بربك ورب كل شيء، وبكل ما جاء من ربك عز وجل من شرائع الإيمان والإسلام، وإني قبلت ذلك، فإن أدركتك فبها ونعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني، وإني من أمتك الأوابين وبايعتك قبل مجيئك، وقبل إرسال الله تعالى إياك، وأنا على ملتك وملت أبيك إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وختم الكتاب بالذهب ونقش عليه " لله الأمر من قبل ومن بعد، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله " وكتب عنوان الكتاب إلى محمد بن عبد الله خاتم النبيين ورسول رب العالمين صلوات الله عليه، من تبع الأول حمير بن وردع، أمانة الله في يد من وقع، إلى أن يوصل إلى صاحبه. ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له في شأن الكعبة وأمره بحفظها. وخرج تبع من يثرب، ويثرب هو الموضع الذي نزل به العلماء، وهو مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسار تبع حتى مر بغلسان بلدةٍ من بلاد الهند فمات بها.

ومن اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي ولد فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف سنةٍ لا زيادة فيه ولا نقصان، ثم إن أهل المدينة الذين نصروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أولاد أولئك العلماء الأربع مائة الذين سكنوا دور تبع إلى أن بعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعوا بخروجه استشاروا في إيصال الكتاب إليه فأشار عليهم عبد الرحمن بن عوف وكان قد هاجر قبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اختاروا رجلاً ثقةً وابعثوا بالكتاب معه إليه فاختاروا رجلاً يقال له: أبو ليلى وكان من الأنصار، ودفعوا إليه الكتاب وأوصوه محافظة الكتاب والتبليغ؛ وخرج على طريق مكة، فوجد محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبيلة سليم، فعرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعاه وقال: " أنت أبو ليلى ومعك كتاب تبع الأول ". فبقي الرجل متفكراً وذكر في نفسه أن هذا من العجب ولم يعرفه، فقال: من أنت فإني لست أعرف في وجهك أثر السجود، وتوهم أنه ساحر فقال: " لا بل أنا محمد، هات الكتاب ". ففتح الرجل رحله وكان يخفي الكتاب فدفعه إليه، فقرأه أبو بكر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً بالأخ الصالح ". ثلاث مرات، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة، فرجع وبشر القوم، فأعطاه كل واحدٍ منهم عطاءً على تلك البشارة. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله أهل القبائل أن ينزل عليهم وتعلقوا بناقته، فقال: " دعوها فإنها مأمورة ". حتى جاءت إلى دار أبي أيوب فبركت، ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار أبي أيوب، وأبو أيوب كان من أولاد العالم الناصح لتبع في شأن الكعبة، وكانوا ينتظرونه، فهم من أولاد العلماء الذين سكنوا يثرب في دور تبع الذي بنى لهم، والدار التي نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها هي الدار التي بنى تبع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأنشد أبو زيد لتبع الأول: " من الكامل " منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها بيضاء صافيةً ... وغروبها صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت بالنفس قال محمد بن إسحاق: ولما فعل تبع ما فعل غضبت ملوك حمير وقالوا: أما كان يرضى أن يطيل غزونا ويبعدنا في المسير من أهلنا حتى طعن علينا أيضاً في ديننا وعاب آباءنا فاجتمعوا على أن

يقتلوه ويستخلفوا أخاه من بعده. فاجتمع رأي الملوك كلهمعلى ذلك إلا ذا همدان فإنه أبى أن يمالئهم على ذلك، فثاروا به فأخذوه ليقتلوه، فقال لهم: أتراكم قاتلي؟ قالوا: نعم، قال: أما لا، فإذا قتلتموني فادفنوني قائماً فإنه لن يزال لكم ملك قائم مادمت قائماً فلما قتلوه قالوا والله لا يهلكنا حياً وميتاً فنكسوه على رأسه فقال في ذلك ذو همدان في الذي كان من أمره: " من الوافر " إن تك حميرٌ غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين ألا من يشتري سهراً بنومٍ ... سعيدٌ من يبيت قرير عين ثم استخلفوا أخاً له يقال له عبد كلال فزعموا أنه كان لا يأتيه النوم بالليل فأرسل إلى من كان ثم من يهود فقال: ويحكم ما ترون شأني؟ فقالوا: إنك غير نائمٍ حتى تقتل جميع من مالأك على قتل أخيك. فتتبعهم فقتل رؤوس حمير وخونتهم، ثم خرج ابنٌ لتبع يقال له: دوس، حتى أتى قيصر فهو مثلٌ في اليمن يضرب به بعد لا كدوس ولا كعملق رحله. فلما انتهى إلى قيصر دخل عليه، فقال له: إني ابن ملك العرب، وإن قومي عدوا على أبي فقتلوه، فجئتك لتبعث معي من يملك لي بلادي وذلك لأن ملكهم الذي ملكهم بعد أبي قد قتل أشرافهم ورؤوسهم، فدعا قيصر بطارقته فقال: ما ترون في شأن هذا؟ فقالوا: لا نرى أن تبعث معه أحداً إلى بلاد العرب وذلك أن لا نأمن هذا عليهم ليكون إنما جاء ليهلكهم؟ فقال قيصر: كيف أصنع به وقد جاءني مستغيثاً؟ فقالوا: اكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة - وملك الحبشة يدين لملك الروم - فكتب له إليه وأمره أن يبعث معه رجالاً إلى بلده، فخرج دوسٌ بكتاب قيصر حتى أتى به النجاشي، فلما قرأه نخر وسجد له، وبعث معه ستين ألفاً واستعمل عليهم روزبه، فخرج في البحر حتى أرسى إلى ساحل اليمن فخرج عليهم هو وقومه، فخرجت عليهم حمير، وحمير

تبوك بن أحمد بن تبوك بن خالد

يومئذٍ فرسان أهل اليمن، فقاتل أهل اليمن قتالاً شديداً على الخيل، فجعلوا يكردسونهم كراديس، ثم يحملون عليهم فكلما مضى منهم كردوس تبعه آخر فلما رأى ذلك روزبه، قال لدوس: ما جئت بي هاهنا إلا لتحرر بي قومك فلأبدأن بك ولأقتلنك قبل أن أقتل، فقال: لا تفعل أيها الملك ولكن أشير عليك فتقبل مني؟ قال: نعم فأشر عليّ، قال له دوس: أيها الملك إن حمير قوم لا يقاتلون إلا على الخيل، فلو أنك أمرت أصحابك فألقوا بين أيديهم درقهم وأترستهم، ففعلوا ذلك، فجعلت حمير تحمل عليهم فتزلق الخيل عن الترسة والدرق فتطرح فرسانها فيقتل الآخرون، فلم يزالوا كذلك حتى رقوا وكثرهم الآخرون، وإنهم ساروا حتى دخلوا صنعاء فملكوها وملكوا اليمن. تبوك بن أحمد بن تبوك بن خالد ابن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن غنم بن حجر، أبو محمد مولى نصر بن الحجاج بن علاط السلمي. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة شاء ". توفي تبوك بن أحمد في ذي الحجة سنة ثلاثين وثلاث مائة. تبوك بن الحسن بن الوليد بن موسى ابن سعيد بن راشد بن يزيد بن فندش بن عبد الله أبو بكر الكلابي المعدل، أخو عبد الوهاب. حدث عن محمد بن أحمد الخلال بسنده عن عبد الله بن معقل قال: دخلت أنا وأبي على ابن مسعود فقال له أبي: أنت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الندم توبة؟ " قال: نعم أنا سمعته يقول الندم توبة.

تبيع بن عامر أبو عبيدة

وحدث عن سعيد عن عبد العزيز بسنده عن الزهري: أن مروان بن الحكم قال: سألت زيد بن ثابت عن الخلسة؟ فقال: ليس في الخلسة قطع. توفي تبوك بدمشق في رمضان سنة ثمانٍ وسبعين وثلاث مائة. تبيع بن عامر أبو عبيدة ويقال: أبو عتبة، ويقال: أبو عبيد، ويقال: أبو حمير، ويقال: أبو غطيف، ويقال: أبو عامر الحميري. ابن امرأة كعب الأحبار. يقال إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم في زمن أبي بكر الصديق، وقرأ القرآن على مجاهد بأرواد جزيرة في البحر قريبة من القسطنطينية، وكانا غازيين بها. حدث تبيع عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا آتاك الله هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فكله وتموله ". وحدث تبيع عن كعب قال: من أحسن الوضوء، ثم صلى العشاء الآخرة، ثم صلى بعدها أربع ركعاتٍ يتم الركوع والسجود، يعلم ما يقرأ فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر. وعن خليد بن عجلان قال: قال ابن امرأة كعب لعمرو بن سعيد حين خلع: إني قد قرأت في الكتب أن رجلاً من قريش يسافر مع ملك، ثم يغدر به ويدخل مدينةً من مدائن الشام يتحرز فيها ثم يقتل، وأنا خائفٌ عليك فاتق لا تكونه. قال معاذ بن عبد الله بن حبيب: رأيت ابن عباس يسأل تبيعاً: هل سمعت كعباً يذكر السحاب بشيء؟ قال: سمعت كعباً يقول: إن السحاب غربال المطر، ولولا السحاب لأفسد المطر ما يقع عليه. قال: صدقت، وأنا قد سمعته. قال: وسمعت كعباً يذكر أن الأرض نبتت العام نبتاً وقابل

غيره؟ قال: نعم، قال: وسمعت كعباً يقول: إن البذر ينزل مع المطر فيخرج في الأرض قال: صدقت، وأنا قد سمعته. كان تبيع بن عامر رجلاً مرحلاً كان دليلاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليه الإسلام فلم يسلم حتى توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم مع أبي بكر رضي الله عنه، وقد كان يقص عند أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال حسين بن شفي بن ماتع الأصبحي: كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو بن العاص إذ أقبل تبيع فقال عبد الله: أتاكم أعلم من عليها، فلما جلس قال عبد الله بن عمرو: يا أبا عبيدة أخبرنا عن الخيرات الثلاث والشرات الثلاث، قال: نعم، الخيرات الثلاث: لسانٌ صادق، وقلبٌ نقي، وامرأة صالحة، والشرات الثلاث: لسانٌ كذوب، وقلبٌ فاجر، وامرأة سوء. فقال عبد الله قد قلت لكم. حدث رشيد بن كيسان الفهمي قال: كنا برودس وأميرنا جنادة بن أبي أمية الأزدي، فكتب إلينا معاوية بن أبي سفيان: إنه الشتاء ثم الشتاء، فتأهبوا له. فقال له تبيع ابن امرأة كعب الأحبار: تقفلون إلى كذا وكذا، فقال الناس: وكيف نقفل وهذا كتاب معاوية إن الشتاء ثم الشتاء؟ فأتاه بعض أهل خاصته من الجيش فقال: ما يسميك الناس إلا الكذاب لما تذكر لهم من الفعل الذي لا يرجونه، فقال تبيع: فإنهم يأتيهم إذنهم في يوم كذا وكذا وشهر كذا وكذا، وآية ذلك أن تأتي ريحٌ فتقلع هذه الثنية التي في مسجدهم هذا، فانتشر قوله فيهم، فأصبحوا ذلك اليوم في مسجدهم ينتظرون ذلك وكان يوماً لا ريح فيه، فانتظروا حتى احتاجوا إلى المقيل والغداء، وملوا فانصرفوا إلى مساكنهم أو إلى مراكبهم، حتى إذا انتصف النهار، وقد بقي في المسجد بقايا من الناس، فأقبلت ريحٌ عصار فأحاطت بالثنية فقلعتها وتصايح الناس في منازلهم خرت الثنية، خرت الثنية، فأقبلوا

تليد الخصي مولى عمر بن عبد العزيز

من كل مكان حتى اجتمعوا على الساحل، فرأوا شيئاً لاصقاً يتحول في الماء، حتى تبين لهم أنه قاربٌ، فأتاهم بموت معاوية، وبيعة يزيد ابنه، وآذنهم بالقفل. فزكوا تبيعاً وأثنوا عليه خيراً ثم قالوا: وأخرى بقيت قد دخل الشتاء ونحن نخاف أن تنكسر مراكبنا، فقال لهم تبيع: لا ينكس لكم عود نصركم، ولا ينقطع لكم حبل نصركم حتى تردوا بلادكم. فساروا فسلمهم الله عز وجل. كان تبيع يقول: إني لأجد نعت أقوامٍ يتفقهون لغير الله، ويتعلمون لغير العبادة، ويلتمسون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، فبي يغترون، وإياي يخادعون، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم فيها حيران. حدث ربيع بن سيف عن تبيع قال: إذا فاض الظلم فيضاً، وكان الولد لوالده غيظاً، والشتاء قيظاً، والحكم حيفاً والشرطة سيفاً أتاكم الدجال يزيف زيفاً. قال تبيع: من أعرقت فيه الفارسيات لم يخطئه دينٌ أو حلم، ومن أعرقت فيه الروميات لم يخطئه شدةٌ أو ثقابة، ومن أعرقت فيه البربريات لم يخطئه حدةٌ أو تكلف، ومن أعرقت فيه الحبشيات لم يخطئه سكر أو تأنيث. توفي تبيع سنة إحدى ومائة. تليد الخصي مولى عمر بن عبد العزيز ويقال: مولى زبان بن عبد العزيز. قال تليد: كان عمر بن عبد العزيز إذا صلى الصبح في خلافته جلس في مجلسه الذي ينظر فيه

تمام بن عبد الله بن المظفر

في أمر الناس، فلا يكلم أحداً حتى يقرأ: قاف والقرآن المجيد؛ كان يفعل ذلك حتى مرض مرضه الذي مات فيه. تمام بن عبد الله بن المظفر أبو القاسم الظني السراج. حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن طاوس المغربي بسنده عن عبد الله بن بحينة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام في اثنتين من الصلاة ولم يجلس، فلما قضى صلاته سجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم بعد ذلك. توفي تمام في المحرم سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة. تمام بن عبد السلام بن محمد ابن أحمد، أبو الحسن اللخمي. حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بلغوا عني - يعني ولو آية - وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". تمام بن كثير أبو قدامة الجبيلي من أهل جبيل، من ساحل دمشق. حدث عن عقبة بن علقمة قال: سألت الأوزاعي عن الإيمان أيزيد؟ قال: نعم، حتى يكون مثل الجبال. قال قلت: ينتقص؟ قال: نعم حتى لا يبق منه شيء.

تمام بن محمد بن عبد الله

وسئل العباس بن الوليد البيروتي وقيل له: أليس تقول: بقول الأوزاعي؟ فقال: نعم. وحدث عن محمد بن شعيب بن شابور، عن الوليد القاص قال: أتيت أنطاكية فإذا أسود قد نبش قبراً فأصاب فيه صحيفة نحاس، فيها مكتوبٌ بالعبرانية، فأتوا بها إلى إمام أنطاكية، فبعث إلى رجل من اليهود فقرأه فإذا فيه: أنا عون بن إرميا بعثني ربي إلى أنطاكية أدعوهم إلى الإيمان بالله فأدركني فيها أجلي، وسينبشني أسود في زمان أمة أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تمام بن محمد بن عبد الله ابن جعفر بن عبد الله بن الجنيد أبو القاسم بن أبي الحسن البجلي الرازي الحافظ، ولد بدمشق وسمع بها. حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ في قبورهم، كأني أنظر إليهم إذا انفلقت الأرض عنهم يقولون: لا إله إلا الله. والناس بهمّ ". وحدث عن أبي الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي بسندهإلى سفيان الثوري قال: ما أعرف شيئاً أفضل من طلب الحديث إذا أريد به الله عز وجل. توفي تمام بن محمد في المحرم سنة أربع عشرة وأربع مائة، وكان مولده سنة ثلاثين وثلاث مائة. وكان ثقة مأموناً؛ قال أبو بكر بن الحداد: ما لقينا مثله في الحفظ والخبرة.

تمام بن نجيح الأسدي

تمام بن نجيح الأسدي دمشقي، وقيل إنه حلبي. حدث عن الحسن البصري، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من حافظين رفعا إلى الله ما حفظا، فيرى الله عز وجل في أول الصحيفة خيراً أو في آخرها خيراً إلا قال الله لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة ". وفي رواية: " يرفعان إلى الله ما حفظا من الليل والنهار ". قال تمام بن نجيح: كنت عند ابن سيرين فأتاه رجلٌ فقال: إني رأيت كأني أقطف الزيتونة فأعصره في أصلها؛ فقال: إن كنت صادقاً فأنت على نكاح أمك. قال: فلقيت عون بن عتبة - وكان شاهداً معنا عند ابن سيرين - فقال: ألم تسمع الرجل الذي سأل ابن سيرين عن الرؤيا؟ قال: قلت بلى، قال: فإني لقيته فقال لي: إني رجعت إلى امرأتي فناشدتها، فإذا هي أمي. قال تمام بن نجيح: كنت قاعداً عند محمد بن سيرين إذ أتاه رجل فقال: إني رأيت الليلة أن طائراً نزل من السماء فوقع على ياسمينة، فنتف منها ثم إنه طار حتى دخل في السماء. قال: فقال ابن سيرين: هذا قبض علماء. قال تمام: فلم تمض تلك السنة حتى مات الحسن وابن سيرين ومكحول، وستةٌ من العلماء سواهم، فكانوا تسعة من علماء أهل الأرض ماتوا في تلك السنة.

تميم بن أوس بن خارجة

تميم بن أوس بن خارجة ابن سود بن جذيمة بن دراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب، أبو رقية الداري، له صحبة. حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وروى عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الجساسة. وكان يسكن فلسطين وقيل: إنه سكن دمشق. حدث عامر قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس نسألها عن قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فلما ذهبنا لنخرج قالت: كما أنتم، أحدثكم بحديثٍ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وأراها أمرت بطعامٍ يصنع فصنع، فأرادت أن تحبسنا عليه، قالت: بينما أنا في المسجد وفيه أناس - كأنها تقللهم - إذ خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحك حتى كادت تبدو نواجذه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إني حدثت حديثاً فرحت به فخرجت لأحدثكم به لتفرحوا لفرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن تميم الدري حدثني أنه ركب البحر في نفرٍ من أهل فلسطين فرمت بهم الريح إلى جزيرةٍ فخرجوا، فإذا هم بشيء طويل الشعر، كبير، لا يدرون ما تحت الشعر أذكر أم أنثى؟! فقلنا لها: ألا تخبرينا وتستخبرينا؟ فقال: ما أنا بمخبركم شيئاً ولا مستخبركم، ولكن ائتوا هذا الدير فإن فيه من هو فقير إلى أن يخبركم ويستخبركم، قالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. فأتينا الدير فإذا فيه إنسانٌ نضرٌ وجهه، به زمانة، قال - وأحسبه موثق -: من أنتم؟ قلنا: نفرٌ من العرب، قال: هل خرج نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: فما صنعتم؟ قلنا: اتبعوه، قال: أما إن ذلك خير لهم، قال: فما فعلت فارس والروم؟ قلنا: العرب تغزوهم، قال: فما فعلت البحيرة؟ قلنا ملأى تدفق، قال: فما فعل نخلٌ بين الأردن وفلسطين؟ قلنا: قد أطعم، قال: فما فعلت عين

زغر؟ قال: تسقي ويسقى منها؛ قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها ليس طيبة ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طيبة المدينة لا يدخلها ". وعن تميم الداري: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة ". قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ". وعن تميم الداري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقول الله عز وجل لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به فإني قد ضربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب. ائتني به فلأريحه. قال: فينطلق ملك الموت إليه ومعه خمس مائةٍ من الملائكة، معهم أكفانٌ وحنوطٌ من الجنة، ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد، وفي رأسها عشرين لوناً، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر؛ قال: فيجلس ملك الموت عند رأسه وتحفه الملائكة، ويضع كل ملكٍ منهم يده على عضو من أعضائه، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر من تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة؛ مرة بأرواحها ومرة بكسوتها، ومرة بثمارها كما يعلل الصبي أهله إذا بكى. قال: وإن أزواجه ليبتهشنّ عند ذلك ابتهاشاً قال: وتنزو الروح، قال: تريد أن تخرج من العجلة إلى ما تحب، قال: ويقول ملك الموت: اخرجي يا أيتها الروح الطيبة إلى " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ، وظلٍّ ممدودٍ، وماءٍ مسكوب " قال: ولملك الموت أشد لطفاً به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيبٌ لربه، فهو يلتمس بلطفه تحبباً لربه، رضىً للرب عنه، فيسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، قال: وقال الله تبارك وتعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين " وقال: " فإما إن كان من المقربين فروحٌ

وريحان وجنة نعيم " قال: روحٌ من جهد الموت، قال: وريحانٌ يتلقى به، قال: وجنة نعيم مقابلة. قال: فإذا قبض ملك الموت روحه، قال الروح للجسد: جزاك الله عني خيراً فقد كنت سريعاً بي إلى طاعة الله، بطيئاً بي عن معصية الله، وقد نجوت وأنجيت. قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، قال: وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها، وكل بابٍ من السماء يصعد منه عمله، أو ينزل منه رزقه أربعين سنة، قال: فإذا قبض ملك الموت روحه أقامت الخمس مائة من الملائكة عند جسده، فلا يقلبه بنو آدم لشقه إلا قلبته الملائكة قبلهم وعلته بأكفانٍ قبل أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط بني آدم، ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، قال فيصيح عند ذلك إبليس صيحةً يتصدع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم كيف تخلص هذا العبد منكم؟ قال: فيقولون: إن هذا كان عبداً معصوماً، قال: فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة كلٌ يأتيه ببشارةٍ من ربه سوى بشارة صاحبه؛ قال: فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش خر الروح ساجداً؛ قال: يقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي هذا فضعه في " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ وظلٍّ ممدودٍ وماءٍ مسكوب " قال: فإذا وضع في قبره قال: جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر، قال: فيبعث الله عنقاً من العذاب قال: فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك، والله مازال دائباً عمره كله، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك، قال: ثم يأتيه عند رأسه فيقول القرآن والذكر مثل ذلك، قال: ثم يأتيه من عند رجليه فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك، قال: فلا يأتيه العذاب من ناحيةٍ يلتمس هل يجد إليه مساغاً إلا وجد ولي الله قد أخذ جنته؛ فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج. قال: ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخرٌ

عند الصراط والميزان، قال: وبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكب كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحدٍ منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها؛ قال: فيقولان له: اجلس، قال: فيجلس فيستوي جالساً، قال: وتقع أكفانه في حقويه، قال: فيقولان له: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ " قالوا: يا رسول الله، ومن يطيق الكلام عند ذلك، وأنت تصف من الملكين ما تصف، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء " قال: فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة، ونبيي محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين؛ قال: فيقولان: صدقت، قال فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه أربعين ذراعاً، ومن خلفه أربعين ذراعاً، وعن يمينه أربعين ذراعاً، وعن شماله أربعين ذراعاً، ومن عند رأسه أربعين ذراعاً، ومن عند رجليه أربعين ذراعاً، قال: فيوسعان مائتي ذراع، قال: فأحسبه قال: أربعون ذراع يحاط به، قال: ثم يقولان: انظر فوقك، قال: فينظر فوقه فإذا بابٌ مفتوح إلى الجنة؛ قال: فيقولان له: ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله ". قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده، إنه تصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً، قال: ثم يقال له: انظر تحتك، فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: يا ولي الله نجوت آخر ما عليك ". قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً "، قال: قالت عائشة: يفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى الجنة، يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله، قال: فيقول الله لملك الموت: " انطلق إلى عدوي فائتني به، فإني قد بسطت له في رزقي، وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي، فائتني به لأنتقم منه، قال: فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورةٍ رآها أحدٌ من الناس قط، له اثنتا عشرة عيناً،

ومعه سفود من النار، كثير الشوك، ومعه خمس مائةٍ من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعه سياطٌ من نار، لينها لين السياط وهي نار تأجج، قال: فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربةً يغيب أصل كل شوكةٍ من ذلك السفود في أصل كلّ شعرةٍ وعرقٍ وظفر، ثم يلويه لياً شديداً قال: فينزع روحه من أظفار قدميه، قال: فيلقيها في عقبيه؛ قال: فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: ثم ينتره ملك الموت نترةً فينزع روحه من عقبيه فيلقيها في ركبتيه، ثم يسكر عدو الله سكرةً عند ذلك، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكةوجهه ودبره بتلك السياط، فينتره ملك الموت نترة، قال: فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه، فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، قال: ثم تبسط الملائكة النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى " سمومٍ وحميم، وظلٍّ من يحموم، لا باردٍ ولا كريم " قال: فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد: جزاك الله عني شراً فقد كنت سريعاً بي إلى معصية الله، بطيئاً بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت، قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، فتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها؛ وينطلق جنود إبليس يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من ولد آدم النار، قال: فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، حتى تدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى، قال: ويبعث الله إليه أفاعي دهماء كأعناق الإبل، يأخذون بأرنبته وإبهامي قدميه، فتقرضه حتى يلتقين في وسطه؛ قال: ويبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة، يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها، قال: فيقولان له اجلس، قال: فيجلس، فيستوي جالساً، قال وتقع أكفانه في حقوه، قال: فيقولون له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري،

قال: فيقولان له: لا دريت ولا تليت، قال: فيضربانه ضربةً يتطاير سراره في قبره، ثم يعودان فيقولان له: انظر فوقك، فنظر، فإذا بابٌ مفتوحٌ من الجنة، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك لو كنت أطعت الله. قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً "، قال: فيقولان له: انظر تحتك، قال: فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمدٍ بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً ". قال: وقالت عائشة: ويفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها ". حدث عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه قال: قدم وفد الداريين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه إلى تبوك، وهم عشرة نفر، فيهم تميم ونعيم ابنا أوس بن خارجة، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكه بن النعمان بن جبلة بن صفار بن ربيعة بن دراع بن عدي بن الدار، وجبلة بن مالك بن صفارة وأبو هند والطيب ابنا ذر، وهانئ بن حبيب، وعزيز ومرة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة فأسلموا، وسما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطيب عبد الله، وسمى عزيزاً عبد الرحمن؛ وأهدى هانئ بن حبيب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خمر وأفراساً وقباء مخوصاً بالذهب فقبل الأفراس والقباء وأعطاه العباس بن عبد المطلب، فقال: ما أصنع به؟ قال: " تنزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه، ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه ". فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف

درهم؛ وقال تميم: لنا جيرةٌ من الروم لهم قريتان، يقال لإحداهما حبرى وللأخرى بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " فهما لك "، فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك، وكتب له به كتاباً، وأقام وفد الداريين حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوصى لهم بجاد مائة وسق. قال أبو هند الداري: قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله - وهو صاحب الحديث - وأخوه الطيب بن عبد الله، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعنا من أرض الشام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سلوا حيث شئتم ". فقال تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند: وكذلك يكون فيها ملك العرب، وأخاف إن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر، فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي يقع فيها حصن تل مع آبار إبراهيم؛ فقال تميم: أصبت ووفقت قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تميم أتحب تخبرني بما كنتم فيه، أو أخبرك؟ " فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله، نزداد إيماناً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أردتم أمراً وأراد هذا غيره، ونعم الرأي رأى ". قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطعة جلدٍ من أدم، فكتب لنا فيها كتاباً نسخته: "

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ذكر ما وهب محمدٌ رسول الله الداريين إذ أعطاه الله الأرض، وهب لهم بين عين وحبرون وبيت إبراهيم، بمن فيهن، لهم أبداً، شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة، وكتب ". قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله، فعالج في زاوية الرقعة، وعساه شيءٌ لا يعرف، وعقده من خارج الرقعة بسير عقدين، وخرج إلينا به مطوياً وهو يقول: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، والله ولي المؤمنين " ثم قال: " انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت ". قال أبو هند: فانصرفنا، فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتاباً فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أنطى محمدٌ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لتميم الداري وأصحابه، إني أنطيتكم عين وحبرون والبرطوم وبيت إبراهيم بدمنهم وجميع ما فيهم نطيةً بتة، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد، فمن آذاهم فيها أذله الله. شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب ". فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولي أبو بكر، وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلامٌ عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها، وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها، فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم، والسلام عليك ".

قال عكرمة: لما أسلم تميم الداري قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: " هي لك ". قال: وكتب له بها، فلما استخلف عمر فظهر على الشام جاء تميم بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: أنا شاهد ذلك، فأعطاها إياه. قال: وبيت لحم هي القرية التي ولد عيسى ابن مريم فيها. قال أبو عبيد: تميم الداري فخذٌ من لخم أو جذام. وعن سماعة أن تميم الداري سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعه قرياتٍ بالشام عينون وقلاية والموضع الذي فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله على نبينا وعليهم، قال: وكان بها ركحه ووطيئه قال: فأعجب ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا صليت فسلني ذلك ". ففعل، فأقطعه إياهن بما فيهن. فلما كان زمن عمر، وفتح الله الشام أمضى ذلك لهم. قال أبو عبيد: أهل المدينة إذا شبروا الدار قالوا: بجميع أركاحها، يريدون جميع نواحيها. وعن راشد بن سعد قال: قال تميم الداري، وهو تميم بن أوس، رجلٌ من لخم، فقال: يا رسول الله إن لي جبرةً من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى، وأخرى يقال لها بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " هما لك ". قال: فاكتب لي بذلك كتاباً، فكتب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتميم بن أوس الداري، أن له قرية حبرى وبيت عينون، قريتها كلها سهلها وجبلها وماؤها وحرثها، وأنباطها وبقرها، ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحدٌ بظلم، فمن ظلمهم أو

أخذ من أحدٍ منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وكتب علي ". فلما ولي أبو بكر كتب لهم كتاباً نسخته: هذا كتابٌ من أبي بكر أمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للداريين، أن لا يفسد عليهم مأثرتهم قرية حبرى وبيت عينون، لمن كان يسمع ويطيع، فلا يفسد منها شيئاً، وليقم عمرو بن العاص عليهما فليمنعهما من المفسدين. وعن محمد بن سيرين، عن تميم الداري قال: استقطعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضاً بالشام قبل أن تفتح، فأعطانيها، ففتحها عمر بن الخطاب في زمانه، فأتيته فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني أرضاً من كذا إلى كذا، فجعل عمر ثلثها لابن السبيل، وثلثها لعمارتها، وترك لنا ثلثاً. وعن مقاتل بن سليمان في قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " نزلت في بديل بن أبي ما رية مولى العاص بن وائل السهمي كان خرج مسافراً في البحر إلى أرض النجاشي، ومعه رجلان نصرانيان أحدهما يسمى تميم بن أوس الداري، وكان من لخم، وعدي بن بداء، فمات بديل وهم في السفينة في البحر؛ قال: " حين الوصية "، وذلك أنه كتب وصيةً، ثم جعله في متاعه، ثم دفعه إلى تميمٍ وصاحبه، وقال لهما: بلغا هذا المتاع أهلي. فخلا ببعض المتاع، وحبسا جاماً من فضة مموهاً بالذهب، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " يقول: عند الوصية يشهد وصيته " اثنان ذوا عدلٍ " من المسلمين في دينهما " أو آخران من غيركم " يعني من غير أهل دينكم النصرانيين تميم الداري وعدي بن بداء " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في

الأرض " للتجارة " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية حين انطلق تاجراً في البحر، فانطلق معه تميمٌ وعديٌ صاحباه، فحضره الموت فكتب وصيته ثم جعله في المتاع وقال: أبلغا هذا المتاع أهلي، فلما مات بديل قبضا المال فأخذا منه ما أعجبهما؛ وكان فيما أخذا إناءً من فضة فيه ثلاث مائة مثقال منقوشاً مموهاً بالذهب، فلما رجعا من تجارتهما دفعا بقية المال إلى ورثته، ففقدوا بعض متاعه فنظروا إلى الوصية فوجدوا المال فيه تاماً لم يبع منه ولم يهب؛ فكلموا تميماً وصاحبه فسألوهما: هل باع صاحبنا شيئاً أو اشترى فخسر فيه؟ أو طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا، قالوا: فإنا قد افتقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا، قالا: ما لنا علم بما أبدى ولا بما كان في وصيته، ولكنه دفع إلينا هذا المال فبلغناكم إياه. فرفعوا أمرهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " يعني بديل بن أبي مارية - " اثنان ذوا عدلٍ منكم " من المسلمين: عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " أو آخران من غيركم " من غير أهل دينكم - يعني النصرانيين " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في الأرض " تجاراً " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي " تحبسونهما " يعني النصرانيين تقيمونهما " من بعد الصلاة " يعني صلاة العصر " فيقسمان بالله " يقول: فيحلفان بالله " إن ارتبتم " يعني إن شككتم - نظيرها في النساء الصغرى - أن المال كان أكثر من هذا الذي أتيناكم به " لا نشتري به ثمناً " يقول: لا نشتري بأيماننا عرضاً من الدنيا " ولو كان ذا قربى " يقول: ولو كان الميت ذا قرابة منا " ولا نكتم شهادة الله " إنا إذا كتمنا شيئاً من المال " إنا إذاً لمن الآثمين " بالله؛ فحلفهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند المنبر بعض صلاة العصر، فحلفا أنهما لم يخونا شيئاً من المتاع، فخلى سبيلهما. فلما كان بعد ذلك، وجد الإناء الذي فقدوه عند تميم الداري، قالوا: هذا كان من آنية صاحبنا الذي كان أبدى بها، وقد زعمتما أنه لم يبع ولم يشتر ولم ينفق على نفسه؛ فقالا: قد كنا اشتريناه منه فنسينا أن نخبركم به. فرفعوهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثانية، فقالوا: يا نبي الله إنا وجدنا مع هذين إناءً من فضة من متاع صاحبنا؛ فأنزل الله عز وجل "

فإن عثر على أنهما " يقول: فإن اطلع على أنهما يعني النصرانيين كتما شيئاً من المال أو خانا " فآخران " من أولياء الميت وهما عبد بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " يقومان مقامهما " يعني مقام النصرانيين " من الذين استحق " الإثم " عليهم الأولين فيقسمان بالله " يعني فيحلفان بالله في دبر صلاة العصر: أن الذي قالا في وصية صاحبنا حق، وأن المال كان أكثر من الذي أتيتمانا به وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته، وأنكما خنتما، فذلك قوله تعالى " لشهادتنا " يعني عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة " أحق من شهادتهما " يعني النصرانيين " وما اعتدينا " في الشهادة عليكما - يعني النصرانيين بشهادة المسلمين من أولياء الميت " إنا إذاً لمن الظالمين، ذلك أدنى " يعني أجر نظيرها في النساء " أن يأتوا " يعني النصرانيين " بالشهادة على وجهها " كما كانت، ولا يكتما شيئاً " أو يخافوا أن ترد أيمانٌ بعد أيمانهم " يقول: أو يخافوا أن يطلع على خيانتهما فرد شهادتهما بشهادة الرجلين المسلمين من أولياء الميت، فحلف عبد الله والمطلب كلاهما أن الذي في وصية الميت حق وأن هذه الآنية من متاع صاحبنا فأخذوا تميم بن أوس الداري وعدي بن بداء النصرانيين بتمام ما وجدا في وصية الميت حين اطلع الله تبارك وتعالى على خيانتهما في الإناء، ثم وعظ الله المؤمنين أن يفعلوا مثل هذا أو يشهدوا بما لم يروا ولم يعاينوا؛ فقال يحذرهم نقمته: " واتقوا الله " واسمعوا مواعظه " والله لا يهدي القوم الفاسقين " ثم إن تميم بن أوس الداري اعترف بالخيانة فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويحك يا تميم أسلم يتجاوز الله عنك ما كان في شركك ". فأسلم تميم الداري وحسن إسلامه، ومات عدي بن بداء نصرانياً. قال تميم الداري: كنت بالشام حين بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل

فقلت أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، قال: فلما أخذت مضجعي إذا منادٍ ينادي لا أراه: عذ بالله فإن الجن لا تجير أحداً من الله. فقلت: أيم تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه؛ وذهب كيد الجن، ورميت بالشهب، فانطلق إلى محمد وأسلم. فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهباً به، وأخبرته الخبر، فقال: قد صدقوك نجده يخرج من الحرم، ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء، فلا تسبق إليه. قال تميم: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت. قال محمد بن سيرين: جمع القرآن على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعثمان بن عفان، وتميم الداري. وقيل: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعةٌ لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد، وأبو زيد؛ واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري. وعن أبي كعب أنه كان يختم القرآن في ثمان ليال، وكان تميم الداري يختمه في سبع. وعن ابن سيرين أن تميم الداري كان يقرأ القرآن في ركعة. قال: وقالت امرأة عثمان حين دخلوا عليه ليقتلوه فقالت: إن تقتلوه فقد كان يحيي الليل كله بالقرآن في ركعة. وعن محمد بن أبي بكر عن أبيه قال: زارتنا عمرة، فباتت عندنا، فقمت من الليل فلم أرفع صوتي بالقراءة، فقالت: يا بن أخي ما منعك أن ترفع صوتك بالقراءة؟ فما كان يوقظنا إلا صوت معاذ القارئ وتميم الداري.

قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة أربعةٌ من الأئمة: عثمان بن عفان؛ وتميم الداري؛ وسعيد بن جبير؛ وأبو حنيفة. قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلةً حتى أصبح أو كرب أن يصبح يقرأ آيةً يرددها ويبكي: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءٌ محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " وعن مسروق: أن تميم الداري ردد هذه الآية حتى أبح: " إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ". وعن منكدر بن محمد، عن أبيه: أن تميم الداري نام ليلةً لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنةً لم ينم فيها عقوبةً للذي صنع. حدث أبو العلاء عن رجل قال: أتيت تميم الداري، فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزءاً تقرأ القرآن في ليلة؟ فغضب وقال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن في ليلة ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة؟ فوالذي نفس تميمٍ بيده لأن أصلي ثلاث ركعاتٍ نافلةٍ أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلةٍ ثم أصبح فأقول: قرأت القرآن الليلة. قال: فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بقي منكم - لجديرون أن تسكتوا فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم! فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا بن أخي؟ قلت: بلى، والله ما جئت إلا لتحدثني؛ قال: أرأيت إن كنت أنا مؤمناً قوياً، وأنت مؤمن

ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع، فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك ببساطي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت؟ ولكن خذ من نفسك لدينك أو من دينك لنفسك حتى يستقيم بك الأمر على عبادةٍ تطيقها. وعن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، قال: فأتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين تائبٌ من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى حبر المؤمنين فانزل عليه، وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فضرب يده وأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع. قال: فبينا نحن ذات يوم، إذ خرجت نارٌ بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا وما أنا؟! قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها، قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير؛ قالها ثلاثاً. وعن أنس: أن تميماً الداري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى رداءً بألف درهم، وكان يصلي بأصحابه فيه. وقال محمد بن سيرين: إن تميم الداري اشترى حلةً بألف درهم، فكان يقوم فيها بالليل إلى الصلاة. وعن السائب بن يزيد، قال: لم يكن يقص على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبي بكر، ولا عمر؛ كان أول من قص تميمٌ الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائماً. وعن حميد بن عبد الرحمن: أن تميم الداري استأذن عمر في القصص سنين، فأبى أن يأذن له، فاستأذنه في يوم واحد، فلما أكثر عليه قال له: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم

عن الشر؛ قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج في الجمعة. فكان يفعل ذلك يوماً واحداً في الجمعة، فلما كان عثمان استزاده، فزاده يوماً آخر. قيل: إن تميم الداري استأذن عمر بن الخطاب في القصص، فقال له عمر: أتدري ما تريد؟ إنك تريد الذبح، ما يؤمنك أن ترفع نفسك حتى تبلغ السماء، ثم يضعك الله. وفي حديث أن عمر أذن لتميم، وجلس إليه يوماً فقال تميم في قوله: اتقوا زلة العالم. فكره عمر أن يسأله عنه فيقطع بالقوم، وحضر منه قيامٌ، فقال لابن عباس: إذا فرغ فسله: ما زلة العالم؟ ثم قام عمر، فجلس ابن عباس فغفل غفلة، ففرغ تميم وقام يصلي، وكان يطيل الصلاة، فقال ابن عباس: لو رجعت فقلت: ثم أتيته فرجع، وطال على عمر، فأتى ابن عباس فسأله فقال: ما صنعت؟ فاعتذر إليه فقال: انطلق، فأخذ بيده حتى أتى تميم الداري، فقال له: ما زلة العالم؟ قال: العالم يزل بالناس فيؤخذ به، فعسى أن يتوب منه العالم، والناس يأخذون به. وعن ميسرة قال: رأى عمر بن الخطاب تميم الداري يصلي بعد العصر فضربه بدرته على رأسه. فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاةٍ صليتها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال عمر: يا تميم ليس كل الناس تعلم ما تعلم. وعن ابن عمر أن تميم الداري سأل عمر بن الخطاب عن ركوب البحر وكان عظيم التجارة في البحر، فأمر بتقصير الصلاة. قال: يقول الله عز وجل " هو الذي يسيركم في البر والبحر " قال أبو سعيد الخدري: أول من أسرج في المساجد تميم الداري.

تميم بن بشر الأنصاري

قال الكلابي: تميم الداري أبو رقية، لا عقب له، مات بالشام. تميم بن بشر الأنصاري كان من أصحاب معاوية، ووجهه رسولاً إلى القسطنطينية. قال هشام بن عروة: أسلم جبلة بن الأيهم بن جفنة الغساني، وكان آخر ملوكهم إسلاماً. ونزل المدينة في خلافة عمر، وذكر تنصره ولحوقه بأرض الروم، فلما غلب معاوية على الملك بعث رجلاً من الأنصار يقال له تميم بن بشر إلى قيصر، فلما دخل عليه سأله عن معاوية، وعن العرب، وعن الشام، فأخبره، ثم قال: هل لك إلى رجلٍ من العرب تلقاه من أهل بيت ملك وشرف؟ قال: نعم. قال تميم: فأرسل معي إليه، فدخلت عليه في كنيسة، فذكر قصته. قال تميم: ثم سألني عن حسان فقال: ما فعل ابن الفريعة؟ قلت: صالح وقد ذهب بصره، قال: فإني باعثٌ معك إليه بكسوة وصلة مرتفعة، فإن ذلك رجلاً كان لنا مداحاً، فبعث إليه معي أربع مائة دينار هرقلية، وسبعة أثواب بزيون، ثم قال: قل لمعاوية إن أنكحتني ابنتك، أو عقدت لي الخلافة من بعدك، جئت فدخلت في دينك. قال: فقدمت المدينة، فلقيت حسان بن ثابت بقباء، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: تميم بن بشر قال: كيف أنت يا بن أخي، أين كنت؟ قلت: بالشام، ثم إلى أرض الروم بعثني معاوية إلى قيصر. قال: هل لك علمٌ بصديق لي هناك؟ قلت: من هو؟ قال: جبلة بن الأيهم. قلت نعم. وهو يقرئك السلام. قال حسان: ما أهدى إلي معك؟ وقد كان جبلة جعل له أن لا يلقى جبلة أحداً يعرف حساناً إلا بعث إليه معه صلةً، فمن هناك قال حسان: هات ما أهدى إلي معك. قال: وأخبرت معاوية، قلت: رجلٌ قال كذا وكذا. قال: ذاك جبلة بن الأيهم، وما علي أن أخرجه مما هو فيه بما طلب مني. قال: فبعثني إليه، فلما انتهيت إلى باب القسطنطينية إذا بجنازةٍ معها القسيسون، قلت: من هذا؟ قالوا: جبلة مات، فرجعت إلى معاوية، فأخبرته الخبر.

تميم بن محمد بن طمغاج

تميم بن محمد بن طمغاج أبو عبد الرحمن الطوسي. حدث تميم بن محمد عن أبي كامل بسنده عن أنس بن مالك قال: وقت لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قص الشارب، وحلق العانة، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، أن لا يترك أكثر من أربعين ليلةٍ. وحدث عن سليمان بن سلمة الحمصي بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أربعٌ لا يشبعن من أربع: عينٌ من نظر، وأرضٌ من مطر، وأنثى من ذكر، وعالمٌ من علم ". تميم بن نصر بن تميم بن منصور بن حية أبو السعد التميمي السندي. حدث عن أبي الحسن بن أبي القاسم بسنده عن علي بن أبي طالب. قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ القرآن، فحفظه واستظهره، أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرةٍ من أهله، كلهم قد وجبت له النار ". توبة بن أبي أسد واسم أبي أسد كيسان أبو المورع العنبري البصري، مولى بني العنبر. حدث توبة العنبري قال: سمعت الشعبي يقول: أرأيت فلاناً حين يروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد جالست ابن عمر سنتين ونصف فما سمعته يروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، إلا أنه ذكر أنهم كانوا في سفرٍ فأصابوا ضباً، فجعلوا يأكلونها، فقالت امرأةٌ من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها ضب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا فإنه حلال، وإنه لا بأس به، ولكنه ليس من طعام قومي ". وحدث توبة العنبري عن مورق العجلي قال: قال رجلٌ لابن عمر: أخبرني عن صلاة الضحى، أتصليها؟ قال: لا، قال: فصلاها

عمر؟ قال: لا، قال: فصلاها أبو بكر؟ قال: لا، قال: فصلاها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا إخال. قال توبة العنبري: كان ابن عمر ينزل برجلٍ يقال له حمران، وكان ينفق نفقاتٍ عظاماً، فقال ابن عمر: يا حمران، أمن مالك تنفق هذا من أمانتك؟ قال: لا، بل من مالي. قال: فاحفظ عني ثلاثاً لا تدعهن: لا تموتن وعليك دينٌ لا تدع من يكافئك به؛ ولا تنتفينّ من ولدك لتفضحه؛ فيفضحك الله عز وجل يوم القيامة؛ وركعتين قبل الصبح لا تدعهما، فإن فيهما الرغائب. قال توبة العنبري: أرسلني صالح بن عبد الرحمن إلى سليمان بن عبد الملك، فقدمت عليه، فقلت لعمر بن عبد العزيز: هل لك حاجةٌ إلى صالح؟ فقال: قل له: عليك بالذي يبقى لك عند الله عز وجل، فإن ما بقي لك عند الله، بقي لك عند الناس، وما لم يبق عند الله عز وجل، لم يبق عند الناس. وقيل: إنه لما وفد إلى سليمان بن عبد الملك سأله عن حاجته، فأثبت له عيلين في العطاء، وأذن له أن يتخذ حماماً بالبصرة، ويحتفر بئراً بالبادية، فأجابه إلى ذلك؛ وكان لا يفعل ذلك أحدٌ إلا بإذن الخليفة، فاتخذ حماماً إلى جانب منزله في بني العنبر الرابية، وحفر بئراً بالبادية بالخرنق، وبين الخرنق، والبصرة ثلاث مراحل. ووفد توبة أيضاً على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة، فلما وفد عليه رأى بناته حوله يلعبن وعليهن التبابين. وجهد قومٌ من بني العنبر بتوبة أن يدعي فيهم فأبى، وجهد به أخواله بنو نمير أن يدعي فيهم فأبى؛ وكان صاحب بداوة، ومات بضبع، وهي من البصرة على يومين، فدفن هناك وعمر أربعٌ وسبعون سنة.

قال توبة: أكرهني يوسف بن عمر على العمل، فلما رجعت حبسني وقيدني، فكنت في السجن حتى لم يبق في رأسي شعرةً سوداء، فأتاني آتٍ في المنام، عليه ثياب بيض، فقال: يا توبة قد أطالوا حبسك! قلت: أجل. قال: قل اسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة. فقلتها ثلاثاً؛ فاستيقظت، فقلت: يا غلام هات السراج والدواة، فكتبت هذا الدعاء؛ ثم إني صليت ما شاء الله أن أصلي، فما زلت أدعو به حتى صليت الصبح، فلما صليت جاء حرسيٌّ فضرب باب السجن، ففتحوا له، ثم قال: أين توبة العنبري؟ فقالوا: هذا. فحملوني بقيودي حتى وضعوني بين يدي يوسف وأنا أتكلم به، فقال: يا توبة، قد أطلت حبسك، قلت: أجل، قال: أطلقوا عنه قيوده وخلوه. فعلمته رجلاً في السجن، فقال لي صاحبي: لم أدع إلى العذاب قط فقلتهن إلا خلي عني؛ قال: فجيء به يوماً إلى العذاب، فجعلت أتذكرهن فلم أذكرهن، حتى جلدت مائة سوط، ثم إني ذكرتهن، فقلتهن، فخلي عني.

أسماء النساء على حرف التاء

أسماء النساء على حرف التاء تجيفة زوج أبي عبيدة بن الجراح لم تنسب، كانت مع أبي عبيدة بدمشق، وشهدت وفاته. حدث عياض بن غطيف قال: دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح نعوده، فإذا وجهه نحو الحائط وعنده امرأته تجيفة، فقلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ فقالت: بات بأجرٍ، فالتفت إلينا، فقال: ما بت بأجر. قال: فسكتنا، فقال: ألا تسلوني عما قلت! فقلنا والله ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه. فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أنفق نفقةً فاضلة في سبيل الله فبسبع مائة، ومن أنفق على نفسه وأهله، أو عاد مريضاً أو أماط أذىً عن الطريق فحسنة بعشر أمثالها؛ الصوم جنةٌ ما لم يخرقها ومن ابتلاه الله ببلاءٍ في جسده فهو له حطة ". وكان سفيان صحف اسم امرأة أبي عبيدة فقال: حفتة بالحاء. قال سليمان بن عامر: لما قدم عمر بن الخطاب الجابية، جلس في أمر الناس والقضاء بينهم حتى إذا حان الانصراف فقال: قم يا أبا عبيدة نحو منزلك. فقال مرحباً وأهلاً بأمير المؤمنين، وتقدم إلى منزله، فقال لأهله: هذا أمير المؤمنين، ثم دخل عمر، فقالت امرأة أبي عبيدة: مرحباً بك يا أمير المؤمنين وأهلاً، قال عمر: أفلانة؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر: أما والله لأسوءنك، قالت: إياي تعني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. والذي نفسي بيده لأسوءنك، قالت: والله ما تقدر على ذلك، فقال عمر: لا؟ قالت: لا والله. فأشفق أبو عبيدة أن تبدر منه إليها بادرة، فقال: بلى والله يا أمير المؤمنين، إن شئت لتفعلن. فقالت: كلا

تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة

والله ما هو على ذلك بقادر. فقال عمر لكأنك تدلين! قالت: إنك لا تستطيع تسلبني الإسلام، قال: لا والله. قالت: فوالله ما أبالي ما كان بعد ذلك. قال عمر: استغفر الله، ثم سلم. قال صفوان: فسألت سليمان بن عامر ما الذي أغضب عمر عليها؟ قال: بلغه أن امرأة طاغية الروم حين فتحت دمشق أهدت لها عقد خرزٍ ولؤلؤ وشيءٍ من ذهب، لعله أن يساوي ثلاث مائة درهم. وقد روي أنه لما قدم عمر نزل على أبي عبيدة، فخرجت بنت أبي عبيدة، وهي جويرية من داخل إلى عمر، فجعل عمر يسترسلها الكلام، ما حليك؟ قالت: كذا وكذا، قال عمر: حليك الذي تخرجين به؟ فسمعت أمها من داخل البيت، فقالت: كأنك تريد التاج، نعم، وقد أهدي له تاج، فقسمه أبو عبيدة بين المسلمين ولم يجعل لنا منه شيئاً. تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة ابن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل الكلبية زوج عبد الرحمن بن عوف من أهل دومة الجندل من أطراف دمشق، سكنت المدينة، وأدركت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن الفقيه. بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل فتخلف عن الجيش حتى غدا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه عمامةٌ حرقانية سوداء. فقال له: " ما خلفك عن أصحابك؟ " قال: أحببت أن أكون آخرهم عهداً بك، فأجلسه، فنقض، عمامته، وعممه بيده، وأسدلها بين كتفيه قدر شبر، وقال: " هكذا فاعتم يا بن عوف، اغد بسم الله، فجاهد في سبيل الله تقاتل من كفر بالله، إذا لقيت شرفاً فكبر، وإذا ظهرت فهلل، وإذا هبطت فاحمد واستغفر، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك، فإن فتح على يديك، فتزوج بنت ملكهم ". وقال بعضهم: " بنت شريفهم ". وكان الأصبغ بن ثعلبة شريفهم، فتزوج

بنته تماضر، فلما قدم بها المدينة رغب القرشيون في جمالها، فجعلوا يسترشدونها، فترشدهم إلى بنات أخواتها وبنات إخوتها. وتماضر أول كلبيةٍ نكحها قرشي، ولم تلد لعبد الرحمن بن عوف غير أبي سلمة. قال عبد الرحمن بن عوف: لا تسلني امرأةٌ لي طلاقاً إلا طلقتها، فأرسلت إليه تماضر تسأل طلاقها، فقال للرسولة: قولي لها إذا حضت فلتؤذني، فحاضت، فأرسلت إليه، فقال للرسولة: قولي لها: إذا طهرت فلتؤذني، فطهرت، فأرسلت إليه في مرضه فقال: وأيضاً، وغضب، فقال: هي طالق البتة لا أرجع لها. فلم تمكث إلا يسيراً حتى مات، فقال عبد الرحمن بن عوف: لا أورث تماضر شيئاً. فرفع ذلك إلى عثمان، فورثها، وكان ذلك في العدة، فصالحوها من نصيبها من ربع الثمن على ثمانين ألفاً وما وفوها. وكن له أربع نسوة. حدث ابن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبينها ثم يموت وهي في عدتها؟ فقال عبد الله بن الزبير: طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها، ثم مات، وهي في عدتها، فورثها عثمان. قال ابن الزبير: وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة. ومن شعر عمر بن أبي ربيعة: " من الطويل " ألا يا لقومي قد سبتني تماضر ... جهاراً وهل يسبيك إلا المجاهر أرتك ذراعي بكرة بحريةً ... من الأدم لم تقطع مطاها العوابر فبلغ الشعر تماضر، فتعلقت بثوبه، وهو يطوف بالبيت، فقالت: سبيتني، واجتمع الناس عليها، فقال: إني والله ما سبيتها ولا أعرفها ولا رأيتها قط قبل ساعتي هذه. قالت: صدق عدو الله، اشهدوا على كذبه، فإنه قال لي كذا وكذا. ولما طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته الكلبية تماضر حممها جاريةً سوداء، يقول: متعها إياها. أسماء الرجال على

حرف الثاء المثلثة

حرف الثاء المثلثة ثابت بن أحمد بن الحسين أبو القاسم البغدادي، قدم دمشق حاجاً. حدث ثابت أنه رأى رجلاً بمدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن الصبح عند قبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال فيه: الصلاة خيرٌ من النوم، فجاءه خادمٌ من خدم المسجد، فلطمه حين سمع ذلك فبكى الرجل وقال: يا رسول الله في حضرتك يفعل بي هذا الفعال، ففلج الخادم في الحال وحمل إلى داره، فمكث ثلاثة أيام ومات. ذكر ثابتٌ أنه ولد في مستهل محرم سنة إحدى وأربع مائة، وتوجه للحج في سنة سبعٍ وسبعين وأربع مائة، ولم يعلم خبره بعد ذلك. ثابت بن أحمد بن أبي الفوارس أبو نصر البوشنجي الصوفي، شيخ الصوفية. حدث عن أبي الحسن بن أبي القاسم بن عبيد الله الحوراني بسنده عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان يصبح جنباً من الوقاع لا من احتلام، فيصوم يومه ذلك. سقط منه ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي

ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي ابن الجد بن عجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعل بن عمرو بن جشم بن ودم بن ذبيان بن هميم بنت ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة العجلاني البلوي، حليف الأنصار، له صحبة شهد بدراً ومؤتة. لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رئيت قط في كل وجه، ثم إن المسلمين تراجعوا، فأقبل ثابت بن أقرم من الأنصار، فأخذ اللواء، وجعل يصيح بالأنصار، فجعل الناس يتواثبون إليه من كل وجهٍ وهم قليل، وهو يقول: إلي أيها الناس، فاجتمعوا إليه، قال: فنظر ثابتٌ إلى خالد بن الوليد، فقال: خذ اللواء يا أبا سليمان، فقال: لا آخذه أنت أحق به، أنت رجلٌ لك سن، وقد شهدت بدراً. قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوالله ما أخذته إلا لك. فأخذه خالد، فحمله ساعة، وجعل المشركون يحملون عليه، - فثبت حتى تكركر المشركون وحمل أصحابه، ففض جمعاً من جمعهم، ثم ذهب منهم بشرٌ كثير، فانحاش بالمسلمين فانكشفوا راجعين فروي عن أبي هريرة قال: شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب، فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة ما لك كأنك ترى - جموعاً كثيرة؟ قلت: نعم، قال: لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة. قال محمد بن إسحاق: وثابت بن أقرم ليس له عقب، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة في خلافة أبي بكر.

وقتل مع عكاشة يوم طليحة الأسدي ببزاخة. وروى عروة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سريةً قبل العمرة من نجد أميرهم ثابت بن أقرم فأصيب فيهم ثابت بن أقرم. حدث عميلة الفزاري قال: خرج خالد بن الوليد على الناس يعترضهم في الردة، فكلما سمع أذاناً للوقت كف، وإذا لم يسمع أذاناً أغار، فلما دنا خالدٌ من طليحة وأصحابه بعث عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعةً أمامه يأتيانه بالخبر، وكانا فارسين، عكاشة على فرس، يقال له الرزام، وثابت على فرس يقال له المحبر، فلقيا طليحة وأخاه سلمة بن خويلد طليعةً لمن وراءهما من الناس، فانفرد طليحة بعكاشة، وسلمة بثابت، فلم يلبث سلمة أن قتل ثابت بن أقرم، وصرخ طليحة بسلمة: أعني على الرجل فإنه قاتلي، فكر سلمة على عكاشة فقتلاه جميعاً، ثم كرا راجعين إلى من وراءهما من الناس فأخبراهم، فسر عينية بن حصن، وكان مع طليحة، وكان قد خلفه على عسكره، وقال: هذا الظفر. وأقبل خالدٌ معه المسلمون فلم يرعهم إلا ثابت بن أقرم قتيلاً تطؤه المطي، فعظم ذلك على المسلمين، ثم لم يسيروا إلا يسيراً حتى وطئوا عكاشة قتيلاً، فثقل القوم على المطي كما وصف واصفهم حتى ما تكاد المطي ترفع أخفافها. قال أبو واقد الليثي: كنا نحن المقدمة مائتي فارس وعلينا زيد بن الخطاب، وكان ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن أمامنا، فلما مررنا بهما سيء بنا، وخالد والمسلمون وراءنا بعد، فوقفنا عليهما حتى طلع خالدٌ يسير، فأمرنا فحفرنا لهما، ودفناهما بدمائهما وثيابهما، ووجدنا بعكاشة جراحاتٍ منكرة. وفي حديث آخر: فسار خالد إلى بزاخة، فلقي طليحة ومعه عيينة بن حصن بن مالك الفزاري، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزم الله سبحانه طليحة، وهرب إلى

ثابت بن ثوبان

الشام، وأسر عيينة وقرة بن هبيرة، فبعث بهما خالد إلى أبي بكر، فحقن دماءهما، فتفرق الناس عن بزاخة، وكانت وقعة بزاخة سنة اثنتي عشرة. ثابت بن ثوبان حدث عن أبيه ثوبان بسنده عن معاذ بن جبل قال: إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قال لي: " أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل ". وحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنعن جارٌ جاره أن يضع خشبةً في حائطه ". وحدث ثوبان عن مكحول بسنده، عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى ليغفر للعبد ما لم يغرغر ". قال يحيى بن معين: ابن ثوبان خراسانيٌ نزل الشام. وروى عن مكحول، وهو ثقةٌ لا بأس به. ثابت بن جعفر بن أحمد أبو طاهر النهاوندي حدث عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي بسنده، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء ". حدث في سنة سبعٍ وستين وأربع مائة عن أبي علي الأهوازي بجزء لطيف.

ثابت بن الحسين بن محمد بن عيسى

ثابت بن الحسين بن محمد بن عيسى ابن حبيب بن مروان، أبو نصر البغدادي قدم دمشق، وحدث بها. روى عن عيسى بن علي بن عيسى بسنده، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليقل: سبحانك اللهم، بك وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي، فاغفر لها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ". ثابت بن سرج أبو سلمة الدوسي من أهل دمشق. حدث عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: كان من دعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم ارزقني عينين هطالتين تشفيان القلب بذرف الدموع من خشيتك، قبل أن يكون الدمع دماً والأضراس جمراً ". ثابت بن سعد أبو عمرو الطائي الحمصي شهد صفين مع معاوية، ووفد على عبد الملك بن مروان. حدث عن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبي بكر الصديق، قال: قام في المدينة إلى جانب منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو عليه، فذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبكى، ثم قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقامي هذا عام الأول، فقال: " أيها الناس سلوا الله العافية، سلوا الله العافية، سلوا الله العافية - ثلاث مرات - فإنه لم يؤت أحد مثل العافية بعد اليقين ". سأل عبد الملك بن مروان ثابت بن سعد: أي يومٍ رأيت أشد؟ قال: رأيتنا يوم صفين والأسنة في صدور هؤلاء وهؤلاء، حتى لو أن إنساناً أراد أن يمشي عليها لمشى.

ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام

ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بت عبد العزى بن قصي أبو مصعب. ويقال: أبو حكم الأسدي الزبيري. وفد على عبد الملك بن مروان، ثم وفد على سليمان بن عبد الملك، فأدركه أجله في رجوعه. حدث ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ماءٍ من السماء وأني لأدلك ظهره وأغسله. قال الزبير بن بكار: كان ثابت بن عبد الله بن الزبير لسان آل الزبير خلداً وفصاحةً وبياناً. قال: وحدثني مصعب بن عبد الله قال: لم يزل بنو عبد الله بن الزبير خبيب وحمزة وعباد وثابت عند جدهم أبي أمهم منظور بن زبان بالبادية يرعون عليه الإبل كما يفعل عبيده حتى تحرك ثابت، فقال لإخوته: انطلقوا بنا نلحق بأبينا، فركبوا بعض الإبل حتى قدموا على أبيهم، واتبعهم منظور بن زبان، فقدم على آثارهم، فقال لعبد الله بن الزبير: اردد علي أعبدي هؤلاء، فقال: إنهم قد كبروا واحتاجوا أن نعلمهم القرآن، ولا سبيل إليهم، قال: أما إن الذي صنع بهم الصنيع ابنك هذا، مازلت أخافها منه مذ كبر، يعني ثابتاً. قال: وقال عمي مصعب: فزعموا أن ثابتاً جمع القرآن أو أتم جمعه في ثمانية أشهر، وزوجه عبد الله بن الزبير قبلهم بنت ابن أبي عتيق عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، فولدت له جاريتين يقال لإحداهما حكمة، وكان يكنى أبا حكمة، وكان أبوه يكنيه أبا حكمة يشبه لسانه بلسان زمعة بن الأسود، وكان زمعة يكنى أبا حكيمة، وكان ثابتٌ يشهد القتال مع أبيه، ويبارز بين يديه، وكان حمزة بن عبد الله بن الزبير قال لبني عبد الله: لا تطلبوا أموالكم من عبد الملك حين قبضها، وأنا أنفق عليكم، فأتى ثابت بن عبد الله، وقدم على

عبد الملك بن مروان، فدخل عليه، فأكرمه، ورد على ولد عبد الله بعض أموالهم بكلامه. وانصرف بها ثابتٌ معه. قال سليمان بن عبد الملك لثابت بن عبد الله: من أفصح الناس؟ قال: أنا، قال: ثم من؟ قال: أنا، قال: ثم من؟ قال: أنا، قال: ثم من؟ قال: ثم أنت، فرضي بذلك سليمان منه بعد مكثٍ، وكان سليمان فصيحاً. قال مسور بن عبد الملك: كنا نأتي مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ينزعنا إليه إلا استماع كلام ثابت بن عبد الله. حدث مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: قال لي أبي: يا بني تعلم العلم، فإنك إن تكن ذا مالٍ يكن لك العلم كمالاً، وإن تكن غير ذي مالٍ يكن لك العلم مالاً. قال جويرية بن أسماء: أتى عبد الله بن الزبير بابنه ثابت في قيوده فقال: أما والله لو ساف من والدٍ قتل ولده لقتلته. قال: فبينا هو كذلك إذ حمل عليه أهل الشام حتى دخلوا المسجد، فقال: يا ثابت، قمفرد هؤلاء عني، فقام وإنه لفي ثوبين، فتناول سيفاً وجحفةً، فردهم ولم يرجع حتى دمي سيفه ثم رجع فقعد، فعاد أهل الشام فدخلوا المسجد فقال: يا ثابت قم فردهم عني، فقام فردهم حتى أخرجهم من المسجد. فلما قتل ابن الزبير لحق ثابتٌ بعبد الملك بن مروان، فأكرمه، ثم قال له يوماً: فيم غضب عليك أبوك؟ قال: أشرت عليه أن يخرج من مكة، فعصاني وغضب علي. وكان عبد الملك قد فبض أموال ابن الزبير، فقال له ثابت: إن رأيت أن ترد علي حصتي من ميراث أبي فافعل، فردها عليه، فقال ثابت لحمزة: كيف ترى أبا بكر كان صانعاً لو رأى هؤلاء قد سلموا إلي حصتي من ميراثه من بني ولده، وكنت أبغضهم إليه؟ فقال: تالله إن كان يحاكمهم إلا بالسيف. دخل ثابت بن عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان، وهو صبي صغير، فقال

له عبد الملك ألا تنبئني عنك لمَ كان أبوك يشتمك ويبعدك، إني لأحسبه كان يعلم منك ما تستحق منه أن يفعل ذلك بك؟ فقال: إذن أخبرك يا أمير المؤمنين: كنت أشير عليه فيستصغرني، ويرد نصيحتي، من ذلك أني نهيته أن يقاتل بأهل مكة، وقلت له: لا تقاتل بقومٍ أخرجوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخافوه، فلما جاؤوا إلى الإسلام أخرجهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرض بجده الحكم بن أبي العاص حين نفاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونهيته عن أهل المدينة، وذكرته أنهم خذلوا أمير المؤمنين عثمان، وتقاعدوا عنه حتى قتل بين ظهرانيهم - يعرض ببني أمية وأبيه مروان - فقال عبد الملك: اسكت لعنك الله، فأنت كما قال الأول: شنشنةٌ أعرفها من أخزم قال ثابت: إني لكذلك في حلمي السلف، غير جبان ولا غدار - يعرض بغدره بعمرو بن سعيد بن العاص - وإني لكما قال كعب بن زهير: " من الطويل " أنا ابن الذي لم يخزني في حياته ... ولم أخزه لما تغيب في الرجم أقول شبيهاتٍ بما قال عالمٌ ... بهن ومن أشبه أباه فما ظلم فأشبهته من بين من وطئ الثرى ... ولم ينتزعني شبه خالٍ ولا ابن عم مات ثابت بن عبد الله بن الزبير بسرغ من طريق الشام، منصرفاً من عند سليمان بن عبد الملك إلى المدينة، وهو ابن سبعٍ أو ثمان وسبعين سنة. وقيل توفي بمعان من طريق الشام؛ وموته بسرغ أثبت.

ثابت بن عجلان أبو عبد الله

ثابت بن عجلان أبو عبد الله الحمصي سمع بدمشق. حدث ثابت بن عجلان، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول: يا بن آدم، إني إذا أخذت إراءة كريمتيك، فصبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثواباً دون الجنة ". قال ثابت بن عجلان: أدركت أنس بن مالك، وابن المسيب، والحسن البصري وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وطاووساً، ومجاهداً، وعبد الله بن أبي مليكة، والزهير، ومكحولاً، والقاسم أبا عبد الرحمن، وعطاء الخراساني، وثابت البناني، والحكم بن عيينة، وأيوب السختياني، وحماداً، ومحمد بن سيرين، وأبا عامر - وقد أدرك أبا بكرٍ الصديق - ويزيد الرقاشي، وسليمان بن موسى كلهم يأمرني بالصلاة في الجماعة، وينهاني عن أصحاب الأهواء، ثم بكى وقال: يا بن أخي ما من عملٍ أرجى لي، ولا أوثق في نفسي من مشيٍ إلى هذا المسجد، يعني مسجد الباب. قال ثابت بن عجلان: رأيت أنس بن مالك يعتم بعمامة سوداء ولا يرخي من خلفه. وقال ثابت بن عجلان: إن الله عز وجل يريد بأهل الأرض عذاباً، فإذا سمع الصبيان يتعلمون الحكمة صرف ذلك عنهم. ثابت بن قيس بن الخطيم واسمه ثابت بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر وهو كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الظفري. له صحبة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً وما بعدها، وصحب علياً عليه السلام، وولاه المدائن، ووفد على معاوية، وكان قيس بن الخطيب لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، فدعاه إلى الإسلام، فاستنظره حين يقدم عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة،

ثابت بن قيس بن منفع

فقتل قيسٌ قبل قدوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو بقي الأديعج وفى ". ومن ولده يزيد بن قيس وبه كان يكنى، وجرح ثابت بن قيس يوم أحد اثنتي عشرة جراحةً، وسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاسراً، وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا حاسر أقبل، يا حاسر أدبر ". وهو يضرب بسيفه بين يديه، وشهد المشاهد بعدها، ومات أيام معاوية. وكان ثابت بن قيس شديد النفس، وكان له بلاءٌ مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، واستعمله على المدائن. فلم يزل عليها حتى قدم المغيرة بن شعبة الكوفة، وكان معاوية يبغي مكانه. انصرف ثابت بن قيس إلى منزله، فيجد الأنصار مجتمعةً في مسجد بني ظفر يريدون أن يكتبوا إلى معاوية في حقوقهم أول ما استخلف وذلك أنه حبسهم سنتين أو ثلاثاً لم يعطهم شيئاً، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نريد أن نكتب إلى معاوية، فقال: ما تصنعون أن يكتب إليه جماعة يكتب إليه رجلٌ منا؛ فإن كانت كائنةٌ برجلٌ منكم خيرٌ من أن تقع بكم جميعاً، وتقع أسماؤكم عنده، فقالوا: فمن ذلك الذي يبذل نفسه لنا؟ قال: أنا، قالوا: فشأنك. فكتب إليه وبدأ بنفسه، فذكر أشياء منها: نصرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغير ذلك، وقال: حبست حقوقنا، واعتديت علينا وظلمتنا، ومالنا إليك ذنبٌ إلا نصرتنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما قدم كتابه على معاوية دفعه إلى يزيد، فقرأه ثم قال له: ما الرأي؟ فقال: تبعث فتصلبه على بابه، فدعا كبراء أهل الشام فاستشارهم، فقالوا: لتبعث إليه حتى تقدم به هاهنا وتقفه لشيعتك ولأشراف الناس حتى يروه ثم تصلبه، فقال: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا، فكتب إليه: قد فهمت كتابك، وما ذكرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد علمت أنها كانت ضجرةً لشغلي وما كنت فيه من الفتنة التي شهرت فيها نفسك، فأنظرني ثلاثاً. فقدم كتابه على ثابت، فقرأه على قومه، وصبحهم العطاء في اليوم الرابع. قيل: ثم أتاه بعد، فأقام عنده فمكث عنده نحواً من شهرين لا يلتفت إليه، ثم استأذنه الخروج، فبعث إليه بمائة ألف درهم، فوضعها في منزله وتركها وخرج. ثابت بن قيس بن منفع أبو المنفع النخعي كوفي. حدث ثابت بن قيس عن أبي موسى يرفعه قال: أبردوا بالظهر، فإن الذي تجدون من الحر من فيح جهنم.

ثابت بن معبد أخو عطية بن معبد

ثابت بن معبد أخو عطية بن معبد كان والياً على الساحل. حدث ثابت عن أبي إدريس عائذ الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وضع الطعام فليبدأ أمير القوم، أو صاحب الطعام، أو خير القوم ". ثم أخذ بيد أبي عبيدة. قال: فكانوا يرون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان صائماً. قال سليمان بن حبيب المحاربي: خرجت غازياً، فلما مررت بحمص خرجت إلى السوق لأشتري ما لا غناء للمسافر عنه، فلما نظرت إلى باب المسجد قلت: لو أني دخلت فركعت ركعتين، فلما دخلت نظرت إلى ثابت بن معبد وابن أبي زكريا ومكحول في نفرٍ من أهل دمشق، فلما رأيتهم، فجلست إليهم، فتحدثوا شيئاً ثم قالوا: إنا نريد، أبا أمامة الباهلي، فقاموا وقمت معهم فدخلنا عليه، فإذا شيخٌ قد رق وكبر، فإذا عقله ومنطقه أفضل مما ترى من منظره، فكان أول ما حدثنا أن قال: إن مجلسكم هذا من بلاغ الله إياكم وحجته عليكم، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ ما أرسل به، فإن أصحابه قد بلغوا ما سمعوا، فتبلغوا ما تسمعون: ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجل خرج في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله حتى يدخله الجنة، أو يرجعه بما نال من أجرٍ أو غنيمة؛ ورجلٌ دخل بيته بسلام. وذكر الثالث. حدث ثابت بن معبد قال: قال موسى عليه السلام: رب؛ أي الناس أتقى؟ قال: " الذي يذكر ولا ينسى ". قال: رب، أي الناس أغنى؟ قال: " الذي يقنع بما يؤتى ". قال: رب، أي الناس أعلم؟ قال: " الذي يأخذ من علم الناس إلى علمه ". قال: رب، أي الناس أحكم؟ قال: " الذي يحكم للناس كما يحكم نفسه ". قال: رب، أي الناس أعز؟ قال: " الذي يغفر بعدما يقدر ". وقال ثابت بن معبد: ثلاثة أعينٍ لا تمسها النار: عينٌ حرست في سبيل الله، وعين سهرت بكتاب الله، وعين بكت في سواد الليل من خشية الله عز وجل.

ثابت بن يحيى بن إسار

ثابت بن يحيى بن إسار أبو عباد الرازي كاتب المأمون، وكان يصحبه في سفره وحضره، وكان قدم معه دمشق، وكان من الكفاة. حدث أبو عباد، وذكر المأمون فقال: كان والله أحد ملوك الأرض الذي يجب له هذا الاسم بالحقيقة، ثم أنشأ يحدث قال: كان يلزم بابي رجلٌ لا أعرفه، فلما طالت ملازمته قلت له بسوء لقائي: يا هذا ما لزومك بابي؟ قال: طالب حاجة، قلت: وما هي؟ قال: توصلني إلى أمير المؤمنين، أو توصل لي رقعة، قلت: ما يمكنني ما تريد في أمرك. فانصرف ولم يرد علي شيئاً؛ وجعل يلزم الباب فما يفارقه، فإذا انصرف فرآني نشيطاً تصدى لي، فأراني وجهه فقط، فإن رآني بغير تلك الحال كمن ناحية، فما زالت تلك حاله صابراً علينا حتى رفقت عليه، فقلت له يوماً وقد انصرفت من الدار: مكانك، فأقام، فقلت للغلام: أدخل هذا الرجل، فأدخله، فقلت: يا هذا إني أرى لك مطالبةً جميلة، وأظن أنك ترجع إلى محتدٍ كريم، وأدبٍ بارع، قال: أما المحتد فرجلٌ من الأعاجم، وأما الأدب فأرجو أن تجده إن طلبته، قلت: إن عندي منه علماً، قال: وما هو أدام الله عزك؟ قلت: صبرك على المطالبة الجميلة، قال: ذاك أقل أحوالي أعزك الله. قال: فدخلتني له جلالة، فقلت: حاجتك؟ قال: ضيعة صارت لأمير المؤمنين أيده الله كانت لسعيد بن جابر وكنا شركاءه فيها. فجاء وكيله فضرب منارة على حدودنا وحدوده، وهذه ضيعةٌ كنا نعود بفضلها على الغريب والصديق والجار الأخ؛ قلت: فمعك رقعة؟ قال: نعم. فأخرج رقعة من خفه فيها مظلمته، فلما قرأتها ووضعتها، قام فانصرف، فخف على قلبي، وأحببت نفعه، فأدخلته على المأمون مع خمسةٍ من أصحاب الحوائج فاتفق أن كان أول من تكلم منهم، فاستنطق رجلاً فصيحاً، حسن العبارة لسناً، فقال: تكلم بحاجتك، فتكلم، فقال: يا ثابت وقع له بقضائها، ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أرضٌ غلبني

ثابت بن يوسف بن الحسين

عليها ابن البختكان بالأهواز بقوة السلطان، فأخرجها عن يدي، ودعاني إلى أخذ بعض ثمنها، فقال: يا ثابت وقع له بالكتاب إلى القاضي هناك يأمره بإنصافه وإخراج يد ابن البختكان منه وأخذها من الرجل بحكمه. ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قطيعة كان المنصور أقطعها أبي، فأخذت من أيدينا بسبب البرامكة، قال: وقع برد عليه هذه موفورة وينظر ما أخرجت منذ قبضت عنهم إلى هذه الغاية فيدفع إليهم حاصل غلاتهم. ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، علي دين قد كظني وأزلني بكثره، وقوى علي أربابه، قال: وكم دينك؟ قال: أربع مائة ألف دينار، قال: وقع يا ثابت بقضاء دينه. قال: فسأل سبع حوائج قيمتها ألف ألف درهم؛ فوالله ما إن زالت قدمه عن مقرها حتى قضيت. فامتلأت غيظاً، وفرت فور المرجل حتى لو أمكنت من لحمه لأكلته. ثم دعا للمأمون وخرج. فقال: يا ثابت، أتعرف هذا الرجل؟ قلت: فعل الله به وفعل، فما رأيت والله رجلاً أجهل منه، ولا أوقح وجهاً! فقال: لا تقل ذاك فتظلمه، فما أدري متى خاطبت رجلاً هو أعقل منه، ولا أعرف بما يخرج من رأسه. فقصصت عليه قصته أولها وآخرها، فقال: هذا من الذي قلت لك، ثم قال: وأزيدك أخرى ولا أحسبك فهمتها، قال: قلت: وما هي؟ قال: أما رأيت خاتمه في إصبعه اليمنى؟ قال: " ولتعرفنهم في لحن القول ". ثابت بن يوسف بن الحسين أبو الحسن الورثاني حدث عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الحافظ بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، وإذا استطاب فلا يستطب بيمينه ". وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة.

ثروان أبو علي مولى عمر بن عبد العزيز

ثروان أبو علي مولى عمر بن عبد العزيز قال ثروان: دخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام اصطبل أبيه، فضربه فرسٌ على وجهه، فأتي به أبوه يحمل، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد. وفي رواية: أن عمر بن عبد العزيز رمحته دابةٌ وهو غلام بدمشق وذكر الحديث. ثريا بن أحمد بن الحسن بن ثريا أبو القاسم الألهاني البزار. حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده، عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا تسافر المرأة ثلاثة أيامٍ إلا مع ذي محرمٍ لا تحل له ". ثعلب بن جعفر بن أحمد بن الحسين أبو المعالي بن أبي محمد السراج. حدث عن أبي القاسم الحنائي بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع سارقاً في مجنٍ قيمته ثلاثة دراهم. توفي ثعلب في ربيع الأول سنة أربعٍ وعشرين وخمس مائة. ثمامة بن حزن بن عبد الله بن سلمة ابن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان القشيري البصري، أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وقيل: بل له صحبة، وقدم دمشق وسمع من أبي الدرداء.

ثمامة بن عدي القرشي أمير صنعاء

حدث ثمامة قال: سألت عائشة عن النبيذ، فدعت جاريةً حبشية، فقالت: سل هذه فإنها كانت تنبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألتها، فقالت: كنت أنبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سقاءٍ من الليل وأوكيه، فإذا أصبح شرب منه. وحدث قال: أتيت عائشة فسألتها عن النبيذ، فحدثتني أن وفد عبد القيس سألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبيذ، فنهاهم أن يشربوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم، فدعت عائشة جاريةً حبشية، وساق تتمته بمعنى الحديث الأول. وذكر مسلم بن الحجاج من أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه صحب الصحابة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم ثمامة بن حزن القشيري. وقال بعض الملح الأدباء: المخضرم اشتقاقه من أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل أي يقطعونها لتكون علامةً لإسلامهم إن أغير عليها أو حوربوا. ثمامة بن عدي القرشي أمير صنعاء له صحبة. حكى عنه أبو الأشعث الصنعاني أن ثمامة كان على صنعاء، وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جاء نعي عثمان بكى بكاءً شديداً، فلما أفاق قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من آل محمدٍ وصارت ملكاً وجبرية، من غلب على شيءٍ أكله.

ثميل بن عبد الله الأشعري

وفي بعض الروايات: كان على صنعاء الشام، ورواه خليفة بن خياط على صنعاء. قال الحافظ: وهذا القول من خليفة يدل على أنها صنعاء اليمن. قال: وذلك هو الصواب. ثميل بن عبد الله الأشعري من أهل دمشق. كان من أصحاب أبي الدرداء. وحدث عن أبي الدرداء، قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الجنة لا تحل لعاصٍ، من أتى الله وهو ناكث يبعث يوم القيامة وهو أجذم، ومن خرج من الطاعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن أصبح ليس لأمير جماعة عليه طاعة بعثه الله يوم القيامة من ميتةٍ جاهلية، ولواء الغادر عند استه يوم القيامة ". ثوابة بن أحمد بن عيسى بن ثوابة ابن مهران بن عبد الله أبو الحسين الموصلي، سمع بدمشق. حدث عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثةٌ لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله، وعينٌ حرست في سبيل الله؛ وعينٌ غضت عن محارم الله ". توفي ثوابة بمصر في المحرم سنة ثمانٍ وخمسين وثلاث مائة.

ثواب بن إبراهيم بن أحمد

ثواب بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن الأنصاري حدث عن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بسنده عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أحدكم إذا مات عرض على مقعده بالغداة والعشي؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، ثم يقال: هذا مقعدك حتى تبعث يوم القيامة ". ثوبان بن جحدر ويقال ابن يجدد أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل اليمن أصابه سباء فأعتقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث عنه. قال سالم بن أبي الجعد: قيل لثوبان: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كذبتم علي وقلتم ما لم أقل! قالوا: حدثنا، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ". وعنه قال: أتاه أناسٌ فقالوا: حدثنا فقد ذهب أصحابك، وافتقرنا إلى ما عندك، فحدثنا ما ينفعنا ولا يضرك، قال: عليكم بكتاب الله عز وجل، فإنه أحسن الحديث، وأبلغ الموعظة. قالوا: صدقت، ولكن حدثنا بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تلقوني بجنبات الحوض أزود أهل اليمن بعصاي حتى يرفض عنهم ". فقال رجل: من أهل اليمن؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم أهل اليمن ". فقال رجل:

كم طوله؟ قال: " من مقامي إلى عمان - وهو يومئذٍ بالمدينة - شرابه أطيب من اللبن وأحلى من العسل، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها حتى يفرغ من الحساب - أو كما ذكر - له ميزابان يصبان فيه من ورق ". حدث أبو الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فقال: أنا صببت عليه وضوءه. كان ثوبان من العرب من حكم بن سعد، كان يسكن بالرملة، وكانت له هناك دار، ولا عقب له، وكان من ناحية اليمن. ومات ثوبان بمصر سنة أربعٍ وخمسين، وقيل: مات بحمص، وله بها دار صدقة، حبسٌ على مهاجري فقراء ألهان. ولثوبان في اليمن نسب. ولما أعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا ثوبان، إن شئت أن تلحق بمن أنت منه فعلت، فأنت منهم، وإن شئت أن تثبت فأنت منا أهل البيت ". فثبت على ولاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض بحمص. وشهد ثوبان فتح مصر واختط بها داراً. قال يوسف بن عبد الحميد: لقيت ثوبان فرأى علي ثياباً، فقال: ما تصنع بهذه الثياب؟ ورأى علي خاتماً فقال: ما تصنع بهذا الخاتم؟ إنما الخواتيم للملوك. قال: فما اتخذت خاتماً بعد. قال: فحدثني ثوبان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا أهله، فذكر علياً وفاطمة وغيرهما، قال: قلت: يا رسول الله، أمن أهل البيت أنا؟ فسكت، ثم قلت: يا رسول الله أمن أهل البيت أنا؟ فسكت. فقال في الثالثة: " نعم، على أن لا تقف على باب سدة ولا تأتي أميراً ".

وعن ثوبان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يتكفل لي أن لا يسأل شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ " قال ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا. قال: " فكان يعلم أن ثوبان لا يسأل أحداً شيئاً. قال معمر: وبلغني أنا عائشة كانت تقول: تعاهدوا ثوبان فإنه لا يسأل أحداً شيئاً، فكان يسقط منه العصا والسوط، فما يسأل أحداً أن يناوله إياه حتى ينزل فيأخذه. قال أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي، قال: قوله " من يطع الله والرسول " قال الكلبي: نزلت في ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شديد الحب له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا ثوبان ما غير لونك؟ " فقال: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك فاستوحشت وحشةً شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أن لا أراك هنالك لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلةٍ أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذلك حين لا أراك أبداً. فأنزل الله عز وجل هذه الآية. قال شريح بن عبيد: مرض ثوبان بحمص وعليها عبد الله بن قرط الأزدي فلم يعده، فدخل على ثوبان رجلٌ من الكلاعيين عائداً له، فقال له ثوبان: أتكتب؟ فقال: نعم، فقال: أكتب، فكتب: للأمير عبد الله بن قرط من ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما لعد، فإنه لو كان لموسى وعيسى صلى الله عليهما مولى بحضرتك لعدته. ثم طوى الكتاب، وقال له: أتبلغه إياه؟ فقال: نعم. فانطلق الرجل بكتابه فدفعه إلى ابن قرط، فلما قرأه قام فزعاً، فقال الناس: ما شأنه؟ أحدث أمر؟ فأتى ثوبان حتى دخل عليه، فعاده وجلس عنده ساعةً، ثم قام، فأخذ ثوبان بردائه وقال جالس حتى أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً، لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً ".

ثوبان بن شهر الأشعري

قال محمد بن زياد الألهاني: كان ثوبان جاراً لنا، وكان يدخل الحمام فقلت له، فقال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل الحمام، قال: وكان يتنور. ثوبان بن شهر الأشعري قال ثوبان بن شهر: كنا عند عبد الملك في سطح بدير المران عنده كريب بن أبرهه، فذكروا الكبر، فقال كريب: سمعت أبا ريحانة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يدخل الجنة من الكبر شيء ". قال أبو ريحانة: فقلت: يا رسول الله إني أحب الجمال حتى في جلازي وشراك نعلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس ذلك من الكبر، إن الله جميلٌ يحب الجمال، إنما الكبر من سفه الحق وغمص الناس بعيبه ". ثوب ويقال ثوب بن تلدة الوالبي الأسدي أحد المعمرين المخضرمين، وفد على معاوية بن أبي سفيان. قال ثوب بن تلدة الوالبي: أدركت ثلاث والبات، وكان قد بلغ مائتي سنة وأربعين سنة، يقول: كل ثمانين سنة قرن من بني والبة.

ثور بن يزيد بن زياد أبو خالد

هو ثوب بن تلدة، ويقال: ثوب، بفتح التاء وسكون الواو، وقيل: تلدة أمه وأبوه ربيعة، وهو القائل: " من الطويل " وإن امرءاً قد عاش عشرين حجةً ... إلى مائتين كلها هو دائب كرهن لأحداث المنايا وإنما ... تلهته في الدنيا مناه الكواذب قال الكلبي: أدرك ثوب بن تلدة معاوية فدخل عليه، فقال له: ما أدركت، وكم عمرك؟ قال: لا أدري. إلا أني أدركت بني والبة ثلاث مرات - يريد أفنيت ثلاثة قرون - قال: فكيف بصرك اليوم؟ قال: أحد ما كان قط، كنت أرى الشخص واحداً، فأنا أراه اليوم شخصين. قال: فكيف مشيك؟ قال: أمشي ما كنت قط، كنت امشي تائداً فأنا اليوم أهرول هرولةً، فقال: أدركت أمية بن عبد شمس؟ قال: نعم، وهو أعمى وعبد له يقوده، قال له معاوية: كف فقد جاء غير ما ذكرت، ثم قال معاوية: ليس في البيت إلا أموي، فانظر أي هؤلاء أشبه بأمية؟ ثم قال: هذا، لعمرو بن سعيد بن العاص وهو عمرو الأشدق، وقيل له: ((الأشدق، لأنه كان خطيباً مفلقاً. وفي رواية أخرى من حديث: ولقد رأيتني وأمية بن عبد شمس نطوف بالبيت، ما أدري أنا أكبر أم هو. ثور بن يزيد بن زياد أبو خالد الكلاعي ويقال: الرحبي الحمصي. قدم دمشق وحج منها مع مكحول. حدث عن خالد بن معدان عن أبي أمامة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رفع العشاء من بين يديه قال: " الحمد لله كثيراً طيباً ماركاً فيه غير مكفورٍ ولا مودعٍ ولا مستغنىً عنه ربنا ". حدث عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح الشهداء في طير كزرازير ترد أنهار الجنة حتى يردها الله عز وجل في أجسادها.

قال محمد بن راشد: خرجنا مع مكحول إلى مكة فكان ثور بن يزيد يؤذن له، قال: فكان يأمره أن لا ينادي بالعشاء حتى تذهب الحمرة، ويقول: هو الشفق. مات أبو خالد ببيت المقدس سنة ثلاثٍ وخمسين ومائة وهو ابن بضعٍ وستين سنة، وقيل: مات سنة خمسٍ وخمسين ومائة. وكان ثقةً في الحديث، ويقال: إنه كان قدرياً، وذ (ان جد ثور بن يزيد قد شهد صفين مع معاوية، وقتل يومئذ، وكان ثور إذا ذكر علياً قال: لا أحب رجلاً قتل جدي. لقي ثور الأوزاعي، فمد ثورٌ يده، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال: يا ثور إنه لو كانت الدنيا كانت المقاربة ولكن الدين، يقول: لأنه كان قدرياً. قال أبو مسلم الفزاري: ما سمعت الأوزاعي يقول في أحدٍ من الناس إلا في ثور بن يزيد ومحمد بن إسحاق، قال: ذلت له: يا أبا عمرو حدثنا ثور بن يزيد، قال: فغضب علي غضبةً ما رأيت مثلها، ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ستةٌ لعنتهم فلعنهم الله وكل نبيٍ مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله ". ثور بن يزيد أحدهم، تأخذ دينك عنه! وأما محمد بن إسحاق فكان يرى الاعتزال، قال: فجئت إلى كتابي الذي سمعته من ثور ومحمد بن إسحاق، فألقيته في التنور. وقد روي عنه أنه تبرأ من القول بالقدر.

أسماء النساء على حرف الثاء المثلثة

أسماء النساء على حرف الثاء المثلثة الثريا بنت عبد الله بن الحارث ويقال بنت علي بن عبد الله بن الحارث، ويقال: بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية المكية. وفدت على الوليد بن عبد الملك - بعد موت سهيل بن عبد الرحمن زوجها - في دينٍ عليها، وهي التي ذكرها عمر بن أبي ربيعة في شعره. تزوج سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الثريا بنت عبد الله بن الحارث، فحملت إليه من مكة إلى الشام، فقال عمر بن أبي ربيعة: " من الخفيف " أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يجتمعان هي شاميةٌ إذا ما استقلت ... وسهيلٌ إذا استقل يماني فلما وفدت على الوليد دخل عليها وهي عند أم البنين بنت عبد العزيز، فقال: من هذه يا بنت عبد العزيز؟ قالت: هذه الثريا بنت عبد الله، جاءتك في دينٍ ركبها، فأقبل الوليد على الثريا فقال: هل تروين من شعر عمر شيئاً؟ فقالت: نعم، أما إنه رحمه الله كان عفيف الشعر أروي قوله: " من الخفيف " ما على الرسم المرس لو ب ... ين رجع التسليم أو لو أجابا فإلى قصر ذي العشيرة فال ((مأ ... لف أمسى من الأنيس جوابا ربما قد أرى به حي صدقٍ ... طاهر العيش نعمةً وشبابا وحساناً مثل المها خفراتٍ ... حافظاتٍ عند الهوى الأحبابا لا يكثرن في الحديث فلا يت ... بعن ينعقن بالبهام الضرابا

فلما خلا الوليد مع أم البنين قال لها: لله در ثريا! أما تدرين ما أرادت بإنشادها الذي أنشدتني من قول ابن أبي ربيعة؟ قالت: لا، قال: لما عرضت لها به عرضت لي بأن أأعرابية. قال إسحاق الموصلي: بلغني أن الثريا كانت من أكمل النساء، وأحسنهم خلقاً، فكانت تأخذ جرةً من ماء فتفرغها على رأسها فلا تصيب باطن فخذها قطرةٌ من عظم كفلها. قال أبو سفيان بن العلاء: بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت وفي كفها خلوق فرجمته، فأثر الخلوق في ثوبه، فجعل الناس يقولون: يا أبا الخطاب، ما هذا زي المحرم. فأنشأ يقول: " من الخفيف " أدخل الله رب موسى وعيسى ... جنة الخلق من ملاني خلوقا مسحت كفها بجيب قميصي ... حين طفنا بالبيت مسحاً رفيقا فقال له عبد الله بن عمر: مثل هذا القول تقول في مثل هذا الموضع!؟ فقال له: يا أبا عبد الرحمن قد سمعت مني ما سمعت، فورب هذه البنية ما حللت إزاري على حرامٍ قط. قال الزبير بن بكار: لما صرمت الثريا عمر بن أبي ربيعة اشتد وجده بها، دعا غلاماً له، ثم كتب معه في قرطاس: " من الخفيف " من رسولي إلى الثريا فإني ... ضقت ذرعاً بهجرها واجتنابي وهي مكفوفة تحير منها ... في أديم الخدين ماء الشباب ذكرتني من بهجة الشمس لما ... طلعت بين دجنةٍ وسحاب دميةٌ عند راهبٍ قسيسٍ ... صوروها في مذبح المحراب فارجحنت في حسن خلقٍ عميمٍ ... تتهادى في مشيها كالحباب

ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهراً ... عدد الرمل والحصى والتراب سلبتني محاجر الماء عقلي ... فسلوها بما يحل اغتصابي ثم قال للغلام: انطلق بهذا الكتاب إلى ابن أبي العتيق بالمدينة؛ فلما قرأ ابن أبي عتيق الكتاب قال: أنا والله رسوله إليها، فسار من فوره لا يعلم به أهله حتى قدم مكة، فأتى منزل عمر، فوجده غائباً، فنزل عن دابته وركب دابة لعمر، وقال لغلامه: دلني على منزل الثريا؛ فمضى معه، فلما انتهى إلى منزلها وجدها قد خرجت إلى البادية على رأس أميالٍ من مكة، فخرج نحوها، فلما دنا من الحي صهل البرذون، فعرفت الثريا صوته، فقالت لجواريها: هذا برذون الحبيب، ثم دعت براحلة، فرحلتها وركبتها وخرجت تلقاه، فإذا هي بابن أبي عتيق، فقالت: مرحباً، قد آن لك أن نراك يا عم ما جاء بك؟ قال: أنت والعاشق جئتما بي، فقالت: أما والله لو بغيرك تحمل ما أجبناه وليس لك مدفع امرر بنا نحوه. قال فأقبل نحو منزل عمر وقد كان بعض غلمانه صار إليه فأعلمه أن رجلاً قد صار إليهم من صفته كذا وكذا، قال: ويحك هو ابن أبي عتيق اسبقني إليه فقل له: هذا مولاي يأتيك الساعة. ثم انصرف مسرعاً فصار إلى منزله فسأل عن ابن أبي عتيق فأخبر أنه قد توجه إلى الثريا، فلم يلبث إلا يسيراً حتى وافاه ابن أبي عتيق، فخرج إليه فقبل يديه ورجليه، ثم قال: انزل جعلني الله فداك، فقال ابن أبي عتيق: مكة علي حرام إن أقمت بها ساعتي هذه، ثم دعا بدابته فتحول عنها، وشخص إلى المدينة راجعاً. أسماء الرجال على

حرف الجيم

حرف الجيم جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب أبو خالد، ويقال أبو عبد الله السوائي. صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال جابر: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر فجعل يهوي بيده بين يديه وهو في الصلاة، فسأله القوم حين انصرف، فقال: " إن الشيطان جاءني يلقي علي شرر النار ليفتنني فتناولته، فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط بساريةٍ من سواري المسجد ينظر إليه ولدان أهل المدينة ". وحدث جابر أيضاً قال: مات رجلٌ على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله، مات فلان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم يمت ". فأتاه الثانية، فقال مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف مات؟ " قال: نحر نفسه بمشقصٍ عنده، فلم يصل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث أيضاً قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي نحواً من صلاتكم، ولكنه كان يخفف الصلاة، كان يقرأ في صلاة الفجر بالواقعة ونحوها من السور. وحدث أيضاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الصبح بقاف والقرآن المجيد، ورأيت صلاته بعد تخفيفاً.

وحدث جابر بن سمرة قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يفشو الكذب، حتى يشهد الرجل وما يستشهد وحتى يحلف الرجل وإن لم يستحلف، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ألا لا يخلون رجلٌ بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، ألا فمن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن ". قال محمد بن سعد: وممن نزل الكوفة سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير، صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وابنه جابر بن سمرة وهم حلفاء في بني زهرة، وابتنى بها داراً في بني سواءة، وتوفي بها في خلافة عبد الملك في ولاية بشر بن مروان على الكوفة. وأم جابر بن سمرة خالدة أخت سعد بن أبي وقاص. قال أبو بكر بن أبي خيثمة: جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر. قال جابر بن سمرة: جالسته أكثر من مائة مرة - يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب خطبته الأولى ثم يقعد قعدةً ثم يقوم فيخطب خطبته الأخرى. قال جابر بن سمرة: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمر بنا فيمسح خدودنا، فمر ذات يومٍ فمسح بخدي، فكان الذي مسحه أحسن من الآخر.

جابر بن عبد الله بن عمرو

توفي جابر سنة ثلاثٍ وسبعين. قال: والمحفوظ سنة ست وسبعين في ولاية بشر بن مروان. جابر بن عبد الله بن عمرو ابن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن ويقال: أبو محمد الأنصاري الخزرجي السلمي الحرامي المدني. صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث جابرٌ قال: ولد لرجلٍ منا غلام، فسماه القاسم فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا تنعم عيناً. فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له فقال: " سم ابنك عبد الرحمن ". وحدث جابرٌ قال: دخلت المسجد ضحىً، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد، فقال: " قم فصل ركعتين ". وعن جابرٍ قال: كنت في الجيش الذين مع خالد بن الوليد الذين أمد بهم أبو عبيدة بن الجراح وهو محاصرٌ دمشق، فلما قدمنا عليهم، قال لخالد: تقدم فصل فأنت أحق بالإمامة، لأنك جئت تمدني، فقال خالد: ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لكل أمةٍ أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". جابر بن عبد الله شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أصغرهم يومئذ. وشهد المشاهد كلها إلا بدراً وأحداً، وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته، وكنّ تسعاً، وخلفه أيضاً حين خرج إلى أحدٍ، وشهد ما بعد ذلك من المشاهد. واستشهد أبوه يوم أحد.

وقال جابر: كنت أميح أصحابي الماء يوم بدر. وأنكر محمد بن عمر أن يكون جابرٌ شهد بدراً. قال جابر: غزا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى وعشرين غزوةً بنفسه، شهدت منها تسع عشرة غزوةً. وذهب بصر جابرٍ أخيراً. قال جابر: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع عشرة غزوة. قال: لم أشهد بدراً ولا أحداً، منعني أبي، قال: فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوةٍ قط. قال جابر بن عبد الله: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة، وأخرجني خالي وأنا لا أستطيع أن أرمي بحجر. قال جابر: حملني خالي جد بن قيس وما أقدر أن أرمي بحجر في سبعين راكباً من الأنصار الذين وفدوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه العباس بن عبد المطلب، فقال: " يا عم خذ لي على أخوالك ". قالوا: يا محمد سل لربك ولنفسك ما شئت، قال: " أما الذي أسأل لربي، فتعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأما الذي أسأل لنفسي، فتمنعوني مما تمنعون منه أموالكم وأنفسكم ". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: " الجنة ". سئل جابر بن عبد الله: كم غزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سبعاً وعشرين غزوةً، غزا بنفسه وغزوت معه منها ست عشرة غزوةً، لم أقدر أن أغزو حتى قتل أبي - رحمه الله - بأحد. وكان يخلفني على أخواتي، وكنّ تسعاً، فكانت أول عزوةٍ غزوتها معه حمراء الأسد إلى آخر مغازيه.

قال موسى بن عقبة: وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه وبهم أشد القرح بطلب العدو وليسمعوا بذلك، وقال: " لا ينطلقن معي إلا من شهد القتال ". يعني: بأحد، فقال عبد الله بن أبي: أنا راكب معك، فقال: " لا "، فاستجابوا لله ولرسوله على الذي بهم من البلاء، فانطلقوا، فقال الله عز وجل في كتابه: " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم ". قال: وأقبل جابر بن عبد الله السلمي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إن أبي رجعني وقد خرجت معك لأشهد القتال، فقال: ارجع. وناشدني أن لا أترك نساءنا، وإنما أراد حين أوصاني بالرجوع رجاء الذي كان أصابه من القتل، فاستشهده الله فأرادني للبقاء لتركته، ولا أحب أن تتوجه وجهاً إلا كنت معك، وقد كرهت أن تطلب معك إلا من شهد القتال، فأذن لي، فأذن له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطلب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العدو حتى بلغ حمراء الأسد، ونزل القرآن في طاعة من أطاع، ونفاق من نافق، وتعزية المسلمين، وشأن مواطنهم كلها، ومخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ غدا، فقال جل ثناؤه: " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال، والله سميعٌ عليم " ثم ما بعد الآية في قصة أمرهم. وعن جابرٍ قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربع مائة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم خير أهل الأرض. ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة ". قال جابر: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربع مائة فبايعنا وعمر آخذ بيده، تحت شجرةٍ وهي سمرة، قال: بايعنا على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. وعن جابرٍ في قوله: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة " قال: بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

على الموت. وعن جابرٍ: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا جابر هل تزوجت؟ " قلت: نعم يا رسول الله قال: " بكرٌ أو ثيب؟ " قلت: بل ثيب. قال: " فهلا بكراً تضاحكها وتضاحكك ". فقلت: يا نبي الله، إنها وإنها، وإنما أردتها لتقوم عليهن، ويأخذوا من آدابها، قال: " أصبت أرشدك الله ". قال جابر بن عبد الله: لما انصرفنا راجعين - يعني في غزوة ذات الرقاع - فكنا بالشقرة قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جابر ما فعل دين أبيك؟ " فقلت: عليه، انتظرت يا رسول الله أن يجذ نخله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جذذت فأحضرني ". قال: قلت: نعم. قال: " من صاحب دين أبيك؟ " قلت: أبو الشحم اليهودي، له على أبي سقة من تمر. فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فمتى تجذها؟ " قال: قلت: غداً. قال: " يا جابر فإذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها، وألوان التمر على حدتها ". قال: ففعلت، فجعلت الصيحاني على حدة، وأمهات الجرادين على حدة، والعجوة على حدة، ثم عمدت إلى جماعٍ من التمر، مثل نخبة وقرن وشقمة، وغيرها من الأنواع، وهو أقل التمر، فجعلته حبلاً واحداً، ثم جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علية أصحابه فدخلوا الحائط، وحضر أبو الشحم. قال: فلما نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى التمر مصنفاً قال: " اللهم بارك له ". ثم انتهى إلى

العجوة فمسها بيده وأصناف التمر، ثم جلس وسطها، ثم قال: " ادع غريمك "، فجاء أبو الشحم، فقال: " اكتل ". فاكتال حقه كله من حبلٍ واحد وهو العجوة، وبقية التمر كما هو، فقال: " يا جابر هل بقي على أبيك شيء؟ " قال: لا، وبقي سائر التمر، فأكلنا منه دهراً، وبعنا منه حتى أدركت الثمر من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما على أبي من الدين، فقضى الله ما على أبي من الدين؛ فلقد رأيتني والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لي: " ما فعل دين أبيك؟ " فقلت: قد قضاه الله. قال: " اللهم اغفر لجابر "، فاستغفر لي في ليلة خمساً وعشرين مرة. قال جابر: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستعينه في دينٍ كان على أبي. قال: فقال: " آتيكم ". قال: فرجعت، فقلت للمرأة: لا تكلمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تسأليه. قال: فأتانا، فذبحنا له داجناً كان لنا، فقال: " يا جابر كأنكم عرفتم حبنا اللحم! " قال: فلما خرج قالت له المرأة: صل علي وعلى زوجي، أو صل علينا. قال: فقال: " اللهم صل عليهم ". قال: قلت لها: أليس قد نهيتك؟ قالت: ترى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل علينا ولا يدعو لنا!. وعن جابرٍ قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه، فجعلت فمي على خاتم النبوة فجعل ينفح علي مسكاً، وقد حفظت منه تلك الليلة سبعين حديثاً ما سمعها معي أحد. قال جابر بن عبد الله: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فقال: " مرحباً بك يا جابر، جزاكم الله معشر الأنصار خيراً، آويتموني إذ طردني الناس، ونصرتموني إذ خذلني الناس، فجزاكم الله خيراً ". قال: قلت: بل جزاك الله عنا خيراً، هدانا الله إلى الإسلام، وأنقذنا من شفا حفرة النار، فبك نرجو الدرجات العلا من الجنة. ثم قال: " يا جابر! هؤلاء الأعنز أحد عشر عنزاً في الدار أحب إليك أم كلمات علمنيهنّ جبريل عليه السلام آنفاً تجمع لك خير الدنيا والآخرة؟ " قال: فقلت: والله يا رسول الله إني لمحتاج وهؤلاء الكلمات أحب إلي، قال: " قل اللهم أنت الخلاق العظيم، اللهم إنك سميع عليم، اللهم إنك غفور رحيم، اللهم إنك رب العرش العظيم، اللهم إنك أنت الجواد الكريم، فاغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واسترني واجبرني

وارفعني واهدني ولا تضلني وأدخلني الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين ". قال: فطفق يرددهن علي حتى حفظتهن، ثم قال لي: " تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك ". ثم قال: " استقهن معك ". قال: فسقتهن معي. وعن جابر قال: عادني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر في بني سلمة، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ ثم رش علي منه، فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ قال: فأنزلت " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ". وفي حديثٍ آخر: فقلت يا رسول الله إنه لا يرثني إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض. وفي رواية: فلم يقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً حتى نزلت آية الميراث يرونها " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " يقول: فهذه نزلت فيه. روى عبد الرحمن بن سعيد قال: جئت جابر بن عبد الله الأنصاري في فتيانٍ من قريش، فدخلنا عليه بعد أن كف بصره، فوجدنا حبلاً معلقاً في السقف وأقراصاً مطروحةً بين يديه أو خبزاً فكلما استطعم مسكين قام جابر إلى قرصٍ منها وأخذ الحبل حتى يأتي المسكين فيعطيه ثم يرجع بالحبل حتى يقعد، فقلت له عافاك الله نحن إذا جاء المسكين أعطيناه، فقال: إني أحتسب المشي في هذا، ثم قال: ألا أخبركم شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالوا: بلى، قال: سمعته يقول: " إن قريشاً أهل أمانة لا يبغيهم العثرات أحد إلا أكبه الله عز وجل لمنخريه ". وعن جابر بن عبد الله قال: هلاك بالرجل أن يدخل عليه الرجل من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليه وهلاكٌ بالقوم أن يحتقروا ما قدم إليهم.

وعن جابر بن عبد الله قال: تعلموا العلم، ثم تعلموا الحلم، ثم تعلموا العلم، ثم تعلموا العمل بالعلم، ثم أبشروا. حدث عباس بن سهل الساعدي عن أبيه قال: كنا بمنى فجعلنا نخبر جابر بن عبد الله ما نرى من إظهار قطف الخز والوشي - يعني السلطان وما يصنعون - فقال: ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري حتى لا أسمع من حديثهم شيئاً ولا أبصره. وعن جابر بن عبد الله قال: لما قدم بسر بن أرطاة المدينة أخذ الناس بالبيعة، قال: فجاءت بنو سلمة وتغيب جابر فقال: لا أبايعكم حتى يجيء جابر، قال: فانطلق جابر إلى أم سلمة فسألها، فقالت: هذه بيعة لا أرضاها، إذهب فبايع تحقن بها دمك. قال أبو الحويرث: هلك جابر بن عبد الله فحضرنا بابه في بني سلمة، فلما خرج بسريره من حجرته إذا حسن بن حسن بين عمودي السرير، فأمر به الحجاج بن يوسف أن يخرج من بين العمودين فيأبى عليهم حتى تعاطوه، فسأله بنو جابر إلا خرج، فخرج، وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين حتى وضع فصلى عليه ثم جاء إلى القبر، فإذا حسن بن حسن قد نزل في قبره، فأمر به الحجاج أن يخرج، فأبى، فسأله بنو جابر بالله فخرج، فاقتحم الحجاج الحفرة حتى فرغ منه. وكان جابرٌ آخر من مات بالمدينة من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومات سنة ثمانٍ وسبعين، وقيل غير ذلك، وهو ابن أربعٍ وتسعين سنة وصلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة.

جابر بن عبد الله بن عصمة المحاربي

جابر بن عبد الله بن عصمة المحاربي حدث الأوزاعي قال: قال جابر بن عبد الله بن عصمة لثابت بن معبد، وهو ومن قومه: يا ثابت هل راعك ما راعني؟ قال: وما هو؟ قال: لقد أتى علي زمانٌ لو قيل لي: هل تعرف في قومك امرأ سوء؟ لوقفت أتذكر، فهذا أنا الآن لو قيل لي: هل تعرف في قومك رجلاً صالحاً لوقفت أتذكر. جارية بن قدامة بن مالك بن زهير ويقال ابن قدامة بن زهير بن الحصين بن رزاح بن أبي سعد واسمه أسعد بن بجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر، أبو أيوب، ويقال: أبو قدامة، ويقال: أبو يزيد التميمي ثم السعدي، وقيل اسمه جويرية. له صحبة، وقيل لا صحبة له، وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً واحداً، وشهد صفين مع علي أميراً، وقدم دمشق على معاوية. حدث الأحنف بن قيس عن عم له وهو جارية بن قدامة قال: قلت: يا رسول الله، قل لي قولاً وأقلل لعلي أعقله قال: " لا تغضب ". فرددت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يرد علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تغضب ". صحب جارية أمير المؤمنين علياً، وكان يقال له محرق لأنه أحرق ابن الحضرمي بالبصرة، وكان ابن الحضرمي وجه به معاوية إلى البصرة ينعى قتل عثمان ويستنفر أهل البصرة على قتال علي، فوجه عليٌ جارية بن قدامة إليه، فتحصن منه ابن الحضرمي بدار تعرف بدار سنبل، فأضرم جارية الدار عليه، فاحترقت بمن فيها، وكان جارية شجاعاً مقداماً فاتكاً. وكان عم الأحنف بن قيس.

وكان معاوية في سنة أربعين بعث بسر بن أرطاة أحد بني عامر بن لؤي إلى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس، فتنحى عبيد الله وأقام بسرٌ عليها، فبعث عليٌ جارية بن قدامة السعدي فهرب بسر، ورجع عبيد الله بن عباس إليها، فلم يزل عليها حتى قتل عليٌ رضي الله عنه. قال عبد الملك بن عمير: قدم جارية بن قدامة السعدي على معاوية، ومع معاوية على سريره الأحنف بن قيس والحتات المجاشعي، فقال له معاوية: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة - قال: وكان قليلاً - قال: وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلا نحلة؟ قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقد شبهتني بها حامية اللسعة، حلوة البساق، والله ما معاوية إلا كلبةٌ تعاوي الكلاب، وما أمية إلا تصغير أمة، قال معاوية: لا تفعل، قال: إنك فعلت، قال: إذاً فاجلس معي على السرير، قال: لا، قال: لمَ؟ قال: رأيت هذين قد أماطاني عن مجلسك فلم أكن لأشركهما، قال: إذاً أسارك، فدنا، قال: إني اشتريت من هذين دينهما. قال: ومني فاشتر يا أمير المؤمنين، قال: لا تجهر. قال الفضل بن سويد: وفد الأحنف بن قيس، وجارية بن قدامة، والحتات بن يزيد المجاشعي على معاوية، فقال لجارية: أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شعلك، تجوس قرى عربية بسفك دمائهم. قال جارية: يا معاوية دع عنك علياً، فما أبغضنا علياً منذ أحببناه، ولا غششناه منذ نصحناه، قال: ويحك يا جارية، ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية. قال: أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية، قال: لا أم لك، قال: أم ما ولدتني، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا، قال: إنك لتهددني! قال: إنك لم تملكنا قسرة ولم تفتتحنا عنوة، ولكن أعطيتنا عهوداً ومواثيق، فإن وفيت لنا وفينا لك، وإن نزعت إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالاً مداداً، وأذرعاً شداداً وأسنةً حدداً، فإن بسطت إلينا فتراً من غدر، دلفنا إليك بباعٍ

من ختر. قال معاوية: لا كثر الله في الناس أمثالك. قال: قل معروفاً يا أمير المؤمنين فقد بلونا قريشاً فوجدناك أوراها زنداً وأكثرها رفداً، فارعنا رويداً، فإن شر الرعاء الحطمة. ولما خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومعه لواء معاوية جعل يقاتل ويرتجز: أنا ابن سيف الله ذاكم خالد ... أضرب كل قدمٍ وساعد بصارمٍ مثل الشهاب الواقد ... أنصر عمي إن عمي والدي بالجهد لا بل فوق جهد الجاهد فخرج إليه جارية بن قدامة وهو يقول: " من مشطور الرجز " اثبت لصدر الرمح يا بن خالد ... اثبت لليث ذي فلولٍ حارد من أسد خفان شديد الساعد ... ينصر خير راكعٍ وساجد من أسد خفان كحق الوالد ثم اطعنا فلم يصنعا شيئاً، وانصرف كل واحد منهما عن صاحبه. حدث أحمد بن عبيد قال: بين الأحنف في الجامع بالبصرة، إذا رجل قد لطمه، فأمسك الأحنف يده على عينه وقال: ما شأنك؟ فقال: اجتعلت جعلاً على أن ألطم سيد بني تميم، فقال: لست سيدهم، إنما سيدهم جارية بن قدامة - وكان جارية في المسجد - فذهب الرجل فلطمه، قال: فأخرج جارية من حقه سكيناً وقطع يده وناوله، فقال الرجل: ما أنت قطعت يدي، إنما قطعها الأحنف بن قيس.

جامع بن بكار بن بلال

جامع بن بكار بن بلال أبو عبد الرحمن العاملي حدث عن يحيى بن أيوب بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو قائم على المنبر: " من جاء منكم الجمعة فليغتسل ". وحدث عن محمد بن راشد بسنده عن بلال مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " امسحوا على الموقين والخمار ". قال جامع بن بكار: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام حملوه ليدفنوه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينا هم في مسيرهم إذ ند الجمل الذي حملوا عليه علياً فلم يدروا أين ذهب، ولم يقدر عليه. قال: فلذلك يقول أهل العراق: هو في السحاب. جانوش بن بك أبو الحسن الفرغاني حدث بدمشق عن أبي يحيى الفضل بن يحيى الوراق بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ستكون فتن ". قيل: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: " عليكم بالشام ". سمع بدمشق سنة ست عشرة وثلاث مائة. جبرون بن عبد الجبار بن واقد الليثي الدمشقي. حدث عن سفيان عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان آخر الزمان حرم فيه دخول الحمام على ذكور أمتي بمئازرها ". قالوا: يا رسول الله لمَ ذاك؟ قال: " لأنهم يدخلون على قومٍ عراة، ويدخل عليهم أقوام عراة، ألا وقد لعن الله الناظر والمنظور إليه ".

جبريل بن يحيى بن قرة

جبريل بن يحيى بن قرة ابن عبيد الله بن عتبة بن سلمة بن خويلد بن عامر بن عائذ بن كلب بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم أحمس بن الغوث أبو غالب البجلي الجرجاني. شهد حصار دمشق مع عبد الله بن علي، وولي بعض مغازي الروم في أيام المنصور، وولاه المهدي سمرقند. وفي سنة أربعين ومائة كتب أمير المؤمنين أبو جعفر إلى صالح بن علي يأمره ببناء مدينة المصيصة، فوجه جبريل بن يحيى فرابط بها حتى بناها، وفرغ منها سنة إحدى وأربعين ومائة. وقيل: إن صالح بن علي وجه جبريل بن يحيى الخراساني في سنة اثنتين وأربعين ومائة في جماعة من أهل خراسان إلى المصيصة، فبنى مدينتها القديمة وعمرها وأنزلها الناس. جبلة بن الأيهم بن جبلة ابن الحارث بن أبي شمر، واسمه المنذر بن الحارث، وهو ابن مارية ذات القرطين، وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، واسمه كعب بن عامر بن جارية بن امرئ القيس، ومارية هي بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ويقال جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، أبو المنذر الغساني الجفني. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: إنه أرسل إليه شجاع بن وهب يدعوه إلى الإسلام وكان منزله الجولان وغيره من أعامل دمشق، ودخل دمشق غير مرة، وأسلم ثم تنصر ولحق ببلاد الروم، وكان آخر ملوك غسان، وقيل: إنه لم يسلم قط.

روي في أحاديث دخل بعضها في بعض قالوا: وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وكتب بإسلامه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلماً حتى كان في زمن عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذا وطئ رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال: هذا لطم جبلة. قال: فيلطمه. قالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، فقالوا: أفما تقطع يده؟ قال: لا، إنما أمر الله بالقود، قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي نداً لوجه جديٍّ جاء من عمق؟! بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانياً، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر، فشق عليه، وقال لحسان بن ثابت: أبا الوليد أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم ارتد نصرانياً؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ولمَ؟ قال: لطمه رجل من مزينة. قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها. وقيل إن جبلة أقام على نصرانيته إلى أن شهد اليرموك مع الروم في خلافة عمر، ثم أسلم بعد ذلك. وقيل: إن جبلة لم يسلم البتة، وإنما سأل عمر أن لا يأخذ منه الجزية، ويقبل منه الصدقة، فامتنع عليه، فلحق بالروم، والأظهر أنه أسلم ثم تنصر. وقال سعيد بن عبد العزيز: قال عمر بن الخطاب لجبلة: يا جبيلة! فلم يجبه، ثم قال: يا جبلة! فلم يجبه مرتين، ثم قال: يا جبلة! فأجابه. قال: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تسلم فيكون لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وإما أن تؤدي الخراج، وإما أن تلحق بالروم. قال: فلحق بالروم. قال الكلبي: ذكروا أنه لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني من ملوك جفنة في خلافة عمر بن الخطاب، كتب إلى عمر يعلمه بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه، فلما وصل كتابه إلى عمر سره ذلك، وكتب إليه يأذن له في القدوم عليه، فخرج جبلة في خمسين ومائة رجل من أهل

بيته حتى إذا كانوا من المدينة على ميلين عمد إلى أصحابه فحملهم على الخيل وقلدهم قلائد الفضة وألبسهم الديباج وسرق الحرير، ولبس تاجه فيه قرطا مارية وهي جدته. قال: وبلغ عمر بن الخطاب، فبعث إليه بالنزل هناك، ثم دخل المدينة في هيئته. قال: فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إلى جبلة وموكبه، فأقبل حتى دخل على عمر بن الخطاب، فسلم عليه ورحب به عمر، وسر بإيلامه وقومه، ثم أقام أياماً، وأراد عمر الحج من عامة ذلك، فخرج جبلة معه مشهوراً بالموسم ينظر إليه الناس ويتعجبون من هيئته وكماله. قال: فبينا جبلة يطوف بالبيت إذ وطئ رجل من بني فزارة إزاره من خلفه فانحل، فما ورع جبلة أن رفع يده فهشم أنف الفزاري، فولى الفزاري والدماء تشخب من أنفه حتى استعدى عليه عمر بن الخطاب، فبعث إلى جبلة فأتاه، فقال له: يا جبلة هشمت أنف الرجل؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اعتمد حل إزاري، ولولا حرمة الكعبة لضربت بالسيف بين عينيه، فقال له عمر: أما أنت فقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإلا أقدته منك، قال: تصنع ماذا؟ قال عمر: إما أن يهشم أنفك كما هشمت أنفه، وإما أن ترضيه. قال جبلة: أو خطير هو لي؟ قال: تعم. قال: وكيف وأنا ملك وهو سوقة؟ قال عمر: الإسلام قد جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالعافية. قال جبلة: والله لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن سأكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. قال عمر: هو ما ترى إما أن تقيده أو ترضيه. قال جبلة: إذاً أتنصر. قال عمر: إن فعلت قتلتك. قال: لمَ؟ قال: لأنك قد دخلت في الإسلام فإن ارتددت قتلتك. قال: فلما رأى جبلة أن عمر لا تأخذه في الله لومة لائم وليست له حيلة، واجتمع من حي الفزاري وحي جبلة على باب عمر جمعٌ كثير حتى كادت تكون فتنة عظيمة، فقال: أنا أنظر في هذا الأمر ليلتي هذه، وانصرف إلى منزله، وتفرق الناس فلما ادلهم الليل عليهم تحمل جبلة في أصحابه من ليلته إلى الشام، وأصبحت المدينة منه ومن قومه بلاقع، ثم أتى الشام فتحمل في خمس مائة أهل بيت من عكٍّ وجفنة حتى دخل القسطنطينية في زمن هرقل فتنصر هو وقومه فلما رأى ذلك هرقل أقطعه حيث شاء وأجرى عليه من النزل ما شاء، وجعله من سماره ومحدثيه، وظن أنه فتحٌ من الفتوح عليه عظيم، فمكث دهراً، ثم إن عمر بدا له أن

يكتب إلى هرقل كتاباً يدعوه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام، فكتب إليه ووجه به مع رجلٍ من أصحابه، فأتى هرقل، فأعطاه كتاب عمر، فسر به وأجاب إلى كل خير من غير أن يجيب إلى الإسلام، ولما أراد صاحب عمر الخروج من عنده، قال هرقل يا عربي قال: قل ما تشاء؟ قال: هل لقيت ابن عمك؟ قال: من ابن عمي؟ قال: جبلة بن أيهم الغساني. قال: لا، قال: فالقه وانظر إلى حاله، قال صاحب عمر: فأتيت جبلة بن أيهم، فما إخالني رأيت بباب هرقل من السرور والبهجة ما رأيت بباب جبلة، فلما استأذنت عليه أذن لي، فدخلت، فقام إلي ورحب بي وألطفني وعانقني وعاتبني في ترك النزول عليه. قال: وإذا هو في بهوٍ عظيم فيه من التماثيل والهول ما لا أحسن أصفه، وإذا هو في جماعة على سريرٍ من ذهب وأربع قوائمه أسد من ذهب، وإذا هو رجلٌ أصهب ذو سبال، وإذا هو قد أمر بالذهب الأحمر فسحك فذر في لحيته، واستقبل مجلسه ذلك عين الشمس، فما أحسبني رأيت شيئاً قط أحسن منه، ثم أجلسني على شيءٍ لم أتبينه فلما تبينته إذا هو كرسيٌ من ذهب، فانحدرت عنه، فقال: ما لك؟ قلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن هذا وشبهه، قال: وسألني عن الناس، وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يتنهد حتى عرف الحزن فيه، فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك وإلى الإسلام؟ قال: بعد الذي كان! قلت: نعم، وكان الأشعث بن قيس الكندي ارتد عن الإسلام فضربهم بالسيف ومنعهم الزكاة ثم دخل في الإسلام وزوجه أبو بكر الصديق، فقال: دع هذا عنك، ثم أومأ إلى وصيفٍ قائمٍ على رأسه فولى يحضر فما شعرنا إلا بالصناديق يحملها الرجال، فوضعت أمامنا مائدةٌ من ذهب فاستعفيت منها، فأمر بمائدة خلنجٍ فوضعت أمامي، وسعى علينا من كل حارٍ وبارد في صحاف ذهبٍ وفضة، قال: وأداروا علينا الخمر فاستعفيت منها، فأمر برفعها، فلما فرغنا من الطعام، أتي بطشتٍ من ذهب وإبريق من ذهب فتوضأ، ثم أومأ إلى وصيفٍ له فولى يحضر، فما كان إلا هنيهة حتى أقبل عشرة جوارٍ فقعد خمسٌ على يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي العاج، قال: ثم سمعت وشوشةً خلفي، فإذا عشرٌ أخر لم أر مثلهنّ حسناً وجمالاً أفضل من الأول، فقعد خمسٌ عن يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي الخز والوشي، ثم أقبلت جارية من أحسن ما تكون من الجواري بطائرٍ

أبيض مؤدب، في يدها اليمنى جام ذهبٍ فيه مسكٌ وعنبر سحينان وفي يدها اليسرى جام من فضة فيه ماء ورد وزنبق لم أشم مثله فنفرت بالطائر فانحدر في جام الماورد والزنبق، فأعقب بين ظهره وبطنه وجناحيه فلم يدع منه شيئاً إلا احتمله، ثم نفرت به حتى سقط على صليبٍ في تاج جبلة، ثم رفرف بجناحيه فلم يبق عليه شيء إلا كان على جبلة على رأسه ولحيته. قال: ثم دعا بمكوكٍ طويل من ذهب شرب فيه خمسة خمراً أعدها عداً، ثم استهل واستبشر ثم قال للجواري: أطربنني قال: فخفقنا بعيدانهن، واندفعن يغنين: " من الكامل " لله در عصابةٍ نادمتهم ... يوماً بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يسقون من ورد البريص عليهم ... صهبا تصفق بالرحيق السلسل بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل قال: فطرب ثم قال: هل تعرف هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: قاله ابن الفريعة حسان بن ثابت شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا وفي ملكنا، قال: قلت: نعم أما إنه ضرير كبير، قال: ثم سكت هنية ثم قال: أطربنني، فخفقن بعيدانهن واندفعن يغنين: " من الخفيف " لمن الدار أقفرت بمعان ... بين فرع اليرموك فالصمان فالقريات من بلاس فداري ... افسكاء فالقصور الدواني فحمى جاسم إلى مرج ذي الصف ... ر مغنى قبائلٍ وهجان

تلك دار العزيز بعد ألوفٍ ... وحليلٍ عظيمة الأركان صلوات المسيح في ذلك الدي ... ر دعاء القسيس والرهبان ذاك مغنى لآل جفنة في الده ... ر محاه تعاقب الأزمان قال: هل تعرف هذه المنازل ومن قائلها؟ قلت: لا، قال: يقولها ابن الفريعة فينا وفي ملكنا ومنازلنا بأكناف غوطة دمشق حسان بن ثابت. قال: ثم سكت طويلاً، ثم قال: بكينني. قال: فوضعن عيدانهن، ونكسن رؤوسهن، واندفعن يقلن: " من الطويل " تنصرت الأشراف من عار لطمةٍ ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني فيها لجاجٌ ونخوةٌ ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ ... وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر قال: وانصرف الجواري وجعل يده على وجهه يبكي حتى نظرت إلى دموعه تحول لحيته كأنها فصيص اللؤلؤ. قال: وبكيت معه، ثم نشف دموعه بكمه ومسح وجهه، ثم قال: يا جارية هاتي، فأتته بخمس مائة دينار هرقلية، قال: ادفع به إلى حسان بن ثابت وأقرئه مني السلام، ثم قال: يا جارية هاتي، فأتته بخمس مائة دينار هرقلية قال: خذها صلة لك، فأبيت عليه، قلت: لا أقبل صلة رجلٍ ارتد عن الإسلام وأمير المؤمنين عليه ساخط، فحرص بي، فأبيت عليه، ثم ودع وقال: أقرئ عمر بن الخطاب مني والمسلمين السلام، ثم خرجت من عنده فأتيت عمر، فقال: هيه ما يصنع هرقل؟ فخبرته، ثم قال: هل لقيت جبلة بن أيهم الغساني؟ قلت: نعم قال: وتنصر؟ قلت: نعم. ال: أو رأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم، قال: أبعده الله، تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، فما الذي سرح به معك؟ قلت: وجه إلى حسان بن ثابت خمس مائة دينار،

جبلة بن سحيم أبو سويرة

واقتصصت عليه القصة من أولها إلى آخرها قال: هاتها، فدفعتها إليه، فقال: يا غلام ادع لي حسان بن ثابت، فدعي، فلما دخل عليه وكان ضريراً ومعه قائده، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين إني لأجد روائح آل جفنة عندك. قال: نعم، قد أتاك الله من جبلة بمعونة، ونزع لك منه على رغم أنفه، قال: فأخذها وولى وهو يقول: " من الكامل " إن ابن جفنة من بقية معشرٍ ... لم يغذهم أباؤهم باللوم لم ينسني بالشام إذ هو ربها ... لا لا ولا متنصراً بالروم يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المذموم وأتيته يوماً فقرب مجلسي ... وسقى فرواني من الخرطوم وقيل إن جبلة توفي في أول خلافة معاوية بأرض الروم سنة أربعين من الهجرة. جبلة بن سحيم أبو سويرة ويقال: أبو سريرة - براءين - التيمي، ويقال الشيباني الكوفي. قال جبلة: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا "، وقبض إبهامه في الثالثة. قال جبلة بن سحيم: دخلت على معاوية بن أبي سفيان وهو في خلافته وفي عنقه حبل وصبيٌ يقوده فقلت: يا أمير المؤمنين أتفعل هذا وأنت على أربع؟! فقال: يا لكع اسكت، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان له صبي فليتصاب له ". توفي جبلة بن سحيم في فتنة الوليد بن يزيد. وقال: وتوفي سنة خمسٍ وعشرين ومائة.

جبلة بن مطر

جبلة بن مطر قال جبلة بن مطر: سمعت فضالة بن عبيد يقول: كل ما رد عليك سيفك وصويلجانك. قال عبد الله بن يوسف: الصويلجان: المقراض. جبير بن الحويرث بن نقيذ ابن بجير بن عبد بن قصي بن كلاب، ويقال: الحويرث بن نقيذ بن عبد بن قصي القرشي. له رؤية وإدراك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليست له رواية عنه. حدث جبير بن الحويرث قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة ". قال جبير بن الحويرث: رأيت أبا بكر رضي الله عنه واقفاً على قزح وهو يقول: أيها الناس أصبحوا، أيها الناس أصبحوا، ثم دفع وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشفت مما يخرش بعيره بمحجنه. وفي حديث آخر: يعني من جمع. وقزح جبل المزدلفة. ويخرش أو يجرش بالجيم. قالوا: الخرش: الكد والاستحثاث، والمحجن: العصا المعوجة للرأس. وقد يكون المحجن الصولجان، والخرش أن يضربه بالمحجن ثم يجتذبه إليه يريد بذلك تحريكه للإسراع والسير. قال جبير بن الحويرث: حضرت يوم اليرموك المعركة، فلا أسمع للناس كلمة ولا صوتاً إلا نقف الحديد بعضه

بعضاً، إلا أني قد سمعت صائحاً يصيح يقول: يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا فيه بلاء حسناً، وإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان. قال الزبير بن بكار: والحويرث بن نقيذ بن بجير بن عبد بن قصي، كان ممن أهدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يوم فتح مكة، وكان مؤذياً لله ورسوله.

نجز الجزء الخامس ويتلوه في السادس إن شاء الله تعالى جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. /

جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب. أبو محمد - ويقال أبو عدي القرشي المكي له صحبة ورواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث جبير بن مطعم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يدخل الجنة قاطع ". وحدث جبير قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب بالطور، قال: فلما سمعته يقرأ: " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ". إلى قوله: " فليأت مستمعهم بسلطان مبين "، كاد قلبي يطير. وعن جبير قال: قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في فداء الأسرى، فاضطجعت في المسجد بعد العصر وقد أصابني الكرى فنمت، فأقيمت صلاة المغرب، فقمت فزعا بقراءة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المغرب: " والطور وكتاب مسطور ". فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد، فكان يومئذ أول ما دخل الإسلام قلبي. قال جبير بن مطعم: لما بعث الله عز وجل نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت

ببصرى أتتني جماعة من النصارى، قالوا: أمن الحرم أنت؟ قلت: نعم. قالوا: فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟ قلت: نعم. قال: فأخذوا بيدي، فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: انظر، هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم؟ فنظرت فلم أر صورته، قلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير، وإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير، فقالوا لي: انظر، هل ترى صورته؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصورته، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته، وهو آخذ بعقب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالوا لي: هل ترى صفته؟ قلت: نعم، فقلت: لا أخبرهم حتى أعرف ما يقولون، قالوا: أهو هذا قلت؟ وأشاروا إلى صفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: اللهم اشهد أنه هو، قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت: نعم، قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم، وأن هذا الخليفة من بعده وحدث جبير أيضاً قال: كنت أكره أذى قريش لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما ظننت أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير من الديارات، فذهب أهل الدير لرأسهم، فأخبروه فقال: أقيموا له حقه الذي ينبغي له ثلاثاً. فلما مرت ثلاث رأوه لم يذهب، فانطلقوا إلى صاحبهم فأخبروه فقال: قولوا له: قد أقمنا لك حقك الذي ينبغي لك، فإن كنت وصباً فقد ذهب وصبك، وإن كنت واصلاً فقد نأل لك أن تذهب إلى من تصل، وإن كنت تاجراً فقد نأل لك أن تخرج إلى تجارتك، قال: ما كنت واصلاً ولا تاجراً وما أنا بنصب، فذهبوا إليه فأخبروه فقال: إن له لشأناً فسلوه ما شأنه؟ قال: فأتوه فسألوه فقال: لا والله إلا أني في قرية إبراهيم، وابن عم يزعم أنه نبي فآذاه قومه وتخوفت أن يقتلوه، فخرجت لئلا أشهد ذلك. قال: فذهبوا إلى صاحبهم فأخبروه بقولي، قال: هلموا، فأتيته فقصصت عليه قصتي، فقال: تخاف أن يقتلوه؟ قلت: نعم، قال: وتعرف شبهه لو تراه مصوراً؟ قلت: نعم، عهدي به قريب، فأراه صوراً مغطاة، فجعل يكشف صورة صورة ثم يقول:

أتعرف؟ فأقول: لا، حتى كشفت صورة مغطاة، فقلت: ما رأيت شيئاً أشبه بشيء من هذه الصورة به، كأنه طوله وجسمه وبعد ما بين منكبيه، فقال: فتخاف أن يقتلوه؟ قال: أظنهم قد فرغوا منه. قال: والله لا يقتلوه ولنقتلن من يريد قتله، وإنه لنبي، وليظهرنه الله، ولكن قد وجب حقك علينا، فامكث ما بدا لك وادع بما شئت، قال: فمكثت عندهم حيناً ثم قلت: لو اطلعتهم فقدمت مكة فوجدتهم قد أخرجوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. فلما قدمت قامت إلي قريش فقالوا: قد تبين لنا أمرك وعرفنا شأنك، فهلم أموال الصبية التي عندك استودعكها أبوك، فقلت: ما كنت لأفعل حتى تفرقوا بين رأسي وجسدي، ولكن دعوني أذهب فأدفعها إليهم، فقالوا: إن عليك عهد الله وميثاقه ألا تأكل من طعامه. قال: فقدمت المدينة وقد بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فدخلت عليه، فقال لي فيما يقول: إني لأراك جائعاً، هلموا طعاماً. قلت: لا آكل حتى أخبرك، فإن رأيت أن آكل أكلت، قال: فحدثته بما أخذوا علي، قال: فأوف بعهدك ولا تأكل من طعامنا ولا تشرب من شرابنا. قال عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره: كان من إعطاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المؤلفة قلوبهم من أصحاب المئين من بني نوفل بن عبد مناف: جبير بن مطعم مئة من الإبل. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قريب مكة في غزوة فتح: إن بمكة أربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب لهم في الإسلام، فقيل: وما هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو. وعن جبير بن مطعم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أدخلوا علي ولا تدخلوا علي إلا بني عبد المطلب، فدخل جبير من تحت القبة فأخذوا برجله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرسلوه فإن ابن أخت القوم منهم. وعن جبير بن مطعم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: يا جبير، أتحب إذا خرجت سفراً أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زاداً؟

فقلت: نعم بأبي أنت وأمي، قال: فاقرأ هذه السورة: قل يا أيها الكافرون، وإذا جاء نصر الله والفتح، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وافتح كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم. قال جبير: وكنت غير كثير المال، فكنت أخرج مع من شاء الله في السفر، فكنت أبذهم هيئة أقلهم زاداً، فما زلت منذ علمنيهن وقرأتهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زاداً حتى في سفري ذلك وفي إقامتي، وما كان من أصحابي أحد أقل ديناً مني. كان جبير ابن مطعم من أنسب قريش لقريش وللعرب قاطبة، وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أنسب العرب. ولما أتي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر، دعا جبير بن مطعم فسلحه إياه ثم قال: يا جبير، ممن كان النعمان؟ قال: كان رجلاً من أشلاء قنص بن معد، وكان جبير أنسب العرب للعرب. كان مطعم بن عدي - أبو جبير - من أشراف قريش، وكان كافاً عن أذى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أسارى بدر: " لو كان مطعم بن عدي حياً لوهبت له هؤلاء النتنى "، وذلك ليد كانت لمطعم عند سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان أجاره حين رجع من الطائف، وقام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم حين حصروا في الشعب، وكان مبقياً على نفسه، لم يكن يشرف لعداوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولإيذائه ولا يؤذي أحداً من المسلمين كما كان يفعل غيره، ومدحه أبو طالب في قصيدة له. وتوفي مطعم بن عدي بمكة بعد هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنة واحدة، ودفن بالحجون، مقبرة أهل مكة، وكان يوم توفي ابن بضع وتسعين سنة. وكان يكنى أبا وهب. ورثاه حسان بن ثابت بقصيدته التي يقول فيها:

جبير بن نفير بن مالك بن عامر

فلو كان مجد يخلد اليوم واحداً ... من الناس أنجى مجده اليوم مطعما أجرت رسول الله منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبى ملب وأحرما تزوج جبير بن مطعم امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها، فقرأ: " إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ". قال: أنا أحق بالعفو منها، فسلم لها المهر كاملاً فأعطاها إياه. توفي جبير بن مطعم سنة ثمان وخمسين. وقيل سنة تسع وخمسين. جبير بن نفير بن مالك بن عامر أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله الحضرمي من أهل حمص. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدم دمشق وسمع بها. حدث جبير بن نفير عن النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تبارك وتعالى ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً على كنفي الصراط، سوران لهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور، وداع يدعو على رأس الصراط وداع من فوقه، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فالأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله، لا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف ستر الله، والذي يدعو من فوقه واعظ الله تبارك وتعالى ". حدث جبير بن نفير عن المقداد بن الأسود قال: جاءنا المقداد بن الأسود لحاجة له فقلنا: اجلس عافاك الله حتى نطلب لك حاجتك، فجلس فقال: العجب من قوم مررت بهم آنفاً يتمنون الفتنة، يزعمون ليبتليهم الله فيها بما ابتلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وأيم الله، لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن

السعيد لمن جنب الفتن، يوردها ثلاث مرات وإن ابتلي وصبر، وايم الله، لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم ما يقول عليه "، بعد حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياً ". قال جبير بن نفير: دخلت على أبي الدرداء بدمشق وبين يديه جفنة من لحم، فقال لي: ياجبير، اجلس فأصب من هذا اللحم، فإن كنيسة في ناحيتنا أهدى لنا أهلها مما ذبحوا لها، فجلست فأكلت معه. وقيل إن جبير بن نفير لم يلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه صحب الصحابة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل إنه أسلم في خلافة أبي بكر، وكان ثقة قيما يروي من الحديث. وحدث جبير بن نفير قال: أدركت الجاهلية وأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باليمن فأسلمنا. في حديث طويل. وحدث جبير بن نفير قال: قد استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحا وطالحا. حدث جبير بن نفير: أن يزيد بن معاوية كتب إلى معاوية فذكر أن جبير بن نفير قد نشر في أهل مصري حديثا، فقد تركوا القرآن، قال: فبعث إلى جبير، فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه، وأنكر بعضه، فقال معاوية: لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا، قال جبير: يامعاوية لاتطغ في، يامعاوية، إن الدنيا قد انكسرت عمادها، وانخسفت أوتادها، وأحبها أصحابها، قال: فجاء أبو الدرداء فأخذ بيد جبير فقال: والذي نفس أبي الدرداء بيده لئن كان تكلم به جبير لقد تكلم به أبو الدرداء، ولو شاء جبير أن يخبر أنه إنما

جحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس

سمعه من أبي الدرداء لفعل، ولو ضريتموه يامعاوية لضربكم الله بقارعة تحل بدياركم فتتركها منكم بلاقع. وعن جبير بن نفير قال: خمس خصال قبيحة في أصناف من الناس: الحدة في السلطان، والحرص في القراء، والفتوة في الشيوخ، والشح في الأغنياء، وقلة الحياء في ذوي الأحساب توفي جبير بن نفير سنة خمس وسبعين. وقيل سنة ثمانين. جحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس ابن سباع بن خزاعي بن محارب بن هلال بن فالج بن ذكوان ابن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور السلمي. قال الجحاف بن حكيم: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو خليفة فقال لي: ما قلت في حرب قيس وتغلب؟ قال: قلت: صبرت سليم للطعان وعامر ... وإذا جزعنا لم نجد من يصبر قال: كذبت من يصبر كثير. قال: ثم قلت: نحن الذين إذا غلوا لم يضجروا ... يوم الطعان وإن علوا لم يفخروا قال: صدقت، كذلك حدثني أبي عن أبي سفيان قال: لما انهزم الناس ورجعوا أشرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وادي حنين فبصر ببني سليم في أيديهم الجحف والرماح والسيوف ولم ينهزموا، فلما نظر إليهم على تلك الحال قال: أنا ابن العواتك من سليم ولا فخر.

قال الجحاف: وقد قال شاعرنا لبني هاشم: اذكروا حرمة العواتك منا ... يابني هاشم بن عبد مناف قد ولدنا كم ثلاث ولادا ... ت خلطنا الأشراف بالأشراف قال الحسن بن علان: الجحاف بن حكيم السلمي الذكواني الذي وقع ببني تغلب الوقعة المشهورة بالبشر فبقر بطون النساء، ثم خرج هاربا لعظم ما أتى إليهم، فحمل الحجاج بن يوسف تلك الحمالة لبني تغلب عنه، يقال إنه لم تكن حمالة قط أعظم منها. وروي أن عبد الله بن عمر رأى الجحاف وهو يطوف بالبيت ويقول: اللهم اغفر لي، وما أراك تفعل، فقال له: يا عبد الله، لو كنت الجحاف ما زدت على ما تقول، قال: فأنا الجحاف. حدث عمر بن عبد العزيز بن مروان: أنه حضر الجحاف بن حكيم السلمي والأخطل عند عبد الملك بن مروان والأخطل ينشد: ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر قال: فقيض وجهه في وجه الأخطل ثم قال: نعم سوف نبكيهم بكل مهند ... ونبكي عميراً بالرماح الخواطر يعني عمير بن الحباب السلمي، ثم قال: لقد ظننت يابن النصرانية أنك لم تكن تجترئ علي، ولو رأيتني لك مأسورا، وأوعده، فما زال الأخطل من موضعه حتى حم، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه. قال: هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه دائماً؟ فضحك عبد الملك.

وفي رواية: أن الجحاف كان عند عبد الملك بن مروان فدخل عليه الأخطل فأنشده: ألا أبلغ الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليم وعامر قال: وهم يأكلون تمرا، قال: فجعل الجحاف يأخذ التمرة ويجعلها في عينه من الغضب، ثم نهض وقد سقط رداؤه من جانب، وهو يجره، فقال عبد الملك للأخطل: ويحك إني أخشى أن تكون قد سقت إلى قومك شراً، فخرج الجحاف حتى أتى قومه وقد أوسق بغالا، فيها حصا في الأحمال يوهم أنها مال، ثم نادى في قومه فاجتمعوا إليه على أخذ الجائزة، فلما اجتمعوا كشف عما فيها فإذا هو الحصا، وقال: انما أردت أن أجمعكم لهذا، ثم أنشدهم قول الأخطل. قال: فمن أراد أن يتبعني فليتبعني، فاتبعه منهم عدة آلاف، فسار. فلما أمسى قال: من كان منكم مضعفا فليرجع، فرجع قوم ثم مضى فقال: من كان يكره الموت فليرجع، فرجع عنه قوم، فسار مسيرة أربع في يوم وليلة حتى صبح حي الأخطل، فأغار عليهم فقتل النساء والصبيان والماشية، وذبح الدجاج والكلاب، وأفلت الأخطل هاربا، فقال لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة ... إلى الله منها المشتكى والمعول وإلا تغيرها قريش بملكها ... يكن عن قريش مستماز ومزحل قال: فقيل له: إلى أين؟ قال: إلى النار، فقال له عبد الملك: يابن اللخناء أيكون عن قريش مستماز ومزحل؟ قال: ثم إن الجحاف خاف من عبد الملك، فخرج إلى بلاد الروم فقبله صاحب الروم، ثم إن عبد الملك وجه الصائفة فلقيهم الروم ولقيهم الجحاف مع الروم، فهزمت الصائفة. فلما رجعوا سأل عبد الملك عن الخبر فقالوا: أتينا من الجحاف، فبعث إليه عبد الملك يؤمنه فرجع وعرض عليه صاحب الروم النصرانية والمقام عنده ويعطيه ما شاء فأبى وقال: لم أخرج رغبة عن الإسلام، إنما خرجت حمية، فلما رجع تفكر فيما صنع وندم فدعا مولى له أو اثنين فركبا وركب معهما وقد لبس أكفانا حتى أتى إلى البشر إلى حي الأخطل، فلم يرعهم حتى جاءهم، فقالوا: قد أتى الجحاف فقالوا:

جدار بن جدار العذري الصنعاني

ما جاء بك؟ قال: أعطي القود من نفسي فإن شئتم فاقتلوا، فتسرع بعضهم، وقال مشايخهم: تجبذون عنقه في الحبل وتقتلونه أسيرا؟ لا كان هذا أبداً، فتركوه وعفوا عنه. قالوا: وقيل: إن الجحاف لما سار في جماعة من قومه إلى بني جشم بن بكر رهط الأخطل وأوقع بهم وقتل مقتلة عظيمة فيهم أبو الأخطل، وقع الأخطل في أيديهم وعليه عباءة دنسة، فسألوه فذكر أنه عبد فأطلقوه فقال: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة جدار بن جدار العذري الصنعاني صنعاء دمشق. كانت له بدمشق دار. حدث بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من هاله الليل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وجبن عن العدو أن يقاتله فليكثر أن يقول: سبحان الله وبحمده، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب وفضة ينفقان في سبيل الله. وحدث جدار أيضا أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت أبا الدرداء يقول: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يعلم أن للقرآن وجوها. جد بن قيس أحد العباد كان يكون بجبل لبنان من أعمال دمشق. قال جد بن قيس: كان أول عبادتي أني قعدت على جبل لبنان، فإذا أنا بثلاثة قبور على ارتفاع من الأرض فإذا على أحدها مكتوب:

جراح بن عبد الله بن جعادة

وكيف يلذ العيش من كان موقناً ... بأن إله الخلق لا بد سائله فيأخذ منه ظلمه لعباده ... وتجزيه بالخير الذي هو فاعله ورأيت على القبر الثاني مكتوبا: وكيف يلذ العيش من كان صائراً ... إلى جدث تبلي الشباب منازله ويذهب رسم الوجه من بعد حسنه ... فأين منه جسمه ومفاصله ورأيت على القبر الثالث مكتوبا: وكيف يلذ العيش من كان موقناً ... بأن المنايا بغتة ستعاجله وتسلبه ملكا عظيما ونخوة ... وتسكنه البيت الذي هو آهله جراح بن عبد الله بن جعادة ابن أفلح بن الحارث بن درة بن حدقة بن مظة، واسمه سفيان بن سليم بن الحكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، أبو عقبة الحكمي من قواد أهل الشام من دمشق. ولي البصرة في أيام الوليد بن عبد الملك للحجاج، ثم ولي العراق في أيام سليمان خلافة ليزيد بن المهلب، ثم ولي خرا سان وسجستان لعمر بن عبد العزيز، وولي عدة جهات وكان قارئا غازيا. قال الجراح بن عبد الله: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.

وفي رواية: تركت الذنوب حياء من الناس أربعين سنة. فلما جاوزت الأربعين أدركني الورع. فتركتها حياء من الله عز وجل. قال الوليد بن مسلم: كان الجراح بن عبد الله الحكمي إذا مشى في مسجد الجامع بدمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله. قال أبو عمرو: بعث الحجاج إذ كان يقاتل مصعباً والحرورية بالعراق إلى صاحب أهل دمشق، فلما أتاه قال له: اطلب لي من أصحابك رجلاً جليداً بئيساً ذا رأي وعقل، فقال: أصلح الله الأمير، ماأحسبني إلا وقد أصبته، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له الجراح، جلدا صحيح العقل يعد ذلك من نفسه، يعني البأس، قال: فابعث إليه، فلما رآه الحجاج قال له: ادن يا طويل، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد، ثم قال: اقعد فقعد تحك ركبته وليس عنده غيره، ثم قال له: قم الساعة إلى فرسك فاحسسه واعلفه وأصلح منه، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم، وتنظر إلى حالاتهم وماهم عليه، ثم تصحبني غداً، ولاتحدثن شيئا حتى تنصرف، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوقون له سألوه عن أمره فقال: سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتل لهم، ثم فعل ما أمره الحجاج، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له، فتوافقا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله، ثم نفر إلى المعسكر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به، ثم انصرف إلى القتيل فاحتز رأسه وأخذ سلاحه

وجذب فرسه وعلث الرأس في عنق فرسه، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت، وتشوف منتظراً الجراح وجعل يومئ بطرفه إلى الناحية التي يظن أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجراح يجذب الفرس، والرأس منوط في لبان فرسه، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفيه: فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم، ومالم تأمرني، حتى وقف بين يديه، فسلم ثم نزل. وحدث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له: انصرف، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة، فدلوا على رحله، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشاً وأقعدوا فيه الجارية، ثم أتوه فقالوا: انهض إلى صلة الأمير وكرامته. فلم يزل الجراح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد، قتلته الخزر سنة خمس ومئة. قال أبو حاتم: الجراح مولى مسكان أبي هانئ أبي أبي نواس، عني أبو نواس بقوله: يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم قال الصلت بن دينار: رأيت في المنام كأن رجلا قطعت يداه ورجلاه وآخر صلب، فغدوت على ابن سيرين فأخبرته بذلك فقال: إن صدقت رؤياك نزع هذا الأمير وقدم أمير آخر قال: فلم نمس من يومنا حتى نزع قطن بن مدرك وقدم الجراح بن عبد الله. كتب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة إلى عامله على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبل إسلامهم ووضع الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن توضع عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان،

فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؛ هم لو قد أسلموا كانوا إلى الطهرة أسرع، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف. قال السائب بن محمد: كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: سلام عليك، وبعد. فإن أهل خراسان قوم قد ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تلك فعل. قال: فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الجراح بن عبد الله: سلام عليك، أما بعد؛ فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لايصلحهم إلا السيف والسوط، وتسألني أن آذن لك فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم والسلام. وقتل الجراح لثمان بقين من رمضان سنة اثنتي عشرة ومئة، وغلبت الخزر على أذربيجان وساحت خيولهم حتى بلغوا قريباً من الموصل. وذكر الواقدي: أن البلاء كان بمقتل الجراح على المسلمين عظيما، فبكي عليه في كل جند من أجناد العرب ومصر من أمصار المسلمين. حدث إسماعيل بن عبيد الله مولى الحارث بن هشام، قال: قدمت علينا امرأة يمانية عليها ثياب اليمن فقالت: هل تعرفون أبا المقدام رجاء بن حيوة؟ قلنا: نعم. قالت: رأيت رجلا في النوم فقال: أنا أبو المقدام رجاء بن حيوة فقلت: ألم تمت؟ قال: بلى، ولكن نودي في أهل الجنة أن يتلقوا روح الجراح بن عبد الله الحكمي، وذلك قبل أن يأتيهم نعي الجراح، فكتبوا الوقت، فجاءهم أن الجراح قد قتل يومئذ بأرمينية، جاشت عليه الخزر فقتلوه. قال أبو مسهر: قال الجراح يوم قتل لأصحابه: أيها القواد وأمراء الأجناد، فيم اهتمامكم؟! غدوتم

جرجة بن عبد الله الرومي

أمراء وتروحون شهداء، اللهم اذ رفعت عنا النصر فلا تحرمنا الصبر والأجر ثم قال: لم يبق إلا حسبي وكفني ... وصارم تلذه يميني وقاتل حتى قتل. وأنشد أبو مسهر للفرزدق من أبيات: لقد صبر الجراح حتى مشت به ... إلى رحمة الله السيوف الصوارم جرجة بن عبد الله الرومي أسلم على يدي خالد بن الوليد يوم اليرموك وحسن إسلامه، وقاتل الروم فاستشهد في يومه. وكان قائدا من قواد الروم وخرج يوم اليرموك حتى كان بين الصفين، ونادى: ليخرج إلي خالد، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال جرجة: يا خالد، اصدقني ولا تكذبني، فان الحر لا يكذب، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على جند أبدا إلا هزمتهم؟ فقال: لا. قال: فبم سميت سيف الله؟ فقال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعانا فنفرنا منه ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا كذبه وباعده، فلما ناوأنا كنا على ذلك، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله، ثم إن الله عز وجل أخذ بقلوبنا ونواصينا إليه، فهدانا به فتابعناه فقال: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين. قال: صدقتني. ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد، أخبرني إلام تدعون؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله. قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعكم. قال: فمن لم يعط هذا؟ قال: نؤذنه بحرب ثم نقاتله.

جرول بن أوس بن جؤية

قال: فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله عز وجل علينا، شريفنا ووضيعنا، أولنا وآخرنا. ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد، هل لمن دخل فيكم اليوم مثل مالكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم، وأفضل. قال: وكيف يساوى بكم وقد سبقتموه؟ فقال: إنا دخلنا في هذا الأمر، وبايعنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حي بين أظهرنا تأتينا أخبار السماء، ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا منزلة. قال جرجة بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني؟ فقال: بالله لقد صدقتك ومالي إليك، ولا إلى أحد منكم وحشة، وإن الله لولي ما سألت عنه. فقال: صدقتني، وقلب الترس ومال مع خالد وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة، ثم صلى به ركعتين. وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد، وهم يرون أنها حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام، وركب خالد ومعه جرجة، والروم خلال المسلمين فتنادى الناس وثابوا، وتراجعت الروم إلى مواقفهم، فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضرب فيهم خالداً وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما. جرول بن أوس بن جؤية ويقال: جرول بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر - أبو مليكة العبسي، المعروف بالحطيئة: والحطيئة يهمز ولا يهمز، فمن همزه جعله تصغير الحطأة وهي الضربة باليد، ومن لم يهمزه جعله من الحطأة وهي القملة الصغيرة، شبه بها لقصره وقربه من الأرض. وكان جوالا في الآفاق يمتدح الأماثل ويستجديهم.

وقدم حوران ممتدحا لعلقمة بن علاثة فمات علقمة قبل أن يصل إليه ولما أطلق عمر بن الخطاب الحطيئة من حبسه قال له: يا أمير، المؤمنين، اكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة لأقصده به، فقد منعتني التكسب بشعري، فقال: لا أفعل. فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم، وإنما هو رجل من المسلمين، قال: فشفع له إليه، فكتب له ما أراد. فمضى الحطيئة بالكتاب، فصادف علقمة قد مات، والناس منصرفون عن قبره، فوقف عليه ثم أنشده قوله: لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى أعلقته الحبائل فإن تحي لا أملك حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل وما كان بيني لو لقيتك سالما ... وبين الغنى إلا ليال قلائل فقال له ابنه: كم ظننت علقمة يعطيك؟ قال: مئة ناقة يتبعها مئة من أولادها. فأعطاه إياها. وقيل إنه بلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده. قال محمد بن سلام: قال الحطيئة لكعب بن زهير: قد علمت انقطاعي إليكم أهل البيت وروايتي إليك ولك، فشرفني بأبيات تقولها فيّ. فقال كعب بن زهير: فمن للقوافي بعدنا من يقيمها ... إذا ما ثوى كعب وفوز جرول يقول فلا يعيا بشيء يقوله ... ومن قائليها من يسيء ويعمل جرول هو الحطيئة، والجرول: الحجر وهو الجراول. ويقال أرض جرلة. قال الأصمعي: قيل للحطيئة: من أشعر الناس؟ فأخرج لسانه وقال: هذا إذا طمع.

قال الشعبي: كان الحطيئة وكعب عند عمر رضي الله عنه فأنشد الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس فقال كعب: هي والله في التوراة، لا يذهب العرف بين الله وبين خلقه. أراد الحطيئة المضي إلى بعض ملوك اليمن لقصيدة كان امتدحه، فأمر أهله فشدوا رحله على ناقته، ثم ركبها وأنشأ يقول: عدي السنين إذا خرجت لغنية ... ودعي الشهور فإنهن قصار فأجابته بنية له في الخدر فقالت: اذكر تحنننا إليك وضعفنا ... وارحم بناتك إنهن صغار قال: فحط رحله وأمسك عن ذكر الأسفار. نزل الحطيئة برجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما جنه الليل سمع غناء فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، قال له: وما تكره من ذلك؟ فقال: إن الغناء رائد من رائدة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه - يعني ابنته - فإن كففته، وألا خرجت عنك. قالت مليكة بنت الحطيئة لأبيها: ما أصارك إلى القصار في الشعر بعد الطوال؟ قال: لأنها في الآذان أولج، وفي المحافل أجول، وعلى القلوب أسهل، وبأفواه الرجال أعلق. قال حماد الراوية: أفضل بيت روي من أشعار العرب بيت الحطيئة حيث يقول: يقولون تستغني ووالله ما الغنى ... من المال إلا ما يعفو وما يكفي

وأنشد أحمد بن عباد التميمي للحطيئة يعدد محاسن قوم، قيل: إنه يعني آل منظور بن زبان بن سيار بن عمر الفزاريين: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والحقد أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا لما نزل بعبد الله بن شداد الموت، دعا ابناً له يقال له محمد فأوصاه، وكان فيما أوصاه أن قال: يا بني أرى دواعي الموت لا تقلع، ومن مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع. وإني أوصيك بوصية فاحفظها: عليك بتقوى الله، وليكن أولى الأمر بك الشكر لله وحسن الثناء عليه في السر والعلانية، واعلم أن الشكور مزيد والتقوى خير زاد، فكن يا بني كما قال الحطيئة العبسي: ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيد وما لا بد أن يأتي قريب ... ولكن الذي يمضي بعيد كان سبب هجائه للزبرقان أنه صادفه بالمدينة وكان قدمها على عمر، فقال الحطيئة: وددت أني أصبت رجلاً يحملني وأصفيه مديحي وأقتصر عليه. قال الزبرقان: قد أصبته، تقدم على أهلي فإني على إثرك. فتقدم فنزل بحماه، وأرسل الزبرقان إلى امرأته أن أكرمي مثواه. وكانت ابنته مليكة جميلة، فكرهت امرأته مكانها فظهرت منها لهم جفوة - وبغيض بن عامر بن لأي بن شماس - أحد بني قريع بن عوف، ينازع يومئذ الزبرقان الشرف، والزبرقان أحد بني بهدلة بن عوف، أرسخ في الشرف من الزبرقان،

وقد ناوأه الزبرقان ببدنه حتى ساواه بل اعتلاه، فاغتنم بغيض وأخواه علقمة وهوذة ما فيه الحطيئة من الجفوة، فدعوه إلى ما عندهم فأسرع، فبنوا عليه قبة ونحروا له وأكرموه كل الإكرام وشدوا بكل طنب من أطناب خبائه جلة من برني هجر. قال: والمخبل شاعر مفلق وهو ابن عمهم يلقاهم إلى أنف الناقة، وهو جعفر بن قريع. قال: وقدم الزبرقان أسيفاً عاتباً على امرأته، مدح بني قريع وذم الزبرقان، فاستدعى عليه الزبرقان إلى عمر فأقدمه عمر وقال للزبرقان: ما قال لك؟ قال: قال لي: دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي قال عمر لحسان: ما تقول؟ أهجاه؟ وعمر يعلم من ذلك ما يعلم حسان، ولكنه أراد الحجة على الحطيئة، فقال: ذرق عليه. فألقاه عمر في حفرة اتخذها محبساً فقال الحطيئة: ماذا تقول لأفراخ بذي أمج........... قال أسلم: أرسل عمر إلى الحطيئة الشاعر وأنا عنده، وقد كلمه عمرو بن العاص وغيره من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجه من السجن فقال: ماذا تقول لأفراخ بذي أمج ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر هداك مليك الناس يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر فامنن على صبية بالرمل مسكنهم ... بين الأباطح يغشاهم بها القرر أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية تعيا بها الخبر قال: فبكى عمر حين قال له:؟؟؟ ماذا تقول لأفراخ بذي أمج............. فقال عمرو: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة، فقال عمر: علي بالكرسي، فوضع له فجلس عليه وقال: أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر ويشبب بالحرم ويمدح الناس ويذمهم بما ليس فيهم، ما أراني إلا قاطعاً لسانه. ثم قال: علي بالطست فأتي به، ثم قال: علي بالمخصف، علي بالسكين، علي بالموسى، فقالوا: لا يعود يا أمير المؤمنين، وأشاروا عليه قل. لا أعود يا أمير المؤمنين، فقال لا أعود يا أمير المؤمنين. قال له: النجاء. فلما أدبر قال: يا حطيئة، كأني بك وأنت عند فتى من فتيان قريش، قد بسط لك نمرقة وكسر لك أخرى وأنت تغنيه بأعراض المسلمين! قال أسلم: فدخلت على عبيد الله بن عمر بعد أن توفي عمر وعنده الحطيئة، وقد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وهو يغنيه. فقلت: يا حطيئة، أما تذكر ما قاله عمر؟ قال: فارتاع لها وقال: رحم الله ذلك المرء، لو كان حياً ما فعلنا هذا. فقال عبيد الله: وما قال؟ قلت: قال: كذا وكذا، فكنت أنت ذلك الفتى. ولما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص يا أبا مليكة، قال: نعم، أخبروا الشماخ أنه أشعر غطفان. قالوا: فأوص في مالك، قال: نعم، ما لي للذكور دون الإناث. قالوا: فأوص للمساكين. قال: أوصيهم بإلحاف المسألة. قالوا: فأعتق غلامك يساراً. قال: اشهدوا أنه

جرول بن جنفل

مملوك ما بقي. قالوا: فما توصينا بشيء؟ قال: بلى، احملوني على حمار، فإنه لم يمت عليه كريم قط، فلعلي لا أموت. قالوا: يا أبا مليكة، أي العرب أشعر؟ قال: هذا الجحير إذا طمع في خير، وأشار إلى فيه ولسانه، ثم استعبر وبكى، فقالوا: ما يبكيك؟؟ أفزعاً من الموت؟ سوءة لك؟ قال: لا، ولكني أبكي للشعر من راوية السوء. ثم لم يلبث أن مات، فبلغ ذلك الشماخ فقال: ليبك على الشعر الرواة فقد مضى ... وفارق إذ مات الحطيئة جرول وأودى فما أبقى مقالاً لشاعر يقوم ليبلى من يشا أو يعدل مضى ذا وهذا والسلام عليهما ... وكل عليه سوف يبكي ويعول جرول بن جنفل ويقال: ابن جنقل بالقاف، والأول أصح - أبو توبة النميري الحراني المعلم، قدم دمشق وحدث بها. روى عن سعيد بن سنان الحمصي عن عمرو بن عريب عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله تعالى: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم " قال: " هم الجن، ولن تخبل الجن رجلاً في داره فرس عتيق ". وحدث عن خليد بن دعلج الموصلي عن قتادة بن دعامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ادهن أحدكم فليبدأ بحاجبيه فإنه يذهب بالصداع ". أو قال ينفع من الصداع. قدم جرول بن جنفل حمص، فأتى بقية بن الوليد فقال له: ما اسمك؟ قال: جرول. قال: ابن من؟ قال ابن جنفل. قال: أبو من؟ قال: أبو تيفل. فقال له:

جرير بن عبد الله بن جابر

تب إلى الله تعالى من هذه الأسماء. قال: قد تبت فكنني، قال: أنت أبو توبة فكان يكنى بها. جرير بن عبد الله بن جابر ابن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف بن خزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعيد بن مالك بن نذير بن قسر، وهو مالك بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث ابن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو عمرو وقيل أبو عبد الله البجلي القسري. صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه أحاديث صالحة. قدم دمشق رسولاً من علي عليه السلام إلى معاوية، وقدم على معاوية مرة أخرى في خلافته. حدث جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النصح لكل مسلم. حدث جرير بن عبد الله قال: بعثني علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان يأمره أن يبايع هو ومن قبله، قال: فخرجت لا أرى أحداً سبقني إليه حتى قدمت على معاوية، وإذا هو يخطب الناس وهم حوله يبكون حول قميص عثمان، وهو معلق في رمح، فدفعت إليه كتاب علي، ومثل رجل إلى جنبي كان يسير بمسيري، ويقوم بمقامي لا أشعر به فقال لمعاوية: إن بني عمك عبد المطلب ... هم قتلوا شيخكم غير كذب وأنت أولى الناس بالوثب فثب ... واغضب معاوي للإله وارتقب بادر بخيل الأمه الغار الأشب ... بجمع أهل الشام ترشد وتصب وسر مسير المحزئل المتلئب ... وهزهز الصعدة للبأس الشغب

قال ثم دفع إليه كتاباً من الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه فإذا فيه: معاوي إن الملك قد جب غاربه ... وأنت بما في كفك اليوم صاحبه أتاك كتاب من علي بخطة ... هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه فإن كنت تنوي أن تجيب كتابه ... فقبح ممليه وقبح كاتبه وإن كنت تنوي ترك رجع جوابه ... فأنت بأمر لا محالة راكبه فألق إلى الحي اليمانين كلمة ... تنال بها الأمر الذي أنت طالبه تقول أمير المؤمنين أصابه ... عدو وما لا هم عليه أقاربه وكنت أميراً قبل بالشام فيكم ... وحسبي من الحق الذي هو واجبه فجيئوا ومن أرسى ثبيراً مكانه ... ندافع بحراً لا ترد غواربه فأكثر وأقلل ما لها الدهر صاحب ... سواك فصرح لست ممن تواربه قال: فقال: أقم، فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا. قال: فأقمت أربعة أشهر، ثم جاءه كتاب من الوليد بن عقبة فيه: ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم قطعت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر في دمشق وما تريم فإنك والكتاب إلى علي ... كرابعة وقد حلم الأديم فلو كنت القتيل وكان حياً ... لشمر لا ألف ولا سؤوم فلما جاءه كتابه وصل ما بين طومارين، ثم طواهما أبيضين، وكتب عنوانهما: من

معاوية بن أبي سفيان، إلى علي بن أبي طالب، ودفعهما إلي، وبعث معي رجلاً من عبس، لا أدري ما مع العبسي، قال: فقدمنا الكوفة فاجتمع الناس إلى علي في المسجد، ولا يشكون أنها بيعة أهل الشام، فلما فتح الكتاب لم يوجد شيء، وقام العبسي فقال: من ها هنا من أفناء قيس، إني أخص من قيس غطفان، وأخص من غطفان عبساً، وإني أحلف بالله لقد تركت تحت قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ، خاضبي لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلن قتلته، وإني أحلف بالله ليقتحمنها عليكم ابن أبي سفيان بأكثر من أربعة آلاف من خصيان الخيل، في ظنكم بعد بما فيها من الفحول! فقال له قيس بن سعد: يا أخا عبس لا نبالي بخصيان خيلك ولا ببكاء كهولك، ولا يكون بكاؤه بكاء يعقوب على يوسف. ثم دفع العبسي كتاباً من معاوية فيه: أتاني أمر فيه للناس غمة ... وفيه اجتداع للأنوف أصيل مصاب أمير المؤمنين وهذه ... تكاد لها صم الجبال تزول فلله عينا من رأى مثل هالك ... أصيب بلا ذنب وذاك جليل دعاهم فصموا عنه عند دعائه ... وذاك على ما في النفوس دليل ندمت على ما كان من تبع الهوى ... وحسبي منه حسرة وعويل سأبغي أبا عمرو بكل مهند ... وبيض لها في الدار عين صليل فأما التي فيها المودة بيننا ... فليس إليها ما حييت سبيل سألقحها حرباً عواناً ملحة ... وإني بها من عامها لكفيل قال: فأمر علي قيس بن سعد أن يجيبه في كتابه، فكتب إليه قيس: معاوي لا تعجل علينا معاويا ... فقد هجت بالرأي السخيف الأفاعيا وحركت منا كل شيء كرهته ... وأبقيت حزات النفوس كما هيا بعثت بقرطاسين صفرين ضلة ... إلى خير من يمشي بنعل وحافيا مضى أو بقي بعد النبي محمد ... عليه سلام الله عوداً وباديا ألا ليت شعري والأماني ضلة ... على أي ما تنوي أردت الأمانيا

على أن فينا للموارث مطمعاً ... وأنك متروك بشامك عاصيا أبى الله إلا أن ذا غير كائن ... فدع عنك ما منتك نفسك خاليا وأكثر وأقلل إن شامك شحمة ... يعجلها طاه يبادر شاويا من العام أو من قابل كل كائن ... قريب وأبعد بالذي ليس جائيا حدث قيس قال: قال جرير لعبد الله بن رباح: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ". فكتب معاوية: أن أرسل إلي جريراً على المربد فأتاه فقال: أنت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله "؟ قال: نعم. قال: لا جرم لا أغزي جيشاً وراء الدرب في شتاء أبداً. وبعث إليهم بطعام ولحف. قيل إن جريراً تنقل من الكوفة إلى قرقيسياء وقال: لا أقيم ببلدة يشتم فيها عثمان. وتوفي في زمن معاوية بعد الخمسين، يقال سنة إحدى وخمسين. وقيل: مات سنة أربع وخمسين. وكان سيداً في قومه، وبسط له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوباً ليجلس عليه وقت مبايعته له، وقال لأصحابه: " إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه "، وجهه إلى الخلصة طاغية دوس فهدمها. ودعا له حين بعثه إليها، وشهد جرير مع المسلمين يوم المدائن وله فيها أخبار مأثورة. وجرير هذا هو الذي يقول له الشاعر: لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله قال جرير: لما دنوت من مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنخت راحلتي وحللت عيبتي فلبست

حلتي، فدخلت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فسلم علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرماني الناس بالحدق فقلت لجليسي: يا عبد الله، هل ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمري شيئاً؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، بينا هو يخطب إذ عرض له في خطبته قال: " إنه سيدخل عليكم من هذا الباب، أو من هذا الفج، من خير ذي يمن، وإن على وجهه لمسحة ملك ". قال: فحمدت الله على ما أبلاني. قال جرير: ما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا تبسم في وجهي. في حديث. حدث عبد الله بن ضمرة أنه بينما هو ذات يوم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعة من أصحابه أكثرهم اليمن، إذ قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيطلع عليكم من هذه الثنية خير ذي يمن "، فبقي القوم كل رجل منهم يرجو أن يكون من أهل بيته، فإذا هم بجرير بن عبد الله قد طلع عليهم من الثنية، فجاء حتى سلم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى أصحابه، فردوا عليه بأجمعهم السلام، ثم بسط له عرض ردائه وقال له: على ذا يا جرير فاقعد. فقعد معهم ثم قام وانصرف. فقال جماعة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد رأينا اليوم منك منظراً لجرير ما رأينا منك لأحد، قال: " نعم، هذا كريم قوم. إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وقال عدي بن حاتم: لما دخل جرير على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألقى له وسادة فجلس على الأرض، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً "، فأسلم. من حديث. وفي حديث: قال جرير: فبسط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فبايعني وقال: " على أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح المسلم، وتطيع الوالي، وإن كان عبداً حبشياً ". فقال: نعم. قال: فبايعه. حدث عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الفجر لم يرم مجلسه حتى تطلع الشمس، فقال لنا ذات يوم حين طلعت الشمس: " يطلع عليكم من هذا الفج خير ذي يمن، على وجهه مسحة

ملك ". فطلع جرير بن عبد الله البجلي ثم القسري على راحلته حتى نزل على باب المسجد، ثم دخل فقال: يا معشر قريش، أين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: هذا هو، يعني نفسه عليه السلام، ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: " أتاكم أهل اليمن، وهم أرق أفئدة. الإيمان يمان والحكمة يمانية والغلظة والقسوة والكبرياء والفخر والجفاء عند أصحاب الوبر والصوف، نحو هذا المشرق في ربيعة ومضر ". فلما جلس جرير بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: ما اسمك؟ قال: أنا جرير بن عبد الله البجلي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جرير، إنك لن تدرك شريعة الإسلام، ولن تدرك حقيقة الإيمان حتى تترك عبادة الأوثان ". قال جرير: يا رسول الله، قد أسلمت، فادعوا الله أن يشرح قلبي للإسلام. قال: " اللهم، اشرح قلبه للإيمان، ولا تجعله من أهل الردة، ولا تكثر له فيطغى، ولا تملي عينيه فينسى "، قال جرير: يا رسول الله، حدثني عما جئت أسألك عنه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسأل عن حق الوالد على ولده، وحق الولد على والده. وإن من حق الوالد على ولده أن يخشع له عند الغضب، ويؤثره عند الشكاية والوصب، فإن المجافي ليس بالواصل، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها. ومن حق الولد على والده أن لا يجحد نسبه، وأن يحسن أدبه ". قال جرير: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هذا - والله الذي بعثك نبياً - الذي جئت له، وأنا أريد أن أسألك عنه، آمنت بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين منزلك يا جرير؟ قال: نحن بأكناف بيشة بين سلم وأراك وسهل ودكداك وحمض وعلاك،

في نخلة وضالة ونجمة وأثلة، ونجل وتالة. ربيعنا مريع، وشتاؤنا ربيع، وماؤنا نبيع، لا يقام ماتحها ولا يحسر مائحها ولا يعزب سارحها، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " خير الماء الشبم، وأفضل الأموال الغنم، وأجود المراعي الأراك والسلم. وإذا أخلف كان لجينا، وإذا سقط كان درينا، وإذا أكل كان لبينا. قال جرير: يا رسول الله، أخبرني عن السماء الدنيا والأرض السفلى. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وماء، ثم رفعها وجعل فيها سراجاً مضيئاً، وقمراً منيراً، وزينها بمصابيح النجوم، وجعلها رجوماً للشياطين، وحفظها من كل شيطان رجيم. وأما الأرض السفلى، فإن الله تعالى خلقها من الزبد الجفاء والماء الكباء، حملها على ظهر حوت، تحته ملك على صخرة يتفجر منها الماء، لو انخرق منها خرق لأذهب من على ظهر الأرض سبحان خالق النور. قال جرير: يا رسول الله، ابسط يدك أبايعك على الإسلام فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتسمع وتطيع الوالي وإن كان حبشياً، قال جرير: نعم

يا رسول الله. فبايعه، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جرير ما فعل قومك؟ قال: يا رسول الله، ليس ينتظرون أحداً غيري. قال: فانطلق فادعهم إلى الإسلام. فخرج جرير حتى أتى بلاد قومه فسار فيهم حياً حياً، ودعاهم إلى الإسلام، وأمرهم بالهجرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أول من أجابه إلى ذلك قيس بن غزية الأحمسي ثم الذهني، وهو أبو عروة. وروي عن جرير بن عبد الله قال: كنت لا أثبت على الخيل، فشكوت ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً، فما قلعت عن فرسي بعد ذلك. وفي حديث آخر: فقال لي بعد إسلامي: يا جرير، إن ربي قد أعلمني أن إبليس قد أيس من أن تعبد الأصنام في أرض العرب، فتهيأ حتى تسير إلى بيت قومك خثعم ذي الخلصة فتدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وعلى أن تكسر أصنامهم وتحرق بيتهم، قال: فقلت: يا رسول الله؛ إني رجل قلع: لا أثبت في السرج، قال: فادن إلي، قال: فدنوت إليه، فضرب في صدري وقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً. قال: ثم ندب الناس معي فانتدب معي مئتان جلهم من أحمس، وانطلقت. حدث إبراهيم قال: توضأ جرير ثم مسح على خفيه، فقيل له: أتمسح على خفيك! قال: ومالي لا أمسح، وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح! قال: فكان حديث جرير أوثق حديث في المسح، لأنه أسلم في العام الذي قبض فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد نزول المائدة. وعن جرير بن عبد الله قال: ما حجبني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك.

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تسبوا جرير بن عبد الله، إن جريراً منا أهل البيت. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جرير بن عبد الله منا أهل البيت ظهر لبطن ظهر لبطن ظهر لبطن. وعن جرير قال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما بايعت عليه النساء، لمن مات منا ولم يأت شيئاً ضمن له الجنة، ومن مات منا وأتى شيئاً منهن فأقيم عليه الحد فهو كفارته، ومن مات منا وأتى شيئاً منهن فستر عليه فعلى الله عز وجل حسابه. وروي عن جرير أنه كان إذا باع رجلاً قال له: إن الذي آخذ منك أحب إليك من الذي أعطيك، فقال له بنوه: إذا فعلت لم ترتفع إلى بيع سلعة، فقال: إني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الإسلام والنصح لكل مسلم. وعن جرير قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فأحسن خلقك. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن جريراً يوسف هذه الأمة، يعني حسنه. وعن عبد الملك بن عمير قال: رأيت جرير بن عبد الله وكأن وجهه شقة قمر. وقال عبد الله بن عمير: رأيت جرير بن عبد الله يخضب لحيته بالزعفران. وحدث ابن لجرير قال: كان نعل جرير بن عبد الله طولها ذراع.

وعن جرير قال: تنفس رجل ونحن خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصلي، وفي رواية يعني: أحدث، فلما انصرف قال: اعزم على صاحبها إلا قام فتوضأ وأعاد الصلاة، قال: فلم يقم أحد. قال جرير: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تعزم عليه، ولكن اعزم علينا كلنا فتكون صلاتنا تطوعاً وصلاته الفريضة، قال عمر: فإني أعزم عليكم وعلى نفسي قال: فتوضأ وأعادوا الصلاة. وفي حديث بمعناه فقال: يرحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام. وفي رواية فقال: رحمك الله إن كنت لسيداً في الجاهلية، فقيها في الإسلام. وعن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له - والناس يتحامون العراق وقتال الأعاجم -: سر بقومك، فما غلبت عليه فلك ربعه، فلما جمعت الغنائم غنائم جلولاء. ادعى جرير أن له ربع ذلك كله، فكتب سعد رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب عمر رضي الله عنه: صدق جرير، قد قلت ذلك له، فإن شاء أن يكون قاتل هو وقومه على جعل فأعطوه جعله، وأن يكون إنما قاتل لله ولدينه وجاهد فهو رجل من المسلمين له مالهم وعليه ماعليهم. وكتب عمر رضي الله عنه بذلك إلى سعد رضي الله عنه، فلما قدم الكتاب على سعد دعا جريراً فأخبره ما كتب به إليه عمر، فقال جرير: صدق أمير المؤمنين، لاحاجة لي به، بل أنا رجل من المسلمين لي مالهم وعلي ماعليهم. وقال ابن عباس رضي الله عنه: جرير بن عبد الله ذهبت عينه بهمذان حيث وليها في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه. ومات جرير سنة إحدى وخمسين.

جرير بن عبد الله بن عنبسة

وعن محمد بن سلام قال: قال جرير بن عبد الله - وسأله رجل حاجة فقضاها فعاتبه بعض أهله فقال -: المال ودائع الله في الدنيا ونحن وكلاؤها، فمن غرثان نشبعه، ومن ظمآن نرويه. وقيل: مات جرير سنة أربع وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين. جرير بن عبد الله بن عنبسة أظنه ابن سعيد بن العاص بن سعيد العاص بن أمية بن عبد شمس المدني، وفد على هشام بن عبد الملك. حدث جرير بن عبد الله قال: خرجت مع أبي إلى هشام بن عبد الملك فقدمنا عليه، فبعث إلى أبي بألطاف فيها شراب، وكتب إليه رقعة يصف له الشراب ومنفعته ويقول: شراب عمل لي يدعى الرساطون. قال: فلما خرجت رسله الذين حلوا الألطاف قال أبي: إنا لله، خدع والله أمير المؤمنين بها، فأمر بالقوارير فكدرت في البلاعة. جرير بن عبد المسيح بن عبد الله ابن زيد بن دوفن بن حرب بن وهب بن جلى بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار بن معد ابن عدنان الضبعي المتلمس شاعر مشهور جاهلي. قدم دمشق هارباً من عمرو بن هند. وذكر دمشق وبصرى في شعره.

والمتلمس خال طرفة بن العبد، وكان سيداً، وإنما سمي المتلمس لقوله: فهذا أوان العرض جن ذبابه ... زنابيره والأزرق المتلمس روى أبو مسلم الخطابي في حديث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كتب لعيينة بن حصين كتاباً. فلما أخذ كتابه قال: يا محمد، أتراني حاملا إلى قومي كتابا كصحيفة المتلمس. يقول: لا أحمل إلى قومي كتابا لاعلم لي بمضمونه. وكان من قصة المتلمس وصحيفته أنه وطرفة بن العبد كانا ينادمان عمرو بن هند ملك الحيرة فهجواه. وفي حديث: فبينما طرفة يوما يشرب معه في يده جام من ذهب فيه شراب أشرفت أخت عمرو فرأى طرفة خيالها في الإناء فقال: ألا يا بأبي الظبي الذي يبرق شنفاه ... ولولا الملك القاعد قد ألثمني فاه فسمعها عمرو فاصطنعها عليه، وأمسكها في نفسه، وقد كان هجاه فمما قاله فيه: وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثاً حول قبتنا تخور وكان المتلمس قال في عمرو أيضاً شعراً كان يتوعده فيه، فبلغ ذلك عمراً، فهم عمرو بقتل المتلمس وطرفة، ثم أشفق من ذلك وأراد قتلهما بيد غيره، وكان على طرفة أحنق، فأراد قتله فعلم أنه إن فعل هجاه المتلمس، فكتب لهما كتابين إلى البحرين وقال لهما: إني قد كتبت لكما بصلة فخرجا من عنده والكتابان في يديهما، فمرا بشيخ جالس على ظهر الطريق متكشفاً لقضاء الحاجة، وهو مع ذلك يأكل ويتفلى. فقال أحدهما لصاحبه: هل رأيت أعجب من هذا الشيخ! فسمع الشيخ مقالته فقال: ما ترى من عجبي؟ أخرج خبيثاً وأدخل طيباً وأقتل عدواً، وإن أعجب مني لمن يحمل حتفه بيده وهو لايدري. فأوجس المتلمس في

جرير ويقال حريز بن عتبة

نفسه خيفة، وارتاب بكتابه. ولقيه غلام من أهل الحيرة فقال له: أتقرأ يا غلام؟ فقال: نعم. ففض خاتم كتابه ودفعه إلى الغلام فقرأه عليه، فإذا فيه: إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه واصلبه حياً. وأقبل على طرفة فقال: تعلم والله لقد كتب فيك بمثل هذا، فادفع كتابك إلى الغلام يقرأه. فقال: كلا، ما كان يجسر على بمثل هذا. وألقى المتلمس كتابه في نهر الحيرة؛ ومضى طرفة بكتابه إلى صاحب البحرين، فأمر به المعلى بن حنش العبدي فقتله، وهرب المتلمس فلحق ببلاد الشام وهجا عمراً، وبلغ شعره عمراً فآلى إن وجده بالعراق ليقتلنه، فقال المتلمس من أبيات: آليت حب العراق الدهر أطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس فضرب المثل بصحيفة المتلمس. قال الخليل بن أحمد: أحسن ما قاله المتلمس: وأعلم علم حق غير ظن ... لتقوى الله من خير العتاد فحفظ المال أيسر من بغاه ... وضرب في البلاد بغير زاد وإصلاح القليل يزيد فيه ... ولا يبقى الكثير مع الفساد قال أبو عمرو بن العلاء: كانت العرب إذا أرادت أن تنشد قصيدة المتلمس توضؤوا لها: تعيرني أمي رجال ولن ترى ... أخا كرم إلا بأن يتكرما جرير ويقال حريز بن عتبة ابن عبد الرحمن الحرستاني من أهل دمشق. قال جرير: سمعت أبي يحدث الأوزاعي وأنا جالس قال: سمعت القاسم مولى يزيد بن معاوية يحدث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال:

جرير بن عطية بن الخطفى

كنت قاعداً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رهط، فذكروا الشام ومن فيها من الروم. قال فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ستظهرون بالشام وتغلبون عليها وتصيبون من سيف بحرها حصناً يقال له أنفة يبعث الله منه يوم القيامة اثني عشر ألف شهيد. قال: فسمعت الأوزاعي يقول لأبي: لقد سمعت منك حديثاً جيداً ياشيخ. جرير بن عطية بن الخطفى واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة ابن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار أبو حزرة الشاعر بالحاء المهملة البصري قدم دمشق غير مرة، وامتدح يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان، وأمره في ذلك مشهور، وامتدح الوليد وسليمان ابني عبد الملك، وقدم على عمر بن عبد العزيز، وعلى يزيد بن عبد الملك. قال عثمان البتي: رأيت جريراً وما تضم شفتاه من التسبيح فقلت: ما ينفعك هذا وأنت تقذف المحصنة! فقال: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، إن الحسنات يذهبن السيئات، وعد من الله حق. قال ابن مناذر: قلت لابن هرمة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا لعب لعب، وإذا جد جد. قلت: مثل من؟ قال: مثل جرير حيث يقول: إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا

قال الفرزدق لامرأته نوار: أنا أشعر أم ابن المراغة؟ قالت: غلبك على حلوه، وشركك في مره. قال ابن سلمة: سألت الأسيدي - أخا بني سلمة - عن جرير والفرزدق فقال: بيوت الشعر أربعة، فخر ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، فالفخر قوله: إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا والمدح قوله: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح والهجاء قوله: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا والنسيب قوله: إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا قال الكلبي: أتى أعرابي عبد الملك بن مروان، فمدحه فأحسن المدحة، فأعجب به عبد الملك فقال له: من أنت يا أعرابي؟ قال: رجل من عذرة. قال: أولئك أفصح الناس. هل تعرف أهجا بيت في الإسلام؟ قال: قول جرير: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا فقال عبد الملك: أحسنت فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح

قال عبد الملك: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير: إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا قال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول: فحيا الإله أبا حزرة ... وأرغم أنفك يا أخطل وجد الفرزدق أتعس به ... ودق خياشيمه الجندل فأنشأ الفرزدق يقول: قد أرغم الله أنفاً أنت حامله ... يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل ما أنت بالحكم المرضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل ثم أنشأ الأخطل يقول: يا شر من حملت ساق على قدم ... ما مثل قولك في الأقوام يحتمل إن الحكومة ليست في أبيك ولا ... في معشر أنت منهم إنهم سفل فقام جرير مغضباً وهو يقول: شتمتما قائلاً بالحق مهتدياً ... عند الخليفة والأقوال تنتضل أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً ... ففيكما وإلهي الزور والخطل شتمتماه على رفعي ووضعكما ... لا زلتما في انحطاط أيها السفل قال: ثم وثب فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. قال: وكانت

جائزة جرير خمسة عشر ألفاً كل سنة. فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي. فقبضها وخرج. قال مروان بن أبي حفصة: جلس عبد الملك بن مروان يوماً للناس على سرير، وعند رجل السرير محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف، وجعل الوفود يدخلون عليه ومحمد بن يوسف يقول: يا أمير المؤمنين هذا فلان، هذا فلان، إلى أن دخل جرير بن الخطفى فقال: يا أمير المؤمنين هذا جرير بن الخطفى، قال فلا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، دخلت فاشرأب الناس نحوي، ودخل قوم فلم يشرأب الناس إليهم، فقدرت أن ذلك لذكر جميل ذكرني به أمير المؤمنين. فقال عبد الملك: لما ذكرت لي قلت: لا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس. فقال جرير: والله يا أمير المؤمنين، ما هجوت أحداً حتى أخبره غرضي سنة، فإن أمسك أمسكت، وإن أقام استعنت عليه وهجوته. فقال: هذا صديقك أبو مالك سلم عليه لهو الأخطل، فاعتنقه وقال: والله يا أمير المؤمنين، ما هجاني أحد كان هجاؤه علي أشد من أمك. قال جرير: صدقت وخنازير أمك. فقال عبد الملك: أحضروا جامعة، فأحضرت، وغمز الوليد الغلام أن تأخر بها. فقال عبد الملك للأخطل: أنشد فأنشد: تأبد الربع من سلمى بأحفار ... وأقفرت من سليمى دمنة الدار حتى ختمها. فقال له عبد الملك: قضينا لك أنك أشعر من مضى ومن بقي. واستأذنت قيس عبد الملك في أن ينشد جرير فأبى، ولم يزل مقيماً دهراً يلتمس إنشاد عبد الملك، وقيس تشفع له، وعبد الملك يأبى إلى أن أذن له يوماً فأنشد: أتصحوا أم فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح

فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا بن اللخناء. فلما اتهى إلى قوله: تعزت أم حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح تعلل وهي ساغبة بنيها ... بأنفاس من الشبم القراح فقال عبد الملك: لا أروى الله غلمتها. فلما انتهى إلى قوله: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح قال عبد الملك: من مدحنا فليمدحنا هكذا. فلما ختمها أمره بإعادتها، فلما أنشد: أتصحوا أم فؤادك غير صاح............. لم يقل له ما قال في المرة الأولى. فلما ختمها، أمر له بمئة ناقة بأداتها ورعاتها. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، اجعلها من إبل كلب - وإبل كلب سود كرام - فأجابه. حدث محمد بن خطاب الأزدي أن الأخطل أنشد عبد الملك بن مروان وجرير خلفه: وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها فقال: أجل، صدق والله إنه ليقوم إلى الخمر فيشربها، وإلى الخنزير فيذبحه، وإلى الصليب فيقبله ويسجد له، وما أفعل ذلك ولا مولاي. دخل جرير على بشر بن مروان والأخطل جالس عنده، فقال له بشر: أتعرف هذا يا أبا حزرة؟ قال: لا، فمن هو؟ قال الأخطل: أنا الذي شتمت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك، أنا الأخطل. فقال له جرير: أما قولك: شتمت عرضك، فما يضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك: أسهرت ليلك، فلو تركتني

أنام لكان خيراً لك، وأما قولك: آذيت قومك، فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدي لهم الجزية!. قال عوانة بن الحكم: لما استخلف عمر بن عبد العزيز، وفد إليه الشعراء وأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك يوماً وقد أزمعوا على الرحيل، إذ مر بهم رجاء بن حيوة، وكان من خطباء أهل الشام، فلما رآه جرير داخلاً على عمر أنشد: يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا قال: فدخل ولم يذكر من أمرهم شيئاً. ثم مر بهم عدي بن أرطاة، فقال له جرير: يا أيها الراكب المزجي مطيته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن أنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمصفود في قرن لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني قال: فدخل عدي على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي، ما لي وللشعراء! قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد امتدح وأعطى، ولك في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة، فقال: كيف! قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه. قال: أفتروي من قوله شيئاً؟ قال: نعم، فأنشده من أبيات: رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتاباً جاء بالحق معلما شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا ... عن الحق لما أصبح الحق مظلما

قال: ويحك يا عدي، من بالباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. قال: أليس هو الذي يقول: ثم نبهتها فهبت كعاباً ... طفلة ما تطيق رجع الكلام ساعة ثم إنها بعد قالت ... ويلتا قد عجلت يا بن الكرام أعل غير موعد حيث تسري ... تتخطى إلى رؤوس النيام ما تجشمت ما ترين من الأمر ... ولا جئت طارقاً لخصام فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه. لا يدخل والله علي أبداً. فمن بالباب سواه؟ قال: همام بن غالب - يعني الفرزدق - قال: أوليس هو الذي يقول: هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الرأس كاسره فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجى أم قتيل نحاذره لا يطأ والله بساطي، فمن بالباب منهم؟ قال: الأخطل. قال: هو الذي يقول: ولست بصائم رمضان طوعاً ... ولست بآكل لحم الأضاحي ولست بزاجر عنساً بكوراً ... إلى بطحاء مكة للنجاح ولست بزائر بيتاً بعيداً ... بمكة أبتغي فيه صلاحي ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حي على الفلاح ولكني سأشربها شمولاً ... وأسجد عند منبلج الصباح والله لا يدخل علي وهو كافر أبداً. فهل بالباب سوى من ذكرت؟ قال: نعم، الأحوص. قال: أليس هو الذي يقول: الله بيني وبين سيدها ... يفر مني بها وأتبعه

عد عنه، فما هو بدون من ذكرت. فمن ها هنا؟ قلت: جميل بن معمر. قال: هو الذي يقول: ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن نمت ... يوافق في الموتى ضريحي ضريحها فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوى عليها صفيحها فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحاً. والله لا يدخل علي أبداً. فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم، جرير بن عطية. قال: هو الذي يقول: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام فأن كان لا بد فهو. قال: فأذن لجرير، فدخل وهو يقول: إن الذي بعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للإمام العادل وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى ارعوى وأقام ميل المائل إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس مولعة بحب العاجل فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقل إلا حقاً. فأنشأ جرير يقول: أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني ما بلغت من خبري كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممن يعدك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر يدعوك دعوة ملهوف كأن به ... خبلاً من الجن أو مساً من النشر خليفة الله ماذا تأمرون بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر

ما زلت بعدك في هم يؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر نال الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربه موسى على قدر هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر الخير ما دمت حياً لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر فقال: يا جرير: ما أرى لك فيما ها هنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن سبيل ومنقطع بي، فأعطاه من صلب ماله مئة درهم. وذكر أنه قال له: ويحك يا جرير! لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاث مئة درهم، فمئة أخذها عبد الله، ومئة أخذتها أم عبد الله. يا غلام، أعطه المئة الثالثة. فأخذها وقال: والله لهي أحب ما اكتسبته إلي. قال: ثم خرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين، وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض. وأنشأ يقول: رأيت رقى الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا وفي سنة إحدى عشرة ومئة توفي الفرزدق بن غالب الشاعر بالبصرة، وتوفي بعده بأربعين يوماً جرير بن الخطفى. وقيل في سنة عشر. قال الأصمعي: حدثني أبي قال: رأى رجلاً جريراً في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بتكبيرة كبرتها على ظهر المقر. قال: ما حول الفرزدق؟ قال: إيهاً، وأهلكه قذف المحصنات. قال الأصمعي: ما تركه جرير في المحيا ولا في الممات.

جرير بن غطفان بن جرير أبو القاسم

جرير بن غطفان بن جرير أبو القاسم حدث عن عفان بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ". وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ". توفي جرير بن غطفان بدمشق، ليلة السبت مستهل المحرم، سنة ست وستين ومئتين. جسر بن الحسن من أهل اليمامة قدم الشام. حدث عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نفضل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وعمر وعثمان ثم لا نفضل أحداً على أحد. وحدث جسر عن الحسن البصري أن رجلاً لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مرحباً بسيدنا وابن سيدنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السيد الله تبارك وتعالى ". قال جسر بن الحسن: رأيت عمر بن عبد العزيز يبكي حتى نفد الدمع، ثم رأيته يبكي الدم. ضعفه قوم.

جعثل بن هاعان بن عمرو بن البثوث

جعثل بن هاعان بن عمرو بن البثوث أبو سعيد الرعيني القتاني المصري قاضي إفريقية. وفد على هشام بن عبد الملك، وتوفي في خلافته قريباً من سنة خمس عشرة ومئة. روى عن أبي تميم الجيشاني عن عقبة بن عامر، أن أخت عقبة نذرت في ابن لها أن تحج حافية بغير خمار، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لتخرج راكبة مختمرة، ولتطعم ". وفي حديث بمعناه: ولتصم ثلاثة أيام. في رواية أخرى، فقال: مرها فلتركب، فإن الله عن تعذيب أختك لغني. كان قاضي الجند بإفريقية لهشام بن عبد الملك، وكان عمر بن عبد العزيز أخرجه من مصر إلى المغرب ليقرئهم القرآن، وكان أحد القراء الفقهاء. جعد بن درهم أول من قال بخلق القرآن. كان يسكن دمشق، وله بها دار، وهو الذي ينسب إليه مروان بن محمد، لأنه كان معلمه. وقيل إنه كان من أهل حران، هو الذي قتله خالد بن عبد الله القسري بالكوفة يوم الأضحى، وكان أول من أظهر القول بخلق القرآن في أمة محمد، فطلبه بن أمية فهرب من دمشق وسكن الكوفة، ومنه تعلم الجهم بن صفوان بالكوفة

جعفر بن أحمد بن الحسين أبو الفضل

خلق القرآن، وهو الذي تنسب الجهمية إليه، وقتله سلم بن أحوز بأصبهان. سئل أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الغسيلي: من أين كان جهم؟ قال: من ترمذ، وكان يذهب في بدء أمره، ثم صار صاحب جيش الحارث بن سريج بمرو، فقتله سلم بن أحوز في المعركة وقبره بمرو. وسئل: ممن أخذ ابن أبي دؤاد؟ فقال: من بشر المريسي، وبشر المريسي أخذه من جهم بن صفوان، وأخذه جهم من الجعد بن درهم، وأخذه جعد بن درهم من أبان من طالوت ابن أخت لبيد وختنه، وأخذه طالوت من لبيد بن أعصم، اليهودي الذي سحر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان لبيد يقرأ القرآن، وكان يقول بخلق التوراة، وأول من صنف في ذلك طالوت، وكان طالوت زنديقا وأفشى الزندقة، ثم أظهره جعد بن درهم، فقتله خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالكوفة، وكان خالد واليا عليها، أتي به في الوثاق حتى صلى وخطب، ثم قال في آخر خطبته: انصرفوا وضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم، فإنه يقول ما كلم الله موسى تكليما، ولا اتخذ إبراهيم خليلا، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علواً كبيراً، ثم نزل وحز رأسه بيده بالسكين. جعفر بن أحمد بن الحسين أبو الفضل المقرئ المعروف بابن كرار الضرير الثقفي مولى بني هبار. وبنو هبار موالي أبي الخليل، وبنو أبي الخليل موالي بني ثقيف. حدث عن محمد بن إسماعيل بن علية بسنده عن أنس " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآى نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده، فرئي في وجهه شدة

جعفر بن أحمد بن الحسين

ذلك عليه فقال: إن أحدكم إذا صلى فإنما يناجي ربه إن ربه فيما بينه وبين القبلة، فإذا بصق أحدكم فليبصق عن يساره أو تحت قدمه، أو يفعل هكذا، ثم يبصق في ثوبه ويدلك بعضه ببعض. " وحدث أيضاً عن محمد بن عبد الرحمن بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. في قوله عز وجل: " وإبراهيم الذي وفى " قال: صلاة أربع ركعات من أول النهار. وفي قوله " إن الإنسان لربه لكنود " قال: لكفور. جعفر بن أحمد بن الحسين أبو محمد، القارئ المعروف بالسراج البغدادي حدث عن الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان الحرص والأمل. ولد سنة ست عشرة، أو سبع عشرة وأربع مائة، وتوفي سنة خمس مائة، وقبل سنة إحدى، وقيل: سنة اثنتين وخمس مائة. وله شعر وتصانيف.

جعفر بن أحمد بن عاصم بن الرواس

جعفر بن أحمد بن عاصم بن الروّاس أبو محمد الأنصاري الدمشقي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " كان فيما قبلكم رجل يأتي وكر طائر إذا أفرخ، فيأخذ فرخيه، فشكا ذلك الطير إلى الله عز وجل ما يصنع ذلك الرجل، فأوحى الله إليه إن عاد فسأهلكه، فلما أفرخ خرج ذلك الرجل كما كان يخرج، وأسند سلما، فلما كان في طرف القرية لقيه سائل فأعطاه رغيفا من زاده، ومضى حتى أتى ذلك الوكر فوضع سلمه، ثم صعد فأخذ الفرخين وأبواهما ينظران، فقالا: ألا يا رب، إنك وعدتنا أن تهلكه إن عاد، وقد عاد فأخذهما ولم تهلكه، فأوحى الله إليهما: أولم تعلما أني لا أهلك أحداً تصدق في يوم بصدقة ذلك اليوم بميتة سوء؟ ". توفي جعفر بن أحمد بن عاصم سنة سبع وثلاث مئة. جعفر بن أحمد بن أبي عبد الرحمن أبو محمد الشاماتي النيسابوري من أهل ربع الشامات من أرباع رستاق نيسابور. رحل وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بدمشق بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أتى بابنته إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هذه ابنتي تأبى أن تزوج، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطيعي أباك. فقالت: لا، حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته، تعني؛ فقال: لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه. قالت: والذي بعثك بالحق ما أتزوج أبدا. فقال: لا تنكحوهن إلا بإذنهن. " قال جعفر بن أحمد الشاماتي: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن كتب الحديث

جعفر بن أحمد بن علي بن بنان

قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. توفي جعفر بن أحمد الشاماتي في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين ومائتين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين ومائتين. جعفر بن أحمد بن علي بن بنان ابن زيد بن شبابة أبو الفضل الغافقي المصري قدم دمشق. حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكر المخزومي بسنده عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. وحدث عن سعيد بن عفير بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة طعمة. " قال أبو أحمد بن عدي: وهذا الحديث مع أحاديث أخر بهذا الإسناد، مقدار عشرين حديثا " حدثنا بها جعفر كلها غير محفوظة، وكنا نتهمه بوضعها. وكان جعفر رافضيا كذابا خبيثا، وكان قليل الحياء في دعاويه على قوم لعلة لم تلحقه، وكان يضع الحديث على أهل البيت، وكان يعرف بابن الماسح.

جعفر بن أحمد ويقال ابن محمد

جعفر بن أحمد ويقال ابن محمد أبو محمد ويقال أبو الفضل المروروذي. حدث عن عبد العزيز بن بندار الشيرازي قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن الخضر القارىء رحمه الله يقول: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فعلمني هذا الدعاء، وأمرني أن أعلم الناس، وهو هذا: إلهي بثبوت الربوبية، وبعظمة الصمدانية، وبسطوات الإلهية، وبعزة الفردانية إلا غفرت لي ياأرحم الراحمين. أنشد جعفر بن محمد المروروذي قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن ابراهيم قال: أنشدنا أبو بكر بن مالك القطيعي لبعضهم: ما أكثر الناس لابل ما أقلهم ... الله يعلم أني لم أقل فندا إني لأفتح عيني حين أفتحها ... على كثير ولكن لا أرى أحدا جعفر بن إياس أبو بشر ابن أبي وحشية اليشكري الواسطي حدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم على بعير فوقصه بعرفات. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغسلوه بماء، وسدر، وكفنوه في ثوبيه خارجا رأسه، ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا. وحدث عنه أيضا له قال: مر ابن عمر بفتيان قد نصبوا طائراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من

جعفر بن برقان أبو عبد الله الكلابي مولاهم الرقي

نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: من فعل هذا؟! لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. وحدث عنه أيضا عن ابن عباس قال: أتى رجل الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أختي نذرت أن تحج، وأنها ماتت يعني ولم تحج. قال: أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فالله أحق بالوفاء. قال أبو بشر: سمعت يزيد بن أبي كبشة يخطب بالشام، قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عبد الملك بن مروان أنه قال في الخمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الخمر: إن شربها فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد فاجلدوه، ثم إن عاد الرابعة فاقتلوه. توفي جعفر بن إياس سنة خمس وعشرين ومائة، وكان ثقة، كثير الحديث، وقيل: سنة ثلاث وعشرين، وقيل: أربع وعشرين، وقيل خمس عشرة ومائة، وقيل: كان ساجدا خلف المقام حين مات. جعفر بن برقان أبو عبد الله الكلابي مولاهم الرقي حدث عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تظهر الفتن ويكثر الهرج. قلنا: وما الهرج؟ قال: القتل القتل، ويقبض العلم. فسمعها عمر بن الخطاب من أبي هريرة يأثرها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: إن قبض العلم ليس بشيء ينتزع من صدور الرجال، ولكنه فناء العلماء. وحدث بسنده عنه أيضا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لقد هممت أن آمر بالصلاة، ثم آمر فتيتي فيجمعوا حزم الحطب، ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة. وحدث عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبستين: الصماء وهو أن يلتحف الرجل في الثوب الواحد، ثم

جعفر بن الحسن بن العباس بن الحسن

يرفع جانبه عن منكبه، ليس عليه ثوب غيره، ويحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس بينه وبين السماء، يعني: سترا. ونهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نكاحين: أن تتزوج المرأة على عمتها أو على خالتها. ونهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مطعمين: الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، أو يأكل الرجل وهو مسطح على بطنه. ونهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيعتين: عن المنابذة وعن الملامسة وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية. قال كثير: سألت جعفراً: ما المنابذة والملامسة؟ قال: المنابذة إذا نبذت إليك هو لك بكذا وكذا، والملامسة أن يغطي الرجل الشيء ثم يلمسه المشتري بيده وهو مغطى لا يراه. وحدث عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدرتني إليه حفصة وكانت بنت أبيها فقالت: يا رسول الله، كنا صائمتين اليوم، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه. فقال: اقضيا يوما آخر. كان جعفر ثقة صدوقا، له رواية وفقه وفتوى، وكان ينزل الرقة، ومات بها سنة أربع وخمسين ومائة، في خلافة أبي جعفر. وكان أميا لا يكتب، فليس هو مستقيم الحديث. وكان ضعيفا في روايته عن الزهري. جعفر بن الحسن بن العباس بن الحسن ابن الحسين وهو أبو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي أبو القاسم بن محمد الحسيني المعروف بولي الدولة. حدث عن سهل بن بشر بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

جعفر بن الحسين أبو الفضل الصيداوي

ولد أبو القاسم في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، وتوفي في ربيع الأول سنة خمس وعشرين وخمس مائة. جعفر بن الحسين أبو الفضل الصيداوي يعرف بابن الخراساني حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن عمر الثمانيني القرشي، بسنده عن ابن عباس ن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قبل بين عيني أمه كان له سترا من النار. توفي في شوال سنة ثمان وستين وأربع مئة. جعفر بن حميد بن عبد الكريم ابن فروخ بن ديزح بن بلال بن سعد الأنصاري الدمشقي حدث عن جده لأمه عمر بن أبان بن مفضل المدني قال: أراني أنس بن مالك أخذ ركوة فوضعها عن يساره، وصب على يده اليمنى فغسلها ثلاثاً، ثم أراد الركوة على يده اليمنى، فتهيأ فتوضأ ثلاثاً، ومسح برأسه ثلاثاً، وأخذ ماءً جديدا لسماخيه فمسح سماخه، فقلت له: قد مسحت أذنيك، فقال: ياغلام، إنهما من الرأس ليس هما من الوجه. ثم قال: يا غلام، هل رأيت وفهمت أم أعيد عليك؟ فقلت: قد كفاني، وقد فهمت. فقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ.

جعفر بن الزبير الحنفي

جعفر بن الزبير الحنفي ويقال الباهلي دمشقي سكن البصرة. حدث عن القاسم عن أبي أمامة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس مجلساً فأراد أن يقوم، استغفر عشراً إلى خمس عشرة، وحدث عنه أيضاً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه. وحدث عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله خلق الخلق، وقضى القضية، وأخذ ميثاق النبيين، وعرشه على الماء، فأهل الجنة أهلها، وأهل النار أهلها. وحدث عنه أيضاً قال: أعتق رجل في وصيته ستة أرؤس لم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتغيظ عليه، ثم أسهم عليهم فأخرج ثلثهم. قال يزيد بن هارون: كان جعفر بن الزبير وعمران بن جرير في مسجد واحد مصلاهما، وكان الزحام على جعفر بن الزبير، وليس عند عمران أحد، وكان شعبة يمر بهما فيقول: يا عجبا للناس! اجتمعوا على أكذب الناس، يعني جعفراً، وتركوا أصدق الناس، يعني: عمران. قال يزيد: فما أتى علينا إلا القليل حتى رأيت ذلك الزحام على عمران، وتركوا جعفراً وليس عنده أحد. قال غندر: رأيت شعبة راكبا على حمار، فقيل له: أين تريد يا أبا بسطام؟ قال: أذهب فأستعدي على هذا، يعني: جعفر بن الزبير، وضع على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة حديث كذب، خذوا به، فإنه يكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

جعفر بن سعيد بن جعفر البعلبكي

حدث معاذ بن معاذ قال: حدثني قرة بن خالد قال: عندنا امرأة في الحي عرج بروحها، فمكثت سبعاً لا ترجع، إلا أنهم يجدون عرقا ضارباً من وريدها. قال: ثم رجعت. قال: وقد كان جعفر بن الزبير مات في تلك الأيام. قالت: رأيته في سماء الدنيا وأهل الأرض والملائكة يتباشرون به أعرفه في أكفانه، وهم يقولون: قد جاء المحسن. قال لي قرة: اذهب فاسمعه منها. قلت: وما أصنع إن أسمعه منها وقد حدثتنيه!. قال: وكان جعفر صاحب عهر وهو شاب، فلما أسن وكبر اجتهد في العبادة. جعفر بن سعيد بن جعفر البعلبكي حدث عن أبي عمرو بن أبي غرزة بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أكل الطين حوسب على مانقص من لونه، ونقص من جسمه. جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ولد بالشراة من أرض البلقاء، وولي إمرة المدينة في خلافة المنصور، ثم عزله بالحسن بن زيد بن الحسن بن علي، ثم ولي مكة والمدينة واليمامة والطائف، ثم ولي البصرة للرشيد. قال الأصمعي: ما رأيت أكرم أخلاقاً، ولا أشرف أفعالاً من جعفر بن سليمان. حدث عن أبيه، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له ".

وحدث عن أبيه بسنده عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن عبد الله بن العباس قال: سمعت أبي يقول: سألت علي بن أبي طالب: لم لم يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، وبراءة أنزلت بالسيف ليس فيها أمان. حدث احمد بن القاسم أن جعفر بن سليمان الهاشمي قال: حدثني أبي قال: عطست بين يدي جدك جعفر بن سليمان. قال فشمتني، فقلت: يغفر الله لك. فقال لي: يا بني لا تفعل، أخبرني أبي علي بن عبد الله بن عباس أنه عطس بين يدي أبيه عبد الله بن عباس فشمته، فقال له: لا تفعل، فإن ابن عباس قال: عطست بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت يغفر الله لك، فقال: لا تفعل. فقلت: كيف أقول يا رسول الله؟ قل يهديكم الله ويصلح بالكم. قال الزيادة: كان الخليل بن أحمد صديقاً لجعفر بن سليمان الهاشمي، فجاء يوما ايدخل إليه فوجد على بابه الشعراء قد أنشدوه، وقبل أشعارهم وما جهز جوائزهم، فشكوا ذلك غليه وسألوه تذكاره، فدخل إليه وأنشده: لا تقبل، الشعر ثم تعقه ... فتنام والشعراء غير نيام واعلم بأنهم إذا لم ينصفوا ... حكموا لأنفسهم على الحكام وجناية الجاني عليهم تنقضي ... وعقابهم يبقى على الأيام وقد رويت هذه الأبيات لابن الرومي. قال أبو خليفة: كان جعفر بن سليمان الهاشمي له بالبصرة كل يوم غلة ثمانين ألف درهم، فبعث إلى علماء أهل البصرة يستشيرهم في امرأة يتزوجها، فأجمعوا على رابعة العدوية فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن الذي هو ملكي من غلة الدنيا في كل يوم ثمانون ألف درهم، وليس يمضي إلا القليل حتى أتمها مائة ألف إن سألته. وأنا أخطبك نفسك، وقد بذلت لك من الصداق مائة ألف. وأنا مصير إليك من بعده أمثالها فأجيبي. فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن الزهد في الدنيا راحة القلب

جعفر بن أبي طالب عبد مناف

والبدن، والرغبة فيها يورث الهم والحزن، فإذا أتاك كتابي فهيئ زادك، وقدم لمعادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل وصيك غيرك، وصم دهرك، واجعل الموت فطورك، فما يسرني أن الله عز وجل خولني أضعاف ما خولك، فيشغلني بك عنه طرفة عين والسلام. قال الأصمعي: سمعت جعفر بن سليمان يقول: ماساد منا إلا سخي على الطعام. قال: كنت أتغذى مع جعفر على مائدته فجاء الطباخ بصحفة ليضعها واستعجل الطباخ، فزلقت الصحفة من يده في حجر جعفر بن سليمان وعليه جبة خز نفيسة، قال: فكان بعض من كان على المائدة أغرى بالطباخ فقال جعفر: ما أراد البائس إلا خيرا إنما أراد أن يتقرب إلى قلوبنا، خذ يا غلام الجبة، ودفعها إليه. كان جعفر بن سليمان حيا إلى سنة أربع وسبعين ومئة. جعفر بن أبي طالب عبد مناف ابن عبد المطلب بن هاشم الطيار ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلم وهاجر الهجرتين، واستعمله نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة، واستشهد بها. ومؤتة بأرض البلقاء. قالت أم سلمة: لما ضاقت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وأوذي أصحابه، وقنتوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحداً عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا، ولم نخش ظلماً. فلما رأت قريش أنا قد أصبنا داراً وأمناً، اجتمعوا

على أن يبعثوا إليه فينا ليخرجونا من بلاده، وليردنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلاً إلا بعثوا له هدية إلى حدة، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هدايا، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما عليما، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا قومهم ليرهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل. ثم قدموا إلى النجاشي هداياه، فكان من أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم. فلما أدخلوا عليه هداياه فقالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجؤوا إلى بلادك فبعثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لترهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا. فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، ولو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك. فغضب، ثم قال: لا لعمر الله، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجؤوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القم فقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: وماذا نقول! نقول والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كائن من ذلك ما كان. فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان نأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحلّ المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لانحلّ شيئاً ولا نحرّمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلّي لله تعالى، ونصوم له،

ولا نعبد غيره. قال: فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم. فقال: هلمّ فاتل عليّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من " كهيعص " فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم. ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها المشكاة التي جاء بها موسى؛ انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليهم، ولا أنعمكم عينا. فخرجنا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة. فقال عمرو بن العاص: والله لأثنينه غداً بما أستأصل به خضراءهم، فلأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسى بن مريم عبد، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإنهم وإن كانوا خلفونا فإن لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: والله لأفعلن. فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها. فقال بعضنا لبعض8: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقال: نقول والله الذي قاله الله تعالى، والذي أمرنا به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول فيه؛ فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العويد، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، اذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي - والشيوم الآمنون - من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دبرا وأني آذيت رجلاً منكم - والدبر بلسانهم الذهب - فوالله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، واخرجا من بلادي. فرجعا مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار. هـ، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العويد، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، اذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي - والشيوم الآمنون - من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دبرا وأني آذيت رجلاً منكم - والدبر بلسانهم الذهب - فوالله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، واخرجا من بلادي. فرجعا مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار. فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزناً حزنّا قط كان أشد منه فرقاً من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً فقال أصحاب

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ننظر على من تكون؟ فقال الزبير وكان من أحدثهم سناً: أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا، فقد أظهر الله تعالى النجاشي، فوالله ما علمنا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام. ومعنى قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، حدثت عائشة: أن أباه كان ملك قومه، وكان له أخ من صلبه له اثنا عشر رجلاً، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإن له اثني عشر رجلاً من صلبه، فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة دهراً طويلاً لايكون بينهم اختلاف، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه فلا يدبر أمره غيره، وكان لبيباً. فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: قد غلب هذا الغلام على أمر عمه، فما يأمن أن يملكه علينا، وعرف أنا قد قتلنا أباه، فإن فعل لم يدع منا شريفاً إلا قتله، فكلموه فيه فليقتله أو ليخرجنه من بلادنا، فمشوا إلى عمه فقالوا: قد رابنا مكان هذا الفتى منك، وقد عرفت أنا قد قتلنا أباه وجعلناك مكانه، فلا نأمن إن تملك علينا فيقتلنا فإما أن تقتله، وإما أن تخرجه من بلادنا. قال: فقال: ويحكم، قتلتم أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم، فخرجوا به فوقفوه بالسوق، وباعوه من تاجر من التجار، فقذفه في سفينة بست مائة درهم أو بسبع مائة درهم فانطلق به، فلما كان العشيّ هاجت سحابة من سحاب الخريف، فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقين ليس في واحد منهم خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فقال بعضهم: تعلمون والله أن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره الذي يعتم الغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه فردوه، فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر:

ردوا عليّ مالي كما أخذتم مني غلامي؛ فقالوا: لانعطيك. فقال: إذاً والله أكلمه فقالوا: وإن. فمشى إليه فكلمه فقال: أيها الملك إني ابتعت غلاماً فقبض مني الذي باعونيه ثمنه، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي، فكان أول ما خبر من صلابة حكمه وعدله أن قال: لتردّن عليه ماله، فأعطوه إباه. فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة فآخذ الرشوة فيه حين ردّ علي ملكي، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه. وجعفر وعلي وعقيل بنو أب طالب، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكنيته أبو عبد الله، وهو ذو الجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء صاحب الهجرتين، اسلم بعد أحد وثلاثين إنساناً، يقال له: جعفر الطيار، قتل يوم مؤتة شهيداً. وروي عن الحسن بن زيد: أن علياً عليه السلام أول ذكر أسلم، ثم أسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه حبّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان أبو بكر رضي الله عنه الرابع في الإسلام أو الخامس. وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: بينما أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حير لأبي طالب أصلي أشرف علينا أبو طالب فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عم ألا تنزل فتصلي معنا؟ فقال؟ يا بن أخي، إني لأعلم أنك على الحق، ولكن اكره أن أسجد فيعلو استي، ولكن انزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك. قال: فنزل فصلى عن يساري. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته التفت إلى جعفر فقال: أما إن الله تعالى قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة، كما وصلت جناح ابن عمك. حدث صلصال بن الدّلهمس قال: كان أبي يعني الدلهمس لأبي طالب ولده، فكان الذي بينهما في الجاهلية عظيم، قكان أبي يبعثني إلى مكة لأنصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي طالب قبل إسلامي، فكنت

أقيم بمكة الليالي عند أبي طالب لحراسة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قومه، فإني يوم من الأيام جالس بالقرب من منزل أبي طالب في الظهيرة وشدة الحر، إذ خرج أبو طالب شبيها بالملهوف فقال لي: يا أبا العصيفر، هل رأيت هذين الغلامين فقد ارتبت بإبطائهما عليّ، فقلت: ما أحسست لهما خبرا منذ جلست، فقال: انهض بنا فنهضت وإذا جعفر بن أبي طالب يتلو أبا طالب، قال: فاقتصصنا الأثر حتى خرج بنا من أبيات مكة، قال: ثم علونا جبلاً من جبالها فأشرفنا منه على أكمة دون ذلك التل، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليا قائما عن يمينه، ورأيتهما يركعان ويسجدان قبل أن أعرف الركوع والسجود، ثم انتصبا قائمين فقال أبو طالب لجعفر: أي بني، صل جناح ابن عمك، قال: فمضى جعفر مسرعاً حتى وقف بجنب علي. فلما أحس به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرهما وتقدم، وأقمنا موضعنا حتى انقضى ما كانوا فيه من صلاتهم، ثم التفت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآنا بالموضع الذي كنا فيه، فنهض ونهضنا معه مقبلين، فرأينا السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول: إن عليا وجعفرا ثقتي ... عند مهم الأمور والكرب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ... وابن أمي من بينهم وأبي والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب قال: فلما آمنت به ودخلت في الإسلام، سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تيك الصلاة فقال: نعم، يا صلصال هي أول جماعة كانت في الإسلام. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر بن أبي طالب: " إن الله تعالى أوحى إلي أنه شكرك على أربع خصال، كنت عليهن مقيما قبل أن يبعثني الله، فماهن؟ " قال له جعفر: بأبي أنت وأمي، لولا أن الله أنبأك بهن ما أنبأتك عن نفسي كراهية التزكية، إني كرهت عبادة الأوثان لأني رأيتها لا تضر ولا تنفع، وكرهت الزناء لأني رأيتها ... أن ... إلي، وكرهت شرب الخمر لأني رأيتها منقصة للعقل، وكنت إلى أن أزيد في عقلي أحب إلي من أن أنقصه، وكرهت الكذب لأني رأيته دناءة.

وعن محمد بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة ". وعنه قال: ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر يوم بدر بسهمه وأجره. وعن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لكل نبي سبعة نقباء نجباء يعني: وإني أعطيت أربعة عشر، فعدني، وابني، وحمزة، وجعفراً، وأبا بكر وعمر، وابن مسعود، وحذيفة، والمقداد، وسلمان، وعماراً، وبلالاً، وأبا ذر ". وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين ". وفي رواية أخرى: " نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا، وعلي أخي، وعمي حمزة، وجعفر، والحسن والحسين، والمهدي ". وعن علي رضي الله عنه قال: قدم جعفر من أرض الحبشة في يوم فتح خيبر، فقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين عينيه وقال: " ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر ". قال علي بن يونس المديني: كنت جالساً في مسجد مالك بن أنس، حتى إذا استأذن عليه سفيان بن عينية قال مالك: رجل صالح وصاحب سنة، أدخلوه. فلما دخل، سلم ثم قال: السلام خاص وعام، السلام عليك أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته. فقال له مالك: وعليك السلام أبا محمد ورحمة الله وبركاته، وقام إليه وصافحه وقال: لولا أنه بدعة لعانقتك. قال سفيان: قد عانق من هو خير مني من هو خير مني ومنك. فقال له مالك: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفراً؟ قال له سفيان: نعم، فقال مالك ذاك حديث خاص ليس بعام. فقال له:

ما عم جعفراً يعمنا، وما خصه يخصنا، إذا كنا صالحين، ثم قال له سفيان: يا أبا عبد الله أتأذن لي أن أحدث في مجلسك؟ فقال له مالك: نعم، فقال: سفيان: اكتبوا: حدثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أن جعفر بن أبي طالب لما قدم من أرض الحبشة، تلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعتنقه، وقبل ما بين عينيه وقال: " مرحباً بأشبههم بي خلقاً وخلقاً ". وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجل - مشى على رجل واحدة - إعظاماً منه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين عينيه وقال: " يا حبيبي، أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها ". حدثني ببعض عجائب أرض الحبشة قال: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذا بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له فرجمها فألقاها لوجهها وألقى المكتل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، وأتبعته النظر وهي تقول: الويل لك غداً إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص للمظلوم من الظالم. قال جابر، فنظرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن دموعه على لحيته مثل الجمان، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع ". وكان قدوم جعفر من الحبشة سنة سبع. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما صدرنا من مكة إذا ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها فأخذها، فقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فحملتها، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد، قال علي: أنا آخذ بها وهي ابنة عمي، قال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالتها وقال: " الخالة بمنزلة الأم. وقال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي. وقال: يا زيد، أنت أخونا ومولنا ". قال علي: يا رسول الله، ألا تزوج ابنة حمزة قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها ابنة أخي من الرضاعة ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أسمح أمتي جعفر. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما احتذى البغال، ولا انتعل، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من جعفر. وزاد في رواية أخرى يعني في الجود والكرم. وأنشد أبو هريرة لحسان بن ثابت من أبيات: رأيت خيار المؤمنين توادوا ... شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... جميعاً ونيران الحروب تسعر غداة غدا بالمؤمنين يقودهم ... إلى الموت ميمون النقيبة أزهر وكنا نرى في جعفر من محمد ... وقاراً وأمراً حازماً حين يأمر وما زال للإسلام من آل هاشم ... دعائم عز لا تزال ومفخر بهاليل منهم جعفر وابن أمه ... علي ومنهم أحمد المتخير وحمزة والعباس منهم ومنهم ... عقيل وماء العود من حيث يعصر بهم تفرج اللأواء في كل مأزق ... عماس إذا ما ضاق بالأمر مصدر وهم أولياء الله نزل حكمه ... عليهم وفيهم والكتاب المطهر وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا ندعو جعفر بن أبي طالب أبا المساكين، وكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر فأتيناه يوماً فلم نجد عنده شيئاً، فأخرج إلينا جرة من عسل فكسرها فجعلنا نلعق منها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إني كنت لأسأل الرجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآيات، لأنا أعلم بها منه لا أسأله إلا ليطعمني شيئاً، قال: فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب، لم يجبني حتى

يذهب معي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا، فإذا طعمنا أجابني. وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه. وفي رواية: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنيه أبا المساكين. حدث أبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش الأمراء وقال: " عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري، فوثب جعفر فقال: بأبي أنت يا نبي الله وأمي فإني ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً، قال: امضوا فإنك لا تدري أي ذلك خير ". قال: فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد المنبر وأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناب خيراً أم باب خير ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، إنهم انطلقوا حتى لقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً فاستغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على الناس حتى قتل شهيداً، أشهد له بالشهادة فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيداً فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء، هو أمر نفسه، فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبعيه وقال: " اللهم هو سيف من سيوفك فانصره "، وقيل: فانتصر بهفيومئذ سمي خالد سيف الله. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد "، فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً. قال عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه: وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحاً. قال أحد بني مرة بن عوف رضي الله عنه: لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء

فعقرها، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام وهو يقول: يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها ... علي إن لاقيتها ضرابها فلما قتل أخذ الراية عبد الله ين رواحة. وعن سعيد بن المسيب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثلوا لي في الجنة في خيمة من درة، كل واحد منهم على سريره، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، وأما جعفر فهو مستقيم ليس فيه صدود، قال: فسألت، أو قال: قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت، كأنهما أعرضا، أو كأنهما صدا بوجوههما. وأما جعفر فإنه لم يفعل ". قال ابن عيينة: فذلك حين يقول ابن رواحة: أقسمت يا نفس لتنزلنه ... بطاعة منك لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه ... جعفر ما أطيب ريح الجنه ولما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية، جاءه الشيطان فمناه الحياة والدنيا، وكره إليه الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثم مضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استغفروا لأخيكم جعفر فاستشهد وقد دخل الجنة، وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ". قال ابن عمر: كان فيما أقبل من جعفر تسعين، من ضربة بسيف وطعنة برمح. قال عمرو بن ثابت: سمعت أبي قال: سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فقال رجل: أنا والله أنظر إليه حين طعنه رجل، فمشى إليه في الرمح فضربه فماتا جميعاً، فدمعت عين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحكم بن عيينة: لما أصيب جعفر بن أبي طالب عليه السلام جاء رجل فنعاه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتد ذلك عليه

فأقيمت الصلاة، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: " أين هو؟ فجاءه فقال: كيف صنع جعفر؟ فقال: قاتل يا رسول الله على فرسه، حتى إذا اشتد القتال نزل فقاتل حتى قتل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد رأيته، أو قال: لقد أريته ملكا ذا جناحين، مضرجاً بالدماء مصبوغ القوادم ". ثم أرسل إلى امرأة جعفر أسماء ابنة عميس، وكان لها منه ثلاثة، بنون، فقال: " انظري بني أخي فاستوصي بهم خيراً، واكتحلي ولا تسلتي، ولا تبكيه بعد اليوم " قالت أسماء بنت عميس: لما أصبي جعفر وأصحابه أتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد هيأت أربعين مناً من أدم وعجنت عجيني، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أسماء، أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء فقال: نعم، قتل اليوم ". قالت: فقمت أصيح، واجتمع إلي النساء، قالت: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أسماء، لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً ". قالت: فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل على ابنته فاطمة، وهي تقول: واعماه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على مثل جعفر فلتبك الباكية "، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم ". وعن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعد قتل جعفر: " لقد مر بي الليلة جعفر يقتفي نفراً من الملائكة، له جناحان متخضبة قوادمهما بالدم، يريدون بيشة "، بلداً باليمن. وعن ابن عباس قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأسماء بنت عميس قريباً منه، إذ رد السلام. قال: " يا أسماء، هذا جعفر - يعني ابن أبي طالب - مع جبريل وميكائيل والملائكة عليهم السلام، مروا فسلموا علينا، فردوا عليهم السلام، وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا "، قبل ممره

على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث أو أربع فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثة وسبعين من طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت. قالت أسماء: هنيئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير، لكني أخاف أن لا يصدق الناس، فاصعد المنبر فأخبر به الناس. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس، إن جعفر بن أبي طالب مر مع جبريل وميكائيل وله جناحان، عوضه الله من يديه فسلم علي ". ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين. فاستبان الناس من بعد ذلك اليوم الذي أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جعفراً لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دخلت الجنة البارحة فنظرت، فإذا جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكىءعلى سرير. وذكر ناساً من أصحابه. وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عرفت جعفراً في رفقة من الملائكة يبشرون أهل بيشة بالمطر. وبيشة قرية باليمن. وعن عامر الشعبي قال: أصيب جعفر بن أبي طالب بالبلقاء يوم مؤتة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اخلف جعفراً في أهله، كأفضل ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين. قال الواقدي وغيره: خرج جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة سنة خمس من مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم سنة سبع من الهجرة، وقتل سنة ثمان من الهجرة بمؤتة هو وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وعمر جعفراً ثلاثاً وثلاثين سنة، وقيل: قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة.

جعفر بن عبد الجبار

جعفر بن عبد الجبار ويقال ابن عبد الرزاق بن محمد بن جبير بن عبد الرحمن أبو محمد القراطيسي حدث عن يحيى بن أيوب بسنده عن هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سأله جاره أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه. مات أبو محمد جعفر سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة. جعفر بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب ابن عبد الرزاق أبو الحسين المهندس من موالي يحيى بن الحكم بن أبي العاص أخي مروان بن الحكم. روى عن محمد بن أحمد بن عمارة بسنده عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي ". توفي أبو الحسن جعفر في جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وثلاث مئة. جعفر بن عبد الواحد بن جعفر ابن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القاضي روى عن روح بن عبادة، بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنظر إلى فخذ حي ولاميت، فإن الفخذ عورة. كان جعفر بن عبد الواحد كذاباً، يضع الحديث، وفي سنة خمسين ومائتين نفي عن قضاء القضاة إلى البصرة، بسبب كلام روي عنه إلى المستعين، وكان من حفاظ الحديث،

جعفر بن عمرو بن أمية

وكانت له بلاغة ولسن، وكان بخيلاً، وكان بسر من رأى يستهدي الرطب، وكان له صديق يوجه كل يوم بسلة رطب مع غلام له، فقال له: إن الغلام يشعث السلة فاختمها، ففعل، فوجدها قد تشعثت فقال له: إن أردت أن تبرني بها فاختمها بعد أن تودعها زنبورين يكونان فيها، فكان يجيئه بها، فإذا فتحها طار الزنبوران، وعلم أن اليد لم تدخل فيها وتوفي جعفر بن عبد الواحد سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة ثمان وستين ومئتين. وقال أبو أحمد الحسن بن محمد يرثي عمه القاضي جعفر بن عبد الواحد: ما اختص أهلوك بالرزايا ... كل على فقدك المرزا وما المعزي عليك أولى ... من المعزى بأن يعزى جعفر بن عمرو بن أمية ابن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبد بن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة الضمري المديني حدث عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتز من كتف، فيأكل منها، فدعي إلى الصلاة فقام، وطرح السكين فصلى ولم يتوضأ. وحدث عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، أرسل وأتوكل، أو أقيد وأتوكل؟ قال: بل قيد وتوكل. وكان جعفر أخا عبد الملك بن مروان من الرضاعة، فوفد على عبد الملك بن مروان في خلافته فجلس في مسجد دمشق، وأهل الشام يعرضون على ديوانهم، قال: وتلك اليمانية حوله يقولون: الطاعة الطاعة، فقال جعفر: لا طاعة إلا لله فوثبوا عليه، وقالوا: توهن الطاعة، طاعة أمير المؤمنين! حتى ركبوا الأسطوان عليه، قال: فما أفلت إلا بعد جهد، وبلغ الخبر عبد الملك فأرسل إليه فأدخل عليه، فقال: أرأيت؟ هذا من عملك، أما والله

جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد

لو قتلوك، ما كان عندي مثل شيء، ما دخولك في أمر لا يعنيك! ترى قوما يشدون ملكي وطاعتي، فتجيء فتوهنه أنت، إياك إياك. ومات جعفر بن عمرو في خلافة الوليد بن عبد الملك، سنة خمس أو ست وتسعين. جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد ابن موسى بن الحسن بن الفرات أبو الفضل المعروف بابن حنزابة البغدادي الوزير سكن مصر ووزر بها لكافور الإخشيدي، وكان أبوه وزيراً للمقتدر، واجتاز أبو الفضل بدمشق وسمع بها. حدث عن إبراهيم بن محمد بن أبي عباد بسنده عن عبيدة السلماني أن علياً ذكر أهل النهروان فقال: فيهم رجل متدردر اليد، أو مثدن اليد، أو مخدج اليد، لولا أن ينظروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين قتلوهم على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عبيدة: فقلت لعلي: أنت سمعته؟ قال: إي ورب الكعبة. ومن شعر أبي الفضل جعفر بن حنزابة: من أخمل النفس أحياها وروحها ... ولم يبت طاوياً منها على ضجر إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشجر أملى الحديث بمصر، وبسببه خرج أبو الحسن الدارقطني إلى هناك، وأقام عنده مدة يصنف له المسند، وحصل له من جهته مال كثير، ولم يزل في أيام عمره يصنع أشياء من المعروف عظيمة، وينفق نفقات كثيرة على أهل الحرمين من الأشراف وغيرهم، إلى أن تم له أن اشترى بالمدينة داراً إلى جانب المسجد، من أقرب الدور إلى القبر، ليس بينه وبين القبر إلا الحائط وطريق في المسجد، وأوصى أن يدفن فيها، وقرر عند

جعفر بن محمد بن أحمد بن حماد

الأشراف ذلك فسمحوا له بذلك وأجابوا إليه، فلما مات وحمل تابوته من مصر إلى الحرمين، خرجت الأشراف من مكة والمدينة لتلقيه والنيابة في حمله، إلى أن حجوا به وطافوا ووقفوا بعرفة، ثم ردوه إلى المدينة ودفنوه في الدار التي أعدها لذلك. ولد أبو الفضل جعفر بن الفرات في ذي الحجة سنة ثمان وثلاث مائة وتوفي قيل: سنة تسعين. قالوا: وهو الصحيح، وقيل: توفي سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة. جعفر بن محمد بن أحمد بن حماد ابن صبيح بن زياد التميمي والد الفضل بن جعفر روى عن محمود بن خالد بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ". وفي رواية عن أبي أمامة أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له في الآخرة ". جعفر بن محمد بن بكر أبو العباس البالسي روى عن الحكم بن موسى بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". وروى عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون به، ولمررتم إلى الصعدات تكدمون صدوركم وتبكون على أنفسكم ". ثم قال حين حدث بهذا الحديث: " لوددت أني شجرة أعضد في كل عام فأوكل ".

جعفر بن محمد بن جعفر بن رشيد

جعفر بن محمد بن جعفر بن رشيد أبو الفضل الكوفي حدث بدمشق عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقول أحدكم: صمت رمضان، وقمت رمضان، ولا صنعت في رمضان كذا وكذا، فأن رمضان اسم من أسماء الله العظام. ولكن قولوا: شهر رمضان، كما قال ربكم في كتابه ". جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام ابن عبد ربه بن زيد بن خالد بن قيس بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن الحارث، - أبو عبد الله الكندي - المعروف بابن بنت عدبس، أخو هشام بن محمد الكندي أصله من الكوفة. روى عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". توفي في سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومئتين، وكان سنه قد نيف على الثمانين. جعفر بن محمد بن الحارث أبو محمد المراغي أحد الرحالين في طلب الحديث وجمعه، سمع بدمشق وغيرها، كتب الحديث بأصابعه نيفاً وستين سنة، ولم يزل يكتب إلى أن توفاه الله، وكان من أعرف الناس فيه، وأثبتهم، رحمة الله عليه. حدث جعفر بن محمد عن أبي الأزهر جماهر بن محمد الغساني بسنده عن الأوزاعي قال: كانوا يستحبون أن يحدثوا أهل الشام بفضائل أهل البيت، ليرجعوا عما كانوا عليه. أنشد جعفر بن الحارث المراغي لمنصور الفقيه:

جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض

لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله من كان يكذب ما يري ... د مخيلتي فيه قليله وأنشد له أيضاً: الكلب أحسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسه ممن ينازع في الرئا ... سة قبل أوقات الرئاسه توفي أبو محمد المراغي في رجب سنة ست وخمسين وثلاث مائة، وهو ابن نيف وثمانين سنة. جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض أبو بكر الفريابي القاضي قدم دمشق وسمع بها. حدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي سنة ثمان وتسعين ومئتين، بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بشاة - يعني ميتة - فقال: " هلا استمتعتم بجلدها؟ قالوا: يا رسول الله، إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها ". ورو عن صفوان ابن صالح بسنده عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك، فجهد الناس جهداً شديداً، فشكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بظهرهم من الجهد، فتخير لهم مضيقاً سار الناس فيه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مروا باسم الله ". فمروا، فجعل ينفخ بظهرهم وهو يقول: " اللهم احمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القوي والضعيف، والرطب واليابس، في البر والبحر " قال: فما بلغنا المدينة حتى جعلت تنازعنا أزمتها. قال فضالة: فقلت هذه دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على القوي والضعيف، فما بال الرطب واليابس؟ قال: فلما قدمنا الشام غزونا غزوة قبرس في البحر، ورأيت السفن وما تحمل فيها، عرفت دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولد الفريابي في سنة سبع ومئتين.

جعفر بن محمد بن حماد أبو الفضل القلانسي

قال جعفر بن محمد الفريابي: انصرفت من مجلس عبيد الله بن معاذ بالبصرة، فإذا بحلقة وبجماعة من الناس قيام، فنظرت فإذا بشاب مجنون، فقيل لي: يا فتى، تؤذن في أذنه؟ فقلت: أمسكوا يده ورجله، وأذنت في أذنه، فلما بلغت: أشهد أن محمد رسول الله، قال لي على لسان المجنون بصوت يسمعه الحاضرون: من لسوم محمد مكن يعني أنا انصرف ولا تذكر محمداً. قال أبو أحمد بن عدي: رأيت مجلس الفريابي تجوز فيه خمسة عشر ألف محبرة وكنا نحتاج أن نبيت في موضع المجلس، لنجد من الغد موضع مجلس. مات الفريابي ببغداد، سلخ ذي الحجة، سنة ثلاث مائة، والمحفوظ سنة إحدى وثلاث مئة. وولد سنة سبع ومائتين، وكان عمره أربعاً وتسعين سنة. جعفر بن محمد بن حماد أبو الفضل القلانسي من أهل الرملة: سكن عسقلان، وحدث بدمشق. روى عن أحمد بن يونس بسنده عن داود بن علي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوماً وبعده يوماً ". توفي في الرملة سنة إحدى وثمانين ومئتين، وقيل: سنة ثمانين.

جعفر بن محمد بن سعيد بن شعيب

جعفر بن محمد بن سعيد بن شعيب ابن عبد الله بن عبد الغفار وقيل ابن شعيب بن ذكوان بن أبي أمية أبو عبد الله العبدري مولى بني عبد الدار من أهل بج حوران من إقليم باناس. روى عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة بسنده عن أنس ابن مالك قال: مطرت السماء برداً، فقال أبو طلحة: ناولني من ذلك البرد، فناولته، فجعل يأكل وهو صائم وذلك في رمضان - قال أبو سليمان: أشك في رمضان وحده - قال: قلت: ألست صائماً؟ قال: بلى إن هذا ليس بطعام ولا شراب، وإنه بركة نزلت من السماء نطهر به بطوننا. قال أنس: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له فقال: " خذ عن عمك " قال عبد الوارث: سمعته من علي بن زيد وإلا فصمتا، وقال كل راو كذلك إلى ابن عساكر. وحدث عن أحمد بن نجدة أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: عاش فرعون أربع مئة سنة، وكان طوله ستة أشبار، وكان اسمه الوليد بن مصعب، وكانت كنيته أبو مرة. توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة. جعفر بن محمد بن سوار بن سنان أبو محمد النيسابوري الحافظ حدث عن قتيبة بن سعيد بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والذي نفس محمد بيده، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ".

جعفر بن محمد بن عبد الله

وبإسناده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك ". توفي جعفر بن سوار سنة ثمان وثمانين ومئتين. جعفر بن محمد بن عبد الله ابن أحمد بن العباس بن إدريس بن محمد بن جعفر بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب أبو محمد الجعفري النيسابوري قدم دمشق وحدث بها. روى عن أحمد بن محمد الغزال بطوس بسنده عن أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وعده الله على عمل ثواباً، فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار ". جعفر بن محمد بن علي بن يزيد ابن عبد الله أبو محمد الهمداني المعروف بالمليح سمع بدمشق حدث عن هلال بن العلاء بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من جلس في مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه.

جعفر بن محمد بن الفضل

جعفر بن محمد بن الفضل ابن عبد الله أبو القاسم البغدادي الدقاق المعروف بابن المارستاني نزيل مصر. قرأ بصيدا وببغداد، وولد سنة ثمان وثلاث مئة. حدث عن الحسين بن الخضر بسنده عن أبي هند الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال الله عز وجل: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره مني بمغفرتي، ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت ". قال محمد بن علي الصوري: كان كذاباً، ومات بمصر في سنة سبع وثمانين وثلاث مئة. جعفر بن محمد بن الفضيل أبو الفضل الجزري الرسعني سمع بدمشق حدث عن سعيد بن أبي مريم بسنده عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رآني، فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتلون بي ". جعفر بن محمد بن محمد ويقال جعفر بن محمد بن خالد البرذعي روى عن هشام بن خالد بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شهر رمضان شهر الله، وشهر شعبان شهري، وشعبان المطهر، ورمضان المكفر ".

جعفر بن محمد بن موسى

جعفر بن محمد بن موسى أبو محمد النيسابوري الأعرج الحافظ سكن حلب. حدث عن محمد بن يحيى بسنده عن أنس قال: " كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. " وحدث عن إدريس بن يونس الحراني بسنده عن أبي الدرداء قال: " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو إدخال السرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة ". كان جعفر ثقة، حافظاً، عالماً، عارفاً. توفي بحلب سنة سبع وثلاث مئة. جعفر بن محمد بن الوليد حدث عن الوليد بن ميلم عن ابن جابر قال: " شكت أم عمر بن المنكدر إلى أخيه محمد بن المنكدر ما يلقاه من كثرة بكائه بالليل، فاستعان محمد عليه بأبي حازم، فدخلوا عليه فقال أبو حازم: يا عمر، ما هذا البكاء الذي شكته أمك! قال: إنه إذا جن علي الليل هالني فأستفتح القرآن، فما تنقضي عني عجيبة، حتى إن الليل ينقضي، وما قضيت نهمتي. قال: فما الذي أبكاك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل هي التي أبكتني: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ". جعفر المتوكل بن محمد المعتصم ابن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بويع بالخلافة بعد موت أخيه هارون الواثق بمشاورة في ذلك.

قال محمد بن شجاع الأحمر: دخلت على المتوكل وبين يديه نصر بن علي الجهضمي، فجعل نصر يحض المتوكل على الرفق، ويمدح الرفق، ويوصي به، والمتوكل ساكت، فلما سكت نصر قال المتوكل، والتفت إلى يحيى بن أكثم القاضي فقال له: أنت يا يحيى حدثتني بسندك عن جرير بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من حرم الرفق حرم الخير. " ثم أنشأ يقول: الرفق يمن والأناة سعادة ... فاستأن في رفق تلاق نجاحا لا خير في حزم بغير روية ... والشك وهن إن أردت سراحا لما مات الواثق أجمع وصيف التركي وأحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن عبد الملك وأحمد بن خالد المعروف بابن أبي الوزير وعمر بن فرج، فعزم أكثرهم على تولية محمد بن الواثق، فأحضروه وهو غلام أمرد، فقال أحمد بن أبي دؤاد: أما تتقون الله! كيف تولون مثل هذا الخلافة؟! فأرسلوا بغا الشرابي إلى جعفر بن المعتصم فأحضروه، فقام ابن أبي دؤاد فألبسه الطويلة ودراعة، وعممه بيده على الطويلة، وقبل بين عينيه وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم غسل الواثق، وصلى عليه المتوكل ودفن. وكان المتوكل رأى في النوم كأن سكراً سليماً نيئاً سقط عليه من السماء، مكتوبا عليه: جعفر المتوكل على الله. فلما صلى على الواثق قال محمد بن عبد الملك: نسميه المنتصر، وخاض الناس في ذلك، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رآه في منامه، فوجده موافقا، فأمضى وكتب بذلك للآفاق. ولد المتوكل سنة سبع ومائتين، وقيل خمس، وبويع بسر من رأى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكان أسمر، حسن العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، إلى القصر أقرب، كنيته أبو الفضل، وأمه أم ولد يقال لها شجاع، من سروات النساء سخاء وكرماً، ولما بويع أظهر السنة وبسطها ونصر أصحاب السنة. ودخل دمشق في صفر سنة أربع وأربعين ومائتين، وكان من لدن شخص من سامراء إلى أن دخلها سبعة وسبعون يوما، وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها، وأمر بالبناء بها، فتحرك الأتراك في أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم، فأمر لهم بما أرضاهم، ثم استوبأ

البلد وذلك أن الهواء بها بارد ندي، والماء ثقيل، والريح تهب فيها مع العصر، فلا تزال تشتد حتى تمضي عامة الليل، وهي كثيرة البراغيث، وغلت عليه الأسعار، وحال الثلج بين السابلة والميرة، وسير المتوكل بغا لغزو الروم، وغزا الصائفة. وأقام المتوكل بدمشق شهرين وأياماً، ثم رجع إلى سر من رأى. وكان السبب الذي عزم به المتوكل على الشخوص إلى دمشق أن خرج إلى الموضع المعروف بالمحمدية بسامراء في بعض نزهه التي كان يخرج فيها، وذكروا بحضرته البلدان وهواء كل بلد وطيبه، وما فيه مما يفضل به على غيره، وذكر إسرائيل بن زكريا المتطبب المعروف بالطيفوري دمشق، واعتدال الهواء بها وطيبها في الصيف، وقلة حرها وبرد مياهها، وكثرة البساتين والأشجار بها، وأنها من البلدان التي يصلح لأمير المؤمنين سكناها وتلائم بدنه، وتنحل عنه فيها العلل التي لا تزال تعرض له في العراق عند حلول الصيف، ووافق ذلك مجيء كتاب عامل سميساط بمصير الروم إلى القرى التي بالقرب من المدينة وإخرابهم إياها، فأمر المتوكل بالأهبة للسفر. ولما نزل دمشق بنى بأرض داريا قصراً عظيماً، ووقعت من قلبه بالموافقة، فخرج يوماً يتصيد فأجمع قوم من جنده على الفتك به، واتصل ذلك به فرحل إلى سامراء، وقتل بها. قال علي بن الجهم السامي: وجه إلي المتوكل فأتيته، فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الساعة في المنام، فقمت إليه فقال لي: تقوم إلي وأنت خليفة فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، أما قيامك إليه فقيامك بالسنة، وقد عدك من الخلفاء. قال: فسر بذلك. كان إبراهيم بن محمد التميمي قاضي البصرة يقول: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق، قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية، والمتوكل محا البدع، وأظهر السنة.

قال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب: جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل، وذلك أن عمر بن عبد العزيز جاء الله به يرد المظالم، وجاء الله بالمتوكل يرد الدين. قال هشام بن عمار: سمعت المتوكل يقول: واحسرتي على محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه، وأشاهده، وأتعلم منه، فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام ثلاث ليال متواليات وهو يقول: يا أيها الناس، إن محمد بن إدريس المطلبي قد صار إلى رحمة الله، وخلف فيكم علماً حسناً فاتبعوه تهتدوا، فإن كلام المطلب سنتي، يا أيها الناس، من ترحم على محمد بن إدريس الشافعي غفر الله تعالى له ما أسر وما أعلن. ثم قال المتوكل: اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه، وارحم محمد بن إدريس رحمة واسعة، وسهل علي حفظ مذهبه، وانفعني بذلك. حكى علي بن الجهم عن المتوكل، كلاماً، وقد بلغه أن رجلا أنكر على رجل ينتمي إلى التشيع وقال قولا أغرق فيه من مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فغضب المتوكل وقال: الناسب هذا المادح إلى الغلو جاهل، وهو إلى التقصير أقرب، وهل أحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أئمة الإسلام أحق بكل ثناء حسن من علي! وجه المتوكل إلى أحمد بن المعذل وغيره من العلماء فجمعهم في داره، ثم خرج عليهم فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعذل فقال المتوكل لعبيد الله: إن هذا لا يرى بيعتنا. فقال له: بلى، يا أمير المؤمنين، ولكن في بصره سوء. فقال أحمد بن المعذل: يا أمير المؤمنين، ما في بصري سوء، ولكنني نزهتك من عذاب الله، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار " فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه.

قال يزيد المهلبي: قال لي المتوكل يوماً: يا مهلبي، إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها، وأنا ألين لهم ليحبوني فيطيعوني. قال عبد الأعلى بن حماد الزينبي: قدمت على المتوكل بسر من رأى، فدخلت عليه يوماً فقال: يا أبا يحيى، قد كنا هممنا لك بأمر فتدافعت الأيام به، فقلت: يا أمير المؤمنين، سمعت مسلم بن خالد المكي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة وأنشدته: لأشكرنك معروفاً هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف ولا أذمك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف فجذب الدواة فكتبها. ثم قال: ننجز لأبي يحيى ما كنا هممنا له به، وهو كذا ونضعف لخبره هذا. دخل علي بن الجهم على جعفر المتوكل وبيده درتان يقلبهما، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: وإذا مررت ببئر عر ... وة فاسقني من مائها قال: فدحا بالدرة التي في يمينه فقبلتها، فقال لي: تستنقص بها! وهي والله خير من مائة ألف. قلت: لا والله، مااستنقصت، ولكن فكرت في أبيات أعملها آخذ التي في يسارك. فقال لي: قل، فأنشأت أقول: بسر من را إمام عدل ... تغرف من بحره البحار يرجى ويخشى لكل خطب ... كأنه جنة ونار

الملك فيه وفي بنيه ... ما اختلف الليل والنهار يداه في الجود ضرتان ... عليه كلتاهما تغار لم تأت منه اليمين شيئاً ... إلا أتت مثله اليسار قال: فدحا بالتي في يساره وقال: خذها لا بارك الله لك فيها. وقد رويت هذه الأبيات للبحتري في المتوكل. قال الفتح بن خاقان: دخلت يوماً على المتوكل فرأيته مطرقاً يتفكر فقلت: ما هذا الفكر يا أمير المؤمنين! فوالله ما على ظهر الأرض أطيب منك عيشاً ولا أنعم منك بالاً. فقال: يا فتح، أطيب عيشاً مني رجل له دار واسعة، وزوجة صالحة، ومعيشة حاضرة، لا يعرفنا فنؤذيه، ولا يحتاج إلينا فنزدريه. قال المتوكل لعلي بن الجهم وكان يأنس به ولا يكتمه شيئاً من أمره: يا علي، إني دخلت على قبيحة الساعة فوجدتها قد كتبت على خدها بغالية - جعفر -، فوالله ما رأيت شيئاً أحسن من سواد تلك الغالية على بياض ذلك الخد، فقل في هذا شيئاً. قال: وكانت محبوبة جالسة من وراء الستارة تسمع الكلام، قال: إذ دعي لعلي بالدواة والدرج، وأخذ يفكر، قالت على البديهية: وكاتبة بالمسك في الخد جعفراً ... بنفسي محط المسك من حيث أثرا لئن كتبت في الخد سطراً بكفها ... لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا فيا من لمملوك لملك يمينه ... مطيع له فيما أسر وأظهرا ويا من مناها في السريرة جعفر ... سقى الله من سقيا ثناياك جعفراً وبقي علي بن الجهم واجماً لا ينطق بحرف، وأمر المتوكل عريباً فغنت في هذا الشعر. وفي رواية أخرى: أن المتوكل لما رآها أنشد هو هذه الأبيات.

قال علي بن الجهم: لما أفضت الخلافة إلى المتوكل على الله أهدى إليه عبد الله بن طاهر من خراسان جواري، فكانت فيهن جارية يقال لها محبوبة، وكانت قد نشأت في الطائف، وكان لها مولى مغرى بالأدب، وكانت قد أخذت عنه وروت الأشعار، وكان المتوكل بها معجباً، فغضب عليها ومنع جواري القصر من كلامها، فكانت في حجرتها لا يكلمها أحد أياماً، فرأته في المنام كأنه قد صالحها. قال علي: فلما أصبح دخلت عليه فقال: يا علي، أشعرت أني رأيت محبوبة في منامي كأني قد صالحتها وصالحتني! فقلت: خيراً يا أمير المؤمنين، إذاً يقر الله عينك، ويسرك، فوالله إنا لفيما نحن فيه من حديثها، إذ جاءت وصيفة لأمير المؤمنين فقالت: يا سيدي، سمعت صوت عود من حجرة محبوبة، فقال أمير المؤمنين: قم بنا يا علي ننظر ما هذا الأمر! فنهضنا حتى أتينا حجرتها، فإذا هي تضرب بالعود وتقول: أدور في القصر لا أرى أحداً ... أشكو إليه ولا يكلمني حتى كأني أتيت معصية ... ليست لها توبة تخلصني فهل شفيع لنا إلى ملك ... قد رآني في الكرى فصالحني حتى إذا ما الصباح لاح لنا ... عاد إلى هجره فصارمني قال: فصاح أمير المؤمنين وصحت معه، فسمعت فتلقت أمير المؤمنين، وأكبت على رجليه تقبلهما فقالت: يا سيدي، رأيتك في ليلتي هذه كأنك قد صالحتني. فقال: وأنا والله قد رأيتك، فردها إلى مرتبتها كأحسن ما كانت. فلما كان من أمر المتوكل ما كان، تفرقن وصرن إلى القواد، ونسين أمير المؤمنين، فصارت محبوبة إلى وصيف الكبير، فما كان لباسها إلا البياض، وكانت تنتحب وتشهق، إلى أن جاس وصيف يوماً للشرب، وجلس جواري المتوكل يغنينه، فما بقيت منهن واحدة إلا تغنت غيرها. فقالت: إن رأى الأمير أن يعفيني فأبى. فقال لها الجواري: ل وكان في الحزن فرج لحزنا معك. وجيء بالعود فوضع في حجرها فأنشأت تقول:

أي عيش يطيب لي ... لا أرى فيه جعفراً ملك قد رأته عي ... ني جريحاً معفرا كل من كان ذا هيا ... م وسقم فقد برا غير محيوية التي ... لو ترى الموت يشترى لاشترته بما حوت ... هـ جميعاً لتقبرا فاشتد ذلك على وصيف. وفي رواية: فهم بقتلها، فاستوهبها منه بغا وكان حاضراً. وفي هذه الرواية: فأمر بإخراجها فصارت إلى قبيحة، ولبست الصوف، وأخذت ترثيه وتبكيه حتى ماتت. قال عمرو بن شيبان الحلبي: رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل فيما يرى النائم حين أخذت مضجعي كأن آتياً أتاني فقال: يا نائم العين في أوطار جثمان ... أفض دموعك يا عمرو بن شيبان أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلوا ... بالهاشمي وبالفتح بن خاقان وافى إلى الله مظلوماً فضج له ... أهل السموات من مثنى ووحدان وسوف تأتيكم أخرى مسومة ... توقعوها لها شأن من الشان فابكوا على جعفر وارثوا خليقتكم ... فقد بكاه جميع الإنس والجان قال: فأصبحت فإذا الناس يخبرون أن جعفراً المتوكل قد قتل في هذه الليلة. قال أبو عبد الله: ثم رأيت المتوكل بعد هذا بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى، فقلت: ما فعل بك ربك؟

قال: غفر لي. قلت: بماذا؟ قال: بالقليل من السنة تمسكت بها. قلت: فما تصنع ها هنا؟ قال: أنتظر محمداً ابني، أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم. حدث إسماعيل بن داود: أن المتوكل وصف له سيف بمصر، فأنفذ رسولاً قاصداً في طلبه، وكتب له إلى عامل مصر، فلما وصل إليه سأله عن السيف فأخبر أن السيف بدمشق، فركب الرسول إلى دمشق وسأل عن السيف، فأخبر أنه صار إلى الحجاز، فعاد الرسول إلى المتوكل فأخبره بذلك، فأنفذ رسولاً إلى الحجاز بكتابه إلى عامله بها، فبحث عن السيف فأخرج إليه، فأخذه ومضى به إلى المتوكل وهو بسر من رأى. فلما رآه المتوكل لم يعجب به ورآه وحشاً واستزراه وتصفح وجوه الغلمان الذين حوله فرأى غلاماً تركياً يقال له ياغر وكان سمجاً، فقال له: أنت وحش وهذا السيف وحش فخذه، فلما صار عنده ومضت مدة دخل ياغر في ليلة من الليالي بالسيف فقتل به المتوكل، وكان من أمره ما كان به. بويع جعفر المتوكل في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقتل ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر ويوماً واحداً، وأمه أم ولد تركية يقال لها شجاع، وكنيته أبو الفضل، وصلى عليه المنتصر، وكان عمره أربعين سنة، ومولده سنة سبع ومائتين. قال أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال: غارت زمزم ليلة من الليالي، فأرخناها فجاءنا الخبر أنها كانت الليلة التي قتل فيها جعفر المتوكل. كان يزيد بن محمد المهلبي من ندماء المتوكل، فلما قتل قال يزيد: لما اعتقدتم أناساً لا حفاظ لهم ... ضعتم وضيّعتم ما كان يعتقد ولو جعلتم على الأحرار نعمتكم ... حمتكم الذادة المنسوبة الحسد قوم هم الجذم والأرحام تجمعكم ... والمجد والدين والإسلام والبلد إن العبيد إذا ذللتهم صلحوا ... على الهوان وإن أكرمتهم فسدوا

جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس

ما عند عبد لمن يرجوه محتمل ... ولا على العبد عند الخوف معتمد فاجعل عبيدك أوتاداً تشحجها ... لا يثبت البيت حتى يثبت الوتد جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس ابن قاسم النميري حدث عن سلم بن ميمون الخواص بسنده عن أبي ثعلبة الخشني قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل النساء والولدان. جعفر بن محمد بن يزدين أبو الفضل ابن السوسي سكن مكة، وسمع بدمشق. روى عن كثير بن عبيد بسنه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عال مقتصد قط. وحدث عن إسحق الفروي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة. جعفر بن محمد أبو عبد الله المعّري المغربي حدث بدمشق. ومن شعره مما أنشده بدمشق: إذا أراد الله أمراً بامرىء ... وكان ذا علم ورأي وبصر وحيلة يعملها في كل ما ... يأتي به مكروه أشتات القدر

جعفر بن محمود الكاتب

أغراه بالجهل وأعمى قلبه ... وسلّه من رأيه سلّ الشعر حتى إذا أنفذ فيه حكمه ... ردّ عليه عقله ليعتبر جعفر بن محمود الكاتب قدم دمشق صحبة المتوكل، واستوزره المستعين سنة ثمان وأربعين ومائتين، ثم استوزره المعتز بالله. ولما عزل من الوزارة واستوزر بعده عيسى بن فرخان شاه أنشد محمد بن غياث لنفسه: في غير حفظ الله يا جعفر ... زلت فزال الجور والمنكر بلغت أمراً لست من أهله ... باعك عمّا دونه يقصر كنت كثوب زانه طيّه ... حيناً فأبدى عيبه المنشر ماينفع المنظر من جاهل ... بأمره ليس له مخبر بل مثل عيسى لا انقضى عمره ... يخص بالعرب ويستوزر حلم وعلم ثاقب زنده ... بمثله من مثله يفخر تذكره الأشعار إن أنشدت ... وأنت منسيّ فما تذكر توفي جعفر بن محمود في سنة ثمان وستين ومائتين. جعفر بن موسى حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن خالد بن نجيح المصري بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد هوان قريش أهانه الله.

جعفر بن ميسر بن يغنم أبو محمد

جعفر بن ميسر بن يغنم أبو محمد أنشد أبو محمد جعفر بن يغنم بصيدا لمحمد بن عمر الأنباري يرثي نصير الدولة أبا طاهر بن بقية وزير عز الدولة بختيار، حين صلبه عضد الدولة ببغداد سنة تسع وأربع مائة: علو في الحياة وفي الممات ... بحق أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلات كأنك قائم فيهم خطيبا ... وكلهم قيام للصلاة مددت يديك نحوهم اقتفاء ... كمدهما إليهم بالهبات ولمل ضاق بطن الأرض عن أن ... تضم علاك من بعد الممات أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الكفان ثوب السافيات لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحفاظ وحراس ثقات وتشعل حولك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيام الحياة ولم أر قبل جذعك قط جذعاً ... تمكن من عناق المكرمات أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثأر النائبات وكنت تجير من صرف الليالي ... فعاد مطالبا لك بالتراب وصير دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السيئات ركبت مطيةً من قبل زيد ... علاها في السنين الذاهبات وتلك فضيلة فيها تأس ... تباعد عنك أسباب الدنات وكنت لمعشر سعداً فلما ... مضيت تمزقوا بالمنحسات غليلي باطن لك في فؤادي ... يخفف بالدموع الجاريات ولو أني قدرت على قيامي ... بفرضك والحقوق الواجبات ملأت الأرض من نظم المراثي ... ونحت بها خلاف النائحات

ولكني أصبر عنك نفسي ... مخافة أن أعد من الجناة ومالك تربة فأقول تسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات عليك تحية الرحمن تترى ... برحمات روائح غاديات ولما أمر عضد الدولة بقتل الوزير محمد بن بقية وصلبه بمدينة السلام في سنة سبع وثلاث مائة كان له صديق يعرف بأبي الحسن الأنباري، فرثاه بهذه الأبيات، فرثاه بهذه الأبيات، فكتبها ورمى بها في شوارع بغداد، فتداولها الأدباء إلى أن اتصل الخبر بعضد الدولة، فلما أنشدت بين يديه تمنى أن يكون هو المصلوب دونه، فقال: علي بهذا الرجل فطلب سنة كاملة، واتصل الخبر بالصاحب إسماعيل بن عباد بالري فكتب له الأمان. فلما سمع بذكر الأمان قصد حضرته فقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: نعم. قال: أنشدنيها. فلما أنشده: ولم أر قبل جذعك قط جذعا ... تمكن من عناق المكرمات قام الصاحب فعانقه وقبل فاه، وأنفذه إلى حضرة عضد الدولة. فلما مثل بين يديه قال له: ما الذي حملك على مرثية عدوي؟ فقال: حقوق سلفت وأياد مضت، فجاش الحزن في قلبي فرثيت، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع؟ - والشموع تزهر بين يديه - فأنشأ يقول: كأن الشموع وقد أظهرت ... من النار في كل رأس سنانا أصابع أعدائك الخائفين ... تضرع تطلب منك الأمانا فلما أنشده هذين البيتين خلع عليه، وحمله على فرس وأعطاه بدرة. وكان جعفر هذا أديبا فاضلا، وصدرا كاملا، رثاه القاص أبو الحسن بن هندي بقصيدة غراء ثلاثة وتسعون بيتا منها: يا من كأن الدهر يعشق ذكره ... فلسانه من وصفه لا يفتر بأبي ثراك وما تضمنه الثرى ... كل يموت وليس كل يذكر

جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك

جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك أبو الفضل البرمكي وزير الرشيد هارون، ولاه هارون دمشق وقدمها سنة ثمانين ومائة. حدث عن أبيه يحيى بسنده إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه. وقال جعفر بن يحيى البرمكي لهرون الرشيد: يا أمير المؤمنين، قال لي أبي يحيى: إذا أقبلت الدنيا عليك فأعط، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأعط، فإنها لا تبقى. قال جعفر: وأنشدنا أبي: لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف ولما ثارت العصبية بالشام في سنة ثمانين ومائة وتفاقم أمرها اغتم الرشيد فعقد لجعفر بن يحيى على الشام، وقال له: إما أن تخرج أنت أو أخرج أنا، فقال له جعفر: بل أقبل بنفسي، فشخص في جلة القواد والكراع والسلاح، فأتاهم فأصلح بينهم، وقتل زواقيلهم والمتلصصة منهم، ولم يدع بها رمحا ولا قوسا، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وأطفأ النائرة. وكان جعفر بن يحيى من علو القدر، ونفاذ الأمر، وعظم المحل، وجلالة المنزلة عند هرون بحلة انفرد بها ولم يشارك فيها، وكان سمح الأخلاق طلق الوجه، ظاهر البشر. وأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فكان أشهر من أن يذكر، وكان أيضا من ذوي الفصاحة واللسن والبلاغة. يقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ونظر في جميعها فلم

يخرج بشيء منها عن موجب الفقه. وكان أبوه يحيى بن خالد قد ضمه إلى أبي يوسف القاضي حتى علمه وفقهه. وغضب الرشيد عليه في آخر عمره فقتله، ونكب البرامكة لأجله. كان أبو علقمة الدمشقي - صاحب الغريب - عند جعفر بن يحيى في بعض لياليه التي يسمر فيها، فأقبلت خنفساءة إلى أبي علقمة فقال: أليس يقال إن الخنفساء إذا أقبلت إلى الرجل أصاب خيراً! قالوا: بلى، قال جعفر بن يحيى: يا غلام، أعطه ألف دينار، قال: فنحوها عنه فعادت إليه، فقال: يا غلام، أعطه ألف دينار، فأعطاه ألفي دينار. خرج عبد الملك بن صالح مشيعاً لجعفر بن يحيى البرمكي، فعرض عليه حاجاته فقال له: قصارى كل مشيع الرجوع، وأريد أعز الله الأمير أن تكون لي كما قال بطحاء العذري: وكوني على الواشين لداء شغبة ... فإني على الواشي ألد شغوب فقال جعفر: بل أكون لك كما قال جميل: وإذا الواشي وشى يوما بها ... نفع الواشي بما جاء يضر كان أحمد بن الجنيد الإسكافي أخص الناس بجعفر بن يحيى، فكان الناس يقصدونه في حوائجهم إلى جعفر، فكثرت رقاع الناس في خف أحمد بن الجنيد، ولم يزل كذلك إلى أن تهيأ له الخلوة بجعفر فقال له: قد كثرت رقاع الناس معي وأشغالك كثيرة وأنت اليوم خال، فإن رأيت أن تنظر فيها. فقال له جعفر: على أن تقيم عندي اليوم، فقال له أحمد: نعم، فصرف دوابه، فلما تغدوا جاءه بالرقاع، فقال له جعفر: هذا وقت ذا؟! دعنا اليوم، فأمسك عنه أحمد، وانصرف في ذلك اليوم ولم ينظر في الرقاع. فلما كان بعد أيام خلا به فأذكره الرقاع فقال: نعم، على أن تقيم عندي اليوم، فأقام عنده ففعل به مثل الفعل الأول، حتى فعل به ثلاثا، فلما كان في آخر يوم أذكره فقال: دعني الساعة وناما، فانتبه جعفر قبل أحمد فقال لخادم له: اذهب إلى خف أحمد بن الجنيد فجئني بكل رقعة فيه، وانظر لا تعلم أحمد، فذهب الخادم وجاء

بالرقاع، فوقع جعفر فيها عن آخرها بخطه بما احب أصحابها ووكد ذلك، ثم أمر الخادم أن يردها في الخف فردها، وانتبه أحمد وأخذوا في شأنهم ولم يقل له فيها شيئا، وانصرف أحمد، فركب يعلل أصحاب الرقاع بها أياما، ثم قال لكاتب له: ويلك، هذه الرقاع قد أخلقت في خفي، وهذا - يعني جعفراً - ليس ينظر، فخذها تصفحها وجدد ما خلق منها، فأخذها الكاتب فيها فوجد الرقاع موقعا فيها بما سأل أهلها وأكثر، فتعجب من كرمه ونبل أخلاقه، وأنه قضى حاجته ولم يعلمه بها، لئلا يظن أنه اعتد بها عليه. حدث مهذب حاجب العباس بن محمد، صاحب قطيعة العباس والعباسة قال: نالت العباس إضافة، وكثر غرماؤها والمطالبون له، فأخرج سفطا فيه جوهر، شراؤه ألف ألف درهم، أعده ذخراً لبناته، فحمله إلى جعفر بن يحيى، فتلقاه جعفر وسط الصحن وجلس بين يديه، فقال له العباس: نالني ما ينال الأحرار من الإضافة، وهذا سفط شراؤه علي ألف درهم، فامر بعض تجارك أن يقبضه ويقرضني عليه خمس مائة ألف درهم فإذا وردت الغلة رددتها إليه، وأخذت السفط، قال: أفعل. وختم السفط ودفعه إلى غلام بين يديه، وأوعز إليه بسرار ثم قال: الحاجة توافيك العشية وتتفضل بالغداء عندي ففعل، فقال له: ثيابي لا تصلح على الأمير، وهذه عشرة تخوت، ومهري لين الركوب، ينصرف الأمير عليه، فانصرف وذلك بين يديه، فوجد السفط في بيته ومعه ألف ألف درهم قد وصله بها جعفر. قال مهذب: فما بات وعليه درهم واحد، فقال لي: نبكر غداً على الرجل شاكرين له، فبكرنا فقيل لنا: هو عند أخيه الفضل، فجئنا إلى دار الفضل فقالوا: هما في دار أمير المؤمنين، فصرنا إلى دار أمير المؤمنين، فدخل مولاي فوجدهما في الصحن لم يؤذن لهما، فقال له جعفر: حدثت أخي بقصتك فأمر أن يحمل لك خازنك ألف ألف درهم، وما أشك أنها في دارك، ونحن نكلم أمير المؤمنين أعز الله نصره الساعة في أمرك، فدخلا إلى الخليفة فأمر له بثلاث مائة ألف دينار، فلم يكن في بيت المال منها حاضر إلا مائتي ألف دينار

فدفعت إليه، وقيل له اختر أين نسيب لك بهذا المال؟ قال: إلى مصر، فما كانت إلا أيام حتى أتت السفائح من مصر. قال إبراهيم الموصلي: حج الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي وكنت معهم، فلما صرنا إلى مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي جعفر: انظر لي جارية ولا تتق غاية في حذافتها بالغناء والضرب، والكمال في الظرف والأدب، وجنبني قولهم صفراء. قال: فأرشدت إلى جارية لرجل فدخلت عليه، فرأيت رسوم النعمة، وأخرجها إلي فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا أدب. قال: ثم تغنت لي أصواتا فأجادتها. قال: فقلت لصاحبها: قل ما شئت. قال: أقول لك قولا لا أنقص منه درهما. قلت: قل. قال: أربعين ألف دينار. قلت: قد أخذتها وأشترط عليك نظرة. قال: ذلك لك. قال: فأتيت جعفر بن يحيى فقلت: قد أصبت حاجتك، على غاية الكمال والظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الضرب والغناء، وقد اشترطت نظرة، فاحمل المال ومر بنا، فحملنا المال على حمالين، وجاء جعفر مستخفياً، فدخلنا على الرجل وأخرجها. فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته. ثم غنته فازداد بها عجبا، فقال لي: اقطع أمرها، فقلت لمولاها: هذا المال قد نقدناه ووزناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينتقده، قال: لا بل أقنع بما قلتم قال: فقالت الجارية: يا مولاي في أي شيء أنت! فقال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة وما كنت فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان علينا، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك ولذاذتك، فقالت الجارية: والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها. وبعد، فاذكر العهد وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا قال فتغرغرت عين المولى وقال: اشهدوا أنها حرة لوجه الله، وأني قد تزوجتها وأمهرتها داري، فقال جعفر: انهض بنا، قال: فدعوت الحمالين ليحملوا المال، فقال جعفر: لا والله لا يصحبنا منه درهم، ثم أقبل على مولاها وقال: هو لك مبارك لك فيه أنفقته.

قال الأصمعي: كنت عند جعفر بن يحيى ودخل عليه رجل فقال: أعذني أيها الأمير. قال: هو ذاك، صاحب شرطتي على الباب. فقال: أعذني أيها الأمير. قال: ويحك، ما أعذتك! قال: على الفقر. قال: نعم، يا غلام، أعطه ألف دينار. ولما غضب على البرامكة وجد في خزانة لجعفر بن يحيى في جرة ألف دينار، في كل دينار مائة دينار، على جانبيها مكتوب: وأصفر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفر يزيد على مائة واحداً ... متى تعطه معسراً يوسر كان جعفر بن يحيى أمر أن تضرب له دنانير، في كل دينار ثلاث مائة مثقال، وتصور عليها صورة وجهه، فضربت، وبلغ أبا العتاهية فأخذ طبقا فوضع عليه بعض الألطاف ووجهه إلى جعفر، وكتب إليه رقعة في آخرها: وأصفر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفر ثلاث مئين يكن وزنه ... متى يلقه معسر ييسر فأمر بقبض ما على الطبق، وصير عليه ديناراً من تلك الدنانير ورده إليه. قال الأصمعي: كان رجل له انقطاع إلى جعفر بن يحيى، فعتب على جعفر لجفوة إليه منه، فلزم منزله زمانا لا يأتيه، فمر يوما على ظهر الطريق، فوقف عليه واستبطأه في تأخره عنه، فعرفه سبب غيبته وقال له: أيها الوزير، لو أتيناك لما كان عجبا، لعلم الناس بحاجتنا إليك، ولو أتيتنا لكان تفضلاً، لعلم الناس بغناك عنا. فاعتذر جعفر، وجعل على نفسه أن لا يغيب عنه أحد من أصحابه أو يتخلف عنه بسبب إلا أتاه. وأقام رجلاً يتعرف أخبار المتخلفين عنه، ويعرفه السبب في ذلك، وأجرى عليه الرزق لهذا الباب فقط. حدث جعفر بن يحيى أباه يحيى بن خالد، في بعض ماكان يخبره به من خلواته مر الرشيد، قال له بأنه أخذ أمير المؤمنين بيدي، ثم أقبل في حجر يخترقها، حتى

انتهى إلى حجرة مغلقة ففتحت له، ثم رجع من كان معنا من الخدم، ثم صرنا إلى حجرة مغلقة ففتحها بيده، ودخلنا معاً وأغلقها من داخلها بيده، ثم صرنا إلى رواق ففتحه وفي صدره مجلس مغلق، فقعد على باب المجلس ونقر الباب نقرات، فسمعت حساً، ثم أعاد النقر فسمعت صوت عود، ثم أعاد النقر الثالثة فغنت جارية، ما ظننت والله أن الله خلق مثلها في حسن الغناء وجودة الضرب، فقال أمير المؤمنين لها: غني صوتي فغنته: ومحبب شهد الزفاف وقبله ... غنى الجواري حاسراً ومنقبا لبس الدلال وقام ينقر دفه ... نقراً أقر به العيون فأطربا إن النساء رأينه فعشقنه ... وشكون شدة ما بهن فكذبا قال: فطربت والله طربا هممت معه أن أنطح برأسي الحائط، ثم قال لها: غني صوتي الآخر فغنت: طال تكذيبي وتصديقي ... لم أجد عهداً لمخلوق إن ناساً في الهوى حدثوا ... أحدثوا نقض المواثيق قال: فرقص الرشيد ورقصت معه، ثم قال: امض بنا، فإنني أخشى أن يبدو ما هو أكثر من هذا، فمضينا. فلما صرنا في الدهليز قال وهو قابض على يدي: أعرفت هذه المرأة؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين، قال: فإني أعلم أنك ستسأل عنها ولا تكتم ذلك، وأنا أخبرك بها، هي علية، والله إن لفظت به بين يدي أحد وبلغني لأقتلنك، قال: فقال له أبوه قد والله لفظت به، ووالله ليقتلنك فاصنع ما أنت صانع. قال أبو القاسم النصراني: دخلت على جعفر بن يحيى البرمكي في يوم بارد، فأصابني البرد فقال: يا غلام، اطرح عليه كساء من أكسية النصارى، فطرح علي كساء خز قيمته ألف، قال: فانصرفت إلى منزلي، فأردت أن ألبسه في يوم عيد، فلم أصب له في منزلي ثوبا يشاكله، فقالت لي بنية لي: اكتب إلى الذي وهبه لك حتى يرسل إليك بما يشاكله من الثياب، فكتبت إليه: أبا الفضل لو أبصرتنا يوم عيدنا ... رأيت مباهاة لنا في الكنائس فلو كان ذاك المطرف الخرّ جبة ... لباهيت أصحابي بها في المجالس فلا بد لي من جبة من حبابكم ... ومن طيلسان من جياد الطيالس

ومن ثوب قوهي وثوب غلالةً ... ولا بأس إن أتبعت ذاك بخامس إذا تمت الأثواب في العيد خمسةً ... كفتك فلم تحتج إلى لبس سادس لعمرك ما أفرطت فيما سألته ... وما كنت إذ أفرطت فيه بآيس وذلك أن الشعر يزداد شدةً ... إذا ما البلى أبلى جديد الملابس فبعث إليه حين قرأ الشعر بتخوت خمسة، من كل نوع تختاً. فبعث إليه حين قرأ الشعر بتخوت خمسة، من كل نوع تختاً قال: فوالله ما انقضت الأيام حتى قتل جعفر بن يحيى، وصلب وحبس الفضل، فرأينا أبا قابوس قائما تحت جذعه يزمزم، فأخذه صاحب الخبر فأدخله على الرشيد، فقال له: ما كنت قائلاً تحت جذع جعفر؟ فقال: أينجيني منك الصدق؟ قال: نعم. قال: ترحمت عليه وقلت في ذلك: أمين الله هب فضل بن يحيى ... لنفسك أيها الملك الهمام وما طلبي إليك العفو عنه ... وقد قعد الوشاة به وقاموا أرى سبب الرضا فيه قوياً ... على الله الزيادة والتمام نذرت علي منه صيام حول ... فإن وجب الرضا وجب الصيام وهذا جعفر بالجسر تمحو ... محاسن وجهه ريح قتام أقول له وقمت لديه نصاً ... إلى أن كاد يفضحني القيام أما والله لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالركن استلام فأطرق هارون ملياً ثم قال: رجل أولى جميلاً فقال فيه جميلاً: يا غلام ناد بأمان أبي قابوس، وألا يعرض له أحد، ثم قال لحاجبه: إياك أن تحجبه عني صر متى شئت إلينا في مهمك. وقيل: إن هذه الأبيات للرقاشي، وإنه وقف لما صلب جعفر وقال هذه الأبيات، وفي آخرها:

فما أبصرت قبلك يابن يحيى ... حساما فله السيف الحسام على اللذات والدنيا جميعاً ... لدولة آل برمك السلام فقيل ذلك للرشيد، فأحضره وقال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: تحركت نعمته في قلبي فلم أصبر، قال: كم كان أعطاك؟ قال: كان يعطيني في كل سنة ألف دينار. فأمر له بألفي دينار. قال محمد بن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة: دخلت على أمي في يوم أضحى وعندها امرأة برزة جلدة في أثواب دنسة رثة، فقالت لي: أتعرف هذه؟ قلت: لا. قالت: هذه عبادة أم جعفر بن يحيى؛ فسلمت عليها ورحبت بها، وقلت لها: يا فلانة، حدثيني ببعض أمركم، قالت: أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار لمن اعتبر، وموعظة لمن فكر، لقد هجم علي مثل هذا العيد وعلى رأسي أربع مائة وصيفة، وأنا أزعم ان ابني جعفراً عاق بي، وقد أتيتكم في هذا اليوم والذي يقنعني جلدا شاتين، أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً. قال ثمامة بن أشرس: بت ليلة عند جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، فانتبهت ببكائه فقلت: ما يبكيك، لا أبكى الله عينيك؟ قال: رأيت في منامي كأن شيخاً قد أتاني، فأخذ بعضادتي باب البيت الذي أنا فيه فقال: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر فقلت مجيباً له: بلى نحن كنا أهلها وأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر قال: فلما رأيته على هذه الحال انصرفت إلى منزلي، فلما أصبحت غدوت إلى دار السلطان فإذا بجثته عند الجسر، وإذا خلق كثير حولها. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: وجه السلطان إلى جعفر بن يحيى في الليل من ضرب عنفه، وقد أمر بصلبه. فمضيت لحاجتي ورجعت، فإذا هو مصلوب فقلت: في آل برمك للورى عظة ... لو كان يعمل فيهم الفكر منحتهم الدنيا خزائنها ... واختصهم بصفائه الدهر

حتى إذا بلغوا السها شرفا ... حقا وقصر عنهم الفخر عز الزمان بهم فجعفرهم ... بعد الحجاب محله الجسر وتمزقوا من بين مصطلم ... ومكبل قد ضمه الأسر قال اسحق الموصلي: قال لي الرشيد بعد قتل جعفر وصلبه: اخرج بنا لننظر إلى جعفر فلما وصل إليه جعل ينظره ويتأمله، وأنشأ يقول: تقاضاك دهرك ما أسلفنا ... وكدر عيشك بعد الصفا فلا تعجبن فن الزمان ... رهين بتفريق ما ألفا قال: فنظرت غليه ثم قلت: إن كنت يا جعفر أصبحت آية، فلقد كنت في الجود غاية، قال: فنظر إلي الرشيد كالجمل الصؤول وهو مغضب وأنشأ يقول: ما يعجب العالم من جعفر ... ما عاينوه فبنا كانا من جعفر أو من أبوه ومن ... كانت بنو برمك لولانا؟؟ ثم حول وجه فرسه وانصرف. ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر بن يحيى وما نزل بالبرامكة، حول وجهه إلى الكعبة وقال: اللهم، إنه قد كان كفاني مؤنة الدنيا، فاكفه مؤنة الآخرة. قال الأصمعي: كنت أجالس الرشيد وأسامره، فوجه إلي ليلة في ساعة يرتاب فيها البريء، فتناولت أهبة الدخول عليه فمنعت من ذلك وأعجلت، فدخلني من ذلك رعب شديد وخوف، وجعلت أتذكر ذنباً فلا أجده، وجعلت نفسي تظن الظنون. فلما دخلت عليه سلمت ومثلت بين يديه قائما وهو مطرق، فرفع رأسه إلي، فلما رآني أمرني بالجلوس، فجلست، فقال: يا عبد الملك، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال:

جعونة بن الحارث بن خالد

لو أن جعفر خاف أسباب الردى ... لنجا بمهجته طمر ملجم ولكان من حذر المنون بحيث لا ... يرجو اللحاق به الغراب القشعم لكنه لما تقارب يومه ... لم يدفع الحدثان عنه منجم وكان بين يديه طست مغطى بمنديل، فأمر بكشفه فكشف، فإذا رأس جعفر بن يحيى البرمكي، ثم قال: الحق بأهلك يابن قريب، فنهضت ولم أجر جوابا للرعب. فلما أفرخ روعي فكرت في ذلك، فوجدته أحب أن يعلمني مكره ونكره ودهاءه ليتحدث به عنه. قال الأصمعي: فخرجت وأنا أقول: أيها المغرور هل لك ... عبرة في آل برمك عبرة لم ترها أنت ... ولا قبل آت لك قتل جعفر بن يحيى في صفر سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن سبع وثلاثين سنة. وكانت الوزارة إليهم سبع عشرة سنة. جعونة بن الحارث بن خالد ويقال: ابن جعونة بن قرة النميري العامري من أهل الرها، روى عن عمر بن عبد العزيز، واستعمله عمر بن عبد العزيز على الدروب. حدث عن هاشم الأوقص، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اشترى ثوبا بعشرة دراهم، منه درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه.

وفي رواية: ثم أدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال: صمتا إن لم أكن سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين أو ثلاثا. قال جعونة: ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن قيس السكوني الصائفة فقال: اقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم، ولا تكن في أولهم فتقتل، ولا في آخرهم فتفشل، ولكن كن وسطاً حيث يرى مكانك ويسمع صوتك. دخل جعونة بن الحارث على عمر بن عبد العزيز فقال: ياجعونة، إني قد ومقتك فإياك أن أمقتك، أتدري ما يحب أهلك منك؟ قال: نعم، يحبون صلاحي. قال عمر: لا، ولكنهم يحبون ما قام لهم سوادك، وأكلوا في غمارك، وتزودوا على ظهرك. فاتق الله ولا تطعمهم إلا طيبا. ونسبه بعض ولده فقال: هو جعونة بن الحارث بن خالد بن سعد بن مالك بن نضلة بن عبد الله بن كليب بن عمرو بن عامر بن ببيعة بن عامر بن صعصعة. وذكروا أن أباه الحارث لما هاجر إلى الجزيرة نزل وادي بني عامر، ثم انتقل منه إلى الرها فاتخذها منزلا، وعظم قدر جعونة بها حتى اختصه عمر بن عبد العزيز. وكان ابنه منصور بن جعونة أحد عدد عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس ووجوه قواده، فلما سار إلى كفر توثا لمرافقة أبي مسلم خلف أمواله ونقلته بالرها عند منصور، فلما هزم عبد الله وانحل أمره امتنع منصور على أبي مسلم بالرها بالرها، فحاصره مدة، فلم تكن له فيه حيلة إلا بالأمان، فإنه أمنه على نفسه وماله. فلما حصل في يد المنصور نقله عنها إلى ملطية، وهدم سور مدينة الرها وسائر سيران الجزيرة من أجل ما كان من امتناع منصور بها وذلك سنة أربعين ومائة.

جماهر بن محمد بن أحمد بن أحمد

قال أبو سهل الرازي النحوي: قال أبو جعفر المنصور يوماً: ألا تحمدون الله إذ رفع عنكم الطاعون في ولايتنا؟ فقال له جعونة: الله أعدل من أن يجمعك علينا والطاعون. فقتله. قال الحافظ: يعني إذ كان المنصور والياً على الجزيرة قال: ولا أرى جعونة بقي إلى أيام السفاح، ولعله ابنه منصور بن جعونة. جماهر بن محمد بن أحمد بن أحمد ابن حمزة بن سعيد بن عبيد الله بن وهيب بن عباد بن سماك بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سينا بن يشجب بن يعرب بن قحطان الغساني من أهل زملكا ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة. " كان ثقة مأموناً. توفي في المحرم سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة. جمال بن بشر العامري الكلابي قيل: ممن غزا مع مسلمة بن عبد الملك. قال أبو محمد عبد الله بن سعد القطربلي: اجتمع قوم فذكروا الكذب فذموه، فقال شيخ منهم: لربما نفع الكذب ونعم الشيء

هو فاستعملوه. قال: فعجب القوم لقوله ونظروا إليه فقال: سأخبركم بذلك؛ إني كذبت كذبتين فسرقت بإحداهما واستغنيت بالأخرى؛ كنت في الأمداد الذين وجهوا إلى مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، فالتقى المسلمون والعدو ذات يوم فوقفت مع الناس وراء مسلمة، ورجل من المسلمين يقاتل العدو قتالاً شديداً، ويبلي بلاء حسناً، فقال مسلمة، من الرجل جزاه الله خيراً عن الإسلام؟ فقلت من ورائه: هذا جمال بن بشر الكلابي أصلح الله الأمير، فسميت نفسي إذ لم يحضر من يعرفني ولا يعرف الرجل، فجعل مسلمة يقول: جزاك الله يا جمال عن الإسلام خيرا. فلما انصرف، وكان العشي رأيت وجوه أصحابي يتهيؤون للمصير إليه فتهيأت، ثم صرت إلى الباب فزبرني الحاجب ومنعني من الدخول فناديت بأعلى صوتي: أنا جمال بن بشر الكلابي أصلح الله الأمير. فقال مسلمة: أدخلوه أدخلوه، جزاك الله خيراً يا جمال عن الإسلام، أتدرون ما صنع هذا؟ فأحسن الثناء. فلما رأى ذلك أصحابي أطنبوا في الثناء علي، وشايعوه على غير معرفة منهم، فألحقني في شرف العطاء، فسرقت بهذه. ثم صرنا بعد ذلك إلى أمير المؤمنين، فأوفد رجلين إلى خالد بن عبد الله القسري أنا أحدهما، والآخر روح بن زنباع الجذامي، فلما وصلنا إلى خالد قدم ابن عمه علي وفضله في المجلس واللقاء والجائزة وانصرفنا، وقد كنت أخالط أقواما بالكوفة يعرفون بالتجارة، فأبضعوا معي بضائع من مال وبرود وغير ذلك، فأصابتنا السماء في الطريق، فلما نزلت المنزل حللت ما كان معي وسررت الثياب، وأخرجت المال فخلطت بعضها ببعض فنظر إلي روح، فدخله من ذلك حسد فقال: ما هذا يا أخا بني عامر؟؟ قلت: ما كنت احب أن تعلم بهذا، فألح علي في المسألة فقلت: ابن عملك فضلني في الجائزة واستحياك فاستكتمني، فتغيظ عليه وبسط لسانه فيه يسبه ويتنقصه ويشكوه عند وجوه قومه، وجعلت أحسن الثناء عليه وأظهر الشكر له، فكتب إليه بذلك، فكتب: إني والله ما فعلت، ولقد فضلت روحا على العامري في جميع حالاته، ولكن العامري رجع إلى شرف وكرم ورجع روح إلى لؤم، وقد وجهت بألف دينار إلى العامري فأوصلوها إليه. قال: فاستغنيت بها. فنعم الشيء الكذب. قال الحافظ: إن كان حفظ اسم روح في هذه الحكاية فهي كذبة ثالثة من جمال الكلابي، فإن روحاً مات في آخر أيام عبد الملك، قيل أن يلي خالد القسري العراق، فإنه إنما وليه لهشام بن عبد الملك، إلا أن يكون ابن روح أو رجلا من قبيلة روح. والله أعلم.

جمح بن القاسم بن عبد الوهاب

جمح بن القاسم بن عبد الوهاب ابن القاسم بن عبد الوهاب بن أبان بن خلف أبو العباس الجمحي المؤذن المعروف بابن أبي الحواجب حدث عن إسماعيل بن محمد أبي قصي بسنده عن عبد الله بن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو كلب ضاري، نقص من أجره كل يوم قيراط. القيراط مثل أحد ". وحدث عنه أيضا بسنده إلى كعب بن عجرة. أنه مر به سلمان الفارسي وهو مرابط في بعض أرض فارس، فسأله سلمان: مالك هاهنا؟ قال: مرابط. قال: أفلا أخبرك بأمر سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر، وأجري عليه صالح عمله إلى يوم القيامة ". ولد جمح بن القاسم في سنة ثمان وتسعين ومائتين، وتوفي بدمشق سنة ثلاث وستين وثلاث مائة في شعبان. وكان ثقة نبيلاً. جميل بن أحمد بن فضالة بن الصقر ابن فضالة ابن سالم بن جميل بن عمرو بن ثوابة بن الأخنس بن مالك بن النعمان بن امرىء القيس أبو حارثة اللخمي أنشد جميل بن أحمد لبعض أهل العلم: وما لمت في الإنفاق نفسي لأنني ... رأيت بخيل القوم أهونهم فقدا فلا تعجبي يا سلم إن قل درهم ... فما قل حتى قل من يطلب الحمدا

جميل بن تمام بن علي

وليس الفتى المرزوق من زاد ماله ... ولكنما المرزوق من رزق الرشدا جميل بن تمام بن علي أبو الحسن المقدسي الطحان كان حافظا للقرآن، وسمع الحديث. حدث بدمشق عن أبي الحسن علي بن طاهر، بسنده عن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما قضيت الصلاة قال: " قد قضينا الصلاة، فمن شاء أن يشهد الخطبة فليشهد، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف ". توفي جميل بن تمام في صفر سنة ست وثلاثين وخمس مائة. جميل بن عبد الله بن معمر ابن صباح بن ظبيان بن حن بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد أبو عمرو العذري الشاعر المعروف بجميل بن معمر صاحب بثينة حدث عن أنس بن مالك، ووفد على الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وقد اختلف في نسبه، ومنهم من لم يذكر صباح في نسبه. وحن بحاء مهملة مضمومة بعدها نون. وبثينة هي بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة. قال: والحني بضم الحاء المهملة وكسر النون، هو جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر الحني.

كان جميل مع الوليد بن عبد الملك في سفر والوليد على نجيب، فرجز به ابن العذري فقال: يا بكر هل تعلم من علاكا ... خليفة الله على ذراكا فقال الوليد لجميل انزل فارجز، وظنه يمدحه، فنزل فقال: أنا جميل في السنام من معد ... في الذروة العلياء والركن الأشد فقال له: اركب لا حملك الله. ولم يمدح جميل أحد قط. قال أدهم التميمي: لقيني كثير عزة فقال: لقيني جميل بن معمر في هذا الموضع الذي لقيتك به فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند أبي الحبيبة - يعني أبا بثينة - ثم قال لي: وإلى أين تريد؟ فقلت إلى الحبيبة - أعني عزة - فقال لي: لا بد من أن ترجع عودك على بدئك، فتسجد لي موعداً. فقلت: إن عهدي بها الساعة، وأنا أستحيي. قال: لابد من ذلك. قال: قلت: فمتى آخر عهدك بهم؟ قال: بالدوم وهم يرحضون ثيابهم. قال: فأتيت أباها فقال: ما ردك يا بن أخي؟ فقلت: أبيات عرضت لي أحببت أن أعرضها عليك. قال: هات. فأنشدته: فقلت لها يا عز أرسل صاحبي ... على نأي دار والموكل مرسل بأن تجعلي بيني وبينك موعداً ... وأن تأمريني بالذي فيك أفعل وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

قال: فضربت بثينة جانب الخدر وقالت: إخسأ اخسأ. فقال أبوها، مهيم يا بثينة! قالت: كلب يأتينا إذا الناس نوم الناس من وراء الرابية. قال: فأتيته، فأخبرته أن قد وعدته إذا نوم الناس من وراء الرابية. ولما استعدى آل بثينة مروان بن الحكم على جميل، وطلبه ربعي بن دجاجة العبدي صاحب تيماء، هرب إلى أقاصي بلاده، فأتى رجلاً من بني عذرة شريفاً وله بنات سبع كأنهن البدور جمالاً، فقال: يا بناتي تحلين بجيد حليكن، والبسن جيد ثيابكن، ثم تعرضن لجميل، فإني أنفس على مثل هذا من قومي، فكان جميل إذا مر بهن ورآهن أعرض بوجهه فلا ينظر إليهن، ففعل ذلك مراراً، وفعله جميل، فلما علم ما أريد بهن أنشأ يقول: حلفت لكي تعلمن أني صادق ... وللصدق خير في الأمور وأنجح لتكليم يوم من بثينة واحد ... ورؤيتها عندي ألذّ وأملح من الدهر لو أخلو بكنّ وإنما ... أعالج قلباً طامحاً حيث يطمح قال: فقال لهن أبوهن: ارجعن فوالله لا يفلح هذا أبداً. قال محمد بن أحمد بن جعفر الأهوازي: قدم جميل بن عبد الله بن معمر على عبد العزيز بن مروان بمصر، فدخل حماماً لهم، فإذا في الحمام شيخ من أهل مصر، وكان جميل رجلا جسيماً حسناً وسيماً، فقال له الشيخ: يا فتى، كأنك لست من أهل هذه البلدة! قال: أجل. قال: فمن أين أنت؟ قال: من الحجاز. قال: من أي أهل الحجاز؟ قال: رجل من بني عذرة. قال: فما اسمك؟ قال: جميل بن عبد الله بن معمر. قال صاحب بثينة؟ قال: نعم. قال: فما رأيت فيها يا ابن أخي! فوالله لقد رأيتها ولو ذبح بعرقوبها طائر لانذبح. فقال له جميل: يا عم، إنك لم

جميل بن يوسف بن إسماعيل

ترها بعيني، ولو نظرت إليها بعيني لأحببت أن تلقى الله وأنت زان. قال: ومرض جميل بمصر مرضه الذي مات فيه، فدخل عليه العباس بن سهل الساعدي وهو يجود بنفسه، فقال له جميل: يا عباس، ما تقول في رجل لم يقتل نفساً، ولم يزن قطّ، ولم يسرق، ولم يشرب خمراً قطّ، أترجو له؟ فقال العباس: إي والله. قال: فقال جميل: إني لأرجو أن أكون ذلك الرجل. قال العباس: فقلت له سبحان الله! وأنت تتبع بثينة منذ ثلاثين سنة. فقال: يا عباس؛ إني لفي آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، لا نالتني شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كنت وضعت يدي عليها قطّ. قال: ومات رحمه الله. وقيل: إن هذه الحكاية جرت له بالشام، وفيها: إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط. ثم مات. وحدث هارون بن عبد الله القاضي قال: قدم جميل بن معمر مصر على عبد العزيز بن مروان ممتدحاً له، فأذن له وسمع مدائحه، وأحسن جائزته، وسأله عن حبه بثينة، فذكر وجداً فوعده في أمرها موعداً، وأمره بالمقام، وأمر له بمنزل وما يصلحه، فما أقام إلا يسيراً حتى مات هناك، وذلك في سنة اثنتين وثمانين. جميل بن يوسف بن إسماعيل أبو علي البادرائي العراقي نزل بانياس سمع بدمشق وقدمها سنة خمس وستين وأربع مائة. حدث عن القاضي أبي الحسن محمد بن محمد بن حامد بن بنبق بسنده عن أبي أيوب أن رجلاً قال: يا رسول الله، عظني وأوجز. قال: إذا كنت في صلاتك فصلّ صلاة مودّع وإياك وما يعتذر منه، واجمع اليأس مما في أيدي الناس. توفي جميل بالأكواخ من بانياس سنة أربع وثمانين وأربع مائة.

جناح بن الوليد

جناح بن الوليد حدث أبو مسهر عن سعيد قال: قال رجل لجناح بت الوليد: أدام الله فرحكم. قال: " إن الله لا يحب الفرحين ". قال الحافظ: كذا قال الراوي: وإنما هو جناح مولى الوليد الذي يذكر بعد هذا. جناح أبو مروان مولى الوليد بن عبد الملك وكاتبه على الرسائل، وصاحب خاتمه. روى عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس للمرأة أن تنتهك شيئاً من مالها، إلا بإذن زوجها. جنادة بن حنيفة الصنعاني حدث عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا جاء نصر الله والفتح، قال: وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم، لينة طباعهم، سخية قلوبهم، عظيمة خشيتهم، دخلوا في دين الله أفواجا. جنادة بن أبي خالد أبو الخطاب قيل: إنه دمشقي سكن الرّها، كان على الطراز في أيام هشام، وكان اسمه على الرقم.

جنادة بن عمرو بن الجنيد

حدث عن أبي شيبة قال: قلنا لعمرو بن عنبسة. حدثنا حديثاً ليس فيه وهم ولا نسيان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: والله ما كذبت ولا وهمت ولا نسيت وهو يقول: من توضأ خرجت خطاياه كما يخرج من بطن أمه، ومن رمى بسهم في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن صام يوماً في سبيل الله باعده الله من النار سبعين خريفاً. وحدث جنادة عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد، آتاه الله نوراً يوم القيامة. جنادة بن عمرو بن الجنيد ابن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة ابن غيظ بن مرة المري حدث عن أبيه عن جده الجنيد بن عبد الرحمن قال: دخلت من حوران آخذ عطائي، فصليت الجمعة، ثم خرجت إلى باب الدرج، وإذا عليه شيخ يقال له أبو شيبة القاصّ، يقصّ على الناس، فرغّب فرغبنا، وخوّف فبكينا. فلما انقضى حديثه قال: اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب، فلعنوا أبا تراب عليه السلام. فالتفت عن يميني فقلت له: ومن أبو تراب؟ فقال: علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوج ابنته، وأول الناس إسلاماً، وأبو الحسن والحسين. فقلت: ما أصاب هذا القاص! فقمت إليه وكان ذا وفرة، فأخذت وفرته بيدي، وجعلت ألطم وجهه وأنطح برأسه الحائط، وصاح واجتمع أعوان المسجد، فوضعوا ردائي في رقبتي، وساقوني حتى أدخلوني على هشام بن عبد الملك وأبو شيبة يقدمني، فصاح: يا أمير المؤمنين، قاصّك وقاصّ آبائك وأجدادك أتى إليه اليوم أمر عظيم. فقال: من فعل بك هذا؟ فالتفتّ إلى هشام وعنده أشراف الناس فقال: أبو يحيى، متى قدمت؟ فقلت:

جنادة بن كبير وكنية كبير أبو أمية

أمس، وكنت على المصير إلى أمير المؤمنين فأدركتني الجمعة، فصليت، وخرجت إلى باب الدرج، فإذا هذا الشيخ قائم يقصّ، فجلست إليه فقرأ فسمعنا، ورغّب فرغبنا، وحذّر فبكينا، ودعا فأمّنّا، وقال في آخر كلامه، اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب. فسألت: من أبو تراب؟ فقيل: علي بن أبي طالب، أول الناس إسلاماً، وابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوج ابنته، وأبو الحسن والحسين، فوالله يا أمير المؤمنين لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه هذه اللعنة لأحللت به الذي أحللت به، فكيف لا أغضب لصهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوج ابنته؟! قال: فقال هشام: بئس ما صنع. ثم عقد لي على السّند. ثم قال لبعض جلسائه: مثل هذا لا يجاورني هاهنا فيفسد علينا البلد فباعدته إلى السند. فقال لنا بشر بن عبد الوهاب: وهو ممثّل على باب السند، بيده اليمنى سيف وبيده اليسرى كيس يعطي منه. ومات الجنيد بالسند فقال فيه الشاعر: ذهب الجود والجنيد جميعاً ... فعلى الجود والجنيد السّلام جنادة بن كبير وكنية كبير أبو أمية الدّوسي الأزدي لأبيه صحبة، وأدرك وفاة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وله صحبة أيضاً. سكن الأردن، وقدم دمشق. روى أبو عبد الله الصنابحي أن جنادة بن أبي أمية أمّ قوماً. فلما قام من الصلاة التفت عن يمينه فقال:

أترضون؟ قالوا: نعم، ثم فعل ذلك عن يساره، ثم قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أمّ قوماً وهم له كارهون، فإنّ صلاته لا تجاوز ترقوته. وروى أبو الخير أن جنادة بن أبي أمية حدثه، أنّ رجالاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعضهم: إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا في ذلك، قال: فانطلقت إلى رسول الله فقلت: يا رسول الله، إن أناساً يقولون: إن الهجرة قد انقطعت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد. وروى حذيفة الأزدي عن جنادة الأزدي أنهم ولجوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم ثمانية رهط وهو ثامنهم يوم الجمعة، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطعام، فقال لرجل: كل. فقال: صائم، قال لآخر: كل. قال: صائم. حتى سألهم جميعاً فقال: صمتم أمس؟ قالوا: لا. قال: أصيّام غداً؟ قالوا: لا. فأمرهم أن يفطروا. وروى جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من تعارّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: رب اغفر لي - أو قال: ثم دعا - استجيب له. فإن عزم فتوضأ ثم صلى تقبّلت صلاته. توفي جنادة سنة ثمانين، وقيل: سنة سبع وستين، وقيل: سنة خمس وسبعين، وقيل: سنة ست وثمانين. وشهد فتح مصر، وولي البحر لمعاوية. حدث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين

جنادة بن محمد بن أبي يحيى

عاماً ". فلما رأى ذلك جنادة بن أبي أمية، وكان معاوية أراد أن يدعيه قال جنادة: إنما أنا سهم من كنانتك، فارم بي حيث شئت. حدث سفيان بن سليم عن جنادة بن أبي أمية الأزدي: أن معاوية كتب إليه يأمره بالغارة على جزيرة البحر بمن معه، وذلك في الشتاء بعد إغلاق البحر. فقال جنادة: اللهم، إن الطاعة علي وعلى هذا البحر، اللهم، إنا نسألك أن تسكنه وتسيرنا فيه. فزعموا أنه ما أصيب به أحد. قال الليث: في سنة ست وخمسين غزوة عابس بن سعيد ومالك بن عبد الله الخثعمي اصطاذنة. جعل عابس على أهل مصر، وجنادة بن أبي أمية على أهل الشام، ومالك بن عبد الله على الجماعة، فشتوا بأقريطش سنة الجوع من بعد مرجعهم من اصطاذنة، وفي سنة تسع وخمسين غزوة جنادة بن أبي أمية هو وعلقمة بن جنادة الحجري وعلقمة بن الأجثم رودس. قال جنادة بن أبي أمية: أول خطيئة كانت الحسد، أمر إبليس أن يسجد لآدم، فحسده فلم يسجد له. جنادة بن محمد بن أبي يحيى أبو عبد الله ويقال أبو يحيى المري الدمشقي. حدث عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قلب ابن آدم شاب في حب اثنتين، حب المال وطول الأمد ". توفي في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومئتين.

جندب بن زهير بن الحارث بن كثير

جندب بن زهير بن الحارث بن كثير ابن جشم بن سبيع بن مالك بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدؤل بن سعد مناة بن غامد وهو عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ويقال جندب بن عبد الله بن زهير الغامدي الأزدي. يقال: إن له صحبة، وهو من أهل الكوفة، وكان ممن سيره عثمان من الكوفة إلى دمشق، وشهد مع علي صفين أميراً على الأزد. قال ابن عباس: كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له، فزاد في ذلك لقالة الناس، فلا يريد به الله عز وجل. فنزل في ذلك: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ". قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: خرج إلينا رجل من أصحاب علي يوم الجمل فقال: يا معشر شباب قريش، اكفونا أنفسكم، فإن لم تفعلوا فقد أنذرتكم رجلين، فإنهما نهمتان في الحرب. أما أحدهما، فجندب بن عبد الله الغامدي، وسأصفه لكم: هو رجل طويل، طويل الرمح يحتزم على درعه حتى تقلص عن ساقيه. وأما الآخر فمالك بن الحارث، وسأصفه لكم: هو رجل طويل الرمح، يسحب درعه سحباً عند النزال. فبينا أنا أقاتل أقبل جندب فعرفته بصفته، فأردت أن أحيد عنه فقلت: والله ما حدت عن قرن قط، فدفع إلي وطعن برمحه في وجه حديد كان علي، فزلق عند الرمح فقال: أي عدو، قد عرفتك، ولولا خالتك لقتلتك. ثم نظرت إليه قد طعن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فعدله عن فرسه كالنحلة السحوق متعطفاً ببرد حبرة. ثم قاتلت ساعة، فأقبل مالك فعرفته بصفته، فأردت أن أحيد عنه فقلت: والله، ما حدت

جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب

عن قرن قط، فدفع إلي فتطاعنا برمحينا، كأنهما قصبتان، ثم اضطربنا بسيفينا كأنهما مخراقان، ثم احتملني وكان أقوى مني فضرب بي الأرض وأخذ برجلي فقال: أما والله لولا خالتك ما شربت البارد أبداً. قتل جندب مع علي بصفين، وكان على الرجالة. جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب ابن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك بن عامر بن دهمان بن ثعلبة بن ظبيان بن غامد واسمه عمرو بن عبد الله بن كعب له صحبة. حدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممن قدم دمشق في المسيرين من أهل الكوفة في خلافة عثمان. حدث أبو عثمان النهدي: أن ساحراً كان يلعب عند الوليد بن عقبة، فكان يأخذ سيفه فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه، ثم قرأ: " أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ". وروى الحسن عن جندب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حد الساحر ضربة بالسيف ". قال ابن منده: جندب بن كعب قاتل الساحر عداده في أهل الكوفة. حدث علي قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسير، فنزل فساق بأصحابه الركاب، فجعل يقول: "

جندب وما جندب؟ والأقطع الخير زيد وجعل يعيد ذلك ليلته ". فقال له القوم: يا رسول الله، ما زال هذا قولك منذ الليلة قال: " رجلان من أمتي يقال لأحدهما جندب، يضرب ضربة يفرق بين الحق والباطل، والآخر يقال له زيد، يسبقه عضو من أعضائه إلى الجنة، ثم يتبعه سائر جسده ". قال: فأما جندب فإنه أتي بساحر عند الوليد بن عقبة وهو يريهم أنه يسحر، فضربه بالسيف فقتله، وأما زيد فقطعت يده في بعض مشاهد المسلمين، ثم شهدا جميعاً مع علي. فقتل زيد يوم الجمل مع علي. وفي حديث آخر: فلما ولي عثمان، ولى الوليد بن عقبة الكوفة، فصلى بهم الغداة ركعتين ثم قال: اكتفيتم أو أزيدكم؟ فقالوا: لا تزدنا. قال: ثم أجلس رجلاً يسحر، يريهم أنه يحيي ويميت، فأتى جندب الصياقلة، فقال: ابغونا صفيحة لا ترد علي، فجاء بسيف تحت برنسه، ثم ضرب به عنق الساحر فقال: أحي نفسك الآن. فقال الناس: خارجي فقال: لست بخارجي، من عرفني فأنا الذي أعرف، ومن لم يعرفني فأنا جندب. فرفع إلى عثمان فقال: شهرت سيفاً في الإسلام، لولا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيك لضربتك بأجود صفيحة بالمدينة. ثم أمر به إلى جبل الدخان. وأما زيد فقطعت يده بالقادسية، وقتل يوم الجمل. فقال: ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم، أتيناهم في دارهم، وطعنا على خليفتهم، فيا ليتنا إذ ابتلينا صبرنا. وقيل: إن الوليد أمر بجندب ديناراً صاحب السجن، وكان رجلاً صالحاً فسجنه، فأعجبه نحو الرجل فقال: أفتستطيع أن تهرب؟ قال: نعم: قال: فاخرج، لا يسألني الله عنك أبداً.

حدث محمد بن مخنف قال: كان أول عمال عثمان أحدث منكراً الوليد بن عقبة، كان يدني السحرة، ويشرب الخمر، وكان يجالسه على شرابه أبو زبيد الطائي، وكان نصرانياً، وكان صفياً له، فأنزله دار القبطي وكانت لعثمان بن عفان، اشتراها من عقيل بن أبي طالب، فكانت لأضيافه، وكان يجالسه على شرابه عبد الرحمن بن خنيس الأسدي، فكان الناس يتذاكرون شربهم وإسرافهم على أنفسهم، فخرج بكير بن حمدان الأحمري من القصر، فأتى النعمان بن أوس المزني وجرير بن عبد الله البجلي، فأسر إليهما أن الوليد يشرب الساعة. فقاما ومعهما رجل من جلسائهما، فمروا بحذيفة بن اليمان فأخبروه الخبر، فقال: ادخلا عليه فانظرا إن أحببتما، فمضيا حتى دخلا عليه فسلما، ونظر إليهما الوليد فأخذ كل شيء كان بين يديه فأدخله تحت السرير، فأقبلا حتى جلسا، فقال لهما: ما جاء بكما؟ قالا: ما هذا الذي تحت السرير؟ ولم يريا بين يديه شيئاً، فأدخلا أيديهما تحت السرير، فإذا هو طبق عليه قطف من عنب قد أكل عامته، فاستحييا وقاما، فأخذا يظهران عذره ويردان الناس عنه، ثم لم يرعهما من الوليد إلا وقد أخرج سريره فوضعه في صحن المسجد، وجاء ساحر يدعى بطروني، وكان ابن الكلبي يسميه اليشتابي من أهل بابل، فاجتمع إليه الناس فأخذ يريهم الأعاجيب، يريهم حبلاً في المسجد مستطيلاً وعليه فيل يمشي، وناقة تخب، وفرس تركض، والناس يتعجبون مما يرون. ثم يدع ذلك فيريهم حماراً يجيء، يشتد، حتى يدخل من فيه فيخرج من دبره، ثم يعود فيدخل من دبره فيخرج من فيه. ثم يريهم رجلاً قائماً، ثم يضرب عنقه، فيقع رأسه جانباً، ويقع الجسد جانباً، ثم يقول له: قم. فيرونه يقوم وقد عاد حياً كما كان. فرأى جندب بن كعب ذلك فخرج إلى معقل مولى لصقعب بن زهير بن أنس الأزدي، وكانت عنده سيوف وكان معقل صيقلاً، فقال: أعطني سيفاً قاطعاً. فأعطاه إياه، فأقبل فمر على معضد التيمي من بني تيم الله بن ثعلبة فقال له: أين تريد يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أقتل هذا الطاغوت الذي الناس عليه علوق. قال: من تعني؟ قال: هذا العلج الساحر، الذي سحر أميرنا الفاجر العاتي، فإني والله لقد مثلت الرأي فيهما، فظننت أني إن قتلت الأمير سيوقع بيننا فرقة تورث عداوة، فأجمع رأيي على قتل الساحر. قال: فاقتله ولا تل في نيتك فأنت على هدى وأنا شريكك.

فجاء حتى انتهى إلى المسجد والناس فيه مجتمعون على الساحر، وقد التحف على السيف بمطرف كان عليه، فدخل بين الناس فقال: أفرجوا أفرجوا، فأفرجوا له، فدنا من العلج فشد عليه فضربه بالسيف فأذرى رأسه، ثم قال: أحي نفسك. فقال الوليد: علي به، فأقبل به إليه عبد الرحمن بن خنيس الأسدي وهو على شرطة، فقال: اضرب عنقه. فقام مخنف بن سليم في رجال من الأزد فقالوا: سبحان الله! أتقتل صاحبنا بعلج ساحر! لا يكون هذا أبداً. فحالوا بين عبد الرحمن وبين جندب. فقال الوليد: علي بمضر. فقام إليه شبيب بن ربعي فقال: لم تدعو مضر! تريد أن تستعين بمضر على قوم منعوا أخاهم منك أن تقتله بعلج ساحر كافر من أهل السواد! لا تجيبك والله مضر إلى الباطل، ولا إلى ما لا يحل! قال الوليد: انطلقوا به إلى السجن حتى أكتب فيه إلى عثمان. قالوا: أما السجن فإنا لا نمنعك أن تحبسه. فلما حبس جندب أقبل ليس له عمل إلا الصلاة الليل كله وعامة النهار، فنظر إليه رجل يدعى دينار ويكنى أبا سنان، وكان صالحاً مسلماً، وكان على سجن الوليد فقال له: يا أبا عبد الله ما رأيت رجلاً قط خيراً منك، فاذهب رحمك الله حيث أحببت، فقد أذنت لك. قال: فإني أخاف عليك هذا الطاغية أن يقتلك. قال أبو سنان: ما أسعدني إن قتلني، انطلق أنت راشداً. فخرج فانطلق إلى المدينة. وبعث الوليد إلى أبي سنان، فأمر به فأخرج إلى السبخة فقتل، وانطلق جندب بن كعب فلحق بالحجاز فأقام بها سنين. ثم إن مخنفاً وجندب بن زهير قدما على عثمان فأتيا علياً فقصا عليه قصة جندب بن كعب، فأقبل علي فدخل معهما على عثمان فكلمه في جندب بن كعب، وأخبره بظلم الوليد له. فكتب عثمان إلى الوليد: أما بعد، فإن مخنف بن سليم وجندب بن زهير شهدا عندي لجندب بن كعب بالبراءة وظلمك إياه، فإذا قدما عليك فلا تأخذن جندباً بشيء مما كان بينك وبينه، ولا الشاهدين لشهادتهما، فإني والله أحسبهما قد صدقا، ووالله لئن أنت لم تعتب وتنيب، لأعزلنك عنهم عاجلاً والسلام.

جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث

جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث ابن رفاعة بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غنم بن دهمان بن منهب بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد الدوسي الأزدي: له صحبة شهد يوم اليرموك أميراً على بعض الكراديس، واستشهد بأجنادين سنة ثلاث عشرة. ويقال باليرموك. قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر: وثبت جندب بن عمرو - يعني يوم اليرموك - ورفع رايته وهو يقول: يا معشر الأزد، إنه لا يبقى ولا ينجو من القتل والعدو والإثم إلا من قاتل، ألا وإن المقتول الشهيد والخائب من تولى ثم أخذ يقول: يا معشر الأزد، إنه لا يمنع الراية إلا الأبطال. فقاتل حتى قتل. وفي رواية: ونادى أبو هريرة الدوسي: يا مبرور يا مبرور، فطافت به الأزد. جنيد بن حكيم بن الجنيد أبو بكر الأزدي البغدادي الدقاق سمع بدمشق. حدث عن منصور بن أبي مزاحم بسنده عن أنس قال: كناني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببقلة كنت أجتنيها. توفي جنيد بن حكيم سنة ثلاث وثمانين ومائتين.

جنيد بن خلف بن حاجب بن الوليد

جنيد بن خلف بن حاجب بن الوليد ابن جنيد أبو يحيى السمرقندي الفقيه قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي هشام المؤمل بن هشام العسكري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هل من رجل يأخذ مما فرض الله ورسوله كلمة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فيجعلهن في طرف ردائه فيعمل بهن ويعلمهن؟ قال: قلت: أنا، وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث بحديث، حتى سكت، فضممت ثوبي إلى صدري. فإني لأرجو أن أكون لم انس حديثاً سمعته منه بعد. جنيد بن عبد الرحمن بن عمرو ابن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف ابن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبو يحيى المري من أهل دمشق. استعمله هشام بن عبد الملك على السند وخراسان فمات بها، وكان من الأجواد. روى عنه ابن ابنه جنادة بن عمرو بن الجنيد بن عبد الرحمن حكاية مذكورة فيما تقدم في ترجمة جنادة. قال أبو القلمّس: كان الشعراء يغشون الجنيد بن عبد الرحمن المري، فقال رجل منهم يوماً والجنيد مغتم: أيها الأمير، إما أن تصلني أو تضرب لي موعداً، قال موعدك الحشر. فمر الشاعر راجعاً. فلما كان بعد أيام دنا من الجنيد شاعر آخر فقال: أرحني بخير منك إن كان آتياً ... وإلا فواعدني كميعاد زابل وزابل هو الشاعر الأول الذي وعده الحشر فقال له الجنيد: ويحك، وما وعدت

زابلاً؟ قال: الحشر. فقال الجنيد لصاحبه شرطه: إن فاتك زابل فهيئ نفسك فأتبع زابل على البريد، فلحق بالطريق بهمذان، فرد إلى الجنيد بمرو، فأعطاه الجنيد مائة ألف، وأعطى المذكر به الشاعر خمسين ألفاً. قال: وبين مرو وهمذان نحو ثلاث مائة فرسخ. وكان الجنيد بن عبد الرحمن تزوج الفاضلة بنت يزيد بن المهلب، فغضب هشام على الجنيد وولى عاصم بن عبد الله خراسان، وكان الجنيد سقي بطنه فقال هشام لعاصم: إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه، فقدم عاصم وقد مات الجنيد. وذكروا أن جبلة بن أبي رواد دخل على الجنيد عائداً فقال: يا جبلة، ما يقول الناس؟ قال: قلت: يتوجعون للأمير. قال: ليس عن هذا أسألك، ما يقولون؟ وأشار نحو الشام. قال: قلت: يقدم على خراسان يزيد بن شجرة الرهاوي. قال: ذلك سيد أهل الشام. قال: ومن؟ قلت: عصمة أو عصام. وكنيت عن عاصم. قال: إن قدم عاصم قعد وجاهد، لا مرحباً به ولا أهلاً. قال: فمات في مرضه وذلك في المحرم سنة ست وعشرة ومائة، واستخلف عمارة بن خريم، وكانت وفاته بمرو فقال أبو الجويرية عيسى بن عصبة يرثيه: ذهب الجود والجنيد جميعاً ... فعلى الجود والجنيد السلام أصبحا ثاويين في بطن مرو ... ما تغنى على الغصون الحمام كنتما نهزة الكرام فلما ... مت مات الندى ومات الكرام ثم أتى أبو الجويرية بعد ذلك خالد بن عبد الله وامتدحه فقال له خالد: ألست القائل: ذهب الجود والجنيد جميعاً اذهب إلى الجود حيث دفنته فاستخرجه. وفي رواية: مالك عندنا شيء. فخرج فقال: تظل لامعة الآفاق تحملنا ... إلى عمارة والقود السراهيد

جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة

قصيدة امتدح بها عمارة بن خريم ابن عم الجنيد، وعمارة هو جد أبي الهيذام صاحب العصبية بالشام. قال: وقدم عاصم بن عبد الله، فحبس عمارة بن خريم وعمال الجنيد وعذبهم، وقيل: إن الجنيد مات سنة خمس عشرة. عن ضمرة بن ربيعة قال: جاء مؤذن الجنيد بن عبد الرحمن إليه في مرضه الذي مات فيه فسلم عليه بالإمارة، فقال: يا ليتها لم تقل لنا. جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة ابن عوف بن كعب بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناه بن تميم العبشمي قيل: إن له صحبة. حدث جون بن قتادة قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فمر بعض أصحابه بسقاء معلق فيه ماء، فأراد أن يشرب فقال صاحب السقاء: إنه جلد ميتة، فأمسك حتى لحقهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا ذلك له فقال: اشربوا فإن دباغ الميتة طهورها. هكذا روي. وقيل: ليس لجون صحبة، وإنما هو يرويه جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق. قال: وهو الصواب. عن جون عن سلمة بن المحبق أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا في غزوة تبوك بماء من عند امرأة، فقالت ما عندي ماء إلا في قربة غير ذكي، فقال: أليس دبغتها؟ قالت: نعم. قال: فإن دباغها ذكاتها ". وفي رواية: فإن الأديم طهوره دباغه.

جوية بن عائذ ويقال بن عاتك

وحدث شعبة عن قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق، أن رجلا من صحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يزال يسافر ويغزو، وأن امرأته بعثت معه جارية لها فقالت: تغسل رأسك وتخدمك، وتحفظ عليك. ولم تجعلها له، وإنه طال سفره في وجهة فوقع بالجارية، فلما قفل أخبرت الجارية مولاتها بذلك، فغارت غيرة شديدة فغضبت، فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته يالذي صنع فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن كان استكرهها فهي عتيقة وعليه مثلها، وإن كان أتاها عن طيب نفس منها ورضاها فهي له، وعليه مثل ثمنها لك. ولم يقم فيه حداً. حدث جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير فجاء فارس يسير، وكانوا يسلمون على الزبير بالإمرة. فقال: السلام عليك أيها الأمير؛ فقال: وعليك السلام. قال: هؤلاء القوم قد أتوا إلى مكان كذا وكذا، قال: فلم أر قوماً أرث سلاحاً ولا أقل عدداً ولا أرعب قلوباً من قوم أتوك، ثم انصرف. جوية بن عائذ ويقال بن عاتك ويقال ابن أبي إياس ويقال ابن عبد الواحد النصري من بني نصر بن معاوية ويقال الأسدي النحوي الكوفي وفد على معاوية قال: لما قدمت على معاوية بن أبي سفيان قال لي: يا جوية ما القرابة؟ قلت: المودة. قال: فما السرور؟ قلت: المواتاة. قال: فما الراحة؟ قلت: الجنة. قال: صدقت.

جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون

قال الفراء في قوله تعالى: " قل أوحي إلي " قال القراء مجمعون على أوحي وقرأها جوية قل أحي إلي، من وحيت، فهمز الواو لأنها انضمت. كما قال: " وإذا الرسل أقتت " قال: وأهل الحجاز يقولون: أوحيت. وأسد: وحيت. وقال بعض بني كلاب: إنه ليحى إلي وحياً ما أعرفه. جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون ولي إمرة دمشق بعد أبيه أبي الجيش مدة يسيرة، ثم خرج متوجهاً إلى مصر فقتل قبل أن تطول مدته. بويع جيش بدمشق في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وخرج إلى مصر، واستخلف على دمشق طغج بن جفّ. حدث ربيعة بن أحمد بن طولون قال: لما توفي خمارويه قبض علّ وعلى مضر وشيبان ابني أحمد بن طولون جيش بن خمارويه وحبسنا بدمشق. فلما قفل إلى مصر حبسنا في حجرة من الميدان معه، وكانت تأتينا في كل يوم مائدة نجتمع عليها، وكان في الحجرة رواق وبيتان وجلوسنا في الرواق، فوافى خادم له، فأدخلوا أخانا مضر في البيت فانفصل عنا، فكانت المائدة تقدم إلينا ونمنع أن نلقي إليه منها شيئا، فقام خمسة أيام لا يطعم ولا يستغيث، ثم وافانا ثلاثة من أصحاب جيش فقالوا: ما مات أخوكم بعد! فقلنا: ما نسمع له حسّاً، ففتحوا الباب فوجدوه حيّاً، ورام القيام فلم يصل إليه، فرماه الثلاثة بثلاثة أسهم في مقاتله فطعن، وكانت ليلة الجمعة وأخرجوه وأغلقوا الباب علينا، وأقمنا يوم الجمعة والسبت ولم يقدم إلينا طعام، فظننا أنهم يسلكون بنا طريقه، فلما كان يوم الأحد سمعنا صارخة في الدار، وفتح باب الحجرة

وأدخل إلينا جيش بن خمارويه. فقلنا: ما خبرك؟ فقال: غلب أخي على أمري، وتولى إمارة البلد هارون بن خمارويه؛ فقلنا: الحمد لله الذي قبض يدك وأضرع خدك. فقال: ما كان عزمي إلا أن أحقكما بأخيكما. وأنفذ إلى جماعتنا مائدة. فلما طعمنا بعث إلينا خادماً أن جيشاً قد كان عزم على قتلكما كما قتلأخاكما، فاقتلاه وخذا بثأركما منه وانصرفا على أمان، وبعث إلينا خدماً فتسرعوا إليه فقتل، وانصرفنا إلى منازلنا وقد كفينا عدونا. وكان جيش لما صار إلى مصر وثب بعمه أبي العشائر فقتله، فتحرك الناس بمصر لقتله، ووقع بمصر نهب وحريق، ووثب هارون بن خمارويه على جيش بن خمارويه فقتله، وصار الأمر إلى هارون في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وكانت مدة جيش تسعة أشهر. وقيل ستة أشهر.

أسماء النساء على حرف الجيم

أسماء النساء على حرف الجيم جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب أخت أم حبيبة ويزيد ومعاوية بني أبي سفيان أسلمت بعد الفتح وبايعت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت اليرموك، وسكنت دمشق، وأمهم جميعاً هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. دخلت جويوية بنت أبي سفيان على أخيها معاوية تشكو إليه الأرق. فقال: ولم ذاك يا أخته؟ قالت: أم والله إنه لمن غير ألم، وما هو إلا تفكر فيك وفي علي بن أبي طالب، وتفضيل الناس علياً عليك، وأنت ابن صخر بن حرب بن أمية، وكان أمية من قريش لنابها الذي تقضى عنده آرابها، وأنت ابن صخر بن حرب بن أمية، القائل الفاعل. ابن ماء المزن الحلاحل، وأنت بعد ذلك كاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذو صهره من أمته ونجيبه من عترته. فقال لها معاوية: فعلى عليّ تعوّلين بالشرف! وهو ابن عبد المطلب، المطعم في الكرب، الفرّاج للكرب، مع ما كان له من الفواضل والسوابق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أما إني سأريك التي حاولت وحاولت، حتى تعلمي فضل رأيي وحلمي، فادخلي القبة، وأرخي عليك السجف. ثم قال لآذنه: انظر من بالباب. فإذا هو بأربعة من بني تميم، الأحنف بن قيس، وزيد بن جلبة، وجارية بن قدامة، وسماك بن مخرمة، فقال: ائذن للأحنف بن قيس فدخل وقضى سلامه فقال: إيهاً يا حنيف بني قيس! قال: مهلاً يا أمير المؤمنين، بل

الأحنف بن قيس. قال: أأنت المطلع غدراً، الناظر في عطفيه شزراً، تحمل قومك على مدلهمات الفتن، وتذكرهم بقديمات الإحن، مع قتلك أمير المؤمنين عثمان، وخذلانك أم المؤمنين، ورودك عليّ بالخيل يوم صفين! فقال: والله يا أمير المؤمنين، إن منه ما أعرف، ومنه ما أنكر، فأما قولك قتل أمير المؤمنين، فأنتم معشر قريش نحرتم ودجه، وسقيتم الأرض دمه. وأما قولك خذلاني أم المؤمنين عائشة، فإني نظرت في كتاب الله فلم أر لها عليّ حقاً إلا أن تقر في بيتها وتستتر بسترها. فلما برزت عطّلت ما كان لها عليّ من حق. وأما قولك ورودي عليك بالخيل يوم صفين، حين أردت أن تقطع أعناقهم عطشاً وتقتلهم غرثاً. وايم الله لو أحد الأعجمين غلب كانوا أنكى شوكة وأشد كلبا. قال: اخرج عني. ثم قال: ائذنوا لزيد بن جلبة. فدخل وقضى سلامه. فقال له: إيهاً يازييد بني جليبة! قال: مهلاً يا أمير المؤمنين، بل زيد بن جلبة يا أمير المؤمنين. إنا فررنا قريشاً كلها، فوجدناك آمنها عهداً، وأوفاها عقداً، فإن تف فأهل الوفاء أنت، وإن تغدر فإنا خلّفنا خلفنا خيلاً جيادا، وأذرعة شدادا، وأسنة حدادا، وإن شئت لتصفين روعة صدورنا بفضل رأيك وحلمك. قال: إذاً نفعل. قال: إذاً نقبل. قال: اخرج عني. ثم قال: ائذن لجارية بن قدامة. فدخل وقضى سلامه، فقال له: إيهاً يا جويرية بني قدامة! قال مهلاً يا أمير المؤمنين، بل جارية بن قدامة يا أمير المؤمنين. إنا كنا نصار حرب يوم الفجار، حين حزمتم الغبار، وهمت قريش بالفرار. فقال له مه، لا أرضى لك، أنت الذي قريت أهل الشام ظباة السيوف وأطراف الرماح، قال: إي والله يا أمير المؤمنين إني لأنا هو، ولو كنت بالمكان الذي كان فيه أهل الشام لقريتك بمثل ما قريتهم به، قال: فحاجتك يا أبا فندش؟ قال: أما إنها إليك غير طويلة، تقر الناس في بيوتهم فلا توفدهم إليك، إنما يوفد إليك الأغنياء وتذرون الفقراء. قال: ائذن لسماك بن مخرمة. فدخل وقضى سلامه. فقال: إيهاً يا سميك بني مخرمة! قال: مهلا يا أمير المؤمنين، بل سماك بن خرمة، والله يا أمير المؤمنين ما أحببناك

جرباء بنت عقيل بن علفة بن الحارث

منذ أبغضناك، ولا أبغضنا علياً منذ أحببناه، وإن السيوف التي ضربناك بها لعلى عواتقنا، وإن القلوب التي قاتلناك بها لبين جوانحنا، ولئن قدمت إلينا شبرا من غدر، لنقدمن إليك باعاً من ختر، قال: اخرج عني. ثم قال لأخته: الذي عانيت من قبيله واحدة، فماذا رأيت! قالت: والله يا أمير المؤمنين لقد ضاق بي مجلسي حتى أردت أن أكلمهم لنا كلموك به. قال: إذاً والله كانوا إليك أسرع، وعليك أجراً، هم العرب لا تفروها. جرباء بنت عقيل بن علفة بن الحارث ابن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان المرية شاعرة، تزوجها يحيى بن الحكم بن أبي العاص زوجه إياه أبوه، ثم طلقها فأقبل إليها عقيل ومعه ابناه العملس وحزام، فحملها، فقال في ذلك عقيل: قضت وطراً من دير يحيى وطالما ... على عجل ناطحنه بالجماجم فأصبحن بالموماة ينقلن فتية ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم ثم قال: أجز يا حزام، فأرتج عليه، فقالت الجرباء: كأن الكرى يسقيهم صرخدية ... عقاراً تمشت في القرى والتوائم فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة، وشد عليها بالسيف، فطرح حزام نفسه عليها، فضربها، فأصاب حزاماً. وقيل: إن الذي حال بينه وبينها عملس. أسماء الرجال على

حرف الحاء المهملة

حرف الحاء المهملة حابس بن سعد ويقال ابن ربيعة ابن المنذر بن سعد بن يثربي بن عبد رضى بن قمران بن ثعلبة بن عمرو بن ثعلبة بن حيان ابن جرم وهو ثعلبة بن عمرو بن الغوث بن طيىء الطائي اليماني. يقال إن له صحبة. وكان فيمن وجهه أبو بكر الصديق إلى الشام، فنزل حمص، وولاه عمر قضاء حمص، وقدم دمشق، وشهد مع معاوية حرب صفين، وجعله على الرجالة. حدث حابس اليماني، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه ". حدث عبد الله بن غابر فال: دخل حابس بن سعد المسجد من السحر. وقد أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأى الناس يصلون في المسجد، فقال المراؤون: أرعبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله، فقام الرجل إلى الرجل من خلفه فوخزه من صدر المسجد وقال: إن الملائكة تصلي من السحر في مقدم المسجد. قال الحارث بن يزيد: لما كان يوم صفين اجتمع أبو مسلم الخولاني وحابس الطائي وربيعة الجرشي، وكانوا مع معاوية فقالوا: ليدع كل إنسان منكم بدعوة، فقال أبو مسلم: اللهم، اكفنا وعافنا. وقال حابس: اللهم، اجمع بيننا وبينهم، ثم احكم بيننا وبينهم. وقال ربيعة: اللهم، اجمع بيننا

حاتم بن شفي بن يزيد ويقال مرثد

وبينهم، ثم ابلنا بهم وابلهم بنا. فلما التقوا قتل حابس، وفقئت عين ربيعة، وعوفي أبو مسلم. فقال في ذلك شاعر أهل العراق: نحن قتلنا حابساً في عصابة ... كرام ولم نترك بصّفين معصبا قال عبد الواحد بن أبي عون: مرّ علي بن أبي طالب عليه السلام وهو متكىء على الأشتر، فإذا حابس اليماني مقتول، فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين، عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته مؤمناً، فقال علي بن أبي طالب: والآن هو مؤمن قال: وكان حابس رجلا من أهل اليمن، من أهل العبادة والاجتهاد. قتل حابس بصفين سنة سبع وثلاثين، وبين الجمل وبين صفين شهران أو نحوه. حاتم بن شفيّ بن يزيد ويقال مرثد ويقال ابن نبيه أبو فروة الهمذاني كان يخضب بحمرة. حدث أبو فروة حاتم قال: رأيت مكحولاً يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع، ويرفع يديه قليلاً من تحت الرواح ويقول: ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرضين السبع، وملء ما فيهن من شيء بعد، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق. وحدث حاتم بن شفي بن مرثد ابن أخت يزيد بن مرثد قال: رأيت مكحولاً يعتمّ على قلنسوة، ويرخي لها من خلفها شبراً، أو أقل من الشبر، بعمامة بيضاء.

حاتم بن عبد الله بن سعد

حاتم بن عبد الله بن سعد ابن الحشرج امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث ابن طيئ واسمه جلهمة أبو سفانة الطائي الجواد شاعر جاهلي، قدم دمشق يخطب ماوية بنت حجر بن النعمان الغسانية. قال جميل بن زياد النخعي: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا سبحان الله، ما أزهد كثيراً من الناس في خير! عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة، فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً، ولا يخشى عذاباً لكان ينبغي أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح. فقام إليه رجل وقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وما هو خير منه، لما أتي بسبايا طيىء، وقعت جارية حمراء لعساء ذلفاء عيطاء شمّاء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلّجة الساقين، لفّاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين، قال: فلما رأيتها أعجبت بها وقلت: لأطلبن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجعلها في قبتي فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت: يا محمد، إن رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيّد قومي، وإن أبي كان يحمي الذّمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيىء. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جارية، هذه صفة المؤمنين حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه، خلّوا عنها، فإن أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق. فقام

أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، والله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده لا يدخلن الجنة أحد إلا بحسن الخلق. وعن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي كان يقري الضيف، ويحب الضيافة وذكر أشياء من مكارم الأخلاق. قال: إن أباك أراد أمراً فأدركه. قال سماك: يقول الذكر. ذكر أعرابيّ حاتم الطائي فقال: كان والله إذا قاتل غلب، وإذا غلب أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب القداح سبق، وإذا أسر أطلق. قيل لنوار امرأة حاتم: حدثينا عن حاتم. قالت: كل أمره كان عجباً، أصابتنا سنة خصّت كل شيء، فاقشعرت لها الأرض، واغبرّت لها السماء، وضنت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حدباء حدابير ما تبض بقطرة، وحلق المال. وإنا لفي ليلة صنبرة، بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى الأصبية من الجوع عبد الله وعدي وسفانة، فوالله إن وجدنا شيئاّ نعلّلهم به. فقام إلى أحد الصبيين فحمله، وقمت إلى الصبيّة فعلّلتها، فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل. ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد. ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل، فأضجعنا الصبيان عليها، ونمت أنا وهو في حجرة، والصبيان بيننا. ثم أقبل عليّ يعللني لأنام، وعرفت ما يريد فتناومت فقال: مالك، أنمت! فسكتّ. فقال: ما أراها إلا قد نامت، وما بي نوم. فلما أدلهمّ الليل، وتهوّرت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكت الرحل، إذا جانب البيت قد رفع فقال: من هذا؟ فولّى، حتى إذا قلت: قد أسحرنا أو كدنا عاد، فقال: من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة يا أبا عدي، ما وجدت على أحد معوّلاً غيرك، أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئب من الجوع، قال: أعجليهم عليّ. قالت النوار: فوثبت فقلت: ماذا صنعت! فوالله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به، فكيف بهذه وبولدها!

فقال: اسكتي فوالله لأشبعنك وإياهم إن شاء الله. قال: فأقبلت تحمل اثنين، ويمشي جنبيها أربعة، كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجاً بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة، ثم قال: دونك، ثم قال: ابغي صبيانك فبغيتهم، ثم قال نسوة: أتأكلون شيئاً دون أهل الصّرم! فجعل يطوف فيهم حتى هبوا، فأقبلوا عليه، والتفع ببتّه، ثم اضطجع ناحية ينظر إليها، لا والله ما ذاق مزعة وإنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر، وأنشأ حاتم يقول: مهلاّ نوار أقلّي اللوم والعذلا ... ولا تقولي لشيء فات ما فعلا قالت امرأة حاتم لحاتم: يا أبا سفانة، إني لأشتهي أن آكل أنا وأنت طعاماً وحدنا ليس عليه أحد، قال: أو اشتهيت ذلك؟ قالت: نعم. قال: فوجّهي وبرّزي خيمتك حيث اشتهيت، فحولت الخيمة من الجماعة على فرسخ، وأمرت بالطعام فهيىء وهي مرخاة ستورها عليها وعليه. فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه وقال: فلا تطبخي قدري وسترك دونها ... عليّ إذن ما تطبخين حرام ولكن بها ذاك اليفاع فأوقدي ... بجزل إذا أوقدت لا بضرام وكشف الستور، وقدم الطعام، ودعا الناس، فأكل وأكلوا، فقالت: ما أتممت لي بما قلت. فأجابها بأني لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم عليّ من أن تثني عليّ هذا، وقد سبق لي السخاء وقال: أمارس نفسي البخل حتى أعزّها ... وأترك نفس الجود لا أستشيرها ولاتشتكيني جارتي غير أنها ... إذا غاب عنها بعلها لا أزورها سيبلغها خيري ويرجع بعلها ... إليها ولم تقصر عليّ ستورها

قال الوضاح بن معبد الطائي: وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه حملين ذهباً وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده، فرحل. فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيىء، فقالت: جاء حاتم، أتيت من عند الملك بالغنى، وأتينا من عند أهالينا بالفقر. فقال حاتم: هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثب القوم إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه، فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له: اتق الله، وأبق على نفسه، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً، ولا شاة ولا بعيراً. فأنشأ حاتم يقول: قالت طريفة ما تبقى دراهمنا ... وما بنا سرف فيها ولا خرق إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا ... ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق ما يألف الدّرهم الكاريّ خرقتنا ... إلا يمرّ علينا ثمّ ينطلق إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا ... ظلّت إلى سبل المعروف تستبق قال أبو بكر بن عباس: قال رجل لحاتم: هل في العرب أجود منك؟ قال: كل العرب أجود مني. ثم قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي منها شاة وأتاني بها، فلما قرّب إلي دماغها قلت: ما أطيب هذا الدماغ! قال: فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت قد اكتفيت، قال: فلما أصبحت فإذا هو قد ذبح المائة شاة، وبقي لا شيء له. قال الرجل: فقلت: ما صنعت به؟ قال: ومتى أبلغ شكره، ولو صنعت به كل شيء! قال: على كل حال؟ قال: أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي. قال أبو عبد الله بن الأعرابي: كان حاتم الطائي أسيراً في عنزة، فقالت له امرأة يوماً: قم فافصد لنا هذه الناقة - وكان الفصد عندهم أن يقطع عرق من عروق الناقة، ثم يجمع الدم فيشوى - فقام حاتم إلى الناقة فنحرها، فلطمته المرأة فقال حاتم: لو غير ذات سوار لطمتي. فذهب قوله: لو غير ذات سوار لطمتني مثلا، وقال له النسوة: إنما قلنا لك تفصدها. فقال: هكذا فصدي أنه - يريد: أنا وهي لغة طيىء -.

وفي أنا أربع لغات: " أن قائم " بإسقاط الألف في الوصل. " وأنا قائم " بإثباتها. " وأنه " بإدخال هاء السكت. " وأن قائم " بإسكان النون. يراد بها أنا قائم. وقوله لو غير ذات سوار لطمتني صارت مثلا، يقولها القائل عند عدو الرقيق الحسب على من هو فوقه، وحين يهتضم الرفيع ذا القدر من هو دونه. ويروى أن حاتماً قال في هذا الخبر: هكذا فزدي أنه. وإشمام الصاد الساكنة الزاي إذا وليتها الدال لغة للعرب معروفة جيدة، قد قرأ بها القرآن عدد من القراء، كقوله " يصدفون "، و" يصدر الناس " و" يصدر الرعاء ". وكانت أم حاتم أيضاً من أسخى الناس. قالوا: كانت عتبة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم الطائي لا تمسك شيئاً، سخاء وجوداً، وكان إخوتها يمنعونها فتأبى، وكانت موسرة، فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها، لعلها تكف عما تصنع. ثم أخرجوها بعد سنة، وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق، فدفعوا إليها صرمة من مالها وقالوا: استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوزان كانت تغشاها، فسألتها، فقالت: دونك هذه الصرمة، فقد مسني من الجوع ما آليت ألا أمنع سائلا شيئاً. ثم قالت: لعمري لقدماً عضني الجوع عضة ... فآليت ألا أمنع الدهر جائعا فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو منع من كان مانعا ومهما ترون اليوم إلا طبيعة ... فكيف بتركي يا بن أم الطبائعا

قال أبو عبيدة: لما بلغ حاتم طيىء قول المتلمس: قليل المال يصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد وحفظ المال خير من فناه ... وعسف في البلاد بغير زاد قال: ماله - قطع الله لسانه - حمل الناس على البخل! فهلا قال: فلا الجود يفني المال قبل فنائه ... ولا البخل في مال الشحيح يزيد فلا تلتمس مالاً بعيش مقتر ... لكل غد رزق يعود جديد ألم تر أن المال غاد ورائح ... وأن الذي يعطيك غير بعيد قال أبو الفرج المعافى بن زكريا: لقد أحسن حاتم في قوله: وإن الذي يعطيك غير بعيد ولو كان مسلماً، لرجي له بما أتى من هذا ما يغتبط به في معاده، وقد أتى كتاب الله تعالى في هذا بما يعجز المخلوقون عن دركه، قال الله تعالى: " واسألوا الله من فضله " وقال تعالى " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان " قال عدي بن حاتم: شهدت أبي يكيد بنفسه، فقال لي: أي بني، إني أعهد من نفسي ثلاث خلال: والله ما خاتلت جارة لي لربية قط، ولا اؤتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أتي أحد قط من قبلي بسوء. قال محرز بن أبي هريرة: مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيىء، فنزلوا قريباً منه، فقام إليه بعضهم فجعل

يركض قبره برجله ويقول: يا أبا الجعواء، أقرنا. فقال له بعض الصحابة: ما تخاطب من رمة قد بليت! وأجنهم الليل فنوموا، فقام صاحب القول فزعاً. فقال: يا قوم، عليكم مطيكم، فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شعراً وقد حفظته يقول: أبا خيبري وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتامها أتيت بصحبك تبغي القرى ... لدى حفرة صخب هامها تبغي لي الذنب عند المبيت ... وحولك طي وأنعامها فإنا سنشبع أضيافنا ... وتأتي المطي فنعتامها قال: وإذا ناقة صاحب القول تكوس فنحروها، وباتوا يشتوون ويأكلون، فقالوا: والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً. وأصبح القول وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا رجل ينوه بهم، راكبا على جمل يقود آخر فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قال: أنا. قال: إن حاتماً أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك، وأمرني أن أحملك، وهذا بعير فخذه فدفعه إليه. ويحقق هذا الحديث عند العرب، قول ابن دارة الغطفاني، وأتى عدي بن حاتم ليمدحه فقال له: أخبرك بمالي، فإن رضيت فقل. فقال: وما مالك؟ قال: مائتا صائية وعبد وأمه وفرس وسلاح، فذلك كله لك إلا الفرس والسلاح، فإنهما في سبيل الله عز وجل. قال: قد رضيت. قال: فقل، فقال ابن دارة: أبوك أبو سفانة الخير لم يزل ... لدن شب حتى مات في الخير راغبا به تضرب الأمثال في الجود ميتاً ... وكان له إذ كان حياً مصاحبا قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به ... ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا

حاتم بن يونس أبو محمد

حاتم بن يونس أبو محمد المعروف بالمخضوب الجرجاني حدث عن هشام بن عمار، بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تطلق الأمة بطلقتين، وتعتد حيضتين. حاجب بن مالك بن أركين أبو العباس الزكي الفرغاني سكن دمشق وحدث. روى عن عبد الرحمن بن بشر، بسنده عن جابر قال: طفنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوافاً واحداً، وسعينا سعياً واحداً لحجنا وعمرتنا. توفي بدمشق سنة ست وثلاث مائة. حارثة بن بدر بن حصين بن قطن ابن مالك بن غدانة بن يربوع أبو العبيس الغداني التميمي البصري واسم غدانة أشرس وغدانة لقب واشتقاقه من التغدن، وهو التثني والاسترخاء، ويربوع هو أبو حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة. وفد حارثة على الوليد بن عبد الملك. قال الشعبي: كان حارثة بن بدر التميمي أفسد في الأرض وحارب، فأتى سعد بن قيس، فانطلق سعد إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء من حارب وسعى في الأرض فساداً؟ قال: "

حارثة بن قطن بن زابر بن حصن

أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ". قال: فإن تاب قبل أن نقدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال: فإنه حارثة بن بدر، فأتاه به فأمنه، وكتب له كتاباً. دخل حارثة بن بدر الغداني على زياد وبوجهه أثر، وكان حارثة صاحب شراب، فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك؟ فقال: أصلح الله الأمير، ركبت فرساً أشقر فحملني حتى صدم بي الحائط. فقال زياد: أما إنك لو ركبت الأشهب لم يصبك مكروه. أراد حارثة بالأشقر أنه شرب الخمر صرفاً، وأراد زياد بالأشهب الممزوج. حارثة بن قطن بن زابر بن حصن ابن كعب بن عليم الكلبي ثم العليمي من أهل دومة الجندل. وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمل بن سعدانة بن حارثة بن معقل بن كعب بن عليم فأسلما، وعقد لحمل بن سعدانة لواء، فشهد بذلك اللواء صفين مع معاوية، وكتب لحارثة بن قطن كتاباً فيه: هذا كتاب من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهل دومة الجندل وما يليها من طوائف كلب مع حارثة بن قطن، لنا الضاحية من البعل ولكم الضامنة من

الحارث بن بدل وقيل ابن سليم

النخل، على الجارية العشر، وعلى الغائرة نصف العشر، لا تجمع سارحتكم، ولا تعد فاردتكم. تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، لا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم عشر البتات، لكم بذلك العهد والميثاق، ولنا عليكم النصح والوفاء وذمة الله ورسوله. شهد الله ومن حضر من المسلمين. الضامنة: التي لا يترطب بسرها، والجارية: الماء الجاري، والغائرة: ماء لا يجري. الحارث بن بدل وقيل ابن سليم ابن بدل النّصري من أهل دمشق. قيل: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث الحارث بن بدل قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، فانهزم أصحابه أجمعون إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، فرمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجوهنا بقبضة من الأرض فانهزمنا، فما خيّل إليّ أنّ شجراً ولا حجراً إلا وهو في آثارنا. وفي رواية عن الحارث بن بدل عن رجل من قومه شهد ذاك يوم حنين. قال الثقفي: فأعجزت على فرسي حتى دخلت الطائف.

الحارث بن الحارث أبو المخارق الغامدي

الحارث بن الحارث أبو المخارق الغامدي له صحبة، سكن الشام، وشهد وقعة راهط. حدث الحارث بن الحارث الغامدي قال: قلت لأبي ونحن بمنى: ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم اجتمعوا على صابئ. قال: فتشرفنا، فإذا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به، وهم يردون عليه قوله ويؤذونه حتى ارتفع النهار، وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي، تحمل قدحاً فيه ماء ومنديلاً، فتناوله منها وشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: يا بنيه خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً. فقلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته. حدث أبو أمامة والحارث بن الحارث وعمير بن الأسود في نفر من الفقهاء: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى في قريش فجمعهم، ثم قام فيهم فقال: ألا إن كل نبي بعث إلى قومه، وإني بعثت إليكم، ثم جعل يستقرئهم رجلاً رجلاً، ينسبه إلى آبائه، ثم يقول: " يا فلان عليك بنفسك فإني لن أغني عنك من الله شيئاً ". حتى خلص إلى فاطمة عليها السلام، ثم قال لها مثل ما قال لهم، ثم قال: يا معشر قريش، لا ألقين أناساً يأتوني يجرون الجنة، وتأتوني تجرون الدنيا. اللهم، لا أجعل لقريش أن يفسدوا ما أصلحت أمتي. ثم قال: ألا إن خيار أمتكم خيار الناس، وشرار قريش شرار الناس، وخيار الناس تبع لخيارهم، وشرار الناس تبع لشرارهم. وعن الحارث بن الحارث وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود وأبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيار أئمة قريش خيار أئمة الناس ". الحارث بن حرمل بن تغلب بن ربيعة ابن نمر الحضرمي ويقال الرهاوي حدث عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: يا أهل العراق، لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم اللأبدال.

الحارث بن الحكم بن أبي العاص

قال رجاء بن حيوة: اذكر لي رجلين من أهل بيسان، فإنه بلغني أنه اختص بيسان برجلين من الأبدال، لا يقبض الله رجلاً منهم إلا بعث الله مكانه رجلاً ولا تذكر لي متماوتاً ولا طعاناً على الأئمة، فإنه لا يكون منهم الأبدال. وعن رجاء بن أبي سلمة قال: قال الحارث بن حرمل لرجاء: حدثني عن رجالات بيسان، فإنا كنا نتحدث أنه لا يزال بها رجل أو اثنان من الأبدال، ولا تحدثني عن متماوت ولا طعان. الحارث بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس الأموي أخو مروان قال يعمر بن عبد الله: كنت عند أبي هريرة فجاءه الحارث بن الحكم فجلس على وسادة أبي هريرة، فظن أبو هريرة أنه جاء لحاجة، فجاء رجل فجلس بين يدي أبي هريرة فقال له أبو هريرة: مالك! قال: أستعدي على الحارث بن الحكم. فقال أبو هريرة: قم يا حارث فاجلس مع خصمك، فتلكأ الحارث. فقال أبو هريرة: قم يا حريث، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر إذا جلس الحاكم فلا يجلس خصمان إلا بين يديه، ومضت السنة بذلك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن أئمة الهدى أبي بكر وعمر. فقام الحارث، فجلس مع خصمه بين يدي أبي هريرة فقال أبو هريرة: الآن درست. يقول: الآن صحيح. قال سليمان بن يسار: تزوج الحارث بن الحكم امرأة، فقال عندها فرآها خضراء، فطلقها ولم يمسها، فأرسل مروان إلى زيد بن ثابت فسأله. فقال زيد: لها الصداق كاملاً. قال: إنه ممن لا يتهم. فقال: أرأيت يا مروان لو كانت حبلى، أكنت مقيماً عليها الحد؟ قال: لا.

الحارث بن سعيد بن حمدان

الحارث بن سعيد بن حمدان أبو فراس ابن أبي العلاء التغلبي الحمداني الأمير الشاعر فارس كان يسكن منبج، ويتنقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة بن حمدان. من شعر أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان: يا معجباً بنجومه ... لا النحس فيك ولا السعاده الله ينقص ما يشا ... ء ومنه إتمام الزياده دع ما تريد لما يري ... د فإن لله الإراده وله: لم أؤاخذك إذ جنيت لأني ... واثق منك بالإخاء الصحيح فجميل العدو غير جميل ... وقبيح الصديق غير قبيح وله: لطيرتي بالصداع نالت ... فوق منال الصداع منى وجدت فيه اتفاق سوء ... صدعني مثل صدعني وله: ألزمني ذنباً بلا ذنب ... ولج في الهجران والعتب أحاول الصبر على هجره ... والصبر محظور على الصب وأكتم الوجد وقد أصبحت ... عيناي عينيه على قلبي قد كنت ذا صبر وذا سلوة ... فاستشهدا في طاعة الحب قتل أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان في سنة سبع وخمسين وثلاث مائة، قتله قرغويه يعني غلام سيف الدولة المتغلب على حلب، أمر غلاماً له بالتركية فضربه بلت وقطع رأسه، وقلعت أمه سخينة عينها لما بلغها قتله. وذكر ثابت بن سنان أن أبا فراس قتل عند ضيعة تعرف بصدد، في حرب كانت بين شريف بن سيف الدولة وبين أبي فراس.

الحارث بن سعيد الكذاب

الحارث بن سعيد الكذاب ويقال الحارث بن عبد الرحمن بن سعد المتنبي دمشقي مولى أبي الجلاس العبدري القرشي، ويقال مولى مروان بن الحكم. قال عبد الرحمن بن حسان: كان الحارث الكذاب من أهل دمشق، وكان مولى لأبي الجلاس، وكان له أب بالحولة، فعرض له إبليس، وكان رجلا متعبداً زاهداً، لو لبس جبة من ذهب لرئيت عليه زاهدة، قال: وكان إذا أخذ في التحميد، لم يسمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه. قال: فكتب إلى أبيه وهو بالحولة، يا أبتاه، أعجل علي، فإني قد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد عرض لي، قال: فزاده أبوه عناء، فكتب إليه أبوه: يا بني، أقبل على ما أمرت به، إن الله يقول: " تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم ". ولست بأفاك ولا أثيم، فامض لما أمرت به. وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلاً فيذاكرهم أمره، ويأخذ عليهم بالعهد والميثاق إن هو رأى ما يرضى قبل، وإلا كتم عليه؟ قال: وكان يريهم الأعاجيب، كان يأتي إلى رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح؛ قال: وكان يطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء، وكان يقول لهم: اخرجوا حتى أريكم الملائكة. قال: فيخرجهم إلى دير المران، فيريهم رجالاً على جبل. فتبعه بشر كثير، وفشا الأمر في المسجد وكثر أصحابه، حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة. قال: فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق، إن هو رضي أمراً قبله، وإن كرهه كتم عليه. فقال له: إني نبي، فقال له القاسم: كذبت يا عدو الله، ما أنت بنبي، ولا لك عهد ولا ميثاق. قال: فقال له أبو إدريس: بئس ما صنعت إذ لم تلين حتى تأخذه، الآن يفر. قال: وقام من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فاعلمه بأمر حارث، فبعث عبد الملك في طلبه فلم يقدر عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصنبرة. قال: فاتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه.

وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس فاختفى فيها، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأتاه رجل من أصحاب الحارث فقال له: هاهنا رجل يتكلم، فهل لك أن تسمع من كلامه؟ قال: نعم - قال الوليد: وأهل البصرة يشتهون الكلام - فقال: نعم. فانطلق معه حتى على الحارث، فأخذ في التحميد. قال: فسمع البصري كلاماً حسناً، ثم أخبره بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل. فقال له: إن كلامك لحسن، ولكن في هذا نظر. قال: فانظر. فخرج البصري ثم عاد إليه فرد عليه كلامه، فقال: إن كلامك لحسن وقد وقع في قلبي، وقد آمنت بك، هذا الدين المستقيم. قال: فأمر أن لا يحجب. قال: فأقبل البصري يتردد إليه، وعرف مداخله ومخارجه، وأين يهرب وأين يذهب، حتى صار من أخص الناس به. ثم قال له: إئذن لي قال: إلى أين؟ قال: إلى البصرة، أكون أول داعية لك بها. قال: فأذن له فخرج مسرعاً إلى عبد الملك وهو بالصنبرة، فلما دنا من سرادقه صاح: النصيحة النصيحة. فقال أهل العسكر: وما نصيحتك؟ قال: نصيحة لأمير المؤمنين. حتى دنا من أمير المؤمنين، فأمر عبد الملك أن يأذنوا له، فدخل وعنده أصحابه فصاح: النصيحة. قال: وما نصيحتك؟ قال: أخلني، لا يكون عندك أحد. قال: أخرج من في البيت. وكان عبد الملك قد اتهم أهل عسكره أن يكون هواهم معه، ثم قال له: أدنني. فقال: ادن فدنا وعبد الملك على السرير. فقال: ما عندك؟ قال: الحارث. فلما ذكر الحارث طرح نفسه من السرير. ثم قال: أين هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ببيت المقدس، وقد عرفت مداخله ومخارجه، فقص عليه قصته وكيف صنع به. فقال: أنت صاحبه، وأنت أمير بيت المقدس، وأمير ما هناك، فمرني بما شئت. قال: يا أمير المؤمنين، ابعث معي قوماً لا يفقهون الكلام. فأمر أربعين رجلاً من فرغانة، فقال: انطلقوا مع هذا، فما أمركم به من شيء فأطيعوه. قال: وكتب إلى صاحب بيت المقدس أن فلاناً أمير عليك حتى يخرج فأطعه فيما أمرك به، قال: فلما قدم بيت المقدس أعطاه الكتاب فقال: مرني بما شئت. فقال: اجمع إن قدرت كل شمعة ببيت المقدس، وادفع كل شمعة إلى رجل ورتبهم على أزقة بيت المقدس وزواياها بالشمع، فإذا قلت أسرجوا، فأسرجوا جميعاً. قال: فرتبهم في أزقة بيت المقدس وفي زواياها بالشمع، وتقدم البصري وحده إلى منزل الحارث فأتى الباب. فقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله. فقال: في

هذه الساعة! ما يؤذن عليه حتى يصبح. قال: أعلمه أني إنما رجعت شوقاً إليه قبل أن أصل. قال: فدخل عليه فأعلمه كلامه وأمره. قال: ففتح الباب ثم صاح البصري: أسرجوا، فأسرجت الشمع حتى كانت بيت المقدس كأنها النهار، ثم قال: من مر بكم فاضبطوه. قال: ودخل كما هو إلى الموضع الذي يعرفه، فنظر فإذا لا يجده، فطلبه فلم يجده، فقال أصحابه: هيهات تريدون أن تقتلوا نبي الله! قد رفع إلى السماء. قال: فطلبه في شق قد كان هيأه سرياً، قال: فأدخل البصري يده في ذلك الشق فإذا بثوبه، فاجتره فأخرجه إلى خارج، ثم قال للفرغانيين: اضبطوه فربطوه، فبينا هم يسيرون به البريد إذ قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله " الآية، فقال أهل فرغانة: أولئك العجم: " هذا كراننا فهات كرانك أنت " فسار به حتى أتى به عبد الملك. فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت، فصلبه، وأمر بحربة، وأمر رجلاً فطعنه، فأصاب ضلعاً من أضلاعه، فكعب الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة، ثم مشى بها إليه، ثم أقبل يتحسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بها، فأنفذها فقتله. قال الوليد بن مسلم: بلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرتك ما أمرتك بقتله. قال: ولم؟ قال: إنما كان به المذهب. فلو جوعته ذهب ذلك عنه. وقيل: إن الحارث لما حمل على البريد وجعلت في عنقه جامعة من حديد فجمعت يداه إلى عنقه، فأشرف على عقبة بيت المقدس، فتلا هذه الآية: " قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ". قال: فتقلقلت الجامعة، ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب إليه الحرس الذين كانوا معه فأعادوها عليه، ثم

الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان

ساروا به. فلما أشرف على عقبة أخرى قرأ آية لا أحفظها، فسقطت من رقبته ويده إلى الأرض، فأعادوها عليه. فلما قدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالاً كانوا معه في السجن من أهل الفقه والعلم أن يعظوه، ويخوفوه الله، ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فأتوا عبد الملك فأخبروه بأمره، فأمر به فصلب. وجاء رجل بحربة فطعنه فانثنت الحربة، فقال الناس: ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل، ثم أتاه حرسي برمح دقيق فطعنه بين ضلعين من أضلاعه، ثم هزه فأنفذه. قال الراوي: وسمعت غير واحد ولا اثنين يقولون: إن الذي طعن الحارث بالحربة فانثنت قال له عبد الملك: أذكرت الله حين طعنته؟ قال: نسيته أو قال: لا - قال: فاذكر اسم الله ثم اطعنه. قال: فطعنه فأنفذها. قال العلاء بن زياد العدوي: ما غبطت عبد الملك بشيء من ولايته إلا بقتله حارثاً؛ حدثت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون، دجالون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي. فمن قاله فاقتلوه. ومن قتل منهم أحداً فله الجنة ". الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان ابن مسعود بن سكين ويقال الحارث بن عبيد الهجيمي البصري والد خالد بن الحارث وفد على سليمان بن عبد الملك. حدث أبو عبيدة النحوي قال: كنا نأتي رؤبة بن العجاج، فربما أعوزنا مطلبه، فطلبته مظانه، وكان للحارث بن سليم الهجيمي - وهو أبو خالد بن الحارث - غدائرلف، وكان رؤبة ربما أتاه، فطلبته

يوماً فأتيت مجلس الحارث بن سليم، فتحدث القوم، وتحدث الحارث بن سليم. قال: شهدت مجلس سليمان بن عبد الملك، فأتى سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان فقال: يا أمير المؤمنين، أتيتك مستعدياً. قال: من بك؟ قال: موسى شهوات. قال: وماله! قال: سمّع بي واستطال في عرضي. قال: يا غلام، علي موسى. فأتي به فقال: أسمّعت به واستطلت في عرضه؟ قال: ما فعلت يا أمير المؤمنين، ولكني مدحت ابن عمه فغضب هو. قال: وما ذلك؟ قال: يا أمير المؤمنين، علقت جارية لم يبلغ ثمنها جدتي فأتيته وهو صديقي فشكوت ذلك إليه، فلم أصب عنده في ذلك شيئاً، فأتيت ابن عمه سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فشكوت إليه ما شكوت إلى هذا، قال: تعود إلي، فتركته ثلاثاً ثم أتيته، فسهل من إذني، فما استقر المجلس حتى قال: يا غلام، قل لقيّمي: وديعتي، ففتح باباً بين بابين، فإذا أنا بالجارية. فقال لي: هذه بغيتك؟ قلت: نعم، فداك أبي وأمي. قال: اجلس. يا غلام، قل لقيمي: طيّبة نفقتي، فأتى بطيبة فنثرت بين يديه، فإذا فيها مائة دينار وليس فيها غيرها، فردت في الطيبة، ثم قال: عتيدتي التي فيها طيبي، فأتي بها فقال: ملحفة فراشي، فأتي بها. فضرب الطيبة وما في العتيدة حواشي الملحفة وقال لي: شأنك فهو لك واستعن بهذا عليه. فقال سليمان فذلك حين تقول ماذا؟ فقال: أبا خالد اعني سعيد بن خالد ... اخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد ولكنّني اعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد عقيد الندى ما عاش يرضى به النّدى ... وإن مات لم يرض النّدى بعقيد دعوه دعوه، أنكم قد رقدتم ... وما هو عن أحسابكم برقود فقال: يا غلام، علي بسعيد بن خالد، فأتي به فقال: يا سعيد، لأحق ما وصفك به موسى! قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ فأعاد عليه فقال: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين. قال: فما طوقك ذلك، قال: الكلف. قال: فما حملتك الكلف؟ قال: دين والله يا أمير

الحارث بن عباس

المؤمنين، ثلاثون ألف دينار. قال: قد أمرت لك بمثلها وبمثلها وبمثلها، وثلاث مثلها. فلقيت سعيد بن خالد بعد حين، فأخذت بعنان دابته فقلت: بأبي وأمي، ما فعل المال الذي أمر لك به سليمان؟ قال: ما علمك به؟ قال: أنا والله حاضر المجلس يومئذ. قال: والله ما أصبحت أملك ديناراً ولادرهماً. قال: فما اغتاله؟ قال: خلة من صديق، أو فاقة من ذي رحم. كان خالد بن الحارث يقول: كان أبي يقول: إن الرجل ليثني لي عنان دابته فأشكرها له. ولما هزم بنو المهلب أيام هلال بن احوز بلغ أبي ذلك فأرسل إلى وليهم بأربعة آلاف درهم كانت عنده، لكل رجل منهم مائة درهم، وكانوا بأربعين. فقال: تبلّغوا بها البصرة. وكان الحارث بن سليم من أشراف قومه ووجوههم، وفيه يقول رؤبة: وأنت يا حارث نعم الحارث وشهد سليم بن عبيد الهجيمي الجمل مع عائشة. الحارث بن عبّاس حدث الحارث قال: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذهالأمة أمر دينها؟ قال: لا أعلمه، إلا شاب في ناحية المشرق. يعني أحمد بن حنبل.

الحارث بن عبد الله

الحارث بن عبد الله ابن أبي ربيعة ذي الرمحين واسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان اسم عبد الله بجيراً، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، المخزومي القرشي المعروف بالقباع المكي كان قد استعمله ابن الزبير على البصرة، فمر بالسوق فرأى مكتالاً فقال: إن مكتالكم هذا لقباع، فسماه أهل البصرة القباع. قال: وأم الحارث بن عبد الله بنت أبرهة حبشية. روى عن عائشة وغيرها وولي البصرة لابن الزبير، ثم وفد على عبد الملك بنمروان. قال عبد الله بن عبيد: وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته فقال عبد الملك: ما أظن ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها. قال الحارث: بلى، سمعته منها. قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن قومك استقصروا من شأن البيت، وإني لولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت فيه ما تركوا منه، فإن بدا لقومك أن يبنوه، وتعالي لأريك ما تركوا منه. فأراها قريباً من سبعة أذرع. وفي حديث آخر: وجعل لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً. وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ قالت: فقلت: لا. قال: تعززاً لئلا يدخلها إلا من أرادوه، كان الرجل إذا كرهوا أن يدخلها، يدعونه حتى يرتقي، حتى إذا كان يدخل، دفعوه فسقط. قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم. قال: فنكت بعصاه ساعة، ثم قال: وددت أني تركته وما تحمّل.

وفي حديث بمعناه قال: لو سمعت هذا قبل أن انقصه لتركته على ما بنى ابن الزبير. حدث عبد الله بن صفوان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولا عدة، فيبعث إليه جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم. قال يوسف بنماهك: وأهل الشام يومئذ يتجهزون إلى مكة، فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذاالجيش. وروى الحارث بن أبي ربيعة، عن أم المؤمنين مثل هذا الحديث، غير انه لم يذكر الجيش الذي ذكرهم عبد الله بن صفوان. قالوا: وأم المؤمنين هذه هي أم سلمة، بدليل حديث آخر. قال عبيد الله بن القبطية: دخلت أنا والحارث بن أبي ربيعة ورجل آخر إلى أم سلمة، فقال لها الحارث: يا أم المؤمنين، حدثينا بحديث الجيش الذي خسف به. فقالت: قال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه جيش، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم. فقلت: كيف بمن كان كارهاً أو مكرهاً؟ قال: يبعث على ما كان في نفسه. قال عبد العزيز: فقلت لأبي جعفر: إنها قالت ببيداء من الأرض؟ قال: والله إنها لبيداء المدينة. حدث ابن شهاب: أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ذكر أن معاوية قضى أنه أيّما رجل وهب امرأته لأهلها، وجعل أمرها بيدها أو يد وليّها، فطلقت نفسها ثلاث تطليقات فقد برئت. حدث المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال: سبى عبد الله بن أبي ربيعة سبحاء الحبشية وكانت نصرانية، وسبى معها ست مائة من الحبش، وهو عامل على اليمن لعثمان بن عفان، فقالت: لي إليك ثلاث حوائج. قال: ما هي؟ قالت: تعتق هؤلاء الضعفاء الذين معك. قال: ذلك لك. فأعتق لها ست مائة

الحارث بن عبدة

من الجيش. فقالت: ولا تمسني حتى تصير إلى بلدك ودارك. ففعل. قالت: ولا تحملني على أن أغير ديني. قال: وذلك لك. فقدم بها. فولدت الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. فلما ماتت حضر القرشيون وغيرهم من الناس لشهودها، فقال: أدى الله الحق عنكم، إن لها أهل ملّة هم أولى بها منكم، فانصرفوا عنها. وقال مصعب بن عبد الله: لم يكن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يدري أن أمه على النصرانية حتى ماتت، وحضر لها الناس، فخرجت إليه موالاة له، فسارته وقالت: اعلم أنا وجدنا الصليب في رقبة أمك حين جردناها لغسلها. فقال للناس: انصرفوا أدى الله عنكم، فإن لها أهل ملة هم أولى بها منكم. فانصرف الناس، وكبر الحارث بما فعل من ذلك عند الناس. قالوا: أول من وضع وزن سبعة الحارث بن أبي ربيعة، يعني العشرة عدداً، سبعة وزناً. الحارث بن عبدة ويقال عبيدة بن رباح الغساني حدث الحارث بن عبيدة عن أبيه عبيدة - وقال الطبراني: حدث عبدة بن رباح، عن منيب بن عبد الله - قال: تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا هذه الآية: " كل يوم هو في شأن " قلنا: يا رسول الله، ما ذلك؟ قال: أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين.

الحارث بن عميرة الزبيدي الحارثي

الحارث بن عميرة الزبيدي الحارثي حدث الحارث بن عميرة عن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ". وعن الحارث بن عميرة قال: قدمت إلى سلمان إلى المدائن، فوجدته في مدبغة له يعرك إهاباً بكفيه، فلما سلمت عليه قال: مكانك حتى أخرج إليك. قال الحارث: والله ما أراك تعرفني، أنا عبد الله. قال: بلى، قد عرفت روحي روحك، قبل أن أعرفك، فإن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله عز وجل ائتلف، وما كان في غير الله اختلف. حدث عبد الرحمن بن غنم، عن حديث الحارث بن عميرة الحارثي: انه قدم مع معاذ من اليمن، فبت معه في داره وفي منزله، فأصابهم الطاعون، فطعن معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك، جميعاً في يوم واحد، وكان عمرو بن العاص حين أحس بالطاعون فرق فرفقاً شديداً فقال: يا أيها الناس، تبددوا في هذه الشعاب وتفرقوا، فإنه قد نزل بكم أمر من الله لا أراه إلا رجزاً أو الطوفان. قال شرحبيل بن حسنة: قد صاحبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنت أضل من حمار أهلك قال: عمرو: صدقت. قال معاذ بن جبل لعمرو بن العاص: كذبت. ليس بالطوفان ولا بالرجز، ولكنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقبض الصالحين قبلكم، اللهم ائت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة، فما أمسى حتى طعن عبد الرحمن ابنه الذي كان يكنى به بكره وأحب الخلق إليه، فرجع معاذ من المسجد فوجده مكروباً. فقال: يا عبد الرحمن، كيف أنت؟ فاستجاب له فقال: يا أبه، الحق من ربك فلا تكن من الممترين فقال معاذ: وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين. فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد. فأخذ بامرأتيه جميعاً فأراد أن يقرع بينهما أيهما تجيء قبل الأخرى فقال الحارث بن عميرة: جهزهما جميعاً أبا عبد الرحمن ونحفر لهما قبراً واحداً، فشق لإحداهما والحد للأخرى. فما عدا أن فرغ

منهما، فطعن، فأخذ معاذ يرسل الحارث بن عميرة إلى أبي عبيدة بن الجراح، يسأله كيف هو؟ فأراه أبو عبيدة طعنة خرجت من كفه، فتكاثر شأنها في نفس الحارث، وفرق منها حين رآها، فأقسم له أبو عبيدة: ما يحب أن له مكانها حمر النعم، فرجع الحارث إلى معاذ فوجده مغشياً عليه، فبكى الحارث واشتكى عليه ساعة، ثم إن معاذاً أفاق فقال: يا بن الحميرية لم تبكي علي! أعوذ بالله منك أن تبكي علي. فقال الحارث: والله ما عليك أبكي. قال معاذ: فعلام تبكي؟ قال: أبكي على ما فاتني منك العصرين الغدو والرواح. قال معاذ: أجلسني، فأجلسه الحارث في حجره. قال: اسمع مني فإني أوصيك بوصية؛ إن الذي تبكي علي زعمت من غدوك ورواحك إلي، فإن العلم مكانه لمن أراد بين لوحي المصحف، فإن أعيا عليك تفسيره فاطلبه بعدي عند ثلاثة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود بن أم عبد - وفي رواية: وابن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هو عاشر عشرة في الجنة " - وأحذرك زلة العالم، وجدال المنافق، واحذر طلبة القرآن. قال: سمعته يحدث أن معاذاً اشتد عليه النزع نزع الموت فنزع نزعاً لم ينزعه أحد، فكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال: اخنقي خنقك، فوعزتك ربي إنك لتعلم أن قلبي يحبك. فلما أن قضى نحبه انطلق الحارث حتى أتى أبا الدرداء بحمص، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث، ثم قال الحارث: إن أخي معاذاً قد أوصاني بك وبسلمان الفارسي وبابن أم عبد، فلا أراني إلا منطلقاً قبل العراق. فقدم الحارث الكوفة ثم أخذ يحضر مجلس ابن أم عبد بكرة وعشياً، فبينما هو كذلك في المجلس يوماً قال ابن أم عبد: ممن أنت بابن أخي؟ قال الحارث: امرؤ من أهل الشام. فقال ابن أم عبد: نعم الحي أهل الشام لولا واحدة. فقال الحارث: وما تلك الواحدة؟ فقال: لولا أنهم يشهدون على أنفسهم أنهم من أهل الجنة. فاسترجع الحارث مرتين أو ثلاثاً ثم قال: صدق معاذ ما قاله لي. قال ابن أم عبد: ما قال لك معاذ يابن أخ؟ قال: حذرني زلة العالم، قال: والله ما أنت يابن مسعود إلا أحد رجلين، إما رجل أصبح علي يقين من الله ويشهد أن لا إله ألا الله فأنت من أهل الجنة، أم رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود صدقت يابن أخي إنها زلة

الحارث بن عمير الأزدي

مني فلا تؤاخذني بها. فأخذ ابن مسعود بيد الحارث فانطلق به إلى رحله، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث. ثم قال الحارث: لابد لي من أطلع أبا عبد الله سلمان إلى المدائن، فانطلق الحارث حتى قدم على سلمان في المدائن، فوجده في مدبغة له يعرك الأهب بكفيه. فلما أن سلم عليه قال: مكانك حتى أخرج إليك. قال الحارث: والله ما أراك تعرفني يا عبد الله. قال: بلى، قد عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك، فإن الأرواح عند الله جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما كان في غير الله اختلف. فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ثم رجع إلى الشام. فأولئك الذين كانوا يتعارفون في الله ويتزاورون فيه، اللهم اجعلنا منهم برحمتك. مات الحارث بن عميرة زمن يزيد بن معاوية. الحارث بن عمير الأزدي له صحبة. بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً إلى صاحب بصرى، فقتل بمؤتة، فوجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل مؤتة جيشاً. قال عمرو بن الحكم: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحارث بن عمير الأزدي ثم أحد بني لهب، إلى ملك بصرى بكتاب. فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقال: أين تريد؟ قال الشام. قال: لعلك من رسل محمد! قال: نعم، أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأمر به فأوثق رباطاً، ثم قدمه فضرب عنقه صبراً، ولم يقتل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول غيره. فبلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف. وكان ذلك سبب خروجهم إلى غزوة مؤتة. ومؤتة بأدنى البلقاء، والبلقاء دون دمشق.

الحارث بن عمير أبو الجودي

الحارث بن عمير أبو الجودي الأسدي الشامي سكن واسط. حدث أبو الجودي بواسط أيام الحجاج عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنظر من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أحب المساكين، وأن أدنو منهم، وأن أصل رحمي وإن قطعوني وجفوني، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وألا أخاف في الله لومة لائم، وألا أسأل أحداً شيئاً، وأن أستكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنز الجنة. روى أبو الجودي عن بلج، عن أبي شيبة المهري قال: قلنا لثوبان: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فأفطر. حدث أبو الجودي الأسدي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: نعم الذخيرة للمرء المسلم عند الله يوم القيامة اصطناع المعروف. قال: فقال لي عمر: يا أبا الجودي اغتنم الدمعة تسبلها على خدك لله عز وجل. الحارث بن محمد بن الحارث بن خسرو أبو الليث الهروي الصياد العابد حدث أبو الليث بدمشق عن عمرو بن عثمان بسنده عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي أبو القاسم ألا أترك صلاة الضحى في حضر ولا سفر، ولا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر. وحدث أبو الليث عن يحيى بن عثمان بسنده عن بهز قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك عرضا، ويشرب مصاً، ويتنفس ثلاثاً. ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ.

الحارث بن مخمر أبو حبيب الظهري الحمصي

الحارث بن مخمر أبو حبيب الظهري الحمصي قاضي عمان وحمص. وولي قضاء دمشق للوليد بن يزيد. حدث أبو حبيب عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من مؤمن يصيبه صداع في رأسه، أو شوكة فتؤذيه، أو ما سوى ذلك من الأذى، إلا رفع الله له. وفي رواية: إلا رفعه الله بها يوم القيامة درجة، وكفر عنه بها خطيئة. وحدث الحارث عن أبي الدرداء قال: الإيمان يزداد وينتقص. قال صفوان بن عمرو: كتب عبد الملك بن مروان إلى أبي حبيب قاضي حمص يسأله: كم عقوبة اللوطي؟ فكتب إليه: أن يرمى بالحجارة، كما رجم قوم لوط. قال الله تعالى: " وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ". فقبل عبد الملك ذلك منه، وحسنه من رأيه. هو أبو حبيب بالحاء المهملة. والظهري: قبيلة من حمير. توفي في أيام يزيد بن الوليد.

الحارث بن مسلم بن الحارث

الحارث بن مسلم بن الحارث ويقال مسلم بن الحارث وهو الصحيح حدث الحارث بن مسلم التميمي عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فلما هجمنا على القوم تقدمت أصحابي على فرس، فاستقبلنا النساء والصبيان يعجون، فقلنا لهم: تريدون أن تحرزوا منهم؟ قالوا: نعم. قلت: قولوا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فقالوها، فجاء أصحابي فلاموني وقالوا: أشرفنا على الغنيمة فمنعتنا! ثم انصرفنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبروه بالذي صنعت. فقال: أتدرون ما صنع! لقد كتب الله له بكل إنسان كذا وكذا من الأجر. ثم أدناني منه فقال: إذا صليت صلاة الغداة فقل قبل أن تكلم: اللهم أجرني من النار، سبع مرات، فإنك إن مت من يومك ذاك كتب لك جوار من النار. فإذا صليت المغرب قبل أن تكلم أحداً، فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك تلك، كتب الله تعالى لك بها جوازاً من النار. وفي حديث آخر ثم قال: أكتب لك كتاباً أوصي به أئمة المسلمين بعدي. قال: فكتب لي كتاباً، وختمه. فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيت أبا بكر بالكتاب، ففضه وأعطاني شيئاً ثم ختمه. فلما قبض أبو بكر أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب، ففضه وأعطاني شيئاً ثم خنمه. فلما استخلف عثمان أتيته بالكتاب، ففضه فقرأه فأعطاني شيئاً ثم ختمه. فلما استخلف عمر بن عبد العزيز بعث إلى الحارث بن مسلم فأتاه، فأعطاه شيئاً وقال: لو أردت لوصلت إليك، ولكنني أردت أن تحدثني بحديثك عن أبيك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحدثه به. سئل أبو زرعة عن مسلم بن الحارث أو الحارث بن مسلم؟ فقال: الصحيح: الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه. توفي الحارث بن مسلم في خلافة عثمان بن عفان. فالوافد إذاً على عمر بن عبد العزيز مسلم بن الحارث.

الحارث بن معاوية الكندي الأعرج

الحارث بن معاوية الكندي الأعرج أي بلال بن رباح بدمشق وروى عن عمر بن الخطاب. حدث الحارث بن معاوية أنه قدم على عمر بن الخطاب فقال: إني قدمت أسألك عن الوتر في أول الليل أو في وسطه أو في آخره؟ فقال عمر: كل ذلك قد عمل به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث الحارث الكندي، أنه ركب إلى عمر بن الخطاب فسأله عن ثلاث خلال قال: فقدم المدينة فسأله عمر: ما أقدمك؟ قال: لأسألك عن ثلاث. قال: وما هن؟ قال: ربما كنت أنا والمرأة في بناء ضيق، فتحضر الصلاة، فإن صليت أنا وهي كانت بحذائي، وإن صلت خلفي خرجت من البناء. فقال عمر: تستر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي بحذائك. فقال عمر: تستر بينك وبينها بثوب، ثم تصلي بحذائك إن شئت. وعن الركعتين بعد العصر. فقال: نهاني عنهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن القصص فإنهم أرادوني على القصص فقال: ما شئت. كأنه كره أن يمنعه. قال: إنما أردت أن أنتهي إلى قولك. قال: أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا، فيضعك الله عز وجل تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك. حدث الحارث بن معاوية الكندي قال: كنت أتوضأ أنا وأبو جندل بن سهيل على المطهرة فذكرنا نزع الخفين، ومر بنا بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، كيف سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في نزع الخفين؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " امسحوا على الموق والخمار "، فرد أبو جندل عقبه في الخف، بعد أن كان أخرجه. وذكر مكحول أن المطهرة عند الجب في مسجد دمشق. وحدث الحارث عن بلال قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تمسحوا على الأمواق والنصف ". والنصيف: الخمار.

الحارث بن أبي وجرة

وحدث الحارث عن بلال قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والعمامة. وفي حديث آخر فقال بلال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والخمار. قدم الحارث بن معاوية على عمر بن الخطاب فقال له: كيف تركت أهل الشام؟ فأخبره عن حالهم، فحمد الله ثم قال: لعلكم تجالسون أهل الشرك. فقال: لا يا أمير المؤمنين. قال: إنكم إن جالستموهم أكلتم وشربتم معهم، ولن تزالوا بخير ما لم تفعلوا ذلك. قال مسلم بن مشكم: قال الحارث بن معاوية الكندي: إن شئتم لأحلفن لكم أن أبا الدرداء لم يحمله شغل أن يؤخر الصلاة. الحارث بن أبي وجرة واسم أبي وجرة تميم بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي قدم الشام مع عمر بن الخطاب، وشهد خطبته بالجابية. ووجرة بالجيم والراء. حدث إسماعيل بن عبيد الله قال: لما سار عمر إلى الشام قال: لأعرفن ما مدحتم خالد بن الوليد، فإنه رجل يهتز عند المدح، وأنت يا بن أبي وجرة فلأعرفن ما مدحته. قال: فلما قدموا الشام أقبل ابن أبي وجرة وعمر في مجلسه، وعنده خالد بن الوليد متقنع بردائه، فسلم ابن أبي وجرة وقال: أفيكم خالد بن الوليد هو والله ما علمت أجملكم وجهاً، وأجرأكم مقدماً، وأبذلكم يداً، فلما انصرف خالد بن الوليد بعث إلى ابن أبي وجرة بمئة دينار وراحلة. فلما انصرف عمر قال: يابن أبي وجرة ألم أنهك عن مدح خالد بن الوليد! قال ابن أبي وجرة: من أعطانا منكم مدحناه، ومن منعنا سببناه سباب العبد سيده. قال: وكيف يسب العبد سيده؟ قال: حيث لا يسمع. فضحك عمر. وقيل: إن المادح لخالد هو أبو وجرة. وسيذكر في موضعه. وعاش أبو وجرة ثمانين ومئتي سنة، حتى أقعد عن رجليه.

الحارث بن وداعة الحميري

الحارث بن وداعة الحميري ممن شهد صفين مع معاوية، وبارز علي بن أبي طالب عليه السلام فقتله علي يومئذ. روى مجالد عن عامر الشعبي قال: سئل عن أهل الجمل وأهل صفين فقال: أهل الجنة لقي بعضهم بعضاً، فاستحيوا أن يفر بعضهم من بعض. الحارث بن هانئ بن مدلج ابن المقداد بن زمل بن عمرو العذري حدث أبو الحارث محمد بن الحارث بن هانئ بن الحارث بن هانئ بن مدلج بن المقداد بن زمل بن عمرو العذري قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن أبيه عن جده عن أبيه عن زمل بن عمرو العذري قال: كان لبني عذرة صنم يقال له: حمام، وكانوا يعظمونه، وكان في بني هند بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة، وكان سادنه رجل يقال له طارق، وكان يعترون عنده فلما ظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعنا صوتاً: يا بني هند بن حرام، ظهر الحق وأودى حمام، ودفع الشرك الإسلام قال: ففزعنا لذلك وهالنا، فمكثنا أياماً، ثم سمعنا صوتاً وهو يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، بوحي ناطق، صدع صادع بأرض تهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة، قال زمل: فوقع الصنم لوجهه. قال زمل: فاتبعت راحلة ورحلت حتى أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع نفر من قومي، وأنشدته شعراً قلته: إليك رسول الله أعملت نصها ... أكلفها حزناً وفوراً من الرمل لأنصر خير الناس نصراً مؤزراً ... وأعقد حبلاً من حبالك في حبلي وأشهد أن الله لا شيء غيره ... أدين له ما أثقلت قدمي نعلي

الحارث بن هشام بن المغيرة

قال: فأسلمت وبايعته وأخبرناه بما سمعنا فقال: ذلك من كلام الجن ثم قال: يا معشر العرب، إني رسول الله إلى الأنام كافة، أدعوهم إلى عبادة الله وحده، وأني رسوله وعبده، وأن يحجوا البيت، ويصوموا شهراً من اثني عشر شهراً، وهو شهر رمضان، فمن أجابني فله الجنة نزلاً وثواباً، ومن عصاني فله النار منقلباً. قال: فأسلمنا وعقد لنا لواء وكتب لنا كتاباً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله، لزمل بن عمرو ومن أسلم معه خاصة، إني بعثته إلى قومه عامة، فمن أسلم ففي حزب الله ورسوله، ومن أبى فله أمان شهرين. شهد علي بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة الأنصاري. قال: غريب جداً. الحارث بن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الرحمن المخزومي له صحبة. أسلم يوم الفتح، ثم حسن إسلامه. وخرج إلى الشام مجاهداً وحبس نفسه في الجهاد. ولم يزل بالشام إلى أن قتل باليرموك. ويقال: مات بطاعون عمواس. حدث عبد الرحمن بن سعد المقعد عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه أنه قال: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به. قال: املك عليك هذا. وأشار إلى لسانه. قال عبد الرحمن: فرأيت ذلك يسيراً، وكنت قليل الكلام، فلم أفطن له، وإذا ليس شيء أشد منه. حدث عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته، وهو واقف على راحلته، وهو يقول: " والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ". قال: فقلت ولم أبين: يا ليتنا لم نفعل فارجع إليها، فإنها منبتك ومولدك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني سألت ربي فقلت: اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إلي، فأنزلني أحب أرضك إليك، فأنزلني المدينة ".

وشهد الحارث بن هشام بدراً مع المشركين، وكان فيمن انهزم فعيره حسان بن ثابت فقال: إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام فقال الحارث يعتذر من فراره يومئذ: القوم اعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد فعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل، ولا ينكي عدوي مشهدي فصددت عنهم والأحبة فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد ثم غزا أحداً مع المشركين، ولم يزل متمسكاً بالشرك حتى أسلم يوم فتح مكة. روى سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث، اللهم العن صفوان بن أمية ". فنزلت: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " فتاب عليهم وأسلموا وحسن إسلامهم. وعن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم الفتح ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية بن خلف، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام قال عمر: فقلت قد أمكن الله منهم، أعرفهم ما صنعوا، حتى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثلي ومثلكم كما قال يوسف لأخوته: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " قال عمر: فانتضحت حياء من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كراهية أن يكون قد بدر مني شيء، وقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال.

قال عبد الله بن عكرمة: لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة على أم هانئ بنت أبي طالب فاستجارا بها، وقالا: نحن في جوارك. فأجارتهما فدخل علي بن أبي طالب فنظر إليهما، فشهر عليهما السيف. قالت: فألقيت عليهما واعتنقته وقلت: تصنع هذا بي من بين الناس! لتبدأن بي قبلهما. قال: تجيرين المشركين! فخرج ولم يكد، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله ما لقيت من ابن أمي علي، ما كدت أفلت منه، أجرت حموين لي من المشركين، فتفلت عليهما ليقتلهما. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كان ذلك له، قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت ". فرجعت إليهما فأخبرتهما، فانصرفا إلى منزلهما. فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما يتفضلان في الملاء المزعفر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سبيل إليهما قد أمناهما " قال الحارث بن هشام: وجعلت أستحيي أن تركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأذكر رؤيته إياي في كل موطن موضعاً مع المشركين، بما ذكر بره ورحمته وصلته، فألقاه وهو داخل المسجد فيلقاني بالبشر، ووقف حتى جئته وسلمت عليه وشهدت شهادة الحق. فقال: الحمد لله الذي هداك، م كان مثلك يجهل الإسلام. قال الحارث بن هشام: فوالله ما رأيت مثل الإسلام جهل. وشهد الحارث بن هشام مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً، وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مائة من الإبل، ولم يزل الحارث بن هشام مقيماً بمكة بعد أن أسلم، حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو غير مغموص عليه في إسلامه، فلما جاء كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه يستنفر المسلمين إلى غزوة الروم، قدم الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو على أبي بكر الصديق رضي الله عنه المدينة، فأتاهم في منازلهم فرحب بهم وسلم عليهم وسر بمكانهم، ثم خرجوا مع المسلمين غزاة إلى الشام. فشهد الحارث بن هشام فحل وأجنادين، ومات بالشام في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، فتزوج عمر بن الخطاب ابنته أم حكيم بنت الحارث، وهي أخت عبد الرحمن بن الحارث. فكان عبد الرحمن بن الحارث يقول: ما رأيت ربيباً خيراً من عمر بن الخطاب.

وقيل: إن الحارث بن هشام استشهد يوم اليرموك، وقيل: إنه كان عمي قبل وفاته. ولما خرج الحارث بن هشام من مكة جزع أهل مكة جزعاً شديداً، فلم يبق أحد يطعم إلا خرج يشيعه، حتى إذا كان بأعلى البطحاء، أو حيث شاء الله من ذلك وقف، ووقف الناس حوله يبكون، ولما رأى جزع الناس قال: يا أيها الناس إني والله ما خرجت رغبة بنفسي عن أنفسكم، ولا اختيار بلد عن بلدكم، ولكن كان هذا الأمر فخرجت فيه رجال من قريش، والله ما كانوا من ذوي أنسابها ولا في بيوتاتها، فأصبحنا والله لو أن جبال مكة ذهباً فأنفقناها في سبيل الله عز وجل ما أدركنا يوماً من أيامهم، والله لئن فاتونا به في الدنيا لنلنمسن أن نشاركهم في الآخرة فاتقى الله امرؤ. فتوجه غازياً إلى الشام، واتبعه ثقله فأصيب شهيداً. قال معمر بن المثنى: نزل هشام بن المغيرة بحران، وبها أسماء بنت مخربة النهشلي، نهشل بن دارم، قد هلك عنها زوج لها، وكانت امرأة لبيبة عاقلة ذات جمال. فقيل له: يا أبا عثمان، إن هاهنا امرأة من قومك، وأثنوا عليها، فأتاها فلما رآها رغب فيها، فقال: هل لك أن أتزوجك، وأنقلك إلى مكة؟ قالت: ومن أنت؟ قال: أنا هشام بن المغيرة. قالت: فإني لا أعرفك، ولكني أنكحك نفسي، وتحملني إلى مكة، فإن كنت هشاماً فأنا امرأتك. فعجب من عقلها، وازداد رغبة فيها، فحملها فلما قدمت مكة أعلمت أنه هو هشام، فنكحها فولدت له عمراً، الذي كناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا جهل، والحارث بن هشام، ثم فارقها فخلف عليها أخوه أبو ربيعة بن المغيرة. قال إسحاق بن بشر: ثم إن عمر قسم الأموال بين الناس، فآثر أهل بدر على غيرهم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان آثر الناس عنده في القسم بعد أهل بدر أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم من قتل أبوه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهيداً، ثم الذين اتبعوهم بإحسان، وكان ذلك القسم أول فيء قدم على عمر. فلما بلغ القسم سهيل بن عمرو والحارث هشام بن المغيرة ولم يبلغ بهما عمر في القسم ما بلغ بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالا: يا عمر لا تؤثرن علينا أحدا، فإنا قد آمنا بالله ورسوله

وشهدنا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فقال لهما عمر: إني لم أوثر عليكما من آثرت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أنهم سبقوكم بالهجرة ولو كنتما من المهاجرين الأولين لم أوثر عليكما أحدا قال: وإن كنا سبقنا بالهجرة فإنا لم نسبق بالجهاد في سبيل الله عز وجل. قال: ثم تكلم الحارث بن هشام فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حق على كل مسلم النصيحة لك والاجتهاد في أداء حقك، لما أفضى إليك من أمر هذه الأمة التي وليت، فعليك بتقوى الله في أمرك كله سره وعلانيته، والاعتصام بما تعرف من أمر الله الذي شرع لك وهداك له، فإن كل راع مسؤول عن رعيته، وكل مؤتمن مسؤول عن أمانته، والحاكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه، فتسأل الله لمن ولك التقوى وللعامة، وتمام النعمة في الدنيا والآخرة، ونستودعك الله. فقال عمر: هداك الله وأعانك وصحبك، عليكما بتقوى الله في أمركما كله، ف " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ". فأمر عمر لكل واحد منهم بأربعة آلاف عونا على جهازهما. فخرجا إلى الشام فلم ير إلا مجاهدين، فقتل الحارث بن هشام يوم اليرموك شهيدا، وتوفي سهيل بن عمرو في طاعون عمواس من أرض فلسطين. حدث حبيب بن أبي ثابت: أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة ارتثوا يوم اليرموك، فدعا الحارث بماء ليشربه، فنظر غليه عكرمة فقال الحارث: ادفعوه إلى عكرمة، فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش، فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوه. وروى جماعة من أهل العلم والسيرة: أن عكرمة بن أبي جهل قتل يوم أجنادين، شهيداً في خلافة أبي بكر الصديق والاختلاف بينهم في ذلك. وأما عياش بن أبي ربيعة فمات بمكة، وأما الحارث بن هشام فمات بالشام في طاعون عمواس، سنة ثمان عشرة، وقيل: إن الحارث بن هشام استشهد في

الحارث بن يمجد الأشعري القاضي

أجنادين ومرج الصفر، سنة ثلاث عشرة، وقيل: إنه بقي إلى زمن عثمان. وعن أبي بكر بن عبد الرحمن، أن الحارث بن هشام كاتب عبداً له، في كل أجل شيء مسمى. فلما فرغ من كتابته أتاه العبد بماله كله، فأبى الحارث أن يأخذه وقال: لي شرطي ثم إنه رفع ذلك إلى عثمان بن عفان عليه السلام فقال عثمان: هلم المال اجعله في بيت المال، ونعطيه في كل أجل ما يحل، وأعتق العبد قال أبو موسى: هذا قول مالك وأهل المدينة. الحارث بن يمجد الأشعري القاضي ولي القضاء بدمشق في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. يمجد أوله ياء مضمومة والميم ساكنة وبعدها جيم مكسورة ودال. حدث الحارث بن يمجد عن عبد الله بن عمرو قال: الناس في الغزو جزآن، فجزء خرجوا يكثرون ذكر الله عز وجل والتذكر به، ويجتنبون الفساد في المسير، ويواسون الصاحب، وينفقون كرام أموالهم؛ فهم أشد اغتباطاً بما أنفقوا من أموالهم منهم بما استفادوا من دنياهم. فإذا كانوا في مواطن القتال استحيوا من الله عز وجل في تلك المواطن أن يطلع على ريبة في قلوبهم، أو خذلان للمسلمين. فإذا وردوا على الغلول طهروا منه قلوبهم وأعمالهم، فلم يستطع الشيطان أن يفتنهم ولا يكلم قلوبهم. فبهم يعز الله دينه ويكيد عدوه. وأما الجزء الآخر، فخرجوا فلم يكثروا ذكر الله عز وجل ولا التذكر به، ولم يجتنبوا الفساد، ولم ينفقوا أموالهم إلا وهم كارهون، وما أنفقوا من أموالهم رأوه مغرماً، وحدثهم به الشيطان. فإذا كانوا عند مواطن القتال كانوا مع الآخر الآخر، والخاذل الخاذل، واعتصموا برؤوس الجبال ينظرون ما يصنع الناس، فإذا فتح الله

حازم بن مالك بن بسطام الدمشقي

عز وجل للمسلمين كانوا أشدهم تخاطباً بالكذب، فإذا قدروا على الغلول اجترؤوا فيه على الله عز وجل، وحدثهم الشيطان أنها غنيمة، إن أصابهم رخاء بطروا، وإن أصابهم خدش فتنهم الشيطان بالعرض. فليس لهم من أجر المؤمنين شيء غير أن أجسادهم مع أجسادهم ومسيرهم مع مسيرهم، دنياهم وأعمالهم شتى حتى يجمعهم الله عز وجل يوم القيامة، ثم يفرق بينهم. قال عبد الحكيم بن سليمان بن أبي غيلان: بعث عمرو بن عبد العزيز يزيد بن أبي مالك الدمشقي والحارث بن يمجد الأشعري يفقهان الناس في البدو، وأجرى عليهما رزقا، فأما يزيد فقبل، وأما الحارث فأبى أن يقبل، فكتب إلى عمرو بن عبد العزيز بذلك، فكتب عمر: إنا لا نعلم بما صنع يزيد بأساً، وأكثر الله فينا مثل الحارث بن يمجد. حازم بن مالك بن بسطام الدمشقي حدث حازم عن عبد العزيز بن الحصين قال: بلغني أن عيسى بن مريم قال: من كثر كذبه ذهب جماله، ومن لاحى الرجال سقطت كرامته، ومن كثر همه سقط جسده، ومن ساء خلقه عذب نفسه. حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو أحمد المروزي ويعرف بالزيدي الحافظ عرف بذلك لأنه كان يجمع حديث زيد بن أبي أنيسة. حدث عن محمد بن عمران بن موسى بسنده عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث: الوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والغسل يوم الجمعة.

حامد بن سهل بن الحارث أبو محمد البخاري

وحدث عن أبي العباس محمد بن نصر بسنده عن انس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى يقول كل يوم: أنا ربكم العزيز، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز. توفي أبو احمد اليزيدي الحافظ سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة وقيل: كان مولده سنة اثنتين وثمانين. حامد بن سهل بن الحارث أبو محمد البخاري سمع بدمشق وغيرها. حدث حامد بن سهل الثغري عن هشام بن عمار بسنده عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أنه قال: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالاً فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. ثم ذكر الحديث بطوله. توفي حامد بن سهل سنة سبع وتسعين ومائتين. حامد بن محمد بن حامد بن بحر أبو العباس النسوي سكن دمشق وحدث بها. حدث عن أبي نصر أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الخطيب بشيراز بسنده عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من يتواضع لله تعالى درجة يرفعه الله تعالى درجة، ومن يتكبر على الله تعالى درجة يضعه الله تعالى درجة، حتى يجعله في أسفل السافلين. وحدث أبو العباس النسوي عن أبي نصر الواعظ بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رضى الله في رضى الوالد، وسخط الله في سخط الوالد ".

حامد بن يوسف بن الحسين

توفي أبو العباس حامد النسوي في ربيع الأول سنة أربع وستين وأربع مائة، ودفن بباب الصغير. حامد بن يوسف بن الحسين أبو احمد التغلبي قدم دمشق زائراً لبيت المقدس، وحدث بدمشق وحلب سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة. روى عن أبي حكيم عبد الله بن إبراهيم الفرضي بسنده عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أحب فلاناً في الله عز وجل قال: فأخبرته؟ قال: لا. قال: قم فأخبره. قال: فلقيه فقال: إني أحبك في الله يا فلان. فقال له: أحبك الذي أحببتني له. حبان بن موسى بن حبان بن موسى أبو محمد الكلابي حدث عن زكريا بن يحيى السجزي بسنده عن سعد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الخفين. حبان بكسر الحاء، الدمشقي، متأخر. توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاث مائة في ربيع الأول.

حبيب بن أوس بن الحارث

حبيب بن أوس بن الحارث ابن الأشج بن يحيى بن مزينا بن سهم بن خلجان الكاتب بن مروان، بن رفافة بن موسى بن سعد بن كاهل بن عامر - ويقال: ابن عمرو - ابن عدي بن عمرو بن طيء، أبو تمام الطائي الشاعر من أهل قرية جاسم من حوران. وكان أبوه أوس نصرانياً. مدح الخلفاء والأمراء فأحسن، وحدث عن جماعة، وكان أسمر طويلا فصيحاً حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة. ولد سنة ثمان وثمانين ومائة، وقيل: سنة تسعين ومائة. حدث عن صهيب بن أبي الصهباء الشاعر، عن الفرزدق همام بن غالب الشاعر، عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الشاعر، عن حسان بن ثابت الشاعر قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حسان، اهجهم وجبريل معك. وقال: إن من الشعر حكمة. وقال: إذا حارب أصحابي بالسلاح، فحارب أنت باللسان. قال أبو بكر الخطيب: حبيب بن أوس شامي الأصل، كان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس الأدباء وأخذ منهم، وكان فطناً فهماً، وكان يحب الشعر، فلم يزل يعاينه حتى قال الشعر فأجاد، وشاع ذكره، وسار شعره، وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه، وهو بسر من رأى، فعمل أبو تمام فيه قصائد عدة، وأجازه المعتصم وقدمه على شعراء وقته، وقدم بغداد فجالس بها الأدباء وعاشر العلماء، وكان موصوفاً بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس. قال يحيى بن صالح أبو الوليد: رأيت أبا تمام الطائي بدمشق غلاماً يعمل مع قزاز، وكان أبوه خماراً بها، وقيل إن أبا تمام هو حبيب بن تدوس النصراني، فغير فصير أوساً.

قال علي بن الجهم: كان الشعراء يجتمعون كل جمعة في القبة المعروفة بهم من جامع المدينة، يتناشدون الشعر، يعرض كل واحد منهم على صاحبه ما أحدث بعد مفارقتهم في الجمعة التي قبلها، فبينا أنا في جمعة من تلك الجمع ودعبل وأبو الشيص وابن أبي فنن مجتمعون، والناس يستمعون إنشاد بعضنا بعضاً، أبصرت شاباً في أخريات الناس جالساً في زي الأعراب وهيئتهم، فلما قطعنا الإنشاد قال لنا: قد سمعت إنشادكم منذ اليوم فاسمعوا إنشادي. قلنا: هات، فأنشدنا: فحواك عين على نجواك يا مذل ... حتام لا يتقضى قولك الخطل فإن أسمج من تشكو إليه هوى ... كمن كان أحسن شيء عنده العذل ما أقبلت أوجه اللذات سافرة ... مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول إن شئت ألا ترى صبراً لمصطبر ... فانظر على أي حال أصبح الطلل ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله في مدح المعتصم: تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل فعقد أبو الشيص عند هذا البيت خنصره، ثم مر فيها إلى آخرها فقلنا: زدنا، فأنشدنا بمدح المأمون: دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الإلمام فأنشدها إلى آخرها، فاستزدناه، فأنشدنا: قدك اتئب أربيت في الغلواء ... كم تعذلون وأنتم سجرائي إلى آخرها. فقلنا له: لمن هذا الشعر؟ قال: لمن أنشدكموه. قلنا: ومن تكون؟ قال: أبو تمام حبيب بن أوس الطائي. فقال له أبو الشيص: تزعم أن هذا الشعر لك وتقول: تغاير الشعر فيه إذ سهرت له ... حتى ظننت قوافيه ستقتتل قال: نعم، لأني سهرت في مدح ملك، ولم أسهر في مدح سوقة، فرفعناه حتى

صار معنا في موضعنا، ولم نزل نتهاداه بيننا، وجعلناه كأحدنا، واشتد إعجابنا به لدماثته وظرفه وكرمه وحسن طبعه وجودة شعره، وكان ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه، ثم تراقت حاله حتى كان من أمره ما كان. قال الحسين بن إسحاق: قلت للبحتري: الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام. قال: والله ما ينفعني هذا القول ولا يضر أبا تمام، والله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كما قالوا، ولكني والله تابع له، لائذ به، آخذ منه، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه. قال أبو العباس عبد الله بن المعتز: حدثت إبراهيم بن المدبر - ورأيته يستجيد شعر أبي تمام ولا يوفيه حقه - بحديث حدثنيه أبو عمرو بن أبي الحسن الطوسي وجعلته مثلاً له، قال: بعثني أبي إلى ابن الأعرابي لأقرأ عليه أشعاراً، وكنت معجباً بشعر أبي تمام، فقرأت عليه من أشعار هذيل، ثم قرأت عليه أرجوزة أبي تمام على أنها لبعض شعراء هذيل: وعاذل عذلته في عذله ... فظن أني جاهل لجهله حتى أتممتها فقال: اكتب لي هذه: فكتبتها له ثم قلت له: أحسنة هي؟ قال: ما سمعت بأحسن منها. قلت: إنها لأبي تمام. قال: خرق خرق. قال ابن المعتز: وهذا الفعل من العلماء مفرط القبح، لأنه يجب ألا يدفع إحسان محسن عدواً كان أو صديقاً، وأن تؤخذ الفائدة من الرفيع والوضيع، فإنه يروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: الحكمة ضالة المؤمن، فخذ ضالتك ولو من أهل الشرك. ويروى عن بزرجمهر قال: أخذت من كل شيء أحسن ما فيه حتى انتهيت إلى الكلب والهر والخنزير والغراب. فقيل له: وما أخذت من الكلب؟ قال: إلفه لأهله وذبه عن حريمه، قيل: فمن الهر؟ قال: حسن مرفقها عند المسألة ولين صياحها. قيل له: فمن الخنزير؟

قال: بكوره في إرادته. قيل له: فمن الغراب؟ قال: شدة حذره. قدم عمارة بن عقيل إلى بغداد، فاجتمع الناس إليه، وكتبوا شعره، وسمعوا منه، وعرضوا عليه الأشعار، فقال له بعضهم: هاهنا شاعر يزعم قوم أنه أشعر الناس طراً، ويزعم غيرهم أنه ضد ذلك. فقال: أنشدوني، فأنشدوه: غدت تستجير الدمع خوف نوى عد ... وعاد قتاداً عندها كل مرقد وأنقذها من عمرة الموت أنه ... صدود فراق لا صدود تعمد فأجرى لها الإشفاق دمعاً مورداً ... من الدم يجري فوق خد مورد هي البدر يغنيها تودد وجهها ... إلى كل من لاقت وإن لم تودد ثم قطع المنشد. فقال له عمارة: زدنا من هذا. فوصل نشيده وقال: ولكنني لم أحو وفراً مجمعاً ... ففزت به إلا بشمل مبدد ولم تعطني الأيام نوماً مسكناً ... ألذ به إلا بنوم مشرد فقال عمارة: لله دره، لقد تقدم في هذا المعنى جميع من سبقه، على كثرة القول فيه حتى تحبب الاغتراب، هيه، فأنشده: وطول مقام المرء بالحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد فقال عمارة: كمل، والله إن كان الشعر بجودة اللفظ، وحسن المعاني واطراد المراد، واستواء الكلام فصاحبكم هذا أشعر الناس، وإن كان بغيره فلا أدري. قال موسى بن حماد: سمعت علي بن الجهم وقد ذكر دعبلاً فكفره ولعنه، وقال: كان قد أغري بالطعن على أبي تمام، وهو خير منه ديناً وشعراً، فقال له رجل: لو كان أبو تمام أخاك ما زاد على كثرة وصفك له، فقال: إلا يكن أخاً بالنسب، فإنه أخ بالأدب والدين والمروءة، أو ما سمعت قوله في طيئ:

حبيب بن أبي حبيب من أهل دمشق

إن يكد مطرف الإخاء فأننا ... نغدو ونسري في إخاء تالد أو يختلف ماء الوصال فماؤنا ... عذب تحدر من غمام واحد أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه فقام الوالد ومن شعر أبي تمام حبيب: رددت إفرند وجهي في صفحتيه ... رد الصقال بماء الصارم الخذم وما أبالي وحر القول أصدقه ... حقنت من ماء وجهي أو حقنت دمي ولد أبو تمام سنة ثمان وثمانين ومئة، ومات سنة إحدى وثلاثين ومئتين ودفن بالموصل، وقيل: ولد سنة تسعين ومئة، ومات سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: مات سنة ثمان وعشرين ومئتين بسر من رأى. وقال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه، وهو حينئذ وزير: نبأ أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقل الأحشاء قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي وقال الحسن بن وهب يرثيه: فجع القريض بخاتم الشعراء ... وغدير روضتها حبيب الطائي ماتا معاً فتجاورا في حفرة ... وكذلك كانا قبل في الأحياء حبيب بن أبي حبيب من أهل دمشق حدث عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: وبلغها أن ابن عمر يحدث عن أبيه: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت: يرحم الله ابن عمر وعمر، والله ما هما بكاذبين ولا متزايدين، ولكنهما وهما، إنما مر

حبيب بن الشهيد

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل من اليهود وهم يبكون على قبره، فقال: إنهم ليبكون عليه، وإن الله يعذبه في قبره. وحدث حبيب بن أبي حبيب الدمشقي عن يزيد الخراساني قال: بينما أنا ومكحول، إذ قال مكحول: يا وهب بن منبه، ما شيء بلغني عنك في القدر؟ قال: والذي اكرم محمداً بالنبوة، لقد اقترأت من الله اثنين وسبعين كتاباً منه ما يسر وما يعلن، ما فيه كتاب إلا وجدت فيه: من أضاف إلى نفسه شيئاً من قدر الله فهو كافر بالله. قال مكحول: الله اكبر. حبيب بن الشهيد أبو مرزوق التجيبي ثم القتيري المصري حدث عن فضالة بن عبيد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا ذات يوم بشربة، فقيل: يا رسول الله، عن هذا يوم كنت تصومه. فقال: أجل، ولكن قئت فأفطرت. وحدث أبو مرزوق مولى تجيب، عن حنش الصنعاني قال: غزونا مر رويفع الأنصاري فافتتحنا قرية يقال لها جربة، فقام خطيباً فقال: إني لا أقول إلا ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يوم خيبر، قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره يعني إتيان الحبالى من الفيء ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي ثيباً حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يبيع مغنماً حتى يقسم، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين، حتى إذا أخلقه رده فيه.

حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان

وحدث محمد بن القاسم المرادي عن أبي مرزوق حبيب بن الشهيد أنه قال لامرأته: لست مني بسبيل البتة. فاختلف عليه العلماء في ذلك، فركب إلى عمر بن عبد العزيز فدينه في ذلك. قال فتيان بن أبي السمح: كان أبو مرزوق حبيب مولى عقبة بن بحرة يفتي أهل أنطابلس وهي برقة، كما يفتي يزيد بن أبي حبيب بمصر. قال ابن الوزير: توفي أبو مرزوق سنة تسع ومئة، وله وفادة على عمر بن عبد العزيز، وكان فقيهاً، وكان ينزل أطرابلس المغرب. حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان ابن أبي الأعيس الخولاني حدث عن أبيه أبي الأعيس قال: الجن والإنس عشرة أجزاء، فالإنس من ذلك جزء، والجن تسعة أجزاء. حبيب بن عبد الملك بن حبيب والد الحسن بن حبيب قال حبيب بن عبد الملك: سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول: كان أبو سليمان زميلي إلى مكة، فذهبت منا الإداوة في طريق مكة، فقلت له: ذهبت الإداوة، فأخرج يده من الخربست، ثم قال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، يا هادي كل ضال ويا راد الضلال، رد علينا ضالتنا، وصل على محمد وعلى آل محمد. فما

حبيب بن قليع

أدخل يده إلى الخربست إذا إنسان يصيح: يا صاحب الإداوة. فقال لي: خذها يا أحمد، إذا سألت الله عز وجل حاجة فابدأ بالصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسل حاجتك، ثم اختم بالصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنهما دعوتان لا يردهما، ولم يكن ليرد ما بينهما. حبيب بن قليع ويقال عمر بن حبيب بن قليع المدني حدث عبد الله بن جعفر عن حبيب بن قليع قال: ضقت بالمدينة ضيقاً شديداً، فكنت أخرج من منزلي بسحر، ولا أرجع إلا بعد ليل، من الدين، فجلست مع ابن المسيب يوماً، فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، إني رأيت في النوم كأني أخذت عبد الملك بن مروان فوتدت في ظهره أربعة أوتاد. قال: ما أنت رأيت ذلك، أخبرني من رآها: قال: أرسلني إليك ابن الزبير بهذه الرؤيا، رآها في عبد الملك. قال: إن صدقت رؤياه قتل عبد الملك ابن الزبير، وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة. فركبت إلى عبد الملك فدخلت عليه في الخضراء، فأخبرته الخبر، فسر وسألني عن ابن المسيب وعن حاله، وسألني عن ديني فقلت أربع مئة، فأمر بها لي من ساعته، وأمر لي بمئة دينار، وحماني طعاماً وزيتاً وكساً، فانصرفت بذلك راجعاً إلى المدينة. وقد روي هذا عن عمر بن حبيب بن قليع. حبيب بن محمد أبو محمد العجمي بصري من الزهاد. قدم الشام، وبها لقي الفرزدق. حدث عن شهر بن حوشب، عن أبي ذر قال: إن الله عزّ وجلّ يقول: " يا جبريل، انسخ من قلب عبدي المؤمن الحلاوة التي كان يجدها، فيصير العبد المؤمن والهاً، طالباً للذي كان يعهد من نفسه، نزلت به مصيبة لم

تنزل به مثلها، فإذا نظر الله إليه على تلك الحال قال: يا جبريل ردّ إلى قلب عبدي ما نسخت منه فقد ابتليته فوجدته صادقاً، وسأمدّه من قبلي بزيادة. وإذا كان عبداً كذاباً لم يكترث ولم يبال ". حدث أبو محمد حبيب، أنه سمع الحسن قال: الأوّاه الذي قلبه معلق عند الله. قال حبيب أبو محمد: رأيت الفرزدق بالشام فقال: قال لي أبو هريرة: إنه سيأتيك قوم يوئسونك من رحمة الله فلا تيأس. قال أبو جعفر السائح: كان حبيب تاجراً يعير الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان يلصّون، فقال بعضهم: قد جاء آكل الربا، فنكس رأسه وقال: يا رب، أفشيت سرّي إلى الصبيان، فرجع فلبس مدرعة من شعر، وغل يده، ووضع ماله بين يديه، وجعل يقول: يا رب، غني أشتري نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله وأخذ في العبادة، فلم ير إلا صائماً أو قائماً أو ذاكراً أو مصلياً، فمر ذات يوم بأولئك الصبيان الذين كانوا عيّروه بأكل الربا، فلما نظروا إلى حبيب قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد، فبكى وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، فكل من عندك. وبلغ من فضله أنه كان يقال: إنه مستجاب الدعاء. وأتاه الحسن هارباً من الحجاج فقال الحسن: يا أبا محمد، احفظني من الشرط على إثري، فقال: استحييت لك يا أبا سعيد، ليس بينك وبين ربك من الثقة ما تدعو فيسترك من هؤلاء، ادخل البيت فدخل، ودخل الشرط على إثره فقالوا: يا أبا محمد، دخل الحسن هاهنا؟ قال: هذا بيتي فادخلوا، فدخلوا فلم يروا الحسن في البيت. وذكروا ذلك للحجاج، فقال: بلى، كان في بيته، ولكن الله طمس على أعينكم فلم تروه. قال عبد الواحد بن زيد: كان في حبيب العجمي خصلتان من خصال الأنبياء: النصيحة والرحمة.

قال عبد الواحد بن زيد: كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد، فجاء رجل فكلم مالكاً فأغلظ له في قسمة قسمها، وقال: وضعتها في غير حقها، وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك، لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى، والله لقد أردته، فجعل مالك يبكي والرجل يغلظ له، فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك، فأرحنا منه كيف شئت. قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتاً فحمل إلى أهله على سرير. وكان يقال: إن أبا محمد مجاب الدعوة. قال الحسن بن أبي جعفر: مرّ الأمير يوماً، فصاحوا: الطريق. ففرج الناس، وبقيت عجوز كبيرة لا تقدر أن تمشي،، فجاء بعض الجلاوزة فضربها بسوط ضربة. فقال حبيب أبو محمد: اللهم اقطع يده. فما لبثنا إلا ثلاثاً حتى مرّ بالرجل قد أخذ في سرقة، فقطعت يده. حدث مسلم أن رجلاً أتى حبيباً أبا محمد فقال: إن لي عليك ثلاث مائة درهم. قال: من أين صارت لك عليّ؟ قال: لي عليك ثلاث مائة درهم. قال حبيب: اذهب إلى غد، فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان هذا صادقاً فأدّ إليه، وإن كان كاذباً فابتله في يده، قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل، وقد ضرب شقّه الفالج فقال: مالك؟ قال أنا الذي جئتك أمس لم يكن لي عليك شيء، وإنما قلت: يستحي من الناس فيعطيني فقال له: تعود؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان صادقاً فألبسه العافية. فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء. قال حبيب: أتانا سائل وقد عجنت عمرة، وذهبت تجيء بنار تخبزه. فقلت للسائل: خذ

العجين. قال: فاحتمله. فجاءت عمرة فقالت: أين العجين؟ فقلت: ذهبوا يخبزونه. فلما أكثرت عليّ أخبرتها، فقالت: سبحان الله، لا بد لنا من شيء نأكله، قال: فإذا رجل قد جاء بجفنة عظيمة مملوءة خبزاً ولحماً. فقالت عمرة: ما أسرع ما ردوه عليك، قد خبزوه وجعلوا معه لحماً. قال ابن المبارك: كان حبيب العجمي يضع كيسه خالياً، فيجده ملآن. قال السّري بن يحيى: كان حبيب أبو محمد يرى بالبصرة عشية التروية، ويرى بعرفات عشية عرفات. قال جعفر بن سليمان: سمعت حبيباً يقول: أتى زوّر لنا وقد طبخنا سمكاً وكنا نريد أن نأكله، فأبطأ الزوّر في القعود، فلما قام قلت لعمرة: هاتي حتى نأكله، قال: فجاءت به فإذا هو دم عبيط، فألقيناه في الحشّ. قال عبد العزيز بن محمد: مرّ حبيب بمصلوب بالبصرة، فوقف عنده فقال: بأبي ذلك اللسان الذي كنت تقول: لا إله إلا الله، اللهم هب لي دينه. قال: وكان صلب ووجهه إلى الشرق، فأصبحت خشبته قد استدارت إلى القبلة. قال داود بن رشيد: قيل لحبيب الفارسي في مرضه الذي مات فيه: ما هذا الجزع الذي ما كنا نعرفه منك! فقال: سفري بعيد بلا زاد، وينزل بي في حفرة من الأرض موحشة بلا مؤنس وأقدم على ملك جبار قد قدم إلى العذر. قال عبد الواحد بن زيد: إن حبيباً أبا محمد جزع جزعاً شديداً عند الموت، فجعل يقول بالفارسية: أريد أن أسافر سفراً ما سافرته قط، أريد أن أسلك طريقاً ما سلكته قط، أريد أن أزور سيّدي ومولاي ما رأيته قط، أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط، أريد أن أدخل تحت التراب، فأبقى إلى يوم القيامة، ثم أوقف بين يدي الله عز وجل، فأخاف أن يقول

حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر

لي: يا حبيب، هات تسبيحة واحدة سبحتني في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء. فماذا أقول وليس لي حيلة؟ أقول: يا رب هو ذا، قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي. قال عبد الواحد: هذا عبد الله ستين سنة مشتغلاً به، ولم يشتغل من الدنيا بشيء قط. فأي شيء يكون حالنا! واغوثاه يا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر ابن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن أبو عبد الرحمن ويقال أبو مسلمة ويقال أبو سلمة الفهري صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد صفين مع معاوية. قال حبيب بن مسلمة: شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الربع في البداءة، والثلث في الرجعة. وأنكر بعض العلماء أن يكون حبيب بن مسلمة غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقولون: إنه كان في غزاة تبوك، وهي آخر غزاة غزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحبيب بن مسلمة ابن اثنتي عشرة سنة. وعن حبيب بن مسلمة: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمدينة، فأدركه أبوه فقال: يا نبي الله، يدي ورجلي. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك. قال: فهلك في تلك السنة. روى عبد الله بن أبي مليكة: أن حبيب بن مسلمة قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة غازياً، وأن أباه أدركه بالمدينة، فقال مسلمة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نبي الله، إني ليس لي ولد غيره، يقوم في مالي وضيعتي وعلى أهل بيتي، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رده معه. وقال: لعلك أن يخلو لك وجهك في عامك، فارجع يا حبيب مع أبيك. فرجع، فمات مسلمة في ذلك العام، وغزا حبيب فيه.

وكان يقال له: حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم وجهاده لهم، ومات بالشام، ويقال بأرمينية، سنة اثنتين وأربعين، وكان يجول، ونزل بالشام، ولم يزل مع معاوية بن أبي سفيان في حروبه في صفين وغيرها، ووجهه إلى أرمينية والياً عليها، فمات بها سنة اثنتين وأربعين، ولم يبلغ خمسين سنة. قال مكحول: سألت الفقهاء: هل كانت لحبيب صحبة؟ فلم يثبتوا ذلك. وسألت قومه، فأخبروني أنه قد كانت له صحبة. حدث سعيد بن عبد العزيز: أن حبيب بن مسلمة كان يلي الصوائف في خلافة عمر بن الخطاب، ويبلغ عمر عنه ما يحب، فلم يكن عمر يثبته معرفة، حتى قدم عليه حبيب في حجة، فسلم عليه، فقال له عمر: إنك لفي قناة رجل، قال: إني والله وفي سنانه. قال عمر: افتحوا له الخزائن فليأخذ ما شاء، قال: ففتحوها له، فعدل عن الأموال وأخذ السلاح. حدث سعيد بن عبد العزيز: أن حبيب بن مسلمة كان يلي الصوائف في خلافة عمر بن الخطاب، ويبلغ عمر عنه ما يحب، فلم يكن عمر يثبته معرفة، حتى قدم عليه حبيب في حجة، فسلم عليه، فقال له عمر: إنك لفي قناة رجل، قال: إني والله وفي سنانه. قال عمر: افتحوا له الخزائن فليأخذ ما شاء، قال: ففتحوها له، فعدل عن الأموال وأخذ السلاح. حدث سعيد بن عبد العزيز: أنه بلغ الروم مكان حبيب بن مسلمة والمسلمين بإرمينية الرابعة في ستة آلاف من المسلمين، فوجهوا إليهم موريان الرومي في ثمانين ألفاً، فبلغ ذلك حبيباً، فكتب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى عثمان، فكتب عثمان إلى صاحب الكوفة يمده، فأمده بسلمان الباهلي في ستة آلاف، وأبطأ على حبيب المدد، ودنا منه موريان الرومي، فخرج مغتماً بلقاه ومكيدته، فغشي عسكره وهم يتحدثون على نيرانهم، إذ سمع قائلاً يقول لأصحابه: لو كنت ممن يسمع حبيب مشورته لأشرت عليه بأمر، يجعل الله لنا ولدينه نصراً وفرجاً إن شاء الله، فاستمع حبيب لقوله فقال أصحابه: وما مشورتك؟ قال: كنت مشيراً عليه ينادي في الخيول يتقدمها، ثم يرتحل بعسكره يتبع خيله فتوافيهم الخيل في جوف الليل، وينشب القتال، ويأتيهم حبيب بسواد عسكره مع الفجر، فيظنون أن المدد قد جاءهم فيرعبهم الله، فيهزمهم بالرعب. فانصرف ونادى في الخيول فوجهها في ليلة مقمرة

مطيرة، فقال: اللهم خل لنا قمرها، واحبس عنا مطرها، واحقن لي دماء أصحابي، واكتبهم عندك شهداء. قال سعيد: فحبس الله عنهم مطرها، وخلى لهم قمرها، ووافقهم من السحر. قال سعيد: وتواعد عتبة بن جحدم والجلندح العبسي حجرة موريان، فشدا ووجدا قتيلين على باب حجرة موريان. وفي حديث آخر: أن المدد ساروا يريدون غياث حبيب مع سلمان بن ربيعة الباهلي، فلم يبلغوهم حتى لقي حبيب وأصحابه العدو، ففتح الله لهم، فلما قدم سلمان وأصحابه على حبيب، سألوهم أن يشركوهم في الغنيمة، وقالوا: قد أمددناكم، وقال أهل الشام: لم يشهدوا القتال، فليس لكم معنا شيء، فأبى حبيب أن يشركهم، وحوى هو وأصحابه على غنيمتهم، فتنازع أهل الشام وأهل العراق، حتى كاد يكون بينهم في ذلك كون، فقال بعض أهل العراق: إن تقتلوا سلمان تقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل قال أبو بكر بن أبي فهم: سمعت من يقول: فهي أول عداوة وقعت بين أهل الشام وبين أهل العراق. وكان حبيب بن مسلمة يستحب إذا لقي عدواً أو ناهض حصناً قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وإنه ناهض يوماً حصناً فانهزم الروم، فقالها المسلمون، فانصدع الحصن. وعن حبيب بن مسلمة الفهري، وكان مستجاباً أنه أمر على جيش بدرب الدروب. فلما لقي العدو قال للناس: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله. ثم إنه حمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: اللهم أحقن دماءنا، واجعل أجورنا أجور الشهداء. فبيناهم على ذلك إذ نزل الهنباط، أمير العدو فدخل على حبيب سرادقه. قال الطبراني: الهنباط بالرومية: صاحب الجيش. وكان حبيب رجلاً تام البدن.

حبيب الأعور

قال الأسود بن قيس: لقي الحسن بن علي حبيب بن مسلمة فقال له: يا حبيب، رب مسير لك في غير طاعة الله. فقال: أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك. قال: بلى، ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة، فلئن كان قام بك في دنياك، لقد قعد بك في دينك، ولو كنت إذ فعلت سراً قلت خيراً، كان ذلك كما قال الله عز وجل: " خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً "، ولكنك كما قال الله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ". دخل الضحاك بن قيس على حبيب بن مسلمة في مرضه الذي قبض فيه، فقال: ما كان بدء مرضك؟ قال: دخلت الحمام فأوتيت غفلة، فجعلت على نفسي ألا أخرج منه حتى أذكر الله كذا وكذا مرة، فمرضت. ومات حبيب هو وعمرو بن العاص في عام واحد، فقال معاوية لامرأته قرظة وغيرها: قد كفاني الله مؤنة رجلين، أما أحدهما فكان يقول الإمرة الإمرة، وأما الآخر فكان يقول السنة السنة يعني حبيب بن سلمة. حبيب الأعور مولى عروة بن الزبير الأسدي حدث عن مولاه عروة بن الزبير، عن أبي مراوح الغفاري عن أبي ذر قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله وجهاد في سبيله. قال: فأي العتاقة أفضل قال أنفسها. قال: أفرأيت إن لم أجد؟ قال: فتعين الضائع أو تصنع لأخرق. قال: أفرأيت إن لم أستطع؟ قال: فدع الناس من شرك، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك. قال حبيب: أراني عروة قاتل عبد الله بن الزبير في عسكر الوليد، قتله واحتز رأسه، فجاء إلى

حبيب المؤذن

الحجاج فأوفدهما إلى عبد الملك، فأعطى كل واحد منهما خمس مئة دينار، وفرض لكل واحد منهما في كل سنة مئتي دينار. حبيب المؤذن كان يؤذن في مسجد سوق الأحد. حدث حبيب المؤذن في مسجد ابن أبي الخليل في سوق الأحد، عن أبي زياد الشعباني وأبي أمية الشعباني قالا: كنا بمكة فإذا رجل في ظل الكعبة، فإذا هو سفيان الثوري، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ قال: بمئة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بخمسين ألف صلاة. قال: في مسجد بيت المقدس؟ قال: بأربعين ألف صلاة. قال: في مسجد دمشق؟ قال: بثلاثين ألف صلاة. حبيش بن دلجة القيني أحد وجوه أهل الشام. شهد صفين مع معاوية، وكان على قضاعة الأردن يومئذ، وولاه يزيد بن معاوية على أهل الأردن، يوم وجههم إلى الحرة من زيزا - قرية من قرى البلقاء من كورة دمشق - وكان في أهل الشام جليلاً، وكان قد قدم عند مروان قدم صدق، فدخل به يوماً على مروان وكان يجلسه على السرير معه، فرأى روح بن زنباع في موضعه من السرير معه، فأمر حملته ألا يضعوه وقال: إن رددتم علينا موضعنا وإلا انصرفنا عنكم. قال مروان: مهلاً فإن لأبي زرعة مثل سنك، وبه مثل علتك - يعني النقرس - فقال حبيش: أوله مثل يدي عندك؟ قال: وله مثل يدك عندي، إلا أن يده غير مكدرة بمن. قال: إني لأظنك يا مروان أحمق. قال: أظن أيها الشيخ ظننته أم يقين استيقنته؟ قال: بل ظن ظننته. قال: فإن أحمق ما يكون الشيخ إذا أعجب بظنه.

قال صالح بن حسان البصري: رأيت حبيش بن دلجة على منبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل من مكتله تمراً، ويطرح نواه في وجوه القوم. وقال: والله إني لأعلم أنه ليس بموضع أكل، ولكنني أحببت أن أذلكم لخذلانكم لأمير المؤمنين. قال ابن دريد: وهو أول أمير أكل على المنبر، منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال علي بن محمد: إن الذي قتل حبيش بن دلجة يوم الربذة يزيد بن سياه الأسواري، رماه بنشابه فقتله، فلما دخلوا المدينة وقف يزيد بن سياه على برذون أشهب وعليه ثياب بياض، فما لبث أن اسودت ثيابه مما مسح الناس به، ومما صبوا عليه من الطيب. قالوا: وبايع أهل الشام مروان بن الحكم فسار إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو في طاعة ابن الزبير يدعو له، فلقيه بمرج راهط فقتله وفض جمعه، ثم رجع فوجه حبيش بن دلجة القيني في ستة آلاف وأربع مئة إلى ابن الزبير، فسار حتى نزل بالجرف في عسكره، ودخل المدينة، فنزل في دار مروان، دار الإمارة، واستعمل على سوق المدينة رجلاً من قومه يدعى مالكاً، وأخاف أهل المدينة خوفاً شديداً، وآذاهم، وجعل يخطبهم فيشتمهم ويتوعدهم، وينسبهم إلى الشقاق والنفاق والغش لأمير المؤمنين. فكتب عبد الله بن الزبير إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وهو واليه على البصرة أن يوجه إلى المدينة جيشاً، فبعث الحنيف بن السجف التميمي في ثلاثة آلاف، فخرجوا ومعهم ألف وخمس مئة فرس وبغال وحمولة، وبلغ الخبر حبيش بن دلجة فقال: نخرج من المدينة فنلقاهم، فإنا لا نأمن أهل المدينة أن يعينوهم علينا فخرج، وخلف على المدينة ثعلبة الشامي، فالتقوا بالربذة عند الظهر، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل حبيش بن دلجة، وقتل من أصحابه خمس مئة، وانهزم الباقون أسوأ هزيمة، ففرح أهل المدينة بذلك، وقدم الأسارى فحبسوا في قصر حل، فوجه إليهم عبد الله بن الزبير مصعب بن الزبير، فضرب أعناقهم جميعاً. قال أبو يزيد المديني: خرج حبيش بن دلجة، قلنا: هذا الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء، جيش حبيش بن دلجة. وقتل حبيش بن دلجة في سنة خمس وستين.

حبيش بن عمر أبو المنهال

حبيش بن عمر أبو المنهال من أهل دمشق، طباخ المهدي. حدث عن أبي عمرو الأوزاعي، عن أبي معاذ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس ". حبيش بن محمد بن حبيش أبو القاسم الموصلي حدث عن علي بن موسى السمسار، بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة قال: سالت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صومه فقال: " ثلاثة عشرة وأربعة عشر وخمسة عشر ". وسألته عن الصلاة بالليل فقال: " ثمان ركعات وأوتر بثلاث ". فقلت: ما تقرأ فيها؟ فقال: " سبح اسم ربك الأعلى " و" قل يا أيها الكافرون " و" قل هو الله أحد ". الحجاج بن الريان حدث الحجاج بن الريان في سنة أربع وستين ومئتين - وفيها مات - بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: يخرج رجل من ولد حسن من قبل المشرق، ولو استقبل به الجبال لهدها، فلا يجد فيها طريقاً.

الحجاج بن سهل الدمشقي

الحجاج بن سهل الدمشقي قال حجاج بن سهل: كان لي أخ، وكنا في بلاد الروم في الشتاء، فقال لي: اشتهت نفسي عنباً. فقلت له: من أين! فإذا بصخرة مملوءة عنباً. حدث حجاج بن سهل عن إبراهيم بن أدهم قال: قلت لمحمد بن كثير وعلي بن بكار: تريان ألا أرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء، أو يكون ثم فضلة، فإن كان سقم أو فتنة أغلقت علي بأبي، وأكلت من تلك الفضلة، واستغنيت بها عن مأكلة السوء؟ فقالا: إن الذي يعرفك في الصحة، هو الذي يعرفك في السقم، والذي يعرفك في الرخاء، يعرفك في الشدة. قال: فلقيت أبا إسحاق الفزاري ويوسف بن أسباط فقلت لهما: ما تريان لي، لا أرفع غداء لعشاء وعشاء لغداء، أو يكون ثم فضلة، فإن كان سقم أو فتنة أغلقت علي بابي، وأكلت من تلك الفضلة، واستغنيت بها عن مأكلة السوء؟ فقالا لي: بل يكون ثم فضلة. قال: فقلت لهما: الذي يعرفني في الصحة هو يعرفني في السقم، والذي يعرفني في الرخاء هو يعرفني في الشدة. قال: فقال لي يوسف: يا بن أدهم أين تذهب؟ أخبرني عن شيء أسألك عنه. قال: قلت: سل عما بدا لك. قال: فهل أصبحت في دهرك تحدث نفسك بالصيام، فغلبتك نفسك فأفطرت؟ قال: قلت: قد كان ذلك. قال: فنفسك في الرخاء غلبتك، فهي في الشدة أغلب. قال: فرجعت إلى قول يوسف. الحجاج بن عبد الله ويقال ابن سهيل النصري قيل إن له صحبة. حدث الحجاج بن عبد الله النصري قال: النفل حق، نفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الحجاج بن علاط بن خالد بن ثويرة

حدث مكحول قال: لما كان يوم بدر قاتلت طائفة من المسلمين، وثبتت طائفة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجاءت الطائفة التي قاتلت بالأسلاب وأشياء أصابوها، فقسمت الغنيمة بينهم، ولم تقسم للطائفة التي لم تقاتل، فقالت الطائفة التي لم تقاتل: اقسموا لنا فأبت، وكان بينهم في ذلك كلام، فأنزل الله عز وجل: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم "، فكان صلاح ذات بينهم أن ردوا الذي كانوا أعطوا ما كانوا أخذوا. قال مكحول: حدثني بهذا الحديث الحجاج بن سهيل النصري، فما منعني أن أسأله عن إسناده إلا هيبته. الحجاج بن علاط بن خالد بن ثويرة ابن جسر بن هلال بن عبد بن ظفر بن سعد بن عمرو بن تيم بن بهز بن امرئ القيس بن بهثة ابن سليم أبو كلاب ويقال أبو محمد ويقال أبو عبد الله السلمي ثم البهزي له صحبة، وأسلم عام خيبر. عن أنس قال: لما افتتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر قال الحجاج بن علاط: يا رسول الله: إن لي بمكة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وإني أريد أن آتيهم، أفأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئاً؟ فأذن له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول ما شاء. فأتى امرأته حين قدم فقال: اجمعي لي ما كان عندك، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم. قال: وفشا ذلك بمكة فانقمع المسلمون، وأظهر المشركون فرحاً وسروراً، قال:

وبلغ الخبر العباس عليه السلام فعقر، وجعل لا يستطيع أن يقوم، قال: فأخذ ابناً له يقال له: قثم، واستلقى، فوضعه على صدره وهو يقول: حبي قثم، شبيه ذي الأنف الأشم نبي ذي النعم، برغم من رغم قال أنس: ثم أرسل غلاماً له إلى الحجاج بن علاط: ويلك ما جئت به، وماذا تقول؟! فما وعد الله تبارك وتعالى خير مما جئت به. قال الحجاج بن علاط لغلامه: اقرأ على أبي الفضل السلام، وقل له: فليخل لي في بعض بيوته لآتيه، فإن الخبر على ما يسره. فجاء غلامه. فلما بلغ باب الدار قال: أبشر يا أبا الفضل، قال: فوثب العباس فرحاً حتى قبل بين عينيه، فأخبره ما قال الحجاج، فأعتقه، قال: ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد افتتح خيبر، وغنم أموالهم، وجرت سهام الله عز وجل في أموالهم، واصطفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية بنة حيي فاتخذها لنفسه، وخيرها أن يعتقها وتكون زوجته أو تلحق بأهلها، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته. ولكني جئت لمال كان لي هاهنا، أردت أن أجمعه فأذهب به، فاستأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن لي أن أقول ما شئت، فأخف عني ثلاثاً، ثم اذكر ما بدا لك. قال: فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي أو متاع فجمعته، فدفعته إليه، ثم انشمر به؛ فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال: ما فعل زوجك؟ فأخبرته أنه قد ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يخزيك الله يا أبا الفضل، لقد شق علينا الذي بلغك. قال: أجل لا يخزيني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله خيبر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجرت فيها سهام الله عز وجل، واصطفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به، وقالت: أظنك والله صادقاً. قال: فإني صادق والأمر على ما أخبرتك، ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش، وهم يقولون إذا مر بهم:

لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل. قال: لم يصبني إلا خير بحمد الله، قد أخبرني الحجاج بن علاط أن خيب فتحها الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجرت فيها سهام الله واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثاً، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء هاهنا ثم يذهب، قال: فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من كان دخل بيته مكتئباً حتى أتوا العباس عليه السلام فأخبرهم الخبر فسر المسلمون، ورد الله من كان من كآبة أوغيظ أو حزن على المشركين. قال واثلة بن الأسقع: كان إسلام الحجاج بن علاط البهزي ثم السلمي، أن خرج في ركب من قومه يريد مكة، فلما جن عليهم الليل وهم في واد وحش مخيف قفر، فقال له أصحابه: يا أبا كلاب، قم فاتخذ لنفسك ولأصحابك أماناً، فقام الحجاج فجعل يطوف حولهم ويكلؤهم ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي ... من كل جني بهذا النقب حتى أؤوب سالماً وركبي قال: فسمع صوت قائل يقول: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ولا تنفذون إلا بسلطان " قال: فلما قدموا مكة خبر بذلك في نادي قريش فقالوا: صدقت والله يا أبا كلاب، إن هذا مما يزعم محمد أنه أنزل عليه. قال: قد والله سمعته وسمعه هؤلاء معي، فبينا هم كذلك إذ جاء العاص بن وائل فقالوا له: يا أبا هشام، أما تسمع ما يقول أبو كلاب! قال: وما يقول؟ فخبروه بذلك. فقال: وما يعجبكم من ذلك، إن الذي سمع هناك هو الذي ألقاه على لسان محمد، فنهنه ذلك القوم عني، ولم يزدني في الأمر إلا بصيرة، فسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرت أنه قد خرج من مكة إلى المدينة، فركبت راحلتي وانطلقت حتى أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فأخبرته بما سمعت فقال: " سمعت والله الحق، هو والله من كلام ربي عز وجل الذي أنزل علي، ولقد سمعت حقاً يا أبا كلاب "، فقلت: يا رسول الله، علمني الإسلام. فشهدني كلمة الإخلاص وقال: سر إلى قومك فادعهم إلى مثل ما أدعوك إليه، فإنه الحق.

الحجاج بن يوسف بن الحكم

ونزل الحجاج بن علاط حمص ومنزله بها، وهي الدار المعروفة بدار الخالديين. وهو أبو نصر بن حجاج صاحب المتمنية التي قالت فيه: هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أو هل سبيل إلى نصر بن حجاج وهو أول من بعث بصدقته إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من معدن بني سليم، عداده في أهل الحجاز. والحجاج مدفون بقاليقلا من أرض الروم. الحجاج بن يوسف بن الحكم ابن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف واسمه قسيّ بن منبه بن بكر بن هوازن أبو محمد الثقفي ولاه عبد الملك الحجاز فقتل ابن الزبير: وعزله عنها وولاه العراق، وقدم دمشق وافداً على عبد الملك، وكانت له بدمشق آدر، منها دار الزاوية التي بقرب قصر ابن أبي الحديد. قال قتيبة بن مسلم: خطبنا الحجاج بن يوسف فذكر القبر فما زال يقول: إنه بيت الوحدة وبيت الغربة حتى بكى وأبكى من حوله، ثم قال: سمعت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان يقول: سمعت مروان يقول في خطبته: خطبنا عثمان بن عفان فقال في خطبته: ما نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبر وذكره إلا بكى.

قال مالك بن دينار: دخلت يوماً على الحجاج فقال لي: يا أبا يحيى، ألا أحدثك بحديث حسن عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: بلى، فقال: حدثني أبو بردة، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كانت له إلى الله حاجة فليدع بها دبر صلاة مفروضة. قال أبو موسى بن أبي عبد الرحمن: أخبرني أبي قال: أبو محمد، حجاج بن يوسف الثقفي ليس بثقة ولا مأمون. ولد الحجاج بن يوسف سنة تسع وثلاثين، وقيل سنة أربعين، وقيل سنة إحدى وأربعين. حدث محمد بن إدريس الشافعي قال: سمعت من يذكر أن المغيرة بن شعبة نظر إلى امرأته وهي تتخلل من أول النهار فقال: والله لئن كانت باكرت الغداء إنها لرغيبة، وإن كان شيء بقي من فيها من البارحة إنها لقذرة، فطلقها فقالت: والله ما كان شيء مما ذكرت، ولكنني باكرت ما تباكره الحرّة من السواك، فبقيت شظية في فيّ، قال: فقال المغيرة بن شعبة ليوسف أبي الحجاج بن يوسف: تزوجها، فإنها لخليقة أن تأتي بالرجل يسود، فتزوجها، قال الشافعي: فأخبرت أن أبا الحجاج لما بنى بها واقعها فنام، فقيل له في النوم: ما أسرع ما ألقحت بالمبير. حدث ابن حمدان عن أبيه قال: دخل الحجاج خربة فدعاني، فقال: أفرغ علي من الإداوة فأفرغت عليه، فإذا عضيدتان وجنيبان. قال ابن عون: كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ، عرفت أنه طالما درس القرآن. قال أبو محمد الحناني: عملناه - يعني تجزئة القرآن في أربعة أشهر - وكان الحجاج يقرأه في كل ليلة.

قال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أحداً أفصح من الحسن ومن الحجاج. فقيل: فأيهما كان أفصح؟ قال: الحسن. قال عتبة بن عمرو: ما رأيت عقول الناس إلا قريباً بعضها من بعض، إلا الحجاج وإياس بن معاوية، فإن عقولهما كانت ترجح على عقول الناس. حدث عبد الله بن كثير ابن أخي إسماعيل بن جعفر المديني: أن الحجاج بن يوسف صلى مرة إلى جنب سعيد بن المسيب. قال: فجعل يرفع قبل الإمام ويضع قبله، فلما سلم الإمام أخذ سعيد بثوب الحجاج، قال: وسعيد في شيء من الذكر كان يقوله بعدما يصلي، قال: فجعل الحجاج يجاذبه عن ثوبه ليقوم فينصرف، قال: وسعيد يجذبه ليجلسه، حتى فرغ سعيد مما كان يقول من الذكر، قال: ثم جمع بين نعليه فرفعهما على الحجاج وقال: يا سارق، يا خائن، تصلي هذه الصلاة! لقد هممت أن أضرب بهما وجهك قال: ثم مضى الحجاج وكان حاجاً، ففرغ من حجه ورجع إلى الشام، ثم رجع والياً على المدينة، فلما دخلها مضى كما هو إلى المسجد قاصداً نحو مجلس سعيد بن المسيب، فقال الناس ما جاء إلا لينتقم منه، قال: فجاء فجلس بين يدي سعيد فقال له: أنت صاحب الكلمات؟ قال: فضرب سعيد صدر نفسه بيده وقال: أنا صاحبها. فقال له الحجاج: جزاك الله من معلم ومؤدب خيراً، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك، ثم قام فمضى. حدث سفيان فقال: كانوا يرمون بالمنجنيق من أبي قبيس وهم يرتجزون ويقولون: خطارة مثل الفنيق المزبد ... أرمي بها عواذ هذا المسجد قال: فجاءت صاعقة فأحرقتهم، فامتنع الناس من الرمي فخطبهم الحجاج فقال:

ألم تعلموا أن بني إسرائيل كانوا إذا قربوا قرباناً، فجاءت نار فأكلتها علموا أنه قد تقبل منهم، وإن لم تأكلها قالوا: لم تقبل. قال: فلم يزل يخدعهم حتى عادوا فرموا. قال عطاء بن أبي رباح: كنت مع ابن الزبير في البيت، فكان الحجاج إذا رمى ابن الزبير بحجر وقع الحجر على البيت، فسمعت للبيت أنيناً كأنين الإنسان: أوه. روي عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء قال: لما قتل الحجاج بن يوسف ابن الزبير ارتجت مكة بالبكاء، فأمر الناس فجمعوا في المسجد، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال بعقب حمد ربه: يا أهل مكة، بلغني إكثاركم واستفظاعكم قتل ابن الزبير، ألا وإن ابن الزبير كان من أخيار هذه الأمة، حتى رغب في الخلافة ونازع فيها أهلها، فخلع طاعة الله واستكن بحرم الله، ولو كان شيء مانع للعصاة لمنعت آدم حرمة الجنة، لأن الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وأباحه كرامته وأسكنه جنته، فلما أخطأ أخرجه من الجنة بخطيئته، وآدم على الله أكرم من ابن الزبير، والجنة أعظم حرمة من الكعبة. اذكروا الله يذكركم. وعن أبي الصديق الناجي: أن الحجاج بن يوسف دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله بن الزبير فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم، وفعل به وفعل. فقالت: كذبت كان براً بالوالدين، صواماً قواماً، والله لقد أخبرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سيخرج من ثقيف كذابان الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير. وفي رواية أنها قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يخرج من ثقيف رجلان، مبير وكذاب، فأما الكذاب فابن أبي عبيد - يعني المختار - وأما المبير فأنت. قال سعد بن حذافة: خطبنا الحجاج في الجمعة الثانية من مقتل ابن الزبير فقال: الحمد لله الرافع

للمتواضعين، الواضع للمتكبرين، وصلى الله على خير رسول دل على خير سبيل، أيها الناس، إن الراعي مسؤول عن رعيته، فإن أحسن فله، وإن أساء فعليه، وأنه يخيل إلي أنكم لا تعرفون حقاً من باطل، وإني أسألكم عن ثلاث خصال، فإن أجبتم عنها وإلا ضربت عليكم خمس الجزية، وكنتم لذلك مستأهلين. أسألكم عن شيء لا يستغني عنه شيء، وعن شيء لا يعرف إلا بكنيته، وعن والد لا والد له فقام إليه جبير بن حية الثقفي فقال: لولا عزمتك أيها الأمير لم أجبك. أما الشيء الذي لا يستغني عنه شيء فالاسم، لأن الله خلق الأشياء فجعل لكل شيء اسماً يدعى به ويدل عليه. وأما الشيء الذي لا يعرف إلا بكنيته فأم الحبين. وأما الولد الذي لا والد له فعيسى بن مريم. قال: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا جبير بن حية الثقفي. قال: الآن ضل صوابك، ما بطأ بك عني مع قرب قرابتك؟ قال: أيها الأمير، إنك لا تبقي لقومك ولا يدوم عزك، لأن الدهر دول ولا نحب أن نصيب اليوم ما يصاب منا مثله في غد. قال: فأمر له بجائزة. روى نافع: أن ابن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج، فصلى مع الحجاج. قال مكحول الأزدي: شهدت الحجاج بمكة فخطب الناس يوم جمعة، حتى كاد أن يذهب وقت الصلاة. فقام ابن عمر فقال: أيها الناس، قوموا لصلاتكم فقال الناس، فنزل الحجاج فصلى، فلما فرغ قال: من هذا؟ قال: قالوا: ابن عمر. قال: لولا أن به لمماً لعاقبته. وفي رواية: فنزل الحجاج فصلى ثم دعا به فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: إنما تجيء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصل الصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة. قال القعقاع بن المهلب: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير غير كتاب الله، فقال ابن عمر: ما له سلطه الله على ذلك ولا أنت معه، ولو شئت أن أقول: كذبت، لفعلت.

وعن عبد الله بن جعفر: أنه زوج ابنته من الحجاج بن يوسف فقال لها: إذا دخل بك فقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، وزعم أن رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا حزبه أمر قال هذا. قال حماد: فظننت أنه قال، فلم يصل إليها. قال محمد بن إدريس الشافعي: لما تزوج الحجاج بن يوسف ابنة عبد الله بن جعفر قال خالد بن يزيد بن معاوية لعبد الملك بن مروان: أتركت الحجاج يتزوج ابنة عبد الله بن جعفر؟ قال: نعم، وما بأس بذلك؟ قال: أشد البأس والله. قال: وكيف؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لقد ذهب ما في صدري على ابن الزبير منذ تزوجت رملة بنت الزبير، قال: فكأنه كان نائماً فأيقظه قال: فكتب إليه يعزم عليه في طلاقها فطلقها. قال سعيد بن أبي عروبة: حج الحجاج، ونزل بعض المياه بين مكة والمدينة، ودعا بالغداء فقال لحاجبه: انظر من يتغدى معي، وأسأله عن بعض الأمر، فنظر نحو الجبل فإذا هو بأعرابي بين شملتين من شعر، نائم، فضربه برجله وقال: ائت الأمير، فأتاه. فقال له الحجاج: اغسل يدك وتغد معي، فقال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله تبارك وتعالى، دعاني إلى الصوم فصمت. قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم، صمت ليوم هو أشد حراً من هذا اليوم، قال: فأفطر، وتصوم غداً. قال: إن ضمنت لي البقاء إلى غد. قال: ليس ذلك إلي. قال: فكيف تسألني عاجلاً بآجل لا تقدر عليه! قال: إنه طعام طيب؛ قال: لم تطيبه أنت ولا الطباخ، ولكن طيبته العافية. قال عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي عن أبيه قال: كان الحجاج عاملاً لعبد الملك على مكة، فكتب إليه بولايته على العراق، قال: فخرج وخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب، فلما كنا بماء قريب من الكوفة نزل، فاختضب وتهيأ، وذلك في يوم جمعة، ثم راح معتماً قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه، متقلداً سيفه حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة، وقد أذن المؤذن بالأذان الأول لصلاة الجمعة، وخرج عليهم الحجاج وهم لا يعلمون، فجمع بهم، ثم صعد المنبر فجلس عليه،

فسكت وقد اشرأبوا إليه وجثوا على الركب، وتناولوا الحصى ليقذفوه بها ويخرجوه عنهم - قال: وقد كانوا حصبوا عاملاً قبله فخرج عنهم - فسكت سكتة أبهتهم بها، وأحبوا أن يسمعوا كلامه. قال: فكان بدء كلامه أن قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتيكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي وأن يبتليني بكم، فأجاب دعوتي. ألا إني أسريت البارحة، فسقط مني سوطي فاتخذت هذا، - وأشار إليهم بسيف مكانه - فوالله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن ولأفعلن. قال يزيد: حتى رأيت الحصى متساقطاً من بين أيديهم. قال: قوموا إلى بيعتكم. فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع فيقول: من؟ فتقول: بنو فلان. حتى جاءته قبيلة قال: ومن؟ قالوا: النخع. قال: منكم كميل بن زياد؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل؟ قالوا: أيها الأمير، شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتى تأتوني به، قال: فأتوه به منعوشاً في سرير، حتى وضعوه إلى جانب المنبر. فقال: ألا إنه لم يبق ممن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع فضرب عنقه. قال أبو بكر الهذلي: حدثني من شهد الحجاج بن يوسف حين قدم العراق، فبدأ بالكوفة قبل البصرة، ونودي للصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد والحجاج يتقلد قوساً عربية، وعليه عمامة خز حمراء متلثماً، فقعد وعرض القوس بين يديه، ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد. فقال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت أنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفاً من حصى، أردت أن أضرب به وجهه، قال: فقام فوضع نقابه، وتقلد قوسه، وقال: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني إني لأرى رؤوساً قد أينعت، وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائمواللحى. ليس بعشك فادرجي قد شمرت عن ساقها فشمري

قد لفها الليل بسواق حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر وضم قد لفها الليل بعصلبي ... مهاجر ليس بأعرابي إني والله ما أغمز غمز التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وفتشت عن تجربة، وجريت من الغاية. فإنكم يا أهل العراق طالما أوضعتم في الضلالة، وسلكتم سبيل الغواية، أما والله لألحينكم لحي العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، ألا إن أمير المؤمنين نكب كنانته بين يديه، فعجم عيدانها فوجدني أمرها عوداً، وأصلبها مكسراً، فوجهني إليكم، فاستقيموا ولا يميلن منكم مائل، واعلموا أني إذا قلت قولاً وفيت به. من كان من بعث المهلب فليلحق به، فإني لا أجد أحداً بعد ثالثة إلا ضربت عنقه، وإياي وهذه الزرافات، فإني لا أجد أحداً يسير في زرافة إلا سفكت دمه، واستحللت ماله. ثم نزل. قال محمد بن صالح الثقفي وغيره: فأتاه عمير بن ضابئ بعد ثالثة معه ابنه فقال: هذا ابني، هذا أشد بني تميم يداً وبطشاً وظهراً، وأعدّهم سلاحاً، وأنا شيخ كبير، وهو خير لك مني قال: صدقت، من يشهد على تزمينك؟ فقام قوم فشهدوا أن بشراً أزمنه؛ وأخذ عطاءه، وقال: إنك لمعذور، ولكني أكره أن أطمع الناس فيّ، أنت بعد ابن ضابىء قاتل عثمان، فأنت كأبيك فأمر بقتله. وقيل: إن عنبسة بت سعيد قال: هذا ابن ضابىء الذي يقول:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله فقال: أخروه، أما أمير المؤمنين عثمان فتغزوه بنفسك، وأما الأزارقة فتبعث بديلاً! فأمر به فقتل. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي: أقول لعبد الله لما لقيته ... أرى الأمر أمسى هالكاً مذ تشعبا تخيّر فإمّا أن تزور ابن ضابىء ... عميراً وإمّا أن تزور المهلّبا فما إن أرى الحجاج يغمد سيفه ... مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا هما خطّتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليّاً من الثلج أشهبا فحال، ولو كانت خراسان خلتها ... عليه مكان السوق أو هي أقربا وفي رواية أنه قال: والله ما أقول إلا وقيت، ولا أهمّ إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت. وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلاً تخلف بعد أخذ عطائه بثلاثة أيام إلا ضربت عنقه. يا غلام، اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين، سلام عليكم. فلم يقل أحد شيئاً. فقال الحجاج: اكفف يا غلام. ثم أقبل على الناس فقال: أسلم عليكم أمير المؤمنين فلم تردوا عليه شيئاً! هذا أدب ابن نهية. أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب، أو لتستقيمن. اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين، فقرأ. فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق في المسجد أحد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام. ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم، فجعلوا يأخذون، حتى أتاه شيخ يرعش كبراً فقال: أيها الأمير، إني من الضعف على ما ترى، ولي ابن هو أقوى على الأسفار مني، أفتقبله مني

بديلاً؟ فقال له الحجاج: نفعل أيها الشيخ. فلما ولى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي، الذي يقول أبوه: هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولاً، فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردوه، فلما رد قال الحجاج: أيها الشيخ، هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان بديلاً يوم الدار! إن قتلك أيها الشيخ صلاح للمسلمين. يا حرسي اضربا عنقه. فجعل الرجل يضيق عليه بعض أمره فيرتحل، وبأمر وليه أن يلحقه بزاده. حدث عمران الضبعي أنه رأى في منامه كأن الحجاج بن يوسف على بغل، وكأنه على حائط كلس، وكأنه يستف التراب، قال: فقصها على غير واحد من أصحابه، فكلهم يقول خيراً حتى قصها على أبي قلابة، فقال له: هاتها ما كانت. فقال أبو قلابة: أما البغل فليس في الدواب أطول عمراً من البغل، وأما حائط كلس فليس في البناء أثبت من كلس، وأما سفه التراب فأكله أموالكم. قال حفص بن النضر السلمي: خطب الحجاج الناس يوماً فقال: أيها الناس، الصبر عن محارم الله أشد من الصبر على عذاب الله. فقام إليه رجل فقال: يا حجاج، ويحك ما أصفق وجهك وأقل حياءك! تفعل ما تفعل، ثم تقول مثل هذا. فأمر به فأخذ، فلما نزل عن المنبر دعا به فقال له: لقد اجترأت علي. فقال له: يا حجاج، أنت تجترئ على الله قلا تنكره على نفسك، وأجترئ أنا عليك فتكثره علي! فخلى سبيله. قال الهيثم بن عدي: دخل الأبي بن الإباء على الحجاج بن يوسف فقال: أصلح الله الأمير، موسوم بالميل، مشهور بالطاعة، خرج أخي مع ابن الأشعث فخلق على اسمي، وحرمت عطائي، وهدم منزلي، فقال: أما سمعت ما قال الشاعر: جانيك من يجني عليك وقد ... تعدي الصحاح مبارك الجرب

ولرب مأخوذ بذنب قرينه ... ونجا المقارف صاحب الذنب قال: أيها الأمير، سمعت الله يقول غير هذا. قال: وما قال جل ثناؤه؟ قال: " قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون ". قال: يا غلام، اردد اسمه، وابن داره، وأعطه عطاءه، ومر منادياً ينادي: صدق الله وكذب الشاعر. قال ابن عياش: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: أما بعد، إذا ورد عليك كتابي هذا فابعث إلي برأس أسلم بن عبد البكري، لما قد بلغني عنه. قال: فلما ورد عليه كتاب أحضره، فقال: أعز الله الأمير، أمير المؤمنين الغائب وأنت الحاضر، قال الله تعالى: " يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". وما بلغه عني فباطل، فاكتب إليه: إني أعول أربعاً وعشرين امرأة، ما لهن بعد الله كسب غيري. فقال: ومن لنا بتصديق ذلك؟ قال: هن بالباب أصلح الله الأمير. فأمر بإحضارهن فلما دخلن عليه جعل يسائلهن، فهذه تقول: عمته، والأخرى تقول: خالته، والأخرى: زوجته، إلى أن انتهى إلى جارية فوق الثمانية ودون العشارية فقال لها: من أنت منه؟ قالت: ابنته أصلح الله الأمير، ثم جثت بين يديه وأنشأت تقول: أحجاج لم تشهد مقام بناته ... وعماته يندبنه الليل أجمعا أحجاج كم تقتل به إن قتلته ... ثمانً وعشراً واثنتين وأربعا أحجاج من هذا يقوم مقامه ... علينا فمهلاً أن تزدنا تضعضعاً أحجاج إما أن تجود بنعمة ... علينا وإما أن تقتلنا معا قال: فما استتمت كلامها حتى أسبل الحجاج دمعه من البكاء، وقال: والله لا أعنت الدهر عليكن، فلا زدتكن تضعضعا، وكتب إلى عبد الملك بخبر الرجل والجارية، فكتب

إليه عبد الملك: إن كان كما ذكرت فأحسن له الصلة، وتفقد الجارية، وعجل بسراحهن ففعل ما أمره. قال المدائني: أتي الحجاج بأسيرين ممن كان مع الأشعث، فأمر بضرب أعناقهما، فقال أحدهما: أصلح الله الأمير، إن لي عندك يداً. قال: ما هي؟ قال: ذكر ابن الأشعث يوماً أمك بسوء فنهيته. قال: ومن يعلم بذلك؟ قال: هذا الأسير الآخر. فسأله الحجاج فقال: قد كان ذلك. فقال له الحجاج: فلم لم تفعل كما فعل؟ قال: أينفعني الصدق عندك؟ قال: نعم. قال: لبغضك وبغض قومك. قال الحجاج: خلوا عن هذا لصدقه، وعن هذا لفعله. قال الحجاج ليحيى بن يعمر الليثي: أتسمعني ألحن على المنبر؟ قال يحيى: الأمير أفصح الناس. - قال يونس: فصدق، كان أفصح الناس إلا أنه لم يكن يروي الشعر - قال: تسمعني ألحن؟ قال: حرفاً. قال: في أي؟ قال: في القرآن. قال: فذاك أشنع له. قال: ما هو؟ قال: تقول: " إن كان آباؤكم وأبناؤكم " الآية " أحب إليكم من الله ورسوله " بالرفع. قال: فبعث به إلى خراسان، وبها يزيد بن المهلب، فكتب يزيد إلى الحجاج: إنا لقينا العدو ففعلنا وفعلنا، واضطررناهم إلى عرعرة الجبل. فقال الحجاج: ما لابن المهلب وهذا الكلام! فقيل له: إن ابن يعمر عنده. فقال: ذلك إذاً أحرى. وفي حديث آخر بمعناه: أن يحيى بن يعمر كان كاتب المهلب بخراسان فجعل الحجاج يقرأ كتبه فيتعجب منها، فقال: من هذا؟ فأخبر، فكتب فيه، فقدم، فرآه فصيحاً فقال: أنى ولدت؟ قال: بالأهواز. قال: فما هذه الفصاحة؟ قال: كان أبي نشأ في تنوخ، فأخذت ذلك عنه. قال: أخبرني عن عنبسة بن سعد يلحن؟ قال: كثيراً. قال: فأنا ألحن؟ قال: لحناً

خفياً، قال: أين؟ قال: تجعل إن أن، وأن إن، أو نحو ذلك. قال: لا تساكني ببلد، أخرج. وكان يحيى بن يعمر من عدوان، وعدوان من قيس. قال عاصم بن بهدلة: اجتمعوا عند الحجاج، فذكر الحسين بن علي فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده يحيى بن يعمر، قال: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتيني على ما قلت ببينة ومصداق من كتاب الله عز وجل، وإلا قتلتك قال: " ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون " إلى قوله " وزكريا ويحيى وعيسى " فأخبره الله عز وجل إن عيسى من ذرية آدم بأمه، والحسين بن علي من ذرية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء " لتبيننه للناس ولا تكتمونه " قال الله عز وجل " فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً " قال: فنفاه إلى خراسان. قال الأصمعي: أخبرت أن الحجاج بن يوسف لما فرغ من أمر عبد الله بن الزبير بن العوام وصلبه، قدم المدينة فلقي شيخاً خارجاً من المدينة، فلما رآه الحجاج قال: يا شيخ من أهل المدينة أنت؟ قال: نعم. قال الحجاج: من أيهم أنت؟ قال: من بني فزارة. قال: كيف حال أهل المدينة؟ قال: شر حال. قال: ومم؟ قال: لما لحقهم من البلاء بقتل ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له الحجاج: من قتله؟ قال: الفجر اللعين حجاج بن يوسف، عليه لعائن الله وبهلته من قليل المراقبة لله. فقال له الحجاج: وقد استشاط غضباً: وإنك يا شيخ ممن حزنه ذلك وأسخطه؟ قال الشيخ: إني والله أسخطني ذلك، فأسخط الله الحجاج وأخزاه. فقال الحجاج: أوتعرف الحجاج إن رأيته؟ قال: أي والله إني به لعارف، فلا عرفه الله خيراً، ولا وقاه ضيراً. فكشف الحجاج لثامه وقال: هذا والله العجب،

أما والله يا حجاج لو كنت تعرفني، ما قلت هذه المقالة. أنا والله يا حجاج العباسي بن أبي ثور، أصرع في كل يوم خمس مرات. فقال الحجاج: انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه. قال محمد بن إدريس الشافعي: قال الوليد بن عبد الملك للغازي بن ربيعة. إني سأدعوك وأدعو الحجاج فتتحدثان عني، فإذا قمت وخلوت به فسله عن هذه الدماء: هل يحيك في نفسه منها شيء، أو يتخوف لها عاقبة؟ قال: فتحدثا عن الوليد، ثم خرجا فألقي لهما وسادة في الجبل أو في القصر، وقام الحجاج ينظر إلى الغوطة. قال: واستحييت أن أجلس فقمت معه، فقلت: يا أبا محمد، أرأيت هذه الدماء التي أصبت، هل يحييك في نفسك منها شيء، أو تتخوف لها عاقبة؟ قال: فجمع يده فضرب بها في صدري، ثم قال: يا غاز ارتبت في أمرك، أو شككت في طاعتك! والله ما أود أن لي لبنان وسنير ذهباً مقطعاً أنفقها في سبيل الله مكان ما أبلاني الله من الطاعة. حدث أبو المضرجي قال: أمر الحجاج محمد بن المستنير ابن أخي مسروق بن الأجدع أن يعذب أزادمرد بن الهربد، فقال له أزادمرد: يا محمد، إن لك شرفاً قديماً وإن مثلي لا يعطي على الذل شيئاً، فاستأدني وثق بي، فاستأداه في جمعة ثلاث مئة ألف، فغضب الحجاج وأمر معداً صاحب العذاب أن يعذبه، فدق يديه ورجليه، فلم يعطهم شيئاً. قال محمد: فإني لأسير بعد ثلاثة أيام، إذا أنا بأزدامرد معترضاً على بغل، قد دقت يداه ورجلاه. فقال لي: يا محمد. فكرهت أن آتيه فيبلغ الحجاج، وتذممت من تركه إذ دعاني، فدنوت منه فقلت: حاجتك؟ فقال: قد وليت مني مثل هذا وأحسنت إلي، ولي عند فلان مئة ألف درهم، فانطلق فخذها. قلت: لا والله لا آخذ منها درهماً وأنت على هذه الحال، قال: وإني أحدثك حديثاً سمعت من أهل دينك يقولون: إذا أراد الله تعالى بالعباد خيراً أمطرهم في

أوانه، واستعمل عليهم خيارهم، وجعل المال عند سمائحهم. وإذا أراد بهم شراً أمطروا في غير إبانه، واستعمل عليهم شرارهم، وجعل المال في أحشائهم، ومضى فأتيت منزلي فما وضعت ثيابي حتى جاءني رسول الحجاج، فأتيته وقد اخترط سيفه فهو في حجره فقال: ادن فدنوت قليلاً، ثم قال: ادن. فقلت: ليس لي دنو وفي حجر الأمير ما أرى، فأضحكه الله تعالى لي وأغمد السيف فقال: ما قال لك الخبيث؟ فقلت: والله ما غششتك منذ استنصحتني، ولا كذبتك منذ صدقتني، ولا خنتك منذ ائتمنتني. فأخبرته بما قال: فلما أردت ذكر الرجل الذي عنده المال، صرف وجهه وقال: لا تسمه. وقال: لقد سمع عدو الله الأحاديث! قال عوف: خرجت يوم عيد فقلت: لأسمعن الليلة خطبة الحجاج، فجئت فجلست على الدكان، وجاء الحجاج يتمايل حتى صعد المنبر فتكلم، وكان إذا أكثر وضع يده على فيه حتى يفهمنا كلامه، ثم قال: يا أهل الشام إنكم حاججتم الناس ففلجتم عليهم بالسيف، وأن حكم الدنيا والآخرة فيكم واحد، وهو عدل لا يجوز فكما فلجتم عليهم في الدنيا كذلك تفلجون عليهم في الآخرة ثم قال: من كان سائلاً عن هذا الخليفة فليسأل الله عنه، كان لا يشاقه أحد ولا ينازعه إلا أتي برأسه وهو على فراشه مع أهله وولده، فمن كان سائلاً عنه أحداً منالناس فليسأل الله عز وجل عنه. تزعمون يا أهل العراق أن خبر السماء قد انقطع عن أمير المؤمنين وكذبتم والله يا أهل العراق، والله ما انقطع خبر السماء عنه إن عنده منه كذا وعنده منه كذا. حدث بزيغ بن خالد الضبي قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله! فقلت في نفسي: لله علي ألا أصلي خلفك صلاة أبداً، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنك معهم. قال عاصم: سمعت الحجاج وهو على المنبر يقول: اتقوا الله ما استطعتم، ليس فيها مثوبة.

واسمعوا وأطيعوا، ليس فيها مثوبة لأمير المؤمنين عبد الملك، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دمائهم وأموالهم، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي لله حلالاً، ويا عذيري من عبد هذيل، يزعم أن قرآنه من عند الله، والله ما هي إلا رجز من رجز الأعراب، ما أنزلها الله عز وجل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعذيري من هذه الحمر، أيزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلا أن يقع الحجر حدث أمر، فوالله لأدعنهم كالأمس الدابر. قال عاصم والأعمش: سمعنا الحجاج بن يوسف على المنبر يقول: عبد هذيل يعني ابن مسعود يقرأ القرآن رجزاً كرجز الأعراب، ويقول هذا القرآن. أما لو أدركته لضربت عنقه. وفي رواية: يا عجباً من عبد هذيل، يزعم أنه يقرأ قرآناً من عند الله، والله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه. قال عوف: سمعت الحجاج يخطب وهو يقول إن مثل عثمان عند الله، كمثل عيسى بن مريم ثم قرأ هذه الآية يقرأها ويفسرها: " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " يشير إلينا بيده وإلى أهل الشام. قال عتاب بن أسيد بن عتاب: لما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعلت أم أيمن تبكي ولا تستريح من البكاء. فقال أبو بكر لعمر: قم بنا إلى هذه المرأة، فدخلا عليها فقالا: يا أم أيمن ما يبكيك! قد أفضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ما هو خير له من الدنيا. فقالت: ما أبكي لذلك، إني لأعلم أنه قد أفضى إلى ما هو خير من الدنيا، ولكن أبكي على الوحي انقطع. فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف فقال: كذبت أم أيمن، ما أعمل إلا بوحي.

قال عوانة: خطب الحجاج الناس بالكوفة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل العراق، تزعمون أنا من بقية ثمود! وتزعمون أني ساحر! وتزعمون أن الله عز وجل علمني اسماً من أسمائه، أقهركم وأنتم أولياؤه بزعمكم! وأنا عدوه! فبيني وبينكم كتاب الله تعالى، قال عز وجل: " فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه ". فنحن بقية الصالحين إن كنا من ثمود. وقال عز وجل: " إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ". والله أعدل في حكمه أن يعلم عدواً من أعدائه اسماً من أسمائه يهزم به أولياءه. ثم حمي وكثر كلامه فتحامل على رمانة المنبر فحطمها، فجعل الناس يتلاحظون بينهم وهو ينظر إليهم فقال: يا أعداء الله، ما هذا الترامز! أنا حديا الظبي السانح، والغراب الأبقع، والكوكب ذي الذنب. ثم أمر بذلك العود فأصلح قبل أن ينزل من المنبر. قوله: أنا حديا الظبي. أراد، إنا لثقتنا بالغلبة والإستعلاء نتحدى ارتفاع الظبي سانحاً، وهو أحمد ما يكون في سرعته ومضائه، والغراب الأبقع في تحذره وذكائه ومكره وخبثه ودهائه، وذا الذنب من الكواكب فيما تنذر به من عواقب مكروه بلائه. والله ذو البأس الشديد بالمرصاد له ولحزبه وأوليائه. قال أبو حفص الثقفي: خطب الحجاج يوماً فأقبل عن يمينه فقال: إن الحجاج كافر، ثم أطرق فقال: إن الحجاج كافر ثم أطرق وأقبل عن يساره فقال: ألا إن الحجاج كافر. فعل ذلك مراراً ثم قال: كافر يا أهل العراق باللات والعزى. قال أبو شوذب: ما رئي مثل الحجاج لمن أطاعه، ولا مثله لمن عصاه. قال الأصمعي: مثل فتى بين يدي الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، مات أبي وأنا حمل، وماتت

أمي وأنا رضيع، فكفلني الغرباء حتى ترعرعت، فوثب بعض أهلي على مالي واجتاحه، وهو هارب مني ومن عدل الأمير. فقال الحجاج: الله، مات أبوك وأنت حمل، وماتت أمك وأنت رضيع، وكفلك الغرباء، فلم يمنعك ذلك من أن فصح لسانك وأنبأت عن إرادتك. اطردوا المؤدبين عن أولادي. قال محمد بن إدريس الشافعي: بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف: ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبأ منها شيئاً. قال: يا أمير المؤمنين، أنا لجوج حقود حسود. فقال عبد الملك: إذاً بينك وبين إبليس نسب. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الشيطان إذا رآني سالمني. ثم قال الشافعي: الحسد إنما يكون من لؤم العنصر وتعادي الطبائع واختلاف التركيب وفساد مزاج البنية وضعف عقد العقل، والحاسد طويل الحسرات عادم الراحات. قال سلم بن قتيبة: عددت أربعاً وثمانين لقمة من خبز الماء، في كل لقمة رغيف، وملء كفه سمك طري، يعني على الحجاج. جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فأخبره أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان، فصلى لنا صلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله، سبحان الله. فلما سلم أقبل على الناس فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقام رجل، ثم قام آخر. قال الراوي: ثم قمت أنا ثالثاً أو رابعاً. فقال: يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فالبس عليهم، وعجل عليهم بالغلام الثقفي، يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. حدث الحسن، أن علياً كان على المنبر فقال: اللهم، إني ائتمنتهم فخانوني، ونصحتهم فغشوني، اللهم، فسلط عليهم غلام ثقيف، يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهلية. فوصفه وهو

يقول: الزبال مفجر الأنهار، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها. قال: فقال الحسن. هذه والله صفة الحجاج. وفي حديث آخر قال: يقول الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ. حدث حبيب بن أبي ثابت قال: قال علي لرجل: لا مت حتى تدرك فتى ثقيف. قيل له: يا أمير المؤمنين، ما فتى ثقيف! قال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجل يملك عشرين أو بضعاً وعشرين سنة، لا يدع لله تعالى معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة فكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه. قال العتبي: قال الحجاج لرجل وأراد أن ينفذه في بعض أموره: أعندك خير؟ قال: لا، ولكن عندي شر. قال: إياه أردت. وأنفذه فيه. قال محمد بن عائشة: أراد الحجاج الخروج من البصرة إلى مكة، فخطب الناس فقال: يا أهل البصرة، إني أريد الخروج إلى مكة، وقد استخلفت عليكم محمداً ابني، أوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأنصار، فإنه أوصى في الأنصار أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا وإني قد أوصيته فيكم: ألا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن مسيئكم، ألا وإنكم قائلون بعدي كلمة ليس يمنعكم من إظهارها إلا الخوف، ألا وإنكم قائلون: لا أحسن الله له الصحابة. وإني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله عليكم الخلافة. قال إسحاق بن يزيد: رأيت أنس بن مالك مختوماً في عنقه ختمة الحجاج، أراد أن يذله بذلك. قال محمد بن عمر: وقد فعل ذلك بغير واحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يريد أن يذلهم بذلك، وقد مضت العزة لهم بصحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال سماك بن موسى الضبي: أمر الحجاج أن توجأ عنق أنس بن مالك، وقال: أتدرون من هذا؟ هذا خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أتدرون لم فعلت به هذا؟ قالوا: الأمير أعلم. قال: لأنه تبنى البلاء في الفتنة الأولى. عاش الصدر في الفتنة الآخرة. قال عوانة بن الحكم الكلبي: دخل أنس بن مالك على الحجاج بن يوسف، فلما وقف بين يديه سلم عليه فقال: إيه إيه يا أنيس، يوم لك مع علي، ويوم لك مع ابن الزبير، ويوم لك مع ابن الأشعث، والله لأستأصلنك كما تستأصل الشأفة، ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة. قال أنس: إياي يعني الأمير أصلحه الله؟ قال: إياك، سك الله سمعك. قال أنس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت، ولا أي ميتة مت. ثم خرج من عند الحجاج، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك. فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضباً، وصفق عجباً، وتعاظمه ذلك من الحجاج. وكان كتاب أنس إلى عبد الملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، من أنس بن مالك. أما بعد، فإن الحجاج قال لي هجراً، وأسمعني نكراً، ولم أكن لذلك أهلاً، فخذ لي على يديه، فإني أمت بخدمتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبتي إياه، والسلام عليك ورحمة الله. فبعث عبد الملك إلى إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وكان مصادقاً للحجاج فقال له: دونك كتابي هذين، فخذهما واركب البريد إلى العراق، فابدأ بأنس بن مالك صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وادفع كتابه إليه، وأبلغه مني السلام، وقل له: يا أبا حمزة، قد كتبت إلى الحجاج الملعون كتاباً، إذا قرأه كان أطوع لك من أمتك. وكان كتاب عبد الملك إلى أنس بن مالك: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت من شكاتك الحجاج، وما سلطته عليك، ولا أمرته بالإساءة إليك، فإن عاد لمثلها فاكتب إلي بذلك، أنزل به عقوبتي، وتحسن لك معونتي. والسلام. فلما قرأ أنس كتابه

وأخبره برسالته قال: جزى الله أمير المؤمنين عني خيراً، وعافاه وكافأه عني بالجنة، فهذا كان ظني به، والرجاء منه. فقال إسماعيل بن عبيد الله لأنس: يا أبا حمزة، إن الحجاج عامل أمير المؤمنين، وليس بك عنه غنى ولا بأهل بيتك، ولو جعل لك في جامعة ثم دفع إليك، لقدر أن يضر وينفع. فقاربه وداره. فقال أنس: أفعل إن شاء الله. ثم خرج إسماعيل من عنده فدخل على الحجاج. فلما رآه الحجاج قال: مرحباً برجل أحبه وكنت أحب لقاءه. فقال له إسماعيل: أنا والله كنت أحب لقاءك في غير ما أتيتك به. قال: وما أتيتني به؟ قال: فارقت أمير المؤمنين وهو أشد الناس عليك غضباً، ومنك بعداً. قال: فاستوى الحجاج جالساً مرعوباً، فرمى إليه إسماعيل بالطومار، فجعل الحجاج ينظر فيه مرة ويعرق، وينظر إلى إسماعيل أخرى. فلما نفضه فال: قم بنا إلى أبي حمزة نعتذر إليه ونترضاه. فقال له إسماعيل: لا تعجل. قال: كيف لا أعجل، وقد أتيتني بأمره؟ وكان في الطومار إلى الحجاج بن يوسف: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، إلى الحجاج بن يوسف، أما بعد، فإنك عبد طمت به الأمور، فسموت فيها، وعدوت طورك، وجاوزت قدرك، وركبت داهية أذىً، وأردت أن تبورني، فإن سوغتكها مضيت قدماً، وإن لم أسوغكها رجعت القهقرى، فلعنك الله عبداً أخفش العينين، منقوص الجاعرتين، أنسيت مكاسب آبائك بالطائف، وحفرهم الآبار، ونقلهم الصخور على ظهورهم في المناهل، يا بن المستفرمة بعجم الزبيب! والله لأغمزنك غمز الليث الثعلب، والصقر الأرنب، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا فلم تقبل له إحسانه، ولم تجاوز له إساءته، جرأة منك على الرب عز وجل، واستخفافاً منك بالعهد، والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلاً خدم عزيز بن عذرة وعيسى بن مريم، لعظمته وشرفته وأكرمته فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خدمه ثمان سنين يطلعه على سره، ويشاوره في أمره، ثم هو هذا بقية من بقايا أصحابه. فإذا قرأت كتابي هذا فكن أطوع له من خفه ونعله، وإلا أتاك

مني سهم مثكل بحتف قاض. و" لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون ". قال الزبير بن عدي: أتينا أنس بن مالك نشكو إليه الحجاج. فقال: لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم. سمعت ذلك من نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشعبي: والله لئن بقيتم لتمنون الحجاج. وقال الشعبي: يأتي على الناس زمان يصلون فيه على الحجاج. قال الأصمعي: قيل للحسن: إنك كنت تقول الآخر شر. وهذا عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج! فقال الحسن: لا بد للناس من متنفسات. قال ميمون بن مهران: بعث الحجاج إلى الحسن وقد هم به، فلما دخل عليه فقام بين يديه قال: يا حجاج، كم يتلو من آدم من أب؟ قال: كثير. قال: فأين هم؟ قال: ماتوا. قال: فنكس الحجاج رأسه، وخرج الحسن. وعن أيوب بن أبي تميمة أن الحجاج بن يوسف أراد قتل الحسن بن أبي الحسن مراراً، فعصمه الله منه مرتين، وكان اختفى مرة في بيت علي بن زيد بن جدعان سنتين، ومرة في طاحنة في بيت أبي محمد البزاز، فعصمه الله من شره، حتى إذا كان يوم من أيام الصيف شديد القظة والرمدة، أرسل إليه نصف النهار فتغفله في ساعة لم يحسب أن يرسل إليه فيها، دخل عليه ستة من الحرس فأخذوه وأتعبوه إتعاباً شديداً. قال أيوب: وبلغنا ذلك، فسعيت أنا وثابت البناني وزياد النميري وسويد بن حجير الباهلي نحو القصر معنا الكفن والحنوط، لا نشك في قتله،

فجلسنا بالباب، فخرج علينا وهو يكثر مبتسماً، فلما لحظناه حمدنا الله على سلامته. قال الحسن: العجب والله لهذا العبد، دخلت عليه وهو في مثنية رقيقة متوشح بها ذات علم، في جنبذة من خلاف سقفها الثلج، فهو يقطر عليه، فوجدت القر، وسلمت عليه وفي يده القضيب فقال: أنت القائل يا حسن ما بلغني عنك؟ قال: وما الذي بلغك؟ قال: أنت القائل: اتخذوا عباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً، ومال الله دولاً، يأخذون من غضب الله، وينفقون في سخط الله، والحساب عند البيدر؟ والله يقول: " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " فيكفي بها إحصاء. قال: نعم، أنا القائل ذلك. قال: ولم؟ قال: لما أخذ الله ميثاق الفقهاء في الأزمنة كلها: " لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية. قال: فنكت بالقضيب ساعة وفكر، ثم قال: يا جارية، الغالية، قال: فخرجت جارية ذات قصاص، معها مدهن من فضة. فقال: أوسعي رأس الشيخ ولحيته ففعلت، ثم قال: يا حسن، إياك والسلطان أن تذكرهم إلا بخير، فإنهم ظل الله في الأرض، من نصحهم اهتدى، ومن غشهم غوى. فقلت له: أصلحك الله، هكذا بلغني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وقروا السلطان وأجلوهم، فإنهم عز الله في الأرض، وظله، ومن نصحهم اهتدى، ومن غشهم غوى، إذا كانوا عدولاً ". قال الحجاج: لا والله ما فيه إذا كانوا عدولاً، ولكنك زدت يا حسن، انصرف إلى أصحابك، فنعم المؤدب أنت. وفي رواية، في حديث الحسن: أن الحجاج أرسل إليه، فأدخل عليه. فلما خرج من عنده قال: دخلت على أحيول يطرطب شعرات له، فأخرج إلي ثياباً قصيرة. قلما عرقت فيها الأعنة في سبيل الله. قوله: يطرطب شعرات له: أن ينفخ شفتيه في شاربه غيظاً له أو كبراً.

قال سليمان بن علي الربعي: لما كانت فتنة ابن الأشعث، إذ قاتل الحجاج بن يوسف انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الحوراء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائه، فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد، ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟ قال: وذكروا من فعال الحجاج. قال: فقال الحسن: أرى ألا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. فخرجوا من عنده وهم يقولون: نطيع هذا العلج! قال: وهم قوم عرب. وخرجوا مع ابن الأشعث. قال: فقتلوا جميعاً. قال أبو التياح: شهدت الحسن وسعيد بن أبي الحسن حين أقبل ابن الأشعث، فكان الحسن ينهى عن الخروج على الحجاج ويأمر بالكف، وكان سعيد بن أبي الحسن يحضض. ثم قال سعيد، فيما يقول: ما ظنك بأهل الشام إذا لقيناهم غداً، فقلنا: والله ما خلعنا أمير المؤمنين، ولا نريد خلعه، ولكنا نقمنا عليه استعماله الحجاج فاعزله عنا. فلما فرغ سعيد من كلامه، تكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنّه والله ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع، وأما ما ذكرت من ظنّي بأهل الشام، فإن ظني بهم أن لو جاؤوا فألقمهم الحجاج دنياه، لم يحملهم على أمر إلا ركبوه، هذا ظني بهم. قال عمر بن عبد العزيز لعنبسة بن سعيد: أخبرني ببعض ما رأيت من عجائب الحجاج فقال: كنا جلوساً عنده ذات ليلة قال: فأتي برجل فقال: ما أخرجك في هذه الساعة؛ وقد قلت: لا آخذ فيها أحداً إلا فعلت به وفعلت؟! قال: أما والله لا أكذب الأمير، أغمي على أمي منذ ثلاث فكنت عندها، فأفاقت الساعة فقالت: يا بني، مذ كم أنت عندي فقلت لها: منذ ثلاث، قالت: أعزم عليك إلا رجعت إلى أهلك، فإنهم مغمومون بتخلفك عنهم، فكن عندهم الليلة وتعود إليّ غداً. فخرجت فأخذني الطائف. فقال: ننهاكم وتعصونا! اضربوا عنقه. ثم أتي برجل آخر فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: والله لا أكذبك، لزمني غريم لي على

بابه؛ فلما كانت الساعة أغلق بابه دوني وتركني على بابه، فجاءني طائفك وأخذني. فقال: اضربوا عنقه. ثم أتي بآخر فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: كنت مع شربة أشرب، فلما سكرت خرجت فأخذني الطائف، فذهب عني السكر فزعاً. فقال: يا عنبسة، ما أراه إلا صادقاً، خليا سبيله. فقال عمر بن عبد العزيز لعنبسة: فما قلت له شيئاً؟ فقال: لا، فقال عمر لآذنه: لا تأذن لعنبسة علينا، إلا أن تكون له حاجة. قال ابن عائشة: أتي الوليد برجل من الخوارج فقيل له: ما تقول في أبي بكر؟ قال: خيراً قال: فما تقول في عمر؟ قال: خيراً. قال: فعثمان؟ قال: خيراً. قال: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: الآن جاءت المسألة، ما أقول في رجل الحجاج خطيئة من خطاياه! قال علي بن مسلم الباهلي: أتي الحجاج بن يوسف بامرأة من الخوارج، فجعل يكلمها ولا تكلمه معرضة عنه، فقال بعض الشرط: الأمير يكلمك وأنت معرضة! فقالت: إني لأستحي أن أنظر إلى من لا ينظر الله إليه، فأمر بها فقتلت. قال العتبي: كانت امرأة من الخوارج من الأزد يقال لها فراشة، وكانت ذات نبه في رأي الخوارج، تجهّز أصحاب البصائر منهم، وكان الحجاج تطلّبها طلباً شديداً فأعجزته، ولم يظفر بها، وكان يدعو الله أن يمكنه من فراشة أو بعض من جهّزته. فمكث ما شاء الله، ثم جيء برجل: فقيل: هذا ممن جهزته فراشة، فخرّ ساجداً ثم رفع رأسه فقال له: يا عدو الله؟ قال: أنت أولى بها يا حجاج. قال: أين فراشة؟ قال: مرت تطير منذ ثلاث. قال: أين تطير؟ قال: تطير ما بين السماء والأرض. قال: أعن تلك سألتك عليك لعنة الله! قال: عن تلك أخبرتك عليك غضب الله. قال: سألتك عن المرأة التي جهزتك وأصحابك. قال: وما تصنع بها؟ قال: دلنا عليها. قال: تصنع بها ماذا؟ قال: أضرب

عنقها. قال: ويلك يا حجاج ما أجهلك! تريد أن أدلك وأنت عدو الله على من هي ولي الله " قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين " قال: فما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: على ذلك الفاسق لعنة الله ولعنة اللاعنين. قال: ولم لا أم لك؟ قال: إنه أخطأ خطيئة طبقت ما بين السماء والأرض. قال: وما هي؟ قال: استعماله إياك على رقاب المسلمين. فقال الحجاج: ما رأيكم فيه؟ قالوا: نرى أن نقتله قتلة لم يقتل مثلها أحد قال: ويلك يا حجاج، جلساء أخيك كانوا أحسن مجالسة من جلسائك. قال: وأي إخوتي تريد؟ قال: فرعون، حين شاور في موسى فقالوا: " أرجه وأخاه "، وأشار عليك هؤلاء بقتلي. قال: فهل حفظت القرآن؟ قال: وهل خشيت فراره فأحفظه! قال: هل جمعت القرآن؟ قال: ما كان متفرقاً فأجمعه. قال: قرأته ظاهراً؟ قال: معاذ الله، بل قرأته وأنا إليه، قال: فكيف تراك تلقى الله إن قتلتك؟ قال: ألقاه بعملي، وتلقاه بدمي. قال: إذاً أعجلك إلى النار. قال: لو علمت أن ذلك إليك، أحسنت عبادتك، وأيقنت عذابك، ولم أبغ خلافك، ومناقضتك. قال: إني قاتلك. قال: إذاً أخاصمك لآن الحكم يومئذ إلى غيرك. قال: نقمعك عن الكلام السيئ، يا حرسي اضرب عنقه، وأومأ إلى السيّاف ألا يقتله. فجعل يأتيه من بين يديه ومن خلفه ويروعه بالسيف، فلما طال ذلك عليه رشح جبينه. قال: جزعت من الموت يا عدو الله! قال: لا، يا فاسق، ولكن أبطأت علي بما لي فيه راجية. قال: يا حرسي، أعظم جرحه. فلما أحس بالسيف قال: لا إله إلا الله، والله لقد أتمها ورأسه على الأرض. قال جعفر بن أبي المغيرة: كان حطيط صواماً قواماً، يختم في كل يوم وليلة ختمة، ويخرج من البصرة ماشياً حافياً إلى مكة في كل سنة، فوجّه الحجاج في طلبه فأخذ، فأتي به الحجاج فقال له: إيهاً، قال: قل، فإني قد عاهدت الله إن سئلت لأصدقن، ولئن ابتليت لأصبرن، ولئن عوفيت لأشكرن، ولأحمدن الله على ذلك. قال: ما تقول فيّ؟ قال: أنت عدو الله، تقتل على الظنّة. قال: فما قولك في أمير المؤمنين؟ قال: أنت شررة من شرره، وهو

أعظم جرماً منك. قال خذوا ففظعوا عليه العذاب، ففعلوا، فلم يقل حساً ولا بساً، فأتوه فأخبروه، فأتوه فأخبروه، فأمر بالقصب فشقق ثم شد عليه، وصب عليه الخلّ والملح، وجعل يستل قصبة قصبة، فلم يقل حساً ولا بساً، فأتوه فأخبروه قال: أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه. قال جعفر: فأنا رأيته حين أخرج، فأتاه صاحب له فقال: لك حاجة؟ قال: شربة من ماء، فأتاه بماء فشرب ثم ضربت عنقه. وكان ابن ثمان عشرة سنة. قال سالم الأفطس: أتي الحجاج بسعيد بن جبير، وقد وضع رجله في الركاب فقال: لا أستوي على دابتي حتى تبوّأ مقعدك من النار. فأمر به فضربت عنقه. قال: فما برح حتى خولط. قال: قيودنا قيودنا. فأمر برجليه فقطعتا، ثم انتزعت القيود منه. قال علي بن نديمة: ختم الدنيا بقتل سعيد بن جبير، وافتتح الآخرة بقتل ماهان. قال قتادة: قيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج. قال: إني والله ما خرجت عليه حتى كفر. حدث مبشر بن بشر أن رجلاً هرب من الحجاج، فمر بساباط فيه كلب بين جبّين يقطر عليه ماؤهما. فقال: يا ليتني كنت مثل هذا الكلب، فما لبث أن مر بالكلب في عنقه حبل، فسأل عنه فقالوا: جاء كتاب الحجاج يأمر بقتل الكلاب. قال هشام بن حسان: أحصوا ما قتل الحجاج صبراً، فبلغ مئة ألف وعشرين ألفاً. قال الهيثم بن عدي: مات الحجاج بن يوسف وفي سجنه ثمانون ألف محبوس، منهم ثلاثون ألف امرأة. ووجد في قصة رجل بال في الرحبة وخري في المسجد. فقال أعرابي: إذا نحن جاوزنا مدينة واسط ... خرينا وصلّينا بغير حساب

قال صالح بن سليمان: قال زياد بن الربيع الحارثي لأهل السجن: يموت الحجاج في مرضه هذا، في ليلة كذا وكذا. فلما كان تلك الليلة لم ينم أهل السجن فرحاً، جلسوا ينتظرون، حتى سمعوا الداعية. وذلك ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان. قال عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا آخرة. لقد ولي العراق وهو أوفر ما يكون من العمارة، فأخسّ به حتى صيره إلى أربعين ألف ألف، ولقد أدي إلي في عامي هذا ثمانون ألف ألف، وإن بقيت إلى قابل رجوت أن يؤدي إلي ما أدي إلى عمر بن الخطاب، مئة ألف ألف، وعشرة آلاف ألف. قال مخذم: جبى عمر بن الخطاب العراق مئة ألف ألف، وتسعة وكذا وكذا ألف ألف، وجباها عمر بن عبد العزيز مئة ألف وأربعة عشر ألف ألف، وجباها الحجاج ثمانية عشر ألفألف. قال يحيى بن يحيى الغساني: قال لي عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بأبي محمد لفتناهم، فقال له رجل من آل أبي معيط: لا تقل ذلك، فوالله إن وطّأ لكم هذا الأمر الذي أصبحتم فيه غرّة فقال عمر: أتحب أن يدخلك الله مدخلك الحجاج؟ قال: إي والله، إني لأحب أن يدخلني الله مدخله ولا يدخلني مدخلك. فقال عمر: أمّنوا، اللهم أدخله مدخل الحجاج. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: بلغني أنك تستنّ بسنن الحجاج، فلا تستن بسنته، فإنه كان يصلي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاة من غير حقها، وكان لما سوى ذلك أضيع.

قال مالك بن دينار: كنا إذا صلينا خلف الحجاج فإنا نلتفت ما بقي علينا من الشمس؟ فيقول: إلام تلتفتون أعمى الله أبصاركم! أنا لا أسجد لشمس ولا لقمر ولا لحجر ولا لوثن. قال الريان بن مسلم: بعث عمر بن عبد العزيز بآل أبي عقيل أهل الحجاج إلى صاحب اليمن وكتب إليه: أما بعد، فإني بعثت بآل أبي عقيل، وهم شر بيت في العرب، ففرقهم في عملك على قدر هوانهم على الله تعالى وعلينا، وعليك السلام. وإنما نفاهم، رحمه الله. قال الأعمش: اختلفوا في الحجاج فقالوا: بمن ترضون؟ فقال بعضهم: بمجاهد. فأتوه فسألوه، فقال: تسألوني عن الشيخ الكافر؟! قال الأجلح: اختلفت أنا وعمر بن قيس الماصر في الحجاج فقلت أنا: الحجاج كافر، وقال عمر: الحجاج مؤمن ضال. قال: فأتينا الشعبي فقلت: يا أبا عمرو، إني قلت: إن الحجاج كافر، وقال عمر: الحجاج مؤمن ضال. قال: فقال الشعبي: يا عمرو، شمرت ثيابك، وحللت إزارك، وقلت: إن الحجاج مؤمن ضال، فقال: فكيف يجتمع في رجل إيمان وضلال؟! الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت، كافر بالله العظيم. قال الأوزاعي: سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: كان الحجاج ينقض عرى الإسلام. قال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله تعالى حرمة، إلا وقد انتهكها الحجاج. قال العيزار بن جرول: خرجت مع راذان إلى الجبال يوم العيد نصلي، وستور الحجاج ترفعها الرياح فقال: هذا والله المفلس. فقلت له: تقول مثل هذا وله مثل هذا؟! فقال: هذا المفلس من دينه.

وقال طاوس: عجبت لإخواننا من أهل العراق، يسمون الحجاج مؤمناً. قال منصور: سألنا إبراهيم النخعي عن الحجاج فقال: ألم يقل الله: " ألا لعنة الله على الظالمين ". قال سلام بن أبي مطيع: لأنا أرجى للحجاج بن يوسف مني لعمرو بن عبيد، إن الحجاج بن يوسف إنما قتل الناس على الدنيا، وإن عمرو بن عبيد أحدث بدعة، فقتل الناس بعضهم بعضاً. قال الزبرقان: كنت عند أبي وائل فجعلت أسب الحجاج وأذكر مساوئه، فقال: لا تسبه وما يدريك لعله قال: اللهم اغفر لي فغفر له. قال عوف: ذكر الحجاج عند محمد بن سيرين قال: مسكين أبو محمد، إن يعذبه الله عز وجل فبذنبه، وإن يغفر له فهنيئاً، وإن يلق الله عز وجل بقلب سليم فقد أصاب الذنوب من هو خير منه. قال: فقلت لمحمد بن سيرين: وما القلب السليم؟ قال: أن تعلم أن الله عز وجل حق، وأن الساعة حق قائمة، وأن الله يبعث من في القبور. قال رباح بن عبيدة: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه. قال: فنهاني عمر وقال: مهلاً يا رباح، فإنه بلغني أن الرجل يظلم بالمظلمة، ولا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه، حتى يستوفي حقه، ويبقى للظالم الفضل عليه. قال السري بن يحيى: مر الحجاج في يوم جمعة، فسمع استغاثة فقال: ما هذا؟ فقيل له: أهل السجون،

يقولون: قتلنا الحر. قال: قولوا لهم: " اخسأوا فيها ولا تكلمون " قال: فما عاش بعد ذلك، إلا أقل من جمعة حتى مات. قال الأصمعي: ولي الحجاج العراق عشرين سنة، صار إليها في سنة خمس وسبعين، وكانت ولايته أيام عبد الملك إحدى عشرة سنة، وفي أيام الوليد تسع سنين، وبنى واسط في سنتين، وفرغ منها في السنة التي مات فيها عبد الملك سنة ست وثمانين، ومات الوليد بعد الحجاج بتسعة أشهر. قال الصلت بن دينار: مرض الحجاج فأرجف به أهل الكوفة. فلما تماثل من علته صعد المنبر وهو يتثنى على أعواده، فقال: يا أهل الشقاق والنفاق والمراق، نفخ الشيطان في مناخركم فقلتم: مات الحجاج، مات الحجاج، فمه، والله ما أرجو الخير كله إلا بعد الموت، وما رضي الله الخلود لأحد من خلقه إلا لأهونهم عليه إبليس، وقد قال العبد الصالح سليمان بن داود عليه السلام: " رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي " فكان ذلك ثم اضمحل، فكأن لم يكن يأتيها الرجل، وذلكم ذلك الرجل كأني بكل حي ميت، وبكل رطب يابس، وبكل امرئ في ثياب طهوره إلى بيت حفرته، فخد له في الأرض خمسة أذرع طولاً في ذراعين عرضاً، فأكلت الأرض من لحمه، ومصت من صديده ودمه، وانقلع الحبيبان يقاسم أحدهما صاحبه من ماله، أما إن الذين يعلمون يعلمون ما أقول، والسلام. حدث الأحوص بن حكيم العبسي عن أبيه عن جده قال: حضرت نزيع الحجاج بن يوسف، فلما حضره الموت جعل يقول: ما لي ولك يا سعيد بن جبير.

قال عمر: ما حسدت الحجاج عدو الله عن شيء حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله، وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل. قال الأصمعي: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول: يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... بأنني رجل من ساكني النار أيحلفون على عمياء وحيهم ... ما علمهم بكثير العفو غفار فأخبر بذلك الحسن فقال: بالله، إن نجا فبهما. قال أحمد بن عبد الله التيمي: لما مات الحجاج بن يوسف لم يعلم بموته حتى أشرفت جارية فبكت فقالت: ألا إن مطعم الطعام، ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات. ثم أنشأت تقول: اليوم يرحمنا من كان يغبطنا ... واليوم يأمننا من كان يخشانا قال ابن طاوس: دخل رجل على أبي فقال: مات الحجاج بن يوسف. فقال له أبي: اربعوا على أنفسكم، حبس رجل عليه لسانه، وعلم ما يقول. فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن، برح الخفاء، هذه نساء وافد بن سلمة قد نشرن أشعارهن، وحرقن ثيابهن، ينحن عليه. قال: أفعلوا؟ قال: نعم. قال: " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " قال علي بن يزيد: كنت عند الحسن، فجاءه رجل فقال: مات الحجاج. فسجد الحسن.

قال ابن شوذب: لما مات الحجاج قال الحسن البصري: اللهم قد أمته فأمت عنا سننه، ثم قال: إن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام: ذكر بني إسرائيل أيام الله، وقد كانت عليكم أيام كأيام القوم. وتوفي الحجاج لأربع وعشرين من رمضان سنة خمس وتسعين. قال ابن شوذب: ولي الحجاج العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وقيل: ابن أربع وخمسين سنة. قال علي بن المديني: مات الحجاج سنة خمس وتسعين، وفيها مات إبراهيم، وقبلها قتل سعيد بن جبير. قال سماك بن حرب: قيل لي في النوم: إياك والغيبة، إياك والنميمة، إياك وأكل أموال اليتامى، إياك والصلاة خلف الحجاج، فإني أقسمت أن أقصمه، كما قصم عبادي. قال أبو معشر: مات رجل عندنا بالمدينة، فلما وضع على مغتسله ليغسل استوى قاعداً، ثم أهوى بيده على عينيه فقال: بصر عيني، بصر عيني، بصر عيني إلى عبد الملك بن مروان، وإلى الحجاج بن يوسف يسحبان أمعاءهما في النار، ثم عاد مضطجعاً كما كان. روى الأصمعي عن أبيه قال: رأيت الحجاج في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: قتلني بكل قتلة قتلت بها

إنساناً، ثم رأيته بعد الحول فقلت: يا أبا محمد، ما صنع الله بك؟ فقال: يا ماص بظر أمه، أما سألت عن هذا عام أول! قال أبو يوسف القاص: كنت عند الرشيد، فدخل عليه رجل فقال: رأيت الحجاج البارحة في النوم. قال: في أي زي رأيته؟ قال: قلت: في زي قبيح، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: ما أنت وذاك يا ماص بظر أمه! قال: هرون صدقت، والله أنت رأيت الحجاج حقاً، ما كان أبو محمد ليدع صرامته حياً وميتاً. قال أشعب المدائني: رأيت الحجاج في منامي بحال سيئة، فقلت: يا أبا محمد، ما صنع بك ربك؟ قال: ما قتلت أحداً قتلة إلا قتلني بها. قلت: ثم مه؟ قال: ثم أمر بي إلى النار. قلت: ثم مه؟ قال: ثم أرجو ما يرجو أهل لا إله إلا الله. قال: فكان ابن سيرين يقول: إني لأرجو له. قال: فبلغ ذلك الحسن. قال: فقال الحسن: أم والله ليجعلن الله عز وجل رجاءه فيه. يعني: ابن سيرين. قال أبو سليمان الداراني: كان الحسن البصري لا يجلس مجلساً إلا ذكر الحجاج، فدعا عليه، قال: فرآه في منامه فقال: أنت الحجاج؟ قال: أنا الحجاج. قال: ما فعل الله بك؟ قال: قتلت بكل قتلة قتلة، ثم عزلت مع الموحدين. قال: فأمسك الحسن بعد ذلك عن شتمه.

الحجاج بن يوسف

الحجاج بن يوسف بن أبي منيع عبيد الله بن أبي زياد أبو محمد الرصافي حدث عن جده عبيد الله بن أبي زياد عن الزهري عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه والله لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. فقال رجل منهم: اللهم، كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي الشجر، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فجئتهما به، فوجدتهما نائمين، فتحرجت أن أوقظهما، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فقمت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر فاستيقظا، فشربا غبوقهما. اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه - قال حجاج: من هم هذه الصخرة - فانفرجت انفراجاً لا يستطيعون الخروج منه ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وقال الآخر: اللهم، كانت لي ابنة عم أحب الناس إلي، فأردتها على نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة - قال حجاج: جهدت فيه من السنين - فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه - قال حجاج: من هم هذه الصخرة - فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثم قال الثالث: اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم إلا

حجر بن عدي الأدبر بن جبلة

رجلاً واحداً منهم، ترك الذي له وذهب، فثّمرت حتى كثرت الأموال فارتعجت، فجاءني بعد حين فقال لي: يا عبد الله، أد لي أجري. فقلت: كل ما ترى من أجرتك من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي. فقلت له: إني لا أستهزئ بك. فأخذ ذلك كله، فاستاقه فلم يترك منه شيئاً. اللهم، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه - قال حجاج: من هم هذه الصخرة - فانفرجت، فخرجوا من الغار يمشون. قال هلال بن العلاء: كان الحجاج بن أبي منيع من أعلم الناس بالأرض وما أنبتت، وأعلم الناس بالفرس من ناصيته إلى حافره، وأعلم الناس بالبعير من سنامه إلى خفه، وكان مع بني هاشم في الكتاب. هو شيخ ثقة. حجر بن عدي الأدبر بن جبلة ابن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن ثور، وهو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ وسمي أبوه الأدبر لأنه طعن مولياً فسمي الأدبر أبو عبد الرحمن الكندي من أهل الكوفة، وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزا الشام في الجيش الذين افتتحوا عذراء، وشهد صفين مع علي أميراً، وقتل بعذراء من قرى دمشق، ومسجد قبره بها معروف. حدث حجر بن عدي قال: سمعت شراحيل بن مرة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أبشر يا علي حياتك وموتك معي ".

وقال حجر بن عدي: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: الوضوء نصف الإيمان. وفي رواية: الطهور نصف الإيمان. شهد حجر القادسية، وهو الذي افتتح مرج عذراء وشهد الجمل وصفين مع علي عليه السلام، وكان في ألفين وخمس مئة من العطاء، وقتله معاوية بن أبي سفيان وأصحابه بمرج عذراء، وابناه عبيد الله وعبد الرحمن ابنا حجر قتلهما مصعب بن الزبير صبراً، وكانا يتشيعان. وكان حجر ثقة معروفاً، وكان مع علي بصفين حجر الخير وحجر الشر، فأما حجر الخير فهذا، وأما حجر الشر فهو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة. قال أبو معشر: كان حجر بن عدي رجلاً من كندة، وكان عابداً. قال: ولم يحدث قط إلا توضأ، ولم يهرق ماء إلا توضأ، وما توضأ إلا صلى. قال عبد الكريم بن رشيد: كان حجر بن عدي يلمس فراش أمه بيده، فيتهم غلظ يده، فينقلب على ظهره، فإذا أمن أن يكون عليه شيء أضجعها. قال يونس بن عبيد: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: إني قد احتجت إلى مال فأمدني، قال: فجهز المغيرة إليه عيراً تحمل المال؛ فلما فصلت العير بلغ حجراً وأصحابه، فجاء حتى أخذ بالقطار فحبس العير. قال: لا والله، حتى يوفى كل ذي حق حقه، فبلغ المغيرة ذلك أنه قد رد العير معه. فقال شباب ثقيف: ائذن لنا أصلحك الله فيه فنأتيك برأسه الساعة. قال: لا والله، ما كنت لأركب هذا من حجر أبداً، فبلغ معاوية فاستعمل زياداً وعزل المغيرة. قال أبو معشر: فتعترف به معاوية وأمره على العراقين - يعني زياداً - فلما قدم الكوفة، دعا حجر بن الأدبر فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تعلم حبي لعلي؟ قال: شديداً. قال:

فإن ذلك قد انسلخ أجمع فصار بغضاً، فلا تكلمني بشيء أكرهه، فإني أحذرك. فكان إذا جاء إبان العطاء قال حجر لزياد: أخرج العطاء فقد جاء إبانه، فكان يخرجه، وكان لا ينكر حجر بن زياد شيئاً إلا رآه عليه، فخرج زياد إلى البصرة واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، فصنع عمرو شيئاً كرهه حجر، فناداه وهو على المنبر، فرد عليه ما صنعه، وحصبه هو وأصحابه. قال: فأبرد عمرو مكانه بريداً إلى زياد، وكتب إليه بما صنع حجر؛ فلما قدم البريد على زياد، ندم عمرو بن حريث وخشي أن يكون من سطواته ما يكره، وخرج زياد من البصرة إلى الكوفة، فتلقاه عمرو بن حريث في بعض الطريق فقال: إنه لم يك شيء يكرهه، وجعل يسكنه، فقال زياد: كلا والذي نفسي بيده، حتى آتي الكوفة فأنظر ماذا أصنع، فلما قدم الكوفة سأل عمراً عن البينة، وسأل أهل الكوفة، فشهد شريح في رجال معه على أنه حصب عمراً وردّ عليه، فاجتمع حجر وثلاثة آلاف من أهل الكوفة فلبسوا السلاح، وجلسوا في المسجد، فخطب زياد الناس وقال: يا أهل الكوفة، ليقم كل رجل منكم إلى سفيهه فليأخذه، فجعل الرجل يأتي ابن أخيه وابن عمه وقريبه فيقول: قم يا فلان، قم يا فلان، حتى بقي حجر في ثلاثين رجلاً. فدعاه زياد فقال: أبا عبد الرحمن، قد نهيتك أن تكلمني، وإن لك عهد الله ألاّ تراب بشيء حتى تأتي أمير المؤمنين فتكلمه، فرضي بذلك حجر وخرج إلى معاوية. وفي حديث ابن سيرين قال: لما قدم زياد الكوفة لم يكن له هم إلا حجراً، وأصحابه، فتكلم يوماً زياد وهو على المنبر فقال: إن من حق أمير المؤمنين، إن من حق أمير المؤمنين؛ مراراً. فقال: كذبت ليس كذلك، فسكت زياد ونظر إليه، ثم عاد في كلامه فقال: إن من حق أمير المؤمنين، إن من حق أمير المؤمنين. مراراً. قال حجر: كذبت ليس كذلك، فسكت زياد ونظر إليه، ثم عاد في كلامه فقال: إن من حق أمير المؤمنين، إن من حق أمير المؤمنين. مراراً. نحواً من كلامه. فأخذ حجر كفاً من حصى فحصبه وقال: كذبت، عليك لعنة الله. قال: فانحدر زياد من المنبر فصلى، ثم دخل الدار، وانصرف حجر فبعث إليه زياد الخيل والرجال، أجب، قال حجر: إني والله ما أنا بالذي يخاف، ولا آتيه أخاف على نفسي.

قال ابن سيرين: لو مال لما أهل الكوفة معه، ولكن كان رجلاً ورعاً فأبى زياد أن تقلع عنه الخيل والرجال، حتى اصطلحا أن يقيده بسلسلة، ويرسله في ثلاثين من أصحابه إلى معاوية؛ فلما خرج أتبعه زياد برداً بالكتب بالركض إلى معاوية، إن كان لك في سلطانك حاجة أو في الكوفة حاجة فاكفني حجراً، وجعل يرفع الكتب إلى معاوية حتى ألهفه عليه، فقدم فدخل عليه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: وأمير المؤمنين أنا! قال: نعم ثلاثاً. فأمر بحجر وبخمسة عشر رجلاً من أصحابه قد كتب زياد فيهم وسمّاهم، وأخرج حجراً وأصحابه الخمسة عشر، وأمر بضرب أعناقهم. فال حجر للذي أمر بقتله: دعني فلأصل ركعتين. قال: صله. قال: فصلى ركعتين خفيفتين، فلما سلم أقبل على الناس فقال: لولا أن تقولوا جزع من القتل لأحببت أن تكون ركعتان أنفس ما كانتا، وايم الله لئن لم تكن صلاتي فيما مضى تنفعني ما هاتان بنافعيّ شيئاً. ثم أخذ برده فتحزم به، ثم قال لمن يليه من قومه: لا تحلوا قيودي، ولا تغسلوا عني الدم، فإني أجتمع أنا ومعاوية غداً على المحجّة. وفي حديث فيل مولى زياد قال: لما قدم زياد الكوفة أميراً أكرم حجر بن الأدبر وأدناه، فلما أراد الانحدار إلى البصرة دعاه فقال: يا حجر، إنك قد رأيت ما صنعت بك، وإني أريد البصرة فأحب أن تشخص معي، فإني أكره أن تخلف بعدي، فعسى أن أبلغ عنك شيئاً فيقع في نفسي، فإذا كنت معي، لم يقع في نفسي من ذلك شيء، فقد علمت رأيك في علي بن أبي طالب، وقد كان رأيي فيه قبلك على مثل رأيك. فلما رأيت الله صرف ذلك الأمر عنه إلى معاوية لم أتهم الله ورضيت به، وقد رأيت إلى ما صار أمر عليّ وأصحابه، وإني أحذر كأن تركب أعجاز أمور هلك من ركب صدورها. فقال له حجر: إني مريض ولا أستطيع الشخوص معك. قال: صدقت والله إنك لمريض، مريض الدين، مريض القلب، مريض العقل، وايم الله إن بلغني عنك شيء أكرهه لأحرضن على قتلك، فانظر لنفسك أو دع. فخرج زياد فلحق بالبصرة. واجتمع إلى حجر قرّاء أهل الكوفة، فجعل عامل زياد لا ينفذ الأمر ولا يريد شيئاً إلى منعوه إياه، فكتب إلى زياد: إني والله ما أنا في شيء، وقد منعني حجر

وأصحابه كل شيء، فأنت أعلم. فركب زياد بعماله حتى اقتحم الكوفة، فلما قدمها تغيب حجر، فجعل يطلبه فلا يقدر عليه، فبينا هو جالس يوماً وأصحاب الكراسي حوله، فيهم الأشعث بن قيس، إذ أتى الأشعث ابنه محمد فناجاه، وأخبره أن حجراً قد لجأ إلى منزله. فقال له زياد: ما قال لك ابنك؟ قال: لا شيء. قال: والله لتخبرني ما قال لك حتى اعلم أنك قد صدقت، أو لا تبرح مجلسك حتى أقتلك. فلما عرف الأشعث أخبره. فقال لرجل من أهل الكوفة من أشرافهم: قم فأتني به. قال: اعفني من ذلك، ابعث غيري. قال: لعنة الله عليك خبيثاً مخبثاً، والله لتأتيني به أو لأقتلنك. فخرج الرجل حتى دخل عليه، فأخذه وأخبر حجراً الخبر، فقال له: ابعث إلى جرير بن عبد فليكلمه فيك، فإني أخاف أن يعجل عليك. فدخل جرير على زياد فكلمه فقال: هو أمن من أن أقتله، ولكن أخرجه، فأبعث به إلى معاوية، فجاءه على ذلك، فأخرجه من الكوفة ورهطاً معه، وكتب إلى معاوية أن اغن عني حجراً، إن كان لك فيما قبلي حاجة، فبعث معاوية فتلقاه بعذراء، فقتل هو وأصحابه. وملك زياد العراق خمس سنين، ثم مات سنة ثلاث وخمسين. وفي حديث آخر، أن عائشة رضي الله عنها بلغها الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي إلى معاوية، تسأله أن يخلي سبيل حجر وأصحابه. فقال عبد الرحمن بن عثمان الثقفي: يا أمير المؤمنين، جذاذها جذاذها لاتعنّ بعد العام أبراً. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، ولكن اعرضوا علي كتاب زياد، فقرئ عليه الكتاب، وجاء الشهود فشهدوا. فقال معاوية: أخرجوهم إلى عذراء فاقتلوهم هنالك. قال: فحملوهم إلى عذراء. فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء. قال: الحمد لله، أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها في سبيل الله، ثم آتي إليها اليوم مصفوداً. وقد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية برسالة عن عائشة وقد قتلوا قال: يا أمير المؤمنين، أين غرب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: غيبة مثلك عني من قومي.

وقد كانت هند ابنة زيد من مخرّبة الأنصارية قالت حين سير حجراً إلى معاوية: ترفع أيها القمر المنير ... ترفّع هل ترى حجراً يسير يسير إلى معاوية بن حرب ... ليقتله كما زعم الخبير تجبّرت الجبابر بعد حجر ... وطاب لها الخورنق والسدير وأصبحت البلاد له محولاً ... كأن لم يحيها يوم مطير ألا يا حجر حجر بن عدي ... تلقتك السلامة والسرور أخاف عليك ما أردى عدياً ... وشيخاً في دمشق له زئير فإن تهلك فكل عبيد قوم ... إلى هلك من الدنيا يصير وقد رويت هذه الأبيات لهند أخت حجر بن عدي، وزيد فيها بيت قبل البيت الأخير وهو: يرى قتل الخيار عليه حقاً ... له من شرّ أمته وزير وفي شعر أخته: يسير إلى معاوية بن حرب ... فيقتله كما زعم الأمير وكان حجر بن عدي عند زياد وهو يومئذ على الكوفة، إذ جاءه قوم قد قتل منهم رجل، فجاء أولياء القتيل وأولياء المقتول فقالوا: هذا قتل صاحبنا. فقال أولياء القاتل: صدقوا، ولكن هذا نبطي وصاحبنا عربي، ولا يقتل عربي بنبطي. فقال زياد: صدقتم، ولكن أعطوهم الدية. فقالوا: لا حاجة لنا في الدية، إنا كنا نرى أن الناس فيه سواء. فقام حجر بن عدي فقال: نعطيك كتاب الله عز وجل، أو سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا حجر، لتقتلنه أو لأضربن بسيفي حتى أموت والإسلام عزيز. قال: فوالله ما برح حتى وضع السكين على حلقه. وكان يقال: أول ذلّ دخل على الكوفة قتل حجر بن عدي.

قال أبو معشر: وركب إليهم معاوية إلى مرج العذراء، حتى أتاهم فسلّم عليهم وسألهم: من أنت؟ من أنت؟ حتى انتهى إلى حجر فقال: من أنت؟ قال: حجر بن عدي. قال: كم مر بك من السنين؟ قال: كذا وكذا. قال: كيف أنت والشتاء اليوم؟ فأخبره. قال: كيف أنت والطعام اليوم؟ فاخبره. ثم انصرف وأرسل إليهم رجلاً أعور، معه عشرون كفناً، فلما رآه حجر تفاءل وقال: يقتل نصفكم ويترك نصفكم، فجعل الرسول يعرض عليهم التوبة والبراءة من علي، فأبى عدة وتبرأ عدة فقتل الذين أبوا، وترك الذين تبرأوا، وحفر لهم قبوراً، فجعل يقتلهم ويدفنهم. فلما انتهى إلى الحجر جعل حجر يرعد فقال له أراد قتله: مالك ترعد! قال: قبر محفور وكفن منشور وسيف مشهور. قال: تبرأ مني علي؟ قال: لا أتبرأ منه. فضرب عنقه ودفنه. ولما حج معاوية دخل على عائشة فقالت له: يا معاوية، قتلت حجر بن الأدبر. قال: أقتل حجراً، أحب إلي من أن أقتل معه مئة ألف. وفي حديث: أنه استأذن عليها فأبت أن تأذن له، فلم يزل حتى أذنت له، فلما دخل عليها قالت: أنت الذي قتلت حجراً! قال: لم يكن عندي أحد ينهاني. قال أبو الأسود: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء، حجر وأصحابه؟ فقال: يا أم المؤمنين، إني رأيت قتلهم صلاحاً للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة. فقالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء. وعن علي بن أبي طالب قال: يا أهل الكوفة، سيقتل منكم سبعة نفر خياركم، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، منهم حجر بن الأدبر وأصحابه. قتلهم معاوية بالعذراء من دمشق كلهم من أهل الكوفة. وروي أن الحسن بن علي أتاه ناس من أهل الكوفة من السبعة، فشكوا إليه ما صنع

زياد بحجر وأصحابه، وجعلوا يبكون عنده، وقالوا: نسأل الله أن يجعل قتله بأيدينا. فقال: مه، إن في القتل كفارات، ولكن نسأل الله أن يميته على فراشه. قال مروان بن الحكم: دخلت مع معاوية على أم المؤمنين عائشة فقالت: يا معاوية: قالت حجراً وأصحابه، وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبأ لك رجلاً فيقتلك! فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الإيمان قيد الفتك. لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح. قال: فدعيني وحجراً حتى نلتقي عند ربنا عزّ وجلّ. قال سفيان الثوري: قال معاوية: ما قتلت أحداً إلا وأنا اعلم فيم قتلته، وما أردت به، إلا حجر بن عدي، فإني لا أعرف فيم قتلته. وكان قتل حجر بن عدي سنة إحدى وخمسين، وقيل: قتل سنة ثلاث وخمسين، وفيها مات زياد بن أبي سفيان. قال أبو بكر بن عياش: دخل عبد الله بن يزيد بن أسد على معاوية وهو في مرضه الذي مات فيه، فرأى منه جزعاً فقال: ما يجزعك يا أمير المؤمنين إن مت؟ قال: الجنة. وإن عشت، فقد علم الله حاجة الناس إليك. قال: رحم الله أباك إن كان لناصحاً، نهاني عن قتل ابن الأدبر يعني حجراً، ثم عاده عبد الله بن يزيد فعاد معاوية مثل ذلك القول. وقد تقدم في ترجمة أرقم بن عبد الله الكندي حديث طويل في ترجمة حجر وأصحابه.

حجوة بن مدرك الغساني

حجوة بن مدرك الغساني أصله من الكوفة، سكن دمشق، وروى عن جماعة. حدث عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجار أحق بشفعة جاره ينتظر به وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً. وحدث حجوة بن مدرك أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولو كان خبيثاً لم يعطه. حديج خصي كان لمعاوية بن أبي سفيان. قال عوانة: حدثني حديج خصي لمعاوية، رأيته في زمن يزيد بن عبد الملك في ألفين من العطاء قال: اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة، فأدخلها عليه مجردة وبيده قضيب، فجعل يهوي به إلى متاعها ويقول: هذا المتاع لو كان له متاع! اذهب بها إلى يزيد بن معاوية. ثم قال: لا، ادع لي ربيعة بن عمرو الجرشي وكان فقيهاً، فلما دخل عليه قال: إن هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذلك وذلك، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد. قال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنها لا تصلح له. قال: نعم ما رأيت. ثم قال: ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري، فدعوته - وكان آدم شديد الأدمة - فقال: دونك هذه بيض بها ولدك. وهو عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن بدر. قال عوانة: وكان في سبي فزارة، فوهبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنته فاطمة، فأعتقه، كان غلاماً ربته فاطمة وعلي عليهما السلام وأعتقته، وكان بعد ذلك مع معاوية، أشد الناس على علي.

حدير أبو فوزة

حدير أبو فوزة وقيل أبو فروة الأسلمي ويقال السلمي مولاهم يقال: إن له صحبة. سكن حمص. قال عثمان بن أبي العاتكة: حدث أخ لي يقال له زياد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى الهلال قال: " اللهم، بارك لنا في شهرنا هذا الداخل ". فذكر الحديث وقال: توالى على هذا الدعاء ستة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعوه منه، والسابع صاحب الفرس الجرموز والرمح الثقيل حدير أبو فوزة السلمي. قال أبو نصر بن ماكولا: أما أبو فروة بتقديم الراء فجماعة، وأما بتقديم الواو فهو أبو فوزة حدير السلمي. قال بكر بن سوادة: دخل حدير الأسلمي على أبي الدرداء يعوده وعليه جبة من صوف، وقد عرق فيها وهو نائم على حصير، فقال: يا أبا الدرداء، ما يمنعك أن تلبس من الثياب التي يكسوك معاوية، وتتخذ فراشاً! قال: إن لنا داراً لها نعمل، وإليها نظعن، والمخف فيها خير من المثقل. قال أبو فوزة حدير السلمي: خرج بعث الصائفة فاكتتب فيه كعب، فلما نفر البعث خرج كعب وهو مريض، وقال: لأن أموت بحرستا أحب إلي من أن أموت بدمشق، ولأن أموت بدومة أحب إلي من أن أموت بحرستا، هكذا قدماً في سبيل الله. قال: فمضى. فلما كان بفج معلولا قلت: أخبرني. قال: شغلتني نفسي. قلت: أخبرني. قال: سيقتل رجل يضيء دمه لأهل السماء. ومضينا حتى إذا كنا بحمص توفي بها. فدفناه هنالك بين ربيويات بأرض حمص. ومضى البعث، فلم يقفل حتى قتل عثمان.

حدير بن كريب

قال الجريري: حدثت أن أبا الدرداء ترك الغزو عاماً، فأعطى رجلاً صرة فيها دراهم فقال: انطلق فإذا رأيت رجلاً يسير من القوم، في هيئة بذاذة، فادفعها إليه. قال: ففعل. فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم لم تنس حديراً لا ينساك. قال: فرجع إلى أبي الدرداء فأخبره، فقال: ولي النعمة ربها. حدير بن كريب أبو الزاهرية الحميري ويقال الحضرمي الحمصي قال أبو الزاهرية: كنت مع عبد الله بن بسر صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فقال: " اجلس فقد آنيت وآذيت ". روى أبو الزاهرية، عن جبيربن نفير، عن ثوبان قال: ذبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أضحيته ثم قال: " يا ثوبان أصلح لهم هذه الأضحية ". فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة. قال حدير بن كريب وابن عبد الله بن بسر: إنهما رأيا عبد الله بن بسر وأبا أمامة وغيرهما من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبغون لحاهم. حدث أبو الزاهرية قال: أغفيت في صخرة بيت المقدس، فجاءت السدنة فأغلقوا علي الباب، فما انتبهت إلا بتسبيح الملائكة، قال: فوثبت مذعوراً، فإذا البيت صفوف، فدخلت معهم في الصف، فإذا رجل قائم على الصخرة يقول: سبحان الدائم القائم، سبحان الحي القيوم، سبحان الله وبحمده، سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، سبحان ربي العلي الأعلى، سبحانه

وتعالى، قال: فيجيبه أسفل منه. قال: ثم ترتج الصفوف بهذا التسبيح. فنظر إلي الذي يليني فقال: آدمي أنت! فقصصت عليه قصتي. فلما استأنست إليه قلت: بعزة من قواكم لما أرى من عبادته، من القائم على الصخرة؟ قال: ذاك جبريل. قلت: بعزة من قواكم لما أرى من عبادته، من الذي يرد عليه؟ قال: ذلك ميكائيل عليه السلام. قلت: بعزة من قواكم لما أرى من عبادته فمن أنتم؟ قال: نحن ملائكة الله عز وجل. قلت: بعزة من قواكم لما أرى من عبادته فما لمن يقولها؟ قال: من قالها سنة في كل يوم مرة، أو في يوم بعدد أيام السنة، لم يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له. قال الحافظ: رواه غيره عن شهاب بن خراش، فأسنده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن أبان، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال كل يوم مرة سبحان القائم الدائم، سبحان الحي القيوم، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الله العظيم وبحمده. سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحان ربي العلي الأعلى، سبحانه وتعالى، لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة، أو يرى له ". وكان أبو الزاهرية أمياً لا يكتب؛ وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. قال أبو الزاهرية: ما رأيت قوماً أعجب من أصحاب الحديث، يأتون من غير أن يدعوا، ويزورون من غير شوق، ويبرمون بالمساءلة، ويملون بطول الجلوس. قال أبو عبيد: توفي أبو الزاهرية سنة مئة بالشام، وقيل: توفي سنة سبع وعشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين في خلافة مروان بن محمد. وكان ثقة كثير الحديث؛ وكذا قال أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري.

حدير بن جعفر بن محمد

حدير بن جعفر بن محمد أبو نصر الأنباري الرماني روى عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدة القرشي، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً، مئة غير واحد، الله وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة ". حذيفة بن أسيد ويقال ابن أمية بن أسيد أبو سريحة الغفاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ممن بايع تحت الشجرة، وهو أول مشهد شهده مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشهد فتح دمشق مع خالد بن الوليد، وأغار على عذراء، واستوطن الكوفة بعد ذلك. قال حذيفة بن أسيد الغفاري: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة، فيقول: أي رب، ذكر أو أنثى؟ قال: فيقول الله ويكتب الملك. قال: فيقول: أي رب، أشقي أو سعيد؟ قال: فيقول له ويكتب. قال: ثم يكتب عملاه ورزقه وأجله وأثره، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص. وقيل: إن أول مشاهد حذيفة بن أسيد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية. أسيد السين مكسور، والياء ساكنة. وهو حذيفة بن أسيد بن خالد بن الأعوس ين الوقيعة بن حرام بن غفار. وقيل: حذيفة بن أسيد بن الأعور بن واقعة بن حرام بن غفار بن مليل، وقيل: حذيفة بن أمية بن أسيد بن الأعوز.

حذيفة بن اليمان

حذيفة بن اليمان وهو حذيفة بن حسيل، ويقال: حسل بن جابر بن أسيد بن عمرو بن مالك ويقال: اليمان بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث، أبو عبد الله العبسي حليف بني عبد الأشهل، صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحب سره من المهاجرين. وحسل كان يقال له اليمان. حدث حذيفة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل، يشوص فاه بالسواك. حدث زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم قال: سمعت عمر بن الخطاب بالمدينة وهو يقول: تقاتلون الروم باليرموك وذكر اهتمامه بخبرهم وأمرهم والله إني لأقوم إلى الصلاة فما أدري، أفي أول السورة أنا أم في آخرها، ولأن لا تفتح قرية في الشام، أحب إلي من أن يهلك أحد من المسلمين بمضيعة. قال أسلم: فبينا أنا ذات يوم مقابل الثنية بالمدينة إذ أشرف منها ركب من المسلمين فيهم حذيفة بن اليمان، فقام إليهم من يليهم من المسلمين، فاستخبروهم فأسمعهم يقولون: أبشروا معشر المسلمين بفتح الله عز وجلّ ونصره. قال أسلم: فانطلقت أسعى حتى أتيت عمر بن الخطاب فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره. فخر عمر ساجداً. قال الوليد: فذاكرت عبد الله بن المبارك سجدة الفتح، وحدثته بهذا الحديث، فقال عبد الله بن المبارك: بهذا حدثك عبد الرحمن بن زيد؟ فقلت: نعم. فقال: ما سمعت في سجدة الشكر والفتح بحديث أثبت من هذا. وفي نسبه اختلاف، وقيل فيه: جروة بن اليمان، من ولده حذيفة، وإنما قيل اليمان لأنّ جروة أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل، فسمّاه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية.

وأم حذيفة الرّباب بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل. لم يشهد بدراً وشهد أحداً. وقتل أبوه يومئذ، قتله المسلمون ولا يعرفونه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، وجاءه نعي عمار وه بالمدائن، وتوفي بها سنة ست وثلاثين. وحضر حذيفة ما بعد أحد من الوقائع، وكان صاحب سرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقربه منه وثقته به، وعلو منزلته عنده. وولاه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المدائن، فأقام بها إلى حين وفاته. قال حذيفة بن اليمان: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل، فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرناه الخبر فقال: نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليم. وعن حذيفة قال: خيّرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الهجرة والنصرة، فاخترت النصرة. ومن حديث آخر: أن أبا حذيفة قتل مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد، أخطأ به المسلمون، فجعل حذيفة يقول لهم: أبي، أبي، فلم يفهموا حتى قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فزادت حذيفة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً، وأمر به فأوري، أو قال: فأودي. قال حذيفة: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء، حتى عن مسح الحصا فقال: واحدة أو دع. قال حذيفة: لقد حدثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها.

قال حذيفة: أنا أعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرّ إلي شيئاً لم يحدّث به غيري، وكان ذكر الفتن في مجلس أنا فيه، فذكر ثلاثاً لا يذرن شيئاً، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري. قال حذيفة: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنهليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره. وفي رواية: فأذكر كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه. وعن حذيفة قال: كنتم تسألون عن الرخاء، وكنت أسأله عن الشدة لأتقيها، ولقد رأيتني وما من يوم أحب إلي من يوم يشكو إلي فيه أهل الحاجة، إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، يا موت، غظ غيظك وشدّ شدك، أبى قلبي إلا حبك. قال حذيفة بن اليمان: سألتني أمي: منذ متى عهدك بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقلت لها: منذ كذا كذا. قال: فنالت مني وسبتني. قال: فقلت لها: دعيني حتى آتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصلي معه المغرب، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك. قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصليت معه المغرب، فصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء، ثم انفتل فتبعته، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتبعته، فسمع صوتي فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة. فقال: ما لك؟ فحدثته بالأمر. فقال: غفر الله لك ولأمك، ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ قال: قلت: بلى. قال: فهو ملك من الملائكة، لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم عليّ، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.

وعن حذيفة قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفاه الله فيه فقلت: يا رسول الله، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي؟ قال: فرد عليّ بما شاء الله، ثم قال: يا حذيفة، ادن مني. قال: فدنوت من تلقاء وجهه. قال: يا حذيفة، إنه من ختم الله به بصوم يوم، أراد به الله تعالى أدخله الله الجنة، ومن أطعم جائعاً، أراد به الله أدخله الله الجنة، ومن كسا عارياً، أراد به الله أدخله الله الجنة. قال: قلت: يا رسول الله، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه. قال: فهذا آخر شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا قد أعطي سبعة نجباء رفقاء، وأعطيت أنا أربعة عشر: سبعة من قريش؛ علي، والحسن، والحسين، وحمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقدار، وبلال، رضوان الله عليهم. ومن حديث آخر، عن علي بن أبي طالب قال: قام إليه رجل فقبّل رأسه وقال: أخبرني عن قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نجباء أمته فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبيّ من أمته نجباء، ونجبائي من أمتي: الحسن، والحسين، وحمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وسلمان، وأبو ذر، وعمار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وحذيفة، وعبد الله بن مسعود وبلال. وعن حذيفة قال: قالوا: يا رسول الله، ألا تستخلف لنا؟ قال: إني إن أستخلف عليكم فعصيتموه نزل عليكم العذاب، ولكن ما أقرأكم ابن مسعود فاقرؤوه، وما حدثكم حذيفة فاقبلوه. قال علقمة: قدمت الشام فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي الدرداء. فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: أو ليس فيكم صاحب سواد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني عبد الله بن مسعود - أو ليس فيكم صاحب سرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي لا يعلمه غيره - يعني حذيفة - أليس فيكم من أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

يعني عمّار بن ياسر - ثم قال: كيف سمعت عبد الله بن مسعود يقرأ " والليل إذا يغشى "؟ فقلت " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى " فقال: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأها فأراد هؤلاء أن يستزلوني. قال خيثمة بن أبي سبرة الجعفي: أتيت المدينة، فسألت الله عز وجلّ أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسّر لي أبو هريرة، فجلست إليه فقلت: إني سألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فوقعت لي. فقال: من أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، جئت ألتمس العلم والخير. قال: أو ليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة؟ وعبد الله بن مسعود صاحب طهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونعليه وحذيفة بن اليمان صاحب سرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعمار بن ياسر الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وسلمان صاحب الكتابين! قال قتادة: والكتابان الإنجيل والفرقان. وعن قيس بن أبي حازم قال: سئل علي بن أي طالب عن عبد الله بن مسعود فقال: قرأ القرآن، فوقف عند متشابهه، فأحل حلاله، وحرم حرامه. وسئل عن عمار بن ياسر فقال: مؤمن نسي، وإذا ذكر ذَكر، قد حشي ما بين فيه إلى كعبه إيماناً. وسئل عن حذيفة فقال: أعلم الناس بالمنافقين. فقالوا: أخبرنا عن سلمان. قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر، منا أهل البيت. قالوا: أخبرنا عن أبي ذر. قال: وعى علماً. قالوا: أخبرنا عن نفسك. قال: إيّاها أردتم، كنت إذا سكت ابتديت، وإذا سألت أعطيت، وإن بين دفتيّ علماً جماً. قلت لإسماعيل بن خالد: ما بين دفتيه؟ قال: جنبيه. وفي حديث، عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس ومراح، فقلنا: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن أصحابك. وذكر الحديث وفيه قلنا: فحدثنا عن حذيفة. قال: ذاك امرؤ علم المعضلات والمفصّلات، وعلم أسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً.

وعن حذيفة قال: مر بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد فقال لي: يا حذيفة، إن فلاناً قد مات فاشهده. قال: ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إلي فرآني وأنا جالس فعرف، فرجع إليّ فقال: يا حذيفة، أنشدك الله أمن القوم أنا؟ قال: قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك. قال: فرأيت عيني عمر جاءتا. وعن نافع بن جبير بن مطعم قال: لم يخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأسماء المنافقين الذين بخسوا به ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلاً ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار، أو من حلفائهم. وعن حذيفة بن اليمان قال: صليت ليلة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان، فقام يغتسل وسترته، ففضلت منه فضلة في الإناء فقال: إن شئت فأرقه، وإن شئت فصبّ عليه. قال: قلت: يا رسول الله، هذه الفضلة أحب إلي مما أصب عليه. قال: فاغتسلت به وسترني قال: قلت: لا تسترني. قال: بل لأسترنك كما سترتني. حدث إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلت معه وأبليت معه، فقال حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك! لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة، وقرّ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة. قال: فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة. قال: فسكتنا فلم يجبه منا أحد. ثم قال: فسكتنا. فقال: قم يا حذيفة - أراه قال: فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم - قال: اذهب فائتنا بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ، فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تذعرهم علي، ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام، فلما أتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت، فلما أصبحت قال: قم يانومان.

وفي حديث آخر بمعناه، عن حذيفة قال: فقمت وإن جنبيّ ليضربان من البرد فمسح رأسي ووجهي ثم قال: ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم، ولا تحدثن حدثاً حتى ترجع، ثم قال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته حتى يرجع. قال: فلأن يكون أرسلها كان أحب إلي من الدنيا وما فيها. الحديث. وعن حذيفة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وحدي. وعن زيد بن أسلم قال: قال رجل لحذيفة: أشكو إلى الله صحبتكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنكم أدركتموه ولم ندركه، ورأيتموه ولم نره. قال حذيفة: ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه. والله ماتدري لو أنك أدركته كيف كنت تكون! لقد رئينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الخندق، ليلة باردة مطيرة، إذ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم، جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة؟ فما قام منا أحد. ثم قال: هل من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم، أدخله الله الجنة؟ قال: فوالله ما قام منا أحد. قال: هل من رجل يذهب، فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيقي في الجنة؟ فما قام منا أحد. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ابعث حذيفة. قال حذيفة: فقلت: دونك، فوالله ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حذيفة، حتى قلت: يا رسول الله بأبي وأمي أنت، والله ما بي أن أقتل، ولكني أخشى أن أؤسر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك لن تؤسر. فقلت: يا رسول الله، مرني بما شئت. فقال: اذهب حتى تدخل في القوم، فتأتي قريشاً فتقول: يا معشر قريش، إنما يريد الناس أن يقولوا غداً: أين قريش؟ أين قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟ تقدموا، فتقدموا، فتضلوا بالقتال، فيكون القتل بكم، ثم ائت كنانة فقل: يا معشر كنانة، إنما يريد الناس غداً أن يقولوا: أين كنانة؟ أين رماة الحدق؟ تقدموا، فتقدموا فتضلوا

بالقتال، فيكون القتل بكم. ثم ائت قيساً فقل: يا معشر قيس، إنما يريد الناس غداً أن يقولوا: أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ أين فرسان الناس؟ تقدموا، فتقدموا فتضلوا بالقتال، ويكون القتل بكم. ثم قال لي: ولا تحدث في سلاحك شيئاً. قال حذيفة: فذهبت فكنت بين ظهراني القوم أصطلي معهم على نيرانهم، وأذكر لهم القول الذي قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين قريش؟ أين كنانة؟ أين قيس؟ حتى إذا كان وجه السحر، قام أبو سفيان يدعو باللات والعزى ويشرك، ثم قال: نظر رجل من جليسه؟ قال: ومعي رجل يصطلي، قال: فوثبت عليه مخافة أن يأخذني فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان. قلت: أولى. فلما رأى أبو سفيان الصبح، قال أبو سفيان: نادوا: أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟ أين قادة الناس؟ تقدموا. قالوا هذه المقالة التي أتينا بها البارحة. ثم قال: أين كنانة؟ أين رماة الحدق؟ تقدموا. فقالوا: هذه المقالة التي أتينا بها البارحة. ثم قال: أين قيس: أين فرسان الناس؟ أين أحلاس الخيل؟ تقدموا فقالوا: هذه المقالة التي أتينا بها البارحة. قال: فخافوا فتخاذلوا، وبعث الله عليهم الريح، فما تركت لهم بناء إلا هدمته، ولا إناء إلا أكفته، وتنادوا بالرحيل. قال حذيفة: حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول، فجعل يستحثه للقيام ولا يستطيع القيام لعقاله. قال حذيفة: فوالله لولا ما قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تحدث في سلاحك شيئاً لرميته من قريب. قال: وسار القوم، وجئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فضحك حتى رأيت أنيابه. وفي حديث آخر بمعناه، عن حذيفة: ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت المعسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر، الرحيل الرحيل لا مقام لكم، وإذا الريح في معسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انتصف الطريق أو نحو ذلك إذا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتّمين فقالوا: أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو

مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما غدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف، فأوحى إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده وهو يصلي، فدنوت منه، فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يترحلون، فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها " الآية. وعن حذيفة قال: تعودوا الصبر - وفي رواية: تعودوا البلاء - فيوشك أن ينزل بكم البلاء، مع أنه لا يصيبكم أشد مما أصابنا، ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن مسلم بن مخراق قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هذا؟ قال: أنا عمار بن ياسر قال: ونظر خلفه قال: من هذا؟ قال: أنا حذيفة. قال: بل أنت كيسان ". وعن بريدة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل حذيفة بن اليمان على بعض الصدقة. فلما قدم قال: " يا حذيفة، هل رزئ من الصدقة شيء؟ قال: لا يا رسول الله، أنفقنا بقدر إلا أن ابنة لي أخذت جدياً من الصدقة. قال: كيف بك يا حذيفة إذا ألقي في النار وقيل لك ائتنا به! فبكى حذيفة، ثم بعث إليها فجيء بها فألقاها في الصدقة ". قال محمد بن سيرين: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملاً كتب في عهده: أن اسمعوا له، وأطيعوا ما عدل فيكم. قال: فلما استعمل حذيفة على المدائن كتب في عهده: أن اسمعوا له وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم. قال: فخرج حذيفة من عند عمر على حمار موكف، وعلى الحمار زاده. فلما قدم المدائن استقبله أهل الأرض والدهاقين، وبيده رغيف وعرق من لحم على حمار

على إكاف. قال: فقرأ عهده عليهم، فقالوا: سلنا ما شئت. قال: أسألكم طعاماً آكله وعلف حماري هذا ما دمت فيكم، مرتين. قال: فأقام فيهم ما شاء، ثم كتب إليه عمر أن اقدم. فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق في مكان لا يراه. فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فأكرمه وقال: أنت أخي، وأنا أخوك. وفي حديث آخر عنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميراً كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلاناً وأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا، فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلاناً فأطيعوه، فقالوا: هذا رجل له شأن، فركبوا ليتلقوه، فلقوه على بغل تحته إكاف، وهو معترض عليه، رجلاه من جانب واحد، فلم يعرفوه فأجازوه، فلقيهم الناس فقالوا: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم. قال: فركضوا في أثره، فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل، فسلموا عليه، فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف. قال: فلما عقل ألقاه. أو قال: أعطاه خادمه. قال أبو عبيدة: ومضى حذيفة بن اليمان - يعني سنة اثنتين وعشرين. بعد نهاوند إلى مدينة نهاوند، فصالحه دينار على ثماني مئة ألف درهم كل سنة. وغزا حذيفة مدينة الدينور فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت لسعد، ثم انتقضت، ثم غزا حذيفة ما سبذان فافتتحها عنوة، وقد كانت فتحت لسعد، فانتقضت. قال خليفة: وقد قيل في ماه غير هذا: يقال: أبو موسى فتح ماه دينار، ويقال: السائب بن الأقرع. قال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة، ولم تكن فتحت قبل ذلك، ثم غزا الري

فافتتحها عنوة، ولم تكن فتحت قبل ذلك، وإليها انتهت فتوح حذيفة. وقال أبو عبيدة: فتوح حذيفة هذه كلها في سنة اثنتين وعشرين. ويقال: همذان، افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: جرير بن عبد الله افتتحها بأمر المغيرة. قال أبو عبد الرحمن السلمي: جمعت مع حذيفة المدائن، فسمعته يقول: إن الله يقول: " إقتربت الساعة وانشق القمر " ألا إن القمر انشق على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا إن الساعة قد اقتربت، ألا إن المضمار اليوم والسبق غداً، قال: فقلت لأبي: غداً مجرى الخيل. قال: إنك لغافل، حتى سمعته يقول: السابق من سبق إلى الجنة، والغاية النار. قال أبو هريرة: قال حذيفة بن اليمان: لأقومن الليلة، فلأمجدن ربي عز وجل. قال: فسمعت صوتاً ورائي لم اسمع صوتاً قط أحسن منه. قال: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره، اغفر لي ما سلف مني، واعصمني فيما بقي من أجلي. وعن حذيفة بن اليمان أنه قال: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع فيه إلى أهلي، فيشكون إلي الحاجة، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عن الله ليتعاهد عبده بالبلاء، كما يتعاهد الوالد ولده بالخير، وإن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن الدنيا، كما يحمي المريض أهله الطعام. وعن حذيفة قال: بحسب المرء من العلم أن يخشى الله عز وجل، وبحسبه من الكذب أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم يعود.

قال أبو البحتري: قال حذيفة: لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم، فقال: ففطن له شاب فقال: من يصدقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا! فقال: إن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر. قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟ فقال: إنه من اعترف بالشر، وقع في الخير. قال قتادة: قال حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر، وقد مددت يدي لأغرف، فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتى أقتل. وعن حذيفة أنه قال: خذوا عنا، فإنا لكم ثقة، ثم خذوا عن الذين يأخذون عنا، فإنهم لكم ثقة، ولا تأخذوا عن الذين يلونهم. قالوا: لم؟ قال: لأنهم يأخذون حلو الحديث، ويدعون مره، ولا يصلح حلوه إلا بمره. وقال حذيفة بن اليمان: عن الحق ثقيل، وهو مع ثقله مريء، وإن الباطل خفيف، وهو مع خفته وبيء، وترك الخطيئة خير من طلب التوبة، ورب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً. وعن جابر بن عبد الله قال: قال لنا حذيفة: إنا حملنا هذا العلم، وإنا نؤديه عليكم، وإن كنا لا نعمل به. قال البيهقي: قوله: وإن كنا لا نعمل به، يريد والله أعلم فيما يكون ندباً واستحباباً، فلا يظن بهم أنهم كانوا يتركون الواجب عليهم ولا يعملون به، إذ كانوا أعمل الناس بما وجب عليهم، ويحتمل أن يكون ذهب مذهب التواضع في ترك التزكية. وعن أبي الطفيل قال: قال حذيفة: ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء

فقيل له: يا أبا عبد الله، وما ميت الأحياء؟ قال: الذي لا يعرف المعروف بقلبه، ولا ينكر المنكر بقلبه. عن حذيفة، أنه سئل عن ميت الأحياء قال: هو الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه. قال حذيفة لأبي هريرة: إني أراك إذا دخلت الكنيف أبطأت في مشيك، وإذا خرجت أسرعت. قال: إني أدخل وأنا على وضوء، وأخرج وأنا على غير وضوء، فأخاف أن يدركني الموت قبل أن أتوضأ. قال له حذيفة: إنك لطويل الأمل، لكني أرفع قدمي، فأخاف ألا أضع الأخرى حتى أموت. وعن حذيفة قال: لوددت أن لي من يصلح لي في مالي، فأغلق علي بابي فلا يدخل علي أحد، حتى ألحق بالله عز وجل. قال فضيل بن عياض: قيل لحذيفة: مالك لا تتكلم؟ قال: إن لساني سبع، أتخوف إن تركته يأكلني. قال حذيفة: ليس خياركم من ترك الدنيا للآخرة، ولا خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولكن خياركم من أخذ من كل. وعن حذيفة بن اليمان أنه قال لرجل: أيسرك أن تغلب شر الناس؟ قال: إنك إن تغلبه تكن شراً منه. قال ابن سيرين: سئل حذيفة عن شيء فقال: إنما يفتي أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، أو رجل ولي سلطاناً فلا يجد من ذلك بداً، أو متكلف. قال النزال بن سبرة: كنا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان: يا أبا عبد الله، ما هذا الذي بلغني عنك؟

قال: ما قلته. فقال عثمان: أنت أصدقهم وأبرهم، فلما خرج قلت: يا أبا عبد الله، ألم تقل ما قلته؟ قال: بلى، ولكني أشتري ديني ببعضه: مخاف أن يذهب كله. قال بلال بن يحيى: بلغني أن حذيفة كان يقول: ما أدراك هذا الأمر أحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قد اشترى بعض دينه ببعض، قالوا: فأنت؟ قال: وأنا، والله إني لأدخل على أحدهم وليس أحد إلا وفيه محاسن ومساوئ، فأذكر من محاسنه وأعرض عما سوى ذلك، وربما دعاني أحدهم إلى الغداء فأقول: إني صائم ولست بصائم. قال ربعي بن خراش: لما كانت الليلة التي حضر فيها حذيفة، جعل يقول، أي الليل هذا؟ قال: فقلنا له وجه السحر. فاستوى جالساً ثم قال: اللهم، إني أبرأ إليك من دم عثمان، والله ما شهدت ولا قتلت ولا مالأت على قتله. وعن خالد بن ربيع العبسي قال: سمعنا توجع حذيفة، فركب إليه أبو مسعود الأنصاري في نفر أنا فيهم إلى المدائن، قال: فأتيناه في بعض الليل فقال: أي الليل ساعة هذه؟ قلنا: بعض الليل. لوجود الليل. قال: هل جئتم بأكفاني؟ قلنا: نعم. قال: فلا تغالوا بكفني، فإن يكن لصاحبكم عند الله خير يبدل خيراً من كسوتكم، وإلا تسلب سلباً سريعاً. قال: ثم ذكر عثمان فقال: اللهم لم أشهد، ولم أقتل، ولم أرض. وعن ربعي بن خراش أنه حدثهم أن أخته وهي امرأة حذيفة قالت: لما كان ليلة توفي حذيفة، جعل يسألنا أي الليل هو؟ فنخبره، حتى كان السحر. قالت: فقال: أجلسوني. فأجلسناه، قال: وجهوني. فوجهناه، قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح النار ومن مسائها. قال ربعي بن خراش: قال حذيفة عند الموت: رب يوم أتاني الموت لم أسأل، أما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري علام أنا فيها؟ قال: وأوصى أبا مسعود فقال: عليك بما تعرف ولا تلون في أمر الله عز وجل.

وعن صالح بن حسان، أن حذيفة لما نزل به الموت قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللهم، إنك تعلم أني أحبك، فبارك لي في لقائك. ثم مات. قال أسد بن وداعة: لما مرض حذيفة مرضه الذي مات فيه قيل له: ما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة. قالوا: فما تشتكي؟ قال: الذنوب. قالوا: أفلا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، لقد عشت فيكم على خلال ثلاث: الفقر فيكم أحب إلي من الغنى. والضعة فيكم أحب إلي من الشرف، وإن من حمدني منكم ولامني في الحق سواء. ثم قال: أصبحنا؟ أصبحنا؟ قالوا: نعم. قال: اللهم، إني أعوذ بك من صباح النار، حبيب جاء على فاقة، فلا أفلح من ندم. حدث جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال حذيفة حين حضره الموت: مرحباً بالموت وأهلاً، مرحباً بحبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إني لم أحب الدنيا لحفر الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لسهر الليل وظمأ الهواجر، وكثرة الركوع والسجود، والذكر لله عز وجل كثيراً، والجهاد في سبيله، ومزاحمة العلماء بالركب. وعن زياد مولى ابن عياش عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: دخلت على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فقال: اللهم، إنك تعلم لولا أني أرى أن هذا اليوم أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا لم أتكلم بما أتكلم به، اللهم، إنك تعلم أني كنت أختار الفقر على الغنى، وأختار الذلة على العز، وأختار الموت على الحياة، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم. ثم مات. وتوفي حذيفة بعد عثمان بأربعين يوماً. وقيل: مات سنة ست وثلاثين. وقيل: قبل عثمان بأربعين ليلة. قال حفص بن غياث: رأيت أبا حنيفة في المنام فقلت له: أي الآراء وجدت أفضل أو أحسن؟ قال: نعم الرأي رأي عبد الله، ووجدت حذيفة بن اليمان شحيحاً على دينه.

حرام بن حكيم بن خالد بن سعد

وقيل: إنه مات سنة خمس وثلاثين. وقولهم: قبل قتل عثمان خطأ، لأن عثمان قتل في آخر سنة خمس وثلاثين. حرام بن حكيم بن خالد بن سعد ابن حكم الأنصاري ويقال: حرام بن معاوية من أهل دمشق. حدث حرام عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في بيتي والصلاة في المسجد. فقال: " لقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد، ولأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة. وحدث عنه أيضاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سؤّاله، كثير معطوه، العمل فيه خير من العلم، وسيأتي زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤّاله، قليل معطوه، العلم فيه خير من العمل. وحدث حرام بن حكيم، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، في يوم الجمعة والفطر: من كان خارجاً من المدينة فبدا له فليركب، فإذا جاء المدينة فليمش إلى المصلى، فإنه أعظم أجراً، وقدّموا قبل خروجكم زكاة الفطر، فإن على كل نفس مدّين من قمح أو دقيق. وعن حرام بن حكيم قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: حدثوا عني كما سمعتم ولا حرج، إلا من افترى علي كذباً متعمداً بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار. وفي حديث آخر بمعناه: إلا من افترى علي كذباً متعمداً ليضل به الناس، فليتبوأ مقعده من النار.

حرب بن إسماعيل بن محمد الكرماني

حدث عمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز أنه كان لا يجيز على رؤية الهلال إلا رجلين عدلين. كان بلغه أنّ محمدا بن سويد الفهري ضحّى بدمشق قبل الناس بيوم، فكتب إليه عمر: ما حملك أن خالفت المسلمين؟ فكتب إليه محمد بن سويد يذكر: إنما فعلته من أجل حرام بن حكيم، شهد عندي بذلك. فكتب إليه عمر: حرام بن حكيم أذو اليدين هو! إنكاراً يعني أنّ تجاز شهادته وحده، دون أن يكونا رجلين. قال القاسم: لعله أراد ذو الشهادتين! حرب بن إسماعيل بن محمد الكرماني سمع بدمشق حدث أبو محمد حرب بن إسماعيل بسنده عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح قبل الصلاة يوم العيد، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد. حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية كان جواداً ممدحاً ذا قدر ونبل، وأمه أم ولد. وعن حرب بن خالد قال: قال معاوية لابن عباس: يا عجباً من وفاة الحسن، شرب عسلاً بماء رومة فقضى نحبه، لا يحزنك الله ولا يسؤك في الحسن. فقال: لا يسوءني الله ما أبقاك، فأمر له بمائة ألف وكسوة.

قال: ويقال إنّ معاوية قال لابن عباس يوماً: أصبحت سيد قومك. قال: ما بقي أبو عبد الله فلا. وعن حرب بن خالد قال: قال معاوية يوماً لحسين: يا حسين؛ فقال عبد الله بن الزبير: يا أبا عبد الله إياك يريد. فقال له معاوية: أردت أن تغريه في أني سميته وأنك كنيته؛ أما والله ما أولع شيخ قوما قط بالرتاج إلا مات بينهما. قال: الرتاج: الغلق والباب. قال حرب بن خالد: سألت زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب: وفي كم كان علي بن أبي طالب؟ قال: في مائة الف. يعني يوم صفين. قال وهب بن حسن مولى الربيع بن يونس، وكان عالماً فاضلاً عاقلاً قال: خرج داود بن سلم حتى قدم على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية، فلما نزل به قام غلمانه إلى متاعه، فأدخلوه وحطوا على راحلته، ثم دخل عليه فأنشده قوله: ولمّا دفعت لأبوابهم ... ولاقيت حرباً لقيت النجاحا وجدناه يحمده المجتدون ... ويأبى على العسر إلا سماحا ويغشون حتى ترى كلبهم ... يهاب الهرير وينسى النباحا فأنزله وأكرمه، وأجازه بجائزة عظيمة، ثم استأذنه للخروج فأذن له، وأعطاه ألف دينار وقال: لا إذن لك علي، فودعه وخرج من عنده وغلمانه جلوس، فلم يقم إليه منهم أحد ولم يعنه، فظن أن حرب بن خالد ساخط عليه فرجع إليه، فقال له: إنك على موجدة؟ قال: لا، وما ذاك؟ فأخبره أن غلمانه لم يعينوه على رحله. فقال له: ارجع إليهم فسلهم، فرجع إليهم فسألهم فقالوا: إنا ننزل من جاءنا، ولا نرحل من خرج من عندنا. فلما قدم المدينة سمع الغاضري بحديثه وجاءه فقال: إني أحب أن أسمع الحديث من فيك، فحدثه به وأنشده الأبيات. فقال: هو يهودي، وهو نصراني إن لم يكن الذي فعل الغلمان أحسن من شعرك.

حرب بن محمد بن حرب بن عامر

حرب بن محمد بن حرب بن عامر أبو الفوارس السلمي الحراني حدث بدمشق، عن أبي القاسم الخضر بن أحمد الحراني بسنده عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل، يجعلون له نداً، ويجعلون له ولداً، وهو مع ذلك يرزقهم ويعطيهم. حرب بن محمد بن علي بن حيان ابن مازن بن الغضوبة الطائي الموصلي والد علي بن حرب، استقدمه المأمون إلى دمشق لأجل المساحة. روى عن المعافى بن عمران، بسنده عن النعمان بن بشير قال: كنا إذا صلينا خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره، حتى نرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سجد. وروى عن محمد بن الحسن، بسنده عن فضالة بن عبيد قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقسم للمملوكين. وروى عن المعافى بن عمران، بسنده عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يقول الله عز وجل: " حسنة ابن آدم عشر وأزيد، والسيئة واحدة أو أغفرها، ومن لقيني بقراب الأرض خطايا لقيته بمثلها مغفرة، ما لم يشرك بي شيئاً. كان حرب بن محمد رجلاً نبيلاً ذا همة رحل في طلب العلم، وكتب عن مالك بن أنس ونظرائه. وتوفي سنة ست وعشرين ومئتين.

حرملة بن المنذر بن معد يكرب

قال علي بن حرب الموصلي: في سنة أربع عشرة ومائتين قدم عبد الله المأمون دمشق، ففرق المعدلين يعني المساح في أجناد الشام في تعديلها يعني مساحتها ووجه في ذلك إلى رؤساء أهل الجزيرة والموصل والرقة، فقدم عليه جماعة، منهم حرب بن عبد الله الطائي وسفيان بن عبد الملك الخولاني، فاستعفوه من التعديل فأعفاهم وصرفهم، واجتلب لتعديل الشام المساح من العراق والأهواز والري، وأقام بدمشق تلك الشتوة على التعديل. حرملة بن المنذر بن معد يكرب ابن حنظلة بن النعمان بن حية بن سعنة ويقال ابن سعد بن الغوث بن الحارث، ويقال ابن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن صقر بن هنيء بن عمرو بن الغوث بن الحارث بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو زبيد الطائي: شاعر مشهور مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يسلم وكان نصرانياً، وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان ينزل بنواحي دمشق. وكان أبو زبيد من زوار الملوك ولملوك العجم خاصة، وكان عالما بسيرهم، وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدني مجلسه، وكان نصرانياً، فحضر ذات يوم عثمان وعنده المهاجرون والأنصار فتذاكروا مآثر العرب وأشعارها، فالتفت عثمان إلى أبي زبيد، فقال: يا أخا تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك فقد أنبئت أنك تجيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيق ولع ووصف فيها الأسد، فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني

لأحسبك جباناً هدانا، قال: كل يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي، ومعذور أنا بذلك يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال له عثمان: وأنى كان ذلك؟ قال: خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهاري بأكسائها، والقيروانات على قنو البغال تسوقها العبدان، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام، فاخروط بنا السير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه وذبلت الشفاه وشالت المياه وأذكت الجوزاء المعزاء وذاب الصيهد وصر الجندب وضاف العصفور الضب في جحره أو قال في وجاره وقال قائلنا: أيها الركب، غوروا بنا في ضوج هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل دائم الغلل، شجراؤه مغنة وأطياره مرنة، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات، فأصبنا من فضالات المزاود، واتبعناها الماء البارد، فإنا لنصف حر يومنا ذلك ومماطلته إذ صر أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه، فوالله، ما لبث أن جال، ثم حمحم فبال، ثم فعل فعله الذي يليه واحد فواحد، فتضعضعت الخيل

وتكعكعت الإبل وتقهقرت البغال، فمن ناد بشكاله وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع، ففزع كل امرئ منا إلى سيفه، فاستله من جربانه، ثم وقفنا زردقا. فأقبل يتظالع من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار مسحوب، لصدره نحيط، ولبلاعيمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيماً، أو يطأ صريماً، وإذا هامة كالمجن، وخد كالمسن، وعينان سجراوان كأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة ولهزمة رهلة، وكتد مغبط، وزور مفرط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكف شثنة البراثن إلى مخالب كالمحاجن، فضرب بيديه فأرهج، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول، مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق كالغار

الأخوق، ثم تمطى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه حتى صار ظله مثليه، ثم أقعى فاقشعر ثم تميل فاكفهر، ثم جهز فازبأر. فلا والذي بيته في السماء ما اتقينا بأول أخ لنا من بني فزارة كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة فقضقض متنيه، وجعل يلغ في دمه، فذمرت أصحابي فبعد لأي ما استقدموا، فهجهجنا به فكر مقشعراً بزبرته، كأن به شيهماً حولياً، فاختلج رجلاً أعجر ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت مفاصله، ثم نهم ففرفر، ثم زفر فبربر ثم زار فجرجر ثم لحظ، فوالله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه، فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وأطت الأضلاع، وأرتجت الأسماع وحمجت العيون،

وألحقت الظهور بالبطون، وانخزلت المتون، وساءت الظنون. فقال عثمان: اسكت، قطع الله لسانك! فقد رعبت قلوب المؤمنين. وقال يصف الأسد: فباتوا يذلجون وبات يسري ... بصير بالدجى هاد هموس إلى أن عرسوا وأغب عنهم ... قريباً ما يحس له حسيس خلا أن العتاق من المطايا ... حسن به فهن إليه شوس فلما أن رآهم قد تدانوا ... أتاهم وسط أرجلهم يميس فثار الزاجرون فزاد منهم ... تقراباً وواجهه ضبيس بنصل السيف ليس له مجن ... فصد ولم يصادفه جسيس فيضرب بالشمال إلى حشاه ... وقد نادى فأخلفه الأنيس يشمر كالمحالق في قنوت ... تقيه قضة الرض الدخيس فخر السيف واختلفت يداه ... وكان بنفسه وقيت نفوس فطار القوم شتى والمطايا ... وغودر في مكرهم الرسيس وجال كأنه فرس صنيع ... يجر جلاله ذيل شموس كأن بنحره وبساعديه ... عبيراً بات تعبؤه عروس فذلك إن تلاقوه نفادوا ... ويحدث بينكم أمر شكيس وكان أبو زبيد الطائي منقطعاً إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان الوليد يكنى بوهب. فقال أبو زبيد: من يرى العيس لابن أروى على ظه ... ر المرورى حداهن عجال

مصعدات والبيت بيت أبو وه ... ب خلاء تحن فيه الشمال يعرف الجاهل المضلل أن الده ... ر فيه النكراء والزلزال بعدما تعلمين يا أم وهب ... كان فيهم عيش لنا وجمال ووجوه تودنا مشرقات ... ونوال إذا يراد النوال فلعمر الإله لو كان للسي ... ف مصال أو للسان مقال ما تناسيتك الصفاء ولا الو ... د ولا حال دونك الأشغال ولحرمت لحمك المتعصي ... ضلة ضل حلمهم ما اقتالوا أصبح البيت قد تبدل بالحي ... وجوهاً كأنها الأقتال غير ما طالبين ذحلاً ولكن ... مال دهر على أناس فمالوا قولهم بشرب الحرام وقد كا ... ن شراب سوى الحرام حلال وأبى ظاهر العداوة إلا ... طغياناً وقول ما لا يقال من يخنك الصفاء أو يتبدل ... أو يزل مثلما تزول الظلال فاعلمن أنني أخوك أخو الود ... حياتي حتى تزول الجبال كان أبو زبيد جاهلياً إسلامياً، وأقام في الإسلام علة النصرانية وعاش مائة وخمسين سنة، وكان يحمل في كل يوم أحد إلى البيعة مع النصارى فيظل يومه يشرب، فبينا هو في بعض تلك الآحاد يشرب، وحوله النصارى وفي يده الكأس إذ وقع بصره إلى السماء فنظر نظراً شديداً طويلاً، ثم رمى بالكأس من يده وقال: إذا جعل المرء الذي كان حازماً ... يحل به حل الحوار ويحمل فليس له في العيش خير يريده ... وتكفينه ميتا أعف وأجمل ثم مات.

حريث بن أبي حريث

وزاد في رواية بيتاً آخر: أتاني رسول الموت يا مرحباً به ... لآتيه وسوف والله أفعل ثم مات. حريث بن أبي حريث ويقال زيد بن جارية القرشي، مولاهم: من أهل دمشق. حدث حريث بن أبي حريث أنه سأل ابن عمر قلت: رجل أراد أن يأتي مصر فقال لصاحبه: أعطني مائة دينار تجوز بمصر، وأعطيك مائة مما يجوز هاهنا وزناً، فوضعاها في الميزان حتى استوت، فكانت الدنانير التي أخذ مائة دينار عدداً، وكانت الدنانير التي أعطى دينارين ومائة. فقال عبد الله: وزناً بوزن؟ قلت: نعم: قال: فإذا اختلف العدد فقد فسدا، رباً خبيث فلا تقربها. قال البخاري: حريث بن أبي حريث؛ سمع ابن عمر، روى عنه ابن حليس في الصرف، قاله أبو المغيرة عن الأوزاعي، لا يتابع على حديثه. وأدخل البخاري حديث ابن أبي حريث في كتاب الضعفاء فقال: تحول اسمه من هناك، يكتب حديثه ولا يحتج به.

حريث بن زيد الخيل الطائي

حريث بن زيد الخيل الطائي وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تنصر وهرب إلى أرض الروم. كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يوحنا بن رؤبة وسروات أهل أيلة: سلم أنتم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإني لم أكن لأقاتلكم حتى أكتب إليكم، فأسلم أو أعط الجزية، وأطع الله ورسوله ورسل رسوله وأكرمهم، واكسهم كسوة حسنة غير كسوة الغزاء، واكس زيداً كسوة حسنة، فمهما رضيت رسلي فإني قد رضيت، وقد علم الجزية، فإن أردتم أن يأمن البحر والبر فأطع الله ورسوله، ويمنع عنكم كل حق كان للعرب والعجم، إلا حق الله وحق رسوله، وإنك إن رددتهم ولم ترضهم لا آخذ منكم شيئا حتى أقاتلكم، فأسبي الصغير وأقتل الكبير، فإني رسول الله بالحق، أومن بالله وكتبه ورسله والمسيح بن مريم أنه كلمة الله، وإني أومن به أنه رسول الله، وائت قبل أن يمسكم الشر، فإني قد أوصيت رسلي بكم، وأعط حرملة ثلاثة أوسق شعيراً، وإن حرملة شفع لكم، وإني لولا الله وذلك لم أراسلكم شيئاً حتى ترى الخميس، وإنكم إن أطعتم رسلي فإن الله لكم جار ومحمد، وإن رسلي شرحبيل وأبي وحرملة وحريث بن زيد الطائي، فإنهم مهما قاضوك عليه فقد رضيته، وإن لكم ذمة الله وذمة محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسلام عليكم إن أطعتم، وجهزوا أهل مقنا إلى أرضهم. وكان لزيد من الولد مكنف بن زيد الخيل، وبه كان يكنى، وقد أسلم وصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد قتال أهل الردة مع خالد بن الوليد، وكان له بلاء. وحريث بن زيد وكان فارساً، وقد صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد الردة مع خالد بن الوليد وكان شاعراً. وعروة بن زيد شهد القادسية.

حريث بن ظهير الكوفي

حريث بن ظهير الكوفي قدم الشام. روى عن عبد الله بن مسعود قال: لا يموت مسلم إلا في الإسلام ثلمة لا تجبر بعده أبداً. وعن حريث بن ظهير قال: قال عبد الله بن مسعود: أيها الناس، قد أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هنالك، وإن الله عز وجل قد بلغنا ما ترون، فمن عرض له منكم قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله عز وجل ولم يقض به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليقض بما قضى به الصالحون، فإن أتاه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقض به الصالحون فليجتهد رأيه. ولا يقولن أحدكم: إني أخاف، وإني أرى، فإن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهة، فدع ما يريبك إلى ما لايريبك. حريث مولى معاوية بن أبي سفيان كان فارساً بطلاً، وكان معاوية يعتمد عليه في حربه، وشهد معه صفين، وقتل يومئذ، وكان فارسه الذي يعده للمبارزة، وكان يلبس سلاح معاوية متشبهاً به، فإذا قاتل قال الناس: ذاك معاوية. وإن معاوية قال له: يا حريث، اتق علياً، ثم ضع رمحك حيث شئت. فقال له عمرو بن العاص: إنك والله يا حريث لو كنت قرشياً لأحب معاوية أن تقتل علياً، ولكن كره أن يكون لك حظها، فإن رأيت منه فرصة فاقتحم عليه، فلما خرج الناس إلى القتال وتصافوا خرج علي أمام أصحابه قالوا: وخرج حريث مولى معاوية يوم صفين، فدعا علياً إلى المبارزة فقال: هلم يا أبا الحسن إلى المبارزة، فخرج إليه علي وهو يقول: أنا علي وابن عبد المطلب ... أنا وبيت الله أولى بالكتب

حريز بن عثمان بن جبر بن أحمد

أهل اللواء والمقام والحجب ... نحن نصرناه على جل العرب ثم حمل عليه علي عليه السلام، فطعنه فدق ظهره. وجزع معاوية على حريث جزعاً شديداً، وعاتب عمراً فيما أشار عليه من لقاء علي فأنشأ يقول: حريث ألم تعلم وعلمك ضائر ... بأن علياً للفوارس قاهر وأن علياً لم يبارزه فارس ... من الناس إلا قصدته الأظافر أمرتك أمراً حازماً فعصيتني ... فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر حريز بن عثمان بن جبر بن أحمد ابن أسعد أبو عثمان، ويقال: أبو عون الرحبي الحمصي: وفد على عمر بن عبد العزيز. قال حريز: سألت عبد الله بن بسر: أشاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. وأومأ إلى عنفقته. وقال حريز: قلت لعبد الله بن بسر: هل كان في رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شيب؟ قال: كان في رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعرات بيض، كان إذا ادهن تتغير. وحدث حريز بن عثمان قال: رأيت عبد الله بن بسر المازني صاحب رسوا الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحمص، والناس يسألونه، فدنوت منه وأنا غلام. قال: قلت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. فقلت له: شيخاً كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم شاباً؟ فتبسم وقال: رأيت هاهنا وأشار بيده إلى ذقنه شعرات بيض.

قال حريز بن عثمان: رأيت مؤذني عمر بن عبد العزيز يسلمون عليه في الصلاة، السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة قد تقاربت. وحدث حريز قال: صليت مع عمر بن عبد العزيز العيدين، فكان يكبر فيهما سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة، يبدأ فيكبر ثم يقرأ، ويركع ثم يقوم. فيكبر، ثم يقرأ ويركع. وحدث حريز قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فسلم تسليمة. توفي حريز سنة ثلاث وستين ومائة، ومولده سنة ثمانين، وتوفي وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وكان قدم بغداد وسمع بها منه العراقيون، وكان ابيض الرأس واللحية، وكان له جمة إلى شحمة أذنيه. وقال معاوية بن عبد الرحمن الرحبي الحمصي: سمعت حريز بن عثمان يقول: لا تعاد أحداً حتى تعلم ما بينه وبين الله، فإن يكن محسناً، فإن الله لا يسلمه لعداوتك إياه، وإن يكن مسيئاً فأوشك بعلمه أن يكفيكه. وكان حريز بن عثمان ينتقص علياً وينال منه. قال أبو اليمان: كان حريز يتناول من رجل يعني علياً ثم ترك. قال الخطيب: ولم يكن لحريز كتاب، وكان يحفظ حديثه، وكان ثقة ثبتاً، وحكي عنه من سوء المذهب وفساد الاعتقاد ما لم يثبت عليه. قال معاذ: ولا أعلمني رأيت شامياً أفضل منه. وقال أحمد: ليس بالشام أثبت من حريز. وقال في أثناء الحديث: لم يكن يرى القدر.

ويقال في حريز مع ثبته: إنه كان سفيانياً. وقال أبو حفص: حريز بن عثمان ثبت شديد التحامل على علي عليه السلام، وكان يشتم علياً على المنابر، وكان يقول: لا أحبه قتل آبائي. يعني علياً. قال الحسن بن علي: قلت ليزيد بن هارون: هل سمعت من حريز بن عثمان شيئاً تنكره عليه من هذا الباب؟ قال: إني سألته ألا يذكر لي شيئاً من هذا، مخافة أن أسمع منه شيئاً يضيق على الرواية عنه. قال: فأشد شيء سمعته يقول: لنا أمير ولكم أمير. يعني لنا معاوية ولكم علي. فقلت ليزيد: فقد آثرنا على نفسه. قال: نعم. قال إسماعيل بن عياش: عادلت حريز بن عياش من مصر إلى مكة، فجعل يسب علياً ويلعنه. وقال يزيد بن هارون: قال حريز بن عثمان: لا أحب من قتل لي جدين. حدث عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش قال: سمعت حريز بن عثمان قال: هذا الذي يرونه الناس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى حق، ولكن أخطأ السامع. قلت: فما هو؟ فقال: إنما هو أنت مني بمكان قارون من موسى. قلت: عمن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر. قال الخطيب: عبد الوهاب بن الضحاك كان معروفاً بالكذب في الرواية، فلا يصح الاحتجاج بقوله. قال يحيى بن صالح الوحاظي وقيل: لم لم تكتب عن حريز بن عثمان؟ قال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين لعنة كل يوم. قال أحمد بن سنان: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى فقال لي: يا يزيد تكتب من حريز بن عثمان!

فقلت: يا رب، ما علمت منه إلا خيراً. فقال لي: يا يزيد، لا تكتب منه شيئاً، فإنه يسب علياً. قال حوثرة بن محمد المنقري البصري: رأيت يزيد بن هارون الواسطي في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: تقبل مني الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ووهب لي التبعات. قلت: وما فعل بك بعد ذلك؟ قال: وهل يكون من الكريم إلا الكرم، غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة. قلت: بم نلت الذي نلت؟ قال: بمجالس الذكر، وقولي الحق، وصدقي الحديث، وطول قيامي في الصلاة، وصبري على الفقر. قلت: منكر ونكير حق؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، لقد أقعداني وسألاني، فقالا لي: من ربك؟ وما ذنبك؟ ومن نبيك؟ فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب، فقلت: مثلي يسأل! أنا يزيد بن هارون الواسطي، وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس. قال أحدهما: صدق، هو يزيد بن هارون، نم نومة العروس، فلا روعة عليك بعد اليوم. قال أحدهما: أكتبت عن حريز بن عثمان؟ قال: نعم. وكان ثقة في الحديث. قال: ثقة، ولكنه كان يبغض علياً، ابغضه الله. وقد روي أنه قد رجع عن ذلك. قال علي بن عياش، وسأله رجل من أهل خراسان ن حريز، هل كان يتناول علياً؟ فقال علي بن عياش: أنا سمعته يقول: إن أقواماً يزعمون أني أتناول علياً، معاذ الله أن أفعل ذلك، خيبهم الله. قال علي بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول لرجل: ويحك، أما خفت الله عز وجل، حكيت عني أني أسب علياً، والله ما أسبه وما سببته قط.

الحر بن سليمان بن حيدرة

الحر بن سليمان بن حيدرة أبو شعيب الأطرابلسي حدث عن سعد بن عبد الله بن الحكم، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة. الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية أمره هشام بن عبد الملك على مصر سنة ست ومائة، فلم يزل عليها إلى أن وفد عليه سنة ثمان ومائة، فعزله عنها، ويقال: وفد عليه في شوال سنة سبع ومائة. حدث موسى بن أيوب: أن الحر بن يوسف أمير مصر سأل عبد الرحمن بن عتبة عن أمة اشتراها رجلان، فوطئاها في طهر واحد، فحملت. فقال: سلا ابن خدام يعني عبد الله بن يزيد وهو قاضي المصر. فسأله، فقال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في مثل ذلك فكتب إلي عمر قال: يرثهما الولد ويرثانه. وعاقبهما.

حزام بن هشام بن حبيش ين خالد

حزام بن هشام بن حبيش ين خالد ابن الأشعر الخزاعي القديدي من أهل الرقم بادية بالحجاز، وفد على عمر بن عبد العزيز مع أبيه. حدث حزام بن هشام صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتيل البطحاء يوم الفتح، عن أبيه عن جده حبيش بن خالد وهو أخو عاتكة بنت خالد، وكنيتها أن معبد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج من مكة خرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة دليلهم الليثي عبد الله بن الأريقط، فنزلوا خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين. فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شاة في كسر الخيمة قال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم. قال: هل من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال: أتأذنين أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي، نعم إن رأيت بها حلباً فاحلبها. فدعا بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمسح بيده ضرعها، وسمّى الله، ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرّت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجّاً حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانياً بعد بدء، حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، فارتحلوا عنها. فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنزاً عجافاً يتساوكن هزلاً، فلما أن رأى عند أم معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاء عازب، ولا خلوف في البيت؟! قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا،

فقال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به سفلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق فصل، لا نزر ولا هذر، كأنما منطقه خرزات نظم يتحدّرن، لا تشنؤوه عين من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون، إن قال أنصتوا له، وإن أمر بادروا إلى أمره، محفود محشود. قال أبو معبد: هو الله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه يقول: جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصيّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجاري وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلّبت ... عليه صريحاً ضرّة الشاة مزبد

فغادرها رهناً لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثم مورد فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري الهاتف يهتف، أنشد يجاوب الهاتف ويقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم ... وقدّس من يسري إليهم ويغتدي ترحّل عن قوم فضلت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدد هداهم به الضلالة ربهم ... وأرشدهم. من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمايتهم هاد به كل مهتدي وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مسجد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد قال حزان: أرسل عمر بن عبد العزيز إلى أبي يوماً، فدعا أبي براحلة له فركب عليه، وأنا إذ ذاك غلام أعقل الكلام، فدعاني أبي فحملني خلف رجله، فخرجنا حتى إذا نحن بعمر بن عبد العزيز في جماعة من أصحابه. فسلم عليه أبي بالخلافة، فرد عليه عمر السلام. ثم قال له عمر: يا أبا حزام، أين نحن من القوم؟ فقال له أبي: كل يعمل على شاكلته، أشهد يا عمر بن عبد العزيز، لأرسل إلي عمر بن الخطاب في منزلك هذا، فرأيته في جماعة من أصحابه نزل عن راحلته، ثم حط رحله، ثم قيد راحلته كرجل من أصحابه، ثم حس ركاب القوم فوجد فيها راحلة مقارباً لها من قيدها، فأرخى لها عمر بن الخطاب، ثم أقبل يتغيظ، قال: بئس الغيظ في وجهه فقال: أيكم صاحب الراحلة، فقال رجل من القوم: أنا أمير المؤمنين. قال: بئس ما صنعت، تبيت على فؤاده تضرب صدره، حتى إذا حان رزقه جمعت بين عظمين من عظامه، فهلا كنت فاعلاً هذا يا عمر بن عبد العزيز! فبكى عند ذلك عمر بن عبد العزيز بكاء شديداً.

حزور ويقال نافع

وحدث حزام أيضا قال: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي، فانطلقت معه إليه، فقال له عمر: أين ترانا من القوم؟ قال: كل يعمل على شاكلته. قال: فأخبرنا عن القوم؟ قال: شهدت عمر بن الخطاب، وأتاه صاحب الصدقة فقال: إن إبل الصدقة قد كثرت، فقام عمر بناس معه، فنادى عمر على فريضة فيمن مر يزيد، وأخذ عقلها فشد به حقوه، ثم مر على المساكين، فجعل يتصدق به عليهم. وكان حزام ينزل قديداً. وأسلم خالد الأشعر قبل فتح مكة، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفتح، فسلك هو وكرز بن جابر غير طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي دخل منها مكة، فأخطأ الطريق، ولقيتهم خيل المشركين فقتلا شهيدين. وكان الذي قتل خالد الأشعر، ابن أبي الجذع الجمحي. حزوّر ويقال نافع ويقال سعيد ابن الحزوّر أبو غالب البصري مولى عبد الرحمن بن الخضرمي ويقال مولى خالد بن عبد الله القسري ويقال مولى بني أسد سمع بدمشق أبا أمامة الباهلي وغيره قال أبو غالب: كان أبو أمامة يسكن حمص، وكان لي صديقاً، وكان مسكني دمشق، وكان إذا جاء لحاجة بدأ فصلى في المسجد ركعتين إلى جنبي، ثم أخذ بيدي فخرجنا من المسجد، فتلقانا ستة وعشرون رأساً من رؤوس الخوارج، فيهم رأس عبد رب الصغير، ففاضت عبرته فقال: كلاب النار، وكلاب النار، شر قتلى تحت ظل السماء. ثلاث مرات.

خير قتلى من قتلهم هؤلاء. ثلاثاً. قلت: فاضت عبرتك قال: رحمة لهم، إنهم كانوا مؤمنين. قلت: أكانوا مؤمنين؟؟؟! قال: نعم، أما تعلم الآية التي في آل عمران، إن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ وفتنة فزيغ بهم، ألا تعلم التي بعد المائة " فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم " فهم هؤلاء؟ قال: نعم. قلت: أشيء من رأيك أم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني إذاً لجريء. ثلاث مرات. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تفترق هذه الأمة على اثنتين أو ثلاث وسبعين فرقة شك أبو غالب كلها في النار، ليست سواد الأعظم. قلت: فقد ترى ما في سواد الأعظم؟ قال: عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم، وإن تطيعوه تهتدوا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. قال: الجماعة خير من الفرقة، إن هؤلاء يغضبون عليكم فيقتلونكم، أما إنكم من أهل بلدهم، فأعاذك الله أن تكون منهم. وروى أبو غالب عن أبي أمامة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر بتسع حتى بدن وكثر لحمه أوتر بسبع، وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ فيهما ب " إذا زلزلت " و" قل يا أيها الكافرون ". وكان أبو غالب صاحب أبي أمامة يعرف بصاحب المحجن، وهو أبو حزور، بفتح الحاء المهملة والزاي وتشديد الواو. قال أبو غالب: كنت أختلف إلى الشام في تجارة، وعظم ما كنت أختلف من أجل أبي أمامة، فإذا فيها رجل من قيس من خيار الناس، فكنت أنزل عليه، ومعنا ابن أخ له مخالف لأمره ينهاه ويضربه، فلا يطيعه، فمرض الفتى، فبعث إلى عمه فأبى أن يأتيه، فأتينا به حتى أدخلته عليه، فأقبل يشتمه ويقول: أي عدو الله الخبيث، ألم تفعل كذا؟! ألم تفعل

كذا؟! قال: أفرغت أي عم؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو أن الله دفعني إلى والدتي، ما كانت صانعة بي؟ قال: إذاً والله كانت تدخلك الجنة. قال: فوالله لله أرحم بي من والدتي. فقبض الفتى. فخرج عليه عبد الملك بن مروان، فدخلت القبر مع عمه، فخطوا له خطاً ولم يلحدوه. قال: فقلنا باللبن فسوينا. قال: فسقطت منها لبنة، فوثب عمه متأخر، قلت ما شأنك؟ قال: ملئ قبره نوراً، وفسح له مد البصر. وحدث أبو غالب قال: خرجت من الشام في ناس، فنزلنا منزلاً بحضرة قرية عظيمة خربة، فدخلتها لأنظر فيها، فرأيت بيتاً مسقفاً، فيه روزنة، في الروزنة سلة، ورأيت جرة فيها ماء، ورأيت أثر وضوء. قلت لتفسي: إن لهذا البيت عامراً، هذا رجل يكون بالنهار في الجبل، ويأوي بالليل إلى هذا البيت. فقلت لأصحابي: إن لي حاجة أحب أن تبيتوني الليلة في هذا المكان. قالوا: نعم. فتأهبت حتى إذا صليت مع أصحابي المغرب. قال: فقمت وجئت حتى دخلت ذلك البيت، وجلست في ناحية البيت، حتى اختلط الظلام، فإذا أنا بشخص إنسان يجيء من نحو الجبل، فجعل يدنو حتى قام على باب البيت، فوضع يديه على عضادتي البيت، فحمد الله بمحامد حسنة، ثم سلم ودخل، فجلس ثم تناول السلة فأخذها، فوضعها بين يديه، ففتحها وأخرج منها شيئا، فوضع، ثم سمى فأكل، وجعل يحمد الله ويأكل، حتى فرغ. فلما فرغ أعاد السلة مكانها، ثم قام فأذن، ثم أقام، ثم صلى، وصليت بصلاته. فلما قضى صلاته وضع رأسه فنام غير كثير، ثم قام فخرج يتباعد، ثم رجع فاخذ الجرة فحلها، ثم جاء فأعادها مكانها، ثم توضأ، ثم جاء فقام في المسجد فكبر، ثم استعاد فقرأ، وقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة قراءة لم أسمع مثلها قط من أحد أحزن، ولا يمر بآية فيها ذكر الجنة إلا وقف وسأل الله الجنة، ولا يمر بآية فيها ذكر النار إلا وقف وبكى وتعوذ بالله من النار، ثم أوتر وأصبح. لما أصبح إذ ركع ركعتي الغداة، وركعت أنا، ثم أقام وصلى الغداة، وصليت بصلاته. قال أبو غالب: ثم قمت رويداً فخرجت لم يشعر بي، ثم جئت وسلمت، فرد علي السلام قال: قلت

حسان بن أبان البعلبكي

أدخل؟ قال: أدخل. قال: فدخلت. فقلت له: أجنيّ أنت أم أنسي؟ قال: سبحان الله بل إنسي. قلت: فما أنزلك هاهنا؟ قال: ما لك ولذلك؟ قال: كلمته وقلبته، فجعل يكتمني أمره. قال: قلت إني بت الليلة معك في بيتك. قال: خنتني. قلت: ما خنتك. قال: قد فعلت. قلت: يرحمك الله، إني لم أصنع ذلك لبأس، إني أخوك، وإني طاب خير، وليس عليك من بأس، قال: فسكن. قلت: حدثني ممن أنت؟ قال: أنا من أهل الكوفة. قلت: مذ كم مكثت هنا؟ قال: من سبع سنين. قلت: فما عيشك؟ قال: الله يرزقني. قلت: على ذلك ما عيشك؟ قال: لا أشتهي شيئاً بالنهار إلا وجدته في سلتي. قلت: والطري؟ يعني السمك قال: والطري. قلت: كيف تصنع؟ قال: أكون في النهار في الجبل، فإذا كان الليل أويت إلى هذا البيت من السباع ومن القر. قلت: فرضيت بهذا العيش؟! قال: فكأنه غضب وقال: إن كنت لأحسبك أفقه مما أرى، ومن أعطي أفضل مما أعطيت؟! قد كفاني مؤنتي هذه، ثم أقبل علي فقال: يسرك أن لك بيديك مئة ألف؟ قلت: لا. قال: يسرك أن لك برجليك مئة ألف؟ قال: قلت: لا. قال: يسرك أن لك بعينيك مئة ألف؟ قلت: لا. قال: يسرك أن لك بسمعك مئة ألف؟ قلت: لا. قال: فمن أعطي أفضل مما أعطيت؟! قال: إن مكانك هذا منقطع من الناس، أخاف لو مرضت أو مت أن تضيع، وقد مررت بجبل كذا وكذا فرأيت فيه غاراً، وعند الغار عين تجري، وهو من القرى قريب نحو من فرسخين، فلو تحولت إليهما احب لك من مكانك هذا، وكنت تجمع بين المسلمين، ولو مرضت لم تضع، ولو مت لم تضع، قلت له: فإن عندي جبة مدرعة أحب أن تأخذها فتلبسها. قال: ما شئت. فجئت بالجبة فدفعتها إليه، فأخذها. قال: فتحول إلى المكان الذي نعته. قال: وكاتبني سبع سنين، ثم انقطع كتابه. حسان بن أبان البعلبكي شاعر. قال حسان بن أبان: لما قدم سعد بن أبي وقاص القادسية أميراً أتته حرقة بنت النعمان بن المنذر في جوار

كلهن في مثل زيها تطلب صلته. فلما وقفن بين يديه قال: أيتكن حرقة؟ قلن: هذه. فقال لها: أنت حرقة؟ قالت: نعم، فما تكرارك استفهامي، إن الدنيا دار زوال، وإنها لا تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالاً، وتعقبهم بعد حال حالاً، إنا كنا ملوك هذا المصر قبلك، يجبى غلينا خرجه، ويطيعنا أهله، مدى المدة وزمان الدولة. فلما أدبر الأمر وانقضى صاح بنا صائح الدهر، فصدع عصانا، وشتت ملأنا، وكذلك الدهر يا سعد، إنه ليس من قوم عبرة إلا والدهر معقبهم عبرة. ثم أنشأت تقول: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف فأف لدنيا لا يدوم سرورها ... تقلب تارات بنا وتصرف فقال سعد رضي الله عنه: قاتل الله عدي بن زيد، كأنه كان ينظر إليهما حيث يقول: إن للدهر صولة فاحذرنها ... لا تبيتن قد أمنت الشرورا قد يبيت الفتى معافى فيرزا ... ولقد كان آمناً مسرورا وأكرمها سعد، وأحسن جائزتها. فلما أرادت فراقه قالت له: حتى أحييك بتحية أملاكنا بعضهم بعضاً، لا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولا زالت لكريم عندك حاجة، ولا نزع من عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً لردها عليه. فلما خرجت من عنده تلقاها نساء المصر فقلن لها: ما صنع بك الأمير؟ قالت: حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريم وقد روي أن المغيرة بن شعبة خطب حرقة هذه، فقالت له: إنما أردت أن يقال: تزوج ابنة النعمان بن المنذر، وإلا فأي حظ لأعور في عمياء؟! ولحسان بن أبان يفخر: نهضنا سمواً إلى المكرمات ... فصرنا سناءً بها للسناء وأدنى مواقع أقدامنا ... إذا ما وطئنا عنان السماء فإن شئت فاغد بنا للقراع ... وإن شئت فاغد بنا للحباء

حسان بن تميم بن نصر

حسان بن تميم بن نصر أبو الندى الصيرفي ويعرف أبوه بتميم الزيات. وكان قد ترك الصرف قبل أن يموت بمدة، وحج وحسنت طريقته، ولازم صلاة الجماعة. حدث أبو الندى بسنده عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أنه قال: صليت خلف أبي هريرة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ: " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: آمين. فقال الناس: آمين، يقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، فإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي حسان ودفن في العشرين من رجب، سنة ستين وخمس مئة. حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، أبو الوليد، ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو الحسام الأنصاري الخزرجي النجاري. شاعر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفد على عمرو بن الحارث بن أبي شمر، ووفد على جبلة بن الأيهم، ووفد على معاوية حين بويع سنة أربعين. وأم حسان الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن

زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة، وكان حسان يعرف بابن الفريعة، وهي أمه. حكى محمد بن سعد قال: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات في خلافة معاوية، وهو ابن عشرين ومئة سنة. وكان حسان بن ثابت قديم الإسلام، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهدا، وكان يجبن. وقال بعض الناس: توفي قبل الأربعين. عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان سنين، أعقل كل ما سمعت يعني إذ سمعت يهودياً يصرخ على أطم يثرب: يا معشر يهود، إذ اجتمعوا إليه قالوا: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي به ولد. قال ابن إسحق: فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة؟ قال: ابن ستين. وقدمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبعين. حدث سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب مر على حسان، وهو ينشد في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانتهره عمر، فأقبل حسان فقال: كنت أنشد فيه من هو خير منك، فانطلق عمر حينئذ، وقال حسان لأبي هريرة: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا حسان، أجب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهم أيده بروح القدس؟ قال: اللهم، نعم. روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: اهجهم وهاجهم وجبريل معك.

وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان: إن روح القدس معك ما هاجيتهم. وعن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد، ينشد عليه قائماً، ينافح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال جابر بن عبد الله: لما كان يوم الأحزاب، وردّ الله المشركين بغيظهم لم ينالوا خيراً قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يحمي أعراض المسلمين؟ قال كعب بن مالك: أنا. وقال ابن رواحة: أنا يا رسول الله. قال: إنك لحسن الشعر. وقال حسان بن ثابت: أنا، يا رسول الله. قال: نعم، اهجهم أنت، وسيعينك عليهم روح القدس. وعن عروة قال: سببت ابن فريعة عند عائشة فقالت: يا ابن أخي، لأقسم عليك لما كففت عنه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عطاء بن أبي رباح: دخل حسان بن ثابت على عائشة بعدما عمي، فوضعت له وسادة، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: أجلسته على وسادة، وقد قال ما قال! فقالت: إنه - تعني كان يجيب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويشفي صدره من أعدائه - وقد عمي، وإني لأرجو ألا يعذّب في الآخرة. وعن عائشة قالت: مشت الأنصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله إن قومك قد تناولوا منا، فإن أذنت لنا أن نرد عليهم فعلنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أكره أن تنتصروا ممن ظلمكم، وعليكم بابن أبي قحافة، فإنه أعلم القوم بهم. قال: فمشوا إلى عبد الله بن رواحة، فقالوا: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أذن لنا أن ننتصر من قريش فقل، فقال عبد الله بن رواحة في ذلك شعراً، فلم يبلغ منهم الذي أرادوا. فأتوا كعب بن مالك فقالوا له: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أذن لنا أن ننتصر من قريش، فقال كعب في ذلك شعراً، هو أمتن من شعر عبد الله بن

رواحة، فلم يبلغ منهم الذي أرادوا. فأتوا حسان بن ثابت فقالوا له، إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أذن لنا أن ننتصر من قريش، فقل: فقال حسان: لست فاعلاً حتى أسمع ذلك من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق معهم حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، أنت أذنت لهؤلاء؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أكره أن ينتصروا ممن ظلمهم، وأنت يا حسان لن تزال مؤيداً بروح القدس ما نافحت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث الترمذي: ما كافحت. وفي رواية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لحسان: إني أخاف أن تصيبني معهم، تهجو من بني عمي - يعني أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب - فقال حسان: لأسلّنّك منهم سلّ الشعرة من العجين، ولي مقول ما أحب أنّ لي به مقول أحد من العرب، وإنه ليفري ما لا تفريه الحربة. قال: ثم أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع، بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه. قال: فأذن له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية فهجاهم حسان، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد شفيت يا حسان واشتفيت. وعن محمد بن بركة عن أمه عن عائشة أنها طافت بالبيت، فقرنت بين ثلاثة أسابيع، ثم صلت بعد ذلك ست ركعات، قالت - وذكر لها حسان بن ثابت في الطواف - قالت: فابتدرنا نسبّه، فقالت عائشة: مه، وبرأته أن يكون فيمن قال عليها، وقالت: إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بقوله: هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء

فأنشدت عائشة هذين البيتين وهي تطوف بالبيت. وعن مسروق قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعراً..... بأبيات له فقال: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت عائشة: لكنك لست كذلك. قال مسروق: فقلت لها: لم تأذنين له يدخل عليك؟ وقد قال الله عز وجل: " والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " فقالت: فأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن هشام بن عروة، عن أبيه أن حسان بن ثابت ذكر عند عائشة رضي الله عنها، فانتبهت فقالت: من تذكرون؟ فقالوا: حسان. قال: فنهتهم وقالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق. وعن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين، لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن. وعن سعيد بن جبير قال: قيل لابن عباس: قد قدم حسان اللعين. قال: فقال ابن عباس: ما هو بلعين، قد جاهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه ولسانه. وعن محمد بن عباد عن أبيه قال: لما أنشد حسان بن ثابت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عفت ذات الأصابع فالجواء........

فانتهى إلى قوله: هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جزاؤك على الله الجنة ياحسان. وعن يزيد بن عياض بن جعدبة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة تناولته قريش بالهجاء، فقال لعبد الله بن رواحة: رد عني فذهب في قديمهم وأولهم، ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فأمر كعب بن مالك فذكر الحرب فقال: نصل السيوف إذا قصرن بخطونا ... قدماً ونلحقها إذا لم تلحق ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فدعا حسان بن ثابت فقال: اهجهم وائت أبا بكر يخبرك بمعايب القوم، فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به على صدره وقال: والله ما أحب أن لي به مقولاً في العرب، فصب على قريش منه شآبيب شر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اهجهم كأنك تنضحهم بالنبل. وعن عبد الله بن بريدة: أن جبريل أعان حسان بن ثابت على مدحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبعين بيتاً. وعن عروة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا حساناً، فإنه ينافح عن الله وعن رسوله ". قال محمد بن المكرم: في الأصل هنا، حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: لما جاءت بنو تميم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشاعرهم وبخطيبهم، وأمر ثابت يا قيس أن يجاوب خطيبهم، وأمر حسان بن ثابت أن يجاوب شاعرهم. وقد تقدم هذا الحديث مستوفى في ترجمة الأقرع بن حابس، في حرف الألف. والله أعلم.

حدث أبو هريرة قال: جاء الحارث الغطفاني المري إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، شاطرني تمر المدينة، ولأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حتى أستأذن السعود. فدعا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة فقال: ها قد تعلمون أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وهذا الحارث الغطفاني يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة فادفعوها إليه إلى يوم ما، قالوا: يا رسول الله، إن كان هذا أمراً من أمر الله عز وجل فالتسليم لأمر الله، وإن كان هذا أمراً من أمرك أو هوى من هواك، فأمرنا لأمرك تبع وهوانا لهواك تبع، وإلا فوالله لقد كنا نحن وهم في الجاهلية على سواء، ما كانوا ينالون تمرة ولا بسرة، إلا شرى أو قرى، فكيف وقد أعزنا الله بك وبالإسلام! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ها يا حارث قد تسمع. فقال: يا محمد، عذرت فأنشأ حسان يقول: يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمداً لم يغدر وأمانة المري حيث لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبر إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبر قالوا: يا محمد اكفف عنا لسانه، فوالله لو مزج بماء البحر مازجه. والسخبر حشيش ينبت حول المدينة. حدث معن بن عيسى قال: بينما حسان بن ثابت في أطمه فارع، وذلك في الجاهلية، إذ قام من جوف الليل فصاح: يا آل الخزرج، فجاؤوه وقد فزعوا: فقالوا: مالك يابن الفريعة؟ قال: بيت قلته، فخشيت أن أموت قبل أن أصبح فيذهب ضيعة، خذوه عني قالوا: وما قلت؟ قال: قلت:

رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى عليه النعيم وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وقد رش حسان فناء أطمه، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماطين، وبينهم جارية لحسان يقال لها شيرين، ومعها مزهر لها تغنيهم، وهي تقول في غنائها: هل علي ويحكم ... إن لهوت من حرج فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: لا حرج. وعن خارجة بن زيد بن ثابت وغيره، يزيد بعضهم على بعض، وهذا لفظ ابن دريد قال: كانت مأدبة في زمن عثمان، فدعي لها الناس، وكان فيهم عدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيهم زيد بن ثابت وخارجة بن زيد وحسان بن ثابت وعبد الرحمن بن حسان، وقد كف حسان وثقل سمعه، وكان إذا دعي قال: أخرس أم عرس أم إعذار؟ ثم يجيب. قال خارجة: فأتينا بالطعام، فجعل حسان يقول لابنه: أطعام يد أم طعام يدين؟ فإذا قيل طعام يد أكل، وإذا قيل طعام يدين أمسك. فلما فرغ القوم، بنيت له وسادة، وأقبلت الميلاء وهي يومئذ شابة، فوضع في حجرها مزهر فضربت، ثم غنت فكان أول ما بدأت بشعر حسان: انظر حبيبي بباب جلق هل ... تؤنس دون البلقاء من أحد أجمال شعثاء إذ هبطن من ال ... محضر بين الكثبان فالسند يحملن حور العيون يرفلن في الري ... ط حسان الوجوه كالبرد من دون بصرى، وخلفها جبل الثل ... ج عليه السحاب كالقدد

إني وأيدي المخيسات وما ... يقطعن من كل سربخ جدد والبدن إذ قربت لمنحرها ... حلفة بر اليمين مجتهد ما حلت عن عهد ما علمت ولا ... أحببت حبي إياك من أحد تقول شعثاء لو صحوت عن ال ... خمر لأصبحت مثري العدد أهوى حديث الندمان في وضح ال ... فجر وصوت المسامر الغرد لا أخدش الخدش بالنديم ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي يأبى لي السيف والسنان وقو ... م لم يضاموا كلبدة الأسد فطرب حسان وبكى وقال: لقد أراني هناك سميعاً بصيراً، وعيناه تنضحان على خديه، وهو مصغ لها. وجعل عبد الرحمن يشير إليها ويقول: أعيدي وأسمعي الشيخ. قال خارجة: فيعجبني لعمر الله ما يعجب عبد الرحمن من بكاء أبيه. قال أبو غزية: لحسان بن ثابت مواضع، هو شاعر الأنصار، وشاعر اليمن، وشاعر أهل القرى، وأفضل ذلك كله هو شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مدافع. قال محمد بن يونس: كنا عند الأصمعي فسئل: ما أراد حسان بقوله: أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل ما في هذا ما يمدحهم به! قال: أراد أنهم ملوك حلول في موضع واحد، وهم أهل مدر وليسوا بأهل عمد ينتقلون. قال هشام بن محمد الكلبي: قال حسان بن ثابت الأنصاري: خرجت أريد عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، فلما كنت في بعض الطريق

وقفت على السعلاة في جوف الليل فقالت: أين تريد يابن الفريعة؟ فقلت لها: أريد الملك. قالت: أتعرفني؟ قلت لها: لا. قالت: أنا السعلاة صاحبة النابغة، وأختي المعلاة صاحبة علقمة بن عبدة، وإني مقترحة عليك بيتاً، فإن أنت أجزته شفعت لك إلى أختي، وإن لم تجزه قتلتك. فقلت: هات. قالت: إذا ما ترعرع فينا الغلام ... فما إن يقال له من هوه قال: فتبعتها من ساعتي فقلت: فإن لم يسد قبل شد الإزار ... فذلك فينا الذي لاهوه ولي صاحب من بني الشيصبان ... فحيناً أقول وحيناً هوه فقالت أولى لك نجوت، فاسمع مقالتي واحفظها: عليك بمدارسة الشعر، فإنه أشرف الآداب وأكرمها وأنورها، به يسخو الرجل، وبه يتظرف، وبه يجالس الملوك، وبه يخدم، وبتركه يتضع. ثم قالت: إنك إذا وردت على الملك وجدت عنده النابغة، وسأصرف عنك معرته، وعلقمة بن عبدة، وسأكلم المعلاة أختي حتى ترد عنك سورته. قال حسان: فقدمت على عمرو بن الحارث، فاعتاص علي الوصول إليه فقلت للحاجب بعد مدة: إن أنت أذنت لي عليه وإلا هجوت اليمن كلها، ثم انتقلت عنها. فأذن عليه، فلما وقفت بين يديه وجدت النابغة جالساً عن يمينه، وعلقمة جالساً عن يساره، فقال لي: يابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فإني باعث إليك بصلة سنية، ولا أحتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي، وأنت اليوم لا تحسن أن تقول: رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب فقلت: لا بد منه. فقال: ذلك إلى عميك؛ فقلت: أسألكما بحق الملك الحراب، إلا ما قدمتماني عليكما. فقالا: قد فعلنا. فقال: هات. فأنشأت أقول والقلب وجل:

أسالت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل حتى أتيت على آخرها، فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل عن مجلسه سروراً، حنى شاطر البيت وهو يقول: هذه والله البتارة، التي قد بترت المدائح، هذا وأبيك الشعر، لا ما تعللاني به منذ اليوم، يا غلام، ألف دينار مرموجة. فأعطيت ألف دينار، في كل دينار عشرة دنانير، ثم قال: لك مثلها في كل سنة، قم يا زياد بن ذبيان، فهات الثناء المسجوع. فقام النابغة فقال: ألا انعم صباحاً أيها الملك المبارك، السماء غطاؤك والأرض وطاؤك، ووالدي فداؤك، والعرب وقاؤك، والعجم حماؤك، والحكماء وزراؤك، والعلماء جلساؤك، والمقاول سمارك، والحلم دثارك، والسكينة مهادك، والصدق رداؤك، واليمن حذاؤك، والبر فراشك، وأشرف الآباء آباؤك، وأطهر الأمهات أمهاتك، وأفخر الشبان أبناؤك، وأعف النساء حلائلك، وأعلى البنيان بنيانك، وأكرم الأجداد أجدادك، وأفضل الأخوال أخوالك، وأنزه الحدائق حدائقك، وأعذب المياه مياهك، قد لازم الردن أوقك، وحالف الإضريج عاتقك، ولاوم المسك مسكك، وقابل الصرف ترائبك، العسجد قواريرك، واللجين صحافك، والشهاد إدامك، والخرطوم شرابك، والأبكار مستراحك، والصبر سواسك، والخير بفنائك، والشر في ساحة أعدائك، والذهب عطاؤك، وألف دينار مرموجة إيتاؤك، والنصر منوط بأبوابك، زين قولك فعلك، وطحطح عدوك غضبك، وهزم مغايبهم مشهدك، وسار في الناس عدلك، وسكن تباريح البلاء ظفرك، أيفاخرك ابن المنذر اللخمي! فوالله لقفاك خير من وجهه، ولشمالك خير من يمينه، ولصمتك خير من كلامه، ولأمك خير من أبيه،

ولخدمك خير من علية قومه. فهب لي أسارى قومي، واسترهن بذلك شكري، فإنك من أشراف قحطان، وأنا من سروات عدنان. فرفع عمرو بن الحارث رأسه إلى جارية كانت على رأسه قائمة فقالت: مثل ابن الفريعة فليمدح الملوك، ومثل زياد فليثن على الملوك. وهذه القصيدة: أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجوابي فالبضيع فحومل فالمرج مرج الصفرين فجاسم ... فديار بثنى درّساً لم تحلل دار لقوم قد أراهم مرة ... فوق الأعزة عزّهم لم ينقل لله درّ عصابة نادمتهم ... يوماً بجلّق في الزمان الأول أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل مارية: أمهم. المفضل: الذي يفضل ما ملك. ومعنى حول قبر أبيهم: أي هم آمنون، لا يبرحون ولا يخافون كما يخاف العرب، وهم مخصبون لا ينتجعون. يسقون من ورد البريص عليهم ... برداً يصفّق بالرّحيق السّلسل برداً: أراد ثلجاً. يصفق: يمزج. الرحيق: الخمرة البيضاء. السلسل: تنسل في الحلق تذهب ويروى: بردى - ممال - وهو نهر. يسقون درياق المدام ولم تكن ... تغدو ولائدهم لنقف الحنظل أي شرابهم في الأشربة بمنزلة الدرياق في الدواء. ولم تكن تغدو ولائدهم لنقف الحنظل: أي هم ملوك يخدمون، وهم في سعة، لا يحتاجون إلى ما يحتاج إليه العرب من نقف الحنظل وغيره.

بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل يقول: هم أصحاب كبر وتيه. والأشم: المرتفع. وإنما خص الأنف بذلك، لأن الأنفة والحمية والغضب فيه. ولم يرد بذلك طول الأنف. والعرب تقول: شمخ بأنفه. فيضرب المثل بالأنف للكبر والعزة. ومنه قوله عز وجل: " سنسمه على الخرطوم ". ومن الطراز الأول: يقول هم مثل آبائهم الأشراف المتقدمين، الذين لا تشبه خلائقهم وأفعالهم هذه الأفعال المحدثة. يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل يقول: إن منازلهم لا تخلو من الضياف والطراق والعفاة، فكلابهم لا تهر على من يقصد منازلهم. وقوله: لا يسألون عن السواد المقبل: أي هم في سعة لا يبالون كم نزل بهم من الناس، ولا يهولهم الجمع الكبير وهو السواد، إذا قصدوا نحوهم. فلبثت أزماناً طوالاً فيهم ... ثم ادّكرت كأنني لم أفعل أي: بقيت دهراً فيهم، ثم انتقلت فتذكرت ما كنت فيه، فكأنه شيء لم يكن، فلم يبق إلا الحديث والذكر. إما تري رأسي تغير لونه ... شمطاً فأصبح كالثغام الممحل يخاطب امرأة. والثغامة: شجرة بيضاء نورها وورقها كأنها القطن. شبه الشيب بها. والثغامة إذا قل المطر كان أشد لبياضها، لأنها تيبس وتجف، فيخلص بياضها ولا تخضر. فلقد يراني الموعدي وكأنني ... في قصر دومة أو سواء الهيكل يقول: كان يراني الذي يتوعدني ويتهددني في العز والمنعة، كأنني مع أولاد جفنة في دومة الجندل وهو منزل بالشام وأصحاب الحديث يقولونه بفتح الدال: دومة الجندل.

وأهل الأعراب: بضم الدال. وقوله: سواء الهيكل: أي وسط الهيكل. والهيكل: بيت للنصارى يعظمونه. ولقد شربت الخمر في حانوتها ... صهباء صافية كطعم الفلفل يسعى عليّ بكأسها متنطف ... فيعلني منها وإن لم أنهل المتنطف: الذي في أذنه قرط. ويروى: متنطق: أي في وسطه منطقة. فيعلني: يسقيني مرة بعد مرة. والنهل: الري هاهنا. والعلل: الشرب الثاني. إن الذي عاطيتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل قتلت: أي صب فيها الماء فمزجت، فهاتها صرفاً غير ممزوج. كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل كلتاهما: يعني، الخمر والماء. أرخاهما للمفصل: أي الصرف. والمفصل بكسر الميم: اللسان، والمفصل: واحد المفاصل. بزجاجة رقصت بما في جوفها ... رقص القلوص براكب مستعجل المعنى رقص مافي جوفها. ويروى قعرها. حسبي أصيل في الكرام ومذودي ... تكوي مراسمه جنوب المصطلي مذوده: لسانه. يقول: من اصطلى بناري، أي من يعرض لي وسمت جنبه بلساني، أي بهجائي. ولقد تقلدنا العشيرة أمرها ... ونسود يوم النائبات ونعتلي أي إن عشيرتهم تفوض أمرها إليهم وتطيعهم. والتقليد هاهنا: الطاعة. ويسود سيدنا جحاجح سادة ... ويصيب قائلنا سواء المفصل الجحاجح: السادة. فقال: سادة سادة تأكيداً. وقائلهم: خطيبهم. وسواء المفصل: وسط المفصل. والسواء: الوسط. وتزور أبواب الملوك ركابنا ... ومتى نحكم في العشيرة نعدل

وفتى يحب الحمد يجعل ماله ... من دون والده وإن لم يسأل يعطي العشيرة حقها ويزيدها ... ويحوطها في النائبات المعضل وعن صفية بنت عبد المطلب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج إلى أحد، جعل نساءه في أطم يقال له فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت. فكان حسان ينظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا شد على المشركين شد معه وهو في الحصن، فإذا رجع رجع، وأنه قال: فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان: قم فاقتله. فقال: ما ذاك فيّ، لو كان فيّ ذاك كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت صفية: فقمت إليه فضربته حتى قطعت رأسه، فلما طرحته قلت لحسان: قم إلى رأسه فاطرحه على اليهود وهم أسفل الحصن. فقال: والله ما ذاك فيّ. قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم فقالوا: قد والله علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفاً ليس معهم أحد. قالت: فتفرقوا فذهبوا. قال: قوله يوم أحد: وهم إنما كان ذلك يوم الخندق، كما روي من وجه آخر عن صفية. وروى ابن الكلبي: أن حسان بن ثابت كان لسنا شجاعاً، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة أربع وخمسين، فيها توفي حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزى، وسعد بن يربوع المخزومي، وحسان بن ثابت الأنصاري، ويقال: إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ

حسان بن سليمان أبو علي الساحلي

كل واحد منهم عشرين ومئة سنة. وقيل: توفي حسان سنة أربعين. وقال المداتني: توفي حسان بن ثابت وهو ابن مئة وأربع سنين محجوباً. حسان بن سليمان أبو علي الساحلي قال حسان بن سليمان: كنت رفيقاً لسفيان الثوري زماناً، فحبب إلي الرباط فقلت له: يا أبا عبد الله، إنه قد حبب إلي الرباط، وقد أحببت أن ترداد لي موضعاً، أحبس فيه نفسي بقية أيامي فقال لي: إن الأوزاعي بالشام فأته، فإنه لن يدخر عنك نصيحة. فأتيت بيروت فبت بها، فلما صليت الغداة مع الجماعة قلت لرجل إلى جانبي: أيهم الأوزاعي؟ فأشار إلي بيده، وكان مستقبل القبلة، وكان إذا صلى لم يلتفت عن القبلة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت أسند ظهره إلى القبلة، فمن سأله عن شيء أجابه. فقال: إن يكن عند أحد خبر من سفيان فعند هذا الرجل، فتقدمت فسلمت عليه فقال لي: كيف تركت أخي سفيان؟ فقلت له: بخير، وهو يقرئك السلام. فقلت له: يا أبا عمرو، إني كنت رفيقاً لسفيان زماناً، وإنه حبب إلي الرباط، فسألت أن يرتاد لي موضعاً أحبس فيه نفسي بقية أيامي فقال لي: إن الأوزاعي بالشام فأته، فإنه لن يدخر عنك نصحته، فأتيتك لترتاد لي موضعاً أحبس فيه نفسي بقية أيامي. فقال: عليك بصور، فإنها مباركة، مدفوع عنها الفتن، يصبح فيها الشر فلا يمسي، ويمسي فيها الشر فلا يصبح، بها قبر نبي في أعلاها. فقلت له: يا أبا عمرو، تشير علي بسكنى صور وقد سكنت بيروت! فقال لي: سبق المقدور، ولو أني استقبلت ما استدبرت ما عدلت بها.

حسان بن عطية

حسان بن عطية أبو بكر المحاربي مولاهم حدث حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي: أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا نكون في أرض فتصيبنا المخمصة، فنصيب الميتة فما يحل لنا منها؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا لم تغتبقوا ولم تصطحبوا ولم تجتفئوا بقلاً فشأنكم بها. قال أبو شعيب: ليس هو كما قال تجتفئوا، وإنما هو تختفئوا بقلاً، أي تظهروه. وقد قرئ " أكاد أخفيها " أي أظهرها. وحدث حسان بن عطية عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحياء والعي شعبتان من الإيمان. وزاد في رواية: " والبذاء والبيان شعبتان من النفاق ". كان حسان بن عطية من أهل الساحل، من أهل بيروت، مولى لمحارب، وكان قدرياً. روي عن حسان بن عطية أنه قال: ما ابتدع قوم في ديتهم بدعة إلا نزع الله عز وجل منهم مثلها من السنة، ثم لا يردها عليهم إلى يوم القيامة. وروى الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: امش ميلاً وعد مريضاً، امش ميلين وأصلح بين اثنين، امش ثلاثة وزر في الله.

قال العباس بن الوليد بن صبح السلمي الدمشقي: قلت لمروان بن محمد: لا أرى سعيد بن عبد العزيز روى عن عمير بن هانئ شيئاً ولا عن حسان بن عطية؟! فقال: كان عمير بن هانئ وحسان بن عطية أبغض إلى سعيد من النار. قلت: ولم؟ قال: أو ليس هو القائل على المنبر حين بويع ليزيد يعني ابن الوليد: سارعوا إلى هذه البيعة، إنما هما هجرتان هجرة إلى الله وإلى رسوله وهجرة إلى يزيد. قال: وأما حسان بن عطية، فكان سعيد يقول: هو قدري. قال مروان: فبلغ الأوزاعي كلام سعيد في حسان فقال الأوزاعي: ما أعز سعيداً بالله، ما أدركت أحداً أشد اجتهاداً ولا أعمل منه. وقال رجاء بن سلمة: سمعت يونس بن سيف يقول: ما بقي من القدرية إلا كبشان أحدهما حسان بن عطية. روى الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: من أطال قيام الليل هون الله عليه قيام يوم القيامة. وقال الأوزاعي: ما رأيت أحداً أكثر عملاً منه في الخير. يعني حسان بن عطية. وقال الأوزاعي: كان حسان بن عطية ينتحي إذا صلى العصر في ناحية المسجد، فيذكر الله حتى تغيب الشمس. وقال الأوزاعي: كانت لحسان غنم، فلما سمع في المنايح الذي سمع، تركها. قال الراوي: قلت للأوزاعي: كيف الذي سمع؟ قال: يوم له ويوم لجاره. وروى الأوزاعي، عن حسان أنه كان يقول: اللهم، إني أعوذ بك من شر الشيطان، ومن شر ما تجري به الأقلام، وأعوذ بك أن

حسان بن فروخ

تجعلني عبرة لغيري، وأعوذ بك أنت تجعل غيري أسعد بما آتيتني مني، وأعوذ بط أن أتغوث بشيء من معصيتك عند ضر ينزل بي، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك، وأعوذ بك أن أقول قولاً أبتغي به غير وجهك، اللهم اغفر لي فإنك بي عالم، ولا تعذبني فإنك علي قادر. قال الأوزاعي: قال حسان بن عطية: ما عادى عبد ربه بشيء، أشد عليه من أن يكره ذكره أو من يذكره. سئل يحيى بن معين عن حسان بن عطية: كيف حاله؟ فقال: ثقة. حسان بن فروخ من أهل البصرة وفد على عمر بن عبد العزيز. قال حسان بن فروخ: سألني عمر بن عبد العزيز عما يقول الأزارقة، فأخبرته. فقال: ما يقولون في الرجم؟ قلت: يكفرون به. قال: الله أكبر، كفروا بالله ورسوله. ثم ذكر حديث ماعز بن مالك.

حسان بن كريب بن ليشرح

حسان بن كريب بن ليشرح ابن عبد كلال بن عريب بن شرحبيل بن يريم بن فهد بن معد يكرب بن أبي شمّر بن أبي كرب بن شراحيل بن معد يكرب بن فهد بن عريب بن شمّر بن يرعش بن مالك بن مرثد بن نتوف بن هاعان بن شراحيل بن الحارث بن زيد بن ذي شوب أبو كريب الرّعيني المصري. حدث حسان بن كريب قال: سمعت أبا ذر، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيكون بمصر رجل من قريش أخنس، يلي سلطاناً، ثم يغلب عليه - أو ينزع منه، فيفرّ إلى الروم، فيأتي بهم إلى الإسكندرية، فيقاتل أهل الإسلام بها، فتلك أولى الملاحم. وفي رواية: سيكون بمصر رجل من بني أمية أخنس، يلي سلطاناً. وساق الحديث. حدث حسان بن كريب، عن علي بن أبي طالب، أنه كان يقول: القائل الفاحشة والذي يسمع لها في الإثم سواء. حدث حسان بن كريب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله: كيف تحسبون نفقاتكم؟ قال: قلنا: إذا قفلنا من الغزو وعددناها بسبع مئة، وإذا كنا في أهلينا عددنا بعشرة. فقال عمر: قد استوجبتموها بسبع مئة، إن كنتم في الغزو وإن كنتم في أهليكم. هاجر حسان بن كريب في خلافة عمر بن الخطاب، وشهد فتح مصر.

حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف

حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف ابن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة أبو سليمان الكلبي زعيم بني كلب ومقدمهم. شهد صفين مع معاوية، وكان على قضاعة دمشق يومئذ، وكان له مقدار ومنزلة عند بني أمية، وهو الذي قام بأمر البيعة لمروان بن الحكم، وقد كان يسلم عليه بالإمرة قبل ذلك أربعين ليلة، وكان له شعر، وداره بدمشق، وهي قصر البحادلة التي تعرف اليوم بقصر ابن أبي الحديد، أقطعه إياها معاوية. قال خليفة بن خياط: مات يزيد يعني ابن معاوية وعلى الأردن حسان بن مالك بن بحدل، وضمّ إليه فلسطين، فولى حسان بن مالك روح بن زنباع فلسطين. حدث عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال: سلّم على حسان بن مالك بن بحدل أربعين ليلة بالخلافة، ثم سلمها إلى مروان وقال: فإلاّ يكن منّا الخليفة نفسه ... فما نالها إلاّ ونحن شهود وقال بعض الكلبيين: نزلنا لكم عن منبر الملك بعدما ... ظللتم وما إن تستطيعون منبرا قال عبد الله بن صالح: كان يقال: لم تهيّج الفتن بمثل ربيعة، ولم تطلب التّرات بمثل تميم، ولم يؤيّد الملك بمثل كلب، ولم ترع الرعايا بمثل ثقيف، ولم يجب الخراج بمثل اليمن.

الحسن بن أحمد بن جعفر

قال رجاء بن أبي سلمة: خاصم حسان بن مالك عجم أهل دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة، كان فلان - وسمى رجلاً من الأمراء - أقطعه إياها. فقال عمر: إن كانت من الخمس عشرة كنيسة التي في عهدهم فلا سبيل إليها. الحسن بن أحمد بن جعفر أبو القاسم البغدادي الصوفي سمع بدمشق وببغداد حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد الخراساني قال: سمعت المزني يقول: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقّ طبعه، ومن تعلم الحساب تجزل رأيه، وكتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. الحسن بن أحمد بن أبي حازم حدث بدمشق عن محمد بن يوسف الفريابي بسنده إلى ابن عباس قال: شرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ماء زمزم وهو قائم. الحسن بن أحمد بن الحسن ابن أحمد بن ربيعة بن سلام بن عبيد الله أبو علي الهمذاني المقرئ المعروف بأبي الناغس حدث عن أبي عمرو محمد بن عبد الله السوسي بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصلوات والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر. توفي أبو الناغس في دمشق في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.

الحسن بن أحمد بن أبي سعيد

الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنّابي القرمطي واسمه الحسن بن بهرام ويقال الحسن بن أحمد بن الحسن بن يوسف بن كوذربار يقال أصله من الفرس أبو محمد القرمطي المعروف بالأعصم ولد بالأحساء في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين ومئتين، وغلب على الشام في ذي الحجة سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، وولى على دمشق وشاحاً السلمي، ثم رجع إلى الأحساء في صفر سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة، ثم خرج إلى الشام بابنه فدخل دمشق في ذي القعدة سنة ستين، وكسر جيش جعفر بن فلاح وقتل جعفراً الذي كان افتتح دمشق للمصريين، ورحل عنها في ذي القعدة الدلجة، وتوجه إلى مصر فحصرها في ربيع الأول سنة إحدى وستين شهوراً، واستخلف على دمشق ظالم بن مرهوب العقيلي، ثم توجه راجعاً إلى الأحساء في ربيع الأول سنة إحدى وستين، ثم رجع إلى الشام، ومات بالرملة في رجب سنة ست وستين وثلاث مئة، وهو إذ ذاك يظهر طاعة عبد الكريم الطائع لله بن المطيع. قال أبو عبد الله الحسين بن عثمان الخرقي الفارقي الحنبلي التميمي: كنت بالرملة سنة ست وخمسين وثلاث مئة، وقد ورد إليها أبو علي القرمطي القصير الثياب، فاستدناني منه وقربني إلى خدمته، فكنت ليلة عنده إذ أحضر الفراشون الشموع، فقال لأبي نصر بن كشاجم - وكان كاتبه - يا أبا نصر، ما يحضرك في صفة هذه الشموع، فقال: إنما نحضر في مجلس السيد لنسمع من كلامه ونستفيد من أدبه. فقال أبو علي في الحال بديهاً: ومجدولة مثل صدر القناة ... تعرت وباطنها مكتس

لها مقلة هي روح لها ... وتاج على هيئة البرنس إذا غازلتها الصبا حركت ... لساناً من الذهب الأملس وإن رنقت لنعاس عرا ... وقطت من الرأس لم تنعس وتنتج في وقت تلقيحها ... ضياء يجلي دجى الحندس فنحن من النور في أسعد ... وتلك من النار في أنحس فقام أبو نصر بن كشاجم، وقبل الأرض بين يديه، وسأله أن يأذن له في إجازة الأبيات فأذن له، فقال: وليلتنا هذه ليلة ... تشاكل أشكال إقليدس فيا ربة العود حثي الغناء ... ويا حامل الكأس لا تحبس فتقدم بأن يخلع عليه، وحمل إليه صلة سنية، وإلى كل واحد من الحاضرين. ومن مختار شعر الحسن بن أحمد الأعصم: يا ساكن البلد المنيف تعززاً ... بقلاعه وحصونه وكهوفه لا عز إلا للعزيز بنفسه ... وبخيله وبرجله وسيوفه وبقبة بيضاء قد ضربت على ... شرف الخيام لجاره وحليفه قرم إذا اشتد الوغى أردى العدا ... وشفى النفوس بضربه ووقوفه لم يرض بالشرف التليد لنفسه ... حتى أشاد تليده بطريفه وقوله في علته: ولو أني ملكت زمام أمري ... لما قصرت عن طلب النجاح ولكني ملكت فصار حالي ... كحال البدن في يوم الأضاحي يقدن إلى الردى فيمتن كرهاً ... ولو يسطعن طرن مع الرياح

الحسن بن أحمد بن الحسن بن سعيد

الحسن بن أحمد بن الحسن بن سعيد أبو محمد الصيداوي البزاز سمع بدمشق. حدث بصيدا، عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن طبيز الحلبي، بسنده عن أم سلمة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية، قاتلك في النار. الحسن بن أحمد بن الحسين ويقال ابن الحسن أبو علي المصيصي الوراق الخواص حدث في مسجد باب الجابية قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمر الغلقي بجامع طرسوس قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهاشمي الرقي بالرملة قال: دخلت في بلاد الهند إلى بعض قراها، فرأيت شجر ورد أسود، يتفتح عن وردة كبيرة طيبة الرائحة سوداء، عليها مكتوب - كما تدور - بخط أبيض: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. فشككت في ذلك وقلت: إنه عمل معمول، فعمدت إلى جنبذة لم تفتح، ففتحتها فكان فيها وردة سوداء، فيها مكتوب خط أبيض، كما رأيت في سائر الورود، وفي البلد منه شيء كثير عظيم، وأهل تلك القرية يعبدون الحجارة، لا يعرفون الله عز وجل.

الحسن بن أحمد بن صالح

الحسن بن أحمد بن صالح أبو محمد السبيعي الكوفي الحافظ قدم دمشق وذاكر بها. حدث عن عبد الله بن إسحق بن أبي مسلم الصفري، بسنده عن أبي موسى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلاكها عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ". توفي أبو محمد السبيعي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة، سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة. الحسن بن أحمد بن عبد الواحد ابن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان أبو عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الحديد السلمي الخطيب المعدل حكم بين الناس بدمشق حين عزل القاضي الغزنوي، إلى حين وصول الشهرستاني من الحج، أيام تاج الدولة. حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسن بن السمسار بسنده أن أبا يونس مولى عائشة أخبر: أنه سمع عائشة تقول: أتى رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله، فقالت عائشة: وأنا وراء الباب أسمع: فقال: يا رسول الله، إني أدركتني صلاة الصبح وأنا جنب، وكنت أريد الصيام، أفأصوم؟ فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " قد تدركني صلاة الصبح وأنا جنب، ثم أغتسل وأصبح صائماً ". فقال: يا رسول الله، إني لست كهيئتك، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعرفكم بما أتقي ".

الحسن بن أحمد بن عمير بن يوسف

ولد القاضي أبو عبد الله الخطيب في ربيع الأول سنة ست عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة بدمشق في ذي الحجة. الحسن بن أحمد بن عمير بن يوسف ابن جوصا أبو محمد بن أبي الحسن حدث الحسن بن أحمد سنة خمس وأربعين وثلاث مئة عن أحمد بن أنس بسنده عن ابن عباس أنه قال: تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حراماً وبنى بها حلالاً وماتت بسرف فذلك قبرها تحت السقيفة. يعني ميمونة. الحسن بن أحمد بن غطفان بن جرير أبو علي الفزاري حدث عن عمه جرير بن غطفان، بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اختلفتم في طريق، فعرضه سبعة أذرع ". وحدث الحسن بن أحمد، عن أبي عتبة أحمد بن الفرج، بسنده عن عمير بن هانئ العبسي قال: سمعت ابن عمر يقول: توشك المنايا أن تسبق الوصايا. وحدث الحسن بن أحمد عن ربيعة بن الحارث، بسنده عن عبادة بن نسي قال: حج عيسى بن مريم على ثور. توفي أبو علي الحسن بن أحمد بدمشق، سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.

الحسن بن أحمد بن محمد بن بكار

الحسن بن أحمد بن محمد بن بكار ابن بلال أبو علي العاملي حدث عن جده محمد بن بكار بن بلال، بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء. وفي حديث آخر، أراه قال: وعن هبته. توفي الحسن بن أحمد في صفر، سنة خمس وسبعين ومئتين. الحسن بن أحمد بن محيميد أبو محمد الحمصي حدث عن بعض شيوخه، عن شيخ له: أنه خرج في نزهة ومعه صاحب له، فبعثه في حاجة، فأبطأ عليه فلم يره إلى الغد، فجاء إليه وهو ذهل العقل، فكلموه فلم يكلمهم إلا بعد وقت، فقالوا له: ما شأنك وما قصتك؟ فقال: إني دخلت إلى بعض الخراب أبول فيه، فإذا حية فقتلتها، فما هو إلا أن قتلتها حتى أخذني شيء فأنزلني في الأرض، واحتوشتني جماعة فقالوا: هذا قتل فلاناً. فقالوا: نقتله. فقال بعضهم: امضوا به إلى الشيخ. فمضوا بي إليه، فإذا شيخ حسن الوجه كبير اللحية أبيضها، فلما وقفنا قدامه قال: ما قصتكم؟ فقصوا عليه القصة. فقال: في أي صورة ظهر؟ قالوا: في حية. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنا ليلة الجن: " ومن تصور منكم في صورة غير صورته فقتل فلا شيء على قاتله ". خلوه. فخلوني.

الحسن بن أحمد بن أبي البختري

الحسن بن أحمد بن أبي البختري وهب بن وهب القرشي الصيداوي خطيب صيدا. حدث على باب منزله سنة خمس وثلاث مئة إملاء من حفظه، عن يونس بن عبد الأعلى، بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرزق إلى بيت فيه السخاء أسرع من الشفرة إلى سنام البعير. الحسن بن أحمد أبو علي القلانسي قال: سمعت ابن الطرائفي يدور بدمشق وأنا صبي، فيترحم على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويذكر الفضيل، ويذكر عائشة، ومعاوية ويترحم عليهما، ويقول: الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والقرآن كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، والخير والشر من الله، وإن الله عز وجل يرى في القيامة لا يشكون في رؤيته، ولا يضامون في رؤيته، وإن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطى الشفاعة في المذنبين من أمته. الحسن بن إبراهيم بن الأصبغ أبو علي البجلي العكاوي حدث بصيدا، عن أبي الدرداء عبد الوهاب بن محمد بن أبي قرة مولى عثمان بن عفان العكي، بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعثرة في كد حلال على عيل محجوب أفضل عند الله من ضرب بسيف حولاً كاملاً لا يجف دماً مع إمام عادل.

الحسن بن إبراهيم بن عثمان

الحسن بن إبراهيم بن عثمان أبو محمد العماني القاضي قدم دمشق وسمع بها، سنة ست وثمانين وثلاث مئة. حدث عن محمد بن عبد الله الربعي، بسنده عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار. وفي رواية: ينفقه في طاعة الله عز وجل. الحسن بن إبراهيم بن محمد ابن عبد الله بن أحمد أبو علي السلمي الصائغ: حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلامة الطحان بسنده عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: أنا أول من سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول. قال: فخرجت إلى الناس فأخبرتهم. الحسن بن إبراهيم بن يوسف بن حلقوم أبو علي المقرئ حدث عن إبراهيم بن هشام الغساني بسنده عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فإن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة.

الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة

وحدث عنه أيضاً بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر. وحدث أيضاً عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو أن أحدكم إذا عاد مريضاً لم يحضر أجله قال: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك، سبع مرات، إلا شفاه الله عزّ وجلّ. وفي حديث عن عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عاد مريضاً وضع يده على بعضه وقال: أذهب الباس ربّ الناس، واشف أنت الشافي شفاء لا يغادر سقماً. الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة ابن شراحيل الكلبي يعد في أهل المدينة. حدث عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشتملاً على الحسن والحسين وهو يقول: هذان ابناي وابنا فاطمة، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما. وفي حديث آخر يرويه عن أبيه أيضاً قال: طرقت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة لحاجة، فخرج وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فإذا هو حسن وحسين على وركيه فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهم، إنك تعلم أحبهما فأحبهما. ثلاث مرات. أخرجه الترمذي في جامعه. خرج أسامة إلى وادي القرى إلى ضيعة له فتوفي بها، وخلّف في المزة ابنة له يقال لها فاطمة، ولم تزل مقيمة إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز، فجاءت فدخلت عليه،

الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد

فقام من مجلسه وأقعدها فيه. وقال لها: حوائجك يا فاطمة. قالت: تحملني إلىأخي. فجهزها وحملها، وخلفت قوماً من بني الشجب في ضيعتها، إلى أن قدم الحسن بن أسامة فباعها. قال محمد بن عمر: خاصم ابن أبي الفرات مولى أسامة بن زيد الحسن بن أسامة بن زيد ونازعه، فقال له ابن أبي الفرات في كلامه: يا بن بركة - يريد أم أيمن - فقال الحسن: اشهدوا. ورفعه إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو يومئذ قاضي المدينة، أو وال لعمر بن عبد العزيز، وقصّ عليه قصته. فقال أبو بكر لابن أبي الفرات: ما أردت إلى قولك بابن بركة؟ قال: سميتها باسمها. قال أبو بكر: إنما أردت بهذا التصغير بها، وحالها من الإسلام حالها، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لها: يا أمّه، ويا أم أيمن لا أقالني الله إن أقلتك. فضربه سبعين سوطاً. الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد أبو محمد الأصبهاني المعدل رحّال اجتاز بدمشق أو بساحلها، وسمع ببيت المقدس وبحمص. حدث عن الفضل بن مهاجر ببيت المقدس بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على كل مسلم في كل يوم صدقة. قلنا: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: السلام على المسلم صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وصلاتك على الجنازة صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وعونك الضعيف صدقة. توفي أبو محمد المعدل سنة سبعين وثلاث مئة في ذي الحجة.

الحسن بن إسحاق بن إبراهيم

الحسن بن إسحاق بن إبراهيم أبو الفتح البرجي الأصبهاني المستملي سمع بدمشق وبأصبهان وبالعراق والحجاز. حدث عن أحمد بن محمد بن إسماعيل الدمشقي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العبد ليعمل الذنب، فإذا ذكره أحزنه، وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع، قبل أن يأخذ في كفارته بلا صلاة ولا صيام ". توفي بعد السبعين وثلاث مئة. الحسن بن إسحاق بن بلبل أبو سعيد المعرّي القاضي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي عبد الله السوابيطي محمد بن أحمد بن موسى بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيأتي عليكم زمان لا يكون فيه أعزّ من ثلاثة: أخ يستأنس به، أو سنّة يعمل بها، أو درهم حلال. وحدث عن السريّ بن سهل بسنده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لها عن الشهوات، ومن ترقب الموت هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. كان ابن بلبل حيّاً سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة.

الحسن بن أشعث بن محمد بن علي

الحسن بن أشعث بن محمد بن علي أبو علي المنبجي سمع ببعلبك. حدث الحسن بن أشعث المنبجي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مطل الغني ظلم. الحسن بن إلياس أبو عليّ حدث عن أبي أمية بسنده عن ابن ثوبان قال: ما ينبغي أن يكون أحد أشد شوقاً إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدهم. الحسن بن بلال نسب إلى جد أبيه وهو الحسن بن محمد بن بكار بن بلال حدث عن هشام بن عمار بسنده أن عمر بن الخطاب كتب إلى معاذ بن جبل بكتاب، فأجابه معاذ بن جبل، فكان كتابه إليه: " من معاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب. وحدث عن محمد بن بكار بسنده عن أنس بن مالك، أن ثمانية نفر من عكل اجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرهم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا، فلما صحّوا وسمنوا قتلوا رعاتها، واستاقوها فلحقوا بالمشركين، فأنزل الله فيهم ما أنزل، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم تركهم ولم يحبسهم.

الحسن بن بلال أبو علي المقرئ

الحسن بن بلال أبو علي المقرئ حدث عن أحمد بن علي بن سعيد القاضي بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّ على بغلة شهباء بحائط لبني النجار، فحاصت البغلة، فإذا بقبر يعذّب صاحبه فقال: لولا ألا تدافنوا لدعوت الله عز وجلّ أن يسمعكم عذاب القبر الحسن بن جرير بن عبد الرحمن أبو علي الصوري البزار الزّنبقي قدم دمشق سنة ثلاث وثمانين ومئتين. حدث عن سعيد بن منصور بسنده عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خياركم من تعلم القرآن وعلمه. " وأخذ بيدي فأجلسني في مكاني هذا. وحدث عن أبي الجماهر بسنده عن أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالهدية صلة بين الناس ويقول: " لو قد أسلم الناس تهادوا من غير جوع. الحسن بن جعفر بن حمزة بن المحسّن ابن عثمان بن الحسن بن الحسن بن أبي سعيد أبو محمد الأنصاري البعلبكي المعروف بابن بريك ذكر أنه من ولد النعمان بن بشير قدم دمشق غير مرة، وعاد إلى بعلبك. ومن شعره:

قابل البلوى إذا ... حلّت بصبر ومسرّه فلعلّ الله أن يو ... ليك بعد العسر يسره كم عهدنا نكبة حلّ ... ت فولّت بعد فتره لن ينال الحازم النّد ... ب منى نفس بقدره لا ولا يدفع عنه ... من صروف الدّهر ذرّه كلّ يوم آب من دن ... ياك بؤس ومضرّه والليالي ناتجات ... للورى هما وحسره كان بعض أهل بعلبك يتهم أبا محمد بمذهب الروافض، فحدث أنه رأى في جمادى الأول سنة وأربعين وخمس ومئة، كأن الحاجب عطاء في الميدان الأخضر، خارج باب همذان ببعلبك، وحوله من جرت العادة بحضورهم، وهو في جملة الناس، وكان قد أتي ببساط، فبسط له، وطرح عليه طراحة فجلس عليها، فإذا بأربعة مشايخ قد حضروا، فجلس اثنان عن يمين الحاجب عطاء، واثنان عن شماله بعد أن سلموا عليه وأقبلوا بوجوههم إليه، وكأنه قد أتي بكرسي شبيه بكرسي الوعظ، فأخذوا بيد الحاجب ورفعوه عليه، فلما استقر على الكرسي حمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالتأم في الميدان خلق لا يحصى، فقال: " معاشر الناس، الدنيا فانية والآخرة باقية ". فدخلت ريح تحت الكرسي فرفعته، ثم تكلم بكلام لم أحفظه، والناس يضجون بالدعاء ويكثرون البكاء، ثم نزل الكرسي، وأنزل الحاجب عنه، فقعد دون المرتبة، وجلس الشيوخ عليها. فسألت بعض الشيوخ عن أحدهم فقال: هذا هو المشرع، وأومأ بيده إلى رجل حسن الصورة، ثم أخذ بيدي فقال: مدّ يدك فصافحه، فصافحته ثم قلت: يا شيخ، - للذي سألته - من هؤلاء القوم؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وهذا محمد بن إدريس الشافعي. فما استتم كلامه حتى حضر شيخ عليه سكينة ووق (ار، فنهضوا له ورفعوا قدره، فسألت الشيخ عنه فقال: هذا علي بن أبي طالب. فأومأ المشرع إلى الحاجب عطاء، فتقدم إليه، ثم تحدث معه فالتفت إلي وقال: يا فلان، ألم تقل: إن هؤلاء القوم كانوا مختلفين بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى. فأومأ إليهم فقال: ألم يكن كذلك؟ فقالو بأجمعهم: لا. ثم

الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد

أومأوا إليّ فقالوا: عليك بمذهب الشيخ، عليك بمذهب الشيخ، ولازم الماء والمحراب والسلام. ثم انتبهت وكأنني مرعوب، ثم شكرت الله بعد ذلك شكراً زائداً، ولزمت ما قال، والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً. توفي أبو محمد في المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة. الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد ابن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الديبلي ثم البغدادي الأديب قدم دمشق وحدث بها وبمصر. حدث عن علي بن محمد بن سعيد الموصلي، بسنده أن عمر بن الخطاب قال: لو أتيت براحلتين، راحلة شكر وراحلة صبر، لم أبال أيّهما ركبت. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عمّره الله عز وجل ستين سنة، فقد أعذر إليه في العمر. ذكر الحسن بن حامد، أن المتنبي لما قدم بغداد نزل عليه، وأنّه كان القيم بأموره، وأن المتنبي قال له: لو كنت مادحاً تاجراً لمدحتك. وكان الحسن بن حامد صدوقاً، وكان تاجراً مموّلاً، وإليه ينسب خان ابن حامد الذي في درب الزعفراني ببغداد. توفي الحسن بن حامد في شوال سنة سبع وأربع مئة. ومن شعره: شربت المعالي غير منتظر بها ... كساداً ولا سوقاً يقوم لها أخرى وما أنا من أهل المكاس وكلّما ... توفّرت الأثمان كنت لها أشرى

الحسن بن حبيب بن عبد الملك

الحسن بن حبيب بن عبد الملك ابن حبيب أبو علي الفقيه الشافعي المعروف بالحصائري إمام مسجد باب الجابية، أحد الثقات الأثبات. سمع بمصر وبالشام وبمكة. قال الحسن بن حبيب: قرئ على العباس بن مزيد بسنده قال: قالت عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحدث النساء بعده، لمنعهن الخروج إلى المساجد، كما منعه نساء بني إسرائيل ". ولد الحسن بن حبيب سنة اثنتين وأربعين ومئتين، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة. وكان حافظاً لمذهب الشافعي رحمه الله، وحدث بكتاب الأمّ كلّه. الحسن بن حجاج بن غالب بن عيسى ابن جرير بن حيدرة أبو علي الطبراني الزيات سكن أنطاكية وحدث بدمشق وبمصر. حدث عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حبّ علي يأكل الذنوب، كما تأكل النار الحطب. وحدث عن محمد بن عمران بن سعيد الأشقاتي بأنطاكية بسنده عن أحمد بن عبد الله العامري قال: سألت راهباً على عمود فقلت له: يا راهب، ما أقعدك على هذا العمود، في قفر على عمود صخر، لا أنيس لك؟ قال: فقال لي: يا عربي بل الله ساكن السماء هو يعلم موضع المذنبين من خلقه، أو ليس هو صاحب يوسف في قعر الجب، وصاحب إبراهيم في

الحسن بن الحر بن الحكم

النار، ينظر إليها الجهال ناراً تأجج، وأهل السماء ينظرون إليها روضة خضراء! ثم سكت. قدم دمشق من أنطاكية سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. الحسن بن الحرّ بن الحكم أبو محمد ويقال أبو الحكم النخعي ويقال الجعفي الكوفي ويقال إنه مولى بني الصيداء وهم من بني أسد بن خزيمة قدم دمشق لأجل التجارة وحدّث بها، وهو ابن أخت عبيدة بن أبي لبابة وخال حسين بن علي الجعفي. روى الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة أنه سمعه يقول: أخذ علقمة بيدي، وأخذ ابن مسعود بيد علقمة، وأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيد ابن مسعود في التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال ابن مسعود: إذا فرغت من هذا، فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت، وإن شئت فانصرف. قال أبو أسامة: استقرض معاوية أبو زهر من الحسن بن الحر أو الحر خمسة آلاف درهم، فلما تيسرت عنده أتاه بها، فأبى أن يقبلها فقال له: يا أخي، ما المذهب في هذا وأنا عنها غني؟ قال: العق بها زبداً وعسلاً. قال أبو أسامة: أوصى عبدة بن أبي لبابة للحسن بن الحر بجارية كانت له عند موته، قال: فمكثت عند الحسن دهراً لا يطأها، فقيل له في ذلك فقال: إني كنت أنزل عبدة مني بمنزلة الوالد، فأنا أكره أن أطلع مطلعاً اطلعه.

الحسن بن الحسن بن أحمد

قال حسين بن علي الجعفي: كان الحسن بن الحر يجلس على بابه، فإذا مرّ به البائع يبيع الملح أو الشيء اليسير لعل الرجل يكون رأسماله درهماً أو درهمين، فيدعوه فيقول: كم رأسمالك؟ وكم عيالك؟ فيخبره. فيقول: درهم أو درهمان أو ثلاثة. فيقول: إن أعطاك إنسان خمسة دراهم تأكلها؟ فيقول: لا. فيعطيه خمسة دراهم، فيقول: هذه اجعلها رأس مالك واشتر بها وبع. ويعطيه خمسة أخرى فيقول: اشتر بهذه لأهلك دقيقاً ولحماً وتمراً، وأوسع عليهم حتى يأكلوا ويشبعوا، ويعطيه خمسة أخرى فيقول: هذه اشتر بها قطناً لأهلك، ومرهم فليغزلوا، وبع بعضه واحبس بعضه، حتى يكون لهم به مرفق أيضاً. أو كما قال، وإذا مر به إنسان مخرق الجيب قال له: يا هذا، هاهنا، ثم دعا له إبرة وخيطاً، فخيط بها جيبه. وإن كان مقطوع الشراك دعا له بإشفى، فأصلحه. وكان الحسن بن الحر ثقة. قال محرز بن حريث: كتب الحسن بن الحر إلى عمر بن عبد العزيز: إني كنت أقسم زكاتي في إخواني، فلما وليت رأيت أن أستأمرك. قال: فكتب إليه أما بعد، فابعث إلينا بزكاة مالك، وسم لنا إخوانك نعنهم عنك، والسلام عليك. توفي الحسن بن الحر بمكة سنة ثلاث وثلاثين ومئة. الحسن بن الحسن بن أحمد أبو الفضائل بن أبي علي الكلابي المؤدب الماسح إمام مسجد سوق اللؤلؤ، كان يكتب له في تسميعاته: الطائي، ثم كتب الكلابي بأخرة، وكان ثقة صدوقاً عالماً بالحساب ومساحة الأرضين، وعليه كان الاعتماد في القسمة.

الحسن بن الحسن بن علي

روى عن أبي بكر الخطيب بسنده عن ابن عباس قال: إنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يعير أحدكم أخاه أرضه، خير له من أن يأخذ عليها كذا وكذا لشيء معلوم ". ولد الحسن بن الحسن سنة إحدى وأربعين وأربع مئة بدمشق، وتوفي في رجب سنة سبع عشرة وخمس مئة. الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السلام أبو محمد الهاشمي المديني حدث الحسن بن الحسن عن أبيه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من عال أهل بيت من المسلمين يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه. وحدث أن رجلاً وقف على البيت الذي فيه قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو لله ويصلي عليه، فقال حسن للرجل: لا تفعل، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تتخذوا بيتي عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني ". وحدث الحسن بن الحسن عن فاطمة عليها السلام قالت: دخل عليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأكل عرقاً، فجاء بلال بالأذان فقام ليصلي، فأخذت بثوبه فقلت: يا أبه ألا تتوضأ! فقال: مم أتوضأ يا بنية؟ فقلت: مما مست النار. فقال لي: أو ليس أطيب طعامكم ما مسته النار!. وأم حسن بن حسن بن علي خولة بنت منظور بن زبان بن سيار من بني فزارة، كان الحسن بن علي خلف على خولة حين قتل محمد بن طلحة، زوّجه إياها عبد الله بن الزبير، وكان عنده أختها لأمها وأبيها تماضر بنت منظور بن زبّان، وهي أم بنيه حبيب

وحمزة وعباد وثابت بني عبد الله بن الزبير، فبلغ ذلك منظور بن زبّان فقال: مثلي يفتأت عليه ببنيته! فقدم المدينة فركز راية سوداء في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يبق قيسي بالمدينة إلا دخل تحتها، فقيل لمنظور: أين يذهب بك تزوجها الحسن بن علي، وزوجها عبد الله بن الزبير. فملكه الحسن أمرها، فأمضى ذلك التزويج. وفي ذلك يقول حفير العبسي: إن الندى من بني ذبيان قد علموا ... والجود في آل منظور بن سيار الماطرين بأيديهم ندىً ديماً ... وكل غيث من الوسمي مدرار تزور جارتهم وهناً هديتهم ... وما فتاهم لها وهنا بزوار ترضى قريش بهم صهراً لأنفسهم ... وهم رضىً لبني أخت وأصهار قال الزبير بن بكار: كان الحسن بن الحسن وصي لأبيه، وولي صدقة علي بن أبي طالب في عصره، وكان حجاج بن يوسف قال له يوماً، وهو يسايره في موكبه بالمدينة، وحجاج يومئذ أمير المدينة: أدخل عمك عمر بن علي معك في صدقة علي، فإنه عمك وبقية أهلك، قال: لا أغير شرط علي، ولا أدخل فيها من لم يدخل. قال: إذاً أدخله معك. فنكص عنه الحسن حتى قفل الحجاج، ثم كان وجهه إلى عبد الملك حتى قدم عليه، فوقف ببابه يطلب الإذن، فمرّ به يحيى بن الحكم، فلما رآه يحيى عدل إليه فسلم عليه، وسأله عن مقدمه وخبره وتحفّى به، ثم قال: إني سأنفعك عند أمير المؤمنين - يعني عبد الملك - فدخل الحسن على عبد الملك فرحب به، وأحسن مساءلته، وكان الحسن بن الحسن قد أسرع إليه الشيب، فقال له عبد الملك: لقد أسرع إليك الشيب، ويحيى بن الحكم في المجلس. فقال له يحيى: وما يمنعه يا أمير المؤمنين! شيبه أماني أهل العراق، كل عام يقدم عليه منهم ركب يمنّونه الخلافة، فأقبل عليه الحسن بن الحسن فقال: بئس والله الرفد رفدت، وليس كما قلت، ولكنا أهل بيت يسرع إلينا الشيب، وعبد الملك يسمع، فأقبل عليه عبد الملك فقال: هلم ما قدمت له. فأخبره بقول الحجاج فقال: ليس ذلك له، اكتبوا له كتاباً لا يجاوزه، فوصله وكتب له. فلما خرج من عنده لقيه يحيى بن الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره وقال: ما هذا بالذي وعدتني! فقال له يحيى: إيهاً عنك، والله لا يزال يهابك، ولولا هيبته إياك ما قضى لك حاجة، وما ألوتك رفداً.

حدث أبو مصعب، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل، أنه بلغني أن الحسن بن الحسن يكاتب أهل العراق، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث إليه، فليؤت به. قال: فجيء به إليه وشغله شيء. قال: فقام إليه علي بن حسين فقال: يا بن عم، قل كلمات الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. قال: فجلى للآخر وجهه، فنظر إليه وقال: أرى وجهاً قد قشب بكذبة، خلوا سبيله وليراجع فيه أمير المؤمنين. قال فضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله إن قتلك لقربة إلى الله عز وجل، فقال له الرجل: إنك تمزح. فقال: والله ما هذا بمزاح، ولكنه مني الجد. قال: وسمعته يقول لرجل يغلو فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وإن عصينا فأبغضونا، فلو كان الله نافعاً أحداً بقرابته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير طاعة الله لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق، فإنه أبلغ فيما تريدون، ونحن نرضى به منكم. قال الزبير: وكان عبد الملك بن مروان قد غضب غضبة له، فكتب إلى هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن الوليد بن المغيرة، وهو عامله على المدينة، وكانت بنت هشام بن إسماعيل زوجة عبد الملك، وأم ابنه هشام، فكتب إليه أن أقم آل علي يشتمون علي بن أبي طالب، وآل عبد الله بن الزبير يشتمون عبد الله بن الزبير. فقدم كتابه على هشام فأبى آل علي وآل عبد الله بن الزبير، وكتبوا وصاياهم، فركبت أخت لهشام إليه، وكانت جزلة عاقلة فقالت: يا هشام، أتراك الذي تهلك عشيرته على يده! راجع أمير المؤمنين، قال: ما أنا بفاعل. قالت: فإن كان لا بد من أمر، فمر آل علي يشتمون آل

الزبير، ومر آل الزبير يشتمون آل علي. قال: هذه أفعلها. فاستبشر الناس بذلك، وكانت أهون عليهم، فكان أول من أقيم إلى جانب المرمر الحسن بن الحسن، وكان رجلاً رقيق البشرة، عليه يومئذ قميص كتان رقيقه، فقال له هشام: تكلم بسب آل الزبير. فقال: إن لآل الزبير رحماً أبلها ببلالها، وأربها بربابها، يا قوم، مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار! فقال هشام لحرسي عنده: اضرب. فضربه سوطاً واحداً من فوق قميصه، فخلص إلى جلده، فشرخه حتى سال دمه تحت قدمه في المرمر. فقام أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي فقال: أنا دونه أكفيك أيها الأمير، فقال في آل الزبير وشتمهم، ولم يحضر علي بن الحسين، كان مريضاً أو تمارض، ولم يحضر عامر بن عبد الله بن الزبير، فهم هشام أن يرسل إليه، فقيل له: إنه لا يفعل أفتقتله! فأمسك عنه، وحضر من آل الزبير من كفاه، وكان عامر يقول: إن الله لم يرفع شيئاً فاستطاع الناس خفضه، انظروا إلى ما صنع بنو أمية يخفضون علياً ويغرون بشتمه، وما يزيده الله بذلك إلا رفعة. حدث فضيل بن مرزوق عن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: سمعته يقول لرجل من الرافضة: والله لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم، ثم لا نقبل منكم توبة. فقال له رجل: لم لا تقبل منهم توبة؟ قال: نحن أعلم بهؤلاء منكم، إن هؤلاء إن شاؤوا صدقوكم، وإن شاؤوا كذبوكم، وزعموا أن ذلك يستقيم لهم في التقية، ويلك إن التقية إنما هي باب رخصة للمسلم، إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه، يدرأ عن ذمة الله عز وجل، وليس بباب فضل، إنما الفضل في القيام بأمر الله وقول الحق، وايم الله ما بلغ من أمر التقية أن يجعل بها لعبد من عباد الله أن يضل عباد الله. قال الفضيل بن مرزوق: سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن، وهو يقول لرجل ممن فعلوا فيهم: ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله فأحبونا، وأن عصينا الله فأبغضونا، قال: فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته. فقال: ويحكم، لو كان الله نافعاً بقرابة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا: أباه وأمه،

الحسن بن الحسين بن محمد

والله إني لأخاف أن يضاعف الله للعاصي منا العذاب ضعفين، والله إني لأرجو أن يؤتى المحسن منا أجره مرتين. قال: ثم قال: لقد أساءتنا آباؤنا وأمهاتنا إن كان ما تقولون من دين الله، ثم لم يخبرونا به ولم يطلعونا عليه ولم يرغبونا فيه، فنحن والله كنا أقرب منهم قرابة منكم، وأوجب عليهم حقاً، وأحق بأن يرغبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون: إن الله ورسوله اختار علياً لهذا الأمر والقيام على الناس بعده. إن كان علي لأعظم الناس في ذلك حظية وحرماً، إذ ترك أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم فيه كما أمره، ويعذر فيه إلى الناس. فقال له الرافضي: ألم يقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال: أم والله، أن لو يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس، إن هذا ولي أمركم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا؟ فإن أنصح الناس كان للمسلمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي الحسن بن الحسن، فأوصى إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة، وهو أخوه لأمه. الحسن بن الحسين بن محمد ابن الحسين بن رامين أبو محمد الأستراباذي القاضي سمع بدمشق وبجرجان وبخراسان وبالبصرة وببغداد، وسكنها ومات بها سنة اثنتي عشرة وأربع مئة. حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة فقال: اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " ماء زمزم لما شرب له. وهذا أشربه لعطش يوم القيامة. ثم شربه ".

الحسن بن الحسين بن يحيى

الحسن بن الحسين بن يحيى ابن زكريا بن أحمد بن يحيى خت بن موسى أبو محمد ابن البلخي حدث عن جده يحيى بن زكريا بسنده عم مصعب سمع أنساً يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهل بالحج والعمرة جميعاً. توفي أبو محمد الحسن بن الحسين البلخي القاضي سنة إحدى وأربعين وأربع مئة. الحسن بن حفص بن الحسن أبو علي البهراني الأندلسي رحل إلى المشرق، وسمع وقدم دمشق. حدث بدمشق عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ألا إنكم وفيتم سبعين أمّة، انتم خيرها وأكرمها على الله. وحدث أبو علي الحسن بن حفص بسنده عن مالك بن دينار قال: قرأت في التوراة " ردّوا أبصاركم عليكم ولاتهدوها إلى غيركم، فإن لكم فيها شغلاً ". وحدث بسنده إلى مالك بن أنس قال: لا يحمل العلم عن أهل البدع كلهم، ولا يحمل العلم عمن لم يعرف بالطلب ومجالسة أهل العلم، ولا يحمل العلم عمن يكذب في حديث الناس، وإن كان في حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقاً، لأن الحديث والعلم إذا سمع من العالم فإنما قد جعل حجة بين الذي سمعه وبين الله تبارك وتعالى.

الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك

الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك أبو علي الحضاري الكاتب أصله من جرجرايا، شاعر جيّد الشعر، قليله، وولي أبوه إمرة دمشق في أيام المعتصم، فوثب عليه علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ فقتله، وكان الحسن مع أبيه إذ ذاك ففرّ عنه، فذكر ذلك البحتري في شعره، وذكر محمد بن داود بن الجراح هذه الأبيات، وذكر أنها لأبي الفضل بن الحسن بن سهل في الحسن بن رجاء والله أعلم. قال علي بن يونس: كنت أكتب لرجاء بن أبي الضحاك، وإن علي بن إسحاق لما قتل رجاء أمر بحبسي، قال: فحبست في يدي سجان كان جاراً لي، فكان يجيئني بالخبر ساعة بساعة فدخل إلي وقال: قد أخرج رأس صاحبك على قناة، ثم جاءني فقال: قد قتل متطببه، ثم قال: قد قتل ابن عمه، ثم قال: قد قتل كاتبه فلان، ثم قال: والساعة يدعى بك. فنالني جزع شديد، وغشيني نعاس، ودعي بي فقال السجان ليدفع عني: المفتاح مع شريكي فبعث ليطلبه، ورأيت في منامي كأني ارتطمت في طين كثير، وكأني قد خرجت منه وما بلّ قدمي منه شيء، فاستيقظت وتأولت الفرج، وسمعت حركة شديدة، فدخل السجان بعقبها فقال: أبشر، قد أخذ الجند علي بن إسحاق فحبسوه، ولم ألبث أن جاؤوني فأخرجوني، وجاؤوا بي إلى مجلس علي بن إسحاق، إلى الفرش الذي كان جالساً عليه، وقدامه دواة وكتاب كتبه إلى المعتصم في تلك الساعة، يخبره بقتل رجاء ويسمّيه المجوسي والكافر، فأبطلته وكتبت أنا بالخبر ولم أزل أدبر أمر العمل، إلى أن تسلمه مني وحمل علي ابن إسحاق إلى حضرة المعتصم، فأظهر الوسواس، إلى أن تكلم فيه ابن أبي دؤاد فأطلق. وقد ذكر الجاحظ أن علي بن إسحاق كان موسوساً على الحقيقة، لأنه ذكر أنه قال:

الحسن بن زيد أبو علي

أرى الخطأ قد كثر في الدنيا، والدنيا كلها في جوف الفلك وإنما تؤتى منه، وقد تخرّم وتخلخل وتزايل واعترته عوادي الهرم، وسأحتال الصعود إليه، فإني إن نجرته ورندجته وسويته انقلب هذا الخطأ كله إلى الصواب. قال مهدي بن سابق: دخل المأمون يوماً ديوان الخراج، فمر بغلام جميل على أذنه قلم، فأعجبه ما رأى من حسنه فقال: من أنت يا غلام؟ قال: أنا الناشئ في دولتك، وخريج أدبك، والمتقلب في نعمتك، والمؤمل لخدمتك، الحسن بن رجاء. فقال له المأمون: يا غلام، بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول. ثم أمر أن يرفع عن مرتبة الديوان، وأمر له بمئة ألف درهم. الحسن بن زيد أبو علي الكازروني الصوفي حدث عن أبي العباس أحمد بن العباس بن حوّى بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يجمع بنيه فيقول: يا بني تعلّموا، فإن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبار آخرين. توفي الحسن بن زيد سنة أربع وخمسين وأربع مئة. الحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل أبو العباس العباداني المقرئ حدث عن أبي خليفة بسنده عن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار. وفي رواية: من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار.

الحسن بن سعيد بن محمد بن سعيد

وروي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار. الحسن بن سعيد بن محمد بن سعيد أبو عليّ العطار الشاهد كان مقدم الشهود بدمشق. حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد العتيقي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل مثلاً بمثل حذو النعل بالنعل وإنهم تفرقوا على ثنتين وسبعين ملّة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلها في النار غير واحدة. فقيل: يا رسول الله، وما تلك الواحدة؟ قال: هو ما نحن عليه اليوم وأصحابي. توفي أبو علي الحسن بن سعيد سنة ست وستين وأربع مئة. الحسن بن سفيان بن عامر ابن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء أبو العباس الشيباني النسوي الحافظ صاحب المسند، سمع بدمشق. حدث الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في بيضة نعام صيام يوم، أو إطعام مسكين. وحدث عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أعتق شركاً له في مملوك، فقد وجب عليه أن يعتق ما بقي منه، إن كان له من

المال ما يبلغ ثمنه، يقام في ماله قيمته، قيمة عدل، فيدفع إلى أصحابه حصتهم، ويخلى سبيل المعتق. وحدث الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي بسنده عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف، إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله، فأصمّهم وأعمى أبصارهم. قال الحسن بن سفيان: لما قدمت على علي بن حجر، وكان من آدب الناس، وكان لا يرضى قراءة أصحاب الحديث، فغاب القارئ عنه يوماً فقال: هاتوا من يقرأ، فقمت فقلت: أنا. فقال: اجلس. ثم قال في الثانية: من يقرأ؟ قلت: أنا. فقال: اجلس. وزبرني، إلى أن قال الثالثة، فقلت: أنا. فقال كالمغضب: هات. فقرأت ذلك المجلس وهو ذا يتأمل، ويجهد أن يأخذ علي شيئاً في النحو واللغة، فلم يقدر عليه. فلما فرغت قال لي: يا فتى، ما اسمك؟ قلت: الحسن. قال: ما كنيتك؟ قلت: لم أبلغ رتبة الكنية. فاستحسن قولي، قال: كنّيتك أبا العباس. قال: فكان الحسن بن سفيان يفتخر أن علي بن حجر كنّاه. قال أبو بكر محمد بن داود بن سليمان: كنا عند الحسن بن سفيان ببالوز، دخل عليه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، وأبو بكر أحمد بن علي الرازي الحافظ، في جماعة أصحاب أبي بكر المطوعة، وهو متوجهون إلى فراوة. فقال له أبو بكر بن علي: قد كتبت للأستاذ أبي بكر محمد بن إسحاق هذا الطبق من حديثك، فقال: هات اقرأ. فأخذ يقرأ، فلما قرأ

أحاديث أدخل إسناداً منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب. فلما كان بعد ساعة أدخل أيضاً إسناداً في إسناد، فرده إلى الصواب، فلما كان في الثالثة قال له الحسين: ما هذا! لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة، وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال أبو بكر محمد بن إسحاق: لا تؤذ الشيخ. فقال أبو بكر: إنما أردت أن يعلم الأستاذ أن أبا العباس يعرف حديثه. حدث الفقيه أبو الحسن الصفار قال: كنا عند الشيخ الإمام الحسن بن سفيان النسوي، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من أطباق الأرض، مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم، وكتبة الحديث، فخرج يوماً إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقاً، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضاً، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك. اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي بأقصى المغرب وحلولي بمصر في تسعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم للحديث، وأعلاهم إسناداً، وأصحهم رواية، فكان يملي علينا كل يوم مقداراً يسيراً من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة، ودفعت الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة، إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعاً وسوء حال، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به، وأنف كل واحد منا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى

السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسامي كل واحد منا، وإرسالها قرعة، فمن ارتفع اسمه من الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولأصحابه، فارتفعت الرقعة التي فيها اسمي، فتحيرت ودهشت، ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة، فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين، قد اقترن الاعتقاد فيهما بالإخلاص، أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة، لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ بعد عن إتمام الصلاة، حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه، نظيف الثوب، طيب الرائحة، يتبعه خادم في يده منديل فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجدة فقلت: أنا الحسن بن سفيان، فما الحاجة؟ فقال: إن الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية، ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يكفي نفقة الوقت، وهو زائركم غداً بنفسه، ويعتذر بلفظه إليكم ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مئة دينار. فتعجبنا من ذلك جداً، وقلنا للشاب: ما القصة في هذا؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به، دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلماً في جملة من أصحابي، فقال لي وللقوم: أنا أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم إلى منازلكم، فانصرفت أنا والقوم. فلما عدت إلى منزلي أتاني رسول الأمير مسرعاً مستعجلاً يطلبني حثيثاً، فأجبته مسرعاً فوجدته منفرداً في بيته، واضعاً يمينه على خاصرته لوجع ممضّ اعتراه في داخل جسده، فقال لي: أتعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ فقلت: لا. فقال: اقصد المحلة الفلانية والمسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر وسلمها في الحين إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة، ومهّد عذري لديهم وعرّفهم أني صبيحة الغد زائرهم، ومعتذر شفاهاً إليهم فقال الشاب: سألته عن السبب الذي دعاه إلى هذا فقال: دخلت هذا البيت منفرداً علّي أن أستريح ساعة. فلما هدأت عيني رأيت في المنام فارساً في الهواء، متمكناً تمكّن من يمشي على بساط الأرض، وبيده رمح، قضيت العجب من ذلك، وكنت أنظر إليه متعجباً، حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي فقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم وأدركهم، قم وأدركهم، فإنهم منذ ثلاثة جياع في المسجد الفلاني. فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا رضوان صاحب الجنة. ومنذ أصاب سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك بي له، فعجل إيصال هذا المال ليزول هذا الوجع عني.

الحسن بن سليمان بن داود

قال الحسن: فتعجبنا من ذلك، وشكرنا الله سبحانه وتعالى، وأصلحنا أمورنا، ولم نطب نفساً بالمقام، حتى لا يزورنا الأمير ولا يطلع الناس على أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، وخرجنا تلك الليلة من مصر، وأصبح كل واحد منا واحد عصره وفريد دهره في العلم والفضل. فلما أصبح ابن طولون أتى المسجد لزيارتنا وطلبنا، وأحسّ بخروجنا، وأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها، ووقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم، حتى لا تختل أمورهم، ولا يصيبهم من الخلل ما أصابنا، وذلك كله بقوة الدين وصفوة الاعتقاد. والله سبحانه ولي التوفيق. وكان الحسن بن سفيان النسوي من قرية بالوز، وهي على ثلاثة فراسخ من بلد نسا. وهو محدّث خراسان في عصره، مقدم في البيت والكثرة والرحلة والفهم والفقه والأدب. تفقه عند أبي ثور إبراهيم بن خالد، وكان يفتي على مذهبه وصنف المسند الكبير والجامع والمعجم وغير ذلك. وتوفي سنة ثلاث وثلاث مئة. الحسن بن سليمان بن داود ابن عبد الرحمن بن سوس أبو محمد البعلبكي بن أخي أبي السري الفارسي حدث عن أبي علي وصيف بن عبد الله الأنطاكي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً. وفي زيادة ابن حنبل: فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت. قال ابن إدريس: لا أدري؛ هذا في حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا؟

الحسن بن سليمان بن سلام

الحسن بن سليمان بن سلام أبو علي الفزاري المصري المعروف بقبيطة أصله من البصرة وسكن العسكر بمصر، سمع بدمشق وبمصر وبحمص وبالعراق. حدث عن المعافى بن سليمان الحراني بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: علمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة وقال: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا ". وحدث عن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من خبّب عبداً على مولاه فليس منّا. توفي أبو علي الحافظ المعروف بقبيطة في جمادى الآخرة سنة إحدى وستين ومئتين. الحسن بن شجاع بن رجاء أبو علي البلخي الحافظ رحل في طلب العلم إلى الشام والعراق ومصر. حدث عن إسماعيل بن خليل بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش، فلا ادري أكذلك كان أم بعد النفخة. كان الحسن بن شجاع من أئمة الحديث، أدركته المنية قبل الخمسين. روى عنه البخاري في صحيحه. وتوفي الحسن بن شجاع في شوال سنة أربع وأربعين وقيل سنة ست وستين ومئتين، وهو ابن تسع وأربعين سنة. والله أعلم.

الحسن بن صالح بن غالب القيسراني

الحسن بن صالح بن غالب القيسراني حدث عن أبي يعقوب إسحاق بن محمد الأنصاري بصيدا قال: سألت يموت بن المزرّع بن يموت بصيدا قلت: يا أستاذ، كيف لم يستخلف علياً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر! فقال: سألت الجاحظ عن هذا فقال الجاحظ: سألت إبراهيم النظام عن هذا، فقال إبراهيم: قال الله عزّ وجلّ: " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم " الآية. وكان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويحدث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الوحي، كما يحدث الرجلُ الرجلَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل من هؤلاء الذين استخلفهم الله في الأرض؟ فقال جبريل: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. ولم يكن بقي من عمر أبي بكر إلا سنتين، فلو استخلف علياً لم يلحق أبو بكر ولا عمر ولا عثمان من الخلافة شيئاً، ولكن الله عزّ وجلّ رتبهم لعلمه بما بقي من أعمارهم، حتى تم ما وعدهم الله تبارك وتعالى به. الحسن بن أبي طاهر بن الحسن أبو علي الختّلي الفقيه سكن دمشق وحدث بها. روى الحافظ حديثاً مسلسلاً قال: حدثنا علي بن المسلّم أبو الحسن قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد صاحب العلم الحسن قال: حدثني أبو علي الحسن بن أبي طاهر الخراساني صاحب المذهب الحسن قال: حدثني الشيخ أبو سعيد فضل الله بن أحمد الإمام في الخلق الحسن، حدثنا أبو العباس المستغفري النّسفي إملاء بحديث حسن، حدثنا أبو العباس بن أبي الحسن، حدثني أبي أبو الحسن، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي وجلّ حديثه حسن حدثنا الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن احسن الحسن الخلق الحسن. قال الشيخ: أما الحسن الأول فهو الحسن بن حسان السمتي، والحسن الثاني الحسن بن

الحسن بن عبد الله بن الحسن

دينار، والحسن الثالث الحسن بن أبي الحسن البصري، والحسن الرابع هو الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. توفي أبو علي الحسن الختلي الشافعي القاضي الفقيه إمام الجامع بدمشق في شعبان سنة ستين وأربع مئة. الحسن بن عبد الله بن الحسن أبو علي الختلّي الشافعي الفقيه إمام جامع دمشق. حدث عن أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بسنده إلى سهل بن سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليدخلنّ الجنة من أمتي سبعون ألفاً، أو سبع مئة ألف - لا يدري أبو حازم أيهما قاله - متماسكون، وقال الصابوني: متماسكين آخذ بعضهم بعضاً، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر. توفي أبو علي الحسن الختلي الإمام في شعبان سنة ستين وأربع مئة. الحسن بن عبد الله بن سعيد ابن عبيد الله أبو علي الكندي الحمصي الفقيه نزيل بعلبك. حدث عن محمد بن جعفر الحمصي، بسنده عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد، مسجدي الذي أسس على التقوى، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى.

الحسن بن عبد الله

الحسن بن عبد الله بن منصور ابن حبيب بن إبراهيم أبو علي الأنطاكي المعروف بالبالسي حدث بدمشق ومصر، وقدم إلى مصر سنة ثمان وخمسين ومئتين. روى عن الهيثم بن جميل بسنده عن أبي وائل عن سلمان، أنه أضافه قوم فقال: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تكلّفوا للضيف لتكلفنا لكم ". قال الحافظ: وقد رويناه على الصواب أعلى من هذا من غير شك في إسناده، عن شقيق بن سلمة قال: دخلت على سلمان الفارسي، فأخرج إلي خبزاً وملحاً فقال لي: " لولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا أن يتكلف أحد لأحد لتكلفت لك. وحدث الحسن بن عبد الله الأنطاكي عن محمد بن كثير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّه أو نعله فطهورهما التراب. الحسن بن عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي حدث عن أبيه بسنده، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ". فكان عبد الله يرى لصلاة العصر فضيلة بالذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، ويرى أنها هي الصلاة الوسطى. وحدث أيضاً عن أبيه عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من جاء إلى الجمعة فليغتسل.

الحسن بن عبيد الله بن أحمد

الحسن بن عبيد الله بن أحمد ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن ورد ازاد بن غند بن شبّه بن عبد الله أبو علي الأزدي الصفّار أخو عقيل والحسين حدث الحسن والحسين ابنا عبيد الله بن أحمد بن عبدان الأزدي الصفّار بدمشق، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن يزيد الكوفي بسنده عن حسين بن علي عن أبيه عن جده قال: أوصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً أن يغسله. فقال علي: يا رسول الله، أخشى ألا أطيق ذلك. فقال: إنك ستعان. قال: فقال علي: فوالله ما أردت أن أقلب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عضواً إلا قلب. ولد الحسن والحسين ابنا عبيد الله في يوم الأحد، لخمس بقين من جمادى الآخرة، سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي الحسن بعد التسعين وثلاث مئة. الحسن بن عبد الواحد بن عبد الأحد ابن معدان أبو عبد الله الحراني الشاهد. حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلاّ بيع الخيار.

الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان

الحسن بن عثمان بن حماد بن حسّان ابن عبد الرحمن بن يزيد أبو حسان الزيادي البغدادي القاضي سمع بدمشق. حدث عن سعيد بن زكريا المدائني بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن تركها كان أوفى لدينه وعرضه، ومن قارفها كان كالمرتعي إلى جانب الحمى، يوشك أن يقع فيه. وحدث الحسن بن عثمان الزيادي عن شعيب بن صفوان بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان في بني إسرائيل جدي ترضعه أمه فترويه، فأفلت فارتضع الغنم ثم لم يشبع، قال: فأوحي إليهم، أو إلى رجل منهم أن مثل هذا كمثل قوم يأتون من بعدكم، يعطى الرجل منهم ما يكفي الأمة والقبيلة، ثم لا يشبع. كان أبو حسان الزيادي أحد العلماء الأفاضل، من أهل المعرفة والثقة والأمانة، صالحاً، ديّناً، له معرفة بأيام الناس، وله تاريخ حسن، وكان كريماً واسعاً مفضالاً. قال ابن أبي الدنيا: كنت في الجسر واقفاً وقد حضر أبو حسان الزّيادي القاضي، وقد وجه إليه المتوكل من سرّ من رأى بسياط جدد في منديل دبيقي مختومة، وأمره أن يضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم - وقيل أحمد بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم - ألف سوط، لأنه شهد عليه الثقات وأهل السّتر أنه شتم أبا بكر وعمر وقذف عائشة، فلم ينكر ذلك، ولم يتب، وكانت السياط بثمارها، فجعل يضرب بحضرة القاضي وأصحاب السوط قيام، فقال: أيها القاضي، قتلتني. فقال له أبو حسان: قتلك الحق، لقذفك زوجة الرسول، ولشتمك الخلفاء الراشدين المهديين. وقيل: لما ضرب ترك في الشمس حتى مات، ثم رمي به في دجلة.

قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأى رب العزة تبارك وتعالى في النوم، قال: فلقيته، فقلت: بالذي أراك ما أراك إلاّ حدثتني بالرؤيا. قال: نعم. رأيت نوراً عظيماً لا أحسن أصفه، ورأيت فيه شخصاً يخيل إلي أنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يشفع إلى ربه في رجل من أمته، وسمعت قائلاً يقول: ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد: " وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " ثم انتبهت. قال أبو حسان الزيادي: ضقت ضيقة بلغت فيها إلى الغاية حتى ألحّ علي القصّاب والبقال والخباز وسائر المعاملين، ولم تبق لي حيلة. فإني على تلك الحال وأنا مفكر في الحيلة إذ دخل علي الغلام فقال حاجيّ بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له، فدخل الخراساني فسلم وقال: ألست أبا حسان؟ قلت: نعم، فما حاجتك؟ قال: أنا رجل غريب وأريد الحج، ومعي عشرة آلاف درهم، واحتجت أن تكون قبلك إلى أن أقضي حجي وأرجع. فقلت: هاتها. فأحضرها، وخرج بعد أن وزنها وختمها. فلما خرج فككت الخاتم على المكان، ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل من له عليّ دين واتسعت وأنفقت وقلت: أضمن هذا المال للخراساني فإلى أن يجيء قد أتى الله عزّ وجلّ بفرج من عنده. فكنت يومي ذلك في سعة، وأنا لا أشك في خروج الخراساني. فلما أصبحت من غد ذلك اليوم، دخل إلي الغلام فقال: الخراساني الحاج بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له فدخل، فقال: إني كنت عازماً على ما أعلمتك، ثم ورد علي الخبر بوفاة والدي، وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي، فتأمر لي بالمال الذي أعطيتك أمس. فورد علي أمر لم يرد علي مثله قط، فلم أدر بما أجيبه، وتحيرت وفكرت وقلت: ماذا أقول للرجل؟ ثم قلت له: نعم، عافاك الله، منزلي هذا ليس بالحريز، ولما أخذت مالك وجهت به إلى من هو قبله، فتعود في غد فتأخذه، فانصرف وبقيت متحيراً، لا أدري ما اعمل، إن جحدته قدمني واستحلفني،

وكانت الفضيحة في الدنيا والآخرة والهتك، وإن دافعته صاح وهتكني وغلظ الأمر عليّ جداً. وأدركني الليل وفكرت في بكور الخراساني إلي فلم يأخذني النوم، ولا قدرت على الغمض فقمت إلى الغلام فقلت: أسرج البغلة فقال: يا مولاي، هذه العتمة بعد، وما مضى من الليل شيء! فإلى أين تمضي؟ فرجعت إلى فراشي فإذا النوم ممتنع، فلم أزل أقوم إلى الغلام، وهو يردني، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، وأنا لا يأخذني القرار. وطلع الفجر فأسرج البغلة وركبت، وأنا لا أدري أين أتوجه؟ وطرحت عنان البغلة، وأقبلت أفكر وهي تسير، حتى بلغت الجسر فعدلت بي إليه، فتركتها فعبرت ثم قلت: إلى أين أعبر؟ وإلى أين أمضي؟ ولكن إن رجعت وجدت الخراساني على بابي، أدعها تمضي حيث شاءت. فلما عبرت الجسر، أخذت بي يمنة نحو دار المأمون، فتركتها إلى أن قاربت باب المأمون، والدنيا بعد مظلمة، فإذا فارس يلقاني فنظر في وجهي، ثم سار وتركني، ثم رجع إلي فقال: ألست بأبي حسان الزيادي؟ قلت: بلى. قال: أجب الأمير الحسن بن سهل. فقلت في نفسي: وما يريد الحسن بن سهل مني؟ ثم سرت معه حتى حضرنا إلى بابه، واستأذن لي عليه فدخلت، فقال: أبا حسان، ما خبرك؟ وكيف حالك؟ ولم انقطعت عنا؟ فقلت: لأسباب. وذهبت لأعتذر. فقال: دع هذا عنك، أنت في لوثة، أو في أمر، فما هو؟ فإني رأيتك البارحة في النوم في تخليط كثير. فابتدأت فشرحت له قصتي من أولها إلى أن لقيني صاحبه ودخلت عليه. فقال لي: لا يغمّك الله يا أبا حسان، قد فرّج الله عنك، هذه بدرة للخراساني مكان بدرته، وبدرة أخرى لك تتسع بها، وإذا نفدت أعلمتنا. فرجعت من مكاني فقضيت الخراساني واتسعت، وفرج الله عزّ وجلّ، وله الحمد. قال يعقوب بن شيبة: أظل عيد من الأعياد رجلاً يومى إليّ أنه من أهل عصره، وعنده مئة دينار لا يملك سواها، فكتب إليه أخ من إخوانه يقول له: قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ونستدعي منه ماننفقه. فجعل المئة دينار في صرة، وختمها وأنفذها إليه، فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيراً، حتى وردت عليه رقعة من أخ من إخوانه يذكر إضاقته في العيد، ويستدعي منه مثلما استدعاه هو، فوجه بالصرة إليه بختمها، وبقي الأول لا شيء

الحسن بن عطية الله بن الحسين

عنده، فكتب إلى صديق له وهو الثالث الذي صارت الدنانير إليه، يذكر حاله ويستدعي منه ما ينفقه في العيد، فأنفذ إليه الصرة بخاتمها. فلما عادت إليه صرته التي أنفذها بحالها، ركب إليه ومعه الصرة وقال له: ما شأن هذه الصرة التي أنفذتها إلي؟ فقال له: إنه أظلنا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا أستدعي منهما ننفقه فأنفذ إلي هذه الصرة. فلما وردت رقعتك علي أنفذتها إليك، فقال: لتقم بنا إليه، فركبا جميعاً إلى الثاني ومعهما الصرة، فتفاوضوا الحديث، ثم فتحوها واقتسموها أثلاثاً. قال: والثلاثة: يعقوب بن شيبة، وأبو حسان الزيادي القاضي، وأنسي الثالث. مات أبو حسان الزيادي في رجب سنة اثنتين وأربعين ومئتين، وله تسع وثمانون سنة. الحسن بن عطية الله بن الحسين ابن محمد بن زهير أبو الفضل الصوري الخطيب. سمع بدمشق. حدث عن أبي القاسم الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي، بسنده عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ليوجد ريحها فهي زانية. وكل عين زانية. الحسن بن علي بن إبراهيم أبو محمد الأصبهاني حدث بدمشق. روى عن أبي العباس الفضل بن الخصيب بن العباس بن نصر الأصبهاني بسنده عن أنس بن مالك الكعبي قال: أغارت علينا خيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يأكل فقال: " أصب من هذا الطعام " قلت: إني صائم. قال: هلم، أخبرك أن الله تعالى وضع عن المسافر نصف الصلاة،

الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد

أو شطر الصلاة، والصوم أو الصيام، وعن الحبلى أو المرضع ". والله لقد قالهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أحدهما. فيا لهف نفسي ألا أكون أصبت من طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد ابن هرمز بن شاهوه أبو علي الأهوازي المقرئ. سكن دمشق فقدمها في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة، وقيل سنة أربع وتسعين وثلاث مئة. حدث عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن محمد الخليل المرجئ بسنده عن أنس قال: ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحدثكموه أحد بعدي! إنه سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، وتشرب الخمر، ويفشو الربا، ويقل الرجال، ويكثر الزنا، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحد. وحدث الحسن بن علي الأهوازي عن أبي زرعة أحمد بن محمد بن عبد الله بن سعيد القشيري بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كانت عشية عرفة، هبط الله عزّ وجلّ إلى السماء الدنيا فيطّلع إلى أهل الموقف فيقول: مرحباً بزواري والوافدين إلى بيتي، وعزتي لأنزلن إليكم، ولأساوي مجلسكم بنفسي. فينزل إلى عرفة فيعمهم بمغفرته، ويعطيهم ما يسألون، إلا المظالم. ويقول: يا ملائكتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم، ولا يزال كذلك إلى أن تغيب الشمس، ويكون أمامهم إلى المزدلفة. ولا يعرج إلى السماء تلك الليلة، فإذا أسفر الصبح وقفوا عند المشعر الحرام غفر لهم حتى المظالم، ثم يعرج إلى السماء. وينصرف الناس إلى منى. قال الحافظ: هذا حديث منكر، وللأهوازي أمثاله في كتاب جمعه في الصفات سمّاه: كتاب البيان في شرح عقود أهل الإيمان. أودعه أحاديث منكرة، كحديث: إن الله

الحسن بن علي بن الحسن بن الحكم

تعالى لما أراد أن يخلق نفسه، خلق الجيل فأجراها حتى عرقت، ثم خلق نفسه من ذلك العرق. مما لا يجوز أن يروى، ولا يحلّ أن يعتقد. وكان مذهبه مذهب السالمية يقول بالظاهر، ويتمسك بالأحاديث الضعيفة التي تقوي له رأيه. وحديث إجراء الخيل موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أصحاب الحديث في روايتهم المستحيل، فيقبله بعض من لا عقل له. ورواه، وهو مما يقطع ببطلانه شرعاً وعقلاً. ولد أبو علي الأهوازي في المحرم سنة اثنتين وستين وثلاث مئة، وتوفي في ذي الحجة سنة ست وأربعين وأربع مئة، وكان قد أكثر من الروايات في القرآن، فاتهم في ذلك وتكلموا فيه، وظهر له تصانيف، زعموا أنه كذب فيها. الحسن بن علي بن الحسن بن الحكم أبو عليّ المرّي المعروف بالشحيمة. روى عن جماهر بن محمد الزملكاني، بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين - وأشار بإصبعه المبشرة والوسطى - كفرسي رهان، استبقا فسبق أحدهما صاحبه بإذنه، جاء الله سبحانه، جاءت الملائكة، جاءت الجنة، يا أيها الناس، استجيبوا لربكم، وألقوا إليه السلم. الحسن بن علي بن الحسن بن سلمة أبو القاسم المزيّ المعروف بابن الطيري. ينسب إلى قرية الطيرة - بكسر الطاء وإسكان الياء باثنتين من تحتها - من قرى دمشق.

الحسن بن علي بن الحسن بن شواش

حدث عن محمد بن أحمد بن فياض، بسنده عن أبي هريرة: أن امرأة مرت به يعصف ريحها طيباً فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين! قالت: نعم. قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من امرأة تخرج إلى المسجد يعصف ريحها فيقبل الله عزّ وجلّ منها صلاة، حتى ترجع فتغتسل. الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش أبو علي الكناني المقرئ المعدّل أصله من أرتاح مدينة من أعمال حلب تولى الإشراف على وقوف جامع دمشق. روى عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي، بسنده عن عامر بن سعد عن سعد، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. فأحببت أن أشافه سعداً فقلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وإلا فاصطكتا. ورواه من طريق أخر، أن سعيد بن المسيب سأل سعد بن أبي وقاص: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؟ قال: نعم. قلت: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فأدخل إصبعيه في أذنيه، قال: نعم، وإلا فاستكتا. توفي أبو علي في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.

الحسن بن علي بن الحسين بن أحمد

الحسن بن علي بن الحسين بن أحمد ابن محمد بن الحسين أبو محمد بن أبي الحسن بن صصرى التغلبي حدث عن أبي الحسن علي بن موسى، بسنده أن عائشة رضي الله عنها، كانت تحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: يا رسول الله، فما شأنك؟ قال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة. قالت: فبينا أنا على ذلك إذا سمعنا صوت السلاح. قال: من هذا؟ قال: أنا سعد بن مالك. قال له: ما جاء بك؟ قال: جئت لأحرسك. قالت: فسمعت غطيط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومه. الحسن بن علي بن خلف ابن عبد الجبار بن بهرام ويقال: ابن خلف بن عبد الواحد أبو محمد ويقال أبو علي الصيدلاني الصرّار روى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي وبما يحرم عليّ. قال: فصعّد فيّ البصر وصوّبه وقال: نويبتة. قلت: يا رسول الله، نويبتة خير أو نويبتة شر؟ قال: بل نويبتة خير، لا تأكل الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السّبع. وروى عنه أيضاً، بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر، أنه توضأ يوماً وعائشة تنظر إليه، فأساء الوضوء فقالت عائشة: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للأعقاب من النار ". توفي الحسن بن علي الصرّار سنة تسع وثمانين ومئتين.

الحسن بن علي بن روح بن عوانة

الحسن بن علي بن روح بن عوانة أبو علي الكفربطناني من أهل كفر بطنا. حدث في جامع دمشق عن هشام بن خالد الأزرق، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم. وروى عنه أيضاً بسنده عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن عجين وقع فيه قطرة من دم، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكله. قال الوليد: لأن النار لا تنشف الدم. الحسن بن علي بن سعيد بن الحسين ابن أحمد أبو علي الكرخي القاضي الفقيه الشافعي قدم دمشق حاجاً وحدث بها. روى عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن إدريس بن بحر التستري، أنه حدث بها في المحرم سنة ست وتسعين وثلاث مئة بسنده عن وائل عن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تباشر المرأة المرأة وتنعتها لزوجها، كأنه ينظر إليها، ولا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يحزنه.

الحسن بن علي بن شبيب

الحسن بن علي بن شبيب أبو علي المعمري البغدادي الحافظ صاحب كتاب اليوم والليلة، له رحلة. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عجل به السير جمع بين الصلاتين. سئل أحمد بن حنبل عن المعمري فقال: لا يتعمد الكذب، ولكن أحسب أنه صحب قوماً يوصّلون الحديث، وقد وثّقه قوم، وجرّحه آخرون. توفي أبو علي المعمري في المحرم سنة خمس وتسعين ومئتين، وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماماً ربانياً، وكان قد شد أسنانه بالذهب، ولم يغير شيبه. وقيل: بلغ اثنتين وثمانين سنة، وكان يكنى بأبي القاسم، ثم اكتنى بأبي علي، كره أن يذكر بكنيته، فيسب فنزه الكنية عن ذلك والله أعلم.

/الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد سبط سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وريحانته، وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ولد نصف شعبان، وقيل: نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة. وفد على معاوية غير مرة. قال أبو الجوزاء: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أني أخذت تمرة من تمر الصدقة. فجعلتها في فيّ. قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلعابها فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله، ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟! قال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. قال: وكان يقول: دع ما يربيك إلى مالا يربيك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة. وكان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم، اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت. وفي حديث أن الحسن قال: علمني جدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمات أقولهن في قنوت الوتر وذكر الدعاء: رب اهدني فيمن هديت، إلى آخره.

قال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن بن علي بن أبي طالب على معاوية فقال: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربع مئة ألف. حدث أبو المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي، وكان عطاؤه في كل سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره بنفسي، ثم أمسكت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبه. وشكوت إليه نأخر المال عني فقال ادعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكرة ذلك قلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟. قال: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحداً غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا رب العالمين. قال: فوالله ما ألححت به أسبوعاً حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه. فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: يا حسن كيف أنت؟ فقلت: بخير يا رسول الله وحدثته حديثي. فقال: يا بني، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق. وعن سودة بنت مسرح قالت: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضربها المخاض. قالت: فأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف هي، كيف هي ابنتي، فديتها؟. قالت: قلت: إنها لتجهد يا رسول الله. قال: فإذا وضعت فلا تسبقيني به بشيء. قالت: فوضعت فسررته ولففته في خرقة صفراء. فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما فعلت ابنتي فديتها، وما حالها؟ وكيف بني؟ فقلت: يا رسول الله، وضعته وسررته وجعلته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني.

قالت: قلت: أعوذ بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من معصية، سررته يا رسول الله ولم أجد من ذلك بداً. قال: ائتني به. قالت: فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء، ولفه في خرقة بيضاء وتفل في فيه، وألبأه بريقه. قالت: فجاء علي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما سميته يا علي؟ قال: سميته جعفراً يا رسول الله. قال: لا، ولكنه حسن، وبعده حسين، وأنت أبو الحسن والحسين. وفي رواية: وأنت أبو الحسن الخير. وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسيناً بعمه جعفر. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً فقال: إني قد غيرت اسمي ابني هذين، قال: الله ورسوله أعلم، فسمى حسناً وحسيناً. وعن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: حرباً. قال: هو محسن، ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هرون: شبر وشبير ومشبر. قال عمران بن سليمان: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية. وأم الحسين سيدتنا فاطمة بنت سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأم فاطمة سيدتنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى. وولد الحسن محمداً الأكبر، وبه كان يكنى.

وعن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بليال وعلي يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول: من منهوك الرجز وا بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي قال: وعلي يضحك. وعن ابن أبي مليكة قال: كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي وتقول: من منهوك الرجز بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي قال البهي مولى الزبير: تذاكرنا من أشبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم إليه: الحسن بن علي؛ رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال: ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. وقل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ريحانتي من الدنيا، وإن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. وقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. وسئل الحسن: ماذا سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشر ريبة، وإن الخير طمأنينة.

وحفظت عنه: أني بينا أنا أمشي معه إلى جنب جرين للصدقة تناولت تمرة فألقيتها في فمي، فأدخل أصبعه فاستخرجها بلعابها فألقاها، وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. وعقلت عنه الصلوات الخمس، وعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: اللهم، اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت. وعن أنس بن مالك قال: ما كان منهم يعني أهل البيت أشبه برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحسن بن علي. قال أو جحيفة: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه. وعن علي عليه السلام قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أسفل من ذلك. وعن أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ بيد الحسن والحسين ثم يقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمنا، ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.

وعن البراء قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاملاً الحسن بن علي وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. وعنه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن أو الحسين على عاتقه، وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. وعن أبي هريرة قال: ما رأيت الحسن بن علي إلا فاضت عيناي دموعاً رحمة، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، فاتكأ علي، ثم انطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع، فما كلمني، فطاف فيه، ونظر ثم رجع، ورجعت معه، فجلس في المسجد فاحتبي ثم قال: ادع لي لكاع، فأتى حسن بشدة حتى وقع في حجره، فجعل يدخل يده في لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتح فمه ويدخل فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. ثلاثاً. وفي حديث آخر عنه: والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل لسانه في فمه، أو لسان الحسن في فمه. وعنه قال: سمعت أذناي هاتان، وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخذ بكفيه جميعاً، يعني حسناً أو حسيناً، وقدماه على قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: من الرجز حزقة حزقة ... ترق عين بقسه

فيرقى الغلام حتى يضع قدميه على صدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال له: افتح فاك، ثم قبله، ثم قال: اللهم، أحبه فإني أحبه. قال أبو نعيم: الحزقة: المتقارب الخطا والقصير الذي يقرب خطاه. وعين بقة: أشار إلى البقة ولا شيء أصغر من عينها لصغرها. وقيل: أراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقة فاطمة، فقال له: ترق ياقرة عين بقة. وعن علي قال: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أين لكع؟ ههنا لكع؟ قال: فخرج إليه الحسن بن علي، وعليه سخاب قرنفل، وهو ماد يده، قال: فمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فالتزمه وقال: بأبي أنت وأمي من أحبني فليحب هذا. وعن علي عليه السلام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. وعن زهير بن الأقمر، قال: بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قتل علي، إذ قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعه في حبوته يقول: من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حدثتكم.

وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومه حسن وحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا. فقال له رجل: يا رسول الله، إنك لتحبهما. فقال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. وعن زر بن حبيش عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني. وعنه قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما صلى وضعهما في حجره ثم قال: من أحبني فليحب هذين. وعن أبي بكرة قال: كان الحسن والحسين يثبان على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي فيمسكهما بيده حتى يرفع صلبه، ويقومان على الأرض، فلما فرغ أجلسهما في حجره، ثم قال: إن ابني هذين ريحانتي من الدنيا. وعن أم سلمة أنها قالت: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي يوماً إذ قالت الخادم: إن علياً وفاطمة بالسدة قالت: فقال لي: قومي فتنحي لي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما. قالت: واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، فقبل فاطمة وقبل علياً فأغدق عليهم خميصة سوداء فقال: اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي. قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله. فقال: وأنت.

وعنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا ثم وضع يديه عليه فقال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد فإنك حميد مجيد. قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه وقال: إنك على خير. وعن أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي زوجك وابنيك. قالت: فجاء علي وحسن وحسين، فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له، على دكان تحته كساء خيبري. قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: " إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج بيده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير. وعن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية في خمسة نفر، وسماهم: " إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين. وعن حذيفة قال: قالت لي أمي: متى عهدك بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: مالي به عهد مذ كذا وكذا.

فقالت: متى؟ فقلت لها: دعيني فإني آتيه وأصلي معه المغرب، وأسأله أن يستغفر لي. قال: فأتيته وهو يصلي المغرب. فقال: ما رأيت العارض الذي عرض بي؟ قلت: بلى. قال: فذلك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة، استأذن ربه عز وجل في السلام علي فسلم علي، وبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي. وعن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه، وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الآخر، وقال: هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما. ثم قال: الولد مبخلة مجبنة مجهلة. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي صلاة العشاء، وكان الحسن والحسين يثبان على ظهره، فلما صلى قال أبو هريرة: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، فبرقت برقة فما زالا في ضوئها حتى دخلا إلى أمهما. وعن بريدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما، فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر، فقال: صدق الله " إنِّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةً "، رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما. ثم أخذ في خطبته.

وعن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن بن علي وعليه بردة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فعثر الحسن فسقط، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، وابتدره الناس فحملوه، وتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله ووضعه في حجره، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الولد لفتنة ولقد نزلت إليه وما أدري أين هو. وعن أنس بن مالك قال: لقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه، فإذا رفع رأسه، يعني أعاده. وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر في الصلاة، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حامل الحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الراكبان هما. وعنه قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما على أربع، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما. وعن ابن عباس قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن على عاتقه فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونعم الراكب هو.

وعن زيد بن أرقم قال: إني لعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. وعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحسن مني والحسين من علي. وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحسن أو الحسين: هذا مني وأنا منه وهو يحرم عليه ما يحرم علي. وعن عمير بن إسحاق قال: كنت أمشي مع الحسن بن عي قي بعض طرق المدينة فلقيه أبو هريرة فقال له: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل. قال: فقال بقميصه فكشف عن سرته فقبلها. وعن معاوية قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لسانه أو قال: شفته يعني الحسن بن علي وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن جعفر قال: بينما الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطش فاشتد ظمؤه، فطلب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء فلم يجد، فأعطاه لسانه، فمصه حتى روي. وعن أبي هريرة: أن مروان بن الحكم أتى أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه، فقال مروان لأبي هريرة: ما وجت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن والحسين. قال: فتحفز أبو هريرة فجلس فقال:

أشهد لخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابني؟ فقالت: العطش. قال: فأخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شنة يتوضأ بها، فيها ماء، وكان الماء يومئذ إعذاراً، والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبثق أحد إلا أخلف يده إلى كلاله يبتغي الماء في شنه، فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناوليني أحدهما، فناولته إياه من تحت الخدر فرأيت بياض ذراعيهما حين ناولته، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يصغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت. فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك فسكتا، فما اسمع لهما صوتاً، ثم قال: سيروا. فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق. فأنا لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يفرج بين رجلي الحسن، ويقبل ذكره. وعن أبي هريرة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه. وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة.

وعن ابن عباس قال: اتخذ الحسن والحسين عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يقول: هي يا حسن، خذ يا حسن، فقالت عائشة: تعين الكبير على الصغير؟ فقال: إن جبريل يقول: خذ يا حسين. وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على ابنته فاطمة وابناها إلى جانبها، وعلي نائم، فاستسقى الحسن، فأتى ناقة لهم فحلب منها، ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى، فقال: يشرب أخول ثم تشرب. فقالت فاطمة: كأنه آثر عندك منه؟! قال: ما هو بآثر عندي منه، وإنهما عندي بمنزلة واحدة، وإنك وهما وهذا المضجع معي في مكان واحد يوم القيامة. وعن ابن مسعود: أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتوا ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمهما إلى صدره، وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، وكل عين لامة. وكان إبراهيم النخعي يستحب أن يواصل هؤلاء الكلمات بفاتحة الكتاب. وقال منصور: تعوذ بها فإنها تنفع من العين والفزعة ومن الحمى ومن كل وجع. وعن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما زغب من زغب جناح جبريل. وعن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت: يا روح الله، إني أريد أن أنقش

على خاتمي فما أنقش عليه؟ قال: انقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين فإنه يذهب الهم والغم. وعن محمد بن سيرين قال: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحسن بن علي فقال: يا بني، اللهم سلمه وسلم منه. وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء، نجباء، وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسن وحسين، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وسلمان. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقومن أحد من مجلسه إلا للحسن أو الحسين أو ذريتهما. وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: خطبت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة، قال: فباع علي درعاً له؛ وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربع مئة وثمانين درهماً، قال: وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثه في الثياب، ومج في جرة من ماء وأمرهم أن يغتسلوا به. قال: وأمرها ألا تسبقه برضاع ولدها. قال: فسبقته برضاع الحسين وأما الحسن فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع في فيه شيئاً لا يدري ما هو. فكان أعلم الرجلين. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، هذه فاطمة وهذان الحسن والحسين ومن أحبنا يوم القيامة في الجنة، نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة: إني وإياك وهذا، يعنيني، وهذين الحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد. وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا رب أليس وعدتني أن تزينني بركنين

من أركانك؟ قال: ألم أزينك بالحسن والحسين؟ قال: فمات الجنة ميساً كما تميس العروس. وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا إن الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم، ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وعن ابن عباس قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، فلما كان في الرابعة أقبل الحسن والحسين حتى ركبا على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم وضعهما بين يديه، وأقبل الحسن فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر، ثم قال: أيها الناس: ألا أخبركم بخير الناس جداً وجدة؟ ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس أباً وأماً؟ الحسن والحسين: جدهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدتهما خديجة بنت خويلد، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوهما علي بن أبي طالب، وعمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانىء بنت أبي طالب، وخالهما القاسم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالاتهما: زينب ورقية وأم كلثوم، بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأبوهما في الجنة وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القدس، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن.

وعن زينب بنت أبي رافع قالت: رأيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت بابنيها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما، فقال: أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي. وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرة إذ جاء الحسن بن علي فسلم فرددنا عليه ولم يعلم أبو هريرة فمضى، فقلنا: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا، قال: فتبعه فلحقه قال: وعليك السلام يا سيدي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه سيد. وعن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وليصلحن الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين. قال سفيان: قوله: بين فئتين من المسلمين يعجبنا جداً. وعن أبي بكرة قال: بينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال: إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. قال: فنظر إليهم أمثال الجبال في الحديد. قال: أضرب هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي به. قال الحسن راوي الحديث عن أبي بكرة: فما أهريق في ولايته محجمة من دم. وعن عمر بن الخطاب: أنه لما دون الدواوين وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم. وعن مدرك أبي زياد قال: كنا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عباس وحسن وحسين، فطافوا في البستان

فنظروا، ثم جاؤوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك عندك غداء؟ قلت: قد خبزنا. قال: ائت به. قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتي بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا! ثم أتي بغدائه، وكان كثير الطعام طيبه، فقال: يا مدرك، اجمع لي غلمان البستان قال: فقدم إليهم فأكلوا، ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك عندي أشهى من هذا، ثم قاموا فتوضؤوا، ثم قدمت دابة الحسن، فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه، ثم جيء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه. فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما؟ فقال: يالكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟. وعن عبد الله بن مصعب قال: كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى، وإذا ذكر علياً نال منه. قال: فقلت: ثكلتك أمك، لروحة من علي أو غدوة في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره، قال: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة. قال: فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً، فغاظني ذلك، فقمت إليه، فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ قال: قلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت حتى تفسخ جبينك عرقاً. قال: يا بن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله. قال أبو الحسن المدائني: قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف: من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة؟ فقام النعمان بن العجلان الزرقي، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا، أبوه علي، وأمه فاطمة، وجده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدته خديجة، وعمه جعفر، وعمته أم هانىء بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب. فقال عمرو بن العاص: أحب بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟ قال ابن العجلان: يابن العاص أما علمت أنه من التمس رضا مخلوق بسخط

الخالق حرمه الله أمنيته وختم له بالشقاء في آخر عمره؟ بنو هاشم أنضر قريش عوداً، وأقعدها سلفاً، وأفضل أحلاماً. وعن أبي سعيد أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة: أخبرني عن الحسن بن علي. قال: يا أمير المؤمنين؛ إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، له شرف، إلا أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم ينهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، فربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال: ما نحن معه في شيء. قال أبو هاشم الجعفي: فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي، فقال معاوية ليزيد: فاخرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تقول: إن أمك مثل أمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعلك تقول: إن جدك مثل جده، وكان جده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله جل وعز فحكم لأبيك على أبيه. وعن مجالد: أن رجلاً بعث مولاة له إلى الحسن بن علي في حاجة، قالت: فرأيته يتوضأ، فلما فرغ مسح رقبته برقعة فمقته. فرأيت في منامي كأني قئت كبدي وعن محمد بن علي قال: قال الحسن بن علي: إني أستحي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. قال عبد الله بن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشياً. ولقد حج الحسن بن علي

خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه يعطي النعل ويمسك النعل. وفي رواية: وخرج من ماله مرتين. وعن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرؤها، قالت فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه. قال أبو جعفر: قال علي: قم فاخطب الناس يا حسن، قال: إني أهابك، لن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه، وتكلم ثم نزل، فقال علي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: تفاخر قوم من قريش فذكر كل رجل ما فيهم. فقال معاوية للحسن: يا أبا محمد، ما يمنعك من القول، فما أنت بكليل اللسان؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال: من الكامل فيم الكلام وقد سبقت مبرزاً ... سبق الجياد من المدى المتنفس قال أبو هشام القناد: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي، وكان يماكسني، فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، ويقول: إن أبي حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المغبون لا محمود ولا مأجور.

وعن ابن سيرين: أن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف. وعن سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف، فانصرف فبعث بها إليه. وعن علي أنه خطب الناس، ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس، فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس. قال إبراهيم بن إسحاق الحربي، وقد سئل عن حديث عباس البقال، فقال: خرجت إلى الكيس ووزنت لعباس البقال دانقاً إلا فلساً فقال لي: يا أبا إسحاق، حدثني حديثاً في السخاء، فلعل الله عز وجل يشرح صدري فأعمل شيئاً. قال: فقلت له: نعم: روي عن الحسن بن علي: أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود، بيده رغيف، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته، فلم يعاينه فيه بشيء؟ قال: استحت عيناي من عينيه أن أعاينه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال: والحائط؟ فقال: لأبان بن عثمان، فقال له الحسن، أقسمت عليك لابرحت حتى أعود إليك. فمر فاشترى الغلام والحائط، وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط، وأنت لوجه الله والحائط هبة مني إليك، قال: فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له. قال: فقال عباس البقال: حسن والله يا أبا إسحاق، لأبي إسحاق دانق إلا فلساً، أعطه بدانق ما يريد، قلت: والله لا أخذت إلا بدانق إلا فلساً.

حدث رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فرأيت رجلاً بهرني جماله، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: إني ابنه فقلن بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأرم لا يرد إلي شيئاً، ثم قال: أراد غريباً فلوا استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك، قال: فانضرفت عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه. قال صالح بن سليمان: قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً، فقطع به، فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فإنك لا تجد خيراً منه، فأتاه فشكا إليه؛ فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟! قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟!. قال أبو جعفر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به على حاجة فوجده معتكفاً فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك فقضيت حاجتك، ثم خرج من عنده فأتى الحسن بن علي فذكر له حاجته، فخرج معه لحاجته فقال: أما إني قد كرهت أن أعنيك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك، فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر. وعن عي بن الحسين قال: خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرحل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد، تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟! قال: فقال له حسن: وكيف لا أذهب معه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب في حاجة أخية المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.

فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي. وعن أبي هارون قال: انطلقنا حجاجاً فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربع مئة، أربع مئة، فقلنا للرسول: إنا أغنياء وليس بنا حاجة فقال: لا تردوا عليه معروفه؛ فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم وشفعت محسنهم في مسيئهم. وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك. قال ابن أبي مليكة: تزوج الحسن بن علي خولة بنة منظور، فبات ليله على سطح أجم، فشدت خمارها برجله، والطرف الآخر بخلخالها، فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام، فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيىء لهم غداء، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام. وقيل: إن التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل بن عمرو. وكان الحسن أحصن بسبعين امرأة. وكان الحسن قلما تفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري، وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم، فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله يسار أبي سعيد بن يسار وهو مولاه: احفظ ما تقولان لك، فقالت الفزارية:

بارك الله فيه وجزاه خيراً، وقالت الأسدية: متاع قليل من حبيب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق. قال محمد بن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمئة جارية مع كل جارية ألف درهم. قال سويد بن غفلة: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي، فلما قتل علي قالت: لتهنك الخلافة. قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟ اذهبي فأنت طالق ثلاثاً، قال فتلفعت بثيابها وقالت: والله ما أردت هذا، وقعدت حتى انقضت عدتها، فبعث إليها ببقية صداقها وبمئة عشرين ألف درهم، فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال: لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، لراجعتها. ولما خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن زبان الفزاري ابنته فقال: والله إني لأنكحك، وإني لأعلم أنك علق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمه نسباً. وكان حسن بن عي مطلاقاً للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه. قال أبو رزين: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة فقرأ إبراهيم على المنبر حتى ختمها. قال ابن سيرين: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحداً يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.

قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل. قال عمير بن إسحاق: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم ألا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض حسين أمراً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط. قال رزيق بن سوار: كان بين الحسن بن علي وبين مروان كلام، فأقبل مروان فجعل يغلظ له، وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال له الحسن: ويحك! أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج، أف لك، فسكت مروان. قال محمد بن يزيد المبرد: قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء. وعن جعيد بن همدان أن الحسن بن علي قال: يا جعيد بن همدان، إن الناس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من له خلق وليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق، فذلك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.

حدث محمد بن كيسان أبو بكر الأصم قال: قال الحسن بن علي ذات يوم لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي، وكان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه، وكان خارجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة، كان لا يسخط ولا يتبرم، كان إذا جاء مع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذ القائلين، كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً، كان يقول ما يفعل، ويفعل ما لا يقول تفضلاً وتكرماً، كان لا يغفل عن إخوانه ولا يستخص بشيء دونهم، كان لا يلوم فيما يقع العذر في مثله، كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه. وعن الحارث الأعور: أن علياً عليه السلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه، السداد دفع المنكر بالمعروف. قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة. قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المرء حاله. قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير. قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه من اللؤم. قال: فما السماحة؟ قال: العدل في اليسر والعسر. قال: فما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً. قال: فما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء. قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو. قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة. قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.

قال: فما الغنى؟ قال: رضاء النفس بما قسم الله عز وجل لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس. قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء. قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس. قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقة. قال: فما الجرأة؟ قال: موافقة الأقران. قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك. قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم. قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كل ما استرعيته. قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك لإمامك ورفعك عليه كلامك. قال: فما لسنا؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح. قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم. قال: فما الشرف؟ قال: موافقة الإخوان وحفظ الجيران. قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة. قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد. قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك. قال: فما السيد؟ قال: السيد: الأحمق في المال المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحزن بأمر عشيرته هو السيد.

قال: ثم قال علي عليه السلام: يا بني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء والصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر. يا بني لا تستخفن برجل تراه أبداً، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ولدك. قال القاضي أبو الفرج: في هذا الجزء من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه، ووعاه وعمل به، وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده، وفيما رواه أمير المؤمنين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا غنى كلل لبيب عن حفظه وتأمله والمسعود من هدي لتقبله. قال المدائني: قال معاوية للحسن بن علي: ما المروءة يا أبا محمد؟ قال: فقه الرجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحسن مخالقته. قال: فما النجدة؟ قال: الذب عن الجار، والإقدام على الكريهة، والصبر على النائبة. قال: فما الجود؟ قال: التبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل. قال معاوية يوماً في مجلسه: إذا لم يكن الهاشمي سخياً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن المخزومي تائهاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه حسبه.

فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: والله ما أراد الحق، ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجوا إليه، ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل، ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس، ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس. قال شرحبيل: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته. وعن شعبة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الخلافة من بعدي ثلاثون سنة. قال رجل كان حاضراً في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية. فقال: من ههنا أتيت! تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفاً واثنان وأربعون ألفاً. قال جرير: لما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه. حدث جماعة من أهل العلم قالوا: بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ثم قالوا له: سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم، وابتزوا الناس أمورهم، فإنا نرجو أن يمكن الله منهم. فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس. وقيل: وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن.

وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج. فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل. قال: فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره، وطعنه رجل من بني أسد، يقال له: ابن أقيصر، بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه فنزل الأبيض قصر كسرى، فقال: عليكم لعنه الله من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا!! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله، وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح، ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه، ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرا بجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي. فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل. ويقال: إن الذي أرسله الحسن إلى معاوية هو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ووثقا له. فكتب إليه الحسن أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل يوم السادس، فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النخيلة، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة، ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع، ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا: لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.

وروى الزهري في حديث: أن معاوية لم ينفذ للحسن من الشرط الذي شرطه له شيئاً. وفي رواية: أن الحسن بايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين، فيقول لهم: العار خير من النار. قال هشام: لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوماً. وقال غيره: كان صلح معاوية والحسن بن علي ودخول معاوية الكوفة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. قال هزان: قيل للحسن بن علي: تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة. فقال: إني اخترت العار على النار. وقيل: إن الحسن بن علي لما قدم الكوفة قال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل ذلك، يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك. قال أبو بكر بن دريد: قام الحسن بعد موت أبيه، أمير المؤمنين، فقال بعد حمد الله عز وجل: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مبتدئكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم

بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف. وإن أردتم الحياة قبلناها وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: التقية، التقية، فلما أفردوه أمضى الصلح. قال أبو جميلة عن الحسن بن علي: أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه؛ فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد قتل علي فقال: يا أيها الناس إنما نحن أمراؤكم ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكررها حتى ما بقي في المسجد أحد إلا وهو يخن بكاء. حدث هلال بن خباب عن فلان قال: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في قصر المدائن فقال: يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بطني، واستلابكم ثقلي أو ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا، ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم. قال الشعبي: لما صالح الحسن بن علي معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقي، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق امرىء كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم استغفر ونزل.

قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن بن علي أن يقوم فيخطب الناس فكره ذلك معاوية، وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكني أريد أن يبدو عيه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي. فلم يزل بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس وأمر رجلاً فنادى الحسن بن علي. قم يا حسن فكلم الناس. فقام الحسن فتشهد في بديهة أمر لم يتروه فقال: أما بعد، أيها الناس: فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، إن لهذا الأمر مدة والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". فلما قالها قال له معاوية: اجلس، ثم جلس، ثم خطب معاوية، ولم يزل ضمراً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك. وعن طحرب العجلي قال: قال الحسن بن علي: لا أقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعاً يده على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت عمر واضعاً يده على أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على عمر، ورأيت دونهم دماً فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلب الله به. قال يوسف بن مازن: عرض للحسن بن علي رجل فقال: يا مسود وجوه المسلمين، فقال: لا تعذلني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريهم يلمون على منبره رجلاً فرجلاً، فأنزل الله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر "، نهر في الجنة، " إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " يملكونه بعدي، يعني بني أمية.

قال فضيل بن مرزوق: أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال: السلام عليك يا مسخم وجوه المؤمنين، قال: يا مالك، لا تقل ذلك، إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله خشيت أن يجتثوا عن وجه الأرض؛ فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع، فقال: بأبي أنت وأمي " ذرية بعضها من بعض ". قال جبير بن نفير الحضرمي: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله ثم أثيرها باتئاس أهل الحجاز؟!. قال زيد بن أسلم: دخل رجل على الحسن المدينة وفي يده صحيفة، فقال: ما هذه؟ قال: من معاوية يعد فيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر أو أقل كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه. قال عمران بن عبد الله: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه: " قل هو الله أحد ". ففرح بذلك، قال: فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياماً حتى مات. قال عمير بن إسحاق: دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مراراً، وما سقيته

مرة هي أشد من هذه، قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، قال: ما أسألك شيئاً، يعافيك الله. قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من غد، وقد أخذ في السوق، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد له نقمة، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئاً. قالت أم بكر بنت المسور: لما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً. قال عبد الله بن حسين: كان الحسن بن علي رجلاً كثير نكاح النساء، وكن قلما يحظين عنده، وكان كل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال: إنه كان سقي، ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها. فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه. فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله، والله، قبل أن أدفنك، أولا أقدر عليه؟ أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه؟ فقال: يا أخي، إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه: قال: فقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً. وعن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً. قال ابن جعدبة: كانت جعدة بنت الأشعث تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد أن سمي حسناً، إني زوجك؛ ففعلت.

فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا، فقال كثير ويرى للنجاشي: من السريع يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل لن تستري البيت على مثله ... في الناس من حاف ولا ناعل أعني الذي أسلمه أهله ... للزمن المستخرج الماحل كان إذا شبت له ناره ... يرفعها بالنسب الماثل كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد قوم ليس بالآهل يغلي بني اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على آكل قال رقبة بن مصقلة: لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه، فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي، قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده. وفي رواية: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها. قال عبد الرحمن بن مهدي: لما اشتد بسفيان المرض جزع جزعاً شديداً، فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز، وكان شيخاً عاقلاً فقال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة، صمت له، صليت له، حججت له، أرأيتك لو كان لك عند رجل يد، أليس كنت تحب أن تلقاه حتى يكافئك؟ قال: فسري عنه. قال أبو جعفر: حدث بهذا السندي ونحن مع أبي نعيم، فقال أبو نعيم: لما اشتد المرض بالحسن بن علي بن أبي طالب جزع، قال: فدخل عليه رجل

فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخديجة، وعلى أعمامك: حمزة وجعفر، وعلى أخوالك: القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك: رقية وأم كلثوم وزينب. قال: فسري عنه. وفي حديث بمعناه: فقال له الحسن: أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله، لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم ار مثله قط، قال: فبكى الحسين. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديداً، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي؟ وإنما تقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى علي وفاطمة وخديجة، وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنك سيد شباب أهل الجنة، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجاً، وإنما أراد أن يطيب نفسه. قال: فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحاباً. وقال: يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط. قال أبو حازم: لما حضر الحسن، قال للحسين: ادفنوني عند أبي يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً؛ ادفنوني عند مقابر المسلمين. قال: فلما قبض تسلح الحسين، وجمع مواليه، فقال أبو هريرة: أيدك الله، ووصية أخيك؟ فإن القوم لن يدعوك حتى تكون بينكم دماء. قال: فلم يزل به حتى رجع. قال: ثم دفنوه في بقيع الغرقد. فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع، أكانوا قد ظلموه؟ قال: فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله، قد جيء به ليدفن مع أبيه. وعن محمد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دفن عثمان بالبقيع. فقلت: يا مروان! اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيراً، فأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول يوم خيبر:

لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله، ليس بفرار. وأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. قال مروان: إنك والله قد أكثرت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، فلا أسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري. فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري. والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتق الله يا أبا هريرة! قال: قلت: نعم ما أوصيت به وسكت عنه. وعن أبي رافع وغيره: أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن، فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأذن له أن يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها، فقالت: نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه، وأنا أوثرك به. فلما سمعت بنو أمية ذلك لبسوا السلاح فاستلأموا، وكان الذي قام بذلك مروان بن الحكم فقال: والله لا يدفن عثمان بن عفان بالبقيع، ويدفن حسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبست بنو هاشم السلاح وهموا بالقتال، وبلغ ذلك الحسن بن علي فأرسل إلى بني هاشم فقال لهم رسوله: يقول لكم الحسن: أما إذا بلغ الأمر هذا، فلا حاجة لي به، ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة بالبقيع، فدفن إلى جنب فاطمة ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال محمد بن الضحاك الحرامي: لما بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له، وقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء، ولست حائلاً بينهم وبين ذلك، قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك. فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم. وبلغ

ذلك حسيناً، فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسناً في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: من الرجز يا رب هيجا هي خير من دعه أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف، فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر أني يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع، فقال له حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي ألا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع، فدفنه هناك، رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه. وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسناً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع، إن يك ظني بمروان صادقاً لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويهاً مروان أنت لها. قال الحسن بن محمد بن الحنفية: لما مرض حسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به وحضرت بنو هاشم، فكانوا لا يفارقونه، يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص فكان سعيد يعوده، فمرة يؤذن له ومرة يحجب عنه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولاً إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي. وكان حسن رجلاً قد سقي وكان مبطوناً، إنما كان تختلف أمعاؤه، فلما حضر، كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن مع أمه بالبقيع.

وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحاً، فلا تلقى أحداً إلا باكياً. وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن وأنهم يريدون دفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم لا يصلون إلى ذلك أبداً وأنا حي. فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: احفروا ههنا، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير، فاعتزل ولم يحل بينه وبينه، وصاح مروان في بني أمية ولفها، وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبداً، فقال له حسين: يا بن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي، فصاح حسين بحلف الفضول؛ فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء، وعقد حسين بن علي لواء. فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى كانت بينهم المراماة بالنبل وابن جعونة بن شعوب يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة بن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا بن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك: إن خفت أن يهراق في محجمة دم فادفني بالبقيع مع أمي؟ أذكرك الله أن تسفك الدماء، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: ويعرض مروان لي ماله ولهذا؟ قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني: قد دعوتنا بحلف الفضول وأجبناك، تعلم أني سمعت أخال يقول قبل أن يموت بيوم: يا بن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن وجد إلى ذلك سبيلاً، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجمة من دم فليدفني مع أمي بالبقيع، وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء، ألا ترى ما ههنا من السلاح والرجال؟ والناس سراع إلى الفتنة. قال: فجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ، وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجباً لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجمة من دم فادفنوني بالبقيع، فقلت: يا أخي، يا أبا عبد الله، وكنت أرفقهم به، إنا لا ندع قتال هؤلاء القوم جبناً عنهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه والله لو قال ادفنوني مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه خاف ما قد ترى، فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي، فإنما نتبع عهده وننفذ أمره. قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع، وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه أبداً إلا حسين، قال: فاعتزل سعيد بن العاص، فوالله ما نازعنا في الصلاة، وقال: أنتم أحق بميتكم، فإن قدمتموني تقدمت، فقال حسين بن علي: تقدم، فلولا أن الأئمة تقدم ما قدمناك. قال عباد بن عبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً، ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً؟ والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري، وما آثر علي عندنا بحسن. قال نملة بن أبي نملة: أعظم الناس يومئذ أن يدفن معهم أحد، وقالوا لمروان: أصبت يا أبا عبد الملك لا يكون معهم رابع أبداً. قال أبو حازم: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه، ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة ما قدمت، وكان بينهم شيء فقال أبو هريرة: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها؟ وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. قالت عائشة بنت سعد: حد نساء بني هاشم على حسن بن علي سنة.

قال عمرو بن بعجة: أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي. قال مساور مولى سعد بن بكر: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات الحسن بن علي، ويبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابكوا. قال سلام أبو المنذر: قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي ليبكته بذلك. قال: فقال: لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقداً منه فجبر الله مصيبتنا. قال ابن السماك: قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق مظانه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عيها يداً طاهرة، وتردع بادرة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الاتساء عليه. قال عمر بن علي بن أبي طالب: لما قبض الحسن بن علي، ووقف على قبره أخوه محمد بن علي قال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي

الإيمان، وطبت حياً وميتاً وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك، فلا نشك في الخيرة لك، رحمك الله ثم انصرف عن قبره. قال جهم بن أبي جهم: لما مات الحسن بن علي عليها السلام، بعث بنو هاشم إلى العوالي صائحاً يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه. قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان. قال أبو نجيح: بكى على حسن بن علي بمكة والمدينة سبعاً: النساء والصبيان والرجال. قال سفيان بن عيينة: سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد: كم كان لعلي حين قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها الحسن، وقتل لها الحسين يعني ولهما هذا السن وهو توفي وهو ابن سبع واربعين، وكان يخضب بالوسمة، وقيل: توفي في سنة تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين سنة، وقيل: توفي في سنة خمسين وولد سنة ثلاث، وكانت ولايته سبعة أشهر وسبعة أيام. قال الأعمش: أحدث رجل على قبر الحسن فجن، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ومات فسمع من قبره يعوي ويصيح.

الحسن بن علي بن عبد الله

الحسن بن علي بن عبد الله أبو سعيد البرذعي حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن قمير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم. الحسن بن علي بن عبد الله الخراساني قدم دمشق. وحدث بها عن عبد الله بن داود بسنده عن أنس بن مالك قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم يؤتى بسريرين من نور فينصبان أمام عرش رب العزة، فيجلس على أحدهما الخليل، وعلى الآخر محمد الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحسن بن علي بن عبد الصمد ابن مسعود أبو محمد الكلاعي اللباد المقرىء حدث عن أبي القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بسنده عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى: وشاهد ومشهود قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. ولد أبو محمد سنة تسع وسبعين وثلاث مئة، وتوفي في صفر سنة اثنتين وستين وأربع مئة.

الحسن بن علي بن عبد الواحد

الحسن بن علي بن عبد الواحد ابن الموحد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة أبو محمد السلمي المعروف بابن البري حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الإنسية في غزوة خيبر. توفي الحسن بن علي بن البري في رمضان سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة، وقيل: في صفر سنة ثلاث وثمانين. الحسن بن علي بن علي بن محمد ابن جعفر بن القاسم ابن محرز بن جرير بن عبد الله أبو القامس البجلي الجريري يعرف بابن أبي السلاسل حدث عن أحمد بن علي القاضي بسنده إلى المغيرة بن شعبة قال: بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نجران، فقالوا: رأيت ما يقرؤونك يا أخت هارون وموسى وهارون قبل عيسى بكذا وكذا سنة! قال: فرجعت فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم؟ توفي أبو القاسم البجلي بن أبي السلاسل في رجب سنة أربع وستين وثلاث مئة. الحسن بن علي بن عمر بن عيسى أبو محمد الحلبي العبسي الأديب المعروف بابن كوجك حدث عن سعيد بن نفيس المصري بسنده عن أبي خالد عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.

الحسن بن علي بن عمر

الحسن بن علي بن عمر ويقال: ابن علي بن عمار أبو محمد التميمي النحوي، المعروف بابن المصحح حدث عن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن عثمان السلمي بسنده عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فهاجت ريح تكاد تدفن الراكب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعثت هذه الريح لموت منافق. قال: فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات في ذلك اليوم عظيم من عظماء المنافقين. توفي ابن المصحح في رجب سنة أربع وأربعين وأربع مئة، وقيل: في سنة ثلاث وأربعين. الحسن بن علي بن عياش حدث عن منبه بن عثمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سها أحدكم في صلاته ولا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس. الحسن بن علي بن عيسى أبو عبد الغني الأزدي المعاني من أهل معان منا البلقاء حدث عن عبد الرزاق بن همام بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج الخالص، فإذا كانت ليلة المزدلفة غفر الله للتجار،

الحسن بن علي بن محمد

فإذا كان يوم منى غفر الله للجمالين، فإذا كان يوم رمي جمرة العقبة غفر الله عز وجل للسؤال، فلا خلق يعني يحضر إلى ذلك الموقف إلا غفر الله له. كان ضعيفاً. الحسن بن علي بن محمد أبو علي وقيل أبو محمد الدمشقي سكن نيسابور، وحدث بها سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. حدث ببلخ عن أبي بكر محمد بن سليمان بن علي القاضي المالكي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تأدم بالخل وكل الله به ملكين يستغفران الله له إلى أن يفرغ من تأدمه. الحسن بن علي بن محمد أبو علي القطني الموازيني من قطنا قرية من قرى دمشق. حدث عن أبي بكر محمد بن حميد بن معيوف بسنده عن أبي رزين أنه قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أدلك على ملاك هذا الأمر الذي تصيب به خير الدنيا والآخرة، عليك بمجالسة أهل الذكر، وإذا خلوت فحرك لسانك ما استطعت بذكر الله عز وجل، وأحبب في الله، وأبغض في الله يا أبا رزين، هل شعرت أن الرجل إذا خرج من بيته زائراً أخاه، شيعه سبعون ألف ملك، كلهم يصلون عليه ويقولون: ربنا إنه وصل فيك فصله. فإن استطعت أن تعمل جسدك في ذلك فافعل.

الحسن بن علي بن محمد بن أحمد

الحسن بن علي بن محمد بن أحمد ابن جعفر أبو علي الوخشي البلخي الحافظ سمع بدمشق وبمصر. وخش ناحية من نواحي بلخ. حدث عن أبي سعيد شعيب بن محمد بن إبراهيم الشعبي بسنده عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تختموا بالعقيق فإنه مبارك. توفي أبو علي الوخشي سنة ست وخمسين وأربع مئة، وقيل: إن هذا التاريخ وهم. الحسن بن علي بن القاسم أبو علي القيرواني الخفاف سكن دمشق. روى عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأستغفر الله وأتوب إليه مئة مرة في اليوم. الحسن بن علي بن مصعب بن بدر أبو بكر اللخمي سمع بدمشق وبمصر، وقيل: اسمه الحسين. قال: سمعت هشام بن عمار يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: لا يفلح كذاب أبداً، ولا يأتي بخير.

الحسن بن علي بن موسى

الحسن بن علي بن موسى بن هارون وقيل ابن إبراهيم أبو علي النخاس النيسابوري سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن عبد الأعلى بن حماد النرسي بسنده عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية: أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في بيت أم سلمة في ثوب واحد متوشحاً به. وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أنها سئلت عن صوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يصوم شعبان ويتحرى الاثنين والخميس. وروى عنه أيضاً بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أراد أن يلقى الله طاهراً فليتزوج الحرائر. كان أبو علي صدوقاً صالحاً. توفي بمصر في شعبان سنة اثنتين وثلاث مئة. الحسن بن علي بن موسى ابن الخليل البرقعيدي حدث عن أحمد بن محمد بن أيوب ويعرف بابن مكحول حدث بسنده عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل، قال: إن ربي يطعمني ويسقيني، وتنام عيناي ولا ينام قلبي. وروى عن خيثمة بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل.

الحسن بن علي بن موسى بن الحسين

الحسن بن علي بن موسى بن الحسين أبو علي بن السمسار الأديب حدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن ذكوان بسنده عن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن حافظي علي ليفخران على جميع الحفظة بكينونتهم مع علي، فذلك أنهما لم يصعدا إلى الله عز وجل بشيء منه يسخط الله عز وجل. توفي أبو علي السمسار في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، وكان أديباً ثقة. الحسن بن علي بن وهب ابن أبي مضر أبو علي الصوفي المقرىء حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن يحيى القطان بسنده عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الوتر: بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يرفع بها صوته. قال ابن ماكولا: السبعي بضم السين المهملة بعدها باء موحدة هو أبو علي الحسن بنعلي بن وهب، شيخ صالح توفي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربع مئة، وكان قيماً بأمر السبع.

الحسن بن علي بن الوتاق بن الصلت

الحسن بن علي بن الوتاق بن الصلت ابن أبان ابن رزيق بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم النصيبي الحافظ حدث بدمشق سنة أربع وأربعين وثلاث مئة. روى عن جماعة عن إسحاق الصواف بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث عن عبد الله بن محمد بن ناجية البغدادي بسنده عن أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. الحسن بن يحيى بن زياد بن حيان أبو علي البجلي الشعراني الطبراني المقرىء الإمام قدم دمشق وحدث بها في سنة خمس وعشرين وثلاث مئة. روى عن محمد بن خلف بسنده عن ابن مسعود الأنصاري قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة مما يطيل بنا فلان، فغضب غضباً ما رأيته غضب قط أشد منه ثم قال: يا أيها الناس إن فيكم منفرين، فمن أم الناس فليتجوز فإن فيكم الضعيف وذا الحاجة.

الحسن بن علي أبو محمد وقيل

الحسن بن علي أبو محمد وقيل أبو علي الخلال المعروف بالحلواني سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم. روى عن عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزمة ويقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك، يعني وكان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر. وحدث عن يحيى بن آدم بسنده عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبدأ إذا أفطر بالتمر. وكان الحلواني ثقة ثبتاً متقناً. وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل: أن أباه لم يحمده. وسئل الحلواني فقيل له: إن الناس قد اختلفوا في القرآن فما تقول؟ قال: القرآن كلام الله غير مخلوق وما نعرف غير هذا. الحسن بن علي أبو علي الشيزري قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تحشر ابنتي فاطمة وعيها حلة قد عجنت بماء الحيوان، فينظر الخلائق إليها فيعجبون

الحسن بن علي أبو محمد الوراق

منها، وتكسى أيضاً ألف حلة من حلل الجنة مكتوب على كل حلة بخط أخضر: أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة وأحسن الكرامة وأحسن المنظر، فتزف كما تزف العروس، وتتوج بتاج العز، ويكون معها سبعون ألف جارية حورية عينية في يد كل جارية منديل من إستبرق، وقد زين لها تلك الجواري منذ خلقهن الله. الحسن بن علي أبو محمد الوراق أنشد لعبد المحسن الصوري: من الخفيف وأخ مسه نزولي عليه ... مثلما مسني من الجوع قرح بت ضيفاً له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحر قبح فابتداني يقول وهو من السك ... رة بالهم طافح ليس يصحو: لم تغربت؟ قلت قال رسول الله ... والقول منه نصح ونجح سافروا تغنموا فقال وقد قا ... ل تمام الحديث صوموا تصحوا الحسن بن عمران أبو عبد الله وقيل أبو علي العسقلاني قرأ القرآن بدمشق. روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان لا يتم التكبير. وروى عنه أيضاً قال: إنه صلى خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى وكبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خفض ورفع.

الحسن بن أبي العمرطة الكندي المروزي

الحسن بن أبي العمرطة الكندي المروزي واسم أبي العمرطة عمير بن يزيد بن عمرو بن شراحيل بن النعمان بن المنذر بن مالك بن الحارث بن معاوية بن الحارث بن معاوية. ولي إمرة سمرقند في خلافة هشام بن عبد الملك. حدث عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت عمر بن عبد العزيز قبل أن يستخلف، فكت تعرف الخير في وجهه، فلما استخلف رأيت الموت بين عينيه. الحسن بن عيسى الدمشقي روى عن محمد بن فيروز المصري بسنده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسجد على كور العمامة. وحدث عنه أيضاً عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يزوج إحدى بناته أخذ بعضادتي الباب وقال: إن فلاناً يذكر فلانة. الحسن بن غالب بن علي بن غالب ابن منصور بن صعلوك أبو علي التميمي البغدادي المقرىء الحربي المعروف بابن المبارك قدم دمشق حاجاً وحدث بها وبصور وبغداد. حدث في سنة إحدى وخمسين وأربع مئة عن أبي الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الزهري بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذكرت لعائشة أن قوماً يقولون: إن الطواف بين الصفا والمروة تطوع. فقالت:

الحسن بن الفرج الغزي

يابن أختي، إنما قال الله: " فلا جناح عليه أن يَطوَّف بهما ". ولم يقل: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما. وحدث عن عثمان بن أحمد بن جعفر بن سهل العجلي بسنده عن أنس قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر، وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. كان يقرىء القرآن. فأقرأ بحروف خرق بها الإجماع، وادعى فيها رواية عن بعض الأئمة المتقدمين وجعل لها أسانيد باطلة مستحيلة، فأنكر أهل العلم عليه ذلك إلى أن استتيب منها. ولد ابن غالب سنة ست وثلاث مئة، وتوفي في رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. الحسن بن الفرج الغزي سمع بدمشق وبمصر روى عن أبي الحسن عمرو بن خالد الحراني بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، إن يك ظالماً فاردده عن ظلمه، وإن يك مظلوماً فانصره. وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى بسر بن أبي أرطاة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

الحسن بن القاسم بن عبد الرحمن دحيم

الحسن بن القاسم بن عبد الرحمن دحيم ابن إبراهيم أبو علي القاضي من دمشق، حدث بمصر عن جماعة. حدث عن أبي حفص عمر بن مضر العبسي بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال: يا حسن لا تسأل الإمارة، فإن من سألها وكل إليها، ومن ابتلي بها ولم يسألها أعين عليها. قال ابن دعلج: قال عمر بن عبد العزيز: إن هذا شيء ما سألت الله عز وجل قط. حدث الحسن بن القاسم بن دحيم بن اليتيم الدمشقي بمصر عن محمد بن سليمان قال: قدم علينا يحيى بن معين البصرة وكتب عن أبي سلمة أكثر من عشرين ألف حديث، فلما أراد أن يخرج جاء إلى أبي سلمة فقال: يا أبا سلمة: إني أريد أن أذكر لك شيئاً فر تغضب، قال: هات. قال: حديث همام عن ثابت عن أنس عن أبي بكر الصديق حديث الغار لم يروه أحد من أصحابك، وإنما رواه بهز وحيان وعفان، ولم أجده في صدر كتابك وإنما وجدته على ظهره قال: فتقول ماذا؟ قال: تخلف لي أنك سمعته من همام. قال: ذكرت أنك كتبت عشرين ألفاً، فإن كنت عندك صادقاً فما ينبغي أن تكذبني في حديث، وإن كنت عندك كاذباً في حديث فما ينبغي أن تصدقني فيها، ولا تكتب منها، وزوجتي بسرة بنت أبي عاصم طالق ثلاثاً إن لم أكن سمعته من همام، والله لا كلمتك أبداً. توفي أبو علي بن دحيم في سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وقد نيف على الثمانيني سنة. الحسن بن قريش أبو لعي الحراني المحاملي حدث بدمشق قال: رأيت ماجور الأمير في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك، فقال: غفر لي. فقلت: بماذا؟ فقال: بضبطي طرق المسلمين، وطريق الحاج.

الحسن بن محمد بن أحمد

الحسن بن محمد بن أحمد ابن هشام بن جبلة بن الحسن بن قانع أبو القاسم السلمي المعروف بابن برغوث حدث عن أبي جعفر محمد بن عبد الله البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تختموا بالعقيق، فإنه أنجح للأمر، واليمنى أحق بالزينة. توفي ابن برغوث سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى ابن جميع أبو محمد بن أبي الحسين المعروف بالسكن قال الشيخ أبو محمد بن جميع: وقفت سنة وخمسة أشهر ما شربت الماء، قال: وأكثر أوقاتي في الصيف كله ما أشرب الماء وما أريده، وإنما أشرب في الشتاء من حين إلى حين، ثم إني وصفت ذلك لأبي السري جورجس النصراني المتطبب فقال لي: إن معدتك تشبه الآبار النبع، باردة في الصيف حارة في الشتاء، ثم قال لي: وحق المسيح إني أنصحك: اشرب الماء وإلا خفت على كبدك تخل، ثم ألزمت نفسي بشرب الماء، فكنت أشربه كرهاً حتى تعودت أشرب، ثم إني صرت كثير العلل. قال المنجى بن سليم الكاتب: قلت لأبي محمد الحسن بن جميع الغساني: أنت سمك حسن والأغلب عليك سكن. فقال: كانت أمي ما يعيش لها ولد، فلما ولدتني أمي سماني أبي حسن، فرأت امرأة في المنام هاتفاً يقول لها: تقول لأم حسن تسميه سكن حتى يسكن. وزعم أن له سبعة وثمانين سنة، وأن جده عاش سبعة وتسعين سنة، ووالده سبعة وتسعين سنة. وتوفي في سنة سبع وثلاثين وأربع مئة.

الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد

الحسن بن محمد بن أحمد بن محمد ابن القاسم أبو علي بن أبي أسامة الهروي ثم المكي المقرىء قدم دمشق. وحدث بها في مسجد الجامع سنة خمس وثلاثين وأربع مئة عن القاضي أبي جعفر إبراهيم بن إسماعيل الموسوي بسنده عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه عز وجل، فقال رجل: أليس الله تعالى يقول: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " قال عكرمة: ترى السماء كلها؟ قال: لا، قال: فكذلك. الحسن بن محمد بن أحمد بن الفضل أبو علي الكرماني السيرجاني نزيل بغداد سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن أبي الحديد بسنده عن مالك بن عبادة الغافقي قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعبد الله بن مسعود وهو حزين، فقال له: لا تكثر همك ما يقدر يكن، وما ترزق يأتك.

الحسن بن محمد بن الأصم

الحسن بن محمد بن الأصم حدث عن القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم بسنده عن محارب بن دثار عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ائنسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. قال: فقال رجل لمحارب بن دثار: إن هذا الحديث ثبت، قال: وما يمنعه أن يكون ثبتاً وهو عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحسن بن محمد بن جعفر بن علي ابن محمد بن جعفر ويقال: ابن محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن علي أبو محمد بن أبي جعفر بن جبارة الضراب. حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بسنده عن أنس قال: أصيب منا غلام يوم أحد، فوجد على بطنه صفحة مربوطة من الجوع، فقالت له أمه: هنيئاً لك يا بني الجنة. فقال: ما يدريك؟ لعله قد كان يتكلم بما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره. قال ابن ماكولا: جبارة بكسر الجيم. الحسن بن محمد بن الحسن ابن القاسم بن درستويه أبو علي المعدل الإمام حدث عن أبي يحيى زكريا بن أحمد البلخي القاضي بسنده عن ابن عمر قال: وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من الأنصار يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

الحسن بن محمد الصالح بن الحسن

دعه، فإن الحياء من الإيمان. توفي أبو علي الحسن بن محمد في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة. الحسن بن محمد الصالح بن الحسن ابن الحسين المتهجد بن عيسى ابن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد الحسيني الزيدي ولي قضاء دمشق. حدث عن أبي علي الحسين بن داود بن سليمان القرشي النقار بالكوفة، قال: كنت أقرىء الناس القرآن بالكوفة، وكان جماعة القطيعة يجتمعون إلى أسطوانة في الجامع قريبة من الحلقة التي أعلم الناس فيها، فكانوا يقولون: هذا الشيخ يعلم الناس القرآن من كذا وكذا سنة، لا يأجره الله ولا يثيبه، لأنه هذا القرآن قد غير وبدل، ويخوضون في هذا، فكان يألم قلبي ويمنعني من أذيتهم التقية، فطال ذلك علي. فلما كان عشية يوم خميس، اجتمعوا على العادة وتكلموا كما كانوا يتكلمون، وأكثروا في ذلك، وأسرفوا في القول وانصرفوا. فرحت عشية ذلك الوقت وأنا مغموم مهموم لكلامهم، فلما أخذت مضجعي ونمت رأيت رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إلى الله وإليك المشتكي يا رسول الله، قال: مم؟ فقلت كم قزم يجيئون فيقولون: إني ألقن القرآن من سبعين سنة، لا يأجرني الله عليه، وإن هذا القرآن قد غير وبدل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عقب، فعقبت وابتدأت فقرأت القرآن عليه من الحمد إلى قل أعوذ برب الناس. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هكذا أنزل علي، وهذا أقرأت القرآن. فانتبهت والفجر قد اعترض، فخررت لله ساجداً، شكراً لله، وحمدته كثيراً، وقمت إلى المسجد، فصليت الفجر وانثنيت فحدثت أصحابي بما رأيته وقلت: قد كان يمنعني من هؤلاء القوم التقية، وبعد هذا فلا تقية، فإذا جاؤوا ورأيتموني قد قمت فقوموا، وما عملت فاعملوا.

الحسن بن محمد المؤم بن الحسن

فلما كان عشية يوم الجمعة، جاؤوا كما كانوا، وخاضوا في حديثي، فلما رأيتهم قد اجتمعوا، أخذت تاسومتي بيدي، وأخذ أصحابي نعالهم، وسرت حتى جزت القوم، ثم عطفت عليهم، فقلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هكذا أنزل إلي، وهكذا علمت الناس، ووقع عليهم الصفع، فلم يزل عليهم حتى غشي عليهم، وانصرفوا بخزي عظيم، ولم يعودوا إلى مثل ذلك. وسار بحديث أبي علي النقار الركبان إلى سائر الأمصار. الحسن بن محمد المؤم بن الحسن ابن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحيين بن علي بن أبي طالب الكوفي سكن دمشق. قال: كنت بالكوفة وأنا صبي في المسجد الجامع وقد جاء القرامطة بالحجر الأسود. وكان أهل الكوفة قد رووا عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: كأني بالأسود الدنداني من أولاد حام قد دلى الحجر الأسود من القنطرة السابعة من مسجدي هذا، يقال له: رخمة، وذكروا اسمه بالخاء رخمة. قال: فلما دخلوا المسجد قال السيد القرمطي: يا رخمة بالخاء، قم، فقام أسود دنداني من أولاد حام كما ذكر أمير المؤمنين فأعطاه الحجر وقال: اطلع إلى سطح المسجد، ودل الحجر، فأخذه وطلع، فجاء يدليه من القنطرة الأولى، وكأن إنساناً دفعه إلى الثانية، وكان كلما أراد أن يدليه من قنطرة مشى إلى قنطرة أخرى حتى وصل إلى القنطرة السابعة ودلاه منها، فكبر الناس بتولي أمير المؤمنين وبصحيح قوله.

الحسن بن محمد بن الحسن

الحسن بن محمد بن الحسن أبو علي الساوي الفقيه الصوفي الأصولي الشافعي حدث بدمشق وسكنها. حدث عن أبي الفرج عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان الغزالي البغدادي في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربع مئة بسنده عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة وصمت رمضان وقمته فممن أنا؟ قال: أنت من الصديقين والشهداء. ولد أبو علي الساوي في سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. الحسن بن محمد بن الحسن أبو علي الأبهري المالكي قدم دمشق وحدث بها في صفر سنة أربع وثمانين وأربع مئة. روى عن أبي عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي الفراء المالكي بسنده عن شداد بن أوس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أبو بكر أرأف أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأشجعها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها.

الحسن بن محمد بن الحسين بن علي

الحسن بن محمد بن الحسين بن علي أبو علي ابن أبي الطيب الوراق المعروف والده بطيب حدث في سنة إحدى وعشرين وأربع مئة عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب بسنده عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال. الحسن بن محمد بن داود بن محمد ابن داود أبو محمد الثقفي الحراني المؤدب حدث عن عبد الله بن محمد الأطروش بسنده عن أبي العشراء عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: لو طعنت في فخذها لأجزأك. توفي أبو محمد الثقفي في رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة. الحسن بن محمد بن زياد البيساني قدم دمشق وحدث بها. حدث عن يحيى بن هاشم الغساني بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب، كما أن الرياضة لا تصلح إلا في نجيب. وبإسناده عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حميراء! إياك والطين فإنه يصفر اللون ويذهب بهاء الوجه. الحسن بن محمد بن سعيد أبو علي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي صالح أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليرجع إلى أهله.

الحسن بن محمد بن سليمان بن هشام

الحسن بن محمد بن سليمان بن هشام أبو علي الشطوي الخزاز ويعرف بابن بنت مطر سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. وحدث عن المسيب بن واضح بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمار: تقتلك الفئة الباغية. الحسن بن محمد بن عبد الله ابن عبد السلام بن أبي أيوب أبو علي بن أبي عبد الرحمن بن مكحول البيروتي حدث ببيروت سنة عشرين وثلاث مئة عن أبي ذر هارون بن سليمان بن سهيل بن عبد الله بسنده عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تلقي السلع حتى تهبط بها الأسواق. الحسن بن محمد بن عبد الرحمن أبو منصور الأستوائي قدم دمشق. وحدث بها سنة تسع وأربعين وأربع مئة عن أبي طالب محمد بن علي بن الفتح بن محمد بن الفتح الخربي العشاري بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أحدثكم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قلنا: بلى يا رسول، قال: صلاح ذات البين، وفساد ذات البين. يعني هي الحالقة.

الحسن بن محمد بن علي

الحسن بن محمد بن علي ابن أبي طالب قال الزهري: حدث الحسن وأخوه عبد الله ابنا محمد عن أبيهما، وكان حسن أرضاهما في أنفسنا، أن علياً قال لابن عباس: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر. وحدث الحسن بن محمد، وكان من أوثق الناس عند الناس، عن أبيه محمد بن علي عن جده عي بن أبي طالب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند الله، فانظروا ما يتبعه من الثناء. كانت أم حسن بن محمد جمال بنت قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف. وكنيته أبو محمد. توفي سنة مئة أو تسع وتسعين. وليس له عقب. وهو أول من تكل في الإرجاء. وكان من ظرفاء بني هاشم، وأهل العقل منهم، وكان يقدم على أخيه أبي هاشم في الفضل والهيبة. وقيل: مات في زمن عبد الملك بن مروان. وقيل: في زمن عمر بن عبد العزيز. وقيل: إن الحسن مات سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة إحدى ومئة. حدث هلال بن خباب عن الحسن بن محمد بن الحنفية أنه قال: يا أهل الكوفة اتقوا الله، ولا تقولوا في أبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل، إن أبا بكر الصديق كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار ثاني اثنين، وإن عمر أعز الله بن الدين.

وحدث مسعر قال: كان الحسن بن محمد يفسر قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس منا ليس مثلنا. قال عبد الواحد: كان الحسن بن محمد بن علي ينزل علينا بمكة، فإذا أنفقنا عليه ثلاثة أيام أبى أن يقبل بعد، وهذا لأنه هاشمي. وعن سفيان بن عيينة قال: قال الحسن بن محمد: إن أحسن رداء ارتديت به رداء الحلم، هو والله عليك أحسن من بردي حبرة، قال: فإن لم تكن حليماً فتحالم. قال إبراهيم بن مسلم المدني: قال الحسن بن محمد بن الحنفية: من أحب حبيباً لم يعصه. ثم قال: من الكامل تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... عار عليك إذا فعلت شنيع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن أحب مطيع ثم قال: من البسيط ما ضر من كانت الفردوس منزله ... ما كان في العيش من بؤس وإقتار تراه يمشي حزيناً جائعاً شعثاً ... إلى المساجد يسعى بين أطمار حدث سلام بن أبي مطيع عن أيوب قال: أنا أكبر من الإرجاء، إن أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل المدينة يقال له الحسن. وفي رواية رجل من بني هاشم يقال له الحسن بن محمد. قال عثمان بن إبراهيم بن حاطب: أول من تكلم في الإرجاء الأول الحسن بن محمد بن الحنفية، كنت حاضراً يوم تكلم، وكنت في حلقته مع عمي، وكان في الحلقة جحدب وقوم معه، فتكلموا في علي وعثمان وطلحة والزبير فأكثروا، والحسن ساكت، ثم تكلم فقال: قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئاً أمي من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا ولا يتبرأ منهم، ثم قام فقمنا.

الحسن بن محمد بن علي بن مصعب

قال: فقال لي عمي: يا بني ليتخذن هؤلاء هذا الكلام إماماً. قال عثمان: فقال به سبعة رجال، رأسهم جحدب من تيم الرباب، ومنهم حرملة التيمي تيم الرباب أبو علي بن حرملة. وبلغ أباه محمد بن الحنفية ما قاله، فضربه بعصاً فشجه وقال: لا تولي أباك علياً؟! قال: وكتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك. قال عطاء بن السائب: إن زاذان وميسرة دخلا على الحسن بن محمد بن علي فلاماه على الكتاب الذي وضع في الإرجاء، فقال لزاذان: يا أبا عمر، لوددت أني كنت مت ولم أكتبه. الحسن بن محمد بن علي بن مصعب أبو علي الدمشقي حدث عن محمد بن بشر بن يعقوب بسنده عن ابن عمر قال: جاء يهودي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي فقال: اصح الله جسمك، وأطاب حرثكن وأكثر مالك. الحسن بن محمد بن علي بن محمد أبو الوليد البلخي الدربندي الحافظ طاف فأوسع وأكثر فيما سمع، سمع بدمشق وغيرها. روى عن أبي منصور عبد الله بن عيسى بن إبراهيم بن علي بن سعيد الهمداني بسنده عن أبي هارون العبدي قال: كنا إذا أتينا أبا سعيد قال: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلنا: وما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال لنا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه سيأتيكم بعدي أقوام يتعلمون منكم، فإذا جاؤوكم فعلموهم وألطفوهم. توفي أبو الوليد في سمرقند سنة ست وخمسين وأربع مئة.

الحسن بن محمد بن مزيد

الحسن بن محمد بن مزيد أبو سعيد الأصبهاني سمع بدمشق وغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبيدة الأملوكي عن رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن، واتلوه حق تلاوته في آناء الليل وآناء النهار وتقنوه " واذكروا ما فيه لعلكم تفلحون ". ولا تستعجلوا ثوابه، فإن له ثواباً. كان أبو سعيد أول من حمل علم الشافعي إلى أصبهان، توفي قبل الثمانين ومئتين. الحسن بن محمد بن النعمان أبو علي الصيداوي حدث عن بكار بن قتيبة بسنده عن شيبة الحجبي عن عمه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه. واسم عم شيبة عثمان بن طلحة الحجي. الحسن بن محمد بن يزيد بن محمد ابن عبد الصمد أبو علي مولى بني هاشم حدث عن جده يزيد بن محمد بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فأتبعته بصري، وإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام.

الحسن بن محمود بن أحمد بن محمود

الحسن بن محمود بن أحمد بن محمود ابن أحمد بن محمود بن محمد أبو القاسم الربعي حدث عن أحمد بن عمير بن يوسف بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. وحدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده عن أم حبيبة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تنفر من جمع بليل. الحسن بن المظفر بن الحسن أبو القاسم الهمداني الشيخ الصالح حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن عبدان بسنده إلى الفضيل بن عياض أنه قال: ما من نبي إلا وله نظير في أمته. الحسن بن المظفر بن الحسن ابن المظفر بن أحمد بن يزيد أبو علي بن أبي سعد المعروف بابن السبط البغدادي قدم دمشق في تجارة. حدث هو وغيره عن أبي محمد الجوهري بسنده إلى ثابت قال: صلى بنا أنس بن مالك صلاة فأوجز فيها فقال: هكذا كانت صلاة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولد أبو علي بن السبط سنة سبع وأربعين وأربع مئة. وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.

الحسن بن مكي بن الحسن

الحسن بن مكي بن الحسن ابن القاسم بن الحسن أبو محمد الشيزري المقرىء، ويعرف بفردن روى عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن أبي كامل بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله عز وجل حتى يرجع. الحسن بن منصور بن هاشم أبو القاسم الحمصي الإمام حدث عن أبي عمرو بن أبي حماد بسنده عن أنس بن مالك: أن رجلاً كان جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء ابن له فأخذه فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت ابنة له فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا عدلت بينهما؟. الحسن بن منير بن محمد بن منير أبو علي التنوخي روى عن حاجب بن أركين بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار. قال: وكان أهل الجاهلية يقولون: ليس يهلكنا إلا الدهر، الليالي والأيام فيسبون الدهر، فقال الله عز وجل: " ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ". توفي أبو علي الحسن بن منير في سنة خمس وستين وثلاث مئة.

الحسن بن نصر بن الحسن

الحسن بن نصر بن الحسن أبو محمد البزار المعروف بابن المعبي حدث عن أبي القاسم علي بن أحمد بن محمد البسري بسنده عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما فوق الكعبين، فلا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً. توفي بعد سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة ببغداد. الحسن بن نظيف بن عبد الله أبو محمد الهلالي الساكني المعروف بجغلان سمع بمصر وبغيرها. روى عن أبي يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة الصيداوي من بني جعفر بسنده عن أبي بكر الصديق قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الغداة يقول: مرحباً بالنهار الجديد، والكاتب الشهيد، اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن الجنة حق، والنار حق، والقبر حق، وأن الله يبعث من في القبور. الحسن بن أبي نعيم بن الأصم أبو علي حدث بصيدا عن بكر بن سهل بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنشد الله رجال أمتي لا يدخلوا الحمام إلا بمئزر، وأنشد الله نساء أمتي ألا يدخلن الحمام.

الحسن بن الوليد بن موسى بن سعيد

الحسن بن الوليد بن موسى بن سعيد ابن راشد بن يزيد ابن عبد الله أبو محمد الكلابي المعدل والد عبد الوهاب يعرف بابن الأبرش الدمشقي حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وحدث عن يوسف بن محمد الجمحي بسنده عن أم هانىء: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ. الحسن بن وهب بن سعيد أبو علي الكاتب أخو سليمان بن وهب كتب رجل إلى الحسن بن وهب يستمنحه وكان مضيقاً، فكتب إليه الحسن: من البسيط الجود طبعي ولكن ليس لي مال ... فكيف يحتال من بالرهن يحتال وشهوتي في العطايا وانبساط يدي ... وليس ما أشتهي يأتي به الحال فهاك خطي فزرني حيث لي نشب ... وحيث يمكن إحسان وإفضال كتب الحسن بن وهب إلى أخ له شافعاً لرجل: كتابي هذا بعد أن جمعت له ذهني. فما ظنك بحاجة هذا موقعها مني؟ فإن أحسنت لم أغفل الشكر، وإن أسأت لم أقبل العذر. أنشد الحسن بن وهب لبعضهم: من الخفيف ليس يعتاض باذل الوجه في الحا ... جة من بذل وجهه عوضا كيف يعتاض من أتاك وقد صي ... ير للذل وجهه غرضا؟ مات الحسن بن وهب في آخر أيام المتوكل ورثاه البحتري.

الحسن بن هانىء بن صباح

الحسن بن هانىء بن صباح ابن عبد الله بن الجراح ابن هنب ويقال: الحسن بن هانىء بن عبد الأول بن الصباح أبو علي الحكمي المعروف بأبي نواس الشاعر مولى الجراح بن عبد الله الحكمي قدم دمشق وخرج منها إلى مصر، سمع جماعة، وحكى عنه جماعة منهم عمرو بن بحر الجاحظ، ومحمد بن إدريس الشافعي وجماعة سواهم. روى عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بربه، فإن حسن الظن بالله تعالى ثمن الجنة. حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي قال: دخلنا على أبي نواس الحسن بن هانىء في مرضه الذي مات فيه، فقال له صالح بن علي الهاشمي: يا أبا علي، أنت اليوم في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله من عملك، قال: فقال: إياي تخوف بالله؟ ثم قال: أسندوني. حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لك نبي شفاعة، وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة. أفترى لا أكون منهم؟ ولد أبو نواس بالأهواز ونشأ بالبصرة واختلف في طلب الحديث، وقرأ القرآن، وسمع جماعة وكتب الغريب والألفاظ، وحفظ عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أيام الناس، ونظر في نحو سيبويه، وسكن بغداد إلى حين وفاته. وأبو نواس، نونه مضمومة، وواوه مخففة. قال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين مثل امرىء القيس للمتقدمين.

قال إسحاق بن إسماعيل: قال أبو نواس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى، فما ظنك بالرجال؟ قال ميمون: سألت يعقوب بن السكيت عما يختار لي روايته من أشعار الشعراء، فقال: إذا رويت من الجاهلين لامرىء القيس والأعشى، ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق، ومن المحدثين لأبي نواس فحسبك. قال أبو عمرو الشيباني: لولا أن أبا نواس أفسد شعره بهذه الأقذار لاحتججنا به في كتبنا. قال أبو عثمان الجاحظ: ما رأيت أحداً كان أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجة، مع حلاوة ومجانبة الاستكراه. وقال الجاحظ: سمعت النظام يقول، وقد أنشد شعراً لأبي نواس في الخمر: هذا الذي جمع له الكلام واختار أحسنه. قال صدقة بن محمد بن صالح: اجتمع عند المأمون ذات يوم عدة من الشعراء، فقال: أيكم القائل؟: من الطويل فلما تحساها وقفنا كأننا ... نرى قمراً في الأرض يبلع كوكبا قالوا: أبو نواس. قال: والقائل: من الطويل إذا نزلت دون اللهاة من الفتى ... دعا همه عن صدره برحيل

قالوا: أبو نواس. قال: والقائل: من المديد فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم قالوا: أبو نواس. قال: هو أشعركم إذاً. قال إبراهيم بن سعيد: كنت واقفاً على رأس المأمون، فقال: بيتا شعر ما سبق قائلهما أحد ولا يلحقه أحد قال: قلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟ قال: ما قاله أبو نواس وما قاله شريح، قال: فتبسمت، فقال لي: كأنك تبسمت من أبي نواس ومن شريح؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين. قال: فخذ ما قاله أبو نواس: من الطويل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق قلت: حسن والله يا أمير المؤمنين! فما قال شريح؟ قال: قال: من الطويل أتهون على الدنيا الملامة أنه ... حريص على استخلاصها من يلومها قلت: حسن والله يا أمير المؤمنين. قال: أحسن من ذلك ما سمعته أنا، كنت أسير في موكبي إذ ألجأني الزحام إلى دكان، فيه كهل وعليه أسمال من ثياب، فنظر إلي نظر من قد رحمني مما أنا فيه، فأومأ إلي بيده، وقال: من الطويل أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل قال: قلت: حسن يا أمير المؤمنين.

قال كلثوم بن عمرو العتابي لرجل وقد تناظرا في شعر أبي نواس فقال: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد. قال ابن الأعرابي: أشعر الناس أبو نواس في قوله: من الطويل تغطيت من دهري بظل جناحه ... فعيني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام، ما اسمي؟ لما درت ... وأين مكاني؟ ما عرفن مكاني قال مسلمة بن مهدي: لقيت أبا العتاهية فقلت: من أشعر الناس؟ فقال: أجاهلياً أو إسلامياً؟ أو مولداً؟ فقلت: كل، فقال، الذي يقول في المدح: من الطويل إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني وإن جرت الألفاظ منا بمدحة ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني والذي يقول في الزهد: من الطويل وما الناس إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق قال مسلمة: ولقيت العتابي فسألته عن ذلك فرد علي مثل ذلك.

قال أبو العتاهية: قد قلت عشرين ألف بيت في الزهد وددت أن لي مكانها الأبيات الثلاثة التي قالها أبو نواس: من مجزوء الرمل يا نواسي توقر ... وتعز وتصبر إن يكن ساءك دهر ... فلما سرك أكثر يا كبير الذنب عفو الله ... عن ذنبك أكبر قال محمد بن مسعر: كنا عند سفيان بن عيينة فتذاكروا شعر أبي نواس، فقال ابن عيينة: أنشدوني له شعراً، فأنشدوه: من المديد ما هوى إلا له سبب ... يبتدي منه وينشعب فتنت قلبي محببة ... وجهها بالحسن منتقب تركت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب فاكتست منه طرائفه ... واستزادت بعض ما تهب فقال ابن عيينة: آمنت بالذي خلقها. ومن شعر أبي نواس: من السريع يا منسي المأتم أشجانه ... لما أتته في المعزينا استقبلتهن بتمثالها ... فقمن يضحكن ويبكينا حق لهذا الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا

قال ابن النحوي: لما قدم أبو تمام من العراق، قال له أبي: ما أفدت في سفرتك هذه يا أبا تمام؟ قال: أربع مئة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من المال، قال: أنشدنيها. قال: أنشدني أبو نواس الحسن بن هانىء لنفسه: من الكامل إني وما جمعت من صفد ... وحويت من سبد ومن لبد همم تصرفت الخطوب بها ... فنزعن من بلد إلى بلد يا ويح من حسمت قناعته ... سيب المطامع عن غد فغد لو لم تكن لله متهماً ... لم تمس محتاجاً إلى أحد قال ابن عائشة: غلست يوماً إلى المسجد الجامع لصلاة الغداة، فإذا أنا بأبي نواس يكلم امرأة عند باب المسجد، وكنت أعرفه في مجالس الحديث والآداب، فقلت له: مثلك يقف هذا الموقف لحق أو باطل؟ فاعتذر ثمم كتب إلي: من مجزوء الكامل إن التي أبصرتها ... سحراً تكلمني، رسول أدت إلي رسالة ... كادت لها نفسي تسيل من فاتن العينين يت ... عب خصره ردف ثقيل متنكب قوس الصبا ... يرمي وليس له رسيل فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما نقول لرأيت ما استقبحت من ... أمري لديك هو الجميل قال محمد بن أبي عمير: سمعت أبا نواس يقول: والله ما فتحت سراويلي بحرام قط.

قال ابن عائشة، وهو عبيد الله بن محمد التيمي: خرجت من البصرة أريد ابن المبارك، فدخلت واسط، فقلت، لو دخلت على إسحاق الأزرق، قال: فدخلت عليه وهو يبكي، قال: فسلمت عليه، فقال لي: اجلس، الساعة قام من موضعك إبليس، قلت: من تعني؟ قال: الحسن بن علي. قلت: زدني من الشرح. قال: أبو نواس يكذب علي وعلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: يا جارية! هاتي تلك الرقعة، فجاءت فإذا فيها مكتوب: من المنسرح يا حسن المقلتين والجيد ... وقاتلي منك بالمواعيد توعدني الوصل ثم تخلفني ... فوابلائي من خلف موعودي حدثني الأزرق المحدث عن ... عمرو بن شمر عن ابن مسعود لا تخلف الوعد غير كافرة ... أو كافر في السعير مصفود ثم قال إسحاق: والله ما حدثت بهذا قط. حدث عبد الله بن ذكوان عن بعض إخوانه أو عن نفسه: أنه حج فنزل بمصر في حجرة اكتراها قال: فإني قاعد يوماً إذ نظرت إلى كتابة على الحائط، فتأملت ذلك فإذا هو: من المجتث قم حي بالراح قوماً ... ماتوا صلاة وصوما لم يطعموا لذة العي ... ش مذ ثلاثون يوما وذكرت ذلك لبعض من كنت أجالسه بمصر فقال: ذلك خط الحسن بن هانىء، وهي من قوله، وفي تلك الحجرة كان نازلاً أيام كون بمصر. ولد أبو نواس في سنة خمس وأربعين ومئة، ومات سنة ست وتسعين ومئة. وقيل: ولد بالأهواز في سنة ست وثلاثين ومئة، ومات ببغداد سنة خمس وتسعين ومئة، وعمره تسع وخمسون سنة.

وكان أبوه من أهل دمشق من الجند من رجال مروان بن محمد، فصار إلى الأهواز، فتزوج امرأة من أهلها يقال لها: جلبان، فولدت له أبا نواس، وأخاه أبا معاذ. ثم صار أبو نواس إلى البصرة فتأدب في مسجدها، فلزم خلف الأحمر، وصحب يونس بن حبيب الجرمي النحوي. قال عبد الله بن صالح: حدثني من أثق به: أنه رأى أبا نواس في النوم وهو في نعمة كبيرة، فقال له: أبا نواس؟ قال: نعم قال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأعطاني هذه النعمة، قال: قلت: ومن ماذا وأنت كنت مخلطاً؟ فقال لي: إليك عني، جاء بعض الصالحين إلى المقابر في ليلة من الليالي، فبسط رداءه في المقابر، وصف قدميه وصلى ركعتين لأهل المقابر، قرأ فيهما ألفي مرة: " قل هو الله أحد " وجعل ثوابها لأهل المقابر، فغفر الله لأهل المقابر عن آخرهم، فدخلت أنا في جملتهم. قال محمد بن نافع: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغني وفاته، فتضاعف علي الحزن، فبينا أنا بين النائم واليقظان إذا أنا به، فقلت: أبو نواس؟ قال: لات حين كنية، قلت: الحسن بن هانىء؟ قال: نعم. قلت: ما فعل الله عز وجل بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها هي تحت ثني الوسادة. فأتيت أهله، فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء، قلت لهم: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم. إلا أنه دعا بدواة وقرطاس فكتب شيئاً لا ندري ما هو. قلت: ائذنوا لي أدخل. قال: فدخلت إلى مرقده فإذا ثيابه لم تحرك بعد، فرفعت وسادة فلم أر شيئاً، ثم رفعت أخرى فإذا رقعة فيها مكتوب: من الكامل: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم؟

الحسن بن هبة الله بن عبد الله

أدعوك رب كما أمرت تضرعاً ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم؟ مالي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك، ثم أني مسلم الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين أبو محمد بن أبي الحسن المزكي والد الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن مصنف أصل هذا التاريخ تاريخ الشام. حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده عن حارثة بن وهب قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدفته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، أما اليوم فلا حاجة لي بها. ولد أبو محمد سنة ستين وأربع مئة، وتوفي في رمضان سنة تسع عشرة وخمس مئة. الحسن بن يحيى أبو عبد الملك وقيل أبو خالد الخشني البلاطي أصله خراساني. حدث عن ابن ثوبان بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تنزلون منزلاً يقال له الجابية أو الجويبية، يصيبكم فيه داء مثل غدة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وخياركم ويزكي أبدانكم. وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام. كان ضعيفاً.

الحسن بن يوسف بن أبي طيبة

الحسن بن يوسف بن أبي طيبة أبو علي المصري المديني القاضي حدث عن هشام بن عمار بن نصير الدمشقي بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر. وحدث الحسن بن أبي طيبة القاضي عن هشام بن عمار بسنده عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بلبن قد شيب بماء فشرب، وناول الأعرابي وقال: الأيمن فالأيمن. وحدث أيضاً عن أحمد بن صالح قال: قال ابن وهب: كنا عند مالك فذكرت السنة، فقال مالك: السنة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. الحسن بن يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن سعيد ويقال: إسحاق بن إبراهيم بن ساسان أبو سعيد الطرميسي وطرميس قرية من قرى دمشق. كان يخضب بالحمرة. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن المقدام بن معدي كرب، قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم باسط يده وهو يقول: ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له. توفي سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.

الحسن الحضرمي والد هشام

الحسن الحضرمي والد هشام حمصي كان في عسكر عمر بن عبد العزيز. حكى الحسن قال: كنا نأكل مع عمر بن عبد العزيز، فكان يأكل من صحفة، ونأكل من أخرى، فقلت له مرة: يا أمير المؤمنين: أنأكل من صحفتك؟ قال: نعم. فلما أكلت قلت: يا أمير المؤمنين، والله لئن كان ما تأكل حلالاً وما تطعمنا حراماً. ما ينبغي لك أن تطعمنا حراماً، قال: فجذب صحفتنا إليه ودفع صحفته إلينا. ثم ما عاد يأكل معنا إلا من صحفة واحدة. الحسين بن أحمد بن بكار أبو عبد الله الكندي المصري المقرىء سمع بدمشق. حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن وحشي بن حرب أن رجلاً قال: يا رسول الله، إنا نأكل وما نشبع، قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه.

الحسين بن أحمد بن رستم

الحسين بن أحمد بن رستم وقيل ابن أحمد بن علي ويقال: أبو علي، يعرف بابن زنبور الماذرائي الكاتب من كتاب الطولونية. قدم دمشق صحبة أبي الجيش بن طولون، وحكى عن البحتري وقصده أبا الجيش ومدحه إياه، وحدث، وكان من نبلاء الكتاب. أحضره المقتدر لمناظرة ابن الفرات، ثم خلع عليه، وقلده خراج مصر سنة ست وثلاث مئة، وأهدى للمقتدر هدية فيها بغلة، ذكر أن معها فلوها، وزرافة، وغلام عظيم السان طويله، يلحق لسانه طرف أنفه، ثم قبض عليه وحمله إلى بغداد وصودر وأخذ حيطة بثلاثة آلاف ألف وست مئة ألف، سنة إحدى عشرة وثلاث مئة. قيل: إنه مات بدمشق، سنة أربع عشرة، وقيل: سبع عشرة وثلاث مئة. الحسين بن أحمد بن سلمة بن عبد الله أبو عبد الله الربعي المالكي القاضي قاضي قضاة ديار بكر سمع بدمشق وبشيراز وبغيرها. أملى من لفظه سنة تسع وعشرين وأربع مئة قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سليمان بن الريان الهروي ببلاساغون من تركستان، حاضرة الخان، بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض، حتى يلقى الله وليس عليه شاهد من الله بذنب.

الحسين بن أحمد بن العباس بن محمد

وحدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي بدمشق بسنده عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحر جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العلم دين يدان به، يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، آه! إن ههنا وأشار بيده إلى صدره علماً لو أصبت له حملة، بل أصبت لقناً غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين بالدنيا، ويستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على بلاده، أو مغرى بجمع الأموال والادخار ليسا من وعاة الدين، أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة، وكذلك يموت العلم ويموت حاملوه، بلى، لم والصواب: لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة كيلا تبطل حدد الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله خطراً، بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده والدعاة إلى دينه. آه شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولكم، آمين رب العالمين. الحسين بن أحمد بن العباس بن محمد ابن يعقوب ابن إبراهيم بن إلياس بن محمد بن عيسى بن جعفر أبو علي الأمير السلمي النيسابوري قدم دمشق سنة خمس عشرة وأربع مئة حاجاً وحدث بها. روى عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف النيسابوري بسنده عن جابر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد حاجة تباعد حتى لا يكاد يرى.

الحسين بن أحمد بن عبد الله

الحسين بن أحمد بن عبد الله ابن وهب بن علي أبو علي الآمدي المالكي سمع بدمشق. حدث عن يحيى بن أكثم بسنده عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان. وحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل دين خلق، وخلق هذا الدين الحياء. الحسين بن أحمد بن عبد الواحد ابن محمد بن المعبىء أبو علي الصوري التاجر الوكيل حدث بصور سنة سبع وسبعين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن الحسن بنعلي بن ميمون الربعي بسنده عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة، وأنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته من يحدث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر. قيل: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه. الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن أبي ثابت أبو عبد الله الطرائفي حدث عن زكريا بن يحيى بن إياس بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا طاف بالبيت طواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً. توفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.

الحسين بن أحمد بن محمد

الحسين بن أحمد بن محمد ابن عبد الرحمن بن أسد ابن عبد الرحيم أبو عبد الله الهروي الحافظ المعروف بالشماخي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العين وكاء السه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء. توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة. كان ليس بحجة. الحسين بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن المبارك أبو علي البعلبكي حدث عن أبي الحسن بن علي بن إبراهيم البصري الصوفي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجبن داء أكل بالجوز فهو شفاء. وحدث في سنة سبع وثمانين وثلاث مئة عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب بسنده عن عدي بن حاتم الطائي، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤمر بناس من الناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واشتموا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، نودوا أن أصرفوهم لا نصيب لهم فيها، قال: فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها. فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك، وما أعددت فيها لأوليائك، كان أهو علينا. قال: ذلك أردت منكم يا أشقياء، كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون الناس بخلاف ما تعطون من قلوبكم، هبتم الناس ولم تهابوني، أجللتم الناس ولم تجلوني، وتركتم للناس ولم تتركول لي، فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب.

الحسين بن أحمد بن محمد

الحسين بن أحمد بن محمد ابن سعيد أبو القاسم الشيرازي الصوفي المعروف بالصامت سمع بدمشق. حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أنس قال: قال لي علي بن أبي طالب قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي! إن الله عز وجل أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً، أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم إلا مؤمن تقي، ولا يبغضكم إلا منافق شقي، أنتم خلفاء نبوتي وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي. كان أبو القاسم صدوقاً. الحسين بن أحمد بن مروان القرشي حدث عن المسيب بن واضح بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات، ومن أشفق من النار، لها عن الشهوات، ومن ترقب الموت هانت عليه اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. الحسين بن أحمد بن المظفر بن أحمد ابن سليمان بن المتوكل بن أبي حريصة الهمذاني الفقيه المالكي الشاهد أبو علي حدث عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمير المري بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أتى الجمعة فليغتسل. توفي أبو علي في المحرم سنة ست وستين وأربع مئة.

الحسين بن أحمد

الحسين بن أحمد بن موسى ابن الحسين بن علي أبو القاسم بن السمسار المعدل حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم القرشي بسنده عن حذيفة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك. توفي في ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربع مئة. الحسين بن أحمد بن يحيى ابن الحسين بن قاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الحسني حدث بدمشق سنة سبع وأربعين وثلاث مئة وببغداد. حدث عن أبيه عن جده الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بكتابه في الرد على من زعم أن بعض القرآن قد ذهب. وحدث عن أبيه أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي وشاهدين. الحسين بن أحمد أبو عبد الله المصيصي الصوفي الطيان حدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان الكندي بسنده عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر بسباطة قوم، فبال قائماً ثم توضأ ومسح على خفيه. وحدث عن محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده عن الفضيل بن عياض قال: لقلع الجبال بالإبر أهو من قلع رئاسة قد ثبتت في القلوب.

الحسين بن أحمد

الحسين بن أحمد أبو علي القاضي الكردي قدم دمشق وحدث بها. حدث عن القاضي أبي القاسم بن عمر بن محمد الخلال بسنده عن فلان القاضي عن فلان القاضي إلى القاضي شريح عن القاضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شموا النرجس، فما من أحد منكم إلا وله شعرة بين الصدر والفؤاد من الجنون والجذام والمرض، فما يذهبها إلا شم النرجس، شموه ولو في العام مرة، ولو في الشهر مرة، ولو في السبوع مرة، ولو في اليوم مرة. أنكر الحافظ هذا الحديث، وأنكر معرفة بعض رواته. الحسين بن إبراهيم بن جابر ابن علي أبو علي الفرائضي المعروف بابن أبي الزمزام البزار الشاهد روى بدمشق بجامعها سنة اثنتين وستين وثلاث مئة عن محمد بن المعافى بن أحمد الصيداوي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. توفي في شوال سنة ثمان وستين وثلاث مئة. وكان ثقة. الحسين بن إبراهيم بن محمد ابن كلمون أبو علي الديرعاقولي قدم دمشق حاجاً، وحدث بها في رمضان سنة سبع وأربعين وأربع مئة. روى عن أبي عبد الله الحسين الموازيني الفقير إلى الله بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا ألف القلب الإعراض عن الله بالوقيعة في الصالحين. أنكر الحافظ هذا الحديث، وذكر أن أكثر رواته مجاهيل.

الحسين بن إسحاق بن إبراهيم

الحسين بن إسحاق بن إبراهيم التستري الدقيقي سمع بدمشق وغيرها. حدث عن حامد بن يحيى البلخي بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن لابن آدم ملء واديين مالاً لتمنى إليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وحدث عن داود بن رشيد بسنده عن عبد الله بن مسعود: أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قرأت في أذنه؟ قال: قرأت " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً " حتى ختم السورة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال. توفي سنة تسعين ومئتين. الحسين بن إدريس بن المبارك ابن الهيثم بن زياد أبو علي الأنصاري مولاهم الهروي أحد مشهوري محدثي هراة سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. الحسين بن الأشعث أبو المجد الكندي الطبراني سكن دمشق. ومن شعره: من الرمل أقطع الدهر بوعد كاذب ... وأجلي غصصاً ما تنجلي وأرى الأيام لا تدني الذي ... أرتجي منكم وتدني أجلي

الحسين بن جعفر بن محمد

الحسين بن جعفر بن محمد ابن حمدان بن محمد بن المهلب أبو عبد الله العنزي الجرجاني الفقيه الوراق حدث بدمشق وبغيرها. روى عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحافظ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياك وقرين السوء، فإنك به تعرف. توفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة. الحسين بن الحسن بن أحمد ابن حبيب أبو عبد الله الكرماني أبوه الطرسوسي حدث بدمشق عن أبي عبد الله بن محمد بن يزيد الدرقي الطرسوسي بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سوداء ولود خير من حسناء لا تلد، وإني مكاثر بكم الأمم. قدم من طرسوس سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. الحسين بن الحسن بن زيد ابن محمد بن علي بن محمد ابن علي بن علي بن الحسين بن علي بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الحسيني الجرجاني القصبي قدم دمشق، وحدث بها في شعبان سنة ستين وأربع مئة. عن أبي عبد الله محمد بن الفضيل بن نظيف بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له.

الحسين بن الحسن بن سباع

الحسين بن الحسن بن سباع أبو عبد الله الرملي المؤدب الشاهد إمام جامع دمشق وخطيبها. حدث عن أبي قتيبة سلم بن الفضل بن سهل البغدادي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أيها الذين آمنوا إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق وأجملوا في الطلب، وخذوا ما حل ودعوا ما حرم. توفي في صفر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وأقام إمام الجامع قريباً من عشرين سنة لم يؤخذ عليه غلط في التلاوة ولا سهو في الصلاة. الحسين بن الحسن بن عبد الله أبو عبد الله المرندي الواعظ قدم دمشق وحدث بها. روى عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ".

الحسين بن الحسن بن محمد

الحسين بن الحسن بن محمد أبو القاسم الأسدي المعروف بابن البن روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن عائشة: أن صفية بنة حيي حاضت، فذكرت ذلك عائشة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحابستنا هي؟ قالت: إنها قد أفاضت ثم حاضت بعد ذلك. قال: تنفر إذاً. كان متديناً ثم تغيرت حاله وأدمن الخمر، ثم تاب، وكان إذا قرىء عليه الحديث الذي فيه: ما من حافظين رفعا إلى الله ما حفظا، فيرى الله في أول الصحيفة خيراً وفي آخرها خيراً، إلا قال الله لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة، فرح به ورجا أن يجري أمره كذلك. ولد في رمضان سنة ست وأربعين وأربع مئة، وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمس مئة. الحسين بن الحسن بن مهاجر أبو محمد السلمي المهاجري النيسابوري رحل وسمع بدمشق ومصر وغيرها. روى عن هشام بن عمار بسنده عن حذيفة قال: كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: فهل بعد الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة

الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن

ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت كذلك. قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. وحدث عن عباس بن الوليد بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد بن رافع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياكم والحمرة فإنها أحب الزينة إلى الشيطان. توفي الحسين بن الحسن بن مهاجر سنة ثمان وسبعين ومئتين. الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن أبو عبد الله الأنطاكي قاضي الثغور ويعرف بابن الصابوني روى عن أبي محمد سعد بن محمد الأزدي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينظر الله إلى مسبل. توفي الحسين بن الحسين الصابوني في سنة تسع عشرة وثلاث مئة. الحسين بن حمزة بن الحسين بن جعفر أبو المعالي ابن الشعيري حدث عن أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. وحدث عن أبي السرايا نجيب بن عمار بن أحمد الغنوي بسنده عن الحسن: في قوله: " من جاء بالحسنة فله من خير منها " قال: لا إله إلا الله له منها خير " ومن جاء بالسيئة ": قال: الشرك. ولد أبو المعالي في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.

الحسين بن خشيش

الحسين بن خشيش أبو علي العرجموشي حدث عن سفيان بن عيينة حديثاً منكراً، روى عنه بسنده: أن عمر بن الخطاب العدوي أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يلعن، فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله، من هذا الذي حللت له اللعنة؟ قال: ذاك اللعين إبليس. قال: فداك أبي وأمي، أهل ذلك هو فزده، قال: وهل تدري ما صنع الساعة يا عمر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه أدخل ذنبه في دبره فأخرج سبع بيضات، فأولدها سبعة أولاد، فأولهم وأكبرهم المذهب، وهو الموكل بفقهاء الناس وعلمائهم، ينسيهم الذكر ويعبثهم بالحصى ويولعهم بكثرة الوضوء. والثاني: هو الموكل بالنعاس في المساجد، يأتي الرجل فيلقي عليه النعاس فينيمه، فيقال: يا فلان قد نمت، فيقول: لا فيعاد عليه فيحلف يميناً كاذبة أنه لم ينم. والثالث: اسمه ثوبان، وهو الموكل بالأسواق، وينصب فيها راية، ينقص الكيل والميزان حتى لا يؤتون ما يوفون فيها حتى يغلوا فيها. والرابع: لغو، وهو الموكل بالويل والعويل وشق الجيوب، ونتف الشعور، ولطم الخدود ونعق الران، وسائر ذلك من الصياح على الميت. والخامس: مشوان، وهو الموكل بأعجاز النساء وأحللة الرجال حتى يجمع بين الفاجرين على فجورهما. والسادس: مشوط، وهو الموكل بالهمز واللمز والنميمة والكذب والغش. والسابع: غرور، وهو الموكل بقتل النفوس التي حرم الله عز وجل، وسفك الدماء، وانتهاك المحارم. يأتي الرجل فيقول: أنت أحوج أم فلان كان أحوج منك؟ اركب كذا وكذا من المحارم، اصنع كذا وكذا، فحسن حاله، فدلاه بغرور. فتلك ذريته التي ذكر الله

الحسين بن ذكر بن هارون

عز وجل في محكم كتابه: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً " إلى قوله: " وما كنت متخذ المضلين عضدا ". فتلك ذريته الباقية معه إلى اليوم الذي وقت لهم، لا يموتون ولا ينتهون عن جديد الأرض، لعنة الله عليه وعلى ذريته. الحسين بن ذكر بن هارون ابن إسحاق بن إبراهيم بن محمد ويقال: ابن ذكر بن إسحاق بن إبراهيم بن الأصم أبو القاسم البجلي العكاوي سمع بدمشق سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة. حدث بعكا عن أب بكر أحمد بن عبد الله بن علي الشيباني النحوي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم ملاقو الله حفاة، عراة، غرلاً. توفي ابن ذكر العكاوي سنة سبع عشرة وأربع مئة. الحسين بن رافع الغزنوي قدم دمشق. وحدث بها عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.

الحسين بن سعيد بن المهند بن مسلمة

الحسين بن سعيد بن المهند بن مسلمة أبو علي الطائي الشيزري حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل ثم قرأ: " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " يعني المتفرسين. توفي يوم الخميس سابع عشري رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة. الحسين بن السميدع بن إبراهيم أبو بكر البجلي الأنطاكي سمع بدمشق وغيرها. حدث عن محمد بن المبارك بسنده عن المقدام بن معدي كرب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أكل أحد طعاماً أحب إلى الله من عمل يديه. توفي الحسين بن السميدع في سنة سبع وثمانين ومئتين. الحسين بن الضحاك بن ياسر ويقال: ابن الضحاك بن فلان بن ياسر أبو علي المعروف بالخليع الباهلي مولى سلمان بن ربيعة الباهلي. ويقال: بل هو من باهلة، عربي وليس بمولى، وهو ابن خالة محمد بن حازم الباهلي،

ويعرف بحسين الأشقر، بصري المولد والمنشأ، شاعر مدح غير واحد من الخلفاء ونادمهم دهراً طويلاً، وله مع أبي نواس أخبار، وكان شاعراً ماجناً، وبلغ سناً عالية. قيل: إنه ولد سنة اثنتين وستين ومئة وتوفي سنة خمس ومئتين، وصحب الأمين سنة ثمان وثمانين ومئة ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين. قال أبو الحسن بن راهويه: صلى يحيى بن المعلى الكاتب، وكان في مجلس فيه أبو نواس ووالبة بن الحباب وعلي بن الخليل والحسين الخليع، صلاة فقرأ فيها: " قل هو الله أحد " فغلط، فلما سلم، قال أبو نواس: من مجزوء الرجز أكثر يحيى غلطا ... في قل هو الله أحد فقال والبة: قام طويلاً ساكناً ... حتى إذا أعيا سجد فقال علي بن الخليل: يزحر في محرابه ... زحير حبلى للولد فقال الحسين الخليع: كأنما لسانه ... شد بحبل من مسد ومن شعر الحسين بن الضحاك: من المنسرح وابأبي مفحم بغرته ... قلت له إذ خلوت مكتتما

الحسين بن طاهر

تحب بالله من يخصك بالو ... د فما قال لا ولا نعما ثم تولى بمقلتي خجل ... أراد رد الجواب فاحتشما فكنت كالمبتغي بحيلته ... برءاً من السقم فابتدا سقما الحسين بن طاهر أبو علي بن الصفيفة القطان المقرىء قال أبو علي الحسين بن طاهر: أتاني أبو علي الحسين بن أحمد بن أبي حريصة قبل موته بيومين فأنشدني: من مجزوء الكامل تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه والمرء يأمل أن يعي ... ش مخلداً والموت دونه الحسين بن أبي عاصم أبو عبد الله القرشي أنشد الحسين بن أبي عاصم لكشاجم: من المنسرح ما الذل إلا تحمل المنن ... فكن عزيزاً إن شئت أو فهن إذا افترقنا على السير فما ال ... علة في عتبنا على الزمن من صغرت نفسه فهمته ... أبلغ في قصده من المحن ما كل مستحسن تقابلك ال ... خبرة منه بمخبر حسن

الحسين بن عبد الله بن الحسين

وليس كل امرىء تقلده ... يداً على حفظها بمؤتمن كم بعت شكري على نفاسته ... من الأيادي بأنزر الثمن الحسين بن عبد الله بن الحسين ابن عبيد الله بن أحمد ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن ورد أزاد بن غند بن شبة ابن أحمد بن عبد الله الأزدي الصفار روى عن أبيه بسنده عن أبي سعيد الخدري: أن أعرابياً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الهجرة، فقال: ويحك إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئاً. توفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. قال: وأظن مولده سنة أربع مئة. الحسين بن عبد الله بن شاكر أبو علي السمرقندي وراق داود بن علي الأصبهاني سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن إبراهيم بن المنذر بسنده عن عبد الرحمن بن القاسم، أن أباه القاسم بن محمد حدثه عن عائشة: أنها نصبت ستراً فيه تصاوير، فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها فنزعه، قالت: فقطعته وسادتين. فقال له رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة: يا عبد الرحمن بن القاسم: أما سمعت أبا محمد يريد القاسم يذكر أن عائشة قالت:

الحسين بن عبد الله بن ضميرة

فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرتفع عليهما. فقال عبد الرحمن بن القاسم: لا، قال: بلى، لكني قد سمعت. توفي في سنة اثنتين وثمانين، وقيل: في سنة ثلاث وثمانين ومئتين. الحسين بن عبد الله بن ضميرة ابن أبي ضميرة سعد الحميري قيل: إنه دمشقي، والصحيح أنه مدني سمع منه مالك بن أنس. حدث أحمد بن حفص السعدي عن أبي مصعب المدني قال: تقدم مالك بن أنس حين أقيمت الصلاة يصل الصفوف، فوجد الحسين بن عبد الله بن ضميرة فقال له مالك: حدثني حديث أبيك عن جدك عن علي في وتر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: نعم. حدثني أبي عن جدي عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بثلاث: يقرأ في الركعة الأولى: بالحمد لله رب العالمين وقل هو الله أحد. وفي الثانية: بالحمد وقال يا أيها الكافرون. وفي الثالثة: بالحمد وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق. فقال مالك: الله أكبر، الحمد لله الذي وافق وتري وتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أحمد بن حفص: قال أبو مصعب: فما تركته منذ سمعته منه. وقال أحمد بن حفص: ما تركته منذ سمعته من أبي مصعب. جرحه يحيى بن معين وغيره وقال: ليس بثقة ولا مأمون.

الحسين بن عبد الله بن محمد

الحسين بن عبد الله بن محمد ابن إسحاق بن إبراهيم ابن زهر المعروف بابن أبي كامل أبو عبد الله القيسي النصري العدل الأطرابلسي قدم دمشق قديماً، وسمع بها، ثم قدم إليها بعد ذلك. روى عن خال أبيه أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أذن سنة من نية صادقة لا يطلب عليها أجراً حشر يوم القيامة، فأوقف على باب الجنة فقيل له: اشفع لمن شئت. توفي سنة أربع عشرة وأربع مئة. وكان ثقة. الحسين بن عبد الله بن يزيد ابن الأزرق أبو علي الرقي القطان المالكي المعروف بالجصاص سمع بدمشق وبغيرها. روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟. وحدث عن موسى بن مروان الرقي بسنده إلى الحسين بن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستظرفاً، أو كلمة تدل على الهدى، أو أخرى تصده عن الردى، أو رحمة منتظرة، أو يترك الذنوب حياء أو خشية. كان الحسين القطان ثقة.

الحسين بن عبيد الله بن أحمد

الحسين بن عبيد الله بن أحمد ابن عبدان بن أحمد ابن زياد بن وردأزاد بن غند بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله الصفار أخو عقيل روى عن أبي بكر محمد بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن يزيد الطائي الكوفي بسنده عن جرير قال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم. قال: فكان إذا باع شيئاً أو اشتراه قال: أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك. زاد في رواية: فاختر. ولد سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة. الحسين بن عبد السلام أبو عبد الله المصري الشاعر الملقب بالجمل قدم دمشق وافداً على أبي الحسن المدبر. حدث عن بشر بن بكر بسنده عن ابن شوذب قال: كان قوم يتعلمون الكسل فينامون تحت الكمثري ويقولون: إن سقط في أفواهنا شيء أكلناه، وإلا فلا، قال: فسقط إلى جانب أحدهم كمثراة فقال له الذي يليه: ضعها في فمي، فقال: لو استطعت أن أضعها في فمك وضعتها في فمي. كان أبو الحسن المدبر إذا مدحه شاعر فلم يرض شعره أمر غلاماً أن يأخذه إلى مسجد الجامع ولا يفارقه أو يصلي مئة ركعة ويطلقه، فقال، فتحامته الشعراء، ثم وافاه الجمل الشاعر المصري، وكان مجيداً، فاستأذنه في النشيد، فقال له: أعرفت الشرط؟ قال:

الحسين بن عبد الغفار بن محمد

نعم، فأنشده: من الوافر أردنا في أبي حسن مديحاً ... كما بالمدح تنتجع الولاة فقلنا أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات فقالوا: يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة فقلت لهم: وما يغني عيالي ... صلاتي، إنما الشأن الزكاة فأما إذ أبى إلا صلاتي ... وعاقتني الهموم الشاغلات فيأمر لي بكسر الصاد منها ... فتضحي لي الصلاة هي الصلات قال: فاستحسنها الحسن وقال: يا عيار، من أين أخذت هذا؟ قال: من قول أبي تمام حبيب حيث يقول: من الكامل. هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حمام قال: أجدت، وأمر لي بجائزة نفيسة من وقته. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين ومئتين، وكان شاعراً مفلقا، وكان هجاء، ولد قبل سنة سبعين ومئة، وكان شرهاً على الطعام، دنيء الملبس وسخ الثوب، وكان من أهل الأدب. الحسين بن عبد الغفار بن محمد وقيل: ابن عمرو أبو علي الأزدي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خمس من سنن المرسلين: قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان.

الحسين بن عبيد الكلابي

وفي رواية: خمس من الفطرة. وحدث عن موسى بن محمد الرملي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن للمساكين دولة، قيل: يا رسول الله وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة، أو كساكم ثوباً، أو سقاكم شربة، فأدخلوه الجنة. قال: هذا حديث منكر بهذا الإسناد. حدث بمصر سنة تسع وتسعين ومئتين، وفي سنة خمس وثلاث مئة. الحسين بن عبيد الكلابي كان في صحابة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال أبو الحسن المدائني: خرج الوليد يتصيد ومعه الحسين بن عبيد الكلابي، فانفردا عن الناس، وانقطع الناس عنهما، وتعالى النهار، وجاع الوليد، فما لا نحو قرية فوجدا رجلاً فاستطعماه فجاء بخبز شعير وربيثاء وزيت وكراث، فأكلا فقال الحسين بن عبيد: من الخفيف إن من يطعم الربيثا مع الزي ... ت بخبر الشعير والكراث لحقيق بلطمة أو بثنتي ... ن لقبح الصنيع أو بثلاث فقال الوليد: اسكت قبحك الله، فإن الجود بذل المجهود، ألا قلت: من الخفيف لحقيق ببدرة أو بثنتي ... ن لحسن الصنيع أو بثلاث فأقاما حتى لحقهما الناس، فأمر للرجل بثلاث بدر.

الحسين بن عثمان بن أحمد

الحسين بن عثمان بن أحمد ابن عيسى أبو عبد الله اليبرودي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن أبي ثابت بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن. وحدث عنه أيضاً بسنده عن خزيمة بن ثابت أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله لا يستحي من احلق، يقولها ثلاث مرات: لا تأتوا النساء في أعجازهن. توفي في ربيع الأول سنة إحدى وأربع مئة. الحسين بن عقيل بن محمد ابن عبد المنعم بن هاشم بن ريش أبو علي ويقال أبو عبد الله القرشي البزار حدث في مسجد الزلاقة سنة سبع وستين وأربع مئة عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذي بهما أحداً، ليجعلهما تحت رجليه أو ليصل فيهما. توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.

الحسين بن علي بن جعفر البغدادي

الحسين بن علي بن جعفر البغدادي سمع بدمشق. روى عن أبي علي أحمد بن محمد بن علي الدمشقي بدمشق عن عبد الله بن أحمد بن كيسان قال: سمعت أبا يزيد طيفور البسطامي يقول: رأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في النوم، فقلت: يا أمير المؤمنين علمني كلمة تنفعني فقال: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء رجاء ثواب الله، فقلت: زدني قال: وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بما عند الله. قلت: زدني ففتح كفيه فإذا مكتوب فيها بماء الذهب: من مخلع البسيط قد كنت ميتاً فصربت حيّاً ... وعن قليل تكون ميتا فابن بدار البقاء بيتاً ... واهدم بدار الفناء بيتا فلم أزل أرددهما في النوم حتى حفظتهما. الحسين بن علي بن الحسين ابن محمد المغربي الوزير أبو القاسم بن أبي الحسن وذكر له نسبة إلى آباء أعجام إلى بهرام بن جور بن يزدجرد. كان مع أبيه بمصر فلما قتل الحاكم أباه هرب من مصر واستجار بحسان بن المفرج بن دغفل بن الجراح الطائي ومدحه، فأجازه وسكن جأشه وأزال خوفه وأقام عنده محترماً، ورحل عنه مكرماً إلى العراق واجتاز بالبلقاء من دمشق، ووزر لقريش أمير بني عقيل، ووزر لابن مروان صاحب ديار بكر، وكان أديباً مترسلاً، شاعراً فاضلاً، ذا معرفة بصناعتي كتابة الإنشاء والحساب. وحدث عن الوزير أبي الفضل بن الفرات حدث الوزير الحسين بن علي بسنده قال: كان رجل بالمدينة من بني سليم يقال له: جعدة، فكان يتحدث إليه النساء بظاهر المدينة، فيأخذ المرأة فيعقلها ويقول: إن الحصان تثب في العقال. فإذا أرادت أن تثب

سقطت وتكشفت. فبلغ ذلك قوماً في بعض المغازي، فكتب رجل منهم إلى عمر رضي الله عنه بهذه الأبيات: من الوافر ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولاً ... فدىً لك من أخي ثقةٍ إزاري قلائصنا هداك الله، إنّا ... شغلنا عنكم زمن الحصار لمن قلصٌ تركن معقّلاتٍ ... قفا سلع بمختلف النّجار يعقّلهنّ جعدة من سليمٍ ... وبئس معقّل الذّود الظّؤار يعقّلهنّ أبيض شيظميٌّ ... معرٌّ يبتغي سقط العذاري فلما قرأ عمر الأبيات قال: علي بجعدة من سليم: فأتوه به فكان سعيد يقول: إني لفي الأغيلمة الذين جروا جعدة إلى عمر، فلما رآه قال: أشهد أنك أبيض شيظمي كما وصف، فضربه مئة، ونفاه إلى عمان. ومن شعر الوزير أبي القاسم المغربي: من الطويل خف الله واستدفع سطاه وسخطه ... وسله فمهما تسأل الله تعطه فما تقبض الأيام من نيل حاجةٍ ... بنان فتىً أبدى إلى الله بسطه وكن بالذي قط خطّ في اللوح راضياً ... فلا مهرب مما قضاه وخطّه وإن مع الرزق اشتراط التماسه ... وقد يتعدّى إن تعدّيت شرطه ولو شاء ألقى في فم الطير قوته ... ولكنه أفضى إلى الطير لقطه إذا ما احتملت العبء فانظر قبيل أن ... تنوء به أنّى تروم محطّه وأفضل أخلاق الفتى الحلم والحجا ... إذا ما صروف الدهر أنهجن مرطه

الحسين بن علي بن الحسين

فما رفع الدهر امرأ عن مخلّه ... بغير التّقى والعلم إلاّ وحطّه ومن شعره أيضاً: من مجزوء الكامل إني أبثّك عن حدي ... ثي والحديث له شجون غيّرت موضع مرقدي ... ليلاً فنافرني السّكون قل لي: فأول ليلة ... في القبر كيف ترى أكون؟ توفي الوزير أبو القاسم المغربي بميافارقين في رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مئة، وحمل إلى الكوفة، ودفن بمشهد علي عليه السلام. الحسين بن علي بن الحسين أبو عبد الله السجزي المقرئ المعروف بالخازن سمع بدمشق. حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني المعروف بابن القماح بسنده عن بلال بن سعد عن أبيه قال: قلنا: يا رسول الله، أي أمتك خير؟ قال: أنا وأقراني. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم القرن الثاني. قال: ثم ماذا؟ قال: القرن الثالث. قال: ثم ماذا؟ قال: ثم يأتون، قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، ويؤتمنون فلا يؤدون. الحسين بن علي بن الحسين ابن أحمد بن جعفر بن الفضل أبو علي المصري المعروف بابن أشليها حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة. ولد أبو علي بن أشليها في سنة خمسين وأربع مئة، وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام سبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وريحانته من الدنيا، وفد على معاوية، وتوجه غازياً إلى القسطنطينية في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية. روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة، وإن قدم عهدها، فيحدث لها استرجاعاً إلا أحدث الله له عند ذلك وأعطاه ثواب ما وعده عليها يوم أصيب بها. حدث أبو هشام القناد البصري قال: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسين بن علي بن أبي طالب فكان يماكسني فيه، ولعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، قلت: يا بن رسول الله أجيئك بالمتاع من البصرة تماكسني فيه فلعلي لا أقوم حتى تهب عامته؟ فقال: إن أبي حدثني، يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: المغبون لا محمود ولا مأجور. وقد روي هذا الحديث عن الحسن بن علي عليه السلام، وتقدم في ترجمته. قال عبد الله بن بريدة: دخل الحسن والحسين عليهما السلام على معاوية، فأمر لهما في وقته بمئتي ألف درهم وقال: خذاها وأنا ابن هند، ما أعطاها أحد قبلي، ولا يعطيها أحد بعدي. قال: فأما الحسن عليه السلام فكان رجلاً سكيتاً، وأما الحسين عليه السلام فقال: والله ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منا. وعن أم الفضل بنت الحارث أنها رأت فيما يرى النائم أن عضواً من أعضاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، فقصصتها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:

خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً فترضعينه بلبن قثم. قالت: فولدت فاطمة عليها السلام غلاماً فسماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسيناً، ودفعه إلى أم الفضل، وكانت ترضعه بلبن قثم. قال أبو بكر بن المبرقي: ولد الحسين بن علي عليهما السلام في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. قال جعفر بن محمد: كان بين الحسن والحسين طهر واحد، وعلقت فاطمة بالحسين لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة، فكان بين ذلك وبين ولاد الحسن خمسون ليلة. قال قتادة: ولدت فاطمة حسيناً بعد حسن بسنة وعشرة اشهر، فمولده لست سنين وخمسة أشهر ونصف من التاريخ، وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف، وقيل ابن تسع وخمسين سنة. وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسيناً بعمه جعفر قال: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أمرت أن أغير اسم ابني هذين فقلت: الله ورسوله أعلم، فسماهما: حسناً وحسيناً. وعن علي قال: لما ولد الحسن سميته حرباً، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، قال: بل هو حسن، فلما ولد حسين سماه حرباً، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قال: قلت: حرباً، فقال: بل هو حسين، فلما ولد

الثالث سميته حرباً، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني، ما سميتوه؟ قلت: حرباً قال: بل هو محسن. ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، وشبير، ومشبر. قال عكرمة: لما ولدت فاطمة الحسن أتت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسماه: حسناً، فلما ولدت حسيناً أتت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هذا أحسن من هذا، فشق له من اسمه وقال: هذا حسين. وكنية الحسين عليه السلام: أبو عبد الله. وعن عاصم بن كليب عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرته لابن عباس فقال: أذكرت حسين بن علي حين رأيته؟ قلت نعم، والله ذكرته بابنه حين رأيته يمشي، قال: إنا كنا نشبهه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن علي بن أبي طالب قال: كان الحسن بن علي أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من شعر رأسه إلى سرته، وكان الحسين بن علي أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لدن قدميه إلى سرته، اقتسما شبهه. قال أنس بن مالك: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين، قال: فجعل يقول بقضيبه في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً قلت: أما إنه كان أشبههم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال محمد بن الضحاك الحزامي: كان وجه الحسن بن علي يشبه وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سفيان: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: رأيت حسين بن علي؟ قال: نعم: أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان شبهاً برسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك. قال: ورأيت حسناً وقد أقيمت الصلاة، وقد شجر بين الإمام وبين بعض الناس فقيل له: اجلس. فقال: قد قامت الصلاة. وعن أبي رافع: أن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحسن والحسين فقالت: ابناك وابناي انحلهما، قال: نعم. أما الحسن: فقد نحلته حلمي وهيئتي. وأما الحسين: فقد نحلته نجدتي وجودي. قالت: رضيت يا رسول الله. قال ابن أبي نعم: كنت جالساً إلى ابن عمر فقال له رجل: ما تقول في دم البعوض يكون في الثوب، أفأصلي فيه؟ قال: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن والحسين يلعبان بين يديه وفي حجره فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا، أشمهما. قال الحسين بن علي عليهما السلام: سمعت جدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تسبوا أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، ولا تسبوا الحسن والحسين فإنهما سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، ولا تسبوا علياً، فإنه من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله عذبه الله. وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاني ملك فسلم علي، نزل من السماء، لم ينزل قبلها فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ويحيى عليهما السلام. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي. وعن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت: فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي. وفي رواية: أهل بيتي. قالت: فقلت يا رسول الله، أما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله. قال شهر بن حوشب: أتيت أم سلمة أعزيها على الحسين فقالت: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس على منامة له، فجاءته فاطمة بشيء فوضعته فقال: ادعي لي حسناً وحسيناً وابن عمك علياً، فلما اجتمعوا عنده قال: اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وعن أم سلمة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا منكساً رأسه، فعملت له فاطمة خزيرة، فجاءت ومعها

حسن وحسين، فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين زوجك؟ اذهبي فادعيه، فجاءت به فأكلوا، فأخذ كساءً فأداره عليهم، فأمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع يده اليمنى إلى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم، عدو لمن عاداكم. وعن عمرة بنت أفعى قالت سمعت أم سلمة تقول: نزلت هذه الآية في بيتي: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " وفي البيت سبعة: جبريل وميكائيل، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين قالت: وأنا على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك على خير، إنك من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما قال: إنك من أهل البيت. قال يعلى بن مرة: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمام القوم، ثم بسط يديه فجعل الحسين يفر مرة ههنا، ومرة ههنا، يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه، والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه فقبله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط. وعن ابن مسعود قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد الحسن والحسين يقول: هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. وعن أنس قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: الحسن والحسين، قال: وكان يقول لفاطمة: ادعي لي بابني، فيشمهما ويضمهما. قال زيد بن أرقم: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فمرت فاطمة عليها السلام، وهي خارجة من

بيتها إلى حجرة نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها ابناها: الحسن والحسين، وعلي في آثارهم، فنظر إليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من أحب هؤلاء فقد أحبني، ومن أبغضهم فقد أبغضني. قال أبو هريرة: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سوق من أسواق المدينة فانصرف وانصرفت معه فقال: ادع الحسين بن علي، فجاء الحسين بن علي يمشي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده هكذا فقال الحسين بيده هكذا، فالتزمه فقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه. قال أبو هريرة: فما كان بعد أحد أحب إلي من الحسين بن علي بعدما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال. وعن سلمان قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم، وله عذاب مقيم. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده أخذاً رفيقاً، فوضع أحدهما على فخذه والآخر في حجره، فقلت: يا رسول الله، أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا: فبرقت برقة، فقال: الحقا بأمكما، فلم يزالا في ضوء تلك البرقة حتى لحقا بأمهما. وعن شداد بن الهاد قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها قال: رفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.

وعن بريدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبنا، فجاء الحسين والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله ورسوله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. وعن عمر قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: نعم الفرس تحتكما، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونعم الفارسان هما. وعن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على علي وفاطمة والحسن والحسين فاضطجع معهم، فاستسقى الحسن فقام إلى لقوح فحلبها، فاستسقى الحسين فقال: يا بني استسقى أخوك قبلك نسقيه ثم نسقيك، قالت فاطمة: كأنه أحبهما إليك يا رسول الله، قال: ما هو بأحبهما إلي: إني وأنت وهما وهذا المضطجع في مكان واحد يوم القيامة. وفي حديث آخر: في مكان واحد في الجنة. وعن علي قال: قعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضع الجنائز، وأنا معه، فطلع الحسن والحسين، فاعتركا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيها حسن خذ حسيناً، فقال علي: يا رسول الله، أعلى حسين تواليه وهو أكبرهما؟ فقال: هذا جبريل يقول: إيها حسين. وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن أو الحسين هذا مني وأنا منه، وهو يحرم عليه ما يحرم علي.

وعن أم سلمة قالت: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صرحة هذا المسجد فقال: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا حائض إلا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن تضلوا. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب: سلام عليك يا أبا الريحانتين من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك، والله خليفتي عليك. فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هذا أحد الركنين اللذين قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما ماتت فاطمة قال: هذا الركن الآخر الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث آخر: سلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا. وعن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير رجالكم علي بن أبي طالب وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد. وعن علي قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة والحسن والحسين. وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذني، وإلا فصمتا، وهو يقول: أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، والمحبون أهل البيت ورقها من الجنة حقاً حقاً. وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: لا تسألوني قبل أن تشوب الأحاديث الأباطيل. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أنا الشجرة، وفاطمة أصلها، أو فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، فالشجرة أصلها في عدن والأصل والفرع واللقاح والورق والثمر في الجنة. وعن علي قال: شكوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسد الناس إياي، فقال: يا علي إن أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، قال: قلت: يا رسول الله فأين شيعتنا؟ قال: شيعتكم من ورائكم. وعن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لسان الحسين بن علي كما يمص الصبي التمرة. وعن أنس بن مالك قال: جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرض الذي قبض فيه، فانكبت عليه فاطمة وألصقت صدرها بصدره وجعلت تبكي، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مه يا فاطمة، ونهاها عن البكاء، فانطلقت إلى البيت، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يستعبر الدموع: اللهم أهل بيتي، وأنا مستودعهم كل مؤمن، ثلاث مرات. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، علي حب الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمة الله، على باغضهم لعنة الله. أنكر الخطيب هذا الحديث بهذا الإسناد. وعن فاطمة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتاها يوماً فقال: أين ابناي؟ يعني حسناً وحسيناً، فقالت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال علي: أذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي، فتوجه إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدهما يلعبان في شربة، بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا علي ألا قلبت ابني قبل أن يشتد

عليهما الحر؟ فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست حتى أجمع لفاطمة تمرات، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي ينزع لليهودي دلواً بتمرة، حتى اجتمع له شيء من تمر، فجعله في حجرته ثم أقبل، فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهما، وعلي الآخر حتى قلبهما. قال يزيد بن أبي زياد: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي فقال: ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني. وعن حبشي بن جادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى اصطفى العرب من جميع الناس، واصطفى قريشاً من العرب، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من قريش، واختارني في نفر من أهل بيتي: علي وحمزة وجعفر والحسن والحسين. وعن عبد الله بن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما من زغب جناح جبريل عليه السلام. وعن ربيعة السعدي قال: لما اختلف الناس في التفضيل، رحلت راحلتي وأخذت زادي وخرجت حتى دخلت المدينة، فدخلت على حذيفة بن اليمان، فقال لي: من الرجل؟ قلت: من أهل العراق، فقال لي: من أي العراق؟ قال: قلت: رجل من أهل الكوفة. قال: مرحباً بكم يا أهل الكوفة. قال: قلت اختلف الناس علينا في التفضيل، فجئت لأسألك عن ذلك. فقال لي: على الخبير سقطت. أما إني لا أحدثك إلا بما سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي. خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأني أنظر إليه، كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي على عاتقه، كأني أنظر إلى كفه الطيبة واضعها على قدمه يلصقها بصدره فقال: يا أيها الناس، لأعرفن ما اختلفتم في الخيار بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جداً، وخير الناس جدة، جده محمد رسول الله سيد النبيين، وجدته خديجة بنة خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أماً، أبوه

علي بن أبي طالب أخو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووزيره وابن عمه وسابق رجال العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، وأمه فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين. هذا الحسين بن علي خير الناس عماً، وخير الناس عمة، عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب. هذا الحسين بن علي خير الناس خالاً، وخير الناس خالة. خاله: القاسم بن محمد رسول الله، وخالته زينب بنت محمد رسول الله، ثم وضعه عن عاتقه، فدرج بين يديه وحبا. ثم قال: يا أيها الناس، هذا الحسين بن علي: جده وجدته في الجنة، وأبوه وأمه في الجنة، وعمه وعمته في الجنة، وخاله وخالته في الجنة، وهو وأخوه في الجنة، إنه لم يؤت أحد من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن علي ما خلا يوسف بن يعقوب. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرمها الله وذريتها على النار. وعن مجاهد قال: جاء رجل إلى الحسن والحسين فسألهما فقالا: إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لحاجة مجحفة، أو لحمالة مثقلة، أو دين فادح، فأعطياه، ثم أتى ابن عمر فأعطاه ولم يسأله عن شيء فقال: أتيت ابني عمرك فهما أصغر سناً منك فسألاني وقالا لي، وأنت لم تسألني عن شيءٍ، قال: ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنهما كانا يغران العلم غرا. قال يحيى بن سعيد: أمر عمر حسين بن علي أن يأتيه في بعض الحاجة، فقال حسين، فلقيه عبد الله بن عمر فقال له حسين: من أين جئت؟ قال: قد استأذنت على عمر فلم يؤذن لي؛ فرجع حسين، فلقيه عمر فقال له: ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ قال: قد أتيتك، ولكن أخبرني عبد الله بن عمر أنه لم يؤذن له عليك فرجعت، فقال عمر: وأنت عندي مثله؟! وأنت عندي مثله؟! وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم؟

وعن حسين بن علي قال: صعدت إلى عمر وهو على المنبر، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك، فقال: من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد، قال: منبر أبيك والله، منبر أبيك والله، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم، جعلت تأتينا، وجعلت تغشانا. وعن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن عمر بن الخطاب لما دون الديوان وفرض العطاء، ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر، لقرابتهما برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف. حدث جعفر بن محمد عن أبيه قال: قدم على عمر حلل من اليمن فكسا الناس، فراحوا في الحلل وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون، فخرج الحسن والحسين ابنا علي من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يتخطيان الناس، وكان بيت فاطمة في جوف المسجد ليس عليهما من تلك الحلل شيء، وعمر قاطبٌ صار بين عينيه، ثم قال: والله ما هناني ما كسوتكم، قالوا: لم يا أمير المؤمنين؟ كسوت رعيتك وأحسنت، قال: من أجل الغلامين، يتخطيان الناس ليس عليهما منها شيء، كبرت عنهما، وصغرا عنها. ثم كتب إلى صاحب اليمن أن ابعث إلي بحلتين لحسن وحسين وعجل، فبعث إليه بحلتين فكساهما. قال مسافع بن شيبة: عرض حسين بن علي لمعاوية بالردم، ومعاوية على راحلته فكلمه بكلام شديد، فسكت عنه معاوية، فقال له يزيدك يجترئ عليك هذا، يكلمك بمثل هذا، فقال: دعه، فقد أقتلته، يريد أني كلم بهذا الكلام سواي فلا يحتلمه له. قال مسافع بن شيبة: حج معاوية، فلما كان عند الردم أخذ حسين بخطامه فأناخ به ثم ساره طويلاً، ثم انصرف، وزجر معاوية راحلته فسار، فقال عمرو بن عثمان: ينبح بك الحسين وتكف عنه

وهو ابن أبي طالب؟ فقال معاوية: دعني من علي، فوالله ما فارقني حتى خفت أن يقتلني، ولو قتلني لما أفلحتم، وإن لكم من بني هاشم ليوماً. وعن علي أنه قال: إن ابني هذا سيخرج من هذا الأمر، وأشبه أهلي بي الحسين. وعن المسيب بن نجبة قال: قال علي: ألا أحدثكم عن خاصة نفسي وأهل بيتي؟ قلنا: بلى. قال: أما حسن فصاحب جفنة وخوان، وفتى من الفتيان، ولو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب حثالة عصفور، وأما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو وباطل، ولا يغرنكم ابنا عباس، وأما أنا وحسين فإنا منكم وأنتم منا، والله لقد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، وطواعيتهم إمامهم ومعصيتكم له، واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم حتى تطول دولتهم، حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا يبقى بيت مدر، ولا وبر إلا دخله ظلمهم، وحتى يكون أحدكم تابعاً لهم، وحتى تكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده: إذا شهد أطاعه، وإذا غاب عنه سبه، وحتى يكون أعظمهم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا، وإن أتاكم الله بعافية فاقبلوا، وإن ابتليتم فاصبروا فإن العاقبة للمتقين. كان الحسن يقول للحسين: أي أخ! والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول له الحسين: وأنا والله وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك. قال مدرك بن عمارة: رأيت ابن عباس آخذاً بركاب الحسن والحسين فقيل له: أتأخذ بركابهما وأنت أسن منهما؟ فقال: إن هذين ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس من سعادتي أن آخذ بركابيهما؟ قال أبو المهزم: كنا مع جنازة امرأة ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل فجعله بينه وبين المرأة، فصلى عليها، فلما أقبلنا أعيا الحسين فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟! قال أبو هريرة: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم، لحملوك على رقابهم.

حدث جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بايع الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يبلغوا، قال: ولم يبايع صغيراً إلا منا. وحدث عن أبيه أيضاً: أن الحسين بن علي حج ماشياً خمساً وعشرين حجة ونجائبه تقاد معه. وقد روي ذلك عن الحسن بن علي وتقدم في ترجمته. وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: مر الحسن بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا: الغداء، فنزل وقال: إن الله لا يحب المتكبرين، فتغدى ثم قال لهم: قد أجبتكم فأجيبوني، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله، فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدخرين. قال أبو الحسن المدائني: جرى بين الحسن بن علي وأخيه الحسين كلام حتى تهاجرا، فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام تأثم من هجر أخيه، فأقبل إلى الحسين وهو جالس فأكب على رأسه فقبله، فلما جلس الحسن قال له الحسين: إن الذي منعني من ابتدائك والقيام إليك أنك أحق بالفضل مني، فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به. قال ابن عون: كتب الحسن إلى الحسين يعيب عليه إعطاء الشعراء، قال: فكتب إليه: إن خير المال ما وقى العرض. قال الأسود بن قيس العبدي: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أسر ابنك بثغر الري. قال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحب أن يؤسر، ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين، فقال له: رحمك الله، أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك. قال: أكلتني السباع حياً إن

فارقتك. قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعن بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسةً أيام قيمتها ألف دينار. قال أبو عون: لما خرج الحسين بن علي من المدينة يريد مكة، مر بابن مطيع وهو يحفر بئره فقال له: أين فداك أبي وأمي؟ قال: أردت مكة. قال: وذكر له أنه كتب إليه شيعته بها، فقال له ابن مطيع: إني فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك ولا تسر إليهم، فأبى حسين، فقال له ابن مطيع: إن بئري هذه قد رشحتها، وهذا اليوم أوار، ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوت الله لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فأتى من مائها في الدلو، فشرب منه ثم تمضمض ثم رده في البئر فأعذب وأمري. وعن عكرمة عن ابن عباس: بينما هو يحدث الناس، إذ قام إليه نافع بن الأزرق فقال له: يا بن عباس تفتي الناس في النملة والقملة، صف لي إلهك الذي تعبد، فأطرق ابن عباس إعظاماً لقوله، وكان الحسين بن علي جالساً ناحية، فقال: إلي يا بن الأزرق، قال: لست إياك أسأل. قال ابن عباس: يا بن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة، وهم ورثة العلم، فأقبل نافع نحو الحسين، فقال له الحسين: يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، سائلاً ناكباً عن المنهاج طاعناً بالاعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل، يا بن الأزرق: أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، قريب غير ملتصق، بعيد غير منتقص، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال. فبكى ابن الأزرق وقال: يا حسين ما أحسن كلامك! قال له الحسين: بلغني أنك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعلي. قال ابن الأزرق: أما والله يا حسين، لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام، ونجوم الأحكام. فقال له الحسين: إني سائلك عن مسألة، قال: سل. فسأله عن هذه الآية: " وأما

الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ". يا بن الأزرق من حفظ في الغلامين؟ قال ابن الأزرق: أبوهما. قال الحسين: فأبوهما خير أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال ابن الأزرق: قد أنبأ الله تعالى أنكم قوم خصمون. وعن الحسين بن علي قال: من أحبنا لله وردنا نحن وهو على نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هكذا، وضم أصبعيه، ومن أحبنا للدنيا، فإن الدنيا تسع البر والفاجر. قال الذيال بن حرمة: خرج سائل يتخطى أزقة المدينة، حتى أتى باب الحسين بن علي، فقرع الباب وأنشد يقول: من المنسرح لم يخب اليوم من رجاك ومن ... حرّك من خلف بابك الحلقه وأنت جودٌ، وأنت معدنه ... أبوك ما كان قاتل الفسقه قال: وكان الحسين بن علي واقفاً يصلي، فخفف من صلاته وخرج إلى الأعرابي فرأى عليه أثر ضر وفاقة، فرجع ونادى بقنبر فأجابه: لبيك يا بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال: مئتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، قال: فهاتها، فقد أتى من هو أحق بها منهم، فأخذها وخرج فدفعها إلى الأعرابي، وأنشأ يقول: من المنسرح خذها فإني إليك معتذرٌ ... واعلم بأني عليك ذو شفقه لو كان في سيرنا عصا تمد إذاً ... كانت سمانا عليك مندفقه لكنّ ريب المنون ذو نكدٍ ... والكفّ منّا قليلة النّفقه

قال: فأخذها الأعرابي وولى وهو يقول: من البسيط مطهّرون، نقيّاتٌ جيوبهم ... تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا فأنتم أنتم الأعلون، عندكم ... علم الكتاب وما جاءت به السور من لم يكن علويّاً حين تنسبه ... فماله في جميع الناس مفتخر ومن شعر سيدنا الحسين بن علي عليه السلام: من السريع اغن عن المخلوق بالخالق ... تغن عن الكاذب والصادق واسترزق الرحمن من فضله ... فليس غير الله من رازق من ظنّ أنّ الناس يغنونه ... فليس بالرحمن بالواثق أوظنّ أنّ المال من كسبه ... زلّت به النعلان من حالق ومن شعره أيضاً: من الخفيف. كلّما زيد صاحب المال مالاً ... زيد في همّه وفي الاشتغال قد عرفناك يا منغّصة العي ... ش ويا دار كلّ فانٍ وبال ليس يصفوا لزاهد طلب الزهد ... إذا كان مثقلاً بالعيال قال إسحاق بن إبراهيم: بلغني أن الحسين بن علي أتى مقابر الشهداء بالبقيع فطاف بها وقال: من الكامل ناديت سكّان القبور فأسكتوا ... وأجابني عن صمتهم ندب الجثى قالت: أتدري ما صنعت بساكنيّ ... مزقت ألحمهم وخرّقت الكسا وحشوت أعينهم تراباً بعدما ... كانت تأذّى باليسير من القذى أما العظام فإنني فرّقتها ... حتى تباينت المفاصل والشّوى قطّعت ذا من ذا ومن هذا كذا ... فتركتها رمماً يطول بها البلى

ومن شعر الحسين بن علي عليهما السلام: من الطويل لئن كانت الدنيا تعدّ نفيسةً ... فدار ثواب الله أعلى وأنبل وإن كانت الأبدان للموت أنشئت ... فقتلٌ، سبيل الله، بالسيف أفضل وإن كانت الأرزاق شيئاً مقدّراً ... فقلّة سعي المرء في الكسب أجمل وإن كانت الأموال للتّرك جمّعت ... فما بال متروكٍ به المرء يبخل وكان الحسين بن علي يوم الجمل على الميسرة. حدث عبد الله بني يحيى عن أبيه: أنه سافر مع علي بن أبي طالب وكان صاحب مطهرته، فلما حاذوا بنينوى، وهو منطلق إلى صفين، نادى علي: صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: ومن ذا أبو عبد الله؟ قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناه تفيضان، فقلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، وقال: هل لك أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم يسعني أملك عيني أن فاضتا. قال أبو أمامة: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنسائه: لا تبكوا هذا الصبي، يعني حسيناً، قال: فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الداخل، وقال لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل علي، فجاء الحسين، فلما نظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البيت أراد أن يدخل، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكته، فلما اشتد في البكاء خلت عنه، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال: نعم، يقتلونه، فتناول جبريل تربة فقال: بمكان كذا وكذا. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد احتضن حسيناً كاسف البال، مهموماً، فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه، فقالت: يا نبي الله، جعلت لك الفداء، إنك قلت لنا:

لا تبكوا هذا الصبي، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك، فجاء فخليت عنه، فلم يرد عليها. فخرج إلى أصحابه وهم جلسو فقال لهم: إن أمتي يقتلون هذا، ففي القوم أبو بكر وعمر وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله، يقتلونه وهم مؤمنون؟ قال: نعم، هذه تربته، فأراهم إياها. وعن أم سلمة قالت: كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد! إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: ريح كرب وبلاء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم، يعني، وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم. قالت أم سلمة: دخل الحسين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففزع، فقالت أم سلمة: مالك يا رسول الله؟ قال: إن جبريل أخبرني أن ابني هذا يقتل، وإنه اشتد غضب الله عل من يقتله. وفي حديث آخر بالمعنى الأول: وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، فأراه إياه، فإذا الأرض يقال لها كربلاء. وفي حديث آخر بالمعنى قال: فضرب بجناحه فأتاني بهذه التربة قالت: وإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: يا ليت شعري، من يقتلك بعدي؟ وفي حديث آخر: وقيل: اسمها كربلاء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كرب وبلاء.

وعن محمد بن صالح: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أخبره جبريل أن أمته ستقتل حسين بن علي، فقال: يا جبريل أفلا أراجع فيه، قال: لا؛ لأنه أمر قد كتبه الله. وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجرتي. قال أبو عبد الله الضبي: دخلنا على ابن هرثم الضبي حين أقبل من صفين، وهو مع علي، وهو جالس على دكان له، وله امرأة يقال لها: جرداء، هي أشد حباً لعلي وأشد لقوله تصديقاً، فجاءت شاة له فبعرت فقال: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي، قالوا: وما علم علي بهذا؟ قال: أقبلنا مرجعنا من صفين، فنزلنا كربلاء، فصلى بنا علي صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حرمل، ثم أخذ كفاً من بعر الغزلان فشمه، ثم قال: أوه أوه، يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغير حساب، قال: قالت جرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت. قال عمار الدهني: مر علي على كعب فقال: يخرج من ولد هذا رجل، يقتل في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمر حسن فقالوا: هذا هو يا أبا إسحاق، قال: لا. فمر حسين فقالوا: هذا هو. قال: نعم. حدث العلاء بن أبي عائشة عن أبيه عن رأس الحالوب قال: كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي، فكنت إذا دخلتها ركضت فرسي حتى أجوز عنها، فلما قتل حسين جعلت أسير بعد ذلك على هينتي. حدث الشعبي عن ابن عمر: أنه كان بماله، فبلغه أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ فقال: العراق. وإذا معه طوامير كتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم فقال: لا تأتهم، فأبى، قال: إني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخيره

جوامع حديث مقتل الحسين عن جماعة رواة

بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنكم بضعة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير، فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل. وعن سعيد بن مثنى: أن عبد الله بن عمر قال: عجل حسين قدره، عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما كان ليخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح، وببني هاشم ختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان. قال أبو سعيد المقبري: والله لرأيت الحسين وإنه ليمشي بين رجلين، يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة وعلى هذا أخرى حتى دخل مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: من الخفيف لا ذعرت السّوام في غبش الصب ... ح مغيراً ولا دعيت يزيدا يوم أعطي مخافة الموت ضيماً ... والمنايا يرصدنني أن أحيدا قال: فعلمت عند ذلك أن لا يلبث إلا قليلاً حتى يخرج، فما لبث أن خرج حتى لحق بمكة. جوامع حديث مقتل الحسين عن جماعة رواة قالوا: لما بايع معاوية بن أبي سفيان الناس بن معاوية، كان حسين بن علي بن أبي طالب ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين، يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، كل ذلك يأبى. فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية، وطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه، وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا، ويشيطوا

دماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة. فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله، إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة، يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم، وملوني وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم، فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر، ولا صبر على السيف. قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك. فقال: إني أرجو أن يعطي الله أخي على نيته في حبه للكف، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين. وكتب مروان بن الحكم إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرصداً للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلاً. فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك متى تكدني أكدك. فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، والحسنات لا يهدي لها إلا الله، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافاً، وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة. فقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسداً. وكتب إليه معاوية أيضاً في بعض ما بلغه عنه: إني لأظن أن في رأسك نزوة فوددت أني أدركها فأغفرها لك. ولما حضر معاوية دعا يزيد بن معاوية، فأوصاه بما أوصاه به، وقال له: انظر حسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه أحب الناس إلى الناس فصل رحمه،

وارفق به يصلح لك أمره، فإن يك منه شيء فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه. وتوفي معاوية نصف رجب سنة ستين، وبايع الناس يزيد. فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامري عامر بن لؤي إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو على المدينة: أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي فإن أمير المؤمنين، رحمه الله، عهد إلي في أمره للرفق به واستصلاحه. فبعث الوليد من ساعته نصف الليل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير فأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة ليزيد، فقالا: نصبح وننظر ما يصنع الناس، ووثب الحسين فخرج، وخرج معه ابن الزبير، وهو يقول: هو يزيد الذي نعرف، والله ما حدث له حزم ولا مروءة، وقد كان الوليد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً. فقال له مروان أو بعض جلسائه: اقتله، قال: إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف. فلما صار الوليد إلى منزله قالت له امرأته أسماء بنة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أسببت حسيناً؟ قال: هو بدأ فسبني، قالت: وإن سبك حسين تسبه، وإن سب أباك تسب أباه؟ قال: لا. وخرج الحسين وعبد الله بن الزبير من ليلتهما إلى مكة، وأصبح الناس، فغدوا على البيعة ليزيد، وطلب الحسين وابن الزبير فلم يوجدا، فقال المسور بن مخرمة: عجل أبو عبد الله، وابن الزبير الآن يلفته ويزجيه إلى العراق ليخلو بمكة. فقدما مكة، فنزل الحين دار العباس بن عبد المطلب، ولزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري، وجعل يحرض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين،

ويشير عليه أن يقدم العراق، ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك، فكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك، ويقول: لا تفعل. وقال له عبد الله بن مطيع: إني فداك أبي وأمي، متعنا بنفسك، ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولاً وعبيداً. ولقيهما عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس، وتنظرا، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر لحسين: لا تخرج، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها يعني الدنيا فاعتنقه وبكى وودعه. فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير. وقال له ابن عباس: أين تريد يا بن فاطمة؟ قال: العراق وشيعتي، فقال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك حتى تركهم سخطة وملة لهم، أذكرك الله أن تغرر بنفسك. وقال أبو سعيد الخدري: غلبني الحسين بن علي على الخروج وقد قلت له: اتق الله في نفسك، والزم بيتك، فلا تخرج على إمامك. وقال أبو واقد الليثي: بلغني خروج الحسين، فأدركته بملل فناشدته الله ألا يخرج، فإنه يخرج في غير وجه خروج، إنما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع.

وقال جابر بن عبد الله: كلمت حسيناً فقلت: اتق الله، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فوالله ما حمدتم ما صنعتم. فعصاني. وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: قد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق، ولا يخرج إليهم، ولكن شجعه على ذلك ابن الزبير. وكتب إليه المسور بن مخرمة: إياك أن تغتر بكتب أهل العراق، ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنهم ناصروك، إياك أن تبرح الحرم، فإنهم إن كانت لهم بك حاجة، فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك، فتخرج في قوة وعدة. فجزاة خيراً، وقال: أستخير الله في ذلك. وكتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه. وتقول: أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يقتل حسين بأرض بابل. فلما قرأ كتابها قال: فلا بد لي إذاً من مصرعي. ومضى. وأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: يا بن عم، إن الرحم تظأرني عليك، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك، قال: يا أبا بكر: ما أنت ممن تستغش ولايتهم، فقل. قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصرهن فأذكرك الله في نفسك، فقال: جزاك الله يا بن عمر خيراً، فقد اجتهدت، ومهما يقض الله من أمر يكن، فقال أبو بكر إنا لله، عند الله نحتسب أبا عبد الله. وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله

أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولست بمجبر بها أحداً حتى ألاقي عملي. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: إني أسأل الله أن يلهمك رشدك، وأن يصرفك عما يرديك، بلغني أنك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق، فإني أعيذك بالله من الشقاق، فإن كنت خائفاً فأقبل إلي، فلك عندي الأمان، والبر والصلة. فكتب إليه الحسين: إن كنت أردت بكتابك إلي بري وصلتي، فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة، وإنه لم يشاقق من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وخير الأمان أمان الله، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده. وكتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج حسين إلى مكة ويحسبه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنوه الخلافة وعندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة. وكتب بهذه الأبيات إليه وإلى من بمكة والمدينة من قريش: من البسيط يا أيّها الراكب الغادي لطيّته ... على عذافرةٍ في سيرها قحم أبلغ قريشاً على نأي المزار بها ... بيني وبين حسين الله والرّحم وموقفٌ بفناء البيت أنشده ... عهد الإله وما توفى به الذّمم عنّيتم قومكم فخراً بأمّكم ... أمّ لعمري حصان برّة كرم هي التي لا يداني فضلها أحدٌ ... بنت الرسول، وخير الناس قد علموا وفضلها لكم فضل وغيركم ... من قومكم لهم في فضلها قسم إني لأعلم أو ظنا كعالمه ... والظنّ يصدق أحياناً فينتظم

أن سوف يترككم ما تدّعون بها ... قتلى تهاداكم العقبان والرّخم يا قومنا لا تشبّوا الحرب إذ سكنت ... ومسكوا بحبال السّلم واعتصموا قد غرّت الحرب من قد كان قبلكم ... من القرون وقد بادت بها الأمم فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخاً ... فرب ذي بذخٍ زلت به القدم قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: إني لأرجو ألا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة ويطفئ به الثائرة. ودخل عبد الله بن العباس على الحسين، فكلمه ليلاً طويلاً، وقال: أنشدك الله أن تهلك غداً بحال مضيعة، لا تأتي العراق، وإن كنت لا بد فاعلاً فأقم حتى ينقضي الموسم وتلقى الناس، وتعلم على ما يصدرون، ثم ترى رأيك، وذلك في عشر ذي الحجة سنة ستين، فأبى الحسين إلا أن يمضي إلى العراق. فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك ستقتل غداً بين نسائك وبناتك، كما قتل عثمان بين نسائه وبناته، والله إني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فقال: أبا العباس، إنك شيخ قد كبرت. فقال ابن عباس: لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك، ولو أعلم أننا إذا تناصينا أقمت لفعلت، ولكن لا إخال ذلك نافعي. فقال له الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي أن تستحل بي يعني مكة. قال: فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير، فذاك الذي سلى بنفسي عنه. ثم خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب، فلما رآه قال: يا بن الزبير قد أتى ما أحببت، قرت عينك؟ هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز: من الرجز. يالك من قبّرةٍ بمعمر

خلالك الجوّ فبيضي واصفري ونقّري ما شئت أن تنقّري وبعث حسين إلى المدينة، فقدم عليه من خف معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكة، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل؛ فحبس محمد بن علي ولده؛ فلم يبعث معه أحداً منهم حتى وجد حسين في نفسه على محمد، وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم. وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد: أما بعد: فإن الحسين بن علي قد توجه إليك، وهو الحسين بن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء، ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره، والسلام عليك. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد: فقد توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تكون عبداً تسترق كما تسترق العبيد.

قال لبطة بن الفرزدق: قال الفرزدق: خرجنا حجاجاً، فلما كنا بالصفاح غذ نحن بركب عليهم اليلامق، ومعهم الدرق، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي، فقلت: أي أبو عبد الله؟؟! قال: يا فرزدق: ما وراءك؟ قال: أنت أحب الناس إلى الناس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية. قال: ثم دخلنا مكة. فقلت له: لو أتينا عبد الله بن عمرو فسألناه عن حسين وعن مخرجه. فأتينا منزله بمنى، فإذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون، قلنا: أين أبوكم؟ قالوا: في الفسطاط يتوضأ، فلم نلبث أن خرج علينا من فسطاطه، فسألناه عن حسين فقال: أما إنه لا يحيك فيه السلاح، قال: فقلت له: تقول هذا فيه وأنت الذي قاتلته وأباه؟ فسبني؛ فسببته. ثم خرجنا حتى أتينا ما يقال له: تعشار، فجعل لا يمر بنا أحد إلا سألناه عن حسين، حتى مر بنا ركب فناديناهم: ما فعل حسين بن علي؟ قالوا: قتل. قلت: فعل الله بعبد الله بن عمرو وفعل. قال سفيان: ذهب الفرزدق إلى غير المعنى، أو قال: الوجه، إنما هو لا يحيك فيه السلاح، لا يضره القتل مع ما قد سبق له. قال إسماعيل بن علي الخطبي: وكان مسير الحسين بن علي من مكة إلى العراق، بعد أن بايع له من أهل الكوفة اثنا

عشر ألفاً على يدي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكتبوا إليه في القدوم عليهم، فخرج من مكة إلى الكوفة. وبلغ يزيد خروجه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد عامله على العراق يأمره بمحاربته، وحمله إليه، إن ظفر به. فوجه اللعين عبيد الله بن زياد الجيش إليه مع عمر بن سعد بن أبي وقاص، وعدل الحسين إلى كربلاء. فلقيه عمر بن سعد هناك، فاقتتلوا، فقتل الحسين رضوان الله عليه ورحمته وبركاته، ولعنة الله على قاتليه في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. قال الضحاك: كتب يزيد إلى ابن زياد واليه على العراق: إنه قد بلغني أن حسيناً قد صار إلى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به أنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه. قال الفرزدق: لقيت الحسين بن علي بذات عرق وهو يريد الكوفة فقال لي: ما ترى أهل الكوفة صانعين؟ معي حمل بعير من كتبهم. قلت: لا شيء، يخذلونك، لا تذهب إليهم، فلم يطعني. قال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدى فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين، فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك، فقال له أبي: أراك ملازماً هذا المكان، قال: بلغني أن حسيناً يقتل ههنا، فأنا أخرج لعلي أصادفه فأقتل معه، فلما قتل الحسين قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمن قتل؟ فأتينا المعركة وطوفنا، فإذا الأسدي مقتول.

قال أبو خالد الكاهلي: لما صبحت الخيل الحسين بن علي رفع يديه فقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، فأنزلته بك وشكوته إليك رغبة فيه إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل غاية. قال محمد بن حسن: لما نزل عمر بن سعد بحسين، وأيقن أنهم قاتلوه، قام في أصحابه خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، إلا حشيش علسٌ كالمرعى الوبيل، ألا ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً. وعن عبد ربه: أن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل من المشركين؟ قالوا: وما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل من المشركين؟ قال: كان إذا جنح أحدهم قبل منه. قالوا: لا. قال: لا تدعوني أرجع. قالوا: لا. قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين، فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار. فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي عز وجل، وشفاعة نبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتل، وجيء برأسه حتى وضعه في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاماً صبيحاً، ثم قال: أيكم قاتله؟ فقام الرجل فقال: أنا قتلته، فقال: ما قال لك؟ فأعاد الحديث، فاسود وجهه.

وقيل: إن الحسين قال حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء. وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد فقاتلهم. فقال الحسين: يا عمر اختر مني ثلاث خصال: إما أن تتركني أرجع كما جئت، فإن أبيت هذه فسيرني إلى يزيد، فأضع يدي في يده فيحكم في ما رأى، فإن أبيت هذه فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل إلى ابن زياد بذلك، فهم أن يسيره إلى يزيد فقال له شمر بن جوشن: لا، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك، فقال الحسين: والله، لا أفعل، وأبطأ عمر عن قتاله، فأرسل إليه ابن زياد شمر بن جوشن، فقال: إن تقدم عمر يقاتل، وإلا فاقتله، وكن أنت مكانه، وكان مع قريب من ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة، فقالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً؟! فتحولوا مع الحسين فقاتلوا. وعن أبي ليلى قال: قال الحسين بن علي حين أحس بالقتل: ابغوني ثوباً لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي لا أجرد، فقيل له: تبان، فقال: ذلك لباس من ضربت عليه الذلة، فأخذ ثوباً فخرقه فجعله تحت ثيابه، فلما قتل جرد صلوات الله عليه ورضوانه. وعن شيبان بن مخرم، وكان عثمانياً، قال: إني لمع علي إذ أتى كربلاء، فقال: يقتل في هذا الموضع شهداء، ليس مثلهم شهداء إلا شهداء بدر، فقلت: بعض كذباته، وثم رجل حمار ميت، فقلت لغلامي: خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيبها، فضرب الدهر ضربه، فلما قتل الحسين انطلقت ومعي أصحاب لي، فإذا جثة الحسين بن علي على رجل ذلك الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله.

وعن هرثمة بن سلمى قال: خرجنا مع علي في بعض غزوه، فسار حتى انتهى إلى كربلاء، فنزل إلى شجرة فصلى إليها، فأخذ تربة من الأرض فشمها، ثم قال: واهاً لك تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. قال: فقفلنا من غزاتنا، وقتل علي، ونسيت الحديث. قال: فكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحسين، فلما انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة، فذكرت الحديث، فتقدمت على فرس لي، فقلت: أبشرك ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدثته الحديث، قال: معنا أو علينا؟ قلت: لا معك ولا عليك، تركت عيالاً وتركت، قال: إما لا؛ فول في الأرض، فوالذي نفس حسين بيده، لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم، فانطلقت هارباً مولياً في الأرض حتى خفي علي مقتله. وعن مسلم بن رباح مولى علي بن أبي طالب قال: كنت مع الحسين يوم قتل، فرمي في وجهه بنشابة، فقال لي: يا مسلم أدن يديك من الدم، فأدنيتهما، فلما امتلأتا قال: اسكبه في يدي؛ فسكبته في يده؛ فنفخ بهما إلى السماء، وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيك، قال مسلم: فما وقع منه إلى الأرض قطرة. حدث العباس بن هشام بن محمد الكوفي عن أبي عن جده، قال: كان رجل من بني أبان بن دارم، يقال له: زرعة، شهد قتل الحسين، فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه فجعل يلتقي الدم، ثم يقول هكذا إلى السماء فيرمي به، وذلك أن الحسين دعاء بماء ليشرب، فلما رماه حال بينه وبين الماء فقال: اللهم ظمه، اللهم ظمه. قال: فحدثني من شهده، وهو يموت وهو يصيح من الحر في بطنه، والبرد في ظهره، وبين يديه المراوح والثلج، وخلفه الكافور، وهو يقول: اسقوني أهلكني العطش، فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق أو الماء واللبن، لو شربه خمسة لكفاهم، قال: فيشربه ثم يعود فيقول: اسقوني أهلكني العطش، قال: فانقد بطنه كانقداد البعير. وقتل مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته.

وعن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وأنا قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً. قال ابن سيرين: لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي. وعن خلف بن خليفة عن أبيه قال: لما قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهاراً، حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر. حدث خلاد، وكان ينزل بني جحدر، قال: حدثتني أمي، قالت: كنا زماناً بعد مقتل الحسين، وإن الشمس تطلع محمرة على الحطيان والجدر بالغداة والعشي، قالت: وكانوا لا يرفعون حجراً إلا يوجد تحته دم. قال عيسى بن الحارث الكندي: لما قتل الحسين مكثنا سبعة أيام، إذا صلينا العصر فنظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً. وعن المنذر الثوري قال: جاء رجل يبشر الناس بقتل الحسين، فرأيته أعمى يقاد. وعن نصرة الأزدية قالت: لما أن قتل الحسين مطرت السماء دماً، فأصبحت وكل شيء لنا ملآن دماً. وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي. وعن ابن سيرين قال: لم نكن نرى هذه الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي.

وعن جعفر بن سالم قال حدثتني خالتي أم سالم قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر، قال: وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة. قال بواب عبيد الله بن زياد: لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دماً. وعن أم حيان قالت: يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط. قال محمد بن عمر بن علي: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال ابن رأس الجالوت: ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وعن يزيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة، وصار الورس الذي كان في عسكرهم رماداً، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران. وعن أبي حميد الطحان قال: كنت في خزاعة، فجاؤوا بشيء من تركة الحسين فقيل لهم: نتجر أو نبيع فنقسم؟ قالوا: اتجروا، قال: فجعل على جفنة، فلما وضعت فارت ناراً. قال جميل بن مرة: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً. حدث شيخ من النخع قال: قال الحجاج: من كان له بلاء فليقم، فقام قوم فذكروا، وقام سنان بن أنس،

فقال: أنا قاتل حسين، فقال: بلاء حسن، ورجع إلى منزله فاعتقل لسانه، وذهب عقله، فكان يأكل ويحدث مكانه. لا تسبوا علياً، يا لهفتا على أسهم رميته بهن يوم الجمل، مع ذلك، لقد قصرن، والحمد لله، عنه. وعنه أيضاً قال: لا تسبوا أهل البيت، أو أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان لنا جار من بلهجيم قدم علينا الكوفة قال: ما ترون إلى هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله، يعني الحسين، فرماه الله بكوبين من السماء فطمس بصره. قال أبو رجاء: فأنا رأيته. وعن السدي قال: كنا غلمة نبيع البز في رستاق كربلاء، قال: فنزلنا برجل من طيئ، فقرب إلينا العشاء. قال: فتذاكرنا قتلة الحسين، قال: فقلنا: ما بقي أحد ممن شهد قتلة الحسين إلا وقد أماته الله ميتة سوء، أو بقتلة سوء، قال فقال: ما أكذبكم يا أهل الكوفة! تزعمون أنه ما بقي أحد ممن شهد قتل الحسين إلا وقد أماته الله ميتة سوء أو بقتلة سوء، وإنه لممن شهد قتلة الحسين وما بها أكثر مالاً منه. قال: فنزعنا أيدينا عن الطعام، قال: وكان السراج يوقد فذهب ليطفأ، قال: فذهب ليخرج الفتيلة بأصبعه فأخذت النار بأصبعه قال: ومدها إلى فيه فأخذت بلحيته، قال: فحضر أو قال: فأحضر إلى الماء حتى يلقي نفسه، قال: فرأيته تتوقد فيه حتى صار حممةً. وعن أنس بن مالك قال: لما أتي برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان لحسن الثغر، فقلت: أما والله لأسوءنك، لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل موضع قضيبك من فيه.

وفي حديث آخر عنه: أتي برأس الحسين في طست إلى ابن زياد، فجعل ينكت فاه ويقول: إن كان لصبيحاً، إن كان لقد خضب. وعن زيد بن أرقم قال: كنت عند عبيد الله بن زياد إذ أتي برأس الحسين بن علي فوضع في طست بين يديه، فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفتيه وعن أسنانه فلم أر ثغراً قط كان أحسن منه، كأنه الدر، فلم أتمالك أن رفعت صوتي بالبكاء فقال: ما يبكيك أيها الشيخ؟ قال: يبكيني ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص موضع هذا القضيب ويلثمه، ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه. وعن زيد بن أرقم أنه خرج من عند ابن زياد يومئذ وهو يقول: أما والله لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: اللهم إني أستودعكه وصالح المؤمنين، فكيف حفظكم لوديعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن محمد بن خالد قال: قال إبراهيم: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن علي بن زيد بن جدعان قال: استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال: قتل الحسين والله، فقال له أصحابه: كلا يا بن عباس، كلا، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه زجاجة من دم فقال: ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه، أرفعها إلى الله عز وجل. قال: فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه، وتلك الساعة، فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوماً حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة. وعن سلمى قالت: دخلت علي أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل آنفاً.

وعن شهر بن حوشب قال: إنا لعند أم سلمة، زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فسمعنا صارخة، فأقبلت حتى انتهت إلى أم سلمة، فقالت: قتل الحسين، قالت: قد فعلوها، ملأ الله بيوتهم أو قبورهم عليهم ناراً، ووقعت مغشياً عليها وقمنا. قال ابن أبي مليكة: بينما ابن عباس جالس في المسجد الحرام، وهو يتوقع خبر الحسين بن علي، إلى أن أتاه آتٍ فساره بشيء؛ فأظهر الاسترجاع، فقلنا: ما حدث يا أبا العباس؟ قال: مصيبة عظيمة، عند الله نحتسبها، أخبرني مولاي أنه سمع ابن الزبير يقول: قتل الحسين بن علي، فلم نبرح حتى جاءه ابن الزبير فعزاه، ثم انصرف. فقام ابن عباس فدخل منزله، ودخل عليه الناس يعزونه، فقال: إنه ليعدل عندي مصيبة حسين شماتة ابن الزبير، أترون مشي ابن الزبير إلي يعزيني، إن ذلك منه إلا شماتة. قال ابن جريج: كان المسور بن مخرمة بمكة حين جاء نعي حسين بن علي، فلقي ابن الزبير فقال له: قد جاء ما كنت تمنى، موت حسين بن علي، فقال ابن الزبير: يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فوالله ليته بقي ما بقي بالجماء حجر، والله ما تمنيت ذلك له، قال المسور: أنت أشرت عليه بالخروج إلى غير وجه، قال: نعم، أشرت به عليه ولم أدر أنه يقتل، ولم يكن بيدي أجله، ولقد جئت ابن عباس فعزيته فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني، ولو أني تركت تعزيته قال: مثلي تترك لا تعزيني بحسين؟ فما أصنع؟ أخوالي وغرة الصدور علي، وما أدري على أي شيء ذلك، فقال له المسور: ما حاجتك إلى ذكر ما مضى وبثه، دع الأمور وبر أخوالك، فأبوك أحمد عندهم منك. قالت أم سلمة: سمعت الجن يبكين على الحسين، وقالت أيضاً: سمعت الجن تنوح على الحسين.

وقال الواقدي: لم تدرك أم سلمة قتل الحسين، ماتت سنة ثمان وخمسين. قالت أم سلمة: سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل ويقلن: من الخفيف أيها القاتلون ظلماً حسيناً ... أبشروا بالعذاب والتنكيل كلّ أهل السماء تدعو عليكم ... من نبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داوو ... د وموسى وصاحب الإنجيل قال حبيب بن أبي ثابت: قالت أم سلمة: ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الليلة، وما أرى ابني إلا قد قتل، تعني الحسين، فقالت لجاريتها: اخرجي فسلي، فأخبرت أنه قد قتل، وإذا جنية تنوح: من الوافر ألا يا عين فاحتفلي بجهد ... ومن يبكي على الشهداء بعدي؟ على رهطٍ تقودهم المنايا ... إلى متجبّرٍ في ملك عبد قال أبو جناب الكلبي: أتيت كربلاء، فقلت: لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن. قال: ما تلقى حراً ولا عبداً إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني ما سمعت أنت، قال سمعتهم يقولون: من مجزوء الكامل مسح الرسول جبينه ... فله بريقٌ في الخدود أبواه من عليا قري ... شٍ، جدّه خير الجدود قال محمد المصقلي لما قتل الحسين: إنه سمع منادياً ينادي ليلاً، يسمع صوته، ولم ير شخصه: من الكامل عقرت ثمودٌ ناقةً فاستؤصلوا ... وجرت سوانحهم بغير الأسعد

فبنو رسول الله أعظم حرمةً ... وأجلّ من أمّ الفصيل المقصد عجباً لهم، ولما أتوا لم يمسخوا ... والله يملي للطغاة الجحّد حدث إمام مسجد بني سليم قال: غزا أشياخ لنا الروم فوجدوا في كنيسة من كنائسهم: من الوافر أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جدّه يوم الحساب؟ فقالوا: منذ كم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ قالوا: قبل أن يخرج نبيكم بست مئة عام. وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي احتزوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ وينحتون الرأس، فخرج عليهم قلم من حديد فكتب بسطر دم من الوافر أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جدّه يوم الحساب؟ فهربوا وتركوا الرأس، ثم رجعوا. قال الأعمش: أحدث رجل من بني أسد على قبر حسين بن علي قال: فأصاب أهل ذلك البيت خبل وجنون وجذام ومرض وفقر. وعن هشام بن محمد قال: لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوماً وامحى أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين وبكاه وقال: بأبي وأمي ما كان أطيبك وأطيب ترتبك ميتاً، ثم بكى وأنشأ يقول: من الطويل أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دلّ على القبر

قيل: إن الحسين قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقيل: وهو ابن ست وخمسين سنة. وقتله سنان بن أبي أنس، وجاء برأسه خولي بن يزيد الأصبحي، جاء به إلى عبيد الله بن زياد. وقيل: قتل وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف. وقيل: ابن خمس وخمسين، وكان في يوم سبت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين. وقتل بالطف بكربلاء وعليه جبة خز دكناء، وهو صابغ بالسواد، قتله سنان بن أبي أنس النخعي، وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير وحز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد فقال: من مشطور الرجز أوقر ركابي فضةً وذهبا ... أنا قتلت الملك المحبّبا قتلت خير الناس أمّاً وأباً وقيل: كان قتله سنة ستين، وقيل: سنة اثنتين وستين. وقال ابن لهيعة: كان قتل الحسين بن علي وقت عقبة بن نافع وحريق الكعبة في سنة واحدة سنة ثنتين أو ثلاث وستين. قال عامر بن سعد البجلي: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب فأقرئه مني السلام وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحت أهل الأرض منه بعذاب أليم. قال: فأتيت البراء فأخبرته. فقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتصور بي.

قال الفضيل بن الزبير: كنت جالساً إلى السدي فأقبل رجل فجلس إليه، رائحته القطران فقال له: يا هذا، أتبيع القطران؟ قال: ما بعته قط. قال: فما هذه الرائحة؟ قال: كنت فيمن شهد عسكر عمر بن سعد، وكنت أبيعهم أوتاد الحديد، فلما جن علي الليل، رقدت فرأيت في نومي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علي، وعلي يسقي القتلى من أصحاب حسين، فقلت له: اسقني؟ فأبى، فقلت: يا رسول الله: مره يسقني، فقال: ألست ممن عاون علينا؟ فقلت: يا رسول الله، والله ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، ولكني كنت أبيعهم أوتاد الحديد، فقال: يا علي اسقه، فناولني قعباً مملوءاً قطراناً، فشربت منه قطراناً، ولم أزل أبول القطران أياماً، ثم انقطع ذلك البول عني، وبقيت الرائحة في جسمي. فقال له السدي: يا عبد الله، كل من بر العراق، واشرب من ماء الفرات، فما أراك تعاين محمداً أبداً. وعن أبي النضر الجرمي قال: رأيت رجلاً سمج العمى فسألت عن سبب ذهاب بصره فقال: كنت فيمن حضر عسكر عمر بن سعد، فلما جاء الليل رقدت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام بين يديه طست فيها دم، وريشة في الدم، وهو يؤتى بأصحاب عمر بن سعد، فيأخذ الريشة فيخط بها بين أعينهم، فأتي بي، فقلت: يا رسول الله، والله ما ضربت بسيفٍ ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم قال: أفلم تكن عدونا؟ وأدخل أصبعيه في الدم، السبابة والوسطى، وأهوى بها إلى عيني، فأصبحت وقد ذهب بصري. وعن أسد بن القاسم الحلبي قال: رأى جدي صالح بن الشحام بحلب في النوم كلباً أسود، وهو يلهث عطشاً، ولسانه قد خرج على صدره، فقلت: هذا كلب عطشان دعني أسقه ماءً أدخل فيه الجنة، وهممت لأفعل ذلك، فإذا بهاتف يهتف من ورائه وهو يقول: يا صالح لا تسقه، يا صالح لا تسقه، هذا قاتل الحسين بن علي، أعذبه بالعطش إلى يوم القيامة.

الحسين بن علي بن محمد بن مصعب

وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين بن علي عليهما السلام: من الطويل وإنّ قتيل الطّفّ من آل هاشمٍ ... أذلّ رقاباً من قريشٍ فذلّت فإن تتبعوه عائذ البيت تصبحوا ... كعادٍ تعمّت عن هداها فضلّت مررت على أبيات آل محمدٍ ... فألفيتها أمثالها حيث حلّت وكانوا لنا غنماً فعادوا رزيّةً ... لقد عظمت تلك الرّازيا وجلّت فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت إذا افتقرت قيسٌ جبرنا فقيرها ... وتقتلنا قيسٌ إذا النّعل زلّت وعند غنيٍّ قطرةٌ من دمائنا ... سنجزيهم يوماً بها حيث حلّت ألم تر أنّ الأرض أضحت مريضةً ... لفقد حسين والبلاد اقشعرّت يريد أنهم لا يرعوون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ البيت عبد الله بن الزبير. الحسين بن علي بن محمد بن مصعب أبو علي النخعي البغدادي سمع بدمشق وبغيرها. حدث ببغداد وكان قد غلب عليه البلغم، وهو شيخ كبير، عن العباس بن الوليد الخلال بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش. وحدث عن سويد بن سعيد بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يبولن أحدكم في الماء الراكد.

الحسين بن علي بن محمد بن عتاب

الحسين بن علي بن محمد بن عتاب وقيل: ابن محمد ابن علي بن عتاب أبو علي البزار المقرئ حدث عن أحمد بن نصر بن شاكر بسنده عن زر بن حبيش قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: اللهم وسع علي من الدنيا، وزهدني فيها، ولا تزوها عني وترغبني فيها. الحسين بن علي بن محمد بن جعفر أبو عبد الله القاضي الحنفي الفقيه المعروف بالصيمري قدم دمشق حاجاً وحدث بها. روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الله الحلواني بسنده عن طلحة بن عبيد الله قال: تذاكرنا لحم الصيد، يأكله المحرم، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم، فارتفعت أصواتنا، فاستيقظ فقال: فيم تتنازعون؟ قلنا: في لحم الصيد فأمرنا بأكله. وروى عن أبي بكر هلال بن محمد ابن أخي هلال الرأي بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل الجنة بخيل، ولا خب ولا خائن ولا سيئ الملكة. وإن أول من يقرع باب الجنة المملوك والمملوكة، فاتقوا الله وأحسنوا فيما بينكم وبين الله عز وجل، وفيها بينكم وبين مواليكم. مات الصيمري في شوال سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وكان مولده سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة.

الحسين بن علي بن محمد

الحسين بن علي بن محمد بن الحسن أبو عبد الله البغوي قدم دمشق. وحدث بها عن طاهر بن العباس المروزي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العلماء أمناء الله على خلقه. الحسين بن علي بن محمد ابن أبي المضاء أبو علي البعلبكي القاضي حدث ببعلبك في رجب سنة ست وأربعين وأربع مئة عن أبي علي الحسين بن أحمد بن المبارك بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعة الله، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته يقول: هذا عبدي حقاً. توفي ببعلبك سنة سبع وأربعين وأربع مئة. الحسين بن علي بن عمر ابن علي بن داود أبو عبد الله بن أبي الرضا الأنطاكي كان ينوب في القضاء عن الشريف أبي الفضل بن أبي الجن القاضي. حدث بمنزله بالشاغور ظاهر دمشق عن أبي القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي، بسنده عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت على ناقته لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. ولد سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، وتوفي في المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة.

الحسين بن علي بن محمد بن مسلمة

الحسين بن علي بن محمد بن مسلمة ابن لجاج أبو علي بن أبي الحسن الأزدي القاضي حدث عن أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بسنده عن عبد الله بن مسعود. قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق الصدوق: أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد، فوالذي نفسي بيده، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. ولد سنة سبع عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة تسعين وأربع مئة بدمشق. الحسين بن علي بن الهيثم بن محمد ابن الهيثم بن القاسم أبو عبد الله اللاذقي حدث بجبيل ساحل دمشق عن أبي القاسم المسلم بن عبد الواحد بن عمرو المقرئ بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عند كل ختمة دعوة مستجابة. الحسين بن علي بن يزيد بن داود ابن يزيد أبو علي النيسابوري الصائغ الحافظ رحل في طلب الحديث، وسمع بدمشق وصنف. حدث عن محمد بن عثمان بن أبي سويد بسنده عن عائشة قالت: خيرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان طلاقاً.

الحسين بن علي ويقال الحسن الكندي

وحدث أبو علي الحافظ بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر، وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له. قال أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج رحمه الله. قال أبو عبد الله بن مندة الحافظ: ما رأيت في اختلاف الحديث والإتقان أحفظ من أبي علي الحسين النيسابوري. توفي أبو علي الحافظ سنة تسع وأربعين وثلاث مئة، وكان واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والرحلة، ذكره بالمشرق كذكره بالمغرب، مقدم في مذاكرة الأئمة وكثرة التصنيف، وكان مولده سنة سبع وسبعين ومئتين. الحسين بن علي ويقال الحسن الكندي حدث عن الأوزاعي عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة، وقيل: ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه. الحسين بن علي الصوفي الدمشقي قال: قال أبو حمزة الصوفي: نظر عبد الوهاب بن أفلح إلى غلام أمرة مرة، فرفع يديه يدعو ويقول: هذا ذنب، أنا تائب إليك منه، وراجع إليك عنه، فعد علي بما لم أزل أعرفه منك قديماً وحديثاً.

الحسين بن علي أبو عبد الله

الحسين بن علي أبو عبد الله النسوي الفقيه حدث بدمشق سنة أربعين وأربع مئة. وحدث بمعرة النعمان سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، عن أبي القاسم سعيد الإدريسي بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأحبك، فقل: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك. قال الصنابحي: قال لي معاذ بن جبل: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال أبو عبد الرحمن: قال لي الصنابحي: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال عقبة: قال لي أبو عبد الرحمن: وأنا أحبك فقل هذا الدعاء. قال حيوة: قال لي عقبة: وأنا أحبك فقل. وقال أبو عبدة: قال لي حيوة: وأنا أحبك فقل. قال لي عمر: وقال لي أبو عبدة: وأنا أحبك فقل. قال لي الحسن الجروي: وأنا أحبك فقل. قال لنا أبو بكر القرشي: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا أحمد بن سلمان: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا الحسن بن أبي بكر: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا سعيد الإدريسي: وأنا أحبكم فقولوا. وقال لنا أبو عبد الله النسوي: وأنا أحبكم فقولوا: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك. الحسين بن عيسى أبو الرضا الأنصاري الخزرجي العرقي من أهل عرقة من أعمال دمشق. روى عن يوسف بن بحر بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي تطوعاً، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من النار. وروى عن علي بن عبد العزيز بسنده عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من جاء الجمعة فليغتسل.

الحسين بن الفتح بن نصر بن محمد

الحسين بن الفتح بن نصر بن محمد ابن عبد الله بن عبد السلام أبو علي النيسابوري. الفقيه الشافعي، يعرف بكمام سمع بدمشق. حدث في دمشق سنة ثلاث عشرة وثلاثة مئة عن أحمد بن عمير بن يوسف بسنده عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها. وحدث عن أبي أحمد الصيرفي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها. توفي في شوال سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة بمصر. الحسين بن الفضل بن حوي أبو القاسم حدث عن يوسف بن القاسم بسنده عن الأشعث بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشكركم لله، أشكركم للناس. الحسين بن محمد بن أحمد ابن حيدرة أبو عبد الله قاضي أطرابلس. حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن جبير بن الأزرق الصوري بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما إهاب دبغ فقد طهر. حدث سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.

الحسين بن محمد بن أحمد

الحسين بن محمد بن أحمد بن محمد ابن الحسين بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري الحافظ الماسرجسي له رحلة إلى الشام ومصر والعراق. حدث ع جده أبي العباس أحمد بن محمد بسنده عن أبي الجوزاء قال: كنت أخدم ابن عباس تسع سنين، إذ جاءه رجل فسأله عن درهم بدرهمين، فصاح ابن عباس وقال: إن هذا يأمرني أن أطعمه الربا، فقال ناس حوله: إن كنا لنعمل هذا بفتياك، فقال ابن عباس: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد وابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنه، فأنا أنهاكم عنه. توفي في رجب سنة خمس وستين وثلاث مئة وهو ابن ثمان وستين سنة، وكان مولده سنة ثمان وتسعين ومئتين. الحسين بن محمد بن أحمد أبو عبد الله بن العين زربي حدث ع أبي بكر أحمد بن علي الحبال الصوفي قال: دخلت على سيف الدولة فقال: من أين المطعم؟ فقلت: لو كان من أين فني، فأعجب بذلك. مات أبو عبد الله بن العين زربي في شوال سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة. الحسين بن محمد بن أحمد أبو عبد الله الأنصاري الحلبي البزاز المعروف بابن المنيقير حدث بدمشق عن أبي عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تعالى بعثني إلى كل أحمر وأسود ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة للمذنبين من أمتي يوم القيامة.

الحسين بن محمد بن أحمد

وحدث عنه أيضاً بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سأل القضاء وكل إليه، ومن جبر عليه نزل عليه ملكٌ يسدده. توفي سنة ست وثلاثين وأربع مئة. الحسين بن محمد بن أحمد ويقال: ابن عبد الله النيسابوري الشافعي حدث بدمشق. روى عن عبد الله بن أحمد النسوي بسنده عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل وهو يعظه: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. الحسين بن محمد بن أحمد ابن الحسين بن أحمد بن طلاب ابن كثير بن حماد بن الفضل أبو نصر القرشي الخطيب مولى عيسى بن طلحة بن عبيد الله حدث عن أبي الحسين بن جميع بسنده عن سهل بن سعد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الغرر. كان أبو نصر بن طلاب الخطيب قد كسب في الوكالة كسباً عظيماً قال: لما استوفيت سبعين سنة قلت: أكثر ما أعيش عشر سنين أخرى، فجعلت لكل سنة مئة دينار. قال: فعاش أكثر من ذلك، وكان له ملك بالشاغور فاحتاج إلى ضمانه فضمنه من بعض المصامدة، فلم يوفه أجر ذلك المكان؛ فتحمل عليه بالرئيس أبي محمد بن الصوفي، فسأله فلم ينفع فيه سؤاله.

الحسين بن محمد بن أحمد

فقال له أبو محمد: إنه يشكوك إلى الأمير رزين الدولة، فقال المصمودي: دعه يمر إلى الله عز وجل، فقال أبو نصر بن طلاب فقال: والله لاشكوته إلا إلى الذي قال، فتشبث به ابن الصوفي فلم يجبه. قال: ثم دخلت الأتراك دمشق، ومضت المصامدة ولم يمض ذلك المصمودي، وقال: لا أدع ملكي وأمضي. قال: فقبض على المصمودي، فقيل لأبي نصر فقال: قد بقي له، ثم صودر وجرى عليه أمر عظيم، فقيل لأبي نصر، فقال: قد بقي له، ثم ضربت عنقه فقيل لأبي نصر، فقال: هذا الذي كنت أنتظر له. ولد أبو نصر بصيدا سنة تسع وسبعين وثلاث مئة، وتوفي في صفر سنة سبعين وأربع مئة. الحسين بن محمد بن أحمد أبو محمد النيسابوري الواعظ سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسين الدمشقي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت. الحسين بن محمد بن أحمد ابن جعفر أبو عبد الله ويسمى أيضاً محمد النهربيني المقرئ الفقيه حدث عن أبي القاسم يحيى بن أحمد بن أحمد السبتي بسنده عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير.

الحسين بن محمد بن إبراهيم

وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله بعثني ملحمة ورحمة، ولم يبعثني تاجراً ولا زراعاً، وإن شرار الناس يوم القيامة التجار والزراعون إلا من شح على دينه. توفي في ذي القعدة سنة ثلاثين وخمس مئة. الحسين بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله التميمي المعروف بابن البقال حدث عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بسنده عن أبي بردة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن في جهنم وادياً وفي الوادي بئر يقال له: هبهب، حقاً على الله أن يسكنه كل جبار. وقال الكلابي في تسمية شيوخ محمد بن البقال: أبو عبد الله، وذكره في باب المحمدين، والله أعلم. مات سنة ثلاثين وثلاث مئة. الحسين بن محمد بن إبراهيم ابن الحسين بن عبد الله ابن عبد الرحمن أبو القاسم الحنائي المعدل حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله. توفي أبو القاسم الحسين بن محمد الحنائي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وذكر أن مولده سنة ست وسبعين وثلاث مئة.

الحسين بن محمد بن أسد

الحسين بن محمد بن أسد أبو القاسم الديبلي حدث سنة أربعين وثلاث مئة بدمشق عن أبي صالح الحسن بن زكريا العلاف بسنده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باع مدبراً. غريب صحيح. الحسين بن محمد بن جمعة أبو جعفر الأسدي حدث عن سعيد بن منصور بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من تمام عيادة المريض أن يضع يده على جبهته أو يده ويسأله: كيف هو؟ وتمام التحية المصافحة. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة، على كل نقب منهما ملك: لا يدخلهما الدجال ولا الطاعون. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أنس بن مالك قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة فمررت بصبيان فجلست إليهم، فلما استبطأني خرج فمر بالصبيان فسلم عليهم.

الحسين بن محمد بن الحسن

الحسين بن محمد بن الحسن ابن عامر بن أحمد أبو طاهر الأنصاري الخزرجي المقرئ المعروف بابن خراشة الآبلي من أهل آبل، إمام المسجد الجامع بدمشق. حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مداراة الناس صدقة. وحدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار المعروف بابن ذكوان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. الحسين بن محمد بن سنان أبو المعمر الموصلي ثم الأطرابلسي المعروف بابن عياش الضرير حدث عن أحمد بن محمد بن أبي الخناجر الأطرابلسي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يضع تبارك وتعالى الميزان يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار. قيل: يا رسول الله، فمن استوت سيئاته وحسناته؟ قال: أولئك أصحاب الأعراف " لم يدخلوها وهم يطمعون ".

الحسين بن محمد بن شعيب

الحسين بن محمد بن شعيب أبو علي المعدل حدث بدمشق عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمارة العطار بسنده عن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما صباح إلا وملك ينادي: سبحوا الملك القدوس. الحسين بن محمد بن عبد الله ويقال ابن أحمد أبو محمد الإمام قدم دمشق وحدث بها. روى عن عبد الله بن أحمد النسري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل لا يستجيب دعاءً من قلبٍ لاهٍ. كذا رواه مختصراً، وهو بتمامه: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنه لا يقبل دعاء من قلب لاه، أو قال: غافل. الحسين بن محمد بن عبد الله أبو الفضل المصري القاضي المعروف بابن الملحي قدم دمشق وحدث بها سنة ستين وأربع مئة. روى عن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي بسنده عن بلال قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله عز وجل، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد.

الحسين بن محمد بن عتبة بن مساور

الحسين بن محمد بن عتبة بن مساور أبو علي المقرئ الوراق حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال البغدادي الحنائي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام. توفي أبو علي في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مئة بدمشق. الحسين بن محمد بن علي بن عتاب ويقال: ابن علي ابن محمد بن عتاب أبو علي المقرئ البزار حدث عن أبي بكر أحمد بن بكر الخيزراني بسنده إلى عكرمة بن سليمان قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت: " والضحى " قال لي: كبر عند خاتمة كل سورة، قلت: كيف أكبر؟ قال: إذا بلغت: " وأما بنعمة ربك فحدث " فقل: الله أكبر، وافتتح: ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم كبر عند خاتمة كل سورة، فإني قرأت على عبد الله بن كثير الداري فأمرني بذلك، وذكر أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على أبي فأمره بذلك، وذكر أنه قرأ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره بذلك.

الحسين بن محمد بن غويث

الحسين بن محمد بن غويث ويقال: غوث أبو عبد الله التنوخي رحل وسمع. روى عن الحسن بن عبد الله البالسي بسنده عن ابن عمر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع رفعهما. توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وثلاث مئة، وقيل: سنة ثمان عشرة. الحسين بن محمد بن فيرة بن حيون أبو علي الصدفي الأندلسي الحافظ الفقيه من سرقسطة، رحل وسمع بدمشق وبغيرها. حدث في سنة سبع وثمانين وأربع مئة عن الشيخ أبي المعالي محمد بن عبد السلام بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت. الحسين بن محمد بن الوزير أبو أحمد بن أبي الحسين الشاهد الشروطي الحافظ كاتب الميانجي حدث بدمشق عن أبي العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النميري بسنده عن عائشة قالت: كان لنا ثوب فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي، فقالت: كرهه، أو قالت: نهاني عنه، فجعلته وسائد.

الحسين بن محمد وقيل ابن أحمد

وحدث عنه أيضاً بسنده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد في ص وقال: سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكراً. ومن شعر أبي أحمد: من الوافر. عصيت الله في سرٍّ وجهرٍ ... ولم آيس من الغفران منه وما يتحمّل الإنسان ذنباً ... يضيق فسيح عفو الله عنه توفي أبو أحمد في ربيع الأول سنة أربع مئة. الحسين بن محمد وقيل ابن أحمد أبو علي الزاهد الواعظ المعروف بالعطار حدث عن أحمد بن محمد بن سعيد المحلي بسنده إلى سليم بن عيسى قال: غدا علينا يوماً حمزة بن حبيب الزيات المقرئ، وكأن وجهه قد نخل عليه الرماد فقلنا له: يا أستاذ أو يا أبا عمارة، ما الذي نراه بك؟ قال: لا تسألوني قال: فإنا سائلوك. قال: رأيت الليلة كأني في مسجد الكوفة، وكأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأمته تعرض عليه، فجئت فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وعلي قائم على رأسه، فقال قائل: أين عاصم بن أبي النجود؟ فأتي بشيخ، فوصفه حمزة كأنه يراه ولم يكن لقيه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عاصم، قال: لبيك، قال: أنت قارئ أهل الكوفة؟ قال: كذلك يقولون يا رسول الله، قال: فاقرأ سورة النعام، فافتتح فقرأها حتى ختمها. ثم قال القائل: أين حمزة بن حبيب الزيات؟ فمثل لي كأن مفاصلي قد بترت عن أماكنها، فأتي بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقفت بين يديه فقال لي: حمزة؟ فقلت: لبيك، قال لي: أنت قارئ أهل الكوفة؟ فقلت: كذلك يقولون يا رسول الله، قال: اجلس. فجلست، ثم قال: هلم فاتل السورة التي تلاها صاحبك، فافتتحت سورة الأنعام حتى

الحسين بن المبارك الطبراني

أتيت إلى " ضيقاً حرجاً " فقلت: " حرِجاً " فقال لي: " حَرَجا " فقلت: " حرِجا " فقال لي: " حَرَجا " فقلت: " حرِجا " فقال لي: " حَرَجا " وقطب بين عينيه، فقلت: " حَرَجا ". ثم قال حمزة: أيها الناس! إني أقرأتكم منذ أربعين سنة " حرِجا "، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأنيه " حَرَجا "، فاقرؤوها: " حَرَجا ". توفي الحسين العطار المتعبد بدمشق في صفر سنة أربع وأربع مئة. الحسين بن المبارك الطبراني حدث عن إسماعيل بن عياش بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليؤمكم أحسنكم وجهاً، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقاً، قال: وقوا بأموالكم عن أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه. وقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خير نساء أمتي أصبحهن وجهاً، وأقلهن مهوراً. وقال: لا تنفع الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، كما لا تنفع الرياضة إلا في النجيب. وحدث عنه بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. وحدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: إن رأس العقل التحبب إلى الناس، وإن من سعادة المرء خفة لحيته. أنكرت هذه الأحاديث، قالوا: وكان حسين بن المبارك الطبراني حدث بأسانيد ومتون منكرة عن أهل الشام.

الحسين بن المتوكل

الحسين بن المتوكل وهو ابن أبي السري أخو محمد بن أبي السري العسقلاني حدث عن محمد بن شعيب بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الغدو والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله. مات سنة أربعين ومئتين، وقيل: إنه كذاب. الحسين بن مطير بن مكمل مولى بني أسد بن خزيمة ثم لبني سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد كان جده مكمل عبداً فعتق، ويقال: كوتب. كان شاعراً محسناً، أدرك الدولتين، وكلامه وزيه يشبه كلام الأعراب وزيهم، وقدم على الوليد بن يزيد، ومن شعره: من الطويل ليهنك أني لم أطع بك واشياً ... عدواً ولم أصبح لقربك قاليا وأنّي لم أبخل عليك ولم أجد ... لغيرك إلا بالذي لن أباليا ولما نزلنا منزلاً طلّه الندى ... أنيقاً وبستاناً من النّور حاليا أجدّ لنا طيب المكان وحسنه ... منىً فتمنيّنا فكنت الأمانيا خرج المهدي يوماً يتصيد فلقيه الحسين بن مطير فأنشده: من البسيط أضحت يمينك من جودٍ مصورةً ... لا بل يمينك منها صورة الجود من حسن وجهك تضحي الأرض مشرقةً ... ومن بنانك يجري الماء في العود

فقال المهدي: كذبت يا فاسق، وهل تركت في شعرك موضعاً لأحد مع قولك في معن بن زائدة: من الطويل ألمّا بمعن ثم قولا لقبره ... سقتك الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معنٍ كنت أول حفرةٍ ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا ولكن حويت الجود والجود ميّتٌ ... ولو كان حيّاً ضقت حتى تصدّعا وما كان إلا الجود صورة وجهه ... فعاش ربيعاً ثم ولّى فودّعا فلما مضى معنٌ مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا فأطرق الحسين ثم قال: يا أمير المؤمنين، وهل معن إلا حسنة من حسناتك؟ فرضي عنه وأمره له بألفي دينار. أنشد الشافعي لابن مطير: من الطويل وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوحٍ أو لشرب غبوق ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدو أو لنفع صديق ومن شعره: من الطويل ونفسك أكرم عن أشاءٍ كثيرةٍ ... فمالك نفسٌ بعدها تستعيرها ولا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها وأنشد ابن الأعرابي للحسين بن مطير الأسدي من أبيات: من الطويل

الحسين بن المظفر بن الحسين

أحبّك يا سلمى على غير ريبةٍ ... ولا بأس في حبٍّ تعفّ سرائره أحبك حباً لا أعنّف بعده ... محبّاً ولكني إذا ليم عاذره بنفسي من لا بدّ أنّي ناظره ... ومن أنا في الميسور والعسر ذاكره ومن قد رماه الناس حتى اتّقاهم ... ببغضي إلا ما تجنّ ضمائره لقد مات قبلي أول الحبّ فانقضى ... ولو متّ أضحى الحبّ قد مات آخره ولما تناهى الحبّ في القلب وارداً ... أقام وسدّت بعد عنه مصادره وأيّ طبيبٍ يبرئ الحبّ بعدما ... تشرّبه بطن الفؤاد وظاهره ومن شعر الحسين بن مطير: من الطويل وكنت إذا استودعت سراً طويته ... بحفظٍ إذا ما ضيّع السّرّ ناشره وإني لأرعى بالمغيبة صاحبي ... حياءً كما أرعاه حين أحاضره الحسين بن المظفر بن الحسين ابن جعفر ابن حمدان أبو عبد الله الهمداني حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما عرج بي إلى السماء رأيت في السماء السابعة ثمانين ألفاً من الملائكة على جبل الياقوت يستغفرون الله عز وجل لأبي بكر وعمر، ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فرأيت سبعين ألفا من الملائكة على جبل الياقوت يستغفرون الله لمن يستغفر لأبي بكر وعمر. الحسين بن المظفر بن الحسين أبو القاسم الهمداني حدث بدمشق. روى عن أبي الفضل عبد الله بن طاهر بن ماهكة بسنده إلى محمد بن إسحاق المطلبي صاحب المغازي قال: ذكر الزهد عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: من البسيط

الحسين بن نصر بن المعارك

إن المكارم أخلاقٌ مهذّبةٌ ... فالعقل أولها والبرّ ثانيها فذكر قصيدة عدتها اثنان وسبعون بيتاً. وأنشد أبو القاسم الحسين بن المظفر لبعضهم: من الوافر لنعم اليوم يوم السبت حقاً ... لصيدٍ إن أردت بلا امتراء وفي الأحد البناء لأنّ فيه ... تبدّى الله في خلق السماء وفي الاثنين إن سافرت فيه ... تعود إذاً بنجحٍ أو ثراء وإن ترد الحجامة في الثّلاثا ... ففي ساعاته سفك الدماء وإن شرب امرؤ يوماً دواءً ... فنعم اليوم يوم الأربعاء وفي يوم الخميس قضاء حاجٍ ... ففيه الله يأذن بالقضاء ويوم الجمعة التزويج فيه ... ولذات الرجال مع النساء ذكر أبو القاسم الحسين بن المظفر أنه وجد على نصاب سكين: من البسيط في الجبن عارٌ وفي الإقدام مكرمةً ... فمن يفرّ فلا ينجو من القدر وعلى درقة: من مجزوء الرجز والحرب إن لاقيتها ... فلا يكن منك الفشل واصبر على أهوالها ... لا موت إلاّ بأجل الحسين بن نصر بن المعارك أبو علي البغدادي حدث هو وغيره عن فديك بن سلمان بسنده عن صالح بن بشير بن فديك قال: خرج فديك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أنه من لم يهاجر هلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا فديك! أقم الصلاة، وأد الزكاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت تكن مهاجراً.

الحسين بن الوليد أبو علي

وحدث عن عبد الرحمن بن زياد بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن الورس والزعفران. قلنا: للمحرم؟ قال: نعم. توفي في شعبان سنة إحدى وستين ومئتين، وكان ثقة ثبتاً. الحسين بن الوليد أبو علي وقيل: أبو عبد الله القرشي مولاهم النيسابوري، يلقب بشمين سمع بالشام. حدث عن سليمان بن أرقم بسنده عن عثمان بن عفان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصبحة تمنع الرزق. يعني نوم الغداة. وحدث عن شعبة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدايا، وكان فيما أهدى إليه جرة فيها زنجبيل، فأطعم كل إنسان قطعة وأطعمني قطعة. وحدث عن مالك بن أنس بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كانت له عند أخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته، وليستحله منه قبل أن يؤخذ به، وليس ثم دينار ولا درهم، إن كانت له حسنات أخذ من حسناته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فوضع عليه. وحدث عن إبراهيم بن سعد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أصحابي فإنه يجيء في آخر الزمان قوم يسبون أصحابي، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، ولا تناكحوهم، ولا توارثوهم، ولا تسلموا عليهم، ولا تصلوا عليهم. روى عنه أحمد بن حنبل، وقال: هو أوثق من بخراسان في زمانه. وكان يجزل العطية للناس، وكان صاحب مال ويقول: من تعشى عندي فقد أكرمني، ثم إذا خرج يدفع إليهم الصرة. وكان سخياً جواداً، وكان يغزو الترك في كل ثلاث سنين ويحج في كل خمس سنين.

الحسين بن هارون بن عيسى

وكان يطعم أصحاب الحديث الفالوذج، ولا يحدث أحداً حتى يأكل من فالوذجته، وكان ثقة. توفي سنة اثنتين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث ومئتين. الحسين بن هارون بن عيسى ابن أبي موسى أبو علي الإيادي ويقال: اسمه الحسن حدث في سنة سبع وخمسين وثلاث مئة عن أبي عثمان سعيد بن عبد العزيز بن مروان الحلبي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المؤمن القوي خير وأفضل وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، فإن غلبك أمر فقل: قدر الله وما شاء صنع، وإياك واللو فإن اللو تفتح من عمل الشيطان. وحدث عن محمد بن عبد الحميد المكتب بسنده عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في المغرب: " قل يا أيها الكافرون "، و" قل هو الله أحد ". حدث في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. الحسين بن الهيثم بن ماهان أبو الربيع الرازي الكسائي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن خالد يعني ابن عبد السلام بسنده عن عائشة أنها قالت: كانت إحدانا تفطر شهر رمضان من الحيضة فما تقدر أن تقضيه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يأتي شعبان.

الحسين

قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم من شهر أكثر مما يصوم في شعبان، كان يصومه كله إلا قليلاً، بل كان يصومه كله. وحدث عن زكريا بن يحيى كاتب العمري بسنده عن عائشة أنها قالت: لا تحموا مرضاكم شيئاً، فإني مرضت فحموني حتى الماء؛ فعطشت من الليل؛ فقمت إلى قربة معلقة، فشربت أكثر مما كنت أشرب، فأراني الله العافية. كان أبو الربيع ثقة. الحسين بن يحيى بن الحسين ابن جزلان أبو عبد الله حدث في ذي القعدة سنة أربعين وثلاث مئة عن أبي القاسم يزيد بن محمد بن عبد الصمد بسنده عن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح التكبير في الصلاة رفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما دون منكبيه، ثم إذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، ثم إذا قال: سمع الله لمن حمده، فعل مثل ذلك وقال: ربنا ولك الحمد، ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود. توفي في المحرم سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة. كان ثقة. الحسين روى عنه ابنه أبو علي محمد بن الحسين قال: سمعت أبي يقول: سمعت الوليد بن مسلم يقول: سمعت الأوزاعي يقول: خرجنا إلى بيت المقدس وقتاً من الأوقات ومعنا رجل يهودي على حمارة له، فرافقنا في الطريق، فكان حسن العشرة يخدمنا ويقضي حوائجنا حتى أتينا بيت المقدس، فغاب عنا وقتاً، ثم رجع إلينا فقال لنا: عزمتم على الرحيل؟ قلنا: نعم، فخرجنا وسار معنا حتى جئنا إلى بحيرة طبرية فنزلنا. قال: فجاء إلى ضفدع ونحن نراه فشد في عنقه خيطاً

الحسين ويقال الحسن بن المصري

وجره فإذا قد صار الضفدع خنزيراً صغيراً، فدخل به إلى طبرية، فبلغنا أنه باعه حياً واشترى بثمنه زاداً للسفر وقماشاً في كسائه، ثم جاء إلينا. قال: فالتفت، فإذا خلفه النصراني الذي اشترى منه الخنزير، والضفدع قد رجعت إلى حالها، قال: فلما بصر به اليهودي ألقى بنفسه في الأرض، فسقط رأسه ناحية، والجسد ناحية، فبعد أن ذهب النصراني جعل يقول لنا: مر، مر؟ فقلنا: نعم قال: فرج الرأس إلى الجسد. قال الأوزاعي: فقلت والله لا يتبعنا هذا الطريق، فأخذ حمارته وذهب عنا. الحسين ويقال الحسن بن المصري من شيوخ الصوفية، دخل دمشق. حكى عنه الجنيد قال: سمعت الحسن بن المصري يقول: كنت بدمشق، وكان خارجها جبل فوقه رجل، يقال له: عثمان، مع أصحابه يتعبدون، وكان في أسفل الجبل رجل آخر، يقال له: عبد الله، مع أصحابه، وكان يوصف عنه أنه إذا سمع شيئاً من الذكر عدا، فلم يرده شيء، لا نهر ولا ساقية ولا واد. قال حسن: فبينا أنا عنده ذات يوم، إذ قرأ قارئ، قال: فتهيأ له أصحابه فتبعوه حتى استقبلته نار للأعراق قد أوقدوها، قال: فوقع بعضه على النار، وبعضه على الأرض فحملوه. قال أبو القاسم جنيد: إيش يقال في رجل وقعت به حالةٌ هي أقوى من النار!؟. قال أبو القاسم جنيد: مضيت يوماً إلى حسين بن المصري، ومعي دراهم أريد أن أدفعها إليه، وكان يسكن في براثا، وليس له جار إنما هو في صحراء، وكانت امرأته قد ولدت، واحتاجت إلى

الحسين البرذعي أحد الصالحين

ما تحتاج إليه النساء عند الولادة، وكان قد رآها وشق عليه ما يرى من حالها، وجعل يذكر ما نالها من الشدة والأذى وانقطاع الرفق عنها، ووجدتها في تلك العزلة، فأخرجت إليه الدراهم، فقلت له: تشتري لها بعض ما تحتاج إليه، فأبى أن يقبلها مني وقال: لست آخذها ولا أقبلها بوجه ولا سبب، واشتد ذلك عليه فقلت له: لا أحسب يسعك ردها لما أخبرتني به من حال المرأة، فأبى أن يأخذها مني بتة. فأخذت الدراهم، وكانت في صرة، فرميت بها إلى الحجرة التي فيها المرأة، وقلت: أيتها المرأة خذي هذه الدراهم، فاصرفيها فيما تحتاجين إليه، ثم التفت إليه فقلت له: أنت لم تأخذها كما قلت، وحرام عليك أن تمنعها، فسكت، ولم تكن له حيلة فيما فعلت. فانصرفت عنه. الحسين البرذعي أحد الصالحين قال أبو الفرج عبد الوهاب بن علي القرشي: خرجت من دمشق، من أربعين سنة إلى القدس، فصليت فيه ورجعت، ففي رجوعي جئت إلى جب يوسف عليه السلام، قبل الأولى من يوم الخميس، فإذا أنا برجل كهل معه ركوة، فسلمت عليه، وتوضأت أنا وهو من الجب، وصلينا الظهر، فتقدم فصلي بي ثم تقدم فصلي بي العصر، ثم تقدم فصلي بي المغرب، ثم تقدم فصلي بي عشاء الآخرة وأوتر، وكان معي شيء من الطعام فقلت: بسم الله، فأكل منه يسيراً، فقلت له: من يكون الشيخ؟ فقال لي: حسين البرذعي، فقال لي: رأيت؟! إنسان تدركه الجمعة ويخرج ولا يصليها؟ فقلت: يا سيدي نسيت فقال: لا بأس عليك، اخرج. فخرجنا حتى جئنا إلى جب يوسف، فقال: صل ركعتين، فصليت، ثم قال لي: بسم الله، فخرجنا، فقال: تقرأ علي أو أقرأ عليك؟ فقلت: لا بل أقرأ أنا عليك، فقرأت مئة آية، وغاب القمر، وإذا نحن في ضوء غير ضوء القمر، وإذا نحن نمشي كأننا نمشي على

وطاء في أرض مستوية، وهو آخذ بيدي، فكلما جئنا إلى موضع قال لي: صل ركعتين، فعددت أنا صلينا ستين ركعة. ثم جاء بي إلى حائط فقال: أتدري أين أنت؟ قلت: لا. قال: أنت في داريا، أستودعك الله. فقلت له: ادع لي يوفقني الله لطاعته، ويلهمني صيام الدهر، وقيام الليل، ويميتني على الإسلام والسنة والجماعة، فدعا لي. فمن ذلك الوقت ليس علي في الصيام كلفة ولا في قيام الليل، وقال لي: أستودعك الله، فقلت: يا سيدي، ما تجيء معي إلى أهلي؟ قال: لا، قلت: فأصحبك؟ قال: كيف يجوز لك ولك والدان وزوج وأخت؟ ولم أعلمه بهذا!

حصن بن عبد الرحمن

حصن بن عبد الرحمن ويقال: ابن محصن أبو حذيفة التراغمي من أهل دمشق. حدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتاً في النار، ومن تول غير مواليه فليتبوأ بيتاً في النار. وحدث أيضاً بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فلأول، وإن كانت امرأة. قال أبو سليمان حمد بن محمد: قوله: ينحجزوا، معناه: يكفوا عن القتل. وتفسيره أن يقتل رجل وله ورثة رجال ونساء، فأيهم عفا وإن كان امرأة سقط القود، وصار دية. وقوله: الأول فالأول: يريد الأقرب فالأقرب، ويشبه أن يكون معنى المقتتلين ههنا أن يطلب أولياء القتيل القود فيمتنع القتلة، فتنشأ بينهم الحرب والقتال من أجل ذلك، فجعلهم مقتتلين لما ذكرناه. وقد اختلف في عفو النساء. فقال أكثر أهل العلم: عفو النساء عن الدم كعفو الرجل. وقال الأوزاعي وابن شبرمة: ليس للنساء عفو. وعن الحسن وإبراهيم النخعي: ليس للزوج ولا للمرأة عفو في الدم.

حصين بن جعفر الفزاري

حصين بن جعفر الفزاري من أهل دمشق. حدث عن عمير بن هانئ العنسي قال: لقيت عبد الله بن عمر فقلت له: من بك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: من ألحد في حرم الله، قلت: أرأيت أهل الشام، ما تقول فيهم؟ قال: ما أنا لهم بحامد. قلت: فأهل مكة والمدينة؟ قال: ما أنا لهم بعاذر، قوم يتغالبون على الدنيا يتهافتون في النار تهافت الذبان في المرق، قال: وأتيته بمعراض من كلام، فقال: أمالك رحل؟ الحق برحلك، إن رأيت وأرأيت من الشيطان. حصين بن جندب أبو ظبيان الجنبي الكوفي سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجماعة. ذكر الواقدي أنه غزا الصائفة مع يزيد بن معاوية في غزوة قسطنطينية سنة خمسين. روى عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فصبحت الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قالها أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطين، يعني أسامة. قال: فقال رجل: ألم يقل الله عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون

حصين بن مالك أبي الحر بن الخشخاش

الدين كله الله "؟ فقال سعد: قد قاتلناهم حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة. وحدث ظبيان عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله. قال خليفة بن خياط في تسمية أهل الكوفة: أبو ظبيان الجنبي اسمه حصين بن جندب بن عمرو بن الحارث بن وحشي بن مالك بن ربيعة بن منبه بن يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مالك بن أدد بن يشجب، ويزيد بن حرب هم جنب. مات سنة تسعين، وقيل: سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة ست وتسعين. حصين بن مالك أبي الحر بن الخشخاش ابن جناب بن الحارث ابن مجفر ويقال: مجفر، ويقال: حصين بن الحر ويقال: خشخاش بن الحارث ويقال: خشخاش بن مالك بن الحارث ابن أخيف، ولقبه مجفر بن كعب بن العنبر بن عمرو ابن تميم أبو القلوص التميمي العنبري البصري لجده ولأبيه مالك وعميه قيس وعبيد وفادة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جد عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة، وقدم دمشق. روى حصين بن أبي الحر عن الخشخاش قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعي ابن لي قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجني عليك ولا تجني عليه.

وروى حصين بن أبي الحر: أن أباه مالكاً وعميه قيساً وعبيداً أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكوا إليه إغارة رجل من بني عمهم على الناس، فكتب لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا كتاب محمد رسول الله لمالك وقيس وعبيدة بني الخشخاش، إنكم آمنون مسلمون على دمائكم وأموالكم، لا تؤخذون بجريرة غيركم، ولا تجني عليك إلا أيديكم. وروى حصين بن أبي الحر عن سمرة بن جندب قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد دعا حجاماً فهو يحجمه ويشرطه بطرف سكين حديدة، فجاء رجل مسمى من بني فلان نسيت اسمه، فدخل عليه بغير إذن، فقال: لم تدفع ظهرك إلى هذا يفعل به ما أرى؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا الحجم. قال: قلت: وما الحجم؟ قال: هو خير ما تداوى به الناس. قال عمرو بن عاصم الكلابي: كان حصين بن أبي الحر عاملاً لعمر بن الخطاب على ميسان، وبقي حتى أدرك الحجاج، فأتى به فهم بقتله، ثم قال: لا تطهروه بالقتل، ولكن اطرحوه في السجن حتى يموت، فحبسه حتى مات. قال الحصين بن أبي الحر: دخلنا على عمران بن حصين فوافقته يتغدى، فقال: هلم، قلت: إني صائم، فقال عمران: لا تصومن يوماً تجعله عليك حتماً إلا شهر رمضان.

حصين بن نمير بن نابل بن لبيد

حصين بن نمير بن نابل بن لبيد ابن جعثنة بن الحارث بن سلمة بن شكامة بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة، وهو ثور بن عفير ابن عدي بن الحارث أبو عبد الرحمن الكندي ثم السكوني من أهل حمص. كان بدمشق حين عزم معاوية على الخروج إلى صفين وخرج معه، وولي الصائفة ليزيد بن معاوية، وكان أميراً على جند حمص، وكان في الجيش الذي وجهه يزيد إلى أهل المدينة من دمشق لقتال أهل الحرة، واستخلفه مسلم بن عقبة المعروف بمسرف على الجيش، وقاتل ابن الزبير، وكان بالجابية حين عقدت لمروان بن الحكم الخلافة. حدث يزيد بن الحصين بن نمير السكوني عن أبيه قال: جاء بلال يخطب على أخيه، وكان عمر استعمل بلالاً على الأردن فقال: أنا بلال وهذا أخي، كنا عبدين فأعتقنا الله، وكنا ضالين فهدانا الله، وكنا عائلين فأغنانا الله، فإن تنكحونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا إله إلا الله، قال: فأنكحوه، وكانت المرأة عربية من كندة. لما مرت السكون مع أول كندة مع حصين بن نمير السكوني ومعاوية بن حديج في أربع مئة فاعترضهم عمر، فإذا فيهم فتية دلمٌ سباط مع معاوية بن حديج، فأعرض عنهم، ثم أعرض ثم أعرض، فقيل له: مالك ولهؤلاء؟ فقال: إني عنهم لمتردد، وما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم، ثم أمضاهم فكان بعد يكثر أن يتذكرهم بالكراهية. وتعجب الناس من رأي عمر حين تعقبوه، بعد ما كان من أمر الفتنة الذي كان،

وإذا هم رؤوس تلك الفتنة، فكان منهم من غزا عثمان، وكان منهم رجل يقال له: سودان بن حمران قتل عثمان بن عفان، وإذا منهم رجل حليف يقال له: جلد بن ملجم قتل علي بن أبي طالب، وإذا منهم معاوية بن حديج، فنهض في قوم منهم يتتبع قتلة عثمان يقتلهم، وإذا منهم قوم يهوون قتل عثمان، وكان فيهم حصين، وهو الذي حاصر ابن الزبير بمكة، ورمى الكعبة بالمنجنيق، فسترت بالخشب فاحترقت. حدث جماعة، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قال: أمر يزيد مسلم بن عقبة وقال: إن حدث بك حدث فحصين بن نمير على الناس، فورد مسلم بن عقبة المدينة، فمنعوه أن يدخلها، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، ثم خرج يريد ابن الزبير، فلما كان بالمشلل نزل به الموت، فدعا حصين بن نمير فقال له: يا بردعة الحمار، لولا عهد أمير المؤمنين إلي فيك ما عهدت إليك، اسمع عهدي: لا تمكن قريشاً من أذنك ولا تزدهم على ثلاث: الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف. وأعلم الناس أن الحصين واليهم ومات مكانه، فدفن على ظهر المشلل لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين. ومضى حصين بن نمير في أصحابه حتى قدم مكة، فنزل بالحجون إلى بئر ميمون، وعسكر هناك، فكان يحاصر ابن الزبير، فكان الحصر أربعة وستين يوماً يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير، فكان الحصر أربعة وستين يوماً يتقاتلون فيها أشد القتال، ونصب الحصين المنجنيق على ابن الزبير وأصحابه، ورمى الكعبة، وقتل من الفريقين بشر كثير، وأصاب المسور فلقة من حجر المنجنيق، فمات ليلة جاء نعي يزيد بن معاوية، وذلك لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين. فكلم حصين بن نمير ومن معه من أهل الشام عبد الله بن الزبير: إن يدعهم يطوفوا بالبيت وينصرفوا عنه، فشاور في ذلك أصحابه، ثم أذن لهم، فطافوا.

وكلم ابن الزبير الحصين بن نمير، وقال له: قد مات يزيد، وأنا أحق الناس بهذا الأمر، لأن عثمان عهد إلي في ذلك عهداً صلى به خلفي طلحة والزبير وعرفته أم المؤمنين فبايعني، وادخل فيما يدخل فيه الناس معي يكن لك ما لهم وعليك ما عليهم. فقال له الحصين بن نمير: إني والله يا أبا بكر لا أتقرب إليك بغير ما في نفسي، أقدم للشام فإن وجدتهم مجتمعين لك أطعتك وقاتلت من عصاك، وإن وجدتهم مجتمعين على غيرك أطعته وقاتلتك، ولكن سر أنت معي إلى الشام أملكك رقاب العرب. فقال له ابن الزبير: أو أبعث رسولاً؟ قال: تباً لك سائر اليوم، إن رسولك لا يكون مثلك. وافترقا، وأمن الناس، ووضعت الحرب أوزارها، وأقام أهل الشام أياماً يبتاعون حوائجهم ويتجهزون، ثم انصرفوا راجعين إلى الشام، فدعا ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه. وفي سنة ست وستين عام الخازر، قتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير وجرير بن شراحيل الكندي في آخرين، وقيل: في سنة سبع وستين، قتلهم إبراهيم بن الأشتر وبعث برؤوسهم إلى المختار، فبعث بها إلى ابن الزبير، فنصبت بالمدينة ومكة. وقيل: إن المختار لما بعث برأس ابن زياد وحصين بن نمير مع رؤوس أناس من أشراف أهل الشام قال ابن الزبير: انصبوا رأس كل رجل منهم عند قذافته التي كان يرمينا منها. قال محمد بن إسماعيل: ثم أحرق مصعب بن الزبير المختار، وأحرق إبراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير، فقال عبد الملك بن مروان وأتي بجسد ابن الأشتر لمولى لحصين بن نمير: حرقه كما حرق مولاك.

حصين بن الوليد

حصين بن الوليد مولى بني يزيد بن معاوية حدث عن الأزهر بن الوليد الحمصي قال: سمعت أم الدرداء ببيت المقدس وهي تحدث عن سير الحجاج بالعراق، فقالت: والله لقد كنت أسمع وأنا أهدي إلى أبي الدرداء: ليكفرن أقوام من هذه الأمة بعد إيمانهم. كان حصين ثقة. حضين بن المنذر بن الحارث ابن وعلة بن المجالد بن اليثربي بن الريان بن الحارث بن مالك بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو ساسان وهو لقب وكنيته أبو محمد الرقاشي البصري روى عن عثمان وعلي وغيرهما. قال حضين بن المنذر: صلى الوليد بن عقبة أربعاً وهو سكران، ثم انفتل فقال: أزيدكم؟ فرفع ذلك إلى عثمان، فقال له علي بن أبي طالب: اضربه الحد. فأمر بضربه، فقال علي للحسن: قم فاضربه. قال: فما أنت وذاك؟. قال: إنك ضعفت ووهنت وعجرت، ثم قال: قم يا عبد الله بن جعفر، فقام عبد الله بن جعفر فجعل يضربه وعلي يعد حتى إذا بلغ أربعين قال: كف أو اكفف. ثم قال: ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين، وضرب أبو بكر أربعين، وضرب عمر صدراً من خلافته أربعين، وثمانين، وكل سنةٌ. قال يونس: وفد الحضين بن المنذر إلى بعض الخلفاء، فكان الآذن أبطأ في الإذن، فسبقه القوم

لتباطئه، فقال له الخليفة: مالك يا أبا ساسان تدخل علي في آخر الناس؟ فقال: من الطويل وكلّ خفيف الشأن يسعى مشمّراً ... إذا فتح البواب بابك إصبعا ونحن الجلوس الماكثون رزانةً ... وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا وقيل: إن الوفادة كانت على معاوية، وإنه كان يؤذن له في أول الوفد فيدخل في آخرهم، فقال له معاوية: مالك يا أبا ساسان؟ إنا نحسن إذنك، فأنشده البيتين. قال يعقوب: وحضين بن المنذر هو الذي يؤثر عنه أن ختنه على ابنته أو أخته كان إذا دخل عيه تنحى له حضين عن مجلسه ثم قال: مرحباً بمن كفانا المؤونة وستر العورة. وكان الحضين بخراسان أيام قتيبة بن مسلم، فدخل عليه، وهو عنده، مسعود بن حراش العبسي، والحضين شيخ كبير معتم بعمامة، فقال مسعود لقتيبة: من هذه العجوز المعتمة عند الأمير؟ فقال قتيبة: بخ، هذا حضين بن المنذر، فقال حضين: من هذا أيها الأمير؟ قال: مسعود بن حراش العبسي، فقال حضين: إنا والله ممن لم يمجد قومه في الجاهلية عبد حبشي، يعني عنترة، ولا في الإسلام امرأة بغي، قال: فسكت عنه مسعود بن حراش. وشهد الحضين صفين مع علي عليه السلام. وبقي إلى أيام معاوية، فوفد عليه، وكان لا يعطي البواب ولا الحاجب شيئاً؛ فكان لا يأذن له الحاجب إلا آخر الناس، فدخل يوماً فقام حيال معاوية، وأنشد البيتين: وكل خفيف الشأن....................................... قال: فأومأ إليه معاوية أن أعطهم شيئاً فإنك لا تعطي أحداً شيئاً.

حدث الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال: حضين بن المنذر أبو ساسان الرقاشي هو حضين بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة ونون، من سادات ربيعة، وكان صاحب راية أمير المؤمنين يوم صفين، وفيه يقول أمير المؤمنين: من الطويل لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل: قدّمها، حضين تقدّما وتتمة الأبيات في رواية أبي جعفر محمد بن مروان أن علياً قالها: فيوردها في الصف حتى يقيلها ... حياض المنايا تقطر الموت والدما جزى الله قوماً قاتلوا في لقائهم ... لدى الموت قدماً ما أعزّ وأكرما وأطيب أخباراً وأكرم شيمةً ... إذا كان أصوات الرجال تغمغما ربيعة أعني إنهم أهل نجدةٍ ... وبأسٍ إذا لاقوا خميساً عرمرما قال الحسن: ثم ولاه إصطخر، وكان يبخل، وفيه يقول زياد الأعجم: من الطويل يسدّ حضينٌ بابه خشية القرى ... بإصطخر والشاة السمين بدرهم وفيه يقول الضحاك بن هنام: من الطويل وأنت امرؤٌ منا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفعٌ، وموتك فاجع

قال الحافظ: ولا أعرف من سمي حضيناً بالضاد والنون غيره، وغير من ينسب إليه من ولده. وكان شاعراً فارساً صدوقاً، كان على راية علي عليه السلام يوم صفين، وكان صاحب شرطته، وسماه يعقوب بن سفيان في أمراء يوم الجمل من أصحاب علي. قال محمد بن داود المازني: قيل لحضين بن المنذر: بأي شيء سدت قومك؟ قال: بحسب لا يطعن فيه، ورأي لا يستغنى عنه، ومن تمام السؤدد أن يكون الرجل ثقيل السمع عظيم الرأس. قال الشعبي: قال قتيبة بن مسلم لوكيع بن أبي سود: ما السرور؟ قال: لواء منشور، وجلوس على السرير، والسلام عليك أيها الأمير. فقال للحضين بن المنذر: ما السرور؟ قال: دار قوراء، وامرأة حسناء، وفرس مربوط بالفناء. وقال لرجل من بني قشير: ما السرور؟ قال: الأمن والعافية، قال: صدقت. قال سليمان بن أبي شيخ: لما فتح قتيبة بن مسلم سمرقند أمر بفرشه ففرشت، فأجلس الناس على مراتبهم، وأمر بقدور الصفر فنصبت، فلم ير الناس مثلها في الكبر، إنما يرقى إليها بالسلالم، والناس منها متعجبون. وأذن للعامة، فاستأذنه أخوه عبد الله بن مسلم في أن يكلم الحضين بن المنذر الرقاشي على جهة التعبث به، وكان عبد الله بن مسلم يحمق، فنهاه قتيبة عن كلام الحضين وقال: هو باقعة العرب، وداهية الناس ومن لا تطيقه، فخالفه، وأبى إلا كلامه.

فقال للحضين: يا أبا ساسان: أمن الباب دخلت؟ فقال له: ما لعمك بصر بتسور الجدران. وفي رواية: وكان ذلك يتسلق على جيرانه، قال: أفرأيت القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى. قال: أفتقدر أن رقاش رأت مثلها؟ قال: ولا رأى مثلها عيلان، ولو رأى مثلها لسمي شبعان، ولم يسم عيلان، قال: أفتعرف الذي يقول: سن الطويل عزلنا وأمّرنا وبكر بن وائلٍ ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف قال: نعم وأعرف الذي يقول: من الوافر فخيبة من يخيب على غنيٍّ ... وباهلةٍ ويعصر والرّباب والذي يقول: من الكامل إن كنت تهوى أن تنال رغيبةً ... في دار باهلة بن يعصر فارحل قومٌ قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل قال عبد الله بن مسلم: فهو الذي يقول: من الطويل يسدّ حضين بابه خشية القرى ... بإصطخر والكبش السمين بدرهم ثم قال عبد الله: يا أبا ساسان، دعنا من هذا، هل تقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: إني لأقرأ منه الكثير الطيب: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ". فاغتاظ عبد الله وقال: لقد بلغني أن امرأتك زفت إليك وهي حامل،

حطان بن عوف

فقال الحضين: يكون ماذا؟ تلد غلاماً، فيقال: فلان ابن الحضين كما قيل: عبد الله بن مسلم. فقال قتيبة: اكفف لعنك الله، فأنت عرضت نفسك لهذا. وفي رواية أخرى: قتيبة، إن تكفف أخاك تكفّه ... وفي الوصل مطمعٌ، يا بن مسلم وإلا فإني والذي نسكت له ... رجال قريشٍ والحطيم وزمزم لئن لجّ عبد الله في بعض ما أرى ... لأرتقين في شتمكم رأس سلّم أمزحٌ بشيخٍ بعد تسعين حجّةً ... طوتني كأني من بقية جرهم فما ردّ مزحٌ قطّ خيراً علمته ... وللمزح أهلٌ لست منهم فأحجم أدرك أبو ساسان خلافة سليمان بن عبد الملك، وسليمان بويع سنة ست وتسعين وقيل: إنه مات في خلافة سليمان. حطان بن عوف شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية. وحدث: أنه رأى يوماً بلالاً يؤذن بالشام. حدث سعيد بن عبد العزيز وغيره قالا: لما قبض الله تعالى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجهز أبو بكر الجيوش إلى الشام ترك بلال الأذان، وأجمع المسير معهم، أراد أبو بكر منعه فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك أقمت عندك، وإن كنت أعتقتني لله فدعني والجهاد في سبيل الله، فخلى سبيله، وخرج فيمن خرج، فلم يزل مجاهداً حتى فتح الله عليهم الشام. وقدم عمر بن الخطاب الجابية فسأل المسلمون عمر مسألة بلال بالأذان لهم ليسمعوا تأذينه، ففعل عمر، وأذن بلال يوماً واحداً أو لصلاة واحدة، فما رأى أكثر باكياً من بكاء

حظي بن أحمد بن محمد بن القاسم

المسلمين يومئذ بالجابية، أذكرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كانوا يسمعون من تأذينه له، وعرفوا من صوته، فلم يزل المسلمون بالشام يقولون: إن تأذينهم هذا الذي هم عليه من تأذين بلال يومئذ. حظي بن أحمد بن محمد بن القاسم أبو هانئ السلمي الصوري روى عن أبي الحسن أحمد بن داود بن أبي صالح الحراني بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجبت محبة الله على من غضب فحلم. حفاظ بن الحسن بن الحسين أبو الوفاء الغساني الفزار المعروف بابن نصف الطريق لحفاظ ابن اسمه علي وكنيته أبو الحسن أحد المعدلين، كان بدمشق. ذكر أن سبب تلقيب جدهم الأعلى بنصف الطريق: أنه خرج مع جبلة بن الأيهم طالباً قسطنطينية للارتداد، ثم تفكر وندم وعاد من نصف الطريق. وكان حفاظ شيخاً مستوراً، توفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة. حفاظ بن سلامة الناسخ قال حفاظ: أنشدني أبو سعد عالي بن عثمان بن جني قال: أنشدني الرضي لنفسه: من الكامل لا تحسبيه يخون عهدكم ... ويطيع فيك اللوم والعذلا لو كنت أنت، وأنت مهجته، ... واشي هواك إليه ما قبلا

حفص بن سعيد

حفص بن سعيد بن جابر حدث عن أبي إدريس الخولاني عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أحدث هجاء في الإسلام فاضربوا عنقه. ثم يقول: هجاء للإسلام. حفص بن سعيد روي عن حفص بن سعيد أن قال: وجد في قرية من قرى الغوطة قبر، فأخرج منه رجل، رأسه وجسده مسمر بالمسامير، لا يدري أيش قصته. قال الراوي: فأخذت منه مسماراً، فجعله وتداً لدابته. حفص بن سليمان أبو سلمة الكوفي المعروف بالخلال كان من دعاة بني العباس، كان يقال لأبي سلمة وزير آل محمد، ولأبي مسلم الخراساني أمين آل محمد. أشخص أبو العباس السفاح أبا سلمة، ثم دس عليه أبو مسلم من قتله غيلة. ذكر حديثاً مطولاً مختصره: أن أبا العباس شخص ومعه جماعة من أهل بيته حتى قدموا الكوفة، فأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعيد مولى بني هاشم في بني أود، وكتم أمرهم نحواً من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة، وأراد فيما ذكر تحويل الأمر إلى آل أبي طالب، لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد.

وقال أبو الجهم لأبي سلمة: ما فعل الإمام؟ قال: لم يقدم. فألح عليه يسأله، قال: قد أكثرت السؤال، وليس هذا زمان خروجه، حتى لقي ابن حميد خادماً لأبي العباس، يقال له: سابق الخوارزمي. فسأله عن أصحابه فأخبره أنهم بالكوفة وأن أبا سلمة أمرهم أن يختفوا. فجاء به إلى أبي جهم، فأخبره خبرهم، فسرح أبو الجهم أبا حميد مع سابق حتى عرف منزلهم بالكوفة، ثم رجع. وجاء رجل فأخبر أبا الجهم بنزول الإمام بني أود، وأنه أرسل، حين قدموا إلى أبي سلمة يسأله مئة دينار فلم يفعل، فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم إلى موسى بن كعب بمئتي دينار، ومضى أبو الجهم إلى أبي سلمة فسأله عن الإمام فقال: ليس هذا وقت خروجه، واسط لم تفتح بعد. فرجع أبو الجهم إلى موسى بن كعب فأخبره، فأجمعوا على أن يلقوا الإمام، فمضى موسى بن كعب وأبو الجهم وعبد الحميد بن ربعي وجماعة سماهم إلى الإمام، فبلغ أبا سلمة أنهم ركبوا إلى الكوفة في حاجة لهم، وأتى القوم أبا العباس فدخلوا عليه، فقالوا: أيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية؟ فقالوا: هذا، فسلموا عليه بالخلافة، فرجع موسى بن كعب وأبو الجهم وتخلف الآخرون عند الإمام. فأرسل أبو سلمة إلى أبي الجهم: أين كنت؟ قال: ركبت إلى إمامي، فركب أبو سلمة إليهم، فأرسل أبو الجهم إلى أبي حميد: أن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على الإمام إلا وحده، فلما انتهى إليهم أبو سلمة، منعوه أن يدخل معه أحد، فدخل وحده، فسلم بالخلافة على أبي العباس، وخرج أبو العباس على برذون أبلق يوم الجمعة فصلى بالناس. فقيل: إن أبا سلمة لما سلم على أبي العباس بالخلافة قال له أبو حميد: على رغم أنفك يا ماص بظر أمه، فقال له أبو العباس: مه. قال أبو جعفر: لما ظهر أبو العباس أمير المؤمنين، سمرنا ذات ليلة، فذكرنا ما صنع أبو سلمة، فقال رجل منا: ما يدريكم، لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم؟ فلم ينطق منا أحد. فقال أبو العباس: لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم، إنا بعرض بلاء، إلا أن يدفعه الله عنا، وتفرقنا.

قال: فأرسل إلي أبو العباس فقال: ما ترى؟ فقلت: الرأي رأيك، فقال: ليس منا أحد أخص بأبي مسلم منك، فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه، فليس يخفى عليك لو قد لقيته، فإن كان عن أيه احتلنا لأنفسنا، وإن لم يكن عن رأيه طابت أنفسنا، فخرجت على وجل. فلما قدمت الري، أتاني عامل الري، فأخبرني بكتاب أبي مسلم: أنه بلغني أن عبد الله بن محمد قد توجه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك. قال: وأمرني بالرحيل؛ فازددت وجلاً، وخرجت من الري، وأنا حذر خائف، فسرت، فلما كنت بنيسابور أتاني عاملها بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم، فإن أرضك أرض خوارج ولا آمن عليه. فطابت نفسي وقلت: أراه يعني بأمري، فسرت. فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في الناس، فلما دنا مني مشى إلي حتى قبل يدي، فقلت له: اركب، فركب، فدخلت مرو، فنزلت داراً، فمكثت ثلاثة أيام، لا يسألني عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته. فقال: فعلها أبو سلمة، أكفيكموه، فدعا مرار بن أنس الضبي، فقال: انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته، وانته في ذلك إلى رأي الإمام. فقدم مرار الكوفة فقتله. وفي حديث آخر: أن أبا العباس كان قد تنكر لأبي سلمة قبل ارتحاله عن عسكره بالنخيلة، ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية، فنزل قصر الإمارة بها، وهو متنكر له، قد عرف ذلك منه. ثم كتب إلى أبي مسلم يعلمه رأي أبي سلمة، وما كان هم به من الغش، وما يتخوف منه. فكتب أبو مسلم: إن أمير المؤمنين إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله. فقال داود بن علي لأبي العباس: لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك، وحاله فيهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله.

حفص بن أبي العاص بن بشر

فكتب إلى أبي مسلم بذلك، فبعث إليه أبو مسلم مرار بن أنس الضبي، فقدم على أبي العباس في المدينة الهاشمية، وأعلمه سبب قدومه، فأمر أبو العباس منادياً ينادي: إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة، ودعاه وكساه، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة، فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل، ثم خرج منصرفاً إلى منزله وحده، فعرض له مرار بن أنس ومن معه من أعوانه، فقتلوه، وأغلقت أبواب المدينة، وقالوا: قتل الخوارج أبا سلمة، وأخرج من الغد فصلي عليه، فقال سليمان بن المهاجر البجلي: من الكامل إنّ الوزير وزير آل محمدٍ ... أودى فمن يشناك كان وزيرا وقيل: إن أبا سلمة قتل بحمام أعين غيلة سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل: قتله مرار سنة ثلاث وثلاثين ومئة. حفص بن أبي العاص بن بشر ابن دهمان ويقال: بشر بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف الثقفي البصري. روى عن عمر بن الخطاب. وقيل: إن له صحبة. قال حميد بن هلال: كان حفص بن أبي العاص يحضر طعام عمر، فكان لا يأكل، فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إن طعامك خشب غليظ، وإني أرجع إلى طعام لين قد صنع لي فأصيب منه، قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيلقى عنها شعرها، وآمر بدقيق فينخل في خرقة، ثم آمر به فيخبز خبزاً رقاقاً، وآمر بصاح من زبيب فيقذف في سعن ثم يصب عليه من الماء، فيصبح كأنه دم غزال. فقال: إني لأراك عالماً بطيب العيش. فقال: أجل، والذي نفسي بيده، لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم.

حفص بن عمر بن سعيد

حفص بن عبيد الله بن أنس ابن مالك بن النضر الأنصاري روى عن جده أنس، أنه حدثه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يجمع بين الصلاتين في السفر، يعني المغرب والعشاء: وفي حديث آخر: فسألت حفصاً متى جمع بينهما؟ قال: حيث يغيب الشفق عند مغيبه. قال حفص: كان أنس يفعل ذلك. وروى عنه أيضاً أنه قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، إنا نريد أن ننحر جزوراً لنا ونحب أن تحضرها قال: نعم. فانطلق، فانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم ينحر، فنحرت، ثم قطعت ثم طبخ منها، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس. وحدث حفص أيضاً قال: قدم أنس بن مالك على عبد الملك وأنا معه، قال: فأقام بالشام شهرين يصلي صلاة المسافر. وفي رواية: أن أنس بن مالك أقام بالشام شهرين مع عبد الملك، فكان يصلي ركعتين. حفص بن عمر بن سعيد ابن أبي عزيز جندب بن النعمان الأزدي من أهل النيبطن، وسكن بزملكا. حدث أبو نصر ظفر بن محمد بن ظفر بن عمر بن حفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي، صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سمعت أبي، محمد بن ظفر، يذكر عن أبيه ظفر بن عمر عن أبيه عمر بن حفص عن أبيه حفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي: أنه سأل عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين: إن في غوطة دمشق قرية

حفص بن عمر بن حفص

يقال لها: زملكا، ولي فيها بنو عم، وسألوني الإشراف عليهم، وليس لي في الموضع شيء، فقال له عبد الملك: سل هل لنا في تلك القرية شيء؟ فنظروا فإذا فيها ضيعة من صوافي الروم، فأقطعه إياها، وكتب له عبد الملك بن مروان بذلك كتاباً هذا لحنه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين لحفص بن عمر بن سعيد بن أبي عزيز الأزدي: إني أنطيتك بقرية زملكا كذا وكذا فداناً، وأشهد على نفسه أخويه، محمداً وعبد العزيز، وقبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع. قال ظفر بن محمد: فبقيت تلك الضيعة بزملكا في أيدينا إلى الساعة نتوارثها كابراً عن كابر. حفص بن عمر بن حفص ابن أبي السائب ويقال: حفص بن عمر بن صالح بن عطاء بن السائب بن أبي السائب المخزومي القرشي العماني. قاضي عمان، أصله من المدينة. حدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي طالب: أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضها، ويعاودانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ". وأنزل الله تعالى في أبي طالب أيضاً: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ... " الآية

حفص بن عمر ويقال ابن عمرو

وحدث عن الوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة قال: إذا رأيت الرجل لجوجاً مماريا معجباً برأيه، فقد تمت خسارته. حفص بن عمر ويقال ابن عمرو ابن سويد أبو عمرو العدوي البغدادي وحدث عنه أيضاً عن ثور بن يزيد عن عمرو بن قيس قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوعظنا، فبكى سعد بن أبي وقاص، وقال: يا ليتني مت، يا ليتني لم أخلق، قال: فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى علته حمرة، فقال: يا سعد أعندي تمنى الموت؟ لئن كنت خلقت للنار وخلقت لك، ما النار بالشيء يستعجل إليها، ولئن كنت خلقت للجنة وخلقت لك، لأن يطول عمرك ويحسن عملك خير لك. وحدث عنه أيضاً عن ثور بن يزيد عن عمرو بن قيس قال: قدمت مع أبي حوارين في العام الذي مات فيه معاوية بن أبي سفيان واستخلف يزيد، فجلست مع أبي في مجلس ما جلست بعدهم إلى مثلهم، فإذا رجل يحدث القوم، قال: فأدخلت رأسي بين أبي وبين الذي يليه، فكان مما وعيت أن قال: إن من أشراط الساعة أن يفتح القول ويخزن الفعل، وترفع الأشرار ويوضع الأخيار، وتقرأ المساءة بين أظهر القوم، ليس لها منهم منكر، فقال قائل: وما المساءة يرحمك الله؟ قال: كل شيء اكتتب من غير كتاب الله. قالوا: أفرأيتك الحديث يبلغنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: من سمع منكم حديثاً من رجل يأمنه على دمه ودينه، فاستطاع أن يحفظه فليحفظه، وإلا فعليكم كتاب الله، فيه تجزون، وعنه تسألون، وكفى به علماً لمن علمه. قال: والرجل عبد الله بن عمرو بن العاص.

حفص بن عمر بن عبد الله

قال عمرو بن واقد: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله، فقال: حدثني أبي أنه كان معهم في ذلك المجلس. قال حفص بن عمر الدمشقي: بلغ إبراهيم بن أدهم وفاة قريب له بخراسان وترك مالاً عظيماً، فقال لصاحب له: اخرج بنا، فخرجا، فأراد الوضوء والغداء وهم على ضفة البحر، فرأى إبراهيم طيراً أعمى واقفاً في ضحضاح البحر، فما لبث أن تحرك الماء، فرأى سرطاناً في فمه طعم، فلما أحس به الطير فتح منقاره، فألقى فيه السرطان الطعم، فقال إبراهيم لصاحبه: تعال انظر، ثم قال: ويحك هذا طير سخر له سرطان في البحر، يأتيه رزقه ونحن نذهب نطلب ميراثاً وقد تخلينا من الدنيا، ارجع بنا، فجلس بالشام ولم يخرج. وحدث أبو عمرو حفص بن عمر الخطابي البغدادي عن معاوية بن سلام بسنده عن أبي مالك مرفوعاً: إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام والناس نيام. حفص بن عمر بن عبد الله ابن أبي طلحة زيد بن سهل أبو عمرو الأنصاري ابن ابن أخي أنس بن مالك لأمه حدث عن أنس قال: انطلق بي في أربعين رجلاً من الأنصار حتى أتى بنا عبد الملك بن مروان، ففرض لنا، فلما رجع رجعنا، حتى إذا كنا بفج الناقة صلى بنا الظهر ركعتين وسلم، فدخل فسطاطه، فقام القوم يضيفون إلى ركعتينا ركعتين أخريين فقال: قبح الله الوجوه، ما قبلت الرخصة، ولا أصابت السنة: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن قوماً يتعمقون في الدين يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية.

حفص بن عمر بن عبد الرحمن

وحدث عنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذه الدعوات: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع. قال: ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع. وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النصار كرشي وعيبتي، وأوصي بالأنصار خيراً أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم. وحدث عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال جبريل: من صلى عليك له عشر حسنات. وحدث عنه أيضاً قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت مع من أحببت. حفص بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري وفد على الوليد بن عبد الملك. حدث عن جدته سهلة بنت عاصم بن عدي الأنصارية: أنها ولدت يوم خيبر فسماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهلة. وفي حديث آخر عنه أنها قالت: ولدت يوم حنين يوم فتح الله عز وجل حنيناً فسماني سهلة، وقال: سهل الله أمركم، فضرب لي بسهم، وتزوجني عبد الرحمن بن عوف يوم ولدت.

حفص بن عمر أبو الوليد مولى قريش

حفص بن عمر أبو الوليد مولى قريش دمشقي سكن مصر، ويعرف بحفص صاحب حديث القطف. حدث عن عقيل بن خالد بسنده عن عبد الله بن عباس قال: أتى جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن ربك يقرئك السلام وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله. فأخذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي سنة سبعين ومئة. حفص بن غيلان أبو معيد الرعيني الحميري وقيل: الهمذاني. حدث عن مكحول عن أنس قال: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم. قالوا: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم والفقه في رذالكم. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة. حفص بن مسيرة أبو عمر الصنعاني نزيل عسقلان، قيل: إنه من صنعاء الشام، وقيل: من صنعاء اليمن. حدث عن زيد بن أسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة

أحدكم من الرجل يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن جاءني يمشي، أتيته أهرول. وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: اليهود والنصارى. قال أبو عمر الصنعاني: إذا كان يوم القيامة عزلت العلماء، فإذا فرغ الله من الحساب، قال: لم أجعل حكمتي فيكم اليوم إلا لخير أريده فيكم، ادخلوا الجنة بما فيكم. قال حفص بن ميسرة: رأيت على باب وهب بن منبه مكتوباً: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، وذلك في قول الله عز وجل: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله، لا قوة إلا بالله ". وهب بن منبه كان يسكن صنعاء اليمن. قال حفص بن ميسرة: قدم بشر بن روح المهلبي أميراً على عسقلان، فقال: من ههنا؟ قيل: أبو عمر الصنعاني، يعني حفص بن ميسرة، فأتاه فخرج إليه فقال: عظني، فقال: أصلح فيما بقي من عمرك يغفر لك ما قد مضى منه، ولا تفسد فيما بقي فتؤخذ فيما قد مضى. توفي حفص بن ميسرة سنة إحدى وثمانين ومئة.

حفص بن الوليد بن سيف

حفص بن الوليد بن سيف ابن عبد الله بن الحارث بن جبل ابن كليب بن عوف بن عوف بن معاهر بن عمرو بن زيد ابن مالك بن زيد بن الحارث بن عمرو بن محمد بن قيس بن كعب بن سهل بن زيد بن حضرموت أبو بكر الحضرمي المصري أمير مصر من قبل هشام بن عبد الملك، وليها ثلاث مرات. حدث عن محمد بن مسلم بسنده عن ابن عباس قال: أبصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة ميتة لمولاة لميمونة وكانت من الصدقة فقال: لو نزعوا جلدها فانتفعوا به، قال: إنها ميتة، قال: إنما حرم أكلها. روى الليث: أن حفص بن الوليد أول ولايته بمصر أمر بقسم مواريث أهل الذمة على قسم مواريث المسلمين، وكانوا قبل حفص يقسمون مواريثهم بقسم أهل دينهم. وفي سنة ثمان وعشرين ومئة قتل حفص بن الوليد، قتله حوثرة بن سهيل الباهلي بمصر في شوال، وكان ممن خلع مروان بن محمد مع رجاء بن الأشيم الحميري وغيرهم، وقال المسور الخولاني يحذر ابن عم له من مروان: من الطويل وإنّ أمير المؤمنين مسلّطّ ... على قتل أشراف البلادين فاعلم فإيّاك لا تجني من الشر غلظةً ... فتؤذى كحفصٍ أو رجاء بن أشيم فلا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم ... وكيف وقد أضحوا بسفح المقطّم؟!

حفص الأموي

حفص الأموي شاعر من شعراء الدولة الأموية، بقي حتى أدرك دولة بني العباس، ولحق بعبد الله بن علي، واستأمنه فأمنه. قال إبراهيم بن سفيان الزيادي: كان حفص الأموي هجاء لبني هاشم، وطلبه عبد الله بن علي فلم يقدر عليه، ثم جاءه فقال: عائذ بالأمير منه، قال: ومن أنت؟ قال: حفص الأموي، قال: ألست الهجاء لبني هاشم؟ قال: أنا الذي أقول أعز الله الأمير: من المتقارب وكانت أمية في ملكها ... تجور وتكثر عدوانها فلما رأى الله أن قد طغت ... ولم يطق الناس طغيانها رماها بسفّاح آل الرسول ... فجذّ بكفّيه أعيانها ولو آمنت قبل وقع العذاب ... لقد قبل الله إيمانها فقال: اجلس، فجلس، فتغدى بين يديه، ثم دعا خادماً له، فساره بشيء، ففزع حفص فقال: ايها الأمير قد تحرمت بك وبطعامك، وفي أقل من هذا كانت العرب تهب الدماء، فقال: ليس ما ظننت، فجاء الخادم بخمس مئة دينار فقال: خذها ولا تقطعنا وأصلح ما شعبت منا. قال هشام يوماً لجلسائه وقوامه على خيله: كم أكثر ما ضمت عليه حلبة من الخيل في إسلام أو جاهلية؟ فقيل له: ألف فرس، وقيل: ألفان، فأمر أن يؤذن الناس بحلبة أربعة آلاف فرس، فقيل له: يا أمير المؤمنين يحطم بعضها بعضاً، ولا يتسع لها طريق، فقال: نطلقها ونتوكل على الله، والله الصانع. فجعل الغاية خمسين ومئتي غلوة، والقصب: مئة، والمقوس ستة أسهم، وقاد إليه الناس من كل أوب، ثم برز هشام إلى دهناء الرصافة قبيل الحلبة بأيام، فأصلح

طريقاً واسعاً لا يضيق بها، فلما أرسلت يوم الحلبة بين يديه، كان ينظر إليها تدور حتى ترجع، فجعل الناس يتراءونها حتى أقبل الذائد كأنه ريح لا يتعلق به شيء، حتى دخل سابقاً وأخذ القصبة، ثم جاءت الخيل بعد لأيٍ أفذاذاً وأفواجاً، ووثب الرجاز يرتجزون: منهم المادح للذائد، ومنهم المادح لفرسه، ومنهم المادح لخيل قومه، فوثب مولاهم حفص الأموي وقام مرتجزاً يقول: من مشطور الرجز إنّ الجواد السابق الإمام ... خليفة الله الرضي الهمام أنجبه السوابق الكرام ... من منجباتٍ ما بهنّ ذام ومنها: أطلق وهو يفعٌ غلام ... في حلبةٍ تمّ لها التّمام من آل فهرٍ وهم السّنام ... فبذّهم سبقاً وما ألاموا كذلك الذّائد يوم قاموا ... أتى يبذّ الخيل ما يرام مجلّياً كأنه حسام ... سبّاق غاياتٍ لها ضرام لا يقبل العفو ولا يضام ... ويل الجياد منه ماذا راموا سهم تعزّ دونه السهام فأعطاه هشام يومئذ ثلاثة آلاف درهم، وخلع عليه ثلاث حلل من جيد وشي اليمن، وحمله على فرس له من خيله السوابق، وانصرف معه ينشده هذا الرجز حتى قعد في مجلسه وأخذه بملازمته، فكان أثيراً عنده، وأعطى أصحاب الخيل المقصبة يومئذ عطايا كثيرة. قال الكلبي: لا نعلم لتلك الحلبة نظيراً في الحلائب.

الحكم بن أيوب بن الحكم

الحكم بن أيوب بن الحكم ابن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفي بن عم الحجاج بن يوسف روى عن أبي هريرة: لا صلاة إلا بقراءة. قال أبو خلدة: أخر الحكم بن أيوب الصلاة، فقام إليه يزيد الضبي فقال: أيها الأمير، إن الشمس لا تطيعك وقد أخرت الصلاة، فقال: خذاه، فأخذ، فلما قضى الصلاة جيء بيزيد، وجاء أنس بن مالك حتى استوى مع الحكم على سريره، وجيء بيزيد فأقبل على أنس فقال: أذكرك الله يا أبا حمزة، إنك قد صليت مع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأيت صلاتنا، فأين صلاتنا من صلاة نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أنس: كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان الحر يبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة. قال العلاء بن زياد: لما هزم يزيد بن المهلب أهل البصرة، قال المعلى: فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن، فأوجد فيها فأعرف، فأتيت الحسن في منزله، فدخلت عليه فقلت: يا أبا سعيد كيف بهذه الآية من كتاب الله؟ قال: أية آية؟ قال: قول الله عز وجل في هذه الآية " وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان، وأكلهم السحت، لبئس ما كانوا يعملون ". قال: يا عبد الله، إن القوم عرضوا على السيف، فحال السيف دون الكلام، قلت: يا أبا سعيد، فكل يعرف لمتكلم فضلاً؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدث بحديثين:

قال: حدثنا أبو سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول الحق، إذا رآه أن يذكر تعظيم الله، فإنه لا يقرب من أجل ولا يبعد من رزق. قال: ثم حدث الحسن بحديث آخر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس للمؤمن أن يذل نفسه، قيل: وما إذلاله نفسه؟ قال: قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. قيل: يا أبا سعيد، فيزيد الضبي وكلامه في نفسه في الصلاة؟ قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم. قال المعلى: وأقوم من مجلس الحسن، فأتيت يزيد فقلت: يا أبا مودود: بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصبت أمرك نصباً، فقال: مه، يا أبا الحسن. قال: قلت قد فعلت، قال: فقال: فما قال الحسن؟ قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته، قال يزيد: ما ندمت على مقالتي، وايم الله، لقد قمت مقاماً أخاطر فيه بنفسي. قال يزيد: فأتيت الحسن، فقلت: يا أبا سعيد، غلبنا على كل شيء، نغلب على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله، إنك لم تصنع شيئاً، إنك تعرض نفسك لهم، ثم انتبه، فقال لي مثل مقالته. قال: فقمت يوم الجمعة في المسجد، والحكم بن أيوب يخطب، فقلت: رحمك الله، الصلاة. قال: فلما قتل ذلك احتوشتني الرجال يتعاورونني، فأخذوا بلحيتي وتلبيبي وجعلوا يجؤون بطني بنعال سيوفهم. قال: ومضوا بي نحو المقصورة، فما وصلت إليه حتى ظننت أنهم سيقتلونني دونه، قال: ففتح لي باب المقصورة. قال: فدخلت فقمت بين يدي الحكم وهو ساكت، فقال: أمجنون أنت؟ قال: وما كان في صلاة، فقلت: أصلح الله الأمير، هل من كلام أفضل من كتاب الله؟ قال: لا، قلت: أصلح الله الأمير، أرأيت لو أن رجلاً نشر مصحفاً يقرؤه من غدوه إلى الليل، أكان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال: والله إني لأحسبك مجنوناً.

قال: وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت. فقلت لأنس: يا أبا حمزة، أنشدك الله، فقد خدمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبته، أبمعروف قلت أم بمنكر؟ أبحق قلت أم بباطل؟ قال: فلا والله، ما أجابني بكلمة. قال له الحكم بن أيوب: يا أنس، قال: يقول: لبيك أصلحك الله، قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب، قال: كان بقي من الشمس بقية، فقال: احبسوه. قال يزيد: فأقسم لك يا أبا الحسن يعني للمعلى: لما لقيت من أصحابي كان أشد علي من مقامي، قال بعضهم: مراءٍ، وقال بعضهم: مجنون. قال: فكتب الحكم إلى الحجاج: أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال: الصلاة، وأنا أخطب، وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون. فكتب إليه الحجاج: إن كانت قد قامت الشهود العدول عندك أنه مجنون فخل سبيله، وإلا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني. قال المعلى بن زياد عن يزيد الضبي: مات أخل نا فتبعنا جنازته فصلينا عليه، فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا، فإنا كذلك، إذ رأينا نواصي الخيل والحراب، فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي. فجاء الحكم حتى وقف علي فقال: ما كنتم تصنعون؟ قلت: أصلح الله الأمير، مات صاحب لنا، فصلينا عليه ودفن، فقعدنا نذكر ربنا عز وجل ونذكر معادنا، ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفر كما فروا؟ قلت: أصلح الله الأمير، أنا أبرأ من ذلك ساحة، وآمن للأمير من أن أفر. قال: فسكت الحكم. وقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته: تدري من هذا؟ قال: من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة. قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء، خذاه. قال: فأخذت، فضربني أربع مئة سوط، فما دريت حتى تركني من شدة ما ضربني. قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاج.

الحكم بن عبد الله بن خطاف

وقيل: إن الحكم بن أيوب قتله صالح بن عبد الرحمن الكاتب مع جماعة من آل الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل في العذاب على إخراج ما اختزلوه من الأموال بأمر سليمان بن عبد الملك في خلافته. الحكم بن عبد الله بن خطاف أبو سلمة العاملي الأزدي قيل: إنه من أهل دمشق. روى عن الزهري عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا أكثم، اغز مع غير قومك يحسن خلقك، وتكرم على رفقائك، يا أكثم، خير الرفقاء أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربع مئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفاً من قلة. وحدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عشر مباحة في الغزو: الطعام، والإدام، والثمار، والشجر، والحبل والزيت، والتراب، والحجر، والعود غير منحوت، والجلد الطري. الحكم بن عبد الله بن سعد ابن عبد الله أبو عبد الله الأيلي مولى الحارث بن الحكم حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث دعوات للمرء المسلم، من دعا بهن استجيب له ما لم يسأل قطيعة رحم، أو مأثم. قالت: قلت: أي ساعة هي يا رسول الله؟ قال: حين يؤذن المؤذن بالصلاة حتى يسكت، وحين يلتقي الصفان حتى يحكم بينهما، وحين ينزل المطر حتى يسكن، قالت: قلت: كيف أقول، يا رسول الله، حين أسمع المؤذن؟ علمني مما علمك الله عز وجل، وأجمل، قال:

تقولين كما يقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، وكفري من لم يشهد، ثم صلي علي وسلمي، ثم اذكري حاجتك، يا عمرة، إن دعوة المؤمن لا تذهب عن ثلاثة ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثم: إما تعجل له، وإما تكفر عنه، وإما تدخر له. وحدث الحكم بن عبد الله أنه سمع القاسم يحدث عن عائشة: أنه سألها عن تكبير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يكبر سبعاً، ثم يقرأ، ثم يكبر خمساً ثم يقرأ. قال القاسم: فسألت عبد الله بن عمر عن تكبير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كان يكبر سبعاً ثم يقرأ، ثم يكبر خمساً ثم يقرأ، أما سألت أمك عائشة؟ فقال: قد فعلت. فقال: فكأنه وجد علي إذ لم أكتف بقولها. وروى الحكم بن عبد الله أنه سمع أبا الزناد يحدث: أنه سأل خارجة بن زيد: هل سمعت أباك يحدث عن الرجل يخرج غازياً فتكون الفضلة من ماله؟ هل يجوز أن يبتاع شيئاً يلتمس فيه التجارة؟ قال: نعم. سمعت زيداً يسأل عن ذلك فقال: لا بأس به، قد ابتعنا في غزوة تبوك والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر، فباع بعضنا من بعض مما ابتعنا، فلم ينكر علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينه عنه. قال الحكم بن عبد الله: لقيني أنس بن مالك في مسجد قباء بالمدينة، فقال لي: من أين أنت يا حبيب؟ قلت له: ابن عبد الله بن سعد صاحب شرطة المدينة، فمسح برأسي وقال لي: أقرئ أباك السلام، وقل له: لا تقبل الهدايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: هدايا السلطان سحت وغلول. قال يحيى بن معين: الحكم بن عبد الله ليس بثقة ولا مأمون.

الحكم بن عبد الرحمن

الحكم بن عبد الرحمن ابن أبي العصماء الخثعمي ثم الفرعي شهد فتوح الشام، وحضر حصار قيسارية، وهو ممن أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحكم: حاصر معاوية قيسارية سبع سنين إلا أشهراً ومقاتلة الروم الذين يرزقون فيها مئة ألف، وسامرتها ثمانون ألفاً، ويهودها مئتا ألف، فدلهم لنطاق على عورةٍ وكان من الرهون، فأدخلهم من قناة يمشي فيها الجمل بالمحمل، وكان ذلك يوم الأحد، فلم يعلموا وهم في الكنيسة إلا بالتكبير على باب الكنيسة، فكانت بوارهم، وبعثوا بفتحها إلى عمر تميم بن ورقاء عريف خثعم، فقام عمر على المنارة فنادى: ألا إن قيسارية فتحت قسراً. الحكم بن عبدل بن جبلة بن عمرو ابن ثعلبة بن عقال بن بلال بن سعد بن حبال بن نضر بن غاضرة بن مالك ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة الأسدي ثم الغاضري الكوفي شاعر مشهور القول، مجيد، هجاء، ونفاه ابن الزبير من العراق لما نفى عنها عمال بني أمية، وله من عبد الملك موضع، وكان يدخل إليه ويسمر عنده فقال له ليلة: من البسيط يا ليت شعري وليتٌ ربما نفعت ... هل أبصرنّ بني العوّام قد شملوا بالذلّ والأسر والتشريد إنهم ... على البريّة حتفٌ حيثما نزلوا أم هل أراك بأكناف العراق وقد ... ذلت لعزّك أعداءٌ وقد نكلوا

فقال عبد الملك بن مروان، ويروى أنه قائل الشعر: من البسيط إن يمكن الله من قيس ومن جرشٍ ... ومن جذامٍ ويقتل صاحب الحرم نضرب جماجم أقوامٍ على حنقٍ ... ضرباً ينكّل عنا غابر الأمم لما قدم عبد الملك بن بشر بن مروان الكوفة قعد ابن عبدل بين السماطين وقال: أصلح الله الأمير، رؤيا رأيتها أحب أن تعبرها قال: قل. فأنشأ يقول: من الكامل أغفيت قبل الصّبح نوم مسهّدٍ ... في ساعة ما كنت قبل أنامها فرأيت أنّك جدت لي بوليدةٍ ... مغنوجةٍ حسنٍ عليّ قيامها وببدرةٍ حملت إليّ وبغلةٍ ... شهباء ناجيةٍ يصلّ لجامها فسألت ربّك أن يبيحك جنّةً ... يلقاك فيها روحها وسلامها فقال: كل ما رأيت عندنا إلا البغلة الشهباء فإنها دهماء فارهة، فقال: امرأته طالق إن كان رآها إلا دهماء ولكنه نسي، فأمر أن يحمل إليه كل ما ذكر في شعره. قال النضر بن شميل: دخل على المأمون بمرو فقال: أنشدني أقنع بيت للعرب فأنشدته لابن عبدل: من المنسرح إني امرؤٌ لم أزل وذاك من الله ... أديباً أعلّم الأدبا أقيم بالدار ما اطمأنّت بي الدّا ... ر وإن كنت مازحاً طربا لا أجتوي خلّة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئاً إذا ذهبا أطلب ما يطلب الكريم من الرّز ... ق بنفسي وأجمل الطّلبا وأحلب الثّرّة الصّفيّ ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغّبته في صنعيةٍ رغبا والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلاّ إذا رهبا

مثل الحمار الموقّع السّوء لا ... يحسن مشياً إلاّ إذا ضربا ولم أجد عروة الخلائق إلاّ ... الدين لما اختبرت والحسبا قد يرزق الخافض المقيم وما ... شدّ بعنسٍ رحلاً ولا قتبا ويحرم الرزق ذو المطيّة والرح ... ل ومن لا يزال مغتربا قال: أحسنت يا نضر، وتروى الضفي بالضاد قال بندار: لا أحب الصفي بالصاد المهملة، لأن الصفي يكون للملك دون السوقة، والضفي أبلغ في المعنى لأنها الغزيرة اللبن. قال أبو محلم: بلغني أن امرأة موسرة كان لها على الناس ديون كثيرة، فقالت لابن عبدل، وعرضت نفسها عليه أن تزوجه ويقوم لها بدينها، فقام لها ابن عبدل بالدين حتى اقتضاه، فانحدرت إلى أهلها بالبصرة وكتبت إليه: من الوافر سيخطئك الذي حاولت مني ... وقطعي وصل حبلك من حبالي كما أخطاك معروف ابن بشرٍ ... وكنت تعدّ ذلك رأس مال وكان ابن عبدل يأتي ابن بشر فيقول له: أخمسمئة أحب إليك العام أم ألف في قابل؟ فيقول: ألف في قابل، فإذا أتاه من قابل قال له: ألف أحب إليك العام أم ألفان في قابل؟ فيقول: ألفان في قابل، فلم يزل كذلك حتى مات ابن بشر ولم يعطه شيئاً. قال الحسين بن جعفر المخزومي: بينا امرأة تمشي بالبلاط وأعرابي يتمثل: من الطويل وأنعظ أحياناً فينقدّ جلده ... فأعذله جهدي وما ينفع العذل وأزداد نعظاً حين أبصر جارتي ... فأوثقه كيما يثوب له عقل

الحكم بن عمر ويقال ابن عمرو

وأوعيته في جوف جاري وجارتي ... مراغمة مني وإن رغم البعل فقالت له امرأة: شتان ما بينك وبين ابن عبدل حيث يقول: من الطويل وأعسر أحياناً فتشتدّ عسرتي ... وأدرك ميسور الغنى ومعي عرضي بئس والله جار المغيبة أنت. قال: إي والله، والتي معها أخوها وزوجها. وقبل بيت ابن عبدل: من الطويل وإني لأستغني فما أبطر الغنى ... وأعرض ميسوري لمن يبتغي قرضي الحكم بن عمر ويقال ابن عمرو أبو سليمان ويقال أبو عيسى الرعيني الحمصي قيل: إنه دمشقي. قال الحكم بن عمر: بعثني خالد بن عبد الله القسري وصاحباً لي إلى قتادة بن دعامة الأعمى لنسأله عن ثماني عشرة مسألة من القرآن، فسألناه عن " الأرض وما طحاها " قال: طحوها: سعتها، وهذه من لغة قوم من اليمن. قال: وسألناه عن: " اقتلوا أنفسكم فتوبوا إلى بارئكم " قال: اقتلوا أنفسكم، وتوفوا إلى بارئكم. قال: وسألناه عن قوله: " ولا تَيْئَسوا من رُوح الله " قال: لا، ولكن " من رَوْح الله ".

الحكم بن المطلب بن عبد الله

قال: وسألناه عن قوله تعالى: " تغرب في عين حامئة " قال: لا، " في عين حمئة ". قال: وسألناه عن النصارى واليهود والصابئني والمجوس والذين أشركوا قال: هم الزنادقة، وأنتم تدعونهم بالشام المثانية. وفي حديث آخر: أرسلني خالد بن عبد الله القسري إلى قتادة وهو بالحيرة أسأله عن مسائل، فكان فيما سألت: قلت: أخبرني عن قول الله عز وجل: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا " هم مشركو العرب؟ قال: لا، ولكنهم الزنادقة المثانية الذين يجعلون لله شريكاً في خلقه، قالوا: إن الله يخلق الخير وإن الشيطان يخلق الشر، وليس لله على الشيطان قدرة. قيل: إن الحكم ضعيف الحديث. روى خالد بن مرداس عن الحكم أنه قال: شهدت عمر بن عبد العزيز في زمانه وأنا ابن عشرين سنة، وقد هلك عمر بن عبد العزيز منذ اثنتين وسبعين سنة. الحكم بن المطلب بن عبد الله ابن المطلب بن حنظب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة القرشي المخزومي من أجواد قريش من أهل المدينة، قدم منبج وسكنها مرابطاً إلى أن مات بها، واجتاز بدمشق. حدث الحكم عن أبيه عن فهيد بن مطرف الغفاري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله سائل: إن عدا علي عادٍ؟ فأمره أن ينهاه ثلاث مرات،

قال: فإن أبى؟ فأمره بقتاله. قال: فكيف بنا؟ قال: إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار. وكان الحكم من سادات قريش ووجوهها، وكان ممدحاً، وله يقول ابن هرمة يمدحه: من الكامل لا عيب فيك يعاب إلا أنّني ... أمسي عليك من المنون شفيقا إنّ القرابة منك يأمل أهلها ... صلةً ويأمن غلظةً وعقوقا يجدون وجهك يا بن فرعي مالكٍ ... سهلاً، إذا غلظ الوجوه، طليقا حدث نوفل بن عمارة: أن رجلاً من قريش من بني أمية بن عبد شمس، له قدر وخطر، لحقه دين، وكان له مال من نخل وزرع، فخاف أن يباع عليه، فشخص من المدينة يريد الكوفة، يعمد خالد بن عبد الله القسري، وكان والياً لهشام بن عبد الملك على العراق، وكان يبر من قدم عليه من قريش. فخرج إليه يريده، وأعد له هدايا من طرف المدينة حتى قدم فيد، فأصبح بها، ونظر إلى فسطاط عنده جماعة، فسأل عنه فقيل: الحكم بن المطلب. فلبس نعليه، وخرج حتى دخل عليه، فقام إليه، وتلقاه وأجلسه في صدر فراشه، وسأله عن مخرجه، فأخبره بدينه، وما أراد من إتيان خالد بن عبد الله القسري. فقال له الحكم: انطلق بنا إلى منزلك، فلو علمت بمقدمك لسبقتك إلى إتيانك، فمضى معه حتى أتى منزله فرأى الهدايا التي أعدل خالد، فتحدث معه ساعة، ثم قال له: إن منزلنا أحضر عدة، وأنت مسافر ونحن مقيمون، فأقسمت عليك إلا قمت معي إلى المنزل وجعلت لنا من هذه الهدايا نصيباً. فقام معه الرجل فقال: خذ منها ما أحببت، فأمر بها فحملت كلها إلى منزله،

وجعل الرجل يستحي أن يمنعه منها شيئاً حتى صار معه إلى المنزل، فدعا بالغداء وأمر بالهدايا ففتحت فأكل منها ومن حضره، ثم أمر ببعضها فرفع إلى خزانته. وقام ثم أقبل على الرجل فقال: أنا أولى بك من خالد وأقرب إليك رحماً ومنزلاً، وههنا مال الغارمين أنت أولى به، ليس لأحد عليك فيه منة إلا الله، تقضي به دينك، ثم دعا له بثلاثة آلاف دينار فدفعها إليه وقال: قد قرب الله عليك الخطوة، فانصرف إلى أهلك مصاحباً محفوظاً. فقام الرجل من عنده يدعو له ويشكر، فلم يكن له همة إلا الرجوع إلى أهله، فانطلق الحكم يشيعه، فسار معه شيئاً، ثم قال له: كأني بزوجتك قد قالت لك: أين طرائف العراق، بزها وخزها وعراضاتها؟ أما كان لنا معك نصيب؟ ثم أخرج صرة حملها معه، فيها خمس مئة دينار، فقال: أقسمت عليك إلا جعلت هذه لها عوضاً من هدايا العراق. وودعه وانصرف. وكان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه المطلب يحب ابناً له يقال له: الحارث، حباً مفرطاً، وكانت بالمدينة جارية مشهورة بالجمال والفراهة، فاشتراها الحكم بمال كثير، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرها ثم نزفها إليك بما تستأهل، فتركها عندهم حتى جهزوها، ثم نقلوها كما تزف العروس إلى زوجها. وتهيأ الحكم بأحسن ثيابه وتطيب، ثم انطلق فبدأ بأبيه ليراه في تلك الهيئة ويدعو له تبركاً بدعاء أبيه، فدخل عليه وعنده الحارث، فأقبل عليه أبوه فقال: إن لي إليك حاجة فما تقول؟ قال: يا أبه، إنما عبدك فمر بما أحببت. قال: تهب جاريتك هذه للحارث أخيك، وتعطيه ثيابك هذه التي عليك، وتطيبه من طيبك، وتدعه يدخل على هذه الجارية، فإني لا أشك أن نفسه قد تاقت إليها. قال الحارث: لم تكدر على أخي وتفسد قلبه علي؟ وذهب يريد يحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن قرة عينه أحب إلي من هذه الجارية، وخلع ثيابه فألبسه إياها، وطيبه من طيبه، وخلاه فذهب إليها.

وجلس المطلب ليلة يتعشى مع إبراهيم بن هشام، ومعهدة من ولده فيهم الحكم والحارث وغيرهما، فجعل المطلب يأخذ الطعام الطيب من بين يدي ابنه الذي لم نسم فيضعه بين يدي حارث، فجزع الفتى وقال: ما رأيت كما تصنع بنا قط، وكما تهيننا، فأمر بغلمانه فأدخلوا، وأمر بابنه ذلك، فجر برجله حتى أخرج من الدار، فقال له الحكم: ما آثرت إلا أحسننا وجهاً، وإنه لأهل للأثرة، فقال له أبوه: لك فلان وفلان حتى وهب له خمسة من رقيقه، فلما خرجوا قال أخو الحكم له: لا جزاك الله خيراً، ما ظننتك إلا ستغضب لي فيخرج بك على مثل حالي. فقال له الحكم: ما أحسنت في قولك، ولا غبطتك بما صرت إليه، فأقول مثل ما قلت. استعمل بعض ولاة المدينة الحكم على بعض المساعي فلم يرفع شيئاً، فقال له الوالي: أين الإبل والغنم؟ قال: أكلنا لحومها بالخير، قال: فأين الدنانير والدراهم؟ قال: اعتقدنا بها الصنائع في رقاب الرجال، فحبسه، فأتاه وهو في الحبس بعض ولد نهيك بن أساف الأنصاري فمدحه فقال: من الطويل خليليّ إنّ الجود في السجن فابكيا ... على الجود إذ سدّت علينا مرافقه نرى عارض المعروف كلّ عشيّةٍ ... وكلّ ضحىً يستنّ في السجن بارقه إذا صاح كبلاه طغى فيض بحره ... لزوّاره حتى تعوم عرائقه فأمر له بثلاثة آلاف درهم وهو محبوس. وكان الحكم بعد حاله هذه قد تخلى من الدنيا ولزم الثغور حتى مات بالشام، وأمه السيدة بنت جابر بن الأسود بن عوف الزهري، ولما صار إلى منبج وتزهد، رئي يحمل زيتاً في يده ولحماً. حدث رجل من أهل منبج قال: قدم علينا الحكم بن المطلب ولا مال معه فأغنانا كلنا، فقيل له: كيف ذلك؟ قال: علمنا مكارم الأخلاق، فعاد غنينا على فقيرنا فغنينا كلنا.

قال العتبي: قيل لنصيب: هرم شعرك، قال: لا، ولكن هرم الجود والمعروف، لقد مدحت الحكم بن المطلب بقصيدة فأعطاني أربع مئة شاة، وأربعمئة دينار، وأربع مئة ناقة. قال العتبي: وأعطى الحكم كل شيء يملكه، حتى إذا نفد ما عنده، ركب فرسه وأخذ رمحه يريد الغزو، فمات بمنبج. وفيه يقول ابن هرمة الشاعر: من البسيط سألا عن الجود والمعروف أين هما؟ ... فقلت: إنهما ماتا مع الحكم ماتا مع الرجل الموفي بذمّته ... يوم الحفاظ إذا لم يوف بالذّمم ماذا بمنبج لو تنشر مقابرها ... من التّهدّم بالمعروف والكرم قال معيوف الحمصي: كنت فيمن حضر الحكم بن المطلب عند موته، فلقي من الموت شدة، فقلت: أو قال رجل ممن حضره وهو في غشية: اللهم هون عليه فإنه كان وكان، يثني عليه قال: فأفاق فقال: من المتكلم؟ فقال المتكلم: أنا. فقال: إن ملك الموت يقول لك: إني بكل سخي رفيق، فكأنما كانت فتيلةً أطفئت.

الحكم بن معمر بن قنبر بن جحاش

الحكم بن معمر بن قنبر بن جحاش ابن سلمة بن مسلمة بن ثعلبة بن مالك بن طريف بن محارب أبو منيع الخضري والخضر ولد مالك بن طريف، وإنما سموا الخضر لأن مالكاً كان شديد الأدمة، وكذلك ولده، فسموا الخضر بذلك. وكان الحكم شاعراً مجيداً، وكان يهاجي الرماح بن ميادة المري، فشكاه بنو مرة إلى والي مكة، فتواعده فهرب إلى الشام، وقدم دمشق، وامتدح أسود بن بلال المحاربي الداراني، ومات بالشام غريقاً في بعض أنهارها، فإنه كان لا يحسن العوم. وروي عن الأصمعي أنه قال: ختم الشعراء بابن ميادة والحكم الخضري وابن هرمة وطفيل الكناني ومكين العذري. ومن شعر الحكم يمدح بني العوام بن خويلد: من البسيط لو يعدل الموت عن قوم لفضلهم ... ما مات من ولد العوّام ديّار الحكم بن موسى بن أبي زهير واسمه شيرزاد أبو صالح البغدادي القنطري الزاهد سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن ابن أبي الرجال بسنده عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بيت لا تمر فيه، جياع أهله. وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده: أن أم معقل قالت: يا رسول الله، إن بعيري أعجف وأنا أريد الحج، فما تأمرني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان رمضان فاعتمري، فإن عمرة في رمضان حجة.

الحكم بن ميمون

وحدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته، قالوا: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. كان أبو صالح ثقة، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئتين. الحكم بن ميمون ويقال ابن يحيى بن ميمون أبو يحيى الفارسي المعروف بحكم الوادي مولى عبد الملك، ويقال: مولى الوليد من أهل وادي القرى. كان مع الوليد بن يزيد حين قتل على ما قيل، والأظهر أنه كان معه عمر الوادي، وقدم حكم مع إبراهيم بن المهدي في ولايته دمشق. خرج حكم الوادي المغني من الوادي مغاضباً لأبيه حتى ورد المدينة، فصحب قوماً إلى الكوفة، فسأل من أسرى من بالكوفة ممن يشرب النبيذ؟ وأسراه أصحاباً؟ فقيل: فلان التاجر البزاز وله ندماء من البزازين، وكان التجار يصيرون في منزل كل واحد كل يوم، فإذا كان يوم الجمعة صاروا إلى منزله، فخرج فجلس في حلقتهم، كل واحد منهم يظن أنه جاء مع بعضهم حتى انصرفوا، فصاروا إلى منزل الرجل وهو معهم. فلما أخذوا مجالسهم جاءت جارية وأخذت منهم أرديتهم فطوتها، وأتوا بالطعام ثم أتوا بالنبيذ فشربوا، حتى إذا طابت أنفسهم قام حكم الوادي إلى المتوضأ، فأقبل بعضهم على بعض، وقالوا: مع من جاء هذا؟ فكلهم يقول: والله ما أعرفه، فقالوا: طفيلي؟ فقال صاحب المنزل: فلا تكلموه بشيء فإنه سريٌ هنيٌ عاقل. وسمع الكلام، فلما خرج حيا القوم ثم قال لصاحب المنزل: هل ههنا دف مربع؟ قال: لا، ولكن نطلبه، فأحضر، وعلموا أنه مغن، فلما وقع الدف في يده وحركه كاد أن يتكلم. فكادوا أن يطيروا من الطرب من نقره بالدف، ثم غنى بحلق لم يسمعوا بمثله. فلما

سكت قالوا: بأبي أنت يا سيدنا، ما كان ينبغي أن يكون إلا هكذا، فقال: قد سمعت كلامكم وما ذكرتم من تطفيلي، وأي شيء كان عليكم من رجل دخل فيما بين أضعافكم؟ فقالوا: ما كان علينا من ذلك من شيء. فأقام معهم يوماً، ثم قالوا له: أين تريد؟ قال: باب أمير المؤمنين قالوا: وكم أملك؟ قال: ألف دينار قالوا: فإنا نعطي الله عهداً إن رآك أمير المؤمنين في سفرك هذا فلا عاينك، ولا عاينت بلاداً سوى الكوفة، وهي علينا. فأخرجوا ما بينهم ألف دينار، وأخرجوا كسوة له ولعياله ولأبيه وهدايا من العراق، وأقام عندهم حتى اشتاق إلى أهله فحملوه ورجع إليهم. قال نوفل بن ميمون: قدم المهدي المدينة، فدخل عليه القراء، فدخل فيهم ابن جندب الهذلي، فوصله في جملتهم، ثم دخل عليه القصاص وهو فيهم: فوصله معهم، ثم دخل عليه الفقهاء وهو معهم فوصله في جملتهم، ثم دخل الشعراء وهو معهم فقال المهدي: تالله ما رأيت كاليوم أجمع، يا بن جندب، أنشدني أبياتك في مسجد الحزاب فأنشده: من البسيط يا للرّجال ليوم الأربعاء أما ... ينفكّ يحدث لي بعد النّهى طربا ما إن يزال غزالٌ فيه فتنني ... يهوي إلى مسجد الأحزاب منتقبا يخبّر الناس أنّ الأجر همّته ... وما أتى طالباً للأجر محتسبا لو كان يطلب أجراً ما أتى ظهراً ... مضمّخاً بفتيت المسك مختضبا ثم قال للمهدي: إني قلت بيتين من هذه، فجاءني القصارون فسألوني الزيادة فجعلتها أربعة. فقال له المهدي: ويحك ومن القصارون؟ قال: حكم الوادي وذووه الذين يقصرون الأشعار بالألحان.

الحكم بن مينا المدني

الحكم بن مينا المدني ويقال الشامس مولى أبي عامر الراهب الأنصاري حدث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين. وفي رواية يقول: على أعواد منبره يوم الجمعة. وعن الحكم بن مينا قال: إني لأتوضأ على باب المسجد بدمشق مع بلال، ومع أبي جندل بن سهيل، إذ ذكرنا المسح على الخفين فقال بلال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص في المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم. الحكم بن نافع أبو اليمان البهراني مولاهم الحمصي روى عن شعيب بن أبي حمزة بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي صلاة العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة. وبسنده عنه عن أم حبيبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أرأيت ما تلقى أمتي من بعد، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقاً من الله عز وجل، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل. ذكر الحافظ في إسناده اختلافاً بين أبي اليمان وبين شعيب. مات أبو اليمان بحمص سنة اثنتين وعشرين ومئتين. وكان يقول: ولدت سنة ثمان وثلاثين ومئة. وقيل: مات سنة إحدى وعشرين.

الحكم بن هشام بن عبد الرحمن

قال أبو اليمان: صرت إلى مالك، فرأيت ثم من الحجاب والفرش شيئاً عجيباً، فقلت: ليس هذا من أخلاق العلماء، فمضيت وتركته، ثم ندمت بعد. الحكم بن هشام بن عبد الرحمن أبو محمد الثقفي العقيلي من آل أبي عقيل الثقفي الكوفي سكن دمشق. حدث عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء واخطبوا إليهم. وحدث عن يحيى بن سعيد بن أبان القرشي عن أبي فروة عن أبي خلاد، وكانت له صحبة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأيتم الرجل قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة المنطق فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة. وحدث عن عبد الملك بن عمير بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرس فعرسنا، فتعار من الليل، فأتيت مضجعه، وجاء رجل آخر من المسلمين فالتقينا عند مضجعه فلم نره، فشق ذلك الأمر علينا، فإذا نحن بهزيز كهزيز الرحى، قال: فأتيناه فلقينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما شأنكم؟ فقال: يا رسول الله، تعاررنا من الليل فأتينا مضجعك، فلم نرك فيه؛ فشق ذلك علينا، فحسبنا أن يكون قد غضتك هامة أو سبع، قال: فقال: أتاني آت من ربي عز وجل فخيرني أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فقلنا: يا رسول الله، اجعلنا ممن تشفع له، فقال: أنتم، يعني، ممن أشفع له، قلنا: أفلا نبشر الناس بها؛ يعني، قال: فبشر الناس، وابتدروا الرحال، فلما كثر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: هي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً.

الحكم بن يعلى بن عطاء

الحكم بن يعلى بن عطاء أبو محمد المحاربي الكوفي المعروف بالدغشي قدم دمشق وحدث بها. روى عن محمد بن طلحة بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من بني لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بني له بيت في الجنة. وحدث عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي خلف عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرؤوا في أذنيه " أفغير دين الله يبغون ... " الآية. وحدث عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، فنزلت " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ". حكيم بن حزام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى أبو خالد له صحبة، وحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وليبدأ أحدكم بمن يعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله. فقلت: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني.

قال حكيم: قلت: لا تكون يدي تحت يد رجل من العرب أبداً. أسلم حكيم يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً مسلماً، وكان نجا يوم بدر، فكان حكيم إذا حلف بيمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر. وأم حكيم فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، ولد قبل الفيل بثلاث عشرة، ومات سنة أربع وخمسين وهو ابن مئة وعشرين، وقيل: هلك سنة ستين. وكان حكيم من المؤلفة، أعطاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مئة بعير، وعاش في الجاهلية ستين وفي الإسلام ستين. وعن عروة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حكيم إن الدنيا خضرة حلوة. قال: فما أخذ من أبي بكر وعمر عثمان ولا معاوية ديواناً ولا غيره حتى مات لعشر سنوات من إمارة معاوية. قال مصعب بن عثمان: دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متم بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة فأتيت بنطع حين أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع، فكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وكان حكيم شديد الأدمة خفيف اللحم. قال حكيم بن حزام: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب رجل من الناس إلي في الجاهلية، فلما نبئ وخرج إلى المدينة شهد حكيم الموسم وهو كافر، فوجد حلة ذي يزن تباع، فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقدم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هدية فأبى وقال: إنا لا نقبل من المشركين شيئاً، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثمن. فأعطيته إياها حين أبى علي الهدية

فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئاً أحسن منه فيها يومئذ، ثم أعطاها أسامة بن زيد، فرآها حكيم على أسامة فقال: يا أسامة أنت تلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم والله لأنا خير من ذي يزن ولأبي خير من أبيه. قال حكيم: فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة. قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البز في الجاهلية، فكنت رجلاً تاجراً أخرج إلى اليمن، وآتي الشام في الرحلتين، فكنت أربح أرباحاً كثيرة، فإذا ربحت عدت على فقراء قومي، ونحن لا نعد شيئاً، نريد بذلك ثراء الأموال والمحبة في العشيرة. وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق، وكانت سوق عكاظ تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوماً، ويحضره العرب. وابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد فأخذته بست مئة درهم، فلما تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألها زيداً، فوهبته له، فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وابتعت حلة ذي يزن فكسوتها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رأيت أحداً أجمل ولا أحسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الحلة. ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية وهو يريد الشام، فأرسل بالحلة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبى أن يقبلها، وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال حكيم: فجزعت جزعاً شديداً حيث رد هديتي، فبعتها بسوق النبط من أول سائل سامني، فدس رسول الله إليها زيد بن حارثة فاشتراها. فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها بعد. وكانت سوق مجنة تقوم عشرة أيام، حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا، فانتهينا إلى سوق ذي المجاز فقام ثمانية أيام. وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المواسم، يستعرض القبائل قبيلة قبيلة يدعوهم إلى الله عز وجل، فلا نرى أحداً يستجيب له، وأسرته أشد القبائل عليه، حتى بعث الله عز وجل قوماً، أراد بهم كرامته،

هذا الحي من الأنصار، فبايعوه وصدقوا به وآمنوا به وبذلوا أنفسهم وأموالهم، فجعل الله له دار هجرة وملجأ، وسبق من سبق إليه، فالحمد لله الذي أكرم محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنبوة. قال: فحج معاوية فسامني بداري بمكة، فبعتها منه بأربعين ألف دينار، فقال ابن الزبير: ما يدري هذا الشيخ ما باع، لتردن عليه بيعه، فقلت: والله ما ابتعتها إلا بزق من خر، ولقد وصلت الرحم، وحملت الكل، وأعطيت في السبيل. وكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله. قالوا: فبينا هو يوماً في المسجد، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملاناً يريد الجهاد، فدل على حكيم فجاءه فقال: إني رجل بعيد الشقة، وأردت الجهاد، فدللت عليك لتحمل رحلي وتعينني على ضعفي، قال: اجلس. فلما ارتفعت الشمس ركع ركعات ثم انصرف، وأومأ إلى اليماني فتبعه، قال: فجعل كلما مر بصوفة أو خرقة أو شملة نفضها فأخذها، فقلت: إن من دلني على هذا لعب بي، أي شيء عند هذا من الخير بعدما أرى؟ قال: فدخل داره، فألقى الصوفة مع الصوف والخرقة مع الخرق والشملة مع الشمال، ثم قال لغلام له: هات لي بعيراً ذلولاً، قال: فأتى به ذلولاً، ثم دعا بجهاز فشده على البعير، ودعا بخطام فخطمه. ثم قال: هل من جوالقين؟ فأتي بجوالقين، فأمر لي بدقيق وسويق وعكة من زيت وقال: انظر ملحاً وجرابا من تمر حتى لم يبق شيء مما يحتاج إليه المسافر إلا أعطانيه وكساني، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إلي وقال: هذه الطريق، وكان هذا فعل حكيم رحمه الله. وكان معاوية عام حج مر به وهو ابن عشرين ومئة سنة، فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها، وذلك بعد أن سأله أي الطعام تأكل؟ فقال: أما مضغ فلا مضغ لي، فأرسل إليه بلقوح، وأرسل إليه بصلة، فأبى أن يقبلها وقال: لم آخذ من أحد قط بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه؛ وذلك أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

الدنيا خضرة حلوة، من أخذها بسخاوة نفس بورك له فيها، ومن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له فيها. فقلت يومئذ: لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً. قال إبراهيم بن حمزة: إن مشركي قريش لم حصروا بني هاشم في الشعب، كان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الطعام من الشام فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم، فيأخذون ما عليها من الحنطة. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قربة من مكة في غزوة الفتح: إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام. قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو. وعن عروة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن. قال حكيم بن حزام: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحنين مئة من الإبل فأعطانيها، ثم سألته مئة فأعطانيها، ثم قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حكيم بن حزام: إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. قال: فكان ابن حزام يقول: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً. فكان عمر بن الخطاب يدعوه إلى عطائه، فيأبى أن يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس: أشهدكم على حكيم أني أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه.

وفي حديث آخر: أن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يأخذ أحدكم أحبله، ثم يأتي هذا الجبل فيحتطب حزمة من حطب، فيحملها على ظهره، ثم يأتي السوق فيبيعها، ويأكل ثمنها، خير له من أن يأتي رجلاً يسأله. أعطاه أم منعه، ومن سألنا أعطيناه ... الحديث. وعن الزهري: أن حكيم بن حزام سأل رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يدخل الجنة قال: لا تسأل أحداً شيئاً فكان حكيم لا يسأل خادمه أن يسقيه ماء، ولا يناوله ماءً يتوضأ به. وعن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت شيئاً كنت أنجبت به في الجاهلية؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلمت على صالح ما سلف لك، فقال: يا رسول الله لا أدع شيئاً صنعته في الجاهلية إلا صنعت لله في الإسلام مثله، وكان أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وأعتق في الإسلام مثلها مئة رقبة، وساق في الجاهلية مئة بدنة، فساق في الإسلام مئة بدنة. وعن حكيم بن حزام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه ديناراً فاشترى له به أضحية، فاشترى أضحية بدينار فباعها بدينارين، ثم اشترى أضحية بدينار فجاء بأضحية ودينار، فتصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدينار، ودعا له بالبركة. قال مصعب بن عثمان: سمعت المشيخة يقولون: لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة، إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها للرأي وهو ابن خمس عشرة سنة، وهو أحد النفر الذين حملوا عثمان بن عفان ودفنوه ليلاً. قال أبو بكر بن سليمان: حج حكيم بن حزام معه مئة بدنة، قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها، ووقف مئة وصيف يوم عرفة، في أعناقهم طوقة الفضة قد نقش في رؤوسها: عتقنا الله عن حكيم بن حزام، وأعتقهم وأهدى ألف شاة.

قال مصعب بن عبد الله: جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام، فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمئة ألف درهم، فقال له عبد الله بن الزبير: بعت مكرمة قريش؟ فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى يا بن أخي، إني اشتريت بها داراً في الجنة، أشهدك أني قد جعلتها في سبيل الله. وفي حديث آخر بمعناه: فتصدق بالمئة الألف درهم على المساكين. وكان حكيم بن حزام لا يأكل طعاماً وحده، إذا أتي بطعامه قدره: فإن كان يكفي لاثنين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك قال: ادع من أيتام قريش واحداً أو اثنين على قدر طعامه، فكان له إنسان يخدمه فضجر عليه يوماً، فدخل المسجد الحرام، فجعل يقول للناس: ارتفعوا إلى أبي خالد فتقوض الناس عليه فقال: ما للناس؟ فقيل: دعاهم عليك فلان، فصاح بغلمانه: هاتوا ذلك التمر، فألقيت بينهم جلال البرني، فلما أكلوا قال بعضهم: إدام يا أبا خالد قال: إدامها فيها. قال حكيم بن حزام: ما أصبحت صباحاً قط، فلم أر أحداً ببابي طالب حاجة إلا عددتها مصيبة أرجو ثوابها من الله عز وجل. وفي رواية بمعناها: ما أصبحت يوماً وببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من منن الله عز وجل علي ... الحديث. وكان حكيم عالماً بالنسب، ويقال: أخذ النسب عن أبي بكر، وكان أبو بكر أنسب قريش. قال ابن أبي خيثمة: دخلت على حكيم بن حزام وهو يموت فأصغيت إليه، فإذا هو يهمهم، وإذا هو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك فأنا اليوم أرجوك.

حكيم بن عياش الكلبي الأعور

حكيم بن عياش الكلبي الأعور شاعر، كان منقطعاً إلى بني أمية، وسكن المزة، وانتقل إلى الكوفة، وله شعر يفتخر فيه باليمن، نقضه عليه الكميت بن زيد، وافتخر بمضر. حكى نفطويه عن حكيم بن عياش الكلبي وهو الأعور، قال: اجتمع عند عبد الملك وجوه الناس من قريش والعرب. فبينا هم في المجلس، دخل عليه أعرابي، كان عبد الملك يعجب به، فسر به عبد الملك وقال: هذا يوم سرور، وأجلسه إلى جنبه، ودعا بقوس فرمى عنها، وأعطاها من عن يمينه فرمى عنها حتى صارت إلى الأعرابي، فلما نزع فيها ضرط فرمى بها مستحياً، فقال عبد الملك: دهينا في الأعرابي وكنا نطمع في أنسه، وإني لأعلم أنه لا يسلي ما به إلا الطعام، فدعا بالمائدة فقال: تقدم يا أعرابي لتضرط، وإنما أراد لتأكل، فقال: قد فعلت، فقال عبد الملك: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد امتحنا فيه اليوم، والله لأجعلنها مذكورة، يا غلام جئني بعشرة آلاف، فجاء بها فأعطاها الأعرابي، فلما صارت إليه سلا وانبسط ونسي ما كان منه، فقال حكيم بن عياش: من الوافر ويضرب ضارطٌ من غمز قوسٍ ... فيحبوه الأمير بها بدورا فيالك ضرطةً جرّت كثيراً ... ويالك ضرطةً أغنت فقيرا فودّ القوم لو ضرطوا جميعاً ... وكان حباؤهم منها عشيرا أتقبل ضارطاً ألفاً بألفٍ ... فأضرط أصلح الله الأميرا فأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال: لا تضرط يا حكيم. جاء رجل إلى عبد الله بن جعفر بن محمد عليهم السلام فقال: يا بن رسول الله، هذا حكيم بن عياش الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم فقال: هل علقت منه بشيء؟ قال: نعم، فأنشده: من الطويل

حكيم بن رزيق بن حكيم الفزاري

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ... ولم نر مهديّاً على الجذع يصلب وقستم بعثمانٍ عليّاً سفاهةً ... وعثمان خيرٌ من عليٍّ وأطيب فرفع أبو عبد الله يديه إلى السماء وهما تنتفضان رعدة فقال: اللهم إن كان كاذباً فسلط عليه كلبك، قال: فخرج حكيم من الكوفة فأدلج فافترسه الأسد فأكله، وأتى البشير أبا عبد الله وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخر لله ساجداً وقال: الحمد لله الذي صدقنا وعده. حكيم بن رزيق بن حكيم الفزاري مولاهم الأيلي حكيم: بضم الحاء وفتح الكاف. حدث عن أبيه عن القاسم قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: ما خير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أمرين إلا اختار أعفاهما وأيسرهما، ما لم يكن من الإثم، فإذا كان إثماً كان أبعدهما منه. قال حكيم: سمعت عبد الله بن الديلمي يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال: قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن عندي أختين، فقال: طلق أيهما شئت، وأمسك الأخرى. وكان حكيم ثقة. حماد بن عمر بن يونس بن كليب أبو عمر المعروف بعجرد ويقال: حماد بن يحيى بن عمرو بن كليب. ويقال: مولى بني سلول. وقيل: مولى بني عقيل من أهل الكوفة، وقيل: من أهل واسط. وفد على الوليد بن يزيد، وهاجى بشار بن برد وهو فحل المحدثين فانتصف منه، وكان بشار يضج منه.

وقدم بغداد في أيام المهدي ويقال: إن أعرابياً مر به وهو غلام يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان، فقال: تعجردت يا غلام، فسمي عجرد، والمتعجرد المتعري، وكان خليعاً ماجناً ظريفاً. من شعره: من مجزوء الكامل إني أحبّك فاعلمي ... إن لم تكوني تعلمينا حباً أقلّ قليله ... كجميع حبّ العالمينا قال أبو يوسف: كان حماد عجرد صديقاً لرجل أيام شبابه، فلما تنسك ذلك الرجل، وتفقه صار يقع فيه وينتقصه، فكتب إليه حماد: من مجزوء الكامل إن كان فقهك لا يت ... مّ بغير شتمي وانتقاصي فاقعد وقم بي حيث شئ ... ت مع الأداني والأقاصي فلطالما زكّيتني ... وأنا المقيم على المعاصي أيام تعطيني وتأ ... خذ في أباريق الرّصاص قال علي بن الجعد: قدم علينا في أيام المهدي حماد عجرد ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد، فنزلوا بالقرب منا، فكانوا لا يطاقون خبثاً ومجانة. قال عمرو بن شبة: كان مطيع بن إياس وحماد عجرد ويحيى بن حصين ويحيى بن زياد يقولون بالزندقة. قال الأصمعي: كان حماد يهجو بشاراً فلا يلتفت إلى هجائه حتى قال: من الطويل له مقلةٌ عمياء وأستٌ بصيرةٌ ... إلى الهنّ من تحت الثياب تشير

حماد بن مالك بن بسطام بن درهم

فغضب بشار وقال: يا غلام اكتب، وكان حماد يؤدب ولد العباس بن محمد بن علي: من مجزوء الخفيف يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم إن حماد عجردٍ ... إن رأى غفلةً هجم بين فخذيه حربةٌ ... في غلافٍ من الأدم فإذا غبت ساعةً ... مجمج الميم بالقلم فقرئت على العباس بن محمد فقال: أخرجوا حماداً من داري، على بشار لعنة الله. حماد بن مالك بن بسطام بن درهم أبو مالك الأشجعي الحرستاني من أهل حرستا حدث عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أمي أصابها جهد فلم تفطر حتى ماتت، أفأصلي عليها؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب فصل عليها، فإن أمك قتلت نفسها. حدث حماد عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عبيد بن نفير: أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى ويمتنع النهار. قال: فبينا هو جالس إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجفلت فيمن أجفل. قال: فإذا أنا برجل جاث على ركبتيه، عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: أربع من كن فيه فهو مؤمن، ومن جاء بثلاث فكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره، فمن جاء بثلاث وكتم واحدة فهو كافر. توفي سنة ثمان وعشرين ومئة.

حماد بن أبي ليلى

حماد بن أبي ليلى واسم أبي ليلى ميسرة ويقال: سابور أبو القاسم الكوفي المعروف بالراوية مولى بني بكر بن وائل وفد على يزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد، وكان إخبارياً واسع الرواية. قال علي بن محمد بن أبي سيف المدائني: ومن أهل الكوفة ثلاثة نفر من بكر بن وائل أئمة: أبو حنيفة في الفقه، وحمزة الزيات في القراءة، وحماد الراوية في الشعر. قال حماد الراوية: كان انقطاعي إلى يزيد بن عبد الملك، وكان هشام يقليني على ذلك، فلما ولي هشام مكثت سنة لا أخرج، فلما لم أذكر خرجت فصليت الجمعة، وجلست على باب الفيل وهو باب مسجد الكوفة، فإذا شرطيان قد وقفا علي فقالا لي: يا حماد أجب الأمير يوسف بن عمر فقلت: من هذا كنت أحذر، ثم قلت لهما: هل لكما أن تدعاني آتي أهلي فأودعهم وداع من لا يرجع إليهم أبداً ثم أصير معكما؟ قالا: ما إلى ذلك سبيل، فاستبسلت في أيديهم، ودخلت على يوسف بن عمر في الإيوان الأحمر فسلمت عليه فرد علي السلام، فطابت نفسي برده علي السلام، ثم رمى إلي بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر، إذا أتاك كتابي هذا، فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به غير مروع ولا متعتع، وادفع إليه خمس مئة دينار وجملاً مهرياً يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق.

فأخذت الخمس مئة دينار ونظرت، فإذا جمل مرحول، فوضعت رجلي في الغرز وسرت إحدى عشرة ليلة، فلما كان اليوم الثاني عشر، وافيت باب هشام، واستأذنت فأذن لي، فدخلت عليه في دار قوراء مفروشة بالرخام، بين كل رخامتين قصبة من ذهب، حيطانها على ذلك العمل، وإذا هشام جالس على طنفسة خز حمراء مضمخة بالعبير، فسلمت عليه فاستدناني حتى قبلت رجله وأجلسني، فإذا أنا بجاريتين لم أر مثلهما قبلهما، في أذن كل واحدة منهما حلقة من ذهب، فيها جوهرة تتوقد، فقال لي: يا حماد، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين. قال: أتدري لم بعثت إليك؟ قلت: لا. قال: بعثت إليك لبيت خطر ببالي لم أدر من قائله، قلت: وما هو؟ قال: من الخفيف فدعت بالصّبوح يوماً فجاءت ... قينةٌ في يمينها إبريق قلت: هذا يقوله عدي بن زيد العبادي في قصيدة له. قال: أنشدنيها، فأنشدته: من الخفيف بكر العاذلون في وضح الصّب ... ح يقولون ماله لا يفيق ويلومون فيك يا بنة عبد الله ... والقلب عندكم معلوق لست أدري إذا أكثروا العذ ... ل عندي، أعدوٌّ يلومني أم صديق زانها حسنها بفرعٍ عميمٍ ... وأثيثٌ صلت الجبين أنيق وثنايا مفلجاتٌ عذابٌ ... لا قصارٌ ترى ولا هنّ روق فدعت بالصّبوح يوماً فجاءت ... قينةٌ في يمينها إبريق

الروق: الطوال، ناب أروق وثنية روقاء، والجمع: روق. فقال: أحسنت والله يا حماد، يا جارية: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي، ثم قال: أعد، فأعدت، فاستخفه الطرب، حتى نزل عن فرشه، ثم قال للأخرى: اسقيه، فسقتني شربة فذهب ثلثا عقلي، فقلت: إن سقيت الثالثة افتضحت، ثم قال: سل حوائجك كائنة ما كانت، فقلت: إحدى الجاريتين، قال: هما لك بما عليهما من حلي وحلل، ثم قال للأولى: اسقيه، فسقتني شربة سقطت فلم أعقل حتى أصبحت، فإذا أنا بالجاريتين عند رأسي، وإذا خادم يقدم عشرة خدم مع كل واحدة بدرة، فقال: أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: خذ هذه فانتفع بها في شأنك، فأخذتها والجاريتين وانصرفت. قال حماد الراوية: كان لبيد بن ربيعة يثبت القدر في الجاهلية ومن قوله: إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن الله ريثي وعجل أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال ومن شاء أضل ذكر أبو بكر الصولي أن حماد الراوية قرأ والغاديات صبحاً بالغين المعجمة وبالصاد؛ فسعي به إلى عقبة بن سلم. وفي رواية: وإن بشاراً الأعمى سعي به إلى عقبة بن سلم، أنه يروي جل أشعار العرب، ولا يحسن

من القرآن غير أم الكتاب، فامتحنه عقبة بتكليفه القراءة في المصحف فصحف في آيات عدة منها: ومن الشجر ومما تغرسون وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها أباه عذابي أصيب به من أساء هم أحسن أثاثاً وزياً، ليكون لهم عدواً وحرباً، وما يجحد بآياتنا إلا كل جبار كفور، بل الذين كفروا في غرة وشقاق يوم يحمى غليها في نار جهنم، ونتلو أخباركم، صنعة الله ومن أحسن من الله صنعة، فاستعانه الذي من شيعته: بالعين والنون، سلام عليكم لا نتبع الجاهلين: بالعين، فأنا أول العائذين بالنون وبادوا: بالباء ولات حين مناص من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كأسوتهم. قال حماد بن الزبرقان لحماد الراوية: إن قلت لأبي عطاء السندي أن يقول: جرادة، وشيطان، وزج، فبغلتي وسرجها

حماد ويقال حامد بن يحيى

ولجامها لك، فقال حماد: يا أبا عطاء، كيف علمك بالأدب؟ قال: سلني، قال حماد: من الوافر وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأن رجيلتيها منجلان؟ قال أبو عطاء: زرادة، فقال: من الوافر أتعرف مسجداً لبني تميم ... فويق الشال دون بني أبان قال: ذاك مسجد بني سيطان، قال: من الوافر فما اسم حديدةٍ في رأس رمحٍ ... دوين الصّدر ليست بالسّنان قال: زز. قال: فلم يستحق البغل ولا السرج ولا اللجام. حماد ويقال حامد بن يحيى حدث عن معروف الخياط أنه قال: رأيت واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب الفقاع. حماد أبو الخطاب الدمشقي حدث عن رزيق بن عبد الله الألهاني عن أنس بن مالك الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمسٍ وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمس مئة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي هذا بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة.

حماد مولى بني أمية

حماد مولى بني أمية حدث عن جناح مولى الوليد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير شبابكم من تشبه بكهولكم، وشر كهولكم من تشبه بشبابكم. حمدان بن غارم بن ينار واسمه أحمد وحمدان لقب، أبو حامد البخاري الزندني من قرية زندنة. حدث عن محمد بن المتوكل بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، من قالها أذهب الله عنه سبعين باباً من الشر أدناها الهم. حمدان بن محمد الجبيلي حدث عن أبي الوليد أحمد بن أبي رجاء الحنفي بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن شاء الله إلى سنة فلا حنث عليه. حمدون بن إسماعيل بن داود النديم قدم دمشق في صحبة المتوكل. حدث حمدون بن إسماعيل عن أبيه عن المعتصم عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تحتجموا يوم الخميس، فإنه من يحتجم فيه فيناله مكروه فلا يلومن إلا نفسه. عزى حمدون بن إسماعيل إسحاق بن إبراهيم بعبد الله بن طاهر فقال: من الخفيف لم تصب أيّها الأمير بعبد الله ... لكن به أصيب الأنام

حمدية الخشاب المصري

وسيكفيكم البكاء عليه ... أعين المسلمين والإسلام توفي سنة أربع وخمسين ومئتين. حمدية الخشاب المصري قدم دمشق. قال أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن فهر: اجتمعنا بمصر في منزل أبي عبد الله محمد بن محمد بن حمدون، الرجل الصالح، ومعنا شاب جميل عفيف، يقال له: علي بن حمدية الخشاب، وكان حسن الصوت بالقرآن، فتذاكرنا حب الصحابة وفضائلهم وبعض الروافض وكفرهم، فحدثنا عن أبيه حمدية، أنه أخبره قال: كنت كثير التخليط في شبيبتي، مرتكباً للمعاصي، وكنت مخالطاً لغلام حدث على ريبة، فوجدت عليه يوماً موجدة شديدة لرؤيتي له مع غيري. فلما خلوت معه حملني الغيظ عليه أن قتلته وقطعت أعضاءه وجعلته في مكتل، ورميت به في النيل. وكان أبواه قد عرفا صحبته إياي، وكانا لا يمنعانه مني مخافة عليه مني، فلما فقداه سألاني عنه، فقلت لهما: مالي به علم، فقالا: نخشى أنك قتلته، فقال لهما: لم أفعل ولقد ذهب مع غيري، وأنا أجتهد في طلبه حيث أطمع به. ثم خرجت، فإذا بنفسي لا أستقر في بلد حتى أتيت دمشق. فبينا أنا ليلة من الليالي ساهراً، إذ سمعت ضرباً شديداً بجانب بيتي حتى قلقت من سماعه، فلما أصبحت نقبت الجدار الذي بيني وبين البيت حتى فتحت فيه مقدار ما أبصر بعيني الواحدة. فلما جن الليل، وهدأت الأصوات سمعت الحركة والكلام، فتأملت، فإذا شيخ يقول: هاتوا أبا بكر. فقدمت بين يديه صورة رجل فخاطبها فقال: يا أبا بكر، فعلت كذا وصنعت كذا وصنعت كذا، ثم أمر بضرب الصورة حتى عددت مئتي جلدة، ثم قال: ارفعوا عنه. هاتوا عمر، فأتي بصورة أخرى، فضربت مثل ذلك، ثم قال:

ارتفعوا عنه، هاتوا عثمان، فأتي بصورة أخرى، فضربت مثل ذلك، ثم قال: ارفعوا عنه. هاتوا علياً، فأتي بصورة أخرى فقال: يا علي من اضطرك أن تصعد منبر الكوفة في جمع الناس، فتقول: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لسميت الثالث؟ ما الذي أردت بهذا؟ ما حملك على هذا؟ ثم أمر بضربها، فضرب أربع مئة جلدة، ضاعف عليه الضرب ثم قال: ارفعوا عنه الضرب. قال: فقلت في نفسي: حمدية، أليس قد قتلت غلاماً لا ذنب له، وعصيت الله إلى وقتك هذا؟ فلئن يسر لك قتل هذا الشيخ ليتوبن الله عليك من كل ما اكتسبت يداك ثم ترجع إلى أبوي الغلام، فتعطيهما القود من نفسك. فأصبحت ولم يكن أول عملي إلا شحذ سكيني حتى رضيت، فلما أمسيت إلى قريب من وقت الشيخ في الليل خرجت حتى وقفت على باب الشيخ، فقرعت عليه بابه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا جارك في هذا البيت الذي يليك، فلما فتح الباب، قلت له: أنا رجل غريب، وجئت وقتاً فائتاً بغير عدة، وقد أدركني عطش شديد فاسقني، فقال: نعم. فلما ولى ليأتيني بالماء، اقتحمت عليه الباب فضربته بين كتفيه بالخنجر أنفذته بها، ثم صرعته فذبحته، وخرجت ساعتي تلك من البيت. فلما أصبحت عزمت على الرجوع إلى مصر لألقى أبوي الغلام، فأقر لهما، فيفعلا بي ما أحبا. فلما بلغت الشام، ركبت البحر، فنزلت بساحل تنيس، فإذا أنا بأبوي الغلام، فسلمت عليهما، فردا علي السلام، وسألاني عن حالي، فقلت لهما: إني قتلت ابنكما، فاذهبا بي إلى بدر والي تنيس، يأخذ لكما مني القود. فقالا: اذهب معنا إلى البيت، فذهبت معهما فوضعا بين يدي طعاماً فقلت: قد سماه لي فأكلت وأكلا معي، وأظهرا لي الترحيب والإكرام؛ فعجبت لذلك.

حمد بن الحسين بن أحمد ابن دارست

فقالا لي: بأي عمل نلت عناية سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بك وشفاعته عندنا فيك؟ قلت: فكيف ذلك؟ فقال أبو الغلام: إني لنائم ذات ليلة وهي الليلة التي قتلت فيها الشيخ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: أحب أن تهب لي دم ابنك الذي قتله حمدية، قلت: قد فعلت يا رسول الله، فأيقظتني هذه يعني زوجته وأخبرتني أنها رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فسألها فيما سألني، ففعلت فعلي، وخرجنا نلتمسك، وقد وهبنا دم ابننا لك، فاذهب راشداً حيث شئت لا سبيل عليك. قال: فلزم حمدية بعد ذلك الغزو والجهاد، لم يفارقه، ولم يأو تحت سقف بيت حتى لقي الله عز وجل رحمه الله. حمد بن الحسين بن أحمد ابن دارست أبو المحاسن الشيرازي قدم دمشق. وحدث بها سنة ثمان وسبعين وأربع مئة عن أبي طالب عفيف بن عبد الله بن عفيف الإسعردي بسنده عن الزبير عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود. حمد بن عبد الله بن علي أبو الفرج المقرئ صاحب الدار الموقوفة بباب البريد المعروفة بدويرة حمد، كان من معدلي الشهود بدمشق، ومن حفاظ القرآن. حدث أبو الفرج المقرئ قال: قال أستاذي أبو سهل المقرئ بدمشق: إذا حججت فالعق الحجر واسأل ما شئت، قال: فحججت فلعقته وسألت حفظ القرآن، فرزقته.

حمد بن محمد أبو الشكر

توفي سنة إحدى وأربع مئة. وجد في داره بمحلة باب البريد في الدار المعروفة بالعثماني مذبوحاً، وذبحت معه امرأة عجوز تخدمه وصبي كان قريباً له، ولم يعرف فاعل ذلك. حمد بن محمد أبو الشكر الأصبهاني المقرئ حدث عن أبي القاسم علي بن أحمد المدني بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها. حمران بن أبان بن خالد ابن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط النمري سبي من عين التمر، ويقال: إن اسم أبيه أبي، كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه منه عثمان بن عفان أعتقه فهو مولى عثمان، بعثه إلى الكوفة ليسأل عن عاملها فكذبه وأخرجه من جواره فنزل البصرة. قال أبو صخرة جامع بن شداد: سمعت حمران بن أبان يحدث أبا بردة في مسجد البصرة، وأنا قائم معه، أنه سمع عثمان يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أتم الوضوء كما أمر الله تعالى، فالصلوات الخمس كفارات لما بينهن. وحدث حمران عن عثمان بن عفان قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليس لابن آدم فيما سوى ثلاث حق: بيت يكنه، وطعام يقيم صلبه، وثوب يستره. قال الحسن: قلت لحمران: مالك لا تعمل بهذا الحديث؟ قال: إن الدنيا تقاعد بي. قال مصعب بن عبد الله الزبيري: محمد بن سيرين من عين التمر من سبي خالد بن الوليد، وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختنين فأنكرهم فقال: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب. ومنهم حمران بن أبان، وإنما كان ابن أبا، فقال بنوه: ابن أبان.

قدم شيخ أعرابي فرأى حمران فقال: من هذا فقالوا: حمران بن أبان. فقال: لقد رأيت هذا، ومال رداؤه عن عاتقه، فابتدره مروان بن الحكم وسعيد بن العاص أيهما يسويه. وروي أن حمران بن أبان مد رجله؛ فابتدره معاوية وعبد الله بن عامر أيهما يغمزه، وكان الحجاج أغرم حمران مئة ألف، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان؛ فكتب إليه: إن حمران أخو من مضى وعم من بقي، فاردد عليه ما أخذت منه، فدعا بحمران فقال: كم أغرمناك؟ فقال: مئة ألف، فبعث بها إليه على غلمان وقال: هي لك مع الغلمان عشرة، فقسمها حمران بين أصحابه وأعتق الغلمان، وإنما كان أغرمه الحجاج أنه كان ولي لخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد سابور. روى الليث بن سعد: أن عثمان بن عفان اشتكى شكاة خاف فيها؛ فأوصى واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولى كتابه ووصيته حمران مولى عثمان، فأمره ألا يخبر بذلك أحداً، فعوفي عثمان من مرضه، وقدم عبد الرحمن بن عوف، فلقيه حمران فسأله عن حال عثمان، فأخبره بالذي أصابه من المرض، وأسر إليه الذي كان من استخلافه إياه، فقال عبد الرحمن لحمران: ماذا صنعت؟ مالي بد من أن أخبره، فقال حمران: إذاً والله تهلكني، فقال: والله ما يستعني ترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك. فقال عبد الرحمن لعثمان: إن لبعض أهلك ذنباً، ليس عليك إثم في العفو عنه، ولست مخبرك حتى تؤمنه. فقال عثمان: فقد فعلت، فأخبره بالذي أسر إليه حمران، فدعا حمران. فقال: إن شئت جلدتك مئة، وإن شئت فاخرج عني، فاختار الخروج فخرج إلى الكوفة. توفي حمران بعد خمس وسبعين.

حمرة بن عبد كلال

حمرة بن عبد كلال وهو ابن اليشرح ابن عبد كلال بن عريب الرعيني قال حمرة بن عبد كلال: سار عمر بن الخطاب إلى الشام بعد مسيره الأول، كان إليها حتى إذا سار فيها بلغه ومن معه أن الطاعون فاشٍ فيها، فقال له أصحابه: ارجع ولا تقحم عليهم، فلو نزلتها لم نر لك الشخوص عنها. وانصرف راجعاً، وعرس ليلته تلك وأنا أقرب القوم منه، فلما ابتعث ابتعثت معه في إثره فسمعته يقول: ردوني عن الشام بعد أن شارفت عليها لأن الطاعون فيه، ألا وما منصرفي عنه بمؤخر في أجلي، ولا كان قدوميه بمعجل عن أجلي، فلو قدمت المدينة ففرغت من حاجات لا بد لي منها، لقد سرت حتى أحل الشام، ثم أنزل حمص، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليبعثن الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب عليهم، مبعثهم فيما بين الزيتون وحائطها في البرث الأحمر منها. وحمرة: بضم الحاء المهملة وسكون الميم وراء مهملة. وشهد فتح مصر. حمرة بن مالك بن سعد الهمداني ممن وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه أهل الشام، وممن وجهه أبو بكر الصديق إلى الشام، وشهد صفين مع معاوية، وكان أميراً يومئذ على همدان الأردن، وكان أحد شهوده حين صالح علياً على تحكيم الحكمين.

حمزة بن أحمد بن حمزة

قدم وفد همدان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عليهم مقطعات الحبرة ملففة بالديباج، وفيهم حمرة بن مالك ذي مشعار فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الحي همدان، ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد. ومنهم أبدال وفيهم أوتاد الإسلام، فأسلموا، وكتب لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً بمخلاف خارف ويام وشاكر وأهل الهضب وخفاف الرمل من همدان لمن أسلم منهم. روي أن حمرة بن مالك هاجر من اليمن إلى الشام في أربع مئة عبد، فأعتقهم فانتسبوا جميعاً إلى همدان بالشام، فلذلك كره أهل العراق أن يزوجوا أهل الشام لكثرة دغلهم ومن انتمى إليهم من غيرهم. حمزة بن أحمد بن حمزة أبو يعلى القلانسي السبعي الرجل الصالح حدث عن أبي منصور بن رائش بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فتخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرهقتنا الصلاة قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتوضأ، فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً: ويل للأعقاب من النار. توفي حمزة القلانسي سنة خمسين وأربع مئة، وكان عبداً صالحاً، أقام ببيت في الجامع أربعين سنة بلا غطاء ولا وطاء رحمه الله.

حمزة بن أحمد بن علي بن معصرة

حمزة بن أحمد بن علي بن معصرة ويقال: حمزة بن محمد أبو يعلى الأنصاري المتعبد حدث بمسجد أبي صالح بسنده إلى أبي سليمان الداراني قال: ليست أعمال العباد بالتي ترضيه ولا تغضبه، إنما هو رضي عن قوم فاستعملهم بأعمال الرضا، وسخط على قوم فاستعملهم بأعمال الغضب. حمزة بن أحمد بن فارس أبو يعلى بن كروس السلمي كان شيخاً حسن السمت، وتاب توبة نصوحاً. حدث عن نصر بن إبراهيم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ " قل هو الله أحد " مرة بورك عليه، فإن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، فإن قرأها ثلاثاً بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه، وإن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له بها اثني عشر قصراً في الجنة، وتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر إلى قصور أخينا، فإن قرأها مئة مرة كفرت عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها مئتي مرة كفر عنه ذنوب خمسين سنة ما خلا الدماء والأموال، وإن قرأها ثلاث مئة مرة كتب له أجر أربع مئة شهيد، كل قد عقر جواده وأهريق دمه، وإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة أو يرى له. ولد سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمس مئة.

حمزة بن بيض الحنفي

حمزة بن بيض الحنفي شاعر مقدم في الشعراء، وفد على سليمان بن عبد الملك وامتدحه قبل الخلافة. حكى ابن ماكولا نسبه في موضعين أحدهما: حمزة بن بيض بن نمر بن عبد الله بن شمر. والآخر حمزة بن بيض بن يمن بن عبد الله بن شمر. من شعره في سليمان بن عبد الملك: من المنسرح لم تدر ما، لا، ولست قائلها ... عمرك، ما عشت آخر الأبد ولم تؤامر نفسيك ممترياً ... فيها وفي أختها ولم تكد وهي على أنها أخفّهما ... أثقل حملاً عليك من أحد لما تعوّدت من نعم، ونعم ... ألذّ في فيك من جنى الشّهد إلاّ يكن عاجلٌ تعجّله ... بغضاً للا أن تقولها تعد وما تعد في غد يكن غدك ال ... واجب للسائلين خير غد ومن شعره في يزيد بن المهلب أو مخلد بن يزيد: من الكامل ومتى يؤامر نفسه مستخلياً ... في أن يجود لذي الإخاء تقل جد أو أن يعود له بنفحة نائل ... بعد الكرامة والحياء تقل عد أو في الزيادة بعد جزل عطائه ... للمستزيد من العفاة تقل زد أو في الوفود على أسير موثقٍ ... بخلت أقاربه عليه تقل فد أو في ورود شريعةٍ محفوفةٍ ... بالمشرفيّة والرماح تقل رد ونعم بفيه ألذّ حين يقولها ... طعماً من العسل المشور بفي الصّدي

حمزة بن أسد بن علي بن محمد

حمزة بن أسد بن علي بن محمد أبو يعلى التميمي المعروف بابن القلانسي العميد ولي رئاسة دمشق مرتين، وكان أديباً له نثر ونظم، وصنف تاريخاً للحوادث بعد سنة أربعين وأربع مئة إلى حين وفاته، وكان يكتب له في سماعه أبو العلاء المسلم بن القلانسي، فذكر أنه هو، وأنه كذلك كان يسمى. فمن شعره: من البسيط يا نفس لا تجزعي من شدّة عظمت ... وأيقني من إله الخلق بالفرج كم شدّةٍ عرضت ثم انجلت ومضت ... من بعد تأثيرها في المال والمهج ومن شعره: من الكامل إياك تقنط عند كل شديدةٍ ... فشدائد الأيام سوف تهون وانظر أوائل كلّ أمرٍ حادثٍ ... أبداً فما هو كائنٌ سيكون مات أبو يعلى القلانسي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مئة. حمزة بن الحسن بن العباس ابن الحسن بن أبي الجن الحسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي أبو يعلى بن أبي محمد القاضي المعروف بفخر الدولة ولي قضاء دمشق من قبل أبي الحسن علي الملقب بالظاهر بن الحاكم، وولي النقابة بمصر، وجدد بدمشق مساجد ومنابر وقنياً، وأجرى الفوارة التي في جيرون، وذكر أنه وجد في تذكرته صدقة كل سنة سبعة آلاف دينار. وهو الذي أنشأ القيسارية المعروفة بالفخرية.

حمزة بن الحسن بن المفرج

قال الشريف: أبو الغنائم النسابة: أردت المسير إلى دمشق، فودعت الشريف فخر الدولة وكان إذ ذاك بمصر، وقلت وقت توديعي له: من البسيط أستودع الله مولاي الشريف وما ... يحويه من نعمٍ تبقى ويوليها وإنني عند توديعي لحضرته ... ودّعت من أجله الدنيا وما فيها فلما سمع البيتين أقسم علي أن أقيم فأقمت، وأنعم علي، وأنشدني أبياتاً لقس بن ساعدة الإيادي: من الكامل علم النجوم على العقول وبال ... وطلاب شيءٍ ما ينال ضلال ماذا طلابك علم شيءٍ أغلقت ... من دونه الأبواب والأقفال افهم فما أحدٌ بغامض فطنةٍ ... يدري متى الأرزاق والآجال إلا الذي من فوق سبعٍ عرشه ... فلوجهه الإكرام والإجلال ولد الشريف فخر الدولة سنة تسع وستين وثلاث مئة، وتوفي سنة أربع وثلاثين وأربع مئة. حمزة بن الحسن بن المفرج أبو يعلى الأزدي المقرئ المعروف بابن أبي خيش دلال الكتب، كان أقطع اليد اليمنى، وينسخ باليد اليسرى، خطاً رديئاً. سئل عن سبب قطع يده، فذكر أنه في صباه كان عند فوارة جيرون، وأن قطاراً من جمال جيء بها لتشرب من الفوارة، فدخل القطار بين عمدها، فسقطت، فوقع على يده حرف رصاصة، فذهبت. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. توفي أبو يعلى بن أبي خيش سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.

حمزة بن خراش أبو يعلى

حمزة بن خراش أبو يعلى قال أبو يعلى حمزة بن خراش: كان لأبي بضعة عشر ولداً وكنت أصغرهم قال: فمر به عبد الله القشيري فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال له: امسح يدك برأس ابني، فمسح يده على رأسي، ودعا لي بالبركة، فقال له أبي: أفد ابني هذا. فقال القشيري: حدثني أنس بن مالك قال: كنت أصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته وهو يقول: اللهم أطعمنا من طعام الجنة، قال: فأتي بلحم طير مشوي وضع بين يديه فقال: اللهم ائتنا بمن تحبه ويحبك ويحب نبيك ويحبه نبيك. قال أنس: فخرجت فإذا علي بن أبي طالب بالباب، قال: فاستأذن لي، فلم آذن له، فقعدت فسمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذلك، قال أنس: فخرجت فإذا علي بالباب فاستأذنني، فلم آذن له. قال أبو حفص الحدباني أحسبه قال ثلاثاً، فدخل بغير إذني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الذي بطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله، جئت لأدخل فحجبني أنس. قال: يا أنس لم حجبته؟ قال: يا رسول الله لما سمعت الدعوة أحببت أن يجيء رجل من قومي فيكون له، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تضر الرجل محبة قومه ما لم يبغض سواهم. حمزة بن عبد الله بن الحسين ابن أبي بكر بن عبد الله أبو القاسم ابن الشام الأطرابلسي الشاهد الفقيه الأديب قدم دمشق وحدث بها وبغيرها روى عن أحمد بن صالح المقرئ بسنده عن عطية بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما عبد جاءته موعظة من الله عز وجل في دينه فإنها نعمة من الله عز وجل سيقت إليه، فإن قبلها يشكر، وإلا كانت حجة من الله ليزداد بها إثماً ويزداد الله بها سخطاً.

حمزة بن عبد الله بن سليمان

حمزة بن عبد الله بن سليمان ابن أبي كريمة الصيداوي حدث عن عبيد بن حبان بسنده عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إنما مثل القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن تعاهدها صاحبها أمسكها، وإن أطلق عنها ذهبت. حمزة بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي قال حمزة بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقولك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست صاحب ذلك، ثم يأتون موسى فيقول كذلك، ثم يأتون محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين اخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم. وحدث عن أبيه عبد الله بن عمر قال: كانت تحتي امرأة كنت أحبها، وكان أبي يكرهها، فأمرني بطلاقها فأبيت؛ فذكر ذلك عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الله طلقها. وأم حمزة أو ولد. حمزة بن عبد الله أبو يعلى حدث عثمان بن دارس المكي قال: كنت جاراً للفضيل بن عياض، فكان يصلي ورده فإذا قضى ذلك قال: اللهم إنك أنعمت على الصالحين وأثنيت عليهم، وأنا عبدك فأنعم علي وأثن علي.

حمزة بن عبد الرزاق بن محمد

حمزة بن عبد الرزاق بن محمد ابن سعيد أبو الحسن العطار الشاهد روى عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن جده هانئ قال: قلت: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: أطعم الطعام وأفش السلام. حمزة بن عثمان أبو الأغر العبيدي الحمصي حدث بدمشق عن أبي الحسين محمد بن عبيد الله بن الفضل الحمصي بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها، ومن حسن خلقه بني له في أعلاها. حمزة بن عثمان بن أحمد أبو يعلى الرزماني الكشمني الصوفي المقرئ سكن دمشق. روى عن مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم المقدسي بسنده عن سالم عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. حمزة بن علي بن هبة الله ابن الحسن بن علي أبو يعلى الثعلبي البزار المعروف بابن الحبوبي روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أنس في دعاء ذكره عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يتعوذ من عذاب القبر. ولد سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة، وتوفي سنة خمس وخمسين وخمس مئة.

حمزة بن عمرو بن عويمر

حمزة بن عمرو بن عويمر ابن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان ابن أسلم بن أفصى أبو صالح ويقال أبو محمد الأسلمي له صحبة. روى: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه ورهطاً معه سرية إلى رجل من عذرة فقال لهم: إن قدرتم على فلان فاحرقوه بالنار، قال: فانطلقوا حتى إذا تواروا منه ناداهم، وأرسل إليهم في إثرهم فردهم فقال: إن قدرتم عليه فاقتلوه، ولا تعذبوا بالنار؛ فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار. وعنه أيضاً أنه قال: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر. وفي حديث آخر عنه قال: يا رسول الله إني أجد بي قوة على الصوم في السفر فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي رخصة الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح. قال حمزة بن عمرو: لما كنا بتبوك، وأنفر المنافقون بناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقبة حتى سقط بعض متاع رحله، قال حمزة: فنور لي في أصابعي الخمس فأضاءت حتى جعلت ألقط ما شذ من المتاع: السوط والحبل وأشباه ذلك.

قال: وكان حمزة هو الذي بشر كعب بن مالك بتوبته، وما نزل فيه من القرآن، فنزع كعب ثوبين كانا عليه فكساهما إياه، فقال كعب: والله ما كان لي غيرهما. قال: فاستعرت ثوبين من أبي قتادة. وفي حديث آخر أنه قال: تفرقنا في سفر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهورهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير. وعن حمزة بن عمرو أيضاً قال: كان طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدور على أصحابه على هذا ليلة، وعلى هذا ليلة، فدار علي، فعملت طعاماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذهبت به فتحرك النحي فأهريق ما فيه فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس. فقلت: لا أستطيع يا رسول الله، فرجعت فإذا النحي يقول: قب، قب فقلت: فضلت فيه فضلة، فاجتذبته فإذا هو قد ملئ إلى يديه، فأوكيته، ثم جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت له ذلك فقال: أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه. والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي كنى حمزة أبا صالح. وعن حمزة أيضاً: أنه سئل عن الصوم، قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أحد من القوم إلا وله شخص في دابة أو بعير غيري يعتقب عليه، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقبني على

حمزة بن القاسم أبو محمد الشامي

راحلته قال: وسماني متعباً، وكان من أحب أسمائي إلي أن أدعى به، قال: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا متعب هلم فاركب، فأقول: يا رسول الله، إني أجد بي قوة، قال: فكان مما يدعوني المرة والمرتين والثلاث، قال: ثم ينزل فيحملني. قال متعب: وكنت أغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابي أصحاب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيفطر بعضنا ويصوم بعضنا في رمضان وفي غيره، فما يعيب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر. توفي حمزة سنة إحدى وستين وهو ابن إحدى وسبعين. وقيل: ابن ثمانين. حمزة بن القاسم أبو محمد الشامي حدث حمزة قال: اجتزت بكنيسة الرها فدخلتها لأشاهد ما كنت أسمعه عنها، فبينا أنا في طوافي إذ قرأت على ركن من أركانها مكتوباً بحمرة: حضر فلان بن فلان وهو يقول: من إقبال ذي الفطنة إذا ركبته المحنة انقطاع الحياة وحضور الوفاة، وأشد العذاب تطاول الأعمار في ظل الإدبار وأنا القائل: من الطويل ولي همة أدنى منازلها السّها ... ونفسٌ تعالى في المكارم والنهى وقد كنت ذا حالٍ بمرو قويةٍ ... فبلّغت الأيام بي بيعة الرّها ولو كنت معروفاً بها لم أقم حياً ... ولكنني أصبحت ذا غربةٍ بها ومن عادة الأيام إبعاد مصطفى ... وتفريق مجموعٍ وتنغيص مشتهى قال: فاستحسنت النثر والنظم وحفظتهما.

حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة

حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة ابن محمد بن الحسين بن يزيد بن أبي جميل أبو يعلى البزار المعروف بابن أبي الصقر روى عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده عن ابن عباس قال: كان اسم جويرية برة، فغيره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسماهما جويرية، فمر بها بكراً، فإذا هي في مجلسها تسبح وتذكر الله عز وجل، فانطلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته، ثم رجع بعدما ارتفع النهار، فقال: يا جويرية ما زلت في مجلسك هذا؟ قالت: نعم، ما زلت في مجلسي هذا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد تكلمت بأربع كلمات أعدتهن ثلاث مرات هن أفضل مما قلت: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته. توفي أبو يعلى بن أبي الصقر سنة خمس وثلاثين وخمس مئة. حمزة بن محمد بن جعفر أبو يعلى بن الرواس الأنصاري روى عن يعقوب بن عبد الرحمن بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبس في تهمة. وحدث عن عبد العزيز بن محمد بسنده عن أحمد بن حنبل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اهتمامك لرزق غدٍ يكتب عليك خطيئة.

حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد

حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد ابن علي بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو القاسم الزبيري البغدادي قدم دمشق سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. حدث عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الخرقي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل من أهل الكتاب: إن الله يحمل الخلائق على أصبع والشجر على أصبع، قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وأنزل الله عز وجل: " وما قدروا الله حق قدره ". ولد حمزة الزبيري سنة ثمان وأربع مئة، وتوفي سنة تسع وثمانين وأربع مئة. حمزة بن محمد بن حمزة ابن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو يعلى العلوي الزيدي القزويني حدث بدمشق سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري بسنده عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ". جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ قال: قل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.

حمزة بن محمد بن عبد الله

حمزة بن محمد بن عبد الله ابن محمد أبو طالب الجعفري الطوسي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بدمشق بسنده عن أبي هريرة قال: ضحك الله من رجلين، قتل أحدهما صاحبه ثم دخلا الجنة. وحدث عن أبي القاسم عبد الواحد بن أحمد الهاشمي بسنده عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: طلب الحق غربة. وروى بسنده عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: من المنسرح صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا ... من راقب الله في الأمور نجا من صدق الله لم ينله أذىً ... ومن رجاه يكون حيث رجا توفي أبو طالب سنة ثمان وأربعين وأربع مئة. حمزة بن محمد بن علي بن العباس أبو القاسم الكناني الحافظ المصري روى عن أبي عبد الله محمد بن أحمد العريني بسنده عن عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حواء قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ردوا السائل ولو بظلف محرق. وحدث عن أبي الحسن محمد بن عون بسنده عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير الكفن الحلة، وخير الضحايا الكبش الأقرن. توفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.

حمزة بن هبة الله بن سلامة

وكان حافظاً ثقة ثبتاً. وجاءه رجل غريب فقال له: إن عسكر أبي تميم المغاربة قد وصلوا الإسكندرية، فقال حمزة بن محمد: اللهم لا تحيني حتى تريني الرايات الصفر، فمات حمزة رحمه الله، ودخل عسكرهم بعد موته بثلاثة أيام. قيل: إنه ولد سنة خمس وسبعين ومئتين، ومات ابن اثنتين وثمانين سنة. حمزة بن هبة الله بن سلامة ابن أحمد بن محمد بن سباع أبو يعلى القرشي العثماني روى عن علي بن الخضر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعثت بجوامع الكلم. ولد حمزة بن هبة الله سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وتوفي سنة إحدى وخمس مئة. حمزة بن يوسف بن إبراهيم ابن موسى بن إبراهيم بن محمد ويقال: ابن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله ابن هشام بن العاص بن وائل أبو القاسم السهمي الجرجاني الحافظ سمع بدمشق. حدث عن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ وغيره بسندهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كرم المرء دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه. وروى أبو القاسم السهمي عن الحسين بن عمر الضراب، قال: أنشدنا سمعان الصيرفي: من مخلع البسيط أشدّ من فاقة الزمان ... مقام حرٍّ على هوان فاسترزق الله واستعنه ... فإنّه خير مستعان

حميدان بن نصر بن حصين

وإن نبا منزلٌ بحرٍّ ... فمن مكانٍ إلى مكان توفي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وقيل: سنة سبع وعشرين. حميدان بن نصر بن حصين أبو جعفر البغدادي حدث بدمشق. روى عن نصر بن بابان بسنده عن عثمان بن عفان: في المحرم يشم الريحان؟ قال: نعم، ويدخل البستان. توفي حميدان بدمشق سنة ست وستين ومئتين. حميد بن أبي حميد واسم أبي حميد تيرويه ويقال تير وفيه اختلاف أبو عبيدة الخزاعي مولى طلحة الطلحات البصري المعروف بحميد الطويل حدث عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق ومعه أناس من أصحابه، فعرضت له امرأة، فقالت: يا رسول الله لي إليك حاجة. فقال: يا أم فلان اجلسي في أدنى نواحي السكك حتى أجلس إليك، ففعلت فجلس إليها حتى قضت حاجتها. وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار. وعن حميد قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز، فسلم تسليمة.

حميد بن ثور بن عبد الله

وفي رواية: فسلم واحدة. قال الأصمعي: رأيت حميداً ولم يكن بطويل، ولكن كان طويل اليدين. قال: ولكن كان في جيرانه رجل يقال له: حميد القصير، فقيل حميد الطويل يعرف من الآخر. قال يحيى بن سعيد: مات حميد الطويل وهو قائم يصلي. قيل: إنه مات سنة أربعين ومئة. وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة ثلاث وأربعين وهو ابن خمس وسبعين سنة. حميد بن ثور بن عبد الله ابن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو المثنى الهلالي شاعر مشهور إسلامي. قيل: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشده شعراً. وقيل: إنه أدرك الجاهلية وقال الشعر في زمن عمر بن الخطاب، ووفد على بعض خلفاء بني أمية. قال الأصمعي: الفصحاء من شعراء العرب في الإسلام أربعة: راعي الإبل النميري، وتميم بن مقبل العجلاني، وابن أحمر الباهلي، وحميد بن ثور الهلالي، وكلهم من قيس عيلان.

حميد بن حريث بن بحدل الكلبي

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو لم يكن لابن آدم إلا الصحة والسلامة لكفاه بهما داءً قاتلاً. قال الهيثم: فأخذ حميد بن ثور الهلالي فقال: من الطويل أرى بصري قد رابني بعد صحّةٍ ... وحسبك داءً أن تصحّ وتسلما ولن يلبث العصران يوماً وليلةً ... إذا اختلفا أن يدركا ما تيمّما حميد بن حريث بن بحدل الكلبي من وجوه أهل دمشق وفرسان قحطان، وولي شرطة يزيد بن معاوية. قال عوانة: دخل رجل من أهل الشام على عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين إني قد تزوجت امرأة، وزوجت ابني أمها، ولا غنى بي عن رفدك، فقال له: إن أخبرتني بقرابة ما بين ولديكما فعلت ما تريد. فقال: يا أمير المؤمنين هذا حاجبك حميد بن بحدل، قد قلدته سيفك وحجابك، فسله عنها، فإن أصاب كان حرماني بحجة، وإن أخطأ اتسع العذر لي. فدعا به، فسأله عن ذلك فقال: يا أمير المؤمنين: إنك لم تقدمني على علم بالأنساب ولا لتصرف في الآداب، وإنما قدمتني لضربي بالسيف وطعني بالرماح: ابن الأب عم ابن الابن، وابن الابن خال ابن الأب، وأنا أسأل أمير المؤمنين أن يصل هذا الرجل بما أمله عنده، فضحك واسترجحه. ووصل الرجل. قال عوانة: لم يؤيد الملك بمثل كلب، ولم تعل المنابر بمثل قريش، ولم يطلب التراث بمثل تميم،

حميد بن الحسن بن عبد الله

ولم ترع الرعايا بمثل ثقيف، ولم تسد الثغور بمثل قيس، ولم تهيج الفتن بمثل ربيعة، ولم يجب الخراج بمثل اليمن. حميد بن الحسن بن عبد الله أبو الحسن الوراق حدث عن إبراهيم بن مروان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر. حميد بن أبي حميد الدمشقي حدث عن خالد بن معدان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحب آل محمد ولا تكن رافضياً، وارج الأمور إلى الله ولا تكن مرجئاً، واعلم أن ما أصابك فمن الله، ولا تكن قدرياً، واسمع وأطع ولو عبداً حبشياً، ولا تكن خارجياً. حميد بن زنجويه واسمه مخلد بن قتيبة بن عبد الله وزنجويه لقب مخلد أبو أحد الأزدي النسائي الحافظ صاحب كتاب الأموال، سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما، روى عنه البخاري ومسلم. روى حميد عن ابي أبي مريم بسنده عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان. وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: تسوكوا فإن السواك مطيبة للفم، مرضاة للرب، ما جاءني صاحبي جبريل عليه السلام إلا أوصاني بالسواك، حتى خشيت أن يفرضه علي وعلى أمتي، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي. توفي سنة إحدى وخمسين ومئتين.

حميد بن عقبة بن رومان

حميد بن عقبة بن رومان أبو سنان الفزاري ويقال القرشي من أهل دمشق. روى عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من زحزح عن طريق المسلمين شيئاً يؤذيهم كتب الله تعالى له بها حسنة، ومن كتب الله له عنده حسنة أوجب له بها الجنة. حميد بن قيس أبو صفوان المكي الأعرج مولى بني أسد ابن عبد العزى وقيل: مولى منظور بن زبان الفزاري وهو أخو عمر بن قيس الملقب بسندل روى عنه مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وفد على عمر بن عبد العزيز. روى عن مجاهد بسنده عن كعب بن عجرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: لعلك آذاك هوامك؟ قال: فقلت: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة. وحدث حميد عن مجاهد قال: كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله بن عمر ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابته يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا، وعهدنا إليكم. توفي في خلافة أبي العباس، وكانت خلافته سنة اثنتين وثلاثين ومئة.

حميد بن محمد بن النضير

حميد بن محمد بن النضير أبو الحسن التميمي البعلبكي إمام مسجد بعلبك. حدث عن عمه إبراهيم بن النضير بسنده عن الحسن: أن أبا موسى الأشعري رأى كأنه يكتب في منامه " ص " فلما انتهى إلى السجدة بدر القلم من يده فسجد، وبدرت الدواة، ولم يبق في البيت شيء إلا سجد، وكل من يسجد معه يقول: اللهم اغفر بها ذنباً واحطط بها وزراً وأعظم بها أجراً. قال أبو موسى: فغدوت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: يا أبا موسى سجدة سجدها نبي كانت عندها توبة، فسجدت كما سجد وترقبت كما ترقب. حميد بن مالك بن مغيث ابن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو الغنائم الكناني المنقذي الملقب بمكين الدولة ولد بشيزر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، ونشأ بها وانتقل إلى دمشق، وفيه شجاعة وعفاف، وله شعر حسن. قال أبو الغنائم: اشتقت إلى تربة أخي يحيى رحمه الله وأنا بماردين فعملت: من الكامل بالشام لي جدثٌ وجدت بفقده ... وجداً يكاد القلب منه يذوب فيه من البأس المهيب صواعقٌ ... تخشى ومن ماء السماح قليب فارقت حتى حسن صبري بعده ... وهجرت حتى النوم وهو حبيب

حميد بن مسلم أبو عبيد الله القرشي

ومن شعره في الخمر: من الكامل وسلافةٌ أزرى احمرار شعاعها ... بالورد والوجنات والياقوت جاءت مع الساقي تنير بكأسها ... فكأنها اللاهوت في النّاسوت توفي الأمير مكين الدولة في شعبان سنة أربع وستين وخمس مئة. حميد بن مسلم أبو عبيد الله القرشي ويقال أبو عبد الله قال حميد. رأيت واثلة بن الأسقع صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على رجال ونساء، في طاعون أصاب الناس بالشام، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة. وعن حميد بن مسلم أنه سمع بلال بن أبي الدرداء، قال: قال أبو الدرداء: حبك الشيء يعمي ويصم. حميد بن منبه بن عثمان اللخمي روى عن أبيه بسنده عن عمر بن عبد العزيز: أنه قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: حدثني بحديث ليس بينك وبين أبيك فيه أحد، ولا بين أبيك وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه أحد. فقال: نعم. سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أمتي أمة مرحومة مقدسة مباركة لا عذاب عليها يوم القيامة، إنما عذابهم بينهم في الدنيا بالفتن.

حميد بن هشام

حدث عن أبيه أيضاً بسنده عن أبي مالك الأشعري قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، وأمر علينا سعد بن أبي وقاص قال: فسرنا حتى نزلنا منزلاً، فقام رجل فأسرج دابته فقلت له: أين تريد؟ فقال: أريد أتعلف، فقلت له: لا تفعل حتى نسأل صاحبنا، وأتينا أبا موسى الأشعري، فذكرنا ذلك له فقال: لعلك تريد أن ترجع إلى أهلك قال: لا. قال: انظر ما تقول. قال: لا. قال: فامض راشداً. قال: فانطلق فغاب ثلاثاً، ثم جاء، فقال له أبو موسى: لعلك زرت أهلك قال: لا، قال: انظر ما تقول، قال: نعم، قال أبو موسى: فإنك سرت في النار إلى أهلك، وقعدت في النار، وأقبلت في النار، استقبل. حميد بن هشام أبو هشام العنسي الداراني قال حميد: قلت لأبي سليمان عبد الرحمن بن أحمد بن عطية: يا عم لم تشدد علينا؟ وقد قال الله عز وجل في كتابه: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم " قال: اقرأ، فقرأت: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ثم لا تنصرون ". قال: اقرأ، فقرأت " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، وإن كنت لمن الساخرين ". " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ". فأقمت أياماً ثم قرأ ما يتلو هذا " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين "، فقلت له: يا عم، قد قال الله تعالى: " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " فأنا بحمد الله ونعمته لم أكذب بآيات الله ربي، ولا استكبرت

حنش بن عبد الله بن عمرو

عن عبادته، وما أنا من الكافرين، فمسح يعني رأسي وقال: يا بني اتق الله تعالى وخفه وارجه. قال حميد بن هشام الداراني: قرأ رجل على أبي سليمان سورة " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "، فلما بلغ إلى هذا الموضع " وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً "، قال: فقال أبو سليمان: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا، وأنشد حميد لبعضهم: من الخفيف كم قتيلٍ لشهوةٍ وأسيرٍ ... أفّ للمشتهي خلاف الجميل شهوات الإنسان تورثه الذّلّ ... وتلقيه في البلاء الطويل حنش بن عبد الله بن عمرو ابن حنظلة بن نهد بن قنان بن ثعلبة بن عبد الله بن ثامر أبو رشيدين السيئي الصنعاني من صنعاء دمشق؛ صحب علي بن أبي طالب، روى عن ابن عباس ورويفع بن ثابت وجماعة. قال حنش بن عبد الله: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر، فقال لي أصحابي: اشترها منا نقاربك فيها قال: فقلت: حتى أسأل فضالة بن عبيد فأتيته، فقلت: طارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر، وقد وعدوني أن يقاربوني فيها، فكيف ترى؟

قال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل. وكان حنش إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل أوقد المصباح، وقرب المصحف، وإناء فيه ماء، فكان إذا وجد النعاس استنشر الماء، وإذا تعايا في آية نظر في المصحف. وكان حنش إذا جاءه سائل مستطعم لم يزل يصيح بأهله أطعموا السائل، أطعموا السائل حتى يطعم. قال أبو سعيد بن يونس: حنش بن عبد الله الصنعاني كان مع علي بن أبي طالب بالكوفة، وقدم مصر بعد قتل علي، وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت، وغزا الأندلس مع موسى بن نصير، وكان فيمن ثار مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان، فأتي به عبد الملك في وثاق، فعفا عنه، وكان عبد الملك بن مروان حين غزا المغرب مع معاوية بن حديج، نزل عليه بإفريقية سنة خمسين، فحفظ له ذلك، وكان أول من ولي عشور إفريقية في الإسلام. توفي بإفريقية سنة مئة، وله عقب بمصر، وله بالأندلس آثار. ويقال: إن جامع مدينة سرقسطة من ثغور الأندلس من بنائه، وإنه أول من اختطه، وقيل: إن قبر حنش بسرقسطة. قال عبد الله محمد بن المكرم مختصر هذا التاريخ: هذا حنش بن عبد الله هو الراوي عن جدي أبي علي رويفع بن ثابت، وغزا المغرب

حنش بن قيس

معه، وروى عنه معه شيبان بن أمية القتباني، وقد ذكرت صلة النسب إلى رويفع بن ثابت في غير موضع من هذا الكتاب والله أعلم. وحنش الصنعاني من صنعاء الشام. حنش بن قيس ويقال ابن علي وحنش لقب واسمه حسين أبو علي الرحبي الصنعاني الهمداني من صنعاء دمشق حدث عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أعان باطلاً ليدحض باطله حقاً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله وحدث عن عطاء عن ابن عمر عن ابن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمرك فيما أفنيت، وعن شبابك فيما أبليت، وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته، وما عملت فيما علمت. وحسين بن قيس ضعيف الحديث متروك ليس بشيء. حنظلة بن الربيع بن صيفي ابن رباح بن الحارث بن معاوية بن مخاشن أبو ربعي التميمي الأسيدي. كاتب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد مع خالد حروبه بالعراق، ثم قدم معه دومة الجندل من كور دمشق، ثم أتى معه إلى سواء، ووجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

قال حنظلة: لقيني أبو بكر الصديق فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة يا أبا بكر. قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نافق حنظلة يا أبا بكر، قال: سبحان الله ما تقول؟ فقلت: نافق حنظلة يا أبا بكر قال: ومم ذاك؟ قال: نكون عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين، أو كأنا نراهما، فإذا خرجنا من عند رسول الله وعافسنا الأزواج والضيعات نسينا كثيراً؛ ففزع أبو بكر رضي الله عنه وقال: إذاً نلقى مثل ذلك. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف أنت يا حنظلة؟ أو ما شأنك يا حنظلة؟ فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، قال: سبحان الله ما تقول؟ قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. قال: سبحان الله ما تقول؟ قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. قال: ومم ذاك؟ قلت: نكون عندك فتذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأي عين، أو كأنا نراهما، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. حنظلة الكاتب: كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة كتاباً، فمسي بذلك. وكانت الكتابة في العرب قليلاً. وقيل: إنه سمي الكاتب لأنه كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي. وكان بالكوفة، فلما شتم عثمان انتقل إلى قرقيسيا وقال: لا أقيم ببلد يشتم فيه عثمان. وتوفي بعد علي، وكان معتزلاً للفتنة حتى مات.

حنينا أحد صديقي المسيح

وهو ابن أخي أكثم بن صيفي، وعاش أكثم مئة وتسعين سنة، وكان أكثم حكيم العرب. قال قيس بن زهير: انطلقت مع حنظلة بن الربيع إلى مسجد فرات بن حيان، فحضرت الصلاة، فقال لحنظلة: تقدم، فقال حنظلة: أنت أكبر مني، وأقدم هجرة، والمسجد مسجدك، قال فرات: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيك شيئاً، لا أتقدمك أبداً. فقال حنظلة: أشهدته يوم أتيته بالطائف فبعثني عيناً؟ قال: نعم، فتقدم حنظلة فصلى بهم. قال فرات: يا بني عجل، إني إنما قدمت هذا لشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه عيناً إلى الطائف، فأتى فأخبره الخبر، فقال: صدقت، ارجع إلى منزلك فإنك قد سهرت الليلة. فلما ولى قال لنا: ائتموا بمثل هذا وأشباهه. حنينا أحد صديقي المسيح قيل: إنه كان بدمشق. قال وهب بن منبه: كان بولس من رؤساء اليهود وأشدهم بأساً، وأعظمهم شأناً في إنكار ما جاء به المسيح عليه السلام ودفعه، ودفع الناس عنه. فجمع العساكر وسار إلى المسيح عليه السلام ليقتله ويمنعه عن دخول دمشق، فلقيه بكوكبا فضربه ملك بجناحه، فأعماه، ورأى من دلائل أمره والأحوال التي لم يصل معها إلى ما أراد من مكروهه ما اضطره إلى الإيمان به، والتصديق بما جاء به، فأتى المسيح على ذلك، وسأله أن يفتح عينيه فقال له المسيح: كم تسعى في أذاي وأذى من هو معي، وتفعل وتصنع. ثم قال له المسيح: امض حتى تدخل دمشق وخذ في السوق الطويل الممدود في وسط

حوشب بن سيف

المدينة، يعني دمشق، حتى تصير في آخره وتصير إلى حنينا وكان حنينا قد اختفى منه فزعاً في مغارة نحو الباب الشرقي حتى يفتح عينينك. فأتاه عند الكنيسة المصلبة وهي الكنيسة المنسوبة إليه اليوم، وكان بولس قد أخذ ابن أخيه، وكان قد آمن بالمسيح فحلق وسط رأسه ونادى عليه ورحمه حتى مات، فمن ثم أخذ النصارى حلق وسط رؤوسهم للتأسي بذلك، فيما كان عوقب به، وإنه كالتواضع لا كالعيب لمن آمن بالمسيح عليه السلام. حوشب بن سيف أبو هبيرة ويقال أبو روح السكسكي ويقال: المعافري الحمصي روى عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: سيلي عليكم أمراء يعظون على منابرهم الحكمة، فإذا نزلوا أنكرتم أعمالهم، فخذوا أحسن ما تسمعون ودعوا ما أنكرتم من أعمالهم. وحدث به أنه قال: ينادي منادٍ: أين المفجعون في سبيل الله فلا يقوم إلا المجاهدون. وعن حوشب: أنه خرج على جنازة من باب دمشق ومعهم خالد بن يزيد، فتنازعوا في الميت من حيث يدخلونه، فقال بعضهم: أدخلوه من عند رجليه، فقال عمير بن عميرة اليحصبي: هذه سنة النعمان بن بشير في هذا الجند ما كنا نعرفها، فسمعه خالد بن يزيد فقال: ليست بسنة النعمان بن بشير، ولكنها سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل شيء باباً يدخل منه، وإن مدخل القبر من نحو الرجلين. قال: ولا أظن باب دمشق المذكور في هذا الحديث إلا بحمص فإن لها باباً يقال له: باب دمشق. والله أعلم.

حوشب بن طخمة ذو ظليم الألهاني

حوشب بن طخمة ذو ظليم الألهاني وفي نسبه اختلاف كثير. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وراسله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجرير بن عبد الله. وشهد ذو ظليم اليرموك، وكان أميراً على كردوس، وكان رئيس ألهان في الجاهلية والإسلام، وشهد صفين مع معاوية، وقتل بصفين، وكان على رجالة أهل حمص. وحدث حوشب قال: لما أن أظهر الله عز وجل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انتدبت إليه مع الناس في أربعين فارساً مع عبدشر، فقدموا عليه المدينة بكتابي فقال: أيكم محمد؟ قالوا: هذا، قال: ما الذي جئتنا به؟ فإن يك حقاً اتبعناك. قال: تقيموا الصلاة، وتعطوا الزكاة، وتحقنوا الدماء، وتأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر. فقال عبدشر: إن هذا لحسن جميل، مد يدك أبايعك. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما اسمك؟ قال: عبدشر. قال: بل أنت عبد خير. وكتب معه الجواب إلى حوشب ذي ظليم فآمن. قال عبد الرحمن بن جندب: سئل علي عن قتلاه وقتلى معاوية، قال: يؤتى بي وبمعاوية يوم القيامة فنجتمع عند ذي العرش، فأينا فلج فلج أصحابه.

حوشب الفزاري

وكانت صفين في ربيع الأول، ودومة الجندل في رمضان في سنة واحدة سنة سبع وثلاثين. قال أبو وائل: رآني عمرو بن شرحبيل، وكان من أفاضل أصحاب عبد الله. قال: رأيت كأني دخلت الجنة فإذا أنا بقباب مضروبة فقلت: لمن هذا؟ فقال: لذي كلاع وحوشب وكانا ممن قتل مع معاوية، قال: قلت: ما فعل عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: قلت: سبحان الله وقد قتل بعضهم بعضاً، فقال: إنهم لقوا الله فوجدوه واسع المغفرة، قال: قلت: ما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً. قال يحيى بن أبي طالب: فسمعت يزيد في المجلس ببغداد وكان يقال: إن في المجلس سبعين ألفاً قال: لا تغتروا بهذا الحديث فإن ذا الكلاع وحوشباً أعتقا اثني عشر ألف أهل بيت، وذكر من محاسنهما أشياء. حوشب الفزاري من أهل دمشق. حدث حوشب قال: قال عمرو بن العاص يوم قتل عمار بن ياسر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يدخل سالبك وقاتلك النار. وحدث أنه سمع أبا الدرداء على المنبر يخطب، ويقول: إني لخائف يوم يناديني ربي عز وجل فيقول: يا عويمر، فأقول: لبيك، فيقول:

حويطب بن عبد العزى

كيف عملت فيما علمت؟ فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة، فيسألني فريضتها، فتشهد علي الآمرة أني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة أني لم أنته، أفأترك؟ حويطب بن عبد العزى ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر أبو محمد ويقال: أبو الإصبع القرشي العامري له صحبة، أسلم عام الفتح. قال حويطب: قدمت من عمرتي فقال لي أهلي: أعلمت أن أبا بكر بالموت؟ فأتيته في ثياب سفري فأجده لما به، فقلت: السلام عليك، فقال: وعليك، وعيناه تذرفان، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت أول من أسلم وثاني اثنين في الغار وصدقت هجرتك، وحسنت نصرتك، ووليت المسلمين فأحسنت صحبتهم، واستعملت خيرهم، قال: وحسن ما فعلت؟ قال: نعم. قال: قال: فإنا لله، والله أشكر له، وأعلم، ولا يمنعني ذلك من أن أستغفر الله، فما خرجت حتى مات. حدث حويطب بن عبد العزى أن عبد الله بن السعدي أخبره: أنه قدم على عمر بن الخطاب في خلافته فقال له عمر: ألم أخبر أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً فإذا أعطيت العمالة رددتها؟ قال: نعم، فقال: وما تريد إلى ذلك؟ قال: إني غني، وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، قال: فلا تفعل، فإني قد كنت أردت مثل الذي أردت، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيني فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: خذه وتصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك. وحويطب هو الذي افتدت أمه يمينه، وكان ممن دفن عثمان بن عفان. ومات في آخر مان معاوية بن أبي سفيان بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مئة وعشرين سنة، وأمه زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن منقذ. حدث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر حزم: أنه سئل عن الرهان التي كانت بين قريش حين سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خيبر. فقال: كان حويطب بن عبد العزى يقول: انصرفت من صلح الحديبية وأنا مستيقن أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيظهر على الخلق، وتأبى حمية الشيطان إلا لزم ديني. فقدم علينا عباس بن مرداس السلمي، فخبرنا أن محمداً سار إلى خيابر، وأن خيابر قد جمعت الجموع، فمحمد لا يفلت، إلى أن قال عباس: من شاء بايعته لا يفلت محمد، فقلت: أنا أخاطرك. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس، وقال نوفل بن معاوية: أنا معك يا عباس، وضوى إلى نفر من قريش، فتخاطرنا مئة بعير إلى مئة بعير، أقول أنا وحيزي: يظهر محمد، ويقول عباس وحيزه: تظهر غطفان. فاضطرب الصوت، فقال أبو سفيان بن حرب: نحب، واللات، حيز عباس بن مرداس، فغضب صفوان، وقال: أدركتك المنافية، فأسكت أبو سفيان، وجاءه الخبر بظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ حويطب وحيزه الرهن. حدث المنذر بن جهم قال: قال حويطب بن عبد العزى: لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عام الفتح، خفت خوفاً شديداً فخرجت من بيتي، وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها، ثم انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه، فإذا أنا بأبي ذر العفاري وكان بيني وبينه خلة، والخلة أبداً نافعة. فلما رأيته هربت منه، فقال: أبا محمد؟ قلت: لبيك، قال: مالك؟ قلت: الخوفز قال: لا خوف عليك تعال، أنت آمن بأمان الله، فرجعت إليه، وسلمت عليه فقال لي: اذهب إلى منزلك، قال: فقلت: وهل لي سبيل إلى منزلي؟ والله ما أراني أصل إلى بيتي حياً حتى ألفى فأقتل، أو يدخل علي منزلي فأقتل فإن عيالي لفي مواضع شتى، قال: فاجمع عيالك معك في موضع، وأنا أبلغ معك منزلك، وبلغ معي وجعل ينادي على بابي: إن حويطباً آمن فلا يهيج. ثم انصرف أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: أوليس قد آمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله؟! قال: فاطمأننت ورددت عيالي إلى مواضعهم، وعاد إلي أبو ذر فقال: يا أبا محمد حتى متى وإلى متى؟ قد سبقت في المواطن كلها، وفاتك خير كثير، وبقي خير كثير، فأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم تسلم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبر الناس، وأوصل الناس، وأحلم الناس، شرفه شرفك، وعزه عزك. قال: قلت: فأنا أخرج معك فآتيه، قال: فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبطحاء، وعنده أبو بكر وعمر، فوقفت على رأسه، وقد سألت أبا ذر كيف يقال إذا سلم عليه؟ قال: قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، فقلتها، فقال: وعليك السلام، أحويطب؟. قال: قلت: نعم، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك. قال: وسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي، واستقرضني مالاً فأقرضته أربعين ألف درهم، وشهدت معه حنيناً، وأعطاني من غنائم مئة بعير. ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها، وله بها دار بالبلاط عند أصحاب المصاحف، وكان ممن أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحاب المئين من المؤلفة قلوبهم من قريش وسائر العرب، حويطب بن عبد العزى مئة من الإبل.

وعن عبد الله بن عباس: أن إبراهيم عليه السلام أول من نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام موضعها، ثم جددها إسماعيل، ثم جددها قصي، ثم جددها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبيد الله: فلما كان عمر بن الخطاب بعث أربعة نفر من قريش: مخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وحويطب بن عبد العزى وأزهر بن عبد عوف فنصبوا أنصاب الحرم. وكان حويطب قد بلغ عشرين ومئة سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام. فلما ولي مروان بن الحكم المدينة في عمله الأول، دخل عليه حويطب يوماً بعد ذلك، فتحدث عنده، فقال له مروان: ما سنك؟ فأخبره، فقال له مروان: تأخر إسلامك، أيها الشيخ، حتى سبقك الأحداث، فقال حويطب: الله المستعان، لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك عنه، ويقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث، وتصير تابعاً؟ قال: فأسكت والله مروان، وندم على ما كان قال له. ثم قال حويطب: أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم؟ فازداد مروان غماً. ثم قال حويطب: ما كان في قريش أحد من كبرائها الذين بقوا على دين قومهم إلى أن فتحت مكة، كان أكره لما هو عليه مني، ولكن المقادير. ولقد شهدت بدراً مع المشركين فرأيت عبراً، رأيت الملائكة تقتل، وتأسر بين السماء والأرض، فقلت: هذا رجل ممنوع، ولم أذكر ما رأيت، فانهزمنا راجعين إلى مكة، فأقمنا بمكة، وقريش تسلم رجلاً رجلاً، فلما كان يوم الحديبية حضرت وشهدت الصلح، ومشيت فيه حتى تم، وكل ذلك أريد الإسلام. ويأبى الله إلا ما يريد، فلما كتبنا صلح الحديبية كنت أنا أحد شهوده، وقلت: لا ترى قريش من محمد إلا ما يسوءها، قد رضيت أن دافعته بالراح. ولما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وخرجت قريش عن مكة، كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو، لأن يخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مضى الوقت وهو ثلاث، فلما انقضت الثلاث، أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا: قد مضى شرطك فاخرج

حويت بن أحمد بن أبي حكيم

من بلدنا، فصاح: يا بلال، لا تغيب الشمس وأحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا. وكان حويطب قد باع داره بمكة من معاوية بأربعين ألف دينار، فقيل له: يا أبا محمد، أربعين ألف دينار؟ فقال: وما أربعون ألف دينار، لرجل عنده خمسة من العيال؟. قال الراوي: هو والله يومئذ يوفر عليهم القوت في كل شهر. حويت بن أحمد بن أبي حكيم أبو سليمان القرشي حدث عن أبي الجماهر بسنده عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يدعو: اللهم ضع في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها. وعنه أيضاً، عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بن كعب: إني أمرت أن أقرأ عليك، قال: وسميت لك؟ قال: نعم، قال: وذكرت هناك؟ قال: فجعل يبكي قال: فزعموا أنه قرأ عليه " لم يكن ". حوي بن علي بن صدقة بن حوي أبو القاسم السكسكي القاضي حدث عن أبي علي محمد بن محمد بن عبد الحميد الفزاري بسنده عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحج مفرداً. حيان بن حجر الدمشقي روى عن أبي الغادية المزني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ستكون فتن شداد، وخير الناس فيها مسلمو أهل البوادي الذين لا يندهون من دماء المسلمين وأموالهم شيئاً.

حيان بن نافع مولى بني مضر

وفي رواية: أسعد الناس من فيها. حيان بن نافع مولى بني مضر ابن معاوية حدث حيان قال: بعثني عروة بن محمد السعدي، وكان عاملاً لسليمان بن عبد الملك على اليمن إلى سليمان بخراج وهدايا، فوجدنا سليمان قد مات واستخلف عمر، فأمر عمر أن نهيئ هدايانا كما كنا نهيئها لمن كان قبله، فهيأناها في مجلس عمر الذي كان يجلس فيه، فجعل ينظر ونحن نعرض عليه ما جئنا به، فكان فيما جئنا به عنبرة تزن ست مئة رطل، وجئنا بمسك كثير، فلما فاح المسك وضع كمه على أنفه ثم قال: يا غلام، ارفع هذا، فإنما يستمتع من هذا بريحه. قال: فرفع. حيان ويقال حسان بن وبرة أبو عثمان المري ويقال: النمري، صاحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال حيان بن وبرة: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كلوا هذا المال ما طاب، فإذا عاد رشاً فدعوه، فإن الله سيغنيكم من فضله، ولن تفعلوا حتى يأتيكم الله بإمام عادل ليس من بني أمية. وفي غيره: بإمام عدل ليس من بني فلان أو قال: من بني فلان. وعن حسان بن وبرة المزني عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزال عصابة بدمشق ظاهرين.

حيان أبو النضر الأسدي

قال الحافظ: كذا أخرجه البخاري في باب حسان. وأخطأ فيه في ثلاثة مواضع: قوله: حسان، وهو حيان، وقوله: النمري والمزني، وهو المري. حيان أبو النضر الأسدي ويقال الجرشي القارئ البلاطي قال حيان: دخلت مع واثلة بن الأسقع على أبي الأسود الجرشي في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه وجلس، قال: فأخذ أبو الأسود يمين واثلة، يمسح بها عينيه ووجهه، لبيعته بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها، قال: وما هي؟ قال: كيف ظنك بربك؟ قال: فقال أبو الأسود وأشار برأسه، أي حسن. قال واثلة: أبشر، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء. قال مدرك بن أبي سعد: أتينا يونس بن حلبس عائدين له في بيته، وكان عنده شيخ أكبر منه، يقال له: أبو النضر، اسمه حيان القارئ، فقال يونس: يا أبا النضر، الحديث الذي حدثتنا. فقال أبو النضر: حدثني جنادة بن أبي أمية الأزدي عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: يا عبادة، اسمع وأطع في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، وإن أكلوا مالك، وضربوا ظهرك إلا أن تكون معصية بواحاً.

حيان مولى أم الدرداء

حيان مولى أم الدرداء حدث عن أم الدرداء قالت: خرج أبو الدرداء يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد جماعة من العرب يتفاخرون. قال: فأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا الدرداء ما هذا اللجب الذي أسمع؟ قال: قلت: يا رسول الله هذه العرب تتفاخر فيما بينها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا فاخرت ففاخر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم، وإذا حاربت فحارب بقيس، ألا إن وجوهها كنانة، ولسانها أسد، وفرسانها قيس، إن لله عز وجل، يا أبا الدرداء، فرساناً في سمائه يقاتل بهم أعداءه وهم الملائكة، وفرساناً في أرضه يقاتل بهم أعداءه وهم قيس. يا أبا الدرداء، إن آخر من يقاتل عن الإسلام حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن إلا رسمه، لرجل من قيس قال: قلت يا رسول الله، من أي قيس؟ قال: من سليم. حياش ويقال جياش بالجيم ابن قيس بن الأعور بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عام القشيري فارس أدرك أيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وشهد يوم اليرموك، وأبلى فيه بلاءً حسناً، يقال: قتل باليرموك فيما تزعم قيس ألف رجل، وقطعت رجله فلم يشعر بها حتى رجع إلى منزله، ثم جعل ينشرها، فقال سوار بن أوفى: من الطويل ومنّا ابن عتّابٍ وناشر رجله ... ومنا الذي أدّى إلى الحيّ حاجبا يعني حاجب بن زرارة، والذي أداه: يعني ذا الرقيبة، كان أسر حاجب بن زرارة يوم شعب جبلة.

حيدرة بن أحمد بن الحسين

حيدرة بن أحمد بن الحسين ابن أبو تراب الأنصاري المقرئ المعروف بالخروف حدث عن أبي بكر الخطيب بسنده عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيمم بموضع، يقال له: مربد النعم وهو يرى بيوت المدينة. توفي سنة ست وخمس مئة. حيدرة بن الحسين بن مفلح أبو المكرم المعروف بالمؤيد أمير دمشق من قبل المستنصر، ولي دمشق دفعتين، آخرهما سنة خمس وخمسين وأربع مئة ولقبه معتز الدولة. روى عن الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل الأطرابلسي بسنده عن علي، عليه السلام، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء رفقاء، وأعطيت أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: علي والحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال رضي الله عنهم. حيدرة بن علي بن محمد بن إبراهيم ابن الحسين أبو المنجى بن أبي تراب القحطاني الأنطاكي عابر الأحلام. حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، بسنده عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فثنتان فيهما جدال وخصومات ومعاذير، وفي العرضة الثالثة تطاير الصحف في الأكف.

حيويل بن يسار بن حيي بن قرط

وحدث عنه أيضاً بسنده عن علي بن أبي طالب قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك، دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين. حيويل بن يسار بن حيي بن قرط ابن سهيل بن المقلد بن معدي كرب بن عريق بن سكسك بن أشرس بن كندة أبو كبشة السكسكي عريف السكاسك. حدث عنه ابنه يزيد عن أبيه يزيد قال: أتي أبو الدرداء بجارية قد سرقت واعترفت، فقال لها: سرقت؟ فولي: لا، قالت: لا، قال: فقال له أبي: أنت تقول لها قولي: لا؟ قال أبو الدرداء: إنها اعترفت وهي لا تدري ما يصنع بها. قال لها: أسرقت؟ قولي: لا، قال أبو الدرداء: أسرقت؟ قولي: لا، قالت: لا، فخلى سبيلها. حيي رجل من بني إسرائيل كان يسكن في جبل الخليل عليه السلام. حدث عروة بن رويم قال: أصاب بني إسرائيل قحط، فأتوا رجلاً بجبل الخليل يقال له: حيي، فأتوا منزله فوجدوا امرأته متبذلة، فسالوها عنه، فأخبرتهم أنه آجر نفسه يعتمل بحرث. فأتوه في عمله فكلموه فلم يكلمهم، فجلسوا ينتظرونه حتى فرغ من عمله، فلما فرغ

احتزم حزمة من حطب، فجعلها على ظهره، وجعل غفارة معه فوق الحطب، وخلع نعليه ثم مشى ومشوا معه، فلما خرج إلى الجادة لبس نعليه حتى أتى منزله، فإذا امرأته قد تهيأت بغير هيئتها، فقربت إليه الطعام فأكل، ولم يعرض عليهم. فلما فرغ قال: حاجتكم؟ قالوا: إنا قد رأينا، فأخبرنا. قال: وما الذي رأيتم؟ قالوا: أتينا امرأتك فوجدناها متبذلة، قال: هكذا ينبغي للمغيبة إذا غاب زوجها، ثم أتيناك في عملك فكلمناك فلم تكلمنا، قال: إني كنت أجرت نفسي فكرهت أن أشتغل بكلامكم عن عملي، قال: ثم أخذت جرزة من حطب، فجعلت الحطب على جلدك، وجعلت الغفارة فوق الحطب، قال: إني كنت استعرت الغفارة فكنت أخرق جلدي أحب إلي من أن أخرق أمانتي، قال: ثم نزعت نعليك، قال: إني كرهت أن أحمل تراب حرث إلى حرث، فلما أن صرت إلى الجادة لبستهما، قال: ثن أتيت منزلك فوجدنا امرأتك قد تهيأت بغي هيئتها. قال: هكذا ينبغي للمرأة إذا حضر زوجها، قال: ثم قربت إليك طعاماً فأكلت ولم تعرض علينا، قال: إنه لم يكن فيه ما يكفيني وإياكم، فكرهت أن أعرض عليكم وليس في نفسي. قالوا: أنت صاحبنا، أصابنا قحوط، فصعد فوق أجار، ثم خط حوله خطاً من رماد ثم قال: أي ذلك أحب إليك؟ الوابل الشديد أو مطر بين المطرين؟ قالوا: الوابل الشديد، قال: فدعا الله، فمطروا حتى خافوا على بيوتهم، فقالوا: مطر بين المطرين، قال: فمطروا مطراً بين المطرين.

أسماء النساء على حرف الحاء

أسماء النساء على حرف الحاء حبابة بالتخفيف وهو لقب واسمها العالية، وتكنى أم داود مولاة يزيد بن عبد الملك، شبب بها وضاح اليمن بالحجاز، قبل أن تصير إلى يزيد، وهي من مولدات المدينة. كانت لرجل يعرف بابن مينا، ويقال: لآل لاحق المكيين، أخذت الغناء عن ابن سريج ومعبد وغيرهما، وكانت أحسن أهل عصرها وجهاً وغناءً، وأحلاهم منظراً وشمائل وأشكلهم. قال أبو الحسن الدارقطني: حبابة قينة، كانت لسليمان بن عبد الملك بن مروان. قالوا: ووهم في ذلك، وإنما كانت ليزيد بن عبد الملك، وهي التي ردته بعد النسك إلى الفتك، وكانت شاعرة متأدبة، ولها فيه مرتبة، ولها مع الأحوص أخبار. وقال ابن ماكولا: حبابة بفتح الحاء المهملة وتخفيف الباء التي تليها المعجمة بواحدة. حدث سلام الجمحي قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين: ببابك وفود الناس، ويقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم، وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز، وقد أقبلت على هؤلاء الإماء؟! قال: إني لأرجو ألا تعاتبني على هذا بعد اليوم.

فلما خرج مسلمة من عنده استلقى على فراشه، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك؟ فأخبرها بما قال مسلمة، وقال: تنحي عني حتى أفرغ للناس، قالت: فأمتعني منك يوماً واحداً، ثم اصنع ما بدا لك، قال: نعم، فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتاً، وتغني فيها! قالت: نعم، فقال الأحوص: من الطويل ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا إذا كنت عزهاةً عن اللهو والصّبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا فما العيش إلا ما تحبّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا فغنى به معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى، وهم يقرؤون بصوت شجٍ فحاكيته في هذا الصوت، فلما غنته حبابة قال: فعل الله بمسلمة، صدقت، والله لا أطعتهم أبداً. وقيل: إن يزيد قال لجاريته حبابة وكان عاشقاً لها شديد الوجد بها، فقال لها يوماً: إني قد وليت فلاناً الخادم ما حوته يدي شهراً لأخلو أنا وأنت فلا يشغلنا أحد. فقالت: إن كنت وليته فقد عزلته أنا، فغضب لذلك وخرج من المجلس الذي كان فيه. فلما أضحى النهار ولم يرها ضاق صدره، وقل صبره، فدعا بعض خدمه وقال: اذهب فانظر ما الذي تصنع حبابة؟ فمضى الخادم ثم رجع فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقي مرتدية برداء أصفر، وهي تلعب بلعبها.

فقال: احتل في أن تجيز علي، فذهب الخادم فلاعبها، ثم استل لعبة من لعبها وعدا بين يديها فتبعته تعدو وراءه، فمرت على يزيد، فلما بصر بها، قام إليها فاعتنقها وقال لها: فإني قد وليته، قال: فولي الخادم وعزل وهو لا يدري. ثم إنه خلا معها أياماً وتشاغل عن النظر في أمور الناس، فدخل عليه مسلمة وعذله على ذلك، فأخذت العود وغنته: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا قال أبو إسحاق: غنت جارية بين يدي يزيد بن عبد الملك: من الطويل. وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبرّدا فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل علاقة حبٍّ كان في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجلّدا فغنت حبابة: من الطويل كريم قريشٍ حين ينسب والذي ... أقر له بالفضل كهلاً وأمردا فراسلتها سلامة فغنت: من الطويل تردّى بمجدٍ من أبيه وجدّه ... وقد أورثا بنيان مجدٍ مشيّدا فطرب يزيد، وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض، ثم قال: أحسنتما أفتأذنان لي أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك. قال يزيد بن عبد الملك لحبابة ذات يوم: أتعرفين أحداً هو أطرب مني؟ قالت: نعم مولاي الذي باعني، فأمر بإشخاصه،

فأشخص إليه مقيداً، فأدخل وحبابة وسلامة تغنيان، فغنته سلامة لحن الغريض: من المتقارب تشطّ غداً دار جيراننا فطرب وتحرك في قيوده. ثم غنته حبابة لحن ابن سريج المجرد في هذا الشعر، فوثب وجعل يحجل في قيده، ويقول: هذا وأبيكما ما لا تعذلاني به حتى دنا من الشمعة فوضع لحيته عليها فأحرقت، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: هذا والله أطرب الناس حقاً، ووصله وسرحه إلى بلده. قال أبو أويس: قال يزيد بن عبد الملك: ما تقر عيني بما وليت من أمر الدنيا حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن زهير الزهري وحبابة جارية لاحق، فأرسل فاشتريتا له، فلما اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قيل: من الطويل فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر وعن الزبير بن بكار قال: قال يزيد بن عبد الملك: زعموا أنه لا يصفو لأحد عيش يوماً واحداً، فإني أريد ألا تخبروني غداً بشيء، فإني أريد أن أتخلى نظري ولذتي، فلعلها تدوم لي، فلما كان من غد جلس مع حبابة فأكلا وشربا وطربا، وكان بين يدي حبابة رمان، فأكلت منه فشرقت بحبة فماتت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها، ثم غسلت بعد ثلاث وأخرجت، فمر يزيد في جنازتها.

وقيل: إن يزيد بن عبد الملك نزل مكاناً بالأردن يقال له، بيت راس ومعه حبابة، فتوفيت، فمكث ثلاثاً لا يدفنها حتى أنتنت يشمها ويرشفها، فكلمه قراباته في ذلك، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك، حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، فحملوها في نطع، وخرج معهم حتى أجنها في حفرتها، فلما فرغوا قال: إنا والله كما قال كثير بن أبي جمعة: من الطويل فإن تسل عنك النفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتّجلّد وكلّ حبيبٍ زارني فهو قائلٌ ... من أجلك هذا هالك اليوم أو غد فما مكث بعدها إلا خمس عشرة حتى دفن. دخل يزيد بن عبد الملك يوماً بعد موت حبابة إلى خزانتها ومقاصيرها، فطاف فيها ومعه جارية من جواريها، فتمثلت الجارية من الطويل كفى حزناً بالواله الصّبّ أن يرى ... منازل من يهوى معطّلةً قفرا فصاح صيحة وخر مغشياً عليه، فلم يفق إلى أن مضى من الليل هويٌ فلم يزل بقية ليله باكياً ومن غده، فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها، جاؤوا إليه فوجدوه ميتاً. توفيت حبابة في رجب سنة خمس ومئة، ولم يلبث بعدها يزيد إلا أربعين يوماً حتى هلك.

حبة بنت الفضل

حبة بنت الفضل من النسوة الفصيحات، قدمت دمشق مستأمنة لزوجها عبد الله بن فضالة. قال عبيد الله بن عبد الله بن فضالة الزهراني: نادى منادي الحجاج بن يوسف يوم رسقيا داذ، أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان. قال: فأتي برأس عبد الله بن الجارود فلم يصدق فرحاً به وقال: عمموه لي أعرفه فإني لم أره قط إلا معتماً، فعمم له فعرفه. وأما عبيد الله بن زياد فإنه انطلق إلى عمان، فأصابه الفالج بها فمات. وأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد، فعطف عليهم فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه. وأما عبد الله بن فضالة فإنه أتى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي المهلب خراسان، وأمر بأخذه حيث أصابه، وقيل له: أكن ذلك ولا تبده فيحذر، ويحترز، واحرص على أسره دون قتله، فبعث المهلب ابنه حبيباً أمامه، وسار من سوق الأهواز إلى مرو على بغلة شهباء في سبع عشرة ليلة، فأخذه غاراً بمرو وهو لا يشعر. ثم كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فجاء المغيرة بن المهلب إلى منزل حبة بنة الفضل امرأة عبد الله بن فضالة، وهي ابنة عم عبد الله، فأرسل إليها أن حبيباً قد أخذ عبد الله، وقد كتب إلى الحجاج يعلمه ذلك، فإن كان عندك خير فشأنك، وعولي على المال ما بدا لك، فأرسلت إليه: لا، ولا كرامة، تقتلونه وآخذ منكم المال؟! هذا ما لا يكون. فتحولت إلى منزل أخيها لأمها خولي بن مالك الراسبي، وأرسلت إلى بني سعد، فاشتري لها باب عظيم، فألقته على الخندق ليلاً، ثم جازت عليه فغشي عليها، فلما أفاقت قالت: إني لم أكن أتعب، فمتى أصابني هذا فشدوني وثاقاً ثم سيروا بي،

فخرجت مع خادمها ودليلها، لا يعلم بها أحد حتى دخلت دمشق على عبد الملك بن مروان، فأتت أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان، وكانت أمها زينب بنت كعب بن حلحلة الخزاعي. قالت: يا أم أيوب قصدتك لأمر بهظني وغم كظني، وأعلمتها الخبر، وقصت عليها القصة، فقالت أم أيوب: قد كنت أسمع أمير المؤمنين يكثر ذكر صاحبك، ويظهر التلظي عليه، قالت: وأين رحلتي إليك؟ قالت: سأدخلك مدخلاً وأجلسك مجلساً إن شفعت ففيه، وإن رددت فلا تنصبي، فلا شفاعة لك بعده، فأجلستها في مجلسها الذي كانت تجلس فيه لدخول عبد الملك ليلاً مغتراً. فلما دنا أخذت بجانب ثوبه، ثم قالت: هذا مكان العائذ بك يا أمير المؤمنين، ففزع عبد الملك وأنكر الكلام. فقالت أم أيوب: ما يفزعك يا أمير المؤمنين من كرامة ساقها الله إليك؟ فقال: عذت معاذاً، فمن أنت؟ قالت: تؤمن، يا أمير المؤمنين، من جئتك فيه. من كان من خلق الله، ممن تعرف أو لا تعرف، ممن عظم ذنبه لديك أو صغر شامياً أو عراقياً أو غير ذلك. من الآفاق؟ قال: نعم هو آمن. قالت: بأمان الله ثم بأمانك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فمن هو أيتها المرأة؟ قالت: عبد الله بن فضالة، قال: أرسلي ثوبي أنبئك عنه. قالت: أغدراً يا بني مروان؟ قال: لا، أرسلي ثوبي أحدثك ببلائي عنده وهو آمن لك ولمعاذك.

قالت: فحدثني يا أمير المؤمنين ببلائك عنده. قال: ألم تعلمي أني وليته السوس وجنديسابور وأقطعته كذا ووهبت له كذا ونوهت بذكره ورفعت من قدره؟ قالت: بلى والله يا أمير المؤمنين، أفلا أحدثك ببلائه عندك؟ قال: بلى. قالت: أتعلم أن داره هدمت ثلاث مرار بسببك لا يستر من السماء بشيء؟ قال: نعم. قالت: أفتعلم يا أمير المؤمنين أنك كتبت إلى وجوه أهل البصرة وأشرافها، وكتبت إليه، فلم يكن منهم أحد أجابك ولا أطاعك غيره؟ قال: نعم. قالت: أفتعلم أنه كان قبل زلته سيفاً لك على أعدائك وسلماً وبساطاً لأوليائك؟ قال: نعم حسبك، قد أجبت وأبلغت. قالت: أفيذهب يوم من أيامه بصالح أيامه وطاعته وحسن بلائه؟ قال: لا، هو آمن. قالت: يا أمير المؤمنين إنها الدماء، وإنه الحجاج وإن رآه قتله. قال: كلا. قالت: فالكتاب يا أمير المؤمنين مع البريد. قال: فكتب لها كتاباً مؤكداً: إياك وإياه، أحسن جائزته ورفده وخل سبيله، ثم وجه به مع البريد، ثم أقبل عليها فقال: ما أنت منه؟ قالت: امرأته، وابنة عمه. قال: فضحك وقال: أين نشأت؟ قالت: في حجر أبيه.

حسينة ماشطة عبد الملك بن مروان

قال: فوالله لأنت أعرب وأفصح لساناً، فهل معه غيرك؟ قالت: نعم، ابنة عبيد بن كلاب وكذا كذا جارية. قال: فأنا أوليك طلاقها وعتق جواريه قالت: بل تهنئه نساءه كما هنأته دمه. فأقبل على أم أيوب فقال: يا أم أيوب، لا نساء إلا بنات العم، ثم قال: أقيمي عند أم أيوب حتى يأتيك الكتاب بمحبتك إن شاء الله. وقدم الكتاب، وقد قدم به على الحجاج من خراسان، فأقامه للناس في سراويل، وقد كان نزع ثيابه قبل ذلك وعرضه على الناس في الحديد ليعرفوه. فلما أمسى دعا به الحجاج، فقال له عبد الله: أتأذن في الكلام؟ قال: لا كلام سائر اليوم. قال: فكساه وحمله وأجازه وخلى سبيله، فانصرف إلى أهله فسألهم عن حبة، فأخبر بأمرها، وقيل: ما ندري أين توجهت، ثم بلغه ما صنعت، فكتب إليها: إنك قد صنعت بنا ما لم تصنعه أنثى، فأعلميني بمقدمك أتلقاك ويتلقاك الناس معي، فلم تعلمه حتى قدمت ليلاً وهو عند ابنة عبيد بن كلاب، فقالت: لا والله لا يؤذن بي الليلة، فلما أصبح أخبر بمكانها فأتاها. حسينة ماشطة عبد الملك بن مروان قال ابن شهاب: حججت مع سليمان بن عبد الملك، فلما كان يوم النحر أراد أن يفيض، فأرسل إلى عمر بن عبد العزيز وإلى سالم بن عبد الله وإلى أبي بكر بن حزم، وهو أمير على المدينة يومئذ، فقال: إني أريد أن أفيض فأخبروني ما بلغكم عن الطيب اليوم؟ أتطيب الآن قبل أن أفيض؟

حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن

فقال سالم: أخبرني أبي عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال في خطبته يوم عرفة: إذا رميتم الجمرة غداً، إن شاء الله، بسبع حصيات، وذبح من كان عنده ذبح أو نحر، فقد حل له ما حرم عليه إلا الطيب والنساء حتى يطوف بالبيت. قال أبو بكر بن حزم: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، خالتي، أن عائشة قالت: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة لحرمه قبل أن يحرم، وطيبته بمنى قبل أن يفيض يوم النحر. فقال سليمان بن عبد الملك حين رأى اختلافهم: ادعوا لي حسينة مرجلة عبد الملك بن مروان، فسألها: ما صنع عبد الملك هذا اليوم؟ قالت: لم يمس طيباً. فقال: يا غلام أرسل حرسنا مع سالم يقلبه إلى منزله، وأبى أن يمس الطيب. وقيل: إن اسمها سلافة. وقيل: إن اسمها حبيبة. وزاد في ترجمة سلافة: وروي حديث عائشة عن القاسم، قال القاسم: فعجبت أني أخبره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويسأل سلافة. حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة الزهرية ذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه قال: خرجت امرأة من بني زهرة في حي فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشام

حميدة بنت النعمان بن بشير

فأعجبته، فسأل فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوجوه بكرهٍ منها، فخرج بها إلى الشام، فخرجت مخرجاً فسمعت متمثلاً يقول: من الطويل ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... جبوب المصلّى أم كعهدي القرائن وهل آدرٌ حول البلاط عوامرٌ ... من الحي أم هل بالمدينة ساكن إذا برقت نحو الحجاز سحابةٌ ... دعا الشوق مني برقها المتيامن فلم أتركنها رغبةً عن بلادها ... ولكنه ما قدّر الله كائن قال: فتنفست فوقعت ميتة. قال أيوب: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج، فقال: أتعرفها؟ قلت: لا، قال: فهي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا الشعر لأبي قطيفة عمرو بن الوليد، قاله لما سيره ابن الزبير مع بني أمية إلى الشام. حميدة بنت النعمان بن بشير أم محمد الأنصارية سكنت دمشق. ويقال: حميدة بالضم. قيل: إنها التي تزوجها الحارث بن خالد المخزومي، ويقال: خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد فقالت في ذلك: من المتقارب نكحت المدينيّ إذ جاءني ... فيالك من نكحةٍ غاليه

كهول دمشق وفتيانها ... أحبّ إلينا من الجاليه وقيل: هذا الشعر لأختها عمرة. قال محمد بن سعد: فولد النعمان بن بشير: الوليد ويحيى وبشيرا وأم محمد، وهي حميدة تزوجها روح بن زنباع الجذامي، وعمرة تزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي، وهي التي قتلها مصعب بن الزبير. أنشد سعيد بن عبد العزيز لحميدة بنت النعمان بن بشير تبكي أباها: من مجزوء الكامل ليت ابن مزنة وابنه ... كانا لحتفك واقيه وبنو أمية كلّهم ... لم تبق منهم باقيه وأنشد أبو مسهر لها: من مجزوء الكامل جاء البريد برأسه ... يا للحلوم الغاويه يستفتحون بقتله ... دارت عليهم ثانيه فلأبكينّ مسرّةً ... ولأبكينّ علانيه ولأبكينّك ما حيي ... ت مع الكلاب العاويه قال أبو مسهر: في جوف الليل. قال المدائني: أشرفت امرأة روح بن زنباع تنظر إلى وفدٍ من جذام قدموا عليها، فزجرها روح، فقالت: والله إني لأبغض الحلال من جذام فكيف تخافني على الحرام منهم؟! وكانت امرأته بنت النعمان بن بشير. وقيل: إنها تزوجت روح بن زنباع فلم يؤدم بينهما، فقال لها روح في بعض ما يتنازعان فيه: اللهم إن بقيت بعدي فابتلها ببعل يلطم وجهها، ويملأ قيئاً حجرها.

فتزوجها بعده الفيض بن محمد بن الحكم، وكان شاباً جميلاً يصيب من الشراب، فأحبته، فلطمها يوماً وقاء في حجرها، فقالت: رحم الله أبا زرعة فقد أجيب في، وقالت للفيض: من البسيط سمّيت فيضاً وما شيءٌ تفيض به ... إلاّ بخزيك بين الباب والدار فتلك دعوة روح الخير أعرفها ... سقى الإله صداه الأوطف السّاري وقالت: من الوافر ألا يا فيض كنت أراك فيضاً ... فلا فيضاً وجدت ولا فراتا وقالت: من البسيط وليس فيضٌ بفيّاض العطاء لنا ... لكنّ فيضاً لنا بالقيء فيّاض ليث اللّيوث علينا باسلٌ شرسٌ ... وفي الحروب هيوب الصدر جيّاض فولدت من الفيض ابنة، فتزوجها الحجاج بن يوسف، وكان عند الحجاج قبلها أم أبان بنت النعمان بن بشير فقالت حميدة: من مشطور الرجز إذا تذكّرت نكاح الحجّاج ... فاضت له العين بدمٍ ثجّاج لو كان نعمان قتيل الأعلاج ... مستوي الشّخص صحيح الأوداج أو كنت منها بمكان النّسّاج ... وكنت أرجو بعض ما يرجو الرّاج أن تنكحيه ملكاً أو ذا تاج ... ما نلت ما نلت بختل الدّرّاج

حميدة حاضنة ولد عمر بن عبد العزيز

فقدمت حميدة زائرة لابنتها، فقال لها الحجاج: يا حميدة إني قد كنت أحتمل مزاحك مدّةً، فأما اليوم فإني بالعراق وهم قوم سوء فإياك، فقالت: سأكف حتى أرحل. حميدة حاضنة ولد عمر بن عبد العزيز حدثت: أن عمر بن عبد العزيز كان ينهى بناته أن ينمن مستلقيات، وقال: لا يزال الشيطان مطلاً على إحداكن إذا كانت مستلقية يطمع فيها. ويقال: حميدة: بالضم. حواء أم البشر قيل: إنها كانت تسكن بيت لهيا، وكان آدم يسكن في بيت أبيات. عن مجاهد: في قوله عز وجل: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " قال: آدم، " وخلق منها زوجها "، قال: حواء خلقت من ضلعه. قال: نام آدم فخلقت حواء من قصراه، فاستيقظ فرآها، فقال: من أنت؟ فقالت: آثا، يعني امرأة بالسريانية، وفي رواية أخرى: بالنبطية. قال ابن عباس: سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء: لأنها أم كل حي.

وكان آدم وحشياً في الجنة لا يطمئن إلى أحد حتى خلقت حواء منه، وهو نائم، فلما أن استيقظ، وهي جالسة إلى جنبه، فقال: من أنت؟ فقالت: أنا زوجتك لتسكن إلي، قال: نعم، فسكن إليها. قال عطاء: لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى مدبرا، وهو يلتفت أحياناً هل عصى أحد ربه غيره إلا إبليس، فعصمهم الله، ثم قال الله لآدم: قم يا آدم فسلم عليهم، قال: فقام فسلم عليهم وردوا عليه، ثم عرض الأسماء على الملائكة وهو سرح الجنة، فقال الله لملائكته: زعمتم أنكم أعلم منه، أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا: سبحانك إن العلم منك ولك، ولا علم لنا إلا ما علمتنا، وذلك قوله عز وجل: " وفوق كل ذي علم عليم " قال: والعلم يرجع من رجل إلى رجل، ويأثره رجل عن رجل حتى يجيء العلم إلى الله ولا يأثره عن أحد فإنه هو العليم، علم ما هم إليه صائرون. قال: فلما أقروا بذلك قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فقال آدم: هذه ناقة، جمل، بقرة، نعجة، شاة، فرس، وهو من خلق ربي، فكل شيء سمى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة، وجعل يدعو كل شيء باسمه حتى يمر بين يديه، حتى بقي الحمار وهو آخر شيء مر عليه، فخالف الحمار من وراء ظهره، فدعاة آدم: أقبل يا حمار، فعلمت الملائكة، أنه هو أكرم على الله وأعلم منهم. ثم قال له ربه: يا آدم، ادخل الجنة تحيا وتكرم، قال: فدخل الجنة، فنهاه عن الشجرة قبل أن تخلق حواء، فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة، ولا يسكن إليه، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه، فألقى الله عليه النوم وهو أول يوم كان، قال: فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر فخلقت حواء منه، فلما استيقظ آدم فجلس فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر. ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع. وكان الله علم آدم اسم كل شيء، فجاءته الملائكة فهنؤوه، وسلموا عليه، فقالوا: يا آدم ما هذه؟ قال: هذه امرأة. قيل له: فما اسمها؟ قال: حواء. فقيل له: لم سميتها حواء؟

قال: لأنها خلقت من حي، فنفخ بينهما من روح الله عز وجل، فما كان من شيء يتراحم له الناس فهو من فضل رحمتهما. قال وهب بن منبه: لما أسكن الله آدم وزوجه حواء الجنة، نهاه عن الشجرة، وكانت الشجرة متشعباً غصونها بعضه في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلما أراد إبليس أن يستزلهما، دخل في جوف الحية، وكانت لها أربع قوائم كأنها بختيةٌ من أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها! وأطيب طعمها! وأحسن لونها! فأخذتها حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وما أحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هذا يا رب. قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي منها خلقت، لعنة تتحول ثمارها شوكاً. قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح والسدر. ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملاً إلا حملته كرهاً، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت. وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك فلا يكون لك رزق إلا التراب، وأنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك حيثما لقيت أحداً منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك. قيل لوهب: وهل كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.

قال الكلبي: ذكر لنا أن آدم لما سكن الجنة حذر أكل الشجرة. فيقال، والله أعلم: إنها شجرة يقال لها: شجرة العلم. وقال مجاهد: الشجرة التي أمر الله آدم أن لا يأكل منها: تينة. وقال ابن عباس: عنب. وقال غيره: حنطة شجرة البر، والحنطة هي السنبلة. قالوا: وكان آدم وحواء في جوار الله، وفي داره ليس لهما رب غيره، ولا رقيب دونه، يأكلان منها رغداً، ويسكنان منها حيث شاءا وأحبا. فأتاهما الشيطان في صورة غير صورته، فقام عند باب الجنة فنادى حواء: يا حواء، فأجابته هي وآدم فقال: ما أمركما به ربكما، وما نهاكما عنه؟ قالا: أمرنا أن نأكل من شجر الفردوس كله غير هذه الشجرة التي في وسط الفردوس كيلا نموت. قال إبليس: فإن الله قد علم أنكما لستما تموتان، ولكن علم أنكما حين تأكلان من هذه الشجرة فتكونان ملكين يعلمان الخير والشر فحسدكما على ذلك، وإني أقسم لكما، يا آدم وحواء، إني لكما لمن الناصحين، إنها شجرة الخلد، من أكل منها لم يمت، وأيكما أكل قبل صاحبه، كان هو المسلط على صاحبه. فابتدرا الشجرة، فسبقته حواء وأعجبها حسن الشجرة وثمرها، فأكلت وأطعمت آدم، فلما ذاقا الشجرة سلبا ثيابهما، وبدت عوراتهما، فأبصر كل واحد منهما ما ووري من صاحبه من عوراتهما، فاستحييا، فقعدا يخصفان عليهما من ورق الجنة ليواريا سوءاتهما.

ثم ناداهما ربهما فقال: يا آدم، فقال: يا رب، أنذا عريان، قال له: ومم ذلك؟ إنك عريان من أجل أنك أكلت من الشجرة التي نهيت أن تأكل منها، يا آدم، حرام على الأرض أن تطعمك شيئاً إلا برشح الجبين أيام حياتك، حتى ترجع إلى الأرض التي أخذت منها، فاعتل آدم بحواء فقال: هي أطعمتني وأكلت، قال: اهبطوا منها جميعاً. وقال عطاء: إن الله تعالى كان أمر آدم ألا يأكل من تلك الشجرة، ولم تعرف حواء تلك الشجرة، فجاء إبليس إلى سرح الجنة فعرض نفسه عليهم، فأبى أحد منهم أن يقبله، فجاء إلى الحية فتنفس الصعداء، فقالت الحية: يا إبليس، مالك؟ وذلك أن إبليس كان قبل ذلك أحسن ملائكة أهل سماء الدنيا وجهاً وأشدهم عبادة وأعلمهم. فقال الله: اهبط منها واخرج منها، يعني من صورة الملائكة إلى صورة الأبالسة، فتحول إبليس عن صورته، فسمي إبليس لأنه أبلس فصار ملعوناً، فصار ذقنه مما يلي جبينه، وجبينه مما يلي ذقنه، ومنخراه مما يلي عينيه، وجفون عينيه شقهما مما يلي رأسه، وتحول أصابعه مما يلي زنديه وأصابع رجليه مما يلي عقبيه وصار شعره ناتئاً في رأسه منكوشاً كأنه أجمة. قال: فلما رأته الحية رقت له، وتنفس الصعداء إبليس، فقالت له: ما بك يا إبليس؟ فقال لها: ليس على نفسي احزن، لقد نزل بي ما ترين، ولكن أحزن عليك أن ينزل بك من هذا مثل الذي نزل بي، فقالت الحية: ما أنا بآمنة منه، فقال لها: هل لك، ويلك، أن تحمليني بين شدقيك فتدخليني الجنة، فإن الخزان لا يدعونني أن أدخلها ظاهراً، وإذا كنت بين شدقيك لم يروني، وأنا أغويه حتى أخرجه من الجنة. فقالت: نعم، ففغرت فاها فاحتملته بين شدقيها ثم دخلت الجنة، فجاءت الحية إلى حواء، فقالت لها: وإبليس يقول لها على لسان الحية، يا حواء، ما نهاكما ربكما في الجنة؟ قالت: شجرة أمرنا ألا نقربها. قال: فأين تلك الشجرة؟ قالت: إنما علم بذلك آدم،

فقال إبليس بلسان الحية: قد ترين سعة الجنة، وأنا لك ناصحة، فلعلك فيما تجولين في الجنة وليس معك آدم فتنتهين إلى تلك الشجرة، فتأكلين فتخرجين من الجنة، ويبقى آدم، أفلا تسألين آدم أن يخبرك: أي شجرة نهانا ربنا عنها؟ فقال لها: ويلك مالك وذاك؟ إن ربي أمرني ألا أعلمها أحداً، فقالت: فلعلي أفارقك في بعض ما أجول في الجنة، فآكل منها، فأخرج منها وتبقى أنت فيها، فرق لها، وخاف عليها، فانطلق بها إلى الشجرة، فقال: هذه. فانصرف عنها إبليس، فجاءت الحية إليها فقال لها إبليس على لسان الحية: أخبرك آدم عن الشجرة؟ قالت: نعم، فقال: أي شجرة هي؟ قالت هذه التي في وسط الجنة، ثم سكت عنها إبليس حتى نسيت. ثم جاء وهو في الحية إلى آدم فقال: يا آدم، أخبرك ربك أن في الجنة شجرة من أكل منها خلد في الجنة، وصار ملكاً يعلم كل شيء؟ قال: لا، قال: فيسرك أن أريك؟ قال: نعم، فانطلق به إلى الشجرة التي نهي عنها، فعجب فقال: إن ربي نهاني عنها، وقال: لا تخبر أحداً بهذه الشجرة، ولم أخبر بها أحداً غيرك يا حواء، فمن أين علم هذا؟ فقال عند ذلك: يا آدم، وحلف له: إني لكما لمن الناصحين، هذه شجرة الخلد وملك لا يبلى، فلما أن حلف قال آدم لحواء: فأنا أدع أكل هذه الشجرة، فقالت حواء: أما ترى إلى يمينه بالله إنه لنا لمن الناصحين؟ وذلك أنهما لم يريا أحداً يحلف بالله، ولا علما أن أحداً يحلف بالله كاذباً، قال: فابتدرت حواء فأكلت ثم ناولت آدم فأكل منها، فبدت سوءاتهما. قال وهب بن منبه: كان لباس آدم وحواء النور، لا يرى هذا عورة هذا، ولا هذا عورة هذا، وهو قول الله عز وجل: " ينزع عنهما لباسهما ".

قال ابن عباس: كان لباس آدم وحواء كالظفر، فلما أكلا الشجرة لم يبق منه شيء إلا مثل الظفر، " وطققا يخصفان عليهما من ورق الجنة "، قال: ورق التين. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لولا بنو إسرائيل لم يختر اللحم، ولم يخبث الطعام، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر. وعن أبي صالح: في قوله عز وجل: " اهبطوا منها جميعاً " قال: آدم وحواء والحية وإبليس. وفي حديث قال: اهبطوا الأرض فلدوا للموت وابنوا للخراب. وعن ابن عباس قال: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله له: يا آدم: ما حملك على ما صنعت؟ قال: فاعتل آدم، فقال آدم: رب زينته لي حواء، قال: فإني أعاقبها ألا تحمل إلا كرهاً، ولا تضع إلا كرهاً، ودميتها في الشهر مرتين، فرنت عند ذلك حواء، قال: فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه فأسلم، وكن، أزواجي، عوناً لي، وكان شيطان آدم كافراً، وكانت زوجته عوناً له على خطيئته.

حدث عبد الرحمن بن زيد: أن آدم عليه السلام ذكر محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أفضل به علي ابني، صاحب البعير، لأن زوجته كانت عوناً له على دينه وكانت زوجتي عوناً لي على الخطيئة. قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب، وامرأة تسأله عن الحيض. فقال لها: أي ويحك، أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: أخبرني جبري حبي عليه السلام: أن الله بعثه إلى أمنا حواء حين دميت، فنادت ربها: جاء مني دم لا أعرفه، فناداها: لأدمينك وذريتك ولأجعلنه لكن كفارة وطهوراً. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هبط آدم وحواء عليهما السلام عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، قال: فأصابه الحر حتى جعل يبكي، فيقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة وعلمه، وأمر ينسج. وقال: كان آدم لم يجامع امرأة في الجنة حتى هبط منها للخطيئة التي أصابهما أكلهما الشجرة، قال: وكان كل منهما ينام على حدة، ينام أحدهما في البطحاء، والآخر من ناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله وعلمه كيف يأتيها، فلما أتاها جاء جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة. وفي حديث آخر: أنه لما فرغ قالت له حواء: يا آدم، ما أطيب هذا، زدنا منه. وقيل: إن آدم ولد له في الجنة هابيل وقابيل وأختاهما. وقيل: إنه لم يولد لآدم في الجنة حتى خرج من الجنة. والله أعلم.

وعن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن آدم هبط بالهند ومعه السندان والكلبتين والمطرقة، وأهبطت حواء بجدة. وعن ابن عباس قال: أهبط آدم بالهند وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى جمعاً فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت المزدلفة، واجتمعا بجمع فلذلك سميت جمعاً. وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهباً ولا فضة. قال: فلما أن أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهباً وفضة، فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما. قال: وذلك جعله صداق آدم لحواء، فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق. وعن أبي صالح: في قوله " لئن آتيتنا صالحاً " قال: أشفقا أن يكون بهيمة، قال: لئن آتيتنا بشراً سوياً. وعن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن حواء لما حملت كان لا يعيش لها ولد، فقال لها الشيطان: سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسموه فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره، فحملت حملاً خفيفاً تقول: خفيف، لم يستبن! فمرت به لما استبان حملها. وعن ابن عباس: أن حواء لما حملت جاءها إبليس فقال: إني أخرجتكما من الجنة، لئن لم تطيعيني لأجعلن لولدك قرنين لولدك قرنين يشقان بطنك أو لأخرجنه ميتاً، فقضى الله أن خرج ميتاً، فلما حملت الثاني جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، فقضى أن الولد خرج ميتاً، فلما حملت

حولا بنت بهلول المتعبدة

الثالث جاءها فقال لها مثل مقالته الأولى، قالت: وما الذي تريد أن نطيعك فيه؟ فقال: سمياه عبد الحارث، ففعلت، فقال الله عز وجل: " جعلا له شركاء فيما أتاهما ". وقال عكرمة: لم يخص بها آدم ولكنها عامة لجميع الناس. قال رجل لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله: أشرك آدم؟ قال: معاذ الله، أن نقول أشرك آدم، إنما ذكر الله في كتابه " فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما " لأن حواء لما حملت فأثقلت أتاها إبليس فقال لها: أرأيت هذا الذي في بطنك؟ من أين يخرج؟ أمن فيك أم من منخرك؟ أم من أذنيك؟ أرأيت إن خرج صحيحاً سوياً لم يضرك أتطيعانني في اسمه؟ قالت: نعم. فلما ولدت قال: سمياه عبد الحارث، فسمياه عبد الحارث. قيل: إن حواء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً، فكانت تلد غلاماً وجارية. قيل: إن آدم لما مات ابنه قال: يا حواء مات ابنك، وما الموت؟ قال: لا يأكل، ولا يشرب ولا يقوم ولا يمشي ولا يتكلم أبداً، قال: فصاحت حواء فقال آدم: عليك الرنة وعلى بناتك، وأنا وبني منها براء. حولا بنت بهلول المتعبدة أخت مؤمنة، كانت صوفية، شهدت عند محمد بن يحيى بن حمزة، وكان قاضياً على دمشق، وكان لا يجيز شهادة إلا من امتحنه بخلق القرآن، يعني أيام ابن أبي داؤد، فقال للحولا: ما تقولين في القرآن؟ فنشرت كفيها وفرقت بين أصابعها وأشارت بهما على وجهه وقالت: سخام على وجهك، ثم ولت وخرجت.

حية ويقال فاختة

قيل: لم تر أن تشهد عنده بعدما سمعت من امتحانه إياها في القرآن. حية ويقال فاختة ولقبها: حية ويقال: حبة بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم هاشم القرشية العبشمية، زوج يزيد بن معاوية وأم ابنه خالد، وكان زوجها يزيد يكنيها بأم خالد، فابنها خالد. حدث القاسم الشامي: أن مولاة له يقال لها أم هاشم أجلسته في الستر بدواة وقلم، وأرسلت إلى أبي أمامة فسألته عن حديث حدثه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قام إلى الوضوء فغسل يديه خرجت الخطايا من يديه، فإذا مضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت من أنفه كذلك حتى يغسل القدمين، فإن خرج إلى صلاة مفروضة كانت كحجة مبرورة، وإن خرج إلى صلاة تطوع كانت كعمرة مبرورة. وفي أم خالد يقول يزيد بن معاوية: من البسيط وما نحن يوم استعبرت أمّ خالدٍ ... بمرضى ذوي داءٍ ولا بصحاح كان عبيد الله بن رباح ندماناً ليزيد بن معاوية، فسكر ذات ليلة وطرب، وبعث إلى زوجته أم خالد لتأتيه، وكانت من أجمل الناس وأحبهم إليه، فأبت، فأقسم عليها فأتته في جواريها فقال لها يزيد: أقسمت عليك لما قمت فسقيتني، فبكت وقالت: ألمثلي يقال هذا؟ فلما رأى يزيد بكاءها وكراهتها لذلك، أذن لها في الانصراف وقال في ذلك: من الطويل. وما نحن يوم استعبرت أمّ خالدٍ ... بمرضى ذوي داءٍ ولا بصحاح

وقامت لتسقي الشّرب حمراً عيونهم ... مخضّبة الأطراف ذات وشاح لها عكنٌ بيضٌ كأن غضونها ... إذا شفّ عنها السابريّ قداح قال مصعب بن عبد الله الزبيري: خرج يزيد بن معاوية إلى بعض غزواته، فارتاح إلى امرأته أم هاشم، وهي أم خالد بن يزيد بن معاوية، وهي من ولد شيبة بن ربيعة فقال: من الطويل إذا سرت ليلاً أو بغيت جمامةً ... دعتني دواعي الحبّ من أمّ خالد إذا نحن هجّرنا وأنت أمامنا ... فلا بدّ من سير إلى الحيّ قاصد أسماء الرجال على

حرف الخاء المعجمة

حرف الخاء المعجمة خارجة بن زيد بن ثابت ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري المدني الفقيه قال خارجة بن زيد بن ثابت: إنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرؤها، فالتمستها فوجدتها عند خزيمة بن ثابت: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " وألحقتها في سورتها في المصحف. وعن خارجة بن زيد عن عمه يزيد بن ثابت قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع فرأى قبراً حديثاً فقال: ما هذا القبر؟ قالوا: فلانة مولاة فلان. ماتت ظهراً وأنت قائل، فكرهنا أن نوقظك، قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصفنا خلفه وكبر عليها أربعاً ثم قال: لايموتن أحد ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني. قال: وأظنه قال: فإن صلاتي له رحمة. قال مصعب بن عبد الله: كان خارجة بن زيد بن ثابت وطلحة بن عبد الله بن عوف في زمانهما يستفتيان وينتهي الناس إلى قولهما، ويقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخل والأموال، ويكتبان الوثائق للناس.

خارجة بن مصعب بن خارجة

قال خارجة بن زيد: رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها تهورت، وهذه السنة لي سبعون سنة قد أكملتها، فمات فيها. توفي خارجة بن زيد سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مئة في خلافة عمر بن عبد العزيز. قال رجاء بن حيوة: يا أمير المؤمنين، قدم قادم الساعة فأخبرنا أن خارجة بن زيد مات، فاسترجع عمر وصفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: ثلمة والله في الإسلام. وكانت كنية خارجة أبا زيد، وأمه جميلة بنت سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهر بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة. خارجة بن مصعب بن خارجة أبو الحجاج الضبعي الخراساني السرخسي رحل وسمع بدمشق وبمصر وبغيرهما. حدث عن عباد بن كثير بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تنزل المعونة من السماء على قدر المؤنة، وينزل الصبر على قدر المصيبة. قال خارجة: قدمت على الزهري وهو صاحب شرط لبعض بني مروان قال: فرأيته ركب وفي يده حربة وبين يديه الناس وفي أيديهم الكافر كوبات، قال: قلت: قبح الله ذا من عالم، قال: فانصرفت ولم أسمع منه، ثم ندمت، فقدمت على يونس، فسمعت منه عن الزهري. وكان خارجة يرمى بالإرجاء، وكان ضعيفاً ليس بشيء. توفي سنة ثمان وستين ومئة وهو ابن ثمان وتسعين سنة.

خالد بن أسيد بن أبي العيص

خالد بن أسيد بن أبي العيص ابن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي له صحبة. قيل: إنه هو الذي تنسب إليه رحبة خالد بدمشق. وأمه أروى بنت أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس. وأسلم خالد بن أسيد يوم فتح مكة، وكان فيه تيه شديد. قال مصعب بن عبد الله: زعموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى خالد بن أسيد يتقاذف في مشيته فقال: اللهم زده فخراً. ومات خالد بمكة. وفي رواية: اللهم زده تيهاً. قال: فإن ذلك لفي ولده إلى اليوم. وأسيد: السين مكسورة، والياء ساكنة. وقيل: إن خالد بن أسيد فقد يوم اليمامة. خالد بن برمك أبو العباس وزير أبي العباس السفاح بعد أبي سلمة حفص بن الخلال. حدث خالد بن برمك: سمعت عبد الحميد بن يحيى كاتب بني أمية يروي بسنده عن زيد بن ثابت، كاتب الوحي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كتبت فبين السين في " بسم الله الرحمن الرحيم ".

قال محمد بن منصور: لم يكن لخالد بن برمك أخ إلا بنى له داراً على قدر كفايته وأوقف على أولادهم من ماله، وما كان لأحدهم ولد إلا من جارية هو وهبها له. قال أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان: هجا أبو سماعة المعيطي خالد بن برمك وكان إليه محسناً، ولي يحيى الوزارة دخل إليه أبو سماعة فيمن دخل من المهنئين فقال له: أنشدني الأبيات التي قلتها. قال: ما هي؟ قال قولك: من الخفيف. زرت يحيى وخالداً مخلصاً لله ... ديني فاستصغرا بعض شاني فلو أني ألحدت في الله يوماً ... ولو أني عبدت ما يعبدان ما استخفّا فيما أظنّ بشأني ... ولأصبحت منهما بمكان إنّ شكلي وشكل من جحد الله ... وآياته لمختلفان قال أبو سماعة: ما أعرف هذا الشعر ولا من قاله. قال له يحيى: ما تملك صدقة إن كنت تعرف من قالها؟ فحلف، فقال يحيى: وامرأتك طالق؟ فحلف. فأقبل يحيى على الغساني ومنصور بن زياد ومن كان حاضراً في المجلس فقال: ما أحسبنا إلا وقد احتجنا أن نجدد لأبي سماعة منزلاً وآلة وخرثياً ومتاعاً، يا غلام: ادفع له عشرة آلاف درهم وتختاً فيه عشرة أثواب فدفع إليه. فلما خرج تلقاه أصحابه يهنئونه ويسألونه عن أمره فقال: ما عسيت أن أقول إلا أنه ابن الزانية، أبى إلا كرماً. فبلغت يحيى كلمته من ساعته، فأمر برده، فحضر فقال له: يا أبا سماعة لم تعرف

من هجانا، لم تعرف من شتمنا؟ قال له أبو سماعة: ما عرفته أيها الوزير، حسدت وكذب علي، فنظر إليه يحيى ملياً ثم أنشأ يقول: من الوافر إذا ما المرء لم يخدش بظفرٍ ... ولم يوجد له إن عضّ ناب رجا فيه الغميزة من بغاها ... وذلّل من مراتبه الصّعاب قال أبو سماعة: كلا أيها الوزير، ولكنه كما قال: لن يبلغ المجد أقوامٌ وإن شرفوا ... حتى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام ويشتموا فترى الألوان مسفرةً ... لا صفح ذلٍّ ولكن صفح أحلام فتبسم يحيى وقال: إنا قد عذرناك، وعلمنا أنك لم تدع مساوئ شيمك، ولؤم طبعك، فلا أعدمك الله ما جبلك عليه من مذموم أخلاقك، ثم تمثل: من الوافر. متى لم تتّسع أخلاق قومٍ ... يضق بهم الفسيح من البلاد إذا ما المرء لم يوجد لبيباً ... فليس اللّبّ عن قدم الولاد ثم قال: هو والله كما قال عمر بن الخطاب: المؤمن لا يشفى غيظه. ثم إن أبا سماعة هجا بعد ذلك سليمان بن أبي جعفر، وكان إليه محسناً، فأمر به الرشيد فحلق رأسه ولحيته. مات خالد بن برمك سنة خمس ومئة، ومولده سنة تسعين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.

خالد بن ثابت بن ظاعن

خالد بن ثابت بن ظاعن ابن العجلان بن عبد الله بن صبح بن والبة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو ابن القين بن فهم الفهمي تابعي من أهل الشام. كان عمر بن الخطاب بعثه إلى بيت المقدس في جيش، وعمر بن الخطاب بالجابية، فقاتلهم فأعطوه أن يكون لهم ما أحاط به حصنها على شيء يؤدونه، ويكون للمسلمين ما كان خارجاً منها. فقال خالد: قد بايعناكم على هذا إن رضي به أمير المؤمنين. وكتب إلى عمر يخبره بالذي صنع الله له. فكتب إليه: أن قف على حالك حتى أقدم عليك، فوقف خالد على قتالهم، وقدم عمر مكانه، ففتحوا له بيت المقدس على ما بايعه عليه خالد بن ثابت. قال: فبيت المقدس يسمى فتح عمر بن الخطاب. وعن خالد بن ثابت: أن كعب الأحبار أوصاه وتقدم إليه عند خروجه مع عمرو بن العاص إلى مصر ألا يقرب المكس، ونهاه عن ذلك. خالد بن خلي أبو القاسم الكلاعي الحمصي قاضي حمص، استقدمه المأمون إلى دمشق فولاه قضاء حمص، وكان قد وقع اختياره على أربعة من الشيوخ بحمص: منهم يحيى بن صالح الوحاظي، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وعلي بن عياش، وخالد بن خلي، فأشخصوا إلى دمشق، فأدخلوا على المأمون رجلاً رجلاً، فأول من دخل عليه أبو اليمان الحكم بن نافع، فسأله يحيى بن أكثم وحادثه، ثم قال له: يا حكم، ما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: فقال له: أورد علينا من هذه الأهواء شيئاً لا نعرفه. قال: فما تقول في علي بن عياش؟ قال: قلت: رجل صالح، لا يصلح للقضاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي؟ فقال: أنا أقرأته القرآن. فأمر به فأخرج.

ثم أدخل يحيى بن صالح وحادثه ثم قال له: يا يحيى، ما تقول في الحكم بن نافع؟ قال: شيخ من شيوخنا، مؤدب أولادنا، قال: فما تقول في علي بن عياش؟ فقال: رجل صالح لا يصلح للقضاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي قال: عني أخذ العلم وكتب الفقه. قال: فأمر به فأخرج. ثم دعي علي بن عياش، فدخل عليهن فساءله وحادثه ساعة ثم قال له: يا علي، ما تقول في الحكم بن نافع؟ قال: فقلت له: شيخ صالح يقرأ القرآن، قال: فما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: أحد الفقهاء. قال: فما تقول في خالد بن خلي؟ قال: رجل من أهل العلم، ثم أخذ يبكي، فكثر بكاؤه، ثم أمر به فأخرج. ثم دخل عليه خالد بن خلي: فساءله وحادثه ساعة ثم قال له: ما تقول في الحكم بن نافع؟ فقال: شيخنا وعالمنا ومن قرأنا عليه القرآن وحفظنا به. قال: فما تقول في يحيى بن صالح؟ قال: فقلت: أحد فقهائنا ومن أخذنا عنه العلم والفقه. قال: فما تقول في علي بن عياش؟ قال: رجل من الأبدال، إذا نزلت بنا نازلة سألناه فدعا الله فكشفها، فإذا أصابنا القحط واحتبس عنا المطر سألناه، فدعا الله فأسقانا الغيث. قال: ثم عمد يحيى بن أكثم إلى ستر رقيق بينه وبين المأمون، رفعه فقال له المأمون: يا يحيى، هذا يصلح للقضاء فوله. قال فأمر بالخلع فخلعت عليه، وولاه القضاء. وعن ابن عباس: أنه تمارى والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر شأنه؟ فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر شأنه يقول: بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى، بل عبدنا خضر، فسأل السبيل إلى لقيه، فجعل الله له

خالد بن دهقان القرشي مولاهم

الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر، فقال فتى موسى لموسى " أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " قال موسى " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً " فوجدا خضراً، فكان من شأنهما، ما قص الله في كتابه. خالد بن دهقان القرشي مولاهم من أهل دمشق. روى عن عبد الله بن زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً. قال خالد بن دهقان: قال هانئ بن كلثوم: سمعت محمود بن ربيعة يحدث عن عبادة بن الصامت أنه قال: سمعته يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من قتل مؤمناً ثم اغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. قال خالد: فسألت يحيى بن يحيى عن اغتبط بقتله قال: هم الذين يقتلون في الفتنة، فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى، لا يستغفر الله منه أبداً. كان خالد بن دهقان ثقة.

خالد بن رباح

خالد بن رباح قيل: إن كنيته أبو رويحة، وهو أخو بلال بن رباح مؤذن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له صحبة، سكن داريا. عن أم وبرة بنت الحارث قالت: جئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة، وهو نازل بالأبطح، وقد ضربت عليه قبة حمراء، فبايعناه واشترط علينا، قالت: فنحن كذلك، إذ أقبل سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي كأنه جمل أورق، فلقيه خالد بن رباح أخو بلال بن رباح، وذلك بعد ما طلعت الشمس، فقال: ما منعك أن تعجل الغدو على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا النفاق، والذي بعثه بالحق، لولا شيء لضربت بهذا السيف فلحتك، وكان رجلاً أعلم. فانطلق سهيل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا ترى ما يقول لي هذا العبيد؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعه، فعسى أن يكون خيراً منك، فالتمسه فلا تحده. وكانت هذه أشد عليه من الأولى. روى عمر بن ميمون عن أبيه: أن أخاً لبلال كان ينتمي في العرب فيزعم أنه منهم، فخطب امرأة من العرب فقالوا: إن حضر بلال زوجناك قال: فحضر بلال فقال: أنا بلال بن رباح، وهذا أخي، وهو امرؤ سوء، سيئ الخلق، فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه، وإن شئتم أن تدعوا فدعوا، فقالوا: من تكن أخاه نزوجه، فزوجوه. قال آدم بن علي: سمعت أخا بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الناس ثلاث أثلاث، فسالم وغانم وشاجب. فالسالم: الساكت، والغانم: الذي يأمر بالخير وينهى عن المنكر، والشاجب: الناطق بالخنا والمعين على الظلم.

خالد بن ربيعة بن مزيز

قال أبو عبيد: هكذا في الحديث، والشاجب الآثم الهالك، وهو يرجع إلى هذا. قال أبو مليكة: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مكة، فكان يتوضأ بأجياد، فذهب يوماً إلى حاجته، فلقي طحبل بن رباح أخا بلال بن رباح فقال: من أنت؟ فقال: أنا طحبل بن رباح قال: لا بل أنت خالد بن رباح. رباح: براء مفتوحة وباء واحدة. واستعمله عمر على الأردن. وقيل: إن أبا رويحة أخو بلال في الإسلام، آخي بينهما سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يكن أخاه في النسب. قال عبد الجبار بن عبد الله بن محمد الخولاني: وقد قيل: إن الذي بحلب قبر خالد بن رباح أخي بلال، والله أعلم. خالد بن ربيعة بن مزيز ابن حارثة بن ناضرة بن عمرو بن سعد بن علي بن رهم بن رباح بن يشكر بن عدوان الجدلي قيل: إن له صحبة، وشهد فتح مدينة العذراء، وشهد فتح دمشق. روى معبد بن خالد الجدلي قال: دخلت مسجداً فإذا فيه شيخ يتفلى، فسلمت عليه فرد، وجلست إليه فقلت: من أنت يا عم؟ قال: من أنت يا بن أخي؟ فقلت: أنا معبد بن خالد الجدلي، فقال: مرحباً بك، قد عرفت أباك وكان معي بدمشق، وإني وأبوك لأول فارسين في المسلمين وقفا على باب عذراء، مدينة بالشام.

خالد بن روح بن السري

فقلت: من أنت؟ قال: أنا أبو شريحة الغفاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقلت: حدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر رجلان من مزينة هما آخر الناس محشراً، يقبلان من جبل حتى يأتيا معالم الناس، فيجدان الأرض وحوشاً حتى يأتيا المدينة، فإذا جاءا قالا: أين الناس؟ فلا يريان أحداً، فيقول: أحدهما لصاحبه: الناس في دورهم، قال: فيدخلان الدور فإذا ليس فيها أحد، وإذا على الفرش الثعالب والسنانير فيقولان: أين الناس؟ فيقول أحدهما لصاحبه: الناس في المسجد فيأتيان المسجد فلا يجدان فيه أحداً، فيقولان: أين الناس؟ فيقول أحدهما: أراهم في السوق، شغلتهم الأسواق؛ فيخرجان حتى يأتيا السوق فلا يجدان فيها أحداً، فينطلقان حتى يأتيا المدينة، فإذا عليها ملكان، فيأخذان بأرجلهما إلى أرض المحشر، فهما آخر الناس حشراً. خالد بن روح بن السري ابن أبي حجير أبو عبد الرحمن الثقفي الدمشقي روى عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بسنده عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي بعد العتمة إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من الأولى ركع ركعتي الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة. وحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني بسنده عن عائشة قالت: لو رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من النساء ما نرى لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل: توفي خالد بن أبي حجير بدمشق سنة ثمانين ومئتين.

خالد بن الريان المحاربي مولاهم

خالد بن الريان المحاربي مولاهم ولي الحرس لعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك. كان عمر بن عبد العزيز ينهى سليمان عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا توبة، فأتي سليمان بحروري مستقتل، فقال له سليمان: إيه. قال: إيه نزع لحييك يا فاسق ابن الفاسق. قال سليمان: علي بعمر بن عبد العزيز، فلما أتى عمر عاود سليمان الحروري فقال له: ما تقول؟ قال: وماذا يا فاسق ابن الفاسق؟ قال سليمان لعمر: يا أبا حفص، ماذا ترى عليه؟ قال: فسكت عنه. فقال: عزمت عليك لتخبرني ماذا ترى عليه؟ قال: أرى عليه أن تشتمه كما شتمك. قال سليمان: ليس إلا؟ فأمر به، فضربت عنقه، وقام سليمان، وخرج عمر. فتبعه خالد بن الريان صاحب حرس سليمان بن عبد الملك. فقال: يا أبا حفص، تقول لأمير المؤمنين: ما أرى عليه إلا أن تشتمه كما شتمك؟ والله، لقد كنت متوقعاً أن يأمرني بضرب عنقك، قال: لو أمرك لفعلت؟ قال: إي والله لو أمرني لفعلت. فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد بن الريان فقام مقام صاحب الحرس، وكان قبل ذلك على حرس الوليد وعبد الملك، فنظر إليه عمر فقال: يا خالد ضع هذا السيف عنك، اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان، اللهم لا ترفعه أبداً. ثم نظر عمر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن المهاجر الأنصاري فقال: والله إنك لتعلم يا عمرو أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام، ولكني قد سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد، فرأيتك تحسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي. وكان خالد بن الريان سيافاً يقوم على رؤوس الخلفاء، فلما استخلف عمر عزله وقال: إني أذكر بأوه وهيبته، اللهم إني أضعه لك فلا ترفعه أبداً.

خالد بن زياد بن جرو

قال نوفل بن الفرات: ما رأيت شريفاً خمل ذكره حتى لا يذكر مثله، إن كان الناس ليقولون: ما فعل خالد أحي أو قد مات؟ وفي رواية أخرى: أن خالد بن الريان لما قدم على عمر بن عبد العزيز حين استخلف قال لما رآه من بعيد: أترون هذا المقبل؟ والله إن كنت لأسير في موكب الوليد وسليمان ولي من قرابته ما لي، فيلقي دابتي في الوحل ويركب الجدد، فعرفت النفس أنه لغيري أشد احتقاراً، اللهم إني أريد أن أضعه لك اليوم فلا ترفعه. فلما دنا فسلم، قال: إنك قد قضيت من هذا السيف وطراً، فتفرغ لنفسك، وانصرف إلى أهلك، وخذ يا غلام سيفه. قال: أنشدك الله، يا أمير المؤمنين، وإن هذا لم يكن رجائي، قال: أو خوفك. فعزله، فلم يزل بشرٍ حتى مات. خالد بن زياد بن جرو أبو عبد الرحمن الأزدي الترمذي حدث عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بركعة. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينبغي لامرئ ذي وصية يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة.

خالد بن زياد

خالد بن زياد حدث عن زهير بن محمد المكي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يردهن: اللبن والدهن والوسادة. خالد بن زيد بن كليب ابن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج أبو أيوب الأنصاري الخزرجي مضيف سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبه. روى أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وعن أبي أيوب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: اكتم الخطبة، ثم توضأ فأحسن وضوءك، ثم صل ما كتب الله لك، ثم احمد ربك ومجده، ثم قل: اللهم تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، فإن رأيت لي في فلانة تسميها باسمها خيراً في ديني ودنياي وآخرتي فاقدرها لي، وإن كان غيرها خيراً لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فامض لي أو قال: اقدرها لي. شهد أبو أيوب مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً والعقبة الثانية وبايع، وأحداً والخندق والمشاهد كلها، وقدم دمشق في إمارة معاوية، ومات بأرض الروم سنة خمسين. وقيل: توفي بالقسطنطينية عام غزا يزيد بن معاوية، سنة ثنتين وخمسين، وقبره بأصل سور المدينة.

وجاءه يزيد فسأله: ما حاجتك؟ قال: تعمق حفرتي وتعبي قبري ما استطعت. قال محمد بن سيرين في اسم النجار: وهو تيم الله بن ثعلبة، قال: إنما سمي النجار لأنه اختتن بقدوم، وقيل: لأنه نجر وجه رجل بقدوم. وآخى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي أيوب ومصعب بن عمير، ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي أيوب حين رحل من قباءٍ إلى المدينة. وقدم مصر لغزو البحر سنة ست وأربعين، وحضر مع علي بن أبي طالب عليه السلام حرب الخوارج بالنهروان، وورد المدائن في صحبته، وعاش بعد ذلك زماناً طويلاً حتى مات ببلاد الروم غازياً في خلافة معاوية. حدث عبد الله بن عمر قال: قال أهل المدينة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادخل المدينة راشداً مهدياً، قال: فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فخرج الناس فجعلوا ينظرون إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلما مر على قوم قالوا: يا رسول الله ههنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوها، فإنها مأمورة، يعني ناقته، حتى بركت على باب أبي أيوب الأنصاري. قال أبو أيوب: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل في بيتنا الأسفل، وكنت في الغرفة، فأهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقاً أن يخلص إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مشفق، فقلت: يا رسول الله لا ينبغي أن أكون فوقك، انتقل إلى الغرفة. فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمتاعه فنقل، ومتاعه قليل، فقلت: يا رسول الله، كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر، فإذا رأيت أثر أصابعك وضعت يدي فيه، حتى كان هذا الطعام الذي أرسلت به إلي، فنظرت فيه فلم أر فيه أثر أصابعك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أجل إن فيه بصلاً، وكرهت أن آكله من أجل الملك الذي يأتيني، وأما أنتم فكلوه. قال عبادة بن الصامت: خلوت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحب من تحب كما تحب؟ قال: اكتم علي يا عبادة حياتي، فقلت: نعم، فقال: أبو بكر، ثم عمر ثم علي ثم سكت، فقلت: ثم من يا نبي الله؟ قال: من عسى أن يكون بعد هؤلاء إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت يا عبادة وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن مسعود وابن عوف وابن عفان، ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان وصهيب وبلال وسالم مولى أبي حذيفة، هؤلاء خاصتي، وكل أصحابي علي كريم حبيب إلي وإن كان عبداً حبشياً. قال: قلت: لم يذكر حمزة ولا جعفر؟ قال عبادة: إنهما كانا أصيبا يوم سألت عن هذا، إنما كان بأخرة، أو كما قال. وعن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخرج من خيبر قال القوم: الآن نعلم: أسرية صفية أم امرأة؟ فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها وإلا فهي سرية، فلما خرج أمر بستر فستر دونها؛ فعرف الناس أنها امرأة، فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها، فأتت ووضعت ركبتها على فخذه، ثم حملها. فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط، ودخلت معه، وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط معه السيف واضع رأسه على الفسطاط. فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع الحركة فقال: من هذا؟ فقال: أبو أيوب، فقال: ما شأنك؟ قال: يا رسول الله، جارية شابة حديثة عهد بعرس، وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها، قلت: إن تحركت كنت قريباً منك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحمك الله أبا أيوب، مرتين. وعن سعيد بن المسيب: أن أبا أيوب أخذ عن لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقال: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب.

وعن أم أيوب أنها قالت لأبي أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أفكنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله، قال: فعائشة والله خير منك. فلما نزل القرآن وذكر أهل الإفك قال الله عز وجل: " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وقالوا: هذا إفك مبين " يعني أبا أيوب حين قال لأم أيوب، ويقال: إنما قالها: أبي بن كعب. وعن علي بن مدرك قال: رأيت أبا أيوب ينزع خفيه فقيل له: فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح، ولكن حبب إلي الوضوء. وعن ابن سيرين: أن أبا أيوب كان يصلي بعد العصر ركعتين، فنهاه زيد بن ثابت فقال: إن الله لا يعذبني على أن أصلي، ولكن يعذبني أن لا أصلي، فقال: إني آمرك بهذا، وأنا أعلم أنك خير مني، ما عليك بأس أن تصلي ركعتين بعد العصر، ولكن أخاف أن يراك من لا يعلم فيصلي في الساعة التي حرم فيها الصلاة. وعن عاصم قال: أم أبو عبيدة بن الجراح قوماً وقال غيره: أو أبو أيوب مرة فلما انصرف قال: ما زال الشيطان بي آنفاً حتى أريت أن لي فضلاً على من خلفي، لا أؤم أبداً. قال محمد بن كعب القرظي: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال له مروان: ما يحملك على هذا؟ قال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الصلوات فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: غزونا حتى انتهينا إلى المدينة مدينة قسطنطينية فإذا قاص يقول: من

عمل عملاً من أول النهار عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الآخرة، ومن عمل عملاً من آخر النهار عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الآخرة، فقال له أبو أيوب: انظر ما تقول، قال: والله إن ذلك لكذلك، فقال: اللهم لا تفضحني عند عبادة بن الصامت ولا عند سعد بن عبادة فيما عملت بعدهما، قال القاص: والله ما كتب الله ولايته لعبد إلا ستر عليه عورته وأثنى عليه بأحسن عمله. قال أبو زبيد: دخلت أنا ونوف البكالي ورجل آخر على أبي أيوب الأنصاري وقد شكا، فقال نوف: اللهم عافه واشفه، قال: لا تقولوا هذا، وقولوا: اللهم، إن كان أجله عاجلاً فاغفر له وارحمه، وإن كان آجلاً فعافه واشفه وآجره. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: من أراد أن يكثر علمه وأن يعظم حلمه فليجالس غير عشيرته. قال شعبة: قلت للحكم بن عتيبة: شهد أبو أيوب مع علي بصفين؟ قال: لا، ولكن شهد معه قتال أهل النهر. وعن أبي صادف قال: قدم أبو أيوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد جزراً، فبعثوا بها معي فدخلت فسلمت عليه وقلت له: يا أبا أيوب قد كرمك الله بصحبة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم، تستقبل هؤلاء مرة وهؤلاء مرة؟، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم، يعني معاوية وأصحابه، وعهد إلينا أن نقاتل مع علي المارقين فلم أرهم بعد. وعن حبيب بن أبي ثابت: أن أبا أيوب أتى معاوية فشكا إليه أن عليه ديناً، فلم ير منه ما يحب، ورأى كراهيته.

فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنكم سترون أثرة قال: فأي شيء قال لكم؟ قال: قال: اصبروا، قال: فاصبروا. قال، فقال: والله لا أسألك شيئاً أبداً. وقدم البصرة فنزل على ابن عباس ففرغ له بيته، فقال: لأصنعن بك كما صنعت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: كم عليك من الدين؟ قال: عشرون ألفاً. قال: فأعطاه أربعين ألفاً وعشرين مملوكاً، وقال: لك ما في البيت كله. قال أسلم أبو عمران مولى لكندة: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا جمعاً عظيماً من الروم، وخرج إليهم مثله أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس وقالوا: سبحان الله، يلقي بيده إلى التهلكة. فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أيها الناس إنكم تأولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار، إنما لما أعز الله الإسلام وكثر ناصريه، قلنا بعضنا لبعض سراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصريه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد علينا ما قلنا " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " فكانت التهلكة الإقامة في أموالنا وإصلاحها وتركنا الغزو. قال: وما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. قال أبو ظبيان: غزا أبو أيوب الروم فمرض، فلما حضر قال: إذا أنا مت فاحملوني فإذا صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم.

وسأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لولا حالي هذه ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. وفي حديث آخر مختصراً: أن أبا أيوب لما حضره الموت دعا أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس، ومعهم عمرو بن العاص، فقال: إذ أنا قبضت فلتركب الخيل بالسلاح والرجال، ثم سيروا حتى تلقوا العدو فيردوكم حتى لا تجدوا متقدماً، فإذا فعلتم ذلك، فاحفروا لي قبراً ثم ادفنوني ثم سووه، فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى يستوي فلا يعرف مكانه، فإذا رجعتم فأخبروا الناس أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أنه: لا يدخل النار أحد يقول لا إله إلا الله. توفي أبو أيوب بالقسطنطينية سنة خمس وخمسين في غزاة يزيد بن معاوية للقسطنطينية. وقيل: في سنة ثنتين وخمسين، وقيل: سنة خمسين. قال أبو عمران: لم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية. ويقال: إن الروم يتعاهدون قبره ويرمونه ويستسقون به إذا قحطوا. ولما توفي دفن مع سور المدينة وبني عليه، فلما أصبحوا أشرف عليهم الروم فقالوا: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن فقالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووالله، لئن نبش لا ضرب بناقوس في بلاد العرب، فكان الروم إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فأمطروا.

خالد بن سالم

قال أبو سعيد المعيطي وغيره: إن أهل القسطنطينية قالوا ليزيد ومن معه: ما هذا؟ ننبشه غداً. قال يزيد: هذا صاحب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوصى بهذا لئلا يكون أحد من المجاهدين ومن مات في سبيل الله أقرب إليكم منه، لئن فعلتم لأنزلن كل حبيش بأرض العرب، ولأهدمن كل كنيسة. قالوا: إنما أردنا أن نعرف مكانه منكم، لنكرمنه لصحبته ومكانه. قال: فبنوا عليه قبة بيضاء، وأسرجوا عليه قنديلاً. قال: أبو سعيد: وأنا دخلت عليه القبة في سنة مئة ورأيت قنديلها، فعرفت أنه لم يزل يسرج حتى نزلنا بهم. خالد بن سالم كان في صحابة عمر بن عبد العزيز، وبعثه إلى البصرة ينظر في أمر فارس. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة: بلغني أن عمالك بفارس يخرصون الثمار على أهلها، ثم يقومونها بسعرٍ دون سعر الناس الذي يتبايعون به، فيأخذونه ورقاً على قيمتهم التي قوموا، وأن طوائف من الأكراد يأخذون العشر من الطريق، ولو علمت أنك أمرت بشيء من ذلك أو رضيته بعد علمك به ما ناظرتك إن شاء الله بما تكره، وقد بعثت بشر بن صفوان وعبد الله بن عجلان وخالد بن سالم ينظرون في ذلك، فإن وجدوه حقاً ردوا إلى الناس الثمن الذي أخذ منهم، وأخذوا بسعر ما باع أهل الأرض غلتهم، ولا يدعون شيئاً مما بلغني إلا نظروا فيه؛ فلا تعرض لهم.

خالد بن سالم

خالد بن سالم حدث عن مالك بن أنس قال: كنا عند مالك بن أنس، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله، خطب إلي قدريٌ، أفأزوجه؟ فقال مالك: ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم. خالد بن سعيد بن العاص ابن أمية الأموي له صحبة، وهو قديم الإسلام، استعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صنعاء اليمن، ووجهه أبو بكر الصديق أميراً على جيش في فتح الشام، فواقع الروم بمرج الصفر، فقيل: إنه قتل به، وقيل: لم يقتل به، وبقي حتى شهد اليرموك. حدث خالد بن سعيد بن العاص: وكان من مهاجرة الحبشة هو وأخوه عمرو، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلقاهم حين دنوا منه، وذلك بعد بدر بعام، فحزنوا ألا يكونوا شهدوا بدراً. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما تحزنون؟ إن للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان، هاجرتم حين خرجتم إلى صاحب الحبشة، ثم جئتم من عند صاحب الحبشة مهاجرين إلي. حدثت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت: لما كان قبيل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بينا خالد بن سعيد ذات ليلة نائم، قال: رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤ كفه، فبينا هو كذلك. إذ خرج نور ثم علا في السماء فأضاء في البيت ثم أضاءت مكة كلها، ثم إلى نجد ثم إلى يثرب، فأضاءها حتى إني لأنظر إلى البسر في النخل.

قال: فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد وكان جزل الرأي فقال: يا أخي، إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب، ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم؟ قال خالد: فإنه لمما هداني الله به إلى الإسلام. قالت أم خالد: فأول من أسلم أبي، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا خالد، أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، فقص عليه ما بعثه الله به، فأسلم خالد وأسلم عمرو بعده. وفي حديث آخر بمعناه: وسمعت قائلاً يقول في الضوء: سبحانه سبحانه تمت الكلمة، وهلك ابن مارد بهضبة الحصا بين أذرح والأكمة، سعدت هذه الأمة، جاء نبي الأميين، وبلغ الكتاب أجله، كذبته هذه القرية، تعذب مرتين، تتوب في الثالثة، ثلاث بقيت، ثنتان بالمشرق وواحدة بالمغرب. فقصها خالد بن سعيد على أخيه عمرو بن سعيد فقال: لقد رأيت عجباً وإني لأرى هذا أمراً يكون في بني عبد المطلب إذ رأيت النور خرج من زمزم. قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص قديماً، وكان أول إخوته، أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه أوقف على شفر النار، فذكر من سعتها ما الله به أعلم، ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها، ويرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخذاً بحقويه لا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا.

فلقي أبا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له، فقال أبو بكر: أريد به خير، هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبعه، فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها، وأبوك واقع فيها. فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بأجياد فقال: يا محمد إلام تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده. قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه. وتغيب خالد وعلم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه، فوجدوه فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة، فأنبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ثم قال: أتبعت محمداً وأنت ترى خلافه قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم؟ فقال خالد: قد صدق، والله، واتبعته؛ فغضب أبو أحيحة، ونال من ابنه وشتمه ثم قال: اذهب يالكع حيث شئت، فوالله لأمنعنك القوت. فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به. فانصرف خالد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يلزمه ويكون معه. قالت أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص: كان أبي خامساً في الإسلام، قلت: فمن تقدمه؟ قالت: ابن أبي طالب وابن أبي قحافة وزيد بن حارثة وسعد بن أبي وقاص، وأسلم أبي قبل الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، وهاجر في المرة الثانية، فأقام بها بضع عشرة سنة وولدت أنا بها، وقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين، فأسهموا لنا، ثم رجعنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة وأقمنا، وخرج أبي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وغزا معه إلى

الفتح هو وعمي، تعني عمراً، وخرجا معه إلى تبوك، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي عاملاً على صدقات اليمن فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي باليمن. وعن خالد بن سعيد مختصراً: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه في رهط من قريش إلى ملك الحبشة، فقدموا عليه ومع خالد امرأة له، قال: فولدت له جارية وتحركت وتكلمت هناك. ثم إن خالداً أقبل هو وأصحابه وقد فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وقعة بدر، فأقبل يمشي ومعه ابنته. قال: ثم إن خالداً قال لابنته: اذهبي إلى عمك، اذهبي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلمي عليه، فذهبت الجويرية حتى أتته من خلفه، فأكبت عليه وعليها قميص أصفر، فأشارت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تريه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سنه سنه، يعني بالحبشية: أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي. وكان خالد وأخوه عمرو ممن قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفينتين، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالد عامله على اليمن، ووهب له عمرو بن معد يكرب الصمصامة، وقال حين وهبها له: من الوافر خليلي لم أهبه عن قلاةٍ ... ولكنّ التّواهب للكرام خليلي لم أخنه ولم يخنّي ... كذلك ما خلالي أو بذامي حبوت به كريماً من قريش ... فسرّ به وصين عن اللئام وعن أم خالد بنت خالد قالت: أبي أول من كتب " بسم الله الرحمن الرحيم ".

مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبر أبي أحيحة، فقال أبو بكر: هذا قبر أبي أحيحة الفاسق، فقال خالد بن سعيد: والله ما يسرني أنه في أعلى عليين وأنه مثل أبي قحافة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا الموتى فتغضبوا الأحياء. قالت أم خالد بنت خالد بن سعيد: قدم أبي من اليمن إلى المدينة بعد أن بويع لأبي بكر فقال لعلي وعثمان: أرضيتم بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليكم غيركم؟ فنقلها عمر إلى أبي بكر فلم يحملها أبو بكر على خالد، وحملها عمر عليه، وأقام خالد ثلاثة أشهر لم يبايع أبا بكر. ثم مر عليه أبو بكر بعد ذلك مظهراً وهو في داره فسلم، فقال له خالد: أتحب أن أبايعك؟ فقال أبو بكر: أحب أن تدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، فقال: موعدك العشية أبايعك. فجاء وأبو بكر على المنبر، فبايعه، وكان رأي أبي بكر فيه حسناً، وكان معظماً له. فلما بعث أبو بكر الجنود على الشام عقد له على المسلمين، وجاء باللواء إلى بيته، فكلم عمر أبا بكر فقال: تولي خالداً وهو القائل ما قال؟ فلم يزل به حتى أرسل أبا أروى الدوسي فقال: إن خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لك: اردد إلينا لواءنا، فأخرجه فدفعه إليه وقال: والله ما سرتنا ولايتكم ولا ساءنا عزلكم وإن المليم لغيرك. فما شعرت إلا بأبي بكر داخلاً على أبي يتعذر إليه ويعزم عليه ألا يذكر عمر بحرف، فوالله ما زال أبي يترحم على عمر حتى مات. ولما قتل الرومي خالد بن سعيد قلب ترسه وأسلم واستأمن فقال: من الرجل الذي قتلنا، فإني رأيت له نوراً ساطعاً في السماء؟ وقال خالد بن سعيد وهو يقاتل تلك الأعلاج من الروم: هل فارسٌ كره النّزال يعيرني ... رمحاً إذا نزلوا بمرج الصّفّر وقالوا: إن خالداً استشهد يوم مرج الصفر.

وقيل: قتل يوم أجنادين، وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. وقيل: إنه قتل وهو ابن خمسين أو أكثر، وكان وسيماً جميلاً. وعن محمد بن إسحاق مختصراً: أن خالد بن سعيد لما بلغه قول أبي بكر ونزعه، لبس ثيابه وتهيأ بأحسن هيئة ثم أقبل نحو أبي بكر وعنده المهاجرون والأنصار أجمع ما كانوا عنده، فقال لأبي بكر: أما أنت فقد وليتني أمر المسلمين وأنت غير متهم لي، ورأيك في حسن حتى خوفت أمراً، والله لأن أخر من رأس حالق وتخطفني الطير بين السماء والأرض، أحب إلي من أن يكون مني، والله ما أنا في الإمارة براغب، ولا أنا على البقاء في الدنيا بحريص، وإني لأشهدكم أني وإخوتي ومن خرجنا في وجهنا به من عون أو قوة في سبيل الله، نقاتل المشركين أبداً حتى يهلكوا أو نموت، لا نريد به سلطاناً ولا عرضاً من الدنيا، فقال له الناس خيراً، ودعوا له. وقال أبو بكر: أعطاني الله في نفسي الذي أحب لك ولإخوتك، والله إني لأرجو أن تكون من نصحاء الله في عباده وإقامة كتابه واتباع سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فخرج هو وإخوته وغلمانه ومن اتبعه، وكان أول من عسكر. ولما تهيأ الناس للخروج وانضمت المتطوعة إلى من أحبت نزل خالد بن سعيد تحت لواء أبي عبيدة يسير معه، فقال له بعض الناس: لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان، فقال: ابن عمي أحب إلي من هذا لقرابته، وهذا أحب إلي من ابن عمي في دينه وقرابته، هذا كان أخي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووليي وناصري قبل اليوم على ابن عمي، فأنا به أشد استئناساً، وإليه أشد طمأنينة.

فلما أراد أن يغدو سائراً إلى الشام لبس سلاحه، وأمر إخوته فلبسوا أسلحتهم: عمرو والحكم، وغلمته ومواليه، ثم أقبلوا من العسكر إلى أبي بكر الصديق، فصلوا معه الغداة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قام إليه خالد وإخوته، وحمد خالد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أبا بكر، إن الله قد أكرمنا وإياك والمسلمين طراً بهذا الدين، فأحق من أقام السنة وأمات البدعة وعدل في السيرة الوالي على الرعية، كل امرئ من هذا الدين محقوق بالإحسان إلى إخوانه، ومعدلة الوالي أعم نفعاً، فاتق الله يا أبا بكر فيما ولاك الله من أمره، وارحم الأرملة واليتيم، وأعن الضعيف والمظلوم، ولا يكن رجل من المسلمين إذا رضيت عنه آثر في الحق عندك منه إذا سخطت عليه، ولا تغضب ما قدرت عليه، فإن الغضب يجر الجور، ولا تحقد وأنت تستطيع، فإن حقدك على المسلم يجعله لك عدواً، فإن اطلع على ذلك منك عاداك، فإذا عادت الرعية الراعي كان ذلك مما يكون إلى هلاكهم داعياً، ولن للمحسن، واشتد على المريب، ولا تأخذك في الله لومة لائم. ثم قال: هلم يدك يا أبا بكر أودعك، فإني لا أدري هل تلقاني أبداً في الدنيا أم لا؟ فإن قضى الله لنا الالتقاء فنسأل الله لنا عفوه وغفرانه، وإن كانت هي الفرقة التي ليس بعدها لقاء فعرفنا الله وإياك وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنات النعيم. ثم أخذ أبو بكر بيده فبكى وبكى المسلمون، وظنوا أنه يريد الشهادة. ثم إن أبا بكر قال له: انتظرني حتى أمشي معك، قال: ما أريد أن تفعل، قال: لكني أنا أريد ذلك، ومن أراد من المسلمين، وقام الناس معه مشيعاً، فما زال يمشي معه حتى كثر من يشيع خالداً. فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر: قد أنصت لك إذ أوصيتني برشدي، ووعيت وصيتك، فأنا موصيك فاسمع وصيتي: إنك امرؤ قد جعل الله لك شرفاً وسابقة في هذا الدين، وفضيلة عظيمة في الإسلام، والناس ناظرون إليك ومستمعون منك، وقد خرجت في هذا الوجه، وأنا أرجو أن يكون خروجك بنية صادقة، فثبت العالم، وعلم الجاهل، وعاتب السفيه المترف، وانصح لعامة المسلمين، واحضض الوالي على الجند بنصحك ومشورتك بما يحق لله وللمسلمين، واعمل لله

خالد بن سعيد أبو سعيد الكلبي

كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واعلم أنا عما قليل ميتون ثم مقبورون ثم مبعوثون ثم مسؤولون، جعلنا الله وإياك لأنعمه من الشاكرين ولعقابه من الخائفين، ثم أخذ بيده فودعه، ثم أخذ بأيدي إخوته فودعهم واحداً واحداً، وودعهم المسلمون. ثم دعوا بإبلهم فركبوها، وكانوا يمشون مع أبي بكر، ثم قيدت خيلهم معهم بهيئة حسنة. فلما أدبروا قال أبو بكر: اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، واحطط أوزارهم، وأعظم أجرهم. ومضوا إلى العسكر الأعظم. خالد بن سعيد أبو سعيد الكلبي من أهل القريتين. حدث عن عبد الله بن الوليد العذري بسنده عن أسماء بنة أبي بكر قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثوب الحائض فقلت: أرأيت إحدانا يا رسول الله إذا أصاب ثوبها دم الحيضة كيف تفعل به؟ فقال: إذا أصاب ثوب إحداكن دم الحيضة، فلتحته ثم لتقرصه ثم لتنضح بقيته ثم لتصلي فيه. خالد بن سلمة بن العاص بن هشام ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سلمة ويقال: أبو الهيثم القرشي المخزومي الكوفي الفأفاء وفد على هشام بن عبد الملك. روى عن سعيد بن المسيب عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها.

وحدث عن البتي عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله عز وجل على كل أحيانه. قال محمد بن سعد: إن خالد بن سلمة هرب من الكوفة لما ظهرت دعوة بني العباس إلى واسط، فقتل مع ابن هبيرة، يقولون: إن أبا جعفر قطع لسانه ثم قتله، وله عقب بالكوفة. قال جرير: كان خالد بن سلمة الفأفاء رأساً في المرجئة، وكان يبغض علياً. قال العباس بن محمد الدوري، أنشدنا يحيى بن معين: من المتقارب وجاءت قريشٌ قريش البطاح ... هم الأول الأول الدّاخله يقودهم الفيل والزّندبيل ... وذو الضّرس والشّفة المائله قال يحيى: الفيل والزندبيل: عبد الملك وأبان ابنا بشر بن مروان قتلا مع ابن هبيرة الأصغر، وذو الضرس والشفة خالد بن سلمة المخزومي. قال بيهس بن حبيب: لما كان يوم الاثنين لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومئة بعث أبو جعفر بخازم بن خزيمة فقتل ابن هبيرة، وطلب خالد بن سلمة فلم يقدر عليه، فنادى مناديهم أن خالد بن سلمة آمن، فخرج بعدما قتل القوم يوماً، فقتلوه أيضاً يعني يوم الثلاثاء.

خالد بن صفوان بن عبد الرحمن

خالد بن صفوان بن عبد الرحمن ابن عمرو بن الأهتم وهو سنان بن سمي بن سنان أبو صفوان التميمي المنقري الأهتمي البصري أحد فصحاء العرب، وفد على عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، وسمي الأهتم لأنه ضرب بقوس على فيه فهتمت أسنانه. قال الفضيل: بلغني أن خالد بن صفوان دخل على عمر، فقال له عمر بن عبد العزيز: عظني يا خالد، فقال: إن الله عز وجل لم يرض أحداً أن يكون فوقك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك. قال: فبكى عمر حتى غشي عليه، ثم أفاق فقال: هيه يا خالد، لم يرض أن يكون أحد فوقي، فوالله لأخافنه خوفاً، ولأحذرنه حذراً، ولأرجونه رجاء، ولأحبنه محبة، ولأشكرنه شكراً، ولأحمدنه حمداً، يكون ذلك كله أشد مجهودي وغاية طاقتي، ولأجتهدن في العدل والنصفة والزهد في فاني الدنيا لزوالها، والرغبة في بقاء الآخرة لدوامها حتى ألقى الله عز وجل، فلعلي أنجو مع الناجين وأفوز مع الفائزين، وبكى حتى غشي عليه، قال: فتركته مغشياً عليه وانصرفت. قال خالد بن صفوان: أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق، فقدمت عليه، وقد خرج متبدياً بقرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه، فنزل في أرض قاع صحصح

متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر بصعيد، كأن ترابه قطع الكافور حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه أربعة أفرشة من خزٍ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم. فأخرجت رأسي من ناحية السماط فنظر إلي مثل المستنطق لي. فقلت: أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما تؤول إليه حمداً أخلصه لك بالتقى وكثره لديك بالنماء، لا كدر عليك منه ما صفا، ولا خالط مسروره الردى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وملجأ، إليك يفزعون في مظالمهم، وإليك يلجؤون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، شيئاً هو أبلغ في قضاء حقك وتوقير مجلسك لما من الله به علي من مجالستك، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعمة الله عندك، فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئاً هو أبلغ من حديث من تقدم قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته. وكان متكئاً فاستوى قاعداً فقال: هات يا بن الأهتم. فقلت: يا أمير المؤمنين إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا إلى الخورنق والسدير في عام قد بكر

وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر وأحسن مختبر وأحسن مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن مضغة ألقيت فيه لم تترب، وكان قد أعطي فتاء السن مع الكثرة والغلبة والنماء، فنظر فأبعد النظر، فقال لمن حوله: هل رأيتم مثلما أنا فيه؟ هل أعطي أحد مثلما أعطيت؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، فقال له: أيها الملك! إنك قد سألت عن أمر أفتأذن في الجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به؟ أهو شيء لم تزل فيه أم هو شيء صار إليك ميراثاً عن غيرك، وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: فكذلك هو. قال: أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسيرٍ تكون فيه قليلاً وتغيب عنه طويلاً، وتكون غداً بحسابه مرتهناً؟ قال: ويحك، فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرك، ومضك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتضع أطمارك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا كان السحر فاقرع علي بابي، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيراً لا يعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقاً لا يخالف. فلما كان السحر قرع عليه بابه فإذا هو قد وضع تاجه، ووضع أطماره ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما الجبل حتى أتتهما آجالهما، وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد العبادي المرئي: من الخفيف أيها الشّامت المعيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور؟

أم لديك العهد الوثيق من الأيّام ... بل أنت جاهلٌ مغرور من رأيت المنون خلّدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير؟ أين كسرى كسرى الملوك أبوسا ... سان أم أين قبله سابور؟ وبنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وخلّله كل ... ساً فللطّير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور وتأمّل ربّ الخورنق إذ ... أشرف يوماً وللهدى تفكير سرّه حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسّدير فارعوى قلبه وقال وما غب ... طة حيٍّ إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح والملك والآ ... مّة وارتهم هناك القبور ثمّ أضحوا كأنّهم ورقٌ جف ... ف فألوت به الصّبا والدّبور قال: فبكى هشام حتى أخضل لحيته وبل عمامته، وأمر بنزع أبنيته وبنقلان قرابته وأهله وحشمه وغاشيته من جلسائه ولزوم قصره. قال: فاجتمعت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت إلى أمير

المؤمنين؟ نغصت عليه لذته وأفسدت عليه باديته. فقال لهم: إليكم عني، فإني عاهدت الله عز وجل عهداً ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل. قال الهيثم بن عدي: خرج هشام بن عبد الملك ومعه مسلمة أخوه إلى مصانع قد هيئت له وزينت بألوان النبت، وتوافى إليه بها وفود أهل مكة والمدينة، وأهل الكوفة والبصرة، فدخلوا عليه وقد بسط له في مجالس مشرفة مطلعة على ما شق له من الأنهار المحفة بالزيتون وسائر الأشجار، فقال: يا أهل مكة، أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا بيت الله المستقبل، ثم التفت إلى أهل المدينة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قالوا: لا، غير أن فينا قبر نبينا المرسل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى أهل الكوفة فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقالوا: لا، غير أن فينا تلاوة كتاب الله تعالى المنزل، ثم التفت إلى أهل البصرة، فقال: أفيكم مثل هذه المصانع؟ قال: فقام إليه خالد بن صفوان فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن هؤلاء قد أقروا على أنفسهم، ولو كان من له لسان وبيان لأجاب عنهم. فقال له هشام: أفعندك في بلدك غير ما قالوا؟ قال: نعم، أصف بلادي وقد رأيت بلادك فتقيسها، فقال: هات. فقال: يغدو قانصانا، فيجيء هذا بالشبوط والشيم، ويجيء هذا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس ساجاً وعاجاً وخزاً وديباجاً وخريدة مغناجا وبرذونا هملاجاً،

ونحن أكثر الناس قنداً ونقداً، ونحن أوسع الناس برية وأربقهم بحرية، وأكثرهم ذرية، وأبعدهم سرية، بيوتنا ذهب، ونهرنا عجب أوله رطب وآخره عنب وأوسطه قصب. فأما نهرنا العجب فإن الماء يقبل وله عباب، ونحن نيام على فرشنا، حتى يدخل أرضنا فيغسل نبتها ويعلو متنها، فنبلغ منه حاجتنا ونحن نيام، لا ننافس فيه من قلة، ولا نمنع منه لذلة، يأتينا عند حاجتنا إليه، ويذهب عنا عند رينا وغنانا عنه، النخل عندنا في منابته كالزيتون عندكم في مأركه، فذاك في أوانه كهذا في إبانه، ذاك في أفنانه كهذا في أغصانه، يخرج أسقاطاً عظاماً وأوساطاً، ثم ينفلق عن قضبان الفضة منظومة بالزبرجد الأخضر، ثم يصير أصفر وأحمر، ثم يصير عسلاً في شنة من سحاء، ليست بقربة ولا إناء، حولها المذاب، ودونها الحراب، لا يقربها الذباب، مرفوعة عن التراب، من الراسخات في الوحل، الملحقات بالفحل، المطعمات في المحل. وأما بيوتنا الذهب، فإن لنا عليهم خرجاً في السنين والشهور، نأخذه في أوقاته، ويدفع الله عنه آفاته وننفقه في مرضاته. قال: فقال هشام: وأنى لكم هذا يا بن صفوان؟ ولم تسبقوا إليه ولم تنافسوا عليه؟ فقال: ورثناه عن الآباء ونعمره للأبناء، فيدفع لنا عنه رب السماء، فمثلنا فيه كما قال أوس بن مغراء: من الوافر فمهما كان من خيرٍ فإنّا ... ورثناه أوائل أوّلينا

ونحن مورّثوه كما ورثنا ... عن الآباء إن متنا بنينا فقال له هشام: لله درك، يا بن صفوان، لقد أوتيت لساناً وعلماً وبياناً. فأكرمه وأحسن جائزته وقدمه على أصحابه. وعن الحسن: في قوله عز وجل: " قد جعل ربك تحتك سريا " فقال: كان والله سرياً يعني عيسى عليه السلام. فقال له خالد بن صفوان: يا أبا سعيد: إن العرب تسمي الجدول السري، فقال: صدقت. قال الأصمعي: قدم أمية بن عبد الله بن أسيد منهزماً من أبي فديك فقال الناس: كيف ندعو لمنهزم؟ فقام خالد بن صفوان فقال: بارك الله لك أيها الأمير في قدومك، والحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، فعلم الله حاجتنا إليك، فآثرنا بك عليك، ولك عند الله ما تحب. فعلم الناس أنه لا يتعذر عليه أن يتكلم في شيء. قال الهيثم بن عدي: كان أبو العباس يعجبه السمر، ومنازعة الرجال، فحضره ذات ليلة في سمره إبراهيم بن مخرمة الكندي وناس من بني الحارث بن كعب، وهم أخواله، وخالد بن صفوان، فخاضوا في الحديث، وتذاكروا مضر واليمن. فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، إن اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا، وكانت لهم القرى، ولم يزالوا ملوكاً أرباباً، ورثوا ذلك كابراً عن كابر، أولاً عن آخر، منهم النعمانيات

والمنذريات والقابوسيات والتبابعة، ومنهم من حمت لحمه الدبر ومنهم غسيل الملائكة ومنهم من اهتز لموته العرش، ومنهم مكلم الذئب، ومنهم الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وليس شيء له خطر إلا وإليهم ينسب من فرس رائع، أو سيف قاطع، أو درع حصينة، أو حلة مصونة، أو درة مكنونة، إن سئلوا أعطوا، وإن سيموا أبوا، وإن نزل بهم ضيف قروا، لا يبلغهم مكاثر، ولا ينالهم مفاخر، هم العرب العاربة وغيرهم المتعربة. قال أبو العباس: ما أظن التميمي يرضى بقولك، ثم قال: ما تقول يا خالد؟ قال: إن أذنت لي في الكلام، وأمنتني من الموجدة تكلمت، قال: قد أذنت لك فتكلم ولا تهب أحداً، فقال: أخطأ يا أمير المؤمنين المتقحم بغير علم، ونطق بغير صواب، فكيف يكون ما قال والقوم ليست لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة، ولا حجة نزل بها كتاب، ولا جاءت بها سنة، وهم منا على منزلتين، إن جاروا عن قصدنا أكلوا، وإن جازوا حكمنا قتلوا، يفخرون علينا بالنعمانيات والمنذريات وغير ذلك مما سيأتي عليه، ونفخر عليهم بخير الأنام، وأكرم الكرام محمد عليه السلام، ولله علينا المنة وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فبه عزوا وله

أكرموا، فمنا النبي المصطفى، ومنا الخليفة المرتضى، ولنا البيت المعمور، والمشعر وزمزم والمقام والمنبر والركن والحطيم والمشاعر والحجابة، والبطحاء مع ما لا يخفى من المآثر، ولا يدرك من المفاخر، وليس يعدل بنا عادل، ولا يبلغ فضلنا قول قائل، ومنا الصديق والفاروق والرضى وأسد الله سيد الشهداء وذو الجناحين وسيف الله، عرفوا الدين وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادان اصطلمناه. ثم التفت فقال: أعالم أنت بلغة قومك؟ قال: نعم، قال: فما اسم العين؟ قال: الحجمة. قال: فما اسم السن؟ قال: الميدن. قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال: فما اسم الأصابع: قال: الشناتر. قال: فما اسم اللحية؟ قال: الزب. قال: فما اسم الذئب؟ قال: الكتع. قال: فقال له: أفمؤمن أنت بكتاب الله؟ قال: نعم. قال: فإن الله عز وجل يقول: " إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون " وقال: " بلسان عربي مبين " وقال: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ". فنحن العرب والقرآن بلساننا نزل، أفلم تر أن الله عز وجل قال: " العين بالعين "، ولم يقل: الحجمة بالحجمة. وقال: " السن بالسن " ولم يقل: الميدن بالميدن. وقال: " والأذن بالأذن ". ولم يقل: الصنارة بالصنارة. وقال: " يجعلون أصابعهم في آذانهم " ولم يقل: شناترهم في صناراتهم. وقال: " لا تأخذ بلحيتي

ولا برأسي " ولم يقل: لا تأخذ بزبي. وقال: " فأكله الذئب " ولم يقل: فأكله الكتع. ثم قال: أسألك عن أربع، إن أنت أقررت بهن قهرت، وإن جحدتهن كفرت. قال: وما هن؟ قال: الرسول منا أو منكم؟ قال: منكم. قال: فالقرآن نزل علينا أو عليكم؟ قال: عليكم. قال: فالبيت الحرام لنا أو لكم؟ قال: لكم. قال: فالخلافة فينا أو فيكم؟ قال: فيكم. قال خالد: فما كان بعد هذه الأربع فلكم. قال خالد بن صفوان: ليس شيء أحسن من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من أمكنه أن يصنعه تكون له فيه نية، وليس كل من يكون له فيه نية يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت النية والإمكان والإذن فقد تمت السعادة. قال خالد بن صفوان: من تزوج امرأة فليتزوجها عزيزة في قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى وأذلها الفقر، حصان من جارها، متحننة على زوجها. قيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال: الذي يغفر زللي ويقبل عللي، ويسد خللي. قال: وأوصى حكيم ولده فقال: عليك بصحبة من إذا صاحبته زانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن استعنت به أعانك، وإن خدمته صانك. قال: وثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواضع: الحليم عند الغضب، والصديق عند النائبة، والشجاع عند اللقاء.

قال خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالصحة والنصيحة كان أكثر عدواً ممن صحبه بالغش والخيانة، لأنه يجتمع على الناصح عدو الوالي وصديقه بالعداوة والحسد، فصديق الوالي ينافسه في منزلته، وعدو الوالي يعاديه لنصيحته. قال خالد بن صفوان: إن جعلك الوالي أخاً فاجعله سيداً، ولا يحدثن لك الاستئناس به غفلة ولا تهاوناً. قال خالد بن صفوان: إن سأل الوالي رجلاً غيرك فلا تكن أنت المجيب، فإن ذلك خفة بالسائل والمسؤول. وقال خالد بن صفوان: خير ما يدخر الآباء للأبناء اصطناع الأيادي عند ذوي الأحساب. وقال خالد بن صفوان: إذا رأيت محدثاً يحدث حديثاً قد سمعته، أو يخبر خبراً قد علمته، فلا تشاركه فيه حرصاً على أن تعلم من حضرك أنك قد علمته، فإن ذلك خفة وسوء أدب. وقال: ابذل لصديقك مالك، ولمعرفتك بشرك وتحيتك، وللعامة رفدك وحسن محضرك، ولعدوك عدلك، واضنن بدينك وعرضك عن كل أحد وقال خالد بن صفوان: استصغر الكبير في طلب المنفعة، واستعظم الصغير في ركوب المضرة. وقال: لولا أن المروءة تشتد مؤنتها، ويثقل حملها، ما ترك اللئام للكرام منها مبيت ليلة، فلما ثقل حملها، واشتدت مؤنتها حاد عنها اللئام واحتملها الكرام.

قال خالد بن صفوان: بت ليلة أتمنى ليلتي كلها، حتى كبست البحر الأخضر بالذهب الأحمر، ثم نظرت وإذا يكفيني من ذلك رغيفان وكوزان وطمران. قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق؟ فإن مالك عرض. فقال: الدهر أعرض منه، فقيل: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله، فقال: ولا أخاف أن أموت في أوله. وقال خالد: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. قال يونس النحوي: أتينا خالد بن صفوان نعزيه عن ابنه ربعي ونحن متفجعون له، فانتهينا إليه وهو يقول: من الطويل يهوّن ما ألقى من الوجد أنني ... أجاوره في داره اليوم أو غدا كان خالد بن صفوان إذا أخذ فإئزته قال للدراهم: أما والله لأطيلن ضجعتك ولأديمن صرعتك. قال: وأتى خالد بن صفوان رجلٌ يسألة، فأعطاه درهماً، فقال له: سبحان الله!! أسألك فتعطيني درهماً، فقال له خالد: يا أحمق، أما تعلم أن الدرهم عشر العشرة والعشرة عشر المئة والمئة عشر الألف والألف عشر العشرة آلاف؟ ألا ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دية المسلم؟ والله ما تطيب نفسي بدرهم أنفقه إلا درهماً قرعت به باب الجنة، أو درهماً أشتري به موزاً آكله. قال خالد بن صفوان لرجل: إن أباك كان دميماً، وكان عاقلاً، وإن أمك كانت جميلة وكانت رعناء، فجمعت دمامة أبيك إلى حماقة أمك، فيا جامع شرف أبويه.

خالد بن أبي الصلت البصري

وقال خالد بن صفوان: لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع أهلاً. وقال: فوت الحاجة خير من طلبها إلى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلف منها، وأنشد لامرأة من ولد حسان بن ثابت في مثله: من الطويل سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم العيش منذ قريب خالد بن أبي الصلت البصري عامل عمر بن عبد العزيز. قال خالد: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلت القبلة ولا استدبرتها ببول ولا غائط منذ كذا وكذا. فقال عراك: حدثتني عائشة أم المؤمنين: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بلغه قول الناس في ذلك أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة. وفي حديث آخر بمعناه عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بخلائه أن يستقبل به القبلة لما بلغه أن الناس يكرهون ذلك. خالد بن عبد الله بن الحسين الأموي مولى عثمان بن عفان من أهل دمشق. حدث عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

خالد بن عبد الله بن خالد

خالد بن عبد الله بن خالد ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية كان مع مصعب بن الزبير بالعراق، ثم لحق بعبد الملك وشهد معه قتال مصعب، وولاه البصرة، ثم عزله وضم البصرة إلى أخيه بشر بن مروان، وكان خالد معه، وأحضره عند وفاته بمشق، واستوثق منه بالبيعة للوليد. حدث ابن شهاب عن عروة وعمرة، أن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبعث بالهدي مقلداً، وهو معتمر بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئاً حتى ينحر هديه. فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا بفتياها وتركوا فتيا ابن عباس. قال ابن شهاب: ثم كتب خالد بن عبد الله بن أسيد إلى عبد الله بن زاذان مولى عثمان بن عفان يأمره ألا يترك عالماً بالمدينة إلا سأله عن ذلك، فأتى ابن زاذان بكتاب خالد، فحدثه هذا الحديث كله، فانطلق حتى سأل عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، فأخبراه عن عائشة مثل الذي أخبر به عنها، فكتب بذلك إلى خالد بن عبد الله. قال ابن شهاب: ثم لقيت خالد بن عبد الله قبل أن يحج الوليد بعام، فدخلت عليه داره التي ابتاع من أبي خراش فقال لي خالد: قد بلغني كتاب ابن زاذان في الحديث الذي حدثته، وعن الأحاديث التي حدثتها عائشة، وقد كنا التبسنا في ذلك، فقد تبين لنا اليوم أمر ذلك فلا نشك في شيء. قال الأصمعي: قدم الراعي على خالد بن عبد الله بن أسيد ومعه ابن له، فمات ابنه بالمدينة، فلما

خالد بن عبد الله المطرف

دخل على خالد سأله عنه فقال: مات بعد أن زوجته وأصدقت عنه، فأمر له بدية ابنه وصداقه. فقال الراعي: من الطويل وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه ... وشقّ له قبراً بأرضك لاحد وقد كان مات الجود حتى نشرته ... وأذكيت نار الجود والجود خامد فلا حملت أنثى ولا آب آيبٌ ... ولا بلّ ذو سقمٍ إذا مات خالد قوله: وديت ابن راعي الإبل: أراد أديت ديته، يقال: وديت القتيل إذا أديت ديته إلى أهله، ووديت عن الرجل إذا تحملت عنه دية لزمته، وأديت عنه من مالك دية جنايته، وهذا مما عايا به الكسائي محمد بن الحسن فلم يعرف الفرق بينهما. وأنشر الله الميت فنشر، ونشره فهو منشور لغة. وبل الرجل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ وصح. قال أبان بن عثمان: لما ثقل عبد الملك بن مروان، أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية وخالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وقال: أتدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، ترينا ما أصبحت فيه من العافية، قال: لا، ولكنه كان من بيعة الوليد وسليمان ما قد علمتما، فإن أردتما أن أقيلكما أقلتكما، قالا: لا، وكيف تقيلنا وقد جعلت لهما في رقابنا مثل هذه السواري؟! فقال أخيراً: أما والله، لو قلتما غير هذا لقدمتكا أمامي. خالد بن عبد الله المطرف ابن عمرو بن عثمان بن عفان من نبلاء قريش ووجوهها، من أهل المدينة، وفد على يزيد بن عبد الملك، وهو أخو محمد بن عبد الله الديباج.

خالد بن عبد الله بن الفرج

ولما وفد على يزيد بن عبد الملك، خطب إليه يزيد أخته، فقال: إن عبد الله بن عمرو بن عثمان أبي، قد سن لنسائه عشرين ألف دينار، فإن أعطيتنيها وإلا لم أزوجك. فقال له يزيد: أو ما ترانا أكفاء إلا بالمال؟! قل: بلى والله، إنكم لبنو عمنا، قال: إني لأظنك لو خطب إليك رجل من قريش لزوجته بأقل مما ذكرت من المال. قال: إي لعمري، لأنها تكون عنده مالكة مملكة، وهي عندكم مملوكة مقهورة، وأبى أن يزوجه. فأمر أن يحمل على بعير ثم ينخس به إلى المدينة. وكتب إلى الضحاك بن قيس الفهري وهو عامله على المدينة: أن وكل بخالد من يأخذ بيده في كل يوم، وينطلق به إلى شيبة بن نصاح المقرئ، ليقرأ عليه القرآن فإنه من الجاهلين. فأتي به شيبة فقيل له: يقول لك أمير المؤمنين: علمه القرآن فإنه من الجاهلين، فقال شيبة حين قرأ عليه: ما رأيت أحداً قط أقرأ للقرآن منه، وإن الذي جهله لأجهل منه. ثم كتب يزيد إلى عامله: بلغني أن خالداً يجيء ويذهب في سكك المدينة، فمر بعض من معك أن يبطش به، فضربوه حتى مرض ومات، وله عقب بالمدينة. وقيل: إن يزيد أمر أن يختلف به إلى الكتاب مع الصبيان يعلم القرآن، فزعموا أنه مات كمداً. خالد بن عبد الله بن الفرج أبو هاشم العبسي مولاهم ويعرف بخالد سبلان، بسين مفتوحة وباء موحدة، ولقب بذلك لعظم لحيته. شهد مع معاوية صفين.

خالد بن عبد الله بن يزيد

حدث عن كهيل بن حرملة النمري عن أبي هريرة: أنه أقبل حتى نزل بدمشق على آل أبي كلثم الدوسي، فتذاكروا الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان جريئاً عليه، فاستأذن فدخل عليه ثم خرج فأخبر أنها صلاة العصر. وعن مكحول: في قوله تعالى: " يبدل الله سيئاتهم حسنات " قال: يجعل مكان السيئات حسنات، قال: فقال خالد سبلان: يخرجهم من السيئات إلى الحسنات. قال: فرأيت مكحولاً غضب حتى جعل يرتعد. خالد بن عبد الله بن يزيد ابن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري أبو الهيثم البجلي القسري أمير مكة للوليد وسليمان، وأمير العراقين لهشام بن عبد الملك، وهو من أهل دمشق. حدث سيار أبو الحكم: أنه شهد خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب على المنبر وهو يقول: حدثني أبي عن جدي أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أسد أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم، قال: فأحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك. وحدث خالد بن عبد الله عن جده أسد بن كرز أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المريض تحات خطاياه كما تحات ورق الشجر. قال: فيه وهم قوله: عن جده، وإنما يروي عن أبيه عن جده.

ووهم أيضاً في قوله: جده أسد، وجده يزيد بن أسد. وكان خالد بن عبد الله بواسط، ثم قتل بالكوفة قريباً من سنة مئة وعشرين. هو الذي قال يوم الأضحى: إني مضحٍ بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم نزل فذبحه. قال ابن ماكولا: قسر: بفتح القاف وسكون السين المهملة هو قسر بن عبقر قبيل من بجيلة، ينسب إليها يزيد بن أسد صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ولده خالد بن عبد الله القسري. قال المدائني: أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد الله القسري، أنه مر في سوق دمشق وهو غلام، فأوطأ فرسه صبياً، فوقف عليه، فلما رآه لا يتحرك أمر غلامه فحمله، ثم أتى به إلى مجلس قوم فقال: إن حدث بهذا الغلام حدث فأنا صاحبه، أوطأته فرسي ولم أعلم. قال خالد بن عبد الله القسري قبل إمرة العراق: لقد رأيتني وأنا أصبح، فألبس ألين ثيابي، وأركب فره دوابي، ثم آتي صديقي فأسلم عليه أريد بذلك أن أثبت مروءتي في نفسي وأزرع مودتي في صدور إخواني، وأفعل ذلك بعدوي أرد عاديته عني، وأسل غمر صدره علي. وجمعت العراق لخالد بن عبد الله في سنة ست ومئة وعزل سنة عشرين ومئة. حدث أبو المليح وهو الحسن بن عمر الرقي قال: سمعت خالد القسري على المنبر يقول: قد اجتمع من فيئكم هذا ألف ألف لم يظلم فيها مسلم ولا معاهد. خطب خالد بن عبد الله القسري يوماً فانغلق عليه كلامه وأرتج عليه بيانه، فسكت سكتة، ثم قال: يا أيها الناس، إن هذا الكلام يجيء أحياناً ويعزب أحياناً، فيتسبب عند

مجيئه سببه، ويتعذر عند عزوبه مطلبه، وقد يرد إلى السليط بيانه وينيب إلى الحصر كلامه، وسيعود إلينا ما تحبون ونعود لكم كما تريدون. وخطب خالد القسري بواسط فقال: إن أكرم الناس من أعطى ما لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة. وخطب خالد القسري بواسط فقال: يا أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكتسبوا بالمطل ذماً، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم نعمةٌ عند أحد لم يبلغ شكرها، فالله أحسن له جزاءً وأجزل عطاء، واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحور نقماً، فإن أفضل المال ما أكسب أجراً وأورث ذكراً، ولو رأيتم المعروف رأيتموه رجلاً حسناً جميلاً، يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم البخل رأيتموه رجلاً مشوهاً قبيحاً تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار، إنه من جاد ساد، ومن بخل رذل وأكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته، والفروع عند مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو. قال أبو بكر بن عياش: رأيت خالداً حين أتي بالمغيرة وأصحابه، وقد وضع له سرير في المسجد، فجلس عليه، ثم أمر برجل من أصحابه فضربت عنقه، ثم قال للمغيرة بن سعد أحيه، وكان المغيرة يريهم أنه يحيي الموتى: فقال: والله، أصلحك الله، ما أحيي الموتى قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، قال: لا والله ما أقدر على ذلك، ثم أمر بطن قصب، فأضرموا فيه ناراً، ثم قال للمغيرة: اعتنقه فأبى، فعدا رجل من أصحاب

المغيرة فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه. أتي خالد بن عبد الله القسري برجل تنبأ بالكوفة فقيل له: ما علامة نبوتك؟ قال: قد أنزل علي قرآن. قيل: ما هو؟ قال: إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك ولا تجاهر، ولا تطع كل كافر وفاجر، فأمر به فصلب، فقال الشاعر: إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، وأنا ضامن لك ألا تعود. قال الأصمعي: حرم خالد بن عبد الله القسري الغناء، فأتاه حنين بن بلوع في أصحاب المظالم ملتحفاً على عود، فقال: أصلح الله الأمير، شيخ كبير ذو عيال، كانت له صناعة حلت بينه وبينها، قال: وما ذاك؟ فأخرج عوده وغنى: من الخفيف أيّها الشّامت المعيّر بالشّي ... ب أقلّنّ بالشباب افتخارا قد لبست الشباب قبلك حيناً ... فوجدت الشباب ثوباً معارا فبكى خالد وقال: صدق والله، وإن الشباب لثوب معار، عد إلى ما كنت عليه ولا تجالس شاباً ولا معربداً. قال الوليد بن نوح مولى لأم حبيبة بنت أبي سفيان: سمعت خالد بن عبد الله القسري على المنبر يقول: إني لأطعم كل يوم ستة وثلاثين ألفاً من الأعراب من تمر وسويق. قال الأصمعي: قال أعرابي لخالد القسري: أصلح الله الأمير: لم أصن وجهي عن مسألتك، فصن وجهك عن ردي، وضعني من معروفك حيث وضعتك من رجائي. فأمر له بما سأل.

ودخل إليه أعرابي ومعه جراب فقال: أصلح الله الأمير، تأمر لي بملء جرابي دقيقاً، فقال خالد: أملؤه دراهم، فخرج على الناس فقيل: ما صنعت في حاجتك؟ قال: سألت الأمير ما أشتهي، فأمر لي بما يشتهي. قال عبد الملك مولى خالد بن عبد الله القسري: إني لأسير بين يدي خالد في يوم شديد البرد في بعض نواحي الكوفة؛ ومعه يومئذٍ وجوه الناس وكبراؤهم، إذ قام إليه رجل فقال: حاجة، أصلح الله الأمير. فوقف وكان كريماً، فقال: وما هي؟ قال: تأمر رجلاً فيضرب عنقي. قال: لم؟ قطعت طريقاً؟ قال: لا، قال: فأخفت سبيلاً؟ قال: لا، قال: فنزعت يداً من طاعة؟ قال: لا. قال: فعلام أضرب عنقك؟ قال: الفقر والحاجة، أصلح الله الأمير. قال: تمنه. قال: ثلاثين ألفاً. فالتفت خالد إلى أصحابه فقال: هل علمتم تاجراً ربح الغداة ما ربحت؟ نويت له مئة ألف فتمنى علي ثلاثين ألفاً فربحت سبعين ألفاً، ارجعوا بنا فلا حاجة لنا بربح أكثر من هذا. فرجع من موكبه وأمر له بثلاثين ألفاً. قال أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي: حدثني بعض القسريين قال: كان خالد بن عبد الله يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: إنما هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها، فقال ذلك مرة وقد وفد عليه أسد بن عبد الله من خراسان، فقام فقال: هذه أيها الأمير، إن الودائع إنما تجمع لا تفرق، قال: ويحك إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق فأغنيناه، والظمآن فأرويناه، فقد أدينا فيها الأمانة. قال ابن عياش الهمداني: بينا أنا يوماً على باب أبي جعفر ننتظر الإذن إذ خرج الربيع بن يونس، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين بمن تشبهونني من خلفاء بني أمية؟ فسكت أصحابي، فقلت للربيع: أنا أعلم من يشبه أمير المؤمنين من خلفائهم، فقال: من؟ قلت: لا أقول لك ولا أقول إلا لأمير المؤمنين. فدخل ثم رجع فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ليس بك الجواب وإنما تريد الدخول للكدية.

قال: وكان في كمي تلك الساعة رقعة لآل خالد بن عبد الله القسري أتقمن بها وقتاً أوصلها إليه فيه فقلت: أبقى الله أمير المؤمنين ما بنا عنه غنى في كل حال، ولكن لا أجيب عن الذي سأل عنه غيره. فقال الربيع: إن أمير المؤمنين يعلم أنك سأال، كثير الحوائج تبرمه بالمسائل والرقاع، فقلت: إن أذن أبقاه الله دخلت، وإلا فأنا بموضعي، ودخل ثم رجع فقال: ادخل. فدخلت، فسلمت، ودعوت له، فقال: ويحك يا بن عياش، ما أكثر حوائجك ورقاعك ومساءلتك واحتيالك للدخول حتى تنغص علينا مجلسك وحديثك. فقلت: لا أعدمناك الله يا أمير المؤمنين. قال: بمن تشبهني من خلفاء بني أمية؟ فقلت: لعبد الملك بن مروان. قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأن أول اسمه عين وأول اسمك عين، وأول اسم أبيه ميم وأول اسم أبيك ميم. قلت: وأخذ حقه بالسيف، جاهد دونه محتسباً، وأخذت حقك بالسيف، جاهدت دونه حتى أظهر الله حجتك. قال: هيه. قلت: وقتل ثلاثة من الجبابرة أسماؤهم على العين، وقتلت ثلاثة من الجبابرة أسماؤهم على العين. قال: من قتل؟ قلت: عبد الله بن الزبير، وعمرو بن سعيد، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. قال: فأنا من قتلت؟ قال: قتلت: عبد الرحمن بن مسلم، أعني أبا مسلم، قال: هيه. قلت: وقتلت عبد الجبار بن عبد الرحمن، قال: هيه. قال: وأدركني ذهني فقلت: وسقط البيت على عبد الله بن علي فقتله. قال: فالبيت سقط على عبد الله بن علي فأنا ما ذنبي؟ قال: قلت: ما ذكرتك أنت، وإنما أخبرت أن البيت سقط على ذاك فقتله. قال: فسكت، وكأني آنست منه لينا فقلت: إي والله، وهذا الآخر أيضاً حائطه مائل، إن لم تدعموه بشيء خفت أن يسقط عليه البيت فيقتله، أعني عيسى بن موسى. قال: وإذا عيسى عنده محبوس ذلك اليوم في بيت قد اعتقله، يريغه على خلع نفسه من العهد ليجعل الخلافة بعده للمهدي، فامتنع عيسى، فاعتقله في بيت من القصر ولا علم

لي، فلما قلت: حائطه مائل، تبسم حتى كاد يغلبه الضحك، واستتر مني بكفه، وتغافل كأنه لم يفهم ما قلت، فتخشخشت الرقعة في كمي، فقلت: استقري، فليس هذا يومك، فقد تبرم أمير المؤمنين بكثرة سؤالنا ورقاعنا. فقال المنصور: دعها أنت مكانها ولا تحركها، فإنها ليست تتحرك، فأخرجتها فقلت: أو ينظر أمير المؤمنين فيها بما أراه الله؟ أتدري لمن هي يا أمير المؤمنين؟ هي لآل خالد بن عبد الله القسري أضحوا عالة يسألون الفلق، ويتكففون الطرق. فقال: ألم أقل: إنك تحتال للكدية وسؤال الحوائج؟ ثم تبسم وأخذها، وقال: لأحدثنك عن خالد القسري حديثاً تأكل به الخبز: إني لما تزوجت أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد كان مهرها ثلاثين ألف درهم؛ ففدحني، فقلت: آتي الكوفة فإن لنا بها شيعة، فلما كنت بقرية من السواد، أنا ومولى لي على حمارين ضعيفين مررنا بشيخ في مستشرف على باب دار، فسلمنا عليه، فما حفل بنا، فقال مولاي: أين تمضي بنا؟ بت في هذه القرية. قال: فعدلنا فإذا نحن بدار واسعة ظنناها فندقاً فنزلنا نحط رحالنا، فسأل بعض من في تلك الدار مولاي عن اسمي ونسبي ومن أين جئت وأين أريد، فأخبره، وقعدنا متحيرين في حفاية بنا، إذا رسول قد جاء برقعة بزة يسألني المصير إليه، ويقول: أبي عليل، وأحببت أن أقضي من حديثك أرباً. فهممت بالقيام فقال مولاي: إلى أين تقوم؟ إلى رجل لم يرنا أهلاً لرد السلام؟ فقمت على حيالٍ فسلمت عليه، فاستحيا واعتذر بالعلة من الرسالة إلي، وسألني عن مخرجي، وما لقيت من سفري، فهممت أن أشرح له خبري، فاستحييت وقلت: يكون ذلك في مجلس آخر. فمد يده إلى الدواة فكتب رقعة وختمها وقال لمولاي: الق وكيلي بها.

فأخذ المولى الرقعة، وقمت ولم أحفل بالرقعة، وأتينا بما نحتاج إليه من زاد وعلف، واحتقرنا أمر الرقعة، فإذا وكيله قد غدا علينا فقال: ألا توصلون إلينا رقعتكم، وتقبضون مالكم؟ فقلت لمولاي: هات تلك الرقعة، وقلت للوكيل: وما مالنا؟ كم هو؟ قال: قد أمر لك بمئة ألف درهم وهو مستقل لها، فلم أصدق. وفك الرقعة فقرأها وقال للمولى: تعال اقبض مالك، فقلت: حميرنا مضعفة، احمل لنا منها ثلاثين ألف درهم وندخل الكوفة فنقبض منك الباقي هناك، فقال: وأين تريدون إذا صدرتم عن الكوفة؟ قلنا: الشام: قال: أي الشام؟ قلت: الحميمة، فأحضر المال وقال: يأمركم أبو الهيثم أن تلقوا وكيله في قرية كذا بالشام بهذه الرقعة الأخرى. وقبض الرقعة الأولى فخرقها، وسلم إلينا الثلاثين الف درهم. فقلت للوكيل: ومن هذا الشيخ؟ قال: هذا الأمير خالد بن عبد الله القسري، هو ههنا يشرب اللبن من علة به. قال: فدخلنا الكوفة، وكانت الثلاثون ألف درهم أكبر همنا، وما حدثنا أنفسنا بشيء بعدها، ولم نعبأ بالرقعة الثانية، فقضينا حوائجنا بالكوفة، وتجهزنا، وخرجنا نريد الشام. فلما كنا بقرب القرية التي قال لنا وكيله: القوا الوكيل الآخر بها، قال لي المولى: لم لا تلقى وكيل الشيخ بهذه الرقعة التي معنا، فلعله أمر لنا بتتمة المئة ألف درهم؟ ومضى فدفع الرقعة إلى وكيله؛ فوافانا ببر كثير وهدايا وبز وطرف، وزودنا من ذلك وقال: إن رأيتم أن تحسنوا وتقبضوا المال مني ههنا فإني مشغول عن حمله معكم، ولكني أوجه معكم من يخفركم فافعلوا. قلنا: وكم مالنا؟ قال: أمرني أن أدفع إليكم مئة ألف درهم وأحملها معكم إلى منازلكم. فأحضرها ووكل بنا قوماً خفرونا حتى رجعنا إلى أهلنا. يا بن عياش: فما جزاء ولد من هذا فعله؟ فقلت: أمير المؤمنين أعلى عيناً بكل جميل، ومثله عفا عن السوءى وكافأ بالحسنى، ثم قرأ الرقعة، ووقع فيها برد ضياعهم وأموالهم عليهم، وكان ذلك شيئاً كثيراً، وأمر بتعجيله.

قال: فرد عليهم مال جليل القدر ورباع ومستغلات. وكان سبب سخطه على محمد بن خالد القسري، أنه حين ولاه المدينة تقدم إليه في أخذ محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن حتى ينفذهما إليه موثقين أو يقتلهما، فقصر محمد بن خالد حتى عزل، وخرجا عليه، فحقد ذلك عليه أبو جعفر؛ فعزله واستصفى أموالهم. قال خالد بن سليمان بن مهاجر: سقط خاتم للرائقة جارية خالد بن عبد الله القسري اشتراه لها بعشرين ألف درهم في بلاعة الدار؛ فاغتمت وقالت: يا مولاي جئني بمن يخرجه، فقال لها: نخلفه عليه ولا يعود في يدك، وقد صار في ذلك الموضع، ويدك أعز علي من ذلك. ثم قال: من الطويل أرائق لا تأسي على خاتمٍ هوى ... فللأرض من حظّ الكرام نصيب فاشترى لها بدله فصاً بخمسة آلاف دينار. قال المبرد: وجلس خالد بن عبد الله القسري ذات يوم للعرض، فأتي بشاب قد أخذ في دار قوم، وادعوا عليه السرق، فسأله عما حكي عنه، فأقر به، فأمر خالد بقطع يده، فإذا جارية قد أتته لم ير أحسن منها وجهاً، فدفعت إلى خالد رقعة كان فيها: من الطويل أخالد قد أوطأت والله عشوةً ... وما العاشق المسكين فينا بسارق أقرّ بما لم يجنه غير أنّه ... رأى القطع أولى من فضيحة عاشق قال: فسأله خالد عن أبيها، فأحضره وزوجها من الرجل الشاب، ودفع مهرها من عنده عشرة آلاف درهم.

قال الأصمعي: دخل أعرابي على خالد القسري فقال: أصلح الله الأمير، إني قد امتدحتك ببيتين ولست أنشدكهما إلا بعشرة آلاف وخادم، فقال له خالد: قل، فأنشأ يقول: من الطويل لزمت، نعم، حتى كأنك لم تكن ... سمعت من الأشياء شيئاً سوى نعم وأنكرت، لا، حتى كأنك لم تكن ... سمعت بها في سالف الدهر والأمم فقال خالد بن عبد الله: يا غلام عشرة آلاف وخادماً يحملها. قال: ودخل عليه أعرابي، فقال: إني قد قلت فيك شعراً، وأنشأ يقول. من الطويل أخالد إني لم أزرك لحاجةٍ ... سوى أنني عافٍ وأنت جواد أخالد إنّ الأجر والحمد حاجتي ... فأيّهما تأتي فأنت عماد فقال له خالد: سل يا أعرابي. قال: قد جعلت المسألة إلي؟ قال: نعم. قال: مئة ألف درهم. قال: أكثرت يا أعرابي. قال: أفأحطك، أصلح الله الأمير؟ قال: نعم. قال: قد حططتك تسعين ألف درهم. قال له خالد: يا أعرابي، ما أدري من أي أمريك أعجب؟! فقال له: أصلح الله الأمير، إنك لما جعلت المسألة إلي سألتك على قدرك، وما تستحقه في نفسك، فلما سألتني أن أحط حططتك على قدري وما أستأهله في نفسي. فقال له خالد: والله يا أعرابي لا تغلبني، يا غلام: مئة ألف، فدفعها إليه. قال يونس بن حبيب النحوي: دخل أعراب على خالد بن عبد الله فأنشدوه، وفيهم رجل ساكت لا ينطق، ثم قال

لخالد: ما يمنعني من إنشادك إلا قلة ما قلت فيك من الشعر، فأمره أن يكتب رقعته فكتب: من الطويل تعرّضت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب فأنت النّدى، وابن الندى، وأخو الندى ... حليف الندى، ما للندى عنك مذهب فأمر له بخمسين ألف درهم. وقام آخر فقال: أصلحك الله: قد قلت فيك بيتين ولست أنشدهما حتى تعطيني قيمتهما، قال: وكم قيمتهما؟ قال: عشرون ألفاً، فأمر له بها ثم أنشده: من الكامل قد كان آدم قبل حين وفاته ... أوصاك وهو يجود بالحوباء ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... فكفيت آدم عيلة الأبناء فأمر له بعشرين ألف أخرى، وجلده خمسين جلدة، وأمر أن ينادى عليه: هذا جزاء من لا يحسن قيمة الشعر. دخل أعرابي على خالد القسري فأنشده: من الوافر كتبت، نعم، ببابك فهي تدعو ... إليك الناس مسفرة النّقاب وقلت للا: عليك بباب غيري ... فإنك لن تري أبداً ببابي فأعطاه لكل بيت خمسين ألفاً. قال عمر بن الهيثم: بينما خالد بظهر الكوفة متنزهاً، إذ حضر أعرابي فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: هذه القرية، يعني الكوفة قال: وماذا تحاول بها؟ قال: قصدت خالد بن عبد الله متعرضاً لمعروفه، قال: فهل تعرفه؟ قال: لا. قال: فهل بينك وبينه قرابة؟

قال: لا. ولكن لما بلغني من بذلك المعروف، وقد قلت فيه شعراً أتقرب به إليه. قال خالد: فأنشدني ما قلت، فأنشأ يقول: من الطويل إليك ابن كرز الخير أقبلت راغباً ... لتجبر مني ما وهى وتبدّدا إلى الماجد البهلول ذي الحلم والندى ... وأكرم خلق الله فرعاً ومحتدا إذا ما أناسٌ قصّروا بفعالهم ... نهضت، فلم تلقى هنالك مقعدا فيالك بحراً يغمر الناس موجه ... إذا يسأل المعروف جاش وأزبدا بلوت ابن عبد الله في كلّ موطنٍ ... فألفيت خير الناس نفساً وأمجدا فلو كان في الدنيا من الناس خالدٌ ... لجودٍ بمعروفٍ لكنت مخلّدا فلا تحرمنّي منك ما قد رجوته ... فيصبح وجهي كالح اللون أربدا فحفظ خالد الشعر وقال له: انطلق صنع الله لك. فلما كان من غد دخل الناس إلى خالد، واستوى السماطان بين يديه، تقدم الأعرابي وهو يقول: إليك ابن كرز الخير أقبلت راغباً فأشار إليه خالد بيده أن اسكت. ثم أنشد خالد بقية الشعر وقال له: يا أعرابي قد قيل هذا الشعر قبل قولك، فتحير الأعرابي، وورد عليه ما أدهشه، وقال: يا الله ما رأيت كاليوم سبباً لخيبة وحرمان، فانصرف، وأتبعه خالد رسوله ليسمع ما يقول، فسمعه الرسول ينشد: من الطويل ألا في سبيل الله ما كنت أرتجي ... لديه وما لاقيت من نكد الجهد دخلت على بحرٍ يجود بماله ... ويعطي كثير المال في طلب الحمد فخالفني الجدّ المشوم لشقوتي ... وقاربني نحسي وفارقني سعدي فلو كان لي رزقٌ لديه لنلته ... ولكنه أمرٌ من الواحد الفرد

فقال له الرسول: أجب الأمير، فلما انتهى إلى خالد قال له: كيف قلت؟ فأنشده، ثم استعاده فأعاده ثلاثاً إعجاباً منه به، ثم أمر له بعشرة آلاف درهم. قال: قوله: فلم تلقى ضرورة وجاء به على الأصل كقول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمي قال الأصمعي: ذكروا أن خالد بن عبد الله القسري لما أحكم جسر دجلة واستقام له نهر المبارك، أنشأ عطايا كثيرة، وأذن للناس إذناً عاماً، فدخلت عليه أعرابية قسرية فأنشأت تقول: من مشطور الرجز إليك يا بن السادة المواجد ... يعمد في الحاجات كلّ عامد فالناس بين صادرٍ ووارد ... مثل حجيج البيت نحو خالد وأنت يا خالد خير والد ... أصبحت عبد الله بالمحامد مجدك قبل الشّمّخ الرواكد ... ليس طريف الملك مثل التالد قال: فقال لها خالد: حاجتك كائنة ما كانت. فقالت: أصلح الله الأمير، أناخ علينا الدهر بجرانه، وعضنا بنابه، فما ترك لنا صافناً ولا ماهنا، فكنت المنتجع وإليك المفزع. فقال لها خالد: هذه حاجة لك دوننا. فقالت له: والله لئن كان لي نفعها إن لك لأجرها وذخرها مع أن أهل الجود لو لم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء. قال لها خالد: أحسنت، فهل لك من زوج؟ فقالت: لا، وما كنت لأتزوج دعياً

وإن كان موسراً غنياً، وما كنت أشتري عاراً يتقى بمال يفنى، وإني بجزيل مال الأمير لغنية، فأمر لها بعشرة آلاف درهم. قال الحافظ: في أثناء تفسير قوله: الصافن والماهن: قال: وقال بعض اللغويين: عضنا الدهر، إنما يقال فيه: عظنا بالظاء والمعروف فيه الضاد. خرج خالد القسري يتصيد، فإذا هو بأعرابي على أتان له هزيلة، ومعه عجوز له، فقال له خالد: ممن الرجل؟ قال: من أهل المآثر والحسب. قال: فأنت إذاً من مضر. فمن أيها؟ قال: من الطاعنين للخيول والمعانقين في النزول. قال: فأنت إذاً من قيس عيلان. قمن أيها؟ قال: من المانعين عن الجار، والطالبين للثأر. قال: أنت إذاً من بني عامر بن صعصعة، فمن أيها؟ قال: من أهل السيادة والرئاسة. قال: أنت إذاً من جعفر بن كلاب فما أقدمك؟ قال: تتابع السنين، وقلة رفد الرافدين. قال: فمن قصدت؟ قال: أميركم، هذا الذي رفعته إمرته وحطته أسرته. قال: فأنا خالد وأنا معطيك غناك. قال: كلا، والله لا أقبل لك رفداً بعد أن أسمعتك قذعاً، ورجع منصرفاً. فقال خالد: بمثل صبر هذا الشيخ نال آباؤه الشرف. قال الهيثم بن عدي: كان خالد يقول: لا يحتجب الوالي إلا لثلاث خصال: إما رجل عيي فهو يكره أن يطلع الناس على عيه، وإما رجل مشتمل على سوء فهو يكره أن يعرف الناس ذلك، وإما رجل بخيل يكره أن يسال. كتب خالد بن عبد الله القسري إلى أبان بن الوليد البجلي وكان قد ولاه المبارك: أما بعد فإن بالرعية من الحاجة إلى ولاتها مثل الذي بالولاة من الحاجة إلى رعيتها، وإنما هم من الوالي بمنزلة جسده من رأسه، وهو منهم بمنزلة رأسه من جسده، فأحسن إلى

رعيتك بالرفق بهم، وإلى نفسك بالإحسان إليها، ولا يكونن هم إلى صلاحهم أسرع منك إليه، ولا عن فسادهم أدفع منك عنه، ولا يحملك فضل القدرة على شدة السطوة بمن قل ذنبه ورجوت مراجعته، ولا تطلب منهم إلا مثل الذي تبذل لهم، واتق الله تعالى في العدل عليهم والإحسان إليهم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، اصرم فيما علمت، واكتب إلينا فيما جهلت يأتك أمرنا في ذلك، إن شاء الله، والسلام. قال يحيى بن معين: كان خالد القسري والياً لبني أمية، وكان رجل سوء، وكان يقع في علي بن أبي طالب. قال الفضل بن الزبير: سمعت خالداً القسري وذكر علياً، فذكر كلاماً لا يخل ذكره. حكى الأصمعي: أن خالداً القسري ذم بئر زمزم فقال: إن زمزم لا تنزح ولا تذم، بلى والله إنها تنزح وتذم، ولكن هذا، أمير المؤمنين، قد ساق لكم قناة بمكة، وكان ذلك في أيام هشام بن عبد الملك. قال أبو عصام النبيل: ساق خالد ماء إلى مكة، فنصب طستاً إلى جانب زمزم، ثم خطب فقال: قد جئتكم بماء العادية لا يشبه أم الخنافس. يعني زمزم. قال عمرو بن قيس: لما أخذ خالدٌ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب خطب فقال: كأنكم أنكرتم ما صنعت، والله لو كتب إلي أمير المؤمنين لنقضتها حجراً حجراً، يعني الكعبة. قال شبيب بن شيبة: ولي خالد العراق بضع عشرة سنة من قبل هشام بن عبد الملك. قال: وكان سبب عزله أن امرأة أتت خالداً فقالت: إن غلامك فلاناً توثب علي، وهو

مجوسي، فأكرهني على الفجور وغصبني نفسي. فقال: كيف وجدت قلفته؟ فكتب بذلك حسان النبطي إلى هشام بن عبد الملك، فعزله وولى يوسف بن عمر العراق. قال أبو سفيان الحميري وغيره: أراد الوليد بن يزيد الحج وهو خليفة، فاتعد فتية من وجوه اليمن أن يفتكوا به في طريقه، وسألوا خالداً القسري أن يكون معهم، فأبى، قالوا: فاكتم علينا، قال: نعم. فأتى خالد فقال: يا أمير المؤمنين دع الحج عامك هذا، فإني خائف عليك، قال: ومن الذين تخافهم علي، سمهم لي. قال: قد نصحتك ولن أسميهم لك، قال: إذاً أبعث بك إلى عدوك يوسف بن عمر، قال: وإن فعلت، فبعث به إلى يوسف بن عمر، فعذبه حتى قتله، ولم يسم له القوم. وقتل خالد سنة ست وعشرين ومئة وهو ابن نحو ستين سنة. قال محمد بن جرير: عذب خالد، ثم وضع على صدره المضرسة، فقتل من الليل، ودفن بناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها، وأقبل عامر بن سهلة الأشعري، فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف سبع مئة سوط. قال أبو عبيدة: لما قتل خالد القسري لم يرثه أحد من العرب على كثرة اياديه عندهم إلا أبو الشغب العبسي فقال: من الطويل ألا إنّ خير الناس حيّاً وهالكاً ... أسير ثقيفٍ عندهم في السّلاسل لعمري لقد أعمرتم السّجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل

خالد بن عبد الرحمن

خالد بن عبد الرحمن بن يزيد ابن تميم السلمي حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة: أن رجلاً من المسلمين أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إني قد زنيت، فأعرض عنه حتى أتاه أربعاً، كل ذلك يعرض عنه، فلما سأله أربعاً شهد على نفسه أربع شهادات. دعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: قد أحصنت؟ قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه. خالد بن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر حدث عن أبيه بسنده عن أم حبيبة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حافظ على أربع ركعات قبل صلاة الهجير وأربع بعدها حرم على جهنم. قال الحافظ: قوله: ابن جابر وهم، وإنما هو ابن تميم الذي تقدم ذكره. والله أعلم. خالد بن عبد الرحمن حدث خالد قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، فسمع غناء من الليل، فأرسل إليهم بكرة، فجيء بهم فقال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الفحل ليخطر فتضبع له الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة.

خالد بن عبد الرحمن

ثم قال: اخصوهم. فقال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلةٌ ولا يحل؛ فخلى سبيلهم. خالد بن عبد الرحمن أبو الهيثم الخراساني من أهل مرو الروذ. حدث عن سنان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بشيء إلا استجاب له. وحدث عن إبراهيم بن عثمان بسنده عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبياً، وكان منهم من يرى في المنام فيكون بذلك نبياً نذيراً، وكان منهم من يبث في أذنه وقلبه فيكون بذلك نبياً، وإن جبريل يأتيني فيكلمني كما يأتي أحدكم صاحبه فيكلمه. وحدث عن مالك بن مغول بسنده عن ابن مسعود قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسند ظهره إلى قبة أدمٍ فقال: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد. فقال: أتحبون أنكم ربع أهل الجنة؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: نعم، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ما مثلكم فيمن سواكم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود. خالد بن عبد الملك بن الحارث ابن الحكم بن أبي العاص ويقال: ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي. ولي إمرة الشام لهشام بن عبد الملك.

خالد بن عتاب بن ورقاء بن الحارث

قال الزبير بن بكار: فولد عبد الملك بن الحارث: إسحاق وأبان وإسماعيل وروحاً وخالداً المعروف بابن مطرة. ولي لهشام بن عبد الملك المدينة سبع سنين، فأقحطوا، فكان يقال: سنيات خالد، وكان أهل البادية قد جلوا إلى الشام. قال أبو بكر بن عياش: ثم حج بالناس خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم سنة أربع عشرة ومئة. قال خالد بن القاسم: استعمل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم على المدينة، فكان يؤذي علي بن أبي طالب على المنبر، فسمعته يوماً على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: والله لقد استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً وهو يعلم أنه كذا وكذا، ولكن فاطمة كلمته فيه، فبرك داود بن قيس الفراء على ركبتيه فقال: كذبت كذبت حتى خفضه الناس. قال صالح بن محمد: نمت وخالد بن عبد الملك يخطب يومئذ، ففزعت وقد رأيت في المنام كأن القبر انفرج، وكأن رجلاً يخرج منه يقول: كذبت كذبت، فلما قامت الصلاة وصلينا، سألت ما كان، فأخبرت بالذين تكلم به خالد بن عبد الملك. خالد بن عتاب بن ورقاء بن الحارث ابن عمرو بن همام بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم أبو سليمان التميمي الرياحي اليربوعي كان أميراً على الري من قبل الحجاج، فخافه فهرب إلى دمشق، واستجار

بعبد الملك بن مروان فأجاره، وكانت أمه أم ولد، فكتب إليه الحجاج يلخن أمه ويقول: يا بن أمتنا اللخناء، أنت الذي هربت عن أبيك حتى قتل. وقد كان حلف ألا يسب أحد أمه إلا أجابه كائناً من كان؛ فكتب إليه خالد: كتبت تلخنني وتزعم أنني فررت عن أبي حتى قتل: ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد ما قتل، وحين لم أجد لي مقاتلاً، ولكن أخبرني عنك يا بن اللخناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة على جمل ثقال، أيكما كان أمام صاحبه؟ فقرأ الحجاج الكتاب وقال: صدق: من مشطور الرجز أنا الذي فررت يوم الحرّه ... ثم ثبتّ كرة بفرّه والشيخ لا يفرّ إلا مرّه ثم طلبه فهرب إلى الشام، وسلم بيت المال لم يأخذ منه شيئاً. فكتب الحجاج إلى عبد الملك بما كان منه. وقدم خالد الشام، فسأل عن وزير عبد الملك، فقيل له: روح بن زنباع، فأتاه حين طلعت الشمس فقال: إني جئتك مستجيراً. فقال: قد أجرتك إلا أن تكون خالداً، قال: فأنا خالد، فتغير وقال: أنشدك الله إلا خرجت عني، فإني لا آمن عبد الملك، فقال: أنظرني تغرب الشمس، فجعل روح يراعيها حتى خرج خالد، فأتى زفر بن الحارث

الكلابي فقال: إني جئتك مستجيراً. قال: قد أجرتك. قال: إني خالد بن عتاب. قال: وإن كنت خالداً. فلما أصبح دعا ابنين له فتهادى بينهما وقد أسن، فدخل على عبد الملك وقد أذن للناس، فلما رآه دعا له بكرسي فوضع عند رأسه، فجلس ثم قال: يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلاً فأجره قال: قد أجرته إلا أن يكون خالداً. قال: فهو خالد. قال: لا، ولا كرامة. فقال زفر لابنيه: أنهضاني، فلما ولى قال: يا عبد الملك، والله لو كنت تعلم أن يدي تطيق حمل القناة ورأس الجواد لأجرت من أجرت. فضحك، وقال: يا أبا الهذيل قد أجرناه فلا أريبه، وأرسل إلى خالد بألفي درهم، فأخذها، ودفع إلى رسوله أربعة آلاف. قال أبو عبيدة: خطب عتاب بن ورقاء الرياحي على المنبر فقال: أقول كما قال الله عز وجل في كتابه: من الخفيف ليس شيءٌ على المنون بباقي ... غير وجه المسبّح الخلاّق فقيل له: أيها الأمير هذا قول عدي بن زيد، فقال: فنعم، والله، ما قال عدي بن زيد. وأتي عتاب بن ورقاء بامرأة من الخوارج فقال لها: يا عدوة الله، ما حملك على الخروج علينا؟ أما سمعت الله يقول؟: من الخفيف كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جرّ الذّيول فقالت: جهلك بكتاب الله حملني على الخروج عليك وعلى أئمتك، يا عدو الله.

خالد بن أبي عثمان بن عبد الله

خالد بن أبي عثمان بن عبد الله ابن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس أبو أمية القرشي الأموي البصري وفد على الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز. روى خالد بن أبي عثمان عن أيوب بن عبد الله بن يسار عن عمرو بن أبي عقرب، قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى الكعبة يقول: ما أصبت من عملي الذي استعملني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان. قال خالد بن أبي عثمان: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فسلم واحدة. وقال خالد بن أبي عثمان: ولدت أنا وعمر بن عبد العزيز في شهر، وكان ابن عمه قاضي البصرة. وقال خالد بن أبي عثمان: شهدت عروة بن الزبير قطع رجله وكواها، وكان قطعه إياها بدمشق، وكانت وقعت في رجله الأكلة. فأرسل الوليد إلى الأطباء فقالوا: هذه الأكلة، وإن لم يقطعها ارتفعت فقطعها. خالد بن عمير بن الحباب بن جعدة ابن إياس بن حزابة بن محارب بن هلال السلمي الذكواني ممن غزا القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك، وكان فارساً شاعراً. قال خالد بن عمير: كنا مع مسلمة بن عبد الملك في غزوة القسطنطينية، فخرج إلينا رجل

من الروم، ودعا إلى المبارزة فخرجت إليه، فاقتتلنا فسقط كل واحد منا عن فرسه، فأخذته أسيراً فأتيت به مسلمة، فساءله وكان رجلاً جسيماً جميلاً، فأراد أن يبعث به إلى هشام بن عبد الملك، وهو يومئذ بحران، فقلت: إن رأيت أن توليني الوفادة به إليه، قال: إنك لأحق الناس بذلك، فبعث به معي، فكلمناه وسألناه، فجعل لا يكلمنا حتى انتهينا إلى موضع فقال: ما يقال لهذا الموضع؟ قال: فإذا هو فصيح اللسان، قلنا: هذا الجريش وتل مجزى فقال: من الوافر ثوى بين الجريش وتلّ مجزى ... فوارس من نمارة غير ميل فلا جزعين إن ضرّاء نابت ... ولا فرحين بالخير القليل ثم سكت، فكلمناه، وقلنا له: من أنت؟ فلم يرد علينا شيئاً، فلما انتهينا إلى الرها قال: دعوني فلأصل في بيعتها، قلنا: دونك، فصلى. وكل ذلك لا يكلمنا. فلما انتهينا إلى حران قال: أي مدينة هذه؟ قلنا: هذه مدينة حران، قال: أما إنها أول مدينة بنيت بعد بابل، ثم سكت. فأقبلنا عليه فقلنا: كلمنا، ما حالك؟ فأبى أن يكلمنا، فلما دخلنا حران قال: دعوني أستحم في حمامها، فاطلى ثم خرج كأنه برطيل فضة بياضاً وعظماً. قال: فأدخلته على هشام، وأخبرته كيف كان أمره وما جعل يسألنا عنه، فقال له هشام: ممن أنت؟ قال: أنا رجل من إياد ثم أحد بني حذافة. فقال: ويحك! أراك رجلاً عربياً إلى جمال وفصاحة، فأسلم تحقن دمك ونسني عطاءك، قال: إن لي بالروم أولاداً، قال: ونفك ولدك، قال: ما كنت لأرجع عن ديني، فأقبل به هشام وأدبر، فأبى فقال: دونك فاضرب عنقه، قال: فضربت عنقه.

خالد بن غفران

خالد بن غفران من أفاضل التابعين، كان بدمشق. حدث أبو الحسين علي بن محمد الأديب بإسناد له: أن رأس الحسين بن علي عليهما السلام لما صلب بالشام أخفى خالد بن غفران شخصه عن أصحابه، وطلبوه شهراً حتى وجدوه، فسألوه عن عزلته، فقال: أما ترون ما نزل بنا؟ ثم أنشا يقول: من الكامل جاؤوا برأسك يا بنت بنت محمدٍ ... متزمّلاً بدمائه تزميلا وكأنما بك يا بن بنت محمد ... قتلوا جهاراً عامدين رسولا قتلوك عطشاناً ولم يترقّبوا ... في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبّرون بأن قتلت وإنما ... قتلوا بك التكبير والتهليلا خالد بن كيسان ولي غزو البحر في أيام بن أمية. قال الواقدي: سنة تسعين، فيها أسرت الروم خالد بن كيسان صاحب البحر، فذهبت به إلى مدينة الكفر القسطنطينية، فأهداه صاحبها إلى الوليد بن عبد الملك، وهو عام غزا مسلمة، ففتح الله على يديه. خالد بن اللجلاج أبو إبراهيم العامري ويقال: مولى بني زهرة، من أهل دمشق، ولأبيه اللجلاج صحبة. حدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: مر بنا خالد بن اللجلاج فقال له مكحول: يا أبا إبراهيم، حدثنا حديث عبد الرحمن بن عائش.

فقال خالد: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرمي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: رأيت ربي الليلة في أحسن صورة فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا أعلم. فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي؛ فعلمت ما في السموات والأرض ثم تلا: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ". ثم قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات يا رب. قال: وما هن؟ قلت: المشي على الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد خلف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، من يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير، ويكن من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام وبذل السلام وأن تقوم بالليل والناس نيام. ثم قال: قل يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. قال: قلت: إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وتتوب علي، وإن أردت بقوم فتنة فتوفني وأنا غير مفتون. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموهن، فوالذي نفسي بيده إنهن لحق. كان خالد بن اللجلاج يلي الشرط بدمشق. وقال أبو الحسن بن سميع: خالد بن اللجلاج كان على بناء مسجد دمشق. وكان خالد ذا سنٍ وصلاح، جريء اللسان على الملوك والغلظة عليهم.

خالد بن محمد بن خالد بن يحيى

خالد بن محمد بن خالد بن يحيى ابن محمد بن يحيى بن حمزة أبو القاسم الحضرمي من أهل بيت لهيا. روى عن جده لمه أبي عبد الله أحمد بن يحيى بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقوم من مجلس إلا دعا: اللهم ارزقني من خشيتك ما يحول بيني وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تدخلني به جنتك، ومن التقوى ما تهون به علي مصائب الدنيا، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي ما أحييتني، واجعلهم الوارث مني، واجعل ثأري على من ظلمني، وانصرني على من عاداني، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي، ولا تسلط علي من لا يرحمني. خالد بن محمد الثقفي حدث عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حبك الشيء يعمي ويصم. خالد بن معدان بن أبي كرب أبو عبد الله الكلاعي الحمصي كان يتولى شرطة يزيد بن معاوية حدث عن المقدام بن معدي كرب، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة.

وحدث عنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للشهيد عند الله خصال: يغفر له أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار؛ الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته. وحدث عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك، ولا تنازع الأمر أهله. قال خالد بن معدان: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان خالد إذا قعد لم يقدر أحدٌ يذكر الدنيا عنده هيبة له. قال بحير بن سعد: ما رأيت أحداً كان أكرم للعلم من خالد بن معدان، كان علمه في مصفح، وكان إذا عظمت حلقته قام كراهية الشهرة. وكان خالد إذا أمر الناس بالغزو كان فسطاطه أول فسطاط يضرب بدابق. وقال خالد: والله لو كان الموت في مكان موضوعاً لكنت أول من يسبق إليه. قال خالد بن معدان: ما أحدث الله لي نعمة قط إلا أحدثت له بها شكراً، حتى إن الرجل يسلم علي أو يوسع لي في المجلس فأومئ للسجود لله شكراً. وقال خالد بن معدان: تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه فإني أتعلمه. حدثت عبدة بنت خالد عن أبيها قالت: قلما كان خالد يأوي إلى فراش مقيله إلا وهو يذكر فيه شوقه إلى رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم يسميهم، ويقول: هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم وهو في بعض ذلك. وحدثت عن أبيها أيضاً أنه قال: إن الذين يسخرون من الناس في الدنيا يقال لهم يوم القيامة: ادخلوا الجنة، فإذا أتوا أبوابها ودنوا منها يقال لهم: سخر بكم كما كنتم تسخرون بالناس. قال خالد: من التمس المحامد في مخالفة الله رد الله تلك المحامد عليه ذماً، ومن اجترأ على الملاوم في موافقة الحق رد الله تلك الملاوم عليه حمداً. وقال خالد: ما من آدمي إلا وله أربعة أعين: عينان في رأسه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه، فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وعد بالغيب. فأمن الغيب بالغيب. ومات خالد بن معدان وهو صائم سنة ثلاث ومئة، وقيل: سنة أربع ومئة، وأجمعوا على أنه مات سنة ثلاث في خلافة يزيد بن عبد الملك. قال سلمة: كان خالد يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات ووضع على سريره ليغسل جعل بأصبعه كذا يحركها، يعني بالتسبيح. حدث معاوية بن يحيى: أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح، فإذا عليه ليل، فلما صار تحت القبة سمع صوت حرس الليل على البلاط، فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً، قال بعضهم لبعض: من أين قدمتم؟ قالوا: أولم تكونوا معنا؟ قالوا: لا، قالوا:

خالد بن المعمر بن سلمان

قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان، قالوا: وقد مات؟! ما علمنا بموته، قالوا: فمن استخلفتم بعده؟ قالوا: أرطاة بن المنذر. فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه فقالوا: ما علمنا بموت خالد بن معدان، فلما كان نصف النهار قدم البريد من انطرطوس يخبر بموته. وقيل في موته: سنة خمس، وقيل: سنة ثمان ومئة، وقيل: سنة ست ومئة، والله أعلم. خالد بن المعمر بن سلمان ابن الحارث بن شجاع بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة الذهلي شهد صفين مع علي، ثم غدر بالحسن بن علي ولحق بمعاوية. قال العسكري: معمر مخفف كثير، ومعمر بالتشديد هو الذي يشكل. ومنهم خالد بن المعمر السدوسي رأس بكر بن وائل في خلافة عمر، وهو الذي غدر بالحسن بن علي وبايع معاوية، فقال الشاعر وهو الأعور الشني: من الطويل معاوي أمّر خالد بن معمّرٍ ... معاوي لولا خالدٌ لم تؤمّر قدم خالد على معاوية فسأله مداجاة على علي، وكان معاوية قد وصله وولاه أرمينية، فوصل إلى نصيبين، فيقال: إنه احتيل له شربة فمات، فقبره بنصيبين. وكان من أصحاب علي يوم الجمل على الذهليين خالد بن المعمر. قال أبو عبيدة: لما قتل علي بن أبي طالب أراد معاوية الناس على بيعة يزيد، فتثاقلت ربيعة،

ولحقت بعبد القيس بالبحرين، واجتمعت بكر بن وائل إلى خالد بن المعمر، فلما تثاقلت ربيعة تثاقلت العرب أيضاً، فضاق معاوية بذلك ذرعاً، فبعث إلى خالد، فقدم عليه، فلما دخل إليه رحب به وقال: كيف ما نحن فيه؟ قال: أرى ملكاً طريفاً وبغضاً تليداً. فقال معاوية: قل ما بدا لك فقد عفونا عنك، ولكن ما بال ربيعة أول الناس في حربنا وآخرهم في سلمنا؟ قال له خالد: إنما أتيتك مستأمنا ولم آتك مخاصماً، وإن ربيعة إن تدخل في طاعتك تنفعك، وإن تدخل كرها تكن قلوبها عليك وأبدانها لك، فأعط الأمان عامتهم، شاهدهم وغائبهم، وأن ينزلوا حيث شاؤوا، فقال: أفعل، فانصرف خالد إلى قومه بذلك. ثم إن معاوية بدا له فبعث إلى خالد فدعاه، فلما دخل إليه قال: كيف حبك لعلي؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين مما أكره، فأبى أن يعفيه فقال: أحبه والله على حلمه إذا غضب، ووفائه إذا عقد، وصدقه إذا أكد، وعدله إذا حكم. ثم انصرف ولحق بقومه، وكتب إلى معاوية: من الطويل معاوي لا تجهل علينا فإننا ... يدٌ لك في اليوم العصيب معاويا متى تدع فينا دعوةً ربعيّةً ... يجبك رجالٌ يخضبون العواليا أجابوا علياً إذ دعاهم لنصرةٍ ... وجرّوا بصفّينٍ عليك الدّواهيا فإن تصطنعنا يا بن حربٍ لمثلها ... نكن خير من تدعو إذا كنت داعيا ألم ترني أهديت بكر بن وائل ... إليك، وكانوا بالعراق أفاعيا إذا نهشت قال السليم لأهله ... رويداً فإني لا أرى لي راقيا فأضحوا وقد أهدوا ثمار قلوبهم ... إليك، وأفراق الذنوب كما هيا ودع عنك شيخاً قد مضى لسبيله ... على أي حاليه مصيباً وخاطيا فإنك لا تسطيع ردّ الذي مضى ... ولا دافعاً شيئاً إذا كان جائيا وكنت امرأً تهوى العراق وأهله ... إذ أنت حجازيٌّ فأصبحت شاميا

وكتب الأعور الشني إلى معاوية: من الطويل أتاك بسلم الحيّ بكر بن وائلٍ ... وأنت منوطٌ كالسّقاء الموكّر معاوي أكرم خالد بن معمّرٍ ... فإنك لولا خالدٌ لم تؤمّر فخادعته بالله حتى خدعته ... ولم يك خبّاً خالد بن المعمرّ فلم تجزه والله يجزي بسعيه ... وتسديده ملكي سريرٍ ومنبر فدعاهما معاوية فوصلهما؛ فقال الشني: من الطويل معاوي إني شاكرٌ لك نعمةً ... رددت بها ريشي عليّ معاويه وكم من مقامٍ غائظٍ لك قمته ... وداهيةٍ أسعرتها بعد داهيه فموتّها حتى كأن لم أقم بها ... عليك وأوتادي بصفّين باقيه فأبلغتني ربعي وكانت مقاتلي ... بكفّيك لو لم تكفف السهم باديه فقال معاوية: من الطويل لقد رضي الشنّيّ من بعد عتبه ... بأيسر ما يرضى به صاحب الكتب قال مضارب العجلي: التقى رجلان من بكر بن وائل: أحدهما من شيبان والآخر من بني ذهل. فقال الشيباني: أنا أفضل منك. فقال الذهلي: بل أنا أفضل منك. فتحاكما إلى رجل من همدان فقال: لست مفضلاً أحداً منكما على صاحبه، ولكن اسمعا ما أقول لكما: من أيكما كان علباء بن الهيثم الذي قتل يوم الجمل وهو سيد ربيعة؟ وكان يأخذ في الإسلام ألفين وخمس مئة. قال الذهلي: كان مني. قال: فمن أيكما كان حسان بن محدوج الذي قتل يوم الجمل وهو سيد ربيعة وكندة فنزع عنه الأشعث بن قيس؟.

خالد بن المهاجر بن خالد

قال الذهلي: كان مني. قال: فمن أيكما كان خالد بن المعمر الذي بايعته ربيعة بصفين على الموت حتى اعتقد لأهل الوبر منها ولأهل المدر ونجى الله به أهل اليمامة؟ قال الذهلي: كان مني. قال: فمن أيكما كان حضين بن المنذر صاحب الراية السوداء؟: من الطويل لمن رايةٌ سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل: قدّمها، حضين، تقدّما قال الذهلي: كان مني. خالد بن المهاجر بن خالد ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي قدم دمشق بعد وفاة عمه عبد الرحمن بن خالد، فقتل ابن أثال الطبيب، لأنه كان متهماً بقتل عمه، ثم لحق بالحجاز فسكنه. حدث خالد بن المهاجر قال: رخص ابن عباس في متعة النساء، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: ما هذا يا بن عباس؟ فقال ابن عباس: فعلت مع إمام المتقين، فقال ابن أبي عمرة: اللهم غفراً، إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين بعد.

وحدث خالد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابن آدم، عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، بان آدم، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافىً في جسدك آمناً في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء. قال خالد بن المهاجر: قال عمر بن الخطاب: من تزوج بنت عشر تسر الناظرين، ومن تزوج بنت عشرين لذة للمعانقين، وبنت ثلاثين تسمن وتلين، ومن تزوج ابنة أربعين ذات بنات وبنين، ومن تزوج ابنة خمسين عجوز في الغابرين. كان خالد بن المهاجر مع عبد الله بن الزبير، وكان اتهم معاوية بن أبي سفيان أن يكون دس إلى عمه عبد الرحمن بن خالد متطبباً يقال له: ابن أثال، فسقاه في دواء شربة؛ فمات فيها، فاعترض لابن أثال فقتله، ثم لم يزل مخالفاً لبني أمية. وكان شاعراً، وهو الذي يقول في قتل الحسين بن علي عليهما السلام: من الكامل أبني أمية هل علمتم أنني ... أحصيت ما بالطّفّ من قبر صبّ الإله عليكم غضباً ... أثناء جيش الفتح أو بدر وقال أيضاً حين خالف ابن الزبير يزيد بن معاوية، ويصف له الحرب: من الطويل ألا ليتني إن استحلّت محارمٌ ... بمكة قامت قبل ذاك قيامتي وإن قتل العوّاذ بالبيت أصبحت ... تنادي على قبرٍ من الهام هامتي وإن يقتلوا فيها وإن كنت محرماً ... وجدّك أشدد فوق رأسي عمامتي فنوا عصبةً لله بالدين قوّموا ... عصا الدين والإسلام حتى استقامت

وذكر الواقدي: أن خالداً قتل ابن أثال بدمشق، وأن معاوية ضربه مئتين أسواطاً، وحبسه، وأغرمه ديتين ألفي دينار، فألقى ألفاً في بيت المال، وأعطى ورثة ابن أثال ألفاً، ولم يخرج خالد من الحبس حتى مات معاوية. والله أعلم. /

خالد بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو سليمان المخزومي وقيل: أبو وهب، والمحفوظ أبو سليمان سيف الله، وصاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أسلم في الهدنة طوعاً، واستعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه؛ وروى عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله أبو بكر على قتال مسيلمة ومن ارتد من الأعراب بنجد، ثم وجهه إلى العراق، ثم وجهه إلى الشام، وأمره على أمراء الشام؛ وهو أحد الأمراء الذين ولوا فتح دمشق. حدث عبد الله بن عباس أن خالد بن الوليد الذي كان يقال له سيف الله، أخبره: أنه دخل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضباً محنوذاً، قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان قلما يقدم يده لطعام حتى يحدث به ويسمي له فأهوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده؛ قال خالد: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه. قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر ولم ينه.

وعن خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لحوم الخيل والبغال والحمير. وفي رواية: حضرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر يقول: حرام أكل لحوم الحمر الأهلية والخيل والبغال. قالوا: وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير. قال الواقدي: الثبت عندنا أن خالد لم يشهد خيبر، وأسلم قبل الفتح، هو وعمر بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة أول يوم من صفر سنة ثمان. قال مصعب: هاجر خالد بعد الحديبية هو وعمر بن العاص وعثمان بن طلحة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآهم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها، ولم يزل يوليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيل، ويكون في مقدمته في مهاجرة العرب، وشهد فتح مكة، ودخل في مهاجرة العرب في مقدمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، ودخل الزبير بن العوام في مقدمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار من أعلى مكة. وكان خالد مباركاً ميمون النقبية، وأمه عصماء، وهي لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بجير بن الهزم بن روبية بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن قيس عيلان، وهي أخت أم الفضل بنت الحارث أم بني العباس بن عبد المطلب. مات خالد بحمص سنة إحدى وعشرين، وأوصى إلى عمر بن الخطاب؛ ودفن في قرية على ميل من حمص.

وقيل: إنه أسلم يوم الأحزاب. وجاء في الحديث أنه شهد خيبر وكانت في أول سنة سبع. وقال مالك بن أنس: سنة ست. وقيل: إنه مات بالمدينة. وكان خالد بن الوليد يشبه عمر في خلقه وصفته؛ فكلم علقمة بن علاثة عمر بن الخطاب في السحر وهو يظنه خالد بن الوليد لشبهه به. قال محمد بن حفص التيمي: لما كانت الهدنة بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين قريش، ووضعت الحرب، خرج عمرو بن العاص إلى النجاشي يكيد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت له منه ناحية فقال له: يا عمرو، تكلمني في رجل يأتيه الناموس كما كان يأتي موسى بن عمران! قال: قلت: وكذلك هو أيها الملك؟ قال: فأنا أبايعك له على الإسلام. ثم قدم مكة، فلقي خالد بن الوليد فقال له: ما رأيك؟ قال: قد استقام المنسم، والرجل نبي؛ قال: فأنا أريده، قال: وأنا معك؛ قال له عثمان بن طلحة: وأنا معك. فقدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. قال أبان بن عثمان: فقال عمرو بن العاص: فكنت أسن منهما، فقدمتهما لأستدبر أمرهما، فبايعا على أن لهما ما تقدم من ذنوبهما، فأضمرت على أن أبايعه على أن لي ما تقدم وما تأخر، فلما أخذت بيده وبايعته على ما تقدم نسيت ما تأخر. قال خالد بن الوليد: لما أراد الله بي من الخير ما أراد قذف في قلبي حب الإسلام، وحضرني رشدي وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد، فليس موطن أشهده إلا وأنصرف، وإني أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمداً سيظهر؛ فلما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين فلقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بعسفان، فقمت بإزائه،

وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر آمناً منا، فهممت أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرة، فاطلع على ما في أنفسنا من الهموم به، فصلى بأصحابه العصر صلاة الخوف، فوقع ذلك مني موقعاً وقلت: الرجل ممنوع، وافترقنا وعدل عن سنن خيلنا، وأخذت ذات اليمين، فلما صالح قريشاً بالحديبية، ودافعته قريش بالراح قلت في نفسي: أي شيء بقي؟ أين المذهب؟ إلى النجاشي؟ فقد اتبع محمداً، وأصحابه آمنون عنده! فأخرج إلى هرقل فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية، فأقيم مع عجم تابعاً؟! أو أقيم في داري، فمن بقي؟ فأنا على ذلك إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، وتغيبت فلم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، فطلبني فلم يجدني، فكتب إلي كتاباً فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام جهله أحد! وقد سألني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتي الله به، فقال: ما مثل خالد جهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له، ولقدمناه على غيره. فاستدرك يا أخي ما فاتك منه، فقد فاتتك مواطن صالحة. قال: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام وسرني مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: خالد: وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقه جديبة، فخرجت إلى بلد أخضر واسع فقلت: إن هذه لرؤيا. فلما قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، قال: فذكرتها: فقال: هو مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق الذي كنت فيه: الشرك، فلما أجمعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: من أصاحب إلى محمد؟ فلقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب! أما ترى ما نحن فيه؟ إنما نحن أكلة رأس، وقد ظهر محمد على العرب والعجم، فلو قدمنا على محمد فاتبعناه، فإن شرف محمد لنا شرف! فأبى أشد الإباء فقال: لو لم يبق غيري من قريش ما اتبعته أبداً، فافترقنا وقلت: هذا رجل

موتور يطلب وترا، قتل أبوه وأخوه ببدر؛ قال: فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثلما قلت لصفوان، فقال لي مثل ما قال صفوان، قلت: فاطو ما ذكرت لك، قال: لا أذكره؛ وخرجت إلى منزلي، فأمرت براحلتي تخرج إلي إلى أن ألقى عثمان بن طلحة، فقلت: إن هذا لي لصديق، ولو ذكرت له ما أريد؛ ثم ذكرت له ما أريد؛ ثم ذكرت من قتل من آبائه، فكرهت أذكره؛ ثم قلت: وما علي وأنا راحل من ساعتي، فذكرت له ما صار الأمر إليه وقلت: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر، لو صب عليه ذنوب من ماء خرج. قال: وقلت له نحواً مما قلت لصاحبيه، فأسرع الإجابة وقال: لقد غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو، وهذه راحلتي بفخ مناخه، فا تعدت أنا وهو بيأجج، إن سبقني أقام، وإن سبقته أقمت عليه: قال: فأدلجنا سحرة، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة، فنجد عمرو بن العاص بها، فقال: مرحباً بالقوم، قلنا: وبك، قال: أين مسيركم؟ قلنا: ما أخرجك؟ قال: فما الذي أخرجكم؟ قلنا: الدخول في الإسلام وابتاع محمد، قال: وذاك الذي أقدمني. قال: فاصطحبنا جميعاً حتى قدمنا المدينة، فأنخنا بظاهر الحرة ركابنا، وأخبر بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر بنا. فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيني أخي فقال: أسرع فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخبر بك فسر بقدومك، وهو ينتظركم؛ فأسرعت المشي، فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير. قلت: يا رسول الله؛ قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادع الله يغفرها لي؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام يجب ما كان قبله. قلت: يا رسول الله؛ على ذلك، فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك. قال خالد: وتقدم عمرو وعثمان فبايعا رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان قدومنا في صفر سنة ثمان. فوالله ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أسلمت يعدل بي أحداً من أصحابه فيما حزبه. وعن أبي العالية الرياحي أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله؛ إن كائداً من الجن يكيدني، قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر ما يعرج في السماء، وما ينزل منها، ومن شر كل طارق، إلا طارقاً يطرق بخير؛ يا رحمن. قال: ففعلت، فأذهبه الله تبارك وتعالى عني. قال ابن إسحاق وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل مكة، وبعث إلى خالد بن الوليد: أن لا تقتلن أحداً، وأتاه الرسول فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك بقتل من لقيت، فقتل، وأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش: مه! أغلبتم؟ فقالوا: غلبنا والله، فقال: سأقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم قالوا: وصلتك رحم. وبعث إلى خالد: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: أتاني رسولك فأمرني بذلك، فقال للرسول: ما حملك على ذلك؟ فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن كنت أمرتني أن آمره أن لا يقتل أحداً، فذهب وهمي إلى أن أقول له: اقتل من لقيت، لشيء أراده الله. فكف عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام؛ فخرج هشام بن العاص على مئتين قبل يلملم، وخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاث مئة قبل عرنة، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى يهدمها؛ فخرج خالد في ثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هدمت؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل رأيت شيئاً؟ فقال: لا، فقال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها. فرجع خالد وهو متغيظ، فلما انتهى إليها جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة، ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري، فجعل يصيح: أعزي شدي شدة لا تكذبي ... أعزي فالقي للقناع وشمري أعزي إن لم تقتلي اليوم خالداً ... فبوئي بذنب عاجل فتنصري وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول: يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت الله قد أهانك قال: فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: نعم تلك العزى قد أيست أن تعبد ببلادكم أبداً. ثم قال خالد: أي رسول الله، الحمد لله الذي أكرمنا بك، وأنقذنا من الهلكة؛ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العزى، نحيره مئة من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثًا ثم ينصرف إلينا مسروراً، فنظرت إلى ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذا الأمر إلى الله، فمن يسره للهدى تيسر، ومن يسر للضلالة كان فيها.

وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان؛ وكان سادنها أفلح بن النضر من بني سليم، فلما حضرته الوفاة دخل عليه وهو حزين فقال له أبو لهب: مالي أراك حزيناً؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال أبو لهب: فلا تحزن، فأنا أقوم عليها بعدك؛ فجعل كل من لقي قال: إن تظهر العزى كنت قد اتخذت يداً عندها بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى ولا أراه يظهر فابن أخي. فأنزل الله عز وجل: " تبت يدا أبي لهب وتب ". ويقال: إنه قال هذا في اللات. وعن ابن عمر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد أحسبه قال: إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، وجعل خالد بهم قتلا وأسراً، قال: ثم دفع إلى كل رجل منا أسيراً، حتى إذا أصبح يوماً أمرنا فقال: ليقتل كل رجل منكم أسيره. قال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره؛ قال: فقدمنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له ما صنع خالد، قال: فرفع يديه فقال: إني أبرأ إليك مما صنع خالد. مرتين أو ثلاثاً. وروى إياس بن سلمة عن أبيه قال: لما قدم خالد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني بعدما صنع ببني جذيمة ما صنع عاب عبد الرحمن بن عوف على خالد ما صنع، قال: يا خالد، أخذت بأمر الجاهلية، قتلتهم بعمك الفاكه! قاتلك الله، قال: وأعانه عمر بن الخطاب على خالد، فقال خالد: أخذتهم بقتل أبيك، فقال عبد الرحمن: كذبت والله، لقد قتلت قاتل أبي بيدي، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان، ثم التفت إلى عثمان فقال: أنشدك الله، هل علمت أني قتلت قاتل أبي؟ فقال عثمان: اللهم نعم، ثم قال عبد الرحمن: ويحك يا خالد، ولو لم أقتل قاتل أبي كنت تقتل قوماً مسلمين بأبي في الجاهلية؟ قال خالد: ومن أخبرك أنهم أسلموا؟ فقال: أهل السرية كلهم يخبرونا أنك وجدتهم قد بنوا المساجد وأقروا بالإسلام ثم حملتهم على السيف، قال: جاءني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أغير عليهم فأغرت بأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عبد الرحمن: كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغالظ عبد الرحمن، وأعرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن

خالد، وغضب عليه، وبلغه ما صنع بعبد الرحمن؛ فقال: يا خالد! ذروا لي أصحابي، متى ينكأ أنف المرء ينكأ المرء، ولو كان أحد ذهباً تنفقه قيراطاً قيراطاً في سبيل الله لم تدرك غدوةً أو روحةً من غدوات أو روحات عبد الرحمن. قال عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد أن يغير على بني كنانة إلا أن يسمع أذاناً، أو يعلم إسلاماً، فخرج حتى انتهى إلى بني جذييمة، فامتنعوا أشد الامتناع، وقاموا وتلبسوا السلاح، فانتظر بهم صلاة العصر والمغرب والعشاء، لا يسمع أذاناً، ثم حمل عليهم، فقتل من قتل، وأسر من أسر؛ فادعوا بعد الإسلام. قال عبد الملك: وما عتب عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، ولقد كان المقدم حتى مات، ولقد خرج معه بعد ذلك إلى حنين على مقدمته وإلى تبوك، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أكيدر دومة الجندل، فسبى من سبى، ثم صالحهم، ولقد بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بلحارث بن كعب إلى نجران أميراً وداعياً إلى الله، ولقد خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، فلما حلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه أعطاه ناصيته، فكانت في مقدم قلنسوته، فكان لا يلقى أحداً إلا هزمه الله تعالى. ولقد قاتل يوم اليرموك فوقعت قلنسوته، فجعل يقول: القلنسوة القلنسوة، فقيل له بعد ذلك: يا أبا سليمان، عجباً لطلبك القلنسوة وأنت في حومة القتال!؟ فقال: إن فيها ناصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ألق بها أحداً إلا ولى. ولقد توفي خالد يوم توفي وهو مجاهد في سبيل الله عزوجل، وقبره بحمص، فأخبرني من غسله وحضره ونظر إلى ما تحت ثيابه، ما فيه مصح، ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم؛ ولقد كان عمر بن الخطاب الذي بينه وبينه ليس بذلك، ثم يذكره بعد فيترحم عليه ويتندم على ما كان صنع في أمره ويقول: سيف من سيوف الله تعالى. فلقد نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين هبط من لفت في حجته ومعه

رجل فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ فقال الرجل: فلان، قال: بئس عبد الله فلان. ثم طلع آخر فقال: من الرجل؟ فقال: فلان، فقال: بئس عبد الله فلان. ثم طلع خالد بن الوليد، فقال: من هذا؟ قال: خالد بن الوليد، قال: نعم عبد الله خالد بن الوليد. وعن أبي قتادة الأنصاري فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشه فقال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة. فوثب جعفر فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً قال: امضه، فإنك لا تدري في أي ذلك خير. فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قعد على المنبر، وأمر أن ينادى: الصلاة جامعة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثاب خبر وناب خبر، ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؟ انطلقوا فلقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً استغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على القوم حتى قتل شهيداً، فاستغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فثبت قدميه حتى قتل شهيداً، أشهد له بالشهادة، فاستغفروا له. فاستغفر له الناس. ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، هو أمر نفسه. ثم رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضبعيه فقال: اللهم هذا سيف من سيوفك فانتقم به. فسمي خالد سيف الله، ثم قال: انفروا وأمدوا إخوانكم، ولا يتخلفن أحد. فنفر الناس في حر شديد مشاةً وركباناً. حدث وحشي بن حرب: أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة فقال: أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين. وعن عروة: أن أبا بكر بعث خالد بن الوليد إلى بني سليم حين ارتدوا عن الإسلام، فقتل وحرق

بالنار، فكلم عمر أبا بكر فقال: بعثت رجلاً يعذب بعذاب الله! انزعه، فقال أبو بكر: لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار غدوة حتى يكون الله الذي يشيمه. وفي رواية أخرى: ثم مضى، ثم أمره فمضى من وجهه ذلك إلى مسيلمة. قيل لعمر بن الخطاب لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته، ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته، ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لخالد سيف من سيوف الله، سله الله على المشركين. عن ابن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد! لم تؤذين رجلاً من أهل بدر؟ لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله. فقال: يا رسول الله؛ يقعون في فأرد عليهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله، صبه الله على الكفار. قال أبو عثمان النهدي: لما قدم خالد بن الوليد من غزوة مؤتة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما غضب الله عليك ولا رسوله، ولكنك سيف من سيوف الله. قال أبو هريرة: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما نقم ابن جميل، إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله؛

وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد كان احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله؛ والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله فهي له ومثلها معها. قال قيس بن أبي حازم: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية. قال خالد بن الوليد: ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أو أبشر فيها بغلام أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بها العدو. وقال خالد بن الوليد: ما أدري من أي يومي أفر: يوم أراد الله عز وجل أن يهدي لي فيه شهادة، أو من يوم أراد الله أن يهدي لي فيه كرامة. أم خالد الناس بالحيرة، فقرأ من سور شتى، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال: شغلني عن تعلم القرآن الجهاد. نزل خالد بن الوليد الحيرة على بني أم المرازبة، فقالوا: احذر السم لا يسقيكه الأعاجم؛ فقال: ائتوني به، فأتي منه بشيء، فأخذه بيده ثم اقتحفه وقال: بسم الله، فلم يضره شيئاً. أتي خالد بن الوليد برجل معه زق خمر فقال: اللهم اجعله عسلاً، فصار عسلاً. أخبر خالد بن الوليد أن في عسكره من يشرب الخمر، فركب فرسه، فإذا رجل على

منسج فرسه زق فيه خمر، فقال له خالد: ما هذا؟ قال: خل، قال: اللهم اجعله خلاً؛ فلما رجع إلى أصحابه قال: قد جئتكم بخمر لم يشرب العرب مثلها، ففتحوها فإذا خل. قال: هذه والله دعوة خالد بن الوليد. قال قيس بن أبي حازم: طلق خالد بن الوليد امرأته، فقالوا: لم طلقتها؟ قال: لم تصبها منذ كانت عندي مصيبة ولا بلاء ولا مرض، فرابني ذلك منها. قال معروف بن خربوذ: من انتهى إليه الشرف من قريش ووصله الإسلام عشرة نفر من عشر بطون: من هاشم، وأمية، ونوفل، وأسد وعبد الدار، وتيم، ومخزوم، وعدي، وسهم، وجمح. قال: فكانت القبة والأعنة إلى خالد بن الوليد، فأما الأعنة، فإنه كان يكون على خيول قريش في الجاهلية في الحروب، وأما القبة، فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش. قال أبو قتادة: عهد أبو بكر إلى خالد وأمرائه الذين وجه إلى الردة: إذا أتيتم داراً أن يقيموا، فإن سمعوا أذاناً أو رأوا مصلياً أمسكوا حتى يسألوهم عن الذي نقموا ومنعوا له الصدقة؛ فإن لم يسمعوا أذاناً ولم يروا مصلياً شنوا الغارة، فقتلوا وحرقوا. وكنت مع خالد حين فرغ من قتال أهل الردة طليحة وغطفان وهوازن وسليم ثم سار إلى بلاد بني تميم، فقدمنا خالد أمامه، فانتهينا إلى أهل بيت منهم حين طفلت الشمس للغروب فثاروا إلينا فقالوا: من أنتم؟ قلنا: عباد الله المسلمون، قالوا: ونحن عباد الله المسلمون، وقد كان خالد بث سراياه، فلم يسمعوا أذاناً، وقاتلهم قوم بالعوصة من ناحية الهزال، فجاؤوا بمالك بن نويرة في أسارى من قومه، فأمر خالد بأخذ أسلحتهم، ثم أصبح فأمر بقتلهم.

قدم أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بقتل مالك وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد، فقدم عليه، فقال أبو بكر: هل يزيد على أن يكون تأول فأخطأ، ورد أبو بكر خالداً وودى مالك بن نويرة، ورد السبي والمال، وقال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكاً من قصيدة: فعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقا كأني ومالكاً ... لطول افتراق لم نبت ليلةً معا ولما نزل خالد البطاح بث السرايا، فأتي بمالك، فاختلف فيهم الناس، وكان في السرية التي أصابتهم أبو قتادة، فكان أبو قتادة فيمن شهد ألا سبيل على مالك ولا على أصحابه، وشهد الأعراب أنهم لم يؤذنوا ولم يصلوا، وجاءت أم تميم كاشفةً وجهها حتى أكبت على مالك وكانت أجمل الناس فقال لها: إليك عني فقد والله قتلتني. فأمر بضرب أعناقهم، فقام إليه أبو قتادة، فناشده فيه وفيهم، ونهاه عنه وعنهم، فلم يلتفت إليه، وركب أبو قتادة فرسه، فلحق بأبي بكر، وحلف: لا يسير في جيش وهو تحت لواء خالد. فأخبره الخبر وقال: ترك قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين فتنتهم الغنائم؛ فقال عمر؛ إن في سيف خالد رهقاً وإن يكن هذا حقاً فعليك أن تقيده، فسكت عنه أبو بكر. قال القاسم بن محمد: وألح عمر على أبي بكر في أمر خالد، وكتب إليه بالقدوم للذي ذكروا أنه أتى، لينظروا في ذلك، وأمره أن يخلف على الجيش رجلاً، فخلف عليهم خالد ابن فلان المخزومي؛ فقدم ولا يشك الناس في أنه معزول وأنه معاقب، وجعل عمر يقول: عدا عدو الله على امرىء مسلم فقتله، ونزا على امرأته.

ومن حديث آخر: أن خالد بن الوليد مضى، فأوقع بأهل الردة من بني تميم وغيرهم بالبطاح، وقتل مالك بن نويرة، ثم أوقع بأهل بزاخة وحرقهم بالنار، وذلك أنه بلغه عنهم مقالة سيئة، شتموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثبتوا على ردتهم؛ ثم مضى إلى اليمامة فقاتل بها مسيلمة وبني حنيفة حتى قتل مسيلمة، وصالح خالد أهل اليمامة على الصفراء والبيضاء، والحلقة والكراع، ونصف السبي؛ وكتب إلى أبي بكر أني لم أصالحهم حتى قتل من كنت أقوى به، وحتى عجف الكراع، ونهك الخف، ونهك المسلمون بالقتل والجراح. وقدم خالد بن الوليد المدينة من اليمامة ومعه سبعة عشر رجلاً من وفد بني حنيفة، فيهم مجاعة بن مرارة وإخوته. فلما دخل خالد بن الوليد المدينة دخل المسجد وعليه قباء، عليه صدأ الحديد، متقلدا السيف، معتماً في عمامته أسهم، فمر بعمر فلم يكلمه ودخل على أبي بكر، فرأى منه كل ما يحب، وخرج مسروراً، فعرف عمر أن أبا بكر قد أرضاه، فأمسك عن كلامه. وإنما كان عمر وجد عليه فيما صنع بمالك بن نويرة؛ من قتله إياه، وتزوج امرأته، وما كان في نفسه قبل ذلك من أمر بني جذيمة. قال عروة: لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة جاءه كتاب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه يأمره بالمسير إلى الشام فيمد أهل الإسلام؛ فمضى خالد على وجهه، فسلك عين التمر، فمر بدومة الجندل، فأغار عليهم فقتل بها رجالاً وهزمهم الله، وسبى بنت الجودي ومضى حتى قدم الشام، وبها يومئذ أبو عبيدة بن الجراح على جند، ويزيد بن

أبي سفيان على جند، عمرو بن العاص على جند، فقدم عليهم خالد بأجنادين، فهزم الله عدوه. وعن ابن عباس قال: قال عمر: أما والله، لئن صير الله هذا الأمر إلي لأعزلن المثنى بن حارثة عن العراق، وخالد بن الوليد عن الشام، حتى يعلما أنما نصر الله دينه، ليس إياهما نصر. قال جويرية بن أسماء: لما استفتح خالد بن الوليد دمشق نظر إلى راكب قال: وكان خالد من أمد الرجال بصراً قال: فنظر إلى راكب على الثنية، قال: بالعشي عشية استفتح دمشق قال: فقال: كأني بهذا الراكب قد قدم، فجاء بموت أبي بكر وخلافة عمر وعزلي. قال: فجاء الراكب فانساب في الناس. قال: وكان ذكر شيئاً لا أحفظه، قال: فأتاه أبو عبيدة بكتاب، فقال له خالد: متى أتاك هذا الكتاب؟ قال: عشية استفتحت دمشق، قال: فما منعك أن تأتينا به؟ قال: كان فتح فتحه الله على يديك، فكرهت أن أنغصكه. وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق: اكتب إلى خالد بن الوليد أن لا يعطي شاة ولا بعيراً إلا بأمرك؛ قال: فكتب أبو بكر بذلك. قال: فكتب إليه خالد بن الوليد: إما أن تدعني وعملي، وإلا فشأنك بعملك؛ فأشار عمر بعزله، فقال أبو بكر: من يجزي عني جزاة خالد؟ قال عمر: أنا، قال: فأنت، فتجهز عمر حتى أنيخت الظهر في الدار، وحضر الخروج، فمشى أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر فقالوا: ما شأنك، تخرج عمر من المدينة وأنت إليه محتاج، وعزلت خالداً وقد كفاك؟! قال: فما أصنع؟ قالوا: تعزم على عمر فيجلس، وتكتب إلى خالد فيقيم على عمله؛ ففعل. فلما ولي عمر كتب إلى خالد ألا تعطي شاةً ولا بعيراً إلا بأمري، قال: فكتب إليه خالد بمثل ما كتب إلى أبي بكر، فقال

عمر: ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمر فلم أنفذه، فعزله. وكان يدعوه إلى أن يستعمله فيأبى، إلا أن يخليه يعمل ما شاء، فيأبى عمر. وعن ناشرة بن سمي اليزني قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية. فذكر الحديث وقال فيه: إني أعتذر إليكم من خالد بن الوليد، أني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس والشرف، وذا اللسان، فنزعته وأمرت أبا عبيدة بن الجراح؛ فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: ما أعذرت يا عمر بن الخطاب، لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأغمدت سيفاً سله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضعت لواءً نصبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حديث السن، مغضب في ابن عمك. وبلغ عمر أن خالداً دخل الحمام، فتدلك بعد النورة بنحيز عصفر معجون بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله تعالى قد حرم ظاهر الخمر وباطنها، وحرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تغسل، كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم، فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا. فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولاً غير خمر. فكتب إليه عمر: إني لأظن آل المغيرة فقد ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم الله عليه. فانتهى لذلك، وقال خالد: سهل أبا حفص فإن لديننا ... شرائع لا يشقى بهن المسهل أنجست في الخمر الغسول ولا يرى ... من الخمر تثقيف المحيل المحلل وهل يشبهن طعم الغسول وذوقه ... حميا الخمور والخمور تسلسل؟! ولما قفل خالد وبلغ الناس ما أصابت تلك الصائفة، انتجعه رجال، فانتجع خالداً رجال من أهل الآفاق؛ وكان الأشعث انتجع خالداً بقنسرين، فأجازه بعشرة آلاف، وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، يكتب إليه من العراق بخروج من خرج منها

ومن الشام بجائزة من أجيز فيها؛ فدعا البريد، وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالداً ويعقله بعمامته، وينتزع عنه قلنسوته، حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث: أمن مال الله عز وجل، أم من ماله، أو من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنه أصابها فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف، واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله. فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه، حتى أكثر عليه وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئاً، فقام بلال إليه فقال: إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا، ثم تناول عمامته فنقضها، لا يمنعه سمعاً وطاعة، ثم وضع قلنسوته ثم أقامه فعقله بعمامته وقال: ما تقول، أمن مالك أو من إصابة؟ قال: لا، بل من مالي؛ فأطلقه أعاد قلنسوته، ثم عممه بيده وقال: نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا، وأقام خالد منخزلاً لا يدري أمعزول هو أو غير معزول؟! وجعل أبو عبيدة يكرمه ويزيده تفخيماً، ولا يخبره، حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان، فكتب إليه بالإقبال، فأتى خالد أبا عبيدة فقال: رحمك اله، ما أردت إلى الذي صنعت، تكتمني أمراً كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم! قال أبو عبيدة: فإني والله ما كنت لأروعك، ما وجدت من ذلك بداً، وقد علمت أن ذلك يروعك. قال: فرجع خالد إلى قنسرين، فخطب أهل عمله وودعهم، وتحمل ثم أقبل إلى حمص، فخطبهم وودعهم، ثم خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر، فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وتالله إنك غير مجمل يا عمر، فقال عمر: من أين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفاً فلك، فقوم عروضه، فخرجت عليه عشرون ألفاً فأدخلها بيت المال ثم قال: يا خالد، والله إنك علي لكريم، وإنك إلي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء. قال الشعبي: اصطرع عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وهما غلامان وكان خالد ابن خال عمر فكر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت وكان ذلك سبب العداوة بينهما.

وقال صالح بن كيسان: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة في كلام بلغه عن خالد بن الوليد: أن سل خالداً، فإن أكذب نفسه فهو أمير ما يليه، وإن ثبت على قوله فانزع عمامته، وقاسمه ماله نصفين، وقم على الجند قبلك. فكتم أبو عبيدة الكتاب، ولم يقرئه خالداً، حباً وتكرماً، حتى فتح الله عليهم دمشق في رجب سنة أربع عشرة، ثم إن بلالاً مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي عبيدة: ماذا كتب به إليك عمر في خالد بن الوليد؟ قال: أمرني أن أنصه في كلام بلغه عنه، فإن أكذب نفسه فهو أمير على ما يليه، وإن ثبت على قوله نزعت عمامته، وقاسمته ماله نصفين. فقال بلال: فامض لما أمرك به أمير المؤمنين؛ فقال خالد: أمهلوني حتى أستشير؛ وكانت له أخت لا يكاد يعصيها، فاستشارها فقالت له: والله لا يحبك عمر بن الخطاب أبداً، وما يريد إلا أن تكذب نفسك، ثم يعزلك، فقبل رأسها وقال: صدقت: فثبت على قوله، فنزع أبو عبيدة عمامته، فلم يبق إلا نعلاه، فقال بلال: لا تصلح هذه إلا بهذه، قال خالد: فوالله لا أعطيها أمير المؤمنين، لي واحدة ولكم واحدة. وكتب عمر في الأمصار: إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا جناية، ولكن الناس فتنوا به، فخشيت أن يوكلوا إليه ويبتلوا، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع، وأن لا يكونوا بعرض فتنة. ولما قدم خالد على عمر تمثل بقول الشاعر: صنعت فلم يصنع كصنعك صانع ... وما يصنع الأقوام فالله أصنع فأغرمه شيئاً ثم عوضه منه. وكتب فيه إلى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم. قال نافع: لما قدم خالد بن الوليد من الشام، قدم وفي عمامته أسهم ملطخة بالدم قد جعلها في عمامته، فاستقبله عمر لما دخل المسجد فنزعها من عمامته وقال: أتدخل مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعك أسهم فيها دم؟؟ وقد جاهدت وقاتلت وقد جاهد المسلمون قبلك وقاتلوا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وقيل: إن خالد بن الوليد دخل على عمر وعلى خالد قميص حرير فقال له عمر: ما هذا يا خالد؟ قال: وما بأسه يا أمير المؤمنين؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أليس قد لبسه ابن عوف قال: وأنت مثل ابن عوف، ولك مثل ما لابن عوف عزمت على من في البيت إلا أخذ كل واحد منهم طائفة مما يليه. قال: فمزقوه حتى لم يبق منه شيء. ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال: لقد طلبت القتل في مظانه، فلم يقدرلي إلا أن أموت على فراشي، ومامن عملي شيء أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس، والسماء تهلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار، ثم قال: إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله عز وجل. فلما توفي خرج عمر على جنازته فذكر قوله: ما على نساء آل الوليد أن يسفحن على خالد من دموعهن ما لم يكن نقعاً أو لقلقة. النقع: مد الصوت بالنحيب. واللقلقلة: حركة اللسان، نحو الولولة. وفي حديث آخر: فلما أخرج بجنازته رأى عمر امرأة محتزمة تبكيه وتقول: أنت خير من ألف ألف من النا ... س إذا ما كبت وجوه الرجال أشجاع فأنت أشجع من لي ... ث عرين جهم أبي أشبال أجواد فأنت أجود من سي ... ل رئاس يسيل بين الجبال

فقال عمر: من هذه؟ فقيل: أمه، فقال: أمه والإله ثلاثاً هل قامت النساء عن مثل خالد؟؟ قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة، واستخلف عياض بن غنم الفهري، فلم يزل خالد معه حتى مات عياض بن غنم، فاعتزل خالد إلى ثغر حمص، فكان فيه، وحبس خيلاً وسلاحاً فلم يزل مرابطاً بحمص حتى نزل به، فدخل عليه أبو الدرداء عائداً له، فقال خالد بن الوليد: إن خيلي هذه التي حبست في الثغر وسلاحي، هو على ما جعلته عليه، عدة في سبيل الله، وقوة يغزى عليها، ويعلف من مالي، وداري بالمدينة صدقة حبس لا تباع ولا تورث، وقد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ليالي قدم الجابية وهو كان أمرني بها، ونعم العون هو على الإسلام، والله يا أبا الدرداء، لئن مات عمر لترين أموراً تنكرها، قال أبو الدرداء: وأنا والله أرى ذلك؛ قال خالد: قد كنت وجدت عليه في نفسي في أمور لما تدبرتها في مرضي هذا عرفت أن عمر كان يريد الله بكل ما فعل: كنت وجدت عليه في نفسي حيث بعث إلي من يقاسمني مالي حتى أخذ فرد نعل وأخذت فرد نعل، فرأيته فعل ذلك بغيري من أهل السابقة ومن شهد بدراً، وكان يغلظ علي، وكانت غلظته على غيري نحواً من غلظته علي، وكنت أدل عليه بقرابة، فرأيته لا يبالي قريباً، ولا لوم لائم في غير الله؛ فذاك الذي أذهب ما كنت أجد عليه، وكان يكبر غلي عنده، وما كان ذلك مني إلا على النظير، كنت في حرب ومكايدة، وكنت شاهداً وكان غائباً، فكنت أعطي على ذلك، فخالفه ذلك من أمري، وقد جعلت وصيتي وتركتي وإنفاذ عهدي إلى عمر بن الخطاب. قال: فقدم بالوصية على عمر، فقبلها وترحم عليه، وأنفذ ما فيها. وتزوج عمر بعد امرأته. قال موسى بن طلحة: خرجت مع أبي طلحة بن عبيد الله إلى مكة مع عمر بن الخطاب، فلما كنا بعرق الظبية أقبل راكب من المدينة حتى أهوى إلى ناحية عمر، فما قلنا أناخ حتى إذا بعمر أقبل

يصيح: يا أبا محمد، يا طلحة؟! فقال أبي: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: هلك أبو سليمان، هلك خالد بن الوليد، رحمه الله؛ فقال له أبي طلحة: لا أعرفنك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي ما زودتني زادي قال أبو الزناد: إن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال: لقيت كذا وكذا زحفاَ، وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهاأنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. قال ثعلبة بن أبي مالك: رأيت ابن الخطاب بقباء ومعه نفر من المهاجرين والأنصار، فإذا أناس من أهل الشام يصلون في مسجد قباء فقال: من القوم؟ قالوا: من اليمن، قال: أي مدائن الشام نزلتم؟ قالوا: حمص، قال: هل كان من مغربة خبر؟ قالوا: موت خالد بن الوليد يوم رحلنا من حمص؛ قال: فاسترجع عمر مراراً ونكس، وأكثر الترحم عليه وقال: كان والله سداداً لنحور العدو، ميمون النقيبة، فقال له علي بن أبي طالب: فلم عزلته؟ قال: عزلته لبذله الأموال لأهل الشرف وذوي اللسان، قال علي: فكنت تعزله عن التبذير في المال وتتركه على جنده، قال: لم يكن يرضى، قال: فهلا بلوته. قال شيخ من بني غفار: سمعت عمر بن الخطاب بعد أن مات خالد بن الوليد يقول: قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق، فقلت: يا أمير المؤمنين، لم يكن رأيك فيه في حياته على هذا! قال: ندمت على ما كان مني إليه.

قال نافع: لما مات خالد بن الوليد لم يوجد له إلا فرسيه وغلامه وسلاحه، فقال عمر: رحم الله أبا سليمان إن كنا لنظنه على غير هذا. قال يزيد بن الأصم: لما توفي خالد بكت عليه أمه، فقال لها عمر: يا أم خالد؛ أخالداً وأجره ترزئين جميعاً! عزمت عليك ألا تبيتي حتى تسود يداك من الخضاب. قال عبد الله بن عكرمة عجباً لقول الناس: إن عمر بن الخطاب نهى عن النوح! لقد بكى على خالد بن الوليد بالمدينة ومعه نساء بني المغيرة سبعاً يشققن الجيوب، ويضربن الوجوه؛ وأطعموا الطعام تلك الأيام حتى مضت، ما ينهاهن عمر. وقيل لعمر: أرسل إليهن فانههن لا يبلغك عنهن شيء تكره، فقال عمر: ما عليهن أن يهرقن دموعهن على أبي سليمان، ما لم يكن نقعاً أو لقلقة. قال أبان بن عثمان: لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد يقول: حلقت رأسها. قال عمر لما مات خالد بن الوليد: رحم الله أبا سليمان، لقد كنا نظن به أموراً ما كانت. توفي خالد بحمص سنة إحدى وعشرين. وقيل: مات بالمدينة.

خالد بن هشام الجعفري

خالد بن هشام الجعفري من فصحاء أهل الجاهلية. وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني، صاحب الجولان. حدث العباس بن جابر السلمي قال: استوقف خالد بن هشام الجعفري الحارث بن أبي شمر الغساني، فأخذ بطرف ردائه وقال: الأمل ذمام لا يعترضه لديك تكذيب، ولي همة لا تصاحبني على شكر غيرك، ولا حمل صنيعة لسواك، وما أريق وجه سائلك، ولا اسودت مطالب آملك، وأنت نعمة دهر يطلب بها ماء الحياة. ثم أنشده: أراك مزيل النازلات إذا غدت ... علينا بحمل المثقل المتفادح قال: حاجتك؟ قال: ديات حملها رجائي وأملي، وقصر عنها وجدي ومالي. فأمر له بمئة ناقة وألف شاة؛ ثم قال لأخيه: لا نزال في نعم ما طرقتنا مضر بحاجاتها. خالد بن هشام بن إسماعيل بن هشام ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي وفد على الوليد بن عبد الملك. حدث محمد بن محمد بن هشام قال: سابق الوليد بن عبد الملك بين الخيل، فجاء فرس لخالد بن هشام بن إسماعيل سابقاً، فقال الوليد: لمن هذا الفرس؟ فقال خالد: هذا فرس أمير المؤمنين الذي أهديت له البارحة، فقال: وصل الله رحمك، قد قبلنا هديتك وسوغناك سبقك، وعوضناك منه ألف دينار. وكان الوليد يجزع إذا سبق. قال مخلد بن صالح: أتى مروان بخال لهشام بن عبد الملك يقال له خالد بن هشام المخزومي - وكان بادناً كثير اللحم فأدني إليه وهو يلهث فقال: أي فاسق، أما كان لك في خمر المدينة وقيانها

خالد بن يزيد بن بشر بن يزيد

ما يكفيك عن الخروج تقاتلني؟ قال: يا أمير المؤمنين، أكرهني يعني سليمان بن هشام فأنشدك الله والرحم - قال: وتكذب أيضاً! كيف أكرهك وقد خرجت بالقيان والزقاق والبرابط معك في عسكره. فقتله. وكان هذا في سنة سبع أو ثمان وعشرين ومئة خالد بن يزيد بن بشر بن يزيد ابن بشر الكلبي كان أبوه على شرط عمر بن عبد العزيز. حدث خالد بن يزيد عن أبيه قال: أصاب المسلمون في غزوهم الصائفة غلاماً من أبناء الروم صغيراً، فبعث أهله في فدائه؛ فشاور فيه عمر، فاختلفوا عليه، فقال: ما عليكم أن نفديه صغيراً، ولعل الله أن يمكن منه كبيراً. ففدوه بمال عظيم، ثم أخذ أسيراً في خلافة هشام فقتل. خالد بن يزيد بن خالد ابن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز أبو الهيثم القسري وجده خالد أمير العراق، من أهل دمشق. حدث خالد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع ". وحدث خالد عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: سأل رجل عبد الله بن مسعود: هل حدثكم نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدة الخلفاء من بعده؟ قال:

خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح

نعم، وما سألني عنها أحد قبلك، قال: إن عدة الخلفاء بعدي عدة نقباء موسى عليه السلام. وحدث خالد عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل الضب. وحدث خالد عن محمد بن عمر عن أبي المليح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك الجمعة ثلاثاً من غير علة طبع الله على قلبه ". قسر: بفتح القاف وسكون السين، هو قسر بن عبقر، قبيلة من بجيلة. وفرق ابن أبي حاتم بين خالد بن يزيد البجلي وخالد بن يزيد القسري. قالوا: وهذا وهم فإنهما واحد بلا شك. قالوا: وخالد بن يزيد القسري لا يتابع على حديثه. خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح ابن الخشخاش بن معاوية بن سفيان أبو هاشم المري الدمشقي والد عراك بن خالد حدث خالد بن يزيد بن صبيح عن يونس بن ميسرة بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله وعمله ورزقه وأثره ومضجعه؛ لا يتعداهن ".

خالد بن يزيد بن صفوان بن يزيد

وفي رواية: من أجله ورزقه وأثره ومضجعه، وشقي أو سعيد. وحدث عنه أيضاً بسنده عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة ". وصبيح: بضم الصاد غير معجمة وفتح الباء. وقال أبو زرعة كلاماً يقتضي أن خالد بن يزيد توفي سنة ست وستين ومئة. خالد بن يزيد بن صفوان بن يزيد أبو الهيثم القرشي حدث عن ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: " لا تجوز شهادة المنبوذ، لعل أمه مملوكة. خالد بن يزيد بن عبد الرحمن ابن أبي مالك واسمه هانئ أبو هاشم الهمداني أخو عبد الرحمن بن يزيد حدث خالد عن أبيه عن سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر حدثهم أنه انبعث في سرية بعثها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنفلنا، فأصبت بعيراً.

وبه، قال: كان سالم بن عبد الله ونافع يقولان: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل بعد ذلك الثلث والربع. وحدث خالد بن يزيد عن أبيه عن خالد بن معدان عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يدخل الجنة إلا يجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعت الجن والإنس، وليس بمزامير الشيطان، ولكن بتحميد الله وتقديسه ". وبه، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل يجامع أهل الجنة؟ قال: نعم، دحاماً دحاماً؛ ولكن لامني ولامنية. ولد خالد بن أبي مالك سنة خمس ومئة. وثقه قوم وضعفه آخرون. قال يحيى بن معين: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن؛ فأما الذي بالعراق فكتاب التفسير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وأما الذي بالشام فكتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أحمد بن أبي الحواري: وكنت قد سمعت من خالد بن يزيد كتاب الديات، فأعطيته لابن عبدوس العطار، فقطعه وأعطى الناس فيه حوائج. توفي خالد سنة خمس وثمانين ومئة.

خالد بن يزيد بن معاوية

خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية أبو هاشم الأموي حدث خالد بن يزيد عن دحية بن خليفى الكلبي حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل، فلما رجع أعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبطية، قال: اجعل صديعها قميصاً، وأعط صاحبتك صديعاً تختمر به. فلما ولى دعاه، قال: مرها تجعل تحته شيئاً لئلا يصف. وفي حديث آخر: لئلا يصفها. وعن علي بن خالد أن أبا أمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله عز وجل شراد البعير على أهله ". قال الزبير بن بكار: فولد يزيد بن معاوية: معاوية وخالداً وأبا سفيان، وأمهم أم هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة؛ وكان خالد بن يزيد يوصف بالعلم، ويقول الشعر، ويقال: إنه هو الذي وضع ذكر السفياني وكثره، وأراد أن يكون للناس فيهم مطمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك وتزوج أمه أم هاشم، وكانت أمه تكنى به، ولها يقول أبوه يزيد: ما نحن يوم استعبرت أم خالد ... بمرضى ذوي داء ولابصحاح وقدم خالد مصر مع مروان بن الحكم. قال خالد بن يزيد: كنت معنياً بالكتب، وما أنا من العلماء ولا من الجهال.

قال سعيد بن عبد العزيز: كان خالد بن أمية إذا لم يجد أحداً يحدثه حدث جواريه، ثم يقول: إني لأعلم أنكن لستن بأهل. يريد بذاك الحفظ. وعن ابن شهاب أن خالد بن يزيد كان يصوم الأعياد كلها: السبت والأحد والجمعة. قال خالد بن يزيد القرشي: كانت لي حاجة بالجزيرة، فاتخذتها طريقاً مستخفياً، قال: فبينا أنا أسير بين أظهرهم فإذا أنا بشمامة ورهبان وكان رجلاً لبيباً لسناً ذا رأي فقلت لهم: ما جمعكم هاهنا؟ قالوا: إن شيخاً سياحاً نلقاه في كل يوم مرة في مكانك هذا، فنعرض عليه ديننا وننتهي فيه إلى رأيه؛ قال: وكنت رجلاً معنياً بالحديث، فقلت: لو دنوت من هذا فلعلي أسمع منه شيئاً أنتفع به، منه، فلما نظر إلي قال لي: ما أنت من هؤلاء، قلت: أجل، قال: من أمة محمد أنت؟ قلت: نعم، قال: من علمائهم أو من جهالهم؟ قال: قلت لست من علمائهم ولا من جهالهم؛ قال: ألستم تزعمون في كتابكم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون؟ قال: قلت: نعم، نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاُ في الدنيا، فما هو؟ قال: مثل هذا الصبي في بطن أمه يأتيه رزق الرحمن بكرةً وعشياً لا يبول ولا يتغوط، قال: فتربد وجهه وقال لي: ألم تزعم أنك لست من علمائهم؟! قال: قلت بلى، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، قال: ألستم تزعمون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا ينقص مما في الجنة شيء؟ قال: نقول ذلك وهو كذلك، قال: فإن لهذا مثلاً في الدنيا؛ فما هو؟ قال: فقلت: مثل هذا مثل رجل آتاه الله علماً وحكمة، وعلمه كتابه، فلو اجتمع جميع من خلق الله فتعلموا منه ما نقص من علمه شيء، قال: فتربد وجهه فقال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم! قال: قلت: أجل، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال لي: ألستم تقولون في صلاتكم: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قال: قلت: بلى، قال: فلهي عني، ثم أقبل على

أصحابه وقال: ما بسط لأحد من الأمم ما بسط لهؤلاء من الخير، إن أحد هؤلاء إذا قال في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لم يبق عبد صالح في السماوات والأرض إلا كتب له بها عشر حسنات، ثم قال لي: ألستم تستغفرون للمؤمنين والمؤمنات؟ قلت: بلى، فقال لأصحابه: إن أحد هؤلاء إذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات لم يبق عبد لله مؤمن في السماوات من الملائكة، ولا في الأرض من المؤمنين، ولا من كان في عهد آدم، أو من هو كائن إلى يوم القيامة إلا كتب الله له بها عشر حسنات. قال: ثم أقبل علي فقال: إن لهذا مثلاً في الدنيا، فما هو؟ قلت: كمثل رجل مر بملأ، كثيراً كانوا أو قليلاً، فسلم عليهم، فردوا عليه أو دعا لهم فدعوا له، قال: فتربد وجهه، قال: ألم تزعم أنك لست من علمائهم! قال: قلت: أجل، ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم، فقال لي: ما رأيت من أمة محمد من هو أعلم منك، فسلني عما بدا لك، قال: فقلت: كيف أسأل من يزعم أن لله ولداً؟ قال: فشق مدرعته حتى أبدى عن بطنه، ثم رفع يديه فقال: لا غفر الله لمن قالها، منها فررنا واتخذنا الصوامع، فقال لي: إني سائلك عن شيء فهل أنت مخبري؟ قال: قلت: نعم، قال: أخبرني، هل بلغ ابن القرن فيكن أن يقوم إليه الناشئ أو الطفل فيشتمه أو يتعرض لضربه فلا يغير ذلك عليه؟ قال: قلت: نعم، قال: ذلك حين رق دينكم واستحسنتم دنياكم، وأثرها من أثرها منكم. فقال رجل من القوم: وابن كم القرن؟ قال: أما أنا قلت ابن ستين سنة، وأما هو فقال ابن سبعين سنة؛ فقال رجل من جلسائه: يا أبا هاشم، ما كان سرنا أن يكون أحد لقيه من هذه الأمة غيرك. وفي حديث آخر بمعناه، في آخره قال: هيهات! هلكت هذه الأمة ولن تقوم الساعة على دين أرق من هذا الدين. قال: وأرجو أن يكون كذب إن شاء الله. قال بعض العلماء: ثلاثة أبيات من قريش توالت خمسةً خمسةً في الشرف، كل رجل منهم من أشرف أهل زمانه: خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب؛ وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف.

أتى رجل خالد بن يزيد فقال: إني قد قلت فيك بيتين، ولست أنشدهما إلا بحكمي، قال: قل، فقال: سألت الندى والجود حران أنتما ... فقالا جميعاً: إننا لعبيد فقلت: ومن مولاكما؟ فتطاولا ... علي وقالا: خالد بن يزيد فقال له: سل، قال: مئة ألف درهم، فأمر له بها. قال المدائني: كان بين خالد بن يزيد بن معاوية وبين عبد الملك بن مروان كلام، فجعل عبد الملك يتهدده، فقال له خالد: أتهددني ويد الله فوقك مانعة، وتمنعني وعطاء الله دونك مبذول!؟. قال الأصمعي: قيل لخالد بن يزيد بن معاوية: ما أقرب شيء؟ قال: الأجل، قيل: فما أبعد شيء؟ قال: الأمل، قيل: فما أرجى شيء؟ قال: العمل، قيل: فما أوحش شيء؟ قال: الموت، قيل: فما آنس شيء؟ قال: الصاحب المؤاتي. كان خالد بن يزيد يقول: إذا كان الرجل ممارياً، لجوجاً، معجباً برأيه، فقد تمت خسارته. حدث سعيد بن عبد الله أن الحجاج بن يوسف سأل خالد بن يزيد عن الدنيا؟ قال: ميراث، قال: فالأيام؟ قال: دول، قال: فالدهر؟ قال: أطباق، والموت بكل سبيله، فليحذر العزيز الذل، والغني الفقر، فكم من عزيز قد ذل، وكم من غني قد افتقر.

خالد بن يزيد بن أبي خالد

قال العتبي: لزم خالد بن يزيد بيته، فقيل له: كيف تركت مجالسة الناس وقد عرفت فضلها ولزمت بيتك؟! فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة، أو شامت بنكبة! روي أن خالد بن يزيد كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السماء، ومنه ماء يستقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق؛ فأما ما يكون من البحر فلا يكون له نبات، وأما النبات فما كان من ماء السماء، وقال: إن شئت أعذبت ماء البحر. قال: فأمر بقلال من ماء، ثم وصف كيف يصنع به حتى يعذب. توفي خالد بن يزيد سنة تسعين، وشهده الوليد بن عبد الملك وهو يومئذ خليفة، فصلى عليه وقال: لتلق بنو أمية الأردية على خالد، فلن يتحسروا على مثله. خالد بن يزيد بن أبي خالد أبو هاشم ويقال: أبو محمود السلمي والد محمود حدث عن محمد بن راشد بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ومن قتل متعمداً رفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون خلفة، وكذلك عقل العمد، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل. قال: الصواب أربعون خلفةً.

خثيم بن ثابت أبو عامر الحكمي

وبه عن الحسن أن علياً كان يخطب بالكوفة، فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين! إنها قد فشت أحاديث، قال علي: وقد فعلوها؟ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستكون فتن. فقيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله عز وجل مرتين فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، وهو العروة الوثقى، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا، من قال به صدق، ومن قال به حق، ومن حكم به هدي إلى صراط مستقيم. قال: ثم أمسك علي رضي الله عنه وجلس ". خثيم بن ثابت أبو عامر الحكمي حدث عن أبي خالد السنجاري عن عمر بن عبد العزيز عن تميم الداري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لقي الله بخمس فله الجنة، ومن أتى الله بخمس لم تحجبه عن الجنة، والجمعة واجبة إلا على خمس، والوضوء الواجب من خمس، والأشربة من خمس؛ وحق الرجال على النساء خمس، ونهي النساء عن خمس: فأما من لقي الله عز وجل بخمس فله الجنة: الصلاة، والزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، وطاعة ولاة الأمر ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما من أتى الله بخمس لم تحجبه عن الجنة؛ فالنصح لله، والنصح لكتاب الله، والنصح لرسول الله، والنصح لولاة الأمر، والنصح لعامة المسلمين، وأما الجمعة واجبة إلا على خمس: المرأة، والمريض، والمملوك، والمسافر، والصغير. وأما الوضوء الواجب من خمس: من الريح، والغائط، والبول، والقيء، والدم القاطر. وأما الأشربة من خمس: من العسل، والزبيب، والتمر، والبر، والشعير. وأما حق الرجل على النساء خمس: لا تحنث له قسماً، ولا تعتزل له مضجعاً، ولا تعطر إلا له، ولا تخرج إلا بإذنه، ولا تدخل عليه من يكرهه وإنما نهي النساء عن خمس: عن اتخاذ الكمام، ولبس النعال، وجلوس في المجالس، وخطر بالقضيب، ولبس الأزر والأردية بغير درع ".

خراش بن بحدل الكلبي

خراش بن بحدل الكلبي شاعر فارس. قال الرياشي: وقف خراش بن بحدل على عبد الملك بن مروان بعد أن ملك فقال: أعبد المليك ما شكرت بلادنا ... فكل في رخاء العيش ما أنت آكل فجابية الجولان لولا ابن بحدل ... لكنت وما يسمع لقيلك قائل وكنت إذا دارت عليك عظيمة ... تضاءلت، إن الخاشع المتضائل فلما علوت الناس في رأس شاهق ... من المجد لا يسطيعك المتطاول قلبت لنا ظهر العداوة معلناً ... كأنك مما يحدث الدهر جاهل فقال عبد الملك: أراك احتجت إلى المال. قال: أجل. قال: فأيه أحب إليك؟ قال: الإبل، قال: يا أبا الزعيزعة! أعطه مئة برعاتها؛ ثم التفت إليه فقال: لا تعد فتنكرني. خريم بن عمرو بن الحارث بن خارجة ابن سنان بن أبي حارثة بن مرة المري، المعروف بخريم الناعم قال أبان بن عثمان البجلي: أتي الحجاج بأسرى من الروم أو من الترك، فأمر بقتلهم، فقال له رجل منهم: أيها الأمير، أطلب إليك حاجة ليس عليك فيها مؤونة، قال: ما هي؟ قال: تأمر رجلاً من أصحابك شريفاً بقتلي، فإني رجل شريف؛ فسأل عنه الحجاج أصحابه، فقالوا: كذلك هو، وأمر خريماً المري بقتله وكان دميماً أسود أفطس فلما أقبل نحوه صرخ العلج، فقال الحجاج: سلوه: ماله؟ قال: طلبت إليك أن تأمر رجلاً شريفاً بقتلي فأمرت هذا الخنفساء! فقال الحجاج: إنه لجاهل بما تبتغي غطفان يوم أضلت. أراد الحجاج قول زهير بن أبي سلمى:

خريم بن فاتك بن الأخرم

إن الرزية لارزية مثلها ... ما تبتغي غطفان يوم أضلت وكان سنان كبر فضل بنخل، فلم يوجد؛ ففي ذلك قال زهير هذا الشعر. قالت أم سنان بن أبي حارثة: إذا أنا مت فشقوا بطني، فإن فيه سيد غطفان. قال: فماتت، فشقوا بطنها، فاستخرجوا سناناً، فعاش وساد، حتى كان له مال وتبع. قال محمد بن يزيد: قيل لخريم: ما النعمة؟ قال: الأمن، فلا لذة لخائف؛ والغنى، فلا لذة لفقير؛ والعافية، فلا لذة لسقيم، قالوا: زد. قال: ما أجد مزيداً. قال الأصمعي: وبلغني أن الحجاج سأل خريماً الناعم: ما النعمة؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش، قال: زدني. قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش؛ قال: زدني. قال: الشباب، فإن الشيخ لا ينتفع بعيش؛ قال: زدني. قال: ما أجد مزيداً. خريم بن فاتك بن الأخرم أبو أيمن، ويقال أبو يحيى الأسدي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سكن دمشق؛ وهو أخو سبرة بن فاتك، وأبو أيمن بن خريم. قيل: إنه شهد بدراً. حدث شمر بن عطية عن خريم بن فاتك الأسدي أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا خريم، لولا خلتان فيك لكنت أنت الرجل. قال: ما هما

بأبي أنت وأمي؟ تكفيني واحدة. قال: توفر شعرك، وتسبل إزارك. قال: لا جرم، فانطلق، فجز شعره، ورفع إزاره. حدث معرور بن سويد عن خريم بن فاتك أنه أقبل وعليه حلة وقد رجل شعره وقد تخلق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويح أم خريم لو أقل الخلوق، ونقص من الشعر، وشمر الإزار. فنظر إليه القوم، فعرف أنه قد تكلم في أمره بشيء، فسأل بعض القوم؟ فأخبره، فغسل الخلوق وشمر الإزار، وحلق الرأس. قال أبو سعيد: كان خريم على قسم الدور بدمشق حين فتحت؛ وقيل، إن أخاه سبرة هو الذي قسم الدور. قال محمد بن سعد: الفاتك جد جده، وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك، وهو القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة. قال البخاري: خريم بن فاتك شهد بدراً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله صحبة ورواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي؟ قال: بلى، قال: بينا أنا في طلب نعم لي أنا منها على أثر، إذ جنني الليل بأبرق العزاف، فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه، فإذا هاتف يهتف: ويحك عذ بالله ذي الجلال ... والمجد والنعماء والإفضال

واقتر آيات من الأنفال ... ووحد الله ولا تبال قال: فذعرت ذعراً شديداً. فلما رجعت إلى نفسي قلت: يا أيها الهاتف ما تقول؟ ... أرشد عندك أم تضليل؟ بين لنا هديت ما الحويل؟ قال: إن رسول الله ذو الخيرات ... بيثرب يدعو إلى النجاة يأمر بالصوم وبالصلاة ... ويزع الناس عن الهنات قال: فانبعثت راحلتي فقلت: أرشدني رشداً هديت ... لا جعت ولا عريت ولا برحت سيداً مقيت ... ولا تؤثرني على الخير الذي أتيت قال: فاتبعني، وهو يقول: صاحبك الله وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل وأدى رحلكا آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر عن ربي فقد أخبرتكا قال: فدخلت المدينة، ودخلت يوم جمعة، فاطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: ادخل رحمك الله، فإنه قد بلغنا من إسلامك، قلت: لا أحسن الطهور، فعلمني، فدخلت المسجد، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يخطب كأنه البدر وهو يقول: ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى صلاة يحفظها ويعقلها، إلا دخل

الجنة. فقال لي عمر بن الخطاب: لتأتين على هذا ببينة أو لأنكلن بك. فشهد لي شيخ قريش عثمان بن عفان فأجاز شهادته. وفي حديث آخر بمعناه: هذا رسول الله ذو الخيرات ... جاء بياسين وحاميمات وسور بعد مفصلات ... يأمر بالصلاة والزكاة ويزجر الأقوام عن هنات ... قد كن في الأيام منكرات قال: قلت له: من أنت؟ قال: أنا ملك بن مالك الجني، بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جن نجد. قال: قلت: أما لو كان من يؤدي إبلي هذه إلى أهلي لأتيته حتى أسلم. قال: فأنا أؤديها. قال: فركبت بعيراً منها ثم قدمت، فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فلما رآني قال: ما فعل الرجل الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك؟ أما أنه قد أداها سالمة؛ قال: قلت: رحمه الله. قال: أجل فرحمه الله. وعن يحيى بن أبي كثير قال: إن خريم بن فاتك الأسدي أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني لأحب الجمال، حتى إني لأحبه في شراك نعلي وجلاد سوطي؛ وإن قومي يزعمون أنه من الكبر؟ قال: ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال، ولكن الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس. روى الشعبي: أن عبد الملك بن مروان قال لأيمن بن خريم: تقاتل ناساً من المسلمين، فقال: إن أبي وعمي شهدا الحديبية، وإنهما عهدا إلي أن لا أقاتل مسلماً. وقال أبياتاً: ولست بقاتل رجلاً يصلي ... على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلي إثمي ... معاذ الله من جهل وطيش أأقتل مسلماً في غير شيء ... فليس بنافعي ما عشت عيشي روى الأوزاعي عن يحيى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الفتى خريم بن فاتك، لو قص من شعره، وشمر من إزاره. فكان خريم يقول:

خزرج بن عبد الله أبو محمد الخزرجي

لا يجاوز شعري أذني أو شحمة أذني، ولا يجاوز إزاري عضلة ساقي؛ وكان حسن الساقين؛ وكان يدخل على معاوية. قال: فدخل عليه فقال: ما رأيت كاليوم ساقين أحسن لو أنهما لامرأة. قال: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين. قال أيوب: نبئت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على رجل قد قطعت يده في سرقة وهو في فسطاط فقال: من آوى هذا العبد المصاب؟ فقالوا: فاتك أو خريم بن فاتك، فقال: اللهم بارك على آل فاتك كما آوى هذا العبد المصاب. قال خريم بن فاتك: قال لي كعب: إن أشد أحياء العرب على الدجال لقومك. خزرج بن عبد الله أبو محمد الخزرجي حدث عن أبي القاسم بن أبي العقب بسندهعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في وتره يعني في الثلاث ركعات بقل هو الله أحد والمعوذتين. خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة ابن ساعدة بن عامر بن عيان. ويقال عنان بن عامر بن خطمة واسمه عبد الله بن جشم بن مالك بن أوس بن حارثة بن ثعلبة ابن عمرو بن عامر أبو عمارة الأنصاري الخطمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ذو الشهادتين. شهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً وما بعدها، وشهد غزوة الفتح؛ وكان يحمل راية بني خطمة. عن خزيمة بن ثابت قال: جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة؛ ثم قال: وايم الله، لو مضى السائل أي استزاده لجعلها خمساً.

وفي حديث آخر بمعناه: إذا أدخلهما وهما طاهرتان. قال: ومن غرائب حديثه ما حدث أنهم كانوا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد وهو مسند ظهره إلى بعض حجرات نسائه؛ فدخل رجل من أهل العالية فجلس يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشم منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريحاً تأذى هو واًصحابه، فقال: من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا بها. وحدث عمارة بن خزيمة عن أبيه قال: حضرت مؤتة، فبارزت رجلاً يومئذ فأصبته، وعليه بيضة له، فيها ياقوتة، فلم يكن همي إلا الياقوتة، فأخذتها، فلما انكشفنا وانهزمنا رجعت بها إلى المدينة، فأتيت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنفلنيها، فبعتها زمن عمر بن الخطاب بمئة دينار، فاشتريت حديقة نخل بني خطمة. وكان خزيمة بن ثابت وعمير بن عدي يكسران أصنام بني خطمة. وكانت راية بني خطمة مع خزيمة بن ثابت في غزوة الفتح. وشهد خزيمة بن ثابت صفين مع علي بن أبي طالب، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. وله عقب؛ وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته بشهادة رجلين. وأمه كبشة بنت أوس بن عدي بن أمية بن عامر بن ثعلبة؛ وفي نسبه اختلاف؛ وقيل: حنظلة بدل خطمة، والصواب خطمة بغير شك. قال زيد بن ثابت: لما كتبنا المصاحف فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " إلى " تبديلا " وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين.

قال يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: من كان تلقى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من القرآن فليأتنا به. وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان؛ فقتل وهو يجمع ذلك؛ فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله عز وجل شيء فليأتنا به، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يشهد عليه شهيدان؛ فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قال: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " إلى آخر السورة. قال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله فأين تريد أن تجعلهما؟ قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن؛ فختمت بهما براءة. حدث عبد الله بن علي بن السائب: أنه لقي عمر بن أحيحة بن الجلاح، فسأله: هل سمعت في إتيان المرأة في دبرها شيئاً؟ قال: أشهد لسمعت خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته شهادة رجلين، أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني آتي امرأتي من دبرها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم؟ فقالها مرتين أو ثلاثاً، ثم فطن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، فأما في دبرها فإن الله ينهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهن. وعن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى فرساً من سواء بن قيس المحاربي فجحد، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضراً؟ قال: صدقتك بما جئت به، وعلمت أنك لا تقول إلا حقاً؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه.

حدث عمارة بن خزيمة عن عمه وهو من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع فرساً من أعرابي، فاستتبعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبطأ الأعرابي؛ فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، لا يشعرون أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى الأعرابي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته؛ فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع نداء الأعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟! قال الأعرابي: لا والله ما بعتك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بلى قد ابتعته منك. فطفق الناس يلوذون بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأعرابي وهما يتراجعان؛ فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني بايعتك، فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليقول إلا حقاً، حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومراجعة الأعرابي، وطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني بايعتك، فقال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله؛ فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادة خزيمة شهادة رجلين. وعن أنس بن مالك قال: افتخر الحيان من الأنصار الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثاب بن أبي الأفلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت؛ فقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل. قال عمارة بن خزيمة: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أقتل أحداً حتى يقتل عمار، فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تقتله الفئة الباغية.

خزيمة بن حكيم السلمي البهزي

قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة؛ ثم اقترب فقاتل حتى قتل. وكان الذي قتل عمار بن ياسر أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفة، فقتل يومئذ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه؛ فأقبلا يختصمان فيه، كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص: والله، إن تختصمان إلا في النار؛ فسمعها منه معاوية؛ فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثلما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة. وقيل: إن ذا الشهادتين مات في زمن عثمان بن عفان. خزيمة بن حكيم السلمي البهزي قيل: إن له صحبة، وإنه خرج مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بصرى في تجارة. قال الزهري: قدم خزيمة بن حكيم السلمي ثم البهزي على خديجة ابنة خويلد، وكان إذا قدم عليها أصابته بخير، ثم انصرف إلى بلاده. وإنه قدم عليها مرة فوجهته مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع غلام لها يقال له ميسرة إلى بصرى، وبصرى من أرض الشام؛ فأحب خزيمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حباً شديداً، حتى اطمأن إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له خزيمة: يا محمد؛ إني أرى فيك أشياء ما أراها في أحد من الناس، وإنك لصريح في ميلادك، أمين في أنفس قومك، وإني أرى عليك من الناس محبة، وإني لأظنك الذي يخرج بتهامة. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإني محمد رسول الله. قال: أشهد إنك لصادق، وإني قد آمنت بك، فلما انصرفوا من الشام رجع خزيمة إلى بلاده، وقال: يا رسول الله إذا سمعت بخروجك أتيتك. فأبطأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حتى إذا كان يوم فتح مكة أقبل خزيمة حتى وقف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله لما نظر إليه: مرحباً بالمهاجر الأول. قال خزيمة: أما والله

يا رسول الله، لقد أتيتك عدد أصابعي هذه، فما نهنهني عنك إلا أن أكون مجداً في إعلانك، غير منكر لرسالتك، ولا مخالف لدعوتك، آمنت بالقرآن، وكفرت بالأوثان، لكن أصابتنا سنوات شداد تركت المخ راراً والمطي هاراً، غاضت لها الدرة ونقصت لها الثرة، وعاد لها اليراع مجرنثماً " والذيخ محرنجما " والفريش مستحلكاً والعضاه مستهلكاً، أيبست بارض الوديس، واجتاحت بها جميم اليبيس، وأفنت أصول الوشيج، حتى آل السلامى، وأخلف الخزامى، وأينعت العنمة وسقطت البرمة، وتفطر اللحاء، وتبحبح الجدا، فحمل الراعي العجالة، واكتفى من حملها بالقيلة؛ وأتيتك يا رسول الله غير مبدل لقولي، ولا ناكث لبيعتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله يعرض على عبده في كل يوم نصيحة، فإن هو قبلها سعد، وإن تركها شقي؛ فإن الله باسط يده لمسيء النهار ليتوب. قال: فإن تاب تاب الله عليه؛ وإن الحق ثقيل كثقله يوم القيامة، وإن الباطل خفيف كخفته يوم القيامة؛ وإن الجنة محظور عليها بالمكاره، وإن النار محظور عليها بالشهوات، انعم صباحاً تربت يداك. قال خزيمة: يا رسول الله؛ أخبرني عن ظلمة الليل وضوء النهار، وحر الماء في الشتاء وبرده في الصيف، ومخرج السحاب، وعن قرار ماء الرجل، وماء المرأة، وعن موضع النفس من الجسد، وما شراب المولود في بطن أمه وعن مخرج الجراد، وعن البلد الأمين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما ظلمة الليل وضوء النهار، فإن الله عز وجل خلق خلقاً من غثاء الماء، باطنه أسود وظاهره أبيض، وطرفه بالمشرق وطرفه بالمغرب تمده الملائكة، فإذا أشرق الصبح طردت الملائكة الظلمة حتى تجعلها في المغرب، وتنسلخ الجلبات، وإذا أظلم الليل طردت الملائكة الضوء حتى تحله في طرف الهواء؛ فهما كذلك يتراوحان لا يبليان ولا ينفدان.

وأما إسخان الماء في الشتاء وبرده في الصيف فإن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها؛ فإذا طال الليل في الشتاء كثر لبثها في الأرض، فيسخن الماء لذلك؛ فإذا كان الصيف مرت مسرعةً لا تلبث تحت الأرض لقصر الليل، فثبت الماء على حاله بارداً. وأما السحاب فينشق من طرف الخافقين بين السماء والأرض، فيظل عليه الغبار مكففاً من المزاد المكفوف، حوله الملائكة صفوف، تخرقه الجنوب والصبا، وتلحمه الشمال والدبور. وأما قرار ماء الرجل، فإنه يخرج ماؤه من الإحليل وهو عروق تجري من ظهره حتى يستقر قراره في البيضة اليسرى، وأما ماء المرأة فإن ماءها في التربية يتغلغل، لا يزال يدنو حتى يذوق عسيلتها. وأما موضع النفس، ففي القلب، والقلب معلق بالنياط، والنياط يسقي العروق، فإذا هلك القلب انقطع العرق. وأما شراب المولود في بطن أمه فإنه يكون نطفةً أربعين ليلة، ثم علقةً أربعين ليلة، ومشيجاً أربعين ليلة، وغبيساً أربعين ليلة، ثم مضغةً أربعين ليلة، ثم العظم حنيكاً أربعين ليلة، ثم جنيناً، فعند ذلك يستهل وينفخ فيه الروح. فإذا أراد الله جل اسمه أن يخرجه تاماً أخرجه، وإن أراد أن يؤخره في الرحم تسعة أشهر فأمره نافذ، وقوله صادق، تجتلب عليه عروق الرحم؛ ومنها يكون الولد. وأما مخرج الجراد فإنه نترة حوت في البحر، يقال له الإبزار، وفيه يهلك. وأما البلد الأمين فبلد مكة، مهاجر الغيث والرعد والبرق، لا يدخلها الدجال؛ وإن خروجه إذا منع الحياء وفشا الزنى، ونقض العهد. ولخزيمة في مقدمه على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعر.

خزيمة الأسدي

قوله: تركت المخ راراً: لا شيء فيه، ويقال: ذائب مثل الماء. والمطي هاراً: أي هالكا ". وغاضت الدرة: أي ذهبت الألبان، ونقصت لها الثرة: أي السعة. وعاد لها اليراع مجرنثماً: اليراع ضعيف، واجرنثم الرجل: إذا سقط. والذيخ محرنجماً: الذيخ: ولد الضبع، ويقال إنه السمين من الغنم وكل شيء، محرنجما: كالحاً. والفريش مستحلكاً: أي مسوداً، والفريش من قوله عز وجل: " حمولةً وفرشاً " وهو صغار الإبل. والعضاه: الشجر الملتف من طلح ودوح، وما كان ملتفاً. أيبست بارض الوديس: يقال: ودست الأرض إذا رمت بما فيها. والجميم والعميم: متقاربان، من النبت، إلا أن الجميم ما اجتم فصار كالجمة، والعميم ما اعتم فصار كالعمة، إلا أن العميم أطول من الجميم. وأفنت أصول الوشيج: والوشيج: الشجر الملتف بعضه ببعض. وحتى آل السلامى: أي حتى رجع، والسلامى عرق في الأخمص وهو في الرجل. والعنمة: العنبة. والبرمة: من الأراك. بضت الحنمة: أي سالت؛ والحنمة: الحوض الذي لم يبق فيه من الماء إلا قليل. تبحبح: توسط الحبوة، والحبوة: مساقط القوم الذين يحلون فيها، وهي المحامي. والعجالة: التي تحمل من زاد الراعي واكتفى من حملها بالقيلة، وهي الشربة الواحدة. خزيمة الأسدي من أصحاب معاوية شاعر له أبيات أجاب بها أبا الطفيل عامر بن واثلة الليثي. حدث ابن جذيم الناجي قال: لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء أبي الطفيل

عامر بن واثلة، فلم يزل يكاتبه ويلطف له حتى أتاه، فلما قدم عليه جعل يسائله عن أمر الجاهلية؛ ودخل عليه عمرو بن العاص وهو معه، فقال لهم معاوية: أما تعرفون هذا؟ هو فارس صفين وشاعرها، خليل أبي الحسن؛ ثم قال: يا أبا الطفيل، ما بلغ من حبك لعلي؟ قال: حب أم موسى لموسى، قال: فما بلغ من بكائك عليه؟ قال: بكاء العجوز الثكلى والشيخ الرقوب وإلى الله أشكو التقصير؛ قال معاوية: لكن أصحابي هؤلاء لو كانوا يسألون عني ما قالوا في ما قلت في صاحبك؛ قالوا: إذاً والله لا تقول الباطل، قال لهم معاوية: لا والله ولا الحق تقولون؛ ثم قال: هو الذي يقول: إلى رجب السبعين تعترفونني ثم قال له: يا أبا الطفيل أنشدها، فأنشد: إلى رجب السبعين تعترفونني ... مع السيف في جلواء جم عديدها زحوف كركن الطود فيها معاشر ... كغلب السباع نمرها وأسودها كهول وشبان وسادات معشر ... على الخيل فرسان قليل صدودها كأن شعاع الشمس تحت لوائها ... إذا طلعت أعشى العيون حديدها يمورون مور الريح إما ذهلتم ... وزلت بأكفال الرحال لبودها شعارهم سيما النبي وراية ... بها انتقم الرحمن ممن يكيدها تخطفهم آباؤكم عند ذكركم ... كخطف ضواري الطير طيراً تصيدها فقال معاوية لجلسائه: أعرفتموه؟ قالوا: نعم، فهذا أفحش شاعر وألأم جليس، قال معاوية: يا أبا الطفيل! أتعرفهم؟ فقال: ما أعرفهم بخير ولا أبعدهم من شر؛ قال: فقام خزيمة الأسدي فأجابه فقال: إلى رجب أو غرة الشهر بعده ... تصبحكم حمر المنايا وسودها ثمانون ألفاً دين عثمان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها فمن عاش منكم عاش عبداً ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها

خشنام بن إسماعيل بن منيب

خشنام بن إسماعيل بن منيب أبو بكر النيسابوري ابن أخت أبي النضر سمع بالشام حدث عن جعفر بن محمد الثعلبي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ". خشنام بن بشر بن العنبر أبو محمد النيسابوري سمع بدمشق ومصر. وكنية العنبر: أبو معروف حدث عن إبراهيم بن المنذر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل عليها هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا ". قال خشنام بن أبي معروف: كنت في حداثة سني أمتنع عن التزويج تزهداً، ووالدتي تلح علي في ذلك، فقلت: كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثاً، ثم احتجت إلى التزويج بعد ذلك، وفي قلبي منه شهيه، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقصصت عليه القصة فقال لي: تزوج فإنه لا طلاق قبل نكاح. كان خشنام ثقة، صاحب أصول. توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين.

خصيف بن عبد الرحمن ويقال ابن يزيد

خصيف بن عبد الرحمن ويقال ابن يزيد أبو عون الجزري الحراني الخضرمي مولى بني أمية أخو خصاف وكان توأماً وخصيف أكبرهما حدث خصيف عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إنما نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحرير المصمت. وحدث خصيف عن مجاهد، عن عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس القسي، وعن الشرب في آنية الذهب والفضة، وعن الميثرة الحمراء، وعن لبس الحرير والذهب، فقالت عائشة: يا رسول الله، شيء ذفيف يربط به المسك؟ قال: لا، اجعليه فضة وصفريه بشيء من زعفران. وعن خصيف عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال صبيحة الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ ثلاث مرات، إلا غفر الله له ولو كانت يعني ذنوبه مثل زبد البحر ". وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبد يبسط كفه في دبر صلاته ثم يقول: اللهم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، إله جبريل وميكائيل وإسرافيل، أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر،

وتصمني فإني مبتلى، وتنالني برحمتك فإني مذنب، وتنفي عني الفقر فإني مستمسك؛ إلا كان حقاً على الله أن لا يرد يديه خائبتين. قال خصيف: كنت مع مجاهد، فرأيت أنس بن مالك، فأردت أن آتيه، فمنعني مجاهد فقال: لا تذهب إليه فإنه يرخص في الطلاء. قال: فلم ألقه ولم آته. قال عتاب: فقلت لخصيف: ما أحوجك إلى أن تضرب كما يضرب الصبي بالدرة! تدع أنس بن مالك صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقيم على كلام مجاهد؟! قال الأوزاعي: خرج مكحول وعطاء الخراساني يريدان هشام بن عبد الملك يطلبان صلته، فأتيا الباب، فلم يؤذن لهما، فقال عطاء لمكحول: ادخل بنا المسجد حتى يؤذن لنا، فدخلا، فإذا علماء القوم حلق حلق، وإذا بخصيف الجزري أعظمهم حلقةً وهو أصغرهم سناً، فجلسا إليه، فقال له مكحول: حدثنا يرحمك الله، فأومى بوجهه إلى ناحية أخرى فقال: حدثنا رحمك الله فهذا عطاء الخراساني وأنا مكحول الدمشقي، فالتفت إليهما فقال: كان العلماء لا يعرفون، فإذا عرفوا فقدوا فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا. قال عطاء لمكحول: عظة والله! فركبا رواحلهما ولم يدخلا على هشام. وفي حديث آخر بمعناه: فبلغ ذلك هشاماً، فبعث بالجائزة في طلبهم. قال الواقدي: كان خصيف وخصاف ومخصف وعبد الكريم الجزري موالي معاوية، وكانوا من الخضارمة؛ وكان خصاف أفضلهم وأعبدهم. ومات خصيف سنة سبع وثلاثين ومئة.

الخضرمي: بكسر الخاء المعجمة وسكون الضاد المعجمة، فهم عدد يكونون بأرض الجزيرة، وقيل: أصلهم من قرية من قرى اليمامة يقال لها: خضرمة. قال خصيف: قال لي مجاهد: أنا أحبك يا أبا عون في الله عز وجل؛ وكان امرأً من صالحي الناس. قال خصيف: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فعرضت عليه تشهد ابن مسعود فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم السنة سنة عبد الله، نعم السنة سنة عبد الله. يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فقل: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. قال جعفر بن برقان: نبشت ابنة لخصيف بن عبد الرحمن، فأخذ نباشها، فبعث مروان بن محمد إلى خصيف قبل أن يعلم أن ابنته نبشت، فسأله؟ فأخبره خصيف أن عمر بن عبد العزيز قطعه، وأن مروان لم يقطعه؛ فقال مروان بن محمد: أنا أخالفهما جميعاً، فأمر به فصلب على قبرها. قال جرير: كان خصيف متمكناً في الإرجاء. وكان خصيف ضعيفاً لا يحتج بحديثه. وعن عبد السلام بن حرب: أن خصيفاً قال عند الموت: ليجىء ملك الموت إذا شاء، اللهم إنك لتعلم أني أحبك وأحب رسولك. توفي خصيف سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ست وثلاثين بالعراق، وقيل سنة سبع وثلاثين في أول خلافة أبي جعفر، وقيل: سنة ثمان وثلاثين، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومئة.

خصيب بن عبد الله بن محمد

خصيب بن عبد الله بن محمد ابن الحسين بن الخصيب بن الصقر بن حبيب أبو الحسن بن أبي بكر الخصيبي سمع بدمشق وبغيرها حدث عن موسى بن عبد الرحمن الإمام بسنده عن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خياركم من تعلم القرآن وعلمه. وأخذ بيدي وأجلسني في مكاني هذا ". وحدث في سنة ثنتي عشرة وأربع مئة عن أبيه أبي بكر عبد الله بن محمد بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كشجرة ذات جنى، ويوشك أن يعودوا كشجرة ذات شوك، إن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم طلبوك. قال: يا رسول الله، وكيف المخرج من ذلك؟ قال: تقرضهم عرضك ليوم فقرك ". توفي القاضي أبو الحسن الخصيب سنة ست عشرة وأربع مئة. الخضر عليه السلام يقال: إنه ابن آدم عليه السلام لصلبه وهو صاحب موسى عليه السلام وقيل: إن اسمه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد؛ وقيل: الخضر من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم؛ وقيل: اسمه إيليا بن ملكان ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل: هو خضرون بن عميائل بن اليقر بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.

قال ابن عباس: الخضر بن آدم لصلبه، ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال. وقيل: إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى في مكان اخضر ما حوله. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم يسم خضراً إلا لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز خضراء. الفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه. وقيل: إنما سمي الخضر خضراً لحسنه وإشراق وجهه. وذكر ابن إسحاق قال: قال أصحابنا: إن آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه وقال: يا بني إن الله منزل على أهل الأرض عذاباً فليكن جسدي معكم في المغارة، حتى إذا هبطتم فابعثوا بي وادفنوني بأرض الشام؛ فكان جسده معهم، فلما بعث الله تعالى نوحاً ضم ذلك الجسد، وأرسل الله الطوفان على الأرض؛ فغرقت الأرض زماناً، فجاء نوح حتى نزل ببابل، وأوصى بنيه الثلاثة وهم: سام ويافث وحام أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه فيه، فقالوا: الآرض وحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق، ولكن نكف حتى يأمن الناس ويكثروا وتأنس البلاد وتجف؛ فقال لهم نوح: إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة. فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، وأنجز الله له ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله له أن يحيا. وقيل: إن أم الخضر رومية وأبوه فارسي. تقدم الوليد بن عبد الملك إلى القوام ليلة من الليالي فقال: إني أريد أن أصلي الليلة في المسجد، فلا تتركوا فيه أحداً؛ ثم إنه أتى إلى باب الساعات، فاستفتح الباب، ففتح له فدخل، فإذا برجل ما بين باب الساعات وباب الخضراء الذي يلي المقصورة قائماً يصلي،

وهو أقرب إلى باب الخضراء منه إلى باب الساعات، فقال للقوام: ألم آمركم أن لا تتركوا أحداً يصلي الليلة في المسجد؟ فقال له بعضهم: يا أمير المؤمنين، هذا الخضر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في المسجد كل ليلة. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفاً الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل، قال: وكان ابن عباس متكئاً، فاستوى جالساً فقال: كذلك يا سعيد بن جبير؟ قلت: أنا سمعته يقول ذلك؛ قال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل واستحيا، وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: " إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني " لرأى من صاحبه عجبا ". قال: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر نبياً من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح، رحمة الله علينا وعلى أخي عاد. ثم قال: إن موسى عليه السلام بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني؛ فأوحى الله عز وجل إليه: إن في الأرض من هو أعلم منك، وآية ذلك أن تزود حوتاً مالحاً، فإذا فقدته فهو حيث تفقده؛ فتزود حوتاً مالحاً، فانطلق هو وفتاه، حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به، فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب، ووضع فتاه الحوت على الصخرة، فاضطرب " فاتخذ سبيله في البحر سربا " قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان؛ فانطلقا، فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال، ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حتى جاوزا ما أمر به، فقال موسى لفتاه: " آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " قال له فتاه: يا نبي الله " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت " أن أحدثك " وما أنسانيه إلا الشيطان " " فاتخذ سبيله في البحر سربا " " قال ذلك ما كنا نبغي " فرجعا " على آثارهما قصصا " يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة، فأطاف بها، فإذا هو مسجى بثوب، فسلم، فرفع رأسه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: من موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك؟ قال: أخبرت أن عندك علماً فأردت أن أصحبك " قال إنك لن تستطيع معي صبراً، قال ستجدني إن شاء

الله صابراً ولا أعصي لك أمرا " قال: " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " قال: قد أمرت أن أفعله، ستجدني إن شاء الله صابراً " قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا، حتى إذا ركبا في السفينة " فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها، فقال له موسى: تخرقها " لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا " حتى أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا أنظف منه، فأخذه فقتله، فنفر موسى عند ذلك وقال: " أقتلت نفساً زكيةً بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا " قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال: " إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى أتيا أهل قرية " لئام، وقد أصاب موسى جهد شديد، فلم " يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه " قال له موسى مما نزل به من الجهد: " لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك " فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال: حدثني، فقال: " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها. وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافراً، وكان قد ألقي عليه محبةً من أبويه، ولو عصياه شيئاً لأرهقهما طغياناً وكفرا " فأراد ربك أن يبدلهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحما " فوقع أبوه على أمه فتلقت فولدت خيراً منه زكاةً وأقرب رحما " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما " إلى قوله: " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ". وفي حديث آخر بمعناه. وفي قراءة أبي بن كعب: " يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وفي آخره قال: فجاء طائر هذه الحمرة، فبلغ فجعل يغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى، ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص به بمنقاري من جميع ما في هذا البحر. وفي حديث آخر عن ابن عباس مختصراً قال: سأل موسى عليه السلام ربه فقال: أي رب! أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي

يذكرني ولا ينساني، قال: يا رب! فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى، أو ترده عن ردى؛ قال: رب! فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: ومن ذلك يا رب؟ قال ذاك الخضر، قال: وأين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت.. الحديث.. وفي حديث آخر بمعناه: وكان فتى موسى يوشع بن نون كما يقال. والله أعلم وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أخي موسى: يا رب ذكر كلمة فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح، حسن بياض الثياب، مشمرها فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام، قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين الذي لا أحصي نعمه ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته، ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك؟ قال الخضر: يا طالب العلم، إن القائل أقل ملالةً من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حادثتهم، واعلم أن قلبك وعاء، فانظر ماذا تحشو به وعاءك؛ واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغةً للعباد، والتزود منها للمعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم؛ يا موسى، تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثاراً بالمنطق مهذاراً، فإن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدي مساوىء السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد؛ وأعرض عن الجهال وباطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلماً، وجانبه حزماً، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم؛ يا بن عمران، ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف؛ يا بن عمران، لا تفتحن باباً لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن باباً لا تدري ما فتحه؛ يا بن عمران، من لا تنتهي من الدنيا

نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، كيف يكون عابدا؟ ومن يحقر حاله ويتهم الله فيما قضى له، كيف يكون زاهداً؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه، أو ينفعه طلب العلم، والجهل قد حواه!؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه؛ يا موسى، تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره ولغيرك نوره؛ يا موسى بن عمران؛ اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك رضى ربك، واعمل خبراً فإنك لابد عامل سوءاً؛ قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر، وبقي موسى حزيناً مكروباً يبكي. وعن ابن عباس قال: الكنز الذي مر به الخضر لوح من ذهب، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، عجب لمن يعرف الموت كيف يفرح! وعجب لمن يعرف النار كيف يضحك! وعجب لمن يعرف الدنيا وتحولها بأهلها كيف يطمئن إليها! وعجب لمن يؤمن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق! وعجب لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا!. وعن أبي عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر على نبينا وعليهما الصلاة والسلام قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعاً ولا تكن ضراراً؛ كن بشاشاً ولا تكن غضبان؛ ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة، ولا تعير امرأ بخطيئة، وابك على خطيئتك يا بن عمران. وعن يوسف بن أسباط قال: بلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي، فقال له الخضر: يسر الله عليك طاعته. وعن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل، أبصره رجل مكاتب، فقال: تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله من أمر يكون. ما عندي شيء أعطيكه، قال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت السيماء في وجهك، ورجوت البركة عندك؛ فقال الخضر: آمنت بالله، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟!

قال: نعم، الحق أقول لك، لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي؛ قال: فقدمه إلى السوق، فباعه بأربع مئة درهم؛ فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل؟ قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف، قال: ليس يشق علي، قال: فانقل هذه الحجارة وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال: أحسنت وأجملت، وأطقت ما لم أراك تطيقه، ثم عرض للرجل سفر فقال: إني أحسبك أميناً، فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: فأوصني بعمل، قال: إني أكره أن أشق عليك، قال: ليس تشق علي، قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك؛ فمضى الرجل لسفره، فرجع الرجل وقد شيد بناءه، فقال: أسألك بوجه الله ماسببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به. سألني مسكين صدقةً، فلم يكن عندي شيء أعطيه، فسألني بوجه الله، فأمكنته من رقبتي فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلدةً لا لحم له ولا عظم يتقعقع، فقال الرجل: آمنت بالله شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم. قال: لا بأس أحسنت وأبقيت، فقال الرجل: بأبي وأمي، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك؟ فقال: أحب إلي أن تخلي سبيلي، فأعبد ربي تعالى؛ فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها. وعن السدي قال: كان ملك وكان له ابن يقال له الخضر، وإلياس أخوه أو كما قال فقال إلياس للملك: إنك قد كبرت، وابنك الخضر ليس يدخل في ملكك، فلو زوجته لكي يكون ولده ملكاً بعدك؛ فقال له: يا بني تزوج، فقال: لا أريد، قال: لا بد لك، قال: فزوجني، فزوجه امرأةً بكراً؛ فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء، فإن شئت عبدت الله معي وأنت في طعام الملك ونفقته، وإن شئت طلقتك؟ قالت: بل أعبد الله معك، قال: فلا تظهري سري، فإنك إن حفظت سري حفظك الله، وإن أظهرت عليه أهلكك الله؛ فكانت معه سنة لم تلد، فدعاها الملك فقال: أنت شابة وابني شاب فأين الولد وأنت من نساء ولد؟! فقالت: إنما الولد بأمر الله، ودعا الخضر فقال له: أين الولد يا بني؟ قال:

الولد بأمر الله؛ فقيل للملك: فلعل هذه المرأة عقيم لا تلد، فزوجه امرأةً قد ولدت؛ فقال للخضر: طلق هذه، قال: تفرق بيني وبينها وقد اغتبطت بها! فقال: لا بد، فطلقها، ثم زوجه ثيباً قد ولدت، فقال لها الخضر كما قال للأولى، فقالت: بل أكون معك، فلما كان الحول دعاها فقال: إنك ثيب قد ولدت قبل ابني، فأين ولدك؟ فقالت؟ هل يكون الولد إلا من بعل، وبعلي مشتغل بالعبادة، لا حاجة له في النساء؛ فغضب الملك وقال: اطلبوه، فهرب؛ فطلبه ثلاثة، فأصابه اثنان منهم، فطلب إليهما أن يطلقاه، فأبيا، وجاء الثالث فقال: لا تذهبا به، ولعله يضربه وهو ولده؛ فأطلقاه ثم جاؤوا إلى الملك، فأخبره الاثنان أنهما أخذاه، وأن الثالث أخذه منهما؛ فحبس الثالث، ثم فكر الملك فدعا الاثنين فقال: أنتما خوفتما ابني حتى هرب، فذهب فأمر بهما فقتلا؛ ودعا بالمرأة فقال لها: أنت هربت ابني وأفشيت سره، ولو كتمت عليه لأقام عندي، فقتلها، وأطلق المرأة الأولى والرجل، فذهبت المرأة فاتخذت عريشاً على باب المدينة، فكانت تحتطب وتبيعه وتتقوت بثمنه؛ فخرج رجل من المدينة فقير، فقال: بسم الله، فقالت المرأة: وأنت تعرف الله؟ قال: أنا صاحب الخضر، قالت: وأنا امرأة الخضر، فتزوجها فولدت له، وكانت ماشطة ابنة فرعون. فروي عن ابن عباس أنها بينا هي تمشط ابنة فرعون سقط المشط من يدها فقالت: سبحان ربي، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ربي ورب أبيك، فقالت: أخبر أبي؟ قالت: نعم؛ فأخبرته، فدعا بها وقال: ارجعي، فأبت، فدعا ببقرة من نحاس، وأخذ بعض ولدها فرمى به في البقرة وهي تغلي ثم قال: ترجعين؟ قالت: لا، فأخذ الولد الآخر حتى ألقى أولادها أجمعين ثم قال لها: ترجعين؟ قالت: لا، فأمر بها، قالت: إن لي حاجة، فقال: وما هي؟ قالت: إذا ألقيتني في البقرة تأمر بالبقرة أن تحمل ثم تكفأ في بيتي الذي على باب المدينة، وتنحي البقرة وتهدم البيت علينا حتى يكون قبورنا؛ فقال: نعم إن لك علينا حقاً. قال: ففعل بها ذلك.

قال ابن عباس: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مررت ليلة أسري بي فشممت رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ فقال: هذا ريح ماشطة فرعون وولدها. وعن أنس بن مالك قال: كان رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ من الليل إلى الليل، فخرجت معه ذات ليلة في بعض طرق المدينة ومعي الطهور، فسمعت صوت رجل يدعو: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو دعا بالتي تليها. قال: وفق الله على لسان الداعي الذي كان في نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم ارزقني شوق الصادقين إلى ما شوقتهم إليه. فقال: دع الطهور يا أنس، جمعتا له ورب الكعبة؛ ائت هذا الداعي فقل له: ادع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليعنه الله على ما بعثه، وادع لأمته أن يأخذوا ما آتاهم نبيهم. قال: من أرسلك؟ قال: ولم يكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي أخبره من أرسلني قال: فقلت وما عليك؟ قال: لست أدعو حتى تخبرني من أرسلك، فقلت: وما عليك؟ قال: لست أدعو حتى تخبرني من أرسلك، قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، إنه أبى حتى أخبره من أرسلني، قال: قل له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتيت فقلت له: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني، قال: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبرسوله، أنا أحق أن آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فائت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقل له: أنا أخوك الخضر، وإن الله فضلك على النبيين كما فضل رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على سائر الأمم، كما فضل الجمعة على سائر الأيام. قال: فلما وليت سمعته يقول: اللهم اجعلني من هذه الأمة المرحومة المرشدة المتاب عليها. قال محمد بن المنكدر: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على جنازة، فإذا بهاتف يهتف من خلف: لا تسبقنا بالصلاة رحمك الله؛ فانتظره حتى لحق بالصف، فكبر عمر وكبر معه الرجل، فقال الهاتف: إن تعذبه فبكثير عصاك، وإن تغفر له فهو فقير إلى رحمتك، قال: فنظر عمر وأصحابه إلى الرجل، فلما دفن الميت وسوى الرجل عليه من تراب القبر قال: طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفاً أو جابياً أو خازناً أو كاتباً أو شرطياً، فقال عمر: خذوا لي الرجل نسأله عن صلاته وكلامه هذا عمن هو؟ قال: فتوارى عنهم، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر: هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

روى محمد بن يحيى قال: بينما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يطوف بالكعبة إذا هو برجل متلعق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يغلطه السائلون، يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك؛ قال: فقال له علي: يا عبد الله، أعد دعاءك هذا، قال: وقد سمعته؟ قال: نعم؛ قال: فادع به في دبر كل صلاة، فو الذي نفس الخضر بيده، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها وحصباء الأرض وترابها، لغفر لك أسرع من طرفة عين. وفي حديث آخر بمعناه: وكان هو الخضر. وعن عطاء عن ابن عباس قال: ولا أعلمه إلا مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله، ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ". قال: وقال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الحرق والغرق والشرق وأحسبه قال: من الشيطان والسلطان، ومن الحية والعقرب. وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجتمع كل يوم عرفة بعرفات: جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر، فيقول جبريل: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله؛ فيرد عليه ميكائيل: ما شاء الله، كل نعمة من الله؛ فيرد عليه إسرافيل: ما شاء الله، الخير كله بيد الله؛ فيرد عليه الخضر: ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله. ثم يتفرقون عن هذه الكلمات، فلا يجتمعون إلى قابل في ذلك اليوم. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما من أحد يقول هذه الأربع مقالات حين يستيقظ من نومه، إلا وكل الله به أربعة من الملائكة يحفظونه؛ صاحب مقالة جبريل من بين يديه،

وصاحب مقالة ميكائيل عن يمينه، وصاحب مقالة إسرافيل عن يساره، وصاحب مقالة الخضر من خلفه إلى أن تغرب الشمس، من كل آفة وعاهة وعدو وظالم وحاسد. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما من أحد يقولها في يوم عرفة مئة مرة من قبل غروب الشمس إلا ناداه الله تعالى من فوق عرشه: أي عبدي قد أرضيتني وقد رضيت عنك، فسلني ما شئت، فبعزتي حلفت لأعطينك. وعن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل. قال أبو إسحاق المرستاني: رأيت الخضر عليه السلام، فعلمني عشر كلمات وأحصاها بيده: اللهم إني أسألك الإقبال عليك، والإصغاء إليك، والبصيرة في أمرك، والنفاذ في طاعتك، والمواظبة على إرادتك، والمبادرة في خدمتك، وحسن الأدب في معاملتك، والتسليم، والتفويض إليك. وكان الجنيد لأبي إسحاق المرستاني مؤاخياً، واسمه إبراهيم بن أحمد. قال الحجاج بن فرافصة: كان رجلان يتبايعان عند عبد الله بن عمر، فكان أحدهما يكثرالحلف، فمر عليهم رجل فقام عليهما، فقال للذي يكثر الحلف: يا عبد الله اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف؛ قال: امض لما يعنيك. قال: إن ذا مما يعنيني؛ فلما أخذ ينصرف عنهما قال: اعلم أنه من آية الإيمان أن توثر الصدق حين يضرك، على الكذب حيث ينفعك، وأن لا يكون في قولك فضل على عملك، واحذر الكذب في حديث غيرك؛ ثم انصرف. فقال عبد الله بن عمر لأحد الرجلين: الحقه فاستكتبه هؤلاء الكلمات، فقام، فأدركه فقال: أكتبني هؤلاء الكلمات رحمك الله؛ قال: ما يقدره الله من أمر يكن؛ قال: فأعادهن علي حتى حفظتهن؛ ثم مشى معه حتى إذا وضع رجله في باب المسجد فقده. قال: فكأنهم كانوا يرون أنه الخضر أو إلياس.

قال محمد بن جامع: بلغنا أن الخضر عليه السلام قال: بينما هو يساير رجلاً إذ جلسا للغداء، فإذا بينهما شاةً مشويةً لم يروا من وضعها، مما يلي الخضر قد شوي، ومما يليق الرفيق نياً لم يشو، فقال له الخضر: إنك زعمت أنك لا تنال رزقك إلا بالنصب والعناء فيه، فقم فاعن به واشوه، فأما أنا فقد كفيته، لأني زعمت أنه من يتوكل على الله كفاه، فقد كفيته. قال كرز بن وبرة: أتاني أخ لي من أهل الشام فقال لي: يا كرز، اقبل مني هذه الهدية، فإن إبراهيم التيمي حدثني قال: كنت جالساً في فناء الكعبة أسبح وأهلل، فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني، فلم أر رجلاً أحسن منه وجهاً ولا أطيب منه ريحاً، فقلت له: من أنت رحمك الله؟ فقال: أنا أخوك الخضر، جئتك لأسلم عليك وأعرفك أن من قرأ عند طلوع الشمس وانبساطها " الحمد " سبع مرات، و" قل أعوذ برب الناس " سبع مرات، و" قل أعوذ برب الفلق " سبع مرات و" قل هو الله أحد " سبع مرات، و" قل يا أيها الكافرون " سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات؛ وقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، سبع مرات؛ وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع مرات؛ واستغفر لنفسه ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات سبع مرات، حاز من الأجر ما لا يصفه الواصفون. فقلت للخضر: علمني شيئاً إن عملته رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي؛ فقال: أفعل إن شاء الله: إذا أنت صليت المغرب فواصل الصلاة إلى عشاء الآخرة، ولا تكلم أحداً، وسلم من كل ركعتين، واقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن، فإذا انصرفت إلى منزلك فصل فيه ركعتين خفيفتين، ثم ارفع يديك إلى ربك وقل: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا إله الأولين والآخرين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، يا رب يا رب يا رب، يا ألله يا ألله يا ألله؛ صل على محمد وعلى آل محمد. وافعل ذلك، وأنت مستقبل القبلة، ونم على شقك الأيمن حتى تغرق في نومك، وأنت تصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ففعلت ذلك، فذهب عني النوم من شدة الفرح، فأصبحت على تلك الحال حتى صليت الضحى؛ ثم وضعت رأسي، فذهب بي النوم؛ فأتاني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ بيدي وأجلسني، فقلت له: يا رسول الله، إن الخضر عليه السلام أخبرني بكذا وكذا؛ فقال:

صدق الخضر قالها ثلاثاً وكل ما يحكيه الخضر حق؛ وهو عالم أهل الأرض، ورأس الأبدال؛ وهو من جنود الله في الأرض. قال سفيان بن عيينة: رأيت رجل في الطواف، حسن الوجه، حسن الثياب، منيفاً على الناس. قال: فقلت في نفسي: ينبغي أن يكون عند هذا علم؛ قال: فأتيته فقلت: تعلمنا شيئاً أو أشياء؟ قال: فلم يكلمني حتى فرغ من طوافه؛ قال: فأتى المقام، فصلى خلفه ركعتين، حفف منهما، ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: وماذا قال ربنا؟ قال: أنا الملك الذي لا أزول، فهلموا إلي أجعلكم ملوكاً لا تزولون؛ ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: ماذا قال ربنا؟ قال: أنا الملك الحي الذي لا أموت، فهلموا إلي أجعلكم أحياء لا تموتون؛ ثم قال: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال: قلنا: ماذا قال ربنا؟ قال: أنا الذي إذا أردت أمراً أقول له كن فيكون؛ يعني فهلموا إلي أجعلكم إذا أردتم أمراً قلتم له كن فيكون. قال ابن عيينة: فذكرته لسفيان الثوري فقال: أما أنا فعندي أنه كان ذلك الخضر عليه السلام. ولكن لم يعقله. قال عمرو بن قيس الملائي: بينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا برجل بارز من الناس وهو يقول: من أتى الجمعة فصلى قبل الإمام، وصلى مع الإمام، كتب من الفائزين؛ ومن أتى الجمعة فصلى مع الإمام، وصلى بعد الإمام كتب من العابدين؛ ومن أتى الجمعة، فلم يصل قبل الإمام، ولا بعد الإمام، كتب من الغابرين، ثم ذهب فلم أره؛ فخرجت من الصفا أطلبه بأبطح مكة، فاحتبست عن أصحابي، فسألوني فأخبرتهم، قالوا: الخضر؟! قلت: الخضر صلى الله على نبينا وعليه السلام. قال رياح بن عبيدة: رأيت رجلاً يماشي عمر بن عبد العزيز، معتمدا على يديه؛ فقلت في نفسي: إن هذا الرجل جاف. فلما انصرف من الصلاة قلت: من الرجل الذي كان معتمداً على يدك آنفاً؟

قال: وهل رأيته يا رياح؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك إلا رجلاً صالحاً، ذاك أخي الخضر، بشرني أني سألي وأعدل. قال أبو الحسن النهاوندي الزاهد في ديار المغرب: لقي رجلاً خضراً النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم فقال له: أفضل الأعمال اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصلاة عليه، قال الخضر: وأفضل الصلوات عليه: ما كان عند نشر حديثه وإملائه، يذكر باللسان، ويكتب في الكتاب؛ ويرغب فيه شديداً، ويفرح به كثيراً، وإذا اجتمعوا لذلك حضرت ذلك المجلس معهم. قال عبد الله الملطي: كان سعيد الأدم يصلي في اليوم والليلة ألفاً ومئتي ركعة؛ وكان قطوباً عبوساً، فاتصل به عن أبي عمرو إدريس الخولاني وكان رجلاً صالحاً، حسن الخلق، ولم يكن له اجتهاد مثل سعيد الأدم في الاجتهاد والعبادة وكان الخضر يزور إدريس الخولاني؛ فجاء إليه سعيد فسأله واستشفع بذلك الخضر ليكون له صديقاً؛ قال: فقال له إدريس لما زاره: إن سعيد الأدم سألني مسألتك لتكون له صديقاً؛ وأنا أسألك أن تكون له صديقاً، وتلقاه فتسلم عليه. قال: فلقيه وهو داخل من باب البرادع، فأخذ يده بكلتا يديه وقال له: مرحباً يا أبا عثمان، كيف أنت؟ وكيف حالك؟ قال: فقال له سعيد: ما بقي إلا أن تدخل في حلقي. قال: فالتفت فلم يره؛ فعلم أنه الخضر. فكان غرضه أن صلى الغداة، وخرج سعيد يريد إلى إدريس وكان سعيد يدخل مع النجم، ويخرج مع النجم؛ فصلى الغداة وخرج إلى إدريس، فوجد الخضر قد سبقه إليه، فقال له: يا أبا عمرو، كان من حالي مع سعيد كذا وكذا، ووالله لا رآني بعدها أبداً. إن حدثت أن جبلاً زال عن موضعه فصدق، وإن حدثت عن رجل أنه زال عن خلقه فلا تصدق. قال أبو سعيد الخدري: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً طويلاً عن الدجال، فقال فيما يحدثنا: " يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة؛ فيخرج إليه يومئذ رجل هو من خير الناس أو

الخضر بن الحسين بن عبد الله

من خيرهم فيقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديثه؛ فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه؛ فيقول حين يحيا: والله، ما كنت أشد بصيرة فيك حتى الآن!. قال: فيريد قتله الثانية ولا يسلط عليه. قال معمر: بلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه. الخضر بن الحسين بن عبد الله ابن الحسين بن عبيد الله بن أحمد بن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاذ بن عبد ابن شبة بن أحمد بن عبد الله، أبو القاسم بن أبي عبد الله الأزدي الصفار حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة، أعطى الله تبارك وتعالى الرجل من أمة محمد اليهودي والنصراني فيقول: افد بهذا نفسك ". ولد يوم السبت لست بقين من شوال، سنة خمس وستين وأربع مئة؛ وتوفي في سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة. قال: وكان شيخاً سليم الصدر. الخضر بن زكريا بن إسماعيل أبو القاسم الصائغ حدث عن محمد بن يوسف بن بشر الهروي بسنده عن حذيفة قال: إن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يسألون عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن

الخضر بن شبل بن الحسين

أدركه؛ فأنكر القوم قولي. قال: قلت: قد أرى الذي في وجوهكم: أما القرآن، فقد كان الله أتاني منه علماً؛ وإني بينما أنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم قلت: يا رسول الله؛ أرأيت هذا الخير الذي أعطاناه الله، هل بعده من شر، كما كان قبله شر؟ قال: نعم. قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف. قلت: وهل للسيف من بقية؟ قال: هدنة على دخن. قلت: يا رسول الله ما بعد الهدنة؟ قال: دعاة الضلالة، فإن لقيت لله يومئذ خليفةً في الأرض فالزمه، وإن أخذ مالك وضرب ظهرك؛ وإلا فاهرب في الأرض، خذ هربك حتى يدركك الموت وأنت عاض على أصل شجرة. قلت: فما بعد دعاة الضلالة؟ قال: الدجال. قلت: فما بعد الدجال؟ قال: عيسى بن مريم. قلت: فما بعد عيسى بن مريم عليهما السلام؟ قال: ما لو أن رجلاً أنتج فرساً، لم يركب ظهرها حتى تقوم الساعة. الخضر بن شبل بن الحسين ابن عبد الواحد أبو البركات بن أبي طاهر الحارثي، الفقيه الشافعي، المعروف بابن عبد كتب كثيراً من الحديث والفقه؛ ودرس الفقه في سنة ثمان عشرة وخمس مئة؛ وأفتى، وكان سديد الفتوى، واسع المحفوظ، ثبتاً في روايته، نزه النفس، ذا مروءة ظاهرة. ووقف عليه نور الدين مدرسته التي تلي باب الفرج؛ وولي الخطابة بجامع دمشق. حدث عن أبي طاهر محمد بن الحسين بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء والإيمان في قرن واحد، فإذا سلب أحدهما أتبعه الآخر ". ولد في شعبان سنة ست وثمانين وأربع مئة.

الخضر بن عبد الله

الخضر بن عبد الله ويقال ابن عبيد الله بن الحسين بن علي بن كامل، أبو القاسم المري السمسار حدث عن أبي طالب عقيل بن عبيد الله بن عبدان الصفار بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا هم العبد بسيئة قال الله للملائكة: إن لم يعملها فلا تكتبوها، وإن عملها فاكتبوها سيئة؛ وإن العبد إذا هم بالحسنة فلم يعملها قال الله: اكتبوها حسنةً، وإن عملها قال الله تعالى: اكتبوها عشر حسنات إلى سبع مئة ". وعنه أيضاً بسنده عن مالك بن أنس قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا دخل منزله خدم نفسه، حتى إن كانت المائدة مغطاة كشفها وقدمها إليه؛ يريد بذلك أن يصيب من خدمة نفسه. توفي سنة أربع وستين وأربع مئة. الخضر بن عبد الرحمن بن علي أبو الفضائل السلمي، المعروف بابن الدواتي حدث عن أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين الثعلبي بسنده عن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً. قال: جبريل؟! قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة!. قال: فقرأ هذه الآية: " من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب؛ وأما أول طعام أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت؛ وإذا سبق ماء الرجل ماء

الخضر بن عبد الواحد

المرأة نزع الولد، فإذا سبق ماء المرأة نزعت. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وأنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني يبهتوني؛ فجاءت اليهود فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك؛ فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله؛ قالوا: شرنا وابن شرنا. فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. توفي أبو الفضائل سنة خمسين وخمس مئة. الخضر بن عبد الواحد أبو القاسم البزار حدث عن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عطية بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبو بكر. قال: فبكى أبو بكر ثم قال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله "!؟. الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى ابن جعفر بن منصور بن سوار، أبو القاسم الحراني نزيل الموصل حدث عن خيثمة بن سليمان. حدث الحافظ مصنف التاريخ عن أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن الموحد، قال: أخبرنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم بن نصر النسفي أخبرنا أبو الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الفقيه بالموصل، أخبرنا الخضر بن عبد الوهاب بن يحيى الحراني، حدثنا خيثمة بن سليمان، حدثنا

الخضر بن عبدان بن أحمد

محمد بن عوف الطائي بحمص، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا محمد بن مهاجر عن الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: رحم الله لبيداً إذ يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب فقالت عائشة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة، كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري؟ رحم الله عروة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزبيدي؟ رحم الله الزهري، كيف لو أدرك زماننا هذا؟. قال ابن مهاجر: رحم الله الزبيدي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن عوف: رحم الله ابن مهاجر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال خيثمة: رحم الله ابن عوف، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الخضر: رحم الله خيثمة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال ابن ودعان: رحم الله الخضر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال هناد: رحم الله ابن ودعان، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو الحسن: رحم الله هناداً. كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الحافظ: كذا وقع في هذه الرواية، وقد سقط منه قول عثمان بن سعيد. ورواه من طريق آخر بمثله: والترحم متصل إليه. رحمه الله. الخضر بن عبدان بن أحمد ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاد بن عبد بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الأزدي الصفار المعدل حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي بدمشق سنة ثمان وستين وثلاث مئة بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، فقال رجل: يا رسول الله ادع الله

الخضر بن علي بن الخضر

أن يجعلني منهم، فدعا له، ثم قال آخر: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة. توفي الخضر بن عبدان سنة ست وثلاثين وأربع مئة. وقيل: سنة سبع وثلاثين. الخضر بن علي بن الخضر ابن أبي هشام أبو القاسم السمسار، ويسمى أيضاً الحسين حدث عن أبي محمد عبيد الله بن الحسن بن حمزة بن أبي فخر البعلبكي العطار في شوال سنة خمس وثمانين وأربع مئة بسنده عن سالم عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يمشون أمام الجنازة. قال الشافعي رحمه الله: والحجة فيه؛ من مشي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثبت من أن يحتاج معها إلى غيرها؛ وإن في اجتماع أئمة الهدى بعده الحجة. ولد سنة خمس وسبعين وأربع مئة، ومات سنة حمس وستين وخمس مئة. وكان يترفض؛ وأصله من موالي بني أمية. الخضر بن علي بن محمد أبو القاسم الأنطاكي البزاز قدم دمشق. وحدث بها عن أبي بكر محمد بن القاسم بن الأنباري بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أمعر حاج قط ". قال ابن الأنباري: معناه، ما افتقر حاج قط؛ وأصله من قولهم: مكان معر: إذا ذهب نباته.

الخضر بن محمد بن غوث المدعو بغويث

قال: وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسن الملكة يمن، وسوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة، والصدقة تدفع القضاء السوء. الخضر بن محمد بن غوث المدعو بغويث أبو بكر التنوخي أخو الحسين بن محمد سكن عكا. حدث عن بحر بن نصر بن سابق أبي عبد الله بسنده عن زيد بن أسلم قال: أتى ابن عمر رجل فقال: بم أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بالحج. فلما كان العام القابل أتاه فقال: بم أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: أما أتيتني عام أول؟ قال: بلى، ولكن أنس بن مالك يقول: قرن. قال: إن أنس بن مالك كان يتولج على النساء وهن مكشفات الرؤوس يعني لصغره وأنا تحت ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيبني لعابها، سمعته يلبي بالحج. توفي الخضر بن غوث في سنة خمس وعشرين وثلاث مئة. الخضر بن منصور بن علي أبو القاسم الضرير المقرئ المعروف بالحبال حدث في سنة تسع وخمسين وأربع مئة بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته، أيعيد الوضوء؟ فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه ثم لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: لأن كان ذلك ما كان إلا منك قال: فسكتت. توفي سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وكان يحفظ القرآن.

الخضر بن يونس بن عبد الله

الخضر بن يونس بن عبد الله أبو القاسم حدث عن تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله الرازي بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاته أيام العشر، فإنه يصوم أيام التشريق مكانها. خضير ويقال حضير بن ربيعة السلمي كان خضير خاصاً بمعاوية؛ وله دار في دمشق. حدث عمير بن هانئ قال: قال جنادة بن أبي أمية: حدثني عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك؛ ولا تنازع الأمر أهله، إلا أن يأمروك بأمر عندك تأويله من الكتاب ". قال عمير: فحدثني خضير السلمي أنه سمع من عبادة بن الصامت يحدث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خضير: أفرأيت إن أنا أطعته؟ قال: تؤخذ بقوائمك فتلقى في النار، وليجئن هو فلينقذك. قال عمير بن هانئ: حدثني خضير الشامي قال: سمعت كعب الأحبار يخبر أنه سيكون في هذه الأمة نساء يلبسن خمراً كأجنحة اليعاسيب، يدخل من ألبسهن النار. خضير: بالخاء والضاد المعجمتين والراء.

الخطاب بن سعد الخير بن عثمان

الخطاب بن سعد الخير بن عثمان ابن يحيى بن مسلمة بن عبد الله بن قرط أبو القاسم الأزدي سكن دمشق. حدث عن محمد بن رجاء السختياني بسنده عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ليلة أسري بي مثبتاً على ساق العرش: إني أنا الله لا إله غيري، خلقت جنة عدن بيدي، محمد صفوتي من خلقي، أيدته بعلي، نصرته بعلي ". وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من غدا إلى مسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه؛ كان له كأجر حاج تاماً حجه ". الخطاب بن واثلة ويقال الخطاب بن بنت واثلة حدث واثلة بن الخطاب عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة، فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل السعة، فانطلق به فعشاه؛ فأتت علينا ليلةً لم يأتنا أحد، وأصبحنا صياماً؛ ثم أتت علينا القابلة، فلم يأتنا أحد؛ فانطلقنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرناه بالذي كان من أمرنا؛ فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها: هل عندها شيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد. قال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فاسمعوا لدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنها بيدك، لا يملكها أحد غيرك. فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، فإذا بشاة مصلية ورغيف؛ فأمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا؛ فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ذخر لنا عنده رحمته.

خفيف بن عبد الله

خفيف بن عبد الله أبو علي الدينوري الغازي سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بنم حوالة أنه قال: يا رسول الله اكتب لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك، قال: عليك بالشام ثلاثاً. فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كراهيته للشام قال: هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: يا شام يا شام، يدي عليك يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سيف نقمتي وسوط عذابي، أنت الأندر وإليك المحشر. ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض، كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة؛ قلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام؛ وبينا أنا نائم رأيت كتاباً اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض، فأتبعت بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام؛ فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله. خلف بن تميم بن مالك أبي عتاب أبو عبد الرحمن التميمي الدارمي ويقال البجلي، ويقال المخزومي مولى آل جعدة بن هبيرة. كوفي نزل المصيصة وطاف بالشام. حدث خلف بن تميم عن زائدة بسنده عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل بالشعر: ويأتيك بالأخبار من لم تزود

خلف بن سعيد بن خلف اللخمي المغربي

وحدث أيضاً عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن عباد بن يوسف بن أبي بردة أن أبا موسى قال: إنه قد كان فيكم أمانان: قوله عز وجل: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " أحسبه قال: أما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد مضى لسبيله، وأما الاستغفار فهو كائن فيكم إلى يوم القيامة. وحدث عن عبد الله بن سري عن محمد بن المنكد عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا لعنت آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال خلف بن تميم: رأيت إبراهيم بن أدهم بجبيل وسألته: مذ كم قدمت الشام؟ فقال: مذ أربع وعشرين سنة، فقلت: هنيئاً لك، مرابط ومجاهد، فقال: والله ما قدمت مرابطاً ولا مجاهداً، وإنما قدمت الشام لأشبع من خبز الحلال، تراني أحمل هذا الحطب من الجبل فأبيعه فلا يراني أحد إلا قال: فلاح أو حمال. كان خلف بن تميم ثقة، صدوقاً، عالماً، أحد النساك والمجاهدين، صحب إبراهيم بن أدهم. خلف بن سعيد بن خلف اللخمي المغربي حدث عن أبي الحسن علي بن الحسين الأزدي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض صرفت عن عمار المساجد ".

خلف بن سليمان البخاري

خلف بن سليمان البخاري سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن سليمان قال: كنت جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عصابة من أصحابه، فجاءته عصابة فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا قريب عهد بجاهلية، نصيب من الآثام والزنى، فأذن لنا في الجلوس في البيوت، نصوم ونقوم حتى يدركنا الموت. فسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى عرف البشر في وجهه، فقال: إنكم ستجندون أجناداً، ويكون لك مذمة وخراج وأرض، يمنحها الله لكم؛ فيها مدائن وقصور؛ فمن أدركه ذلك منكم، فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن، أو قصر من تلك القصور حتى يدركه الموت فليفعل. خلف بن القاسم بن سليمان أبو سعيد القيرواني المغربي قدم دمشق طالب علم. حدث عن أبي بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس وغيره بسنده عن محمد بن رمح قال: حججت مع أبي وأنا صبي لم أبلغ الحلم فنمت في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الروضة، بين القبر والمنبر، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج من القبر وهو متوكئ على أبي بكر وعمر؛ فقمت فسلمت عليهم فردوا علي السلام، فقلت: يا رسول الله؛ أين أنت ذاهب؟ قال: أقيم لمالك الصراط المستقيم. فانتبهت، وأتيت أنا وأبي، فوجدت الناس مجتمعين على مالك وقد أخرج لهم الموطأ وكان أول خروج الموطأ.

خلف بن القاسم بن سهل بن محمد

خلف بن القاسم بن سهل بن محمد ابن يونس بن الأسود أبو القاسم المعروف بابن الدباغ الأزدي القرطبي الحافظ سمع بدمشق وبغيرها، ويقال له أيضاً ابن سهلون. كان محدثاً مكثراً حافظاً. حدث عن أحمد بن يحيى بن زكريا بن الشامة بسنده عن فطيس الشيباني قال: سمعت مالكاً يقول في قول الله عز وجل: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " قال: يكتب عليه حتى الأنين في مرضه. ولد سنة خمس وعشرين، وتوفي سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة. خلف بن محمد بن علي بن حمدون أبو محمد الواسطي الحافظ حدث عن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً، فمضمض وقال: إن له دسماً. خلف بن محمد بن القاسم ابن عبد السلام بن محرز أبو القاسم العنبسي الداراني كان قاضي داريا. حدث عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي بسنده عن ابن عمر قال: " أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض جسدي وقال: يا عبد الله، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، واعدد نفسك في الموتى.

خلف بن مسعود أبو القاسم

وحدث بداريا سنة ثمان وأربع مئة عن أبي يعقوب الأذرعي أيضاً بسنده عن معاذ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا معاذ أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ". توفي سنة تسع وأربع مئة. خلف بن مسعود أبو القاسم ويقال: أبو سعيد الأنصاري الأندلسي المقرئ روى أحمد بن علي المروزي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال: ثم من؟ قال: ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويريح الناس من شره. خليد بن دعلج أبو حلبس ويقال أبو عبيد. ويقال أبو عمرو، ويقال أبو عمر السدوسي البصري سكن الموصل ثم قدم الشام فسكن بيت المقدس. حدث بدمشق. روى عن قتادة بسنده عن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو أن من أمتي شطر أهل الجنة ثم تلا: " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ". " ضعفه يحيى بن معين وغيره. قال مرزوق الموصلي: قال لي خليد بن دعلج: دع من الكلام مالك منه بد؛ فعسى إن فعلت ذلك تسلم؛ ولا أراك. توفي خليد سنة ست وستين ومئة.

خليد بن عتبة بن حماد

خليد بن عتبة بن حماد وهو خليد بن أبي خليد الحكمي. حدث عن أبيه قال: قبلت يد مالك بن أنس، فقال لي: يا أبا خليد؛ على العلم لا بأس به. الخليل بن أحمد بن محمد ابن الخليل بن موسى بن عبد الله بن عاصم بن جنك بجيم مفتوحة ونون ساكنة أبو سعيد السجزي، القاضي الحنفي سمع بدمشق وبنيسابور وبغيرهما. وقيل: إن اسمه محمد، وخليل لقب. حدث عن أبي العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي السراج بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". وحدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله: " من أكل درهماً رباً فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية. وحدث عن أبي الحسن عبد الله بن محمد الفقيه بمرو بسنده إلى أبي وهب محمد بن مزاحم قال: أول بركة العلم إعارة الكتب. توفي الخليل بن أحمد بسمرقند، وهو قاض بها سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة. الخليل بن عبد الرزاق بن الحسين ابن أبي الخليل أبو علي الثقفي حدث بدمشق في جامعها عن عبد العزيز بن أحمد بن محمد التميمي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلم الله موسى ببيت لحم.

الخليل بن عبد القهار

الخليل بن عبد القهار أبو جعفر الصيداوي روى عن هشام بن خالد بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حين خلق الله عز وجل جنة عدن خلق فيها ما لاعين رأت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون ". كان الخليل رجلاً أديباً من أهل المروءات، ما رئي في حمام قط، ولا في سوق، إلا أن يكون في جنازة، ولا رئي في ميضأة قط. وكان فصيحاً. الخليل بن منصور بن محمد أبو سعيد البستي قدم دمشق. حدث عن أبي عبد الله محمد بن حاتم الشروطي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ". الخليل بن موسى الباهلي البصري سكن دمشق. حدث عن ابن عون بسنده عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر على حجرة، فرأى فيها قوماً جلوساً يتحدثون؛ فدخل الحجرة وأرخى الستر؛ فجئت أبا طلحة، فقال: لئن كان كما تقول لينزلن الله عز وجل قرآناً؛ فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي " الآية. وحدث خليل بن موسى عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اعتمروا تزدادوا حلماً ".

الخليل بن هبة الله بن محمد

الخليل بن هبة الله بن محمد ابن الحسن بن أحمد بن الخليل أبو بكر التميمي البزاز حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بسنده عن سفيان بن أسيد الحضرمي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كبرت خيانةً أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب ". وحدث عن أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه بسنده عن الحسن أن رجلاً مر على رجل يكلم امرأة، فرأى ما لم يملك نفسه؛ فجاء بعصا فضربه حتى سالت الدماء، فشكا الرجل ما لقي إلى عمر بن الخطاب؛ فأرسل عمر إلى الرجل، فسأله؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني رأيته يكلم امرأة، فرأيت منه ما لم أملك نفسي؛ فتكلم عمر ثم قال: وأينا كان يفعل هذا؟! ثم قال للرجل: اذهب، عين من عيون الله أصابتك. وحدث في سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، عن أبي علي الحسن بن محمد بسنده عن أم قيس ابنة محصن الأسدية أخت عكاشة قالت: دخلت بابني على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أعلقت عليه من العذرة فقال: علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، يسعط به من العذرة، ويلد به من ذات الجنب.

خمار بن أحمد بن طولون

توفي أبو بكر الخليل في سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة. خمار بن أحمد بن طولون المعروف بخمارويه أبو الجيش الأمير بن الأمير، ولي إمرة دمشق ومصر والثغور بعد أبيه أحمد بن طولون. وكان جواداً ممدحاً. روي عن أحمد بن خاقان أن المستعين بالله وهب أحمد بن طولون جاريةً اسمها مياس، فولدت منه بسامره أبا الجيش خمارويه بن أحمد في المحرم سنة خمسين ومئتين. مدة ولايته على مصر اثنتا عشرة سنة وثمانية عشر يوماً. قال أحمد بن يوسف: اجتمع الحسن بن مهاجر وأحمد بن محمد الواسطي الغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لآبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فبدؤوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس، لأنه أخوه وأكبر منه سناً؛ فوجهوا إليه عدة من خواص خدم أبيه، يستحضرونه لرأي رأوه. فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه وصدروه، وأبو الجيش قاعد في صدر مجلس أبيه؛ فعزاه الواسطي وبكى وبكى الجماعة، ثم أحضر المصحف وقال الواسطي للعباس: تبايع أخاك، فقال العباس: أبو الجيش، فديته ابني، وليس يسومني هذا، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني؛ فقال الواسطي: ما أصلحتك هذه المحبة، أبو الجيش أميرك وسيدك، ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك. فلم يبايع العباس، فقام طبارجي وسعد الأيسر، فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من

الميدان، فلم يخرج منها إلا ميتاً. وبايع الناس كلهم لأبي الجيش، وأعطاهم البيعة، وأخرج مالاً عظيماً ففرقه على الأولياء وسائر الناس. وصحت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومئتين. قال أبو علي الحسين بن أحمد المادرائي: كان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون يتنزه في مرج عذراء بدمشق، وكان أبو زنبور عامل أبي الجيش. قال: فغنى له المعزفاني في الليل صوتاً أبدل فيه كلمةً؛ والصوت: قد قلت لما هاج قلبي الذكرى ... وأعرضت وسط السماء الشعرى كأنها ياقوتة في مذرى ... ما أطيب العيش بسر من را فجعله المعزفاني: ما أطيب الليل بمرج عذرا فأمر له أبو الجيش بمئة ألف دينار؛ قال أبو زنبور: فقلت: أيها الأمير، تعطي مغنياً في بدل كلمة ألف دينار وتضايق المعتضد!؟ قال: فقال لي: فكيف أعمل وقد أمرت وليس أرجع؟ فقلت له: تجعلها مئة ألف درهم، وما بقي له تقسطها في سنين يعني المائة ألف دينار حتى تصير إليه. قال أبو محمد: حدثني أبي قال: كنت مع أبي الجيش وهو في الصيد على نهر ثورا بدمشق، فانحدر من الجبل أعرابي

عليه كساء، فجاء حتى أخذ بشكيمة لجامه وهو منفرد، على يده بازي، فنفر البازي، فصاح عليه الغلمان، فقال: دعوه؛ فقال له: أيها الملك قف واسمع، فقال: قل، فقال: إن السنان وحد السيف لو نطقا ... لحدثا عنك بين الناس بالعجب أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب فالتفت أبو الجيش إلى الخادم الذي معه الخريطة فقال: فرغها؛ قال: وكان رسم الخريطة خمس مئة دينار، ففرغها في كسائه؛ فقال له: أيها الملك، زدني، قال: فالتفت إلى الغلمان فقال لهم: اطرحوا سيوفكم ومناطقكم عليه، قال: فطرحوا، قال فقال له: أيها الملك، أثقلتني! فقال: أعطوه بغلاُ يحمله عليه، قال: فلما انصرف أمرني أن أعطي كل من طرح سيفه ومنطقته عليه سيفاً ومنطقة ذهب. قال: فصنعناها لهم ودفعناها إليهم. قال محمد بن يوسف الطولوني: أراني فرهيوه كاتب ابن مهاجر ثبت ما حمل إلى الحضرة للمعتمد، وفرق في جماعة لأربع سنين أولهن سنة اثنتين وستين ومئتين وآخرهن سنة ست وستين ومئتين مما نفدت به سفاتج، ولم يظهر تفريقه، فكان في جملته ألفا ألف دينار ومئتا ألف دينار، يعني من جهة أحمد بن طولون. قال: فقلت له: أيما كان أوسع نفقةً أحمد أو أبو الجيش؟ قال: كان أبو الجيش أوسع صدراً، وأكثر نفقةً، وأحمد كان يجد في نفقته، وأبو الجيش يهزل فيها. قال إبراهيم بن محمد بن صالح الدمشقي: كان أبو الجيش كثير اللواط بالخدم، معجبا به، مجترئاً في ذلك؛ وبلغ من أمره في اللواط بهم أنه دخل مع خدم له الحمام، فأراد من واحد منهم الفاحشة، فامتنع الخادم واستحيا من الخدم الذين معه في الحمام، فأمر أبو الجيش أن يدخل في دبر الخادم يد كرنيب غليظ مدور ففعل ذلك به، فما زال الخادم يضطرب ويصيح في الحمام حتى مات. فبغضه

سائر الخدم وتبرموا به، واستقبحوا ما كان يفعله بهم، وأنفوا من ذلك؛ فاستفتوا العلماء في حد اللوطي؟ فقالوا: حده القتل. فتواطأ على قتله بعد الفتيا جماعة من خدمه فقتلوه ليلة الأحد، لليلتين بقيتا إلى عيد ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين ومئتين في قصره بدير المران خارج مدينة دمشق؛ وهربوا على طريق البرية على أن يوافوا بغداد. فخرج خلفهم طغج بن جف، فأخذهم وأدخلهم إلى دمشق مشهورين، وذهب بهم إلى طريق دير المران طريق القصر، فضرب أعناقهم وصلبهم بالقرب من قصر أبي الجيش. وقيل في قتله: إنه كان اتهم خادماً من خواص خدمه بجارية له، فهدده أن يقتله؛ فاستغوى الخادم جماعةً من الخدم الخاصة وحضهم على قتله في ليلتهم. وشرب خمارويه ذلك اليوم شرباً كثيراً، فاحتملوه وأدخلوه بيت مرقده وذبحوه في الليل ذبحاً. فأصبح أهل الدار، فلم يروا حركته ولا رأوه يقوم في وقته؛ ففتشوا عن أمره، فأصابوه مذبوحاً؛ فجاؤوا بجيش ابنه، فوقفوه عليه، وقرر الخدم فأقروا بذلك، فضرب أعناقهم وصلبهم، ودعا الجند والموالي إلى بيعته، فبايعوه، وانصرف من دمشق إلى مصر. وقال أحمد بن الخير: إن أبا الجيش حمل في تابوت من دمشق إلى مصر ودفن إلى جانب قبر أبيه أحمد بن طولون. حدث عبد الوهاب بن الحسن عن أبيه قال: لحقنا غلاء في بعض السنين، قال: فخرجت إلى حمص أشتري لأهلي قوتاً، فأتيت حمص فنزلت بها، ودخلت جامعها، فإذا رجل مؤذن قد عرفني، وأضافني عنده في المئذنة، وكانت ليلة مقمرة، فلما كان وقت السحر الأول قام يؤذن، فانتبهت فقمت، فأشرفت من المئذنة، فإذا بكلب قد أقبل إلى كلب عند المئذنة، فقام إليه فقال له: من أين جئت؟ قال: من دمشق الساعة. قال له: وما رأيت فيها؟ قال: الساعة قتل أبو الجيش بن طولون، قال: ومن قتله؟ قال: بعض غلمانه؛ فقلت للمؤذن: ألا تسمع ما أسمع؟ قال نعم! فورخت ذلك اليوم ثم سرت إلى دمشق، فوجدت الخبر صحيحا وأنه قتل في تلك الساعة التي حدث بها الكلب.

خوبلد بن خالد بن محرث بن أسد

وقيل: إن أبا الجيش دفن بحوران قريباً من قبر أبي عبيد البسري، وإنه رئي بعد ذلك في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني، فقيل له: بماذا؟ قال: عادت علي بركة مجاورة قبر أبي عبيد البسري. خوبلد بن خالد بن محرث بن أسد ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر أبو ذؤيب الهذلي شاعر مجيد مخضرم، أدرك الجاهلية؛ وقدم المدينة عند وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم وحسن إسلامه؛ وغزا الروم في خلافة عمر بن الخطاب؛ ومات ببلاد الروم. وكان أشعر هذيل، وكان هذيل أشعر أحياء العرب. حدث أبو ذؤيب الشاعر قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليل، وقع ذلك إلينا عن رجل من الحي قدم مغتماً، فأوجس أهل الحي خيفةً وأشعرنا حزناً؛ فبت بليلة باتت النجوم طويلة الإباء، لا ينجاب ديجورها، ولا يطلع نورها؛ فظلت أقاسي طولها وأقارن غولها، حتى إذا كان دوين السفر وقرب السحر خفت، فهتف الهاتف وهو يقول: خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام قبض النبي محمد فعيوننا ... تذري الدموع عليه بالتسجام

قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعاً؛ فنظرت إلى السماء، فلم أر إلا سعد الذابح، فتفائلت به ذبحاً يقع في العرب، وعلمت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قبض، أو هو ميت. فركبت ناقتي وسرت؛ فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجره، فعن لي شيهم يعني القنفذ قد قبض على صل يعني الحية فهو يلتوي عليه والشيهم يقضمه حتى أكله، فزجرت ذلك وقلت: تلوي الصل انفتال الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثم أولت أكل الشيهم إياه غلبة القائم على الأمر؛ فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالعالية زجرت الطائر، فأخبرني بوفاته؛ ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك؛ فتعوذت من شر ما عن لي في طريقي، وقدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقيل: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فجئت إلى المسجد فوجدته خالياً، فأتيت بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبته مرتجاً وقد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟ فقيل لي: هم في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار، فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالماً وجماعةً من قريش. ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة، ومعهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب وملأ منهم، فأويت إلى قريش؛ وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطب وأكثروا الصواب، وتكلم أبو بكر، فلله من رجل! لا يطيل الكلام، ويعلم مواضع فصل الخصام. والله لتكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاذ له، ومال إليه؛ ثم تكلم بعده عمر بدون كلامه، ومد يده فبايعه؛ ورجع أبو بكر، ورجعت معه. قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت دفنه؛ ولقد بايع الناس من أبي بكر رجلاً خل قداماها ولم يركب ذناباها. ورثى أبو ذؤيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبيات.

أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب لآبي ذؤيب الهذلي يرثي بنين له ماتوا: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع فالعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع حتى كأني للحوادث مروة ... بصفا المشرق كل يوم تقرع والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع المشرق: نحو مسجد الخيف. والمرو: الحجارة قال الأصمعي: أبرع بيت قالته العرب بيت أبو ذؤيب: النفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع وأحسن ما قيل في الاستعفاف: من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب وأحسن ما قيل في حفظ المال قول المتلمس: قليل المال تصلحه فيبقى ... ولا يبقى الكثير مع الفساد وأحسن ما قيل في الكبر: أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما

وأحسن مرثية قول أوس بن حجر الكندي: أيتها النفس أجملي جزعا ... إن الذي تحذرين قد وقعا خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له أبو عبيد حتى قدموا على عمر بن الخطاب فقال له: أي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال: إيمان بالله ورسوله؛ قال: قد فعلت فأيه أفضل بعده؟ قال: الجهاد في سبيل الله؛ قال: ذلك كان عملي، فلا أرجو جنة ولا أخاف ناراً؛ ثم خرج فغزا الروم مع المسلمين. فلما قفلوا أخذه الموت، فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلفا عليه جميعاً، فمنعهما صاحب الساقة وقال: ليتخلف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول. فاتكلا بينهما من يتخلف عليه، فقال لهما أبو ذؤيب: اقترعا، فطارت القرعة لأبي عبيد، فتخلف عليه ومضى ابنه مع الناس. فكان ابن أخيه يحدث قال: قال لي أبو ذؤيب: يا أبا عبيد احفر ذلك الجرف برمحك، ثم اعضد من الشجر بسيفك، واجررني إلى هذا النهر، فإنك لا تفرغ حتى أفرغ، فاغسلني وكفني بكفني، ثم اجعلني في حفرتك، وانثل علي الجرف برمحك، وألق علي الغصون والحجارة؛ ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة تراها في الأفق إذا أمسيت كأنها جهامة. قال: فما أخطأ مما قال شيئاً، ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش. وقال وهو يجود بنفسه: أبا عبيد وقع الكتاب ... واقترب الموعود والحساب وعند رحلي جمل نجاب ... أحمر في حاركه انصباب ثم مضيت حتى لحقت الناس. فكان يقال: إن أهل الإسلام أبعدوا الأثرة في بلاد الروم؛ فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعلم للمسلمين. وقيل: إنه مات بغزوة إفريقية.

خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب

خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي شاعر وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني متظلماً. كان الحارث بن أبي شمر الغساني إذا أعجبته امرأة من قيس بعث إليها فاغتصبها نفسها؛ فبعث إلى الزاهرية بنت خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، فاغتصبها، فأتاه أبوها فقال في ذلك: يا أيها الملك المخوف أما ترى ... ليلاً وصبحاً كيف يختلفان هل تستطيع الشمس أن تأتي بها ... ليلاً وهل لك بالمليك يدان واعلم وأيقن أن ملكك زائل ... واعلم بأن كما تدين تدان فقال الحارث: من هذا؟ قالوا: الكلابي المغتصب ابنته! فتذمم وخاف العقوبة، فردها وأعطاه ثلاث مئة بعير. خلاد بن محمد بن هانئ بن واقد أبو يزيد الأسدي الخناصري من أهل خناصرة. روى عن أبيه محمد بن هانئ بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أفضل الهدية أو أفضل العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد، ثم يتعلمها ثم يعلمها أخاه، خير له من عبادة سنة على نيتها ". وعنه أيضاً بسنده عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من احتكر طعاماً على أمتي أربعين يوماً وتصدق به لم يقبل منه "

خيار بن أوفى

خيار بن أوفى ويقال ابن أبي أوفى النهدي شاعر مجيد. قال عيسى بن يزيد: دخل خيار بن أوفى النهدي على معاوية فقال: ما صنع بك الدهر؟ قال: ضعضع قناتي، وشتت سراتي، وجرأ علي عداتي. قال: فأنشدني ما قلت في الخمر والنهي عنها؟ فقال: أنهد بن زيد ليس في الخمر رفعة ... فلا تقربوها إنني غير فاعل فإني وجدت الخمر شيناً ولم يزل ... أخو الخمر حلالاً شرار المنازل فكم قد رأينا من فتىً ذي جهالة ... صحا بعد أزمان وطول تجاهل ومن سيد قد قنعته خزاية ... فعاد ذليلاً ضحكة في المحافل فلله أقوام تمادوا بشربها ... فأضحوا وهم أحدوثة في القوافل فقال معاوية: صدقت والله، لكم من سيد أدمنها فتركته ضحكة وأحدوثةً، ومن ذي رغبة فيها قد صحا عنها فصار سيد قومه وعزهم، والله ما وضع شيء قط الرجل كما وضعه الشراب، والله لهي الداء العياء؛ وما رأيت كذي عقل شربها أو رأى من شربها فعاد لشربها وقد علم ما فيها من العار والشنار؛ وإنها لهي الداعية إلى كل سوأة، والحاملة على كل بلية، والمحسنة لكل قبيح، وما هي بأكرومة، وما يريد الله بها خيراً؛ وإنها لتورث الفقر والفاقة، وتحمل على العظيمة، وتزري بالكريم.

خيار بن رياح بن عبيدة البصري

خيار بن رياح بن عبيدة البصري كان في صحابة عمر بن عبد العزيز. قال الخيار: كنت في مجلس فجاءنا عمر بن عبد العزيز قال: وذلك قبل أن يستخلف فقعد ولم يسلم، قال: فذكر، فقام فسلم ثم قعد. روي أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أتى إلى أبيه وهو خليفة يستكسي أباه فقال: يا أبه اكسني، فقال: اذهب إلى الخيار بن رياح البصري، فإن عنده ثياباً فخذ منها ما بدا لك. قال: فذهب إلى الخيار بن رياح فقال: إني استكسيت أبي فأرسلني إليك وقال: إن لي عند الخيار ثياباً، فقال: صدق أمير المؤمنين؛ فأخرج إليه ثياباً سنبلانيةً أو قطرية، فقال: هذا مالأمير المؤمنين عندي فخذ منها ما بدا لك. قال عبد الله بن عمر: ما هذا من ثيابي ولا من ثياب قومي فقال: هذا مالأمير المؤمنين عندي. فرجع عبد الله بن عمر إلى أبيه عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبتاه، استكسيتك فأرسلتني إلى الخيار بن رياح، فأخرج لي ثياباً ليست من ثيابي ولا من ثياب قومي، قال: فذاك ما لنا عند الرجل؛ فانصرف عبد الله بن عمر، حتى إذا كاد أن يخرج ناداه فقال: هل لك أن أسلفك من عطائك مئة درهم؟ قال: نعم يا أبتاه؛ فأسلفه مئة درهم. فلما خرج عطاؤه حوسب بها فأخذت منه.

خيثمة بن سليمان بن حيدرة

خيثمة بن سليمان بن حيدرة ويقال خيثمة بن سليمان ابن الحر بن حيدرة بن سليمان أبو الحسن القرشي الأطرابلسي ففي نسبه اختلاف. أحد الثقات المكثرين الرحالين في طلب الحديث. سمع بالشام واليمن وبغداد والكوفة وواسط. حدث أبو الحسن خيثمة في المسجد الجامع بدمشق سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة عن يحيى بن أبي طالب بسنده عن عبد الله بن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رجلاً في الجاهلية جعل يفتخر وعليه حلة قد لبسها، فأمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ". قال خيثمة: كنت في البحر وقصدت جبلة، أسمع من يوسف بن بحر؛ وخرجت منها أريد أنطاكية لأسمع من يوسف بن سعيد بن المسلم، فلقينا مركب من مراكب العدو، فقاتلناهم، وكنت ممن قاتل، فسلم المركب قوم من مقدمه؛ فأخذوني فضربوني ضرباً وجيعاً، وكتبوا أسماء الأسرى، فقالوا لي: اسمك؟ قلت: خيثمة. قالوا: ابن من؟ قلت: ابن حيدرة، فقالوا: اكتب حمار ابن حمار. قال: فلما ضربوني سكرت ونمت، فرأيت في النوم كأني في الآخرة، وكأني أنظر إلى الجنة، وعلى بابها من الحور العين جماعة يتلاعبن، فقالت إحداهن لي: يا شقي، أيش فاتك، فقالت الأخرى: أيش فاته؟ قالت: لو كان قتل مع أصحابه كان في الجنة مع الحور العين؛ فقالت لها الأخرى: يا فلانة؛ لأن يرزقه الله الشهادة في عز من الإسلام وذل من الشرك خير من أن يرزقه شهادة في ذل الإسلام وعز من الشرك. ثم انتبهت وجعلت في الأسرى، فرأيت في بعض الليالي في منامي كأن قائلاً يقول لي: اقرأ " براءة مكن الله ورسوله " فقرأتها إلى

خيران بن العلاء

أن بلغت " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر " وقال: وانتبهت، فعددت من ليلة الرؤيا أربعة أشهر ففك الله أسري. ولد خيثمة سنة سبع وعشرين ومئتين، وقيل: سنة سبع عشرة. وتوفي سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة. خيران بن العلاء أبو بكر الكلبي الكيساني الأصم من أهل دمشق. حدث عن الأوزاعي عن مكحول قال: سمعت واثلة بن الأسقع الليثي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول من يلحقني من أهلي أنت يا فاطمة، وأول من يلحقني من أزواجي زينب، وهي أطولهن كفاً. قال: وكانت زينب من أعمد الناس لقبال أو شسع، أو قربة أو إداوة، وتفتل وتحمل وتعطي في سبيل الله. فلذلك قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطولكن كفاً. وحدث عن زهير بن محمد عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء، فإن منه يكون الخرس والفأفاء ". وحدث خيران الكلبي أيضاً عن الأوزاعي عن سليمان بن حبيب عن ابن عمر قال: لو أدخلت إصبعي في الخمر ما أحببت أن تتبعني. وفي موضع آخر قال: قال عمر بن عبد العزيز.

خير بن عرفة بن عبد الله

خير بن عرفة بن عبد الله ابن كامل أبو طاهر المصري مولى الأنصار سمع بدمشق وغيرها. حدث عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده عن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تعالى: ابن آدم؛ لا تعجزني من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره ". وحدث عن عروة بن مروان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة. وحدث أيضاً عن حيوة بن شريح الحمصي بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله عز وجل: إني والجن والإنس في نبإ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري ". توفي خير بن عرفة سنة ثلاث وثمانين ومئتين. وكان قد أسن.

أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة

أسماء النساء على حرف الخاء المعجمة خديجة بنت علي بن إبراهيم ابن يوسف الشقيقي البصرية أخت أبي الحسن محمد بن علي. حدثت بدمشق. روت عن أبيها بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اطلبوا الخير عند صباح الوجوه ". وأنشد خيثمة: أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من صباح الوجوه خصيلة بنت واثلة بن الأسقع كانت تسكن بيت المقدس. حدثت خصيلة قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من الكبائر أن تقول للرجل علي ما لم أقل ". وعن خصيلة بنت واثلة قالت: دعاني أبي واثلة يوماً فقال: يا خصيلة، ادني مني، فدنوت منه، فقال: أدني مني يدك اليمنى؛ فثنى إصبعي الخنصر، ثم قال لي: عليك بالصبر؛ ثم ثنى التي تليها

خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى

ثم قال: عليك بالصبر؛ ثم ثنى التي تليها ثم قال: عليك بالصبر؛ حتى ثنى الخمس ثم قال: أدني مني يدك الأخرى؛ ففعل مثل ذلك، ثم جمع يدي جميعاً وقال: يا خصيلة، فعلت بك كما فعل بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلت لك كما قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. خيرة بنت أبي حدرد أم الدرداء الكبرى الأسلمية زوج أبي الدرداء لها صحبة. وروت عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدثت أم الدرداء انها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين صباحاً، فإن مات مات كافراً ". وحدثت أم الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيها يوماً فقال: من أين جئت يا أم الدرداء؟ فقالت: من الحمام، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله ". وفي حديث آخر بمعناه: إلا هتكت كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل. قال ميمون بن مهران: سألت أم الدرداء: أهل سمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً؟ قالت: نعم، سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن. قال الحافظ: هذا الحديث وهم، فإن أم الدرداء الكبرى توفيت في حياة أبي الدرداء؛ وميمون بن مهران ولد عام الجماعة سنة أربعين؛ وإنما يروى عن أم الدرداء الصغرى، ولم تسمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً؛ وهذا الحديث محفوظ عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسماء الرجال على

حرف الدال المهملة

حرف الدال المهملة دارا بن منصور بن دارا بن العلاء ابن أحمد بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن عيسى بن يزدجرد بن شهريار، أبو الفتح الفارسي ورد دمشق صحبة نور الدين رحمه الله، وكان يكتب له بالعربي والعجمي، وكان جده دارا كاتباً للسلطان أبي الفتح ملك شاه؛ ثم ترك الكتابة وانقطع في منزله، وقال يصف حاله: قالت أميمة إذ رأت من عطلتي ... ما استكثرته وحق ذا من شاني: أنبا بك الديوان أم بك نبوة ... عنه فتقعد خارج الديوان؟ إذ أنت من شهد اليراعة أنه ... في حلبتيها فارس الفرسان أو كنت من أفنى ثميلة عمره ... وشبابه في خدمة السلطان ولكم مقام قمت فيه ومجلس ... رفعت فيه إلى أعز مكان وكتابة سيرت من إيرادها ... ما سيرته البرد في البلدان فلم اطرحت ولم جفتك عصابة ... لهم بحقك أصدق العرفان؟ فأجبتها إن الأحاجي لم تزل ... مقدورةً لرجال كل زمان إن لم أنل فيهم كفاء فضيلتي ... فالفضل ينطق لي بكل لسان ولو أن نفسي طاوعتني لم أكن ... في نيل أسباب الغنى بالواني ولربما لحق الجواهر بذلة ... من بعد ما رصعن في التيجان

داود بن إيشا بن عوبد بن باعز

داود بن إيشا بن عوبد بن باعز ابن سلمون بن نحشون بن عونبارب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويقال: داود بن زكريا بن بشوى نبي الله وخليفته في أرضه، من أهل بيت المقدس. روي أنه جاء إلى ناحية دمشق، وقتل جالوت عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر. حدث سعيد بن عبد العزيز، قال: في قول الله عز وجل: " إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني " قال: هو النهر الذي عند قنطرة أم حكيم بنت الحارث بن هشام. وقال سعيد بن عبد العزيز: وقيل: غسل يحيى لعيسى عليهما السلام. كان سبب ما أراد الله عز وجل من الخير والكرامة بداود انه كان داود مع أربعة إخوة له، وكان أبوهم شيخاً كبيراً، فخرج إخوة داود مع طالوت وتخلف أبوهم، وأمسك داود يرعى غنماً له، وقد تقارب الناس للقتال، ودنا بعضهم من بعض؛ وكان داود رجلاً قصيراً، أزرق، أزعر قليل شعر الرأس طاهر القلب؛ فبينما هو في غنمه يرعاها إذ أتاه نداء: يا داود، انت قاتل جالوت فما تصنع هاهنا؟! استودع غنمك ربك عز وجل والحق بإخوتك، فإن طالوت قد جعل لمن يقتل جالوت نصف ماله، ويزوجه ابنته. قال: فاستودع غنمه ربه، وخرج حتى أتاه؛ فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت ألحق بإخوتي فأنظر ما حالهم وكره أن يخبر أباه ما سمع، وقيل إن أباه اتخذ لإخوته زاداً فقال له:

يا بني، انطلق إلى إخوتك بما لهم يتقوون به على عدوهم، فادفعه إليهم وانظر ما حالهم، وعجل الاتصراف إلي وإلى ضيعتك. وروي عن جماعة علماء أن داود خرج ومعه زاد لإخوته، ومعه عصاه ومخلاته ومرجمته، وهي القذافة، وهي المقلاع الذي يرمي به السباع عن غنمه. قال: فبينا هو يمشي إذ ناداه حجر فقال: يا داود، احملني أقتل لك جالوت. قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إبراهيم الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله، فجعله في مخلاته ثم مضى؛ فناداه حجر آخر فقال: يا داود، احملني؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إسحاق الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله وجعله في مخلاته ثم مضى؛ فإذا هو بحجر آخر فقال: يا داود، احملني معك؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر يعقوب، أنا أقتل جالوت بإذن الله عز وجل؛ فقال له داود: كيف تقتله؟ قال: أستعين بالريح، فتلقي بيضته، وأصيب جبهته فأنفذها منه فأقتله؛ فحمله وجهله في مخلاته. قال وهب بن منبه: لما تقدم داود أدخل يده في مخلاته فإذا تلك الحجارة الثلاثة صارت حجراً واحداً. قال: فأخرجه فوضعه في مقلاعه؛ فأوحى الله إلى الملائكة أن أعينوا عبدي داود وانصروه. قال: فتقدم داود وكبر؛ قال: فأجابه الخلق غير الثقلين؛ الملائكة وحملة العرش فمن دونهم؛ فسمع جالوت وجنده شيئاً ظنوا أن الله عز وجل قد حشر عليهم أهل الدنيا؛ وهبت ريح وأظلمت عليهم، وألقت بيضة جالوت، وقذف داود الحجر في مقلاعه، ثم أرسله، فصار الحجر ثلاثة، فأصاب أحدهم جبهة جالوت، فنفذ هامته فألقاه قتيلاً، وذهب الحجر الآخر فأصاب ميمنة جند جالوت فهزمهم، والثالث أصاب الميسرة فهزمهم؛ وظنوا أن الجبال قد خرت عليهم، فولوا مدبرين، وقتل بعضهم بعضاً؛ ومنح الله عز وجل بني إسرائيل أكتافهم حتى أبادهم. وانصرف طالوت ببني إسرائيل مظفراً، قد نصرهم الله عز وجل على عدوهم. فزوج ابنته من داود عليه السلام، وقاسمه نصف ماله. روي عن عبدة بن حزن النصري قال: تفاخرعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال أصحاب الإبل: وما

أنتم يا رعاة الشاء، هل تحيون شيئاً أو تصيدونه؟! ما هي إلا شويهات أحدكم، يرعاها ثم يروحها.. حتى أصمتوهم. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث داود وهو راعي غنم، وبعث موسى وهو راعي غنم، وبعثت أنا وأنا أرعى غنم أهلي بأجياد. فغلبهم أصحاب الغنم. وفي حديث آخر بمعناه: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث موسى راعي غنم، وبعثت أنا راعي غنم بأجياد. فغلبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأربع وعشرين من رمضان. وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أسجد في ص؟ فتلا هذه الآية: " ومن ذريته داود وسليمان " إلى قوله: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده "؟ قال: كان داود ممن أمر نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتدي به. وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " حقاً لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً صمصامةً، كثير التفكير، حسن الظن؛ أحب الله فأحبه، وضمن عليه بالحكمة. كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفةً في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فانتبه، فأجاب الصوت فقال: إن يخيرني ربي قبلت، فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء. فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، ينجو ويعان

وبالحري أن ينجو؛ وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة؛ ومن يكن في الدنيا ذليلاً حرم أن يكون شريفاً؛ ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب ملك الآخرة. قال: فعجبت الملائكة من حسن منطقه. فنام نومةً، فغط بالحكمة غطاً، فانتبه فتكلم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط شرط لقمان؛ فهوى في الخطيئة غير مرة، وكل ذلك يصفح الله ويتجاوز ويغفر له. وكان لقمان يؤازره بالحكمة وعلمه؛ فقال له داود: طوبى لك يا لقمان. أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية. وأوتي داود الخلافة وابتلي بالرزية أو الفتنة ". وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان داود يقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك؛ اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر. وعن أنس بن مالك أن رجلاُ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير الناس. قال: ذاك إبراهيم. قال: يا أعبد الناس. قال: ذاك داود. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم الدهر؟ قال: لا، قلت: أفأصوم يومين وأفطر يوماً؟ قال: لا. قال: فجعلت أناقصه حتى قال لي: صم صوم داود، فإنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير الصيام صيام داود، كان يصوم نصف الدهر؛ وخير الصلاة صلاة داود، كان يرقد نصف الليل الأول، ويصلي آخر الليل، حتى إذا بقي سدس الليل رقده ". وعن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الله بن عمرو، إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل، إنك إذا فعلت ذلك هجمت

له العين ونفهت له النفس. لا صام من صام الأبد؛ صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال: صم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى ". وفي حديث آخر بمعناه: فإنه أعدل الصيام عند الله عز وجل. وقال: هذا هو الصحيح في صومه. وقد روي عن علي قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يصوم يوماً ويفطر يومين: يوماً لقضائه ويوماً لنسائه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خفف على داود القرآن؛ فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته؛ وكان لا يأكل إلا من عمل يده. قال سفيان: سألت الأعمش عن قوله " وألنا له الحديد "؟ قال: مثل الخيوط. وعن ابن أبي نجيح: في قوله: " وقدر في السرد "؟ قال: لا يدق المسمار فيسلس في الحلقة، ولا يجله فيفصمها، واجعله قدراً.

وعن قتادة: " وعلمناه صنعة لبوس لكم " قال: كانت صفائح، وأول من سردها وحلقها داود. قال وهب بن منبه: أقام داود عليه السلام صدراً من زمانه على عبادة ربه، ورحمته للمساكين، وكان قل يوم إلا وهو يخرج متنكراً لا يعرف، فإذا لقي القدام ساءلهم عن مقدمهم ثم يقول: أرأيتم داود النبي كيف حاله هو لأمته، ومن هو بين ظهريه، وهل ينقمون من أمره شيئاً؟ فيقولون: لا، هو خير خلق الله عز وجل لنفسه ولأمته؛ حتى بعث الله ملكاً في صورة رجل قادم، فلقيه داود، فسأله كما كان يسأل غيره؟ فقال: هو خير الناس لنفسه وأمته، إلا أن فيه خصلةً لو لم تكن فيه، كان كاملاً!. قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين؛ فعند ذلك نصب داود إلى ربه عز وجل في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني عياله، فألان الله عز وجل له الحديد وعلمه صنعة الدروع؛ فعمل الدرع وهو أول من عملها. فقال الله عز وجل: " أن اعمل سابغات وقدر في السرد " يعني المسامير في الحلق. قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عملة درع باعها، فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها. وقال: إن الله عز وجل أعطى داود شيئاً لم يعطه غيره، من حسن الصوت من خلقه؛ إنه كان إذا قرأ الزبور يسمع الوحش إليه حتى تؤخذ بأعناقها وما تنفر. وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته. وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير. وكان قد أعطي سبعين مزموراً في حلقه. وعن عروة قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يخطب الناس وهو نبي، وهو يعمل قفةً من خوص، ويقول لبعض من يليه: اذهب فبعها.

وعن أبي الزاهرية قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعمل القفاف فيبيعها ويأكل ثمنها. وكان موسعاً عليه. وعن الزهري: " أوبي معه " قال: سبحي معه. قال ثابت: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، ولم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، فعمهم الله في هذه الآية: " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ". قال مسعر: لما قيل لهم: " اعملوا آل داود شكراً " لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم مصل. وقال ابن شهاب: في قوله عز وجل: " اعملوا آل داود شكراً " قال: قولوا: الحمد لله. قال ثابت البناتي: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع ثم يرفع رأسه، ثم يقول: إليك رفعت رأسي يا عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء. قال وهيب بن الورد: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جعل الليل عليه وعلى أهل بيته دولاً، لا تمر ساعةً من ليل إلا وفي بيته لله ساجد وذاكر، فلما كان نوبة داود قام يصلي لنوبته، فكأنه دخل قلبه مما هو وأهل بيته من العبادة؛ فاطلع الله على قلبه وعجبه مما هو فيه وأهل بيته من العبادة، وكان بين يديه نهر، فأنطق الله ضفدعاً من ذاك النهر فنادته فقالت: يا داود، ما يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك من العبادة؟ فوا لذي أكرمك بالنبوة، إني لقائمة لله على رجل ما استراحت أوداجي من تسبيحه منذ خلقني الله إلى هذه الساعة، فما

الذي يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك؟ قال: فتصاغر إلى داود ما هو فيه وأهل بيته من العبادة. وعن سفيان: في قوله تعالى: " واذكر عبدنا داود ذا الأيد " ذا القوة في أمر الله، والنصرة في أمر الله والبصيرة. قال صدقة بن يسار: كان داود في محرابه، فأبصر دودةً صغيرة، قال: ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله عز وجل بخلق هذهّ قال: فأنطقها الله عز وجل فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك؟ لأنا على قدر ما آتاني الله عز وجل أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله. قال الله عز وجل " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ". قال أنس بن مالك: إن داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم ظن في نفسه أن أحداً لم يمدح خالقه أفضل ما مدحه، وأن ملكاً نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جنبه، فقال: يا داود، افهم إلى ما تصوت الضفادع؛ فأنصت داود، فإذا الضفدع تمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود؛ فقال له الملك: كيف ترى يا داود؟ فهمت ما قالت؟ قال: نعم، قال: ماذا قالت؟ قال: قالت سبحانك وبحمدك، منتهى علمك يا رب. قال داود: لا، والذي جعلني نبيه إني لم أمدحه بهذا. وعن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود: هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟! فأوحى الله إليه: نعم، الضفدع؛ وأنزل الله عليه " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ".

قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي؟! ثم قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمةً بعد نعمة؟! فالنعمة منك يا رب، والشكر منك، فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتني يا داود حق معرفتي. وعن ثابت وغيره قال: أمسى داود عليه السلام صائماً، فلما كان عند إفطاره، أتي بشربة لبن، فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ قالوا: من شاتنا، قال: ومن أين ثمنها؟ قالوا: يا نبي الله، من أين يسأل؛ قال: إنا معاشر الرسل أمرنا أن نأكل من الطيبات ونعمل صالحاً. وعن سعيد المقبري، عن أبيه قال: قال داود: يا رب! قد أنعمت علي كثيراً، فدلني على أن أشكرك كثيراً؛ قال: اذكرني كثيراً، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني. وعن أبي الجلد قال: قرأت في مسلة داود عليه السلام أنه قال: أي رب، كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال: فأتاه الوحي أن يا داود، أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً. وعن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن داود عليه السلام كان يقول: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء، ومستخرج الدعاء بالبلاء. وعن الحسن قال: قال داود: إلهي، لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار ما قضيا نعمةً من نعمك. قال أبو المنذر: قال داود عليه السلام لما أصاب الذنب وتاب الله عليه: اللهم، ألهمني شكراً يرضيك

عني؛ قال: فألهم داود أن قل: الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لكرم وجهك وعز جلالك. فجعل يقولها، فنودي من السماء: يا داود، أتعبت الكتبة. وعن عبد الله بن عامر قال: أعطي داود صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط حتى إن كان الطير والوحش لتعكف حوله عتى تموت عطشاً وجوعاً، وإن الآنهار لتقف. قال وهب بن منبه: كان داود إذا قرأ القرآن لم يسمعه شيء إلا حجل كهيئة الرقص. قال ابن عائشة: كان لداود صوت يطرب المحموم، ويسلي الثكلى، وتصغي له الوحش، حتى تؤخذ بأعناقها وما تشعر. وعن وهب بن منبه: إن بدئ ما صنعت المزامير والبرابط والصنوج، على صوت داود؛ كان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله قط، فتعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته حتى يهلك بعضها جوعاً؛ فخرج إبليس مذعوراً لما رأى من استئناس الناس والدواب بصوت داود بالزبور، فدعى عفاريته فقال: ما هذا الذي هدأكم فيمن أنتم بين ظهريه؟؟؟! قالوا: مرنا بما أحببت، قال: فإنه لا يصرفهم عنه إلا ما يشبه ما يسمعون منه؛ فعند ذلك احتفروا المزامير والبرابط، واتخذوا الصنوج على أصناف صوته. فلما سمع ذاك غواة الناس والجن انصرفوا إليهم، وانصرفت الدواب والطير أيضاً، وقام داود في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر الله، نبياً حكيماً عابداً مجتهداً. وكان أشد الأنبياء اجتهاداً وأكثرهم بكاءً حتى عرض له من فتنة تلك المرأة ما عرض، وكان له محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور، ولصلاته إذا صلى؛ وكان أسفل منه بستان لرجل من بني إسرائيل يقال له أوريا بن صورى، وكانت امرأته سابع بنت حنانا التي أصاب داود عليه السلام منها ما أصاب.

قال مالك: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أخذ في قراءة الزبور تفنقت العذارى. قال ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء؟ قال: وما بذلك بأس، سمعت عبيد بن عمير يقول: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ المعزفة فيضرب بها ويقرأ عليها، يرد عليه صوته يريد بذلك يبكي ويبكي. قال أبو موسى الأشعري: داود أول من قال: أما بعد. وهو " فصل الخطاب " وعن قتادة: في قوله: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. وعن شريح: الأيمان والشهود. وعن أبي عبد الرحمن السلمي: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم أمر بالقضاء، فقطع به، فأوحى الله عز وجل إليه أن استحلفهم باسمي وسلهم بالبينات. قال: فذاك " فصل الخطاب " وعن ابن عباس: أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود فقال: إن هذا غصبني بقراً لي، فسأل داود الرجل عن ذلك، فجحده، فسأل الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده. فأوحى الله عز وجل إلى داود في منامه أن يقتل الرجل الذي استعدي عليه؛ فقال: هذه رؤيا، ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى الله إليه في منامه أن يقتله، فلم يفعل؛ فأوحى الله إليه في الثالثة أن

يفعل أو تأتيه العقوبة. فأرسل داود إليه، فقال له: إن الله أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: تقتلني بغير بينة؟! قال داود: نعم، والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال: لا تعجل علي أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت أبا هذا فقتلته، فبذلك أخذت؛ فأمر به داود فقتل. فاشتدت هيبة بني إسرائيل لداود عند ذلك، وشدد به ملكه؛ وهو قوله: " وشددنا ملكه ". وعن وهب بن منبه قال: لما كثر الشر في بني إسرائيل وشهادات الزورأعطى الله داود سلسلةً لفصل الخطاب؛ وكانت سلسلةً من ذهب، معلقةً من السماء إلى الأرض بحيال الصخرة إلى بيت المقدس؛ فإذا تشاجر اثنان في شيء قال لهما داود: اذهبا إلى السلسلة؛ فكان أولاهما بالعدل ينالها وإن كان قصيراً. قال: فاستودع رجل رجلاً لؤلؤةً لها خطر، ثم ابتغاها منه، فقال له: رددتها عليك؛ فاستعدى عليه، فانطلق المستعدى عليه فثقف عصاً فجعل فيها اللؤلؤة ثم قبض على العصا وغدا معه إلى داود؛ فقال داود: اذهبا إلى السلسلة، فذهبا، فجاء صاحب اللؤلؤة فقال: اللهم إن كنت تعلم أني استودعت هذا لؤلؤة فلم يردها علي، فأسألك أن أنالها؛ فنال السلسلة. وقال الآخر: كما أنت حتى أدعو أنا أيضاً، أمسك عصاي هذه، فدفعها إليه، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني دفعت إليه لؤلؤته فأسألك أن أنالها، فنالها. فقال داود: ما هذا!؟ ينالها الظلوم والمظلوم؟! فأوحى الله إلى داود: أن اللؤلؤة في العصا؛ فارتفعت السلسلة. وعن وهب: أن داود أراد أن يعلم عدة بني إسرائيل كم هي؟ فبعث لذلك نقباء وعرفاء، وأمرهم أن يدفعوا إليه ما بلغ عددهم؛ فعتب الله عليه ذلك وقال: قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء، وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عددها! قلت إنه لا يحصى عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين، أو أسلط عليهم العدو ثلاثةأشهر، أو الموت ثلاثة أيام. فشاور داود بني إسرائيل، فقالوا: ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر؛ فإن كان لابد، فالموت بيده لا بيد

غيره. فذكر وهب أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كثيرة، لا يدرى ما عددهم. فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت، فتبتل إلى الله ودعاه فقال: أي رب، أنا آكل الحماض، وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك وأمرت به بني إسرائيل؛ فما كان من شيء فبي واعف عن بني إسرائيل. فاستجاب الله له، ورفع عنهم الموت. فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم ثم يغمدونها وهم يرفعون في سلم من ذهب، من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن نبني لله فيه مسجداً ونكرمه. فأسس داود قواعده وأراد أن يأخذ في بنائه، فأوحى الله إليه: إن هذا بيت مقدس، وإنك صبغت يديك بالدماء، ولست ببانيه، ولكن ابناً لك املكه بعدك اسمه سليمان وأسلمه من الدنيا. فلما ملك سليمان بناه وشرفه. قال عباد بن شيبة: بلغني أن داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلا يوماً فقال: يا رب؛ هجرني الناس فيك، وهجرتهم لك؛ فأوحى الله إلى نبيه عليه السلام: ألا أدلك على شيء يستوي فيه وجوه الناس إليك؟ أن تخالط الناس بأخلاقهم، وتحتجز الإيمان فيما بيني وبينك. وعن كعب قال: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يقول هؤلاء الكلمات ثلاثاً حين يصبح وحين يمسي: اللهم، خلصني من كلمصيبة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض، اللهم اجعل لي سهماً في كل حسنة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض. وعن سعيد قال: كان من دعاء داود: اللهم، لا تكثر علي فأطغى، ولا تقل لي فأنسى؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى؛ اللهم، رزق يوم بيوم، فإذا رأيتني أجور مجالس الذاكرين إلى مجالس المتكبرين فاكسر رجلي، فإنها نعمة منك تمن بها علي. وعن وهب قال: كان من تحميد داود: الحمد لله عدد قطر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعهدد ما يكون في البر والبحر؛ والحمد لله عدد أنفاس الخلق ولفظهم وطرفهم وظلالهم، وعدد ما عن أيمانهم وعن شمائلهم، وعدد ما قهره ملكه، ووسعه حفظه، وأحاطت به

قدرته، وأحصاه علمه؛ والحمد لله عدد ما تجري به الرياح، ويحمله السحاب، وعدد ما يختلف به الليل والنهار، وتسير به الشمس والقمر والنجوم؛ والحمد لله عدد كل شيء أدركه بصره، ونفذ فيه علمه؛ والحمد لله الذي حلم في الذنوب عن عقوبتي حتى كان لا ذنب لي؛ ولم يؤاخذني، لم يظلمني سيدي، والحمد لله الذي أردوه أيام حياتي، وهو ذخري في آخرتي؛ ولو رجوت غيره لا يقطع رجائي والحمد لله الذي تمسي أبواب الملوك مغلقةً دوني وبابه مفتوح لكل ما شئت من حاجتي بغير شفيع فيقضيها لي؛ والحمد لله الذي أخلو به في حاجتي، وأضع عنده سري في أي ساعة شئت؛ والحمد لله الذي يتحبب إلي وهو غني عني. وعن أبي الجلد قال: قرأت في دعاء داود عليه السلام: إلهي إذا ذكرت ذنوبي ضاقت علي الأرض برحبها، فإذا ذكرت رحمتك وسعت علي؛ إلهي أن أذوق مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة أهون علي من أن أذوق مرارة الآخرة بحلاوة الدنيا. وعن مالك بن دينار قال: بلغنا أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دعائه: اللهم، اجعل حبك أحب إلي من سمعي وبصري، ومن الماء البارد. وعن كعب أنه حلف بالذي فلق البحر لموسى عليه السلام إنا لنجد في التوراة أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم، أصلح ديني الذي جعلته لي عصمةً، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي؛ اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك؛ اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقال كعب: إن صهيباً صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولهن عند انصرافه من صلاته.

وعن مكحول قال: كان من دعاء داود عليه السلام: يا رازق النعاب في عشه؛ وذاك أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بيضاً، فإذا رآها كذلك نفر عنها، فتفتح أفواهها، فيرسل الله عليها ذباباً يدخل في أفواهها، فيكون ذلك غذاءها حتى تسود، فإذا اسودت انقطع الذباب عنها، وعاد الغراب إليها فغذاها. وعن سعيد بن أبي سعيد قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم، إني أعوذ بك من جار السوء، ومن زوج يشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي وباء، ومن مال يكون علي عذاباً، ومن خليل ماكر، عيناه ترياني وقلبه يرعاني، إذا رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئةً أذاعها. وعن عباس العمي قال: بلغني أن داود النبي صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم كان يقول في دعائه: سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت حسبتك على من في السموات والأرض، فأقرب خلقك منك منزلةً أشدهم لك خشية؛ وما علم من لم يخشك، أو ما حكمة من لم يطع أمرك؟ وعن صهيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم، إنك لست بإله استحدثناه، ولا رب استبدعناه، ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك؛ ولا أعانك على خلقك أحد فنشك فيك، تباركت وتعاليت. قال: هكذا كان داود عليه السلام يقوله. وعن علي الأزدي قال: كان داود عليه السلام يقول: إني أعوذ بك من غنىً يطغي، وفقر ينسي، وهوىً يردي، وعمل يخزي. وعن عبد الكريم بن رشيد: أن داود عليه السلام قال: أي رب، أين ألقاك؟ قال: تلقاني عند المنكسرة قلوبهم.

وفي حديث آخر بمعناه: عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي. وعن وهب قال: كان داود عليه السلام يقول في مناجاته: طوبى لمن أرضاك في دار الفناء، لترضيه في دار البقاء؛ طوبى لمن ذكر ساعة موته، فعمل في ساعة حياته. زاد غيره: إلهي، ما أحلى ذكرك في أفواه المخلصين، في بيوت الصادقين الذين يؤمنون بوعدك، ويعلمون أن مرجعهم إلى أمرك يوم تقتص للمظلومين. إلهي، اجعلني ممن أزمر لك أيام الحياة، وأعظمك في مجلس الشيوخ. قال زهير: أزمر لك: أنوح لك. وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قاتل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود، إن العبد ليأتي بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة. قال داود: يا رب، ومن هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم، أحب قضاءها، قضيت على يديه أو لم تقض. وعن كعب بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوحى الله عز وجل إلى داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً؛ وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأرسخت الهوى من تحت قدميه؛ وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني.

وعن صالح المري قال: أوحى الله عز وجل إلى داود: يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من ذكر ذنوبه في الخلاء، فاستحيا عند ذكرها، سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل من الذنوب حشو الأرض من شرقها إلى غربها، ثم ندم عليها حلب شاة سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل حسنةً واحدةً أدخله جنتي. قال له داود: وما تلك الحسنة؟ قال: يكشف عن مكروب كرباً ولو بشق تمرة. قال أبوسليمان الداراني: شهدت مع أبي الأشهب جنازةً بعبادان، فسمعته يقول: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا، عقولها محجوبة عني. قال أبو جعفر البصري: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني، فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد. قال أبو الحسين البصري: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني وتدعي عشقي، وتسيء بي الظن صباحاً ومساءً. أما كانت لك عبرة أن شققت سبع أرضين، فأريتك ذرة في فيها برة لم أنسها؛ أما إني لولا أني أحفظ منك خصالاً لحرقتك بالنيران. وعن صالح المري قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: آثر هواي على هواك. وعن شداد أبي عمار قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: اعمل بعمل الأبرار، ولا تبسم في وجوه الفجار.

وعن أبي الخلد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: إن عبدي المؤمن إذا لقيني وهو مستحي من معاصي، غفرتها له، ونسيها حفظته. وعن مجاهد قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، اتق الله، لا يأخذك على ذنب لا ينظر إليك فيه أبداً، فتلقاه حين تلقاه ولا حجة لك. وعن أبي الأشهب قال: أوحى الله إلى داود: إن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوةً من شهواته علي أن أحرمه طاعتي. قال بشر: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام، يا داود، إنما خلقت الشهوات واللذات لضعفاء عبادي؛ فأما الأبطال، فما لهم وللشهوات واللذات؛ يا داود، لا تعلقن قلبك منها بشيء، فأدنى ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك. وعن أبي علي قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: أنين المذنبين أحب إلي من صراخ الصديقين. وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن اتخذ نعلين من حديد، وعصاً من حديد؛ واطلب العلم حتى تنكسر العصا وتنخرق النعلان. وفي رواية: قل لطالب العلم يتخذ عصاً من حديد بمثله. وعن أبي عمران المصري قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، لا تجعلن بيني وبينك عالماً

أسكنت قلبه حب الدنيا؛ أولئك القطاع على عبادي؛ إن أدنى ما أعاقبهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من أصول قلوبهم. وفي حديث آخر بمثله: لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً فيصدك بسكره عن طريق محبتي. وعن عبد العزيز بن عمر قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً؛ يا داود، اصبر على المؤونة تأتك المعونة. وعن أبي عبد الله الجدلي قال: قال الله عز وجل: يا داود، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى الناس؛ قال: رب، أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى الناس؟! قال: تذكرهم آلائي فلا يذكرون مني إلا حسناً. وعن شميط بن عجلان قال: بلغنا أن الله أوحى إلى داود فقال: يا داود ألا ترى إلى المنافق يخادعني وأنا أخدعه! يستحيي ويوقرني بلسانه وقلبه مني بعيد؛ يا داود، قل للملأ من بني إسرائيل: لا يدعوني والخطايا في أرقابهم، ليلقوها ثم يدعوني فأستجيب لهم. قال وهب بن منبه: قرأت في مزامير داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا داود، هل تدري من أغفر له من عبادي؟ الذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله وأعضاؤه، فذاك الذي آمر ملائكتي أن لا تكتب عليه ذاك الذنب. سأل رجل وهب بن منبه في مسجد الحرام، فقال: حدثني رحمك الله عن زبور داود؟ قال: وجدت في آخره ثلاثين سطراً: يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يخاف عذابي لم

أعذبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو مستحي من معاصي أنسيت حفظته ذنوبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي عمل حشو الدنيا ذنوباً، ثم ندم حلب شاة فاستغفرني مرةً واحدةً، فعلمت من قلبه أنه لا يريد أن يعود إليها ألقيتها عنه أسرع من هبط المطر إلى الأرض؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي أتاني بحسنة واحدة حكمته في جنتي قال داود عليه السلام: إلهي، من أجل ذلك لا يحل لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك يا داود، إنما يكفي أوليائي اليسير من العمل كما يكفي الطعام من الملح؛ هل تدري يا داود متى أتولاهم؟ إذا طهروا قلوبهم من الشرك، ونزعوا من قلوبهم الشك؛ علموا أن لي جنةً وناراً، وأنا أحيي وأميت، وأبعث من في القبور، ولم أتخذ صاحبةً ولا ولدا؛ فإن توفيتهم بيسير من العمل وهو يوقنون بذلك جعلته عظيماً. هل تدري يا داود من أسرع الناس مراً على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبةً من ذكري؛ هل تدري يا داود أي المؤمنين أحب إلي؟ الذي إذا قال لا إله إلا الله اقشعر جلده؛ إني أكره له الموت كما يكره الوالد لولده ولا بد له منه. أني أريد أن أسره في دار سوى هذه، فإن نعيمها فيها بلاء، ورخاءها فيها شدة؛ فيها عدو لا يألونهم فيها خبالاً. من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة، لولا ذلم ما مات آدم وولده حتى ينفخ في الصور. يا داود، ما تقول في نفسك؟ تقول قطعت عنهم عبادتهم، أما تعلم ما أثيب عبدي المؤمن على عثرة يعثرها؟ فكيف إذا ذاق الموت وهو من اعظم المصيبات، وهو بين أطباق التراب؛ إنما أحبسه طول ما أحبسه لأعظم له الأجر، وأجزي عمله أحسن ما كان يعمل إلى يوم القيامة؛ من أجل ذلك سميت نفسي أرحم الراحمين. وعن ابن عباس قال: أوحى الله إلى داود: يا داود، قل للظلمة لا يذكروني، فإن حقاً علي أن من ذكرني أذكره، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم. وعن وهب بن منبه وزيد بن رفيع، قال: رأى داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم منجلاً من نار يهوي من السماء إلى الأرض فقال: إلهي وسيدي؛ ما هذا؟ قال: هذه لعنتي أدخلها بيت كل ظلام.

وعن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن داود عليه السلام قال: إلهي، ما حق عبادك إذا هم زاروك وفي رواية: إذا هم زاروك في بيتك فإن لكل زائر على المزور حقاً؟ قال: يا داود، فإن لهم علي أن أعافيهم في دنياهم، وأغفر لهم إذا لقيتهم. قال أبو الجلد: قرأت في مسألة داود ربه: إلهي، ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه أن أحرم وجهه على لفح النار، وأن أؤمنه يوم الفزع. وعن فضالة بن عبيد: أن داود سأل ربه أن يخبره بأحب الأعمال إليه؟ فقال: عشر إذا فعلتهن يا داود: لا تذكرن أحداً من خلقي إلا بخير، ولا تغتابن أحداً من خلقي، ولا تحسدن أحداً من خلقي. قال داود: يا رب، هؤلاء الثلاث لا أستطيع، فأمسك عن السبع، ولكن يا رب، اخبرني بأحبابك من خلقك أحبهم لك؟ قال: ذو سلطان يرحم الناس، ويحكم للناس كما يحكم لنفسه؛ ورجل آتاه الله عز وجل مالاً فهو ينفق منه ابتغاء وجه الله، وفي طاعة الله، ورجل يفني شبابه وقوته في طاعة الله؛ ورجل كان قلبه معلقاً في المساجد من حبه إياها؛ ورجل لقي امرأة حسناء، فأمكنته من نفسها فتركها من خشية الله؛ ورجل حيث كان يعلم أن الله معه، نقية قلوبهم، طيب كسبهم، يتحابون بحلالي، أذكر بهم ويذكرون بذكري؛ ورجل فاضت عيناه من خشية الله عز وجل. وعن وهب بن منبه قال: قال داود عليه السلام: أي رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال: مؤمن حسن الصورة؛ قال: فأي عبادك أغضب إليك؟ قال: كافر حسن الصورة، شكر هذا وكفر هذا. قال أبو محمد الهروي: مكتوب في زبور داود عليه السلام: من بلغ السبعين اشتكى من غير علة وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن داود عليه الصلاة والسلام قال: إلهي؛ ما جزاء من شيع ميتاً إلى قبره

ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أشيعه ملائكتي فتصلي على روحه في الأرواح. قال: اللهم، فما جزاء منن يعزي حزيناً ابتغاء مرضاتك؟ قال: أن ألبسه لباس التقوى وأستره به من النار فأدخله الجنة. قال: اللهم، ما جزاء من عال يتيماً أو أرملةً ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله يوم لا ظل إلا ظلي. قال: اللهم، فما جزاء من سالت دموعه على وجنتيه من مخافتك؟ قال: أن أقي وجهه لفح جهنم، وأؤمنه يوم الفزع الأكبر ". وعن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن داود عليه السلام قال فيما خاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود، أحب عبادي إلي نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءاً، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي؛ قال: يا رب، إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائي، وبلائي ونعمائي؛ يا داود، إنه ليس من عبد يعين مظلوماً، أو يمشي معه في مظلمته إلا أثبت قدميه يوم تزول الأقدام ". وعن أسلم قال: مكتوب في حكمة آل داود: العافية الملك الخفي. وعن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال: قال داود عليه السلام: رب، أخبرني ما أدنى نعمتك علي؟ فأوحى إليه: يا داود، تنفس، فتنفس؛ فقال: هذا أدنى نعمتي عليك. وعن وهب بن منبه قال: إن في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه؛ وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يقضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه؛ وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب. وحق على العاقل أن يعرف زمانه، ويحفظ لسانه، ويقبل على شأنه. وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاده؛ ومرمة لمعاشه؛ ولذة في غير محرم.

وعن مالك بن دينار قال: قال داود عليه السلام لبنيه: معشر الأبناء؛ تعالوا حتى أعلمكم خشية الله: أيما عبد منكم أحب أن يحبني ويرى الأيام الصالحة فليحفظ عينيه أن ينظر إلى السوء، ولسانه أن ينطق بالإفك، عين الله إلى الصديقين وهو يسمع لهم. قال عبد الله بن حبيب: قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: رب كلام ندمت عليه، وما ندمت على صمت قط. وعن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود عليه السلام: يا زارع السيئات، انت تحصد شوكها وحسكها ". وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السلام يقول: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد؛ وإن الخطيب الأحمق في نادي القوم كالمغني عند الميت؛ ولا تعد أخاك ثم لا تنجز له، فتورث بينكما العداوة. وإن المرأة السوء عند الرجل كالشيخ الكبير على ظهره الحمل الثقيل، والمرأة الصالحة عند الرجل كالملك الشاب على رأسه التاج المخوض بالذهب. وسل الله عز وجل صاحباً إن ذكرت أعانك. ما أقبح الفقر بعد الغنى! وأقبح من ذلك الكفر بعد التقى. وفي رواية: وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى. وفي رواية: ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك. سئل داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي شيء أحلى، وأي شيء أبرد، وأي شيء أحسن، وأي شيء أقبح، وأي شيء أعون، وأي شيء أعدى؟ فقال: أحلى شيء روح الله بين عباده، وأبرد

شيء عفو الله عن العباد وعفو العباد بعضهم عن بعض، وأحسن شيء السكينة مع الإيمان، وأقبح شيء الكفر بعد إيمان، وأعون شيء ذكر الله، وأعدى شيء زوج سوء وعشيرة سوء. وعن ابن المبارك قال: قال داود لابنه: يا بني، أستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما نابه؛ وبحسن رضاه فيما آتاه؛ وبحسن صبره فيما فاته. وعن عروة قال: مكتوب في الحكمة: يا داود، إياك وشدة الغضب، فإن شدة الغضب مفسدةً لفؤاد الحكيم. وعن خالد بن أبي عمران: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: لا تفشين إلى امرأة سراً، ولا تطرقن أهلك ليلاً، ولا تأمنن ذا سلطان وإن كنت ذا قرابة. وعن عبيد بن عمير قال: بلغني أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: اللهم لا تجعل لي أهل سوء فأكون رجل سوء. قال سعيد الحاني قرية بالجزيرة: بينا داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم على باب منزله جالساً، ومعه جليس من بني إسرائيل يحدثه؛ إذ مر به رجل، فأسمعه واستطال عليه، فغضب له جليسه، فقال داود: دعه، فإني قد علمت من أين أتيت؛ إني قد أحدثت فيما بيني وبين ربي، فهو سلط هذا علي، فدعني حتى أدخل فأتنصل إلى ربي من الحدث الذي كان مني، حتى يعود هذا فيقبل أسفل قدمي. قال: فدخل داود، فتوضأ وصلى ركعتين وتنصل إلى ربه من الحدث الذي كان منه، وعاد إلى جليسه، وعاد الرجل من حاجته نادماً، فانكب فقبل أسفل قدم داود. قال: يا نبي الله، اغفر لي، قال: اذهب فإني قد علمت من أين أتيت. وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود يقول: انظر ما تكره أن يذكر منك في نادي القوم، فلا تفعله إذا خلوت.

قال يحيى بن أبي كثير: قال داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنه سليمان: يا بني، أتدري ما جهد البلاء؟ قال: لا، قال: شراء الخبز من السوق، والانتقال من منزل إلى منزل. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خير لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان. قال الكلبي: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كان في الطعام قلة، وكان يتزوج النساء، قال: فقالت اليهود: إن هذا الذي يزعم أنه نبي ليس يشبع من الطعام وهو يتزوج، فليس له هم إلا النساء! لو كان نبياً لاشتغل بنبوته عن النساء. فأنزل الله عز وجل: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " قال: تزوج داود مئة امرأة، وتزوج سليمان سبع مئة امرأة وثلاث مئة سرية؛ فذلك قوله: " وآتيناهم ملكاً عظيماً ". وفي حديث آخر: وكان أشدهم في ذلك حيي بن أخطب، فأكذبهم الله، وأخبرهم بفضل الله وسعته على نبيه صلوات الله عليه وبركاته فقال: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " يعني بالناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " ما آتى الله سليمان بن داود، كان له ألف امرأة، سبع مئة مهيرة، وثلاث مئة سرية؛ وكانت لداود مئة امرأة، منهن أمرأة أوريا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد الفتنة؛ فهذا أكثر مما لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس قال: ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب به من نفسه، وذلك أنه قال:

يا رب، ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، يصلي لك أو يسبح أو يكبر.. وذكر أشياء، فكره الله تعالى ذلك فقال الله: يا داود، إن ذلك لم يكن إلا بي، فلولا عوني ما قويت عليه؛ وجلالي لأكلنك إلى نفسك يوماً؛ قال: يا رب، فأخبرني به. فأصابته الفتنة ذلك اليوم. قال بعض المشايخ: رب نظرة لآن يلقى فيها الرجل للأسد فتأكله، خير له؛ وهل لقي داود ما لقي إلا في نظرة. وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه ورد عليه وفد عبد القيس، وفيهم غلام وضيء الوجه، فأقعده وراء ظهره وقال: إنما أتي أخي داود عليه السلام من النظر. وعن الحسن قال: قال داود: يا رب، ابتليت من كان قبلي فأثنيت عليهم بصبرهم، ولم تبتلني ببلاء تثني علي من بعدي؛ فأوحى الله إليه: يا داود، اخترت البلاء على العافية، فخذ حذرك، فإني أبتليك في شهرك هذا؛ وكان في رجب يوم الاثنين بعد العصر في ثلاث عشرة مضين من الشهر. قال: فلما كان ذلك اليوم دخل المحراب واستعد للبلاء؛ فبينا هو في محرابه منكب على الزبور يقرؤها إذ دخل طائر من الكوة فوقع بين يديه، جسده من ذهب، وجناحاه من ديباج، مكلل بالدر، ومنقاره زبرجد، وقوائمه فيروزج؛ فدنا منه ثم طار فوقع بين يديه، فنظر إليه يحسب أنه من طير الجنة؛ فجهل يتعجب من حسنه وله ابن صغير فقال: لو أخذت هذا الطير فنظر إليه ابني؛ فأهوى يريد أن يتناول الطير، فتباعد الطير منه، ويطعمه أحياناً ثم يفر، حتى كأنه يريد أن يضع يده عليه فيتباعد منه أيضاً؛ فما زال كذلك يدنو ويتباعد حتى قام من مجلسه وطبق الزبور ونسي البلاء؛ فطلبه في زوايا البيت، فوقع في الكوة، وطلبه في الكوة فرمى بنفسه في بستان أوريا، وكان في أصل المحراب حوض يغتسل فيه حيض بني إسرائيل، فاطلع داود فإذا بامرأة تغتسل؛ فأبصرت ظله، فنشرت شعرها فجللت جسدها كله، فزاده ذلك إعجاباً، فرجع مكانه وفي نفسه منها ما في نفسه، فبعث إليها لينظر من هي، وابنة من هي؟

فرجع إليه الرسول فقال: هي سابع بنت حنانا، وزوجها أوريا بن صورى، وهو في البلقاء مع ابن أخت داود وهو على الجيش محاصرين قلعة؛ فكتب داود إلى ابن أخته كتاباً: إذا جاءك كتابي هذا فمر أوريا بن صورى فليحمل التابوت، وليتقدم أمام الجيش، فإما أن يفتح الحصن، وإما أن يقتل وكان من فر منهم صار لعيناً وكان في سنتهم أن يتقدم أمام التابوت من كل سبط في كل عام رجل، يكون ذلك نوائب بينهم، وكان الذي يتقدم لا يرجع حتى يقتل أو يفتح الله عليه فدعا صاحب الجيش أوريا فقرأ عليه الكتاب؛ فقال أوريا: سمع وطاعة، فحمل التابوت فتقدم أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فقاتلهم وكان من فرسان بني إسرائيل فقتل المقاتلة وفتح الحصن. فبعث صاحب الجيش إلى داود بالفتح؛ فكتب إليه أن قدمه في قلعة أخرى كانت أحصن وأشد شوكةً من الأولى؛ فقرأ عليه الكتاب؛ فقال: سمع وطاعة؛ فحمل التابوت وسار إلى الحصن، وتقدم أمام أصحابه، فخرجت المقاتلة فقتلهم وفتح الحصن؛ فبعث صاحب الجيش بالفتح إلى داود؛ فكتب إليه الثالثة أن قدمه؛ فلما ورد الكتاب عليه قرأه عليه قال: قد علمت ما يريد، فحمل التابوت وسار أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فكان أول قتيل، فكتب ابن أخت داود بذلك إلى داود، فلما انقضت عدة المرأة أرسل إليها يخطبها، فتزوجها. وفي حديث آخر عن ابن عباس بمعناه: فلما انقضت عدتها خطبها، فاشترطت عليه إن ولدت جعله خليفته من بعده، وأشهدت على ذلك خمسين رجلاً من بني إسرائيل، وكتبت عليه كتاباً؛ فما شعر بنفسه حتى ولد سليمان بن داود عليه السلام، وتسور عليه الملكان في المحراب، وخر داود ساجداً. وفي حديث آخر عن أنس بن مالك، يرفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته؛ ففطن داود، فسجد فمكث أربعين ليلةً ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض جبينه؛ يقول في سجوده من كلمات: زل داود زلةً أبعد ما بين المشرق والمغرب، رب؛ إن لم ترحم

ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلوف من بعده؛ فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة، فقال له: يا داود؛ قد غفر الله لك الهم الذي هممت، قال داود: قد علمت أن الله قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد علمت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ فقال جبريل: ما سألت ربي عن ذلك، ولئن شئت لأفعلن، قال: نعم؛ فعرج جبريل، فسجد داود، فمكث ما شاء الله ثم نزل، فقال قد سألت الله عز وجل يا داود عن الذي أرسلتني إليه فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: فإن لك في الجنة ما اشتهيت وما شئت عوضاً. قال ثابت: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يذكر ذنوبه، فيخاف الله عز وجل منها خوفاً تنفرج أعضاؤه من مواضعها، ثم يذكر عائدة الله تبارك وتعالى ورأفته على أهل الذنوب فيرجع كل عضو إلى مكانه. قال أبو سليمان: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته؛ ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه. قال صفوان بن محرز: كان داود ينادي في جوف الليل: أوه من عذاب الله، أوه من قبل أن لا تنفع أوه. قال وهب بن منبه: لما أصاب داود الخطيئة اعتزل، ثم بكى حتى رعش وحتى خدت الدموع في خده: وفي رواية: اعتزل النساء ولزم العبادة حتى سقط، ثم بكى حتى خدت الدموع وجهه.

وفي حيث عن مجاهد: أن داود عليه السلام مكث أربعين يوما ساجداً لايرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه؛ فنودي: يا داود، أجائع فتطعم، أم ظمآن فتسقى، أم عار فتكسى؟ قال: فأجيب ففي غير ما طلب، فنحب نحبة هاج العود فاحترق من حر جوفه؛ ثم أنزل الله التوبة والمغفرة؛ فقال: رب اجعل خطيئتي في كفي؛ فكان لايبسط كفه لطعام ولا لشراب ولا لشيء سوى ذلك إلا رآهاقابلته؛ قال: فإن كان ليؤتى بالقدح ثلثاه ماء، فإذا تناوله أبصر خطيئته، فما يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه. قال ابن سابط: لو عدل بكاء داود ببكاء الخلق لكان بكاء داود أكثر منه، ولوعدل بكاء آدم ببكاء داود وببكاء الخلق لكان بكاء آدم أكثر منه. قال ثابت: اتخذ داود عليه السلام سبع حشايا من شعر، ثم حشاهن بالرماد، ثم بكى حتى أنقذهن بدموع عينيه. وعن الحسن قال: لما أصاب داود الخطيئة حر ساجدا أربعين ليلة، فقيل له: يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، قال: يا رب، أنت حكم عدل، لاتظلم، وقد قتلت الرجل؛ قال: أستوهبك، فيهبك لي، وأثيبه الجنة. وقال وهب بن منبه: ما رفع رأسه حتى قال له الملك: أول أمرك ذنب، وآخره معصية، ارفع رأسك، فرفع رأسه، فمكث حياته لايشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه، ولا يضطجع على فراش إلا غراه بدموعه حتى انهزم؛ فكان لا يدفئه لحاف. وكان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين، ثم يقول: تعالوا إلى داود الخاطئ؛ ولا يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه؛ وكان يجعل له خبز الشعير اليابس في قصعة، فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه؛ وكان يذر عليه الملح والرماد ويأكل ويقول: هذا

أكل الخاطئين. وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر؛ فلما كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله، وقام الليل كله. وكان داود يدعو على الخاطئين قبل أن يصيب الذنب. فلما أصاب الذنب قال: يا رب اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم. قال عطاء الخراساني: قيل لداود: ياداود، أرفع رأسك، فذهب ليرفع فإذا هو قد نشب بالأرض، فأتاه جبريل عليه السلام فاقتلعه عن وجه الأرض كما يقتلع عن الشجرة صمغها. وقيل: إنه لزق موضع مساجده على الأرض من فروة وجهه ما شاء الله. قال ابن ابن لهيعة: فكان يقول في سجوده: سبحانك، هذا شاربي دموعي، وهذا طعامي رماد بين يدي. قال وهب بن منبه: إن داود لما تاب الله عليه قال: يارب اغفر لي، قال: نعم، قال: فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي، فأستغفر منها لي وللخاطئين إلى يوم ألقاك؟ قال: فوشم الله خطيئته في يده اليمنى. فما رفع فيها طعاما ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا بسط يده وراحته فاستقبل بها الناس ليروا وشم خطيئته. وعن مجاهد أوسعيد بن المسيب قال: يبعث داود عليه السلام، وذكر خطيئته ووجله منها في قلبه، منقوشى في كفه، فإذا رأى أهاويل الموقف لم يجد منه مبعوداً ولا محرزاً إلا برحمة الله وقربه، فيشير إليه أن هاهنا، وأشار بيمينه إلى جنبه، فذلك قول الله تعالى: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال وهب: أوحى الله إلى داود، يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، غير أنه ليس لك عندي ذلك الود الذي كان.

قال ثابت البناني: قال داود: يارب كيف بأوريا بن حنان؟ فال: أستوهبك منه، فيهبك لي، وأرضيه من عندي، فال: يارب، الآن علمت أن قد غفرت لي. وعن ابن غمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان الناس يعودون داود ويظنون به مرضاً، وما كان به مرض إلا شدة الخوف والحياء من اله عز وجل. وعن ثابت قال: كان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، لايشدها إلا أسر، وإذا ذكر رحة الله تراجعت. وقال يزيد الرقاشي: كان لداود جاريتان فقد أعدهما، فكان إذا جاءه الخوف سقط واضطرب، فقعدتا على صدره ورجليه مخافة أن تغرق أعضاؤه وممفاصله فيموت. قال خالد بن دريك: لقي داود لقمان فقال داود: كيف أصبحت يالقمان؟ قال: أصبحت في يد غيري؛ ففكر فيها داود فصعق. وعن عثمان بن أبي العاتكة أن داود كان يقول: سبحان خالق النور، إلهي، إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها؛ واذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحان خالق النور، إلهي، خرجت أسأل أطباء عبادتك أن يداؤوا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني، سبحان خالق النور، إلهي ويل لم أخطأ خطيئة حصادها عذابك إن لم تغفرها له.

قال مالك بن دينار وغيره: لما أصاب داود الخطيئة أكثر من الدعاء فلم يستجب له، فلما راى انه لايستجاب له أخذ في ننحو من النياحة؛ فرحم فغفر له. وعن يزيد قال: كان داود إذا أراد أن يعظ الناس خرج بهم إلى الصحراء. قال: فخرج بهم ذات يوم في ثلاثين ألفاً من الناس، فوعظهم، فمات منهم عشرون ألفاً، ورجع في عشرة آلاف من الناس مرضى. وعن وهب بن منبه أن داود عليه السلام لما تاب الله عز وجلعليه، بكى على خطيئته ثلاثين سنة لايرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل؛ ويوم لنسائه؛ ويوم يسيح في الفيافي والجبال الساحل؛ ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرهبان، فينوح معهم على نفسه، ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته، يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش، حتى يسيل من دموعه منل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال والحجارة والطير والدواب حتى يسيل أودية من مكانهم، ثم يجيء إلى الساحل، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير السماء، فإذا أمسى رجع؛ فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح، حشوها ليف، فيجلس عليها ويجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي، فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، ولا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يارب اغفر ماترى. فلو عدل بكاء داود بجميع بكاء أهل الدنيا لعدله.

قال يحيى بن أبى كثير: بلغنا أنه كان إذا كان يوم نوح داود صلى الله على نبيناً وعليه وسلم مكث قبل ذلك سبعاً لا يأكل الطعام ولايشرب الشراب ولا يقرب النساء. فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبر إلى البرية، وأمر سليمان منادياً يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والديارات والصوامع والبيع؛ فينادي فيهم: ألا من أحب أن يستمع نوح داود فليأت. قال: فتأتي الوحش من البراري والآكام، وتأتي السباغ من الغياض، وتأتي الهوام من الجبال، وتأتي الطير من الأوكار، وتأتي الرهبان من الصوامع والديارات، وتأتي العذارى من خدورها؛ ويجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى على المنبر ويحيط به بنو إسرائيل، وكل صنف على حزبه، فيحيطون به يصغون إليه. قال: وسليمان قائم على رأسه، فيأخذ في الثناء على ربه، فيضجون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فيموت طائفة من الناس، وطائفة من السباع، وطائفة من الهوام، وطائفة الوحش، وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات؛ ثم يأخذ في ذكر الموت وأهوال القيامة، ثم يأخذ في النياحة على نفسه، فيموت طائفة من هؤلاء وطائفة من هؤلاء ومن كل صنف طائفة. فاذا رأى سليمان ماقد كان من الموت في كل فرقة منهم نادى: يا أبتاه، قد مزقت المستمعين كل ممزق، وماتت طوائف من بني إسرائيل، ومن الوحوش والهوام والسباع والرهبان! قال: فيقطع النياحة ويأخذ في البكاء. قال: فبينا هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل: ياداود، عجلت بطلب الجزاء على ربك، فخر داود عند ذلك مغشياً عليه، قال: فلما نظر إليه سليمان وما أصابه أتى بسرير فحمله عليه ثم أمر منادياً فنادى: من كان له مع داود حميم أو قريب فلتأت بسرير فلتحمله، فإن الذين كانوا مع داود قد قتلهم ذكر الجنة والنار، قال: فإن كانت المرأة لتأتي بالسرير، فتقف على أبيها أو على أخيها أو على ابنها وهو ميت، فتنادي: وابأبي، أما من قتله ذكر النار؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الجنة؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الخوف من الله عز وجل؟ قال: وحتى إن الوحش تجتمع على من مات منهم فتحمله، والسباع والهوام، ويتفرقون. فإذا أفاق داود من غشيته نادى سليمان: مافعلت عباد بني إسرائيل؟ مافعل فلان وفلانة؟ فيعدد نفراً من بني إسرائيل، فيقول سليمان: يا أبتاه، موتوا عن آخرهم؛ فيقوم داود فيضع

يده على رأسه ثم يدخل بيت عباته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: أغضبان أنت على داود، إله داود؟ أم كيف قصرت به أن يموت خوفاً منك، أوفرقاً من نارك أو سوقاً إلى جنتك ولقائك إله داود؟ فلا يزال كذلك سبعاً ينادي: إله داود، قال: فيأتي سليمان فيقف على باب بيته فينادي، يا أبتاه، أتأذن لي في الدخول عليك؟ فيأذن له، فيدخل معه بقرص شعير، فيقول؛ يا أبتاه، تقو به على ما تريد. قال: فيأكل ذلك القرص ماشاء الله، ثم يخرج إلى بني إسرائيل فيكون بينهم. قال الفضيل بن عياض: سأل داود ربه أن يلقي في قلبه الخوف، فدخله فلم يحتمله عقله، فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاةً ولا شيئاً، ولا ينتفع بشيء؛ فقيل له: أتحب أن يدعك كما أنت أن يردك إلى ما كنت عليه؟ قال: ردوني، فرد عليه عقله. قال أبو عبد الله الجدلي: ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات. قال كعب: توفي ابن لداود، فحزن عليه حزناً شديداً، فقيل له: ما كان يعدله عندك؟ قال: ملء الأرض ذهباً؛ فقيل له: فإن لك من الأجر مثل ذلك. وعن الحسن وغيره قال: لما نزلت آية " الذين " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أول من جحد آدم، إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ، فجعل يعرضهم عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، فقال: أي رب، أي بني هذا؟ قال: ابنك داود، قال: أي رب، وكم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي رب، زد في عمره، قال: لا، إلا أن تزيده من عمرك

قال: وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين سنة؛ فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبضه، فقال: إنه قد بقي من عمري أربعون سنة! قال: قد وهبتها لابنك داود؛ قال: ما فعلت، فأنزل الله الكتاب وشهدت عليه الملائكة، وشهد به عليه، وأكمل الله لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مئة سنة. وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه قال: فجحد فجحدت ذريته، وخطئ فخطئت ذريته، ونسي فنسيت ذريته؛ فرأى فيهم القوي والضعيف، والغني والفقير، والصحيح والمبتلى. قال: يا رب، ألا سويت بينهم. قال: أردت أشكر. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً، ثم تركه؛ حتى إذا كان حمأ مسنوناً خلقه وصوره ثم تركه؛ حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم. ثم نفخ الله فيه روحه؛ فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله حمد ربه، فقال الرب: رحمك ربك، ثم قال الله: يا آدم، اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم، فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله؛ فجاء إلى ربه فقال: ماذا قالوا لك؟ وهو أعلم ما قالوا له قال: يا رب، لما سلمت عليهم قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، فقال: يا آدم، هذا تحيتك وتحية ذريتك، قال: يا رب، وما ذريتي؟ قال: اختر يدي يا آدم، قال: اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين؛ فبسط الله كفيه، فإذا كل ما هو كائن من ذريته في كف الرحمن؛ فإذا رجال منهم على أفواههم النور وإذا رجل تعجب آدم من نوره فقال: يا رب، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. وساق بقية الحديث في عمره إلى آخره وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم، وغلقت الدار؛ فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، وإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار

مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود؛ فجاء داود، فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال لد داود: من أنت؟ قال: الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب؛ فقال داود: أنت والله إذاً ملك الموت، مرحباً بأمر الله، فزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه، حتى فرغ من شأنه، فطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال سليمان: اقبضي جناحاً جناحاً. قال أبو هريرة: يرينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وغلبت عليه يومئذ المضرحية. وروي أن ملك الموت أتى داود عليه السلام وهو يصعد في محرابه أو ينزل. قال: فقال: جئت لأقبض نفسك، فقال: دعني حتى أنزل أو أرتقي، قال: ما إلى ذلك سبيل، نفدت الأيام والشهور والسنون والآثار والأرزاق، فما أنت بمؤثر عنده أثراً. قال: فسجد داود على مرقاة من ذلك الدرج؛ فقبض نفسه على تلك الحال. وقيل: مات داود يوم السبت فجأةً. وقيل: يوم الأربعاء. وقيل: إن إبراهيم خليل الله مات فجأةً، ومات داود فجأةً، ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون؛ وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر. قال وهب بن منبه: إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام، فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال: وكان شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس، سوى غيرهم من الناس؛ ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون نبي كانت بنو إسرائيل أشد جزعاً عليه منهم على داود. قال: فأذلقهم الحر، فنادوا سليمان أن يعجل عليهم لما أصابهم

من الحر؛ فخرج سليمان، فنادى الطير، فأجابت، فأمرها فأظلت الناس. قال: فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح، فكاد الناس أن يهلكوا غماً، فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير: أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح؛ ففعلت، فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح. فكان ذلك من أول ما رأوا من ملك سليمان. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد قبض الله داود عليه السلام من بين أصحابه، ما فتنوا ولا بدلوا. ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مئتي سنة. وعن عبيد بن عمير قال: لا يأمن داود يوم القيامة، يقول: رب، ذنبي ذنبي، فقال له: ادنه ثلاث مرات حتى يبلغ مكاناً الله به أعلم؛ فكأنه يأمن فيه؛ فذلك قوله: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ". وعن مالك بن دينار في قوله عز وجل " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال: يقيم الله داود عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم، فيقول: إلهي، وكيف أمجدك به وقد سلبتنيه في دار الدنيا؟ فيقول: فإني راده عليكاليوم؛ فيرده عليه، فيرفع داود صوته، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة. وفي رواية: فيرفع داود صوته بالزبور، فيستفرغ نعيم أهل الجنة. والرخيم من الأصوات: الشجي. وعن أحمد بن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن دينار النيلي عن حماد بن جعفر عن ابن عمر قال: ألا أخبركم بأسفل أهل الجنة؟ قالوا: بلى، فقال: رجل يدخل من باب الجنة، فتتلقاه غلمانه، فيقولون له: مرحباً بك يا سيدنا قد آن لك أن تؤوب. قال:

داود بن أحمد بن عطية العنسي

فتمد له الزرابي أربعين سنة، ثم ينظر عن يمينه وعن شماله فيرى الجنان، فيقول: لمن ما هاهنا؟ فيقال: لك. حتى إذا انتهى رفعت له ياقوتة حمراء، أو زمردة خضراء، لها سبعون شعباً، في كل شعب سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً؛ فيقال له: اقرأ وارق؛ قال: فيرتقي حتى إذا انتهى إلى سرير ملكه اتكأ عليه سعة ميل في يمل، وله عنه فضول، يسعى عليها بسبعين ألف صحفة من ذهب، ليس ليس فيها صحفة فيها من لون صاحبتها، فيجد لذة آخرها كما يجد لذة أولها؛ ثم يسعى عليه بألوان الأشربة، فيشرب منها ما اشتهى؛ ثم يقول الغلمان: ذروه وأزواجه. قال: فيتنحى من الغلمان، فإذا من الحور العين قاعدة على سرير ملكها، فيرى مخ ساقها من صفاء اللحم والدم، فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا من الحور العين اللائي خبئن لك، فينظر إليها أربعين سنةً لا يرفع بصره عنها، ثم يرفع بصره إلى الغرفة فوقه فإذا أخرى أجمل منها، فيقول: ما آن لنا أن يكون لنا منك نصيب؟ فيرتقي إليها فينظر إليها أربعين سنةً لا يصرف بصره عنها. حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ ظنوا أن لا نعين أفضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فنسوا كل نعيم عاشوه حين نظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فيقول: يا أهل الجنة، هللوني؛ فيتجاوبون بالتهليل؛ فيقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا. فيمجد داود ربه عز وجل. قال أحمد بن يونس: قلت لابن شهاب: حديث خالد بن دينار في ذكر الجنة، رفعه؟ قال: نعم. وعن عكرمة أن داود يقوم على أطول سرر في الجنة ينادي بصوته الذي أعطاه الله: لا إله إلا الله. داود بن أحمد بن عطية العنسي أخو أبي سليمان الداراني الزاهد. دمشقي. واسم أبي سليمان: عبد الرحمن بن أحمد بن عطية. قال أبو سليمان الداراني: ما وجدنا شيئاً أعجل ثواباً من بر القرابة. كنت ربما نويت أن أخرج إلى أخ لي

داود بن الأسود

بالعراق، فآخذ ثواب ذلك قبل أن أكتري، وقيل أن أتجهز؛ وأي شيء صلتي له؟ ليس عندي شيء أعطيه، ولكن أرجو إذا رأوني وصلوه. وكان له أخ ببغداد اسمه داود. وكان لداود كلام مثل كلام أخيه أبي سليمان في الرياضات والمعاملات. قال أحمد بن أبي الحوارى: قلت لداود بن أحمد الداراني: ما تقول في القلب يسمع الصوت الحسن، هورفيه؟ قال: كل قلب يؤثر فيه الصوت الحسن فهو ضعيف، يداوى كما تداوى النفس المريضة. داود بن الأسود ويقال ابن أبي الأسود الجهني دمشقي. ممن سعى في بيعة يزيد بن الوليد الناقص. حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى تطوعاً فشق عليه طول القيام ركع ثم سجد سجدتين، ثم قعد فقرأ قاعداً ما بدا له؛ وإذا أراد أن يركع قام فقرأ، ثم ركع وسجد؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. داود بن أيوب بن سليمان ابن عبد الأحد ويقال: عبد الواحد بن أبي حجر، أبو بشر، ويقال: أبو سليمان بن أبي سليمان الأيلي روى بأيلة سنة سبعين عن أبيه بسنده عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من توضأ فأحسن الوضوا، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد

داود بن الحسين بن عقيل بن سعيد أبو سليمان النيسابوري البيهقي الخسروجردي سمع بالشام وبغيرها حدث بخسروجرد سنة ثلاث وتسعين ومئتين. حدث عن أبي زكريا يحيى بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري بسنده عن نافع، عن عبد الله: أنه وجد برداً شديداً وهو في سفر؛ فأمر المؤذن ومن معه بأن يصلوا في رحالهم، فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بذلك إذا كان مثل هذا. ولد داود بن الحسين سنة مئتين، ومات بخسروجرد سنة ثلاث وتسعين ومئتين. داود بن دينار أبي هند بن غدافر أبو بكر ويقال: أبو محمد، ويقال اسم أبي هند: طهمان القشيري مولاهم البصري قدم دمشق وحدث بها. روى عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنكح المرأة على خالتها أو على عمتها، وأن تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ بما في صحفتها، فإن الله عز وجل رازقها. قال داود بن أبي هند: قدمت دمشق فسألوني عن أولاد المشركين، فحدثتهم عن الحسن، عن أبي هلاريرة أنه قال: كل مولود يولد على الفطرة. وحدثتهم عن الشعبي، عن علقمة، أن ابني مليكة قالا: يا رسول الله إن أمنا وأدت موءودة في الجاهلية، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم.

قال داود بن أبي هند: أتيت الشام، فلقيني غيلان، فقال: يا داود إني أريد أن أسلك عن مسائل، قلت: سلني عن خمسين مسألة وأسألك عن مسألتين، قال: سل يا داود، قلت: أخبرني: ما أفضل ما أعطي ابن آدم؟ قال: العقل، قلت: فأخبرني عن العق، هو شيء مباح للناس، من شاء أخذه، ومن شاء تركه، أو هو مقسوم بينهم؟ قال: فمضى ولم يجبني. توفي داود سنة تسع وثلاثين ومئة. وكان ثقة؛ وكان من أهل سرخس، وبها ولده. وقيل: مات في طريق مكة. أرسل ابن هبيرة إلى داود بن أبي هند وإلى حميد الطويل وإلى ابن شبرمة وابن أبي ليلى؛ فكانوا يحضرونه فيسألهم عن الشيء؛ فيبتدر ابن شبرمة وابن أبي ليلى الجواب، ويسكت هذان؛ قال ابن هبيرة: ما بالكما تسكتان؟ قال داود لهذين: أخبراني عما تجيبان فيه، أشيئاً سمعتما فيه شيئاً، أم برأيكما؟ فقالا: بل برأينا؛ قال داود: ما بال الرأي يبادر إليه، أو يسارع إليه؟!.؟؟؟؟؟؟ قال ابن جريج: ما رأيت مثل داود بن أبي هند، إن كان ليفرع العلم فرعاً. وكان داود بن أبي هند خياطاًن رجلاً صالحاً، ثقةً، حسن الإسناد. فال حماد بن زيد: قلت لداود بن أبي هند: يا أبا بكر؛ ما تقول في القدر؟ فقال: أقول كما قال مطرف بن عبد الله؛ لم توكلوا إلى القدر، وإلى القدر تصيرون. قال ابن أبي عدي: أقبل علينا داود بن أبي هند فقال: يا فتيان، أخبركم لعل بعضكم أن ينتفع به: كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق، فإذا انقلبت إلى البيت جعلت على نفسي أن أذكر الله

إلى مكان كذا وكذا؛ فإذا بلغت ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله إلى مكان كذا وكذا حتى آتي المنزل. قال ابن أبي عدي: صام داود أربعين سنةً لا يعلم به أهله. وكان خزازاً يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشاءً فيفطر معهم. قال داود بن أبي هند: جالست الفقهاء، فوجدت ديني عندهم، وجالست أصحاب المواعظ فوجدت الرقة قلبي بهم، وجالست كبار الناس فوجدت المروءة فيهم، وجالست شرار الناس فوجدت أحدهم يطلق امرأته على شيء لا يساوي شعيرة. قال داود بن أبي هند: مرضت مرضاً شديداً حتى ظننت أنه الموت. فكان باب بيتي قبالة باب حجرتي، وكان باب حجرتي قبالة باب داري، قال: فنظرت إلى رجل قد أقبل ضخم الهامة ضخم المناكب، كأنه من هؤلاء الذين يقال لهم: الزط، قال: فلما رأيته شبهته بهؤلاء الذين يعملون الرب؟ فاسترجعت وقلت: يقبضني وأنا كافر. قال: وسمعت أنه يقبض أنفس الكفار ملك أسود. قال: فبينا أنا كذلك إذ سمعت سقف البيت ينتقض، ثم انفرج حتى رأيت السماء. قال: ثم نزل علي رجل عليه ثياب بياض، ثم أتبعه آخر فصارا اثنين، فصاحا بالأسود، فأدبر وجعل ينظر إلي من بعيد. قال: وهم يزجرانه، قال داود: فقال صاحب الرأس لصاحب الرجلين: المس، فلمس بين أصابعي ثم قال له: كثر النقل بهما إلى الصلوات، ثم قال صاحب الرجلين لصاحب الرأس: المس، فلمس لهواتي ثم قال: رطبة بذكر الله عز وجل. قال: ثم قال أحدهما لصاحبه: لم يأن له بعد. قال: ثم انفرج السقف فخرجا؛ ثم عاد السقف كما كان. توفي داود بن أبي هند سنة تسع وثلاثين. وقيل: سنة سبع وثلاثين ومئة، في طريق مكة؛ وهو ابن خمس وسبعين سنة.

داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي

داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي سمع بدمشق. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعتق رقبة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى باليد اليد، وبالرجل الرجل، وبالفرج الفرج. فقال له علي بن حسين: يا سعيد سمعت هذا من أبي هريرة؟ قال: نعم. قال الغلام له، أقرب غلمانه: ادع لي قبطياً. فلما قام بين يديه قال: اذهب فأنت حر لوجه الله ". وحدث داود بن رشيد عن شعيب بن إسحاق بسنده عن عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بقرني شيطان ". وحدث عن سلمة بن بشر بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ". توفي داود بن رشيد يوم الجمعة لسبع خلون من شعبان سنة تسع وثلاثين ومئتين. وكان قد كف بصره. وكان يحيى بن معين يوثقه. وكان صدوقاً. قال داود بن رشيد: قمت ليلةً أصلي. فأخذني البرد لما أنا فيه من العري، فأخذني النوم؛ فرأيت فيما يرى النائم كأن قائلاً يقول لي: يا داود، أنمناهم وأقمناك، فتبكي علينا. قال إبراهيم الحربي: فأرى داود ما نام بعدها. وكان داود بن رشيد يقول: قالت حكماء الهند: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب، ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم مع حرص، ولا محبة مع هزء، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلم قلب مع

داود بن الزبرقان أبو عمرو

الغيبة، ولا راحة مع جسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع عرارة نفس وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهاون وجهالة وزراء. داود بن الزبرقان أبو عمرو الرقاشي البصري روى عن مطر الوراق بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة القرشي بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عبد الرحمن، لا تسل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها؛ وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك. وحدث عن زيد بن أسلم بسنده عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسفروا بالفجر فإنها مسفرة. ضعفه يحيى بن معين وقال: ليس بشيء. داود بن سلم يقال إنه مولى بني تميم بن مرة. ثم لآل أبي بكر الصديق، ويقال لآل طلحة شاعر من أهل المدينة قدم على حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية ومدحه؛ وله مدائح مستحسنة. ومن شعره في قثم بن العباس: نجوت من حل ومن رحلة ... يا ناق إن قربتني من قثم إنك إن بلغتنيه غداً ... عاش لنا اليسر ومات العدم في باعه طول وفي وجهه ... نور وفي العرنين منه شمم لم يدر ما لا وبلى قد درى ... فعافها واعتاض منها نعم

داود بن علي بن عبد الله

ومن شعره فيه: كم صارخ بك من راج وصارخة ... يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم يكاد يعلقه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم هذا الذي لم يضع للملك حرمته ... إن الكريم الذي تحظى به الحرم داود بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب، أبو سليمان الهاشمي ولي إمرة الكوفة في زمن ابن أخيه أبي العباس السفاح؛ ثم ولاه المدينة والموسم ومكة واليمن. قدم دمشق غير مرة. وقيل إنه كان قدرياً. حدث داود بن علي عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: بعثني العباس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيته ممسياً وهو في بيت خالتي ميمونة. قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل، فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي، وترد بها ألفتي، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء. اللهم أعطني إيماناً صادقاً، ويقيناً ليس بعده كفر، ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة؛ اللهم، إني أسألك الفوز عند القضاء، ونزل الشهداء، وعيش السعداء، ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء؛ اللهم أنزل بها حاجتي، وإن قصر رأيي وضعف عملي وافتقرت إلى

رحمتك، فأسألك يا قاضي الأمور، ويلا شافي الصدور، كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير، ومن دعوة الثبور، ومن فتنة القبور، اللهم ما قصر عنه رأيي وضعف عنه عملي، ولم تبلغه نيتي أو أمنيتي من خير وعدته أحداً من عبادك، أو خير أنت معطيه أحداً من خلقك؛ فإني أرغب إليك فيه. وأسألك يا رب العالمين. اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، حرباً لأعدائك، سلماً لأوليائك، نحب بحبك الناس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك. اللهم هذا الدعاء وعليك الاستجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مر المقربين الشهود، والركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، وأنت تفعل ما تريد. سبحان الذي تعطف العز وقال به. سبحان الذي لبس المجد وتكرم به. سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له. سبحان ذي الفضل والنعم. سبحان ذي القدرة والكرم. سبحان الذي أحصى كل شيء بعلمه. اللهم اجعل لي نوراً في قلبي، ونوراً في قبري، ونوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً في شعري، ونوراً في بشري، ونوراً في لحمي، ونوراً في دمي، ونوراً في عظامي، ونوراً من بين يدي، ونوراً من خلفي، ونوراً عن يميني، ونوراً عن شمالي، ونوراً من فوقي، ونوراً من تحتي؛ اللهم زدني نوراً، وأعطني نوراً، واجعل لي نوراً ". وعنه قال: أردت أن أعرف صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فسألته عن ليلته؟ فقيل: لميمونة الهلالية؛ فأتيتها فقلت: إني تنحيت عن الشيخ، ففرشت لي في جانب الحجرة. فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه صلاة العشاء الآخرة دخل إلى منزله، فحس حسي، فقال: يا ميمونة، من ضيفك؟ قالت: ابن عمك يا رسول الله عبد بن عباس. قال: فأوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فراشه. فلما كان في جوف الليل خرج إلى الحجرة، فقلب في أفق السماء وجهه ثم قال: نامت العيون،

وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم رجع إلى فراشه. فلما كان ثلث الليل الآخر خرج إلى الحجرة، فقلب في أفق السماء وجهه وقال: نامت العيون، وغارت النجوم، والله حي قيوم، ثم عمد إلى قربة في ناحية الحجرة، فحل شناقها، ثم توضأ فأسبغ وضوءه، ثم قام إلى مصلاه، فكبر وقام حتى قلت: لن يركع، ثم ركع فقلت: لن يرفع صلبه، ثم رفع صلبه، ثم سجد فقلت: لن يرفع رأسه، ثم جلس فقلت: لن يعود، ثم سجد فقلت: لن يقوم، ثم قام فصلى ثمان ركعات، كل ركعة دون التي قبلها، يفصل في كل ثنتين بالتسليم. وصلى ثلاثاً أوتر بهن بعد الاثنتين، وقام في الواحدة الأولى. فلما ركع الركعة الأخيرة، فاعتدل قائماً من ركوعه، قنت فقال: اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري.. الدعاء إلى آخره بمعنى الدعاء الأول، ثم سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان فراغه من وتره وقت ركعتي الفجر؛ فركع في منزله، ثم خرج فصلى بأصحابه صلاة الصبح. وعنه أيضاً قال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحماً ثم صلى ولم يتوضأ. قال محمد بن أبي رزين الخزاعي: سمعت داود بن علي حين بويع لبني العباس، وهو مسند ظهره إلى الكعبة فقال: شكراً شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهراً، ولا لنبني قصراً؛ ظن عدو الله أن لن نقدر عليه؛ أمهل الله له في طغيانه وأرخى له من زمامه، حتى عثر في فضل خطامه؛ فالآن أخذ القوس باربها، وعاد النبال إلى النزعة، وعاد الملك في نصابه، في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة. والله إن كنا لنشهد لكم ونحن على فرشنا، أمن الأسود والأبيض. لكم ذمة الله وذمة رسوله وذمة العباس، ها ورب هذه البنية لا نهيج أحداً. ثم نزل. قال جرير: سمعت سالم بن أبي حفصة يطوف بالبيت وهو يقول: لبيك مهلك بني أمية، فأجاره داود بن علي بألف دينار.

داود بن عمر بن حفص

مات داود بن علي سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وهو وال على المدينة، وهو ابن اثنتين وخمسين سنة. وإنما أدرك من دولتهم ثمانية أشهر. داود بن عمر بن حفص حدث بدمشق عن عمرو بن عثمان الحمصي بسنده عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. وإن أفاضلكم أحاسنكم أخلاقاً؛ وإن من الإيمان حسن الخلق ". داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط حدث عن بسر بن عبيد الله الحضرمي بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم. وحدث عن عبد الله بن أبي زكريا عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آيائكم، فأحسنوا أسماءكم ". داود بن عيسى بن علي ابن عبد الله بن عباس الهاشمي حدث عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن قول لا حول ولا قوة إلا بالله تدفع عن قائلها تسعاً وتسعين باباً، أدناها الهم ". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وإن صلة الرحم تزيد في العمر؛ وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء؛ وإن قول لا إله إلا الله تدفع عن قائلها تسعةً وتسعين باباً من البلاء، أدناها الهم.

داود بن عيسى النخعي

وحدث داود عن أبيه عن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أنه قال: دخلت يوماً على عمر بن عبد العزيز وعنده شيخ من النصارى، فقال له عمر بن عبد العزيز: من تجدون الخليفة بعد سليمان بن عبد الملك؟ قال له النصراني: أنت، فأقبل عمر بن عبد العزيز علي فقال: دمي في ثيابك يا أبا عبد الله. قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني من بالي، فرأيته يوماً في الطريق، فأمرت غلامي أن يحبسه لي، فذهبت إلى منزلي وسألته عمال يكون بعد خلفاء بني أمية واحداً واحداً، وتجاوز عن مروان بن محمد. قلت له: ثم من؟ قال: ثم ابنك ابن الحارثية. قال داود بن عيسى: فأخبرتني مولاةً لنا هي أثبت للحديث مني أنه قال: هو الآن حمل. داود بن عيسى النخعي من أهل الكوفة، سكن دمشق. حدث عن ميسرة بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعا عبد بهؤلاء الكلمات لمريض إلا شفاه الله، إلا مريض حضر أجله، قوله: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك. سبع مرات. وحدث عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اشترى شاةً لدرتها حلبها ثلاثة أيام، فهو بالخيار: إن شاء أمسك، وإلا رد صاعاً من تمر. داود بن فراهيج مولى سفيان تبن زياد. من بني قيس بن الحارث بن فهر، المديني روى عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ".

داود بن محمد المعيوفي الحجوري

وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة ". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المساجد الحرام ". وعن داود بن فراهيج قال أبو غسان: قدمنا معه الشام، ومعنا رجل من بني وعلة السبئي كان صاحب علم وحكم فقال له داود: أنت رجل شريف، الق هذا الرجل وتعرض له يعني الوليد بن يزيد فبالحري أن ترد علينا خيراً أو تجر منفعة، مع حظ مثلك من الخلفاء؛ فقال: إنه مقتول؛ فقال داود: مه، لا تقل ذلك، قال: نعم لتمام أربعين ليلةً من هذا اليوم، وهو انقضاء خلافة العرب إلى قيام صاحب الوادي من آل أبي سفيان، ثم تعود إلى الشام سنتهم حتى يكونوا أصحاب الأعماق. فقال داود بن فراهيج: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صاحب الأعماق الذي يهزم الله العدو على يديه نصر، فقال: إنما سمي نصراً لنصر الله إياه، فأما اسمه فسعيد. وثقه قوم، وضعفه آخرون. داود بن محمد المعيوفي الحجوري من قرية عين ثرما من غوطة دمشق. حدث عن أبي عمرو المخزومي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القرآن أفضل من كل شيء دون الله، ومن قرأ القرآن فقد وقر الله، ومن استخف بحق القرآن استخف بحق الله، وحرمة القرآن في التوراة وقار الله، وحملة القرآن

داود بن مروان بن الحكم

المخصوصون برحمة الله، ومن والاهم فقد والى الله؛ يدفع عن مستمع القرآن بلاء الدنيا، ويدفع عن قارئ القرآن بلاء الآخرة. ثم قال: يا حملة القرآن، إن أهل السماء يدعونكم. وذكر الحديث. داود بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أدرك عصر الصحابة وداره بدمشق. حدث عطاء قال: أراد داود بن مروان أن يجيز بين يدي أبي سعيد وهو يصلي وعليه حلة له، ومروان أمير المدينة فرده، فكأنه أبى، فلهده في صدره؛ فذهب الفتى إلى أبيه فأخبره، فدعا مروان أبا سعيد وهو يظن أنما لهده من أجل حلته قال: فذكر ذلك له، فقال: نعم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اردده، فإن أبى فجاهده. داود بن نفيع ويقال ابن نافع العبسي من أهل دمشق، وهو عم إبراهيم بن أبي شيبان. قال داود بن نافع: عدت عبيد الله بن أبي المهاجر وابن أبي زكريا، قال: فقال له بعض القوم: أبشر يا أبا الوليد؛ فقال: ما استعفيت الله من شكوى أسابتني منذ عقلت، ولا لقيت أحداً إلا بالذي في نفسي.

داود بن الوسيم بن أيوب

داود بن الوسيم بن أيوب ابن سليمان أبو سليمان البوشنجي سمع بدمشق. حدث عن عبد الرحمن بن الحسن الدمشقي بسنده عن بعز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للذي يحدث ويذب فيضحك القوم، ويل له، ويل له، مرتين ". وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الواحد الدمشقي بسنده عن معاذ عن أنس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي رزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه ". داود بن يزيد بن معاوية قال ابن عائشة: كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان: إنك أحدثت في القراطيس ما لم يكن؛ ولئن لم تنته عن ذلك لأشتمن نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما يعمل في مملكتي. فأهم ذلك عبد الملك فدخل عليه داود بن يزيد بن معاوية، فرآه مهموماً بما ورد عليه؛ فقال له: اضرب دنانير ودراهم أنقص من دنانيره، وأثبت فيها اسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليستغنى بها عما يضرب عنده. ففعل؛ وكان ذلك في سنة سبعين. ولا يؤخذ شيء مؤرخ بما قبل السبعين من الدنانير والدراهم العربية. شك فيه الحافظ؛ قال: والصواب خالد بن يزيد.

دثار بن الحارث النهدي الكوفي

دثار بن الحارث النهدي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن سليمان بن صرد قال: قال علي عليه السلام يوم الجمل: ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة. قال ابن عمار: أراه قال: سنة. قال عمر بن ذر: قدمنا على عمر بن عبد العزيز خمسة: موسى بن أبي كثير، ودثار النهدي، ويزيد الفقير، والصلت بن بهرام، وعمر بن ذر؛ فقال: إن كان أمركم واحداً فليتكلم متكلمكم؛ فتكلم موسى بن أبي كثير وكان أخوف ما يتخوف عليه أن يكون عرض بشيء من أمر القدر قال: فعرض له عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لو أراد الله أن لا يعصى لم يخلق إبليس وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلك لعلماً من كتاب الله عز وجل، علمه من علمه، وجهله من جهله؛ ثم تلا هذه الآية: " فإنكم وما تعبدون، ما أنتم عليه بفاتنين، إلا من هو صال الجحيم " ثم قال: لو أن الله عز وجل حمل خلقه من حقه على قدر عظمته لم يطق ذلك أرض ولا سماء، ولا ماء ولا جبل، ولكنه رضي من عباده بالتخفيف. دحمان الجمال قدم الشام، واستقدمه بعد ذلك الوليد بن يزيد. قال أبو محمد العامري: كان دحمان جمالاً يكري إلى المواضع ويتجر، وكان له مروءة؛ فبينا هو ذات يوم قد أكرى جماله وأخذ ماله، إذ سمع رنةً! فقام واتبع الصوت، فإذا جارية قد خرجت

تبكي، فقال لها: أمملوكة أنت؟ قالت: نعم؛ قال: لمن؟ قالت: لامرأة من قريش ونسبتها له فقال لها: أتبيعك؟ قالت: نعم. ودخلت على مولاتها فقالت: هذا إنسان يشتريني؛ قالت: ائذني له، فدخل فساومها بها حتى استقر الأمر بينهما على مئتي دينار، فاشتراها ونقدها الثمن، وانصؤف بالجارية. قال دحمان: فأقامت عندي مدة أطارحها ويطارحها معبد وغيره من المغنين؛ ثم خرجت بها بعد ذلك إلى الشام وقد حدقت، فكنت لا أزال أنزل ناحية وأعتزل بالجارية في محمل، وأطرح على المحمل أعبيةً وأجلس أنا وهي تحت ظلها، ثم أخرج شيئاً آكله؛ وتتغنى حتى نرحل. فلم نزل كذلك حتى قربنا من الشام؛ فبينا أنا ذات يوم نازل وأنا ألقي عليها لحني: فإني لآتي البيت ما إن أحبه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب وأغضي على أشياء منكم تسوءني ... وأدعى إلى ما سركم فأجبيب ورددته عليها حتى حفظته واندفعت تغنيه، وإذا براكب قد أقبل، فسلم علينا وقال: أتأذنون لي أن أنزل تحت ظلكم ساعة؟ قلنا: نعم، فنزل، وعرضت عليه الطعام فأجاب، واستعاد الصوت مراراً، ثم قال للجارية: أتروين لدحمان شيئاً من غنائه؟ قالت: نعم، قال: فغنيني صوتاً؛ فغنته أصواتاً من صنعتي، وغمزتها ألا تعرفيه أني دحمان؛ فطرب وامتلأ سروراً، حتى قرب وقت الرحيل، فأقبل علي وقال: أتبيعني هذه الجارية؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت كالعابث " بعشرة آلاف دينار. قال: قد أخذتها، فهلم دواةً وقرطاساً فجئته بذلك، فكتب فيه: ادفع إلى حامل هذا الكتاب ساعة تقرأه عشرة آلف دينار وتسلم منه الجارية، واستعلم مكانه وعرفنيه، واستوص به خيراً. وختم الكتاب ودفعه إلي وقال: إذا دخلت المدينة، فسل عن فلان فاقبض منه المال وسلم

دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة

إليه الجارية. ثم ركب. فلما أصبحنا، دخلنا المدينة، فحططت رحلي وقلت للجارية: البسي ثيابك وقومي معي وأنا لا أطمع في ذلك، ولا أظن الرجل إلا عابثاً فقامت معي، فخرجت بها وسألت عن الرجل فدللت عليه، وإذا هو وكيل الوليد بن يزيد، فأوصلت إليه الكتاب. فلما قرأه وثب قائماً وقبله وقال: السمع والطاعة لأمير المؤمنين. ثم دعا بعشرة آلاف دينار، فسلمت إلي وأنا لا أصدق أنها لي؛ فقال لي: أقم حتى أعلم أمير المؤمنين خبرك، فقلت له: حيث كنت فأنا ضيفك، وقد كان أمر لي بمنزل وكان بخيلاً قال: وخرجت، فصادفت كراً فقضيت حوائجي في يومي وغدي ورحلت. وذكرني صاحبي بعد أيام، فسأل عني وطلبني، فعرف برحيلي فأمسك، ولم يذكرني إلا بعد شهر؛ فقال لها وقد غنته صوتاً من صنعتي: لمن هذا؟ قالت: لدحمان، قال: وددت أني رأيته وسمعت غناءه، فقالت: قد رأيته والله وسمعت غناءه. قال: لا والله، ما رأيته قط ولا سمعته. قالت: بلى، والله قد رأيته وسمعت غناءه؛ فغضب وقال: أنا أحلف أني لم أره ولم أسمعه وأنت تعارضيني وتكذبيني؛ قالت: إن الرجل الذي اشتريتني منه دحمان، قال: ويحك! فهلا أعلمتني؟ قالت: نهاني عن ذلك، قال: وإنه لهو، والله لأجشمنه السفر، ثم كتب إلى عامل المدينة يحمل إليه. فحمل ولم يزل أثيراً عنده. دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة ابن زيد بن امرئ القيس بن الخرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن بكر بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي له صحبة، وهو الذي كان جبريل عليه السلام يأتي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورته. وبعثه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتابه إلى قيصر، فأوصله إلى عظيم بصرى؛ وشهد

اليرموك، وكان أميراً على كردوس؛ وسكن دمشق بعد ذلك، وكان منزله بالمزة. حدث دحية قال: قلت: يا رسول الله، ألا أحمل لك حماراً على فرس فينتج لك بغلاً؟ قال: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. وعن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال، في رمضان، ثم إنه أفطر وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا؛ فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه؛ إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك. وعن دحية بن خليفة أنه قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقباطي، فأعطاني منها قبطية فقال: اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصاً، وأعط الآخر امرأتك تختمر به. فلما أدبر قال: وأمر امرأتك تجعل تحته ثوباً لا يصفها. أسلم دحية قديماً قبل بدر، ولم يشهدها. وكان يشبه بجبريل. وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشاهد بعد بدر. وبقي إلى زمن معاوية بن أبي سفيان. وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى قيصر؛ وفيه نزلت: " وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها ".

قال ابن ماكولا: خزج، بخاء معجمة مفتوحة، وزاي ساكنة، وجيم؛ واسمه زيد، وإنما سمي الخزج لعظم لحمه؛ وفي كتاب ابن سعيد: دحية، بفتح الدال. وعن دحية الكلبي قال: قدمت من الشام فأهديت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك، فوضعته بين يديه فقال: اللهم، ائتني بأحب أهلي إليك أو قال: إلي يأكل معي من هذا. فطلع العباس، فقال: ادن يا عم، فإني سألت الله أن يأتيني بأحب أهلي إلي أو إليه يأكل معي من هذا فأتيت. قال: فجلس فأكل. وعن دحية الكلبي قال: أهديت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة صوف وخفين، فلبسهما حتى تخرقا، ولم يسل عنهما ذكيتا أم لا. قال خليفة بن خياط: في سنة خمس بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دحية بن خليفة إلى قيصر، في الهدنة. قال دحية الكلبي: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي بكتاب إلى قيصر، فقمت بالباب فقلت: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففزعوا لذلك، فدخل عليه الآذن فقال: هذا رجل بالباب يزعم أنه رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأذن لي، فدخلت عليه، فأعطيته الكتاب فقرئ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم، فإذا ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر، قد نخر ثم قال: لم لم يكتب: إلى ملك الروم ولم يبدأ بك؟! لا تقرأ كتابه اليوم. فقال لهم: اخرجوا؛ فدعا الأسقف، وكانوا يصدون عن رأيه ويقبلون قوله. فلما قرئ عليه الكتاب

قال: هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى، هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى، هو والله رسول الله الذي بشرنا به موسى وعيسى؛ قال: فأي شيء ترى؟ قال: أرى أن تتبعه. قال قيصر: وأنا أعلم ما تقول، ولكن لا أستطيع أن أتبعه، يذهب ملكي ويقتلني الروم. وفي حديث آخر عنه قال: وجهني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملك الروم بكتابه وهو دمشق؛ فناولته كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل خاتمه ووضعه تحت شيء كان عليه قاعداً، ثم نادى؛ فاجتمع البطارقة وقومه، فقام على وسائد بنيت له وكذلك كانت فارس والروم لم يكن لها منابر ثم خطب أصحابه فقال: هذا كتاب النبي الذي بشرنا به المسيح من ولد إسماعيل بن إبراهيم؛ قال: فنخروا نخرةً، فأومى بيده أن اسكتوا، ثم قال: إنما جربتكم كيف نصرتكم للنصرانية. قال: فبعث إلي من الغد سراً، فأدخلني بيتاً عظيماً فيه ثلاث مئة وثلاث عشرة صورة، فإذا هي صور الأنبياء المرسلين. قال: انظر أين صاحبك من هؤلاء؟ قال: فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه ينطق، قلت: هذا، قال: صدقت؛ فقال: صورة من هذا عن يمينه؟ قلت: رجل من قومه يقال له أبو بكر الصديق قال: فمن ذا عن يساره؟ قلت: رجل من قومه يقال له عمر بن الخطاب؛ قال: أما إنه نجد في الكتاب أن بصاحبيه هذين يتمم الله هذا الدين. فلما قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته فقال: صدق، بأبي بكر وعمر يتمم الله هذا الدين بعدي ويفتح. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على معرفة فرس دحية الكلبي وهو يكلمه، قالت: قلت: يا رسول الله؛ رأيتك واضعاً يدك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه، قال: أو رأيتيه؟ قالت: نعم، قال: ذاك جبريل، وهو يقرئك السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، جزاه الله من صاحب ودخيل حيراً، فنعم الصاحب ونعم الدخيل.

دحيم بن عبد الجبار بن دحيم

قال: الدخيل: الضيف. وفي حديث آخر بمعناه قال: ذاك جبريل، أمرني أن أمضي إلى بني قريظة. وعن أبي هريرة قال: قدم دحية الكلبي المدينة وكان جميلاً فخرج ناس يوم الجمعة من المسجد والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يسألون عن السعر، وخرج جوار من جواري المدينة يضربن بدفوفهن، فأنزل الله عز وجل: " وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً ". قال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله؛ قال له عوانة: أجمل الناس من نزل جبريل على صورته يعني دحية الكلبي. وفي حديث ابن عباس أنه قال: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه لجماله. وإذا خرج المعاصر وهن يحجبن ويمنعن من الخروج كان النساء أحرى بالخروج. وأما ما روي أن دحية الكلبي أسلم في زمن أبي بكر رضي الله عنه فإنه منكر؛ ولو لم يكن دحية مسلماً في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبعثه سريةً وحده، ولا كان جبريل عليه السلام يتشبه في صورته. والله أعلم. دحيم بن عبد الجبار بن دحيم ابن محمد بن دحيم، أبو الحسن الغنسي الداراني حدث عن أبي الحسن علي بن بكر بسنده أن أبا بكر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، عصموا مني دماءهم وأموالهم ".

دراج بن سمعان

دراج بن سمعان ويقال اسمه عبد الرحمن، ودراج لقب، أبو السمح المصري حدث عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة مئة درجة، فلو أن الناس كلهم في درجة واحدة لوسعتهم ". وحدث عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في النار لحيات مثل أعناق البخت، تلسع أحدهم اللسعة يجد حموتها أربعين خريفاً؛ وإن في النار لعقارب أمثال البغال الموكفة، تلسع أحدهم اللسعة يجد حموتها أربعين خريفاً ". وحدث عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصدق الرؤيا بالأسحار ". وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الشتاء ربيع المؤمن ". وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون ". قال أبو السمح: كنت بالشام أطلب العلم، فآواني الليل إلى رفيقة طبخوا قدراً لهم، فتعشيت معهم، فقاموا إلى صلاة من غير وضوء؛ فأنكرت ذلك عليهم وقلت: أكلتم طعاماً قد مسته النار لا تتوضؤون منه؟! فقال رجل منهم: ترى من ترى هاهنا، ليس منهم رجل إلا وقد بايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يتوضؤون مما مست النار.

درباس بن حبيب بن درباس

قال أبو السمح: أدركت زماناً إذا سمعنا بالرجل قد جمع القرآن حججنا إليه فنظرنا إليه. وثقه قوم، وضعفه الأكثرون. توفي في سنة ست وعشرين ومئة. وكان يقص بمصر. درباس بن حبيب بن درباس ابن لاحق بن معد بن ذهل، ويقال: درواس بن حبيب بن درواس وفد على هشام بن عبد الملك. حدث الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء المقرئ قال: سمعت عاصم بن الحدثان يحدث أن البادية قحطت زمن هشام بن عبد الملك، فقدمت وفود العرب من القبائل؛ فجلس هشام لرؤسائهم، فدخلوا عليه وفيهم درباس بن حبيب وله أربع عشرة سنة، عليه شملتان، له ذؤابة، فأحجم القوم وهابوا هشاماً، فوقعت عين هشام على درباس فاستصغره فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يصل إلي إلا قد وصل حتى الصبيان! فعلم درباس أنه يريده، فقال يا أمير المؤمنين، إن دخولي لم يضرك ولا أنقصك ولكنه شرفني، وإن هؤلاء قدموا لأمر فأحجموا دونه؛ وإن الكلام لنشر، وإن السكوت طي لا يعرف إلا بنشره؛ قال: فانشر لا أبالك وأعجبه كلامه. فقال: إنه أصابتنا سنون ثلاث، فسنة أكلت اللحم، وسنة أذابت الشحم، وسنة أنقت العظم؛ وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله عز وجل ففرقوها على عباد الله، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها، فإن الله عز وجل يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، يا أمير المؤمنين، أشهد

درباج بن أحمد بن محمد بن المرجى

بالله لقد سمعت أبي حبيب بن درباس بن لاحق يحدث عن أبيه عن جده لاحق بن معد بن ذهل انه وفد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعه يقول: " كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، وإن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة له إلا بها. فاحفظ ما استرعاك الله عز وجل من رعيته. فقال هشام: سمعاً لمن فهم عن الله وذكر به؛ ثم قال هشام: ما ترك الغلام في واحدة عذراً. ثم أمر أن يقسم في أهل البوادي ثلاث مئة ألف، وأمر لدرباس بمئة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ارددها إلى جائزة المسلمين فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم؛ قال: فما لك حاجة؟ قال: تقوى الله عز وجل، والعمل بطاعته؛ قال: ثم ماذا؟ قال: مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين. وفي حديث آخر بمعناه أنه أمر له بمئة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، ألكل رجل منها مثلها؟ قال: لا، قال: لا حاجة لي فيها، تبعث علي صدقة. فلما صار إلى منزله بعث إليه بالمئة ألف درهم، ففرق درواس في تسعة أبطن من العرب حوله عشرة آلاف عشرة آلاف، وأخذ لنفسه عشرة آلاف. فقال هشام: إن الصنيعة عند درواس لتضعف على سائر الصنائع. درباج بن أحمد بن محمد بن المرجى أبو الحسن السلمي الشاهد الدمشقي روى بدمشق عن أحمد بن محمد بن سليمان الدمشقي بسنده عن أبي شجرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإسلام ثلاث مئة وستون شريعة. من أتى الله عز وجل بخصلة منها دخل الجنة.

درع بن عبد الله أبو الخير الزهيري

وحدث عن أبي الحسن بن أبي الحديد بسنده عن أنس بن مالك قال: ما صليت خلف إمام قط أخف ولا أتم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي درباج في سنة خمس مئة. وقيل: في سنة ست وتسعين وأربع مئة. درع بن عبد الله أبو الخير الزهيري حدث عن أبي القاسم علي بن عبد الله المقرئ بسنده عن عروة بن الزبير أن رجلاً قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته، أيعيد الوضوء؟ فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل بعض نسائه ثم لا يعيد الوضوء. قال: فقلت لها: لأن كان ذلك ما كان إلا منك؟ قال: فسكتت. دريد بن الصمة بن بكر ابن علقمة بن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور وفيه خلاف أبو قرة الجشمي واسم الصمة معاوية. وفد على الحارث بن أبي شمر، المعروف بابن جفنة الغساني. خطب دريد بن الصمة الخنساء ابنة عمرو بن الشريد فلم تجبه فقال فيها من أبيات: كفاك الله يابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي أتزعم أنني شيخ كبير ... وهل أنبأتها أني ابن أمس كانت له أيام وغارات، وكان من فرسان قيس المعدودين؛ أحضره مالك بن عوف النصري يوم حنين معه فقتل طافراً.

حدث المدائني قال: قال دريد بن الصمة: كفى بالمروءة صاحباً، ومن كانت له مروءة فليظهرها، وقومه أعلم به. روى هشام بن محمد الكلبي: أن دريد بن الصمة خطب الخنساء بنت عمرو إلى أخويها صخر ومعاوية، فوافقها وهي تهنأ إبلاً لها، فاستأمرها أخواها فيه؟ فقالت: أترونني تاركةً بني عمي كأنهم عوالي الرماح، ومرتثةً شيخ بني جشم؟! قال: فانصرف دريد وهو يقول: ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم هاني أينق صهب متبذلاُ تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب قالوا: وعاش دريد بن الصمة نحواً من مئتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه. وأدرك الإسلام ولم يسلم؛ وقتل يوم حنين، وإنما خرجت به هوازن تتيمن به. وإنه لما كبر أراد أهله أن يحبسوه، وقالوا: إنا حابسوك ومانعوك من الكلام منع الناس، وقد خشينا أن تخلط فيروي ذلك الناس علينا ويرون منك علينا عاراً فقال: أو قد خشيتم ذلك مني؟ قالوا: نعم، قال: فانحروا جزوراً واصنعوا طعاماً واجمعوا لي قومي حتى أحدث إليهم عمداً؛ فنحروا جزوراً وعملوا طعاماً، ولبس ثياباً حساناً وجلس لقومه؛ حتى إذا فرغوا من طعامهم قال: اسمعوا مني، فإني أرى أمري بعد اليوم صائراً لغيري، قد زعم أهلي أنهم قد خافوا علي الوهم، وأنا اليوم خبير بصير، إن النصيحة لا تهجم على فضيحة. أما أول ما أنهاكم عنه فأنهاكم عن محاربة الملوك، فإنهم كالسيل بالليل، لا تدري كيف تأتيه ولا من أين يأتيك؛ وإذا دنا منكم الملوك وادياً فاقطعوا بينكم وبينه واديين؛ وإن أجدبتم فلا ترعوا حمى الملوك وإن أذنوا لكم، فإن من يرعاه غانماً لم يرجع سالماً؛ ولا تحقرن شراً، فإن قليله كثير؛ واستكثروا من الخير، فإن زهيده كثير. اجعلوا

السلام محياة بينكم وبين الناس. ومن خرق ستركم فارقعوه، ومن حاربكم فلا تغفلوه، وروا منه ما يرى منكم، واجعلوا عليه حدكم كله؛ ومن ترككم فاتركوه؛ ومن أسدى إليكم خيراً فلأأضعفوه له، وإلا فلا تعجزوا أن تكونوا مثله. وعلى كل إنسان منكم بالأقرب إليه، يكفي كل إنسان ما يليه؛ إذا التقيتم على حسب فلا تواكلوا فيه؛ وما أظهرتم من خير فاجعلوه كبيراً ولا يرى رفدكم صغيراً. ولا تنافسوا السؤدد، وليكن لكم سيد، فإنه لا بد لكل قوم من شريف. ومن كانت له مروءة فليظهرها، ثم قومه أعلم، وحسبه بالمروءة صاحباً. ووسعوا الخير وإن قل، وادفنوا الشر يمت. ولا تنكحوا دنيئاً من غيركم، فإنه عار عليكم. ولا يحتشمن شريف أن يرفع وضيعه بأياماه. وإياكم والفاحشة في النساء، فإنها عار أبد، وعقوبة غد. وعليكم بصلة الرحم فإنها تعظم الفضل، وتزين النسل؛ وأسلموا ذا الجريرة بجريرته؛ ومن أبى الحق فأعلقوه إياه؛ وإذا عنيتم بأمر فتعاونوا عليه تبلغوا، ولا تحضروا ناديكم السفيه؛ ولا تلحوا بالباطل فيلج بكم. وفي ذكر قصة اجتماع هوازن لحرب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: وحضرها دريد بن الصمة، وهو يومئذ ابن ستين ومئة سنة، شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً مجرباً، وقد ذهب بصره يومئذ؛ وجماع الناس ثقيف وغيرها من هوازن إلى مالك بن عوف النصري. فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس فجاؤوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حنى نزلوا بأوطاس، واجتمع الناس به، فعسكروا وأقاموا به، وجعلت الأمداد تأتيهم من كل ناحية؛ ودريد بن الصمة يومئذ في شجار يقاد به على بعير، فمكث على بعيره، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل، لا حزن ضرس،

ولا سهل دهس؛ مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير؟! قالوا: ساق مالك مع الناس أبناءهم وأموالهم ونساءهم. قال: يا معشر هوازن، أمعكم من بني كلاب بن ربيعة أحد؟ قالوا: لا، قال: فمعكم من بني كعب بن بيعة أحد؟ قالوا: لا، قال: فمعك من بني هلال بن عامر أحد؟ قالوا: لا، قال دريد: لو كان خيراً ما سبقتموهم إليه، ولو كان ذكراً وشرفاً ما تخلفوا عنه، فأطيعوني يا معشر هوازن، وارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء، فأبوا عليه؛ قال: فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر؛ قال: ذانك الجذعان من عامر، لا يضران ولا ينفعان، ثم قال: أين مالك؟ قالوا: هذا مالك، فقال: يا مالك، إنك تقاتل رجلاً كريماً، وقد أصبحت رئيس قومك، فإن هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام، يا مالك، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر وبكاء الصغير ويعار الشاة؟ قال مالك: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم. قال دريد: ولم؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتلوا عنهم. قال: فأنقض بيده ثم قال: راعي ضأن! ماله وللحرب، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك؛ ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الجد والحد، ولو كان يوم رفعة وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب. يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً، فإذ صنعت ما صنعت فلا تعصني في هذه الخطة: ارفعهم إلى ممتنع بلادهم، وعليا قومهم وعزهم، ثم الق القوم على متون الخيل، فإن كان لك لحق بك من وراءك وكان أهلك لا فوت عليهم، وإن كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك. فغضب مالك من قوله وقال: والله لا أفعل ولا أغير أمراً صنعته، إنك قد كبرت وكبر علمك، وحدث بعدك من هو أبصر بالحرب منك. قال دريد: يا معشر هوازن، والله ما هذا لكم برأي، هذا فاضحكم في عوراتكم، وممكن منكم عدوكم، ولاحق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا واتركوه. قال: فسل مالك سيفه ثم نكسه ثم قال: يا معشر هوازن، لتطيعني أو لأتكئن على السيف حتى يخرج من ظهري. وكره مالك أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي. فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: والله لئن عصينا مالكاً وهو ساب ليقتلن نفسه، ونبقى مع دريد، شيخ كبير، لا قتال فيه ابن ستين ومئة سنة. فأجمعوا رأيهم مع مالك. فلما رأى دريد أنهم قد خالفوه قال: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع وكان دريد قد ذكر بالفروسية والشجاعة ولم يكن له عشرون سنة، وكان سيد بني جشم وأوسطهم نسباً، ولكن السن أدركته حتى فني فناءً. قالوا: وقال مالك للناس: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد. قالوا: فبعث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً تتبع من سلك نخلة ولم تتبع من سلك الثنايا؛ ويدرك ربيعة بن رفيع بن وهبان بن ثعلبة، فأدرك ربيعة دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه كان في شجار له فإذا هو رجل، فأناخ به وهو شيخ كبير ابن ستين ومئة سنة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام فقال له

دعبل بن علي بن رزين بن عثمان

دريد: ما تريد؟ قال: أقتلك، قال: وما تريد إلى المرعس الكبير الفاني الأدرد؟ قال الفتى: ما أريد إلى غيره ممن هو على مثل دينه، قال له دريد: من أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي. قال: فضربه بسيفه فلم يغن شيئاً. قال دريد: بئس ما سلحتك أمك، خذ سيفي من وراء الرحل في لاشجار فاضرب به، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال؛ ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك. زعمت بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف للموت عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت: والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً في غداة واحدة، وجز ناصية أبيك. قال الفتى: لم أشعر. د وقالت عمرة ابنة دريد في قتل ربيعة دريداً من أبيات: جزى عنا الإله بني سليم ... وأعقبهم بما فعلوا عقاق وأسقانا إذا سرنا إليهم ... دماء خيارهم عند التلاقي فرب عظيمة دافعت عنهم ... وقد بلغت نفوسهم التراقي ورب كريمة أعتقت منهم ... وأخرى قد فككت من الوثاق دعبل بن علي بن رزين بن عثمان أبو علي الخزاعي الشاعر المشهور. وفي نسبه اختلاف، له شعر رائق. يقال: أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسياء، وأكثر مقامه ببغداد، وسافر إلى غيرها، وقدم دمشق ومصر.

ويقال إن اسمه محمد وكنيته أبو جعفر، ودعبل لقب؛ ويقال: الدعبل، البعير المسن، ويقال: الشيء القديم. حدث عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وغيرهم. روى عن مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخل ". وحدث عنه بسنده عن أبي هريرة قال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه حتى قبضه الله عز وجل إليه. وحدث عن شعبة بن الحجاج بسنده عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال: في القبر إذا سئل المؤمن. قال أحمد بن أبي داود: خرج دعبل بن علي إلى خراسان، فنادم عبد الله بن طاهر، فأعجب به، فكان في كل يوم ينادمه فيه، يأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً، وابن طاهر يصله في كل شهر بمئة ألف وخمسين ألف درهم. فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل يوم منادمته في بعض الخانات، وطلبه فلم يقدر عليه، فشق ذلك عليه. فلما كان من الغد كتب: هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل ترتجى فيك الزيادة بالكفر ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر فملآن لا آتيك إلا معذراً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر فإن زدت في بري تزيدت جفوةً ... ولم نلتقي حتى القيامة والحشر

وقد حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير. فوصله بثلاث مئة ألف درهم ". قدم دعبل مصر هارباً من المعتصم لهجو هجاه به، وخرج منها إلى المغرب إلى الأغلب. وكان خبيث اللسان، قبيح الهجاء. وروي عنه أحاديث مسندة عن مالك بن أنس وعن غيره، وكلها باطلة من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي. وقيل: كان اسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وكان أطروشاً، وكان في قفاه سلعة. استنشد المأمون يوماً عبد الله بن طاهر بن الحسين من شعر دعبل بن علي قوله: سقياً ورعياً لأيام الصبابات ... أيام أرفل في أثواب لذاتي أيام غصني رطيب من لدونته ... أصبو إلى غير كناتي وجاراتي دع عنك ذكر زمان فات مطلبه ... واقذف برجلك عن متن الجهالات واقصد بكل مديح أنت قائله ... نحو الهداة بني بيت الكرامات فلما أتى على القصيدة قال المأمون: لله دره، ما أغوصه وأنصفه وأوصفه! ثم قال: إنه وجد والله مقالاً فقال، ونال من بعيد ذكرهم ما من غيرهم لا ينال. قال أبو طالب الدعبلي: أنشدنا علي بن الجهم وليست له وجعل يعيدها ويستحسنها: لما رأت شيباً يلوح بمفرقي ... صدت صدود مفارق متجمل فظللت أطلب وصلها بتذلل ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي

قال أبو طالب: ومن أحسن ما قيل في هذا قول جدي دعبل بن علي: أين الشباب وأيةً سلكا ... لا أين يطلب ضل بل هلكا لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى لا تأخذي بظلامتي أحداً ... طرفي وقلبي في دمي اشتركا قال أبو هفان: أنشدني دعبل لنفسه: وداعك مثل وداع الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الديم عليك السلام فكم من وفاء ... أفارق منك وكم من كرم فقلت له: أحسنت، غير أنك سرقت البيت الأول من الربعيين. النصف الأول من القطامي: ما للكواعب ودعن الحياة وإن ... ودعتني واتخذن الشيب ميعادي والنصف الثاني من ابن بجرة حيث يقول: عليك سلام الله وقفاً فإنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف فقال لي: بل الطائي سرق هذا البيت بأسره من ابن بجرة في قصيدته المعروفة بالمسروقة، رثى بها محمد بن حميد الطوسي، وأولها: كذا فليجل الخطب أو يفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عذر

إلى قوله: عليك سلام الله وقفاً فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عمر قال دعبل: بينا أنا جالس على باب داري بالكرخ إذ مرت بي غصن جارية ابن الأحدب، وكانت شاعرة مغنية، يبلغني خبرها ولم أكن شاهدتها، فرأيت وجهاً جميلاً وقداً حسناً، وقواماً وشكلاً، وهي تخطر في مشيتها وتنظر في أعطافها فقلت لها: دموع عيني بها انبساط ... ونوم عيني به انقباض فقالت مسرعةً: ذاك قليل لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض فقلت: فهل لمولاي عطف قلب ... أم للذي في الحشا انقراض فقالت: إن كنت تهوى الوداد منا ... فالود في ديننا قراض فما دخل في أذني كلام أحلى من كلامها، ولا رأت عيني أنضر وجهاً منهال. فعدلت بها عن ذلك الروي فقلت: أترى الزمان يسرنا بتلاق ... ويضم مشتاقاً إلى مشتاق فقالت: ما للزمان يقال فيه فإنما ... أنت الزمان فسرنا بتلاق

قال دعبل لإبراهيم بن العباس: أريد أن أصحبك إلى خراسان، فقال له إبراهيم: حبذا أنت صاحباً مصحوباً إن كنا على شريطة بشار، قال: وما شريطة بشار؟ قال: قوله: أخ خير من آخيت أحمل ثقله ... ويحمل عني حين يفدحني ثقلي أخ إن نبا دهر به كنت دونه ... وإن كان كون كان لي ثقة مثلي أخ ماله لي لست أرهب بخله ... ومالي له لا يرهب الدهر من بخلي قال: ذلك لك، ومزية. فاصطحبا. أنشد أبو العباس المبرد لدعبل: أخ لك عاداه الزمان فأصبحت ... مذممة فيما لديه العواقب متى ما تحذره التجارب صاحباً ... من الناس تردده إليك التجارب كان علي بن القاسم الخوافي مدح أبا عمرو احمد بن نصر، وتردد إليه بعد أن مدحه، ولم يخرج الجواب كما أحبه، فكتب إليه رقعةً يقول فيها: قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه: يا من يوقع لا في قصتي أبداً ... ماذا يضرك لو وقعت لي نعماء وقع نعم ثم لا تنوي الوفاء بها ... إن كنت من قوله باللفظ محتشما أو لا قوقع عسى كيما تعللني ... فإن قولك لا يبكي العيون دما وكتب في رقعته: ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر: افعل الخير ما استطعت وإن كا ... ن قليلاً فلن تحيط بكله ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله؟ وكتب في رقعته: إن دعبل بن علي كتب إلى عبد الله بن طاهر:

ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي: ... ماذا أخذت من الجواد المفضل؟ إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بما له لم يجمل فاحتل لنفسك كيف شئت فإنني ... لا بد مخبرهم وإن لم أسأل وفد دعبل إلى عبد الله بن طاهر، فلما وصل إليه قام تلقاء وجهه وأنشد: أتيت مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب فدخل عبد الله ووجه إليه بستين ألف درهم، ورقعة فيها مكتوب: أعجلتنا فأتاك أول برنا ... قلاً ولو أخرته لم يقلل فخذ القليل وكن كمن لم يقبل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل ومن شعر دعبل: هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الضمير هوىً ووداً ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا ومن شعر دعبل: أهملته حين لم آملك مقادته ... ثم انقبضت بودي عنه وانقبضا فقلت للنفس عديه منىً نزحت ... به النوى، أو من القرن الذي انقرضا فما بكيت عليه حين فارقني ... ولا وجدت له بين الحشا مضضا

ومن شعره: كيف احتيالي لبسط الضيف من حصر ... عند الطعام فقد ضاقت به حيلي أخاف يزداد قولي: كل، فأحشمه ... والكف يحمله مني على البخل حدث ضبي وهو أحمد بن عبد الله راوية العتابي وكان سميراً لعبد الله بن طاهر أن عبد الله بن طاهرن بينا هو معه ذات ليلة إذ تذاكرا الأدب وأهله، فذكرا دعبل بن علي، فقال عبد الله بن طاهر: يا ضبي، أريد أن أوعز إليك بشيء تستره علي أيام حياتي، فقلت: أنا عبدك وأنا في موضع تهمة؟! قال: لا، ولكن أطيب لنفسي أن توثق لي بالإيمان، فقلت: أصلحك الله، إن كنت عندك في هذه الحال فلا حاجة بك إلى إفشاء سرك إلي، واستعفيته، فلم يعفني، فقلت: يرى الأمير رأيه، فأكد اليمين علي بالبيعة والطلاق ثم قال: أشعرت أني أظن دعبلاً مدخول النسب وأمسك؟ فقلت: أفي هذا أخذت علي الأيمان؟ قال: إي والله، قلت: ولم؟ قال: لأني في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه ولايجد من يصلبه عليه، فأتخوف إن بلغه أن يلقي علي من الخزي ما يبقى على الدهر، وقصاراي إن ظفرت به وأسلمته اليمن وما أراها تسلمه لأنه لسانها وشاعرها والذاب عنها، والمحامي دونها أن أضربه مئة سوط، وأثقله حديداً وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوضاً مما سار من الهجاء في وفي عقبي من بعدي، قلت: أتراه يفعل ذلك ويقدم عليك؟ قال: يا عاجز، أهون ما لم يكن عليه، أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي، ولم يكن يقدم علي؟! قلت: إذا كان الأمر على ما وصفت فقد وفق الأمير فيما أخذ علي قال: وكان دعبل لي صديقاً فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قلت إنه مدخول النسب؟ فوالله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتاً أكرم من بيته إلا بيت أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه دنيةً، قال: ويحك! كان دعبل غلاماً خاملاً أيام ترعرع، لا يؤبه له، وكان خله لا يدرك بقله، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد إزار لا يملكان غيره شيئاً، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عارياً، وإذا أراد الخروج فعل دعبل مثل ذلك؛ وكانا إذا

اجتمعا لدعوة يتلاصقان بطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر الباقي. وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل: أين الشباب وأيةً سلكا ... لا، أين يطلب ضل بل هلكا لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى قصر الغواية عن هوى قمر ... وجد السبيل إليه مشتركا وعداً بأخرى عز مطلبها ... صباً يطامن دونها الحسكا يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سفكا لاتأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا إلى آخرها. فغني به هارون الرشيد، فاستحسنه واستجاد قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى فقال للمغني: لمن هذا الشعر؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال: من هو؟ قال: دعبل بن علي، قال: يا غلام، أحضرني عشرة آلاف درهم وحلةً من حللي ومركباً من مراكبي خاصة، فأحضر ذلك، فقال: ادع لي فلاناً، فقال: اذهب بهذا إلى دعبل، وأجاز المغني بجائزة عظيمة؛ وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون، فإن صار وإلا أعفاه، فأتاه الرسول وأشار عليه بالمصيرإليه، فانطلق دعبل معه، فلما مثل بين يديه سلم، فرد عليه هارون السلام ورحب به وقربه حتى سكن روعه، واستنشده الشعر فأنشده، وأعجب به وأقام عنده يمتدحه. وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها، وكان الرشيد أول من ضراه على قول الشعر؛ فما كان إلا بعد ما غيب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهجو آل الرشيد، فمن ذلك قوله: وليس حي من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار على جزر قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأهل الروم والخزر أرى أمية معذورين إن قتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذر أبناء حرب ومروان وأسرتهم ... بنو معيط ولاة الحقد والوغر قوم قتلتم على الإسلام أولهم ... حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر أربع بطوس على القبر الزكي به ... إن كنت تربع من دين على وطر قبران في طوس: خير الناس كلهم ... وقبر شرهم، هذا من العبر ماينفع النجس من قرب الزكي ولا ... على الزكي بقرب النجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت ... يداه حقا فخذ ما شئت أو فذر القبران اللذان بطوس: قبر هارون والآخر قبر الرضا علي بن موسى. فوالله ما كافأه، هذه واحدة ياضبي وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلاً إلى أن كان من أمره مع إبراهيم بن شكلة، وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة، فأرسل إليه دعبل يقول من أبيات: أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كل أطلس مائق إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق فضحك المأمون وقال: قد غفرنا لدعبل كل ماهجانا به بهذا البيت؛ وكتب إلى أبي

طاهر أن يطلب دعبلاً حيث كان ويؤمنه، فكتب إليه وحمله وأجازه، وأشار إليه بالمصير إلى المأمون، فتحمل دعبل إلى المأمون. وثبت المأمون في الخلافة، وضرب الدنانير باسمه؛ وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناهى إليه قول دعبل: مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالركن والتعريف والجمرات فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال: أنشدني ولابأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها، إلا أني أحب أن أسمعها من فيك، فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع: ألم تراني مذ ثلاثين حجةً ... أروح وأغدو دائم الحسرات أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ... وأيديهم من فيئهم صفرات وآل رسول الله نحف جسومها ... وآل زياد غلظ القصرات بنات زياد في القصور مصونةً ... وبنت رسول الله في الفلوات إذا وتروا مدوا إلى واتريهم ... أكفاً عن الأوتار منقبضات فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد ... تقطع قلبي إثرهم حسرات قال: فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته، وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل إليه وخارج من عنده. فلم نشعر إلا وقد عتب على المأمون وأرسل إليه بشعر يقول فيه: ويسومني المأمون خطة ظالم ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟ يوفي على هام الخلائق مثلما ... توفي الجبال على رؤوس القردد لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما ... حلم المشايخ مثل جهل الأمرد

إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأبعد فلما سمع هذا المأمون قال: كذب علي، متى كنت خاملاً؟! وإني لخليفة وابن خليفة وأخو خليفة، ومتى كنت خاملاً فيرفعني دعبل؟! فوالله ما كافأه ولا كافأ أبي ما أسدى إليه. وذلك أنه لما توفي أنشأ يقول: وأبقى طاهر فينا خلالاً ... عجائب تستخف بها الحلوم ثلاثة إخوة لأب وأم ... تمايز عن ثلاثتهم أروم فبعضهم يقول قريش قومي ... وتدفعه الموالي والصميم وبعض في خزاعة منتماه ... ولاء غير مجهول قديم وبعضهم يهش لآل كسرى ... ويزعم أنه علج لئيم لقد كثرت مناسبهم علينا ... فكلهم على حال زنيم فهذه الثالثة يا ضبي. وأما الرابعة: فإنه لما استخلف المعتصم دخل عليه دعبل ذات يوم، فأنشده قصيدة، فقال: أحسنت يا دعبل، فاسألني ما أحببت، قال: مئة بدرة، قال: نعم، على أن تمهلني مئة سنة ويضمن لي أجل معها؛ قال: قد أمهلتك ما شئت. وخرج مغضباً، فلقي خصياً قد كان عوده أن يدخل مدائحه إلى أمير المؤمنين ويجعل له سهماً من الجائزة، فقال: ويحك! إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجةً لي أن أذكرها له، فأذكرها في أبيات وتدخلها له؟ قال: نعم، ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعةً ثم أجابه فأخذ رقعةً فكتب فيها: بغداد دار الملوك كانت ... حتى دهاها الذي دهاها ما غاب عنها سرور ملك ... أعاره بلدةً سواها ما سر من را بسر من را ... بل هي بؤس لمن يراها

عجل ربي لها خراباً ... برغم أنف الذي ابتناها وختمها ودفعها إلى الخصي، فأدخلها إلى المعتصم. فلما رآها قال: من صاحب هذه الرقعة؟ قال: دعبل، وقد جعل لي نصف الجائزة؛ فطلب، فكأن الأرض انطوت عليه ولم يعرف له خبر، فقال المعتصم: أخرجوا الخصي فأجيزوه بألف سوط، فإنه زعم أن له نصف الجائزة، وقد أردنا أن نجيز دعبلاً بألفي سوط. قال: ثم لم يلبث أن كتب إليه من قم بهذه الأبيات: ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيه وثامنهم كلب وإني لأزهي كلبهم عنك رغبةً ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب كأنك إذ ملكتنا لشقائنا ... عجوز عليها التاج والعقد والإتب فقد ضاع أمر الناس حتى يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغص بها الشرب وهمك تركي عليه مهانةً ... فأنت له أم وأنت له أب وأما الخامسة: فإن ابن أبي داود كان يعطيه الجزيل من ماله، ويقسم له على أهل عمله، فعتب عليه، فقال فيه: أبا عبد الإله أصخ لقولي ... وبعض القول يصحبه السداد نرى طسماً تعود بها الليالي ... إلى الدنيا كما رجعت إياد

قبائل جذ أصلهم فبادوا ... وأودى ذكرهم زمناً فعادوا وكانوا غرزوا في الرمل بيضاً ... فأمسكه كما غرز الجراد فلما أن سقوا درجوا ودبوا ... وزادوا حين جادهم العهاد هم بيض الرماد يشق عنهم ... وبعض البيض يشبهه الرماد غداً يأتيك إخوتهم جديس ... وجرهم قصراً وتعود عاد فتعجز عنهم الأمصار ضيقاً ... وتمتلئ المنازل والبلاد فلم أر مثلهم بادوا فعادوا ... ولم أر مثلهم قلوا فزادوا توغل فيهم سفل وخوز ... وأوباش فهم لهم مداد وأنباط السواد قد استحالوا ... بها عرباً فقد خرب السواد فلو شاء الإمام أقام سوقاً ... فباعهم كما بيع السماد وقال فيه وقد تزوج في بني عجل: أيا للناس من خبر طريف ... تفرد ذكره في الخافقين: أعجل أنكحوا ابن أبي داود ... ولم يتأملوا فيه اثنتين أرادوا نقد عاجلة فباعوا ... رخيصاً عاجلاً نقداً بدين بضاعة خاسر بارت عليه ... فباعك بالنواة التمرتين ولو غلطوا بواحدة لقلنا ... يكون الوهم بين الغافلين ولكن شفع واحدة بأخرى ... يدل على فساد المنصبين لحى الله المعاش بفرج أنثى ... ولو زوجتها من ذي رعين

ولما أن أفاد طريف مال ... وأصبح رافلاً في الحلتين تكنى وانتمى لأبي داود ... وقد كان اسمه ابن الفاعلين فردوه غلى فرج أبيه ... وزرياب فألأم والدين وقال في الحسن بن وهب وكان على برد الآفاق: ألا بلغا عني الإمام رسالةً ... رسالة تاء عن جنابيه شاحط بأن ابن وهب حين يشحج شاحج ... يمر على القرطاس أقلام غالط وهؤلاء أهل قم، كانوا يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منه فكافأهم بأن قال فيهم: تلاشى أهل قم فاضمحلوا ... تحل المخزيات بحيث حلوا وكانوا شيدوا في الفقر مجداً ... فلما جاءت الأموال ملوا قال: وهذا علي بن عيسى الأشعري قد دل بعض شعره على أنه أخذ منه ألوفاً وذلك في قوله له: فلا تفسدن خمسين ألفاً وهبتها ... وعشرة أحوال وحق تناسب وشكراً تهاداه الرجال تهادياً ... إلى كل مصر بين جاء وذاهب بلا زلة كانت وإن تك زلة ... فإن عليك العفو ضربة لازب فما كان بين هذا القول وبين أن هجاه إلا أياماً قلائل حتى قال فيه: كنت من أرفض خلق الله إذ كنت صبياً وتواليت أبا بك ... ر وأرجأت الوليا

وتجنبت علياً ... إذ تسميت عليا قال: وهذه خزاعة هجاهم، وهي قبيلته، فقال فيهم: أخزاع غيركم الكرام فأقصروا ... وضعوا أكفكم على الأفواه الراتقين ولات حين مراتق ... والفاتقين شرائع الأستاه فدعوا الفخار فلستم من أهله ... يوم الفخار ففخركم بشياه قال: وهذا المطلب بن عبد الله الخزاعي كان يعطيه الجزيل، فقال يمدحه: إن كاثرونا جئنا بأسرته ... أو واحدونا جئنا بمطلب أبعد مصر وبعد مطلب ... نرجو الغنى، إن ذامن العجب وقال فيه يهجوه: شعارك في الحرب يوم الوغى ... بفرسانك الأول الأول فأنت إذا اقتتلوا آخر ... وأنت إذا أدبروا أول فمنك الرؤوس غداة اللقا ... وممن يحاربك المقصل فذلك دأبكما أويموت ... من القوم بينكما الأعجل قال: وهذا الحسن بن رجاء، وابنا هشام، ودينار بن عبد الله بن يحيى بن أكثم،

وكانوا ينزلون المخرم ببغداد، فقال يهجوهم كلهم: ألا فاشتروا مني ملوك المخرم ... أبع حسناً وابني هشام بدرهم وأعط رجاءً بعد ذاك زيادةً ... وأغلط بدينار بغير تندم فإن رد من عيب علي جميعهم ... فليس يرد العيب يحيى بن أكثم وقال في يحيى بن أكثم يهجوه: رفع الكلب فاتضع ... ليس في الكلب مصطنع بلغ الغاية التي ... دونها كل مرتفع إنما قصر كل شي ... ء إذا طار أن يقع قل ليحيى بن أكثم ... إن ما خفت قد وقع لعن الله نخوةً ... كان من بعدها ضرع قال: وهؤلاء بنو أهبان مكلم الذئب، وهم بنو عمه دنيةً قال فيهم: تهتم علينا بأن الذئب كلمكم ... فقد لعمري أبوكم كلم الذيبا فكيف لو كلم الليث الهصور إذاً ... جعلتم الناس مأكولاً ومشروبا هذا السنيدي لا يسوى إتاوته ... يكلم الفيل تصعيداً وتصويبا فاذهب إليك فإني لا أرى أبداً ... بباب دارك طلاباً ومطلوبا قال: وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي دل شعره على أنه كان محسناً إليه إذ يقول فيه:

يا هيثماً يابن عثمان الذي افتخرت ... به المكارم والأيام تفتخر أضحت ربيعة والأحياء من يمن ... تيهاً بنجدته لا وحدها مضر وقال فيه يهجوه: سألت أبي وكان أبي عليماً ... بساكنة الجزيرة والسواد فقلت: أهيثم من حي قيس ... فقال: نعم كأحمد من دواد فإن يك هيثم من حي قيس ... فأحمد غير شك من إياد وقال في أخيه رزين بن علي الخزاعي يهجوه: مهدت له ودي صغيراً ونصرتي ... وقاسمته مالي وبوأته حجري وقد كان يكفيه من العيش كله ... رجاء ويأس يرجعان إلى فقري وفيه عيوب ليس يحصى عدادها ... فأصغرها عيباً يجل عن الفكر ولو أنني أبديت للناس بعضها ... لأصبح من بصق الأحبة في بحر فدونك عرضي فاهج حياً فإن أمت ... فأقسم إلا ما خريت على قبري وقال في امرأته يهجوها: يا ركبتي خزز وساق نعامة ... وزبيل كناس ورأس بعير يا من أشبهها بحمى نافض ... قطاعة للظهر ذات زئير صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور

يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور قبلتها فوجدت طعم لثاتها ... فوق اللثام كلسعة الزنبور وله في امرأته هجاء قبيح، وله في جاريته غزال يهجوها: رأيت غزالاً وقد أقبلت ... فأبدت لعيني عن مبصقه قصيرة الخلق دحداحة ... تدحرج في المشي كالبندقه كأن ذراعاً على كفها ... إذا حسرت ذنب الملعقة تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط في عجزها مرفقه وأنف على وجهها ملصق ... قصير المناخر كالفستقه وثديان ثدي كبلوطة ... وآخر كالقربة المفهقه وصدر نحيف كثير العظام ... تقعقع من فوقه المخنقه ثم قال عبد الله بن طاهر لضبي: فعلى من بقي هذا؟ فقال ضبي: ما أحسبه إلا كما قلت، فعجبت من حفظه لهذه الأشياء. قال: فلقيت دعبلاً فخفت أن أذكر له شيئاً فضحكت، فقال لي: ويلك! قد تحاماني الناس وأنا عندك موضع مطنزة وسخرية! قلت: لا، ولكني إنما ضحكت استبشاراً بالنظر إليك؛ قال: ثم لقيته من بعد فضحكت فقال لي: ويلك! أنت على ذاك الذي عهدت، فالتفت إلى غلامه نفنف فقال: خذ برجله

ابن كذا وكذا؛ قال: قلت: يا أبا علي، إن هجرتني وصلتك، وإن فصلتني وددتك، وإن جفوتني زرتك، ولا سبيل إلى إخبارك بهذا الذي أنا فيه. فلما توفي عبد الله بن طاهر لقيت دعبلاً يوماً بكرخ بغداد فضحكت، فقال: ليس لضحكك هذا آخر يا ابن الفاعلة؟! قال: فقلت له: امض بنا فقد فرج الله عني وعنك، فذهبت به إلى منزلي، فطعمنا وأخبرته الخبر على جهته، فقال: ويلي على ابن العوراء الفاعلة! والله لو أعلمتني قبل وفاته لأعلمتك كيف كانت تكون حاله؛ قال: قلت: هو أبصر منك وأعرف بك إذ أخذ علي في أمرك ما أخذ. ثم أمسك متعجباً. قال دعبل: أدخلت على المعتصم فقال لي: يا عدو الله، أنت الذي تقول في بني العباس أنهم في الكتب سبعة؟ وأمر بضرب عنقي، وما كان في المجلس إلا من كان عدواً لي؛ وأشدهم علي ابن شكلة، فقام قائماً فقال: يا أمير المؤمنين، أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل؛ فقال له: وما أردت بهذا؟ قال: لما تعلم بيني وبينه من العداوة، فأردت أن أشيط بدمه. قال: فقال: أطلقوه. فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة: سألتك بالله أنت الذي قلته؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، وما نظرة انظر أبغض إلي من دعبل. قال: فما الذي أردت بهذا؟ قال: علم أن ماله في المجلس عدو أعدى مني، فنظر إلي بعين العداوة، ونظرت إليه بعين الرحمة. قال: فجزاه خيراً. قال إسحاق بن محمد بن أبان: كنت قاعداً مع دعبل بن علي بالبصرة، وعلى رأسه غلام اسمه نفنف، فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز، فقال لغلامه: ادع هذا الأعرابي إلينا، فأومى إليه فجاء، فقال له دعبل: ممن الرجل؟ فقال: رجل من بني كلاب. قال: من أي بني كلاب؟ قال: من ولد أبي بكر، قال: أتعرف الذي يقول فيه: ونبئت كلباً من كلاب يسبني ... ومحض كلاب يقطع الصلوات فإن أنا لم أعلم كلاباً بأنها ... كلاب وأني باسل النقمات

فكان إذاً من قيس غيلان والدي ... وكانت إذاً أمي من الحبطات يعني بني تميم، وهم أعدى الناس لليمن. وهذا الشعر لدعبل في عمرو بن عاصم الكلابي. فقال له الأعرابي: ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوه فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر: أناس علي الخير منهم وجعفر ... وحمزة والسجاد ذو الثفنات إذا افتخروا يوماً أتوا بمحمد ... وجبريل والقرآن والسورات وهذا الشعر أيضاً له. قال: فوثب الأعرابي وهو يقول: محمد وجبريل والقرآن والسورات! ما إلى هؤلاء مرتقى!. قال الأزرقي: بلغ دعبلاً أن أبا تمام هجاه لما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت وهي: أفيقي من ملامك يا ظعينا ... كفاك الشيب مر الأربعينا فقال أبو تمام: نقضنا للحطيئة ألف بيت ... كذاك الحي يغلب ألف ميت كذلك دعبل يرجو سفاهاً ... وحمقاً أن ينال مدى الكميت إذا ما الحي ناقض حثو رمس ... فذلكم ابن فاعلة بزيت

فقال دعبل: يا عجباً من شاعر مفلق ... آباؤه في طيئ تنمي أنبئته يشتم من جهله ... أمي وما أصبح من همي فقلت لكن حبذا أمه ... طاهرة زاكيةً علمي كذبت والله على أمه ... ككذبه أيضاً على أمي ورويت هذه الأبيات لغير دعبل في أبي تمام. قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلاً فأبطأت عليه فكتب إليه: وعدت النعل ثم صدفت عنها ... كأنك تبتغي شتماً وقذفا فإن لم تهد لي نعلاً فكنها ... إذا أعجمت بعد النون حرفا قال عون بن محمد: لما هجا دعبل المطلب بن عبد الله الخزاعي فقال: اضرب ندى طلحة الطلحات متئداً ... ببخل مطلب فينا وكن حكما تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعد لها لؤماً ولا كرما فدعاه المطلب وقال: والله لأقتلنك لهجائك لي، فقال له: فأشبعني إذاً ولا تقتلني جائعاً، فقال: قبحك الله هذا أهجى من الأول. ثم وصله، فحلف أن يمدحه ما عاش فقال فيه: سألت الندى لا عدمت الندى ... وقد كان منا زماناً عزب فقلت له: طال عهد اللقا ... فهل غبت بالله أم لم تغب

فقال: بلى لم أزل غائباً ... ولكن قدمت مع المطلب قال: وفي هذا الخبر ما دل على دهاء دعبل ولطف حيلته، وأنبأ عن ذكاء المطلب ودقة فطنته. وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة وأتي بجماعة قد عاثوا في عمله، فأمر بقتلهم، فقال أحدهم: أعيذك بالله أن تقتلنا عطاشاً، فأمر بإحضار ماء يسقونهم، فلما شربوا قال: أيها الأمير لا تقتل أضيافك، فقال: أولى لك. وأمر بتخليتهم. ولد دعبل بن علي سنة ثمان وأربعين ومئة، ومات سنة ست وأربعين ومئتين بالطيب. فعاش سبعاً وتسعين سنة وشهوراً. واسيمه عبد الرحمن، وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه، فأرادت ذعبلاً، فقلبت الذال دالاً. وقيل: إن المعتصم قتله في سنة عشرين ومئتين لهجائه له؛ وكان قد استجار بقبر الرشيد بطوس، فلم يجره. والصحيح ما تقدم. وقيل قي سبب وفاته: إنه هجا مالك بن طوق التغلبي، فبعث إليه رجلاً ضمن له عشرة آلاف درهم، وأعطاه سماً؛ فلم يزل يطلبه حتى وجده قد نزل في قرية بنواحي السوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة؛ فضرب ظهر قدمه بعكاز لها زج مسموم، فمات من غد، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن بها.

دعلج بن أحمد بن دعلج

دعلج بن أحمد بن دعلج ابن عبد الرحمن أبو محمد السجستاني الفقيه، الثقة، نزيل بغداد. سمع بدمشق وبالري وبالعراق. روى عن موسى بن هارون بسنده عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه الخمس. كان دعلج من ذوي اليسار والبر والإفضال. وله صدقات جارية ووقوف محبسة على أهل الحديث ببغداد، ومكة، وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطن بها. وكان ثقةً، ثبتاً. قبل الحكام شهادته وأثبتوا عدالته. وجمع له المسند، وحديث شعبة، ومالك، وغير ذلك. وبعث بكتابه المسند إلى أبي العباس بن عقدة لينظر فيه، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين ديناراً. وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله واملصنف له كتبه. قال الدارقطني: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه. قال علي بن عمر: كان أبو محمد قليل الهزء، سمعت أن معز الدولة استرجع من غلامه خاشتكين، وأشهد عليه العدول وهو من وراء الستر، فشهدوا، فلما شهد الناس قالوا لدعلج: اشهد، قال: أين المشهود عليه؟ لعله مقيد لعله مكره، أبرزوه لي حتى أراه وكان خلف الستر فقال معز الدولة: ما كان فيهم مسلم غيره. قال أبو ذر: وسمعت أن أول مال أخذه معز الدولة من المواريث مال دعلج، خلف ثلاث مئة ألف مثقال ذهباً، فقال معز الدولة: مردغوا ما أريده، فقالوا: إنه كثير. فأخذه.

حدث بعضهم قال: حضرت المسجد الجامع بمدينة المنصور يوم جمعة، فرأيت رجلاً بين يدي في الصف، حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة، قال: ثم جلس، فعلتني هيبته، وداخلتني محبته، ثم أقيمت الصلاة، فلم يصل مع الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وتعجبت من حاله، وغاظني فعله! فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها وتركت الفريضة وضيعتها!؟ فقال: يا هذا إن لي عذراً، وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: علي دين اختفيت في منزلي مدةً بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام، التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين علي، ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي، فهذا خبري، فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت: ومن الذي له عليك الدين؟ قال: دعلج بن أحمد. قال: وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لايعرفه، فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج، فذكر له القصة، فقال دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعةً من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع؛ ففعل ذلك؛ فلما انصرف دعلج إلى منزله أحضر الطعام وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه فنظر فيه، وإذا له عليه خمسة آلاف درهم، فقال له: انظر، لا يكون عليك في الحساب غلط، أو نسي لك نقده؛ فقال الرجل: لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته علامة الوفاء؛ ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم وقال: أما الحساب الأول فقد حللناك منه، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في المسجد الجامع. أو كما قال. قال أبو الحسين أحمد بن الحسين الواعظ: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده واممتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال، أمر السلطان بفك الحجر عنه وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن أبي موسى بحمل المال ليسلم للغلام. قال ابن أبي موسى: فضاقت

علي الأرض، وتحيرت في أمري، فبكرت وركبت بغلتي وقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت على باب مسجد دعلج بن أحمد، فدخلت المسجد فصليت خلفه صلاة الفجر، فلما سلم انفتل إلي ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فجلسنا وجاءته جاريته بمائدة لطيفة وعليها هريسة فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قال: أراك منقبضاً فما الخبر؟ فقصصت عليه القصة، فقال: كل فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام قال: يا جارية؛ افتحي ذلك الباب، فإذا خزانة مملوءة زبلاً مجلدة، فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار، وبذرها وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت: يثبتها الشيخ علي، فقال: أفعل، وقمت وقد كاد عقلي يطير فرحاً. وعدت إلى داري، وانحدرت إلى دار السلطان بقلب قوي، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر في أني قد أكلت مال اليتيم، فأحضر قاضي القضاة، والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي والثناء علي. فلما عدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخليفة وكان عظيم الحال فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي ببادوريا ونهر الملك. فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير. وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته ورآني نهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب؛ ثم قال لي: خبرك وحالك؟ فقلت: بتفضل الله وفضلك قد أفدت بما فعلت معي ثلاثين ألف دينار، وهذه منها عشرة آلاف

دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده

دينار عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله! والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها، حل بها الصبيان؛ فقلت له: أيها الشيخ! أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم، فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في أصل مالي؛ وسلم إلي بارنامجات بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك، ولا تعلم موضعاً ينفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه. واستبنت فيه الكفاءة، ولم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة، يحمل إلي مثل هذا، والبضاعة تنمي. فلما كان في آخر سنة اجتمعنا فيها قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن قضى الله علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك على أن تتصدق منه وتبني المساجد وتفعل الخير. فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمر الله المال في يدي، فاطو هذا الحديث أيام حياتي. توفي دعلج في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة ببغداد. وكان السلطان بها لا يتعرض للتركات، ثم لم يصبروا عن أموال دعلج إذ لم يكن في الدنيا على ما يقال أيسر منه من التجار، فقبضوا على أمواله إلا الأوقاف. دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده ابن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفضى ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة السدوسي، الذهلي، الشيباني، النسابة يقال: إن له صحبة، ويقال: لا صحبة له. استقدمه معاوية، فقدم عليه، وأمره أن يعلم ابنه يزيد.

روى الحسن بن دغفل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وهو ابن خمس وستين سنة. وحدث الحسن بن دغفل قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان، فمرض ملك منهم فقال: لئن شفاه الله ليزيدن عشرة أيام؛ ثم كان ملك بعده، فأكل لحماً فوجع فاه، فقال: لئن شفاه الله ليزيدن سبعة أيام؛ ثم كان ملك بعده فقال: ما ندع هذه الثلاثة أيام أن نتمها ونجعل صومها في الربيع. ففعل، فكانت خمسين يوماً. وقد روى ذلك مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبد الله بن بريدة: أرسل معاوية إلى دغفل، فسأله عن أنساب العرب، وعن النجوم، والعربية، وعن أنساب قريش، فأخبره، فإذارجل عالم، فقال: من أين حفظت هذا يا دغفل؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول؛ وإن آفة العلم النسيان. قال: فأمره أن يذهب إلى يزيد فيعلمه العربية، وأنساب قريش، وأنساب العرب. وفي رواية: والنجوم. وقيل: قال معاوية لدغفل: بم ضبطت ما أرى؟ قال: بمفاوضة العلماء، قال: وما مفاوضة العلماء؟ قال: كنت إذا لقيت عالماً أخذت ما عنده، وأعطيته ما عندي. قال ابن عباس: حدثني علي بن أبي طالب من فيه قال: لما أمر الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وأبو بكر، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب؛ فتقدم أبو بكر وكان مقدماً في كل خير، وكان نسابة فسلم وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أم من لهازمها؟ فقالوا: بل من الهامة العظمى، فقال أبو بكر؟ وأي هامتها

العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر، قال: منكم عوف الذي قال: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا، قال: منكم جساس بن مرة، حامي الذمار ومانع الجار؟ قالوا: لا، قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا، قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة سمي صاحب العمامة الفردة لأنه كان إذا ركب لم يعتم معه غيره قالوا: لا، قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا، قال: فمنكم أصهار الملوك من لخم؟ قالوا: لا، قالأبو بكر: فلستم ذهل الأكبر، أنتم ذهل الأصغر. قال: فقام إليه غلام من بني شيبان، يقال له دغفل حين بقل وجهه فقال: إن على سائلنا أن نسأله ... والعبء لا تعرفه أو تحمله يا هذا! إنك سألتنا فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً، فممن الرجل؟ قال أبو بكر الصديق: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ! أهل الشرف والرئاسة! من أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة، امنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر فكان يدعى في قريش مجمعاً؟ قال: لا، قال: منكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه: ورجال مكة مسنتون عجاف؟

قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب، مطعم طير السماء، الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: لا. واجتذب أبو بكر زمام الناقة راجعاً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الغلام: صادف درء السيل درءاً يدفعه ... يهيضه حيناً وحيناً يصدعه أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش. قال: فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال علي: فقلت: يا أبا بكر! لقد وقعت من الأعرابي على باقعة، قال: أجل أبا حسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق. قال: ثم رجعنا إلى مجلس آخر، عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر، فسلم فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بني شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بأبي وأمي! هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك؛ وكان مفروق قد غلبهم جمالاً ولساناً، وكانت له غديرتان تسقطان على تربيته، وكان أدنى القوم مجلساً؛ فقال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن يغلب ألف من قلة؛ فقال أبو بكر: وكيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: علينا الجهد، ولكل قوم جد؛ فقال أبو بكر: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضباً حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرةً ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش ... فقال أبو بكر: قد بلغكم أنه رسول الله، ألا هو ذا، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذلك، فإلام

يدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس، وقام أبو بكر يظله بثوبه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد، فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاماً أحسن من هذا؟ فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى قوله " فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " فقال مفروق: وإلام تدعو يا أخا قريش، فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض؟ قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ". فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش! وإني أرى إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك بمجلس جلسته لينا ليس له أول ولا آخر، إنه زلل في الرأي وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة؛ ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً، ولكن ترجع ونرجع، وتنظر وننظر. وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين ضرتين: اليمامة والشأمة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هاتان الضرتان؟ فقال: انهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول؛ وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا: أن لا نحدث جدثاً، ولا نؤوي محدثاً؛ وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع

جوانبه، أرأيتم إن لم يلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: اللهم ولك ذلك. قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ". ثم نهض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قابضاً على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر! أية أخلاق في الجاهلية! ما أشرفها! بها يدفع الله عز وجل، ناس بعضهم من بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم. مر نفر من الأنصار بدغفل النسابة بعدما ذهب بصره، فسلموا عليه، فقال: من أنتم؟ قالوا: أشراف أهل اليمن، قال: من أهل ملكها القديم وشرفها الصميم، كندة! قالوا: لا، قال: فمن الطوال قصباً والممحضين نسباً بني عبد المدان؟ قالوا: لا، قال: فمن أقودها للزحوف، وأخرقها للصفوف، وأضربها بالسيوف، بني زبيد رهط عمرو بن معد يكرب؟ قالوا: لا، قال: فمن أحضرها قراءً، وأطنبها فناءً، وأصدقها لقاءً، طيئ؟ قالوا: لا، قال: فمن الغارسين النخل، والمطعمين في المحل، والقائلين بالعدل، الأنصار؟ قالوا: نعم. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جاء قوم من بني سعد بن زيد مناة تميم إلى دغفل النسابة، فسلموا عليه وهو مول ظهره للشمس في مشرقة له، فرد عليهم من غير أن يلتفت إليهم، ثم قال لهم: من القوم؟ قالوا: نحن سادة مضر، قال: أنتم إذاً قريش الحرم، أهل العز والقدم، والفضل والكرم، والرأي في البهم، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً هوازن، أجرؤها فوارس، وأجملها مجالس؛ قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً سليم، فوارس عظاظها، ومناع أعراضها، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟

قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً غطفان، أعظمها أحلاماً، وأسرعها إقداماً، قالوا: لسنا منهم، قال: لا؟ قالوا: لا؛ قال: فأنتم إذاً بنو حنظلة، أكرمها جدوداً، وأسهلها خدوداً، وألينها جلوداً، قالوا: لسنا بهم، قال: لا؟ قالوا: لا. قال: أفلا أراكم إلا من ربعات مضر وأنتم تأبون إلا أن تترقوا في الغلاصم منهم، اذهبوا لا كثر الله بكم من قلة ولا أعز بكم من ذلة. قال الأصمعي: النسابون أربعة: دغفل، وأبو ضمضم، وصبح، والكيس النمري. قيل للنساب البكري: قد نسبت كل شيء حتى نسبت الذر! قال: الذر ثلاثة أبطن: الذر، وفازر، وعقفان. قال رؤبة بن العجاج: دخلت على النسابة البكري، فقال: من أنت؟ قلت: رؤبة بنت العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني إن حدثتهم لم يعوا عني، وإن سكت عنهم لم يسألوني، قال: قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، فقال لي: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا حسناً دفنوه، وإن رأوا سيئاً أذاعوه. ثم قال: إن للعلم آفةً وهجنةً ونكداً؛ فآفته الكذب، ونكده النسيان، وهجنته نشره عند غير أهله.

دكين بن سعيد الدارمي التميمي

قال دغفل العلامة: في العلم خصال: إن له آفة، وله هجنة، وله نكد: فآفته أن تخزنه، فلا تحدث به ولا تنشره؛ وهجنته أن تحدثه من لا يعيه ولا يعمل به؛ ونكده أن تكذب فيه. قيل: إن دغفلاً غرق في يوم دولاب من فارس في قتال الخوارج. دكين بن سعيد الدارمي التميمي ويقال: ابن سعد بن زيد مناة بن تميم الدارمي الراجز من أهل البصرة. وفد على عمر بن عبد العزيز. قال سعيد بن عمرو بن جعدة: لما ولي عمر بن عبد العزيز المدينة كان ينقطع إليه رجل من بني دارم، سيقال له دكين بن سعيد، يسامره بالليل مع أبي عون وسالم، فقال له ليلةً: إني لأرى لك هيئة ما الدنيا عنك بمنقطعة حتى تلي ولاية أجشم من هذه، قال: وما علمك؟ قال: ما هي إلا فراسة، فما عليك إن كان ذلك؟ قال: إن كان ذلك أحسنت إليك، قال: هات يدك، فأعطاه يده. فلما ولي عمر الخلافة انقطع إليه دكين. فاستأذن فقال له البواب: إنه عنك في شغل، إنه في رد المظالم، فأعد أبياتاً لخروج عمر إلى الصلاة، ثم ناداه نداء الأعرابي: يا عمر الخيرات ذا المكارم ... وعمر الدسائع العظائم إني امرؤ من قطن بن دارم ... أنشد حق المسلم المسالم بيع يمين بالإخاء الدائم ... إذ تنتجي والله غير نائم وتنحن في ظلمة ليل عاتم ... عند أبي عون وعند سالم

قال: فعرف عمر القضية، فدخل على أمهات أولاده، فما زال يجمع له من عندهن العشرة والعشرين حتى جمع له ثلاث مئة؛ وكانت من عمر عطية. ومن شعر دكين: رب أمر تشرق النفس به ... جاءها من خلل الباب الفرج ودياجي مطبق إظلامها ... مزق الصبح دجاها فبلج لا تكن من وشك روح آيساً ... فكأن قد فرجت تلك الرتج بينما المرء كثيب موجع ... جاءه الله بفتح فبهج قلما أدمن قرعاً قارع ... غلق الأبواب إلا سيلج وروى بسنده عن محمد بن الحسين أنه أنشد لدكين الراجز: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل وإن هو لم يدنس من اللؤم نفسه ... فليس إلى حسن الثناء سبيل قال أبو عبيدة: ابتنى رجل من بني مخزوم، وكان ينزل ضاحية بني تميم فوافى دكين الراجز، فقال للبواب إني ألاع إلى السخن فأدخلني، فأبى البواب أن يدخله؛ فوقف دكين على دكان وقد انصرف بعض القوم وأنشأ يقول: اجتمع الناس وقالوا عرس ... إذا قصاع كالأكف خمس زبحلحات قد جمعن ملس ... ففقئت عين وفاظت نفس

دويد بن نافع

قال أحمد بن عبيد: ألاع: أتوقد حرصاً عليه، ويحترق فؤادي طلباً له. والزبحلحات: التي تحرك ويذهب ويجاء بها لا تقر في موضع واحد. قال: وجرى بين الأصمعي وأبي عبيدة في هذا البيت: وفاظت نفس تشاجر ومنازعة؛ فقال الأصمعي: العرب لا تقول فاظت نفسه ولا فاضت نفسه، إنما يقولون: فاظ الرجل إذا مات؛ قال: وكان يرويه: وطن الضرس. قال أبو عبيدة: كذب الأصمعي، ما هو إلا فاضت نفس. وقال الكسائي والفراء ومن نقل عنهما: يقال: فاضت نفس، وفاظت نفس، وفاض الميت نفسه، وأفاضه الله نفسه. دويد بن نافع ويقال: دويد أبو عيسى أخو مسلمة بن نافع مولى سعيد بن عبد الملك بن مرولان. من أهل دمشق، ويقال: من أهل حمص. حدث عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة أخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: " إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعقدت عندي عهداً أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة في عهدي، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي ".

دهثم بن خلف بن الفضل

دهثم بن خلف بن الفضل أبو سعيد القرشي الرملي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن سوار بن عمارة بسنده عن شهر بن حوشب قال: أتيت أبا أمامة وهو في مسجد حمص، فقلت: يا أبا أمامة، حدثت بشيء عنك أنك حدثت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات في دبر صلاة الغداة، كتب له بكل واحدة منها عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات؛ وكانت له خيراً من عشر محررين يوم القيامة؛ ومن قالها في دبر صلاة العصر كان له مثل ذلك. فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، غير مرة، ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس، حتى ضم أصابعه. وحدث عن رواد بن الجراح بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل متقلداً سيفه يعني تفضل على صلاة غير متقلد سبع مئة ضعف ". قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل يباهي بالمتقلد سيفه في سبيل الله عز وجل ملائكته وهم يصلون ما دام متقلده.

أسماء النساء على حرف الدال المهملة

أسماء النساء على حرف الدال المهملة درداء بنت أبي الدرداء عويمر ابن قيس الأنصارية سمعت أباها. حدثت بنت أبي الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، لا تدرون تنجون أم لا تنجون!. لما هلكت درداء صلوا عليها؛ قالت أم الدرداء: يا درداء اذهبي إلى ربك حتى أذهب أنا إلى ربي. فذهب بتلك إلى المقبرة، ودخلت أم الدرداء إلى المسجد. وهلكت درداء تحت صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي. خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته الدرداء، فرده وأنكحها غيره، فقيل لأبي الدرداء: أتركت يزيد وتنكح فلاناً؟! فقال أبو الدرداء: ما ظنكم بابنة أبي الدرداء إذا قام على رأسها الخصيان، ونظرت في بيوت يلتمع منها بصرها، أين دينها يومئذ؟!. أسماء الرجال على

حرف الذال المعجمة

حرف الذال المعجمة ذكوان بن إسماعيل بن يحيى البعلبكي القاضي حدث عن أبي سليم إسماعيل بن حصن بسنده عن عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك. ذكي بن عبد الله أبو الحسين المشرقي حدث بدمشق عن أبي بكر محمد بن عبيد الله بن أبي المغيث بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل مسكر خمر ". ذواد العقيلي الجزري حدث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال: دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال: السلام عليك أيها الملك، فقال معاوية: فهلا غير ذلك، أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فقال سعد: نعم، إن كنا أمرناك، فقال معاوية: لا يبلغني أن أحداً يقول: إن سعداً ليس من قريش إلا فعلت به وفعلت. فقال محمد بن علي: لعمري إن سعداً لموسط من قريش، ثابت النسب.

ذؤالة بن محمد

ذؤالة بن محمد حدث عن أبيه عن جده بسنده عن جابر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يبيت حتى يقرأ بهاتين السورتين: آلم تنزيل، وتبارك. وفي حديث آخر: آلم تنزيل السجدة، وتبارك الذي بيده الملك. ذو الفقار بن محمد بن معبد ابن الحسين بن الحسين بن أحمد المعروف بحميدان أبو الصمصام الحسني العلوي المروزي الضرير الواعظ قدم دمشق قبل العشرين وخمس مئة، ووعظ بها، وأظهر الميل إلى الروافض، وتعصب له جماعة منهم؛ وكان يروي الحديث على كرسيه بإسناده عن نظام الملك. وخرج عن دمشق بعد حدوث فتنة جرت. وسكن الموصل وحدث بها.؟؟ روى عن أبي عبد الله مالك بن أحمد بن إبراهيم البانياسي بسنده عن أبي برزة قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: علمني شيئاً لعل الله أن ينفعني به، قال: انظر ما يؤذي الناس فنحه عن الطريق. ذكر أنه ولد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.

ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس

ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس وذكر نسبه أسماء يونانسية. وقيل: اسم ذي القرنين صعب بن عبد الله، ونسبه إلى سبأ بن قحطان. وفي كتاب أبي سلمة بن عبد الرحمن: إن الضحاك بن معد ولد رجلين: عبد الله بن الضحاك وهو ذو القرنين، وعباد بن الضحاك. وقال بعض الفرس: إنه الإسكندر بن دارا بن بهمن الملك، والفرس تسميه الإسكندر. قال أبو عبيدة: والثبت أن ذا القرنين الإسكندر كان من الروم، وإنه فيلووس بن مصريم بن هرمس بن هوديس. وفيه اختلاف. قال هشام بن الكلبي: ومن بني يونان بن يافث بن نوح النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح. ومنهم ذو القرنين، وهو هرمس، ويقال هو ديس بن فيطون بن رومي بن لنطي بن كسلوجين بن يونان بن يافث بن نوح، وغيرهم. وقيل: إن ذا القرنين كان ابن رجل من حمير حميرياً، وكان قد وفد إلى الروم، فأقام فيهم، وكان يسمى أبوه الفيلسوف لعقله وأدبه؛ فتزوج في الروم امرأةً من غسان وكانت على دين الروم فولدت ذا القرنين، فسماه أبوه الإسكندر. فهو الإسكندر بن

الفيلسوف بن حمير، وأمه رومية غسانية، ولذلك يقول تبع الحميري لما فخر بأجداده في قصيدة يقولها يفخر بذي القرنين إلى أجداده: قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ... ملكاً تدين له الملوك وتحشد بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد من بعده بلقيس كانت عمتي ... ملكتهم حتى أتاها المزهد وليس كل الناس يعلم أنه من حمير، ولا يعرف أباه، وإنما نسبته الروم إلى أمه، كان أبوه مات وهو صغير، وخلفه في حجر أمه. ولذلك جهل العلماء ونسبوه إلى أمه. ولقد كان أبوه من أهل الملك والمروءة، ولذلك سمي الفيلسوف. وقال قتادة: الإسكندر هو ذو القرنين، وأبوه قيصر وهو أول القياصرة، كان من ولد سام بن نوح عليهما السلام. قال حبيب بن حماز: كنت عند علي بن أبي طالب وسأله رجل عن ذي القرنين قال: كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سخر له السحاب ومدت له الأسباب، وبسط له في النور؛ قال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل، وسكت علي عليه السلام. قال سيف بن وهب: دخلت شعب ابن عامر على أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: فإذا شيخ كبير قد وقع حاجبه على عينيه، قال: فقلت له: أحب أن تحدثني بحديث سمعته من علي ليس

بينك وبينه أحد؛ قال: أحدثك به إن شاء الله، وتجدني له حافظاً: أقبل علي يتخطى رقاب الناس بالكوفة، حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي، فيم أنزلت ولا أين نزلت، ولا ما عنى بها؛ والله لا تلقون أحداً يحدثكم ذلك بعدي حتى تلقوا نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقام رجل يتخطى رقاب الناس، فنادى: يا أمير المؤمنين، قال: فقال علي: ما أراك بمسترشد، أو ما أنت مسترشد، قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " والذاريات ذرواً "؟ قال: الرياح، ويلك، قال: " فالحاملات وقراً "؟ قال: السحاب ويلك، قال: " فالجاريات يسراً "؟ قال: السفن ويلك، قال: " فالمدبرات أمراً "؟ قال: الملائكة ويلك، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله عز وجل: " والبيت المعمور، والسقف المرفوع "؟ قال: ويلك بيت في ست سماوات، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وهو الضراح، وهو حذاء الكعبة من السماء؛ قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم "؟ قال: ويلك ظلمة قريش، قال: يا أمير المؤمنين! حدثني عن قول الله عز وجل: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا "؟ قال: ويلك منهم أهل حروراء، قال: يا أمير المؤمنين، حدثني عن ذي القرنين، أنبياً كان أو رسولاً؟ قال: لم يكن نبياً ولا رسولاً ولكنه عبد ناصح الله عز وجل، فناصحه الله عز وجل وأحب الله فأحبه الله، وإنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فهلك، فغبر

زماناً، ثم بعثه الله عز وجل فدعاهم إلى الله عز وجل، فضربوه على قرنه الآخر، فهلك فذلك قرناه. وفي حديث آخر: ولا نعلم أحداً من الناس كان له قرنان. وقال ابن شهاب: إنما سمي ذو القرنين أنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها فسمي ذا القرنين. قال معاوية: ملك الأرض أربعة: سليمان بن داود النبي صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم؛ وذو القرنين؛ ورجل من أهل حلوان؛ ورجل آخر؛ فقيل له: الخضر؟. قال: لا. وقال سفيان الثوري: بلغني أنه ملك الأرض كلها أربعة، مؤمنان وكافران: سليمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذو القرنين؛ ونمرود؛ وبختنصر. وفي حديث آخر: نمرود بن كوش بن حام بن نوح؛ وبختنصر. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أدري أتبع كان لعيناً أم لا؛ ولا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؛ ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم لا ". وعن عبد الله بن عمرو قال: ذو القرنين نبي. وعن سعيد بن مسعود، عن رجلين من كندة من قومه قالا: استطلنا يومنا فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهني، فوجدناه في ظل داره جالساً،

فقلنا له: إنا استطلنا يومنا فجئنا نتحدث عندك، فقال: وأنا استطلت يومي فخرجت إلى هذا الموضع؛ قال: ثم أقبل علينا وقال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت ذات يوم، فإذا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف، فقالوا: من يستأذن لنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فدخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: مالي ولهم، يسألوني عما لا أدري! إنما أنا عبد، لا أعلم إلا ما علمني ربي عز وجل ثم قال: ابغني وضوءاً، فأتيته بوضوء، فتوضأ ثم خرج إلى المسجد، فصلى ركعتين ثم انصرف، فقال لي وأنا أرى السرور والبشر في وجهه فقال: أدخل القوم علي، ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً. قال: فأذنت لهم، فدخلوا، فقال لهم: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول. قالوا: بل أخبرنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين؛ إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم، أعطي ملكاً، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر، فابتنى مدينةً يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من بنائها بعث الله تعالى ملكاً، ففرع به فاستعلى بين السماء والأرض ثم قال: انظر ما تحتك، فقال: أرى مدينتين ثم استعلى به ثانيةً، ثم قال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: أرى مدينتين قد أحاطت بهما، ثم استعلى به وقال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: ليس أرى شيئاً؛ فقال: المدينتان هو البحر المستدير وقد جعل الله تعالى له مسلكاً يسلك به، فعلم الجاهل وثبت العالم. قال: ثم جوزه فابتنى السد جبلين زلقين، لا يستقر عليهما شيء أصلاً. فلما فرغ منهما سار في الأرض، فأتى على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات، تلتقم الحية منهم الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق. وقرأ هذه الآية: " وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً ". فقالوا: هكذا نجده في كتابنا. وعن ابن عباس قال: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، رضي الله عز وجل عمله وأثنى عليه في كتابه، وكان منصوراً، وكان الخضر وزيره.

قال مقاتل: كلن يفتح المدائن ويجمع الكنوز، فمنن اتبعه على دينه وشايعه عليه وإلا قتله. وعن عبد الله بن عبيد بن عميرة أن ذا القرنين حج ماشياً فسمع به إبراهيم فتلقاه. وروي أن إبراهيم خليل الرحمن كان جالساً بمكان، فسمع صوتاً فقال: ما هذا الصوت؟ قال: قيل له: هذا ذو القرنين قد أقبل في جنوده، فقال لرجل عنده: ائت ذا القرنين فأقرئه السلام، فأتاه فقال: إن إبراهيم يقرئك السلام. قال: ومن إبراهيم؟ قال: خليل الرحمن. قال: وإنه لها هنا؟ قال: نعم. قال: فنزل، قال: فقيل لبه: إن بينك وبينه هنيهةً. قال: ما كنت لأركب في بلد فيه إبراهيم. قال: فمشى إليه. قال: فسلم عليه فأوصاه إبراهيم، فأوحى الله إلى ذي القرنين: إن الله قد سخر لك السحاب، فاختر أيها شئت، إن شئت صعابها وإن شئت ذللها؛ فاختار ذلولها وفي رواية: هو الذي لا برق فيه ولا رعد فكان إذا انتهى من مكان من بر أو بحر لا يستطيع أن يتقدم احتملته السحاب فقذفته وراء ذلك حيث ما شاء. وعن الحسن: أن ذا القرنين كان إذا انتهى إلى الأرض، أو كورة، ففتحها أمر أصحابه الذين معه أن يقيموا بها، وأخرج هؤلاء معه إلى الأرض التي تليهم؛ فبذلك كان يقوى الناس على السير معه، فكان ذو القرنين إذا سار يكون أمامه على مقدمته ست مئة ألف، وعلى ساقته مئة ألف، وهو في ألف ألف، لا ينقصون، كلما هرم رجل جعل مكانه غيره، وإذا مات رجل جعل مكانه غيره؛ فهذه العدة معه. فكان الله عز وجل ألهمه الرشد، ولقنه الحكمة والصواب، وأعطاه القوة والظفر والنصر. قال سعيد بن جبير: سار ذو القرنين من مطلع الشمس إلى مغربها اثنتي عشرة سنة. قال عبد الله بن جعفر الرقي: وشى واش برجل إلى الإسكندر، فقال له: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أنا نقبل منه ما قال فيك؟ فقال: لا، فقال له: فكف عن الشر يكف الشر عنك. قال

ليث بن أبي سليم: مر ذو القرنين في مسيره على ملك منبطح على وجهه، آخذ بأصل جبل، فقال له ذو القرنين: يا عبد الله، أمعذب أم مأمور؟ قال: بل مأمور، قال: فما هذا؟ قال: الجبال كلها محدقة بهذا الجبل، فأنا ممسك بأصله، فمن أنت؟ قال: أنا ذو القرنين، قال: ألكم خلقت الجنة والنار؟ قال: نعم، قال: لقد خلقتم لأمر عظيم. حدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين لما سد الردم على يأجوج ومأجوج سار يريد اوراء المشرق والمغرب، فسار حتى بلغ ظلمةً عجز أصحابه عن المسير، وأعطى الله ذا القرنين تلك القوة والجلادة حتى سار ثمانية عشر يوماً وحده، لا يقف على سهل ولا جبل، ولا حجر ولا شجر؛ ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يركب، إذ سمع صوتاً من مسيرة يوم وليلة مثل الرعد القاصف، ورأى ضوءاً مثل البرق الخاطف، وقائل يقول: سبحان ربي من منتهى الدهر، سبحان ربي من منتهى قدمي من الأرض السابعة، سبحان من بلغ رأسي السماء، سبحان من بلغ يدي أقصى العالم. فلما دنا منه إذا هو بملك قابض على طرفي جبل قاف؛ وهو جبل من زمردة خضراء. فلما نظر إليه الملك ظن أنه ملك بعثه الله، يأمره أن يزيل الدنيا، فقال له: آدمي أم ملك؟ قال: لا بل آدمي، قال: من أين أقبلت؟ قال: جاوزت المشرق والمغرب وأنا أسير منذ ثمانية عشر يوماً في ظلمة على أرض ملساء، قال الملك: لم تمش على الأرض، وإنما مشيت ساعةً من النهار، وإنما مشيت على البحر السابع فشك ذو القرنين أن يكون قد مشى على الماء، فانغمس في الماء إلى ركبتيه فقال له الملك: ابن آدم، شككت أنك مشيت على الماء فاستيقن، فاستوى على الماء. قيل: يا أبا سعيد من سماه ذا القرنين؟ قال: ذلك الملك، فقال له: يا ذا القرنين! فقال له ذو القرنين: لعلك سببتني أو لقبتني، إن اسمي غير هذا، قال: ما سببتك ولا لقبتك، ولكنك جاوزت قرن المشرق والمغرب، فهذا اسمك واسم من يعمل كعملك، قال: فما لي أراك قابضاً على هذا الجبل؟ قال: إن الله جعل هذا الجبل وتد هذه الأرض، والجبال من دونه أوتاداً،

وكانت الأرض لا تستقر حتى وضع الله هذا الجبل، وأنبت الجبال من هذا كنبات الشجر من عروقها، وبعثني أن أمسك هذا الجبل أن لا تزول الدنيا، قال: فما خلف هذا الجبل؟ قال: سبعون حجاباً من نار، وسبعون حجاباً من دخان، وسبعون حجاباً من ثلج، وسبعون حجاباً من ظلمة، غلظ كل حجاب مسيرة خمس مئة عام، ومن خلف هؤلاء حملة الكرسي، أرجلهم من تحت الثرى السابعة، ولقد جاوزت رؤوسهم فوق سبع سماوات، ولولا هذه الحجب احترقت أنا وهذا الجبل من نورهم؛ قال: فما خلف أولئك؟ قال: من الحجب بعد ذلك، وخلف تلك الحجب حملة العرش قد مرقت أرجلهم أرضين السابعة، وجاوزت رؤوسهم فوق السماء السابعة، كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ولولا تلك الحجب لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش، ولهم قرون غلظ كل قرن كل ملك ما بين الخافقين، قال: فما خلف أولئك؟ قال: أرض ملساء، ضوؤها من نورها، ونورها من ضوئها مسيرة الشمس أربعين يوماً، يكون مثل الدنيا عامرها، وعامرها أربعون ضعفاً، ليس فيه موضع شبر إلا وملك ساجد لم يرفع رأسه منذ خلقه الله، ولا يرفعه إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم فقالوا: ربنا لم نعبدك حق عبادتك. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون عليهم أربعون ضعفاً، لكل ملك منهم أربعون رأساً، في كل رأس أربعون وجهاً، في كل وجه أربعون فماً، في كل فم أربعون لساناً، في كل لسان أربعون لغةً تسبح الله وتقدسه بكل لغة أربعين نوعاً، قال: فملا خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون على هؤلاء أربعين ضعفاً، طول كل منهم ما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ليس في جسده موضع ظفر ابن آدم إلا فيه لسان ناطق يحمد الله ويقدسه. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملك قد أحاط بجميع ما ذكرت لك، لو أذن الله له لجمع جميع ما ذكرت لك، وما في سبع سماوات وسبع أرضين ما خلا العرش والكرسي؛ لالتقمهم بلقمة واحدة. قال: فما خلف ذلك؟ قال: انقطع علمي وعلم كل عالم وكل ملك، ليس وراء ذلك إلا الله عز وجل وبهاؤه وسلطانه. فانصرف ذو القرنين إلى أصحابه؛ فقال الحسن: إنما حمل ذا القرنين على أن يأتي المشرق والمغرب أنه وجد في بعض تلك الكتب أن رجلا من ولدر سام بن نوح يشرب من عين في البحر وهي من الجنة فيعطى الخلد. قال: فطلب تلك العين.

قال إسحاق: بلغني أن الخضر كان وزيره وكان معه يسايره، وكان يقال: كان ابن خالته، فبينما هو يسير معه في البحر إذ تخلف عنه الخضر، فهجم على تلك العين فشرب منها وتوضأ، فلما رجع إلى ذي القرنين أخبره، فقال له: إني أردت أمراً وفزت به أنت! فارجع عني. فحسده ورده. واغتم لذلك ذو القرنين حين فاته ما أراد؛ فقال له العلماء والحساب: لا تحزن، فإنا نرى لك أيها الملك مدةً طويلة، وإنك لا تموتإلا على أرض من حديد وسماء من خشب؛ فانصرف راجعاً يريد الروم، ويدفن كنوز كل أرض بها، ويكتب ذكر ذلك، ومبلغ ما دفن وموضعه، فيحمله معه في كتاب، حتى بلغ بابل، فرعف وهو في المسير فسقط عن دابته، فبسط له درع، وكانت الدرع إذ ذاك مثل الصفائح والجواشن، وإنما استحدث هذه الدروع داود عليه السلام، فنام على ذلك الدرع، فآذته الشمس، فدعوا له ترساً فأظلوه به، فنظر فإذا هو على حديد مضطجع، وفوقه خشب، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فدعا كاتبه واستعان بعلماء بابل فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض ببدنه قليلاً، ورفيق أهل السماء بروحه الطويل، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي تمتع بثمرة قلبها في دار القرب، فهي مجاورته عما قليل في دار البعد، يا روقية يا ذات الصفاء، هل رأيت معطياً لا يأخذ ما أعطى؟ ولا معيراً لا يأخذ عاريته؟ ولا مستودعاً لا يأخذ وديعته؟ يا روقية، إن كان أحد بالبكاء حقيقاً فلتبك السماء على شمسها كيف يعلوها الطمس والكسوف، وعلى قمرها كيف يعلوه السواد، وعلى كواكبها كيف تنهار وتناثر، ولتبك الأرض على خضرتها ونباتها، والشجر على ثمارها، وأوراقها كيف تتحات وتصير هشيماً، ولتبك البحار على حيتانها؛ يا أمتاه، هل رأيت نعيماً لا يزول، أو حياً دائماً، فهما مقرونان بالفناء؛ يا أمتاه، لا يبغتنك موتي فإنك كنت مستيقنةً بأني أموت، وأنا لم يبغتني الموت لأني كنت مستيقنا أني من الذين يموتون. يا أمتاه، اعتبري ولا تحزني، فكوني في مصيبتي كما كنت تحبين أن أكون في الرجال؛ يا أمتاه، أقرأ عليك السلام إلى يوم اللقاء. قال: فمات، وكان فيمن ملك الضحاك بن الأهيون بعده. وحدث أبو جعفر عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: كان ذو القرنين عبداً من عباد الله صالحاً، وكان من

الله بمنزل ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يقال له زيافيل، وكان يأتي ذا القرنين يزوره، فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين: حدثني كيف عبادتكم في السماء؟ فبكى ثم قال: يا ذا القرنين، وما عبادتكم عند عبادتنا، إن في السماء لملائكةً، قيام لا يجلسون أبداً، ومنهم سجود لا يرفع رأسه أبداً، وراكع لا يستوي قائماً أبداً، أو رافع وجهه لا يطرف شاخصاً أبداً، يقولون: سبحان الملك القدوس، رب الملائكة والروح، رب، ما عبدناك حق عبادتك. فبكى ذو القرنين بكاءً شديداً ثم قال: يا زيافيل، إني أحب أن أعمر حتى أبلغ عبادة ربي حق طاعته، قال: وتحب ذلك يا ذا القرنين؟ قال: نعم، قال زيافيل: فإن لله عيناً تسمى عين الحياة، من شرب منها شربةً لم يمت أبداً حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت؛ قال ذو القرنين: فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين؟ قال زيافيل: لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان، فنحن نظن أن العين في تلك الظلمة. فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض، وأهل دراسة الكتب، وآثار النبوة فقال: أخبروني هل وجدتم في كتاب الله وفيما عندكم من أحاديث الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله وضع في الأرض عيناً سماها عين الحياة؟ قالوا: لا، قال ذو القرنين: فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا: لا، قال عالم منهم: أيها الملك، لم تسأل عن هذا؟ قال: فأخبره بما قال له زيافيل، فقال له: أيها الملك، إني قرأت قصة آدم، فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولاجان، قال ذو القرنين: فأين وجدتها من الأرض؟ قال: وجدتها عند قرن الشمس. فبعث ذو القرنين فحشر الفقهاء والأشراف والملوك والناس، ثم سار يطلب مطلع الشمس، فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة. فأما الظلمة فليست بليل، وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر ثم جمع علماء أهل عسكره فقال لهم: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة، فقالوا: أيها الملك، قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة؛ ولا تطلبها فإنا نخاف أن ينبعق عليك أمر تكرهه، ويكون فيه فساد أهل الأرض. قال ذو القرنين: لا بد من

أن أسلكها؛ فخرت العلماء سجوداً، ثم قالوا: أيها الملك؛ كف عن هذه ولا تطلبها، فإنا لو كنا نعلم أنك إذا طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لكان، ولكنا نخاف العيب من الله، وأن ينبعق علينا منها أمر يكون فيه فساد أهل الأرض ومن عليها، فقال ذو القرنين: إنه لا بد من أن أسلكها، قالوا: فشأنك. قال: فأخبروني، أي الدواب أبصر؟ قالوا: البكارة، فأرسل فجمع له ألف فرس أنثى بكارة، وانتخب من عسكره ستة آلاف رجل من أهل العقل والعلم؛ فدفع إلى كل رجل فرساً، وعقد للخضر على مقدمته في ألفي رجل، وبقي هو في أربعة آلاف، وقال لمن بقي من الناس في العسكر: لا تبرحوا من عسكركم اثنتي عشرة سنة، فإن نحن رجعنا إليكم، وإلا فارجعوا إلى بلدكم، فقال الخضر: أيها الملك، إنما نسلك ظلمة لا ندري كم مسيرتها ولا بعضنا بعضاً، فكيف تصنع بالضلل إذا أضللنا؟ فدفع ذو القرنين خرزةً حمراء فقال: إذا أصابكم الضلل فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض، فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال؛ فسار الخضر بين يدي ذي القرنين، يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين؛ وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين، وذو القرنين يكتمه ذلك. فبينما الخضر يسير إذ عارضه واد، فظن أن العين في ذلك الوادي. فلما رأى شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل منكم من موضعه، ورمى الخضر بالخرزة فإذا هي على حافة العين، فنزع الخضر ثيابه، فإذا ماء أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من الشهد، فشرب منه وتوضأ واغتسل، ثم خرج فلبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو صاحبه، فوقعت الخرزة فصاحت، فرجع الخضر إلى صوت الخرزة وإلى أصحابه، فركب فقال لأصحابه: سيورا بسم الله، ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي، فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوماً، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، أرض حمراء خشاشة، وإذا في تلك الأرض قصر مبني، طوله فرسخ في فرسخ، مبوب ليس له أبواب، فنزل ذو القرنين بعسكره، ثم خرج وحده حتى نزل القصر، فإذا حديدة قد وضع طرفها على حافتي القصر من هاهنا وهاهنا، وإذا طائر أسود كأنه الخطاف مزموماً بأنفه إلى الحديدة، معلق بين السماء والأرض، فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال: من ذا؟ قال: ذو القرنين، قال الطائر: أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي يا ذا القرنين؟ حدثني، قال: سل عم

شئت، قال: هل كثر بناء الجص والآجر؟ قال: نعم، قال: فانتفض انتفاضة ثم انتفخ حتى بلغ ثلث الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين! أخبرني، قال: سل، قال: هل كثرت شهادات الزور في الأرض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ ثلثي الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين أخبرني، هل كثرت المعازف في الأرض؟ قال: نعم، فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ الحديدة، وسد ما بين جداري القصر؛ ففرق ذو القرينن فرقاً شديداً، فقال الطائر: يا ذا القرنين، لاتخف حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس صلاة المكتوبة بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: ترك الناس الغسل من الجنابة بعد؟ قال: لا، قال: فعاد الطائر كما كان. ثم قال: يا ذا القرنين، اسلك الدرجة إلى أعلى القصر؛ فسلكها ذو القرنين وهو خائف حتى استوى على صدر الدرجة، إذا سطح ممدود، وإذا عليه رجل نائم أو شبيه بالرجل، شاب عليه ثياب بياض، رافع وجهه إلى السماء، واضع يده على فيه. فلما سمع حس ذي القرنين، قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين فمن أنت؟ قال: أنا صاحب الصور، قال: فما لي أراك واضعاً يدك على فيك، رافعاً وجهك إلى السماء؟ قال: إن الساعة قد اقتربت، فأنا أنتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ فأنفخ؛ ثم أخذ صاحب الصور من بين يديه شيئاً كأنه حجر فقال: خذ هذا يا ذا القرنين، فإن شبع هذا الحجر شبعت، وإن جاع جعت. فأخذ ذو القرنين الحجر ثم رجع إلى أصحابه، فحدثهم بالطائر وما قال له وما رد عليه، وما قال له صاحب الصور وما رد عليه. فجمع ذو القرنين أهل عسكره ثم قال: أخبروني عن هذا الحجر ما أمره؟ فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين، ثم أخذوا حجراً مثله فوضعوه في الكفة الأخرى، فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين يميل بجميع ما وضع معه، حتى وضعوا معه ألف حجر، فقال العلماء: أيها الملك، انقطع علمنا دون هذا، أسحر هذا أم علم؟ ما ندري ما هذا! والخضر ينظر ما يصنعون وهو ساكت؛ فقال ذو القرنين للخضر: هل عندك علم من هذا؟ قال: نعم، فأخذ الميزان بيده، وأخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين، ثم أخذ حجراً من تلك الحجارة مثله فوضعه في الكفة الأخرى، ثم أخذ كفاً من تراب فوضعه مع الحجر الذي

جاء به ذو القرنين فاستوى، فخر العلماء سجداً وقالوا: سبحان الله، إن هذا العلم ما نبلغه، فقال ذو القرنين للخضر: فأخبرنا ما هذا؟ فقال الخضر: أيها الملك، إن سلطان الله قاهر لخلقه، وأمره نافذ فيهم، وإن الله ابتلى خلقه بعضهم ببعض، فابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، وابتلى العالم بالجاهل، والجاهل بالعالم؛ وإن الله ابتلاني بك، وابتلاك بي؛ فقال له ذو القرنين: حسبك، قد أبلغت فأخبرني. قال: أيها الملك، هذا مثل ضربه صاحب الصور، إن الله سيب لك البلاد، فأوطأك منها ما لم يوطئ أحداً، فلم تشبع، وأبت نفسك إلا شرهاً حتى بلغت من سلطان الله ما لم يبلغه أحد، ولم يطلبه إنس ولا جان؛ فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور، فإن ابن آدم لن يشبع أبداً دون أن يحثى التراب. فبكى ذو القرنين ثم قال: صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل، لا جرم لا أطلب أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت. ثم ارتحل ذو القرنين راجعاً، حتى إذا كان في وسط الظلمة لقي الوادي الذي كان فيه الزبرجد، فقال الذين معه: أيها الملك، ما هذا تحتك وسمعوا خشخشةً تحتهم؟ فقال ذو القرنين: خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم؛ فأخذ الرجل منهم الشيء بعد الشيء، وترك عامتهم فلم يأخذوا شيئاً. فلما خرجوا إذا هو زبرجد، فندم الآخذ والتارك. ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل، وكان منزله بها، فقام بها حتى مات. قال أبو جعفر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يرحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئاً حتى يخرجه إلى الناس، لأنه كان راغباً في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا، لا حاجة له فيها ". قال وهب بن منبه: لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها: يا ذا القرنين، صف لي الناس، قال: إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة رجل يغني الموت، ومحادثة من لا يعقل بمنزلة رجل يبل الصخر حتى يبتل، ويطبخ الحديد يلتمس إدامه، ومحادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور؛ ونقل الحجارة أيسر من محادثتك من لا يعقل.

وعن وهب بن منبه: أن ذا القرنين قال لبعض الأمم: ما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً. وعنه أيضاً: أن ذا القرنين أتى مغرب الشمس، فرأى قوماً لا يعملون عملاً، وإذا منازلهم ليس لها أبواب، وليس لهم حكام ولا قضاة؛ فاجتمعوا إليه فقال لهم: قد رأيت منكم عجباً، قالوا: وما رأيت من العجب؟ فقال: أرى قبوركم على باب منازلكم، قالوا: كي لا ننسى الموت، قال: فما لي أرى بيادركم واحدة؟! قالوا: لنتقاسم بالسوية، فنعطي من زرع ومن لم يزرع؛ قال: فما لي أرى بيوتكم ليس لها أبواب؟! قالوا: ليس فينا متهم، قال: فما لي أرى الحيات والعقارب تدور فيما بينكم ولا تضركم؟! قالوا: نزع الله من قلوبنا الغش والحناث، فنزع منها السموم؟ قال: فما لي لا أرى فيكم حكاماً؟! قالوا: ليس فينا من يظلم صاحبه، قال: فما لي أراكم أطول الناس أعماراً؟! فقالوا: وصلنا أرحامنا فطول الله عز وجل أعمارنا. وعن شعيب بن سليمان قال: أتى ذو القرنين مغيب الشمس، وأتى ملكاً من الملائكة كأنه يترجح في أرجوحة من خوف الله عز وجل؛ فهاله ذلك فقال له: علمني علماً لعلي أزداد إيماناً، فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال: لعل الله عز وجل أن يطوقني لذلك، فقال له الملك: لا تغتم لغد، واعمل في اليوم لغد، فإذا آتاك الله من الدنيا سلطاناً فلا تفرح به، وإن صرف عنك فلا تأس عليه، وكن حسن الظن به، وضع يدك على قلبك، فما أحببت أن تصنع بنفسك فاصنعه بأخيك، ولا تغضب فإن السلطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب؛ فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة؛ وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت؛ وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد؛ ولا تكن جباراً عنيداً. وعن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي: أن ذا القرنين كان فيما مكن الله عز وجل له، فيما سار من مطلع الشمس إلى مغربها إلى

السد، وكان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشاً، فسار بهم إلى امة غيرهم، فإذا فتح الله عز وجل له، وزاد ذلك الجيش أخذ من الآخرين الذين يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد، وأتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم؛ قد احتفروا قبوراً، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور، فنكسوها وصلوا عندها، ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم، فقيل له: أجب الملك ذا القرنين، فقال: مالي إليه من حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال له: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت، فها أنا ذا قد جئتك؛ فقال له: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك، فقال له ذو القرنين: مالي أراكم على الحال التي رأيت، لم أر عليها أحداً من الأمم التي رأيت؟! قال: وما ذلك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها؟ فقال: إنما كرهناها لأن أحدكم لا يعطى منها شيئاً إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منه؛ فقال: فما بالكم قد حفرتم قبوراً، فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها؟! قالوا: أردنا إذا نحن نظرنا إليها تأملنا الدنيا، منعتنا قبورنا من الأمل. قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من نبات الأرض، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها؟ فقال: كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لشيء من خلق ربنا عز وجل، ورأينا أن في نبات الأرض بلاغاً، وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام، وإن ما جاوز الحنك لم نجد له طعماً كائناً ما كان من الطعام. ثم بسط ملك تلك الأمة يده خلف ذي القرنين، فتناول جمجمةً وقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض، أعطاه الله عز وجل سلطاناً على أهل الأرض، فغشم وظلم وعتا، فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجيء به في آخرته. ثم يتناول جمجمةً أخرى بالية، فقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: هذا ملك ملكه الله بعده، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والجبر، فتواضع وتخشع لله عز وجل، وعمل بالعدل في أهل مملكته، فصار كما قد ترى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجزيه في آخرته. ثم أهوى إلى جمجمة ذي

القرنين فقال: وهذه الجمجمة، كأن قد كانت كهاتين، فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع؛ فقال ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك أخاً ووزيراً وشريكاً فيما آتاني الله عز وجل من هذا الملك؟ فقال له: ما أصلح أنا وأنت في مكان، ولا أن نكون جميعاً، فقال له ذو القرنين: ولم؟ فقال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق، قال: وعم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يديك من الملك والمال والدنيا، ولا أجد أحداً يعاديني لرفضي الملك، ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء. فانصرف عنه ذو القرنين. وفي حديث قال: مر الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا، فقال: هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه أحد؟ قالوا: نعم رجل يكون في المقابر، فدعا به قال: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟! قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت عظامهم وعظام عبيدهم سواء، فقال له: فهل لك أن تتبعني فأورثك شرف آبائك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك، قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر فيه، وسرور بغير مكروه؛ قال: لا؛ قال: فامض لشأنك ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده عز وجل ويملكه. قال الإسكندر: هذا أحكم من رأيت. قال سليمان الأشج صاحب كعب الأحبار: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، وكان طوافاً في الأرض، فبينا هو يطوف يوماً إذ وقف على جبل الهند، فقال له الخضر وكان صاحب لوائه الأعظم: مالك أيها الملك قد فزعت ووقفت؟! فقال: ومالي لا أفزع وأقف، وهذا أثر الآدميين، وموضع قدمين وكفين، وهذه الأشجار ما رأيت في طوافي أطول منها، يسيل منها ماء أحمر! إن لها لشأناً! قال: وكان الخضر قد قرأ كل كتاب فقال للملك: أما ترى الورقة المعلقة في الشجرة الكبرى؟ قال: بلى، قال: هي تخبرك بنبإ هذا المكان؛ قال: فرأى كتاباً فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. من آدم أبي البشر عليه السلام إلى ذريته أوصيكم ذريتي، بني وبناتي بتقوى الله، وأحذركم كيد عدوي وعدوكم إبليس اللعين، الذي

يلين كلامه ويجوز أمنيته، أنزلني من الفردوس الأعلى إلى البرية، فألقيت في موضعي هذا لا يلتفت إلي مئتي سنة بخطيئة واحدة عملتها وهذا أثري، وهذه الأشجار نبتت من دموعي، وعلي في هذا الموضع أنزلت التوبة، فتوبوا إلى ربكم قبل أن تندموا، وقدموا قبل أن تقدموا، وبادروا قبل أن يبادر بكم والسلام. قال: فنزل ذو القرنين فمسح جلوس آدم عليه السلام فإذا هو مئة وثمانون ميلاً، وعد الأشجار التي نبتت من دموع آدم عليه السلام فإذا هي سبع مئة شجرة. قال: فلما قتل هابيل قابيل جفت الأشجار وسال منها الماء الأحمر، فقال ذو القرنين للخضر: ارجع بنا، فوالله لا طلبت الدنيا بعدها ابداً. وحدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين كان يتفقد أمور ملوكه وعماله بنفسه، وكان لا يطلع على أحد منهم خيانةً إلا أنكر ذلك عليه، وكان لا يقبل ذلك حتى يطلع هو عليه نفسه. قال: فبينا هو يسير متنكراً في بعض المدائن، قال: فجلس إلى قاض من قضاتهم أياماً، لا يختلف إليه أحد في خصوم، فلما أن طال ذلك بذي القرنين ولم يطلع على شيء من أمر ذلك القاضي، وهم بالانصراف، إذا هو برجلين قد اختصما إليه، فادعى أحدهما فقال: أيها القاضي، إني اشتريت من هذا داراً عمرتها ووجدت فيها كنزاً، وإني دعوته إلى أخذه فأبى علي، فقال له القاضي: ما تقول؟ قال: ما دفنت ولا علمت به وليس هو لي ولا أقبضه منه، قال المدعي: أيها القاضي، مر من يقبضه فيضعه حيث أحببت، فقال القاضي: تفر من الشر وتدخلني فيه؟ ما أنصفتني، وما أظن هذا في قضاء الملك، فقال القاضي: هل لكما في أمر أنصف مما دعوتماني إليه؟ قالا: نعم، قال للمدعي: ألك ابن؟ قال: نعم، وقال للآخر: ألك أمة؟ قال: نعم، قال: اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا المال، وادفعوا فضل ما بقي إليهما يعيشان به، فتكونا قد صليتما بخيره وشره. فعجب ذو القرنين حين سمع ذلك، ثم قال للقاضي: ما ظننت أن في الأرض أحداً يفعل مثل هذا، أو قاض يقضي بمثل هذا! فقال القاضي وهو لا يعرفه: فهل أحد يفعل غير هذا؟ قال ذو القرنين: نعم، قال القاضي: فهل تمطرون في بلادكم؟ فعجب ذو القرنين من ذلك فقال: بمثل هذا قامت السماوات والأرض.

وعن الشافعي قال: جلس الإسكندر يوماً فلم يأته طالب حاجة. فلما قام عن مجلسه قال: هذا يوم لا أعده من عمري. قيل للإسكندر: مالنا نرى تجليلك أستاذك أكثر من تجليلك لوالدك؟ فقال: لأن والدي سبب حياتي الفانية، وأستاذي سبب حياتي الباقية. قال أبو سعيد النيسابوري الواعظ: كتب الإسكندر على باب مدينة الإسكندرية: أجل قريب بيد غيرك، وسوق حثيث من الليل والنهار، وإذا انتهت المدة حيل بينك وبين العدة، فأكرم أجلك بحسن صحبة سائقيك، وإذا بسط لك الأمل فاقبض نفسك عنه بالأجل، فهو المورد وإليه الموعد. قال سفيان: بلغنا أن أول من صافح ذو القرنين. وعن كعب الأحبار: أن ذا القرنين لما حضرته الوفاة كتب إلى أمه يأمرها أن تصنع طعاماً، ثم تخرج عليه نساء أهل المدينة، فإذا وضع الطعام بين أيديهن، فاعزمي عليهن أن لا تأكل منه امرأة ثكلى؛ ففعلت ذلك، فلم تمد امرأة يدها إليه؛ فقال: سبحان الله، كلكن ثكلى؟ قلن: إي والله، ما منا امرأةإلا أثكلت. قيل: إن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة؛ وذلك أنه ولد بالروم حين نزل شام الروم، فكان هو من القرن الأول. وقيل: إن ذا القرنين مات وله ست وثلاثون سنة، وقيل: اثنتان وثلاثون سنة. وكان ملك الإسكندر ست عشرة سنة.

ذو القرنين بن ناصر الدولة

ذو القرنين بن ناصر الدولة أبي محمد بن عبد الله بن حمدان، أبو المطاع التغلبي المعروف بوجيه الدولة، الشاعر كان أديباً فاضلاً، سائساً مدبراً؛ وليس إمرة دمشق بعد لؤلؤ البشراوي في سنة إحدى وأربع مئة. فمن شعره: لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا أيقنت أن من الدموع محدثاً ... وعلمت أن من الحديث دموعا ومن شعره: ومفارق ودعت عند فراقه ... ودعت صبري عنه في توديعه ورأيت منه مثل لؤلؤ عقده ... من ثغره وحديثه ودموعه ومن شعره: أفدي الذي زرته بالسيف مشتملاً ... ولحظ عينيه أمضى من مضاربه فما خلعت نجادي للعناق له ... حتى لبست نجاداً من ذوائبه فبات أسعدنا في نيل بغيته ... من كان في الحب أشقانا بصاحبه ومن شعره: يا من أقام على الصد ... د لغير جرم كان منا أخطر بقلبك عند ذك ... رك كيف نحن وكيف كنا لم يغن عني صاحب ... إلا وعنه كنت أغنى

ذو الكفل قيل اسمه شبر

وإذا أساء فلست أح ... مل في الضمير عليه ضغنا يفنى الذي وقع التنا ... زع بيننا فيه ونفنى وزاد في رواية: إن التقاطع والعقو ... ق هما أزالا الملك عنا وأظن أن لن يتركا ... في الأرض مؤتلفين منا ومن شعره: بأبي من هويته فافترقنا ... وقضى الله بعد ذاك اجتماعا وافترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسليمه علي وداعا توفي وجيه الدولة في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. ذو الكفل قيل اسمه شبر ويقال بشر بن أيوب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: إن ذا الكفل هو إلياس، ويقال يوشع، ويقال: اليسع. وتنبأه الله بعد أبيه أيوب. قال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذو اسمين: محمد وأحمد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وعيسى والمسيح عليه السلام؛ وإسرائيل ويعقوب عليه السلام؛ ويونس وذو النون عليه السلام؛ وإلياس وذو الكفل عليه السلام. وقيل: إن ذا الكفل كان اليسع بن حطوب الذي كان مع إلياس، ليس اليسع

الذي ذكره الله عز وجل في القرآن: " واليسع وذا الكفل ". ويقال: كان غيرهما. والله أعلم. ولكنه كان قبل داود عليه السلام؛ وذلك أن ملكاً جباراً يقال له كنعان، وكان من العماليق؛ ويقال: بل كان من بني إسرائيل، وكان لا يطاق في زمانه لظلمه وطغيانه، وكان ذو الكفل يعبد الله جل وعز سراً منه، ويكتم إيمانه، وهو في مملكته؛ فقيل للملك إن في مملكتك رجلاً يفسد عليك أمرك، ويدعو الناس إلى غير عبادتك؛ فبعث إليه ليقتله، فأتى به، فلما دخل عليه قال له الملك: ما هذا الذي بلغني عنك أنك تعبد غيري؟ فقال له ذو الكفل: اسمع مني ولا تعجل، وتفهم ولا تغضب، فإن الغضب عدو النفس، يحول بينها وبين الحق، ويدعوها إلى هواها، وينبغي لمن قدر أن لا يغضب فإنه قادر على ما يريد، قال: تكلم، قال: فبدأ ذو الكفل فافتتح الكلام بذكر الله عز وجل والحمد لله ثم قال: تزعم أنك إله، فإله من تملك، أو إله جميع الخلق؟ فإن كنت إله من تملك، فإن لك شريكاً فيما لا تملك؛ وإن كنت إله الخلق فمن إلهك؟ فقال له: ويحك! فمن إلهي؟ قال: إله السماء والأرض وهو خالقهما وهذه الشمس والقمر والنجوم، فاتق الله واحذر عقوبته، فإن أنت عبدته ووحدته رجوت لك ثوابه، والخلود في جواره؛ قال له الملك: اختر ثم أخبرني، من عبد إلهك ما جزاؤه؟ قال: الجنة إذا مات، قال: فما الجنة؟ قال: دار خلقها الله بيده فجعلها مسكناً لأوليائه يبعثهم يوم القيامة شباباً مرداً أبناء ثلاث وثلاثين سنة، فيدخلهم الجنة في نعيم وخلود، شباباً لا يهرمون، مقيمين لا يظعنون، أحياء لا يموتون، ونعيم وسرور وبهجة؛ قال: فما جزاء من لم يعبده وعصاه؟ قال: النار، مقرونين مع الشياطين، مغلغلين بالأصفاد، لا يموتون أبداً، في عذاب مقيم، وهوان طويل، تضربهم الزبانية بمقامع الحديد، طعامهم الزقوم والضريع، وشرابهم الحميم؛ قال: فرق الملك وبكى لما كان قد سبق له فقال: إن أنا آمنت بالله فمالي؟ قال: الجنة، قال: فمن لي بذلك؟ قال: أنا لك الكفيل على الله عز وجل، وأكتب لك على الله كتاباً، فإذا أتيته تقاضيته ما في كتابك وفى لك، فإنه قادر ماهر، يوفيك ويزيدك. ففكر الملك في ذلك، وأراد الله به الخير فقال له: اكتب لي على الله كتاباً؛ فكتب: "

بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك، ثقةً منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع، وعبد الله أن يدخله الجنة، ويثويه منها حيث يشاء، وإن له على الله ما لأوليائه، وأن يجيره من عذابه، فإنه رحيم بالمؤمنين، واسع الرحمة، سبقت رحمته غضبه ". ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه، ثم قال له الملك: أرشدني كيف أصنع؟ قال: قم فاغتسل والبس ثياباً جدداً، ففعل؛ ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يتبرأ من الشرك، ففعل؛ ثم قال: كيف أعبد ربي؟ فعلمه الشرائع والصلاة؛ ثم قال له: يا ذا الكفل، استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنساك. قال: فخلع الملك وخرج سراً فلحق بالنساك، فجعل يسيح في الأرض. وفقده أهل مملكته وطلبوه؛ فلما لم يقدروا عليه قال: اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غر إلهنا؛ قال: فذهب قوم في طلب الملك، وتوارى ذو الكفل؛ فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم، فلما نظروا إليه قائماً يصلي خروا له سجداً، فانصرف إليهم فقال: اسجدوا لله عز وجل ولا تسجدوا لأحد من الخلق، فإني آمنت برب السماوات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوفهم. قال: فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه: لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا، فإذا مت فادفنوني؛ وأخرج كتابه فقرأه عليهم حتى حفظوه وعلموا ما فيه، وقال لهم: هذا كتاب كتب لي على ربي أستوفي منه ما فيه، فادفنوا هذا الكتاب معي. قال: فمات، فجهزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عز وجل ملكاً فجاء به إلى ذي الكفل فقال: يا ذا الكفل، إن ربك قد وفى لكنعان بكفالتك، وهذا الكتاب الذي كتبته له، وإن الله يقول: إني هكذا أفعل بأهل طاعتي. فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس، أخذوه فقالوا: أنت غررت ملكنا وخدعته؛ فقال لهم: لم أغره ولم أخدعه، ولكن دعوته إلى الله وتكفلت له بالجنة، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذا وكذا، ودفنه أصحابكم، وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله الوفاء، وقد أوفاه الله حقه، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم؛ فحسبوه حتى قدم أصحابهم، فسألوهم فقصوا عليهم القصة؛ فقالوا لهم: تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا: نعم، فأخرجوا الكتاب فقرأوه،

فقالوا: هذا الكتاب الذي كان معه، ودفناه في يوم كذا وكذا، فنظروا وحسبوا فإذا ذو الكفل كان قد قرأ عليهم الكتاب وأعلمهم بموت الملك في اليوم الذي مات فيه؛ فآمنوا به واتبعوه، فبلغ من آمن به مئة ألف وأربعة وعشرين ألفاً؛ وتكفل لهم مثل الذي تكفل لملكهم على الله. فسماه الله ذو الكفل. قال أبو نضرة: كان نبي في بني إسرائيل، فأرسل إليهم أن اجتمعوا عندي، فاجتمعوا عنده فقال: إني لا أحسبني إلا قد احتضر أجلي، فالتمسوا لي رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل ولا يغضب، فلما سمع ذلك المشيخة سكتوا، وقام غلام من بني إسرائيل فقال: أنا لك بهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: ثم أرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فاجتمعوا، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لهذا؛ فقال: ألا أراك غلاماً فاجلس. قال: فأرسل إليهم أن اجتمعوا إلي، فقال لهم مثل ذلك، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال: أنا لك بهذا، قال: تصوم النهار وتقوم الليل وتقضي بين بني إسرائيل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: قد وليتك أمر بني إسرائيل بعدي. قال: ومات نبيهم. قال: فجعل ذو الكفل يصوم النهار ويقوم الليل، ويقضي بين بني إسرائيل، فإذا انتصف النهار قام فأوى إلى بيته، فقال: ثم يخرج ويقضي بينهم. قال: قال إبليس لعنه الله لجنوده: احتالوا أن تغضبوه، فأرادوا بكل شيء، فجعلوا لا يقدرون على أن يغضبوه: فلما رأى ذلك إبليس قال: أنا صاحبه فجاءه في صورة شيخ كبير، يمشي على عصاً له حتى قعد حيث يراه، فجعل ذو الكفل ينظر إليه ويرق له، ويحسب أنه لا يستطيع الزحام، فلما كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، قام حتى قعد بين يديه فقال: شيخ كبير مظلوم، ظلمني بنو فلان، قال له ذو الكفل: فهلا قمت إلي قبل هذه الساعة؟! قال: شيخ كبير لم أستطع الزحام؛ قال: فأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته التي يقيل فيها قد مضت، فقال: يا شيخ! منعتني من القائلة؛ قال: إني شيخ كبير ملهوف، قال: فكتب معه، قال: فأخذ الكتاب فرمى به؛ ثم تحينه من الغد، فأتاه في الساعة التي أتاه فيها، فقعد حياله، فجعل ذو الكفل ينظر

إليه ولا يقوم إليه، حتى كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة، فقام فقعد بين يديه فقال: قد أخبرتك أن القوم لا يلتفتون إلى كتابك، طردوني ولم يجيبوني، فأخذه بخدعته حتى ذهبت ساعته، فالتفت فإذا ساعته قد ذهبت، فقال: يا شيخ! منعتني أمس واليوم من القائلة، وأنا أنام هذه السويعة! قال: شيخ كبير، مظلوم ضعيف، قال: فكتب معه وشدد عليهم، فقال: إنهم لا يلتفتون إلى كتابك، قال: بلى قال: وكل ذلك يريد أن يغضبه قال: فكتب معه وتشدد على القوم. قال: فانطلق فمزق الكتاب وخمش وجهه، ومزق ثيابه، ثم تحين الساعة التي أتاه فيها، فقعد بحياله، فجعل ذو الكفل ينظر إليه وماله هم غيره، حتى إذا كانت الساعة التي يقوم فيها قام فقعد بين يديه، قال فقال: هذا ما لقيت منك! ضربوني ومزقوا علي ثيابي وقد أخبرتك أنهم لا يجيبونك، وأخذه بخدعته حتى مضت ساعته، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته قد ذهبت فقال: أول من أمس، وأمس واليوم! اللهم إنما أنا بشر، لا أستطيع ألا أغضب، قال: فرفع يده، فطرف لإبليس، فساخ الخبيث فذهب. فسماه الله ذا الكفل لأنه كفل بشيء فوفى به. وعن ابن عمر قال: لقد سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال: كان الكفل منبني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها؛ فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك، أكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة؛ قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط! قال: ثم نزل فقال: اذهبي والدنانير لك؛ ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبداً. فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: قد غفر الله للكفل. قيل: إن ذا الكفل كان عمره خمساً وسبعين سنة. قال وهب بن منبه: كانت قبل إلياس وقبل داود أحداث وأمور في بني إسرائيل وأنبياء منهم اليسع صاحب إلياس وذو الكفل؛ وكان عيلون مستخلفاً خلافة نبوة، ولم تكن له نبوة، غير أن بني

إسرائيل كانوا يسمون خليفة النبي نبياً؛ وكان فيهم من جمع التوراة يسمونهم أنبياء؛ ومنهم من كان نبياً في منامه؛ وكان اشموئيل بعده. وكان ذو الكفل يكتب الكفالات على الله بالوفاء لمن آمن به. فكان من شأنه أنهم كانوا ثلاثة إخوة، عباد تآخوا في الله حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل، فخرجوا عنهم واعتزلوهم وتعبدوا في موضع لا يعرفون، حتى إذا اشتد البلاء في بني إسرائيل وكادوا أن يتفانوا، وضيعت فيهم الأحكام والسنن والشرائع؛ فلما أن خاف القوم الهلاك طلبوا الثلاثة ليملكوا أحدهم على أنفسهم ليقيم فيهم الحدود والأحكام ويجمع ألفتهم. قال: فقدروا عليهم، فخيروهم بين القتل وبين أن يكون أحدهم عليهم؛ فاختاروا القتل، وكان أصغرهم أعبدهم وأشدهم اجتهاداً؛ فقال اثنان منهم للثالث وهو أصغرهم سناً: أنت أحدثنا سناً وأقوانا، فهل لك أن تحتسب بنفسك عليهم فتقيم لهم أحكامهم وشرائعهم؟ فقال: أفعل بشرط أن لا تقرباني ولا تنظرا إلي ولا أنظر إليكما حتى يبلغكما أني عدلت عن الحق؛ فقالا: نعم. فمضى مع القوم، فتوجوه وأقعدوه على سرير الملك. فأقام فيهم الحق وأحيا فيهم السنن، وحسنت حال بني إسرائيل، واغتبطوا به؛ فجاءه الشيطان من قبل النساء، فلم يزل حتى واقع النساء؛ ثم أتاه من قبل الشراب، فلم يزل به حتى خالط الناس في الشراب؛ ولم يزل به حتى ركب المعاصي وضيع الحدود، وانتهك المحارم، وخالط الدماء. فبلغ أخويه، فجاءا حتى دخلا عليه، فأمر بهما فحبسهما، فلما أمسى دعا بهما، فقالا له: أي عدو الله! غررتنا بدينك، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة! فقال لهما: فدعاني عنكما، فقد ارتكبت ما بلغكما وأنا غير مقصر، وقد أصبت الدنيا، وعلمت علماً يقيناً أن لا آخرة لي، فدعاني أتمتع من دنياني؛ فقال له أحدهما يقال له عايوذا وكان أخاه في الله عز وجل: أفلا خير من ذلك؟ قال: وما ذاك؟ قال: ترجع وتتوب إلى الله، وأتكفل لك بالمغفرة والرحمة والجنة، قال: أتفعل؟ قال: نعم، قال: اكتب لي على ربك كتاباً بالوفاء، فكتب له؛ ثم خلع الملك وعاد إلى ما كان، ولحق بالعباد، وقال لهما: لا تصحباني. وكان عباد بني إسرائيل حين عظمت الأحداث فيهم اعتزلوهم ولحقوا بالجبال والسواحل، يعبدون الله؛ فلحق هذا بشعب العباد، فانتهى إلى رجل قائم يصلي إلى جنب شجرة جرداء ليس عليها ورق، كثيرة الشوك فقام إلى جنبه يصلي؛ وكانت تلك الشجرة تحمل كل عشية رمانةً عند إفطار العابد، فهي رزقه إلى مثلها من القابلة؛ فلما أمسى قال في

نفسه: إني أطوي ليلتي هذه، وأجعل رزقي لضيفي هذا. قال: فحملت الشجرة رمانتين، فدفع إحداهما إلى الفتى وأكل الأخرى، فقال له الفتى: هل أمامك من العباد أحد؟ قال: امض أمامك، فلما أصبح مضى حتى انتهى إلى رجل قائم يصلي على صخرة، عليه برنس له من مسوح، فقام إلى جنبه يصلي، وكان له كل ليلة إناء من ماء، عليه رغيف، وهو رزقه، فلما أمسى جعل في فنسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك هو، فأتاه الله بإناءين على كل واحد منهما رغيف، فأطعم أحدهما الفتى وأكل الآخر وشربا؛ فلما أصبح الفتى قال له: هل في الوادي من هو أعبد عندك؟ قال: امض أمامك؛ فمضى فانتهى إلى رجل قائم على تل، بغير حذاء ولا قلنسوة، في يوم شديد الحر، عليه إزار من مسوح، وجبة من مسوح، قائم يصلي، فقام إلى جنبه؛ وكانت وعلة سخرها الله عز وجل، تجيء كل ليلة من الجبل، فتقوم بين يديه، وتفرج بين رجليها وضرعها، تدر لبناً؛ وعنده قعبة له، فيحلب من الوعلة ملء قعبته، فذلك طعامه وشرابه، فقال في نفسه: أجعل رزقي لضيفي هذا وأمسك عن نفسي؛ فلما جاءت الوعلة حتى وقفت، فقام العابد إليها فحلبها وسقى الفتى وهي واقفة وضرعها يدر لبناً وهي تومئ إلى العابد أن احتلب؛ قال: فاحتلب حتى ملأ قعبته وانصرفت الوعلة. فلما أصبح قال له الفتى: هل في الوادي من هو اعبد منك؟ قال: امض أمامك، قال فمضى حتى انتهى إلى شيخ في أعلى الجبل، قائم يعبد الله عز وجل منذ مئة وثمانين سنة، اعتزل الناس، طعامه عشب الأرض وله عين تجري، إذا أمسى جرت تلك العين بما يكفيه لشرابه ووضوئه، وتعشب الأرض حول عينه وهو على صخرة كقدر ما يغنيه، فلما أمسى جعل في نفسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه؛ فلما أمسى فجر الله عينيه، وأعشب الأرض حولهما؛ فقال للفتى: هذا طعامي وهذا شرابي، وهذا رزق ساقه الله إليك على قدر رزقي، ولا يكلف الله نفساً إلا طاقتها، وليس عندنا إلا ما ترى، قد رضينا من الدنيا بهذا وهذا من الله عز وجل، أن رزقنا القناعة والرضى؛ فقال الفتى: قد رضيت بهذا ولا أريد به بدلاً؛ فأقام معه يتعبد حتى أدركه الموت، فقال

ذو الكلاع وهو أسميفع بن باكورا

للشيخ: قد صحبتك فأحسنت صحبتي، ورزقني الله بصحبتك الخير والفضل، ولي عندك حاجة؛ قال: وما هي؟ قال: أن تحفر لي وتدفني، ثم أخرج الكتاب فدفعه إليه وقال: ضع هذا الكتاب بين كفني وصدري؛ فقال له الشيخ: فكيف لي بأن أحفر لك؟ قال: قل أنت نعم إن شاء الله، فإن الله سيهيئ ذلك لك. فقال الشيخ: نعم؛ فمات الفتى فقام الشيخ ليحفر له لما وعده فلم يصل، إنما هو يحفر بيده حتى تقطعت أنامله إذ بعث الله أسداً، له مخاليب من حديد، فحفر له قبراً. فلما أن رأى العابد ذلك اشتد سروره بذلك، فدفن الفتى وأهال عليه، ووضع الكتاب بين صدره وكفنه؛ فبعث الله إليه ملكاً فأخذ الكتاب وكتب: إن الله عز وجل قد وفى له بشرطك، وتمت كفالتك ونفذ كتابك. فجاء بالكتاب حتى دفعه إلى عايوذا وهو الذي كان كتب له الكفالة؛ وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عز وجل، فسمي ذا الكفل. والله أعلم أي ذلك كان مما قالوا. والذي كان كتب له الكفالة؛ وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عز وجل، فسمي ذا الكفل. والله أعلم أي ذلك كان مما قالوا. ذو الكلاع وهو أسميفع بن باكورا ويقال سميفع بن حوشب بن عمرو بن يعفر بن يزيد وهو ذو الكلاع الأكبر ابن النعمان، أبو شرحبيل، ويقال: أبو شراحيل الحميري الأحاظي ابن عم كعب الأحبار. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وراسله بجرير البجلي. شهد وقعة اليرموك، وفتح دمشق، وصفين مع معاوية، وقتل يومئذ؛ وكان على أهل حمص وهم الميمنة. ويقال: إن معاوية أنزله حين قدم دمشق بدار المدنيين. واختلف في يعفر، فقيل: يعفر، بضم الياء والفاء؛ وقيل: يعفر، بضم الياء وكسر الفاء؛ وقيل: يعفر، بفتح الياء وضم الفاء، مثل يشكر. وكله مأخوذ من العفر والعفر، وهما التراب.

قال جرير: كنت باليمن فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو؛ فجعلت أحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم؟ فقالوا: قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر، والناس صالحون؛ قال: فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا وسنعود إن شاء الله. فرجعت فأخبرت أبا بكر بحديثهما، قال: ألا جئت بهم؟ فلما كان بعده قال لي ذو عمرو: يا جرير، إن بك كرامة وإني مخبرك خبراً، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخبر ما كنتم إذا هلك أمير أمرتم آخر، فإذا كان السيف كانوا ملوكاً، يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضى الملوك. وعن جرير، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذي الكلاع وذي عمرو؛ فأما ذو الكلاع فقال: ادخل على أم شرحبيل، والله ما دخل أحد بعد أبي شرحبيل قبلك؛ وأسلما. وأما ذو عمرو فقال: يا جرير، هل شعرت أن من بادئ كرامة الله جل وعز للعبد أن يحسن صورته؛ وكان أمر لي بدجاجة وقال: لولا أن أمنعك دجاجتك لأنبأتك أن الرجل الذي جئت من عنده إن كان نبياً فقد مات اليوم؛ فأهويت إلى قائم سيفي لأضربه به، ثم كففت. فلما كنت ببعض الطريق لقيتني وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جماعة من الرواة: دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع، وإلى ذي عمرو، يدعوهما إلى الإسلام؛ فأسلما، وأسلمت ضريبة بنت أبرهة بن الصباح امرأة ذي الكلاع. وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجرير عندهم، فأخبره ذو عمرو بوفاته، فرجع جرير إلى المدينة.

وعن ذي الكلاع الحميري قال: سمعت عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما يبعث المقتتلون على النيات ". وعن ذي الكلاع: كان كعب يقص في إمارة معاوية، فقال عوف بن مالك لذي الكلاع: يا أبا شراحيل، أرأيت ابن عمك، أبأمر الأمير يقص؟ فإني سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: القصاص ثلاثة: أمير، أو مأمور، أو محتال. فمكث كعب سنةً لا يقص، حتى أرسل إليه معاوية، فأمره أن يقص. ويقال: أبو شراحيل قدم الشام. حدث بعضهم قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع في الجاهلية، فأتيت على بابه حولاً لا أصل إليه، ثم إنه أشرف ذات يوم من القصر، فلم يبق أحد حول القصر إلا خر له ساجداً؛ قال: فأمر بهديتي فقبلت. ثم رأيته بعد في الإسلام وقد اشترى لحماً بدرهم، فسمطه على فرسه وهو يقول: أف للدنيا إذا كانت كذا ... أنا منها كل يوم في أذى ولقد كنت إذا ما قيل: من ... أنعم الناس معاشاً؟ قيل: ذا ثم بدلت بعيشي شقوةً ... حبذا هذا شقاءً حبذا وعن أنس بن مالك قال: أتيت أهل اليمن، فبدأت بهم حياً حياً أقرأ عليهم كتاب أبي بكر، حتى إذا فرغت قلت: الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد، فإني رسول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول المؤمنين، ألا وإني تركتهم معسكرين، ليس يثقلهم عن الشخوص إلى عدوهم إلا انتظاركم، فاحتملوا إلى إخوانكم بالنصر، رحمة الله عليكم أيها المسلمون. فكل من أقرأ عليه ذلك الكتاب ويسمع مني هذا القول يرد أحسن الرد ويقول:

نحن سائرون إلى إخواننا؛ حتى انتهينا إلى ذي الكلاع، فلما قرأنا عليه الكتاب وقلت هذا القول، دعا بفرسه وسلاحه، ثم نهض في قومه وأمر بالمعسكر، فما برحنا حتى عسكر وقام فيهم فقال لهم: أيها الناس؛ إن من رحمة الله عليكم ونعمته فيكم أن بعث فيكم نبياً، أنزل عليه الكتاب، وأحسن عنه البلاغ، فعلمكم ما يرشدكم، ونهاكم عما يفسدكم حتى علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ورغبكم فيما لم تكونوا ترغبون فيه من الخير؛ وقد دعاكم إخوانكم الصالحون إلى جهاد المشركين، واكتساب الأجر العظيم؛ فلينفر من أراد النفر معي. قال: فنفر معه بعدة من الناس، وأقبل إلى أبي بكر. قال: ورجعنا نحن فسبقناه بأيام، فوجدنا أبا بكر بالمدينة، ووجدنا ذلك العسكر على حاله، وأبو عبيدة يصلي بأهل العسكر؛ فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها، فقال لهم أبو بكر: عباد الله؛ ألم نكن نتحدث فنقول: إذا مرت حمير معها نساؤها وأولادها نصر الله المسلمين، وخذل المشركين. أبشروا أيها الناس فقد جاءكم النصر. قال أبو صالح: كان يدخل مكة رجال متعممون من جمالهم، مخافة أن يفتتن بهم، منهم عمرو الطهوي، وأغيفر اليربوعي، وسبيع الطهوي، وحنظلة بن مرثد من بني قيس بن ثعلبة، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن حممة، وأبو خيثمة بن رافع، وزيد الخيل بن مهلهل الطائي، وقيس بن سلمة بن شراحيل الجعفي، وذو الكلاع الحميري، وامرؤ القيس بن حجر الكندي، وجرير بن عبد الله البجلي. حدث إسماعيل بن عبد الله: أن ذا الكلاع رأى أن ملكاً نزل من السماء، فقام إليه رجل من أهل العراق وقال: إن الله بعث إلينا رسولاً، فعمل فينا بكتاب الله حتى قبضه الله، ثم استخلف أبو بكر، فعمل بمثل ذلك حتى قبضه الله، ثم استخلف عمر، فعمل بمثل ذلك حتى قبضه الله، ثم استخلف عثمان، فعمل بغير ذلك، وأنكرنا عليه فقتلناه. ثم قمت عليه فقلت مثلما قال، حتى

انتهيت إلى عثمان فقلت غير ما قال؛ وألقى حصىً بيضاء وحصىً سوداء، فلقطت الحصى البيض ولقط الحصى السود؛ فقلت: اقض بيننا، فقال: قد فعلت. أو قال: لم أفعل. قال أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى: ذو الكلاع الأصغر اسمه سميفع بن باكورا، مخضرم له مع عمر بن الخطاب أخبار، وبقي إلى أيام معاوية. ولما بلغ كثرة شرب الناس الخمر بالشام وإقامة الحدود عليهم أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه؛ فقال ذو الكلاع: صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوماً بصابر رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون عند المعاصر فلا تجلدوني واجلدوها فإنها ... هي العيش للباقي ومن في المقابر ولما ظهر أمر معاوية بالشام، وبايعوه على أمره، دعا علي رجلاً، فأمره أن يتجهز وأن يسير إلى دمشق، وأمره إذا دخل دمشق أناخ راحلته يعني ويقول لهم: تركت علياً قد نهد إليكم فذكره، وقال: فخرج معاوية حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس؛ إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي؟ فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال. وهي بالحميرية تعني: الفعال. وعن زامل بن عمرو الحبراني قال: طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم خطراً

فقال: الحمد لله كثيراً نامياً جزيلاً، واضحاً منيراً، بكرةً وأصيلاً، أحمده على قتال علي ومن معه من أهل العراق فقعد على فرسه وكان من أعظم أصحاب معاوية وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلا، ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالفرقان إماماً، وبالهدى ودين الحق حين ظهرت المعاصي، ودرست الطاعة، وامتلأت الأرض جوراً وضلالةً، واضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنةً، وورك عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها، واستولى على جميع اهلها؛ فكان الذي أطفأ نيرانها، ونزع أوتادها، وأوهن به قوى إبليس، وأيأسه مما كان قد طمع من ظفره بهم؛ محمد بن عبد الله، فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله على محمد والسلام عليه ورحمة الله وبركاته؛ وقد كان مما قضى الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنا لنعلم أن منهم قوماً قد كانت لهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابقة ذات شأن وخطر عظيم؛ ولكني قلبت هذا الأمر ظهراً وبطناً، فلم أر أن يسعنا أن نهدر دم ابن عفان، صهر نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومجهز جيش العسرة، واللاحق في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتاً، وباني سقاية المسلمين؛ وبايع له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده اليمنى على اليسرى، واختصه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكريمتيه: أم كلثوم ورقية، ابنتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن كان أذنب ذنباً فقد أذنب من هو خير منه، قال الله عز من قائل لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " وقتل موسى عليه السلام نفساً ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب نوح عليه السلام، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب أبوكم آدم عليه السلام، ثم استغفر الله فغفر له؛ فلم يعر أحد من الذنوب؛ وإنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله، وإنه لأخوه في دينه، وابن عمه وسلفه وابن عمه؛ وقد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم وبلادكم وبيضتكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل؛ فاستعينوا بالله واصبروا فقد ابتليتم. أيتها الأمة؛ والله لقد رأيت في منامي في ليلتي هذه، لكأنا وأهل العراق قد اعتورنا مصحفاً نضربه بأسيافنا، ونحن في

ذلك ننادي: ويحكم! الله الله! مع أنا والله ما نحن بمفارقي العرصة حتى نموت. عليكم بتقوى الله، ولتكن النيات لله عز وجل، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: إنما يبعث المقتتلون على النيات. أفرغ الله علينا الصبر، وأعز لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم ولياً وناصراً، وحافظاً في كل أمر، وأستغفر الله لي ولكم. وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وذكر أهل صفين فقال: كانوا عرباً يعرف بعضهم بعضاً في الجاهلية، والتقوا في الإسلام معهم تلك الحمية ونية الإسلام، فتصابروا واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم؛ فلما أصبحوا يوماً، وذلك يوم الثلاثاء خرج الناس إلى مصافهم، فقال أبو نوح الحميري: وكنت في خيل علي، فبينا أنا واقف إذ نادى رجل من أهل الشام: من دلني على أبي نوح الحميري؟ قال أبو نوح: فقلت: أيهم تريد؟ فقال: الكلاعي، فقلت: قد وجدته، فمن أنت؟ قال: أنا ذو الكلاع فسر إلي، قال أبو نوح: فقلت معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة، فقال: سر، فلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع، فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم؛ فسار إليه أبو نوح وسار إليه ذو الكلاع حتى التقيا، فقال له ذو الكلاع: إنما دعوتك أحدثك حديثاً حدثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر؛ فقال أبو نوح: وما هو؟ فقال ذو الكلاع: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يلتقي أهل الشام وأهل العراق، في إحدى الكتيبتين الحق أو قال: الهدى ومعها عمار بن ياسر، فقال أبو نوح: نعم والله، إن عماراً لمعنا وفينا؛ فقال: أجاد هو على قتالنا؟ فقال أبو نوح: نعم ورب الكعبة لهو أجد على قتالكم مني، ولوددت أنكم خلق واحد فذبحته. وعن الحارث بن حصيرة: أن ابن ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس رسولاً فقال له: إن ابن عمك ابن ذي

الكلاع يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن ذا الكلاع قد أصيب وهو في الميسرة، أفتأذن لنا فيه؟ فقال له الأشعث: أقرئه السلام وقل له: إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره وذلك بينهم يتراسلون في اليوم والأيام فقال معاوية: ما عسيت أن أصنع. وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، وخافوا أن يفسدوا أهل العسكر. فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحاً بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها، لأن ذي الكلاع كان يعرض له في أشياء كان يأمر بها؛ فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له فيه؛ فقال سعيد بن قيس لابن ذي الكلاع حين قال له إنهم يمنعوني من دخول عسكرهم: كذبت، لم يمنعوك! إن أمير المؤمنين لا ينال من دخل عسكره لهذا الأمر، ولا يمنع أحداً من ذلك فادخل. فدخل من قبل الميمنة فلم يجده، فأتى الميسرة فوجده قد ربط برجله طنب من أطناب فسطاط، فسلم عليهم ومعه عبد له أسود فقال لهم: أتأذنون في طنب من أطناب فسطاطكم؟ فقالوا: نعم، ثم قالوا له: معذرةً إلى ربنا وإليكم، أما إنه لولا بغيه علينا ما صنعنا ما ترون، فنزل عليه وقد انتفخ وكان عظيماً جسيماً فلم يستطيعا احتماله، فقال ابنه: هل من فتىً معوان؟ فخرج إليه الخندق، رجل من أصحاب علي، فقال: تنحوا، فقال ابن ذي الكلاع: ومن يحمله؟ قال: يحمله الذي قتله، فاحتمله الخندق حتى رمى به على ظهر بغل، ثم شداه بالحبال وانطلقا إلى عسكرهم. قتل ذو الكلاع يوم صفين مع معاوية، وكانت صفر سنة سبع وثلاثين. وعن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: رأيت في المنام قباباً في رياض، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لعمار بن ياسر وأصاحبه، ورأيت قباباً في رياض، فقلت: لمن هذه؟ فقالوا: لذي الكلاع وأصحابه، فقلت: كيف وقد قتل بعضهم بعضاً؟! قال: إنهم وجدوا الله واسع المغفرة. وفي حديث آخر بمعناه: قلت: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.

ذو النون بن إبراهيم

ذو النون بن إبراهيم ويقال ابن أحمد اسمه ثوبان ويقال: اسمه الفيض أبو الفيض ويقال: أبو الفياض الإخميمي الصري الزاهد قدم الشام للسياحة، وطاف جبل لبنان، ودخل دمشق. حدث عن الليث بن سعد بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، واتقوا النالر ولو بشق تمرة. كان ذو النون حكيماً، فصيحاً، عالماً. وأصلة من النوبة، وكان من قرية من قرى مصر يقال لها إخميم. ونزل مصر، وكان رجلاً ننحيفاً تعلوه صفرة، ليس بأبيض اللحية، وكان رئيس القوم، والمرجوع إليه، والمقبول على جميع الألسنة، وأول من عبر عن علوم المنازلات. ودخل بغداد، ونزل سر من رأى. حمل إلى المتوكل على البريد، استحضره من مصر، فدخل عليه ووعظه. وكان أهل مصر يسمونه الزنديق، فلما مات أظلت الطير جنازته فاحترموا بعد ذلك قبره. ولما مرض ذو النون مرضه الذي مات فيه قيل له: ما تشتهي؟ قال: أن اعرفه قبل موتي بلح؟ ة، ولما مات وجد على قبره مكتوب: مات ذو النون حبيب الله من الشوق، بقتيل الله. قال أبو عبد الله الهاشمي: دخل ذو النون المصري مسجد دمشق، فاجتمع مع سيد حمدويه، فدعانا بعض أبناء الدنيا إلى داره، فلما أكلنا قال صاحب الدار: هاهنا سماع فيكم، من يرغب؟ فقال ذو

النون: فهلاً قبل الطعام؛ أما علمت أن المقدحة إذا ابتلت لم تور. وعن أيوب بن إبراهيم مؤذن ذي النون قال: كان أصحاب المطالب أتوا ذا النون، وخرج معهم إلى فقط وهو شاب؛ فاحتفروا قبراً فوجدوا فيه أشياء، ووجدوا لوحاً فيه اسم الله الأعظم، فأخذه ذو النون وسلم إليهم ماوجدوا. قال يوسف بن الحسين: حضرت مجلس ذي النون يوماً وفيه سالم المغربي، فقالا له: يا أبا الفيض، ما كان سبب توبتك؟ قال: عجب لاتطيقه، فقال: سألتك بمعبودك إلا أخبرتني؟ فقال ذو النون: أردت الخروج من مصر إلى بعض القرى. فلما كنت في الصحاري نمت، ففتحت عيني وإذا أنا بطير يقال له القبرة، أعمى معلق بمكان ذكره، فسقط غلى الأرض، فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان، إحداهما ذهب والأخرى فضة، في إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء. فجعل يأكل من هذا ويشرب من هذا. فقلت: حسبي قدت تبت، ولزمت الباب إلى أن قبلني. قال علي بن حاتم الثماني بمصر: سمعت ذا النون يقول: القرآن كلام الله، غير مخلوق. قال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون المصري يقول وقد سئل عن التوحيد فقال: أن تعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا مزاج، وسنعته للأشياء بلا علاج، وعلة كل شيء صنعه، ولا علة لصنعه؛ وليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى مدبر غير الله؛ وكل ما تصور في وهمك فالله بخلاف ذلك. قال عمر بن صدقة الحمال: كنت مع ذي النون يإخميم، فسمع صوت لهو ودقاف وأكبار، فقال: ما هذا؟

فقيل: عرس لبعض أهل المدينة؛ وسمع إلى جانبه بكاءً وصياحاً وولولةً فقال: ما هذا؟ فقالوا: فلان مات، فقال لي: يا عمر بن صدقة، أعطي هؤلاء فما شكروا، وابتلي هؤلاء فما صبروا، ولله علي إن بت في هذه المدينة. فخرج من ساعته من إخميم إلى الفسطاط. قال أحمد بن جعفر السمسار: سمعت ذا النون يقول: دخلت إخميم الصعيد، فدخلت في بعض البراري، فسمعت صوتاً ولم أر شخصاًَ وهو يقول: يا أبا الفيض، أقبل علي، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بوجه قد خرج من موضعه، فقال لي: أنت ذو النون المصري؟ فقلت: نعم، فقال لي: أنت زاهد أهل زمانك؟ قلت: يا عبد الله، كذا يقال؛ فقال لي: يا أبا الفيض، أليس يقولون: إن الدنيا ليس تسوى عند الله جناح بعوضة؟ فازهدوا في الآخرة خير لكم؛ فقلت له: وكيف نزهد في الآخرة؟ قال: تزهدون في جنتها ونارها، وترغبون في النظر إلى الله جلت عظمته. ثم أمسك عني ورجعت. قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون المصري يقول: وجدت صخرة ببيت المقدس، عليها أسطر مكتوب، فجئت من يترجمها فإذا عليها مكتوب: كل عاص مستوحش؛ وكل مطيع مستأنس؛ وكل خائف هارب؛ وكل راج طالب؛ وكل قانع غني؛ وكل محب ذليل. ففكرت في هذه الأحرف، فإذا هي أصول لكل ما استعبد الله عز وجل به الخلق. حدث أحمد بن رجاء بمكة قال: سمعت ذا الكفل المصري وهو أخو ذي النون يقول: دخل غلام لذي النون إلى بغداد، فسمع قوالاً يقول، فصاح غلام لذي النون صيحةً فخر ميتا؛ فاتصل الخبر بذي النون، فدخل إلى بغداد فقال: علي بالقوال، واسترده الأبيات، فصاح ذو النون صيحةً فمات القوال. ثم خرج ذو النون وهو يقول: النفس بالنفس والجروح قصاص.

قال عبد الرحمن بن بكر: سمعت ذا النون المصري يقول: من ذكر الله ذكراً على الحقيقة، نسي في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضاً عن كل شيء. قال يوسف بن الحسين: قيل لذي النون: بم عرفت ربك؟ فقال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي. قال محمد بن الحسين الجوهري: سمعت ذا النون يقول وقد جاءه رجل فقال: ادع الله لي، فقال: إن كنت قد أيدت في علم الغيب بصدق التوحيد فكم من دعوة مجابة قد سبقت لك، وإلا فإن النداء لا ينقذ الغرقى. قال أبو محمد نعمان بن موسى الجيزي: رأيت ذا النون المصري وقد تقاتل اثنان، أحدهما من أولياء السلطان؛ فعدا الذي من الرعية عليه فكسر ثنيته، فتعلق الجندي بالرجل فقال: بيني وبينك الأمير، فجاوزا بذي النون، فقال لهم الناس: اصعدوا إلى الشيخ، فصعدوا، فعرفوه ما جرى، فأخذ السن فبلها بريقه وردها إلى فم الرجل في الموضع الذي كانت فيه، وحرك شفتيه، فتعلقت بإذن الله، فبقي الرجل يقيس فاه، فلم يجد الأسنان إلا سواء. قال أحمد بن محمد السلمي: دخلت على ذي النون المصري يوماً فرأيت بين يديه طستاً من ذهب، وحوله الند والعنبر يسجر، فقال لي: أنت ممن يدخل على الملوك في حال بسطهم؟ ثم أعطاني درهماً أنفقت منه إلى بلخ. قال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: قال الله تعالى: " من كان لي مطيعاً كنت له ولياً، فليثق بي وليحلم علي؛ فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له.

قال محمد بن يعقوب الفرجي: رأيت ليلةً ذا النون التف في عباءة ورمى بنفسه طويلاً، ثم كشف عن وجهه العباءة، ونظر إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلم أن كثرة استغفاري مع منامي على الذنوب لؤم؛ ثم غطى رأسه طويلاً، ثم كشف عن وجهه ونظر إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أن تركي الاستغفار مع علمي بسعة رحمتك عجز. قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون عن الاستغفار فقال: يا أخي الاستغفار اسم جامع لمعان كثيرة؛ أولهن الندم على ما مضى؛ والثاني العزم على ترك الرجوع إلى الذنوب؛ والثالث أداء كل فرض ضيعته فيما بينك وبين الله عز وجل؛ والرابع أداء المظالم إلى المخلوقين في أموالهم وأعراضهم أو مصالحتهم عليها؛ والخامس إذابة كل لحم ودم نبت من الحرام؛ والسادس إذاقة البدن ألم الطاعات كما ذاق حلاوة المعصية. قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون المصري يقول: أنا أسير قدرتك فاجعلني طليق رحمتك. قال إسحاق بن إبراهيم السرخسي: سمعت ذا النون يقول وفي يده الغل، وفي رجليه القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس يبكون حوله وهو يقول: هذا من مواهب الله ومن عاطاياه، وكل فعل له حسن طيب؛ ثم أنشد: لك من قلبي المكان المصون ... كل لوم علي فيك يهون لك غرم بأن أكون قتيلاً ... فيك والصبر عنك مالا يكون قال عمرو السراج: قلت لذي النون: كيف كان خلاصك من المتوكل وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام إلى الستر رفعه ثم قال: ادخل، فإذا المتوكل في غلالة مكشوف الرأس،

وعبيد الله قائم على رأسه، متكئ على السيف؛ وعرفت في وجوه القوم الشر، ففتح لي باب فقلت في نفسي: يا من ليس في السماوات قطرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ذيل الرياح دلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات، ولا في أعضائهم حركات، ولا في عيونهم لحظات إلا وهي ساهرات، وعليك دالات وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات؛ فبالقدرة التي تحير بها من في الأرضين ومن في السماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد وأخذت قلبه عني. قال: فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض، إن تشأ أن تقيم عندنا فأقم، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف. فاخترت الانصراف. قال يوسف بن الحسين: سئل ذو النون المصري عن معنى قوله عز وجل: " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "؟ قال: معناه: هل جزاء من أحسنت إليه إلا أن أحفظ إحساني عليه، فيكون إحساناً إلى إحسان. وكان ذو النون يقول: ثلاثة من أعلام اليقين: النظر إلى الله في كل شيء؛ والرجوع إليه في كل شيء؛ والاستعانة به في كل حال. قال أبو الحسين المهلبي: قال ذو النون: علامة السعادة للعبد ثلاث: متى زيد في عمره نقص من حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زاد هو في سخائه وبذله؛ ومتى ما زيد في قدره زاد في تواضعه. وعلامة الشقاء ثلاث: متى ما زيد في عمره زيد في حرصه؛ ومتى ما زيد في ماله زيد في بخله؛ ومتى ما زيد في قدره زيد في تجبره وكبره. وكان يقول: من وثق بالمقادير لم يغتم. وقال: من عرف الله رضي بالله وسر بما قضى الله. وقال ذو النون: ما أعز الله عبداً بعز هو أعز له من أن يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عبداً بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه.

قال رجل لذي النون: الدنيا لمن؟ قال: لمن تركها، قال الآخرة؟ قال: لمن طلبها. وكان ذو النون يقول: من علامة المحب لله ترك كل ما يشغله عن الله، حتى يكون الشغل بالله وحده؛ ثم قال: من علامة المحبين لله أن لا يأتوا بسواه ولا يستوحشوا معه، ثم قال: إذا سكن حب الله القلب أنس بالله، لأن الله أجل في قلوب العارفين من أن يحبوا سواه. قيل لذي النون: متى يأنس العبد بربه؟ قال: إذا خافه أنس به، أما علمتم أنه من واصل الذنوب نحي عن باب المحبوب. وكان يقول: ما رجع من رجع إلا من الطريق، ولو وصلوا إليه ما رجعوا. فازهد في الدنيا تر العجب. كان ذو النون يقول: ثلاثة مفقودة، وثلاثة موجودة: العلم موجود، والعمل بالعلم مفقود؛ والعمل موجود، والإخلاص فيه مفقود؛ والحب موجود، والصدق فيه مفقود. قال ذو النون: علامة أهل الجنة خمس: وجه حسن؛ وخلق حسن؛ وقلب رحيم؛ ولسان لطيف؛ واجتناب المحارم. وكان يقول: ليس العجب ممن ابتلي فصبر، وإنما العجب ممن ابتلي فرضي. وكان ذو النون يقول: الناس كلهم موتى إلا العلماء، والعلماء كلهم نيام إلا العاملون، والعاملون كلهم مغترون إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم؛ قال الله عز وجل: " ليسأل الصادقين عن صدقهم ". وكان يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من كل رياء. وقال: أمت نفسك أيام حياتك لتحيا بين الأموات بعد وفاتك. وقال: الخوف رقيب العمل، والرجاء شفيع المحن. سئل ذو النون عن التوبة فقال: توبة العوام من الذنوب؛ وتوبة الخواص من الغفلة.

قال عبد الباري: سألت ذا النون رحمه الله فقلت: لم صير الموقف بالمشعر الحرام ولم يصير بالحرم؟ فقال لي: الكعبة بيت الله، والحرم حجابه، والموقف بابها؛ فلما قصده الوافدون أوقفهم بالباب يتضرعون، فلما أذن لهم بالدخول أوقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة؛ فلما نظر إلى طول تضرعهم له أمرهم بتقريب قربانهم، حتى إذا قربوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه أمرهم بالزيارة على طهارة. قلت: يا أبا الفيض، فلم كره الصوم أيام التشريق؟ فقال: القوم في ضيافة الله، فلا ينبغي للرجل أن يصوم عند من ضاف به. قلت: فما بال القوم يتعلقون بأستار الكعبة؟ فقال: مثل ذلك كمثل رجل له على رجل دين، فهو يتعلق بثوبه ويخضع له رجاء أن يهب له ذلك الدين. قال يوسف بن الحسين الرازي: سمعت ذا النون يقول: كنت في الطواف فإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا فتعلقت إحداهما بأستار الكعبة، فإذا هي تقول: أما لفتاة حرد الهجر بينها ... وبين الذي تهواه يا رب من وصل حججت ولم أحجج لسوء عملته ... ولكن لتعذيبي على قاطع الحبل ذهبت بعقلي في هواه صغيرةً ... فقد كبرت سني فرد به عقلي وإلا فساو الحب بيني وبينه ... فإنك يا مولاي توصف بالعدل قال: فصحت بها وقلت: ويحك! أمثل هذا الشعر يقال لله عز وجل؟! فقالت: إليك عني يا ذا النون، فلو أطلعك الخبير على الضمير لرحمت من عذلت؛ ثم وثبت الأخرى فقالت: يا ذا النون؛ لأقولن أعجب من هذا، ثم أنشأت تقول: صبرت وكان الصبر خير مغبة ... وهل جزع يجدي علي فأجزع؟ صبرت على ما لو تحمل بعضه ... جبال شرورى أصبحت تتصدع ملكت دموع العين ثم رددتها ... إلى ناظري فالعين في القلب تدمع فقلت: مماذا يا جارية؟ فقالت: من مصيبة نالتني، لم تصب أحداً قط؛ قلت: وما هي؟ قالت: كان لي شبلان يلعبان أمامي، وكان أبوهما ضحى بكبش، فقال أحدهما

ذو النون بن علي بن أحمد

لأخيه: يا أخيه، أريك كيف ضحى أبونا بكبشه؟ فنام أحدهما، فأخذ الآخر الشفرة فنحره، وهرب القاتل؛ فدخل أبوهما، فقلت: إن ابنك قتل أخاه وهرب؛ فخرج في طلبه، فوجده قد افترسه السبع، فرجع الأب فمات في الطريق ظمأً وجوعاً، وكان له طفل صغير، وكنت أطبخ قدراً، فغفلت عنه فسقط القدر عليه فمات حرقاً. قال ذو النون: فلم أسمع بشيء أعجب من ذلك. قيل لذي النون عند النزع: أوصنا، فقال: لا تشغلوني فإني متعجب من محاسن لطفه. توفي ذو النون سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل: مات بالجيزة وحمل في مركب وعدي به إلى الفسطاط خوفاً عليه من زحمة الناس على الجسر. ودفن في مقابر أهل المعافر سنة ست وأربعين ومئتين. وقيل: سنة ثمان وأربعين ومئتين. قال أبو بكر بن زبان: وقفت في حمام الغلة بمصر وقد جاؤوا بنعش ذي النون، فرأيت طيوراً خضراً تزقزق عليه إلى أن وصل إلى قبره، فلما دفن غابت. ذو النون بن علي بن أحمد ابن الحسن بن صدقة أبو الكرم السلمي الصوفي حدث بوادي ينبع عن أبي الحسن بن أبي القاسم البرزي بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ القرآن فحفظه واستظهره أدخله الله عز وجل الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد وجبت له النار ". وفي حديث آخر: وأحل حلاله وحرم حرامه.

ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر

ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر السلمي الجوبري من أهل قرية جوبر حدث عن أحمد بن عبد الرحيم بن محمد بن علي السلمي بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر. وفي حديث غيره: فلما وضعه عن رأسه قيل: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه. وحدث عن أحمد بن عبد الرحيم أيضاً بسنده عن فاطمة بنت قيس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث الجساسة. أسماء الرجال على

حرف الراء

حرف الراء راشد بن داود أبو المهلب ويقال: أبو داود اليرسمي الصنعاني، صنعاء دمشق حدث عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال: إني لمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت ونفر من أصحابه فقال: انظروا هل فيكم من غيركم؟ وهو يعني أهل الكتابين، فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا: لا، قال: أجف الباب فأغلق الباب ثم قال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، ورفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ورفعنا أيدينا فقلنا: لا إله إلا الله فقال: أبشروا. ثم قال: ضعوا أيديكم. فوضعنا أيدينا، ثم قال: أبشروا فقد غفر لكم. إني بها بعثت وبها أمرت، وعليها وعدت، وعليها أدخل الجنة. وفي حديث آخر بمعناه قال: ثم وضع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ثم قال: الحمد لله، اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها، ووعدتني عليه الجنة، إنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم. قال الدارقطني: راشد ضعيف، لا يعتبر به.

راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي

راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي حدث عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم عليه السلام، ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي ". قال قائل: يا رسول الله: فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر. وحدث أيضاً عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك ديناً أو ضيعة فإلي، ومن ترك مالاً فلورثته؛ وأنا مولى من لا مولى له، أفك عانيه، وأرث ماله ". قال صفوان بن عمرو السكسكي: ذهبت عين راشد بن سعد يوم صفين. كان راشد ثقة من أهل حمص؛ مات سنة ثمان ومئة. وقيل سنة ثلاث عشرة ومئة. قالوا: وهذا القول وهم.

راشد بن سعيد بن راشد

راشد بن سعيد بن راشد أبو بكر القرشي الرملي سمع بدمشق. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم، أولئك الخواضون في رحمة الله ". راشد بن أبي سكنة ويقال: سكنة، أبو عبد الملك العبدري، مولاهم سكن مصر، وسمع بدمشق. حدث راشد أنه سمع معاوية على المنبر يقول: إنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ". قال راشد: عرضت القرآن على أبي الدرداء وواثلة بن الأسقع، صاحبي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يردا علي شيئاً. وكان يقرأ: " يقضي الحق وهو خير الفاصلين ". توفي راشد بن أبي سكنة سنة تسع عشرة ومئة. وسكنة: بتسكين الكاف، وقيل سكنة بتحريك الحروف كلها. قالوا: وهو وهم، والصواب بتسكين الكاف. كان هو وإخوته قراء، فقهاء، وكانوا يخلفون في الجامع العتيق الأمراء والقضاة، إذا غابوا صلوا هم للناس. وولي راشد خراج مصر.

رافع بن عمرو بن عويمر

رافع بن عمرو بن عويمر ابن زيد بن رواحة بن زبينة بن عدي المزني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد الجابية مع عمر بن الخطاب. حدث رافع بن عمرو قال: إني يوم حجة الوداع خماسي أو سداسي، وأخذ أبي بيدي حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على بغلة شهباء؛ يخطب الناس وعلي يعبر عنه. لم يزد عليه. قال رافع بن عمرو: إني يوم حجة الوداع خماسي أو سداسي، فأخذ أبي بيدي، حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلة شهباء يخطب الناس: فتخللت حتى أقوم عند ركاب البغلة، فأضرب بيدي كلتيهما على ركبتيه، فمسحت الساق حتى بلغت القدم، ثم أدخلت يدي بين الركاب والقدم؛ فإنه ليخيل إلي الساعة أني أجد برد قدميه على كفي. قال رافع بن عمرو: سمعت العباس بالجابية يقول لعمر: أربع من عمل بهن استوجب العدل: الأمانة في المال؛ والتسوية في القسم؛ والوفاء بالعهد؛ والخروج من العيوب؛ فكف نفسك وأهلك.

رافع بن عمرو وهو رافع

رافع بن عمرو وهو رافع ابن أبي رافع ويقال: رافع بن عميرة بن جابر بن حارثة بن عمرو، وهو الحدرجان بن مخضب أبو الحسن السنبسي الوائلي الطائي له صحبة، وهو الذي دل بخالد بن الوليد من العراق إلى الشام. قال رافع بن عمرو: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، وأمر عليهم عمرو بن العاص وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: دلونا على رجل دليل يختصر الأرض ويأخذ غير الطريق؛ فقيل له: ما نعلم أحداً يفعل ذلك غير رافع بن عمرو؛ فدلوا علي فكنت دليلهم. كان رافع لصاً في الجاهلية، وكان يعمد إلى بيض النعام، فيجعل فيه الماء فيخبأه في المفاوز. فلما أسلم كان دليلاً بالمسلمين. قال رافع بن عمرو الطائي: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص على جيش السلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر وسراة أصحابه رضي الله عنهم؛ فانطلقوا حتى أتوا جبل طيئ، فقال عمرو بن العاص: انظروا رجلاً دليلاً يجتنب بنا الطريق، فيأخذ بنا المفاوز؛ فقالوا: ما نعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنه كان ربيلاً في الجاهلية والربيل: اللص الذي يغدو على القوم وحده فيسرق قال رافع: فلما قضينا غزاتنا انتهينا إلى المكان الذي خرجنا منه؛ فتوسمت أبا بكر رضي الله عنه، فأتيته فقلت: يا صاحب الخلال؛ توسمتك من بين أصحابك يعني فأوصني فقال: أما تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؛ وتقيم الصلاة الخمس؛ وتؤدي زكاة مال إن كان لك؛ وتحج البيت؛ وتصوم شهر رمضان؛ هل حفظت؟ قلت: نعم، قال: لا تأمرن

على اثنين، فقلت: وهل الإمارة إلا فيكم أهل المدر؟! قال: لعلها أن تفشو حتى تبلغ من هو دونك، إن الله عز وجل لما بعث نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله فهداه الله، ومنهم من أكرهه السيف؛ فكلهم عواذ الله وجيران الله؛ إن الرجل إذا كان أميراً فتظالم الناس، فلم يأخذ لبعض من بعض انتقم الله منه؛ إن الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره، فيظل ناتئاً عضله غضباً لجاره، والله من وراء جاره. قال رافع: فمكثت سنةً، ثم إن أبا بكر استخلف، فركبت، ما ركبت إلا إليه فقلت له: أنا رافع، لقيتك يوم كذا وكذا، فنهيتني عن الإمارة ثم ركبت أعظم من ذلك أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم، فمن لم يقم فيها كتاب الله فعليه بهلة الله عز وجل. وكان يقال لرافع: رافع الخير. وهو الذي قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال. وقال فيه الشاعر: لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى خمساً إذا ما سارها الجبس بكى قال ابن إسحاق: رافع بن عميرة الطائي فيما تزعم طيئ الذي كلمه الذئب وهو في ضأن له يرعاها. دعاه الذئب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره باللحوق به. وأنشدت طيئ شعراً زعموا أن رافع بن عميرة قاله في ذلك.

قال الهيثم بن عدي وغيره: لما مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر عمر بن الخطاب خالداً بالمسير إلى الشام والياً من ساعته. فأخذ على السماوة حتى انتهى إلى قراقر؛ وبين قراقر وبين سوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق؛ فدل على رافع بن عميرة الطائي وكان دليلاً بصيراً فقال لخالد: خلف هذه الأثقال، واسلك هذه المفازة وحدك إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلف أحداً؛ فقال له رافع: والله إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه، وما يسلكها إلا مغرر؛ فكيف أنت بمن معك! فقال: لا بد وأحب خالد أن يوافي المفازة ويأتي القوم بغتة فقال له الطائي: إن كنت لا بد من ذلك، فابغ لي عشرين جزوراً سماناً عظاماً، ففعل، فظمأهن ثم سقاهن حتى روين، ثم قطع مشافرهن، وشرط شيئاً من ألسنتهن، وكعمهن لئلا تجتر، لأن الإبل إذا اجترت تغير الماء في أجوافهن، وإذا لم تجتر بقي الماء صافياً في بطونهن. ففعل خالد ذلك، وتزودوا من الماء ما يكفي الراكب. وسار خالد. فكلما نزل منزلاً نحر من تلك الجزر أربعاً، ثم أخذ ما في بطونها من الماء، فيسقيه الخيل، وشرب الناس ما معهم؛ فلما سار إلى آخر المفازة انقطع ذلك عنهم، وجهد الناس، وعطشت دوابهم، فقال خالد الطائي: ويحك! ما عندك؟ فقال: أدركت الري إن شاء الله، انظروا، هل تجدون عوسجةً على الطريق؟ فوجدوها، فقال: احتفروا في أصلها، فاحتفروا، فوجدوا عيناً غزيرة، فشربوا منها وتوضؤوا وتزودوا فقال رافع: ما وردت هذا الماء قط، إلا مرةً واحدةً وأنا غلام. فقال الزاجر: لله در رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى أرض إذا سار بها الجبس بكى ... ما سارها قبلك من إنس أرى فخرج خالد من المفازة في بعض الليل، فأشرف على البشر على قوم يشربون، وبين أيديهم جفنةً فيها خمر، وقد ذهب بعض الليل، وأحدهم يتغنى:

ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب ولا تدري ألا عللاني بالزجاج وكررا ... علي كميت اللون صافيةً تجري أظن خيول المسلمين وخالداً ... سيطرقكم قبل الصباح من البشر فهل لكم في السير قبل قتاله ... وقبل خروج المعصرات من الخدر فما هو إلا أن فرغ من قوله، شد عليه رجل من المسلمين فضرب عنقه، فإذا رأسه في الجفنة؛ ثم أقبل خالد على البشر، فقتل منهم وأصاب من أموالهم؛ وبقي خالد متعجباً والمسلمون من قوله في وقته، وإعجال منيته! كأنه ألقي ذلك على لسانه! قال ابن أبي عائشة: جاءني أبو الحسن المدائني، فتحدث بحديث خالد بن الوليد، وقول الشاعر في دلالة رافع: خمساً إذا ما سارها الجبس بكى فقال: الجيش فقلت: لو كان الجيش لكان بكوا وعلمت أن علمه من الصحف. قال أبو أحمد: الجبس هو كما قال؛ وأما قوله: لو كان الجيش لكان بكوا فهو وهم، ويجوز أن يقال: الجيش بكى ويحمل على اللفظ. قال عمرو بن حيان الطائي: كان رافع بن عميرة السنبسي يغدي أهل ثلاثة مساجد، ويسقيهم القرطمة يعني الحيس وما له إلا قميص هو للبيت وللجمع. وكان رافع تابعياً من كبار التابعين.

رافع بن مكيث

توفي رافع زمن الحجاج بن يوسف. وحكي عن الهيثم خلاف ذلك، أنه مات في زمن المغيرة بن شعبة في آخر ولاية عمر بن الخطاب. وهو الصحيح في سنة ثلاث وعشرين. رافع بن مكيث ابن عمرو بن جراد بن يربوع بن طحيل بن عدي بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة، الجهني له صحبة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، والفتح، وكان معه أحد ألوية جهينة؛ واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقاتهم - وشهد غزوة دومة الجندل في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عبد الرحمن بن عوف، وأرسله إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفتح؛ وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان أميراً على ربع أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع. حدث رافع بن مكيث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسن الملكة نماء، وسوء الملكة شؤم ". وعنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسن الخلق نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تمنع ميتة السوء ". شهد رافع بن مكيث الحديبية، وبايع تحت الشجرة بيعة الرضوان؛ وكان مع زيد بن حارثة في السرية، وجهه بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حسمى في جمادى الآخرة سنة ست. وبعثه زيد بن حارثة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيراً على ناقة من إبل القوم، فأخذها منه

رافع بن نصر أبو الحسن

علي بن أبي طالب عليه السلام في الطريق فردها على القوم، وذلك حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرد عليهم ما أخذ منهم، لأنهم كانوا قد قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلموا، وكتب لهم كتاباً. وكان رافع أيضاً مع كرز بن جابر الفهري حين بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية إلى العرنيين الذين أغاروا على لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الجدر. وكان مع عبد الرحمن بن عوف في سريته إلى دومة الجندل. ومكيث: بفتح الميم وكسر الكاف وسكون الياء، بعدها ثاء معجمة. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقات جهينة. وكانت له دار بالمدينة. ولجهينة مسجد بالمدينة. رافع بن نصر أبو الحسن البغدادي الفقيه الزاهد الحمال كان من أهل العلم بالأصول، حسن الاعتقاد، قدم دمشق وانقطع بمكة. ومن شعره: كد كد العبد إن أح ... ببت أن تحسب حرا واقطع الآمال عن فض ... ل بني آدم طرا لا تقل ذا مكسب يز ... ري، ففضل الناس أزرى أنت ما استغنيت عن مث ... لك أعلى الناس قدرا قال أبو محمد هياج بن عبيد الحطيني: كان لرافع الحمال في الزهد قدم. وقال: إنما تفقه أبو إسحاق الشيرازي وأبو يعلى بن الفراء بمعاونة رافع لهما، لأنه كان يحمل وينفق عليهما. توفي رافع بمكة سنة سبع وأربعين وأربع مئة.

رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان

رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان ابن حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو بكر القرشي العامري قاضي المدينة. حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ". وحدث عن جدته أنها سمعت أباها يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر الله عز وجل، ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار ". أبو جدته هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. ذكر سعيد بن كثير بن عفير أن رباح بن أبي بكر بن عبد الرحمن قتل مع بني أمية بنهر أبي بطرس في سنة اثنتين وثلاثين ومئة. رباح بن قصير اللخمي يقال: له صحبة، وكان يسكن مصر، وقدم على معاوية. حدث موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ولد لك؟ فقال: يا رسول الله، وما عسى أن يولد لي، إما غلام وإما جارية! قال: ومن يشبه؟ قال: يا رسول الله، يشبه أمه وأباه. قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها:

رباح بن الوليد

مه! لا تقل كذا، إن النطفة إذا استقرت يعني في الرحمن أحضرها الله عز وجل كل نسب بينها ويبن آدم، أما قرأت هذه الآية: " في أي صورة ما شاء ركبك " فيما بينك وبين آدم. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ستفتح مصر بعدي، فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها داراً، فإنه يساق إليها أقل الناس أعماراً ". قال: وهذا حديث منكر جداً. قال أبو نصر بن ماكولا: رباح بفتح الراء والباء الموحدة من أزدة، ثم من بني القشب، من أهل بركوت، من شرقية مصر؛ أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم زمن أبي بكر، ولا رواية له. رباح بن الوليد ويقال: الوليد بن رباح بن يزيد بن نمران الذماري روى عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي يزيد عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول ما خلق الله عز وجل القلم، فقال: اكتب، قال: يا رب! ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء ".

ربعي بن حراش بن جحش

وعن الوليد بن رباح قال: سمعت نمران يذكر عن أم الدرداء قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها يعني دونها ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى قائلها ". ربعي بن حراش بن جحش ابن عمرو بن عبد الله بن بجاد بن عبد بن مالك بن غالب بن قطيعة ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الغطفاني ثم العبسي الكوفي قدم الشام. حدث ربعي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار ". وحدث ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهوا أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، والذي نفسي بيده، إني لأذود عنه الرجل كما يذود الرجل الغريبة من الإبل، قال: قيل يا رسول الله، وهل تعرفنا يومئذ؟ قال: نعم، تردونه غراً محجلين من آثار الوضوء؛ وليست لأحد غيركم ". قال ربعي بن حراش: خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبنا في مثل هذا اليوم فقال: أوصيكم بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب،

حتى إن الرجل ليقول ما لا يعلم، ويشهد على الشهادة ما استشهد عليها؛ فمن أراد بحبحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد؛ ألا لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما. من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. حراش: بحاء مهملة مكسورة، وراء مفتوحة، وشين معجمة. حدث ربعي أنه انطلق إلى حذيفة يزوره وكانت أخته تحت حذيفة فخرج من خرج من أولئك إلى عثمان، فقال لي حذيفة: ما فعل قومك يا ربعي هل خرج منهم أحد؟ فأسمي له نفراً، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من خرج من الجماعة، واستذل الإمارة، لقي الله ولا وجه له عنده. قال محمد بن علي السلمي: رأيت ربعي بن حراش ومر بعشار ومعه مال، فأخذه فوضعه على قربوس السرج، ثم غطاه ومر. قال الأصمعي: أتى رجل الحجاج بن يوسف فقال: إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب، وقد قدم ابناه عاصيين، فابعث إليه فاسأله فإنه سيكذب؛ فبعث إليه الحجاج، فقال: ما فعل ابناك يا ربعي؟ قال: هما في البيت والله المستعان، فقال له الحجاج: هما لك. وأعجبه صدقه. ويقال: إنه لم يكذب كذبةً قط. قال الحارث الغنوي: آلى ربيع بن حراش ألا تفتر أسنانه ضاحكاً حتى يعلم أين مصيره؛ فما ضحك إلا بعد موته. وآلى أخوه ربعي بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار. قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله، أنه لم يزل متبسماً على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه.

ربيعة بن أمية بن خلف

توفي ربعي زمن الحجاج، بعد الجماجم، سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين. وقيل توفي زمن عمر بن عبد العزيز. وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حراش بن جحش فخرق كتابه. وكان بنو حراش إخوة ثلاثة: ربعي، وربيع، ومسعود، وكان ربيع أكثرهم صلاةً وصياماً في اليوم الحار، وأعظمهم صدقةً؛ وفيه جاء الحديث: إني لقيت ربي فتلقاني بروح وريحان، ورب غير غضبان، ووجدت الأمر دون حيث يذهبون. وأما ربعي بن حراش فهو أكثرهم حديثاً وأشهرهم، وكان من التابعين، وكان ممن لا يكذب. وكان ربعي أعور. قال ابن نمير وغيره: توفي ربعي سنة إحدى ومئة. وقال يحيى بن معين: مات سنة أرع ومئة. والله أعلم. ربيعة بن أمية بن خلف ابن وهب بن حذافة بن جمح، الجمحي القرشي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم، ثم شرب الخمر في خلافة عمر، فهرب خوفاً من إقامة الحد إلى الشام، ثم لحق بالروم فتنصر. حدث عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة مولدة، فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب يجر رداءه فزعاً، فقال: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمته. وعن عروة أيضاً أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدةً من مولدات المدينة، بشهادة امرأتين إحداهما خولة بنت حكيم وكانت خولة امرأةً صالحة فلم يفجأهم إلا والمولدة قد حملت؛

فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام عمر يجر صنفة ردائه من الغضب، حتى صعد المنبر فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن أمية بن خلف، تزوج مولدةً من مولدات المدينة بشهادة امرأتين؛ وإني لو كنت قدمت في مثل هذا لرجمته. وعن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس ليلةً مع عمر بن الخطاب بالمدينة، فبينما هم يمشون، شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمونه، حتى إذا دنوا منه إذا باب مجاف على قوم، لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب، فما ترى؟ فقال عبد الرحمن: أرى أن قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: " ولا تجسسوا " فقد تجسسنا. فانصرف عنهم عمر وتركهم. وعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من أعبر الناس للرؤيا، فأتاه ربيعة بن أمية بن خلف فقال: إني رأيت في المنام كأني في أرض معشبة مخصبة إذ خرجت منها إلى أرض مجدبة كالحة، ورأيتك في جامعة من حديد عند سرير ابن أبي الحشر، فقال أبو بكر: أما ما رأيت لنفسك، فإن صدقت رؤياك فستخرج من الإيمان إلى الكفر؛ وأما ما رأيت لي فإن ذلك دينه جمعه الله لي في أشد الأشياء، السرير، وذلك إلى يوم الحشر. قال: فشرب ربيعة الخمر في زمان عمر بن الخطاب، فهرب منها إلى

ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف

الشام، وهرب منها إلى قيصر، فتنصر ومات عنده نصرانياً. وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعده أحداً أبداً. ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف ابن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم الدارمي وفي نسبه خلاف. شاعر شجاع من أهل العراق، وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد، وحضر لبيد بن عطارد حين لطمه غلام عمرو بن الزبير. ولقب بمسكين لقوله: أنا مسكين لمن أنكرني ... ولمن يعرفني جد نطق لا أبيع الناس عرضي إنني ... لو أبيع الناس عرضي لنفق قال أيوب بن أبي أيوب السعيدي: قدم مسكين الدارمي على معاوية، فسأله أن يفرض له، فأبى عليه وكان لا يفرض إلا لليمن فخرج مسكين وهو يقول: أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه ... وهل ينهض البازي بغير جناح وما طالب الحاجات إلا مغرر ... وما نال شيئاً طالب كنجاح ولم يزل معاوية كذلك حتى عزت اليمن وكثرت، وضعفت عدنان، فبلغ معاوية أن رجلاً من اليمن قال يوماً: لهممت أن لا أحل حبوتي حتى أخرج كل نزاري

بالشام. ففرض معاوية من وقته لأربعة آلاف رجل من قيس سوى خندف، فقدم على تفيئة ذلك عطارد بن حاجب على معاوية فقال له: ما فعل الفتى الدارمي، الصبيح الوجه الفصيح اللسان؟ يعني مسكيناً فقال: صالح يا أمير المؤمنين، قال: أعلمه أني فرضت له، فله شرف العطاء وهو في بلاده، فإن شاء أن يقيم بها أو عندنا فليفعل، فإن عطاءه سيأتيه، وبشره بأن قد فرضت لأربعة آلاف من قومه من خندف. وكان معاوية بعد ذلك يغزي اليمن في البحر، ويغزي تميماً في البر، فقال شاعر اليمن ويقال إن النجاشي قالها: ألا أيها القوم الذين تجمعوا ... بعكا، أناس أنتم أم أباعر أنترك قيساً آمنين بدارهم ... ونركب ظهر البحر والبحر زاخر فوالله ما أدري وإني لسائل ... أهمدان تحمي ضيمنا أم يحابر أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك أن تستمر المرائر أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا؟! فرجع القوم جميعاً عن وجوههم، وبلغ معاوية ما كلن، فدعا بهم فسكن منهم فقال: أنا أغزيكم في البحر لأنه أرفق من الجبل، وأقل مؤونة، وأنا أعاقب بينكم في البر والبحر. ففعل ذلك. حدث منيع بن العلاء السعدي، أن مسكين كان فيمن قاتل المختار فلما هزم الناس لحق بأذربيجان محمد بن عمير بن عطارد، وقال من أبيات يعني عمر بن سعد بن أبي وقاص: لهف نفسي على شهاب قريش ... حين يؤتى برأسه المختار

قال ابن الكلبي: لما نزل بعبد الله بن شداد الموت دعا ابناً له فأوصاه؛ فكان فيما أوصاه أن قال: يا بني عليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار، فإنها شنار وعار؛ وكن كما قال مسكين الدارمي: اصحب الأخيار وارغب فيهم ... رب من صحبته مثل الجرب واصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الكذب فمن شاء كذب رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الجسم مهزول الحسب قال وهب بن منبه، الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه. وذكر حكاية، وأنشد لمسكين الدارمي في ذلك: اتق الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعت منه جانباً ... حركته الريح وهناً فانخرق أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يتفق وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق وإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد جهلاً وتمادى في الحمق قال أحمد بن مروان المالكي: ولمسكين الدارمي: وإذا الفاحش لاقى فاحشاً ... فهنا كم وافق الشن الطبقا إنما الفحش ومن يعنى به ... كغراب الشر ما شاء نعق أو حمار السوء إن أشبعته ... رمح الناس وإن جاع نهق

أو غلام السوء إن جوعته ... سرق الجار وإن يشبع فسق أو كغيري رفعت من ذيلها ... ثم أرخته ضراراً فانمزق أيها السائل عما قد مضى ... هل جديد مثل ملبوس خلق؟ ومن شعر مسكين الدارمي: ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكاً ... ولا خاشعاً ما عشت من حادث الدهر ولا جاعلاً عرضي لمالي وقايةً ... ولكن أفي عرضي فيحرزه وفري أعف لدى عسري وأبدي تجملاً ... ولا خير فيمن لا يعف لدى العسر فإني لأستحيي إذا كنت معسراً ... صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري وأقطع إخواني وما حال عهدهم ... حياءً وإعراضاً وما بي من كبر فإن يك عاراً ما أتيت فربما ... أتى المرء يوم السوء من حيث لا يدري ومن يفتقر يعلم مكان صديقه ... ومن يحي لا يعدم بلاءً من الدهر فإن يك ألجاني الزمان إليكم ... فبئس المؤاتي في الصنيعة والذخر لما مات زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين، رثاه المسكين الدارمي فقال: رأيت زيادة الإسلام ولت ... جهاراً حين ودعنا زياد وقال: صلى الإله على قبر وساكنه ... دون الثوية يجري فوقه المور أبا المغبرة والدنيا مغيرة ... إن امرأ غرت الدنيا لمغرور

فقال الفرزدق لمسكين: أمسكين أبكى الله عينيك إنما ... جرى في ضلال دمعها إذ تحدرا بكيت امرأً من أهل ميسان كافراً ... ككسرى على عدانه أو كقيصرا أقول لهم لما أتاني نعيه ... به لا بظبي بالصريمة أعفرا فقال له مسكين: ألا أيها المرء الذي لست قائماً ... ولا قاعداً في القوم إلا انبرى ليا فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا ومن شعر مسكين الدارمي: ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر فقالت امرأته: صدقت، لأن القدر له، وأنت لا قدر لك. وروي هذا البيت لحاتم الطائي، أنشده أبو جعفر العدوي: ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي تنزل القدر ما ضر جاراً لي أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر أغضي إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر

ربيعة بن الحارث بن عبيد

ربيعة بن الحارث بن عبيد ويقال: ابن عبد الله بن الحارث أبو زياد الجبلاني الحمصي القاضي قدم دمشق وحدث بها وبحمص. روى عن جعفر بن عبد الله السالمي بسنده عن ابن عباس قال: سدل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصيته ما شاء الله، ثم فرق فرق أهل الكتاب. ربيعة بن دراج بن العنبس ابن وهبان بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص القرشي الجمحي رأى أبا بكر الصديق، وحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. حدث ربيعة بن دراج أن علي بن أبي طالب سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة، فرآه عمر فتغيظ عليه وقال: أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينهى عنهما؟ وقد قيل: إن ربيعة قتل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه. كذا قال محمد بن يحيى. وقال محمد بن عمر الواقدي في ذكر من أسر ببدر من المشركين: ربيعة بن دراج بن العنبس، وكان لا مال له، فأخذ منه شيء وأرسل.

ربيعة بن ربيعة مولى لقريش

ربيعة بن ربيعة مولى لقريش من أهل دمشق. روى عن نافع بن كيسان عن أبيه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق ". ربيعة بن عامر القرشي العامري من بني عامر بن لؤي. شهد الفتوح. روى ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألظوا بياذا الجلال والإكرام ". عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: ثم دعا يعني أبا بكر يزيد بن أبي سفيان فعقد له يعني على الجيش الذي وجهه إلى الشام ودعا ربيعة بن عامر، من بني عامر بن لؤي فعقد له ثم قال: أنت مع يزيد بن أبي سفيان، لا تعصه ولا تخالفه؛ وقال ليزيد: إن رأيت أن توليه ميمنتك فافعل، فإنه من فرسان العرب وصلحاء قومه، وأرجو أن يكون من عباد الله الصالحين. قال يزيد: لقد زاد إلي حباً بحسن ظنك به ورجائك فيه. ثم خرج.

ربيعة بن عباد

ربيعة بن عباد ويقال عباد الديلي الحجازي رأى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوق ذي المجاز. وشهد اليرموك في خلافة عمر، واجتاز بدمشق. قال ربيعة بن عباد الديلي: رأيت أبا لهب لعنه الله بعكاظ وهو وراء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلوذ منه، فقال: إن هذا قد سفه مآثر آبائكم فاحذروه. قال: وهو أحول، من أجمل الناس، وله غديرتان. وعن ربيعة بن عباد الدؤلي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف على الناس في منازلهم، قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول: يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً. قال: ووراءه رجل يقول: يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم. فسألت: من هذا الرجل؟ فقيل: أبو لهب. وعن ربيعة بن عباد الديلي قال: أما ما أسمعكم تقولون: إن قريشاً كانت تنال من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أكثر ما رأيت أن منزله كان بين منزل أبي لهب وعقبة بن أبي معيط، فكان ينقلب إلى بيته، فيجد الأرجام

ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني

والدماء والأرواث قد نضدت على بابه، فينحي ذلك بسية قوسه ويقول: بئس الجوار هذا يا معشر قريش. وغزا ربيعة بن عباد إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين، وتوفي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة ست وثمانين. وعباد: بكسر العين، وباء موحدة، ودال غير معجمة. وأتى ابن منده بما لا يعرف فيه وهو عباد، بالفتح والتخفيف. ولا يصح عباد، بالتشديد. ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني مولى ابن سباع روى ربيعة بن عطاء قال: سمعت عمر بن عبد العزيز وهو خليفة يكره قتل الأسرى، يسترقون أو يعتقون. ربيعة بن عمرو أبو الغاز الجرشي ويقال: ابن الغاز وابن عمرو أصح قيل: له صحبة، وقيل: ليس له صحبة. سكن دمشق. حدث ربيعة الجرشي قاضي الأرباع في زمن معاوية بن أبي سفيان قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي القرآن أفضل؟ قال: سورة التي تذكر فيها البقرة. قيل: فأي القرآن أفضل؟ قال: آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة أنزلت من تحت العرش.

وعن ربيعة الجرشي قال: سألت عائشة: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام يصلي يقول: أو بم كان يفتتح؟ قالت: كان يكبر عشراً، ويحمد الله عشراً، ويهلل عشراً، ويسبح عشراً، ويستغفر عشراً، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب. عشراً. وسألتها: كيف كان يوتر من أول الليل أو من آخره؟ قالت: كل ذلك كان يفعل مرةً من أول الليل، ومرة من آخره؛ فقلت: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة؛ قلت: كيف كان يقرأ القرآن؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، مرة يجهر، ومرة يخافت؛ قلت: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة؛ قلت: كيف كان يصوم؟ قالت: كان يصوم شعبان كله ويصله برمضان، ويتحرى صوم الاثنين والخميس. نزل ربيعة بن عمرو الشام؛ وكان ثقة. قتل يوم مرج راهط في ذي الحجة سنة أربع وستين، وكان فقيه الناس في زمن معاوية. قال عطية بن قيس: خرج معاوية في ليلة ذات برد وثلج إلى صلاة الصبح، فخيل إليه أنه لم يشهد الصلاة إلا من خرج معه؛ قال: فانصرف وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! أهل دمشق لم يجب دعوة الحق منهم أحد! أفأمنوا أن يرسل الله عليهم عذاباً من السماء، أو يسلط عليهم عدواً؟ فقال قائل: قد رأينا ربيعة الجرشي، في رجال من جلسائه، مستترين بالعمد من البرد؛ فأرسل إليهم فدعاهم فقال: مرحباً وأهلاً بالذين أجابوا دعوة الحق إذ لم يجبها أهل دمشق، أفأمنوا أن يرسل الله عليهم عذاباً من السماء أو يسلط عليهم عدوهم؟ ثم قال: ائتوهم بطعام وابدؤوهم بسمن وتمر، فإنه مدفأة. وعن ربيعة الجرشي قال: لو كان الصبر من الرجال كان كريماً.

وعن ربيعة أنه كان يقول في قصصه: إن الله جعل الخير من أحدكم كشراك نعله، وجعل الشر منه مد بصره. قال بشير بن كعب العدوي: سمعت ربيعة الجرشي زمن معاوية يقول: يجمع الله الخلائق يوم القيامة بصعيد واحد، فيكونون ما شاء الله أن يكونوا، فينادي مناد: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الذين " تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً " الآية؛ فيقومون وفيهم قلة، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم يعود فينادي: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال، قال: فيقومون وهم أكثر من الأولين. قال السيباني: لما رفعت الفتنة قال الناس: ننظر إلى هؤلاء النفر، فما صنعوا اقتدينا بهم: يزيد بن الأسود الجرشي، وابن نمران، وربيعة بن عمرو. فلحق يزيد بن الأسود بالساحل، وكان ربيعة بن عمرو مع الضحاك بن قيس الفهري فقتل، وكان ابن نمران مع مروان فسلم. وقيل: كانت راهط سنة خمس وستين.

ربيعة بن الغاز بن ربيعة

ربيعة بن الغاز بن ربيعة ابن عمرو الجرشي أخو هشام كانت له بدمشق دار في زقاق العجم؛ وانتقل إلى صيدا، وأعقب بها. حدث ربيعة الجرشي عن خارجة بن جزء العذري قال: سمعت رجلاً يوم تبوك يقول: يا رسول الله؛ أيباضع أهل الجنة؟ قال: يعطى الرجل منهم من القوة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم. وعن ربيعة بن الغاز قال: انصرف عمر بن عبد العزيز من صلاة، فرأى رجالاً يصلي بعضهم خلف بعض، فقال: لقد تقاطرتم كما تقاطر الإبل. قال ابن ماكولا: الغاز بالزاي. وقال الدارقطني: غاز هو ربيعة بن الغاز. ربيعة بن فروخ أبي عبد الرحمن أبو عثمان المديني الفقيه المعروف بربيعة الرأي مولى بني تيم من قريش استقدمه الوليد بن يزيد ليستفتيه في الطلاق قبل النكاح، مع جماعة من فقهاء المدينة، وأمره بالمقام عنده ليعلم ولده عثمان بن الوليد.

حدث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأبهق، ولا بالآدم، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط؛ بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله. وقال هشام: وقبضه على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء. قال أبو بكر بن عياش: قلت لربيعة الرأي: أسمعت من أنس شيئاً؟ قال: حديثاً واحداً، سمعته يقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يخضب، إنما كان شمطاته في هذا المكان عشرين شمطة، لو أشاء عددتها. وحدث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث أنها اعتقت فخيرت في زوجها، وقال: الولاء لمن أعتق. ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألم أر برمةً فيها لحم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو عليها صدقة، وهو لنا هدية. كان الوليد أرسل إلى يزيد بن أسلم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، وأبي الزناد، يستفتيهم في شيء؛ فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس. قال معمر: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح، وكان

قد ابتلي بذلك؛ فحضر إليه جماعة فأخبروه عن العلماء أن لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟! فأعجب الوليد من قوله، وأخذ به، وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء، وحبس الوليد ربيعة، وضم إليه ابنه عثمان وجعله قائماً بأمره. كان ربيعة الرأي صاحب الفتيا بالمدينة، وكان يجلس إليه وجوه الناس بالمدينة، وكان يحصى في مجلسه أربعون معتماً. وعنه أخذ مالك بن أنس، وكان عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة يأخذ عنه، فحكي عنه انه قال لربيعة في مرضه الذي مات فيه: يا أبا عثمان! إنا قد تعلمنا منك، وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئاً، فترى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه؟ فقال ربيعة: أجلسوني، فجلس ثم قال: ويحك يا عبد العزيز! لأن تموت جاهلاً خير لك من أن تقول في شيء بغير علم، لا، لا، لا؛ ثلاث مرات. توفي ربيعة بالمدينة سنة ست وثلاثين ومئة في خلافة أبي العباس. كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك، أنا أقول برأي، من شاء أخذه، وأنت تحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحفظ، لا ينبغي لأحد يعلم أن عنده شيئاً من العلم يضيع نفسه. روي عن مشيخة أهل المدينة، أن فروخاً أبا عبد الرحمن أبو ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازياً، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار؛ فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة وهو راكب فرساً، في يده رمح، فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله! أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله! أنت رجل دخلت على حرمتي! فتواثبا، وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان وأنت مع امرأتي، وكثر الضجيج. فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ! لك سعة في غير هذه الدار،

فقال الشيخ: هذه داري وأنا فروخ مولى بني فلان، فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به، فاعتنقا جميعاً وبكيا. فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟! قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي لي عندك، وهذه معي أربعة آلاف دينار، فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام. فخرج ربيعة إلى المسجد، وجلس في حلقته، وأتاه مالك بن أنس، والحسن بن زيد، وابن أبي علي اللهبي، والمساحقي، وأشراف أهل المدينة، وأحدق الناس به. فقالت امرأته: اخرج صل في مسجد الرسول، فخرج فصلى، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاه، فوقف عليه، ففرجوا له قليلاً، ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره، وعليه طويلة، فشك فيه أبو عبد الرحمن فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني؛ فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيما أحب إليك، ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ قال: لا والله، ألا هذا، قالت: فإني قد أنفقت المال كله عليه، قال: فواالله ما ضيعته. قال ابن زيد: مكث ربيعة بن أبي عبد الرحمن دهراً طويلاً عابداً، يصلي الليل والنهار، صاحب عبادة؛ ثم نزع عن ذلك إلى أن جالس القوم، فجالس القاسم فنطق بلب وعقل، قال: فكان القاسم إذا سئل عن شيء قال: سلوا هذا لربيعة قال: فإن كان شيء في كتاب الله أخبرهم به القاسم أو في سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا قال: سلوا هذا لربيعة أو سالم. قال: وصار ربيعة إلى فقه وفضل وعفاف، وما كان بالمدينة رجل واحد كان أسخى نفساً بما في يده لصديق أو لابن صديق، أو لباغ يبتغيه منه،

كان يستصحبه القوم فيأبى صحبة أحد إلا أحداً لا يتزود معه، ولم يكن في يده ما يحمل ذلك. قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: كان الأمر إلى سعيد بن المسيب، فلما مات سعيد أفضى الأمر إلى القاسم وسالم. فلما مات القاسم وسالم كان الأمر صار إلى ربيعة. قال مالك: فحدثني ربيعة قال: قال لي ابن خلدة وكان نعم القاضي: يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فإذا جاءك الرجل يسألك فلا تكن همتك أن تخرجه مما وقع فيه، ولتكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه. قال عبيد الله بن عمر: كان يحيى بن سعيد يحدثنا، فإذا طلع ربيعة قطع يحيى حديثه إجلالاً لربيعة وإعظاماً له، وليس ربيعة بأسن منه؛ وكان كل واحد منهما مجلاً لصاحبه. وكان ربيعة يقول له وهو يمازحه في الشيء من الفتيا، يسمع ذلك يحيى بن سعيد: هذا خير لك مما تحوز من الدنيا. قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحداً أسد عقلاً من ربيعة. قال الليث: وكان صاحب معضلات أهل المدينة، ورئيسهم في الفتيا. قال سوار بن عبد الله العنبري: ما رأيت أحداً قط مثل ربيعة الرأي! قيل: ولا الحسن؟ قال: ولا الحسن، ولا ابن سيرين.

قال مالك: قدم ابن شهاب المدينة، فأخذ بيد ربيعة ودخلا إلى بيت الديوان، فما خرجا إلى العصر، خرج ابن شهاب وهو يقول: ما ظننت بالمدينة مثل ربيعة؛ وخرج ربيعة وهو يقول: ما ظننت أن أحداً بلغ من العلم ما يلغ ابن شهاب. كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يقول: ما يسرني أن أمي ولدت لي أخاً ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي. قال يونس بن يزيد: شهدت أبا حنيفة في مجلس ربيعة، فكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة. قال عبد العزيز بن أبي سلمة: لما جئت العراق جاءني أهل العراق فقالوا: حدثنا عن ربيعة الرأي، قال: فقلت: يا أهل العراق، تقولون: ربيعة الرأي، لا والله، ما رأيت أحداً أحوط لسنة منه. وعن سفيان بن عيينة قال: تقنع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فجعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: شهوة خفية، ورياء حاضر، والناس عند علمائهم كالغلمان في حجور أمهاتهم، إذا نهوا انتهوا، وإذا أمروا ائتمروا. وعن أنس بن عياض: أن غيلان وقف على ربيعة فقال: يا ربيعة، أنت الذي يزعم أن الله يحب أن يعصى؟ فقال: ويلك يا غيلان! أفأنت الذي يزعم أن الله يعصى قسراً؟ قال: ووقف ربيعة على قوم وهو يتذاكرون القدر فقال: لئن كنتم صادقين وأعوذ بالله أن تكونوا صادقين، لما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم، إن كان الخير والشر بأيديكم. قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: المروءة ست خصال، ثلاث في الحضر وثلاث في السفر؛ فأما الثلاث التي في الحضر:

فتلاوة القرآن؛ وعمارة مساجد الله؛ واتخاذ الإخوان في الله؛ وأما الثلاث التي في السفر: فبذل الزاد؛ وحسن الخلق؛ وكثرة المزاح في غير معصية. قال بكر بن عبد الله بن الشرود الصنعاني: أتينا مالك بن أنس، فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي ابن أبي عبد الرحمن، فكنا نستزيده من حديث ربيعة، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق، قال: فأتينا ربيعة فأنبهناه فقلنا له: أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؟ قال: بلى، قلنا: ربيعة بن فروخ؟ قال: بلى، قلنا: ربيعة الرأي؟ قال: بلى، قلنا: هذا الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: بلى، قلنا له: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ فقال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم؟ وعن مالك: أن إياس بن معاوية قال لربيعة: إن البناء إذا بني على غير أس، لم يكد أن يعتدل. يريد بذلك المفتي الذي يتكلم على غير أصل يبني عليه كلامه. قال الشافعي: وقف أعرابي على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فجعل يسجع في كلامه، ثم نظر إلى الأعرابي فقال: يا أعرابي، ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: خلاف ما كنت فيه منذ اليوم. قال الأصمعي: ما هبت عالماً قط ما هبت مالكاً حتى لحن، فذهبت هيبته من قلبي، وذلك أني سمعته يقول: مطرنا مطراً وأي مطر. فقلت له في ذلك فقال: كيف لو قد رأيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن، كنا إذا قلنا له: كيف أصبحت؟ يقول: بخيراً بخيراً. وإذا مالك قد جعل بنفسه قدوةً يقتدي به في اللحن. قال الليث بن سعد: كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعلي جبة تارجية فقلت له: يا أبا عثمان، لو

أصلحت من لسانك، فقال: يا أبا الحارث، لأن ألحن كذا وكذا لحنة أحب إلي من أن ألبس مثل جبتك هذه. قال كثير بن الوليد: قال رجل للزهري: يا أبا بكر، تركت دار الهجرة ولزمت شعباً! فأراه قال: أفسدها العبدان: ربيعة وأبو الزناد. وروى سفيان بسنده حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً مستقيماً حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا. قال سفيان: فنظرنا، فإذا أول من تكلم بالرأي بالمدينة ربيعة بن أبي عبد الرحمن. وذكر آخر بالكوفة، وبالبصرة البتي. فوجدناهم من أبناء سبايا الأمم. قال سفيان بن عيينة: كنا إذا رأينا رجلاً من طلبة الحديث يغشى أحد ثلاثة ضحكنا منه، لأنهم كانوا لا يتقنون الحديث ولا يحفظونه: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن أبي بكر بن حزم، وجعفر بن محمد. وجلد ربيعة وحلق رأسه ولحيته، فنبتت لحيته مختلفة، شق أطول من الآخر، فقيل له: يا أبا عثمان؛ لو سويته، قال: لا، حتى ألتقي معهم بين يدي الله. قال إبراهيم بن المنذر: كان سبب جلد ربيعة سعاية أبي الزناد، سعى به فولي بعد فلان التيمي، فأرسل إلى أبي الزناد، فأدخله بيتاً وسد باب البيت ليقتله جوعاً وعطشاً، فبلغ ذلك ربيعة، فجاء إلى الوالي فكلمه وأنكر ما فعل، فقال: وهل فعلت به هذا إلا لما كان منه إليك؟ دعه يموت، فأبى عليه حتى أخرجه وقال: سأحاكمه إلى الله عز وجل. هذا أو نحوه.

ربيعة بن فضالة

قال مطرف بن عبد الله: سمعت مالك بن أنس يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن. توفي ربيعة بن أبي عبد الرحمن سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل: سنة ثلاثين، والأكثر أنه توفي سنة ست وثلاثين ومئة. ربيعة بن فضالة قال ربيعة بن فضالة: سمعت الجراح بن عبد الله الحكمي يقول: مثل الذي يطلب الرواية والعلم قبل أن يتعلم القرآن مثل التاجر الذي لا يصح له ربح حتى يحرز رأس المال. ربيعة بن لقيط بن حارثة ابن عميرة التجيبي القردمي المصري شهد صفين مع معاوية، وخرج معه إلى العراق عام الجماعة. حدث ربيعة بن لقيط عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نجا من ثلاث فقد نجا ثلاث مرات: موتي، والدجال؛ وقتل خليفة مصطبر بالحق، معطيه ". حدث ربيعة بن لقيط: أنه كان مع عمرو بن العاص عام الجماعة وهم راجعون من مسكن، ومطروا دماً عبيطاً، فظن الناس أنها هي، وماج الناس بعضهم في بعض، فقام عمرو بن العاص، فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال: يا أيها الناس، أصلحوا ما بينكم وبين الله، ولا يضركم لو اصطدم هذان الجبلان.

ربيعة ويقال النعمان بن نجوان

ربيعة ويقال النعمان بن نجوان ابن معاوية، المعروف بأعشى بني تغلب أحد بني معاوية بن جشم بن بكر من أهل الجزيرة. نصراني شاعر. حدث أبو عمرو الشيباني قال: كان الوليد بن عبد الملك محسناً إلى أعشى تغلب فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة وفد إليه ومدحه، فلم يعطه شيئاً وقال: ما أرى للشعراء في بيت المال حقاً، ولو كان لهم فيه حق لما كان لك، لأنك امرؤ نصراني. فانصرف الأعشى وهو يقول: لعمري لقد عاش الوليد حياته ... إمام هدىً لا مستزاد ولا نزر كأن بني مروان بعد وفاته ... جلاميد لا تندى وإن بلها القطر ربيعة بن يزيد أبو شعيب الإيادي القصير سكن دمشق. روى عن واثلة بن الأسقع قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تزعمون أني من آخركم وفاةً، ألا إني من أولكم وفاةً، وتتبعوني أفناداً، ويهلك بعضكم بعضاً. وفي رواية: يضرب بعضكم رقاب بعض. وروى ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شرب من الخمر شربةً لم تقبل له توبة أربعين صباحاً؛ فإن تاب تاب الله عليه

ربيعة الشعوذي

ثلاثاً أو أربعاً. قال الأوزاعي: ما أدري، في الثالثة أو في الرابعة: فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة. قال الأوزاعي: ردغة الخبال: صديد أهل النار. قال ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنةً إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً. كان مكحول يقول: ربما أردت أن أدعو ربيعة بن يزيد وكان فيمن شهد عليه فأذكر تهجيره إلى المسجد فأكف عنه. ربيعة بن يزيد قتلته البربر بالمغرب سنة ثلاث وعشرين ومئة. وكان في البعث الذي طلع المغرب مع كلثوم بن عياض القشيري. ربيعة الشعوذي قال ربيعة: ركبت البريد إلى عمر بن عبد العزيز، فانقطع في بعض أرض الشام، فركبت السخرة حتى أتيته وهو بخناصرة، فقال: ما فعل جناح المسلمين؟ قال: قلت: وما جناح المسلمين يا أمير المؤمنين؟ قال: البريد. قال: قلت: انقطع في أرض كذا وكذا، قال: فعلى أي شيء أتيتنا؟ قال: قلت: على السخرة تسخرت دواب النبط، قال: تسخرون في سلطاني! قال: فأمر بي فضربت أربعين سوطاً. رحمه الله. الربيع بن ثعلب أبو الفضل مروزي الأصل، سكن بغداد، وقرأ القرآن بدمشق. روى الربيع بن ثعلب عن ابن علية بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس أو كما قال تصيبهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم تميتهم النار، حتى إذا صاروا فحماً أذن في

الربيع بن حظيان

الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، فيقال: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل. فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كان بالبادية. وروى الربيع بن ثعلب عن يحيى بن عقبة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تطرحوا الدر في أفواه الكلاب ". يعني الفقه. كان الربيع بن ثعلب ثقةً، من أهل الصغد. ولد بمرو، وسكن بغداد، ولم يزل بها حتى توفي سنة ثمان وثلاثين ومئتين، بعد الفطر بيوم. وكان رجلاً صالحاً صدوقاً ورعاً. الربيع بن حظيان ويقال: جظيان بالجيم. بصري الأصل، سكن دمشق، وولاه المنصور دار الضرب بدمشق حدث الربيع عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خرج إلينا فقال: " إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " وحدث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والعمامة. ذكره العسكري حظيان بالجيم، ولم يتابعه أحد عليه؛ وهو تصحيف من العسكري مصنف التصحيف.

الربيع بن ربيعة بن مسعود

الربيع بن ربيعة بن مسعود ابن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الآزد ويقال: الربيع بن مسعود وأمه رويمة بنت سعد بن الحارث الحجوري. ويقال: ربيعة بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن الذئب بن حارثة بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد، المعروف بسطيح الكاهن الغساني، المذكور. كان يسكن الجابية. حدث جماعة من المشايخ قالوا: وكان من بعده يعنون لقمان بن عاد سطيح ولد في زمن سيل العرم، وعاش إلى ملك ذي نواس، وذلك نحوا ثلاثين قرناً. وكان مسكنه البحرين. وزعمت عبد القيس أنه منهم، وتزعم الأزد أنه منهم. وأكثر المحدثين يقولون: هو من الأزد، ولا ندري ممن هو، غير أن ولده يقولون: إنهم من الأزد. أنشد أبو سهل الرازي لسطيح الكاهن: عليكم بتقوى الله في السر والجهر ... ولا تلبسوا صدق الأمانة بالعذر وكونوا لجار الجنب حصناً وجنةً ... إذا ما عرته النائبات من الدهر قال ابن الكلبي: كان أول من قال: برح الخفاء، أن رجلاً من كندة يقال له صداد بن أسماء، وأسماء أمه، وهي امرأة من بني الحارث بن كعب، وكانت تحت صداد امرأة من قومه كندية، وامرأة من بني الحارث بن كعب؛ وكان له من ابنة عمه أربعة رجال، ولم يكن له من الحارثية ولد؛ فوقع على جارية سوداء فأحبلها، فلما تبين حملها خاف امرأته، فأنكر ذلك في العلانية وأقر به في السر، وسماه ثعلبة، وأشهد امرأته الحارثية وأخاً له أن ثعلبة

ابنه. فلما مات صداد أخبرت السوداء ابنها أنه من صداد، فخرج الغلام حتى أتى ملكاً من ملوك اليمن، فذكر له أمره، وأتاه بعمه وامرأة أبيه فشهدا، فقالت الكندية: إنما شهدا للعداوة؛ فبعث الملك إلى سطيح الكاهن، وخبأ له ديناراً بين قدمه ونعله - فلما دخل إليه قال له: إني قد خبأت لك شيئا فأخبرني به، فقال سطيح: أحلف بالبلد المحرم والحجر الأضم، والليل إذا أظلم، والنهار إذا ابتسم، وكل فصيح وأعجم، لقد خبأت ديناراً بين نعل وقدم. قال: فأخبرني مع من هو؟ قال: أحلف بالشهر الحرام، وبالله محيي العظام، وبما خلق من النسام، إنه لتحت قدم الملك الهمام. قال: فأخبرني لم أرسلت إليك؟ قال: أرسلت إلي تسألني عن ابن السوداء ومن أبوه من الآباء، وقد برح الخفاء، وأبوه صداد بن أسماء، لا شك فيه ولا مراء، فألحقه الملك بأبيه وورثه. قال الملك: يا سطيح؛ ألا تخبرني عن علمك هذا؟ قال: إن علمي ليس مني، ولا بحزم ولا بظني، ولكن أخذته من أخ لي جني، قد سمع الوحي بطور سني. قال الملك: أرأيت أخاك هذا الجني، أهو معك لا يفارقك؟ قال: إنه ليزول حيث أزول، فلا أنطق إلا بما يقول. قال له الملك: فهل من خبر تخبرنا به؟ قال: نعم، عندي خبر طريف: شهرككم هذا خريف، والقمر فيه كسيف، ويأتي غداً سحاب كثيف، فيملأ البر والريف. فكان كما قال. وأخبار سطيح كثيرة، والمشهور من أمر سطيح أنه كان كاهناً، وقد أخبر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن نعته ومبعثه. وروي أنه عاش سبع مئة سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم. وروي انه هلك عندما ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأخبر بذلك ابن أخته عبد المسيح بن حيان بن بقيلة. وقد أوفده إليه كسرى أنوشروان، لارتياعه من أمور ظهرت عند مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمره أن يسأل خاله سطيحاً عنها ويستعلم منه تأويلها. وذكر عبد المسيح أنه أنبأه بذلك، ونعى غليه نفسه، ثم قضى مكانه. قال الحافظ ابن عساكر: وروي لنا من بعض الطرق، بإسناد الله به أعلم، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن سطيح فقال: نبي ضيعه قومه، وهو مشهور عند العرب، يذكرون سجعه وكهانته، ويضربون المثل بعلمه وصدقه فيما يخبر به. وقد قال الأعشى يذكر زرقاء اليمامة لما أخبرت أهل اليمامة برؤيتها ما رأت من مكان

بعيد، لم يعلم آدمي أدرك مرئياً من مثل مداه، فلم يصدقوها، فأتاهم العدو الذي أنذرتهم به، فاستباحهم وخرب ديارهم: ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقاً كما صدق الذئبي إذ سجعا قالت أرى رجلاً في كفه كتف ... أو يخصف النعل، لهفي أيةً صنعا فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا فاستنزلوا أهل جو من منازلهم ... واستخفضوا شاخص البنيان فاتضعا قوله: الذئبي، يعني سطيحاً، لأنه من ولد ذئب بن حجن. وبسطيح الذئبي كان يعرف. روي عن ابن عباس أن رجلاً أتاه فقال: بلغنا أنك تذكر سطيحاً، تزعم أن الله لم يخلق من ولد آدم شيئاً يشبهه؟ قال: نعم، إن الله تبارك وتعالى خلق سطيحاً الغساني لحماً على وضم والوضم: شرائح من جرائد النخل وكان يحمل على وضمه، فيؤتى به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب، إلا الجمجمة والعنق والكفين، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمه، فأتي به مكة، فخرج إليه أربعة نفر من قريش: عبد شمس وعبد مناف ابنا قصي، والأحوص بن فهر، وعقيل بن أبي وقاص، فانتموا إلى غير نسبهم، فقالوا: نحن أناس من جمح، أتيناك لنزورك لما بلغنا قدومك، ورأينا أن إتياننا إياك حق واجب لك علينا. وأهدى له عقيل صفيحةً هنديةً، وصعدةً ردينيةً، فوضعتا على باب البيت الحرام لينظروا هل يراهما سطيح أم لا؟، فقال: يا عقيل؛ ناولني يدك، فناوله يده فقال: والعالم الخفية، والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك للجائي بالهدية، الصفيحة الهندية، والصعيدة الردينية. قالوا: صدقت يا سطيح، فقال:

والآت بالفرح، وقوس قزح، فالسابق القرح، واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث ما طار سنح، وأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وأن نسبهم في قريش ذي البطح. قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البلد، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا، وما يكون من بعده، إن يكن عندك في ذلك علم؛ فقال: الآن صدقتم، خذوا مني ومن إلهام الله إياي: أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصيرة العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم دهم، يطلبون أنواع العلم، يكسرون الصنم، يبلغون الردم، يقتلون العجم، يطلبون الغنم. قالوا: يا سطيح، ممن يكون أولئك؟ قال لهم: والبيت ذي الأركان، والأمن والسلطان، لينشأن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، ويتركون عبادة الشيطان، يوحدون الرحمن، ويسنون دين الديان، يشرفون البنيان، ويسبقون العميان. قالوا: يا سطيح، فمن نسل من يكون أولئك؟ قال: وأشرف الأشراف والمحصي الأشراف، والمزعزع الأحقاف، والمضعف الأضعاف، لينشأن آلاف، من عبد شمس ومناف، يكون فيهم اختلاف. قالوا: يا سوءتاه يا سطيح مما تخبر به من العلم بأمرهم! ومن أي بلد يخرج؟ قال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذي البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرأ من عبادة الضدد، يعبد رباً انفرد، ثم يتوفاه الله محمودا، ومن الأرض مفقودا، وفي السماء مشهودا؛ ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق ثم يلي أمره الحنيف مجرب غطريف، ويترك قول الرجل الضعيف يعني عمر قد أضاف المضيف، وأحكم

التحنيف؛ ثم يلي أمره دارع لأمره مجرب، فيجتمع له جموع وعصب، فيقتلونه نقمة عليه وغضبا، فيؤخذ الشيخ فيذبح إربا، فيقوم له رجال خطبا؛ ثم يلي أمره الناصر معاوية، يخلط الرأي برأي ماكر، يظهر في الأرض العساكر؛ ثم يلي أمره من بعده ابنه، يأخذ جمعه، ويقل حمده، ويأخذ المال، فيأكل وحده، ويكثر المال لعقبه من بعده؛ ثم يلي من بعده ملوك، لا شك أن الدم فيهم مسفوك. ثم يلي أمره من بعده الصعلوك، يطؤهم كوطأة الدرنوك؛ ثم يلي عضوض، أبو جعفر، يقصي الخلق، ويدني مضر، يفتتح الأرض افتتاحاً منكرا؛ ثم يلي قصير القامة بظهره علامة، يموت موت السلامة، المهدي؛ ثم يلي بلبل ماكر، يترك الملك مخلى بائر؛ ثم يلي أخوه، بسنته سائر، يختص بالأموال والمنابر؛ ثم يلي أمره من بعده أهوج، صاحب دنيا ونعيم، مخلج، تثاوره معاشره وذووه، ينهضون إليه ويخلعونه، يأخذون الملك ويقتلونه؛ ثم يلي أمره من بعده السابع، فيترك الملك مخلى ضائع، تثوره في ملكه مسورة جائع. عند ذلك يطمع في الملك كل عريان، فيلي أمر الناس اللهفان، يوطئ نزاراً جمع قحطان، إذا التقى بدمشق جمعان، بين بيسان ولبنان، يصنف اليمن يومئذ صنفين، صنف مسورة وصنف مخذول، لا ترى إلا خباً مخلولا، ولواء محلولا، وأسيراً مغلولا، بين الفرات والجبول. عند ذلك تخرب المنابر، وتسلب الأموال، وتسقط الحوامل، وتظهر الزلازل، وتطلب الخلافة وائل، فعند ذلك تغضب نزار، وتدني العبيد والأشرار، وتقصي النساك والأخيار، يجزع الناس وتغلوا الأسعار، وفي صفر الأصفار، يقتل كل جبار، ممن تشرف إلى خنادق وأنهار، ذات أشغال وأشجار، يعمد لهم

الأغيار، يهزمهم أول النهار، يظهر لأمره الأخيار، فلا ينفعهم نوم ولا قرار، حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأوزار؛ ثم تجيء الرماة، تزحف مشاة، لقتال الكماة، وأسر الحماة، ومهل الغواة، هنالك تدر: أعلى المياه. ثم يبور الدين، وتقلب الأمور، ويكفر الزبور، وتقطع الجسور، ولا يفلت إلا من كان من جزائر البحور. ثم يثور الجنوب، وتظهر الأعاريب، ليس فيهم معين على أهل الفسوق، والأعاريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى. قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟ قال: ثم يظهر رجل من اليمن، أبيض كالشطن، يخرج بين صنعاء وعدن، يسمى حسين أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.، ممن تشرف إلى خنادق وأنهار، ذات أشغال وأشجار، يعمد لهم الأغيار، يهزمهم أول النهار، يظهر لأمره الأخيار، فلا ينفعهم نوم ولا قرار، حتى يدخل مصراً من الأمصار، فيدركه القضاء والأوزار؛ ثم تجيء الرماة، تزحف مشاة، لقتال الكماة، وأسر الحماة، ومهل الغواة، هنالك تدر: أعلى المياه. ثم يبور الدين، وتقلب الأمور، ويكفر الزبور، وتقطع الجسور، ولا يفلت إلا من كان من جزائر البحور. ثم يثور الجنوب، وتظهر الأعاريب، ليس فيهم معين على أهل الفسوق، والأعاريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني المنى. قالوا: ثم ماذا يا سطيح؟ قال: ثم يظهر رجل من اليمن، أبيض كالشطن، يخرج بين صنعاء وعدن، يسمى حسين أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن. حدث مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومئة قال: لما كان ليلة ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوه، ورأى الموبذان إبلاً صعابا، تقود خيلاً عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها. فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فصبر عليه تشجعاً، ثم رأى أنه لا يدخر عن مرازبته، فجمعهم ولبس تاجه، وجلس على سريره، ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك، فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران، فازداد غماً إلى غمه، ثم أخبرهم ما رأى وما هاله، فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال: حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم في أنفسهم فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد، فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.

فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني. فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب، فإن كان عندي منه علم، وإلا أخبرته بمن يعلمه. فأخبره بالذي وجه إليه فيه، قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فأته، اسأله عما سألتك عنه، ثم أنبئني بتفسيره. فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح، وقد أشفى على الضريح، فسلم عليه وكلمه فلم يرد عليه جواباً، فأنشأ يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فازلم به شأو العنن؟ يا فاصل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن ... أزرق بهم الناب صرار الأذن أبيض فضفاض الرداء والبدن ... رسول قيل العجم يسري للوسن لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ... تجوب بي الأرض علنداة شجن ترفع بس وجناً وتهوي بي وجن ... حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن ... كأنما حثحت من جفني ثكن

فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعابا، تقود خيلاً عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها؛ يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوه، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ونهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول: شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير فربما ربما أضحوا بمنزلة ... تهاب صوتهم الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخواته ... والهرمزان وسابور وسابور والناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور ومهجور والخير والشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع والشر محذور فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور وأمور. فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان. يقال: إن سطيحاً ولد في أيام سيل العرم، وتوفي في العام الذي ولد فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنه عاش خمس مئة سنة، وقيل: ثلاث مئة سنة.

الربيع بن سبرة بن معبد

الربيع بن سبرة بن معبد ويقال: ابن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج بن مالك بن ذهل بن ثعلبة ابن رفاعة بن نصر بن سعد ومعبد أصح من عوسجة الجهني ولأبيه صحبة، وقدم على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة. حدث الربيع بن سبرة عن أبيه أنه قال: أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أكبر مني سناً إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت: ما تعطياني؟ فقلت: ردائي، وقال صاحبي: ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها ثم قالت: أنت ورداؤك تكفيني. فكث معها ثلاثة أيام. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان عنده شيء من هذه النساء اللاتي يستمتع بهن فليخل سبيلها. وحدث عن أبيه أيضاً سبرة بن عوسجة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء عام خيبر. وعن الربيع بن سبرة الجهني قال: لما غزا عمر، وأراد الخروج إلى الشام خرجت معه، فلما أردنا أن ندلج نظرت فإذا القمر بالدبران، فأردت أن أذكر ذلك لعمر، فعرفت أنه يكره ذكر النجوم، فقلت له: يا أبا حفص، انظر إلى القمر، ما أحسن استواءه الليلة! فنظر، فإذا هو بالدبران، قال: قد عرفت ما تريد يا بن سبرة، تقول: إن القمر بالدبران، والله ما نخرج لشمس ولا لقمر، ولكن نخرج بالله الواحد القهار. وفي رواية الربيع عن عمر شك؛ ولعل الربيع رواه عن أبيه عن عمر. وقد قيل: إن الربيع روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الربيع بن سلمان بن محمد

حدث سهل بن عبد العزيز بن الربيع قال: حدثني أبي عن أبيه قال: قلت لعمر بن عبد العزيز حين وقع الطاعون في عسكره وهو خليفة، فهلك أخوه سهل بن عبد العزيز، ثم هلك مزاحم مولاه، ثم هلك عبد الملك ابنه في ليال قلائل وعنده ناس من صحابته: ما رأيت يا أمير المؤمنين مثل مصيبتك، ما أصيب بها رجل قط في أيام متتابعة! ما رأيت مثل أخيك أخاً، ولا مثل مولاك مولى، ولا مثل ابنك ابناً! قال: فسكت ساعةً حتى قال لي رجل جالس معي على الوسادة: بئس ما قلت! ثم قال: كيف قلت يا ربيع؟ فأعدت ذلك عليه فقال: لا والذي قضى عليهم بالموت، ما أحب أن ما كان من ذلك لم يكن. الربيع بن سلمان بن محمد ابن سعدون أبو الزهر العليمي حدث بدمشق عن عبد العزيز الكتاني بسنده عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة. الربيع بن عمرو بن الربيع أبو القاسم الكلبي الحمصي الدمشقي حدث عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده عن عبد الله بن عمر قال: أقبل قوم من اليهود، فأتوا علياً رضي الله عنه فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك يعنون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال علي: لم يكن حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطويل الذاهب ولا القصير المتردد، كان فوق الربعة، أبيض اللون، مشرب الحمرة، جعد ليس بالقطط، يفرق شعريه إلى أذنيه؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلت الجبين، واضح الخدين، أدعج

العينين، مقرون الحاجبين، سبط الأشفار، أقنى الأنف، دقيق المسربة، براق الثنايا، كث اللحية، كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه؛ كان لحبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعرات من لبته إلى سرته كأنهن قضيب مسك أسود، لم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن، بين كتفيه كدارة القمر، مكتوب بالنور سطرين: السطر الأعلى " لا إله إلا الله " وفي السطر الأسفل " محمد رسول الله "؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا انحدر كأنما ينحدر من صبب، وإذا التفت بمجامع يديه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا الناس، وإذا تكلم نصت له الناس، وإذا خطب بكى الناس. وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرحم الناس؛ كان لليتيم كالأب الرحيم، وكان للأرملة كالزوج الكريم. وكان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسمع الناس قلباً، وأبذله كفاً، وأصبحه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأكرمه حسباً؛ لم يكن مثله في الأولين والآخرين؛ كان لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، ووساده الأدم حشوه ليف النخل، سريره أم غيلان مرمل بالشريط؛ كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامتان، إحداهما تدعى السحاب، والأخرى العقاب، وكان سفه ذا الفقار، ودابته الغبراء، وناقته الغضباء، وبغلته دلدل، وحماه يعفور، وفرسه بحر، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواؤه الحمد، إدامه اللين، قدره الدباء. يا أهل الكتاب، وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقل البعير، ويعلف الناضح، ويحلب الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النعل.

الربيع بن عون بن خارجة

الربيع بن عون بن خارجة ابن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج العدوي المصري وفي نسبه خلاف. حدث عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل يكره على اليمين، فقال: لا حنث عليه. الربيع بن محمد بن عيسى أبو الفضل الكندي اللاذقي حدث بدمشق وغيرها. روى عن موسى بن محمد بن عطاء بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقههم في الدين، ووقر صغيرهم كبيرهم، ورزقهم الرفق في معيشتهم، والقصد في نفقاتهم، وبصرهم عيوبهم فيتوبوا منها، وإذا أراد الله بهم غير ذلك تركهم هملاً. وحدث الربيع بن محمد اللاذقي باللاذقية عن إسماعيل بن أبي أويس بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في الجنة لعمداً من ياقوت، عليها غرف من زبرجد لها أبواب مفتحة، تضيء كما يضيء الكوكب الدري. قلنا: يا رسول الله، من ساكنها؟ قال: المتحابون في الله عز وجل.

الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي

الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي سكن طرسوس، وكان سمع بدمشق. روى عن الهيثم بن حميد بسنده عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما في الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليهم ولها الدنيا إلا الشهيد، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرةً أخرى ". وحدث عن محمد بن الفرات بسنده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر المسلمين، احذروا البغي، فإنه ليس من عقوبة هي أحضر من عقوبة بغي، وصلوا أرحامكم، فإنه ليس من ثواب هو أعجل من صلة رحم، وإياكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار بلاقع من أهلها، وإياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، وما يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء، إنما الكبرياء لله عز وجل رب العالمين؛ والكذب كله إثم، إلا ما نفعت به مسلماً أو دفعت عن دين الله، وإن في الجنة لسوقاً لا يباع فيه ولا يشترى، إلا الصور من الرجال والنساء، يتوافون على مقدار كل يوم من أيام الدنيا، يمر بهم أهل الجنة، فمن اشتهى صورة دخلت فيه من رجل أو امرأة، فكان هو تلك الصورة. مات أبو توبة سنة إحدى وأربعين ومئتين، وكان ثقة.

الربيع بن يحيى

الربيع بن يحيى من دمشق. حدث عن أبي عبد رب الوضوء عبد الرحمن بن نافع أنه سمع يونس بن ميسرة بن حلبس يقول: ثلاثة يحبهم الله: من كان عفوه قريباً ممن أساء إليه، فذلك الذي تقوم به الدنيا، ومن كره سوءاً يأتيه إلى أحد أو صاحبه، فذلك قمن أن يستحي الله منه؛ ومن كان بمنزلة رفيعة في الدنيا فتواضع لي، فذلك يعرف عظمتي ويخاف مقتي. الربيع بن يونس بن محمد ابن كيسان، أبو الفضل، حاجب المنصور كان مع المنصور لما خرج إلى الشام لزيارة بيت المقدس. حدث الربيع عن أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اليمين الفاجرة تعقم الرحم ". وبه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة، وإذا جاء الصيف خرج ليلة الجمعة، وإذا لبس ثوباً جديداً حمد الله وصلى ركعتين، وكسا الخلق. حدث الربيع قال: لما استوت الخلافة لأبي جعفر المنصور قال لي: يا ربيع، ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به، قال: فتنحيت من بين يديه وقلت: أي بلية تريد أن تفعل؟ وأوهمته أن أفعل؛ ثم أتيته بعد ساعة فقال لي: ألم أقل لك أن تبعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به؟

والله لأقتلنه. فلم أجد بداً من ذلك، فدخلت إليه فقلت: يا أبا عبد الله، أجب أمير المؤمنين، فقام مسرعاً. فلما دنونا إلى الباب قام يحرك شفتيه ثم دخل فسلم، فلم يرد عليه، ووقف فلم يجلسه، ثم رفع رأسه إليه فقال: يا جعفر، أنت ألبت علينا وكثرت وغدرت؟! وحدثني أبي عن أبيه عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ينصب لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة. فقال جعفر بن محمد: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قال: ينادي مناد يوم القيامة من بطنان العرش: ألا فليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا عن أخيه. فما زال يقول حتى سكن ما به ولان له، فقال: اجلس أبا عبد الله، ارتفع أبا عبد الله؛ ثم دعا بمدهن فيه غالية، فعلقه بيده والغالية تقطر من بين أنامل أمير المؤمنين المنصور، ثم قال: انصرف أبا عبد الله في حفظ الله. وقال لي: يا ربيع أتبع أبا عبد الله جائزته. قال الربيع: فخرجت إليه فقلت: أبا عبد الله، أنت تعلم محبتي لك، قال: نعم يا ربيع، أنت منا، حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مولى القوم منهم، وأنت منا. قلت: يا أبا عبد الله، شهدت ما لم تشهد، وسمعت ما لم تسمع، وقد دخلت فرأيتك تحرك شفتيك عند الدخول عليه بدعاء، فهو شيء تقوله أو تأثره عن آبائك الطيبين؟ قال: لا، بل حدثني أبي عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا حزبه أمر دعا بهذا الدعاء وكان يقال: إنه دعاء الفرج: " اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك علي، لا أهلك وأنت رجائي، فكم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني قل لك بها صبري؛ فيا من قل له عند نعمه شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رأى علي الخطايا فلم يفضحني، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت ورحمت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم أعني على ديني بدنيا، وعلى آخرتي بتقوى، واحفظني فيما غبت عنه، ولا تكلني إلى نفسي

فيما حضرت، يا من لا تضره الذنوب، ولا ينقصه المعروف، هب لي ما لايضرك، واغفر لي ما لا ينقصك؛ اللهم إني أسألك فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً، وأسألك العافية من كل بلية، وأسألك دوام عافيتك، وأسألك الغنى عن الناس، وأسألك السلامة من كل شيء. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال الربيع: كتبته من جعفر برقعة، وهاهو ذا في جيبي، قال موسى بن سهل: كتبته من الربيع وهاهو ذا في جيبي إلى الحافظ ابن عساكر قال: وكتبته عن الفقيه أبي الحسن علي بن المسلم، وهاهو ذا في جيبي. كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز، فائقة الجمال، ناهدة الثديين، حسنة القوام، فأهداها إلى المهدي، فلما رأى جمالها وهيئتها قال: هذه لموسى أصلح، فوهبها لموسى، فكانت أحب الخلق إليه، وولدت له بنيه الأكابر. ثم إن بعض أعداء الربيع قال لموسى: إنه سمع الربيع يقول: ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة العزيز. فغار موسى من ذلك غيرةً شديدة وحلف ليقتلن الربيع. فلما استخلف دعا الربيع في بعض الأيام، فتغدى معه وأكرمه، وناوله كأساً فيها شراب عسل قال الربيع: فعلمت أن نفسي فيها وأني إن رددت يده ضرب عنقي، مع ما قد علمت أن في قلبه علي من دخولي على أمه، وما بلغه عني ولم يسمع عذراً فشربتها. وانصرف الربيع إلى منزله، فجمع ولده وقال لهم: إني ميت في يومي هذا أو من غد، فقال له الفضل: ولم تقول هذا؟ قال: إن موسى سقاني شربة سم، فأنا أجد عملها في بدني، ثم أوصى بما أراد ومات في يومه أو من غده، ثم تزوج الرشيد أمة العزيز بعد موت الهادي فأولدها علي بن الرشيد.

رجاء بن أشيم بن كميش

وقيل: إن موسى قال: أريد قتل الربيع وما أدري كيف أفعل به؟ فقال له سعيد بن سلم: تأمر رجلاً باتخاذ سكين مسموم وتأمره بقتله، ثم تقتل ذلك الرجل؛ قال: هذا الرأي. فأمر رجلاً فجلس له في الطريق وأمره بذلك، فخرج بعض حلفاء الربيع فقال له: إنك قد أمر فيك بكذا وكذا فخذ في غير ذلك الطريق، فدخل منزله فتمارض، فمرض بعد ذلك ثمانية أيام، فمات موت نفسه. وكانت وفاته في سنة تسع وستين ومئة. وقيل: في أول سنة سبعين ومئة. رجاء بن أشيم بن كميش أبو الأشيم الحميري المصري ذكر أبو عبد الرحمن النسائي بسنده عن أبي الأشيم رجاء بن أبي عطاء بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أطعم أخاه من الخبز حتى يشبعه، وسقاه من الماء حتى يرويه بعده الله من النار سبع حدائق، كل حديق مسيرة سبع مئة عام ". قال: المحفوظ سبع خنادق. قال: لم يذكر ابن يونس رجاء بن أبي عطاء هذا. قال: وأراهما واحداً، ويكون أبو عطاء كنية الأشيم رجاء. ذكر أبو عمر محمد بن يوسف الكندي: أن الحوثرة بن سهيل البابلي أمير مصر من قبل مروان بن محمد قتل رجاء بن الأشيم يوم الثلاثاء لثنتي عشرة ليلةً بقيت من المحرم، سنة ثمان وعشرين ومئة.

رجاء بن حيوة بن جنزل

رجاء بن حيوة بن جنزل ويقال: جرول، ويقال: جندل بن الأحنف بن السمط بن امرئ القيس بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد أبو المقدام ويقال: أبو نصر الكندي الأردني ويقال: الفلسطيني الفقيه. ولجده جرول بن الأحنف صحبة على ما يقال. روى عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم؛ من يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه. ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة: من تكهن، أو استقسم، أو رده من سفر تطير. قال أبو مسهر: كان رجاء بن حيوة من أهل الأردن، من مدينة يقال لها بيسان، ثم انتقل إلى فلسطين. روي عن مسلمة بن عبد الملك أنه قال: إن في كندة لثلاثة نفر إن الله لينزل بهم الغيث وينصرهم على الأعداء: رجاء بن حيوة؛ وعبادة بن نسي؛ وعدي بن عدي. قال موسى بن يسار: كان رجاء بن حيوة، وعدي بن عدي، ومكحول في المسجد، فسأل رجل مكحولاً عن مسألة، فقال مكحول: سلوا شيخنا وسيدنا رجاء بن حيوة.

قال مكحول: ما زلت مضطلعاً على من ناوأني حتى عاونهم علي رجاء بن حيوة؛ وذلك أنه سيد أهل الشام في أنفسهم. قال مطر: ما لقيت شامياً أفقه من رجاء بن حيوة، إلا أنه إذا حركته وجدته شامياً؛ وربما جرى الشيء فيقول: فعل عبد الملك بن مروان رحمة الله عليه. قال مطر: ما نعلم أحداً جازت شهادته وحده إلا رجاء بن حيوة يعني أنه صدق على عهد عمر بن عبد العزيز وحده. قال رجاء بن حيوة وكان من عقلاء الرجال: من لم يؤاخ من الإخوان إلا من لا عيب فيه قل صديقه؛ ومن لم يرض من صديقه إلا بإخلاصه له دام سخطه؛ ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه. قال الوليد بن عبيد: ما رأيت أحسن اعتدالاً في الصلاة من رجاء بن حيوة. قال ابن عون: ما أدركت من الإسلام أحداً أعظم رجاءً لأهل الإسلام من القاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة. وقال: ما لقيت أكف من ثلاثة: رجاء بن حيوة بالشام؛ والقاسم بن محمد بالحجاز؛ وابن سيرين بالعراق. يقول: لم يجاوزوا ما علموا، ولم يتكلفوا أن يقولوا برأيهم. وقال: كان إبراهيم النخعي، والحسن، والشعبي، يأتون بالحديث على المعاني؛ وكان القاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه.

كان يزيد بن عبد الملك يجري على رجاء بن حيوة ثلاثين ديناراً في كل شهر، فلما ولي هشام قال: ما كان هذا برأي. فقطعها عنه. فرأى هشام أباه في المنام فعاتبه في ذلك، فأجرى عليه ما كان قطع. قال رجاء بن حيوة: كنت واقفاً على باب سليمان بن عبد الملك، فأتاني آت لم أره قبل ولا بعد فقال: يا رجاء، إنك قد بليت بهذا وبلي بك، وفي دنوك منه الوتغ، يا رجاء، فعليك بالمعروف، وعون الضعيف؛ يا رجاء، إنه من رفع حاجةً لضعيف إلى سلطان لا يقدر على رفعها ثبت الله قدمه على الصراط يوم تزول فيه الأقدام. قدم يزيد بن عبد الملك إلى بيت المقدس فأراد رجاء بن حيوة على أن يصحبه، فأبى واستعفاه، فقال له عقبة بن وساج: إن الله ينفع بمكانك، قال: إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا، فقال له عقبة: إن هؤلاء قوماً قلما باعدهم رجل بعد مقاربة إلا ركبوه، قال: إني لأرجو أن يكفينيهم الله الذي أدعهم له. قال أسيد بن عبد الرحمن: رأيت مكحولاً يسلم على رجاء بن حيوة بدابق وهو راجل ورجاء راكب، فلم يرد عليه رجاء السلام؛ كأنه كره خلاف السنة أن يسلم الماشي على الراكب. قال رجاء بن حيوة لعدي بن عدي وللنعمان بن المنذر يوماً وهو يعظهما: انظرا الأمر الذي تحبان أن تلقيا الله عليه فخذا فيه من الساعة، وانظرا الأمر الذي تكرهان أن تلقيا الله عليه فدعاه من الساعة؛ أستودعكما الله. وعن رجاء بن حيوة قال: يقال: ما أحسن الإسلام ويزينه الإيمان! وما أحسن الإيمان ويزينه التقوى! وما أحسن التقوى ويزينه العلم! وما أحسن العلم ويزينه الحلم! وما أحسن الحلم ويزينه الرفق.

قال إبراهيم بن أبي عبلة: كنا نجلس إلى عطاء الخراساني، فكان يدعو بعد الصبح بدعوات، قال: فغاب فتكلم رجل من المؤذنين، فأنكر رجاء بن حيوة صوته، فقال له رجاء: من هذا؟ قال: أنا يا أبا المقدام، فقال: اسكت فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله. قال رجاء بن حيوة لعمر بن عبد العزيز يعزيه عن ابنه: أكان ابنك يا أمير المؤمنين يخلق؟ قال: لا، قال: أفكان يرزق؟ قال: لا، قال: فما جزعك على مخلوق مرزوق، الله خير لك منه، وثواب الله خير لك منه. وعن رجاء بن حيوة أنه رأى في المنام أن قل، قال: وما أقول؟ فقيل له: اللهم إني أسألك السبق إلى رضوانك والمسارعة فيه بالقول والعمل والسر والعلانية، وأعوذ بك من سخطك ومنازل سخطك، وما قرب من سخطك من قول وعمل في السر والعلانية. قال رجاء بن حيوة: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك القدح والحسد. وقيل: البذخ والحسد. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنا مع رجاء بن حيوة، فتذاكرنا شكر النعم، فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمة. وخلفنا رجل على رأسه كساء، فكشف الكساء عن رأسه فقال: ولا أمير المؤمنين؟ قلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هاهنا! إنما أمير المؤمنين رجل من الناس. فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أتيتم من صاحب الكساء، ولكن إن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا. فما علمنا إلا وهو بحرسي قد أقبل فقال: أجيبوا أمير المؤمنين، فأتينا باب هشام، فأذن لرجاء من بيننا. فلما دخل عليه قال: هيه يا رجاء! يذكر أمير المؤمنين فلا تحتج له؟! قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم فقلتم: ما أحد يقوم بشكر نعمة، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين؟ فقلتم: أمير المؤمنين رجل من الناس! فقلت: لم يكن ذلك، قال: آلله؟ قلت: آلله. قال رجاء: فأمر بذلك الساعي فضرب سبعين سوطاً، وخرجت وهو متلوث في دمه، فقال: هذا وأنت رجاء بن حيوة؟! قلت: سبعون في

رجاء بن أبي سلمة

ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة بعد ذلك إذا جلس في مجلس التفت فقال: احذروا صاحب الكساء. نظر رجاء بن حيوة إلى رجل ينعس بعد الصبح فقال: انتبه لا يظن الظان أن ذا عن سهر. توفي رجاء سنة اثنتي عشرة ومئة. رجاء بن أبي سلمة أبو المقدام الفلسطيني أصله من البصرة، ثم سكن الرملة. حدث أبو المقدام عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: لا نفل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يرد قوي المسلمين على ضعيفهم. وحدث رجاء بن أبي سلمة قال: سمعت سليمان بن موسى وعمرو بن شعيب يذكران النفل في المسجد، فقال عمرو: لا نفل بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له سليمان: شغلك أكل الزبيب بالطائف، حدثنا مكحول عن زياد بن جارية، عن حبيب بن مسلمة الفهري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل في البدأة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. قال ضمرة: لأن الناس في الرجعة أضعف. وحدث رجاء بن أبي سلمة عن سليمان بن موسى قال: مر مالك بن عبد الله الخثعمي وهو على الناس بالصائفة بأرض الروم، قال: ورجل يقود دابته فقال له: اركب فإني أرى دابتك ظهيرة. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني

يقول: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليهما النار. قال: فنزل مالك ونزل الناس يمشون، فما رئي يوم كان أكثر ماشياً منه. ولد رجاء بن ابي سلمة احدى وتسعين ومات سنة احدى وستين ومئة وكان ثقة. رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني سمع بدمشق وسكن بغداد. حدث عن وهب بن وهب أبي البختري القاضي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: أول سورة تعلمتها من القرآن طه، فكنت إذا قلت: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " إلا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا شقيت يا عائش. رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء القرشي الهروي له رحلة إلى الشام والعراق. حدث عن عبد الرحمن بن عمرو الباهلي بسنده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنز الجنة، ومن أكثر منه نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فقد أصاب خير الدنيا والآخرة ". وحدث عن القعنبي بسنده عن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمة ".

رجاء بن عبد الواحد بن يوسف

رجاء بن عبد الواحد بن يوسف أبو الفتح الأصفهاني، المعروف بالرازي قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء لم يطعم ". وحدث عن أبي المنصور العطار بسنده عن ابن عباس قال: أنشدنا أبو بكر الصديق لنفسه: إذا أردت شريف الناس كلهم ... فانظر إلى ملك في زي مسكين ذاك الذي حسنت في الناس رأفته ... وذاك يصلح للدنيا وللدين رجاء بن مرجى بن رافع أبو محمد المروزي، ويقال: السمرقندي الحافظ قدم دمشق وحدث بها. روى عن يزيد بن أبي حكيم بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من باع عبداً وله مال فماله للبائع، ومن باع نخلاً قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ". وحدث رجاء بن المرجى عن النضر بن شميل بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن نبياً من الأنبياء قال تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر ببيوتهن فحرق، فأوحى الله إليه: ألا نملة واحدة ".

رحيم بن سعيد بن مالك

وحدث رجاء بن أبي رجاء المروزي الحافظ عن النضر بن شميل بسنده عن حذيفة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى سباطة قوم فبال قائماً، ثم توضأ ومسح على خفيه. توفي رجاء بن مرجى سنة تسع وأربعين ومئتين. وكان ثقةً، ثبتاً، إماماً في علم الحديث وحفظه والمعرفة به. رحيم بن سعيد بن مالك أبو سعيد الضرير المعبر رحيم: بحاء مهملة. حدث عن حاجب بن أركين والحسن بن احمد البغدادي بسندهما عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعدني ربي يدخل الجنة سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربنا. ثم تلا: قبضته السماوات والأرض ". قال الحضرمي: قال لنا يوماً في سنة تسع وستين وثلاث مئة: لي مئة سنة وسبع سنين. وعاش بعد ذلك شيئاً يسيراً.

رزاح النهدي شاعر

رزاح النهدي شاعر قال عبد الرحمن المدائني وغيره: كان الحارث بن مارية الغساني الجفني مكرماً لزهير بن جناب الكلبي، ينادمه ويخدمه، فقدم على الملك رجلان من بني نهد بن زيد يقال لهما: حزن وسهل ابنا رزاح، وكان عندهما حديث من أحاديث العرب، فاجتباهما الملك ونزلا منه المكان الأثير؛ فحسدهما زهير بن جناب وقال: أيها الملك، هما عين لذي القرنين عليك يعني المنذر الأكبر جد النعمان بن المنذر بن المنذر، وهما يكتبان إليه بعورتك وخلل ما يريان منك. قال: كلا. فلم يزل به زهير حتى أوغر صدره، وكان إذا ركب بعث إليهما ببعيرين يركبان معه، فبعث إليهما بناقة واحدة، فعرفا الشر، فلم يركب أحدهما وتوقف، فقال الآخر: فإلا تجللها يعالوك فوقها ... وكيف توقى ظهر ما أنت راكبه فركبها مع أخيه ومضى بهما فقتللا. ثم بحث عن أمرهما بعد ذلك، فوجده باطلاً، فشتم زهيراً وطرده، فانصرف إلى بلاد قومه، وقدم رزاح أبو الغلامين إلى الملك، وكان شيخاً مجرباً عالماً، فأكرمه الملك وأعطاه دية ابنه. وبلغ زهيراً مكانه، فدعا ابناً له يقال له عامر، وكان من فتيان العرب لساناً وبياناً، فقال له: إن رزاحاً قد قدم على الملك، فالحق به واحتل في أن تكفينيه، وقال له: اتهمني عند الملك ونل مني. وأثر به آثاراً. فخرج الغلام حتى قدم الشام، فتلطف الدخول على الملك حتى وصل إليه، فأعجبه ما رأى منه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا عامر بن زهير بن جناب، قال: فلا حياك الله ولا حيا أباك الغادر الكذوب الساعي! فقال الغلام: إلا حياه الله، أنظر أيها الملك ما صنع بظهري وأراه آثار الضرب فقبل ذلك منه وأدخله في ندمائه؛ فبينا هو يوماً يحدثه إذ

رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن

قال: أيها الملك، ما زال أبي مسيئاً إلي، ولست أدع أن أقول الحق، وقد والله نصحك أبي، ثم أنشأ يقول: فيا لك نصحة لما نذقها ... أراها نصحةً ذهبت ضلالا ثم تركه أياماً وقال له: أيها الملك، ما تقول في حية قطعت ذنبها وبقي رأسها؟ قال: يطلب فأطفه، قال: فانظر بين يديك، قال: ذاك أبوك وصنيعه بالرجلين ما صنع، قال: أبيت اللعن! فوالله ما قدم رزاح إلا ليثأر بهما، فقال: وما آية ذلك؟ قال: اسقه الخمر ثم ابعث عليه عيناً يأتك بخبره، فلما انتشى صرفه إلى قبته ومعه بنت له، وبعث عليه عيوناً، فلما دخل قبته قامت ابنته تسانده فقال: دعيني من سنادك إن حزنا ... وسهلاً ليس بعدهما رقود ألا تسلين عن شبليك ماذا ... أضارهما إذا اهترش الأسود فإني لو ثأرت المرء حزناً ... وسهلاً قد بدا لك ما أريد فرجع القوم إلى الملك واخبروه ما سمعوا، فأمر بقتل النهدي ورد زهيراً إلى موضعه. رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن ويقال أبو القصر، ويقال أبو القسر الكاتب، مولى خالد القسري قال رزام: بعث بي المنصور إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فلما أقبلت به إليه والمنصور بالحيرة وعلونا النجف، نزل جعفر بن محمد عن راحلته، فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة، فصلى ركعتين ثم رفع يديه؛ قال رزام، فدنوت منه فإذا هو يقول: اللهم بك أستفتح، وبك أستنجح، وبمحمد عبدك ورسولك أتوسل؛ اللهم سهل حزونته، وذلل

في صعوبته، وأعطني من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف. ثم ركب راحلته، فلما وقف بباب المنصور وأعلم بمكانه فتحت الأبواب ورفعت الستور، فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه وأخذ بيده، وما شاه حتى انتهي به إلى مجلسه، فأجلسه فيه ثم أقبل عليه يسأله عن حاله، وجعل جعفر يدعو له، ثم قال: قد عرفت ما كان مني في أمر هذين الرجلين يعني محمداً وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وترى كأن بهما وقد استخفا بحقي، وأخاف أن يشقا العصا، وأن يلقيا بين أهل هذا البيت شراً لا يصلح أبداً، فأخبرني عنهما؛ فقال له جعفر: والله لقد نهيتما فلم يقبلا، فتركتهما كراهية أن أطلع على أمرهما، وما زلت حاطباً في حبلك، مواظباً على طاعتك؛ قال: صدقت، ولكنك تعلم أنني أعلم أن أمرهما لن يخفى عنك، ولن تفارقني إلا أن تخبرني به، فقال له: يا أمير المؤمنين، أفتأذن لي أن أتلو آية من كتاب الله عليك فيها منتهى عملي وعلمي؟ قال: هات على اسم الله، فقال جعفر: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ". قال: فخر أبو جعفر ساجداً ثم رفع رأسه، فقبل بين عينيه وقال: حسبك، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء حتى كان من أمر إبراهيم ومحمد ما كان. قال رزام مولى خالد بن عبد الله: قال لي إسماعيل بن عبد الله: إنك لرجل لولا أنك تحب السماع، قال: فقلت: أما والله لو سمعتها وهي تقول: ما ضر جيراننا إذا انتجعوا ... لو أنهم قبل بينهم ربعوا ما عبت ذلك علي. قال رزام: وسمعت جعفر بن محمد بعد وفاة أبيه وإسماعيل يقول: تعاهدوا جواري إسماعيل حتى يغنين لا ينفلت ما في أيديهن.

رزيق القرشي المدني

رزيق القرشي المدني مولى علي بن أبي طالب قال هشام بن حسان: وفد رزيق مولى علي بن أبي طالب على عمر بن عبد العزيز، وكان قد حفظ القرآن والفرائض، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إني رجل من أهل المدينة، وقد حفظت القرآن والفرائض، وليس لي ديوان، فقال له عمر: من أي الناس أنت؟ قال: رجل من موالي بني هاشم، فقال: مولى من؟ فقال: رجل من المسلمين، فقال له عمر: أسألك من أنت وتكتمني! فقال: أنا مولى علي بن أبي طالب وكان بنو أمية لا يذكر علي بين أيديهم فبكى عمر حتى وقع دموعه على الأرض وقال: أنا مولى علي؛ حدثني سعيد بن المسيب عن سعد، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وفي حديث آخر أنه قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم أمر له بجائزة. وروي أن اسم هذا المولى عمرو بن المورق؛ وروي أن اسمه يزيد بن عمرو بن مورق. والله أعلم. رزيق ويقال زريق بن حيان أبو المقدام الفزاري، مولاهم من دمشق. وكان أحد الكتاب بدمشق. وولاه الوليد وسليمان وعمر مكس مصر يعني عشور أموال التجار - وقيل: إن اسمه سعيد، ورزيق أشبه بالألقاب. حدث رزيق مولى بني فزارة عن مسلم بن قرظة وكان ابن عم عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم؛ وشرار أئمتكم

رستم أبو يزيد

الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا يا رسول الله، أو لا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة؛ ألا ومن ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا تنزعوا يداً من طاعة. هكذا روي بتقديم الراء. ورواه هشام بن عمار بسنده عن زريق مولى بني فزارة، وقيده بتقديم الزاي. توفي زريق سنة خمس ومئة. وأهل العراق يقولون: رزيق، وأهل المدينة زريق؛ وأولئك أعلم به. وقيل: توفي رزيق بن حيان الفزاري بنيقية بأرض الروم في إمارة يزيد بن عبد الملك من سهم أصابه، وهو ابن ثمانين سنة. رستم أبو يزيد حدث رستم عن مكحول في قوله عز وجل: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " قال: الجواري الضاربات. رشأ بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن المقرئ أصله من المعرة، وسكن دمشق. حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده عن أبي قرصافة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم لا تخزنا يوم القيامة، ولا تفضحنا يوم اللقاء ". توفي الشيخ أبو الحسن رشأ في المحرم سنة أربع وأربعين وأربع مئة.

رشيق بن عبد الله أبو الحسن

رشيق بن عبد الله أبو الحسن المصيصي مولى رزق الله بن الحسن قدم دمشق. وحدث بها عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي ببغداد بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكره أن يقعد الرجل مكان أخيه أو يقيمه، وقال: تفسحوا. رضوان بن إسحاق أبو زفر القرشي الشامي من أهل دمشق. حدث عن جبير بن العلاء بسنده عن الحصين بن يزيد الكلبي قال: ما رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضاحكاً، ما كان إلا متبسماً. وربما شد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بطنه حجراً من الجوع. رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم من أهل دمشق. روى عن الأوزاعي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة. وقد وقع في هذا الحديث إنكار، وفي سنده طعن. حدث رفدة بن قضاعة أنه سمع ثابت بن عجلان يقول: إن الله عز وجل ليريد أهل الأرض بعذاب، فإذا سمع الصبيان يتعلمون الحكمة صرفه عنهم.

رفيع بن مهران

رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي البصري مولى امرأة من بني رياح، ثم من بني تميم، أعتقته سائبه. أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسلم بعد سنين من وفاته. حدث أبو العالية الرياحي عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو عند الكرب: لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. قال أبو العالية: كنا بالشام مع أبي ذر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول رجل يغير سنتي رجل من بني فلان، فقال يزيد: أنا هو؟ قال: لا. قال أبو العالية: شهدت عمر بن عبد العزيز ليلةً فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما يبقي منك تعب النهار مع سهر الليل؟! قال: لا تفعل يا أبا العالية، فإن لقاء الرجال للرجال تلقيح لألبابها. قالوا: هذا وهم، وأبو العالية لم يبق إلى خلافة عمر، والحكاية محفوظة لميمون بن مهران. كان أبو العالية تابعياً ثقة، من كبار التابعين. مات أبو العالية سنة ثلاث وتسعين. قال قتادة: سمعت أبا العالية وكان أدرك علياً قال: قال علي: القضاة ثلاثة. كان أبو العالية مخضرماً، أدرك الجاهلية والإسلام؛ وقيل: إنه كان حميلاً، والحميل الذي ولد بأرض العدو، وكان يتكلم بالفارسية.

حدث أبو خلدة عن أبي العالية قال: ما تركت من ذهب أو فضة أو مال، فثلثه في سبيل الله، وثلثه في أهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثلثه في فقراء المسلمين، وأعطوا حق امرأتي. قال أبو خلدة: فقلت له: يسعك هذا، فأين مواليك؟ فقال: سأحدثك حديثي، إني كنت مملوكاً لأعرابية مذكرة، فاستقبلتني يوم جمعة فقالت: أين تنطلق يا لكع؟ قلت: انطلق إلى المسجد، قالت: أي المساجد؟ قلت: المسجد الجامع، قالت: انطلق يا لكع. قال: فذهبت أتبعها حتى دخلت المسجد، فوافقنا الأمير على المنبر، فقبضت على يدي فقالت: اللهم اذخره عندك ذخيرة، اشهدوا يا أهل المسجد، إنه سائبة لله، ليس لأحد عليه سبيل إلا سبيل معروف. قال: فتركتني وذهبت. قال: فما تراءينا بعد. قال أبو العالية: والسائبة يضع نفسه حيث شاء. وحدث عنه أيضاً قال: كنا عبيداً مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة، فشق ذلك علينا، فجعلنا نختم كل ليلتين مرة، فشق علينا، فجعلنا نختم كل ثلاث ليال مرة فشق علينا، حتى شكا بعضنا إلى بعض؛ فلقينا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمونا أن نختم كل جمعة أو قال: كل سبع فصلينا ونمنا ولم يشق علينا. وعن عاصم الأحول عن أبي العالية في قوله: " اهدنا الصراط المستقيم " قال: هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحباه. قال: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح. وعنه قال: قال لنا أبو العالية وهو يعلمنا: تعلموا الإسلام، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام، لا تحرفوا الصراط يميناً وشمالاً، وعليكم بسنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي كان عليه أصحابه من قبل أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا ما فعلوا، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا بخمس عشرة سنة. قال عاصم: فحدثت به الحسن فقال: صدق ونصح.

وفي حديث بمعناه: وإياكم وهذه الأهواء فإنها توقع بينكم العداوة والبغضاء، وعليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يتفرقوا، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل صاحبهم يعني عثمان بخمس عشرة سنة. العالية: تعلمت الكتاب والقرآن، فما شعر بي أهلي، ولا رئي في ثوبي مداد قط. قال شعيب بن الحبحاب: كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل: ليس كما تقرأ؛ ويقول: أما أنا فأقرأ كذا وكذا. فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: أظن صاحبك سمع انه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. قال أبو العالية: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما رضينا حتى رحلنا إليهم فسمعناها من أفواههم. قال أبو العالية: إن كنت لأسمع بالرجل يذكر بالعلم فآتيه ولا أسأله عن شيء حتى أنظر إلى صلاته، فإن كان يحسن، وإلا قلت: إذ كنت جاهلاً فأنت بغيره أجهل وأجهل، فأذهب فلا أسأله عن شيء. قال أبو العالية: سألت ابن عباس عن شيء فقال: يا أبا العالية، أتريد أن تكون مفتياً؟! فقلت: لا، ولكن لا آمن أن تذهبوا ونبقى. فقال: صدق أبو العالية. قال أو العالية: كنت آتي ابن عباس، وقريش حوله، فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير، فتغامزت قريش، ففطن بهم ابن عباس فقال: هكذا العلم يزيد الشريف شرفاً، ويجلس المملوك على الأسرة. قال: ثم أنشد محمد بن الحارث في إثره:

رأيت رفيع الناس من كان عالماً ... وإن لم يكن في قسومه بحسيب إذا حل أرضاً عاش فيها بعلمه ... وما عالم في بلدة بغريب قال أبو العالية: كان ابن العباس يعلمنا اللحن يعني الإعراب لأن به يجتنب اللحن. قال مهاجر مولى ثقيف: كان أبو العالية جاراً لي، وكان يقول لي: سلني واكتب مني قبل أن تلتمس العلم عند غيري فلا تجده. وكان أبو العالية يقول: ما أدري أي النعمتين علي أفضل: نعمة أن هداني الله عز وجل للإسلام؛ ونعمة إذ لم يجعلني حرورياً؛ فقد أنعم الله علي نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: أن هداني للإسلام، ثم لم يجعلني حرورياً. وقال أبو العالية: نعمتان عظيمتان أعتد لنا، لا أدري أيتهما أفضل: إذ أنقذني من الشرك أو إذ عافاني من أن أكون من أهل هذه البدع. وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " " إن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ". قال شعيب بن الحبحاب: حابيت أبا العالية في ثوب، فأبى أن يشتريه مني، قال: أول ما جرى بيني وبينه أنه جاء إلى السوق، فطلب ثوباً بضاعة كانت عنده، فأتاني، فأخرجت له ثوباً صالحاً وأخذت

الدراهم، قال: فذهب فأراه فقالوا: هذا خير من دراهمك؛ قال: فجاء فقال: رد علينا دراهمنا بارك الله فيك، فرددت عليه الدراهم وأخذت الثوب. قال حماد بن سلمة: أراد أبو العالية سفراً، فسمع رجلاً يقول: يا متوكل؛ فأقام. حكى أبو عبد الله بن خفيف، عن أبي العالية قال: وقع في رجله الإكلة فقالوا تحتاج تقطع، فأبى عليهم، فارتفع إلى ساقه، فقيل له: إن لم تقطعه ارتفع إلى فخذك ومت فتكون قاتل نفسك، فقال: إن كان ولابد فأحضروا لي قارئاً، فإذا رأيتموني قد احمر لوني وحددت بصري فافعلوا ما بدا لكم. فأحضر له قارئ فقرأ، فحدد بصره واحمر لونه، فقاموا فوضعوا على رجله المنشار فقطعوه وهو على حاله؛ فلما أفاق سألوه: هل ألمت؟ فقال: شغلني برد محبة الله عن حرارة سكينه؛ ثم أخذ رجله فقال: إن سألني الله يوم القيامة: هل مشيت بها منذ أربعين سنةً في شيء لم أرضه؟ لقلت: لا، وأنا صادق. وعن أبي العالية قال: سيأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن وتبلى كما تبلى ثيابهم، ولا يجدون له حلاوة ولا لذاذة، إن قصروا عما أمروا به قالوا: إن الله غفور رحيم، وإن عملوا ما نهوا عنه قالوا: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك " أمرهم كله طمع ليس معه خوف، لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في أنفسهم الماهن. قال أبو العالية: لما كان زمن علي ومعاوية وإني لشاب، القتال أحب إلي من الطعام الطيب، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم، فإذا صفان ما يرى طرفاهما، إذا كبر هؤلاء كبر هؤلاء، وإذا هلل هؤلاء هلل هؤلاء؛ قال: فراجعت نفسي فقلت: أي الفريقين أنزله كافراً، وأي الفريقين أنزله مؤمناً، أو من أكرهني على هذا؟ فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم.

وفي رواية: فتلوت " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " قال: فرجعت وتركتهم. قال أبو خلدة سمعت أبا العالية يقول: حدثوا القوم ما حملوا، قال: قلت: ما معنى ما حملوا؟ قال: ما نشطوا. وكان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام. دفع أنس بن مالك إلى أبي العالية تفاحةً كانت في يده، فجعل يقلبها ويقول: تفاحة مستها كف مستها كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو العالية: ما مسست ذكري منذ ستين سنة أو سبعين سنةً بيميني. قال مغيرة: أول من أذن وراء نهر بلخ أبو العالية، لما قطعوا النهر تغفل الناس فأذن. قال عاصم بن الأحول: سمعت أبا العالية يقول: أنتم أكثر صياماً وصلاةً ممن كان قبلكم، ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم. وعن ثابت قال: قال رفيع أبو العالية: إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين: نعمة يحمد الله عليها؛ وذنب يستغفر الله منه. وكان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ثم يقرأ: " وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة " الآية. وعن أبي العالية قال: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من آمن به هداه، وتصديق ذلك في كتابه: " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله: " ومن

ركن بن عبد الله بن سعد

يتوكل على الله فهو حسبه " ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له " ومن استجاره من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله " واعتصموا بحبل الله جميعاً " والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ". قال عاصم: قال لي ابن سيرين: لا تحدثني عن أبي العالية والحسن، فإنهما كانا لا يباليان عمن أخذا يعني لسلامتهما وحسن ظنهما بالناس. قال أبو خلدة: كان كفن أبي العالية عند بكر بن عبد الله قميصاً مكفوفاً مزروراً، وكان يلبسه كل ليلة أربع وعشرين، ومن الغد من رمضان، ثم يرده. توفي أبو العالية سنة تسعين، وقيل سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ست ومئة، وقيل: سنة إحدى عشرة ومئة، وقيل: سنة اثنتين ومئة. ركن بن عبد الله بن سعد أبو عبد الله ربيب مكحول حدث عن مكحول عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش، شافع ومشفع، من لم يبلغ اثنتي عشرة سنة، ومن بلغ ثلاث عشرة سنة فعليه وله. وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".

وبه قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يتوضأ للصلاة ثم يقبل أهله ويلاعبها، ينقض ذلك وضوءه؟ قال: لا ". وحدث ركن عن مكحول الشامي عن معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعثه إلى اليمن مشى معه أكثر من ميل يوصيه، فقال: يا معاذ، أوصيك بتقوى الله العظيم، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وخفض الجناح، ولين الكلام، ورحمة اليتيم، والتفقه في الدين، والجزع من الحساب، وحب الآخرة. يا معاذ، ولا تفسدن أرضاً، ولا تشتمن مسلماً، ولا تصدق كاذباً، ولا تكذب صادقاً، ولا تبغض إماماً عادلاً. يا معاذ، أوصيك بذكر الله عز وجل يعني عند كل حجر وشجر وأن تحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية. يا معاذ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لها. يا معاذ، إني لو أعلم أنا نلتقي إلى يوم القيامة لأقصرت لك من الوصية، يا معاذ، إن أحبكم إلي من لقيني يوم القيامة على مثل الحالة التي فارقني عليها وكتب له في عهده أن لا طلاق لامرئ فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا نذر في معصية، ولا في قطيعة رحم، ولا فيما لا يملك ابن آدم؛ وعلى أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر؛ وعلى أن لا تمس القرآن إلا طاهراً؛ وأنك إذا أتيت اليمن يسألك نصاراها عن مفتاح الجنة فقل مفتاح الجنة لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قوله: معافر يريد ثياباً معافرية. وقيل: كان ركن ابن امرأة مكحول، وكان يقول: حدثني بعد أمي مكحول. وكان ركن متروك الحديث، ليس بشيء.

رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني

رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني حدث عن مالك بن أنس بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع الرجل نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ". وحدث بسنده عن واثلة بن الأسقع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعطيت السبع الطوال مكان التوراة، والمثاني مكان الإنجيل، وفضلت بالمفصل ". حدث رواد بن الجراح عن سفيان عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ. قيل: يا رسول الله وما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له ولا ولد. قال موسى: قال أبي: قال العباس: فتكلم الناس في هذا الحديث، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا سفيان، حدثنا منصور، حدثنا ربعي عن حذيفة، عنك أنك قلت: خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق رواد بن الجراح، وصدق سفيان، وصدق منصور، وصدق ربعي، وصدق حذيفة؛ أنا قلت: خيركم في المئتين كل خفيف الحاذ. رؤبة بن العجاج واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كثيف بن عميرة ابن حني بن ربيعة بن سعد بن مالك بن زيد مناة بن تميم أبو الجحاف، ويقال: أبو العجاج التميمي الراجز المشهور، مخضرم، وفي نسبه اختلاف. حدث رؤبة بن العجاج عن أبيه قال: سألت أبا هريرة فقلت: يا أبا هريرة؛ ما تقول في هذا:

طاف الخيالان فهاجا سقما ... خيال تكنى وخيال تكتما قامت تريك رهبةً أن تصرما ... ساقاً بخنداةً وكعباً أدرما؟ فقال أبو هريرة: كان يحدى بنحو هذا أو مثل هذا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يعيبه. البخنداة: الصموت التي يعض عليها الخلخال. قال الأصمعي: إن أعرابياً لقي رؤبة بن العجاج فقال: ما اسمك؟ قال: رؤبة مهموزة فقال الأعرابي: والله لولا أنك همزت نفسك لنخستك. دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن عبد الملك وقد جلس الصحابة وهيأ الجوائز فقال: خرجت بين قمر وشمس ... بين ابن مروان وعبد شمس يا خير نفس خرجت من نفس فقال له عمر بن عبد العزيز وهو جالس إلى جنب سليمان: كذبت! ذاك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال رؤبة بن العجاج: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك، وأتي بأسرى من أسرى الروم، فظهر الناس فجلسوا على مراتبهم، وأمر بالأسرى فأحضروا، فدفع إلى كل رجل أسيراً ليضرب عنقه، فكان أول من دفع إليه أسير عبد الله بن حسن بن حسن، فضرب عنق أسيره، ثم فعل ذلك بالناس على قدر مراتبهم، فلم يبق إلا الشعراء، فدفع إلى جرير أسيراً ليضرب عنقه، ودست إليه بنو عبس سيفاً هذاماً، لا يليق شيئاً، فضرب عنق أسيره،

فكأنما قد به عنصلة، ودفع إلى الفرزدق أسيراً، ودست إليه بنو عبس سيفاً كليلاً، فضرب عنق أسيره فلم يحصص منه شعرة، فضحك سليمان والناس، وألقى السيف وعلم أنه قد كيد. وقال جرير: بسيف أبي رعوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا: محدث غير صارم فقال الفرزدق: لا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل العمائم وهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... غنىً عن كليب أو أباً مثل دارم؟ قال رؤبة بن العجاج: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ قلت: ابن العجاج، قال: قصرت وعرفت، لعلك كأقوام يأتوني، إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن حدثتهم لم يعوا عني؟ قلت: أرجو أن لا أكون كذلك، قال: فما أعداء المروءة؟ قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء، إن رأوا صالحاً دفنوه، وإن رأوا شراً أذاعوه، قال: ثم قال: إن للعلم آفةً ونكداً وهجنةً، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه، وهجنته نشره في غير أهله. قال: ثم وضع يده على صدره فقال: ترون تابوتي هذا، ما جعلت فيه شيئاً قط إلا أداه إلي. دخل رؤبة بن العجاج على سليمان بن علي بالشبكة، فقال له سليمان: ما عندك للنساء يا أبا الجحاف؟ فقال: أجده يمثد ولا يشتد، وأرده فيرتد، وأستعين عليه أحياناً باليد، ثم أورده فأقضب، فشكا سليمان نحواً من ذلك، فقال رؤبة: بأبي أنت، ليس ذلك عن السن، إنما ذلك لطول الرغاث.

روح بن جناح أبو سعد

يريد لكثرة ما تمصك النساء. وقوله: أورد فأقضب: هو من الإقضاب، يقال: قضبت الإبل فهي قاضبة: إذا وردت فلم تشرب، وأقضب الرجل: إذا لم تشرب إبله. ضرب ذلك مثلاً لنفسه، يريد إذا باشر لم يقدر على النكاح. مات رؤبة في أيام المنصور سنة خمس وأربعين ومئة. روح بن جناح أبو سعد ويقال أبو سعيد أخو مروان بن جناح مولى الوليد بن عبد الملك. حدث عن عبد الملك بن حسين النخعي بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبنا سبي أوطاس وهو سبي حنين فأردنا أن نتمتع بهن، وقد كان بأيدي الناس منهم سبايا، فسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فسكت ثم قال: استبرئوهن بحيضة. حدث روح بن جناح عن مجاهد قال: بينا نحن جلوس أصحاب ابن عباس: عطاء وطاوس وعكرمة إذ جاء رجل وابن عباس قائم يصلي، فقال: هل من مفت؟ فقلنا: سل، فقال: إني كلما بلت تبعه الماء الدافق، فقلنا: الذي يكون منه الولد؟ قال: نعم، فقلنا: عليك الغسل، فولى الرجل وهو يرجع، وعجل ابن عباس في صلاته، فلما سلم قال: يا عكرمة، علي بالرجل، فأتاه به، ثم أقبل علينا فقال: أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل عن كتاب الله؟ قلنا: لا، قال: فعن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلنا: ولا، قال: فعن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلنا: ولا، فقال ابن عباس: فعن من؟ قلنا: عن رأينا، فقال: كذلك يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. ثم أقبل على الرجل فقال: أرأيت إذا كان منك هل تجد شهوة في قلبك؟ قال: لا، قال: فهل تجد خدراً في جسدك؟ قال: لا، فقال: إنما هذا أبرده، يجزئك منه الوضوء.

روح بن حاتم بن قبيصة

روح بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب، أبو خلف، ويقال أبو حاتم الأزدي كان من وجوه دولة المنصور، قدم معه دمشق، وولاه إفريقية؛ وولي روح البصرة والكوفة للمهدي. قال روح بن حاتم: بينا أنا واقف على باب بعض ولاة البصرة إذ أقبل خالد بن صفوان على بغلة له فقال لي: يا روح، ما هجرت ولا ظهرت على باب أحد من الولاة إلا وأنا أراك عليه، أكل هذا حباً للدنيا وحرصاً عليها؟ قال: فأجللته أن أجيبه ثم قلت: إنما هذا مثل العم، ولعله أراد الجواب مني فقلت: والله يا عم لحسبك برؤيتك إياي عليها طلباً منك لها، فضحك ثم قال: لئن قلت ذاك يابن أخ لقد ذهب رونق الوجوه، وخمار القلب، وحسام الصلب، وسناء البصر، ومدى الصوت، وماء الشباب، واقترب عهاد العلل، والله ما أتت علينا ساعة من أعمارنا إلا ونحن نؤثر الدنيا على ما سواها، ثم لا تزداد لنا إلا تخلياً وعنا إلا تولياً؛ ثم ضرب دابته وذهب. قال روح بن حاتم: ما كنت أظن أن أحداً أشد عصبيةً مني، فبينا أنا أطوف حول البيت إذا أنا برجل يدعو يقول: اللهم اغفر لي ولأبي، فقلت: يا هذا، لو قلت: اللهم اغفر لي ولوالدي! قال: إن أمي من بني تميم، فأنا أحب أن لا يغفر الله لها. بعث روح بن حاتم إلى كاتب له ثلاثين ألف درهم وكتب إليه: قد بعثت بها إليك، ولا أقللها تكبراً ولا أكثرها تمنناُ، ولا أطلب عليها ثناءً ولا أقطع بها عنك رجاءً. كان أبو دلامة الشاعر في جيش والأمير فيه روح بن حاتم، فواقف روح العدو يوماً، فخرج رجل من العدو يدعو للبراز، فالتفت روح كالمعاتب إلى أبي دلامة فقال: اخرج إلى هذا الرجل، فسكت أبو دلامة قليلاً، ثم أنشأ يقول: إني أعوذ بروح أن يقدمني ... إلى القتال فتشقى بي بنو أسد

روح بن حبيب التغلبي

إن الدنو إلى الأعداء أعرفه ... مما يفرق بين الروح والجسد إن المهلب حب الموت ورثكم ... ولم أرث نجدةً في الموت عن أحد فضحك روح، وخرج إلى الرجل فقتله وانصرف. وفي سنة أربع وسبعين ومئة أو خمس وسبعين توفي روح بن حاتم. روح بن حبيب التغلبي أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: بينا أنا عند أبي بكر إذ أتي بغراب، فلما رآه بجناحين حمد الله ثم قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما صيد مصيد إلا بنقص من تسبيح، إلا أنبت الله نابه، وإلا وكل ملكاً يحصي تسبيحها حتى تأتي به يوم القيامة؛ ولا عضد من شجرة وشيجة يعني شجرة تقطع إلا بنقص في تسبيح، ولا دخل على امرئ مكروه إلا بذنب، وما عفا الله عنه أكثر. يا غراب أو غريبة، اعبد الله. ثم خلى سبيله. روح بن زنباع بن سلامة ابن حداد بن حديدة بن أمية بن امرئ القيس بن جمانة بن وائل بن مالك بن زيد مناة ابن أفصى بن سعد بن إياس بن أفصى بن حرام بن جذام وهو عمرو بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ، أبو زرعة ويقال: أبو زنباع الجذامي الفلسطيني لأبيه زنباع صحبة، أرسل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث عن أبيه وغيره؛ وكان له اختصاص بعبد الملك بن مروان لا يكاد يغيب عنه؛ ودخل دمشق غير مرة. وأمره يزيد بن معاوية على جند فلسطين. وشهد مرج راهط مع مروان.

حدث روح بن زنباع أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإيمان يمان حتى جبال جذام، وبارك الله في جذام. قال بكر: فقال له مسعود: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبهم. وعن شرحبيل بن مسلم قال: زار روح بن زنباع تميماً الداري فوجده ينقي شعيراً لفرسه، وحوله أهله، فقال: أما كان في هؤلاء من يكفيك؟ قال تميم: بلى، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلقه عليه إلا كتب له بكل حبة حسنةً. وعن روح بن زنباع الجذامي أنه أتى تميماً أبا رقية في رهط، فوافاه على باب داره بين يديه غربال فيه شعير ينقيه لفرسه، فقال روح: أبا رقية! لو كفاك بعض أعوانك، فقال: لا، إني أريد الخير لنفسي، إني سمعت من أم المؤمنين يعني عائشة تقول: خرجت فإذا أنا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح بردائه عن ظهر فرسه. قالت: فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، أبثوبك تمسح عن فرسك؟! قال: نعم يا عائشة، وما يدريك لعل ربي أمرني بذلك، مع أني لقد بت وإن الملائكة لتعاتبني في حس الخيل ومسحها. فقلت له: يا نبي الله، فولنيه فأكون أنا التي ألي القيام عليه، فقال: إني لا أفعل، لقد أخبرني خليلي جبريل عليه السلام أن ربي عز وجل يكتب لي بكل حبة أوافيه بها حسنة، وأن ربي يحط عني بكل حبة يوافيه بها حسنة، ويحط عنه بكل حبة سيئة. قال شعبة بن الحجاج: لما هم معاوية بن أبي سفيان بقتل روح بن زنباع قال: لا تشمت بي عدواً أنت وقمته، ولا تسؤ في صديقاً أنت سررته، ولا تهدم مني ركناً أنت بنيته، فصفح عنه وأطلقه.

قال أبو معشر: لما مات معاوية بن يزيد بايع أهل الشام كلهم لابن الزبير إلا أهل الأردن. فلما رأى ذلك رؤوس بني أمية وناس من أهل الشام من أشرافهم وفيهم روح بن زنباع الجذامي، قال بعضهم لبعض: إن الملك كان فينا أهل الشام، فينتقل ذلك إلى الحجاز! لا نرضى بذلك. كتب عبد الملك إلى روح بن زنباع: كيف تقول إذا تخوفنا الصواعق؟ قال: تقولون: اللهم، إنا نستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوب إليك. ثلاثاً. وأرسل عبد الملك إلى روح بن زنباع: كيف تقول إذا قحطت السماء؟ قال: تقولون: اللهم، الذنب الذي حبست عنا به المطر، فإنا نستغفرك منه فاغفر لنا واسقنا الغيث. ثلاث مرات. دخل روح بن زنباع على عبد الملك وعنده الوليد ابنه، وكان روح ذا مكانة عند عبد الملك، فقال يا أمير المؤمنين أعدني على الوليد، فقال: مالك وله؟ قال: شكوت إليه عبيده في ضيعتي الفلانية التي تجاور ضيعته الفلانية فلم يشكني، فقال الوليد: أسرعت خيلك يا أبا زرعة! قال: نعم، مرتين يا بن أخي، مرة بصفين، ومرة بمرج راهط، وقام مغضباً؛ فقال عبد الملك للوليد: اركب إليه وهب له الضيعة بما فيها من عبيدها وأكرتها. فلم يسمعه روح حتى قيل له: الوليد بالباب، فخرج إليه، فاعتذر ووهب له الضيعة وما فيها ورجع إلى عبد الملك فأخبره بذلك. قال الوليد بن أبي عون: كان روح بن زنباع إذا دخل الحمام فخرج منه أعتق رقبة. حدث الشافعي قال: قال هشام بن عبد الملك لما مات روح بن زنباع، قال لبعض الناس: كيف كان روح؟ ثم قال: قال روح: والله ما أردت باباً من أبواب الخير إلا تيسر لي، ولا أردت باباً من أبواب الشر إلا لم يتيسر لي. مات روح بن زنباع سنة أربع وثمانين.

روح بن الهيثم الغساني

روح بن الهيثم الغساني حدث عن محمد بن عمر القرشي قال: لما هدم الوليد بن عبد الملك الكنيسة التي في مغارب المسجد، وجد في أساسه حجراً مكتوباً بالعبرانية، فأتوا الوليد بن عبد الملك فقالوا: وجدنا في أساس الحائط حجراً فيه كتاب لا ندري بأي لسان! فجمع أهل الكتب فلم يجد أحداً يقرؤه، فقال له رجل من اليهود: ابعث إلى وهب بن منبه اليماني، فإنه يقرأ كل كتاب؛ فأرسل إليه، فقام إلى الحجر فقرأه، ثم بكى بكاءً شديداً، ثم دخل على الوليد بن عبد الملك فقال: ويحك يا وهب! لقد بكيت من شيء عظيم، فقال: لقد رأيت في هذا الحجر عظةً لمن اتعظ، وعبرةً لمن اعتبر؛ قال: وما رأيت؟ قال: رأيت: يا بن آدم، لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو به من أملك، وإنما يكفي ندمك إن زلت قدمك، وأسلمك أهلك وجسمك، وفارقك الحبيب، وودعك القريب، فلا أنت إلى أهلك بعائد، ولا في عملك بزائد؛ فاحتل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة. رومان مؤدب ولد عبد الملك ابن مروان قال رومان: كتب إلي عبد الملك بكلمات يأمرني أن أحدثهن ولده، فقال: مرهم بإحراز ما أقبل قبل إدباره؛ والتعزي عن المدبر بعد تعذيره؛ وكتمان ما في النفس دون الخلصان؛ ومؤازرة الثقة من الإخوان؛ وتوقع انتقاض الإخوان؛ وقلة التعجب من غدر الخلان.

رياح بن عبيدة الباهلي مولاهم

رياح بن عبيدة الباهلي مولاهم كان في صحابة عمر بن عبد العزيز بالمدينة، ثم خرج إلى الشام فكان معه. حدث رياح بن عبيدة عن أسيد بن عبد الرحمن أخي عبد الحميد وهو ابن سودة عن عبد الله بن عمر قال: لبست ثوباً جديداً، فأتيت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد عند حجرة حفصة، في ليلة مظلمة، فسمع قعقعة الثوب فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله بن عمر، قال: ارفع ثوبك قلت: يا رسول الله، إنه مرتفع، قال: ارفع ثوبك فإن الذي تجرونه خيلاء، لا ينظر الله إليه. وكان إزاري تلك الليلة إلى نصف الساق. وعن رياح بن عبيدة أن أبان بن عثمان حدث عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب كان لا يورث الحملاء. وعن رياح بن عبيدة في قوله عز وجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم " قال: التكبيرة الأولى والصف الأول. قال رياح بن عبيدة: كنت قاعداً عند عمر بن عبد العزيز، فذكر الحجاج فشتمته ووقعت فيه، فقال عمر: مهلاً يا رياح، إنه بلغني أن الرجل يظلم يالمظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم ويتنقصه حتى يستوفي حقه، ويكون للظالم الفضل عليه.

رياح بن عثمان بن حيان

رياح بن عثمان بن حيان ابن معبد بن شداد بن نعمان بن رياح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مالك ابن يربوع بت غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض ابن ريث بن غطفان المري ولي إمرة دمشق لصالح بن علي الهاشمي أمير الشام ومصر من قبل المنصور. ثم ولي إمرة المدينة للمنصور. حدث رياح بن عثمان وكان على المدينة قال: ما قدم علينا بريد لعمر بن عبد العزيز بالشام إلا بإحياء سنة أو قسم مال أو أمر فيه خير. أتي عمر بن عبد العزيز بغلمة من أولاد المهالية لم يبلغوا الحنث، وعنده رجاء بن حيوة الكندي، ورياح بن عثمان المري، فقال عمر: يا رياح، ما تقول في هؤلاء الغلمة؟ قال: أقول ما قال نوح: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا " قال: فلم يوافقه ما قال، والتفت إلى رجاء بن حيوة فقال: ما تقول في هؤلاء الغلمة يا رجاء؟ قال: وما سبيلك على هؤلاء الغلمة، لم يبلغوا الحنث، ولم تجب عليهم الأحكام. فأخذ بقول رجاء وخلى سبيلهم. فلما خرج رجاء ورياح من عند عمر قال رياح: يا رجاء بن حيوة، إن لله رجالاً خلقهم للشر وهو منهم، وخلق رجالاً للخير وأنت منهم. قال موسى بن عبد العزيز: لما أراد أبو جعفر عزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عن المدينة ركب ذات يوم. فلما خرج من بيته استقبله يزيد بن أسيد السلمي، فدعاه فسايره ثم قال: أما تدلني على فتىً من قيس مقل أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن يلعب به؟ يعني ابن القسري

قال: بلى، قد وجدته يا أمير المؤمنين، قال: من هو؟ قال: رياح بن عثمان المري، قال: فلا تذكرن هذا لأحد. ثم انصرف فأمر بنجائب وكسوة ورحال، فهيئت للمسير. فلما انصرف من صلاة العتمة دعا برياح، فذكر له ما يلاقي من غش زياد وابن القسري في ابني عبد الله، وولاه المدينة، وأمره بالمسير من سلعته قبل أن يصل إلى منزله، وأمره بالجد في طلبهما؛ فخرج مسرعاً حتى قدمها في رمضان سنة أربع وأربعين ومئة. وفي حديث: أن رياحاً لما دخل دار مروان وعبد الله يعني ابن حسن بن حسن محبوس في قبة الدار التي على الطريق إلى المقصورة، حبسه فيها زياد بن عبيد الله، قال لأبي البختري: خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئاً علي حتى وقف على عبد الله بن حسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة، ولا ليد سلفت إليه، والله لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم. قال: فرفع إليه رأسه وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس، المذبوح فيها كما تذبح الشاة. قال أبو البختري: فانصرف رياح آخذاً بيدي أجد برد يده، وإن رجليه لتخطان مما كلمه. قال: قلت: إن هذا ما اطلع على الغيب، قال: إيهاً ويلك! فوالله ما قال إلا ما سمع، قال: فذبح والله ذبح الشاة. قال الحارث بن إسحاق: ذبح إبراهيم بن مصعب المعروف بابن خضير رياحاً ولم يجهز عليه، فجعل بضرب برأسه الجدار حتى مات، وقتل معه أخاه عباس بن عثمان وكان مستقيم الطريقة، فعاب الناس ذلك عليه. ثم مضى إلى ابن القسري وهو محبوس فنذر به، فردم بابي الدار دونه فعالج البابين، فاجتمع من في الحبس فشدوهما ولم يقدر عليهم، فرجع إلى محمد فقاتل بين يديه حتى قتل.

رياح بن الفرج الدمشقي

رياح بن الفرج الدمشقي حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده عن أم الدرداء أن أبا الدرداء كان إذا رأى الميت قد مات على حال صالحة قال: هنيئاً له، ليتني بدلك. فقالت له أم الدرداء: لم تقول ذلك؟ فقال: هل تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي منافقاً؟ فقالت: وكيف؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا لهذا الموت أغبط مني لهذا بالبقاء في الصلاة والصيام. ريان بن عبد الله أبو راشد الأسود الخادم، مولى سليمان بن جابر روى عن عمارة بن وثيمة بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأعمال أيها أفضل؟ قال: إقامة الصلاة، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله. ريان بن عبد الله حدث ريان بن عبد الله بصيدا عن أبي محمد أحمد بن محمد بن الحجاج المرعشي بسنده عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: يا أحمد، إن أهل الطاعة ليس بالطاعة سعدوا، ولكن بالسعادة أطاعوا، وإن أهل المعاصي ليس بالمعاصي شقوا، ولكن بالشقوة عصوا.

أسماء النساء على حرف الراء

أسماء النساء على حرف الراء رابعة بنت إسماعيل من المتعبدات. كانت زوج أحمد بن أبي الحواري، وكانت هي خطبت أحمد، فكره ذلك لما كان فيه من العبادة، وقال لها: ليس لي همة في النساء لشغلي بحالي، فقالت: إني لأشغل بحالي منك، وما لي شهوة، ولكني ورثت مالاً جزيلاً من زوجي فأردت أن أنفقه على إخوانك وأعرف بك الصالحين فتكون لي طريقاً إلى الله. فقال: حتى أستأذن أستاذي، قال: فرجعت إلى أبي سليمان وكان ينهاني عن التزويج ويقول: ما تزوج أحد من أصحابنا إلا تغير. فلما سمع كلامها قال: تزوج بها فإنها ولية لله، هذا كلام الصديقين. قال: فتزوجها. قال: وتزوجت عليها ثلاث نسوة، فكانت تطعمني الطيبات وتطيبني وتقول: اذهب بنشاطك وقوتك إلى أزواجك. وكانت تشبه في أهل الشام برابعة العدوية في أهل البصرة. قال سري السقطي: أتيت دمشق فسألت عن أحمد بن أبي الحواري فأرشدوني إليه في المسجد، فقلت: يا أحمد، عظني وأوجز، فقال: ما أحسن، قلت: فأرشدوني إلى من يحسن، قال: صر إلى المنزل فإن أهلي تحسن يعني زوجته فمضيت في طريقي فلقيت راهباً كبيراً يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو

طبيبي يسقيني الدواء، فردد عليه من كلامه شيئاً لا أعقله؛ فجئت إلى منزل أحمد بن أبي الحواري فقرعت الباب، فكلمتني امرأة من وراء حجاب فقلت: إني أتيت أحمد فقلت: عظني فقال: ما أحسن، فقلت: أرشدني إلى من يحسن، فقال: صر إلى المنزل فإن أهلي هي تحسن، فمضيت في طريقي فإذا براهب كبير يتبعه راهب صغير، فقلت للصغير: لم تتبع هذا؟ قال: هو طبيبي يسقيني الدواء، فورد علي من كلامه شيء لا أعقله. فقالت: يا ليت شعري! أي الدواءين يسقيه دواء الإفاقة أم دواء الراحة؟ قلت: رحمك الله، وما دواء الإفاقة وما دواء الراحة؟ قالت: أما دواء الإفاقة فالكف عن محارم الله، وأما دواء الراحة فالرضى عن الله في جميع الأمور كلها. ثم كلمتني بكلمة لا تخرج من رأسي أبداً، قلت: وما هي رحمك الله؟ قال: قالت: أما علمت أن العبد إذا أخلص بعمله لله عز وجل، أطلعه الجليل على مساوئ عمله، فاشتغل بها عن جميع خلقه. قلت: بسي. قالت رابعة: قالت لي راهبة: إن أردت أن يطهر قلبك ويزكو بدنك فأريدي الله بصومك وصلاتك، ولا تريدي بهما قضاء الحوائج منه. قال أحمد: فحدثت به أبا سليمان فقال لي: ما هذا كلام راهبة ولا كلامها، هذا كلام الأنبياء. قال أحمد بن أبي الحواري: لقيت راهباً بالأردن فقلت: ما اسمك؟ قال: يوسف، قلت: إلى أين؟ قال: إلى ذاك الدير، قلت: ما تقول في الزهد؟ قال: وما الزهد؟! إذا وقع في يميني شيء أخرجته بشمالي في الوقت، قلت: ما تحبس لنفسك شيئاً؟ قال: لا، إذا جاع أو عطش سبح فشبع وروي، ومضى وتركني؛ فالتفت فإذا أنا بامرأة تقول: يا فتى، ما كان فيما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفاية حتى تسأل الراهب؟ فسألت عنها، فإذا هي رابعة امرأة أحمد بن أبي الحواري. قال أحمد بن أبي الحواري: جئت إلى البيت وأنا متفكر فقالت لي امرأتي رابعة: لم تتفكر؟ قال: قلت: رأيت شيخاً راهباً ووراءه غلام حدث ذاهب، فقلت للغلام: لم تتبع هذا؟ قال: يسقيني الدواء، فقالت لي رابعة: فماذا قلت له؟ قال: قلت: ما قلت له شيئاً، قالت: فألا قلت له: دواء الخوف أو دواء المحبة؟

قال أحمد بن أبي الحواري: جلست آكل، وجعلت رابعة تذكرني، قلت لها: دعينا تهنينا بطعامنا، قالت: ليس أنت ولا أنا ممن يتنغص عليه الطعام عند ذكر الآخرة. وقال أحمد: سمعت رابعة تقول: ما رأيت ثلجاُ قط إلا ذكرت تطاير الصحف، ولا رأيت جراداً قط إلا ذكرت الحشر، ولا سمعت أذاناً قط إلا ذكرت منادي القيامة. قال: وقلت لنفسي: كوني في الدنيا بمنزلة المطر الواقع حتى يأتيك قضاؤه. قال أحمد: قلت لرابعة وهي امرأتي وقامت بالليل: قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه، ما رأيت من يقوم في أول الليل! فقالت: سبحان الله! مثلك يتكلم بمثل هذا! إنما أقوم إذا نوديت. قال أحمد بن الحواري: كان لرابعة أحوال شتى، فمرة غلب عليها الحب، ومرة غلب عليها الأنس، ومرة غلب عليها الخوف؛ فسمعتها في حال الحب تقول: حبيب ليس يعدله حبيب ... ولا لسواه في قلبي نصيب حبيب غاب عن بصري وشخصي ... وفي قلبي حبيب لا يغيب وسمعتها في حال الأنس تقول: ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

رباب بنت امرئ القيس

وسمعتها في حال الخوف تقول: زادي قليل ما أراه مبلغي ... فللزاد أبكي أم لبعد مسافتي أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي فيك أين مخافتي؟ قال أبو دجانة: كانت رابعة إذا غلب عليها الحب تقول: تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن أحب مطيع رباب بنت امرئ القيس ابن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبية زوج الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأم ابنته سكينة، كانت فيمن قدم به من آل الحسين دمشق بعد قتله على يزيد؛ وذكرها الحسين رضي الله عنه في شعر له. قال عوف بن خارجة: إني عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته إذ أقبل رجل أصعر يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر، فحياه تحية الخلافة، فقال عمر: ما أنت؟ فقال: امرؤ نصراني، وأنا امرؤ القيس بن عدي الكلبي، فلم يعرفه عمر، فقال له رجل من القوم: هذا صاحب بكر بن وائل الذي أغار عليهم في الجاهلية يوم فلج، فما تريد؟ قال: أريد الإسلام، فعرض عليه، فقبله ثم دعا له برمح، فعقد له على من أسلم من قضاعة. قال: فأدبر الشيخ واللواء يهتز على رأسه. قال عوف بن خارجة: ما رأيت رجلاً لم يصل سجدةً

أمر على جماعة من المسلمين قبله. قال: ونهض علي بن أبي طالب ومعه أبناء الحسن والحسين رضي الله عنهم من المجلس حتى أدركه، فأخذ برأسه فقال: أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصهره، وهذان ابناي من ابنته، وقد رغبنا في صهرك فأنكحنا، قال: قد أنكحتك يا علي المحياة بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس، وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرئ القيس. وهي التي يقول فيها الحسين رضي الله عنه: لعمرك إنني لأحب داراً ... تحل بها سكينة والرباب أحبهما وأبذل بعد مالي ... وليس للائمي فيها عتاب ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً ... حياتي أو يغيبني التراب وهي التي أقامت على قبر الحسين رضي الله عنه حولاً ثم قالت: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر وسكينة اسمها آمنه أو أميمة، وإنما سكينة لقب لقبتها أمها الرباب بنت امرئ القيس. ولما توفي الحسين خطبت الرباب وألح عليها فقالت: ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم تزوج، وعاشت بعده سنةً لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً. وكانت من أجمل النساء وأعقلهن. وقيل: إنها ماتت في زمن الحسين.

رحمة بنت أفراييم بن يوسف

رحمة بنت أفراييم بن يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. ويقال: رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب زوج أيوب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. كانت مع زوجها أيوب بأرض البثنية. لما شط إبليس على أيوب لم يسلط على زوجه ولا على عينيه ولا قلبه ولا لسانه، فكان قلبه للشكر، ولسانه للذكر، وعيناه ينظر بهما إلى السماء. فلما أصابه الجدري جاءت امرأته حتى جلست بين يديه وكانت امرأته رحمة بنت ميشا بن يوسف، وكانت أم ميشا ازليخا امرأة يوسف، وكان قبل يوسف امرأة فوطرقير العزيز الذي كان اشترى يوسف فلما جاءت امرأته إليه فجلست، وجاء إبليس فجلس معها إلى أيوب، فقالت رحمة: يا أيوب، قد هلك الولد وهي تبكي، فجثا إبليس كأنه حاضن ولده، ينوح على ولده وعلى أيوب، يقول: يا أيوب، قد صبرنا على ذهاب المال فكيف بالولد، وكيف لو رأيت حين رضخوا بالحجارة، وكيف تفلقت الهام منهم، وكيف سال الدماغ من مناخرهم، وكيف رضت عظامهم، وكيف تناثرت أحداقهم؛ يا أيوب، فكيف بالصبر بعد هؤلاء على ما نرى بك من هذا البلاء؟ قال: فالتفت إليهما فقال: أما الولد فالله كان أرحم بهم مني ومنك أيتها المرأة يعني امرأته وأما المال، فكان عارية أعارنيه ربي توسعت فيه ما دام عندي، ثم قبضه، فله الحمد؛ وأما أنت يا أيها المتكلف، فما بكاؤك ونوحك؟! اذهب عني، فإني قد رضيت بقضاء ربي وسلمت لأمره. ثم قال لامرأته: يا هذه، دعيني عنك من جزعك، والزمي الصبر، قالت: يا سيدي، أصبر معك في الضيق والبلاء والشدة، كما صبرت في الرخاء والنعيم. وكذلك كان السلف من آبائنا، إذا ابتلوا صبروا. قال: فانصرف إبليس خائباً

منكسراً؛ قال: وتساقط جلد أيوب وتناثر لحمه، وجرى الدود بين الجلد والعظم، وانقطع عنه ما كان فيه من نعيم الدنيا، فكانت امرأته تتصدق الكسرة واللقمة فتطعمه إياه، وتطحن للناس بيدها وتأخذ بأجرها طعاماً؛ فلم تزل على ذلك لا يغيرها عن حالها لأيوب من طول البلاء. فجعل إبليس يجمع المردة من أصحابه، ويطوف المشارق والمغارب يطلب المكيدة لأيوب، لا يقدر على شيء يعلم أنه يصل إلى مكايدته إلا أتاه، حتى أعياه ذلك؛ فأتاه من قبل النصيحة والطب، فجعل يختلف إليه في صورة رجل مسافر يعرض عليه أنواع المعاصي بسبب الطب، فلا يجيبه أيوب إلى شيء، فانطلق الخبيث إلى ثلاثة إخوة لأيوب كانوا مصافين له، يحبونه في الله، فقال لهم: هل تعلمون ما نزل بأخيكم أيوب؟ قالوا: لا، فقص عليهم قصة أيوب، فقال لهم: أرى لكم أن تنطلقوا إليه بطعام، فإن امرأته تتصدق، واحملوا إليه خمراً فإن شفاءه فيها؛ فانطلقوا حتى إذا دنوا منه ولم تستطع دوابهم أن تدنو منه لنتن ريحه، وما قد تغير من لونه، ولم يبق من أيوب غير العينين ينظر بهما إلى السماء. وعن ابن عباس: أن إبليس حين أيس من أيوب جمع المردة فقال: ويلكم! أين مكركم وكيدكم الذي كنتم تضلون به بني آدم؟ قالوا: يا سيدنا، قد اضمحل ذلك كله، إنما بقيت واحدة، أن تأتيه من قبل امرأته، فلعل هي أن تخدعه وهو يرق لها فتظفر بحاجتك منه. فانطلق إبليس فجلس لها على طريقها فقال لها: يا رحمة، أين المال؟ أين البنيان؟ أين النعيم؟ أين السعة؟ أين الخدم؟ أين الولد؟ فبكى معها وبكت، فقال لها: ما تستطيعين أن تكلميه أن يشرب شربةً من خمر، فإن فيها شفاءه، ثم يتوب؟ قال: وسوس إليها وجرى منها مجراه من ابن آدم؛ فانطلقت محمارةً وجنتاها، يرعد كل مفصل منها حتى جلست بين يدي أيوب فقالت: يا أيوب، أين المال؟ أين السعة؟ أين الولد؟ أين الخدم؟ ألا تنظر إلى ما صرنا إليه، إنما هي شربة ثم تتوب، فنظر إليها فقال: لعن الله من وسوس إليك! ومن علمك هذا؟ لله علي إن عوفيت لأجلدنك مئة جلدة عقوبةً

لك بما فعلت. فلما أن رأت ندمت وذهب عنها الخبيث، فوقعت على أيوب تلحسه وتقول: يا سيدي؛ هذا مكان العائذ من غضبك، فلم تزل به حتى رضي عنها وعذرها. وعن ابن عباس قال: قالت امرأة أيوب لأيوب: إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك، فقال: كنا في النعماء سبع سنين، فدعينا نكون في البلاء سبعين سنة، فمكث في ذلك البلاء سبع سنين. وعن ابن عباس أن أيوب اشتهى إداماً من سمن أو لحم أو جبن أو لبن، فلم تصب امرأته حتى باعت قرناً من شعرها، فعند ذلك نادى أيوب ربه، وذلك أن امرأته أتته بشهوته، فلما رأى ذلك قال لها: من أين لك هذا؟ فكشفت عن رأسها فقالت: بعت قرناً من شعري، فقال عند ذلك: إلهي؛ ابتليتني بذهاب المال والولد، ثم البلاء في جسدي، ثم صيرتني أن أعيش من شعر حليلتي، فارض عني، وإن كان هذا رضىً لك فزدني وأنت أرحم الراحمين، قد ترى ما نزل بي. فذلك قوله: " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " يقول الله " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ". قال ابن عباس: جاءه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أيوب، رب العزة يقرئك السلام ويقول: " اركض برجلك " اليمين، قال: فضرب بها الأرض، فتناثر كل دود عليه من قرنه إلى قدميه، ونبعت عين من تحت رجله اليمنى، ثم قال: اركض برجلك اليسرى، قال: فضرب بها الأرض فتناثر ما كان بقي من الدود، ونبعت عين من تحت قدمه اليسرى، فقال جبريل: ثم فادخل هذه العين " هذا مغتسل " فاغتسل فيه، فاغتسل فيها فخرج منها صحيحاً سليماً نشيطاً على حسنه وجماله وشبابه؛ واشرب من الأخرى وهي اليمنى " بارد وشراب " قال: فشرب منها، فخرج كل شيء كان في

بطنه، وجرت النضرة في بشره وشعره. قال: وكسي ورد الله عليه أمواله وخدمه ومثلهم معهم، وصارت منازله وجنانه وخدمه على ما كان، وفسح الله له فيها مثلهم. يقول الله تعالى " ومثلهم معهم " قال: وجلس جبريل معه يحدثه إذ جاءته امرأته فرأت منازلها ومجالسها وأنكرت المكان الذي تركت فيه أيوب وكانت تركته على زبل يتمرغ في الرماد فصكت وجهها ودعت بالويل وقالت: من رأى المبتلى؟ فقال أيوب: أما تعرفينه لو رأيته؟ فقالت: أما في حال صحته وشبابه كأنه أشبه الناس بك، قال جبريل: فهو هو، قال أيوب: قد من الله علي ورد علي مالي وخدمي وأهلي ومثلهم معهم. قالت: فأين الولد؟ وكان له ثلاثة عشر ولداً فأوحى الله إليه عند مقالتها أين الولد، قال: يا أيوب إن شئت بعثتهم لك وإن شئت أقررتك في الجنة، وأعطيتك بدلهم في الدنيا مثلهم، فقالا جميعاً أيوب وامرأته: يا رب، دعهم في الجنة وأعطنا غيرهم، قال: قد فعلت. قال ابن عباس: فمن زعم أن أولاده نشروا وبعثوا فقد كذب. وقال جبريل: إن الله يأمرك أن تأخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث، وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثاً فيه مئة ساق من عيدان القت، فيضرب به امرأته لليمين التي حلف عليها. قال ابن عباس: ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء. قال: وبعث الله سبحانه فأمطر عليه في داره بعد صلاة العصر حتى توارت بالحجاب جراد الذهب. وفي حديث عكرمة قال: أتى إبليس فقيل له: هذا أيوب قد خلينا بينك وبينه فأت فيه بما قدرت عليه من شيء إلا اثنتين، قال إبليس: وأي شيء هاتين الثنتين التي منعتنيها. قال: قال له الرسول: يقول لك ربك: ليس لك أن تخرج نفسه ثم تعيدها، وليس لك على امرأته

سلطان. قال: وعلم الله بما يلقى أيوب مما لم يعلم إبليس، فجعل امرأته عوناً له. قال إبليس: فنعم. قال: وكان أيوب هو بنى المصلى الذي كانوا يصلون فيه، وكان منزله فيه، وكان ذا ماشية ورقيق، وكان إمامهم، قال: فأقبل على ماشيته فأفناها، قال: فلا يرى من أيوب شيئاً يحبه، قال: ثم أقبل على رقيقه فأفناهم، فلا يرى شيئاً يحبه، قال: ثم أقبل على ولده فأفناهم فلا يرى شيئاً يحبه، قال: فأقبل على أيوب في بدنه فابتلاه بلاءً شديداً. فلما اشتد بأيوب البلاء، وذهبت ماشيته ورقيقه ولده، فلم يبق إلا هو وامرأته قال لها: يا هذه، انظري إلى ما آمرك به فاصنعيه، قالت: وما هو؟ قال: احمليني فألقيني في القرية، قالت: يا أيوب، ألا تتقي الله، قد نزل بك ما ترى وأنا امرأة ضعيفة تأمرني ن أخرج من منزلنا الذي هو منزلنا؟! قال: نعم، أطيعيني فإني أخاف أن أكون قد شققت على أهل هذا المصلى؛ فاحتملته فألقته في القرية. قال: فاشتد ريحه، فدعاها فقال: يا هذه، لا أحسبني إلا قد شققت على أهل هذه القرية، يمرون فيجدون ريحي فتؤذيهم، قالت: يا أيوب، اتق الله، أنا امرأة ضعيفة، ليس معي غيري، قالت: فأين أذهب بك؟ نرى أن نكون مع الناس؛ قال: نعم، انظري إلى هذه الكساحة الخارجة من القرية، فاحمليني فألقيني عليها ولا تؤذي أهل القرية، فلا أحسبني إلا قد شققت عليهم فأطيعيني، فاحتملته فألقته على الكساحة. قال: وألح عليه إبليس لا يرى منه شيئاً يحب، لا يراه إلا صابراً. قال: فلا أدري ما قال لامرأته يوماً، فجاء منها شيء، فآلى ليجلدنها مئة جلدة إن برئ. قال: واشتد به البلاء، فقالت له امرأته: والله إني لأعلم أن الله لم يفعل بك هذا من هوانك عليه، هو ربك، ولكنه أراد أن يبتليك كما ابتلى أباك إبراهيم، لينظر أتصبر وتشكر؟ قال: فتريدين ماذا؟ قالت: ادع الله، فوالله ليكشفن عنك ذا البلاء، قال: فكم مضى من عمري؟ قالت: كذا وكذا، قال: فقد كنت في تلك النعمة والرفاهية والخير، فما ابتلاني بعد ذلك، قال: فجزعت وقالت: يا أيوب! فإنك تريد أن تصبر على قدر ذلك!

فأصبحت يوماً وقد اشتد بأيوب البلاء حتى ما يقدر على المنطق، وذهل عنه أهل المصلى فقالوا: هذا المبتلى سبع سنين على الكساحة وسبعة أشهر وسبعة أيام، وقد أغفلنا لا نتعاهده، انطلقوا بنا نتعاهده ونسلم عليه ونسأله أله حاجة؟ فأقبلوا بجماعتهم، وغدت امرأته حتى تقضي ما تطلب له، وبقي وحده، وانتهوا إليه فلم يستطيعوا يدنون منه ساعةً ولا يسمعونه، قالوا: فكيف نصنع، نرجع؟ فقال بعضهم: أغفلناه هذه السنوات، فلما جئناه ورأيناه ورآنا ننصرف ولا نكلمه؟! فقال بعضهم: نضع ثيابنا على أنفنا وندنو منه فنكلمه، ثم ننصرف عنه، ونعر ض عليه الحاجة؛ قال: فأخذوا على أنفهم ودنوا منه حيث يسمعونه الكلام، فلما رأوه عاينوا عظيماً لم يروه قبل ذلك في أحد، حتى رأوا الدواب تخترق فيه، فقال رجل: يا أيوب، لو علم الله فيك خيراً لم يبتلك بما نرى، وانصرفوا عنه راجعين. قال: فعرض لربه بالدعاء فقال: " أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " قال: ونزل عليه جبريل، فخرق له الأرض بجناحيه، فنبعت له عينان، فقال: يا أيوب، اشرب من هذه واغتسل في هذه؛ قال: فشرب واغتسل، فإذا أيوب أحسن ما كان صورةً وأتمه، ونهض عنه جبريل. قال: ففكر أيوب في بلاء امرأته عنده وحسن صنيعها إليه وصبرها عليه، قال: لا أبرح حتى تجيء؛ قال: فقعد في فيء شيء، وأقبلت امرأته من حاجتها ولم تره، فانطلقت والهةً إلى القرية تسعى ثم عادت والهةً لا تعقل، ومرت بأيوب فقالت: يا عبد الله، هل رأيت ذاك المبتلى الملقى على الكساحة؟ قال: يقول لها أيوب: وماذا تخشين عليه؟ قالت: صدقت، ولكن أخشى أن يكون كلب أو سبع اجتره، قال: فما تمالك أيوب أن بكى وقال: هل تعرفينه لو رأيته؟ فنظرت إليه فقالت: والله إنك لأشبه خلق الله به إذ كان صحيحاً، قال: فأنا أيوب، قالت: أنت أيوب! قال: أنا أيوب، ألم أخبرك أن الله أراد أن يتم نعمته علي، قال: فرجع إلى محرابه. وحكى وهب بن منبه قال: قال إبليس لامرأة أيوب: بم أصابكم ما أصابكم؟ قالت: بقدر الله، قال: وهذا أيضاً! فاتبعيني، فأراها جميع ما ذهب منهم في واد، فقال: اسجدي لي وأرد

رملة بنت الزبير بن العوام

عليكم، فقالت: إن لي زوجاً أستأمره، فأخبرت أيوب فقال: أما آن لك أن تعلمي، ذاك الشيطان، لئن برئت لأضربنك مئة جلدة. وعن ابن المسيب: أنه بلغه أن أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان حلف ليجلدن امرأةً له في أن جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه، فخشي أن تكون قد قارفت شيئاً من الخيانة. فلما رحمه الله وكشف عنه الضر، وعلم براءة امرأته مما اتهمها به، قال الله: " خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " فأخذ ضغثاً من ثمام، وهو مئة، فضرب به كما أمره. رملة بنت الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشية الأسدية تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، ونقلها إلى دمشق، وله فيها أشعار. وكانت جزلةً عاقلةً. وعن جويرية بن أسماء قال: نشزت سكينة على زوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وأمه رملة بنت الزبير بن العوام، فدخلت رملة بنت الزبير وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية على عبد الملك فقالت: يا أمير المؤمنين، لولا أن تذر أمورنا ما كانت لنا رغبة فيمن لا يرغب فينا، سكينة نشزت على ابني، فقال: يا رملة، إنها سكينة، قالت: وإن كانت سكينة، فوالله لقد ولدنا خيرهم وأنكحنا خيرهم، فقال: يا رملة غرني منك عروة، قالت: ما غرك، ولكن نصح لك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمني عليك.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: حج خالد بن يزيد بن معاوية سنة قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، فخطب رملة بنت الزبير، فبلغ ذلك الحجاج، فأرسل إليه حاجبه وقال له: قل لخالد: ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني، ولا كنت أراك تخطب إليهم وليسوا لك بأكفاء، وقد قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح. فأبلغه الرسالة، فنظر إليه خالد طويلاً ثم قال: لو كانت الرسل تعاقب لقطعتك آراباً ثم طرحتك على باب صاحبك! قل له: ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك أن أشاورك في مناكحة قريش؛ وأما قولك: أن ليسوا بأكفاء، فقاتلك الله يا حجاج، يكون العوام كفؤاً لعبد المطلب بزوجه صفية، ويتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد ولا تراهم أكفاء لآل أبي سفيان! وأما قولك: قارعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيح، فهي قريش يقارع بعضها بعضاً، حتى إذا أقر الله الحق مقره، عادت إلى أحلامها وفضلها. فرجع إليه، فأعلمه ذلك. وتزوج خالد رملة بنت الزبير أخت مصعب لأمه. أمهما الرباب الكلبية. وفي رملة يقول خالد: تخيرتها من سر نبع كريمةً ... موسطةً فيهم زبيريةً قلبا وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حج عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيم القدر عند عبد الملك، فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقاً حديداً، ووقعت بقلبه وقوعاً متمكناً، فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه، فوقع بقلب عبد الملك تهمة، فسأله عن أمره؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت فأذهلت عقلي، والله ما أبديت إليك ما بي حتى عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلو على

قلبي فامتنع؛ فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك! فقال: إني اشد تعجباً من تعجبك مني، ولقد كنت أقول: إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الشعراء والأعراب؛ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا إليه منقادين وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته، فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها، ولا يشغله شيء عنها، فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم. وجملة أمري، فما رأيت نظرةً حالت بيني وبين الحرم، وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظري في هذه؛ فتبسم عبد الملك وقال: أو كل هذا قد بلغ بك؟ فقال: والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا. فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا لها ذلك فقالت: لا والله أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، إحداهما من قريش، والأخرى من الأزد، وكانتا كريمتين عنده. وظعن بها إلى الشام وفيها يقول: أليس يزيد السوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا خليلي ما من ساعة تذكرانها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا أحب بني العوام طراً لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالاً يجول ولا قلبا وقال فيها: نظرت إليها فاستحلت بها دمي ... وكان دمي غال فأرخصه الحب وغاليت في حبي لها فرأت دمي ... حلالاً فمن هاذاك داخلها العجب وقيل: إن خالداً تزوج رملة وهو بالشام وهي بالمدينة، وكتب إليها فوافته بمكة، فأرادها أن يدخل بها قبل أن تحل فأبت عليه، فألح عليها، فرحلت في جوف الليل متوجهةً إلى المدينة، فبلغ ذلك خالداً فطلبها ومعه عبيد الراعي النميري، فأدركها في المنصف بعد يوم وليلة، فحلف لها أن لا يقربها حتى تحل، وقال في ذلك:

رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب

أحن إلى بيت الزبير وقد علت ... بي العيس خرقاً من تهامة أو نقبا إذا نزلت ماءً تحبب أهله ... إلينا وإن كانت مسابقةً حربا وإن نزلت ماءً وكان قليبها ... مليحاً وجدنا شربه بارداً عذبا فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري ... تخط رجال بين أعينهم صلبا قيل: إن عبد الملك ذكر له هذا البيت فقال خالد: على قائله لعنة الله يا أمير المؤمنين. يعني: فإن تسلمي أسلم وإن تتنصري رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس، أم حبيبة، أم المؤمنين زوج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدمت دمشق زائرةً لأخيها معاوية، وقيل: قبرها بها. والصحيح أنها ماتت بالمدينة. حدثت أم حبيبة قالت: كنا نفعله على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تعني نصلي الصبح بمنىً يوم النحر. وعن أم حبيبة قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: هل لك في أختي ابنة أبي سفيان؟ قال: فأفعل ماذا؟ فقلت: تنكحها، فقال أختك؟ قلت: نعم، قال: أتحبين ذلك؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شركني في خير أختي، قال: فإنها لا تحل لي. قالت: فوالله لقد أنبئت أنك تخطب درة ابنة أبي سلمى، قال: ابنة أبي سلمة؟ قالت: نعم، قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن.

وحدثت أم حبيبة عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمراً وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث. كانت أم حبيبة قبل أن يتزوجها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت عبيد الله بن جحش الأسدي، أسد خزيمة. وكان خرج بها من مكة مهاجراً إلى أرض الحبشة، فافتتن عبيد الله وتنصر بها، ومات على النصرانية، وأبت أم حبيبة أن تتنصر، فأتم الله لها الإسلام والهجرة حتى قدمت المدينة، فخطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزوجها إياه عثمان بن عفان؛ ويقال: تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي بأرض الحبشة، زوجها إياه النجاشي، وأمهرها أربعة آلاف درهم، وجهزها من عنده؛ وبعث بها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع شرحبيل بن حسنة، وما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها بشيء. قالوا: تزوجها في سنة ست، ودخل بها في سنة سبع من الهجرة. وتوفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين. وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: إن الذي ولي عقدة النكاح ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص. وقد قيل إن النجاشي أصدقها أربع مئة دينار، وأولم عليها عثمان بن عفان لحماً وثريداً، وبعث إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرحبيل بن حسنة فجاء بها. وعن أم حبيبة قالت: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوإ صورة وأشوهه، ففزعت فقلت: والله تغيرت والله حاله، فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيب، إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنتها، ثم دخلت في دين محمد، ثم قد رجعت إلى النصرانية، فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأت له، فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات؛ فأرى في النوم كأن آتياً يقول: يا أم المؤمنين، ففزعت، فأولتها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتزوجني، قالت: فما هو إلا انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها أبرهة، كانت تقوم على ثيابه

ودهنه، فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلي أن أزوجكه، فقلت: بشرك الله بخير، قالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته، وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانت في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها، سروراً بما بشرتها، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين، فحضروا، فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أما بعد: فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أصدقتها أربع مئة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون؛ أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج؛ فدعا بطعام، فأكلوا ثم تفرقوا. قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني، فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي، فهذه الخمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها، فأبت وأخرجت حقاً فيه كل ما كنت أعطيتها فردته علي وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دين محمد وأسلمت لله، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر؛ قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت بذلك كله على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يراه علي وعندي

فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه. قالت: ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني، وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك. قالت: فلما قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرأته منها السلام فقال: وعليها السلام ورحمة الله وبركاته. ولما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته قال: ذاك الفحل لا يقرع أنفه. ولما قدمت أم حبيبة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً فأخذ بخطام بعيرها، فأنزلها المنزل الذي أمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيه كناسة، فقالت لمولاة لها أو مولاة لأبيها: إن شئت كفيتني السقي وكنست، وإن شئت استقيت وكنست؛ قال: فكنست البيت ثم بسطت فيه بساط شعر، ثم بسطت عليه شيئاً ثم انتبذت، ثم أذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدخول على أهله. فلما دخل عليها فوجد ريح الطيب، قال: إنهن قرشيات بطاحيات، قرويات، ليس بأعرابيات ولا بدويات. وعن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهن أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم. قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال: نعم. وهذا الحديث في قصة أم حبيبة قد أجمع أهل المغازي على خلافه، فإنهم لم يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، وإنما رجعوا من خيبر؛ فتزويج أم حبيبة كان قبله، وإسلام أبي سفيان زمن فتح مكة بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته؟ وفيه اختلاف.

وعن ابن عباس: في هذه الآية " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً " قال: فكانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين. وعن ابن عباس: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " قال: نزلت في أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة. قال عكرمة: ومن شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن هشام قال: أقبل أبو سفيان حتى قدم المدينة، فدخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إني كنت غائباً في صلح الحديبية، فاشدد العهد، وزدنا في المدة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل كان قبلكم حدث؟ قال: معاذ الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل. ثم قام من عنده فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوته دونه فقال: أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال: يا بنية! لقد أصابك بعدي شر، قالت: هداني الله للإسلام، وأنت يا أبه سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك دخول في الإسلام وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر، قال: يا عجباه! وهذا منك أيضاً! أأترك ما كان يعبد آبائي وأتبع دين محمد؟ ثم قام من عندها. وذكر الحديث. قال حميد بن هلال: لما حصر عثمان تته أم المؤمنين، فجاء رجل فاطلع في خدرها فجعل ينعتها للناس،

رملة بنت معاوية بن بي سفيان

فقالت: ماله قطع الله يده وأبدى عورته؟! قال: فدخل عليه داخل، فضربه بالسيف، فاتقى بيمينه فقطع، فانطلق هارباً آخذاً إزاره بفيه أو بشماله بادياً عورته. أم المؤمنين هذه هي أم حبيبة، لأنها كانت معنيةً بأمر عثمان. وعن عائشة قالت: دعتني أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، يغفر الله لي ولك ما كان من ذلك، فقلت: غفر الله لك ذلك كله، وتجاوز، وحللك من ذلك، فقالت: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك. وتوفيت سنة أربع وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان. قال حسن بن علي: هدمت منزلي في دار علي بن أبي طالب، فحفرنا في ناحية منه، فأخرجنا حجراً فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر. فأعدناه في مكانه. رملة بنت معاوية بن بي سفيان صخر بن حرب زوج عمرو بن عثمان بن عفان. وعن الضحاك: أن عمرو بن عثمان اشتكى، فكان العواد يدخلون عليه، فيخرجون ويتخلف مروان بن الحكم عنده فيطيل، فأنكرت رملة بنت معاوية ذلك، فخرقت كوةً فاستمعت على مروان، فإذا هو يقول لعمرو: ما أخذ هؤلاء الخلافة إلا باسم أبيك، فما يمنعك أن تنهض بحقك، فلنحن أكثر منهم رجالاً، منا فلان ومنهم فلان، ومنا فلان ومنهم فلان، حتى عدد رجالاً، ثم قال: ومنا فلان وهو فضل، وفلان فضل، حتى عدد فضول رجال بني أبي العاص على بني حرب. فلما برأ عمرو تجهز للحج وتجهزت رملة في جهازه. فلما خرج عمرو إلى الحج خرجت رملة إلى أبيها، فقدمت عليه الشام، فقال لها معاوية: واسوأتاه! وما للحرة تطلق، أطلقك عمرو؟ فأخبرته الخبر. قالت: فما زال يعد فضل

رجال بني أبي العاص على بني حرب حتى ابني عثمان وخالداً ابني عمرو، فتمنيت أنهما ماتا. فكتب معاوية إلى مروان: أواضع رجل فوق أخرى تعدنا ... عديد الحصى ما إن تزال تكاثر وأمكم تزجي تؤاماً لبعلها ... وأم أخيكم نزرة الولد عاقر اشهد يا مروان أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، ودين الله دخلاً، وعباد الله خولاً. قال: فكتب إليه مروان: أما بعد يا معاوية، فإني أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة، والسلام. كتبت رملة بنت معاوية إلى أبيها، وكانت عند عمرو بن عثمان بن عفان، تشكو آل أبي العاص وأنهم يتكثرون علي، حتى وددت أن ابني كان منبوذاً في البحر، فكتب إليها: أنا أشقى من أن تكوني رجلاً. قال: وعزل مروان عن المدينة. لما حضرت معاوية الوفاة جعلوا يديرونه في القصر فقال: هل بلغنا الخضراء؟ فصرخت ابنته رملة، فقال: ما أصرخك؟ قالت: نحن ندور بك في الخضراء، تقول هل بلغت الخضراء بعد! فقال: إن عزب عقل أبيك فطالما وقر. ولما حضرته الوفاة احتوشه بناته، فضرب بيده، فسقطت يده في حجر رملة ابنته فقال: من هذا؟ قالت رملة: أنا يا أبتاه، قال حولي أباك فإنك تحولينه حولاً قلباً، ثم قال: لا يبعدن ربيعة بن مكدم ... وسقى الغوادي قبره بذنوب فكانت آخر كلامه.

رواحة بنت أبي عمرو

رواحة بنت أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، البيروتية روت عن أبيها بسنده عن أبي أمامة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: " قل: اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنةً، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك وتقنع بعطائك ". ريا حاضنة يزيد بن معاوية امرأة شاعرة. عاشت إلى أن أدركت دولة بني العباس، وحكت أن أمها أدركت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأةً من أجمل النساء وأعقلهن، يقال لها ريا، كان بنو أمية يكرمونها، وكان هشام يكرمها، وكانت إذا جاءت إلى هشام تجيء راكبة، فكل من رآها من بني أمية أكرمها، ويقولون: ريا حاضنة يزيد بن معاوية، وكانوا يقولون: قد بلغت من السن مئة سنة، وحسن وجهها وجمالها باق بنضارته؛ فلما كان من الأمر الذي كان استترت في بعض منازل أهلنا، فسمعتها وهي تقول وتعيب بني أمية مداراةً لنا. قالت: دخل بعض بني أمية على يزيد فقال: أبشر يا أمير المؤمنين فقد أمكنك الله من عدو الله وعدوك يعني الحسين بن علي فقد قتل ووجه برأسه إليك؛ فلم يلبث إلا أياماً حتى جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه يشم منه رائحة وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة " كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله " قالت ريا:

فدنوت منه فنظرت إليه وبه ردع من حناء، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟ قالت: إي والذي ذهب بنفسه وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده ويقول أبياتاً من شعر ابن الزبعرى، ولقد جاء رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: قد أمكنك الله من عدو الله وابن عدو أبيك، فاقتل هذا الغلام ينقطع هذا النسل، فإنك لا تدري ما يخب وهم أحياء آخر من ينازع فيه يعني علي بن حسين بن علي لقد رأيت ما لقي أبوك من أبيه، وما كفيت أنت منه، وقد رأيت ما صنع مسلم بن عقيل؛ فاقطع أصل هذا البيت، فإنك إن قتلت هذا الغلام انقطع نسل الحسين خاصة وإلا فالقوم ما بقي منهم أحد طالبك بهم، وهم قوم ذوو مكر، والناس إليهم مائلون، وخاصة غوغاء أهل العراق، يقولون: ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابن علي وفاطمة، اقتله فليس هو بأكرم من صاحب هذا الرأس. فقال: لا قمت ولا قعدت، فإنك ضعيف مهين، بل أدعهم كلما طلع منهم طالع أخذته سيوف آل أبي سفيان. قال: إني قد سميت الرجل الذي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لا أسميه أبداً ولا أذكره. قال حمزة: فسألتها من هي؟ فقالت: كانت أمي امرأةً من كلب، وكان أبي رجلاً من موالي بني أمية وقالت لي: ماتت أمي يوم ماتت ولها مئة سنة وعشر سنين، وذكرت أن أمها عجيبة عاشت تسعين سنة وأنها أدركت زمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت وهي امرأة أم أولاد. قال حمزة بن يزيد: قد رأيت ريا بعد ذلك مقتولةً مطروحةً على درج جيرون مكشوفة الفرج في فرجها قصبة مغروزة. قال حمزة: وحدثني بعض أهلنا: أنه رأى رأس الحسين رضي اله عنه مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، فحدثت ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجاء به وقد قحل،

وبقي عظم أبيض، فجعل في سفط، وطيبه وجعل عليه ثوباً ودفنه في مقابر المسلمين. فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح: وجه إلي رأس الحسين بن علي، فكتب إليه الخازن: إن سليمان أخذه وجعله في سفط وصلى عليه ودفنه. فصح ذلك عنده، فلما رحلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه. والله أعلم ما صنع به. قال حمزة: ما رأيت في النساء أجود من ريا، قلت: كيف علمت أنه شعر ابن الزبعرى؟ قال: أنشدتني مئة بيت من قولها ترثي به يزيد. وذهبت في عهد عبد الله بن طاهر. أسماء الرجال على

حرف الزاي

حرف الزاي زاذان أبو عمرو ويقال أبو عبد الله الكندي، مولاهم قال زاذان: سألت ابن عمر قلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النبيذ، فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحنتم وهو الجر ونهى عن الدباء وهو القرع ونهى عن النقير وهو الجذع ينقر ونهى عن المزفت وهو المقير. وروى عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللحد لنا والشق لغيرنا ". وعن زاذان قال: قدم علينا عمر بن الخطاب بالجابية على بعير مقتب بقتب عليه عباء قطوانية، وبيده عنزة فقال: أيها الناس، فثاب الناس إليه، فقال لهم: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، ثم بكى، ثم قال: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بكى. قال: أيها الناس، عليكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثلاثة قرون؛ ثم يجيء قوم لا خير فيهم، يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، من سره أن ينزل

بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، ألا إن الواحد شيطان، وهو من الاثنين أبعد، ألا ومن ساءته سيئته، وسرته حسنته فهو مؤمن. وعن ابن عمر قال: قال عليرضي الله عنه: يا أبا عمر، تدري على كم افترقت اليهود؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على واحدة وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. تدري على كم افترقت النصارى؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. تدري على كم افترقت هذه الأمة؟ قال: قلت: الله أعلم. قال: على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية. قال: وتفترق في اثنتا عشرة فرقة. قال: قلت: وأنت تفترق فيك؟ قال: نعم يا أبا عمر، وتفترق في اثنتا عشرة فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية، وإنك من تلك الواحدة وتلك الواحدة. قال زاذان: دخلت على عبد الله بن مسعود، فوجدت أصحاب الخز واليمنية قد سبقوني إلى المجالس، فناديت: يا عبد الله، من أجل أني رجل أعجمي أقصيتني وأدنيت هؤلاء؟ قال: ادن، فدنوت منه حتى ما كان بيني وبينه جليس، فسمعته يقول: يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة فينصبان على رؤوس الأولين والآخرين، ثم ينادي مناد: هذا فلان بن فلان فمن كان له قبله حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على أبيها أو ابنها أو على أخيها وزوجها، ثم قرأ عبد الله: " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " فيقول الرب تبارك وتعالى للعبد: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب، من أين أؤتيهم؟ فيقول الملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر ماله، فإن يكن ولياً لله عز وجل، فضلت له مثقال حبة من خردل ضاعفها الله له حتى يدخل الجنة؛ ثم قرأ عبد الله: " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من

زامل بن عمرو السكسكي

لدنه أجراً عظيماً " وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة: يا ربنا، فنيت حسناته وبقي طالبون كثير، فيقول: خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى عمله السيئ، ثم صكوا له صكاً إلى النار. قال زاذان يوماً: إني جائع، فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحا. كان زاذان يبيع الثياب، فكان إذا نشر الثوب ناول شر الطرفين وساوم سومة واحدة. توفي زاذان بالكوفة أيام الحجاج بن يوسف، وذلك سنة اثنتين وثمانين. زامل بن عمرو السكسكي الحبراني الحميري الحمصي. أمير دمشق وحمص من قبل مروان بن محمد. حدث زامل بن عمرو أن مخبراً أخبره عن أبي الدرداء قال: أقبلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً حتى وقف على أصحاب اللحم فقال: لا تخلطوا ميتاً بمذبوح، والناس قرب عهد بجاهلية سبعاً احفظوهن مني: لا تحتكروا، ولا تناجشوا، ولا تلقوا الركبان، ولا يبغ حاضر لباد، ولا يبع رجل على بيع أخيه حتى يذر، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ إناءها ولتنكح، فإن لها ما كتب الله لها.

زبان بن عبد العزيز بن مروان

زبان بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم أخو عبد العزيز حدث عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان يوتر بثلاث، يسلم في الركعتين سلاماً يسمعنا ثم يقوم فيصلي ركعة ". وبه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، يفرق بين الشفع والوتر وأنا في البيت أسمع تسليمه. وحدث زبان بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبان بن عثمان بن عفان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من خرج مخرجاً فقال حين يخرج: بسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، عصم من شر مخرجه ذلك ". وحدث زبان أن عمر بن عبد العزيز قال: ما طار ذباب إلا بقدر. قال أبو سعيد بن يونس: زبان بن عبد العزيز يكنى أبا إبراهيم، كان سيد بني عبد العزيز وفارسهم؛ حضر الوقعة مع مروان بن محمد ليلة بوصير، فتقطر به فرسه، فسقط عند حائط العجوز، فانكسرت فخذه وأدركته المسودة، فقتلوه ولم يعرفوه، في آخر ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة.

الزبير بن الأروح التميمي

الزبير بن الأروح التميمي عراقي من التابعين، وفد على يزيد بن معاوية. حدث يحيى بن أبي حية الكلبي قال: ثم إن عبيد الله بن زياد لما قتل مسلماً وهانئاً بعث برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه بن نافع أن يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من أمر مسلم وهانئ، فكتب كتاباً أطال فيه وكان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله بن زياد تكرهه وقال: ما هذا التطويل؟ اكتب: أما بعد. فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكفاه مؤنة عدوه، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي وأني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال، وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما، فقدمتهما فضربت أعناقهما، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية والزبير بن الأروح، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة، فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر، فإن عندهما علماً وصدقاً وورعاً. والسلام. فكتب إليه يزيد بن معاوية: أما بعد. فإنك لم تعد أن كنت كما أحب، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، وقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظني بك ورأيي فيك؛ وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيراً. وإنه قد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس واحبس على الظنة، وخذ على التهمة، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إلي في كل ما يحدث من خير إن شاء الله، والسلام عليك. /

الزبير بن جعفر بن محمد ابن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور. قدم دمشق مع أبيه المتوكل، وبويع بالخلافة بعد المستعين. واختلف في اسمه، فقيل: محمد، وقيل: أحمد، وقيل: الزبير. ولد سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئتين بسر من رأى. كان المتوكل على الله بايع لابنه المعتز بالله بالعهد والخلافة بعد محمد المنتصر بالله، وللمؤيد بالله إبراهيم بن المتوكل بالعهد بعد المعتز بالله، وكان المؤيد محبوساً مع المعتز، فأخرج بخروجه، فلما بويع المعتز بالله بالعهد والخلافة، وانتصب للأمر والنهي والتدبير، وجه أخاه أبا أحمد بن المتوكل إلى بغداد لحرب المستعين، فصار أبو أحمد بالجيش إلى بغداد، وأخذ محمد بن عبد الله بن طاهرٍ في الاستعداد للحرب ببغداد، وبني سور بغداد، وحفر خندقها، ونزل أبو أحمد على بغداد، فحصر المستعين بالله ومن معه، ونصب لهم الحرب، وتجرد من ببغداد للقتال، ونصب المجانيق والعرادات حول سور بغداد، ودام القتال بينهم سنةً، وعظمت الفتنة، وكثر القتل، وغلت الأسعار ببغداد. وداهن محمد بن عبد الله بن طاهر في نصرة المستعين، ومال إلى المعتز، وكاتب سراً، فضعف أمر المستعين، ووقف أهل بغداد على مداهنة ابن طاهر، فصبحوا به، وكاشفوه، وانتقل المستعين من دار محمد بن

عبد الله إلى الرصافة فنزلها، وسعى في الصلح على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتز، وسعى فيه رجال من الوجوه، ووقعت فيه شرائط مؤكدة فخلع المستعين بالله نفسه ببغداد في الرصافة في المحرم سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وسلم الأمر للمعتز بالله، وبايع له، وأشهد على نفسه، فكانت خلافه المستعين ثلاث سنين وتسعة أشهر. وأخذ المستعين بعد خلعه إلى واسط موكلاً به، فخرج من مدينة السلام بعد خلعه بثمانية أيام، وأقام بواسط تسعة أشهر في التوكل به، ثم حمل إلى سر من رأى، فقتل بقادسية سر من رأى في أول شوال، وقيل: آخر رمضان سنة اثنين وخمسين ومئتين، وله إحدى وثلاثون سنة وكسر. وكان المستعين بوجهه أثر جدري، في لسانه لثغةٌ على السين يميل بها إلى الثاء. ولما أنزل المعتز بالله من لؤلؤة، وبويع له ركب إلى أمه، وهي في القصر المعروف بالهاروني، فلما دخل عليها، وسألته عن خبره قال لها: قد كنت كالمريض المدنف، وأنا الآن كالذي وقع في النزع، يعني أنه بويع له بسر من رأى والمستعين خليفةٌ مجتمعٌ عليه في الشرق والغرب. وأم المعتز أم ولد يقال لها: قبيحة رومية أدركت خلافته. وقتل يوم الجمعة مستهل شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوماً. فكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد، واجتمع الناس عليه إلى يوم خلع بسر من رأى وقبض عليه صالحٌ بن وصيف فحبسه ثلاث سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً، وحبس خمسة أيام، ثم قتل يوم الجمعة بعد العصر مستهل شعبان.

حدث جماعة، قالوا: لما حذق المعتز القرآن دعا المتوكل شفيعاً الخادم بحضرة الفتح بن خاقان، فقال: إني قد عزمت على تحذيق أبي عبد الله في يوم كذا ببركوارا، فأخرج من خزانة الجوهر جوهراً بقيمة مئة ألف دينار في عشر صواني فضة للنثار على من يقرب من القواد مثل محمد بن عبد الله ووصيف، وبغا، وجعفر الخياط ورجاء الحصاري ونحو هؤلاء من قادة العسكر، وأخرج مئة ألف دينار عدداً للنثار على القواد الذين دون هؤلاء في الرواق الذين بين يدي الأبواب، وأخرج ألف ألف درهم بيضاً صحاحاً للنثار على من في الصحن من خلفاء القواد والنقباء. قال شفيع: فوجهت إلى أحمد بن حباب الجوهري، فأقام معنا حتى صنفنا في عشر صوانٍ من الجوهر الأبيض والأحمر والأخضر والأزرق بقيمة مئة ألف دينار، ووزن كل صينية ثلاثة آلاف درهم، وقال شفيع لإبن حباب اجعل في صينية من هذه الصواني جوهراً تكون قيمته خمسة آلاف دينار وانتقصه من باقي الصواني، حتى تكون في كل واحدة تسعة آلاف وخمس مئة دينار، فإن أمير المؤمنين أمرني أن أدفع هذه الصينية إلى محمد بن عمران مؤدب الأمير أبي عبد الله إذا فرغ من خطبته، ففعل ذلك. وشدوا كل صينية في منديل، وختمت بخاتم شفيعٍ، وتقدم شفيع إلى من كان معه من الخدم أن ينثروا العين في الرواق والورق في الصحن، ووعز إلى الناس من الأكابر، ووجوه الموالي والشاكرية بحضور بركوار في يوم سمي لهم: ليشهدوا خطبة الأمير المعتز، وكتب إلى محمد بن عبد الله، وهو بمدينة السلام بالقدوم إلى سر من رأى لحضور الحذاق. قال: فتوافى الناس إلى بركوار قبل ذلك بثلاثة أيام، وضربت المضارب، وانحدر المتوكل غداة ذلك اليوم، ومعه قبيجة من اختصت من حرم المتوكل ومن حشمها إلى بركوارا، وجلس المتوكل في الإيوان على منصته، وأخرج منبر أبنوسٍ مضبب بالذهب مرصع بالجوهر، مقانصه عاجٌ، وقيل: عود هندي، فنصب تجاه المنصة وسط الإيوان، ثم أمر بإدخال محمد بن عمران المؤدب، فدخل، فسلم على أمير المؤمنين بالخلافة، ودعا له، فجعل أمير المؤمنين يستدنيه حتى جلس بين يدي المنبر، وخرج المعتز من باب في حنية الإيوان حتى

صعد المنبر، فسلم على أمير المؤمنين وعلى من حضره، ثم خطب، فلما فرغ من خطبته دفعت الصينية إلى محمد بن عمران، ونثر شفيعٌ صواني الجوهر على من في الإيوان، ونثر الخدم الذين كانوا في الرواق والصحن ما كان معهم من العين والورق، وأقام المتوكل ببركوار أياماً، في يوم منها دعته قبيجة فيقال: إنه لم ير يوم مثله سروراً وحسناً وكثرة نفقةٍ، وإن الشمع كله كان عنبراً إلا الشمعة التي في الصحن، فإنه كان وزنها ألف مناً، فكادت تحرق القصر، ووجد من حرها من كان في الجانب الغربي من دجلة. وقد كان أمر المتوكل أن يصاغ له سريران: أحدهما ذهبٌ والآخر فضة، وبفرش السرير الفضة ببساط حب، وبردعة حب، ووسادتي حب، ومخدتي حب، ومسند حب منظوم على ديباج أسود، وكان طول السرير تسعة أذرع. قال: فأخرج من خزانة الجوهر حب عمل له ذلك، فكان أرفع قيمة الحبة ديناراً وأقل القيمة درهماً، فاتخذ ذلك. وأمر بفرش السرير الذهب بمثل فرش السرير الفضة منقوشاً بأنواع الجوهر الأحمر والأخضر والأصفر والأنواع، ففرشا فقعد عليهما هو وقبيجة، ثم وهبهما لها. قال علي بن حرب الطائي: دخلت على المعتز بالله فما رأيت خليفة كان أحسن وجهاً منه، فلما رأيته سجدت. فقال: يا شيخ! تسجد لأحد من دون الله!؟ قلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل بسنده عن أبي بكرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى ما يفرح به، أو بشر بما يسره سجد شكراً لله عز وجل. قال أبو العيناء: دخل ابن السكيت على المعتز، وكان يؤدبه وله عشر سنين، فقال: بأي شيء تحب أن أبتدىء الأمير من العلوم؟ فقال: بالانصراف. قال: أنا أخف نهوضاً منك. فوثب فعثر بسراويله، فالتفت فقال: من الطويل:

يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل فخبر بها المتوكل، فأمر لابن السكيت بخمسين ألف درهم. قال أبو العيناء: وإنما فعل ذلك المتوكل ليستر عوار ابنه في سوء أدبه على معلمه. قال أحمد بن بديل الكوفي القاضي: بعث إلي المعتز رسولاً بعد رسول، فلبست كمتي، ولبست نعل طاق، فأتيت بابه، فقال الحاجب: يا شيخ نعليك. فلم ألتفت إليه. ودخلت الباب الثاني، فقال الحاجب: نعليك. فلم ألتفت إليه، فدخلت إلى الباب الثالث، فقال: يا شيخ نعليك! فقلت: أبالوادي المقدس أنا، فأخلع نعلي!؟ فدخلت بنعلي، فرفع مجلسي، وجلست على مصلاة، فقال: أتعبناك أبا جعفر. فقلت: أتعبتني وأذعرتني، فكيف بك إذا سئلت عني؟ فقال: ما أردنا إلا الخير، أردنا نسمع العلم. فقلت: وتسمع العلم أيضاً؟ ألا جئتني؟ فإن العلم يؤتى ولا يأتي. قال: تعبت أبا جعفرٍ؟ فقلت له: خلبتني بحسن أدبك، اكتب. قال: فأخذ الكاتب القرطاس والدواة، فقلت له: أتكتب حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرطاس بمداد؟ قال: فبم نكتب؟ قلت: في رق بحبرٍ. فجاؤوا رقٍّ وحبرٍ، فأخذ الكاتب يريد أن يكتب، فقلت: اكتب بخطك، فأومى إلي أنه لا يكتب، فأمليت عليه حديثين أسخن الله بهما عينيه. فسأله ابن البنا أو ابن النعمان: أي حديثين؟ فقال: قلت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استرعي رعيةً فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة ". والثاني: " ما من أمير عشرة إلا يوتى به يوم القيامة مغلولاً ". قال عمر بن محمد بن عبد الملك، قعد المعتز، ويونس بن بغا بين يديه، والجلساء، والمغنون حضورٌ، وقد أعد الخلع والجوائز، إذ دخل بغا فقال: يا سيدي والدة عبدك يونس في الموت، وهي تحب أن تراه، فأذن له. فخرج، وفتر المعتز بعده، ونعس، وقام

الزبير بن سليم

الجلساء إلى أن صليت المغرب، وعاد المعتز إلى مجلسه، ودخل يونس، وبين يديه الشموع، فلما رآه المعتز عاد المجلس أحسن ما كان، فقال المعتز: مجزوء المتقارب: تغيب فلا أفرح ... فليتك لا تبرح وإن شئت عذبتني ... بأنك لا تسمح فأصبحت ما بين ذين ... ولي كبد تقرح على ذاك يا سيدي ... دنوك لي أصلح ثم قالوا: غنوا فيه، فغنو فيه، فجعلوا يفكرون، فقال المعتز لابن فضل الطنبوري: وتلك ألحان الطنبور أملح وأخف، فغن لنا. فغنى فيه لحناً، فقال: دنانير الخريطة وهي مئة دينار فيها مئتان مكتوب على كل دينار: ضرب هذا الدينار بالحسنى لخريطة أمير المؤمنين ثم دعا بالخلع والجوائز لسائر الناس، فكان ذلك المجلس من أحسن المجالس. ومن شعر عريب في المعتز وأمه قبيجة قولها: مجزوء الرمل: اسلمي يا دار دار ال ... عز للمعتز دارا ثم كوني لولي ال ... عهد خلداً وقرارا أبداً معمورةً ما ... طرد الليل النهارا ويكون اله للدي ... ن وللإسلام جارا وولياً ونصيراً ... حيثما حل وسارا يا أمير المؤمنين اخ ... تارك الله اختيارا وولاة العهد للدي ... ن صغاراً وكبارا فدم الدهر لنا ما ... طلع النجم وغارا الزبير بن سليم حدث عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب بسنده عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ينزل الله عز وجل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل مسلمٍ، إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ.

الزبير بن عبد الله الكلابي

الزبير بن عبد الله الكلابي والد العلاء بن الزبير. أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حكى عنه العلاء ابنه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، وظهورهم على الشام والعراق، كل ذلك في خمس عشرة سنة. الزبير بن العوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله الأسدي ابن عمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحواريه، وأحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. شهد بدراً، وأحداً، وغيرهما من المشاهد، وشهد اليرموك، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب، وهو من أهل الشورى، وأمه صفية بنت عبد المطلب. حدثت سلامة مولاة عائشة بنت عبد الله بن الزبير، وكانت سلامة امرأة صدقٍ، قالت: أرسلتني عائشة بنت عامر إلى هشام بن عروة تقول له: ما لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون عنه، ولا يحدث عنه الزبير؟ فقال هشام: أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن الزبير قال: عناني ذلك فسألت أبي عنه، فقال: يا بني، كانت عندي أمك، وعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالتك عائشة، وبيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت، وعمي أم حبيبة بنت أسد جدته، وعمته أمي، وأمه آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت أهيب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي، ولقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحدٌ، ولكني سمعته يقول:

من قال علي ما لم أقل تبوأ مقعده من النار. فلا أحب أن أحدث عنه. حدث هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الزبير قاعداً، ورجلٌ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامة مجلسه. قال: فسكت الزبير حتى انقضت مقالته. قال: فقال الزبير: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من هذا! قال: والله يا عبد الله، إنك لحاضر المجلس يومئذٍ. قال: صدقت، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيء: قال رجلٌ من أهل الكتاب. فجعل يذكر عنه، فجئت وهو يذكر ذلك، فذاك الذي يمنعني من الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو سليمان الخطابي: لم يخف الزبير على نفسه من الحديث أن يكذب فيه عمداً، ولكنه خاف أن يزل، أو يخطىء: فيكون ما يجري فيه من الغلط كذباً إذ لم يتبين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قاله. قال: وفيه من العلم أنه لا يجوز الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشك، وغالب الظن، حتى يتيقن سماعة. حدث عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله يقول: قدمت مع الزبير من الشام من غزوة اليرموك، فكنت أراه يصلي على راحلته حيثما توجهت. وعن عبد الله بن الزبير قال: كنت مع الزبير عام اليرموك، فلما تعبأ الناس للقتال لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله في الرحل معكما، فإنه غلام صغير، ثم وجه فدخل في الناس، فلما اقتتلوا نظرت إلى ناس وقوفٍ على تلٍّ لا يقاتلون مع الناس، فأخذت فرساً للزبير، خلفه في الرحل، فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك، فوقفت معهم، فقلت: أنظر ما يصنع الناس، فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخةٍ من قريش من مهاجرة

الفتح وقوفاً لا يقاتلون. فلما رأوني غلاماً حدثاً فلم يتقوني، فجعلوا إذا مال المسلمون وركبتهم الروم يقولون: إنه أمة بني الأصفر، قال: وإذا مال الروم وركبهم المسلمون قالوا: يا ويح بني الأصفر، فجعلت أعجب من قولهم. فلما هزم الله الروم، ورجع الزبير، جعلت أخبره خبرهم، قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبوا إلا ضغناً، وماذا لهم في أن يظهر علينا الروم، لنحن خيرٌ لهم منهم. ثم إن الله أنزل نصره، وهزمت الروم وجموع هرقل التي جمعت، وأصيب من الروم وأهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفاً، وقتل الله القيفلان. فلما انهزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية، فصالحه أهلها على الجزية، ثم انصرف. فلما سمع هرقل بذلك بعث إلى مقاتليها ومن فيها، فساقهم إليه، وأمر بملطية فحرقت. قال موسى بن طلحة: كان علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله عذار عام واحدٍ، يعني: ولدوا في عام واحدٍ. حدث أبو الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول: ارجع إلى الكفر. فيقول الزبير: لا أكفر أبداً. وعن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين، قال: ونفخت نفخةٌ من الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه ممن لا يعرفه قال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مالك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت. قال: فكنت صانعاً ماذا؟ قال: كنت أضرب من أخذك. قال: فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسيفه، وكان أول سيفٍ سل في سبيل الله تعالى. كان الزبير بن العوام طويلاً، تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، ربما أخذت بشعر كتفيه، متوذف الخلقة. حدث عروة: أن صفية كانت تضرب الزبير ضرباً شديداً، وهو يتيم، فقيل لها: قتلته خلعت فؤاده، أهلكت هذا الغلام. قالت: إنما أضربه لكي يلب ... ويجر الجيش ذا الجلب قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت صفية: من الرجز كيف وجدت زبراً ... أأقطا حسبته أم تمرا أم مشمعلاً صقرا وعن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب قال له: ما كان معنا إلا فرسان: فرسٌ للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود. يعني به يوم بدرٍ. وعن عبد الله بن الزبير: أن الزبير كانت عليه ملاءةً صفراء يوم بدرٍ، فاعتم بها، فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر.

وفي حديث آخر بمعناه: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزلت الملائكة اليوم على سماء أبي عبد الله. وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة صفراء. وعن عروة قال: قالت عائشة: يا بن أختي، كان أبواك تعني الزبير وأبا بكر من " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". قالت: لما انصرف المشركون من أحدٍ، وأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟ قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قالت: " فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ ". قال: لم يلقوا عدواً. وعن داود بن خالدٍ وغيره: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى يوم أحد رجلاً يقتل المسلمين قتلاً عنيفاً، فقال: قم إليه يا زبير. فرقى إليه الزبير حتى إذا علا فوقه اقتحم عليه فاعتنقه، فأقبلا يتحدران حتى وقعا على الأرض، ووقع الزبير على صدره فقتله، فتلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله، وقال: فداك عمٌّ وخالٌ. وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الخندق: من رجلٌ يأتينا بخير بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثانية، فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثالثة، فقال الزبير: أنا فذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حواري، والزبير حواري وابن عمتي. وفي حديث بمعناه: فقيل للزبير: يا أبا عبد الله، هل قالها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدٍ غيرك؟ فقال: لا والله ما علمت قالها لأحدٍ غيري. وعن زر بن حبيش قال: جاء ابن جرموزٍ قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه، فقال علي: ليدخل النار، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي حواريٌّ وحواري الزبير.

وعنه قال: استأذن ابن جرموزٍ على علي، وأنا عنده، فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي ٍ حواريٌ، وحواري الزبير. وقتل الزبير يوم الجمل، وقد تنحى عن القتال، فتبعه ابن جرموز فقتله. وعن هشام بن عروة: أن غلاماً مر بابن عمر، فسئل: من هو؟ فقال: أنا ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ابن عمر: إن كنت من ولد الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل: هل كان أحدٌ يقال له حواريٌّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير الزبير؟ فقال: لا أعلمه. والحواري: الناصر، وقيل: الحواري: الخالص من كل شيء. وعن الزبير قال: والله لقد جمع لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارم فداك أبي وأمي. حدث مصعب قال: كان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع، أطم حسان بن ثابت، مع النساء يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فقال ابن الزبير: ومعنا حسان بن ثابت ضارباً وتداً في ناحية الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المشركين انحاز عن الوتد حتى كأنه يقاتل قرناً، يتشبه بهم، كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن عن القتال، قال: وإني لأظلم ابن أبي سلمة يومئذ، وهو أكبر مني بسنتين، فأقول له: تحملني على عنقك حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرة،. قال: وإني لأنظر إلى أبي معلماً بصفرةٍ، فأخبرتها أبي بعد، فقال: وأين أنت حينئذٍ؟ قلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني. فقال: أما والذي نفسي بيده إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذٍ ليجمع لي أبويه. فقال ابن الزبير: فجاء يهودي يرتقي إلى الحصن، فقالت صفية لحسان: عندك

يا حسان، فقال: لو كنت مقاتلاً كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت صفية له: أعطني السيف، فأعطاها، فلما ارتقى اليهودي ضربته حتى قتلته، ثم احتزت رأسه، فأعطته حسان، وقالت: طوح به، فإن الرجل أشد رمية من المرأة، تريد أن ترعب أصحابه. قال ابن أبي الزناد: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك. فغضب الزبير: يريد أن العمل ليده لا لسيفه. قال ابن واقد في خيبر: قالوا: وبرز أسير، وكان رجلا أيداً، وكان إلى القصر، فجعل يصيح: من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة، فاختلفا ضرباتٍ، ثم قتله محمد بن مسلمة، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، وكانت معه حربةٌ يحوش بها المسلمين حوشاً، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال الزبير: أقسمت عليك إلا خليت بيني وبينه، ففعل علي، وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله، واحدي، ابني يقتل يا رسول الله. فقال: بل ابنك يقتله. قال فاقتتلا قال: فقتله الزبير، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فداك عمٌ وخالٌ. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبيٍّ حواريٌّ، وحواري الزبير وابن عمتي، فلما قتل مرحب وياسر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت. وعن الزبير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين. عن سعيد بن المسيب قال: لما انهزم المشركون يوم حنينٍ، خرج مالك بن عوف عند الهزيمة حتى وقف على فوارس

من قومه على ثنيةٍ، فقال لأصحابه: قفوا حتى يمر ضعفاء الناس، ويحلق آخركم بكم. قال: فبينا هم كذلك طلعت عليها خيلٌ، فقال مالك بن عوف: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قوماً واضعين الرماح بين آذان الخيل، طوال، بوادهم عليها. فقال: هذه بنو سليم، اثبتوا فلا بأس عليكم منهم، فلما أتوا أسفل الثنية سلكوا بطن الوادي ذات اليسار. قال: ثم طلعت خيلٌ أخرى تتبعها، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أقواماً جاعلين الرماح على أكفال الخيل. قال: هذه الأوس والخزرج، اثبتوا: فلا بأس عليكم منهم. فلما انتهوا إلى أسفل الثنية سلكوا طريق بني سليم. ثم طلع فارسٌ واحدٌ، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى فارساً طويل النجاد، هول الفخذ، واضع الرمح. قال: هذا الزبير بن العوام، وأحلف بالله ليخالطنكم، فاثبتوا. قال: فلما انتهى إلى أسفل الثنية أبصر القوم، فعمد إليهم، فلم يزل يطاعنهم حتى أزالوا عنها. وعن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاها إياه يقاتل فيهما. وعن عروة قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام يلمق حريرٍ محشواً بالقز، يقاتل فيه. وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أسهم الزبير سهمين لفرسه، وسهماً لنفسه، ولأمه سهم في ذي القربى، فكان يأخذ أربعة أسهم. كان سفيان يقول: هؤلاء الثلاثة بجدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام.

وعن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا أبا الحسن، من أشجع الناس؟ فقال له: ذاك الذي يغضب غضب النمر، ويثب وثوب الأسد، وأشار إلى الزبير، فقام إلى الزبير ولا يشعر بما قال علي، فقال له: يا أبا عبد الله، من أشجع الناس؟ قال: الذي كسر وجبر، أراد بقوله: كسر وجبر أن القرن إذا كسر وجبر كان أشد منه في أوله. قال علي بن زيد: أخبرني من رأى الزبير بن العوام وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي. قال حفص بن خالد: حدثني شيخ قدم علينا من الموصل، قال: صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره، فأصابته جنايةٌ بأرضٍ قفرٍ، فقال: استرني. فسترته، فحانت مني التفاتةٌ، فرأيته مخذعاً بالسيوف، فقلت: والله لقد رأيت بك آثاراً ما رأيتها بأحدٍ قط! فقال: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم. فقال: أما والله ما منها جراحةٌ إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي سبيل الله. قال هشام بن عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كانت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدرٍ، وواحدة يوم اليرموك. قال عروة: قال عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير: يا عروة، هل تعرف سيف الزبير؟ قال: قلت: نعم. قال: فما فيه؟ قال: قلت: فيه فلةٌ فلها يوم بدر. قال: صدقت، فاستله، فرآها فيه فقال: من الطويل: بهن فلولٌ من قراع الكتائب

ثم أغمدة، ثم رده علي. قال هشام: فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته. وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على جبل حراء، فتحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء، فما عليك إلا نبيٌّ، أو صديقٌ، أو شهيدٌ، وكان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص. قال عبد الرحمن بن الأخنس: شهدت المغيرة بن شعبة يخطب بالكوفة، فذكر علياً فنال منه، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر، قال: ثم سمي نفسه. وفي حديث آخر بمعناه: ثم قال: لمشهد رجلٍ منهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح. وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: سمعت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: طلحة الزبير جاراي في الجنة. وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك باركت لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في أبي بكرٍ فلا تسلبه البركة، اللهم واجمعهم عليه، ولا تعسر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعن عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، وفقه عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.

وعن الزبير قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة في يوم باردٍ، فجئت ومعه بعض نسائه في لحافٍ، فأدخلني في لحافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب: إنهم يقولون: استخلف علينا. فإن حدث بي حدثٌ فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ: علي بن أبي طالب، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبه إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضىً. قال: أسندوني، أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل. ما عسى أن يقولوا في عثمان بن عفان؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمانٌ تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصةً أم الناس عامةً؟ قال: عثمان خاصة. ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قرية، وقد سقط رحله، فقال: من يسوي رحلي، وهو في الجنة؟ فبدر طلحة بن عبيد الله، فسواه، حتى ركب، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها. ما عسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: يا أبا عبد الله، لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي أنت

وأمي. قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم. ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، وقد أوتر قوسه أربع عشرة مرةً فيدفعها إليه، ويقول: ارم فداك أبي وأمي. ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يصلنا بشيءٍ؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصفحة فيها حيسٌ ورغيفان بينهما إهالة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامنٌ. وعن عروة عن مروان بن الحكم أنه حدثه: أن عثمان بن عفان اشتكى عام الرعاف حتى قعد عن الحج، قال: فدخل عليه رجلان فقال أحدهما: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال عثمان: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت وجلس، قال: ثم دخل الآخر، فقال: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت، قال: فقال عثمان: فلعلهم قالوا: الزبير بن العوام؟ قالوا: نعم. فقال عثمان: والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عروة: أخبر به مروان ولا إخاله يهتم لنا. وعن عروة قال: أوصى إلى الزبير عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، ومطيع بن الأسود. وقال لمطيع: لا أقبل وصيتك، فقال له مطيع: أنشدك الله والرحم، والله ما أتبع في ذلك إلا رأي عمر بن الخطاب، إني سمعت عمر يقول: لو تركت تركةً، أو عهدت عهداً إلى أحد لعهدت إلى الزبير بن العوام، إنه ركن من أركان الدين. وعن هشام بن عروة قال: أوصت عائشة، وحكيم بن حزام إلى عبد الله بن الزبير. وأوصى إلى الزبير سبعةً من

أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أبنائهم من ماله. وعن هشام بن عروة قال: أوصى عثمان بن عفان إلى الزبير بن العوام بصدقته حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى إليه مطيع بن الأسود، وأوصى إليه أبو العاص بن الربيع ببنيته أمامة من ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجها علي بن أبي طالب، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود، وأوصى إليه المقداد بن عمرو. وعن أبي رجاء قال: شهدت الزبير يوماً، وأتاه رجلٌ فقال: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أراكم أخف الناس صلاةً؟ قال: نبادر الوسواس. كان الزبير يقول: أيكم استطاع أن يكون له خبية من عمل صالح فليفعل. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير ألف غلامٍ يؤدون إليه الخراج، فكان لا يدخل بيته منها شيئاً، يتصدق به كله. وعن جويرية قال: باع الزبير داراً له بست مئة ألفٍ، فقيل له: يا أبا عبد الله، غبنت! قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن، هي في سبيل الله. وعن ميمون بن مهران قال: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير بن العوام، وكان فيه شدة على النساء، فكانت له كارهة، وكانت تسأله الطلاق، فيأبى عليها، فضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه حتى طلقها واحدةً، وهو يتوضأ للصلاة، ثم خرج فتبعه إنسان من أهله، فأخبره أنها قد وضعت، فقال: خدعتني خدعها الله، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، اخطبها. قال: لا ترجع إلي.

وعن علي رضي الله عنه قال: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه. وعن هشام: أن الزبير لما قتل عمر بن الخطاب محا نفسه من الديوان، وأن عبد الله بن الزبير لما قتل عثمان محا نفسه من الديوان وحدث جماعةً من الرواة دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضاً من بعض خرج عليٌّ وهو على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام. فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير، نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكان كذا وكذا، فقال: يا زبير أتحب علياً؟ قلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمتي، وعلى ديني؟ فقال: يا علي أتحبه؟ قلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه أنت، وأنت ظالمٌ له؟ قال: بلى والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك. فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير: وقال: مالك؟ قال: ذكرني عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر. قال: قد حلفت ألا أقاتله. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه. روت عجوزٌ من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قالت: إني ذات يوم شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكبٌ على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا ينظران، فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار. فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك. فحسر عمار عن رأسه، قال: فلمس الرجل أذن عمارٍ وقال: كانت لعمار زنمةٌ في أذنه. فلمسها، ثم ركب راجعاً.

فأخبر الزبير بذلك، فرجع الزبير حتى أتى وادي السباع، فأتاه ابن جرموز فقتله، فبلغ ذلك علياً، فقال: أما والله ما رجع جبناً، ولكنه رجع تائباً. وفي حديث آخر: فنادى عليٌّ بن أبي طالب الزبير: وهو بين الصفين قال: تعالى حتى أكلمك. فأتاه حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال له: يا زبير، أنشدك الله أخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي وأنت معه، فضرب كتفك، ثم قال لك: كأنك قد قاتلت هذا؟ قال: اللهم نعم. قال: فأين جئت وقد سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أقاتلك. فرجع فسار ليلتين من البصرة، فمر على ماء لبني مجاشعٍ، فعرفه رجل من تميم يقال له: ابن جرموز، فقتله، وجاء بسيفه إلى علي، فقال: هذا سيف الزبير، وقد قتلته، فقال عليٌّ: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل جعل يقول: من الكامل ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب ثم لم ينشب أن قتله ابن جرموز. ومن حديث آخر: أن ابن جرموز أخذ رأس الزبير وسيفه، وأتى بهما علياً، فأخذه علي، وقال: سيف والله، طالما جلي به عن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب، ولكن الحين ومصارع السوء. ودفن الزبير رحمة الله بوادي السباع، وجلس علي يبكي عليه وهو وأصحابه. وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة، وهو مجتنح لشقه، فخضنا في ذكر

عثمان وطلحة والزبير، فاجتنح لشقه الأيمن، فقال: فيم خضتم؟ فقلنا: خضنا في عثمان وطلحة والزبير، وحسبنا أنك نائمٌ. فقال علي: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ". فأنا وعثمان وطلحة والزبير. ثم قال: وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير، ثم قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين ". قال: ذلك عثمان، وطلحة، والزبير، وأنا من شيعة عثمان، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم أجمعين. وعن الحسن قال: لما ظفر عليٌّ بالجمل دخل الدار والناس معه، قال علي: إني لأعلم قائد فتنةٍ دخل الجنة، وأتباعه إلى النار. فقال الأحنف: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الزبير. قال أبو نضرة: لما أتي علي بقتل الزبير وبخاتمه وبسيفه بكى عليه، وبكى بنوه، وقال: نغص علينا قتل الزبير ما نحن فيه. ومما قيل في قتل الزبير قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحته: من الكامل غدر ابن جرموز بفارس بهمةٍ ... يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد شلت يمينك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد

حدث هشام عن أبيه عن الزبير: أنه أوصى بالثلث، وأنه لم يدع ديناراً ولا درهماً، قال: وترك من العروض قيمة خمسين ألفاً. قال عبد الله بن الزبير: قال لي أبي يوم الجمل: يا بني، انظر ديني وهو ألف ألفٍ ومئتا ألف. وعن ابن الزبير قال: ترك عليه الزبير من الدين ألف ألف درهم، فقال له رجل: ترك أبوك ألف ألف درهم، وكان على ما كان عليه من الفضل؟ فقال: إنها لم تكن ديناً عليه، ولكنها كانت مواعيد عليه، فكتب مواعيده كما كتب دينه. وعن هشام بن عروة قال: قيم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف. وعن عروة: أن الزبير ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم. وكان الزبير يضرب له في المغنم بأربعة أسهم: سهمٍ له. وسهمين لفرسه، وسهمٍ لذي القربى. قال عروة: كان للزبير بمصر خططٌ وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، وكانت عاتكة بنة زيد أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل تحت الزبير بن العوام، فلما قتل الزبير كتبت إلى عبد الله بن الزبير بعد حين: قد علمت حبس نفسي بعد أبيك، فإن كانلي عندك شيء فابعث به. فبعث إليها بألفي ألف، ربع ثمن مال الزبير، وكان نساؤه أربعاً مات عنهن، وهن أسماء بنة أبي

بكرامٌ عبد الله بن الزبير، وعاتكة بنت زيد، وابنة خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية. قتل الزبير بن العوام في سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربعٍ وستين سنة، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: إحدى وستين سنة. قال الزهري: التقوا يوم الجمل، فولى الزبير منهزماً، فأدركه ابن جرموز فقتله، ورمي طلحة، وهو معتزلٌ في بعض الصفوف، بسهم غرب، فقطع من رجله عرق النسا، فتنبج حتى نزف طلحة، فمات، وملك على العراق كله، وذلك على ستة أشهر من مقتل عثمان رضي الله عنهم. قال سفيان: جاء ابن جرموز إلى مصعب فقال: أقدني بالزبير. قال: فكتب إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ خل عنه، ولا بشسع نعله. كتب مصعب إلى عبد الله: إني قد أخذت قاتل الزبير. فكتب إليه عبد الله: لا تخفف عنه، دعه يلق الله بدم الزبير. فتركه، فأسف، فخرج إلى الصياقلة، فنظر إلى سيف، فأعجبه، فاشتراه، ثم حكم في عرض الناس فقتل. وقيل: إن مصعباً قذفه في سجن، وكتب إلى عبد الله يذكر له أمره، فكتب إليه عبد الله أن بئس ما صنعت، أظننت أني أقتل أعرابياً من بني تميم بالزبير؟ خل سبيله، فخلاه. حتى إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رخٌّ، ثم أمر إنساناً أن

الزبير بن كثير بن الصلت

يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل. قال يعقوب بن سليمان الهاشمي: حدثني شيخٌ من موالينا قال: كنت يوماً مع قوم، فتذاكرنا أمر عليٍّ وطلحة والزبير، فكأني نلت من الزبير، فلما كان في الليل رأيت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة، فيها خلقٌ كثير عراة، رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأجسادهم أجساد الناس مقطعي الأيدي والأرجل من خلاف، فيهم رجلٌ مقطوع اليدين والرجلين، فلم أر منظراً أوحش منه، فامتلأت رعباً وفزعاً، وقلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يشتمون أصحاب محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: ما بال هذا من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل: هذا أغلالهم في شتم عليٍّ رضي الله عنه. قال: فبينا أنا كذلك إذ رفع لي بابٌ فدخلته، فإذا درجةٌ، فصعدتها إلى موضع واسعٍ، وإذا رجلٌ جالسٌ حواليه جماعةٌ، فقيل لي: هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدنوت منه، فأخذت بيده، فجذب يده من يدي، وغمز يدي غمزة شديدةً، وقال: تعود؟ فذكرت ما كنت قلت في الزبير، فقلت: لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيءٍ من ذلك. قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل خلفه فقال: يا زبير، قد ذكر أنه لا يعود، فأقله. قال: قد أقلته يا رسول الله، قال: فأخذت يده فجعلت أقبلها، وأبكي، وأضعها على صدري. قال: فانتبهت، وإنه ليخيل إلي أني أجد بردها في ظهري. الزبير بن كثير بن الصلت الكندي المدني وجهه أبو بكتابه إلى معاوية بن أبي سفيان. كان أهل المدينة إذا نسبوا رجلاً إلى الإقبال قالوا: لقي ليلة كثير بن الصلت. قال أبو مسكين: فسألت شيخانهم عن ذلك فقالوا: أمر معاوية رجلاً من آل أبي بكر أن يبتني له منزلاً بالمدينة، ينزله إذا اجتاز إلى مكة، ففعل، وأقبل معاوية والبكري يسايره، إذ نظر من القبة إلى منزل كثير بن الصلت الكندي أحد بني وليعة، وهم أخوال علي بن عبد الله بن

العباس، فقال معاوية للبكري، أمنزلي هذا؟ فقال: ليس به يا أمير المؤمنين، ومنزلك قريبٌ، ولو قد صرت إلى قرار المصلى لقد رأيته، وهذا منزل كثير بن الصلت. فقال معاوية: إن منزل كثيرٍ لهنيء، أفتراه بائعه؟ ونظر إلى كثير في موكبه على بعيرٍ له، فبعث إليه، فدعاه، وسايره، وسأله عن رأيه في المنزل، فقال: لست أقدر على بيعه يا أمير المؤمنين. قال: أوليس لك؟ قال: بلى، ولكن قدمنا هذا الحرم ونحن ننسب إلى آبائنا ونعرف بأحسابنا، فاستولى على ذلك هذا المنزل، وصرنا نعرف به، وفيه بعد سبعون مختمرة، ليس يحول بين الناس وبين معرفة حالهن إلا حائطه، ولو خرجن منه كشف منهن ما لا نقدر على احتماله. فقال: إني أيمنك، وأنيخ بعيرك فأصب على هامته وسنامه حتى أواريهما. فقال: يا أمير المؤمنين، إني لا أجد إلى ذلك سبيلاً لما أعلمتك، وكانت له نفسٌ شديدة. فقضى معاوية حجه، وفيه عنه إعراضٌ، وقد كان أسلفه مئتي ألف درهم في غرم له فلما نفذ معاوية أوصى مروان بن الحكم بقبض المال منه، وقال: إن استأجلك فأجله أجلاً قصيراً، فإن وافاك بالمال، وإلا فبع ربعه وملكه حتى تستوفي ذلك منه. وكان الذي بين مروان وكثير قبيحاً. فلما نفذ معاوية أرسل مروان إلى كثير، فأعلمه ما أمر به فيه، فاستأجله شهراً فقبل، وقال: في شهر ما كفى. ورجع كثير إلى منزله، وقد ضاقت به الأرض، فدعا ابنه الزبير، وكان به يكنى، وقال: يا بني، إنا لسنا نجد لنا خيراً من أمير المؤمنين، وإن كان قد أمر فينا بما أمر، فكتب له ووجهه، وعظم الحق. فلما كان في آخر يوم في الأجل، ولم يأته عن ابنه خبرٌ، علم أن مروان سيهجم عليه بما يكره، فأتى سعيد بن العاص، فقال له: ما جاء بك؟ قال: الشر، قال: لا شر

عليك، فأخبره بخبره، فقال له سعيد: إن أحببت أن أتولى المال ودفعه، واكتتاب البراءة لك بذلك فعلت، وإن شئت حمل إليك. فجزاه خيراً، وانصرف. حتى إذا كان ببعض الطريق ذكر قيس بن سعد بن عبادة، فقال: قيس سيد هذا الحرم من ذي يمنٍ، وقد ابتليت بما علم، فلو أتيته، وأسندت أمري إليه لكان لي عون صدقٍ. فجاء إلى قيس، فقال له: ما جاء بك؟ قال: الشر. قال: لا شر عليك. فأخبره خبره، فقال له قيس: أمسيت عن حاجتك وهي مصبحتك غداً إلى منزلك، وإن أحببت ولينا حملها عنك إلى مروان. فانصرف كثير حتى إذا أخذ بحلقة باب داره ذكر عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، فقال: ما فيهم أحد أشد إكراماً لي منه، وإن بلغه ما صنعت، وما صنع الرجلان لم أستقله منه أبداً، فدخل إليه، وهو يتعشى وبين يديه شمعةٌ عظيمة، فسمع وطء كثير، وكان جسيماً، فلما دخل عليه قال: يا أبا الزبير، العشاء. قال: قد أصبت منه ما كفى، قال: ما جاء بك؟ قال: الشر. قال: لا شر عليك، فأخبره الخبر، فالتفت إلى هانىءٍ وكيله قال: ما عندك؟ قال: مئة ألف. قال: ما جاء من شيء نصفه إلا تم بإذن الله، ثم نظر في وجوه جلسائه، ومعه رجل من بني الأرقط من ولد علي، فضحك وقال: هي عندي. قال: من أين لك؟ قال: من فضول صلاتك أجمعها، لأفتكك بها مما أنت فيه. فانصرف كثير إلى منزله، فبات آمناً وأمن نساؤه وحرمه. فلما كان في السحر ضرب عليه الباب، فإذا ابنه الزبير قد قدم بكتاب معاوية إلى مروان ألا يعرض له، وكتب براءةً له، فأصبح غادياً إلى مروان، فدفع كتبه إليه، وانصرف إلى سعيد بن العاص، فإذا البدر على ظهر الطريق، فلما نظر إليه قال: أحوجنا أبا الزبير إلى الغدو. قال: ما لذلك جئت، ولكني أتيتك لأسرك، وأشكرك، وأقرك مالك. هذا كتاب أمير المؤمنين. فقرأه، وقال: أتراني راجعاً في شيءٍ أمرت لك به؟ لا يكون هذا أبداً. ارجع وحمل معه المال. فأتى قيس بن سعد فإذا المال مجموعٌ، فأخبره خبره، فقال: أفأرده يا أبا الزبير في مالي، وقد أمرت لك به؟! والله لا يكون هذا! احملها يا غلام معه.

الزبير أو أبو الزبير بن المنذر

ثم أتى عبد الله بن جعفر، فأخبره خبره، فقال: ما كنت أرجع في شيء أمرت لك به. فقال كثير: أما ما كان من عندك قبضته، وأما ما استقرضته فلا أريده. فقال عبد الله: أنا على قضاء الديون أقوى منك على اكتساب المال، ولك خروقٌ فارقعها به فانصرف بها، فصار مثلاً في المدينة. الزبير أو أبو الزبير بن المنذر ابن عمر كاتب الوليد بن يزيد. قال الزبير: أرسل إلي الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة، فأتيته، فقال لي: ما أتت علي ليلةً أطول من هذه، عرضت لي أمور، وحدثت نفسي فيها بأمور، وهذا الرجل قد أولع بي، فاركب بنا نتنفس. فركب وسرت معه، فسار ميلين، ووقف على تل فجعل يشكو هشاماً، إذ نظر إلى رهجٍ قد أقبل، وسمع قعقعة البريد فتعوذ بالله من شر هشام، وقال: هذا البريد قد أقبل بموت فجيىءٍ أو بملك عاجل، لا يسوؤك الله أيها الأمير، بل يسرك ويبقيك. إذ بدا رجلان على البريد مقبلان أحدهما مولى لأبي سفيان بن حربٍ، فلما قربا أتيا الوليد فنزلا يعدوان، فسلما عليه بالخلافة، فوجم، فجعلا يكرران عليه التسليم بالخلافة، فقال: ويحكما! ما الخبر..؟ أمات هشام؟! قالا: نعم. قال: مرحباً بكما، ما معكما؟ قالا: كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن. فقرأ الكتاب، وانصرفنا. وسأل عن عياض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه، فقالا: يا أمير المؤمنين، لم يزل محبوساً حتى نزل بهشامٍ أمر الله، فلما صار إلى حال لا ترجى الحياة لمثله معها أرسل عياضٌ إلى الخزان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحدٌ إلى شيء. وأفاق هشام إفاقةً، فطلب شيئاً، فمنعه، فقال: أرانا كنا خزاناً للوليد. وقضى من ساعته، فخرج عياض

زحر بن قيس الجعفي الكوفي

من السجن ساعة قضى هشام، فختم الأبواب، والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن، فكفنه غالبٌ مولى هشام، ولم يجدوا قمقماً حتى استعاروه. زحر بن قيس الجعفي الكوفي أدرك علياً، وشهد معه صفين، ووفد على يزيد بن معاوية. حدث زحر بن قيس قال: بعثني علي على أربع مئة من أهل العراق، وأمرنا أن ننزل المدائن رابطةً، قال: فإنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذ جاءنا رجلٌ قد أعرق دابته فقلنا: من أين أقبلت؟ قال: من الكوفة. قلنا: متى خرجت؟ قال: اليوم. قلنا: فما الخبر؟ قال: خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفرج فابتدره ابن بجرة وابن ملجم، فضربه أحدهما ضربةً إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها قال: ثم ذهب. قال عبد الله بن وهب السبائي، ورفع يده إلى السماء: الله أكبر الله أكبر. قال: قلت له: ما شأنك؟ قال: لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه. قال: ثم والله ما مكث إلا تلك الليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر بن قيس، أما بعد فخذ البيعة ممن قبلك. قال: فقلنا: أين ما قلت؟ قال: ما كنت أراه يموت. قال أبو مخنف: ثم إن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين في الكوفة، فجعل يدار به، ثم دعا

زرعة بن إبراهيم الدمشقي

زحر بن قيس فسرح معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية، وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي، فخرجوا حتى قدموا بها الشام على يزيد. فروى هشام عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير قال: إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية، فقال له يزيد: ويلك! وما وراءك؟ وما عندك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي بن أبي طالب في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، قال: فسرنا إليهم، فسألناهم أن يستلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد، أو القتال، فاختاروا القتال على الاستسلام، فغدونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحيةٍ، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزرٍ، ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر فوالله يا أمير المؤمنين ما كانوا إلا جزر جزورٍ أو نومة قايل، حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجزرة، وثيابهم مزملة، وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبان والرخم بقفرٍ سبسب. قال: فدمعت عين يزيد، وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية. أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين. ولم يصله بشيء. زرعة بن إبراهيم الدمشقي حدث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: قال عباس بن عبد المطلب: يا رسول الله، أسقيك نبيذ خاصة أو نبيذ عامة؟ قال: لا بل نبيذ عامة.

وحدث زرعة عن خالد بن اللجلاج: أن عمر بن الخطاب صلى يوماً، فلما جلس في الركعتين الأوليين أطال الجلوس، فلما استقل قائماً نكص خلفه، وأخذ بيد رجلٍ من القوم، فقدمه مكانه، فلما خرج إلى العصر حكى الناس، فلما انصرف أخذ بجناح المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإني توضأت للصلاة، فمررت بامرأةٍ من أهلي، فكان مني ومنها ما شاء الله أن يكون، فلما كنت في صلاتي وجدت بللاً، فخيرت نفسي بين أمرين: إما أن أستحي منكم وأجترىء على الله، وإما أن أستحي من الله وأجترىء عليكم، فكان أن أستحي من الله وأجترىء عليكم أحب إلي، فخرجت فتوضأت، وجددت صلاتي، فمن صنع كما صنعت فليصنع كما صنعت. قال محمد بن الحجاج: خرجت أريد الساحل، فقال لي زرعة بن إبراهيم: إذا أتيت الأوزاعي فأقرئه السلام، وقل له: يقول لك زرعة: من علمك علمك الذي تحسنه؟ فأخبرته بذلك، فقال الأوزاعي: إذا لقيته أو رجعت إليه فأقرئه السلام، وقل له: صدقت، تعلمنا منك، فلما أحدثت تركنا علمك، يعني: يضع الحديث. حدث الوليد بن مسلم بن سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال: ولى الوليد بن عبد الملك بن عبد العزيز المدينة، فأتاه أهلها فذكروا له أن بها يهودياً قد أفسد النساء على الرجال والرجال على النساء بسحره، فبعث إليه عمر بن عبد العزيز فنفاه عن المدينة، وكان يقال له: زرعة بن إبراهيم من أهل خيبر، فنفاه من المدينة إلى الشام. فأتى دمشق فنزل على جناح مولى الوليد بن عبد الملك، فكان في خدمته. ثم إن الوليد بن عبد الملك خرج إلى عين الجر متنزهاً، فخرج معه جناحٌ مولى الوليد ومعه زرعة بن إبراهيم.

فبينا جناح ليلةً يسمر عند الوليد إذ قال: يا جناح، قد أرقني كثرة نقيق الضفادع في هذه الليلة في هذه البركة. فقال له جناحٌ: إن عندي يهودياً معه علم، يذكر أن معه اسم الله الأعظم، وأرجو أن يكون عنده في ذلك شيء. فرجع جناحٌ إلى رحله فقال له: يا زرعة، إن أمير المؤمنين شكا إلي كثرة نقيق هذه الضفادع، أفعندك فيها حيلة؟ قال: نعم. فأخذ أربع شقافٍ فكتب فيها كلاماً بالعبرانية، ثم ألقاها في أربع زواياها في كل زاويةٍ شقفة، فهدأ النقيق. فأرسل الوليد إلى جناحٍ يسأله: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ذلك اليهودي الذي عرفتك فعل كيت وكيت. فقال: قد أوحشني ذلك فلو نق منها عدادٌ، فقال جناحٌ لزرعة ذلك: فأخذ شقفةً، فيها كلاماً بالعبرانية، وألقاه في البركة، فنق منها عداد. فكتب وكيل عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن عبد العزيز، وهو بالمدينة، يخبره بقصة الرجل الذي نفاه، وما كان من أمره، وقصته في الضفادع. فكتب عمر إلى الوليد: يا أمير المؤمنين، إن هذا اليهودي قد ضج منه أهل المدينة، وقد أفسد المدينة، ولا آمن أن يفسد الشام، فبعث إليه الوليد، فأخبره بكتاب عمر، وقرأه عليه، وهم بقتله، فقال له زرعة: فإني أتوب إلى الله من السحر، وأسلم على يدك. قال إسماعيل فصح عندنا إسلامه، ولم تصح عندنا توبته من السحر. قال عطية بن قيس الكلابي: رافقني يهوديٌّ قدم من الحجاز من بيت المقدس إلى دمشق، فنزلنا ببيسان، فقال: ألا أريك شيئاً حسناً؟ فانحدر إلى النهر، فأخذ ضفدعاً، فجعل في عنقها شعرةً من ذنب فرسٍ، فحانت مني التفاتةٌ فإذا هي خنزير في عنقه حبل شريط، فدخل به بيسان، فباعه من بعض الأنباط بخمسة دراهم. ثم ارتحلنا، فسرنا غير بعيد، فإذا الأنباط يتعادون في إثرنا، فقلت له: قد أقبل

زرعة بن ثوب المقرائي

القوم! قال: فأقبل رجلٌ منهم جسيمٌ، فرفع يده فلكمه في أصل لحيه لكمةً صرعه عن الدابة، فإذا برأسه معلق بجلده من رقبته، وأوداجه تشخب دماً، فقلت: يا أعداء الله، قتلتم الرجل! فمضى القوم يتعادون هاربين، فقال لي الرأس: انظر مروا؟ فقلت: نعم، ثم قال: انظر أمعنوا؟ فالتفت أنظر إليهم، فإذا هو جالسٌ ليس فيه قلبة. فسئل عطية بن قيسٍ عن هذا الرجل من هو؟ فقال: هو زرعة بن إبراهيم. قيل: إن زرعة قتل يوم دخلت المسودة دمشق في رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومئة. زرعة بن ثوب المقرائي بضم الثاء وفتح الواو. قاضي دمشق في أيام الوليد بن عبد الملك. حدث زرعة عن عبد الله بن عمر قال: سألت عبد الله بن عمر بن صيام الدهر فقال: كنا نعد أولئك فينا من السابقين. قال: وسألته عن صيام يومٍ وإفطار يوم فقال: لم يدع ذلك لصائم مصاماً. قال: وسألته عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: صام ذاك الدهر، وأفطره. كان زرعة بن ثوب لا يأخذ على القضاء أجراً. وكان في خاتم زرعة بن ثوب: لكل عمل ثوابٌ. روي عن الشيباني: أن الوليد بن عبد الملك استقضى رجلاً من أهل دمشق يقال له زرعة بن ثوب، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تفعل فإن ذلك ليس عندي، فأمر فأجلس للناس،

زريق خصي كان ليزيد بن معاوية

فكلما دخل عليه سأله أن يعفيه، ثم بدا للوليد أن يبعث ابناً له على الصائفة، فدخل عليه زرعة، فقال له الوليد: كنت كثيراً ما تسألني أن أعفيك، وقد بدا لي أن أبعث ابناً لي على الصائفة، وأجعلك معه، وقال: حاجتك؟ قال: ما لي حاجةٌ إلا أن تعفيني مما أنا فيه. فلما أدبر قال: ردوه علي، فقال: فإني أعطيك شيئاً فاقبله مني، فإني أقسم لك بالله إنه لمن صلب مالي، قد أمرت لك بمزرعةٍ ببقرها وخدمها وآلتها. قال: تنفذ قضائي فيها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن ثلثاً منها في سبيل الله، والثلث الثاني ليتامى فومي ومساكينهم، والثلث الثالث لرجلٍ يقوم عليها ويؤدي الحق فيها، وأنا أحب أن تأخذ مني ما أجريت علي من الرزق، فإنه في كوةٍ في البيت، فخذه فرده في بيت المال. قال: ولم ذاك؟ قال: لا أحب أن آخذ على ما علمتني الله أجراً. زريق خصيٌّ كان ليزيد بن معاوية قال زريق: لما هلك معاوية بعثني يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة، وهو أمير المدينة، وكتب إليه بموت معاوية، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط، ويأمرهم بالبيعة، قال: فقدمت المدينة ليلاً فقلت للحاجب: استأذن لي. فقال: قد دخل، ولا سبيل لي إليه، فقلت: إني جئت بأمرٍ. فدخل فأخبره، فأذن له وهو على سريره. فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه جزع من موت معاوية جزعاً شديدا، فجعل يقوم على رجليه، ثم يرمي بنفسه على فراشه. ثم بعث إلى مروان، فجاء، فنعى له معاوية، وأخبره بما كتب إليه يزيد، فترحم مروان على معاوية وقال: ابعث إلى هؤلاء الرهط الساعة، فادعهم إلى البيعة، فإن بايعوا، وإلا فاضرب أعناقهم. قال: سبحان الله أقتل الحسين بن علي وابن الزبير؟ قال: هو ما أقوله لك.

زر بن حبيش بن حباشة

زر بن حبيش بن حباشة ابن أوس بن بلال. ويقال هلال بن سعد بن حبال بن نصر بن غاضرة بن مالك بن دودان بن أسد ابن خزيمة، أبو مريم، ويقال: أبو مطرف الأسدي الكوفي مخضرم، وشهد خطبة عمر بالجابية. قال أبو إسحاق الشيباني: سمعت زر بن حبيش يحدث عن ابن مسعود في هذه الآية: " قاب قوسين أو أدنى " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جبريل وله ست مئة جناحٍ. وحدث زر عن صفوان، قال زر: أتيته فقال لي: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم. قال: فقال: إنه ليس من امرىء مسلم يطلب العلم إلا تضع له الملائكة أجنحتها رضًى لما يفعل. فقلت: إنك امرؤ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنه حك في صدري من المسح على الخفين بعد الغائط والبول، فأخبرني بشيء إن كنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين أن نمسح على خفافنا ثلاث ليالٍ وأيامهن، وأن لا نخلعها إلا من جنابة، لكن من غائط، أو نومٍ، أو بولٍ. قال: فقلت: هل سمعته يقول في الهوى؟ قال: فقال: نعم، كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة أو عمرة، فإذا أعرابي قد أقبل على راحلته حتى إذا كان في أخريات القوم جعل ينادي بصوتٍ جهوري له: يا محمد، يا محمد، قال: فقيل له: ويلك! اغضض من صوتك، فإنك قد أمرت بذلك. قال: والله لا أفعل. فإذا هو أعرابي جاف جلفٌ. قال: فلما سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته قال: هاؤم. قال: أرأيت رجلاً أحب قوماً ولما يلحق بهم؟ قال: فقال: ذاك مع من أحب. قال: فقال: إن قبل المغرب باباً مفتوحاً للتوبة، مسيرة عرضه سبعون سنةً، لا يزال مفتوحاً حتى تطلع

الشمس من نحوه فإذا طلعت الشمس من نحوه فذلك حين " لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ". وعن زر قال: خطب عمر بالشام، قال: فقام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقامي فيكم، فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب، حتى يعجل الرجل بالشهادة من قبل أن يسألها، وباليمين قبل أن يسألها، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. كان زر بن حبيش شيخاً قديماً إلا أنه كان فيه بعض الحمل على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. حدث زر بن حبيش عن عبد الله أنه قال في ليلة القدر: من يقم الحول يصبها، فانطلقت حتى قدمت على عثمان بن عفان، وأردت لقاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار. قال عاصم: فحدثني أنه لزم أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف، فزعم أنهما كانا يقومان حين تغرب الشمس، فيركعان ركعتين قبل المغرب، قال: فقلت لأبي، وكان فيه شراسة: اخفض لنا جناحك رحمك الله فإني إنما أتمتع منك تمتعاً. فقال: تريد ألا تدع آيةً في القرآن إلا سألتني عنها؟ قال: وكان لي صاحب صدقٍ فقلت: يا أبا المنذر، أخبرني عن ليلة القدر، فإن ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصبها. فقال: والله لقد علم عبد الله أنها في رمضان، ولكنه عمى على الناس لكيلا يتكلوا، والله الذي أنزل الكتاب، على محمد إنها لفي رمضان، وإنها ليلة سبعٍ وعشرين.

فقلت: يا أبا المنذر أنى علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أنبأنا بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعددنا وحفظنا، فوالله إنها لهي ما تشتثنى. قال: فقلت: وما الآية؟ قال: إنها تطلع ليس لها شعاع حتى ترتفع. وكان عاصم ليلتئذٍ من السحر لا يطعم طعاماً، حتى إذا صلى الفجر صعد على الصومعة فنظر إلى الشمس حين تطلع لا شعاع لها حتى تبيض وترتفع. قال عيسى بن طلحة الأسدي: سمعت زر بن حبيش من السحر يدعو: اللهم ارزقني طيبا، ً واستعملني صالحاً، فلبثت هوناً، ثم خرجت إلى حاجتي، ورجعت وهو يرددها. قال عاصم: كان زرٌ من أعرب الناس، وكان عبد الله يسأله عن العربية. وعن عاصم قال: أدركت أقواماً كانوا يتخذون هذا الليل جملا، يلبسون المعصفر، ويشربون نبيذ الجر لا يرون به بأساً، منهم زرٌ وأبو وائل. قال الأعمش: أدركت أشياخنا: زراً وأبا وائل فكان منهم من عليٌّ أحب إليه من عثمان، ومنهم من عثمان أحب إليه من علي، وكانوا أشد شيءٍ تحابا، ً وأشد شيءٍ تواداً. قال عاصم بن أبي النجود: كان أبو وائل عثمانياً، وكان زر بن حبيشٍ علوياً، وكان مصلاهما في مسجد واحد، ما رأيت واحداً منهما قط يكلم صاحبه في شيء مما هو عليه حتى ماتا، وكان أبو وائل معظماً لزر.

زفر بن الحارث بن عبد عمرو

قال عاصم: كان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعاً لم يحدث أبو وائل مع زر. وعن عاصم قال: مر رجلٌ من الأنصار على زر بن حبيش، وهو يؤذن: فقال: يا أبا مريم، قد كنت أكرمك عن ذا أو قال: عن الأذان فقال: إذاً لا أكلمك كلمةً حتى تلحق بالله عز وجل. قال اسماعيل بن أبي خالد: رأيت زر بن حبيش، وقد أتى عليه عشرون ومئة سنة، وإن لحييه ليضطربان من الكبر. قال أبو نعيم: مات زر بن حبيش الغاضري وله مئة وسبع وعشرون سنة. وقيل: مات قبل يوم الجماجم، وقيل: مات سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وثمانين. زفر بن الحارث بن عبد عمرو ابن معاذ بن يزيد بن عمرو بن الصعق، واسمه خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازن، أبو الهذيل، ويقال: أبو عبد الله الكلابي. سكن البصرة، وانتقل إلى الشام، وكان في جيش البصرة الذي خرج لإغاثة عثمان بن عفان في الحصر، وشهد وقعة صفين مع معاوية، وكان فيها أميراً على أهل قنسرين،

وشهد وقعة مرج راهطٍ زبيرياً مع الضحاك بن قيس، ثم هرب، ولحق بقرقيسياء من أرض الجزيرة، فتحصن بها. قال زفر بن الحارث: كنت رسول معاوية إلى عائشة بوقعة صفين، فلما قدمت عليها قالت: من قتل من الناس؟ قلت: عمار بن ياسر. قالت: ذاك رجل يتبعه الناس في دينه. قالت: ومن؟ قلت: هاشم الأعور. قالت: ذاك رجلٌ ما كادت أن تزد رايته. قال: ثم نمت عن صلاة العشاء، فأراد بعض أهلها أن يوقطني، فقالت: دعوه، فإنه رجل قد أدأب السير، ولا يضره أن يؤخر هذه الصلاة إلى ثلث الليل. أو نصف الليل. ذكر البلاذري قال: وهرب زفر بن الحارث الكلابي يعني يوم المرج إلى قرقيسياء، وبها عياض، فمنعه من دخولها، فقال له زفر بن الحارث: أوثق لك بالطلاق والعتاق إذا أنا دخلت الحمام بها أن أخرج منها. فأذن، فدخلها، فلم يدخل الحمام، وأقام بها وأخرج عياضاً عنها، وتحصن بها، وثابت إليه قيسٌ، وأصيب يوم المرج ثلاثة بنين لزفر، وفيه يقول زفر من أبيات: من الطويل لعمري لقد أبقت وقيعة راهطٍ ... لمروان صدعاً بيناً متنائيا أريني سلاحي لا أبا لك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا

زفر بن عيلان بن زفر

أيذهب يومٌ واحدٌ إن أسأته ... بصالح أيامي وحسن بلائيا ولم تر مني نبوةٌ قبل هذه ... فراري وتركي صاحبي ورائيا وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا ذكر أنه مات في زمن عبد الملك بن مروان. زفر بن عيلان بن زفر ابن جبر بن مروان بن سيف بن يزيد بن شريح بن شقيق بن عامر أبو الحارث بن أبي الهيذام المازني. حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على جميع نسائه في ليلةٍ في غسلٍ واحدٍ. زفر بن وثيمة بن عثمان ويقال: ابن أوس، ويقال: ابن مالك بن أوس بن الحدثان النصري دمشقي. حدث عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته. وحدث زفر بن وثيمة عن حكيم بن حزام قال: المساجد لا تنشد فيها الأشعار ولا تقام فيها الحدود، ولا يستقاد فيها. وقد روي هذا الحديث عن حكيم بن حزام مرفوعاً، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها.

زفر مولى مسلمة بن عبد الملك

زفر مولى مسلمة بن عبد الملك حكى عن فاطمة بنت عبد الملك، قال زفر: تناول الوليد بن عبد الملك يوماً عمر بن عبد العزيز، فرد عليه عمر: فغضب الوليد من ذلك غضباً شديداً، وأمر بعمر فعدل به إلى بيتٍ، فحبس فيه. قال زفر وكانت فاطمة أرضعتها أم زفر قال: قالت لي فاطمة: يا زفر، فمكث ثلاثاً لا يدخل عليه أحد. ثم أمر بإخراجه إن وجد حياً. قالت: فأدركناه وقد زالت رقبته شيئاً، فلم نزل نعالجه حتى صار إلى العافية. قالت: فقلت له يوماً: إنك قد عرفت الوليد وعجلته وخلقه، فلو داريته بعض المداراة. قالت: فقال لي: أحدثك يا فاطمة حديثاً فاكتميه ما دمت حياً. قلت: نعم. قال: إنه لما حبسني أتاني تلك الليلة آتٍ في منامي، فقال لي: من الخفيف ليس للعلم في الجهالة حظ ... إنما العلم طرفه الإغضاء قال: فرفعت إلى القائل رأسي، فإذا هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فسلمت عليه، فقال لي: إن الوليد جاهلٌ بأمر الله، قليل الرعاية لحرمات الله، فلا تجمع بين ما وهب الله لك من العلم بأمر الله مع ما حرمه من ذلك، ليبين فضل نعمة الله عليك في العلم بأمر الله عز وجل على كثير من جهله بأمر الله أحرى وأجدر ألا يتركا جميعاً. قال عمر: فوالله يا فاطمة ما أكاد أغضب إلا كأني أنظر إلى عبيد الله بن عبد الله قائماً يخاطبني تلك المخاطبة. زكريا بن حنا ويقال زكريا ابن دان. ويقال: زكريا بن أدن بن مسلم بن صدوف. ينتهي نسبه إلى سليمان ابن داود عليه السلام، أبو يحيى النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم من بني إسرائيل، دخل البثنية من أعمال دمشق في طلب ابنه يحيى. وقيل: إنه كان بدمشق حين قتل ابنه يحيى.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان زكريا نجاراً. قالوا: وكان زكريا بن دان أبو يحيى كان من أبناء الأنبياء الذين كانوا يكتبون الوحي ببيت المقدس، وكان عمران بن ماثان أبو مريم من أبناء ملوك بني إسرائيل من ولد سليمان. قال ابن عباس: ولم يكن أحد من أبناء الأنبياء إلا ومن نسله أو جنسه محررٌ لبيت المقدس والمحرر الذي يكون حبيساً لبيت المقدس وكان زكريا تزوج أخت مريم بنت عمران، فهي أم يحيى. وكانت مريم بنت عمران من بيت آل داود من سبط يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. قال مكحول: وكان زكريا وعمران تزوجا أختين، فكانت أم يحيى عند زكريا، وكانت أم مريم عند عمران، وكان الله تعالى أمسك عنها الولد حتى أيست وكانوا أهل البيت من الله بمكان. وعن ابن عباس: في قوله عز وجل: " ذكر رحمة ربك " قال: ذكره الله منه برحمة عبده زكريا، حيث دعاه، فذلك قوله: " ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفياً " يعني: دعا ربه دعاءٌ خفياً في الليل، لا يسمع أحداً ويسمع أذنيه، فقال: " رب إني وهن " يعني: ضعف " العظم مني واشتعل الرأس شيباً " يعني: غلب البياض

السواد " ولم أكن بدعائك رب شقيا ". أي: رب، إني لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى، فتخيبني فيما بقي، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي، عودتني الإجابة من نفسك. " وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا " فلم يبق لي وارث، وخفت العصبة أن ترثني " فهب لي من لدنك وليا " يعني: من عندك ولداً " يرثني " يعني: يرث محرابي وعصاي ويونس القربان وقلمي الذي أكتب به الوحي " ويرث من آل يعقوب " النبوة " واجعله رب رضيا " يعني: مرضياً عندك. قوله: " وكانت امرأتي عاقرا "، قال ابن عباس: خاف أنها لا تلد فقال: وامرأتي عاقرٌ، وأنت تفعل ما تشاء، فهب لي ولدا، ً فإذا وهبته فاجعله رب رضياً زاكياً بالعمل. فاستجاب الله له، وكانا قد دخلا في السن هو وامرأته. فبينا هم قائم يصلي في المحراب، حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: يا زكريا، إن الله يبشرك، وهو قوله: " إنا نبشرك بغلامٍ اسمه يحيى " واسم يحيى هو اسمٌ من أسماء الله اشتق من يا حي، سماه الله تعالى من فوق عرشه " لم نجعل له من قبل سمياً ". قال ابن عباس: لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً نظيرها " هل تعلم له سمياً " يعني: هل تعلم له ولداً، ولم يكن لزكريا قبله ولدٌ، ولم يكن قبل يحيى أحدٌ يسمي يحيى. قال: وكان اسمه حي، فلما وهب الله لسارة إسحاق، فكان اسمها يسارة، ويسارة من النساء التي لا تلد، وسارة من النساء الطالقة الرحم التي تلد، فسماها الله سارة، وحول الياء من يسارة إلى حي فسماه يحيى. ثم قال: " مصدقاً بكلمةٍ " يعني بعيسى " من الله " وكان يحيى أول من صدق

بعيسى، وهو ابن ثلاث سنين، وبين يحيى وعيسى ثلاث سنين، وهما ابنا خالةٍ. ثم قال تعالى: " وسيداً " يعني حليماً " وحصوراً " يعني: لا ماء له، ولا يحتاج إلى النساء. قال مجاهد: " وهن العظم مني " شكا ذهاب أضراسه، وقال: " وقد بلغت من الكبر عتياً " قال: قحول العظم وقال ماده سناً قال: كان ابن بضع وسبعين سنة. وقال مجاهد: " وسبح بالعشي والإبكار " قال: الإبكار: أول الفجر، والعشي: ميل الشمس إلى أن تغيب. وقال الضحاك: " إلا رمزاً " قال: الرمز الإشارة. قال محمد بن كعب القرظي: لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا. قال الله تعالى: " آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيامٍ إلا رمزا واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار ". ولو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله، قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ". وقال عكرمة في قوله: " ثلاث ليالٍ سوياً " يقول سوياً من غير خرس. وقال قتادة: " فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشياً " قال: أومأ إليهم أن صلوا بكرة وعشياً.

وقال: في قوله تعالى: " وأصلحنا له زوجه " قال: كان في خلقها سوءٌ، وكان في لسانها طولٌ وهو البذاء، فأصلح الله تبارك وتعالى ذلك منها. وقال سعيد بن جبير: كانت لا تلد. عن يزيد بن أبي منصور قال: دخل يحيى بن زكريا عليهما السلام بيت المقدس، فرأى المتعبدين قد لبسوا الشعر وبرانس الصوف، ونظر إلى مجتهديهم قد خرقوا التراقي، وسلكوا فيها السلاسل، وشدوها إلى حنايا بيت المقدس. فلما نظر إلى ذلك منهم هاله ذلك، ورجع إلى أبويه، فمر بصبيانٍ يلعبون، فقالوا: يا يحيى هلم فلنلعب. فقال: إني لم أخلق للعب. فأتى أبويه فسألهما أن يدرعاه الشعر، ففعلا، ثم رجع إلى بيت المقدس، فكان يخدمه نهاراً، ويسرح فيه ليلاً، حتى أتت عليه خمس عشرة حجة، فأتاه الخوف، فساح، ولزم أطراف الأرض وغيران الشعاب. وخرج أبواه في طلبه، فوجداه حين نزلا من جبال البثنية على بحيرة الأردن، وأدركاه وقد قعد على شفير البحيرة ينقع قدميه في الماء، وقد كان العطش أن يذبحه، وهو يقول: وعزتك لا أشرب بارد الشراب حتى أعلم أين مكاني منك. فسأله أبواه أن يأكل قرصاً كان معهما من شعير، ويشرب من ذلك الماء، ففعل، وكفر عن يمينه، ورده أبواه إلى بيت المقدس. وكان إذا قام في صلاته يبكي حتى تبكي معه الشجر والمدر، ويبكي زكريا لبكائه حتى يغمى عليه، فلم يزل يبكي حتى حرقت دموعه لحم خديه، وبدت أضراسه، فقالت له أمه: يا يحيى، لو أذنت لي أن أتخذ لك لبداً أواري به أضراسك عن الناظرين. قال: أنت وذاك. فعمدت إلى قطعتي لبدٍ فألصقتهما على خديه، فكان إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين، فتقوم إليه أمه فتعصرهما بيديها، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال: اللهم هذه دموعي، وهذه أمي، وأنا عبدك، وأنت أرحم الراحمين.

قال وهب بن منبه: إن زكريا هرب ودخل جوف شجرةٍ، فوضع على الشجرة المنشار، وقطع بنصفين، فلما بلغ المنشار على ظهره أن، فأوحى الله تعالى وتبارك: يا زكريا، إما أن تكف عن أنينك، أو أقلب الأرض ومن عليها. قال: فسكت حتى قطع بنصفين. وعن ابن عباس قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به رأى زكريا في السماء، فسلم عليه، فقال له: يا أبا يحيى خبرني عن قتلك كيف كان، ولم قتلك بنو إسرائيل؟ قال: يا محمد، أخبرك أن يحيى كان خير أهل زمانه وكان أجملهم وأصبحهم وجها، ً وكان كما قال الله عز وجل: " سيداً وحصوراً "، وكان لا يحتاج إلى النساء، فهويته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بغية، فأرسلت إليه، وعصمة الله، وامتنع يحيى وأبى عليها، وأجمعت على قتل يحيى، ولهم عيدٌ يجتمعون في كل عام، وكانت سنة الملك أن يوعد، ولا يخلف، ولا يكذب، قال: فخرج الملك إلى العيد، فقامت امرأته فشيعته، وكان بها معجباً، ولم تكن تفعله فيما مضى. فلما أن شيعته قال الملك: سليني، فما سألتني شيئاً إلا أعطيتك. قالت: أريد دم يحيى بن زكريا. قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك قال: هو لك. قال: فبعثت جلاوزتها إلى يحيى، وهو في محرابه يصلي، وأنا إلى جانبه أصلي. قال: فذبح في طستٍ، وحمل رأسه ودمه إليها. قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما بلغ من صبرك؟ قال: ما انفتلت من صلاتي. قال: فلما حمل رأسه إليها فوضع بين يديها، فلما أمسوا خسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل: قد غضب إله زكريا لزكريا، فتعالوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا. قال: فخرجوا في طلبي ليقتلوني، فجاءني النذير، فهربت منهم، وإبليس أمامهم،

زكريا بن أحمد بن محمد

يدلهم علي، فلما أن تخوفت أن لا أعجزهم عرضت لي شجرةٌ، فنادتني فقالت: إلي إلي، وانصدعت لي، فدخلت فيها. قال: وجاء إبليس حتى أخذ طرف ردائي، والتأمت الشجرة، وبقي طرف ردائي خارجاً من الشجرة. وجاءت بنو إسرائيل، فقال إبليس: أما رأيتموه دخل هذه الشجرة؟ هذا طرف ردائه، دخلها بسحره، فقالوا: نحرق هذه الشجرة. فقال إبليس: شقوه بالمنشار شقاً. قال: فشققت مع الشجرة بالمنشار. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا زكريا هل وجدت له مساً أو وجعاً؟ قال: لا، إنما وجدت تلك الشجرة، جعل الله تعالى روحي فيها. وعن وهب: أن الذي انصدعت له الشجرة، ودخل فيها كان أشعياء قبل عيسى، وأن زكريا مات موتاً. زكريا بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل أبو منصور الخراساني الجوزجاني الأبهري الواعظ قدم دمشق سنة خمسين واربع مئة. حدث عن أبي الحسن زفر بن الحسين بن محمد الكباش البغدادي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر، والنظر إلى الوجه القبيح يورث الكلح ".

زكريا بن أحمد بن يحيى

زكريا بن أحمد بن يحيى ابن موسى خت بن عبد ربه بن سالم، أبو يحيى البلخي قاضي دمشق في خلافة المقتدر. حدث عن أبي الزنباع روح بن الفرج المصري بسنده عن ابن عمر قال: كان من دعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك. توفي أبو يحيى البلخي في دمشق سنة ثلاثين وثلاث مئة. زكريا بن منظور بن ثعلبة ابن أبي مالك أبو يحيى القرظي المدني القاضي حليف الأنصار كان أعور. روى عن أبي حازم بن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: القدرية مجوسٌ هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. وروى عن أبي حازم أيضاً عن سهل بن سعد قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحليفة، فإذا هو بشاةٍ ميتة شائلةٍ برجلها، فقال: ترون هذه الشاة هينة على صاحبها؟ فو الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ولو كانت الدنيا تزن جناح بعوضة عند الله ما سقى كافراً منها قطرة ماء أبداً. سئل يحيى بن معين عن زكريا بن منظور فقال: ليس بشيء، وفي رواية: ليس بثقة، وكان طفيلياً.

زكريا بن يحيى بن إياس

زكريا بن يحيى بن إياس ابن سلمة بن حنظلة بن قرة، أبو عبد الرحمن السجزي، المعروف بخياط السنة سكن دمشق، وحدث بها. روى عن سعيد بن كثير الأنصاري بسنده عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعباً، ولا جاداً، فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه. وروى عنه أيضاً بسنده عن عبد الله بن عمروٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". كان مولد زكريا السجزي سنة خمس وتسعين ومئة، وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومئتين، وكان عمره خمساً وتسعين سنة. زكريا بن يحيى بن درست أبو يحيى التستري سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة ". زكريا بن يحيى بن يزيد الصيداوي حدث عن عمران بن أبي عمران بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يعاد الوضوء من الرعاف السائل ".

زكريا بن يحيى الحميري

زكريا بن يحيى الحميري الكندي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز. وحدث عنه قال: أقمنا عند عمر بن عبد العزيز بخناصرة أربعين يوماً. قال: فأتي برجلٍ قد نقش على خاتم الخلافة. فقال: ويح ما حملك على هذا؟ قال: الطمع والشيطان. فقال لجلسائه من قريش وأهل الشام: ما ترون في هذا؟ قالوا: الرأي فيه مستقيم، تقطع يده. قال: لكني أرى غير ذلك، هذا رجل هم بسرقة ولم يسرق. قال: فاستحلف أن لا يعود، وأمر بعض من عنده فعزره سوطين أو ثلاثة، وخلى سبيله. زكريا بن يحيى أبو الهيثم السقلي الهمداني حدث عن سعيد بن سليمان بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يهجر أحدكم أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا ". قال: هذا حديث غريب، والمحفوظ بمعناه بسند آخر، وفيه زيادة: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. زنباع بن سلامة ويقال ابن روح بن سلامة ابن حداد بن حديدة بن أمية بن امرىء القيس الجذامي والد روح بن زنباع. من أهل فلسطين، قدم دمشق، وكانت له بها دار. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان لزنباع عبد يسمى سندر أو ابن سندر فوجده يقبل جاريةً له، فأخذه فجبه، وجدع أذنيه وأنفه، فأتى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل إلى زنباع فقال: لا تحملوهم

زنكل بن علي العقيلي الرقي

ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، وما كرهتم فبيعوا، وما رضيتم فأمسكوا، ولا تعذبوا خلق الله، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مثل به أو حرق بالنار فهو حر، وهو مولى الله ورسوله "، فأعتقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا رسول الله، أوص بي، فقال: أوصي بك كل مسلم ". زنكل بن علي العقيلي الرقي من صحابة عمر بن عبد العزيز. حدث عن أيوب السختياي بسنده عن عمرو بن العاص قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع وسلفٍ، وعن شرطين في بيعٍ وعن بيع ما لم يملك، وعن ربح ما لم يضمن. وعن زنكل بن علي قال: سألت أيوب السختياني فقلت: ما ترى فيمن يبايع ويقرض؟ قال: سمعت عمرو بن شعيب يذكر حديثاً يرفعه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سلف وبيع، وعن شرطين، وساق الحديث. وعن زنكل بن علي السلمي عن أم الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث لا يتركهن العرب وهي بهم كفر: الاستسقاء بالأنواء، والطعن في النسب، والنوح. وبسنده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كبر العبد سترت تكبيرته ما بين السماء والأرض من شيء. قال أبو سعيد زنكل بن علي وزير لعمر بن عبد العزيز: قال حذيفة بن اليمان: يا طاعون خذني إليك ثلاث مرات قبل سفك دم حرام، وقبل جور في الحكم، وإمارة الصبيان، وكثرة الزبانية. وعن زنكل بن علي عن محمد بن المنكدر قال: ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ.

زهدم بن الحارث

زهدم بن الحارث حكى عن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عمر بن عبد العزيز، حين ولي الخلافة، خطبنا فقال: اللهم، إن كنت تعلم أني لم أسألكها في سر ولا علانيةٍ فسلمني منها. زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام ابن زهرة بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب أبو عقيل التيمي القرشي مدني سكن مصر. حدث أبو عقيل عن جده قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال: أتحبني يا عمر؟ قال: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال عمر: فأنت رسول الله أحب إلي من نفسي. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآن يا عمر. وحدث أبو عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام: وكان أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، بايعه. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا صغير، ومسح رأسه، ودعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. حدث زهرة أنه سمع عبد الله بن عمر: إذا انصرف من صلاة العشاء الآخرة يكبر رافعاً صوته حتى يدخل منزله. قال زهرة بن معبد: لقيت عمر بن عبد العزيز فقال لي: أين تسكن يا أبا عقيل؟ قال: قلت: بمصر. فقال: أي مصر؟ قلت: بفسطاطها. قال: أين أنت من طيبة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين

زهير بن الأقمر

طيبة المدينة! قال: ليس المدينة أردت، إنما أردت الاسكندرية، لولا ما أنا فيه لأحببت أن يكون منزلي بها، حتى يكون قبري بين ذينك المينائين. وفي حديث آخر: أتسكن الخبيثة المنتنة وتذر الطيبة؟ قلت: أيته؟ قال: الاسكندرية، فإنك تجمع بها دنيا وآخرة، طيبة الموطأ، والذي نفس عمر بيده لوددت أن قبري يكون بها. توفي أبو عقيل بالاسكندرية سنة سبع وعشرين ومئة، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئة، وقيل: هو الأصح. قال الليث: كنا نعود أبا عقيل وهو شديد الوجع، ونحن خائفون عليه، فأتيناه غداةً من ذلك فقال: أريت الليلة عمر بن عبد العزيز، فقال لي: أين تسكن يا أبا عقيل؟ فقلت: الاسكندرية منذ عزمت علي، فقال: فأبشر بما يسرك في دنياك وآخرتك. مرتين، فقلت له: لله الحمد، أما أنت فقد بشرك بأن لك بقية عمرٍ، وبشرك بالجنة. وزعموا أنه كان من الأبدال. زهير بن الأقمر ويقال عبد الله بن مالك أبو كثير الزبيدي الكوفي حدث أبو كثير عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، وإياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا. فقام رجل فقال: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، فقام رجل ذاك أو آخر فقال: يا رسول الله، أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك، والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر

زهير بن جناب بن هبل

والبادي، فهجرة البادي أن يجيب إذا دعي. ويطيع إذا أمر، والحاضر أعظمهما بليةً وأفضلهما أجراً. وعن زهير بن الأقمر قال: لما قتل علي بن أبي طالب قام الحسن خطيباً، فقام شيخ من أزد شنوءة فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبني فليحب هذا الذي على المنبر فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حدثت أحداً. قال أبو كثير الزبيدي: قدمت على معاوية أو على يزيد بن معاوية، وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فحدثناه عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول: الصلوات كفارات لما بعدهن. قال: فحدثنا أن آدم خرجت به شأفة في إبهام رجله، ثم ارتفعت إلى أصل قدميه، ثم ارتفعت إلى ركبتيه، ثم ارتفعت إلى حقويه، ثم ارتفعت إلى أصل عنقه، فقام فصلى، فنزلت عن منكبيه، ثم صلى فنزلت إلى حقويه، ثم صلى فنزلت إلى ركبتيه ثم صلى فنزلت إلى قدميه ثم صلى فذهبت. زهير بن جناب بن هبل ابن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب ابن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي شاعرٌ جاهلي كان مع الحارث بن أبي شمر الجفني. وجناب بالجيم وبعدها نون، وتحت الباء نقطة في اليمن ثم في بني كلب بنو جناب بن هبل، قبيلة عظيمة فيهم شرف، ومنهم بنو عليم بن جناب، ومن سادتهم زهير بن جناب وأخوه عدي بن جناب، وكان يحمق. وقيل: إن زهيراً عاش ثلاث مئة سنة، زهير سيد قضاعة شاعر فارس.

سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة رضي الله عنها وهي تتمثل بقول زهير بن جناب الكلبي من الكامل ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوماً فتدركه العواقب ما جنى يجزيك لو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشعر الذي كنت تمثلين به قالت: أنشدته إياه. قال: يا عائشة، إنه لا يشكر الله تعالى من لا يشكر الناس. قالوا: ومن المعدودين من المعمرين من قضاعة زهير بن جناب، عاش أربع مئة سنة وعشرين سنة، وكان سيداً مطاعاً شريفاً في قومه، ويقال: كانت فيه عشر خصال لم يجتمعن في غيره من أهل زمانه: كان سيد قومه، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم والطب في ذلك الزمان شرف وحازي قومه والحزاة الكهان، وكان فارس قومه، وله البيت فيهم، وله العدد منهم. وقيل: إنه عاش حتى هرم، وغرض من الحياة، وذهب عقله، فلم يكن يخرج إلا ومعه بعض ولده. وإنه خرج ذات عشية إلى مال له، فنظر إليه فاتبعه بعض ولده، فقال له: ارجع إلى البيت قبل الليل، فإني أخاف أن يأكلك الذئب، فقال: قد كنت، وما أخشى بالذئب، فذهبت مثلاً. ويقال: إن قائل هذا خفاف بن ندبة. وقيل: إن زهيراً عاش ثلاث مئة سنة وخمسين سنة، وكبر حتى خرف، وكان يتحدث بالعشي بين القلب يعني الآبار وكان إذا انصرف عند الليل شق عليه،

فقالت امرأته لميس الأرأشية لابنها خداش بن زهير: اذهب إلى أبيك حين ينصرف، فخذ بيده، فقده. فخرج حتى انتهى إلى زهير فقال: ما جاء بك يا بني؟ فقال: كذا وكذا. قال: اذهب. فأبى، فانصرف تلك الليلة معه، ثم كان من الغد، فجاءه الغلام، فقال له: انصرف، فأبى، فسأل الغلام، فكتمه، فتوعده فأخبره الغلام الخبر، فأخذه فاحتضنه، فرجع به، ثم أتى أهله، فأقسم زهير بالله لا يذوق إلا الخمر، فمكث ثمانية أيام ثم مات. وذكر ابن الكلبي: أن زهير بن جناب أوقع بالعرب مئتي وقعة، وقيل خمس مئة وقعة، وهو ضعيف. وكان زهير على عهد كليب بن وائل، وكان قد أسر مهلهلاً، ولم يكن في العرب أنطق من زهير بن جناب ولا أوجه عند الملوك. وكان لشدة رأيه يسمى كاهناً. قالوا: وشرب زهير الخمر صرفاً حتى مات، وشربها أبو براء عامر بن مالك بن جعفر صرفاً حتى مات، وشربها عمرو بن كلثوم التغلبي صرفاً حتى مات. قال: ولم يبلغنا أن أحداً فعل ذلك من العرب إلا هؤلاء. وقال زهير بن جناب الكلبي لبنيه: يا بني، عليكم باصطناع المعروف واكتسابه، وتلذذوا بطيب نسيمه، وارضوا بمودات صدور الرجال من أيمانه، فرب رجل قد صفر من ماله فعاش به هو وعقبه من بعده. وفي حديث آخر: يا بني، عليكم بالزهد في الدنيا تربحوا أبدانكم، ولا تعدوا استكثاراً من حرام مالاً، وتنكبوا كل حديث مشنوع، ولا تقبلوا من الأخبار إلا ما يجوز في الرأي.

زهير بن قيس

زهير بن قيس أبو شداد البلوي المصري. وهو ممن لزم عمرو بن العاص في الفتنة، ودخل معه دمشق كما قيل، وقيل: إن له صحبه. حدث عن علقمة بن رمثة البلوي قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن العاص إلى البحرين، ثم خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، وخرجنا معه، فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم استيقظ فقال: رحم الله عمراً. قال: فتذاكرنا كل إنسان اسمه عمرو، ثم نعس الثانية، ثم استيقظ فقال: رحم الله عمراً. قال: فتذاكرنا كل إنسان اسمه عمرو، ثم نعس الثالثة، ثم استيقظ، فقال: رحم الله عمراً، فقلنا: من عمرو يا رسول الله؟ قال: عمرو بن العاص، قالوا: ما باله؟ قال: ذكرت أني كنت إذا ندبت الناس إلى الصدقة جاء من الصدقة فأجزل، فأقول له: من أين لك هذا يا عمرو؟ فيقول: من عند الله، وصدق عمرو إن لعمرو عند الله خيراً كثيراً. قال زهير: فلما كانت الفتنة قلت: أتبع هذا الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه ما قال، فلم أفارقه. قتل زهير ببرقة، قتلته الروم سنة ست وسبعين. زهير بن محمد بن يعقوب أبو الخير الموصلي حدث بدمشق. روى عن أبي عبد الله الحسين بن عمر بن أبي الأحوص الكوفي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي ". وحدث زهير أيضاً عن أبي يعلى محمد بن أحمد بن عبيد الأقطع السلمي الملطي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام في كل شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب له عبادة سبع مئة سنة ".

زهير بن محمد أبو منذر التميمي

قال كل راوٍ لهذا الحديث من الحافظ إلى أنسٍ: صمت أذناي إن لم أكن سمعت فلاناً يقول هذا، واحدٌ بعد واحدٍ. زهير بن محمد أبو منذر التميمي ثم العنبري الخراساني المروزي الخرقي من أهل قرية من قرى مرو تسمى خرق. سكن مكة، وسكن الشام. حدث زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرحمن حتى ختمها، فقال: ما لي أراكم سكوتاً! للجن كانوا أحسن رداً منكم، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة " فبأي آلاءٍ ربكما تكذبان " إلا قالوا: ولا بشيءٍ من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد. وحدث زهير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مثل الناس كإبل مئة لا يوجد فيها راحلة. زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم ابن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن سالم بن عقال أبو منصور بن أبي العباس التميمي صاحب القيروان قدم دمشق في سنة اثنتين وثلاث مئة مجتازاً إلى بغداد حين غلب على ملكه بإفريقية، ومنهم جماعة ملكوا إفريقية. كان لزيادة الله غلام فحل صبي يدعى خطاب، وهو الذي اسمه في السكك، فسخط عليه وقيده بقيد من ذهب، فدخل يوماً من الأيام صاحبه على البريد، وهو عبد

الله بن الصايغ، فلما رأى الغلام مقيداً تأخر قليلاً، وكتب بهذين البيتين إلى زيادة الله من البسيط: يا أيها الملك الميمون طائره ... رفقاً فإن يد المعشوق فوق يدك كم ذا التجلد والأحشاء راجفةٌ ... أعيذ قلبك أن يسطو على كبدك فأطلق الغلام، ورضي عنه، ووصل عبد الله بن الصايغ بالقيد الذهب. في كتاب الوزراء للصولي قال: كان العباس بن الحسن يحب أن يرى المكتفي أنه فوق القاسم بن عبيد الله تدبيراً، فقال للمكتفي: إن ابن الأغلب في دنيا عظيمة، ونعم خطيرة، وأريد أن أكاتبه وأرغبه في الطاعة، وأخوفه المعصية. ففعل فأنجح الكتاب، ووجه ابن الأغلب برسول الله شيخٍ ومعه هدايا، ومئتا خادم، وخيل، وبر كثير، وطيب، ومن اللبود المغربية، ومئتان وعشرة آلاف درهم في كل درهم عشرة دراهم، وألف دينار في كل دينار عشرة دنانير، وكتب على الدراهم من وجهين، على كل وجه منها: من الكامل يا سائراً نحو الخليفة قل له ... أن قد كفاك الله أمرك كله بزيادة الله بن عبد الله سي ... ف الله من دون الخليفة سله وفي الجانب الآخر: ما ينبري لك بالشقاق منافقٌ ... إلا استباح حريمه وأذله من لا يرى لك طاعة فالله قد ... أعماه عن سبل الهدى وأضله ووجه إلى العباس بهدايا كثيرة جليلة، وعرفه أنه لم يزل وآباؤه قبله في طاعة الخلفاء. توفي زيادة الله بالرملة في جمادى الأولى سنة أربع وثلاث مئة، ودفن بالرملة فساخ به قبره، فسقف عليه، وترك مكانه.

زياد بن أسامة الحرمازي البصري

زياد بن أسامة الحرمازي البصري وفد على معاوية. حدث جماعة، دخل حديث بعضهم في حديث الآخر: أن المغيرة بن شعبة قال لزياد، وهو بفارس وجهه إليه معاوية: أبا المغيرة، خذ لنفسك من هذا الرجل. قال: أشر علي، فإن المستشار مؤتمن. قال: أرى أن تنقل أصلك إلى أصله، وتصل حبلك بحبله، وتعير الناس منك أذناً صماء. قال: قلت ما لا يكون يا بن شعبة، مغرس في غير منبته، لا عرق يسقيه، ولا مدرة له تغذوه، وقد قال زهير: من الطويل وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل ثم قدم زياد بن معاوية، فجرى بينهما الصلح، وضمن لمعاوية أربعة آلاف ألف فحملها إليه، وأبرأه معاوية من كل مالٍ أصابه، وشخص زياد إلى الكوفة، فكتب إليه معاوية يعرض له بالدعوة فأبى، ثم قدم عليه الشام، فأراده معاوية على الدعوة فقال زياد: كيف! وقد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فحرامٌ عليه أن يراح رائحة الجنة، وقد ولدت على فراش عبيد؟ فقال معاوية: والله إنك لابن أبي سفيان، فنفر من ذلك زياد، فكف عنه معاوية، ثم عاوده فكلمه فيه فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا لا يصح إلا بشهادة قائمةٍ طاهرةٍ، وأمر واضح يثبت به النسب، فقال معاوية: إن من يقوم بهذا ويعلمه، ويشهد به غير واحد. قال: من يقول ذلك؟ قال: جويرية بنت أبي سفيان، فادخل عليها: فقد أخبرتني أنها سمعت أبا سفيان يقول: زياد ابني. فدخل عليها زياد، فقالت: يا أخي، أنت والله ابن أبي سفيان، أشهد على أبي لسمعته غير مرةٍ يقول: إن زياداً ابني. فرجع إلى معاوية فقال: أتزوج بني

بناتك؟ قال: نعم. فادعاه سنة أربع وأربعين، فجمع معاوية أشراف الناس ووجوههم، وخطبهم، وقال: أنشد الله رجلاً كان عنده علم من زياد إلا قام به. فقام المنذر بن الزبير بن العوام، فشهد أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: أشهد أن أبا سفيان أشهدني أن زياداً ابنه، وقام أبو مريم مالك بن ربيعة السلولي، وكان ممن شهد فتح الأبلة، فشهد أن أبا سفيان أقر أن زياداً ابنه، وشهد المستورد بن قدامة الباهلي، وابن أبي بصير الثقفي، وزيد بن نفيل الأزدي، ورجل من بني عمرو بن شيبان، وشعبة بن القلعم المازني، وزياد بن أسامة الحرمازي أن زياداً ابن أبي سفيان. وقام رجل من بني المصطلق فقال: أشهد أن أبا سفيان كان بيني وبين علي بن أبي طالب، وزياد يتكلم عند عمر بعذر أبي موسى، فقال أبو سفيان: والله إنه لابني، وإنه من نطفة أقررتها في رحم أمه سمية. فلما شهد الشهود حمد الله معاوية، ثم قال: إنه من يرد الله رفع خسيسته وإثبات وطيدته يسبب له الأمور، ويجري له المقادير، على ما أحب الناس أو كرهوا، حتى يبلغ المنصب المشهور. وإن زياداً عبدٌ من عبيد الله، امتن الله عليه وعلينا معه بألفة رحمة، فوشجت العروق في منابتها، ومت برحمٍ غير منقطعةٍ، فالحمد لله الذي وصل ما قطع الناس، ولطف لما أجفوا، وحفظ ما ضيعوا. ثم تكلم زياد، فحمد الله وقال: هذا أمر لم أشهد أوله، ولم أدع آخره، وقد قال أمير المؤمنين ما قد سمعتم، وشهدت الشهود بما قد حضرتم، فأنا امرؤ رفع الله مني ما وضع الناس، وحفظ مني ما ضيعوا، فإن يك ما قالوا حقاً فالحمد لله على بلائه عندنا ونعمه علينا، وإن يك ما قالوا باطلاً فقد جعلت الرجال فيما بيني وبين الله عز وجل.

زياد بن جارية التميمي

زياد بن جارية التميمي ويقال زيد والصواب زياد من أهل دمشق. حدث مكحول قال: سئلت على النفل فلم يكن عندي علم، فسألت في العراق والحجاز فلم أجد فيها علماً، فارتفعت يوماً من هذا المسجد يعني مسجد دمشق فمررت بزياد بن جارية التميمي، وهو جالس بفناء داره، فقال: حدثني حبيب بن مسلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الثلث والربع، فسألت عن حبيبٍ قومه، فأخبروني أنه قد صحب. وروي: أن زياد بن جارية التميمي دخل مسجد دمشق، وقد تأخرت صلاتهم الجمعة بالعصر، فقال: والله ما بعث الله نبياً بعد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمركم بهذه الصلاة. قال: فأخذ، فأدخل الخضراء، فقطع رأسه، وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك. زياد بن حبيب الجهني كان من حرس عمر بن عبد العزيز. حدث زياد: أن عمر بن عبد العزيز أمر من كان من الحرس إذا دخل عليه رجل من العجم أن يتحفظ منه الحرس الذي معه ألا يسجد لعمر بن عبد العزيز، فإن غفل الحرسي حتى يسجد نحاه من الحرس، ويقول: إنما السجود لله عز وجل. وفي حديث آخر: إذا أدخل عليه رجل من أهل الذمة.

زياد بن أبي حسان أبو عمار النبطي

وعن زياد بن حبيب قال: جاءت جارية لعمر بن عبد العزيز إلى قصاب وعليه جماعة، فقالت: ويحك روحني، فإن أمير المؤمنين صائمٌ، ومعها درهمٌ تشتري به لحماً. زياد بن أبي حسان أبو عمار النبطي من أهل البصرة. حدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وسبعين مغفرة، منها واحدةً صلاح أمره كله، وثنتان وسبعون درجاتٌ له يوم القيامة ". وفي رواية أخرى: واحدة منهن يصلح الله له بها أمر دنياه وآخرته. ويذكر عن شعبة أنه قال: كان زياد بن أبي حسان نصرانياً في حياة انس بن مالك. وكان شعبة يتكلم فيه. زياد بن سليم ويقال ابن سليمان ويقال ابن سلمى أبو أمامة العبدي المعروف بزياد الأعجم مولى عبد القيس ولقب بالأعجم لعجمةٍ كانت في لسانه. أدرك أبا موسى الأشعري، وعثمان بن أبي العاص، وشهد معهما فتح إصطخر. حدث أبو بركة الأشجعي قال: حضرت امرأة من بني نمير الوفاة، فقيل لها: أوصي. فقالت: نعم، خبروني من القائل: من الوافر لعمرك ما رماح بني نميرٍ ... بطائشة الصدور ولا قصار

فقيل لها: زياد الأعجم، قالت: فأشهدكم أن له ثلث مالي. قال: فحمل له من ثلثها أربعة آلاف درهم. دخل زياد الأعجم على عبد الله بن جعفر، فسأله في خمس دياتٍ، فأعطاه، ثم عاد فسأله في خمس ديات أخر فأعطاه، ثم عاد فسأله في عشر ديات فأعطاه، فأنشأ يقول: من الوافر سألناه الجزيل فما تلكا ... وأعطى فوق منيتنا وزادا وأحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا مراراً لا أعود إليه إلا ... تبسم ضاحكاً وثنى الوسادا كان المغيرة بن المهلب أبرع ولده، وأوفاهم، وأعفهم، وأسخاهم، فلما مات رثاه زياد الأعجم بقصيدته تلك: من الكامل مات المغيرة بعد طول تعرضٍ ... للموت بين أسنةٍ وصفائح قال ابن عائشة: سمعت أبي يقول: إنه أنشدها يزيد بن المهلب، فلما انتهى إلى قوله: وإذا مررت بقبره فاعقر به ... أدم الهجان وكل طرفٍ سابح وانضح جوانب قبره بدمائها ... فلقد يكون أخا دمٍ وذبائح فقال له يزيد: هل عقرت؟ قال: لا. قال: وما منعك؟ قال: كنت على بنت الهمارة يريد الحمارة قال: أما والله لو فعلت ما أصبح في آل المهلب صاهل إلا على مذودك. قال محمد بن عباد المهلبي: قال المأمون: أي قصيدةٍ أرثى؟ قلت: أمير المؤمنين أعلم. قال لي: القصيدة التي قالها زياد الأعجم

زياد بن صخر أبو صخر المري

في المغيرة بن المهلب. ثم قال: أتحفظها؟ قلت: نعم. قال: فخذها علي. فأنشدنيها إلى آخرها، وترك منها بيتاً. قلت: يا أمير المؤمنين، تركت منها بيتاً. قال: ما هو؟ قلت: من الكامل هلا أتاك وفوقه بزاته ... يغشى الأسنة فوق نهد قارح قال: هاه هاه يتهدد المنية ألا أتته ذلك الوقت، هذا أجود بيتٍ فيها. ثم استعادنيه حتى حفظه. وعن الأصمعي قال: لقد بلي هؤلاء القوم من زياد الأعجم بثلاثة لم يمتحن بها أحد من نظرائهم. يعني الأشاقر بطن من الأزد فمن ذلك قوله فيهم: من البسيط قالوا الأشاقر تهجوهم فقلت لهم ... ما كنت أحسبهم كانوا ولا خلقوا قومٌ من الحسب الزاكي بمنزلةٍ ... كالود بالقاع لا أصلٌ ولا ورق لا يكثرون وإن طال الزمان بهم ... ولو يبول عليهم ثعلبٌ غرقوا زياد بن صخر أبو صخر المري حدث عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى تسكن الريح، وإذا حدث في السماء حدثٌ من كسوف شمسٍ أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة حتى ينجلي.

زياد بن عبيد الله بن عبد الله

زياد بن عبيد الله بن عبد الله واسمه عبد الحجر بن عبد المدان واسمه عمرو بن الديان واسمه يزيد بن قطن ابن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب ينتهي نسبه إلى قحطان الحارثي، وفد على مروان بن محمد. حدث زياد بن عبيد الله الحارثي وكان أميراً على المدينة في أيام المنصور قال: خرجت وافداً إلى مروان بن محمد في جماعة ليس فيهم يماني غيري، فلما كنا ببابه دفعنا إلى ابن هبيرة، وهو على شرطه وما وراء بابه، فتقدم الوفد رجلاً رجلاً، كلهم يخطب ويطنب في أمير المؤمنين وابن هبيرة، فجعل يبحثهم عن أنسابهم، فكرهت ذلك، فقلت: إن عرفني زادني عنده شراً، وكرهت أن أتكلم، فلطيت، فجعلت أتأخر رجاء أن يمل كلامهم فيمسك، حتى لم يبق غيري، ثم تقدمت فتكلمت بدون كلامهم، وإني لقادر على الكلام، فقال: ممن أنت؟ قلت: من أهل اليمن. قال: من أيها؟ قلت: من مذحج. قال: إنك لتطمح بنفسك، اختصر. قلت: من بني الحارث بن كعب. قال: يا أخا بني الحارث إن الناس ليزعمون أن أبا اليمن قردٌ، فما تقول في ذلك؟ قلت: وما أقول، أصلحك الله؟ إن الحجة في هذا لغير مشكلة. فاستوى قاعداً وقال: وما حجتك في ذلك؟ قلت: ننظر إلى القرد أبا من يكنى، فإن كان يكنى أبا اليمن فهو أبوهم، وإن كان يكنى أبا قيس فهو أبو من كني به. فنكس، ونكت بظفره في الأرض، وجعلت اليمانية تعض على شفاهها تظن أن قد هويت، والقيسية تكاد تزدردني، ودخل بها الحاجب على أمير المؤمنين، ثم رجع، فقام ابن هبيرة فدخل ثم لم يلبث أن خرج، فقال: الحارثي، فدخلت ومروان يضحك، فقال: إنه عنك وعن ابن هبيرة. فقلت: قال كذا فقلت كذا. فقال: وايم الله لقد حججته، أوليس أمير المؤمنين الذي يقول: من الطويل تمسك أبا قيسٍ بفضل عنانها ... فليس عليها إن هلكت ضمان فلم أر قرداً قبلها سبقت به ... جياد أمير المؤمنين أتان قال زياد: فخرجت، واتبعني ابن هبيرة، فوضع يده بين منكبي، وقال: والله يا أخا بني الحارث ما كان كلامي إياك إلا هفوة، وإن كنت لأربأ بنفسي عن ذلك، ولقد

سرني إذ لقنت علي الحجة ليكون ذلك لي أدباً فيما أستقبل. وأنا لك بحيث تحب، فاجعل منزلك علي. ففعلت، فأكرمني، وأحسن منزلتي. قال ابن دريد: البيتان ليزيد بن معاوية، وذلك أنه حمل قرداً على أتانٍ وحشيةٍ فسبق بينها وبين الخيل. كان زياد بن عبيد الله الحارثي خال أبي العباس أمير المؤمنين والياً لأبي العباس على مكة، فحضر أشعب مائدته في أناس من أهل مكة، وكانت لزياد بن عبيد الله صحفة يخص بها فيها مضيرة من لحم جديٍ، فأتي بها، فأمر الغلام أن يضعها بين يدي أشعب، وهو لا يدري أنها المضيرة، فأكلها أشعب حتى أتى على ما فيها، فاستبطأ زياد بن عبيد الله المضيرة، فقال: يا غلام الصحفة التي كنت تأتيني بها؟! قال: أتيتك بها أصلحك الله، فأمرتني أن أضعها بين يدي أبي العلاء. قال: هنأ الله أبا العلاء. فلما رفعت المائدة قال: يا أبا العلاء وذلك في استقبال شهر رمضان قد حضر هذا الشهر المبارك، وقد رققت لأهل السجن لما هم فيه من الضر ثم لا نهجام الصوم عليهم، وقد رأيت أن أصيرك إليهم فتلهيهم بالنهار وتصلي بهم بالليل. وكان أشعث حافظاً، فقال: أو غير ذلك، أصلح الله الأمير؟ قال: ما هو؟ قال: أعطي الله عهداً ألا آكل مضيرة جدي أبداً. دخل أبو حمزة الربعي من ولد ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب على زياد بن عبيد الله الحارثي، وهو والي المدينة، فقال: أصلح الله الأمير، بلغني أن أمير المؤمنين المنصور وجه إليك بمالٍ تقسمه على القواعد، والعميان، والأيتام. قال: قد كان ذلك، فتقول ماذا؟ قال: تكتبني في القواعد. قال: إنما القواعد اللائي قعدن عن الأزواج، وأنت رجل! قال: فاكتبني في العميان. قال: أما هذا فنعم، اكتبه يا غلام، فقد قال الله عز وجل: " فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ". وأنا أشهد أن أبا حمزة أعمى. قال: واكتب بني في الأيتام. قال: اكتبهم يا غلام، فمن كان أبو حمزة أباه فهو يتيم. قال: فأخذ في العميان، وأخذ بنوه في الأيتام.

زياد بن عبيد وهو الذي ادعاه معاوية

زياد بن عبيد وهو الذي ادعاه معاوية فعرف بزياد بن أبي سفيان أبو المغيرة. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، واستكتبه أبو موسى الأشعري في إمرته على البصرة، وولاه معاوية الكوفة والبصرة، وهو أول من جمع له المصران: الكوفة والبصرة. وقدم دمشق. قيل: إنه ولد عام هاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وقيل: إنه ولد هو والمختار بن أبي عبيد سنة إحدى من الهجرة، ومات في رمضان سنة ثلاث وخمسين. عن الشعبي قال: أتي زياد في رجل توفي وترك عمته وخالته، فقال: هل تدرون كيف قضى عمر فيها؟ قالوا: لا. فقال: والله إني لأعلم الناس بقضاء عمر فيها، جعل العمة بمنزلة الأخ، والخالة بمنزلة الأخت، فأعطى العمة الثلثين، والخالة الثلث. حدث جماعة من الرواة قالوا: لما رجع أبو موسى عن أصبهان بعد دخول الجنود الكور، وقد هزم الربيع أهل بيروذ، وجمع السبي والأموال، فغدا على ستين غلاماً من أبناء الدهاقين تنقاهم وعزلهم، وبعث بالفتح إلى عمر، ووفد وفداً، فجاءه رجلٌ من عنزة فقال: اكتبني في الوفد. فقال: قد كتبنا من هو أحق منك. فانطلق مغاضباً مراغماً، وكتب أبو موسى إلى عمر أن رجلاً من عنزة يقال له: ضبة بن محصن كان من أمره، وقص قصته. فلما قدم الكتاب والفتح والوفد على عمر قدم العنزي، فأتى عمر فسلم عليه فقال: من أنت؟ فأخبره، فقال: لا مرحباً، ولا أهلاً. قال: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل. فاختلف

إليه ثلاثاً يقول له هذا، ويرد عليه هذا، حتى إذا كان اليوم الرابع، فدخل عليه، فقال: ما نقمت على أميرك؟ قال: تنقى ستين غلاماً من أبناء الدهاقين لنفسه، وله جارية تدعى عقيلة تغدى جفنةً وتعشى جفنة، وليس منا رجل يقدر على ذلك، وله قفيزان، وله خاتمان، وفوض إلى زياد بن أبي سفيان وكان زياد يلي أمور البصرة وأجاز الحطيئة بألف. فكتب عمر كلماً، قال: وبعث إلى أبي موسى، فلما قدم حجبة أياماً، ثم دعا به ودعا ضبة بن محصن، ودفع إليه الكتاب، فقال: اقرأ ما كتب، فقرأ: أخذ ستين غلاما لنفسه، فقال أبو موسى: دللت عليهم، وكان لهم فداء ففديتهم، فأخذته فقسمته بين المسلمين. فقال ضبة: والله ما كذب ولا كذبت، فقال: له قفيزان. فقال أبو موسى: قفيز لأهلي أقوتهم به وقفيز في أيديهم للمسلمين يأخذون به أرزاقهم. فقال ضبة: والله ما كذب ولا كذبت. فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى، فلم يعتذر، وعلم أن ضبة قد صدقه. قال: وزياد يلي أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلي؟ فقال: وجدت له نبلاً ورأياً فأسندت إليه عملي. قال: وأجاز الحطيئة بألف. قال: سددت فمه بما لي أن يشتمني، قال: قد فعلت ما فعلت. فرده عمر وقال: إذا قدمت فأرسل إلي زياداً وعقيلة. ففعل، فقدمت عليه عقيلة قبل زياد، وقدم زياد، فأقام بالباب، فخرج عمر وزياد بالباب قائمٌ وعليه ثياب بياض كتان، فقال: ما هذه الثياب؟ فأخبره، فقال: كم أثمانها؟ فأخبره بشيء يسير فصدقه، فقال له: كم عطاؤك؟ قال: ألفان. قال: ما صنعت في أول عطاء خرج لك؟ قال: اشتريت به والدتي فأعتقتها، واشتريت بالثاني ربيبي عبيداً، فأعتقته. قال: وفقت. وسأله عن الفرائض والسنن والقرآن فوجده فقيهاً، فرده وأمر أمراء البصرة أن يسيروا برأيه، وحبس عقيلة بالمدينة، وقال عمر: ألا إن ضبة بن محصن العنزي غضب على أبي موسى في الحق أن أصابه، فارقه مراغماً أن فاته أمر من أمور الدنيا فصدق عليه وكذب، فأفسد كذبه صدقه، فإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى

النار، وكان الحطيئة لقيه فأجازه من غزاة بيروذ، وكان أبو موسى قد ابتدأ غزاتهم وحصارهم حتى فلهم، ثم جازهم، ووكل بهم الربيع، ثم رجع إليهم بعد الفتح فولى القاسم. كان زياد كاتباً للمغيرة بن شعبة، وكتب لعتبة بن غزوان، ثم كتب لأبي موسى الأشعري، وكتب لأبي عامر، وكتب لابن عباس. كان زياد بن عبيد كاتباً لابن عباس على البصرة، فقال الشاعر فيه: من الوافر قد انطقت الدراهم بعد عيٍّ ... رجالاً طالما كانوا سكوتا فما عادوا على جارٍ بخيرٍ ... ولا رفعوا لمكرمةٍ بيوتا كذاك المال يجبر كل عبءٍ ... ويترك كل ذي حسبٍ صموتا قال الشعبي وغيره: أقام علي رضي الله عنه بعد وقعة الجمل بالبصرة خمسين ليلة، ثم أقبل إلى الكوفة واستخلف عبد الله بن عباس على البصرة، قال: فلم يزل ابن عباس على البصرة حتى سار إلى صفين، واستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة بالبصرة، واستخلف زياداً على الخراج وبيت المال والديوان وقد كان استكتبه قبل ذلك، فلم يزالا على البصرة حتى قدم من صفين. وفي حديث: أنه لما أمر ابن عباس على البصرة، وولى زياداً الخراج وبيت المال أقر ابن عباس أن يسمع منه، وكان ابن عباس يقول: استشرته عند هنةٍ كانت من الناس فقال: إن كنت تعلم أنك على الحق، وأن من خالفك على الباطل أشرت عليك بما ينبغي، وإن كنت لا تدري أشرت عليك بما ينبغي لك. فقال له: إني على الحق، وإنهم على الباطل. فقال: اضرب بمن أطاعك من عصاك، ومن ترك أمرك فكان أعز للإسلام أن تضرب عنقه وأصلح له فاضرب عنقه. فلما ولي رأيت ما صنع، وعلمت أن قد اجتهد لي رأيه.

قال الهجيع بن قيسٍ: كتب زياد إلى الحسن والحسين وعبد الله بن عباس يعتذر إليهم في شأن حجر وأصحابه، فأما الحسن فقرأ كتابه وسكت، وأما الحسين فأخذ كتابه فمزقه ولم يقرأه، وأما ابن عباس فقرأ كتابه وجعل يقول: كذب كذب، ثم أنشأ يحدث قال: إني لما كنت بالبصرة كبر الناس بي تكبيرةً، ثم كبروا الثانية، ثم كبروا بي الثالثة، فدخل علي زياد فقال: هل أنت مطيعي يستقم لك الناس؟ قلت: ماذا؟ قال: أرسل إلى فلان وفلان وفلان ناس من الأشراف تضرب أعناقهم يستقم لك الناس. فعلمت أنه إنما صنع بحجر وأصحابه مثل ما أشار به علي. قال عوانة: كانت سمية لدهقان زيدورد بكسكر، وكانت مدينة وهي اليوم قرية فاشتكى الدهقان، وخاف أن يكون بطنه قد استسقى، فدعا الحارث بن كلدة الثقفي، وقد كان قدم على كسرى، فعالج الحارث الدهقان فبرأ، فوهب له سمية أم زياد، فولدت عند الحارث أبا بكرة، وهو مسروح، فلم يقر به ولم ينفه، وإنما سمي أبا بكرة لأنه نزل في بكرة مع مجلى العبيد من الطائف حين أمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيد ثقيف، ثم ولدت سمية نافعاً، فلم يقر بنافع. فلما نزل أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الحارث لنافع: إن أخاك مسروحاً عبد وأنت ابني، فأقر به يومئذ، وزوجها الحارث غلاماً له رومياً يقال له عبيد، فولدت زياداً على فراشه. وكان أبو سفيان صار إلى الطائف فنزل على خمار يقال له أبو مريم السلولي، وكانت لأبي مريم بعد صحبةٌ، فقال أبو سفيان لأبي مريم بعد أن شرب عنده: قد اشتدت بي العزوبة، فالتمس لي بغياً. فقال: هل لك في جارية الحارث بن كلدة سمية امرأة عبيد؟ قال: هاتها على طول ثدييها وذفر إبطيها. فجاء بها إليه، فوقع بها، فولدت زياداً، فادعاه معاوية، فقال يزيد بن مفرغ لزياد: من الوافر تذكر هل بيثرب زيدوردٌ ... قرى آبائك النبط القحاح

قال عوانة: لما توفي علي بن أبي طالب عليه السلام وزياد عامله على فارس، وبويع لمعاوية تحصن زياد في قلعة فسميت به فهي تدعى قلعة زياد إلى الساعة، فأرسل زياد من صالح معاوية على ألفي ألف درهم، وأقبل زياد من القلعة فلقيه مصقلة بن هبيرة وافداً إلى معاوية، فقال له زياد: متى عهدك بأمير المؤمنين؟ قال: عام أول، قال: كم أعطاك؟ قال عشرين ألفاً. قال: فهل لك أن أعطيك مثلها وتبلغه كلاماً؟ قال: نعم. قال: هل له إذا أتيته: أتاك زياد وقد أكل بر العراق وبحره فخدعك فصالحك على ألفي ألف درهم، والله ما أرى الذي يقال إلا حقاً، فإذا قال لك: ما يقال؟ فقل: يقال إنه ابن أبي سفيان. فأبلغ مصقلة معاوية الكلام، فلما قال: إنه يقال إنه ابن أبي سفيان قال: أبى قائلها إلا إثماً، قال فادعاه معاوية، فما أعطى زياد مصقلة العشرين ألف درهم إلا بعد أن ادعاه. قال أبو المهاجر القاضي: كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتق، فبعث زياد بن أبيه إليه فرتق الفتق، وانصرف محموداً عند أصحابه مشكوراً عند أهل الناحية، ودخل على عمر، وعنده المهاجرون والأنصار، فخطب خطبة لم يسمع مثلها حسناً، فقال عمرو بن العاص: لله هذا الغلام، لو كان أبوه قرشياً لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان، وهو حاضر في المجلس: والله إني لأعرف أباه ومن وضعه في رحم أمه. فقال علي: يا أبا سفيان، اسكت فإنك لتعلم أن عمر إن سمع هذا القول منك كان سريعاً إليك بالشر. فأنشأ أبو سفيان. يقول: من الوافر أما والله لولا خوف شخصٍ ... يرانا يا علي من الأعادي

لأظهر أمره صخر بن حربٍ ... ولم يكن المقالة عن زياد فقد طالت مجاملتي ثقيفاً ... وتركي عندهم عرضاً فؤادي فلما قلد علي الخلافة قلد زياد بن أبيه فارس، فضبطها، وحمى قلاعها، وأباد الأعداء بناحيتها، وحمد أثره فيها. واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلك، وكتب إلى زياد: أما بعد فإن العش الذي ربيت فيه معلوم عندنا، فلا تدع أن تأوي كما تأوي الطير في أوكارها، ولولا ما الله أعلم به لقلت ما قاله العبد الصالح: " فلنأتينهم بجنودٍ لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " وكتب في آخر كتابه: من البسيط لله در زيادٍ أيما رجلٍ ... لو كان يعلم ما يأتي ما يذر تنسى أباك وقد خفت نعامته ... إذ يخطب الناس والوالي لنا عمر فافخر بوالدك الأدنى ووالدنا ... إن ابن حربٍ له في قومه خطر إن ابتهارك قوماً لا تناسبهم ... إلا بأمك عارٌ ليس يغتفر فاترك ثقيفاً فإن الله باعدهم ... عن كل فضل به تعلو الورى مضر فالرأي مطرف والعقل تجربةٌ ... فيها لصاحبها الإيراد والصدر فلما ورد الكتاب على زياد قام في الناس فقال: العجب كل العجب من ابن أكلة الأكباد ورأس النفاق يخوفني بقصده إياي، وبيني وبينه ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهاجرين والأنصار. أما والله لو أذن لي في لقائه لوجدني أجم مجساً ضروباً بالسيف. واتصل الخبر بعلي رضي الله عنه، فكتب إلى زياد: أما بعد، وليتك الذي وليتك، وأنا أراك له أهلاً، وإنه قد كان من أبي سفيان فلته من أماني الباطل وكذب النفس لا توجب له ميراثاً، ولا تحل لك نسباً، وإن معاوية يأتي الإنسان من بين يديه ومن خلفه، ومن عن يمينه ومن عن شماله فاحذر، ثم احذر، والسلام. وعن أبي عثمان قال: لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة، فقلت: ما هذا الذي صنعتم؟ إني سمعت سعد بن أبي

وقاص يقول: سمعت أذناي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: من ادعى أباً في الإسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام، فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مفضل بن مهلهل: كتب زياد إلى عائشة: من زياد بن أبي سفيان وهو يريد أن تكتب إليه ابن أبي سفيان فيحتج بذلك فكتبت إليه: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد. وعن محمد بن الحارث، رجل من قريش: أن مرة صاحب نهر مرة أتى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وكان مولاهم، فسأله أن يكتب له إلى زياد في حاجة له، فكتب: من عبد الرحمن إلى زياد، ونسبه إلى غير أبي سفيان، فقال: لا أذهب بكتابك هذا فيضربني، قال: فأتى عائشة فكتبت له: من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان. فلما جاء بالكتاب قال له: إذا كان غد فجئني بكتابك. قال: وجمع الناس فقال: يا غلام اقرأه. قال: فقرأه: من عائشة أم المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان. قال: فقضى له حاجته. كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا كتب إلى عماله فذكر زياداً قال: إن زياداً صاحب البصرة، ولا ينسبه. وعن سعيد بن المسيب قال: أول قضية ردت من قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانيةً قضاء فلانٍ في زياد. وعنه قال: أول من رد قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة معاوية. قال ابن أبي نجيح: أول حكم رد من حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانية الحكم في زياد. قال عمرو بن بعجة: أول ذل دخل على العرب: قتل الحسين، وادعاء زياد. قال عبد الملك بن عمير: شهدت زياد بن أبي سفيان وقد صعد المنبر فسلم تسليماً خفياً، وانحرف انحرافاً بطياً،

وخطب خطبة بتيراء والبتيراء: التي لا يصلى فيها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: إن أمير المؤمنين قد قال ما سمعتم، وشهدت الشهود بما قد علمتم، وإنما كنت امرأ حفظ الله مني ما ضيع الناس، ووصل مني ما قطعوه. إلا أنا قد سسنا وساسنا السائسون، وجربنا وجربنا المجربون، وولينا وولي علينا الوالون، وإنا وجدنا هذا الأمر لا يصلحه إلا شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، وايم الله إن لي فيكم صرعى، فليحذر كل رجل منكم أن يكون من صرعاي، فوالله لآخذن البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر حتى تلين لي قناتكم، وحتى يقول القائل: انج سعد فقد هلك سعيد. ألا رب فرحٍ بإمارتي لن تنفعه، ورب كارهٍ لها لن تضره، وقد كانت بيني وبين أقوام منكم دمنٌ وأحقاد، وقد جعلت ذلك خلف ظهري، وتحت قدمي، فلو بلغني عن أحدكم أن البغض لي قتله ما كشفت له قناعاً، ولا هتكت له ستراً، حتى يبدي صفحته، فإذا أبداها لم أقله عثرته، ألا ولا كذبة أكثر شاهداً عليها من كذبة إمامٍ على منبر، فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في، فإذا وعدتكم خيراً أو شراً فلم أف به فلا طاعة لي في رقابكم. ألا وأيما رجل منكم كان مكتبه خراسان فأجله سنتان، ثم هو أمير نفسه، وأيما رجل منكم كان مكتبه دون خراسان فأجله ستة أشهر ثم هو أمير نفسه، وأيما امرأةٍ احتاجت تأتينا نعطها عطاء زوجها ثم نقاصه به، وأيما عقال فقدتموه من مقامي هذا إلى خراسان فأنا له ضامن. فقام إليه نعيم بن الأهتم المنقري فقال: أشهد لقد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال: كذبت أيها الرجل، ذاك نبيٌّ الله داود عليه السلام. ثم قام إليه الأحنف بن قيس فقال: أيها الرجل، إنما الجواد بشده، والسيف بحده، والمرء بجده، وقد بلغك جدك ما ترى، وإنما الشكر بعد العطاء، والثناء بعد البلاء، ولسنا نثني عليك حتى نبتليك. فقال: صدقت. ثم قام أبو بلال مرداس بن أدية فقال: أيها الرجل قد سمعت قولك: والله لآخذن البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر. ولعمري لقد خالفت ما حكم الله في

كتابه إذ يقول: " ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى "، فقال: إيها عني، فوالله ما أجد السبيل إلى ما تريد أنت وأصحابك حتى أخوض الباطل خوضاً ثم نزل. فقام مرداس بن أدية وهو يقول: من البسيط يا طالب الخير نهر الجور معترضٌ ... طول التهجد أو فتك بجبار لا كنت إن لم أصم عن كل عاتبةٍ ... حتى يكون بريق الجور إفطاري فقال له رجل: أصحابك يا أبا بلال شباب. فقال: شباب متكهلون في شبابهم، ثم قال: من الوافر إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهو سجود فشرى وانجفل الناس معه، وكان قد ضيق الكوفة على زياد. وهذا الشعر يروى على غير هذه القافية أيضاً وهو: من الوافر إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع قال الشعبي: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة بن شعبة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير. وعن الشعبي قال: كان القضاة أربعة والدهاة أربعة، فأما القضاة فعمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأما الدهاة فمعاوية، وعمرو، والمغيرة، وزياد.

قال قميصة بن جابر: صحبت عمر بن الخطاب، فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله تعالى ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مدارسةً منه. وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى الجزيل من مالٍ عن غير مسألةٍ منه، قيل: وكان يسمى الفياض. قال: وصحبت معاوية بن أبي سفيان، فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلاً أبين ظرفاً ولا أحلم جليساً منه، وصحبت زياداً، فما رأيت رجلاً أخصب نادياً، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرةً بعلانية منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. قال الشعبي: ما رأيت أحداً يتكلم إلا أحببت أن يسكت مخافة أن ينقطع إلا زياداً فإنه لا يخرج من حسنٍ إلا إلى حسن. قال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد. قال أحمد بن صالح: زياد أمير البصرة تابعي، ولم يكن يتهم بالكذب قال الأصمعي: مكث زياد على العراق تسع سنين لم يضع لبنةً على لبنةٍ، ولم يغرس شجرةً. قال أبو رجاء العطاردي: ولي زياد البصرة سنة خمس وأربعين، وكان زياد يصيف بالكوفة ويشتو بالبصرة، ومات زياد بالكوفة وهو على المصرين: البصرة والكوفة، وكان إذا غاب عن البصرة استخلف سمرة بن جندب. ومات سنة ثلاث وخمسين في رمضان قريباً من الكوفة. قال أبو إسحاق: غزوت في زمن زياد ست غزوات أو سبع غزوات، ومات زياد قبل معاوية، وما

رأيت قط خيراً من زمن زياد. فقال له رجل: ولا زمن عمر بن عبد العزيز؟ فقال: ما كان زمن زياد إلا عرساً. قال الزهري سمعت رجلاً من أهل الري يقول: سمعت زياداً على المنبر يقول: إن أكذب الناس من قام على رأس مئة ألفٍ فكذبهم. إني والله لا أعدكم خيراً إلا أنجزته لكم، ولا شراً إلا أنجزته لكم، ولا أعاقبكم بذنب حتى أتقدم إليكم فيه، فاتقوا غضب السلطان، فإنه يغضبه ما يغضب الوليد، ويأخذ أخذ الأسد، وله ملك مؤجل، فإذا انقضت مدته كشفه الله عنكم. قال يونس: كان زياد إذا ولى رجلاً عملاً قال له: خذ عهدك، وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتكن وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك: إنا إن وجدناك أميناً ضعيفاً استبدلناك لضعفك، وسلمتك منا أمانتك، وإن وجدناك قوياً خائناً استهنا بقوتك، وأحسنا على خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك، وثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الحرمين عليك المصرين، وإن وجدناك أميناً قوياً زدنا في عملك، ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك، وأوطأنا عقبك. قال عجلان مولى زياد وكان حاجبه، قال: كان زياد إذا خرج من منزله مشيت أمامه إلى المسجد، فإذا دخل مشيت أمامه إلى مجلسه، فدخل مجلسه ذات يوم فإذا هو بهر في زاويةٍ، فذهبت أزجره فقال: دعه. فأرب ماله، ثم صلى الظهر، ثم عاد إلى مجلسه، كل ذلك يلاحظ الهر، فلما كان قبل غروب الشمس خرج جرذ، فوثب إليه فأخذه، فقال زياد: من كانت له حاجة فليواظب عليها مواظب الهر يظفر بها. قال عجلان: قال لي زياد: أدخل علي ويحك رجلاً عاقلاً قال: قلت: لا أعرف من تعني: قال: لا يخفى العاقل في وجهه وقده. فخرجت، فإذا أنا برجل حسن الوجه، مديد

القامة، فصيح اللسان. قلت: ادخل. فدخل، فقال زياد: يا هذا، إني قد أردت مشورتك في أمر، فما عندك؟ فقال: أنا حاقن، ولا رأي لحاقنٍ. قال: يا عجلان، أدخله المتوضأ، قال: ثم خرج فقال: ما عندك؟ فقال: إني جائع، ولا رأي لجائع. قال: يا عجلان، ائت بطعام، فأتي به. قال: فطعم فقال: سل عما بدا لك. فما سأله عن شيء إلا وجد عنده بعض ما يريد. فكتب إلى عماله: لا تنظروا في حوائج الناس وأحد منكم حاقن أو جائع. قال أبو الحسن المدائني: لما ولي زياد العراق صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني قد رأيت خلالاً ثلاثاً نبذت إليكم فيهن النصيحة: رأيت إعظام ذوي الشرف، وإجلال أهل العلم، وتوقير ذوي الأسنان. وإني أعاهد الله عهداً: لا يأتيني شريفٌ بوضيعٍ لم يعرف له حق شرفه إلا عاقبته، ولا يأتيني كهل بحدثٍ لم يعرف له حق فضل سنه على حداثته إلا عاقبته، ولا يأتيني عالم بجاهل لا حاه في علمه ليهجنه عليه إلا عاقبته، فإنما الناس بأشرافهم وعلمائهم وذوي أسنانهم. قال زياد: ثلاثة لا يستخف بهم: عامل السلطان، والعالم، والصديق. فإنه من استخف بالسلطان أفسد دنياه، ومن استخف بالعالم أفسد دينه، ومن استخف بالصديق أفسد مروءته. قال سفيان بن عيينة: قال زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع فيه، ولكن العاقل الذي يحتال للأمر ألا يقع فيه. قال أبو سفيان القرشي: قال زياد: إن مما يجب لله عز وجل على ذي النعمة بحق نعمته ألا يتوصل بها إلى معصيته. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قال رجل في مجلس يونس: قال عمر بن الخطاب ذات يوم: لئن بقيت لأمنعن فروج العربيات إلا من الأكفاء. فقال يونس: رحم الله عمر، لو أدرك تلاعب زياد وبنيه لساءه ذلك.

قال زياد: ما جلست مجلساً قط إلا تركت منه ما لو آخذته لكان لي، وترك بعض ما لي أحب إلي من أخذ ما ليس لي. قال زياد: أكرم الناس مجلساً من إذا أتى مجلساً عرف قدره فجلس مجلسه، وإذا ركب دابة حملها على ما يريد، ولا يدعها تحمله على ما تريد. قال زياد: لو أن لي عشرة دراهم لا أملك غيرها ما تركت نائبةً يلزمني فيها حقٌّ، ولو أن لي مائة ألفٍ ولي بعير أجرب ما ضيعته لكثرة ما لي. قال زياد لجلسائه: من أغبط الناس عيشاً؟ قالوا: الأمير وجلساؤه. فقال: ما صنعتم شيئاً، إن لأعواد المنبر هيبة، وإن لقرع لجام البريد لفزعة، ولكن أغبط الناس عندي رجلٌ له دار لا يجري عليه كراؤها، وله زوجة صالحة قد رضيته فهما راضيان بعيشهما، لا يعرفنا ولا نعرفه، فإنه إن عرفنا وعرفناه أتعبنا ليله ونهاره، وأذهبنا دينه ودنياه. كان الشافعي رحمه الله يقول: تعلموا النحو فإنه والله يزري بالرجل ألا يكون فصيحاً، ولقد بلغني أن رجلاً دخل على زياد بن أبيه فقال له: أصلح الله الأمير، إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ما خلفه لنا. فقال له زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك. قال العتبي: قال زياد: ما من كلام إلا له عندي جواب، فمر به مجنون فقال له: أيسرك أنك من الحور العين؟ فتحير وبهت ثم قال: إن من السكوت جواباً، وإن جواب هذا الكلام السكوت.

قال سلمة بن كهيل: أول من وطىء على سماح الإسلام زياد. قال الحكم بن عوانة: وفد زياد إلى معاوية ومعه أشراف أهل العراق فرجز به ابن حنيق العبادي فقال: قد علمت ضامرة الجياد ... أن الأمير بعده زياد فلم يصل زياد إلى معاوية حتى أتاه الخبر، وما قاله ابن حنيق وإقرار زياد بذلك ومعاوية يربص لابنه ما يربص من الخلافة ثم أذن للناس، فأخذوا مجالسهم، ثم دخل زياد فلم يدعه إلى مجلس حتى قام له رجل من أهل العراق فجلس في مجلسه، فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: هذه الخلافة أمر من أمر الله، وقضاء من قضاء الله، وإنها لا تكون لمنافق، ولا لمن صلى خلف إمام منافق يعرض بزياد حتى عرف زياد وقام الناس، حتى إذا كان الليل أرسل معاوية إلى حضين بن المنذر الذهلي، فدعاه وأدناه حتى كان قريباً منه، ثم أجلسه، وألقيت تحته وسادة، ثم قال له معاوية: بلغني أن لك عقلاً ورأياً وعلماً بالأمور، فأخبرني: ما فرق ملأها؟ قال: قتل أمير المؤمنين عثمان. قال: ما صنعت شيئاً. قال: مسير علي إلى عائشة وطلحة والزبير، ومسير علي إليك وقتالكم بصفين والذي كان بينكم من سفك الدماء والاختلاف. قال: ما صنعت شيئاً. قال: فأخبرني يا أمير المؤمنين، فحمد الله معاوية ثم قال: إن الله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق. فدعا الناس إلى الإسلام، فعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الله عز وجل حتى قبضه الله، وعصمه بالوحي، ثم استخلف المسلمون أبا بكر فكان أفضل من تعلم وتعلمون، فعمل أبو بكر بكتاب الله وسنة رسوله حتى قبضه الله إليه، ثم استخلف أبو بكر على المسلمين عمر، فعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسنة أبي بكر، حتى أصاب عمر من قضاء الله ما أصابه، فخير بين ستة فجعلها شورى، ولم تجب إلا بجعلها بينهم، وكانوا خير من يعلم على الأرض، فلما جلسوا لها، وتنازعوها دعا كل رجل منهم إلى نفسه، فقال عبد الرحمن: أيكم يخرج منها ويستخلف فأبى القوم وكان أزهدهم فيها فقلدوها إياه فاستخلف عثمان، فما زال كل رجل من أهل الشورى يطمع فيها، ويطمع له فيها أحباؤهم حتى وثبوا على

عثمان فقتلوه، واختلفوا بينهم حتى قتل بعضهم بعضاً. فهذا الذي سفك دماء هذه الأمة وشق عصاها وفرق ملأها. حدث هشام بن محمد عن أبيه قال: كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب، فلما قدم زياد الكوفة والياً عليها أخافه، وطلبه زياد، فأتى الحسن بن علي، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم، وأخذ ماله، وهدم داره، فكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن علي إلى زياد، أما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله وعياله فحبستهم، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله، فإني قد أجرته، فشفعني فيه، فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة، أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة، وأنا سلطان وأنت سوقة، كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله وشر من ذلك توليه، إياك وإياك، وقد علمت أنك قد آويته إقامة منك على سوء الرأي، ورضًى منك بذلك. وايم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك. وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا فزع عليك، فإن أحب لحمٍ إلي آكله للحم الذي أنت منه، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك. فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسم، وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح، وكتابه إلى زياد فيه، وإجابة زياد إياه، ولف كتابه في كتابه، وبعث به إلى معاوية، وكتب الحسن إلى زياد: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية، وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام، وكتب إلى زياد: أما بعد فإن الحسن بن علي بعث بكتابك إلي جواب

كتابه إليك في ابن سرح، فأكثرت التعجب منك، وعلمت أن لك رأيين: أحدهما من أبي سفيان، والآخر من سمية، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم، وأما رأيك من سمية فما يكون رأي مثلها، ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه، وتعرض له بالفسق، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن، ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه. وإن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعاً عليك، وإن ذلك لم يضعك، وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك. فإذا قدم عليك كتابي فخل ما في يديك لسعيد بن سرح، وابن له داره، ولا تعرض له، واردد عليه ماله، فقد كتبت إلى الحسن أن يخبر صاحبه إن شاء أقام عنده، وإن شاء رجع إلى بلده، ليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان. وأما كتابك إلى الحسن باسمه ولا تنسبه إلى أبيه فإن الحسن ويلك من لا يرمى به الرجوان! أفإلى أمه وكلته! لا أم لك، هي فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وتلك أفخر له، إن كنت تعقل. وكتب في أسفل الكتاب: من الطويل تدارك ما ضيعت من بعد خبرةٍ ... وأنت أريبٌ بالأمور خبير أبا حسن يا بن الذي كان قبله ... إذا سار الموت حيث يسير وهل يلد الرئبال إلا نظيره ... فذا حسنٌ شبهٌ له ونظير ولكنه لو يوزن الحلم والحجى ... برأي لقالوا فاعلمن ثبير جاء زياد بن أبي سفيان إلى معقل بن يسار فقيل له: هذا الأمير على الباب. فقال: لا يدخل علي أحد غير الأمير. فدخل، فألقيت له وسادة، فنظر إليه فقال: يا معقل، ألا تزودنا منك شيئاً؟ كان الله ينفعنا بأشياء نسمعها منك. فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس من والٍ يلي أمةً قلت أو كثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله

عز وجل في جهنم ". فاطرق ساعةً ثم قال: شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من وراء وراء؟ قال: بل سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي برزة الأسلمي: أنه دخل على زياد فقال: إن من شر الرعاء الحطمة. فقال له: اسكت فإنك من نخالة أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: يا للمسلمين! وهل كان لأصحاب محمد نخالة؟ بل كانوا لباباً، بل كانوا لباباً، والله لا أدخل عليك ما كان في الروح. قال أبو معشر: كان حجر بن عدي رجلاً من كندة، وكان عابداً لم يحدث قط إلا توضأ، ولم يهرق ماءً إلا توضأ، وما توضأ إلا صلى، وكان مع علي بن أبي طالب في زمانه، فلما قتل علي، وكانت الجماعة على معاوية اعتزل حجر وناسٌ من أصحابه وزياد معهم نحو أرض فارس، فقال بعضهم لبعض: ما تصنعون نحن وحدنا والجماعة على معاوية؟ أرسلوا رجلاً يأخذ لنا الأمان من معاوية. فاختاروا زياداً اختياراً فأرسلوه إلى معاوية، فأخذ لهم الأمان، وبايعوا على سنة الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، العمل بطاعته. فأعجب معاوية عقل زيادٍ فقال: يا زياد، هل لك في شيء؟ أعترف أنك أخي، وأؤمرك على العراق. قال: نعم. بلغ الحسن بن علي أن زياداً يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فقال: اللهم لا تقتلن زيادا، وأمته حتف أنفه فإنه كان يقال: إن في القتل كفارة. قال عبد الرحمن بن السائب: جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي

رضي الله عنه. قال عبد الرحمن: فإني لمع نفرٍ من الأنصار، والناس في أمر عظيم، قال: فهومت تهويمةً، فرأيت شيئاً أقبل طويل العنق مثل عنق البعير، أهدب، أهدل، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا النقاد ذو الرقبة، بعثت إلى صاحب هذا القصر. فاستيقظت فزعاً، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا. فأخبرتهم. قال: ويخرج علينا خارج من القصر فقال: إن الأمير يقول لكم: انصرفوا عني فإني عنكم مشغول. وإذا الطاعون قد ضربه، فأنشأ عبد الرحمن بن السائب يقول: من البسيط ما كان منتهياً عما أراد بنا ... حتى تناوله النقاد ذو الرقبه فأثبت الشق منه ضربة ثبتت ... كما تناول ظلماً صاحب الرحبه وفي رواية: فإذا الفالج قد ضربه. حدث محمد بن إدريس الشافعي قال: أوصى زياد فقال: هذا ما أوصى به زياد بن أبي سفيان حيث أتاه من أمر الله ما ينتظر، ومن قدرته ما لا ينكر، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف ربه، وخاف ذنبه، وأن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوصى أمير المؤمنين، وجماعة المسلمين بتقوى الله حق تقاته، ولا يموتن إلا وهم مسلمون، وأن يتعاهدوا كبير أمرهم وصغيره، فإن الثواب في الكبير على قدره في التحمل له، والصبر غير قليل في حاجتهم إليه وطاعتهم الله فيه، وإن جعل لعباده عقولاً عاقبهم بها على معصيته، وأثابهم على طاعته، والناس بين محسن بنعمة الله عليه ومسيء بخذلان الله إياه، ولله النعمة على المحسن، والحجة على المسيء، فما أحق من تمت نعمة الله عليه في نفسه، ورأى العبرة في غيره، بأن يضع الدنيا بحيث وضعها الله، فيعطي ما عليه منها، ولا يتكثر مما ليس له فيها، فإن الدنيا دار لا سبيل إلى بقائها، ولا بد من لقاء الله، فأحذركم الله الذي حذركم نفسه، وأوصيكم بتعجيل ما أخرت العجزة حتى صاروا إلى دار ليست لهم منها أوبةٌ، ولا يقدرون فيها على توبة، وأنا أستخلف الله عليكم، وأستخلفه منكم.

زياد بن عثمان بن زياد

وعن أبي كعب الجرموزي: أن زياداً لما قدم الكوفة قال: أي أهل الكوفة أعبد.؟ قيل: فلان الحميري. فأرسل إليه فأتاه فإذا سمت ونحو، فقال زياد: لو مال هذا مال أهل الكوفة معه، فقال له: إني بعثت إليك لخير. قال: إني إلى الخير لفقير. قال: بعثت إليك لأنولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج؟ قال: سبحان الله! والله لصلاةٌ واحدة في جماعة أحب إلي من الدنيا كلها، ولزيادة أخٍ في الله، وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها، فليس إلى ذلك سبيل. قال: فاخرج فصل في جماعة، وزر إخوانك، وعد المريض، والزم شأنك. قال: سبحان الله! أرى معروفاً لا أقول فيه!؟ أرى منكراً لا أنهى عنه!؟ فوالله لمقام من ذلك واحدٌ أحب إلي من الدنيا كلها. قال: يا أبا المغيرة، فهو للسيف. قال: للسيف. فأمر به فضربت عنقه. قال جعفر أحد رواة الحديث: فقيل لزياد، وهو في الموت: أبشر. قال: كيف وأبو المغيرة بالطريق؟! زياد بن عثمان بن زياد المعروف بأبي سفيان البصري قال أبو عمرو بن المبارك: دخل زياد بن عثمان بن زياد على سليمان بن عبد الملك، وقد توفي ابنه أيوب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الرحمن بن أبي بكرة كان يقول: من أحب البقاء فليوطن نفسه على المصائب. زياد بن عياض الأشعري عن الشعبي قال: شهدت عبداً بالأنبار فقال يعني عياضاً الأشعري: ما لي لا أراكم تقلسون؟ كانوا في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلونه.

زياد بن مخراق أبو الحارث البصري

التقليس: الجواري والصبيان على أفواه الطرق يلعبون بالطبل وغير ذلك. قال الشعبي: مر عياض الأشعري بالأنبار فقال: ما لي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة. وعن قيس بن سعد بن عبادة قال: ما من شيء كان على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قد رأيته إلا شيئاً واحداً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقلس له يوم الفطر. وعن زياد بن عياض قال: صلى بنا عمر بن الخطاب العشاء بالجابية فلم أسمعه قرأ فيها وفي الحديث طول. وفي رواية أخرى: صلى بنا عمر بن الخطاب المغرب، فلم يقرأ بنا فيها، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك لم تقرأ. زياد بن مخراق أبو الحارث البصري مولى مزينة. حدث زياد بن مخراق عن عبد الله بن عمر قال: أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن فقال: تياسرا، وتطاوعا، وبشرا، ولا تنفرا، قال: فقدما اليمن، فخطب الناس معاذ بن جبل، فحضهم على الإسلام، وأمرهم بالصدقة والقرآن، فقال: إذا فعلتم ذلك فسلوني أخبركم بأهل الجنة وأهل النار، فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا، فقالوا لمعاذ: كيف أمرتنا إذا نحن تفقهنا، فقال: إذا ذكر أحدكم بخير فهو من أهل الجنية، وإذا ذكر بسوء أو بشر فهو من أهل النار.

زياد بن معاوية بن ضباب

وحدث زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، أو قال: إني لأرحم الشاة إن أذبحها. فقال: والشاة إن رحمتها رحمك الله. كان زياد بن مخراق ثقة. زياد بن معاوية بن ضباب ابن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث ابن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، أبو أمامة وقيل: أبو ثمامة، المعروف بالنابغة الذبياني أحد شعراء الجاهلية المشهورين، وفد على عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان عنده حين وفد عليه حسان بن ثابت، وامتدح عمراً بقصيدته التي أولها: من الطويل كليني لهمٍ يا أميمة ناصب...................... وهي من مختارشعره، وهي التي يقول فيها: رقاق النعال طيبٌ حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب وسمي النابغة بقوله: من الوافر وحلت في بني القين بن جسرٍ ... فقد نبغت لنا منهم شؤون قيل لحسان بن ثابت: من أشعر الناس؟ قال: أبو أمامة، يعني النابغة الذبياني. قال أبو عمرو بن العلاء: كان أوس بن حجر فحل العرب، فلما نشأ النابغة طأطأ منه.

ذكر يحيى بن مالك عند أبي عمرو بن العلاء النابغة وزهيراً، فقال أبو عمرو: ما كان زهير يصلح أن يكون أجيراً للنابغة. قال ربعي بن حراش: وفدنا إلى عمر بن الخطاب فقال: من الذي يقول: من الطويل حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً ... وليس وراء الله للمرء مذهب فلست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب قالوا: النابغة. قال: فمن القائل: من البسيط إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فازجرها عن الفند قالوا: النابغة. قال: فمن القائل: من الوافر أتيتك عارياً خلقاً ثيابي ... على وجل تظن بي الظنون فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوحٌ لا يخون قالوا: النابغة. قال: فمن الذي يقول: من الوافر ولست بذاخرٍ لغدٍ طعاماً ... حذار غدٍ لكل غدٍ طعام

قلنا: النابغة. قال: النابغة أشعر شعرائكم وأعلم الناس بالشعر. كان يقال: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب قال حسان بن ثابت: خرجت وافداً إلى النعمان بن المنذر، فلما قدمت بلاده لقيني رجل، فسألني عن وجهتي، وما أقدمني، فأخبرته، فأنزلني عليه، وإذا هو صانعٌ من أهل تلك البلاد فقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من أهل الحجاز، قال: من أي الحجاز؟ قلت: من أهل يثرب. قال: كن خزرجياً. قلت: إني من بني الخزرج. قال كن نجارياً. قلت: إني من بني النجار. قال: كن حسان. قلت: أنا هو. قال: قد كنت أحب لقاءك، وأنا أصف لك أمر هذا الرجل، فليس أحد أخبر به مني، وما ينبغي أن تعرفه من أمره، ويكون عملك به فيه، إنك إذا لقيت حاجبه فانتسبت له، وذكرت مقدمك تركك شهراً لا يرد عليك شيئاً، ثم يقول لك: فيم تلقاه؟ من أنت زعمت؟ فتنتسب له فيعرفك، وما أقدمك، ثم يتركك ستاً، ثم يستأذن لك، فإذا دخلت على النعمان فستجد عنده قوماً يستنشدونك، فلا تنشد حتى يستنشدك هو، فإذا أنشدت ثم قطعت فسيستنشدك من عنده، ويقولون: أنشدنا. فلا تنشد حتى يستنشدك هو، فإذا فعلت ذلك فانظر ما ثوابه، وما يكون منه، فهذا ما ينبغي أن تعرفه من خبره، فيكون عملك عليه. فلقيت الحاجب، فوجدت الذي وصف لي صحيحاً، ثم أدخلني على النعمان، فاستنشدني من عنده، فلم أنشد حتى استنشدني هو. فلما أنشدت أعجب بشعري هو والحضور، وقالوا: زدنا، وأنشدنا. فلم أجبهم حتى استزادني هو، فزدت، فأكرمني، وأجازني. وانصرفت إلى صاحبي، فأخبرته، فقال: لا يزال هكذا حتى يقدم أبو أمامة، يعني النابغة فإذا قدم فلا حظ لأحد فيه من الشعراء. قال حسان: فأقمت على بابه أياماً، ثم دخلت عليه ليلة العشاء، فأتي ببطيخ، فأكل منه جلساؤه، وامتلأ وجه واحدٍ منهم ببعض البطيخ، فضحك منه بطال على باب النعمان، فنظر إليه النعمان، فقال:

أبجليسي!؟ احرقا صيلقيه بالشمعة، فأحرق صيلقاه، والصيلقان ناحيتا العنق. قال: وأقمت على ذلك أياماً في لطف منه وكرامة، فأتيته يوماً كانت ترد عليه فيه النعم السود، ولم يكن بأرض العرب بعير أسود إلا للنعمان، فإني لجالس إذ سمعت صوتاً من خلف قبته يقول: من الرجز أنام أم يسمع رب القبه ... يا أوهب الناس لعنسٍ صلبه ضرابةٍ بالمشفر الأدبه ... ذات نجاءٍ في يديها جذبه الجذب: الطول. قال النعمان: أبو أمامة. أدخلوه. فلما دخل أنشده قصيدته البائية: ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب وقصيدته العينية: خطاطيف حجنٍ في حبالٍ متينةٍ ... تمد بها أيدٍ إليك نوازع قال: فأمر له بألف بعير من الإبل السود فيها رعاؤها، ومظالها، وكلابها. قال فانصرفت، وما أدري أكنت له أحسد على جودة شعره أم على ما أصاب من جزيل عطيته. قال: ثم عدت إلى صاحبي فأخبرته، فقال: ارحل، فلا شيء لك عنده بعد مقدمه. فرجعت إلى بلادي. حدث زكريا مولى الشعبي: أن النابغة الذبياني قال للنعمان بن المنذر: من الوافر تزال الأرض إما مت حقاً ... وتحيا ما حييت بها ثقيلا

فقال النعمان: هذا بيت إن أنت لم تتبعه ما يوضح معناه فهو إلى الهجاء أقرب منه إلى المدح. فأراد ذلك النابغة، فعسر عليه، فقال: أجلني، فقال: قد أجلتك ثلاثاً. فإن أنت أتبعته ما يوضح معناه فلك مئةٌ من العصافير نجائب. وإلا فضربةٌ بالسيف أخذت منك ما أخذت. فأتى النابغة زهير بن أبي سلمى فأخبره الخبر، فقال زهير: اخرج بنا إلى البرية، فإن الشعر بريٌّ. فخرجا، وتبعهما ابن لزهير يقال له كعب، فقال: يا عم، اردفني. فصاح به أبوه، فقال: دع ابن أخي يكون معنا، فأردفه، فتحاولا البيت ملياً، فلم يأتهما ما يريدان، فقال كعب: يا عم، ما يمنعك أن تقول: وذاك بأن حللت العز منها ... فتعمد جانبيها أن يميلا قال النابغة: جاء بها ورب البيت، لسنا والله في شيء، قد جعلت لك يا بن أخي ما جعل لي. قال: وما جعل لك يا عم؟ قال: مئة من العصافير نجائب. قال: ما كنت لآخذ على شعري صفداً. فأتى بها النابغة النعمان، وأخذ منه مئة ناقة سوداء الحدقة. دخل يزيد بن مزيد على الرشيد، فقال له: يا يزيد، من الذي يقول فيك: من البسيط لا يعبق الطيب كفيه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل قد عود الطير عاداتٍ وثقن بها ... فهن يتبعنه في كل مرتحل قال: لا أدري يا أمير المؤمنين. قال: أفيقال فيك مثل هذا الشعر ولا تعرف قائله؟ فانصرف خجلاً، فقال لحاجبه: من بالباب من الشعراء؟ فقال: مسلم بن الوليد. قال: ومنذ كم هو بالباب؟ قال: مذ زمان طويل، منعته من الوصول إليك لما عرفته من إضاقتك. قال: أدخله. فدخل فأنشده: من البسيط أجررت حبل خليعٍ في الصبا عزل ... وقصرت همم العذال عن عذلي

زياد بن معاوية بن يزيد

حتى ختمها، فقال الوكيل: بع ضيعتي الفلانية، وأعطه نصف ثمنها، واحتبس نصفا لنفقاتنا. فباعها بمئة ألف درهم، فأعطى مسلماً خمسين ألفاً، ورفع الخبر إلى الرشيد، فاستحضر يزيد وسأله، فأعلمه الخبر، فقال: قد أمرت لك بمئتي ألف درهم، استرجع الضيعة بمئة ألف، وتزيد الشاعر خمسين ألفاً، وتحبس خمسين ألفاً لنفسك. قالوا: وسرق مسلم بن الوليد هذا المعنى من النابغة في قوله: من الطويل إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ... عصائب طيرٍ تهتدي بعصائب جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب لهن عليهم عادةٌ قد عرفنها ... إذا عرض الخطي فوق الكواثب الكواثب: ما يقرب من منسج الفرس. زياد بن معاوية بن يزيد ابن عمر بن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، أبو خالد الأموي. حدث زياد عن روح بن الهيثم الغساني بسنده: أن الوليد بن عبد الملك حين هدم الكنيسة التي كانت في مغارب المسجد وجدوا في حائطها الغربي حجراً فيه كتاب بالسرياني، فطلبوا من يقرؤه، فلم يجدوا أحداً يقرؤه، ثم أتاه رجل من اليهود فقال له: وهب بن منبه يقرأ كل كتاب. فبعث الوليد إلى وهب، فقدم إليه، فقرأه. فبكى بكاءً شديداً، فأتوا الوليد فقالوا: يا أمير المؤمنين، هو يبكي منذ قرأه، ثم جاءه، فقال له: يا وهب، ايش رأيت في الحجر؟ قال: رأيت فيه: ابن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طويل ما ترجو من أملك، فإنما تلقى ندمك إن زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وفارقك الحبيب، وودعك القريب، فلا أنت إلى أهلك بعائد، ولا في عملك بزائد، فاحتل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة.

زياد بن ميسرة

زياد بن ميسرة وهو زياد بن أبي زياد المدني مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وفد على عمر بن عبد العزيز، وكانت له منه منزلة. حدث زياد بن أبي زياد قال: انصرفت من الظهر أنا وعمر حين صلاها هشام بن إسماعيل بالناس إذ كان على المدينة إلى عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة يعوده في شكوى له، قال: فما قعدنا، ما سألنا عنه إلا قياماً. قال: ثم انصرفنا، فدخلنا على أنس بن مالك في داره، وهي إلى جنب دار أبي طلحة، قال: فلما قعدنا أتته الجارية فقالت: الصلاة يا أبا حمزة. قال: قلنا: أي صلاةٍ رحمك الله. قال: العصر. قال: فقلنا لهما: صلينا الظهر الآن! قال: فقال: إنكم تركتم الصلاة حتى نسيتموها، أو قال: نسيتموها حتى تركتموها. إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بعثت والساعة كهاتين ومد إصبعية السبابة والوسطى. " وحدث زياد بن مولى ابن عياش عن ابن عياش: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قعد على قبر سعد بن معاذ، ثم استرجع، فقال: لو نجا أحدٌ من فتنة القبر أو ألمه أو ضمه لنجا سعد بن معاذ، لقد ضم ضمةً ثم روخي عنه. أذن عمر بن عبد العزيز لزياد بن أبي زياد، والأمويين هناك ينتظرون الدخول عليه، قال هشام: أما رضي ابن عبد العزيز أن يصنع ما يصنع حتى أذن لعبد ابن عياش يتخطى رقابنا!؟ فقال الفرزدق: من هذا؟ قالوا: رجلٌ من أهل المدينة من القراء عبدٌ مملوك. فقال الفرزدق: من البسيط يا أيها القارىء المقضي حاجته ... هذا زمانك إني قد خلا زمني وفي رواية: يا أيها القاريء المرخي عمامته.

كان زياد مولى ابن عياش قد أعانه الناس على فكاك رقبته، وأسرع الناس في ذلك، ففضل بعد الذي قوطع عليه مالٌ كثير، فرده زياد إلى من كان أعانه بالحصص، وكتبهم عنده، فلم يزل يدعو لهم حتى مات. وكان زياد معتزلاً يلبس الصوف، ولا يأكل اللحم، لا يكاد يجلس مع كل أحد، إنما هو أبداً يخلو وحده بعد العصر وبعد الصبح، وكان فيه لكنة. قال مزاحم مولى عمر بن العزيز: اشترين لعمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة للوليد، كساء خز بست مئة دينار أو بسبع مئة دينار، فجعل يجسه ويقول: إنه لخشن: فلما ولي الخلافة قال: إني لأجد البرد بالليل. فاشتريت له كساءً بعشرة دراهم، فلما أتيته به جعل يجسه ويقول: إنه للين. فضحكت، فقال: مم تضحك؟ فقلت: أما تذكر حين اشترين لك كساءً بست مئة دينار أو بسبع مئة دينار فجعلت تقول: إنه لخشن وتقول لهذا: إنه للين! فقال: يا مزاحم، والله لئن كان عيش سليمان بن عبد الملك وعيش زياد مولى ابن عياش واحداً: لأن أعيش في الدنيا بعيش سليمان أحب إلي، ولئن كان زياد مولى ابن عياش صبر في الدنيا على العيش الذي يعيشه لكي يطيب له العيش في الآخرة، فوالله لأن أصبر على مثل عيش زياد هذه الأيام القلائل ليطيب لي العيش في الآخرة في تلك الأيام الكثيرة أحب إلي. قال زياد مولى ابن عياش: لو رأيتني وقد دخلت على عمر بن عبد العزيز في ليلةٍ شاتيةٍ، وفي بيته كانون، وعمر على كتابه، فجلست أصطلي على الكانون، فلما فرغ من كتابه مشى إلي عمر حتى جلس معي على الكانون، وهو خليفة، فقال: زياد بن أبي زياد، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال: قص علي. قلت: يا أمير المؤمنين، لست بقاص. قال: فتكلم. قلت: زياد. قال: وما له؟ قال: لا ينفعه من دخل الجنة غداً إذا دخل النار، ولا يضره من دخل النار غدا إذا دخل الجنة. قال: صدقت والله، ما ينفعك من دخل الجنة إذا دخلت النار، ولا يضرك من دخل النار إذا أنت دخلت الجنة. قال: فلقد رأيت عمر يبكي حتى طفىء بعض ذلك الجمر الذي على الكانون.

قال عمر بن عبد العزيز لعبد بني مخزوم: إني أخاف الله فيما دخلت فيه. فقال له: لست أخاف عليك أن تخاف، ولكني أخاف عليك ألا تخاف. قال محمد بن المنكدر: إني خلفت زياد بن أبي زياد، وهو يخاصم نفسه في المسجد، يقول: اجلسي، أين تريدين، أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟ قال: وكان يقول لنفسه: ما لك من الطعام، يا نفس، إلا هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب إلا هذين الثوبين، وما لك من النساء إلا هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا أصبر على هذا العيش. قال إبراهيم الزهري: جلس إلي يوماً زياد مولى ابن عياش قال: يا عبد الله، قلت: وما تشاء؟ قال: ما هي إلا الجنة والنار. قلت: والله ما هي إلا الجنة والنار. قال: وما بينهما منزل تنزله العباد. قال: فوالله إن نفسي لنفس أضن بها عن النار، والصبر اليوم عن معاصي الله خير من الصبر على الأغلال. قال زياد بن أبي زياد: أنا من أن أمنع الدعاء أخوف من أن أمنع الإجابة. قال سفيان بن عيينة: قال زياد بن أبي زياد لمحمد بن المنكدر وصفوان بن سليم: الجد الجد، والحذر الحذر، فإن يكن الأمر على ما نرجوه كان ما عملتما فضلاً، وإلا لم تلوما إلا أنفسكما. قال سفيان، وقال عامر بن عبد الله: والله لأجهدن، ثم والله لأجهدن، فإن نجوت فبرحمة ربي، وإلا لم ألم إلا نفسي.

زياد بن النضر أبو الأوبر

زياد بن النضر أبو الأوبر ويقال أبو عائشة. ويقال: أبو عمر الحارثي من أهل الكوفة، وفد على يزيد بن معاوية. حدث زياد الحارثي عن أبي هريرة قال: قال له رجل: أنت الذي تنهى الناس عن صوم يوم الجمعة؟ قال: لا ورب هذه البنية أو هذه الحرمة ما أنا نهيت عنه، محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله. وعن أبي الأوبر قال: قال أبو هريرة: ورب هذه البنية لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعلين حتى قضى صلاته. قال زياد بن النضر الحارثي: كنت صديقاً ليزيد بن معاوية قبل أن تفضي الخلافة إليه، فلما أفضت إليه أتيته فأكرمني، وأنزلني في الدار معه، فلما كان ذات يوم استحم ثم جاء يخطر في مشيته، عليه سبتية مضلعةٌ كأن جلده يقطر دماً، فما رأيت منظراً أحسن منه، فألقي له كرسي، فجلس عليه، ثم قال: يا أبا عمر قم فاستحم. ففكرت في نفسي وفي غضون جلدي فقلت: لا يراها مني أبداً، فقلت: يا أمير المؤمنين، إذا أفضت علي الماء أخذتني قشعريرة. فقال: لا عليك، يا جارية، اسقيني، قال: فأتته جارية حسناء في يدها إناء فيه شراب ما رأيت شراباً أحسن منه. قال: فشرب حتى أتى عليه، ثم قال: يا جارية، اسقي أبا عمر. قال: فقلت في نفسي: إنا لله إنا إليه راجعون، الخمر ورب الكعبة! قال: فقلت في نفسي: شربة وأتوب. قال: فجاءتني بالقدح، فشربت، فوالله ما سلسلت شراباً قط مثله. قال: فلما فرغت قال: أبا عمر، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: أتدري ما هذا الشراب؟ قلت: لا والله إلا أني لم أسلسل شراباً مثله. قال: هذا رمان حلوان، بعسل أصبهان، بزبيب الطائف، بسكر الأهواز، بماء بردى.

حدث زياد بن النضر الحارثي قال: كنا على غدير لنا في الجاهلية، ومعنا رجل من الحي يقال له عمرو بن مالك، معه بنية له شابة، على ظهرها ذؤابة، فقال له أبوها: خذي هذه الصفحة وأتى الغدير فجيئينا بشيء من مائه. فانطلقت، فوافقها عليه جانٌّ، فاختطفها فذهب بها، فلما فقدناها نادى أبوها في الحي، فخرجنا على كل صعبٍ وذلول، وقصدنا كل شعبٍ ونقبٍ، فلم نجد لها أثراً، ومضت على ذلك السنون، حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فإذا هي قد جاءت، وقد عفا شعرها وأظفارها، وتغيرت حالها، فقال لها أبوها: أي بنية! أين كنت!؟ وقام إليها يقبلها، ويشم ريحها، فقالت: يا أبه، أتذكر ليلة الغدير؟ قال: نعم. قالت: فإنه وافقني عليه جانٌّ، فاختطفني، فذهب بي، فلم أزل فيهم حتى إذا كان الآن غزا هو وأهله قوماً مشركين أو غزاهم قوم مشركون فجعل لله عليه نذراً إن هم ظفروا بعدوهم أن يعتقني، ويردني إلى أهلي، فظفروا، فحملني فأصبحت عندكم، وقد جعل بيني وبينه إمارة إن احتجت إليه أن أولول بصوتي، فإنه يحضرني. قال: فأخذ أبوها من شعرها وأظفارها، وأصلح من شأنها، وزوجها رجلاً من أهله، فوقع بينها وبينه ذات يوم ما يقع بين المرأة وزوجها، فعيرها، وقال: يا مجنونة، والله إن نشأت إلا في الجن، فصاحت وولولوت بأعلى صوتها، فإذا هاتفٌ يهتف: يا معشر بني الحارث، اجتمعوا فكونوا حياً كراماً. فاجتمعنا، فقلنا: من أنت يرحمك الله، فأنا نسمع صوتاً ولا نرى شخصاً!؟ قال: أنا راب فلانةٍ، رغبتها في الجاهلية بحسبي، وصنتها في الإسلام بديني، ووالله إن نلت منها محرماً قط، واستغاثت في هذا الوقت، فحضرت، فسألتها عن أمرها، فزعمت أن زوجها عيرها بأن كانت فينا، ووالله لو كنت تقدمت إليه لفقأت عينه. قال: فقلنا: يا عبد الله، لك الحباء والجزء والمكافأة فقال: ذاك إليه يعني الزوج قال: فقامت إليه عجوز من الحي فقالت: أسألك عن شيء؟ قال: سلي. قالت: إن لي بنية عراساً أصابتها حضنة، فتمزق رأسها، وقد أخذتها حمى الربع، فهل لها من دواء؟ قال: نعم، اعمدي إلى باب الماء الطويل القوائم الذي يكون على أفواه الأنهار، فخذي منها واحدة، فاجعليه في سبعة ألوان عهنٍ من أصفرها وأحمرها وأخضرها

زياد أبو عبد الله من حرس عمر

وأسودها وأبيضها وأكحلها وأزرقها، ثم افتلي ذلك الصوف بأطراف أصابعك، ثم اعقديه على عضدها اليسرى. ففعلت أمها ذلك، فكأنما نشطت من عقال. زياد أبو عبد الله من حرس عمر ابن عبد العزيز. قال: إن لم يكن ابن حبيب فهو غيره. حدث زياد أبو عبد الله المذكور قال: بعث إلي عمر بن عبد العزيز ذات ليلة، فدخلت عليه، وعنده شمعة وتحته شاذكونة وسخة، لا أدري أوسخها أغلظ أو بؤولتها، بساطها من عباءة من مشاقة الصوف في ليلة قرة، وعليه كساء ابنجاني سمل، وعليه قلنسوة بيضاء مضربة غسيل قد تنحى قطنها في ناحيتها، فنظرت إلى جسده فكأني لم أر بين عظمه وجلده شيئاً من اللحم، قال ومال معبأ وكتاب مختوم فقال لي: خذ هذا المال، وخذ هذا الكتاب، فانطلق به إلى سالم بن وابصة، وكان على الرقة، فمره فليقسمه على فقراء المسلمين، ومره ألا يقسمه إلا على نهر جارٍ وسوق جامعة، فإني أخاف أن يعطشوا. قال: وكتب إلى ابن وابصة يأمره باشتراط ندب الناس بعضهم عن بعض لا يزدحموا فيصيبهم شيء. قال: فأخذته، ثم خرجت، ورجعت فقلت لغلامه: استأذن لي. فقال: قد دخل إلى أهله، وليس ههنا أحد يستأذن لك. قال: فقام على الباب، ثم قال: الرجل الذي خرج من عند أمير المؤمنين آنفاً يريد الدخول. قال: فسمعته يقول: ادخل. فإذا الشمعة قد رفعت، وإذا عنده سراج. قلت: قل من ولي من هذا إلا حضره المحق وغير المحق، فترى أن نستقصي حتى نوصله إلى أهله؟ أو نعطيه من حضرنا؟ وقد يحضر الغني والفقير؟ قال: فنكت بشيء في يده ملياً، ثم رفع رأسه، فقال: من مد إليك يده فأعطه. فلما خرجت

زيد بن أحمد بن علي

قلت لغلامه: ما بال تلك الساعة شمعة، والساعة سراج؟ فقال: تلك الساعة كان في شيء من أمر المسلمين، فكانت عنده شمعة، والساعة قد صار إلى بيته فيكفيه سراج. زيد بن أحمد بن علي أبو العلاء الصوري الأصم سمع بدمشق. روى عن عبد الوهاب بن الحسين البغدادي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ". توفي أبو العلاء في رجب سنة أربع وستين وأربع مئة. زيد بن أرطأة بن حذافة ابن لوذان الفزاري أخو عدي بن أرطاة دمشقي. حدث زياد بن أرطاة عن حبير بن نفي: أن عبد الله بن عمر رأى فتى وهو يصلي، قد أطال صلاته وأطنب فيها، فقال: من يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا. فقال عبد الله بن عمر: لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه وكلما ركع أو سجد تساقطت عنه. وحدث عن جبير بن نفير أيضاً أنه سمع أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابغوني الضعفاء، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم. وحدث زيد بن أرطاة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال حين يصبح: لا إله إلا الله والله أكبر أعتق الله رقبته من النار. قال سعد بن إبراهيم: حدثنا أخ لعدي بن أرطاة، كان أرضى عندي من عدي وأفضل، قال: حدثنا بعض أصحاب أبي الدرداء، حدثنا أبو الدرداء قال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال حديثاً ولا سمعت أن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون.

زيد بن أقم بن زيد بن قيس

زيد بن أقم بن زيد بن قيس ابن النعمان بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ابن الخزرج، أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو سعد ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو أنيسة الأنصاري له صحبة، وسكن الكوفة. قال أنس بن مالك: حزنت على من أصيب بالحرة من قومي، فكتب إلي زيد بن أرقم، وبلغه شدة حزني، فأخبرني أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار. وشك ابن الفضل أحد رواة الحديث في أبناء أبناء الأنصار، قال ابن الفضل: فسأل أنساً بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم فقال: هو الذي يقول له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا أوفى الله بإذنه. قال ابن شهاب: وسمع رجلاً من المنافقين ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يقول: لئن كان هذا صادقاً لنحن شرٌّ من الحمير. فقال زيد بن أرقم: فقد والله صدق، ولأنت شر من الحمار. فرفع ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجحده القائل، فأنزل الله عز وجل على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يحلفون بالله ما قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا ". فكان ما أنزل الله عز وجل من هذه الآية تصديقاً لزيد بن أرقم. قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم في داره، فقال حصين: يا زيد، لقد لقيت خيراً كثيراً ولرأيت خيراً كثيراً: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، فحدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

وشهدت معه. قال: أي أخي، كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما حدثتكم فاقبلوه، وما لم أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور فحث على كتاب الله ورغب فيه وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي. فقال حصين: يا زيد، ومن أهل بيته؟ أليست نساؤه؟ قال: إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. فقال: من هم؟ قال: آل عباس، وآل علي، وآل عقيل، وآل جعفر. قال: كل هؤلاء يحرم الصدقة. مات زيد بن أرقم بالكوفة أيام المختار سنة ست وستين، وقيل: مات سنة ثمان وستين وله عقب. وأول مشاهده المريسيع وقيل: ذو العشيرة، وشهد معه علي المشاهد، وغزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع عشرة غزوة. قال عروة بن الزبير: رد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد نفراً من أصحابه استصغرهم، فلم يشهدوا القتال، منهم عبد الله بن عمرو بن الخطاب، وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوسٍ، ورجل من بني حارثة، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، ورافع. قال: فتطاول له رافعٌ فأذن له، فسار معهم، وخلف بقيتهم، فجعلهم حرساً للذراري والنسء بالمدينة. وقال عبد الله بن جفر المخرمي: أول غزوة غزاها زيد بن أرقم: المريسيع وهو غلام صغير، ما غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ثلاث غزوات أو أربعاً، وشهد مؤتة رديف عبد الله بن رواحة.

حدث زيد بن أرقم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على زيد يعوده من مرض كان به، فقال: ليس عليك من مرضك هذا بأس، ولكنه كيف بك إذا عمرت بعدي، فعميت؟ قال: إذاً أحتسب، وأصبر. قال: إذاً تدخل الجنة بغير حساب، قال فعمي بعدما مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات. وفي حديث آخر بمعناه: لتلقين الله يوم القيامة وليس عليك ذنب. وعن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومعنا ناس من العرب، وكنا نبتدر الماء، وكان الأعراب يسبقوننا، ويسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض، ويجعل حوله حجارة، ويجعل عليها نطعاً حتى يجيء أصحابه. قال: فجاء رجل من الأنصار، فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع حجراً ففاض الماء، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبي، وقال: " لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا " يقول: من حوله من الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الطعام فقال عبد الله لأصحابه: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام، فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعز منها الأذل. قال زيد: وأنا رديف عمي. قال: فسمعت عبد الله، وكنا أخواله، فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحلف، وجحد. قال: فصدقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذبني. قال: فجاء عمي فقال: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذبك، وكذبك المسلمون. قال فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد قط. قال: فبينا أنا أسير مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر إذ خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني

زيد بن أسلم أبو أسامة

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرك أذني، وضحك في وجهي. فما كان يسرني أن لي به الخلد أقيم في الدنيا. ثم إن أبا بكر لحقني قال: ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: قلت: ما قال لي شيئاً إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي. قال: أبشر. ولحقني عمر فقلت له قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة المنافقون. وفي حديث آخر بمعناه: فقرأها، ثم قال: إن الله صدقك. وفي رواية: صدقك يا زيد. وعن زيد بن أرقم قال: سمعت قوماً يقولون: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يك نبياً كنا أسعد به، وإن يكن ملكاً عشنا تحت جناحه، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فانتهوا إلى حجره، فجعلوا ينادون: يا محمد يا محمد. فأنزل الله عز وجل: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " قال: فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذني وقال: صدق الله قولك يا زيد. قال أبو المنهال، رجل من كنانة: سألت البراء عن الصرف، فقال: سل زيد بن أرقم، فإنه خيرٌ مني وأعلم. قال ابن أبي أوفى: كنا إذا أتينا زيد بن أرقم فنقول: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول: أنا قد كبرنا، ونسينا، والحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد. زيد بن أسلم أبو أسامة ويقال أبو عبد الله العدوي مولى عمر بن الخطاب، الفقيه المدني كان مع عمر بن عبد العزيز في خلافته، واستقدمه الوليد بن يزيد في جماعة من فقهاء المدينة مستفيتاً لهم في الطلاق قبل النكاح.

حدث زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد بني عمرو بن عوف، مسجد قباء، يصلي فيه، فدخلت عليه، وجاءت الأنصار يسلمون عليه ودخل معهم هيب، فسألت صهيباً: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا سلم عليه؟ قال: يشير بيده. قال سفيان: قلت لرجل يسأل زيداً: سمعته من عبد الله؟ وهبت أنا أن أسأله، فقال: يا أبا أسامة، سمعته من عبد الله بن عمر؟ قال: أما أنا فقد رأيته وكلمته. وعن زيد بن أسلم عن عبيد بن جريج قال: قلت لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تحب هذه النعال السبتية، وتستحب هذه الحلوق، ولا تستلم من البيت إلا هذين الركنين. فقال: أما هذه النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسها، ويتوضأ فيها، وأما الخلق فإنه كان أحب الطيب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلم إلا هذين الركنين. حدث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعن محمد بن المنكدر، وعن أبي الزناد في أمثالٍ لهم: خرجوا إلى الوليد، وكان أرسل إليهم يستفتيهم في شيء، فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس. قال أسلم: قال لي عبد الله بن عمر لما ولد زيد بن أسلم: ما سميت ابنك يا أبا خالد؟ قال: قلت: زيد. قال: بأي الزيدين، زيد بن حارثة أم زيد بن ثابت؟ قال: قلت: زيد بن حارثة، وكنيته بكنيته. قال: أصبت. وكانت كنيته أبو أسامة. قال مالك بن أنس وغيره: كانت لزيد بن أسلم حلقة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ثقة كثير الحديث،

ومات بالمدينة في خلافة أبي جعفر قبل خروج محمد بن عبد الله بسنتين، وخرج محمد بن عبد الله سنة خمس وأربعين ومئة. قال محمد بن عبد الرحمن القرشي: كان علي بن حسين يجلس إلى زيد بن أسلم، ويتخطى مجالس قومه. فقال له نافع بن خبيز بن مطعم: تخطى مجالس قومك إلى عبد عمر بن الخطاب؟ فقال: إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه. وكان زيد بن أسلم من أهل الفقه والعلم، عالم بتفسير القرآن، له كتابٌ فيه تفسير القرآن. كان أبو حازم يقول: لا يريني الله يوم زيد، وقدمني بين يدي زيد بن أسلم، اللهم إنه لم يبق أحد أرضى لنفسي وديني غير ذلك. قال: فأتاه نعي زيد، فعقر فما قام، وما شهده فيمن شهده، وكان أبو حازم يقول: اللهم إنك تعلم أني أنظر إلى زيد، فأذكر بالنظر إليه القوة على عبادتك، فكيف بملاقاته ومحادثته؟ قال يعقوب بن عبد الله الأشج: اللهم غنك تعلم أنه ليس من الخلق أحد أمن علي من زيد بن أسلم، اللهم فزد في عمر زيد بن أعمار الناس، وابدأ بي وبأهل بيتي وبأعمارنا. فربما قال له زيد بن أسلم: أرأيت الذي طلبت من حياتي؟ لي أو لنفسك؟ قال: لنفسي. قال: فأي شيءٍ تمن علي في شيء طلبته لنفسك؟ حدث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: أضاق أبي زيد ضيقاً شديداً. فبعث بي إلى صديق له تمار، فقال لي: قل له: أبي يقرئك السلام، ويقول لك: قد أضقنا في هذه الأيام، فإن رأيت أن توجه إلينا بشيء. فأتيت التمار قد جاءه تمر، فسلمت عليه، فقال لي: ههنا. وقال: قم ههنا، وأدخل هذا التمر ههنا، وهذا التمر ههنا، فلما فرغنا قلت: والله لا قلت شيئاً: لا يقول: أعانني بشيء يريد أن يأخذ مني كراه، فقلت له: أتقول شيئاً؟ فقال: مكانك، فقدمت إليه مائدة له

عليها طعم، فقال: كل. فأكلت، فلما أكلت قلت: والله لا قلت له شيئاً، لا يقول: أعانني بشيء، وقد أكل طعامي، وأخذ مني كراء، فقلت له: أتقول شيئاً؟ فقال: نعم، ادفع هذه الثلاثين ديناراً إلى أبيك، وقل له: فلان يقرئك السلام، ويقول لك: اشتريت حديقة فلان فجعلت لك فيها حصة، وتدفع هذه الثلاثين ديناراً إلى أبي حازم، فتقول له مثل ذلك، وتدفع هذه الثلاثين ديناراً إلى ابن المنكدر، وتقول له مثل ذلك. فبدأت بأبي، فأخبرته الخبر، فقال: الحمد لله! ادفع هذه العشرة دنانير إلى أبي حازم وهذه العشرة إلى محمد بن المنكدر. فقلت لكل واحد منهما مثلها، فقال: ردها، الحمد لله. ثم ذهبت إلى أبي حازم فدفعت إليه الدناينر وقلت له ما قال لي، فقال: اذهب بهذه العشرة دنانير إلى أبيك، وبهذه العشرة إلى ابن المنكدر. فقلت: لكل واحد منهما مثلها، فقال: الحمد لله. ثم أتيت ابن المنكدر فدفعت إليه الدنانير، وقلت له ما قال لي، فقال: اذهب بهذه العشرة دنانير إلى أبي حازم وهذه العشرة إلى أبيك، فقلت لكل واحد منهما مثلها، فقال: الحمد لله. قال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله عز وجل، ولا كما قالت الملائكة، ولا كما قال النبيون، ولا كما قال أهل الجنة، ولا كما قال أهل النار، ولا كما قال أخوهم إبليس، قال الله عز وجل: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقالت الملائكة: " سبحانك "، وقال شعيب النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: " وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ". وقال أهل الجنة: " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله "، وقال أهل النار: " ربنا غلبت علينا شقوتنا "، وقال أخوهم إبليس: " رب بما أغويتني ".

وقال زيد بن أسلم: القدر قدرة الله، فمن كذب بالقدر فقد جحد قدرة الله. وقال زيد بن أسلم: خصلتان فيهما كمال أمرك: تصبح حين تصبح فلا تهم الله عز وجل بمعصيةٍ، وتمسي حين تمسي فلا تهم لله عز وجل بمعصية. قال زيد بن أسلم: من يكرم الله بطاعته يكرمه الله بجنته، ومن يكرم الله تبارك وتعالى بترك معصيته يكرمه الله ألا يدخله النار. وقال: استغن بالله عمن سواه، ولا يكونن أحد أغنى بالله منك، ولا يكن أحد أفقر إليه منك، ولا تشغلنك نعم الله على العباد عن نعمته عليك، ولا تشغلنك ذنوب العباد عن ذنوبك، ولا تقنط العباد من رحمة الله وترجوها أنت لنفسك. كان زيد بن أسلم من الخاشعين، وكان يقول: يا بن آدم، أمرك ربك أن تكون كريماً وتدخل الجنة، ونهاك أن تكون لئيماً وتدخل النار. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان أبي يقول: أي بني، وكيف تعجبك نفسك وأنت لا تشاء أن ترى من عباد الله من هو خير منك إلا رأيته؟ يا بني، لا تر أنك خير من أحد يقول لا إله إلا الله حتى تدخل الجنة ويدخل النار، فإذا دخلت الجنة ودخل النار تبين لك أنك خيرٌ منه. كان زيد بن أسلم يقول: ابن آدم، اتق الله يحبك الناس وإن كرهوا. وكان زيد بن أسلم يحدث من تلقاء نفسه، فإذا سكت قامن فلا يجترىء عليه إنسان. كان زيد بن أسلم يقول: انظر من كان رضاه عنك في إحسانك إلى نفسك، وكان سخطه عليك في إساءتك إلى نفسك، فكيف تكون مكافأتك إياه.

قال زيد بن أسلم: خلتا من أخبرك أن الكرم فيهما فكذبه: إكرامك نفسك بطاعة الله عز وجل، وإكرامك نفسك عن معاصي الله عز وجل. قال حماد بن زيد: قدمت المدينة، وأهل المدينة يتكلمون في زيد بن أسلم، فقلت لعبيد الله: ما تقول في مولاكم هذا؟ قال: ما نعلم به بأساً إلا تفسير القرآن برأيه. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: ألا أحدثك حديثاً تسر به ويسر به صديقك؟ قال: قلت: بلى. قال: غزوت الاسكندرية، فأصابتني فيها شكاة شديدة، فأخذت قرطاساً ودواة لأن أكتب وصيتي، فوجدت في يدي وصباً شديداً، فقلت: لو أني استرحت قليلاً. قال: فجعلت القرطاس تحت رأسي والدواة تحت رجلي، ثم نمت، فرأيت في منامي كأن معي في البيت رجلاً مبيضاً، فقلت له: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا ملك الموت. قال: فذكرت الجنة والنار، وما أعد الله عز وجل فيهما، فأدركتني رقة، فبكيت، فقال لي: أفلا أكتب لك براءةً من النار؟ فقلت: بلى، قال: فدفعت إليه القرطاس من تحت رأسي، والدواة من تحت رجلي، وأشهد وكتب حتى ملأ القرطاس، ثم دفعه إلي، فإذا فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم، استغفر الله، استغفر الله، حتى ملأ القرطاس. فقلت: أي رحمك الله، أين براءتي من النار؟ قال: فقال لي: فأي براءة تريد أوثق من براءتك هذه؟ ثم استيقظت من نومي، فعمدت إلى القرطاس الذي جعلته تحت رأسي في اليقظة، فنظرت فيه فإذا فيه كتاب ملك الموت عليه السلام، الذي رأيته في المنام. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، استغفر الله استغفر الله، حتى ملأ القرطاس. قال عبد الرحمن بن زيد: قال رجل: رأيت الناس في أزقة ضيقة وغبار، ورأيت قصراً مرشوشاً حوله، لايقربه من الغبار قليل ولا كثير. فقلت: ما منع الناس أن يمروا في تلك الطريق؟ فقيل لي: ليست لهم. فقلت: لمن هي، فقالوا: لذلك الرجل الذي يصلي إلى جانب القبر. فقلت: من ذاك؟

زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد

قيل: زيد بن أسلم. قلت: بأي شيء أعطي ذلك؟ قال: لأن الناس سلموا منه وسلم منهم. قال عبد الرحمن بن زيد: جاء رجل من الأنصار إلى أبي فقال: يا أبا أسامة، إني رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر خرجوا من هذا الباب فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: انطلقوا بنا إلى زيد نجالسه ونسمع من حديثه. فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس إلى جنبك فأخذ بيدك. قال: فلم يكن بقاء أبي بعد هذا إلا قليلاً. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: رأيت أبي في المنام، وعليه قلنسوة طويلة، فقلت: يا أبه، ما فعل الله بك؟ قال: زينني بزينة العلم. قلت: فأين مالك بن أنس؟ فقال: مالكٌ فوق فوق، فلم يزل يقول: فوق، ويرفع رأسه حتى سقطت القلنسوة عن رأسه. توفي زيد بن أسلم سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة ست وثلاثين ومئة. زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو خارجة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني الصحابي. كان مع عمر بن الخطاب لما قدم الشام وخطب بالجابية عند خروجه لفتح بيت المقدس، وهو الذي تولى قسمة غنائم اليرموك. حدث زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قام إلى الصلاة، قال: قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر قراءة خمسين آية. وعن مكحول: أن عبادة بن الصامت دعا نبطياً يمسك له دابته عند بيت المقدس، فأبى، فضربه فشجه، فاستعدى عليه عمر بن الخطاب، فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟ فقال: يا أمير

المؤمنين، أمرته أن يمسك دابتي فأبى، وأنا رجل في حدة، فضربته. فقال: اجلس للقصاص. فقال زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك؟ فترك عمر القود، وقضى عليه بالدية. وزيد بن ثابت أمه النوار بنت مالك بن معاوية بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. وقيل: كانت كنية زيد بن ثابت أبو سعيد، وكان كاتب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم كان كاتب عمر بن الخطاب، وله القراءة والفرائض. قال زيد بن ثابت: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة. قال زيد بن ثابت: أتي بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل إليك سبع عشرة سورة. قال: فقرأت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعجبه ذلك، فقال: يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي، قال: فتعلمته، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، فكنت أكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كتب إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له. وعن زيد بن ثابت قال: قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها تأتيني كتب لا أحب أن يقرأها كل أحد، فهل تستطيع أن تعلم كتاب العبرانية أو قال السريانية؟ فقلت: نعم، قال: فتعلمتها في سبع عشرة ليلة. قال زيد بن ثابت: كنت أكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان إذا نزل عليه أخذته برحاء شديدة، وعرق عرقاً مثل الجمان، ثم سري عنه. وعن البراء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ادع لي زيداً، وقل له: تجيء بالكتف والدواة أو اللوح والدواة فقل: اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين ". أحسبه قال: والمجاهدون قال: فقال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، بعيني ضرر. فنزلت قبل أن يبرح: " غير أولي الضرر ".

وعن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر الصديق: إن عمر أتاني فقال لي: إن القتل قد استحر بأهل اليمامة من قراء المسلمين، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن لا يوعى، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لهم: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني بذلك حتى شرح الله بذلك صدري، فرأيت فيه الذي رأى عمر، فقال زيد بن ثابت، وعمر جالس عنده لا يتكلم: فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا تنهمك، وكنت تكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفوني ثقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قال: فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. قال: فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصار لم أجدهما مع أحدٍ غيره: " لقد جاءكم رسولٌ من أنفسك.. " فكانت الصحيفة التي جمعنا فيها القرآن عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله، ثم عند عمر بن الخطاب حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. قال ابن شهاب: ثم أخبرني أنس: أنه اجتمع لغزو أذربيجان وإرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن، فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة. قال: فركب حذيفة بن اليمان لما رأى اختلافهم في القرآن إلى عثمان بن عفان، فقال: إن الناس قد اختلفوا في القرآن حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف. قال: ففزع لذلك عثمان بن عفان فزعاً شديدا، ً وأرسل إلى حفصة، فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيداً بجمعها، فنسخ منها المصاحف، فبعث بها إلى الآفاق، ثم لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف ليمزقها، وخشي أن يخالف بعض الكتاب بعضاً، فمنعته إياها. قال ابن شهاب: فحدثني سالم بن عبد الله قال: فلما توفيت حفصة أرسل إلي عبد الله بن عمر

بعزيمةٍ ليرسلن بها. فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها عبد الله بن عمر إلى مروان، فغسلها، ومزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان. وعن أنس قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعةٌ كلهم من الأنصار، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد رجل من الأنصار. وعن عطية بن قيس الكلابي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يقرأ غضاً أو غريضاً فليقرأه بقراءة زيد. قال ابن سيرين: غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين: بالقرآن والفرائض. وعن أبي محجن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أرأف الناس بهذه الأمة أبو بكر، وإن أقواها في أمر الله عمر، وإن أصدقها حياء عثمان، وإن أعلمها بفصل القضاء علي. وإن أقرأها أبي، وإن أفرضها زيد، وإن أعلمها بالناسخ والمنسوخ معاذ، وإن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وعن زيد بن ثابت قال: كانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين، وكانت قبل هجرة رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس سنين، فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأتي بي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: غلامٌ من الخزرج قد قرأ ست عشرة سورة، فلم أجز في بدر ولا أحد، وأجزت في الخندق. قال محمد بن عمر: كان زيد بن ثابت يكتب الكتابين جميعاً: كتاب العربية، وكتاب العبرانية. وأول مشهدٍ شهده زيد بن ثابت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان ممن ينقل التراب يومئذ مع المسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إنه نعم الغلام، وغلبته عيناه يومئذ، فرقد، فجاء عمارة بن حزم فأخذ سلاحه، وهو لا يشعر، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رقاد، نمت حتى ذهب سلاحك، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من له علمٌ بسلاح

هذا الغلام؟ فقال عمارة بن حزم: يا رسول الله، أنا أخذته. فرده، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ أن يروع المؤمن، أو أن يؤخذ متاعه لاعباً جداً. قال: وكانت راية بني مالك بن النجار في تبوك مع عمارة بن حزم، فأدركه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذها منه، فدفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله، بلغك عني شيءٌ؟ قال: لا ولكن القرآن يقدم، وكان زيد أكثر أخذاً منك للقرآن. وفي حديث آخر بمعناه: والقرآن يقدم وإن كان عبداً أسود مجدعاً. وعن أبي سعيد قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل بعضهم يقول: يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا بعث رجلاً منكم قرنه برجل منا، فنحن نرى أن يلي هذا الأمر رجلان: رجل منكم، ورجل منا، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وكنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو بكر: جزاكم الله خيراً من حي يا معشر الأنصار، وثبت قائلكم، والله لو قلتم غير هذا ما صالحناكم. قال مسروق: كان أصحاب الفتوى من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر، وابن مسعود، وزيد، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري. قال الشعبي: القضاة أربعة، والدهاة أربعة، فأما القضاة فعمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، وأما الدهاة فمعاوية، وزياد، وعمرو، والمغيرة. وقال مسروق: انتهى علم أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ستة، فسمى عمر، وعلياً، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبا موسى. وعن القاسم قال: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت في كل سفر أو كل سفر يسافره وكان يفرق

الناس في البلدان، ويوجهه في الأمور المهمة، ويطلب إليه الرجال المسمون، فيقال له: زيد بن ثابت. فيقول: لم يسقط علي مكان زيد، ولكن أهل البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدون عنده فيما يحدث لهم ما لا يجدون عند غيره. قال سليم بن يسار: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد بن ثابت أحداً في القضاء، والفتوى، والفرائض، والقراءة. وقال عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: لما رد عبد الله بن الأرقم المفتاح استخزن عثمان زيد بن ثابت. وعن خارجة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى بعض أسفاره، فقلما رجع إلا أقطع زيداً حديقةً من نخل. قال الشعبي: تنازع في جذاذ نخلٍ أبي بن كعب وعمر بن الخطاب، فبكى أبي، ثم قال: أفي سلطانك يا عمر؟ قال عمر: اجعل بيني وبينك رجلاً من المسلمين، قال أبي: زيد. قال: رضًى. فانطلقا حتى دخلا على زيد، فلما رأى زيد عمر تنحى عن فراشه، فقال له عمر: في بيته يؤتى الحكم. فعرف زيد أنهما جاءا ليتحاكما إليه، فقال عمر لأبي يقص. فقص، فقال له عمر: تذكر لعلك نسيت شيئاً فتذكر، ثم قص حتى قال: ما أذكر شيئاً. ثم قص عمر، فقال زيد: بينتك يا أبي. قال: ما لي بينة. قال: فأعف أمير المؤمنين من اليمين. فقال عمر: لا تعف أمير المؤمنين من اليمين إن رأيتها عليه. زاد في حديث آخر بمعناه: ثم أقسم لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء.

وعن نافع قال: استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء، وفرض له رزقاً. حدث سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش قال: كان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان، وكان زيد بن ثابت يذب عنه، فقال له قائل منهم: وما يمنعك؟ ما أقل والله من الخزرج من له من عضدان العجوة مالك! قال: فقال له زيد بن ثابت، اشتريت بمالي، وقطع لي إمامي عمر بن الخطاب، وقطع لي إمامي عثمان بن عفان. فقال له ذلك الرجل: أعطاك عمر بن الخطاب عشرين ألف دينار؟ قال: لا، ولكن عمر كان يستخلفني على المدينة، فوالله ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة من نخل. ولما حصر عثمان أتاه زيد بن ثابت، فدخل عليه الدار، فقال له عثمان: أنت خارجٌ أنفع لي منك ههنا، فذب عني. فخرج، فكان يذب الناس، ويقول لهم فيه، حتى رجع لقوله أناس من الأنصار، وجعل يقول: يا للأنصار! كونوا أنصار الله مرتين انصروه، والله إن دمه لحرام. فجاء أبو حبة المازني مع ناس من الأنصار، فقال: ما يصلح لنا معك أمر، فكان بينهما كلام، ثم أخذ تلبيب زيد بن ثابت هو وأناسٌ معه، فمر به ناس من الأنصار، فلما رأوهم أرسلوه، وجعل رجل منهم يقول لأبي حبة: أتصنع هذا برجل له مات الليلة ما دريت ما ميراثك من أبيك؟! قال ابن شهاب: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرها. وعن الحسين بن الفهم وبكير بن عبد الله الأشج قال: جل ما أخذ بن سعيد بن المسيب من القضاء ما يفتي به، وقال ابن الفهم: وما كان يفتي به عن زيد بن ثابت، وكان قل قضاء أو فتوى جليلةٌ ترد على ابن المسيب تحكى له عن

بعض من هو غائب عن المدينة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إلا قال: فأين زيد بن ثابت عن هذا؟ إن زيد بن ثابت أعلم الناس بما تقدمه من قضاء، وأبصرهم بما يرد عليه مما لم يسمع فيه بشيء، ثم يقول ابن المسيب: لا أعلم لزيد بن ثابت قولاً لا يعمل به، يجمع عليه في المشرق والمغرب، أو يعمل به أهل مصرٍ، وإنه ليأتينا عن غيره أحاديث وعلم ما رأيت أحداً من الناس يعمل بها، ولا من هو بين ظهرانيهم. قال الزهري: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس. قال ابن عباس: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم. وعن عمار بن أبي عمار: أن زيد بن ثابت ركب يوماً، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: تنح يا بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. فقال زيد: أرني يدك. فأخرج يده فقبلها، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. قال ثابت بن عبيد: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله، وأزمته عند القوم. قال يحيى بن سعيد: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات خبر هذه الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً. وعن سعيد بن المسيب قال: شهدت جنازة زيد بن ثابت، فلما دلي في قبره قال ابن عباس: من سره أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم، والله لقد دفن اليوم علم كثير.

زيد بن حارثة بن شراحيل

قال عوف: بلغني أن ابن عباس قال لما دفن زيد بن ثابت: هكذا يذهب العلم وأشار إلى قبره يموت الرجل الذي يعلم الشيء لا يعلمه غيره فيذهب ما كان معه. قال خارجة بن زيد: توفي أبي زيد قبل أن تصفر الشمس، فكان رأيي دفنه قبل أن أصبح، فجاءت الأنصار فقالت: لا يدفن إلا نهاراً يجتمع له الناس. فسمع مروان الأصوات، فأقبل يمشي حتى دخل علي فقال: عزيمةٌ مني أن يدفن حتى تصبح، فلما أصبحنا غسلناه ثلاثاً: الأول بالماء، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور، وكفناه في ثلاثة أثواب: أحدها برد كان كساه إياه معاوية، وصلينا عليه بعد طلوع الشمس، صلى عليه مروان بن الحكم، وأرسل مروا بجزرٍ فنحرت، وأطعمنا الناس. قال أبو الزناد: نزل نساء العوالي، وجاء نساء البلد من الأنصار، فجعل خارجة يذكرهن الله، ويقول: لا تبكين عليه. فقلن: لا نسمع كلامك في هذا، ولنبكين عليه ثلاثاً، فغلبنه، فبكين عليه ثلاثاً. قال: وأطعموا. قال محمد بن عمر: ومات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين. وقيل: سنة خمس وخمسين، وقيل: سنة ثمان وأربعين، وقيل غير ذلك، وقال حسان بن ثابت: من الطويل فمن للقوافي بعد حسان وابنه ... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت زيد بن حارثة بن شراحيل ويقال: شرحبيل، بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرىء القيس بن عامر ابن النعمان بن عامر بن عبد ود سماه أبو بصنمه بن امرىء القيس ابن النعمان بن عمران بن عبد عوف بن كنانة بن عذرة بن زيد اللات ابن رفيدة بن وبرة بن كلب بن وبرة، ابو أسامة الكلبي حب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاه.

حدث زيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بشر المشائين في الظلام إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة. وعن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً حاراً من أيام مكة، وهو مردفي، إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاةً فأنضجناها. قال: فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل، فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا زيد! ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة لي فيهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالذي أبتغي، ثم خرجت حتى أقدم على أحبار خيبر، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فخرجت حتى أقدم على أحبار الشام، فوجدتهم يعبدون الله تعالى ويشركون به: فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فخرجت، فقال لي شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحداً يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة وقال ابن حمدان: بالحيرة قال: فخرجت حتى أقدم عليه، فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت: أنا من أهل بيت الله من أهل الشرط والفرط، فقال: إن الدين الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي طلع نجمه، وجمي من رأيتهم في ضلال، فلم أحس بشيء. قال: فقرب إليه السفرة، فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: شاة ذبحناها لنصب من هذه الأنصاب. قال:

ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه. قال: وتفرقنا. قال زيد بن حارثة: فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت، فطاف به وأنا معه بالصفا وكان عند الصفا والمروة صنمان من نحاس، أحدهما يقال له: إسافٌ، والآخر نائلة، وكان المشركون إذا طافوا بهما قالوا: تمسحوا بهما. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تمسحهما فإنهما رجس، فقلت في نفسي: لأمسهما حتى أنظر ما يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمستهما، فقال: يا زيد ألم تنه؟ ومات زيد بن عمرو بن نفيل وأنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزيد: إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وفي حديث آخر بمعناه: قال زيد: فوالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما استلم صنماً حتى أكرمه الله بالذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب. وزاد ابن سعد زيد الحب على ابن وبرة فقال: وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة واسمه عمرو، وإنما سمي قضاعة لأنه انقضع عن قومه، ابن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن. وأم زيد بن حارثة سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سلسلة من بني معن من طيىء. فزارت سعدى أم زيد بن حارثة قومها، وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية، فمروا على أبيات بني معن رهط أم زيد، فاحتملوا زيداً، وهو

يومئذ غلام يفعة قد أوصف، فوافوا به سوق عطاظ، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى لعمته خديجة بنت خويلد بأربع مئة درهم، فلما تزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبته له، فقبضه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده قال أبياتاً منها: من الطويل بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل فو الله ما أدري وإن كنت سائلاً ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعةٌ ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهداً ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرىءٍ فانس وإن غره الأمل وأوصي به قيساً وعمراً كليهما ... وأوصي يزيداً ثم من بعدهم جبل يعني: جبلة بن حارثة أخا زيد، وكان أكبر من زيد، ويعني بيزيد: أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل. قال: فحج ناس من كلب، فرأوا زيداً، فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي، وقال: من الطويل ألكني إلى قومي وإن كنت نائياً ... بأني قطين البيت عند المشاعر فكفوا من الوحيد الذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر فإني بحمد الله في خير أسرةٍ ... كرام معد كابراً بعد كابر قال: فانطلق الكلبيون، فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة. ووصفوا له

موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، وقدما مكة، فسألا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا: يا بن عبد الله، يا بن عبد المطلب، يا بن هاشم، يا بن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، وعند بيته تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابتياع عبدك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، فإنا سنرفع لك في الفداء، قال: ما هو؟ قالوا: زيد بن حارثة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا غير ذاك؟ قالوا: ما هو؟ قال: أدعوه، فخيروه، فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت. قال: فدعاه، فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم. قال: من هما؟ قال: هذا أبي، وهذا عمي. قال: فأنا من قد علمت، ورأيت صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما. فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً. أنت مني بمكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً. فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر، اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني. فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما، فانصرفا، فدعي: زيد بن محمد، حتى جاء الله بالإسلام، وزوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب بنت جحش بن رياب الأسدية، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، فطلقها زيد بعد ذلك، فتزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتكلم المنافقون في ذلك، وطعنوا فيه، وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه زيد، فأنزل الله عز وجل: " ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.. " إلى آخر الآية، وقال: " ادعوهم لآبائهم "، فدعي يومئذ زيد بن حارثة، ودعي الأدعياء إلى آبائهم، فدعي المقداد إلى عمرو، وكان يقال له قبل ذلك: المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه. واستشهد زيد في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مؤتة مع جعفر بن أبي طالب سنة سبع.

وشهد زيد بدراً، وآخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين حمزة. وعن علي قال: أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب. قال محمد بن إسحاق: وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامهما فكبر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق عليهم السلام. قالت زينب بنت جحش: خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستشيره، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين هي ممن يعلمها كتاب ربها عز وجل وسنة نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: ومن هو يا رسول الله!؟ قال: زيد بن حارثة قالت: فغضبت حمة غضباً شديداً، وقالت: يا رسول الله! أتزوج ابنة عمتك مولاك؟! قالت: وجاءتني فأخبرتني، فغضبت أشد من غضبها، وقلت أشد من قولها، فأنزل الله عز وجل: " وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " فأرسلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زوجني من شئت. فزوجني زيد بن حارثة، فأخذته بلساني، فشكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أمسك عليك زوجك واتق الله ". فقال: أطلقها يا رسول الله. فطلقني، فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا ورسول الله قد دخل علي وأنا مكشوفة الشعر، فلما رأيت ذلك علمت أنه من أمر السماء، فقلت: يا رسول الله! بلا خطبةٍ، ولا أشهاد؟ قال: الله عز وجل المزوج وجبريل الشاهد. وعن الكلبي وشرقي بن قطامي وغيرهما قالوا: أقبلت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مهاجرة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فخطبها الزبير بن العوام وزيد بن حارثة وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص،

فاستشارت أخاها لأمها عثمان بن عفان، فأشار عليها أن تأتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتته، فأشار عليها زيد بن حارثة، فتزوجته فولدت له زيد بن زيد، ورقية، فهلك زيد وهو صغير، وماتت رقية في حجر عثمان، وطلق زيد بن حارثة أم كلثوم وتزوج درة بنت أبي لهب، ثم طلقها وتزوج هند بنت العوام أخت الزبير بن العوام، ثم زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم أيمن حاضنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومولاته، وجعل له الجنة، فولدت له أسامة فكان يكنى به. وشهد زيد بدراً، وأحداً، واستخلفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المدينة حين خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المريسيع، وشهد الخندق، والحديبية، وخيبر، وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جبلة أخي زيد قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لم يغز لم يعط سلاحه إلا علياً أو زيداً. وعن أسامة بن زيد قال: اجتمع جعفر وعلي وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نسأله. قال أسامة: فجاؤوا يستأذنونه، فقال: آخر فانظر من هؤلاء. فقلت: هذا جعفر، وعلي، وزيد ما أقول أبي قال: ائذن لهم، فدخلوا، فقالوا: يا رسول الله، من أحب إليك؟ " قال: فاطمة قالوا: نسألك عن الرجال. قال: أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي، وأشبه خلقي خلقك، وأنت مني وشجرتي. وأما أنت يا علي فحبيبي وأبو ولدي، وأنا منك، وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي، وأحب القوم إلي. " وفي حديث آخر بمعناه: وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي. وعن عبد الله بن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قال حين أمر أسامة بن زيد وبلغه أن الناس عابوا إمارته فطعنوا فيها، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس فقال: " ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته، وقد فعلتم

ذلك بأبيه من قبل، وإن كان لخليقاً بالإمارة، وإن كان لأحب الناس إلي، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم ". قال سالم: ما سمعت عبد الله تحدث بهذا الحديث قط إلا قال: والله ما حاشا فاطمة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتانا زيد بن حارثة، فقام إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجر أثوابه، فقبل وجهه، قالت عائشة: وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكباً من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقاتلوه، فأرسل إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة فقتلهم، وقتل أم قرفة، وأرسل بدرعها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنصبه بالمدينة بين رمحين. وعنها قالت: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرياناً قط إلا مرة واحدة، جاء زيد بن حارثة من غزوة يستفتح، فسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، فقام عرياناً يجر ثوبه، فقبله. وعن عائشة قالت: ما بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة في جيش إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر: أن عمر فرض لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي يعني ابن عمر لنفسه قال: فقلت له في ذلك، فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منك، وإن أباه أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبيك. وعن ثابت بن الحجاج قال: لما نزلت هذه الآية: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال زيد بن حارثة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه،

فتصدق بها للمساكين، فأقاموها للبيع، وكانت تعجب زيداً، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أشتريها؟ فنهاه أن يشتريها. وعن عمرو بن دينار قال: لما نزلت هذه الآية: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". جاء زيد بفرس له، فقال: تصدق بهذا يا رسول الله. فأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه أسامة بن زيد بن حارثة، فقال: يا رسول الله، إنما أردت أن أتصدق به فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد قبلت صدقتك. كانت مؤته في جمادى الأول سنة ثمان من الهجرة، وقتل زيد يومئذٍ وهو ابن خمسٍ وخمسين سنة. ولما التقى الناس بمؤتة جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، وكشف له ما بينه وبين الشام، وهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة، وكره إليه الموت، وحبب إليه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا!؟ فمضى قدماً حتى استشهد. فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: استغفروا له، وقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فجاءه الشيطان، فمناه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا!؟ ثم مضى قدماً حتى استشهد. فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعا له، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استغفروا لأخيكم، فإنه شهيد، دخل الجنة فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث يشاء من الجنة، ثم أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة، فاستشهد، ثم دخل الجنة معترضاً، فشق ذلك على الأنصار، فقيل: يا رسول الله ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه فشجع، فاستشهد، فدخل الجنة، فسري عن قومه.

زيد بن الحسن بن علي

وعن محمد بن عمر بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة تدمى قادمتاه، ورأيت زيداً دون ذلك، فقلت: ما كنت أظن أن زيداً دون جعفر، فأتاه جبريل فقال: إن زيداً ليس بدون جعفر، ولكنا فضلنا جعفراً لقرابته منك. وعن خالد بن سلمة المخزومي قال: لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزله بعد ذلك، فلقيته ابنته، فلما رأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجهشت في وجهه بالبكاء، فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى حتى انتحب، فقيل: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب. وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني رفعت إلى الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا أنا بأنهار ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذةٍ للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ورمانها كأنه الدلاء عظماً، وإذا بطائرها كأنه بختكم هذه، فقال عندها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. زيد بن الحسن بن علي ابن أبي طالب العلوي الحسني والد الحسن بن زيد أمير المدينة. وفد على الوليد بن عبد الملك لخصومة وقعت بينه وبين أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية في ولاية صدقات علي بالمدينة. قال محمد بن المهاجر قاضي اليمامة: سألت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن متعة النساء ويقول: هي حرام إلى يوم القيامة. وحدث زيد بن أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ نضل موضع سجوده بماء حتى يسليه على موضع السجود.

وعن زيد بن الحسن: أنه رأى ابن عباس تطيب بالمسك. وعن أبي معشر قال: كان علي بن أبي طالب اشترط في صدقته أنها إلى ذي الدين والفضل من أكابر ولده. قال: فانتهت صدقته في زمن الوليد بن عبد الملك إلى زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فنازعه فيها أبو هاشم عبد الله بن محمد فقال: أنت تعلم أني وإياك في النسب سواء إلى جدنا علي، وإن كانت فاطمة لم تلدني وولدتك، فإن هذه الصدقة لعلي، وليست لفاطمة، وأنا أفقه منك وأعلم بالكتاب والسنة، حتى طالت المنازعة بينهما، فخرج زيد من المدينة إلى الوليد بن عبد الملك، وهو بدمشق، فكبر عنده على أبي هاشم، وأعلمه أن له شيعة بالعراق يتخذونه إماماً، وأنه يدعو إلى نفسه حيث كان، فوقع ذلك في نفس الوليد، ووقر في صدره، وصدق زيداً فيما ذكر، وحمله منه على جهة النصيحة، وتزوج نفيسة ابنة زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكتب الوليد إلى عامله بالمدينة في إشخاص أبي هاشم إليه، وأنفذ بكتابه رسولاً قاصداً يأتي بأبي هاشم، فلما وصل إلى باب الوليد أمر بحبسه في السجن فمكث فيه مدة. فوفد في أمره علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقدم على الوليد، فكان أول ما افتتح به كلامه حين دخل عليه أنه قال: يا أمير المؤمنين، ما بال آل أبي بكر، وآل عمر، وآل عثمان يتقربون بآبائهم فيكرمون ويحبون، وآل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقربون به فلا ينفعهم ذلك!؟ فيم حبست ابن عمي عبد الله بن محمد طول هذه المدة؟ قال: بقول ابن عمكما زيد بن الحسن، فإنه أخبرني أن عبد الله بن محمد ينتحل اسمي، ويدعو إلى نفسه، وأن له شيعة بالعراق، وقد اتخذوه إماماً. قال له علي بن الحسين: أو ما يمكن أن يكو بين ابني العم منازع ووحشة كما يكون بين الأقارب، فيكذب أحدهما على الآخر؟ وهذان كان بينهما كذا وكذا، فأخبره خبر صدقة علي بن أبي طالب وما جرى فيها، حتى زال عن قلب الوليد ما كان قد خامره، ثم قال له: فأنا أسألك بقرابتنا من نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خليت سبيله. فقال: قد فعلت. فخلى سبيله، وأمره أن يقيم بحضرته. فأقام أبو هاشم بدمشق يحضر مجلس الوليد، ويكثر عنده ويسامره، حتى إذا كان

زيد بن الحواري أبو الحواري

ذات ليلة أقبل عليه الوليد فقال: يا أبا البنات، لقد أسرع الشيب إليك، فقال له أبو هاشم: أتعيرين بالبنات؟ فقد كان نبي الله شعيب أبا بنات، وكان نبي الله لوط أبا بنات، وكان محمد خير البرية صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أبا بنات، فأي عيب فيما عيرتني به؟ فغضب الوليد من قوله، وقال له: إنك رجل تحب المماراة، فارحل عن جواري. قال: نعم والله أرحل عنك، فما الشام لي بوطن، ولا أعرج فيها على شجن، ولقد طال فيها همي، وكثر فيها ديني، وما أنا لك بحامد، ولا إلى جوارك بعائد. ونهض، وقد أحفظ الوليد، فخرج عن دمشق متوجهاً إلى المدينة، فدس إليه إنساناً يبيع اللبن وفيه السم، وكان عبد الله يحب اللبن ويشتهيه، فلما سمعه ينادي على اللبن تاقت إليه نفسه، فاشتري له منه، فشربه فأوجعه بطنه، واشتد به الأمر، فأمر أصحابه فعدلوا به إلى الحميمة، وبها محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فنزل عليه، فمرضه وأحسن إليه. فلما حضرته الوفاة أوصى إلى محمد بن علي ببيته وعلمه وأشيائه كلها، وأمر شيعته الكيسانية بالائتمام به فدفن. وقيل إن الذي سم أبا هاشم سليمان بن عبد الملك، وسنذكر ذلك في ترجمته. قال نجيح السندي: رأيت زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب يأتي الجمعة من ثمانية أميال. زيد بن الحواري أبو الحواري العمي البصري يقال إنه مولى زياد بن أبيه، وفد على سليمان بن عبد الملك، وشهد وفاته بمرج دابق، وكان قاضياً بهراة في ولاية قتيبة بن مسلم. حدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ستر بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزع ثوبه أن يقول: بسم الله. وحدث زيد العمي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سألت ربي عز وجل فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحى الله إلي: يا محمد،

زيد بن سهل بن الأسود بن حرام

إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم من السماء بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى. وروى زيد العمي عن أبي الصديق الناجي، أراه عن أبيه سعيد الخدري: أن رجلاً ضرب على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراب بنعلين أربعين. قال علي بن مصعب: سمي زيد العمي لأنه كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عمي. زيد بن سهل بن الأسود بن حرام ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، أبو طلحة الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: سهل بن زيد، والأول أصح سكن الشام، أنصاري نجاري. قال ابن سعد: اسم النجار تيم الله، وإنما سمي النجار لأنه نجر وجه رجلٍ بالقدوم، فلذلك سمي النجار. حدث أبو طلحة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ". وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح يشربون بالشام الطلاء ما طبخ على الثلث، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.

شهد زيد بن سهل العقبة، وبدراً، وأحداً، والخندق، والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي بالشام، وعاش بعد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين سنة يسرد الصوم. وعن ثابت عن أنس قال: جاء أبو طلحة يخطب أم سليم فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد بني فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت؟ قال: فانصرف عنها، ووقع في قلبه من ذلك موقعاً، قال: وجعل لا يجيئه نوم. قال: فأتاها. وفي حديث آخر بمعناه: فإن تسلم فذلك مهري ما أسألك غيره، فأسلم، فتزوجها. قال ثابت: فما سمعنا بمهرٍ قط كان أكرم من مهر أم سليم: الإسلام. وكان مالك أبو أنس قال لامرأته أم أنس: أرى هذا الرجل يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرم الخمر، فانطلق حتى أتى الشام، فهلك هنالك مشركاً، فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة، لا يصلح أن أتزوجك. فقال: ما ذاك دهرك. قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام. قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فانطلق أبو طلحة يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه. فجاء، فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صعر، فكانت معه حتى ولدت منه ولداً، وكان يحب أبو طلحة حباً شديداً، فمرض الصبي، وتضعضع أبو طلحة لمرضه، فانطلق أبو طلحة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات الصبي، فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحدٌ ابنه حتى أكون أنا أنعاه له، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل عليها، فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة، ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة

قال: فلله الحمد. فأتته بعشائه، فأصاب منه، ثم قامت فتطيبت، وتعرضت له، فأصاب منها، فلما علمت أنه قد طعم، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا قوماً عارية لهم فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ فقال: لا، قالت: فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية ثم قبضه إليه، فاحتسب ابنك، واصبر. فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني؟ ثم غدا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله لكما في غابر ليلتكما ". وفي رواية: فقال: والذي بعثني بالحق لقد قذف الله في رحمها ذكراً بصبرها على ولدها، فثمر حملها. وكانت أم سليم تسافر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخرج معه إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولدت أم سليم فائتوني بالصبي ". فأخذها الطلق ليلة قربهم من المدينة. قالت: اللهم إني كنت أدخل إذا دخل نبيك، وأخرج إذا خرج نبيك، وقد حضرنا هذا الأمر. فولدت غلاماً حين قدما المدينة، فقالت لابنها أنس: انطلق بالصبي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يسم إبلاً وغنماً، فلما نظر إليه قال لأنس: أولدت أم ملحان؟ قال: نعم. فألقى ما في يده، فتناول الصبي، فقال: ائتوني بتمرات عجوة، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التمر فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ، فقال: انظروا إلى حب الأنصار التمر، فحنكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسماه عبد الله. قال ثابت: وكان يعد من خيار المسلمين. وعن أنس قال: قال أبو طلحة: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، فما منهم أحد إلا وهو يميد من النعاس تحت حجفته. وعن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم ناسٌ من الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو طلحة بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجوباً عليه بحجفةٍ له. قال: وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد

النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، قال: وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول: انثرها لأبي طلحة، قال: فيشرف نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إلى القوم، قال: فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت، لا تشرف، لا يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، قال: فلقد رأيت عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم، وإنهما لمشمرات أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، وترجعان فتملانها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثاً من النعاس. وعن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئةٍ. وكان إذا بقي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جثا بين يديه وقال: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء، وفي رواية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لصوت أبي طلحة في الجيش خيرٌ من ألف رجل. وفي رواية: خير من أربعين رجلاً. وكان في كنانته خمسون سهماً، فنثرها بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جعل يصيح: يا رسول الله، نفسي دون نفسك، فلم يزل يرمي بها سهماً سهماً. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلع رأسه من خلف أبي طلحة بين رأسه ومنكبه ينظر إلى واقع النبل حتى فنيت نبله، وهو يقول: نحري دون نحرك، جعلني الله فداك. فإن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذ العود من الأرض فيقول: ارم يا أبا طلحة، فيرمي به سهماً جيداً. وكان الرماة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور منهم: سعد بن أبي وقاص، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمقداد بن عمرو، وزبد بن حارثة، وحاطب بن أبي بلتعة، وعتبة بن غزوان، وخراش بن الصمة، وقطبة بن عامر بن حديدة، وبشر بن البراء بن معرور، وأبو نائلة سلكان بن سلامة، وأبو طلحة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وقتادة بن النعمان.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين: من تفرد بدم رجل فقتله فله سلبه، فجاء أبو طلحة بسلب أحدٍ وعشرين رجلاً. وعن أنس بن مالك قال: رمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمرة يوم النحر، ثم انصرف، ونحر البدن، ثم جاء والحلاق جالس فجلس ثم أخذ شقي شعره الأيمن بيده، فقال للحلاق: احلق، فحلق ذلك البشق، ثم قسمه بين من يليه من الناس الشعرة والشعرتين، ثم أخذ الشق الآخر فقال للحلاق: احلق، فحلق، ثم قال: ههنا أبو طلحة؟ فقام أبو طلحة، فدفعه إليه. وفي حدي آخر بمعناه: فكان أول من قام فأخذ من شعره أبو طلحة، ثم قال الناس فأخذوا. وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً من نخلٍ، وكان أحب أمواله إليه بيرحا، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزل الله عز وجل هذه الآية: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". قام أبو طلحة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن الله عز وجل يقول: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "، وإن أحب أموالي إلي بيرحا، فإنها صدقة الله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بخٍ، ذلك مالٌ رابحٌ، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن

تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. وعن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن ربنا يسألنا من أموالنا، فإني أشهدك أني قد جعلت أرضي التي بأريحا لله عز وجلن فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجعلها في قرابتك، قال: فقسمها بين أبي بن كعب، وحسان بن ثابت. وعن عبد الله بن أبي بكر: أن أبا طلحة كان يصلي في حائط له، فطار دبسي، فطفق يتردد يلتمس مخرجاً، فلم يجده لالتفاف النخل، فأعجبه ذلك، فأتبعه بصره ساعة، ثم رجع فإذا هو لا يدري كم صلى، فقال: لقد أصابتني في مالي هذا فتنةٌ، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، وقال: يا رسول الله، هو صدقةٌ، فضعه حيث أراك الله عز وجل. وعن سعد أو سعيد بن عامر الجمحي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: يا أبا بكر تعال، ويا عمر تعال، إني أمرت أن أؤاخي بينكما بوحيٍ أنزل علي من السماء، فأنتما أخوان في الدنيا وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه، وليصافحه، فأخذ أبو بكر بيد عمر، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تكون قبله، وتموت قبله. يا زبير تعال، أمرت أن أؤاخي بينكما، فأنتما أخوان في الدنيا، وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه، وليصافحه، ففعلا، ثم قال لأبي عبيدة بن الجراح ولسالم مولى أبي حذيفة مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لأبي بن كعب ولابن مسعود مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لمعاذ ولثوبان مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لأبي طلحة ولبلال مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لأبي الدرداء وسلمان مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لسعد بن أبي وقاص وصهيب مثل ذلك ففعلا، ثم قال لأبي ذر ولهلال مولى المغيرة بن شعبة مثل ذلك، ففعلا، ثم قال لأبي أيوب الأنصاري ولعبد الله بن سالم مثل ذلك، ففعلا، ثم قال: يا أخي يا أسامة تعال، ويا أبا هند تعال حجاماً كان يحجم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذي شرب من

دم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لهما مثل ذلك ففعلا. قال: فالتفت عبد الرحمن بن عوف إلى عثمان بن عفان فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكنا، ما لنا لا يلتفت إلينا؟ نعوذ بالله من معتبته ومن موجدة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فالتفت إليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: والله ما الله لكما بماقتٍ، ولا رسوله عليكما بواحدٍ، وإنكما لتكرمان على الله وعلى رسوله وعلى ملائكته ولكني أردت أن أدعو بكما، نهاني الملك الذي نزل بهذا الأمر من عند الله، فقال: أخرهما فإنهما غنيان، وإنما أخرتكما لأموالكما، وكذلك يحاسب الناس يوم القيامة، يعجل حساب الفقير ويؤخر حساب الأغنياء، وهم في الحبس الشديد، وأنتما أخوان في الدنيا، وأخوان في الجنة، فليسلم كل واحد منكما على صاحبه ويصافحه. ثم قال لهما: أرضيتما؟ قالا: نعم، الحمد لله الذي لم يفضحنا. فقال لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أزيدكما؟ قالا: بلى يا رسول الله. قال: فإنكما أخوان في هذه الدار وفي دار الجن كأخي الياس ومؤمن آل فرعون ياسين: إن الياس كان أحب الناس إلى مؤمن آل ياسين، فبعث الله عز وجل جبريل إلى الياس أن الله قد آخى بينك وبين عبده المقتول ظلماً، فأنا أشهد الله وأشهدكما أني قد واخيتكما جميعاً في هذه الدار وفي دار الآخرة، فأنتم خير الناس مأدبة العرب وموالي، وأمرت أن أؤاخي بين فاطمة بنت محمد وأم سليم، هنيئاً لأم سليم بلطفها برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرت أن أؤاخي بين عائشة بنت أبي بكر وبين امرأة أبي أيوب، ألا جزى الله آل أبي طلحة وآل أبي أيوب، كما صلى على محمد وآل إبراهيم. وعن أنس بن مالك: ذكر أن أبا طلحة كان يأتي أهله، فيدعو بغدائه، فيقال: لم يصبح عندنا غداءٌ، فيقول: إني صائم. وعن أنس قال: كان أبو طلحة لا يكثر الصوم على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما مات كان لا يفطر إلا في سفر أو مرض. وعن أنس قال: كان أبو طلحة لا يكاد يصوم على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل الغزو، فلما قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أره مفطراً إلا يوم الأضحى ويوم الفطر.

زيد بن سلام بن أبي سلام

وفي حديث آخر مثله: فصام بعده أربعين سنة، لا يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر زاد في رواية: أو من مرض. وعن أنس قال: مطرت السماء برداً، فقال لنا أبو طلحة، ونحن غلمان: ناولني يا أنس من ذلك البرد. فجعل يأكل وهو صائم، فقلت: ألست صائماً؟ قال: بلى، إن ذا ليس بطعام ولا شراب، وإنما هو بردٌ من السماء نطهر به بطوننا. قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته، قال: خذ عن عمك. وعن أنس قال: قرأ أبو طلحة هذه الآية: " انفروا خفاقاً وثقالاً ". قال: أرى ربنا قد استنفرنا شيوخاً وشباناً، فقال لبنيه: جهزوني. فقالوا: قد غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع أبي بكر، وعمر، وعثمان حتى ماتوا، فنحن نغزو عنك. فأبى، فركب البحر فمات فيه، فدفنوه في جزيرة بعد سابعة، ولم يضل منه شيءٌ. وفي رواية: ولم يتغير. وقيل: إنه ركب البحر غازياً، فأصابه البطن، فمات. وقيل: إنه توفي بالشام، قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة أربع وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان في آخر خلافته، وكان أبو طلحة رجلاً آدم مربوعاً لا يغير شيبه. وقيل: مات بالمدينة. زيد بن سلام بن أبي سلام ممطور الأسود الحبشي من أهل دمشق، ووقع إلى اليمامة. حدث زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين سورة

زيد بن صوحان بن حجر

البقرة وسورة آل عمران: فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة ". كان زيد بن سلام ثقةً صدوقاً. زيد بن صوحان بن حجر ابن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن حدرجان بن عساس بن ليث ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار. أبو عائشة، ويقال: أبو سلمان ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو سليمان العبدي ويقال: أبو مسلم. أخو صعصعة بن صوحان. له وفادة على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من جملة من سيره عثمان بن عفان من أهل الكوفة إلى دمشق. حدث زيد بن صوحان عن أبي كعب أنه قال: وجدت في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مئة دينار، فذكرت له أمرها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرفها حولاً، قال: فقلت له: أرأيت إن لم أجد صاحبها؟ قال: استنفقها، قال: ورد علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعريفها ثلاث مرات كلما راجعته فيها. وعن زيد بن صوحان قال: قال عمر: ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يخرق أعراض الناس ألا تعربوا عليه؟ قالوا: نتقي لسانه. قال: ذلك أدنى ألا تكونوا شهداء. وعن حميد بن هلالٍ قال: قام زيد بن صوحان إلى عثمان بن عفان فقال: يا أمير المؤمنين، ملت فمالت أمتك،

اعتدل تعتدل أمتك، ثلاث مرات. قال: أسامعٌ مطيع أنت؟ قال: نعم. قال: الحق بالشام. قال: فخرج من فوره ذلك، فطلق امرأته، ثم لحق بحيث أمره، وكانوا يرون الطاعة عليهم حقاً. وذكر البلاذري في كتاب جمل أنسب الأشراف قال: قالوا: ولما خرج المسيرون من قراء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق نزلوا مع عمرو بن زرارة، فبرهم معاوية، وأكرمهم، ثم إنه جرى بينه وبين الأشتر قولٌ حتى تغالطا فيه، فحبسه معاوية، فقام عمرو بن زرارة فقال: لئن حبسته لتجدن من يمنعه. فأمر بحبس عمرو، فتكلم سائر القوم فقالوا: أحسن جوارنا يا معاوية، ثم سكتوا، فقال لهم معاوية: ما لكم لا تكلمون؟ فقال زيد بن صوحان: وما نصنع بالكلام؟ لئن كنا ظالمين فنحن نتوب إلى الله، وإن كنا مظلومين فإنا نسأل الله العافية. فقال معاوية: يا أبا عائشة، أنت رجل صدقٍ، وأذن له في اللحاق بالكوفة، وكتب إلى سعيد بن العاص: أما بعد. فإني قد أذنت لزيد بن صوحان في المصير إلى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه، فأحسن جواره، وكف الأذى عنه، وأقبل إليه بوجهك وودك، فإنه قد أعطاني موثقاً ألا ترى منه مكروهاً. فشكر زيدٌ معاوية، وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل. قال غيلان بن جرير: كان زيد بن صوحان مؤاخياً لسلمان، فاكتنى من حبه أبا سلمان. قتل زيد بن صوحان يوم الجمل مع علي بن أبي طالب سنة ست وثلاثين. وعن الحارث الأعور قال: كان ممن ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد الخير، وهو زيد بن صوحان. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيكون بعدي رجل من التابعين وهو زيد الخير يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة بعشرين سنة، فقطعت يده اليسرى بنهاوند، ثم عاش بعد ذلك عشرين سنة، ثم قتل،

يوم الجمل بين يدي علي، وقال قبل أن يقتل: إني رأيت يداً خرجت من السماء تشير إلي أن تعال، وأنا لاحق بها يا أمير المؤمنين، فادفنوني في دمي: فإني مخاصمٌ القوم. وحدث جماعة من الرواة قال: كانوا في مسير مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوق بهم، فقال: زيد وما زيد! جندب، وما جندب! ثم قال: رجلان من أمتي أحدهما يسبقه بعض جسده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده إلى الجنة، وأما الآخر فيفرق بين الحق والباطل، وجندب هو الذي قتل الساحر بالكوفة. حدث هشام بن محمد: أن زيد بن صوحان أصيبت يده في بعض فتوح العراق، فتبسم والدماء تشخب، فقال له رجل من قومه: ما هذا موضع تبسم! فقال زيد: ألم حل يفوته ثواب الله عز وجل عليه، أفأردفه بألم الجزع الذي لا جدوى فيه، ولا دريكة لفائت معه؟ وفي تبسمي تعزية لبعض المؤتسين من المؤمنين. فقال الرجل: أنت أعلم بالله مني. وعن إبراهيم قال: كان زيد بن صوحان يحدث، فقال أعرابي: إن حدثتك ليعجبني، وإن يدك لتريبني، فقال: أو ما تراها الشمال؟. فقال: والله ما أدري، اليمين يقطعون أم الشمال. فقال زيد: صدق الله: " الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ". فذكر الأعمش أن يد زيدٍ قطعت يوم نهاوند. وعن الحكم بن عتيبة: أن زيد بن صوحان كان عند عمر، فقام إليه عمر، وهو يريد أن يركب دابته، فأمسك بركابه، ثم قال لمن حضره: هكذا فاصنعوا بزيد وإخوته وأصحابه.

قال حميد بن هلال: كان زيد بن صوحان يقوم الليل، ويصوم النهار، وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها، وإن كان ليكرهها إذا جاءت مما يلقى فيها. فبلغ سلمان ما كان يصنع، فأتاه فقال: أين زيد؟ قالت امرأته: ليس ههنا. قال: فإني أقسم عليك لما صنعت طعاماً ولبست محاسن ثيابك. ثم بعث إلى زيد، قال: فجاء زيد، فقرب الطعام، فقال سلمان: كل يا زييد. قال: إني صائم. قال: كل يا زييد لا تنقص أو تبغض دينك، إن شر السير الحقحقة، إن لعينك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لزوجتك عليك حقاً، كل يا زييد. فأكل، وترك ما كان يصنع. عمد زيد بن صوحان إلى رجال من أهل البصرة قد تفرغوا للعبادة، وليست لهم تجارات ولا غلات، فبنى لهم داراً ثم أسكنهم إياها، ثم أوصى بهم من أهله من يقوم في حاجتهم، ويتعاهدهم في مطعمهم ومشربهم وما يصلحهم، فبينما هم كذلك إذ جاءهم ذات يوم، وكان يتعاهدهم بالزيارة، فلم يجدهم، فسأل عنهم، فقيل: دعاهم ابن عامرٍ بن كريز، وكان على البصرة في عهد عثمان، فخرج مسرعاً حتى وجدهم بسدة ابن عامر، فدخل على ابن عامر قبلهم فقال: ما تريد بهؤلاء القوم؟ فقال: أريد أن أقربهم فيشفعوا فأشفعهم، ويسألوا فأعطيهم، ويشيروا علي فأقبل منهم. قال: كلا، والله لا أدعك تهيل عليهم من دنياك، وتشركهم في أمرك، وتذيقهم حلاوة ما أنت فيه حتى إذا انقطعت شرتك منهم تركتهم، فطاحوا بينك وبين ربهم. قال سلمان لزيد بن صوحان: كيف أنت يا زيد إذا اقتتل القرآن والسلطان؟ قال: أكون مع القرآن. قال: نعم الزيد أنت إذاً، قال أبو قرة: إذاً أجلس في بيتي. فقال: لو كنت في أقصى تسعة أبيات لكنت مع أحد الفريقين. وكان أبو قرة يكره القتال.

حدث جابر عن محمد بن علي ومحمد بن المطلب وزيد بن حسن قالوا: شهد مع علي بن أبي طالب في حربه من أصحاب بدر سبعون رجلاً، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبع مئة رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد معه من التابعين ثلاثة بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد لهم بالجنة: أويس القرني، وزيد بن صوحان، وجندب الخير: فأما أويس القرني فقتل في الرجالة يوم صفين، وأما زيد بن صوحان فقتل يوم الجمل. قال أبو معشر: حدثني الحي الذين مات فيهم زيد بن صوحان حين رفع من المعركة وهو جريح قال: قلنا له: أبشر أبا عائشة. فقال: أتقولون قادرين، أتيناهم في ديارهم وقتلنا أميرهم، وعثمان على الطريق! فيا ليتنا إذا ابتلينا صبرنا، ثم قال: شدوا علي إزاري، فإني مخاصم، وأفضوا بخدي إلى الأرض، وأسرعوا الانكفات عني. وكان سيحان بن صوحان قتل يوم الجمل أيضاً، ودفن هو وزيد بن صوحان في قبر، وكان زيد بن صوحان أوصى أن يدفن معه مصفحه. قال خالد بن الواشمة: لما فرغ من أصحاب الجمل نزلت عائشة منزلها دخلت عليها، فقلت: السلام عليك يا أم المؤمنين، فقالت: من هذا؟ فقلت: خالد بن الواشمة. قالت: ما فعل طلحة؟ قلت: أصيب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، يرحمه الله. قالت: ما فعل الزبير؟ قلت: أصيب. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، يرحمه الله. قلت: بل نحن لله وإنا إليه راجعون في زيد بن صوحان. قالت: وأصيب؟ قلت: نعم. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون يرحمه الله. فقلت: يا أم المؤمنين، ذكرت طلحة فقلت: يرحمه الله، وذكرت الزبير فقلت: يرحمه الله، وذكرت زيداً فقلت: يرحمه الله، وقد قتل بعضهم بعضاً! والله لا يجمعهم الله في الجنة أبداً. قالت: أو لا تدري أن رحمة الله واسعة وهو على كل شيء قدير. قال: فكانت أفضل مني.

زيد بن عبد الله بن محمد

زيد بن عبد الله بن محمد أبو الحسين التنوخي البلوطي كان يسكن بأكواخ بانياس، وقدم دمشق. حدث بدمشق، عن أبي إسحاق إبراهيم بن مهدي بن حاتم البلوطي بسنده عن أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نور الحكمة الجوع ورأس الدين ترك الدنيا، والقربة إلى الله حب المساكين والدنو منهم، والبعد عنهم قوي به على المعاصي الشبع، فلا تشبعوا بطونكم فيطفىء نور الحكمة من صدوركم، فإن الحكمة تسطع في القلب مثل السراج. زيد بن عبد الله بن أبي مليكة ابن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي البصري وفد على معاوية، قال: دخلت على معاوية وهو في مجلس له، فجاءت جارية رابعة فدخلت من باب وخرجت من باب آخر، فقال: يا زيد، إن هذه الجارية تعجبني، وأنا أشتهي أن أغشاها وأنا أمرق من فاختة، اقعد ههنا حتى أغشاها وأجيء، قال: فدخل وراءها، وجاءت الأخرى تميز حتى دخلت وراءه، فجاءت به قد لببته وهو يضحك، فجعل يقول: يعلين الكرام ويعليهن اللئام، يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام.

زيد بن عبد الرحمن بن زيد

زيد بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي وفد على عبد الملك بن مروان. وأمه حجية بنت غريض. حدث عن أمه حجية بنت غريض عن أمها عقيلة بنت عتبة بن الحارث عن أمها أم وبرة بنت الحارث، قالت: جئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة، وهو نازل بالأبطح، وقد ضربت عليه قبةٌ حمراء، فبايعناه، واشترط علينا. قالت: فبينا نحن كذلك إذ أقبل سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي كأنه جمل أورق، فلقيه خالد بن رباح أخو بلال بن رباح، وذلك بعدما طلعت الشمس، فقال: ما منعك أن تجعل الغدو على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا النفاق. والذي بعثه بالحق لولا شيء لضربت بهذا السيف فلجتك، وكان رجلاً أعلم. فانطلق سهيل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا ترى ما يقول لي هذا العبيد؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعه فعسى أن يكون خيراً منك، فالتمسه، فلا نجدة، وكانت هذه أشد عليه من الأولى. قال زيد بن عبد الرحمن: وفدت مع أبان بن عثمان على عبد الملك بن مروان، وعنده ابن الحنفية، فدعا عبد الملك بسيف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتي به، ودعا بصيقل، فنظر إليه فقال: ما رأيت حديدةً قط أجود منها. قال عبد الملك: ولا والله ما رأى الناس مثل صاحبها، هب لي يا محمد هذا السيف. فقال محمد: أينا رأيت أحق به فليأخذه، قال عبد الملك: إن كان لك قرابة فلكل قرابة حق. قال: فأعطاه محمدٌ عبد الملك، وقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا يعني الحجاج، وهو عنده قد آذاني، واستخف بحقي، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إلي فيها. فقال عبد الملك: لا إمرة لك عليه. فلما ولى محمد قال عبد الملك للحجاج: أدركه فسل سخيمته، فأدركه، فقال: إن أمير المؤمنين قد أرسلني إليك لأسل سخيمتك، ولا مرحباً

زيد بن علي بن الحسين

بشيء ساءك. فقال محمد: ويحك يا حجاج! اتق الله، واحذر الله، ما من صباح يصبحه العباد إلا لله في كل عبدٍ ثلاث مئة وستون لحظة، إن أخذ أخذ بقدرةٍ، وإن عفا عفا بحلم، فاحذر الله، فقال الحجاج: لا تسألني شيئاً إلا أعطيتكه. فقال له محمد: وتفعل؟ قال له الحجاج: نعم. قال: فإني أسألك صوم الدهر. قال: فذكر الحجاج ذلك لعبد الملك، فأرسل عبد الملك إلى رأس الجالوت، فذكر له الذي قال محمد، فقال: إن رجلاً منا ذكر حديثاً ما سمعناه إلا منه، وأخبره بقول محمد، فقال رأس الجالوت: ما خرجت هذه الكلمة إلا من بيت نبوة. زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب أبو الحسين الهاشمي وفد على هشام بن عبد الملك فرأى منه جفوة، فكان ذلك سبب خروجه وطلبه للخلافة، وخرج بالكوفة. حدث شعبة بن الحجاج أبو بسطام قال: سمعت سيد الهاشميين زيد بن علي بن الحسين بالمدينة في الروضة يقول: حدثني أخي محمد بن علي أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سدوا الأبواب كلها إلا باب علي وأومأ بيده إلى باب علي. وحدث زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر ذات يوم بغلس، وكان مما يغلس ويسفر، فلما قضى الصلاة التفت إلينا فقال: أفيكم من رأى الليلة شيئاً؟ قلنا: لا يا رسول الله. قال: ولكني رأيت ملكين أتياني الليلة، فأخذا بضبعي، فانطلقا بي إلى السماء الدنيا، فمررت بملك وأمامه آدمي وبيده صخرة، فضرب بهامة الآدمي فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه. فمضيت فإذا أنا بملك وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب بن حديد، فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه حتى ينتهي إلى أذنه، ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن. قال: قلت: ما هذا؟ قالا: امضه، فمضيت، فإذا أنا بنهر من دم يمور كمور المرجل، غلي فيه قوم عراة، على حافة النهر ملائكة بأيديهم مدرتان، كلما طلع طالع قذفوه بمدرةٍ، فتقع في فيه، وينتقل إلى أسفل ذلك النهر. قلت: ما هذا؟ قالا:

امضه. فمضيت، فإذا أنا ببيت أسفله أضيق من أعلاه، فيه قوم عراة، توقد من تحتهم النار، أمسكت علي أنفي من نتن ما أجد من ريحهم. قلت من هؤلاء؟ قالا: امضه. فمضيت، فإذا أنا بتل أسود، عليه قوم مخبلين تنفخ النار في أدبارهم، فتخرج من أفواههم ومناخرهم وآذانهم وأعينهم، قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه. فمضيت، فإذا أنا بنر مطبقة موكل بها ملك، لا يخرج منها شيء إلا اتبعه حتى يعيده فيها. قلت: ما هذا؟ قالا لي: امضه. فمضيت، فإذا أنا بروضة، وإذا فيها شيخ جميل لا أجمل منه، وإذا حوله الولدان، وإذا شجرة ورقها كآذان الفيلة، فصعدت ما شاء الله من تلك الشجرة، وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها من زمردة جوفاء، وزبرجدة خضراء، وياقوتة حمراء. قلت: ما هذا؟ قالا: امضه. فمضيت، فإذا أنا بنهر عليه جسران من ذهب وفضة، وعلى حافتي النهر منازل، لا منازل أحسن منها من زمردة جوفاء، وزبرجدة خضراء، وياقوتة حمراء، وفيه قدحان وأباريق تطرد. قلت: ما هذا؟ قالا لي: انزل. فنزلت فضربت بيدي إلى إناء منها فغرفت، ثم شربت: فإذا أحلى من عسل، وأشد بياضاً من اللبن، وألين من الزبد. فقالا لي: أما صاحب الصخرة الذي رأيت يضرب بها هامة الآدمي فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة في جانب فأولئك الذي كانوا ينامون عن صلاة العشاء الآخرة، ويصلون الصلوات لغير مواقيتها، يضربون بها حتى يصيروا إلى النار. وأما صاحب الكلوب الذي رأيت ملكاً موكلاً بيده كلوب وحديد يشق به شدقه الأيمن حتى ينتهي إلى أذنه، ثم يأخذ في الأيسر فيلتئم الأيمن فأولئك الذين كانوا يمشون بين المؤمنين بالنميمة فيفسدون بينهم، فهم يعذبون بها حتى يصيروا إلى النار. وأما ملائكة بأيديهم مدرتان من النار كلما طلع طالع قذفوه بمدرة فتقع في فيه فينتقل إلى أسفل ذلك النهر فأولئك أكلة الربا، يعذبون حتى يصيروا إلى النار. وأما البيت الذي رأيت، أسفله أضيق من أعلاه، فيه قوم عراة تتوقد من تحتهم النار، أمسكت على أنفك من نتن ما تجد من ريحهم فأولئك الزناة، وذلك نتن فروجهم، يعذبون حتى يصيروا إلى النار. وأما التل الأسود الذي رأيت عليه قوماً مخبلين تنفخ النار في أدبارهم فتخرج من

أفواههم ومناخرهم وأعينهم وآذانهم، فأولئك الذين يعملون عمل قوم لوطٍ الفاعل والمفعول به، فهم يعذبون حتى يصيروا إلى النار. وأما النار المطبقة التي رأيت ملكاً موكلاً بها كلما خرج منها شيء اتبعه حتى يعيده فيها، فتلك جهنم تفرق من بين أهل الجنة وأهل النار. وأما الروضة التي رأيتها فتلك جنة المأوى. وأما الشيخ الذي رأيت أول ومن حوله من الولدان فهو إبراهيم، وهم بنوه. وأما الشجرة التي رأيت فطلعت إليها، فيها منازل لا منازل أحسن منها من زمردة جوفاء، وزبرجدة خضراء، وياقوتة حمراء، فتلك منازل أهل عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وأما النهر فهو نهرك الذي أعطاك الله الكوثر وهذه المنازل ولأهل بيتك. قال: فنوديت من فوق: يا محمد يا محمد، سل تعطه، فارتعدت فرائصي، ورجف فؤادي، واضطرب كل عضو مني، ولم أستطع أن أجيب شيئاً، فأخذ أحد الملكين يده اليمنى فوضعها في يدي، وأخذ الآخر يده اليمنى فوضعها بين كتفي، فسكن ذلك مني. ثم نوديت من فوقي: يا محمد، سل تعطه. قال: قلت: اللهم إني أسألك أن تثبت شفاعتي، وأن تلحق بي أهل بيتي، وأن ألقاك ولا ذنب لي. قال: ثم ولى بي. ونزلت عليه هذه الآية: " إنا فتحاً لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " إلى قوله " صراطاً مستقيماً ". فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فكما أعطيت هذه كذلك أعطاها إن شاء الله عز وجل. قال يونس بن أبي يعفور: قال الزهري: كنت على باب هشام بن عبد الملك، قال: فخرج من عنده زيد بن علي وهو يقول: والله ما كره قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله تعالى بالذل. قيل إن زيد بن علي ولد سنة ثمان وسبعين.

وعن حذيفة بن اليمان: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر يوماً إلى زيد بن حارثة وبكى، وقال: المظلوم من أهل بيتي سمي هذا، والمقتول في الله والمصلوب من أمتي سمي هذا، وأشار إلى زيد بن حارثة، ثم قال: ادن مني يا زيد، زادك الله حباً عندي، فإنك سمي الحبيب من ولدي زيد. وعن جعفر: أنه ذكر زيداً فقال: رحم الله عمي، كان والله سيد الأولين، ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله. وعن عمرو بن القاسم قال: دخلت على جعفر بن محمد، وعنده أناسٌ من الرافضة، فقلت: إن هؤلاء يبرؤون من عمل زيد. قال: يبرؤون من عمي زيد؟ قلت: نعم. قال: برىء الله ممن يبرأ منه، كان والله أقرأنا لكتاب اله، وأفقهنا في دين الله، وأوصلنا للرحم، والله ما ترك فينا لدنيا ولا لآخرة مثله. وعن زيد بن علي: في قوله عز وجل: " ولسوف يعطيك ربك فترضى ". قال: إن من رضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدخل أهل بيت بنيه الجنة. وعن زيد بن علي: في قوله: " وسيجزي الله الشاكرين " قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إمام الشاكرين. قال آدم بن عبد الله الخثعمي، وكان من أصحاب زيد بن علي، قال: سألت زيد بن علي عن قول الله عز وعلا: " والسابقون السابقون أولئك المقربون ". من هؤلاء؟ قال: أبو بكر وعمر. ثم قال: لا أنالني الله شفاعة جدي إن لم أوالهما.

قال مطلب بن زياد: جاء رجل إلى زيد فقال: يا زيد، أنت الذي تزعم أن الله أراد أن يعصى؟ فقال له زيد: أعصي عنوة؟ فأقبل يحصر من بين يديه. وعن زيد بن علي قال: انطلقت الخوارج فبرئت ممن دون أبي بكر وعمر، ولم يستطيعوا أن يقولوا فيهما شيئاً، وانطلقتم أنتم فطفرتم فوق ذلك، فبرئتم منهما، فمن بقي؟ فوالله ما بقي أحدٌ إلا برئتم منه! وعن زيد بن علي قال: البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان البراءة من علي، والبراءة من علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان. وعن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر حكمت بمثل ما حكم به أبو بكر في فدك. قال محمد بن سالم: كان عندنا زيد بن على مختفياً، فذكر أبو بكر وعمر، فجاء بعض الاعتراض، فقال زيد: مه يا محمد بن سالم! لو كنت حاضراً ما كنت تصنع؟ قال: أصنع كما كان يصنع علي. قال: فارض بما صنع علي. قال زيد بن علي: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة، مزقت الرافضة علينا كما مزقت الخوارج على علي رضي الله عنه. قال عيسى بن يونس: وسئل عن الرافضة والزيدية، فقال: أما الرافضة فأول ما ترفضت، جاؤوا إلى زيد بن علي حين خرج، فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نكون معك. قال: بل أتولاهما وأبرأ ممن تبرأ منهما. قالوا: فإذاً نرفضك. فسميت الرافضة. قال: وأما الزيدية، فقالوا: نتولاهما ونبرأ ممن تبرأ منهما، فخرجوا مع زيد فسميت الزيدية.

وعن الأصمعي قال: قال زيد بن علي لابنه: يا بني، إن الله عز وجل رضيني لك فحذرني فتنتك، ولم يرضك لي فأوصاك بي، إن خير الآباء من لم تدعه مودته إلى الإفراط، وخير الأولاد من لم يدعه التقصير إلى العقوق. دخل زيد بن علي بن الحسين بن علي على هشام بن عبد الملك، وكان زيد لأم ولد، فقال له هشام: يا زيد، بلغني أن نفسك تسمو بك إلى الإمامة، والإمامة لا تصلح لأبناء الإماء. فقال له زيد: يا أمير المؤمنين، هذا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام كان لأمة وقد صلحت له النبوة، وكان صادق الوعد وكان عند ربه مرضياً، والنبوة أكبر من الإمامة. فقال له هشام: يا زيد، إن الله لا يجمع النبوة والملك لأحد. فقال زيد: يا أمير المؤمنين، ما هكذا قال الله تبارك وتعالى: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً ". ولكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي حين أخذ داود بن علي وزيد بن علي بمكة: من الخفيف يأمن الظبي والحمام ولا يأ ... من آل النبي عند المقام طبت بيتاً وطاب أهلك أهلاً ... أهل بيت النبي والإسلام رحمة الله والسلام عليكم ... كلما قام قائمٌ بسلام حفظوا خاتماً وجرد رداءٍ ... وأضاعوا قرابة الأرحام ويقال: إن زيداً بينا هو على باب هشام في خصومة عبد الله بن حسن في الصدفة ورد كتاب يوسف بن عمر في زيد، وداود بن علي بن عبد الله بن العباس، ومحمد بن

عمر بن علي بن أبي طالب، وأيوب بن سلمة، فحبس زيد، وبعث إلى أولئك، فقدم بهم، ثم حملهم إلى يوسف بن عمر بالكوفة، فاستحلفه ما عنده لخالد مالٌ، وخلا سبيله. حتى إذا كان بالقادسية لحقته الشيعة، فسألوه الرجوع معهم والخروج، ففعل، ثم تفرقوا عنه إلا نفر يسير، فنسبوا إلى الزيدية، ونسب من تفرق عنه إلى الرافضة. قال عبد الله بن جعفر: دخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك، فرفع ديناً كثيراً وحوائج، فلم يقض له هشام حاجة، وتجهمه، وأسمعه كلاماً شديداً، قال عبد الله بن جعفر: فأخبرني سالم مولى هشام وحاجبه أن زيد بن علي خرج من عند هشام وهو يأخذ شاربه بيده ويفتله، ويقول: ما أحب الحياة أحدٌ قط إلا ذل، ثم مضى، فكان وجهه إلى الكوفة، فخرج بها، ويوسف بن عمر الثقفي عامٌل لهشام بن عبد الملك على العراق، فوجه إلى زيد بن علي من يقاتله، فاقتتلوا، وتفرق عن زيد من خرج معه، ثم قتل وصلب. قال سالم: فأخبرت هشاماً بعد ذلك بما قال زيد يوم خرج من عنده فقال: ثكلتك أمك، ألا كنت أخبرتني بذلك قبل اليوم، وما كان يرضيه، إنما كانت خمس مئة ألف، فكان ذلك أهون علينا مما صار إليه. قال عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: دخل زيد بن علي مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار في يوم حار من باب السوق، فرأى سعد بن إبراهيم في جماعة من القرشيين قد حان قيامهم، فقاموا، فأشار إليهم، فقال لهم سعد بن إبراهيم: هذا زيد يشير إليكم فقوموا له. فجاءهم، فقال: أي قوم! أنتم أضعف من أهل الحرة؟ فقالوا: لا. فقال: فأنا أشهد أن يزيد ليس شراً من هشام بن عبد الملك، فما لكم؟ فقال سعد لأصحابه: مدة هذا قصيرة، فلم ينشب أن خرج فقتل. ولما قدم زيد بن علي إلى الشام كان حسن الخلق، حلو اللسان، فبلغ ذلك هشام بن عبد الملك، فاشتد عليه، فشكا ذلك إلى مولى له، فقال له: ائذن للناس إذناً عاماً، واحجب زيداً، ثم ائذن له في آخر الناس، فإذا دخل عليك فسلم فلا ترد عليه، ولا تأمره

بالجلوس، فإذا رأى أهل الشام هذا سقط من أعينهم. ففعل، فأذن للناس إذناً عاماً وحجب زيداً وأذن له في آخر الناس، فدخل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فلم يرد عليه، فقال: السلام عليك يا أحول، إذ لم تر نفسك أهلاً لهذا الاسم. فقال له هشام: أنت الطامع في الخلافة، وأمك أمةٌ! فقال: إن لكلامك جواباً، فإن شئت أجبت. قال: وما جوابك؟ قال: لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله إسماعيل نبياً وأم هاجر، فالخلافة أعظم أم النبوة؟ فأفحم هشام. فلم خرج قال لجلسائه: أنتم القائلون إن رجالات بني هاشم هلكت؟ والله ما هلك قوم هذا منهم. فرده وقال: يا زيد، ما كانت أمك تصنع بالزوج، ولها ابنٌ مثلك؟ قال: أرادت آخر مثلي. قال: ارفع لي حوائجك، فقال: أما وأنت الناظر في أمور المسلمين فلا حاجة لي. ثم قام فخرج، فأتبعه رسولاً وقال: اسمع ما يقول، فتبعه فسمعه يقول: من أحب الحياة ذل. ثم أنشأ يقول: من البسيط مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا ... سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا الله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم أن لا تحبونا كل امرىءٍ مولعٌ في بغض صاحبه ... فنحمد الله نقلوكم وتقلونا ثم حلف أن لا يلقى هشاماً ولا يسأله صفراء ولا بيضاء، فخرج في أربعة آلاف بالكوفة، فاحتال عليه بعض من كان يهوى هشاماً، فدخلوا عليه وقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال: رحم الله أبا بكر وعمر صاحبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أين كنتم قبل اليوم؟ قالوا: ما نخرج معك، أو تتبرأ منهما. فقال: لا أفعل، هما إماما عدلٍ. فتفرقوا عنه، وبعث هشام إليه، فقتلوه، فقال الموكل بخشبته: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، وقد وقف على الخشبة، وقال: هكذا يصنعون بولدي من بعدي؟ يا بني، يا زيد، قتلوك قتلهم الله، صلبوك صلبهم الله. فخرج هذا في الناس، وكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنهم. فكتب إليه: أحرقه بالنار. فأحرقه، رحمة الله عليه.

وقال ضمرة بن ربيعة: إنما كان سبب زيد بالعراق أن يوسف بن عمر سأل القسري وابنه عن ودائعهم، فقالوا: لنا عند داود بن علي وديعة وعند زيد بن علي وديعة. فكتب بذلك إلى هشام، فكتب هشام إلى صاحب المدينة في إشخاص زيد بن علي، وكتب إلى صاحب البلقاء في إشخاص داود بن علي إليه، فقدما على هشام، فأما داود بن علي فحلف لهشام أنه لا وديعة لهم عندي، فصدقه، وأذن له بالرجوع إلى أهله، وأما زيد بن علي فأبى أن يقبل منه، وأنكر أن يكون لهما عنده شيء، فقال: أقدم على يوسف، فقدم على يوسف، فجمع بينه وبين يزيد وخالد، فقال: إنما هو شيء تبردت به، ما لي عنده شيء، فصدقه، وأجازه يوسف، وخرج يريد المدينة، فلحقه رجال من الشيعة، فقالوا له: ارجع فإن لك عندنا الرجال والأموال، فرجع، وبلغ ذلك يوسف. قال ضمرة: فسمعت مهلباً يقول: أمر يوسف بالصلاة جامعة، فمن لم يحضر المسجد فقد حلت عليه العقوبة. قال: فاجتمع الناس وقالوا: ننظر ما هذا الأمر، ثم نرجع. قال: فاجتمع الناس، فأمر بالأبواب فأخذ بها فبنى عليهم. قال: وأمر الخيل فجالت في أزقة الكوفة. قال: فمكث الناس ثلاثة أيام وثلاث ليال في المسجد، يؤتى الناس من منازلهم بالطعام، يتناوبهم الشرط والحرس. قال: فخرج زيد على تلك الحال، فلم يلبث أن ترتفع الشمس حتى قتل من يومه، لم يخرج معه إلا جميع، فأخذه رجل في بستان له، وصرف الماء عن الساقية، وحفر له تحت الساقية، ودفنه، وأجرى عليه الماء. قال: وغلام له سندي في بستان له ينظر، فذهب إلى يوسف، فأخبره، فبعث فاستخرجه، ثم صلبه. فمن يومئذ سميت الرافضة، أتوا إلى زيد فقالوا: سب أبا بكر وعمر نقم معك وننصرك، فأبى، فرفضوا ذلك، فسموا يومئذ: روافض. فالزيدية لا تستحل الصلاة خلف الشيعة.

وعن القاسم بن معن قال: خرج أبو حصين وفي نسخة: أبو كثير وهو يضرب بغلة، وهو يقول: الحمد لله الذي سار بي تحت رايات الهدى. وعن أم داود قالت: مر زيد بن علي بن الحسين على حمارٍ قد خولف بوجهه، على شيوخ كندة، فقاموا إليه يبكون. فقال: يا أخابث خليقة الله، أسلمتموني للقتل ثم تبكون علي. وحدث معاوية بن الحارث عن جده أبي أمه أنه كان يقول: إن عندي لحديثاً لو أردت أن آكل به الدنيا لأكلتها ولكني لا يسألني الله عن حديث أرفعه إلى السلطان. قال أبي: فقلت: ما هو؟ قال: لما خرج زيد أتيت خالتي الغد فقلت لها: يا أمه، قد خرج زيد. فقالت: المسكين يقتل كما قتل آباؤه، فقلت لها: إنه خرج معه ذوو الحجا. فقالت: كنت عند أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتذاكروا الخلافة فقالت أم سلمة: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتذاكروا الخلافة بعده، فقالوا: ولد فاطمة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يصلوا إليها أبداً، ولكنها في ولد عمي صنو أبي حتى يسلموها إلى الدجال ". وعن الوليد بن محمد الموقري قال: كنا على باب الزهري إذ سمع جلبةً، فقال: ما هذا يا وليد؟ فنظرت فإذا رأس زيد يطاف به بيد اللعابين، فأخبرته فكبى الزهري، ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة. قلت: ويملكون؟ قال: نعم، حدثني علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: أبشري، المهدي منك. كان الحسين بن زيد بن علي يلقب: ذا الدمعة، وذلك لكثرة بكائه، فقيل له في ذلك فقال: وهل تركت النار والسهمان في مضحكاً؟ يريد السهمين اللذين أصابا زيد بن علي، ويحيى بن زيد وقتل بخراسان.

زيد بن عمر بن الخطاب

قال جرير بن مغيرة: كنت أكثر الضحك، فما قطعه عني إلا قتل زيد بن علي. قال صدقة بن بشير: سمعت حسين بن زيد يمزح مع جعفر بن محمد فيقول له: خذلت شيعتك أبي حتى قتل. فقال له جعفر: إن أباك اشتهى البطيخ بالسكر. كان مقتل زيد بن علي في صفر سنة عشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، وقيل: قتل في سنة اثنتين وعشرين ومئة: سنة ثلاث وعشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين ومئة، في صفر بالكوفة، وصلب في الكناس. قتله يوسف بن عمر، ثم أحرقه بالنار، فسمي زيد النار. وهرب يحيى بن زيد فلحق بخراسان. وقيل إن زيداً لم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين، ثم أنزل بعد أربع سنين من صلبه. وعن الحسن بن محمد بن معاوية البجلي قال: كان زيد بن علي حيث صلب يوجه وجهه ناحية الفرات فيصيح، وقد دارت خشبته ناحية القبلة مراراً، وعمدت العنكبوت حتى نسجت على عورته، وقد كانوا صلبوه عرياناً. قال جرير بن حازم: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متسانداً إلى خشبة زيد بن علي في المنام، وهو مصلوب، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟ زيد بن عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشي العدوي وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. وفد على معاوية بن أبي سفيان. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب أم كلثوم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: إنها صغيرة. فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد. فقال له علي: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها. فبعثها إليه

ببردٍ، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك. فقالت ذلك لعمر، فقال: قولي له: قد رضيته رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها فكشفها. فقالت له: أتفعل هذا!؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك، ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوءٍ؟ فقال: مهلاً يا بنية، فإنه زوجك. فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مجلس المهاجرين في الروضة، فكان يجلس فيه المهاجرون الأولون. فجلس إليهم فقال: زفئوني. فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل نسبٍ وسببٍ وصهر منقطعٌ يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري، فكان لي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النسب والسبب وأردت أن أجمع إليه الصهر. فزفوه. وقيل أن زيد بن عمر بن الخطاب ابن أم كلثوم بنت علي، توفي هو وأمه أم كلثوم في ساعة واحدة، وهو صغير لا يدرى أيهما مات أول. وفد إلى معاوية بن أبي سفيان فأجلسه على السرير، وهو يومئذ من أجمل الناس وأشبههم، فبينا هو جالس قال له بسر بن أرطأة: يا بن أبي تراب. فقال له: إياي تعني؟ لا أم لك، أنا والله خير منك وأزكى وأطيب، فما زال الكلام بينهما حتى نزل زيد إليه فخنقه حتى صرعه وبرك على صدره. فنزل معاوية عن سريره فحجز بينهما، وسقطت عمامة زيد فقال زيد: والله يا معاوية ما شكرت الحسنى، ولا حفظت ما كان منا إليك، تسلط علي عبد بني عامر!؟ فقال معاوية: أما قولك يا بن أخي أني كفرت الحسنى فوالله ما استعملني أبوك إلا من حاجة إلي، وأما ما ذكرت من الشكر فوالله لقد وصلنا أرحامكم، وقضينا حقوقكم. وإنكم لفي منازلكم. فقال زيد: أنا ابن الخليفتين، والله لا تراني بعدها أبداً عائداً إليك، وإني لأعلم أن هذا لم يكن إلا عن رأيك. قال: وخرج زيد وقد تشعث رأسه، وسقطت عمامته، فدعا بإبله فارتحل، فأتاه آذن معاوية، فقال: إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: عزمت عليك لما أتيتني، فإن أبيت أتيتك. قال زيد: لولا العزيمة ما أتيت.

فلما رجع إليه أجلسه على سريره، وقبل بين عينيه، ثم أقبل عليه فقال: من نسي بلاء عمر فإني والله ما أنساه. لقد استعملني وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوافرون، وأنا يومئذ حديث السن، فأخذت بأدبه، واقتديت بهديه، واتبعت أثره، فوالله ما قويت على العامة إلا بمكاني كان منه. حاجتك يا بن أخي؟ قال الراوي: فوالله ما ترك له حاجةً، ولا لمن معه إلا قضاها، وأمر له بمئة ألف، وأمر لنا بأربعة آلاف أربعة آلاف، ونحن عشرون رجلاً، وقال: هذه لك عندي في كل عام. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أربعين ألف درهم. وروي مثل ذلك عن عطاء الخراساي أيضاً. وكان السبب في قتل زيد بن عمر بن الخطاب أن حرباً وقعت فيما بين عدي بن كعب، فخرج عبد الله بن مطيع يطلع ما سببه، وبلغ ذلك عبد الله وسليمان ابني أبي جهم، فخرجا يرصدانه لرجعته، وأتى الخبر أخويهما فخرجوا إليهما، وتداعى الفريقان، وانصرف عبد الله بن مطيع مشياً، فالتقوا بالبقيع، فاقتتلوا، وتنوول ابن مطيع بعصا، فأدركت مؤخر السرج فكسرته، وأقبل زيد بن عمر ليحجز بينهم وبين بعضهم عن بعض، فخالطهم، فضربه رجل منهم في الظلمة، وهو لا يعرفه، على رأسه، فشجه، وصرع عن دابته، وتنادى القوم: زيد ... زيد، فتفرقوا، وأسقط في أيديهم، وأقبل عبد الله بن مطيع فلما رآه صريعاً نزل، فأكب عليه، وناداه: يا زيد، بأبي أنت وأمي، مرتين أو ثلاثاً، ثم أجابه فكبر ابن مطيع، وأخذه فحمله على بغلته حتى آداه إلى منزله، فدوي زيد من شجته حتى أقبل، وقيل: قد برأ، وكان يسأل عمر ضربه فلا يسميه، ثم إن الشجة انتقضت بزيد بن عمر، فلم يزل منها مريضاً، وأصابه بطن فهلك. رحمة الله عليه. قال محمد بن الحسن المخزومي: لما استعز بزيد بن عمر جعل الحسين بن علي عليهما السلام يقول له: يا زيد، من ضربك؟ فيقول له عبد الله بن عمر: يا زيد، اتق الله فإنك كنت في اختلاط لا تعرف فيه من ضربك. قال: وكانت في زيد وأمه سنتان: ماتا في ساعة واحدة، لم

زيد بن عمر بن نفيل

يعرف أيهما مات قبل الآخر، فلم يورث كل واحد منهما من صاحبه، ووضعا معاً في موضع الجنائز، فأخرت أمه وقدم هو مما يلي الإمام، فجرت السنة في الرجل والمرأة بذلك بعد. وقال الحسين بن علي لعبد الله بن عمر: تقدم فصل على أمك وأخيك. فتقدم فصلى عليهما. وقيل: إن خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب هو الذي أصاب زيداً تلك الليلة برميةٍ ولا يعرفه. وقيل: إن سعيد بن العاص صلى عليهما. والمحفوظ أن عبد الله بن عمر هو الذي صلى عليهما في إمارة سعيد بن العاص، وكبر أربعاً، وخلفه الحسن، والحسين، وابن الحنفية، وابن عباس، وغيرهم. زيد بن عمر بن نفيل ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشي العدوي. الذي قال فيه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يبعث أمةً وحده. " كان يطلب دين إبراهيم عليه السلام، ويسأل عنه الأحبار والرهبان، ورأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي قبل أن يبعث وكان في تطوافه دخل الشام، وأتى البلقاء، وسأل الراهب الذي كان بميفعة من أرض البلقاء عن الحنيفية دين إبراهيم. وكان زيد قد ترك عبادة الأوثان، وكان لا يأكل ما ذبح لغير الله، وكان يقول: يا معشر قريش، أرسل الله قطر السماء، وأنبت بقل الأرض، وخلق السائمة ورعت فيه، وتذبحونها لغير الله؟ والله ما أعلم على ظهر الأرض أحداً على دين إبراهيم غيري. وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد أبيه فولدت له زيد بن عمرو. وكان الخطاب عمه وأخاه لأمه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، وخرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء مقابل مكة، ووكل به الخطاب شباباً من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم فقال: لا تتركوه يدخل مكة.

فكان لا يدخلها إلا سراً منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم. قال محمد بن إسحاق: وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحارث بن أسد، وعبيد الله بن جحش بن رياب، حضروا قريشاً عند وثنٍ لهم، كانوا يذبحون عنده لعيدٍ من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، وقالوا: تصادقوا، وليكتم بعضكم على بعض. فقال قائلهم: تعلمن، والله ما قومكم على شيء، لقد أخطؤوا دين إبراهيم وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لأنفسكم. فخرجوا يطلبون، ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى، والملل كلها يتطلبون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. وأما ورقة بن نوفل فتنصر واستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب. ولم يكن منهم أعدل أمراً ولا أعدل شأناً من زيد بن عمرو، اعتزل الأوثان، وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم، يوحد الله، ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه. وفي حديث آخر: وكان أشدهم على زيدٍ الخطاب بن نفيل، وكان زيد بن عمرو إذا خلص إلى البيت استقبله ثم قال: لبيك حقاً حقاً ... تعبداً ورقاً البر أرجو لا الخال ... هل مهجرٌ كمن قال عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم

ثم يقول: أنفي لك عانٍ راغم ... مهما تجشمني فإني جاشم ثم يسجد. ولما خالف زيد دين قومه قال له الخطاب بن نفيل: إني لأحسبك خالفة بني عدي، هل ترى أحداً يصنع من قومك ما تصنع؟! يقال: رجل خالفة أي مخالف، كثير الخلاف: كما قيل: راوية ولحانة ونسابة. قال ابن إسحاق: وقد كان زيد بن عمرو بن نفيل قد أجمع على الخروج من مكة فيضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم، وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض للخروج وأراده آذنت الخطاب بن نفيل. فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم، ويسأل عنه، ولم يزل في ذلك حتى أتى الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى راهباً ببيعة من أرض البلقاء، كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال له الراهب: إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس من علمه، وذهب من كان يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن وهذا زمانه. وقد كان شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئاً منهما. فخرج سريعاً، حين قال الراهب ما قال: يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه، فقال ورقة بن نوفل وقد كان اتبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل زيد فبكى ورقة فقال: من الطويل رشدت وأنعمت ابن عمروٍ وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حاميا بدينك رباً ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض ستين واديا وعن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه كان يتأله في الجاهلية، فانطلق حتى أتى رجلاً من اليهود، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال له اليهودي: لا أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من غضب الله. فقال: من غضب الله أفر، فانطلق حتى أتى نصرانياً، فقال له: أحب أن تدخلني معك في دينك. فقال: لست أدخلك في ديني حتى تبوء بنصيبك من الضلالة. فقال: من الضلالة أفر، قال له النصراني: فإني أدلك على دين إن اتبعته اهتديت. قال له: أي دين؟ قال: دين إبراهيم. قال: فقال: اللهم، إني أشهدك أني على دين إبراهيم، عليه أحيا، وعليه أموت. قال: فذكر شأنه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هو أمةٌ وحده يوم القيامة. قالوا: وجاء ابنه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك، فاستغفر له. قال: نعم، فإنه يبعث يوم القيامة أمةً وحده. وعن حجير بن أبي إهاب قال: رأيت زيد بن عمرو، وأنا عند صنم بوانة بعد ما رجع من الشام، وهو يراقب الشمس، فإذا زالت استقبل الكعبة فصلى ركعةً وسجدتين، ثم يقول: هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل، لا أعبد حجراً، ولا أصلي له، ولا آكل ما ذبح له، ولا أستقسم بالأزلام، وأنا أصلي إلى هذا البيت حتى أموت. وكان يحج، فيقف بعرفة، وكان يلبي يقول: لبيك لا شريك لك، ولا ند لك، ثم يدفع من عرفة ماشياً وهو يقول: لبيك، متعبداً مرقوماً. وعن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه، وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدةً

فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك مانعته حتى لا يخفى عليك. قلت: هلم. قال: هو رجلٌ ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكان من أسأل من اليهود والنصارى، والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول زيد بن عمرو، وأقرأته منه السلام، فرد عليه السلام، وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش، ما منكم أحدٌ اليوم على دين إبراهيم عليه السلام غيري. قال: وكان يصلي إلى الكعبة ويقول: إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، ادفعها إلي أكفك مؤنتها، فإذا ترعرعت قال: إن شئت فخذها، وإن شئت فدعها. وعن عمر وسعيد بن زيد: أنهما سألا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زيد فقالا: استغفر له. قال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وفي حديث آخر: يبعث يوم القيامة أمة حده بيني وبين عيسى بن مريم عليهما السلام. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو دوحتين ".

وعن أسماء بنة أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: ويحكم يا معاشر قريش! إياكم والربا: فإنه يورث الفقر. ومن شعر زيد بن عمرو بن نفيل: من الوافر أرب واحدٌ أم ألف ربٍّ ... أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمروٍ أدير ولا غنماً أدين وكان رباً ... لنا في الدهر إذ حلمي يسير عجبت وفي الليالي معجباتٌ ... وفي الأيام يعرفها البصير بأن الله قد أفنى رجالاً ... كثيراً كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قومٍ ... فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوماً ... كما يتروح الغصن النضير وكان زيد بن عمرو بالشام، فلما بلغه خبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل يريده، فقتله أهل ميفعة، موضع الشام. وقيل: إن زيداً مات فدفن بأصل حراء.

زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب

زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب ابن عبد رضا بن المختلس بن ثوب بن كنانة بن مالك بن نابل بن اسودان وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ أبو مكنف الطائي ثم النبهاني، المعروف بزيد الخيل في الجاهلية. وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، فسماه زيد الخير. وكان من فرسان العرب. قدم دمشق في الجاهلية خاطباً ماوية بنت حجر الغسانية. لما قدم وفد طيء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة عشر رجلاً، رأسهم وسيدهم زيد الخير، وهو زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان، وفيهم وزر بن جابر بن سدوس بن أصمع النبهاني، وقبيصة بن الأسود بن عامر من جرم طيء، ومالك بن عبد الله بن جبير من بني معن، وقعين بن خليف من جديلة، ورجل من بني بولان، فدخلوا المدينة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد، فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد، ثم دخلوا فدنوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا، وأجازهم بخمس أواق فضة كل رجل منهم، وأعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشأ، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ذكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد فإنه لم يبلغ كل ما فيه ". وسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد الخير، وقطع له فيداً وأرضين، فكتب له بذلك كتاباً. ورجع مع قومه، فلما كان بموضع يقال له الفردة مات هناك، فعمدت امرأته إلى كل ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب به فخرقته. وفي رواية: فحرقته بالنار. وزاد في حديث بعد قوله: وكتب له كتاباً: وكان من قول زيد يوم قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي أيدنا بك، وعصم لنا ديننا بك، فما رأيت أخلاقاً أحسن من أخلاقٍ

تدعو إليها، وقد كنت أعجب لعقولنا واتباعنا حجراً نعبده يسقط منا فنظل نطلبه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وزيادة أيضاً. يعني بذلك الإيمان أيضاً أكثر. فلما خرج زيد من عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمدينة وبيئة قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ينج زيدٌ من أم ملدم. قال: فلما انتهى إلى بلدة بموضع يقال له: الفردة مات هناك. رحمه الله. وعن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أقبل راكب حتى أناخ بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أتيت من مسيرة تسع، أنضيت راحلتي، وأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري لأسألك عن خصلتين أسهرتاني. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما اسمك؟ قال: أنا زيد الخيل. قال له: بل أنت زيد الخير، فسل فرب معضلة قد سئل عنها، قال: أسألك عن علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحب الخير وأهله ومن يعمل به، فإن عملت به أيقنت بثوابه، وإن فاتني منه شيء حننت إليه. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه علامة الله فيمن يريد، وعلامته فيمن لا يريد، ولو أرادك بالأخرى هيأك لها، ثم لا يبالي في أي وادٍ سلكت ". وفي رواية: هلكت. قال الكلبي: كان يقال لبطن زيد الخيل الذي هو منه: بنو المختلس. وكان لزيد من الولد مكنف بن زيد الخيل، وبه كان يكنى، وقد أسلم وصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد قتال أهل الردة مع خالد بن الوليد وكان له بلاء، وحريث بن زيد وكان فارساً، وقد صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد الردة مع خالد بن الوليد، وكان شاعراً، وعروة بن زيد شهد القادسية وقس الناطف ويوم مهران فأبلى وقال في ذلك شعراً. وكان زيد الخيل شاعراً. في نسبه: نابل: بعد الألف باء معجمة بواحدة، وثوب: بفتح الثاء، وسكون الواو، وعبد رضا: بضم الراء.

زيد بن واقد أبو عمر

وعن أبي سعيد الخدري قال: كان المؤلفة قلوبهم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة: علقمة بن علاثة الجعفري، والأقرع بن حابس الحنظلي، وزيد الخيل الطائي، وعنبسة بن بدر الفزاري. قال: فقدم علي بذهبة من اليمن بتربتها، فقسمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم. وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذهبة فيها تربتها فقسمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أربعة: بين الأقرع بن حابس الحنظلي أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن حصن الفزاري، وبين علقمة بن علاثة العامري، وبين زيد الخيل الطائي، فقالت قريش والأنصار: أتقسم بين صناديد أهل نجد وتدعنا؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتألفهم، إذ أقبل رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتىء الجبين، كث اللحية محلوق فقال: يا محمد، اتق الله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يطيع الله إذا عصيته " قال: فسأل رجل من القوم قتله، وقال: حسبته خالد بن الوليد، فولى الرجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من ضئضىء هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد. قيل: توفي زيد الخير سنة عشر. زيد بن واقد أبو عمر ويقال أبو عمرو الدمشقي حدث عن أبي سلام الأسود عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن حوضي كما بين عدن إلى عمان أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، عدد أوانيه أو أكاويبه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأكثر الناس وروداً عليه فقراء المهاجرين، قلنا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الشعب رؤوساً، الدنس ثياباً، الذين لا ينكحون الممنعات، ولا تفتح عليهم أبواب السدد، الذين يعطون الحق الذي عليهم، ولا يعطون كل الذي لهم.

زيد بن يحيى بن عبيد

وحدث زيد بن واقد عن رجل من أهل البصرة يقال له الحسن بن أبي الحسن قال: لقد أدركت أقواماً لو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء عند الله من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب. كان الوضين بن عطاء، وابن جابر، والنعمان، وأبو وهب، وزيد بن واقد كلهم يتهمون بالقدر. توفي زيد بن واقد سنة ثمان وثلاثين ومائة. زيد بن يحيى بن عبيد أبو عبد الله الخزاعي حدث زيد بن يحيى الدمشقي عن أبي معبد عن مكحول عن أنس بن مالك قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر فيكم مثلما ظهر في بني إسرائيل، إذا كانت الفاحشة في كباركم، والملك في صغاركم، والعلم في رذالكم. توفي زيد بن يحيى بن عبيد في سنة سبع ومئتين. زيد أبو خالد حدث عن سليمان بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض: حكيمٌ من أحمق، وشريفٌ من دانيء، وبرٌّ من فاجر.

أسماء النساء على حرف الزاي

أسماء النساء على حرف الزاي زجلة مولاة عاتكة بنت عبد الله ابن معاوية. وقيل: مولاة عاتكة بنت يزيد بن معاوية حدثت زجلة مولاة معاوية قالت: أدركت يتامى كن في حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحداهن تسمى كويسة، قالت: فخرجت معهن إلى بيت رجل وقد هلك لأعزي أهله، فلما أخرجت الجنازة وضعت رجلي أخرج من عتبة الباب، فأخذتني حتى أدخلتني البيت. قلت: ولم يكن يتبع الجنازة امرأة إلا أن تكون نفساء أو مبطونة تخرج معها امرأةً من ثقاتها حين يضعونها في المصلى تدخل يدها تنظر هل خرج شيء، فلا يزال القوم جلوساً أو قياماً حتى إذا توارت المرأة قالوا للإمام: كبر. وحدثت زجلة مولاة معاوية قالت: كنا مع أم الدرداء فأتاها هشام بن إسماعيل المخزومي فقال: يا أم الدرداء، ما أوثق خصالك في نفسك؟ قالت: الحب في الله عز وجل. زرقاء بنت عدي بن مرة الهمدانية الكوفية امرأةٌ فصيحةٌ، استقدمها معاوية فقدمت عليه. سمر معاوية بن أبي سفيان ذات ليلة. فذكر كلاماً للزرقاء بنت عدي بن مرة من أهل الكوفة وكانت ممن يعين علياً يوم صفين فقال لأصحابه: أيكم يحفظ كلام الزرقاء بنت عدي؟ قال القوم: كلنا يحفظه. قال: فما تشيرون علي فيها؟ قالوا: نشير بقتلها.

قال: بئس الذي أشرتم به، أيحسنن بمثلي أن يتحدث الناس أني قتلت امرأة بعد أن ملكت وصار الأمر إلي؟ ثم دعا كاتبه في الليل، فكتب إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي الزرقاء بنت عدي مع ثقةٍ من محرمها وعدة من فرسان قومها ومهد لها وطاء ليناً، واسترها بستر خصيف. فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها، فأقرأها إياها فقالت: أما أنا فغير زائغةٍ عن طاعة، وإن كان أمير المؤمنين جعل المشيئة إلي لم أرم من بلدي هذا، وإن كان حتم الأمير فالطاعة له أولى بي. فحملها في عمارية، وجعل غشاءها خزأ أدكن مبطناً بقوهي، ثم أحسن صحبتها. فلما قدمت على معاوية قال لها: مرحباً وأهلاً، خير مقدمٍ قدمه وافدٌ، كيف حالك يا خالة، وكيف كان مسيرك؟ قالت: خير مسير، كأني كنت ربيبة بيت أو طفلاً ممهداً له. قال: بذاك أمرتهم، هل تعلمين لم بعثت إليك؟ قالت: يا سبحان الله وأنى لي بعلم ما لم أعلم؟ وهل يعلم ما في القلوب إلا الذي خلقها. قال: بعثت إليك لأسألك هل أنت الراكبة الجمل الأحمر يوم صفين، وأنت بين الصفين توقدين الحرب وتحضين على القتال؟ فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إنه قد مات الرأس وبتر الذنب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر. فقال لها: صدقت فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟ قالت: والله ما أحفظه. قال: لكني أحفظه، لله أبوك، لقد سمعتك تقولين: أيها الناس، قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من فتنة عمياء صماء لا تسمع لقائلها، ولا تنقاد لسائقها. أيها الناس، إن المصباح لا يضيء في الشمس، ولا الكواكب تبصر في القمر، وإن البغل لا يسبق الفرس، ألا من استرشده أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، فكأن قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة العدل، وغلب الحق باطله، فلا يعجلن أحد فيقول: كيف وأنى، ليقضي الله أمراً كان مفعولا. ألا إن خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء، وللصبر في الأمور عواقب، إيهاً إلى

زينب بنت الحسين بن علي

الحرب قدماً غير ناكصين، وهذا يوم له ما بعده. ثم قال معاوية: يا زرقاء، لقد شركت علياً في كل ما فعل. قالت له الزرقاء: أحسن الله بشارتك يا أمير المؤمنين وأدام سلامتك، فمثلك بشر بخير وسر جليسه. فقال له: وقد سرك ذلك؟ قالت: نعم، والله لقد سرني قولك، فأنى لي بتصديق الفعل؟ فقال لها معاوية: لوفاؤكم له بعد موته أعجب إلي من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين، إني امرأة آليت ألا أسأل امرأ أعنت عليه شيئاً، فمثلك أعطى عن غير مسألة وجاد عن غير طلب، قال: صدقت. فأقطعها ضيعةً أغلتها في أول سنةٍ ستة عشر ألف درهم، وأحسن صفدها، وردها مكرمة. زينب بنت الحسين بن علي ابن أبي طالب قدمت دمشق مع عيال أبيها بعد قتله. حدث حميد بن مسلم الأزدي قال: سماع أذني من الحسين وهو يقول: قتل الله قوماً قتلوك، يعني ابنه علي الأكبر بن الحسين، ما أجرأهم على انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك الدبار. وكأني أرى امرأة خرجت كأنها شمس طالعة تنادي: يا أخاه فقيل: هي زينب بنت حسين وأكبت عليه، فجاء الحسين فأخذ بيدها وردها إلى الفسطاط. زينب بنت سليمان بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، الهاشمية كانت مع أهلها بالحميمة من أرض البلقاء، وهي زوج محمد بن إبراهيم الإمام، وإليها ينسب الزينبيون من ولد العباس: لأن زوجها كان له ولدٌ من غيرها فنسب ولدها إليها ليفرق بينهم وبين ولد الزوج الأخرى. وكانت من أولات الفضل، ودخلت على مروان بن محمد عند هلاك إبراهيم بن محمد بن علي الإمام تستأذنه في دفنه، فأذن لها.

زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث

حدثت زينب عن أبيها عن جدها عن عبد الله بن العباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أكل مما يسقط من الخوان نفى عنه الفقر، وصرف عن ولده الحمق ". وبه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم بارك لأمتي في بكورها، زاد غيره يوم خميسها ". وعن أحمد بن الخليل بن مالك بن ميمون أبو العباس: رأيت زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس أيام المأمون وقد دخلت دار أمير المؤمنين، فرفع عطاء لها الستر، وعلي بن صالح يومئذ الحاجب حاجب المأمون وعطاء يخلقه فقام إليها فقبل رجلها في الركاب، وهي على حمار لها أشهب مختمرة بخمار عدني أسود، وعليها طيلسان مطبق أبيض. فقال علي بن صالح لها: يا مولاتي، حديث سمعته من أمير المؤمنين، يذكره عنك، قالت: اذكر منه شيئاً، قال: حديث أبيك عبد الله بن عباس حين بعثه العباس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسمعت زينب تقول: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عبد الله بن عباس قال: بعثني أبي العباس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجئت وعنده رجلٌ، فقمت خلفه، فلما قام الرجل التفت إلي فقال: يا حبيبي متى جئت؟ قلت: منذ ساعة. قال: فرأيت عندي أحداً؟ قلت: نعم، الرجل. قال: ذاك جبريل، أما إنه ما رآه أحد إلا ذهب بصره إلا أن يكون نبياً، وأنا أسأل الله أن يجعل ذلك في آخر عمرك، اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل، واجعله من أهل الإيمان. توفيت بعد المأمون، وتوفي المأمون سنة ثماني عشرة ومئتين. زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام المخزومية قال يحيى بن حمزة: كان عبد الملك بن مروان فرض الصداق أربع مئة دينار لا يزاد عليها، وكان ذلك بدعةً منه، وذلك أنه خطب امرأة من قريش يقال لها زينب، ونافسه فيها رجل من أهل بيته، فقال لها ذلك الرجل: أصدقك عشرين ألف دينار. فتزوجته وتركت عبد الملك،

فقال عبد الملك: أرى النساء يذهب بهن المهور، ولو كان المهر واحداً ما وضعت المرأة نفسها إلا في الفضل، وما كانت زينب تذهب إلى فلان عني. فكتب: لا يزاد في المهر على أربع مئة دينار. قال يحيى: فكان يقال لذلك الرجل: حزنت نفسك، فيقول: كعكات زينب أحب إلي من الدنيا وما فيها. قال: وكانت توصف بشيء عجيب، كان مما توصف به أن تستلقي على قفاها فيرمى تحتها بالأترجة فتنفذ إلى الناحية الأخرى لعظم عجيزتها. قال الزهري: كانت زينب بنت عبد الرحمن بارعة الجمال، وكانت تدعى: الموصولة، وكانت عند أبان بن مروان بن الحكم، فلما توفي أبان دخل عليه عبد الملك فرآها فأحدثت بنفسه، فكتب إلى أخيها المغيرة بن عبد الرحمن يأمره بالشخوص، فشخص إليه، فنزل على يحيى بن الحكم، فقال يحيى: إن أمير المؤمنين إنما بعث إليك لتزوجه أختك زينب، فهل لك في شيء أدعوك إليه؟ قال: هلم فاعرض. قال: أعطيك لنفسك أربعين ألف دينار ولها على رضاها وتزوجنيها. قال له المغيرة: ما بعد هذا شيء. فزوجه إياها. فلما بلغ عبد الملك ذلك أسف عليها، فاصطفى كل شيء ليحيى بن الحكم، فقال يحيى: كعكتين وزينب، يريد أن يجتزىء بكعكتين إذا كانت عنده زينب. قال الزبير: وإنما قيل لها الموصولة لأنها كلما انثعب كل عضو منها ثم وصلت. ومن شعر إبراهيم بن علي بن هرمة: من الطويل فمن لم يرد مدحي فإن قصائدي ... نوافق عند الأكرمين سوام نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام قال مصعب بن عثمان: كانت الجارية تولد لأحد آل الحارث بن هشام فيتراسل النساء تباشراً بها، ويرى أهلها أنهم بها أغنياء.

زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب

زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت مع أخيها الحسين بن علي عليهم السلام حين قتل، وقدم بها على يزيد بن معاوية مع أهلها. قال عطاء بن السائب: دلني أبو جعفر على امرأة يقال لها زينب بنت علي أو من بنات علي قالت: حدثني مولى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له: طهمان أو ذكوان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وإن مولى القوم منهم ". وحدثت زينب بنت علي عن فاطمة بنت محمد قالت: لما أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية رق لنا أول شيء، وألطفنا. قالت: ثم إن رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه يعنيني وكنت جارية وضيئة فأرعدت وفرقت، وظننت أن ذلك جائزٌ لهم، وأخذت بثياب أختي زينب، وكانت أختي زينب أكبر مني وأعقل، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون، فقالت: كذبت والله، ولؤمت، ما ذاك لك ولا له. فغضب يزيد فقال: كذبت والله! إن ذلك لي، لو شئت أن أفعله لفعلت. قالت: كلا والله، ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا. قالت: فغضب يزيد واستطار، ثم قال: إياي تستقبلين بهذا؟! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. فقالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وجدك وأبوك. قال: كذبت يا عدوة الله. قالت: أنت أمير تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك، قالت: فوالله لكأنه استحيا فسكت. ثم عاد الشامي، فقالت: فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية. قال: اغرب وهب الله لك خنقاً قاضياً. قالت: ثم قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشير، جهزهم بما لك خنقاً قاضياً. قالت: ثم قال يزيد بن معاوية: يا نعمان بن بشير، جهزهم بما يصلحهم، وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً، وابعث معه خيلاً وأعواناً فيسير بهم إلى المدينة، ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين في

الدار التي هو فيها. قال: فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم يبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين، فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً، وكان يزيد لا يغتدي ولا يعتشي إلا دعا علي بن الحسين إليه. قال: فدعاه ذات يوم، ودعا عمرو بن الحسن بن علي وهو غلام صغير، فقال لعمرو: أتقاتل هذا؟ يعني خالداً ابنه قال: لا، ولكن أعطني سكيناً وأعطه سكيناً، ثم أقاتله. فقال له يزيد، وأخذه فضمه إليه: شنشنة أعرفها من أخزم ... هل تلد الحية إلا حية وعن زينب بنت علي أنها يوم قتل الحسين بن علي أخرجت رأسها من الخباء وهي رافعة عقيرتها بصوت عال تقول: من البسيط ماذا تقول إن قال النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي أن نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوءٍ من ذوي رحم وذكر الزبير: أن زينب التي أنشدت هذه الأبيات زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب. أنشدتها بالبقيع تبكي قتلاها بالطف، وقال: فقال أبو الأسود الدؤلي: تقول: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ".

زينب بنت يوسف بن الحكم الثقفية

زينب بنت يوسف بن الحكم الثقفية أخت الحجاج. كانت تحت المغيرة بن شعبة فطلقها، ثم تزوجها الحكم بن أيوب الثقفي، فلما خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بالعراق بعث بها الحجاج في حرمة إلى دمشق خوفاً عليهم، فلما قتل ابن الأشعث كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان بالفتح، وكتب مع الرسول كتاباً إلى زينب يخبرها الخبر، فأعطاها الكتاب وهي راكبة على بغلة في هودج فنشرته تقرؤه، فسمعت البغلة قعقعة الكتاب فنفرت، وسقطت عنها، فاندقت عضدها وتهرأ جوفها فماتت، ثم عاد الرسول الذي بعثه بالفتح بوفاة زينب. وكانت زينب هذه امرأة حازمة عفيفة، وهي التي شبب بها محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي النميري، فمن قوله فيها: من الطويل تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينبٌ في نسوةٍ خفرات أسماء الرجال على

حرف السين المهملة

حرف السين المهملة سابق بن عبد الله أبو سعيد ويقال: أبو أمية، ويقال: أبو المهاجر الرقي المعروف بالبربري الشاعر. قدم على عمر بن عبد العزيز. حدث سابق عن مطرف بسنده عن علي قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوتر من أول الليل ووسطه وآخره، ثم ثبت له آخر الليل. وحدث عن عمرو بن أبي عمر بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحلال بينٌ الحرام بينٌ، وبين ذلك مشتبهاتٌ، فمن رتع فيهن قمن أن يأثم، ومن اجتنبهن فهو أرفق بدينه كالمرتعي إلى جنب حمى، ومن ارتعى إلى جنب حمى فيوشك أن يقع فيه، ولكل ملك حمى، وحمى الله عز وجل في الأرض الحرام ". وكان سابق بن عبد الله من البكائين. وحدث سابق عن أبي خلف خادم أنس عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مدح الفاسق اهتز العرش، وغضب له الرب عز وجل. كان أبو أمية أحد الزهاد المشهورين وهو القائل: من الطويل وللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدهر تبنى المساكن وله: من البسيط أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها

والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت ... أن السلامة منها ترك ما فيها كتب عمر بن عبد العزيز إلى سابق البربري أن عظني، فكتب إليه: من البسيط باسم الذي أنزل من عنده السور ... والحمد لله أما بعد يا عمر إن كنت تعلم ما تأتي وما تذر ... فكن على حذرٍ قد ينفع الحذر واصبر على القدر المجلوب وارض به ... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر فما صفا لامرىءٍ عيشٌ يسر به ... إلا سيتبع يوماً صفوه الكدر وأنشد العباس الخلال لسابق البربري: من البسيط أصبحتم جزراً للموت يأخذكم ... كما البهائم في الدنيا لكم جزر وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجرها الراعي فتنزجر ما يشعرون بما في دينهم نقصوا ... جهلاً وإن نقصوا دنياهم شعروا أبعد آدم ترجون الخلود وهل ... تبقى فروعٌ لأصلٍ حين ينقعر لا ينفع الذكر قلباً قاسياً أبداً ... والحبل في الحجر القاسي له أثر قال أحمد بن محمد بن يزيد الأنصاري: كنا عند محمد بن مصعب القرقساني فقال لنا: بيتٌ من الشعر، فقال: من أخبرني لمن هو من الشعراء فله ثلاثون حديثاً. وكان معنا رجل يعرف الشعر فقال: قولوا له: أي بيت هو؟ قلنا له: يا أبا الحسن، أي بيت هو؟ فقال محمد بن مصعب: من البسيط والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ... كما يجلي سواد الظلمة القمر فقال الرجل: هذا لسابق البربري. قال: صدق، فأي شيءٍ بعده؟ قال: من البسيط والعلم فيه حياةٌ للقلوب كما ... تحيا البلاد إذا ما مسها المطر قال: صدق والله، فأي شيء بعده؟ قال:

سارية بن زنيم بن عمرو

فأنتم جزرٌ للموت يأخذكم ... كما البهائم في الدنيا لنا جزر قال أبو علي الأنصاري: فحدثنا بالثلاثين التي وعد. دخل سابق البربري على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: عظني يا سابق وأوجز. قال: نعم يا أمير المؤمنين، وأبلغ إن شاء الله. قال: هات. فأنشده: من الطويل إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى ... ووافيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون شركته ... وأرصدت قبل الموت ما كان أرصدا فبكى عمر حتى سقط مغشياً عليه. سارية بن زنيم بن عمرو ابن عبد الله بن جابر بن محمية بن عبد بن عدي بن الدئل بن عبد مناة ابن كنانة الدؤلي، ويقال: الأسدي، أبو زنيم. له صحبة، وهو الذي ناداه عمر بن الخطاب من منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة وهو بفارس: يا سارية الجبل، وكان أميراً في بعض حروب الفرس. وعن ابن عباس وغيره قالوا: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد بني عبد بن عدي فيهم الحارث بن وهبان وعويمر بن الأخرم وحبيب وربيعة ابنا ملة، ومعهم رهط من قومهم فقالوا: يا محمد، نحن أهل الحرم وساكنه وأعز من به، ونحن لا نريد قتالك، ولو قاتلك غير قريش قاتلنا معك، ولكنا لا يقاتل قريشاً، وإنا لنحبك ومن أنت منه، وقد أتيناك، فإن أصبت منا أحداً خطأ فعليك ديته، وإن أصبنا أحداً من أصحابك فعلينا ديته، إلا رجلاً منا قد هرب، فإن أصبته أو أصابه أحدٌ من أصحابك فليس علينا ولا عليك، وأسلموا، فقال عويمر بن الأخرم: دعوني آخذ عليه. قالوا: لا، محمد لا يغدر ولا نريد أن نغدر به. فقال

حبيب وربيعة: يا رسول الله، إن أسيد بن أبي أناس هو الذي هرب وتبرأنا إليك منه، وقد نال منك. فأباح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه، وبلغ أسيداً قولهما لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى الطائف فأقام به، وقال لربيعة وحبيب: من الوافر فإما أهلكن وتعيش بعدي ... فإنهما عدوٌّ كاشحان فلما كان عام الفتح كان أسيد في أناسٍ فيمن أهدر دمه، فخرج سارية بن زنيم إلى الطائف فقال له أسيد: ما وراءك؟ قال: أظهر الله نبيه ونصره على عدوه، فاخرج ابن أخي إليه فإنه لا يقتل من أتاه. فحمل أسيد امرأته وخرج وهي حامل تنتظر، وأقبل فألقت غلاماً عند قرن الثعالب، وأتى أسيد أهله، فلبس قميصاً واعتم، ثم أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسارية قائمٌ بالسيف عند رأسه يحرسه، فأقبل أسيد حتى جلس بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، أهدرت دم أسيد؟ قال: نعم. قال: أفتقبل منه إن جاءك مؤمناً؟ قال: نعم. قال: فوضع يده في يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هذه يدي في يدك أشهد أنك رسول الله وأن لا إله إلا الله. فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يصرخ: إن أسيد بن أبي أناس قد آمن، وقد أمنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومسح رسول الله وجهه وألقى يده على صدره فيقال: إن أسيد كان يدخل البيت المظلم فيضيء. فيقال: هذا الشعر لابن أبي أناس، ويقال: لسارية: من الطويل فما حملت من ناقةٍ فوق كورها ... أبر وأوفى ذمةً من محمد ولما أنشده من هذه القصيدة: أأنت الذي يهدي معداً لدينها ... بل الله يهديها وقال لك: اشهد

فلما أنشده: أأنت الذي يهدي معداً لدينها..................... قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل الله يهديها فقال الشاعر: بل الله يهديها وقال لك: اشهد وعن حرام بن خالد قال: لما قدم ركب خزاعة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستنصرونه قالوا: يا رسول الله، إن أنس بن زنيم بن عمرو بن عبد الله قد هجاك. فنذر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه، فلما كان يوم الفتح أسلم وأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتذر إليه مما بلغه عنه، فقام نوفل بن معاوية الدؤلي فقال: أنت أولى الناس بالعفو، وحرمتنا منك ما قد علمت، لم نؤذك في الجاهلية، ولم نعاد ربك في الإسلام. فعفا عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال نوفلك فداك أبي وأمي. وأنس بن زنيم هو أخو سارية بن زنيم. وكان سارية بن زنيم خليعاً في الجاهلية، وكان أشد الناس خطراً على رجليه، ثم أسلم وحسن إسلامه. الخليع: اللص السريع العدو، الكثيرة الغارة. قالوا: وأسيد بن أبي أناس وهو أسيد بن زنيم، ويقال: أنس بن زنيم. وزنيم بضم الزاي وبعدها نون. وعن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينا عمر يخطب، قال: فجعل يصيح، وهو على المنبر، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، قال: فقدم رسول الجيش فسأله: فقال: يا أمير المؤمنين، لقينا عدونا

فهزمونا، فإذا صائح يصيح: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله. فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. وفي حديث آخر بمعناه: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم. وفي آخره فقيل لعمر بن الخطاب: ما ذلك الكلام؟ فقال: والله ما ألقيت له بالاً، شيء أتى على لساني. وفي حديث آخر بمعناه: ثم قال: يا سارية الجبل الجبل. ثم أقبل عليهم وقال: إن لله عز وجل جنوداً، ولعل بعضها أن تبلغهم. وفي حديث آخر قالوا: كان عمر رضي الله عنه قد بعث سارية بن زنيم الدؤلي إلى فسا ودرابجرد، فحاصروهم، ثم إنهم تداعوا، وأصحروا له، وكثروه، فأتوه من كل جانب، فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة: يا سارية بن زنيم الجبل الجبل، ولما كان ذلك اليوم وإلى جنب المسلمين جبل إلى ألجئوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فألجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم، فأصاب مغانم، وأصاب في المغنم سفطاً فيه جوهر، فاستوهبه من المسلمين لعمر فوهبوه له، فبعث به رجلاً وبالفتح، وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم، فقال له سارية: استقرض ما تبلغ به وتخلفه لأهلك على جائزتك. فقدم الرجل البصرة ففعل، ثم خرج فقدم على عمر فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره، فقصد له، فأقبل عليه بها. فقال: اجلس. فجلس حتى إذا أكل انصرف عمر وقام، فاتبعه،

سالم بن أبي أمية أبو النضر

فظن عمر أنه رجل لم يشبع فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل، وقد أمر الخباز أن يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين، فلما جلس في البيت أتي بغدائه خبز وزيت وملح جريش، فوضع وقال: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين. قالت: إني لأسمع حس رجلٍ. فقال: أجل. فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غي هذه الكسوة. فقال: أو ما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر؟ قالت: ما أقل غناء ذلك عني. ثم قال للرجل: ادن فكل، فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى. فأكلا حتى إذا فرغ قال رسول سارية بن زنيم: يا أمير المؤمنين، قال: مرحباً وأهلاً. ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته. ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم فأخبره، ثم أخبره بقصة الدرج فنظر إليه ثم صاح به، يا أمير المؤمنين، إني قد أنضيت إبلي، واستقرضت على جائزتي فأعطني ما أتبلغ به، فما زال عنه حتى أبدله بعيراً ببعيره من إبل الصدقة. ورجع الرسول مغضوباً عليه محروماً حتى قدم البصرة فنفذ لأمر عمر. وقد سأله أهل المدينة عن سارية وعن الفتح، وهل سمعوا شيئاً يوم الوقعة فقال: نعم سمعنا: يا سارية الجبل، وقد كدنا أن نهلك، فألجأنا إليه ففتح الله علينا. قال خليفة بن خياط: ويقال: افتتح أصبهان سارية بن زنيم صلحاً وعنوة. سالم بن أبي أمية أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي القرشي وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته. حدث أبو النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتها. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح.

قال أبو النضر: دسست إلى عمر بن عبد العزيز بعض أهله، أن أقل له: إن فيك كبراً، أو إنه يتكبر. فقيل ذلك له، فقال عمر: قل له: ليس ما ظننت، إن كنت تراني أتوقى الدينار والدرهم مراقبة لله عز وجل وأنطلق إلى أعظم الذنوب فأركبه، الكبرياء إنما هو رداء الرحمن فأنازعه إياه. ولكن كنت غلاماً بين ظهراني قومي، يدخلون علي بغير إذن، ويتوطؤون فرشي، ويتناولون مني ما يتناول القوم من أخيهم الذي لا سلطان له عليهم. فلما أن وليت خيرت نفسي في أن أمكنهم من حالهم التي كنت لهم عليها، وأخالفهم فيما خالف الحق، أو أتمنع منهم في بابي ووجهي ليكفوا عني أنفسهم وعن الذي أحذر عليهم لو كنت جرأتهم على نفسي من العقوبة والأدب. فهو الذي دعاني إلى هذا. وكان أبو النضر صالحاً ثقة حسن الحديث. قال داود بن عبد الرحمن: كان لعمر بن عبد العزيز أخوان في الله عبدين: أحدهما زياد والآخر سالم، فدخل عليه زياد وعنده امرأته فاطمة بنت عبد الملك، فأراد أن تقوم فقال لها: إنما هو زياد عمك. ثم نظر إليه فقال: زياد في دراع من صوف لم يل من أمور المسلمين شيئاً. ثم ألقى بثوبه على وجهه فبكى، فقال لامرأته: ما هذا؟ قالت: هذا عمله منذ استخلف. قال: ودخل عليه سالم فقال: يا سالم، إني أخاف أن أكون قد هلكت. قال: إن تك تخاف فلا بأس، ولكن عبد خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأباحه الجنة. عصى الله معصية واحدة، فأخرجه بها من الجنة، وأنا وأنت نعصي الله في كل يوم وليلة، ونتمنى على الله الجنة. توفي أبو النضر سالم في زمن مروان بن محمد، في سنة تسع وعشرين، وقيل سنة ثلاث وثلاثين ومئة.

سالم بن حامد

سالم بن حامد أمير دمشق من قبل المتوكل. كان سيىء السيرة. كان المتوكل قد ولى على أهل دمشق رجلاً من أصحابه يقال له: سالم بن حامد من العرب، فخرج من العراق في أربعة آلاف فارس وراجل من قومه وغيرهم، حتى إذا صار بدمشق وملكها أذل قوماً بها كان بينه وبينهم دم في أول أيام بني العباس وآخر أيام بني أمية، وكان لبني بيهس ولجماعة من قريش دمشق وسائر العرب من السكون والسكاسك وغيرهم قوةٌ، وعدة، ونجدة، وكلمة مقبولة، فلما رأوا كثرة تعدي سالم بن حامد، وجوره، وظلمه، وعتوه وثبوا عليه فقتلوه على باب الخضراء بدمشق في يوم جمعة، وقتلوا من قدروا عليه من أصحابه، وسلطوا الموالي على رحالهم وأموالهم فنهبوها، وبلغ ذلك المتوكل فقال: من للشام؟ وليكن في صولة الحجاج! فقيل له: أفريدون التركي، وكان أفريدون غلاماً من الأتراك الذين كانوا مع جعفر المتوكل شجاعاً سفاكاً للدماء، فدعا المتوكل بأفريدون وعقد له على دمشق، وولاه عليها، فسار إليها في سبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل، وأطلق على المتوكل القتل بدمشق يوماً إلى ارتفاع النهار، وأباحه النهب ثلاثة أيام. فسار أفريدون إلى دمشق، ونزل بقرية السكون والسكاسك: بت لهيا، فلما أصبح قال: يا دمشق! أيش لا يحل بك مني في يومي هذا؟ ثم دعا بفرسه ليركبه ويقال: بغلة دهماء فلما هم أن يضع رجله في الركاب ضربته بالزوج على فؤاده، فسقط من ساعته ميتاً، وخيت الله سعيه، وقطع أمله، فقبر ببيت لهيا، وقبره معروف إلى اليوم، وصار حديثاً ومثلاً، وانصرف العسكر راجعاً إلى العراق خائباً، لم يدخلوا دمشق حتى وافاها المتوكل بحسن نيةٍ، وإضمار الجميل من الفعل، فبنى بها قصراً في ناحية داريا ثم انصرف عنها، فقتله الأتراك بالعراق.

سالم بن سلمة بن نوفل

سالم بن سلمة بن نوفل ابن عبد العزى بن أبي نصر بن جهمة بن مطرود بن مازن بن عمرو بن عميرة ابن الحارث ابن تيم بن سعد بن هذيل بن مدركة ويقال ابن سلمة بن عمرو أبو سبرة الهذلي البصري من بني سعد بن هذيل وهو الوالد الجارود بن أبي سبرة، وفد على معاوية رسولاً من زياد. حدث أبو سبرة قال: كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض، حوض محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يكذب به بعدما سأل أبا برزة، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، ورجلاً آخر، ويكذب به، فقال أبو سبرة: أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية، فلقيت عبد الله بن عمرو، فحدثني مما سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأملى علي، فكتبت بيدي، فلم أزد حرفاً، ولم أنقص حرفاً، حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى لا يحب الفحش أو يبغض الفاحش والمتفحش ". قال: لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين، وقال: ألا إن موعدكم حوضي، عرضه وطوله واحد، وهو كما بين أيلة ومكة، وهو مسيرة شهر، فيه مثل النجوم أباريق، شرابه أشد بياضاً من الفضة، من شرب منه مشرباً لم يظمأ بعده أبداً، فقال عبيد الله: ما سمعت في الحوض حديثاً أثبت من هذا. وصدق به، وأخذ الصحيفة فحبسها عنده. وفي حديث آخر عند قوله: ويخون الأمين، ومثل العبد المؤمن كمثل القطعة الجيدة من الذهب نفخ عليها فخرجت طيبة، ووزنت فلم تنقص. قال: ومثل العبد المؤمن كمثل النخلة أكلت طيباً، ووضعت طيباً، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد. وفي حديث آخر: إن أسلم المسلمين لمن سلم المسلمون من لسانه ويده، وإن أفضل الهجرة لمن هجر ما نهى الله عنه.

سالم بن عبد الله بن عمر

سالم بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله ويقال: أبو عمر العدوي المدني الفقيه قدم الشام على عبد الملك بن مروان بكتاب أبيه بالبيعة له، وعلى الوليد بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز. حدث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دعا رفع يديه، وإذا فرغ ردهما على وجهه. وعن سالم عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الصبح، ثم استقبل مطلع الشمس فقال: ألا إن الفتن من ههنا ثلاث مرات ومن ثم يطلع قرن الشيطان. وعن سالم عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في نفر من أصحابه، فأقبل عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألستم تعلموني أني رسول الله إليكم؟ قالوا: بلى، نشهد أنك رسول الله. قال: ألستم تعلمون أنه من أطاعني فقد أطاع الله، ومن طاعة الله طاعتي؟ قالوا: بلى، نشهد أنه من أطاعك فقد أطاع الله، ومن طاعة الله طاعتك. قال: فإن من طاعة الله أن تطيعوني، ومن طاعتي أن تطيعوا أمراءكم، أطيعوا أمراءكم، وإن صلوا قعوداً فصلوا قعوداً. قال سعيد بن المسيب: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به، وكان سالم بن عبد الله أشبه ولد عبد الله به. قال مالك: ولم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد، والقصد، والعيش منه، كان يلبس الثوب بدرهمين، ويشتري الشمال يحملها.

قال سليمان بن عبد الملك لسالم ورآه حسن السحنة: أي شيءٍ تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته. فقال عمر له: أو تشتهيه؟ قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه. وعن نافع قال: كان ابن عمر يلقى ابنه سالماً فيقبله ويقول: شيخ يقبل شيخاً. ويقول: إني أحبك حبين: حب الإسلام وحب القرابة. كان عبد الله بن عمر يلام في حب سالم فكان يقول: من الطويل يلومونني في سالمٍ وألومهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم قال أبو الزناد: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم القراء السادة: علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقهاء، ففاقوا أهل المدينة علماً، وتقى، وعبادةً، وورعاً. فرغب الناس حينئذٍ في السراري. قال عطاء بن السائب: دفع الحجاج إلى سالم بن عبد الله سيفاً وأمره بقتل رجل فقال سالم للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم. امض لما أمرت به. قال: فصليت اليوم صلاة الصبح؟ قال: نعم. قال: فرجع إلى الحجاج، فرمى إليه السيف وقال: إنه ذكر أنه مسلم وأنه قد صلى صلاة الصبح اليوم، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله ". قال الحجاج: لسنا نقتله على صلاة الصبح، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان. فقال سالم: ههنا من هو أولى بعثمان مني. فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال: ما صنع سالم؟ قالوا: صنع كذا وكذا. فقال ابن عمر: مكيس.

قال علي بن زيد: دخلت على سالم بن عبد الله منزله وكان لا يأكل إلا معه مسكين. قال: فأرسل ولاه يأتيه بمسكين، فأتاه بعجوز عمياء حدباء، فأدناها، فأكلت معه. وكان سالم إذا خرج عطاؤه فإن كان عليه دين قضاه، ثم يصل منه إن أراد أن يصل، ويتصدق منه، ثم يحبس لعياله نفقتهم، ثم كتب على ما بقي: للحج إن شاء الله، أو للعمرة إن شاء الله. وكان لسالم بن عبد الله بن عمر حمار هرم، فنهاه بنوه عن ركوبه، فأبى أن يدعه، قال: فجدعوا أذنه، فأبى أن يدع ركوبه، ثم جدعوا أذنه الأخرى فأبى أن يدع ركوبه، قال: فقطعوا ذنبه فركبه أجدع الأذنين أبتر الذنب. وكان سالم بن عبد الله يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه. دخل سالم بن عبد الله بن عمر على سليمان بن عبد الملك وعلى سالم ثيابٌ غليظة رثةٌ، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه، حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز، في المجلس، فقال له رجل من أخريات الناس: أما استطاع خالك أن يلبس ثياباً فاخرةً أحسن من هذه، ويدخل فيها على أمير المؤمنين؟ وعلى المتكلم ثياب سرية لها قيمة فقال له عمر: ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك هذا، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك. قال الحافظ: لقد أحسن عمر في جوابه، وأجاد في الذب عن خاله، ولقد أحسن الذي قال: من الكامل قد يدرك الشرف الفتى وإزاره ... خلقٌ وجيب قميصه مرقوع قال سفيان بن عيينة: دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال

له: يا سالم، سلني حاجةً. فقال: إنني أستحيي من الله تبارك وتعالى أن أسأل في بيت الله غير الله. فلما خرج خرج في إثره فقال له: الآن قد خرجت فسلني حاجةً. فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال له سالم: أما والله ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟ زحم سالم بن عبد الله رجلاً، فقال له الرجل: ما أراك إلا رجل سوءٍ! فقال سالم: ما أحسبك أبعدت. قال سالم: رأيت كأني انتهيت إلى باب الجنة فقرعته، فقيل لي: من؟ قلت: سالم بن عبد الله بن عمر. فقيل: كيف يفتح لرجل لم تغبر قدماه في سبيل الله؟ قال: فأصبح يقول لأهله: جهزوني. وقال سالم: بلغني أن الرجل يسأل يوم القيامة عن فضل علمه كما يسأل عن فضل ماله. أقبل سالم بن عبد الله بن عمر يرمي الجمرة يوم النحر، فأطلعت امرأة كفاً خضيباً من خدرها لترمي، فجاءت حصاةً فصكت كفها فولولت وطرحت حصاتها. فقال لها سالم: ترجعين صاغرة قميئة فتأخذين حصاك من بطن الوادي فترمين به حصاةً حصاةً، فقالت: يا عم، أنا والله من الطويل من اللائي لم يحججن يبغين حسبةً ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا قال: قد قبحك الله! حج هشام بن عبد الملك فجاءه سالم بن عبد الله فأعجبته سحنته فقال له: أي شيءٍ تأكل؟ قال: الخبز والزيت. قال: فإذا لم تشتهه؟ قال: أخمره حتى أشتهيه. فعانه هشام، فمرض ومات، فشهده هشام، وأجفل الناس في جنازته، فرآهم هشام فقال: إن أهل المدينة لكثير، فضرب عليهم بعثاً، أخرج فيه جماعة منهم، فلم يرجع منهم أحد،

سالم بن عبد الله

فتشاءم به أهل المدينة وقالوا: عان فقيهنا، وعان أهل بلدنا. توفي سالم سنة خمس ومئة: وقيل: سنة ست ومئة في آخرها، ووافق موته حج هشام، ثم قدم المدينة فصلى عليه. وقيل: توفي سنة سبع ومئة، وقيل: سنة ثمان ومئة. سالم بن عبد الله أبو عبيد الله المحاربي قاضي دمشق، من ساكني داريا، وكان من حملة القرآن وممن يحضر الدراسة في جامع دمشق. حدث عن سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من عبدٍ يصرع صرعة مرضٍ إلا بعثه الله منها طاهراً ". سالم بن وابصة بن معبد الأسدي الرقي حدث سالم بن وابصة عن أبيه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن شر هذه السباع هذه الأثعل ". قال مبشر أحد رواة هذا الحديث: وهذا الحرف تفاخر به أهل العربية لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله وهو يعني الثعالب.

وعن جعفر بن برقان قال: خطبنا سالم بن وابصة بالرقة على المنبر فذكر عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبهم يوم عرفة فقال: " أيها الناس، إني لا أراني وإياكم نجتمع في هذا المجلس أبداً، فأي يوم هذا؟ قالوا: عرفة. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام. قال: فأي شهرٍ هذا؟ قالوا: الشهر الحرام. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. هل بلغت؟ اللهم اشهد ". كان سالم بن وابصة الأسدي رجلاً حليماً، وكان له ابن عم سفيه يحسده، ولم يكن يبلغ في الشرف مبلغه، فكان ينتقصه، فقال سالم ذلك لإخوانه وخاصته من بني عمه، فقال رجل منهم: تعهد أهله وولده بالصلة ودعه فإنه سيصلح. ففعل، فأتاه ابن عمه ذاك فقال له: أنت أحق الناس بما صنعت، وأنت أولى بالكرم مني، والله لا أعود لشيءٍ تكرهه أبداً مني. فقال سالم في ذلك: من البسيط ذو نيربٍ من موالي السوء ذو حسدٍ ... يقتات لحمي فما يشفيه من قرم كقنفذ الرمل ما تخفى مدارجه ... خب إذا نام عنه الناس لم ينم محتضناً ظرباناً ما يزايله ... يبدي لي الغش والعوراء في الكلم داويت قلباً طويلاً غمره قرحاً ... منه وقلمت أظفاراً بلا جلم بالرفق والحلم أسديه وألحمه ... بقياً وحفظاً لما لم يرع من رحمي كأن سمعي إذا ما قال محفظةً ... يصم عنها وما بالسمع من صمم

سالم بن الزعيزعة

حتى اطبى وده رفقي به ولقد ... أنسيته الحقد حتى عاد كالحلم فأصبحت قوسه دوني موترةً ... يرمي عدوي جهاراً غير مكتتم إن من الحلم ذلاً أنت عارفه ... والحلم عن قدرةٍ ضربٌ من الكرم سالم بن الزعيزعة مولى مروان بن الحكم وكاتبه وكاتب ابنه عبد الملك بن مروان، وكان على الرسائل لعبد الملك وولاه الحرس. حدث عن مكحول عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً ما يقول لي: ما فعلت أبياتك؟ فأقول: أي أبياتي تريد؟ فإنها كثير، فيقول: في الشكر، فأقول: نعم بأبي وأمي، قال الشاعر: من الكامل ارفع ضعيفك لا يحربك ضعفه ... يوماً فتدركه العواقب قد نما يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى إن الكريم إذا أردت وصاله ... لم تلف رثاً حبله واهي القوى قالت: فيقول: نعم يا عائشة، إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عباده اصطنع إليه عبدٌ من عباده معروفاً: فهل شكرته؟ فيقول: أي رب، علمت أن ذلك منك فشكرتك. فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريت ذلك على يديه.

سالم خادم ذي النون الإخميمي

حدث أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم: أن مروان دعا أبا هريرة، فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله، وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر. وعن أبي الزعيزعة: أن مروان بعث معه إلى أبي هريرة بمئة دينار، فلما كان الغد قال له: اذهب فقل له: إنما أخطأت، وليس إليك بعث بها، وإنما أراد مروان أن يعلم أيمسكها أبو هريرة، أو يفرقها. قال: فأتيته، فقال: ما عندي منها شيء، ولكن إذا خرج عطائي فاقتصوها. قال سليمان بن عبد الملك لأبي الزعيزعة: هل أتخمت قط؟ قال: لا. قال: لم؟ قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا رفقنا، ولا نكظ المعدة، ولا نخليها. سالم خادم ذي النون الإخميمي صحبه وحدث عنه قال: بينا أنا أسير مع ذي النون في جبل لبنان إذ قال لي: مكانك يا سالم، لا تبرح حتى أعود إليك. فغاب عني ثلاثة أيام، وأنا أتقمش من نبات الأرض وبقولها، وأشرب من غدر الماء، ثم عاد بعد ثلاث متغير اللون خائراً، فلما رآني ثابت إليه نفسه فقلت له: أين كنت؟ فقال: إني دخلت كهفاً من كهوف الجبل، فرأيت رجلاً أغبر أشعث نحيفاً نحيلاً، كأنما أخرج من حفرته، وهو يصلي، فلما قضى صلاته سلمت عليه، فرد علي، وقام إلى الصلاة، فما زال يركع ويسجد حتى قرب العصر. فصلى العصر، واستند إلى حجر المحراب يسبح. فقلت له: يرحمك الله توصيني بشيء، أو تدعو لي بدعوة. فقال: يا بني، آنسك الله بقربه. وسكت. فقلت: زدني. فقال: يا

السائب بن أحمد بن حفص

بني، من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصالٍ: عزاً من غير عشيرة، وعلماً من غير طلب، وغنًى من غير مال، وأنساً من غير جماعة. ثم شهق شهقةً فلم يفق إلى الغد، حتى توهمت أنه ميتٌ، ثم أفاق فقام وتوضأ، ثم قال: يا بني كم فاتني من الصلوات؟ قلت: ثلاث. فقضاها ثم قال: إن ذكر الحبيب هيج شوقي، وأزال عقلي. قلت: إني راجع فزدني. قال: حب مولاك، ولا ترد بحبه بديلاً: فإن المحبين لله هم تيجان العباد وزين البلاد. ثم صرخ صرخةً، فحركته فإذا هو ميت، فما كان إلا بعد هنيهةٍ إذا بجماعة من العباد منحدرين من الجبل. فصلوا عليه، وواروه، فقلت: ما اسم هذا الشيخ؟ قالوا: شيبان المجنون. قال سالم: فسألت أهل الشام عنه فقالوا: كان مجنوناً، هرب من أذى الصبيان. قلت: فهل تعرفون من كلامه شيئاً؟ قالوا: نعم، كلمةً، كان إذا خرج إلى الصحاري يقول: فإذا ما لم أجن بإلهي فبمن؟ وربما قال: فإذا ما لم أجن بك ربي فبمن؟. السائب بن أحمد بن حفص ابن عمر بن صالح بن عطاء بن السائب بن أبي السائب أبو عطاء القرشي المخزومي العماني من أهل البلقاء. حدث عن أبيه بسنده عن سحيم مولى بني زهرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغزو هذا البيت جيشٌ، فيخسف بهم في البيداء ". السائب بن حبيش الكلاعي من أمراء دمشق، وكان على دواوين قنسرين في خلافة بني مروان. حدث عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ قال: قلت: في قريةٍ دون حمص. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من ثلاثة في قريةٍ زاد في حديث آخر: ولا بدو ولا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية. قال السائب: يعني بالجماعة الجماعة في الصلاة.

السائب بن عمر بن حفص

السائب بن عمر بن حفص ابن عمر بن صالح بن عطاء بن السائب بن أبي السائب المخزومي حدث عن جده حفص بن عمر بسنده عن عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: سأل أناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكهان فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليسوا بشيء. قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك الكلمة يخطفها الرجل من الجن فيقذفها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة ". السائب بن مهجان ويقال ابن مهجار من أهل إيلياء. حدث عن عمر بن الخطاب خطبته بالجابية، وأظنه شهدها. حدث السائب بن مهجان أو ابن مهجار من أهل إيلياء، وكان قد أدرك أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أول من جهز البعث إلى الشام فأدخل نعليه في ذراعه، فقالوا: ألا تلبس نعليك؟ قال: إني أحتسب في مشيي معكم الخير. فبعث أبا عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبو عبيدة عليهم، فقال: لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تعزقوه، ولا تعقروه بهيمةً أحشرتموها، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تهدموا صومعة، ولا تقتلوا صغيراً ولا عجوزاً، ولا شيخاً، وستجدون قوماً حبسوا أنفسهم في رؤوس الصوامع فاتركوهم وما حبسوا أنفسهم له، وستجدون قوماً اتخذت الشياطين في أوساط رؤوسهم أفحاصاً فاقتلوهم. اللهم إني قد بلغت، ووعظت، وذكرت، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، سيروا على بركة الله، أحسن الله صحابتكم، وخلف على من تركتم بخير.

وكان من قدر الله أن أبا بكر توفي واستخلف عمر بن الخطاب، وكان فتح الشام على يدي عمر، ولا علم لعمر بفتح الشام، ولا علم لأهل الشام بخلافة عمر. فلما بلغتهم خلافته قالوا: فظ غليظٌ شديد، ما هو لنا بملائم، وكرهوا خلافته. ثم بعثوا رجالاً إليه فقالوا: انظروا كيف عدله، وقربه، ولينه. فلما قدم عليه الوفد قالوا: السلام عليك يا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وعليكم، من أين أقبلتم؟ قالوا: أقبلنا من الشام. قال: فكيف تركتم من وراءكم من أهل الشام؟ قالوا: تركناهم سالمين صالحين، لعدوهم قاهرين، لبيعتك كارهين، منك مشفقين. فرفع عمر يده إلى السماء فقال: اللهم، حببهم إلي وحببني إليهم. ثم سار إلى الشام بعد ذلك، فلما دخل الشام حمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وذكر، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ثم قال: " إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا خطيباً كمقامي فيكم فأمر بتقوى الله، وصلة الرحم، وصلاح ذات البين، وقال: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجلٌ بامرأة، فإن الشيطان ثالثهم، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فهو أمارة المسلم المؤمن، وأمارة المنافق الذي لا تسوءه سيئته، ولا تسره حسنته، إن عمر خيراُ لم يرج من الله في ذلك الخير ثواباً، وإن عمل شراً لم يخف من الله عز وجل في ذلك الشر عقوبةً، وأجملوا في طلب الدنيا، فإن الله عز وجل قد تكفل بأرزاقكم، وكل سيبين له عمله الذي كان عاملاً، استعينوا بالله على أعمالكم، فإنه يمحو " ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ". صلى الله على محمد ". هذه خطبة عمر بن الخطاب على أهل الشام، يأثرها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

السائب بن يزيد بن سعيد

السائب بن يزيد بن سعيد ابن ثمامة بن الأسود بن عبد الله بن الحارث الولادة ابن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر ابن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وهو عفير بن عدي بن الحارث أبو يزيد الكندي ابن أخت نمر له صحبةٌ، وحدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال السائب بن يزيد: خرجت مع الصبيان إلى ثنية الوداع، نتلقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك. وحدث سفيان عن الزهري قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ثنية الوداع من تبوك. وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار: أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب يعني ابن يزيد يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال لي: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى تتكلم أو تخرج. حج السائب مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن سبع سنين، وذهبت به خالته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مريض، فمسح رأسه، ودعا له بالبركة، وتوضأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشرب من وضوئه، ونظر إلى خاتمٍ بين كتفيه.

ويقال: حج مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمره عشر سنين. وقيل: ولد في سنة ثلاث من الهجرة، ومات في سنة سبع وتسعين وهو ابن سبع وتسعين سنة. وقيل: مات وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان جلداً معتدلاً. وقال: علمت ما متعت به سمعي وبصري إلا بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إن ابن أختي شاكٍ فادع الله له. قال: فدعا لي. وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين. وقيل: سنة إحدى وتسعين. حدث السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قام يصلي فقمت خلفه، فرأيت الخاتم بين كتفيه. وحدث السائب بن يزيد قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل عبد الله بن خطل وأخرجوه من تحت أستار الكعبة، فضرب عنقه بين زمزم والمقام، ثم قال: لا يقتل قرشي بعد هذا صبراً. حدث عطاء مولى السائب قال: كان شعر السائب بن يزيد أسود من هامته إلى مقدم رأسه، وكان سائر رأسه مؤخره وعارضيه ولحيته أبيض، فقلت يوماً: ما رأيت أحداً أعجب شعراً منك! قال: فقال لي: أو لا تدري مم ذاك يا بني؟ إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بي وأنا ألعب مع الصبيان، فمسح يده على رأسي وقال: بارك الله فيك، فهو لا يشيب أبداً.

السائب بن يسار أبو جعفر المديني

قال ابن شهاب: ما اتخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضياً ولا أبو بكر ولا عمر حتى قال عمر للسائب ابن أخت نمر: وجه عني بعض الأمر. حتى كان عثمان قال الزهري: بعض الأمور، وقال: يعني صغيرها. وعن ابن شهاب عن السائب بن يزيد: أنه كان يعمل مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على عشور السوق في عهد عمر بن الخطاب، فكنا نأخذ من النبط نصف العشر مما تجروا به من الحنطة، فقال ابن شهاب: فحدثت به سالم بن عبد الله بن عمر فقال: لقد كان عمر يأخذ من القطنية العشور، ولكن إنما وضع نصف العشر يسترضي النبط للحمل إلى المدينة. وقيل: مات السائب سنة ثمانين. السائب بن يسار أبو جعفر المديني مولى بني ليث، المعروف بسائب خاثر، مغن معروف، وكان غنى صوتاً ثقيلاً فقالوا: هذا غناء خاثر غير ممذوق. فلقب خاثراً. كان منقطعاً إلى عبد الله بن جعفر، فنسب إلى ولائه، وكان عبد الله بن جعفر يخرج به إلى معاوية إذا خرج وغيره من القرشيين، فقال معاوية لعبد الله بن جعفر: هذا الرجل الذي لا يخلو من رقاعكم ومن حوائجكم، ترفعون اسمه في حوائجكم! أي شيءٍ صناعته؟ قال له عبد الله بن جعفر: إن شئت يا أمير المؤمنين أن يدخل عليك، حتى يسمعك بعض صناعته. فدخل على معاوية بن أبي سفيان، وهو على وسادة قد جلس عليها، فقال له عبد الله بن جعفر: أسمع أمير المؤمنين بعض ما عندك. قال: فأسمعه، فلما سمع بعض ذلك قال: قم، لا أقام الله رجليك، والله لقد كدت أن أقوم عن وسادتي. قيل: إن سائباً قتل يوم الحرة.

سباع أبو محمد الموصلي الزاهد

سباع أبو محمد الموصلي الزاهد صحب المضاء بن عيسى الزاهد وجالسه. قال مضاء العابد لسباع العابد: يا أبا محمد، إلى أي شيء أفضى بهم الزهد؟ قال: إلى الأنس به. وفي حديث آخر: قال له: يا أبا محمد، أي شيءٍ أفضى بهم إلى الزهد؟ قال: الأنس بالله. سبرة ويقال سمرة بن العلاء ابن الضخم الدمشقي حدث عن الزهري: أن أهل ذا الحليفة كانوا يجمعون مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك على مسيرة أميالٍ من المدينة. سبرة ويقال سمرة بن فاتك الأسدي أخو خريم بن فاتك. له صحبة، شهد فتح دمشق، وهو الذي تولى قسمة المساكن بين أهلها بعد الفتح، فكان ينزل الرومي في العلو، وينزل المسلم في السفل لئلا يضر المسلم بالذمي. وقيل: إنه شهد بدراً. روى سمرة بن فاتك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الميزان بيد الله يرفع قوماً ويضع قوماً، وقلب ابن آدم بين اصبعين من أصابع الرب عز وجل إذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه.

روي عن أبي مطيع: سبرة بالباء. وعن سمرة بن فاتك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نعم الرجل سمرة، لو أخذ من لمته وشمر من إزاره. قال: فذهب فأخذ من لمته وقصر من إزاره. وسمرة بن فاتك وأخوه خريم من بني أسد بن خزيمة بن مدركة. قال ابن سعد: الفاتك جده وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن الفاتك وهو القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة، وأخوه سبرة بن فاتك الأسدي. قال مروان بن الحكم لأيمن بن خريم: ألا تخرج فتقاتل معنا؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً، وإنهما عهدا إلي ألا أذل أحداً يقول: لا إله إلا الله، فإن أنت جئتني ببراءةٍ من النار قاتلت معك. قال: فاخرج عنا. قال: فخرج وهو يقول: من الوافر ولست بقاتلٍ رجلاً يصلي ... على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلي إثمي ... معاذ الله من جهلٍ وطيش أأقتل مسلماً في غير جرمٍ ... فليس بنافعي ما عشت عيشي وعم أيمن هو سبرة. وليس يعده أهل المغازي فيمن شهد بدراً. قال ابن عائذ: مر سبرة بن فاتك الأسدي بأبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: إن مع سبرة نوراً من نور محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عائذ: ولقد رأيت سبرة بن فاتكٍ سابه رجل، فتحرج سبرة عن سبه، وكظم غيظه حتى رأيته يبكي من الغيظ.

سبرة بن معبد ويقال ابن عوسجة

وعن سمرة بن فاتك الأسدي قال: ما أحب أن امرأتي أصبحت نفساء بغلام، ولا أن فرسي أصبحت تعطف على مهرةٍ، ولوددت أنه لا يأتي علي يومٌ إلا عدا علي فيه قرني من المشركين عليه لأمته إن قتلني قتلني، وإن قتلته عدا علي مثله ما بقيت. سبرة بن معبد ويقال ابن عوسجة ابن حرملة بن سبرة بن خديج بن مالك بن عمرو بن ذهل بن ثعلبة بن رفاعة بن نصر بن سعد ابن ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة أبو ثرية الجهني. له صحبة، وكان رسول علي رضي الله عنه إلى معاوية بعد قتل عثمان، يطلب بيعته من المدينة. روى سبرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المتعة عام الفتح. وروى سبرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم ". وعن سبرة قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتمتع من النساء عام الفتح بمكة. قال: فخرجت أنا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر كأنها بكرة عيطاء، فخطبناها إلى نفسها وعرضنا عليها بردينا، فجعلت تنظر فتراني أشب وأجمل من صاحبي، وترى برد صاحبي أجود وأحسن من بردي، فوامرت نفسها ساعة، ثم اختارتني على صاحبي. فكن معنا ثلاثة أيام، ثم أمرنا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفارقهن.

سبكتكين بن عبد الله

وفي حديث آخر: ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن فليخل سبيلها ". قالوا: وكان رسول علي إلى أبي موسى معبدٌ الأسلمي، وكان رسول علي إلى معاوية سبرة الجهني، فقدم عليه فلم يكتب معاوية معه بشيء، ولم يجبه، ورد رسوله، وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله: من البسيط أدم إدامة حصنٍ أو خذن بيدي ... حرباً ضروساً تشب الجزل والضرما في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداغ واللمما أعيا المسود بها والسيدون فلم ... يوجد لها غيرنا مولىً ولا حكما وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات وذكر قصة. وتوفي سبرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان. سبكتكين بن عبد الله أبو منصور التركي أمير دمشق من قبل المستنصر ويعرف بتمام الدولة، ولي دمشق في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة، ومات بها في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة وهو أميرها. حدث عن الحسن بن محمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: حضر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنازةً فقال: " على صاحبكم دينٌ؟ قالوا: نعم. قال: صلوا عليها. قال علي: علي الدين يا رسول الله فصل عليها. قال: فك الله رهانك يا علي كما فككت رهان أخيك في الدنيا، من فك رهان أخيه في الدنيا فك الله رهانه يوم القيامة. فقال رجل: يا رسول الله، لعلي خاصةً أم للناس عامةً؟ فقال: بل للناس عامةً.

سبيع بن المسلم بن علي بن هارون

كان عبد العزيز يقرأ يوماً على سبكتكين هذا، فقال: رضي الله عنك وعن والديك. فقال: لا تقل ذلك فإن والدي كانا كافرين. ثم إنه نسي فقال له ذلك مرةً أخرى، فقال: ألم أقل لك لا تقل ذلك؟ أو كما قال. سبيع بن المسلم بن علي بن هارون أبو الوحش المقرىء الضرير، المعروف بابن قيراط حدث في سن خمس وخمس مئة عن رشأ بن نظيف بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبوا العرب لثلاثٍ: لأني عربيٌّ، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي. " وحدث أبو الوحش أيضاً عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد الأهوازي بسنده إلى أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني قال: وفسر الأعشى أوزار الحرب بقوله: من المتقارب وأعددت للحرب أوزارها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا ومن نسج داود تحدى بها ... على أثر الحي عيراً فعيرا ولد أبو الوحش سنة تسع عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة ثمانٍ وخمس مئة. سحيم بن المهاجر من سكان طرابلس، وولي إمرتها في أيام عبد الملك بن مروان، وولاه الوليد غزو البحر، وكتب إليه عبد الملك أن يكيد بعض الروم. كان طاغية الروم لما رأى ما صنع الله للمسلمين منعة مدائن الساحل كاتب أنباط

جبل لبنان، واللكام فخرجوا جراجمة فعسكروا بالجبل، ووجه طاغية الروم قلقط البطريق في جماعة من الروم في البحر، فسار بهم حتى أرسى بهم بوجه الحجر، وخرج بمن معه حتى علا بهم على جبل لبنان، وبث قواده في أقصى الجبل حتى بلغ أنطاكية وغيرها من الجبل الأسود، فأعظم ذلك المسلمون بالساحل حتى لم يكن أحد يقدر يخرج في ناحية من رجا ولا غيرها إلا بالسلاح. ثم إن الجراجمة غلبت على الجبال كلها من لبنان وسنير وجبل الثلج وجبال الجولان، فكانت باسبل مسلحةً لنا في الرقاد وعقرباء الجولان مسلحة حتى جعلوا ينادون عبد الملك بن مروان من جبل المران من الليل، حتى بعث إليهم عبد الملك بالأموال ليكفوا حتى يفرغ لهم، وكان مشغولاً بقتال أهل العراق ومصعب بن الزبير وغيره. ثم كتب عبد الملك إلى سحيم بن المهاجر في مدينة طرابلس يتواعده ويأمره بالخروج إليهم، فلم يزل سحيم ينتظر الفرصة منهم ويسأل عن خبرهم وأمورهم حتى بلغه أن قلقط في جماعة من أصحابه في قرية من قرى الجبل، فخرج سحيم في عشرين رجلاً من جلداء أصحابه، قد تهيأ بهيئة الروم في لباسه وهيئته وشعره وسلاحه متشبهاً ببطريق من بطارقة الروم قد بعثه ملك الروم إلى جبل اللكام في جماعة من الروم يغلب على ما هنالك، فلما دنا من القرية خلف أصحابه وقال: انتظروني إلى مطلع كوكب الصبح. فدخل على قلقط وأصحابه وهم في كنيسة يأكلون ويشربون، فمضى إلى مقدم الكنيسة فصنع ما يصنعه النصارى من الصلاة والقول عند دخولها كنائسها، ثم جلس إلى قلقط فقال له: من أنت؟ فانتمى إلى الرجل الذي يتشبه به فصدقه وقال له: إنني إنما جئتك لما بلغني من جهاز سحيم وما اجتمع به من الخروج إليك لأخبرك به وأكفيك أمره إن أتاك، ثم تناول من طعامهم، ثم

سديف بن ميمون المكي

قال لقلقط وأصحابه: إنكم لم تأتوا ههنا للطعام والشراب. ثم قال لقلقط: ابعث معي عشرة من هؤلاء من أهل النجدة والبأس حتى نحرسك الليلة، فإني لست آمن أن يأتيك ليلاً فبعث معه عشرة وأمرهم بطاعته، فخرج بهم إلى أقصى القرية. وقام بهم على الطريق الذي يتخوفون أن يدخل عليهم منه، فأقام حارساً منهم وأمر أصحابه فناموا، وأمر الحارس إذا هو أراد النوم أن يوقظ حارساً منهم وينام هو. فحرس الأول ثم أقام الثاني، ثم قام سحيم الثالث، ثم قال: أنا أحرس فنم. فلما استقلوا نوماً قتلهم بذبابة سيفه رجلاً رجلاً، فاضطرب التاسع فأصاب العاشر برجله، فوثب إلى سحيم، فاتحدا، وصرعه الرومي وجلس على صدره، واستخرج سحيم سكيناً في خفه فقتله بها، ثم أتى الكنيسة فقتل قلقط وأصحابه رجلاً رجلاً، ثم خرج إلى أصحابه العشرين فجاء بهم فأراهم قتله من قتل من الحرس وقلقط ومن في الكنيسة، ووضعوا سيوفهم في من بقي، فنذر بهم من بقي منهم، وخرجوا هراباً حتى أتوا سفنهم بوجه الحجر، ولحقوا بأرض الروم، ورجع أنباط جبل لبنان إلى قراهم. سديف بن ميمون المكي الشاعر. مولى أبي لهب. حدث عن محمد بن علي قال: وما رأيت محمدياً قط يشبهه أو قال: يعدله قال: حدثنا جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته وهو يقول: " من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً. قال: قلت: يا رسول الله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟ فقال: نعم، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، إنما احتجز بذلك من سفك دمه وأن يؤدي الجزية عن يدٍ وهو صاغر، ثم قال: إن الله علمني أسماء أمتي كلها كما علم آدم الأسماء كلها، ومثل لي أمتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته. قال حنان أحد رواة هذا الحديث: فدخلت مع أبي على جعفر بن محمد فحدثه أبي بهذا الحديث، فقال جعفر بن محمد: ما منت أرى أن أبي أحدث بهذا الحديث أحداً؟

قدم على المنصور مولى له يقال له سديف، وكان شديد السواد أعرابياً بدوياً، فنظر إلى رجل من بني أمية في مجلس المنصور فعرفه فقال: والله يا أمير المؤمنين إن هذا لذو وثب وكمين خب، يلحظك بعين العدو، ويطلبك بذخل الوتر. فتكلم الأموي فقال له سديف: أفلت نجومك، وحان أجلك، يا أمير المؤمنين، أطف شعلة طبه وشهاب كلبه. فقال الأموي: أصبحنا ما بحمد الله نتخوف بادرة غضبه، ولا شوكة مخلبه، وقد قل به الجور بعد كثرته، وكثر به العدل بعد قلته، فقال سديف: يا أمير المؤمنين، دونكه قبل أن ينصب لك شباك حيله وأشراك دغله فإنه الذي كدمنا بأعضله، وكلمنا بكلكله. فقال الأموي: قد والله رفع الله أمير المؤمنين عن خلف الوعد ونقض العهد، هذا أمان ليس لك علي فيه سلطانٌ بيد ولا لسان، فاكفف عني أيها الوغد الوضر. فقال له المنصور: اكفف يا سديف، وأخبرني هل أطرفتنا بشيء من شعرك؟ قال: لقد أطرفتك بسبائك ذهبٍ، ودر نظمٍ، وجوهر عقيان، فصلتهن لك بزبرجدٍ منضودٍ في سلك معقود لتعرف أني ناصح الجيب أمين الغيب، فأنشده أبياتاً يحرضه على الأموي، فما فرغ من إنشادها حتى دعا بالأموي فقتله والأبيات: من البسيط يا راتق الفتق من جلباب دولته ... ومن سنا قلبه مستيقظٌ عادي إني ومن أين لي في كل منزلةٍ ... مولى كأنت لإبراقٍ وإرعاد أو مثل بحرك بحرٌ لا يزال به ... ريان مرتحل أو واردٌ صادي لا تبق من عبد شمسٍ حيةً ذكراً ... تسعى إليك بإرصادٍ وإلحاد جدد لهم رأي عزم منك مصطلمٍ ... يكبون منه عباديداً على الهاد ولا تقيلن منهم عثرةً أحداً ... فكلهم وفتاهم حية الوادي وهل يعلم هماً جمزةً حدثٌ ... عبدٌ ومولاه نحريرٌ بها هادي آليت لو أن لي بالقوم مقدرةً ... لما بقي حاضرٌ منهم ولا بادي ولم يزل سديف يطلب ولد بسر بن أبي أرطأة حتى ظفر بابنين له بساحل دمشق،

فقتلهما لقتل بسر جدهما ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب باليمن، لما بعثه معاوية أميراً عليها بعد قتل عثمان. وروي عن سديف مولى اللهبيين أنه كان يقول: اللهم، قد صار فيئنا دولةً بعد القسمة، وإمارتنا غلبةً بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة، اللهم، وقد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهيته، واجتمع طريده، اللهم، فأتح له يداً من الحق حاصدةً تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره. حدث محمد بن داود العباسي وكان أمير مكة قال: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة مال إليه سديف وبايعه، وكان من خاصته، وجعل يطعن على أبي جعفر ويقول فيه، ويمتدح بني علي ويتشيع لهم. قال: فقال يوماً، ومحمد بن عبد الله على المنبر وسديف عن يمين المنبر يقول ويشير بيده إلى العراق يريد أبا جعفر: من الكامل أسرفت في قتل البرية جاهداً ... فاكفف يديك أطلها مهديها فلتأتينك غارةٌ حسنيةٌ ... جرارةٌ يحتثها حسنيها ويشير إلى محمد بن عبد الله: حتى يصبح قريةً كوفيةً ... لما تغطرس ظالماً حرميها قال: فبلغ ذلك أبا جعفر فقال: قتلني الله إن لم أسرف في قتله. قال: فلما قتل عيسى بن موسى محمد بن عبد الله بن حسن بعث أبو جعفر إلى عمه عبد الصمد بن علي، وكان عامله على مكة، إن ظفر بسديف أن يقتله. قال: فظفر به علانيةً على

سراقة بن مرداس الأزدي البارقي

رؤوس الناس، وكان يحفظ له ما كان من مدائحه إياهم قبل خروجه، فقال له: ويحك يا سديف ليس لي فيك حيلة، وقد أخذتك ظاهراً على رؤوس الناس، ولكني أعاود فيك أمير المؤمنين. فكتب إلى أبي جعفر يخبره بأمره، فكتب إليه يأمره بقتله، فجعل يدافع عنه ويعاوده في أمره، فكتب إليه: والله لئن لم تقتله لأقتلنك، ولا يغرنك قولك: أنا عمه. فدافع بقتله حتى حج المنصور، فلما قرب من الحرم أخرج عبد الصمد سديفاً من الحرم فضرب عنقه، ثم خرج للقاء المنصور، فلما لقيه دنا منه، وهو في قبته، فسلم عليه، فقال له أبو جعفر من قبل أن يرد عليه السلام: ما فعلت في أمر سديف؟ قال: قتلته يا أمير المؤمنين. قال: وعليك السلام يا عم، يا غلام أوقف. فأوقف، ثم أمره فعادله. وذكر أبو بكر البلاذري بسنده عن علي بن صالح قال: كان سديف مائلاً إلى المنصور، فلما استخلف وصله بألف دينار، فدفعها إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن معونة له، فلما قتل محمد صار مع أخيه إبراهيم بالبصرة، حتى إذا قتل إبراهيم أتى المدينة، فاستخفى بها، فيقال: إنه طلب له الأمان من عبد الصمد بن علي وهو واليها، فأمنه، وأحلفه أن لا يبرح من المدينة، وقدم المنصور المدينة فقيل له: هذا سديف رأيناه ذاهباً وجائياً. فبعث في طلبه، وأخذ عبد الصمد بن أشد أخذٍ ووجد عليه في أمره، فلما أتي بسديف أمر به فجعل في جوالق، ثم خيط عليه، وضرب بالخشب حتى كسر، ثم رمي به في بئر وبه رمقٌ حتى مات. سراقة بن مرداس الأزدي البارقي شاعر من شعراء العراق. قدم دمشق في أيام عبد الملك هارباً من المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان قد هجاه، ثم رجع إلى العراق مع بشر بن مروان. وكان بينه وبي جرير مهاجاة قال أبان بن عثمان البجلي الكوفي: كان سراقة البارقي شاعراً ظريفاً تحبه الملوك، وكان قاتل المختار، فأخذه أسيراً، فأمر

سرج اليرموكي

بقتله فقال: والله لا تقتلني حتى تنقض دمشق حجراً حجراً. فقال المختار لأبي عمرة: من يخرج أسرارنا؟ ثم قال: من أسرك؟ قال: قومٌ على خيلٍ بلق، عليهم ثيابٌ بيضٌ لا أراهم في عسكرك. قال: فأقبل المختار على أصحابه فقال: إن عدوكم يرى من هذا ما لا ترون، قال: إني قاتلك؟ قال: والله يا أمين آل محمد، إنك تعلم أن هذا ليس باليوم الذي تقتلني فيه. قال: ففي أي يومٍ أقتلك؟ قال: يوم تضع كرسيك على باب مدينة دمشق، فتدعو بي يومئذٍ، فتضرب عنقي. فقال المختار لأصحابه: يا شرطة الله، من يذيع حديثي؟ ثم خلى عنه فقال سراقة وكان المختار يكنى أبا إسحاق: من الوافر ألا أبلغ أبا إسحاق أني ... رأيت البلق دهماً مصمتات كفرت بوحيكم وجعلت نذراً ... علي هجاءكم حتى الممات أري عيني ما لم تر أياه ... كلانا عالمٌ بالترهات ثم قدم سراقة بعد ذلك العراق مع بشر بن مروان، وكان بشرٌ من فتيان قريش سخاء ونجدة، وكان ممدحاً، فمدحه جرير، والفرزدق، والأخطل، وكثيرٌ، وأعشى بني شيبان، وكان يغري بين الشعراء، وهو أغرى بين جرير والأخطل، فحمل سراقة على جرير حتى هجاه، وهجاه جرير أيضاُ بأبيات، ثم نزعا، فمر جرير بسراقة بمنًى والناس مجتمعون على سراقة وهو ينشد، فجهره جماله، واستحسن نشيده، قال: من أنت؟ قال: بعض من أخزى الله على يديك. قال: أما والله لو عرفتك لوهبتك لظرفك. سرج اليرموكي روي عنه أنه قال: أجد في الكتاب أو في هذه الأمة اثني عشر ربياً نبيهم أحدهم، فإذا وفت العدة طغوا وبغوا وكان بأسهم بينهم.

السري بن المغلس أبو الحسن البغدادي

السري بن المغلس أبو الحسن البغدادي السقطي الصوفي أحد الزهاد. قدم دمشق. حدث عن علي بن غراب عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخبرني أبي قال: لما اشتكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قال: فصلى بهم، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفةً فخرج، فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر، فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى جلس إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يصلون بصلاة أبي بكر، أبو بكر قائمٌ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدٌ. وحدث السري عن مروان بن معاوية بسنده عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا يجالسني اليوم قاطع رحمٍ ". فقام فتًى من الحلقة فأتى خالةً له قد كان بينهما بعض الشيء، فاستغفر لها واستغفرت له، ثم عاد إلى المجلس فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الرحمة لا تنزل على قوم بينهم قاطع رحم ". وحدث سري بسنده عن الحسن أنه سمعه يقول: ابن آدم، إنك لو تجد حقيقة الإيمان ما كنت تعيب الناس بعيبٍ هو فيك حتى تبدأ بذلك العيب من نفسك فتصلحه، فلا تصلح عيباً إلا ترى عيباً آخر، فيكون شغلك في خاصة نفسك، وذلك أحب ما يكون إلى الله إذا كنت كذلك. وعن سري السقطي: أنه مرت به جارية معها إناء فيه شيءٌ، فسقط من يدها فانكسر، فأخذ سريٌّ شيئاً من دكانه فدفعه إليها بدل ذلك الإناء، فنظر إليه معروف الكرخي فأعجبه ما صنع، فقال له معروف: بغض الله إليك الدنيا. وكان سري خالد الجنيد وأستاذه، وكان تلميذ معروف الكرخي، وكان أوحد زمانه في الورع والأحوال السنية وعلوم التوحيد. وكان السري به أدمة. قال سري السقطي: هذا الذي أنا فيه من بركات معروف: انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف

صبياً شعثاً، فقلت: من هذا؟ فقال: رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسرٌ، فسألته لم لا تلعب؟ قال: أنا يتيم. قال سري: فقلت له: ما ترى أنك تعمل به؟ فقال: لعلي أخلو فأجمع له نوىً يشتري به جوزاً يفرح به. فقلت له: أعطنيه أغير من حاله. فقال لي: أو تفعل؟ فقلت: نعم، فقال لي: خذه أغنى الله قلبك. فسويت الدنيا عندي أقل من كذا. وفي حديث آخر بمعناه: فقال: اكس هذا اليتيم. قال سري: فكسوته، ففرح به معروف وقال: بغض الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه. فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إلي من الدنيا. قال السري: التوبة على أربع دعائم: استغفار باللسان، وندم القلب، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود فيه. قال الجنيد: سمعت الحسن البزاز يقول: كان أحمد بن حنبل ههنا، وكان بشر بن الحارث ههنا، وكنا نرجو أن يحفظنا الله بهما، ثم إنهما ماتا وبقي السري، وإني أرجو أن يحفظنا الله بالسري. كان أبو حمدون المقرىء يقول: رجلٌ يعيد صلاةً أربعين سنة يتكلم فيه؟! يعني سري بن مغلس. قال الجنيد: كان السري يقول لنا ونحن حوله: أنا لكم عبرة يا معشر الشباب، اعملوا، فإنما العمل في الشبيبة. قال سري السقطي: لا يقوى على ترك الشهوات إلا بترك الشهوات.

قال الجنيد: سمعت السري يقول: إن نفسي تطالبني منذ ثلاثين أو أربعين سنة أو أغمس جزرة في دبس فما أطعمتها. وفي حديث بمعناه: وآكلها فما تصح لي. وقال: أشتهي بقلاً منذ ثلاثين سنة ما أقدر عليه. وقال: إني لاشتهي الحندقوق منذ ست عشرة سنة والهندباء بخلٍّ منذ ثمان عشرة سنة، وإني لأعجب ممن يتسع كيف يطلق له الاتساع، وهذا عبد الواحد بن زيد يقول: الملح بشبارجات، وإن بلية أبيكم آدم لقمةٌ، وهي أخرجته من الجنة، وهي بليتكم إلى أن تقوم الساعة. قال سري السقطي: أتاني حسين الجرجاني إلى عبادان فدق علي باب الغرفة التي كنت فيها فخرجت إليه فقال لي: سري؟ فقلت: سري. فقال لي: ملحك مدقوقة؟ قلت: نعم، قال: لا تفلح. ثم قال: سري، لولا أن الله تعالى عقم الآذان عن فهم القرآن ما زرع الزارع، ولا تجر التاجر، ولا تلاقى الناس في الطرقات، ثم مضى فأتعبني وأبكاني. قال الجنيد بن محمد: ذكر السري بن مغلس يوماً، وأنا أسمعه، السواد فكرهه يعني كره الأكل من السواد أو أن يملك فيها أحد وكان يشدد في ذلك ولا يأكل من بقل السواد، ولا من ثمره. ولا من شيء يعلم أنه منه، ما أمكنه، فرأيت رجلاً يوماً وقد أهدى إليه خرنوباً وقثاء برياً حمله له من أرض الجزيرة فقبله منه. ورأيته قد سر به، وكان يشدد في الورع.

وكان سري يقول: أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعةٌ، ولا لمخلوق علي فيها منة، فما أجد إلى تلك سبيلاً. قال ابن أبي الورد: دخلت علي سري السقطي وهو يبكي ودورقه مكسورٌ، فقلت له: ما بالك؟ قال: انكسر الدورق، فقلت: أنا أشتري لك بدله. فقال لي: تشتري بدله! وأنا أعرف من أين الدانق الذي اشتري به الدورق، ومن أين طينه، وإيش أكل عامله حتى فرغ من عمله؟ قال السري: رجعت مرة من بعض المغازي فرأيت في طريقي قفيزاً مملوءاً ماءً صافياً وحوله عشب من حشيش، فدنوت فقلت في نفسي: يا سري، إن كنت يوماً أكلت أكلة حلالٍ وشربت شربة حلالٍ فاليوم. فنزلت عن دابتي فأكلت من ذلك الحشيش، وشربت من ذلك الماء، فهتف بي هاتف، سمعت الصوت، ولم أر الشخص: يا سري بن المغلس، فالنفقة التي بلغتك إلى ههنا من أين هي!؟ وفي حديث آخر: فعلمت أني في لا شيء. قال سري بن المغلس: اتصل من اتصل بالله أربعة، وانقطع من انقطع عن الله بخصلتين، فأما الأربع التي اتصل بها المتصلون فلزوم الباب، والتشمير في الخدمة، والنظر في الكسرة، وصيانات الكرامات إذا وهب لك شيئاً لا يحب أن يطلع عليه غيره. وأما الخصلتان اللتان انقطع بهما المنقطعون فتخط إلى نافلة بتضييع الفريضة، والثانية عمل بظاهر الجوارح ولم يعط عليه صدق القلوب. قال سري بن مغلس: أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وعفاف الطعمة، وحسن الخليقة.

قال سري: خمس من أخلاق الزهاد: الشكر على الحلال، والصبر عن الحرام، ولا يبالي متى مات، ولا يبالي من أكل الدنيا، ويكون الفقر والغنى عنده سواء. قال السري: كل الدنيا فضول إلا خمس: خبز يشبعه وماء يرويه، وثوب يستره، وبيت يكنه، وعلم يستعمله. قال أبو العباس السراج: سألت إبراهيم بن السري السقطي: كيف كان يأكل من مالكم؟ قال: كان يقول: آكل من مالكم بقدر ما يحل لي من الميتة. قال السري: منذ ثلاثين سنة أنا في الاستغفار عن قولي: الحمد لله، مرة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد فقال لي: نجا حانوتك. فقلت: الحمد لله. فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت حيث أردت لنفسي خيراً مما للمسلمين. قال الجنيد: سمعت السري يقول: أعرف طريقاً مختصراً قصداً إلى الجنة، فقلت له: ما هو؟ فقال: لا تسأل من أحد شيئاً. ولا تأخذ من أحد شيئاً، ولا يكون معك شيء تعطي أحداً. قال: وسمعته يقول: إني لأعراف طريقاً يؤدي إلى الجنة قصداً. فقيل له: ما هو يا أبا الحسن؟ قال: أن تشتغل بالعبادة، وتقبل عليها وحدها فلا يكون فيك فضل. قال الجنيد: سمعت بعض المؤمنين يقول يعني سرياً: ما بدت لي من الدنيا زهرةٌ إلا جددت لي من الدنيا عزوفاً.

قال سري السقطي لإبراهيم البنا: يا بنا، ليس من زهد في الدنيا تقذراً مثل من زهد في الدنيا تصبراً. كان السري يقول: لولا الجمعة والجماعات لطينت علي الباب. قال سري السقطي: إني أذكر مجيء الناس إلي فأقول: اللهم هب لهم من العلم ما يشغلهم عني، فإني لا أريد مجيئهم أن يدخلوا علي. قال سري: من أراد أن يسلم دينه، ويستريح قلبه وبدنه، ويقل غمه فليعتزل الناس، لأن هذا زمان عزلة ووحدةٍ. وقال مرة أخرى: فإن هذا زمان وحشةٍ. والعاقل من اختار فيه الوحدة. قال الجنيد: سمعت السري السقطي يقول: اجتهد في الخمول فإن أحوالك تشهرك بين أوليائه إذا صح مقامك فيها. قال الجنيد: سمعت سري السقطي يقول، وسئل عن التصوف فقال: الإعراض عن الخلق، وترك الاعتراض على الحق. قال الجنيد: ما رأيت أعبد لله من السري السقطي، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعاً إلا في علة الموت. قال سري: استأذن علي رجلٌ فأذنت له، فجاء فوقف بباب الغرفة قائماً ينظر، وفي زاوية الغرفة محبرة، قال: فقلت له: ادخل. قال: فقال: لا جزى الله من غرني فيك خيراً. قال: فقلت له: ويحك! ولم؟ قال: ما تلك الموضوع في تلك الزاوية؟ ثم انصرف وتركني. وفي حديث آخر بمعناه: قال: محبرة!؟ إنما ذه في بيوت البطالين.

قال السري: اليقين أن لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته وتغفل عن عملك الذي قد أمرت به، فإن اليقين يسوق إليك الرزق سوقاً. قال الجنيد: سمعت السري يقول: إن الله سلب الدنيا عن أوليائه. وحماها عن أصفيائه، وأخرجها من قلوب أهل وداده، لأنه لم يرضها لهم. قال الجنيد: سمعت السري السقطي يقول: صليت وردي ليلة، ومددت رجلي في المحراب، فنوديت: يا سري! كذا تجالس الملوك؟ قال: فضممت رجلي، وقلت: وعزتك لا مددتها أبداً. قال الجنيد: فبقي بعد ذلك ستين سنة ما مد رجله ليلاً ولا نهاراً. قال سري السقطي: غزوت راجلاً فنزلت خربةً للروم، فألقيت نفسي على ظهري، ورفعت رجلي على جدار، فإذا هاتفٌ يهتف بي: يا سري بن مغلس! هكذا تجلس العبيد بين يدي أربابها؟ قال الجنيد: سمعت السري بن المغلس، وقد ذكر الناس فقال: لا تعمل لهم شيئاً، ولا تترك لهم شيئاً، ولا تعط لهم شيئاً، ولا تكشف لهم شيئاً. قال الجنيد: يريد بهذا القول تكون أعمالك كلها لله وحده. قال: وسمعت السري يقول: لو أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي قلت: كذا بلحيتي وأمر يده على لحيته كأنه يريد أن يسويها من أجل دخول الداخل عليه لخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار. قال: وسمعت السري يقول: إنما أذهب أكثر أعمال القراء العجب وخفي الرياء أو كلام نحو هذا. وقال السري: عملٌ قليل في سنةٍ خيرٌ من كثير في بدعة، كيف يقل عملٌ مع التقوى؟

قال سري: الأمور ثلاثة: أمر بان لك رشده فاتبعه، وأمر بان لك غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك فقف عنه وكله إلى الله عز وجل، وليكن الله دليلك، واجعل فقرك إليه تستغن به عمن سواه. قال سري: من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله. قال الجنيد: سمعت السري يقول: أشتهي أن أموت ببلد غير بغداد. فقيل له: ولم ذلك؟ فقال: أخاف أن لا يقبلني قبري فأفتضح. قال: وسمعت سرياً يقول غير مرة: ما أعرف أحداً أقدر أن أقول: إني أحسن عاقبةً منه. قال: وسمعته يقول: ما أرى أن لي فضلاً على أحد. فقيل له: ولا على هؤلاء المخنثين؟ فقال: ولا على هؤلاء المخنثين. قال: وسمعته يقول: إني لأنظر في أنفي كل يوم مراراً مخافة أن يكون وجهي قد اسود. قال علان الخياط: وجرى ذكر مناقب سري السقطي، قال: كنت جالساً مع سري يوماً، فوافته امرأة فقالت: يا أبا الحسن، أنا من جيرانك، أخذ ابني الطائف البارحة، وكلم ابني الطائف، وأنا أخشى أن يؤذيه، فإن رأيت أن تجيء معي أو تبعث إليه. قال علان: فتوقعت أن يبعث إليه. فقام، فكبر وطول في صلاته، فقالت المرأة: يا أبا الحسن، الله الله في هو ذا أخشى أن يؤذيه السلطان، فسلم، وقال لها: أنا في حاجتك. قال علان: فما برحت حتى جاءت امرأة إلى المرأة فقالت: الحقي، قد خلو ابنك.

قال أبو الطيب: قال لي علان: وإيش يتعجب من هذا؟ اشترى منه كر لوزٍ بستين ديناراً، وكتب في رزمانجه ثلاثة دنانير ربحه، فصار اللوز بتسعين ديناراً، فأتاه الدلال وقال له: إن ذلك اللوز أريده. فقال له: خذه. قال: بكم؟ قال بثلاثة وستين ديناراً. فقال له الدلال: إن اللوز قد صار الكر بتسعين. قال له: قد عقدت بيني وبين الله عقداً لا أحله، ليس أبيعه إلا بثلاثة وستين ديناراً. فقال له الدلال: إني قد عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلماً، لست آخذه منك إلا بتسعين، فلا الدلال اشترى منه، ولا سري باعه. قال أبو الطيب: قال لي علان: كيف لا يستجاب دعاء من كان هذا فعله؟ قال الجنيد: دخلت على السري يوماً فقال: لي عصفورٌ كان يجيء كل يوم فأفت له الخبز فيأكل من يدي، فنزل وقتاً من الأوقات فلم يسقط على يدي، فتذكرت في نفسي أي شيءٍ السبب، فذكرت أني أكلت ملحاً بأبزار، فقلت في نفسي: لا آكل بعدها، وأنا تائب منه. فسقط على يدي فأكل. وفي حديث آخر بمعناه: ففكرت في سري: ما العلة في وحشته مني؟ فوجدتني قد أكلت ملحاً طيباً، فقلت في نفسي: أنا تائب من الملح الطيب. فسقط على يدي فأكل وانصرف. قال أبو محمد الجريري: دخلت يوماً على سري السقطي وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: جاءتني البارحة الصبية فقالت لي: يا أبه، هذه الليلة حارةٌ، وهذا الكوز فيه ماء، هو ذا أعلقه ههنا، فإذا برد فاشربه. قال: فعلقته، وقمت إلى أمر كنت أقوم إليه، فحملتني عيناي فنمت، فرأيت كأن جارية من أحسن الخلق نزلت من السماء، وإذا الدنيا قد أشرقت لحسن وجهها، وعليها قميص فضة يتخشخش، وكأني أقول لها: لمن أنت يا جارية؟ قالت: أنا

لمن لا يشرب الماء البارد في الكيزان. قال: وتناولت الكوز فضربت به الأرض فكسرته ثم قالت: سري يدعي المحبة ويشرب الماء البارد في الكيزان، هذا محال. قال: فرأيت الخزف المكسور في غرفته لم يشله ولم يمسه حتى عفا عليه التراب. وفي حديث آخر: وتناولت القلة بيدها فضربت بها على الأرض فكسرتها. قال سري: أصبر الناس من صبر على الحق. قال الجنيد: بت ليلة عند السري، فلما كان في بعض الليل قال لي: يا جنيد، أنت نائم؟ قلت: لا. قال: الساعة أوقفني الحق بين يديه وقال: يا سري، تدري لم خلقت الخلق؟ قلت: لا. قال: خلقت الخلق فادعوا كلهم في، وادعوا محبتي. فخلقت الدنيا فاشتغلوا بها من عشرة آلافٍ تسعة آلاف، وبقي ألفٌ، فخلقت الجنة فاشتغل من الألف تسع مئة بالجنة، وبقيت مئةٌ، فسلطت عليهم شيئاً من البلاء فاشتغل عني بالبلاء من المئة تسعون، وبقيت عشرةٌ فقلت لهم: ما أنتم! لا الدنيا أردتم، ولا في الجنة رغبتم، ولا من البلاء هربتم. فقالوا: وإنك لتعلم ما نريد. فقال: إني أنزل بكم من البلاء ما لا تطيقه الجبال الرواسي، أفتثبتون لذلك؟ قالوا: ألست أنت الفاعل بنا؟ قد رضينا. قلت: فأنتم عبيدي حقاً. قال الجنيد: سمعت السري يقول: اللهم، مهما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب. قال الجنيد: سألني السري يوماً عن المحبة فقلت: قال قومٌ: هي الموافقة. وقال قوم: الإيثار. وقال قوم: كذا وكذا. فأخذ السري جلدة ذراعه ومدها، فلم تمتد، ثم قال: وعزته لو قلت إن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محبته لصدقت، ثم غشي عليه، فدار وجهه كأنه قمر مشرق.

قال الجنيد: كنت يوماً عند السري، وكنا جالسين، وهو متزرٌ بمئزرٍ، فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيمٍ دنفٌ مضنى كأجهد ما يكون، فقال: انظر إلى جسدي هذا! لو شئت أن أقول: إن ما بي هذا من المحبة كان كما أقول. وكان وجهه أصفر، ثم أشرق حمرةً حتى تورد، ثم اعتل، فدخلت عليه أعوده، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: من الخفيف كيف أشكو إلى طبيبي ما بي ... والذي بي أصابني من طبيبي فأخذت المروحة أروحه، فقال لي: كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل؟ ثم أنشأ يقول: من البسيط القلب محترقٌ والدمع مستبق ... والكرب مجتمعٌ والصبر مفترق كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والعشق والقلق يا رب إن كان شيءٌ فيه لي فرجٌ ... فامنن علي به ما دام بي رمق قال الجنيد: قال لي ليلة السري بين المغرب وعشاء الآخرة: احفظ عني هذا الكلام. ثم قال: الشوق والوله يترفرفان على القلب، فإن وجدا فيه الحياء والأنس أوطنا، وإلا رحلا. احفظ هذا الكلام يا غلام لئلا يضيع. وقال في حديث آخر: احفظ عني يا غلام، إن المعرفة ترفرف على القلب، فإن كان فيه الحياء، وإلا رحلت. قال الجنيد: دخلت على سري السقطي رحمه الله في يوم صائف، فإذا الكوز الذي يشرب به في الشمس! فقلت: يا سيدي، الكوز في الشمس. قال: صدقت يا أبا القاسم، في الفيء كان، فجاءت الشمس إليه، فدعتني نفسي إلى أن أنقله إلى الفيء، فاستحييت من الحق تعالى أن أخطو خطوة يكون لنفسي فيها راحة.

قال جنيد: سمعت سري بن المغلس يقول: أحسن الأشياء ثلاثة: البكاء على الذنوب، وإصلاح العيوب، وطاعة الله علام الغيوب. زاد في حديث آخر فجعلها خمسة فقال: وجلاء الرين من القلوب، وألا تكون لكل ما تهوى ركوب. وقال السري: أقوى القوة غلبتك نفسك، ومن عجز عن أدب نفسه كان في أدب غيره أعجز. وقال السري: من علامة المعرفة بالله القيام بحقوق الله، وإثاره على النفس فيما أمكنت فيه القدرة. وقال: من علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس. وقال الجنيد: سمعت السري يقول: اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح يمكنك، فإذا وردت على قبرك سرك ما ترى فيه. وقال مرة: واحشه من كل خير، حتى إذا قدمت عليه فرحت بما قدمت إليه من المعروف. قال الجنيد رحمه الله: سمعت سري رحمه الله يقول: لم أر شيئاً أحبط للأعمال، ولا أفسد للقلوب الحانية، ولا أضر بالحكمة، ولا أنجع في هلكة العبد، ولا أدوم للأضرار، ولا أبعد من الاتصال، ولا أقرب من المقت، ولا ألزم لمحجةٍ العجب والرياء والتزين من قلة معرفة العبد بنفسه ونظره في عيوب غيره، لا سيما إن كان مشهوراً معروفاً بالعبادة والصلاح، وامتد له الصوت، وبلغ من الثناء ما لم يكن يأمله، تضيء له نفسه في الأماكن الخفية وسراديب الهوى فاختبأ بعد المحادثة، وصمت بعد

النطاقة، وأظهر الخمولة بعد الشهرة، وأظهر الهرب من الناس فلم يبرز إلا للخواص، ونالت النفس مناها. كل ذلك لجهله بنفسه، وعماه عن عيوبها، وقبول قوله في إسقاط الناس، وقوله: فلانٌ يجالس وفلان احذروه، ويأمر وينهى، ويثني على من تهواه نفسهن فإن اغتيب عنده من لا يهواه قال: اهتكوا ستر الفجرة واذكروا الفاجر بما فيه، وإن اغتيب من يهواه غضب ونهى عن ذلك وروى أحاديث النهي عن الغيبة وقد شرب السموم القاتلة، ويصير غضبه ورضاه لنفسه، ويرى أنه محسن يلوم أهل النقص والتقصير ويتنزه عمن لا يعرفه، ويقبل صلة من يهواه، ويأنس به، فهلك وأهلك. ونجا من صحت معرفته بنفسه، واشتغل بها، فلم يكن له صديق ولا عدو، ولا يخالط الأشرار، ولا يشتغل عن الله بالأخبار، ولا يمدح ولا يذم وكيف له أن يسلم من شر نفسه وعدوه؟ فكيف من جهل شر نفسه والإزراء على غيره؟ قال الجنيد: سمعت السري السقطي يقول: قلوب الأبرار معلقةٌ بالجراثيم، وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، أولئك يقولون: ليتنا بماذا سبق لنا، وهؤلاء يقولون: ليتنا بماذا يختم لنا. قال السري لبعض جلسائه: لا تلزم نفسك طول الفكرة فيما يورث قلبك ضعف الإيمان، فإن ضعف الإيمان أصل لكل إثمٍ وهم وغم، ولكن اشغل قلبك بكل ما يورث اليقين، فإن اليقين يورث كل طاعة، ويباعد من كل غم وهم، ويؤمنك من كل خوف، ويقربك من كل روح وفرح، وكذلك روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ما أوتي عبد خيراً من اليقين. قال السري السقطي: رأيت طاعة الرحمن بأرخص الأثمان مع راحة الأبدان، ورأيت معصية الرحمن بأغلى الأثمان مع تعب الأبدان. وقال: من لم يعلم قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم. عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبداً.

وقال: لو أشفقت هذه النفوس على أبدانها شفقتها على أولادها للاقت السرور في معادها. وقال: ثلاثةٌ من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. قال إبراهيم بن السري: مرض أبو المغيرة القاص، فبعث إلى أبي بالسلام، فقال أبي: أقرئه السلام، وقل له: ليس من حمد الله على سيلان الصديد كمن حمده على أكل الثريد. قال: فوقع من أبي المغيرة ذاك الكلام بالموقع، فما أظهر ما به حتى مات. قال سري: الشكر نعمةٌ، والشكر على النعمة نعمة إلى أن لا يتناهى الشكر. وقال: الشكر على ثلاثة أوجه: شكر اللسان، وشكر البدن، وشكر القلب. فشكر القلب أن يعلم أن النعم كلها من الله عز وجل، وشكر البدن أن لا يستعمل جوارحه إلا في طاعته بعد أن عافاه الله، وشكر اللسان دوام الحمد عليه. وقال سري: سمعت كلمة انتفعت بها منذ خمسين سنة، كنت أطوف بالبيت بمكة، فإذا رجل جالس تحت الميزاب وحوله جماعة، فسمعته يقول لهم: أيها الناس، من علم ما طلب هان عليه ما بذل. سئل سري السقطي عن التصوف فقال: هو اسم لثلاثة معان، وهو الذي لا يطفىء نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم بباطن من علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات من الله على هتك أستار محارم الله.

وقال سري: احذر أن يكون لك ثناءٌ منشور وعيب مستور. وقال: الخوف أفضل من الرجاء ما دام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف. فقال له الرجل: كيف يا أبا الحسن؟ قال: لأنه إذا كان في صحته كيساً عظم رجاؤه عند الموت وحسن ظنه بربه، وإذا كان في صحته مسيئاً ساء ظنه عند الموت ولم يعظم رجاؤه. ولما حضرت سري السقطي الوفاة قال له الجنيد: يا سيدي، لا يرون بعدك مثلك. قال: ولا أخلف عليهم بعدي مثلك. قال الجنيد: دخلت على سري في مرضه الذي توفي فيه فقلت له: كيف تجدك أيها الشيخ؟ فقال: عبدٌ مملوك لا يقدر لنفسه شيئاً. فقال الجنيد: فأخذت المروحة لأروحه فقال: دعني، كيف أتروح بريح المروحة وأحشائي تحترق؟ فقلت له: أوصني أيها الشيخ، فقال: إياك وصحبة العوام. فقلت له: زدني أيها الشيخ. قال: فرفع رأسه إلي بعدما طأطأه وقال: ولا تشتغل عن الله بصحبة الأخيار. قال: فقلت له: لو سمعت منك هذه الكلمة من قبل لما صحبتك قط. مات سري سنة إحدى وخمسين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وقيل: سنة سبع وخمسين، ودفن في مقبرة الشونيزي. وقبره ظاهر معروف وإلى جنبه قبر الجنيد. قال أبو عبيد بن حربويه: حضرت جنازة السري السقطي فسررت. فحدثنا رجل عن آخر أنه حضر جنازة سري السقطي. فلما كان في بعض الليالي رآه في النوم فقال:

سعادة بن الحسن بن موسى

ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ولمن حضر جنازتي وصلى علي. فقلت: فإني في من حضر جنازتك وصلى عليك. قال: فأخرج درجاً فنظر فيه فلم ير لي فيه اسماً، فقلت: بلى قد حضرت. قال: فنظر فإذا اسمي في الحاشية. سعادة بن الحسن بن موسى ابن عبد الله بن الفرج أبو القاسم الفارقي قدم دمشق وسمع بها. حدث بالرملة عن أبي حفص عمر بن محمد بن عراك بسنده عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل لما خلق الدنيا أعرض عنها فلم ينظر إليها من هوانها عليه ". سعد الله بن صاعد بن المرجى ابن الحسين أبو المرجى بن الخلال المرحبي سمع بدمشق. وحدث عن أبي الحسن محمد بن عوف بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عوف سنة سبع وثمانين وأربع مئة بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين يذبحهما بيده، ويطأ على صفاحهما، ويسمي ويكبر.

سعد بن أحمد بن محمد

سعد بن أحمد بن محمد أبو القاسم النسوي القاضي سكن دمشق مدة وحدث بها. روى أبو القاسم في دمشق سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وأربع مئة عن القاضي أبي الحسن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن صخر الأزدي النصري بمكة بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وغلقوا الأبواب، وأوكوا الأسقية، وخمروا الطعام والشراب ". وفي رواية: وأحسبه قال: ولو بعود تعرضه عليه. ولد سنة عشرين وأربع مئة بنسا. وقتله الفرنج يوم دخلوا بيت المقدس في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة. سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو إسحاق ويقال: أبو إبراهيم القرشي الزهري المدني القاضي وفد على هشام بن عبد الملك. وأمه أم كلثوم بنت سعد بن أبي وقاص. حدث عن عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل القثاء بالرطب. وحدث عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأئمة من قريش إذا حكموا فعدلوا، وإذا عاهدوا فوفوا، وإذا استرحموا فرحموا ". ولد سنة أربع وخمسين، وتوفي سنة خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع وعشرين ومئة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وقيل: توفي سنة أربع وعشرين ومئة، وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة.

وكان سعد ثقةً صدوقاً وثقه جماعةٌ. وقال يحيى بن معين: لم يتكلم في سعد بن إبراهيم غير مالك بن أنس، وكان سعد من الأمناء المسلمين. وسرد سعد الصوم قبل أن يموت بأربعين سنة. قال شعبة: كان سعد بن إبراهيم يصوم الدهر، ويقرأ القرآن في كل يومٍ وليلة. حدث ولده عنه قال: كان أبي يحتبي، فما يحل حبوته حتى يقرأ القرآن. وكان إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين لم يفطر حتى يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخرون العشاء الآخرة في شهر رمضان تأخيراً شديداً، وكان كثيراً ما إذا أفطر يرسل إلى مساكين فيأكلون معه. قال أبو جعفر المدني: دخلت على سعد بن إبراهيم وهو على دكانه له قال: فإذا حمارةً عليها شكوة، فلما سمع الأذان جاءت جارية فصبت منه في زجاجة شراباً به من الحسن شيءٌ من شيءٍ أحسبه، قال: فسقاني، ثم قال: أبا جعفر، تدري ما سقيتك؟ قال: قلت: ظننت إني ظمآن؟ قال: ولكني رأيتك تنظر إليه، فأحببت أن تعلم ما هو، هذا زبيبٌ، نأمر الجواري فينقينه من أقماعه وحصرمه، ثم يدق في المهراس، ثم يمرس ويصفى ويجعل في هذه الشكوة، فإذا أمسيت شربت منه، فأجده يقطع البلغم، ويعصمني، قال: وكان لا يأكل إلا بعد ما يذهب من الليل ما شاء الله يعني: يصلي. وكان سعد يعجب من هؤلاء المتقشفين، وقلما رأيته خارجاً إلى المسجد للصلاة إلا مس غالية. قيل لسعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أتقاهم لربه عز وجل.

سعد بن تميم أبو بلال السكوني

وعن سعد: أن عبد الرحمن بن عوف كان يقال له: حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومما قيل في سعد من المدح: من الطويل أبوه حواري النبي وجده ... أبو أمه سعدٌ رئيس المقانب سعد بن تميم أبو بلال السكوني والد بلال بن سعد، صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه، ونزل ببيت أبيات من قرى دمشق، وسكن دمشق. روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت: يا رسول الله، أي أمتك خير؟ قال: أنا وأقراني، قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: ثم القرن الثاني، قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون، ويؤتمنون ولا يؤدون. وحدث بلال بن سعد: أن أباه لما احتضر قال: وكان أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أي بني، أين بنوك؟ قال: بلال: فأمرت أهلي فألبسوهم قمصاً بيضاً، ثم أتيت بهم فقال: اللهم، إني أعيذهم بك من الكفر، ومن ضلالة العمل، ومن النساء، والفقر إلى بني آدم. وفي رواية: والفقر الذي يصيب بني آدم. قال عقبة: وسعدٌ أبو بلال بن سعدٍ أتي به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يده على رأسه وأمرها على وجهه ثم قال: صدرٌ وعاءٌ للخير. كان سعد يؤم دمشق، وتوفي في الشام.

سعد بن زياد أبو عاصم

سعد بن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس حدث سعد عن كيسان مولى عبد الله بن الزبير عن سلمان الفارسي أنه دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا عبد الله بن الزبير معه طست يشرب ماء فيه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما شأنك يا بن أخي؟ قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جوفي. فقال: ويلٌ لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا قسم اليمين. وحدث بسنده عن نافع عن أبي هريرة قال: " إن الله عز وجل لا يرفع العلم إنما يهلك العلماء ولا يتعلم الجهال " حدث سعد وكان قد أدرك عمر بن عبد العزيز قال: عزى أعرابيٌّ بن عبد العزيز عن ابن له فقال: من الطويل تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد قال أبو علي صالح بن محمد بن حبيب البغدادي: سعد بن زياد شيخٌ بصري ضعيف. سعد بن أبي سعد أبو صالح الفرغاني حدث بدمشق. روى عن أبي محمد أحمد بن الحسين بن منبويه الديبلي بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: وكان أقضى الأمة قال: لما أنفذني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن قال: " يا علي، الناس رجلان: فعاقل يصلح للعفو، وجاهلٌ يصلح للعقوبة ".

سعد بن سلامة بن حابس

سعد بن سلامة بن حابس أبو الحسن الداراني المؤدب الإمام حدث بداريا عن أبي الخير سلامة بن محمد البغدادي بسنده عن دينار المسكين قال: خدمت أنس بن مالك ثلاث سنين، فسمعته يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من احتكر طعاماً أو تربص به أربعين يوماً، ثم طحنه وخبزه وتصدق به لم يقبله الله منه. " قال: كذا قال. والصواب: أبا مكيس. سعد بن عبادة بن دليم ابن حارثة بن أبي حزيمة ويقال: حارثة بن حرام بن حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج ابن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة أبو ثابت ويقال: أبو قيس الخزرجي، سيد الخزرج. شهد العقبة، وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. سكن دمشق، ومات بحوران، وقيل: إن قبره بالمنيحة من إقليم بيت الآبار. حدث سعد بن عبادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماتت أمي وعليه نذرٌ، فسألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن أقضيه عنها. وعن سعد بن عبادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذا الحي من الأنصار مجنة، حبهم إيمان، وبغضهم نفاق ". وسعد بن عبادة نقيبٌ شهد بدراً. وقيل: لم يشهد بدراً. مات بالشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وقيل: في أول خلافة عمر رضي الله عنه.

قال محمد بن سعد: في الطبقة الأولى ممن لم يشهد بدراً: سعد بن عباد بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، ويكنى أبا ثابت. كان يتهيأ للخروج إلى بدر فنهش، فأقام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لئن كان سعدٌ لم يشهدها لقد كان حريصاً عليها ". وفي رواية: لقد كان فيها راغباً. وكان سعد بن عبادة لما أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهاز كان يأتي دور الأنصار، يحضهم على الخروج، فنهش ببعض تلك الأماكن فمنعه ذلك من الخروج، فضرب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره. وكان عقيباً نقيباً سيداً جواداً. وكان سعد في الجاهلية يكتب بالعربية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً، وكان يحسن العوم والرمي، وكان من أحسن ذلك سمي الكامل. وكان سعد بن عبادة وعدة آباءٍ له قبله في الجاهلية ينادي على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة. وكان سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة. وسعدٌ شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر، ولم يشهد بدراً. وروى بعضهم: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب له بسهمه وأجره، ولا يثبت ذلك. وشهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان سعد لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث إليه في كل يوم جفنة فيها ثريد بلحم، أو ثريد بلبن، أو بخل وزيت، أو بسمنٍ، وأكثر ذلك اللحم، فكانت جفنة سعد تدور مع

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيوت أزواجه. وكانت أمه عمرة بنت مسعود من المبايعات فتوفيت بالمدينة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غائبٌ في غزوة دومة الجندل، وكانت في ربيع الأول سنة خمس من الهجرة، وكان سعد بن عبادة معه في تلك الغزوة، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة أتى قبرها فصلى عليها. ولما أراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يهاجر سمع صوتاً بمكة يقول: من الطويل إن يسلم السعدان يصبح محمدٌ ... من الأمن لا يخشى خلاف المخالف فقالت قريش: لو علمنا من السعدان لفعلنا وفعلنا. قال: فسمعوا من القابلة وهو يقول: فيا سعد سعد الأوس كن أنت مانعاً ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس زلفة عارف زاد في رواية أخرى: فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنانٌ من الفردوس ذات رفارف قال: سعد الأوس: سعدٌ بن معاذ، وسعد الخزرجين سعد بن عبادة. الغطارف: الكرام. قال ابن إسحاق: لما تفرق الناس عن بيعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة ونفروا وكان الغد فتشت قريش عن الخبر والبيعة، فوجدوه حقاً، فانطلقوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة وفاتهم منذر بن عمرو، فشدوا يدي سعد إلى عنقه بنسعةٍ، وكان ذا شعر كثير، فطفقوا يجبذونه بجمته، ويصكونه ويلكزونه. قال سعد بن عبادة: فوالله! إني لفي أيديهم

يسحبونني إذ طلع نفرٌ من قريش فيهم فتًى أبيض حلو شعشاع، وضيء، فقلت: إن يك عند أحدٍ من القوم خيرٌ فعند هذا، وهو سهيل بن عمرو، فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمةً شديدة، فقلت: والله ما في القوم خيرٌ بعد هذا، فوالله إني لفي أيديهم إذ غمز رجل منهم فخذي فقال: هل بينك وبين أحد من قريش عهدٌ؟ فقلت: نعم، لا أبا لك، اهتف بالرجلين. ففعلت، فذهب إليهما فقال: إن هذا الرجل الذي في أيدي نفر من قريش يعبثون به يهتف بكما، يزعم أنه قد كان بينه وبينكم عقد وجوار. فقالا: من هو؟ فقال: سعد بن عبادة. فقالا: صدق والله، إن كان ليفعل. ثم جاءا إلي حتى أطلقاني من أيديهم، ثم خليا سبيلي، فانطلقت. فكان أول شعرٍ قيل في الإسلام شيءٌ قاله ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري في ذلك: من الطويل تداركت سعداً عنوةً فأسرته ... وكان شفاءً لو تداركت منذرا فأجابه حسان بن ثابت فقال من أبيات: من الطويل لست إلى سعدٍ ولا المرء منذرٍ ... إذا ما مطايا القوم أصبحن ضمرا ولولا أبو وهبٍ لمرت قصائدٌ ... على شرف الخرقاء يلمعن حسرا قال محمد بن عبد الوهاب: قلت لعلي بن عثام: لم سموا نقباء؟ قال: النقيب الضمين، ضمنوا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسلام قومهم، فسموا بذلك نقباء. وعن ابن عباس قال: كان عدة أهل بدرٍ ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً، كان المهاجرون سبعة وسبعين رجلاً، والأنصار مئتين وستةً وثلاثين رجلاً، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة.

وعن ابن عباس قال: كانت راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المواطن كلها: راية المهاجرين مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة. ولما كان يوم فتح مكة دفعت راية قضاعة إلى أبي عبيدة بن الجراح، ودفعت راية بني سليم إلى خالد بن الوليد، وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة، وراية المهاجرين مع علي بن أبي طالب. وفي حديث آخر بمعناه: وكان إذا استحر القتال كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يكون تحت راية الأنصار. وعن أنس قال: لما بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إقفال أبي سفيان قال: أشيروا علي. فقام أبو بكر فقال له: اجلس. ثم قام عمر فقال له: اجلس. فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله. فلو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادنا إلى برك الغماد لفعلنا ذلك. وعن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً فله كذا، ومن أسر أسيراً فله كذا ". وكانوا قتلوا سبعين، وأسروا سبعين، فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيرين فقال: يا رسول الله، إنك وعدتنا: من قتل قتيلاً فله كذا، ومن أسر أسيراً فله كذا، فقد جئت بأسيرين. فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، إنا لم يمنعنا زهادة في الآخرة، ولا جبن عن العدو، ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يقتطعك المشركون، فإنك إن تعط هؤلاء لا يبق لأصحابك شيء. فجعل هؤلاء يقولون، وهؤلاء يقولون، فنزلت: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ". قال: فسلموا

الغنيمة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ثم نزلت: " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه.. " الآية. وروي عن عدة طرقٍ عن أنس أو غيره: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليك ورحمة الله، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله. ولم يسمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سلم ثلاثاً ورد عليه سعد ثلاثاً، ولم يسمعه: فرجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبعه سعد فقال: يا رسول الله، بأبي أنت، ما سلمت تسليمةً إلا وهي بأذني، ولقد رددت عليك، ولم أسمعك، أحببت أن استكثر من سلامك ومن البركة. ثم دخلوا البيت فقرب إليه زينباً، فأكل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون. وفي حديث آخر عن قيس بن سعد بمعناه: فرجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبعه سعد فقال: يا رسول الله، قد كنت أسمع تسليمك، وأرد عليك رداً خفياً، لتكثر علينا من السلام. قال: فانصرف معه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له سعد بغسل، فوضع فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغةً بزعفران وورسٍ، فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه وهو يقول: اللهم، اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. قال: ثم أصاب من الطعام، فلما أراد الانصراف قرب إليه سعد حماراً قد وطأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سعد: يا قيس، اصحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال قيس: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اركب، فأبيت، ثم قال: إما أن تركب وإما أن تنصرف، قال: فانصرفت. وفي حديث آخر بمعناه عن أم طارق مولاة سعد: فقال: إنه لم يمنعني أن نأذن لك إلا أنا أردنا أن تزيدنا. قالت: فسمعت صوتاً على الباب يستأذن ولم أر شيئاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أنت؟ فقال: أم ملدم. فقال: لا مرحباً بك ولا أهلاً، اذهبي إلى أهل قبا. قالت: نعم. قال: فاذهبي إليهم.

وعن سهل بن سعد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب المرأة ويصدقها، صداقها، ويشرط لها: صحفة سعدٍ تدور معي إذا درت إليك. وكان سعد بن عبادة يرسل إلى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصفحةٍ كل ليلةٍ، حيث كان جاءته. وعن يحيى بن أبي كثير قال: كانت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سعد بن عبادة جفنة من ثريد كل يوم، تدور معه أينما دار من نسائه. وكان إذا انصرف من صلاة مكتوبةٍ قال: اللهم، ارزقني مالاً أستعين به على خصالي، فإنه لا يصلح الفعال إلا المال. قال سعيد بن محمد بن أبي زيد: سألت عمارة بن غزية وعمرو بن يحيى عن جفنة سعد بن عبادة فقالا: كانت مرةً بلحمٍ، ومرةً بسمنٍ، ومرةً بلبنٍ، يبعث بها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلما دار دارت معه الجفنة. وعن سعد بن عبادة: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصحفةٍ أو جفنةٍ مملوءةٍ مخاً فقال: يا أبا ثابت ما هذا؟ فقال: والذي بعثك بالحق لقد نحرت أو ذبحت أربعين ذات كبدٍ، فأحببت أن أشبعك من المخ. قال: فأكل، ودعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيرٍ. قال إبراهيم بن حبيب: سمعت أن الخيزران حدثت بهذا الحديث، فقسمت قسماً من مالها على ولد سعد بن عبادة وقالت: أكافىء به ولد سعد على فعله برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جابر قال: أمر أبي بحريرة فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأتيته وهو في منزله: قال: قال لي: ماذا معك يا جابر، ألحمٌ ذا؟ قلت: لا. قال: فأتيت أبي فقال

لي: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، قال لي: ماذا معك يا جابر ألحمٌ ذا؟ قال: لعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون اشتهى اللحم، فأمر بشاة لنا داجن فذبحت، ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني فأتيت بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: ماذا معك يا جابر؟ فأخبرته فقال: جزى الله الأنصار عنا خيراً ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة. روى محمد بن عمر الواقدي عن رجاله قالوا: وأقام سعد بن عبادة يعني في غزوة الغابة في ثلاث مئة من قومه يحرسون المدينة خمس ليالٍ حتى رجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأحمال تمر، وبعشر جزائر بذي قرد، وكان في الناس قيس بن سعد على فرس له يقال له الورد. وكان هو الذي قرب الجزر والتمر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا قيس، بعثك أبوك فارساً، وقوى المجاهدين، وحرس المدينة من العدو، اللهم ارحم سعداً وآل سعد ". ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم المرء سعد بن عبادة. فتكلمت الخزرج فقالت: يا رسول الله، هو نقيبنا، وسيدنا، وابن سيدنا، كانوا يطعمون في المحل ويحملون في الكل، ويقرون الضيف، ويعطون في النائبة، ويحملون عن العشيرة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين ". قال الواقدي: وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد بزاملةٍ تحمل زاداً يؤمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني يوم ضلت زاملته في حجة الوداع، حتى يجدا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفاً عند باب منزله قد أتى الله بزاملته. فقال سعد: يا رسول الله، بلغنا أن زاملتك أضلت مع الغلام وهذه زاملةٌ مكانها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد جاء الله بزاملتنا فارجعا بزاملتكما بارك الله

عليكما، أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا المدينة؟ قال سعد: يا رسول الله، المنة لله ولرسوله، والله يا رسول الله للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الذي تدع. قال: صدقتم يا أبا ثابت، أبشر فقد أفلحت، إن الأخلاق بيد الله فمن أراد أن يمنحه منها خلقاً صالحاً منحه، ولقد منحك الله خلقاً صالحاً. فقال سعد: الحمد لله هو فعل ذلك. وعن زيد بن ثابت قال: دخل سعد بن عبادة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه ابنه، فسلم فقال رسول الله ر هاهنا. وأجلسه عن يمينه، وقال: مرحباً بالأنصار، مرحباً بالأنصار. وأقام ابنه بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس، فجلس، فقال: ادن. فدنا فقبل يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأثابي الأنصار، وأثابي فراخ الأنصار. فقال سعد: أكرمك الله عز وجل كما أكرمتنا. فقال: إن الله عز وجل قد أكرمكم قبل كرامتي، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض. وعن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه استعمل سعد بن عبادة فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه فقال له: إياك أن تجيء يوم القيامة تحمل بعيراً على عنقك، يقول سعد: يا رسول الله، فإن فعلت إن ذلك لكائن!؟ قال: نعم. قال سعد: قد علمت أني أسأل فأعطي، فأعفني، فأعفاه. وعن عبد الله بن عمر أنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء رجل من الأنصار فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟ فقال: صالحٌ يا رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يعوده منكم؟ فقام وقمنا معه، ونحن بضعةٌ ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص نمشي في تلك السباخ حتى جئنا، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه الذين معه.

وعن ابن عباس قال: لما نزلت: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلودهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ". قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله، لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله، إني لأعلم أنها حقٌ وأنها من عند الله، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاع قد تفخذها رجلٌ لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه، حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. قالوا: فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً، فذكر الحديث في اللعان بطوله. وعن محمد بن سيرين قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أمسى قسم ناساً من أهل الصفة بين ناس من أصحابه: فكان الرجل يذهب بالرجل، والرجل يذهب بالرجلين، والرجل يذهب بالثلاثة حتى ذكر عشرة، وكان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشيهم. وعن عروة بن الزبير قال: كان سعد بن معاذ يقول: اللهم، ارزقني مجداً، وارزقني حمداً، وارزقني. اللهم، إنه لا حمد إلا بمجد، ولا مجد إلا بمال، ولا مال إلا بفعال. اللهم، إنه لا يصلحني القليل ولا أصلح له، ولا يصلحني إلا الكثير ولا أصلح إلا عليه. قال: وكان له منادٍ ينادي على أطم داره: من أراد شحماً ولحماً فليأت سعداً. قال عروة بن الزبير: وأدركت ابنه قيس بن سعد يفعل مثل صنيع أبيه.

وعن ابن أبي سبرة قال: كان سعد بن عبادة يبسط رداءه ويقول: اللهم، ارزقني بالكثير فإن القليل لا يكفيني. وعن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: يا بني، أوصيك بوصية فاحفظها، فإن أنت ضيعتها فأنت لغيرها من الأمر أضيع، إذا توضأت فأتم الوضوء ثم صل صلاة امرىءٍ مودع ترى أنك لا تعود، وأظهر اليأس من الناس فإنه غنى، وإياك وطلب الحوائج إليهم فإنه فقٌ حاضر، وإياك وكل شيءٍ يعتذر منه. وعن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي: أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك. فقال: لا والله لا أبايعكم حتى أرميكم بما في كنانتي، وأقاتلكم بمن معي من قومي وعشيرتي. فلما جاء الخبر إلى أبي بكر قال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه قد أبى ولج، وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر، فإنه ليس بضاركم، إنما هو رجل وحده ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير، فترك سعداً. فلما ولي لقيه ذات يومٍ في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد، فقال سعد: إيه يا عمر، فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه. فقال سعد: نعم أنا ذاك، وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك. فقال عمر: إنه من كره جوار جاره تحول عنه. فقال سعد: أما إني غير مستنسىء بذلك، وأنا متحول إلى جوار من هو خيرٌ منك. قال: فلم يلبث إلا قليلاً حتى خرج مهاجراً إلى الشام في أول خلافة عمر، فمات بحوران. حدث مالك بن أنس: أنه بلغه أن راهباً كان بالشام. فلما رأى أوائل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين قدموا الشام معاذ بن جبل ونظراءه قال: والذي نفسي بيده ما بلغ حواري عيسى بن مريم الذين صلبوا

على الخشب، ونشروا بالمناشير من الاجتهاد ما بلغ أصحاب محمد. قال عبد الله بن وهب: فقلت لمالك بن أنس يسميهم، فسمى أبا عبيدة، ومعاذاً، وبلالاً، وسعد بن عبادة. ويقال: إن الجن قتلت سعد بن عبادة. حدث عبد الأعلى: أن سعد بن عبادة بال قائماً فرمي، فلم يدر بذلك حتى سمعوا: من مجزوء الهزج قتلنا سيد الخزر ... ج سعد بن عباده رميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده قال عبد العزيز: فما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن وهم يقتحمون نصف النهار في حر شديد قائلاً يقول من البئر البيتين، فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم، فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد. وإنما جلس يبول في نفق، فاقتتل فمات من ساعته. وروي فافتتل بالفاء. ووجدوه قد اخضر جلده. وعن سعد بن عبد العزيز قال: أول مدينة فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بن عبادة. قال أبو رجاء: قتل سعد بن عبادة بالشام سنة خمس عشرة بحوران، ورمته الجن. وقيل: توفي في خلافة أبي بكر، وقيل: توفي لسنتين من خلافة عمر. وقيل: لسنتين ونصف من خلافة عمر، بحوران. وقيل: توفي سنة إحدى عشرة. وقيل: سنة أربع عشرة، وقيل: سنة ست عشرة في أول خلافة عمر، رمته الجن فقتلته.

سعد بن عبد الله البزاز

سعد بن عبد الله البزاز كان صوفياً فاضلاً محباً للصوفية، وكانت له دنيا كثيرة، وكان أديباً ظريفاً. قال أحمد بن محمد بن زياد: قدم عليه بعض أصحابنا فقال له: هل مررت في طريقك بأحد من أصحابنا؟ فقال: لا، ولكن رأيت رجلاً عرفك، فأكرمني، وأنزلني عنده، وكان لسعد على ذلك الرجل جملة دنانير حساباً بينهم، فضرب على حسابه مكافأة لما بلغه أنه أكرم هذا الفقير من أجله. قال ابن الأعرابي: كان سعد بن عبد الله يعرف بالدمشقي، خراساني الأصل، أقام بالشام سنين، ثم رجع إلى بغداد، وأنفق جميع ملكه حتى افتقر. وكان قد صحب أحمد بن أبي الحواري، وكان يواسيه في آخر أمره أبو أحمد القلانسي، واجتمع عليه ببغداد دين كثير، ثم فتح الله عليه حتى قضى دينه، وكان طيب النفس، اشترى جارية قوالة للفقراء، فكانت تقرأ لهم القصائد والرباعيات، فلما مات سعد تزوجها الجنيد. وقيل: إن الجارية كان اسمها نجوم. قال السلمي: كان سعد حراً فاسترق، وأهدي إلى المعتصم، وكان على خزانة كسوته، فلما مات المعتصم أعتق، فخرج إلى الشام. وصحب أحمد بن أبي الحواري، واجتمع فيه آداب الفقراء وآداب الملوك، وفتح الله عليه الدنيا بدمشق، وكان ينفق على القدام. ومات وهو فقير أنفق جميع ملكه على القوم. سعد بن علي بن محمد أبو القاسم الزنجاني الحافظ الصوفي سمع بدمشق، وسكن مكة. حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم. "

سعد بن علي بن محمد بن أحمد

كان الإمام أبو مظفر السمعاني عزم على أن يقيم بمكة، ويجاور بها في صحبة الإمام سعد بن علي الزنجاني شيخ الحرم، فرأى ليلة من الليالي والدته، كأنها كشفت رأسها، وأخرجت شعرها وقالت له: يا أبا المظفر، بحقي عليك إلا رجعت إلى مرو، فإني لا أطيق فراقك. قال: فانتبهت من النوم مغموماً، وترددت بين المقام والرجوع فقلت: أشاور سعد بن علي في هذا، فإذا أشار علي بأمرٍ اتبعته. قال: فمضيت إليه، وهو قاعد في الحرم، وقعدت بين يديه، ومن الزحام الذي كان عنده ما قدرت أن أكلمه، فلما تفرق الناس وقام تبعته إلى باب داره، فالتفت إلي وقال: يا أبا المظفر، العجوز تنتظرك. وما زاد على هذا، ودخل البيت، فعرفت أنه تكلم على ضميري، فرجعت مع الحاج تلك السنة. قال أبو القاسم ثابت بن أحمد بن الحسين البغدادي: رأيت أبا القاسم سعد بن محمد الزنجاني في المنام يقول لي مرةً بعد أخرى: يا أبا القاسم، إن الله تعالى يبني لأهل الحديث أو لأصحاب الحديث بكل مجلس يجلسونه بيتاً في الجنة. سعد بن علي بن محمد بن أحمد أبو الوفاء النسوي القاضي حدث عن أبي إسحاق إبراهيم الشرابي قرية على باب نهاوند بمدينة سهرورد قال: رأيته بها سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، ثم رأيته بعد ذلك فسمعته يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: خمسةٌ من خمسة محالٌ: الأمن من العدو محال، والنصيحة من الحسود محال، والحرية من الفاسق محال، والهيبة من القبر محال، والوفاء من النساء محال. قال: وحدثني أبو إسحاق قال: سمعت علياً يقول بالكوفة على باب الجامع: أربع لا تدرك بأربع: لا يدرك الشباب بالخضاب، ولا الغنى بالمنى، ولا البقاء بالدواء، ولا الصحة بالاحتماء.

سعد بن محمد بن سعد

سعد بن محمد بن سعد ويقال: ابن عبد الله بن سعد، أبو محمد ويقال: أبو العباس البجلي البيروتي القاضي قاضي بيروت. روى عن عبد الحميد بن بكار بسنده عن حريث بن قبيصة قال: لما شارفت المدينة قلت: اللهم، يسر لي جليساً صالحاً لعل الله تعالى ينفعني به، فدفع إلى أبي هريرة فقال له: إني سألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً لعل الله تعالى ينفعني به، فحدثني حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن صلحت سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، ثم يقول: انظروا هل لعبدي من نافلةٍ؟ فإن كانت له نافلةٌ أتم بها الفريضة، ثم الفرائض كذلك لعائده الله ورحمته. وحدث بسنده عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: سمعت عمي محمد بن إدريس الشافعي يقو: كانت لي امرأةٌ وكنت أحبها، فكنت إذا رأيتها قلت: من مجزوء الكامل ومن البلية أن تحب ... ب ولا يحبك من تحبه فتقول هي: ويصد عنك بوجهه ... وتلج أنت ولا تغبه توفي سعد بن محمد البيروتي سنة تسع وسبعين ومئتين.

سعد بن محمد بن يوسف

سعد بن محمد بن يوسف ابن محمد بن غسان بن عبد الرحمن بن بشر بن عبد الله بن حارس بن همام بن مرة بن ذهل ابن شيبان، أبو رجاء الشيباني القزويني سمع بدمشق. روى عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك سنة ثمان وأربع مئة بدمشق في مسجد باب الجابية بسنده عن أبي هريرة قال: سأل رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، فنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته. سئل هذا الشيخ عن مولده فقال: حججت وكنت ابن عشرين سنة، ولم أر الحجر بموضعه لأنه لم يكن رد. سعد بن مالك أبي وقاص ابن أهيب ويقال: وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، أبو إسحاق القرشي الزهري. أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وشهد غزوة أسامة إلى أرض البلقاء، وروى خطبة عمر بالجابية، قال: وأظنه لم يشهدها، وشهد أذرح يوم الحكمين، ووفد على معاوية. حدث سعد بن أبي وقاص: أنه مرض عام الفتح مرضاً أشفى منه على الموت، فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده، وهو بمكة، فقال: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي

مالي؟ قال: لا. قال: فبالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تتركهم عالةً يتكففون الناس، إنك لن تنفق نفقةً لا أجرت فيها، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك. قلت: يا رسول الله، أخلف عن هجرتي. قال: إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملاً تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعةً أو درجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوامٌ ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة. يرثي له أن مات بمكة. قال بكير بن الأشج: سألت عامر بن سعد بن أبي وقاص عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد: وعسى أن تبقى حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون قال عامر: أمر سعد على العراق فقتل قوماً على الردة فضرهم، واستتاب قوماً كانوا سمعوا سجع مسيلمة الكذاب فتابوا فانتفعوا به. وعن سعد قال: مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه، فملأ عينيه ثم لم يرد علي السلام، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقلت: يا أمير المؤمنين، هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: وما ذاك؟ قلت: لا، إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد، فسلمت عليه، فملأ عينيه مني ثم لم يرد السلام! قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال: ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام؟ فقال عثمان: ما فعلت؟ قال سعد: بلى. قال: حتى حلف وحلفت. قال: ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى! فأستغفر الله وأتوب إليه، إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدث نفسي بكلمة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله ما ذكرتها قط إلا تغشى بصري وقلبي غشاوة. فقال سعد: فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر لنا: أول دعوةٍ ثم جاءه أعرابي فشغله، ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتبعته، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من هذا أبو إسحاق.؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله. قال: فمه. قال: قلت: لا والله، إلا أنك ذكرت لنا: أول دعوة، ثم جاء هذا الأعرابي. قال: فقال: نعم دعوة ذي النون " لا إله إلا أنت

سبحانك إني كنت من الظالمين ". فإنه لم يدع بها مسلم ربه عز وجل في شيء قط إلا استجاب له. وعن سعد بن أبي وقاص قال: وقف عمر بن الخطاب بالجابية فقال: رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، أما إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف في ناسٍ كقيامي فيكم ثم قال: احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم يقولها ثلاثاً، ثم يكثر الهرج والكذب، ويشهد الرجل ولا يستشهد، ويحلف الرجل ولا يستحلف، فمن أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. وعن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة قال: خرجت مع أبي، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث الزهري عام أذرح، فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا رمضان فصام المسور وعبد الرحمن بن الأسود، وأفطر سعد بن أبي وقاص وأبى أن يصوم، فقلت لسعد: أبا إسحاق! أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهدت بدراً والمسور يصوم وعبد الرحمن وأنت تفطر؟ قال سعد: إني أنا أفقه منهما. وفي رواية: أنهم خرجوا إلى الشام قال: فكان سعد بن أبي وقاص يقصر الصلاة ويفطر، وكانا يتمان الصلاة ويصومان. قال: فقيل لسعد: إنك تقصر الصلاة وتفطر ويتمان!؟ فقال سعد: نحن أعلم. وعن زكريا بن عمرو: أن سعد بن أبي وقاص وفد على معاوية فأقام عنده شهراً يقصر الصلاة. أو شهر رمضان فأفطره. وعن عمرو بن دينار قال: شهد سعد بن أبي وقاص وابن عمر الحكمين بدومة الجندل.

وعن ضمرة بن ربيعة قال: قال حفص: قدم سعد بن أبي وقاص على معاوية فقال له معاوية: أين كنت في هذا الأمر؟ فقال: إنما مثلنا ومثلكم كمثل ركب كانوا يسيرون فأصابتهم ظلمة فقالوا: إخ إخ. فقال معاوية: ما في كتاب الله إخ إخ، ولكن في كتاب الله: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ". قال: فبايعه وما سأله شيئاً إلا أعطاه إياه. وعن سعيد بن المسيب عن سعد قال: قلت: يا رسول الله، من أنا؟ قال: أنت سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة. من قال غير ذلك فعليه لعنة الله. قال الزبير بن بكار: من ولد أهيب بن عبد مناف بن زهرة سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالكٌ، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس. وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أول من أهراق دماً في سبيل الله، وقال بعض الناس: طليب بن عمير أول من أهرق دماً في سبيل الله. وولى عمر سعد بن أبي وقاص قتال فارس، وكان بيني داريه بالبلاط، فقال له: تشغلني عن بناء داري! فقال عمر: أنا أكفيك بناءهما. فكان عمر يحضر بناءهما حتى فرغ منهما. وأشار لي بعض المشايخ إلى بعض بناء عمر الذي بنى له على حاله، وهو إلى اليوم على حاله. وهو أحد العشرة الذين كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أنهم في الجنة. وفتح مدائن كسرى، وهو أحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب الشورى إليهم بعده. وكان مستجاب الدعوة. وسعد كوف الكوفة ونفى الأعاجم، وكان أهل الكوفة قد رفعوا عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلاً، وكان مما رفعوا عليه أنه لا يحسن الصلاة، فقال: نعم حين

ذكر ذلك له والله إني لأركد في الأوليين وأحذف الأخريين. فقال عمر: ذاك الظن بك أبا إسحاق. وأمره أن يعود إلى الكوفة، فقال: تأمرني أن أعود إلى قوم زعموا أني لا أحسن الصلاة!؟ وأبى، فلما طعن عمر قال في وصيته حيث أسماه في أهل الشورى: إن ولي سعد الإمارة فذاك، وإلا فليستعين به الوالي من بعدي، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة. واعتزل اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قتل عثمان، ونزل قلهي، واحتفر فيه بئراً فأعذب، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس شيئاً، حتى تجتمع الأمة على إمام. ونظر يوماً إلى راكب يزول فقال: هذا راكب، فلما دنا قيل له: هذا ابنك عمر بن سعد. فجاء عمر، فأناخ ثم قال لأبيه: أرضيت لنفسك أن تقيم بهذا المنزل، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختلفون في الخلافة؟ فقال له: إن جئتني بسيفٍ يعرف المؤمن من الكافر إذا ضربت به فعلت. فقال له: ليس إلا هذا. قال: لا. فوثب، فقال: اجلس حتى تصيب طعاماً. قال: لا حاجة لي بطعامكم. وذكر بعض أهل العلم: أن ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص جاءه فقال له: هاهنا مئة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر. فقال: أريد من مئة ألف سيف سيفاً واحداً، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئاً، وإذا ضربت به الكافر قطع. فانصرف من عنده إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فكان في أصحابه وقاتل معه. عن خليفة بن خياط قال: سعد بن أبي وقاص ولاه عمر وعثمان الكوفة، ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين. قال ابن سعد: سعد بن أبي وقاص شهد بدراً وأحداً، وثبت يوم أحد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولى

الناس، وشهد الخندق والحديبية وخيبر، وفتح مكة وكانت معه يومئذ إحدى رايات المهاجرين الثلاث، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأسلم وهو ابن سبع عشرة سنة، وقيل: ابن تسع عشرة، وقيل: ابن أربع وعشرين سنة. وكان قصيراً، دحداحاً، غليظاً، ذا هامةٍ، شثن الأصابع. وتوفي بالعقيق في قصره على سبعة أميال من المدينة، وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة سنة خمس وخمسين، ويقال: سنة ثمان وخمسين. وكانت سنه يوم توفي أربعاً وسبعين سنة، ويقال: ثلاثاً وثمانين، وصلى عليه مروان بن الحكم. قال أبو بكر الخطيب: وهو من المهاجرين الأولين، حضر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشاهده، وجاهد بين يديه، وفداه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبويه فقال له: فداك أبي وأمي، ودعا له فقال: اللهم، سدد رميته وأجب دعوته، فكان مجاب الدعوة. ولما وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جيوش المسلمين إلى العراق أمر سعداً عليهم ففتح الله على يده المدائن وغيرها من بلاد الفرس، ثم ولاه عمر أيضاً الكوفة لما مصرت. وقيل: إن سعداً كان جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، طويلاً، أفطس. وقيل: إنه كان يخضب بالسواد، وقيل: وكان مفزور الأنف. قال سعد: اتبعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في وجهي ولا شعرة. وعن سعيد بن المسيب أن سعداً قال: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام. وعن سعد قال: ما أسلم أحدٌ قبلي إلا رجل أسلم في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد أتى علي يوم وإني لثلث الإسلام.

وعن سعد قال: لقد أسلمت وما فرض الله الصلوات. وعن سعد قال: رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئاً إذ أضاء لي قم فاتبعته، فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبي بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى هاهنا؟ قالوا: الساعة. وبلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى الإسلام مستخفياً فلقيته في شعب أجياد، وقد صلى العصر، فقلت: إلام تدعو؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله. فما تقدمني أحد إلا هم. وعن سعد بن مالك قال: ما جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبويه لأحد قبلي، ولقد رأيته يقول لي: " يا سعد، ارم فداك أبي وأمي، وأنا أول المسلمين رمى المشركين بسهم. " وعن سعد بن أبي وقاص قال: رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما لنا طعامٌ إلا ورق الحبلة، إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما يخالطه شيءٌ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام. لقد خسرت إذاً وضل سعيي!؟ وعن سعد قال: أنا أول من رمى في الإسلام بسهمٍ، خرجنا مع عبيدة بن الحارث ستين راكباً سرية. وعن جابر بن سمرة قال: خرجت أنا وسعد في سرية فانهزمنا، فالتفت سعد فإذا رجل رجلٍ خارجة من

الرحل، فرماه بسهم فأصاب ساقه، فكأني أنظر إلى الدم على الرجل كأنه شراك، وكان أول من رمى بسهم في الإسلام. وفي رواية: وهو من أخوال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن محمد بن عمر الواقدي قال: وكان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي منهم حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشمي، فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لسعد بن أبي وقاص: " ارم فداك أبي وأمي " ورمى حبان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وجاءت يومئذٍ تسقي الجرحى فعقلها وانكشف عنها، فاستغرب في الضحك، فشق ذلك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهماً لا نصل له فقال: ارم، فوقع السهم في ثغرة نحر حبان، فوقع مستلقياً وبدت عورته. قال سعد: فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك يومئذٍ حتى بدت نواجذه، ثم قال: استقاد لها سعد. أجاب الله دعوتك وسدد رميتك. وعن سعد بن أبي وقاصٍ قال: دفع إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد ما في كنانته من السهام وقال: ارم سعد، فداك أبي وأمي، وما جمعهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيري قبلي ولا بعدي منذ بعثه الله عز وجل. وعن يحيى بن حمزة: أن المشركين لما دنوا من المسلمين يوم أحد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احتتهم يا سعد. فقال سعد: فرميت بسهم فقتلت، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احتتهم يا سعد، فقال سعد: فرميت بسهمٍ أعرفه حتى واليت بين سبعة نفر أو ثمانية، كل ذلك يرد علي سهمي أعرفه، فقلت: هذا سهم دم، فجعلته في كنانتي لا يفارقني.

وعن عامر بن سعد: أن سعداً رمى يومئذ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نبلوا سعداً، اللهم ارم له، وقال: ارم سعد، فداك أبي وأمي. قال عمير بن إسحاق: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسعد يرمي بين يديه، وفتًى ينبل له، كلما ذهب نبل أتاه بها. قال: ارم أبا إسحاق. فلما فرغوا نظروا من الشاب فلم يروه، ولم يعرف. وحدث أيوب بن عائشة بنت سعد قال: سمعتها تقول: أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحدٍ بالأبوين. وعن الزهري قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريةً فيها سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ وهو من جانب الجحفة فانكفأ المشركون على المسلمين فحماهم سعد بن أبي وقاص يومئذ بسهامه، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان هذا أول قتال كان في الإسلام، وقال سعد في رميته: من الوافر ألا هل أتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي أذود بها أوائلهم ذياداً ... بكل حزونةٍ وبكل سهل فما يعتد رامٍ في عدوٍّ ... بسهمٍ يا رسول الله قبلي

وعن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يومئذ يعني يوم أحد فيرده علي رجلٌ أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنه ملك. وعن علقمة عن عبد الله قال: رأيت سعداً يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال. وعن سعد قال: رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، وإني لآراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة سروراً بما ظفره الله عز وجل. وفي رواية أخرى عنه قال: لقد رأيت عن يمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن يساره يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد. وعن عبد الله بن مسعود قال: أشرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبين عمار وسعد في درقة تسلحناها، وأشركنا فيما أصبنا، فأخفقت أنا وعمار، وجاء سعد بأسيرين. وفي حديث آخر بمعناه: أنه في يوم بدر. وعن ابن شهاب: أنه خفي خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد على الناس كلهم إلا على ستة نفر: الزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وأبي دجانة، وسهل بن حنيف. وعن أبي إسحاق قال: كان أشد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد، يعني ابن أبي وقاص. وعن عائشة قالت: سهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني

الليلة، قالت: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة سلاح فقال: من هذا؟ فقال: سعد بن أبي وقاص. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما جاء بك؟ فقال سعد: وقع في نفسي خوف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نام. وعن أنس قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فأطلع سعد بن أبي وقاص، حتى إذا كان الغد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذلك فطلع سعد بن أبي وقاص على مرتبته الأولى، حتى إذا كان الغد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ذلك، فطلع سعد بن أبي وقاص على مرتبته، فلما قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني عارضت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليالٍ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت. قال أنس: فزعم عبد الله بن عمرو أنه بات معه ليلة، حتى كان مع الفجر، فلم يقم من تلك الليلة شيئاً، غير أنه كان إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبره، حتى يقوم مع الفجر، فإذا صلى المكتوبة أسبغ الوضوء وأتمه، ثم يصبح مفطراً، قال عبد الله بن عمرو: فرمقته ثلاث ليالٍ وأيامهن لا يزيد علي ذلك، غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله فقلت: إنه لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك فبك ثلاث مرات في ثلاثة مجالس: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فاطلعت أولئك المرات الثلاث، فأردت أن آوي إليك حتى أنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فقال: ما هو إلا الذي قد رأيت. قال: فلما رأيت ذلك انصرفت عنه، فدعاني حين وليت فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي سوءاً لأحد من المسلمين ولا أقوله. قال: هذه التي بلغت بك وهي التي لا أطيق. وعن عائشة بنت سعد عن أبيها: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس في المسجد ثلاث ليالٍ فقال: اللهم، أخرج من هذا الباب عبداً تحبه ويحبك، فدخل منه سعد ثلاث ليال. قال عبد الرحمن بن الأخنس: شهدت المغيرة بن شعبة خطب فنال من علي، فقام سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل

العدوي عدي قريش فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " عشرة في الجنة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.... ولو شئت أن أسمي العاشر سميته. ثم سماه فقال: سعيد بن زيد ". وعن سعيد بن زيد قال: كنا جلوساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حراء. فقال: اسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو شهيد أو صديق، وعليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد. " وعن سعد بن مالك قال: نزلت هذه الآية في: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ". قال: كنت رجلاً براً بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت!؟ لتدعن دينك هذا أو ولا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتعير بي فيقال: يا قاتل أمه. قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء. قال: فمكثت يوماً لا تأكل ولا تشرب وليلة. قال: وأصبحت قد جهدت، قال: فمكثت يوماً آخر وليلةً لا تأكل، فأصبحت واشتد جهدها. قال: فلما رأيت ذلك قلت: يا أمهن تعلمين والله يا أمه، لو كانت لك مئة نفسٍ، فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، فنزلت هذه الآية. وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: نزلت في أربع آيات: الأنفال، و" صاحبهما في الدنيا معروفاً ". والوصية، والخمر.

وعن جابر قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل سعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا خالي فليرني امرؤٌ خاله. وعن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على جبهتي ثم مسح وجهي وصدري وبطني ثم قال: اللهم، اشف سعداً، فما زلت أجد برد يده على صدري فيما يخيل إلي حتى الساعة. قال أبو أمامة: جلسنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرنا ورققنا، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء فقال: يا ليتني مت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سعد، أعندي تتمنى الموت؟ فردد ذلك ثلاث مرات ثم قال: يا سعد، إن كنت خلقت للجنة فما طال عمرك أو حسن من عملك فهو خيرٌ لك. وعن عامر قال: قيل لسعد بن أبي وقاص: متى أصبت الدعوة؟ قال: يوم بدر كنت أرمي بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأضع السهم في كبد القوس ثم أقول: اللهم زلزل أقدامهم، وأرعب قلوبهم، وافعل بهم، وافعل ... فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم استجب لسعدٍ. وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال: يا رسول الله، ادع الله أن يستجيب دعائي. قال: يا سعد إن الله لا يستجيب دعاء عبد حتى تطيب طعمته. قال: يا رسول الله، ادع الله أن يطيب طعمتي، فإني لا أقوى إلا بدعائك. فقال: اللهم أطب طعمة سعد. فإن كان سعد ليرى السنبلة من القمح في حشيش دوابه، حين أتي به عليه فيقول لهم: ردوها من حيث حصدتموها. وعن سعد بن أبي وقاص أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله عز وجل؟ فخلوا في ناحية، فدعا سعدٌ فقال: يا رب، إذا لقينا

القوم غداً فلقني رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده أقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه. قال: فأمن عبد الله بن جحش ثم قال: اللهم، ارزقني غداً رجلاً شديداً بأسه شديداً حرده، فأقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غداً قلت لي: يا عبد الله، فيم جدع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت. قال سعد بن أبي وقاص: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيراً من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلق في خيط. وعن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي. فقال سعد: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين. فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فبعث رجالاً يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد أهل الكوفة إلا قالوا خيراً وأثنوا خيراً، حتى أتوا مسجداً من مساجد بني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية. فقال سعد: اللهم، إن كاذباً فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير قير مفتونٌ، أصابتني دعوة سعد. وعن مصعب بن سعد: أن سعداً خطبهم بالكوفة ثم قال: يا أهل الكوفة، أي أميرٍ كنت لكم؟ فقام رجل فقال: اللهم، إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، ولا تغزو في السرية. قال: فقال سعد: اللهم، إن كان كاذباً فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال: فما مات حتى عمي، فكان يلتمس الجدرات، وافتقر حتى سأل الناس، وأدرك فتنة المختار الكذاب فقتل فيها، فكان إذا قيل له: كيف أنت؟ قال: أعمى فقير، أدركتني دعوة سعدٍ.

وعن سعيد بن المسيب قال: خرجت جاريةٌ لسعد يقال لها زبرا، وعليها قميصٌ جديد، فكشفتها الريح، فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعدٌ ليمنعه، فتناوله بالدرة، فذهب سعدٌ يدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص. فعفا عن عمر. وعن قيس قال: وكان لابن مسعود على سعدٍ مالٌ، فقال له ابن مسعود: أد المال الذي قبلك. فقال سعد: والله إني لأراك لاقٍ مني شراً، هل أنت إلا ابن مسعود عبدٌ من هذيل؟ قال: أجل والله، إني لابن مسعود، وإنك لابن حمنة. فقال لهما هاشم بن عتبة: إنكما صاحبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر الناس إليكما. فطرح سعدٌ عوداً كان في يده ثم رفع يده فقال: اللهم رب السموات.... فقال له عبد الله: قل قولاً ولا تلعن. فسكت، ثم قال سعد: أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوةً لا تخطئك. وكان سعد قد أصابه خراج فلم يشهد يوم فتح القادسية. قال قبيصة بن جابر: فقال رجل منا: م الطويل نقاتل حتى أنزل الله نصره ... وسعدٌ بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ ... ونسوة سعدٍ ليس فيهن أيم فبلغت سعداً فقال: اللهم، إن كان كاذباً، أو قال الذي قال رياءً وسمعةً وكذباً فاقطع عني لساني ويده. قال قبيصة: فوالله إني لواقف بين الصفين يومئذ، إذ أقبلت نشابةً بدعوة سعد، حتى وقعت في لسانه، ويبس شقه فما تكلم كلمة حتى لحق بالله عز وجل. وعن سعيد بن المسيب: أن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد بن مالك ينهاه ويقول: لا تقع في إخواني، فأبى، فقام سعد فصلى ركعتين ثم قال: اللهم، إن كان مسخطاً لك فيما

يقول فأرني به آيةً واجعله آيةً للناس. فخرج الرجل فإذا هو ببختيٍّ يشق الناس، فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط، فسحقه حتى قتله. فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون: هنيئاً لك أبا إسحاق، استجيبت دعوتك. وعن مغيرة عن أمه قالت: زرنا آل سعد بن أبي وقاص، فرأينا جارية كأن طولها شبرٌ. قلت: من هذه؟ قالوا: وما تعرفينها؟ هذه بنت سعد بن أبي وقاص، غمست يدها في طهوره، فلطمها وقال: لا يشب الله قرنك، فبقيت كما هي. وعن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف: أن امرأة كانت تطلع على سعد فينهاها فلم تنته، فاطلعت يوماً وهو يتوضأ فقال: شاه وجهك. فعاد وجهها في قفاها. حدث داود بن قيس عن أمه وكانت مولاة نافع بن عتبة بن أبي وقاص قالت: رأيت سعداً زوج ابنته رجلاً من أهل الشام وشرط عليه ألا يخرجها، فأراد أن يخرج، فأرادت أن تخرج معه، فنهاها سعد وكره خروجها، فأبت إلا أن تخرج، فقال سعد: اللهم لا تبلغها ما تريد. فأدركها الموت في الطريق فقالت: من الطويل تذكرت من يبكي علي فلم أجد ... من الناس إلا أعبدي وولائدي فوجد سعدٌ في نفسه: وعن عثمان بن عثمان قال: كان سعد بن أبي وقاص بين يديه لحم فجاءت حدأةً فأخذت بعض اللحم، فدعا عليها سعد، فاعترض عظمٌ في حلقها فوقعت ميتة.

حدث عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك فقال: نعم، إذا حدثك سعد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً فلا تسأل عنه غيره. قال الليث: ثم كان فتح جلولاء سنة تسع عشرة افتتحها سعد بن أبي وقاص. وعن جرير بن عبد الله: أنه مر بعمر فسأله عن سعد بن أبي وقاص: كيف تركته في ولايته؟ قال: تركته أكرم الناس مقدرة، وأقلهم فترةً، وهو لهم كالأم البرة، يجمع كما يجمع الدرة، مع أنه ميمون الطائر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس. قال: فأخبرني عن الناس. قال: هم كسهام الجعبة: منها القائم الرائش، ومنها العطل الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها، يغمز عضلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسرائر يا عمر. وعن مليح بن عوف السلمي قال: بلغ عمر بن الخطاب أن سعد بن أبي وقاص صنع باباً مبوباً من خشب على باب داره، وخص على قصره خصاً من قصب، فبعث محمد بن مسلمة، وأمرني بالمسير معه، وكنت دليلاً بالبلاد، فخرجنا وقد أمره أن يحرق ذلك الباب وذلك الخص، وأمره أن يقيم سعداً لأهل الكوفة في مساجدهم، وذلك أن عمر بلغه عن بعض أهل الكوفة أن سعداً حابى في بيع خمس باعه. فانتهينا إلى دار سعد، فأحرق الباب والخص، وأقام محمدٌ سعداً في مساجدها، فجعل يسألهم عن سعد ويخبرهم أن أمير المؤمنين أمره بهذا، فلا يجد أحداً يخبره إلا خيراً. وعن عمر بن الخطاب قال: لما أصيب، قال له عبد الله بن عمر: ألا تستخلف يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أجد أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء الذين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض. فسمى علياً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وقال:

ليشهدهم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء فمن استخلفوه فهو الخليفة من بعدي، فإن أصابت سعداً وإلا فليستعن به الخليفة من بعدي، فإني لم أنزعه من ضعفٍ ولا خيانة. وعن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة: أن عمر بن سعد ذهب إلى أبيه وهو بالعقيق في أرض له معتزل فقال: يا أبتاه، لم يبق من أصحاب بدر غيرك، ولا من الشورى. فلو أنك انبعثت بنفسك فتنصبها للناس ما اختلف عليك اثنان. فقال: ألهذا جئت يا بني؟ أفغدت حتى لم يبق من أجلي إلا مثل ظمأ الدابة، ثم أخرج فأضرب أمة محمد بعضها ببعض؟ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير الرزق يعني ما يكفي وخير الذكر الخفي ". وعن سليمان بن القاسم قال: قال سعد بن أبي وقاص: ما بكيت من الدهر إلا ثلاثة أيام: يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويوم قتل عثمان، واليوم أبكي على الحق، فعلى الحق السلام. وعن الضحاك قال: قام علي بن أبي طالب على منبر الكوفة حين اختلف الحكمان فقال: قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فعصيتموني. فقام إليه فتى آدم فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكنك أمرتنا وذمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك، ونحلتنا ذنبك. فقال علي: وما أنت وهذا الكلام؟ قبحك الله! والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملاً، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم قرن الماعزة. ثم التفت إلى الناس فقال: لله منزلٌ نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً إنه لعظيمٌ مشكور. وعن الحسن قال: لما كان من بعض هيج الناس ما كان جعل رجلٌ يسأل عن أفاضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل لا يسأل أحداً إلا دله على سعد بن مالك. قال: فقيل له: إن سعداً رجل إن

أنت رفقت به كنت قمناً أن تصيب منه حاجتك، وإن أنت خرقت به كنت قمناً أن لا تصيب منه شيئاً. قال: فجلس أياماً لا يسأله عن شيء حتى استأنس به، وعرف مجلسه، ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ". إلى آخر الآية. قال: فقال سعد: ما قلت؟ لا جرم! والذي نفس سعد بيده لا تسألني عن شيء أعلمه إلا أنبأتك به. قال: أخبرني عن عثمان. قال: كنا إذ نحن جميعٌ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحسننا وضوءاً، وأطولنا صلاةً، وأعظمنا نفقةً في سبيل الله. فسأله عن شيء من أمر الناس فقال: أما أنا فلا أحدثك بشيء سمعته من وراء وراء، ولا أحدثك إلا بما سمعت أذناي ووعاه قلبي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن استطعت أن تكون أنت المقتول ولا تقتل أحداً من أهل الصلاة فافعل، ثلاثاً. وعن أبي عبد الرحيم قال: كان سعد بن أبي وقاص جالساً ذات يوم وعنده نفر من أصحابه، إذ ذكروا علياً فنالوا منه فقال: مهلاً عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنا أذنبنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذنباً فأنزل الله: " لولا كتابٌ من الله سبق " الآية، فكنا نرى أنها رحمةٌ من الله سبقت لنا. فقال بعضهم: أما والله إنه ليبغضك ويسميك الأخينس. فضحك سعد حتى استعلاه الضحك، ثم قال: أوليس الرجل يكون في نفسه على أخيه الشيء، ثم لا يبلغ ذلك منه دينه وأمانته!؟ وعن ابن عجلان: أن سعد بن أبي وقاص تزوج امرأة من بني عذرة، وأنه كان يوماً قاعداً في أصحابه إذ جاءه رسول امرأته فقال: فلانة تدعوكم، فذكر امتناعه حتى ردت إليه الرسول، فقام إليها سعد فقال: مالك! أجننت؟ فأشارت إلى حيةٍ على الفراش فقالت: ترى هذا؟ فإنه كان يتبعني إذ كنت في أهلي، وإني لم أره منذ دخلت عليك قبل يومي هذا، فقال له سعد: ألا تسمع؟ إن هذه امرأتي تزوجتها بما لي وأخلها لي ولم يحل لك منها

شيء، فاذهب فإنك إن عدت قتلتك. قال: فانساب حتى خرج من باب البيت، وأمر سعد إنساناً يتبعه أين يذهب، فاتبعه حتى دخل من باب مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان في وسطه وثب وثبةً فإذا هو في السقف. قال: فلم يعد إليها بعد ذلك. وعن عوانة أنه قال: دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية فسلم عليه، ولم يسم بإمرة المؤمنين، فقال له معاوية: لو شئت أن تقول غيرها لقلت، قال: فنحن المؤمنون ولم نؤمرك، كأنك معجبٌ بما أنت فيه يا معاوية! والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه وأني هرقت محجمةً من دم. قال: لكني وابن عمك علياً يا أبا إسحاق قد هرقنا فيه أكثر من محجمة ومحجمتين، تعال فاجلس معي على السرير. وعن عبد الله بن مليك قال: جاء سعد بن أبي وقاص فدخل على معاوية، فقال له معاوية: ما منعك من القتال: فقال: يا أمير المؤمنين، هبت ريحٌ مظلمة فلم أبصر الطريق فقلت إخٍ إخٍ، فأنخت حتى أسفرت عني فركبت الطريق. فقال له معاوية: والله ما قال الله في شيء مما أنزل إخ، ولكنه قال: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ". فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية، ولا أصلحت كما أمرك الله. فقال له سعد: إنك لتأمرني أن أقاتل رجلاً سمعت فيه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول له: أنت مني بمنزلة هارون بن موسى غير أنه لا نبي بعدي. فقال له معاوية: من سمع هذا معك؟ فقال: فلانٌ، وفلانٌ، وأم سملة. فقال: فلانٌ وفلانٌ وأم سلمة؟ فقال: والله لو سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاتلته. وعن عبيد الله بن عبد الله المدني قال: حج معاوية بن أبي سفيان فمر بالمدينة، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص،

وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال: يا أبا عباس، إنك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا، فكنت علينا ولم تكن معنا، وأنا ابن عم المقتول ظلماً، يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكنت أحق بهذا الأمر من غيري. فقال ابن عباس: اللهم، إن كان هكذا فهذا وأومأ إلى ابن عمر أحق بها منك لأن أباه قتل قبل ابن عمك. فقال معاوية: ولا سواء، إن أبا هذا قتله المشركون وابن عمي قتله المسلمون. فقال ابن عباس: هم والله أبعد لك وأدحض لحجتك. فتركه وأقبل على سعد فقال: يا أبا إسحاق، أنت الذي لم يعرف حقنا، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا. قال: فقال سعد: إني رأيت الدنيا أظلمت فقلت لبعيري: إخ، فأنخته حتى انكشفت. قال: فقال معاوية: لقد قرأت ما بين اللوحين، ما قرأت في كتاب الله عز وجل إخ. قال: فقال سعد: أما إذا أبيت فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي: أنت مع الحق والحق معك حيثما دار. قال: فقال معاوية: لتأتيني على هذا ببينةٍ. قال: فقال سعد: هذه أم سلمة تشهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقاموا جميعاً فدخلوا على أم سلمة فقالوا: يا أم المؤمنين، إن الأكاذيب قد كثرت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا سعدٌ يذكر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم نسمعه أنه قال يعني لعلي: أنت مع الحق والحق معك حيثما دار. فقالت أم سلمة: في بيتي هذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي. قال: فقال معاوية لسعد: يا أبا إسحاق، ما كنت ألوم الآن إذ سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلست عن علي. لو سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكنت خادماً لعلي حتى أموت. وعن مصعب بن سعد قال: كان سعد إذا خرج يعني في الصلاة يجوز ويخفف، ويتم الركوع والسجود، فإذا دخل البيت أطال. فقيل له فقال: إنا أمةٌ يقتدى بنا. وعن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سئل سعد عن شيء فاستعجم، فقيل له في ذلك فقال: إني أكره أن أحدثكم حديثاً فتجعلوه مئة حديث.

وعن عائشة بنت سعد قالت: أرسل سعد بن أبي وقاص إلى مروان بن الحكم بزكاة عين ماله خمسة آلاف درهم، وترك سعد يوم مات مئتي ألفٍ وخمسين ألف درهم. وعن ابن سيرين: أن سعد بن أبي وقاص طاف على تسع جوار في ليلة، ثم أيقظ العاشرة فنام، فاستحيت أن توقظه. قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني، إذا طلبت شيئاً فاطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مالٌ. وعن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي في حجري وهو يقضي، قال: فدمعت عيناي، فنظر إلي فقال: ما يبكي أي بني؟ فقلت: لمكانك وما أرى بك. قال: فلا تبك علي، فإن الله لا يعذبني أبداً. وإني من أهل الجنة، إن الله يدين المؤمنين بحسناتهم ما عملوا لله. قال: وأما الكفار فيخفف عنهم بحسناتهم، فإذا نفدت قال: ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له. وعن الزهري: أن سعد بن أبي وقاص لما حضره الموت دعا بخلق جبةٍ له من صوف فقال: كفنوني فيها، فإني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي، وإنما كنت أخبأها لهذا. قال أبو بكر بن حفص: توفي سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي بن أبي طالب في أيام، بعدما مضى من إمارة معاوية عشرة سنين. وكان عامر بن سعد قال: كان سعد آخر المهاجرين وفاة.

سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة

وعن حسين بن خارجة قال: لما كانت الفتنة الأولى أشكلت علي، فدعوت الله أن يريني طريقاً من الحق أتمسك به قال: فأريت الدنيا والآخرة وبينهما حائط ليس جد طويل، وإذا حبرٌ فقلت: لو تشبثت هذا الحائط لعلي أهبط إلى قتلى أشجع فيخبروني. فهبطت إلى أرضٍ ذات شجر، فإذا أنا بنفر جلوس فقلت: أنتم الشهداء؟ قالوا: نحن الملائكة. فقلت: فأين الشهداء؟ قالوا: تقدم، أمامك إلى الدرجات العلى. فتقدمت أمامي وإذا أنا بروضةٍ، الله أعلم ما بها من الحسن، فدنوت فإذا أنا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لإبراهيم: استغفر لأمتي. فقال إبراهيم: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم أراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم. ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد؟! قال: قلت: قد رأيت، لألقين سعداً ولأنظرن في أي الفريقين هو فأكون معه. قال: فغدوت إلى سعد فلقيته فقصصت عليه، فوالله ما أكبر بها فرحاً وقال: خاب من لم يكن له إبراهيم خليلا. فقلت: مع أي الفريقين أنت؟ فقال: ما أنا مع واحد منهما. قلت: فما تأمرني؟ قال: لك غنمٌ؟ قلت: لا. قال: فاشتر غنماً فكن فيها حتى تنجلي هذه الفتنة. سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة ابن عبيد بن الأبجر واسمه خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمه أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار. وأخوه لأمه قتادة بن النعمان. وزعم بعض الناس أن خدرة هي أم الأبجر. شهد خطبة عمر بالجابية وقدم دمشق على معاوية. حدث أبو سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يمر الناس على جسر جهنم وعليه حسكٌ وكلاليب وخطاطيف تخطف الناس يميناً

وشمالاً، وبجنبيه ملائكة يقولون: اللهم سلم سلم، فمن الناس من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل الريح، ومنهم من يمر مثل الفرس المجرى، ومنهم من يسعى سعياً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يزحف زحفاً. فأما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، وأما أناسٌ فيؤخذون بذنوبٍ وخطايا. قال: فيحرقون ويكونون فحماً، ثم يؤذن في الشفاعة فيؤخذون ضبارات ضبارات، فيقذفون على نهر من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل: " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما رأيتم الصبغاء شجرة تنبت في الفيافي فيكون آخر من يخرج من النار رجلٌ يكون على شفتها فيقول: يا رب، اصرف وجهي عنها. فيقول عز وجل: عهدك وذمتك لا تسألني غيرها. قال: وعلى الصراط ثلاث شجرات، فيقول: يا رب، حولني إلى هذه الشجرة آكل من ثمرها وأكون في ظلها. قال: فيقول: عهدك وذمتك أن لا تسألني غيرها. قال: ثم يرى أخرى أحسن منها فيقول: يا رب، حولني إلى هذه آكل من ثمرها وأكون في ظلها، ثم يرى سواد الناس ويسمع كلامهم فيقول: يا رب، أدخلني الجنة. قال أبو نضرة: فاختلف أبو سعيد ورجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فيدخل الجنة فيعطى الدنيا ومثلها معها. " وقال الآخر: يدخل الجنة فيعطى الدنيا وعشرة أمثالها. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسافر امرأة سفراً ثلاثة أيام إلا مع زوجها، أو ابنها، أو أخيها، أو ذي محرم. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتي على الناس زمانٌ يغزو فيه فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئامٌ من الناس فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من صحب من صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم.

وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: لما قدم عمر بن الخطاب الشام تلقاه أمراء الأجناد والدهاقين، وعمر على جملٍ عليه رحل رثةٌ، مئثرته مسك جدي، فأتى على نهر فنزل عن بعيره وأخذه بخطامه وخطامه من ليفٍ فرفع ثوبه على ساقيه، فأخاض بعيره فقال له بعض من معه: يا أمير المؤمنين، قد أعدت لك مراكب وكسوةٌ، فلو ركبت بعض تلك المراكب ولبست بعض تلك الكسوة كانت أرعب للعدو وأبعد في الصوت. فقال: أنتعزز بغير ما أعزنا الله به!؟ قال: ثم قام خطيباً فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا مقامي فيكم فقال: أحسنوا إلى أصحابي والذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل وما استحلف، ويشهد وما استشهد، فمن سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإياكم وحديث النساء، وأن لا يخلو بهن إلا محرم، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ليست له بمحرم إلا كان ثالثهما الشيطان، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته فذلك المؤمن. وعن أبي سعيد الخدري قال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا أعرفن رجلاً منكم علم علماً فكتمه فرقاً من الناس " قال: فحملني ذلك إلى أن سرت إلى معاوية فقلت: ما بالكم تأخذون الصدقة على غير وجهها، ثم تضعونها في غير أهلها؟ فقال: مه يا أبا سعيد! قلت: وما بالكم يكون لكم الأولاد فتؤثرون بعضهم على بعض والله يوصيكم في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين!؟ قال: فدعا كاتبه وكتب بها إلى الآفاق ونهى عن الأولى. وعن الحسن قال: دخل أبو سعيد الخدري على معاوية فسلم، ثم جلس فقال: الحمد لله الذي أجلسني منك هذا المجلس، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقو: لا يمنعن أحدكم، إذا رأى الحق أو علمه، أن يقول به، وإنه بلغني عنك يا معاوية كذا وكذا، وفعلت كذا وكذا. قال: فعدد عليه أشياء من فعاله، ومما بلغه عنه، فقال له معاوية: أفرغت؟ قال: نعم. قال: فانصرف، فخرج أبو سعيد من عنده وهو يقول: الحمد لله، الحمد لله.

وخدرة وخدارة بطنان من الأنصار، أبو سعيد من خدرة، وأبو مسعود من خدارة، وهما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج. وكان أبو سعيد من أفاضل الأنصار، وورد المدائن في حياة حذيفة بن اليمان، وبعد ذلك مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لما حاب الخوارج بالنهروان. وكان أبو سعيد لا يخضب، كانت لحيته بيضاء خضلاء. وعن سهل بن سعد قال: بايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا، وأبو ذر، وعبادة بن الصامت، وأبو سعيد الخدري، ومحمد بن مسلمة، وسادس، على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، وأما السادس فاستقاله فأقاله. وعن محمد بن عمر الواقدي قال: كان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصيب وجهه يوم أحد، فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنته، فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن، فجعل أبي مالك بن سنان يملج الدم بفيه، ثم ازدارده، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان. فقيل: لمالك: تشرب الدم؟ فقال نعم أشرب دم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مس دمه دمي لم يصبه النار. قال أبو سعيد: فكنا ممن رد من الشيخين لم نجز مع المقاتلة، فلما كان من النهار، وبلغنا مصاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرق الناس عنه، جئت مع غلمان من بني خدرة نعترض لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وننظر إلى سلامته، فنرجع بذلك إلى أهلينا، فلقينا الناس منصرفين ببطن قناة، فلم يكن لنا همة إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ننظر إليه، فلما نظر إلي قال: سعد بن مالك؟ قلت: نعم بأبي وأمي، فدنوت منه فقبلت ركبته وهو على فرسه، ثم قال:

آجرك الله في أبيك. ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة، وإذا شجةٌ في جبهته عند أصول الشعر، وإذا شفته السفلى تدمى، وإذا رباعيته اليمنى شظيةً، وإذا على جرحه شيءٌ أسود. فسألت: ما هذا على وجهه؟ فقالوا: حصير محرق، وسألت: من دمى وجنتيه؟ فقيل: ابن قميئة. فقلت: من شجه في جبهته؟ فقيل: ابن شهاب. فقلت: من أصاب شفته؟ فقيل: عتبة. فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه، فما نزل إلا حملاً، وأرى ركبتيه مجحوشتين، يتكىء على السعدين: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته. فلما غربت الشمس وأذن بلال بالصلاة خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مثل تلك الحال، يتوكأ على السعدين، ثم انصرف إلى بيته، والناس في المسجد يوقدون النيران، يتكمدون بها من الجراح، ثم أذن بلالٌ بالعشاء حين غاب الشفق، فلم يخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلس بلالٌ عند بابه حتى ذهب ثلث الليل. ثم ناداه: الصلاة يا رسول الله. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان نائماً. قال: فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته، فصليت معه العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاة يمشي وحده حتى دخل، ورجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمدوا الله على ذلك وناموا، وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد على باب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرسونه فرقاً من قريش أن تكر. وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو سعيد: استشهد أبي يوم أحد وتركنا بغير مال، فأصابتنا حاجةٌ شديدة. قال: فقالت لي أمي: أي بني، ائت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فاسأله لنا شيئاً. فجئته فسلمت وجلست، وهو في أصحابه جالس فقال واستقبلني: إنه من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكف أكفه الله. قال: قلت: ما يريد غيري. فانصرفت ولم أكلمه في شيء. فقالت لي أمي: ما فعلت؟ فأخبرتها الخبر. قال: فصبرنا الله عز وجل ورزقنا شيئاً، فبلغنا، حتى ألحت علينا حاجةٌ شديدة أشد منها، فقالت لي أمي: ائت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاسأله لنا شيئاً. قال: فجئته وهو في أصحابه جالس، فسلمت وجلست، فاستقبلني وعاد بالقول الأول وزاد فيه: ومن سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف. قال: قلت: الياقوتة ناقتي خيرٌ من أوقية، فرجعت ولم أسأله. وفي حديث آخر زيادة: فرزق الله تعالى حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالاً منا. وعن هند بنة سعيد بن أبي سعيد الخدري عن عمتها قالت: جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائداً لأبي سعيد الخدري، فقدمنا إليه ذراع شاةٍ، فأكل منها، وحضرت الصلاة، ثم قام فصلى ولم يتوضأ. وعن المسيب قال: أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له: هنيئاً لكم برؤية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحبته. فقال: يا بن أخي، لا تدري ما أحدثنا بعده. وعن أبي نضرة العبدي قال: كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمساً بالعشي، ويخبر أن جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات. وعنه قال: قلت لأبي سعيد: إنك تحدثنا أحاديث معجبة، وإنا نخاف أن نزيد أو ننقص فلو أنا كتبنا؟ قال: لن نكتبكم، ولن نجعله قرآناً، ولكن احفظوا عنا كما حفظناه. وفي رواية قال: أتريدون أن تجعلوها مصاحف!؟ إن نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحدثنا الحديث، فاحفظوا منا كما حفظناه منه. وزاد في حديث آخر: فكان أبو سعيد يقول: تحدثوا فإن الحديث يذكر بعضه بعضاً. وعن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: لما استفتحت المدينة يعني يوم الحرة دخل أبو سعيد الخدري غاراً، فدخل عليه رجل من أهل الشام فقال: لا أخرج وإن تدخل علي أقتلك. فدخل

عليه، فوضع أبو سعيد السيف وقال: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ". قال: أنت أبو سعيد؟ قال: نعم. قال: استغفر لي غفر الله لك. وعن أبي سعيد الخدري قال: لزمت بيتي ليالي الحرة فلم أخرج، فدخل علي نفر من أهل الشام فقالوا: أيها الشيخ، أخرج ما عندك. فقلت: والله ما عندي مال. قال: فنتفوا لحيتي وضربوني ضربات، ثم عمدوا إلى بيتي فجعلوا ينقلون ما خف لهم من المتاع، حتى إنهم يعمدون إلى الوسادة والفراش فينفضون صوفهما ويأخذون الظرف، حتى لقد رأيت بعضهم أخذ زوج حمام كان في البيت. ثم خرجوا. وعن ابنة أبي سعيد الخدري قالت: لما حضر أبو سعيد بعث إلى نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم: ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله فقال: لا يغلبنكم ولد أبي سعيد، إذا أنا مت، فكفنوني فيها، وأجمروا علي بوقية مجمر، ولا تضربوا على قبري فسطاطاً، ولا تتبعوني بنار، واجعلوا في سريري قطيفة أرجوان، ولا تتبعني باكية. قال: ففعلوا ما أمرهم. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على أبي سعيد الخدري عند موته فدعا بثياب جدد فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها. فإذا مت فلا تتبعوني بنار، ولا تجعلوا علي قطيفة حمراء، ولا تبك علي باكية. وعن أم عبد الرحمن بنت أبي سعيد قالت: لما احتضر أبو سعيد حضره ابن عمر وابن عباس فقال لهم: إذا حملتم فأسرعوا، أي أسرعوا بي.

سعد بن مسعود أبو مسعود الصدفي

وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال لي أبي: يا بني، إني قد كبرت سني وحان مني، خذ بيدي. فاتكأ علي حتى جاء البقيع مكاناً لا يدفن فيه فقال: إذا هلكت فادفني هاهنا، ولا تضربن علي فسطاطاً، ولا تمشين معي بنار، ولا تبك علي باكية، ولا تؤذن أحداً، وليكن مشيك بي خبباً، فجعل الناس يأتوني فيقولون: متى تخرج به؟ فأكره أن أخبرهم وقد نهاني، فقلت: إذا فرغت من جهازه، فخرجت به من صدر يوم الجمعة، فوجدت البقيع قد ملىء علي ناساً. توفي أبو سعيد بعد الحرة، وكانت الحرة سنة إحدى وستين، وتوفي أبو سعيد سنة ثلاث وستين، وقيل: توفي سنة أربع وستين، وقيل: توفي سنة أربع وسبعين. سعد بن مسعود أبو مسعود الصدفي عديد التجيبيين. روى سعد بن مسعود: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في مجلس فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره، ثم رفعه، فسئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله يعني أهل مجلسٍ أمامه فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة، فلما دنت منهم تكلم رجلٌ منهم بباطلٍ فرفعت عنهم. وحدث سعد بن مسعود عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليت شعري كيف أمتي بعدي حين تتبختر رجالهم وتمرح نساؤهم، وليت شعري حين يصيرون صنفين: صنفاً ناصبي نحورهم في سبيل الله، وصنفاً عمالاً لغير الله. قال سعد بن مسعود التجيبي: إذا رأيت الرجل دنياه تزداد، وآخرته تنقص، مقيماً على ذلك، راضياً به فذلك المغبون الذي يفلت بوجهه وهو لا يشعر. وعن سعد بن مسعود قال: حب الدنيا رأس الخطايا.

سعد أبو درة الحاجب

قال أبو سعيد بن يونس: سعد بن مسعود التجيبي، رجل من الصدف، عديد لبني زميلة بن تجيب، كان عمر بن عبد العزيز أرسله إلى إفريقية يفقه أهلها في الدين. وله على سليمان بن عبد الملك وفادة، وكان رجلاً صالحاً، أسند حديثاً واحداً. وتوفي في خلافة هشام بن عبد الملك. سعد أبو درة الحاجب تولى حجابة معاوية، وحجابة عبد الملك بن مروان. حدث أبو المعطل مولى كلاب، وقد كان أدرك معاوية بن أبي سفيان قال: أقبل رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقال له أبو مريم، غازياً حتى بلغ الجفير وقد استأذن أبو مريم معاوية بدمشق حين مر بها، فلم يجد أحداً يأذن له، فلما بلغ الجفير ذكر حديثاً سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رجع حتى أتى معاوية، فقال لبعض من عليه: أما منكم أحدٌ رشيد يقول لأمير المؤمنين: هاهنا أخوك أبو مريم؟ فلما سمعوا كلامه ذهب بعضهم إلى معاوية فقال: هاهنا رجل يقول: قولوا لأمير المؤمنين: هاهنا أخوك أبو مريم. فقال معاوية: ويحكم! أحبستموه؟ فأذنوا له. فلما دخل قال: مرحباً هاهنا، هاهنا يا أبا مريم. فقال أبو مريم: إني لم أجئك طالب حاجةٍ، ولكن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أغلق بابه دون ذوي الفقر والحاجة أغلق الله عن فقره وحاجته باب السماء. " قال: فأكب معاوية يبكي ثم قال: رد حديثك يا أبا مريم، فرده، ثم قال معاوية: ادعوا لي سعداً، وكان حاجبه، فدعي فقال: يا أبا مريم، حدثه أنت كما سمعت. فحدثه أبو مريم، فقال معاوية لسعد: اللهم إني أخلع هذا من عنقي وأجعله في عنقك، من جاء يستأذن فأذن له. فقضى الله على لساني ما قضى.

سعر بن سوادة العامري

سعر بن سوادة العامري قدم الشام تاجراً، وعاين ملك آل جفنة بأعمال دمشق. حدث مسلم بن ثفنة وقيل مسلم بن شعبة قال: استعمل ابن علقمة أبي على عرافة قومه وأمره أن يصدقهم. قال: فبعثني أبي في طائفة لآتيه بصدقتهم، قال: فخرجت حتى أتيت شيخاً كبيراً يقال له سعر فقلت: إن أبي بعثني إليك لتؤدي صدقة غنمك. قال: ابن أخي، وأي نحوٍ تأخذون؟ قلت: نختار حتى إنا لنشبر ضروع الغنم. قال: ابن أخي، فإني أحدثك، إني كنت في شعب من هذه الشعاب في غنم لي على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءني رجلان على بعير فقالا: نحن رسولا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليك لتؤدي صدقة غنمك. قلت: ما علي فيها؟ قالا: شاةٌ. قال: فأعمد إلى شاةٍ قد علمت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً، فأخرجتها إليهما فقالا: هذه الشافع والشافع: الحامل وقد نهانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نأخذ شافعاً. قلت: فأي شيءٍ؟ قالا: عناقا جدعة، أو ثنية. قال: فأعمد إلى عناقٍ معتاط. قال: والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها فأخرجها إليهما. فقالا: ناولناها. فدفعتها إليهما، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا. وعن سعر بن سوادة العامري قال: كنت عسيفاً لعقيلة من عقائل الحي أركب لها الصعبة والذلول، أتهم مرة وأنجد أخرى، لا أليق مطرداً في متجر من المتاجر إلا أتيته، يدفعني الحزن إلى السهل. والسهل إلى الحزن، فقدمت من الشام بخرثةٍ وأثاثٍ أريد به كبة العرب ودهماء

سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم

الموسم، فدفعت إلى مكة بليل مسدفٍ فحططت عن ركابين وأصلحت من شأني، فلما أضاء لي جلباب الفجر رأيت قباباً تناغي شعف الجبال مجللة بأنطاع الطائف، فإذا بدنٌ تنحر وأخر تساق، وإذا طهاةٌ وحثثة على الطهاة: ألا اعجلوا، وإذا رجل قائم على نشز من الأرض ينادي: يا وفد الله، الغداء. وإذا رجل آخر على مدرجة الطريق ينادي: ألا من طعم فليرجع للعشاء. قال: فجهرني ما رأيت، فدفعت إلى عميد القوم، فإذا أنا به جالسٌ على عرش له أبنوس، تحته نمرقة خز حمراء، متزرٌ بيمنة، مرتدٍ ببردٍ. له جمةٌ فينانة، قد لاث عليها عمامة خز سوداء، فكأني أنظر إلى أطراف جمته كالعناقيد من تحت العمامة، فكأن الشعري تطلع في وجهه، وإذا خوادم حواسر عن أذرعهم، ومشمرين عن سوقهم، وإذا مشايخ جلة حفوف بعرشه، ما يفيض أحد منهم بكلمة، وقد كان نمى إلي حبر من أحبار الشام أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمي هذا أوان توكفه، فقلت: عله وعسيت أن أفقه به، فدنوت فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: لست به، وكأن قد وليتني به. فقلت لبعض المشيخة: من هذا؟ قالوا: أبو نضلة هاشم بن عبد مناف. قال: فقلت: هذا والله الشرف والثناء الذي لا ينكر. وفي حديث آخر بمعناه: فقلت: هذا والله المجد لا مجد بني جفنة. سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم ابن أشكاب أبو عثمان بن أبي سعيد العيار الصوفي النيسابوري أحد الطوافين لتسميع الحديث. حدث بدمشق، وأصفهان، وخراسان، وغزنة. قال أبو محمد فضل الله بن محمد الطبسي: كان الشيخ سعيد العيار رحمه الله شيخاً بهياً ظريفاً، من أبناء مئة واثنتي عشرة سنة

سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص

وذكر أنه لا يروي شيئاً من أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى بدمشق من بلاد الشام رؤيا حملته وحرضته على رواية مسموعاته من أخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وذكر أنه رأى في المنام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قاعدٌ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن محبيه ماثلٌ بين يديه، فأراد هذا الشيخ سعيد أن يسلم عليه، فتلقاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه برسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كيف لا تنشر ولا تروي أخباري؟ قال: ورأيت كأني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام للطهارة، فكنت أنتظر بروزه لأسلم عليه، فانتبهت قبل ذلك، فأنا منذ رأيت تلك الرؤيا أطوف في بلاد الإسلام، وأروي مسموعاتي من أخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وإنما سمي العيار لأنه كان في ابتدائه يسلك مسالك الشطار، ثم رجع إلى هذه الطريقة. وحدث سعيد بن أحمد بن أبي بكر محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن هانىء البزاز الثقة بسنده عن أبي أيوب قال: صليت المغرب والعشاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع بالمزدلفة. توفي أبو عثمان سعيد بن أحمد بغزنة سنة سبع وخمسين وأربع مئة. سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص القرشي الأموي والد يحيى وفد على عمر بن عبد العزيز. قال سعيد بن أبان: كنت عند عمر بن عبد العزيز فدخل عليه عبد الله بن الحسن، وهو يومئذ شاب، في إزار ورداء، فرحب به، وأدناه وحياه، وأجلسه إلى جنبه، وضاحكه، ثم غمز عكنة

سعيد بن أبان بن عيينة بن حصن

من بطنه، وليس في البيت يومئذ إلا أموي فقالوا له: ما حملك على غمز بطن هذا الفتى؟ فقال: إني أرجو بها شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سعيد بن أبان بن عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر ويقال: سعيد بن عيينة الفزاري كان ناسكاً، ثم قام بحرب فزارة مع كلب يوم بنات قين حين صح عنده عن كلب ما يوجب قتلهم، وشهد عنده أنهم لا يدينون بدين، وأنهم يطأون الحيض، فغزاهم، فأقدمه عبد الملك بن مروان دمشق، ثم قتله قوداً. روى أبو جعفر محمد بن حبيب وغيره: أن كلباً كانت أوقعت ببني فزارة يوم العماة قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان فأظهر الشماتة، وكانت أمه كلبية، وهي لبنى ابنة الأصبغ بن زبان، وأم بشرقطية بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، فقال عبد العزيز لبشرٍ أخيه: أما علمت ما صنع أخوالي بأخوالك؟ فقال بشر: وما فعلوا؟ فأخبره الخبر فقال بشر: أخوالك أضيق أستاهاً من ذلك. فجاء وفد بني فزارة إلى عبد الملك يخبرونه بما صنع بهم، وأن حميد بن حريث بن بحدل الكلبي أتاهم بعهد من عبد الملك أنه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغترهم فقتل منهم نيفاً وخمسين رجلاً. فأعطاهم عبد الملك نصف الحمالات، وضمن لهم النصف الثاني في العام المقبل. فخرجوا، ودس إليهم بشر بن مروان مالاً، فاشتروا السلاح والكراع، ثم غزا بنو فزارة كلباً فلقوهم ببنات قين، فتعدوا عليهم في القتل، فخرج بشر حتى أتى عبد الملك وعنده عبد العزيز فقال: أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك؟ فأخبره الخبر، فغضب عبد الملك لإخفارهم ذمته وأخذهم ماله، فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره إذا فرغ من ابن

الزبير أن يقع ببني فزارة إن امتنعوا عليه، ويأخذ من أصاب منهم. فلما فرغ من ابن الزبير نزل ببني فزارة، فأتاه حلحلة بن قيس بن أشيم وسعيد بن أبان بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وكان رئيسي القوم، فأخبرا الحجاج أنهما صاحبا الأمر ولا ذنب لغيرهما، فأوثقهما وبعث بهما إلى عبد الملك، فلما دخلا عليه قال: الحمد لله الذي أقاد منكما. قال له حلحلة: أما والله ما أقاد الله مني، لقد نقضت وتري، وشفيت صدري، وبردت وحري. قال عبد الملك: من كان له عند هذين وتر يطلبه فليقم إليهما. فقام سعيد بن سويد الكلبي وكان أبوه فيمن قتل يوم بنات قين فقال له: يا حلحلة، هل أحسست لي سويداً؟ قال: عهدي به يوم بنات قين وقد انقطع خرؤه في بطنه. قال: أما والله لأقتلنك. قال: كذبت والله، ما أنت تقتلني، إنما يقتلني ابن الزرقاء والزرقاء إحدى أمهات مروان بن الحكم، وكان يسب بها فقال بشر بن مروان: اصبر حلحلة. فقال: من الرجز أصبر من عودٍ بجنبيه جلب ... قد أثر البطان فيه والحقب فضرب عنقه. ثم قيل لسعيد نحو ما قيل لحلحلة، فرد مثل جواب حلحلة، فقام إليه رجل من بني عليم ليقتله، فقال له بشر: اصبر سعيد. فقال: من الرجز أصبر من ذي ضاغطٍ معرك ... ألقى بواني زوره للمبرك

سعيد بن إسحاق الدمشقي

وقال علي بن الغدير في ذلك شعراً. سعيد بن إسحاق الدمشقي حدث عباس الحذاء عن سعيد بن إسحاق الدمشقي. في قوله الله عز وجل: " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ". على نهر بحلب يقال له: قويق. سعيد بن إسماعيل البيروتي روى عن سهل بن هاشم قال: سمعت يحيى بن حمزة يقول: إن جهنم خلقت زرقاء: " ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً ". وكان قذار عاقر الناقة أزرق، ولا أزرق إلا وجدته خبيثاً. سعيد بن أسود الخولاني روى يونس عن ابن شهاب قال: فسألناه عن الجد أبي الأم، فقال: لا يرث شيئاً، ولا يعطى شيئاً، ولا ترث الخالة ولا العمة. قال: وكان الوليد بن عبد الملك ورث عمة سعيد بن الأسود الخولاني السدس مع ابنته وعصبته، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رد ذلك القضاء إلى ما مضت به السنة، ولم يعطها شيئاً، وقال: الكلالة من ليس له ولدٌ ولا والد. سعيد بن أوس الخفاف الدمشقي حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمارٍ ".

سعيد بن بريد أبو عبد الله

وحدث عنه أيضاً، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدخل فرساً بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فهو قمار. " سعيد بن بريد أبو عبد الله التميمي النباجي الزاهد عابد سياح، من أقران ذي النون المصري، له كلام حسن في المعرفة وغيرها. قال أبو عبد الله النباجي: أصابتني ضيقة وشدة، فبت وأنا أتفكر في المصير إلى بعض إخواني، فسمعت قائلاً يقول لي في النوم: أيجمل بالحر المديد إذا وجد عند الله ما يريد أن يميل بقلبه إلى العبيد؟ فانتبهت وأنا من أغنى الناس. قال سعيد بن بريد: بينا نحن صادقون نقاتل العدو بأرض الروم، وإذا أنا بغلام كأحسن ما رأيت من الغلمان، وعليه طرة وقفا، وعليه حلة ديباج، وهو يقاتل قتالاً شديداً وهو يقول: من مجزوء الرمل أنا في أمري رشاد ... بين غزوٍ وجهاد بدني يغزو عدوي ... والهوى يغزو فؤادي قال: فدنوت منه فقلت: يا غلام! هذا القتال، وهذه المقالة، والطرة، والقفا، والحلة....لا يشبه بعضها بعضاً! فقال الغلام: أحببت ربي فشغلني بحبه عن حب غيره، فتزينت لحور العين لعلها تخطبني إلى مولاها. قال أبو عبد الله النباجي: من خطرت الدنيا بباله لغير القيام بأمر الله حجب عن الله. وقال: إن أعطاك أغناك، وإن منعك أرضاك.

وقال: أصل العبادة في ثلاثة أشياء: لا ترد من أحكامه شيئاً، ولا تدخر عنه شيئاً، ولا يسمعك تسل غيره حاجةً. وقال: أشرف ساعاتك ساعة لا يكون لك عارضٌ فيما بينك وبين الله عز وجل. وقال: ما التنعم إلا في الإخلاص، ولا قرة العين إلا في التقوى، ولا الراحة إلا في التسليم. وقال: إن لله عز وجل عباداً يستحيون من الصبر، يسلكون مسلك الرضى. وله عبادٌ لو يعلمون ما ينزل من القدر لاستقبلوه استقبالاً حباً لربهم ولقدره عندهم، فكيف يكرهونه بعدما يقع؟! وقال: تدرون ما أراد عبيد أهل الدنيا من مواليهم؟ أن يرضوا عنهم، وأراد الله من عبيده أن يرضوا عنه، وما رضوا عنه حتى كان رضاه عنهم قبل رضاهم عنه. وقال: خمس خصال بها تمام العمل وهي: معرفة اله عز وجل، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله عز وجل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرفع العمل، وذلك أنك إذا عرفت الله عز وجل ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإذا عرفت الله، وعرفت الحق، ولم تخلص العمل لم تنتفع، وإذا عرفت الله عز وجل، وعرفت الحق، وأخلصت العمل، ولم تكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع. قال رجل لأبي عبد الله النباجي: يا أبا عبد الله، الراضي يسأل؟ قال: يعرض. قال: مثل أي شيء؟ قال: مثل قول أيوب: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.

روى محمد بن عمرو الغزي: أن أبا عبد الله النباجي سأل الله عز وجل أن يجعل رزقه في الماء، فكان غذاؤه في الماء، ثم سأل الله عز وجل أن يقطع عنه شرب الماء، فأري في منامه: إنك خلق أجوف، فكان غذاؤه الماء. قال محمد بن أبي الورد: صلى أبو عبد الله النباجي بأهل طرسوس صلاة الغداة، فوقع النفير وصاحوا، فلم يخفف الصلاة، فلما فرغوا قالوا له: أنت جاسوس. قال: وكيف ذلك؟ فقالوا: صاح النفير وأنت في الصلاة لم تخفف. فقال: إنما سميت صلاةً لأنها اتصال بالله، وما حسبت أن أحداً يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطب الله به. قال أبو عبد الله النباجي: إن أحببتم أن تكونوا أبدالاً فأحبوا ما شاء الله ومن أحب ما شاء الله، لم تنزل به مقادير الله وأحكامه بشيء إلا أحبه. وكان أبو عبد الله النباجي يقول: كيف يكون عاقلاً من لم يكن لنفسه ناظراً؟ أم كيف يكون عاقلاً من يطلب بأعمال طاعته من المخلوقين ثواباً عاجلاً؟ أم كيف يكون عاقلاً من كان بعيوب نفسه جاهلاً وفي عيوب غيره ظاهراً؟ أم كيف يكون عاقلاً من لم يكن لما يراه من النقص في نفسه، وأهل زمانه، محزوناً باكياً؟ أم كيف يكون عاقلاً من كان في قلة الحياء من الله عز اسمه متمادياً. قال محمد بن يوسف: كان أبو عبد الله النباجي مجاب الدعوة، وله آيات وكرامات، بينما هو في بعض أسفاره على ناقة فارهة، وكان في الرفقة رجل عائن، قلما نظر إلى شيء إلا أتلفه وأسقطه،

سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن

فقيل لأبي عبد الله: احفظ ناقتك من العائن. فقال أبو عبد الله: ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبة أبي عبد الله فجاء إلى رحله فعان ناقته، فاضطربت ناقته، وسقطت تضطرب، فأتى أبو عبد الله، فقيل له: إن العائن قد عان ناقتك، وهي كما تراها تضطرب! فقال: دلوني على العائن، فدل عليه، فوقف عليه وقال: بسم الله، حبس حابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، في كلوبته رشيق، وفي ما له يليق " فارجع البصر هل ترى من فطورٍ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسيرٌ " فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها. سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن ويقال أبو سلمة الأزدي. ويقال: إنه مولى بني نصر بن معاوية من أهل دمشق. حدث سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ". وثقه قوم، وضعفه آخرون، وله تفسير مصنف رواه الوليد عنه. توفي سعيد بن بشير ثمان وستين ومئة. وقيل: سنة تسع وستين، وقيل: سنة سبعين. سعيد بن بشير بن ذكوان القرشي قال سعيد بن بشير: سمعت مالك بن أنس إذا سئل عن مسألة يظن أن صاحبها غير متعلم، وأنه يريد المغالطة نزع له بهذه الآية يقول: قال الله تعالى: " وللبسنا عليهم ما يلبسون ".

سعيد بن تركان أبو جعفر

سعيد بن تركان أبو جعفر ويقال أبو الطيب البغدادي الصوفي قال أبو جعفر: كنت أجالس الفقراء، ففتح علي بدينار، فأردت أن أدفعه إليهم، ثم قلت في نفسي: لعلي أحتاج إليه. فهاج بي وجع الضرس، فقلعت سناً، فوجعت الأخرى حتى قلعتها، فهتف بي هاتف: إن لم تدفع إليهم الدينار لا يبقى في فمك سن واحدة. سعيد بن جابر السغائذي قال سعيد بن جابر: أتيت بيت المقدس، فلقيت فيها شيخاً معمراً يقال له: روط بن عامر الليثي، فقال لي: يا بن أخي، من أين أنت؟ قلت: من خراسان قال: بلاد الجشونة والخشونة، أفتدري أين إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ قلت: أخبرني يا عم. قال: هي دمشق، فارحل إليها. قلت: قد مررت بها. قال: فهل رأيت جنةً إلا وهي أحسن منها؟ ثم قال: إن الناس ليقولون: إن تحت الغوطة زمردة خضراء فيها ما خلق الله من الألوان فهي تري تلك الألوان من فوق أرضها. سعيد بن جعفر أبو الفرج ختن ابن المصري. حدث عن سعيد بن عبد العزيز بسنده عن جابر بن عبد الله. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر في ثوب واحدٍ. سعيد بن الحسين أبو الفتح البانياسي البزاز سمع بدمشق. قال سعيد بن الحسين: قرىء على القاضي أبي نصر محمد بن أحمد بن هارون الغساني في الجامع بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله في القرآن: " فضرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنه فيه الرحمة

سعيد بن الحكم بن أوس

وظاهره من قبله العذاب ". سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة: المسجد، وظاهره من قبله العذاب يعني: وادي جهنم. سعيد بن الحكم بن أوس ابن يحيى بن المعمر أبو عثمان السلمي الدمشقي، يعرف بالفندقي. ويقال: أبو عبد الرحمن ويقال: سعيد بن عبد الحكم قال: وأظنه سعيد بن أوس الذي روى عنه الطبراني. حدث عن أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري بسنده عن إسماعيل الكندي قال: جاء رجل شاب من أهل البصرة إلى طاوس ليسمع منه فوافاه مريضاً، فدخل عليه فجلس عند رأسه يبكي، فقال له طاوس: ما يبكي يا شاب؟ قال: والله ما أبكي على قرابة بيني وبينك، ولا على دنيا جئت أطلبها منك، ولكن على العلم الذي جئت أطلبه منك يفوتني. فقال: إني موصيك ثلاث كلمات، إن حفظتهن علمت علم الأولين والآخرين، وعلم ما كان وعلم ما يكون: خف الله حتى لا يكون شيء عندك أخوف من الله، وارج الله حتى لا يكون شيء عندك أرجى من الله عز وجل، وأحبب الله عز وجل حتى لا يكون شيء أحب إليك من الله. فإذا فعلت ذلك فقد علمت علم الأولين، وعلم الآخرين، وعلم ما كان، وعلم ما يكون. قال الفتى: لا جرم! لا سألت بعدك أحداً عن شيء من العلم أبداً. وحدث سعيد بن الحكم بسنده عن أبي عمرو الأوزاعي قال: لا تحبوا الأحمق: فإن الله تبارك وتعالى بغضه فخلقه أحمق.

سعيد بن خالد بن أبي طويل

سعيد بن خالد بن أبي طويل من أهل صيدا ساحل دمشق. حدث عن أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في صلاة الصبح: من توضأ، ثم توجه إلى مسجد يصلي فيه الصلاة، كان له بكل خطوة حسنة، وتمحى عنه سيئة، والحسنة بعشرٍ، فإذا صلى ثم انصرف عند طلوع الشمس كتب له بكل شعرة في جسده حسنة، وانقلب بحجةٍ مبرورة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وليس كل حاجٍّ مبرور، فإن جلس حتى يركع كتبت له بكل حسنة ألفا ألف حسنة. ومن صلى صلاة الفجر فله مثل ذلك، وانقلب بعمرة مبرورة ". قال: وليس كل معتمر مبرور؟ وحدث عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رابط ليلةً في سبيل الله كان أفضل من صيام رجلٍ وقيامه شهراً في أهله ". وحدث عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حرس ليلةً على ساحل البحر كان أفضل من عبادة رجل في أهله ألف سنة، السنة ثلاث مئة وستون يوماً، كل يوم ألف سنة. " ضعفه قوم وقالوا: حدث عن أنس بالمناكير، لا يتابع على حديثه. سعيد بن خالد بن عبد الله ابن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس أبو خالد ويقال: أبو عثمان الأموي العبشمي سكن دمشق، وإلى أبيه خالد بن عبد الله تنسب رحبة خالد بدمشق. كان من أجواد قريش وكرمائها. مدحه موسى شهوات.

قال محمد بن يحيى: كان موسى شهوات مولى بني عدي بن كعب عشق قينةً، فذاكر مولاها أمرها، فقال له: لست أقوى على هبتها لك، ولكني أبيعها بكذا وكذا الثمن قد سماه وأرخصها به عليه إلى سنة ونضمنها ونكفيك مؤنتها إلى أن تأتي بثمنها إلى ذلك الوقت. فخرج شهوات يسأل في ثمنها إلى الشام، فأتى سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، وأمه بنت سعيد بن العاص، فأخبره بأمره، وسأله عوناً، فلم يفعل إليه شيئاً، فأتى سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وأخبره خبره، فأعطاه ثمنها، ووصله، فقال موسى: من الطويل أبا خالدٍ أعني سعيد بن خالدٍ ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد ولكنما أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرض الندى بعقيد دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وما هو عن إحسانكم برقود قتلت رجالاً هكذا في بيوتهم ... من الغم لم تقتلهم بحديد فقل لبغاة العرف قد مات خالدٌ ... ومات الندى إلا فضول سعيد فلما بلغ سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان استعدى عليه سليمان بن عبد الملك. فقال: يا أمير المؤمنين، هجاني عبد بني عدي. فقال: لم أهجه، ولكني قدمت من المدينة ثم قص قصة الرجلين، فلما صنع ابن خالد بن عبد الله ما صنع أحببت أن أمدحه، فتخوفت أن يظن ظانٌّ أنه العثماني فنسبت كل واحدٍ إلى أبيه وأمه فقال سليمان: أما والله لقد هجاك، ولو وجدت عليه متقدماً لتقدمت عليه. وأم سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعية.

سعيد بن خالد بن عبد الله

قال محمد بن خالد: كان لسعيد بن عبد الله بن خالد بن أسيد قصرٌ بحيال قصر يزيد بن عبد الملك، فكان يزيد إذا ركب إلى الجمعة ركب سعيد فوافاه بموضع لا يخطئه، فقال له يزيد: إن لي حاجة. قال: إذن لا ترد عنها. قال: تهب لي قصرك. قال: هو لك. قال: وإن لك به خمس حوائج فاسألها. قال: أول ما أسأل أن ترد علي قصري. قال: فرده، وقضى له أربع حوائج. سعيد بن خالد بن عبد الله ابن يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري كان بدمشق مع أبيه خالد بعدما عزل عن العراق. حدث سعيد بن خالد عن جده يزيد بن أسدٍ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". سعيد بن خالد بن عمرو ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عثمان، ويقال: أبو خالد الأموي سكن بدمشق. سأل سعيد بن خالد عروة بن الزبير عن الوضوء مما مست النار، فقال عروة: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضؤوا مما مست النار ". وعن عمرو بن حبيب: أنه قال لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان: ما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خاب عبدٌ وخسر لم يجعل الله في قلبه رحمةً للبشر قال رجاء بن أبي سلمة: أتي عمر بن عبد العزيز بطبق فيه تمر، وعنده سعيد بن خالدٍ، فقال: يا أبا خالد،

سعيد بن أبي راشد

أترى الرجل يكتفي بحفنة من هذا التمر؟ قال: أما واحدة فلا. قال: فثنتين؟ قال: نعم. قال: فعلى ماذا نتهور في النار إذاً؟ سعيد بن أبي راشد حدث عن التنوخي النصراني رسول قيصر إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سعيد بن أبي راشد: رأيت رجلاً على باب معاوية، فقالوا: هذا الجهني رسول قيصر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقمت إليه. قال: فقلت: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قال: لما نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك، أو سار إلى تبوك، دعا عريفي قيصر، فقال: ابغ لي رجلاً فصيحاً يبلغ هذا الرجل عني. قال عريفي: فانطلق بي إليه. قال: فكتب معي إليه، وقال: احفظ عني ثلاثاً: لا تذكر عنده الصحيفة، ولا الليل، وانظر الذي بظهره. قال: وكتب معي. فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك، قال: فدفعت إليه الكتاب، فدعا رجلاً يقرأ الكتاب، فقلت: من هذا؟ فقيل لي: معاوية، فكتبت اسمه عندي. قال: وقال لي: أما إنك لو كنت وافقت عندنا شيئاً أعطيناك. قال: فقال رجل من القوم: عندي يا رسول الله، فكساني حلةً صفرية، فقلت: من هذا؟ قالوا: عثمان بن عفان. قال: فكتبت اسمه عندي. ثم قال: من يقوته؟ قال: فقال رجل من القوم: أنا. قال: فسألت عن اسمه، فقيل لي: سعد بن عبادة. قال: ثم قرأ الكتاب: إنك كتبت إلي تدعوني إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جاء الله بالنهار، فأين الليل؟ قال: ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صاحب فارس مزق كتابي، والله ممزق ملكه، وإن صاحبكم بلغني أنه اقتنى بكتابي، وإنه لن يزال للناس منه بأس شديد ما كان في العيش خير. قال: فلما قمت قال لي: تعاله، إنها قد بقيت واحدةٌ. قال: ثم أخذ بثوبه فألقاه عنه، فنظرت إلى التي بظهره.

سعيد بن زياد بن فائد

قال: كذا قال الجهني. وروي من غير هذا الوجه عن سعيد بن أبي راشد قال: لقيت التنوخي رسول هرقل. فذكر نحوه. سعيد بن زياد بن فائد ابن زياد بن أبي هند ويقال: يزيد بن عبد الله بن يزيد بن عميت بن ربيعة ابن دراع بن عدي بن الدار بن هانىء بن حبيب بن نمارة بن لخم ابن عدي بن الحارث بن الدار من عمال بيت المقدس. حدث سعيد بن زياد عن أبيه عن جده عن أبي هند قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من راءى بالله لغير الله فقد برىء من الله عز وجل. وحدث أيضاً عن أبيه عن جده عن أبي هند قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قال الله عز وجل: " من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي، فليلتمس رباً سواي ". وحدث سعيد بن زياد عن أبيه عن جده عن أبي هند الداري قال: أهدي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طبقٌ من زبيب مغطى، فكشف عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: كلوا بسم الله، نعم الطعام الزبيب، يشد العصب، ويذهب الوصب، ويطفىء الغضب، ويطيب النكهة، ويذهب البلغم، ويصفي اللون ... وذكر خصالاً تمام العشرة لم يحفظها سعيد. وحدث سعيد بن زياد: أنه لم دخل على المأمون بدمشق قال: أرني الكتاب الذي كتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم. قال: فأريته، قال: فقال، إني لأشتهي أن أدري أي شيء على هذا الغشاء على هذا الخاتم. قال: فقال له أبو إسحاق: حل العقد حتى تدري ما هو. قال: فقال: ما أشك أن

سعيد بن زيد بن عمرو

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد هذا العقد، وما كنت لأحل عقداً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ثم قال للواثق: خذه فضعه على عينيك لعل الله أن يشفيك، وجعل يضعه على عينيه ويبكي. سعيد بن زيد بن عمرو ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أبو الأعور القرشي العدوي أحد العشرة الذين شهد لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. شهد اليرموك وحصار دمشق. وولاه أبو عبيدة بن الجراح دمشق، وخرج مع عمر بن الخطاب في خرجته الثانية إلى الشام التي رجع فيها من سرغ وكان أميراً على ربع المهاجرين. روى سعيد بن زيد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الكمأة فقال: هي من المن، وماؤها شفاءٌ للعين. وعن عروة: قال في تسمية أهل بدر: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قدم من الشام بعد ما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر، فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضرب له بسهمه، قال: وأجري يا رسول الله؟ قال زعموا: وأجرك. وفي حديث محمد بن عمر: قال في تسمية من شهدوا بدراً من بني عدي: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه هو وطلحة يتحسسان العير، فضرب له بسهمه وأجره. وأم سعيد فاطمة بنت بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد بن المعمر من خزاعة،

وقيل ابن المعمور، وقيل ابن المعمود. وهو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، كان جده عمرو بن نفيل، والخطاب بن نفيل والد عمر أخوان لأب. كان سعيد رجلاً آدم طوالاً، توفي بالعقيق، وحمل أعناق الرجال، ودفن بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل سنة خمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين. وقال الهيثم بن عدي: توفي سعيد بالكوفة في زمن معاوية، وصلى عليه المغيرة وهو يومئذ واليها. وكان لسعيد يوم توفي ثلاث وسبعون سنة، ونزل في حفرته سعدٌ، ابن عمر. أسلم سعيد بن زيد قبل أن يدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها. قال سعيد بن زيد: لقد رأيتني وإني لموثقي عمر بن الخطاب على الإسلام وما كان أسلم بعد. قالوا: ولما تحين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصول عير قريش من الشام بعث طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قبل خروجه من المدينة بعشر ليالٍ يتحسسان خبر العير فخرجا حتى بلغا الحوراء فلم يزالا مقيمين هناك حتى مرت بهم العير، وبلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فندب أصحابه، وخرج يريد العير، فتساحلت العير، وأسرعت، وساروا الليل والنهار فرقاً من الطلب، وخرج طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد يريدان المدينة، ليخبرا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر العير، ولم يعلما بخروجه، فقدما المدينة في اليوم الذي لاقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النفير من قريش ببدر، فخرجا من المدينة يعترضان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقياه بتربان فيما بين مللٍ والسيالة على المحجة منصرفاً من بدر، فلم يشهد طلحة وسعيد الوقعة، وضرب لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمانهما وأجورهما في بدر، وكانا كمن شهدها. وشهد سعيد أحداً والخندق والمشاهد كلها من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن عبد الرحمن بن الأخنس: أن المغيرة بن شعبة خطب فنال من علي، قال: فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعلي في الجنة، وعثمان في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة ... ثم قال: إن شئتم أخبرتكم بالعاشر، ثم ذكر نفسه. " وفي حديث آخر بمعناه: ثم أتبع ذلك يميناً قال: والله لمشهدٌ شهده رجل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر فيه وجهه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح. وعن سعيد بن زيد: أنه كان عاشر عشرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حراء فتحرك حراء فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد ". وقال سعيد بن زيد: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بعد ذلك: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة....فقال المغيرة بن شعبة لسعيد: أذكرك الله من التاسع؟ قال: دعني عنك. قال: أذكرك الله من التاسع؟ قال: فلم يزل به حتى قال: أنا التاسع. يقول سعيد بن زيد ذلك لنفسه. وعن يوسف بن مالك الأنصاري: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجع من مكة إلى المدينة، قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أبا بكر الصديق لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك كله. يا أيها الناس، إني راضٍ عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وسعيد بن زيد، والمهاجرين الأولين، فاعرفوا ذلك لهم. يا أيها الناس، إن الله تعالى قد غفر لأهل بدر والحديبية. يا أيها الناس، لا تؤذوني في أصحابي ولا في أصهاري، ولا

يطالبنكم أحد منهم بمظلمة، فإنها مظلمة لا توهب في القيامة لأحد من الناس. يا أيها الناس، ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات الميت فقولوا فيه خيراً. وعن سعيد بن جبير قال: كان مقام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كانوا أمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القتال، وخلفه في الصلاة في الصف، وليس لأحد من المهاجرين والأنصار يقوم مقام أحد منهم غاب أم شهد. وعن هشام بن عروة عن أبيه: أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وماذا سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أخذ شيئاً من الأرض طوقه إلى سبع أرضين، فقال له مروان: لا أسألك بينةً بعد هذا. فقال: اللهم، إن كانت كاذبةً فأعم بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة فماتت. وفي حديث آخر بمعناه: وقال: اللهم، إن كانت أروى ظلمتني فأعم بصرها، واجعل قبرها في بئرها، فعميت أروى. قالوا: وإن أروى خرجت في بعض حاجتها بعد ما عميت، فوقعت في البئر، فماتت، فقالوا: وسألت أروى سعيداً أن يدعو لها، وقالت: إني ظلمتك. فقال: لا أرد على الله شيئاً أعطانيه. وكان أهل المدينة يدعو بعضهم على بعض فيقول: أعمالك الله عمى أروى، يريدونها. ثم صار أهل الجهل يقولون: أعمالك الله عمى الأروى. يريدون الأروى التي بالجبل يظنونها شديدة العمى.

وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: كتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لابنه يزيد، فقال رجل من أهل الشام: ما يحسبك؟ قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع: فإنه سيد أهل البلد، إذا بايع بايع الناس. قال: أفلا أذهب فآتيك به؟ قال: فجاء الشامي وأنا مع أبى في الدار. قال: انطلق فبايع. قال: انطلق، فسأجيء فأبايع، فقال: لتنطلقن، أو لأضربن عنقك. قال: تضرب عنقي؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم أنا قاتلتهم على الإسلام. قال: فرجع إلى مروان، فأخبره، فقال له مروان: اسكت. قال: وماتت أم المؤمنين، أظنها، زينت، فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، فقال الشامي: ما يحبسك أن تصلي على أم المؤمنين. قال: أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقه، فإنها أوصت أن يصلي عليها. فقال الشامي: أستغفر الله. وفي حديث آخر بمعناه: فقال: يأمرني مروان أن أبايع لقوم ضربتهم بسيفي حتى أسلموا، والله ما أسلموا، ولكن استسلموا. فقال أهل الشام: مجنون. قال: ومات بعض أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: أظنها ميمونة وأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد فلما حضرت الجنازة قال أهل الشام: ألا تصلي عليها أيها الأمير؟ قال: إنها أوصت أن يصلي عليها ذلك المجنون. فانتظروا حتى جاء سعيد فصلى عليها. وأنشد لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: من الخفيف ويكأن من يكن له نشبٌ يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضر ويجنب سر النجي ولك ... ن أخا المال محضرٌ كل سر

سعيد بن سويد الكلبي الحمصي

وعن نافع: أن ابن عمر ذكر له أن سعيدٍ بن زيد بن عمرو بن نفيل وكان بدرياً مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار، واقتربت الجمعة، وترك الجمعة. وعن نافع قال: مات سعيد بن زيد وكان بدرياً فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر: أتحنطه بالمسك؟ قال: وأي طيبٍ أطيب من المسك؟ هلمي مسكاً. فناولته إياه. قال: ولم نكن نصنع كما تصنعون، كنا نتبع بحناطه مراقه ومغابنه. سعيد بن سويد الكلبي الحمصي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إني عبد الله، والله، في أم الكتاب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسوف أنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى في قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك أمهات النبيين يرين. حدث سعيد بن سويد: أن عمر بن عبد العزيز صلى بهم الجمعة، وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه، فلما فرغ جلس، وجلسنا معه، قال: فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست، وصنعت. فنكس ملياً حتى عرفنا أن ذلك قد ساءه، ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند القدرة. سعيد بن سهل بن محمد ابن عبد الله أبو المظفر النيسابوري المعروف بالفلكي سمع بنيسابور، وكان وزر لصاحب خوارزم، ثم خافه، فخرج عن خوارزم، وحج، وتصدق بالحجاز بصدقات كثيرة. وقدم دمشق سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة. وكان شيخاً مسناً، حسن الاعتقاد، متواضعاً. رحمه الله.

سعيد بن شداد أبو عثمان

حدث عن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن أبي العباس بن أبي الطيب الأخرم المديني المؤذن بسنده عن معمر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يحتكر إلا خاطىء. مات سعيد الفلكي سنة ستين وخمس مئة. سعيد بن شداد أبو عثمان حدث عن محمد بن طرخان عن محمد الكلبي: في قوله الله عز وجل: " لآتينهم من بين أيديهم ". قال: من قبل الآخرة. قال: يقول لهم: إنه لا جنة، ولا نار، ولا نشور، ولا حساب. " ومن خلفهم ". من قبل الدنيا يذكرهم الشح، والضن بالأموال، ولما يتركون خلفهم من الضيعة والعيال، فلا ينتفعون منه بشيء. " وعن أيمانهم ". قال: من قبل الدين، والحسب. " وعن شمائلهم ". قال: من قبل الشهوات والمعاصي " ولا تجد أكثرهم شاكرين ". سعيد بن شمر شيخ من أهل دمشق. حدث عمن حدثه عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال: رأيت رجلاً قد اصطلمت أذنه، فقلت: يا عبد الله، ما الذي فعل بك ما أرى؟ قال: كنت مع علي أيام الجمل، فلما انهزم أهل البصرة خرجت، فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول: من الطويل لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فلم ننصرف إلا ونحن رواء لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه ... وأشياعها مستبعدٌ ومناء أطعنا قريشاً ضلةً من حلومنا ... وطاعتنا أهل الحجاز شقاء

سعيد بن العاص بن أبي أحيحة

كفينا بني تيم بن مرة ما جنت ... وما التيم إلا أعبدٌ وإماء قال: فقلت له: يا أبا عبد الله، قل: لا إله إلا الله. قال: أوص بها أمك فهي أحقٌ بها، أتأمرني بالجزع عند الموت؟ فلما وليت ناداني فقال: يا عبد الله، قد قبلتها، فادن مني، ولقنيها، وأسمعني، فإن في أذني وقراً. قال: فدنوت منه، فجعلت ألقنه إياها، فأزم أذني فاقتطعها، ثم قال: أخبر أمك أن الذي فعل هذا بك عمير بن الأهلب الضبي. سعيد بن العاص بن أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عثمان ويقال: أبو عبد الرحمن الأموي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله عنه رواية. وقتل أبوه العاص بن سعيد يوم بدرٍ كافراً. وكان سعيد عامل عثمان على الكوفة، واستعمله معاوية على المدينة غير مرة. وقدم على معاوية بعد استقرار الأمر له، ولم يدخل معه في شيء من حروبه، وكانت له بدمشق دار، كانت بعده تعرف بدار نعيم، وحمام نعيم بنواحي الديماس. ثم رجع سعيد إلى المدينة، ومات بها. وكان كريماً جواداً ممدحاً. حدث سعيد بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية ". حدث سعيد بن عمرو بن سعيد أنه سمع أباه يوم المرج يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لولا أني سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله سيعز هذا الدين بنصارى من ربيعة على شاطىء الفرات. ما تركت عربياً إلا قتلته أو يسلم.

وعن ابن عمر قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببردٍ فقالت: إني نويت أن أعطي هذا الثوب أكرم العرب، فقال: أعطيه هذا الغلام، يعني: سعيد بن العاص، وهو واقف: فلذلك سميت الثياب السعيدية. ومن حديثٍ: قال عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص: ما لي أراك معرضاً؟ كأنك ترى أني قتلت أباك! ما أنا قتلته، ولكن قتله علي بن أبي طالب، ولو قتلته ما اعتذرت من قتل مشرك، ولكني قتلت خالي بيدي: العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. فقال سعيد بن العاص: يا أمير المؤمنين، لو قتلته كنت على حق، وكان على باطل. فسر ذلك عمر منه. قالوا: ولم يزل سعيد بن العاص في ناحية عثمان بن عفان للقرابة. فلما عزل عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن الكوفة، دعا سعيد بن العاص فاستعمله عليها. فلما قدم الكوفة قدمها شاباً مترفاً، ليست له سابقة، فقال: لا أصعد المنبر حتى يطهر. فأمر به فغسل، ثم صعد المنبر، فخطب أهل الكوفة، وتكلم بكلام، قصر بهم فيه، ونسبهم إلى الشقاق والخلاف، فقال: إنما هو السواد بستانٌ لأغيلمة من قريش. فشكوه إلى عثمان. فقال: كلما رأى أحدكم من أمير جفوة أرادنا أن نعزله؟! وقدم سعيد بن العاص المدينة وافداً على عثمان، فبعث إلى وجوه المهاجرين والأنصار بصلاتٍ وكسًى، وبعث إلى علي بن أبي طالب أيضاً، فقبل ما بعث به إليه، وقال علي: إن بني أمية ليفوقوني تراث محمد تفوقاً، والله لئن بقيت لهم لأنفضنهم من ذلك نفض القصاب الثراب الوذمة. ثم انصرف سعيد بن العاص إلى الكوفة، فأضر بأهلها إضراراً شديداً، وعمل عليها خمس سنين إلا أشهراً.

وقال مرة بالكوفة: من رأى الهلال منكم؟ وذلك في فطر رمضان فقال القوم: ما رأيناه. فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أنا رأيته. فقال له سعيد: بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم؟ فقال هاشم: تعيرني بعيني وإنما فقئت في سبيل الله وكانت عينه أصيبت يوم اليرموك ثم أصبح هاشم في داره مفطراً، وغدى الناس عنده فبلغ ذلك سعيد بن العاص، فأرسل إليه، فضربه، وحرق داره. فخرجت أم الحكم بنت عتبة بن أبي وقاص وكانت من المهاجرات ونافع بن عتبة بن أبي وقاص من الكوفة حتى قدما المدينة فذكرا لسعد بن أبي وقاص ما صنع سعيد بهاشم، فأتى سعد عثمان، فذكر ذلك له، فقال عثمان: سعيد لكم بهاشم اضربوه بضربه، ودار سعيد لكم بدار هاشم فاحرقوها كما حرق داره. فخرج عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو يومئذٍ غلام يسعى حتى أشعل النار في دار سعيد بالمدينة، فبلغ الخبر عائشة رضي الله عنها، فأرسلت إلى سعد بن أبي وقاص تطلب إليه، وتسأله أن يكف، ففعل، ورحل من الكوفة إلى عثمان الأشتر مالك بن الحارث، ويزيد بن مكنف، وثابت بن قيس، وكميل بن زياد النخعي، وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان، والحارث بن عبد الله الأعور، وجندب بن زهير وأبو زينب الأزديان، وأصفر بن قيس الحارثي، يسألونه عزل سعيد بن العاص عنهم. ورحل سعيد وافداً على عثمان، فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله عنهم، وأمره أن يرجع إلى عمله، فخرج الأشتر من ليلته في نفرٍ من أصحابه، فسار عشر ليالٍ إلى الكوفة، واستولى عليها، وصعد على المنبر، فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن هذا السواد بستان لأغيلمةٍ من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم، ومراكز رماحكم وفيئكم وفيء آبائكم، فمن كان يرى لله عليه حقاً فلينهض إلى الجرعة. فخرج الناس فعسكروا بالجرعة وهي بين الكوفة والحيرة وأقبل سعيد بن العاص حتى نزل العذيب، فدعا الأشتر يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي وكانا محربين فعقد لكل واحد منهما على خمس مئة فارس وقال لهما: سيرا إلى سعيد بن العاص، فأزعجاه، وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه، وائتياني برأسه. فأتياه، فقالا له: ارحل إلى صاحبك فقال: إبلي أنضاءٌ أعلفها أياماً، ونقدم المصر، فنشتري حوائجنا، ونتزود، ثم أرتحل. فقالا: لا والله

ولا ساعةً، لترتحلن أو لنضربن عنقك. فلما رأى الجد منهما ارتحل لاحقاً بعثمان، وأتيا الأشتر فأخبراه، وانصرف الأشتر من معسكره إلى الكوفة، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: والله يا أهل الكوفة، ما غضبت إلا لله ولكم. قد ألحقنا هذا الرجل بصاحبه، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم وثغركم، وحذيفة بن اليمان على فيئكم، ثم نزل، وقال: يا أبا موسى، اصعد. فقال أبو موسى: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين عثمان، وجددوا له البيعة في أعناقكم. فأجابه الناس إلى ذلك، فقبل ولايتهم، وجدد البيعة لعثمان في رقابهم، وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب ذلك عثمان وسره، فقال عتبة بن الوغل شاعر أهل الكوفة: من الطويل تصدق علينا يا بن عفان واحتسب ... وأمر علينا الأشعري ليالي فقال عثمان: نعم وشهوراً وسنين إن بقيت. وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد بن العاص أول وهنٍ دخل على عثمان حين اجترىء عليه، ولم يزل أبو موسى والياً لعثمان على الكوفة حتى قتل عثمان، ولم يزل سعيد بن العاص حين رجع عن الكوفة بالمدينة حتى وثب الناس بعثمان فحصروه، فلم يزل سعيد في الدار معه يلزمه فيمن يلزمه، لم يفارقه، ويقاتل دونه. قالوا: فلما خرج طلحة، الزبير، وعائشة من مكة يريدون البصرة خرج معهم سعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، والمغيرة بن شعبة. فلما نزلوا مر الظهران ويقال: ذات عرق قام سعيد بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن عثمان عاش في الدنيا حميداً، وخرج منها فقيداً، وتوفي سعيداً شهيداً، فضاعف الله حسناته، وحط سيئاته، ورفع درجاته: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ". وقد زعمتم أيها الناس، أنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان، فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها، فميلوا عليهم بأسيافكم، وإلا فانصرفوا إلى

منازلكم، ولا تقتلوا في رضى المخلوقين أنفسكم، ولا يغني الناس عنكم يوم القيامة شيئاً. فقال مروان بن الحكم: لا بل نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل كان الظفر فيه، ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن ضعيف. وقام المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الرأي ما رأى سعيد بن العاص، من كان من هوازن فأحب أن يتبعني فليفعل. فتبعه منهم أناسٌ، وخرج حتى نزل الطائف، فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين، ورجع سعيد بن العاص بمن اتبعه حتى نزل مكة، فلم يزل بها حتى مضى الجمل وصفين. ومضى طلحة والزبير، وعائشة، ومعهم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ومروان بن الحكم، ومن اتبعهم من قريش وغيرهم إلى البصرة، فشهدوا وقعة الجمل. فلما ولي معاوية الخلافة ولى مروان بن الحكم المدينة، ثم عزله وولاها سعيد بن العاص، ثم عزله، وولاها مروان بن الحكم ثم عزله وولاها سعيد بن العاص، فمات الحسن بن علي بن أبي طالب في ولايته تلك سنة خمسين بالمدينة، فصلى عليه سعيد بن العاص. قدم محمد بن عقيل بن أبي طالب على أبيه وهو بمكة فقال: ما أقدمك يا بني؟ قال: قدمت لأن قريشاً تفاخرني، فأردت أن أعلم أشرف الناس. قال: أنا، وابن أمي، ثم حسبك بسعيد بن العاص. وعن قبيصة بن جابر قال: بعثني زياد إلى معاوية في حوائج، فلما فرغت منها قلت له: يا أمير المؤمنين، كل ما جئت له فقد فرغت منه، وبقيت لي حاجة، أصدرها في مصادرها. قال: وما هي؟ قلت: من لهذه الأمة بعدك؟ قال: وما أنت من ذاك؟ فقلت: ولم يا أمير المؤمنين؟ فوالله إني لقريب القرابة، عظيم الشرف، ناصح الجيب، واد الصدر، فسكت ساعة، ثم قال: بين أربعة من بني عبد مناف: كرمة قريش سعيد بن العاص، وفتى قريش حياءً

ودهاءً وسخاءً عبد الله بن عامر، وأما الحسن بن علي فرجل سيد كريم، وأما القارىء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله فمروان بن الحكم، وأما رجل نفسه فعبد الله بن عمر، وأما رجل يرد الشريعة مع دواهي السباع، ويروغ روغان الثعلب فعبد الله بن الزبير. وعن محمد بن سيرين: أن عثمان بن عفان جمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار منهم: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، يعني لكتابة المصحف. وعن سعيد بن عبد العزيز: أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية لأنه كان أشبههم لهجةً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال سعيد: وقتل العاص مشركاً يوم بدر، ومات سعيد بن العاص قبل بدرٍ مشركاً. وعن عبد الله بن ساعدة قال: جاء سعيد بن العاص إلى عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، إلى متى تمسك بأيدينا؟ قد أكلنا أكلاً هؤلاء القوم: منهم من رمى بالنبل، ومنهم من قد رمى بالحجارة، ومنهم شاهرٌ سيفه! فمرنا بأمرك. فقال عثمان: إني والله ما أريد قتالهم، ولو أردت قتالهم لرجوت أن أمتنع منهم، ولكني أكلهم إلى الله عز وجل، وأكل من ألبهم علي إلى الله، فإنا سنجمع عند ربنا، فأما قتالٌ، فوالله ما آمرك بقتال. فقال سعيد: والله لا أسأل عنك أحداً أبداً. فخرج فقاتل حتى أم. حدث محمد بن المنكدر قال: أهدى سعيد بن العاص هدايا لأهل المدينة، وقال لرسوله: لا تعذرني إلا عند علي بن أبي طالب، وقل له: ما فضلت عليك أحداً في الهدية إلا أمير المؤمنين عثمان. فقال علي لما قال له الرسول ذلك: لشد ما نفست علي أمية وضايقتني، والله لئن وليتها لأنفضنها

نقض القصاب الثراب الوذمة. قال: فقال الأصمعي: التراب، فقال شعبة: ما سمعته إلا الثراب بالثاء. فتحاكما إلى أبي عمرو، فحكم كما قال شعبة. قال أبو محكم: الصواب ما قال شعبة، وحكم به أبو عمرو. قال الثوري: صحف الأصمعي وأصاب شعبة. والثراب: الكروش، يقال: هذه كروش ثربة. والوذمة: ذات زوائد شبهت بوذام الدلو، وقال أبو بكر بن دريد: قولهم التراب الوذمة خطأ، وإن أصحاب الحديث قلبوه، وإنما هو الوذام التربة: قال: وأصله أن كل سير قددته مستطيلاً فهو وذم، وكذلك اللحم والكرش وما أشبهه. قال سليمان بن زياد: كان بين سعيد بن العاص وبين قوم من بني أمية منازعة، فجاءت سعيداً ولاية المدينة من قبل معاوية، فقال: لا أنتصر وأنا والٍ، فترك منازعة القوم. كان معاوية يولي المدينة مروان بن الحكم سنة وسعيد بن العاص سنة، فلما كان في ولاية سعيد كتب إليه معاوية: بلغني أن مروان ابتنى داراً، وأنه خرج في الطريق. فإذا أتاك كتابي هذا فاهدم داره. فقال سعيد: يا جارية، خذي هذا الكتاب فضعيه في الصندوق. فلم يزل يكتب إليه في ولايته تيك، ويأمر باحتفاظ الكتب، لا ينفذ أمره فيما كتب به. ثم ولى مروان فكتب إليه بنظير الكتب التي كتب بها إلى سعيد في مروان، فمضى إلى دار سعيد بالفعلة، وسعيد قد صلى الغداة في المسجد مستقبلاً القبلة فجاء خادم له بخبر مروان، فخرج سعيد، فأخذ بيد مروان، فأدخله الدار، وأخبره مروان بالذي جاء له: فقال سعيد: يا جارية، هاتي الكتب فجاءت بكتب معاوية، فرمى بها إلى مروان. فلما قرأها قال: دواةً وقرطاساً، فكتب إلى معاوية: من الوافر كتبت إلي تأمرني بعقٍ ... كما قبلي كتبت إلى سعيد فلما أن عصاك أردت حملي ... على ملساء تزلق بالسديد لأقطع واصلاً وأخا حفاظٍ ... فرأيك ليس بالرأي الرشيد ولما مات الحسن بن علي بعث مروان بن الحكم إلى معاوية يخبره أنه مات، قال:

وبعث سعيد بن العاص رسولاً آخر يخبره بذلك، وكتب مروان يخبره بما أوصى به حسن من دفنه مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن ذلك لا يكون وأنا حي، ولم يذكر ذلك سعيد، فلما دفن حسن بن علي بالبقيع أرسل مروان بريداً آخر يخبره بما كان من ذلك، ومن قيامه ببني أمية ومواليهم، وأني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي ولبسنا السلاح، وأحضرت معي من اتبعني، ألفي رجل، فلم يزل الله بمنه وفضله يدرأ ذلك أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالثاً أبداً، حيث لم يكن أمير المؤمنين عثمان مظلوم رحمه الله، وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا، فكتب معاوية إلى مروان يشكر له ما صنع، واستعمله على المدينة، ونزع سعيد بن العاص، وكتب إلى مروان: إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلاً ولا كثيراً إلا قبضته. فلما جاء الكتاب إلى مروان بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد يخبره بكتاب أمير المؤمنين، فلما قرأه سعيد بن العاص صاح بجارية له: هات كتابي أمير المؤمنين، فطلعت عليه بكتابين فقال لعبد الملك: اقرأهما، فإذا فيهما كتاب من معاوية إلى سعيد بن العاص، يأمره حين عزل مروان بقبض أموال مروان التي بذي المروة، والتي بالسويداء، والتي بذي خشب ولا يدع له عذقاً واحداً. فقال: أخبر أباك؟ فجزاه عبد الملك خيراً، فقال سعيد: والله، لولا أنك جئتني بهذا الكتاب ما ذكرت مما ترى حرفاً واحداً. قال: فجاء عبد الملك بالخبر إلى أبيه قال: هو كان أوصل لنا منا له. قال صالح بن كيسان: كان سعيد بن العاص رجلاً حليماً وقوراً، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار قد كاد أن يخف منها بعض الخفة، وهو على ذلك من أوقر الرجال. وكان مروان رجلاً حديداً، حديد اللسان، سريع الجواب، ذلق اللسان، قلما صبر أن يكون في صدره شيء من حب أحد أو بغضه إلا ذكره، وكان سعيد خلاف ذلك، كان من أحب صبر عن ذكر ذلك ومن أبغض فمثل ذلك، ويقول: إن الأمور تغير والقلوب تغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحاً اليوم عائباً غداً.

قال عمير بن إسحاق: كان مروان بن الحكم أميراً علينا بالمدينة سنة ستين فكان يسب علياً عليه السلام في الجمع كذلك، ثم عزل، فاستعمل علينا سعيد بن العاص، فكان لا يسب علياً. خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب، وبعث إليها بمئة ألف، فدخل عليها الحسين، فشاورته، فقال: لا تزوجيه. فأرسلت إلى الحسن فقال: أنا أزوجه، فاتعدوا لذلك، وحضر الحسن، وأتاهم سعيد ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله؟ قال الحسن: أكفيك دونه، قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا يا أبا محمد؟ قال: قد كان وأكفيكه، قال: إذاً لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض في المال، ولم يأخذ منه شيئاً. وفي حديث آخر بمعناه: أنه لما خطبها أنعمت له، فبلغ ذلك إخوتها فكرهوه، وثقل عليهم، وكلموها كلاماً شديداً، وقد كانت وعدت سعيداً موعداً، فدعت ابنها زيد بن عمر بن الخطاب وهو يومئذ غلام صغير وبسطت دارها، ووضعت فيها سريراً، ثم قالت: إذا جاء سعيد بن العاص فزوجنيه. وقد كان سعيد وعد ناساً، وأرسل إليهم ليحضروا تزويجه، فحضروه في المسجد، فلما اجتمعوا إليه قال: إني دعوتكم لأمرٍ ثم بدا لي غيره، إني كنت خطبت أم كلثوم فأنعمت، والله ما كنت لأدخل على ابني فاطمة بأمر يكرهانه. ثم التفت إلى كعبٍ مولاه فقال: انظر إلى المئتي ألف درهم التي هيأت لابنة علي، اذهب بها إليها، وقل لها: يقول لك ابن عمك: إنا كنا هيأنا لك هذه فاقبضيها صلة منا لك. قال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا سأله سائلٌ فلم يكن عنده شيء قال: اكتب علي بمسألتك سجلاً إلى يوم ميسرتي. وكان سعيد بن العاص يدعو إخوانه وجيرته في كل جمعة يوماً، فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم الثياب الفاخرة، ويأمر لهم بالجوائز الواسعة، ويبعث إلى عيالاتهم بالبر

الكثير، وكان يوجه مولى له في كل ليلة جمعة، فيدخل المسجد ومعه صرر فيها دنانير فيضعها بين يدي المصلين، فكان قد كثر المصلون في كل ليلة جمعة في مسجد الكوفة. قال عبد الأعلى بن حماد: استسقى سعيد بن العاص من دار بالمدينة، فسقوه، ثم حضر صاحب الدار في الوقت مع جماعة، فعرض الدار على البيع، وكان عليه أربعة آلاف دينار، فبلغه أن صاحب الدار يريد بيع داره، فقال لغلام له: لم يبيع هذا الرجل داره؟ فقال: عليه أربعة آلاف دينار دينٌ. قال سعيد: إن له لحرمة وذماماً علينا، لسقيه إيانا. فركب إليه فخافضه، فقال له: السلام عليك، وقال لغريمه: كم لك عليه؟ قال أربعة آلاف دينار. قال: أترضى بضمانها؟ قال: نعم. قال له: فمر وهي لك علي، وقال لصاحب الدار: لتستمتع بدارك. أتى أعرابي سعيد بن العاص فسأله شيئاً، فقال: يا غلام، أعطه خمس مئة، فذهب، ورجع فقال: خمس مئة درهم، أم خمس مئة دينار؟ فقال سعيد: ويحك ما أردت إلا الدراهم! فإذا توهمت الدنانير فأعطه الدنانير. قال: فقبضها الأعرابي، ثم جلس يبكي: فقال له سعيد: ما يبكيك! أليس قد قضى الله حاجتك؟ قال: بلى، ولكن أبكي على الأرض تأكل مثلك. قدم أعرابي المدينة يطلب في أربع ديات خملها، فقيل له: عليك بحسن بن علي، عليك بعبد الله بن جعفر، عليك بسعيد بن العاص، عليك بعبيد الله بن العباس. فدخل المسجد، فرأى رجلاً يخرج ومعه جماعة، فقال: من هذا؟ فقيل: سعيد بن العاص. فقال: هذا أحد أصحابي الذين ذكروا لي. فمشى معه، فأخبره بالذي قدم له، ومن ذكر له، وأنه أحدهم، وهو ساكت لا يجيبه. فلما بلغ باب منزله قال لخازنه: قل لهذا الأعرابي فليأت بمن يحمل له. فقيل له: إيت بمن يحمل لك. قال: عافى الله سعيداً، إنما سألناه ورقاً، لم نسأله تمراً! قال: ويحك! إيت بمن يحمل لك. فأخرج إليه أربعين ألفاً، فاحتملها الأعرابي، ومضى إلى البادية، ولم يلق غيره.

كان سعيد بن العاص والياً لمعاوية على المدينة، فأصاب الناس سنة فأقحموا، فأطعمهم سعيد حتى أنفق ما في بيت المال، فكتب إلى معاوية، فغضب وقال: لم يرض أن أنفق مالنا حتى ادان؟ فعزله، فلما احتضر دعا ابنه عمراً فقال: إني قد رضيت غيبتك وشهادتك، فانظر ديني فاقضه، واكسر فيه أموالي، ولا يعطه عني معاوية، وانظر بناتي، فلتكن قبورهن بيوتهن إلا من الأكفاء، وانظر إخواني لا يفقدوني، احفظ منهم ما كنت أحفظ. فلما بلغ معاوية موته قال: رحم الله أبا عثمان، مات من هو أكبر مني ومن هو أصغر مني: من الطويل إذا سار من دون امرىءٍ وأمامه ... وأوحش من إخوانه فهو سائر لما حضرت سعيد بن العاص الوفاة قال لبنيه: أيكم يقبل وصيتي؟ فقال ابنه الأكبر: أنا يا أبه. قال: إن فيها قضاء ديني! قال: وما دينك يا أبه؟ قال: ثمانون ألف دينار. قال: يا أبه وفيم أخذتها؟ قال: يا بني، في كريم سددت به منه خلة، وفي رجل جاءني في حاجة ودمه ينزو في وجهه من الحياء، فبدأته بحاجته قبل أن يسألنيها. قال سعيد بن العاص لابنه: يا بني، أخزى الله المعروف إذا لم يكن ابتداءً عن غير مسألة، فأما إذا أتاك تكاد ترى دمه في وجهه، ومخاطراً لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله لو خرجت له من جميع مالك ما كافأته. قال سعيد بن العاص: ما أدري كيف أكافىء رجلاً بات يقسم ظنه، فلا يقع إلا علي، أصبح يتخطى الناس، ويتخطى المجالس والأحياء حتى يكرمني بنفسه، ويؤنسني بحديثه، غدا التجار إلى تجاراتهم، وغدا إلي في حاجته، فإن كان أخسهم فأخس الله حظي يوم القيامة. قال سعيد بن العاص: يا بني، إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام.

ولكنها كريهة مرة، لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها، ورجا ثوابها، وأنشد أبو جعفر مولى بني هاشم: من الكامل كل الأمور تزول عنك وتنقضي ... إلا الثناء فإنه لك باق ولو نني خيرت كل فضيلةٍ ... ما اخترت غير مكارم الأخلاق قال سعيد بن العاص: لجليسي علي ثلاث خصال: إذا أقبل وسعت له، وإذا جلس أقبلت عليه، وإذا حدث سمعت منه. قال سعيد بن العاص لابنه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فتهون عليه. خطب سعيد بن العاص فقال في خطبته: من رزقه الله حسناً فليكن أسعد الناس به، إنما يتركه لأحد رجلين: إما مصلح فلا يقل عليه شيء، وإما مفسد فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرف الكلام. لما ولي سعيد بن العاص الكوفة أتته هند بنت النعمان مترهبةً معها جوارٍ قد ترهبن، ولبسن المسوح، فاستأذنت، فأذن لها، فدخلت فأجلسها على فرشه، وكلمته في حاجات لها، فقضاها، فلما قامت قالت: أصلح الله الأمير، ألا أحييك بكلمات كانت الملوك تحيى بهن قبلك؟ قال سعيد: بلى. قالت: لا جعل الله لك إلى لئيم حاجةً، ولا زالت المنة لك في أعناق الكرام، وإذا أزال عن كريم نعمةً فجعلك الله سبباً في ردها إليه. كان دين سعيد بن العاص ثلاثة آلاف ألف درهم، فاشترى معاوية من عمرو بن سعيد بن العاص القصر بألف ألف، والمزارع بألف ألف، والنخل بألف ألف درهم. وولد سعيد بن العاص محمداً، وعثمان الأكبر، وعمراً يقال له الأشدق، ورجالاً درجوا، وأمهم أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص أخت مروان بن الحكم لأبيه وأمه. ومات سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة، ودفن بالبقيع وأوصى إلى ابنه عمرو الأشدق، وأمره أن يدفنه

بالبقيع. قال: إن قليلاً لي عند قومي في بري بهم أن يحملوني على رقابهم من العرصة إلى البقيع، ففعلوا، وأمر ابنه عمراً إذا دفنه أن يركب إلى معاوية فينعاه، ويبيعه منزله بالعرصة، وكان منزلاً قد اتخذه سعيد، وغرس فيه النخل، وزرع فيه، وبنى فيه قصراً معجباً، ولذلك القصر يقول أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة: من البسيط القصر ذو النخل فالجماء فوقهما ... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون وقال لابنه عمرو: إن منزلي هذا ليس من العقد، إنما هو منزل برهة، فبعه من معاوية، واقض عني ديني ومواعيدي، ولا تقبل من معاوية قضاء ديني فتزودنيه إلى ربي. فلما دفنه عمرو وقف الناس بالبقيع، فعزوه، ثم ركب رواحله إلى معاوية، فقدم عليه، فنعاه له أول الناس، فاسترجع معاوية، ثم ترحم عليه، وتوجع لموته، ثم قال: هل ترك من دين؟ قال: نعم، قال: وكم؟ قال: ثلاث مئة ألف درهم. قال: هي علي. قال: قد أبى ذلك، وأمرني أن أقضي عنه من أمواله، أبيع ما استباع منها. قال: فعرصني ما شئت. قال: أنفسها وأحبها إلينا وإليه في حياته منزله بالعرصة، فقال معاوية: هيهات، لا، تبيعون هذا المنزل؟ انظر غيره، قال: فما نصنع؟ نحن نحب تعجيل قضاء دينه، فقال: قد أخذته بثلاث مئة ألف درهم. قال: اجعلها بالوافية، يريد دراهم فارس، الدرهم زنة المثقال الذهب، قال: قد فعلت. قال: واجعلها بالوافقة، يريد دراهم فارس، الدرهم زنة المثقال الذهب، قال: قد فعلت. قال: واحملها لي إلى المدينة. قال: وأفعل. قال: فحملها له، فقدم عمرو بن سعيد فجعل يصرفها في ديونه ويحاسبهم بمئتي الدراهم الوافية وهي البغلية وهي الدراهم الجواز وهي تنقص في العشرة ثلاثة، كل سبعة بالبغلية عشرة بالجواز حتى أتاه فتى من قريش، يذكر حقاً له في كراع أديم بعشرين ألف درهم على سعيد بن العاص بخط مولى لسعيد كان يقوم لسعيد على بعض

نفقاته وشهادة سعيد على نفسه بخط سعيد، فعرف خط المولى وخط أبيه وأنكر أن يكون للفتى وهو صعلوك من قريش هذا المال، فأرسل إلى مولى أبيه، فدفع إليه الصك، فلما قرأه المولى بكى ثم قال: نعم أعرف هذا الصك، وهو حق، دعاني مولاي فقال لي وهذا الفتى عنده على بابه معه هذه القطعة الأديم: اكتب، فكتبت بإملائه هذا الحق. فقال عمرو: وما سبب مالك هذا؟ قال: رأيته وهو معزول يمشي وحدهن فقمت فمشيت معه، حتى بلغ داره، ثم وقف، فقال: هل لك من حاجةٍ: فقلت: لا إله أني رأيتك تمشي وحدك، فأحببت أن أصل جناحك. فقال: وصلتك رحمٌ يا بن أخي. ثم قال: ابغني قطعة أديم، فأتيت جزاراً عند باب داره، فأخذت منه هذه القطعة، فدعا مولاه هذا فقال: اكتب. فكتب وأملاه، وكتب فيه شهادته على نفسه، ثم دفعه إلي وقال: يا بن أخي، ليس عندنا اليوم شيء، فخذ هذا الكتاب، فإذا أتانا شيء فأتنا به إن شاء الله. فمات رحمه الله قبل أن يأتيه شيء. قال عمرو: لا جرم، لا تأخذها إلا وافية، فدفعها إليه كل سبع باثنتي عشرة جوازاً. قال عوانة: لما توفي سعيد بن العاص قيل لمعاوية: توفي سعيد بن العاص، فقال معاوية: ما مات رجل ترك عمراً. وقيل له: توفي ابن عامر، فقال: لم يدع خلفاً ابن عامر، وكان سعيد وابن عامر ماتا في عام واحد في سنة ثمان وخمسين، كانت بينهما جمعة، ومات سعيد قبل ابن عامر. قال مسدد: مات سعيد بن العاص، وأبو هريرة، وعائشة، وعبد الله بن عامر سنة سبع أو ثمان وخمسين. وقيل: توفي سعيد بن العاص سنة تسع وخمسين.

سعيد بن عامر بن حذيم

سعيد بن عامر بن حذيم ابن سلامان بن ربيعة بن سعد بن جمح الجمحي له صحبة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث سعيد بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يجيء فقراء المسلمين يزفون كما يزف الحمام، ويقال لهم: قفوا للحساب، فيقولون: والله ما أعطيتمونا شيئاً تحاسبونا به. فيقول الله عز وجل: صدق عبادي. فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاماً. وفي حديث آخر بمعناه: أدخلوه الجنة بغير حساب. وعن سعيد بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى أهل الأرض لملأت الأرض ريح المسك، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر. وفي رواية: وإني والله ما كنت لأختارك عليهن ودفع يده في صدرها، يعني امرأته. وعن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعيد بن عامر الجمحي فقال: إنا مستعملوك على هؤلاء، تسير بهم إلى أرض العدو، فتجاهد بهم. فقال: يا عمر لا تفتني. فقال عمر: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مني! إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم، ولست أبعثك لتضرب أيسارهم، ولا تنتهك أعراضهم، ولكن تجاهد بهم عدوهم، وتقسم بينهم فيئهم. فقال: اتق الله يا عمر، أحب لأهل الإسلام ما تحب لنفسك، وأقم وجهك وقضاءك لمن استرعاك الله من قريب المسلمين وبعيدهم، ولا تقض في أمر واحد

بقضاءين، فيختلف عليك أمرك، وتنزع عن الحق، والزم الأمر ذا الحجة يعنك الله على ما ولاك. وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته، ولا تخش في الله لومة لائم. قال: فقال عمر: ويحك يا سعيد، من يطيق هذا؟ قال: من وضع الله في عنقه مثل الذي وضع في عنقك، إنما عليك أن تأمر فيطاع أمرك، أو يترك فتكون لك الحجة. قال: فقال عمر: إنا سنجعل لك رزقاً. قال: لقد أعطيت ما يكفيني دونه يعني عطاءه وما أنا بمزداد من مال المسلمين شيئاً. قال: فكان إذا خرج عطاؤه نظر إلى قوت أهله من طعامهم وكسوتهم وما يصلحهم، فيعزله، وينظر إلى بقيته فيتصدق به، فيقول أهله: أين بقية المال؟ فيقول: أقرضته. قال: فأتاه نفر من قومه فقالوا: إن لأهلك عليك حقاً، وإن لأصهارك عليك حقاً، وإن لقومك عليك حقاً. قال: ما أستأثر عليهم، إن يدي لمع أيديهم، وما أنا بطالب أو ملتمس رضاء أحد من الناس بطلبي الحور العين، لو اطلعت منهم واحدة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس، وما أنا بمختلف عن العنق الأول بعد إذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يجيء فقراء المسلمين يدفون كما يدف الحمام. فيقال لهم: قفوا للحساب. فيقولون: والله ما تركنا شيئاً نحاسب به. فيقول الله: صدق عبادي. فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاماً. وعن شهر بن حوشب قال: لما قدم عمر حمص أمرهم أن يكتبوا له فقراءهم، فرفع الكتاب فإذا فيه سعيد بن عامر، قال: من سعيد بن عامر؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، أميرنا. قال: وأميركم فقير؟ قالوا: نعم، فعجب، فقال: كيف يكون أميركم فقيراً؟ أين عطاؤه، وأين رزقه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يمسك شيئاً. قال: فبكى عمر حتى عمد إلى ألف دينار فصرها، وبعث بها إليه، وقال: أقرئوه مني السلام، وقولوا له: بعث بها إليك أمير المؤمنين، فاستعن بها على حاجتك، قال: فجاء بها إليه الرسول، فنظر إليها فإذا هي دنانير، فجعل يسترجع، فقالت له امرأته: ما شأنك؟ أصيب أمير المؤمنين؟ قال: أعظم. قال: فظهرت آية؟ قال: أعظم من ذلك. قالت: فأمر من الساعة؟ قال: بل أعظم من

ذلك. قالت: فما شأنك؟ قال: الدنيا أتتني، الفتنة أتتني حتى حلت علي. قالت: فاصنع فيها ما شئت. قال لها: عندك عون؟ قالت: نعم. قال: ائتني به. قال: فأته بخمارها فصرها صرراً، ثم جعلها في مخلاة، ثم بات يصلي، حتى إذا أصبح، ثم اعترض بها جيشاً من جنود المسلمين، فأمضاها كلها، فقالت له امرأته: لو كنت حبست منها شيئاً نستعين به! فقال لها: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لو اطلعت امرأة من نساء الجنة إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك، فإني والله ما أختار عليهن، فسكتت. وكان عمر قد ولى سعيد بن عامر بعض أجناد الشام، فبلغ عمر أنه يصيبه لممٌ، فأمره بالقدوم عليه، فقدم عليه، وكان زاهداً، فلم ير معه إلا مزوداً، وعكازه، وقدحا، ً فقال له عمر: ما معك إلا ما رأى؟ قال له سعيد: وما أكثرها من هذا! عكازٌ أحمل به زادي، وقدح آكل فيه. قال له عمر: أبك لمم؟ قال: لا، قال: فما غشية بلغني أنها تصيبك؟ قال: حضرت خبيب بن عدي حين صلب، فدعا على قريش، وأنا فيهم، فربما ذكرت ذلك فأجد فترةً حتى يغشى علي، فقال له عمر: ارجع إلى عملك. فأبى، وناشده إلا أعفاه. أسلم سعيد بن عامر قبل خيبر، وهاجر إلى المدينة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر، وما بعد ذلك من المشاهد. ومات سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب. وقيل: سنة إحدى وعشرين بحمص. وقيل: مات بالرقة سنة ثماني عشرة وقبره بها. وقيل: مات وهو أمير قيسارية سنة تسع عشرة، وكان حضر قتل خبيب بن عدي بالتنعيم، وكان يصيبه من ذكره غشية. بلغ سعيد بن عامر أن أبا بكر يريد أن يبعثه، وأنه قد كتب ذلك إلى يزيد بن أبي سفيان، فلما أبطأ عليه ذلك، ومكث أياماً لا يذكر ذلك له أبو بكر، فقال: يا أبا بكر،

والله لقد بلغني أنك أرددت أن تبعثني في هذا الوجه، ثم رأيتك قد سكت، فما أدري ما بدا لك، فإن كنت تريد أن تبعث غيري فابعثني معه، فما أرضاني بذلك. وإن كنت لا تريد أن تبعث أحداً فما أرغبني في الجهاد، إيذن لي رحمك الله حتى ألحق بالمسلمين، فقد ذكر لي أنه قد جمعت لهم جموع عظيمة. فقال له أبو بكر: رحمك الله، الله أرحم الراحمين يا سعيد، فإنك ما علمت من المتواضعين، المتواصلين، المخبتين، المتجدين بالأسحار، الذاكرين الله كثيراً. فقال سعيد: يرحمك الله، نعم الله علي أفضل، له الطول والمن، وأنت ما علمتك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدوقٌ بالحق، قوام بالقسط، رحيمٌ بالمؤمنين، شديد على الكافرين، تحكم بالعدل، ولا تستأثر بالقسم. فقال له: حسبك يا سعيد، اخرج، رحمك الله فتجهز، فإني باعثٌ إلى المؤمنين جيشاً ممداً لهم، ومؤمرك عليهم، وأمر بلالاً فنادى في الناس: ألا انتدبوا أيها الناس مع سعيد بن عامر إلى الشام. قال: فانتدب معه جيش من المسلمين في أيام. قال: وجاء سعيد بن عامر، ومعه راحلته، حتى وقف على باب أبي بكر، والمسلمون جلوس، فقال لهم سعيد، أما إن هذه الوجه وجه رحمةٍ وبركة، اللهم فإن قضيت لنا يعني البقاء فعلى عادتك، وإن قضيت علينا الفرقة فإلى رحمتك، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام. ثم ولى سائراً. قال: وأمره أبو بكر أن يسير حتى يلحق بيزيد بن أبي سفيان. قالوا: فقال أبو بكر: عباد الله، ادعوا الله أن يصحب صاحبكم وإخوانكم معه، ويسلمهم، فارفعوا أيديكم رحمكم الله أجمعين. فرفع القوم أيديهم، وهم أكثر من خمسين، فقال علي: ما رفع عدة من المسلمين أيديهم إلى ربهم يسألونه شيئاً إلا استجاب لهم، ما لم يكن معصية أو قطيعة رحم. وقال حسين بن ضمرة: قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ما رفع أربعون رجلاً أيديهم إلى الله يسألونه شيئاً إلا أعطاهم إياه. قال: فبلغ ذلك سعيداً بعدما وقع إلى الشام ولقي العدو، فقال: حم الله إخواني، ليتهم لم يكونوا دعوا لي، قد كنت خرجت، وإني على الشهادة لحريص، فما هو إلا أن لقيت العدو فعصمني الله من الهزيمة والفرار، وذهب من نفسي ما كنت أعرف من حبي الشهادة، فلما أن أخبرت أن إخواي دعوا لي بالسلامة علمت أني قد استجيب لهم. قالوا: وكان مع يزيد بن أبي سفيان كما أوصاه أبو بكر، فشد الله به وبمن كان معه أعضاد المسلمين، وفت بهم أعضاد المشركين. سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملاً له على حمص يقال له سعيد بن عامر، فقال

له عمر: مالك من المال؟ قال: سلاحي، وفرسي، وأبغل أغزو عليها، وغلام يقوم علي، وخادم لامرأتي، وسهم يعد في المسلمين. فقال له عمر: مالك غير هذا؟ قال حسبي هذا، هذا كثير. فقال له عمر: فلم يحبك أصحابك؟ قال: أواسيهم بنفسي، وأعدل عليهم في حكمي. فقال له عمر: خذ هذه الألف دينار، فتقو بها. قال: لا حاجة لي فيها، أعط من هو أحوج إليها مني. فقال عمر: على رسلك حتى أحدثك ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم إن شئت فاقبل، وإن شئت فدع: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض علي شيئاً، فقلت مثل الذي قلت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من أعطي شيئاً من غير سؤال ولا استشراف نفسٍ فإنه رزق من الله، فليقبله ولا يرده. فقال الرجل: أسمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. فقبله الرجل، ثم أتى امرأته فقال: إن أمير المؤمنين أعطانا هذه الألف دينار، فإن شئت أن نعطيه من يتجر لنا به، ونأكل الربح، ويبقى لنا رأس مالنا. وإن سئت أن نأكل الأول فالأول: فقالت المرأة: بلأعطة من يتجر لنا به ونأكل الربح ويبقى لنا رأس المال قال: ففرقيه صرراً، ففعلت، فجعل كل ليلة يخرج صرةً، فيضعها في المساكين ذوي الحاجة، فلم يلبث الرجل إلا يسيراً حتى توفي، فأرسل عمر يسأل عن الألف، فأخبرته امرأته بالذي كان يصنع، فالتمسوا ذلك، فوجدوا الرجل قدمها لنفسه، ففرح بذلك عمر، وسر، وقال: يرحمه الله، إن كان ذلك الظن به. قال خالد بن معدان: استعمل علينا عمر بن الخطاب بحمص سعيد بن عامر، فلما قدم عمر بن الخطاب حمص قال: يا أهل حمص، كيف وجدتم عاملكم؟ فشكوه إليه وكان يقال لأهل حمص: الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال قالوا: نشكو أربعاً: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: أعظم بها! قال: وماذا؟ قال: لا يجيب أحداً بليل. قال: وعظيمة! قال: وماذا؟ قالوا: وله يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا. قال: وعظيمة! وماذا؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام. يعني: تأخذه موته.

قال: فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم، لا تفيل رأي فيه اليوم، ما تشكون منه؟ قالوا: لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار. قال: والله إن كنت لأكره ذكره، ليس لأهلي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ، ثم أخرج إليهم. فقال: ما تشكو منه؟ قالوا: لا يجيب أحداً بالليل. قال: ما تقول؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم، وجعلت الليل لله عز وجل. قال: وما تشكون منه؟ قالوا: إن له يوماً في الشهر لا يخرج إلينا فيه. قال: ما تقول؟ قال: ليس لي خادم يغسل ثيابي، ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى يجف، ثم أدلكها، ثم أخرج إليهم من آخر النهار. قال: ما تشكون منه؟ قالوا: يغبط الغبطة بين الأيام. قال: ما تقول؟ قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة، وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذعة فقالوا: أتحب أن محمداً مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وأن محمداً يشيك بشوكة، ثم نادى: يا محمد. فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال، وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم، إلا ظننت أن الله تعالى لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً. قال: فتصيبني تلك الغنطة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار، فقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك. فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟ ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل يثق به، فصرها صرراً، ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان، فبقيت منها ذهبية فقال: أنفقي هذه. ثم عاد إلى عمله، فقالت: ألا تشتري لنا خادماً، ما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين إليه. حدث عطية بن قيس: أن عمر بن الخطاب استعمل سعيد بن عامر على جند حمص، فقدم عليه، فعلاه بالدرة، فقال سعيد: سبق سيلك مطرك، إن تستعتب نعتب، وإن تعاقب نصبر، وإن تعف نشكر. قال: فاستحيى عمر، وألقى الدرة، وقال: ما على المؤمن أو المسلم أكثر من هذا، إنك تبطىء بالخراج. فقال سعيد: إنك أمرتنا أن لا نزيد الفلاح على أربعة دنانير،

سعيد بن عامر أبي بردة

فنحن لا نزيد، ولا ننقص، إلا أنا نؤخرهم إلى غلاتهم. فقال عمر: لا أعز لك ما كنت حياً. وعن أبي مريم الغساني: أن رجالاً من الجند خرجوا ينتضلون فيهم سعيد بن عامر، فبينما هم كذلك إذ أصابهم الحر، فوضع سعيد قلنسوته عن رأسه، وكان رجلاً أصلع، فلما رمى سعيد، صاح به الواصف في شيء ذكره من رميته: يا أصلع وهو لا يعرفه فقال له سعيد: إن كنت لغنياً أن تلعنك الملائكة. فقال رجل منهم: وعم تلعنه الملائكة. قال: من دعا امرأ بغير اسمه لعنته الملائكة. سعيد بن عامر أبي بردة ابن عبد الله أبو موسى بن قيس بن سليم الأشعري الكوفي وفد مع أبيه على عمر بن عبد العزيز. حدث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من مسلم يموت إلا جعل الله مكانه رجلاً من اليهود أو النصارى في النار ". وحدث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: على كل مسلمٍ صدقة، قالوا: يا رسول الله، إن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق، قالوا: أرأيت إن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: يعين ذا الحاج والملهوف، قالوا: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يأمر بالمعروف أو بالخير قالوا: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها له صدقة. سعيد بن عبد الله بن دينار أبو روح البصري التمار سكن دمشق. حدث عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا استقر أهل الجنة في الجنة اشتاق الإخوان إلى الإخوان، فيسير سرير ذا إلى ذا،

سعيد بن عبد الله بن محمد

فيلتقيان فيتحدثان ما كان بينهما في دار الدنيا، فيقول: يا أخي، تذكر يوم كنا في دار الدنيا في مجلس كذا، فدعونا الله عز وجل فغفر لنا. وبسنده عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا سمعت النداء فأجب، وعليك السكينة، فإن أصت فرجةً، وإلا فلا تضيق على أخيك، واقرأ ما تسمع أذناك، ولا تؤذ جارك، وصل صلاة مودع. وبسنده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أكرمه أخوه المسلم فليقبل كرامته، فإنما هي كرامة الله، فلا تردوا على الله كرامته. وبسنده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس الجهاد أن يضرب بسيفه في سبيل الله، إنما الجهاد من عال والديه، وعال ولده، فهو في جهاد، ومن عال نفسه فكفها عن الناس فهو في جهاد. سعيد بن عبد الله بن محمد ابن عجب أبي رجاء أبو عثمان الأنباري سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق صلاته، قالوا: يا رسول الله، وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. توفي سعيد بن عبد الله بن أبي رجاء الأنباري سنة ثمان وسبعين ومئتين.

سعيد بن عبيد الله بن أحمد

سعيد بن عبيد الله بن أحمد ابن محمد بن سعيد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم أبو عثمان، ويقال: أبو القاسم القرشي المعروف بابن فطيس الوراق من موالي جويرية بنت أبي سفيان. حدث سعيد بن عبيد الله عن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى ابن عباس: أن رجلاً وقع في قرابة للعباس، كان في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا: لنلطمنه كما لطمه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. توفي سعيد بن عبيد الله بن فطيس الوراق في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة. سعيد بن عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت أبو عبد الرحمن الأنصاري شاعر ابن شاعر ابن شاعر، وفد على يزيد بن عبد الملك، وعلى هشام بن عبد الملك. حدث سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه، قال: مر حسان بن ثابت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه الحارث المري، فلما عرفه حسان قال: من الكامل يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمداً لا يغدر وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر إن تغدروا فالغدر منكم عادةٌ ... والغدر ينبت في أصول السخبر

سعيد بن عبد الرحمن البصري

فقال الحارث للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أعوذ بالله وبك من هذا، لو أن شعر هذا مزج بماء البحر لمزجه. حدث سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: رأى ابن عمر علي أوضاح فضة فقال: إنك قد بلغت، أو كبرت، فألقها عنك. حدث بعضهم قال: سمعت حسان بن ثابت في جوف الليل وهو ينوه بأسمائه ويقول: أنا حسان بن ثابت، أنا ابن الفريعة، أنا الحسام. فلما أصبحت غدوت عليه فقلت له: سمعتك البارحة تنوه بأسمائك، فما الذي أعجبك؟ قال: عالجت شيئاً من الشعر، فلما أحكمته نوهت بأسمائي. فقلت: وما البيت؟ قال: قلت: من الطويل وإن امرأ يمسي ويصبح سالماً ... من الناس إلا من جنى لسعيد قال: فلما مات حسان بن ثابت، قال عبد الرحمن بن حسان بعد موت أبيه، أوقد ناراً حتى اجتمع إليه الحي ثم قال: أنا عبد الرحمن بن حسان، وقد قلت بيتاً، فخفت أن يسقط بحدث يحدث علي، فجمعتكم لتسمعوه، فأنشدهم: من الطويل وإن امرأ نال الغنى ثم لم ينل ... صديقاً ولا ذا حاجةٍ لزهيد فلما مات عبد الرحمن فعل سعيد بن عبد الرحمن مثل ذلك وأنشدهم: من الطويل فإن امرأ لاحى الرجال على الغنى ... ولم يسأل الله الغنى لحسود سعيد بن عبد الرحمن البصري أخو أبي حرة واصل بن عبد الرحمن حدث سعيد بن عبد الرحمن عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر، فصلى ركعتين، ثم

سلم، ثم قام، فوضع إحدى يديه على الأخرى على خشبة في المسجد، وخرج سرعان الناس يقولون: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقام رجل طويل اليدين كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسميه ذات اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: لم تقصر، ولم أنس، قال: بلى، نسيت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق ذو اليدين. قال: فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم كبر، وسجد سجدتين أو أطول، ثم رفع رأسه، فكبر. وحدث سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حمزة عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك كفار مضر، ولا نصل إليك إلا في أشهر الحرم، فمرنا بأمر ننتهي إليه، وندعو إليه من وراءنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وخمس ما غنمتم. ونهاهم عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير ". وحدث سعيد بن عبد الرحمن عن محمد بن سيرين عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسافر بين مكة والمدينة يصلي ركعتين، لا يخاف إلا الله عز وجل. حدث سعيد قال: وقف مكحول علي بالشام، وأنا أبيع مصحفاً فقال: يا أهل العراق! ما أجرأكم على بيع المصاحف! قال: قلت: إن صاحبنا الحسن لا يرى بذلك بأساً. قال: أحسن أهل العراق، أو حسن البصرة؟ لا تكذبوا على الحسن. قال: قلت: والله ما كذبت عليه.

سعيد بن عبد العزيز بن مروان

سعيد بن عبد العزيز بن مروان أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق، وكان من عباد الله الصالحين، وصحب سري السقطي. تخرج به جماعة من الأعلام. حدث عن أبي نعيم عبيد بن هشام بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً " توفي سعيد بن عبد العزيز سنة ثمان عشرة وثلاث مئة. سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى أبو محمد. ويقال: أبو عبد العزيز التنوخي فقيه أهل دمشق ومفتيهم بعد الأوزاعي. حدث سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة قال: رؤي عبادة بن الصامت وهو على سور بيت المقدس الشرقي وهو يبكي. قال: فقيل: ما يبكيك يا أبا الوليد؟ قال: من هاهنا، أخبرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه رأى جهنم. ولد سعيد بن عبد العزيز سنة تسعين، وكان الحاكم أبو عبد الله يقول: سعيد بن عبد العزيز لأهل الشام كمالك بن أنس لأهل المدينة في التقدم، والفضل، والفقه، والأمانة. قال إسحاق بن إبراهيم: كنت أرى سعيد بن عبد العزيز مستقبل القبلة يصلي، قال: وكنت أسمع لدموعه وقعاً على الحصير. قال أبو عبد الرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبد العزيز: يا أبا محمد! ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟

فقال: يا بن أخي! وما سؤالك عن ذلك!؟ قلت: لعل الله أن ينفعني به. فقال سعيد: ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم. قال الوليد بن مسلم: رأيت سعيد بن عبد العزيز شيخاً كبيراً إذا فاتته الصلاة في جماعة أخذ بلحيته وقعد يبكي. قال عبد الواحد بن بسر النصري، من ولد عبد الله عامل المدينة ومكة، قال: خرجت في آخر الليل أريد المسجد، فوجدت باب البريد مغلقاً، فدنوت من الباب، فإذا هو لم يفتح، فاعتزلت ناحيةً، فأقبل شيخ يهلل ويكبر، حتى صار إلى باب المسجد، فدفعه فانفتح، قال: فلحقت به، فإذا الباب مغلق، فجلست ناحية أنتظر الفتح، فأذن المؤذن للفجر، وفتح الباب، فدخلت، فلم يكن لي همٌّ إلا أن أعرف من الشيخ، فإذا هو سعيد بن عبد العزيز يحيي الليل، فإذا طلع الفجر جدد وضوءه وخرج إلى المسجد. قال أبو مسهر: ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك قط ولا تبسم ولا رأيته شكا شيئاً قط ولا رأيته سأل إنساناً شيئاً قط. زاد غيره ولا عاب شيئاً قط. قال أبو مسهر: ينبغي للرجل أن يقتصر على علم بلده وعلى علم عالمه، فلقد رأيتني أقتصر على سعيد بن عبد العزيز، فما أفتقر معه إلى أحد. قال أبو مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يعرض عليه قبل أن يموت، وكان يقو: لا أجيزها. وكان سعيد بن عبد العزيز يقول: ذكر الله شفاء يبرىء من الداء، وذكر الناس داء لا يقبل الشفاء. قال سعيد بن عبد العزيز: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: صموت واعٍ، وناطق عارف.

وقال سعيد بن عبد العزيز: من أحسن فليرج الثواب، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء، ومن أخذ عزاً بغير حق أورثه الله ذلاًّ بحق، ومن جمع مالاً بظلم أورثه الله فقراً بغير ظلم. قال سعيد بن عبد العزيز: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم. وقال: الدنيا غنيمة الآخرة. وسئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفاف من الرزق: ما هو؟ قال: شبع يوم وجوع يوم. قال سعيد بن عبد العزيز: من استخار واستشار فقد قضى ما عليه. قال حبيب بن أوس: تذوكر الكلام في مجلس سعيد بن عبد العزيز وحسنه، والصمت ونبله، فقال: ليس النجم كالقمر، إنك إنما تمدح السكوت بالكلام، ولن تمدح الكلام بالسكوت، وما نبأ عن شيء فهو أكبر منه. روي عن ابنٍ لسعيد بن عبد العزيز الأصغر أنه قال: رأيت في المنام من قبل أن يموت أبي بأربع أني دخلت من باب الخضراء، فإذا أنا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في مجلس ابن جابر، وإذا رأس أبي في حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارفق بهذا الشيخ، فكأنه قد فارقك. قال: فما لبث بعد ذلك إلا أربعاً حتى مات. ولد سعيد سنة سبع وستين. ومات سنة تسع وخمسين ومئة. وقيل سنة ثلاث وستين ومئة، وهو وهم، قال: والصواب أنه توفي سنة سبع وستين. وقيل: توفي سنة أربع وستين، وهو وهم أيضاً. وقيل: توفي سنة سبع وخمسين ومئة، وقيل سنة تسع وستين.

سعيد بن عبد العزيز البيروتي

وقيل: ولد سنة ثلاث وثمانين، وتوفي سنة سبع وستين، فكانت وفاته وهو ابن أربع وثمانين، وقيل: توفي سنة ثمان وستين. قال مروان بن محمد: رأيت ابن حلبس في النوم، قال: فقلت: إلى شيء صرت؟ قال: إلى خير. قال: قلت: فسعيد بن عبد العزيز؟ قال: هيهات، رفع ذاك إلى عليين. سعيد بن عبد العزيز البيروتي قال سعيد بن عبد العزيز البيروتي: كان عندنا قاضٍ قال للناس: احلقوا لحاكم، فإنها نبتت على الضلالة، حتى تنبت على الطاعة. قال: فحمل الناس كلهم على حلق اللحى، فكنت لا تلقى أحداً إلا محلوق اللحية. سعيد بن عبد الملك الدمشقي روى عن سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: خرج علي بن أبي طالب يوماً بالكوفة، فوقف على باب، فاستسقى ماءً، فخرجت إليه جارية بإبريق ومنديل، فقال لها: يا جارية، لمن هذه الدار؟ فقالت: لفلان القسطال. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تشرب من بئر قسطال، ولا تستظلن في ظل عشار ".

سعيد بن عثمان بن سعيد

سعيد بن عثمان بن سعيد ابن السكن بن سعيد بن مصعب بن رستم بن برثنة بن كسرى أنوشروان سمع بدمشق، وببغداد، وبمصر. حدث عن عبد الله بن محمد الوراق بسنده عن ثابت قال: حججت فدفعت إلى حلقة فيها رجلان أدركا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخوان، أحسب أن اسم أحدهما محمد، وهما يتذاكران الوسواس، لم يرد على هذا واردٌ غيره في حديث بمعناه، قال: وهما يتذاكران أمر الوسواس: لأن يقع أحدنا من السماء أحب إليه من أن يتكلم بما يوسوس إليه. قال: وقد أصابكم ذلك؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإن ذلك محض الإيمان. قال ثابت: فقلت أنا: يا ليت الله أراحنا من ذلك المحض. قال: فانتهراني، وزبراني، فقالا: نحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول يا ليت أن الله أراحنا؟! توفي سعيد بن عثمان أبو علي الحافظ سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. سعيد بن عثمان بن عفان ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عثمان القرشي الأموي قدم دمشق على معاوية وولاه خراسان، وهو الذي فتح سمرقند، وفتح الله على يديه فتحاً عظيماً، وأصيبت عينه بها، وخرج إليه الصغد، فقاتلوه، فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه، وأعطوه رهائن، وأخذ الرهون، وقدم على معاوية. وانصرف سعيد بن عثمان بعد موت معاوية إلى المدينة، فقتله أعلاج كان قدم بهم من سمرقند. حدث سعيد بن عثمان قال: قال عثمان: الربا سبعون باباً، أهونها مثل نكاح الرجل أمه.

وعنه قال: قال عثمان: أربى الربا عرض أخيك المسلم أن تشتمه. أم سعيد بن عثمان فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. قال ابن الكابلي: كان أهل المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون: من الرجز والله لا ينالها يزيد حتى ينال هامه الحديد إن الأمير بعده سعيد يعنون لا ينالها يزيد: الخلافة، إن الأمير بعده سعيد بن عثمان. فقدم سعيد على معاوية فقال: يا بن أخي؟ ما شيء يقوله أهل المدينة؟ قال: وما يقولون؟ قال: قولهم: من الرجز والله لا ينالها يزيد حتى يعض هامه الحديد إن الأمير بعده سعيد قال: ما تنكر من ذلك يا معاوية؟ والله إن أبي لخير من أبي يزيد، ولأمي خيرٌ من أم يزيد، ولأنا خير منه، ولقد استعملناك فما عزلناك بعد، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى، فحلأتنا عنه أجمع. فقال له معاوية: يا بني، أما قولك: إن أبي خير من أبي يزيد فقد صدقت، عثمان خير من معاوية، وأما قولك: أمي خير من أم يزيد فقد صدقت، امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وبحسب امرأة أن تكون من صالح نساء قومها. وأما قولك: إني خير من يزيد فوالله ما يسرني أن خيلاً بيني وبين العراق، ثم نظم لي فيه أمثالك به. ثم قال معاوية لسعيد بن عثمان: الحق بعمك زياد بن أبي سفيان فإني قد أمرته أن يوليك خراسان.

سعيد بن عثمان بن عياش

زاد في حديث آخر بمعناه: فقال له يزيد: مه، يا أمير المؤمنين، ابن أخيك استعمل الدالة عليك، واستعتبك لتعتبه، واستزادك منك فزده، وأجمل له في ردك، واحمل له على نفسك، ووله خراسان بشفاعتي، وأعنه بمالٍ تظهر به مروءته. فولاه معاوية خراسان وأجازه بمئة ألف درهم. وكان ذلك أعجب ما ظهر من حلم يزيد. وفي حديث آخر: فقال ابن عائشة: انظروا ذاك يشتم هذا، وهذا يعطف أباه على ذاك، فلم يزل به حتى ولاه خراسان. سعيد بن عثمان بن عياش أبو عثمان البغدادي، ويعرف بالفندقي الدمشقي الحناط الصوفي حدث عن محمد بن رزق الله الكلوذاني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حبست الشمس على بشرٍ قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس. قال أبو عثمان الحناط: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الخير في التاجر: ترك الذم إذا اشترى والمدح إذا باع خوفاً من الكذب، وبذل النصيحة للمسلمين حذراً من الخيانة، والوفاء في الوزن إشفاقاً من التطفيف، وثلاثة من أعلام الخير في المكاسب: حفظ اللسان، وصدق الوعد، وإحكام العمل. توفي سعيد بن عثمان بن عياش سنة أربع وتسعين ومئتين.

سعيد بن عثمان ويقال ابن عمر

سعيد بن عثمان ويقال ابن عمر ويقال ابن محمد بن نصر، أبو عمرو الهمداني سمع بدمشق. حدث عن أحمد بن عمير بسند عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله امرأ سمع منا حديثاً فوعاها، ثم بلغها من هو أوعى منه " سعيد بن عثمان أبو عمرو الرازي سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أحب أن يلقى الله طاهراً فليتزوج الحرائر " سعيد بن عريض بن عادياء ابن أخي السموءل بن عادياء من يهود الحجاز، وفد على معاوية، وكان شاعراً. حدث محمد بن سلام قال: دخل آذن معاوية إليه يوماً، فاستأذنه، فقال: يا أمير المؤمنين، بالباب رجل يقال له سعيد بن عريض من أهل الحجاز. فقال: أي والله، ائذن له. فدخل عليه ومعاوية جالس على طنفسة، ونعلاه في رجليه، وهو متوشح بملحفة، فأكثر الترحيب به، وأدنى مجلسه، وأخذ بيده، وقال: يا بن عريض، ما فعل مالك بالحجاز؟ قال: على أحسن حال يا أمير المؤمنين، نعود به على الجار والقريب والصديق، ونطعم الجائع، ونكسو العاري، ونعين ابن السبيل. فقال معاوية: أفلا تبيعنيه؟ قال: بلى. قال: وكم الثمن؟ قال: خمس مئة ألف درهم. قال: لقد أكثرت يا بن عريض! أما إذ منعتني مالك،

سعيد بن عكرمة الخولاني الداراني

فأنشدني مرثية أبيك نفسه. قال: نعم. فأنشده: من الكامل إن امرأ أمن الحوادث ضلةً ... ورجا الخلود كضاربٍ بقداح يا ليت شعري حين أندب هالكاً ... ماذا تبكيني به أنواحي أيقلن لا تبعد فرب عظيمةٍ ... فرجتها بشجاعةٍ وسماح ولقد أخذت الحق غير مخاصمٍ ... ولقد نطقت الحق غير ملاح قال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك بن مروان إذا قعد للقضاء قيم على رأسه بالسيوف، فأنشد: من السريع إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت الساكت للقائل واصطرع الناس بألبابهم ... نقضي بحكمٍ عادلٍ فاصل لا نجعل الباطل حقاً ولا ... نلط دون الحق بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدهر مع الخامل وهذه الأبيات لسعيد بن عريض بن عادياء من أبيات. سعيد بن عكرمة الخولاني الداراني كان على حرس عمر بن عبد العزيز. قال سعيد بن عكرمة: قال عمر بن عبد العزيز: يا حرسي، ما لي أراك تصلي نصف النهار من يوم الجمعة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن جهنم لا تسعر يوم الجمعة. قال: فسكت.

سعيد بن عمارة بن صفوان

سعيد بن عمارة بن صفوان ابن عمرو بن أبي كرب بن حي بن دلج بن مرثد بن هانىء بن ذي جدن الكلاعي الحمصي كان في الجيش الذي توجه إلى دمشق في الطلب بدم الوليد بن يزيد. حدث سعيد بن عمارة بن الحارث بن النعمان الليثي قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم. وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المقيم على الربا كعابد وثن. وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رجلاً سأله يعطيه شيئاً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعزة ربي، إنها أياد بعضها فوق بعض، يد المعطي بعضها أيادي الله، ويده الوسطى، ويد أخرى أسفل من ذلك، ويقول ربي: بعزتي حلفت لأنفسن عنك بما رحمت عبدي، وبعزتي لأحلينك بما رحمت عبدي، وبعزتي لأخلفن عليك بما أعطيت عبدي. سعيد بن عمرو بن الأسود ابن مالك بن كعب بن الحريش واسمه معاوية بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الحرشي شامي. قيل: إنه كان سائلاً يسأل على الأبواب، ثم صار يسقي الماء، ثم صار في الجند، فولي إمرة خراسان من قبل عمر بن هبيرة، ثم عزله، وسجنه. فلما ولي خالد القسري أخرجه من السجن، وأكرمه، فلما هرب ابن هبيرة من سجن خالد بعث خالدٌ سعيداً في إثره فلم يدركه إلا بعد قدومه على هشام. وقدم سعيد على هشام،

وولاه غزو الخزر من بعد قتل الجراح بن عبد الله، وعلت حاله، وكان ولده بإرمينية. وكان صاحب الخزر قد كايد هشاماً بإرساله رجلاً من العرب قد كان أصاب أهله وولده، وجعل له تخلية سبيل أهله وولده بإبلاغه تلك الرسالة إلى هشام والرجعة إليه بخبر ما يبلغه، وحمله على بريد المسلمين، فأقبل متحزماً حتى دخل على هشام، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، الجراح بن عبد الله يقرأ على أمير المؤمنين السلام، ويخبره بسلامته وبسلامة من معه من المسلمين بمكان كذا وكذا، وأنه من عدوه منتصف، ويعزم على أمير المؤمنين ليردني إليه بعد إبلاغي الرسالة بخير أمير المؤمنين. قال: ويحك! من غير كتاب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فدعا بدواب البريد فحمله من ساعته. وأقام هشام يومه، حتى إذا كان من غروب الشمس قال لخاصته: ويحكم رسول الجراح يأتيني بغير كتاب! ثم رجع لم يأتني مصداقٌ لخبره من صاحب بريد ولا عامل! إن نحن إلا في مكر من عدونا. علي بسعيد الحرشي. فأتي به فعقد له في عشرة من قومه على البريد، وقال له: سر في أصحابك، فإن قدمت والجراح حي فأنت مددٌ له، وإن كان قتل فأنت أمير على إرمينية حتى يأتيك رأي أمير المؤمنين، وعقد له هشام بيده، ودفع اللواء إليه، وقال: ادع حاملاً. فنادى سعيد: يا فرج، فقال هشام: أصنعت هذا؟ قال: لا ولكنه أحد موالي وأعواني. قال هشام: هذا أول الفرج، فوجهه على البريد، وأصحبه ممن هو في عسكره من وجوه الناس نحواً من أربع مئة رجل، وأمره أن لا يمر بشريف من العرب إلا استنفره في قومه، ففعل. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: فأقبل سعيد الحرشي سريعاً على البريد، وأنا ببرذعة على بيت مال إرمينية، فلقيته، فرأيته كاسفاً لونه منخزلاً ظهره على دابته، فلما دنوت منه قلت: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله. قال عبد الرحمن: فاعتدل على سرجه، ورد السلام. قال: ويحك! ما فعل الجراح؟ قلت: رحم الله الجراح. فأسفر لونه، وذهبت عنه كآبته، وأقبل علي يسألني عن خبرهم وأمورهم، حتى دخل برذعة، ثم عسكر معسكراً،

سعيد بن عمرو بن جعدة

وضوى إليه الفل، وبقية الناس، وأهل الحسبة، حتى صار في آلاف دون العشرة. فأخبر أن صاحب خزر وجه بما غنم من بلاد المسلمين من النساء والذرية وغيرهم من أهل ذمتهم مع طرخانٍ من طراخنته في نحوٍ من عشرين ألفاً أو قال: ثلاثين ألفاً إلى بلاده، فدعا المسلمين إلى قتالهم ولقائهم، فأجابوه إلى ذلك، فسار بمن معه، حتى لقيهم بهم، فقاتلوهم قتالاً شديداً، فنصرهم الله عليهم، فاستنقذ جميع ما كان من ذلك والذرية، ثم ثبت لهم معسكراً، ليعترض من مر به منهم، فانتخبوا الأبطال والفرسان منهم يعني من خزر ثلاثين ألفاً أو قالا: أكثر منها فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمهم الله، وقتلوهم مقتلة لم يقتلها قوم قط، وبلغ ذلك الطاغية، وقد بلغه إقبال مسلمة بن عبد الملك بالجموع، فولى قافلاً إلى بلاده. وكان قتل الجراح سنة اثنتي عشرة ومئة. ولما ولى ابن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي خراسان قال له: يا سعيد، اجعل حاجبك عاقلاً، فإنه وجهك ولسانك والمخبر عنك والمؤدي إليك، وعليك بعمال العزر. قال: وما عمال العزر؟ قال: من شاورت فيه العامة فأشاروا عليك به، فإنهم إن أحسنوا كان حسنهم لك، وإن أساؤوا اتسع العذر بينك وبينهم وبين الناس. قال الأصمعي: دخل سعيد بن عمرو الحرشي على هشام، فأهوى إلى يده ليقبلها، فلما ولى قال: كنت أظن هذا أرجح مما هو. فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنه لراجح، ولكنه كان بخراسان، وهذا من سنتهم. سعيد بن عمرو بن جعدة ابن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة القرشي المخزومي الكوفي حدث سعيد بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ليلة القدر فقال: أيكم يذكر ليلة الصهباوات؟ قال: فقال عبد الله: أنا بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وبيدي تمرات أتسحرهن وأنا مستتر من الفجر، حين طلع الفجر، وذلك ليلة سبع وعشرين إن شاء الله.

سعيد بن عمرو بن الزبير

وفي حديث آخر بمعناه: وذلك حين طلع القمير. سعيد بن عمرو بن الزبير ابن عمرو بن عمرو بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي الزبيري ولي الشرطة بدمشق في إمارة العباس بن محمد الهاشمي، ثم دعاه أبو البختري وهب بن وهب إلى ولاية شرطة المدينة، ووهب بن وهب إذ ذاك يليها لهارون، فأبى ذلك عليه، فحلف وهب ليضربنه وليسجننه، ثم لا يرسله ما دام له سلطان، فقبل عمله، وأعطاه أبو البختري مئة دينار، وذلك بعد صلاة العصر، فانصرف سعيد بن عمرو إلى منزله، ومعه رسول أبي البختري بالمئة دينار، فلما صار إلى منزله قال له الرسول: خذ هذه الدنانير. قال: ضعها في تلك الكوة، فلما أصبح سعيد جلس في الرحبة، وأرسل إلى من يليه من فقهاء المدينة، وهم: أبو زيد محمد بن زيد الأنصاري، ومطرف بن عبد الله اليسارى، وعبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ابن بنت الماجشون، فقال لهم: رزقني الأمير ثلاثين ديناراً، فأنا أقسمها بينكم، لكل رجل عشرة دنانير، وقد استخلفتك يا أبا زيد. فقال أبو زيد: إن عشرة دنانير لمستزاد لها، ولكني ضعيف عن أن أخلفك. وقال لعبد الملك: وأما أنت فقد استكتبتك فقال له عبد الملك: إن عشرة دنانير لكل شهر لمرغوبٌ فيها، ولكني ضعيف البصر، ولا يكون الكاتب ضعيف البصر. قال: وأما أنت يا مطرف فقد استعملتك على الطواف. وكان مطرف ضيقاً فقال: والله لو استعملتني على عملك ما قبلته، فكيف أعمل لك على الطواف؟ فقال: ما أنا بتارككم ولا معفيكم إلا أن أعفى من ولاية الشرط. فدخلوا على أبي البختري، فذكروا ذلك له، فلما جاءه كلمه في تركهم، فقال له سعيد: ليس لك أن تكرهني، وتمنعني من إكراههم، فقال له: ننظر في أمرك، ولا تعجل: فحلف له سعيد، فاجتهد أن لا يعمل له إلا أن يدعه يكره على العمل من رأى. فقال له: ضع سيفنا. فوضع السيف، وانصرف إلى منزله، وألحقه أبو البختري رسولاً فقال له: اردد مئة الدينار. فقال للرسول: أين كنت وضعتها؟ قال: في تلك

سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص

الكوة. قال: فانظرها حيث وضعتها. فأخذها الرسول من الكوة. وذهب بها إلى أبي البختري، فقال في ذلك سعيد بن عمرو: من البسيط أظن وهب بن وهبٍ أن أكون له ... لما تغطرس في سلطانه تبعا سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو عنبسة ويقال: أبو عثمان القرشي الأموي أمه أم حبيب بن حريث بن سليم، العدوية. شهد وقعة راهط مع أبيه، وكان مع أبيه إذ غلب على دمشق. فلما قتل أبوه سيره عبد الملك مع أهل بيته إلى الحجاز، ثم سكن الكوفة، وكان له بها عقبٌ، ثم وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك. حدث سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، والشهر هكذا وهكذا. يعني مرة تسعاً وعشرين ومرةً ثلاثين. وحدث سعيد بن عمرو أنه سمع أباه يوم المرج يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لولا أني سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل سيمنع الدين بنصارى من ربيعة على ساحل الفرات. ما تركت عربياً إلا قتلته أو يسلم. " قال عوانة: لما قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد، أدخل عليه بنو عمرو بن سعيد: أمية، ومحمد، وإسماعيل، وسعيد، فقال لهم: إنكم أهل بيت لم تزالوا ترون أن لكم الفضل على جميع قومكم، ولم يجعله الله لكم، إن الذي بيني وبين عمرو لم يكن حديثاً، بل كان قديماً في أنفس أوليتنا على أوليتكم في الجاهلية. قال: فانقطع أمية، وكان أكبرهم، وأجابه

سعيد بن عمرو بن عمار

سعيد فقال: يا أمير المؤمنين، لم تنعى لنا أمراً كان في الجاهلية، وقد أتى الله بالإسلام، فوعد جنةً، وحذر ناراً. أما ما كان بيني وبين عمرو فأنت وهو أعلم، وقد وصل عمرو إلى الله، ولعمري لئن واخذتنا بما كان بينك وبين أبينا لبطن الأرض خيرٌ لنا من ظهورها. قال: فرق لهم، وقال: إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله، فاخترت قتله على قتلي، فأما أنتم فما أعرفني بحقكم وأوصلني لقرابتكم. سعيد بن عمرو بن عمار أبو عثمان الأزدي البرذعي الحافظ سمع بدمشق. حدث عن يحيى بن عبدك بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر في العبدين سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة، سوى تكبير الافتتاح. حدث حفص بن عمر الأردبيلي قال: جلس سعيد بن عمرو البرذعي في منزله، وأغلق بابه، وقال: ما أحدث الناس، فإن الناس قد تغيروا، فاستعان عليه أصحاب الحديث بمحمد بن مسلم بن وارة الرازي، فدخل عليه، فسأله أن يحدثهم، فقال: ما أفعل. فقال: بحقي عليك إلا حدثتهم. فقال: وأي حقٍ لك علي؟ قال: أخذت ذات يوم بركابك. قال: قضيت حقاً لله عليك، وليس لك علي حق. قال: فإن قومك اغتابوك، فرددت عنك. قال: وهذا أيضاً يلزمك لجماعة المسلمين. قال: فإني عبرت بك يوماً في ضيعتك، فتعلقت بي إلى طعامك، فأدخلت على قلبك سروراً. فقال: أما هذا فنعم، فأجابه إلى ما أراد.

سعيد بن عمرو بن مرة الجهني

سعيد بن عمرو بن مرة الجهني حدث عن أبيه عمرو قال: كنا ذات يوم عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من كان هاهنا من ولد معد فليقم، فقاموا، وقمت. فقال: اجلس يا عمرو مراراً، ثم قال: من كان هاهنا من اليمن فليقم، فقاموا، وجلست، فقال: يا عمرو، هم قومك فقم معهم. سعيد بن عمر بن الفتح أبو الفتح البغدادي الفقيه حدث سعيد بن عمر بن أبي سعيد أحمد بن سعيد بن عتيب الفارسي بسنده عن صهيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمعارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع. سعيد بن علاقة أبو فاختة مولى أم هانىء بنت أبي طالب. وقيل: مولى جعدة بن هبيرة المخزومي وجعدة هو ابن هانىء المخزومي حدث سعيد قال: عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي. قال: فدخل علي فقال: أعائداً جئت يا أبا موسى أو زائراً؟ قال: فقال: يا أمير المؤمنين، لا، بل عائداً. فقال علي: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما عاد مسلم مسلماً إلا صلى عليه سبعون ألف ملكٍ من حين يصبح إلى حين يمسي، وجعل الله له خريفاً في الجنة، قال: فقلنا: يا أمير المؤمنين، وما الخريف؟ قال: الساقية التي تسقي النخل. حدث سفيان بن عمرو قال: سمعت أبا فاختة سعيد بن علاقة يقول: سمعت ابن عباس يقول: يصوم المجاور المعتكف، فحكى الشعبي أن هشيماً يقوله عن عمرو عن أبي فاختة أن ابن عباس قال: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال سفيان: أخطأ هشيم، هو كما قلت لك.

سعيد بن عياذ

قال أبو فاختة: وفدت مع الحسن والحسين إلى معاوية فأجازهما، فقبلا. شهد أبو فاختة مشاهد علي. هلك في إمارة عبد الملك أو الوليد بن عبد الملك. سعيد بن عياذ من أهل عمان. وفد على عبد الملك بن مروان. كان بنو عياذ سعيد سليمان وشعوة أيا فتنة ابن الزبير غلبوا على عمان، فكانوا يعشرون الناس، فأصابوا أموالاً كثيرة، فلما قتل ابن الزبير جمعوا ما أصابوا من الأموال، وتحصنوا في قرية بعمان، وهي قريبة من البحر، وهي في البحر. فلما قدم الحجاج العراق استعمل سورة بن أبجر على عمان، وكتب إليه أن ابعث إلى بني عياذ من يحصرهم، فبعث بديل بن طهفة البجلي، فحصرهم في السفن، فلم يكن يصل إليه أحد في البحر. فخلف سعيد وسليمان أخاهما في القلعة، وخرجا إلى عبد الملك، فصالحاه على سبع مئة ألف، على أن لهما ما في القلعة إن أدركاها ولم تفتح، وأنهما وجميع من في القلعة آمنون، وإن كنت القلعة قد فتحت فما فيها لعبد الملك، فأمنهم، وكتب لهما إلى الحجاج. فقدما والقلعة على حالها، فأديا المال، ولحقا بعبد الملك، وحمل إليه هدايا كثيرة وجوهراً سوى ما صالحاه عليه، وكان فيما حملا إليه طست من ذهب فيه شجرة من ياقوت وزمرد، فأعجب بها عبد الملك، وظن أن عندهما أموالاً كثيرة وجوهراً، فأراد أن يعتل عليهما فيأخذ الأموال، فقال لهما: بلغني أنكما كنتما تغصبان الناس، وتخيفان السبيل؟ قال سعيد: قد كنا نفعل، وكل ما أتيناك به فهو من غصب، فأعرض عنهما، وجعل الحجاج يكتب فيهما، ويحمله عليهما، فلما خافا أجمعا على الخروج، فقالا لعبد الملك: قد نفدت نفقاتنا، وعندنا جوهر، فمر صاحب بيت المال أن يأخذه ويسلفنا حاجتنا إلى أن يأتينا مالنا، فقد وجهنا رسولاً يأتينا بمال. فأمر عبد الملك صاحب بيت المال أن يفعل، فاحتالا لصاحب بيت المال فأخرجا له جوهراً، فقومه أصحاب الجوهر مئة ألف. فقالا: متاعنا خيرٌ من ذلك.

فرد عليهما الجوهر، فقال سليمان لأخيه سعيد: يا أخي، مالنا يأتينا إلى أيام فنفتك متاعنا، فاقبل هذه المئة ألف، فإنما هي أيام يسيرة، فدفعوا إلى صاحب المال جوهراً خسيساً، ليست له قيمة، في كيس مثل الكيس الذي كان فيه الجوهر، فأخذه، ولم يفتشه، وظن أنه الأول، ولم ينكر منه شيئاً، وأعطاهما مئة ألف. فخرجا من وجههما ذلك، وقد كانا فرغا من جهازهما، فاستأجرا أدلاء، وفقدهما عبد الملك بعد ثالثة، فسأل عنهما، فلم يحس لهما أثراً، فقال لصاحب بيت المال: انظر ما في يديك. فأخرجه، فإذا قيمته خمسة آلاف درهم، فكتب عبد الملك إلى الحجاج، وإلى أجناد الشام، وإلى إبراهيم بن عربي، وهو على اليمامة، يأمره بطلبهما، ولحقا بالأسياف، فخفي أمرهما، فلم يزالا مستخفيين حتى كانت فتنة ابن الأشعث، فقدما إلى عمان، فطردا عامل الحجاج، وغلبا على البلاد، فلما انقضت فتنة ابن الأشعث، وهرب فرجع إلى سجستان بعث الحجاج إلى عمان القاسم بن شعر المري، فقتله سليمان بن عياذ، فوجه الحجاج مجاع بن سعر، فظفر بعمان، فقتل أهلها وسباهم، وهرب سعيد وسليمان، فقتلا في بلاد العدو. وتحصن شعوة بن عياذ في تلك القلعة، فاتخذ مجاع مركباً، واتخذ على دقل المركب درجاً، وغشاه بجلود، ووضع فنزراً على رأس الدقل، وأدنى المركب من القلعة، والدقل مشرف على القلعة، وقال: من ينتدب فيصير على الفنزر، ويرامي أهل القلعة، وله دية؟ فانتدب الدني ورجلان معه، فتعصب بجزيرة، فصاروا في الفنزر، فرامى أهل القلعة، ورماهم أهل القلعة فقتل من الثلاثة رجلٌ، وانقصف الدقل أسفل الفنزر بثلاثة أذرع، فسقطوا في البحر، فغرق المقتول وصاحبه ونجا الدني الذي كان شد رأسه بجزيرة، فطفا الدني بالجزيرة التي على رأسه جعلت ترفعه حتى لحقوه بالقوارب، فأخرجوه، فطلب شعوة الأمان، فنزل على حكم عبد الملك، فقتله مجاع حين أخذه.

سعيد بن عيسى القرشي

سعيد بن عيسى القرشي كان يسكن دمشق. حدث عن جدته أم الربيع عن أمها: أنها سألت أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العلك للصائم قال: فنهتني، وأمرتني، بالسواك. وفي حديث آخر بهذا السند أنها سمعت أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: " لا يمضغ العلك الصائم ". سعيد بن غنيم أبو شيبة الكلاعي الحمصي والد عنبسة بن سعيد. حدث عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عاراً، ويكون الإسلام غريباً، وحتى ينقض العلم، ويهرم الزمان، وينقص عمر البشر، وتنقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل، وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويغيض العلم غيضاً، ويفيض الجهل فيضاً، ويكون الولد غيظاً، والشتاء قيظاً، وحتى يجهز بالفحشاء، وتزول الأرض زوالاً. وقع في بعض النسخ: سعيد بن عثيم بعين مهملة وثاء مثلثة، وصوابه: ابن غنيم بغين معجمة ونون، والله أعلم. /

سعيد بن الفضل بن ثابت أبو عثمان البصري القرشي، مولاهم. سكن دمشق ثم رجع إلى البصرة حدث عن حميد عن أنس بن مالك قال: كنا إذا رفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من الركوع لم ينحدر أحد منا للسجود حتى نرى جبهة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأرض. وحدث عن ابن هلال عن سيار الشعبي عن عبد الله بن عباس قال: إن الله عزّ وجلّ أخرج من آدم ذريته كالذرّ في آذيّ الماء. قال هشام: الآذيّ: الموج الشديد. وحدث عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: من قبلتم شهادته فاقبلوا علمه. وحدث عن عاصم الأحول: رأى ابن سيرين توضأ وحرك خاتمه. وحدث عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ويل للعرفاء، ويل للعرفاء، ويل للأمراء، ويل للأمراء، ليوّدن أقوام يوم القيامة لو أنهم كانوا معلقين بذوائبهم في الثريا، يذبذب بهم بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا من أمر الناس شيئاً، أو قال: لم يلوا من أمر الأمة شيئاً ". وثقه قوم، وقال آخرون: ليس بالقوي، منكر الحديث.

سعيد بن كيسان

سعيد بن كيسان أبو سعيد بن أبي سعيد المقبري مولى بني ليث من أهل المدينة، قدم الشام مرابطاً، وحدث ببيروت من ساحل دمشق. حدث عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى لا يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزّ وجلّ " وحدث عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما عندك يا ثمامة بن أثال؟ فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كان بعد الغد ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد إن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، يا محمد، والله ما كان على وجه الأرض أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. والله ما كان من دين أبغض علي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي، ووالله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد إلي. وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبأت؟! قال: لا، ولكن أسلمت محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا والله يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث سعيد بن أبي سعيد عن أنس بن مالك قال: إني لتحت ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسيل علي لعابها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله قد جعل لكل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث، والولد للفراش، والعاهر للحجر، ألا

لا يتولين رجل غير مواليه، ولا يدعى إلى غير أبيه، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله متتابعة إلى يوم القيامة، ألا لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بأذن زوجها، فقال رجل: ومن الطعام يا رسول الله؟ قال: وهل أفضل أموالنا إلا الطعام؟ ألا إن العارية مؤداة، والمنحة مردودة، الدين مقضي، والزعيم غارم " وحدث سعيد عن بن أبي سعيد المقبري قال: جئت إلى عبد الله بن عمر وهو يناجي رجل، فظننت إنه يحدثه، فأدخلت رأسي بينهما، فصك في صدري، فدهشت وضحكت، فقال: مجنون أنت؟ قال: قلت ظننت إنك تحدثه بحديث، فقال ابن عمر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان اثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما " قال هشام بن عمار: قلت لابن المقبري: ممن أنتم؟ قال: من بني ليث من كنانة، قلت: فلم سميتم المقبري؟ قال: بما ترى. وأشار إلى المقبرة بجوارها. كان سعيد بن أبي سعيد مولى بني ليث قد كبر حتى اختلط قبل موته بأربع سنين، ومات في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة ثلاث وعشرين ومئة، وكان ثقة، كثير الحديث. وكان أبو سعيد كيسان مكاتباً لامرأة من بني ليث. قال عبد الرحمن بن مهدي: سمعت سعيداً المقبري بعدما كبر يقول: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أسفل الكعبين من الإزار في النار. قال أبو معشر: كان سعيد المقبري ربما أنشد الشعر، ويمزح بالشيء ويقول: هو أبل اللسان. وقيل: توفي سعيد بن أبي سعيد سنة سبع وعشرة ومئة، وقيل: خمس وعشرين، وقيل: سنة ست وعشرين.

سعيد بن محمد بن الحسن

سعيد بن محمد بن الحسن ابن القاسم بن إدريس أبو القاسم المروروذي الإدريسي سكن صور، وكان إمام جامعها، وسمع بدمشق. حدث بصور عن أبي الحسن علي بن محمد بن شداد القزويني بسنده عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضر هذا الأمر من ناوأه حتى يقوم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش " وحدث عن أبي الحسن علي بن محمد الطرازي بسنده عن ابن أبي جعفر قال: كنت جالساً عند سويد بن مقرن فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". وحدث عن الأكفاني بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:؛ " ألا أخبركم دور الأنصار؟ دار بني النجار، ثم دار بني الأشهل، ثم دار بني الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير " وحدث أبو القاسم سعيد بن محمد عن أحمد بن علي بن الحسن الكسائي بسنده عن الحسن قال: " لا تشتر مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد " قال هارون: قدم علي ابن المبارك فجاء إليّ وهو على الرحل، فسألني عن هذا الحديث فحدثته، فقال: ما وضعت رحلي من مرو إلا لهذا الحديث. توفي سعيد بن محمد الإدريسي بصور سنة تسع وخمسين وأربع مئة. سعيد بن محمد أبو الفرج ختن ابن المصري حدث عن أبي عثمان سعيد بن عبد العزيز الحلبي بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر في ثوب واحد.

سعيد بن مسبح

سعيد بن مسبِّح ويقال مسجح أبو عيسى القرشي الأسود المكي مولى بني جمح، ويقال: مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى بني مخزوم، المغني أستاذ عبيد بن سريج في الغناء، وفد على عبد الملك بن مروان. قال دحمان الأشقر: كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فرفع إلي رجلاً أسود يقال له ابن مسجح قد أفسد فتيان قريش، وأنفقوا عليه أموالهم، فكتبت بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إلي أن أقبض ماله، وسيره إليّ، ففعلت. وتوجه ابن مسجح إلى الشام فصحبه رجل له جوار مغنيات في الطريق، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره، وقال له: أريد الشام، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم، فصحبه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها فسألا: من أخص الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبني عمه، فوقف ابن مسجح عليهم وسلم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلاً غريباً من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعداً أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمم فقال له: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم، وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: بل تجيء معنا أنت وضيفك، فذهبوا جميعاً إلى بيت القينة، فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني أرى رجل أسود ولعل فيكم من يقذرني، فأنا أجلس وأكل ناحية، وقام فاستحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل، وأخرجوا جاريتين، فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنتا إلى العشاء ودخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها، فجلستا أسفل السرير عن يمنية وشماله، وجلست هي على السرير، قال ابن مسجح: فتمثلت هذه البيت الطويل: فقلتُ أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ ... بدت لك خلف السّجف أم أنتَ حالمُ

فغضبت الجارية وقالت: أيضرب مثل هذا الأسود لي الأمثال؟ فنظروا إلي نظراً كثيراً، ولم يزالوا يسكنونها، ثم غنت صوتاً، قال ابن مسجح: فقلت: أحسنت والله، فغضب مولاها، وقال أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي؟ فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت لأقوم فتذمم القوم وقالوا لي: بل أقم وأحسن أدبك، فأقمت، وغنت فقلت: أخطأت والله يا زانية، وأسأت، ثم اندفعت فغنيت الصوت، فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح فقلت: أني والله أنا هو، والله لأقيم عندكم، فوثب القرشيون، فقال هذا يكون عندي، وقال هذا: لا بل يكون عندي، فقلت: لا والله لا أقيم إلا عند سيدكم " أعني الرجل الذي أنزلني منهم " وسألوه عما أقدمه، فأخبرهم الخبر، فقال له صاحبه: أني أسمر الليلة مع أمير المؤمنين، فهل تحسن أن تحدو؟ فال: لا والله، ولكني أصنع حداء، قال له: فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك، ومضى إلى عبد الملك، فلما رآه طيب النفس أرسل إلى ابن مسجح فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا الرجز: إنك يا معاذ يا بن الفضل ... إن زلزل الأقوام لم تزلزل عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميّل للحق حتى ينتهوا للأعدل فقال عبد الملك للقرشي: من هذا؟ قال: رجل حجازي قدم عليّ، قال: أحضره فأحضره، فقال له أحد فحدا، ثم قال له: هل تغني غناء الركبان؟ قال: نعم قال: غنّه فغنى، فقال له: هل تغني الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: غنّه، فتغنى فاهتز عبد الملك طرباً، ثم قال له: أقسم أنك لك في القوم اسماً كبيراً من أنت ويلك، قال: أنا المظلوم المقبوض ماله، المسير من وطنه سعيد بن المسجح، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني، فتبسم عبد الملك ثم قال قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليه أموالهم، وأمنه ووصله، وكتب إلى عامله برد ماله، وألا يعرض به بسوء، فعاد إلى ماله ووطنه.

سعيد بن مسلمة بن أمية بن هشام

سعيد بن مسلمة بن أمية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ويقال: سعيد بن مسلمة بن هشام، أبو عبد الملك الأموي حدث عن إسماعيل بن أمية بسنده عن أبان بن عثمان. أنه رأى جنازة مقبلة، فلما رآها قام وقال: رأيت عثمان يفعل ذلك، وأخبرني أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله. حدث سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله فقال: " هكذا نبعث يوم القيامة " قال أبو عبد الله بن غالب: قدم علينا سعيد بن مسلمة فحدثنا بكتاب إسماعيل بن أمية فقلت: يا أبا عبد الملك، فأين حديث إسماعيل بن أميه عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فذكرت الحديث فقال لنا: قد محا الرافضة أو الشيعة من كتابي أحاديث، فقلت: إن عليا النسائي حدثني عنك عن إسماعيل بن أميه، فذكرت له الحديث، فقال: هكذا حدثناه إسماعيل كما حدثكم عليّ النسائي. سئل يحيى بن معين عن سعيد بن مسلمة الأموي فقال: ليس بشيء. وقال البخاري: هو منكر الحديث فيه نظر. سعيد بن مسلم بن بانك أبو مصعب المدني وروى عن عمر بن عبد العزيز. حدث عن عبادل بسنده عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتشل كتفاً ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.

سعيد بن منصور بن شعبة

وحدث سعيد بن مسلم بن عامر بن عبد الله بن الزبير بسنده عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً " قال سعيد بن مسلم: فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد بن مسلم، لقد حدثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنباً فاستصغره فأتاه آت في منامه فقال له: يا سليمان من الكامل: لا تحقرن من الذنوب صغيراً ... إن الصغير غداً يعود كبيرا إن الصغير وقد تقادم عهده ... عند الله مسطر تسطيرا فازجر هواك عن البطالة لا تكن ... صعب القياد وشمرن تشميرا إن المحبّ إذا أحبّ إلهه ... طار الفؤاد وألهم التفكيرا فاسأل هدايتك الإله بنيّة ... فكفى بربك هاديا ونصيراً قال سعيد بن مسلم: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول وهو خليفة: إنه لا يحل لكم أن تأخذوا لموتاكم فارفعوهم إلينا واكتبوا لنا كل منفوس نفرض له. بانك: أوله باء معجمه بوحدة وألف ونون. كان سعيد صالحاً ثقة. سعيد بن منصور بن شعبة أبو عثمان الخراساني سكن مكة، وسمع بدمشق. حدث عن إسماعيل بن زكريا بسنده عن علي: أن العباس سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تعجيل صدقنه قبل محلها فرخص له.

سعيد بن مهران بن داود

توفي أبو عثمان بمكة سنة سبع وعشرين ومئتين. وقيل: توفي سنة ست وعشرين ومئتين. سعيد بن مهران بن داود أبو عثمان الكردي الحنبلي سمع بدمشق. حدث عن أبي عبد الله الحسين بن عثمان اليبرودي بسنده عن أبي عبد الله بن محمد بن حنبل قال: القدر خيره وشره، وقليله وكثيره، ظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوله وأخره من الله، قضاء قضاه على عباده، وقدر قدره عليهم، لا يعدو أحد منهم مشيئة الله ولا يجاوز قضاه، بل كلهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قدر عليهم، وهو عدل منه عز ربنا وجل، والزنا والسرقة شرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء من الله عزّ وجلّ وقدر من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة، بل لله الحجة البالغة على خلقه، " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " علم الله ماض في خلقه بمشيئة منه، قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن أن يعصى الله إلى أن تقوم الساعة المعصية وخلقهم لها، وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها، وكل يعمل لما خلق له وصائر إلى ما قضي عليه، وعلم منه، لا يعدو أحد منهم قدر الله ومشيئته، والله الفاعل لما يريد الفعال لما يشاء، ومن زعم أن الله شاء لعباده الذين عصوه الجنة والطاعة، وأن العباد شاؤوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له: أنت رأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولدها، إن شاء الله أن يخلق هذه الولد وهل مضى في سابق علمه؟ فإن قال: لا فقد زعم أن مع الله خالقاً وهذا الشرك صراحاً، ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل مال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر أن يأكل رزق غيره وهذا

صراح قول المجوسية، بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكل من الوجه الذي أكله، ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله، وأي كفر أوضح من هذا؟ بل ذلك بقضاء الله ومشيئته في خلقه وتدبيره فيهم، وما جرى من سابق علمه فيهم، وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد، ومن أقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الغضب والرضا، ولا يشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في حديث كما جاء على ما روي بصدقه، ويعلم أنه كما جاء، ولا يشهد على أحد أنه في الجنة بعمل صالح، ولا بخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي لا بنص الشهادة، وعذاب القبر الحق، يسأل العبد عن دينه ونبيه وعن الجنة والنار، ومنكر ونكير حق، وهما فتانا القبر، نسأل الله الثبات، وحوض محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق ترده أمته، وله آنية يشربون بها منه، والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه، والجنة من وراء ذلك نسأل الله السلامة، والميزان حق توزن به الحسنات والسيئات كما شاء الله أن توزن، والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق، ثم ينفخ فيه أخرى فيقومون لرب العالمين للحساب والقضاء، والثواب والعقاب، والجنة والنار، واللوح المحفوظ تستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من المقادير والقضاء، والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر، والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم، فلا يصيرون إلى النار، ويخرج قوم من النار بعدما دخلوها بشفاعة الشافعين، ويبقى فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار، وقوم يخلدون فيها أبداً، وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله، ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار، وقد خلقت الجنة وما فيها، وخلقت النار وما فيها، خلقهما الله وخلق الخلق لهما، ولا تفنيان ولا يفنى ما فيهما أبداً، فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه " وبنحو متشابه القرآن قيل له: كل شيء مما كتب عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء، ولم يكتب عليهما الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل السبيل.

سعيد بن نمران بن نمران الهمداني

سعيد بن نمران بن نمران الهمداني ثم الناعي شهد اليرموك، وكان في الجيش الذي أمد به أهل القادسية، وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب، وقدم به على معاوية مع حجر بن عدي، فشفع فيه حمرة بن مالك الهمداني فخلى سبيله. حدث عن أبي بكر رضي الله عنه: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) قال: هم الذين لم يشركوا بالله شيئا. كان سعيد بن نمران من أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام وضمه إلى عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب حين ولاه اليمن، وكان ابنه مسافر بن سعيد من أصحاب المختار. ولما كان أيام ابن الزبير أراد مصعب أن يولي سعيد بن نمران قضاء الكوفة فكتب إليه عبد الله بن الزبير ألا توليه فإنه من أصحاب ابن أبي طالب، وولى عبد الله بن الزبير عبد الله بن عتبة بن مسعود. سعيد بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية كان عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدباً لسعيد هشام بن عبد الملك فبعث به يوماً، فدخل سعيد على هشام فوقف بين يديه ثم انشأ يقول من الرمل: إنه والله لولا أنت لم ... ينج مني سالماً عبد الصمد فقال هشام: ولم ذلك؟ فقال سعيد: إنه قد رام مني خطة ... لم يرمها قبله مني أحد

سعيد بن يحيى بن صالح

فقال هشام: وما رام؟ قال سعيد: رام جهلاً بي وجهلاً بأبي ... يولج العصفور في خيس الأسد فقال هشام: لا ولا كرامة. سعيد بن يحيى بن صالح أبو يحيى المعروف بسعدان سكن دمشق وحدث بها. حدث سعيد بن يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبصرنا القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم عزّ وجلّ كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس أو غروبها فافعلوا، ثم قرأ جرير " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " يعني صلاة العصر. سعيد بن يربوع ين عنكثة ابن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، أبو الحكم ويقال: أبو هود، ويقال: أبو يربوع، ويقال: أبو مرة، القرشي المخزومي صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال لسعيد صرم، أمه بنت سعيد، بن سهم بن عمرو بن كعب. حدث عن عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن الصرم عن جده عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " أيّما أكبر أنا أو أنت؟ قال: أنت أكبر مني وخير مني، وأنا أقدم سناً، وسماه سعيداً " وقال الصرم وقد ذهب. قال سعيد: كان اسمي الصرم فسماني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعيداً. أسلم سعيد بن يربوع يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً، وأعطاه سيدنا

سعيد بن يزيد بن معيوف الحجوري

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين خمسين بعيراً، وكان سعيد أصيب في بصره فجاءه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى منزله فعزاه بذهاب بصره وقال: لا تدع الجمعة ولا الصلاة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس لي قائد، قال: فنحن نبعث إليك بقائد، فبعث إليه بغلام من السبي. وتوفي سعيد بالمدينة سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان وقيل بمكة. وكان يوم توفي ابن مئة وعشرين سنة. سعيد بن يزيد بن معيوف الحجوري حدث عن عمرو بن هاشم البيروتي بسنده عن كعب بن مال. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى على الميت قال: " اللهم أغفر لأولنا وآخرنا، وحينا وميتنا، وكبيرنا وصغيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم، من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. وكان سعيد بن يزيد ثقة، وكان من الأبدال. حدث عن عبد العظيم بن حبيب بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. سعيد بن يزيد القرشي حدث عن سليمان بن موسى عن عبيد بن جريح أنه رأى ابن عمر يخضب بالصفرة، ويخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخضب بها. قال: وروى سعيد بن أبي سعيد المقبري هذا الحديث بعينه أتم من هذا: حدث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريح أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها، قال: وما هي يا بن جريح؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة

سعيد بن يوسف الرحبي

أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلّ أنت حتى يكون يوم التروية! فقال ابن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلم إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فأني رأيت رس الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبغ بها، وأما الهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث بها راحلته. سعيد بن يوسف الرحبي الأظهر أنه حمصي، وقيل: أنه صنعاني، من صنعاء دمشق. حدث سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحد لفضلت النساء " وفي رواية أخرى: " فلو كنت مؤثراً أحد على أحد لآثرت النساء على الرجال " وحدث عن عبد الله بن بسر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس مني ذو حسد ولا نميمة ولا كهانة ولا أنا منه "، ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية " والذين يؤذون المؤمنين المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا " سعيد مولى نمران حدث عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال: رأيت بتبوك رجلاً مقعداً، فسألت عن إقعاده فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فمررت بين يديه فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره، قال: فأقعدت.

السفر بن إسماعيل بن سهل

السفر بن إسماعيل بن سهل ابن بشر بن مالك بن الأخطل التغلبي الشاعر قال السفر: حضرنا مالك بن طوق في وقت علة أصابته عندنا بدمشق فأنشأ يقول: من الوافر وليس من الرَّزيّة فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرَّزيّة فقد شخص ... يموت لموته ناس كثير سفيان بن الأبرد بن أبي إمامة ابن قابوس أبو يحيى الكلبي من بني جبار كان له سوق الصياقلة بدمشق قطيعة، وداره بدمشق بجيرون، وكان بدمشق يوم خطب الضحاك بن قيس ودعا إلى بيعة ابن الزبير، وكان هوى سفيان وحسان بن مالك مع بني أمية، وكان مع عبد الملك حين حاصر عمرو من سعيد. حدث رجاء بن حيوة أن عبد الملك بن مروان قضى في أم ولد توفي عنها سيدها، فنكحت بعده في عدتها قبل أن تعتد عدة الحرة المتوفى عنها زوجها، فدخل بها زوجها التي تزوجته في عدتها، فقضى عبد الملك أن يفرق بينها وبين فتعتد عدتها في سيدها الذي توفي عنها، فعتقت بوفاته ثم تعتد عدتها من زوجها الآخر الذي نكحها في عدتها ويكون لها مهرها بما استحل منها ثم يفرق بينهما فلا يجتمعان أبداً. قال رجاء: وأمرني عبد الملك أنا وروح بن زنباع أن نجلد كل واحد منهما أربعين جلدة ففعلنا، قال رجاء ثم أرسلني إلى قبيصة بن ذؤيب فأخبرته بقضاء أمير المؤمنين عبد الملك فيهما فقال قبيصة: قد أصاب أمير المؤمنين القضاء، غير أنني وددت لو أنه خفف من الجلد، فقلت لقبيصة: فكم كنت ترى أن يجلدا؟ قال: كنت أرى أن يجلد كل واحد منهما عشرين سوطاً، قال محمد: وكان سفيان بن الأبرد هو أفتى أم الولد وزوجها، وهو أمرهم يومئذ بأن تزوج قبل أن تعتد أربعة اشهر وعشراً فرد عليه عبد الملك، وقضى بما ذكرناه.

سفيان بن سلمون السفياني

لما غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية كان معه سفيان بن الأبرد الكلبي وحميد بن حريث بن بحدل الكلبي، فرأى بعض أبواب القسطنطينية لا يغلق ليلاً ولا نهاراً فسأل في ذلك فقيل له: إنما تركته الروم مفتوحاً لعزهم في أنفسهم وأنهم لا يخافون أحداً يدخل عليه منه، فقال: إن أصبحت صالحاً ليغلقنه أو لأدخلن عليهم منه، وقال لسفيان وحميد؛ شدّا لي إذا شددت من ظهري، فلما أصبح شد بينهما قاصداً الباب فشد بطريق من بطارقة الروم على سفيان فطعنه فصرعه، وشد حميد على البطريق فطعنه فخر ميتاً، واتبع يزيد حتى إذا قرب من الباب أغلقته الروم فطعنه يزيد. وقد قيل: أن حميداَ كان الطاعن ثم انصرفا، فقال يزيد: خالي خالي يعني سفيان. فلما انتهى إليه نزل فوضع رأسه في حجره وقال: علي بالمتطبب فأتي به فنظر إلى الطعنة التي بسفيان فقال: ابغوني شحماً فأبطئ به عليه فقال: شقوا بطن البطريق فأخرجوا من شحمه ففعل ذلك وأتى بشيء من شحم بطنه، فأدخله في طعنة سفيان ثم خاطها فبرأ سفيان ولم يولد له. قيل إن سفيان بن الأبرد مات في أيام عبد الملك بن مروان سنة أربع وثمانين، أو سنة خمس وثمانين. سفيان بن سلمون السفياني حدث أبو معاوية قال: حدَّثنا سفيان بن سلمون السفياني الدمشقي قال: حدَّثنا زهير بن عباد عن شريك بن خماشة. أنه ذهب يستقي من جب سليمان النبي في مسجد بيت المقدس، فانقطع دلوه، فنزل في الجب فبينا هو يطلبه في نواحي الجب إذ هو بشجرة، فتناول ورقة من الشجرة فأخرجها معه، فإذ هي ليست من ورق شجر الدنيا، فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أشهد إن هذا لهو الحق. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدخل رجل من هذه الأمة الجنة قبل موته " فجعلوا الورقة بين دفتي المصحف. هكذا روي عن ابن خماشة: بالميم والخاء، قال: والصواب حباشة، بالحاء والباء

سفيان بن شعيب بن مسلم

وسفيان بن سلمون هذا هو سفيان بن شعيب بن مسلم الذي يأتي بعد هذا. وهو أبو معاوية. وقوله: حدَّثنا بين أبي معاوية وبين سفيان مزيده، ولا شك أنه مسلماً كان يقال له سلمون فنسب إلى جده. سفيان بن شعيب بن مسلم ابن شعيب بن مسلم ويقال: سفيان بن شعيب بن مسلم بن شعيب بن عبد الرحمن بن سويد، أبو معاوية من موالي يزيد بن أبي سفيان. حدَّث سفيان بن شعيب عن محمد بن عثمان بسنده عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الربع مما في أيدي القوم في البداءه وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. وحدَّث أيضاً عن جده بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، كما أمركم الله عزّ وجلّ ". مات سفيان بن شعيب سنة خمس وسبعين ومئتين. سفيان بن عاصم بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية كان عند عمه عمر بن عبد العزيز في حجره. حدَّث سفيان بن عاصم قال: شهدت عمر بن عبد العزيز قال لمولاة له: إني أراك ستلين حنوطي فلا تجعلي فيه مسكاً. وحدَّث أيضاً قال: أوصى عمر بن عبد العزيز إذا حضر أن يوجه إلى القبلة على شقه الأيمن. قال سفيان بن عاصم: أمر عمر بن عبد العزيز أن يقبض مني شيء كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطعة بين عثمان بن

سفيان بن عوف بن المغفل

عفان والزبير، فصار حق الزبير لعبد الله وصار حق عثمان صدقه عثمان، فكانت هذه مما قبض عبد الملك من أموال الزبير بعد مقتله فقطعه لسفيان بن عاصم فلما ولي عمر بن عبد العزيز قبضها منه فردها علي بني عبد الله بن الزبير فقال له سفيان: يعطيني القوم وتأخذ أنت مالي؟! قال عمر: ما تتهمني وما أتهم نفسي عليك إنك لابن أخي وإن ابنتي لتحتك، ولكني خير لك ممن أعطاكها، أخرجتك من الإثم ورددت الحق إلى أهله، فلما وليها يزيد بن عبد الملك ردها على سفيان وقال: أنا خير لك من عمك، قبضها منك ورددتها عليك. سفيان بن عوف بن المغفل ابن عوف بن عمير بن كلب بن ذهل بن سيار بن والبة بن الدول بن سعد مناة ين غامد واسمه عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر ين الأزد، الأزدي الغامدي. استعمله معاوية على الصوائف، وكان مع أبي عبيدة بن الجراح بالشام حين افتتحت. حدث سفيان بن عوف قال: بعثني أبو عبيدة بن الجراح ليلة غدا من حمص إلى أرض دمشق، فقال: أنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وأبلغه مني السلام وأخبره بما قد رأيت وعانيت، وبما قد حدَّثتنا العيون وبما استقر عندك من كثرة العدو والذي رأى المسلمون من الرأي من التنحي، وكتب معه إليه: بسم الله الرحمن. وذكر الكتاب. قال سفيان بن عوف: فلما أتيت عمر فسلمت عليه، قال: أخبرني بخبر الناس، فأخبرته بصلاحهم، ودفع الله عزّ وجلّ عنهم، قال: فأخذ الكتاب فقال لي: ويحك ما فعل المسلمون؟ فقلت: أصلحك الله خرجت من عندهم ليلاً بحمص وتركتهم وهم يقولون: نصلي الصبح ونرتحل إلى دمشق، وقد أجمع رأيهم على ذلك. قال: فكأنه كرهه ورأيت ذلك في وجهه وقال لي: وما رجوعهم عن عدوهم وقد أظفرهم الله بهم في غير موطن! وما تركهم أرضاَ قد حووها وفتحها الله عليهم وصارت في أيديهم؟! أني لأخاف أن يكونوا قد أساؤوا الرأي وجاءوا بالعجز، وجرؤوا عليهم العدو قال: فقلت له: إن الشاهد يرى مالا يرى الغائب، إن صاحب الروم قد جمع لنا جموعاً لم يجمعها هو ولا أحد كان قبله لأحد كان قبلنا، ولقد جاء بعض عيوننا إلى عسكر واحد من

عساكرهم، أمر بالعسكر في أصل الجبل فهبطوا من الثنية نصف النهار فما تكاملوا فيها حتى أمسوا، ثم تكاملوا حين ذهب أول الليل، هذا عسكر واحد من عساكرهم فما ظنك بمن بقي؟ قال عمر: لولا أني ربما كرهت الشيء من أمرهم يصنعونه فإذا الله يخير لهم في عواقبه، لكان هذا رأي أنا له كاره، أخبرني أجمع رأي جماعتهم على التحول؟ قال: قلت: نعم قال: فإن الله إن شاء الله لم يكن يجمع رأيهم إلا على ما هو خير لهم. حدث العتبي عن أبيه قال: جاشت الروم وغزوا المسلمين براً وبحراً، فاستعمل معاوية على الصائفة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فلما كتب عهده قال: ما أنت صانع بعهدي؟ قال: اتخذه إماماً لا أعصيه، قال: أردد علي عهدي قال: أتعزلني بعد أن وليتني قبل أن تخبرني؟ أما والله ولو كنا ببطن مكة على السواء ما فعلت هذا. قال: لو كنا ببطن مكة على السواء كنت أنا معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية وكنت عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان منزلي بالأبطح حيث ينشق عنه الوادي، وكان منزلك بأجياد أسفله عذرة وأعلاه مدرة، ثم بعث إلى سفيان بن عوف الغامدي فكتب له عهده ثم قال: ما أنت صانع بعهدي؟ قال: اتخذه إماماً ما أم الحرم فإذا خالفه خالفته، فقال معاوية: هذا والله الذي لا يكفكف من عجلة، ولا يدفع في ظهره من بطء، ولا يضرب على الأمر ضرب الجمل الثقال، قال فخرج فاحتضر، فاستعمل على الناس عبد الله بن مسعود الفزاري، فقال: يا بن مسعود، إن فتحاً كبيراً وغنماً عظيماً أن ترجع بالناس لم ينكبوا ولم ينكوا فاقحم بالناس فنكب، فقال شاعر أهل الشام: الطويل أقم يا بن مسعود قناة قويمة ... كما كان سفيان بن عوف يقيمها سم يا بن مسعود مدائن قيصر ... كما كان سفيان بن عوف يسومها فلما رجع دخل على معاوية فقال: أقم يا مسعود قناة قويمة ... كما كان سفيان بن عوف يقيمها فقال: يا أمير المؤمنين، إن عذري في ذلك أني ضمت إلى رجل لا يضمّ

إلى مثله الرجال، فقال معاوية: إن من فضلك عندي معرفتك من هو أفضل منك. حدث بعض المشايخ قال: كنا مع سفيان بن عوف الغامدي شاتين بأرض الروم، فلما ضفّنا دعا سفيان الخيول، فاختار ثلاثة آلاف، فأغار بنا على باب الذهب حتى فرغ أهل القسطنطينية وضربوا بنواقيسهم ثم لقونا فقال: ما شأنكم يا معشر العرب؟ وما جاء بكم؟ قلنا: لنخرب مدينة الكفر ويخربها الله على أيدينا، فقالوا: ما ندري أخطأتم الحساب، أم كذب الكتاب، أم استعجلتم القدر، والله إنا لنعلم أنها ستفتح يوماً ولكنا لا نرى هذا زمانها. قال يحيى بن يحيى الغساني: إن سفيان بن عوف كان تثنى له وسادة فما يقوم حتى يحمل على ألف قارح. قال محمد بن عمر الواقدي: إن سفيان ساح في أرض العدو حتى بلغ الزنداق واسمه بالرومية خازقاً، فأدرك سفيان أجله، فلما ثقل قال للناس: إني لمآبي، فأقيموا علي ثلاثة أيام، فأقاموها عليه فمات في اليوم الثالث، وقد أوصى من استخلف وقال: ادخلوا علي الأمراء الأجناد والأشراف من كل جند، فوقعت عينيه على عبد الرحمن بن مسعود الفزاري فقال: أدن مني يا أخا فزارة ففعل فقال له: إنك لمن أبعد العرب مني نسباً، ولكني قد أعلم أن لك نية حسنة وعفافاً، وقد استخلفتك على الناس، فاتق الله يجعل لك من أمرك مخرجاً، وأرد للمسلمين السلامة، واعلم أن قوماً على مثل حالكم يفقدوا أميرهم إلا اختلفوا لفقده، وانتشر عليهم أمرهم، وإن كان كثيراً عددهم، فظاهر جلدهم، إن فتحاً على المسلمين كبيراً أن تقفل بهم ولم يكملوا، ثم مات. فتكت عليه العرب جميعاً حتى كأنه كان لهم ولداً، فلما بلغ معاوية وفاته كتب إلى أمصار المسلمين وأجناد العرب ينعاه لهم، فبكي عليه في كل مسجد، وقام عبد الرحمن بن مسعود بالأمر بعده، قال: فكان معاوية إذا رأى في الصوائف خللاً قال: وأسفياناه ولا سفيان لي. وقيل: إن سفيان كان لا يجيز في العرض رجلاً إلا بفرس ورمح

سفيان بن مجيب وقيل نفير

ومخصف ومسلة وبرنس وخيوط كتان ومخلاة ومبضع ونقود وسكة حديد. توفي سفيان بن عوف الأزدي شاتياً بالروم سنة اثنتين وخمسين، وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، وقيل: قتل بأرض الروم سنة خمس وخمسين، وقول من قال إنه مات أصح. سفيان بن مجيب وقيل نفير ابن مجيب الأزدي له صحبة. وسفيان أصح، كان على إمرة بعلبك من قبل معاوية وقيل: سفيان بن بخيت، وسفيان بن مجيب هو الصحيح. حدث الحجاج بن عبد الله الشمالي وكان رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو حج معه حجة الوداع أن سفيان بن مجيب حدثه وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدمائهم أن في جهنم سبعين ألف واد، في كل واد سبعون ألف شعب، في كل شعب سبعون ألف دار، في كل دار سبعون ألف بيت، في كل بيت سبعون ألف شق، في كل شق سبعون ألف ثعبان، في كل ثعبان سبعون ألف عقرب لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يواقع ذلك. سفيان بن وهب أبو أيمن الخولاني صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية، وسكن مصر وغزا المغرب. حدث سفيان بن وهب الخولاني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تأتي المئة إلا وعلى ظهرها أحد باق " قال: فحدثت به عبد الرحمن بن حجيرة، فقام، فدخل على عبد العزيز بن مروان فحدثه، فحمل سفيان، محمولاً، وهو شيخ كبير، فسأله عبد العزيز فحدثه، فقال: فلعله يعني أنه لا يبقي أحد مما كان معه إلى رأس المئة، فقال سفيان: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وحدث سفيان بن وهب أنه لما كان تحت ظل راحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حجة الوداع، أو أن رجلاً حدثه ذلك ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كور، فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل بلغت؟ فظننا أنه يريدنا فقلنا: نعم ثم أعاده ثلاث مرات، وقال فيما يقول: روحه في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وغدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وإن المؤمن عرضة وماله ونفسه، حرمته كما حرم هذا اليوم. وعن سفيان بن وهب الخولاني قال: كنت مع عمر بن الخطاب بالشام، فأتاه أهل ذمتها فقالوا: إنك كلفتنا وفرضت علينا أن نرزق المسلمين العسل، ولا نجد، فقال عمر: أن المسلمين إذا دخلوا أرضاً فاستوطنوا فيها أشتد عليهم أن يشربوا الماء القراح فلا بد مما يصلحهم فقالوا: إن عندنا شراباً نصنعه من العنب شبة العسل فقال عمر: فأتوني به، فأتوه فجعل يرفعه بإصبعه فيمتد كهيئة العسل فقال عمر: فإن هذا يشبه طلاء الإبل. قال: فأتوا بماء، قال: فأتوه بماء، فصب عليه الماء فشرب وشرب أصحابه فقال عمر: ما أطيب هذا، فارزقوا منه المسلمين. فمكث ما شاء الله أن يمكث، فإذا رجل قد خدر منه، فقام إليه المسلمون، فضربوه بنعالهم وقالوا: سكران سكران فقال الرجل: لا تقتلوني، والله ما شربت إلا الذي رزقنا منه عمر، فأتوه به عمر فقال الرجل: والله ما شربت إلا الذي رزقنا به عمر، فقام عمر بين ظهراني الناس فقال: أيها الناس إنما أنا بشر ولست أحل حراماً ولا أحرم حلالاً، وإن الله قد قبض نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفع الوحي ثم قال: إني أبرأ إلى الله من هذا؛ أن أحلّ لكم حراماً فاتركوه، فأني أخاف أن يدخل الناس فيه دخولاً فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل مسكر حرام " ثم كان عثمان فمنعه. حدث سفيان بن وهب عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إليه بطعام مع خضرة فيها بصل أو كراث فلم ير فيه أثر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبى أن يأكله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منعك أن تأكل؟ قال: لم أر أثرك فيه يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استحي من ملائكة الله وليس بمحرَّم " وعن سفيان بن وهب قال: خضرت عمر بن الخطاب حين أتى بالطلاء بالجابية، قال: فكأني أنظر إليه حين جمع أصابعه فأدخلها في الإناء ثم رفعها، فلما رآه لا يسقط قال: لا بأس بهذا.

سفيان الهذلي ويقال الدائلي

سفيان بن وهب الخولاني من بني جعل، يكنى أبا أيمن، وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شهد الفتح بمصر، وولي الإمرة لعبد العزيز بن مروان على بعث الطالعة إلى إفريقية سنة ثمان وسبعين، شهد حجة الوداع مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوفي سنة اثنتين وثمانين. سفيان الهذلي ويقال الدائلي والد النضر بن سفيان أدرك أول الإسلام. حدث سفيان الهذلي قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان قد عرّسنا من أول الليل إذا بفارس يقول: أيها النيام، هبوا فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد وطردت الجنّ كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة جرارة، كلهم قد سمع هذا فرجعنا إلى أهلينا، فإذا هم يذكرون اختلافاً بمكة بين قريش، بنيّ خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد. سلطان بن يحيى بن علي ابن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد " ويكنى محمد بأبي الحسين " بن عبد الرحمن ابن الوليد أبو المكارم بن أبي الفضل بن أبي الحسن بن أبي محمد القرشي القاضي. سمع بدمشق وببغداد، وكان حسن الصوت يتعانى الوعظ حدث بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ يقول: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها خلا الصوم، فالصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة إذا لقي الله، والصوم جنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " توفي في دمشق سنة ثلاثين وخمس مئة.

سلمان ابن الإسلام أبو عبد الله الفارسي

سلمان ابن الإسلام أبو عبد الله الفارسي سابق أهل فارس إلى الإسلام صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخدمه وقدم دمشق غازياً ومرابطاً. حدث سلمان قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجراد فقال: أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرّمه. وعن القاسم أبي عبد الرحمن أنه قال: زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر، ثم خرج وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر، وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: أني جعلت نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، فلما قدم سأل عن أبي الدرداء فقالوا: هو مرابط، فقال: وأين مرابطكم؟ فقالوا: في بيروت، فتوجه قبله، فقال لهم سلمان: يا أهل بيروت، ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم غرض الرباط؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من عذاب القبر، وجرى له صالح ما كان يعمل إلى يوم القيامة ". كان سلمان الفارسي من أهل رامهرمز من أهل أصبهان من قرية يقال لها جيّ، وكان أبوه دهقان (أرضه، وكان على المجوسية، ثم لحق بالنصارى ورغب عن المجوس ثم صار إلى المدينة وكان عبداً لرجل من يهود، فلما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً المدينة أتاه سلمان فأسلم، وكاتب مولاه اليهودي فأعانه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون حتى عتق، وتوفي في ولاية عثمان رحمة الله عليه بالمدائ. قيل: إنه مات سنة ست وثلاثين، وأول مشاهده الخندق، وكان قبل إسلامه يقرأ الكتب، ويطلب الدين، وكان اسم سلمان ما به بن يوذخشان بن مورسلا بن بهبوذان بن

فيروز بن شهرك من ولد آب الملك، عاش مئتين وخمسين سنة، ويقال أكثر. وقيل: إنه أدرك وصيّ عيسى عليه السلام. ولم يزل بالمدينة حتى غزا المسلمون العراق، فخرج معهم وحضر فتح المدائن، ونزلها حتى مات بها، وقبره ظاهر معروف بقرب إيوان كسرى، وعليه بناء، وهناك خادم مقيم لحفظ الموضع وعمارته والنظر في أمر مصالح. قال ابن مأكولا: هو سلمان الخي. قال سلمان الفارس: كنت رجلاً من أهل جيّ وكان أهل جيّ يعبدون الخيل البلق، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إن الدين الذي تطلب هو قبل المغرب فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة " أو في صومعة " فأتيته فقلت: أني رجل من أهل المشرق وقد جئت في طلب الخير، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك تعلمني مما علمك الله، قال: نعم، فصحبته فأجرى علي مثل الذي يجري عليه من الحبوب والخل والزيت، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه، ثم نزل به الموت. فلما نزل به الموت جلستند رأسه أبكي قال: ما يبكيك؟ قلت: انقطعت عن بلادي في طلب الخير فرزقني الله صحبتك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت، فلا أدري أين أذهب؟ قال: بلى، أخ لي بمكان كذا وكذا فأته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أوصيت بك إليه وأصحبه فإنه على حق.

فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي. قلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام، قال: وعليه السلام، ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي، ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته، فقبلني وأحسن صحبتي، وأجرى علي مثل ما كان يجري علي عند الآخر، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: أقبلت من بلادي فرزقني الله صحبة فلان، فأحسن صحبتي وعلمني مما علمه الله. فلما نزل به الموت أوصى بي إليك فأحسنت صحبتي وعلمتني ما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه؟ قال: بلى، لي أخ على درب الروم ائته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أمرتك بصحبته، فاصحبه فإنه على الحق. فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي فقلت: إن فلاناً أخاك يقرئك السلام. قال: ما فعل؟ قلت هلك، وقصصت عليه قصتي، وأخبرته أنه أمرني بصحبتك، فقبلني وأحسن صحبتي، وعلمني مما علمه الله، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت: رزقني الله صحبتك وقد نزل لك الموت فلا أدري إلى أين أذهب؟ قال: لا أين، إنه لم يبق على دين عيسى عليه السلام أحد من الناس أعرفه، ولكن هذا أوان " أو زمان " مخرج نبي، ويخرج " أو قد يكون خرج " بأرض تهامة فالزم قبتي وسل من مر بك من التجار " وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم " وسل من قدم عليك من أهل الحجاز: هل خرج فيكم أحد تنبأ؟ فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته، فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة. قال: فقبض الرجل. ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته من أي بلاد أنتم؟ حتى مر بي ناس من أهل مكة فسألتهم من أي بلاد أنتم؟ قالوا من الحجاز، قلت هل خرج فيكم أحد يزعم إنه نبي قالوا: نعم قلت هل لكم إلا أن أكون عبداً لبعضكم على أن يحملني عقبة ويطعمني كسرة حتى يقدم بي مكة، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك؟ قال رجلاً من القوم: أنا، فصرت عبداً له، فجعل يحملني عقبة، ويطعمني كسرة حتى قدمت مكة. فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان فخرجت حرجة، فطفت بمكة، فإذا امرأة من أهل بلادي فسألتها فكلمتها فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم، فسألتها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يجلس في الحجر إذا صاح عصفور مكة مع أصحابه حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا. قال: فرجعت اختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي، قالوا: مالك؟ قلت: اشتكي بطني. فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه، فجئته من خلفه فعرف الذي أريد، فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فقلت في نفسي الله أكبر، هذه واحدة. فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثلما صنعت في الليلة التي قبلها لا ينكرني

أصحابي، فجمعت شيئاً من تمر، فلما كانت الساعة التي جلس فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيته، فوضعت التمر بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال لأصحابه: كلوا ولم يمد يده. قلت في نفسي: الله أكبر هذه اثنتان. فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئاً من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه قال: ما هذا؟ قلت: هدية، فأكل وأكل القوم. قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فسألني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قصتي فأخبرته، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق فاشتر نفسك. فأتيت صاحبي فقلت: بعني نفسي قال: نعم أبيعك نفسك بأن تغرس لي مئة نخلة إذا نبتت وتبين نباتها، وثبتت وتبين ثباتها جئتني بوزن نواة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، قال: فأعطه الذي سألك وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقي " أو تسقي " به ذلك النخل. قال: فانطلقت إلى الرجل فابتعت نفسي منه، فشرطت له الذي سألني، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقي به ذلك النخل به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فانطلقت فغرست به ذلك النخل، فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة. فلما تبين نبات النخل " أو ثبات النخل " فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوزن نواة من ذهب فأعطانيها، فذهبت بها إلى الرجل فوضعها في كفة الميزان ووضع نواة في الجانب الآخر، فوالله ما قلت من الأرض، فأتيت بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه " قال: فانطلقت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت معه. قال سلمان الفارسي: كنت فيمن ولد برامهرمز، وبها نشأت، وأما أبي فمن أصبهان، وكانت أمي لها غنى وعيش، فأسلمتني أمي إلى الكتاب، فكنت أنطلق مع غلمان من قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من كتاب الفارسية، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا، فمررت ذات يوم وحدي، فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر، ونعلان من شعر، فأشار إلي فدنوت منه، فقال: يا غلام، تعرف عيسى بن مريم؟ فقلت: لا، ولا سمعت به، قال: أتدري من عيسى بن مريم؟ هو رسول الله، آمن بعيسى، إنه

رسول الله، وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت: ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيمها لا يفنى، فلما قال إنها لا تفنى، فرأيت الحلاوة النور يخرج من شفتيه، فعلقه فؤادي، ففارقت أصحابي، وقلت: لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي، وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب، فأنقطع دونه، وكان أول من علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن عيسى بن مريم رسول الله، ومحمد بعده رسول الله، والإيمان بالبعث بعد الموت، فأعطيته ذلك، وعلمني القيام في الصلاة، وكان يقول: إذا قمت في الصلاة فاستقبل القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت، وإن دعتك أمك وأبوك في صلاة الفريضة فلا تلتفت إلا أن يدعوك رسول من رسل الله، وإن دعاك وكنت في فريضة فاقطعها، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله. وأمرني بطول القنوت، وزعم أن عيسى عليه السلام قال: طول القنوت الأمان على الصراط، وأمرني بطول السجود، وزعم أن طول السجود الأمان من عذاب القبر. وقال: لا تكذبنّ مازحاً ولا جاداً حتى يسلّم عليك ملائكة الله أجمعين. وقال: لا تعصين في طمع ولا عنت، حتى لا تحجب عن الجنة طرفة عين. ثم قال: إذا أدركت محمداً الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به، واقرأ عليه السلام مني. وذكر إسلامه بطوله. ومن حديث آخر مختصراً أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد بن صوحان أتياه أن يكلم لهما سلمان أن يحدثهما بحديثه كيف كان أول إسلامه، فأتوا سلمان وهو على المدائن أمير، فإذا هو على كرسي قاعد وبين يديه خوص يسفه فقال سلمان: كنت يتيماً في رامهرمز، وكان ابن دهقان من رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته، وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنياً في نفسه، وكنت غلاماً فقيراً، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه، فإذا تفرقوا خرج فتقبع في ثوبه ثم يصعد الجبل، فقلت: لم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام، وأخاف أن يظهر منك شيء. قال: قلت لا تخف، قال: في هذا الجبل قوم في برطيل، لهم

عبادة، يذكرون الله والآخرة، ويزعمون أنّا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على غير دين فقلت: فاذهب بي معك إليهم، قال: حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر من ذلك شيء، فيعلم أبي، فيجري هلاكهم على يدي. قال: قلت لن يظهر من ذلك شيء، فاستأمرهم، فانتهينا إليهم، فإذا هم في برطيلهم وهم ستة أو سبعة، وكأن الروح قد خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار، ويقومون الليل، يأكلون من الشجر وما وجدوا. فقعدنا إليهم، فتكلموا، فحمدوا الله وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء، حتى خلصوا إلى عيسى بن مريم فقالوا: ولد لغير ذكر، وبعثه الله رسولاً، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأعمى والأبرص، فكفر به قوم، وتبعه قوم، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه، قال: فقالوا له قبل ذلك: يا غلام إن لك رباً، وإن لك معاداً، وإن بين يديك جنة ونار إليها تصير، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دين. ثم انصرفنا، وغدونا إليهم، فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم، فقالوا لي: يا سلمان، إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع ما نصنع، فصل ونم وكل واشرب، قال: فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال: يا هؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً، فعمدتم إلى ابني، فأفسدتموه عليّ، وقد أجلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا، فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء، قالوا: نعم، ما أردنا مساءتك، ولا أردنا إلا الخير، فكف أبنه عن إتيانهم، فقلت له: اتق الله، فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله، وأن أباك ونحن على غير دين، قال: يا سلمان، هو كما تقول، وإنما أتخلف عن القوم بقياً عليهم، ثم لقيت أخي فعرضت عليه، فقال: أنا مشتغل بنفسي في طلب المعيشة. فأتيهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه، فقلت: ما أنا بمفارقكم، قالوا: إنك لا تقدر أن تكون معنا، نحن نصوم النهار، ونقوم الليل، ونأكل الشجر وما أصبنا، وأنت لا تستطيع ذلك قال: قلت: لا أفارقكم، قالوا: أنت أعلم، وإذا أبيت فاطلب حذاء يكون معك، واحمل معك شيئاً تأكله، فإنك لن تستطيع ما نستطيع نحن، قال: ففعلت.

وقدمنا الموصل، فأتينا بيعة الموصل، فلما دخلوا حفّوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله، بها عبدة نيران، فطردونا فقدمنا عليكم. فلما كان بعد قالوا: يا سلمان، إن ها هنا قوماَ في هذه الجبال هم أهل دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا، فقلت: ما أنا بمفارقكم، فخرجوا، وأنا معهم، فأصبحنا بين جبال، وإذا صخرة وماء كثير وخير كثير، فقعدنا تحت الصخرة، فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال، خرج كل رجل من مكانه كأن الأرواح انتزعت منهم، فرحبوا بهم، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا تذكر الله، فيها عبدة للنيران، وكنا نعبد الله فيها فطردونا، فقالوا: ما هذا الغلام؟ فطفقوا يثنون عليّ، قال: فإنهم لكذلك إذا طلع عليهم رجل من الكهف، رجل طوال فجاء حتى سلم، وجلس، فحفوا به وعظموه وأحدقوا به، فقال لهم: أين كنتم؟ فأخبروه، قال: ما هذا الغلام معكم؟ فأثنوا عليّ خيراً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر من أرسل الله من رسله وأنبيائه، وما لقوا وما صنع بهم، حتى ذكر مولد عيسى بن مريم وأنه ولد لغير ذكر، فبعثه الله رسولاً، وأجرى على يديه إحياء الموتى، وإبراء الأعمى والأبرص، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بأذن الله، وأنزل عليه الإنجيل، وعلمه التوراة، وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن به قوم، وذكر بعض ما لقي عيسى، وأنه لما كان عبداً أنعم عليه، فشكر ذلك، ورضي الله عنه، حتى قبضه الله، وهو يعظهم. ويقول: اتقوا الله وألزموا ما جاء به عيسى، ولا تخالفوا فيخالف بكم. ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ. فجعل الرجل يقوم فيأخذ الحرّة من الماء والطعام والشيء، فقام أصحابي الذين جئت معهم، فسلموا عليه، وعظموه، فقال لهم: ألزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا الغلام خيراً، فقال لي: يا غلام، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله، وما سواه كفر. قال: قلت: ما أفارقك. قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، لأني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد، وأقبل علي أصحابي وقالوا: يا غلام لا تستطيع أن تكون معه، قلت: ما أنا بمفارقك، فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي، فقال: خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر، وخذ

من هذا الماء ما تكتفي به، ففعلت. وتفرقوا، وذهب كل إنسان على مكانه، وتبعته حتى دخل الكهف في الجبل وانفتل وقال: ضع ما معك وكل واشرب، وقام يصلي فقمت خلفه أصلي فانفتل إليّ وقال: إنك لا تستطيع هذا، ولكن صل ونم وكل واشرب، ففعلت، فما رأيته نائماً ولا طاعماً إلا راكعاً ساجداً إلى الأحد الآخر، فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق، فخرجت معه حتى انتهينا إلى الصخرة، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال، فقعدوا، وعاد في حديثه نحو المرة الأولى، وإذا خبز كثير وماء، فأخذوا، وتفرقوا في تلك الجبال، ورجع إلى كهف فرجعت معه، فلبثنا كذلك إلى ما شاء الله، فخرج في أحد. فلما اجتمعوا حمد الله، ووعظهم، وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك: أني كبر سني ورق عظمي، واقترب أجلي، وإنه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد لي من إتيانه، فاستوصوا بهذا الغلام خيراً. قال: فجزع القوم وقالوا: أنت كبير، وأنت وحدك، ولا نأمن أن يصيبك الشيء، قال: لا تراجعوني، لا بد من إتيانه. قال: قلت: ما أنا بمفارقك. قال: يا سلمان، قد رأيت حالي وما كنت عليه، أنا أمشي وأصوم النهار وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زاداً ولا غيره، ولا تقدر أنت على هذا، قلت: ما أنا بمفارقك. قال: فبكوا وودعوه. فخرج، وخرجت معه، وقال لي: احمل معك من هذا الخبز شيئاً تأكله، فمشى واتبعته، يذكر الله ولا يلتفت، ولا يقف على شيء، حتى إذا أمسى قال: يا سلمان، صل أنت ونم وكل واشرب، ثم قام هو يصلي إلى أن انتهى إلى بيت المقدس، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء إذا مشى حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وإذا على الباب مقعد، قال: يا عبد الله، قد ترى حالي، فتصدق عليّ بشيء، فلم يلتفت إليه، ودخل المسجد، ودخلت معه فجعل يتبع أمكنة من المسجد يصلي فيها، ثم قال: يا سلمان، إني لم أنم منذ كذا وكذا، فإن أنت جعلت لي أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد، وإلا لم أنم، فقلت: إني أفعل. فنام، فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا، وقد رأيت بعض ذلك، لأدعنّه ينام حتى يشتفي من النوم، وكان فيما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني، ويخبرني أن لي ربّا، وأن بين يديّ جنة وناراً وحساباً، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول لي: يا سلمان، إن الله سوف يبعث رسولاً اسمه أحمد يخرج بتهامة، وكان رجلاً أعجمياً لا يحسن أن يقول تهامة

ولا محمد، علامته أنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب، وأما أنا فأني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه، فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه، قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه. قال وإن أمرك، فإن الحق بما يجيء به ورضي الرحمن فيما قال. قال: فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعاً يذكر الله، فقال: يا سلمان، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله، أين ما جعلت على نفسك؟ قلت: أخبرتني إنك لم تنم منذ كذا وكذا، ورأيت بعض ذلك، فأحببت أن تشتفي من النوم، فحمد الله وقام. فخرج وتبعته فمر بالمقعد فقال المقعد: يا عبد الله، دخلت فسألتك فلم تعطني. وخرجت فسألتك فلم تعطني، فقام ينظر هل يرى أحداً فلم يره، فدنا منه فقال: ناولني يدك فناوله فقال: قم بسم الله، فقام كأنه نشط من عقال، صحيحاً لا عيب به، فخلى عن يده، فانطلق ذاهباً، وكان لا يلوي على أحد، ولا يقوم عليه، فقال لي المقعد: يا غلام، احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي، فحملت عليه ثيابه، وانطلق لا يلوي على أحد، فخرجت في أثره أطلبه، وكلما سألت عنه قالوا أمامك، حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم. فلما سمعوا لغتي أناخ رجل بعيره، فحملني خلفه حتى أتوا بي بلادهم، فباعوني، فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها. وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرت به، فأخذت شيئاًً من تمر حائطي فجعلته على يدي ثم أتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت: صدقة، قال للقوم: كلوا، ولم يأكل هو، ثم لبثت ما شاء الله، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته، فوجدت عنده أناساً، وإذا أبو بكر أقرب القوم منه، فوضعته بين يديه، فقال: ما هذا قلت هدية. قال: بسم الله، فأكل وأكل القوم، قال: قلت في نفسي: هذه من آياته، كان صاحبي رجلاً أعجمياً فلم يحسن يقول تهامة فقال: تهمة، وقال: أحمد، فدرت خلفه ففطن لي فأرخى ثوبه، فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر، فتبينته، ثم درت حتى

جلست بين يديه، فقلت: اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: من أنت؟ قلت: مملوك فحدثته حديثي وحديث الرجل الذي كنت معه، وما أمرني به، قال: لمن أنت؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني حائطاً لها، قال: يا أبا بكر، قال: لبيك قال: اشتره. قال: فاشتراني أبو بكر، فأعتقني. فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم أتيته، فسلمت عليه، وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النصارى؟ قال: لا خير فيهم ولا في دينهم. فدخلني أمر عظيم، فقلت في نفسي: هذا الذي كنت معه، ورأيت ما رأيت ثم رأيت أخذ بيده المقعد، فأقامه الله على يديه لا خير في هؤلاء ولا في دينهم، فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله عزّ وجلّ، فأنزل الله عزّ وجلّ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى أخر القصة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي بسلمان، فأتاني الرسول، فدعاني وأنا خائف، فجئت فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون " إلى آخر الآية، فقال: يا سلمان، أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين، فقلت: يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك، فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه فأتركه؟ قال: نعم، فاتركه، فإن الحق وما يحبّ الله فيما يأمرك. وفي حديث أخر: وكان ليهود فاشتراه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا وكذا درهماً، وعلى أن يغرس نخلاً، فيعمل بها سلمان حتى تطعم، فغرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل نخلة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شأن هذه؟ قال عمر: يا رسول الله، أنا غرستها قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم غرسها فحملت من عامها. وعن سلمان الفارسي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أملى الكتاب على علي بن أبي طالب: هذا ما فادى محمد بن عبد الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي ثم القرظي بغرس ثلاث مئة نخلة وأربعين أوقية ذهباً، فقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن الفارسي، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله وأهل بيته، وليس

لأحد على سلمان سبيل. شهد على ذلك أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، بلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وكتب علي بن أبي طالب يوم الاثنين في جمادي الأولى مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله. وعن سلمان الفارسي قال: تداولني بضعة عشر من رب إلى ربّ وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سابق ولد آدم، وسلمان سابق أهل فارس " وعن سلمان قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم، يعنون أبا ذر وسلمان وفقراء المسلمين " وكانت عليهم جباب صوف، ولم يكن عليهم غيرها " جلسنا إليك، وحادثناك، وأخذنا عنك، فأنزل الله عزّ وجلّ " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله " اعتدنا للظالمين ناراً " يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات. وعن الكلبي قال: قال عيينة بن حصن: ما يمنعني من مجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ريح سلمان تؤذيني قال: فنزلت " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ونزلت " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " إلى قوله تعالى: " وكان أمره فرطاً " يعني عيينة بن حصن.

وعن الربيع قال: كان رجال يسعون إلى مجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم بلال وصهيب وسلمان، فيجيء أشراف قومهم وساداتهم، وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون إليه، فقالوا: صهيب رومي، وسلمان فارسي، وبلال حبشي يجلسون عنده، ونحن نجيء ونجلس ناحية، فذكروا ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، فهم أن يفعل فأنزل الله تعالى هذه الآية يعني قوله عزّ وجلّ: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم ". وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذه الرجل فما بال هؤلاء فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ تلبيبه، ثم أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره مقالته، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجر رداءه حتى دخل المسجد، ثم نودي الصلاة جامعة، وقال: أيها الناس، إن الربّ واحد والأب أبّ واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي، فقام معاذ بن جبل وهو آخذ بتلبيبه قال: فما تأمرنا بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال: دعه، إلى النار، فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل. وعن أبي هريرة قال: تخطّى سلمان الفارسي رضي الله عنه حلقة قريش وهم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلسه، فالتفت إليه رجل منهم فقال: ما حسبك ونسبك، وبم اجترأت أن تتخطى حلقة قريش؟! قال: فنظر إليه سلمان الفارسي فأرسل عينيه وبكى وقال: سألتني عن حسبي ونسبي، خلقت من نطفة قذرة، فأما اليوم ففكرة وعبرة، وغداً جيفة منتنة، فإذا نشرت الدوافن، ونصبت الموازين، ودعي الناس لفصل القضاء فوضعت في الميزان فإن أرجح الميزان فأنا شريف كريم، وإن أنقص الميزان فأنا اللئيم الذليل، فهذا حسبي وحسب الجميع، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق سلمان، صدق سلمان، صدق سلمان، من أراد أن ينظر إلى رجل نوّر قلبه فلينظر إلى سلمان.

وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خط الخندق عام الأحزاب، فاحتج المهاجرون والأنصار أن سلمان الفارسي، كان رجلاً قوياً، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سلمان منا أهل البيت. قال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان رضي الله عنه الخندق: وعن بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عزّ وجلّ يحب في أصحابي أربعة، أخبرني أنه يحبهم وأمرني أن أحبهم، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: إن علياً منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي " وعن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان " وفي حديث أخر عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي، وسلمان، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، رضي الله عنهم. " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل يخبرني عن الله تبارك وتعالى: ما أحبّ أبا بكر وعمر إلا مؤمن تقي ولا أبغضهما إلا منافق شقي، وإن الجنة لأشوق إلى سلمان الفارسي من سلمان إليها. " وعن أبي جعفر بن علي عن أبيه عن جده قال: أتى جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إن الله عزّ وجلّ يحب من أصحابك ثلاثة فأحبّهم: علي بن أبي طالب، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، قال: فأتاه جبريل فقال له: يا محمد، إن الجنة لتشتاق لثلاثة من أصحابك، وعنده أنس بن مالك، فرجا أن يكون

لبعض الأنصار. قال: فأراد أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم فهابه، فخرج فلقي أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، إني كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنفاً فأتاه جبريل فقال: إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فرجوت أن يكون لبعض الأنصار فهبته أن أسأله، فهل لك أن تدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتسأله؟ فقال: إني أخاف أن أسأله فلا أكون منهم ويشمت بي قومي، ثم لقي عمر بن الخطاب فقال له مثل قول أبي بكر، قال: فلقي علياً فقال له علي: نعم، إن كنت منهم فأحمد الله، وإن لم أكن منهم فحمدت الله، فدخل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أن أنساً حدثني أنه كان عندك آنفاً وإن جبريل أتاك فقال: يا محمد: أن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة من أصحابك، فمن هم يا نبي الله؟ قال: أنت منهم يا علي، وعمار بن ياسر، وسيشهد معك مشاهد بيناً فضلها عظيما خيرها، وسلمان وهو منا أهل البيت، وهو ناصح فاتخذه لنفسك. وعن أبي البحتري قال: قيل لعلي عليه السلام: أخبرنا عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عن أيهم تسألون؟ قالوا: عن عبد الله، قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى، وكفى به علماً، قالوا: عمار، قال: مؤمن نسي، فإن ذكرته ذكر. قالوا: أبو ذر، قال: وعي علماً عجز فيه، قالوا: أبو موسى، قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. قالوا: حذيفة، قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين. قالوا: سلمان، قال: أدرك علم الأول وعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم هذه الأمة بها أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقضاهم عليّ، وأصدقهم حياء عثمان، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وأقرأهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأبو هريرة وعاء من العلم، وسلمان علم لا يدرك، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

وعن يزيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجده فقال: أين فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم، ويبعث إليهم حتى توافوا عنده، فلما توافوا عنده حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أني محدثكم حديثاً فاحفظوه وعوه، وحدثوا به من بعدكم: إن الله عزّ وجلّ أصطفى من خلقه خلقاً ثم تلا: " والله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس " خلقاً، يدخلهم الجنة، وأني أصطفي منكم من أحب أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخى الله عزّ وجلّ بين ملائكته، قم يا أبا بكر فاجث بين يدي فإن لك عندي يداً، الله يجزيك بها، لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذتك خليلاً، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي، ثم تنحى أبو بكر، ثم قال: أدن مني يا عمر فدنا منه فقال: لقد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز الإسلام بك أو بأبي جهل بن هشام ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهم إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة، ثم تنحى عمر، ثم آخى بينه وبين أبي بكر ثم دعا عثمان فقال: ادن أبا عمرو، ادن أبا عمرو، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبتيه بركبتيه فنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى السماء فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، ثم نظر إلى عثمان وكانت أزراره محلولة فزرّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده ثم قال: اجمع عطفي ردائك على نحرك، ثم قال: إن لك شأناً في أهل السماء، أنت ممن يرد على حوضي وأوداجك تشخب دماً، فأقول من فعل بك هذا؟ فتقول: فلان وفلان، وذلك كلام جبريل إذا هاتف يهتف من السماء فقال: ألا إن عثمان أمير كل مخذول، ثم تنحى عثمان، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: ادن يا أمين الله، أنت أمي الله، وتسمى في السماء الأمين، يسلطك الله على مالك بالحق، أما إن لك عندي دعوة قد وعدتكها وقد أخرتها، قال: خرّ لي يا رسول الله، قال: حملتني يا عبد الرحمن أمانة ثم قال: إن لك لشأناً يا عبد الرحمن، أما أنه أكثر الله مالك، وجعل يقول بيده هكذا وهكذا، ثم تنحى عبد الرحمن، ثم آخى بينه وبين عثمان، ثم دعا طلحة والزبير ثم قال لهما: ادنوا مني فدنوا منه فقال لهما: أنتما حواري كحواري عيسى بن مريم، ثم آخى بينهما، ثم دعا عمار بن ياسر وسعداً وقال: يا عمار، تقتلك الفئة الباغية، ثم آخى بينه وبين سعد، ثم دعا عويمر بن

زيداً أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال: يا سلمان، أنت منا أهل البيت، وقد أتاك الله العلم الأول والآخر، والكتاب الأول والآخر ثم قال: ألا أرشدك يا أبا الدرداء؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن تنتقدهم ينتقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك، وإن تهرب منهم يدركوك، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك، وأعلم أن الجزاء أمامك، ثم آخى بينه وبين سلمان، ثم نظر في وجوه أصحابه فقال ابشروا وأقروا عيناً، أنتم أول من يرد عليّ حوضي، وأنتم في أعلى الغرف، ثم نظر عبد الله بن عمر فقال: الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ويلبس من الضلالة على من يحب، فقال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت، غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك يا نبي الله: قال: ما ورث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إخواناً على سرر متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا هذه الآية: " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس. وروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغة قول سلمان لأبي الدرداء: إن لأهلك عليك حقاً، ولبصرك عليك حقاً فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم. وعن أبي أمامة قال: أشخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصره إلى السماء فقلنا: ما هذه يا رسول الله؟ قال: رأيت ملكاً عرج بعمل سلمان.

وعن يحيى بن أبي كثير قال: فقد رسول الله سلمان فسأل عنه، فأخبر أنه عليل، فأتاه يعوده ثم قال: عظم الله أجرك، ورزقك العافية في دينك وجسمك إلى منتهى أجلك، إن لك من وجعك خلالاً ثلاثاً: أما واحدة فتذكرة من ربك تذكر بها، وأما الثانية فتمحيص لما سلف من ذنوبك، وأما الثالثة فادع بما شئت فإن دعاء المبتلي مجاب. هذا منقطع. وعن قتادة في قوله: " قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب " قال: منهم سلمان، وعبد الله بن سلام. وعن الربيع بن أنس في قوله عزّ وجلّ: " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً " قال: هم قوماً يفرون إلى الله عزّ وجلّ، فيعطون ويحبون ويكرمون ويشفعون، منهم سلمان الفارسي. وعن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التفسير: " إن الذي أمنوا الله وهادوا " الآية قال: نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي، وكان من أهل جندي سابور من أشرافهم. وعن أنس قال: قيل يا رسول الله، عمن نكتب العلم بعدك؟ قال: عن علي وسلمان. وعن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم الجمعة فقيل له: هو نائم. فقال: ماله؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة الجمعة أحياها، ويصوم يوم الجمعة. قال: فأمرهم فصنعوا طعاماً في

يوم الجمعة ثم أتاهم فقال: كل، قال: إني صائم. فلم يزل به حتى أكل، ثم أتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا له ذلك فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عويمر، سلمان أعلم منك " وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء " عويمر، سلمان أعلم منك، ثلاث مرات، لا تخص ليلة الجمعة بقيام الليالي، ولا تخص يوم الجمعة بصيام بين الأيام. وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا يعني لعلي: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن سلمان الفارسي قال: ذلك رجل منا أهل البيت، أدرك علم الأولين والآخرين، من لكم بلقمان الحكيم. قال عمرو بن ميمون: لما حضر لمعاذ الموت بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قال: أما إنه ليس عليك أبكي إنما أبكي على العلم الذي يذهب معك، قال: إن العلم والإيمان ثابتان إلى يوم القيامة، فالتمس العلم عند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإنه عاشر عشرة في الجنة، وسلمان الفارسي، وعويمر أبي الدرداء، فلحقت بعبد الله بن مسعود فأمرني بما أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصلي الصلاة لوقتها، وأجعل صلاتهم تسبيحاً. وعن المدائني قال: قال سلمان: لو حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا: رحم الله قاتل سلمان. وعن قتادة وعلي بن زيد بن جدعان قالا: كان بين سعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي شيء، فقال سعد وهم في مجلس: انتسب يا فلان فانتسب، ثم قال للآخر: انتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان، فقال: انتسب يا سلمان، فقال: ما أعرف لي أبا في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام، فنمي ذلك إلى عمر، فقال لسعد ولقيه: انتسب يا سعد فقال أنشدك بالله يا أمير المؤمنين، قال: وكأنه عرف فأبى أن يدعه حتى أنتسب، ثم قال للآخر حتى بلغ سلمان فقال: انتسب يا سلمان، فقال: أنعم الله عليّ بالإسلام، فأنا سلمان ابن الإسلام، فقال عمر: لقد علمت قريش أن الخطّاب كان أعزهم في الجاهلية، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام، أما والله لولا شيء لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار، أما علمت أو ما سمعت أن رجلاً

انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية، فكان عاشرهم في النار، وانتمى رجل إلى رجل في الإسلام وترك ما فوق ذلك فكان معه في الجنة. وعن عمرو بن قيس قال: قيل لسلمان الفارسي: ما حسبك؟ قال: كرمي ديني، وحسبي التراب، ومن التراب خلقت، وإلى التراب أصير، ثم أبعث وأصير إلى الموازين، فإن ثقلت موازيني فما أكرم حسبي وما أكرمني على ربي يدخلني الجنة، وإن خفت موازيني فما ألأم حسبي وما أهونني على ربي ويعذبني إلا أن يعود بالمغفرة والرحمة على ذنوبي. ومن شعر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: من الطويل لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد هجن الشرك الشريف أبا لهب وعن قتادة كره أن يقول سلمان الفارسي ولكن سلمان المسلم. وعن مسلم البطين. أن عمر رضي الله عنه جعل عطاء سلمان رضي الله عنه أربعة آلاف. قال ثابت البناني: كتب عمر بن الخطاب إلى سلمان أن زرني، قال فخرج سلمان إليه، فلما بلغ عمر قدومه قال لأصحابه: هذا سلمان قد قدم، فانطلقوا نتلقاه قال: فلقيه عمر فالتزمه وساءله، ثم رجعا إلى المدينة سلمان وعمر، فقال له عمر: يا أخي، أبلغك عن شيء تكرهه؟ لما أخبرتني به، قال: لولا أنك عزمت ما أخبرتك، بلغني عنك شيء كرهته: بلغني عنك أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم، وبلغني أن لك حلتين، حلة تلبسها في أهلك، وحلة تخرج فيها، قال: هل غير ذا؟ قال: لا، قال: كفيت هذا. أظنه قال: لن أعود إليه أبداً. والحلة: إزار ورداء.

وعن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك الله عبداً. قال: فزوجني. قال: فسكت عنه. قال: أترضاني لله عبداً ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر فقال: حاجة؟ قالوا: نعم. قال: وما هي إذاً تقضى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر، يعنون خطبته إلى عمر فقال: أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة. قال: فتزوج في كندة " الحديث. وفي حديث غيره عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته. فلما بلغ البيت قال: ارجعوا أجركم الله، ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء، فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟؟ قالوا: ما بيتنا بمحموم ولا تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل البيت حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب، فلما دخل رأى متاعاً كثيراً فقال: لمن هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، قال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب، ورأى خدماًن فقال: لمن هذا الخدم؟ قالوا: خدمك وخدم امرأتك فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي ألا أمسك إلا من أنكح أو أنكح، فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء، ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن: نعم، فخرجن، فذهب إلى الباب حتى أجافه وأرخى الستر، ثم جاء جلس عند امرأته، فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء أمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطاع. قال: فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن اجتمع على طاعة الله، فقام وقامت إلى المسجد فصليا لما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غداً عليه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال: إنما جعل الله الستور والجدر والأبواب ليوارى ما فيها، حسب كل امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له فأما ما غاب عنه فلا

يسألن عن ذلك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق. وعن عبد الله بن فيروز قال: كانت امرأة سلمان الفارسي بالمدائن فحزن عليها، فبلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم. بلغني يا أبا عبد الله سلمان مصيبتك بأهلك، وأوجعني ما أوجعك، ولعمري لمصيبة تقدم أجرها خير نعمة تسأل عن شكرها، ولعلك لا تقوم بها، والسلام عليك. قال أبو الدرداء: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشياً وعليه كساء وأندرورد يعني سراويل مشمرة. قال ابن شوذب: رئي سلمان وعليه كساء، مطموم الرأس ساقط الأذنين، يعني أنه كان أرقش، فقيل له: شوهت بنفسك فقال: أن الخير خير الآخرة. وعن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله. وعن خليفة بن سعيد المرادي عن عمه قال: رأيت سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طرقها يمشي، فزحمته حملة من قصب، فأوجعته فتأخر إلى صاحبها الذي يسوقها، فأخذ بعضده فحركه، ثم قال: لا متّ حتى تدرك إمارة الشباب. وعن علي بن أبي طلحة قال: اشترى رجل علفاً لفرسه فقال لسلمان: يا فارسي، تعال فاحمل. فحمل وأتبعه،

فجهل الناس يسلمون على سلمان فقال: من هذا؟ قالوا: سلمان الفارسي، فقال: والله ما عرفتك، أعطني. قال سلمان: لا، أني أحتسب بما صنعت خصالاً ثلاثاً: أما إحداهن فإني ألقيت عني الكبر، وأما الثانية فإني أعين رجل من المسلمين على حاجته، وأما الثالثة فلو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي. قيل لسلمان: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها. وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفاً من الناس، يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده وكان عطاؤه أربعة آلاف، كان من ثياب فيتصدق بها ويعمل الخوص. قال النعمان بن حميد: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن ((وهو يعمل الخوص، فسمعته يقول: اشتري خوصاً بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهي. قال مالك: كان سلمان الفارسي يعمل الخوص بيده، ولا يقبل من أحد شيئاً، وكان يعيش به، ولم يكن له بيت إنما كان يستظل بظل الجدر والشجر، وأن رجلاً قال له: أنا أبني لك بيتاً قال: مالي به حاجة، فما زال الرجل يردد عليه ذلك ويأبى سلمان حتى قال الرجل: إني أعرف البيت الذي يوافقك قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت به أصاب رأسك سقفه، وإذا مددت رجلك أصابتا الجدار. قال: نعم، قال فبنى له. قال فضيل بن عياض: لبس جبة صوف فقيل له: لو لبست ألين من هذا فقال: إنما أنا عبد ألبس ما يلبس العبيد، فإذا مت لبست جبة لا تبلى حواشيها

وعن جرير بن عبد الله قال: نزلت الصفاح في يوم صائف شديد الحر، فإذا رجل نائم في حر الشمس، مستظل بشجرة معه شيء من طعام ومزود له تحت رأسه، ملتف بعباءة قال جرير: فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا فإذا قد انتبه الرجل وإذا هو سلمان الفارسي، قال: فقلت له: ظللنا عليك وما نعرفك فقال: يا جرير، تواضع في الدنيا، فإن من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة، يا جرير، لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده. قال: قلت: وكيف يا سلمان وفيها الثمار؟؟ قال: فقال: أصول الشجر الذهب والفضة وأعلاها الثمار، يا جرير، ري ما ظلمة النار؟ قال: لا. قال: فإنه ظلم الناس بعضهم بعضاً في الأرض. وعن عبد الله بن سلمة قال: كان سلمان إذا أصاب شاة من الغنم ذبحت أو ذبحوها عمد إلى جلدها فيعمل منه جراباً، وإلى شعرها فيجعل منه حبلاً، وإلى لحمها فيقدده، ويستنفع بجلدها، ويعمد إلى الحبل فينظر رجلاً معه قوس قد صدع به فيعطيه، ويعمد إلى اللحم فيأكله في الأيام، وإذا سئل عن ذلك يقول: أن أستغني بالله في الأيام أحب إليّ من أن أفسده ثم أحتاج إلى ما في أيدي الناس. قال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه. كتب سلمان إلى أبي الدرداء أن العلم كالينابيع يغشاهن الناس، فيختلجه هذا وهذا فينفع الله به غير واحد، وإن حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه، وإن علماً لا يخرج ككنز لا ينفق منه، وإنما مثل العالم كمثل رجل حمل سراجاً في طريق مظلم يستضيء به من مرّ به، وكل يدعو له بالخير.

قال حميد بن هلال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء بالشام، وسكن سلمان الكوفة، قال: فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، قال: فكتب إليه سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إليّ أنّ الله عزّ وجلّ رزقك مالاً وولداً، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، أن ينفعك علمك، وكتبت إليّ أنك نزلت الأرض المقدسة وأن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى. قال يحيى بن سعد: كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدّس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً، فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إليّ أعيدا علي قصتكما. قال أبو البختري: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي على سلمان، فدخلا عليه في خصّ في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه، وحيياه، ثم قالا: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أدري، فارتابا، وقالا: لعله ليس الذي نريد، فقال لهما: أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة فما جاء بكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام قال: من هو؟ قالا: أبو الدرداء، قال: فأين هديته التي أرسل بها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: اتقيا الله، وأدّيا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية، قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالاً فاحتكم فيها، قال: ما أريد أموالكما ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خلا به لم يبغ أحداً غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام، قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه؟ وأي هدية أفضل من السلام، تحية من عند الله مباركة طيبة؟

قال ميمون بن مهران: جاء رجل على سلمان فقال: يا أبا عبد الله، أوصني. قال: لا تتكلم، قال: ما يستطيع من عاش بين الناس ألا يتكلم. قال: فإن تكلمت فتكلم بحق أو اسكت. قال: زدني قال: لا تغضب قال: أمرتني ألا أغضب، وأنه ليغشاني ما لا أملك، قال: فأن غضبت فاملك لسانك ويدك، قال: زدني قال: لا تلابس الناس قال: ما يستطيع من عاش في الناس ألا يلابسهم قال: فإن لابستهم فاصدق الحديث وأدّ الأمانة. وعن سلمان قال: الناس ثلاثة: سامع فعاقل، وسامع فتارك، وسامع فعارف، ومن الناس حامل داء، ومنهم حامل شقاء، ومن الناس من إذا ذكرت الله عنده أعانك وأحبّ ذلك، وإن نسيت ذكرك، ومن الناس من إن ذكرت الله عنده لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، فتواضع لله وتخشع، وخف الله يرفعك الله، وقل سلاماً للقريب والبعيد، فإن سلام الله لا يناله الظالمون، فإن رزقك الله علماً فابتغ إليه كي تعلم مما علمك الله، فإن مثل العلم الذي كمثل رجل حامل سراج على ظهر الطريق فكل من مر به يستبصر به، ويدعو له بالبركة والخير، وإن مثل علم لا يقال به كصنم نائم لا يأكل ولا يشرب. وعن سفيان الثوري قال: قال سلمان الفارسي: إذا أظهرتم العلم وخزنتم العمل، وتحاببتم بالألسن وتباغضتم بالقلوب لعنكم الله فأصمتكم وأعمى أبصاركم. وعن سلمان قال: مثل الرجل يلقى أخاه فيشكو إليه فيفرج عنه مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى. وعن سلمان الفارسي قال: ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك لا يدري أساخط عليه رب العالمين أم راض، وثلاث أحزنني حتى أبكينني:

فراق محمد وحزبه، وهو المطلع، والوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ، لا أدري إلى جنة يؤمر بي أم إلى نار. وعن طارق شهاب الأحمسي عن سلمان الفارسي قال: إذا كان الليل كان الناس منه على ثلاث منازل: فمنهم من له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، ومنهم من عليه ولا له. قال طارق: فعجبت لحداثة سني وقلة فهمي فقلت: يا أبا عبد الله، وكيف ذلك؟ قال: أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى، فذلك له ولا عليه، ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل يمشي في معاصي الله عزّ وجلّ فذلك عليه ولا له، ورجل نام حتى أصبح فذلك لا له ولا عليه. قال طارق: فقلت: لأصحبن هذا فلا أفارقه، فضرب على الناس بعث، فخرج فيه فصحبته، فكنت لا أفضله في عمل، إن أنا عجنت خبز، وإن خبزت طبخ، فنزلنا منزلاً فبتنا فيه، وكانت لي ساعة من الليل أقومها، فكنت أتيقظ لها فأجده نائماً فأنام، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، ثم أقوم فأجده نائماً فأنام، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ، ثم ركع ركعات، فلما صلينا الفجر، قلت يا أبا عبد الله، كانت لي ساعة من الليل أقومها، وكنت أتيقظ لها فأجدك نائماً، فأقول: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مني نائم، فأنام، قال: يا بن أخي فأيش كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته. فقال: يا بن أخي، تلك الصلاة، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتل، يا بن أخي عليك القصد فإنه أبلغ. قال سعيد بن وهب: دخلت مع سلمان على صديق له يعوده فقال: إن الله إذا أبتلى عبده المؤمن بشيء من البلاء، ثم عافاه كان كفارة لما مضى، ومستعيناً فيما بقي، وإن الفاجر إذا أصابه الله

بشيء من البلاء ثم عافاه كان كالبعير عقله أهله، ثم أطلقوه، لا يدري فيم عقلوه لا فيم أطلقوه. قال أبو قلابة: إن رجلاً دخل على سلمان وهو يعجن فقال: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين. قال سلمان: أني لأعد عراق قدري مخافة الظن بخادمي. قال شقيق: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانها عن التكلف لتكلفت لكم، قال: فجاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها فجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة. وعن أبي البحتري أن سلمان دعا رجل إلى طعامه، فجاء مسكين فأخذ كسرة فناوله، فقال سلمان: ضعها حيث أخذتها، فإنما دعونا لتأكل، فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك الوزر عليك؟ وعن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ ألست قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألست؟ ألست؟ فقال: ما أبكاني واحدة من اثنين، ما أبكاني صبابة بالدنيا، ولا كراهية الآخرة، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلينا أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، فلا أراني إلا قد تعديته، وأما أنت يا سعد فاتق الله وحده عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت.

قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهماً نفيقة كانت عنده. وعن الحسن قال: أمر سعد بن أبي وقاص على الكوفة وبها سلمان الخير. قال: فخرج سعد يوماً يسير على حمار له في السوق وعليه قميص سنبلاني، فلقي سلمان، فلما رآه مقبلاً إليه بكى، فانتهى إليه سعد فسلم عليه وقال: ما يبكيك أبا عبد الله؟ قال: ما لي ألا أبكي وقد سمعت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكفيك من الدنيا كزاد الراكب وأرى عليك قميصاً سنبلانياً وأنت على حمار؟ فقال له سعد: أوصني يا أبا عبد الله قال: اذكر ربك عند حكمك إذا حكمت، واذكر الله عند قسمك إذا أقسمت، واتق الله في همك إذا هممت. قال: بم، قال الحسن: حلما حكماً، ثم قال: اتق الله يا ابن آدم في همك، فإن كان هم خير فأمضه، وإن كان هم شر فدعه. وعن سعيد بن سوقة قال: دخلنا على سلمان الفارسي نعوده وهو مبطون فأطلنا الجلوس عنده، فشق عليه فقال لامرأته: ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر؟ فقالت: هو ذا. قال: ألقيه في الماء ثم اضربي بعضه ببعض ثم أنضخي حول فراشي فإنه الآن يأتينا قوم ليسوا بإنس ولا جنّ. ففعلت، وخرجنا عنه، ثم أتيناه، فوجدناه قد قبض. قال الشعبي: حدَّثني الحارث عن امرأة سلمان بقيرة أنها قالت لما حضره الموت: دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن لي اليوم زواراً لا أدري من أي الأبواب يدخلون عليّ ثم دعا بمسك، فقال: أوخفيه في تور ففعلت،

سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو

قال: ثم أنضحيه حول فراشي، ثم أنزلي، فامكثي، فسوف تطلعين عليّ فتريني على فراشي، فاطلعت إليه، فإذا هو قد أخذ روحه، فكأنه نائم في فراشه، أو نحو من هذا. توفي سلمان بالمدائن وقبره هناك. قال ابن زنجويه: بلغني أن سلمان توفي سنة ست وثلاثين قبل الجمل. وقيل: إنه توفي في خلافة عثمان. فعلى قول ابن زنجويه تكون وفاته في خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: توفي سنة سبع وثلاثين. قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاث مئة سنة وخمسين سنة، فأما مئتين وخمسين فلا يشكون فيه. وعن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام التقيا، فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه، فقال أحدهما لصاحبه: أو يلقى الأحياء الأموات؟ قال: نعم، أما المؤمنون فإن أرواحهم بالجنة، وهي تذهب حيث شاءت. قال: فتوفي أحدهما قبل صاحبه، فلقيه الحيّ في المنام، فكأنه سأله فقال الميت: توكل وأبشر. فلم أر مثل التوكل قط. سلمان مات قبل ابن سلام. سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو ابن سهم بن نضلة بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر وهو منبه ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، أبو عبد الله الباهلي يقال: إن له صحبة، وشهد فتوح الشام مع أبي أمامة الباهلي، ثم سكن العراق، وولاه عمر رضي الله عنه قضاء الكوفة، ثم ولي غزو أرمينية في خلافة عثمان فقتل ببلنجر.

قيل: إنه كان يغزو سنة ويحج سنة. حدث سلمان بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم بين قومه قسما فقلت يا رسول الله، غير هؤلاء كانوا أحق، فقال: إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش ولست بباخل. وعن شقيق بن سلمة قال: رأيت سلمان بن ربيعة جالساً بالمدائن على قضائها، استقضاه عمر بن الخطاب أربعين يوماً، فما رأيت بين يديه رجلين يختصمان بالقليل ولا بالكثير، فقلنا لأبي وائل: فممّ ذلك؟ قال: من انتصاف الناس فيما بينهم. وعن عمرو بن شرحبيل أن سلمان بن ربيعة " وكان قاضياً قبل شريح " سئل عن فريضة فأخطأ فيها، فقال له عمرو بن شرحبيل: القضاء فيها كذا وكذا، فكأنه، أي غضب، فرفع ذلك إلى أبي موسى الأشعري وكان على الكوفة فقال: يا سلمان، كان ينبغي لك ألا تغضب، وأنت يا عمرو كان ينبغي لك أن تساوده في أذنه. يعني تساره. حدث من شهد القادسية قال: أبصر سلمان بن ربيعة الباهلي أناساً من الأعاجم تحت راية لهم، قد حفروا لها وجلسوا تحتها، وقالوا: لا نبرح حتى نموت، فحمل عليهم، فقتل من كان تحتها، وسلبهم، وكان سلمان فارس الناس يوم القادسية، وكان أحد الذين مالوا بعد الهزيمة على من ثبت، والآخر عبد الرحمن بن ربيعة، ذو النون أخوه، ومال على آخرين قد تكتبوا وتعبئوا للمسلمين فطحنهم بخيله. قال الشعبي: كان يقال لسلمان: أبصر بالمفاصل من الجازر بمفاصل من الجزور. حدث أبو عمرو بن العلاء أن عمر بن الخطاب شك في العتاق والهجن من الخيل، فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي

سلمان بن ناصر بن عمران بن محمد

بطست من ماء، أو بترس فيه ماء، فوضع بالأرض، فما ثنى سنبكه فشرب هجنه، وما شرب ولم يثن سنبكه عربه، وذلك لأن في أعناق الهجن قصراً، فهي لا تنال الماء إلا على تلك الحال، وأعناق الخيل العتاق طوال فهي لا تثني سنبكها لطول أعناقها. نزل زيد بن صوحان على سلمان بن ربيعة كأنه ينظر ما يعمل، فكان إذا تعار من الليل قال: سبحان الله رب النبيين وإله المرسلين، قال: ثم يصلي ركعات ويقول: يا زيد، اكفني نفسك يقظان أكفك نفسك نائماً. كان سلمان بن ربيعة الباهلي غزا بلاد الترك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقتل ببلنجر، فجعل أهل تلك الناحية عظامه في تابوت، فإذا احتبس عليهم القطر أخرجوه فاستسقوا به فسقوا. قتل سلمان بن ربيعة ببلنجر من بلاد أرمينية سنة تسع وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين. وقيل: مات سنة إحدى وثلاثين سلمان بن ناصر بن عمران بن محمد ابن إسماعيل بن إسحاق بن يزيد بن زياد بن ميمون بن مهران أبو القاسم الأنصاري النيسابوري أحد تلاميذ الإمام أبي المعالي الجويني، كان مقدماً في علم الأصول والتفسير، وسمع بدمشق، وكان ذا دين وورع وتقدّم في علم الكلام. وله تصانيف في أصول الدين، وهو الذي شرح كتاب الإرشاد الذي صنفه الجويني. حدث عن أبي الحسين محمد بن مكي بن عثمان بن عبد الله الأزدي بسنده عن أبي النضر المدني: أنه سمع كتاباً كتبه عبد الله بن أبي أوفى عمر بن عبيد الله بن معمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتظر ذات يوم في بعض مغازيه حتى إذا مالت الشمس قام في الناس فقال: لا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم " وفي رواية لعلكم لا تثبتون " وسلوا الله العافية، فإن أتوكم فاثبتوا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم دعا فقال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم. توفي سلمان بن ناصر سنة اثنتي عشرة وخمس مئة.

سلمان بن ندى بن طراد بن مطر

سلمان بن ندى بن طراد بن مطر أبو عبد الله التغلبي القيسراني الشافعي كان إماماً في الفقه، حافظاً له، من المفتين فيه، ذكر عنه أنه كان يحفظ كتاب الشامل لأبي نصر بن الصباغ. سأله أبو محمد بن صابر عن مولده فقال: في رجب سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة بقيسارية. حدث سلمان بن ندى عن ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اشترى خادماً فليضع يده على ناصيته ثم يقول: اللهم، أني أسألك من خيره وخير ما جبلته عليه، وأعوذ بك من شره وشر ما جبلته عليه، وإذا اشترى دابة فيضع يده على ناصيتها ثم يقول: اللهم، أني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيراً فليضع يده على ذروة سنامه ثم يقول: اللهم، أني أسألك من خيره وخير ما جبلته عليه، وأعوذ بك من شره وشر ما جبلته عليه. وحدث سلمان بن ندى عن أبي بكر محمد بن ثابت بن الحسين بن علي الخجندي بسنده للإمام الشافعي رحمه الله: من الخفيف لست ممن إذا جفاه أخوه ... أظهر الوجد أو تناول عرضا بل إذا صاحب بدا لي جفاه ... أظهر الود والوصال ليرضى كن كما شئت لي فإني حمول ... أنا أولى من عن مساويك أغضى سلمان أبو رجاء مولى أبي قلابة كان مع مولاه أبي قلابة بالشام ثم رجع إلى العراق. حدث أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس في القسامة فقال قوم: هي حق قضى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضى بها الخلفاء، وأبو قلابة خلف السرير قاعد، فالتفت إليه فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ فقال: أبو قلابة: يا أمير المؤمنين، عندك من رؤوس الأجناد وأشراف العرب، شهد

سلمة بن أسلم بن حريش

عندك أربعة من أهل حمص على رجل من أهل دمشق أنه زنى أكنت راجمه؟ قال: لا، قال: وشهد رجلان من أهل دمشق على رجل من أهل حمص أنه سرق، ولم يروه، أكنت قاطعه؟ قال: لا، قال: يا أمير المؤمنين، فهذا أعظم من ذلك، لا والله لا أعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل أحد من أهل الصلاة إلا رجلا كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصان أو قتل نفساً بغير نفس، قال: فقال عنبسة بن سعيد: فأين حديث أنس بن مالك في العكليين؟ قال: فقال أبو قلابة: إياي حدث أنس بن مالك أن قوماً من عكل أول قال عرينه قدموا المدينة فاجتووها، فأمر لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلقاح، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا حتى برئوا وذهب سقمهم، أو كما قال: فقتلوا راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واطردوا النعم، فبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك غدوة فبعث الطلب في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمرهم فقطعت " أو قطع " أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون، قال: فقال أبو قلابة: فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. فقال عنبسة: يا قوم، ما رأيت كاليوم قط. فقال أبو قلابة: أتتهمني يا عنبسة؟ فقال: لا ولكنك لا يزال هذه الجند بخير ما أبقاك الله بين أظهرهم. سلمة بن أسلم بن حريش ابن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الأوس، أبو سعد الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد بدراً، وخرج في جيش أسامة بن زيد الذي بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته إلى أرض البلقاء ليدركوا ثأر من أصيب بمؤتة. قال سلمة بن أسلم: رأيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن على الباب، نريد أن ندخل على أثره. فدخل رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في البيت أحد إلا سعيد مسجى، قال: فرأيته يتخطى، فلما رأيته يتخطى وقفت وأومأ إليّ: قف، فوقفت ورددت من ورائي، وجلس ساعة ثم خرج. فقلت: يا رسول الله، ما رأيت أحداً وقد رأيتك تتخطى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه. فجلست ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هنيئاً لك أبا عمرو، هنيئاً لك أبا عمرو - ويعني بع سعد بن معاذ. ومن حديث الواقدي مختصراً قال: قالوا: ولم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه، ووجد عليهم وجداً شديداً، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش في غزوهم، فتفرق المسلمون من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم مجدون في الجهاز. ثم دعا أسامة في الغد يوم الثلاثاء فقال: يا أسامة، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحاً على أهل أبني، وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع، ثم صدع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمّ في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، فلما أصبح يوم الخميس عقد له بيده لواء، ثم قال: امض على اسم الله، فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة بن الحصيب، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة فعسكر بالجرف، وجعل الناس يأخذون بالخروج إلى العسكر، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، أبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد، في رجال من المهاجرين، والأنصار عدة: قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم حريس. وذكر الحديث. وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن

سلمة بن بشر بن صيفي أبو بشر

الحصيب بلواء أسامة معقوداَ، حتى أتى باب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فغرزه عنده، فلما بويع أبو بكر أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، ولا يحله أبداً حتى يغزو بهم أسامة. قال بريدة: فخرجت باللواء حتى أتيت به بيت أسامة، ثم خرجت به إلى الشام معقوداً مع أسامة، ثم رجعت به إلى بيت أسامة، فما زال معقوداً في بيت أسامة حتى توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتد من ارتد منها عن الإسلام قال أبو بكر لأسامة: انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ الناس بالخروج معه، ومشى أبو بكر إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر، ففعل أسامة ورجع يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟ فقال أسامة: نعم، وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم، فأخذهم بالخروج فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد، وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس، وذكر الحديث. قتل سلمة بن أسلم يوم جسر أبي عبيد سنة أربع عشرة، وهو ابن ثلاث وستين في أول خلافة عمر بن الخطاب. وقيد أبو عبد الله الصوري: حريس بالسين المهملة، وقال غيره: حريش بالشين المعجمة. وقيل: قتل على رأس خمس عشرة سنة. سلمة بن بشر بن صيفي أبو بشر حدث سلمة بن بشر عن مسلمة بن علي بسنده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة فرأيت على بابها: الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، كيف صارت الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر؟ قال: لأن الصدقة تقع بيد الغني والفقير، والقرض لا يقع إلا في يد من يحتاج إليه. وحدث سلمة بن بشر أيضاً عن البختري بن عبيد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها. قيل: يا رسول الله، وما ثوابها؟ قال: تقولون: اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً "

سلمة بن تميم

سلمة بن تميم حدث عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم الساعة حتى يجعل كتاب الله عاراً، ويكون الإسلام غريباً، وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وينقص عمر البشر، وتنتقص السنون والثمرات، ويؤتمن التهماء، ويتهم الأمناء، ويصدق الكاذب، ويكذّب الصادق، ويكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل، وحتى تبنى الغرف فتطاول، وحتى تحزن ذوات الأولاد وتفرح العواقر، ويظهر البغي والحسد والشح، ويهلك الناس، ويكثر الكذب، ويقل الصدق، وحتى تختلف الأمور بين الناس، ويتبع الهوى، ويقضى بالظن، ويكثر المطر، ويقل الثمر، ويغيض العلم غيضاً، ويفيض الجهل فيضاً، وحتى يكون الولد غليظاً والشتاء قيظاً، وحتى يجهر بالفحشاء، وتروى الأرض رياً، ويقوم الخطباء بالكذب، فيجعلون حقي لشرار أمتي، فمن صدّقهم بذلك ورضي به لم يرح رائحة الجنة. سلمة بن جواس - ويقال سلامة " أبو الحسن الطائي الحمصي قيل أنه دمشقي حدث عن محمد بن القاسم الطائي أن عبد الله بن بشر كان معهم في قريته فقال: هاجر أبي وأمي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح رأسي بيده وقال: ليعيشن هذه الغلام قرناً، قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وكم القرن؟ قال: مئة سنة. قال عبد الله: فلقد عشت خمساً وتسعين سنة وبقيت خمس سنين إلى أن أتم قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات. وحدث عن أبي مهدي بسنده عن أبي هريرة قال: أوصاني رسول الله بثلاث لا أتركهن في سفر ولا حضر: أربع ركعات في أول النهار، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر.

وحدث سلمة بن جواس أيضاً عن معاوية بن يحيى أبي مطيع الأطرابلسي بسنده عن ابن مسعود قال: جاء رجل بأبيه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقتضيه ديناً له عليه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت ومالك لأبيك. سلمة بن الخطل، الكناني الحجازي يقال: إن له صحبة، وفد إلى معاوية. قال الحافظ: ولا أعرف له حديثاً مسنداً. قال يعقوب بن داود: خطب معاوية يوماً بدمشق، فقال: إن الله عزّ وجلّ ولى عمر بن الخطاب، فولاني بعض ما ولاه الله، فوالله ما خنته، ولا كذبته، ولا حالفت عليه، ثم ولاني الله الأمر فتقدمت وتأخرت، وأخطأت وأحسنت، فمن أنكرني فقد عرفت نفسي، فقام إليه سلمة بن الخطل أحد بني عريج ين عبد مناة بن كنانة فقال: والله يا معاوية لقد أنصفت، وما كنت منصفاً، قال: وما أنت وذاك يا احدب؟ فكأني أنظر إلى حفش بيتك من مهيعة مربوطاً بطنب منه تيس، وبطنب منه بهمة، تخفق فيه الريح بمثل جناح النسر، بفنائه أعنز عشر، درهن قليل تحلبهن في مثل قوارة حافر حمار. قال: رأيت والله ذلك في زمن علينا ولا لنا، والله إن حشوه يومئذ لحسب غير دنس، فهل رأيتني قتلت مسلماً أو كسبت محرماً؟ قال: وأين أنت حتى أراك؟ أنت لا تبرز إلا في غمار الناس، وأي مسلم تقوى عليه حتى تقتله، وأي مكسب تقدر عليه حتى تكسبه، اجلس لا جلست، قال: لا والله، وكني أذهب حيث لا أسمع صوتك. قال: إلى أبعد الأرض لا إلى أقربها. قال: فمضى ساعة وهو ينظر في قفاه ويقول اللهم لا تصحبه، ثم قال: كرّوه عليّ فكروه، فقال: أستغفر الله منك، بلى والله، لقد رأيتك حيث أعرفك، قد أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت عليه فرد عليك، وأهديت إليه فقبل منك، وأسلمت، فكنت من صالحي قومك، وإنك لفي شرف منهم، وإنك لخالي، وإن أباك يوم طرف البلقاء لذو عناء، اجلس حتى أفرغ لك، ثم مضى في خطبته. فلما فرغ وصله، وأحسن إليه.

سلمة بن دينار

سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج المدني الزاهد مولى الأسود بن سفيان المخزومي وقيل: مولى بني ليث. قدم دمشق. حدث أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله أتي بشراب، وعن يمنه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء يا غلام؟ فقال: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً قال: فتلّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يده. قال أبو حازم: قدمت على عمر بن عبد العزيز وهو بخناصرة؟ فلما نظر إليّ عرفني ولم أعرفه، فقال لي: أدن مني يا أبا حازم، فلما دنوت منه عرفته، فقلت: أنت أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قلت: ألم تكن بالمدينة بالأمس أميرً؟ قال: نعم، قلت: كان مركبك وطياً، وثوبك نقياً، ووجهك بهياً، وطعامك شهياً، وحرسك كثيراً، فما الذي غير ما بك وأنت أمير المؤمنين؟ فبكى، ثم قال: يا أبا حازم، كيف لو رأيتني بعد ثالثة في قبري، وقد سالت حدقتاي على وجنتي، وانشق بطني، وجرت الديدان في بدني، لكنت اشد إنكاراً لي من يومك هذا. اعد علي الحديث الذي حدَّثتني به بالمدينة، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن بين أيديكم عقبة كؤوداً مضرسة لن يجوزها إلا كل ضامر مهزول ". قال: فبكى ثم قال: أتلومني يا أبا حازم أن أضمر نفسي لتلك العقبة لعلي أنجو منها، وما أظنني بناج منها؟ ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان التبيين أن أبا حازم دخل مسجد دمشق فوسوس إليه الشيطان أنك قد أحدثت بعد وضوئك، فقال له: وقد بلغ هذا من نصيحتك؟!

كان أبو حازم أشقر أفرز أحول، وكان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة، وكان أعرج، وكان عابداً زاهداً، وقدم سليمان بن عبد الملك المدينة فأتاه الناس، وبعث إلى أبي حازم فأتاه وساءله عن أمره وعن حاله، وكان لأبي حازم حمار، فكان يركبه إلى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لشهود الصلوات، وتوفي أبو حازم في خلافة أبي جعفر بعد سنة أربعين ومئة. قال أبو حازم: رأيت سهل بن سعد الساعدي في ألف من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه في كل خفض ورفع. قال أبو بكر ين خزيمة: أبو حازم ثقة ولم يكن في زمانه مثله. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما رأيت أحداً الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم. وقال عون بن عبد الله: ما رأيت أحد يفرفر الدنيا فرفرة هذه الأعرج. يعني أبا حازم. قال أبو حازم: رأيت أبا حازم في مجلس عون بن عبد الله، وهو يقص في المسجد، ويبكي، ويمسح بدموعه وجهه، فقلت له: يا أبا حازم، لم تفعل هذا؟ قال: بلغني أن النار لا تصيب موضعاً أصابته الدموع من خشية الله. قال مروان بن محمد: قال أبو حازم: ويحك يا أعرج - يعني نفسه - يدعى يوم القيامة بأهل خطيئة كذا وكذا فتقوم

معهم، ثم يدعى بأهل خطيئة أخرى فتقوم معهم، فأراك يا أعرج تقوم مع أهل كل خطيئة. قال هشام بن عبد الملك لأبي حازم: يا أبا حازم، ما النجاة من هذه الأمر؟ قال: يسير، قال: ما ذاك؟ قال: لا تأخذن شيئاً إلا من حله، ولا تضعن شيئاً إلا في حقه، قال: ومن يطيق ذلك يا أبا حازم؟ قال: من طلب الجنة وهرب من النار. قال الزهري لسليمان أو هشام: ألا تسأل أبا حازم ما قال في العلماء؟ قال: يا أبا حازم، ما قلت في العلماء؟ قال: وما عسيتُ أن أقول في العلماء إلا خيراً! إني أدركت العلماء وقد استغنوا بعملهم عن أهل الدنيا، ولم يستغن أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلما رأى ذلك هذا وأصحابه تعلموا العلم، فلم يستغنوا به، واستغنى أهل الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلما رأوا ذلك قذفوا بعلمهم إلى أهل الدنيا، ولم ينلهم أهل الدنيا من دنياهم عن علمهم شيئاً، إن هذا وأصحابه ليسوا علماء إنما هم رواة، قال الزهري: إنه جاري منذ حين وما علمت أن هذا عنده. قال: صدق، أما إني لو كنت غنياً عرفني. قال. فقال له سليمان: ما المخرج مما نحن فيه؟ قال: تمضي ما في يديك بما أمرت به، وتكف عما نهيت عنه. قال: سبحان الله! ومن يطيق هذا قال: من طلب الجنة، وفرّ من النار، وما هذا فيما تطلب وتفر منه بقليل. أرسل بعض الأمراء إلى أبي حازم فأتاه، وعنده الإفريقي والزهري وغيرهما، فقال له: تكلم يا أبا حازم، فقال: أبو حازم: إنَ خير الأمراء من أحبّ العلماء، وإن شرّ العلماء من أحبّ الأمراء، وكان فيما مضى إذا بعث الأمراء إلى العلماء لم يأتوهم، وإذا أعطوهم لم يقبلوا منهم، وإذا سألوهم لم يرخصوا لهم، وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم، فيسألونهم وكان في ذلك صلاح للأمراء وصلاح للعلماء، فلما رأى ذلك ناس من الناس قالوا: ما لنا لا نطلب العلم حتى يكون مثل هؤلاء، فطلبوا العلم، فأتوا الأمراء،

فحدثوهم فرخصوا لهم، وأعطوهم، فقبلوا منهم فجرأت العلماء على الأمراء وجرأت الأمراء على العلماء. قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما لنا نكره الموت! قال: لأنكم عمرتم الدنيا، وخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب. قال سفيان بن عيينة: أخبر أبو حازم سليمان بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين فقال سليمان: فأين رحمة الله قال: " قريب من المحسنين " بعث بعض خلفاء بني أمية إلى أبي حازم بمال، فرده، فقال له: يا أبا حازم، خذ، فإنك مسكين، قال: كيف أكون مسكيناً، ومولاي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟! قال محمد بن عجلان: قدم سليمان بن هشام المدينة حاجاً أو معتمراً، فقال للزهري: يا زهري، ها هنا محدث؟ قال: نعم، أبو حازم الأعرج، قال: راوية عن أبي هريرة قال: ابعث، ائتنا به حتى يحدثنا، فبعث. فلما جاء قال له سليمان: تكلم يا أعرج، قال: ما للأعرج من حاجة فيتكلم بها، ولولا اتقاء شركم ما أتاكم الأعرج، فقال: سليمان: ما ينجينا من أمرنا هذه الذي نحن فيه؟ قال: أخذ هذا المال من حله ووضعه في حقه. قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: من طلب الجنة، وهرب من النار، قال سليمان: ما بالنا لا نحب الموت يا أعرج؟! قال: لأنك جمعت متاعك فوضعته بين عينيك، فأنت تكره أن تفارقه، ولو قدمته أمامك لأحببت أن تلحق به، لأن قلب المرء عند متاعه فعجب منه سلمان، فقال له الزهري: أصلح الله الأمير، إنه لجاري منذ عشرين سنة ما جالسته ولا حادثته: قال: لأني من المساكين يا بن شهاب، ولو كنت من الأغنياء لجالستني، وحادثتني قال: قرصتني

يا أبا حازم قال: نعم وأشد من هذا أقرصك، قال: لقد أتى علينا زمان، وإن الأمراء تطلب العلماء فتأخذ مما في أيدهم، فتنتفع به، فكان في ذلك صلاح الفريقين جميعاً، وطلبت اليوم العلماء الأمراء، وركنوا إليهم، واشتهوا ما في أيدهم، فقالت الأمراء: ما طلب هؤلاء ما في أيدينا حتى كان ما في الدنيا خير مما في أيديهم، فكان في ذلك فساد الفريقين كليهما، فقال سليمان بن هشام: صدقت، والذي لا إله إلا هو، ولأزهدن في الزهري من بعد اليوم. وفي حديث آخر قال له سليمان: يا أبا حازم: ليت شعري، ما لنا عند الله، قال: اعرض عملك على كتاب الله، قال: فأين أجد كتاب الله؟ قال: " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم: قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال أبو حازم: " قريب من المحسنين ". قال سليمان: يا أبا حازم، ليت شعري، كيف العرض غداً على الله تعالى؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكا لآبق يقدم على مولاه. فبكى سليمان حتى اشتد بكاؤه، ثم قال: يا أبا حازم، كيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون عنكم الصلف، وتمسكون بالمروءة، وتقسمون بالسوية، قال: وكيف المأخذ لذلك؟ قال: تأخذه من حقه، وتضعه في أهله، قال: يا أبا حازم، من أفضل الخلائق؟ قال: أولو المروءة والنهي، قال: فما أعدل العدل؟ قال: العدل قول الحق عند من ترجوه وتهابه، قال: يا أبا حازم، ما أسرع الدعاء؟ قال: دعاء المحسن إليه للمحسن، قال: ما أفضل الصدقة؟ قال: جهد المقل إلى البائس الفقير، لا يتبعها منّ ولا أذى، قال: من أكيس الناس؟ قال: رجل ظفر بطاعة الله، فعمل بها، ثم دل الناس عليها، فعملوا بها، قال: من أحمق الخلق؟ قال: رجل انحط في هوى أخيه، وهو ظالم، فباع أخرته بدنيا غيره. قال: يا أبا حازم، هل لك أن تصحبنا، فتصيب منا، ونصيب منك؟ قال: كلاّ. قال: ولم؟ قال: أخاف أن أركن إليكم شيئاً قليلاً، فيذيقني الله ضعف الحياة، وضعف الممات، ثم لا يكون لي منه نصيراً، قال: ارفع إليّ حاجتك؟! قال: نعم تدخلني الجنة، وتخرجني من النار، قال: ليس ذلك إليّ قال: فما لي حاجة سواها، قال: ادع الله

لي. قال: نعم، اللهم إن كان سليمان من أوليائك فيسره لخير الدنيا والآخرة. وإن كان سليمان من أعدائك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى، قال سليمان: قط؟! قال أبو حازم قد أكثرت وأطنبت، إن كنت أهله، وإن لم تكن أهله، فما حاجتك أن ترمي عن قوس ليس لها وتر؟ قال سليمان: يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: بل نصيحة بلغها إليّ، قال: إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر وأخذوه عنوة بالسيف من غير مشورة ولا اجتماع من الناس، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة، وارتحلوا، فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم؟ قال رجل من جلساء سليمان: بئس ما قلت، قال له أبو حازم: كذبت، إن الله أخذ العلماء الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، قال: يا أبا حازم، أوصني، قال: نعم، سوف أوصيك فأوجز، قال: نزه الله أن يراك حيث ينهاك، أو يفقدك من حيث أمرك، ثم قام. فلما ولي قال: يا أبا حازم، هذه مئة دينار، أنفقها، ولك عندي أمثالها كثير، فرمى بها، وقال: ما أرضاها لك، فكيف أرضاها لنفسي؟! أني أعوذ بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً، وردي عليك بذلاً، إن موسى بن عمران لما ورد ماء مدين وجد عليه رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان، ثم قرأ: " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فسأل موسى ربه، ولم يسأل الناس، ففطنت الجاريتان، ولم يفطن الرعاء، فآتيتا أباهما، وهو شعيب، فأخبرتاه، فقال شعيب: ينبغي أن يكون هذا جائعاً، ثم قال لإحداهما: ادعيه لي، فلما أتته أعظمته، وغطت وجهها، وقالت: " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " فكره ذلك موسى، وأراد ألا يتبعها، ولم يجد بداً من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف، فخرج معها فأتيا على شعيب، والعشاء مهيأ، فقال: اجلس يا شاب فكل، فقال موسى: لا، قال شعيب: لم؟ الست بجائع؟ قال: بلى، ولكني من أهل بيت لا نبيع شيئاَ من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، وأخشى أن يكون هذه أجر ما سقيت لهما، قال شعيب: لا يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي إقراء الضيف، وإطعام الطعام، فجلس موسى فأكل. فإن كانت هذه المئة دينار عوضاً مما حدثتك فالميتة والدم ولحم الخنزير عند الاضطرار

أحلّ منه، وإن كانت من بيت مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم بي، وإلا فلا حاجة لي بها. إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهدي والتقى، حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلما أنكسوا وانتكسوا، وسقطوا من عين الله تعالى، وآمنوا بالجبت والطاغوت، فكان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، فشاركوهم دنياهم، وشركوا معهم في فتكهم. فقال ابن شهاب: يا أبا حازم، لعلك إياي تعني أو بي تعرّض، فقال: ما إياك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع، قال: سليمان: يا ابن شهاب، تعرفه؟ قال: نعم، جاري منذ ثلاثين سنة، ما كلمته كلمة قط، قال أبو حازم: إنك نسيت فنسيتني، ولو أحببت لأحببتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم، شتمتني، قال سليمان: ما شتمك، ولكن أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقاً كحق القرابة يجب؟ فلما ذهب قال رجل من جلساء سليمان: أتحب أن الناس كلهم مثله؟ قال سليمان: لا. وفي حديث آخر: أن أبا حازم دخل على سليمان بن عبد الملك بالشام في نفر من العلماء، فقال سليمان: يا أبا حازم، ألك مال؟ قال: نعم لي مالان، قال: ما هما بارك الله لك؟ قال: الرضا بما قسم الله تعالى لي، والإياس عما في أيدي الناس، قال: يا أبا حازم، ارفع لي حاجتك، قال: هيهات، رفعتها إلى من لا تختزل الحوائج دونه، فما أعطاني شكرت، وما منعني صبرت، مع أني رأيت الأشياء شيئين: فشيء لي وشيء لغيري، فما كان لي فلو جهد الخلق أن يردوه عني ما قدروا، وما كان لغيري فما نافست فيه أهله فيما مضى، فكيف فيما بقي؟ كما منع غيري في رزقي كذلك منعت رزق غيري. قال: يا أبا حازم، ما المخرج مما نحن فيه؟ قال: بالصغير الأمر، تنظر ما كان في يدك مما ليس بحق فتردّه إلى أهله، وما لم يكن لك لم تنازع فيه غيرك، قال سليمان: ومن يطيق هذا؟ قال أبو حازم: من خاف النار، ورجا الجنة، قال: يا أبا حازم، ادع الله لي، قال: ما ينفعك أن أدعو في وجهك، ويدعو عليك مظلوم من وراء الباب، فأي الدعاء أحقّ أن يجاب؟ فبكى سليمان وقام أبو حازم.

كان أبو حازم يقول: كل حال لو جاءك الموت وأنت عليها رأيتها غنيمة فالزمه، وكل حال إذا جاءك الموت وأنت عليه رأيته مصيبة فاعتزله. قال عمر بن عبد العزيز: عظني يا أبا حازم، قال: اضطجع ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن يكون قبل تلك الساعة، فجد فيه الآن، وما تكره أن يكون قبل تلك الساعة فدعه الآن. قال أبو حازم: أنزل نفسك منزل من قد مات، فإنك موقن إنك ميت، فما كنت تحب أن يكون معك إذا مت فقدمه حتى تقدم عليه، وما كنت تكره أن يكون معك إذا مت فخلّفه، واستغن عنه. وعن أبي حازم قال: وجدت ما أعطيت من الدنيا شيئين: شيء منها يأتي أجله قبل أجلي، فأغلب عليه، وشيء منها يأتي أجلي قبل أجله، فاتركه لمن بعدي، ففي أي هذين أعصي ربي؟. قال أبو حازم: ما في الدنيا شيء يسرك إلا قد ألزق به ما يسوؤك. قال أبو حازم: يسير الدنيا يشغلك عن كثير الآخرة. قال أبو حازم: اشتدت مؤونتان، مؤونة الدنيا، ومؤونة الآخرة، فأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد لها أعواناً وأما مؤونة الدنيا فإنك لا تضرب يدك على شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليها. قال أبو حازم: إذا كنت في زمان ترضى فيه من العلم بالقول، ومن العمل بالعلم، فأنت في شرّ زمان وشر أناس.

قال أبو حازم: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بليّة. وقال: اضمنوا لي اثنتين أضمن لكم على الله الجنة، عمل ما تكرهون إذا أحبّ الله، وترك ما تحبون إذا كره الله عزّ وجلّ. مرّ أبو حازم في السوق فنظر إلى الفاكهة فقال: موعدك الجنة. قال أبو حازم: لا تكون عالماً حتى تكون فيك ثلاث خصال: لا تبغي على من فوقك، ولا تحقر من دونك، ولا تأخذ على علمك دنيا. قال ابن أبي حازم: قال لي أبي: وهو ينظر إلى عياله وكثرتهم: أرأيت لو أنّ رجلاً تصدق على هؤلاء فأطعمهم وكساهم، يرجو الأجر فيهم، أكان له فيهم؟ قال: قلتله: أي لعمري، لم لا يكون! قال: فلم لا أكون أنا ذلك. قال: ومرت جارية في أيام الموسم تعرض للبيع، وقد زينت وهيئت، لها شارة وهيئة، فقال لجلسائه: انظروا إلى هذه ماذا بها من الهيئة، فنظر جلسائه، فقال: ما ثمنها عندكم؟ فقال بعضهم: وددت لو أنها لي بكذا وكذا، شيء كثير، فقال: أولا أدلكم على خير منها بأرخص ثمن؟ امرأة من حور العين إنما صداقها كسرة يطعمها أحدكم مسكيناً، أو سجود ركعتين، هذه والله أيسر عليكم من هذا الثمن كله. ذكر عن أبي حازم أنهم أتوه فقالوا له: يا أبا حازم أما ترى قد غلا السعر؟ فقال: وما يغمكم من ذلك؟ إن الذي يرزقنا في الرخص هو الذي يرزقنا في الغلاء. قال أبو حازم: الأيام ثلاثة: فأما أمس فقد انقضى عن الملوك نعمته، وذهبت عني شدته، وإني وإياهم من غد لعلى وجل، وإنما هو اليوم فما عسى أن يكون؟

قال أبو حازم: لا تعادين رجلاً ولا تناصبه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله عزّ وجلّ، فإن تكن له سريرة حسنة فإن الله تبارك وتعالى لم يكن يخذله بعداوتك له، وإن كانت له سريرة رديئة فقد كفاك مساوئه، ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله لم تقدر. قال أبو حازم: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح. وقال: من أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ. وقال: لا تقتدين بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يعف عن العيب ولا يصلح عند الشيب. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قلت لأبي حازم يوماً: إني لأجد شيئاً يحزنني، قال: وما هو يا بن أخي؟ قلت: حبي للدنيا، قال: أعلم يا بن أخي هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حببه الله إليّ، لأن الله تعالى قد حبب هذه الدنيا إلينا، ولكن لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا، ألا يدعونا حبّها إلى أن نأخذ شيئاً من شيء يكرهه الله، ولا نمنع شيئاً من شيء أحبّه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها. قال أبو حازم: إن المؤمن إذا نظر اعتبر، وإذا سكت تفكر، وإذا تكلم ذكر، وإن أعطي شكر، وإن منع صبر، والفاجر إن نظر لها، وإن تكلم لغا، وإن سكت سها، وإن أعطي بطر، وإن منع كفر. قال سفيان: قيل لأبي حازم: ما القرابة؟ قال: المودة. قيل: فما الراحة؟ قال: دخول الجنة.

وقال: المودة لا تحتاج إلى القرابة، والقرابة تحتاج إلى المودة. قال أبو حازم: إذا رأيت الله بتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره. قال أبو حازم: ليس للملول صديق، ولا للحسود راحة، والنظر في العواقب تلقيح العقول. وقال: لأن يكون لي عدو صالح أحب إلي من أن يكون لي صديق فاسد. وقال: لأنا من أن أمنع الدعاء أخوف إلي من أن أمنع الإجابة. قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين؟ قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته. قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً، قال: فما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله عزّ وجلّ: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " قال: ما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيت خيراً غبطته استعملت بهما عمله، وإن رأيت شراً مقته كففتهما عن عمله، وأنت شاكر لله عزّ وجلّ، فأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه، فمثله رجل له كساء يأخذ بطرفه، ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحرّ والبرد والثلج والمطر. كان أبو حازم يقول: وما الدنيا؟! وما إبليس؟! أما ما مضى منها فحلم، وأما ما بقي فأماني، وأما إبليس فلقد أطيع فما نفع، ولقد عصي فما ضر.

وكان ينشد: من البسيط الدهر أدّبني والصّبر ربّاني ... والقوت أقنعني واليأس أغناني وأحمكتني من الأيام تجربة ... حتى نهيت الذي كان ينهاني وقال أبو حازم: إن كان يغنيك من الدنيا ما يكفيك فأدنى عيش الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك. وقال: ثلاث من كنّ فيه كمل عقله، ومن كانت فيه واحدة كمل ثلث عقله، من عرف نفسه، وحفظ لسانه، وقنع بما رزق الله. وقال: والله لئن نجونا من شرّ ما أعطينا لا يضرنا ما زوي عنا، وإن كنا قد تورطنا في شرّ ما قد بسط علينا ما نطلب ما بقي إلا حمقاً. وقال أبو حازم: مثل العالم والجاهل مثل البنّاء والرقّاص، تجد البنّاء على الشاهق والقصر، معه حديدته جالساً، والرقاص يحمل اللبن والطين على عاتقه على خشبة تحته مهواة، لو زل ذهبت نفسه، ثم يتكلف الصعود بها على هول ما تحته، حتى يأتي بها إلى البنّاء، فلا يزيد البنّاء على أن يعدلها بحديدته وبرأيه وبقدرته، فإذا سلما أخذ البنّاء تسعة أعشار الأجرة وأخذ الرقاص عشراً، وإن هلك ذهبت نفسه، فكذلك العالم يأخذ أضعاف الأجر لعمله. قال أبو حازم: أتاني رجل فقال لي: إني رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر خرجوا من هذا الباب، وقالوا: إلى أين يا رسول الله؟ قال: إلى أبي حازم نذهب به معنا، وقال ثم يقول أبو حازم أللهم حقق وعجل. قال أبو حازم لما حضرة الموت: ما آسى عل شيء فاتني من الدنيا إلا ذكر الله، وإن هذا الليل والنهار لا يأتيان

على شيء إلا أخلقاه، وفي الموت راحة للمؤمنين ثم قرأ: " وما عند الله خير للأبرار " توفي أبو حازم سنة خمس وثلاثين ومئة. وقيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين ومئه. وقيل توفي سنة أربعين ومئة. وقيل: توفي سنة ثلاث وثمانين ومئة. رأى أبو حازم أنه في الجنة. قال: فلم أفقد أحداً من إخواني إلا عوف بن يزيد فقلت: فأين عوف ين يزيد؟ قالوا: وأين عوف؟! رفع بحسن خلقه الذي تعرف. قال سليمان بن سليمان العمري: رأيت أبا جعفر القاري على الكعبة فقلت له: أبا جعفر، قال: نعم، أقرئ أبا حازم السلام، وقل له: يقول لك أبو جعفر: الكيس الكيس فإن الله وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات. خرج أبو حازم يرمي بالجمار، ومعه قوم متعبدون، وهو يكلمهم ويحدثهم، ويقص عليهم، فبينا هو يمشي، وأولئك معه، إذ نظروا إلى فتاة مستترة بخمارها، وهي التي ليس على نحرها منه شيء ترمي الناس بطرفها يمنة ويسره، وقد شغلت الناس، وهم ينظرون إليها مبهوتين، وقد خبط بعضهم بعض في الطريق، فرآها أبو حازم فقال: يا هذه، اتقي الله، إنك في مشعر من مشاعر الله عظيم، وقد فتنت الناس، فاضربي بخمارك على جيبك، فإن الله تعالى يقول: " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " فأقبلت تضحك من كلامه وقالت: أني والله يا أفرز من الطويل من اللائي لم يحججن يبغين حسبة ... ولكن ليقتلن البريء المغفلا فأقبل أبو حازم على أصحابه فقال: يا هؤلاء، تعالوا ندعو الله لا يعذب هذه الصورة الحسناء بالنار. فجعل يدعو وأصحابه يؤمنون. كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك بها. أصبحت شيخاً كبيراً قد

أثقلتك نعم الله عليك، مما أصح بدنك، وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله مما حملك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك، وكل حجة يحتج بها عليك، الغرض الأقصى، ابتلى في ذلك شكرك وأبدي فيه فضله عليك، وقد قال: " لئن شكرتهم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " انظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله راضياً منك بالتعزيز، ولا قابلاً منك التقصير، هيهات، ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه " لتبّيننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية. إنك تقول، إنك جدل ماهر عالم، قد جادلت الناس فجدلتهم، وخاصمتهم فخصمتهم، إدلالاً منك بفهمك واقتدار منك برأيك، فأين تذهب عن قول الله عزّ وجلّ: " هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة "؟ اعلم أن أدنى ما ارتكبت، وأعظم ما احتقبت أن آنست الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك حين أدنيت، وإجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن ينّوه باسمك غداً مع الجرمة، وأن تسأل عما أردت بإغضائك عن ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك، ودنوت ممن لم يردّ على أحد حقاً، ولا يرد باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد التدليس بدعائه إياك حين دعاك، جعلوك قطباً تدوّر رحا باطلهم عليك، وجسراً يعبرون بك إلى بلائهم، وسلما إلى ضلالتهم، وداعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك، وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسوؤل، وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً، وانظر كيف إعظامك أمر

من جعلك بدينه في الناس بخيلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته ستيراً، وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً، ما لك لا تنتبه من نعستك، وتستقل من عثرتك، وتقول: والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحيي له ديناً، ولا أميت له فيه باطلاً، إنما شكرك لمن استحملك كتابه، واستودعك علمه، ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عزّ وجلّ: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب، يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " الآية. إنك لست في دار مقام، قد أوذنت بالرحيل، ما بقاء المرء بعد أقرانه، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده، إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ليس أحد أهلاً أن تردفه على ظهرك، ذهبت اللذة، وبقيت التبعة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، أحذر قد أنبئت، وتخلص فقد وهلت، إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل. تجهز فقد دنا منك سفر وداو دينك فقد دخله سقم شديد، ولا تحسبن أني أردت توبيخك أو تعييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تنعش ما فات من رأيك، وترد عليك ما عزب عنك من حلمك، وذكرت قول الله تعالى: " وذكر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين ". أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب، فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت له، أو ادخلوا في مثل ما دخلت فيه؟ وهل تراه ذخر لك خيراً منعوه، أو علمك شيئاً جهلوه؟ بل جهلت ما ابتليت به في حالك في صدور العامة، وكلفهم بك أن صاروا عندك، ولكريم إكبارهم عليك؟ ورغبتهم فما في يديك ذهاب عماهم، وغلبة الجهل عليك وعليهم، وطلب حب الرئاسة، فطلبوا الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟ ابتليتهم بالشغل عن مكاسبهم، وفتنتهم بما رأوا من أثر العلم عليك، وتاقت أنفسهم إلى أن يدركوا بالعلم ما أدركت، ويبلغوا منه

مثل الذي بلغت، فوقعوا بك في بحر لا يدرك قعره، وفي بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا ولك ولهم المستعان. اعلم أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله على يدي أوليائه لأوليائه: الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولقد جاء نعتهم على لسان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا شهدوا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة. فهؤلاء أولياء الله الذين قال الله عزّ وجلّ: " أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون " وجاه يجريه الله على يدي أعدائه لأوليائهم، ومقة يقذفها الله في قلوبهم لهم، فيعظمهم الناس تعظيم أولئك لهم، ويرغب الناس فيما في أيديهم كرغبة أولئك فيه إليهم " أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون " ما أخوفني أن تكون لمن ينظر كمن عاش مستوراً عليه في دينه، مقتورا عليه في رزقه، معزولة عنه البلايا، مصروفة عنه الفتن في عنفوان شبابه، وظهور جلده وكمال شهوته، فعني بذلك دهره، حتى إذا كبرت سنه، ودق عظمه، وضعفت قوته، وانقطعت شهوته ولذته فتحت الدنيا عليه الدنيا شر مفتوح، فلزمته تبعتها، وعلقته فتنتها، وأعشت عينيه زهرتها، وصفت لغيره منفعتها، فسبحان الله، ما أبين هذا الغبن، وأخسر هذا الأمر. فهلا إذ عرضت لك فتنتها ذكرت أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في كتابه إلى سعد " حين خاف عليه مثل الذي وقعت فيه عندما فتح الله على سعد - أما بعد. فاعرض عن زهرة ما أنت فيه حتى تلقى الماضين الذين دفنوا في أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدنيا ولم يفتنوا بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا. فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فمن يلوم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؟ إنا لله وإنا إليه لراجعون. على من المعول، وعند من المستعتب؟ نحتسب عند الله مصيبتنا، ونشكو إلى الله بثّنا، وما نرى منك، ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

سلمة بن سبرة

سلمة بن سبرة شهد فتوح الشام قال سلمة بن سبرة: خطبنا معاذ بن جبل فقال: أنتم المؤمنين، وأنتم أهل الجنة، وأني لأطمع أن يدخل من تصيبون من فارس والروم الجنة. إن أحدهم إذا عمل لكم عملاً قلتم: أحسنت يرحمك الله، أحسنت بارك الله فيك، ويقول الله تعالى: " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " وحدث عن سلمان الفارسي قال: إذا رجف قلب العبد في سبيل الله تحاتت خطاياه كما يتحات عذق النخلة، وذكر من الصلاة مثل ذلك. سلمة بن شبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري المسمعي أحد الأئمة الرحالين، سمع بدمشق وبغيرها من الشام وبالحجاز وبخراسان وبالعراق. حدث مروان عن محمد الدمشقي بسنده عن عقبه بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأيتم الله يعطي العباد ما يشاؤون على معصيتهم إياه فإنما ذلك استدراج منه لهم ثم قرأ: " فلما نسوا ما ذكروا به " إلى قوله: " أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " توفي سلمة بن شبيب في رمضان سنة سبع وأربعين ومئتين في مكة. قال سلمة بن شبيب النيسابوري: بعت داري بنيسابور، وأردت أن أتحول على مكة بعيالي أجاور بها، فلما فرغت الدار قلت: أصلّي ركعات، وأودع عمار الدار، فصليت ركعات، ثم قلت: يا عمار الدار، سلام عليكم، فإنا خارجون إلى مكة نجاور بها، فسمعت هاتفاً من بعض البيوت: وعليك السلام

سلمة بن صالح العنبسي الحرستاني

يا سلمة، ونحن والله خارجون منها، فإنه بلغنا أنه اشتراها رجل يقول: القرآن مخلوق، ونحن لا نقيم في مكان يقال فيه القرآن مخلوق. قال سلمة بن شبيب النيسابوري بمكة: سئلت أن أحدّث وأنا ابن خمسين سنة، فحدثت مدة، ثم أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام كأنه يقول لي: يا سلمة، لا تحدّث، فما آن لك أن تحدث، فلما حضرني أصحاب الحديث امتنعت عن التحديث، وسألوني، واجتمعوا غير مرة، فلم أحدث، فلما بلغت السبعين رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام كأنه يقول لي: يا سلمة حدث، فقد آن لك أن تحدث، فبكرت إلى المسجد، وجمعت أصحاب الحديث وحدّثتهم، فتعجبوا من ذلك، وقالوا: سألناك غير مرة، فلم تحدث، والآن فقد دعوتنا لتحدثنا! فقصصت عليهم رؤياي، فقلت: إنما أمسكت عن التحديث بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآن حدثت بأمره. وقيل: كانت وفاة سلمة بن شبيب سنة ست وأربعين ومئتين، ومات في أكلة فالوذج. سلمة بن صالح العنبسي الحرستاني حدث عن أبي جرير بسنده عن عائشة قالت: عمّمَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف بفناء بيتي هذا وترك من عمامته مثل ورق العشراء ثم قال: رأيت أكثر من رأيت من الملائكة معتمّين. سلمة بن عبد الله بن الوليد ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي المخزومي حدث سلمة بن عبد الله بن الوليد عن أبيه: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ما اسمك؟ فقال: الوليد بن الوليد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كانت بنو مخزوم أن يجعلوا أبا ابنك عبد الله بن الوليد.

سلمة بن عمرو بن الأكوع

قال الزبير بن بكار: وولد الوليد بن الوليد: عبد الله، وأمّه ريطه بنت هشام بن المغيرة وكان عبد الله ولد بعد موت أبيه، فسمي الوليد بن الوليد، فقالت أم سلمة بنت أبي سلمة ترثي الوليد: مجزوء الكامل يا عين بكّي للولي ... د بن الوليد بن المغيرة مثل الوليد بن الولي ... د أبي الوليد كفى العشيرة الأبيات فسمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما اتخذتم الوليد إلا حناناً فسموه عبد الله. فولد عبد الله بن الوليد، وأمه سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة، وإخوته لأمه: يحيى وعيسى ابنا طلحة بن عبيد الله، والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. سلمة بن عمرو بن الأكوع واسمه سنان بن عبد الله بن بشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان ابن أسلم بن أفصى بن حارثة أبو عامر، ويقال: أبو مسلم ويقال: أبو إياس الأسلمي المعروف بابن الأكوع قيل: إنه شهد غزوة مؤته من أرض البلقاء. حدث سلمة بن الأكوع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وتوارت بالحجاب. وحدث أبو هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ - يعني مؤتة -: خير الفرسان أبو قتادة، وخير الرجالة سلمة بن الأكوع. قال الحافظ: كذا قال الواقدي، وهو وهم، إنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا، يوم أغار

عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري على لقاحه بالغابة بالمدينة. قال: وقد ذكرت ذلك في ترجمة أبي قتادة إلا أن يكون قاله في المواطنين جميعاً. فالله أعلم. مات أبو العباس سلمة بن الأكوع بالمدينة سنة أربع وسبعين، وكان يسكن الربذة. والرواة تقول في المجاز: سلمة بن الأكوع، ينسبونه إلى جده، وكان سلمة يوم مات ابن ثمانين سنة، وكان يصفر لحيته. قال سلمة بن الأكوع ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح دعاء إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى العليّ الوهاب. وقال سلمة: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن بايعه تحت الشجرة، ثم مررت به بعد ذلك ومعه قوم فقال: بايع يا سلمة فقلت: قد فعلت فقال: وأيضاً، فبايعته الثانية. قال يزيد بن أبي عبيد: قال سلمة بن الأكوع: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا بن الأكوع ألا تبايع؟ قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضاً، قال: فبايعت الثانية: قال يزيد: فقلت: يا أبا مسلم على أي شيء تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت. قال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات، ومع يزيد بن حارثة تسع غزوات أمّره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا. قال سلمة بن الأكوع: كان شعارنا ليلة بيتنّا فيها هوازن مع أبي بكر الصديق أمّره علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمت أمت. وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة من أهل أبيات.

قال سلمة: غزوت مع أبي بكر أمّره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا، فغزونا هوازن. فلما دنونا من ماء لبني فزارة عرّس بنا أبو بكر، فلما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، ووردنا الماء، فقتل من قتل عليه، ورأيت عنقاً من الذراري في أوائل الناس، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فغدوت حتى حلت بينهم وبين الجبل، وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم، معها ابنة لها من أحسن الناس، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني ابنتها فما كشفت لها عن ثوب حتى قدمت المدينة، فلقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السوق، فقال لي: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك، فقلت: يا نبي الله أعجبتني المرأة، وما كشفت لها ثوباً، فسكت عني، حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق ولم أكشف لها ثوباً، فقال: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك قال قلت: هي لك يا رسول الله، فبعث بها إلى أهل مكة ففادى بها أسارى من المؤمنين في أيدي المشركين. وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: جاء عين للمشركين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما طعم انسلّ، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليّ بالرجل، اقتلوه قال: فابتدر القوم، قال: وكان أبي يسبق الفرس شدّاً. قال: فسبقهم إليه فأخذ بزمام ناقته أو بخطامها. قال: ثم قتله. قال: فنفّله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلبه. وعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة. وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجنا أنا ورباح غلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله، كنت أريد أن أندّيه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قد أغير على سرجه، قال: وقمت على تل، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه قال: ثم أتبعت القوم، معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين كثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل الشجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأقول: أنا بن الأكوع، اليوم يوم الرّضع، فألحق برجل منهم فأرميه، وهو على راحلة من رحله، فيقع سهمي في الرجل حتى انتظمت كتفه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فإذا كنت في الشجر أخرقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة فما زال ذلك شأني وشأنهم، أتبعهم، وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خلفته وراء ظهري، واستنفدته من أيديهم، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردة، يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعت على طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري، مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا لسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا، وجعله وراء ظهره، قال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً

لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني؟ قالوا: من أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يطلبني منكم رجل فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، قال رجل منهم: أني أظن. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى إثر أبي قتادة المقداد الكندي، فولّى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم، فآخذ بعنان فرسه، فقلت: يا أخرم، انذر القوم يعني: احذرهم، فأني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة، ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم. ثم أني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، ويعرضون قبيل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذوقرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدوا وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي تير، وغربت الشمس فألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع قال: فقال: يا ثكل أمي أكوعي بكرة؟ فقلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته سهماً آخر فعلق به سهمان ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على الماء الذي حلّيتم عنه، ذوقرد، فإذا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خمس مئة وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، خلّني فأنتخب من أصحابك مئة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبوء إلا قتلته، قال: أكنت فاعلا ذلك يا سلمة؟ قال: نعم والذي أكرمك، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رأيت نواجذه في ضوء النهار ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهمم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة، فأعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم الراجل والفارس جميعاً، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريباً من ضحوة " وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق - جعل ينادي هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مردفي قلت له: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت، قلت: اذهب إليه، فطفر عن راحلته وتثنيت رجلي وطفرت عن الناقة، ثم أني ربطت عليه شرفاً أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصكّ بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله أو كلمة نحوها قال: فضحك وقال: أنا أظن، حتى قدمنا إلى المدينة. قال عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالرّبذة فأخرج إلينا يداً ضخمة كأنها خف البعير فقال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها.

وعن سلمة بن الأكوع قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراراً، ومسح على وجهي مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يديّ من الأصابع. وعن سلمة بن الأكوع قال: استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البداوة فأذن لي. وعن سلمة بن الأكوع أنه قدم المدينة فلقيه بريدة بن الحصيب فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟! فقال: معاذ الله، أني في إذن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابدوا يا أسلم فتنسموا الرياح، واسكنوا الشّعاب، فقالوا: إنا نخاف يا رسول الله أن يضرنا ذلك في هجرتنا فقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم. قال سلمة بن الأكوع قال: كنت أحرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض حاجته، فاتكأ على يدي، فمررنا رجل في المسجد رافعاً صوته يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عسى أن يكون هذا مرائياً. قال: فقلت: يا رسول الله، رجل يصلي ويدعو ربه قال: فرفض يدي ثم قال: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة والشدة. قال أحدهما، قال: ثم خرج ليلة أخرى فوجدني فاتكأ على يدي، فمررنا برجل يصلي في المسجد رافعاً صوته فقلت: يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائياً؟ قال: لا، ولكنه أوّاه، فذهبت أنظر فإذا هو عبد الله ذو البجادين والآخر إعرابي. كان ابن عباس وابن عمرو أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتون بالمدينة ويحدثون عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا. ولما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع على الرّبذة، وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولاداً، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.

سلمة بن عمرو العقيلي

سلمة بن عمرو العقيلي قاضي دمشق في أيام العباس حدث سلمة بن عمرو، وكان ثقة من أهل دمشق بحضرة الأوزاعي، قال: شهدت عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بدمشق على باب الصغير، صلى على جنازة بعض ولد صالح بن علي، فكبر عليه خمساً، ثم رُفعت الجنازة، ووضعت جنازة أخرى، فصلى عليها عبد الله بن علي فكبر عليها أربعاً، ثم بُسط له بساط، فجلس عليه، والناس قيام بين يديه من بين هاشمي وأموي وعربي ومولى، ما يقول لرجل منهم اجلس، فقال خادم له: أصلح الله الأمير إنك كبرت أربعاً وخمساً، وأنت بين أعدائك من الشام، فقال له: اسكت، حدثني أخواي محمد وداود ابنا علي بن عبد الله بن عباس عن أبي وأبيهما علي بن عبد الله بن عباس أنه كان يكبر على الجنائز، ويكبر أربعاً، ويكبر خمساً، ويقول: كلٌ سنّة. قال أبو مسهر: قال سلمة بن عمرو القاضي على المنبر: لا رحم الله أبا فلان، فإنه أول من زعم أن القرآن مخلوق. سلمة بن العيّار بن حصن ابن عبد الرحمن أبو مسلم الفزاري الدمشقي والعيّار لقب، واسمه أحمد. حدث سلمة بن العيار عن مالك بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " وحدث سلمة بن العيار عن عبد الله بن لهيعة بسنده عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قريش خالصة الله، فمن نصب لها حرباً، أو من حاربها، سُلب، ومن أرادها بسوء خُزي في الدنيا وفي الآخرة. مات سلمة بن العيّار سنة ثمان وستين ومئة. وقيل: سنة ثلاث وستين ومئة.

سلمة بن كلثوم الكندي

سلمة بن كلثوم الكندي قال ابن مندة: عداده في أهل دمشق. حدث سلمة بن كلثوم عن يزيد بن السمط بسنده عن أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بصق وهو يصلي ونعلاه في رجليه، فدلك بزاقه بنعله. وحدث سلمة بن كلثوم عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً، ثم أتى قبل الميت فحثا عليه من قِبل رأسه ثلاثاً. قال ابن أبي داود أحد رواة هذا الحديث: وليس يروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث صحيح أنه كبر على جنازة أربعاً إلا هذا، ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم، إنما يروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كبر على النجاشي أربعاً، وأنه صلى على قبر فكبر أربعاً. قال سلمة بن كلثوم: سمعت إبراهيم بن أدهم عن مالك بن دينار قال: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله لحن كله. قال سلمة بن كلثوم: سمعت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي يقول: إن المؤمن يُقلّ الكلام، ويكثر العمل، وإن المنافق يكثر الكلام ويقل العمل. سلمة بن كُهيل أبو يحيى الحضرمي ثم التنعي الكوفي روى سلمة بن كهيل عن الشعبي أن علياً رحمه الله رجم المرأة، ضربها يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن سلمة قال: سمعت جندب ولم أسمع أحداً يقول: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا جندب قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سمع سمّع الله به " وحدث الأعمش عن سلمة بن كهيل قال: رأيت رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما على القنا وهو يقول: " فسيكفيكم الله وهو السميع العليم " وقال: إن كل راو لهذا الحديث قال لمن رواه له: الله إنك سمعته من فلان؟ قال: الله، إني سمعته منه، إلى الأعمش. قال الأعمش: فقلت لسلمة بن كهيل: الله، إنك سمعته منه؟ قال: الله، إني سمعته منه بباب الفراديس بدمشق لا مُثّل لي ولا شُبّه لي وهو يقول: " فسيكفيكم الله وهو السميع العليم ". ولد سلمة سنة أربعين. ومات سنة إحدى وعشرين ومئة يوم عاشوراء. وقيل: ولد سنة سبع وأربعين، قبل قتل الحسين بن علي بثلاث عشر سنة. ولد سلمة بن كهيل بن حصين بن ثمارج بن هانئ بن عقبة بن مالك بن شهاب بن أخينس بن نمر بن كليب بن نمر بن عمر بن خولي بن زيد بن الحارث بن الحضرمي بن قحطان بن عابر، وهو هود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، ابن فالج، وولد سلمة ثلاثة: يحيى ومحمد وإبراهيم. قال أبو عبد الله الصوري: التنعيون منسوبون إلى تنعة بطن من حضرموت نزلوا الكوفة. قال: ولا أعلم منهم أحداً غلا منها، منهم حجر بن عنبس التنعي وسلمة بن كهيل وجماعة. وقيل: توفي سلمة سنة اثنتين وعشرين ومئة، وكان أبيض الرأس واللحية لا يخضب. قال سفيان الثوري: حدثنا سلمة بن كهيل، وكان ركناً من الأركان، وشد قبضته.

كان عبد الرحمن بن مهدي يقول: الحُفاظ أربعة: عمرو بن مرة، ومنصور، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين. كان طلحة يقول: ما اجتمعنا في مكان إلا غلبنا هذا القصير على أمرنا، يعني سلمة بن كهيل. وكان في سلمة تشيع قليل، وهو من ثقات الكوفيين. وقال يحيى بن معين: سلمة بن كهيل شيعي مغال. وقال غيره: هو ثقة ثبت، على الشيعة. حدث يحيى ين إسماعيل بن سلمة بن كهيل قال: كانت لي أخت أسن مني، فاختلطت وذهب عقلها، وتوحشت، وكانت في غرفة في أقصى سطوحنا، فمكثت بضع عشرة سنة، وكانت مع ذهاب عقلها تحرص على الطهور والصلاة، وتتفقد الأوقات، وربما غلب على عقلها أياماً فتحفظ ذلك حتى تقضيه. فبينما أنا نائم ذات ليلة إذا باب بيتي يدق في نصف الليل، فقلت: من هذا؟ قال: لخه! فقلت: أختي! قالت: أختك، فقلت: لبيك، فقمت وفتحتُ الباب، فدخلتْ ولا عهد لها بالبيت من أكثر من عشر سنين، فقلت لها: يا أختاه، خير؟! قالت: خير، أتيت الليلة في منامي، فقيل لي: السلام عليك يا لخة، فرددت، فقيل لي: إن الله قد غفر لجدك سلمة وحفظك بأبيك إسماعيل، فإن شئت دعوت الله، فأذهب ما بك، وإن شئت صبرت ولك الجنة، فإن أبا بكر وعمر شفعا لك إلى الله لحب أبيك وجدك أباهما. قالت: فقلت: إن كان لا بد من اختيار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه، والجنة، وإن الله لواسع لخلقه لا يتعاظمه شيء إن شاء أن يجمعهما لي فعل قيل: قد جمعهما لك، ورضي عن أبيك وجدك لحبها أبا بكر وعمر، قومي فانزلي. فأذهب الله ما كان بها وعادت إلى أحسن الحال. وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين ومئة. وقيل: إنه جيء به في محمل، مات بطريق مكة.

سلمة بن موسى أبو موسى الأنصاري

قال ابن الأجلح لسلمة بن كهيل: إن مت قبلي فقدرت أن تأتيني في نومي فتحدثني بما رأيت فافعل، فقال سلمة له: وأنت إن مت قبلي فقدرت أن تأتيني في نومي فتخبرني بما رأيت فافعل، فمات سلمة قبل الأجلح، فقال لي أبي: بني، علمت أن سلمة أتاني في نومي فقلت: أليس قدمت قال: إن الله عزّ وجلّ قد أحياني. قال: قلت: كيف وجدت ربك؟ قال: رحيماً يا أبا حُجية قال: أيش رأيت افضل الأعمال التي يتقرب بها العباد؟ قال: ما رأيت عندهم أشرف من صلاة الليل. قال: كيف وجدت الأمر قال: سهلاً ولكن لا تتكلوا. سلمة بن موسى أبو موسى الأنصاري من أهل دمشق. روى عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لخيرُ يوم طلعت فيه الشمس ليوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة. توفي أبو موسى سنة سبع عشرة ومئتين. سلمة بن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، أبو هاشم المخزومي له صحبة، وهو قديم الإسلام، دعا له سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته. شهد غزوة مؤتة في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خرج إلى الشام مجاهداً فقتل بأجنادين ويقال: يوم مرج الصفر.

روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان صبيحة خمس عشرة من رمضان يقوم في صلاة الصبح، فإذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة. قال: اللهم، أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنجِ سلمة بن هشام، اللهم، أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم، أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم، اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف، اللهم العن رعلاً، والعن لحيان، والعن ذكوان، بنو غفار، غفر الله لها، اسلم سالمها الله، وبنو عصية عصوا الله ورسوله، الله أكبر، فدعا كذلك خمس عشرة ليلة حتى إذا كان صبيحة الفطر ترك الدعاء لهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا نبي الله مالك لا تدعو للنفر؟ قال: وما علمت أنه قدموا؟! قال: بينا هو يذكرهم انفتح عنهم الطريق، يسوق بهما الوليد بن الوليد قد نُكب بالحرة، وقد سار بهم ثلاثاً على قدميه يقول: هل أنت غلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت يا نفسي إلا تقتلي تموتي قال: فهيج بن يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قضى الدنيا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا الشهيد، أنا عليه شهيد ". ولما خرج الوليد بن الوليد من المدينة إلى عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام خرجا جميعاً معه، وجاء الخبر قريشاً، فخرج خالد بن الوليد معه نفر من قومه، حتى بلغوا عسفان فلم يصيبوا أثرا ولا خبراً عنهم، وكان القوم قد أخذوا على يد بحر حتى خرجوا على أصح طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي سلك حين هاجر إلى المدينة. وكان سلمة بن هشام في بعث مؤتة، فدخلت امرأته على أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت أم سلمة: ما لي لا أرى سلمة بن هشام! أيشتكي شيئاً؟ قالت امرأته: لا والله، ولكنه لا يستطيع الخروج، إذا خرج صاحوا به وبأصحابه: يا فرار أفررتم في سبيل الله؟! حتى قعد في البيت، فذكرت ذلك أم سلمة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل هم الكُرّار في سبيل الله. فليخرج، فخرج.

سلم بن زياد بن عبيد

وأم سلمة بن هشام: ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة. وهو قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم رجع سلمة بن هشام من أرض الحبشة إلى مكة، فحبسه أبو جهل، وضربه وأجاعه وأعطشه، فدعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: ثم أفلت سلمة بن هشام، فلحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدين، وذلك بعد الخندق فقالت أم ضباعة: من الرجز اللهم رب الكعبة المسلمة ... أظهر على كل عدو سلمة له يدان في الأمور المبهمة ... كف بها يعطي وكف منعمة فلم يزل معه إلى أن قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج مع المسلمين إلى الشام حين بعث أبو بكر الجيوش لجهاد الروم، فقتل سلمة بن هشام بمرج الصفر شهيداً في المحرم سنة أربع عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب. وقيل: قتل يوم أجنادين. وقد تقدم أن أجنادين كانت في سنة ثلاث عشرة. سلم بن زياد بن عبيد الذي يقال له ابن أبى سفيان أبو حرب من أهل البصر. قدم على يزيد بن معاوية فولاه خراسان. قال هشام: لما ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد خراسان أتى يزيد بكأس فأقبل على الساقي فقال: من الخفيف اسقني تروي عظامي ... ثم مل فاسق مثلها ابن زياد موضع العدل والأمانة مني ... وعلى ثغر مغنمي وجهادي ثم أقبل على سلم فقال: إن أباك كفى أخاه عظيماً، وقد استكفيتك صغيراً، فلا تتكلن على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك، وأتعبك أبوك فلا تُربحن

نفسك، وأنت في أدنى حظك فابُلغ أقصاه، وإياك مني قبل أن أقول إياي منك، فإن الظن إذا اختلف فيك أخلف منك، واذكر في يومك أحاديث غدك. قال سلم بن زياد بن أبيه: من الطويل فإن تكن الدنيا تزول بأهلها ... فقد نلت من ضرائها ورخائها فلا جزعاً مني عليها ولا أسى ... إذا هي يوماً أذنت بفنائها لما أذنت النوار لعبد الله بن الزبير في تزويجها بالفرزدق، حكم عليه لها بمهر مثلها عشرة آلاف درهم، فسأل: هل بمكة أحد يعينه على ذلك؟ فدُل على سلم بن زياد، وكان ابن الزبير حبسه فقال فيه: من الطويل دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ومري تمشي بي هُبلت إلى سلم إلى من يرى المعروف سهلاً سبيله ... ويفعل أفعال الكرام التي تنمي ثم دخل على سلم فأنشده قال: هي لك، ومثلها نفقتك، فأمر له بعشرين ألف درهم، فقبضها، فقالت له زوجته أم عثمان بنت عبد الله بن عمرو بن العاص: أتعطي عشرين ألفاً وأنت محبوس؟ فقال: من الطويل ألا بكرت عرسي تلوم سفاهة ... علىما مضى مني وتأمر بالبخل فقلت لها والجود مني سجية ... وهل يمنع المعروف سؤاله مثلي؟ ذريني فإني غير تارك شيمتي ... ولا مقصر عن السماحة والبذر ولا طارد ضيفي إذا جاء طارقاً ... وقد طرق الأضياف شيخي من قبلي أأبخل إن البخل ليس مخلدي ... ولا الجود يدنيني إلى الموت والقتل أبيع بني حرب بآل خويلد ... وما ذاك عند الله في البيع بالعدل وليس ابن مروان الخليفة طائعاً ... لفحل بني العوّام قبح من فحل فإن تظهروا لي البخل آل خويلد ... فلا ذلك ذلي ولا شكلكم شكلي وإن تقهروني حيث غابت عشيرتي ... فمن عجب الأيام أن تقهروا مثلي

سلم بن قتيبة بن مسلم

قال سلم بن زياد لطلحة بن عبد الله بن خل الخزاعي: إني أريد أن أصل رجلاً له علي حق وصحبة بألف ألف درهم فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل هذه لعشرة قال: فأصله بخمس مئة ألف درهم قال: كثير، فلم يزل حتى وقف على مئة ألف درهم. قال: أفترى مئة ألف درهم نقضي بها ذمام رجل له انقطاع وصحبة ومودة وحق واجب؟ قال: نعم. قال: هي لك، وما أردت غيرك فقال له: أقلني. قال: لا أفعل والله أبداً. كان ابن عرادة السعدي مع سلم بن زياد بخراسان، وكان مكرماً له وابن عرادة يتجنى عليه إلى أن تركه، وصحب غيره، فلم يحمده أمره فرجع إليه وقال: من الطويل عتبت على سلم فلما فقدته ... وصاحبت أقواماً بكيت على سلم رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السقم سلم بن قتيبة بن مسلم ابن عمرو بن الحسين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن كعب بن قضاعي بن هلال بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قال قتيبة بن مسلم: سمعت ابن أبي مليكة يقول: سمعت عائشة تقول: جاء بي جبريل عليه السلام إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قطعة حرير فقال: يا محمد، هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. حدث سلم بن قتيبة عن يحيى بن الحضين بن المنذر بسنده عن عمار بن ياسر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأكل الهدية حتى يأكل منها من أهداها إليه بعدما أهدت إليه المرأة الشاة المسمومة بخيبر. وعن سلم بن قتيبة عن محمد بن سيرين قال: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً. قال سلم بن قتيبة وكان من العبّاد: إن الرجل ليجيئه السائل فيستقل ما عنده، فيختار شر الأمرين من المنع.

وقال الشاعر في مثله: من البسيط وما أبالي إذا ضيفي تضيفني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي جهد المقل إذا أعطاك مصطبراً ... ومكثر من غنى سيان في الجود قال أبو عمرو المديني: عرضت لي إلى سلم بن قتيبة حاجة، وهو والي البصرة، فلقيت بعض أصحابه فسألته القيام بها فضمنها، ومكثت أختلف إلى باب سلم أياماً، والرجل يمطلني، ويذكر أن الكلام في الحاجة لا يمكن، فبينا أنا في الباب ذات يوم إذ خرج سلم فوقعت عينه علي، وقد كانت بيني وبينه مودة متقدمة، فدعاني فقال: أتطالب قبلنا شيئاً يا أبا عمرو؟ فقلت: نعم، حاجة حملتها فلاناً مذ أيام، فقال: إن كنت لأظن أنك أحزم مما أرى، إذا كانت لك إلى رجل حادة فلا تحملنها من له قبله طعمة، فإنه لن يؤثرك على طعمته، ولا تحملنها كذباً فإن الكذاب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب، ولا تحملنها أحمق فإنه يجهد لك نفسه ثم لا يصنع شيئاً، قال: ثم أمر بقضاء حاجتي. أتى رجل سلم بن قتيبة، فمثل بين يديه ثم قال: إني واله ما وقفت هذا الموقف حتى بعت دابتي وسرجه وسيفي وحليته، ثم ميزت فوقع الاختيار عليك، قال: فأطرق سلم ثم رفع رأسه وهو يقول: من الطويل يرى المرء أحياناً إذا قل ماله ... من الخير ساعات فما يستطيعها وما إن به بخل ولكن ماله ... يقصر عنها الغني يضعها إن شئت فاصبر حتى يأتي رزقي، فأشاطركه، وإن شئت كتبت لك كتباً. قال: فقال: إني والله ما أحب أن أشفه رزقك على عيالك، ولكن تكتب لي، قال: فكتب له كتباً أغناه بأدناها. قال سلم بن قتيبة: رب المعروف اشد من ابتدائه، لأن الابتداء بالمعروف نافلة وربه فريضة.

وقال سلم: ما أتى رجل مجلسي ثلاث مرات في غير حاجة فعلمت ما مكافأته. جرى ذكر رجل في مجلس سلم بن قتيبة، فتناوله بعض أهل المجلس فقال سلم: يا هذا، أوحشتنا من نفسك، وآيستنا من مودتك، ودللتنا على عورتك. قال سلم بن قتيبة: لا تتم مروءة الرجل حتى يصبر على مناجاة الشيوخ البُخر. ودخل على سلم رجل يكلمه في حاجة، فوضع سيفه على أصبه، وسلم ساكت، والرجل متكئ على سيفه لا يشعر، وقد جرحه. فلما فرغ ومضى وقد دميت أصبع سلم دعا بمنديل فجعل يمسح الدم، فقيل له: ألا نحيت رجلك، أو أمرته فرفع سيفه؟ فقال: خشيت أن أقطعه عن حاجته. قال سلم: الدنيا العافية، والشباب الصحة، والمروءة الصبر على أخلاق الرجال " وفي رواية: والمروءة: الصبر على الرجال - قال: فسألت: ما الصبر على الرجال؟ فوصف المداراة " وزاد في رواية أخرى: ولا خير في المعروف إذا أحصي - ومن المروءة أيضاً أن تصون ثوبي جمعتك، وتكثر تعاهد ضيفك، وتعرف في المسجد مجلسك. قال سلم: قال بعض حكماء العرب: ما أعان على نظم مروءات الرجال كالنساء الصوالح. قال الصلت بن راشد: كنت عند طاوس فسأله سلم بن قتيبة عن شيء فزبره أو انتهره. قال: هذا ابن قتيبة صاحب خراسان. قال: ذاك أهون علي. توفي سلم بن قتيبة الباهلي بالري سنة تسع وأربعين ومئة، وصلى عليه المهدي لعظم شأنه.

سلم بن معاذ بن السلم بن الفضل

سلم بن معاذ بن السلم بن الفضل ابن يزيد بن الوليد بن تميم بن عبد الرحمن، أبو الليث التميمي اليربوعي القصير حدث السلم بن معاذ بن السلم عن أبي عبيد الله إسحاق بن إبراهيم بن عرعرة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم ". وحدث بدمشق عن علي بن حرب بسنده عن شداد بن أوس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ". وحدث بدمشق أيضاً عن أحمد بن يحيى الصوفي بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة حين فتحها وعلى رأسه مغفر من حديد. توفي سلم سنة خمس عشر وثلاث مئة. سلم بن يحيى بن عبد الحميد ابن يحيى عبد الحميد بن محمد بن عمرو بن عبد الله بن رافع بن عمرو أبو سعد الطائي الحجراوي من أهل حجرا قرية بدمشق. حدث سلم بن يحيى عن نمير بن الوليد بن نمير بن أوس الأشعري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدعاء جند من أجناد الله تبارك وتعالى مجند، يرد القضاء بعد أن يبرم. هذا حديث مرسل. ونمير بن أوس ليست له صحبة. وحدث السلم بن يحيى عن سويد بن عبد العزيز بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم ذات يوم قسماً فقال ذو الخويصرة " رجل من بني تميم -: يا رسول الله، اعدل، فقال: ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قال عمر: يا رسول الله،

سليط بن حرملة ويقال سويبط

ائذن لي فأضرب عنقه، قال: لا إن له أصحاباً، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، يخرجون على حين فترة من الناس، آيتهم رجل أدعج، إحدى يديه مثل ثدي المرأة أو كالبضعة تدرر. قال أبو سعيد الخدري: فأشهد لسمعت هذا النعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأشهد أني كنت مع علي بن أبي طالب حين قاتلهم فأرسل في القتلى، فأتي به على النعت الذي نعته رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن سويد أيضاً بسنده عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذن من شعره، ولا يقصن ظفره حتى يضحي ". وحدث السلم بن يحيى بن عبد الحميد الطائي يذكر عن أبيه قال: حدثني أبي عن أبيه عن محمد بن عمرو بن عبد الله عن أبيه عن جده حدثني أبو رافع بن عمر عن أبيه عمرو الطائي أنه قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجلسه معه على البساط، وأسلم، وحسن إسلامه ورجع إلى قومه فأسلموا. وكان بن يحيى إذا دخل يوم الجمعة إلى مدينة دمشق ينزل الناس من الجامع فيتلقونه في أسف جيرون فيحملونه حتى يصعدوا إلى المسجد، ثم يفعلون به ذلك إذا أراد الانصراف. سليط بن حرملة ويقال سويبط ابن حرملة قدم بصرى في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي بكر رضي الله عنه. عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها قالت: خرج أبو بكر الصديق قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعام في تجارة إلى بصرى ومعه

سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطر

نعيمان بن عمرو الأنصاري وسليط بن حرملة " وهما ممن شهد بدراً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وكان سليط بن حرملة على الزاد، وكان نعيمان بن عمرو مزاحاً، فقال لسليط: أطعمني، قال: لا أطعمك حتى يأتي أبو بكر، فقال نعيمان لسليط: لأغيظنك، فمروا بقوم فقال نعيمان لهم: تشترون مني عبداً لي؟ قالوا: نعم، قال: إنه عبد له كلام، وهو قائل لكم: لست بعبد، أنا ابن عمه فإن كان إذا قال لكم هذا تركتموه فلا تشتروه ولا تفسدو علي عبدي، قالوا: لا بل نشتريه ولا ننظر في قوله، فاشتروه منه بعشر قلائص، ثم جاؤوه ليأخذوه، فامتنع منهم فوضعوا في عنقه عمامة، فقال لهم: إنه يتهزأ ولست بعبده، فقالوا: قد أخبرنا خبرك، ولم يسمعوا كلامه، فجاء أبو بكر الصديق، فأخبروه خبره، فاتبع القوم فأخبرهم أنه يمزح، ورد عليهم القلائص، وأخذ سليطاً منهم. فلما قدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبروه الخبر فضحك من ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عليهم السلام حولاً أو أكثر. قال: المحفوظ سويبط، وقد ذكره أيضاً في ترجمة سويبط مختصراً ولم نذكره نحن هناك. سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطر أبو القاسم اللخمي الطبراني أحد الحفاظ المكثرين، والرحالين الجوالين، سمع بدمشق وبمصر وباليمن. وصنف المعجم الكبير في أسماء الصحابة، والأوسط في غرائب شيوخه، والصغير في أسماء شيوخه، وكتباً. حدث سليمان بن أحمد الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله عبداً سمحاً قاضياً وسمحاً مقتضياً ".

وحدث عن يحيى بن عثمان بن صالح بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ". كان مولده سنة ستين ومئتين. توفي سنة ستين وثلاث مئة، وهو ابن مئة سنة كملاً. قال أبو الحسين بن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه، وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد، حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه. فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هاته. قال: حدثنا أبو خليفة حدثنا سليمان بن أيوب. وحدث بالحديث فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب، ومني سمع أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلو إسنادك، ولا تروي عن أبي خليفة عني، فخجل الجعابي، وغلبه الطبراني. قال ابن العميد: فوددت في مكاني الوزارة والرئاسة لم تكن لي وكنت الطبراني وفرحت مثل الفرح الذي فرح الطبراني وفرحت مثل الفرح الذي فرح الطبراني لأجل الحديث. أو كما قال. قال أبو جعفر بن أبي السري محمد بن عبد الله بن الهيثم الدميري قال: لقيت أبا العباس بن عقدة بالكوفة في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة، فسألته أن يعيد ما فاتني من المجلس، فامتنع، وشددت عليه، فقال لي: من أي بلد أنت؟ قلت: من أهل أصبهان، فقال: ناصبة ينصبون العداوة لأهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: لا تقولن يا شيخ هذا، لأن أهل أصبهان منهم متفقهة ومتقون وفاضلون ومتشيعة. فقال: شيعة معاوية؟ قلت: لا والله شيعة علي بن أبي طالب، وما فيهم أحد إلا وعلي أعز عليه من عينه وأهله وولده، فأعاد علي ما فاتني ثم قال لي: سمعت من سليمان بن أحمد اللخمي؟ فقلت: لا أعرفه فقال: يا سبحان الله أبو القاسم ببلدكم ولا تسمع منه وتؤذيني هذا الأذى بالكوفة؟! ما أعرف لأبي القاسم نظيراً، سمعت منه، وسمع مني، وسمعنا من

مشايخنا، ثم قال لي: سمعت مسند أبي داود؟ فقلت: لا، فقال لي: ضيعت الحزم لأن مسند أبي داود منبعه أصبهان، وقال لي: تعرف محمد بن حمزة بن عمارة؟ فقلت: شديداً رجلاً من أهل الفضل، قال: فتعرف ابنه إبراهيم؟ قلت: نعم. قال: كان عندنا ورأيته حافظاً للحديث، وقال: ما رأيت مثله في الحفظ. قال أبو القاسم الطبراني: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، كأنه جالس على كرسي على صفته التي انتهت إلينا الصحيحة، فوقفت فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم جلست بين يديه، ورفعت يدي، فدعوت لنفسي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات بدعاء حسن فتحه الله علي، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبل علي، يتبسم، فقل: يا رسول الله، أخبرني عن حديث الشعبي عن النعمان بن بشير عنك أنك قلت: مثل المؤمنين في توادهم وتواصلهم وتراحمهم. كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فأشار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح صحيح صحيح ثلاث مرات. فقال: فحدثونا عن أبي نعيم عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن النعمان بن بشير عنك فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذكر التشهد. فذكرت التشهد الذي رواه ابن مسعود: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله. فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذكر التشهد، فذهبت إلى أنه أراد التشهد الذي رواه ابن عباس فذكرته، وهو: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده فقال: هذا هو التشهد هذا هو التشهد هذا هو التشهد. قال أبو القاسم الطبراني: لما قدم أبو علي بن رستم من فارس دخلت عليه، فدخل عليه بعض الكتاب فصب على رجله خمس مئة درهم. فلما خرج قال: ارفع أبا القاسم هذا فرفعته، فجعلت أحدث إلى أن دخلت أم عدنان ابنته، فصب على رجله خمس مئة درهم فقتل، فقال: إلى أين يا أبا القاسم؟ فقلت: قمت لأنك تقول إنما جلست لهذا، فقال: ارفع هذا أيضا، فلما كان

سليمان بن احمد بن محمد بن سليمان

آخر أمره تكلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض شيء فخرجت من عنده ولم أعد إليه بعد. قال سليمان بن إبراهيم: سألت أحمد بن عبد الله الحافظ عن حال الطبراني وسيرته وحفظه فقال: لم ير الطبراني مثل نفسه. قال: وذكر سليمان بن إبراهيم أن الصاحب قال: من الخفيف قد وجدنا في معجم الطبراني ... ما فقدنا في سائر البلدان بأسانيد ليس فيها سناد ... ومتون إذا رُفعن متان قال أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي: سمعت أبا القاسم سليمان بن أحمد يقول: من الكامل طلب الحديث مذلة وصغار ... والصبر عنه تندم وشنار فاصبر على طلب الحديث فإنه ... من بعد ذل عزة ووقار سليمان بن احمد بن محمد بن سليمان ابن حبيب أبو محمد الجرشي من أهل دمشق. سكن واسط. حدث عن عمر بن عبد الواحد الدمشقي بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الولد للفراش وللعاهر الحجر ". سليمان بن أحمد بن محمد ابن أبي عنقود أبو محمد ذكر أنه سمع الكثير من تمام بن محمد. وذكر أنه سمع الكثير من تمام بن محمد. وذكر أن تمام بن محمد حدث عن أبي زرعة بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئاً. على ما يأكل أحدكم من مال أخيه؟. توفي سليمان بن أبي عنقود سنة سبع وأربعين وأربع مئة.

سليمان بن أحمد بن يحيى بن سليمان

سليمان بن أحمد بن يحيى بن سليمان أبو أيوب الملطي الحافظ ابن أبي صلاية حدث عن موسى بن زكريا التستري بسنده عن ابن عم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء وعن هبته. وحدث سليمان بن أحمد عن أحمد بن مساور الجوهري بسنده عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر إلا دخل الجنة، قالوا: وما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، وقتل النفس، والفرار من الزحف. وحدث عن محمد بن حفص المكي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". وحدث عن أبي نصر ليث بن محمد بن ليث بن عبد الرحمن المرزوي بسنده عن يهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الاستغفار في الصحيفة. يعني: يتلألأ نوراً ". سليمان بن أحمد أبو الحسن البزاز أنشد أبو الحسن سليمان: من الكامل نمسي ونصبح ليس همتنا ... إلا نمو المال والولد ونعد أياماً نعد لها ... ولعلها ليست من العدد سليمان بن الأحنف وفد على الوليد بن عبد الملك. روى أن أعرابياً قدم بخيل إلى الوليد بن عبد الملك، وقد تقدم الوليد في الإضمار قبله، فقال: يا أمير المؤمنين، أريد أن أرسل خيلي مع خيلك، فقال الوليد: يا سليمان

سليمان بن أرقم أبو معاذ البصري

كيف تراها؟ فقال:: جزية لو ضمها مضمارك ذهبت، فقال للأعرابي: ما اسمك؟ قال: سليمان بن الأحنف، قال: إنك لمبغوض الاسم، أعرج الأب. قال: فأرسلت الخيل فسبق الأعرابي على فرس له، يقال لها حزمة، فقال له الوليد: هبها لي، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها لقديمة الصحبة، ولها حق، ولكني أحملك على مهرها. سبق الناس عام أول وهو رابض، فضحكوا منه، فقال: ما يضحككم؟ سبقت حزمة أمة الناس عام أول وهو في بطنها له عشرة أشهر، فإن الفرس إذا أتت عليه عشرة أشهر وهو في بطن أمه ربض، وكذلك البعير إلا أنه يبرك. سليمان بن أرقم أبو معاذ البصري مولى قريظة ويقال: مولى النضير. حدث سليمان بن أرقم أن يحيى بن أبي كثير الذي يسكن اليمامة حدثه أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن يخبر عن عائشة ابنة أبي بكر أنها قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نذر في معصية الله، وكفارتها كفارة يمين ". كان سليمان بن أرقم ضعيف الحديث جداً. قال يزيد بن هارون: حدثنا شيخ من قريش عن الزهري عن عروة عن عائشة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه، وتسمّوا بخياركم وإذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. قال الحسن بن علي. فقيل ليزيد، من هذا الشيخ؟ أو سمّه؟ فقال: " لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم ". قال الصائغ: هو سليمان بن أرقم. قال محمد بن بكار: كان سليمان بن أرقم الأنصاري قدرياً.

سليمان بن الأشعث بن إسحاق

سليمان بن الأشعث بن إسحاق ابن بشير بن عمرو بن عمران " وعمران ممن قتل مع علي بن أبي طالب بصفين " أبو داود الأزدي السجستاني سمع بدمشق وبمصر وبالبصرة وبالكوفة وبخراسان. قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد اله أحمد بن حنبل: تعرف لأبي العشراء حديثاً غير لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك؟ قال: لا، فقلت: حدثنا محمد بن عمرو الرازي بسنده عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال: ذكرت العتيرة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحسّنها، فقال أحمد: ما أحسبه يشبه أن يكون صحيحاً لأنه من كلام الأعراب. وقال لابنه: هات الدواة والورقة. فكتب عني. قال أبو داود: ولدت سنة اثنين ومئتين. قال محمد بن إسحاق الصغاني لُين لأبي داود السجستاني الحديث كما لُين لداود الحديد. قال موسى بن هارون: خلق أبو داود السجستاني في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة. ما رأيت أفضل منه. قال أبو إسحاق: توفي أبو داود بالبصرة سنة خمس وسبعين ومئتين. قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس مئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب

السنن، جمعت في أربعة آلاف وثماني مئة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه. من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأعمال بالنية ". والثاني قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه لما لا يعنيه ". والثالث قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه. والرابع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحلال بين الحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات ". قال أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي: كتاب الله عزّ وجلّ أصل الإسلام، وكتاب السنن لأبي داود عهد الإسلام. قال ابن عرابي: - كتاب السنن يسمع عليه -: لو أن رجلاً لم يكن عنده شيء من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عزّ وجلّ، ثم هذا الكتاب لم يحتج معها إلى شيء من العلم بتة. قال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي: سليمان بن الأشعث أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه وعلله وسنده، في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع، من فرسان الحديث. رحمه الله. قال أبو بكر بن جابر خادم أبي داود: كنت معه ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب، ففتحه فإذا خادم يقول: هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن. فدخلت إلى أبي داود، فأخبرته بمكانه، فأذن له، فدخل وقعد، ثم أقبل عليه أبو داود وقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ فقال: خلال ثلاث، فقال: وما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً. ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، فتعمر بك، فإنها خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزنج، فقال: هذا واحدة، هات الثانية قال: وتروي لأولادي كتاب السنن. فقال: نعم. هات الثالثة. قال: وتفرد لهم مجلساً للرواية، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة فقال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم

سليمان بن أيوب بن سليمان

سواء، قال: فكانوا يحضرون بعد ذلك، ويقعدون في كم حيري، ويضرب بينهم وبين الناس ستر، ويسمعون مع العامة. كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق فقيل له: رحمك الله ما هذا؟ قال: الواسع للكتب والآخر لا نحتاج إليه. كان أبو داود يقول: من اقتصر على لباس دون ومطعم دون أراح جسده. كان أبو داود يقول: الشهوة الخفية حب الرئاسة. قال أبو داود: شبرت قثاؤة بمصر ثلاثة عشر شبراً ورأيت أترجّة على بعير بقطعتين قطعت، وصيرت على مثل عدلين. سليمان بن أيوب بن سليمان ابن داود بن عبد الله بن حذلم، أبو أيوب الأسدي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن خولة بنت حكيم الأنصارية قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، عليها غسل؟ فقال: نعم إذا هي أنزلت الماء. حذلم بحاء مهملة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ولام ساكنة وميم. توفي سليمان بن حذلم سنة تسع وثمانين ومئتين. سليمان بن بلال بن أبي الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري حدث عن أبيه قال: رُئي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي بكر وعمر، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، فقال: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذا نكون ثم كذا نبعث ثم كذا ندخل الجنة.

سليمان بن حبيب أبو بكر

وفي رواية: فقال: هكذا نكون ثم هكذا نموت ثم هكذا نبعث ثم هكذا ندخل الجنة. سليمان بن حبيب أبو بكر وقيل: أبو ثابت، وقيل: أبو أيوب المحاربي الداراني قاضي دمشق لعمر بن عبد العزيز وغيره. حدث عن أبي أمامة الباهلي قال: لقد فتح الفتوح أقوام ما كانت حلية سيوفهم الذهب والفضة ولا كانت إلا الآنك والعلابي والحديد. وحدث أيضاً عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث من كان فيه واحدة منهن كان صامتاً على الله: من خرج في سبيل الله كان ضامناً على الله: من خرج في سبيل الله كان ضامناً على الله إن توفاه أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله فيما نال من أجر أو غنيمة، رجل كان في المسجد فهو ضامن على الله إن توفاه أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله فبما نال من أجر أو غنيمة، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله. مات سليمان بن حبيب سنة عشرين ومئة وقيل: سنة ست وعشرين ومئة. وكان سليمان بن حبيب يقضي باليمين مع الشاهد ثلاثين سنة. سليمان بن أبي حثمة بن حذيفة ابن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ابن لؤي بن غلب القرشي العدوي المدني تابعي أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدمه عمر بن الخطاب يصلي للناس مع أبي بن كعب صلاة التراويح.

حدث كريب الكندي قال: أنطلق بي علي بن الحسين إلى شيخ من قريش يقال له ابن أبي حثمة، وهو يصلي إلى اسطوانة. فلما رأى علي بن الحسين انصرف، فقال له علي بن حسين: حدثنا حديث أمك، فقال: حدثتني أمي أنها كنت ترقي برقية لها في الجاهلية. فلما جاء الإسلام قالت: لا أرقي بها حتى أستأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتته فاستأمرته فقال: " ارقي بها ما لم تكن شركاً ". وحدث سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء أن أبا جهم شج رجلاً موضحة يوم حنين فقضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها بخمس. وأم سليمان الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن صداد بن عبد اله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب وكانت من المبايعات وكان لها دار بالمدينة بالحكاكين. ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق. وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه. وأسلم أبو حثمة يوم فتح مكة. وكان سليمان من صالحي المسلمين، واستعمله عمر بن الخطاب على سوق المدينة. وعن عروة أن عمر أرسل إلى سليمان بن أبي حثمة، فأتاه، فقال: ما أظنك شهدت معنا صلاة الفجر؟! فقال: أجل، أصبحت شاكياً، قال: فإذا كنت مجيباً أحداً فأجب داعي الله. وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل على بيتي عمر بن الخطاب فوجد عندي رجلين نائمين، فقال: ما شأن هذين؟ أما شهدا معنا الصلاة؟ قالت: يا أمير المؤمنين، صليا مع الناس، وكان ذلك في شهر رمضان، فلم يزالا يصليان حتى أصبحا، ثم صليا الصبح، وناما، فقال عمر: لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إلي من أن أصلي ليلة.

سليمان بن حميد المزني

وعن عروة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس على قيام شهر رمضان: الرجال على أبي بن كعب، والنساء على سليمان بن أبي حثمة. وحدث عمر بن عبد الله العبسي. أن أبي كعب وتميماً الداري كانا يقومان في مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يصليان بالرجال، وأن سليمان بن بي حثمة كان يقوم بالنساء في رحبة المسجد، فلما كان عثمان بن عفان جمع الرجال والنساء على قارئ واحد سليمان بن أبي حثمة، وكان يأمر النساء فيحبسن حتى يمضي الرجال ثم يرسلن. سليمان بن حميد المزني من أهل المدينة، سكن مصر، ووفد على عمر بن عبد العزيز. حدث سليمان بن حميد أن عامر بن سعد حدثه: قال سليمان: لا أعلم إلا أنه حدثه عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لو أن ما أقل ظفر من الجنة نزل في الدنيا لتزخرف له ما بين السماء والأرض ". سليمان بن حيان بن خيثمة العذري من أهل دمشق. حدث عن الوليد بن أبي مالك أنهم أتوا أبا عبيدة بن الجراح يعودونه في مرضه، وامرأته عنده قاعدة بباب الحجرة، فقال: كيف اصبح أبو عبيدة؟ فقال: أصبح مأجوراً، فنادى أبو عبيدة: مكفران عني، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ابتلي في جسده فهو حطة، وما قال حسنة فبعشر أمثالها، ومن أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبع مئة، ومن أماط أذى عن الطريق كتبت له حسنة ". وحدث سليمان بن حيان عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تدخلون الجنة مُرداً مكحلين ذوي أفانين يعني الجمام، أبناء ثلاثين على صورة يوسف وقلب أيوب ".

سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب

وحدث سليمان بن حيان عن واثلة بن الأسقع قال: كنت من فقراء المسلمين من أهل الصُّفة فأتانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فقال: كيف أنت بعدي إذا شبعتم من خبز البر والزيت، وأكلتم ألوان الطعام، ولبستم ألوان الثياب، فأنتم اليوم خير أم ذاك؟ قلنا: ذاك، قال: بل أنت اليوم خير. قال واثلة: فما ذهبت بنا الأيام حتى أكلنا ألوان الطعا، ولبسنا ألوان الثياب، وركبنا المراكب، وشبعنا من خبز البر والزيت. سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب ابن وارث أبو الوليد الأندلسي الباجي الفقيه سمع بدمشق وبغيرها. حدث بسرقسطة عن القاضي أبي الوليد بن الصفار واسمه يونس بن عبد الله بن مغيث بسنده عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله تعالى، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وحدث عنه أيضاً بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أناخ بالبطحاء الذي بذي الحليفة وصلى بها، وقال نافع: وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك. قال أبو جعفر أحمد بن علي بن خلف بن يونس بن غزلون الأموي الأندلسي التطيلي: سألت الباجي عن مولده فقال: ولدت سنة أربع وأربع مئة. قال أبو جعفر: ثم رأيت بعد ذلك تاريخ مولده بخط أمه. وكانت فقيهة: ولد أبني سليمان في ذي الحجة سنة ثلاث وأربع مئة.

وقال أبو جعفر أيضا: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: كان أبي من تجار القيروان من باجة القيروان، وكان يختلف إلى الأندلس، ويجلس إلى فقيه بها يقال له: أبو بكر بن سماح، وتعجبه طريقته، فكان يقول: تُرى أرى لي ابنا مثلك؟ فلما أكثر من ذلك القول قال ابن سماح: إن أحببت أن ترزق ابناً مثلي فاسكن بقرطبة، والزم أبا بكر محمد بن عبد الله القبري، واخطب إليه ابنته فإن أنكحكها فعسى أن ترزق مثلي، فقدم قرطبة ولزم أبا بكر القبري سنة وأظهر له الصلاح فأعجب بطريقته، ثم خطب إليه ابنته بعد سنة فزوجه بها فجاءه من الولد أبو الوليد، وابن آخر صاحب الصلاة بسرقسطة، وابن ثالث كان من أدل الناس ببلاد العدو في الغزو حتى إنه كان يعرف الأرض بالليل بشم التراب أو كما قال. الباجي بالباء المعجمة بواحدة، ذو الوزارتين القاضي الإمام أبو الوليد سليمان متكلم، فقيه، أديب، شاعر، رحل إلى المشرق، وسمع بمكة وبالعراق، ودس الكلام على القاضي السمناني، وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ورجع إلى الأندلس فروى ودرس وألّف، وكان جليلاً رفيع القدر والخطر. توفي بالمرية من بلاد الأندلس في سنة أربع وسبعين وأربع مئة ونحوها. وقبره هناك يزار. جرت مسألة بالأندلس في أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب يوم الحديبية بيده أم لا؟ وتكلم عليها أبو الوليد الباجي، وحكى عن بعض العلماء القول بأنه كتب، كما في بعض طرق حديث البراء، وتكلم على ذلك بأبلغ كلام وأوضحه، وأجاب بعده جماعة بالرد عليه، وإنكار ذلك، والتشنيع على أبي الوليد، وبعد أجوبة هؤلاء المنكرين جواب جماعة بتصويبه منهم: أحمد بن محمد اللخمي وجعفر بن عبد الجبار والحسن بن علي التميمي المصري فقال في جوابه: وقفت على ما كتبه الفقيه القاضي الأجل شيخنا وكبيرنا وإمامنا الذي نفزع إليه في المشكلات، ونعتمد عليه فيما دهمنا من أمور الناس ومعرفة توحيد خالقنا وصفاته التي بان بها عن جميع المخلوقات أدام الله للمسليمن توفيقه وتسديده، وما منّ به عليهم من البصيرة والهداية من خطأ المخطئين وعمى العامين، فلو نهضوا نحو الفقيه

سليمان بن داود

القاضي ليتعلموا منه أوائل المفترضات ومعرفة خالقهم وما خصنا به جميع أهل السنة والأثبات لكان بهم أحرى، وجواب عبد الله بن الحسن البصري وغيره بتصويبه وتقريظه حتى زاد أبو الفضل جعفر بن نصر البغدادي في جوابه على جواب الحسن بن علي التميمي، فلو نهض كل من رد عليه ليتعلموا منه أوائل المفترضات عليهم لكان بهم أحرى ويزيلوا عن أنفسهم الحسد والبغي وإنما " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ". أنشد أو الوليد لنفسه: من المتقارب إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتي كساعهْ فلم لا أكون ضنيناً عليها ... وأجعلها في صلاحٍ وطاعهْ؟ سليمان بن داود ابن إيشى بن عويد بن ناعر بن سلمون بن يخشون بن عميناذب بن أرم بن خضرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الربيع نبي الله ابن نبي الله جاء في الآثار أنه دخل دمشق قال الكلبي: أول نبي بعث إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهارون ثم إلياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب ثم داود ثم سليمان ثم زكريا بن يشوى من بني يهوذا بن يعقوب ثم يحيى بن زكريا ثم عيسى بن مريم بنت عمران بن مابان من بني يهوذا بن يعقوب ثم سيدنا محمد رسول الله بن عبد الله بن عبد المطلب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين.

فارص بصاد مهملة ابن يهوذا بن يعقوب. وعن الحسن في قوله: " غدوّها شهر ورواحها شهر " قال: كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر ويروح من اصطخر فيبيت بكابل، وما بين اصطخر ودمشق مسيرة شهر للمسرع، وما بين اصطخر إلى كابل مسيرة شهر للمسرع. قال: وكان يتغدى باليمن ويتعشى بالشام، ويتغدى بالشام ويتعشى باصطخر، ويغدو من اصطخر فيقيل بالعراق، ويروح منها إلى الشام. وقال في قوله عزّ وجلّ: " وأسلنا له عين القطر " يعني النحاس، فجرى له. مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه، ويقول: زوجتي، أسكنك أي غرف دمشق إن شئت قال سليمان: لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد، ولكن كل خاطب كذاب. وعن ابن مسعود في قوله عزّ وجلّ: " وداود وسليمان إذ يحكما في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم " فالكرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته، قال: فقضى داود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرم. فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله، قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها قال الله عزّ وجلّ: " ففهمناك سليمان وكلاً أتينا حُكما وعلما ".

وعن أبي هريرة قال: نزل كتاب من السماء إلى داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مختوماً فيه عشر مسائل: أنْ سل ابنك سليمان، فإن هو أخرجهن فهو الخليفة من بعدك، قال: فدعا داود سبعين قساً وسبعين حبراً، وأجلس سليمان بين أيديهم، وقال: يا بني، نزل كتاب من السماء فيه عشر مسائل، أمرت أن أسألكهن، فإن أنت أخرجتهن فأنت الخليفة من بعد، قال سليمان: ليسأل نبي الله عما بدا له، وما توفيقي إلا بالله. قال: أخبرني يا بين ما أبعد الأشياء؟ وما أقرب الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر إذا ركبه الرج حُمد آخره؟ وما الأمر إذا ركبه الرجل ذُم آخره؟ فقال سليمان: أما أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح، وأما أوحش الأشياء فجسد لا روح فيه، وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما المختلفان فالليل والنهار، وأما المتباغضان فالموت والحياة كل يبغض صاحبه، وأما الأمر إذا ركبه رجل خمد آخره فالحلم على الغضب، وأما الأمر إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب، قال: ففك الخاتم فإذا هو بالمسائل سواء على ما نزل من السماء. فقال القسيسون والأحبار: لن نرضى حتى نسأله عن مسألة فإن هو أخرجها فهو الخليفة من بعدك، قال: فسلوه. قال سليمان: سلوني، وما توفيقي إلا بالله. قالوا: ما الشيء إذا صلح صلح كل شيء منه وإذا فسد فسد كل شيء منه؟ قال سليمان: هو القلب إذا صلح صلح كل شيء منه، وإذا فسد فسد كل شيء منه، فقالوا: صدقت، أنت الخليفة من بعده، فدفع إليه داود قضيب الملك، ومات من الغد. وعن ابن عباس قال: استخلف داود سليمان " على سيدنا محمد رسول الله وعليهما الصلاة والسلام - في حياته، وكان سليمان يوم استخلف أتى عليه اثنتا عشرة سنة، وذلك أنه لما نفذ في الحكم، وأبصر داود فهمه، وكان الله عزّ وجلّ جعله فهِماً. قال: فبينا داود جالس مع أحبار بني إسرائيل، فذكروا العقل عند داود فقال له داود: يا بني، ما العقل؟ قال: يا أبه، ما ارتدى العبد برداء أجمل من فضل عقل يرتدي به عبد مؤمن، إن انكسر جبره على عقله، وإن صرع نعشه، وإن زل عمده، وإن ذل أعزه، وإن اعوج أقامه، وإن عثر رفعه، وإن افتقر أغناه، وإن جاع أشبعه، وإن ظمئ أرواه، وإن حزن فرحه، وإن جمع كبحه، وإن استوحش

آنسه وإن خاف أمنه، وإن غوى أرشده، وإن تكلم صدقه، وإن كانت سوءة زينها، وإن انكشف ستره، وإن أقام بين ظهراني قوم اغتبطوا به، وإن غاب عنهم أسفوا عليه، وإن خطب إليهم وهو صعلوك اغتفروا ذلك منه، وإن شهد شهادة وهو غريب تفرسوا فيه فأحسنوا به الظن فقبلوها، وإن نطق قالوا: بليغ، وإن سكت قالوا: لبيب، وإن بسط يده قالوا: جواد، وإن قبضها قالوا: مقتصد، وإن عنف قالوا: لم يأل، وإن رفق قالوا: شفيق، وإن أفطر قالوا: معذور، وإن صام قالوا مجتهد. فالعقل رأس الإيمان ووسط الإيمان وآخر الإيمان، فبه يصل العبد إلى الجنة وبه يتفاضل أهل الدنيا في دنياهم، وأهل الجنة في درجاتهم، لأن العاقل إذا أخطأ رجع، وإذا أساء أحسن، والعقل يرد صاحبه إلى خير العواقب، قال: فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا بني، فأين موضع العقل؟ قال: في الدماغ، يكون صاحب العقل زريناً زميتاً، لا يكون عجولاً جهولاً، ولا يستخفه الفرح، ولا يغلبه هواه قال: فعجب داود من حكمته فاستخلفه. وعن عبد الله بن عباس قال: لما تزوج داود عليه السلام بتلك المرأة ولدت له سليمان بن داود بعد ما تاب الله عليه، غلاماً، طاهراً، نقياً، فهماً، عاقلاً، عالماً، وكان من أجمل الناس وأعظمه وأطوله، فبلغ مع أبيه حتى كان يشاوره في أموره، ويدخله في حكمه، فكان أول ما عرف داود من حكمته، وتفرس فيه النبوة أن امرأة كانت كسبت جمالاً، فجاءت إلى القاضي تخاصم عنده، فأعجبته فأرسل إليها يخطبها، فقالت: ما أريد النكاح فراودها على القبيح، فقالت: أنا عن القبيح أبعد، فانقلبت منه إلى صاحب الشرطة، فأصابها منه مثل الذي أصابها من القاضي، فانقلبت إلى صاحب السوق، فكان منه مثل ذلك فانقلبت منه إلى حاجب داود فأصابها منه مثلما أصابها من القوم فرفضت حقها ولزمت بيتها، فبينا القاضي وصحب الشرطة وصاحب السوق والحاجب جلوس في مجلس يتحدثون، فوقع ذكرها فتصادق القوم بينهم وشكى كل واحد منهم إلى صاحبه ما أصابه من العجب بها. قال بعضهم: ما يمنعكم وأنت ولاة الأمر أن تتلطفوا لها حتى تستريحوا منها، فاجتمع رأي القوم على أن يشهدوا لها أن لها كلباً وأنها تضطجع فترسله على نفسها حتى ينال منها ما ينال الرجل من المرأة، فدخلوا على داود عليه السلام فذكروا له أن امرأة لها كلب تسمنه وترسله على نفسها حتى يفعل بها ما يفعل الرجل بالمرأة، فكرهنا أن نرفع أمرها إليك حتى

نتحققه، فمشينا حتى دخلنا منزلاً قريباً منها في الساعة التي بلغنا أنها تفعل ذلك، فنظرنا إليها كيف حلته من رباطه ثم اضطجعت له حتى نال منها ما ينال الرجل من المرأة، ونظرنا إلى الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها، فبعث داود فأتى بها فرجمها، فخرج سليمان وهو يومئذ غلام حين ترعرع ومعه الغلمان ومعه حضانه يلعب، فجعل منهم صبياً قاضياً وآخر على الشرطة، وآخر على السوق، وآخر حاجباً، وآخر كالمرأة، ثم جاؤوا يشهدون عن سليمان كهيئة ما شهد أولئك عن داود، يريدون رجم ذلك الصبي كما رجمت امرأة، قال سليمان عند شهادتهم: فرقوا بينهم ثم دعا بالصبي الذي جعله قاضياً، فقال: أيقنت الشهادة، قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أسود، قال: نحوه ودعا بالذي جعل على الشرطة فقال: تيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال فما كان لون الكلب؟ قال: أحمر، قال نحوه، ثم دعا صاحب السوق، فقال: أيقنت الشهادة؟ قال: نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أبيض قال: نحوه، ثم دعا بالذي جعل حاجباً، فقال تيقنت الشهادة؟ قال نعم، قال: فما كان لون الكلب؟ قال: أغبش، قال: أردتم أن تغشوني حتى أرجم امرأة من المسلمين؟ فقال للصبيان: ارجموهم، وخلى سبيل الصبي الذي جعله امرأة، ورجع حضانه، فدخلوا على داود فأخبروه الخبر فقال داود: علي بالشهود الساعة واحداً واحداً، فأتي بهم. قال للقاضي: ما كان لون الكلب؟ فقال: أسود، ثم أتي بصاحب الشرطة وسأله فقال: أبيض، ثم أتي بصاحب السوق فسأله فقال: كان أحمر، ثم أتي بالحاجب فسأله فقال: كان أغبش. فأمر بهم داود فقتلوا مكان المرأة، فكان هذا أول ما استبان لداود من فهم سليمان عليه السلام. وعن عبد الله بن سلام قالوا: لم يبعث الله عزّ وجلّ رسولاً إلى قومه حتى وجده أرجحهم عقلاً. قال كعب: وبعض النبيين أرجح عقلاً من بعض، وما استخلف داود سليمان واختاره على جميع ولده وبني إسرائيل حتى عرف فضل عقله في حداثة سنه، وإنما استخلاف الأنبياء قبل سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبوة ما خلا سيدنا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا نبي بعده وأعطى الله سليمان من العقل ما لو وزن عقله بعقل أهل زمانه لرجحهم.

حدث أبو بشير قال: لما كبر داود " صلى الله على سيدنا محمد نبينا وعليه وسلم " وظن أنه الموت أرسل إلى فقهاء بني إسرائيل وخيارهم، فقال لهم: إني لا أرى إلا قد احتضرت، فابغوني رجلاً منكم ترضونه فأوليه الخلافة من بعدي. قال: فطافوا زماناً لا يذكر لهم رجل من بني إسرائيل بخير إلا أتوه به، فلا ينصرفون عنه حتى يجدوا فيه عيباً. فلما طال ذلك عليهم قال بعضهم: قد رأينا هذا الغلام قد نشأ على أحسن ما ينشأ عليه أحد، وقد عجزنا أن نجد هذا الرجل فلو أتينا سليمان. قال: فغضبت المشيخة وقالوا: ما لسليمان وهذا الأمر؟! قالوا ليس نجد هذا الرجل وما علينا أن نأتيه؟ قال: فطلبوه في أهله فلم يجدوه، فطلبوه فوجدوه في جدار وحده مسنداً ظهره إلى الجدار فسلموا وقعدوا حوله، ففزع سليمان لما رأى أحبار بني إسرائيل وفقهاءهم، فجعلوا لا يسألونه عن شيء يعلمه إلا أخبرهم به، وإن سألوه عن شيء لا علم له به رد علمه إلى الله تعالى، قال: فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: هذا صاحبنا. فلما فرغوا مما أرادوا أن يسألوه عنه واجتمع رأيهم على أنه صاحبهم ضحك سليمان فغضبت المشيخة، وقالوا: غلام أتيناه لأعظم أمر في الدنيا وليس أهل ذلك ضحك واستهزأ بنا؟ ثم قال بعضهم: والله لأخبرن بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأرسل إليهم داود فقال: ألا تبغوني هذا الرجل، قالوا: ما وجدنا في بني إسرائيل رجلاً يصلح للخلافة، فأتينا سليمان قال: فغضب داود وقال: ما لسليمان وما لهذا؟ قالوا: يا رسول الله، لم نجد الرجل فأتيناه فلم نر إلا خيراً. فلما ذهبنا نقوم ضحك سليمان، قال داود: ضحك! قالوا: نعم، قال: علي بسليمان، قال: فأتي به فقال: أتاك أحبار بني إسرائيل وفقهاؤهم لأعظم أمر في الدنيا. ولست لذلك بأهل، فضحكت بهم وسخرت منهم؟ والله لأعاقبنك بعقوبة لم أعاقبها أحداً مثلك. قال سليمان: يا رسول الله، أو آتيك بعذر! قال: أو تأتيني بعذر! قال: أتاني هؤلاء القوم، فسألوني عن أشياء ما علمت منها أخبرتهم، وما لم أعلم رددت علمه إلى الله، فإنهم حولي إذ سمعت كلاماً من خلفي فالتفت إلى الحائط فإذا أنا بدودة، وإذا هي تقول: يا للعجب من قوم يسألون سليمان، وقد فرغ الله من أمره، فما ملكت نفسي أن ضحكت فرحاً لما قالت. قال: فقال داود لسليمان ولهم: اخرجوا عني، فخرجوا ونزل الوحي على داود: يا داود أعرض عن سليمان فقد ولاه الله الأمر من بعدك.

قيل: إن داود قال: إلهي، كن لسليمان كما كنت لي، فأوحى الله إليه أن قل لسليمان يكون لي كما كنت لي أكون له كما كنت لك. ولما مات نبي الله داود أوحى الله إلى سليمان أن سلني حاجتك، قال أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلب أبي فقال الله عزّ وجلّ: أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني وأن أجعل قبله يحبني، لأهبن له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده. قال الله عزّ وجلّ: " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد، هذا عطاؤنا فمنن أو أمسك بغير حساب " قال: فأعطاه الله ما أعطاه، وفي الآخرة لا حساب عليه. وعن الحسن في قوله عزّ وجلّ: " ولقد آتينا داود وسليمان علماً " يعني علم التوراة والزبور والفقه في الدين وفصل القضاء وعلم كلام الطير والدواب " وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثر من عباده المؤمنين "، يعني بالتفضيل: النبوة مع الملك. قال وهب بن منبه: استُخلف سليمان عليه السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وداود حي، وأحدث الله له النبوة بعد داود، وأعطاه الله ما لم يعد أحداً من الأنبياء، وكان الله سخر له الجن والإنس والريح والطير، وكان رجلاً وضيئاً أبيض جسيماً كبير العينين يلبس البياض. ولما عرضت الخيل على سليمان شغله النظر إليها حتى فاتته صلاة العصر، وتوارت بالحجاب. قال: فعقر الخيل غضباً لله. قال: فأعقبها الله أسرع منها، الريح فسخرها له تجري بأمره رخاء حيث شاء. وعن إبراهيم التيمي قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان ألف فرس فعقرها.

وقال عكرمة: كانت عشرين ألفاً فعقرها. وعن وهب قال: قيل لسليمان: إن خيلاً بلقاً لها أجنحة تطير بها وإنها ترد ما كذا وكذا من جزيرة بحر كذا وكذا، فقال: كيف لي بها؟ قالت الشياطين: نحن لك بها، قال: فانطلقوا فهيئوا لي سلاسل ولجماً، ثم انطلقوا إلى العين التي تردها، فنزحوا ماءها، وسدوا عيونها، وصبوا فيها الخمر، فجاءت الخيل واردة فشمت فأصابت ريح الخمر، فتخبطتها بقوائمها، ولم تشرب، ثم صدرت، ثم عادت للغد، فشمت الخمر فخبطتها ولم تشرب، ثم صدرت عنها. فلما أجهدها العطش جاءت فاقتحمت فيها فشربت فسكرت، فذهبت لتنهض فلم تقدر عليه، فجاءت الشياطين حتى وضعت عليها اللجم والسلاسل ثم قعدت عليها. فلما أفاقت وطارت وعليها اللجم وقد استولت عليها الشياطين، فلم تزل ترفق بها الشياطين وتعالجها حتى هبطت الخيل إلى القرار، فلم يزالوا بها حتى جاؤوا بها سليمان فربطها ووكل بها من يسوسها حتى استأنست وأذعنت، فكان سليمان قد أعجب بها فعرضها ذات يوم فنظر إليها " حتى توارت بالحجاب " وغفل عن صلاة العصر، فقال: " أحببت حب الخير " يعني الخيل " عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي " قال: فردت عليه فمسح سوقها وأعناقها بالسيف، فلم يدع لها نسلاً، فالله أعلم أي ذلك كان. وقال الزهري: ما عقرها ولكن مسح يده عليها. وقال الحسن: إن الله كان أعطى سليمان ما لم يعط أحداً من الملك والسلطان وكانت عجائب تكون في زمانه، وكان الله سخر له الشياطين من يغوصون له، ويعملون عملاً دون ذلك، يعني من دون الغوص بنيان المدائن. قال: " والشياطين كل بناء وغواص " قال: "

يعملون له ما يشاء من محاريب " يعني المساجد " وتماثيل " يعني ما كانوا يزخرفون له البيوت والمساجد فيمثلون بالشجر وما أشبهه ن نحو النقش في الحيطان ثم قال " وجفان كالجواب " يعني القصاع العظام يجتمع على القصعة الخمس مئة والثلاث مئة مثل الجوبة العظيمة ثم قال: " وقدور راسيات "، يعني به القدور العظام مثل الحياض لا يستقلها أحد، أثافيها منها راسية في الأرض. وقال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب " يعني مطيعاً " إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت؛ب الخير عن ذكر ربي " قال الحسن: كانت خيلاً بلقاً جياداً، وكانت أحب الخيل إليه البلق فعرضت عليه، فجعل ينظر إليها " حتى توارت بالحجاب " يعني الشمس، فغفل عن صلاة العصر. وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أنه سئل عن صلاة الوسطى فقال: هي التي غفل عنها نبي الله سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب. يعني العصر. وعن الحسن " فطفق مسحاً بالسوق والأعناق " قال: قطع سوقها وأعناقها بالسيف أسفاً على ما فاته من ذكر الله يعني من فوت صلاة العصر لوقتها. وعن الحسن قال: ولد له ابن به عاهة، قد كسرته الرياح، ولم يقل شق إنسان. قال: فأعجب به سليمان ولم يكن له ولد ذكر، فخاف عليه الموت وآفات الأرض، فطلب له الرضاع، فجاءت الإنس، فطلبوا الرضاع فأبى، وجاءت الجن فطلبوه فأبى، وجاءت السحاب فطلبته، فقال: كيف ترضعينه؟ قالت: أحمله بين السماء والأرض وأربيه بماء المزن، قال: فدعا الريح، فقال لها: كوني مع السحاب في كفالة هذا الولد، فقالت: أفعل، قال: فمهدوا لابن سليمان على السحاب، ثم صار السحاب من فوقه كهيئة القبة، وجعل

معه وصيفة تناغيه، ثم أمر الريح أن تحمله فكانت السحاب تنحدر به كل يوم مرتين غدوة وعشية إلى أمه ترضعه وتغسله وتطيبه ثم تضعه في السحاب، فتحمله الريح بين السماء والأرض، فكانت إذا حنت إليه أأراده سليمان تكلما أو أحدهما، فتحمل الريح كلامهما إلى السحاب فينقض السحاب به إليهما حتى ينظرا إليه، ثم يأمر سليمان عليه السلام برده إلى موضعه، وإنما فعل ذلك شفقة عليه، قال: فأمر الله ملك الموت بقبض روحه، فقبضه ثم قال للسحاب: أرسليه فإنك تكفلت به وهو حي، فأرسلته، فوقع على كرسيه ميتاً، فذلك قوله عزّ وجلّ: " ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ". قال الشعبي: قالت الجن: لئن ولد لسليمان ذكر لنلقين منه مثل ما لقينا من أبيه، فتعالوا حتى نرصد أرحام نسائه حتى لا يولد له. قال: فولد له غلام، فلم يأمن عليه الإنس ولا الجن فاسترضعه في المزن يعني السحاب. وكان يزيد في السنة كذا وكذا، وفي الشهر كذا وكذا وفي الجمعة كذا وكذا، قال: فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه، وقد مات. فذلك قوله عزّ وجلّ " وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ". وقال غيره: الشيطان الذي كان أخذ خاتمه. وقال ابن عباس: قوله: " وألقينا على كرسيه " يعني الجسد: صخراً المارد حين غلب على ملكه، وجلس على كرسي سليمان أربعين يوماً، فالله أعلم أي ذلك كان. قال ابن عباس: وإنما ابتلي سليمان بذهاب ملكه للصنم الذي صُور في داره. قال: كان سليمان رجلاً غزّاء، يغزو البحر والبر، فسمع بملك في جزيرة من جزائر البحر يقال لها: صندور، بها ملك عظيم لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه من البحر، وكان الله عزّ وجلّ أعطى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع منه شيء في بر ولا بحر، إنما يركب الريح فتخرج به حيث يريد

قال: فركب سليمان الريح وجنوده من الجن والإنس حتى نزل تلك الجزيرة، فقتل ملكها، وسبى من فيها، وأصاب جارية لم ير مثلها حسناً وجمالاً، وكانت ابنة ذلك الملك، فاصطفاها لنفسه، فكان يجد بها ما لا يجد بأحد، ويؤثرها على نسائه، فلما رأى ذلك إبليس قال: لأنتهزن فرصتي من سليمان بهذه المرأة، فدس إليها صخراً المارد، فأتاها في صورة حاضنها إلى الباب، ثم قال للحاجب: قل لفلانة إن حاضنك فلاناً بالباب، فأرسلت إلى سليمان، وسألته أن يأذن له عليها، فأذن له فدخل عليها، وهي لا تشك إلا أنه أخوها من الرضاعة، فبكت وبكى وقال لها: قد رضيت من سليمان بما صنع بأبيك وأهل بيتك، فصرت مملوكة بعد أن كنت ملكة بنت ملك! فقالت له: كيف لي بذلك؟ فقال لها: أما تشتاقين إلى أبيك؟ فقالت: وكيف لي وقد سلى الحزن علي جسمي؟ فقال لها: فإني سأرشدك إلى أمر يكون لك فيه فرج، وتسل عن حزنك، إذا دخل سليمان عليك فلا تكلميه إلا نزراً ولا تنظري إليه إلا شزراً، فإذا قال لك: ما لك؟ وما تريدين؟ فقولي له: إني أحب أن تأمر بعض الشياطين، فيصوروا لي أبي في داري التي أنا فيها، فأراه بكرة وعشية، فيذهب عني حزني ويسلى عني بعض ما أجد، قال: فلما دخل سليمان فعلت ما أمرها الشيطان، فقال لها: ما لك؟ قالت: إني أذكر أبي، وأذكر ملكه، وما أصابه فيحزنني ذلك، فقال لها: فقد أبدلك الله ملكاً وسلطاناً أعظم من ملكه وسلطانه، وهداك إلى دينه، فهو أعظم من ذلك كله، قال: إن ذلك كذلك ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى، فإن رأيت أن تأمر بعض الشياطين فيصوروا لي صورة أبي في داري التي أنا فيها، فأراه بكرة وعشية رجوت أن يذهب عني حزني ويسلى عني بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان صخراً المارد فمثل لها أباها في هيئته في ناحية دارها حتى لا تنكر منه شيئاً، فمثل لها حتى نظرت إلى أبيها لا تنكر في نفسها شيئاً غلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه، فزينته وألبسته، حتى تركته كهيئة أبيها ولباسه، فإذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه كل غدوة مع جواريها، فتطيبه وتسجد له وتسجد جواريها، وتروح بمثله، وسليمان لا علم له بشيء من ذلك، وأتاها الشيطان من حيث لا يعلم سليمان، حتى أتى لذلك أربعون يوماً، وبلغ ذلك الناس، وبلغ آصف بن برخيا، وكان صديقاً، فقال له الناس هل بلغك

ما بلغنا؟ قال: نعم. قالوا: كيف لنا أن نعلم سليمان؟ قال: أنا أكفيكم ذلك، فدخل عليه فقال: يا نبي الله، إني ((قد كبرت ودق عظمي، ونفد عمري، وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل أن أموت، أذكر فيه من مضى من أنبياء الله عزّ وجلّ، وأثني عليهم بعلمي فيهم، وأعلم الناس بعض ما يجهلون من كثير من أمرهم، قال: فافعل. قال: فجمع الناس سليمان، فقام فيهم خطيباً، فذكر من مضى من أنبياء الله عزّ وجلّ، وأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر ما فضلهم الله به، حتى انتهى إلى سليمان، فذكر فضله وما أعطاه الله في حداثة سنه وصغره، وما كان أعطي في حياة أبيه داود من الفضل ثم سكت فامتلأ سليمان غيظاً، فلما دخل أرسل إليه فدعاه فقال: يا آصف، ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم، بما كانوا في زمانهم، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري، فما هذا الذي أحدثت من أمري في كبري؟ قال: أحدثت أن غير الله يعبد في دارك منذ أربعين يوماً في هوى امرأة، قال: في داري؟! قال في دارك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون عرفت، ما قلت هذا إلا عن شيء بلغك، ثم رجع إلى داره فكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الطهر فأتي بها، لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها إلا الأبكار، ولم تمسها امرأة ذات الدم، فلبس ثم خرج إلى فلاة من الأرض، ففرش له الرماد ثم أقبل دائباً إلى الله عزّ وجلّ، فجلس على ذلك الرماد يتمعك في ذلك الرماد في ثيابه متذللاً متضرعاً يبكي ويستغفر مما كان في داره، يقولك يا رب، ما هذا بلاؤك عند داود أن يعبدوا غيرك، وأن يقروا في دارهم وليهم عبادة غيرك. فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع، وكانت له جارية سماها الأمينة، فكان إذا الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها، وكان لا يمس خاتمه، إلا وهو طاهر، وكان الله جعل ملكه في خاتمه. قروا في دارهم وليهم عبادة غيرك. فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، ثم رجع، وكانت له جارية سماها الأمينة، فكان إذا الخلاء أو أراد إتيان امرأة وضع خاتمه عندها، وكان لا يمس خاتمه، إلا وهو طاهر، وكان الله جعل ملكه في خاتمه. قال وهب بن منبه: إن خاتم سليمان عليه السلام كان أتي به من السماء له أربع نواح، في ناحية منه: لا إله غلا اله وحده لا شريك له محمد عبده ورسوله، وفي الثانية: اللهم، مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، وفي الثالثة: كل شيء هالك إلا الله، وفي الرابعة: تباركت إلهي لا شريك لك. وكان له نور يتلألأ، إذا تختم به اجتمع إليه الجن والإنس والطير والريح والشياطين والسحاب.

قال: فجاء يوماً يريد الوضوء فدفع الخاتم إليها، صخر المارد حتى سبق سليمان فدخل المتوضأ، فقام خلف الباب فدخل سليمان لحاجته، وخرج الشيطان على صورة سليمان ينفض لحيته من الوضوء، لا تنكر من سليمان شيئاً، فقال: خاتمي يا أمينة، فناولته إياه، ولا تحسب إلا أنه سليمان، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وخرج سليمان فقال للأمينة: خاتمي، قالت: ومن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود، وقد تغير عن حاله وذهب عنه بهاؤه، قالت: كذبت إن سليمان قد أخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته. وقال وهب بن منبه: إنه كان في جزيرة من جزائر البحر ملك عظيم السلطان، فبعث إليه سليمان يدعوه إلى ما قبله، فأبى عليه لعظم سلطانه، فبعث إليه بالريح، فنسفته وملكه وجميع ما قبله حتى وضعته بين يديه، وكان لذلك الملك ابنة تدعى أبرهة، فأعجب سليمان بها فعرض عليها الإسلام فكرهته، فخوفها بالقتل، فأصرت فخوفها بقتل أبيها، فقالت: إن قتلته قتلت نفسي، فخاف سليمان أن يكرهها فتقتل نفسها وأحبها حباً شديداً، وهي يومئذ على دينها فتركها، فلما غلبته تزوجها، وكانت تعتكف على صنم من ياقوت وكان الصنم من الفيء الذي نسفته الريح، فسألته سليمان فوهبه لها، وكان لا يصبر عنها وكان يتودد لها، ويرفق بها، رجاء أن تسلم، فظل معها ذات يوم. فلما أراد الانصراف وثبت إليه فاعتنقته وقالت له: أسألك بحياتي وبحبي وبحقي إلا ما جزرت لإلهي، فقال سليمان: إن ذلك لا يحل لي وما زيارتي إياك وأنت معتكفة على الشرك إلا رجاء أن تسلمي، ثم قالت: لئن لم تجزر لصنمي لأقتلن نفسي، وكان ذلك من تعليم أبيها. فلما سمع سليمان قولها خافها على نفسها وخدعها وقال لها: إني إن جزرت لصنمك على رؤوس الناس خلعت ملكي، وانخلعت من ديني، قالت: فإني قد حلفت بإلهي لئن لم تفعل لأقتلن نفسي، فابرر يميني فدعا سليمان بجرادة وسكين فذبحها، فبساعة قطع رأسها أنكر نفسه وأنكرته هي، وانقشعت عنه هيبة الملك والسلطان، ثم خرج من عندها فوجد ماله من الشياطين عوداً على منبره، وكان قبل ذلك لا يرام، ووجد على كرسيه أشبه الناس صورة به، ويقال إن ذلك معنى

قوله: " وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ". قال: ثم قام إليه خادم له من الجن فاستل خاتمه من أصبه فأبق به، وكانت الجن قبل ذلك لا يرومونه. فلما أخذ الجني الخاتم وكان عفريتاً مارداً ذا رأي في نفسه فقال: ما أخذت خاتم سليمان ولا وصلت إليه إلا بذنب بينه وبين الله عزّ وجلّ، وما آمن أن يرد اله ملكه فلأطرحن هذا الخاتم مطرحاً لا يقدر عليه أبدً ثم انطلق سريعاً حتى ألقاه في اللجة الخضراء. وأوحى الله إلى سليمان لمن ذبحت الجرادة التي قربتها لامرأتك؟ فإن كنت ذبحتها لي فقد صغرت أمري، وما سبقك إلى ذلك أحد، وقد علمت أنه لا يذبح لي إلا رُغاء أو خوار أو ثغاء، وإن كنت قد ذبحتها لصنم امرأتك فلأقلبك من العزة بي، أما كفاك أنك تزوجتها وهي مشركة فلم أعاتبك فيها! فلما فرغ إليه من القول شذ من أهله مرعوباً أربعين ليلة، يعير كما تعير الدابة، يبكي على نفسه، ويعدد على خطيئته، ويستغفر ربه. فلما أخبرته امرأته بالذي أصابه في سببها أحزنها ذلك وأبكاها، فأسلمت رجاء أن يرد الله إليه ملكه، فلما مضت لسليمان أربعون ليلة تاب الله عليه، وغفر له، وانصرف وقد أجهده الجوع، فمر بساحل من سواحل البحر، وإذا بحوت يضطرب فضرب بيده إلى الحوت، فأخذه ليأكله فلما فرى بطنه وجد فيه خاتمه فازداد بذلك خوفاً وعجباً ووجلاً فعاد إليه ملكه. وقيل: إن سليمان كان عنده مجوسية امرأة، فقالت له يوماً في عيد كان لها: أعطني بقرة أذبحها لعيدنا، قال: لا، قال: فأعطني شاة، قال: لا، قالت: فأعطني دجاجة، قال: لا، قالت: فأعطني حمامة، قال: لا. فبينما هو كذلك إذ وقعت على يده جرادة، فقالت: أعطني هذه الجرادة، قال: نعم، ثم قطع رأسها بيده، فسال منها دم كثير حتى أفزع سليمان، ثم أنساه الله إياه، حتى أصابه بعدما سلب ملكه. وقيل عن عباس أنه اختصم إلى سليمان فريقان أحدهما من أهل جرادة " امرأة كانت له يعجب بها -

وهوي أن يكون الحق لهم، ثم إن الحق كان للآخرين، فقضى لهم به، فإنما أصابه الذي أصابه لذلك الهوى الذي سبق إلى قلبه. وقيل إنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله إليه: يا سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور عبادي، ولم تنصف مظلوماً من ظالم. وكان ملكه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فدخل ذات يوم الحمام والخاتم تحت فراشه، فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر، فأقبل الناس نحو الشيطان، فأقبل سليمان يقول: يا أنها الناس، أنا نبي الله، فدفعوه أربعين يوماً، فأتى أهل سفينة فأعطوه حوتاً فشقها فإذا هو بالخاتم فيها، فتختم به ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان، وعند ذلك " قال: رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب " وكان أول من أنكره نساؤه فقلن بعضهن لبعض تنكرن ما ينكرن؟ فقلن: نعم، فكان يأتيهن وهن حيض. قال علي بن زيد رضي الله عنه: فذكرت ذلك للحسن رحمه الله فقال: ما كان الله ليسلطه على نسائه. وذكر ابن إسحاق وابن سمعان وغيرهما على فتنة سليمان عليه السلام أن الناس شكوا إلى سليمان شدة ما يلقون من شدة الطحن بأيديهم. فجمع سليمان الجن والشياطين فذكر ذلك لهم وقال لهم: هل من حيلة في هذا الطحن،، وفي أن تتخذوا لي آنية أشرب فيها أرى من حولي، فإنه قد بلغني أن بعض الجن إذا أنا شربت وسترن الإناء منهم غمز بي، قالوا: يا رسول الله، إن هذا لشيء ما نطيقه، ولكنه قد تمرد عفريت، وهو في جزيرة من جزائر البحر فإن قدرنا عليه صنع هذا كله، قال: احتالوا حيلة تأتوني به. فانطلقوا إليه وأعلموه أن سليمان قد هلك، وأن الأرض قد بقيت لهم. فلما اطمأن إليهم أخذوه فأوثقوه بالحديد، ثم جاؤوا به سليمان. فلما أدخل عليه أراه الخاتم، فأذله اله عز وجل له، فقال له سليمان: يا صخر، إني هممت بقتلك لفرارك مني، وبلغني رفقك وصنائعك، فأنا أحب أن يتخذ الناس شيئاً يستريحون به مما يلقون من الطحن بأيديهم،

وأتخذ لي آنية اشرب فيها ولا تحول بيني وبين النظر إلى الناس. قال: نعم يا رسول الله، أعنّي بطائفة من الجن فأعانه بما أراد. فلم يدع قرية إلا نصب فيها رحاً يطحن أهل البيت في اليوم والليلة ما يكفيهم سنة، ووجد الناس من ذلك راحة فسموها لمكان الراحة الرحا، وعمل لسليمان الزجاج فجاء على ما أراد، فأكرمه سليمان، وقربه حتى كان يشاوره في الأمر، وركب سليمان ذات يوم حتى أتى ساحل البحر فأدركه المساء، وغابت الشمس، وبدت النجوم، فاطلع كوكب فقال سليمان: يا صخر، ما هذا الكوكب؟ قال: هذا نجم كذا وكذا، ثم لم يزل يسأله عن النجوم. فقال سليمان: لقد أعطيت من أمر النجوم علماً، فصف لي كيف علمت ذلك، فقال: يا رسول اله، إن خاتم المملكة في يديك، وإني أفرق أن أدنو منك، ولولا ذلك لأخبرتك بأشياء تعجب، فنزع سليمان الخاتم، ثم قال: امسكه معك، وأخبرني. فلما وقع الخاتم في يده قذفه في البحر فالتقمه حوت، وتمثل صخر مكانه على تمثال سليمان، وقعد على كرسيه. فاجتمع له الجن والإنس والشياطين، وملك كل شيء كان يملكه سليمان، إلا أنه لم يسلّط على نسائه، وخرج سليمان يسأل الناس ويتضيفهم ويقول: أطعموني، فإني سليمان بن داود، فيطردونه ويقولون له: ما يكفيك ما أنت فيه من البلاء حتى تكذب على سليمان، وهذا سليمان على ملكه؟ حتى أصابه الجهد وطال عليه البلاء، فلما تم أربعون يوماً جاء إلى ساحل البحر فإذا بقوم يصيدون السمك فقال لهم: أطعموني، فأبوا فقال لهم: لو تعلمون من أنا لأطعمتموني، أنا سليمان بن داود، فخرج صاحب السفينة فطرده وضربه بمردي في يده وقال: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان؟ إن كنت جائعاً فخذ من هذا السمك الذي أروح، فأخذ سليمان سمكتين، فدنا من ساحل البحر، فشق بطنهما فإذا في جوفها خاتمه فأخذه فلبسه، ورد الله عليه ملكه، وجاءت الوحوش والطير فقامت الوحوش حوله والطير فوق رأسه، فقال أهل السفينة: هذا والله سليمان فقفزوا بين يديه وقالوا:

يا نبي الله، إنما فعلنا ما فعلنا غضباً لك قال: أما إني لا أعاتبكم على ما صنعتم قبل، ولا أحمدكم على ما تصنعون بي لأن الأمر من السماء. وقيل: إن صخراً أمسك الخاتم أربعين يوماً، فمن ثم دانت له الإنس والجن، وعطفت عليه الطير والوحش. فلما أنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين يماً قال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من خلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم، فعند عند ذلك صخر فألقى بالخاتم في البحر فاستقبله جري فابتلع الخاتم فصار في جوفه مثل الحريق من نور الخاتم، فاستقبل جريه الماء فوقع في شبك الصيادين الذين كان سليمان معهم، فلما أمسوا قسموا السمك، فأسقطوا الجري فجعلوه لسليمان، فذهب به إلى أهله فأمرهم أن يصنعوه، فلما شقوا بطنه أضاء البيت نوراً من خاتمه، فدعت المرأة سليمان فأرته الخاتم فتختم به، وخر لله ساجداً فقال: إلهي، لك الحمد على قديم بلائك وحسن صنيعك إلى آل داود، إلهي، أنت الذي ابتدأتهم بالنعم وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة فلك الحمد، إلهي، تجود بالكثير وتلطف بالصغير، إلهي، فلك الحمد، نعمائك ظهرت فلا تخفى، وبطنت فلا تحصى، فلك الحمد، إلهي لم تسلمني بذنوبي، فلك الحمد، تغفر الذنوب وتستجيب الدعاء، ولك الحمد، إلهي، لم تسلمني بجريرتي، فلك الحمد، ولم تخذلني بخطيئتي، فلك الحمد، فتمم إلهي نعمتك علي، واغفر لي ما سلف " وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي " فذلك قوله: " ولق فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ". وقيل إن سليمان عليه السلام قال للشياطين: كيف تضلون الناس؟ فقال له شيطان: أعطني خاتمك حتى أخبرك، فأعطاه خاتمه، فذهب به حتى ألقاه في البحر وذهب ملك سليمان، فصار يطوف ويؤاجر نفسه، ويأتي المرأة من بني إسرائيل فيقول لها: أنا سليمان، أطعميني، فتبصق في وجهه، حتى وجد الخاتم في بطن حوت، فرد الله إليه ملكه وله الحمد.

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان في نقش خاتم سليمان لا إله إلا الله محمد رسول الله ". وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان فص خاتم سليمان بن داود سماوي، فألقي إليه فأخذه فوضعه في خاتمه، وكان نقشه: أنا الله لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي ". وعن الحسن أن سليمان لما غلبه صخر المارد على ملكه خرج هارباً مخافة على نفسه أن يقتله، بغير حذاء ولا قلنسوة في قميص وإزار. قال: فمر بباب شارع على الطريق وقد جهده الجوع والعطش والحر، فقرع الباب، فخرجت امرأة فقالت: ما حاجتك؟ قال: ضيافة ساعة، فقد ترين ما أصابني من الحر والرمضاء، وقد احترقت رجلاي وبلغ مجهودي من الجوع والعطش. قالت المرأة: إن زوجي لغائب وليس يسعني أن أدخل رجلاً غريباً علي، وهذا أوان انصراف زوجي، فادخل البستان فإن فيه ماء وثماراً، فأصب من ثماره، وتبرد فيه، فإذا جاء وزجي استأذنته في ضيافتك،، فإن أذن لي فذاك، وإن أبى أصبت مما رزق الله ومضيت، فعلم أنها تكلمت بعقل، فدخل البستان، فاغتسل ووضع رأسه فنام، فأذاه الذباب، فجاءت حية سوداء فمرت بسليمان فعرفته، فانطلقت فأخذت ريحانة من البستان بفيها يقال لها العبهر، فجاءت إلى سليمان عند رأسه، فجعلت تذب عنه حتى جاء زوج المرأة، فقصت عليه القصة، فدخل الزوج إلى سليمان. فلما رأى الحية وصنيعها دعا امرأته، فقال لها: تعالي فانظري العجب، فنظرت ثم مشت إليه، فلما رأتها الحية تنحت عن سليمان، فأيقظاه وقالا له: يا فتى، هذا منزلنا فهو لك لا يسعنا شيء يعجزك، وهذه ابنتي وقد زوجناكها، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، قال: فتزوجها وأقام عندهم ثلاثة أيام، ثم قال: لا يسعني إلا طلب المعيشة لي ولأهلي، فانطلق إلى الصيادين، فقال لهم: هل لكم في رجل يعينكم وترضخون له شيئاً من صيدكم، وكل يأتيه الله برزقه، فقالوا: قد انقطع عنا الصيد، وليس عندنا فضل نعطيكه، فمضى إلى غيره، فقال لهم مثل هذه المقالة، فقالوا: نعم، وكرامة، نواسيك بما عندنا، فأقام معهم يختلف

كل ليلة إلى أهله بما أصاب من الصيد، حتى أنكر الناس قضاء سليمان وأفعاله، فقالوا لآصف: هل تنكر من سليمان الذي أنكرنا؟ قال: نعم، ولكن دعوني أعلم علم نسائه، فانطلق آصف، وكان لا يحتجب عنهن، فسألنه عن فعاله قلن: أنكرنا جميع فعاله، ولا يطلب النساء إلا عند الحيض، فقال: هل تواتينه؟ قلن: لا. قال ابن عباس رحمه الله: من زعم أنه أتى نساءه فقد كذب. كان سليمان عليه السلام أكرم على الله تعالى وتقدس من أن يسلط الشيطان على نسائه. قال فختم الله عليه، ولم يردهن. قال واحترس نساؤه، واجتمع الناس يدعون الله أن يفرّج ما بسليمان. قال: فلما رأى الخبيث أن الناس قد فطنوا له عمد فكتب كتاب السحر وختمه بخاتم سليمان ودفنه من تحت قائمة سرير سليمان وانطلق بالخاتم فألقاه في البحر. وعن قتادة قال: كتبت الشياطين كتباً فيها سحر وشرك، ثم دفنت تلك الكتب تحت كرسي سليمان، فلما مات سليمان استخرج الناس تلك الكتب، فقالوا: هذا علم كتمناه سليمان فقال الله تعالى: " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت ". وعن عمران بن الحارث قال: بينا نحن عند ابن عباس إذ دخل عليه رجل، فقال له ابن عباس: من أين جئت؟ قال: من العراق، قال: من أين؟ قال من الكوفة، قال: فما الخبر؟ قال: تركتهم يتحدثون أن علياً خرج إليهم. قال: ففزع ثم قال: ما يقولون لا أبا لك؟! لو شعرنا ما نكحنا نساؤه ولا قسمنا ميراثه سأحدثكم عن ذلك: كانت لشياطين يسترقون السمع من السماء فيجيء أحدهم بكلمة حق قد سمعها، فإذا جربت صدق، وكذب معها سبعين كذبة، فتشربتها قلوب الناس، فأطلع الله عليها سليمان عليه السلام، فأخذها فدفنها تحت كرسيه، فلما توفي سليمان قام شيطان بالطريق فقال: ألا أدلكم على كنزه الممتنع الذي لا كنز له مثله؟ تحت الكرسي. فأخرجوه فقالوا: هذا سحر، فتناسختها الأمم حتى

بقاياها ما يحدث به أهل العراق فأنزل الله في عذر سليمان عليه السلام " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولك الشياطين كفروا " إلى آخر الآية. وعن الحسن أن صخراً المارد حين كان غلب على ملك سليمان. فلما فطن له الناس كتب كتاب السحر، ودعا الشياطين، فأخبرهم أنه قد غلب سليمان على ملكه، وأنه ألقى خاتمه في البحر، فلا يقدر عليه ويستريحوا منه، وأن هذا كتاب كتبته فيه أصناف السحر، وختمته بخاتم سليمان، وإني أدفنه تحت كرسيه، وكتب في عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من العلم. فلما مات سليمان جاءت الشياطين في صورة الإنس فقالوا لبني إسرائيل: إن لسليمان كنزاً من دفاتر من كنوز العلم، وكان يعمل به هذه العجائب فهل لكم فيه؟ قالوا: نعم، فحفروا ذلك الموضع واستخرجوا ذلك الكتاب. فلما نظروا فيه أنكر الأحبار ذلك، وقالوا: ما هذا من أمر سليمان. وأخذه قوم وقالوا: والله ما كان سليمان يعمل إلا بهذا، ففشا فيهم السحر، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود. فلما ذكر الله لرسوله أمر سليمان وأنزل عليه في سليمان وفي المرسلين وعده فيهم، قال من كان بالمدينة من اليهود: ألا تعجبون من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزعم أن سليمان كان نبياً. والله ما كان إلا ساحراً فأنزل الله عزّ وجلّ فيما قالوا: " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان " يقول: ما كتبت الشياطين يعني أيام غلب صخر سليمان على ملكه " ولكن الشياطين كفروا " هم كتبوا السحر، وما عمل سليمان بالسحر " وما أنزل " السحر " على الملكين ببابل هاروت وماروت " حين فرغ من قصتهما. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه إن شاء الله فلم يقل، فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، وايم الذي نفسي بيده إنه لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.

وفي رواية: لأطوفن الليلة على مئة امرأة. وفي حديث عن أبي هريرة أيضاً أن سليمان كان له أربع مئة امرأة وست مئة سرية. فقال يوماً: لأطوفن الليلة على ألف امرأة، فتحمل كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يستثن، فطاف عليهن، فلم تحم واحدة منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق إنسان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده لو استثنى فقال: إن شاء الله لولد له ما قال، فرسان ولجاهدوا في سبيل الله ". وعن ابن عباس قال: كان لداود تسع وأربعون امرأة وكان لسليمان مئتا امراة. وعن أبي هريرة قال: كان اليوم الذي رد الله تعالى إلى سليمان بن داود خاتمه يوم النيروز، فجاءت الشياطين بالتحف، وكانت تحفة الخطاطيف أن جاءت بالماء في مناقيرها فرشته بين يدي سليمان فاتخذ البعض رش الماء من ذلك اليوم. وقال سفيان الثوري: بلغني أن سليمان يوم رد الله عليه ملكه، أمر الريح أن تحمله، فحملته فانتهى إلى مفرق الطريقين، استقبله خطاف فقال: أيها املك، إن لي عشاً فيه بيضات قد حضنتهن، وأنا أرجو إفراخي أيامي، فاعدل رحمك الله، فإنك إن مررت بالعش حطمت بيضات، فشفقه وترك ذلك الطريق، فانطلق الخطاف إلى البحر حين نزل سليمان فحمل ماء في منقاره، فنضح بين يديه، فسأله أصحابه عن ذلك فقال: إنه سألني أن أعدل عن الطريق الذي فيه عشه، فهو يحمل الماء من البحر بمنقاره ينضحه بين يدي شكراً لي. وفي حديث آخر: أتاه برجل جرادة فوضعه بين يدي سليمان، فقال له سليمان: ما هذا؟ قال: هدية لك فقال سليمان: لقد شكر هذا، ومن لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى صلاة فقال: " إن الشيطان عرض ليفسد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله

منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه في سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان: رب هب لي ملكا لا يبغي لأحد، فرده الله خائباً ". قال الضحاك: لما رد الله ملك سليمان بعث سليمان إلى صخر، فأتي به، فلما أدخل عليه أمر بوثاقه، فأوثقوه حديداً، ثم سأل الجن: أي قتلة أشد حتى أقتله؟ قالوا: نأتيك بصخرة ثم نجوفها ثم نوثقه فنضعه فيها ونسدها عليه ونطبقها بالحديد ثم نلقيه في البحر، ففعلوا ذلك به، فألقوه في أعمق مكان في البحر، فهو فيه إلى يوم القيامة فذلك قول الله عزّ وجلّ " وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن " يعني سليمان على من شئت من الشياطين " أو أمسك يعني أقره في الوثاق في البحر " بغير حساب " يعني لا تبعة عليك فيه إلى يوم القيامة. قال عبد الله بن عبيد بن عمير: بعث سليمان إلى مارد من مردة الجن كان في البحر، فأتي به. فلما كان على باب داره أخذ عوداً فذرعه بذراعه، ثم ألقاه من وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان فقال سليمان: ما هذا؟ فأخبر بالذي صنع المارد، فقال: تدرون ما أراد؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول اصنع ما شئت فإنما تصير إلى مثل هذا من الأرض. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبع مئة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والأنس والشياطين والدواب والطير والسباع، وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس وذلك قوله: " علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء ".

قالوا: وكان سليمان غزاء، يغزو البر والبحر ولا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أتاه حتى يذله، وكان إذا أراد الغزو أمر بعسكره فضرب، وكان اتخذ ألواحاً من خشب وضم بعضها إلى بعض وعمل لها عمداً من تحتها وسددها بالمسامير الحديد على قدر عسكره، فربما كان عسكره فرسخاً في فرسخ أو أقل أو اكثر، ثم تجيء الشياطين فتدخل تحت الخشب، فتحمل تلك العمد، ثم يأمر الريح وعسكره مسيرة شهر، وكانت الريح تغدو به شهراً، وتروح به شهراً وبعسكره، فذلك قول الله عزّ وجلّ: " رخاء حيث أصاب " مطيعة حيث أراد، وكان الرخاء ريحاً تحمل عسكره إلى حيث أراد سليمان، وإنه ليمر بالزراعة فما تحركها الريح. وقيل: كانت الشياطين عملوا لسليمان مدينة من قوارير، إذا خرج في المغازي كان يحمل تلك المدينة معه وحشمه وأهل بيته، وكانت ألف ذراع في عشرة آلاف ذراع، فيها ألف سقف كل سقف ألف ذراع، بين كل سقفين عشرة أذرع على كل سقف ما يحتاج إليه من المساكن والقباب والمرافق، فجعل الأعلى قبة فيها مجلسه، على قبتها علم أخمر يضيء منه بالليل للعسكر، وترى بالليل من الأرض البعيدة كما ترى النار، ولتلك المدينة ألف ركن على مناكب الشياطين، تحت كل ركن عشرة من الشياطين. قال كعب: وكان سليمان إذا ركب حمل أهله وسار بجيشه وخدمه وكتائبه، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم، وقد اتخذ مطابخ ومخابز، يحمل فيها تنانير الحديد وقدوراً عظاماً، يسع كل قدر عشر جرائر وقد اتخذ فيه ميادين للدواب أمامه فيطبخ الطباخون، وخبز الخبازون، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والأرض ولريح تهوي بهم، فسار من إصطخر إلى اليمن فسلك المدينة مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سليمان: هذه دار هجرة نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به. ثم مضى حتى مر بمكة فقال: هذا مولد نبي في آخر الزمان، طوبى لمن آمن به، وطوبى لمن اتبعه، وطوبى لمن اقتدى به، ورأى حول البيت أصناماً تعبد من دون الله. فلما جاوز

سليمان البيت بكى البيت، فأوحى الله إلى البيت فقال: ما يبكيك؟ قال: يا رب، أبكاني هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي، فلم يهبطوا في، ولم يصلوا عندي، ولم يذكروك بحضرتي، والأصنام تعبد حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا بتك، فإني سوف أملؤك وجوهاً سجوداً، وأنزل فيك قرآناً جديداً، وأبعث منك نبياً في آخر الزمان، أحب أنبيائي إلي، وأجعل فيك عمارً من خلقي يعبدوني، وأفرض على عبادي فريضة يدفون إليك دفوف النسور إلى وكورها، ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها، وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين. ثم مضى سليمان حتى مر بوادي النسرين من الطائف فأتى على وادي النمل فقالت نملة تسمى جيرين من قبيلة تسمى الشيصبان وكانت عرجاء تتكاوس، وكانت مثل الذئب العظيم فنادت النمل " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحكمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " يعني أن سليمان يفهم مقالها، وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك، فألقته في مسامع سليمان قال: " فتبسم سليمان ضاحكاً من قولها وقال: رب أوزعني " يعني ألهمني " أن أشكر نعمتك " يعني: أن أؤدي شكر ما أنعمت " علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين " يعني مع الصالحين. ذكر وهب بن منبه سليمان وتعظيم ملكه: أنه كان في رباطه اثنا عشر ألف حصان، وكان يذبح لغذائه كل يوم سبعين ثوراً معلوفاً وستين كراً من الطعام سوى الكباش والصيد والطير، فقيل لوهب: يا أبا عبد الله، أكان يسع هذا ماله؟ قال: كان إذا ملك الملك على بني إسرائيل اشترط عليهم أنهم رقيقه وأن أموالهم له، ما شاء أخذ منها، وما شاء ترك. قال ابن عباس: كان سليمان بن داود يوضع له ست مئة ألف كرسي، ثم يجيء بأشراف الإنس فيجلسون مما يليه، ثم يجيء بأشراف الجن حتى يجلسوا مما يلي الإنس، ثم يدعو الطير فتظلهم ثم يدعو

الريح، فتحملهم فيسيرون. وقيل: يسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر. فبينا هو ذات يوم يسير إذ احتاج إلى الماء، وهو في فلاة من الأرض، فدعا الهدهد فنقر الأرض، فأصاب موضع الماء، فجاءت الشياطين إلى المكان فيسلخونه كما يسلخ الإهاب حتى استخرجوا الماء: فكيف يعرف هذا ولا يعف الفخ حتى يقع في عنقه؟ فقال ابن عباس: ويحك إن القدر حال دون البصر. حدث إدريس بن سنان أبو إلياس قال: بلغنا " والله أعلم " عن صفة كرسي سليمان بن داود بحكمته أنه صنع دفوف الكرسي من عظام الفيلة، وفصصها بالدر وبالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، صنعت صنعة لم يصنع مثلها من مضى، ولا صنعها من بقي بعده، ثم جعل له ست درجات بعضها فوق بعض، وجعل بين كل درجتين شبراً، وجعل كل درجة منها مفصصة بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، وحفف الكرسي من جانبيه كليهما بنخل من ذهب، وعناقيدها ياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وجعل رؤوس النخل من أحد جانبي الكرسي طواويس من ذهب، وجعل من جانبه الآخر سوراً من ذهب مقابلة للطواويس، وجعل عن يمين الدرجة الأولى شجرة صنوبر من ذهب، وعن يسارها أسداً من ذهب، وعلى رؤوس الأسدين عموداً من زبرجد، ومن جانبي الأسدين شجرتين كلتاهما كرم من ذهب معرشتين، فأظلتا الكرسي كله بتعريشها وورقها، وفوق أعلى درج الكرسي أسدين عظيمين من ذهب مجوفين محشوين مسكاً وعنبراًً، فإذا أراد سليمان بن داود الملك أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان كما يستدير المنجنون فينفخان ما في أجوافهما من الطيب، ومن جانبي الكرسي منبران من ذهب أحدهما مجلس خليفة سليمان، والآخر مجلس الأحبار والقضاة، وسبعين منبراً من ذهب لسبعين قاضياً من أحبار بني إسرائيل وعلمائهم وكهولهم، من كل جانب من الكرسي خمسة وثلاثون منبراً، فإذا أراد الملك أن يصعد إلى كرسيه وضع قدميه على الدرجة الأولى من الكرسي استدار الكرسي كما يستدير المنجنون، فيبسط الأسد يده اليمنى والنسر جناحه الأيسر، فيتكئ سليمان عليها إلى الدرجة التي تليها وكذلك تصنع الأسد والنسور من كل درجة إلى درجة

حتى يستوي إلى أعلى الكرسي، فإذا استوى سليمان على كرسيه جالساً أخذ التنين العظيم تاج الملك فوضعه على راس سليمان، وكان الذي يستدير بالكرسي وما فيه من العجائب تنين عظيم حتى تمر الأسود والنسور والطواويس التي على الدرجة السفلى إلى أعلى الكرسي فيظلون من فوق رأس سليمان، وهو جالس على الكرسي، فينضحون ما في أجوافها من الطيب على رأس سليمان، وكانت حمامة على عمود جوهر تأخذ التوراة، حتى تجعلها في يد سليمان فيقرأها على الناس فإذا جلس سليمان على كرسيه للقضاء، وجلس قضاة بني إسرائيل على كراسيها عن يمينه وشماله جانبي الكرسي فدخلت الشهود للشهادات استدار منجنون الكرسي، فيزأر الأسد، وتخفق النسور بأجنحتها، وترجع الطواويس لترعب قلوب الشهود أن لا يشهدوا بالزور، ويقول الشهود عندما يرون من العجائب وما دخلهم من الرعب: لا نشهد إلا بالحق، فإنا إن نشهد بالزور يهلك العالم، فلم يكن مثل كرسي سليمان في الأولين ولا يكون مثله في الآخرين. فلما قبض الله سليمان وجاء بخت نصر، فأخذ ذلك الكرسي فحمله معه إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد فيه ليقعد عليه، ولم يكن له علم كيف يصعد فيه، فلما وضع قدمه على الدرجة الأولى ولم تصب موضعها رفع الأسد يده اليمنى فكسر ساق بخت نصر الأيسر فعرج فلم يزل بخت نصر يعرج منها حتى مات، ثم بعث الله ملكاً من ملوك فارس يقال له: كارس بن سورس ويقال الفرريا بن يساريا فحمل الكرسي من بابل حتى رده إلى بيت المقدس، فوضعوه تحت الصخرة فلم يقعد أحد على كرسي سليمان من بعده، ولم يقدر عليه منذ وضع تحت الصخرة. فذلك ما يذكر من حديث الكرسي وما فيه من العجائب. قال إسحاق بن بشر: وكان سليمان إذا ركب يسمع حفيف قبته من اثني عشر ميلاً، فلا يبقى غلام ولا جارية ولا رجل ولا امرأة إلا وهم متشوفون ينظرون إلى مركب سليمان ويتعجبون. فبينا سليمان في مسيره بهذه الحال، وقد اشرفوا عليه من كل جانب، غذ مر

على رجل من بين إسرائيل يعمل بالمسحاة في حرث له يقال له: مرعبدا، فقال مرعبدا ولم يرفع طرفه إليه: لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، ثم أقبل على مسحاته، فلم يلتفت له، ولم ينظر إليه، والناس متشوفون من كل جانب، فلما رأى سليمان ذلك رفع رأسه فنظر إلى الطير فوقفن، فإذا وقفت الطير تركت الشياطين الأركان، وتجيء الريح فتحمل له البيت بقدرة الله. فلما نظر سليمان إلى العابد وهو مرعبدا قطع به فقال: والله ما هذا إلا رجل في قلبه إيمان ومعرفة ليس في قلب أحد. قال عبد الله بن عمر: قال لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لينظر إلى الكافر ولا ينظر إلى المزهي، ولقد حملت سليمان بن داود الريح وهو متكئ، فأعجب واختال بنفسه فطرح على الأرض. وعن الفضيل بن عياض قال: كان سليمان بن داود إذا أراد أن يركب وُضع له ست مئة ألف كرسي، تحتمله الريح، وتظله الطير والغمام فوق ذلك، فبينا هو يسير إذ مر بحرّاث يعمل في زرعه، فاستوقفه فوقف غير مستكبر، فإما أتاه أو ساءله فقال له: يا نبي الله، حك في نفسي شيء، لم أجد له موضعاً غيرك، قال: وما هو؟ قال: أرأيت ما مضى من ملكك هذا هل تجد لشيء منه لذة؟ قال: لا. قال: فما بقي؟ قال: ولا. قال: ما أراك سبقتني من الدنيا إلا باليسير، قيل: فقال له سليمان: هل لك أن تصحبني؟ قال: فما تصنع بي؟ قال: أصنع بك خيراً، قال: هل تزيد في رزقي؟ قال: لا، قال: فهل تزيد في عمري؟ قال: لا، قال: فما أصنع بصحبتك!! وعن ابن كعب القرظي في قوله عزّ وجلّ " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلا من قبل " الآية قال: يعني يتزوج ما يشاء من النساء، هذا فريضة، وكان من الأنبياء هذا سننهم، وقد كان لسليمان بن داود ألف امرأة، سبع مئة مهيرة

وثلاث مئة سرية، وكان لداود مئة امرأة فيهن أم لسيمان امرأة أورياء تزوجها داود بعد الفتنة. فهذا أكثر مما كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال وهب بن منبه: أمر الله الريح فقال: لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء في الأرض بينهم إلا حملته فوضعته في أذن سليمان، فلذلك سمع كلام النملة. قيل: إن سليمان النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، كان جالساً، فرأى عصفوراً، يدير زوجته على السفاد وهي تمتنع منه، فضرب بمنقاره في الأرض ثم رفعه إلى السماء، فقال سليمان: هل تدرون ما قال لها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال لها: ورب السماء والأرض ما أريد السفاد لك، ولكن أردت أن يكون من نسلي ونسلك من يسبح الله في الأرض. قال مالك بن دينار: صنع سليمان بن داود قبة من ذهب أربعين ذراعاً في أربعين ذراعاً، وركب فيها من صنوف الجوهر، فبينا سليمان جالس فيها غذ سقط فيها خطافان، فراود الذكر الأنثى فامتنعت عليه فقال لها: لم تمنعين نفسك؟ فوالله لو كلفتني حمل هذه القبة لحملتها، فسمع سليمان قوله فأمر فأتي بهما فقال: من القائل كذا وكذا؟ قال الذكر: أنا يا نبي الله، قال فما حملك على ذلك؟ قال: يا نبي الله، أنا محب والمحب لا يلام. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أرأيتم ما أعطي سليمان من ملكه، فإن ذلك لم يزده إلا تخشعاً، وما كان يرفع طرفه إلى السماء تخشعاً من ربه عزّ وجلّ. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُير سليمان بين المال والملك والعلم فاختار العلم، فأعطي الملك والمال لاختيار العلم. حدث أبو عمران الجوني قال: مر سليمان بن داود في موكبه والطير تظله والجن والإنس عن يمينه وعن

شماله، فمر بعابد من عباد بني إسرائيل. قال: فقال: لقد آتاك الله يا بن داود ملكاً عظيماً فسمع كلامه فقال: تسبيحة في صحيفة مؤمن أفضل مما أوتي آل داود، وما أوتي ابن داود يذهب وتسبيحته تبقى. قال الفضيل بن عياض: كان عسكر سليمان مئة فرسخ، وكان يذبح في كل يوم ألف شاة وثلاثين ألف بقرة سوى ما يلقى الطير من نواهضها، ويطعم الناس الحوارى، ويطعم أهله الخشكار، ويأكل هو الشعير قال: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ". وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قالت أم سليمان لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم بالليل، فإن من كثر نومه بالليل يلقى الله يوم القيامة فقيراً ". وعن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود، فلما دخله وجد حره وغمه، قال: أوه من عذاب بالله أوه قبل أن لا يكون أوه. وفي رواية: أول من صنع له الحمام سليمان بن داود. وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينما امرأتان ومعهما أبناهما إذ جاء الذئب فذهب بأحدهما، فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنكن، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فاختصمتا إلى داود فقضى به للكبرى، فمرتا على سليمان، فأخبرتاه فقال ائتوني بسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا ويرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة: فوالله إن سمعت بالسكين قبل ذلك اليوم، ما كنت أقول إلا المدية.

وعن محمد بن كغب القرظي قال: جاء رجل إلى سليمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا نبي الله، إن لي جيراناً سرقوني إوزاً، فنادى: الصلاة جامعة ثم خطبهم فقال في خطبته: واحد كم يسرق إوزة جاره، ثم يدخل المسجد والريش على رأسه، فمسح رجل رأسه، فقال سليمان: خذوه فإنه صاحبكم. وعن الحسن قال: بلغني أن داود قال لابنه: يا بني، أي شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن العباد وعفو العباد بعضهم عن بعضهم. قال: فأي شيء أحلى؟ قال: روح الله بين عباده. وعن داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لسليمان حين استخلفه: يا بني، أي شيء أحسن؟ قال: روح الله بين عباده، وصورة حسنة في عمل صالح وخلق حسن. وعن ابن أبي نجيح قال: قال سليمان: أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا، وعُلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نجد شيئاً أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى. وعن قتادة قال: ذُكر لنا أن سليمان بن داود كان يقول: اذكر الجائع إذا شبعت، واذكر الفقير إذا استغنيت. وعن يحيى بن كثير أن سليمان بن داود قال: يا بني إسرائيل، من خشي الله في السر والعلانية، وقصد في الغنى والفقر، وعدل في الغضب والرضا، وذكر الله على كل حال فقد أعطي مثل ما أعطيت أو أفضل منه. وعن سعيد بن عبد العزيز قال سليمان بن داود: نظرت في الحكمة فكثر همي، ونظرت في العلم فكثر شيبي، فذهبت أنظر في الأمر

فإذا مع الشباب كبر، وإذا مع الغنى فقر، وإذا مع الصحة سقم، وإذا مع الحياة موت، وإذا تربتي وتربة السفيه الأحمق يصيران إلى أن يكونا سواء، إلا أن أفضله يوم القيامة بعمل صالح، فكيف يهنأني مع هذا طعام أو شراب؟ وعن خيثمة قال: قال سليمان بن داود النبي صلى الله على نبينا وعليهما وسلم: كل العيش قد جربناه، ليّنه وشديده فوجدناه يكفي منه أدناه. وعن الحسن قال: بلغني أن سليمان بن داود قال: العقل نجاة العاقل بطاعته ربه، وحجته على معصية الله، وإن العمل القليل من العاقل أرجح من الكثير من الجاهل، ومجامعة العاقل على البرادع خير للمؤمن من مجامعة الجاهل على حشايا السندس والاستبرق، ومجامعة المرء العاقل على المزابل خير من مجامعة الجاهل على الزرابي. قال سليمان بن داود: يا معشر الجبابرة، كيف تصنعون إذا وضع المنبر للقضاء؟ يا معشر الجبابرة، كيف تصنعون إذا لقيتم ربكم الجبار فرادى؟ وقال سليمان بن داود: يا بني، إياك وكثرة الغضب، فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم. وعن الأوزاعي قال: قال سليمان: إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني، عليك بخشية الله فإنها غاية كل شيء، يا بني، لا تقطع أمراً حتى تشاور فيه مرشداً، يا بني، عليك بالحبيب الأول فإن الأخير لا يعدله. وعنه قال: قال سليمان لابنه: يا بني، لا تقطعن أمراً حتى تؤامر مرشداً، فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه يا بني، إياك وكثرة الغيرة من غير سوء تراه على أهلك فترمى بالسوء من أجلك.

قال سليمان: من أراد أن يغيظ عدوه فلا يرفع العصا على ولده. وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: يا بني، لا تكثر الغيرة على أهلك، فترمى بالشر من أجلك، وإن كانت بريئة، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحليم، قال: وعليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء. وعنه أن سليمان قال لابنه: يا بني، إياك والمراء، فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان. وعن مالك بن دينار قال: خرج سليمان في موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه يقول: قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا السلام. وعن كعب الأحبار قال: خرج سليمان بن داود نبي الله عليه الصلاة والسلام يستقي لقومه فإذا نملة قائمة على رجليها رافعة يديها تقول: اللهم، إنا خلق من خلقك ولا غنى لنا عن رزقك، فأنزل علينا غيثك، ولا تؤاخذنا بذنوب عبادك، فقال سليمان عليه السلام: أرجعوا، فقد استجاب الله لكم بدعاء غيركم فرجعوا يخوضون الماء إلى الركب. وفي حديث آخر: فلا تهلكنا بذنوب بني آدم. وقيل: إن داود كان له صديق من بني إسرائيل يُدني مجلسه ويشاوره، فمات داود وولي سليمان. قال: فنظر من أحق الناس أن يشاوره ويُدني مجلسه منه؟ قال: ما أعلم أحداً أحق من الشيخ الذي مات نبي الله وهو عنه راض، فأرسل إليه فأدنى مجلسه، وكان الله وكل بسليمان ملك الموت أن يدخل إليه كل يوم دخلة، فيسأله كيف هو، ويقول له: هل لك من حاجة أقضيها لك؟ فإن قال: نعم لم يبرح ملك الموت حتى يقضيها، ثم

لا يعود إليه من الغد، فدخل عليه يوماً والشيخ مسند ظهره إلى سرير سليمان فقال له: كيف كنت الليلة؟ قال: بخير، قال: ألك حاجة؟ قال: لا، فانصرف ملك الموت والناس يحسبون أنه رجل من الناس، فلما خرج أقبل الشيخ على رجل سليمان، فجعل يقبلها، ويقول: يا نبي الله، كيف رضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عني؟ قال: حسن، قال: وكيف رضاك عني منذ صحبتك؟ قال: حسن إني أسألك بحق الله إلا ما أمرت الريح أن تحملني فتلقيني بأقصى مدرة من أرض الهند، قال: فأخذه أفكل شديد، قال سليمان: ولم؟ قال: هو ما أقول لك، قال: فاخبرني فإني فاعل، قال أم تر إلي الرجل الذي دخل عليك، فإنه لحظ إلي لحظة، فما أتمالك رعدة، فقال سليمان: سبحان الله، وهل إلا رجل نظر إليك؟ قال: هو ما أقول لك، قال: وأراده سليمان على ألا يفعل فأبى، قال: فدعا الريح، فقال: احمليه فألقيه بأقصى مدرة بالند، وظل سليمان لا ينتفع بشيء حزناً على الشيخ، قال: فقعد على سريره قبل ساعته التي كان يقعد فيها حزناً على الشيخ، ودخل عليه ملك الموت ثم قال: ألك حاجة؟ قال: الحاجة غدت بي إلى هذا المكان، قال: مه. فذكر الشيخ ومنزلته، وذكر ما سأله. وذكر ما سأله. قال له ملك الموت: يا رسول الله، منذ جئتك ما ينقضي عجبي منه، إنه سقط إلي أمس كتاب أن أقبض روحه مع طلوع الفجر بأقصى مدرة بأرض الهند، فهبطت وما أحسبه إلا هناك، فدخلت عليه فإذا هو قاعد، وقد أمرت أن أقبض روحه مع طلوع الفجر بأقصى مدرة بأرض الهند، فجعلت أتعجب، فوا للذي بعثك بالحق إني هبطت عليه مع طلوع الفجر، فوجدته بأقصى مدرة من أرض الهند فقبضت روحه، وتركت جسده هنالك. قال كعب: أمر داود ببناء بيت المقدس، فبنى فيه قدر قعدة، ثم أحدث شيئاً، فقيل له: إنك لست بصاحبه. قال: رب، فمن ذريتي؟ قال: نعم، فبناه سليمان حتى فرغ من بناه جعل عليه مأدبة، ذبح أربعة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة، ودعا بني إسرائيل فأكلوا حتى قام فدخله فقال: اللهم، أما عبد لك دخل بيتك هذا مستجيراً فأجره،

فأوحى الله إليه أن قد استجبت لك. فلما أوحى إليه أن قد استجبت لك، أن خلص الدعوة لآل داود عليه السلام. قال قرة: أمر سليمان ببناء بيت المقدس فقالوا لسليمان: إن زوبعة الشيطان له عين في الجزيرة، يردها كل سبعة أيام، فأتوها فنزحوها فصبوا فيها خمراً، فجاء لورده، فلما أبصر الخمر قال كلاماً له: أما علمت أنك إذا شربك صاحبك ظهر عليه عدوه " في أساجيع " ألا لا وردتك اليوم، فذهب ثم رجع لظمأ آخر. فلما رآها قال كما قال أول مرة، ثم ذهب ولم يشرب، ثم جاء لورده لإحدى وعشرين ليلة، وقال: ما علمتك إنك لتذهبن الهم " في أساجيع له " فشرب فسكر فجاؤوا إليه، فأروه خاتم السحر فانطلق معهم إلى سليمان، فأمره ببناء بيت المقدس، فقال دلوني على بيض الهدهد فدل على عشه فأكب عليه بحمحمة، فانطلق الهدهد فجاء بالماس الذي يثقب به اللؤلؤ والياقوت فغط الزجاجة، فذهب ليأخذه فأزعجوه عنه فجاء بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون له الجبال كأنما يخطون في الطين. وحدث كعب: أن الله أوحى إلى سليمان أن ابن بيت المقدس، فجمع حكماء الإنس وعفاريت الجن وعظما الشياطين، ثم فرق الشياطين فجعل منهم فريقاً يبنون، وفريقاً يقطعون الصخر والعمد من معادن الرخام، وفريقاً يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان، الدرة منها مثل بيضة النعام، ومثل بيض الدجاج، وأخذ في بناء المسجد، فلم يثبت البناء، وكان عليه حين بناه داود، فأمر بهدمه، ثم حفر الأرض حتى بلغ الماء، فقال: أسسوا على الماء فألقوا فيه الحجارة، فكان الماء يلف، فدعا سليمان الحكماء والأحبار، ورأسهم آصف فقال: أشيروا علي، فقال آصف ومن قال منهم: إنا نرى أن نتخذ قلالاً من نحاس، ثم نملأها حجارة، ثم نكت عليها هذا الكتاب الذي في خاتمك لا إله إلا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله، ثم نلقي تلك القلال عليه في الماء، فيكون أساس البناء عليه ففعل

فثبتت القلال، وألقوا الصخر والحجارة عليها، وبنى حتى ارتفع البناء وفرق الشياطين في أنواع العمل، فكانت الشياطين دأبوا في عمله وجعل فرقة منهم يقطعون معادن الياقوت والزمرد وألوان الجوهر، فجعل الشياطين صفاً مرصوصاً ما بين معدن الرخام إلى حائط المسجد، فإذا قطعوا من المعدن حجراً أو اسطوانة يلقاه الأول منهم الذي يلي المعدن ثم الذي يليه، فيلقى بعضهم بعضاَ حتى ينتهي إلى المسجد، وجعل يقطع الرخام الأبيض منه مثل بياض اللبن من معدن يقال له السامور ليس بهذا السامور الذي في أيدي الناس، ولكن هذا به سمي، وإنما دل على معدن السامور عفريت من الشياطين كان في جزيرة من جزائر البحر، فدلوا سليمان عليه، فأرسل إليه بطابع من حديد، وكان خاتمه يرسخ في الحديد والنحاس فيطبع إلى الجن بالنحاس، ويطبع على الشياطين بالحديد فلا يجيبه أقاصيهم إلا بذلك، وكان خاتمه أنزل عليه من السماء، حلقته بيضاء، وطابعه كالبرق لا يستطيع أحد يملأ منه بصره. فلما بعث إلى العفريت وجاءه قال له: هل عندك من حيلة أقطع بها الصخر فإني أكره صوت الحديد في مسجدنا هذا وصريره للذي أمرنا به من الوقار والسكينة، فقال له العفريت: ابغني وكر عقاب، فإني لا أعلم في الطير أشد من العقاب فنفحه برجله ليقطعه فلم يقدر عليه، فحلق في السماء متلطفاً، فلبث يومه وليلته، ثم أقبل ومعه خصين من السامور معترض، فتفرقت الشياطين حتى أخذوه منه، وأتوا به على سليمان فكان به يقطع الصخر، وعمل سليمان بيت المقدس عملاً لا يوصف ولا يبلغ كنهه أحد، وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت والمرجان وألوان الجوهر في سمائه وأرضه وأبوابه وجدره وأركانه شيئاً لم ير مثله، ولم يعلم يومئذ كان على ظهر الأرض موضع كان أعظم منه، ولا عرض من عرض الدنيا أكبر منه، فتسامعت به الخلائق، وشهدته ملوك الأرض، وكان نصب أعينهم، ولكنهم لم يكونوا يرومونه مع سليمان.

فلما فرغ سليمان منه جمع الناس، وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى هو أمر ببنائه، وأن كل شيء فيه لله عزّ وجلّ، وأن من انتقصه شيئاً قد خان الله، وأن داود كان الله عزّ وجلّ عهد إليه بذلك من قبل، وأوصى سليمان بذلك من بعده، فلما انتهى عمله اتخذ طعاماً وجمع سليمان الناس فلم يُر قط جمع في موضع أكبر منه يومئذ ولا طعام اتخذ أكثر منه ثم أمر بالقربان فقرب لله عزّ وجلّ قبل أن يطعم الناس، فوضع القران في رحبة المسجد وبين ثورين، فأوقفهما قريباً من الصخرة، ثم قام على الصخرة فقال: اللهم، أنت وهبت لي هذا الملك مَناً منك علي وطولاً علي وعلى والدي من قبلي، وأنت الذي ابتدأتني وإياه بالنعمة والكرامة، وجعلته حكماً بين عبادك وخليفة في أرضك، وجعلتني وارثه من بعده وخليفته في قومه، وأنت الذي خصصتني بولاية مسجدك هذا قبل، وأكرمتني به قبل أن تخلقني، فلك الحمد على ذلك والمن والطول، اللهم، وأسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا طلب التوبة أن تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له، ولا يدخل إليه خائف لم يتعمده إلا طلب الأمن أن تؤمنه من خوفه وتغفر له ذنبه، ولا يدخل إليه مقحط لم يتعمده إلا طلب الاستسقاء أن تسقي بلاده، ولا يدخل إليه سقيم لم يتعمده إلا طلب الشفاء أن تشفيه من سقمه وتغفر ذنبه، وأن لا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه، اللهم إن أجبت دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تتقبل قرباني. قال: فنزلت نار من السماء فأخذت ما بين الأفقين ثم امتد منها عنق فاحتمل القربان ثم صعد به إلى السماء. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما بنى سليمان البيت سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنتين، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة، سأله ملكاً لا يبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك، وسأله حكماً أو علماً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت فيصلي فيه إلا رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأنا أرجو أن قد أعطاه ذلك. وعن جابر بن عبد الله قال: وجد في حكمة سليمان أن الله عزّ وجلّ كان مثّل لسليمان بناء ثلاثين ميلاً

في مثل حائط البيت، أرق من قشر البيض، وليس للبيت سقف، وله سبعون باباً على كل باب حاجب قائم، وكان الله عزّ وجلّ علم سليمان منطق الطير، وكان لا يقدر أحد من ولد آدم أو من بني الجان أو من دواب الأرض أو من هوام الأرض يدخ على سليمان حتى يستأذن سبعين حاجباً، وفي صدر البيت سرير من ذهب مكلل بالجوهر واللؤلؤ والمرجان، ووجه السرير مكلل باللؤلؤ والجوهر، وقوائمه مثل ذلك، والسرير سبعة أميال، وهو في السماء سبعة أميال، وعلى السرير سبعون فراشاً من ألوان السندس والإستبرق والديباج، وفي كل زاوية من زوايا السرير سبعون مرفقة على لون صاحبتها، وكل واحدة من ألوان شتى، وعن يمين السرير أسد من ذهب طوله سبعة أميال، وعن يسار السرير أسد من ذهب طوله سبعة أميال، وصدر الأسدين وقوائمهما مكلل باللؤلؤ والجوهر من ألوان شتى، وفي عين كل أسد ياقوتتان حمراوان يضيء البيت منهما، وخلف السرير صقر من ذهب إذا بسط جناحيه غطى السرير والأسدين، وإذا ضمهما كان قائماً جناحه مكلل بألوان الجوهر والدر، وعن يسار السرير عشرة آلاف كرسي من ذهب مكلل بألوان الدر والجواهر، وعلى الكراسي أحبار بني إسرائيل وعلماؤهم وألو الألباب من أهل الفهم والبصر والمعرفة بالله عزّ وجلّ، وخلف السرير ألف مسجد، في كل مسجد رجل قائم يضج إلى الله عزّ وجلّ ويضرع بالبكاء عليه المسوح لا يفترون، وبين يدي السرير سلم عارضته من ذهب وقوائمه من فضة، وكان سليمان إذا جلس على هذا المجلس يضطجع الناس سبعة أميال، فيكون خطما الأسدين مقابل خديه ومنقار الصقر مقابل أنفه. فإذا نشر جناحيه يضيء البيت طرائق من نور بين أحمر وأخضر وأصفر وألوان شتى، وكان الريح يدخل في الصقر فينشر جناحيه، فإذا أراد أن يضمهما خرجت الريح عنه، وكان سليمان إذا نظر بين يديه نظر للأسدين إلى جانبيه ونظر إلى منقار الصقر مقابل أنفه ونظر إلى بني إسرائيل وهم جلوس على الكراسي، فازداد لله رغبة وشوقاً، وإذا نظر إلى خلفه نظر إلى أولئك العباد وبكائهم، فازداد من الله رهبة وله خشية، فكان يسمي مجلسه ذلك مجلس رغبة ورهبة، وكان للبيت ألف ركن، يحمل كل ركن مئة ألف شيطان، وهم يعملون أعمالاً شتى. وكان سبعون ألف طير يظلون سقف ذلك البيت.

وعن خيثمة قال: قال سليمان بن داود لملك الموت: إذا أردت أن تقبض روحي فأعلمني، قال: ما أنا بأعلم بذلك منك، إنما هي كتب تلقى إلي فيها تسمية من يموت. وعن الحسن أن سليمان لما فرغ من بناء بيت المقدس وأراد الله تعالى قبضه دخل المسجد فإذا أمامه في القبلة شجرة خضراء بين عينيه. فلما فرغ من صلاته تكلمت الشجرة فقالت: ألا تسألني ما أنا؟ فقال سليمان: ما أنت؟ قالت: أنا شجرة كذا وكذا دواء كذا من داء كذا، فأمر سليمان بقطعها. فلما كان من الغد فإذا بمثلها قد نبتت، فسألها سليمان فقال: ما أنت؟ قالت أنا شجرة كذا وكذا دواء كذا من داء كذا، فأمر بقطعها. فكان كل يوم إذا دخل المسجد يرى شجرة قد نبتت، فيسألها فتخبره، فوضع عند ذلك كتاب الطب حتى وضعوا الطب وكتبوا الأدوية وأسماء الشجر التي نبتت في المسجد، فلما فرغ من ذلك نبتت شجرة فدخل المسجد. فلما صلى قال لها: ما أنت؟ قالت: أنا الخرنوب قال: وما الخرنوب؟ قالت: لا أنبت في بيت غلا كان سريعاً خرابه، فقال سليمان: الآن قد علمت، إن الله قد أذن في خراب هذا المسجد وذهاب هذا الملك، فقطع سليمان تلك الشجرة فاتخذ منها عصاً يتوكأ عليها، فكانت تلك منسأته. وكان سليمان يتعبد في كل سنة أربعين يوماً لا يخرج من محرابه إلى الناس عدة الأيام التي كلم الله تعالى موسى وعدة أيام توبة داود النبي صلى الله على نبينا وعليهم وسلم، فكان يلبس الصوف ويصوم ويقوم في محرابه، فيصف بين رجليه، وربما اتكأ على عصاه يواصل فيها الصوم، ثم يخرج بعد الأربعين. فلما افتنن وغفر الله له، ورد عليه ملكه اجتهد في العبادة، فكان يتعبد كل سنة ثمانين يوماً، فلما أراد الله قبضه دخل محرابه فقام يصلي واتكأ على عصاه، فبعث الله ملك الموت، فقبض روحه، فبقي سنة على عصاه، فانتظره الناس ثمانين يوماً فلم يخرج فقالوا: قد اجتهد في العبادة، إنه كان مدتهاً أربعين يوماً، ثم زاد حتى بلغ ثمانين يوماً فلم يخرج، وإنه قد اجتهد أيضاً فكانوا لا يعلمون بموته، لا الجن ولا الإنس، وكانت الجن والشياطين متفرقين في أصناف الأعمال وليس أحد يعلم بموته حتى سلط الله الأرَضَة على عصاه التي كان يتوكأ عليها فأكلتها فوقع سليمان والعصا فذلك قول الله عزّ

وجلّ: " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته " يعني عصاه " فلما خرّ تبينت الجن " أنه ميت " أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ". وفي رواية أخرى أن سليمان قال: اللهم، عمّ على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن كانوا لا يعلمون الغيب. فلما أكلتها الأرضة وتبينوا موته شكرت الجن ذلك للأرضة، فأينما كانوا يأتونها بالماء حيث تبني شكراً لما صنعت بعصا سليمان. وفي رواية: وقدروا مقدار أكلها للعصا فكان سنة. وقوله تعالى: " وإن عندنا لزلفى وحسن مآب " قال: يُسقي شربة يوم القيامة في الموقف على رؤوس الخلائق. وقيل: لا يزال يدنيه ويدنيه حتى يمس بعضه. وعن عبيد بن عمير: " وإن له عندنا لزلفى ". قال: ذكر الدنو منه يوم القيامة حتى ذكر أنه يمس بعضه. هذا في حق داود عليه السلام لأنه يوافي القيامة خائفاً من ذنبه، فيؤمنه الله بإكرامه بقربه. وقد روي أنه يدنيه حتى يلصق بقائمة من قوائم عرشه فحينئذ يأمن من أليم بطشه. وعن الزهري وغيره: أن سليمان عاش اثنتين وخمسين سنة، وكان ملكه أربعين سنة. وعن ابن عباس: أن ملكه عاش عشرين سنة. والله أعلم.

سليمان بن داود بن أبي حفص

سليمان بن داود بن أبي حفص أبو الربيع الجيلي سمع بدمشق. حدث عن أبي صالح محمد بن أبي عدي بن الفضل السمرقندي بسنده عن حفص بن عمر المربعي قال: خرجنا من بغداد نريد شعيب بن حرب الواسطي بمدائن كسرى، فضاق علينا منزله، فخرج إلى شط دجلة، إلى موضع يقال له الرقة، فقلنا له: يا أبا صالح، معنا أحاديث نريد أن نسألك عنها، فقال: كما أنت حتى أحدثكم حديثين في الورع: أما أحدهما فرأيته بعين، وصحبته برجلي، وأما الآخر فحدثني به حبيبي سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري: خرجت حاجاً، فلما كنت على سيف البحر أقبل رجلان كأنما ركضا في رحم، يعظم كل واحد منهما صاحبه، فقالا لي: ما يحبسك ها هنا؟ فقلت: سفينة أركب فيها إلى الحج، فبينا نحن كذلك، إذ أقبلت سفينة فيها قمح مصبوب، فركبنا فيها والقلع مشرع، فمد أحد الفتيين يده إلى حبة قمح، فألقاها فيه، فنظر إليه صاحبه فقال له: مه ما صنعت!؟ قال: سهوت، قال: وأنا أصحب من يسهو عن الله! ثم قال: يا ملاح، قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي قي البحر، فتهاون به الملاح فقلت أنا بجهلي به: يا هذا، من حبة قمح ألقاها صاحبك إلى فيه تلقي نفسك في البحر؟! فلم ينظر إلى صاحبه ونظر إلي، فقال لي هيه، استصغرت الذنب، ولم تنر من عصي! ثم صاح صيحة حتى بلغ رأسه سقف السفينة، ثم وقع يضطرب مثل الفرخ المذبوح، فرششنا على وجهه الماء، حتى أفاق فقال: يا ملاح قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي في البحر، فتهاون به الملاح، فاجتمع بأثوابه ثم زج نفسه في البحر، فما كانت إلا غوصة حتى علا الماء إلى صدره ثم غاب عنا، فلمن نره، فقلت أنا لصاحبه: يا هذا، من حبة قمح ألقيتها إلى فيك، طرح صاحبك نفسه في الماء! فقال: والله إني لرفيقه منذ ثلاثين عاماً، ما رأى مني زلة غيرها. فقلت في نفسي: هذا والله يدل على فحوى قوله: إنه ما عصى الله عزّ وجلّ منذ ثلاثين

عاماً، فقلت له: هل لك في الصحبة رحمك الله؟ فقال لي: هو ذا نحن وأنت على هذا العود، فكنت معه أخدمه، فأنصت لحديثه، وأفطر معه، ويذكر صاحبه ولا ذكره، كأنه لا يشك إلا أنه سيسبقه إلى الموضع الذي يريد، فلم نزل حتى أتينا جدة ثم أتينا مكة، فبينا يدي في يده في الطواف، إذ بصرت بصاحبه فقلت في نفسي: لا ينكر لأوليا الله عزّ وجلّ أن يسبقوا السفن، يا فلان، هذا رفيقك، فجعل يريد أن يسلم عليه فيهابه، ثم جسر فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال له: لبّ الله عزّ وجلّ بالتوبة من ذنبك، ثم قال: هو لبيك اللهم بالتوبة من ذنبي وذنب صاحبي، ثم التفت إليه فقال: من هذا معك؟ قال: هذا رفيقنا الذي وجدناه على سيف البحر، فالتفت إلي بوجه طلق، فقال: أما إنه جزاك الله عن رفيقي خيراً، قد كنت له أنساً ومستراحاً، فقلت له: هل لك في الصحبة رحمك الله فقال لي: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صحبة الثلاثة لئلا يتناجى اثنان دون الثالث، فقلت: فما دمتما بمكة، فلما كان الغد حال بيني وبين قطار جمال فالتفت أطلبهما، فلم أجدهما، فلم أزل أسأل عنهما، فلم أجد أحداً يعطيني لهما خبراً فإن يكن أحد من الأبدال فهما ذانك الفتيان. وأما الآخر فحدثني سفيان الثوري قال: بينا أمشي يوماً ضرب بيده على كتفي فقال لي: يا أبا صالح، ألا أحدثك حديثاً في الورع؟ فقلت: بلى. قال: بلغني أن المسيح عيسى بن مريم صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه مر بمقبرة، فناداها يا أهل القبور، تخبرونا أم نخبركم، أم عن جوابنا مُنعتم؟ أما نحن فنخبركم: أما أزواجكم فقد استبدلوا بعدكم أزواجاً، وأما أولادكم فقد حشروا في زمرة اليتامى، وأما منازلكم التي بنيتم وشيدتم فقد سكنها غيركم، وأما أموالكم التي اكتسبتموها فقد أخذها غيركم، هذا خبر ما عندنا فما عندكم؟ ثم دنا إلى قبر منها مفرد فضربه برجله وقال: أقسمت عليك إلا قمت بإذن الله عزّ وجلّ، فخرج من القبر رجل، فقال: ما الذي أردت منه يا روح الله؟ فإني لواقف في الحساب منذ سبعين سنة. حتى أتتني الصيحة الساعة: أجب روح الله، فقال له: يا هذا، لقد كنت كثير الذنوب في الدنيا، فقال: والله يا روح الله ما كنت إلا حمالاً أحمل على رأسي، فأكتسب حلالاً، وأنفق قصداً، وأتصدق فضلاً، فقال: سبحان الله! حمال على رأسه يكسب حلالاً. وينفق قصداً، ويتصدق فضلاً، وأنت في الحساب منذ سبعين عاماً! فقال له: وتعجب من ذلك يا روح الله، إنه مما وبخني

سليمان بن داود أبو داود الخولاني

به ربي عزّ وجلّ وعيرني أن قال لي: عبدي، اكتراك جارك فلان لتحمل له حزمة من قصب فأخذت منها شظية، فتخللت بها، وألقيتها في غير موضعها، استهانة منك بي وأنت تعمل أني أنا الله فوقك أطلع وأرى. قال: فشاب مقدم رأس عيسى بن مريم من هول ما سمع ثم قال: هؤلاء الشظايا فما بالكم بأصحاب الجذوع؟ سليمان بن داود أبو داود الخولاني الداراني أخو عثمان بن داود حدث سليمان بن داود قال: سمعت أبا قلابة الجرمي يقول: حدثني عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيامه وركوعه وسجوده بنحو من صلاة أمير المؤمنين يعني عمر بن عبد العزيز، قال سليمان: فرمقت عمر في صلاته فكان بصره إلى موضع سجوده، وإذا كبّر فركع لم يرفع رأسه حتى يرى أن كل من خلفه قد ركع، ثم يرفع رأسه، ويعتدل قائماً حتى يرى أن كل من خلفه قد رفع، ثم يسجد فلا يرفع رأسه حتى يرى أن كل من خلفه قد سجد، ثم إذا رفع رأسه للقيام رجع على صدور قدميه حتى يعتدل قائماً، وإذا سلم لم يقم حتى يأخذ عمامته فيمسح بها وجهه. وحدث عمرو بن حزم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رُعين ومعافر وهمدان. أما بعد. فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم: خمس الله عزّ وجلّ، وما كتب على المؤمنين من العُشر في العقار ما سقت السماء أو كان سيحاً وإن كان بعلاً ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعاً وعشرين، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها بنت مخاض، فإن لم توجد

بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإذا زادت على خمس وثلاثين واحدة ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ خمساً وأربعين، فإذا زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى أن تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة على ستين ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمساً وسبعين، فإذا زادت واحدة على خمس وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى أن تبلغ عشرين ومئة، فما زاد ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة طروقة الفحل، وفي كل ثلاثين باقورة بقرة بيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة، وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومئة، فإذا زادت على عشرين ومئة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مئتين، فإذا زادت واحدة فثلاث إلى أن تبلغ ثلاث مئة، فما زاد ففي كل مئة شاة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة، فما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم، فما زاد ففي كل أربعين درهماً درهم، وليس فيما دون خمس أواق شيء، وفي كل أربعين ديناراً دينار، وإن الصدقة لا تحل لمحمد عليه السلام ولا لأهل بيته، إنما هي الزكاة التي تزكو بها أنفسكم ولفقراء المؤمنين وفي سبيل الله تعالى، وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالة شيء إذا كانت تؤدى صدقاتها من العشر، وليس في عبد ". قال يحيى لفضل: وكان في الكتاب أن أكر الكبائر عند الله عزّ وجلّ يوم القيامة الشرك بالله عزّ وجلّ، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم. وأن العمرة حج

الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر، ولا طلاق قبل إملاك، ولا عتاق حتى يبتاع، ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد ليس على منكبه شيء، ولا يحتبي في ثوب واحد ليس بين فرجه وبين السماء شيء، ولا يصلي أحكم في ثوب واحد وشقه باد، ولا يصلين أحد منكم عاقصاً شعره، وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمنا ً قَتلاً عن بينه فإنه قود، إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن النفس الدية مئة من الإبل، وفي الأنف إذا أُوعب جدعه الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من الأصابع في اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل، والرجل يقتل، وقال أبو المظفر: يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار. وزاد غيره: وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، في البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية. وقيل: إن حديث الصدقات لعمرو بن حزم إنما هو عن سليمان بن أرم، وقيل إن سليمان بن داود هو سليمان ضعف قوم سليمان بن داود. بن أرقم. والله أعلم.

سليمان بن داود الدمشقي

سليمان بن داود الدمشقي حدث شيبان أبي معاوية عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار. سليمان بن سعد الخشني مولاهم كاتب عبد الملك بن مروان والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز. من أهل الأردن. وذُكر أنه أول من نقل الديوان من الرومية إلى العربية. حدث سليمان بن سعد عن ابن شهاب أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب فقال: كيف تأمرني أن لا أبالي في الله لومة لائم أم أقبل على خويصة نفسي؟ فقال له عمر: إن وُليت شيئاً من أمر الناس فلا تبال في الله لومة لائم، وإن لم تل شيئاً فأقبل على نفسك وأمُر بالمعروف وانه عن المنكر. قال أبن شهاب: فذكرتها لعمر بن عبد العزيز فقام بها إلى المنبر، فقلت له: ما حمل على هذا؟ فقال: إني لم أسمّك. كان سليمان بن سعد الشامي حازماً ذي رأي، فكان يقول: لو صحبني رجل، فقال: اشترط علي خصلة واحدة، وجع ما سواها لقلت: لا تكذبني. حدث سليمان بن سعد أن عبد الملك دعاه وسليمان بن سعد على ديوان الأردن، قد ولي مكان رجل من النصارى، وسرجون على جماعة من دواوين العرب والعجم. قال سليمان: فخلا بي عبد الملك فقال: إن ما يلي النصارى من أمور المسلمين لم يزل يغيظني، وإني لغلام أفد إلى معاوية. ثم قال: لقد كنت أردت أن أذكر ذلك أيام مروان فذكر شيئاً منعه منه، ثم دعاني إلى أن يوليني عمل سرجون. قال: فهِبت ذلك ولم أجبه إليه، وذكرت بعض ما أتخوف ألا أعرف عمله. قال: إني بعون الله أوثق مني لك بعملك، فبينا هو يذكر ذلك إذ سمع تنحنح روح بن زنباع، وكان لا يحجب فقال لي: تنحّ فإن روحاً لا يكتم شيئاً، قال: ثم إنه قال لروح: إني كلمت كاتب جندكم هذا، وروح يومئذ على الأردن فذكر له ما ذكر لي من

سليمان بن سلمة بن عبد الجبار

أمر سرجون، ثم دخل وتركني وروحاً، فأقبل علي روح، يحثني أن أقبل ما عرض علي من ذلك، حتى كان من قوله: إن أمير المؤمنين قد اهتم من هذا بما تركه غيره من الخلفاء، فإن أنت تركت أن تقبل ذلك تخوفت أن يدوم الأمر على ما كان عليه من تولية النصارى. قال: واشتكى سرجون بعد ذلك مرضه الذي مات فيه، فأرسل إليه عبد الملك: من ترى لعملك الذي أنت فيه؟ قال: إن كان من المسلمين فسليمان بن سعد، وإن كان من النصارى ففلان، رجل من أهل بعلبك " فمات سرجون، وولي عبد الملك سليمان بن سعد فهو أول مسلم ولي الدواوين كلها وحولها بالعربية. وهو أول من ترجم ديوان الشام بالعربية. قال عمر بن عبد العزيز لسليمان بن سعد: وقد بلغني أن أبا فلان عاملنا كان زنديقاً قال: وما يضرك يا أمير المؤمنين؟ كان أبو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كافراً فما ضره. فغضب غضباً شديداً وقال: ما وجدت له مثلاً إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعزله. سليمان بن سلمة بن عبد الجبار أبو أيوب الخبائري الحمصي ابن أخي عبد الله بن عبد الجبار أو ابن أخته سمع بدمشق وغيرها حدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طلب العلم فريضة على كل مسلم. ضعفه قوم. قال ابن ما كولا: الخبائر بطن من الكلاع، وهو خبائر بن سواد بن عمرو بن الكلاع بن شرحبيل.

سليمان بن سليم أبو سلمة

سليمان بن سُليم أبو سلمة الكناني الكلبي قيل إنه دمشقي، والصحيح أنه حمصي. حدث عن يحيى بن جابر عن المقدام بن معدي كرب الكناني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن. حسب ابن آدم آكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلثاً طعاماً وثلثاً شراباً وثلثاً لنفسه ". وحدث عن يحيى بن جابر الطائي عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعوذ بالله، يعني من طمع يؤدي إلى طبع ومن طمع إلى غير مطمع ". توفي سليمان بن سليم وهو يلبس الصوف زاهداً في الدنيا، وكان ثقة. وعن سليمان بن سليم أنه قال: الكذب يسقي باب كل شي، كما يسقي الماء أصول الشجر. قال أحمد بن نصر: سليمان بن سليم ليس فوق سليم أب. أحسبه كان معتقاً. قيل إنه مولى لكنانة كلب. مات سنة سبع وأربعين ومئة. سليمان بن سُليم بن كيسان مولى كلب والد أبي نوفل علي بن سليمان الكيساني الكابت. ارتضاه هشام بن عبد الملك لتأديب ابنه محمد بن هشام، وأوصاه بما ينبغي أن يأخذه به؟ قال سليمان الكلبي: بعث إلي هشام بن عبد الملك وهو بالرصافة فأتيته، فلما دخلت عليه أومأ إلي أن اجلس، فجلست، فأضرب عني حتى سكن جانبي، ثم قال: إنه قد بلغني عنك فضلٌ، وإذا بلغني عن رجل من رعيتي مثل الذي بلغني عنك سارعت إليه بكل ما يحب، واستعنت به على فهم أموري، وإن محمداً ابن أمير المؤمنين بالمكان الذي بلغك وهو جلدة ما بين عيني، وأنا أرجو أن يبلغ الله به أفضل ما بلغ من أهل بيته، وقد ولاك أمير المؤمنين بأديبه وتعليمه والنظر فيما يصلح الله به أمره، فعليك بتقوى الله وأداء الأمانة فيه، لخصال لو لم تكن إلا

واحدة لكنت حقيقاً ألا تضيعها، فكيف إذا اجتمعت، أما أولها فأنت مؤتمن عليه فحق عليك أداء الأمانة فيه. وأما الثانية فأنا إمام ترجوني وتخافني. وأما الثالثة فكلما ارتقى الغلام في الأمور درجة ارتقيت معه ففي هذا ما يرغبك فيما أوصيك به. إن أول ما آمرك به أن تأخذه بكتاب الله وتقرئه في كل يوم عشراً، يحفظ القرآن حفظ رجل يريد الكسب به. وروه من الشعر أحسنه، وتخلل به في أحياء العرب فخذ من صالح شعرهم من هجاء ومدح، فإنه ليس من قوم إلا وقد هجوا ومُدحوا. وروه جماهير أحياء العرب، ثم تخلل به في مغازي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحفظ من كان معه وحسن بلائهم، وبصّره طرفا من الحلال والحرام والخطب وما يحتاج إليه في قدره وموضعه. ثم أجلسه للناس في كل يوم وأدخل عليه أشراف قريش والعرب وعلية الناس، وأطيبوا لهم الطعام وعجلوا بالغداء فمن أحب بعد الغداء أقام، ومن أحب أن ينصرف فإن للناس حوائج. وأدخل عليه أهل الفقه والدين فإنهم إذا خرجوا من عنده فرآهم الناس ظنوا أنه مثلهم، وإن لم يكن مثلهم، ولا تدخل عليه أهل الفسق والدعارة وشرّاب الخمر، فإنهم إذا خرجوا من عنده ظن الناس أنه مثلهم، وإن لم يكن مثلهم، وإذا سمعت منه الكلمة الحسنة فنبه القوم لها، فلعلهم لم يفطنوا لما جاء به، وفطنت له لاهتمامك بأمره، لأنهم إذا خرجوا أذاعوا ذلك عنه، وإذا سمعت عنه الكلمة العوراء فاصمت عنها، فلعل القوم لم ينتبهوا لها، فإذا خرجوا من عنده فانقله منها إلى غيرها، وخبره بفسادها، ثم انظر إليه في بدنه فمره فليتسن عرضاً، وليحلق شعره، تغلظ قصرته، وعلمه شعر حاتم يسخُ ويمجد، ولا يجعلن ثيابه طوالاً فإنها لباس النوكى، ولا سيما أبناء الملوك، ولا تحملنه على سرج صغير فتبدو منه أليتاه وإن فعل الفساق، ولا تجلسه مع حشمة فإنهم لهم مفسدة وإياك والسوقة فإنهم أسوأ شيء آداباً، وخذ خدمه باللين وطلاقة الروجه على بابه والبشاشة بالناس والتآلف بهم، وإذا أعطيتم فأعطوا حملة القرآن وحملة العلم وأهل الفضل فإنكم تؤجرون على تقريبهم، ويحمدكم الناس على عطيتهم إلا أن يكون في سبب تجده أو وسيلة تكون لأحدهم يقضي ذمامه، وابسطوا أيديكم بالفضل ووجوهكم بالبشر، فإنكم ملوك والناس سوقة، وإنهم يطؤون

سليمان بن عبد الله المنصور

أعقابكم بنازع الفضل ولين الجناح، ولا يخرجن إلا معتماً، ولا يركبن محذوفاً ولا مهلوباً، ولا تعقدن له ذنب دابة إلا في لثق، ولا يسيرن ملتفتاً ولا طامحاً، وإياك أن تكتم عيبه فيؤدي لك ذلك غيرك، فانزل لك عما يسرك إلى ما يضرك، فإن قصر عن شيء فيما أمرته به في أدبه أو تقاعس لك لكزة في نفسه أو قدرة فأدخل عليه بعض أهله حتى يجره برجله إلى مجلس أدبه، خذه بهذا كله وزده من عندك ما استطعت، فإني قد تبينت عقله اليوم وبعد اليوم، فإن رأيته ازداد خيراً إلى ما كان عليه رُئي أثر أمير المؤمنين عليك، وإن كانت الأخرى فلا تلم إلا نفسك. وقد أجريت لك في كل شهر ألف دينار. سليمان بن عبد الله المنصور ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو أيوب الهاشمي أمه فاطمة من ولد طلحة بن عبيد الله التيمي. كان أمير دمشق من قبل الرشيد ووليها أيضاً من قبل الأمين مرتين. حدث سليمان بن المنصور عن أبيه عن جده قال: قال لي ابن عباس: يا بني إذا أفضى هذا الأمر إلى ولدك، فسكنوا السواد ولبسوا السواد، وكان شيعتهم أهل خراسان لم يخرج هذا الأمر منهم إلا عيسى بن مريم. لما شخص سليمان بن أبي جعفر إلى دمشق والياً عليها قال لإبراهيم بن المهدي: خلا لك الجو فبيضي واصفري فقال له إبراهيم: لك والله خلا الجو لأنك تقعد في صدر مجلسك وتأكل إذا اشتهيت ليس مثل من هو في السماط يأكل على شبع، ويكف على جوع، ويخدم في وقت كسل. توفي سليمان بن أبي جعفر سنة تسع وتسعين ومئة، وهو ابن خمسين سنة.

سليمان ويقال سليم بن عبد الله

سليمان ويقال سُليم بن عبد الله أبو عمران الأنصاري قائد أم الدرداء ومولاها حدث عن ذي الأصابع قال: قلنا يا رسول الله، إن ابتُلينا بعدك بالبقاء فما تأمرنا؟ وفي رواية: أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس، فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون. قال أبو عمران: كنت أقود بأم الدرداء من دمشق إلى بيت المقدس، فكانت تقول لي: يا سليمان، أسمع الجبال وما وعدها الله، فأرفع صوتي بهذه الآيات: " ويوم نسير الجبار " " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ". سليمان بن عبد الحميد بن رافع أبو أيوب البهراني الحمصي سمع بدمشق. حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافع بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس، إن صريح ولد آدم من الأولين والآخرين ابنا كلاب بن مرة: قصي وزُهرة، لفاطمة بنت سعد بن سيل الأزدي، وهو أول من جدر البيت بعد كلاب بن مرة. وحدث عن محمد بن إسماعيل بن عباس بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من دعاكم على كراع فأجيبوه ". ضعَّفوه.

سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد

سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد ابن عطية وهو سليمان بن أبي سليمان الداراني العنسي من جلة المشايخ، كان له لسان عال في علوم القوم وكان عبداً صالحاً. قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت سليمان بن أبي سليمان يقول: إن من لم يُعطَ من يشتهي من الآخرة في الدنيا إنه يعطاه في الآخرة، وأحسب أن عملاً لا يوجد له لذة في الدنيا أنه لا يكون له ثواب في الآخرة. حدث أحمد بن موسى عن أبي مريم قال: يقول أهل النار: إلهنا ارض عنا، وعذبنا بأي نوع شئت من العذاب، فإن غضبك أشد علينا من العذاب الذي نحن فيه. فحدثت به سليمان بن أبي سليمان فقال: ليس هذا من كلام أهل النار هذا كلام المطيعين لله. فحدثت به سليمان فقال صدق سليمان بن أبي سليمان. قال بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يعني الداراني يقول: ما أعرف للرضى حداً، ولا للورع حداً، ما أعرف من كل شيء إلا طريقه. قال أحمد: فحدثت به سليمان ابنه فقال: لكني أعرفه: من رضي في كل شيء فقد بلغ حد الرضى، ومن زهد في كل شيء فقد بلغ حد الزهد، ومن تورع في كل شيء فقد بلغ حد الورع. قال أحمد: وسمعت أبا سليمان يقول: الورع من الزهد بمنزلة القناعة من الرضى. قال أحمد بن أبي الحواري: قال أبو سليمان: إن في هذا القرآن خانات إذا مرا بها المريدون نزلوا فيها. فذكرت الحكاية لسليمان بن أبي سليمان فقال: إذا تكاملت معرفته صار القرآن كله له خانات، فقيل له: أي وقت تتكامل معرفته؟ فقال: إذا عرفت مقدار من خاطبه به.

سليمان بن عبد الرحمن

وقال أيضاً: سمعت أبا سليمان يقول: إن في خلق الله خلقاً لو ذم لهم الجنان ما اشتاقوا إليها، فكيف يحبون الدنيا وهو قد زهدهم فيها؟! فحدثت به سليمان ابنه قال: لو دمّها لهم؟ قتل: كذا قال أبوك، قال: والله لقد شوقهم إليها فما اشتاقوا فكيف لو ذمها؟! قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: إنما رجع إلى الكسب يعني سليمان وطلب الحلال والسنة فقال لي: ليس يفلح قلب يهتم بجمع القراريط. قال أحمد بن أبي الحواري: اجتمعت أنا وأبو سليمان ومضاء في المسجد، فتذاكرنا الشهوات، من أصابها عوقب ومن تركها أثيب، وسليمان ساكت، فقال لنا: أكثرتم منذ العشية في ذكر الشهوات، أما أنا فأزعم أن من لم يكن في قلبه من الآخرة ما يشغله عن الشهوات لم يُعَن على تركها. مات أبو سليمان سنة خمس ومئتين، وعاش ابنه سليمان بعده سنتين وأشهراً. وقيل: مات أبو سليمان سنة خمس وثلاثين ومئتين وعاش ابنه سليمان بعده سنتين وشهراً. سليمان بن عبد الرحمن ويقال ابن إنسان. ويقال ابن يسار بن عبد الرحمن أبو عمر، ويقال: أبو عمرو مولى بني أمية ويقال: مولى بني أسد ين خزيمة ويقال: مولى بني شيبان من أهل دمشق. حدث عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء: ما كره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو ما نهى عنه من الأضاحي؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدي أقصر من يده: " أربع لا تجزى: العوراء البيّن عورها، والعرجاء البيّن عرجها، والمريضة البيّن

سليمان بن عبد الرحمن عيسى

مرضها، والكسيرة التي لا تنقي وفي رواية: والعجفاء التي لا تنفي قال: قلت: فإني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في السن نقص أو في القرن نقص قال: إن كرهت شيئاً فدعه ولا تُحرّمه على أحد ". وحدث سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم أبي عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر أن لا يعتق غلاماً له، فأعتقه ثم كفر عن يمينه بعتق آخر. سليمان بن عبد الرحمن عيسى ابن ميمون أبو أيوب التميمي، المعروف بابن بنت شرحبيل حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي عمرة الأنصاري قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة، فأصاب الناس مخمصة، فاستأذن الناس رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نحر بعض ظهورهم، وقالوا: يبلغنا الله به. فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد هم أن يأذن لهم، قال: يا رسول الله، كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غداً جياعاً رجالاً؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فيجمعوا فتدعوا فيها بالبركة، فإن الله عزّ وجلّ سيبلغنا بدعوتك، أو قال سيبارك لنا في دعوتك، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببقايا أزوادهم، فجعل الناس يجيئون بالحثية من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع فجمعه ثم قام، فدعا بما شاء الله أن يدعوا، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأه وبقي مثله، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبدُ مؤمن بهما إلا حجبتا عنه يوم القيامة. وحدث سليمان بن عبد الرحمن عن عيسى بن يونس بسنده عن مريم بنت طارق قالت: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها عن الظروف التي ينبذ فيها، فقالت: يا نساء المؤمنين، إنكن لتسألن عن ظروف ما كان كثير منها على عهد رسول

سليمان بن عبد الملك بن مروان

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاتقين الله، ما أسكر إحداكن فلتجتنبه، وإن أسكرها ماء حبها فلتجتنبه، فإن كل مسكر حرام. قال سليمان بن عبد الرحمن: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومئة، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، أو ثلاث وثلاثين ومئتين. سليمان بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو أيوب القرشي الأموي بويع له بالخلافة بعد أخيه الوليد بن عبد الملك بعهد من أبيه في سنة ست وتسعين، كانت داره بدمشق موضع ميضاءة جيرون الآن. كان فصيحاً مؤثراً للعدل، محباً للغزو، ونفذ الجيش لحصار القسطنطينية حتى صالحوهم على بناء الجامع بها. قال سليمان: حدثني أبي عبد الملك قال: حدثني أبو مروان بن الحكم قال: سألت عائشة ليالي سرنا إلى البصرة عن حديث أهل الإفك من هم؟ فقالت رجال من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: ونساء؟ فقالت ونساء إلا زينب بنت جحش، فإن الله عصمها بالورع ثم ضحكت. وذكر الحديث. ونعن سليمان بن عبد الملك أن عبد الرحمن بن هنيدة أخبره أن عبد الله بن عمر ركب إلى الغابة، فمر على ابن هنيدة، وهو في بيته، فقال له أتركب؟ قال: فركبت معه حماراً، فسرنا، حتى إذا كنا ببعض الطريق، قال: سكت أحدث نفسي، فقال عبد الله بن عمر: ما لك؟ قلت: سكت أتمنى، هل تتمنى يا أبا عبد الرحمن؟ قال عبد الله: لو أن لي أحداً هذا ذهباً أعلم عدده، وأخرج زكاته، ما كرهت ذلك أو ما خشيت أن يضرني. ولد سليمان في سنة ستين. قال أبو سلمة يوسف بن يعقوب الماجشون: فرض لي سليمان بن عبد الملك وقد أتى علي سنتان أو نحوه، وولي

سليمان يوم توفي الوليد سنة ست وتسعين، وولي عمر بن عبد العزيز في صفر سنة تسع وتسعين، وهو أخو سعيد ومحمد ويزيد وهشام والوليد ومسلمة. وتوفي سليمان بدابق في صفر، وقيل في رمضان سنة تسع وتسعين، فكانت ولايته ثلاث سنين وثلاثة أشهر، وهو ابن تسع وثلاثين سنة، وكان سليمان عظيم الوجه، أبيض، مقرون الحاجبين، وشعره يضرب منكبيه، ما رُئي أجمل منه. حدث عامر بن صالح أن عبد الملك بن مروان جمع ببيته ذات يوم الوليد وسليمان ومسلمة، فاستقرأهم، فقرؤوا فأحسنوا، واستنشدهم فأنشدوا، فأجادوا لكل شاعر غير الأعشى، فقال لهم: قرأتم فأحسنتم وأنشدتم فأجدتم لكل شاعر غير الأعشى فمالكم تهجرونه؟! قد أخذ من كل جنس فأحسن، وما امتدح رجلاً قط إلا تركه مذكوراً، وإن كان خاملاً، ولا حجا رجلاً قط إلا وضعه، وإن كان مذكوراً، هذا عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، وهما من بيت واحد هجا علقمة فأخمله، وكان شريفاً مذكوراً، ومدح عامر بن الطفيل فرفعه، ثم قال عبد الملك: يا بني لينشدني كل رجل منكم أرق بيت قالته العرب، ولا يفحشن ولا يستحين إنشاده، هات يا وليد فقال الوليد: من البسيط ما مركب وركوب الخيل يعجبني ... كمركب بين دملوج وخلخال قال عبد الملك: وهل يكون من الشعر أرفث من هذا: هات يا سليمان فقال: من الخفيف حبذا رجعها يهديها إليها ... في يدي درعها تحل الإزارا قال: لم تصب، هات يا مسلمة، قال مسلمة: وما ذرّفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل قال: كذب ولم يصب، إذا ذرفت عيناها بالوجد فما بقي إلا اللقاء، وإنما ينبغي

للعاشق أن يقتضي منها الجفاء ويكسوها المودة، أنا مؤجلكم في هذا البيت ثلاثة أيام على أن لا تسألوا عنه أحداً فمن أتاني به فله حكمه، فنهضوا وخرجوا عنه، فبينا سليمان في موكب له إذا هو بأعرابي يسوق إبلاً له، وهو يقول: لو حُزّ بالسيف رأسي في مودتها ... لمال يهوي سريعاً نحوها رأسي قال سليمان: عليّ بالأعرابي، فأُتي به فوكل به ثم انصرف إلى عبد الملك، فقال له عبد الملك: ما وراءك يا سليمان؟ قال: قد أجبتك عما سألت، وأنشده البيت فقال عبد الملك: أحسنت أنى لك هذا؟ فقص عليه خبر الأعرابي فقال: حاجتك! ولا تنس حظ صاحبك، قال: حاجتي يا أمير المؤمنين أن عهد العهد ليس بمقرب أجلاً، ولا تركه بمباعد حتفاً، وقد عهد أمير المؤمنين إلى الوليد، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعهد إلي بعده فعل، قال: نعم. فأقام الحج للناس بمكة، ووصله ثمانية آلاف درهم، فجعلها للأعرابي، وهي سنة إحدى وثمانين. قال ابن شوذب: قال الوليد لعمر بن عبد العزيز: اخلع سليمان، قال: وكيف نخلعه ونتركك، وإنما بايعنا لك وله في عقد واحد؟! حدث جماعة من مشيخة الجند: أن الوليد لما مات وبويع لسليمان أتته بيعة الأجناد وهو بمشارف البلقاء، فأتى بيت المقدس، وأتته الوفود بالبيعة، فلم يروا وفادة كانت أهنأ من الوفادة إليه، كان يجلس في قبلة من صحن مسجد بيت المقدس مما يلي الصخرة، قد بسطت البسط بين يدي قبته، عليها النمارق والكراسي، فيجلس ويأذن للناس، فيجلس الناس على الكراسي. والوسائد والكساء آنية الذهب والفضة وكتاب الدواوين فيدخل وفد الجند، ويتقدم صاحبهم فيتكلم عنهم وعمن قدموا من عنده، فيقول: إن رجال جندنا كذا وكذا، ومن حاجتهم كذا ومما يصلحهم كذا، فيأمر بذلك كله فيكتب قبل أن يبرح، ثم يقبل على حاجته، فإن سأل زيادة في عطائه أو بلاغاً في شرف أمر الكتاب فكتبوا، وإن سأل ديناً أمره فسماه، وأمر بدفعه إليه من ذلك المال، ثم يقوم من كان معه، كل يتكلم بحاجته فتُقضَى. حدث سعيد بن عبد العزيز أن سليمان بن عبد الملك ولي وهو إلى الشباب والرقة ما هو، فقال لعمر بن عبد

العزيز: إنا قد ولينا ما قد ترى، ولم يكن لنا بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به يكتب. قال: فكان من ذلك عزل عمال الحجاج، وإخراج من كان في سجن العراق، وإخراج أعطية العراقيين، ومن ذلك كتابه أن الصلاة قد كانت أُميتت فأحيوها، وردوها إلى وقتها، مع أمور حسنة، كان يسمع من عمر بن عبد العزيز فيها، قال: فحدثت من أدرك ذلك أن سليمان هم بالإقامة ببيت المقدس، واتخذها منزلاً، وجمع الناس الأموال بها، قال: وقدم عليه موسى بن نصير من ناحية المغرب، ومسلمة بن عبد الملك، فبينا هو على تلك إذ جاءه الخبر أن الروم خرجت على ساحل حمص فسبت امرأة وجماعة، وللمرأة فيهم ذكر إذ ذاك، فغضب سليمان وقال: ما هو إلا هذا نغزوهم ويغزونا، واله لأغزونهم غزوة أفتح فيها القسطنطينية، أو أموت دون ذلك، ثم التفت إلى مسلمة وموسى فقال: أشيرا علي، فقال موسى: يا أمير المؤمنين، إن أردت ذلك فسر بسيرة المسلمين فيما فتحوه من الشام ومصر إلى إفريقية، ومن العراق إلى خراسان، كلما فتحوا مدينة اتخذوها داراً، وحازوها للإسلام وأهله حتى بلغوا ما رأيت، فابدأ بالدروب فافتح ما فيها من الحصون ومطاميرها ومسالحها حتى تجعله في حوز المسلمين وملكهم حتى تبلغ القسطنطينية، وقد هدمت حصونها وأوهنت قوتها، فإنهم سيعطون بأيديهم فالتفت إلى مسلمة فقال: ما تقول؟ فقال: هذا الرأي إن طال عمر إليه أو كان الذي يلي يثني على رأيك ولا ينقضه، رأيت أن تعمل منه ما عملت، وتبلغ منه ما بلغت، ولا تأتي على ما قاله خمس عشرة سنة، ولكني أرى أن تُغزي جماعة من المسلمين في البر والبحر القسطنطينية فيحاصروها، فإنهم ما دام عليهم البلاء أعطوا الجزية أو فتحوها عنوة، ومتى ما يكن ذلك فإن ما دونها من الحصون بيدك، فقال سليمان: هذا الرأي، فأغزي جماعة أهل الشام والجزية والموصل في البر في نحو عشرين ومئة ألف، أغزى أهل مصر وأهل إفريقية في البحر في ألف مركب عليهم عمر بن هبيرة الفزاري، وعلى جماعة من الناس مسلمة بن عبد الملك، وأغزى داود بن سليمان في جماعته من أهل بيته. وحدث جماعة أن سليمان بن عبد الملك أخرج لهم الأعطية، وأعلمهم أن غزو القسطنطينية والإقامة

عليها ما قدروا لذلك قدره، فأخذ الناس العطاء وتجهزوا، وقدم سليمان دمشق، فصلى الجمعة، ثم عاد إلى المنبر فكلم الناس وأخبرهم بيمينه التي حلف عليها من حصار القسطنطينية، فانفروا على بركة الله، واعلموا أنه المقام عليها، فعليكم بتقوى الله ثم الصبر ثم الصبر، فقام رجل من تحت القبة من أشراف الناس ممن اكتتب في البعث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد سمعنا يمين أمير المؤمنين فنحن مطيعون صابرون حتى يفتحها اله ويبر قسم أمير المؤمنين، فليقطعني أمير المؤمنين دار فلان البطريق إن شاء الله، قال سليمان: نعم ومضى سليمان حتى نزل دابق، فاجتمع الناس إليه فأمضى مسلمة بالبعث فأدرب، وأقام سليمان بدابق فذكر يمينه أن لا ينتقل من دابق حتى يفتح القسطنطينية فأقام بها. قال الشعبي حج سليمان بن عبد الملك فرأى الناس بالموسم فقال لعمر بن عبد العزيز: أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره؟ فقال عمر: يا أمير المؤمنين، هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غداً خصماؤك. فبكى سليمان بكاء شديداً ثم قال: بالله أستعين. قال عطاء بن السائب: كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد الملك فأصابته السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة حتى فزعوا لذلك، وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما أضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ قال له: يا أمير المؤمنين، هذه آثار رحمته فيه شدائد ما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه؟! قال يزيد بن حازم: كان سليمان بن عبد الملك يخطبنا كل جمعة، لا يدع أن يقول في خطبته: وإنما أهل الدنيا على رحيل لم تمضِ بهم نية ولم تطمئن لهم دار حتى يأتي أمر وعد الله وهم على ذلك، كذلك لا يدوم نعيمها، ولا تؤمن فجعاتها، ولا يتقى من شر أهلها، ثم يتلو " أفرأيت إن متعناهما سنين ثم جاؤهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمتعون ".

قال محمد بن سيرين: رحم الله سليمان بن عبد الملك، افتتح خلافته بخير، وختمها بخير، افتتح خلافته بإحيائه الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز. وسُمي سليمان بن عبد الملك مفتاح الخير لأنه استخلف عمر بن عبد العزيز. نادى رجل سليمان بن عبد الملك وهو على المنبر: أيا سليمان، أيا سليمان، اذكر يوم الآذان، قال: فنزل عن المنبر ودعا بالرجل فقال: أنا سليمان فما يوم الأذان؟ قال: " فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " قال: فما مظلمتك؟ قال: أرضي وأرض آبائي أخذها وكيلك. قال: فكتب إلى وكيله أن ادفع إليه أرضه وأرضي مع أرضه. حكي أن سليمان لبس يوماً الخضرة، وهو يريد أن يركب، فلما نظر إلى نفسه أعجبته فقال: إني أنا الملك الشاب، فقالت مغنيته: أنت والله يا أمير المؤمنين أحق ببيتي الشاعر حين يقول: من الخفيف أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ليس فيما بدا لنا منك عيب ... كان في الناس غير أنك فان فقال: ويحك جنيت علي. فنزع ثيابه ولم يركب حتى مات. قال سليمان بن عبد الملك: العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه. ذكر الكلام في مجلس سليمان بن عبد الملك فذمه أهل المجلس فقال سليمان: كلا، إن من تكلم فأحسن قدر على أن يسكت فيحسن، وليس كل من سكت فأحسن قدر أن يتكلم فيحسن. أنشد المدائني لسليمان بن عبد الملك: من الطويل وهوّن وجدي في شراحيل أنني ... متى شئت لاقيت امرءاً مات صاحبه

ولسليمان بن عبد الملك: من الطويل ومن شيمتي أن لا أفارق صاحبي ... وإن ملّني إلا سألت له رشداً وإن دام لي بالود دمت ولم أكن ... كآخر لا يرعى ذماماً ولا عهدا حدث أبو الزناد قال: كان سليمان ليلة في بادية له، فسمر ليلة على ظهر سطح، ثم تفرق جلساؤه، ودعا بوضوء، فجاءته جارية له فبينا هي تصب عليه أنكر أمرها، فرفع رأسه إليها فإذا هي مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر، فأمرها فتنحت، فاستمع للصوت فإذا صوت رجل يغني فأنصت له حتى فهم ما يغني به من الشعر، ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ، فلما أصبح أذن للناس، فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء، ومن كان يسمعه وليّن فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه، فأفاضوا في ذلك بالتليين والتسهيل، وذكر من كان يسمعه من سروات الناس، فقال: هل بقي أحد يُسمع منه؟ فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين، عندي رجلان من أهل أُبُلّة محكمان. قال: وأين منزلك من العسكر؟ فأومأ له إلى الناحية التي كان الغناء منها. قال سليمان: فابعث إليهما، ففعل فوجد الرسول أحدهما فأقبل به إليه. فقال: ما اسمك؟ قال سمير. فسأله عن الغناء وكيف هو فيه؟ فقال: حاذق محكم، قال: فمتى عهدك به؟ قال: في ليلتي هذا الماضية، قال: وفي أي نواحي العسكر كنت؟ فذكر الناحية التي سمع منها سليمان الصوت، قال: فما غنيت؟ فذكر الشعر الذي سمعه سليمان، فأقبل سليمان على القوم فقال: هدر الجمل فضبعت الناقة ونب التيس فكشرت العنز وهدل الحمام فزافت الحمامة وغنى الرجل فطربت المرأة، ثم أمر به فخُصي. وسأل عن الغناء أين أصله

وأكثر ما يكون؟ قالوا: بالمدينة وهو في المخنثين، وهم الحذاق به، فكتب إلى عامله بالمدينة وهو أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري أن أخصِ من قِبلك من المخنثين المغنين. دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك بن مروان، وسليمان يأكل الفالوذج، فقال له سليمان: ادن يا أعرابي فكل من هذا الفالوذج، فإنه يزيد في الدماغ، فقال له الأعرابي: لو كان الأمر على ما تقول فينبغي أن يكون رأسك مثل رأس البغل، قال: فضحك سليمان. قال هشام بن سليمان: أكل سليمان بن عبد الملك أربعين دجاجة تشوى له على النار على صفة الكباب، وأكل أربعاً وثمانين كلوة بشحومها وثمانين جردقة من غير الماء، ثم أكل مع الناس. حج سليمان بن عبد الملك فتأذى بحر مكة، فقال له عمر بن عبد العزيز: لو أتينا الطائف، فأتاها فلقيه ابن أبي زهير أحد بني أبان بن سالم فقال: يا أمير المؤمنين، انزل علي قال: إني أخاف أن أنهضك، قال: كلا، إن الله قد رزق خيراً، فنزل فأُتي بخمس رمانات فأكلهن، فجعلوا يأتونه بخمس خمس حتى أكل سبعين رمانة، ثم أتي بخروف وست دجاجات فأكلهن ثم أُتي بمكوك زبيب طائفي فأكله أجمع، وقال يعني: نام فانتبه من القائلة فأكل مع الناس. قال عبد الله بن عبد الله بن الحارث: كان سليمان بن عبد الملك أكولاً، وكان بينه وبين عبد الله بن عبد الله وصلة، قال لنا سليمان يوماً: إني قد أمرت قيم بستاني أن يحبس علي الفاكهة، ولا يجتني منها شيئاً حتى تدرك، فاغدوا علي مع الفجر يقول لأصحابه الذين يأنس بهم لنأكل الفاكهة في برد النهار، فغدونا في ذلك الوقت فصلينا الصبح ودخلنا معه، فإذا الفاكهة متهدلة على أغصانها، وإذا كل فاكهة مختارة، قد أدركت كلها، فقال: كلوا ثم أقبل عليها، فأكلنا بمقدار الطاقة وأقبلنا نقول: يا أمير المؤمنين، هذا العنقود فيخرطه في فيه، يا أمير المؤمنين، هذه التفاحة، كلما رأينا شيئاً نضيجاً أومأنا إليه فيأخذه فيأكله، ويحطمه

حطماً حتى ارتفع الضحى ومتع النهار، ثم أقبل على قيم البستان فقال: ويحك يا فلان، إني قد استجعت، فهل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين: عتاق حولية حمراء، قال: ائتني بها، ولا تأتين معها بخبز، فجاء بها على خوان لا قوائم لها، وقد شصيت بأربعها، وقد انتفخت وملأت الخوان، وجاء بها غلمة يحملونها فأدنوها منه، وهو قائم، فأقبل يأخذ العضو فيجيء معه ليفتحه، فيطرحه في فيه، ويلقي العظم حتى أتى عليها، ثم عاد لأكل الفاكهة، فأكل فأكثر، ثم قال للقيم: ويحك ما عندك شيء تطعمنيه؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، دجاجتان بحريتان قد عمتتا شحماً قال: ائتني بهما، ففعل بهما كما فعل بالعتاق، ثم عاد لأكل الفاكهة، فأكل ملياً، ثم قال للقيم: هل عندك شيء تطعمنيه؟ فإني قد جعت ويحك، قال: عندي سويق جديدة يعني الحنطة، كأنه قطع الأوتار، وسمن بسلاء وسكر، قال: أفلا أعلمتني بهذا قبل؟ ائتني به. وأكثِر فجاء بقعب يقعد فيه الرجل، وقد ملأه من السويق قد خلطه بالسكر وصب عليه سمن سلاء، وأتي بجرة ماء بارد وكوز، فأخذ القعب على كفه وأقبل القيم يصب عليه الماء فيحركه حتى كفأه على وجهه فارغاً، ثم عاد لأكل الفاكهة فأكل ملياً حتى جرت عليه الشمس، ودخل، وأمرنا أن ندخل إلى مجلسه، فدخلنا وجلسنا، فما مكث أن خرج علينا. فلما جلس قام كبير الطباخين حياله يؤذنه بالغداء فأومأ إليه أن ائت بالغداء، فوضع يده فأكل، فما فقدنا من أكله شيئاً. وفي حديث آخر بمعناه وفيه: ثم إن سليمان بن عبد الملك بعد فراغه من أكله هذا عرضت له حمى أدته إلى الموت. كان سليمان بن عبد الملك يأخذ المرآة، فينظر فيها من فرقه إلى قدمه، ويقول: أنا الملك الشاب، فلما نزل بمرج دابق حمّ وفشت الحمى في عسكره فنادى بعض خدمه، فجاءت بطست فسقطت، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: محمومة. قال: فأين فلانة؟ قالت: محمومة. فلم يعد أحداً إلا قالت محموم، فقال سليمان: الحمد لله جعل

خليفته في الأرض ليس له من يُوضيه، ثم التفت إلى خاله الوليد بن القعقاع العنسي فقال: من الكامل قرب وضوءك يا وليد فإنما ... هذي الحياة تعلة ومتاع فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً ... فالدهر فيه فرقة وجماع ومات في مرضه. قال يحيى ين يحيى: جلس سليمان بن عبد الملك في بيت أخضر على وطاء أخضر عليه ثياب خضر ثم نظر إلى وجهه في المرآة، فأعجبه شبابه وجماله، فقال: كان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً، وكان أبو بكر صديقاً، وكان عمر فاروقاً، وكان عثمان حيياً، وكان معاوية حليماً، وكان يزيد صبوراً، وكان عبد الملك سائساً، وكان الوليد جباراً، وأنا الملك الشاب. فما دار عليه الشهر حتى هلك. قال عبد الرحمن بن حسان الكناني: لما مرض سليمان بن عبد الملك المرض الذي توفي فيه، وكان مرضه بدابق ومعه رجاء بن حيوة، فقال لرجاء بن حيوة: يا رجاء، من لهذا الأمر بعدي: أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب، قال: فالآخر؟ قال: صغير، قال: فمن ترى؟ قال: أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتاباً، وتختم عليه، وتدعوهم إلى بيعته مختوماً عليه، قال: لقد رأيت، ائتني بقرطاس فكتب العهد لعمر بن عبد العزيز، ثم من بعده يزيد بن عبد الملك، ثم ختمه. ودفعه إلى رجاء، وقال اخرج للناس فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً، فجمعهم فقالوا له: ومن في هذا الكتاب؟ قال: مختوم لا تُخبروا بمن فيه حتى يموت. قالوا: لا نبايع حتى نعلم ما فيه فرجع إلى سليمان فقال: انطلق إلى صاحب الشرطة والحرس وناد للصلاة جامعة ومُر الناس، فليجتمعوا، ومرهم بالبيعة على ما فيه. قال: رجاء: فلما فرغت خرجت إلى منزلي، فسمعت

جلبة موكب، فالتفت فإذا هشام فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منا، وإن أمير المؤمنين صنع شيئاً ما أدري ما هو، وأنا أتخوف أن يكون قد أزالها عني، فإن يك عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمير نفس حتى أنظر في هذا الأمر قبل أن يموت. قال: قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه؟! لا يكون ذلك أبداً، فأدارني فأبيت عليه فانصرف. فبينا أنا أسير سمعت جلبة خلفي، فإذا عمر بن عبد العزيز، فقال: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل، أتخوف أن يكون جعلها إلي، ولست أقوم بهذا الشأن، فأعلمني ما دام في الأمير نَفَس لعلي أتخلّص منه ما دام حياً، قال: قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه؟! فأدارني وألاصني فأبيت عليه. قال رجاء: وثقل سليمان وحجب الناس عنه حتى مات. فلما مات أجلسته في مجلسه، وأسندته، وهيأته، وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين قلت: أصبح ساكناً، وقد أحب أن تسلموا عليه، وتبايعوا على ما في هذا الكتاب بين يديه، والكتاب بين يديه، وأذنت للناس فدخلوا عليه وأنا قائم عنده، فلما دنوا منه قلت: إن أميركم يأمركم بالوقوف، ثم أخذت الكتاب من عنده، ثم تقدمت إليهم، فقلت: أمير المؤمنون يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب، قال: فبايعوا وبسطوا أيديهم. فلما بايعتهم على ما فيه أجمعين، وفرغت من بيعتهم قلت له: آجركم الله في أمير المؤمنين، قالوا: فمن؟ قال: فافتح الكتاب، فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز، فلما نظرت بنو عبد الملك تغيرت وجوههم، فلما قرؤوا من بعده يزيد بن عبد الملك، فكأنهم تراجعوا، فقال: أين عمر بن عبد العزيز، فطلبوه فلم يوجد في القوم، فنظروا فإذا هو في مؤخر المسجد. قال: فأتوه فسلموا عليه بالخلافة، فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فدنوا به إلى المنبر، فلم يقدر على الصعود حتى أصعدوه فأجلسوه، فجلس طويلاً لا يتكلم، فلما رآهم رجاء جلوساً قال: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه، فنهض القوم إليه، فبايعوه، ومد يده إليهم فصعد إليه هشام، فلما يد يده إليه قال: يقول هشام إنا لله وإنا إليه راجعون، حتى صار يلي هذا الأمر أنا أن أنت، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني لست بقاض ولكني منفذ،

ولست بمبتدع ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم نفثوا فلست لكم بوالٍ، ثم نزل يمشي، قال: فأتاه صاحب المراكب بمركب، فقال: ما هذا؟ قال: مركب للخليفة، قال: لا حاجة لي فيه، ائتوني بدابتي، فأتوه بدابته، فركبها. ثم خرج يسير، وخرجوا معه، فمالوا به إلى طريق، فقال: إلى أين؟ قالوا: البيت الذي هيأنا للخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، انطلقوا بي إلى منزلي. قال رجاء: فأتى منزله، فنزل عن دابته، ثم دعا بداوة وقرطاس، فجعل يكتب بيده إلى العمال في الأمصار، ويملي على نفسه، قال رجاء: فلقد كنت أظن أنه سيضعف. فلما رأيت صنيعه في الكتاب علمت أنه سيقوى بهذا أو نحوه. لما احتضر سليمان بن عبد الملك جعل يقول: إن بني صبية صغارُ ... أفلح من كان له كبار فيقول عمر بن عبد العزيز: قد أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين، فيقول سليمان: إن بني صبية صيفيون ... أفلح من كان له شتويون فيقول عمر: قد أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين. وقال بعض أهل العلم: إن آخر ما تكل به سليمان قال: أسألك منقلباً كريماً. قال الأوزاعي: أخرجت جنازة سليمان بن عبد الملك، وحضرت صلاة المغرب، فبدأ عمر بن عبد العزيز بصلاة المغرب ثم صلى على سليمان. ومات سليمان من ذات الجنب بدابق من أرض قنسرين، وهو ابن خمس وأربعين سنة. وقيل: ثلاث وأربعين سنة، وقيل: إنه لم يبلغ الأربعين.

سليمان بن عتبة بن ثور بن يزيد

سليمان بن عتبة بن ثور بن يزيد ابن الأخنس أبو الربيع السلمي، وقيل الغساني الداراني حدث عن يونس عن أبي ادريس عن أبي الدرداء قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، أمر قد فُرغ منه، أم شيء نستأنفه؟ فقال: بل أمر قد فرغ منه، قالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل أمر مهياً لما خلق له. وحدث أيضاً بالسند عن أبي الدرداء قال: لئن غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لقد غفر لكم كثيراً، أو قال: ذنباً. قيل لأبي مسهر: ما تقول في سليمان بن عتبة؟ قال ثقة، قيل له: إنه يسند أحاديث عن أبي الدرداء قال: هي يسيرة، وهو ثقة، لم يكن له عيب إلا لصوقه بالسلطان. حدث سليمان بن عتبة الدمشقي أن أبا جعفر عبد الله بن محمد أمير المؤمنين سأله في مقده الشام في ثلاث أو أربع وخمس مئة عن ست الأرضين التي بأيدي أولاد الصحابة، يذكرون أنها قطائع لآبائهم قديمة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عزّ وجلّ لما أظهر المسلمين على بلاد الشام، وصالحوا أهل دمشق كرهوا يعني أن يقيموا بالبلدان دون أن يتم ظهورهم وإثخانهم في عدو الله، فعسكروا في مرج بردى، ما بين المزة إلى مرج شعبان، جنبي بردى مروجاً كانت مباحة فيما بين أهل دمشق وقراها، ليست لأحد منهم، فأقاموا بها حتى أوطأ الله بها المشركين ذلاً وقهراً، فأحيا كل قوم محلهم، وبنوا فيها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمضاه لهم فبنوا الدور ونصبوا الشجر، ثم أمضاه عثمان بن عفان، فقال أبو جعفر: قد أمضيناه لأهله. توفي سليمان بن عتبة سنة خمس وثمانين ومئة.

سليمان بن علي بن عبد الله

سليمان بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، أبو أيوب، ويقال أبو محمد الهاشمي ولد سنة اثنتين وثمانين وعاش ستين سنة. حدث عن أبيه عن جده عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أهل الجنة عشرون ومئة صنف. ثمانون منها أمتي ". وحدث عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أمسى كالاً من عمل يديه أمسى مغفوراً له ". قال القاسم بن موسى: مر على سليمان بن علي ممن يصلح القدور والقصاع، فقال له سليمان: مسلم أنت أو يهودي؟ قال: لا، بل مسلم، قال: يا جارية، أخرجي إلينا ما كان من قصاع وقدور، تحتاج إلى الإصلاح، فأخرج إليه، فقال: انصحني حتى أحدثك بحديث لو مشيت ألف فرسخ لكان قليلاً، فحدث بهذا الحديث. وحدث عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الولاء ليس بمتحوّل ولا بمتنقل ". كان سليمان كريماً جواداً. مر برجل يسأل قد تحمل عشر ديات، فأمر له بها كلها، وسع وهو في سطح له نسوة كن يغزلن فقلن: ليت الأمي اطلع علينا فأغنانا، فقام فجعل يدور في قصره، فجمع حلياً من ذهب وفضة وجوهر، وصير ذلك في منديل ثم أمر فالقي إليهن، فماتت إحداهن فرحاً. ورأى عبد الله أخوه رجلاً من آل زياد راكباً على بغل، وعليه شارة حسنة، فقال: من هذا؟ فقال سليمان: مسلم بن حرب بن زياد، فقال: وقد بقي من آل زياد مثل هذا؟ فقال سليمان: نعم، لم أجد إليهم سبيلاً، منعني منهم الحق، قال: أما والله لئن بقيت لهم لأبيدنهم، فبلغ ذلك مسلماً فهرب عن البصرة، فلم يدخلها حتى شخص بعبد الله. وكان يعتق في كل موسم عشية عرفة مئة نسمة، وبلغت صلاته في الموسم وقريش والأنصار وسائر الناس خمسة آلاف ألف.

قال سليمان بن علي لبعض أصحابه: ويحك، أين عتبة هذا الذي اقتدى به أهل البصرة؟ قال: فخرج به في الجيش حتى أتى به الجنان فوقف به على عتبة وهو لا يعلم، منكس رأسه، بيده عود ينكت الأرض، فوقف عليه فسلم فرفع رأسه، فقال: وعليكم السلام ورحمة الله. قال: كيف أنت يا عتبة؟ قال: بحال بين حالين، قال: ما هما؟ قال: قدوم على الله بخير أم بشر، ثم نكس رأسه وجعل ينكت الأرض، فقال سليمان بن علي: أرى عتبة قد أحزن نفسه، ولا يبالي ما أصبحنا فيه وأمسينا، ثم قال: يا عتبة، قد أمرت لك بألفي درهم قال: أقبلها منك أيها الأمير على أن تقضي لي معها حاجة، قال: نعم، وسرّ سليمان قال: وما حاجتك؟ قال: تعفيني منها. قال: قد فعلت ثم ولى عنه، وهو يبكي ويقول: قصر إلينا عتبة ما نحن فيه. لما قدم سليمان بن علي البصرة والياً عليها قيل له إن بالمربد رجلاً من بني سعد مجنوناً سريع الجواب، لا يتكلم إلا بالشعر، فأرسل إليه سليمان بن علي قهرمانه فقال له: أجب الأمير، فامتنع فجره وزبره وخرق ثوبه، وكان المجنون يستقي على ناقة له، فاستاق القهرمان الناقة، وأتى بها سليمان بن علي. فلما وقف بين يديه قال له سليمان: حياك الله يا أخا بني سعد، فقال: حياك رب الناس من أمير ... يا فاضل الأصل عظيم الخير إني أتاني الفاسق الجلواز ... والقلب قد طار به اهتزاز فقال سليمان: إنما بعثنا إليك لنشتري ناقتك. فقال: ما قال شيئاً في شراء الناقه ... وقد أتى بالجهل والحماقة فقال: ما أتى؟ فقال: خرّق سربالي وشق بردتي ... وكان وجهي في الملا وزينتي

قال: أمعتزم على بيع الناقة؟ فقال: أبيعها من بعد ما لا أوكسُ ... والبيع في بعض الأوابد أوكسُ فقال: كم شراؤها عليك؟ فقال: شراؤها عشر ببطن مكه ... من الدنانير الفيام السكة ولا أبيع الدهر أو أزداد ... إني لربح في الورى معتاد فقال: بكم تبيعها؟ فقال: خذها بعشر وبخمس وازنه ... فإنها ناقة صدقٍ مارنه فقال: فحَطّنا. فقال: تبارك الله العلي العالي ... تسألني الحطّو أنت العالي قال: فنأخذها ولا نعطيك شيئاً. فقال: فأين ربي ذو الجلال الأفضل ... إن أنت لم تخش الإله فافعل قال: فكم أزن لك فيها؟ فقال: والله ما ينعشني ما تعطي ... ولا يداني الفقر مني حطي خذها بما أحببت يا بن عباس ... يا بن الكرام من قريش الراس فأمر له سليمان بألف درهم وعشرة أثواب. فقال: إني رمتني نحوك الفجاج ... أبو عيال معدم محتاج طاوي المطي ضيق المعيش ... فأنبت إن لديك ريشي ربحتني منك بألف فاخره ... شرفك الله بها في الآخرة وكسوة طاهرة حسان ... كساك ربي حلل الجنان فقال سليمان: من يقول إن هذا مجنون! ما كلمت أعرابياً أعقل منه.

سليمان بن أبي كريمة

سليمان بن أبي كريمة أبو سلمة الصيداوي حدث عن الزهري بسنده عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أوتر بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ولا قصر عن سبعة. وحدث عن مكحول بسنده عن حبيب بن مسلمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زُر غباً تزداد حباً ". وحدث عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحد في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنّة مني ماضية، فإن لم يكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي بكم رحمة. سليمان بن محمد بن إسماعيل ابن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن يزيد بن مشكم، أبو أيوب الخزاعي حدث عن هشام بن خالد الأزرق بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنعن أحدكم جاره أن يجعل خشبة في جداره ". توفي أبو أيوب سنة تسع عشر وثلاث مئة. سليمان بن محمد بن سلمة أبو القاسم الحراني حدث عن عمر بن أحمد بن سنان عن الربيع عن روح عن صفوان بن صالح قال: ذكرت للوليد بن مسلم خبر امرأة بخراسان وقد والت على عشر بنات، فقيل لها: إن جاءتك بنت تحمدين الله؟ قالت: لا، فولدت قردة. فقال لي الوليد: قد كان عندنا شبيه بهذا: كان رجل من أهل الأوزاع ولدت له امرأته تسع بنات فقال لها وقد حملت منه: إن ولدت جارية لأطلقنك، وخرج إلى المسجد فولدت جارية فلفتها في رقاعها،

سليمان بن محمد بن الفضل بن جبريل

وحملتها وألقتها في كنيسة توما، وجاء الرجل فدخل عليها فنكر إلى حالها، فلم يزل بها حتى أقرت له وأعلمته بمكانها فذهب ليجيء بها فوجدها ومعها أخرى فحملها إليها فقال لها: أيتهن بنتك؟ قالت: لا أدري، فسئل الأوزاعي، فقال: ترثان منه ومنها ميراث جارية، وترث منهما ميراث جارية ولا تتوارثان، إذا ماتتا لأنهما ليستا بأختين. سليمان بن محمد بن الفضل بن جبريل أبو منصور البجلي النهرواني من ولد جرير بن عبد الله البجلي الصحابي سمع بدمشق. حدث عن محمد بن سليمان بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الأعمال تُعرض يوم الخميس ويوم الجمعة، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلين فإنه يقول: أخّروا هذين حتى يصطلحا ". وحدث عن هشام بن خالد بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو أن عبداً هرب من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت ". وحدث عن أبن أبي عمر بسنده عن أبي عثمان النهدي أن بلالاً قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين. توفي أبو منصور سنة سبع وثمانين ومئتين. سليمان بن مجالد بن أبي المجالد من أهل الأردن، أخو المنصور من الرضاعة، وكان معهم بالحميمة. فلما أفضى الأمر إلى المنصور ولاه الري. وكان يلي له الخزائن أيضاً.

حدث سليمان بن مجالد قال: خرجت مع أبي جعفر المنصور نريد هشام بن عبد الملك، وأبو جعفر على حمار، وأنا أسوق به، منصرفاً إلى الرصافة، فنزلنا على مسلمة لنأخذ رأيه، فأمر لنا بخمس مئة درهم، وقال له مسلمة: لا تبت بها، واتخذ لنا مسلمة سفرة فيها طعاما فعلقتها على الحمار ورحلنا، فلما انفلق الصبح وأصاب الدنيا، إذا هشام قد أدركنا، فقال لي أبو جعفر: اعدل عن طريقه لئلا يرانا، فعدلنا، وقام يصلي الغداة، وبصر بنا هشام، فقال لمسلمة: من صاحب الحمار والرجل الذي معه؟ فقال: هذا ابن عمك عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أوصلت إليه صلتك وأمرته بالخروج في الليل فسمع لأمرك، رق له هشام، ونزل عن فرسه، وقال لبعض أصحابه: امضِ به وادفعه إلى ذلك الفتى، ومضى وأخذنا الفرس، فركبه أبو جعفر وركبت الحمار، حتى إذا انبسطت الشمس نزل أبو جعفر وأنا أمسك الفرس، فصلى ركعتين ودعا ثم قال: اللهم، كما حملتني على فرسه فأجلسني مجلسه، ثم التفت إلي فقال: هات شيئاً حتى نأكل، فقربت السفرة، وفيها طعام حسن من طعام مسلمة، وجعلنا نأكل منها، فوقف علينا سائل، وعليه فروة حمراء وبيده عصا، فقال: تصدقوا رحمكم الله فقال له أبو جعفر: صنع الله لك، فمر الشيخ، ثم ندم أبو جعفر وقال أستغفر الله، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم سبقني لساني إلى الرد عليه، خذ السفرة فادفعها إليه بما فيهنا، فأخذت السفرة، فأتيت الشيخ بها، فقلت: إن هذا الفتى ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنه فكر في أمرك وأنت بمقطعة ودار مضيعة، فبعث بسفرته وجميع طعامه إليك، فقال لي: أقرئه السلام، وقل له لا حاجة لنا في طعامك، إن الله عزّ وجلّ قد سمع دعاءك، وأنت تقول: اللهم، كما حملتني على فرسه فأجلسني مجلسه، وإن الله وله الحم سيفعل ذلك، قال: فرجعت إلى أبي جعفر بالجواب فقال: قرّب لي فرسي ما هذا إلا الخضر عليه السلام، فركب الفرس ودار في الصحراء فلم ير له أثراً. كان على أبواب مدينة أبي جعفر مما يلي الرحاب ستور وحجاب، وعلى كب باب قائد، فكان على باب الشام سليمان بن مجالد في ألف، وعلى باب البصرة أبو الأزهر التيمي في ألف، وعلى باب الكوفة خالد العكّي في ألف، وعلى باب خراسان مسلمة بن صهيب الغساني في ألف، وكان لا يدخل أحد من عمومته، يعني عمومة المنصور، ولا غيرهم من هذه الأبواب إلا راجلاً إلا داود بن علي عمه فإنه كان منقرساً، فكان يُجعل في محفة

سليمان بن موسى

ومحمد المهدي ابنه. وكان يكنس الرّحاب في كل يوم يكنسها الفراشون، ويُحمل التراب إلى خارج المدين، فقال له عمه عبد الصمد: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير فلو أذنت لي أن أنزل داخل الأبواب فلم يأذن له، فقال: يا أمير المؤمنين، عدني بعض بغال الروايا التي تصل إلى الرحاب، فقال يا ربيع، بغال الروايا تصل إلى رحابي؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: تتخذ الساعة قنى بالساح من باب خراسان حتى تجيء إلى قصري، ففعل. سليمان بن موسى أبو الربيع، ويقال أبو أيوب الأشدق الفقيه، مولى آل أبي سفيان بن حرب حدث عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل عرفات موقف، وارفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحسّر وكل فجاج مني " وقال الحربي: مكة منحر، وفي كل أيام التشريق ذبح. وحدث سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر: سئل عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال: أمرنا به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، ولها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". قال سليمان بن موسى " بينا أنا في سوق حمص في بعض ما كنت أغزو إذا أنا بعبد الله بن أبي زكريا وأبي مخرمة قال: أين تريدان؟ قال: نريد أن نأتي أبا أمامة، قلت: فأجيء معكما؟ قالا: إن شئت، فانطلقنا إليه، فذكر الكذب فعظمه، ثم قال: لأنتم أبخل من أهل الجاهلية، إن الله أمركم بالنفقة في سبيل الله وجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف

كثيرة فقال: " وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين " والله، لقد فتحت الفتوح بسيوف ما حليتها الذهب ولا الفضة ولا حليتها إلا الآنك والعلابي والحديد. كتب عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى أبي بكر بن عمر بن حزم أنه مُر قبلك الذين ينقلون العذرة إذا صليت الظهر ألا يعالجوا منها شيئاً حتى يمسوا. قال عطاء بن أبي رباح: سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى، وسيد شباب أهل العراق حجاج بن أرطأة. قال زيد بن واقد: كنا نأتي سليمان بن موسى نجلس إليه، فكان يحدثنا في نوع من العلم يومنا ذاك، ثم نأتيه من الغد فيحدثنا بنوع آخر من العلم يومنا ذاك. قال: فقلت: يا أبا الربيع، جزاك الله خيراً إنك تحدثنا بما نعلم وبما لا نعلم. قال سليمان بن موسى: حسن المسألة نصف العلم. قال سليمان بن موسى: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، وجع عنك أذى الخادم، وليكن عليك سكينة ووقار ولا تجعل يوم صومك ويوم إفطارك سواء. قال سليمان بن موسى: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من أحمق، وبرُّ من فاجر، وشريف من دنيء. مات سليمان بن موسى في إمرة هشام بن عبد الملك. قدم سليمان بن موسى على هشام الرصافة، فسقاه طبيب لهشام شربة فقتله، فسقى هشام ذلك الطبيب من ذلك الدواء فقتله. وكان موت سليمان بن موسى سنة خمس عشرة ومئة. وقيل: سنة تسع عشرة ومئة.

سليمان بن موسى

سليمان بن موسى أبو داود الزهري حدث عن إسماعيل بن عبد الملك عن رزين قال: قال علي بن أبي طالب في قول الله عزّ وجلّ: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ". قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أصاب عبد في الدنيا ذنباً فأقيم عليه حده إلا كان كفارة له، وكان الله أكرم من أن يثني العقوبة في الآخرة، ولا ستر الله على عبده في الدنيا إلا كان أكرم من أن يفضحه يوم القيامة. وحدث سليمان بن موسى عن مظاهر بن أسلم المخزومي عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة. سليمان بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو أيوب ويقال أبو الغمر الأموي وأمه أم حكيم بنت يحيى بن أبي العاص، كان قد سجنه الوليد بن يزيد بعد موت أبيه بعمان، فلما قتل الوليد خرج من السجن، ولحق بيزيد بن الوليد فولاه بعض حروبه إلى أن كسره مروان بن محمد بعين الجر، فهرب إلى تدمر ثم استأمن إلى مروان بن محمد، وبايعه ثم خلعه، واجتمع إليه نحو سبعين ألفاً وطمع في الخلافة فبعث إليه مروان عسكراً، فهزم سليمان، ومضى إلى حمص فتحصن بها، فتوجه إليه مروان فهرب، ولحق بالضحاك بن قيس الخارجي وبايعه، فقال بعض شعراء الخوارج: من الطويل ألم تر أن الله أظهر دينة ... وصلّت قريش خلف بكر بن وائل قال قتادة: قال لي سليمان بن هشام: إن هذا يعني الزهري لا يدعنا نأكل شيئاً إلا أمرنا أن

سليمان بن يسار أبو عبد الرحمن

نتوضأ منه يعني ما مسته النار قالت له: سألت سعيد بن المسيب فقال: إذا أكلت فهو طيب وليس فيه وضوء، فإذا خرج فهو خبيث عليك فيه الوضوء قال: فهل بالبلد أحد؟ قلت: نعم، أقدم رجل في جزيرة العرب علماً، قال: من؟ قال: عطاء بن أبي رباح، فبعث إليه فقال: حدثني جابر بن عبد الله أنهم أكلوا مع أبي بكر الصديق خبزاً ولحماً فصلى ولم يتوضأ، فقال لي: ما تقول في العمري فقلت: حدثني النضر بن أنس عن بشير بن نُهيك عن أبي هريرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العمري جائزة. قال الزهري: حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العمري جائزة، قال الزهري: إن الأمراء لا يقضون بذلك. قال عطاء: بل قضى به عبد الملك بن مروان في كذا وكذا. قال الزبير بن بكار: سليمان بن هشام لأم ولد قتلته المسودة. ومن شعره قال وهو مع الضحاك بن قيس الشيباني الحروري حين خرج على هشام بن عبد الملك: الطويل يا عيش لو أبصرتنا لترقرقت ... دموعك لما خف أهل البصائر عشيرة رحنا واللواء كأنه ... إذا زعزعته الريح أشلاء طائر يعني بذلك أخته عائشة بنت هشام امرأة عبيد الله بن مروان بن محمد. كان عند سليمان بن هشام بن عبد الملك فاطمة بنت القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب الكبرى، وأمها زينب بنت علي الكبرى، فقال لها سليمان يوماً: إنما أنت بغلة لا تلدين، فقالت له: ليس الأمر كما ظننت، ولكن يأبى كرمي أن يدنسه لؤمك. سليمان بن يسار أبو عبد الرحمن ويقال: أبو عبد الله. ويقال: أبو أيوب أخو عطاء، وعبد الملك، مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل المدينة، قدم دمشق على الوليد بن عبد الملك.

حدث سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي. كان لسليمان بن يسار مقدماً في الفقه والعلم، وكان نظير سعيد بن المسيب، وكان مكاتباً لميمونة ابنة الحارث بن حزن زوجة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأدى وعتق، ووهبت ميمونة ولاءه لعبد الله بن العباس. وهي خالة عبد الله بن عباس. وبنو يسار ثلاثة: عطاء، وسلمان، وعبد الملك. وهم فرس. حدث سليمان بن يسار عن عائشة قال: استأذنت عليها فقالت: من هذا؟ فقلت: سليمان، فقالت: كم بقي عليك من مكاتبتك؟ قال: قلت: عشرة أواق. قالت: ادخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم. قال عبد الله بن يزيد الهذلي. سمعت سليمان بن يسار يقول: سعيد بن المسيب بقية الناس، وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب فيقول: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم. وكان سليمان بن يسار يصوم الدهر وكان عطاء بن يسار يصوم يوماً ويفطر يوماً. قال مصعب بن عثمان: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهاً. قال أبو حازم: خرج سليمان بن يسار حاجاً من المدينة، ومعه رفيق له، حتى نزلوا بالأبواء، فأخذ رفيقة السفرة، وانطلق يبتاع لهم قعد سليمان في الخيمة وكان من أجمل

سليمان أبو أيوب الخواص

الناس وجهاً وأروعهم، فبصرت به أعرابية من قلة الجبل، فلما رأت حسنه وجماله انحدرت عليه وعليها البرقع والقفازان، فوقفت بين يديه، وأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر، فقالت: أهيئني، فظن أنها تريد طعاماً، فقام إلى فضل السفرة ليعطيها، فقالت: لست أريد هذا، إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله، فقال: جهزك إلي إبليس، ثم وضع رأسه بين كميه، وأخذ في النحيب، فلما رأت ذلك سدلت البرقع على وجهها، ورجعت إلى خيمتها، فجاء رفيقه وقد ابتاع لهم ما يرفقهم، فلما رآه قد انتفخت عينه من البكاء، وانقطع حلقه، قال: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ضيعتي، قال: لا، ألا إن لك قصة، إنما عهدك بضيعتك منذ ثلاث أو نحوها، فلم يزل به حتى أخبره بشأن الأعرابية فوضع السفرة وجعل يبكي بكاء شديداً، فقال له سليمان أنت ما يبكيك؟ قال: أنا أحق بالبكاء منك، قال: ولم؟ قال: لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها، فلما انتهى سليمان إلى مكة وطاف وسعى، أتى الحجر واحتبى بثوبه فنعس، فإذا رجل وسيم جميل طوال، له شارة حسنة ورائحة طيبة، فقال له سليمان: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا يوسف بن يعقوب، قال يوسف الصديق؟ قال: نعم، قال: أن في شأنك وشأن امرأة العزيز لعجباً، فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب. قال سليمان بن يسار: تودد الناس واستعطافهم نصف الحلم. توفي سليمان بن يسار سنة مئة، وقيل: سنة سبع ومئة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقيل: توفي سنة أربع ومئة، وقيل: توفي سنة أربع وتسعين، وقيل: توفي سنة تسع ومئة. سليمان أبو أيوب الخوّاص أحد الزهاد المعروفين والعُباد الموصوفين. سكن الشام، وكان أكثر مقامه ببيت المقدس، ودخل بيروت. قال سري بن المغلس السقطي: أربعة كانوا في الدنيا، اعملوا أنفسهم في طلب الحلال، ولم يدخلوا أجوافهم إلا

الحلال، فقيل له: من هم يا أبا الحسن؟ قال: وهيب بن الورد، وشعيب بن حرب، ويوسف بن أسباط، وسليمان الخواص. وقال: كان أهل الورع في وقت من الأوقات أربعة: حذيفة المرعشي، وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط، وسليمان الخواص، فنظروا إلى الورع، فلما ضاقت عليهم الأمور فزعوا إلى التقلل أو قال التذلل. قال الفريابي: كنت في مجلس فيه الأوزاعي وسعيد بن عبد لعزيز وسليمان الخواص، فذكر الأوزاعي الزهاد فقال الأوزاعي: ما نريد أن نرى في دهرنا مثل هؤلاء، فقال: سعيد بن عبد العزيز: سليمان الخواص ما رأيت أزهد منه، وكان سليمان في المجلس ولا يعلم سعيد فقنع سليمان رأسه، وقام فأقبل الأوزاعي على سعيد فقال: ويحك لا تعقل ما يخرج من رأسك! تؤذي جليسنا، تُزكيه في وجهه؟! قال سعيد بن عبد العزيز: دخلت على سليمان الخواص فرأيته جالساً في الظلمة وحده، فقلت له: ما لي أراك جالساً في الظلمة وحدك؟! قال: ظلمة القبر أشد يا سعيد. فقال: ألا تطلب لك رفيقاً؟ قال: أكره أن أطلب رفيقاً، ولا أقوم بحقه الذي يجب له علي، قلت له: هذا مال صحيح قد أصبته، وأنا لك به يوم لقيامة، خذه تنفق منه على نفسك وتستر به عورتك، فقال: يا سعيد، إن نفسي لم تجبني إلى ما رأيت حتى خشيت أن لا تفعل، فإن أخذت مالك هذا ثم نفد فمن لي بمثله صحيح، فتركته ثم عدت إليه من الغد، فقلت له: رحمك الله إنه بلغني في الحديث أن الرجل لا تستجاب دعوته في العامة حتى يكون نقي المطعم نقي الملبس، فادع لهذه الأمة دعوة، فابتدر الباب مغضباً ثم قال: يا سعيد، أنت بالأمس تفتنني، وأنت اليوم تشهرني، قال: فأتيت الأوزاعي فأخبرته بما قلت له، وما قال لي، فقال لي الأوزاعي: يا سعيد، دع سليمان الخواص، ودع إبراهيم بن أدهم، فإنهما لو أدركا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكانا من خيار أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال أبو محمد قدامة الرملي: قرأ رجل هذه الآية " وتوكّل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً " فأقبل علي سليمان الخواص فقال: يا أبا قدامة، ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله في أمره، ثم قال: انظر كيف قال تعالى " وتوكل على الحي الذي لا يموت " فأعلمك أنه لا يموت وأن جميع خلقه يموتون، ثم أمرك بعبادته فقال " وسبح بحمده " ثم أخبرك أنه خبير بصير، ثم قال: والله، يا أبا قدامة، لو عامل عبدُ لله بحسن التوكل وصدق النية له بطاعته لاحتاجت إليه الأمراء، فمن دونهم، فكيف يكون هذا محتاجاً؟ اجتمع حذيفة المرعشي وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط رضي الله عنهم فتذاكروا الفقر والغنى، وسليمان ساكت، فقال بعضهم: الغني من كان له بيت يسكنه، وثوب يستره، وسداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا. قال بعضهم: الغني من لم يحتج إلى الناس. فقيل لسليمان: ما تقول أنت يا أبا أيوب؟ فبكى ثم قال: رأيت جوامع الغنى في التوكل، ورأيت جوامع الشر في القنوط، والغنى حق، الغني من أسكن الله في قلبه من غناه يقيناً، ومن معرفته توكلاً، ومن عطاياه وقسمه رضي، فذاك الغني حق الغني وإن أمسى طاوياً، وأصبح معوزاً، فبكى القوم جميعاً من كلامه. مر سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم، وهو عند قوم قد أضافوه فقال: يا أبا إسحاق، نعم الشيء هذا إن لم تكن تكرمه على دين. قال سليمان الخواص: من وعظ أخاه المؤمن فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما يبكته. قال أبو بشر الفقيمي: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن منادياً ينادي: ليقم السابقون الأولون،

سليم بن أسود بن حنظلة

فقام سفيان الثوري، ثم قال: ليقم السابقون الأولون، فقام سليمان الخواص، ثم قال: ليقم السابقون الأولون فقام إبراهيم بن أدهم. سُليم بن أسود بن حنظلة أبو الشعثاء المحاربي الكوفي حدث عن أبي هريرة أن رجلاً خرج من المسجد، والمؤذن يؤذن أو يقيم، فقال: قد عصى هذا أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كنت ف المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرجن أحد حتى يصلي. حدث أبو الشعثاء المحاربي قال: أوصى طارق بن عبد الله المحاربي بنيه أن ينتقلوا من الكوفة، وينزلوا دمشق، ونهاهم أن ينزلوا الفراديس. قال أبو الشعثاء. فخرجت لوصية طارق حتى أقدم دمشق، فلقيت بها أبا هريرة، فأخبرته الخبر ومعه زياد النميري، فقال: ليس منزل اليوم أحب إلي من برذوني، فإذا قلّت الصفراء والبيضاء وانقطعت لقحة المسلمين فخير الحلل دمشق. توفي أبو الشعثاء سنة اثنتين وثمانين بعد الجماجم. سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازي الفقيه الشافعي الأديب سكن الشام مرابطاً محتسباً لنشر العلم والسنة. حدث عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي بأيلة بسنده عن جرير بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحثنا على الصدقة، فأمسك الناس حتى رأيت في وجهه الغضب، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرّة فأعطاها إياهن ثم تتابع الناس حتى رُئي في وجهه السرور، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء.

حدث أبو الفتح سليم أنه كان في صغره بالري، وله نحو من عشر سنين، قد حضر بعض الشيوخ، وهو يُقرئ القرآن. فلما قرئ عليه قال لي: تقدم فاقرأ فجهد أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني، فقال: يا بني، ألك والدة؟ قالت: نعم. قال: قل لها تدعو لك يرزقك الله قراءة القرآن ومعرفة العلم، قالت: نعم. ثم رجعت إلى والدتي فسألتها الدعاء، ففعلت، ثم إني كبرت واشتهيت العربية، فدخلت بغداد، وقرأت بها العربية، وتفقهت. ثم عدت إلى الري، فبينا أنا يوماً في الجامع وقد كتبت مختصر المزني، وأنا أقابل عليه صديقاً لي، وإذا الشيخ قد حضر، وسلم علينا وهو لا يعرفني، وسمع مقابلتنا، وهو لا يعلم ما نقول، ثم قال: متى نتعلم مثل هذا؟ فأردت أن أقول له: إن كان لك والدة قل لها تدعو لك، فاستحييت منه. أو كما قال. كان سليم ببغداد في حال طلبه العلم ترد عليه كتب من الري، فلا يقرأ شيئاً منها، ولا ينظر فيها، ويجمعها عنده، إلى أن فرغ من تحصيل ما أراد، ثم فتحها فوجد في بعضها ماتت أمك، وفي بعضها ما يضيق له صدره، فقال: لو كنت قرأتها قطعتني عن تحصيل ما أردت. وتفقه بعد أن جاء الأربعين. صنف سليم الكثير في الفقه وغيره، ودرّس. وهو أول من نشر هذا العلم بصور، وانتفع به جماعة. وكان يحاسب نفسه على الأنفاس، ولا يدع وقتاً يمضي عليه بغير فائدة، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ. ونسخ شيئاً كثيراً. حدث عنه أبو الفرج الإسفراييني أنه نزل يوماً إلى داره ورجع فقال: قرأت جزءاً في طريقي. وحدث المؤمل بن الحسن أنه رأى سليماً وقد جفا عليه القلم، فإلى أن قطّه جعل يحرك شفتيه، فعلم أنه يقرأ أثناء إصلاحه القلم، لئلا يمضي عليه زمان وهو فارغ، أو كما قال. غرق الفقيه سليم في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عودته من الحج في صفر سنة سبع وأربعين وأربع مئة، وكان نيف على الثمانين.

سليم بن عامر أبو يحيى

ودفن في جزية بقرب الجار عند المخاضة. وقيل: غرق على ساحل جار. سليم بن عامر أبو يحيى الخبائري الكلاعي من أهل حمض شهد فتح القادسية واستسقاء معاوية بدمشق. حدث سليم بن عامر عن تميم الرازي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل، ولا يترك الله عزّ وجلّ بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله عزّ وجلّ هذا الدين، بعزّ عزيز يعزّ به الإسلام، وذلّ ذليلٍ يذل به الكفر. قال سليم بن عامر خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي، فلما صلي على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: يا أيها الناس، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، ويوشك أن تظعنوا منه إلى المنزل الآخر، وهو هذا يشير إلى القبر بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة فإنكم لفي بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من أمر الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور، فيعطى المؤمن نوراً، ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئاً، وهو المثل الذي ضر الله عزّ وجلّ في كتابه " أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور " لا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور البصير. يقول المنافقون للذين آمنوا " انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً " وهي خدعة التي خدع بها المنافق، قال الله عزّ وجلّ "

سليم بن عتر بن سلمة بن مالك

يخادعون الله وهو خادعهم " فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً، فيصرفون إليه وقد ضرب " بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم " نصلي بصلاتكم ونغزو مغازيكم " قالوا: بلى ولكنكم فتنتف أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور " تلا إلى قوله " وبئس المصير ". قال سليم بن عامر: خرجت أريد بيت المقدس فمررت بأم الدرداء فسقتني طلاء وأمرت لي بدينار. قال سليم بن عامر: قال أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل المسلم بيته، يكف فيه نفسه وبصره وفرجه، وإياكم والمجالس في السوق فإنها تلغي وتلهي. قال سليم بن عامر: رأيت غلاماً يمشي إلى وراء. قال: قلت: لم تفعل هذا يا غلام؟ قال: لانقلاب الزمان. مات سليم بن عامر سنة ثلاثين ومئة. سُليم بن عتر بن سلمة بن مالك ابن عتر بن وهب بن عوف بن معاوية بن الحارث بن أيدعان بن سعد ابن تجيب بن الأشرس بن شبيب بن السكون بن الأشرس بن كندة أبو سلمة التجيبي المصري قاضي مصر وقاصّها، كان يسمى الناسك لشدة عبادته. شهد خطبة عمر بالجابية. وعتر بكسر العين المهملة وسكون التاء باثنتين فوقها.

حدث سليم بن عتر قال: سجد لنا عمر بن الخطاب في سورة الحج سجدتين ثم قال: إن هذه السورة فُضلت بأن فيها سجدتين. وحدث قال: خطبنا عمر بالجابية وهو على المنبر فقرأ آية سجدة. فنزل فسجد فيها. قال سليم بن عتر: صدرنا من الحج مع حفصة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعثمان محصور فكانت تسأل عنه ما فعل، حتى رأت راكبين فأرسلت تسألهما فقالا: قتل، فقالت: والذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله " الآية. روي أن سليم بن عتر كان رجلاً صالحاً، وكان يختم في كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأن امرأته قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك، وترضي أهلك. قال حرملة بن عمران: كان يوسف جالساً في هذا المسجد، يعني مسجد الفسطاط، ومعه الحجاج ابنه، فمر سليم بن عتر، فقام إليه يوسف فسلم عليه، وقال: إني أريد أن آتي أمير المؤمنين، فإن كانت لك حاجة فأمرني بها. قال: نعم، حاجتي أن تسأله أن يعزلني عن القضاء، فقال: والله، لوددت أن قضاة المسلمين كلهم مثلك. فكيف أسأله أن يعزلك؟ قال: ثم انصرف، فجلس، فقال له الحجاج ابنه: يا أبه، من هذا الذي قمت إليه؟ قال: يا بني، هذا سليم بن عتر قاضي أهل مصر وقاصهم، فقال: يغفر الله لك يا أبه. أنت يوسف بن أبي عقيل تقوم إلى رجل من كندة أو تجيب؟! فقال: والله يا بني إني لأرى الناس ما يُرحمون إلا بهذا وأشباهه، فقال: والله ما يفسد الناس على أمير المؤمنين إلا هذا وأشباهه، يقعدون

ويقعد إليهم أقوام أحداث فيذكرون سيرة أبي بكر وعمر فيخرجون على أمير المؤمنين، والله لو صفا هذا الأمر لسألت أمير المؤمنين أن يجعل لي السبيل فأقتل هذا وأشباهه، فقال: والله يا بني إني لأظن الله خلقك شقياً. قال عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة: اختصم إلى سليم بن عتر في ميراث فقضى بين الورثة، ثم تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم وكتب كتاباً بقضائه، أشهد فيه شيوخ الجند. قال: فكان أول القضاة بمصر سجل سجلاً بقضائه. روي أنه ولي القضاء عشرين سنة. وعن سليم بن عتر قال: لما قفلت من البحر تعبدت في غار سبعة أيام بالإسكندرية لم أصب فيها طعاماً ولا شراباً، ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت فتممت عشراً. قال الهيثم بن خالد: كنت خلف عمي سليم بن عتر فمر عليه كليب بن أبرهة، ووراءه علج يتبعه، فقال سليم: يا أبا رشدين، ألا حملته؟ قال: أحمل غلاماً مثل هذا ورائي؟ قال: أفلا قدمته بين يديك إلى باب المسجد؟ قال: ولم أفعل؟ قال: أفلا نظرت غلاماً صغيراً فحملته وراءك؟ قال: ما فعلت، قال سليم: سمعت أبا الدرداء يقول: لا يزال العبد يزداد من الله بعداً ما مُشي خلفه. مر سليم بن عتر على مقبرة وهو حاقن قد غلبه البول، فقال له بعض أصحابه: لو نزلت إلى هذه المقابر فبلت في بعض حفرها، فبكى، ثم قال: سبحان الله، والله إني لأستحيي من الأموات كما أستحيي من الأحياء. حدث أبو صالح سعيد بن عبد الرحمن الغفاري أن سليم بن عتر التجيبي كان يقص على الناس وهو قائم، فقال له صلة بن الحارث الغفاري، وهو من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والله ما تركنا عهد نبينا ولا قطعنا أرحامنا حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا. توفي سليم بن عتر سنة خمس وسبعين بدمياط في إمرة عبد العزيز بن مروان.

سليم أبو عامر من أهل الحاضر

سليم أبو عامر من أهل الحاضر من نواحي حلب حدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناد في الناس: من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة ". قال: فاستقبله عمر فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنادي من قال: لا إله إلا الله وجبت له الجنة. قال: ارجع فرجع، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ردك قال: استقبلني عمر فقال: ارجع فرجعت، فقال عمر: يا رسول الله، إذاً يتكلوا فدعهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق عمر. كان سليم بن عامر ممن سباه خالد بن الوليد من حاضر حلب. قال: فلما قدمنا على أبي بكر جعلني في المكتب، فكان المعلم يقول لي: اكتب الميم فإذا لم أحسنها قال لي: دورها، اجعلها مثل عين بقرة. وشهد فتح دمشق والقادسية. قال سليم أبو عامر: رأيت أبا بكر وصليت خلفه سبعة أشهر ورأيت من عن يمينه وعن شماله وما عليهم إلا شملة واحدة. قال أبو زرعة: سليم بن عامر صالح، أدرك الجاهلية، غير أنه لم يصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهاجر في عهد أبي بكر رضي الله عنه.

سليم أبو الصلت الحضرمي الشامي الحمصي

سليم أبو الصلت الحضرمي الشامي الحمصي شهد صفين وحدث قال: شهدت صفين، فإنا على صفوفنا وقد حُلنا بين أهل العراق وبين الماء، فأتانا فارس مقنع بالحديد، فأقبل حتى وقف، ثم حسر عن رأسه، فإذا هو الأشعث بن قيس، فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد، قال معاوية: ما الذي تريد؟ قال: نريد أن تخلّوا بيننا وبين الماء، فقال معاوية لأبي الأعور عمرو بن سفيان: يا أبا عبد الله خلّ بين إخواننا وبين الماء، فقال أبو الأعور لمعاوية: كلا والله يا أم عبد الله لا نخلي بينهم وبين الماء فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، قال: فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم. سليم مولى بني عذرة سمع كعب الأحبار يقول: إذا نزلت الروم عمق الأعماق بأنطاكية، فمن لم ينصر المسلمين يومئذ فليس هو على شيء. سليم مولى زياد وفد على معاوية، وقال له معاوية، وكان به معجباً: أخبرني يا سليم عني وعن زياد، فإن لك بالرجال علماً، قال: يا أمير المؤمنين، لك الفضل، قال: عزمت عليك لتخبرني، قال: أما إذ عزمت علي فإني إذا كنت عنده يعني زياد فرأيت موارد أموره ومصادرها قالت: هذا أحزم العرب وإذا قدمت عليك، فرأيت موارد أمورك ومصادرها قلت: هذا أحزم العرب، وأحزمكما عندي الذي أكون عنده، قال: كرهت يا سليم أن تفضل أحدنا على صاحبه، وسأخبرك عني وعن زياد وعما بيننا: إني أطلب الأمر مجاملة، فإن لم أظفر به لم يُعلم بما فاتني، وإن زياداً يطلبه مغالبة فيُعلم خيبته وظفره.

سليم بن صالح أبو سفيان العنسي

سليم بن صالح أبو سفيان العنسي سكن جبلة. وحدث عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كان يبلغني حديث في القصاص، وكان صاحب الحديث بمصر، فاشتريت بعيراً، فشددت عليه رحلاً، فسرت حتى وردت مصر، فقصدت إلى باب الرجل الذي بلغني عنه الحديث، فقرعت الباب، فخرج إلي مملوك له فنظر في وجهي ولم يكلمني، فقال أعرابي بالباب، فقال: سله من أنت؟ فقلت: جابر بن عبد الله، فخرج إلى مولاه فلما تراءينا اعتنق أحدنا صاحبه، فقال: يا جابر، ما جاء بك؟ فقلت: حديث بلغني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القصاص، ولا أظن أحداً ممن مضى أو ممن بقي أفهم له منك، قال: نعم يا جابر، سمعت رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عزّ وجلّ يبعثكم يوم القيامة من قبوركم حفاة عراة غرلاً بهماً، ثم ينادي بصوت رفيع غير فظيع يسمع به من بعُد كمن قرب، فيقول: أنا الديّان، لا تظالم اليوم، وعزّتي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولو لطمة كف بكف، ويد على يد. ألا وإن أشد ما أتخوف على الذي من بعدي عمل قوم لوط، فلترتقب أمتي العذاب إذ تكافأ النساء بالنساء والرجال بالرجال "، قال: والرجل عبد الله بن أنيس. سليم هذا بفتح السين وكسر اللام. سماك بن عبد الصمد بن سلام ابن وديعة. وقيل ربيعة بن سماك بن رافع بن مالك، أبو القاسم الأنصاري البغدادي سمع بدمشق. حدث عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني بسنده عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثة كلهم ضامن على الله عزّ وجلّ،: رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله.

وحدث سماك بن عبد الصمد عن أب مسهر بسنده عن خيفان بن عرابة العنسي قال: قدمت على عثمان في ثلاث مئة راكب من اليمن، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين رحمة الله وبركاته، أنا خيفان بن عرابة العنسي قدمت عليك من خبج وخبيج لتلحقنا بالمهاجرين وتجعل لنا سهماً في المسلمين، فقال عثمان: أخبرني عما مررت به من أفاريق العرب في بلاد اليمن، فقلت له: يا أمير المؤمنين، أما هذا الحي من بني الحارث بن كعب فحسك أمراس ومسك أحماس إذا اشتد الباس. وأما هذا الحي من مذحج فأنجاد بسل، ومساعير غير عزل، وأما هذا الحي من خثعم فجعابيب أصحاب أنابيب بنو أب وأولاد علة، وأما هذا الحي من الأزد فكرام في الجاهلية سادة، وحماة في الإسلام قادة. وأما هذا الحي من حمير فبخٍ بخٍ أولئك الملوك أرباب الملوك، فقال عثمان مرحباً بأهل اليمن أعلم في الدين قادة في المسلمين، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإيمان يمان، والحكمة يمانية، ورحا الإسلام دائرة فيما ولد قحطان، والجفوة والقسوة فيما ولد عدنان، حمير رأس العرب ونابها، ومذجح هامتها وغلصمتها والأزد كاهلها وجمجمتها، والأنصار مني وأنا منهم، اللهم، اغفر للأنصار وأبناء الأنصار، اللهم أعزّ غسان أكرم العرب في الجاهلية وأفضل أناس في الإسلام تقية، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم الأنصار، وزروني ونصروني وحموني، هم شيعتي وأصحابي وأول من يدخل في بُحبُوحة الجنة من أمتي ".

سمرة بن سهم الأسدي

قيل إن خيفان هو ابن عرانة بالنون. والله أعلم. قال بعض الرواة: بلغتنا وفاة سماك بن عبد الصمد بطرسوس في رمضان سنة اثنين وثمانين ومئتين. سمرة بن سهم الأسدي ويقال القرشي من أهل الكوفة. قدم دمشق. حدث سمرة بن سهم قال: حدث سمرة بن سهم قال: نزلت على أبى هاشم بن عتبة وهو طعن، فدخل عليه معاوية يعوده، فبكى فقال له معاوية: ما يبكيك؟ أوجع يسوؤك أم الدنيا قد ذهب صفوها؟ فقال: لا، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلي عهداً فوددت أني تبعته، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لعلك أن تدرك أموالاً تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله، فوجدت فجمعت. السمط بن ثابت بن يزيد ابن شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة الكندي حمصي من أشراف حمص، قدم دمشق في عسكر من أهل حمص للطلب بدم الوليد بن يزيد، فهرب الجيش بقرب عذراء، ودخل السمط دمشق فبايع يزيد بن الوليد الناقص. كان شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة بن عدي ين ربيعة بن معاوية الكندي الجاهلي قد وفد على سيدنا رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، من ولده السمط بن ثابت بن يزيد بن شرحبيل. كان خرج على مروان بن محمد، فظفر به مروان فصلبه،

سمعان بن هبيرة بن مساحق

وابنه عبد الله بن السمط كان من أشراف أهل الشام فقتله عبد الله بن سعيد الجرشي أيام ولي حمص لمحمد بن هارون، وقتل معه ابنيه أحمد وأبا الأسود. حدث أبو إدريس الخولاني أنه كان مع شرحبيل بن السمط في سرية، وأنهم صبحوا عند صلاة الفجر قرية في مغارهم ينظرون إلى أهلها حتى انتشوا لهم، فصلوا مفترقين على خيولهم مستقبلي جوف الشام، فصلى من كان مع شرحبيل تلك الصلاة، ونزل مالك الأشتر عن فرسه فاستقبل القبلة يصلي، فاستحوذ شرحبيل وأصحابه على القرية ومن فيها، فذكر لابن السمط ما فعل ما لك الأشتر فقال شرحبيل: خالف مخالف خالف الله به فقتله الله مخالفاً، فسئل أبو إدريس عن تلك الصلاة أراغبين صليتموها أم راهبين قال بل راغبين. وروي هذا الحديث عن السمط بن ثابت، أو ثابت بن السمط. قالوا: وهي عن شرحبيل أصح. سمعان بن هُبيرة بن مساحق ابن بُجير بن عمير بن أسامة بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مالك لن نصر بن قعين. لما أراد معاوية أن يبايع أهل الأمصار ليزيد كتب إلى زياد أن يوفد عليه وجوه أهل الكوفة، فلما اجتمع أهل البصرة والكوفة عند معاوية قام أبو سمال الأسدي فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، لا ينفع الحذر القدر، ولا يغلب الجهل القضاء، ولا يملك الناس تغيير النعماء، وليس أمير المؤمنين بالذي يعطينا ولا يمنعنا، ولا بالذي يضعنا ولا يرفعنا، ولكن الله هو الرافع الخافض، المعطي

سمعون التغلبي

المانع، والأمور بيده وهو يديرها في خلقه كما يشاء، نحن يا أمير المؤمنين رعية أنت مسؤول عنها ومجازى بما عملت فيها، ولا تعذر بفسادها، فقال له معاوية وهو يستنطقه: لكن أهل بيتك أنت راع عليهم ومسؤول عنهم، قال أبو سمال: والله إني لأضرب جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأقوّم جائرهم، وإنه ليدركني لهم رأفة الوالد ولده، والبعل زوجته، قال معاوية له: حاجتك يا أبا سمّال؟ فما عرّضت بذكر الولد والزوجة إلا لذلك، قال: مسألتي إياك يسيرة، وعطيتك إياي جليلة، فأخّر معاوية عطية سمال حتى كان اليوم الذي أذن للوفود برجوعهم إلى أمصارهم، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم وثلاثة مطارف وعشرة برود وعشر رواحل ونعلين وبرذون وفرس وغلام سائس ووصيف خباز وجارية بربرية. كان أبو السمّال ينادي مناديه في السوق والكتاتيب: من كان هاهنا من بني فلان وفلان ممن ليست له بها خطة فمنزله على أبي سمال، فاتخذ عثمان للأضياف منازل. عاش سمعان بن هبيرة، وهو أبو السمال الأسدي سبعاً وستين ومئة سنة. وهو الذي يقول من أبيات: من الطويل: وللموت خير لامرئ من حياته ... بدارة ذل غل بلايا يوقر يريد: على البلايا، قال أبو حاتم: وآخر حرف في كتاب سيبويه: علْ ماء بنو فلان، يريد الماء. سمعون التغلبي شاعر وفد على عبد الملك بن مروان. كلم سمعون التغلبي عبد الملك بن مروان بشيء أغضبه، فرماه بخرز كان في يده فضحك به قوم من بني تميم فقال: من الطويل: أمن خذفةٍ عرضاً تباشرتْ ... عدات فلا عار علي ولا نكرُ فإن أمير المؤمنين وفعلهُ ... لكالدهر لا عارُ بما فعل الدهرُ

سنان بن أبي منظور أبو الفضل

سنان بن أبي منظور أبو الفضل ويقال: ابن أبي منظور أبو الفضل مولى واثلة بن الاسقع. حدث سنان مولى واثلة قال: توفي ولد للربان وشهده واثلة. فلما انصرفوا من المقبرة قعد واثلة عند باب دمشق، فمر به الربان، فقال له واثلة: يا أبا سعيد، جبر الله مصيبتك، وغفر لمتوفاك، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من دفن ثلاثة من الولد احتسبهم حرم الله عليه النار ". سندي بن شاهك أبو نصر مولى المنصور. أمير دمشق من قبل موسى بن عيسى بن علي في خلافة الرشيد. قال السندي: لما ظفر المنصور برجل من كبرياء بني أمية، فقال: إني أسألك عن أشياء فاصدقني ولك الأمان، قال: نعم، فقال له المنصور: من أين أُتي بنو أمية حتى انتشر أمرهم؟ قال: من تضييع الأخبار. قال: فأي الأموال وجدوها أنفع؟ قال: الجوهر. قال: فعند من وجدوا الوفاء؟ قال: عند مواليهم، قال: فأراد المنصور أن يستعين في الأخبار بأهل بيته، ثم قال: أضع من أقدارهم، فاستعان بمواليه. وفي سنة ست وسبعين ومئة تهدم سور مدينة دمشق، هدمه السندي بن شاهك رجل من أهل السن، وكان دميم الخلق. وكان أمير الشام كلها موسى بن عيسى. وكان السندي بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الملاح ولا الحائك. كان يجعل القول قول المدعي، وكان يقول كثيراً: اللهم، إني أستخيرك في الجمال ومعلم الكتاب. توفي السندي ببغداد سنة أربع ومئتين.

سند بن يحيى بن سند

سند بن يحيى بن سند أبو صالح المعري حدث سند بن يحيى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن الله يجوز لكم عن صدقة الخيل والرقيق. سواد بن قارب الأزدي ويقال السدوسي له صحبة ووفادة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من أهل الشراة من جبال البلقاء. دخل سواد بن قارب السدوسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: نشدتك بالله يا سواد بن قارب هل تخشى اليوم من كهانتك شيئاً؟ قال: سبحان الله يا أمير المؤمنين، والله ما استقبلت أحداً من جلسائك بمثل الذي استقبلتني به، فقال عمر: سبحان الله يا ساد، ما كنا عليه من شركنا أعظم مما كنت عليه من كهانتك، والله يا سواد لقد بلغني عنك حديث، إنه لعجب من العجب قال: إي والله يا أمير المؤمنين، إنه لعجب من العجب، قال: فحدثنيه. قال: كنت كاهناً في الجاهلية، فبينا أنا ذات ليلة إذ أتاني نجيّ، فضربني برجله ثم قال: يا سواد، اسمع أقل لك، قال: قلت: هات. قال: من السريع عجبت للجن وأنجاسها ... ورحلها العين باحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل أرجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينك إلى راسها قال: فنمت، ولم أحفل بقوله شيئاً. فلما كانت الليلة الثاني أتاني فضربني برجله ثم قال: يا سواد، اسمع أقل لك قال: قلت: هات. قال: عجبت للجن وتطلابها ... ورحلها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الحي ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس المقاديم أذنابها قال: فحرك قوله مني شيئاً. قال: ونمت. فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني

برجله، وقال: يا سواد بن قارب أتعقل أم لا تعقل؟ قال: قلت: وما ذلك؟ قال: ظهر بمكة نبي يدعو إلى عبادة ربه الحق، اسمع، أقل لك، قال: قلت: هات. قال: عجبت للجن وأخبارها ... ورحلها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل كفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها وأحجارها قال: فعلمت أن الله قد أراد بي خيراً، فقمت إلى بردة ففتقتها فلبستها، ووضعت رجلي في غرز الناقة، ثم أقبلت حتى انتهيت إلى بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: إذا اجتمع المسلمون قمت، فقل: من الطويل أتاني نجي بعد هدء ورقدة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب ثلاث ليالٍ قوله كل ليلة ... أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت عن ذيل الإزار ووسطت ... بي الذعلب والوجناء غبر السباسب وأعلم أن الله لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب فمرنا بمهما شئت يا خير مرسل ... وإن كان فيما جاك شيب الذوائب زاد في رواية وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... سواك يمن عن سواد بن قارب قال: فسر المسلمون بذلك، فقال عمر بن الخطاب: هل تحس منها شيئاً؟ قال: أما منذ علمني الله القرآن فلا. وفي رواية: فقال له عمر: هل يأتيك رئيك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب الله من الجن.

سويبط بن سعد بن حرملة

وفي حديث آخر: ثم أنشأ عمر يقول: كنا يوماً في حي من قريش يقال لهم آل ذريح، وقد ذبحوا عجلاً لهم، والجزار يعالجه إذ سمعنا صوتاً من جوف العجل ولا نرى شيئاً: يا آل ذريح، أمر نجيح، صائح يصيح، بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله. سويبط بن سعد بن حرملة ابن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي بن كلاب أبو حرملة القرشي العبدري له صحبة من سيدنا رسول الله ص، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وقيل: إن اسمه سليط، وهو صاحب القصة المشهورة مع نعيمان لما خرجا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهم في تجارة إلى بصرى قبل فتح الشام، وقد ذكرناها في ترجمة سليط. وأكثر ما ينسب إلى جده، فيقال: سويبط بن حرملة. عن عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي قال: سمعت علياً يقول: بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا والزبير قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا: أخرجي الكتاب قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب أو لنقلعن الثياب، فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، ولم يكن لي فهم قرابة وأحببت أن أتخذ فيهم يداً إذ فاتني ذلك، يحمون بها قرابتي، وما فعلته كفراً ولا أريد أذى ولا أرضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد صدقكم، قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: إنه

سيود بن سعيد بن سهل

قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". وعن قيس بن أبي حازم قال: قال عمر بن الخطاب لأسماء: سبقناكم بالهجرة، فقالت: أجل والله، لقد سبقتمونا بالهجرة، وكنا عند العراة الحفاة، " يعني الحبشة " وكنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم جاهلكم ويفقه عالمكم ويأمركم بمعالي الأخلاق، وقالت: لآتين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأخبرنه، فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: للناس هجرة ولكم هجرتان. سيود بن سعيد بن سهل ابن شهريار أبو محمد المعروف بالحدثاني أصله من هراة. سمع بدمشق وبمصر وبغيرها. حدث سويد بن سعيد عن سويد بن عبد العزيز بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تبارك تعالى: " إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أعذبهما بعد ذلك " ". وبإسناده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله عز وجل: لأنا أعظم عفواً من أن أستر على عبدي ثم أفضحه، ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني. وحدث عن عيسى بن يونس بسنده عن عوف بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تفترق هذه الأمة بضعاً وسبعين فرقاة شرها فرقة يقيسون بالرأي، يستحلّون به الحرام، ويحرمون به الحلال ". وثقة قوم، وجرحه آخرون. وقال يحيى بن معين: هو حلال الدم.

سويد بن عبد العزيز بن نمير

قال أبو القاسم السهمي: سألت الدارقطني عن سويد بن سعيد فقال: تكلم فيه يحيى بن معين وقال: حدث عن أبي معاوية عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. " قال يحيى بن معين: وهذا باطل عن أبي معاوية لم يروه غير سويد، وجرح سويد لروايته لهذا الحديث. قال الشيخ أبو الحسن: فلم نزل نظن أن هذا كما قال يحيى وأن سويداً أتى أمراً عظيماً في روايته هذا الحديث حتى دخلت مصر في سنة سبع وخمسين، فوجدت هذا الحديث في مسند أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي المعروف بالمنجنيقي، وكان ثقة روي عن أبي كريب عن أبي معاوية ما قال سويد سواء وتخلص سويد، وصح الحديث عن أبي معاوية. توفي سويد بن سعيد بالحديثة سنة أربع وأربعين ومئتين. وكان بلغ مئة سنة. وقيل: توفي سنة أربعين ومئتين. سويد بن عبد العزيز بن نمير أبو محمد السلمي القاضي سكن دمشق. وكان شريك يحيى بن حمزة في القضاء، وكان يتقاضى إليه أهل الذمة. حدث سويد بن عبد العزيز عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع السنبل حتى ييبس. وحدث عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من نبي ولا وال إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن وُقي شرّها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه منهما. ما من نبي ولا وال إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن وُقي شرّها فقد وُقي، وهو من التي تغلب عليه منهما.

سويد بن عمرو الأنصاري

حدث أبو أيوب الخبائري الحمصي قال: رأيت سويد بن عبد العزيز بزق في ثوبه وقال: رأيت حميد الطويل بزق في ثوبه وقال: رأيت أنس بن مالك بزق في ثوبه وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزق في ثوبه. ولد سويد بن عبد العزيز سنة أربع ومئة وقيل: سنة ثمان وقيل: ولد سنة تسعين. قال يحيى: سويد بن عبد العزيز ليس بشيء، وكان قاضي دمشق بين النصارى، قيل له: فالمسلمون من يقضي بينهم؟ قال: يقضي لهم قاض آخر. توفي سويد سنة سبع وستين ومئة. قالوا: وهذا وهم. توفي سنة ثلاث وتسعين أو أربع وتسعين ومئة. وهو ابن أربع وثمانين سنة. سويد بن عمرو الأنصاري شهد عزوته مؤتة، من نواحي البلقاء من أعمال دمشق، واستشهد بها. حدث سويد بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلوا أرحامكم ولو بسلام ". قال محمد بن سعد: قالوا: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين وهب بن سعد وسويد بن عمرو وقتلا جميعاً يوم مؤتة شهيدين.

سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر

سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر ابن وداع بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن وف بن خزيم بن جعفي ابن سعد العشيرة بن مذحج وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن غريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ، أبو أمية الجعفي أدرك الجاهلية والإسلام، وقيل إنه صلى الله مع النبي، وشهد فتح اليرموك، وخطبة عمر بالجابية. حدث سويد بن غفلة قال: قدم علينا مصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذت بيده، فقرأت كتابه فإذا فيه: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، قال: فأتيته بناقة عظيمة ململمة، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا أخذت خيار مال امرئ مسلم؟ فأتيته بناقة من الإبل خيار فقبلها. وحدث سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبس الحرير إلا موضع اصبعين أو ثلاث أو أربع. قال سويد بن غفلة: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج وحرير فلبسناها، فقدمنا على عمر، ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلنا وسلمنا عليه قال: فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، قال: فقال بعض القوم: لو بلغه عنكم شر، وقال بعضهم فلعله في زيكم هذا الذي عليكم فضعوه، فإن هو فعل بكم هذا فقد بلغه عنكم شر، قال: فوضعنا ثيابنا تلك، وأتيناه فسلمنا عليه فرحب وساءلنا، ثم قلنا له: أتيناك فسلمنا عليك فشتمتنا ورجمتنا، وأتيناك الآن فسلمنا فرددت ورحبت بنا! قال: فقال: إنكم جئتم في زي أهل

الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان، وإنه لا يصلح من الديباج إلا هكذا وأشار بإصبعيه، وهكذا وأشار بثلاث أصابعه، وهكذا وأشار بأربع أصابعه. وفي حديث آخر: فخلعناه ولسبنا بروداً يمانية ثم أتيناه. فلما رآنا قال: مرحباً بالمهاجرين، إن الله عز وجل لم يرض الحرير والديباج لمن كان قبلكم، فيرضاه لكم؟ ثم فال: إن الحرير لا يصلح منه إلا هكذا. الحديث ... قال محمد بن سعد: سويد بن غفلة أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفد عليه فوجده وقد قبض فصحب أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً مع علي صفين. وقال أبو عبد الله منده: أدرك دفن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نفضوا أيدهم عنه. وروي عنه أنه قال: أنا أصغر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، ومات سنة ثمانين، وقيل: سنة إحدى وثمانين، وله عشرون سنة. وقيل: إحدى وثلاثون، وقيل: ثمان وعشرون ومئة. وقد روي عن سويد بن غفلة أنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدب الشعر، مقرون الحاجبين، واضح الثنايا، أحسن شعر وضعه الله عز وجل على رأس إنسان. وحدث أسامة بن أبي عطاء. أنه كان عند النعمان بن بشير إذا أقبل سويد بن غفلة فأرسل إليه فدعاه، والنعمان يومئذ أمير فقال: ألم يبلغني أنك صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ومرة لا بل مرار كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمع النداء كأنه لا يعرف أحداً من الناس. حدث عمران بن مسلم قال: مر رجل من صحابة الحجاج على مؤذن جعفي، والحجاج في قصره وهو يؤذن، فأتى

سهل بن إسماعيل بن سهل

الحجاج فقال: ألا تعجب من أني سمعت مؤذناً جعفياً يؤذن بالهجير!! فأرسل يجاء به، فقال: ما هذا الآذان: فقال: ليس لي أمر، إنما سويد هو الذي أمرني بهذا، فأسل إلى سويد فجيء به فقال له الحجاج: ما هذه الصلاة؟ قال: صليتها مع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان، فلما ذكر عثمان جلس وكان مضطجعاً، فقال: أصليتها مع عثمان؟ قال: نعم. قال: لا تؤمن قومك، وإذا رجعت فسب علياً، قال: نعم، سمع وطاعة، فلما أدبر قال الحجاج: لقد عهد الشيخ الناس وهم يصلون الصلاة هكذا. وكان سويد يؤم قومه في رمضان في القيام، وقد أتى عليه عشرون ومئة سنة، وتزوج بكراً وهو ابن ست عشر ومئة. وقال علي بن صالح: بلغ سويد بن غفلة عشرين ومئة سنة، ولم ير محتبيا قط، ولا متساند قط، وأصاب بكراً، يعني في العام الذي توفي فيه. وقال عمران بن مسلم: كان سويد بن غفلة إذا قيل له: أعطي فلان وولي فلان قال: حسبي كسرتي وملحي. وقال خيثمة: أوصي سويد بن غفلة قال: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحداً، ولا تقربوا قبري جصاً ولا أجراً ولا عوداً، ولا تصحبني امرأة ولا تكفنوني إلا في ثوبي. سهل بن إسماعيل بن سهل أبو صالح الطرسوسي الجوهري القاضي، المعروف بسهلان سمع بدمشق وغيرها. حدث سهل بن إسماعيل سنة أربعين وثلاث مئة عن أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم بسنده عن جرير بن عبد الله البلجي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله.

سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد

وحدث أيضاً عن أبي إبراهيم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن عبادة الواسطي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم. وكأني بأهل لا إله ألا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقول الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. " وحدث عن محمد بن نصير الكاتب بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية. سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد أبو الفرج الإسفراييني الصوفي سمع ببغداد وبدمشق وبمصر وبغيرها. حدث سهل بن بشر عن أبي علي الحسن بن خلف بن يعقوب بسنده عن انس بن مالك قال: عطس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمت - أو فشمت - أحدهما أو لم يشمت الأخر أو فسمته ولم يشمت الآخر، قال: إن هذا حمد الله عز وجل فسمته وهذا لم يحمد الله فلم أشمته. توفي أبو الفرج سنة إحدى وتسعين وأربع مئة بدمشق، وكان مولده سنة تسع وأربع مئة. سهل بن الحسن بن محمد بن أحمد أبو العلاء البامي الصوفي المعروف بالكافي سكن دمشق مدة حدث سهل بن الحسن عن أبيه بسنده عن سهل بن سعد قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر: " لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فبات الناس أيهم يعطاه، وغدوا، كلهم يرجوه، قال: أين علي؟ قيل: يشتكي عينيه فبصق في عينيه، ودعا له فبرئ كأن لم يكن به وجع وأعطاه، فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: اتئد، على رسلك حتى تنزل بساحتهم، وادعهم

سهل بن داود بن ديزويه

إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. توفي أبو العلاء سنة ست وثلاثين وخمس مئة. سهل بن داود بن ديزويه أبو سعيد الشيباني النيسابوري الرازي سمع بدمشق حدث أبو سعيد عن هشام بن عمار بسنده عن أبي إمامة الباهلي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أربعة لعنهم الله من فوق عرشه، وأمنت عليهم الملائكة: مضل المساكين، قال خالد: الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلم أعطيك فإذا جاءه قال: ليس معي شيء، والذي يقول للمكفوف اتق البئر، اتق الدابة، وليس بين يديه شيء، والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها، والرجل يضرب الوالدين حتى يستغيثا. " وحدث عن هدبة بن خالد بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزة له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار " سهل بن أبي زينب قال سهل: كنت عند عمر بن عبد العزيز إذ قال: يا أبا قلابة، حدثنا، فقال أبو قلابة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رأيت أني أؤمكم إذ لحقني ظلال، وتقدمت ثم لحقني ظلال فتقدمت لحقني من أمتي يكونون من بعدي تلحق بي قلوبهم وأعمالهم ". قال: فقال عمر: أي والله يا أبا قلابة، ما كنت تسرنا بهذا الحديث قبل اليوم؟

سهل بن شعيب بن ربيعة

سهل بن شعيب بن ربيعة النخعي الكوفي قال سهل بن شعيب بن ربيعة الشعوذي: ركبت البريد إلى عمر بن عبد العزيز فانقطع بي في بعض أرض الشام، فركبت السخرة حتى أتيته، وهو بخناصرة قال: فسايرني، فقال: ما فعل جناح المسلمين؟ قلت: وما جناح المسلمين يا أمير المؤمنين؟ قال: البريد، قلت: انقطع في أرض كذا وكذا. قال: فعلى أي شيء أتيتنا؟ قلت: على السخرة. قال: سخرت دواب النبط في سلطاني؟ فأمر بي فضربت أربعين سوطاً. سهل بن صدقة الأموي مولى عمر بن عبد العزيز حدث عن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عالياً، فسئل عن البكاء؟ فقيل إن عمر بن عبد العزيز قد خير جواريه فقال: لقد نزل بي أمر شغلني عنكن، فمن أحبت أن أعتقها أعتقتها، ومن أرادت أن أمسكها لم يكن مني إليها شيء، فبكين أياساً منه. سهل بن عبد الله بن الفرخان أبو طاهر الأصبهاني العابد سمع بدمشق حدث سهل بن عبد الله عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حلق القفا بالموسى إلا عند الحجامة. كان سهل بن عبد الله مجاب الدعوة، وكان أهل بلده مفزعهم إلى دعائه عند النوائب والمحن، ودخل الحمام للتنظيف، فرأى بعض الناس عراة، فسأل ربه أن يكفيه أمر التنظيف ودخول الحمام، فسقطت شعرته فلم تنبت بعد ذلك. وكانت له شجرة جوز تحمل كل سنة

سهل بن عبد العزيز بن مروان

كثيراَ، فسقط منها رجل فاستعظم ذلك، وقال اللهم أيبسها فيبست فلم تحمل بعد ذلك، ولقي من الجهال فيما نقل من مذهب الشافعي، فإنه أول من حمل علم الشافعي رحمه الله مختصر حرملة بن يحيى عن الشافعي، فاستعظم ذلك الجهال الذين كانوا على مذهب أهل العراق فصبر على أذيتهم، ولم يعارضهم بشيء محتسباً إلى أن مضى حميداً رشيداً رحمه الله، توفي سنة ست وسبعين ومئتين، وقيل: سنة ست وتسعين ومئتين. سهل بن عبد العزيز بن مروان أخو عمر بن عبد العزيز قال عمر بن مهاجر: هلك سهل بن عبد العزيز أخو عمر فأمرني أن أحفر له، وقال: إذا حفرت له فلتكن قدر قامة أو إلى المنكب، فإن أعلى الأرض أطهر من أسفلها، ففعلت. قال مالك: قام عمر بن عبد العزيز إلى مصلاه، فذكر سهل بن عبد العزيز وعبد الملك ومزاحماً، فقال: اللهم أنك قد علمت ما كان من عونهم - أو معونتهم - إياي، فأخذهم فلم يزدني ذلك إلا حباً، ولا إلى ما عندك إلا شوقاً. ثم رجع إلى مجلسه. توفي بالشام سنة تسع وتسعين. سهل بن الحنظلية وهو سهل بن عمروا بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الأوس، الأنصاري الأوسي والحنظلية أمه. صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعه تحت الشجرة. وسكن دمشق. قال قيس بن بشر التغلبي: كان أبي جليساً لأبي الدرداء، فأخبرني قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له ابن الحنظلية، وكان رجلاً متوحداً ما يجالس الناس إنما هو في صلاة، فإذا انصرف فإنما هو في تسبيح وتكبير وتهليل حتى يأتي أهله، فمر بنا يوماً، ونحن عند أبي الدرداء

فسلم فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية فقدمت، فأتى رجل منهم فجلس في المجلس الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حيث لقينا العدو، فطعن فلان فلاناً، فقال: خذها وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى؟ قال: ما أراه إلا قد أبطل أجره، فقال الآخر: ما أرى بذلك بأساً، فتنازعا في ذلك، حتى سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبحان الله، لا بأس أن يؤجر ويحمد، قال: فسر بذلك أبو الدرداء فجعل يقول: أنت سمعت هذه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فجعل يقول: نعم. قال: فمر بنا ذات يوماً آخر فسلم فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعك ولا تضرك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره، فبلغ ذلك خريماً، فأخذ شفرة فقطع جمته إلى أذنيه ورفع إزاره إلى نصف ساقيه، قال: ثم مر بنا يوماً آخر، فسلم فقال أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا حالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كالشامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. قال سعيد بن عبد العزيز: كان لا يولد لابن الحنظلية، فكان يقول: لأن يكون لي سقط في الإسلام أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. وكان سهل بن الحنظلية فيمن بايع تحت الشجرة. وحدث جابر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة وحدث سعد مولى حاطب قال: قلت يا رسول الله، حاطب من أهل النار؟ قال: لن يلج النار أحد شهد بدراً وبيعة الرضوان. توفي سهل بن الحنظلية في صدر خلافة معاوية بن أبي سفيان.

سهل بن محمد بن الحسن أبو الحسن

سهل بن محمد بن الحسن أبو الحسن القايني الصوفي المعروف بالحساب سكن دمشق، وحدث بها وبالعراق وبغيرها. حدث سهل بن محمد بن الحسن القايني الفقيه، عن أبي نصر محمد بن الحسين الصوفي، بسنده عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ومن شعره: من الطويل إذا كنت في دار يهينك أهلها ... ولم تك محبوساً بها فتحول وأيقن بأن الرزق يأتيك أينما ... تكون ولو في قفر بيت مقفل ولاتك في شك من الرزق إن من ... تكفل بالأرزاق فهو بها ملي ومن شعر سهل أيضاً: من الطويل تمناه طرفي في الكرى فتجنبا ... وقبلت يوماً ظلّه فتغضّبا وخبّر أني قد عبرت ببابه ... لأخلس منه نظرة فتحجّبا ولو هبّت الريح الصّبا نحو أذنه ... بذكري لسبّ الريح أو لتعتّبا وما زاده عندي قبيح فعاله ... ولا الصدّ والهجران إلا تحببّا توفي سهل سنة سبع وأربعين وأربع مئة، وسمع يقول قبل موته بأيام: إن له سبعاً وسبعين سنة. حدث بكتاب المدخل إلى الإكليل من تصنيف الحاكم أبي عبد الله بن البيع. وكان يذهب إلى التشيّع.

سهل بن محمد بن شجاع

سهل بن محمد بن شجاع ويقال: ابن الحسين بن محمد أبو عثمان النيسابوري الواعظ قدم دمشق. حدث عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع بسنده عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل يلبس لبسة المرأة، المرأة تلبس لبس الرجل. سهل بن هاشم بن بلال أبو إبراهيم. ويقال أبو زكريا الخشني الواسطي ثم البيروتي. سكن دمشق. حدث سهل بن هاشم عن سفيان الثوري بسنده عن ثوبان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا راعه أمر قال: الله، الله ربي لا أشرك به شيئاً. وقال غيره: لا شريك له. سهل مولى عمر بن عبد العزيز سمع عمر بن عبد العزيز، وكان يؤدب ولده. وقال الحافظ: لا أحسبه إلا سهل بن صدقه الذي ذكرناه متقدماً. كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى سهل مولاه: أما بعد، فإني اخترتك على علم مني بك لتأديب ولدي، وصرفهم إليك عن غيرك من موالي وذوي الخاصة بي، فخذهم بالخفاء فهو أمغر لأقدامهم، وترك الصبحة فإن عادتها تكسب الغفلة، وقلة الضحك فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك

سهم بن خنبش أبو خنبش

بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعارف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب إلى الماء، ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء يتتبع به، وليفتتح كل غلام منهم بجزء من القرآن يتثبت في قراءته، فإذا فرغ منه تناول فرسه ونبله وخرج إلى العرض حافياً فرمى سبعة أرشاق ثم انصرف إلى القائلة، فإن ابن مسعود كان يقول: يا بني، قيلوا فإن الشياطين لا تقيل. والسلام على من اتبع الهدى. سهم بن خنبش أبو خنبش ويقال أبو خنيس الأزدي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدث بقصة أهل الدار وقتل عثمان، وكان قد شهده. حدث أن ركب الأشقياء من أهل مصر أتوه قبل ذلك، فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق انصرفوا، فخرج عثمان فصلى إما صلاة الغداة وإما صلاة الظهر، فحصبه أهل المسجد وقذفوه بالحصا والنعال والخفاف، فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس في أناس، فكانوا يطوفون على البيوت، فإذا هم بركب الأشقياء قد دخلوا المدينة وأقبل ناس حتى قعدوا على باب الدار ومعهم وعليهم السلاح فقال عثمان لغلام له يقال له وثاب: خذ مكتلاً من تمر والمكتل معه، فانطلق به إلى هؤلاء القوم، فإن أكلوا من طعامنا فلا بأس بهم، وإن أشفقت منهم فارجع، فانطلق بالمكتل فلما رأوه رشقوه بالنبل، فانصرف الغلام وفي منكبه سهم، فخرج عثمان ومن معه إليهم، فأدبروا وأدركوا رجلا يمشي القهقرى، قال: فأخذناه فأتينا به عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، والله، ما نريد قتالك وكنا نريد معاتبتك، فأعتب قومك وأرضهم، فأقبل على أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، فلعلهم ذلك يريدون فخلوا سبيله. قال: فخلينا سبيله، وخرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: الله الله يا عثمان في دماء المؤمنين فانصرف إلى الدار.

فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الغداة، فقال: أشيروا، فلم يتكلم من القوم أحد غير عبد الله بن الزبير فقال: أشير عليك بثلاث خصال، فاركب أيهن شئت. إما أن نهلّ فتحرم عليهم دماؤنا وإلى ذلك ما قد أتانا مددنا من الشام، قال: وقد كان عثمان كتب إلى أهل الشام عامة وإلى أهل دمشق خاصة، أني في قوم قد طال فيهم عمري واستعجلوا القدر، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف إلى جبل الدخان وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن أفتديهم، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب وإن باعونا، ولا أمير عليكم دوني. وإما نهرب على نجائب سراع لا يدركنا أحد حتى نلحق بمأمننا من الشام. وإما أن نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل، فنحن على الحق وهم على الباطل. فقال عثمان: أما قولك أن نهل بعمرة تحرم عليهم دماؤنا فوالله لو لم يكونوا يرونها اليوم حراماً لا يحرمونها إن نحن أهللنا، وأما قولك أن نهرب إلى الشام فوالله أني لأستحي أن آتي أهل الشام هارباً م قومي وأهل بلدي، وأما قولك نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل فنحن على الحق وهم على الباطل فوالله أني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولم أهرق محجما من دماء المؤمنين. قال: فمكثنا أياماً، ثم إنا صلينا معه صلاة الصبح، فلما فرغ أقبل الناس علينا بحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي: صم يا عثمان فإنك مفطر عندنا، وأنا أشهدكم أني قد أصبحت صائماً وأعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إلا خرج من الدار سالماً مسلماً منه فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن خرجنا لم نأمنهم على أنفسنا، فأذن لنا فلنكن في بيت من الدار يكون لنا فيه جماعة ومنعة، فأذن لهم، فدخلوا البيت وأمر بباب الدار ففتح فدعا بالمصحف وأكب عليه وعنده امرأتاه بنت الفرافصة الكلبية وابنة شيبة، فكان أول من دخل عليه محمد بن أبي بكر فمشى إليه حتى أخذ بلحيته فقال:

دعها يا ابن أخي، فوالله إن كان أبوك ليلهف لها بأدنى من هذا، فاستحيا فخرج، فقال: قد أشعرته لكم، وأخذ عثمان ما امتعط من لحيته، فأعطاه إحدى امرأتيه، ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير مخدد، عداده من مراد، ومعه جرز من حديد، فاستقبله فقال: على أي ملة أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كنت من المشركين، فقال: كذبت وضربه بالجزر على صدغه الأيسر فقتله فخر، وأدخلته بنت الفرافصة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة ضليعة، وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقي من جسده، فدخل رجل من أهل مصر بالسيف مصلتاً، فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة فغلبته، فكشف عنها درعها من خلفه حتى نظرت إلى متنها، فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها، فقبضت على السيف فقطع أناملها، فقالت: يا رباح، وهو غلام أسود لعثمان أعن على هذا، فمشى إليه الغلام، فضربه ضربة بالسيف فقتلهن ثم أن الناس دخلوا الدار فلما رأوا الرجل قد قتل، وأن المرأتين لا يتركانه، ندم ناس من قريش. واستحيوا، فأخرجوا الناس وثار أهل البيت لهم، فاقتتلوا على باب الدار، فضرب مروان بن الحكم بالسيف على العاتق، فخر فضرب رجل من أهل مصر المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: تعس قاتل المغيرة، فألقى سلاحه ثم أدبر هارباً يلتمس التوبة، وأمسينا فقلنا: إن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقوا إلى بقيع الغرقد فامصا له من جوف الليل، ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا هبناهم حتى كدنا بأن نفترق عنه، فنادى منهم: ألا روع عليكم. اثبتوا، فإنما جئنا لنشهده معكم، وكان أبو خنيس يقول: هم ملائكة الله، فدفناه، ثم هربنا من ليلتنا إلى الشام، فلقينا أهل الشام بوادي القرى عليهم حبيب بن مسلمة.

سهيل بن عمرو بن عبد شمس

سهيل بن عمرو بن عبد شمس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو يزيد العامري القرشي الأعلم أحد خطباء قريش. له صحبة. أسلم يوم فتح مكة، وخرج إلى الشام مجاهداً في جماعة من أهل بيته، وهلك بالشام وقيل: إنه قتل باليرموك وشهد مع المشركين بدراً، وكان يقال له: ذو الأنياب. حدث أبو سعد أبي فضالة الأنصاري، وكانت له صحبة قال: اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام ليالي أغزانا أبو بكر الصديق، فسمعت سهيلاً يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير من عمله عمره في أهله. قال سهيل: وأنا أرابط حتى أموت ولا أرجع إلى مكة أبداً، فلم يزل بالشام حتى مات بها في طاعون سنة ثمان عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. وعن سهيل بن عمرو قال: لقد رأيت يوم بدر رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون. وكان سهيل أعلم الشفة، وكان من أشراف قريش، أسره يوم بدر مالك بن الدخشم فقال في ذلك مالك: من المتقارب أسرت سهيلاَ فلن أبتغي ... أسيراً به من جميع الأمم وخندف تعلم أن الفتى ... سهيلاً فتاها إذا تصطلم ضربت بذي الشفر حتى انثنى ... وأكرهت سيفي على ذي العلم

ذو الشفر لقب سيفه فقدم مكرز بن حفص بن الآخيف العامري ثم المعيصي فقاطعهم على فدائه. وفي رواية: فانتهى إلى رضاهم في سهيل أرفع الفداء: أربعة آلاف وقال لهم: اجعلوا أرجلي في القيد مكان رجليه حتى نبعث إليكم بالفداء، ففعلوا ذلك به، وبعث سهيل بالمال مكانه من مكة، وفي ذلك يقول مكرز بن حفص: من الطويل فديت بأذواد كرام سبا فتى ... ينال الصميم غرمها لا المواليا وقلت سهيل خيرنا فاذهبوا به ... لأبنائنا حتى يديروا الأمانيا ولما استنفر أبو سفيان بن حرب قريشاً لعيرها قام سهيل بن عمرو قال: يال غالب، أتاركون أنتم محمد والصباة من أهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم؟! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة، فقال في ذلك أمية بن أبي الصلت: من الكامل أأبا يزيد رأيت سيبك واسعاً ... وسجال كفك تستهل وتمطر بسطت يداك بفضل عرفك والذي ... يعطي يسارع في العلاء فيظفر فوصلت قومك واتخذت صنيعة ... فيهم تعد وذو الصنيعة يشكر ونمى ببيتك في المكارم والعلا ... يابن الكرام فروع مجد تزخر وجحاجح بيض الوجوه أعزة ... غر كأنهم نجوم تزهر إن التكرم والندى عامر ... أخواك ما سلكت لحج عزور عزور: رمل بالجحفة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسهيل أسير: دعني

أنزع حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً أبداً، وكان سهيل أعلم مشقوق الشفة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعله يقوم مقاماً نحمده، فأسلم سهيل في الفتح، وقام بعد ذلك بمكة خطيباً حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وماج أهل مكة، وكادوا يرتدون، فقام فيهم سهيل بمثل خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالمدينة، وكأنه كان يسمعها، فسكن الناس، وقبلوا منه، وأمير مكة يومئذ عتاب بن أسيد. وسهيل بن عمر ((والذي جاء في الصلح يوم الحديبية، فقال سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه: قد سهل أمركم، فكاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاب القضية هو. وكان سهيل بن عمرو بعد أن أسلم كثير الصلاة والصوم والصدقة، وخرج سهيل بجماعة أهله إلا ابنته هند إلى الشام مجاهداً حتى ماتوا كلهم هنالك. وعن قتادة في قوله تبارك وتعالى: " فقاتلوا أئمة الكفر " قال: أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، عتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول، وليس كما يتناول أهل البدع والشبهات الفري على الله وعلى كتابهوعن سالم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم ألعن فلاناً، اللهم، العن الحارث بن هشام اللهم، ألعن سهيل بن عمرو، اللهم، ألعن صفوان بن أمية. قال: فنزلت هذه الآية: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون " قال: فتيب عليهم كلهم. حدث عامر ين سعد عن أبيه قال: رميت يوم بدر سهيل بن عمرو فقطعت نساه فأتبعت أثر الدم حتى وجدته قد أخذه مالك بن الدخشم، وهو آخذ بناصية، فقلت: أسيري رميته، فقال مالك: أسيري أخذته

فأتيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذه منهما جميعاً، فأفلت سهيل بالروحاء من مالك بن الدخشم، فصاح في الناس، فخرج في طلبه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وجده فليقتله، فوجده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه فلم يقتله، وقيل: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجده بين سمرات، فأمر به فربطتداه إلى عنقه ثم قربه إلى راحلته فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة، فلقي أسامة بن زيد وهو على راحلته القصواء، فأجلسه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه، وسهيل مجنوب، يداه إلى عنقه. فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول الله، أبو زيد؟! قال: نعم، هذا الذي كان يطعم بمكة الخبز. ولما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وقدم بالأسرى وسودة بنت زمعة عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ، وذلك قبل أن يضرب الحجاب، قالت سودة: فأتينا فقيل لنا: هؤلاء الأسرى قد أتي بهم، فخرجت إلى بيتي ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وإذا أبو يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت: أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم ألا متم كراماً، فوالله ما راعني إلا قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيا سودة، أعلى الله وعلى رسوله؟ قلت: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق إن ملكت حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت. قال الحسن بن محمد. قال عمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيباً في قومه أبداً، فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوماً. قال: ولما مات سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفر منه أهل مكة، فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة وقال: من كان محمد إلهه فإن محمد قد مات، والله حي لا يموت. ولما فتح رسول الله مكة، دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، وصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون؟ وما تظنون؟ فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً، ونظن خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: "

لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي إلا سدانة البيت وسقاية الحاج " قال سهيل بن عمرو: لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وظهر انقحمت بيتي وأغلقت علي بابي، وأرسلت إلى ابني عبد الله بن سهيل أن أطلب لي جواراً من محمد، فإني لا آمن أن أقتل، قال: وجعلت أتذكر أثري عند محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فليس أحد أسوأ أثراً مني، وإني لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية بما لم يلقه أحد، وكنت الذي كاتبه مع حضوري بدراً وأحداً، وكلما تحركت قريش كنت فيها، فذهب عبد الله بن سهيل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أبي تؤمنه؟ فقال: نعم، هو آمن بأمان الله، فليظهر، فليخرج، فلعمري إن سهيلاً له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافع، فخرج عبد الله إلى أبيه فخبره بمقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سهيل: كان والله برّاَ صغيراً وكبيراً، فكان سهيل يقبل ويدبر، وخرج إلى حنين مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على شركة حتى أسلم بالجعرانة. زاد في رواية: وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ من غنائم حنين مئة من الإبل. قال سعيد بن مسلم: لم يكن أحد من كبراء قريش الذي تأخر إسلامهم، فأسلموا يوم فتح مكة، أكثر صلاة ولا صوماً ولا صدقة، ولا أقبل على ما يعينه من أمر الآخرة من سهيل بن عمرو، حتى إن كان لقد شحب وتغير لونه، وكان كثير البكاء رقيقاً عند قراءة القرآن. لقد رئي يختلف إلى معاذ بن جبل، يقرئه القرآن، وهو يبكي حتى خرج معاذ من مكة، حتى قال له ضرار بن الخطاب: يا أبا يزيد، تختلف، إلى هذا الخزري يقرئك القرآن! ألا يكون

يختلف إلى رجل من قومك من قريش؟ فقال: يا ضرار، هذا الذي صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق، لعمري أختلف إليه، ووضع الإسلام أمر الجاهلية، ورفع الله أقواماً بالإسلام كانوا في الجاهلية لا يذكرون، فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا، وأني لأذكر ما قسم الله في تقدم إسلام أهل بيتي الرجال والنساء، مولاي عمير بن عوف فأسر به وأحمد الله عليه، وأرجو أن يكون الله نفعني بدعائهم، ألا أكون مت على ما مات عليه نظرائي، وقتلوا. قد شهدت مواطن كلها أنا فيها معاند للحق: يوم بدر، ويوم أحد، والخندق وأنا وليت أمر الكتاب يوم الحديبية، يا ضرار، أني لأذكر مراجعتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وما كنت ألظ به من الباطل، فأستحي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا بمكة وهو بالمدينة ولكن ما كان فينا من الشرك أعظم من ذلك، ولقد رأيتني يوم بدر وأنا في حيز المشركين، وأنظر إلى ابني عبد الله ومولاي عمير بن عوف قد فرا مني فصارا في حيز محمد، وما عمي عليّ يومئذ من الحق، لما أنا فيه من الجهالة وما أرادهما الله به من الخير، ثم قتل ابني عبد الله بن سهيل يوم اليمامة شهيداً عزاني به أبو بكر وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الشهيد ليشفع لسبعين من أهل بيته، فأنا أرجو أن يكون أول من يشفع له. وكان أبو بكر الصديق يقول: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذ قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه. والعباد يعجلون، والله لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد، لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائماً عند المنحر يقرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدية ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينحرها بيده، ودعا الحلاق فحلق رأسه، ونظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إباءه أن يقرّ يوم الحديبية بأن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويأبى أن يكتب محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمدت الله الذي هداه للإسلام، وصلوات الله وبركاته على نبي الرحمة الذي هدانا به وأنقذنا به من الهلكة. بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم، فبعث إليه براويتين وجعل كرا غوطيا.

وعن أبي عمرو بن عدي بن الحمراء الخزاعي قال: نظرت إلى سهيل بن عمرو يوم جاء نعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكة، وقد تقلد السيف ثم قام خطيباً بخطبه أبي بكر التي خطبت بالمدينة كأنه كان يسمعها، فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقد نعى الله نبيكم إليكم، وهو بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم فهو الموت حتى لا يبقى أحد، ألم تعلموا أن الله قال: " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال: " وما محمد إلا برسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " وقال: " كل نفس ذائقة الموت " ثم تلا: " كل شيء هالك إلا وجهه " فاتقوا الله واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم وكلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، وقد جمعكم الله على خيركم. فلما بلغ عمر كلام سهيل بمكة قال: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن ما جاء به حق، هذه هو المقام الذي عنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: لعله يقوم مقاماً لا تكرهه. سئل سعيد بن المسيب عن خطباء قريش في الجاهلية فقال: الأسود بن المطلب بن أسد، وسهيل ين عمرو، وسئل عن خطبائهم في الإسلام، فقال: معاوية وابنه، وسعيد وابنه، وعبد الله بن الزبير. قال سفيان الثوري: حضر باب عمر الخطاب جماعة من مشيخة الفتح وغيرهم، فيهم سهيل بن عمرو عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فخرج الإذن أين صهيب؟ أين عمار؟ أين سلمان؟ ليدخلوا. فتمعرت وجوه القوم، فقال سهيل: لم تمعر وجوهكم؟ دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، فلئن حسدتموهم على باب عمر فما أعد الله لهم في الجنة أكثر من هذا.

سلامة بن بحر أبو الفرج القاضي

وفي حديث بمعناه: والله، لا أدع موقفاً وقفته مع المشركين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وقفت على المشركين مثله، ولا أنفقت نفقة مع المشركين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنفقت على المشركين مثله. قال ابن الأعرابي: استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء، وهم صرعى، فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه. قال: أتي عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمرو ينظر إليه، فقال: ابدؤوا بذا، فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال: ابدؤوا بهذا، فماتوا كلهم قبل أن يشربوا، فمر بهم خالد بن الوليد فقال: بنفسي أنتم. سهيل بن ميسرة، أبو سفيان الفلسطيني الرملي. قدم دمشق. قال سهيل: سمعت عطاء الخراساني يقول: إذا صلى الرجل وصاحبه تقدمه بمنكبه. وحدث عنه قال: ما أحدث رجل وضوءاً إلا أحدث الله عز وجل له مغفرة، وإذا أم الرجل صاحبه فليتقدمه بمنكبه، وليكن الإمام منهما عن يسار صاحبه. وقال سهيل: سمعت عطاء الخراساني يقول: أهدي إلى أهل بيت رأس شاة، فقالوا: إن جيراننا هؤلاء أحوج إليه منا، فبعثوا به إليهم فلم يزالوا يتهادونه حتى رجع إلى الأول. سلامة بن بحر أبو الفرج القاضي أحد قضاة سيف الدولة. له شعر رقيق منه قوله: من السريع من سره العيد فما سرني ... بل زاد في همي وأشجاني لأنه ذكرني ما مضى ... من عهد أحبابي وإخواني

سلامة بن بشر بن بديل

سلامة بن بشر بن بديل أبو كلثم العذري الدمشقي حدث عن يزيد بن السمط عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان. وحدث سلامة بن بشر عن صدقه بن عبد الله بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو أن للإنسان واديين مال لابتغى وادياً ثالثاً؛ ولا يملأ نفس الإنسان إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. سلامة بن عبد الله بن نعيم قال سلامة: رأيت عمر بن عبد العزيز خرج إلينا يوم جمعة، فخطب على المنبر، وإنما عليه ثوب رطب، كأنما غسل تلك الساعة، قال: فظننا ما له ثوب غيره. سلامة بن علي الفارقي سمع بدمشق حدث سلامة بن علي الفارقي عن عبد الوهاب بن الحسن بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الناس كإبل مئة، لا تكاد تجد فيها راحلة. سلامة بن محمد بن ناهض ويقال سلام أبو بكر الترياقي المقدسي سمع بدمشق وغيرها. حدث سلامة بن ناهض عن هشام بن عمار بسنده عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: دخل عوف بن مالك المسجد متوكئاً على ذي الكلاع، وكعب يقص على الناس، فقال عوف لذي الكلاع: ألا تنه ابن أخيك هذا عما يفعل؟ فإني سمعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

سلامة بن محمد أبو الخير البغدادي

يقول: لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو محتال، فقال له ذو الكلاع ما قال عوف، فسأل كعب عوفاً فقال: أنت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول؟ قال: نعم، فقال كعب: ما أنا بأمير ولا مأمور ولا محتال. سلامة بن محمد أبو الخير البغدادي قدم دمشق حدث عن أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بسنده عن عبد الله بن سعيد قال: عرضت أحرف المعجم على الرحمن سبحانه وتعالى، وهي تسعة وعشرون حرفاً، فتواضع الألف بين الحروف، فشكر الله تعالى تواضعه، فجعله قائماً، وجعله مفتاح كل اسم من أسمائه. سلامة بن محمود بن محمد أبو الفرج الموصلي حدث عن عبد الله بن ثابت المحاربي بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يغتسل في صحن الدار فقال: إن الله حيي حليم ستير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر، ولو بجذم حائط. سلام بن سلمة ويقال ابن سليم كان يقرئ أولاد هشام بن عبد الملك. حدث عن عكرمة عن ابن عباس قال: قحط كل الناس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد معتماً بعمامة سوداء قد أرخى طرفيها بي يديه، والآخر بين منكبيه قوساً عربية، فاستقبل القبلة فكبر؛ وصلى بأصحابه ركعتين، جهر بالقراءة فيها، قرأ في الأولى: " إذا الشمس كورت " والثانية " والضحى " ثم قلب رداءه لتنقلب السنة، ثم حمد الله عز وجل،

وأثنى عليه، ثم رفع يديه فقال: اللهم ضاحت بلادنا وأغبرت أرضنا وهامت دوابنا، اللهم منزل البركات من أماكنها، وناشر الرحمة من معادنها بالغيث المغيث، أنت المستفغر للأنام، فنستغفرك للجمات من ذنوبنا، ونتوب إليك من عظيم خطايانا. اللهم أرسل السماء علينا مدراراً واكفاً مغزوزراً من تحت عرشك، من حيث ينفعنا غيثاً مغيثاً، دارعاً رائعاً ممرعاً طبقاً غدقاً خصباً، تسرع لنا به النبات، وتكثر لنا به البركات، وتقبل به الخيرات، اللهم، إنك قلت في كتابك " وجعلنا من الماء كل شيء حي " اللهم، فلا حياة لشيء خلق من الماء إلا بالماء، اللهم وقد قنط الناس، أو م نقد قنط منهم وساء ظنهم وهامت بهائمهم وعجت عجيج الثكلى على أولادها، إذ حبست عنا قطر السماء، فدق لذلك عظمها، وذهب لحمها، وذاب شحمها، اللهم. ارحم أنين الأنة وحنين الحانة ومن لا يحمل رزقه غيرك، اللهم، ارحم من البهائم الحائمة، والأنعام السائمة، والأطفال الصائمة، اللهم، ارحم المشايخ الركع، ولأطفال الرضع، والبهائم الرتع، اللهم، زدنا قوة إلى قوتنا، ولا تردّنا محرومين، إنك سميع بالدعاء، رحمتك يا أرحم الراحمين فما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جاءت السماء حتى أهمّ كلّ رجل منهم كيف ينصرف إلى منزله، فعاشت البهائم وأخصبت الأرض، وعاش الناس، كل ذلك ببركة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سلام بن سليمان بن سوار أبو العباس الأعمى حدث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به.

سلام بن أبي سلام منظور الحبشي

وحدث عن مسلمة بن الصلت بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألو شهر رمضان رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. سلام بن أبي سلام منظور الحبشي والد معاوية وزيد ابني سلام حدث عن أبي أمامة الباهلي أن رجلاً قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ما الإيمان؟ قال: إذا سرّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن. وحدث زيد بن سلام عن أبيه أو عن جده أن حذيفة بن اليمان لما أن أحتضر أتاه أناس من الأنصار، فقالوا له: يا حذيفة، لا نراك إلا مقبوضاً، فقال لهم: غب مسرور، وحبيب جاء على فاقة، لا أفلح ندم. اللهم، أني لم أشارك غادراً في غدرته، فأعوذ بك اليوم من صاحب السوء - وفي نسخة من صباح السوء - وكان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فقلت له: يا رسول الله، إنا كنا في شرّ فجاءنا الله بالخير فهل بعد ذلك الخير شر؟ فقال: نعم، قلت: كيف يكون؟ قال: سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولايستنون بسنتي، وسيقوم رجال قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنسان، قال: قلت: كيف أصنع إن أدركني ذلك؟ قال: اسمع الأمير الأعظم وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك.

سيابة بن عاصم بن شيبان

سيابة بن عاصم بن شيبان ابن خزاعي بن محارب بن مرة بن هلال، السلمي له وفادة على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسكن الشام. حدث سيابة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم حنين. أنا ابن العواتك. زاد في رواية من سليم حدث الشعبي أنه أتي به للحجاج موثقاً، فلما انتهي به إلى باب القصر، قال: لقيني يزيد بن أبي مسلم، فقال: إنا لله يا شعبي، لما بين دفتيك من العلم، وليس بيوم شفاعة بؤ للأمير بالشرك والنفاق على نفسك، فبالحري أن تنجو، ثم لقيني محمد بن الحجاج، فقال لي مثل مقالة يزيد. فلما دخلت على الحجاج قال: وأنت يا شعبي ممن خرج علينا وكثر؟! فقلت: أصلح الله الأمير، أحزن بنا المنزل، وأجدب الجناب، وضاق المسلك، واكتحلنا السهر، واستحلسنا الخوف، ووقعنا في خزية لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، قال: صدق والله، ما برّوا بخروجهم علينا، ولا قووا علينا حيث فجروا، أطلقوا عنه. ثم احتاج إلي في فريضة فأتيته، فقال: ما تقول في أخت وأم وجد؟ قلت: قد أختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن عباس، وزيد، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، فقال: ما قال فيها ابن عباس إن كان لمفتيا؟ قلت: جعل الجد أباً، ولم يعط الأخت شيئاً، وأعطى الأم الثلث، قال: فما قال فيها زيد؟ قلت:

جعلها من تسعة: أعطى الأم ثلاثة، وأعطى الجد أربعة، وأعطى الأخت سهمين، قال: فما قال: فيها أمير المؤمنين، يعني عثمان؟ قلت: جعلها ثلاثاً، قال: فما قال فيها ابن مسعود؟ قلت جعلها من ستة: أعطى الأخت ثلاثاً، والجد سهمين، والأم سهمين، قال: فما قال فيها أبو تراب؟ قلت جعلها ستة أعطى الأخت ثلاثة، وأعطى الأم سهمين، وأعطى الجد سهماً، إذ جاء الحاجب، وقال: إن بالباب رسلاً قال: ائذن لهم، قال: فدخلوا عمائمهم على أوساطهم، وسيوفهم على عواتقهم، وكتبهم بأيمانهم، ودخل رجل من بني سليم يقال له سيابة بن عاصم، فقال: من أين قال من الشام، قال: كيف أمير المؤمنين، كيف جسمه؟ فأخبره. فقال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم، أصابني فيما بيني وبين أمير المؤمنين ثلاث سحائب، قال: فانعت لي كيف كان وقع القطر؟ وكيف كان أثره وتباشيره؟ قال: أصابتني سحابة بحوران، فوقع قطر صغار، وقطر كبار، فكان الكبار لحمة الصغار، ووقع بسيط متدارك وهو السح الذي سمعت به، فواد سائل، وواد بارح، وأرض مقبلة وأرض مدبرة، وأصابتني سحابة بسوى القريتين ففاءت الأرض بعد الري وامتلأ الري وامتلأ الإخاذ وأفعمت الأودية، وجئتك في مثل وجار - أو مجر - الضبع. ثم قال: ائذن. فدخل رجل من بني أسد فقال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: لا، كثر الإعصار، واغبرت البلاد وأكل ما اشرف من الجنبة، فاستقينا انه عام سنة. قال: بئس المخبر أنت، قال: أخبرتك بالذي كان.

سيار مولى معاوية

قال: ائذن، فدخل رجل من أهل اليمامة، فقال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم، سمعت الرواد يدعون إلى ريادتها، وسمعت قائلاً يقول: هلموا أظعنكم إلى محلة تطفأ فيها النيران، وتشكى فيها النساء، ويتنافس فيها المعزى. قال الشعبي: فلم يدري الحجاج ما قال. قال: ويحك إنما تحدث أهل الشام فافهمهم، قال: أصلح الله الأمير أخصبت الناس فكان التمر والسمن والزبد واللبن فلا توقد نار يختبز بها. وأما تشكي النساء فإن المرأة تظل تربق بهمها، وتمخض لبنها، فتبيت ولها أمين من عضيدها كأنهما ليس منها. وأما تنافس المعزى فإنها ترعى من أنواع الشجر وألوان الثمر ونور النبات ما يشبع بطونها ولا يشبع عيونها فتبيت وقد امتلأت أكراشها، لها من الكظة جرة، فتبقى الجرة حتى تستنزل بها الدرة. قال: ائذن فدخل رجل من الموالي كان من أشد الناس في ذلك الزمان، فقال: هل كان وراءك من غيث؟ قال: نعم. ولكن لا أحسن أن أقول كما قال هؤلاء. قال: قل كما تحسن، قال: أصابتني سحابة بحلوان، فلم أزل أطأ في إثرها حتى دخلت على الأمير. قال: لأن كنت أقصرهم في المطر خطبة إنك لأطولهم بالسيف خطوة. العرب تقول: لا أفعل ذلك ما اختلفت الجرة والدرة، واختلافها أن الجرة تصعد والدرة تسفل. سيار مولى معاوية وقيل مولى خالد بن يزيد بن معاوية دمشقي. سكن بالبصرة. حدث سيار عن أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فضلني الله على الأنبياء "، أو قال: " على أمتي " أو قال: " على الأمم بأربع: أرسلت إلى الناس كافة، وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً، فأينما أدركت

سيار خادم عمر بن عبد العزيز

رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجد، وعنده طهور، ونصرت بالرعب يسير بين يدي مسيرة شهر، يقذف في قلوب أعدائي، وأحل لنا الغنائم ". وحدث سيار عن عايذ الله قال: الذي يتبع الأحاديث ليحدث بها لا يجد ريح الجنة. سيار خادم عمر بن عبد العزيز قال الحافظ: إن كان هذا هو الذي تقدم مولى آل معاوية، خدم عمر بن عبد العزيز فهو هو، وإن كان غيره. فسيار بأسماء الموالي أشبه. حدث سيار خادم عمر بن عبد العزيز قال: دخل على عمر فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، ورأيت عثمان، وهو يقول: خصمت علي ورب الكعبة، وعلي يقول: غفر لي ورب الكعبة. سيف بن أبي سيف حدث عن سعيد بن عبد العزيز عن ابنٍ لعبد الله بن حازم السلمي عن كعب إن العبد لا يبكي حتى يبعث الله إليه ملكاً فيمسح كبده بجناحه، فإذا مسح كبده بجناحه بكى. سيماه ويقال سيمويه البلقاوي كان نصرانياً شماساً فأسلم، ولقي سيدنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن إسلامه، وعاش عشرين ومئة سنة. حدث سيمويه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت من فيه إلى أذني، وحملنا القمح من البلقاء إلى المدينة، فبعنا، وأردنا أن نشتري تمراً من تمر المدينة، فمنعونا، فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرنا فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذين منعونا: " أما يكفيكم رخص هذا الطعام فيكم بغلاء هذا التمر الذي يحملونه، ذروهم يحملونه ".

أسماء النساء على حرف السين المهملة

أسماء النساء على حرف السين المهملة سارة بنت هازان بن ناحور ويقال سفوهن بن ناحور زوج سيدنا إبراهيم الجليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام. روي أنها كانت معه بعين الجر بدمشق. ولد لإبراهيم إسماعيل، وهو أكبر ولده، وأمه هاجر قبطيه، وإسحاق وكان ضرير البصر، وأمه سارة بن شوئل بن ناحور بن شاروغ بن أرغوا بن فالج بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح، وماتت سارة فتزوج إبراهيم امرأة من الكنعانيين يقال لها قنطورا. قال الضحاك: كان اسم سار يسارة. فلما قال لها جبريل: يا سارة، قالت سارة: إن اسمي يسارة فكيف تسميني سارة؟ قال الضحاك: يسارة العاقر من النساء التي لا تلد، وسارة الطالق الرحم التي تلد وتحمل الولد، فقال لها جبريل: كنت يسارة ولا تحملين، فصرت سارة تحملين الولد فترضعينه، فقالت سارة: يا جبريل. نقصت اسمي، قال جبريل: إن الله قد وعدك بأن يجعل هذا الحرف في اسم ولد من ولدك في آخر الزمان، وذلك أن اسمه عبد الله حي فسماه يحيى. خرج إبراهيم وقد جاوز كوثى ربى، وتزوج سارة بنت قوهن بن ناحور بعدما

أهلك الله الملك وأمره الله بالإجلاء عن بلاده، وأمره أن يلحق بالأرض المقدسة، وكان يوم تزوج وخرج من بلاد قومه إلى الأرض المقدسة ابن ثمانين سنة، ثم خرج وتزوج سارة وخرج معه هازان أخوه، ولوط بن هازان وهو ابن أخيه، فذلك قوله عز وجل: " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي "، فمضى مع إبراهيم وسارة فتزوجها إبراهيم على ألا يراها غيره، وكانت سارة من أحسن نساء العالمين. قال ابن عباس: قسم الله الحسن عشرة أجزاء فجعل منها ثلاثة أجزاء في حواء، وثلاثة أجزاء في سارة وثلاثة أجزاء في يوسف وجزءاً في سائر الخلق. فكانت سارة من أحسن نساء أهل الأرض، وكانت من أشد نسائهم غيرة. وعن ابن السائب قال: خرج إبراهيم من حوزان يؤم أرض بني كنعان حتى عبر الفرات إلى الشام فانحرف لسانه عن السريانية إلى العبرانية، وإنما سميت العبرانية لأنه تكلم بها إن عبر الفرات، ومضى حتى أتى أنتملك ملك بني كنعان بالشام وعظيمهم الذي يدين له عظماؤهم يومئذ، وكان ينزل عين الجر من أرض البقاع من جند دمشق، وكانت الشام يومئذ منسوبة إلى فلسطين فقال له أنتملك: إنه لا طاقة لي بمعاندة نمروذ، وقد جاورتنا مخالفاً له، فقال إبراهيم إن إلهي يمنعك منه، فأجار إبراهيم، وسأله أن يزوجه سارة، فقال: إنها زوجتي فلم يعرض لها، وقال: انزل حيث شئت من أرضنا، وبعث إلى عظماء النواحي يأمرهم بحفظه وحسن مجاورته فنزل اللجون " قرية من قرى الأردن - ثم تحول منها إلى أرض فلسطين فنزل ناحية منها يقال لها السبع من أرض بيت جبريل ثم تحول إلى قرية يقال لها حبرى في ما بين جبريل وبين البيت المقدس فأقام بها.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعي على آلهتهم " إني سقيم " وقوله " فعله كبيرهم هذا " وقوله لسارة " إنها أختي ". قال: ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار: من هذه معك؟ قال: أختي، قال: أرسل بها، فأرسل بها إليه، وقال لها: لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنك أختي وليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك، فلما دخلت إليه قام إليها. قال: فأقبلت توضأ وتصلي وتقول: اللهم، إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر، قال: فغط حتى ركد برجله، فقالت: اللهم، إنه إن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل، ثم قام إليها. قال: فقامت توضأ وتصلي وتقول: اللهم، إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر، قال: فغط حتى ركض برجله، فقالت اللهم، إنه إن يمت يقل هي قتلتني، قال: فأرسل، فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إلي إلا شيطاناً، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر قال: فرجعت فقالت لإبراهيم أشعرت أن الله رد كيد الفاجر وأخدم وليدة. وفي حديث آخر: أنها لما دخلت عليه وثب إليها فحبس عنها، فقال لها: ادعي إلهك الذي تعبدين أن يطلقني ولا أعود فيما تكرهين، فدعت الله فأطلقه، ففعل ذلك ثلاثاً ثم قال للذي جاء بها، أخرجها عني، فإنك لم تأت بإنسية، إنما أتيتني بشيطانه، فأخدمها هاجر، فرجعت إلى إبراهيم فاستوهبها منها فوهبتها له، فقال: فهي أمكم يا بني ماء السماء، يعني العرب. قال أبو الحسن المفسّر: لما أخذ صاحب مصر سارة من إبراهيم الخليل ذهب ليتناولها فأيبس الله يده في عنقه فقال لها: يا هذه، ما أطوع ربك لك حين دعوته علي، فقالت له: وأنت إن أطعته أطاعك.

وقيل إن الحُسن قسم نصفين: نصف ليوسف وسارة، ونصف بين الناس. وعن أبي هريرة: أن إبراهيم لم يولد له، فكانت سارة لا تلد. فلما رأت سارة ذلك أحبت أن تعرض هاجر على إبراهيم فكان يمنعها غيرتها. كانت هاجر ذات هيئة، فوهبتها سارة لإبراهيم، فقالت: إني أراها وضيئة فخذها لعل الله أن يرزقك منها ولداً، وكانت سارة قد مُنعت الولد، فلم تلد لإبراهيم حتى أيست. وكان إبراهيم قد دعى ربه " ربي هب لي من الصالحين " فأخرت الدعوة حتى كبر إبراهيم، وعقمت سارة. ثم إن إبراهيم وقع على هاجر فولدت له إسماعيل. فلما ولد إسماعيل اشتد حزنها على ما فاتها من الولد. ولما رأت سارة إبراهيم قد شغف بإسماعيل غارت غيرة شديدة، وحلفت لتقطعن عضواً من أعضاء هاجر، قال: فبلغ ذلك هاجر فلبست درعاً لها، وجرت ذيلها، فهي أول نساء العالمين جرت الذيل، وإنما فعلت ذلك لتعفي أثرها في الطريق على سارة فلن تقدر عليها، فقال لها إبراهيم: هل لك إلى خير؟ أن تعفي عنها وترضي بقضاء الله، فقالت: فكيف لي بما قد حلفت؟ قال: اخفضيها فتكون سنة للنساء وتبري يمينك، قالت: أفعلها فخفضتها، فمضت السنة للنساء في الخفض منها. وقيل: أنها لما غارت منها حلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف. فقال لها إبراهيم: هل لك أن تبري يمينك؟ قالت: كيف أصنع؟ قال: اثقبي أذنيها واخفضيها " والخفض هو الختان " ففعلت ذلك بها، فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسناً، فقالت سارة أراني إنما زدتها جمالاً فلم تقارهّ على كونها معه، ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكة، وكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها، وقلة صبره عنه. قال يحيى بن أبي رافع: في قوله عز وجل: " فأقبلت امرأته في صرة " قال: صيحة، فولولت.

ولما ولدت سارة لإبراهيم إسحاق جعل الكنعانيون يقولون: ألا تعجبون لهذا الشيخ ولهذه العجوز، وحدوا صبياً سقيطاً فأخذاه يزعمان أنه ولدهما، وهل تلد مثلها من النساء؟! فكون الله صورة إسحاق على صورة إبراهيم حتى لا يراه أحد إلا قال: والله، إنه لمن الشيخ. جاء جرير إلى عمر فشكا إليه ما يلقى من النساء، فقال عمر: إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة فتقول: ما تذهب إلا إلى فتيات بني فلان فلا تنظر إليهن؟ فقال ابن مسعود: أما بلغك أن إبراهيم شكا إلى الله من رداءة خلق سارة فقال له: إنها خلقت من الضلع، فألبسها على ما كان فيها، ما لم تر عليها خزية في دينها فقال عمر: لقد حشا الله بين أضلاعك علماً كثيراً وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولاد المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة، فإذا كان يوم القيامة دفعوهم إلى آبائهم. قال شعيب الجبائي: ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة، وذبح إسحاق وهو ابن تسع سنين وولدته سارة وهي ابنة تسعين، وكان مذبحه من إيلياء على ميلين. فلما علمت سارة أراد بإسحاق بطنت يومين وماتت في اليوم الثالث، وقيل ماتت سارة وهي بنت مئة سنة وسبع وعشرين سنة. ولما أراد إبراهيم ذبح إسحاق حزنت سارة حزناً شديداً، ومرضت من شدة الغم، وكان لإسحاق في ذلك الوقت سبع وثلاثون سنة، وقيل: تسع سنين، وكان أصابها البطن ثلاثة أيام.

سفانة بنت حاتم الطائية

سفانة بنت حاتم الطائية أخت عدي بن حاتم، ويقال عمته، وإن ثبت أن أسمها سفانة فهي أخته، أسلمت وحكت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدمت في طلب أخيها. عن عدي بن حاتم الطائي قال: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً إلى المدينة. فلم رأيت ذلك من أمره في علوه، وأنه تثب سراياه فتغير فلا يقوم بشيء قلت لنفسي: يا نفس، لو أني خلقت لي أجمالاً فإن أغير على النعم والغنم كان عندي ما أتحمل عليه، فخلفت عندي من الإبل ما أعلم أنه يحملني إن بليت ببلوى. فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني راعي الإبل بعصاه، فقلت له: ما وراءك؟ قال: قد أغير عل النعم، فقلت: ومن أغار عليها؟ قال: خيل محمد، قلت: يا نفس، هذا الذي كنت أحاذر، فأين الفرار؟ فقربت أجمالي وحملت أهلي لأنجو بهم، وكنت نصرانيا، فدخلت على عمتي، فقلت: ما عسى أن نصنع بمثل هذه وقد كبرت، فحملت امرأتي، فقالت عمتي: يا عدي، أما تتقي ربك، نتنجو بامرأتك وتدع عمتك! فقلت لها: وما عسى أن نصنع بك وأنت امرأة قد كبرت، فمضيت ولم ألتفت إلى عمتي، حتى وردت الشام فانتهيت إلى قيصر، وكان بأرض حمص فأدخلت عليه، فقلت له: إني رجل من العرب وأنا على دينك، وهذا الرجل قد تناولنا ببلدنا، فكان المفر منه إليك، فقال لي قيصر: اذهب فانزل بمكان كذا وكذا حتى نرى لك رأياً في أمره، فنزلت لذلك المكان، فمكثت به حيناً، فإني في بعض أيامي بهم وغم فإذا أنا بظعينة متوجهة نحونا. فلما انتهيت إليّ نظرت فإذا هي عمتي. فلما رأتني ابتدرتني فقالت لي: يا عدي، أما اتقيت ربك، نجوت بامرأتك مما تحاذره وتركت عمتك، وذكر الحديث. قال عبد الله بن أبي بكر بن حزم لموسى بن عمرا بن مناح وهما جالسان بالبقيع: تعرف سرية الفلس؟ قال موسى: ما سمعت بهذه السرية. قال: فضحك ابن حزم ثم قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً في خمسين ومئة رجل على مئة بعير وخمسين فرساً وليس وما

في السرية إلا أنصاري، وفيها وجوه الأوس والخزرج، فاجتنبوا الخيل، واعتقبوا على الإبل حتى أغاروا على أحياء من أحياء العرب، وسأل عن محلة آل حاتم فدل عليه، فشنوا الغارة مع الفجر، فسبوا حتى ملؤوا أيدهم من السبي والنعم والشاء، وهدم الفلس وخربه وكان صنماً لطيىء، ثم أنصرف راجعاً إلى المدينة. قالوا: وإن علياً عليه السلام، خرج ومعه راية سوداء ولواء أبيض، معهم القنا والسلاح الظاهر، وقد دفع رايته إلى سهل بن حنيف، ولواءه إلى جبار بن صخر السلمي، وخرج بدليل من بني أسد يقال له حريث خريتا فسلك بهم على طريق فيد، فلما انتهى بهم إلى موضع قال: إن بينكم وبين الحي الذي تريدونه يوماً تاماً، وإن ترناه بالنهار ووطئنا أطرافهم ورعاءهم، فأنذورا الحي فتفرقوا. فلم تصيبوا منهم حاجتكم، لكن نقيم يومنا هذا في موضعنا حتى نمسي، ثم نعتشي ليلتنا على متون الخيل فنجعلها غارة حتى نصبحهم في عماية الصبح، قالوا: هذا الرأي فعسكروا وسرحوا إبلهم واصطنعوا، وبعثوا نفراً منهم يتقصون ما حولهم، فبعثوا أبو قتادة والجباب بن المنذر وأبا نائلة فخرجوا على متون خيلهم يطوفون حول المعسكر، فأصابوا غلاماً أسود فقالوا: ما أنت: قال: أطلب بغيتي، فأتوا به علياً، فقال: من أنت؟ قال: باغ، قال: فشدوا عليه فقال: أنا غلام لرجل من طيئ من بني نبهان، أقرّوني في هذا الموضع، وقالوا: إن رأيت خيل محمد فطر إلينا فأخبرنا، وأنا لا أدرك شداً. فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم، ثم قلت: لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بين من عددكم وعدد خيلكم وركابكم، ولا أخشى ما أصابني، فلكأني كنت مقيداً حتى أخذتني طلائعكم. قال عليّ: اصدقنا ما وراءك؟ قال: أوائل الحي على مسيرة ليلة طرادة تصحبهم الخيل في مغارهم خبباً وعدواً، قال علي لأصحابه: ما ترون؟ قال جبار بن صخر: نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نصبح القوم وهم غارون فنغير عليهم ونخرج

بالعبد الأسود دليلاً ونخلف حريثاً مع العسكر حتى يلحقونا، إن شاء الله، قال علي: هذا الرأي. فخرجوا بالعبد الأسود والخيل تعادى، وهو ردف بعضهم عقبة، ثم ينزل فيردف آخر عقبة، وهو مكتوف. فلما رأى ابهار الليل كذب العبد، وقال: لقد أخطأت الطريق وتركتها ورائي، فقال علي: فارجع بنا إلى حيث أخطأت، فرجع ميلاً أو أكثر ثم قال: أنا على خطأ، فقال علي: أنا منك على خدعة، ما تريد إلا أن تتيهنا عن الحي قدموه، لتصدقنا أو لنضرب عنقك، قال: فقدم وسل السيف على رأسه، فلما رأى الشر قال: أرأيت أن صدقتكم أينفعني؟ قالوا: نعم، قال: فإني صنعت ما رأيتم، أنه أدركني ما يدرك الناس من الحياء، فقلت: أقبلت بالقوم أدلهم على الحي من غير محنة، ولا خوف منهم، فلما رأيت منكم ما رأيت، وخفت أن تقتلوني كان لي عذر، فأنا أحملكم على الطريق، قالوا: أصدقنا، قال: القوم منك قريب. فخرج بهم حتى انتهوا إلى أدنى الحي، فسمعوا نباح الكلاب وحركة النعم في المراح الشاه، فقال: هذا الأصرام وهي على فرسخ فنظر بعضهم إلى بعض، قالوا: فأين آل حاتم؟ قال: هم متوسطوا الأصرام قال القوم بعضهم لبعض: إن أفزعنا الحي تصايحوا وأفزع بعضهم بعض، فيغيب عنا إخوانهم في سواد الليل، ولكن نمهل حتى يطلع الفجر معترضاَ، فقد قرب طلوعه فنغير، فإن أنذر بعضهم بعضاَ لم يخف علينا أين أخذوا، وليس عند القوم خيل يهربون عليها، ونحن على متون الخيل، قالوا: الرأي ما أشرت به. فلما اعترض الفجر أغاروا عليهم، فقتلوا من أشرف، واستاقوا الذرية والنساء، وجمعوا النعم والشاء، ولم يخف عليهم أحد تغيب، فملؤوا أيدهم، قال: تقول جارية من الحي: وهي ترى العبد الأسود، وكان اسمه أسلم، وهو موثق، ماله هبل، هذا عمل رسولكم أسلم، لا سلم، وهو جلبهم عليكم، ودلهم على عورتكم. قال: يقول الأسود: اقصري يا بنة الأكارم، ما دللتهم حتى قدمت ليضرب عنقي. قال: فعسكر القوم، وعزلوا

الأسرى، وعزلوا الذرية، وأصابوا آل حاتم: أخت عدي ونسيات معها، فعزلوهن على حدة، فقال أسلم لعلي: ما تنتظر بإطلاقي؟ فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أنا على دين قومي، هؤلاء الأسرى، ما صنعوا ما صنعت، قال: ألا تراهم موثقين، فنجعلك معهم في رباطك؟ قال: نعم، أنا مع هؤلاء موثقاً أحب إليّ من أن أكون مع غيرهم مطلقاً، يصيبني ما أصابهم، فضحك أهل السرية منه، فأوثق وطرح مع الأسرى، وقال: أنا معهم حتى تروا فيهم ما أنتم راؤون، فقائل يقول له من الأسرى: لا مرحباً بك أنت جئتنا بهم، وقائل يقول: مرحباَ بك وأهلاَ، ما كان عليك أكثر مما صنعت، لو أصابنا الذي أصابك لفعلنا الذي فعلت، وأشد منه، ثم قد آسيت بنفسك. وجاء العسكر فاجتمعوا فقربوا الأسرى، فعرضوا عليهم الإسلام، فمن أسلم ترك، ومن أبى ضربت عنقه، حتى أتوا العبد الأسود، فعرضوا عليه الإسلام، فقال: إن الجزع من السيف للؤم، وما من خلود، قال: يقول رجل الحي ممن أسلم: يا عجباً منك إلا كان هذا حيث أخذت. فلما قتل من قتل منا وسبي من سبي منا، وأسلم من أسلم راغباً في الإسلام، تقول ما تقول! ويحك، أسلم واتبع دين محمد، قال: فإني أسلم وأتبع دين محمد، فأسلم فترك، وبقي بعد ذلك إلى كانت الردة فشهد مع خالد بن الوليد اليمامة، فأبلى بلاء حسناً. قال: وسار علي إلى الفلس فهدمه وخربه، ووجدوا في بيته ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم، وسيف يقال له اليماني، وثلاثة أدرع، وجردوه، وكان عليه ثياب يلبسونه إياها، وجمعوا السبي فاستعمل علي عليهم أبا قتادة، واستعمل عبد الله بن عتيك السلمي على الماشية والرثة، ثم ساروا حتى نزلوا ركك فاقتسموا السبي والغنائم، وعزل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفياً رسوباً والمخدم، ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس، وعزل آل حاتم، فلم يقسمهم حتى قدم المدينة. قالوا: وكان في السبي أخت عدي بن حاتم فلم تقسم، فأنزلت دار رملة بنت

الحدث، وكان عدي بن حاتم قد هرب حين سمع بحركة علي، وكان له عين بالمدينة فحذره، فخرج إلى الشام، وكانت أخت عدي إذا مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: يا رسول الله هلك الوالد وعاب الوافد، فامنن علينا منّ الله عليك، كل ذلك يسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وافدك؟ فتقول: عدي بن حاتم، فيقول: الفار من الله ورسوله؟ حتى يئست. فلما كان يوم الرابع مرّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم تكلم فأشار إليها رجل: قومي فكلميه، فكلمته، فأذن لها ووصلها، وسألت الرجل الذي أشار إليها فقيل: علي، وهو الذي سباكم أما تعرفينه؟ فقالت: لا والله، ما زلت مدنية طرف ثوبي على وجهي وطرف ردائي على برقعي من يوم أسرت حتى دخلت هذه الدار، ولا رأيت وجهه ولا وجه أحد من أصحابه. وفي حديث أخر بمعناه أنها لما كلمته وقالت: فامنن علي منّ الله عليك، قال قد فعلت، لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني، قالت: وأقمت حتى قدم نفر من بلي أو قضاعة، وأنا أريد أن أتي الشام، قالت: فجئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، قد قدم رجال من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، قالت: فكساني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحملني وأعطاني نفقة، فخرجت فيهم حتى قدمت الشام. قال أبو عامر: وكانت قد أسلمت وحسن إسلامها. قال عدي: وإني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تؤمنا، قال: قلت: ابنة حاتم، فإذا هي هيه. فلما وقفت علي انسحلت: القاطع الظالم ارتحلت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك أختك عورتك؟ قال: قلت: يا خية، لا تقولي إلا خيراً، فوالله ما لي من عذر، ولقد صنعت ما ذكرت. قال: ثم نزلت فأقامت عندي. قال: فقلت لها: " وكانت امرأة حازمة ":ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟ قالت: أرى أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تذل عز اليمن وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا الرأي. قال فخرجت حتى أقدم على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فدخلت عليه وهو في

مسجده، فس ((لمت عليه، فقال: من الرجل؟ قال: قلت: عدي بن حاتم، فرحب به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقربه وكان يتألف شريف القوم ليتألف به قومه، قالوا: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانطلق به إلى بيته قال: فلقيته امرأة كبيرة ضعيفة فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها، قال: قلت في نفسي: ما هذا بملك، قال: ثم مضى حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقدمها إليّ، فقال: اجلس على هذه. قال: قلت: بل أنت فأجلس. قال: فقال: بل أنت فاجلس عليها. قال: فجلست عليها، وجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأرض. قال: قلت في نفسي: ما هذا بأمر مل. قال أبو عامر في حديث: فدخل الإسلام في قلبي، وأحببت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حباً لم أحببه شيئاً قط - وقال أوائل هذا الحديث: إن عدياً قال: ما رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سمع به مني - قال: ولم يكن في البيت إلا خصاف ووسادة أدم، قال: فلم يجلس عليها، ولم أجلس عليها، ثم أقبل عليّ فقال: هيه يا عدي بن حاتم، أفررت أن توحد الله، وهل من أحد غير الله، هيه يا عدي بن حاتم، أفررت أن تكبر الله، ومن أكبر من الله، هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تعظم الله، ومن أعظم من الله، هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تشهد أن لا إله إلا الله، وهل من إله غير الله، هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تشهد أن محمداً رسول الله. قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول نحو هذا وأنا أبكي. قال: ثم أسلم. قال ابن إاق في حديثه: ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً؟ قال: قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قال: قلت: بلى. قال: فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك، قال: قلت: أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل. قال: ثم قال: لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله لأوشك أن يفيض فيهم

يعني المال - حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله أن يمنعك من ذلك ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، قال: فأسلمت، فكان عدي يقول: مضت اثنتان، وبقيت الثالثة، والله لتكونن. لقد رأيت القصور البيض من أرض بابل، وقد فتحت عليهم، ورأيت المرأة تخرج على بعيرها، لا تخاف إلا الله حتى تحج البيت من القادسية، وأيم الله لتكونن الثالثة: ليفيضن المال حتى لا يوجد من يأخذه. وعن علي بن أبي طالب أنه قال: يا سبحان الله، ما أزهد كثيراً من الناس في الخير، عجبت لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة لا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها تدل على سبل النجاح، فقام رجل فقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين، سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وما هو خير منه، لما أتينا سبايا طيئ وقعت جارية جماء، حواء، لعساء، لمياء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين، جدلة الساقين، لفاء العجزين، خميصة الخصرين، مصقولة المتنين، ضامرة الكشحين، فلما رأيتها أعجبت بها، فقلت: لأطلبن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعلها من فيئي. فلما تكلمت نسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت: يا محمد، إن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام، ويطعم الطعام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم طيئ، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جارية، هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، الله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال: يا أبا بردة، لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق.

سكينة واسمها أميمة

سكينة واسمها أميمة ويقال: أمينة، ويقال: آمنة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب قدمت دمشق مع أهل بيتها بعد قتل أبيها، ثم خرجت إلى المدينة، ويقال إنها عادت إلى دمشق بعد ذلك وإن قبرها بها. حدثت سكينة عن أبيها قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة " كان اسمها آمنة. وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب بنت امرئ القيس، وكانت سكينة من أجلد نساء قريش، دخلت على هشام في قواعد نساء قريش فسلبته منطقته ومطرفته وعمامته، وقال لها هشام لما طلبت ذلك منه، أو غيره؟ تقول: ما أريد غيره، وكان هشام يعتم ويلبس، فسلبته ذلك كله ودعا بثياب غيرها فلبسها، وكانت إذا لعن مروان جدها علياً عليه السلام لعنته وأباه وأبا أبيه، وكانت من أجمل الناس. عن ابن شهاب قال: نكحت سكينة ابنة الحسين إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بغير ولي، فكتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرق بينهما. وعنه أنه قال في المرأة تنكح نفسها بغير إذن وليها قال: زوجت سكينة بنت حسين نفسها إبراهيم عبد الرحمن بن عوف، فكتب فيها هشام بن إسماعيل إلى عبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك أن يفرق بينهما، فإن كان دخل بها فلها صداقها بما استحل منها، وإن لم يكن دخل بها خطبها مع الخطاب. ذكر الحافظ ابن عساكر في كتا ((به حكايات جرت لها مع شعراء أكبرت قدرها عن ذكر مثلها عنه. توفيت سكينة سنة سبع عشرة ومئة بالمدينة.

سكينة زوج أبي الحسن

سكينة زوج أبي الحسن زيد بن عبد الله بن محمد البلوطي. حدث أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي قال: وجدت للحفظ في كتاب سكينة زوج الشيخ أبي الحسين البلوطي رحمه الله: يقرأ فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وآية الكرسي، ويقرأ: (سنقرئك فلا تنسى) (إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم أن علينا بينانه) (علمه شديد القوى) (علم الإنسان ما لم يعلم) (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً) (ففهمناها سليمان) (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي شدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) سلمى بنت سعيد بن خالد ابن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميه، أم سلمة زوج هشام بن عبد الملك، ثم خلف عليها الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وهي التي حلف بطلاقها قبل دخوله بها، واستقدم المدينة ليفتوه بأمرها، وكانت عنده أختها لأبيها وأمها أم عبد الملك سعدة بنت سعد بن خالد. عن صدقة بن عبد الله الدمشقي قال: جئت محمد بن المنكدر وأنا مغضب فقلت: الله، أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة؟ قال: أنا ولكن رسول الله صلى اه عليه وسلم، حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق لمن لا يملك ولا عتق لمن لا يملك "

وروي أن هشام بن عبد الملك أرسل إلى سعيد بن خالد ينهاه عن تزويج الوليد بن يزيد، ويقول له: أتريد أن تتخذ الوليد فحلاً؟ فلم يزوجه إياها. فلما امتنع من تزويجه أنف وحلف بطلاقها إن تزوجها. وقيل: إنه لم يتزوجها لسبب آخر، وهو أنه دخل دار أبيها يوم مات وهي بدمشق، وكانت تحته أختها أم عبد الملك بنت سعيد، فخرجت في ثياب مسفرة، فقالت له وهي لا تعرفه: ويلك ما ت أبي؟ فوقعت في نفسه، فطلق أختها وخطبها، فلم يزوجوه إياها. والله أعلم بالصحيح من القولين. كان الوليد بن يزيد قال: يوم أتزوج سلمى بنت سعيد بن خالد فهي طالق. قالوا: وكتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح " وكان قد ابتلى بذلك " فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء بن أبي رباح وسماك عن وهب بن منبه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. ثم قال سماك من عنده: إن النكاح عقدة تعقد، والطلاق يحلها، فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟ فأعجب الوليد من قوله وأخذ به وكتب إلى عامله على اليمن أن يستعمله على القضاء. وقال الوليد في سلمى أشعاراً كثيرة فمنها: من الوافر ألا ليت الإله يجي بسلمى ... كذاك الله يفعل ما يشاء فيخرجها فيطرحها بأرضٍ ... فيرقدها وقد سقط الرداء ويأتي بي فيطرحني عليها ... فيوقظها وقد قُضي القضاء ويرسل ديمة سحاً علينا ... فتغسلنا ولا يبقى عناءُ

سلامة جارية شاعرة، كانت ليزيد بن معاوية، من مولدات المدينة، كان الأحوص يشبب بها. قال أبو محمد الجزري: كانت بالمدينة جارية مغنية، يقال لها: سلامة، من أحسن النساء وجهاً، وأتمهن عقلاً، وأحسنهن حديثاً، وقد قرأت القرآن، وروت الشعر وقالته. وكان عبد الرحمن بن حسان والأحوص يجلسان فيرويانها الشعر، ويناشدانها إياه، فعلقت الأحوص، وصدت عن عبد الرحمن، فقال لها عبد الرحمن يعرض لها بما ظنه من ذلك: الوافر أرى الإقبال منك على جليسي ... ومالي في حديثكما نصيب فأجابته: لأن الله عقله فؤادي ... فحاز الحب دونكما الحبيب فقال الأحوص: خليلي لا تلمها في هواها ... ألذ العيش ما تهوى القلوب قال: فأضرب عنها ابن حسان، وخرج ممتدحاً ليزيد بن معاوية، فأكرمه وأعطاه. فلما انصرف قال: يا أمير المؤمنين، عندي نصيحة، قال: وما هي؟ قال: جارية بالمدينة لامرأة من قريش من أجمل الناس وأكملهم ولا تصلح أن تكون إلا لأمير المؤمنين وفي سمّاره، فأرسل إليها يزيد فاشتريت له وحملت إليه فوقعت منه موقعاً عظيما، وفضلها على جميع من عنده، وقدم عبد الرحمن المدينة فمر بالأحوص وهو على باب داره مهموم، فأراد أن يزيده على ما به فقال: من السريع يا مبتلي بالحب مفدوحاً ... لاقى من الحب تباريحا أفحمه الحب فما ينثني ... إلا بكأس الحب مصبوحا

وصار ما يعجبه مغلقاً ... عنه وما يكره مفتوحا قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشمّ والريحا خليفة الله فلّ الهوى ... وغزّ قلباً منك مجروحا فأمسك الأحوص عن جوابه. ثم إن شابين من بني أمية أرادا الوفادة إلى يزيد، فأتاهما الأحوص، فسألهما أن يحملا له كتاباً، ففعلا وكتب إليها معهما: من الكامل سلام ذكرك ملصق بلساني ... وعلى هواك تعودني أحزاني ما لي رأيتك في المنام مطيعة ... وإذا انتبهت لججت في العصيان ثم غلبه جزعه، فخرج إلى يزيد ممتدحاً له، فقربه وأكرمه، وبلغ لديه كل مبلغ، فدست إليه سلامة خادماً، وأعطته مالاً على أن يدخله إليها، فأخبر الخادم يزيد بذلك، فقال: امض لرسالتها، ففعل ما أمره، وأدخل ألاحوص، وجلس يزيد بحيث يراهما. فلما بصرت الجارية بالأحوص بكت إليه وبكى إليها، وأمرت فألقي له كرسي فقعد عليه، وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه شدة الشوق، فلم يزالا يتحدثان إلى السحر، ويزيد يسمع كلامهما، من غير أن يكون بينهما ريبة حتى إذا هم بالخروج قال: من البسيط أمسى فؤادي في هم وبلبال ... من حب من لم أزل منه على بال فقالت: صحا المحبون بعد النأي إذ يئسوا ... وقد يئست وما أصحو على حال فقال: من كان يسلو بيأس عن أخي ثقة ... فعنك سلاّم ما أمسيت بالسالي فقالت: والله والله لا أنساك يا شجني ... حتى تفارق مني الروح أوصالي فقال: والله ما خاب من أمسى وأنت له ... ياقرة العين في أهل وفي مال

سلامة أم المنصور

ثم ودعها وخرج، فأخذه يزيد ودعا بها فقال: أخبراني عما كان في ليلتكما، اصدقاني، فأخبراه، وأنشداه ما قالا، فقال له يزيد: أتحبها؟ قال: إي والله يا أمير المؤمنين: من البسيط حباً شديداً تليداً غير مطرف ... بين الجوانح مثل النار تضطرم ثم قال لها: أتحبينه؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين: حباً شديداً جرى كالروح في جسدي ... فهل تفرق بين الروح والجسد فقال يزيد: إنكما لتصفان حباً شديداً، خذها يا أحوص فهي لك. ووصله صلة سنية فأخذها وانصرف إلى الحجاز، وهو من أقر الناس عيناً. سلامة أم المنصور قال طيفور مولى أمير المؤمنين: حدثتني سلامة أم أمير المؤمنين قالت: لما حملت بابي جعفر رأيت كأنه خرج من فرجي أسد فزأر ثم أقعى فاجتمعت حوله الأُسد، فكلما انتهى إليه منها أسد سجد له. سلامة أم سلام المعروفة بسلامة القس إحدى جاريتي يزيد بن عبد الملك اللتين انتشر ذكرهما، واشتهر حبه لهما، كانت قبل يزيد لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وكانت من مولدات المدينة، وكانت أحسن الناس غناء في زمانها، والقس هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار. اشتراها يزيد بثلاثة آلاف دينار فأعجب بها. وفيها يقول ابن قيس الرُّقيات: من الطويل لقد فتنت ريا وسلامة القسا ... فم تتركا للقس عقلاً ولا نفسا كان القس عند أهل مكة من أحسنهم عبادة وأظهرهم تبتلاً " قالوا: وكان

يقدم على عطاء في النسك " وأنه مر يوماً بسلامة، جارية كانت لرجل من قريش، وهي التي اشتراها يزيد بن عبد الملك، فسمع غناءها فوقف يستمع فرآه مولاها، فدنا منه فقال: هل لك أن تدخل فتسمع فتأبى عليه، فلم يزل به حتى تسمح، وقال: أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني، قال: أفعل، فدخل فتغنت فأعجبته، فقال مولاها: هل لك أن أحولها إليك فتأبى ثم تسمح، فلم يزل يسمع غناءها حتى شغف بها وشغفت به، وعلم ذلك أهل مكة. فقالت له يوماً: أنا والله أحبك، قال: وأنا والله أحبك، قالت: وأحب أن أضع فمي على فمك، قال: وأنا والله، قال: وأحب أن ألصق صدري بصدرك وبطني ببطنك، قال: وأنا والله، قالت: فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال؟ قال: إني سمعت الله يقول: " الأخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة، قالت: يا هذا، أتحسب أن ربي وربك لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى، ولكن لا آمن أن أفاجأ، ثم نهض، وعيناه تذرفان، فلم يرجع وعاد إلى ما كان عليه من النسك. قالوا: كانت بالمدينة جارية لآل أبي رمانة أو لآل تفاحة، يقال لها سلامة، فكتب فيها يزيد بن عبد الملك لتشترى له، فاشتريت بعشرين ألف دينار، فقال أهلها: ليس تخرج حتى تصلح من شأنها، فقالت الرسل: لا حاجة لكم بذلك، معنا ما يصلحها، فخرج بها حتى أُتي بها سقاية سليمان فأنزلها رسله، فقالت: لا والله، لا أخرج حتى يأتيني قوم كانوا يدخلون علي فأسلم عليهم، قال: فامتلأت رحبة ذلك الموضع، ثم خرجت فوقفت بين الناس وهي تقول: من الخفيف فارقوني وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتة من إياب إن أهل الحصاب قد تركوني ... موزعاً مولعاً بأهل الحصاب أهل بيت تبايعوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب فما زالت تبكي ويبكون حتى راحت، ثم رأسلت إليهم ثلاثة آلاف درهم.

سيدة بنت عبد الله بن مرحوم

بينما الناس ينتظرون أن يخرج يزيد بن عبد الملك حين مات إذ خرج بسريره، بين يدي عوديه سلامة تقول: من مجزوء الرمل لا تلمنا إن جزعنا ... أو هممنا بجزوع كلما أبصرت ربعاً ... خالياً فاضت دموعي خالياً من سيد كا ... ن لنا غير مضيع قد لعمري بت ليلي ... كأخي الداء الوجيع للذي حل بنا ال ... يوم من الأمر الفظيع سيدة بنت عبد الله بن مرحوم أم الحسين الطرسوسية الماجدية حدثت عن أبي بكر الدينوري بسنده عن أبي سعيد الخراز قال: أكبر ذنبي إليه معرفتي به. وحدثت بسندها عن أبي بكر الدقي قال: سمعت الزقاق يقول: لي سبعون سنة أُربّ هذا الفقر. من لم تصحبه فيه التقية أكل الحرام النص. وجدثت بسندها عن ابن حسان قال: كان سهل يقول: لا يبلغ الإنسان إلى السماء حتى يدفن نفسه في الأرض، فإذا دفنها في الأرض الأولى بلغ سماء الدنيا وكذا الأرضين السبع. فإذا بلغ الثرى بلغ العرش.

سيدة بنت عبد الله

وبسندها عن أبي بكر الدقي قال: حكى لنا الزقاق أنه قيل لذي النون: لمن أصحب؟ قال: لمن يسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ، ثم سألته ثانية: لمن أصحب؟ قال: لمن إذا أذنبت أنت تاب هو، وإذا مرضت عادك. وسئل مرة أخرى: لمن أصحب؟ فقال: لمن يعلم فيك ما يعلمه الله منك، فتأمنه على ذلك. سيدة بنت عبد الله امرأة أبي الحسين البلوطي قالت: سمعت أبا إسحاق البلوطي يُحرّض على قراءة سورة القدر أسماء الرجال على

حرف الشين المعجمة

حرف الشين المعجمة شافع بن محمد بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، أبو النصر النيسابوري الإسفراييني سمع بدمشق. وجده يعقوب هو أبو عوانة الإسفراييني المحدث المعروف بالحافظ. حدث شافع عن محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخل " وحدث عن أبي جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بات كالاً من طلب الحلال بات مغفوراً له. وحدث عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الهروي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل يموت والداه أو أحدهما وإنه لعاق لهما، فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله براً. روى بجرجان سنة سبع وسبعين وثلاث مئة

شاكر بن عبد الله بن محمد

شاكر بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان ابن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم ابن أسحم بن النعمان، وهو الساطع " وسمي بذلك لجماله " ابن عدي ابن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله وهو مجمع تنوخ بن أسد ابن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير أبو اليسر التنوخي المعري كاتب الإنشاء للملك العادل أبي القاسم محمود بن زنكي رحمه الله. فاضل من أهل بيت فضل. ولد سنة ست وتسعين وأربع مئة. سكن دمشق. حدث عن جده محمد بن المهذب بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لينادي المنادي يوم القيامة: أين فقراء أمة محمد؟ قوموا فتصفحوا صفوف القيامة، ألا من أطعمكم في أكلة أو سقاكم في شربة أو كساكم في خلقاً أو جديداً خذوا هذه فأدخلوه الجنة، فلا يزال صاحب قد تعلق بصاحبه وهو يقول: يا رب العالمين، هذا أشبعني، ويقول الآخر: يا رب العالمين، هذا أرواني، فلا يبقى من فقراء أمة محمد صغير ممن فعل ذلك ولا كبير إلا أدخلهم الله جميعاً الجنة ". وله شعر حسن. توفي أبو اليسر سنة إحدى وثمانين وخمس مئة. شبل بن الحسين بن علي ابن عبد الواحد أبو طاهر الحارثي حدث عن سهل بن بشر بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة يجاء بالأعمال في صحف محكمة، فيقول الله عزّ وجلّ: اقبلوا هذا وردوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك، ما كتبنا إلا ما عمل فيقول: صدقتم، إن عمله كان لغير وجهي، وإني لا أقبل اليوم إلا ما كان لوجهي.

شبل بن علي بن شبل

ولد أبو طاهر سنة إحدى وأربعين وأربع مئة أو قبلها. وتوفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة. وذكر ولده أبو البركات عنه أنه لم تفته صلاة في مرضه، وكان يقول حين يصلي بالليل: كل من ذكرني بسوء في حل إلا من رماني بالرفض فإنه يخرجني عن الإسلام. شبل بن علي بن شبل ابن عبد الباقي أبو القاسم الصوتي العاقوني سمع بدمشق. حدث عن أبي الحسن محمد بن عوف بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عوف بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها " شبلي بن عبد الملك بن أحمد أبو الحسن البلخي الصوفي قدم دمشق وسمع بها. حدث عن تمام بن محمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " شبة بن عقال بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم بن مر بن طابخة، التميمي الدارمي البصري لجده صعصعة صحبة. حدث عن أبيه عن جده صعصعة قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ربما فضلت الأنملة خبأتها للنائبة وابن السبيل فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمك، أباك، أخاك أختك، أخاك: أدناك أدناك "

شبيب بن شيبة بن عبد الله

وبه قال: قلت: يا رسول الله، أوصني قال: " املك ما بين لحييك ورجليك ". ومن ولد صعصعة بن ناجية الفرزدق. شبيب بن شيبة بن عبد الله ابن عمرو بن الأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مرّ، أبو معمر التميمي المنقري الأهتمي البصري الخطيب حدث عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبيه حصين: " كم تعبد اليوم إلهاً؟ قال: سبعة: ستة في الأرض وواحداً في السماء قال: أيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء. قال: يا حصين، إن أسلمت علمتك كلمتين، فأسلم حصين فجاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: علمني الكلمتين. قال: قل: اللهم، ألهمني رشدي وقني شر نفسي. وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج. وحدث شبيب أنه سمع عطاء عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أنزل الله عزّ وجلّ داء إلا أنزل معه دواء، إلا السام، يعني الموت ". قال شبيب: كنت أسير في موكب أبي جعفر أمير المؤمنين فقلت: يا أمير المؤمنين، رويداً فإني أمير عليك فقال: ويلك أمير علي؟! فقلت: نعم. حدثني معاوية بن قرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقطف القوم دابة أميرهم، فقال أبو جعفر: أعطوه دابة فهو أهون علينا من أن يتأمر علينا.

قال شبيب: قال لي أبو جعفر " كنت في سماره -: عظني وأوجز. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله لم يرض من نفسه أن جعل فوقك أحداً من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون عبد هو أشكر منك. قال: والله، لقد أوجزت وقصرت قال: قلت: والله، لئن كنت قصرت فما بلغت كنه النعمة فيك. دخل شبيب يوماً على الهدي فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، إن الله لما قسم الأقسام لم يرض لك من الدنيا إلا أسناها وأعلاها، فلا ترض لنفسك من الآخرة إلا مثل ما رضي الله لك به من الدنيا، وعليك يا أمير المؤمنين بتقوى الله، فإنها عليكم نزلت، ومنكم قبلت، وإليكم ترد. قال شبيب: كان لي مجلس من المهدي في عشية كل خميس خامس خمسة، فذكر يوماً عيسى بن زيد حين توارى، فقال: غمض علي أمره فما ينجم لي منه شيء، ولقد خفته على المسلمين أن يفتنهم فلما سكت قلت: وما يعنيك من أمره؟ فوالله لا يجتمع عليه اثنان، وما هو لذلك بأهل. قال: فرأيته يكره ما أقول، فقطعت كلامي. فلما سكت قال: والله، ما هو كما قلت، هو والله المحقوق أن يتبع وأن يشق العصا. فلما فرغ قمت وخرجت، فقال للفضل بن الربيع: احجبه عن هذا المجلس. فحجبني أشهراً ثم حضرت فقال الفضل بن ربيع: يا أمير المؤمنين، هذا شبيب بالباب فقال: ائذن له. فلما دخلت قال: مرحباً بابي المعتمر - وكذا كان يكنيني " وكان يكنى أبا معمر " أبقاك الله طويلاً، فإن في بقاء مثلك صلاحاً للعامة والخاصة. فلما سكت قلت: يا أمير المؤمنين، إني وإياك كما قال رؤبة لبلال بن أبي بردة: إني وقد تعنى أمور تعتني ... على طريق العذر إن عذرتني فلا وربّ الآمنات القطّن ... ما آيب سرك إلا سرني شكراً وإن عزّك أمر عزني ... ما الحفظ أما النصح إلا أنني أخوك والراعي لما استرعيتني ... إ، ي وإن لم ترني كأنني أراك بالغيب وإن لم ترني ... من غشّ أو ونى فإني لا أني عن رفدكم خيراً بكل موطن

قال: صدقت يا فضل، ردوه إلى مجلسه وأمر له بعشرة آلاف درهم. خرج شبيب بن شيبة من دار المهدي فقيل له: كيف تركت الناس؟ قال: تركت الداخل راجياً والخارج راضياً. قال موسى بن إبراهيم: كان شبيب بن شيبة يصلي بنا في المسجد الشارع في مربعة أبي عبيد الله، فصلى بنا يوماً الصبح فقرأ بالسجدة: و" هل أتى على الإنسان " فلما قضى الصلاة قام رجل فقال: لا جزاك الله عني خيراً، فإني كنت غدوت لحاجة. فلما أقيمت الصلاة دخلت أصلي، فأطلت حتى فاتتني حاجتي. قال: وما حاجتك؟ قال: قدمت من الثغر في شيء من مصلحته وكنت وعدت البكور إلى دار الخليفة لأتنجز ذلك. قال: فأنا أركب معك. فركب معه ودخل على المهدي فأخبره الخبر. قال: فتريد ماذا؟ قال: قضاء حاجته، فقضى حاجته وأمر له بثلاثين ألف درهم، فدفعها إلى الرجل، ودفع إليه شبيب من ماله أربعة آلاف درهم قال له: لم تضرك السورتان. قال الأصمعي: أخبرني من رأى شبيب بن شيبة المنقري وقد اشتد حجاب المهدي عليه، وهو يطلب الوصول فلا يصل فقال: يا أبا معمر، جاهك وقدرك وشرفك تذل نفسك هذا الذل؟؟؟؟؟؟؟! قال: اسكت نذلّ لهم لنعز عند غيرهم، فإنه من رفعوه ارتفع، ومن وضعوه اتضع. كان شبيب بن شيبة رجلاً شريفاً يفزع إليه أهل البصرة في حوائجهم، فكان يغدو في كل يوم ويركب، فإذا أراد أن يغدو أكل ن الطعام شيئاً قد عرفه، فنال منه ثم ركب فقيل له: إنك تباكر للغداء، فقال: أجل أطفئ به فورة جوفي وأقطع به خلوف فمي، وأبلغ به في قضاء حوائجي، فإني وجدت خلاء الجوف وشهوة الطعام يقطعان الحليم عن بلوغه في حاجته، ويحمله ذلك على التقصير فيما به إليه الحاجة، فإني رأيت النهم لا مروءة له، ورأيت الجوع داء من الداء، فخذ من الطعام من يذهب به عنك النهم، وتداو به من داء الجوع. قال شبيب بن شيبة لرجل من قريش كلمة فلم يحمد أدبه فقال: يا بن أخي، الأدب الصالح خير من النسب المضاعف وعز الشريف أدبه.

كان شبي يقول: اطلبوا العلم بالأدب، فإنه دليل على المروءة وزيادة في العقل وصاحب في الغربة. قال شبيب: إخوان الصدق خير مكاسب الدنيا، هم زينة في الرخاء، وعدة في البلاء، ومعونة على حسن المعاش والمعاد. قال شبيب بن شيبة: من سمع كلمة يكرهها فسكت انقطع عنه ما يكره، وإن أجاب سمع أكثر مما يكره. قال شبيب بن شيبة: خطبت إلى بعض أحياء بني تميم بالبادية فوافى ذلك مي نشاطاً فقلت وأطنبت حتى ظننت أني قد أبلغت، فرد علي أعرابي ملتحف بعباءة له، فأخرج يده منها وقال: توسلت بحرمة، واستقربت برحم ماتة، وأدللت بحق واجب، وحضضت على خير، ودعوت إلى سنّة وأنت كفؤ كريم، فمرحباً بك وأهلاً، فرضك مقبول والذي سألت مبذول، وبالله التوفيق. قال شبيب: فلو كان قدم في صدر كلامه حمد الله والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان قد فضحني. قال شبيب بن شيبة: سمعت ابن سرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. قال عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي: دخل أبي إلى عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أمير البصرة فعزاه عن طفل مات له، ودخل بعده شبيب بن شيبة المنقري فقال: أبشر أيها الأمير، فإن الطفل لا يزال محبنظياً على باب الجنة، يقول: لا أدخل حتى يدخل والداي، فقال له أبي: يا أبا معمر، دع الظاء والزم الطاء، فقال له شبيب: أتقول هذا وما بين لابتيها أفصح مني! فقال له أبي: وهذا خطأ ثان، من أين للبصرة لابة؟ واللابة الحجارة السود، والبصرة الحجارة البيض، فكان كلما انتعش انتكس. المحبنطي: هو الممتنع، وقيل: هو الممتلئ غضباً، وقيل: هو الساكت حياء.

شجاع بن بكر بن محمد

لما مات شبيب بن شيبة أتى عمي صالح المري للتعزية فيه فقال: رحمة الله على أديب الملوك، وجليس الفقراء، وحياة المساكين. وكان شبيب أعلم الناس بمعاني الكلام مع بلاغة حتى صار في كل موقف يبلغ بقليل من الكلام ما لا يبلغه الخطباء بكثيره. شجاع بن بكر بن محمد أبو محمد التميمي الدومي حدث عن أبي محمد عبد الله الكوفي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، قالوا: يا رسول الله، وما الغرباء؟ قال: الفرّارون بدينهم يبعثهم الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع عيسى بن مريم. شجاع بن علي بن أحمد بن علي أبو الفتح الإمام حدث عن أبي جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي بسنده عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما أدخلت الجنة رأيت في العرش - أو تحت العرش - إفرندة خضراء مكتوب فيها بقلم من نور ابيض: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. شجاع بن وهب ويقال: ابن أبي وهب بن ربيعة ويقال: زمعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كثير ابن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، أبو وهب، ويقال: أبو عقب الأسدي. صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسوله إلى الحارث بن أبي شمر إلى غوطة دمشق ويقال إلى جبلة بن الأيهم الغساني، ويقال إلى هرقل مع دحية بن خليفة الكلبي إلى ناحية بصرى، وهو من مهاجرة الحبشة، وشهد بدراً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى عن جماعة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شجاع بن وهب الأسدي وهو أحد الستة إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتاباً. قال شجاع: فانتهيت إليه وهو بغوطة

شجرة بن مسلم

دمشق، وهو مشغول بتهيئة الأنزال والألطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيلياء، فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: أني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا وجعل حاجبه - وكان رومياً اسمه مري - يسلني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت أحدثه عن صفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدعو إليه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: أني قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النبي بعينه، وأنا أؤمن به وأصدقه، وأخاف من الحارث أن يقتلني، وكان يكرمني ويحسن ضيافتي، وخرج الحارث يوماً فجلس ووضع التاج على رأسه، فأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع ملكي مني؟ أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس، فلم يزل يعرض حتى قام وأمر بالخيول تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك ما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره بخبري، وما عزم عليه، فكتب إليه ألا تسير إليه ووافني بإيلياء، فلما جاءه جواب كتابه دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ فقلت: غداً، فأمر لي بمئة مثقال ذهب، ووصلني بنفقة وكسوة وقال: اقرأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام فقدمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: باد ملكه. وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدق. ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح. كان شجاع بن وهب نحيفاً طويلاً أجنأ، وكان من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية، وآخى رسول الله بينه وبين أوس بن خولي. وقتل شجاع بن وهب يوم اليمامة سنة اثنتي عشر، وهو ابن بضع وأربعين سنة. وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكو خاطباً فقال: يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية. شجرة بن مسلم حدث عن ابن حلبس وغيره أنه سمعهم يقولون: إذا تمت زينة دمشق فمن كان خارجاً منها سلم ومن كان داخلها هلك، ثم لا يصيبها عذاب بعد ذلك. فقالوا: زينتها بناء المسجد.

شداد بن أوس بن ثابت

شداد بن أوس بن ثابت ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، أبو يعلى ويقال: أبو عبد الرحمن بن أخي حسان بن ثابت الأنصاري، من بني مغالبة وهم بنو عمرو ابن مالك له صحبة. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم دمشق والجابية، وسكن بيت المقدس، وكان شهد اليرموك. حدث شداد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عزّ وجلّ كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته. وعن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم قال: خرجنا مع شداد بن أوس فنزلنا مرج الصفر، فقال: ائتونا بالسفرة نعبث بها فكان القوم يحفظونها منه فقال: يا بن أخي، لا تحفظوها علي، ولكن احفظوا مني ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سمعته يقول: " إذا كنز الناس الدنانير والدراهم فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم أني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم أنك أنت علام العيوب. وهو في رواية أخرى: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم أني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك يقيناً صادقاً، وأسألك قلباً سليماً، وأسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم، إنك علاّم الغيوب. قال شداد: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أخذ أحدكم مضجعه ليرقد فليقرأ بأم الكتاب وسورة، فإن الله يوكل به ملكاً يهب معه إذا هب.

وعن أبي الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق وهجر في الرواح فلقي شداد بن أوس والصنابحي. قال: قلت: أين تريدان رحمكما الله؟ قالا: نريد ها هنا، إلى أخ لنا نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلنا على ذلك الرجل فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة من الله وفضل، فقال له شداد: ابشر بكفارات السيئات وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يعني: قال الله عزّ وجلّ: إني إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً فحمدني وصبر على ما ابتليته به فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا. قال: ويقول الرب للحفظة: أني أنا قيدت عبدي وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح. قال عبد الرحمن بن غنم: لما دخلنا مسجد الجابية، أنا وأبو الدرداء، فلقينا عبادة بن الصامت، فأخذ يميني بشماله، وشمال أبي الدرداء بيمينه، فخرج يمشي بيننا، فقال عبادة: إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما فيوشك أن تريا الرجل من ثبج المسلمين قد قرأ القرآن على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعاده وأبداه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت. فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعون بن مالك فجلسا إلينا فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من الشهوة الخفية والشرك. فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفراً، أو لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب؟ فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟ قال شداد: أرأيتكم لو رأيتم أحداً يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم. قال شداد: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من

صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " فقال عوف: ولا يعد الله إلا ما ابتغي فيه وجهه من ذلك العمل كله، فيتقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟ فقال شداد: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنا خير قسيم، فمن أشرك بي شيئاً فإن جدّه وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي، أنا عنه غنيّ " وعن شداد بن أوس أنه لما دنت وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام شداد ثم جلس، ثم قام ثم جلس فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قلقك يا شداد؟ فقال: يا رسول الله، ضاقت بي الأرض، فقال: ألا أن الشام إن شاء الله وبيت المقدس ستفتح إن شاء الله، وتكون أنت وولدك من بعدك أئمة إن شاء الله. كان لشداد أربعة بنين وبنت، وكان أكبرهم يعلى، ثم محمد، وعبد الوهاب، والمنذر، فمات شداد، وعبد الوهاب والمنذر صغيران، ولم يعقب يعلى وأعقبوا كلهم. وكانت البنت اسمها خزرج، تزوجت في الأزد، وتوفي شداد سنة أربع وستين، ونشأ لأبنته نسل إلى سنة ثلاثين ومئة. وكان فيها خروج أبي مسلم، وزوال أمر بني أمية، فرجفت الشام، وكان أكثر ذلك ببيت المقدس، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم، ووقع المنزل الذي كان فيه محمد بن شداد على كل من كان فيه من أهله وولده ففنوا جميعاً، وسلم محمد قد ذهبت رجله تحت الردم، فعمر بعد ذلك إلى قدوم المهدي. وكانت النعل وزجاً، خلفها شداد عند ولده، فصارت إلى محمد بن شداد، فلما أن رأت أخته خزرج ما نزل به وبأهله، وأنه لم يبق منهم أحد جاءت فأخذت فرد النعلين،

وقالت: يا أخي، ليس لك نسل، وقد رزقت ولداً، وهذه مكرمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب أن تشرك فيها ولدي، فأخذتها منه، وكان ذلك في أوان الرجفة فمكثت النعل عندها حتى أدرك أولادها. فلما أن صار المهدي إلى بيت المقدس، أتوه بها، وعرفوه نسبها من شداد، فعرف ذلك، وقبل النعل منهما، وأجاز كل واحد منهم بألف دينار، وأمر لكل واحد منهما بضيعة، وكتب كل واحد منهما في مئة من العطاء، ثم بعث إلى محمد بن شداد فأتي به يحمل على أيدي الرجال للزمانة التي كانت به، أصابته الرجفة، فسأله عن خبر النعل، فصدق مقالة الرجلين فيها، وقال له المهدي: ائتني بالأخرى، فبكى محمد بن شداد، واسترحمه، وناشده بقرابته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إن الأمر قد قرب مني فلا تفجعني بها، ولا تسلبني مكرمة اختصنا بها ابن عمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الرحمة، فرق المهتدي للشيخ، وأقرها على حالها. فحدث جماعة من مشايخ الأنصار من ولد شداد وغيره: أن الرجلين هلكا وهلك ما كان لهما ولم يعقبا. كان أبو الدرداء يقول: إن لكل أمة فقيها، إن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس. قال عبادة: من الناس من أوتي علماً ولم يؤت حلماً، ومنهم من أوتي حلماً ولم يؤت علماً، وإن شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم والحلم. قال سعيد بن عبد العزيز: فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، بكظم إذا غضب. شيع شداد بن أوس رجالاً غزوا في سبيل الله فقالوا: يا أبا يعلى، انزل كل معنا، قال: لو كنت أكلت الطعام قبل أن أعلم من أين أصله منذ بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأكلت معكم.

شداد بن عبد الله أبو عمار

كان شداد بن أوس إذا أخذ مضجعه من الليل كان كالحبة على المقلى فيقول: اللهم، إن النار قد حالت بيني وبين النوم، ثم يقوم فلا يزال يصلي حتى يصبح. وعن شداد بن أوس أنه قال: الموت أفظع هولاً في الدنيا والآخرة على المؤمن، والموت أشد من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وغلي في القدور، ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا لذوا بنوم. قال معاوية لشداد بن أوس: أنا أفضل أم علي؟ وأيّنا أحب إليك؟ قال: عليّ أقدم هجرة وأكثر مع رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الخير سابقة، وأشجع منك نفساً، وأسلم منك قلباً، وأما فقد مضى عليّ، وأنت اليوم عند الناس أرجى منه. توفي أبو يعلى بفلسطين سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين. شداد بن عبد الله أبو عمار القرشي الأموي مولاهم حدث شداد بن عبد الله عن أبي أمامة قال: بينما أنا قاعد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أني أصبت حداً فأقمه عليّ فسكت عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أعاد فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه عليّ فسكت عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أعاد فقال: يا رسول الله، أصبت حداً فأقمه عليّ فسكت عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أعاد فقال: يا رسول الله، أني أصبت حداً فأقمه عليّ، فأقيمت الصلاة، فلم يرد عليه شيئاً حتى صلى النبي ثم انصرف. قال شداد: فحدثني أبو أمامة قال: أني مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والرجل يتبع ويقول: أني أصبت حداً فأقمه عليّ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرأيت حين خرجت من بيتك أليس توضأت فأحسنت الوضوء قال: بلى يا رسول الله. قال: فإن الله عزّ وجلّ قد غفر لك حدّك أو قال: غفر لك ذنبك. وحدث شداد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

شداد بن عبيد الله بن شداد

وحدث شداد عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له في الآخرة. قال شداد: صحبت أنساً وهو وافد إلى عبد الملك بن مروان، فكان يصلي على بعيره، حدث شداد أبو عمار القارئ قال: مر موسى عليه السلام برجل رافع يديه يدعو الله، فقال موسى: يا رب، عبدك يدعوك فاستجب له، افعل به، فأوحى الله إليه: يا موسى، لو رفع إلي يديه حتى تنقطعا من آباطهما ما استجبت له حتى يرد غرباليّ اللتين الذين غصبهما. قال الحافظ: شداد القارئ لا يكنى أبا عمار، وشداد أبو عمار لا يعرف بالقارئ شداد بن عبيد الله بن شداد أبو محمد ويقال: أبو هند الخولاني القارئ الضرير من أهل دمشق، يعرف بابن الأحنف. حدث عن أبي سلام الأسود قال: بعث إلي عمر بن عبد العزيز. قال: فقدمت عليه. فلما دخلت قال لي: ادنه حتى كادت ركبتي تلزق بركبته فقال: حدثني حديث ثوبان عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حوضي كما بعد عدن إلى عمان، أحلى من العسل، أشد بياضاً من اللبن، أكاويبه كنجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. وأول الناس وروداً المهاجرون، الشعث رؤوساً والدنس ثياباً الذين لا يفتح لهم السدد، ولا ينكحون الممنعات، الذين يعطون كل الذي عليهم، ولا يعطون كل الذي لهم، فقال عمر بن عبد العزيز: أما الممنعات فقد نكحت بنت عبد الملك، وأما السدد فقد فتحت لي، والله لأشعثن رأسي ولأدنسن ثيابي.

شداد بن قيس

وعن إسماعيل بن عبيد الله وسمع شداد بن عبيد الله الخولاني، وكان رأس الحلقة التي في المسجد. قال شداد: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أنا وأمة سوداء سعفاء الخدين عملت بطاعة الله إلا سواء، فقال إسماعيل: كذبت لم يجعل الله تبارك وتعالى لنبيه عدلاً من أمته. شداد بن قيس كان كاتب معاوية عن أبي بكر الهذلي أن علياً لما استخلف عبد الله بن عباس على البصرة سار إلى الكوفة فتهيأ منها إلى صفين، فاستشار الناس في ذلك، فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم، وأشار آخرون بالمسير، فأبى إلا المباشرة فجهز الناس، فبلغ ذلك معاوية فدعى ابن العاص فاستشاره فقال: أما إذ بلغك أنه يسير فسر بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك. قال: أما إذاً يا أبا عبد الله، فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس وضعّف علياً وأصحابه وقال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم، وأوهنوا شوكتهم، وقطعوا حدهم ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد قتلهم ووترهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنما سار علي في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم، فالله الله في حقكم أن تضيعوه، وفي دمكم أن تبطلوه، وكتب في أجناد الشام وعقد لواءه فعقد لوردان غلامه فيمن عقد وابنيه عبد الله ومحمد وعقد علي لغلامه قنبر ثم قال عمرو: من الرجز هل يغنين وردان عني قنبراً ... وتغني السكن عني حميرا إذا الكماة لبسوا السنورا فبلغ ذلك علياً فقال: لأصبحن العاصي ابن العاصي ... سبعين ألفاً عاقدي النواصي مجنبين الخيل بالقلاص ... مستحقبين حلق الدلاص فلما سمع ذلك معاوية قال: ما أرى ابن أبي طالب إلا وقد وفى لك، فجاء معاوية

شراحيل بن آدة

يتأنى في مسيره، وكتب إلى من كان يرى أنه يخاف علياً أو طعن عليه ومن أعظم دم عثمان، فاستغواهم إليه. فلما رأى ذلك الوليد بعث إليه: من الوافر ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فإنك من أخي ثقة مليم قطعت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر في دمشق وما تريم وإنك والكتاب إلى علي ... كدابغة وقد حلم الأديم يمنيك الإمارة كل ركب ... لا يفاض العراق بها رسيم وليس أخو الترات بمن توانى ... ولكن طالب الترة الغشوم ولو كنت القتيل وكان حياً ... لجرّد لا أليف ولا سؤوم ولا نكلٌ على الأوتار حتى ... يسيرها ولا برم جثوم وقومك بالمدينة قد أبيروا ... فهم صرعى كأنهم الهشيم فدعا معاوية شداد بن قيس كاتبه فقال: ابغني طوماراً، فأتاه شداد بطومار فأخذ القلم يكتب، فقال: لا تعجل. اكتب: من الطويل ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زينته الحرب لم يترمرم وقال: أطوِ الطومار فأرسل به إلى الوليد. فلما فتحه لم يجد فيه غير هذا البيت. شراحيل بن آدة ويقال: شراحيل بن شراحيل. ويقال: شراحيل بن كلب بن كلب بن آدة ويقال: شرحبيل، أو الأشعث الصنعاني - صنعاء الشام حدث عن عبادة قال: أخذ علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخذ على النساء ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا يعضه بعضكم بعضاً، ولا تعصوني في معروف آمركم به، فمن أصاب منكم حداً فعجلت له العقوبة فهو كفارة له، ومن أخرت عقوبته فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

شراحيل بن عبيدة بن قيس العقيلي

شراحيل بن عبيدة بن قيس العقيلي شهد غزو القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك. وقيل: أمد به سليمان بن عبد الملك مسلمة. حدث الليث بن تميم الفارسي وغيره: أن ليون لما رأى ما قد لزمه من الحصار، وأشفق من الغلبة كتب إلى صاحب برجان: أما بعد. فقد بلغك نزول العرب بنا وحصارهم إيانا، وليسوا يريدوننا خاصة دون غيرنا من جماعة من يخالف دينهم، وإنما يقاتلون الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى، فما كنت صانعاً يوم نعطيهم الجزية أو يدخلوا علينا عنوة ثم يفضون إليك وإلى غيرك فاصنعه يوم يأتيك كتابي هذا. فكتب صاحب برجان إلى مسلمة: أما بعد. فقد بلغنا نزولك بمدينة الروم وبيننا وبينهم من العداوة ما قد علمتم، وكل ما وصل إليهم فهو لنا سار، فمهما احتجت إليه من مدد أو عدة أو مرفق فأعلمناه فآتيك منه ما أحببت. فكتب إليه مسلمة: أنه لا حاجة لنا بمدد ولا عدة، ولكنا نحتاج إلى الميرة والتسوّق، فابعث إلينا ما استطعت. فكتب إليه صاحب برجان: إني ققد وجهت إليك سوقاً عظيما فيه من كل ما أحببت من باعة يضعفون عن النفوذ إليكم به ممن يمرون به من حصون الروم، فابعث من يحرزه إليك. قال: فوجه إليهم خيلاً عظيمة وولي عليهم رجلاً ونادي في العسكر: ألا من أراد البيع والشرى فليخرج مع فلان حتى تلقوا هذا السوق، فخرج بشرّ عظيم يبيع بعضهم بعضاً على غير حذر ولا خوف من عدو حتى أفضوا إلى عسكر السوق في مرج واسع قد أطافت به الجبال وكتائب برجان في شعاب تلك الجبال وغياضه. فلما نزل والي الجيش بعسكره وانتشر الناس في السوق وشغلهم البيع والشرى شدت عليهم الكتائب فقتلوا ما شاؤوا وأسروا ما شاؤوا إلا من أعجزهم. ثم والت برجان إلى بلادها، وبلغ مسلمة ومن معه فأعظمهم

شراحيل بن عمرو أبو عمر العنسي

ذلك وكتب به مسلمة إلى سليمان بن عبد الملك يخبره بما كان، فقطع بعثاً على أهل الشام إلى برجان وولى عليهم شراحيل بن عبيدة فسار بهم حتى أجاز الخليج ثم مضى إلى بلاد برجان فساح في أهلها، وأتوه فقاتلوه فهزمهم الله ثم قفل إلى مسلمة فكان عنده. شراحيل بن عمرو أبو عمر العنسي من أهل دمشق حدث عن عبادة بن نسي بسنده عن معاذ من جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من حافظ على سبع تسبيحات في كل ركعة وسجدة من الصلاة المكتوبة أدخله الله الجنة. وحدث عن أيوب بن مسيرة بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قيام الساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة. وبه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن رجلاً سأله عقالاً من المغنم فأعرض عنه، ثم عاد فأعرض عنه فلما كثر عليه قال: من لك بعقال من نار؟! شراحيل بن مرثد أبو عثمان الصنعاني شهد قتال خالد بن الوليد مسيلمة وشهد فتح دمشق. حدث أبو عثمان الصنعاني قال: لما فتح الله علينا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة ببرزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح ففتح الله بنا حمص ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السمط فأوطأ الله بنا ما دون النهر يعني الفرات، وحاصرنا عانات، وأصابنا عليه لأواء. وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا فقال: ألا أحدثكم بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

شراحيل بن مسلمة بن عبد الله

عسى أن ييسر الله بعض ما أنتم فيه؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه صائماً لا يفطر وقائماً لا يفتر، فإن مات مرابطاً جرى له صالح ما كان يعمل حتى يبعث، ووقي عذاب القبر. حدث أبو عثمان أنه سمع أبا الدرداء يقول: إذا ليعقبن الله المشائين إلى المساجد في الظلم نوراً تاماً يوم القيامة. شراحيل بن مسلمة بن عبد الله ويقال: شراحيل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي حدث المهلهل بن صفوان قال: كنت أخدم إبراهيم بن محمد في الحبس وكان معه في الحبس عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وشراحيل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وكانوا يتزاورون، وخص الذي بين إبراهيم وشراحيل، فأتاه رسوله يوماً بلبن فقال: يقول لك أخوك: إني شربت من هذا اللبن فاستطبته فأحببت أن تشرب منه، فتناوله فشرب فتوصب من ساعته وتكسر جسده، وكان يوماً يأتي فيه شراحيل فأبطأ عليه، فأرسل إليه: جعلت فداك قد أبطأت، فما حبسك؟ فأرسل إليه إني لما شربت من اللبن الذي أرسلت به إلي أخلقني، فأتاه شراحيل مذعوراً فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو ما شربت اليوم لبناً، ولا أرسلت به إليك فإنا لله وإنا إليه راجعون، احتيل عليك والله. فما بات إلا ليلته وأصبح من الغد ميتاً. شرحبيل بن السمط بن شرحبيل ابن الأسود بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور ابن مرتع ابن كندة، أبو يزيد، ويقال: أبو السمط الكندي يقال إن له صحبة، ويقال لا صحبة له. استعمله معاوية على بعض جيوشه وكان يسكن حمص، واستقدمه معاوية إلى دمشق قبل صفين ليستشيره.

روي أن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان: لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة. وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تزال طائفة قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها. قال ابن مندة: هذا حديث لا يعرف إلا من حديث الحمصيين. حدث ابن السمط أنه خرج مع عمر إلى ذي الحليفة يريد مكة، فصلى ركعتين فسألته عن ذلك فقال: إنما أصنع كما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع. وعن شرحبيل بن السمط قال: طال رباطنا أو إقامتنا على حصن، فاعتزلت من العسكر أنظر في ثيابي لما آذاني مه. قال: فمر بي سلمان فقال: ما تعالج يا أبا السمط؟ فأخبرته، فقال: إني لأحسبك تحب أن تكون عند أم السمط، فكانت هي تعالج هذا منك. قلت: إي والله. قال: لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: رباط يوم وليلة، أو يوم أو ليلة كصيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجري عليه مثل ذلك من الأجر وأجري عليه الرزق وأمن من الفتان، واقرؤوا إن شئتم: " والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً " إلى آخر الآيتين. ولما بُغت معاوية، أطبقوا على منع الصدقة، وأجمعوا على الردة قام شرحبيل بن السمط وأبوه في بني معاوية وقالا: والله إن هذا لقبيح بأقوام أحرار التنقل، وإن الكرام ليكونون على الشبهة فيتكرمون أن ينتقلوا منها إلى أوضح منها مخافة العار، فكيف بالرجوع عن الجميل وعن الحق إلى القبيح والباطل؟ اللهم، إنا لا نمالئ قومنا على هذا،

وإنا لنادمون على مجامعتهم إلى يومنا هذا، وخرج شرحبيل والسمط حتى أتيا زياد بن لبيد فانضما إليه. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل شرحبيل بن السمط على المدائن وأبوه بالشام، فكتب إلى عمر إنك تأمر ألا يفرق بين السبايا وبين أولادهن فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، فكتب إليه فألحقه بابنه. كان شرحبيل بن السمط على جيش فقال إنكم نزلتم أرضاً فيها نساء وشراب فمن أصاب منكم حداً فليأتنا حتى نطهره. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه: لا أم لك تأمر قوماً ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم؟! حدث بكر بن سوادة قال: كان رجل يعتزل الناس إنما هو وحده، فأتاه أبو الدرداء فقال: ما يحملك على هذا؟! فقال: أخاف أن أسلب ديني ولا أشعر. قال: فحدثت بذلك رجلاً من أهل الشام فقال: ذاك شرحبيل بن السمط. كتب معاوية إلى شرحبيل يسأله القدوم عليه وهيأ له رجالاً يخبرونه أن علياً قتل عثمان، منهم يزيد بن أسد البجلي وبسر بن أرطأه وأبو الأعور السلمي فقدم إليه. قال الأصمعي: بينما معاوية بن أبي سفيان يساير شرحبيل بن السمط إذ راثت دابة شرحبيل، وكان عظيم الهامة، وفطن معاوية بروث الدابة وساء ذك شرحبيل فقال له معاوية: إنه يقال: إن الهامة إذا عظمت دل ذلك على وفور الدماغ وصحة العقل قال: نعم يا أمير المؤمنين إلا هامتي فإنها عظيمة وعقلي ضعيف ناقص، فتبسم معاوية قال: كيف ذلك لله أنت؟ قال: لإٌطعامي هذا البارحة مكوكي شعير. قال: فضحك معاوية وحمله على دابة من مراكبه. توفي شرحبيل بن السمط سنة أربعين، وصلى عليه حبيب بن مسلمة الفهري. ولما تقدم حبيب قال: صلوا على أخيكم واجتهدوا له في الدعاء، وليكن من دعائكم: اللهم، اغفر لهذه النفس الحنيفة المسلمة، واجعلها من الذين تابوا واتبعوا سبيلك وقها عذاب الجحيم. واستنصروا الله على عدوكم.

شرحبيل بن عبد الله بن المطاع

شرحبيل بن عبد الله بن المطاع ابن عمرو ويقال: المطاع بن عبد العزى بن قطن بن الغوث بن مرّ وهو شرحبيل بن حسنة أبو عمار، ويقال: أبو عبد الرحمن ويقال: أبو واثلة الكندي حليف بني زهرة، صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحد أمراء الأجناد الذين وجههم أبو بكر لفتح الشام. وهو أخو عبد الرحمن بن حسنة. وحسنة أمهما. حدث أبو صالح الأشعري عن عبد الله الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى رجل يصلي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو مات هذا على حاله مات على غير ملة محمد " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئاً ". قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله: من حدثك هذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: أمراء الأجناد: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان. قال الواقدي: شرحبيل بن حسنة من كندة قال الزبيري: حسنة ليست أمه وهي من أهل عَدَولي ساحل اليمن، وهي من المهاجرات وهي مولاة. وكانت تحت سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي. قالوا: وولاؤها لمعمر بن حبيب بن وهب بن حُذافة. وعن الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته وشكوته إليه، فجعل يعتذر إلي، وجعلت ألومه.

قالت: ثم إنه حانت صلاة الأولى فدخلت بيت ابنتي وهي عند شرحبيل بن حسنة، فوجدت زوجها في البيت فوقعت به، ألومه: حضرت الصلاة وأنت هاهنا؟ فقال: يا عمة لا تلوميني، كان لي ثوبان استعار أحدهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت في نفسي من ذلك، فقلت: ومن يلومه وهذا شأنه؟ قال شرحبيل: إنما كان أحدهما ثوب درع فرقعنا جيبه. توفي شرحبيل بن حسنة في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. وهو ابن سبع وستين سنة. وكان شرحبيل قدم مصر رسولاً من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملكها، وتوفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمصر. وافتتح شرحبيل ابن حسنة الأردن كلها عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه وذلك بأمر أبي عبيدة بن الجراح. قال ابن شهاب: لما استخلف عمر بن الخطاب نزع خالد بن الوليد وأمر أبا عبيدة بن الجراح. قدم عمر الجابية فنزع شرحبيل بن حسنة وأمر جنده أن يتفرقوا على الأمراء الثلاثة، فقال له شرحبيل: يا أمير المؤمنين، أعجزت أم خنت؟ قال: لم تعجز ولم تخن قال: فلم عزلتني؟ قال: تحرجت أن أؤمرك وأنا أجد أكفأ منك. قال: فاعذروني يا أمير المؤمنين في الناس قال: سأفعل ولو علمت غير ذلك لم أفعل، فقام عمر فعذره، ثم أمر عمرو بن العاص بالمسير إلى مصر وبقي الشام على أميرين أبي عبيدة بن الجراح ويزيد بن سفيان. قال عبد الرحمن بن غنم: وقع الطاعون في الشام فخطب عمرو بن العاص فقال: إن هذا الطاعون رجس ففروا منه في الأودية والشعاب، فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة فغضب، فجاء يجر ثوبه، ونعلاه في يده فقال: كذب عمرو بن العاص، صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمرو أضل من جمل أهل، ولكنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم، فبلغ ذلك معاذاً فقال: اللهم، اجعل نصيب آل معاذ الأوفر فماتت ابنتاه فدفنهما في قبل واحد، وطعن ابنه عبد

شرحبيل بن محمد الداراني

الرحمن فقال: " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " فقال: " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " وطعن معاذ في ظهر كفه فجعل يقبله ويقول: هي أحب إلي من حمر النعم، فإذا سُري عنه قال: رب غم غمك فإنك تعلم أني أحبك. ورأى رجلاً يبكي عنده يقال له عميرة فقال: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنيا كنت أصبتها منك ولكنني أبكي على العلم الذي كنت أصبته منك. قال: فلا تبك فإن إبراهيم كان في الأرض وليس بها عالم فأتاه الله علماً، فإذا أنا مت فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام وسلمان وعويمر أبي الدرداء. وفي حديث آخر: فقام شرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث فقال: والله لقد أسلمت وإن أميركم هذا أضل من جمل أهله، فانظروا ما يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وقع بأرض وأنت بها فلا تهربوا فإن الموت في أعناقكم، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرف القلوب ". شرحبيل بن محمد الداراني حدث عن محمد بن عثمان بن مرة الداراني عن أبيه عن جده أن أبا مسلم الخولاني حضره العيد فقالت له امرأته نائلة: يا أبا مسلم، لو أنك أتيت معاوية فسألته أن يبعث لنا سكراً وجوزاً ويبعث لنا كذا وكذا، وكان أبو مسلم يدلج من داريا فيصلي في مسجد دمشق، فكان ربما يجيء إلى الباب قبل أن يفتحه المؤذنون فينفتح له الباب فيعلم المؤذنون أن أبا مسلم قد دخل، وأن معاوية بعث رجلاً فقال: اذهب حتى تقف خلف أبي مسلم حتى تسمع ما يقول. فلما أن دخل أبو مسلم المسجد وقف مقامه الذي كان يقف فيه فقال: اللهم، إن نائلة سألتني أن أسأل معاوية كذا وكذا وإني لا أسأله، ولكني أسألك إياه من خزائنك، فذهب الرجل فأخبر معاوية فأرسل له كل ما ذكر من لجوز وغيره. فلما انصرف أبو مسلم إلى منزله لقيته نائلة فقالت له: قد جاءنا كذا وكذا وجاءنا كذا، ولكنك ليس تطيعني، فحمد الله على ذلك ولم يخبرها.

شريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر

شريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر ابن حرّ بن شيطان بن حذيم بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة ابن مازن بن الحارث بن قطيعة ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعيد بن قيس عيلان العبسي الكوفي كان في المسيرين الذين سيرهم عثمان بن عفان في خلافته من الكوفة إلى دمشق، ثم إن شريح بن أوفى خرج على علي بن أبي طالب عليه السلام وأنكر تحكيمه الحكمين، فقتل بالنهروان. روى الضحاك بن عثمان الحزامي قال: كان هوى محمد بن طلحة بن عبيد الله مع علي بن أبي طالب، فنهى علي عن قتله، وقال: من رأى صاحب البرنس الأسود فلا يقتله، يعني محمداً. فقال لعائشة يومئذ: يا أماه، ما تأمريني؟ فقالت: أرى أن تكون كخير ابني آدم: أن تكف يدك فكف يده، فقتله رجل من بني أسد بن خزيمة يقال له كعب بن مدلج من بني منقذ بن طريف. ويقال: قتله شداد بن معاوية العبسي. ويقال: بل قتله عصام بن مبشر البصري. وعليه كثرة الحديث وهو الذي يقول في قتله: من الطويل وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم دلفت له بالرمح من تحت بزه ... فخر صريعاً لليدين وللفم شككت إليه بالسنان قميصه ... فأرديته عن ظهر طرف مسوم أقمت له في دفعة الخيل صلبه ... بمثل قدامى النسر حران لهذم يذكرني حاميم لما طعنته ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم على غير شيء غير أن ليس تابعاً ... علياً ومن لا يتبع الحق يندم قال: فقال علي حين رآه صريعاً: صرعه هذا المصرع برّ أبيه. وقال يحيى الأموي: قتل محمد بن طلحة كعب بن مدلج.

وقال غيره: شريح بن أوفى، فقال في قتله وذكر له بعض هذه الأبيات قال أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري: شريح بن أوفى من أصحاب علي بن أبي طالب. ذكر أبو حسان الزيادي أنه هو قاتل محمد بن طلحة الذي يقال له السَجاد وعن أبي حسان يقول: قتله الأشتر. حدث أبو مخنف عن أبي حباب قال: ووقع شريح بن أوفى إلى جانب جدار، يعني: يوم النهر فقاتل على ثلمة فيه طويلاً من نهار، وكان جل من يليه من همدان، فأخذ يرتجز ويقول: قد علمت دارية عبسية ... ناعمة في أهلها كفيه إني سأحمل ثلمتي العشية فشد عليه قيس بن معاوية المرهبي فقطع رجله فجعل يقاتلهم وهو يقول: القرم يحمي شلوه معقولا ثم شد قيس بن معاوية فقتله. قال أبو عبيد: سنة تسع وثلاثين فيها قتلت الخوارج من أهل النهر، منهم عبد الله بن وهب الراسبي، وزيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وأبي بن قيس النخعي. وكانوا هم القراء من أصحاب علي قبل الحكمين.

شريح بن الحارث بن قيس

شريح بن الحارث بن قيس ابن الجهم بن معاوية بن عامر بن الرائش بن الحارث بن معاوية بن ثور ابن مرتع أبو أمية الكندي القاضي ويقال: شريح بن شرحبيل ويقال: ابن شراحيل ويقال: إنه من أولاد الفرس الذين كانوا باليمن. أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يلقه. ويقال: بل لقيه. واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة، وأمّره علي وأقام على القضاء بها ستين سنة. وقضى بالبصرة سنة، وقدم دمشق في ولاية معاوية، وحاكم إلى قاض كان بها. حدث شريح القاضي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم أنا، رضوان الله عليهم أجمعين. حدث قاضي المصرين شريح بعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل يدعو صاحب الدين يوم القيامة فيقول: يا بن آدم، فيم أضعت حقوق الناس؟ فيم أذهبت أموالهم؟ فيقول: يا رب، لم أفسده، ولكني أصبت به إما غرقاً وإما حرقاً. قال: فيقول تبارك وتعالى: أنا أحق من قضى عنك اليوم، فترجح حسناته على سيئاته فيؤمر به إلى الجنة. جاء شريح إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم ثم قال: يا رسول الله، إن لي أهل بيت ذوي عدد باليمن، فقال له جئ بهم، فجاء بهم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قبض. قال عطاء بن مصعب: تقدم شريح إلى قاضٍ لمعاوية يطالب رجلاً بحق له، فقال القاضي لشريح: أرى حقك قديماً. قال شريح: الحق أقدم منك ومنه، فقال: إني أظنك ظالماً، قال: ما على ظنك رحلت من العراق. قال: ما أظنك تقول الحق. قال: لا إله إلا الله. قال: فنمي الخبر إلى معاوية فقال: هذا شريح فأمر أن يفرغ من أمره ويعجل رده إلى العراق. وعاش شريح بن الحارث عشرين ومئة سنة. وعاش عدي بن حاتم عشرين ومئة سنة، وعاش سويد بن غفلة عشرين ومئة سنة.

وكان شريح إذا قيل له: ممن أنت؟ قال: ممن أنعم الله علي بالإسلام ثم عديد لكندة. ويقال إنه إنما خرج إلى المدينة لأن أمه تزوجت بعد أبيه فاستحيا من ذلك فخرج، وكان شاعراً عائفاً زاجراً قائفاً كوسجاً، لا لحية له. العائف: الذي يعيف الطير أن يزجرها. ولم يرد من قال: إنه عائف: هذه العيافة، وكيف يريد هذا؟ وقد روي أن العيافة من الجبت ولكنه أراد أنه مصيب الظن صادق الحدس، فكأنه عائف. وهذا كما يقال: ما أنت إلا ساحر إذا كان رقيقاً لطيفاً، وما أنت إلا كاهن إذا أصاب بظنه. والقائف الذي يعرف الآثار ويتبعها ويعرف شبه الرجل في ولده وأخيه. كان مالك بن أنس يقول: كان أهل البصرة عندنا هم أهل العراق وهم الناس. ولقد كان بالكوفة رجال: علقمة والأسود وشريح، حتى وثب إنسان يقال له حماد فاعترض هذا الدين، فقال فيه برأيه ففسد الناس، فالله المستعان " وللبسنا عليهم ما يلبسون ". قيل لشريح: بأي شيء أصبت هذا العلم؟ قال: بمفاوضة العلماء، آخذ منهم وأعطيهم. قال الشعبي: أخذ عمر بن الخطاب فرساً من رجل على سوم فحمل عليه رجلاً فعطب عنده فخاصمه فقال: اجعل بيني وبينك رجلاً. فقال الرجل: فإني أرضى بشريح العراقي، فأتوا شريحاً فقال شريح لعمر: أخذته صحيحاً سليماً فأنت له ضامن حتى ترده صحيحاً سالماً، فأعجب عمر بن الخطاب فبعثه قاضياً. حدث شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه: إن جاءك شيء في كتاب الله فاقض به ولا يلفتنك عنه الرجال، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاقض بها، فإن

جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن به سنة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر ما أجمع عليه الناس فخذ به، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن به سنة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتكلم فيه أحد قبلك فاختر أي الأمرين شئت: إن شئت أن تجتهد رأيك ثم تقدم فتقدم، وإن شئت أن أتأخر فتأخر. ولا أرى التأخير إلا خيراً لك. وعن هبيرة بن يريم أن علياً جمع الناس في الرحبة وقال: إني مفارقكم فاجتمعوا في الرحبة، رجال أيما رجال، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم ولم يبق إلا شريح فجثا على ركبتيه وجعل يسأله، فقال له علي: اذهب فأنت أقضى العرب. قال الشعبي: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام إلى السوق، فإذا هو بنصراني يبيع درعاً فعرف علي الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين. ((وكان قاضي المسلمين شريح، كان علي استقضاه. فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس علياً في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني، فقال علي: أما يا شريح لو كان خصمي مسلماً لقعدت معه مجلس الخصم ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا عليهم، وألجئوهم إلى مضائق الطريق، وصغروهم كما صغرهم الله. اقض بيني وبينه يا شريح. قال: فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: فقال علي: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان. قال: فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذب أمير المؤمنين، الدرعي هي درعي. قال: فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح. قال: فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنين درعك اتبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال: فقال علي عليه السلام: أما إذ أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق. قال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين. وفي رواية: وفرض له ألفين وأصيب معه يوم صفين.

وفي رواية: أنه ضاع لعلي عليه السلام درع يوم الجمل فأصابها رجل من بني قفل فباعها، فعرفت عند رجل من اليهود، فقال: اشتريتها من بني قفل فخاصمه علي إلى شريح، فشهد لعلي الحسن بن علي ومولاه قنبر، فقال شريح لعلي: زدني شاهداً مكاالحسن، فقال: أترد شهادة الحسن؟ قال: لا ولكني حفظت عنك أنك قلت: لا تجوز شهادة الولد لوالده، فقال علي عليه السلام: الحق ببانقيا واقض عليها، واستعمل على الكوفة محمد بن يزيد بن خليدة الشيباني ثم عزله وأعاد شريحاً. قال علي عليه السلام لشريح: لسانك عبدك ما لم تتكلم، فإذا تكلمت فأنت عبده فانظر ما تقضي، وفيم تقضي، وكيف تقضي، وفيم تمضي، وإليه تفضي. وعن عامر قال: جاءت امرأة إلى علي تخاصم زوجها طلقها، فقالت: قد حضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح: اقض بينهما. قال: يا أمير المؤمنين، وأنت هاهنا؟! قال: اقض بينهما. قال: إن جاءت من بطانة أهلها ممن ترضى دينه وأمانته يزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها، وإلا فلا. فقال علي: قالون. وقالون بلسان الروم: أحسنت. وقيل: قالون بالرومية جيد. أتي شريح ابني عم أحدهما زوج والآخر أخ لأم، فقال شريح: للزوج النصف وما بقي فللأخ من الأم. وقال علي: أخطأ العبد الأبظر: للزوج النصف وللأخ من الأم السدس، وما بقي بينهما نصفان. نظر شريح إلى رجل يقوم على رأسه وهو يضحك وهو في مجلس القضاء، فنظر إليه شريح فقال له: ما يضحكك وأنت تراني أتقلب بين الجنة والنار؟! حدث سالم أبو عبد الله قال: شهدت شريحاً وتقدم إليه رجل قال: أين أنت؟ قال: بينك وبين الحائط، فقال:

إني رجل من أهل الشام. قال: بعيد سحيق. قال: إني تزوجت امرأة، قال: بالرفاء والبنين. قال: إني اشترطت لها دارها. قال: الشرط أملك. قال: اقض بيننا قال: قد فعلت. قال أبو عمرو الشيباني: كنت عند شريح فأتاه قوم برجل عليه صك بخمس مئة درهم ديناً فقالوا: إن مولى لنا مات وترك على هذا خمس مئة درهم ديناً، ونحن وارثو مولانا، فقال له شريح: ما تقول؟ فقال: كان أخير رجلاً حراً مولى لهؤلاء وكان موسراً، وأنا عبد مملوك لقوم آخرين، وكان أعطاني هذه الدراهم أنتفع بها، فمات أخي وترك مالاً كثيراً ورثه هؤلاء عنه، فقلت لهم: دعوا لي هذه الدراهم فإني معيل. قال: فكلمهم شريح، وقال لهم: لا عليكم أن تدعوا له هذه الدراهم وسائر ميراث أخيه لكم فقد ذكر عياله، فأبوا وقالوا خذ لنا بحقنا. قال: فقال لهم شريح: اتقوا الله، وافعلوا. فأبوا وقالوا: خذ لنا بحقنا، فقال له شريح: ادفعها إليهم فإنك عبد لا ميراث لك، فأقيموا من بين يديه على ذلك. قال أبو عمرو الشيباني: فلما رأيت جزعه وشدة همه قلت له: ويحك، ذكرت أنك معيل فما عيالك؟ قال: زوجة وأولاد ذكور وإناث، فقلت: فما زوجتك؟ حرة أو أمة؟ فقال: حرة، فرجعت إلى شريح فقلت: يا أبا أمية، ألا ترى ما يقول هذا الرجل؟ قال: وما يقول؟ قلت: يقول: لي أولاد أحرار من امرأة حرة. قال: ردهم علي، فرددتهم فأعاد الكلام فاعترفوا به، وقالوا: نعم، له أولاد أحرار، فقال: ولد حر من امرأة حرة فقال شريح: فابن الأخ الحر أولى بالميراث منكم، والله، لا تبرحوا حتى تعطوه ما في أيديكم من ميراث أخيه. قال: فانتزع ذلك منهم فدفعه إليه. قال محمد بن سيرين: جاء رجل إلى شريح فقال: إن امرأتي توفيت ولم تترك ولداً فما لي من ميراثها؟ قال: النصف. قال: فمضى، ثم عاد وله خصوم له في هذه المسألة، فإذا هي عشرة أسهم يجب له منها ثلاثة أسهم. قال الوليد بن مسلم: يفسر ذلك أنها تركت زوجها وأمها وأختها لأبيها وأمها، وأختها لأمها فأعطاه ثلاثة اسهم من عشرة، وكان الرجل بعد ذلك يقول: انظروا إلى قاضيكم هذا، أتيته فقلت: إن امرأتي توفيت ولم تترك ولداً فما لي من ميراثها

فقال النصف، فلما تحاكمنا إليه ما أعطاني النصف ولا الثلث، فكان شريح يقول له: يا عدو نفسه، إذا رأيتني ذكرت حكماً جائراً، وإذا رأيتك ذكرت رجلاً فاجراً تظهر الشكوى وتكتم حقيقة القضاء. قال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة فقالت امرأة: هو ولد هرتي، وقالت الأخرى: هو ولد هرتي، فقال شريح: ألقها مع هذه فإن هي قرّت ودرّت واسبطرت فهي لها، وإن هي فرت وهرت واقشعرت فيلس لها. أتى شريحا ًالقاضي قوم برجل فقالوا: إن هذا خطب النساء فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدواب. فزوجناه فإذا هو يبيع السنانير. قال: أوَلا قلتم أي الدواب؟ وأجاز شريح نكاحه. حدث ابن عوف أن شريحاً أقر عنده رجل بشيء ثم ذهب لينكر فقال: قد شهد عليك ابن أخت خالتك. وعن الشعبي أن عبد الله بن شريح كان بينه وبين رجل خصومه فقال لأبيه إن بيني وبين فلان خصومة، فإن كان الحق لي فأعلمني ذلك حتى أخاصمه إليك وإن كان الحق علي لم أخاصمه قال: فقال: خاصمه. قال: فجاءه بخصم فقضى عليه، فلقيه بعدما انصرف فقال: ما رأيت مثلك، إني لو لم أكن تقدمت إليك عذرتك، ولكن قد أعلمتك الأمر وسألتك أن بيني وبين فلان خصومة، فإن كان القضاء علي لم أخاصمه إليك فأمرتني أن أخاصمه! فقال: يا بنيّ، إنك لما تقدمت على أمرك كان القضاء عليك فكرهت أن أخبرك فتذهب إلى خصمك، فتصالحه وتقطع من ماله شيئاً لا حق لك فيه، فلذلك لم أخبرك. خرجت قرحة بإبهام شريح فقيل له: ألا أريتها طبيباً قال: هو الذي أخرجها.

قال شريح: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد الله رزقني الصب عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني. وعن شقيق قال: قال شريح في فتنة ابن الزبير: ما استخبرت ولا أخبرت، ولا ظلمت مسلماً ولا معاهداً ديناراً ولا درهماً. قال: قلت له: لو كنت على حالك لأحببت أن أكون قد مت، فأومأ إلى قلبه فقال: كيف بهذا؟ وفي رواية قال: كيف بما في صدري. تلتقي الفئتان إحداهما أحب إلي من الأخرى. قال الشعبي: شهدت شريحاً وجاءته امرأة تخاصم رجلاً فأرسلت عينيها فبكت فقلت: يا أبا أمية، ما أظنها إلا مظلومة فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون قال عامر: سئل شريح القاضي عن الجراد: فقال: قبح الله الجرادة فيها خلقه سبعة جبابرة: رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجلا جمل، وذنبها ذنب حية، وبطنها بطن عقرب. قال المدائني: عرض شريح ناقة ليبيعها فقال له رجل: ما هذه؟ قال: ناقة تمشي على أربع. قال: أتبيع؟ قال: لذلك أخرجتها. قال: وبكم تبيعها؟ قال: بكذا وكذا. قال: كيف لبنها؟ قال: احلب في أي إناء شئت، قال: كيف الوطاء؟ قال: افرش ونم. قال: فكيف قوتها؟ قال: احمل على حائط أو دع. قال: فكيف نجاؤها؟ قال: علق سوطك وسر، فاشتراها منه، فقال له شريح، إن عرضت لك حاجة فسل عن أبي أمية في مسجد الكوفة، فسار بها الرجل، قال: فإذا أخبث ما سخر لأدمي، فأتى مسجد الكوفة وشريح في مجلس القضاء فقال: لم أر فيها شيئاً مما وصفت، فأدناه شريح وأفهمه ما قال له ثم أقاله. قيل للشعبي: يقال في المثل: إن شريحاً أدهى من الثعلب وأحيل. فما هذا؟ فقال

إن شريحاً خرج أيام الطاعون إلى النجف، فكان إذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه فيحاكيه ويمثل بين يديه فيشغله عن صلاته. فلما طال ذلك عليه نزع قميصه فجعله على قصبة وأخرج كميه وجعل قلنسوته وعمامته عليه، فأقبل الثعلب فوقف على عادته، فأتاه شريح من خلفه فأخذه بغتة فلذلك يقول هو أدهى من الثعلب. قال الشعبي قال لنا شريح: يا شعبي عليكم بنساء بني تميم فإنهن النساء. قلنا: وكيف؟ قال: رجعت يوماً من جنازة مظهراً، فمررت بخباء فإذا عجوز معها جارية رود فاستسقيت، فقالت: اللبن أعجب إليك أم ماء أم نبيذ؟ قال: قلت: اللبن أعجب إليّ، قالت: يا بنية، اسقيه لبناً، فإني أظنه غريباً، فسقتني، فلما شربت قلت: من هذه الجارية؟ قالت: هذه ابنتي زينب بنت جرير إحدى نساء بني تميم ثم من بني حنظلة ثم من بني طهيّة. قلت: أتزوجينيها؟ قالت: نعم، إن كنت كفؤاً، قال: فانصرفت إلى منزلي وامتنعت عن القائلة، فلما صليت الظهر وجهت إخواني إلى الثقات: مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، فصليت العصر ثم رحب إلى عمها وهو في مسجده، فلما رآني تنحى لي عن مجلسه فقلت: أنت أحق بمجلسك ونحن طالبوا حاجة فقال: مرحباً بك يا أبا أمية ما حاجتك؟ قلت: أني قد ذكرت زينب بنت أخيك، فقال: والله ما بها عنك رغبة ولا بك عنها مقصر، قال: وتكلمت فزوجني، ثم انصرفت فما وصلت إلى منزلي حتى ندمت وقلت: ماذا صنعت بنفسي؟ فهممت أن أرسل إليها بطلاقها ثم قلت: لا أجمع حمقتين، ولكن أضمها إليّ فإن رأيت ما أحب حمدت الله، وإن تكن الأخرى طلقتها. فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها. فلما أهديت إليّ وقام النساء عنها قلت: يا هذه؟ إن من السنة إذا أهديت المرأة إلى زوجها أن تصلي ركعتين خلفه، ويسألا الله البركة، فقمت أصلي فإذا هي خلفي. فلما فرغت رجعت إلى مكانها، ومددت يدي إليها فقالت: على رسلك فقلت: إحداهن ورب الكعبة فقالت: الحمد لله وصلى الله على محمد وآله. أما بعد. فإني امرأة غريبة ولا والله ما ركبت مركباً أصعب علي من هذا، وأنت رجل لا أعرف أخلاقك فخبرني بما تحب آته، وبما تكره أزدجر عنه، أقول قولي هذا وأستغفر لله لي ولك. فقلت: الحمد لله وصلى الله على محمد وآله. أما بعد. فقد قدمت خير مقدم، قدمت على أهل دار، زوجك سيّد

رجالهم، وأنت إن شاء الله سيّدة نسائهم، أحب هذا وأكره هذا. قالت: فحدثني عن أختانك أتحب أن يزوروك؟ قال: قلت: إني رجل قاض وأكره أن يملوني وأكره أن ينقطعوا عني. قال: فأقمت معها سنة أنا كل يوم أشد سروراً مني باليوم الذي مضى، فرجعت يوماً من مجلس القضاء فإذا عجوز تأمر وتنهي في منزلي فقلت: من هذه يا زينب؟ قالت: هذه ختنك، هذه أمي. قلت: كيف حالك يا هذه؟ قالت: كيف حالك يا أبا أمية؟ وكيف رأيت أهلك؟ قال: قلت: كل الخير. قالت: إن المرأة لا تكون أسوأ خلقاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً وإذا حظيت عند زوجها، فإن رابك من أهلك ريب فالسوط السوط. قلت: أشهد أنها ابنتك، قد كفيتني الرياضة وأحسنت الأدب، فكانت تجيئني في كل حول مرة فتوصي بهذه الوصية، ثم تنصرف، فأقمت معها عشرين سنة ما غضبت عليها يوماً ولا ليلة إلا يوماً وكنت لها ظالماً، وذلك إني ركعت ركعتي الفجر وأبصرت عقربا فعجلت عن قتلها، فكفأت عليها الإناء وبادرت إلى الصلاة وقلت: يا زينب، إياك والإناء فعجلت إليه فحركته فضربها العقرب، فلو رأيتني يا شعبي وأنا أمصّ أصبعها وأقرأ عليها المعوذتين، وكان لي جار يقال له قيس لا يزال يقرع مرأته فعند ذلك أقول: من الطويل رأيت رجالاً يضربون نساءهم ... فشلت يميني حين أضرب زينبا يا شعبي، فعليك بنساء بني تميم فإنهن النساء. أوصى شريح أن يصلى عليه بالجبّانة، وأن لا يؤذن به أحد، ولا تتبعه صائحة وألا يجعل على قبره نور، أن يسرع به السير، وأن يلحد له. مات شريح سنة ثمانين. وقيل: سنة ست وسبعين. وقيل: سنة ثمان وسبعين، وهو ابن مئة وعشرين سنة. وقيل: ابن مئة وعشر سنين. وقيل: مئة وثمان سنين. بعدما عزل عن القضاء لسنتين. وقيل: توفي سنة سبع وثمانين.

شريح بن عبيد بن شريح

شريح بن عبيد بن شريح ابن عبد بن عريب أبو الصلت وأبو الصواب، المقرائي الحضرمي الحمصي قدم دمشق، وكان بها حين قتل عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص. حدث عن عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أول عظم يتكلم من الإنسان حين يختم على الأفواه، يعني فخذه. وذكر كلاماً لم أفهمه. وحدث عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عزّ وجلّ: " ابن آدم، صل لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " قال شريح بن عبيد: حضرت عبد الملك بن مروان قال لبشير بن عقربة الجهني يوم قتل عمر بن سعيد: يا أبا اليمان، اليوم احتجت إلى كلامك قم فتكلم، فقال: أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة أوقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة. " شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك ويقال: ابن هانئ بن يزيد بن الحارث بن كعب ويقال غير ذلك، أبو المقدام الحارثي الكوفي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وكان من كبار أصحاب علي عليه السلام. وشهد بحكم الحكمين بدومة الجندل في صحابة عليّ، وقدم على معاوية فشفع في كثير بن شهاب الحارثي حين حبسه فأطلقه له. حدث ابن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت: ائت علياً فإنه أعلم بذلك، فأتيت علياً فسألته عن المسح على الخفين فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثاً.

قال شريح: قلت لعائشة: ما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع؟ قالت: كان يصلي ركعتين قبل الفجر، ثم يخرج فيصلي فإذا دخل تسوّك. وعن شريح أنه سأل عائشة: أخبريني بأي شيء كان يبدأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجع إليك من المسجد؟ قالت: كان يبدأ بالسواك. وعن زياد بن النضر أن علياً بعث أبا موسى الأشعري ومعه أربع مئة رجل عليهم شريح بن هانئ ومعهم عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمرهم، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربع مئة من أهل الشام حتى توافوا بدومة الجندل. قتل شريح بسجستان زمن الحجاج مع عبيد الله بن أبي بكرة وهو الذي يرتجز ويقول وكان جاهلياً إسلامياً: أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا ... قد عشت بين المشركين أعصرا ثمّت أدركت النبي المنذرا ... وبعده صديقه وعمرا والجمع في صفينهم والنهرا ... ويوم مهران ويوم تسترا وبا خميراوات والمشقّرا ... هيهات ما أطول هذا عمرا وعاش شريح بن هانئ عشرين ومئة سنة. وقيل: مئة وعشر سنين. وقتل سنة ثمان وسبعين.

شريك بن الأعور

شريك بن الأعور واسم الأعور الحارث، الحارثي شاعر من أهل البصرة. وقد وفد على عمر بن الخطاب، وكان من أصحاب عليّ، شهد معه الجمل وصفين، ووفد على معاوية بن أبي سفيان. جلس معاوية ذات يوم، بين يديه السماطا (ن، فدخل الناس وأشراف العرب، ودخل فيمن دخل شريك بن الأعور الحارثي وافداً، فلما أن اطمأن به مجلسه نظر إليه معاوية فقال: ما اسمك؟ قال: شريك، فقال معاوية: ما لله من شريك، وإنك لأعور، الصحيح خير من الأعور، وإنك لدميم والجميل خير من الدميم، فبم سدت قومك؟ فقال له شريك: والله لقد أحميت أنفي ولا بد من إجابتك، فوالله إنك لمعاوية، وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت، وإنك لابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك لابن حرب، السلم خير من الحرب، وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت فاستصغرت، فبم سدت قومك؟ فقال: يا غلام، أقمه، فقام شريك وأنشأ يقول: من الوافر أيشتمني معاوية بن صخر ... وسيفي صارم ومعي لساني وحولي من ذوي يمن ليوث ... ضراغمة تهش إلى الطعان تعيرني الدمامة من سفاه ... وربات الحجال من الغواني ذوات الدلّ في خيرات عصب ... يحيون الهجان مع الحسان فلا تبسط لسانك يا بن حرب ... علينا إذا بلغت مدى الأماني متى ما تدع قومك أدع قومي ... وتخف الأسنة بالطعان يجيبني (ُ كلّ غطريف شجاع ... كريم قد توشح باليماني فإن تك للشقاء لنا أميراً ... فإنا لا نقرّ على الهوان وإن تك أمية في ذراها ... فإني في ذوي عبد المدان توفي شريك بالكوفة قبل مقتل الحسين بن علي عليهما السلام بيسير.

شريك بن سلمة المرادي

شريك بن سلمة المرادي شهد صفين مع معاوية. وقيل أنه أحد قتلة عمار بن ياسر، وكان عمار بن ياسر قتل وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وكان أقدم في الميلاد من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان أقبل أليه ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمر بن الحارث الخولاني، وشريك بن سلمة المرادي، فانتهوا إليه جميعاً وهو يقول: والله، لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر علمت أنا على حق، وأنتم على باطل، فحملوا عليه جميعاً فقتلوه. وزعم بعض الناس أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عماراً، وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان، ويقال: بل الذي قتله عمر بن الحارث الخولاني. وقيل: إن قاتل عمار أبو الغادية يسار بن سبع الجهني، ويقال: المزني. شريك بن شداد الحضرمي الشيعي كوفي من التابعين. أحد الاثني عشر الذي قدم بهم من الكوفة مع حجر بن عدي إلى عذراء وقتل بها. حدث رجل من أهل البصرة قال: خرجت أريد بيت المقدس فآواني المطر صومعة راهب، فأشرف عليّ فقال: أين تريد؟ قلت: بيت المقدس، قال: ثم أين؟ قلت: المدينة. قال: هل أنت مبلغ عني كعب الأحبار رسالة؟ قال، فقلت: نعم، إلا أن أنسى أو أموت. قال: قل له إذا لقيته: إنّ راهب بني فلان يقول لك: ما بال مسجد العطموس؟ فقدمت بيت المقدس، فقضيت حاجتي ثم أتيت المدينة، فلقيت كعباً فبلغته رسالة الراهب فقال: إذا قضيت حاجتك وأردت الرجعة فائتني، فأتيته حين قضيت حاجتي، فقال: إذا أتيته فقل له: إن كعباً يقول لك: ما حال قتلى عذراء؟ فلما أن لقيته قلت: إن باً يقول كذا وكذا، فقال: قاتل الله كعباً، ما بقي أحد أعلم منه، ثم انقمع في صومعته فقلت: إني قد بلغتك عن كعب وأبلغت كعباً عنك، ثم أخرج من بينكما صفراً؟ والله، لا أبرح حتى تخبرني أو تأكلني السباع، فتحمل دمي. قال: فجعل يلاحظني النظر، فلما رآني لا أبرح أشرف علي فقال: إنا نجد في كتابنا أن قوماً من أهل دينكم يقتلون بعذراء لا حساب عليهم ولا عذاب، قال: فما مكثت إلا يسيراَ حتى جيء بحجر بن عدي وأصحابه فقتلوا بعذراء.

شعيب بن يوبب بن عنقاء بن مدين

شعيب بن يوبب بن عنقاء بن مدين ويقال: شعيب بن يوبب بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن صيعون بن عنقاء ابن ثابت بن مدين بن إبراهيم. ويقال: شعيب بن سحر ين لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم. ويقال: شعيب بن مهذم بن سحول، وسحول حمير ويقال: شعيب بن عمرو بن نصر بن الأزد. ويقال: شعيب ابن مهذم بن ذي مهذم بن المقدم بن حصور نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور في القرآن، وجدته - ويقال أمه - ابنة لوط عليه السلام. كان ممن هاجر مع إبراهيم عليهما السلام من أرض بابل إلى الشام واجتاز معه دمشق. وذكر وهب بن منبه أن شعيباً وبلعم كانا من رهط آمنوا بإبراهيم عليه السلام يوم أحرق بالنار، وهاجروا معه إلى الشام فزوجهم بنات لوط عليه السلام وقيل: إن أهل التوراة يزعمون أن شعيباً في التوراة اسمه ميكائيل، واسمه بالسريانية حرى بن يسحر، وبالعبرانية شعيب، وعن الشرقي بن القطامي وكان عالماً بالأنساب قال: هو يثروب بالعبرانية، وشعيب بالعربية، ابن عنقاء بن يوبب بن إبراهيم، كل هؤلاء ينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام. ويقال: شعيب بن ميكائيل، واسمه بالعبرانية تيروب بن جري. وعن أبي الحسن الدارقطني قال: يوبب أوله ياء مفتوحة معجمة باثنتين من تحتها وواو وباءان هو شعيب بن يوبب، وولد شعيب امرأتين إحداهما صفوراء امرأة موسى بن عمران عليهما السلام. قال الكلبي: شعيب النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم ابن يوبب بن عنقاء بن مدين، ومالك بن دعر بن يوبب بن عنقاء بن مدين هو الذي استخرج يوسف من الجب.

وعن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: " واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صديقاً نبيّاً " قال: كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وصالح، وهود، ولوط، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ومحمد صلوات الله عليهم وسلامه. ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى فإسرائيل يعقوب، وعيسى المسيح عليهم السلام. وعن قتادة أن نوحاً صلى الله على نبينا وعليه بعث من أرض الجزيرة، وهوداً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من أرض الشحر أرض مهرة، وصالحاً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من الحجر، ولوطاً صلى الله على نبينا وعليه من سدوم، وشعيباً صلى الله على نبينا وعليه وسلم من مدين، ومات إبراهيم وآدم وإسحاق ويوسف بأرض فلسطين، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق. وعن سعيد بن عبد العزيز في قوله عز وجلّ " فاصبروا كما صبر أولو العزم من الرسل " قال: هم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى صلى الله على نبينا وعليهم وسلم. وعن ابن عباس أنه قال: كان شعيب عليه السلام نبياً رسولاً من بعد يوسف وكان من خبره وخبر قومه ما ذكره الله عزّ وجلّ. يقول الله عزّ وجلّ: " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ". فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكاييلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم بنبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عكرمة: ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة.

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وقال قتادة: في قول الله عزّ وجلّ " وأصحاب الرّسّ " قال: قوم شعيب وقيل: إن الأيكة ومدين هما واحد. والله أعلم. فأما من قال منهم إنه بعث مرتين فقال في قصة مدين " وإلى مدين أخاهم شعيباً قال: يا قوم اعبدوا الله " فبدأ فدعاهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ وعبادته فذلك قوله: " ما لكم من إله غيره " وأمرهم بعد ذلك بالكف عن ظلم الناس وبخسهم مكاييلهم، فقال لهم: " قد جئتكم ببينة من ربكم " يعني بياناً من ربكم " فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم " " ولا تعثوا في الأرض مفسدين ". قال: فما دعاهم إلى ذلك كذبوه وردوا عليه نصيحته وقالوا: يا شعيب أصلواتك هذه تأمرك وكان أكثر الأنبياء صلاة فلذلك قالوا: " أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " يعني نترك عبادة آلهة آبائنا " أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء " نوفي لمن نشاء ونبخس من نشاء " إنك لأنت الحليم الرّشيد " يقولون: إنك لأنت الأحمق السفيه، يشهرون به

وعن ابن عباس أنهم كانوا إذا دخل عليهم الغريب فيأخذون دراهمه، ويقولون: دراهمك هذه زيوف. فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس يعني: بالنقصان، قيل: كانوا يأخذون دراهم جياداً من الناس، فيقطعونها ثم يعطونهم بدلها من عندهم زيوفاً نفاية، فذلك بخسهم، مع ما كانوا يطففون في الكيل. وعن ابن عباس قال: قال شعيب " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " يقول لا تعملوا في الأرض بالمعاصي. قال: كانوا يخرجون وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم، قال: فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب، يقولون: لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم. فذلك قوله عزّ وجلّ " ولا تقعدوا بكلّ صراط توعدون " الناس إن اتبعتم شعيباً فتنكم وهو كذاب " وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً " قال ابن عباس: كانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم، يعني يعشرونه. وكانوا أول من سنّ ذلك. وقال الحسن في قوله عزّ وجلّ " إني أراكم بخير " قال: رخص السعر. وعن الزبرقان قال: رأيت الأحنف صلى بعد العصر. قلت يا أبا بحر، ما هذه الصلاة؟ قال: يا بن أخي، إن شعيباً يعني النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان كثير الصلاة. وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر شعيباً قال: ذلك خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم

إليه وفيما ردوا عليه، وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم، وتوعد كبراؤهم ضعفاءهم فقالوا: " لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون " فلم ينته شعيب أن دعاهم فقال لهم: يا قوم، اذكروا قوم نوح وعاد وثمود " وما قوم لوط منكم ببعيد " وكان قوم لوط أقربهم إلى شعيب، كانوا أقربهم عهداً بالهلاك " واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم " لمن تاب إليه من الذنب، " ودود " يعني: يحبه ثم يقذف له المحبة في قلوب عباده، فردوا عليه فقالوا: " يا شعيب، ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً " كان أعمى ضعيفاً، وقيل: أي ضعيف الركن لا عقب له، يعني، لا ابن له وكان له ابنتان " ولولا رهطك " يعني عشيرتك التي أنت منهم " لرجمناك " يعني لقتلناك " وما أنت علينا بعزيز " فلما عتوا على الله عزّ وجلّ: " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " فأما في سورة هود " في ديارهم " يعني في منازلهم " جاثمين " وأما في الأعراف " دارهم " يعني: في عساكرهم ميتين. وقوله " كأن لم يغنوا فيها " يعني: كأن لم ينعموا فيها. ولما قالوا له: " ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " قال: يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله " قالوا: بل الله. قال: أفاتخذتم الله " وراءكم ظهرياً " يعني: تركتم أمره وكذبتم نبيه، غير أن علم ربي أحاط بكم " إن ربي بما تعملون محيط " وقوله: " إنما أنت من المسحرين " أي من المخلوقين. وقوله عزّ وجلّ: " وإنا لنراك فينا ضعيفاً " قال: كان أعمى. وإنما عمي من بكائه من حب الله عزّ وجلّ.

عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بكى شعيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حب الله حتى عمي، فرد عليه بصره وأوحى إليه: يا شعيب، ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار؟ فقال: إلهي وسيدي، أنت تعلم أني ما أبكي شوقاً إلى جنتك، ولا خوفاً من النار، ولكن اعتقدت حبك بقلبي، فإذا نظرت إليك فما أبالي ما الذي تصنع بي، فأوحى الله إليه: يا شعيب، إن يكن ذلك حقاً فهنيئاً لك لقائي. يا شعيب، لذلك أخدمتك موسى بن عمران كليمي. وعن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال: يا بن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. قال: أوبلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عزّ وجلّ فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله عزّ وجلّ " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله " لم تقولون ما لا تفعلون " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام " وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك. قال ابن عباس في قوله " فأخذتهم الصيحة " يعني قوم شعيب قال: جاءت صيحة، وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض، فخرجت أرواحهم من أبدانهم فذلك قوله " فأخذتهم الرجفة " وذلك حين سمعوا الصيحة قاموا قياماً، وفزعوا لها، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين. يقول الله عزّ وجلّ: " ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود " يقول: ألا سحقاً لهم.

وبعث الله جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفك بهم مغانيهم، فألفى رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك فرجع إلى المعراج فقال: اللهم، أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لآفك مغانيهم فأصبت رجلاً قائماً يتلو كتاب الله عزّ وجلّ فهالني أن أهلكه فيمن أهلك، فأوحى الله تعالى: ما أعرفني به، هو فلان بن فلان فابدأ به، فإنه لم يدفع عن محاربتي إلا موادعاً. وقيل: كان أصحاب الأيكة أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين. قال تعالى: " كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب " ولم يقل أخوهم، لأنه لم يكن من جنسهم. وقوله عزّ وجلّ: " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ". قال ابن عباس: أرسل الله عليهم سموماً من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم، وغلت مياههم في الآبار والعيون، فخرجوا من منازلهم ومحلهم هاربين. قال: والسموم معهم، فسلط الله عليه الشمس من فوق رؤوسهم، فبغتتهم حتى تفلقت منها جماجمهم، وسلط عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم أنشأ لهم ظلة كالسحابة السوداء. فلما رأوها ابتدروها، يستعينون بظلها، تبردهم ما هم فيه من الحر حتى إذا كانوا تحتها جميعاً أطبقت عليهم فهلكوا، ونجى الله عزّ وجلّ شعيباً والذين آمنوا معه رحمة منه وحزن على قومه الذين أنزل الله بهم النقمة، ثم قال يعزي نفسه بما ذكر الله عزّ وجلّ: " يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين ". وقال زيد بن أسلم: قوله " عذاب يوم الظلة " قال: صارت الغمام عليهم ناراً.

وعن ابن عباس أن شعيباً كان يقرأ من الكتب التي كان الله عزّ وجلّ أنزلها على إبراهيم قال: إنما أنزل الله عزّ وجلّ من السماء صحفاً على آدم وإدريس ونوح وإبراهيم. وكان أنزل على شيث خمسون صحيفة. وعن أبي حازم قال: لما رجعتا إلى أبيهما " يعني ابنتي شعيب " أخبرتاه خبر موسى فقال أبوهما وهو شعيب عليه السلام: ينبغي أن يكون هذا رجلاً جائعاً، ثم قال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي. فلما أتته غطت وجهها وقالت " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " فلما قالت " أجر ما سقيت لنا " كره موسى ذلك وأراد ألا يتبعها، ولم يجد بداً من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف فخرج معها، وكان الريح يضرب ثوبها فيصف لموسى عجيزتها، وكانت ذات عجز، فجعل موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعرض عنها مرة ويغض مرة، فناداها: يا أمة الله، كوني خلفي وأريني السمت بقولك. فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء تهياً، فقال له شعيب: اجلس يا شاب، فتعش، فقال له موسى: أعوذ بالله، فقال له شعيب: ول ذلك؟ ألست بجائع؟ قال: بلى. ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا يبتغي شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً. فقال له شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف، ونطعم الطعام. قال: فجلس موسى فأكل. وعن أبن عباس أنه قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل وشعيب على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، فقبر إسماعيل في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود. وقال وهب بن منبه: إن شعيباً مات بمكة، ومن معه من المؤمنين، فقبورهم في غربي الكعبة بين دار الندوة وبين باب بني سهم.

شعيب بن أحمد بن عبد الحميد

شعيب بن أحمد بن عبد الحميد ابن صالح بن ذريح بن يحيى بن عبد الله بن صالح بن الفتح أبو عبد الملك القرشي، مولى الزبير بن العوام حدث عن أبيه بسنده عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معاوية، إياك والغضب، فإن الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل ". شعيب بن إسحاق بن شعيب بن إسحاق أبو محمد القرشي حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس ". شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن راشد القرشي، مولاهم دمشقي. حدث عن هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقي الله يشرب به شيئاً دخل النار ". وحدث عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقول: " لا تتقدموا الشهر بيوم أو اثنين إلا رجل كان يصوم صياماً فليصمه ". توفي شعيب سنة تسع وثمانين ومئة، وهو ابن إحدى وسبعين. وقيل كان مولى رملة بنت عثمان بن عفان.

شعيب بن دينار

شعيب بن دينار أبو بشر بن أبي حمزة الحضرمي مولى بني أمية. كان كاتباً لهشام بن عبد الملك بالرصافة، واجتاز بدمشق. حدث عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الوضوء ما مست النار. توفي شعيب بن أبي حمزة سنة اثنتين وستين ومئة، وقيل سنة ثلاث وستين ومئة. شعيب بن رزيق أبو شيبة الشامي المقدسي سكن طرسوس. واجتاز بدمشق أو بأعمالها. حدث عن عطاء الخراساني قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: رأيت عثمان قاعداً في المقاعد، فدعا بطعام مما مسته النار فأكله، ثم قام إلى الصلاة فصلى ثم قال عثمان: قعدت مقعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكلت طعام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصليت صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عنه عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتطوع الإمام في مقامه الذي صلى فيه وللناس فيه المكتوبة ". وحدث عنه بسنده عن بريدة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " احذروا كل مسكر، فإن كل مسكر حرام ". شعيب بن سهل بن كثير أبو صالح الرازي القاضي المعروف بشعبويه قدم دمشق مع المتوكل حدث عن الصباح بن محارب بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضلكم من علم القرآن وتعلمه ".

شعيب بن شعيب بن إسحاق

كان شعيب بن سهل قاضي بغداد، جهمياً. قال الحارث بن أبي أسامة: سنة سبع وعشرين ومئتين، وثب قوم يوم الجمعة في مسجد الرصافة على رجلين من الجهمية فضربوهما وأذلوهما، ومضوا إلى مسجد شعيب بن سهل القاضي يريدون محو كتاب كان كتبه على مسجد يذكر فيه أن القرآن مخلوق فأشرف عليهم خادم لشعيب فرماهم بالنشاب، فوثبوا فأحرقوا باب شعيب، وانتهب ناس منزله، وأرادوا نفسه، فهرب منهم. وهو أول قاض حرق بابه وانتهب منزله، وكان جهمياً مبغضاً لأهل السنة، متحاملاً عليهم، منتقصاً لهم لا يقبل لأحد منهم صرفاً ولا عدلاً. وتوفي سنة ست وأربعين ومئتين وكان ينفي الصفات والرؤية. شعيب بن شعيب بن إسحاق أبو محمد القرشي توفي أبوه وهو حمل. فلما ولد سمي باسمه وكني بكنيته. حدث عن أبي المغيرة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ". وحدث عن مروان بن محمد بسنده عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى العصر والشمس في حجرتها، لم يظهر الفيء من حجرتها مات شعيب بن شعيب بدمشق سنة أربع وستين ومئتين. وولد في سنة تسعين ومئة. شعيب بن شعيب بن مسلم بن شعيب حدث عن جده مسلم بن شعيب بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أسرف عبد على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله: إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في الريح في البحر، فوالله لئن قدر علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من خلقه بعد، ففعل أهله ذلك. قال: فقال الله تبارك وتعالى لكل شيء أخذ منها شيئاً: ردّ

شعيب بن عبد الرحمن بن عمر

ما أخذت منه، فإذا هو قائم فقال الله: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك. قال: فغفر الله له. شعيب بن عبد الرحمن بن عمر ابن نصر بن محمد، أبو عبد الله الشيباني الدباغ حدث عن أبي العباس محمد بن الحسن الكلابي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم يوم لا ظل إلا ظلي ". كان شعيب يقول: بلغني أن من حق الولد على والده أن يحسن اسمه وصنعته ومسكنه، ولم يصنع بي أبي شيئاً من لك: سماني شعيباً وأسلمني دباغاً، وأسكنن في حارة اليهود. أو كما قال. شعيب بن عمرو بن نصر ويقال: ابن عمرو بن سهل، أبو محمد الضبعي سكن دمشق. حدث عن سفيان بسنده عن ميمونة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بشاة لها ميتة قال: " ألا نزعتم إهابها، فدبغتموه، فانتفعتم به؟ " قالوا: يا رسول الله، إنها ميتة. قال: " إنما حرم أكلها ". وحدث عن يزيد بن هارون بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واصل في آخر الشهر، فواصل ناس، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لو مد لنا الشهر لواصلت وصالاً، يدع المتعمقون تعمقهم. إنكم لستم كهيئتي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ".

شعيب بن محمد بن عبد الله ابن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو ابن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي من أهل الحجاز. حدث عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صم يوماً ولك عشرة أيام. قال: زدني يا رسول الله. قال: صم يومين ولك تسعة أيام. قال: زدني يا رسول الله. قال: صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام. قال ثابت: فأخبرت بذلك مطرف بن عبد الله فقال: مأراه إلا يزداد في العمل وينقص من الأجر. قال: كذا ذكر وإنما هو عن جده وحدث أنه طاف مع عبد الله سبعاً. فلما فرغ قال له شعيب عند دبر الكعبة: ألا تتعوذ؟ فقال عبد الله: أعوذ بالله من النار. فلما استلم الحجر قام بين الحجر والباب فألصق وجهه وبطنه ويديه إلى الكعبة ثم قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله. وحدث شعيب أيضاً أن رجلاً جاء حين قدم الحاج إلى جده عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله عن رجل محرم قع بامرأته، فأرسله إلى عبد الله بن عمر فقال: اذهب إلى ذاك فسله، فلم يعرفه الرجل. قال شعيب: فذهبت معه فسأل ابن عمر عن ذلك فقال: بطل حجه. قال: فيقعد؟ قال: فقال: لا بل يخرج فيصنع ما يصنع الناس، فإذا أدركه قابل حج وأهدي فرجع إلى عبد الله بن عمرو فأخبره بذلك فقال عبد الله بن عمرو: اذهب إلى ذاك فسله، فأرسله إلى عبد الله بن عباس. قال شعيب: وذهبت معه فسأله فقال مثل قول ابن عمر ثم رجع إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فأخبره بقوله فقال: ماذا تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا.

شعيب بن الهيثم بن إبراهيم

شعيب بن الهيثم بن إبراهيم ابن يزيد بن غيلان أبو محمد القرشي البيروتي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بسنده عن خزيمة بن ثابت أنه قال: أشهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن ". شقران السلاماني مولى سلامان من قضاعة، شاعر من شعراء دولة بني أمية. وفد على الوليد بن يزيد وكان مداحاً له، وهاجى ابن ميادة. ومن شعره يرثي أخاه: من الطويل ذكرت أبا أروى فبت كأنني ... برد الأمور الماضيات وكيل لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي واحداً بعد واحد ... دليل على ألا يدوم خليل قال ابن الأعرابي: قوله: برد الأمور الماضيات وكيل أي أتعزى بالأسى التي أصيب بها الناس قبلي، وأقول: ما ت فلان وفلان، لأتعزى. شقيق بن إبراهيم أبو علي الأزدي البلخي الزاهد أحد شيوخ التصوف. صحب إبراهيم بن أدهم. حدث عن إبراهيم بن أدهم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ثم كان الاثنان أحب إليكم من الواحد لم تبلغوا الاستقامة. وحدث عن عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجلسوا عند كل عالم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس، من الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الرغبة إلى الزهد ".

وحدث عن إبراهيم بن أدهم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي جالساً، فقلت: يا رسول الله، إنك تصلي جالساً فما أصابك؟ قال: الجوع يا أبا هريرة، فبكيت، فقال: لا تبك يا أبا هريرة، فإن شدة الحساب لا تصيب الجائع إذا احتسب. وحدث شقيق بن إبراهيم، الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة المداوم على عبادة ربه، عن أبي هاشم الأبلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قضى حاجة المسلم في الله كتب له الله عمر الدنيا سبعة آلاف صيام نهاره وقيام ليله ". قال حاتم الأصم: كان شقيق بن إبراهيم موسراً، وكان يتفتى ويعاشر الفتيان، وكان علي بن عيسى بن ماهان أمير بلخ يحب كلاب الصيد، ففقد كلباً منها، فسُعي برجل أنه عنده، وكان الرجل في جوار شقيق، فطلب الرجل وضرب، فدخل دار شقيق مستجيراً، فمضى شقيق إلى الأمير وقال: خلوا سبيله فإن الكلب عندي أرده إليكم إلى ثلاثة أيام، فخلوا سبيله، وانصرف شقيق مهتماً لما صنع. فلما كان اليوم الثالث كان رجل غائباً عن بلخ رجع، فوجد في الطريق كلباً عليه قلادة فأخذه وقال: أهديه إلى شقيق فإنه يشتغل بالتفتي فحمله إليه، فنظر شقيق فإذا هو كلب الأمير، فسر به وحمله إلى الأمير، وتخلص من الضمان، فرزقه الله الانتباه، وتاب مما كان فيه وسلك طريق الزهد. قال خلف بن تميم: التقى إبراهيم بن أدهم وشقيق بمكة فقال إبراهيم لشقيق: ما بدء أمرك الذي بلغك هذا؟ فقال: سرت في بعض الفلوات، فرأيت طيراً مكسور الجناحين في فلاة من الأرض، فقلت: انظر من أين يرزق هذا، فقعدت بحذائه، فإذا أنا بطير قد أقبل في منقاره جرادة فوضعها في منقار الطير المكسور الجناحين، فقلت لنفسي: يا نفس، الذي قيض هذا الطائر الصحيح لهذا الطائر المكسور الجناحين في فلاة من الأرض هو قادر أن يرزقني حيثما كنت، فتركت التكسب، واشتغلت بالعبادة. فقال إبراهيم: يا شقيق، ولم لا تكون أنت الطير الصحيح الذي أطعم العليل حتى تكون أفضل منه؟ أما سمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اليد العليا

خير من اليد السفلى؟ ومن علامة المؤمن أن يطلب أعلى الدرجتين في أموره كلها حتى يبلغ منازل الأبرار؟ قال: فأخذ يد إبراهيم يقبلها وقال له: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق. قال حاتم: قدم شقيق بن إبراهيم من الكوفة يريد مكة، فلقيه سفيان الثوري فقال له: أنت الذي يدعو إلى التوكيل ويمنع المكاسب؟ فقال: شقيق ما قلت كذا. قال: أيش قلت؟ قال: قلت: حلال بيّن وحرام بيّن ومتشابه فيما بين ذلك ولكن دخلت الآفة من الخاصة على العامة. وهم خمس طبقات: فأولهم العلماء، والثاني الزهاد، والثالث الغزاة، والرابع التجار، والخامس السلطان. فأما العلماء فهم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم. وإذا كان العالم طامعاً جامعاً فالجاهل بمن يقتدي؟ وأما الزهاد فهم ملوك الأرض. فإذا كان الزاهد يرغب فيما في أيدي الناس فالراغب بمن يقتدي؟ وأما الغزاة فهم أضياف الله في أرضه. فإذا كان الغازي يحب الخيلاء والتصدر في المجالس فمن يغزو؟ وأما التجار فهم أمناء الله عزّ وجلّ في أرضه، فإذا كان التاجر الأمين خائناً فالخائن بمن يقتدي؟ وأما السلطان فهم الرعاة، فإذا كان الراعي هو الذئب فالذئب ما يجد ما يأكل. يا سفيان، لا تجمعن منها إلا قدر مقامك فيها، فقام سفيان ولم يردّ عليه شيئاً. قال شقيق: التوكل طمأنينة القلب بموعود الله. كان شقيق البلخي يقول: لكل واحد مقام، فمتوكل على ماله، ومتوكل على نفسه، ومتوكل على لسانه، ومتوكل على سيفه، وقيل على شرفه ومتوكل على سلطنته، ومتوكل على الله عزّ وجلّ. فأما المتوكل على الله فقد وجد الاسترواح، نوّه الله به ورفع قدره. وقال: " وتوكَّلْ على الحي الذي لا يموت " وأما من كان مستروحاً إلى غيره فيوشك أن ينقطع به فيبقى.

قال محمد بن عامر: قال لشقيق: متى أوفق العمل الصالح؟ قال: إذا جعلت أحداث يومك وليلتك متقدمة عند الله. قلت: فمتى أتوكل؟ قال: إن اليقين إذا تم بينك وبين الله سمي تمامه توكلاً. قلت: فمتى يصح ذكري لربي؟ قال: إذا سمجت الدنيا في عينيك، وقدمت أملك فيما بين يديك. قلت: فمتى أعرف ربي؟ قال: إذا كان الله لك جليساً ولم تر سواه لنفسك أنيساً. قلت فمتى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما أسخطه أمر عندك من الصبر. وكان ما ينزل بك هو الغنم والظفر، وجددت لذلك حمداً وشكراً. قلت: فمتى أشتاق إلى ربي؟ قال: إذا جعلت الآخرة لك قراراً ولم تسمّ لك الدنيا مسكناً. قلت: فمتى أعرف لقاء ربي؟ قال: إذا كنت تقدم على حبيب، وتصدر عن أمل قريب. قلت: متى أستلذ الموت؟ قال: إذا جعلت الدنيا خلف ظهرك، وجعلت الآخرة نصب عينيك، وعلمت أن الله تبارك وتعالى يراك على كل حال، وقد أخفي عليك الدقيق والجليل. قلت: فمتى أكتفي بأهون الأغذية؟ قال إذا عرفت وبال الشهوات غداً وسرعة انقطاع عذوبة اللذات. قلت: متى أوثر الله ولا أوثر عليه سواه؟ قال: إذا أبغضت فيه الحبيب، وجانبت فيه القريب. قال حاتم: اختلفت إلى شقيق ثلاثين سنة فقال لي يوماً: أيش تعلمت في ترددك إلينا؟ فقلت له: أربعة أشياء، استغنيت بها عن الأشياء كلها. فقال لي: ما هي؟ فقلت: رأيت أن رزقي من عند ربي فلم أشتغل إلا بربي، ورأيت أن ربي قد وكل بي ملكين يكتبان علي كل ما تكلمت به، فلم أتكلم إلا بما يرضي ربي، ولم أتكلم إلا بحق، ورأيت أن الخلق ينظرون إلى ظاهري والله ينظر إلى باطني، فرأيت مراقبته أولى وأوجب فسقط عني رؤية الخلق، ورأيت أن الله داعياً يدعوا الخلق إليه، فاستعددت له متى جاءني لا أحتاج أن يقتلني يعني ملك الموت، فقال له: يا حاتم، ما خاب سعيك. سئل شقيق البلخي: ما علامة التوبة؟ قال: إدمان البكاء على ما سلف من الذنوب، والخوف المقلق من الوقوع فيها، وهجران إخوان السوء، وملازمة أهل الخير.

قيل لشقيق: ما علامة العبد المباعد المطرود؟ قال: إذا رأيت العبد قد منع الطاعة، واستوحش منها قلبه وحلا له المعصية واستأنس بها، وخفت عليه، ورغب في الدنيا، وزهد في الآخرة، وأشغله بطنه وفرجه لم يبال من أين أخذ الدنيا فاعلم أنه عند الله مباعد لم يرضه لخدمته. قال شقيق بن إبراهيم: بينا أنا ذات ليلة نائم حيال الكعبة في المسجد الحرام إذ رأيت في منامي ملكين أتياني فوقفا علي، فقال أحدهما لصاحبه: كم حج العام؟ قال له صاحبه: حج ثلاثة: فلان وفلان، وفلان يقال له شقيق. قال: لا، شقيق عليه فضل ثوب. قال: فلما كان قابل حججت في عباء، فبينا أنا راقد في المسجد الحرام رأيتهما في منامي، فقال أحدهما لصاحبه: كم حج العام فقال: ثلاثة فلان وفلان وشقيق، ألا إن الله عزّ وجلّ شفعهم في كل من حج. كان شقيق يقول: تفسير الحمد على ثلاثة أوجه: أوله إذا أعطاك الله شيئاً تعرف من أعطاك، والثاني أن ترضى بما أعطاك، والثالث ما دام قوته في جسدك أن لا تعصيه. قال شقيق: من شكا مصيبة نزلت به إلى غير الله لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداً. قال حاتم الأصم: كنا مع شقيق البلخي ونحن مصافو الترك في يوم لا أرى فيه إلا رؤوساً تندر، وسيوفاً تقطع، ورماحاً تقصف، فقال لي شقيق ونحن بين الصفين: كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم؟ تراه مثله في الليلة التي زفت إليك امرأتك؟ قلت: لا، والله. قال: لكني والله، أرى نفسي في هذا اليوم مثله في الليلة التي زفت فيها امرأتي. قال: ثم نام بين الصفين ودرقته تحت رأسه حتى سمعت غطيطه. قال حاتم: ورأيت رجلاً من أصحابنا في ذلك اليوم يبكي فقلت: مالك؟ قال: قتل أخي. قال: قلت: حبط أجرك، صار إلى

شقيق بن ثور بن عفير

الله وإلى رضوانه. قال: فقال لي: اسكت، ما أبكي أسفاً عليه ولا على قتله، ولكني أبكي أسفاً ألا أكون دريت كيف كان صبه لله عند وقوع السيف به. قال حاتم: فأخذني في ذلك اليوم تركي فأضجعني للذبح فلم يكن قلبي به مشغولاً، كان قلبي بالله مشغولاً أنظر ماذا يأذن الله به في، فبينا هو يطلب السكين من خفه إذ جاءه سهم فذبحه فألقاه عني. قتل شقيق في غزوة كولان سنة أربع وتسعين ومئة. قال أبو سعيد الخراز: رأيت شقيقاً البلخي في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، غير أنا لا نلحقكم، فقلت: ولم ذلك؟ فقال: لأنا توكلنا على الله عزّ وجلّ بوجود الكفاية، وتوكلتم على الله بعدم الكفاية. قال: فسمعت الصراخ: صدق صدق، فانتبهت وأنا أسمع الصراخ. شقيق بن ثور بن عُفير ابن زهير بن كعب بن عمرو بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة، أبو الفضل السدوسي البصري شهد صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم وفد على معاوية، وكان رئيس بكر بن وائل في الإسلام، واستشهد أبوه ثور بتستر مع أبي موسى الأشعري. حدث عاصم الأحول عن شمير أن رجلاً خطب امرأة فقالوا: لا نزوجك حتى تطلق ثلاثاً، فقال: اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً. فلما دخل على المرأة ادعوا الطلاق فقال: كيف قلت؟ قالوا: لا نزوجك حتى تطلق ثلاثاً، فطلقت ثلاثاً، فقال: أما تعلمون أنه كانت تحتي فلانة بنت فلان فطلقتها ثلاثاً؟ حتى عد ثلاثاً. قالوا: ما هذا أردنا. وقد وفد شقيق بن ثور إلى عثمان بن عفان فأمروه أن يسأل عثمان. فلما قدم سألاه فاخبر انه سال عثمان فقال: له نيته.

شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي

نازع مالك بن مسمع شقيق بن ثور فقال له مالك: إنما شرفك قبر بتستر، قال له شقيق: ولكن وضعك قبر بالمشقّر. قال: الذي دفن بالمشقر مسمع أبو مالك، قتل في الردة وكان يقال له فسل الكلب، نزل بقوم فنبح عليه كلبهم، فقتل الكلب فقتل به. وكان ثور قتل بتستر مع أبي موسى الأشعري. قال شقيق بن ثور حين حضرته الوفاة: ليته لم يكن سيد قومه، كم من باطل قد حققناه وحق قد أبطلناه. ولما احتضر شقيق بن ثور قال: هذا دَين الله في أعناقنا، لابد من أدائه على عسر أو يسر، ثم قال لبنيه: إذا أنا مت فلا تبكين علي باكية، ولا تنوحن علي نائحة، وأكثروا لي من الاستغفار. شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله: كنا إذا صلينا خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: السلام على الله دون عبارة السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال أبو وائل: غزوت مع عمر بن الخطاب الشام فنزلنا منزلاً، فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه. فلما رأى الدهقان عمر سجد له فقال عمر: ما هذا السجود؟! فقال: هكذا نفعل بالملوك، فقال عمر: اسجد لربك الذي خلقك، فقال: يا أمير المؤمنين، إني صنعت لك طعاماً فائتني. فقال عمر: هل في بيتك شيء من تصاوير العجم؟ قال: نعم. قال:

لا حاجة لنا في بيتك، ولكن انطلق فابعث إلينا بلون من الطعام، ولا تزدنا عليه. قال: فانطلق فبعث إليه بالطعام فأكل منه. قال عمر لغلامه: هل في إداوتك شيء من ذلك النبيذ؟ قال: نعم. قال: فأتاه فصبه في إناء ثم شمه فوجده منكر الريح، فصب عليه الماء ثلاث مرات ثم شربه، ثم قال: إذا رابكم شيء فافعلوا به هكذا، ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تلبسوا الديباج والحرير، ولا تشربوا في آنية الفضة والذهب، فإنها لهم في الدنيا، وهي لنا في الآخرة. سكن أبو وائل الكوفة، وورد المدائن مع علي بن أبي طالب حين قاتل الخوارج بالنهروان. وشهد صفين مع علي عليه السلام وقال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أمرد، فلم يقض لي أن ألقاه. قال أبو وائل: أتانا مصدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتيته بكبش لي فقلت: خذ صدقة هذا، قال: ليس في هذا صدقة. قال عاصم: قلت لأبي وائل: متى أدركت؟ قال: بينما أنا أرعى غنماً لأهلي إذ مرّ ركب أو فوارس ففرقوا غنمي، فوقف رجل منهم فقال: اجمعوا للغلام غنمه كما فرقتموها عليه، فتبعت رجلاً منهم فقلت: من هذا؟ قال: هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الحافظ: والأحاديث في أنه لم ير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصح. كان أبو وائل يقول: أدركت من الجاهلية سبع سنين. قال الأعمش: قال لي شقيق بن سلمة: يا سليمان، لو رأيتني ونحن هرّب من خالد بن الوليد يوم بُزاخة، فوقعت عن البعير فكادت تندق عنقي، فلو متّ يومئذ كانت النار. قال شقيق: كنت يومئذ ابن إحدى عشرة سنة.

قال أبو وائل: ماتت أمي نصرانية، فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: اركب دابة وسر أمام جنازتها. وقيل: إن أبا وائل لم يلق عمر. وقال شقيق: أعطاني عمر أربعة أعطية. وقال: لتكبيرة واحدة خير من الدنيا وما فيها. وعن مغيرة قال: قيل لإبراهيم حين ذكر كراهية أصحابه الصلاة على الطنفسة فقيل: إن أبا وائل يصلي على الطنفسة. قال: أما إنه خير مني. وعن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية إلا وفيها من يدفع عن أهلها به، وإني لأرجو أن يكون أبو وائل منهم. وعن شقيق أنه تعلم القرآن في شهرين. وعن سفيان أنه أمَّهم أبو وائل، فرأى من صوته فقال: كأنه أعجبه، قال: فترك الإمامة. قال عاصم: كان أبو وائل إذا خلا ينشج، ولو جعل له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل. قال عاصم: كان لأبي وائل خص من قصب، هو فيه وفرسه، فكان إذا غزا نقضه وإذا قدم بناه.

وكان عطاء أبي وائل ألفين، فإذا خرج أمسك ما يكفي أهله سنة، وتصدق بما سوى ذلك. وجاءه رجل فقال: ابنك على السوق، فقال: والله لو جئتني بموته كان أحب إلي، إن كنت لأكره أن يدخل بيتي من عمل عملهم. وكان أبو وائل يقول لجاريته: يا بركة، إذا جاء يحيى، يعني ابنه بشيء فلا تقبيله، وإذا جاءك أصحابي بشيء فخذيه، وكان يحيى ابنه قاضياً على الكناسة، وكان يقول لجاريته: يا بركة، لا تطعميني شيئاً مما يجيء به. قال عاصم: قال لي أبو وائل: يا عاصم، أيهما أكثر: القيراط أو الدانق؟ قال: وكان أبو وائل يمر في السوق فيسمع قيراط، دانق، فلا يدري كم هو. وقال عاصم: ما رأيت أبا وائل ملتفتاً في صلاة ولا في غيرها، ولا سمعته يسب دابة قط إلا أنه ذكر الحجاج يوماً فقال: اللهم، أطعم الحجاج من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم تداركها فقال: إن كان ذلك أحب إليك، فقلت: واستثنى في الحجاج! فقال: يعدها ذنباً. قال الأعمش: قال لي شقيق: ما يمنعك أن تأتينا أكثر مما تأتينا؟ قال: وكره أن يقول إني أحب أن تأتينا أكثر مما تأتينا، فيكذب. قال عاصم بن بهدلة: قلت لأبي وائل: شهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست الصفون كانت. قال عاصم: قيل لأبي وائل: أيهما أحب إليك علي أو عثمان؟ قال: كان علي أحب إلي من عثمان، ثم صار عثمان أحب إلي من علي.

قال الأعمش: كنت آتي شقيق بن سلمة وبنو عمه يلعبون بالنرد والشطرنج، فيقول: سمعت أسامة ابن زيد وسمعت عبد الله، وهم لا يدرون فيم نحن. قال الأعمش: قال لي أبو وائل: يا سليمان، ما في أمرائنا هؤلاء واحدة من اثنتين: ما فيهم تقوى أهل الإسلام، ولا فيهم عقول أهل الجاهلية. قال الأعمش: قال لي شقيق: يا سليمان، نعم الرب ربنا لو أطعناه ما عصانا. قال شقيق بن سلمة: مثل قراء هذا الزمان كغنم ضوائن ذات صوف، عجاف، أكلت من الحمض وشربت من الماء حتى انتفخت خواصرها، فمرت برجل فأعجبته، فقام إليها فعبط شاة منها، فإذا هي لا تنقي، ثم عبط أخرى فإذا هي كذلك، فقال: أف لك سائر اليوم. قال أبو وائل: استعملني ابن زياد على بيت المال، فأتاني رجل بصك فيه: اعط صاحب المطبخ ثماني مئة درهم، فقلت له: مكانك، فدخلت على ابن زياد فحدثته، فقلت له: إن عمر استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات، وعمار بن ياسر على الصلاة والجند، ورزقهم كل يوم شاة، فجعل نصفها وسقطها وأكارعها لمعار لأنه على الصلاة والجند، وجعل لعبد الله بن مسعود ربعها، وجعل لعثمان ابن حنيف ربعها، ثم قال: إن مالاً يؤخذ منه كل يوم شاة إن ذلك فيه لسريع، فقال لي ابن زياد: ضع المفاتيح واذهب حيث شئت. قال أبو وائل: أرسل إلي الحجاج فقال: ما اسمك؟ قال: قلت: ليالي هبطه أهله. قال: كم تقرأ من القرآن؟ قال: قلت: أقرأ منه ما إن تبعته كفاني، قال: إنا نريد أن نستعين بك على

شمر بن ذي الجوشن

بعض أعمالنا. قال: قلت: على أي عمل الأمير؟ قال: على السلسلة. قال: قالت: إن السلسلة لا يصلحها إلا رجال يقومون عليها، ويعملون عليها، وإن تستعن بي تستعن بكبير أخرق ضعيف يخاف أعوان السوء، وإن يعفني الأمير فهو أحب إلي، وإن يقحمني أقتحم. وأيم الله إني لأتعار من الليل، فأذكر الأمير فما يأتيني النوم حتى أصبخ، ولست للأمير على عمل، فكيف إذا كنت للأمير على عمل؟ وأيم الله ما أعلم الناس هابوا أميراً قط هيبتهم إياك أيها الأمير. قال: فأعجبه ما قلت له، فقال أن أعِد علي فأعدت عليه، فقال، أما قولك: إن يعفني الأمير فهو أحب إلي، وإن يقحمني أقتحم، فإنا إن لا نجد غيرك نقحمك، وإن نجد غيرك لا نقحمك. وأما قولك: إن الناس لم يهابوا أميراً هيبتهم إياي فإني والله ما أعلم اليوم رجلاً هو أجرأ على دم مني، ولقد ركبت أشياء هابها الناس ففرج لي بها، انطلق يرحمك الله. قال: فعدلت عن الطريق كأني لا أبصر، فقال: أرشدوا الشيخ: قال: فجاءني إنسان وأخذ بيدي. توفي أبو وائل في زمن الحجاج بعد الجماجم. ولما مات قبل أبو بردة جبهته. وقيل: إنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. قالوا: وهو وهم، فإنه لم يبق إلى خلافته. وقيل كانت وفاته سنة تسع وتسعين. شمر بن ذي الجوشن واسم ذي الجوشن شرحبيل ويقال: عثمان بن نوفل. ويقال أوس بن الأعور أبو السابغة العامري ثم الضبابي من بني كلاب كانت لأبيه صحبة، وهو تابعي، أحد من قاتل الحسين بن علي عليهما السلام، ووفد على يزيد بن معاوية مع أهل بيت الحسين عليهم السلام. حدث ذو الجوشن قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس لي، قلت، يا محمد، إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه. قال: لا حاجة لي فيه، ولكن إن شئت أن أقيضك به المختارة

من دروع بدر فعلت، فقلت: ما كنت لأقايضك اليوم بغيره. قال: فلا حاجة لي فيه، ثم قال: يا ذا الجوشن، ألا تسلم فتكون من أول هذا الأمر؟ قلت: لا، قال: لمَ؟ قلت: إني رأيت قومك قد ولعوا بك، قال: فكيف بلغك عن مصارعهم ببدر؟ قال: قلت: قد بلغني. قال: قلت: إن تغلب على الكعبة وتقطنها، قال: لعلك إن عشت أن ترى ذلك ثم قال: يا بلال، خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة. فلما أدبرت قال: أما إنه من خير بني عامر. قال: فوالله إني لبأهلي بالعود إذ أقبل راكب فقلت: من أين؟ قال: من مكة. قلت: ما فعل الناس؟ قال: غلب عليها محمد. قال: فقلت: هبلتني أمي، فوالله لو أسلم يومئذ ثم أسله الحيرة لأقطعنيها. وإنما نسب الضبابي لأن أحد ولد عمرو بن معاوية يقال له: ضب، فنسب إلى ذلك. وإنما سمي ذو الجوشن من اجل أن صدره كان ناتئاً. قال أبو إسحاق: كان الشمر بن ذي الجوشن الضبابي يصلي معنا الفجر ثم يقعد حتى يصبح ثم يصلي ثم يقول: اللهم، إنك شريف تحب الشرف، وإنك تعلم أني شريف فاغفر لي. قلت: كيف يغفر الله لك وقد خرجت إلى ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعنت على قتله؟! قال: ويحك، فكيف نصنع؟ إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، فلم نخالفهم ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر السقاة. قال أبو إسحاق: رأيت قاتل الحسين بن علي شمر بن ذي الجوشن، ما رأيت بالكوفة أحداً عليه طيلسان غيره. قال محمد بن عمرو بن حسن: كنا مع الحسين عليه السلام بنهري كربلاء فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق الله ورسوله قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي. وكان شمر أبرص.

حدث خليفة العصفري قال: الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن وأمير الجيش عمر بن سعد بن مالك. قال مسلم بن عبد الله الضبابي: لما خرج شمر بن ذي الجوشن وأنا معه حين هزمنا المختار وقتل أهل اليمن بجبانة السبيع، ووجه غلامه رزيناً في طلب شمر حتى نزل ساتيدما، ثم مضى حتى نزل إلى جانب قرية يقال لها الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل، ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها علجاً ثم قال: النجاء بكتابي هذا إلى مصعب بن الزبير وكتب عنونه للأمير مصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن، فمضى العلج حتى يدخل قريبة فيها بيوت وفيها أبو عمرة، وقد كان المختار بعثه في تلك الأيام إلى تلك القرية لتكون مسلحة فيما بينه وبين أهل البصرة، فلقي ذلك العلج علجاً من أهل تلك القرية فأقبل يشكو إليه ما لقي من شمر، فإنه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة، قرأ الكتاب مع العلج وعنوانه لمصعب من شمر، فسألوا العلج عن مكانه الذي هو به وأخبرهم فإذا ليس بينهم وبينه إلا ثلاثة فراسخ فأقبلوا يسيرون إليه. قال: فحدثني مسلم بن عبد الله: وأنا والله مع شمر تلك الليلة، فقلنا له: لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فإنا نتخوف به، فقال: أوكل هذا فرقاً من هذا الكذاب، والله لا أتحول منه ثلاثة أيام، ملأ الله قلوبكم رعباً، قال: وكان ذلك المكان الذي كنا به فيه دباء كثير، فوالله إني لبين اليقظان والنائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل فقلت في نفسي: هذا صوت الدباء ثم إني سمعته أشد من ذلك فانتبهت ومسحت عيني، قلت: لا والله ما هذا بالدباء. قال: وذهبت لأقوم فإذا أنا بهم قد اشرفوا علينا من التل، فكبروا ثم أحاطوا بأبياتنا، وخرجنا نشتد على أرجلنا وتركنا خيلنا. قال: فأمر على شمر وإنه لمرتد ببرد محقق وكان أبرص فكأني أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد، وإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه وثيابه، فمضينا وتركناه فما هو إلا أن مضت ساعة إذ سمعت: الله أكبر، قتل الله الخبيث.

شمعون أبو ريحانة الأزدي

قال عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود: أنا صاحب الكتاب الذي رأيته مع العلج، وأتيت به أبا عمرة، وأنا قتلت شمراً. قال: قلت: هل سمعته يقول شيئاً ليلتئذ؟ قال: نعم. خرج علينا فطاعننا برمحه ساعة، ثم ألقى رمحه ثم دخل بيته فأخذ سيفه، ثم كر علينا وهو يقول: مشطور الرجز نبهتهم ليث عرين باسلا ... جهماً محياه يدق الكاهلا لم ير يوماً عن عدو ناكلا ... إلا كذا مقاتلاً أو قاتلا يبرحهم ضرباً ويروي العاملا شمعون أبو ريحانة الأزدي ويقال: الأنصاري. ويقال القرشي والأصح أنه الأزدي ويقال: شمغون بالغين المعجمة. قالوا: وهو أصح له صحبة من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد فتح دمشق، واتخذ بها داراً، وسكن بعد ذلك بيت المقدس. قال أبو الحصين الهيثم بن شفي: خرجت أنا وصاحب لي يسمى أبا عامر " رجل من المعافر " لنصلي بإيلياء، وكان قاصهم رجلاً من الأزد يقال له: أبو ريحانة من الصحابة. قال أبو الحصين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، فأدركته فجلست إلى جنبه، فسألني هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ فقلت: لا، فقال: سمعته يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عشرة: الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، وعن مكامعة المرأة المرأة بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً مثل الأعاجم، وأن يجعل على منكبيه حريراً مثل الأعاجم، وعن التهبي، وركوب النمر، ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان.

قال أبو ريحانة: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة، فأتينا ذات ليلة إلى شرف، فبتنا عليه، فأصابنا برد شدي حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها ويلقي عليه الحجفة يعني: الترس. فلما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الناس نادى: من يحرسنا في هذه الليلة وأدعو له بدعاء يكون فيه فضل؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: ادنه فدنا فقال: من أنت؟ فتسمى له الأنصاري، ففتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالدعاء فأكثر منه. فقال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أنا رجل آخر. قال: ادنه فدنوت فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أبو ريحانة، فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري ثم قال: حرمت النار على عين دمعت، أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، وقال: حرمت النار على عين أخرى ثالثة لم يسمها محمد بن شمير أحد رواته. وعن أبي ريحانة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وكرماً كان عاشرهم في النار. وعن أبي ريحانة الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمى كير من جهنم، وهي نصيب المؤمن من النار " ومن ولد أبي ريحانة محمد بن حكيم بن أبي ريحانة كاتب من كتاب الدمشقيين، وهو أول من طوى الطومار وكتب فيه مدرجاً مقلوباً. وعن أبي ريحانة قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكوت إليه تفلت القرآن ومشقته علي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تحمل عليك ما لا تطيق، وعليك بالسجود ". وعن أبي ريحانة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن إبليس ليضع عرشه على البحر، ودونه الحجب يتشبه بالله عزّ وجلّ، ثم يبث جنوده فيقول: من لفلان الآدمي، فيقوم اثنان فيقول: قد أجلتكما سنة فإن أغويتماه وضعت عنكما التعب، وإلا صلبتكما. قال: فكان يقال لأبي ريحانة لقد صلب فيك كثيراً.

قفل أبو ريحانة من بعث غزا فيه. فلما انصرف أتى أهله فتعشى من عشائه ثم دعا بوضوء فتوضأ منه، ثم قام إلى مسجده، فقرأ سورة ثم أخرى، فلم يزل ذلك مكانه كلما فرغ من سورة افتتح أخرى، حتى إذا أذّن المؤذّن من السّحر شد عليه ثيابه فأتته امرأته فقالت: يا أبا ريحانة قد غزوت فتعبت في غزوتك ثم قدمت، ألم يكن لي منك حظ ونصيب؟ فقال: بلى، والله، ما خطرت لي على بال، ولو ذكرتك لكان لك علي حق، فقالت: فما الذي شغلك يا أبا ريحانة؟ قال: لم يزل يهوى قلبي فيما وصف الله في جنته من لباسها وأزواجها ولذاتها حتى سمعت المؤذّن. كان أبو ريحانة مرابطاً بالجزيرة بميافارقين، فاشترى رسناً من نبطي من أهلها بأفلس، فقفل أبو ريحانة ولم يذكر الفلوس أن يدفعها إلى صاحبها حتى انتهى إلى عقبة الرستن وهي من حمص على اثني عشر ميلاً فذكرها، فقال لغلامه: هل دفعت إلى صاحب الرسن فلوسه؟ قال: لا، قال: فنزل عن دابته فاستخرج نفقة من نفقته فدفعها إلى غلامه وقال لأصحابه: أحسنوا معاونته على دوابي حتى يبلغ أهلي. قالوا: فما الذي تريد؟ قال: أنصرف إلى بيعي حتى أدفع إليه فلوسه فأودي أمانتي. فانصرف حتى أتى ميافارقين فدفع الفلوس إلى صاحب الرسن، ثم انصرف إلى أهله. ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه، فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت علي إبرتي، فظهرت حتى أخذها. قال: واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال: اسكن أيها البحر، فإنما أنت عبد مثلي قال: فسكن حتى صار كالزيت.

شهاب بن خراش بن حوشب

شهاب بن خراش بن حوشب ابن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رُويم بن عبد الله بن سعد بن مرة بن ذهل ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو الصلت الشيباني الكوفي الواسطي انتقل إلى الشام، وسكن فلسطين، واجتاز بدمشق. حدث عن سفيان الثوري بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فتقتتلون عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون، ولا تقوم الساعة إلا نهاراً ". وحدث شهاب عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أخاف على أمتي بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر، وتصديقاً بالنجوم. قال أبو الصلت: فلقيت أبان بن أبي عياش فسألته عن هذا الحديث هل سمعته من أنس؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي عن أنس بأثره عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فرغ الله من أربع: من الخلق والخُلُق والرزق والأجل ". ورواه الحافظ مسلسلاً عن خاله القاضي أبي المعالي بسنده إلى شهاب بن خراش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أخوف ما أخاف على أمتي تصديق بالنجوم، وتكذيب بالقدر، ولا يؤمن عبد بالله حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلحيته وقال: آمنت بالقدر كله خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ أنس بلحيته كذلك وقال كذلك، وأخذ كل راو بلحيته، وقال مثل ذلك إلى خاله القاضي أبي المعالي أخذ بلحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. قال شهباب بن خراش حدثني شعيب بن زريق الطائفي قال: كنت جالسا عند رجل يقال له الحكم بن حزن الكلفي وله صحبة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأنشأ يحدثنا قال: قدمت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابع سبعة أو تاسع تسعة. قال: فأذن

لنا فدخلنا فقلنا: يا رسول الله، أتيناك لتدعو لنا بخير، قال: فدعا لنا بخير، وأمر بنا فأنزلنا وأمر لنا بشيء من تمر، والشأن إذ ذاك دون. قال: فلبثنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوكئاً على قوس، أو قال على عصا، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ث ((م قال: يا أيها الناس، إنكم لن تفعلوا، أو لن تطيقوا كل ما أمرتكم به، ولكن سددوا وأبشروا. حدث شهاب بن خراش عن سعيد بن سنان قال: أتيت بيت المقدس أريد الصلاة، فدخلت المسجد، وغفلت سدنة المسجد حتى أطفئت القناديل، وانقطعت الرجل، وغلقت الأبواب، فبينا أنا على ذلك إذ سمعت حفيفاً له جناحان قد أقبل وهو يقول: سبحان الدائم، القائم، سبحان الحي القيوم، سبحان الملك القدوس، سبحان رب الملائكة والروح، سبحان الله وبحمده، سبحان العلي الأعلى، سبحانه وتعالى. ثم أقبل حفيف يتلوه يقول مثل ذلك، ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد، فإذا بعضهم قريب مني، فقال: آدمي؟ قلت: نعم، قال: لا روع عليك، هذه الملائكة. قلت: سألتك بالذي قواكم على ما أرى: من الأول؟ قال: جبريل. قلت: ثم الذي يتلوه؟ قال: ميكائيل. قلت: ثم الذين يلونهم من بعد؟ قال: الملائكة. قلت: سألتك بالذي قواكم لما أرى: ما لقائلها من الثواب؟ قال: من قالها سنة، في كل يوم مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة، أو يرى له. قال أبو الزاهرية: قلت: سنة، وسنة كثير فقلتها في يوم عدد أيام السنة، فرأيت خيرا. قال سعيد بن سنان: فقلت: سنة وسنة كثير لعلي لا أعيش، فقلتها في يوم عدد أيام السنة فرأيت خيرا. قال الحوشبي كذلك. قال محمد بن عمرو: فقلتها أنا في ثلاثة أو أربعة كل يوم مرة، فكان لا يزال الرجل يلقاني فيقول رأيت لك كذا وكذا.

شهاب بن محمد بن شهاب

قال شهاب بن خراش بن حوشب ابن أخي العوام بن حوشب قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهيقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم، فتحرشوا الناس عليهم. شهاب بن محمد بن شهاب ابن يحيى بن عبد القاهر، أبو القاسم الأنصاري الصوري حدث عن أبي العلاء أحمد بن صالح بسنده عن سهل بن سعد قال: أتى جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنكم مجزيّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس. شهاب بن مسرور بن مساور ابن سعد بن أبي الغادية يسار بن سبع المزني حدث عن أبيه عن جده عن أبيه أبي الغادية قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعة من أصحابه جالساً إذ مرت به جنازة فقال: ممن الجنازة؟ فقالوا: من مزينة. فما جلس ملياً حتى مرت به الثانية فقال: ممن الثانية؟ فقالوا: من مزينة. فما جلس ملياً حتى مرت به الثالثة فقال: ممن الجنازة؟ فقالوا: من مزينة، فقال: سيري مزينة، ما هاجرت فتيان قط كرموا على الله إلا كان أسرعهم فناء، سيري مزينة لا يدرك الدجال منا أحد. قال: غريب جداً، لم أكتبه إلا من هذا الوجه. والله أعلم. /

شهر بن حوشب أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو الجعد، ويقال أبو سعيد الأشعري مولى أسماء بنت يزيد بن السكن. من أهل دمشق، ويقال: من أهالي حمص. حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو كان العلم معلَّقاً بالثريا لتناوله قومٌ من أبناء فارس ". وحدث شهر أيضاً قال: سمعت أبا هريرة قال: أوصاني حبيبي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بصيام ثلاثة أيام من كل شهر. وألاّ أنام إلا على وتر، وركعتي الفجر ". وحدث شهر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل نبيٍ حرماً. وحرمي المدينة ". قال عثمان بن نويرة: دعي شهر بن حوشب إلى وليمة وأنا معه، فخلنا فأصبنا من طعامهم. فلما سمع شهر المزمار وضع إصبعَيه في أذنيه، وخرج حتى لم يسمعه. وعن شهر بن حوشب قال: من ركب مشهوراً من الدواب، أو لبس مشهوراً من الثياب أعرض الله عنه، وإن كان عليه كريماً.

قال قتادة: جاء شهر بن حوشب يستأذن على الأمير، فخرج الإذن فقال: إن الأمير يقول: لا تأذن له فإنه سبائي قال: فقلت: إن خادم البيت يخبرك بما في أنفسهم. قال: بم؟ قال قتادة: لا غفر الله لمن لا يستغفر لهما. يعني علياً وعثمان. حدث أعين الإسكان وكان يؤاجر نفسه إلى مكة كلَّ سنة قال: آجرت نفسي من شهر بن حوشب إلى مكة وكان له غلام ديلمي مغنّ وكان إذا نزل منزلاً قال لغلامه ذاك: تنح فادخل فاستذكر غناءك. قال: ثم يقبل علينا فيقول: إن هذا ينفق بالمدينة. وقال غيره: كنت مع شهر بن حوشب في طريق مكة، فكنا إذا نزلنا منزلاً قال: سوُّوا عودنا، سووا طنبورنا، فإنما نأكل به خبزنا. قال ابن عون، سرق شهر عيبتي في طريق مكة. قال يحيى بن أبي بكير حدثني أبي قال: كل شهر بن حوشب على بيت المال، فأخذ " خريطة " فيها دراهم، فقال القائل: " الطويل ". لقد باعَ شهرٌ دينه بخريطةٍ ... فمن يأمنِ القراءَ بعدك يا شهرُ؟ توفي شهر بن حوشب سنة ثمان وتسعين. وقيل: سنة مئة، أو إحدى ومئة: وقالوا: اثنتي عشرة ومئة. قالوا: وكان ضعيفاً.

شيبان بن محمد بن أحمد

شيبان بن محمد بن أحمد أبو الفرج النوبندجاني الفقير حدث عن أحمد بن عبد الله بن أنس المقرىء بسنده عن قتادة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورتين. كان يُطوّل في الركعة الأولى، ويُسمعنا الآية أحياناً. شيبة بن الأحنف أبو النضر الأوزاعي حدث عن أبي سلام قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن حديث الحوض فقلت: سمعت ثوبان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن سعة حوضي ما بين عدن إلى عمان، شراب أحلى من العسل، وأبيض من الثلج. من شرب منه شربة لم يظمأ آخرُ ما عليه أولَّ الناس، يردّه عليّ فقراءُ المهاجرين، الدنسة ثيابهم، الشعثة رؤوسهم. الذين لا تفتح لهم السدد، ولا ينكحون الممنعات، الذين يعطون الحق الذي عليهم، ولا يُعطّون الذي لهم ". وحدث أيضاً عن أبي سلام الأسود عن أبي صالح الأشعري أن أبا عبد الله الأشعري حدثه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصُر برجل يصلي لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال: " لو مات هذا على ما هو عليه لمات على غير ملة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (فأتِمّوا الكروع والسجود) . قال: (مَثَل الذي يصلي ولا يُتم ركوعه ولا سجوده مثل الجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين لا تغنين عنه شيئاً) . قال أبو صالح: فلقيت أبا عبد الله فقلت: من حدثك هذا الحديث أنه

شيبة بن عثمان بن أبي طلحة

سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: حدثني أمراء الأجناد: خالد بن الوليد، وشرحبيل بن حَسَنة، وعمرون بن العاص أنهم سمعوا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ابن كلاب بن مرة، أبو عثمان القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة، وهو جد الشيبيين. وله صحبة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلام. أسلم بعد الفتح، وشهد حنيناً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشركاً. وفد على معاوية. حدث شيبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فإن وُسِّع له فليجلس، وإلا فلينظر أوسع مكان يراه فليجس فيه. وحدث شيبة قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكعبة، فصلى فيها ركعتين، فإذا فيها تصاوير، فقال: يا شيبة، اكفِني هذه، قال: فاشتد ذلك عليك، فقال له رجل: أطيّنها ثم ألطخها بزعفران، ففعل. قال عبد الرحمن الزجاج: أتيت شيبة بن عثمان فقلت: يا أبا عثمان، زعموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل الكعبة فلم يصلّ، فقال: كذبوا، وأبي، لقد صلّى بين العمودين ركعتني، ثم ألصق بهما بطنه وظهره.

كان شيبة خرج مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنين وهومشرك، وكان يريد أن يغتال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِرّة يوم حنين، فأقبل يريده، فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا شيبة! هلم لك "، فقذف الله في قلبه الرعب، ودنا من رسو الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على صدره ثم قال: " أخسأ عنك الشيطان "، وأخذه أَفْكَل، وفزع، وقذف الله في قلبه الإيمان، فقاتل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان ممن صبر معه، وكان من خيار المسلمين. وأوصى إلى عبد الله بن الزبير بن العوام. شيبةُ بن عثمان وهو الأوقص بقي حتى أدرك يزيد بن معاوية، وهو أبو صفية. توفي سنة تسع وخمسين. قال شيبة: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين. والله ما خرجت إسلاماً ولكني خرجت إبقاء أن تظهر هوازن على قريش، فوالله إني لواقف مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قلت: يا نبي الله، إن لأرى خيلاً بُلقاً. قال: " يا شيبة: إنه لا يراها إلا كافر ". قال: فضرب بيده صدري فقال: " اللهم: اهد شيبة "، وفعل ذلك ثلاثاً. قال: فما رفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه. قال: فالتقى المسلمون، فقُتل من قتل. قال: ثم أقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر آخذ باللجام، والعباس آخذ بالثَّغَر. قال: فنادى العباس: أين المهاجرون، أين أصحاب سورة البقرة، بصوت عال، هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل الناس والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قدِّماها ". أنا النبي غير كذب ... أنا ابن عبد المطلب قال: فأقبل المسلمون، فاصطكوا بالسيوف، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الآن حمي الوطيس.

في حدث آخر: كان شيبة رجلاً صالحاً، له فضل، وكان يحدث عن إسلامه، وما أراد الله به من الخير ويقول: ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عنوة قلت: أسير مع قريش إلى هوازن بخيبر، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غِرّة، وأثأر منه، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها. وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمداً ما تبعته أبداً. فكنت مرصداً لما خرجت له، لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة. فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بغلته، وأصلتّ السيف ودنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي حتى كدت أسوّره. فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمحشني، فوضعت يدي على بصري خوفاً عليه. والتفت إليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنادى: " يا شيب، أدنُ مني "، فدنوت، فمسح صدري ثم قال: " اللهم، أعِذه من الشيطان ". قال: فوالله لهو كان ساعة إذٍ أحبِّ إليَّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي، ثم قال: " آدن فقاتل "، فتقدمت أمامه أضرب بسيفي، الله يعلم أن أحب أن أقيه بنفسي كل شيء. ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حياً لأوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون فكرّوا كرّة رجل واحد، وقربت بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستوى عليها، فخرج في إثرهم حتى تفرقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكره فدخل خبَاءه، فدخلت عليه، ما دخل عليه غيري حبّاً لرؤية وجهه وسروراً به، فقال: " يا شيب، الذي أراد الله بك خيرٌ مما أردت بنفسك "، ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أذكره لأحد قط. قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسولُ الله. ثم قلت: استغفر لي يا رسول الله. قال: " غفرَ الله لك ". وفي حديث آخر بمعناه: فقال: يا شيب، قالت الكفار، ثم قال: " يا عباس، اصرخ بالمهاجرين الذين

بايعوا تحت الشجرة، وبالأنصار الذين آوَوا ونصروا ". قال: فما شبهت عطف الأنصار على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عطفة الإبل - أو كما قال - على أولادها. قال: حتى ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه في حَرَجَة. قال: فلرماح الأنصار كانت أخوف عندي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رمال الكفار. قال: ثم قال: يا عباس، ناولني من الحصباء. قال: وأَفْقَه الله البغلة كلامه، فانخفضت به حتى كاد بطنها يمس الأرض. قال: فتناول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البطحاء فحثى في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، " حم "، " لا يُنصَرُوْنَ ". حدث صعب قال: شيبة بن عثمان بن أبي طلحة دفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المفتاح إليه وإلى عثمان بن طلحة فقال: " خذوها يا بني أبي طلحة خالة تالدة، لا يأخذها منك إلا ظالم "، فبنو أبي طلحة هم الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار. وعن عروة قال: كان العباس وشيبة بن عثمان آمَنا ولم يهاجرا، فأقام عباس على سقايته، وشيبة على الحجابة. قال شقيق: بعث معي رجل بدراهم هدية إلى الكعبة. قال: فدخلت، فإذا شيبة جالس على كرسي، فأعطيته إياها فقال: ألك هذه؟ فقلت: لا، لو كانت لي لم آتك بها. قال: أما لئن قلت ذلك لقد قعد عمر بن الخطاب في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: ما أنا بخارج حتى أقسم مال الكعبة. قلت: ما أنت بفاعل، قال: بل لأفعلن، ولمَ؟ قال: قلت: لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر قد رأيا مكانه فلم يحركاه، وهما أحوج إلى المال منك، قال: فقام مكانه فخرج. توفي شيبة بن عثمان سنة ثمان وخمسين: وقيل: سنة تسع وخمسين.

شيبة بن الوليد بن سعيد

شيبة بن الوليد بن سعيد أبو محمد العثماني القرشي حدث شيبة بن الوليد قال: لما صار أبو جعفر الخليفة إلى الرقة دعا بعبد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فضرب عنقه، وصلبه. وكانت امرأة عبد الله بن معاوية صفية بن إسحاق بن مسلم العقيلي. فلما فعل ذلك بزوجها أتت أباها إسحاق بن مسلم - وكانت له من أبي جعفر ناحية، وكان من خاصته - فقالت: يا أبه. قد فعل بصهرك ما ترى، وإنه يسمج بك أن يمر المارّ فيرى سوءته على الخشبة باديةً، فقال لها: تريدين ماذا؟ قالت: تُكلم أبا جعفر يهبه لك فننزله فندفنه. قال: مالي إلى ذلك سبيل. قال: فلما أبى عليها، وجنّها الليل أخذت جورايها وكساء خز ثم أتت الخشبة فوضتها بالأرض، ثم أخذته فأدرجته في الكساء ثم حملته جواريها حتى أتت به منزلها فحفرت له تحت فراشها ثم دفنته، ورّت الفراش مكانه. فلما أصبح أبو جعفر وفُقد عبُد الله قيل له فيه، وأخبر بذهابه، فجمع أبو جعفر وجوه أهل الرقة وأشرافهم، ثم أعطى الله عهداً لئن لم تجيئوني بخبر عبد الله بن معاوية لأضربن رقابكم. قال: وجعل جُلّ نظره وكلامه إلى إسحاق بن مسلم، فخرجوا من عنده، وقد طارت عقولهم، فأتى إسحاق بن مسلم ابنته فقال: أي بُنَيّة، إنه قد كان من أمر أبي جعفر كيت وكيت، وقد حمل علي من بينهم، واتهمني في جسده لسمع كلامك، هو تحت الفراش، وأخبرته خبره والذي صنعت، فلما كان من الغد غدا أشراف أهل الرقة، ولا يشكون في القتل. فلما دخلوا عليه جثا إسحاق بن مسلم بين يدي أبي جعفر فأخبره خبره، وبما صنعت ابنته. فلما فهم قوله قلب وجهه عنه وصرف حديثه إلى غيره، وتركه وأصحابه، ولم يعرض لعبد الله ولا لامرأته.

شيث بن آدم عليه السلام

شيث بن آدم عليه السلام ويقال شَبَث، واسمه هبة الله يقال: إن قبره بالبقاع. عن ابن عباس قال: خرج آدم من الجنة بين صلاة الظهر وصلاة العصر، فأنزل إلى الأرض، وكان مكثه في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة، وهو خمس مئة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا، فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له: نود وأهبطت حواء بجدة فنزل آدم. معه ريح الجنة، فعلق بشجرها وأوديتها، فامتلأ ما هنالك طيباً. فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم. وقالوا: أنزل معه من طيب الجنة أيضاً، وأنزل معه الحجر الأسود، وكان أشد بياضاً من الثلج. وعصا موسى، وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى ومرّ، ولبان. ثم أنزل عليه بعدُ العلاة والمطرقة والكلبتين فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد ثابت على الجبل فقال: هذا من هذا، فجعل يكسر أشجاراً قد عُتقت ويبست بالمطرقة، ثم أوقد على ذلك الغصن حتى ذاب. فكان أول شيْ ضرب منه مدية، فكان يعمل بها، ثم ضرب التنور وهو الذي ورثه نوح، وهو الذي فار بالهند بالعذاب. فلما حج آدم وضع الحجر الأسود على أبي قُبيس، فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم كما يضيء القمر. فلما كان قبل الإسلام بأربع سنين، وقد كان الحُيَّ والجُنُب يصمِدون إليه فيمسحونه فاسودّ، فأنزلته قريش من أبي قُبيس. وحج آدم من الهند إلى مكة أربعين حجة على رجليه. وكان آدم حين أهبط يمسح رأسُه السماء، فمن ثم صلع، وأورث ولده الصلع، ونفرت من طوله دواب البر، فصارت وحشاً من يومئذ. فكان آدم وهو على ذلك الجبل قائماً يسمع أصوات الملائكة، ويجد ريح الجنة، فحط من طوله ذلك إلى ستين ذراعاً، فكان ذلك طوله حتى مات. ولم يجمع حُسن آدم

لأحد من ولده إلا ليوسف. وأنشأ آدم يقول: ربِّ، كُنْتُ جارَكَ في دارك، ليس لي ربّ غيرك، ولا رقيب دونك، آكل منها رغداً، وأسكن حيث أحببت، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس، فكنت أسمع أصوات الملائكة، وأراهم كيف يحُفّون بعرشك. وأجد ريح الجنة وطيبها، ثم أهبطتني إلى الأرض، وحططتني إلى ستين ذراعاً، فقد انقطع عني الصوت والنظر، وذهب عني ريح الجنة، فأجابه الله: " لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك ". فلما رأى الله عزّ وجل عُري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشاً من الضأن من الثمانية الأزواج التي انزل الله عزّ وجل من الجنة. فأخذ آدم كبشاً فذبحه، ثم أخذ صوفه، فغزلته حواء، ونسجه هو وحواء، فنسج آدم جبّة لنفسه وجعل لحواء درعاً وخماراً، فلبساه. وقد كانا اجتمعا بجمع، فسميت جمعاً. وتعارفا بعرفة، فسميت عرفة، وبكيا على ما فاتهما مائتي سنة. ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً. ثم أكلا وشربا، وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم. ولم يقرب حواء مئة سنة، ثم قربها فبلغت، فحملت فولدت أول بطن: قابيل وأخته لتود توْأمته، ثم حملت فتلد هايل وأخته قليما توأمته. فلما بلغوا أمر الله آدم أن يزوج البطن الأول البطن الثاني، والبطن الثاني البطن الأول، يخالف بين البطنين في النكاح. وكانت أخت قابيل حسنة، وأخت هابيل قبيحة، فقال آدم لحواء الذي أُمر به، فذكرته لابنيها فرضي هابيل، وسخط قابيل وقال: لا والله، ما أمر الله بهذا قط. ولكن هذا عن أمرك يا آدم، فقال آدم: فقرِّبا قرباناً، فأيكما كان أحقّ بها أنزل الله عزّ وجلّ ناراً من السماء فأكلت قربانه. فرضيا بذلك، فغدا هابيل وكان صاحب ماشية بخير غذاء غنمه وزبد ولبن، وكان قابيل زراعاً، فأخذ طناً من شرّ زرعه ثم صعد الجبل، يعني: نود، وآدم معهما فوضعا القربان، ودعا آدم ربه، وقال قابيل في نفسه: لا أبالي أتُقُبِّل مني أم لا، لا ينكح هابيل أختي أبداً. فنزلت النار فأكلت قربان هابيل، وتجنبت قربان قابيل لأنه لم يكن زاكي القلب. فانطلق هابيل، فأتاه قابيل وهو في غنمه، فقال: لأقتلنك. قال: لِمَ تقتلني؟! قال: لأن الله تقبل منك، وردّ علي قرباني، ونكحت أختي الحسنة، ونحكت أختك القبيحة. ويتحدث الناس بعد اليوم أنك كنت خيراً مني، فقال له هابيل: " لَئِنْ

بَسَطتَ إليَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي، ما أَنا بباسطٍ يدي إليكَ لاَقتلكَ إني أخافُ الله رب العالمين إني أريدُ أن تبُوءَ وإثمِكَ فتكونَ من أصحابِ النارِ وذلكَ جزاءُ الظالمين ". أما قوله: " بإثمي " يقول: بقتلي إذا قتلتني، إن إثمك الذي كان عليك قبل قتلي. فقتله فأصبح من النادمين. فتركه لم يُوار جسده (فبعث الله غُراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه) وكان قتله عشية، وغدا إليه غدوة لينظر ما فعل، فإذا هو بغراب حيّ يبحث على غراب ميت فقال: (يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي) كما يواري هذا سوأة أخيه؟! فدعا بالويل، وأصبح من النادمين. ثم أخذ قابيل بيد أخته ثم هبط بها من الجبل يعني: نود إلى الحضيض، فقال آدم لقابيل: اذهب، فلا تزال مرعوباً أبداً، لا تأمن من تراه، فكان لا يمر به أحد من ولده إلا رماه. فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له، فقال للأعمى أبيه: هذا أبوك قابيل، قال: فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله، فقال ابن الأعمى: يا أبتاه، قتلت أباك؟! فرفع الأعمى يده فلطم ابنه، فمات ابنه، فقال الأعمى: ويل لي، قتلت أبي برميتي، وقتلت ابني بلطمتي. ثم حملت حواء فولدت شيث وأخته عزوراء فسمي هبة الله، اشتق له من اسم هابيل، فقال لها جبريل حين ولدته: هذا هبة الله لك بدل هابيل. وهو بالعربية شبث، وبالسريانية: شاث، والعبرانية: شيث. وإليه أوصى آدم. وكان آدم يوم ولد شيث ابن ثلاثين ومئة سنة. ثم تغشاها آدم، فحملت حملاً خفيفاً فمرت به. يقول: قامت وقعدت، ثم أتاها الشيطان في غير صورته، فقال: يا حواء، ما هذا في بطنك؟ قالت: لا أدري، قال: فلعله بهيمة من هذه البهائم. قالت: لا أدري، ثم أعرض عنها حتى إذا هي أثقلت أتاها فقال: كيف تجدينك يا حواء؟ قالت: إني لأخاف أن يكون كالذي خوفتني، ما أستطيع القيام إذا قمت. قال: أفرأيت إن دعوت الله فجعله إنساناً

مثلك ومثل آدم تسمينه بي؟ قالت: نعم. فانصرف عنها. وقال لآدم: لقد أتاني آت فأخبرني أن الذي في بطني بهيمة من هذه البهائم، وإن لأجد له ثقلاً، وأخشى أن يكون كما قال. فلم يكن لآدم ولا لحواء همّ غيره حتى وضعته. فذلك قول الله عزّ وجلّ: " دَعَوَا الله ربَّهُما لَئِن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين " فكان هذا دعاءهما قبل أن تلد. فلما ولدت غلاماً سوياً أتاها فقال لها: ألا تسمينه كما وعدتني؟ قالت: وما اسمك؟ - وكان اسمه عزازيل، ولو تسمى به لعرفته - فقال اسمي الحارث فسمته عبد الحارث. فمات. يقول الله عزّ وجلّ: " فلمَّا آتاهما صالحاً جعلاَ لله شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ". وأوحى الله إلى آدم أن لي حرماً بحيال عرشي، فانطلق فابن لي بيتاً فيه ثم حف به كما رأيت ملائكتي يحفون بعرشي، فهنالك أستجيب لك ولولدك من كان منهم في طاعتي، فقال آدم: أي رب، وكيف لي بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدي له، فقيض الله له ملكاً، فانطلق به نحو مكة، فكان آدم إذا مر بروضة ومكان يعجبه قال للملك: أنزل بنا ها هنا، فيقول له الملك: مكانك، حتى قدم مكة، فكان كل مكان نزل به عمراناً وكل مكان تعدّاه مفاوز وقفاراً، فبنى البيت من خمسة أجبل: من طور سيناء، وطور زيتون، ولبنان، والجودي، وبنى قواعده في حراء، فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات، فأراه المناسك التي يفعلها الناس اليوم، ثم قدم به مكة، وطاف بالبيت أسبوعاً. ثم رجع إلى أرض الهند فمات على نود. فقال شيث لجبريل عليه السلام: صلِّ على آدم، فقال: تقدم أنت، فصلِّ على أبيك، وكبر عليه ثلاثين تكبيرة، فأما خمس فهي الصلاة. وخمس وعشرون تفضيلاً لآدم. ولم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفاً بنود. ورأى آدم فيهم الزنا وشرب الخمر. فأوصى ألا يناكح بنو شيث بني قابيل، فعل بنو شيث آدم في مغارة، وجعلوا عليه حافظاً لا يقربه أحد من بني قابيل، وكان الذين يأتونه ويستغفرون له بنو شيث. وكان عمر آدم سبع مئة سنة وستاً وثلاثين سنة، فقال مئة من بني شيث صباح: لو نظرنا ما فعل بنو عمّنا، يعنن بنبي قابيل. فهبتط المئة إلى نساء قباح من

بني قابيل، فاحتبس النساء الرجال، ثم مكثوا ما شاء الله. ثم قال مئة آخرون: لو نظرنا ما فعل إخوتنا، فهبطوا من الجبل إليهم، فاحتبستهم النساء. ثم هبطت بنو شيث كلهم، فجاءت المعصية، وتناكحوا، واختلطوا، وكثر بنو قابيل حتى ملأوا الأرض، وهم الذي عرفوا أيام نوح. نود: اسم الجبل. وفي النسخ: نوذ، بالذال المعجمة. وعن ابن عباس قال: ولد لآدم أربعون ولداً: عشرون غلاماً وعشرن جارية، فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرحمن، والذي كان سماه عبد الحارث، وود، وكان ودّ يقال له: شيث - ويقال: هبة الله - وكان إخوته قد سودوه. وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسراً. قالوا: إن حواء حملت بشيث الوصي حتى نبتت أسنانه، وكانت تنظر إلى وجهه من صفائه في بطنها. وهو الثالث من ولد آدم، وإنه لما حضرها الطلق، فأخذها عليه شدة شديدة، فانتبذت به. فلما وضعته أخذته الملائكة، فمكث معها أربعين يوماً، فعلموه الهز، ثم رُدَّ إليها. قال أبو ذر الغفاري: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وحده، فجلست إليه، فقال: " يا أبا ذر، إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعهما "، فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه فقلت: يا رسول الله، أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: " خير موضوع، استكثرو أو استقلّ "، قال: قلت: يا رسول الله، فأي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله، وجهادٌ في سبيله ". قال: قلت: يا رسول الله، فأي المسلمين أسلم؟ قال: " مَن سَلِمَ الناسُ من لِسانِهِ ويده ". قال: قلت: يا رسول الله، فاي الهجرة أفضل؟ قال: "

من هجر السيئات ". قال: قلت: يا رسول الله، فأي الصلاة أفضل؟ قال: " طول القنوت ". قال: قلت: يا رسول الله، فما الصيام؟ قال: " فرض مجزيّ وعند الله أضعاف كثيرة ". قلت: يا رسول الله، فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عُقر جواده، وأُهريق دمه ". قال: قلت: يا رسول الله، فأي الرقاب أفضل؟ قال: " أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها ". قال: قلت: يا رسول الله، فأي الصدقة أفضل؟ قال: " جهدٌ من مقلّ مُسر إلى فقير ". قلت: يا رسول الله؟ فأيما أنزل الله عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي. ثم قال: يا أبا ذر، ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة. قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مئة ألف وعشرون ألفاً. قلت: يا رسول الله، كم المرسل من ذلك؟ قال: ثلاث مئة وثلاثة عشر جمّاً غفيراً. قال: قلت: كثير طيب، قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: آدم عليه السلام، قال: قلت: يا رسول الله، أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلاً، ثم قال: يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وخنوخ وهو إدريس، وهو أول من خطّ بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، وشُعَيب، وصالح، ونبيك يا أبا ذر. قال: قلت: يا رسول الله، كم كتاباً أنزل الله عزّ وجلّ؟ قال: " مئة كتاب وأربعة كتب: أنزل على شيث خمسين صحيفة، وأنزل على خنوخ ثلاثين صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ". قال: قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: " كانت أمثالاً كلها: أيّها الملك، المسلط، المبتلى، المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لتردّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر. وكانت فيها أمثال: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن تكون له ساعات يناجي فيها ربه، وساعات يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله عزّ وجلّ، وساعات يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل ألا يكون ظاعناً إلا لثلاث: تزوُّد لمعاد، ومرمّة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه. ومَن حسِب كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه. قال: قلت: يا رسول الله، فما كانت

صحف موسى؟ قال: كانت عِبراً كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالموت وهو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب. عجبت لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها ثم اطمأن إليها. عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل ". قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " أوصيك بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنه رأس الأمر كله ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فأنه نور لك في الأرض، وذكر لك في السماء ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب، ويذهب نور الوجه ". قلت: يا رسول الله زدني، قال: " عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مَطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " أحِبَّ المسكين وجالسهم " قلت: يا رسول الله، نعمة الله، زدني، قال: " عليك بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " انظر إلى مَن تحتك، ولا تنظر إلى مَن فوقك، فإنه أجدر ألا تزدر بنعمة الله عندك ". قال: قلت: يا رسول الله زدني، قال: " صَل قرابتك وإن قطعوك ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " لا تخف في الله لومة لائم ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " قل الحق وإن كان مرّاً ". قلت: يا رسول الله، زدني، قال: " يردّك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي ". ثم ضرب يده على صدري وقال: " يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق ". وروي عن كعب الأحبار أن الله أنزل على آدم عصيّاً بعدد الأنبياء المرسلين، ثم أقبل على ابنه شيث فقال: أي بني، أنت خليفتي من بعدي، فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى. وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد، فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين. ثم إني طُفت السماوات فلم أر في السماوات موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه، وإن ربي أسكنني الجنة. فلم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً، ولقد رأيت اسم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكتوباً على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة، وعلى ورق شجرة طوبى، وعلى ورق سدرة المنتهى وعلى أطراف الحجُب وبين أعين الملائكة. فأكثِر ذكره. فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها.

توفي شيث يوم الثلاثاء تسع ساعات من النهار لتسعة وعشرين يوماً من شهر آب في عشرين سنة من حياة خنوخ. وكانت حياة شيث تسع مئة واثنتي عشرة سنة. وحنّطه ابنه أنوش بالمرّ واللبان والسَّليخة، ودفنه في مغارة الكنوز مع آدم عليه السلام. وناحوا عليه أربعين يوماً. ومات آدم ولشيث مئتان وخمس سنين.

أسماء النساء على حرف الشين المعجمة

أسماء النساء على حرف الشين المعجمة شارزما بنت جعفر أمة العزيز الديلمية قدمت دمشق حدثت عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده بسنده عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له، لقد رأيت خيراً، صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصليت خلفه. قال: لقد رأيته، ولقد خشيت أنما أُخِّرت لشرّ. ما حدثتكم فاقبلوه، وما سَلتُّ عنه فدعوه. قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادٍ بين مكة والمدينة يُدعى: خُمّ. وقال: " إنما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، حَبلٌ، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة ". ثم قال: " أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي. ثلاث مرات.

شكر وتسمى أيضا مشكورة بنت أبي الفرج

شكر وتسمى أيضاً مشكورة بنت أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد الأسفراييني، أمة العزيز حدثت عن أبيها وغيره بسندهما إى عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسأل الإمارة، فإنك إن أويتها عن مسألة وُكِلت إليها، وإن أتيتها عن غير مسألة أُعنيت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها فائت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك ". توفيت سنة إحدى وخمسين وخمس مئة. شهدة جارية الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال ابن جامع: غنت شهدة الوليد بن يزيد يوماً: " السريع " خبرّتُها قالت لأترابها ... ما لأبي الخطاب قد أعرضا إن كانَ قد ملّ فما حيلتي ... أو كانَ غضباناً فعندي الرضا فطرب طرباً شديداً، واستحسنه، وقال: ويحك يا شهدة! لمن هذا الغناء؟ قالت: يا سيدي، هذا أخذته من الجنفاء والهبيريّة جاريتَي أيوب بن سلمة المخزومي، ولا أدري لمن هو. قال: فما فعلتا؟ قالت: أما الهبيرية فماتت، وأما الجنفاء فعجوز كبيرة. قال: فهل فيها فضل فنستدعيها؟ قالت: لا. فأمر بالكتاب لها إلى صاحب الحجاز بعشرة آلاف درهم. قال أبو الفرج: شهدة جارية الوليد هي أم عاتكة بنت شهدة إحدى المحسنات من قيان الحجاز وكانت شهدة مغنية نائحة. أسماء الرجال على

حرف الصاد المهملة

حرف الصاد المهملة صاعد بن عبد الرحمن بن صاعد ابن عبد السلام بن صاعد بن عبد الحميد بن باكر بن عبد الله، أبو القاسم التميمي ويقال: النصري النحاس، المعروف بابن البراد حدثت عن الربيع بن سليمان بسنده عن سمرة قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نعتدل في الجلوس، ولا نستوقر. توفي صاعد سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. صافي بن إبراهيم بن الحسن أبو البركات ويكنى أبا الحسن الطرسوسي المقرىء الضرير، معبّر الأحلام حدث عن أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة ". توفي صافي سنة سبع وعشرين وخمس مئة. صافي بن عبد الله أبو الحسن الأرمني عتيق قاضي القضاة أبي عبد الله الشهرستاني. حدثت عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإمام ضامن، فما صنع فاصنعوا ". توفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.

صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل

صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل ابن هلال بن أسد. أبو الفضل بن أبي عبد الله الشيباني البغدادي، قاضي أصبهان حدث عن أبيه بسنده عن أنس قال: سدل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناصيته ما شاء الله أن يسدل، ثم فرق بعد ذلك توفي صالح بأصبهان سنة خمس وستين ومئتين. وقيل: سنة ست وستين ومئتين. وكان مولده سنة ثلاث ومئتين. صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك. كان يصحب الزهري ويخدمه. حدث صالح الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مجلس من المسلمين: " يدخل الجنة أول زمرة من أمتي سبعون ألفاً، وجوههم أشد بياضاً من القمر ليلة البدر، فقام إليه عُكاشة ابن مِحصَن - كأني أنظر إليه نَمِرَة - فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: " اللهم، اجعله منهم ". قام إليه من الأنصار، يعني رجلاً - فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة ". وحدث عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أُولي معروفاً فليكاف به، فإن لم يستطع فليذكره، فإذا ذكره فقد شكره. ومن تشبع بما لم ينل فهو كلابس ثوبًي زور ". وبه قالت: أُهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان، فأفطرنا، وكانت بنت أبيها، فدخل عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له فقال: " أبدلا يوماً مكانه ".

صالح بن إدريس بن صالح

صالح بن إدريس بن صالح أبو سهل البغدادي المقرىء حدث عن أبي بكر الأنباري قال: سمعت المبرد قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: فوت الحاجة أيسر من الذلّ فيها. صالح بن إسماعيل بن محمد ابن إسماعيل. أبو الخير الخوارزمي الكاثي الصوفي قدم دمشق طالباً للعلم حدث عن أبي فراس أسامة بن عبد الوارث بن محمد بن عبد المنعم بن عيسى بن محمد بن عيسى الأسدي الأبهري بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشعر حكمة. وأصدق بيت قالته العرب: " الطويل " ألا كل شيء ما خلا الله باطل قالت: قلت لأبي: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشعر حكمة " ولم يقل: إن الشعر حكمة. فقال لي منشداً: " البسيط " قل للذي يدّعي في العلم فلسفةً ... حفِظت َشيئاً وغابت عنكَ أشياءُ ثم قال لي: يا بني! هذه " من " تسمى مِن التبعيض. قال الله عزّ وجلّ (ونُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ) معناه: وننزل القرآن الذي هو شفاء. وقال الله عزّ وجلّ: (قُل لِلمُؤمِنِينِ يَغُضُّوا مِن أبصَارهِم) . أفتراه أمرنا أن نغض بعض البصر؟ معناه: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم.

صالح بن البختري أبو الفضل

توفي أبو الخير سنة أربع وخمسين وخمس مئة. صالح بن البختري أبو الفضل ختن مروان بن محمد الطاطري على ابنته. حدث عن وهب بن جرير بن حازم بسنده عن خالد بن عبد الله قال: كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة، وكانت قريش تشرح شرحاً كبيراً، فتزوج رجل من قريش امرأة من الأنصار، فأراد أن يأتيها فقالت: لا، إلا كما نفعل. قال: فأخبر ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله عزّ وجلّ: " نِسَاؤكُم حُرثُ لَكُم فَأتُوا حَرثَكُم أَنّى شِئتُم " قائماً وصاعداً ومضجعاً بعد أن يكون في صمام واحد. صالح بن بشر بن سلمة أبو الفضل القرشي الأردني الطبراني سمع بدمشق حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافق بسنده عن أبي الدرداء قال: أوصاني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث، لا أدعهن لشيء: " أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وألا أنام إلا على وتر، وتسبيحة الضحى في الحضر والسفر ". وحدث عن عبد العزيز بن أبان بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة ". حدث سنة تسع وخمسين ومئتين.

صالح بن جبير الصيدائي الطبراني

صالح بن جُبير الصَيْدائي الطبراني ويقال الفلسطيني كاتب عمر بن عبد العزيز على الخراج والجند. وكتب ليزيد بن عبد الملك. حدث عن أبي جمعة قال: تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقلنا: يا رسول الله، أحد خيرٌ مِنَّا؟ أسلمنا وجاهدنا معك. قال: " نعم، قومٌ يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يرّوني ". وحدث صالح بن جبير قال: قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببيت المقدس ليصلي فيه، ومعنا رجاء بن حيوة يومئذ. فلما انصرف خرجنا معه لنشيعه. فلما أردنا الانصراف قال: إن لك جائزة وحقاً، أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: هات يرحمك الله. قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يا رسول الله، هل من قوم أعظم منا أجراً؟ آمنا بك، واتبعناك. قال: " ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم، يأتيكم بالوحي من السماء؟ بلى، قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، فيؤمنون به، ويعملون بما فيه. أولئك أعظم منكم أجراً. أولئك أعظم منكم أجراً. أولئك أعظم منكم أجراً ". قال صالح بن جبير: ربما كلمت عمر بن عبد العزيز في الشيء فيغضب، فأذكر أن في الكتاب مكتوباً: أتق غضبة الملك الشاب، فارفق به، حتى يذب غضبه فيقول لي بعد ذلك: لا يمنعك يا صالح ما ترى منا أن تراجعنا في الأمر إذا رأيته.

صالح بن جناح اللخمي الشاعر

صالح بن جناح اللخمي الشاعر أحد الحكماء. أدرك الأتباع، وكلامه مستفاد في الحكمة. قال صالح بن جناح الدمشقي لابنه: يا بني، إذا مرّ بك يوم وليلة قد سلم فيهما دينك، وجسمك، ومالك، وعيالك فأكثر الشكر الله تعالى. فكم من مسلوب دينه، ومنزوع ملكه، ومهتوك ستره، ومقصوم ظهره في ذلك اليوم، وأنت في عافية. وفيه أقول: " السريع ". لو أنني أعطيت سؤلي لما ... سالتُ إلا العفوَ والعافية فكم فتىّ قد باتّ في نعمةٍ ... فسلَّ منها الليلة الثانية قال صالح: أصل المروءة الحزم، وثمرها الظفر، وإذا طلب رجلان أمراً ظفر به أعظمهما مروءة. قال صالح بن جناح: اعلم أن من الناس من يجهل إذا حلُمت عنه، ويحلُم إذا جعلت عليه، ويُحسن إذا أسأت به، ويثسيء إذا أحسنت إليه، وينصفك إذا ظلمته، ويظلمك إذا انصفت. فمن كان هذا خلقه فلا بد من خلق ينصفك من خلقه، ثم قحة تنصف من جهته، وجهالة تقدع من جهالته. وإلا أذلّك، لأن بعض الحلم إذعان، وقد ذل من ليس له سفيه يعضّده، وضلّ من ليس له حليم يرشده. وفي الجهالة وبعضها للأخيار أقول: " الطويل " لئن كنتُ محتاجاً إلى العلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوجُ ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرسٌ للجهلِ بالجهلٍ مُسرج فمن شاء تقومي فإن مقومٌ ... ومن شاء تعويجي فإني معوج وما كنت أرضى الجهل خدناً ولا أخاً ... ولكنني أرضى بهِ حين أحوج فإن قال بعضُ الناسِ فيه سماجةٌ ... فقد صدقوا والذل بالحر أسمج وفي رواية أخرى زيادة على هذا الشعر، ولم يسم قائله:

صالح بن رستم أبو عبد السلام

الا ربما ضاق الفضاءُ بأهلهِ ... وأمكنَ من بين الأسنة مخرج قال صالح بن جناح: اعتبر ما لم تره من الأشياء بما قد رأيته، ولم تسمعه بما قد سمعته، وما لم يصبك بما قد أصابك، وما بقي من عمرك بما قد مضى وما لم يبل منك بما قد بلي واعلم " مجزوء الرمل " إنما أنت نهارٌ ... ضوؤه ضوء معارُ بينما غصنك غضٌّ ... ناضرٌ فيه اخضرارُ إذ رماه زمناه ... فإذا فيه اصفرارُ وكذاك الليلُ يأتي ... ثم يمحوه النهارُ فهذه صفتها، وما لا أصف أدهى وأمر. فما أصنع بأمرٍ إذا أقبل غر، وإذا أدبر ضر، وأنشد: " الطويل " نموت وننسى غير أن ذنوبنا ... إذا نحن متنا لا تموت ولا تُنسى ألا ربّ ذي عينين لا تنفعانه ... وهل تنفع العينان من قلبه أعمى؟ صالح بن رستم أبو عبد السلام مولى بني هاشم، من أهل دمشق. حدث شيخ يكنى أبا عبد السلام عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قال قائل: يا رسول الله، ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدوركم المهابَة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؛ قال: حب الدنيا وكراهية الموت ".

صالح بن سويد

صالح بن سويد ويقال: ابن عبد الرحمن - أبو عبد السلام القَدَري من حرس عمر بن عبد العزيز: حدث عمرو بن مهاجر قال: أتى صالح وغيلان عن عمر بن عبد العزيز، وقد بلغه أنهما يتكلمان في القدر، فقال لهما: عِلم الله نافذ في عباده أو منتقص؟ قالا: بل نافذ يا أمير المؤمنين. قال: فبم عسى أن يكون الكلام إذا كان علم الله نافذاً؟ قال: فخرجا، فبلغه بعد أنهما يتكلمان فأرسل إليهما، فقال: ما هذا الكلام الذي تنطقان فيه؟! قال غيلان: نقول ما قال الله. قال: ماذا قال الله؟ قال: " هَلْ أَتًى عَلَى الإِنْسَانِ حِيْنٌ منَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً " إلى قوله: " إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وإِمَّا كَفُراً " ثم سكت فقال له عمر بن عبد العزيز: اقرأ، فقرأ حتى بلغ آخر السورة " وَمَا تَشَاؤونَ إلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حكيماً يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ في رَحْمَتِهِ والظَّالِيمِيْنَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيْماً " فقال له عمر بن عبد العزيز: كيف ترى في رحمته يا بن الأتانة؟ تأخذ الفروع، وتدع الأصول؟! قال: فخرجنا ثم بلغه أنهما يتكلمان، فأرسل إليهما حين اشتكى وهو مغضب شديد الغضب، فدعا بهما وأنا خلفه قائم مستقبلهما، فقال لهما وهو مغضب: ألم يكن سابق في علم الله حين أمر إبليس بالسجود لآدم أنه لا يسجد؟ فأومأت إيهما برأسي أن قولا: نعم، لِمَا عرفت من شدة غضبه، فقالا: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ألم يكن في سابق علم الله حين أمر آدم عليه السلام ألا يأكل من الشجرة أنه سيأكل؟ فأومأت إليهما أن قولا: نعم، فقال: نعم. قال عمرو بن مهاجر: لولا أني أومأت إليهما أن قولا: نعم، لصنع بهما شراً. فأمر بها فأخرجا. وأمر بالكتاب إلى الناس أو إلى الأجناد بخلافهما. فمات عمر رضي الله عنه ولم ينفذ الكتاب.

صالح بن شريح السكوني

كتب رجاء بن حيوة إلى هشام بن عبد اللملك: بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان، ولَقتلُ غيلان وصالح أحبّ إلى من قتل ألفين من الروم. صالح بن شريح السَّكوني من تابعي أهل حمص. قال صالح بن شريح: كنت عند ابن قرط الثمالي بحمص إذ اقبل أبو عبيدة بن الجراح من دمشق يريد قنسرين. فلما تغدى قال له ابن قرط: لو نزعت فراهيجك وتوضأت، قال: ما نزعتهما منذ خرجت من دمشق. فلا أنزعهما حتى أرجع إليها. وحدث صالح قال: سمعت معاوية يقول: ما يبالي الرجل منكم مدح رجلاً في وجهه أو أمرّ على حلقه موسى رميضة. حدث صالح بن شريح أن النعمان بن الرازية أخبره. أنه قال: يا رسول الله، إنا كنا نعتاف في الجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفى الإسلام أصدقها، ولكن لا يمتنعن أحدكم من سفر. صالح بن طرفة بن أحمد بن محمد ابن طرفة بن الكميت، أبو أحمد الحرستاني حدث عن أبيه بسنده عن أبي ثعلبة الُخشَني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كل ذي ناب من السباع.

صالح بن عبد الله

صالح بن عبد الله بن الحسن ابن إسماعيل بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد الملك، أبو الفضل الهاشمي. حدث عن محمود بن خالد بن يزيد بسنده عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الذي يفوته العصر فكأنما وُتر أهلَه ومالَه ". صالح بن عبد الله أبو شعيب الأنصاري القاضي المستملي حدث عن الحسن بن الوليد بن موسى بن راشد الكلابي بسنده عن أبي رافع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ. صالح بن عبد الرحمن أبي صالح، أبو الوليد الكاتب من أهل البصرة. كان أبوه أبو صالح سُبي، وسبي معه من سجستان سنة ثلاثين، في خلافة عثمان علي يدي الربيع بن زياد الحارثي. أسرتهما امرأة من بني النزال أحد بني مرة بن عبيد، فأعتقهما، فتعلم صالح كتاب العربية والفارسية. وكان فصيحاً جميلاً، يختلف إلى ديوان زياد وابن زياد ويجالس الأحنف والوجوه. وكان حافظاً يحفظ ما يسمع، وصحب زاذان فرَوخ، كاتب الحجاج، فتعلم منه. وهو أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية، وبَذَلت كتّاب الفرس له ثلاث مئة ألف درهم على ألا يفعل فابى، وعامة من تخرَّج من كتاب أهل البصرة والكوفة فبصالح تخَرَّج. ووفد على سليمان بن عبد الملك فولاه خراج العراف. ورده إليها فوليها صالح أيام سليمان كلها، وأقره عمر بن عبد العزيز سنة. ثم استعفاه فأعفاه - ويقال: إن شنّع عند عمر بن عبد العزيز فعزله. ولما ولي يزيد بن عبد الملك كان صالح عنده بالشام، فكتب عمر بن هبيرة إلى

صالح بن عبد القدوس

يزيد في إيفاد صالح إليه ليسأله عن الخراج فبعث به إليه وأوصاه به فتعنته وقتله. قال سهل بن أبي الصلت: أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن أجلاً حتى قلب الديوان وجُعل بالعربي. قال أبن شوذب: كتب صالح بن عبد الرحمن وصاحبُه إلى عمر بن عبد العزيز يعرضان له بدماء المسلمين، وكانا عاملَيْه على شيء من العراق. فكتبا: إن الناس لا يصلحهم إلا السيف، فكتب إليهما عمر: خبثين من الخبث، رِبْذتين من الرِّبذ يعرضان لي بدماء المسلمين، ما أحد من المسلمين إلا ودمكما أهون عليَّ من دمه. سأل يزيد بن المهلب صالح بن عبد الرحمن دجاجة يزيدها في طعامه، فأبى عليه. وسأله لما تزوج عاتكة بن الملاءة أن يعجل له رزق شهر للوليمة، فأبى عليه. وكان صالح تقدمه على العراق عاملاً على الخراج. صالح بن عبد القدوس أبو الفضل الأزدي الحُدّاني مولاهم، البصري والحدان بن شمس بن عمرو من الأزد. كان حكيم الشعر، زنديقاً، متكلماً. يقدمه أصحابه في الجدال عن مذهبهم. وقتله المهدي على الزندقة " وكان " شيخاً كبيراً. ومن شعره: " الخفيف ": كلُّ آتٍ لا شك آتِ وذو الجهل مُعنى والهمُّ والحزنُ فضلُ وله: " السريع ". ما بين ما تحمد فيه وما ي ... دعو إليك الذمّ إلا القليلُ

وله: " الخفيف " أيها اللائمي على نكدِ الدّه ... ر لكلٍّ من البلاءِ نصيبُ قد يُلامُ السريُّ في غير ذنبٍ ... وتغطى من المسيءِ الذنوبُ وتحولُ الأحوالُ بالمرءِ والدّه ... رُ له في صروفهِ تقليبُ كان المهدي اتهمه بالزندقة، فأمر بحمله إليه، وأحضر بين يديه. فلما خاطبه أعجب بغزارة أدبه وعلمه وبراته وحسن بيانه، وكثرة حكمته. فأمر بتخلية سبيله. فلما ولى ردّه وقال: ألست القائل: " السريع ": والشيخ لا يتركُ أخلاقَه ... حتى يوُارى في ثرى رمسِهِ إذا أرعوى عاد إلى جهلِهِ ... كذي الضني عادَ إلى نُكسِهِ قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك. ونحن نحكم فيك بحكم في نفسك. ثم أمر به فقتل، وصلب على الجسر. وقال: إن المهدي أُبلغ عنه أبياتاً يُعرض فيها بسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأحضره المهدي فقال: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: لا، والله يا أمير المؤمنين، والله ما أشركت بالله طرفة عين، فاتق الله ولا تفسك دمي على الشبهة، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤوا الحدودَ بالشبهات ". وجعل يتلو عليه القرآن حتى رقّ له وأمر بتخليته. فلما ولّى قال: أنشدني قصيدتك السينية، فأنشده حتى بلغ البيت الذي أوله: والشيخُ لا يتركُ أخلاقه فأمر به حينئذٍ فقتل. قال أحمد بن عبد الرحمن المعبِّر: رأيت صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكاً مستبشراً، فقلت: ما فعل بك

صالح بن عبيد بن هانىء

ربّك؟ وكيف نجوت مما كنت تُرمى به؟ قال: إني وردت على ربّ لا تخفى عنه خافية، فاستقبلني برحمته، وقال: قد علمت براءتك مما كنت تُقذف به. صالح بن عُبَيد بن هانىء من قرية نوى. وكان إماماً بقرية الحُراك. حكى عن بعض الصالحين قال: كانت عندنا رجل، أدركته وكان فاضلاً، وكان يلتقط السُّبل من خلف الغنم. وكان يصلي معنا في المسجد، وينصرف إلى بيته ليجلس مع الناس. فسألني بعض أهلي أن أمضي معه إلى هذا الرجل في حاجة بعد المغرب. فإذن لنا فلم نرَ في البيت غير حريرة، وقدر موضوعة على حجرين، وليس تحتها أثرُ وقيدٍ من زمان، فقال لنا: قد كنت الليلة لغير نِيّة الأكل الساعة، ولكن آكل معكم. ثم قام وأخرج رغيفاً من طاق فثرده في قصعة، وأتى بالقذر التي هي على الحجرين فإذا هي تفور، كأن النار تحتها، فصب ما فيها على البركة، وطعمنا منها ما سدّ نفوسنا. وكان عدساً، وبقي من الطعام بعدما شبعنا. ووجّه إليه رجل من أهل الموضع قصعة فيها خبيص فردّها وقال: هذا ما لانحتاج إليه. صالح بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمي كان مولده بالشراة، من أرض البلقاء، من أعمال دمشق. وكان مع أخيه عبد الله بن علي في فتح دمشق. وهو الذي ولي فتح مصر. وولي الموسم، وإمرة دمشق.

صالح بن علي الدمشقي

حدث عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لأن يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومئة جرو كلب خير له من أن يربي ولداً لصلبه ". وقال في أثناء حديثه: إن أبا جعفر أغزى صالح بن علي في سنة ثلاث وأربعين ومئة بمن معه من أهل خراسان، وبعثاً ضربه على أهل الشام ليس بالكثيف، وأمره أن يعسكر بهم بدابق، ففعل. ووجه هلال بن ضيغم السلامي من أهل دمشق في جماعة من أهل دمشق، فبنوا على جسر سَيحان حصن أذنة. ولد صالح سنة ست وتسعين. ومات سنة إحدى وخمسين ومئة. وقيل: سنة اثنتين وخمسين ومئة. وقيل: إنه ولد بعين أُباغ من ناحية الشام. وقد بلغ ثمانياً وخمسين سنة. صالح بن علي الدمشقي حدث بدمشق عن محمد بن عمرو السوسي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طعام الرجل يكفي الرجلين، وطعام الرجلين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية ". صالح بن كيسان أبو محمد، ويقال: أبو الحارث مولى امرأة من دَوْس، ويقال: مولى بني غفار.

حدث عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قفل من حج أو عمرة أو غزو فأوفى على فدفد من الأرض قال: " لا إله إلى الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، آيبون إن شاء الله تائبون، عابدون لربنا حامدون ". وحدث عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأُقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر. وحدث صالح قال: رأيت ابن عمر يصلي في جَوف الكعبة، فكان لا يدع أحداً يمر بين يديه، فإذا مر رجل خدبه حتى يرده. قال صالح بن كيسان: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العمل، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه فقلت: لا، ليس بسنّة، فقال: بل هو سنّة. قال: فكتب، ولم أكتب. فأنجح، وضيّعتُ. قال سفيان: قال لنا عمرو بن دينار: اذهبوا إلى صالح فإنه يحدث بحديث حسن، فأتيناه فقال: حدثني سليمان بن يسار عن أبي رافع قال: ضربتُ قبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأبطح، ولم يأمرني، فجاء فنزل، يعني: بالمحصَّب.

صالح بن محمد بن زائدة

صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي المدني قدم دمشق غازياً. حدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " موضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها ". وحدث عن نافع بن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حضر إماماً فليقل خيراً أو ليسكت ". وحدث عن سالم عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجدتموه غلّ فاضرِبوه، أو حرّقوا متاعه ". قال: فدخلت على مسلمة بن عبد الملك فأخذ رجلاً قد غلّ. فدعا سالماً فحدثه - الحديث. قال: فأحرق متاعه. ووجد في متاعه مصحفاً فقوم المصحف وتصدّق بقيمته. قالوا: صالح هذا منكر الحديث. وروي في غير حديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغالّ، ولم يأمر فيه بحرق متاعه. وعن صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز ومحكول، فغلّ رجل متاعاً، فأمر الوليد بمتاعه فحرق وضرب، ولم يُعط سهمه. توفي بعد خروج محمد بالمدينة. وكان خروج محمد سنة خمس وأربعين ومئة.

صالح بن محمد بن شاذان

صالح بن محمد بن شاذان أبو الفضل الكرخي الأصبهاني سكن أصبهان، وسمع بدمشق وحمص وبغيرها. حدث بمكة وبمصر عن أحمد بن مهران بسنده عن ابن برية عن أبيه. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سريّة، وبعث معها. رجلاً يكتب إليه بالأخبار. وحدث محمد بن علي الخلال بسنده عن أنس قال: بارك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الثريد والسحور والطعام لا يُكال. توفي بمكة سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. صالح بن محمد بن صالح أبو علي الجلاب البغدادي، يعرف بابن روزبة التَّوَّزي قدم دمشق. حدث عن أبي حفص عمور بن علي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المرور ليس له جزاء إلا الجنة ". وحدث عن عمرو بن علي بسنده عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: " عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ " قال: الدّعيّ. ألم تسمع الشاعر بقول: " الطويل ": زنيمٌ تداعتهُ الرجالُ زيادةً ... كما زيدَ في عرض الأديم أكارعه قدم صالح مصر بعد الثلاث مئة، وحدث بها.

صالح بن محمد بن صالح

صالح بن محمد بن صالح ابو شعيب الحجازي المطوعي المستملي سمع بدمشق. حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآني في المنام فإنه لا يدخل النار ". صالح بن محمد بن عمرو ابن حبيب. أبو علي الأسدي البغدادي الحافظ، المعروف بِجَزَرة سكن خراسان، وسمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن معاوية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ألا لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة ". وحدث عن محمد بن الصباح بسنده عن أبي موسى قال: سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يُثني على رجل ويُطريه في المدحة فقال: لقد أهلكتم الرجل، أو قطعتم ظهر الرجل. ولد صالح بن محمد بالكوفة سنة عشر ومئتين، وقد بخارى سنة ست وستين ومئتين، وأقام بها حتى مات وكان ثقةً، صدوقاً، حافظاً، عارفاً، وهو من ولد حبيب بن الأشرس. وروى عنه مسلم بن الحجاج القشيري، ودخل خراسان وماوراء النهر، وحدث بها مدة طويلة من حفظه من غير كتاب أو أصل يصحبه، وما أُخذ عنه فيما حدث خطأ أو شيء يُنقَم عليه. وكان ذا مزاح ودعابة، مشهوراً بذلك. ولقب جَزَرَة لأنه صحف في حديث عبد الله بن بشر أنه كانت له خَرَزة يداوي بها المرضى فقال: جزرة.

وقيل: ولد سنة خمس ومئتين، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومئتين في بخارى. وقيل سنة أربع وتسعين. وكان يطنز كما يكون في البغداديين. كان ببخارى رجل حافظ يلقب بجمل، فكان صالح وهذا الحافظ يمشيان ببخارى، فاستقبلهما جمل عليه وقر جَزر، فأراد ذلك الحافظ أن يخجل صالحاً فقال: يا أبا علي، ما هذا الذي على البعير، فقال له صالح: أما تعرفه؟! قال: لا. قال: هذا أنا عليك، أراد: جزر على جمل. قال إسحاق بن عبد الرحمن القاري: أعطاني صالح الحافظ الملقب جزرة جزءاً، فكنت أكتبه، فرأى الجزء في يدي أبو ذر القاضي، فقال لي: اشتر لي قليلَ فستق، وأعطاني ثمنه. فلما ذهبت أخذ الجزء، غير فيه أشياء. ولما جئت إلى صالح قرأت عليه الجزء رأى موضعاً فأصلح، وموضعاً آخر فاصلح. فلما كان الثالث تغير وقال: أما سمعت بي؟! أما عرفتني؟! قلت: يا سيدي، أنا لا أعلم شيئاً من ذلك، فقال: إلى مَن دفعتَ الجزء؟ فقلت: أخذ مني الجزءأبو ذر القاضي، فقال: هذا من فِعل ذلك العيّار. أرادأن يُجرِّبني. قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفراييني: كنا على باب أبي حاتم الرازي إذ خرج وفي يده كتاب فقال: هذا كتاب أخينا أبي علي صالح بن محمد البغدادي، ولا يزال يضحكنا شاهداً وغائباً، يقول فيه: أعظم الله أجرك في محمد بن يحيى الذهلي، فقد مات، وقعد مكانه محمد بن يزيد، ويعرف بمخمس.

حدث عن علي بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تصحب الملائكة رُفقة فيها جَرس ". وحدث بحديث أبي التياح عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا أبا عمير، ما فعل البَعير. فأعظم الله أجركم في ذلك الإمام وأقر أعينكم بهذا المحدث الجديد. وحدث صالح أنه سمع بعض المشايخ يقول: إن السين والصاد يتعاقبان، فسأل بعض تلامذته عن كنية الشيخ فقال له: أبو صالح. قال: فقلت للشيخ: يا أبا سالح، أسلحك الله، هل يجوز أن يقرأ: نحن نقسّ عليك أحسن القسس؟ قال: فقال لي بعض تلامذته: أتواجه الشيخ بهذا؟ فقلت: لأنه يكذب، إنما يتعاقب السين والصاد في بعض المواضع، هذ1 يذكره على الإطلاق. وعن صالح قال: الأحول في المنزل مبارك، يرى الشيء شيئين. قال صالح جزرة: كان عبد الله بن عمر بن أبان يمتحن كل من يجيئه من أصحاب الحديث، فإنه كان غالياً في التشيع، فدخلت عليه فقال: من حفر بئر زمزم؟ قلت: معاوية بن أبي سفيان. قال: فمن نقل ترابها؟ قلت: عمرو بن العاص، فصاح وزبرني، ودخل منزله. قال أبو النضر الفقيه: كنا نقرأ على صالح جزرة، وهو عليل، فتحرك فبدت عورته، فأشار إليه بعض أهل المجلس بأن يجمع عليه ثيابه فقال: رأيته؟ لا ترمّد عينك أبداً.

صالح بن هبة الله بن محمد

صالح بن هبة الله بن محمد ابن عفان أبو محمد البغدادي الواعظ قدم دمشق بعد العشرين وخمس مئة، وعقد بها مجلس الوعظ في المسجد الجامع. ولم يحدث بدمشق. حدث عن محمد بن عبد السلام بسنده عن يزيد الأصم عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نبيذ الجرّ المزقت والدُّباء والنقير. قال يزيد: فأنا أشهد لسمعت هذا من ابن عمر يذكره عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس بيني وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ابن عمر. صالح مولى بني أم حكيم قال صالح: تزوجت امرأة من صليبة غسان، فأرسل إلي محمد بن سويد - وهو عامل سليمان بن عبد الملك على دمشق - فقال: إنه ليس لك أن تزوّج امرأة من صليبة العرب، فطلِّقها. قال: قلت: ما أتيت حراماً، ولا أفعل. قال: فألزمني إلى عمود من عمد الخضراء، فضربني عشرة أسواط، ثم قال: طلِّقها، فأبيت. فلم يزل يصنع بين ذلك حتى ضربني ثمانين سوطاً. قال: فأذلقني الضرب، فطلقتها البتة. فلما استخلف عمر بن عبد العزيز أتيته مستعدياً عليه. قال: ما الذي تريد؟ قلت: أريد أن ترد علي

صبح أبو صالح الخراساني

امرأتي. قال: ابتليت بجبار ظالم، فما أصنع بك؟ إنما الطلاق والعتاق كلام، فإذا فاته صاحبه نفذ عليه. فراددتُه، فقال: ما عندي غير هذا، فقلت: يا أمير المؤمنين، فالمهر ترده إلي، قال: فبم استحللت فرجها؟ قال: فألزمني الطلاق. صبح أبو صالح الخراساني أحد الزهاد. جالس أبو سليمان الداراني وقال له يوماً: يا أبا سليمان، طوبى للزاهدين، فقال له سليمان؛ طوبى للعارفين. حدث صبح بسنده إلى إسماعيل الكندي قال: جاء رجل من أهل البصرة إلى طاوس ليسمع منه. قال: فوافاه مريضاً، فجلس عند رأسه يبكي، فقال: ما يبكيك يا شاب؟! قال: والله، ما أبكي على قرابة بيني وبينك ولا على دنيا جئت أطلبها منك، ولكن على العلم الذي جئت أطلب منك يفوتني. قال: فقال له طاوس: إن موصيك بثلاث كلمات، إن حفظتهن علمت علم الأولين والآخرين، وعلِم ما كان، وعلم ما يكون: خَفِ الله حتى لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارجُ الله حتى لا يكون عندك شيء أرجا منه، وأحبب الله حتى لا يكون شيء أحبّ إليك منه. فإذا فعلت ذلك علمت على الأولين والآخرين، وعلم ما كان، وعلم ما يكون، قال: فقال له الشاب: لا جرم والله، ولا سألت أحداً بعدك عن شيء ما بقيت.

صبيغ بن عسل

صَبِيغ بن عسل ويقال ابن عُسَيل - الصَاد مفتوحة والباء مكسورة وعِسل بكسر العين وسكون السين ويقال: صَبيغ بن شريك، من بني عسل بن عمرو بن يربوع ابن حنظلة التميمي اليربوعي البصري الذي سأل عمر بن الخطاب عما سأله، فجلده، وكتب إلى أهل البصرة ألاّ يُجالسوه. واسمه مشتق من الشيء المصبوغ. قيل: أنه كان يحمَّق. وفد على معاوية. ولم يزل بشرّ بعد جَلْد عمر حتى قتل في بعض الفتن، وهو الذي كان يتتبع مشكل القرآن. قال صبيغ بن عسل: جئت عمر بن الخطاب زمان الهدنة، وعليّ غديرتان وقَلَنْسِيَة، فقال عمر: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يخرج من المشرق حلقان الرؤوس يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، طوبى لمن قتلوه، وطوبى لمن قتلهم. ثم أمر عمر ألاّ أُؤوى ولا أُجالس. قال سعيد بن المسيب: جاء الصبيغ التميمي إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن " الذَارِيَاتِ ذَرْواً " قال: هي الريح، ولولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن " الْحَامِلاَتِ وِقرْاً " قال: السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما قلته. قال: فأخبرني عن " الْمُقَسِّماتِ أَمْراً " قال: هي الملائكة، ولولا أني

سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما قلته، قال: فأخبرني عن " الْجَارِيَاتِ يُسْراً " قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله ما قلته. قال: فأمر به عمر رضي الله فضُرب مئة، وجُعل في بيت، فإذا برىء دعا به فضربه مئة أخرى. ثم حمله عل قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرِّم على الناس مجالسته. فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان شيئاً. فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: ما إخاله إلا قد صدق، فخلِّ بينه وبين مجالسته الناس. وفي رواية أخرى بمعناه: واحملوه على قتب، وابلغوا به حيّه. ثم ليقم خطيب فيقُلْ: إن صَبيغاً طلب العلم وأخطأه، فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم. وفي حديث آخر أنه لما سأله قال له عمر: ضع عن رأسك، فإذا له وفرة فقال عمر: أما والله، لو رأيتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك، ثم كتب إلى أهل البصرة - أو إلينا - لا تجالسوه. قال: فلو جاء ونحن مئة لتفرقنا. قال محمد بن سيرين: كتب عمر بن الخطاب إلى ابي موسى الأشعري ألا يُجالس صَبيغ، وأن يُحرم عطاءَه ورزقه. وكان صَبيغ بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلقة، ويجلس، وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر، فيقومون ويدَعونه.

صخر بن جندل

صخر بن جندل ويقال ابن جندلة أبو المعلى - ويقال أبو العلاء - البيروتي القاضي من ساحل دمشق. حدث عن يونس بن مَيْسَرة بن حَلبَس عن أبي إدريس قال: سمعت أبا الدرداء يقول: والله، وايم الله - ما سمعته حلف قبلها ولا بعدها - ما من عمل أحبّ إلى الله من إصلاح ذات البين، والمشي إلى المساجد، وخلق جائز. وحدث عنه أيضاً قال: سمعت أبا إدريس يقول: ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحبّ ان يحمده أحد على شيء من عمل الله عزّ وجلّ. وحدث عنه قال: كان أبو عبيدة بن الجراح وهو والٍ يحمل سطلاً من خشب حتى يأتي حمام أبان. وعن صخر قال: قال معاوية: الخلافة: العلم بالحق، والحكم بالمعدلة، وأخذ الناس بأمر الله. صخر بن حرب بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف. أبو سفيان وأبو حنظلة الأموي أسلم يوم الفتح، وشهد اليرموك، وكان القاضي يومئذ. عن عبد الله بن عباس قال: حدثني أبو سفيان حرب مِن فيه قال: كنا قوماً تجاراً، فكانت الحرب قد حضرتنا حتى نهكت أموالنا. فلما كانت الهدنة، هدنة الحديبية، بيننا وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم نأمن أن وجدنا أمناً، فخرجت تاجراً

إلى الشام مع رهط من قريش. فوالله، ما علمت امرأة بمكة ولا رجلاً إلا قد حمّلني بضاعة، وكان وجه متجرنا من الشام عزَّةَ من أرض فلسطين. فخرجنا حتى قدمناها، وذلك حين ظهر قيصر صاحب الروم على من كان في بلاده من الفرس، وأخرجهم منها، وردّ عليه صليبه الأعظم، وقد كان استلبوه إياه. فلما بلغه ذلك، وكان منزله بحمص من أرض الشام، فخرج منها يمشي متشكراً إلى بيت المقدس ليصلي فيه، فبسط له البسط، وتطرح له عليها الرياحين حتى انتهى إلى إيلياء، فصلى بها، فأصبح ذات ليلة وهو مهموم، يقلب طرفه إلى السماء فقالت له بطارقته: أيها الملك، لقد أصحبت مهموماً، فقال: أجل، فقالوا: وما ذاك؟ فقال: أُريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، فقالوا: فوالله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا اليهود، وهم تحت يدك وفي سلطانك، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم فابحث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه، فتستريح من هذا الهم. فإنهم في ذلك من رأيهم يُديرونه إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل ن العرب قد دفع إليهم فقال: أيها الملك، هذا رجل من العرب، من أهل الشاء والإبل يحدثك عن حدث كان ببلاده، فسله عنه، فلما انتهى إليها قال لترجمانه: سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده؟ فقال: كان رجل من العرب من قريش خرج يزعم أنه نبيّ، وقد اتبعه أقوام وخالفه آخرون، وقد كانت بينهم ملاحم من مواطن، فخرجت من بلادي، وهم عن ذلك. فلما أخبره الخبر قال: جرِّدوه، فإذا هو مختون، فقال: هذا والله الذي رأيت، لاماتقولون، أعطه ثوبه. انطلق لشأنك. ثم دعا صاحب شرطته وقال له: قلب في الشام ظهراً وبطناً حتى تأتيني برجل من قوم هذا لنسأله عن شأنه. فوالله إني وأصحابي لبغرّة إذ هجم علينا فسألنا: ممن أنتم؟ فأخبرناه، فساقنا إليه جميعاً. فلما انتهينا إليه - قال أبو سفيان: فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف، يريد هرقل ح فلما انتهينا إليه قال: أيّكم أمسّ به رحماً فقلت: أنا. فقال: أدنوه مني، فأجلسني بين يديه ثم أمر بأصحابي فأجلسهم خلفي وقال: إن كذبٍ فردُّوا عليه - قال أبو سفيان: ولقد عرفت أن لو كذبت ما ردوا علي، ولكني كنت امرأ سيداً أتكرم وأستحي من الكذب،

وعرفت أن أدنى ما يكون أن يرووه عني ثم يتحدثوا به عني بمكة، فلم أكذبه - فقال: أخبروني عن هذا الرجل الذي خرج فيكم، فزهدت له شأنه، وصغرت له أمره، فوالله ما التفت إلى ذلك مني وقال: أخبروني عما أسألك عنه من أمره، فقلت: سلني عما بد لك. قال: يكف نسبه فيكم؟ فقلت: محضاً، من أوسطنا نسباً. قال: فأخبروني: هل كان من أهل بيته أحد يقول مثل قوله، فهو يتشبّه به؟ فقلت: لا. قال: فأخبرني: هل كان له فيكم مثلك فاستلبتموه إياه، فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملكه؟ قلت: لا. قال: فأخبروني عن أتباعه! مَن هم؟ فقلت: الأحداث والضعفاء والمساكين، فأما أشراف قومه وذوو الأسنان منهم فلا. قال: فأخبروني عمن يصحبه: أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قلت: قلّما صحبه رجل ففارقه. قال: فأخبرني عن الحرب بينكم وبينه. فقلت: سِجال، يُدال علينا وندال عليه. قال: فأخبرني هل يغدِر؟ فلم أجد شيئاً أغمز فيه إلا هي. قلت: لا، ونحن منه في مدّة، ولا نأمن غدر، فوالله ما التفت إليها مني، وأعاد علي الحديث فقال: زعمت أنه من أمحضكم نسباً، وكذلك يأخذ الله النبي، إذا أخذه لا يأخذه إلا من أوسط قومه. وسألتك: هل كان من هل بيته يقول مثل قوله فهو يتشبّه به؟ فقلت: لا. وسألتك: هل كان له ملك فاستلبتموه إياه، فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملك؟ فقلت: لا. وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الأحداث والمساكين والضعفاء، وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان. وسألتك عمن يتبعه: أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ فزعمت أنه قلَّ من يصحبه فيفارقه، وكذلك حلاوة الإيمان، لا تدخل قلباً فتخرج منه. وسألتك: كيف الحرب بينكم، فزعمت أنها سجال، يدال عليكم وتدالون عليه، وكذلك تكون حرب الأنبياء، ولهم تكون العاقبة. وسألتك: هل يغدِر؟ فزعمت أنه لا يغدر. فلئن كنت صدقتني ليغلبني على ما ملكت قدماي هاتان، ولوددتُ أني عنده فأغسل قدميه. الحق لشأنك، فقمت وأنا أضرب بإحدى يديّ على الأخرى أقول: يا آل عباد الله، لقد أمر أمرُ ابن أبي كبشة. أصبح ملوك بني الأصفر يخافونه في سلطانهم.

أبو كبشة وَجز بن غالب بن عامر بن الحارث - وهو غُبْشان - ووَجْز أبو كبشة أول من عبد الشعري، وكان وجز يقول: إن الشعري يقطع السماء عرضاً ولا أرى في السماء شيئاً، شمساً ولا قمراً، ولا نجماً يقطع السماء عرضاً غيرها. والعرب تسمي الشعرى العَبُور، لأنها تعبر الماء عرضاً. وجز هو أبو كبشة الذي قريش تنسب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، لأنه جده من قِبَل أمه. لأن آمنة بنت وهب وأم وهب قيلة بنت أبي قيلة. واسم أبي قيلة وجز بن غالب، والعرب تظن أن أحداً لا يعمل شيئاً إلا بعرق ينزعه شبهه. فلما خالف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دين قريش، وهدى الله به من الضلالة قال مشركو قريش: نزعة أبي كبشة، لأن أبا كبشة خالف الناس بعبادة الشعرى، فكانوا ينسبون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه. وكان أبو كبشة سيداً في خزاعة، لم يعيّروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به من تقصير كان فيه، ولكن لما خالف دينهم نسبوه لخلاف أبي كبشة، فقالوا: خالف كما خالف أبو كبشة. وأم أبي سفيان صفية بنت حَزْن بن بُجَير بن الهُزَم بن رُوَيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر. وشهد أبو سفيان مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف. ورُمي يومئذ فذهبت إحى عينيه. وشهد يوم حنين فأعطاه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مئة من الإبل وأربعين أوقية، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية، فقال أبو سفيان: فداك أبي وأمي والله إنك لكريم، ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت. فجزاك الله خيراً وتوفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو سفيان عامله على نجران. وكان أبو سفيان ذهب بصره في آخر عمره. ونزل المدينة آخر عمره. ومات بها سنة اثنتين وثلاثين. وقيل: سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وولدَ حرب بن أمية با سفيان، والفارعة، وفاختة بني حرب. واسم أبي سفيان صخر. ولم يزل أبو سفيان على الشرك حتى أسلم يوم فتح مكة. وهو كان في عير قريش التي أقبلت من الشام. وخرج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعترض لها حتى ورد بدراً. وساحل

أبو سفيان بالعير، وهو كان رأس المشركين يوم أحد، وهو كان رئيس الأحزاب يوم الخندق. ولم يزل أبو سفيان بعد انصرافه عن الخندق بمكة لم يلق سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جمع إلى أن فتح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة. وأسلم أبو سفيان، وشهد الطائف مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورُمي يومئذ، فذهبت إحدى عينيه، وشهد يوم حنين. ولم أصيبت عينه يوم الطائف مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعينه في يده: أيما أحبّ إليك: عين في الجنة أو أدعو الله أن يردها عليك؟ قال: بل عين في الجنة. ورمى بها، وأصيبت عينه الأخرى يوم اليرموك تحت راية يزيد ابنه. وقيل: توفي سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان بن عفان، ودفن بالبقيع. وولد قبل الفيل بعشر سنين. وكان ربعاً، عظيم الهامة. وعن مجاهد " فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفّرِ " قال: أبو سفيان. وقال مالك: أبو سفيان، وأبو جهل وابنه، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة. وقيل بدل وابنه: وأمية بن خلف. وعن سعيد " إِنَّ الذيْنَ كَفَرُوا يُنْفقُونَ أَمْوَالَهُمْ " قال: نزلت في أبي سفيان. وعن أبي سفيان أن أمية بن أبي الصلت كان معه بغزة - أو قال: بإيلياء - فلما قفلنا قال لي أمية: يا أبا سفيان، هل لك أن نتقدم عن الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم. قال: ففعلنا. فقال له: يا أبا سفيان، إيهٍ عن عتبة بن ربيعة قال: كريم الطرفين ويجتنب المظالم والمحارم. قلت: نعم. قال: وشريف مِسَنّ. قال: السنّ والشرف أزريا به. فقلت له: كذبت، ما ازداد سنّاً إلا ازداد شرفاً. قال: يا أبا سفيان، إنها لكلمة ما سمعت أحداً يقولها لي منذ تنصّرت، لا تعجل علي حتى أخبرك، قال: هات. قال: إني كنت أجد في كتبي نبياً يبعث من حرّتنا هذه، فكنت أظن بك، كنت لا أشك أني هو. فلما دارست أهل

العراق إذ هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحداً يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة. فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس له حين جاوز الأربعين، ولم يوح إليه. قال أبو سفيان: فضرب الدهر ضربه، وأوحي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية بن أبي الصلت فقلت له كالمستهزىء به: يا أمية، قد خرج النبي الذي كنت تنتظر، قال: أما إنه حق فاتبعه. قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا استحياء من نُسَيّات ثقيف. إني كنت أحدثهن أني هو، ثم يرونني تابعاً لغلام من بني عبد مناف، ثم قال أمية: وكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك إليه، فيحكم فيك ما يريد. بلغ معاوية أن ابن الزبير يشتمه أبا سفيان فقال: بئس لعمر الله ما يقول في عمه. لكني لا أقول في أبي عبد الله رحمة الله عليه إلا خيراً، أن كان لامرأ صالحاً. خرج أبو سفيان إلى بادية له مردفاً هنداً، وخرجت أسير أمامهما وأنا غلام على حمارة لي إذ لحقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أبو سفيان: انزل يا معاوية حتى يركب محمد، فنزلت عن الحمارة، وركبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسار أمامهما هنيهة ثم التفت إليهما فقال: يا أبا سفيان بن حرب ويا هند بنة عتبة، والله لتموتن ثم لتبعثن ثم ليدخلن المحسن الجنة والمسيىء النار. ون ما أقول لكم لَحقّ، وإنكم لأول ن أنذرتم، ثم قرأ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حم تَنْزِلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم " حتى بلغ " قَالَتا أَتَيْنَا طَائِعِينَ " فقال له أبو سفيان: أفرغت يا محمد؟ قال: نعم، ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحمارة وركبتها، وأقبلت هند على أبي سفيان وقالت: ألهذا الساحر الكذاب أنزلت ابني؟ قال: لا، والله ما هو بساحرا ولا كذاب. حدث أبو ميسرة أن غلاماً من بني المغيرة شدّ فاطمة بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي جويرية - فنادت: يا آل عبد مناف فخرج أبو سفيان يشتد أول الناس.

وعن ثابت البُناني قال: إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أوذي وهو بمكة فدخل دار أبي سفيان أمن، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. عن البراء بن عازب قال: جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرماة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلاً - عبد الله بن جبير. قال: ووضعهم موضعاً وقال: إن رأيتمونا تخطّفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل، وقد بدت أسواقن وجلاجلهن، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمةَ، أي قومِ الغنيمةَ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنمية. فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك قوله: يدعوهم الرسول في أخراهم. فلم يبق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير اثني عشر رجلاً، فأصابوا منها سبعين رجلاً وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أصاب من المشركين يم بدر أربعين ومئة، سبعين اسيراً وسبعين قتيلاً، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد، أفي القوم محمد، أفي القوم محمد؟ ثلاثاً. قال: فنهاهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجيبوه ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة، أفي القوم ابن أبي قحافة، أفي القوم ابن أبي حقافة، أفي القوم ابن الخطاب، أفي القوم ابن الخطاب، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وقد كُفيتموهم، فما مالك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال: كذبتَ والله يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك فقال: يم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مُثلة، لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: اعل هُبَل اعل هُبَل

فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا تجيبونه؟ " قالوا: يا رسول الله: ما نقول؟ قال: " الله أعلى وأجلّ ". قال: أن لنا العزّى ولا عزّى لكم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الا تجيبونه؟ " قالوا: يا رسلو الله، وما نقول؟ قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ". وعن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن رجلاً قال لحذيفة: نشكو إلى الله صحبتكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنكم أدركتموه ولم ندركه، ورأيتموه ولم نره، فقال حذيفة: ونحن نشكو إلى الله عز وجلّ إيمانكم به ولم تروه، والله لا ندري يا بن أخي لو أدركَته كيف كنت تكون. لقد رأيتَنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الخندق في ليلة باردة مطيرة وقد نزل أبو سفيان وأصحابه بالعرصة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَن رجل يذهب فيعلم لنا عِلم القوم أدخله الله الجنة؟ ثم قال: مَن رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة؟ فوالله ما قام منا أحد، فقال: مَن رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيقي يوم القيامة؟ فوالله ما قام منا أحد، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ابعث حذيفة، فقلت: دونك والله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا حذيفة، فقلت: لبيك، بأبي أنت وأمي، فقال: هل أنت ذاهب؟ فقتل: والله، ما بي أن أقتل، ولكين أخشى أن أؤسر، فقال: إنك لن تؤسر، فقلت: مُرني يا رسول الله بما شئت، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب حتى تدخل بين ظهراني القوم، فائت قريشاً فقل: يا معشر قريش، إنما يريد الناس إذا كان غداً أن يقولوا: أين قريش؟ أي قادة الناس؟ أين رؤوس الناس؟ فيقدمونكم، فتصلوا القتال، فيكون القتل فيكم، ثم ائت بني كنانة، فقل: يا معشر كنانة، إنما يريد الناس إذا كان غداً أن يقولوا: أين بني كنانة؟ أين رماة الخندق؟ فيقدمونكم، فتصلوا القتال، فيكون القتال فيكم، ثم أئت قيساً فقل: يا معشر قيس، إنما يريد الناس إذا كان غداً أن يقولوا: أين قيس؟ أين أحلاس الخيل: أين الفرسان؟ فيقدمونكم، فتصلوا القتال، فيكون القتال فيكم، وقال لي لا تحدث شيئاً في سلاحك حتى تأتيني فتراني، فانطلقت حتى دخلت بين ظهراني القوم، فجعلت أصطلي معهم على نيرانهم، وجعلت ابث ذلك

الحديث الذي أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان وجه السحر قام أبو سفيان فدعا اللات والعزى وأشرك. ثم قال: لينظر رجال مَن جليسه؟ ومعي رجل منهم يصطلي على النار، قال: فوثبت إليه، فأخذت بيده مخافة أن يأخذني، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان ابن فلان، فقلت: أولى، فلما دنا الصبح نادّوا: أين قريش؟ أين رؤوس الناس؟ فقالوا: أيْهات، هذا الذي أُتينا به البارحة. أين بنو كنانة؟ أين الرماة؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أتينا به البارحة. أين قيس؟ أين أحلاس الخيل؟ أين الفرسان؟ فقالوا: أيهات، هذا الذي أُتينا به البارحة، فتخاذلوا. وبعث الله عليهم الريح، فما تركت لهم بناء إلا هدمته، ولا إناء إلا أكفأته، حتى لقد رأيت أبا سفيان وثبت على جمل له معقول فجعل يستحثه ولا يستطيع أني قوم. فولا ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سلاحي لرميته أدنى من تلك. قال: فجئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلت أخبره عن أبي سفيان. قال: فجعل يضحك حتى جعلت أنظر إلى أنيابه. قال مجاهد في قول الله عزّ وجلّ " عَسَى اللهُ أنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ الذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً " قال: مصاهرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي سفيان بن حرب. قال الزبير: وتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان. زوجه إياها النجاشي، فقيل لأي سفيان وهو يومئذ مشرك يحارب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن محمداً قد نكح ابنتك قال: ذاك الفحل لا يُقرَع أنفه. وعن ابن عباس قال: لما نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمرّ الظهران قال العباس بن عبد المطلب - وقد خرج مع

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة -: يا صباح قريش، والله لئن بغَتَها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بلادها فدخل مكة عَنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر، فجلس على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيضاء وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأتوه فيستأمنوه، فخرجت، فوالله إن لأطوف بالأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حِزام وبُديل بن ورقاء وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فسمعت أبا سفيان وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً، فقال بديل بن ورقاء: هذه والله نيران خزاعة، حشَّتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذلَ، فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة وهو أبو سفيان، فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، فقال: لبيك، فداك أبي وأمي، فما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس قد دلف إليكم بما لا قِبَل لكم به، في عشرة آلاف من المسلمين، قال: فكيف الحيلة، فداك أبي وأمي؟ فقلت: تركب في عجز هذه البلغة، فأستأمن لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه والله لئن ظفر بك ليضربَنّ عنقك، فردفني، فخرجت أركض به بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكلما مررت بنارٍ من نيران المسلمين فنظروا إلي قالوا: عّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حى مررت بنار عمر بن الخطاب فنظر فرآه خلفي فقال عمر: أبو سفيان؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثم اشتد نحو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وركضتُ البغلة حتى اقتحمت على باب القبة، وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء، فدخل عمر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله، إن قد أمنته، ثم جلست إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما كثر فيه عمر قلت: فهلا يا عمر، فوالله ما تصنع هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، فقال عمر: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما ذاك إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب به،

فقد آمنّاه حتى تغدو به علي بالغداة. فرجع به إلى منزله. فلما أصبح غدا به على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ويحك يا أبا سفيان!. ألم يأنِ لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟! فقال: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأرحمك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً بعد، فقال: ويحكم يا أبا سفيان! أولم يأنِ لك أن تعلم أني رسول الله؟! فقال: بابي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمكَ! أما والله هذه فإن في النفس منها شيئاً. فقال العباس: فقلت: ويلك تشهد بشهادة الحق قبل - والله - أن تضرب عنقك. فتشهد. فقال رسول الله للعباس حين تشهد أبو سفيان: انصرف به يا عباس فاحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمرّ عليه جنود الله، فقلت له: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً يكون له في قومه فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن. فخرجت به حتى حبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي فمرّت عليه القبائل، فيقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سُليم، فيقول: ما لي ولسُليم. وتمر به القبيلة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: أسلم، فيقول: مالي ولأسلم، وتمر جهينة فيقول: مالي ولجهينة، حتر مرّ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخضراء، إذ به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهاجرين والأنصار في الحديد لا يُرى منهم إلا الحدّق، فقال: يا ابا الفضل، من هؤلاء؟ فقلت: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهاجرين والأنصار، فقال: يا أبا الفضل، لقد اصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقلت: ويحك! إنها النبوة. قال: فنعم إذن. قلت: إلحق الآن بقومك فحذرهم، فخرج سريعاً حتى جاء مكة، فصرخ في المسجد! يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به. قالوا: فمه، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالوا: ويحك: وما دارك وما تغني عنا؟! قال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أعلق عليه داره فهو آمن.

وفي حديث آخر: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس بعدما خرج: " احبسه بمضيق الوادي إلى خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها ". قال العباس: فعدلت به في مضيف الوادي إلى خطم الجبل. فلما حبست أبا سفيان قال: غدراً يا بني هاشم؟! فقال العباس: إن أهل النبوة لا يغدرون، ولكن لي إليك حاجة. فقال أبو سفيان؛ فهلا بدأت بها أوّلاً، فقلتَ: إن لي إليك حاجة فكان أفرخ لروعي؟ قال العباس: لم أكن أراك تذهب هذا المذهب. وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، ومرت القبائل على قادتها، والكتائب على راياتها. فكان أول من قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالدُ بن الوليد في بني سُليم، وهم ألف، فيه لواء يحمله عباس بن مرداس، ولواء يحمله خُفاف بن نُدبة، وراية يحملها الحجاج بن عِلاط. قال أبو سفيان: من هؤلاء، قال العباس: خالد بن الوليد. قال: الغلام؟ قال: نعم. فلما حاذى خالد بالعباس وإلى جنبه أبو سفيان كبروا ثلاثاً ثم مضَوا. ثم مر على إثره الزبير بن العوام في خمس مئة، منهم مهاجرون وأفناء الناس، ومعه راية سوداء. فلما حاذى أبا سفيان كبر ثلاثاً، وكبر أصحابه، فقال: من هذا؟ قال: الزبير بن العوام. قال: ابن أخيك؟ قال: نعم. ومرت بنو غفار في ثلاث مئة، يحمل رايتهم أبو ذر الغفاري - ويقال: إيماء بن رَحْضة - فلما حاذوه كبروا ثلاثاً. قال: يا أبا الفضل، من هؤلاء؟ قال: بنو غفار: قال: ما لي ولبني غفار. ثم مضت أسلم في أربع مئة فيها لواءان، يحمل أحدهما بريدة بن الحصيب، والآخر ناجية بن الأعجم. فلما حاذوه كبروا ثلاثاً. فقال: من هؤلاء؟ قال: اسلم. قال: يا ابا الفضل، مالي ولأسلم، وما كان بيننا وبينها تِرَة قط. قال العباس: هم قوم مسلمون، دخلوا في الإسلام. ثم مرت بنو كعب بن عَمرو في خمس مئة، يحمل رايتهم بشر بن سفيان. قال: من هؤلاء؟ قال: بنو كعب بن عمرو. قال: نعم، هؤلاء حلفاء محمد. فلما حاذَوه كبّروا ثلاثاً. ثم مرت مزينة في ألف، فيها ثلاثة ألوية، وفيها مئة فرس، يحمل ألويتها النعمان بن مَقرِّن، وبلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو. فلما حاذوه كبروا، فقال: من هؤلاء؟ قال: مزينة. قال: يا أبا الفضل، مالي ولمزينة، قد جاءتني تُقعقع من شواهقها. ثم مرت جهينة في ثمان مئة مع قادتها، فيها أربعة ألوية: لواء من أبي رَوْعة معبد بن خالد، ولواء من سويد بن صخر،

ولواء مع رافع بن مَكِيث، ولواء مع عبد الله بن بدر. قال: فلما حاذوه كبروا ثلاثاً. ثم مرت كنانة، بنو ليث وضمرة وسعد بن بكر في مئتين يحمل لواءهم أبو واقد الليثي. فلما حاذوه كبروا ثلاثاً، فقال: من هؤلاء؟ قال: بنو بكر. قال: نعم، أهل شؤم، والله. هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم. أما والله ما شُوورت فيه، ولا علمته، ولقد كنت له كارهاً حيث بلغني، ولكنه أمرٌ حُمّ. قال العباس: قد خار الله لك في غزو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم ودخلتم في الإسلام كافة. وفي حديث آخر قال: مرت بنو ليث وحدها، وهم مئتان وخمسون، يحمل لواءها الصعب بن جثامة. فلما مر كبروا ثلاثاً، فقال: من هؤلاء قال: بنو ليث. ثم مرت أشجع وهم آخر من مرّ، وهم ثلاث مئة، معهم لواءان: لواء يحمله مَعْقِل بن سنان، ولواء من نُعَيم بن مسعود، فقال أبو سفيان: هؤلاء كانوا شدَّ العرب على محمد، فقال العباس: أدخل الله الإسلام قلوبهم، فهذا من فضل الله، فسكت ثم قال: ما مضى بعد محمد؟ قال العباس: لم يمض بعد. لو رأيت الكتيبة التي فيها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت الحديد والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة. قال: أظن - والله - يا أبا الفضل، ومن له بهؤلاء طاقة؟ فلما طلعت كتيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخضراء طلع سواد وغبرة من سنابك الخيل، وجعل الناس يمرون. كل ذلك يقول: ما مرّ محمد؟ فيقول العباس: لا حتى مرّ يسير على ناقته القصواء بين أبي بكر وأُسيد بن حَضير وهو يحدثهما، فقال العباس: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتيبته الخضراء، فيها المهاجرون والأنصار، فيها الرايات والألوية، مع كل بطن من الأنصار راية ولواء، في الحديد، لا يُرى منهم إلا الحدق، لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيها زجل - وعليه الحديد - بصوت عال، وهو يَزعها، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل، من هذا المتكلم؟ قال: عمر بن الخطاب. فقال: لقد أمر أمْرُ بن عدي بعدّ - والله - قلةٍ وذلّة، فقال العباس: يا أبا سفيان، إن الله يرفع من يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام. ويقال: في الكتيبة، ألفا دارع واعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته سعد ابن عبادة فهو أمام الكتيبة كلما مرّ سعد براية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى: يا ابا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً. فأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا حاذى بأبي سفيان، ناداه: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك؟ زعم سعد ومن معه حين

مر بنا قال: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشاً. وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبر الناس، وأفضل الناس. قال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول الله، ما نأمن سعداً أن يكون منه في قريش صولة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعزّ الله فيه قريشاً. قال: وأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سعد فعزله، وجعل اللواء إلى قيس بن سعد، ورأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اللواء لم يخرج من سعد حين صار لابنه، فأبى سعد أن يسلم اللواء إلا بالأمارة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه بعمامته، فعرها سعد، فدفع اللواء إلى ابنه قيس. وعن أبي الوليد سعيد بن مينا قال: لما نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح بمرّ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا سفيان يحضركم فانتشروا له، فخرجوا فاصابه عمر بن الخطاب فجاء به ملبَّباً، فقال العباس: يا بن الخطاب، ما حملك على الذي صنعت، لقد علمتَ أنه قد دار بيني وبينه لَوْث، ولولا ذلك ما جاء، فقال عمر: لولا أنك عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمت ما أقول لك، دونكه، فجاء به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخلاّه. فلما ولّى راجعاً قال: اجعل لي شيئاً آتِ به قومي، قال: تؤمِن من دخل دارك. فانطلق يسير والناس متفرقون في الأراك والسَّمُر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: الحق صاحبك، فإني لا آمن أن يكون قد أحسّ في قلبه قلة القوم، أو رآهم متفرقين في السَّمُر والأراك، فيرجع إلى قومه فيخبرهم بذلك، فيرجع كافراً. فانطلق العباس يسير حتى إذا كان حيث ينظر إليه قال: أبا سفيان، قف. فإن لي إليك حاجة. قال: فأخبرني بها أقضها لك. قال: قف حتى أنتهي إليك. قال: غدراً يا بني هاشم؟ قال: ستعمل في آخر يومك أنا لسنا نغدِر، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس فساروا، وأقبل خالد بن الوليد في كتيبة.، فقال أبو سفيان: ابن أخي هذا يا عباس؟ قال: لا، ولكن هذا خالد بن الوليد. ثم جاءت كتيبة أخرى

فقالوا أبو سفيان: ابن أخيك هذا؟ قال: لا، ولكن فلان. ثم جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جماعة الناس، فقال أبو سفيان: إني لأظن هذا ابن أخيك؟ فقال: أجل، إي والله، لقد علمت ما حملك على الذي صنعت، إنما أردت أن تريني هؤلاء قال: أجل، إني حسبت أن يكون في نفسك قلة القوم وهم متفرقون في السَّمُر والأراك، فترجع إلى قومك فتخبرهم بذلك، ثم ترجع كافراً، فقال: أجل والله، لقد كان ذلك في نفسي، فوالله ما زالت أرى الكتائب والقبائل حتى رأيت أن جبال مكة ستسير معهم. فهذا حين أيقنت. فانطلق حتى انتهى إلى الأبطح، وعكرمة أبي جهل واقف في الناس، فقال: يا أبا سفيان، ما وراءك؟ فقال: مالا يدان والله لك به ولا قومك، فقال: إني لأظنك قد صبوت، فقال: وقد كان بعض ذلك، فقال: لعنك الله من رئيس قوم، فوالله لقد هممت أن أبدأ بك. فانطلق، فجاءت العجوز هند كاشفة عن ساقها تقول: أبا سفيان، ما وراءك؟ فقال: يا بنت عم، الخيل، فقالت: ثكل قِبن من وافد قوم، قتلت فلاناً - فسمت ابناً لها - وأكلت لحم معاوية. ونادى مناديه: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فدخلوا داره حتى ملأوها عليه، حتى لاذوا بالحيطان، وأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس، وبعث خالد بن الوليد من قِبل اليمين، فالتفوا، وصرخ صارخ لقريش: لا قريش، هلكت قريش بعد اليوم، فشار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر مناديه: مَن دخل داره فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن. قال يزيد الرقاشي: لما أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي سفيان عرض عليه الإسلام، فقال له أبو سفيان: وتحملني على بغلتك، وتكسوني بردتك، وتتخذ معاوية كاتباً - وأراه قال: وتزوج أم حبيبة - ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن؟ كل ذلك يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. فأسلم. فسرحة ومشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انتهى إلى مكة، فالتقى القوم فاقتتلوا، ونفذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل المسجد، فجعل يطعن بسية قوسه في عين الصنم، ويقول: " جَاءَ الحقُّ وزهق الباطلُ إن الباطلَ كان زهُوقاً ".

وعن ابن شهاب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم فتح مكة: من دخل دارك يا أبا سفيان ودارك يا حكيم وكف يده فهو آمن. ودار أبي سفيان بأعلى مكة، ودارُ حكيم بأسفل مكة. وعن سعيد بن المسيب قال: لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أترين هذا من الله؟ قال: ثم أصبح فغدا أبو سفيان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قلت لهند: أترين هذا من الله؟ نعم، هو من الله، فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد الله ورسوله، والذي يحلف به أبو سفيان ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله وهند. وعن ابن عباس قال: رأى أبو سفيان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي والناس يطؤون عقبيه فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ضرب بيده في صدره فقال: إذن يخزيك الله. قال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، فما تفوهت به. وفي حديث آخر بمعناه: فقال: ما أيقنت أنك نبيّ حتى الساعة، إن كنتُ لأحدث نفسي بذلك. وعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملتحفاً بثوب من بعض بيوت نسائه، وأبو سفيان جالس في المسجد، فقال أبو سفيان: ما أدري بم يغلبنا محمد، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ضرب في ظهره وقال: بالله يغلبك، فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا نبي الله، ثلاث أسالك أن تعطيَنيهِنّ، قال: وما هنّ؟ قال: عندي أحسن الحرب

وأجملهن أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: نعم. قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك. قال: نعم، " قال " وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: نعم. قال أبو زُمَيل: ولولا أنه طلب من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يُسأل شيئاً إلا قال نعم. وعن ابن المسيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة، فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب. وعن عبد الله بن يزيد الهذلي قال: كان بين أبي سفيان وبين معقل بن خويلد في سَلَبِ رجل يوم حنين كلام. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معقل اجتنب مغاضبة قريش. حدث أبو الهيثم عمن أخبره أنه سمع أبا سفيان بن حرب يمازح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت ابنته أم حبيبة ويقول: والله، إن هو إلا أن تركتك فتركتك العرب إن انتطحت جماء ولا ذات قرن، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحك ويقول: أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة؟! وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل النار من تزوج إلي أو تزوجي إليه. وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " شرط من ربي شروط ألا أصاهر إلى أحد، ولا يصاهر إلى أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهاري وأصحابي، فمن حفظني فيهم كان عليهم من الله حافظ، ومن لم يحفظني فيهم تخلَّ الله عزّ وجل منه. ومن تخلّى الله منه هلك ". قال محمد بن عمر الواقدي: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد غنم يوم حنين فضة كبيرة، أربعة آلاف أوقية،

فجمعت الغنائم بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو سفيان بن حرب، وبين يديه الفضة، فقال: يا رسول الله، أصبحت أكثر قريش مالاً، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: أعطني من هذا المال يا رسول الله، قال: يا بلال، زن لأبي سفيان أربعين أوقية، وأعطوه مئة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني يزيد أعطه. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مئة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني معاوية يا رسول الله، قال: زن له يا بلال أربعين أوقية، وأعطوه مئة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك الله خيراً. قال عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيره: كان من إعطاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصحاب المئين من المؤلفة قلوبهم، من قريش وسائر العرب من بني عبد شمس أبو سفيان بن حرب مئة بعير، وأعطى ابنه معاوية مئة بعير. وعن إسماعيل بن أمية قال: أفاض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن يمينه أبو سفيان بن حرب وعن يساره الحارث بن هشام، وبين يديه يزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان على فرسين. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احفظوني في أصحابي، فمن حفظني في أصاحبي رافقني، وورد على حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد على حوضي، ولم يرني إلا من بعيد ". عن سفيان الثوري في قوله تعالى: " وَسَلامٌ على عبادهِ الذينَ اطصفَى " قال: هم أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن سويد بن غفلة قال: دخل أبو سفيان بن حرب " على علي والعباس فقال: يا علي وأنت يا عباس ": ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش، في تيم؟! أما والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً، فقال علي: يا أبا سفيان، طالما غششت الإسلام. كان أبو سفيان بن حرب قاضي الجماعة يوم اليرموك يسير فيهم، ويقول: الله، الله، عباد الله انصروا الله ينصركم، اللهم، هذ1يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك. قال عبد الله بن الزبير: كنت مع أبي عام اليرموك. فلما تعبأ المسلمون للقتال لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله بن الزبير معكما في الرحل، فإنه غلام صغير، ثم توجه، ودخل في الناس. فلما اقتتل الناس والروم نظرتُ إلى ناس وقوف على تل لا يقاتلون مع الناس. فأخذت فرساً للزبير خلّفه في الرحل، فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك الناس، فوقفت معهم وقلت: أنظر ما يصنع الناس. قال: فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخة من قريش من مهاجرة الفتح وقوفاً لايقاتلون. فلما رأوني رأوا غلاماً حدثاً لم يتقوني. قال: فجعلوا - والله - إذا مال المسلمون وركبهم الروم يقولون: إيهٍ بَلْ أصفر، وإذا مالت الروم وركبهم المسلمون قالوا: يا ويح بَلَ أصفر، فجعلت أعجب من قولهم. فلما هزم الله الروم، ورجع الزبير جعلت أخبره خبرهم. قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبَوا إلا ضغناً وماذا لهم في أن يظهر علينا الروم، ولَنحن خير لهم منهم؟! وعن جويرية بنت أسماء أن عمر بن الخطاب قدم مكة فجعل يجتاز في سككها. فيقول لأهل المنزل: قُمّوا أفنيتكم. فمر بأبي سفيان فقال: يا أبا سفيان، قموا فناءكم، فقال: نعم

يا أمير المؤمنين، يجيء مُهّاننا، ثم إن عمر أجتاز بعد ذلك فرأى الفناء كما كان، فقال: يا ابا سفيان، ألم آمرك أن تقموا أفناءكم، قال: بلى، يا أمير المؤمنين، ونحن نفعل إذا جاء مهاننا. قال: فعلاه بالدِّرَّة بين أذنيه، فضربه، فسمعت هند فقالت: أتضربه؟! أما والله لرُب يوم لو ضربته لاقشعر بك بطن مكة، فقال عمر: صدقت، ولكن الله رفع بالإسلام أقواماً، ووضع به آخرين. وعنه قال: أغلظ أبو بكر يوماً لأبي سفيان أبو قحافة له: يا أبا بكر لأبي سفيان تقول هذه المقالة؟! قال: يا أبه، إن الله رفع بالإسلام بيوتاً، ووضع بيوتاً. فكان بيتي فيما رفع، وبيت أبي سفيان فيما وضع الله. قدم عمر بن الخطاب مكة، فوقف على الردم فقال له أهل مكة: إن أبا سفيان قد سدّ علينا مجرى السيل بأحجار وضعها هناك، فقال: عليَّ بأبي سفيان، فجاء فقال: لا أبرح حتى تنقل هذه الحجارة، حجراً حجراً بنفسك، فجعل ينقلها، فلما رأى ذلك عمر قال: الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه. قال زيد بن اسلم: لما ولي عمر بن الخطاب معاوية الشام خر معه بأبي سفيان بن حرب. قال: فوجّه معاوية مع أبي سفيان إلى عمر بكتاب ومال وكبل. قال: فدفع إلى عمر الكتاب والكبل، وحبس المال. قال عمر: ما أرى نضع هذا الكبل في رجل أحد قبلك. قال: فجاء بالمال، فدفعه إلى عمر. وعن عبد الله بن عمر قال: لما هلك عمر بن الخطاب وجد عثمان بن عفان في بيت مال المسلمين ألف دينار مكتوباً عليها: عزل ليزيد بن أبي سفيان، وكان عاملاً لعمر. فأرسل عثمان إلى أبي سفيان أنا وجدنا لك في بيت مال المسلمين ألف دينار، فارسل فاقبضها، فأرسل إليه أبو سفيان فقال: لو علم ابن الخطاب لي فيها حقاً لأعطانيها، وماحبسها عني، وأبى أن يأخذها.

صدقة بن أحمد بن عبد العزيز

قال عبد العزيز بن عمران: قيل لأبي سفيان بن حرب: ما بلغ بك من الشرف ما نرى؟! قال: ما خاصمت رجلاً إلا جعلت للصلح بيني وبينه موضعاً، أو قال: موعداً. وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها أن هنداً أم معاوية قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يدري. فقالت: هل علي في ذلك من شيء؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وعن سعيد قال: قال عمر بن الخطاب لأبي سفيان بن حرب: لا أحبك أبداً، رب ليلة غممتَ فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أنس أن أبا سفيان بن حرب دخل على عثمان بعدما عمي فقال: ها هنا أحد؟ قالوا: لا، قال: اللهم، اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك عاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية. توفي أبو سفيان سنة إحدى وثلاثين. وقيل: في سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان. صدقة بن أحمد بن عبد العزيز أبو القاسم الألهاني البزاز حدث عن أبي خازم محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناس فقال: إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاخترا ذلك العبد ما عند الله. فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه، أن خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد خُيِّر. فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّ أحَنْ الناس علي في صحبته

صدقة بن حديد بن يوسف

وما له أبو بكر، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ولكن خلة الإسلام ومودته. لايبقى في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر. صدقة بن حديد بن يوسف ابن عبد الله. أبو القاسم المقرىء حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ". قال: فقال رجل لمحارب بن دثار: إن هذا الحديث ثبت؟ قال: وما يمنعه أن يكون ثبتاً، وهو عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ صدقة بن خالد أبو العباس القرشي الدمشقي حدث عن ابن جابر بسنده عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه لم يبقى من الدنيا إلا بلاء وفتنة ". ولد صدقة سنة ثمان عشرة ومئة. وكان مولى بني أمية. وقي: مولى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز. توفي صدقة سنة ثماين ومئة. وقيل: سنة أربع وثمانين. صدقة بن عبد الله أبو معاوية الدمشقي ويقال: أبو محمد، المعروف بالسمين حدث صدقة عن أبي وهب عن مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الناس اليوم كشجرة ذات جنى، ويوشك أن يعود الناس كشجرة ذات شوك،

صدقة بن عبد الله بن عبد القادر

إن ناقدتهم ناقدوك. وإن هربت منهم طلبوك. قال: فقلنا: فكيف المخرج يا رسول الله؟ قال: تقرضهم من عرضك ليوم فقرك ". وحدث عن نصر بن علقمة بسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أبغض الخلق إلى الله لَمَن آمن ثم كفر ". وثقه قوم، وجرّحه آخرون. وقال دُحيم: صدقة السمين محله الصدق، غير أنه كان يشوبه القدر. وقال غيره: كان منكر الحديث جداً. مات صدقة السمين سنة ست وستين ومئة. صدقة بن عبد الله بن عبد القادر أبو القاسم الشافعي حدث عن القاضي يوسف بن القاسم بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ذُكرتُ عنده فليصلِّ علي، فإنه من صلّى عليّ مرة صلى الله عليه عشراً ". صدقة بن علي بن محمد ابن المومَّل. أبو القاسم التميمي الدارمي الموصلي قاضي نصيبين. حدث عن إبراهيم بن ثُمامة الحنفي بسنده عن أبي سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سمعت النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن ".

صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد

صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد ابن عبد الملك بن مروان. أبو القاسم القرشي، المعروف بابن الدلم حدث عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي بسنده عن جرير بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: " أما إنكم ستُعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته. فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ". صدقة بن محمد بن محمد بن محمد ابن خالد بن معيوف أبو الفتح الهمداني العين ثرمي من أهل عين ثرماء. حدث عن ابي الجهم بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أتى الجمعة والإمامُ يخطب كانت له ظُهراً ". صدقة بن المظفر بن علي ابن محمد. أبو الفرج الأنصاري حدث عن أحمد بن يوسف بن خلاد بسنده عن بشر بن سُحيم قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انطلق فنادِ أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. وأن أيام التشريق أيام أكل وشرب ".

صدقة بن موسى الدقيقي

صدقة بن موسى الدقيقي أبو المغيرة حدث عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وقّت لنا أربعين يماً في حلق العانة. ونتف الإبط، وقصّ الأظفار، وقصّ الشارب. صدقة بن يزيد الخراساني سكن بدمشق وبيت المقدس. ونسبه يحيى بن معين إلى دمشق لسكنه بها. حدث عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: تراءى الناس الهلال ذات ليلة فقالوا: ما أحسنه، ما أبينه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف أنتم إذا كنتم من دينكم في مثل القمر ليلة البدر، لا يبصره منكم إلا البصير؟ ". وحدث عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تعالى: إن من أصححته ووسعت عليه لم يزرني في كل خمسة أعوام عاماً لَمَحروم ". قال رَوّاد بن الجراح: سالني صدقة أن آتيه بكتب، فوعدته. فمكثت أياماً، ثم جئته فقال: أين كنت؟ فقلت: شغلني عنك صديق لي. قال: فقال: صديق؟! قال: قلت: نعم. قال: أنا أكبر من أبيك، وما أعلم لي صديقاً، ثم قال: سمعت قتادة يقول في قول الله تعالى: " أَوْصَدِيْقِكُمْ " قال: هو الرجل يكون بينه وبين الرجل الإخاء والمودة، فيأتيه

صدقة بن يزيد

فيطلبه في منزله فيقول: أين أخي فلان؟ فيقول له أهله: ليس هاهنا، فيقول: غدونا، عشونا. أعطوني ثوبه. أسرجوا لي دابته، فيفعلون ذلك به، فيأتي الرجل فيقول له أهله: قد جاء أخوك فلان. غديناه، عشيناه، أسرجنا له دابتك، أعطيناه ثيابك، فلا يقع في قلبه إلا كما قيل: جاء أبوك وأخوك وعمك، فعلنا به ذلك. فذلك الصديق. ضعفه قوم. وقال يحيى بن معين: هو صالح الحديث. صدقة بن يزيد قال صدقة بن يزيد: نظرت إلى ثلاثة أقبر على شرف من الأرض بناحية طرابلس - وقيل: أنطابلس - أحدها مكتوب عليه: الطويل وكيف يلذ العيش من هو موقنٌ ... بأن المنايا بغتةً ستعاجلُهْ وتسلبُه ملكاً عظيماً ونخوةً ... وتسكنه البيت الذي هو آهلهْ؟ وعلى القبر الثاني: وكيف يلذُّ العيش من هو عالمٌ ... بأن إلهَ الخلقِ لابدّ سائلُهْ فيأخذ منهُ ظلمَه لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله؟ وعلى القبر الثالث: وكيف يلذُّ العيشَ مَن هو صائرٌ ... إلى جدثٍ تُبلي الشباب منازلُهْ ويذهبُ حسنُ الوجهِ من بعد ضوئه ... سريعاً ويبلي جسمه ومفاصله؟ وإذا هي قبور مسنمة على قدر واحد جنبها إلى جنب بعض. فنزلت قرية بالقرب منها فقلت لشيخ بها: لقد رأيت عجباً. قال: وماذاك؟ قلت: هذا القبور. قال: حديثها أعجب مما رأيت عليها. قلت: فحدثني. قال: كانوا ثلاثة إخوة: واحد يصحب السلطان، ويؤمَّر على الجيوش والمدن. وأخر تاجر موسر مطاع في تجارته. وآخر زاهد قد تخلى وتفرد لعبادة ربه. فحضرت العابد الوفاة، فأتاه أخوه صاحب السلطان - وكان عبد الملك بن مروان قد ولاّه بلادنا - وأتاه

التاجر فقالا له: توصي بشيء؟ قال: والله مالي مال أوصي فيه، ولا علي دَيْن فأوصي به، ولا أخلف من الدنيا عرضً. فقال ذو السلطان: هذا مالي يا أخي، أعهد إلي بما أحببت، فأمسك عنه. وقال التاجر: عرفت مكسبي، ولعل في قلبك غصة من الخير لم تبلغها إلا بالانفاق، فاحكم في مالي بما أنفذه لك. قال: لا حاجة لي في مالكما. ولكن أعهد إليهما عهداً، فلا تخالفاه: إذا مت فادفناني على نَشَزٍ من الأرض واكتبا على قبري: وكيف يلذ العيش من هو عالم ... بأن إله الخلق لا بد سائله فيأخذ منهُ ظلمَه لعباده ... ويجزيه بالخير الذي هو فاعله؟ ثم زوروا قبري ثلاثة أيام لعلكما تتعظان، ففعلا ذلك. وكان أخوه يركب في جنوده حتى يأتي قبره، فيقرأ عليه ويبكي. فلما كان اليوم الثالث أتى القبر. فلما أراد الانصراف سمع من داخل القبر هدّة أرعبته وأفزعته، فانصرف مذعوراً وجلاً. فلما كان الليل رأى أخاه في منامه فقال: أي أخي، ما الذي سمعتُ في قبرك؟ ّ قال: هذه المِقْمعة. قيل لي: رأيت مظلوماً فلم تنصره. فأصبح فدعا أخاه وخاصته فقال: ما أرى أخي أراد بما أوصانا أن نكتب على قبره إلا لنغير ونراجع ونتوب. وإني أُشهدكم أني لا أقيم بين ظهرانيكم أبداً. فترك الإمارة، ولزم العبادة. وبلغ ذلك عبد الملك فقال: خلوه وما اختار لنفسه، وكان مأواه البراري والجبال وبطون الأودية. فحضرته الوفاة وهو مع بعض الرعاء، فأتى الراعي أخاه فأعلمه فأتاه فحمله إلى منزله قبل موته. فقال: يا أخي، ألا توصي إلي؟ قال: مالي مال، ولا عليَّ دَيْن فأوصيك. ولكن أعهد إليك إذا أنا متّ فاجعل قبري إلى جنب قبر أخي واكتب عليه: وكيف يلذ العيش من هو موقنٌ ... بأن المنايا بغتةً ستعاجلُهْ وتسلبُه ملكاً عظيماً ونخوةً ... وتسكنه البيت الذي هو آهلهْ؟ ثم تعاهد قبري وادع الله عزّ وجلّ لي، لعله يرحمني. فلما مات فعل به أخوه ذلك.

فلما كان اليوم الثالث من إتيانه القبر أراد أن ينصرف فسمع وَجْبَة من القبر كادت أن تذهل عقله. فرجع مرعوباً. فلما كان الليل رأى أخاه في منامه، قال: فوثبت إليه لما تداخل قلبي من السرور، فقلت له: يا أخي، أتيتنا زائراً أم راغباً؟ فقال: هيهات، بعُد المزار، واطمأنت بنا الدار. فليس لنا مزار، فقلت، فكيف أنت؟ قال: بكل خير. وما أجمع التوبة لكل خير. قلت: فكيف أخي؟ قال: مع الأئمة الأبرار. قال: قلت: فما مرنا قبلكم؟ قال: من قدّم شيئاً وجده. فاغتنم وُجْدك قبل فقرك، فاصبح أخوه الثالث معتزلاً الدنيا. وفرّق ماله، وقسّم متاعه، وأقبل على طاعة الله عزّ وجلّ. ونشأ له ابن كأهنأ الشباب. فأقبل على المكاسب حتى أتت أباه الوفاة، فقال: يا أبه، ألا توصي؟ فقال: يا بني، ما لأبيك مال فأوصي فيه. ولكن أعهد إليك إذا أنا متّ أن تدفنني مع عميك، وأن تكتب على قبري: وكيف يلذُّ العيشَ مَن هو صائرٌ ... إلى جدثٍ تُبلي الشباب منازلُهْ؟ ويذهبُ رسمُ الوجهِ من بعد ضوئه ... سريعاً ويبلي جسمه ومفاصله ثم تعاهد قبري ثلاثاً، وادع الله عزّ وجلّ لي. ففعل الفتى ذلك. فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتاً هاله، فانصرف مهموماً. فما كان الليل رأى أباه في منامه فقال له: يا بني، أنت عندنا عن قليل، والأمر جدّ. فاستعدّ وتأهّب لرحيلك وطول سفرك وطول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت له قاطن، ولا تغتر بما اغتر به البطالون من طول آمالهم فقصروا في أمر معادهم، فندموا عند الموت، وأسفوا على تضييع العمر، فلا الندامة عند الموت نفعتهم، ولا الأسف على التقصير أنقذهم. أي بني، فبادر، ثم بادر، ثم بادر. قال الشيخ: فدخلت على الفتى صبيحة ثالثة رؤياه فقصها علي وقال: ما أرى الأمر الذي قال أبي إلا وقد أظلني، فجعل يفرق ماله، ويقضي دَيْنه، واستحلّ معامليه، وودعهم وداعَ مَن أيقن أمراً فهو متوقع. وكان يقول: قال أبي: بادر، ثم بادر، ثم بادر، ولا أحسبها إلا ثلاثة أشهر أو ثلاثة أيام. ولعلي لا أدركها، لأنها أنذرني بالمبادرة ثلاثاً. فلما

كان في آخر اليوم الثالث دعا أهله وولده، فودعهم، ثم استقبل القبلة، وتشهد، وجعل يدعو ويستغفر. فلما وجد الموت سجّى نفس، ومدّ الثوب على وجهه، ثم مات من الليل، رحمه الله، فمكث الناس ثلاثاً يزورونه. فهذه قصة القبور، وإن فيهم يا بن أخي لمعتبر. وقد روي هذا الخبر عن صدقة بن مرداس البكري. وذكره صاحب الأصل في ترجمة صدقة بن مرداس مختصراً. 56 - صدقة الدمشقي حدث صدقة الدمشقي أن رجلاً سأل ابن عباس عن الصيام فقال: لأحدثنك بحديث كان عندي في التخت مخزوناً: إن شئت أنبأتك بصوم داود، فإنه كان صوماً قواماً. وكان شجاعاً لا يفرّ إذا لاقى، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضل الصيام صيام داود. وكان يقرأ الزبور لسبعين صوتاً يلوّن فيها. وكانت له ركعة من آخر الليل. فكان يبكي فيها نفسه، ويبكي لبكائه كل شيء، ويطرب لصوته المهموم والمحموم. وإن شئت أنبأتك بصوم ابنه سليمان، فإنه كان يصوممن أول الشهر ثلاثة أيام، ومن وسطه ثلاثة أيام، ومن آخره ثلاثة أيام، يستفتح الشهر بصيام، ووسطه بصيام، ويختمه بصيام. وإن شئت أنبأتك بصوم ابن العذراء البتول عيسى بن مريم، فإنه كان يصوم الدهر، ويأكل الشعير، ويلبس الشعر. يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد، ليس له ولد يموت، ولا بيت يخرب. وكان أينما أدركه الليل صَفَن بين قدميه، وقام يصلي حتى

صدي بن عجلان بن عمرو

يصبح. وكان رامياً لا يفوته صيد يريده. وكان يمر بمجالس بني إسرائيل فيقضي لهم حوائجهم. وإن شئت أنبأتك بصوم أمه مريم بنة عمران، فإنها كانت تصوم يوماً وتفطر يومين. وإن شئت أنبأتك بصوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العربي الأمي محمد، فإنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويقول: إن ذلك صوم الدهر. وفي حديث آخر ويقول: هي صيام الدهر، وهي أفضل الصيام. صُدي بن عجلان بن عمرو أبو أمامة الباهلي صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه. قال أبو أمامة الباهلي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلّوا خمسكم وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم طيّبة بها أنفسكم، وأطيعوا ولاة أمركم، تدخلوا جنة ربكم ". وفي حديث آخر زيادة: " وصلوا أرحامكم ". حدث أبو غالب عن أبي أمامة قال: أتي برؤوس حرورية فنصبت على درج مسجد دمشق، فنظر إليها أبو أمامة وهي منصوبة، فقال: شر قتلى تحت ظل السماء هؤلاء، ثلاثاً. طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه. قلت: يا أبا أمامة، أشيء تقوله أم شيء سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

قال: إني إذاً لمريء، ثلاثاً. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولها. وإلا فصُمَّتا. وعن أبي غالب قال: كنت في مسجد دمشق إذ قدمت رؤوس من رؤوس اللأزارقة مما كان بعث به المهلب بن أبي صفرة. فنضبت عند درج المسجد. فاجتمع الناس ينظرون إليها، فدنوت منها، فجاء أبو أمامة فدخل المسجد، فصلّى ثم خرج. فلما رآها قال: سبحان الله! ما يصنع الشيطان بأهل الإسلام. ثم دنا من الرؤوس فقال: كلاب جهنم، ثلاثاً. شرّ قتلى قتلوا تحت ظل السماء. خير قتلى قُتلوا تحت ظل السماء؛ قتلى قتلهم هؤلاء. ثلاث مرات. ثم نظر في القوم فإذا هو بي فقال: أما إن هؤلاء بأرضك يا أبا غالب، قلت: أجل، فأعوذ بالله من شرهم. قال: نعم، فأعوذ بالله من شرهم. قال: أما تقرأ هذه الآية التي في أول آل عمران: " هُوَ الذي أنزلَ عليْكَ الكتابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَاب وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمّا الذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللهُ ". ثم قال: أما تقرأ التي في آخر آل عمران: " يَوْمَ تَبْيَضُ وُجُوهٌ وَتَسُوَدُّ وُجُوهٌ فأَمّا الَّذِيْنَ اسوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ " الآية. قال وافترقت بنو إسرائيل على واحد وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة. وهذه الأمة ستزيد عليهم فرقة. كلم في النار غير السواد الأعظم. قال: ألا ترى ما فيه السواد الأعظم؟ وذلك في أول خلافة عبد الملك، والقتل يومئذ ظاهر. قال: عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حُملتم. قال: فقلت - أو قيل له - ما تقول في هؤلاء القوم؟ أشيء قلته برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني إذاً لجريء. لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرة، ولا ثنتين، ولا ثلاثة، ولا أربعة، ولا خمسة، ولا ستة، ولا سبعة. سكن أبو أمامة الشام، وسكن حمص، وهو الصدي بن عجلان بن وهب بن عَريب بن وهب بن رياح بن الحارث بن مَعْن بن مالك بن أعصُر. من أهل الشام. مات

سنة ست وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين. نُسب إلى باهلة. وباهلة بنت أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشحب بن يعرب بن قحطان. هي امرأة معن بن زيد بن أعصُر بن قيس عيلان. قال سفيان: كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشام أبو أمامة. قال أبو أمامة: لما نزل: " لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ " قال أبو أمامة: قلت: يا رسول الله: أنا ممن بايعك تحت الشجرة. قال: يا أبا أمامة، أنت مني وأنا منك. وعن أبي أمامة من أحاديث عن رواة مجموعها قال: أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: غزواً - فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، سلِّمهم - وفي رواية: ثبِّتهم وغنّمهم - فغزونا وسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثانياً، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم، ثبِّتهم - وفي رواية: سلِّمهم - وغنِّمهم، فغزونا، فسلمنا وغنمنا. ثم أنشأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزواً ثالثاً فأتيته فقلت: يا رسول الله، إني قد أتيتك مرتين أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت: اللهم، سلِّمهم وغنِّمهم، يا رسول الله فادع لي بالشهادة فقال: اللهم سلمهم وغنمهم فغزونا فلسلمنا وغنمنا ثم أتيته بعد ذلك فقلت يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك فينفعني الله بك، فقال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له. فكان أبو أمامة وامرأته وخادمه لا يُلفَون إلا صياماً. قال: فإن رأوا ناراً أو دخاناً بالنهار في منزلهم عرفوا أنهم قد اعتراهم ضيف. قال: ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فقلت: يا رسول الله، أمرتني بأمرٍ أرجو أن يكون الله قد نفعني به، فمرني بأمرٍ آخر عسى الله أن ينفعني به. قال: اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، أو قال، حطّ عنك بها خطيئة، شك مهدي، أحد رواته. وعن أبي أمامة قال: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى باهلة، فأتيتهم - وهم على طعام لهم - فرحبوا بي، وأكرموني، وقالوا لي: تعال فكُل، فقلت: جئت لأنهاكم عن هذا الطعام. وأنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم لتؤمنوا به. قال: فكذبوني، وردّوني، فانطلقت من عندهم، وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد، فنمت، فأُتيت في منامي بشربة من لبن فشربت، فشبعت ورَويت، فعظم بطني. فقال القوم: رجل من خيارك وأشرافكم رددتموه! اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. قال: فأتوني بطعامهم وشرابهم، فقلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فنظروا إلى حالي التي أنا عليها فآمنوا بي وبما جئتهم به من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث آخر بمعناه، أتمّ منه، وقال في آخره: فحيث فرغت من شرابي استيقظت، فلا والله ما عطشت ولا غرِثت بعد تلك الشربة. وعن أبي راشد قال: أخد أبو أمامة بيدي ثم قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي ثم قال لي: " يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يَلين له قلبي ". وعن أبي أمامة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متوكىء على عصاً، فقمنا إليه، فقال: " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظّم بعضها بعضاً ". قال: فكأنا اشتهينا أن يدعوا الله لنا فقال: " اللهم، اغفر لنا، وارحمنا، وارض عنا، وتقبّل منا، وأدخلنا الجنة، ونجّنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله "، فكأنا اشتيهنا أن يزيدنا، فقال: " قد جمعت لكم الأمر ".

وعن ابي أمامة قال: رآني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أحرّك شفتيّ فقال: " لمَ تحرك شفتيك؟ ". فقلت: أذكر الله. قال: " أفلا أدلك على شيء هو أكبر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ " قال: قلت بلى يا نبي الله. قال: " قل: الحمد لله عددَ ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في السماوات والأرض، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله وسبحان الله عدد ما خلق، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في السماوات والأرض، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدّ كل شيء، وسبحانه الله ملء كل شيء ". قال: فكان أبو أمامة إذا حدث بهذا الحديث إنساناً قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أعلمهن عقبي من بعدي، فعلِّمهن عقبك. وعن سُليم بن عامر قال: جاء رجل إلى أبي أمامة وقال: يا أبا أمامة، إني رأيت في منامي الملائكة تصلي عليك، كلما دخلت وكلما خرجت، وكلما قمت وكلما جلست، قال أبو أمامة: اللهم غفراً، دَعُونا عنكم. وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة. ثم قرأ: " يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اذكُرُوا الله ذِكْراً كَثِيْراً وَسَبِّحُوه بُكْرَةً وَأَصِيْلاً هُوَ الَّذِيْ يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لُيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ وَكَانَ بالُمؤْمِنِينَْ رَحِيماً ". قال محمد بن زياد الألهاني: كنت آخذاً بيد أبي أمامة صاحب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانصرفت معه إلى بيته، فلا يمر مسلم لا صغير ولا أحد إلا قال: سلام عليكم. سلام عليكم. فإذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال: أي أخي، أمرنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نفشي السلام.

قال محمد بن زياد: رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده، ويدعو ربه، فقال أبو أمامة: أنت أنت! لو كان هذا في بيتك. قال سليمان بن حبيب المحاربي: دخلت على أبي أمامة مع مكحول وابن أبي زكريا فنظر إلى أسيافنا، فرأى فيها شيئاً من وَضَح فقال: إن المدائن والأمصار فتحت بسيوفٍ ما فيها الذهب ولا الفضة. فقلنا: إنه أقل من ذلك فقال: هو ذاك. أما إن أهل الجاهلية كانوا أسمح منكم. كانوا لا يرجون على الحسنة عشرة أمثالها، وأنتم ترجون ذلك، ولا تفعلونه. قال: فقال محكول لما خرجنا من عنده: لقد دخلنا على شيخ مجتمع العقل. قال سليمان بن حبيب: خرجت غازياً، فلما مررت بحمص دخلت إلى سوقها أشتري ما لا غنى بالمسافر عنه. فلما نظرت إلى باب المسجد قلت: لو أني دخلت فركعت ركعتين. فلما دخلت نظرت إلى ثابت بن معبد وابن أبي زكريا ومحكول - وليس محكولنا هذا - في نفر من أهل دمشق. فلما رأيتهم أتيتهم فجلست إليهم، فتحدثنا شيئاً ثم قالوا: إنا نريد أبا أمامة، فقاموا وقمت معهم حتى دخلنا عليه، فإذا شيخ قد رقّ وكبر، فإذا عقله ومنطقه أفضل مما نرى من منظره. فقال في أول ما حدثنا: إن مجلسكم هذا من بلاغ الله إياكم، وحجّته عليكم، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ ما أرسل به، وإن أصحابه قد بلغوا ما سمعوا، فبلَّغوا ما تسمعون: ثلاثة كلهم ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة: رجل قاتل فقتل في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه الجنة أو يرجعه بما نال من أجر وغنيمة ورجل توضأ ثم عمد إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يدخله الجنة أو يرجعه بما نال من أجر أوغنيمة. ورجل دخل بيته بسلام. قال: ثم قال: إن في جهنم جسراً له سبع قناطر، على أوسطهن القضاء. قال: فيُجاء بالعبد حتى إذا انتهى إلى القنطرة الوسطى قيل له: ماذا عليك من الدَّيْن؟ قال: فيجيبه - ثم تلا هذه الآية "

وَلاَ يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً " - فيقول: يا رب، عليّ كذا وكذا. قال: فيقال: اقض دَينك. قال: فيقول: ما لي شيء. ما أدري ما أقضي به. قال: فيقال: خذوا من حسناته. قال: فما يزال يؤخذ من حسناته حتى ما تبقى له حسنة. فإذا فنبت حسناته قال: فيقال: خذ " وا " من سيئاته من يطلبه، فركّبوا عليه. قال: فلقد بلغني أن رجالاً يجيئون بأمثال الجبال من الحسنات. فما تزال تؤخذ لمن يطلبهم حتى ما تبقى لهم حسنة. ثم تركب عليهم سيئات من يطلبهم حتى تُرد عليهم أمثال الجبال. قال: وسمعته يومئذ يقول: يتقدم واعظ في الكذب تقدماً ما سمعت واعظاً قط يتقدمه، حتى إن كنت أقول: لقد بلغ هذا الشيخ من كذب الناس شيئاً ما أدري ما هو ثم قال: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة. قال: فبينا هو يحدثنا إذ عقد، ثم قال: أيها الناس، لأنتم أصل من أهل الجاهلية. إن الله جعل لأحدكم الدينار ينفقه في سبيل الله عزّ وجلّ بسبع مئة دينار، والدرهم بسبع مئة درهم، ثم إنكم صارّون تُمسكون. أما والله لقد فتحت الفتوح بسيوف ما حِلْيَتُها الذهب والفضة، ولكن حليتها العَلابيّ أو الآنك والحديد. قال سُليم بن عامر: كان أبو أمامة إذا قعدنا إليه يجيئنا من الحديث بأمر عظيم ويقول لنا: اسمعوا، واعقلوا وبلِّغوا عنا ما تسمعون. قال سليم: بمنزلة الذي يشهد على ما علم.

وفي حديث قال: قال أبو أمامة: اعقلوا، فلا إخال العقل إلا قد رفع. نحن للحديث الذي كنا نسمعه على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعقل عليه منا على حديثكم اليوم. وعن أبي أمامة أنه عاد خالد بن يزيد بن معاوية وهو أمير على حمص. فلما بصر به خالد ألقى له مِرْفَقة - كان عليها متكئاً - من حرير. فلما رآها تنحى عنها ثم جلس فقال: هل سمعت فيها شيئاً يا أبا أمامة؟ قال: نعم. سمعت أنه لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من لا خلاق له في الآخرة. فقال له: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعته؟ فسكت. ثم قال: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فسكت. ثلاثاً. فقال: اللهم غفراً، كنا في قوم يحدثونا فلا يكذبونا ولا نكذبهم. وعن ابن عائذ قال: وعظ أبو أمامة الباهلي فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتم وكرهتم. فنعم الخصلة الصبر. ولقد أعجبتكم الدنيا وجرّت لكم أذيالها. ولبست ثيابها وزينتها. إن أصحاب نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يجلسون بفناء بيوتهم ويقولون: نجلس فنسلِّم ويُسلَّم علينا. وقال أبو أمامة: حَبِّبُوا الله إلى الناس يحببكم الله. وعن أبي أمامة قال: المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، وشيطان قد يوكل به. قال سعيد الأزدي: دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي: يا سعيد، إذا أنا مت، فاصنع بي كما أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصنع بموتانا فقال: " إذا مات الرجل منكم، فدفنتموه، فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع، فليقل: يا فلان، فإنه يستوي قاعداً، فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول: أرشدني رحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله باعث من في القبور. فإن منكراً ونكيراً عند ذلك يأخذ كل

صعصعة بن صوحان بن حجر

واحد بيد صاحبه ويقول: قم، ما نصنع عند رجل لقّن حجته، فيكون الله تعالى حجتهما دونه ". وفي حديث بمعناه: وأنك رضيت بالله عزّ وجلّ رباً وبمحمد عليه السلام نبياً. وبالإسلام ديناً. وفي آخره فقال له رجل: يا رسول الله، فإن لم أعرف أمه: قال: انسبه إلى حواء. قال الحسن: آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة جابر بن عبد الله، وبالبصرة أنس بن مالك، وبالكوفة عبد الله بن أبي أوفى، وبالشام أبو أمامة الباهلي. وقيل: آخر من بقي بالشام عبد الله، بن بسر، وآخر من بقي بالمدينة سهل بن سعد. صعصعة بن صُوحان بن حُجر ابن الحارث بن الهِجْرس بن صَبرة بن حِدّرِجان بن عِسَاس بن ليث بن حُدَاد بن ظالم بن ذُهل ابن عِجل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن جديلة بن دُعميّ بن أسد ابن ربيعة بن نزار أبو عمرو ويقال: أبو طلحة - العبدي أخو زند بن صوحان. من أهل الكوفة. شهد مع علي صفين، وأقره على بعض الكراديس. وسيّره عثمان إلى الشام. ثم قدم دمشق على معاوية. حدث صعصة بن صوحان عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُستمتع من الحرير بشيء. وعن مالك بن عمير قال: إن لقاعد مع علي إذ جاءه صعصة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، انهَنا

عم نهاك عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نهانا عن الدُّباء، والحنتم، والنقير، والمِيثَرة الحمراء، ونهانا عن لبس الحرير، ونهانا عن لبس القَسِّي، وعن حلي الذهب. قال: وكساني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بردين من حرير فخرجت فيهما إلى الناس لينظروا إلى كسوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي، فرآهما علي فأمرني بنزعهما، وأعطى أحدهما فاطمة. وشق الآخر باثنين لبعض نسائه. عن بريدة بينا هو جالس بالكوفة في مجلس مع أصحابه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عِيالاً ". قال: فقال صعصعة بن صوحان - وهو أحدث القوم سناً - صدق الله ورسوله. ولو لم يقلها كان كذلك: فتوسمه رجل من الجلساء فقال له بعد ما تصدع القوم من مجلسهم: ما حملك على أن قلت: صدق نبي الله، ولو لم يقلها كان كذلك؟ قال: بلى، أما قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن من البيان سحراً؛ فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه، فيذهب بالحقّ وهو عليه. وأما قوله: إن من العلم صاحب جهلاً؛ تكلُّف العالم إلى علمه ما لا يعلم، فيجهّله ذلك. وأما قوله: إن من الشعر حكماً: فهي هذه المواعظ والأمثال التي يعظ بها الناس. وأما قوله: إن من القول عيالاً: فعَرضُك كلامَك وحديثَك على من ليس من شأنه، ولا يريده. وعن حميد بن هلال العدوي قال: قام صعصعة بن صوحان العبدي إلى عثمان بن عفان، وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين، مِلت فمالت أمتك، يا أمير المؤمنين، أعتدل تعتدل أمتك. قال: أسامع أنت مطيع؟ قال: نعم. قال: فاخرج إلى الشام. قال: فطلق امرأته كراهة أن يعضِلها، وكانوا يرون الطلقة عليهم حقاً. وكان صعصعة من أصحاب الخطط، وكان خطيباً. وكان من أصحاب علي بن أبي

طالب، وشهد معه الجمل هو وأخواه زيد وسيحان ابنا صوحان. وكان سيحان الخطيب قبل صعصعة. وكانت الراية يوم الجمل في يده. فقتل فأخذها زيد فقتل فأخذها صعصعة. وتوفي صعصعة في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وكان ثقة، قليل الحديث. دخل علي على صعصعة يعوده، فقال له علي: لا تتخذها أبهة على قومك أن عادكَ أهلُ بين نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضك. قال: بلى، منٌّ علي من الله أن عادني أهل بيت نبيّي في مرضي. قال: فقال له علي: إنك والله ما علمت خفيف المؤنة، حسن المعونة. فقال له صعصعة: وأنت - والله ما علمت - بالله عليم، والله في عينك عظيم. وعن صعصعة بن صوحان قام ذات يوم فتكلم فأكثر، فقال عثمان: يا أيها الناس، إن هذا البجباج النفّاج، لا يدري من الله، ولا أين الله، فقال صعصعة: أما قولك: ما أدري مَن الله، فإن الله ربنا وربّ أبائنا الأولين. وأما قولك: لا أدري أين الله، فإن الله بالمرصاد ثم قرأ: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوْا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيْرٌ " حتى فرغ من هذه الآيات فقال - يعني عثمان -: ويحك ما نزلت هذه الآية إلا فيّ وفي أصحابي. أُخرجنا من مكة بغير حق. أرسل المغيرة بن شعبة إلى صعصعة فسأله عن عثمان، فذكر صعصعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعزره وأثنى عليه بما هو أهله. ثم ذكر أبا بكر فقال: هو أول من جمع المصحف، وورث الكلالة. ثم ذكر عمر فقال: هو أول من دون الدواوين ومصّر الأمصار، وخلط الشدة باللين. ثم ذكر عثمان فقال: كانت إمارته قدراً، وكان قتله قدراً. فقال له المغيرة: اسكت، كانت إمرته قدراً وكان قتله قدراً. فقال له صعصعة بن صوحان: دعَوتَني فأجبت، واستنطقتني فنطقت، وأسكتني فسكتُّ.

قال زرارة بن أوفى: إن معاوية خطب الناس فقال: يأ أيها الناس، إنا نحن أحق بهذا الأمر، نحن شجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبيضته التي انفلقت عنه، ونحن ونحن، فقال صعصعة: فأين بنو هاشم منكم؟ قال: نحن أسوَس منهم، وهم خير منا. قال: أمرنا بالطاعة الطاعة. وقال فيها: إنا لكم جنّة. قال: فقال صعصعة: فإذا احترقت الجّنّة فكيف نصنع؟ قال: أيها الناس، أما إن هذا ترابي، فقال: إني ترابي. خلقت من التراب، وإلى التراب أصير. وعن صعصعة بن صوحان العبدي أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان فلم يسلم عليه بالخلافة فقال له: ممن أنت؟ قال: من نزار. قال: وما نزار؟ قال: كان إذا غزا احتوش، وإذا انصرف انكمش، وإذا لقي افترش. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من ربيعة. قال: وما ربيعة؟ قال: كان يغزو بالخيل، ويُغير بالليل، ويجود بالنّيل. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أسد. قال: وما أسد؟ قال: كان إذا طلب أقصى، وإذا أدرك أرضى، وإذا آب أنضى. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: مِن دُعميّ قال: وما دعمي. قال: كان يطيل النجاد، ويُعدّ الجياد، ويجيد الجلاد. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من أفصى. قال: وما أفصى؟ قال: كان ينزل القارات، ويحسن الغارات، ويحمي الجارات. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عبد القيس. قال: ومن عبد القيس؟ قال: أبطال ذادة، جحاجحة سادة، صناديد قادة. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال من أفصى. قال وما أفصى؟ قال: كان يباشر القتال، ويعانق الأبطال، ويبذر المال.

قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عمرو. قال: وما عمرو؟ قال: كانوا يستعملون السيف، ويكرمون الضيف، في الشتاء والصيف. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من عجل. قال: وما عجل؟ قال: ليوث ضراغمة، قروم قشاعمة، ملوك قماقمة قال: فمن أي ولده أنت؟: قال: من كعب. قال: وما كعب؟ قال: كان يغشى الحروب، ويكشف الكروب. قال: فمن أي ولده أنت؟ قال: من مالك. قال: وما مالك؟ قال: الهُمام الهُمام، والقُمقام. قال: يا بن صوحان، ما تركت لهذا الحي من قريش شيئاً! قال: بلى. تركت لهم الوبر والمدر، والأبيض والأصفر، والصفا والمشعر، والقبة والمنحر، والسرير والمنبر، والملك إلى المحشر، ومن الآن إلى المنشر. قال: أما والله يا بن صوحان، إن كنت لأبغض أن أراك خطيباً. قال: وأنا والله إن كنت لأبغض أن أراك أميراً. قال معاوية لصعصعة بن صوحان: ما المروءة؟ قال: الصبر والصمت. فالصبر على ما ينوبك، والصمت حتى تحتاج إلى الكلام. مرّ صعصعة بن صوحان بقوم - وهو يريد مكة - فقالوا له: ما أين اقبلت؟ قال: من الفج العميق، قالوا: ماتريد؟ قال: البيت العتيق. قالوا: هل كان من مطر؟ قال: نعم. عفّى الأثر، وانضر الشجر، ودهده الحجر. قالوا: أي آية في كتاب الله أحكم؟ قال: " مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ". حدث عبد الرزاق عن أبيه أن صعصعة بن صوحان حين أصابه ما أصابه قطع بعض لسانه، فأتاه رجل، فبال في أذنه، فإما قال لهم، وإما كتب لهم: انظروه، فإن كان من العرب فهو من هذيل. وإن كان من العجم فهو من بربر. قال: فنظروا فإذا هو بربري.

صفوان بن أمية بن خلف

صفوان بن أمية بن خلف ابن وهب بن حذافة بن جُمح بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن وهب القرشي الجمحي المكي له صحبه. أسلم بعد فتح مكة. وشهد اليرموك، وكان أميراً على كُردوس. وقيل: إنه وفد على معاوية، وأقطعه الزقاق المعروف بزقاق صفوان. حدث عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: زوجني أبي في إمارة عثمان، فدعا قوماً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء صفوان بن أمية، وهو شيخ كبير فقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: انهسوا اللحم نهساً، فإنه أهنأ، وأمرأ، وأبرأ، وأشهى. وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن جده قال: قيل لصفوان بن أمية إنه مَنْ لم يهاجر فقد هلك، فدعا براحلته فركبها، فأتى المدينة. قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما جاء بك يا أبا وهب؟! قال: بلغني أنه لا دين لمن لا هجرة له. فقال: ارجع إلى أباطح مكة. قال: فرجع، فدخل المسجد، فتوسد رداءه، فجاءه رجل فسرقه، فأتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بقطعه، فقال: يا رسول الله، لم يبلغ ردائي ما تٌقطع فيه يد، قد جعلته صدقة عليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلاّ قبل أن تأتيني به؛ فعرف الناس أن لا بأس بالعفو عن الحد ما لم ينته إلى الإمام. قال الزبير بن بكار: صفان بن أمية، أمه صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح. وكان صفوان من مسلمة الفتح. وكان قد هرب حين دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح مكة، فأدركه عُمير بن وهب بن خلف برداء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمنه، فانصرف معه،

فوقف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفوان على فرسه، فناداه في جماعة الناس: إن هذا عمر بن وهب يزعم أنك أمنتني على أن لي تسيير شهرين. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انزل، فقال: لا حتى تبين لي، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انزل ولك تسيير أربعة أشهر. وشهد معه حُنيناً وهو مشرك، واستعاره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلاحاً فقال له: طوعاً أوكرهاً؟ قال: بل طوعاً، عاريَّة مضمومة، فأعاره، ووهب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين من الغنائم فأكثر له، فقال: أشهد ما طابت بهذه إلا نفس نبيّ، فأسلم، وأقام بمكة. ثم قيل له: لا إسلام لمن لا هجرة له، فقدم المدينة فنزل على العباس فقال: ذاك أبرّ قريش بقريش. ارجع أبا وهب، فإنه لا هجرة بعد الفتح. وقال له: فَمن لأباطح مكة؟ فرجع صفوان فأقام بمكة حتى مات بها. وفي حديث: ثم رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الجعرانة، فبينا هو يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان بن أمية. فجعل صفوان ينظر إلى شعب ملىء نعَمّاً، وشاء ورعاء، فأدام إليه النظر، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرمقه، فقال: أبو وهب، يعجبك هذا الشعب؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبيّ. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. واسلم مكانه. وعن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: اللهم، العّن أبا سفيان، اللهم، العَن الحارث، اللهم، العَن صفوان بن أمية، فنزلت: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوْبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ " فتاب عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم. قال عمر بن الخطاب: لما كان يوم الفتح أرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صفوان بن أمية بن خلف، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام. قال عمر: فقلت: قد أمكنني الله عزّ وجلّ منهم، لأعرفنهم ما صنعوا، حتى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثلي ومثلكم كما قال يوسف

لإخوته: " لا تَثْرِيْبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ " قال عمر: فانتفضت حياء من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث أن نساءً كُنَّ على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسلْمن بأرضهن، وهو غير مهاجرات، وأزواجهن حين أسلمن كفار، منهن بنت الوليد بن المغيرة، وكانت تحت صفوان بن أمية، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام. ولما أمّنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج معه وهو كافر، فشهد حُنيناً والطائف، وهو كافر وامرأته مسلمة. فلم يفرق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين امرأته، حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح. وقيل: كانت امرأة صفوان البَغُوم بن المعذَّل، من كنانة. وفي حديث أنه لما استعار من صفوان أدراعاً من حديد يوم حنين ضاع بعضها فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت غرِمتها لك، فقال: لا، أنا أرغب في الإسلام من ذلك. وعن صفوان بن أمية قال: لقد أعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين وإنه أبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحبّ الخلق إليّ. وعن معروف بن خَرَّبُوذ قال: من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام عشرة نفر من عشرة بطون: من هشام، وأمية، ونوفل، وأسد، وعبد الدار، وتيم، ومخزوم، وعدي، وسهم، وجمح.

فمن هاشم: العباس بن عبد المطلب. كان قد سقى في الجاهلية الحجيج وبقي له في الإسلام. ومن بني أمية: أبو سفيان بن حرب. ومن بني نوفل: الحارث بن عامر - قال الزبير: غلط في الحارث بن عامر - ومن بني عبد الدار: عثمان بن أبي طلحة. ومن بني تيم: أبو بكر الصديق ومن بني أسد: يزيد بن زمعة. ومن بني مخزوم: خالد بن الوليد بن المغيرة. ومن بني عدي: عمر بن الخطاب. ومن بني سهم: الحارث بن قيس. ومن بني جمح: صفوان بن أمية. قال ابن خَرَّبُوذ: صارت مكارم قريش في الجاهلية إلى هؤلاء العشرة، فأدركهم الإسلام فوصل ذلك، لهم، فكذلك كل ما شرف في الجاهلية أدركه الإسلام فوصله. فكانت سقية الحاج، وعمارة المسجد الحرام، وحلول الثغر، فإن قريشاً لم تكن تملّك عليها في الجاهلية أحداً. فإذا كانت حرب أقرعوا بين أهل الرئاسة من الذكور، فإذا حضرت الحرب أجلسوه، لايبالون صغيراً كان أو كبيراً، أجلسوه تيمناً به. فلما كان يوم الفجار أقرعوا بين بني هاشم، فكان سهم العباس وهو غلام، فأجلسوه عل تُرْس. قال ابن خَرَّبوذ: وكان أبو طالب يحضرها، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجيء معه وهو غلام. فإذا جاء أبو طالب هزمت قيس، وإذا لم يجىء هزمت كنانة. فقالوا: لا أبالك لا تغب. وأما عمارة المسجد فإنها والسقاية كانت إلى العباس بن عبد المطلب، فأما السقاية فإنها معروفة. وأما العمارة فإنها لا يدع أحداً يستب في المسجد الحرام، ولا يقول هُجراً يحملهم على عمارته بالخير، لا يستطيعون لذلك امتناعاً. لأنه قد أجمع ملأ قريش على ذلك، فهم له أعوان، وكان العُقاب عند أبي سفيان راية الرئيس. وكانت العقاب إذا كانت عند رجل أخرجها إذا حمشت الحرب. فإذا اجتمعت قريش على أحد أعطّوه إياه. وإن لم يُجمِعُوا على أحد رأسوا صاحبها.

وكانت الرِّفادة إلى الحارث بن عامر من نوفل. والرفادة: ما كانت قريش تخرج من أموالها في رِفْد منقطع الحاج. وكانت المشورة إلى يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد - وقتل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الطائف - والمشورة: أن قريشاً لم يجمعوا على أمر إلا عرضوه عليه. فإن وافق رأيهم رأيه سكت، وإلا شغب فيه، فكانوا له إخواناً حتى يرجعوا عنه. وكانت سِدانة البيت واللواء إلى عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى. والسدانة: الخزانة مع الحجابة، وكانت الأشناق إلى أبي بكر الصديق. والأشناق: الديات. كان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه، وأمضوا حِمالته وحمالة من قام معه أبو بكر. فإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. وكانت القبة والأعنة إلى خالد بن الوليد. فأما الأعنة فإنه كان يكون على خيول قريش في الجاهلية في الحروب. وأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش. وكانت السفارة إلى عمر بن الخطاب: إن وقعت حرب من قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافِر، أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافراً ومفاخراً ورضُوا به. وكانت الحكومة والأموال المحجرة إلى الحارث بن قيس بن عدي. والأموال التي يغنمون لآلهتهم. وكانت الأيسار إلى صفوان بن أمية. والأيسار: الأزلام. فكان لا يسبق بأمر عام حتى يكون هو الذي يجري يَسَره على يديه. قال أبو عبيدة: وقالوا: إن صفوان بن أمية بن خلف قنطر في الجاهلية، وقنطر أبوه. أي صار له قنطار ذهب. ولما أعطى عمر أول عطاء أعطاه، وذلك سنة خمس عشرة. وكان صفوان بن أمية قد افترض في أهل القادسية وسهيل بن عمرو.

فلما دعا صفوان وقد رأى ما أخذ أهل بدر ومن بعدهم إلى الفتح، فأعطاه في أهل الفتح أقل مما أخذ من كان قبله أبى أن يقبله وقال: يا أمير المؤمنين، لست معترفاً لأن يكون أكرم مني أحد، ولست آخذاً أقل مما أخذ من هو دوني، أو من هو مثلي. فقال: إنما أعطيتهم على السابقة والقدِيمة في الإسلام لا على الأحساب. قال: فنعم إذن، وأخذ، وقال: أهلُ ذاك هم. قال أبو محذورة: كنت جالساً عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة يحملها نفر في عناء، فوضعها بين يدي عمر. فدعا عمر ناساً مساكين وأرقّاء من أرقّاء الناس حوله، فأكلوا معه ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم - أو لحى الله قوماً - يرغبون عن أرقائهم أن يأكلوا معهم. فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم ولكنا نستأثر عليهم. لا نجد من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم. قال الشعبي: كان صفوان بن أمية يبغض المقابر. فإذا شُعَل نيرانٍ قد أقبلت ومعها جنازة. لما دنوا من المقبرة قالوا: انظروا قبر كذا وكذا. قال: وسمع رجل صوتاً من القبر حزيناً موجعاً يقول: " لخفيف " أنعمّ اللهُ بالظعينة عينا ... وبمسراكِ يا أمينُ إلينا جزعاً ما جزعت من ظلمة القب ... ر ومن مسّك التراب أمينا قال: فأخبر القوم بما سمع فبكوا حتى أخضلوا لحاهم ثم قالوا: هل تدري من أمينة؟ قلت: لا. قالوا: صاحبة السرير هذه، أختها ماتت عام أول. فقال صفوان: قد علمت أن المَيْتَ لا يتكلم فمن أين هذا الصوت؟! بينما عبد الله بن صفوان يدفن أباه أتاه راكب وقال: قتل أمير المؤمنين عثمان فقال: والله ما أدري أي المصيبتين أعظم: موت أبي أو قتل عثمان.

صفوان بن رستم

توفي صفوان بن أمية سنة إحدى وأربعين. وقيل: سنة اثنتين وأربعين. صفوان بن رستم أبو كامل الدمشقي حدث عن الأوزاعي عن الزهري أنه كان يقول في الرجل يحال على الرجل المليء بحق حال، فيتركه حتى يفلس: إنه ضيّع حقه، ولا يرجع على الذي أحاله. صفوان بن سُليم أبو الحارث - ويقال: أبو عبد الله - المديني الفقيه، مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف حدث عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: غُسل الجمعة واجب على كل محتلم. وحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اطلبوا الخير دهركم كله. وتعرّضوا لنفحات رحمة الله. فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده. وسلوه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمّن رَوْعاتكم. قال سفيان: كنت إذا رأيت صفوان علمت أنه يخشى الله عزّ وجلّ. وكان صفوان يصلي على السطح في الليلة الباردة لئلا يجيئه النوم. قال مالك بن أنس: كان صفوان يصلي في الشتاء في السطح، وفي الصيف في بطن البيت، يتيقظ بالحر والبرد حتى يصبح، ثم يقول: هذا الجهد من صفوان، وأنت أعلم، وإنه لَتِرمُ رجلاهُ حتى يعود مثل السِّقْط من قيام الليل. ويظهر فيهما عروق خضر.

كان صفوان بن سليم أعطى الله عهداً ألا أضع جنبي على فراش حتى ألحق بربي. قال: فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه. فلما نزل به الموت قيل له: رحمك الله، ألا تضطجع؟ قال: ما وفيت لله بالعهد إذن. قال: فأُسند، فما زال كذلك حتى خرجت نفسه. قال: ويقول أهل المدينة: إنه نُقبت جبهته من كثرة السجود. قال سفيان: أخبرني الحفار الذي يحفر قبور أهل المدينة قال: حفرت قبر رجل، فإذا أنا قد وقعت على قبرٍ فوافيت جمجمة، فإذا السجود قد أثرْ في عظام الجمجمة فقلت لإنسان: قبر مَن هذا؟ فقال: أوما تدري؟ هذا قبر صفوان بن سليم. قال أنس بن عياض: رأيت صفوان ولو قيل له: غداً القيامة ما كان عنده مزيد من ما هو عليه من العبادة. قال عبد العزيز بن محمد: رأيت صفوان بن سليم يعتمد في الصلاة على عصاً، فكان يُسمى هو وعصاه: الزوج، فصلى إلى جنبه غلام من بني عامر بن لؤي فقال له: لا تزحمني بعصاك فأكسرها على رأسك. قال: فطرحها صفوان بن سُليم في منزله. فقيل له فيها فقال: إنما كنت أحملها للخير، وأنا اليوم أخاف منها الشر. كان صفوان بن سليم لا يكاد يخرج من مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا أراد أن يخرج بكى وقال: أخاف ألا أعود إليه. قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عاملُه عليها. قال: فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه فنظر إلى صفوان بن سليم عن غير مرفة، فقال: يا عمر، من هذا الرجل؟ ما رأيت سمتاً أحسن منه. قال: يا أمير المؤمنين، هذا صفوان بن سليم. قال: يا غلام، كيس فيه خمس مئة دينار فأُتي به فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلي؟ فوصفه للغلام حتى أثبته.

قال: فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان. فركع وسجد وسلم، وقال له: ما حاجتك؟ قال: أمرني أمير المؤمنين - وهو ذا ينظر إليك وإلي - أن أدفع إليك هذا الكيس، فيه خمس مئة دينار، ويقول لك: استعن بهذه على زمانك وعلى عيالك، فقال له صفوان: ليس أنا الذي أُرسلت إليه. فقال له الغلام: ألست صفوان بن سليم؟ قال: بلى، أنا صفوان بن سليم. قال: فإليك أرسلت. قال: اذهب فاستثبت، فإذا أثبت فهلم، قال الغلام: فأمسك الكيس معك، وأذهب، قال: لا إذا أمسكت فقد أخذت ولكن اذهب فاستثبت وأنا جالس. فولّى الغلام. فأخذ صفوان نعليه وخرج. فلم يُر بها حتى خرج سليمان من المدينة. قال أنس بن عياض: انصرف صفوان يوم فطر - أو أضحى - إلى منزله ومعه صديق له، فقرب إليه خبزاً وزيتاً، فجاء سائل فوقف على الباب، فقام إليه فأعطاه ديناراً. قال سفيان: حج صفوان بن سليم وليس معه إلا سبعة دنانير، فاشترى بها بَدَنة، فقيل له في ذلك فقال: إني سمعت الله تبارك وتعالى يقول: " وَالبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيْهَا خَيْرٌ ". ذُكر صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال أحمد: هذا رجل يُستسقى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره. حدث ابن أبي حازم أن صفوان بن سليم لما حضر إخوانه جعل يتقلب، فقالوا: كأن لك حاجة. قال: نعم. فقالت: ابنته: ماله من حاجة إلا أنه يريد أن تقوموا عنه، فيقوم فيصلي، وما ذاك فيه. فقام القوم عنه، وقام إلى مسجد يصلي فوقع، وصاحت ابنته بهم، فدخلوا عليه فحملوه ومات.

صفوان بن صالح بن صفوان

توفي صفوان بن سليم سنة اثنتين وثلاثين ومئة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وكان صفوان بن سليم يقول بالقدر. صفوان بن صالح بن صفوان ابن دينار. أبو عبد الملك الثقفي مؤذن المسجد الجامع بدمشق. حدث صفوان بن صالح الدمشقي عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله تسعة وتسعين اسماً. مئة إلا واحداً. إنه وتر، يحب الوتر. مَن أحصاها دخل الجنة: هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم، الملك، القُدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارىء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذلّ، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الخليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدىء، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القَيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، البرّ، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الوال، المتعال، المقسط، الجامع، الغني، المغني، الرافع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور ". قال محمد بن عبد الرحمن السراج: قلت لسليمان بن عبد الرحمن: إن أبا عبد الملك صفوان بن صالح يأبى أن يحدثنا، وكان صفوان إذا دخل المسجد يبتدئه فيسلم عليه ثم يصير إلى مجلسه. فلما دخل سلّم عليه. قال أبو أيوب: بلغني أنك تأبى أن تحدث. فقال له صفوان: يا أبا أيوب، منعنا

صفوان بن عبد الله الأكبر

السلطان، فقال له: ويحك حدِّث، فإنه بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا، فيأتيهم الرسول من قبل ربهم عزّ وجلّ فيقول: سلوا ربكم، فيقولون: قد أعطانا ما سألنا، وما لم نسأل. فيقول لهم: سلوا ربكم، فيقولون: ما ندري ما نسأل، فيقول: لهم: سلوا ربكم، فيقول بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شيء أتيناهم ففتحوا علينا، فيأتون العلماء فيقولون: إنه قد أتانا رسول الله من ربنا عزّ وجلّ يأمرنا أن نسال، فما ندري ما نسأله، فيفتح الله عزّ وجلّ على العلماء فيقولون لهم: سلوا كذا، سلوا كذا، فيسألون فيُعطَون. فحدِّث فلعلك أن تكون منهم. فأتيناه فحدثنا. ولد صفوان بن صالح الثقفي سنة ثمان أو تسع وستين ومئة. وتوفي سنة سبع وثلاثين ومئتين. وقيل: سنة ثمان وثلاثين. وقيل: سنة تسع وثلاثين ومئتين. صفوان بن عبد الله الأكبر ابن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة القرشي الجمحي المكي قدم دمشق زائراً لأبي الدرداء. وكانت الدرداء بنت أبي الدرداء زوجته. وأمه حقه بنت وهب بن أمية بن أبي الصلت الشاعر الثففي. قال صفوان: قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ قلت: نعم. قالت: ادع الله لنا بخير، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " دعاء المسلم مستجاب لأخيه، بظهر الغيب ملك موكل كلما دعا بخير قال الملك: آمين. ولك مثل ذلك ". قال: فخرجت فألقى أبا الدرداء في السوق، فقال مثلما قالت أم الدرداء. يأثُره عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

صفوان بن عبد الله بن عمرو

صفوان بن عبد الله بن عمرو ابن الأهتم واسمه سنان بن سميّ بن سنان بن خالد بن مِنْقَر بن أسد بن مُقاعسِ التميمي المِنْقري البصري وفد على سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز. حدث صفوان بن الأهتم قال: كنت أقوم على رأس سليمان بن عبد الملك، فدخل عليه رجل من حضرموت من حكمائهم، فقال له سليمان: تكلم بحاجتك فقال: أصلح الله أمير المؤمنين. من كان الغالب على كلامه النصيحة وحسن الإرادة أوفى به كلامه على السلامة، وإني أعوذ بالذي أشخصني من أهلي حتى أوفدني عليك أن يُنطقني بغير الحقّ، أو أن يذلّل لساني لك بما فيه سخطه عليّ، وإن إقصار الخطبة أبلغ في أفئدة أولي الفهم من الإطالة، والتشدّق في البلاغة. ألا وأن من البلاغة - يا أمير المؤمنين - ما يفهم وإن قلّ. ألا وإني مقتصر على الاقتصار، مجتنب لكثير من الإكثار: أشخصني إليك والٍ عَسوف، ورعية ضائعة. وإن تعجِّل تدرك ما فات، وإنك إن تقصّر تهلك رعيتك هناك ضياعاً. فخذها إليك قصيرة موجزة. قال: فقال سليمان: يا غلام، ادع رجلاً من الحرس فاحملاه على البريد، وقل له: إذا أتيت البلاد فلا تنزل من مركبك حتى تعزله. ومن كانت له قبله ظُلامة أخذت له بحقه، وأمر للحكيم بجائزة سنية. فأبى أن يقبل وقال: يا أمير المؤمنين، أنا أحتسب سفري على الله وأكره أن آخذ عليه من غيره أجراً. صفوان بن عمرو بن هرم أبو عمرو السَّكْسَكي الحمصي حدث عن عبد الله بن بُسْر قال: قال أبي لأمي: لو صنعت طعاماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فصنعت ثريدة، فانطلق أبي فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على ذروتها وقال: خذوا باسم الله، فأخذوا من نواحيها. فلما طعموا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم ارحمهم، واغفر لهم، وبارك لهم في رزقهم ".

صفوان بن المعطل بن رخصة

وحدث صفوان وحَريز بن عثمان قالا: رأينا عبد الله بن بُسْر صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له جُمَّة، لم نرَ عليه عِمامة، ولا قلنسوة، شتاءً ولا صيفاً. قال صفوان بن عمرو: كنت بباب عمر بن عبد العزيز فخرجت علينا خيل مكتوب على أفخاذها: عدة لله. وفي حديث آخر بمعناه: عدة في سبيل الله. أمّ صفوان أمّ الهِجْرس بنت عوسجة بن أبي ثوبان. توفي صفوان سنة خمس وخمسين ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. وقيل: توفي سنة ثمان وخمسين ومئة. قال صفوان بن عمرو السَّكْسَكي: رأيت عبد الله بن بُسْر المازني وخالد بن مَعدان وراشد بن سعد وعبد الرحمن بن جُبير بن نُفير وعبد الرحمن بن عائذ وغيرهم، من الأشياخ يقول بعضهم لبعض في العيد: تقبَّل الله منا ومنكم. صفوان بن المعطل بن رخصة ابن المؤمل بن خزاعي بن محاربي بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهثة بن سُليم بن منصور، أبو عمرو السلمي الذكواني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من صالحي أصحابه. أثنى عليه المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رماه أهل الإفك، فقال: ما علمت منه إلا خيراً. قتل بعد ذلك في سبيل الله عزّ وجلّ في غزوة إرمينية سنة تسع عشرة، ويقال: مات بالجزيرة بناحية سُمَيساط سنة ستين. وقبره هناك.

أقول: من قال إنه قتلك شهيداً لا يثبت. ويقال: أسلم قبل المُرَيسيع، وكان على ناقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وضرب حسن بن ثابت بالسيف لما هجاه. فلم يقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له: خبيث اللسان، طيب القلب. وشهد فتح دمشق. قالوا: وشهد الخندق ومشاهده كلها. وكان مع كرز بن جابر الفِهري في طلب العرنيين الذين أغاروا على لقاح سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الْجُدُر. حدث صفوان بن المعطل قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فرمقتُ صلاته، فصلى العشاء الآخرة ثم نام. فلما كان نصف الليل استنبَهَ فتلا العشر آيات آخِرَ سورة آل عمران. ثم قام، ثم تسوّك ثم قام فتوضأ وصلّى ركعتين. فلا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده أطول. ثم انصرف فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك. فلم يزل يفعل كما فعل أول مرة حتى صلّى إحدى عشرة ركعة. وعن أبي هريرة قال: جاء صفوان بن المعطل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا نبي الله، إني سائلك عن أمر أنت به عالم وأنا به جاهل. قال: وما هو؟ قال: هل من ساعات من الليل والنهار ساعةٌ تُكرَه فيها الصلاة؟ قال: " نعم. إذا صليت الصبح فدع الصلاة حتى تطلع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان. ثم الصلاة محضورة متقبَّلة حتى تستوي الشمس على رأسك قيد رمح، فإذا كانت على رأسك فدع الصلاة. فإن تلك الساعة التي تُسجر فيها جهنم، وتفتح فيها أبوابها، حتى ترتفع الشمس عن حاجبك الأيمن. فإذا زالت فصلِّ، فإن الصلاة محضورة متقبَّلة، حتى تصلي العصر، ثم ذكر الصلاة حتى تغرب الشمس ". وعن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله إن زوجي

صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. قال: وصفوان عنده فسأله عما قالت فقال: يا رسول الله، أما قولها: يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتي وقد نهيتها عنها. فقال: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس. قال: وأما قولها: يفطرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ: لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها. وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عُرف لنا ذاك، إنا لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال: فإذا استيقظت فصلِّ. وفي رواية بمعناه: لا تصومي إلا بإذنه، ولا تقرئي بسورته. وأما أنت يا صفوان فإذا استيقظت فصلِّ. وحدث الحسن عن صاحب زاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ابن عون: كان يسمى سفينة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفر وراحلته عليها زادُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء صفوان بن المعطل فقال: إني قد جعت. قال: ما أنا بمطعمك حتى يأمرني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وينزل الناس فتأكل، فقال هكذا بالسيف، وكشف عرقوب الراحلة. قال: وكان إذا حزبهم أمر قالوا: احبس أول، احبس أول، فسمعوا فوقفوا. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رأى ما صنع صفوان بن المعطل بالراحلة قال له: اخرج، وأمر الناس أن يسيروا، فجعل صفوان بن المعطل يتبعهم حتى نزلوا، فجعل يأتيهم في رحالهم ويقول: إلى أين أخرجني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إلى النار أخرجني! قال: فأتَوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، ما زال صفوان يتجوّب رحالنا منذ الليلة ويقول: إلى أين أخرجني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النار أخرجني! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن صفوان بن المعطل خبيث اللسان، طيب القلب. وفي حديث آخر بمعناه: فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قولوا لصفوان: فليذهب. فلما نزلوا لم يبت تلك الليلة، يطوف في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أتى علياً فقال: أين أذهب؟ أذهب إلى الكفر! فدخل علي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن هذا لم يدعنا نبيت هذه الليلة. قال: أين يذهب؟ إلى الكفر؟ قال: قولوا لصفوان: فليلحَق.

وعن عائشة في ذكر حديث الإفك وقال: قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: " أما بعد، فأشيروا عليّ في أناس أَبَنُوا أهلي، وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قط. وأَبَنُوهم بمن! والله إن علمت عليه سوءاً قط. ولا دخل على أهلي إلا وأنا شاهد ". يعني: صفوان بن المعطل. وكان حسان بن ثابت قد كثر على صفوان بن المعطل في شأن عائشة. ثم قال بيت شعر يعرّض به فيه وبأشباهه فقال: البسيط أمسى الجلابيبُ قد عزُّوا وقد كثُروا ... وابنُ الفُريعة أمسى بيضةَ البلدِ فاعترضه صفوان بن المعطل ليلاً وهو آتٍ من عند أخواله بني ساعدة، فضربه بالسيف على رأسه، فيغدو عليه ثابت بن قيس بن شماس، فجمع يديه إلى عنقه بحبل أسود، وانطلق به إلى دار بني حارثة، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال له: ما هذا؟! فقال: ما أعجبك، عدا حسان بالسيف. فوالله ما أراه إلا قد قتلته. فقال: هل علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما صنعت به؟ فقال: لا، فقال: والله، لقد اجترأت، خلّ سبيله فسنغدو على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنعلمه أمره، فخلّى سبيله. فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا له ذلك فقال: أين ابن المعطل؟ فقام إليه فقال: ها أنا يا رسول الله، فقال: ما دعاك إلى ما صنعت؟! فقال: يا رسول الله. آذاني وكثر علي. ثم لم يرض حتى عرّض في الهجاء فاحتملني الغضب. وهذا أنا، فما كان عليّ من حق فخذني به، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادع لي حسان، فأُتي به، فقال: يا حسان: أتشوَّهتَ على

قوم أن هداهم الله للإسلام؟! يقول: نفست عليهم يا حسان، أحسن فيما أصابك فقال: هي لك يا رسول الله، فأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرين القبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان، أعطاه أرضاً كانت لأبي طلحة، تصدق بها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما كانت عائشة رضي الله عنها تذكر حسان إلا بخير. ولقد سمعت عروة بن الزبير يوماً يسبُّه لما كان منه فقالت: لا تسبّه يا بني، أليس هو الذي يقول: فإنّ أبي ووالدَه وعِرضي ... لعِض محمدٍ منكم وِقاءُ؟ وعن الحسن قال: لما قال حسان بن ثابت في شأن عائشة رضي الله عنها ما قال حلف صفوان بن المعطل لئن أنزل الله عذره ليضربن حسان ضربة بالسيف. فلما أنزل الله عذره ضرب حسان على كتفه بالسيف فأخذه قومه فأتوا به وبحسان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفعه إليهم ليقضوا فلما أدبروا بكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل لهم. هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبكي. يبكي فارجعوا به فتركه حسان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا حسان فإنه يحب الله ورسوله. أو كما قال. وعن صفوان بن المعطل قال: خرجنا حجاجاً. فلما كنا بالعَرج إذا نحن بحيّة تضطرب، فلم تلبث أن ماتت، فأخرج لها رجل خرقة من عَيبته فلفها فيه ودفنها، وخدّ لها في الأرض. فلما أتينا مكة، فإنا لبالمسجد الحرام غذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب عمرو بن جابر؟ قلنا: ما نعرفه. قال: أيكم صاحب الجانّ؟ قالوا: هذا. قال: جزاك الله خيراً، أما إنه قد كان من آخر السبعة موتاً الذين أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمعونالقرآن. حدث موسى بن مهران السنجاري أن عكرمة بن أبي جهل انتهى إلى آمد، ووجّه صفوان بن المعطل إلى إرمينية الرابعة ففتحها الله عليه. وأنه حاصر حصناً يقال له: بولا في بعث فرموه فقتلوه، فدفن قدام الحصن قريباً من عينٍ هنالك.

صفوان بن وهب بن ربيعة

قال أبو إسحاق السنجاري: أتينا بولا في بعث، فقال لي شيخ من أهلها قد بلغ مئة سنة أو زاد عليها: أتريد أن أريك قبر صفوان بن المعطل؟ قلت: نعم، فإذا هو من بابها رمية بحجر. وقال: رمينا فقتلناه. قال: فبلغ عمر قتله، فدعا علينا دعوة إنا لنعرفها إلى الساعة. صفوان بن وهب بن ربيعة ابن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث بن فهر أبو عمرو القرشي الفهري، المعروف بابن بيضاء وهي أمه، واسمها دعد بنت جحدم بن عمرو بن عائش له صحبة. شهد مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً، واستشهد بها. ويقال: بل عاش بعدها إلى أن مات في طاعون عمواس بناحية الأردن. عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد الله بن جحش قِبَل الأبواء، فغنموا، وفيهم نزلت: " يَسأَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قتال فِيهِ " الآية. وسهيل بن بيضاء أخو صفوان، وهو الذي مشى إلى النفر القرشيين في الصحيفة التي كتبها مشركو قريش على بني هاشم. وفي ذلك يقول أبو طالب: الطويل هُمُ رجعُوا سهلَ بن بيضاءَ راضياً ... فسُر أبو بكرٍ بها ومحّمدُ وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلى. وقتلا يوم بدر جميعاً. وهو من المهاجرين الأولين. قتله طُعيمة بن عدي يوم بدر. وقيل: توفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين. وإنه لم يقتل يوم بدر، وإنه شهد المشاهد مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

صفوان بن يسرة بن صفوان

صفوان بن يَسَرة بن صفوان ابن جميل. أبو العباس اللخمي البلاطي حدث عن آدم بن أبي إياس بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَن كذب عليَّ فليَلجِ النار ". وحدث صفوان بن يسرة عن بعض إخوانه قال: بلغنا أن قوماً وقفوا براهب فوجدوه يبكي فقالوا: ما الذي أبكاك؟ قال: ذِكر المعاد، وتخوف النداء. قالوا: فما أعددت لذلك؟ قال: وأين تبلغ العدة؟ إنما هو عفو الله أو النار. يَسَرة بفتح الياء والسين المهملة. الصفر بن رستم ويقال: السّقر أبو سليمان الدمشقي روى عن بلال بن سعد قال: ثلاث لا يقبل معهن عمل: الشرك، والكفر، والرأي. قيل: يا أبا عمرو، ما الرأي؟ قال: يترك كتاب الله تبارك وتعالى، وسُنَّة نبيّه صلاة الله وسلامه عليه ويقول برأيه.

الصلت بن بهرام

الصلت بن بَهرام أبو هاشم - ويقال: أبو هشام - التيمي - ويقال: الهلالي - الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث الصلت بن بهرام عن شقيق عن البراء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر. وحدث الصلت بن بهرام عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاثة يدعون الله فلا يُستجاب له: رجل أعطى ماله سفيهاً، وقد قال الله عزّ وجلّ: " وَلاَ تُؤْتُوْا السُّفَهَاءَ أَمْوَالُكُمْ " ورجل له امرأة سيئة الخلق فلا يطلقها، ورجل بايع ولم يُشهد. الصلت بن دينار أبو شعيب البصري، المعروف بالمجنون الأزدي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مَغيبه. وحدث الصلت بن دينار عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله. وحدث الصلت قال: صليت مع عمر بن عبد العزيز فلسم واحدة.

الصلت بن عبد الرحمن

قال محمد بن سعد: الصلت بن دينار ضعيف، ليس بشيء. قال يحيى بن سعيد: ذهبت أنا وعوف نعُود الصلت بن دينار، فذكر الصلت علياً عليه السلام فنال منه، فقال عوف: مالك يا أبا شعيب؟! لا رفع الله الضر عنك. وفي رواية أخرى: فقال عوف: لا شفاك الله يا أبا شعيب. الصلت بن عبد الرحمن الزبيدي الكوفي سكن دمشق. حدث عن سفيان الثوري بسنده عن عمران بن حصين: أن عياض بن حِمَار المجاشعي ثم النهشلي أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرساً قبل أن يسلم، فقال: إن أكثره زَبْد المشركين. وحدث عن سفيان أيضاً بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أشرع أحدكم بالرمح إلى الرجل فإن كان سنانه عند ثغرة نحره فقال: لا إله إلا الله فليرفع عنه الرمح. وحدث عن سفيان أيضاً بسنده عن ابن عمر قال: رجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهودياً ويهودية. الصلت والد العلاء من أهل خراسان. وفد على عمر بن عبد العزيز.

صمدون بن الحسين بن علي

حدث الصلت قال: أبردني الجراح وعبد الرحمن بن صبح الأزي إلى عمر بن عبد العزيز، فقدمنا عليه، وإنه لقاعد كأحد أصحابه فما عرفناه حتى قيل لنا إنه عمر، فسلّمنا عليه، ودفعنا إليه الكتب من الجراح، ورفعنا إليه حوائجنا. صمدون بن الحسين بن علي ابن الحسين بن يحيى بن هارون، أبو الحسن الصوري توفي ببانياس سنة إحدى وسبعين وأربع مئة. حدث عن عبد الوهاب بن الحسين الغزال بسنده عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعوذ من ثمان: من الهم، والحزن، والعجز، والكسل، ومن الجبن، والبخل، ومن ضَلَع الدَّين، وغلبة العدو. صُهيب بن سنان بن مالك ابن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن جُذيمة بن كعب ابن منقذ بن العُريان ابن حي بن زيد مناة بن عامر بن الضَّحيان ابن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قساط بن هِنْب بن أفصى ابن دُعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار وفي نسبه اختلال - أبو يحيى - وقيل: أبو غسان - النمِري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ممن شهد بدراً. وهو المعروف بصهيب الرومي.

كان من أهل الموصل. فسبته الروم وهو صغير، وأعتقه عبد الله بن جدعان. ويقال: هو حليفه، وكان أصابه سِباء بالروم، ووافَوا به الموسم، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي، فأعتقه. وأم صعيب سلمى بنت قعيد بن مهيص بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. وكان النعمان استعمل أباه سنان على الأُبُلَّة. وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب. حدث صهيب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ناداهم " منادٍ " يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً لم تَروه. قالوا: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ويُبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب تعالى، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه. ثم تلا هذه الآية: " لِلَّذِيْنَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيَادَةٌ " ". حدث الشعبي عن سويد بن غفلة قال: لما قدم عمر الشام قام إليه رجل من أهل الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين، إن رجلاً من المسلمين صنع بي ما ترى، وهو مشجوج مضروب، فغضب عمر غضباً شديداً ثم قال لصهيب: انطلق فانظر مَن صاحبه، فأتني به. قال: فانطلق صهيب، فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال: إن أمير المؤمنين قد غضب عليك غضباً شديداً، فأت معاذ بن جبل فليكلمه، فإني أخاف أن يجعل إليك. فلما قضى عمر الصلاة قال: أين صهيب؟ أجئت بالرجل؟ قال: نعم. قال: وقد كان عوف بن مالك أتى معاذاً وأخبره بقصته، فقام معاذ فقال: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك، فاسمع منه، ولا تعجل

إليه. فقال له عمر: مالك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيت هذا يسوق بامرأة مسلمة على حمار فنخس بها لتصرع، فلم تصرع، فدفعها فصرعت، فغشيها - أو أكب عليها - قال: ائتني بالمرأة، فلتصدّق ما قلت، فأتاها عوف بن مالك، فقال له أبوها وزوجها: نحن نذهب فنبلغ عنك. فأتيا عمر فأخبراه بمثل قول عوف. فأمر عمر باليهودي فصلب. وقال: ما على هذا صالحناكم، ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله في ذمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له. قال: قال سويد: وذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في الإسلام. كان سنان، أبو صهيب عاملاً لكسرى على الأُبُلّة، وكانت منازلهم بأرض الموصل، ويقال: كانوا في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل. فأغارت الروم على تلك الناحية، فسبت صهيباً وهو غلام صغير، واسم القرية التي كان أهله بها الثَنِيّ. ونشأ صهيب بالروم، فصار ألْكن، فابتاعته كلب منهم، وقدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي منهم، فأعتقه، وأقام معه بمكة إلى أن هلك عبد الله بن جدعان. وبُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراد الله به من الكرامة، ومنّ به عليه من الإسلام. وأما أهل صهيب فإنهم يقولون: بل هرب من الروم حين بلغ وعقل. فقدم مكة فحالف عبد الله بن جدعان وأقام معه إلى أن هلك. وكان صهيب رجلاً شديد الحمرة، ليس بالطويل ولا القصير. وهو إلى القصر أقرب. وكان كثير شعر الرأس. وكان يخضب بالحناء. وشهد صهيب بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويقال: إن صهيباً سبته الروم من الموصل فأعتقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكناه أبا يحيى. وحدث صهيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب صهيباً حبّ الوالدِ ولدّه ". وقال صهيب: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يوحى إليه.

وعن عمار بن ياسر قال: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فقلت له: ما تريد؟ قال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد، فأسمع كلامه. قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون. فكان إسلام عمار وصهيب بعد بضعةٍ وثلاثين رجلاً. وعن أم هانىء قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السباق أربعة: أنا سابق العرب، وسلمان سابق فارس، وصهيب سابق الروم، وبلال سابق الحبش. وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنا سابق العرب إلى الجنة، وصهيب سابق الروم إلى الجنة، وبلال سابق الحبشة إلى الجنة. وسلمان سابق الفرس إلى الجنة ". وعن عمر بن الحكم قال: كان عمار بن ياسر يعذَّب حتى لا يدري ما يقول. وكان صهيب يعذَّب حتى لا يدري ما يقول. وكان أبو فكيهة يعذَّب حتى لا يدري ما يقول. وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية: " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِيْنَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ". قال مجاهد: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وبلال، وخبّاب، وصهيب، وعمار، وسمية أم عمار. قال: فأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه عمه، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأُخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجَهد منهم كلَّ مبلغ فأعطوهم ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدْم

فيها الماء فألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا بلالاً. فلما كان العشي جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث، ثم طعنها فقتلها، فهي أول شهيد استشهد في الإسلام، إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله حتى ملّوه، فجعلوا في عنقه حبلاً ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشِبَيْ مكة فجعل بلال يقول: أحدٌ أحدٌ. وعن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: " ومِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِيْ نَفْسَهُ ابتغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ " قال: نزلت في صهيب وفي نفر من أصحابه، أخذهم أهل مكة، فعذّبوهم ليرُّوهم إلى الشرك بالله، منهم عمار وأمه سمية وأبو ياسر، وبلال وخبّاب وعابس مولى حويطب بن عبد العزى. أخذهم المشركون فعذبوهم. وعن عروة بن الزبير قال: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في الله بمكة. وعن ابن مسعود قال: مرَ الملأ من قريش على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده خبّاب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء؟! أتريد أن نكون تبعاً لهؤلاء؟! فنزلت: " وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أن يَحْشَرُوْا إلى رَبِّهِمْ " إلى قوله: " فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُوْنَ مِنَ الظَّالِمِيْنَ ". وعن خباب بن الأرتْ " " ولا تَطْرُدِ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ " قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعُيينة بن حصن الفَزاري فوجدوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع بلال وعمار وصهيب وخباب في أناس من الضعفاء من المؤمنين. فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نحب أن نجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا بها العرب فضلنا، فإن وفود

العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا قعوداً مع هؤلاء عندك. فإذا نحن جئنا فافهم عنها، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: نعم. قالوا: فاكتب عليك كتاباً، فدعا بالصحيفة ليكتب لهم، ودعا علياً ليكتب. فلما أراد ذلك - ونحن قعود في ناحية - إذ نزل جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: " ولا تَطْرُدِ الذينّ يدعونَ رَبَّهُم بالغداةِ والعَشِيِّ يُرِيْدُونَ وجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ " الآية. ثم ذكر الأقرع وصاحبه. قال: " وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ " الآية. وقال: " وإِذَا جَاءَ الَّذِيْنَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ " الآية. فرمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصحيفة، ودعانا فأتيناه وهو يقول: سلامٌ عليكم، فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس معنا. فإذا أرد أن يقوم قام وتركنا. فأنزل الله عزّ وجلّ: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ والعَشِّيِّ يُريْدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " يقول: ولا تجالس الأشراف " وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا واتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ". فأما الذي أغفل قلبه فهو عيينة والأقرع. وأما. فرطاً. ضرب لهم مثلاً رجلين ومثل الحياة الدنيا. قال: فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإذا بلغنا الساعة التي كنا نقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم. وإلا صبر أبداً حتى نقوم. وعن أبي سلم بن عبد الرحمن قال: جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هؤلاء الأوس والخزرج قاموا بنُصْرة هذا الرجل، فما بال هؤلاء؟! قال: فقام مُعاذ فأخذ بتلبيبه حتى أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بمقالته، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضباً يجر رداءه حتى دخل المسجد ثم نودي الصلاة جامعة، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: " يا أيها الناس، إن الربّ ربّ واحد، وإن الأب أبٌ واحد، وإن الدين دينٌ واحد. ألا وإن

العربية ليست لكم باب ولا أم، إنما هي لسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ". فقال معاذ - وهو آخذ بتلبيبه -: يا رسول الله، ما تقول في هذا المنافق؟ فقال: " دعه إلى النار ". قال: فكان فيمن ارتد، فقتل في الرِّدة. قال: هذا حديث مرسل غريب. وعن مجاهد قوله عزّ وجلّ: " مَالَنَا لاَنَرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشرَارِ " قال أبو جهل: ما لنا لا نرى خباباً وصهيباً وعماراً اتخذناهم سِخريّاً في الدنيا، أم هم في النار فزاغت عنهم أبصارنا؟. ولما أراد صهيب الهجرة إلى المدينة قال له أهل مكة: أتيتنا هاهنا صعلوكاً حقيراً فتغيَّر حالك عندنا، وبلغت ما بلغت. تنطلق بنفسك ومالك؟ والله لا يكن ذلك. قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمُخلُّون أنتم سبيلي؟ قالوا: نعم. فخلع لهم ماله أجمع فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ربح صهيب، ربح صهيب ". وعن صهيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُريتُ دار هجرتكم: سبخة بين ظهرانّي حَرَّة. فإما أن تكون هَجَر أو تكون يثرب ". قال: وخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وخرج معه أبو بكر، وكنت قد هممت بالخروج معه، فصدني فتيان من قريش، فجعلت ليلتي تلك أقوم، لا أقعد، فقالوا: لقد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكياً - فناموا، يعني: فخرجت فلحقني منهم ناس بعدما سرت بريداً. أبردوني فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقاً من ذهب وتخلّون سبيلي وتوثقون لي؟ ففعلوا، فتبعتهم إلى مكة، فقلت: احفِروا تحت أسكُفَّه الباب فإن تحتها الأواق، واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحُلَّتينْ. وخرجت حتى قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُباء قبل أن يتحول منها. فلما رآني قال: " يا أبا يحيى، ربح البيع، ثلاثاً ". فقلت: يا رسول الله، ما سبقني إليك أحد، وما أخبرك إلا جبريل.

وعن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجراً إلى المدينة، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتشل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله، لا تصلون إلى حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضربكم بالسيف ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دَلَلْتكم على مالي، وخلَيتم سبيلي. قالوا: نعم، ففعل. فلما قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع ". قال: فنزلت: " وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِيْ ابتغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ واللهُ رَؤُوْفٌ بِالعِبَادِ ". وعن بن جريج في قوله: " وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرَيْ نَفْسَهُ " نزلت في صهيب بن سنان وأبي دّروان الذي أدرك صهيبً بطريق المدينة قُنفُذ بن عمير بن جدعان. وعن عمر بن الحكم قال: قدم صهيب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بقباء، ومعه أبو بكر وعمر وبين أيديهم رُطَب قد جاءهم به كلثوم بن الهِدْم أمهات جرادين، وصهيب قد رمد بالطريق، وأصابته مجاعة شديدة، وقع في الرطب، فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترى إلى صهيب يأكل الرطب وهو رمِد؟! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تأكل الرطب وأنت رَمِد؟! " فقال صهيب: إنما آكله بشق عيني الصحيحة، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل صهيب يقول لأبي بكر: وعدتني أن نصطحب، فخرجت وتركتني، ويقول: وعدتني يا رسول الله أن تصاحبني، فانطلقت وتركتني فأخذتني قريش، فحبسوني، ويقول: فاشتريت أهلي بمالي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ربح البيع ". فأنزل الله عزّ وجلّ: " وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِيْ ابتغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ ". وقال صهيب: يا رسول الله، ما تزودت إلا مداً من دقيق عجنته بالأبواء حتى قدمت عليك. وعن صهيب قال: لم يشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشهداً قط إلا كنت حاضره. ولم يبايع بيعة قط إلا كنت

حاضره، ولم يسير سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا عزاة قط أول الزمان وآخره إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله. وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم. وما جعلت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبين العدو قط، حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن صهيب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تبغضوا صهيباً ". وعن عائذ بن عمرو أن سلمان وصهيباً وبلالاً كانوا قعوداً في أناس فمرّ بهم أبو سفيان بن حرب فقالوا: ما أخذت سيوف الله تبارك وتعالى من عنق عدو الله مأخذها بعد، فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟! قال: فأُخبر بذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، فلئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك تبارك وتعالى. فرجع إليهم فقال: أي إخوتنا، لعلكم غضبتم، فقالوا: لا يا أبا بكر. يغفر الله لك. وعن صهيب أن أبا بكر مرّ بأسير له يستأمن له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصهيب جالس في المسجد، فقال لأبي بكر: من هذا معك؟ قال: أسير لي من المشركين أستأمن له من رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال صهيب: لقد كان في عنق هذا موضع للسيف، فغضب أبو بكر، فقال: لقد كان في رقبة هذا موضع للسيف. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلعلك آذيته. فقال: لا والله، فقال: لو آذيته لآذيت الله ورسوله. حدث صيفي بن صهيب قال: قلنا لأبينا: يا أبانا، لِمَ لا تحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يحدث أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أما إني قد سمعت كما سمعوا، ولكني يمنعني من الحديث عنه أني سمعته يقول: مَن كذب علي متعمداً كلف يوم القيامة أن يعقد طرفي شعره، ولن يقدرعلى ذلك. وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تزوج امرأة ومن نيته أن يذهب بصداقها لقي الله عزّ وجلّ وهو زان حتى يتوب ". وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ادان

بدَين وهو يريد ألا يفيّبه لقي الله سارقاً حتى يتوب ". وفي حديث آخر بمعناه: مَن كذب عليّ متعمداً فيلتبوّأ مقعده من النار، ولكن سأحدثكم بحديث حفظه قلبي، ووعاه سمعي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما رجل تزوج امرأة ومن نيته أن يذهب بصداقها فهو زان حتى يموت. وأيما رجل بايع رجلاً بيعاً ومن نيته أن يذهب بحقه فهو خائن حتى يموت ". قال عمر لصهيب: أيّ رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك. قال: وما هنّ؛ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم. وفيك سَرَف في الطعام. قال: أما قولك: اكتنيت ولم يولد لك فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كناني أبا يحيى. وأما قولك: انتميت إلى العرب وأنت من الروم فإني رجل من النّمِر بن قاسط، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي، وأما قولك: فيك سرف في الطعام فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خياركم من أطعم الطعام ". وفي حديث آخر بمعناه: وأما ادّعائي إلى النمِر بن قاسط فإني امرؤ منهم، ولكني استُرضع لي بالأُبُلَّة. فهذه من ذاك. وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق؟ وفي حديث آخر بمعناه: وأما قولك: إني لا أمسك شيئاً فإن الله عزّ وجلّ يقول: " وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِيْنَ ".

صيفي بن الأسلت

وعن عبد الله بن عمر قال: قال عمر: إن حدثَ بي حَدَثٌ فليُصلّ الناس صهيب ثلاث ليال، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث ". قال سعيد بن المسيب: لما توفي عمر نظر المسلمون فإذا صهيب يصلي بهم المكتوبات بأمر عمر، فقدموا صهيباً فصلّى على عمر. توفي صهيب بالمدينة، وهو ابن سبعين سنة. ودفن بالبقيع. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. وكان رجلاً حمر، شديد الصُهْبَة تحتها حمرة. وتوفي سنة ثمان وثلاثين. وقيل: توفي وهو ابن أربع وثمانين. وصلّى عليه سعد بن أبي وقاص. صَيفي بن الأَسلت واسم الأسلت عامر بن جُشَم بن وائل بن زيد بن قيس ابن عامر بن مرّة بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمر أبو قيس الأنصاري الوائلي الشاعر أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد وفد على آل جفنة. ويقال: إن اسم صيفي عبدُ الله. وكان أبو قيس بن الأسلت يُعدل بقيس بن الخطيم في الشعر والشجاعة. وهو الذي وقف بأوس الله يحضهم على الإسلام. وقد كان أبو قيس قبل قدوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتألّه ويدّعى الحنيفية ويحض قريشاً على اتباع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقام في أوس الله فقال: أسفوا إلى هذا الرجل، فإني لم أر خيراً قط إلا أوله أكثره، ولم أرد شرّاً قط إلا أوله أكثره، ولم أر شرّاً قط إلا أوله أقلّه. فبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فلقيه فقال له: لُذت من حربنا كل ملاذ. مرة تطلب الحلف إلى قريش، ومرة باتباع محمد. فغضب أبو قيس وقال: لا جرم والله لا اتبعته إلا آخر الناس فزعموا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليه وهو يموت أن قُلْ: لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة فسُمع يقولها. وامرأته أول امرأة حَرُمت على ابن زوجها. وفيها نزلت " ولا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ ما قَدْ سَلَفَ " ومضت بدرٌ وأحد ولم يُسلم

من أوس الله أحد إلا أربعة نفر من بني خطمة: خزيمة بن ثابت بن الفاكه، وعمير بن عدي بن خرشة، وحبيب بن خُماشة، وحَميضة بن رُقَيم الخطميون. كلهم شهد أحداً وما بعدها من المشاهد، فلذلك ذهبت الخزرج بالعدة فيمن شهد بدراً. وقيس بن أبي قيس بن الأسلت صحب سيدنا صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد أحداً. ولم يزل في المشاهد حتى بعثه سعد بن أبي وقاص طليعة له حين خرج إلى الكوفة. فلم يدر حتى هجم على مَسلحة بالعُذَيب للعجم، فشدا عليه، فقاتلوه حتى قتل يومئذ. وروى جماعة أن لم يكن أحد من الأوس والخزرج أوصف للحنيفية ولا أكثر مسألة عنها من أبي قيس بن الأسلت. وكان قد سأل مَن بيثرب من اليهود عن الدين فدعوه إلى اليهودية، فكاد يقاربهم ثم أبى ذلك، وخرج إلى الشام إلى آل جفنة، فتعرضهم فوصلوه. وسأل الرهبان والأخبار فدعوه إلى دينهم فلم يُرده وقال: لا أدخل في هذا أبداً، فقال له راهب بالشام: أنت تريد دين الحنيفية. قال أبو قيس: ذاك الذي أريد، فقال الراهب: هذا وراءك، من حيث خرجت دين إبراهيم، فقال أبو قيس: أنا على دين إبراهيم، وأنا أدين به حتى أموت عليه. ورجع أبو قيس: خرجت إلى الشام أسأل عن دين إبراهيم فقيل لي: هو وراءك، فقال له زيد بن عمرو: قد استعرضت الشام والزيرة ويهود يثرب فرأيت دينهم باطلاً. وإن الدين دين إبراهيم: كان لا يشرك بالله شيئاً، ويصلي إلى هذا البيت، ولا يأكل ما ذبح لغير الله. فكان أبو قيس يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد بن عمرو بن نفيل. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وقد أسلمت الخزرج وطوائف من الأوس: بنو عبد الأشهل كلها، وظَفَر وحارثة، ومعاوية وعمرو بن عوف إلا ما كان من أوس الله وتيم وائل وبنو خطمة وواقف، وأمية بن زيد

مع أبي قيس بن الأسلت، وكان رأسها وشاعرها وخطيبها، وكان يقودهم في الحرب. وكان قد كان أن يسلم، وذكر الحنيفية في شعره. وكان يذكر صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما تخبره به يهود، وأن مولده بمكة ومهاجره يثرب. فقال بعد أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا النبي الذي بقي وهذه دار هجرته. فلما كانت وقعة بعاث شهدها. وكان بين قدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقعة بعاث خمس سنين. وكان يُعرَف بيثرب، يقال له الحنيف. فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قيل له: يا أبا قيس: هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: أجل، قد بُعث بالحق. وجاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلام تدعو؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وذكر شرائع الإسلام. فقال أبو قيس: ما أحسن هذا وما أجمله! أنظر في أمري ثم أعود إليك، فكاد يسلم، فلقيه عبد الله بن أُبيّ فقال: من أين؟ فقال: من عند محمد. عرض علي كلاماً ما أحسنه! وهو الذي كنا نعرف، والذي كانت أحبار اليهود تخبرنا به، فقال له عبد الله بن أبي: كرهت والله حرب الخزرج. قال: فغضب أبو قيس وقال: والله لا أسلم سنة. ثم أنصرف إلى منزله، فلم يعد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مات قبل الحول. وذلك في ذي الحجة على رأس عشرة أشهر من الهجرة. وروي عن أشياخهم أنهم كانوا يقولون: لقد سُمع يوحّد عند الموت. وأبو قيس بن الأسلت هو القائل: " السريع " مَن يذقِ الحربَ يجدْ طعمها ... مرّاً وتتركْهُ بجَعجاعِ قد حصَّت البيضة رأسي فما ... أطعمَ نوماً غير تهجاع أسعى على جل بني مالك ... كل امرىءْ في شأنه ساع ليس قطاً مثلُ قُطَيٍّ ولاال ... مَرْعِيُّ في الأقوام كالراعي

وأضرب القَوْنس يوم الوغى ... بالسيفِ ما ينقضي به باعي قال الهيثم بن عدي: كنا جلوساً عند صالح بن حسان فقال: أنشدوا بيتاً شريفاً في امرأة خَفِرة، قلنا: قول حاتم الطائي: الطويل يضيء لها البيتُ الظليمُ خصاصُهُ ... إذا هي يوماً حاولت أن تبسَّما فقال: أريد أحسن من هذا. قلنا: قول الأعشى: " البسيط " كأنّ مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السحابة لا رَيث ولا عجَلُ قال: أريد أحسن من هذا: قلت: بيت ذي الرمة: " الطويل " تنوء بأخراها فلأياً قيامُها ... وتمشي الهويني من قريبٍ فتَبهَرُ قال: أريد أحسن من هذا. قلنا: ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت: " الطويل " وتكرمُها جاراتُها فيزرنها ... وتعتل عن إتيانهنَّ فتُعْذَرُ ثم قال: أتدرون أحسن بيت وصفت به الثريا؟ قلت: بيت ابن الزبير " الطويل " وقد لاحَ في الجوّ الثريا كأنّه ... بهِ رايةٌ بيضاءُ تخفق للطعنِ قال: أريد أحسن من هذا. قلنا بين امرىء القيس.

صيفي بن فسيل

إذا ما الثريا في السماء تعرَّضت ... تعرُّض أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ قال: أريد أحسن من هذا. قلت بيت ابن الطثَريَّة: إذا ما الثريا في السماءِ كأنها ... جُمانٌ وهي من سلكِه فتسرَّعا قال: أريد أحسن من هذا. قلنا ما عندنا شيء. قال: بيت أبي قيس بن الأسلت: وقد لاحَ في الجوّ الثريا لِمن رأى ... كعنقودِ ملاّحيّةٍ حين نوّرا قال الحافظ: روي هذا الخبر الملاّحية بتشديد اللام. قال: ولغة العرب الفصيحة السائرة: ملاحية. يقولون: عنب ملاحي، ورواة الحديث والأخبار الذي لا علم لهم بكلام العرب يغلطون في هذا كثيراً وفيما أشبه. قال: وأرى أن الذي أوقعهم في هذا أنهم لما رأوا في هذا البيت ظهور الزحاف فيها إذا رُوي مخففاً على الوجه الصحيح، وسلامته من ذلك إذا شُدّد، ثم لم يعلموا جواز الزحاف واطراده، وظهور استعماله. وإن أكثر الشعر مُزاحَف. ومالا زحاف فيه قليل نَزْر جداً. وهذا البيت من الطويل الثاني. والزحاف فيه ذهاب ياء مفاعلين ورده إلى مفاعلن ويسمى القبض لذهاب الخامس. وقد تسقط نون مفاعلين على معاقبة القبض فيه، وهو ذهاب الياء. ولا يجتمعان في السقوط وهو الكف لذهاب السابع. صيفي بن فسَيل ويقال: فشيل الربعي الشيباني الكوفي من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وهو ممن قُدم به مع حُجر بن عدي عذراء وقتل معه. حدث أب المليح الهذلي قال: بعثني الحكم بن أيوب إلى شبهة بنت عمير الشيبانية أسألها، فحدثتني أن زوجها

صيفي بن فشيل نُعي لها من قَنْدابيل فتزوجت بعده العباس بن طريف القيسي. ثم إن زوجها الأول قدم، فأتينا عثمان بن عفان وهو محصور، فأشرف علينا فقال: أتقضى بينكم وأنا على هذه الحال؟ ّ فقلنا: قد رضينا بقولك، فقضى أن يخير الزوج الأول بين الصداق وبين امرأته، ثم قتل عثمان، فأتينا علياً فأخذ مني ألفين ومن زوجي ألفين، وهو صداقه الذي كان جعل للمرأة. قال: وكانت له أم ولد قد تزوجت من بعده، وولدت لزوجها أولاداً فردّها عليه وولدها. وعن قيس بن عباد الشيباني أنه جاء إلى زياد فقال له: إن امرأَ منا من بني همام يقال له صيفي بن فشيل من رؤوس أصحاب حجر، وهو أشد الناس عليك، فبعث زياد فأتى به، فقال: يا عدو الله، ما تقول في أبي تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب. قال: ما أعرفَك به! قال: ما أعرفه. قال: أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلى. قال: فذاك أبو تراب. قال: كلا، ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب شرطته: يقول لك الأمير: هو أبو تراب، وتقول أنت لا؟! قال: وإن كذب الأمير، أريد أن أكذب. أو أشهد له على باطل كما شهد؟! قال له زياد: وهذا أيضاً مع ذنبك علي بالعصا، فأُتي بها وقال: ما قولك في علي؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين. قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض، فضربوه حتى لصق بالأرض ثم قال: أقلعوا عنه. إيه، ما قولك في علي؟ قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمُدى ما قلت في علي إلا ما سمعتَ مني. قال: أتلعنَنَّه أو لأضربن عنقك؟ قال: إذن تضربها والله قبل ذلك، فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله، وشقيت أنت. قال: ادفعوا في رقبته. ثم قال: أوقِروه حديداً وألقُوه في السجن. قتل صيفي في سنة إحدى وخمسين مع حجر بن عدي، ومحرز بن شهاب، وقبيصة بن حرملة، وقيل: في سنة ثلاث وخمسين. أسماء الرجال على

حرف الضاد المعجمة

حرف الضاد المعجمة الضحاك بن أحمد بن الضحاك ابن محمد بن عبد الجبار. أبو العشائر المقرىء الخولاني حدث بدمشق عن عبد الله بن علي بن عبد الرحمن الأزدي بسنده عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أفطر يوماً من رمضان من غير علة فعليه صوم شهر ". الضحاك بن زمل بن عبد الرحمن ويقال: ابن زمل بن عبد الله ويقال: ابن زمل بن عمرو السكسكي من أهل بيت لهيا، من قرى دمشق. حدث عن أبي أسماء السكسكي عن عمرو بن مرّة الجُهَني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار ". قال الضحاك بن زمل: إن معاوية قال لزياد: ما بلغ من سياستك يا أبا المغيرة؟ قال: أقمتُهم بعد جَنَف، وكففتهم عما لا يُعرف بما يعرف، فأذعن المعاند عن الحقّ رغبة، وخضع المبتدع رهبة. قال: وبِم صيَّرتهم إلى ذلك؟ قال: بالمرهَفات القواضب، أمضيتها بالعزم، يتبعه الحزم. قال: لكني ضبطت ملكي بالحلم عند انبراء القوي الألدّ مع توددي إلى العامة، وأداء حقوقهم، وتعقيب بعوثهم، فسلمت لي الصدور عفواً، وانقادت الإحنة طوعاً. فأنا أسْوَس منك. قال: صدقت.

قال الضحاك بن زمل: شهدت سليمان بن عبد الملك وهو يعرض الخيل بدابق، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن " أبينا " هلك، وعمد " أخانا " فأخذ " مالُنا " فقال: لا رحم الله أباك، ولا آجر أخاك، ولا ردّ عليك مالك. يا غلام، السوط. قال: فأول سوط ضُرب قال: بُسْم الله. قال: دعوا عدوّ الله، لو كان تاركاً اللحن في وقت لتركه الآن. قال الضحاك بن زمل ليزيد بن عبد الملك: " الطويل " حليمٌ إذا ما نالَ عاقبَ مُجملاً ... أشدّ العقابِ وعفا لم يثرّبِ فعفواً أمير المؤمنين وحسبةً ... فما تحتسبْ من صالحٍ لكَ يُكتبِ أساؤوا فأن تعفُ فإنك قادرٌ ... وأفضلُ حلمٍ حسبةً حلمُ مغضَبِ وقيل: هذه الأبيات لكثرة عزة. قال خليفة العصفري: لما أدخلوا آل المهلب بن أبي صفرة على يزيد بن عبد الملك قام كُثَيِّر بن أبي جمعة الذي يُقال له كثير عزة، فقال: حليم إذا ما نال عاقب مجملاً الأبيات. وأردفها: نفتهم قريشٌ عن محلةِ واسط ... وذو يَمنٍ بالمشرفيّ المشطَّب فقال يزيد: أطّت بك الرحم. ولا سبيل إلى ذلك. من كان له قبل آل المهلب دم فليقم. ودفعهم إليهم حتى قُتل نحو من ثمانين.

الضحاك بن عبد الله

الضحاك بن عبد الله أبو محمد - وقيل: أبو شيبة - الهنديّ مولى أبي منصور المطرّز الهروي. قدم دمشق، وحدث بها وبصور. حدث عن علي بن محمد الطرازي بسنده عن حكيم بن حزام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اليد العليا خير من اليد السفلى. وابدأ بمن تَعُول. وفي رواية أخرى، وزاد: وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفّ يُعفهّ الله، ومن استغنى أغناه الله. الضحاك بن عبد الرحمن ابن أبي حوشب ويقال: ابن حوشب بن أبي حوشب - أبو زرعة - ويقال: أبو بشر - النصري حدث عن القاسم بن مُخَيمرة قال: تعلُّم النحو أولُه شُغل وآخره بغي. وحدث عن بلال بن سعد أنه قال في موعظته: عبادّ الرحمن؛ لو سلمتم من الخطايا فلم تعملوا فيما بينكم وبين الله خطيئة، ولم تتركوا لله طاعةً إلا جهدتم أنفسكم في أدائها إلا حُبّكم الدنيا لوسِعكم ذلك شراً لا أن يتجاوز الله ويعفو. كان الضحاك ثقة.

الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب

الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب ويقال: عَزوم أبو عبد الرحمن الأشعري من أهل الأردن. استعمله عمر بن عبد العزيز على دمشق. ومات عمر بن عبد العزيز وهو والٍ عليها. وكان من خير الولاة. حدث عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أول ما يَسأل الله عنه العبدَ يوم القيامة من النعيم أن يُقال له: ألم نصحّ جسمك ونَروِك من الماء البارد؟ ". الضحاك بن فيروز الديلمي حدث عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وعندي أُختان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طلّق أيّتهما شئت. الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر ابن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر بن مالك، أبو أنيس - ويقال: أبو أمية - ويقال: أبو عبد الرحمن - ويقال: أبو سعيد - القرشي الفهري له صحبة، حدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إنه لا صحبة له. شهد فتح دمشق، وسكنها إلى آخر عمره. وشهد صفين مع معاوية. وكان على أهل دمشق، وهم القلب. وغلب على دمشق، ودعا إلى بيعة ابن الزبير. ثم دعا إلى نفسه. حدث معاوية بن أبي سفيان - وهو على المنبر - قال: حدثني الضحاك بن قيس - وهو عدل على نفسه - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال والٍ من قريش ".

وفي رواية: " لا يزال على الناس والٍ من قريش ". إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خير شريك. فمن أشرك معي شيئاً فهو لشريكي. يا أيها الناس، اخلصوا أعمالكم لله تعالى. فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له. ولا تقولوا: هذا لله وللرحم. وفي حديث بمعناه: فإذا أحدكم أعطى أعطية، أو عفا عن مظلمة، أو وصل رحمه فلا يقولون: هذا لله، بلسانه. ولكن يعلم بقلبه. وعن الضحاك بن قيس قال: كانت أم عطية خافضة بالمدينة. فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا خفضتِ فلا تَنهَكي، فإنه أحظى للزوج، وأسرى للوَجْه ". وعن الحسن أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد بن معاوية: سلام عليك. أما بعد. فأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، فتناً كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه. يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً. يبيع أقوام خلاقهم ودينهم بعرض من الدنيا قليل. وإن يزيد بن معاوية قد مات، وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا حتى نحتال لأنفسنا. كان الضحاك مع معاوية، فولاه الكوفة، وهو الذي صلى على معاوية، وقام

بخلافته حتى قدم يزيد بن معاوية. وكان قد دعا لابن الزبير، وبايع له. ثم دعا إلى نفسه فقتله مروان بن الحكم يوم مرج راهط سنة خمس أو أربع وستين. وكان على شرط معاوية، وفي بيت أخته فاطمة بنت قيس اجتماع أهل الشورى، وخطبوا خطبهم المأثورة، وكانت امرأة نجوداً. والنَجود: النبيلة. وأم الضحاك أميمة بنت ربيع بن حِذْيَم بن عامر بن مَبْذول بن الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة. ولد الضحاك قبل وفاة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بست أو نحوها. وفاطمة بنت قيس أخت الضحاك، وكانت أكبر منه بعشر سنين. وعن معمر أن الضحاك بن قيس أمر غلاماً قبل أن يحتلم فصلى بالناس، فقيل له: أفلعت ذلك؟! قال الضحاك: إن معه من القرآن ما ليس معي. فإنما قدمت القرآن. قال معمر: وبلغني أن غلاماً في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي ولم يحتلم، وكان أكثرهم قرآناً. كان الضحاك بن قيس على الكوفة، فخطب قاعداً، فقام كعب بن عجرة فقال: لم أر كاليوم قط إمام قومٍ مسلمين يخطب قاعداً! وعن الضحاك أنه سجد في " ص " في الخطبة، وعلقمة وأصحاب عبد الله وراءه فلم يَسجُدوا. وعن الضحاك بن قيس أنه كان على دمشق، فجاءه المؤذن فسلم عليه، وقال له المؤذن: إني لأحبك لله عزّ وجلّ، فقال له الضحاك: ولكني أبغضك لله. قال: ولم تبغضني أصلحك الله؟! فقال: لأنك تتزاهى بتأذيتك، وتأخذ أجراً على تعليمك. وكان معلم كتاب.

لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان اختلف الناس بالشام. فكان أول من خالف من أمراء الأجناد النعمان بن بشير بحمص. دعا إلى ابن الزبير، ودعا زُفر بن الحارث بقنسرين لابن الزبير، ودعا الضحاك بن قيس الفهري بدمشق إلى ابن الزبير سراً لمكان من بها من بني أمية وكلب. وبلغ حسان بن مالك بن بحدل ذلك وهو بفلسطين. وكان هواه في خالد بن يزيد، فأمسك، وكتب إلى الضحاك بن قيس كتاباً يعظّم فيه حق بني أمية وبلاءهم عنده، ويذم ابن الزبير، ويذكر خلافه ومفارقته الجماعة، ويدعوا إلى أن يبايع إلى الرجل من بني حرب. وبعث بالكتاب إليه مع ناغضة بن كريب الطابخي، وأعطاه نسخة الكتاب وقال: إن قرأ الضحاك كتابي على الناس، وإلا فاقرأه أنت، وكتب إلى بني أمية يعلمهم ما كتب به إلى الضحاك، وما أمر به ناغضة، ويأمرهم أن يحضروا ذلك. فلم يقرأ الضحاك كتاب حسان، فكان في ذلك اختلاف وكلام، فسكّتهم خالد بن يزيد، ونزل الضحاك فدخل الدار. فمكثوا أياماً، ثم خرج الضحاك ذات " يوم " فصلى بالناس صلاة الصبح، ثم ذكر يزيد بن معاوية فشتمه، فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصاً، واقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك دار الإمارة، فلم يخرج، وافترق الناس ثلاث فرق: فرقة زبيرية، وفرقة بَحْدلية - هواهم لبني حرب - والباقون لا يبالون لمن كان الأمر من بني أمية. وأرادوا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان على البيعة له. فأبى، وهلك تلك الليالي. فأرسل الضحاك بين قيس إلى بني أمية فأتاه مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية فاعتذر إليهم، وذكر حسن بلائهم عنده، وأنه لم يُرِد شيئاً يكرهونه، وقال: اكتبوا إلى حسان بن مالك بن بحدل حتى ينزل الجابية، ثم نسير إليه فنستخلف رجلاً منكم، فكتبوا إلى حسان، فنزل الجابية، وخرج الضحاك بن قيس وبنوا أمية يريدون الجابية. فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور السلمي ومن معه من قيس دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأياً وفضلاً وبأساً. فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي

من كلب تبايع لابن أخته! قال: فتقولون ماذا؟ قالوا: نصرف الرايات، وننزل فنُظهر البيعة لابن الزبير، ففعل. وبايعه الناس. وبلغ ابن الزبير فكتب إلى الضحاك بعهده على الشام، وأخرج من كان بمكة من بني أمية. وكتب إلى من بالمدينة بإخراج من بها من بني أمية إلى الشام. وكتب الضحاك إلى أمراء الأجناد ممن دعا إلى ابن الزبير فأتوه. فلما رأى ذلك مروان خرج يريد ابن الزبيل ليبايع له ويأخذ منه أماناً لبني أمية، وخرج معه عمرو بن سعيد، فلقيهم عبيد الله بن زياد بأذرعات مقبلاً من العراق، فأخبروه بما أرادوا، فقال لمروان: سبحان الله، أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأبي خُبيب وأنت سيد قريش، وشيخ بني عبد مناف؟؟ والله لأنت أولى بها منه. فقال له مروان: فما الرأي؟ قال: الرأي أن ترجع وتدعو إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشاً ومواليها، فلا يخالفك منهم أحد. فرجع مروان وعمرو بن سعيد، وقدم عبيد الله بن زياد دمشق فنزل بباب الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك كل يوم فيسلم عليه، ثم يرجع إلى منزله. فعرض له يوماً في مسيره رجل فطعنه بحربة في ظهره وعليه الدرع، فأثبت الحربة، فرجع عبيد الله إلى منزله. وأمام ولم يركب إلى الضحاك. فأتاه الضحاك إلى منزله، فاعتذر إليه. وأتاه بالرجل الذي طعنه فعفا عنه عبيد الله، وقَبل من الضحاك، وعاد عبيد الله يركب إلى الضحاك في كل يوم، فقال له يوماً: يا أبا أُنيس، العجب لك - وأنت شيخ قريش - تدعو لابن الزبير وتدع نفسك، وأنت أرضى عند الناس منه، لأنك لم تزل متمسكاً بالطاعة والجماعة، وابن الزبير مشاقً، مفارق، مخالف. فادع إلى نفسك، فدعا إلى نفسه ثلاثة أيام. فقالوا له: أخذت بيعتنا وعهودنا لرجل ثم دعوتنا إلى خلعه من غير حدث أحدثه، والبيعة لك! وامتنعوا عليه. فلما رأى ذلك الضحاك عاد إلى الدعاء إلى ابن الزبير فأفسده ذلك عند الناس، وغير قلوبهم عليه، فقال له عبيد الله بن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون يتبرّز ويجمع إليه الخيل، فاخرج عن دمشق واضمم إليك الإجناد. وكان ذلك من عبيد الله بن زياد مكيدة له، فخرج الضحاك فنزل المرج، وبقي عبيد الله بدمشق، ومروان وبنوا أمية بتدمر، وخالد

وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند حسان بن مالك بن بحدل. فكتب عبيد الله إلى مروان أن ادعُ الناس إلى بيعتك، ثم سر إلى الضحاك. فقد أصحر لك. فدعا مروان بني أمية فبايعوه، وتزوج أم خالد بن يزيد بن معاوية، وهي ابنة أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، واجتمع الناس على بيعة مروان فبايعوه. وخرج عبيد الله حتى نزل المرج، وكتب إلى مروان، فأقبل في خمسة آلاف، وأقبل عبيد الله بن زياد من حُوّارين في ألفين من مواليه وغيرهم من كلب، ويزيد بن أبي النمس بدمشق قد أخرج عامل الضحاك منها. وأمدّ مروان بسلاح ورجال. وكتب الضحاك إلى أمراء الأجناد، فقدم عليه زفر بن الحارث الكلابي من قنّسرين، وأمده النعمان بن بشير الأنصاري بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص، فتوافوا عند الضحاك بالمرج. فكان الضحاك في ثلاثين ألفاً، ومروان في ثلاثة عشر ألفاً، أكثرهم رجَالة. ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقاً: أربعون منها لعباد بن زياد، وأربعون لسائر الناس. فأقاموا بالمرج عشرين يوماً، يلتقون في كل يوم، ويقتتلون. فقال عبيد الله بن زياد يوماً لمروان: إنك على حق، وابن الزبير ومن دعا إليه على باطل، وهم أكثر منك عدداً وعدة، ومع الضحاك فرسان قيس، فأنت لا تنال منهم ما تريد إلا بمكيدة، فكِدهم، فقد أحلّ الله ذلك لأهل الحق. والحرب خدعة، فادعُهم إلى الموادعة ووضع الحرب حتى تنظر. فإذا أمنوا وكفّوا عن القتال فكُرّ عليهم. فأرسل مروان إلى الضحاك يدعوه إلى الموادعة ووضع الحرب حتى ينظر، فأصبح الضحاك والقيسية فأمسكوا عن القتال، وهم يطمعون أن مروان يبايع لابن الزبير، وقد اعد مروان اصحابه. فلم يشعر الضحاك وأصحابه إلا بالخيل قد شدت عليهم، ففزع الناس إلى راياتهم وقد غشوهم وهم على غير عدة، فنادى الناس: يا أبا أُنيس، أعجزاً بعد كيس، فقال الضحاك: نعم أنا أبو أُنيس، عجز لعمري بعد كيس، فاقتتلوا، ولزم الناس راياتهم، وصبروا وصبر الضحاك، فترجّل مروان وقال: قبح الله مَن يُولِّيهم اليوم ظهره، حتى يكون الأمر لإحدى الطائفتين، فقتل

الضحاك

الضحاك بن قيس - قتله رجل من كلب، يقال له زحمة بن عبيد الله - وصبرت قيس عند راياتها، يقاتلون عندها. فنظر رجل من بني عقيل إلى ما تلقى قيس عند راياتها من القتل فقال: اللهم، العنها من رايات، واعترضها بسفيه فجعل يقطعها، فإذا سقطت الراية تفرق أهلها. ثم انهزم الناس فنادى منادي مروان: لا تتبعوا مولياً. فأمسك عنهم. وقتلت قيس بمرج راهط مَقتلة لم يُقتله في موطن قط. وكانت وقعة مرج راهط في نصف ذي الحجة سنة أربعة وستين. مرج راهط في نصف ذي الحجة سنة أربعة وستين. ولما بلغ ابن الزبير قتلُ مروان الضحاكّ بمرج راهط قام خطيباً فقال: إن ثعلب بن ثعلب حفر بالصَّحْصَحة فأخطأت استه الحفرة. والَهْف أمٍ لم تلدني على رجل من محارب كان يرعى في جبال مكة. فيأتي بالضربة من اللبن فيتبعها بالقبضة من الدقيق، فيرى ذلك سداداً من عيش، ثم أنشأ يطلب الخلافة ووراثة النبوة. الضحاك ويقال: صخر بن قيس بن معاوية بن حصين وهو مُقاعس بن عبادة بن النّزّال بن عمرة بن عُبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم أبو بحر التميمي أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له. ولم يره: وشهد صفين مع علي عليه السلام أميراً. وقدم دمشق، ورأى بها أبا ذر، رضي الله عنه، وقدم على معاوية في خلافته أيضاً. وهو المعروف بالأحنف. وكان سيد أهل البصرة.

حدث الأحنف بن قيس عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا هلك المتنطعون: قالها ثلاث مرات. وفي رواية: ألا هلك المتكبرون. قالها ثلاثاً. قال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا برجل يصلي يكثر الركوع والسجود، فقلت: لا أنتهي حتى أنظر أيدري على شفع ينصرف أو على وتر؟ فلما انصرف قلت له: أتدري على شفع تنصرف أم على وتر؟ قال: إن لم أدر فإن الله هو يدري. حدثني خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: حدثني خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: حدثني خليل أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى قال: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحطّ عنه بها سيئة، فتقاصرت إلى نفسي فإذا هو أبو ذر. وقد روي أن ذلك كان في مسجد حمص. وقد روي أن ذلك في مسجد بيت المقدس، وفيه زيادة: رفعه الله بها درجة وحطّ عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة. وكان الأحنف صديقاً لمصعب بن الزبير، فوفد عليه بالكوفة، ومصعب بن الزبير يومئذ والٍ عليها، فتوفي الأحنف عنده بالكوفة، فرُئي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء سنة سبع وستين. وقيل سنة اثنتين وسبعين. وصلى عليه مصعب. وكانت أم الأحنف امرأة من باهلة يقال لها حبّة بنت ثعلبة بن قرط بن قرواش. وكان الأحنف أحنف الرجلين جميعاً، ولم يكن له إلا بيضة واحدة. وكانت أمه ترقّصه وتقول: الرجز والله لولا حنَفٌ برجلِهِ ... وقلةٌ أخافُها من نسلِهِ ما كان في فتيانكم من مثلهِ

وقد اختلف في اسمه، فقيل: الضحاك، وقيل صخر، وقيل: الحارث، وقيل: حصين. ووفد إلى عمر بن الخطاب. وهو الذي افتتح مَرْوُروّد. حدث الأحنف قال: بينما أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان إذ لقيني رجل من بني ليث، فأخذ بيدي فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى. قال: أتذكر إذ بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعياً إلى بني سعد؟ فسألوني عن الإسلام، فجعلت أخبرهم وأدعوهم إلى الإسلام، فقلت: إنك تدعو إلى خير، وما أسمع إلا حسناً، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم، اغفر للأحنف. فكان الأحنف يقول: فما شيء أرجى عندي من ذلك. يعني: دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث الأحنف أنه قدم على عمر بن الخطاب بفتح تُستَر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله قد فتح عليك تُستر، وهي من أرض البصرة. فقال رجل من المهاجرين: يا أمير المؤمنين، إن هذا - يعني الأحنف بن قيس - الذي كفّ عنا بني مُرّة حين بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدقاتهم، وقد كانوا هّموا بنا. قال الأحنف: فحبسني عمر عنده بالمدينة سنة، يأتيني في كل يوم وليلة، فلا يأتيه عني إلا ما يحبّ. فلما كان رأس السنة دعاني، فقال: يا أحنف: هل تدري لمَ حبستك عندي؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذّرنا كل منافق، فخشيت أن تكون منهم. فاحمدِ الله يا أحنف. وفي حدث مختصر بمعناه: فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك، فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإن كنا نتحدث، إنما يُهلِك هذه الأمة كل منافق عليم. قال أحمد بن صالح: الأحنف بن قيس بصري، تابعي، ثقة. وكان سيد قومه. وكان أعور، أحنف، دميماً، قصراً كَوسجاً، له بيضة واحدة. قال له عمر: ويحك يا أحنف، لما رأيتك

ازدريتك: فلما نطقت فقلت: لعله منافق، صَنَع اللسان. فلما اختبرتك حمدتك ولذلك حبستك. حبسه سنة يختبره. فقال عمر: هذا والله السيّد. وقال له عمر: كنت أخشى أن تكون منافقاً عالما. وأرجوا أن تكون مؤمناً، فانحدر إلى مصرك. قال عبد الله بن عبيد: ابتاع الأحنف ثوبين بصريَين: ثوباً بستة عشر، والآخر باثني عشر، فقطعهما قميصين فجعل يلبس الذي أخذه بستة عشر في الطريق، حتى إذا قدم المدينة خلعه ولبس الذي أخذه باثني عشر. فدخل على عمر، فجعل يسائله، وينظر إلى قميصه ويمسحه، ويقول: يا أحنف، بكم أخذت قميصك هذا؟ قال: أخذته باثني عشر درهماً. قال: ويحك! ألا كان بستة، وكان فضله فيما تعلم؟ قال الأحنف بن قيس: ما كذبت منذ أسلمت لا مرة واحدة: كان عمر سألني عن ثوب: بكم أخذته؟ فأسقطت ثلث الثمن. قال الشعبي: وفد أبو موسى وفداً من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس. فلما قدموا على عمر تكلَّم كل رجل منهم في خاصَّة نفسه، وكان الأحنف في آخر القوم، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: أما بعد. يا أمير المؤمنين، فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه، وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر، وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار العذبة والجنان المخصبة، وفي مثل عين البعير، وكالحوار في السَّلى. تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلُغ، وإن أهل البصرة نزلوا في

سَبَخة زَعِقة نشَّاشة، لا يجف ثراها، ولا ينبُت مرعاها، طرفها في بحر أُجاج، والطرف الآخر في الفلاة، لا يأتينا شيء إلا في مثل مريء النعامة، فارفع خسيستنا، وأَنعش وكيستنا وزِد في عيالنا عيالاً، وفي رجالنا رجالاً، وأصقِر درهمنا وأكثِر قَفيزنا، ومُر لنا بنهر نستعذب منه الماء. فقال عمر: عجزتم أن تكونوا مثل هذا؟! هذا والله السيّد. فما زلت أسمعها بعد. وكان أبو موسى حين قدم على عمر فسأله عما كان رفع إليه من أمره أحب أن يبحث عنه، فلم يقم أحد يكفيه الكلام، فقام الأحنف بن قيس وكان من أشبههم فقال: يا أمير المؤمنين، صاحبك مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواطن الحق، وعاملك ولم نر منه إلا خيراً، وإنا أناس بين سبَخَة وبين بحر أجاج، لا يأتينا طعامنا إلا في مثل حلقوم النعامة. فأعد لنا قفيزنا ودرهمنا، فأعجب منه ذلك عمر وأعرض عنه لحداثة سنّه، فقال له: اجلس يا أحنف، وكان برجله حَنف، فلذلك سماه الأحنف، فغلب لقبه على اسمه، فعرض عمر على الأحنف الجائزة، فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما قطعنا الفلوات، ودأبنا الروحات العشيات للجوائز! وما حاجتي إلا حاجة من خلّفت، فزاده ذلك عند عمر خيراً. فرد عمر أبا موسى ومن معه. وحبَس الأحنف عنده سنة، وجعل عليه عيوناً، فلم يسمع إلا خيراً، فدعا به فقال: يا أحنف، إنك قد أعجبتني، وإنما حبستك لأعلم علمك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: احذروا النافق العالم، وأشفقت عليك منه، فوجدتك بريئاً مما تخوفت عليك، فسرّحه، وأحسن جائزته. ثم قدم على أبي موسى، فعرف ما كان منه إليه، فلم يزل للأحنف شرفٌ يعرف حتى خرج من الدنيا. قال ابن سيرين: بعث عمر بن الخطاب الأحنف بن قيس على جيش قِبَل خراسان فبيتهم العدو

وفرقوا جيوشهم، وكان الأحنف معهم، ففزع الناس، فكان أول من ركب الأحنف ومضى نحو الصوت وهو يقول: " الرجز " إنَّ على كلّ رئيسٍ حقّا ... أن يخضِب الصَّعدة أو تندقّا ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، وانهزم العدو، فتقلوهم وغنموا، وفتحوا مدينة يقال لها: مَرْوُروذ. قالوا: ثم سار الأحنف بن قيس بن مروروذ إلى بلخ فصالحوه على أربع مئة ألف. ثم أتى خوارزم ولم يُطقها فرجع. كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد. فائذن للأحنف بن قيس، وشاوره، واسمع منه. قيل للأحنف بن قيس: من أين أُوتيت ما أوتيت من الحلم والوقار؟ قال: بكلمات سمعتهن من عمر بن الخطاب. سمعت عمر يقول: يا أحنف، من مَزح استُخف به، ومن ضحك قلّت هيبته، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه. قال الحسن: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف. ذكر عمرُ بني تميم فذمهم، فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، ائذن لي فلأتكلم. قال: تكلم. قال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فيهم الصالح والطالح، فقال: صدقت، وقفّى بقولٍ حسن، فقام الحُتات - وكان يناوئه - فقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي فلأتكلم. قال: أجلس، فقد كفاكم سيدكم الأحنف. قال سفيان: ما وُزن عقل الأحنف بعقل أحد إلا وزنه. قيل للأحنف بن قيس: بأي شيء سوّدك قومك؟ قال: لو عاب الناس الماء لم أشربه.

قال مالك بن مسمع للأحنف بن قيس: يا أبا بحر، ما أنتفع بالشاهد إذا غبت، ولا افتقد غائباً إذا شهدت. فكأن البحتري ألّم بهذا المعنى فقال: " الطويل " رحلتَ فلم نفرح بأوبة آيبِ ... وأُبتَ فلم نجزع لغيبة غائبِ قدمتَ فأقدمت النهى يَحملُ الرضى ... إلى كلّ غضبان على الدهر عاتبِ فعادت بك الأيامُ زُهراً كأنما ... جلا الدهرُ منها عن خدود الكواعبِ قال خالد بن صفوان: كان الأحنف بن قيس يفرُّ من الشرف، والشرف يتبعه. وعن خالد بن صفوان أنه كان بالرصافة عند هشام بن عبد الملك فقدم العباس بن الوليد بن عبد الملك، فغشيه الناس، فكان خالد فيمن أتاه، وكان العباس يصوم الاثنين والخميس. قال خالد: فدخلت عليه في يوم خميس فقال لي: يا بن الأهتم، خبرني عن تسويدكم للأحنف، وانقيادكم له، وكنتم حياً لم تملكوا في جاهلية قط. فقلت له: إن شئت أخبرتك عنه بخصلة لها سُوِّد، وإن شئت بثنتين، وإن شئت بثلاث، وإن شئت حدثتك عنه بقية عشيتك حتى تنقضي، ولم تشعر بصومك. قال: هات الأولى، فإن اكتفينا وإلا سألناك. قال: فقلت: كان أعظمّ من رأينا وسمعنا - ثم أدركني ذهني فقلت: غير الخلفاء - سلطاناً على نفسه في ما أراد حملها عليه، وكفّها عنه. قال: لقد ذكرتها نجلاء كافية. فما الثانية؟ قلت: قد يكون الرجل عظيم السلطان على نفسه، ولا يكون بصيرا بالمحاسن والمساوىء ولم يرَ ولم يسمع بأحد أبصر بالمحاسن والمساوىء منه، فلا يَحمل السلطنة إلا على حسن، ولا يكفها إلى عن قبيح. قال: قد جئت بصلة الأولى لا يصلح إلا بها. فما الثالثة؟ قلت: قد يكون الرجل عظيم السلطان على نفسه بصيراً بالمحاسن والمساوىء، ولا يكون حظيظاً، فلا يفشو له ذلك في الناس، فلا يذكر به، فيكون عند الناس مشهوراً. قال: وأبيك، لقد جئت بصلة الأوليين، فما بقية ما يقطع عني العشي؟ قلت: أيامه السالفة. قال: وما أيامه السالفة؟ قلت: يوم فتح خراسان: اجتمعت إليه جموع

الأعاجم بمر والرُّوذ فجاء ما لا قِبَل له به، وهو في منزل بمضيعة وقد بلغ الأمر به. فصلى عشاء الآخرة، ودعا ربه، وتضرَّع إليه أن يوفقه ثم خرج يمشي في العسكر مشي المكروب، يتسمع ما يقول الناس، فمرّ بعبد يعجن وهو يقول لصاحب له: أتعجب لأميرنا، يقيم بالمسلمين في منزل مضيعة، وقد جاءه العدو من وجوه. وقد أطافوا بالمسلمين من نواحيهم، ثم اتخذوهم أغراضاً، وله متحوَّل، فجعل الأحنف يقول: اللهم وفّق، اللهم سدّد، فقال العبد للعبد: فما الحيلة؟ قال: أن يُنادي الساعة بالرحيل، فإنما بينه وبين الغيضة فرسخ، فيجعلها خلف ظهره فيمنعه الله بها، فإذا امتنع ظهره بها بعث بمُجَنبتيه اليمنى واليسرى فيمنع الله بهما ناحيتيه ويلقى عدوه من جانب واحد. فخرّ الأحنف ساجداً ثم نادى بالرحيل مكانه، فارتحل المسلمون مكبين على رايتهم، حتى أتى الغيضة، فنزل في قَبَلها، وأصبح فأتاه العدو، فلم يجدوا إليه سبيلاً إلا من وجه واحد وضربوا بطبول أربعة، فركب الأحنف، وأخذ الراية، وحمل بنفسه على طبل ففتقه وقتل صاحبه، وهو يقول: إن على كلّ رئيس حقّا ... أن يخضِب الصَّعدة أو تندقّا ففتق الطبول الأربعة، وقتل حملتها. فلما فقد الأعاجم أصوات طبولهم انهزموا، فركب المسلمون أكتافهم، فقتلوهم قتلاً لم يقتلوا مثله قط. وكان الفتح. واليوم الثاني أن علياً لما ظهر على أهل البصرة يوم الجمل أتاه الأشتر وأهل الكوفة بعدما اطمأن به المنزل، وأثخن في القتل، فقالوا: أعطنا، إن كنا قاتلنا أهل البصرة حين قاتلناهم وهم مؤمنين فقد ركبنا حوباً كبيراً، وإن كنا قاتلناهم كفاراً وظهرنا عليهم عنوة فقد حلّت لنا غنيمة أموالهم وسبي ذراريهم، وذلك حكم الله تعالى وحكم نبيّه في الكفار إذا ظهر عليهم. فقال علي: إنه لا حاجة بكم أن تهيجوا حرب إخوانكم، وسأرسل إلى رجل منهم فأستطلع برأيهم وحجتهم فيما قلتم، فأرسل إلى الأحنف بن قيس في رهط، فأخبرهم بما قال أهل الكوفة. فلم ينطق أحد غير الأحنف، فإنه قال: يا أمير المؤمنين، لماذا أرسلت إلينا؟! فوالله إن الجواب عنا لعندك، ولا نتبع الحق إلا بك، ولا علمنا العلم

إلا منك. قال: أحببت أن يكون الجواب عنكم منكم ليكون أثبت للحجة، وأقطع للتهمة فقل. فقال: إنهم قد أخطؤوا وخالفوا كتاب الله وسنّة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان السبي والغنيمة على الكفار الذين دارهم دار الكفر. والكفر لهم جامع، ولذراريهم. ولسنا كذلك. وإنها دار إيمان يُنادى فيها بالتوحيد وشهادة الحق وإقام الصلاة. وإنما بغت طائفة أسماؤهم معلومة، أسماء أهل البغي، والثانية حجتنا أنا لم نستجمع على ذلك البغي، فإنه قد كان من أنصارك من أثبتهم بصيرة في حقك، وأعظمهم غناء عنك، طائفة من أهل البصرة، فأي أولئك يجهل حقه وينسى قرابته؟ إن هذا الذي أتاك به الأشتر وأصحابه قولُ متغلمة أهل الكوفة، وأيم الله، لئن تعرضوا لها لتكرهُنّ عاقبتها، ولا تكون الآخرة كالأولى. فقال علي: ما قلت إلا ما تعرف. فهل من شيء تخصون به إخوانكم بما قاسوا من الحرب؟ قال: نعم، أعطياتنا في بيت المال. ولم تك لتصرفها في عدلك عنا. فقد طبنا عنها نفساً في هذا العام، فاقسمها فيهم. فدعاهم علي، فأخبرهم بحجج القوم، وما قالوا، وبموافقتهم إياه. ثم قسم المال بينهم: خمسمئة لكل رجل. فهذا اليوم الثاني. وأما اليوم الثالث فإن زياداً أرسل إليه بليلٍ وهو جالس على كرسي في صحن داره، فقال: يا أبا بحر، ما أرسلت إليك في أمر تنازعني فيه مخلوجة، ولكني أرسلت إليك وأنا على صريمة، فكرهت أن يروعك أمر يحدث ولا تعلمه. قال: فما هو؟ قال: هذه الحمراء قد كثرت بين أظهر المسلمين، وكثر عددهم، وخفّت عدوتهم، والمسلمون في ثغرهم وجهادهم عدوَّهم، وقد خلفوهم في نسائم وحرمهم، فأردت أن أرسل إلى كل من كان في عرافة من المقاتلة فيأتوا بسلاحهم، ويأتيني كل عريف بمن في عرافته من عبد أو مولى فأضرب رقابهم فتؤمن ناحيتهم. قال الأحنف: ففيم القول وأنت على صريمة؟ قال: لتقولن. قال: فإن ذلك ليس لك. يمنعك من ذلك خصال ثلاث: أما الأولى فحكم الله عزّ وجلّ في كتاب عن الله، وما قتل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الناس مَن قال: لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله، بل حقن دمه. والثانية أنهم غلة الناس، لم يغز غازٍ فخلف لأهل ما يصلحهم إلا من غلاتهم، وليس لك أن تحرمهم. وأما الثالثة فهم يقيمون أسواق

المسلمين، أفتجعل العرب يقيمون أسواقهم قصّابين وقصّارين وحجّامين؟! قال: فوثب عن كرسيه، ولم يُعلمه أنه قَبِل منه، وانصرف الأحنف. قال: فما بتّ بليلةٍ أطول منها، أتسمّع الأصوات. قال: فلما نادى أول المؤذنين قال لمولى له: ائت المسجد فانظر هل حدث أمر؟ فرجع فقال: صلى الأمير وانصرف، ولم يحدث إلا خير. كان الأحنف استُعمل على خراسان. فلما أتى فارس أصابته جنابة في ليلة باردة. قال: فلم يوقظ أحداً من غلمانه ولا جنده، وانطلق يطلب الماء. قال: فأتى على شوك وشجر حتى سالت قدماه دماً، فوجد الثلج. قال: فكسره واغتسل. قال: فقام فوجد على ثيابه نعلين محذوتين جديدتين فلبسهما. فلما أصبح أخبر أصحاب. فقالوا: والله ما علمنا بك. قال مغيرة: شكا ابن أخي الأحنف بن قيس وجعاً بضرسه فقال الأحنب: لقد ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، فما ذكرتها لأحد. دخل الأحنف بن قيس على معاوية فقال: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين، والمخذّل عن أم المؤمنين؟! فقال: يا معاوية، لا تردّ الأمور على أدبارها، فإن السيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، والقلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والله لا تمدّ إلينا شبراً من غدر إلا مددنا إليك ذراعاً من خَتْر، ولئن شئت لتستصفَينّ كدر قلوبنا بصفوٍ من عفوك. قال: فإني أفعل. قال الأحنف: ما نازعني أحد قط إلا أخذت في أمري بثلاث خلال: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه.

قال الأحنف بن قيس: من كانت فيه أربع خصال ساد قومه غير مدافَع: من كان له دِين يحجز، وحسّب يصونه، وعقل يرشده، وحياء يمنعه. قال الأحنف لرجل سأل: ما الحلم؟ فقال: هو الذلّ تصبر عليه. قال الأحنف: ليس فضل الحلم أن تُظلّم فتحلُم حتى إذا قدرت انتقمت، ولكنه إذا ظُلمت فحلمت ثم قدرت فعفوت. قال الأحنف بن قيس: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: شريف من دنيء، وبَرّ من فاجر، وحليم من أحمق. قال الأحنف: ليس لكذوب مروءة، ولا لبخيل حياء، ولا لحاسد راحة، ولا لسيء الخلق سؤدد، ولا لملول وفاء. قال رجل للأحنف بن قيس: يا أبا بحر، دلّني على أحمدِ أمرٍ عاقبةً، فقال له: خالقِ الناس بخلق حسن، وكُفَّ عن القبيح. ثم قال له: ألا أدلك على أدْوَأ الداء؟ قال: بلى. قال: اكتساب الذم بلا منفعة، واللسان البذيء، والخلق الرديء. قال الأحنف بن قيس: مَن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون. قيل للأحنف: ما المروءة؟ قال: ألا تعمل في السر شيئاً تستحي منه في العلانية. سأل يزيد بن معاوية الأنف بن قيس عن المروءة فقال الأحنف: التُّقى والاحتمال. ثم أطرق الأحنف ساعة وقال: مجزوء الكامل. وإذا جميلُ الوجه لم ... يأتِ الجميلَ فما جمالُه؟

ما خيرُ أخلاقِ الفَتى ... إلا تُقاه واحتمالُه فقال يزيد: أحسن يا أبا بحر، وافق البمّ زِيراً، قال الأحنف: ألا قلت: وافق المعنى تفسيراً؟. قال الأحنف بن قيس: رأس الأدب آلة المنطق، ولا خير في قول إلا بفعل، ولا في منظر إلا بمخبر، ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في فقه إلا بورع، ولا في صدقة إلا بنّية، ولا في حياة إلا بأمن وصحّة. تذاكر قوم الصمت والكلام، فقال قوم: الصمت أفضل، فقال الأحنف: المنطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، والمنطق الحسن ينتفع به مَن سمعه. قال الأحنف: ثلاث خصال تُجتلب بهن المحبة: الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدة، والانطواء على المودة. قال الأحنف بن قيس: إن غاصب الدنيا وظالمها أهلها، والمدعي ما ليس له منها على قتلها - وإن كان عالي المكان من سلطانها - لأقلّ منها وأذلّ. كتب الأحنف إلى صديق له: أما بعد. فإذا قَدِم عليك أخ لك موافق فليكن منك بمنزلة السمع والبصر، فإن الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف. ألم تسمع الله يقول لنوح في ابنه: " إنّهَُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غيْرُ صالِحٍ ". رأى الأحنف في يد رجل درهماً فقال: لمن هذا الدرهم؟ فقال: لي، فقال الأحنف: ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر. ثم تمثّل: الرمل

أنت للمالِ إذا أمسكتَه ... وإذا أنفقتَ فالمالُ لَكْ قال الأحنف بن قيس: ما خان شريف، ولا كذب عاقل، ولا اغتاب مؤمن. قال الأحنف: الرفق والأناة محبوبة إلا في ثلاث: تبادر بالعمل الصالح، وتعجّل إخراج ميتك، وتنكح الكفء أيَمك. قال الأحنف: لا ينبغي للعاقل أن ينزل بلداً ليس فيه خمس خصال: سلطان قاهر، وقاض عادل، وسوق قائمة، ونهر جار، وطبيب عالم. قال الأحنف: مِن السؤدد الصبر على الذل، وكفى بالحلم ناصراً. قال الأحنف بن قيس: جنّبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لفرجه وبطنه. وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه. قال عمر بن الخطاب للأحنف بن قيس: أي الطعام أحبّ إليك؟ قال: الزبد والكمأة، فقال عمر: ما هما بأحبِّ الطعام إليه. ولكنه يُحب خصب المسلمين. يعني أن الزبد والكمأة لا تكونان إلا في سنة الخصب. قال الأحنف بن قيس: سمعت خطبة لأبي بكر وعُمر وعثمان وعلي والخلفاء بعد، فما سمعت الكلام مِن في مخلوقٍ أفخم ولا أسن من عائشة أم المؤمنين. قال عتبة بن صعصعة: رأيت مصعب بن الزبير في جنازة الأحنف متقلداً سيفاً، ليس عليه رداء وهو يقول: ذهب اليوم الحزم والرأي.

الضحاك بن مخلد بن الضحاك

توفي الأحنف سنة سبع وستين، وقيل: سنة اثنتين وسبعين. قال عبد الرحمن بن عُمارة بن عقبة بن أبي مُعيط: حضرت جنازة الأحنف بن قيس بالكوفة فكنت فيمن نزل قبره. فلما سوّيته رأيته قد فُسح له مدّ بصري، فأخبرت بذلك أصحاب فلم يَروا ما رأيت. الضحاك بن مخلد بن الضحاك ابن مسلم بن رافع بن رُفيع بن الأسود بن عمرو بن رألان بن هلال بن ثعلبة بن شيبان، أبو عاصم الشيباني البصري، المعروف بالنبيل حدث عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل من جنابة، فيأخذ حفنة لشقّ رأسه الأيمن، ثم يأخذ حفنة لشقّ رأسه الأيسر. ولد الضحاك سنة إحدى وعشرين. وقيل: سنة اثنتين وعشرين ومئة. وقال: ولد أمي في سنة عشر ومئة، وولدت سنة اثنتين وعشرين ومئة. ومات سنة اثنتي عشرة ومئتين، وهو ابن تسعين وأربعة أشهر. وسئل أبو عاصم: لمّ سُمِّيت نبيلاً. قال: لتجمُّل ثيابي. وكان كبير الأنف، ثم قال: أخبركم عن نفسي بشيء: تزوجت امرأة فلما بنيت بها عمدت لأقبّلها فمنعني أنفي عن القبلة، فشددت أنفي على وجهها فقالت المرأة: نحِّ ركبتك عن وجهي. قال: فقلت: ليس هذا ركبة إنما هو أنف. قال موسى بن إسماعيل قال: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: ما اغتبت مسلماً منذ علمت أن الله حرّم الغيبة. وقال عمر بن شبة: سمعت أبا عاصم النبيل يقول: أقلّ حالات المدلّس عندي أن يدخل في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المتشبّعُ بما لم يُعط كلابس ثوبيّ زور.

الضحاك بن مسافر

قال أبو عاصم: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى الأمور، فيجب أن يكون خير الناس. قال أبو داود سليمان بن يوسف: كنت مع أبي عاصم النبيل وهو يمشي وعليه طيلسان، فسقط عنه طيلسانه فسوّيته عليه، فالتفت إلي وقال: كل معروف صدقة. فقلت: من ذكره رحمك الله؟ فقال: أخبرنا ابن جُريج عن عطاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة. قال إبراهيم بن يحيى بن سعيد: رأيت أبا عاصم النبيل في منامي بعد موته فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. ثم قال: كيف حديثي فيكم؟ قلت: إذا قلنا: أبو عاصم فليس أحد يردّ علينا. قال: فسكت عني ثم أقبل علي فقال: إنما يُعطى الناس على قدر نيّاتهم. الضحاك بن مسافر مولى سليمان بن عبد الملك حدث عن أبي حنيفة قال: صلّيت إلى جنب أبي حنيفة، فسمعني أتشهد فقال لي: يا شامي، حدثني سليمان بن مهران العمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلى الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم تدعو بما أحببت.

الضحاك بن المنذر بن سلامة

الضحاك بن المنذر بن سَلامة ابن ذي فائش بن يزيد بن مرّة بن عريب بن مَرْثَد بن يريم الحميري وفد على معاوية ذكر أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهَمْداني المعروف بابن ذي الدمينة في كتاب مفاخر قحطان قال: ذكروا أن الضحاك بن المنذر الحميري - وكان أبوه وجده ملكين، وكان وسيماً جسيماً. دخل على معاوية بن أبي سفيان، فاستشرفه معاوية حين نظر إليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من فرسان الصّياح، الملاعبين بالرماح، المبارين للرياح، وكان معاوية متكئاً، فاستوى قاعداً، وعجب من قوله وقال: أنت إذان من قريش البطاح. قال: لست منهم، ولولا الكتاب المنزل، والنبي المرسل لكنت عنهم راغباً، ولقديمهم عائباً. قال: فأنت إذن من أهل الشراسة، ذوي الكرم والرئاسة: كنانة بن خزيمة. قال: لست منهم، وإني لأطمو عليهم ببحر زاخر، وملك قاهر، وعز باهر، وفرع شامخ، وأصل باذخ. قال: فأنت إذن من جمرة معدّ، وركنها الأشدّ أهل الغارات: بني أسد. قال: لست منهم، لأن أولئك عبيد، ولم يبق منهم إلا الشريد. قال: فأنت إذن من فرسان العرب المطعمين في الكرب، أهل القباب الحمر: تميم بن عمرّ. قال: لست منهم، لأن أولئك بدؤوا بالفرار حين أجحرتهم من الأحجار. قال: فأنت إذن من خيار بني نزار، وأحماهم للذمار، وأوفاهم بذمة الجار: بني ضبّة. قال: لست منه، لأن أولئك رعاء البقر وأهل البؤس والنكر، لا يُقْرُون الضيف، ولا يدفعون الحَيْف. قال: فأنت إذن من أهل الطلب بالأوتار، واجتماع الدار: ثقيف بن منبّه. قال: كلا. أولئك قصار الحدُود لئام الجدود، بقية ثمود،. قال: فأنت إذن من أهل الشاء والنَّعَم، والمنعة والكرم: هُذيل بن مُدركة. قال: كلا، ألهي أولئك جمع الحطب وجزر العَرب، ولا يحلُون ولا يمرّون، ولا ينفعون ولا يضرون. قال: فأنت إذن من هوازان، أهل القسر

القهر، والنعم الدُّثر. قال: كلا، أولئك أهل الشِّرات، علاج الكَرَات، شعر الرقاب وغبش الكلاب. قال: فأنت إذن من قاتلي الملوك الجبابر، وأحلاف السيوف البواتر: من عبس أو مرّة. قال: لست منهم، لأنا منعناهم هاربين، وقتلناهم غادرين. قال: فأنت إذن من أهل الراية الحمراء، والقبة القتراء سُليم بن منصور. قال: كلا. ألهي أولئك أكل الحصى ورضخ النوى. قال: فأنت إذن من أوغاد اليمانين، الذين لايعقلون شيئاً. قال: أنا ابن ذي فائش. مهلاً يا معاوية، فإن أولئك كانوا للعرب قادة، وللناس سادة، ملكوا أهل الأرض طوعاً، وأجبروهم كرهاً، حتى دانت لهم الدنيا بما فيها، وكانوا الأرباب وأنتم الأذناب، وكانوا الملوك وأنتم السوقة، حتى دعاهم خير البرية بالفضل والتحية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعزّروه أيَّما تعزير، وشمّروا حوله أيّما تشمير، وشهروا دونه السيوف، وجهزوا الألوف بعد الألوف، وجادوا له بالأموال والنفوس، وضربوا معدّاً حتى دخلوا في الإسلام كرهاً، وقتلوا قريشاً يوم بدر، فلم يطلبوهم بثأر، فأصبحت يا معاوية، تحمل ذلك علينا حقداً، وتشتمنا عليه عمداً. وتقذف بنا في لجج البحار، وتكفّ شرّك عن بني نزار. ونحن منعناك يوم صفين، ونصرناك على الأنصار والمهاجرين، وآثرناك على الإمام التقي الوصي الوفي، ابن عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبنا علَوْت المنابر، ولولا نحن لم تعلُها، وبنا دانت لك المعاشر، ولولا نحن لم تَدِن لك، فأنكرت منا ما عزمت، وجهلت منا ما علمت. فلولا أنّا كما وصفت، وأحلامنا كما ذكرت لمنعناك العهد، ولشددنا لغيرِك العقد، ولقرعت قرعاً تتطأطأ منه وتتقبض. فغاظ معاوية ما كان من كلامه، وضاق به ذرعه، فلم يتمالك أن قال: اضربوا عنقه. فلم يبق في مجلسه يمانٍ إلا قام سالاً سيفه، ولا مضريّ إلا عاضاً على شفته، ودنا من معاوية فقام زرعة بن عُفير بن سيف اليزني - وقيل: عُفير بن زرعة بن عامر بن سيف، وهكذا هو - فقال: أما والله يا معاوية، إنا لنراك تكظم الغيظ من غيرنا على القول الفظيع الكثير، وتسفظع منا اليسير - يريد ما يسمع من قريش - وذلك والله أنا لم نطعن عليك في أمرك، فكأنك بالحرب قد رفعناها إليك، فستعلم أن رجالنا ضراغم، وأن

سيوفنا صوارم، وأن خيولنا ضوامر، وأنّ كُماتنا مساعر، ثم قعد، وقام حَيْوة بن شريح الكَلاعي فقال: يا معاوية، أنصفنا من نفسك وآس بيننا وبين قومك. وإلا تغلغلت بنا وبهم الصفاح، أو لننْطَحنَّهم بها أشد النطاح ولنُوردَنّهم بها حوض المنيّة المتاح، فقايضنا بفعلنا حذو النعل بالنعل، وإلا والله أقمنا دَرْأك بعدلنا، ولقينا صَغوك بعزمنا حتى ندعك أطوع من الرداء، وأذل من الحذاء. ثم دنا كريب بن أبرهة بن شرحيبل بن أبرهة بن الصباح - أو ابن السامي فقال: يا هذا، أنصفنا من نفسك لنكون وزراً على عدوك، ونكون لك على الحق أعواناً، وفي الله إخواناً، وإلا والله أقمنا مَيْلك، وردعنا سفَهك، وخالفنا فيك هواك، فتُلفى فريداً وحيداً، ثم تصبح هيناً مذموماً مدحوراً، مغلوباً مقهوراً. ثم دنا يريم بن حبيب المرادي فقال: يا معاوية، والله إن سيوفنا لحِداد، وإن سواعدنا لشداد، وإن رجالنا لأنجاد، وإن خيولنا معدّة، وإنا لأهل بأس ونجدة، فاستملْ من هوانا من قبل أن نجمع عليك ملأنا، فندعك نكالاً لمن ولي هذا الأمر من بعدك. ثم دنا ناتل بن قيس بن حيا الجُذامي فقال: يا معاوية، قد ترعف " فِعْل " ابن الزبير بك، وقد خالفك في ابنك يزيد، ولقيك بالأمر الشديد، فطلبت منه السلامة، وأهديت له الكرامة، وذلك والله أنه أحسن ثورك، وبلغ منك عَوَرك، وقمع بالشغب طورك، وايم الله، لنحن أكثر منك نفراً وجمعاً، فاربع على ظَلْعاك من قبل أن نقرعك حتى يسمع بخوارك من لا ينفعك من أنصارك. ثم دنا فروة بن المنذر الغساني فقال: يا معاوية، اعرف لكهلنا حقّه، واحتمل من كريمنا قوله، فإن خطّره فينا عظيم، وعهده بالملك حديث. فأن أبيت إلا أن تعدو طورك، وتُجاوز قدرك مشينا إليك بأسيافنا، وضربناك بأيماننا حتى تُنيب إلى الحق، وتترك الباطل بكهرك. فراع معاوية ما كان منهم ثم قال: عزمت عليكم لما قعدتم.

الضحاك المعافري

الضحاك المُعافري حدث عن سليمان بن موسى عن كريب قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألا هل مشمّر للجنة؟ فإن الجنة لاخطر لها. هي ورب الكعبة نور تتلألأ كلها، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرّد، وثمرة ناضجة، وزوجة حسناء جميلة، وملك كبير، ومقام في أبد، في دار سليمة، وفاكهة، وخضرة، ونعمة وحَبْرة، في جنة عالية بهية ". قالوا: نحن المشمّرون لها يا رسول " الله " قال: " فقولوا: إن شاء الله "، فقال القوم: إن شاء الله. زاد في حديث آخر بمعناه: ثم ذكر الجهاد، وحضّ عليه. ضرار بن الأزور مالك بن أوس بن خزيمة بن ربعية بن مالك بن ثعلبة ابن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي له صحبة، وحدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، وارتُثّ يومئذ. وشهد فتح دمشق. حدث ضرار ببن الأزور قال: أهديت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقحة، فأمرني أن أحلبها، فحلبتها، فجهدت حلبها فقال: دع داعي اللبن. وكان ضرار فارساً شاعراً، وكان شهد اليمامة، فقاتل أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعاً، فجعل يجثو ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت.

وقيل: إنه مكث باليمامة مجروحاً، فقَبْلَ أن يدخل خالد بيوم مات ضرار. وقيل: إنه استشهد يوم جسر أبي عبيد في خلافة عمر. أقبل ضرار بن الأزور إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد خلّف ألف بعير برُعاتها، فأخبره بما خلف وبُبُغضه للإسلام. ثم إن الله هداه وحبّب إليه الإسلام، وقال: يا رسول الله، إني قد قلت شعراً فاسمعه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هيه. قال: قلت: " المتقارب " تركتُ القداحَ وعزفَ القيان ... والخمر أشربُها والثمالا وشدَّ المحبَّرِ في غمرةٍ ... وكرّي على المسلمين القِتالا وقالت جميلة شتّتنا ... وبددت أهلي شتى شِلالا فيا رب بعني به جنّةً ... فقد بعتُ أهلي ومالي بدالا فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وجب البيع ". مرتين أو ثلاثاً. فقتل يوم مسيلمة. وزاد في رواية أخرى: فيا رب لا أُغبّنَنْ صفقتي ... فقد بعتُ أهلي ومالي ابتدالا فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما غُبنت صفقتك يا ضرار ". وفي رواية: " ربح البيع، ربح البيع، ربح البيع ". بعث عمر بن الخطاب خالد بن الوليد في جيش. فبعث خالد ضرار بن الأزور في سرية في خيل، فأغاروا على حي من بني أسد. فأصابوا امرأة عروساً جميلة، فأعجبت ضراراً، فسالها أصحابّه، فأعطَوه إياها، فوقع عليها. فلما قفل ندم، وسُقط في يده. فلما رفع إلى خالد أخبره بالذي فعل، قال: خالد: فإني قد أجزتها لك وطيبتها. قال:

لا، حتى تكتب بذلك إلى عمر، فكتب عمر أن ارضخه بالحجارة. فجاء كتاب عمر بن الخطاب وقد توفي، فقال: ما كان الله ليخزي ضرار بن الأزور. كتب أبو عبيدة إلى عمر أن نفراً من المسلمين أصابوا الشراب منهم ضرار وأبو جندل، فسألناهم فتأوّلوا وقالوا: خُيّرنا فاخترنا. قال: " فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُوْنَ " ولم يعزم. فكتب إليه عمر فذلك بيننا وبينهم: " فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُوْنَ " يعني: فانتهوا. وجمع الناس فاجتمعوا على أن يضربوا فيها ثمانين جلدة، ويضمنوا النفس. ومن تأوَّل عليها بمثل هذا، فإن أبي قتل، وقالوا: من تأول على ما فسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه بالفعل والقتل. فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن ادعُهم، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين. فبعث إليهم، فسألهم على رؤوس الأشهاد، فقالو: حرام، فجلدهم ثمانين ثمانين، وحدَّ القوم، وندموا على لجاجتهم، وقال: ليحدُثَنَّ فيكم يا أهل الشام حادث، فحدثت الرمادة. قال الحكم بن عتيبة: لمّا كتب أبو عبيدة في أبي جندل وضرار بن الأزور جمع عمر الناس فاستشارهم في ذلك الحدث، فأجمعوا أن يحدّوا في شرب الخمر - والسكر من الأشربة - حدّ القاذف، وإن مات في حدٍّ من هذا الحدّ فعلى بيت المال ديته، لأنه شيء رأوه هم. فالعطاء: وقالوا - وجاشت الروم - دعونا نغزُهم، فإن قضى الله تعالى لنا بالشهادة فذاك، وإلا عمدت للذي تريد، فاستشهد ضرار بن الأزور في قوم، وبقي الآخرون فحُدّوا. قالوا: وقيل: قُتل ضرار بن الأزور يوم أجنادَين سنة ثلاث عشرة.

ضرار بن الخطاب

ضرار بن الخطاب ابن مرداس بن كبير بن عمرو بن حبيب بن عمرو بن شيبان ابن محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، الفهري له صحبة. أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع أبي عبيدة فتوح الشام. وكان ضرار يوم الفجار على بني محارب بن فهر، وكان أبو خطاب بن مرداس يأخذ المرباع. وهو الذي غزا بني سليم، وهو رئيس بن فهرز. وجده عمرو بن حبيب هو آكل السَّقْب. وذلك بأنه أغار على بني بكر، ولهم سَقْب يعبدونه، فأخذ السَّقب فأكله. وكان عمه حفص بن مرداس شريفاً. وكان ضرار بن الخطاب فارس قريش وشاعرهم، وحضر معهم المشاهد كلها، فكان يقاتل أشد القتال، ويحرض المشركين بشعره. وهو قتل عمرو بن معاذ أخا سعد بن معاذ يوم أحد. وقال حين قتله: لا تعدمَنّ رجلاً زوّجك من الحور العين. وكان يقول: زوجت عشرة من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأدرك عمر بن الخطاب فضربه بالقناة ثم رفعها عنه وقال: يا بن الخطاب، إنها نعمة مشكورة. والله ما كنت لأقتلك. وهو الذي نظر يوم أحد إلى خَلاء الجبل من الرماة فأعلم خالد بن الوليد، فكرّا جميعاً بمن معهما، حتى قتلوا من بقي من الرماة على الجُبَيل، ثم دخلوا عسكر المسلمين من ورائهم. وكان له ذكر بالخندق. ثم إن الله منّ عليهم بالإسلام. وسلم يوم فتح مكة، فحسن إسلامه. وكان يذكر ما كان فيه من مشاهدته القتال ومباشرته ذلك، ويترحم على الأنصار، ويذكر بلاءهم ومواطنهم وبذلهم أنفسهم لله من تلك المواطن الصالحة. وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، ومنّ علينا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الزبير بن بكار: لما بلغ دَوساً قتل هشام بن الوليد بن المغيرة أبا أزيهر وثبوا على من كان فيهم من قريش فقتلوه، وقتل بجير بن العوام. وكان الذي قتل بجير بن العوام صبيحُ بن سعد بن هانىء الدوسي جدّ أبي هريرة أبو أمه. وكان ضرار بن الخطاب المحاربي فيهم، فأجارته أم غيلان وابنها عوف، وهم موالي دوس. وكانت أم غيلان تمشط النساء. قال ضرار بن

الخطاب: أدخلتني في درعها حتى وجدت تسبيد ركنها - يعني الشعر - فبذلك سميت أم غيلان إحدى الموفيات. وذكر البلاذري أنه لما وثبت دوس على ضرار بن الخطاب بن مرداس ليقتلوه بأبي أزيهر سعى حتى دخل بيت امرأة من الأزد يقال لها: أم جميل، وأتبعه رجل منهم ليضربه، فوقع ذباب السيف على الباب، وقامت في وجوههم فذبّتهم، ونادت قومها فمنعوه لها. فلما استخلف عمر بن الخطاب ظنت أنه أخوه، فأتت المدينة، فلما كلمته عرف القصة، فقال: لست بأخيه إلا في الإسلام. وهو غاز بالشام. وقد عرفنا منَتكْ عليه، فأعطاها على أنها بنت سبيل. وقيل: كان اسمها أم غيلان. وقال ضرار بن الخطاب من أبيات: " الطويل " جزى اللهُ عنا أمّ غيلانَ صالحاً ... ونسوتَها إذ هُنّ شعثّ عواطلُ فهن دفعنّ الموتَ بعدَ اقترابِهِ ... وقد برزت للثائرين المقاتلُ قال الضحاك بن عثمان: امترى مجلس من الأوس والخزرج أيّهم كان أحسن بلاءً يوم أحد، فمرّ بهم ضرار بن الخطاب فقالوا: هذا ضرار قد قاتلنا يومئذ، وهو عالم بما اختلفتما فيه، فأرسلوا إليه فتى منهم، فسأله: من كان أشجعَ يومَ أحدٍ: الأوس أم الخزرج؟ قال: لا، ما أدري ما أوسُكم من خزرجكم. ولكني زوجت يومئذ أحد عشر منكم من الحور العين. ولما التقى عبد الله بن جحش يوم أحد هو وضرار بن الخطاب، فلما عرفه ضرار قال: إليك يا بن جحش - وكان ضرار قد آلى ألا يقتل مضرياً - فقال له عبد الله بن جحش: ما كان دمك - يا عدو الله - أعجب إلي منه الآن حين جمعت كفراً وعصبية، فنادى ضرار: يا معشر قريش، اكفوني ابن جحش، فانتظموه برماحهم، وقال ضرار بن الخطاب لأبي بكر الصديق: نحن كنا خيراً لقريش منكم، نحن أدخلناهم الجنة، وأنت أدخلتموهم النار.

ضرار بن ضمرة الكناني

قال السائب بن يزيد: بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق الحج، ونحن نؤمّ مكة اعتزل عبد الرحمن بن عوف الطريق، ثم قال لرباح بن المغترف: غنّنا يا أبا حسان - وكان يحسن النصب - فبينا رباح يغنيهم أدركهم عمر بن الخطاب في خلاته فقال: ما هذا؟! فقال عبد الرحمن: ما بأس بهذا، نلهو ونقصّر عنا سفرنا، فقال عمر: فإن كنت آخذاً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب. ضرار بن ضَمْرة الكناني وفد على معاوية: قال أبو صالح: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: أو أعفيتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك، فقال له: إذ لا بدّ فإنه كان - والله - بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يشتوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته. كان - والله - غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشَبه. كان - والله - كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إلى سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له. فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم. يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا يأيس الضعيفُ من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يتمثل في محراب قابضاً على لحيته، يتململ تملمُل السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا، يا ربنا، يتضرع إليه، ثم يقول للدنيا: إليَّ تعرضت أم لي تشوّفت؟ هيهات هيهات، غُرِّي غيري، قد بَتَتُّكِ ثلاثاً، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة

ضمرة بن ربيعة

الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته، ما يملِكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد أختنق القوم بالبكاء، فقال: هكذا كان أبو الحسن رحمه الله، فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجَدُ من ذُبح أو حدُها في حجرها لا ترقأ دمعتها، ولا تسكن حسرتها. ثم قام فخرج. زاد في حديث آخر بمعناه قال: فقال معاوية: لكن أصحابي لو سئلوا عني بعد موتي ما أخبروا بشيء مثلِ هذا. ضمرة بن ربيعة أبو عبد الله القرشي من أهل دمشق. نزل الرملة. وهو مولى علي بن أبي حَمَلة، وهو مولى آل عتبة بن ربيعة. وقيل مولى غيره. حدث عن ميسرة بن معبد عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمع ثلاثة في حضر أو بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان ". وحدث عن الأوزاعي بسنده عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كُلْ ما ردَّت عليك قوسك ". وحدث ضمرة عن سفيان بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ملك ذا رحم فهو حرّ ". وأنكر أحمد هذا الحديث. وكان ضمرة من الثقات المأمونين. رجل صالح، مليح الحديث. لم يكن بالشام رجل يشبهه. توفي ضمرة بن ربيعة بالرملة سنة اثنتين وثمانين ومئة. وقيل: سنة اثنتين ومئتين.

ضمرة بن يحيى الصوفي

ضمرة بن يحيى الصوفي من دمشق. قال ضمرة بن يحيى الدمشقي: سمعت أبا بكر بن الأنباري يقول: كتب الفضل بن سهل إلى بعضهم: أحتج عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصدق النية. قال ضمرة بن يحيى: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري لمروان بن أبي حفصة: " الكامل " عند الملوكِ منافعٌ ومضرَّةٌ ... وأرى البرامك لا تضرّ وتنفعُ إن كان شراً كان غيرهُمُ لهُ ... والخير منسوبٌ إليهم أجمعُ وإذا جهلتَ من امرىء أعراقَه ... وأمورَه فانظُر إلى ما يصنعُ ضمضم بن زرعة قيل إنه ابن ثوب فإن كان أبوه زرعة بن ثوب فهو دمشقي مَقراني. قال الحافظ: وعندي أن ضمضماً حضرمي، من أهل حمص. حدث عن شريح بن عبيد عن أبي أمامة الباهلي وغيره من الصحابة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم. وحدث عن شريح بن عبيد عن كثير بن مُرّة عن عتبة بن عبد السلمي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار، والدعوة في الحبشة، والجهاد والهجرة في المسلمين والمهاجرين بَعد. أسماء الرجال على

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة طارق بن شهاب بن عبد شمس أبن سلمة بن هلال بن عوف بن جُشَم بن نقر ابن عمرو بن لؤي بن رُهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس أبو عبد الله الأحمسي البجلي الكوفي رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وغزا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. حدث طارق بن شهاب أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد وضع رجله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: " كلمة حقّ عند سلطان جائر ". وعن طارق عن شهاب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بألبان الإبل والبقر، فإنها تَرُمّ من الشجر كله. وهو دواء من كل داء ". وعن طارق بن شهاب بن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أنزل الله عزّ وجلّ داء إلا وله دواء. فعليكم بألبان البقر، فإنها تَرُمّ من كل الشجر ". قال طارق بن شهاب: قدم وفد نجيلة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ابدؤوا بالأحمسين ". ودعَا لنا. قال طارق بن شهاب: أتانا كتاب عمر لما وقع الوباء بالشام. فكتب عمر إلى أبي عبيدة أنه قد عرضت لي

طارق بن عمرو مولى عثمان بن عفان

إليك حاجة لا غنى لي عنها، فقال أبو عبيدة: يرحم الله أمير المؤمنين، يريد بقاء قوم ليسوا بباقين. قال: ثم كتب إليه أبو عبيدة: إن في جيش من جيوش المسلمين لست أرغب بنفسي. فلما قرأ الكتاب استرجع، فقال الناس: مات أبوعبيدة؟ قال: لا، وكأن. وكتب إليه بالعزيمة: فاظهر من أرض الأردن، فإنها عَمْقة وَبِئَة إلى أرض الجابية، فإنها نزهة، ندية. فلما أتاه الكتاب بالعزيمة أمر مناديه: أذّن في الناس بالرحيل. فلما قُدّم إليه ليركب وضع رجله في الغرز ثم ثنى رجله، فقال: ما أرى داءكم إلا قد أصابني. قال: ومات أبو عبيدة، ورُفع الوباء عن الناس. توفي طارق سنة اثنتين وثمانين وقيل ثلاث وثمانين. وقيل: أربع وثمانين. وقيل: توفي زمن الحجاج أيام الجماجم. وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين ومئة. طارق بن عمرو مولى عثمان بن عفان وجَهه عبد الملك بن مروان من الشام، فغلب له على المدينة سنة ثلاث وسبعين. حدث سليمان بن يسار أن طارقاً قضى بالعُمْرى للوارث عن قول جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. طالوت ملك بني إسرائيل واسمه بالسريانية شاول بن قيس بن أمال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أسن بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وقيل: اسمه شارك. وإنما سمي طالوت

لطوله. وهو الذي ذكر الله قصته في القرآن العزيز، ومحاربته لجالوت. وكان داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام زوجَ ابنته. وعن قتادة في قوله تبارك وتعالى: " إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيْكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ومَنْ لم يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " قال: هو نهر بين الأردن وفلسطين " إِلا مَنْ أغَتَرفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ " قال: كان الكفار يشربون فلا يروون. وكان المسلمين يغترفون غرفة فتجزيهم ذلك. وعن ابن عباس في قوله عزّ وجل: أَلَمْ تَرَ إِلى المَلأَ مِنْ بَنِيْ إِسرَائيْلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لنَبِيٍّ لَهُمْ " يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم: أشمويل " ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقَاتِلْ في سَبِيْلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا وَمَالَنا ألا نُقَاتِلَ في سَبيْلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَنْبَائِنا " يعني أخرجتنا العمالقة. وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت. فلما كتب الله عزّ وجلّ عليهم القتال تولُّوا إلا قليلاً منهم. فسأل نبيُّهم اللهَ عزّ وجلّ أن يبعث لهم ملكاً. قال كعب: بعث الله لهم طالوت، ملكاً، راعي حمير. وكان فقيراً ليس له مال. وخرج من قريته يطلب حمارين له أضلهما. فلما أدركه الليل، ولم يجدهما، وتمادى به الطلب، فدخل مدينة بني إسرائيل، واضطره الجوع، فأوى إلى اشمويل، وكان مأوى المساكين، فأوحى الله تعالى لى أشمويل أني قد بعثت إليك هذا الذي ينشُد الحمار ملكاً على بني إسرائيل، فإذا أصبحت فقس طوله بقصبة، ثم ادفعها إلى بني إسرائيل فقل لهم: إن الله قد بعث لكما ملكاً طوله هذه القصبة، فاطلبوه حيثما كان من أسباط بني إسرائيل، فهو

عليكم. وكان طول القصبة ثماني أذرع. فلما دفعها إليهم، فلم يُعَذِّروا في الطلب، ولم يبالغوا، وقالوا لنبيهم: لم نجد هذا، فقال لهم نبيهم: هو طالوت صاحب الحمار، فقالوا: أين هو؟ قال: عهدي به البارحة. فلما وجدوه قاسوه بالصقبة، فكان قدرها، فقالوا له: من أي سبط أنت؟ قال: من سبط يامين، فنفروا من ذلك وكرهوه. وقيل: إنا سألوا ذلك أنهم كانوا في مدينة لهم قد بارك الله لهم في مكانهم، لا يدخله عليهم عدو، ولا يحتاجون إلى غيره. قال: كان أحدهم يجمع التراب على صخرة، ثم ينبذ فيه الحب، فيُخرج الله عزّ وجلّ منه ما يأكل سَنَتَه هو وعياله، ويكون لأحدهم محارم الله عزّ وجلّ، وجاروا في الحكم نزل بهم عدوهم فخرجوا إليهم، وأخرجوا التابوت، وكان يكون التابوت أمامهم في القتال، فقدموا التابوت، فسُبي التابوت، وكان عليه ملك يقال له إيلاف، فأخبر الملك أن التابوت قد سبي واستلب، فمالت عنقه فمات كمداً عليه، فمرَجَت أمروهم، وظهر عدوهم، وأصيب من أبنائهم ونسائهم فعند ذلك قالوا: " ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيْلِ اللهِ " فسأل الله لهم نبيُّهم أن يبعث لهم ملكاً، فأوحى الله إليه أن أنظر الفرن الذي في بيتك، فيه الدهن؛ فإذا دخل عليك رجل فنشّ الدهن الذي في الفرن، فإنه ملك بني إسرائيل، فادهن رأسه منه، وملّكه عليهم، فجعل ينظر مَن ذلك الرجل الداخل عليه؟ وكان طالوت رجلاً دباغاً من سبط ابن يامين، وكان سبط ابن يامين لم يكن فيه نبوّة، ولا ملك، فخرج طالوت يطلب حماراً مع غلام له، فمرّ ببيت اشمويل النبي صلى الله على نبينا وعليه سلم. فدخل عليه مع غلامه، فذكر له أمر حماره إذ نشّ الدهن في الفرن، فقام إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذه، ثم قال لطالوت: قرِّب رأسك فقرّبه، فدهنه، فقال: يا منشد الحمار، هذا خير لك مما تطلب، أنت ملك بني إسرائيل الذي مرني " ربي " أن أملكه عليهم. وكان اسم طالوت بالسريانية شارك، وخرج من عنده، فقال الناس: ملَك طالوت. فأتى عظماءُ بني إسرائيل النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا له: ما شأن طالوت يملك علينا، وليس من بيت النبوّة ولا المملكة، وقد عرفت أن الملك

والنبوة في آل لاوي وآل يهوذا؟! قال: " إِنَّ اللهُ اصْطَفَاه عَلَيْكُمْ " للذي سبق له أن يملككم " وَزَادَهُ بَسْطَةً فِيْ العِلْمِ وَالْجِسْمِ " فيه تقديم، يعني: في الجسم والعلم. كان أطولهم بسطة رِجل - وقال الحسن: لم يكن بأعلمهم، ولكن كان أعلمهم بالحرب، فذلك قوله: في العلم، إنه كان مجرباً: " واللهُ يُؤتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ " يعني الملك بيد الله عزّ وجلّ يضعه الله حيث يشاء. ليس لكم أن تخيّروا. وكان طالوت رجلاً فقيراً مغموراً فيهم بالدَّين، فمن ذلك قالوا: " وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ " وكيف يكون له الملك علينا وهو مغمور بالدين؟! قالوا: ما آية ذلك تُعرّفه أنه ملك؟ قال: آيته أن يتيكم التابوت. فقالوا: إن ردّ علينا التابوت فقد رضينا وسلمنا. وكان الذين أصابوا التابوت أسفل من جبل إيلياء، فما بينهم وبين مصر، وكانوا أصحاب أوثان، وكان فيهم جالوت. وكان له جسم وخَلق وقوة في البطش، وشدة في الحرب. فلما وقع التابُوت في أيديهم جعلوا التابوت في قرية من قرى فلسطين، فوضعوه في بيت أصنامهم، فأصبحت أصنامهم منكوسة. وكان لهم صنم، كبير أصنامهم، من ذهب، وله حدقتان من ياقوتتين حمراوين، فخرّ ذلك الصنم ساجداً للتابوت، وانحدرت حدقتاه على وجنتيه يسيل منها الماء. فلما دخلت سدنة بيت أصنامهم ورأوا ذلك نتفوا شعورهم، ومزقوا جيوبهم، وأخبروا ملكهم. وسلط الله عزّ وجلّ الفأر على أهل تلك القرية، فتجيء الفأرة إلى الرجل وهو نائم فتأكل جوفه، وتخرج من دبره، حتى طافت عليهم فماتوا، فقالوا: ما أصابنا هذا إلا في سبب هذا التابوت، فأرادوا حرقه، فلم تحرقه النار، وأرادوا كسره، فلم يحكّ فيه الحديد، فقالوا: أخرجوه عنكم، فوضعُوه على ثورين على عجلة فسيّبوه فساقته الملائكة إليهم. وقال قتادة في قوله: " وقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ " إن نبيهم الذي كان بعد موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يوشع بن نون، وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما. قال: وأحسبه هو فتى موسى.

وقيل: كان طالوت سقاء، يبيع الماء. رواه عمران عن عكرمة، ولم يُدر مَن عمران هذا الراوي. قال ابن عباس: وضعوه على عجل حولي ثم سيَّبوه فساقته الملائكة حتى أدخلوه محلة بني إسرائيل فذلك قوله: " أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " إلى قوله: " تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةْ " فكان في التابوت " سَكِيْنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ " قال: أما البقية فرُضاض الألواح، وعصا موسى، وعمامة هارون، وقَباء هارون الذي كان فيه علامات الأسياط في الغلول. وكان فيه طست من ذهب، فيه صاع من مَنّ الجنة، وكان يفطر عليه يعقوب. وأما السكينة فكان مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء. وقيل: إن الألواح التي كتب الله لموسى فيها التوراة، ثم أعطاه إياها، كانت الألواح من زبرجد. فلما ألقى موسى الألواح، وأخذ براس أخيه كان موسى حزناً ألا يلقى الألواح التي أعطاه الله بيده، فنسخ الألواح من جبل الطور، والبقية التي قال الله: كسر من الألواح من جبل الطور. وقيل: السكينة: ريح هفافة، لها وجه كوجه الإنسان. وقيل: السكينة: لها وجه كوجه الهرة، ولها جناحان. وقيل: لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرّة. وقيل: كانت هرة، رأسها من زمردة، وظهرها من درّ، وبطنها من ياقوت وذنبها وقوائمها من لؤلؤ. فإذا أرادوا القتال قدّموا التابوت، ثم تكون أعلامهم وراياتهم خلف التابوت. وهم وقوف خلف ذلك ينتظرون تحريك التابوت، فتصيح الهرة فيسمعون صراخاً كصراخ الهرة، فتخرج من التابوت ريح هفافة، فترفع التابوت بين السماء والأرض، ويخرج منها لسانان: ظلمة ونور، فتضيء على المسلمين وتظلم على الكفار، فيُقاتل القوم وينصرون.

فلما رأوا التابوت قد ردّ عليهم أقرّوا لطالوت بالملك، واستوسقوا له على التابوت، فخرج بهم طالوت وجدّوا في حرب عدوهم، ولم يتخلف عنه إلا كبير وضرير ومعذور ورجل في ضيعة لابد له من التخلف، فقالوا لنبيهم: إن الجباب والآبار لا تحملنا، فادع الله لنا أن يُجري لنا نهراً، فدعا ربه، فأجرى لهم نهراً من الأردن، فقال لهم نبيهم أشمويل: اعلموا أن الله " مُبْتَلِيْكُمْ بِنَهرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ " فاقتحم فيه " فَلَيْسَ مِنِّي ". وقال لطالوت: ليس ممن يقاتل معك، فرُدّهم عنك؛ " وضمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي " يُقاتل معك. فامض بهم. فذلك قوله عزّ وجلّ: " إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ " وكانت الغرفة للرجل ودوابَه وعياله تملأ قربته. قال: " فَشَرِبُوُا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ ". قال ابن عباس: كانوا مئة ألف وثلاثة آلاف وثلاث مئة عشر رجلاً. فشربوا منه كلهم إلا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً عدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر. قال: فردهم طالوت، ومضى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً. فلما جاوز النهر - يعني طالوت - والذين لبثوا معه. قالوا: " لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قاَلَ الّذِيْنَ يَظُنُّوْنَ أَنَّهُم مُلاَقُوا اللهِ " يعني يؤمنون ويوقنون بالبعث " كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَتْ كثِيْرَةً بِإِذْنِ اللهِ واللهُ معَ الصَّابِرِينَ " وكان أشمويل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى طالوت درعاً، فقال له: من استوى هذا الدرعُ عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله عزّ وجلّ، ونادى منادي طالوت: مَن قتل جالوت زوجته ابنتي، وله نصف ملكي ومالي. وكان إخوة داود معه، وهم أربعة إخوة، وكان إيشا أبو داود حبس داود عنده، وسرح ثلاثة إخوةِ داود مع طالوت. وكان الأمر الله عزّ وجل سبب هذا الأمر على يدي داود ابن إيشا. وهو من ولد حصرون بن قانص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام. قال أبو أيوب الأنصاري: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة: هل لكم أن نخرج فنلقى هذه العير، لعل الله يغنمنا؟ قلنا: نعم، فخرجنا.

فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتعادّ، فإذا نحن ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً، فأخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدتنا، فسُرّ بذلك، وحمد الله، وقال: عدة اصحاب طالوت. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوم بدر بثلاث مئة وخمسة عشر من المقاتلة، كما خرج طالوت، فدعا لهم حين خرج: اللهم، إنهم حفاة فاحملوهم، اللهم، إنهم عراة فاكسُهم، اللهم، إنهم جياع فأطعمهم. ففتح الله يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا، وما منهم رجل إلا بجمل أو جملين، واكتسَوا وشبعوا. قال وهب بن منبه: لما تقدم داود أدخل يده في مخلاته، فإذا تلك الحجارة الثلاثة صارت حجراً واحداً. قال: فأخرجه، فوضعه في مقلاعه، وأوحى الله إلى الملائكة أن أعينوا عبدي داود، وانصروه. قال: فتقدم داود وكبّر. قال: فأجابه الخلق غير الثقلين: الملائكةُ وحملَةُ العرش فمن دونهم، فسمع جالوت وجنده شيئاً ظنوا أن الله قد حشر عليهم أهلّ الدنيا، وهبت ريح، وأظلمت علهيم، وألقت بيضة جالوت، وقذف داود الحجر في مقلاعه، ثم أرسله، فصار الحجر ثلاثة، فأصاب أحدها جبهة جالوت، فنفذها منه فألقاه قتيلاً، وذهب الحجر، فأصاب ميمنة جند جالوت، فهزمهم، والثالث أصاب الميسرة، فهزمهم. وظنوا أن الجبال قد خرّت عليهم، فولُّوا مدبرين، وقتل بعضهم بعضاً. ومنح الله بني إسرائيل أكتافهم حتى أبادوهم، وانصرف طالوت ببني إسرائيل مظفراً، قد نصرهم الله على عدوهم، فزوج ابنته من داود، وقاسمه نصف ماله. وكان لا يرى رأيه، فاجتمعت بنو إسرائيل فقالوا: نخلع طالوت، ونجعل علينا داود، فإنه من آل يهوذا، وهو أحق بالملك من هذا. فلما أحسّ طالوت بذلك وخاف على ملكه أراد أن يغتال داود فيقتله، فأشار عليه بعض وزرائه أنك لا تقدر على قتله إلا أن تساعدك ابنتك، فدخل طالوت على ابنته فقال لها: يا بُنّيَّة، إني أريد أمراً أحب أن تساعديني عليه. قالت: وما ذاك يا أبه؟ قال: إني أريد أ، أقتل داود، فإنه قد فرّق عليّ الناس، واختلفوا، فقالت: يا أبه، زعمت أنك تريد أن تقتل داود لما قد أفسد عليك، وأعلم أن داود رجل له

صولة. شديد الغضب. فلستُ آمن عليك إن لم تستطع قتله إن ظفر بك قتلك، فإذا أنت قد لقيت الله تعالى قاتلاً لنفسك، مستحلاً لدم داود، وعجباً منك ومما أعرف من حِلمك وسداد رأيك، كيف أسلماك إلى هذا الرأي القصير، وهذه الحيلة الضعيفة بالتقدم على داود، وأنت تعلم أنه أشد أهل الأرض نفساً، وأبسله عند الموت، فقال طالوت: إني لأسمع قول امرأة مفتونة بزوج قد منعتها الفتنة وحبّها إياه أن تقبل عن أبيها وتناصحه، وأعلمي أني لم أدعُكِ إلى ما دعوتك إليه من أمر داود إلا وقد عرفت أني لم أنظر فيه نظر مثلي، وقد وطنت نفسي على قطع صهره، إما أن أقتلك وإما أن تقتليه. قالت: فأمهلني حتى إذا وجدت فرصة أعلمتك. وعن ابن عباس أنها انطلقت فاتخذت زقاً على صورة داود ثم ملأته خمراً، ثم طيبته بالمسك والعنبر وأنواع الطيب، ثم أضجعت الزق على سرير داود ولَحَفَته بلحاف داود، وأفشت إلى داود ذلك، وأدخلت داود المخدع، وعلمت أن أباها سيندم على قتله إن قتله. قال فأعلمت طالوت، فقالت: هلم إلى داود فاقتله. قال: فجاء طالوت حتى دخل البيت، ومعه السيف، فقالت: هو ذاك، فشأنك وشأنه. قال: فوضع السيف على قلبه ثم اتكأ عليه حتى أنفذه، فانتضح الخمر ونفخ منه ريح المسك والطيب. قال: يا داود ما أطيبك ميتاً، وكنت أطيب وأنت حيّ، وكنت طاهراً نقياً، وندم فبكى، فأخذ السيف، فأهوى به إلى نفسه ليقتلها، فاحتضنته ابنته، فقالت له: يا أبه، مالك قد ظفرت بعدوك وقتلته، وأراحك الله عزّ وجلّ، وصفا لك الملك. قال: يا بنيّة، قد علمت أن الحسد والبغي حملاني على قتله، فصرت من أهل النار، وإن بني إسرائيل لا يرضون بذلك، فأنا قاتل نفسي. قالت: يا أبه، أفكان يسرّك أنك لم تكن قتلته؟ قال: نعم، فأخرجت داود من البيت، فقالت: يا أبه، إنك لم تقتله، وهذا داود وقال داود: قد علمت أن الشيطان قد زين لك هذا، وندم طالوت. قال مكحول: زعم أهل الكتاب الأُول أن طالوت طلب التوبة إلى الله، وجعل يلتمس التنصل من ذلك الذنب إلى الله عزّ وجلّ، وأنه أتى عجوزاً من عجائز بني إسرائيل كانت تحسن الأسم الذي يُدعى الله عزّ وجلّ به فيُجيب، فقال لها: إني قد أخطأت خطيئة لا يُخبرني عن

طاهر بن أحمد بن علي

كفارتها إلا اليسع، فهل أنت منطلقة إلى قبره، فتدعين الله عزّ وجلّ فيبعثه حتى أسأله عن خطيئتي ما كفارتها؟ قالت: نعم. فانطلق بها إلى قبره، فقال لها: هذا قبره، فقالت له: انظر، إياك أن تخطئه، ما كانت علامته حين دفن؟ قال: دُفن وفي يده سواران من ذهب. قال: فصلت ركعتين ثم دعت الله، فخرج إليه اليسع، فقال: يا طالوت، ما بلغت خطيئتك أن أخرجتني من مضجعي الذي أنا فيه؟؟ قال: يا نبي الله، ضاق علي أمري فلم يكن لي بدّ من مسألتك عنه. قال: كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك، وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد. ثم رجع اليسع إلى مضجعه، وفعل طالوت ذلك حتى قتل هو وأهل بيته، فاجتمت بنو إسرائيل إلى داود، وآتاه الله الزبور، وعلمه صنعة الدروع، وأمر له الجبال والطير يسبّحن معه إذا سبّح. قال الطبري: زعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت من أولها إلى أن قتل في الحرب مع ولده كانت أربعين سنة. طاهر بن أحمد بن علي ابن محمود. أبو الحسين المحمودي القايني الفقيه الشافعي سكن دمشق. حدث عن أبي الفضل منصور بن نصر بن عبد الرحيم بن مت بن بجير الكاغدي السمرقندي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أَوَلاً أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم ". توفي طاهر بن أحمد وهو راجع من الحجاز في سنة ثلاث وستين وأربع مئة.

طاهر بن سهل بن بشر بن أحمد

طاهر بن سهل بن بشر بن أحمد ابن سعيد. أبو محمد بن أبي الفرج الأسفراييني الصائغ حدث عن أبي الحسين محمد بن مكي بسنده عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن شرّ الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ". توفي سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. وكان مولده سنة خمسين وأربع مئة. طاهر بن عبد السلام الدرجي حدث عن أبيه عن أشياخه أنهم لما فتحوا دمشق في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجدوا حجراً في جيرون مكتوباً عليه باليونانية. قال: فبعثوا إلى النصارى فلم يقرؤوه، وإلى اليهود فلم يقرؤوه، فجاؤوا برجل يوناني يقرؤه فإذا فيه مكتوب: دمشق جبارة، لا يهمّ بها جبار إلا قصمه الله. الجبابرة تبني، والقرود تخرب، والآخر شرّ، الآخر شرّ إلى يوم القيامة. طاهر بن علي بن عبدوس أبو الطيب، مولى بني هاشم الطبراني القطان القاضي حدث عن عصام بن روّاد بن الجراح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ من هذه الأربع: من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ". كذا قال، وسقط منه واحد. وجاء من طريق غير هذه بزيادة: عذاب جهنم. وحدث طاهر بن علي بالطبرية عن نوح بن حبيب قال: سمعت الشافعي يقول كلاماً، ما سمعت قط أحسن منه، سمعته يقول: قال إبراهيم خليل الله صلوات الله على نبينا وعليه لولده في وقتِ ما قصّ عليه ما رأى: " مَاذَا

طاهر بن محمد بن الحكم

تَرَى " أي ماذا تُشير به؟ ليَستخرج بهذه اللفظة منه ذكر التفويض والصبر، والتسليم والانقياد لأمر الله عزّ وجلّ لا لمؤامراته له مع أمر الله فقال: " يا أبَتِ افعَلْ ما تؤمَرُ سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " قال الشافعي: والتفويض هو الصبر، والتسليم هو الصبر، والانقياد هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح جميع ما ابتغاه في هذه اللفظة اليسيرة. توفي طاهر بن علي سنة سبع عشرة وثلاث مئة. طاهر بن محمد بن الحكم أبو العباس التميمي البزار المعلم إمام مسجد سوق الأحد. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا ينجي أحداً عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، فسدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيئاً من القصد تبلغوا ". وحدث عنه بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكاتبه: " إذا كتبت فضع قلمك على أذنك، فإنه أذكر لك ". توفي طاهر في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة. طاهر بن محمد بن سلامة بن جعفر أبو الفضل بن القاضي أبي عبد الله القضاعي المصري قدم دمشق رسولاً إلى القسطنطينية.

طاهر بن محمد بن أبي القاسم

حدث عن القاضي أبو مطر علي بن عبد الله بن الحسن بن أبي مطر الاسكندراني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كثر ضحكه استخف بحقه، ومن كثرت دعابته ذهبت جلالته، ومن كثر مزاحه ذهب وقاره، ومن شرب الماء على الريق ذهب بنصف قوته، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت خطاياه، ومن كثرت خطاياه كان النار أولى به ". قال الحافظ: غريب الإسناد والمتن. طاهر بن محمد بن أبي القاسم ابن كاكويه. أبو القاسم المروروذي الفقيه الواعظ، والد أبي محمد بن زينة قدم الشام. وحدث عن أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بادروا بالأعمال الصالحة فتناً كقطع الليل المظلم، ويصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً. ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا ". توفي طاهر سنة ثلاث وستين وأربع مئة. طاهر بن محمد البكري الضرير حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب الدمشقي عن الربيع بن سليمان قال: كنت عند الشافعي فأتته رقعة من الصعيد فيها مسألة: ما يقول الشيخ في قوله الله تعالى: " كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمَحْجُوبُونَ "؟ قال الشافعي: إذا حجب الكفار بالسخط دليل أن المؤمن غير محجوب في الرضا.

طراد بن الحسين بن حمدان

طراد بن الحسين بن حمدان أبو فراس الأمير حدث عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل بسنده عن أبي هريرة قال: بَصَرُ عينيّ هاتين وسَمْعُ أذنيّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد الحسن أو الحسين وهو يقول: ترَقَّ، عين بقة. قال: فوضع الغلام قدميه على قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرفعه إلى صدره. قال: ويقول له: افتح. قال: فيرفع فاه فيقبّله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: اللهم، إن أحبّه فأحبّه. وحدث عنه أيضاً بسنده عن علي عليه السلام أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقه مغتماً، فقال: يا محمد، ما هذا الغمّ الذي أراه في وجهك؟! قال: الحسن والحسين أصابتهما عين. قال: صدّق العين، فإن العين حقّ، أفلا عوّذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال: وما هنّ يا جبريل؟ قال: قل: اللهم، ذا السلطان العظيم، ذا المنّ المن القديم. ذا الوجه الكريم ولي الكلمات القامات والدعوات المسقابات عافِ الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الإنس. فقالها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاما يلعبان بين يديه. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ، فإنه لم يتعوّذ المتعوذون بمثله. طرفة بن أحمد بن محمد بن طرفة ابن الكميت. أبو صالح الحرستاني الماسح حدث عن عبد الوهاب الكلابي بسنده عن محمود بن الربيع قال: عقلتُ مجّة مجّها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وهي من دلو معلّقة في دارنا. قال محمد: فحدثني عتبان بن مالك قال: قلت: يا رسول الله، إن بصري قد ساء وإن الأمطار إذا اشتدت، وسال الوادي

طريح بن إسماعيل بن سعيد

حال بيني وبين الصلاة في مسجد قومي. فلو صليتَ في منزلي مكاناً أتخذه مصلّى؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. فغدا علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكر، فاستأذنا فأذنت لهما، فما جلس حتى قال: أين تحب أن تصلي من منزلك؟ فأشرت له إلى ناحية، فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصففنا خلفه فصلى، وحبَسْنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خزيرة صنعناها له. توفي طرفة بن أحمد سنة خمس وأربعين وأربع مئة. طُرَيح بن إسماعيل بن سعيد ابن عبيد بن أَسِيد بن عمرو بن عِلاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن نحِيرَة بن عوف بن قسيّ وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازان، أبو الصلت ويقال: أبو إسماعيل الثقفي الطائفي شاعر، حسن الشعر، بديع النظم، من شعراء بني أمية. وفد على الوليد بن يزيد، إذ كان ولي عهد في حياة هشام لأجل خؤولته، فإن أم الوليد ثقفية. وأقام عنده إلى أن صار الأمر إليه، واستفرغ شعره في مديحه، وبقي إلى أول الدولة العباسية، ومدح السفاح والمنصور. قال طريح: خصصت بالوليد حتى صرت أخلوا معه، فقلت له ذات يوم ونحن في مشرقة: يا أمير المؤمنين، خالك يحب أن تعلم شيئاً من خلقه. قال: وما هو؟ قلت: لم أشرب شراباً ممزوجاً قط إلا من لبن أو عسل. قال: قد عرفت ذلك، ولم يباعدك من قلبي. قال: ودخلت يوماً إليه وعنده الأمويون فقال: إليّ يا خال، فأقعدني إلى جنبه، ثم أتى

بشراب فشرب، ثم ناولني القدح، فقلت: يا أمير المؤمنينَ، قد أعلمتك رأيي في الشراب. قال: ليس لذلك أعطيتك، إنما دفعته إليك لتناوله الغلام، وغضب، فرفع القوم أيديهم، كأن صاعقة وقعت على الخِوان، فذهبت أقوم فقال: اقعد. فلما خلا البيت افترى عليّ ثم قال: يا عاضّ كذا وكذا، أردت أن تفضحني؟! لولا أنك خالي لضربتك ألف سوط، ثم نهى الحاجب عن إدخالي، وقطع عني أرزاقي، فمكثت ما شاء الله، ثم دخلت عليه يوماً متنكراً، فلم يشعر إلا وأنا بين يديه وأنا أقول من أبيات: " البسيط " يا بن الخلائفِ ما لي بعدَ تقربةٍ ... إليك أُقصى وفي حالَيْك لي عجبُ كأنني لم يكن بيني وبينكُم ... إلٌّ ولا خُلّة تُرعى ولا نسبُ قد كان بالودّ قِدْماً منك أزلفني ... بقربك الودّ والإشفاق والحدّبُ وكنتُ دونَ رجالٍ قد جعلتهم ... دوني إذا ما رأوني مقبلاً كذبوا إن يسمعوا لخير يخفوه وإن سمعوا ... شراً أذاعوا وإن لم يسمَعوا كذبوا قال: فتبسم، وأمرني بالجلوس، ورجع لي، وقال: إياك أن تعاود. منها: أين الذمامةُ والحقُّ الذي نزلَت ... بحفظِه وبتعظيم له الكتبُ؟ وحَوْكي الشعرَ أُصفيه وأنظِمه ... نظمَ القلائد فيها الدُرّ والذهبُ وإن سُخطَك شيء لم أناجِ به ... نفساً ولم يك مما كنتُ أحتسبُ لكن أتاك بقولٍ آثمٍ كذبٍ ... قومٌ بغَوني فنالوا فيّ ما طلبوا وهي طويلة. وقيل في سبب غضبته على طريح غير هذا. ومن شعره في الوليد: " المنسرح " أنت ابنُ مُسْلَنطحِ البطاحِ ولم ... تُطرقْ عليكَ الحُنيُّ والوُلُجُ

الطفيل بن عمرو بن حممة

لو قلتَ للسيل دَعْ طريقك وال ... موجُ عليه كالهَضْبِ يعتلجُ لارتدّ أوساخ أو لكانَ لهُ ... في سائرِ الأرضِ عنكَ مُنعرجُ طوبى لفرعَيْك من هنا وهنا ... طوبى لأعراقِك التي تشجُ أراد فرعه من قبل أبيه، وهم بنو أمية، وفرعه من قبل أمه، وهم ثقيف. دخل طُريح على المهدي، فانتسب له، وسأله أن يسمع، فقال: ألست الذي يقول للوليد بن يزيد: أنت ابن مسلنطح البطاح ولم ... تطرق عليك الحني والولج والله لا تقول في مثل هذا، ولا أسمع منك شعراً، وإن شئت وصلتُك. ومن شعر طُريح: " الكامل " والمالُ جُنّةُ ذي المعايب إن يُصب ... يُحمَدْ وإن يدع الطريقة يُعذرِ والمرء يُحمدُ إن يصادف حظّه ... قدرٌ ويعذلُ في الذي لم يقدرِ والناسُ أعداءُ لكلّ مُدفَّع ... صفر اليدين وإخوة للمكثرِ وإذا امرؤ في الناس لم يك عارفاً ... بالعُرف لم يكن منكراً للمنكرِ ومن شعره: " الطويل " سعيتُ ابتغاءَ الشكرِ فيما صنعت بي ... فقصّرت مغلوباً وإني لشاكر لأنكَ تعطيني الجزيلَ بداهةً ... وأنت لما استكثرتُ من ذاك حاقرُ الطفيل بن عمرو بن حَمَمة وقيل: الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سُليم ابن فهم بن غنم بن دوس، وقيل طفيل بن الحارث وقيل: طفيل بن ذي النور الدوسي له صحبة، وكان سيداً في قومه. قتل بأجنادين، وقيل: باليرموك، وقيل: باليمامة.

قال الطفيل بن عمرو: أقرأني أُبيّ بن كعب القرآن، فأهديت له قوساً، فغدا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متقلدها، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سلّحك هذه القوس يا أبيّ؟ قال: الطفيل بن عمرو الدوسي. أقرأته القرآن، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تقلده شلوة من جهنم. فقال: يا رسول الله، إنا نأكل من طعامهم. فقال: أما طعامٌ صنع لغيرك فحضرته فلا بأس أن تأكله، وأمّا ما صُنع لك فإنك إن أكلته فإنما تأكل بخلاقك. أسلم الطفيل بن عمرو بمكة، وكان يسمى ذا القطنتين. قيل: كان يجعل في أذنيه قطنتين لئلا يسمع كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجع إلى بلاد قومه، ووافى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية وفي الفتح. وقدم المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. فخرج إلى اليمامة فقتل بها سنة ثنتي عشرة. وقيل: إنه قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر مع أبي هريرة. وكان حممة بن رافع بن الحارث الدوسي من أجمل العرب وكانت له حُمّة يقال لها: الرطبة، كان يغسلها بالماء ثم يعقِصها وقد احتقن فيها الماء. فإذا مضى لها يوم رجَّلها ثم يعصرها فتملأ جلساءه، فحج على فرس له فنظرت إليه الحمامة الكنانية وهي خناس، وكانت عند رجل من بني كنانة يقال له: ابن الحمارس، فوقع بقلبها، فقالت له: من أنت؟ فوالله ما أدري أوجهك أحسن أم شعرك أم فرسك، ما أنت بالنجدي الثَّلِب، ولا التهامي الترِب، فاصدقني. قال: أنا امرؤ من الأزد من دَوس، منزلي بثَروق. قالت: فأنت قد وقعت بقلبي، فاحملني معك، فأردفها خلفه، ومضى إلى بلده. فلما أوردها أرضه قال: قد علمت هربك معي كيف كان، والله لا تهربين بعدي إلى رجل أبداً، فقطع عرقوبيها، فولدت له عمرو بن حممة. وكان سيداً. وولد عمرو بن حَممة الطفيلَ بن عَمرو، ذا النور. وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج زوجها ابن الحمارس في طلبها، فلم يقدر عليها، فرجع وهو يقول: " الوافر ".

ألا حيِّ الخناسَ على قِلاها ... وإن شحطت وإن بعدت نواها تبدلت الطبيخ وأرض دوس ... بهجمة فارس حمرٍ ذراها وقد خُبَرتها جاعت وذلّت ... وإن الحرّ من طود سواها وقد خُبَرتها نجلت زكياً ... وأنواراً معرفة سواها وقد أُنبئتُها ولدت غلاماً ... فلا شبّ الغلام ولا هناها كان الطفيل بن عمرو رجلاً شريفاً، شاعراً، كثير الضيافة، فقدم مكة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها، فمشى إليه رجال من قريش فقالوا: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته. إنا نخشى عليك وعلى قومك مثلما دخل علينا منه فلا تكلمه، ولا تسمع منه. قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على ألا أسمع منه شيئاً، ولا أكلمه وفي رواية حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً، فرقاً من أني يبلغني شيء من قوله. قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي عند الكعبة، فقمت قريباً منه، وأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً. فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته. فمكثت حتى انصرف إلى بيته ثم اتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت معه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا الذي قالوا لي فوالله ما تركوني، يخوفونني أمرك، حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم قم إن الله أبى إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض علي أمرك، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام، وتلا عليه القرآن، فقال: لا والله ما سمعت قولاً قط أحسن من هذا، ولا أمراً أعدل منه فأسلمت، وشهدت شهادة الحق، فقلت: يا نبيّ الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا

راجع إليهم فداعيهم إلى السلام، فادع الله أن يكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم، اجعل له آية. قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنيَّة تُطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللهم، في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مَثُلة وقعت في وجهي لفراق دينهم، فتحول النور، فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق وفي رواية: فكان يضيء في الليلة المظلمة له، فسُمي ذا النور - قال: فدخل بيته. قال: فأتى أبي، فقلت له: إليك عني يا أبتاه، فلست مني ولستُ منك. قال: ولم يا بني؟! قال: إني أسلمت، واتبعت دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: يا بني، ديني دينُك. قال: فاذهب فاغتسل، وطهِّر ثيابك، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني، لستُ منك، ولستِ مني. قالت: ولم بأبي أنت؟! قلت: فرق بيني وبينك الإسلام، إني أسلمت وتابعت دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: ديني دينك. قلت: فاذهبي إلى حمى ذي الشرى فتطهري منه. وكان ذو الشرى صنم دوس. والحمى حمى له يحمونه، وله وَشَل وماء يهبط من الجبل. فقالت: بأبي أنت، أتخاف على الصبية من ذي الشرى شيئاً؟! قلت: لا، أنا ضامن لما أصابك. قال: فذهبت، فاغتسلت، ثم جاءت، فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمت، ودعوت دَوْساً فأبطؤوا عليّ، ثم جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فقلت: يا رسول الله، قد غلبتني دوس، فادع الله عليهم وفي رواية: قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم فقال: اللهم، اهدِ دوساً وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، إن دوساً عصت وأبت، فادع الله، قال: فرفع يديه، فقلت: هلكت دوس، فقال: اللهم، اهدِ دوساً، وائت بهم قال: فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخرج إلى قومك، فادعهم، وارفق بهم، فخرجت إليهم. فلم أزل بارض دوس أدعوها حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق. ثم قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمن أسلم من قومي ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين، وقلنا:

يا رسول الله، اجعلنا ميمنتك، وأجعل شعارنا: مبرور، ففعل. فشعار الأزد كلها إلى اليوم مبرور. قال الطفيل: ثم لم أزل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى فتح الله عليه مكة، فقلت: يا رسول الله، ابعثني إلى ذي الكفّين صنم عمر بن حَمَمَة حتى أحرقه، فبعثه إليه، فأحرقه. وجعل الطفيل يقول وهو يوقد النار عليه، وكان خشب: " الرجز " يا ذا الكَفَيْن لستُ مِن عُبّادكا ... ميلادُنا أكبرُ من ميلادكا إنا حششنا النار في فؤادكا قال: فلما أحرقت ذا الكفين بان لم بقي ممن تمسّك به أنه ليس على شيء، فأسلموا جميعاً. ورجع الطفيل بن عمرو إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان معه بالمدينة حتى قبض. فلما ارتدّت العرب خرج مع المسلمين، فجاهد حتى فرغوا من طُليحة وأهل نجد كلها. ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقتل الطفيل بن عمرو باليمامة شهيداً، وجُرح ابنه عمرو بن الطفيل، وقطعت يده، ثم استبلّ منها، وصحت يده. فبينا هو عند عمرو بن الخطاب إذ أتي بطعام فتنحى عنه، فقال عمر: مالك! لعلك تنحّيت لمكان يدك؟ قال: أجل. قال: والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحدٌ بعضُه في الجنة غيرك. ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب مع المسلمين فقتل شهيداً، رحمه الله. وفي رواية حديث آخر بمعناه: أنه لما سار مع المسلمين إلى اليمامة، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل، فقال لأصحابه: إني قد رأيت رؤيا، فاعُبروها لي: رأيت أن رأسي قد حلق، وأنه قد خرج من فمي طائر،

وأن امرأتي لقيتني فأدخلتني في فرجها، ورأيت أن ابني يطلبني طلباً حثيثاً، ثم رأيته حُبس عني. قالوا: خيراً رأيت. قال: أما والله إني قد أوّلتها. قالوا: وما ذاك؟ قال: أما حلق رأسي فوَضعه، وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تُحفر لي فأُغَيَّب فيها، وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني فإني أراه سيجهد لأن يصيبه من الشهادة ما أصابني. فقتل الطفيل شهيداً باليمامة، وجُرح ابنه عمرو جراحاً شديدة، ثم قتل عام اليرموك شهيداً في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وفي حديث آخر: لما افتتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنيناً وأراد المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة - يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف. فقال الطفيل: يا رسول الله، أوصني. قال: " أفش السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله كما يستحيي الرجل ذو الهيئة من أهله، إذا أسأت فأحسن، ف " إنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيَّئاتِ ذِلِكَ ذِكرَى للِذّاكِرِينَ " ". فخرج مسرعاً إلى قومه، فهدم ذا الكفين، وأسرع معه قومه، انحدر معه أربع مئة من قومه، فوافوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطائف بعد مقدمه بأربعة ايام، بدبابة ومنجنيق وقال: يا معشر الأزد، من يحمل رايتكم؟ قال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية. قال: أصبتم، وهو النعمان بن الزرافة اللِّبي. وممن استشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة الطفيل بن عمرو الدوسي. وقيل: هذا وهم، وإن طفيل استشهد بأجنادين.

طلحة بن أحمد بن الحسن

طلحة بن أحمد بن الحسن ويقال: ابن الحسين، أبو القاسم ويقال: أبو محمد البغدادي الخزاز الصوفي حدث عن محمد بن أحمد بن فضالة السوسي بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المرأة كالضِلَع فَدارِهَا تعش بها فدارها تعش بها " وحدث عن محمد بن صفوة المصيصي بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقطع ألسنتهم بمقاريض من نار فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بما لا يفعلون " توفي طلحة ببغداد سنة ثمانين وثلاث مئة. طلحة بن أسد بن عبد الله المختار أبو محمد الرقي سكن دمشق. حدث عم أبي بكر محمد بن الحسين الآجري بسنده عن تميم الداري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنَّ الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة - ثلاثاً - لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة، ولا خير إلا في جماعة، والنصح لله عز وجل وللخليفة وللمؤمنين عامة.

طلحة بن زيد

توفي طلحة بن أسد في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وثلاث مئة. وكان ثقة مؤمناً يذكر عنه من السخاء والكرم شيء عظيم. طلحة بن زيد أبو مسكين ويقال: أبو محمد القرشي الرقي قيل: إنه دمشقي، وسكن الرقة. حدث عن عُبيدة بن حسان بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: بينما نحن جلوس مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أبي حشفة في نفر من المهاجرين، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لينهض كل رجل منكم إلى كُفئِه "، قال: ونهض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عثمان بن عفان فاعتنقه وقال: " أنت وليي في الدنيا، وأنت وليي في الآخرة " وحدث عن موسى بن عبيدة بسنده عن ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن العبد ليقف بين يدي الله، فيطوّل وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد. فيقول: يا ربّ، ارحمني اليوم. فيقول: وهل رحمتّ شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك، هات ولو عصفوراً " قال: فكان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن مضى من سلف هذه الأمة يتابعون العصافير فيعتقونها.

طلحة بن أبي السن الصيداوي

طلحة بن أبي السن الصَّيداوي حدث السكن بن محمد بن أحمد بن جُمَيع الصيداوي عن طلحة بن أبي السن خادم جده أبي بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني - وكان زوج ابنة أخيه - قال: كان الشيخ أبو بكر يقوم الليل كله فإذا صلى الفجر نام إلى الضحى، فإذا صلى الظهر يصلي إلى العصر، فإذا صلى العصر نام إلى قبل صلاة المغرب، فإذا صلى - يعني العشاء - قام إلى الفجر، وكانت هذه عادته، فجاء رجل ذات يوم يزوره بعد العصر فقعد يتحدث معه فترك عادة النوم. فلما انصرف سألته عنه فقال: هذا عريف الأبدال يزورني في السنة مرة، فلم أزل أرصد إلى مثل ذلك الوقت حتى جاء فوقفت حتى فرغ من حديثه، ثم سأله الشيخ: إلى أين تريد؟ فقال: أزور أبا محمد الضرير في مغار عند محد العين. قال طلحة: فسألته أن يأخذني معه. قال: بسم الله، فمضيت معه، فخرجنا حتى صرنا عند قناطر الماء فأذن المؤذن عشاء المغرب قال: ثم أخذ بيدي وقال: قل: بسم الله، قال: فمشينا دون العشر خُطاً فإذا نحن عند المغار مسيرة إلى بعد الظهر، قال: فسلمنا على الشيخ وصلينا عنده وتحدث معه. فلما ذهب نحو ثلث الليل قال لي: أتحب ان تجلس ههنا أو ترجع إلى بيتك؟ قلت: أرجع، فأخذ بيدي وسمّى بسم الله فمشينا نحو العشر خُطاً فإذا نحن على باب صيدا، فتكلم بشيء فانفتح الباب ودخلت ثم عاد الباب.

طلحة بن عبد الله بن خلف

طلحة بن عبد الله بن خلف ابن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح ابن عمرو بن عامر بن يحيى بن قمعة بن إلياس بن مضر أبو المطرف، وقيل: أبو محمد الخزاعي ويقال: إن أبا المطرف هو أبوه عبد الله بن خلف المعروف بطلحة الطلحات أحد الأجواد المفضلين، والأسخياء المشهورين، كان أجود أهل البصرة في زمانه. قدم دمشق وافداً على يزيد بن معاوية، شافعاً في يزيد بن ربيعة بن مفرغ. وأم طلحة الطلحات صفية بن الحارث، وكان عبد الله بن خلف أبوه كاتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة. قال الأصمعي: الطلحات المعروفون بالكرم: طلحة بن عبيد الله بن عثمان التميمي، وهو الفياض، وطلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وهو طلحة الجود، وطلحة بن عبد الله بن عوف، ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو طلحة الندى، وطلحة بن الحسن بن علي وهو طلحة الخير، وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو طلحة الطلحات وسمي بذلك لأنه كان أجودهم، وقيل: سمي بذلك لأن أمه ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة العبدري، ولذلك سمي طلحة الطلحات. قالت امرأة طلحة الطلحات له: ما رأيت ألأم من قومك. قال: وكيف؟ قالت: يأتونك إذا أيسرت، ويقطعونك إذا أملقت. قال: فهؤلاء أكرم قوم حين يأتوننا حيث بنا قوة على برّهم والقيام بحقوقهم، وينقطعون عنا حين نضعف عن ذلك.

قال عوانة بن الحكم: دخل كثير عزة على طلحة الطلحات عائداً، فقعد عند رأسه، فلم يكلمه لشدة ما به، فأطرق ملياً ثم التفت إلى جلسائه فقال: لقد كان بحراً زاخراً وغيماً ماطراً، ولقد كان هطِل السحاب، حلو الخطاب، قريب الميعاد، صعب القياد، إن سئل جاد، وإن جاد عاد، وإن حبا غمر، وإن ابتلي صبر، وإن فوخر فخر، وإن صارع بدر، وإن جُني عليه غفر، سليط البيان، جريء الجنان في الشرف القديم والفرع الكريم والحسب الصميم، يبذل عطاءه، ويرفد جلساءه، ويرهب أعداءه. ففتح طلحة عينيه فقال: ويحك يا كثير ما تقول؟ فقال: " الكامل " يا بن الذَّوائبِ مِنْ خُزاعة والذي ... لَبِسَ المكارمَ وارتدى بنجادِ حلَّت بساحتِك الوفودُ من الورى ... فكأنّما كانوا على ميعادِ لنعود سيِّدَنا وسيِّد غيرنا ... ليستَ التشكي كانَ بالعُوَّادِ خرج وفد من أهل المدينة إلى خراسان إلى طلحة الطلحات. فلما صاروا إلى بعض البوادي رفعت لهم خيمة خفية، وقد جنَّهُم الليل، وإذا هم بعجوز ليس عندها من يحل بها ولا يرحل عنها وإلى جنب خيمتها عُنيزة، قالوا لها: هل من منزل فننزل؟ فقالت: إي ها الله، على الرحب والسعة والماء السائغ. فنزلوا فإذا ليس بقربها ولد ولا أخ ولا بعل، فقالت: ليقُم أحدكم إلى هذه العُنيزة فليذبحها، فقالوا: إذاً تهلكي والله، أيتها العجوز، إنّ عندنا من الطعام لبلاغاً، ولا حجة بنا إلى عنيزتك، فقالت: أنتم أضياف وإنا المنزولة بها، ولولا أني امرأة لذبحتها، فقام أحدهم متعجباً منها، فذبح العنز، واتخذت لهم طعاماً وقربته إليهم، فلما أصبحوا غدَّتهم ببقيتها، ثم قالت: أين تريدون؟ قالوا: طلحة الطلحات بخراسان، فقالت: إذان تأتون سيداً ماجداً صميماً، غير وحش ولا كَدوم، هل أنتم تبلغوه كتاباً إن دفعته إليكم؟ فضحكوا وقالوا: نفعل وكرامة، فدفعت إليهم كتاباً على قطعة جراب عندها. فلما قدموا على طلحة جعل يسألهم عما

خلفوا وما رأوا في طريقهم، فذكروا العجوز وقالوا: نخبر الأمير عن عجب رأيناه، وأخبروه بقصة العجوز وصنيعها وقولها فيه، ثم قالوا: ولها عندنا كتاب إليك ودفعوه إليه، فلما قرأ الكتاب ضحك وقال: لحاها الله من عجوز ما أحمقها! تكتب إليَّ من أقصى الحجاز تسألني جُبْن خراسان فلم يدع للوفد حاجة إلا قضاها، فلما أرادوا الخروج قال: هل أنتم مبلغوها الجبن الذي سألت؟ قالوا: نعم، وقد كان أمير بجبنتين عظيمتين فأمر بنقبهما وملأهما دنانير وسوّى عليهما ثم قال: بلغوها الجبنتين، فلما قدموا عليها نزلوا، قالوا لها: ويحك كتبت إلى مثل طلحة الطلحات تستطعمينه جبن خراسان! قالت: أو قد بعث إلي بشيء؟ قالوا: نعم، وأخرجوا الجبنتين فكسرتهما فتناثرت الدنانير ثم قالت: أمثلي تسأل طلحة جبناً؟! ثم قالت: أقرأ عليكم كتابي إليه؟ قالوا: نعم. فإذا في كتابها: " الرجز " يا أيُّها المائح دَلوي دونكا ... إني رأيتُ النّاس يحمدونكا يثنون خيراً ويمجّدونكا ثم قالت: أفقرأ عليكم جوابهَ؟ قالوا: نعم، فإذا جوابه: " الرجز " إنّا ملأناها تفيض فيضا ... فلن تخافي ما حَييت غَيضا خذي لك الجبن وعودي أيضاً قال الخليل بن أحمد: قال طلحة الطلحات: ما بات لرجل علي موعد منذ عقلت إلا القليل، وذلك أنه يتململ على فراشه ليغدو فينظفر بحاجته، فلأنا أشد تململاً بالخروج إليه من عدتي تخوفاً لعارض خلف، إن الخلف ليس من أخلاق الكرام.

طلحة بن عبد الله بن عوف

طلحة بن عبد الله بن عوف ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد الزهري ابن أخي عبد الرحمن بن عوف المدني الفقيه وفد على معاوية، أمه فاطمة بنت مطيع بن الأسود بن حارثة بن نَضْلة بن عُبيد بن عويج بن عدي بن كعب. حدث عن سعيد بن زيد يعني ابن عمرو بن نفيل قال: من ظلم شيئاً من الأرض طوّقه من سبع أرضين وفي رواية: شبراً ومن قتل دون ماله فهو شهيد. زاد في حديث آخر: ومَنْ قُتل دونَ أهِله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد. وفد جماعة من قريش على معاوية بن أبي سفيان فأجازهم وفضل عليهم في الجائزة طلحة بن عبد الله بن عوف، فعاتبوه على ذلك، فقال: أنتم قدمتموه على أنفسكم، قدمتموه للصلاة في طريقكم وهي أفضل عمل المرء. كان طلحة بن عبيد الله من سَرَوات قريش، وكان يُقال له: طلحة الندى، وكان هو وخارجة بن زيد بن ثابت في زمانهما يُستفتيان وينتهي الناس إلى قولهما، ويَقسمان المواريث بين أهلها من الدور والنخيل والأموال، ويكتبان الوثائق للناس بغير جُعْلٍ. وكان طلحة سخياً جواداً قدم الفرزدق المدينة وقد مدحه ومدح غيره من قريش، فبدأ به فأعطاه ألف دينار، ثم أتى غيره فجعلوا يسألون كما أعطاه طلحة؟ فقيل: ألف دينار، فكانوا يكرهون أن قصّروا عن ذلك فيتعرض للسان الفرزدق،

فجعلوا يتكلفون ما أعطاه طلحة فكان يقال: أتعب طلحة الناس. وكان طلحة إذا كان عنده مال فتح بابيه وغشيه أصحابه والناس، فأطعم وأجاز وحمّل، وإذا لم يكن عنده شيء أغلق بابيه فلم يأته أحد، فقال له بعض أهله: ما في الدنيا شرّ من أصحابك، يأتونك إذا كان عندك شيء، وإذا لم يكن لم يأتوك. فقال: ما في الدنيا خير من هؤلاء، لو أتونا عند العسرة أردنا أن نتكلف لهم، فإذا أمسكوا حتى يأتينا شيء فهو معروف منهم وإحسان. وكان طلحة بن عبد الله قصيراً لطيفاً أعمش، فدخل سوق الظهر بالمدينة وفيه الفرزدق، فقال للفرزدق: اختر عشراً من هذه الإبل، ففعل، فقال: ضم إليها مثلها، فلم يزل كذلك حتى بلغت المئة ثم قال: هي لك، فسأل الفردزق عنه فقيل له: هذا طلحة بن عبد الله بن عوف، فقال يمدحه: " الكامل " يا طلحُ أنتَ أخو الندى وعقيدُه ... إنَّ النَّدى إن ماتَ طلحةُ ماتا وقال فيه الأشجعي: " الرجز " طلحةُ يختارُ نَعَمْ على لا ... ثَمَّتَ لا يلقى به مطالا إنّ له في غير لا مقالا قال ابن سلام: مرّ طلحة بن عبد الله بدار ابن أذنية الشاعر وهو ينادي عليها فقال: إن داراً قعدنا فيها وتحدثنا في ظلها لمحقوقة أن تمنع من البيع، فبعث إلى أبن أذينة بثمنها وأغناه عن بيعها. قدم الفرزدق المدينة زائراً لطلحة، وقد توفي طلحة وهو لا يشعر، فوجد رجلاً خارجاً من المدينة فسأله عن أخبار الناس فقال له: توفي طلحة بن عبد الله، فقال له: بفيك التراب والحجر، ودخل من رأس الثنية يولول ويقول: يا أهل المدينة، كيف تركتم طلحة يموت.

طلحة بن عبيد الله بن عثمان

أعطى السلطان طلحة بن عبد الله سبعة آلاف درهم فخرج بها معه غلام، فلقيه أعرابي حديث عهد بعلة، فقال له: أعني على الدهر، فقال: يا غلام انثر ما معك في كساء الأعرابي، فذهب يقلها، فعجز عنها فقعد يبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعلك استقللت ما أعطيناك؟ قال: لا والله ما بكيت استقلالاً لها، ولكني نظرت في يسير ما سألتك من جزيل ما أعطيتني، وتفكرت في ما تأكل الأرض من كرمك فأبكاني ذلك. توفي طلحة بن عبد الله سنة سبع وتسعين وهو ابن اثنين وسبعين سنة، وقيل: سنة تسع وسبعين. وكان بارعاً أريحياً. طلحة بن عبيد الله بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة، أبو محمد التميمي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذي سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأحد الستة أصحاب الشورى الذي توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض. حدث طلحة بن عبيد الله قال: جاء الرجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وصيام شهر رمضان، قال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع. وذكر له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال:

لا، إلا أن تطوع. قال: فأجبر الرجل ذاهباً وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلح إن صدق. وعن طلحة قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده سفرجلة فرمى بها إليَّ وقال: دونكها يا أبا محمد فإنها تجمّ الفؤاد. وأم طلحة بن عبيد الله هي الصعبة بنت الحضرمي وهو عبد الله بن عباد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصدف من حضرموت من كندة. وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين، وكان من المهاجرين الأول، كان بالشام في تجارة حيث كانت وقعة بدر، فضرب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه. فلما قدم قال: يا رسول الله، وأجري؟ قال: وأجرك. وكان له مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلاء حسن يوم أحد، وقاه بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه وضرب الضربة المصلبة في رأسه، وحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهره حتى استقل على الصخرة، وكان قد بدَّن وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض فلم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك اليوم حين انكشف المشركون لأبي بكر الصديق: يا أبا بكر أوجب طلحة.

قال طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم؟ قال طلحة: نعم، أنا، فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، ومخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرّة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه، قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة، قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر وقلت: أتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق، فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم طلحة وأخبر رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال الراهب، فَسُر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فلما أسلم أبو بكر وطلحة بن عبيد الله أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تميم، وكان نوفل يدعى أسد قريش، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة: القرينين. قال مسعود بن حراش: بينا أنا أطوف بين الصفا والمروة فإذا أناس كثير يتبعون أناساً، قال: فنظرت فإذا فتى شاب موثق يداه إلى عنقه، فقلت: ما شأن هؤلاء؟ فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله قد صبأ، وإذا وراءه امرأة تذمره وتسبه، قلت: من هذه المرأة؟ قالوا: هذه أمه الصعبة بن الحضرمي، قالوا: وإن عثمان بن عبيد الله أخا طلحة قرن طلحة مع أبي بكر ليحبسه عن الصلاة ويرده عن دينه، وخرز يده ويد أبي بكر في قِدّ، فلم يرعهم إلا وهو يصلي مع أبي بكر. وعن ابن عباس قال: أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم الزبير وأم عبد الرحمن بن عوف وأم عمار بن ياسر. ولما ارتحل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخرّار في هجرته إلى المدينة فكان الغد لقيه طلحة بن عبيد الله جائياً من الشام في عير، فكسا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر من ثياب

الشام، وخبّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من بالمدينة من المسلمين قد استبطأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من بالمدينة من المسلمين قد استبطأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السير، ومضى طلحة إلى مكة حتى فرغ من حاجته، ثم خرج بعد ذلك بآل أبي بكر، فهو الذي قدم بهم المدينة. ولما آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الصحابة بمكة قبل الهجرة آخى بين طلحة والزبير. وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مقدمه المدينة مهاجراً قد آخى بين المهاجرين والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام حتى نزلت آية الفرائض " وَأُولُوْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلِى بِبَعْضٍ في كِتَابِ اللهِ "، فآخى بين طلحة بن عبيد الله وبين أبي أيوب خالد بن زيد. وعن طلحة قالِ: لما وقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده يوم أحد فقطعت فقال: حسِّ. فقال له: لو قلت: بسم الله لرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا. وفي رواية: لو قلت: بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك. وفي رواية: حملتك الملائكة. وفي رواية: لو قتل: بسم الله، أو ذكرت الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون حتى تلج بك في جو السماء.

قال جابر: لما كان يوم أُحد وولى الناس كان رسول الله في ناحية في اثني عشر رجلاً من الأنصار وفيهم طلحة بن عبيد الله فأدركه المشركون، فالتفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كما أنت، فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: أنت، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا بالمشركين فقال: من للقوم؟ فقال طلمة: أنا يا رسول الله، فقال: كما أنت. فقال رجل من الأنصار: أنا، فقال: أنت، فقاتل قتال صاحبه حتى قتل، ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار ويقاتل من قبله حتى يقتل حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من للقوم؟ فقال طلحة: أنا يا رسول الله، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال: حس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قلت: بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون، ثم ردّ الله المشركين. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال: ذاك كله لطلحة، ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دونه وأراه قال: يحميه قال: فقلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجل من قومي أحبّ إليّ، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه وأنا اقرب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه وهو يخطف المشي خطفاً لا أخطفه، فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح فانتهينا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه، وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق المغفر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكما صاحبكما يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت إلى قوله قال: فذهبت لأنزع ذاك من وجهه فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني فتركته، فكره أني تناولهما بيده فيؤذي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأزَمَ عليها بفيه

فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني قال: ففعل مثلما فعل في المرة الأولى فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة. فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً فأصلحنا من شأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون أو اقل أو أكثر بين طعنة ورمية وضربة فإذا قد قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه. وفي حديث آخر معناه: من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي في الدنيا وهو من أهل الجنة فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله، طلحة ممن قضى نحبه. وقال طلحة: لما جال المسلمون تلك الجولة، ثم تراجعوا أقبل رجل من بني عامر يجر رمحاً له على فرس كميت أغر مدججاً في الحديد يصيح: أنا ابن ذات الودع، دلوني على محمد، فأضرب عرقوب فرسه، فاكتسعت ثم أتناول رمحه فوالله ما أخطأت به عن حدقته فخار كما يخور الثور، فما برحت به واضعاً رجلي على خده حتى أزرته شَعُوب. قالوا: ولما كان يوم الجمل وقتل علي من قتل من المسلمين ودخل البصرة جاءه رجل من العرب فتكلم بين يديه ونال من طلحة فزبره علي وقال: إنك لم تشهد يوم أحد وعظم غنائه عن الإسلام مع مكانه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانكسر الرجل وسكت، فقال رجل من القوم: وما كان غناؤه وبلاؤه يوم أحد يرحمه الله؟ فقال عليّ نعم، فيرحمه الله، فلقد رأيته وإنه لَيترِّس بنفسه دون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن السيوف لتغشاه والنبل من كل

ناحية، وإنْ هو إلا جُنة بنفسه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قائل: إن كان يوماً قد قتل فيه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الجراحة، فقال علي: أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليت أني غودرت مع أصحاب نُحْصِ الجبل، ثم قال: لقد رأيتني يومئذ وإني لأذبهم في ناحية، وإن أبا دجانة في ناحية يذب طائفة منهم، وإن سعد بن أبي وقاص يذب طائفة منهم حتى فرج الله ذلك كله، ولقد رأيتني وانفردَت منهم يومئذ فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به واشتملوا عليَّ حتى أفضيت إلى آخرهم، ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت، ولكن الأجل استأخر، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً. وعن عائشة وأم إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد أربعاً وعشرين جراحة وقع منها في رأسه شجة مربعة وقطع نساه يعني عرق النسا وشلت أصبعه وسائر الجراح في سائر جسده، وقد غلبه الغشي، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكسورة رباعيتاه، مشجوج في وجهه قد علاه الغشي وطلحة محتمله يرجع به القهقرى، كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب. وعن طلحة قال: لقد جرحتُ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جسدي كله، حتى لقد جرحتُ في ذكري. وعن طلحة قال: لما رجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أُحُد صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قرأ هذه الآية: " رِجَالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدوا واللهَ عَلَيْهِ " الآية كلها، فقام إليه رجل، فقال يا رسول الله، من هؤلاء فأقبلتُ وعليّ ثوبان أخضران، فقال: أيها السائل، هذا منهم. وعن علي قال: قالوا: حدثنا عن طلحة قال: ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله عزّ وجلّ: " فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ " طلحة ممن قضى نحبه، لا حساب عليه فيما يستقبل.

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سرّه أن ينظر إلى شهيد يمشي على ظهر الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ". وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اهدّ، فما عليك إلا نبي، أو صِدِّيق، أو شهيد ". وفي حديث آخر زيادة: وسعد، وعبد الرحمن، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل. قال عبد الرحمن بن الأخنس: كنت عند المغيرة بن شعبة في المسجد، فجاء سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فجلس مع المغيرة، فدخل رجل من النَّخَع، فنال من علي بن أبي طالب، فغضب سعيد بن زيد، وقال: ألا أرى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّون عندك، هو يشهد يعني نفسه أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاشر عشرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ". قال: يصيب الناس، يسألونه: مَن التاسع؟ فقال: أنا، ثم بكى. وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم، إنك باركت لأمتي في صحابتي، فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في أبي بكر، فلا تسلبهم البركة، واجمعْهُم عليه، ولا تعسر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم، وأعزّ عمر بن الخطاب، وصبِّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي طالب، وثبت الزبير، واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووفق عبد الرحمن بن عوف، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ".

وعن علي قال: سمعت أذناي مِن في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " طلحة والزبير جاراي في الجنة ". وعن طلحة قال: كان بيني وبين عبد الرحمن بن عوف مال، فقاسمته إياه، وأراد شرباً في أرضي، فمنعته، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكاني إليه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: امسكوا رجلاً قد أوجب، فأتاني فبشرني، فقلت: يا أخي، بلغ من هذا المال ما تشكوني فيه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: قد كان ذاك، قال: فإني أشهد الله، وأشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لك. وعن طلحة قال: لما كان يوم أحد سماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلحة الخير، وفي غزوة العشيرة طلحة الفياض، ويوم حنين طلحة الجود. عن سلمة بن كهيل قال: ابتاع طلحة بئراً بناحية الجبل، ونحر جزوراً فأطعم الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه طلحة الفياض. قال محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي: مرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بَيْسان، فسأل عنه، فقيل اسمه يا رسول الله بيسان وهو مالح، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، بل، هو نَعْمان، وهو طيب، فغيّر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاسم، وغيّر الله الماء، فاشتراه طلحة بن عبيد الله، ثم تصدق به، وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنت يا طلحة إلا فياض، فلذلك سُمّي طلحة الفياض. قال طلحة بن عبيد الله: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قعد سأل عني، وقال: ما لي لا أرى الصبيح، المليح، الفصيح.

وعن طلحة قال: كان رحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطيبه إليّ، فأتاه رجل يسأله أحدهما. قال: فقال: ذاك إلى طلحة بن عبيد الله، فأتاني، فأعلمني، فأبيت عليه، فرجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعلمه، فقال له مثل ذلك، ورجع إلي، فقلت في نفسي، فما بعثه إلا وهو يحب أن يقضي حاجته، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكاد يُسأل شيئاً إلا فعله، فقلت: لأن آتي مسرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبُّ إليّ من أن أليّ رحلته، فدفعتها إليه، وأراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفراً، فأمر أن يرحلها له، فأتاني فقال: أي الرحلتين كانت أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت الطائفية، فرحله له، ثم قربها إليه. فلما ثارت به انكبت به، فقال: من رحل هذه؟ قالوا: فلان، قال: رُدّوها إلى طلحة، فردت إلي، فقال طلحة: والله ما غششت أحداً في الإسلام غيره لكي ترجع رحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه. وعن عمر أنه قال: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، ثم سمّى عثمان، وعلياً، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص. وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت مع أبي بعض المجالس، فأوسعوا من كل ناحية، فجلس في أدناها ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن من التواضع لله عزّ وجلّ الرضى بالدون من شرف المجالس. سمع علي بن أبي طالب رجلاً ينشد " الطويل " فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويُبعده الفقرُ قال: ذاك أبو محمد طلحة بن عبيد الله يرحمه الله. قال: وكان طلحة حسن الوجه، جواداً. قال قبيصة بن جابر: صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه.

وعن سعدى بنت عوف المُرّيَّة قالت: دخل علي طلحة بن عبيد الله يوماً خاثراً، فقلت له: ما لي أراك خاثراً؟ أرابك منا ريب فنُعتبك؟ فقال: ما رابني منك ريب، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت، إلا أنه اجتمع في بيت المال مال كثير قد غمني، قالت: فقلت له: وما يمنعك منه، أرسل إلى قومك فاقسمه بينهم، قالت: فأرسل إلى قومه، فقسمه بينهم. قالت سعدى: فسألت الخازن: كما كان؟ قال: أربع مئة ألف. وعن الحسن أن طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بن عفان بسبع مئة ألف، قال: ثم حملها. فلما جاء بها الرسول قال: إن رجلاً يبيت وهذه في بيته لا يدري ما يطرقه من الله لعزيز بالله، قال: فجعل رسوله يختلف في سِكك المدينة يقسمها، فما أصبح وعنده منها درهم. وعن طلحة بن عبيد الله أنه أتاه مال من حضرموت سبع مئة ألف. قال: فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: يا أبا محمد، مالي أراك منذ الليلة تململُ، أرابك منا أمر فنُعتبك؟ قال: لا، لعمري، لنعم زوجة المرء أنت، ولكن تفكرت منذ الليلة فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته؟ قالت: فأين أنت عن بعض أخلاقك؟ قال: وما هو؟ قالت: إذا أصبحت دعوت بجفان وقصاع فقسمتها على بيوت المهاجرين والأنصار على قدر منازلهم قال: فقال لها: يرحمك الله، إنك ما علمت موفقة بنت موفَّق، وهي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. فلما أصبح دعا بجفان وقصاع فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي بن أبي طالب منها بجفنة، فقالت له زوجته: أبا محمد، أما كان لنا في هذا المال من نصيب؟ قال: فأين كنت منذ اليوم؟ فشأنك بما بقي، قال: فكانت صرة نحو من ألف درهم. كان طلحة بن عبيد الله يغل بالعراق ما بين أربع مئة ألف إلى خمس مئة ألف،

ويغل بالسرَّاة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلات، وكان لا يدع أحداً من بني تميم عائلاً إلا كفاه مؤنته ومؤنة عياله، وزوج أياماهم، وأخدم عائلهم، وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى على صُبيحة التميمي ثلاثين ألف درهم. اشترى عبيد الله بن معمر وعبد الله بن عامر بن كريز من عمر بن الخطاب رقيقاً ممن سبى، ففضل عليهما من ثمنهم ثمانون ألف درهم فأمر بهما عمر أن يلزمهما، فمرّ بهما طلحة وهو يريد الصلاة في مسجد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما لابن معمر يلازم؟ فأخبره خبره، فأمر بالأربعين ألف التي عليه تقضى عنه، فقال عبيد الله بن معمر لعبد الله بن عامر: إنها إن قضيت عني بقيت ملازماً، وإن قضيت عنك لم يتركني طلحة حتى يقضي عني، فدفع إليه الأربعين ألف درهم فقضاها عبد الله بن عامر عن نفسه وخلي سبيله، فمرّ طلحة منصرفاً من الصلاة، فوجد عبيد الله بن معمر يلازم، فقال: ما لابن معمر ألم آمر بالقضاء عنه؟ فأخبر بما صنع، فقال: أما ابن معمر فقد علم أن له ابن عم لا يسلمه، احملوا أربعين ألف درهم، واقضوها عنه، ففعلوا، فخلي سبيل عبيد الله بن معمر. وكانت غلة طلحة كل يوم ألف وافٍ. سأل معاوية موسى بن طلحة: كم ترك أبو محمد يرحمه الله من العين؟ قال: ترك ألفي درهم ومئتي ألف درهم ومئتي ألف دينار، وكان ماله قد اغتيل. كان يُغل كل سنة من العراق مئة ألف سوى غلاته من السّراة وغيرها، ولقد كان يدخل قوت أهله بالمدينة سنتهم من مزرعته بقناة كان يزرع على عشرين ناضحاً، وأول من زرع القمح بقناة هو، فقال معاوية: عاش حميداً سخياً شريفاً، وقتل فقيداً، رحمه الله. وعن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله قالت: لقد تصدق طلحة يوما بمئة ألف، ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه.

كان لعثمان على طلحة خمسون ألف درهم فخرج عثمان يوماً إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهياً لك مالك فاقبضه، قال: هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك. وكان طلحة بن عبيد الله من حلماء قريش وقال: إن أقل عيب الرجل جلوسه في بيته. وكان طلمة لا يشاور بخيلاً في صله ولا جباناً في حرب ولا شاباً في جاريه. وقال طلحة: الكسوة تظهر النعمة والدهن يذهب البؤس، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء. قال طلحة: لما كان يوم أحد ارتجزت بهذا الشعر. نحنُ حماة غالبٍ ومالكِ نذبُّ عن رسولِنا المباركِ نصرفُ عنه القوم في المعاركِ صرف صفاح الكوم في الْمَباركِ وما انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حتى قال لحسان قل في طلحة فقال: " الطويل " وطلحة يوم الشِّعب آسى محمداً ... على ساعة ضاقت عليه وشقّتِ يقيه بكفّيه الرماحَ وأسلمت ... أشاجعه تحت السيوف فشلَّتِ وكان إمام الناس إلا محمداً ... أقام رحا الإسلام حتى استقلَّتِ وقال أبو بكر الصديق: " البسيط " حمى نبيَّ الهدى والخيلُ تتبعُهُ ... حتى إذا ما لقوا حامى عن الدينِ

صبراً على الطعن إذ ولت جماعتهم ... والناس من بين مهديّ ومفتونِ يا طلحة بن عبيد الله قد وجبّت ... لك الجِنانُ وزوّجت المها العينِ وقال عمر بن الخطاب: " البسيط " حمى نبيَّ الهدى بالسيف منصلتاً ... لما تولّى جميعُ الناسِ وانكشفوا قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صدقت يا عمر. قال علقمة بن وقّاص الليثي: لما خرج طلحة والزبير وعائشة لطلب دم عثمان عرجوا من منصرفهما بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما، قال: ورأيت طلحة وأحبّ المجالس إليه أخلاها، وهو ضارب بلحيته على زّوره. قال: فقلت: يا أبا محمد، إني أراك وأحبُّ المجالس إليك أخلاها، وأنت ضارب بلحيتك على زَورك، إن كنت تكره هذا الأمر فدعه، فليس يكرهك عليه أحد، فقال: يا علقمة بن وقاص لا تلمني، كنا أمس يداً واحدة على من سوانا، فأصبحنا اليوم جبلين، من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته إلا بسفك دمي، وطلب دمه. قال: فقلت: محمد بن طلحة لِمَ تخرجه معك، ولك ولد صغار؟! دعه، فإن كان أمر خلفك في تزهد، قال: هو أعلم، أكره أن أرى أحداً له في هذا الأمر نية، فأردّه، قال: فكلمت محمد بن طلحة في التخلف، فقال: أكره أن أسأل الرجال عن أبي. حدث رفاعة بن إياس الضبي عن أبيه عن جده قال: كنت مع علي في الجمل، فبعث إلى طلحة أن القني، فلقيه، فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم، والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه؟ قال: نعم، وذكره. قال: فلِمَ تقاتلني؟!. وعن حكيم بن جابر الأحمسي قال: قال طلحة بن عبيد الله يوم الجمل: إنا داهنّا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم شيئاً أمثل من أن نبذل دماءنا فيه. اللهم، خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى. ولما التقى القوم يوم الجمل قام كعب بن سور الأزدي، ومعه المصحف، فنشره بين

الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال بذلك المنزل حتى قتل. فكان طلحة من أول قتيل، وذهب الزبير يريد أن يلحق ببنيه فقتل. قالوا: وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة، فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله تعالى يصلح بك، فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، وكان جملها يدعى عسكراً، حملها عليه يعلى بن أمية، اشتراه بمئتي دينار. فلما برزت من البيوت وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت، فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة، فقالت: ما هذا؟ فقالوا: ضجة العسكر، قالت: بخير أم بشرّ؟ قالوا: بشرّ. قالت: فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة. فهم المهزومون، وهي واقفة، فما فجئنا إلا الهزيمة، فمضى الزبير من سننه في وجهه فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غَرب فخلى ركبته بصفحة الفرس. فلما امتلأ مَوْزَجه دماً وثقل قال لغلامه: أردفني، وأمسكني، وابغني مكانً أنزل فيه، فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير: " الوافر " فإن تكنِ الحوادثُ أقصدتني ... وأخطاهن سهمي حين أرمي فقد ضيعت حين تبعتُ سهماً ... سفاهاً ما سفت وضلّ حلمي ندمتُ ندامة الكسعيِّ لما ... شريتُ رضى بني سهم برغمي أطعتهم بفرقة آل لأي ... فألقَوا للسباع دمي ولحمي فلما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير: أنا الزبير، هلموا إلي أيها الناس، ومعه مولى له ينادي: عن حواريّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنهزمون؟ وانصرف الزبير نحو وادي السباع، واتبعه فرسان، وتشاغل الناس عنه بالناس، فلما رأى الفرسانَ تتبعه عطف عليهم، ففرق بينهم، فكروا عليه. فلما عرفوه قالوا: الزبير، دعوه، فإذا نفر منهم علباء بن الهيثم، ومرّ القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول: إلي عباد الله، الصبر، الصبر، فقال له: يا أبا محمد، إنك لجريح، وإنك عما تريد لعليل، فادخل الأبيات، فقال: يا غلام، أدخلني، وابغني مكاناً، فدخل البصرة، ومع غلام ورجلان، واقتتل الناس

بعده، وأقبل الناس في هزيمتهم تلك، وهم يريدون البصرة. فلما رأوا الجمل أطافت به مضر، فعادوا قلباً كما كانوا حيث التقوا، وعادوا في أمر جديد، ووقفت ربيعة البصرة ميمنة، وتميمهم ميسرة، وقالت عائشة: خلِّ يا كعب عن البعير، وتقدم بكتاب الله فادعهم إليه، ودفعت إليه مصحفاً، واقبل القوم، وأمامهم السبائية يخافون أن يجري الصلح، فاستقبلهم كعب بالمصحف، وعلي من خلفهم يوزِّعهم، ويأبَون إلا إقداماً. فلما دعاهم كعب رشقوه رشقاً واحداً فقتلوه، ثم راموا أم المؤمنين في هودجها، فجعلت تنادي، يا بني، البقية، البقية ويعلوا صوتها كثرة الله، الله، اذكروا الله والحساب، ويأبون إلا إقداماً، فكان أول شيء أحدثته حين أبَوا أن قالت: أيها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم، وأقبلت تدعو. وضج أهل البصرة بالدعاء، وسمع علي الدعاء فقال: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعها، فأقبل يدعو وهو يقول: اللهم، العن قتلة عثمان وأشياعهم. فأرسلت إلى عبد الرحمن بن عتّاب وعبد الرحمن بن الحارث اثبتا مكانكما، وذمّرت الناس حين رأت أن القوم لا يريدون غيرها، ولا يكفون عن الناس، فازدلفت مضر " البصرة "، فقصفت مضر الكوفة حين زوحم علي، فنخس علي قفا محمد، فقال: احمل، فنكل، فأهوى علي إلى الراية ليأخذها منه، فحمل، فترك الراية في يده، وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا، والمجنِّبات على حالها لا تضع شيئاً، ومع علي أقوام غير مضر فيهم زيد بن صوحان، فقال له رجل من قومه: تنح إلى قومك، مالك ولهذا الموقف؟! ألست تعلم أن مضر بحيالك؟ وأن الجمل بين يديك؟ وأن الموت دونه؟ فقال: الموت خير من الحياة. الموت ما أريد، فأصيب هو وأخوه سيحان، وأرتث صعصعة، واشتدت الحرب. فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة: أن اجتمعوا على من يليكم، فقام رجل من عبد القيس فقال: ندعوكم إلى كتاب الله، قالوا: كيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله، ومن قد قتل داعي

الله كعب بن سور، فرمته ربيعة، رشقاً واحداً فقتلوه وقام مسلم بن عبيد العجلي مقامه، فرشقوه رشقاً واحداً، فقتلوه، ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم. ولما رأى مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله في الخيل قال: من ذا؟ قالوا: طلحة، فقال: هذا أعان على عثمان، لا أطلب بثأري بعد اليوم فرماه بسهم في ركبته. قال: فما زال الدم حتى مات. وقيل: إن طلحة قال لمولى له: ابغني مكاناً، قال: لا أقدر عليه، قال: هذا والله سهم أرسله الله، اللهم، خذ لعثمان حتى ترضى، ثم وسدّ حجراً فمات. وقيل: إن طلحة قال عن الموت: " الطويل " أرى الموت أعداد النفوس ولا أرى ... بعيداً غداً ما أقربَ اليومَ من غدِ ولما خرج طلحة حملوه، فقالوا: أين نذهب بك؟ فقال: إن شئتم فشرّقوا، وإن شئتم فغرّبوا، ما رأيت كاليوم قط مصرع شيخ. رأى علي بن أبي طالب طلحة ملقى في بعض الأودية فنزل، فمسح التراب عن وجهه، ثم قال: عزيز علي أبا محمد بأن أراك مجدّلاً في الأودية، وتحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري. قال الأصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي. وقيل: إن علياً انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل عن دابته، وأجلسه، فجعل يمسح الغبار عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه، ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. ولما قتل طلحة والزبير جعل علي وأصحابه يبكون.

حدث محمد بن عبيد الأنصاري عن أبيه قال: شهدت علياً مراراً يقول: اللهم، إني أبرأ إليك من قتلة عثمان. قال: وجاء رجل يوم الجمل، فقال: ائذنوا لقاتل طلحة، قال: سمعت علياً يقول: بشّره بالنار. قال أبو حبيبة مولى طلحة: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعدما فرغ من أصحاب الجمل، قال: فرحب به، وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وإياك من الذين قال الله: " وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْواناً على سُرُرٍ مُتَقابِلِيْنَ " فقال: يا بن أخ، كيف فلانة كيف فلانة؟ قال: وسأله عن أمهات أولاد أبيه، قال: ثم قال: لم نقبض أرضكم هذه السنين إلا مخافة أن ينتهبها الناس، يا فلان، انطلق معه إلى ابن قَرظة، مُره فليعطه غلته هذه السنين، ويدفع إلي أرضه. قال: فقال رجلان جالسان ناحية، أحدُهما الحارث الأعور: الله أعدل من ذلك: أن تقتلهم ويكونوا إخواناً في الجنة. قال: قوما أبعدَ أرض الله، وأسحقها، فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة؟ يا بن أخي، إذا كانت لك حاجة فأتنا. وعن ربعي بن خِراش قال: إني لعند علي جالس إذ جاء ابن طلحة يسلم على علي، فرحب به علي، فقال: ترحب بي يا أمير المؤمنين وقد قتلت والدي، وأخذت مالي؟! قال: أما مالك فهو معزول في بيت المال، فاغدُ إلى مالك فخذه، وأما قولك: قتلت أبي، فإني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله عزّ وجلّ: " وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْواناً على سُرُرٍ مُتَقابِلِيْنَ " فقال رجل من همدان أعور: الله أعدل من ذلك، فصاح علي صيحة تداعى لها القصر، قال: فمن ذاك إذا لم نكن أولئك؟ وفي رواية أن الذي قال ذلك ابن الكوا. فقام إليه بدِرَّته فضربه، وقال: أنت لا أم لك وأصحابك تنكرون هذا؟

وعن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: كان قدر ما ترك طلحة بن عبيد الله من العقار والأموال، وما ترك من الناضّ ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين إلى ألف ومئتي ألف درهم، ومئتي ألف دينار، والباقي عُروض. وعن النعمان بن بشير، وكان ممن يسمر مع علي أن علياً خرج فتلا هذه الآية: " إِنَّ الَّذِيْنَ سَبَقَتْ لُهُمْ مِنّا الحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ " قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، فما زال يتلو حتى دخل في الصلاة. قتل طلحة رضي الله عنه يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة. وقيل: هو ابن اثنتين وستين سنة. وقيل: ابن ثلاث وستين، وقيل: ابن ستين سنة. وعن عائشة بنت طلحة أنها رأت أباها طلحة في المنام فقال لها: يا بنية، حوليني من هذا المكان، فقد أَضرّ بي الندى، فأخرجته بعد ثلاثين سنة أو نحوها، فحولته من ذلك النّز وهو طري لم يتغير منه شيء، فدفن في الهجرتين بالبصرة، وتولى إخراجه عبد الرحمن بن سلامة التميمي. وعن قيس بن أبي حازم قال: رمى مروان بن الحكم طلحة يوم الجمل في ركبتيه، فجعل الدم يغذو يسيل، فإذا أمسكوه استمسك، فإذا تركوه سال. قال: والله، ما بلغت إلينا سهامهم بعد، ثم قال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، فمات، فدفنوه على شط الكلاء، فرأى بعض أهله أنه قال: ألا تريحوني من هذا الماء؟ فإني قد غرقت، ثلاث مرات يقولها، فنبشوه من قبره

طلحة بن عبيد الله بن كريز

أخضر كأنه السلق، فنزفوا عنه الماء، ثم استخرجوه، فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض، فاشتروا داراً من دور آل أبي بكرة فدفنوه فيها. وعن علي بن زيد بن جدعان قال: كنت جالساً إلى سعيد بن المسيب فقال: يا أبا الحسن، مر قائدك يذهب بك، فتنظر إلى وجه هذا الرجل وإلى جسده، فانطلق، قال: فإذا وجهه وجه زنجي وجسده أبيض، فقال: إني أبيت على هذا وهو يسب طلحة والزبير وعلياً، فنهيته فأبى، فقلت: إن كنت كاذباً فسوّد الله وجهك. فخرجت في وجهه وقرحة فاسودّ وجهه. طلحة بن عبَيد الله بن كَريز ابن جابر بن ربيعة بن هلال بن عبد مناف بن ضاطر ابن حَبْشِيَّة بن سلول بن كعب، أبو المطرف الخزاعي الكوفي روى طلحة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال له الملك: ولك بمثل، ولك بمثل ". وحدث عنها أيضاً قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه يستجاب للمرء بظهر الغيب لأخيه، فما دعا لأخيه بدعوة إلا قال الملك: ولك بمثل ". وفي رواية قالت الملائكة: آمين، ولك بمثل. وحدث عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ خلّل لحيته.

طلحة بن أبي قنان

طلحة بن أبي قنّان أبو قنّان العبدري، مولاهم حدث ابن أبي قنان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يبول فوافى عراراً من الأرض أخذ عوداً فنكت حتى يُثير الغبار ثم يبول. طلحة بن يحيى بن طلحة ابن عُبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي المدني نزيل الكوفة. وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليّ ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذاً صائم. ثم جاء يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله، أُهدي لنا حَيْس، فخبأنا لك منه، قال: أدِنيه، فقد أصبحت صائماً، فأكل. وحدّث بعض بني طلحة بن عبيد الله قال: كنت " عند " عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري فقال له عمر: حدثنا بأحاديث أبيك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أمتي أمة مرحومة، جعل عذابها بأيديها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة أُتي بأهل الأديان، فأُعطي كل رجل رجلاً، فقيل له: هذا فداؤك من النار "، فدعا عمر بن عبد العزيز بقرطاس وداوة، فكتب هذا، فكان فيما كتب: الرجل الذي لم يُسمّ هو طلحة بن يحيى.

طليب بن عمير بن وهب

وعن طلحة بن يحيى قال: كنت جالساً عند عمر فجاءه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أبقاك الله، ما كان البقاء خيراً لك، فقال: أما ذاك فقد فرغ منه، ولكن قل: أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك مع الأبرار. وكان طلحة بن يحيى سنّه وسنّ عمر بن عبد العزيز واحد. ولد أيام قتل الحسين بن علي بن أبي طالب أيام يزيد بن معاوية. وتوفي طلحة بن يحيى سنة ثمان وأربعين ومئة. طليب بن عُمير بن وهب ابن عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو عدي القرشي أمه أروى بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. من المهاجرين الأولين. شهد بدراً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم اليرموك، ويقال: يوم أجنادين، وكان من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية، وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين طليب بن عُمير والمنذر بن عمرو الساعدي. وشتم عوف بن صُبيرة السهمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ له طليب بن عمير لحي جمل فضربه به حتى سقط مزملاً بدمه، فقيل لأمه: ألا ترين ما صنع ابنك؟! فقالت: " الرجز " إنّ طُلَيباً نصرَ ابنَ خالِهْ آساهُ في ذي ذمَّةٍ ومالِهْ قال محمد بن إبراهيم التيمي: أسلم طليب بن عمير في دار الأرقم، ثم خرج، فدخل على أمه أروى بنت عبد المطلب فقال: تبعت محمداً وأسلمت لله، فقالت أمه: إن أحقّ من وازرت وعضدت ابن خالك، والله، لو كنا نقدر على ما يقدر عليه الرجال لمنعناه وذببنا عنه. فقال:

يا أمّه، فما يمنعك أن تُسلمِي وتتبعيه، فقد أسلم أخوك حمزة؟ فقالت: أنظر ما تصنع أخواتي ثم أكون إحداهن. قال: فقلت: إني أسألك بالله إلا أتيته، فسلمت عليه، وصدقته، وشهدت أن لا إله إلا الله. قالت: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم كانت بعدُ تعضدُ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلسانها، وتحضّ ابنها على نصرته، والقيام بأمره. وقيل: إن أبا جهل عرض ومعه عدّة من كفار قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فآذوه، فعمد طليب بن عمير إلى أبي جهل، فضربه ضربة شجّه، فأخذوه، فأوثقوه، فقام دونه أبو لهب حتى خلاّه. فقيل لأروى: ألا ترين ابنك طليباً قد صيّر نفسه غرضاً دون محمد؟ فقالت: خير أيامه يوم يذبّ عن ابن خاله، وقد جاء بالحق من عند الله، فقالوا: ولقد اتبعتِ محمداً؟ فقالت: نعم، فخرج بعضهم إلى أبي لهب فأخبره، فأقبل حتى دخل عليها، فقال: عجباً لك ولاتّباعك محمداً، وتركك دين عبد المطلب، فقالت: قد كان ذلك، فقم دون ابن أخيك، واعضُده، وامنعه، فإن يظهر أمره، فأنت بالخيار، أن تدخل معه، أو تكون على دينك، وإن يُصَب كنت قد أعذرت في ابن أخيك، فقال أبو لهب: ولنا طاقة بالعرب قاطبة؟ جاء بدِين محدث. قال: ثم انصرف أبو لهب. وقيل: إن أروى قالت يومئذ: إن طُليباً نصرَ ابنَ خالِهْ البيتين. قتل طليب بن عمير بن أجنادين شهيداً، في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وهو ابن خمس وثلاثين سنة. وليس له عقب. وقيل: قتل يوم اليرموك.

طليحة بن خويلد بن نوفل

طليحة بن خويلد بن نوفل ابن نضلة بن الأشتر بن حَجْوان بن فقعس بن طَريف بن عمرو ابن قُعَين بن الحارث بن ثعلبة ابن دُودان ابن أسد بن خزيمة الأسدي الفقعسي كان ممن شهد من الأحزاب الخندق، ثم قدم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة تسع، فأسلم، ثم أرتد، وادعى النبوة في عهد أبي بكر الصديق بأرض نجد، وكانت له مع المسلمين وقائع، ثم خذله الله، فهرب حتى لحق بأعمال دمشق، ونزل على آل جفنة، ثم أسلم، وقدم مكة معتمراً، أو حاجاً، ثم خرج إلى الشام مجاهداً، وشهد اليرموك، وشهد بعض حروب الفرس. وكان طليحة يُعَدّ بألف فارس، لشدته وشجاعته وبصره بالحرب. وعن محمد بن كعب القرظي قال: قدم عشرة نفر من بني أسد وافدين على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة تسع، وفيهم طليحة بن خويلد، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد مع أصحابه، فأسلموا، وقال متكلمهم: يا رسول الله، إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله، وجئناك يا رسول الله، ولم تبعث إلينا بعثاً ونحن لمن وراءنا سلم. فأنزل الله تعالى: " يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ". قالوا: فلما ارتدت العرب ارتد طليحة وأخوه سلمة فيمن ارتد من أهل الضاحية، وادعى طليحة النبوة، فلقيهم خالد بن الوليد ببُزاخة، فأوقع بهم، وهرب طليحة حتى قدم الشام، فأقام عند آل جفنة الغسانيين حتى توفي أبو بكر. ثم خرج محرماً بالحج، فقدم مكة. فلما رآه عمر قال: يا طليحة، لا أحبك بعد قتل الرجلين الصالحين

عكاشة بن مِحْصَن، وثابت بن أقرم، وكانا طليعتين لخالد بن الوليد فلقيهما طليحة وسلمة ابنا خويلد، فقتلاهما، فقال طليحة: يا أمير المؤمنين، رجلان أكرمهما الله بيدي، ولم يُهني بأيديهما، وما كل البيوت بنيت على الحب، ولكن صفحة جميلة، فإن الناس يتصافحون على الشنآن. وأسلم طليحة إسلاماً صحيحاً، ولم يُغمَص عليه في إسلامه. وشهد القادسية ونهاوند مع المسلمين. وكتب عمر أن شاوروا طليحة في حربكم ولا تُولُّوه شيئاً. وكان طليحة في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزل بسميراء، ودعا الناس إلى أمره، وأرسل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوادعه، فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرار بن الأزور، فقدم على سنان بن أبي سنان وعل قضاعي، ثم أتى بني ورقاء من بني الصيداء وفيهم بيت الصيداء وغيرها بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره إلى عوف بن فلان فأجابه وقبل آمره، وعسكر المسلمون بوارداتِ، واجتمعوا إلى سنان وقضاعي وضرار وعوف، وعسكر الكافرون بسميراء، واجتمعوا إلى طليحة، واجتمع ملأ عوف وسنان وقضاعي على أن دسُّوا لطليحة مخنف بن السليل الهالكي وكان بهمة، وكان قد أسلم فحسن إسلامه، وكان بقية بن الهالك، وكانوا قيوناً، ولهم يقول الشاعر: " الوافر " جنوحُ الهالكي على يدَيْه ... مُكباً يجتلي ثقبَ النِّصالِ وكان مخنف إذا هاجت حرب سار في القبائل يسنّ السيوف. وقالوا: لا تستنكر على حالها وشأنك طليحة، ففعل. فلما وقع إليهم أرسل إليه فأعطاه سيفه، فشحذه له، ثم قام به إليه، ورجال من قومه. فنام عليه، فطبق به هامته، فما خصه، وخرّ طليحة مغشياً عليه،

وأخذوه فقتلوه. فلما أفاق طليحة قال: هذا عمل ضرار وعوف، فأما سنان وقضاعي فإنهما تابعان لهما في هذا، وشاعت تلك الضربة في أسد وغطفان، وقالوا: لا يحيكُ في طليحة، ونما الخبر إلى المدينة، ومدت غطفان وأسد إليه أعناقهم، وصار فتنة لهم. وفي حديث آخر: وما زال المسلمون في نماء، وما زال المشركون في نقصان حتى همَّ ضرار بالسَّير إلى طليحة، ولم يبق " أحد " إلا أخذه سَلَماً إلى أن ضرب ضربة بالجُراز، فنبا عنه، فشاعت في الناس، وأتى المسلمين وهم على ذلك موت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أناس لتلك الضربة: إن السلاح لا يَحيكُ في طليحة. فما أمسى المسلمون من ذلك اليوم حتى عرفوا النقصان، وأرفض الناس إلى طليحة، واستطار أمره. عن الشعبي قال: لما ارتدت العرب بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عوامّ أو خواصّ، فارتدت أسد، واجتمعوا على طليحة واجتمعت عليه طيء. إلا ما كان من عدي بن حاتم، فإنه تعلق بالصدقات، فأمسكها، وجعل يكلم الغوث، وكان فيهم مطاعاً، فيتلطف لهم، ويترفق بهم، وكانوا قد استحلَوا أمر طليحة وأعجبهم، وقام عيينة في غطفان، فلم يزل بهم، حتى أجمعوا عليه. ثم أرسلوا وفوداً، وأرسل غيرهم، ممن حول المدينة وفوداً، فنزلوا على وجوه المهاجرين والأنصار ما خلا العباس، فإنه لم يُنزلهم ولم يطلب فيهم، فعرضوا أن يقيموا الصلاة، وأن يُعْفَوا من الزكاة، فخرج عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد، وأمثالهم يطلبون أبا بكر، فلم يجدوه في منزله، فسألوا عنه، فقيل: هو في الأنصار، فأتوه، فوجدوه فأخبروه الخبر، فقال لهم: أترَوْن ذلك؟ فقالوا جميعاً: نعم، حتى يسكن الناس، ويرجع الجنود، فلعمري لو قد رجعت الجنود لَسمحوا

بها، فقال: وهل أنا إلا رجل من المسلمين؟ ذهبوا بنا إليهم. فلما دخل المسجد نادى للصلاة جامعة. فلما تتامّوا إليه قام فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنّ الله عزّ وجلّ توكل بهذا الأمر، فهو ناصرٌ من لزمه، وخاذلٌ مَن تركه، وإنه بلغني أن وفوداً من وفود العرب قدموا يعرضون الصلاة، ويأبَون الزكاة، ألا ولو أنهم منعوني عِقالاً مما أعطوه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرائضهم ما قبلته منهم. وفي حدث آخر: لو منعوني عِقالاً لجاهدتهم عليه. قال: وكانت عُقُل الصدقة على أهل الصدقة مع الصدقة. قال: ألا برئت الذمة من رجل من هؤلاء الوفود، أجد بعد يومه وليلته بالمدينة فتأبثوا يتخطون رقاب الناس حتى ما بقي منهم في المسجد أحد، ثم دعا نفراً فأمرهم بأمره، فأمر علياً بالقيام على نقب من أنقاب المدينة، وأمر الزبير بالقيام على نقب آخر، وأمر طلحة بالقيام على نقب آخر، وأمر عبد الله بن مسعود يعسّس ما وراء ذلك بالليل والارتباء نهاراً، وجدّ في أمره، وقام على رَجْل. قالوا: فرجع وفد من يلي المدينة من المرتدة إليهم، فأخبروا عشائرهم بقلة أهل المدينة، وأطمعوهم فيها، وجعل أبو بكر رضي الله عنه بعدما أخرج الوفد على أنقاب المدينة علياً، والزبير، وطلحة وعبد الله بن مسعود، وأخذ أهل المدينة بحضور المسجد، وقال لهم: إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم

لا تدرون أليلاً تؤتون أو نهاراً، وأدناهم منكم على بريد، وقد كان القوم يؤملون أن نقبل منهم، ونوادعهم، وقد أبينا عليهم، فاستعدوا وأعدوا، فما لبثوا إلا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل. وخلفوا نصفهم بذي حساً ليكونوا ردءاً لهم، فوافق الغوار الأنقاب وعليها المقاتلة، ودونهم أقوام يدرجون. فنهنهوهم، وأرسلوا إلى ابي بكر رضي الله عنه بالخبر، فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم، ففعلوا، وخرج في أهل المسجد على النواضح إليهم، فانفشّ العدو، وأتبعهم المسلمون على إبلهم حتى بلغوا ذا حُساً، فخرج عليهم الرِّدء بأنحاء قد نفخوها، وجعلوا فيها الحبال ثم دهدهوها في وجوه الإبل بأرجلهم، فتدهدى كل نحي في طوَلِه، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها، ولا تنفر من شيء نفارها من الأنحاء، ففاجت بهم ما يملكونها، حتى دخلت بهم المدينة، ولم يصرع مسلم، ولم يُصَب، فظن القوم بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم اغتماراً في الذين أخبروهم، وبات أبو بكر ليلته يتهيأ، فعبأ الناس، ثم خرج على تعبئته، من أعجاز ليلته، فما طلع الفجر إلا وهم والعدو بصعيد واحد، فما سمعوا للمسلمين حسّاً ولا همساً، حتى وضعوا فيهم السيوف واقتتلوا أعجاز ليلتهم. فما ذرّ قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، فوضع بها النعمان بن مقرّن في عدد، ورجع إلى المدينة فذلّ بها المشركون، ووثب بنو ذبيان وعبس على من كان فيهم من المسلمين فقتلوهم كل قتلة، وفعل من وراءهم فعلهم، وعزّ المسلمون بوقعة أبي بكر رضي الله عنه، وحلف أبو بكر ليقتلَنّ في المشركين كل قتل. وليقتلن كل قبيلة قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون ثباتاً على دينهم في كل قبيلة، وازداد المشركون أنفشاشاً عن أمرهم في كل قبيلة.

وطرقت المدينة صدقات نفر: صفوان والزبرقان وعدي بن حاتم: صفوان ثم الزبرقان ثم عدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوماً من مخرج أسامة. وقدم أسامة، فاستخلفه أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده: أريحوا وارعَوا ظهركم. ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصة، والذين كانوا على الأنقاب على ذلك الظهر، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك، فإنك إن تُصب أمّرت آخر، فقال: والله لا أفعله ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبئته إلى ذي حُساً وذي القصة، وكانت الوقعة. قال الزهري: لما استخلف أبو بكر وارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام خرج أبو بكر رضي الله عنه غازياً حتى إذا بلغ نَقْعاً من نحو البقيع خاف على المدينة، فرجع وأمرّ خالد بن الوليد سيف الله، وأمره أن يسير في ضاحية مضر فيقاتل من ارتد عن الإسلام منهم ثم يسير إلى اليمامة، فيقاتل مسيلمة الكذاب، فسار خالد بن الوليد فقاتل طليحة الكذاب الأسدي، فهزمه الله، وكان قد اتبعه عيينة بن حصن بن حذيفة. فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ويلكم! ما يهزمكم؟! قال رجل منهم: أنا أحدثك: ما يهزمنا أنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا لنلقى قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه. وكان طليحة شديد البأس في القتال. فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محصن، وابن أقرم. فلما غلب الحق طليحة، ترجل ثم أسلم، وأهلّ بعمرة، فركب يسير في الناس آمناً حتى مرّ بأبي بكر بالمدينة، ثم نفذ إلى مكة، فقضى عمرته. استشهد طليحة بنهاوند سنة إحدى وعشرين مع النعمان بن مقرن وعمرو بن معدي كرب. ثم عدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوماً من مخرج أسامة. وقدم أسامة، فاستخلفه أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده: أريحوا وارعَوا ظهركم. ثم خرج في الذين خرجوا إلى ذي القصة، والذين كانوا على الأنقاب على ذلك الظهر، فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك، فإنك إن تُصب أمّرت آخر، فقال: والله لا أفعله ولأواسينكم بنفسي، فخرج في تعبئته إلى ذي حُساً وذي القصة، وكانت الوقعة. قال الزهري: لما استخلف أبو بكر وارتدّ من ارتدّ من العرب عن الإسلام خرج أبو بكر رضي الله عنه غازياً حتى إذا بلغ نَقْعاً من نحو البقيع خاف على المدينة، فرجع وأمرّ خالد بن الوليد سيف الله، وأمره أن يسير في ضاحية مضر فيقاتل من ارتد عن الإسلام منهم ثم يسير إلى اليمامة، فيقاتل مسيلمة الكذاب، فسار خالد بن الوليد فقاتل طليحة الكذاب الأسدي، فهزمه الله، وكان قد اتبعه عيينة بن حصن بن حذيفة. فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ويلكم! ما يهزمكم؟! قال رجل منهم: أنا أحدثك: ما يهزمنا أنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا لنلقى قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه. وكان طليحة شديد البأس في القتال. فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محصن، وابن أقرم. فلما غلب الحق طليحة، ترجل ثم أسلم، وأهلّ بعمرة، فركب يسير في الناس آمناً حتى مرّ بأبي بكر بالمدينة، ثم نفذ إلى مكة، فقضى عمرته. استشهد طليحة بنهاوند سنة إحدى وعشرين مع النعمان بن مقرن وعمرو بن معدي كرب.

طهمان بن عمرو

طهمان بن عمرو أحد شعراء العرب وفد على عبد الملك بن مروان، وكان لصاً، فأمر بقطعه فقال: " الطويل " يدي يا أمير المؤمنين أعيذها ... بحقويك من غارٍ عليها يشينها ولاخير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمالي فارقتها يمينها فقال: هذا حدّ من حدود الله، ولا بدّ من إقامته، اقطع، فقامت امرأة عجوز كبيرة، وقالت: يا أمير المؤمنين، ولدي وكادّي وكاسبي، فقال: بئس الولد ولدك، وبئس الكادُّ كادُّكِ، وبئس الكاسب كاسبك. هذا حدّ من حدود الله، لابدّ من إقامته. قالت: يا أمير المؤمنين، اجعله بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها، فعفا عنه، وأمر بتخليته. وقيل: إن نجدة الحروري أخذ طهمان، وكان لصاً، فقطعه. فلما استقام الأمر لعبد الملك أتاه طهمان فأنشده الأبيات وتتمتها، فجعل له عبد الملك أيمان مئة من بني حنيفة. فمات قبل أن يصل إليها. أسماء الرجال على

حرف الظاء المعجمة

حرف الظاء المعجمة ظالم بن عمرو بن ظالم ويقال: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر ابن حَلْبس بن نُفاثة بن عدي بن الدئل ويقال: عثمان بن عمرو ويقال: عمرو بن سفيان ويقال: عمرو بن ظالم أبو الأسود الدِّيلي البصري قدم على معاوية، وهو أول من وضع للناس النحو، وولي قضاء البصرة. قال أبو الأسود الدِّيلي: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، فهم يموتونا موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمرت به جنازة، فأثنوا على صاحبها خيراً، فقال عمر: وجبت، ثم مرّ بأخرى فأُثني على صاحبها شراً، فقال عمر: وجبت. قال أبو الأسود: قلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قال: قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قلنا: واثنان؟ ثم لم أسأله عن الواحد ".وعن ابن داب قال: قدم أبو الأسود الدِّيلي على معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل علي بن أبي طالب عليه السلام. وقد استقامت له البلاد، فأدنى معاوية مجلسه، وأعظم جائزته، فحسده

عمرو بن العاص، فقدم على معاوية، فاستأذن عليه في غير مجلس الإذن، فأذن له. فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، ما أعجلك قبل وقت الإذن؟ قال: يا أمير المؤمنين، أتيتك لأمر قد أوجعني، وأرقني، وغاظني، وهو من بعد ذلك نصيحة لأمير المؤمنين. قال: وما ذاك يا عمرو؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن أبا الأسود رجل مفوّه، له عقل وأدب، من مثله الكلام يذكر، وقد أذاع بمصرك من الذكر لِعليّ، والبُغض لعدوه، وقد خشيت عليك أن يُثري في ذلك حتى تؤخذ بعنقك، وقد رأيت أن ترسل إليه فترهِّبه وترعِّبه، وتسبُره وتخبُره ولك من مسألته على إحدى خِبرتين: ما أن يبدي لك صفحته فتعرف مقالته، وإما أن يستقبلك، فيقول ما ليس من ورائه، فيُحتمل ذلك عنه، فيكون لك في ذلك عافية صلاح إن شاء الله، فقال معاوية: أم والله لقلما تركتُ رأيي لرأي امرىء قط إلا كنت فيه وبين أن أرى ما أكره، ولكن إن أرسلت إليه فساءلته، فخرج من مساءلتي بأمر لا أحد عليه مقدماً، ويملأني غيظاً لمعرفتي بما تُريد، وإن الرأي فيه أن نقبل منه ما أبدى من لفظه، فليس لنا أن نشرح عن صدره، وندع ما وراء ذلك يذهب جانباً. قال عمرو: أنا صاحبك يوم رفع المصاحف بصفين. وقد عرفت رأيي، ولست أرى لك خلافي، وما آلوك خيراً، فأرسِل إليه ولا تفترش مهاد العجز فتتخذه وطيئاً. فأرسل معاوية إلى أبي الأسود، فجاء حتى دخل عليه فكان ثالثاً، فرحب به معاوية وقال: يا أبا الأسود، خلوت أنا وعمرو وتشاجرنا في أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أحببت أن أكون من رأيك على يقين، قال: سل يا أمير المؤمنين عما بدا لك، قال: يا أبا الأسود، أيّهم كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: يا أمير المؤمنين، أشدهم كان حباً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوقاهم له بنفسه؛ فنظر معاوية إلى عمرو، وحرّك رأسه، ثم تمادى في مسألته، فقال: يا أبا الأسود، فأيّهم كان أفضلهم عندك؟ قال: أتقاهم لربه، وأشدهم خوفاً لدينه، فاغتاظ معاوية على عمرو، ثم قال: يا أبا الأسود، فأيّهم أعلم؟ قال: أقولهم للصواب، وأفصلهم للخطاب، قال: يا أبا الأسود، فأيّهم كان

أشجع؟ قال: أعظمهم بلاء، وأحسنهم غَناء، وأصبرهم على اللقاء، قال: فأيّهم كان أوثق عنده؟ قال: مَنْ أوصى إليها فيما بعده، قال: فأيّهم كان للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدِّيقاً؟ قال: أولهم به تصديقاً فأقبل معاوية على عمرو وقال: لاجزاك الله خيراً، هل تستطيع أن ترد مما قال شيئاً؟! فقال أبو الأسود: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت من أين أتيت، فهل تأذن لي فيه؟ قال: نعم، فقل ما بدا لك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الذي ترى هجا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبيات من الشعر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، إني لا أحسن أن أقول الشعر، فالعَن عمراً، بكل بيت لعنة. أفتراه بعد هذا نائلاً فلاحاً، أو مدركاً رباحاً؟ إن أمرأ لم يعرف إلا بسهم أُجيل عليه فجال لَحقيقٌ أن يكون كليل اللسان، ضعيف الجَنان، مستشعراً للاستكانة، مقارناً للذل والمهانة، غير وَلوج فيما بين الرجال، ولا ناظر في تسطير المقال، إن قالت الرجال أصغى، وإن قامت الكرام أقعى، مبصبص بذَنبه لعظيم ذنبه، غير ناظر في أبهة الكرام، ولا منازع لهم، ثم لم يزل في دجنة ظلماء مع قلتة حياء، يعامل الناس بالمكر والخداع، والمكر والخداع في النار، فقال عمرو: يا أخا بني الدئل، والله لأنت الذليل القَليل، ولولا ماتمتّ به من نسب كنانة لاختطفتك من حولك اختطاف الأجدل الجُدّيّة، غير أنك بهم تطول، وبهم تصول، والله لقد أُعطيت مع هذا لساناً قوالاً، سيصير عليك وبالاً. وايم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين، قديماً وحديثاً، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لَتُوالي عدوّه، وتعادي وليّه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليَقطعَنّ عنه لسانك، ولَتُخرجَنّ من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل السّخْبَر. قال: فتكلم معاوية فقال: يا أبا الأسود، أغرقت في النزع، ولم تدع رجعة لصالحك، وقال لعمرو: لم يغرق كما أغرقت، ولم يبلغ ما بلغت غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والبادىء أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره، وقُوما غيرَ

مطرودين، فقام عمرو وهو يقول: " الطويل " ول، وبهم تصول، والله لقد أُعطيت مع هذا لساناً قوالاً، سيصير عليك وبالاً. وايم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين، قديماً وحديثاً، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لَتُوالي عدوّه، وتعادي وليّه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليَقطعَنّ عنه لسانك، ولَتُخرجَنّ من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل السّخْبَر. قال: فتكلم معاوية فقال: يا أبا الأسود، أغرقت في النزع، ولم تدع رجعة لصالحك، وقال لعمرو: لم يغرق كما أغرقت، ولم يبلغ ما بلغت غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والبادىء أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره، وقُوما غيرَ مطرودين، فقام عمرو وهو يقول: " الطويل " لَعمري لقد أعيا القرونَ التي مضت ... تحوّلُ غشٍّ في الفؤادِ كمينِ وقام أبو الأسود وهو يقول: " الطويل " ألا إن عمراً رامَ خفيةٍ ... وكيفَ ينالُ الذئبُ ليثَ عرينِ؟ فانصرفا إلى منازلهما، وذاع حديثهما في البلاد، فبينا أبو الأسود في بعض الطريق إذ لقيه شاب من كلب يقال له: كليب بن مالك، شديد البغض لعلي وأصحابه، شديد الحب لمعاوية وأصحابه، فقال له: يا أبا الأسود، أنت المنازل عمراً أمس بين يدي أمير المؤمنين؟ أم والله لو شهدتك لأغرّقتُ جبينك، فقال أبو الأسود: من أنت يا بن أخي الذي بلغ بك خطرك كل هذا، وممن أنت؟ قال: أنا ممن لا ينكر، أنا امرؤ من قضاعة ثم من كلب، ثم أنا كليب بن مالك، فقال أبو الأسود: أراك كلباً من كلب، ألا أرى للكلب شيئاً؛ إذا هو نبح أفضل من أن يقطع باخساً، فاخسأ ثم اخسأ كلباً، فانصرف وخلاه. فبلغ ذلك القول معاوية فأكثر التعجب والضحك. ثم إنهما اجتماعا بعد ذلك عنده، فقال معاوية للكلبي: يا أخا كلب، ما كان أغناك من منازعة أبي الأسود، فقال الكلبي: ولم لا أنازعه؟ والله لأنا أكثر نفيراً، وأعزّ عشيراً، وأطلق لساناً، وإن شاء لأُنافِرَنّه بين يديك، فقال معاوية: والله يا أخا كلب، ما صدقت في واحدة من الثلاث، فقال أبو الأسود: والله لولا هذا الجالس يعني: يزيد بن معاوية فإنكم أخواله، لقطعت عني لسانك، فقال يزيدك يا أبا الأسود، قل، فأعمامي أحب إلي من أخوالي، فقال أبو الأسود: سل هذا يا أمير المؤمنين بمن ينافرني، بِحِمْيَر أو معَدّ؟ قال أبو حمزة الثمالي: لما بويع معاوية وفد عليه الأحنف بن قيس وأبو الأسود الدِّيلي في أهل البصرة، فقال معاوية للأحنف حين دخل عليه: أنت القاتل أمير المؤمنين، يريد عثمان، والخاذل أم المؤمنين، ومقاتلها بصفين؟ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، لا تَردُدِ الأمور على

أدبارها، فإن القلوب التي أبغضناك بها في صدورنا، والسيوف التي قاتلناك بها في عواتقنا، فلا تمدّ لنا شبراً من الغدر إلا مددنا لك باعاً من الختر، وإن كنت يا أمير المؤمنين لجدير أن تستصفي كدر قلوبنا بفضل حلمك. قال: إني فاعل إن شاء الله. ثم أقبل على أبي الأسود الدِّيلي فقال له: أنت القائل لعلي: ابعثني حكماً، فوالله ما أنت هناك، إنك لَفَهيهُ المحاورة، عييّ بالجواب، فكيف كنت صانعاً؟ قال: كنت جامعاً أصحاب محمد فأقول لهم: أَبَدرِيّ، أُحُديّ، شجَريّ، عَقَبيّ أحبّ إليكم أم رجل من الطلقاء؟ فقال معاوية: مالهّ قاتله الله، والله لقد خلعني خلع الوصيف. وقيل: إن أبا الأسود قال لمعاوية: لو كنتُ بمكان أبي موسى ما صنعتُ ما صنع. قال: وما كنت تصنع؟ قال: كنت أنظر رهطاً من المهاجرين ورهطاً من الأنصار فأناشدهم الله، المهاجرون أحقّ بالخلافة أو الطلقاء؟ فقال معاوية: أقسمت عليك لا تذكرنّ هذا الحديث ما عشت. وكان أبو الأسود شاعراً متشيعاً. وكان ثقة في حديثه. وكان عبد الله بن عباس لما خرج من البصرة استخلف عليها أبا الأسود الدِّيلي، فأقرّه علي بن أبي طالب. وهو أول من تكلم في النحو، وقاتل مع علي عليه السلام يوم الجمل. وهلك في ولاية عبيد الله بن زياد. والدُّيِّلي: بضم الدال وكسر الياء. وقيل: الدُّؤَلي: مضمومة الدال مفتوحة الواو، من الدُّئِل بضم الدال وكسر الياء. والدُّئِل: الدابة قيل: دابة صغيرة دون الثعلب وفوق ابن عرس ويقال لرهط أبي الأسود: الدُّؤلي، وامتنعوا أن يقولوا: أبو الأسود الدّيلي، لئلا يوالوا بين الكسرات، فقالوا: الدؤلي كما قالوا في النَّمِر: النَّمَري. واختلف في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو، فقال أبو عبيدة: أخذ أبو الأسود العربية عن علي بن أبي طالب، فكان لايخرج شيئاً مما أخذه عن علي إلى

أحد، حتى بعث إليه زياد: اعمل شيئاً تكون فيه إماماً ينتفع الناس به ويعرف به كتاب الله، فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قارئاً يقرأ: " أنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوله "، فقال: ما ظننت أن أمر الناس صار إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما رسمه الأمير، فليبغني كاتباً لقِناً يفعل ما أقول، فأُتي بكاتب من عبد القيس، فلم يرضه، فأتي بآخر قال أبو العباس: أحسبه منهم فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقُط نقطة فوقه على أعلاه، فإن ضمت فمي فانقُط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئاً من ذلك غُنَّة فاجعل ما كان النقطة نقطتين. فهذا نقط أبي الأسود. وقيل: إن رجلاً جاء إلى زايد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا، وترك بنوناً، فقال زياد: توفي أبانا، وترك بنوناً؟! ادع لي أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي كنت نهيتك أن تضع لهم، أبو الأسود استأذنه في أن يضع للعرب كلاماً يقيمون به كلامهم. وقيل: إن سعداً مرّ بأبي الأسود وكان رجلاً فارسياً وهو يقود فرسه، فقال: مالك يا سعد لا تركب؟ َ فقال: إن فرسي ضالع، فضحك به بعض من حضره. قال: أبو الأسود: هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخلوا فيه، فصاروا لنا إخوة، فلو علمناهم الكلام، فوضع باب الفاعل والمفعول لم يزد عليه. وكان أبو الأسود من أفصح الناس. قال أبو الأسود: إني لأجد للّحن غمزاً كغمز اللحم. ويقال: إن ابنته قالت له يوماً: يا أبه، ما أحسنّ السماءِ، فقال: نجومُها، قالت: إني لم أُرد أيّ شيء أحسن منها، إنما تعجبت من حسنها. قال: إذاً فقولي: ما أحسنَ السماءَ!

وقيل: إن ابنته قالت له: يا أبه، ما أشدّث الحرِّ في يوم شديد الحرّ فقال لها: إذا كانت الصقعاء من فوقك، والرمضاء من تحتك، فقالت: إنما أردت أن الحرّ شديد، قال: فقولي: ما أشدّ الحرَّ. والصقعاء: الشمس. فحينئذٍ وضع كتاباً. وقيل: إن أعرابياً قدم في زمن عمر، فقال: مَن يقرئني مما أنزل الله على محمد؟ قال: فأقرأه رجل " براءة " فقال: " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوله " بالجر، فقال الأعرابي: أوقد برىء الله من رسوله؟ إن يكن الله برىء من رسوله فأنا أبرأ منه. فبلغ عمر مقالَهُ فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولا عِلم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرئني هذا سورة " براءة " فقال: " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوله " فقلت: أوقد برىء الله من رسوله؟ إن يكون الله برىء من رسوله، فأنا أبرأ منه. فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي، قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوله " فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما برىء الله ورسوله منه. فأمر عمر بن الخطاب ألا يقرىء القرآن إلاّ عالم باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع النحو. قال العتبي: كتب معاوية إلى زياد يطلب عبيد الله ابنه. فلما قدم عليه كلمه، فوجده يلحن، فرده إلى زياد، وكتب إليه كتاباً يلومه فيه، ويقول: أمثل عبيد الله تصنع؟! فبعث زياد إلى أبي الأسود، فقال له: يا أبا الأسود: إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من ألسن العرب، فلو وضعت شيئاً يصلح به الناس كلامهم ويُعربُون به كتاب الله، فأبى ذلك أبو الأسود، وكره إجابة زياد إلى ما سأل، فوجه زياد رجلاً، وقال له: اقعد في طريق أبي الأسود، فإذا مر بك فاقرأ شيئاً من القرآن، وتعمّد اللحن فيه، ففعل ذلك. فلما مرّ به أبو الأسود رفع الرجل صوت يقرأ: " أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَرَسُوله " فاستعظم ذلك أبو الأسود، وقال: عزّ وجه الله أن يبرأ من رسوله، ثم

رجع من فوره إلى زياد، فقال: يا هذا، قد أجبتك إلى ما سألتك، ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن، فابعث إلى ثلاثين رجلاً، فأحضرهم زياد، فاختار منهم أبو الأسود عشرة، ثم لم " يزل " يختارهم حتى اختار منهم رجلاً من عبد القيس، فقال: خذ المصحف وصبغاً يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها، فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، فإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفله، فإن أتبعت شيئاً من هذه الحركات غُنَّة فانقط نقطتين، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، ثم وضع " المختصر " المنسوب إليه بعد ذلك. قال محمد بن سلاّم الجمحي: أول مَن أسس العربية، وفتح بابها، وأنهج سبلها، ووضع قياسها أبو الأسود، وكان رجلَ أهلِ البصرة. وإنما فعل ذلك حين اضطرب كلام العرب فغلبت السليقية. السليقية من الكلام ما كان الغالب عليه السهولة، وهو مع ذلك فصيح اللفظ، منسوب إلى السليقة، وهي الطبيعة، ومعناه: ما سمح به الطبع، وسهُل على اللسان من غير أن يتعمد لإعرابه. يقال: فلان يقرأ بالسليقة أيى بطبعه. لم يقرأ على القراء، ولم يأخذه عن تعليم. قال الشافعي رحمه الله: كان مالك بن أنس يقرأ بالسليقية، يستقصره في ذلك. والسليقية تذم مرة وتمدح أخرى: إذا ذُمّت فلعدم الإعراب، وإذا مُدِحت فللدراية والفصاحة. قال الشاعر: " الطويل " ولستُ بنحويٍّ يَلوكُ لسانَهُ ... ولكن سليقيٌّ أقولُ فأعربُ وعن أبي الأسود قال: إعادة الحديث أشدّ من نقل الصخر من الجبل. قال الأصمعي: كان أبو الأسود يكثر الركوب، فقيل له: يا أبا الأسود: لقد قعدت في منزلك كان أودع لبدنك وأروح، فقال أبو الأسود: صدقت. ولكن الركوب أتفرج فيه، وأستمع من الخبر ما لا أسمعه في منزلي، وأستنشق الريح، فترجع إليَّ نفسي، وأُلاقي الإخوان،

ولو جلست في منزلي اغتمّ بي أهلي، واستأنس بي الصبي، واجترأت عليّ الخادم، وكلمني من أهلي من يهاب أن يكلمني. باع أبو الأسود داراً له، فقيل له: بعت دارك! قال: لا، ولكني بعثت جيراني. قال أبو الأسود لبنيه: أحسنت إليكم كباراً وصغاراً، وقبل أن تكونوا. قالوا: أحسنت إلينا كباراً وصغاراً، فكيف أحسنت إلينا قبل أن نكون؟ قال: لم أضعكم موضعاً تستحيون منه. قال رجل لأبي الأسود: أنت والله ظريفُ لفظٍ، ظريفُ علمٍ، وعاء حِلم، غير أنك بخيل، فقال: وما خير ظريفٍ لا يُمسك ما فيه؟ كان أبو الأسود الدُّئلي ينزل في بني قُشَير، وكانوا عثمانية، وكان أبو الأسود علوي الرأي، فكان بنو قُشَير يسيئون جواره، ويؤذونه، ويرجمونه بالليل، فعاتبهم على ذلك فقالوا: ما رجمناك، ولكن الله رجمك، قال: كذبتم، لأنكم إذا رجمتموني أخطأتموني، ولو رجمني الله ما أخطأني. ثم انتقل عنهم إلى هذيل، وقال فيهم: " الكامل " شتموا علياً ثم لم أزجرْهُمُ ... عنهُ وقلتُ مقالةَ المتردِّدِ اللهُ يعلُم أنّ حبّي صادقٌ ... لِبني النبيّ وللإمامِ المهتدي وقال في بني قشير من أبيات: " الوافر " يقولُ الأرذلون بنو قُشَير ... طوالَ الدّهر لا تنسى علياً! أُحِبُّ محمداً حُبّاً شديداً ... وعباساً وحمزة والوصيّا بنو عمِّ النبيّ وأقربوه ... أحبّ الناسٍ كلِّهمُ إليّا فإن يكُ حبُّهُم رُشداً أَنلْهُ ... أوليسَ بضائري إن كان غيّا فكتب معاوية إلى عبيد الله بن زياد: إن عرفت أبا الأسود، وإلاّ فاسأل عنه، ثم أخبره أنه قد شكّ في دينه، فإذا قال: بماذا؟ فأخبِره بقوله: فإن يكُ حبُّهم رشداً أنلْهُ

البيت. فبعث عبيد الله إلى أبي الأسود فأخبره بمقالة معاوية، فقال أبو الأسود: فاقرئه السلام، وأخبره بأني إنما قلت ما قال العبد الصالح: " وَإِنَّ أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلي هُدىً أوْ فِي ضَلالٍ مُبِيْنٍ " افتراه شكّ في دينه؟ رأى عبيد الله بن أبي بكرة على أبي الأسود الدِّيلي جبّة رثّة كان يكثر لبسها، فقال: يا أبا الأسود: أما تملّ هذه الجبّة؟ فقال: ربّ مملول لا يستطاع فراقه. قال: فبعث إليه بمئة ثوب، فأنشأ أبو الأسود يقول: " الطويل " كساني وَلم أستكسِه فحمدتُه ... أخٌ لك يعطيكَ الجزيلَ وناصرُ وإنّ أحقَّ الناسِ إن كنتَ شاكراً ... بشكركَ مَن أعطاكَ والعِرضُ وافرُ دخل أبو الأسود على عبيد الله بن زياد وقد أسنّ فقال له يهزأ به -: يا أبا الأسود، إنك لجميل فلو تعلقت تميمة، فقال أبو الأسود: " البسيط " أفنى الشبابَ الذي أفنيتُ جِدَّتَه ... كرُّ الجديدَيْنِ من آتٍ ومنطلقِ لم يتركا ليَ في طولِ اختلافهما ... شيئاً أخاف عليه لذعةَ الحدَقِ كانت لأبي الأسود من معاوية ناحية حسنة، فوعده وعداً فأبطأ عليه، فقال له أبو الأسود: " الرمل " لا يكن برقُك برقاً خُلَّباً ... إن خيرَ البرقِ ما الغيثُ معَهْ لا تهنّي بعدَ إذ أكرمتني ... فشديدٌ عادةٌ مُنْتَزَعَهْ أطلع أبو الأسود مولى له على سرّ له، فبثّه، فقال أبو الأسود: " الطويل " أمنتُ على السرّ امرأ غيرَ حازمِ ... ولكنه في النصح غيرُ مُريبِ فذاع به في الناس حتى كأنه ... بعلياءَ نارٌ أُوقدَتْ بثَقوبِ وما كل ذي نصحٍ بمؤتيك نصحَهُ ... ولا كلُّ من ناصحتَه بلبيبِ ولكن إذا ما استجمعا عندَ واحدٍ ... فحقٌّ له من طاعةٍ بنصيبِ

ظبيان بن خلف بن نجيم

وقال أبو السود: " المتقارب " إذا أنت لم تعفُ عن صاحبٍ ... أساء وعاقبتَه إن عثَرْ بقيتَ بلا صاحبٍ فاحتمِلْ ... وكن ذا قَبولٍ إذ ما اعتذرْ وقال أبو الأسود: " الكامل " وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةً ... فلقاؤه يكفيك والتسليمُ وإذا تكون إلى لئيمٍ حاجةٌ ... فألحَّ في رفقٍ وأنت مُديمُ والزم قبالة بابه وفِنائِهِ ... كأشدِّ ما لزمَ الغريمَ غريمُ حتى يريحَك ثم تهجرَ بابَه ... دهراً وعرضُكَ إن فعلت سليمُ مات أبو الأسود في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وهو ابن خمس وثمانين. وقيل: إنه مات قبل الطاعون. وهو الأشبه، لأنه لم يسمع له في فتنة مصعب وأمر المختار خبر. ظبيان بن خلف بن نجيم ويقال: نجم بن عبد الوهاب أبو بكر المالكي الفقيه المتكلم من أهل الإقليم سكن دمشق. حدث عن عبد العزيز بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه ". توفي ظبيان سنة أربع وتسعين وأربع مئة.

ظفر بن دهي الدليل

ظفر بن دَهي الدليل شهد فتوح الشام ودمشق مع خالد بن الوليد. حدث ظفر بن دهي قال: فأغار بنا خالد من سُوى على المُصَيَّخ، مصَيَّخ بَهراء بالقُصْواني - ماء من المياه فصبح المصيخ، والنَّمِر وإنهم لغارون، وإن رفقة لتشرب في وجه الصبح، وساقيهم يغنّيهم، ويقول: " الطويل " ألا فاصبحاني قبلَ جيشِ أبي بكر ... لعلّ منايانا قريبٌ ولا ندري فضربت عنقه فاختلط دمَه بِخَمْرِه. ظفر بن محمد بن خالد ابن العلاء بن ثابت بن مالك أبو نصر الحارثي السرّاج حدث عن بكر بن سهل الدمياطي بسنده عن مسلمة بن مخلد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اغروا النساء يَلزمْنَ الحَجال ". وحدث ظفر أيضاً عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الليثي بسنده عن بكر بن عبد الله المزني قال: أحق الناس بلطمةٍ رجلٌ دُعي إلى طعام فذهب معه بآخر. وأحق الناس بلطمتين رجلٌ دخل على قوم فقالوا له: اجلس ها هنا، قال: لا، بل ها هنا. وأحق الناس بثلاث لطمات رجلٌ دخل على قوم قدموا له طعاماً قال: قولوا لربّ البيت يأكل معي.

ظفر بن محمد بن ظفر

ظفر بن محمد بن ظفر ابن عمر بن حفص بن عمر بن سعيد ابن أبي عزيز جندب بن النعمان، أبو نصر الأزدي الزملكاني حدّث عن أبي الأزهر جماهر بن محمد الزملكاني بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بأصبعه المشيرة والوسطى كفرسَي رهان، استبقا فسبق أحدهما صاحبه بإذنه جاء الله سبحانه، جاءت الملائكة، جاءت الجنة، يا أيها الناس استجيبوا لربكم والقوا إليه السِّلَم ". توفي ظفر بن محمد سنة أربعين وثلاثة مئة. ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كِتنَّة أبو الحسن الحلبي الناصري الفقيه الشافعي حدّث عن عبد الرحمن بن عمر بن نصر بسنده عن فُضيل بن عياض قال: ما كان ينبغي أن يكون أحد أطول حزناً، ولا أكثر بكاءً، ولا أَدْوَم صلاةً من العلماء في هذه الدنيا، لأنهم الدعاة إلى الله عزّ وجلّ. توفي ظفر بن المظفر في سنة تسع وعشرين وأربع مئة. ظفر بن منصور بن الفتح أبو الفتح دمشقي. حدّث عن الحسن بن عبد الرحمن بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبب حبيبك هَوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما. وأبغض بغيضك هَوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ". أسماء الرجال على

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة عاصم بن أبي بكر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي المصري حدّث عاصم بن أبي بكر أنه قدم على سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز فنزلت على عبد الملك وهو أعزب، وكنت معه في بيته. فلما صلينا العشاء، وأوى كل رجل منا إلى فراشه أوى عبد الملك إلى فراشه. فلما ظن أن قد نمنا قام إلى المصباح فأطفأه، وأنا أنظر إليه، ثم جعل يصلي حتى ذهب بي النوم. قال: فاستيقظت، فإذا هو يقرأ في هذه الآية: " أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِيْنَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " ثم بكى، ثم رجَع إليها، ثم بكى، ثم لم يزل يفعل ذلك حتى قلت: سيقتله البكاء. فلما رأيت ذلك قلت: سبحان الله، والحمد لله، كالمستيقظ من النوم لأقطع ذلك عنه. فلما سمعني ألبد، فلم أسمع له حسّاً. قتل عاصم بن أبي بكر بقَلَنْسُوَة سنة ثلاث وثلاثين في آخرين من بني أمية حُملوا من مصر.

عاصم بن بهدلة أبي النجود

عاصم بن بهدلة أبي النجود أبو بكر الأسدي الكوفي المقرىء صاحب القراءة المعروفة حدّث عاصم عن زِرّ قال: سألت أُبيّ بن كعب عن ليلة القدر فحلف لا يستثني إنها ليلة سبع وعشرين. فقلت: لم تقول ذلك أبا المنذر؟ قال: بالآية أو بالعلامة التي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنها تصبح من ذلك اليوم: تطلع الشمس، وليس لها شعاع. وعن عاصم عن زِرّ قال: أتيت صفوان بن عسّال المرادي فقال لي: ما جاء بك؟ قلت: جئت ابتغاء العلم، قال: فإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يطلب. قلت: حكّ في نفسي أو في صدري مسحٌ على الخفين بعد الغائط والبول، فهل سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك شيئاً؟ قال: نعم. كان يأمرنا إذا كنا سَفْراً أو مسافرين ألا تنزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة. ولكن من غائط أو بول أو نوم. قلت: هل سمعته يذكر الهوى؟ قال: نعم، بينا نحن معه في مسيرٍ إذ ناداه أعرابي بصوت له جَهْوَريّ قالِ: يا محمد، فأجابه على نحوٍ من كلامه: هاه، قال: أرأيت رجلاً أحبَّ قوماً ولما يلحق بهم؟ قال: " المرء مع مَن أحبّ ". ولم يزل يحدثنا أنّ من قِبَل المغرب باباً يفتح الله للتوبة، مسيرة عرضه أربعون سنة، فلا يُغلق حتى تطلع الشمس من قِبَله. وذلك قوله: " يَوْمَ يَأْتِيْ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنْتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيْ إِيْمَانِهَا خَيْراً ". وعن عاصم بن بهدلة قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فإذا ثيابه غسيلة، فقوَّمت كلّ شيء كان عليه ستين درهماً، عِمامته وغيرها. قال: ورجل يكلمه قد رفع صوته، فقال عمر: مَهْ، بحسب المرء المسلم من الكلام ما يُسمع صاحبه.

عاصم بن حميد السكوني الحمصي

وعاصم بن أبي النجود: من قال: النَّجود بفتح النون فهي الأتان. ومن قال النُّجُود بضم النون فجمع نجد وهو الطريق. قال الحسن بن صالح: دخلت على عاصم وقد احتُضر - فجعلت أسمعه يردد هذه الآية، يحققها كأنه في المحراب: " ثُمَّ رُدُّوا إلى اللهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقُّ ألاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِيْنَ ". قال: ودخلت على الأعمش وقد حضره الموت فقال: لا تُؤِذِنَنّ بي أحداً، فإذا أصحبت فأخرجني إلى الجبّان، فألقني ثَمّ، ثُمّ بكى. توفي عاصم بن بهدلة سنة سبع وعشرين ومئة. وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة. عاصم بن حُميد السَّكوني الحمصي شهد خطبة عمر بالجابية. قال عاصم بن حميد: سمعت عوف بن مالك يقول: قمت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة، فبدأ فأستاك ثم توضأ، ثم قام يصلي، فقمت معه، فبدأ فاستفتح من البقرة لا يمرّ بآيةِ رحمةٍ إلا وقف فسأل. ولا يمرّ بآيةِ عذابٍ إلاّ وقف فتعوَّذ، ثم ركع، فمكث راكعاً بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده: سبحان ذي الجبروت والملكوت، والكبرياء والعظمة. ثم قرأ آل عمران، ثم سورة سورة، يفعل مثل ذلك. وروى عاصم بن حميد عن معاذ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في تأخير صلاة العَتَمة.

عاصم بن رجاء بن حيوة

عاصم بن رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني وفد على عمر بن عبد العزيز. حدّث عن داود بن جميل عن كَثير بن قيس قال: كنت جالساً مع أبي الدّرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل، فقال: يا أبا الدّرداء، إني أتيتك من المدينة، مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لحديث بلغني أنك تحدّث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو الدّرداء: ما جئت لحاجة، وما جئت لتجارة، وما جئت إلاّ لهذا الحديث؟ قال: نعم. قال: فني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب، وإن العالم يستغفر له من في السماء ومن في الأرض، والحيتان في جوف البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن العلماء ثم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، وأورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بخط وافر ". وحدّث عالم عن أبي عمران الأنصاري بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصبر الرضى ". وعن عاصم بن رجال قال: سمعت عمر بن عبد العزيز وهو ينادي على المنبر: من أذنب ذنباً فليستغفر الله ثم لتيُب، فإن عاد فليستغفر الله ثم ليتُب، فإن عاد فليستغفر الله ثم ليتُب، فإنها خطايا موصوفة في أعناق رجالٍ قبل أن يخلقوا، وإن الهلاك كلّ الهلاك الإصرار عليها.

عاصم بن سفيان بن عبد الله

عاصم بن سفيان بن عبد الله ابن أبي ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي قدم على معاوية غازياً. حدّث عاصم بن سفيان: أنهم غزوا غزوة السلاسل، ففاتهم الغزو، فرابطوا، ثم رجعوا إلى معاوية، وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر، فقال عاصم: يا أبا أيوب، فاتنا الغزو العام، وقد بلغنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر الله عزّ وجلّ له ذنبه. قال: يا بن أخي، أدلّك على أيسر من ذلك: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من توضأ كما أُمِر، وصلّى كما أُمِر غفر الله له ما قدّم من عمل ". أكذلك يا عقبة؟ قال: نعم. عاصم بن عبد الله بن نُعَيم أبو عبد الغني القَيني من أهل الشام ثم من الأردن. حدث عاصم عن أبيه عن عروة بن محمد عن أبيه عن جده أنه قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد من قومه من ثقيف. فلما دخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان فيما ذكروا أن سألوه، فقال لهم: هل قدم معكم غيركم؟ قالوا: نعم، فتى منا خلّفناه في رحالنا، قال: فأرسلوا إليه، قال: فلما دخلت عليه وهم عنده فاستقبلني فقال: إن اليد المنطية هي العليا، وإن السائلة هي السفلى، فما استغنيت فلا تسأل، وإن مال الله مسؤول عنه ومُنطى.

عاصم بن عبيد الله بن عاصم

عاصم بن عبيد الله بن عاصم ابن عمرو بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدّث عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت رجلاً على نعلين، فرُفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لها: أرضيت لنفسك نعلين؟ قالت: إني رأيت ذلك، قال: وأنا أرى ذلك. وفي حديث آخر. فقال لها: أرضيت؟ فقالت: نعم، ولو لم يعطني لرضيت، قال: شأنك وشأنها. وحدث عنه أيضاً عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ". زاد في حديث آخر: ويزيدان في العمر والرزق. ضعّفه جماعة. مات في خلافة أبي العباس، وكان قد وفد إليه. عاصم بن عمر بن قتادة ابن النعمان أبو عُمر ويقال: أبو عَمرو الأنصاري الظَّفَري حدث عن محمود بن لَبيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ ليحمي عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه ". وحدث عنه أيضاً عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أسفِروا بالصبح، فإنه أعظم للأجر ".

عاصم بن عمرو

وحدث عاصم عن جابر بن عبد الله قال: جاء يعود المقنَّع بن سنان وكان خال عاصم أخا أمّه فسلم عليه، وهو في رداء وإزار، وقد أصيب بصره، فقال: ماذا تشتكي؟ وقد مسّ رأسه ولحيته بشيء من صفرة، قال: خُرّاج منع مني النوم، وأسهرني. قال جابر: يا غلام، ادع لنا حجّاماً، قال المقنع: وما تصنع بالحجام؟ يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أعلق به مِحْجماً، فقال: غفر الله لك، إن الثوب ليصيبني، أو الذباب يقع عليه فيؤذيني. فلما رأى جزعه من ذلك أنشأ يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان في شيء من أدويتكم خيرٌ أو أن يكونَ ففي شَرطة محجم أو شَربة من عسل أول لذعَة نار توافق داء، وما أحب أن اكتوي ". فدعا بحجام، فأعلق المحجم في خداعه. فلما بلغ منه حاجته شرط بمشرط معه، فأخرج الله ما كان فيه من صديد، وعوفي. قتادة بن النعمان جد عاصم هو أخو أبي سعيد الخدري لأمّه. وكان عاصم له رواية للعلم، وعلم بالسيرة ومغازي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان ثقة. ووفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته في دين لزمه. فقضاه عنه عمر، وأمر له بعد ذلك بمعونة، وأمره أن يجلس في مسجد دمشق فيحدث الناس بمغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومناقب أصحابه، وقال: إن بني مروان كانوا يكرهون هذا، وينهون عنه، فاجلس فحدث الناس بذلك، ففعل. ثم رجع إلى المدينة، فتوفي بها سنة عشرين ومئة وفي خلافة هاشم بن عبد الملك. وقيل: توفي سنة تسع وعشرين ومئة. عاصم بن عمرو ويقال ابن عوف البجلي أحد الشيعة. قدم به مع حجر بن عدي في اثني عشر رجلاً إلى عذراء في خلافة

معاوية، فقتل بعضهم، ونجا بعضهم، وكان عاصم ممن أطلق لشفاعة يزيد بن أسد وكتاب جرير بن عبد الله البجليين. وقد ذكر ذلك في ترجمة أرقم بن عبد الله. حدث عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب، ولهو ولعب فيصبحون قد مسخوا قردة وخنازير، وليصبنهم خسف وقذف حتى يصبح الناس، فيقولون: خسف الليلة ببني فلان، وخسف الليلة بدار فلان، خواص، وليرسلن عليهم حاصباً حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط، على قبائل منها، وعلى دور، وليرسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عاداً على قبائل منها، وعلى دور لشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم "، وخصلةٍ نسيها جعفر. وفي رواية أخرى: " ويبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما تنسف من كان قبلهم باستحلالهم الخمر، وضربهم الدفوف، واتخاذهم القينات ". وحدث عاصم بن عمرو قال: خرج نفر من أهل العراق إلى عمر. فلما قدموا عليه قال لهم: ممن أنتم؟ قالوا: من أهل العراق. قال: بإذنٍ جئتم؟ قالوا: نعم، فسألوه عما يحلّ للرجل من امرأته وهي حائض، وعن غُسل الجنابة، وعن صلاة الرجل في بيته، فقال لهم عمر: أسَحَرة أنتم؟ قالوا: لا، والله ما نحن بسحرة، قال: سألتموني عن خصال ما سألني عنها أحد بعد إذ سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها غيركم، فقال: " أما صلاة الرجل في بيته فَنُورٌ، فنوِّروا بيوتكم، وأما ما للرجل من امرأته وهي حائض فله ما فوق الإزار، وأما غسل الجنابة فتوضّأ وضوءك للصلاة، ثم أغسل رأسك، ثم افِض على سائل جسدك ". وزاد في حديث بمعناه: " ثم تنحّ من مُغتَسلك فاغسل رجليك؟ ".

عاصم بن محمد بن أبي مسلم

عاصم بن محمد بن أبي مسلم أبو الفتح الدينوري سمع بدمشق. ذكر في هذه الترجمة حديثاً عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اشتاق إلى الجنة سابق إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لها عن الشهوات، ومن ترقب الموت صبر عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ". حدث عاصم بن محمد عن أبي حفص عمر بن أحمد بن عيسى بسنده عن بعض شيوخه قال: أزرى رجل على الخليل فقال الخليل: " الطويل " سأُلزمُ نفسي الصفحَ عن كلِّ مذنبٍ ... وإن كثَرتْ منه عليّ الجرائمُ وما الناسُ إلا واحدٌ من ثلاثةٍ ... شريفٌ ومشروفٌ ومثلي مقاومُ فأما الذي فوقي فأعرفُ فضلَهُ ... وأتبعُ فيه الحقَّ والحقُّ لازمُ وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا ... تفضّلتُ إنّ الفضلَ بالعزّ حاكمُ وأما الذي دوني فإن قالَ صُنت عن ... إجابته عِرضي وإن لامَ لائمُ عاصم الدمشقي حدث عن آدم بن أبي إياس قال: سمعته يقول: مِن قَبْلِ أن يحدث يجثو على ركبه في المجلس ويقول: والله الذي لا إله إلا هو، ما من أحدٍ إلا وسيخلو به ربّه ليس بينه وبينه ترجمان يقول الله له: ألم أكن رقيباً على قلبك إذا اشتهيتَ به ما لا يحلّ لك عندي؟ ألم أكن رقيباً على عينيك إذ نظرتَ بهما إلى ما لا يحلّ لك عندي؟ ألم أكن رقيباً على سمعك إذا أنصتّ به إلى ما لا يحل لك عندي؟ ألم أكن رقيباً على يديك إذ بطشت بهما إلى ما لا يحلّ لك عندي؟ ألم أكن رقيباً على قدميك إذ سعَيت بهما إلى ما لايحلّ لك، آستحييت من المخلوقين، وكنتُ أهون الناظرين إليك؟! فأحسب أن هذا كان منه، يقول:

العاص بن سهيل بن عمرو

يا رب، لَتأمُرُ بي النار أهونُ علي من هذا التوبيخ، فيقول له: عبدي، هذا ما بيني وبينك، مغفور لك قد سترته عن الحفَظَة، اذهبوا بعبدي إلى الجنة. قال: فلربما انقضى المجلس بغير سماع، قال: فيأخذ الناس في البكاء، حتى ينقضي المجلس بغير سماع. العاص بن سُهيل بن عمرو ابن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حِسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو جندل العامري القرشي له صحبة. وهو صاحب القصة المعروفة في صلح الحديبية. أسلم قبل أبيه، وخرج معه مجاهداً إلى الشام وهلك به. كان العاص بن سهيل أسلم بمكة، فطرحه أبوه في حديد. فلما كان يوم الحديبية جاء يرسُف في الحديد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كتب سهيل كتاب الصلح بينه وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال سهيل: هو لي، فنظروا في كتاب الصلح فإذا سهيل قد كتب أن من جاءك منا فهو لنا، فرُدَّه علينا، فخلاّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيه، فقام إليه سهيل بغصن شوك، فجعل يضرب به وجهه، فجزع من ذلك عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، علام نعطي الدنية في ديننا:؟ فقال له أبو بكر الصديق: الزم غرزه يا عمر، فإنه رسول الله حقاً حقاً. فقام عمر، فجعل يمشي إلى جنب أبي جندل والسيف في عنق عمر ويقول لأبي جندل: يا أبا جندل، إن الرجل المؤمن يقتل أباه في الله عزّ وجلّ. قال عمر: فضنّ أبو جندل بأبيه، فلحق بأبي بَصير الثقفي، فكان معه في سبعين رجلاً من المسلمين فرّوا من قريش، وخافوا أن يردهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم إن طلبوهم، فاعتزلوهم

فكانوا بالعيص يقطعون على ما مرّ بهم من عِير قريش وتجارتهم حتى شقّ ذلك على قريش بفكتبوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضَّمهم إليه، فلا حاجة لهم فيهم، فضمّهم إليه. وفي حديث آخر: أن سهيلاً لما ضرب أبا جندل صاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأُرَدُّ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد المسلمين ذلك شراً إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل. قال: يقول حُوَيطب بن عبد العزّى لمِكرَز بن حفص: ما رأيت قوماً قط أشدّ حباً لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد، وبعضهم لبعض. أما إني أقول لك: لا تأخذ من محمد نصَفاً أبداً بعد هذا اليوم حتى يدخلها عَنْوة، فقال مِكرَز: وأنا أرى ذلك. قال سهيل: هذا أول من قاضيتُك عليه، رُدَّه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال سهيل: والله لا أكاتبك على شيء حتى تردّه إليّ، فردّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهيلاً أن يتركه، فأبى سهيل، فقال مكرز بن حفص وحويطب: يا محمد، نحن نجيره لك، فأخلاه فُسطاطاً، فأجاراه، وكف أبوه عنه. ثم رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته فقال: يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعِلٌ لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً، وإنا لانغدر. وعن داود بن أبي هند في قوله: " وَالّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ في الدُّنْيا حَسَنَةً " الآية، نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو. حدث يحيى بن عروة عن أبيه قال: شرب عبد بن الأزور وضرار بن الخطاب وأبو جندل بن سهيل بن عمرو بالشام، فأتى بهم أبو عبيدة بن الجراح. قال أبو جندل: والله ما شربتها إلا على تأويل: إني سمعت

عالي بن عثمان بن جني

الله يقول: " لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقُوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ". فكتب أبو عبيدة إلى عمر بأمرهم، فقال عبد بن الأزور: إنه قد حضر لنا عدونا فإن رأيت أن تؤخرنا إلى أن نلقى عدونا غداً، فإنِ الله أكرمنا بالشهادة كفاك ذاك، ولم يقمنا على خزاية، وإن نرجع نظرت إلى ما أمرك به صاحبك، فأمضيتَه. قال أبو عبيدة: فنعم. فلما التقى الناس قُتل عبد بن الأزور شهيداً، فرجع الكتاب، كتاب عمر: إن الذي أوقع أبا جندل في الخطيئة قد تهيأ له فيها بالحجة، فإذا أتاك كتابي هذا فأقم عليهم حدَّهم، والسلام. فدعا بهما أبو عبيدة فحدَّهما. وأبو جندل له شرف ولأبيه، فكان يحدث نفسه حتى قيل إنه قد وُسوِس. فكتب أبو عبيدة إلى عمر: أما بعد. فإني قد ضربت أبا جندل حدّه، وإنه قد حَّث نفسه حتى قد خشينا عليه أنه قد هلك. فكتب عمر إلى أبي جندل: أما بعد، فإن الذي أوقعك في الخطيئة قد خزن عليك التوبة: بسم الله الرحمن الرحيم، " حَمَ تَنْيزِلُ الكتاب مِنَ اللهِ العَزِيزِ العَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذي الطَّوْلِ لا إِلهَ إلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ". فلما قرأ كتابَ عمر ذهب عنه ما كان به، كأنما أُنشِط من عقال. مات أبو جندل سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس. عالي بن عثمان بن جني أبو سعد بن أبي الفتح البغدادي النحوي سمع بدمشق. وحدث بصيدا عن الوزير أبي القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كاتب مملوكه على مئة وُقِيّة فأدّاها غير عشر أواقٍ فهو رقيق ". كان عالي حياً سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة.

عامر بن خريم بن محمد

عامر بن خُرَيم بن محمد أبو القاسم المري حدث عن شعيب بن إسحاق بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه ". عامر بن ربيعة بن كعب ابن مالك بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة عن حجر بن سَلامان بن مالك. بن ربيعة بن رُفيدة بن عَنز بن وائل بن قاسط بن هِنْب ابن أفصى بن دُعمِيّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أبو عبد الله العنزي العدوي، حليف بني عدي بن كعب من المهاجرين الأولين، ممن شهد بدراً، وأحداً، والخندق، والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهاجر الهجرتين، وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب. حدث عامر بن ربيعة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلّفكُم أو توضع ". وفي رواية أخرى عنه أنه قال: " إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى تخلّفه أو توضع من قبل أن تخلّفه ". مات بالمدينة حين نشِب الناس في أمر عثمان. وقيل: مات قبل قتل عثمان بأيام. وقد كان لزم بيته، فلم يشعر الناس إلا بجنازته قد أخرجت. وكان حليفاً للخطاب بن نفيل، وكان الخطاب لما حالفه عامر تبناه وادعى إليه، فكان يقول: عامر بن الخطاب،

حتى نزل القرآن: " ادعُوهُم لآبَائِهِمْ " فرجع عامر إلى نسبه، فقيل: عامر بن ربيعة. وهو صحيح النسب في وائل. وهاجر عامر بن ربيعة إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً، ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين عامر بن ربيعة ويزيد بن المنذر بن سرح الأنصاري. وتوفي سنة اثنتين وثلاثين. وقيل إن قوله تعالى: " ادعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ " الآية، نزلت في عامر بن الخطاب وزيد بن حارثة، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن عمرو، فعرف آباؤهم غير سالم، فإنه لم يعرف أبوه، فثبت على ولاءِ أبي حذيفة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما صدر السبعون من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طابت نفسه، وقد جعل الله مَنَعَة وقوماً أهلَ حرب وعدةٍ ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا على أصحابه، وتعبّثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فشكا ذلك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستأذنوه في الهجرة، فقال: " قد أُريتُ دار هجرتكم، أُريت سبَخة ذات نخل بين لابَتيْن وهما الحرّتان ولو كانت الشراة أرض نخل وسباخ لقلت: هي هي "، ثم مكث أياماً، ثم خرج إلى أصحابه مسروراً، فقال: " قد أُخبرتُ بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها "، فجعل القوم يتجهزون، ويترافقون، ويتواسَوْن، ويخرجون ويُخفون ذلك، فكان أولّ من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو سلمة بن عبد الأسد، ثم قدم بعده عامر بن ربيعة، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة، فهي أول ظعينة قدمت المدينة، ثم قدم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسالاً، فنزلوا على الأنصار في دورهم، فآوَوْهم، ونصروهم، وآسَوْهم.

عامر بن سعيد

وعن ابن عباس قال: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ " قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة. وعن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلّم فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وادياً، ما في العرب وادٍ أفضل منه، وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك، قال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَِ ". حدث عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قام عامر بن ربيعة فصلى من الليل، وذلك حين شغب الناس في الطعن على عثمان، فصلى من الليل ثم قام، فأُتي في منامه فقيل له: قم، فسَلِ الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالحَ عبادِه، فقام فصلى ثم اشتكى. قال: فما خرج قط إلا جنازةً. توفي عامر بن ربيعة سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: سنة سبع وثلاثين. وقيل: سنة ست وثلاثين. عامر بن سعيد أبو حفص القرشي الخراساني البزاز نزيل دمشق. حدث عن أبي معاوية بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لسوقاً، ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من النساء والرجال ".

عارم بن شبل الجرمي

وحدث عن القاسم بن مالك بسنده عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي أطلب حاجة لنا، وذلك أول ما ذُكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، فآواني المبيت إلى صاحب غنم، فجاء الذئب نصف الليل، فأخذ حملاً من غنمه، فنادى: يا عامر، الوادي جارك، فإذا منادٍ لا يراه: يا سرحان، أرسله، فجاءَ الحمل، ما به كَدْمة، حتى دخل في الغنم، وأُنزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة: " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فزَادُوهُمْ رَهَقاً ". وحدث عامر عن هشام بن يوسف بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سُدوّا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر ". عارم بن شبل الجرمي قال عامر بن شبل: سمعت أبا قلابة يقول: في الجنة قصر لصوّام رجب. وقال عامر: رأيت أبا قلابة يرفع يديه في قنوته. عامر بن شراحيل بن عَبد أبو عَمرو الشعبي الكوفي قدم دمشق. روى الشعبي قال: كان أبو سعيد جالساً فمرت به جنازة، فقام، فقال له مروان: اجلس، فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام، فقام مروان معه.

وحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال الله عزّ وجلّ: ابن آدم، إنك ما ذكرتني شكرتني، وما نسيتني كفرتني ". ذكر الشعبي أنه ولد عام جلولاء. وقيل: كان عام جلولاء سنة سبع عشرة. وقيل: ولد سنة عشرين. وقيل: إحدى وعشرين. وقيل: سنة ثمان وعشرين. قال محمد بن سعد: في الطبقة الثانية من أهل الكوفة عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي، وهو من حِمْيَر، وعداده في هَمْدان. قال محمد بن أبي أمية، وكان عالماً: إن مطراً أصاب اليمن، فجعف السيل موضعاً، فأبدى عن أَزَجٍ عليه باب من حجارة، فكسر الغَلْق فدخل، فإذا بهو عظيم فيه سرير من ذهب، وإذا عليه رجل، قال: فشبرناه فإذا طوله اثنا عشر شبراً وإذا عليه جِباب من وشي منسوجة بالذهب، وإلى جنبه مِحْجَن من ذهب على رأسه ياقوتة حمراء، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية، له ضفيرتان، وإلى جنبه لوح مكتوب فيه بالحِمْيَرية: باسمك اللهم، ربّ حِمْيَر، أنا حسان بن عمرو القَيْل، إذ لا قَيْل إلا الله، عشتُ بأمل، ومتّ بأجل، أيام وَخْز هَيْد، وما وخز هيد، هلك فيه اثنا عشر ألف قَيْل فكنت آخرهم قَيْلاً. فأتيت جبل ذي شَعْبين لُيجيرني من الموت فأخفرني، وإلى جنبه سيف مكتوب فيه بالحميرية: أنا قُبار، بي يدرك الثار.

قال عبد الله بن محمد بن مرّة الشعباني: هو حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن حُشّم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن قَطَن بن عَريب بن زهير بن أيمن بن الهَمَيْسَع بن حِمْيَر. وحسان هو ذو الشَّعبين، وهو جبل باليمن نزله هو وولده، ودفن به، ونسب إليه هو وولده. فمن كان بالكوفة قيل لهم: شعبيون، منهم عامر الشعبي، ومن كان بالشام قيل لهم: شعبانيون، ومن كان باليمن قيل لهم: آل ذي شعبين، ومن كان بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعوب، وهم جميعاً بنو حسان بن عمرو ذي شعبين. فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي دخلوا في أُخمور هَمْدان باليمن، فعدادهم فيه. والأُخمور: خارف، والصائديون، وآل ذي بارق والسَّبيع، وآل ذي حُدّان، وآل ذي رضوان، وآل ذي لَعْوة، وآل ذي مُرَان. وأعراب هَمْدان: عُذْر، ويام، ونُهم، وشاكر، وأرحب. وفي هَمْدان مِن حِمْيَر قبائل كثيرة منهم: آل ذي حَوال، وكان على مقدمة تُبّع، منهم يَعْفُر بن الصّباح المتغلب على مخاليف صنعاء اليوم. وكان الشعبي ضئيلاً، نحيفاً، وكان وُلِد هو وأخ له تَوَماً، فقيل: يا أبا عمرو، مالنا نراك ضئيلاً؟! قال: إني زوحمت في الرحم. قد الشعبي الشام على عبد الملك بن مروان، وقدم إلى مصر رسولاً من عبد الملك بن مروان إلى أخيه عبد العزيز، ويقال: بل بلغ عبد العزيز بن مروان براعته وعقله وطيب مجالسته، فكتب إلى أخيه عبد الملك في أن يؤثره الشعبي، ففعل، وكتب إليه: إني آثرتك به على نفسي فلا يلبث عندك إلا شهراً أو نحو شهر، فأقام بمصر عند عبد العزيز نحو أربعين يوماً، ثم رده إلى أخيه عبد الملك. وأم عامر من سبي جلولاء.

قال أبو نصر: أما كِبار بكسر الكاف وباء موحدة وآخره راء فهو قَيل من أقيال اليمن، من ولده عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار. قال الشعبي: أدركت خمس مئة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم يقولون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وقال: أدركت خمسمئة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أكثر كلهم يقول: عثمان وعلي وطلحة والزبير في الجنة. وقال الشعبي: ما كتبت سواداً في بياض قط، ولا حدثني رجل حديثاً إلا حفظته، وما أحببت أن يعيده علي. وقال الشعبي: ما سمعت منذ عشرين سنة رجلاً يحدث بحدث إلا أنا أعلم به منه، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل لكان به عالماً. وفي حديث آخر بمعناه: ثم يقول: هذا وقد زوحمتُ في الرحم. كيف لو كنت نسيج وحدي؟ وعن الشعبي أنه قال: ما أروي شيئاً أقلَّ من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهراً لا أعيد. قال أبو أسامة: كان عمر بن الخطاب في زمانه، رأس الناس، وهو جامع، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعد ابن عباس في زمانه الشعبي، وكان بعد الشعبي في زمانه سفيان الثوري، وكان بعد الثوري في زمانه يحيى بن آدم.

قيل للشعبي: من أين لك كل هذا العلم؟ قال: بنَفْيِ الاغتمام، والسير في البلاد، وصبرٍ كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب. وعن الشعبي: أن ابن عمر سمعه يحدث بأحاديث المغازي، فاستمع له وقال: إن هذا الفتى ليحدث بأحاديث قد حضرناها، هو أعلم بها منا. قال: ما لقيت أحداً أعلم بسنة ماضية من الشعبي. وقال أيضاً: ما رأيت أفقه من الشعبي. وقال منصور: ما رأيت أحداً أحسب من الشعبي. قال صالح بن مسلم: لقيت الشعبي بالسُّدة فمشيت معه حتى حاذتنا أبواب المسجد فنظر إليه فقال: الله يعلم، لقد بغّض إليّ هؤلاء هذا المسجد. قلت: مَن يا أبا عمرو؟ قال: هؤلاء الرأييون، أصحاب الرأي. قيل: مَن في المسجد؟ قال: الحكم بن عُتيبة ونظراؤه، ثم مضى، فلقيه رجل، فسأله عن الورع فأبى أن يجيبه، فألح عليه فقال: يا عبد الله، إنك إن علمت، ثم علمت كان أوجب عليه بالحجة، وإن عملت قبل أن تعلم كان أيسر عليك في الأمر. قال: ثم مضينا نحو باب القصر فلقيه رجل، فقال: يا أبا عمرو، ما تقول في الرجل يضرب مملوكه؟ فقال بيده يقلبها: ما أدري، يوم يضرب الشعبي مملوكه فهو حرّ يومئذ. قال سعيد: كلمت مطراً الوراق في بيع المصاحف فقال: أتنهوني عن بيع المصاحف وقد كان حَبْرا هذه الأمة أو قال: فقيها هذه الأمة لا يريان به بأساً: الحسن والشعبي!.

وعن أبي عون قال: ذكر إبراهيم والشعبي فقال: كان إبراهيم يسكت، فإذا جاءت الفتن أو الفتيا انبرى لها. وكان الشعبي يتحدث، ويذكر الشعر وغير ذلك، فإذا جاءت الفتنة أو الفتيا أمسك. وعن حماد بن زيد وذكر له قول إبراهيم: في الفأرة جزاء إذا قتلها المحرم فقال حماد: ما كان بالكوفة رجل أوحش ردّاً للأثار من إبراهيم، وذلك لقلة ما سمع من حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا كان بالكوفة رجل أحسن اتباعاً، ولا أحسن اقتداء من الشعبي، وذلك لكثرة ما سمع. قال الشعبي: والله إنه لعلم حسن أن يقول الرجل إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم. قال أبو وهب محمد بن مزاحم: قيل للشعبي: إنا لنستحيي من كثرة ما تُسأل فتقول: لا أدري، فقال: لكن ملائكةُ الله المقربون لم يستحيوا حيث سئلوا عما لا يعلمون أن قالوا: " لا عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ". كان إبراهيم النَّخَعي صاحب قياس، والشعبي صاحب آثار، وكان الشعبي منبسطاً، وكان إبراهيم منقبضاً فإذا وقعت الفتوة انقبض الشعبي، وانبسط إبراهيم. قال الشعبي: اقتصاد في سُنّة خير من اجتهاد في بدعة. قال الشعبي: تفرق الناس منذ وقع هذا الأمر يعني: قَتْل عثمان على أربعة أصناف: محب

لعلي مبغض لعثمان، محب لعثمان مبغض لعلي، محب لهما كلاهما، مبغض لهما كلاما. قيل: يا أبا عمر، من أي هذه الأصناف أنت؟ قال: محبّ لهما جميعاً. قال الشعبي: أحبَّ أهل بيت نبيّك، ولا تكن رافضياً، واعمل بالقرآن، ولا تكون حرورياً، واعلم أن ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، ولا تكن قدرياً، وأطعِ الإمام وإن كان عبداً حبشياً. وفي حديث بمعناه: وقِفْ عند الشبهات ولا تكون مرجئاً. وذكر الشعبي الرافضة فقال: ولو كانوا من الطير لكانوا رَخَماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حُمُراً. وكان الرجل يخرج إلى السوق في الحاجة، فيمرّ بالمسجد فيقول الرجل: أدخل فأصلي ركعتين، ثم أخرج فأقضي حاجتي، فيرى الشعبي يحدث فيجلس إليه حتى تفوته حاجته. ويفترض السوق. فكان هذا الرجل يقول للشعبي: أيْ مبطلَ الحاجات، أيْ مبطلَ الحاجات. كان الشعبي لا يقوم من مجلسه حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: وأشهد أن الدين كما شرع، وأشهد أن الإسلام كما وصف، وأشهد أن الكتاب كما أنزل، وأن القرآن كما حدث، وأشهد أن الله هو الحق المبين. فإذا ذهب لينهض قال: ذكر الله محمداً منا بالسلام. قال الشعبي: ما ضربت مملوكاً لي قط، ولا أخذت له ضريبة.

جاء رجل إلى الشعبي فشتمه في ملأ من الناس فقال الشعبي: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي. وعن الشعبي قال: العلم أكثر من أن يُحصى، فخذ من كل شيء أحسنه. وعنه قال: ليس حسن الجوار أن تكفَّ أذاك عن الجار، ولكن حسن الجوار أن تصبر على أذى الجار. وكان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت: " المديد " ليستِ الأحلامُ في حينِ الرضا ... إنما الأحلامُ في حينِ الغضبْ كان الشعبي يحدث ورجل خلفه يغتابه، فالتفت فقال: " الطويل " هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مُخامرٍ ... لعزَّةَ من أعراضِنا ما استحلَّتِ دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان، فقال: يا شعبي، لقد وخِمتَ من كلّ شيء إلا في الحديث الحسن، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن الحديث ذو شجون تُسلى به الهموم، قال: يا شعبي، ما العلم؟ قال: يا أمير المؤمنين: العلم ما يقربك من الجنة، ويباعدك من النار، قال: يا شعبي، ما العقل؟ قال: ما يعرّفك عواقب رُشْدك ومواقع غيّك، قال: متى يَعرِف الرجل كمال عقله؟ قال: إذا كان حافظاً لسانه، مدارياً لأهل زمانه، مقبلاً على شانه. وجّه عبد الملك بن مروان عامراً الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر، فاستكثر الشعبيَّ، فقال له: أمن أهل بيت الملك أنت؟ قال: لا، قال: فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمّله رقعة لطيفة، وقال له: إذا رجعت إلى صاحبك فأبلغته جميع ما تحتاج إلى

معرفته من ناحيتنا فادفع إليه هذه الرقعة. فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر له ما احتاج إلى ذكره، ونهض من عنده،. فلما خرج ذكر الرقعة، فرجع فقال: يا أمير المؤمنين، إنه حمّلني إليك رقعة نسيتها، حتى خرجت، وكانت في آخر ما حمّلني، فدفعها إليه ونهض، فقرأها عبد الملك فقال: أعلمت ما في الرقعة؟ قال: لا، قال: فيها: " عجبت من العرب كيف ملّكت غير هذا ". أفتدري لم كتب إليّ بهذا؟ قال: لا، فقال: حسدني بك، فاراد أن يغريني بقتلك، فقال الشعبي: لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني، فبلغ ذلك ملك الروم وما ذكر عبد الملك فقال: لله أبوه، والله ما أردت إلا ذاك. وفي موضع آخر أنه لما قال له: أنت أحق بموضع صاحبك منه، قال له: على بابه عشرة آلاف كلهم خير مني، فقال: هذا من عقلك، ثم قال: يا شعبي، أريد أن أسألك عن ثلاث خلال، فإن خرجت منهن فأنت أعلم الناس، قلت: سَلْ، قال: حتى تخرج وأشيعك وأسألك عنهن فتمضي وليس في نفسي منهن شيء. فلما شيعني قلت: سَلْ عن الثلاث خلال، فقال: يا شعبي، لكم مَثَلٌ؟ قلت: نعم، ليس في الأرض مَثَل مثله، قال: وما هو؟ قال: قلت: إذا لم تستَحْي فاصنع ما شئت. قال: حسبك، ما سمعت بهذا المثل قط، قال: يا شعبي، لم غيّرت لحيتك بصفرة، ألا صبرت على البياض كما ابتُليت، لو رددتها إلى نسجها الأول فخضبت بالسواد؟ فقلت هذه سُنّة نبينا، قال: ما جاء به البنون فليس فيه حيلة، قال: أخبرني؛ أنت خير أم أبوك؟ قال: أبي خير مني، قال: وأنت خير من ابنك؟ قلت: نعم، قال: وابنك خير من ابن ابنك؟ قلت: نعم، قال: الحمد لله الذي ظفرني بك يا شعبي، آخركم يكون قردة وخنازير إذا كنتم تزدادون في كل قَرن شرّاً. هرب الشعبي من الحجاج بن يوسف حتى وقع إلى خراسان، فكتب عبد الملك إلى قتيبة بن مسلم في طلبه، وردِّه إلى حضرته. فلما ورد على عبد الملك خطّأه عبد الملك في أول مجلس جلس إليه في ثلاث: سمع من عبد الملك حديثاً فقال: أَكْتِبْنِيه يا أمير المؤمنين، فقال: نحن معاشرَ الخلفاء لا نُكتِب، وذكر الشعبي رجلاً فكناه فقال: نحن معاشر الخلفاء لا يُكنى في مجالسنا الناس، ودخل الأخطل على عبد الملك فدعا له

بكرسي، فقال له الشعبي: مَن هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: نحن الخلفاء فلا نُسأل، فأخجله. قال الشعبي: لما قدم الحجاج الكوفة قال لابن أبي مسلم: اعرض عليّ العرفاء، فعرضهم عليه، فرأى فيهم وُخْشاً من وَخْش الناس، قال: ويحك! هؤلاء خلفاء الغزاة في عيالهم؟! قال: نعم، قال: اطرحهم واغدُ علي بالقبائل، فغدا عليه بالقبائل على راياتها، فجعلوا يُعرَضون عليه، فإذا وقعت عينه على رجل دعاه، فدعا بالشعبيين، فمرت به السنّ الأولى، فلم يدع منهم أحداً. ومرّت السنّ الثانية فدعاني، فقال: من أنت؟ فأخبرته، فقال: اجلس، فجلست، فقال: قرأت القرآن؟ قلت: نعم: قال: فرضتّ الفرائض؟ قلت: نعم، قال: فما تقول في كذا وكذا، في قول أبي تراب؟ فأخبرته، فقال: أصبت، فقال لي: نظرت في العربية؟ فقتل: نعم. قال: رويت الشعر؟ قلت: قد نظرت في معانيه، قال: نظرت في الحساب؟ قلت: نعم، فقال ابن أبي مسلم: إنا لنحتاج إليه في بعض الدواوين، قال: رويت مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: نعم، قال: حدثني بحديث بدر، قال: فابتدأت له من رؤيا عاتكة حتى أذن المؤذن الظهر، ثم دخل وقال لي: لا تبرح، فخرج فصلى الظهر وأتممتها له، فجعلني عريفاً على الشعبيين، ومَنكِباً على جميع هَمْدان، وفرض لي في الشرف. فلم أزل عنده بأحسن منزلة حتى كان عبد الرحمن بن الأشعث، فأتاني قراء أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا عمرو، إنك زعيم القراء، فلم يزالوا حتى خرجت معهم، فقمت بين الصَّفَّين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء قد علمتها، قال: فبلغني أنه قال: ألا تعجبون من هذا الشعبي الخبيث الذي جاءني وليس في الشرق من قومه، فألحقته بالشرف، وجعلته عريفاً على الشعبيين، ومَنكباً على جميع همدان، ثم خرج مع عبد الرحمن يحرض علي! أما لئن أمكن الله منه لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مَسْك حَمَل. قال: فما لبثنا أن هربنا، فجئت إلى بيتي فدخلته،

فمكثت تسعة أشهر، الدنيا أضيق علي كما قال من مَسْك حَمَل. فندب الناس لخراسان، فقام قتيبة بن مسلم فقال: أنا لها، فعقد له على خراسان، وعلى ما غلب عليه منها، وأمّن له كل خائف. فنادى مناديه: من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن. فجاءني شيء، لم يجئني شيء هو أشد منه، فبعثت مولى لي، فاشترى لي حماراً، وزودني، ثم خرجت مع العسكر، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة، فجلس ذات يوم وقد بَرِق، فعرفت ما يريد، فقلت: أيها الأمير، عندي علم ما تريد، قال: ومن أنت؟ قال: قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذاك، قال: أجل، فعرف أني ممن يُخفي نفسه، فقال: فدعا بكتاب، فقال: اكتب نسخة، قلت: لستّ تحتاج إلى ذلك، فجعلت أملي عليه، وهو ينظر إلي حتى فرغت من كتاب الفتح، قال: فحملني على بغلة، وأرسل إلي بسَرَق من حرير، وكنت عنده بأحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه إذا أنا برسول من الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فإن صاحب كتابك عامرٌ الشعبي، فإن فاتك قطعت يدك على رجلك وعزلتك، قال: فالتفت إلي فقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلَفن له بكل يمين، قال: قلت: أيها الأمير، إن مثلي لا يخفى، فقال: أنت أعلم، قال: فبعثني إليه مع قوم وأوصاهم بي. قال: إذا نظرتم إلى خضراء واسط فاجعلوا في رجليه قيداً، ثم أدخِلوه على الحجاج. فلما دنوت من واسط استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لأضنّ بك على القتل، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وقل كذا. قال: فسكتُ عنه، ثم دخلت على الحجاج، فلما رآني قال: لا مرحباً ولا أهلاً يا شعبي الخبيث، جئتني ولست في الشرف من قومك ولا عريفاً ولا مَنكباً، فألحقتك بالشرف، وجعلتك عريفاً على الشعبيِّين، ومَنكِباً على جميع هَمْدان، ثم خرجت مع عبد الرحمن تحرض عليّ! قال: وأنا ساكت لا أجيبه، قال: فقال لي: تكلّمْ. قال: قلت: أصلح الله الأمير، كل ما ذكرت من فعلك فهو على ما ذكرت، وكل ما ذكرت من خروجي مع عبد الرحمن فهو كما ذكرت،

ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر. وتحلَّسنا الخوفّ، ولم نكن مع ذلك بَرَرة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي. واستقبلت بي التوبة. قال: قد حقنت دمك، واستقبلت بكل التوبة. قال: فقال ابن أبي مسلم: الشعبي كان أعلم بي مني حيث لم يقبل الذي قلت له. ولي عامر قضاء الكوفة، ولاه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والي عمر بن عبد العزيز على العراق. قال أبو السكن: دخلت على الشعبي بالغداة، وهو يأكل خبزاً وجبناً فقلت: ما هذا يا أبا عمرو؟! فقال: آخذ حكمي قبل أن أخرج. يريد: قبل أن أخرج إلى مجلس القضاء حتى إذا حكم يكون شعبان. قال عامر بن مسلم: إني لجالسُ في مسجد الكوفة ومعنا هذيل الأشجعي، والشعبي جالس في مجلس القضاء إذ مرت بنا أم جعفر بنت عيسى جراد - وكانت امرأة حسنة، وعليها كساء خزّ أسود - في مجلس القضاء في خصومة لها، فذهبت إليه ثم رجعت، فقال لها هذيل: ما صنعتِ؟ فقالت: سألني البيّنة، ومن يُسأل البينة فقد أفلح، فقال هذيل: دواة وقرطاس، فكتب إلى الشعبي: " مجزوء الرمل " فُننِ الشعبي لما ... رفعَ الطرفَ إليها فَتنَتْه ببَيانٍ ... كيف لورا معصمَيها؟ ومشت مشياً رويداً ... ثم هزّت مَنْكِبَيْها بنتُ عيسى بن جرادٍ ... دفع الملكَ إليها

وقضى جَوْراً على الخَصْ ... مِ ولم يقضِ عليها قالَ للجلوازِ: قدِّمْ ... ها وأحضِرْ شاهدَيْها كيفَ لو أبصرَ منها ... نحرَها أو ساعدّيها لَسعى حتى تراه ... ساجداً بينَ يديها فلما قرأ الشعبي الكتاب قال: أرغم الله أنفه، ما قضينا إلا بحق. وفي رواية أن الشعبي قال: إن كنتّ كاذباً فأعمى الله بصرك، قال: فعمي الرجل. وفي رواية قال له عبد الملك: يا شعبي، بلغني أنه اختصم إليك امرأة وبعلها، فقضيت للمرأة على بعلها، فأخبرني عن قصتها، فأخبره، فقال له عبد الملك: ما صنعت به يا شعبي؟ قال: أوجعت ظهره حين جوّرني في شعره. قال الشعبي لعُمر بن هُبَيرة: عليك بالتؤدة، فإنك على فِعل ما لم تفعل أقدر منك عل ردّ ما فعلت. قال الشعبي: اتقوا الفاجر من العلماء، والجاهل من المتعبدين فإنهما آفة كل مفتون. قال الشعبي: زَيْن العلم بحِلم أهلِه. وقال: آفةُ خُلْفُ الموعد. قال الشعبي: تعاشر الناس زماناً بالدين والتقوى، ثم رُفع ذلك فعاشروا بالحياء والتذمُّم، ثم رُفع ذلك فما يتعاشر الناس إلى بالرغبة والرهبة، وأظنه سيجيء ما هو شرّ من هذا.

قال الشعبي: الرجال ثلاثة: فرجلٌ، ونصف رجل، ولا شيء: فأما الرجل التام فالذي له رأي وهو يستشير، وأما نصف الرجل فالذي ليس له رأي وهو يستشير، وأما الذي لا شيء فالذي ليس له رأي ولا يستشير. قال الشعبي: عيادة حمقى القراء أشدُّ على المريض من مريضهم، يجيئون في غيرِ حينِ عيادةٍ، ويطيلون الجلوس. وزاد في حديث آخر: حتى يُضجروا العليل وأهله. قال الشعبي: كنت مع قتيبة بن مسلم بخراسان على مائدته فقال لي: يا شعبي، من أيّ شراب أسقيك؟ قلت: أهونه موجوداً، وأعزه مفقوداً، قال: يا غلام، اسقه الماء. سئل الشعبي عن رجل فقال: رزين المقعد، نافذ الطعنة، فزوَّجوه، ثم علموا أنه خياط، فقالوا للشعبي: غررتنا. قال: ما كذبتكم. دخل رجل إلى مسجد ومع الشعبي امرأة فقال: أيكم الشعبي؟ فقال: هذه. دخل الشعبي الحمام فرأى داود الأودي بلا مئزر، فغمَّض عينيه، فقال له داود: متى عميت يا أبا عمرو؟ قال: منذُ هتكَ الله سترك. قال عامر بن يساف: قال لي الشعبي: امض بنا حتى نفرّ من أصحاب الحديث. قال: فمضينا حتى أتينا الجبانة. قال: فكوّم كومة ثم اتكأ عليها، فمرّ بنا شيخ من أهل الحيرة عِباديّ، فقال له الشعبي: يا عبادي، ما صنعتك؟ قال: رفّاء. قال: عندنا دنّ مكسور، ترفوه لنا؟ قال: إن هيأت لي سُلوكاً من رمل رفيتُ لك دّنَّك. قال: فضحك الشعبي حتى استلقى، ثم قال: هذا أحب إلينا من مجالسة أصحاب الحديث.

كان الشعبي ينشد: " البسيط " أرى أناساً بأدنى الدينِ قد قنِعوا ... ولا أراهم رَضُوا في العيش بالدونِ فاستغنِ باللهِ عن دنيا الملوكِ كما استغ ... نى الملوكُ بدنياهُم عنِ الدينِ قال ابن ادريس: قلت لابن أبي الزناد: ما كان أبو الزناد يقول في الشعبي؟ قال: ما أفقهه! قلت: أين هو من أهل المدينة؟ قال: ولا مثل غلمانهم. روى عبد الملك عن سعيد بن جبير قال: العمرة تطوُّع. قال فذكرته للشعبي فقال: هي واجبة، فقال سعيد بن جبير: كذب الشعبي. قال زكريا بن يحيى الكندي: دخلت على الشعبي وهو يشتكي، فقلت له: كيف تجدك؟ قال: أجدني وَجِعاً مجهوداً، اللهم، إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعزّ الأنفس عليّ. وقيل: إنه مات فجأة. قال إسماعيل بن أبي خالد: مرّ بي الشعبي وهو راكب على إكاف، ثم دخل داره، فصاحوا عليه: مات فجأة. وعن أشعث بن سوّار قال: نعى لنا الحسن البصري الشعبيَّ فقال: كان والله ما علمتُ كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم، من الإسلام بمكان. توفي سنة ثلاث ومئة. وقيل: سنة أربع ومئة. وقيل: سنة خمس. وقيل: سنة ست. وقيل: سنة سبع. وقيل: سنة عشر ومئة، وسنّه سبع وسبعون. وقيل: جاوز الثمانين.

عامر بن أبي عامر

عامر بن أبي عامر عُبَيد بن وهب الأشعري هاجر به أبوه من اليمن، وأدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزا معه. حدث عامر الأشعري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للمرأة التي سألته عن زوجها فقال: " إنه لو كان أجذم متقطعاً تسيل إحدى منخريه دماً، والآخر قيحاً فمصصت ذاك لم تقض حق الله الذي عليك ". وعن عامر بن أبي عامر الأشعري عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الحيّ الأزد والأشعريون، لا يُغلَبون على القتال، ولا يجبُنون، هم مني وأنا منهم ". فحدثت به معاوية فقال: إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم مني وإليّ ". قال: قلت: هكذا حدثني أبي قال: فأنت أعلم بحديث أبيك. عامر بن عبد الله بن الجراح ابن هلال بن أُهَيب بن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة أبو عبيدة القرشي الفهري أمين الأمة، وأحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة، ومات وهو عنهم راضٍ. وكان أحد الأمراء الذين وُلوا فتح دمشق، وشهدوا اليرموك، ثم أفضت إليه إمرة الشام.

حدث أبو عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أخرجوا يهود الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العرب. واعلموا أن شرّ الناس الذين اتخذوا قبورأنبيائهم مساجد ". وعن أبي عبيدة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه لم يكن نبي بعد نوح إلا قد أنذر قومه الدجال، وإن أُنذِرُكموه. فوصفه لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: لعله سيدركه بعض من رآني، أو سمع كلامي. قالوا: يا رسول الله، فكيف قلوبنا يومئذ أمثلها اليوم؟ قال: وخير ". شهد أبو عبيدة بدراً وأُحُداً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المغفر يوم أحد، فانتزعت ثنيتاه، فحسَّنتا فاه. فقيل: ما رُئي هَتْم قط أحسن من هَتْم أبي عبيدة. قالوا: وشهد الخندق والمشاهد كلها. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذي القصة سرية في أربعين رجلاً. وكان يقال: داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح. ودعا أبو بكر الصديق يوم توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سقيفة بني ساعدة إلى البيعة لعمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح، وقال: قد رضيت لكم أحدهما. وولاه عمر بن الخطاب الشام، وفتح الله عليه اليرموك والجابية. وأم أبي عبيدة أميمة بنت غَنْم بن جابر بن عبد العزي. ودَرَج وَلَد أبي عبيدة بن الجراح، فليس له عقب. وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة. وكان أبو عبيدة يُسمى القوي الأمين.

وكان رجلاً نحيفاً معروق الوجه، خفيف اللحية، طوالاً، أجنأ، أثرم الثنتين، وكان يخضب. شهد بدراً وهو ابن إحدى وأربعين سنة. ومات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وخمسين سنة. حدث يزيد بن رومان قال: انطلق عثمان بن مظعون وعبيدة بن الحارث بن المطلب وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد وأبو عبيدة بن الجراح حتى أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرض عليهم الإسلام، وأبنأهم بشرائعه، فأسلموا جميعاً في ساعة واحدة، وذلك قبل دخول سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها. وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين أبي عبيدة وبين سعد بن معاذ بن النعمان أخي بني عبد الأشهل. قال عبد الله بن شوذب: جعل أبو أبي عبيدة يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه. فلما أكثر قصَدَه فقتله، فأنزل الله عزّ وجلّ فيه هذه الآية حين قتل أباه: " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أوْ أَبْنَاءَهُمْ أوْ إْخْوَانَهُمْ أَوْ عَشيْرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوْبِهِمُ الإِيْمانَ " الآية. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أخبرني أبي قال: كنت في أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقاتل دونه أُراه قال: ويحميه قلت: كن طلحة، حين فاتني ما فاتني، وبيني وبين المشركين رجل لأنا أقرب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، وهو يخطف السعي تخطُّفاً لا أخطفه، حتى دُفعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا حلقتان من المغفر قد نشبتا في وجهه، وإذا هو أبو عبيدة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم صاحبك يريد: طلحة وقد نزف فلم يُنظر إليه، فأقبلنا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرادني أبو عبيدة على أن أتركه، فلم يزل بي حتى تركته، فأكب على

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ حلقة قد نشبت في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكره أن يزعزعها فيشتكي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأزمَ عليها بفيه ثم نهض عليها، فندرت ثنيته، ونزعها، فقلت: دعني، فأبى وطلب إلى، فأكبّ على الأخرى فصنع بها مثل ذلك، فنزعها، وندرت ثنيته، فكان أبو عبيدة أهتم الثنيَّتين. قال موسى بن عقبة: ثم غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل، من مشارف الشام، في بَلِيّ وسَعْد الله، ومن يليهم من قضاعة، فخاف عمرو بن العاص من جانبه الدي هو به، فعبث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمده، فندّب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين الأولين، فانتُدب فيهم أبو بكر وعمر في سراة من المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وأمدّ بهم عمرو بن العاص. فلما قدموا على عمرو قال: أنا أميركم، وأنا أرسلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستمده بكم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك، وأبو عبيدة أمير المهاجرين، فقال عمرو: إنما أنتم مدد أُمددتُ بكم. فلما رأى ذلك أبو عبيدة وكان رجلاً حسن الخلق، لين الشيمة، متبعاً لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعهده قال: تعلَّم يا عمرو أن آخر ما عهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا، وإنك لئن عصيتني لأطيعنَّك فسلم أبو عبيدة الإمارة لعمرو بن العاص. وعن ابن مسعود قال: جاء العاقب والسيد صاحبا نجران. قال: وأرادا أن يلاعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه. فوالله لئن كان نبياً فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا أبداً. قال: فأتيناه فقلنا: لا نلاعنك ولكنا نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلاً أميناً. قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأبعثن رجلاً أميناً، حقّ أمين، حقّ أمين. قال: فاستشرف لها أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح. قال: فلما قفا قال: هذا أمين هذه الأمة.

وعن أنس أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السُّنّة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال: هذا أمين هذه الأمة. وفي رواية: فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقال: هذا أمين هذه الأمة. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل أمة أمين، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وفي رواية: " وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد، وأقرأهم أُبيّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وإن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وعنه في حديث بمعناه قال: وطعن في خاصرته وقال: هذه خاصرة مؤمنة. وعن عمر بن الخطاب قال: ما تعرضت للإمارة قط أُحِبّ أن أكون عليها إلا مرة واحدة، فإن قوماً أتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون عاملهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأبعثن إليكم رجلاً أميناً، حقّ أمين. قال عمر: فتعرضت لهذا لتدركني كلمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأمّر أبا عبيدة وتركني. ولما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سَرْغ حُدِّث أن بالشام وباءً شديداً. قال: بلغني أن شدة الوباء بالشام فقلت: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة بن الجراح حيّ

استخلفته، فإن سألني الله عزّ وجلّ: لم استخلفته على أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لكل نبيّ أميناً، وأميني أبو عبيدة بن الجراح "، فأنكر القوم ذلك، وقالوا: ما بال عُليا قريش؟! - يعنون: بني فهر ثم قال: وإن أدركني أجلي، وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل، فإن سألني ربي عزّ وجلّ: لمَ استخلفته "؟ قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه يُحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نَبْذَة ". قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي عبيدة ثلاث كلمات، لأن يكون قالهن لي أحبّ إليّ من حُمْر النَّعَم. قالوا: وما هن يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام أبو عبيدة، فأتبعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصره ثم أقبل علينا وقال: إن هاهنا لكتفَيْن مؤمنتَيْن. وخرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتحدث، فسكتنا، فظن أنا كنا في شيء كرهنا أن نسمعه. قال: فسكت ساعة لا يتكلم، ثم قال: ما من أصحابي إلا وقد كنت قائلاً فيه: لابدّ، إلا أبا عبيدة. قال: وقدم علينا وفد نجران، فقالوا: يا محمد، أبعث لنا من يأخذ لك الحق، ويعطيناه، فقال: والذي بعثني بالحقّ لأرسلن معكم القوي الأمين. قال أبو بكر: فما تعرضت للإمارة غيرها، فرفعت رأسي لأُرِيَه نفسي، فقال: قم يا أبا عبيدة، فبعثه معهم. وعن علي بن كثير أنا أبا بكر قال لأبي عبيدة: قم أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنك أمين هذه الأمة، فقال أبو عبيدة: ما كنت لأفعل أن أصلي بين يدي رجل أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأّمنا حتى قُبض.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ". وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أُسيد بن حُضَير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شمّاس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجَموح ". وعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: أي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. قال يزيد: قلت: ثم من؟ قال: فسكتت. وعن عمرو بن العاص قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة قال: مَن مِن الرجال؟ قال: أبو بكر، قال: ثم من؟ قال: ثم أبو عبيدة بن الجراح. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من أصحابي أحد إلا وقد وجدت عليه، ولو شئت أن أقول فيه إلا أبو عبيدة بن الجراح ". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: ثلاثة من قريش أحسن قريش أخلاقاً، وأصبحها وجوهاً، وأشدّها حياء. إن

حدَّثوا لم يكذِبوا، وإن حدثتهم بحق أو بباطل لم يكذِّبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، ورضي الله عنهم. وكان أبو بكر رضي الله عنه ولّى أبا عبيدة بيت المال، ثم وجهه للشام، ففي سنة ثلاث عشرة بويع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعزل خالد بن الوليد عن الشام وولّى أبا عبيدة. وفي سنة أربع عشرة فتحت حمص وبعلبك صلحاً على يدي أبي عبيدة، في ذي القعدة، ويقال: في سنة خمس عشرة. وقال ابن الكلبي: صالح أبو عبيد أهل حلب، وكتب لهم كتاباً، ثم شخص أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد فحاصر أهل إيلياء، فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو يعطيهم ذلك، ثم وقع طاعون عَمَواس فمات أبو عبيدة، واستخلف معاذاً. وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: ذكر لي من دخل عليه فوجده يبكي فقال له: ما يبكيك يا أبا عبيدة؟ فقال: يبكيني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر يوماً ما: يفتح الله على المسلمين، ويفيء عليهم حتى ذكر الشام، فقال: إن ينسِىء الله في أجلك يا أبا عبيدة فحسبك من الخدم ثلاثة، خادم يخدمك، وخادم يسافر معك، وخادم يخدم أهلك ويَرِه عليهم. وحسبك من الدوابّ ثلاثة: دابة لرجلك، ودابة لثقَلك، ودابة لغلامك. ثم هذا أبا، أنظر إلى بيتي قد امتلأ رقيقاً، وأنظر إلى مربطي قد امتلأ خيلاً ودوابً، فكيف ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد هذا، وقد عهد إلينا، وأوصانا، فقال: إنّ أحبَّكم إليّ وأقربكم مني مَن لقيني على مثل الحال التي فارقني عليها؟! هذه رواية، وهي منقطعة، والمحفوظ أن أبا عبيدة رضي الله عنه كان متقللاً. حدث هشام بن عروة عن أبيه قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام فتلقاه أمراء الأجناد، وعظماء أهل الأرض

فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: مَن؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: يأتيك الآن، قال: فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه وسأله، ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله، فنزل عليها، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر بن الخطاب: لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلغنا المقيل. وقيل: إن عمر بلغه أبا عبيدة يُسبغ على عياله وقد ظهرت شارته، فنقص من عطاياه التي كان يجري عليه، ثم سأل عنه، فقيل: قد شحب لونه، وتغيرت ثيابه، وساءت حاله، فقال: يرحم الله أبا عبيدة، ما أعفّ وأصبر، هل يؤخذَن على رجل أسبغنا عليه فأسبغ على عياله، وأمسكنا عنه فصبر واحتسب، فرد عليه ما كان حبس وأجراه عليه. وقيل: إن عمر حين قدم الشام قال لأبي عبيدة: اذهب بنا إلى منزلك، قال: وما تصنع عندي، ما تريد إلا أن تعصِّر عينيك عليّ، قال: فدخل منزله فلم ير شيئاً، قال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لِبْداً وصحفة وشنّاً وأنت أمير؟ أعندك طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جُونة فأخذ منها كُسيرات، فبكى عمر. فقال له أبو عبيدة، قد قلت: إنك ستعصّر عينيك عليّ، يا أمير المؤمنين، يكفيك ما بلغك المقيل. قال عمر: غيّرتنا الدنيا كلّنا غيرك يا أبا عبيدة. وروي أن أبا عبيدة كان يسير في العسكر فيقول: ألا رب مبيّض لثيابه، مدنّس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها غداً مهين، بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء، ثم عمر حسنة لَعَلَت فوق سيئاته حتى تقهرهن. وعن طارق بن شهاب قال: كنا عند أبي موسى فقال لنا ذات يوم: لا يضركم أن تخفوا عني، فإن هذا الداء قد

أصاب في أهلي يعني الطاعون فمن شاء أن يعبره فليفعل، واحذروا اثنتين: لا يقولن قائل إن هو جلس فعوفي الخارجُ: لو كنت خارجت فعوفيت كما عوفي فلان، ولا يقولن الخارج إن هو عوفي وأصيب الذي جلس: لو كنت جلست أُصبت كما أصيب فلان، وإني سأحدثكم بما ينبغي للناس من خروج هذا الطاعون: إن أمير المؤمنين كتب إلى أبي عبيدة حيث سمع بالطاعون الذي أخذ الناس بالشام: إني قد بدت لي حاجة إليك فلا غنى بي عنك فيها، فإن أتاك كتابي ليلاً فإني أعزم عليك أن تصبح حتى تركب إليّ، وإن أتاك نهاراً فإني أعزم عليك أن تمشي حتى تركب إليّ، فقال أبو عبيدة: قد علمت حاجة أميرة المؤمنين التي عرضت، وإنه يريد أن يستبقي من ليس بباق، فكتب إليه: إن في جندٍ من المسلمين لن أرغب بنفسي عنهم، وإني قد علمت حاجتك التي عرضت لك، وأنك تستبقني من ليس بباق، فإذا أتاك كتابي هذا فحلِّلني من عزمتك، وائذن لي في الجلوس. فلما قرأ عمر كتابه فاضت عيناه بكى، فقال له من عند: يا أمير المؤمنين، مات أبو عبيدة؟ قال: لا، كأنْ قد. قال: فكتب إليه عمر: إن الأرض أرضك، إن الجابية أرض نَزِهة، فاظهَر بالمهاجرين إليها. قال أبو عبيدة حين قرأ الكتاب: أما هذا فنسمع فيه أمر أمير المؤمنين ونطيعه. قال: فأمرني أبو أبوىء الناس منازلهم. قال: فطّعنت امرأتي، فجئت إلى أبي عبيدة فقلت: قد كان في أهلي بعض الغرض شغلني عن الوجه الذي بعثتني له، قال. لعل المرأة أصيبت؟ فقلت: أجل، فانطلق هو يبوّىء الناس منازلهم وأمرني أن أُرْجلهم على إثره، فطعن أبو عبيدة حين أرسله فقال: لقد وجدت في قدمي وخزة، فلا أدري لعل هذا الذي أصابني قد أصابني، فانطلق أبو عبيدة فبوّأ الناس منازلهم، وارتحل الناس على إثره. وكان انكشاف الطاعون، وتوفي أبو عبيدة رحمة الله عليه.

وفي حديث بمعناه: وزعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفاً من الجند، فلم يبق إلا ستة آلاف رجل. ماتوا. وعن سعيد بن أبي سعيد المقبُري قال: لما طُعن أبو عبيدة بن الجراح بالأردن، وبها قبره، دعا من حضره من المسلمين فقال: إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير: أقيموا الصلاة، وأتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، وتصدقوا، وحُجّوا، واعتمروا، وتواصَوا، وانصحوا لأمرائكم، ولاتغشوهم، ولا تلهكم الدنيا، فإن أمرأ لو عُمِّر ألف حل ما كان له بد من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي تَرَونْ. إن الله كتب الموت على بني آدم فهم ميّتون، وأكيسهم أطوعهم لربه، وأعملهم ليوم معاده، والسلام عليكم ورحمة الله. يا معاذ بن جبل: صَلِّ بالناس، ومات. فقام معاذ في الناس فقال: يا أيها الناس، توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحاً، فإن عبداً لا يلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له. من كان عليه دين فليقضه، فإن عبداً لايلقى الله تائباً من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له. من كان عليه دين فليقضه، فإن العبد مُرتَهَن بدينه، ومن أصبح منكم مهاجراً أخاه فليلقه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاث، وهو الذنب العظيم. إنكم أيها المسلمون قد فجعتم برجل ما أزعم أن رأيت عبداً أبرّ صدراً، ولا أبعد من الغائلة، ولا أشد حباً للعامة، ولا أنصح للعامة منه، فترحّموا عليه، رحمه الله، واحضروا الصلاة عليه. توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وكان يصبغ رأسه بالحناء والكتَم، وكان له عقيصتان. وقيل: توفي بفحل، وقبره بعمواس، وهي من الرملة على أربعة أميال مما يلي بيت المقدس. وهو وهم. وقيل: قبر معاذ بن جبل بقصير خالد بالغور، وقبر أبي عبيدة ببيسان.

عامر بن عبد الله

عامر بن عبد الله المعروف بابن عبد قيس بن ناشب بن أسامة بن خدينة بن معاوية ابن شيطان بن معاوية بن أسعد بن جِدَن بن العنبر ابن عمرو بن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة أبو عبد الله ويقال: أبو عمرو العنبري البصري الزاهد قدم دمشق في خلافة عثمان بن عفان لما سُعي به إليه. حدث عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع. قالوا: وما يجزعك يا أبا عبد الله، وقد كانت لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغازيَ حسنة، وفتوحاً عظاماً؟ قال: يجزعني أن حبيبنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فارقنا عهد إلينا قال: " ليكفِ الرجل منكم كزاد الراكب "، فهذا الذي أجزعني، فجُمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر ديناراً. كان عامر يأتي الحسن، فيجلس إليه، ثم تركه، فجاء الحسن يوماً وأصحابه فدخلوا عليه، فقال له الحسن: يا أبا عبد الله، لمَ تركت مجلسنا؟ أرابك منا شيء فنُعتبَك؟ قال: لا، ولكني سمعت أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أطولكم حزناً في الدنيا أطولكم فرحاً في الآخرة، وإن أكثركم شبعاً في الدنيا أكثركم جوعاً في الآخرة "، فوجدت البيت أخلى للقلب، وأقدر لي على ما أُريدَ مني. فخرج وهو يقول: هو - والله - أفقه منا.

وروي أتم من هذا غير مرفوع، قال الحسن البصري: كان لعامر بن قيس مجلس في المسجد الجامع، فكنا نجتمع إليه، ففقدناه أياماً حتى حسبنا أن يكون قد ضارع أصحاب الأهواء، فأتيناه في أهله، فقلنا: يا أبا عبد الله، تركت أصحابك، وجلست ها هنا وحدك! فقال: إنه مجلس كثير الأغاليط والتخليط. فلما كان هذا حقَّقنا الذي كنا ظنناه به. فقلنا: يا أبا عبد الله، وإذا كان هكذا فما تقول فيهم؟ قال: وما عسى أن أقول فيهم: لقيت ناساً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروني أنّ أخلص الناس إيماناً يوم القيامة أشدهم محاسبة في الدنيا لنفسه، وإن أشد الناس فرحاً يوم القيامة أشدهم حزناً في الدنيا، وإن أكثر الناس ضحكاً يوم القيامة أكثرهم بكاء في الدنيا، وأخبروني أن الله عزّ وجلّ فرض فرائض، وسنّ سُنناً، وحدّ حدوداً، فمن عمل بفرائض الله وسننه، واجتنب حدوده أدخله الجنة بغير حساب. ومن عمل بفرائض الله وسننه وارتكب حدوده، ثم تاب، ثم ارتكب، ثم تاب، ثم ارتكب، ثم تاب، ثم ارتكب استقبل أهوال يوم القيامة وزلازلها وشدائدها، ثم يدخله الله الجنة. ومن عمل بفرائض الله وسننه وارتكب حدوده لقي الله يوم القامة وهو عليه غضبان، فإن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. قال: وقمنا من عنده وخرجنا. وكان عامر ثقة من كبار التابعين وعبّادهم. رآه كعب فقال: هذا راهب هذه الأمة. حدث بلال بن سعد أن عامر بن عبد قيس وُشي به إلى زياد - وقيل: إلى ابن عامر - فقيل له أنْ ها هنا رجلٌ قيل له: ما إبراهيم خير منك، فسكت، وقد ترك النساء، فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه أن انفِهِ إلى الشام على قَتَب. فلما جاءه الكتاب أرسل إلى عامر، فقال: أنت الذي قيل لك: ما إبراهيم خير منك فسكتَّ؟ فقال: والله ما سكوتي إلا تعجباً، لوددت أني كنت غباراً على قدميه فيدخل بي الجنة. قال: ولم تركت النساء؟ قال: والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنها متى تكن امرأة فعسى أن يكون ولد، ومتى يكن ولد تشعَّبت الدنيا قلبي، فأحببت التخلي من ذلك، فأجلاه على قَتَب إلى الشام.

فلما قدم أنزله معاوية معه الخضراء، وبعث إليه بجارية وأمرها أن تُعْلِمَه ما حالُه، فكان يخرج من السحر فلا تراه إلا بعد العتمة، فيبعث إليه معاوية بطعام، فلا يعرض لشيء منه، ويجيء معه يكسَرٍ، فيجعلها في ماء فيأكلها منها، ويشرب من ذلك الماء، ثم يقوم، فلا يزال ذلك مقامه حتى يسمع النداء، فيخرج فلا تراه إلى مثلها. فكتب معاوية إلى عثمان يذكر له حاله، فكتب إليه أن اجعله أول داخل، وآخر خارج، ومُر له بعشرة من الرقيق، وعشرة من الظَّهر. فلما أتى معاوية الكتاب أرسل إليه فقال له: إن أمير المؤمنين كتب إلي أن آمر لك بعشرة من الرقيق، فقال: إن علي شيطاناً قد غلبني، فكيف أجمع علي عشرة؟ قال: وأمر لك بعشرة من الظهر، فقال: إن البغلة واحدة، وإني لمشفق أن يسألني الله عن فضل ظهرها يوم القيامة. قال: وأمرني أن أجعلك أول داخل وآخر خارج، قال: لا أرب لي في ذلك. قال: فحدث بلال بن سعد عمن رآه بأرض الروم على بغلته تلك يركبها عُقْبة ويحمل المهاجرين عُقْبة. قال: وكان عامر إذا فصل غازياً وقف يتوسم الرفاق، فإذا رأى رفقة توافقه قال: يا هؤلاء، إني اريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خلال، فيقولون: ما هي؟ قال: أكون لكم خادماً لا ينازعني أحد منكم الخدمة، وأكون مؤذِّناً لا ينازعني أحد منكم الأذان، وأُنفق عليكم بقدر طاقتي. فإذا قالوا: نعم انضمّ إليهم. فإن نازعه أحد منهم شيئاً من ذلك ارتحل منهم إلي غيرهم. ولما سُيّر عامر بن عبد الله شيعه إخوانه. فلما كان بظهر المربد قال: إني داعً فأمِّنوا فقالوا: هات، فقد كنا نستبطىء هذا منك، قال: من أساء بي، وكذب علي، وأخرجني من مصري، وفرق بيني وبين إخواني، اللهم، أكثِر ماله وولده، وأَصِحَّ جسمه واَطِل عمره. كان عامر بن عبد الله قد فرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، فكان إذا صلى العصر جلس قد انتفخت قدماه من طول القيام، فيقول: يا نفس، بهذا أمرتِ، ولهذا خُلقتِ، يوشك أن يَذهب العناء ثم يقرأ إلى المغرب، فإذا صلى المغرب قام فصلى إلى العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر ثم يقول: يا نفس، قومي، ثم يقوم إلى الصلاة، فلا يزالا راكعاً

وساجداً حتى الصبح، وكان يقول في جوف الليل: اللهم، إن النار منع النوم مني فاغفر لي. قال عامر بن عبد قيس: وجدت أمر الدنيا يصير إلى أربع: إلى المال، والنساء، ولا حاجة لي بالمال ولا النساء، والنوم والأكل، وايم الله لئن استطعت لأضرنّ بهما. وفي رواية: وجدت الدنيا أربع خصال: النساء، واللباس والطعام والنوم. فأما النساء فوالله ما أبالي امرأة رأيت أو جداراً، وأما اللباس فو الله ما أبالي ما واريت به عورتي، وأما الطعام والنوم فقد غلباني إلا أن أصبت منهما، والله لأضرَنّ بهما ما استطعت. قال الحسن: ففعل والله. قال الحسن: كتب معاوية إلى عبد الله بن عامر: انظر عامر بن قيس فأحسن إذنه، ومُره أن يخطب إلى ما شاء، وأَمهِر عنه من بيت المال. قال: فأرسل إليه: إن أمير المؤمنين كتب إليّ أن أحسن إذنك، قال: ما اصنع بالإذن؟ فأنتم أحوج إلى ذلك مني، وأمرني أن تخطب إلى من شئت وأُمهِرك من بيت المال، قال: أنا في الخطبة دائب. قال: إلى مَن؟ قال: إلى من يقبل مني التمرة والفَلقْة، ثم أقبل على جلسائه فقال: إني سائلكم، فأخبروني، قالوا: سل، قال: هل منكم أحد إلا لمالِه من قلبه شُعبة؟ قالوا: اللهم، نعم، قال: هل منكم أحد إلا لولده من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم، نعم قال: هل منكم أحد إلا لأهله من قلبه شعبة؟ قالوا: اللهم، نعم. قال: والذي نفسي بيده لأن تختلف الخناجر في جوارحي أَحبّ إليّ من أن أكون هكذا. أما والله لئن استطعت أن أجعل الهمّ هماً واحداً لأفعلنّ. قال الحسن: ففعل، ورب الكعبة.

وقال أبو سعيد بن الأعرابي: وهذا أعلى ما قيل في الزهد: أن يكون الهمّ همّاً واحداً لله عزّ وجلّ، ليس ذكر دنيا ولا آخرة، هو غاية الزهد، وهو خروج قدر الدنيا وقلتها من قلبه أن يزهد فيها، وخروج قدر غيرها فيرغب فيها إذا كانت دون الله عزّ وجلّ. هذا لمن كان الله همّه وحده خالصاً. قال محمد بن سيرين: قيل لعامر بن عبد قيس: ألا تزَوّج؟ قال: والله ما عندي من نشاط، وما عندي من مال، فبمَ أغرُّ امرأة مسلمة؟ وعن قتادة قال: سأل عامر بن عبد الله ربه أن يهوّن عليه الطَّهور في الشتاء، فكان يؤتى بالماء له بخار، وسأل ربه عزّ وجلّ أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي ذكراً لقي أم أنثى، وسأل ربه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه في الصلاة فلم يقدر على ذلك. وكان إذا غزا فيقال له: إن هذه الأجمة يُخاف عليك فيها الأسد قال: إن لأستحيي من ربي أن أخشى غيره. وقد روي أن ذلك ذهب عنه. قيل لعامر بن عبد قيس: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: نعم. فلما ولَّوا قال للذين سألوه أو قال لهم: أحدث نفسي بالوقوف بين يدي الربّ عزّ وجلّ ومُنْصَرَفي من بين يديه. كان عامر بن عبد الله بن عبد قيس يدخل بيتاً يطيل فيه الصلاة، قال: وكان الرِّمْث نابتاً حولهم، قال: والبصرة إذ ذاك شديدة الحر، قال: فانساب أسود سالخ فدخل البيت، فتطوّى في مُصلاه، ما يشعر به. فلما انحط للسجود رآه فنفضه بيده، فانساب فخرج. فقال بعض من رآه من أهله: أما رهبت هذا؟ إنه حتف

فقال: لا، والله، لولا أني قذَرتهُ لسجدت عليه، والله إني لأستحيي من الله أن يطلّع من قلبي على أني أرهب شيئاً سواه. كان عامر بن عبد قيس من أفضل العابدين، ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس، فلا يزال قائماً إلى العصر، ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه، فيقول: يا نفس، إنما خُلقتِ للعبادة، يا أمّارة بالسوء، فوالله لأعملّنّ بك عملاً لا يأخذ الفراش منك نصيباً. وهبط وادياً يقال له وادي السباع، وفي الوادي عبد حبشي يقال له حُمَمَة، فانفرد عامر في ناحية، وحممة في ناحية، يصليان، لا هذا ينصرف إلى هذا، ولا هذا ينصرف إلى هذا أربعين يوماً وأربعين ليلة. إذا جاء وقت الفريضة صليا، ثم أقبلا يتطوعان. ثم انصرف عامر بعد أربعين يوماً فجاء إلى حممة فقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: دعني وهّمي، قال: أقسمت عليه، قال: أنا حُممة، قال عامر: لئن كنت أنت حممة الذي ذُكر لي لأنت أعبد مَن في الأرض، فأخبرني عن أفضل خصلة، قال: إني لمقصر، ولولا مواقيت الصلاة تقطع علي القيام والسجود لأحببت أن أجعل عمري راكعاً، ووجهي مفترشاً حتى ألقاه، ولكن الفرائض لا تدعني أفعل ذلك. فمن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عامر بن عبد قيس، قال: إن كنت عامر بن عبد قيس الذي ذُكر لي فأنت أعبد الناس، فأخبرني بأفضل خصلة، قال: إني لمقصر، ولكن واحدة عظمت هيبة الله في صدري حتى ما أهاب شيئاً غيره، فاكتنفته السباع، فأتاه سبع منها، فوثب عليه من خلقه، فوضع يديه في منكبيه وعامر يتلو هذه الآية: " ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لهَُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ". فلما رأى السبع أنه لا يكترث له ذهب، فقال حُممة: بالله يا عامر، ما هالَك ما رأيت؟ قال: إني لأستحيي من الله أن أهاب شيئاً غيره، قال حممة: لولا أن الله ابتلانا بالبطن، فإذا أكلنا لا بدّ لنا من الحدث ما رآني ربي عزّ وجلّ إلا راكعاً وساجداً. وكان يصلي في اليوم والليلة ثماني مئة ركعة، وكان يقول: إني لمقصر في العبادة، فكان يعاتب نفسه.

عامر بن عبد الله بن قيس

قال عامر بن عبد القيس: إذا عقلك عَقْلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل. قال: وإنما سمي العقل عقلاً من عِقال الإبل. كان عامر بن عبد قيس يأخذ عطاء فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقاه أحد من المساكين إلا أعطاه. فإذا دخل بيته رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيَها. بكى عامر بن عبد الله في مرضه الذي مات فيه بكاء شديداً، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله: " إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِيْنَ ". قبر عبادة بن الصامت وعامر بن عبد الله في بيت المقدس. قال مالك بن دينار: رأى رجل في المنام كأن منادياً ينادي: أخبروا الناس أن عامر بن عبد الله يلقى الله يوم القيامة ووجهُه مثل القمر ليلة البدر. عامر بن عبد الله بن قيس أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ويقال: اسمه الحارث، ويقال: اسمه كنيته تابعي، فقيه، من أهل الكوفة، وولي القضاء بها، وقد على عمر بن عبد العزيز، وكانت له بدمشق دار، ما بين سوق البقل وسوق الجبن. حدث أبو بردة عن علي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم، إني أسألك السداد والهدى، وأذكر بالسداد سدادك السهم، والهدى هدايتك الطريق، ونهاني أن أجعل الخاتم في هذه أو هذه الوسطى والتي تليها، ونهاني عن القَسِّيّ والمِيثرة.

فأما القَسِّيّ فثياب يؤتى بها من قبل المغرب مغلفة بالحرير، وأما الميثرة فشيء كان النساء يصنعنه لبعولتهن في الرحائل على العطائف. وعن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني ابن عمر فقال: يا بن أخ، تدري لمَ أتيتك؟ قلت: فضلك وفضل أبيك، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن مِن بِرّ الرجل بأبيه أن يبرّ أهل وُدّ أبيه، وإن أبي كان يحبّ أباك. وزاد في حديث آخر بمعناه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبّ أن يصِل أباه في قبره فليصِلْ إخوان أبيه من بعده. وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود فأحببت أن أصل ذلك. قال أبو بردة: دخلت على معاوية وهو يشتكي وبه قرحة في ظهره، قال: والطبيب يعالجها، وهو يتأوّه تأوُّه الصبي. قال: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إنك تأوَّهُ قال: قم فانظر إليها. قال: فقمت فإذا قرحة قبيحة، فقال: هذه يدعونها الراقية، وأهل العراق يزعمون أنها النقابة أو الثقابة، ويزعمون أنها قاتلتي. قال: ثم قال: أمّا ما ذكرت من تأوّهي فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من مسلم يصيبه أذى في جسده إلا كفر الله به خطاياه. ودون هذا يا أبا بردة أذى. وعن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة أنه قال: وفد إلى عمر أو إلى سليمان قال: فقضى حوائجه، حتى إذا كان في بعض الليل قال لي: قم، فقمت، فانطلق إلى باب الوالي فدقَّه. قال: قال الحاجب: من هذا؟ قال: أبو بردة، استأذِن لي عليه. قال: قد دخل، قال: أعلِمْه بمكاني، فأعلمه، فخرج إليه، فإذن له، قال: خير يا أبا بردة، قال: خير، قال: حاجتك، قال: قد فرغت من حوائجي، وذكرت حديثاً حدثني أبي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جُمع الخلائق

للحساب أُتي بيهودي أو نصراني، قيل: يا مؤمن، هذا فداؤك من النار ". قال: أنت سمعته؟ قال: سمعته من أبي. ولد أبو بردة بن أبي موسى وأبوه على البصرة، فاسترضع له في البادية، فجاؤوا به وعليه بردة، فكناه أبو بردة. وأسمه عامر بن عبد الله بن قيس. توفي أبو بردة سنة ثلاث ومئة. وقيل: سنة أربع ومئة، وهو ابن نيف وثمانين سنة. وقيل: مات سنة ست ومئة. سأل عمر بن عبد العزيز أبا بردة: كم أتى عليك؟ قال: أشُدّان. يعني: أربعين وأربعين. حدث عبد الله بن عباس عن أبيه أن يزيد بن المهلب لما ولي خراسان قال: دلوني على رجل كامل لخصال الخير، فدُلّ على أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. فلما جاءه رآه رجلاً فائقاً. فلما كلمه رأى مخبرته أفضل من مرآته، قال: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه، فأبى أن يعفيه، فقال: أيها الأمير، ألا أخبرك بشيء حدثنيه أبي أنه سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هاته، قال: إنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تولى عملاً وهو يعلم أنه ليس لذلك العمل بأهل فليتبوّأ مقعده من النار. قال: وأنا أشهد أيها الأمير أني لست بأهل لما دعوتني إليه، فقال له يزيد: ما زدت على أن حرّضتني على نفسك، ورغبتنا فيك، فاخرج إلى عهدك، فإني غير معفيك، فخرج ثم أقام فيهما شاء الله أن يقيم، فاستأذنه بالقدوم عليه، فأذن له، فقال: أيها الأمير، ألا أحدثك بشيء حدثنيه أبي أنه سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هاته، قال: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من يُسأل بوجه الله ثم منع سائله، ما لم يسأله هُجراً، وأنا أسألك بوجه الله إلا ما أعفيتني أيها الأمير من عملك، فأعفاه. وقيل: إن أبا بردة مات في ولاية عمر بن عبد العزيز. ومات عمر سنة إحدى ومئة. وقيل: سنة سبع ومئة.

عامر بن عمارة بن خريم الناعم

عامر بن عُمارة بن خُريم الناعم ابن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة ابن مرة بن نَشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان ابن بغيض بن رَيْث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، أبو الهيذام المري، والد أبي عامر موسى بن عامر أحد فرسان العرب المذكورين، وشجعانهم المشهورين، وهو زعيم قيس في الفتنة التي وقعت بينهم وبين اليمن بدمشق في أيام الرشيد، حتى تفاقم الأمر، واستحكم الشرّ. وله أشعار في تلك الحروب مذكورة. ونزل بسجستان، وأخوه عثمان بن عمارة، صاحب أبي يعقوب الجرمي الشاعر. وقتل عاملُ الرشيد بسجستان أخاً لأبي الهيذام، فخرج أبو الهيذام بالشام، وجمع جمعاً عظيماً، وقال يرثي أخاه: " الطويل " سأبكيكَ بالبيضِ الرِّقاقِ وبالقنا ... فإنّ بها ما يُدرِكُ الطالبُ الوترا ولسنا كمن يبكي أخاه بعَبرةٍ ... يعصّرُها من ماءِ مقلتِهِ عصرا وإنا أناسٌ ما تفيضُ دموعُنا ... على هالكٍ منّا وإن قصمَ الظهرا ولكنني أشفي الفؤادَ بغارةٍ ... أُلَهِّبُ في قُطْرَي كتائبها جمرا وغلظ أمره، واشتدت شوكته، وأعيت الرشيدّ الحيل فيه، فاحتال عليه بأخ له كتب إليه، فأرغبه، فشدّ على أبي الهيذام فقيده، وحمله إلى الرشيد بالرقة. فلما دخل عليه أنشده أبياتاً منها: " الطويل " فأحسِن أميرَ المؤمنين فإنه ... أبى اللهُ إلا أن يكونَ لكَ الفضلُ فمن عليه الرشيد وأطلقه. وقيل: إن الأبيات الرائية لغير أبي الهيذام، وأنها لصادر بن كامل يرثي بها أخاه ثور بن كامل بن برز العنسي. وقُتل في فتنة أبي الهيذام. والصحيح أنها لأبي الهيذام. حدث غالب بن أبجر قال: ذكرت قيس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم الله قيساً، رحم الله

عامر بن لدين ويقال عمرو

قيساً، قيل: يا رسول الله، تترحم على قيس؟! قال: نعم إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عزّ وجلّ. يا قيس، حيّ يمناً، يا يمن، حيّ قيساً. إن قيساً فرسان الله في الأرض، والذي نفسي بيده لَيأتينّ على الناس زمان ليس لهذا الدين ناصر غير قيس، إن لله فرساناً في الأرض مسوَّمين، وفرساناً في الأرض مُعْلَمين. ففرسان الله في الأرض قيس، إنما قيس بيضة تفلَّقَت عنا أهل البيت. إن قيساً ضِراءُ الله في الأرض، يعني أسد الله. وأبو الهيذام فارس قيس في زمانه. قال: ولا أراه داخلاً في هذا الحديث لأنه استعمل فروسيته في قتال المسلمين. وعن شقيق قال: دخلت أنا وعمرو بن صُليع على حذيفة. قال: فقال: يا مرو بن صليع، أخبرني عن محارب، أهي من قيس؟ قال: نعم. قال: فإذا رأيت قيساً قد توالت الشام فخذ حذرك. عامر بن لُدّين ويقال عمرو وعامر أصح. أبو سهل ويقال: أبو بشر الأشعري الأردني القاضي ولي القضاء لعبد الملك بن مروان. حدث عامر بن لدين الأشعري أنه سأل أبا هريرة عن صيام يوم الجمعة فقال: على الخبير وقعت. سمعت

عامر بن محمد بن يعقوب

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن يوم الجمعة يوم عيد وذِكر، فلا تجعلوا يوم عيدكم يومَ صومكم، ولكن اجعلوه يوم ذِكر، إلا أن تخلطوه بأيام ". وحدث عامر بن لُدين الأشعري قال: أخبرني أبو ليلى الأشعري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تمسّكوا بطاعة أئمتكم، لا تخالفوهم، فإن طاعتهم طاعة الله، وإن معصيتهم معصية الله. وإن الله إنما بعثني أدعو إلى سبيله بالموعظة، فمن خالفني في ذلك فهو من الهالكين. وقد برئت منه ذمة الله، وذمة رسوله. ومن ولي من أمركم شيئاً فعمل بغير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وسيليكم أمراء إن استُرحموا لم يرحموا، وإن سئلوا الحقوق لم يُعطُوا، وإن أُمروا بالمعروف أنكروا، وستخافونهم، ويفترق ملؤكم فيهم حتى لا يحملوكم على شيء احتملتم طوعاً أو كرهاً، فأدنى الحق عليكم ألا تأخذوا منهم العطاء، ولا تحضروهم في الملأ ". قال سليمان: فقلت لعامر: أتخشى أن يكون أئمتنا هؤلاء منهم؟ قال: هؤلاء يخشون ويرحمون. عامر بن محمد بن يعقوب ابن عبد الملك الطائي حدث عن جده لأمه محمود بن خالد بن يزيد السُّلمي بسنده عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يهرم ابن آدم وتشِب معه اثنتان: الحرص على الدنيا، والحرص على العمر. عامر بن مالك بن أُهَيب ويقال: وُهَيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن قُصيّ القرشي الزهري أخو سعد بن أبي وقاص له صحبة. وهو من مهاجرة الحبشة. وقدم دمشق والمسلمون محاصروها بكتاب عمر بن الخطاب بعزل خالد وتأمير أبي عبيدة.

عامر بن مالك بن جعفر

وأسلم عامر بن أبي وقاص بعد عشرة، فكان حادي عشر، فلقي من أمه ما لم يلق أحد من قريش من الصياح به والأذى هاجر إلى أرض الحبشة. وعن سعد قال: جئت من الرمي فإذا الناس مجتمعون على أمي حَمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، وعلى أخي عامر حين أسلم، فلقت: ما شأن الناس؟ قالوا: هذه أمك قد أخذت أخاك عامراً تعطي الله عهداً لا يظلها ظلّ، ولا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً حتى يدع الصباوة. فأقبل سعد حتى تخلَّصَ إليها، فقال: عليّ يا أمّه، فاحلفي، قالت: لمَ؟ قال: لئلا تستظلي في ظلّ، ولا تأكلي طعاماً، ولا تشربي شراباً حتى ترَيْ مقعدك من النار. فقالت: إنما أحلف على ابني البرّ. فأنزل الله عزّ وجلّ: " وَإِنْ جَاهَدَاكَ على أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمّ فلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً " إلى آخر الآية. شهد عامر بن أبي وقاص أُحُداً. وأبو وقاص هو مالك بن أهيب بن عبد مناف. عامر بن مالك بن جعفر ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر أبو بَراء، المعروف بملاعب الأسنة وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يسلم، وسأله أن يبعث معه رجالاً إلى قومه يدعونهم إلى الإسلام، فإن اسلموا أسلم معهم، فبعث جماعة، فأصيبوا ببئر معونة، ثم أسلم بعد. وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً قال: بعثت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وَعَك بي التمس به دواء وشفاء، فبعث إلي بعُكّة من عسل.

وحدث عامر أيضاً قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدية فقال: إنا لا نقبل هدية مشرك. قال أوس بن حجر التميمي لطفيل بن مالك وفرّ عن أخيه عامر بن مالك بن جعفر: " الطويل " فررتَ وأسلمتَ ابن أمِّك مالكاً ... يلاعبُ الوشيجِ المزعزَعِ فسُمّي عامر ملاعب الأسنة. فهو أول يوم سُمِّي فيه. وقيل: إنما سُمّي ملاعب الأسنة لقول أوس بن حجر فيه: " الطويل " يلاعبُ أطرافَ الأسنةِ عامرٌ ... فراجَ له خطُّ الكتائبُ أجمعُ حدث جماعة من أهل العلم قالوا: قدم عامر بن مالك أبو البراء، ملاعب الأسنة على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرسين وراحلتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أقبل هدية مشرك، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاسلام، فلم يسلم، ولم يَبعُد، وقال: يا محمد، إني أرى أمرك هذا حسناً شريفاً، وقومي خلفي، فلو أنك بعثت نفراً من أصحابك معي لرجوت أن يجيبوا دعوتك، ويتبعوا أمرك، فإن هم اتبعوك فما أعزّ أمرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أخاف عليهم أهل نجد، فقال عامر: لا تخف عليهم، أنا لهم جار إن يعرِض لهم أحد من أهل نجد. وكان من الأنصار سبعون رجلاً شبَبَة، يُسمَّون القراء، كانوا إذا أمسَوا أتَوا ناحية من المدينة فتدارسوا وصلوا، حتى إذ كان وجاهُ الصبح استغذبوا من الماء، وحطبوا من الحطب، فجاؤوا به إلى حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، وكان أهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم. فبعثهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجوا، فأصيبوا في بئر معونة، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلتهم خمس عشرة ليلة. وقيل: كانوا سبعين، وقيل: كانوا أربعين، وقيل: الثبت أنهم أربعون.

وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم كتاباً، وأمّر على أصحابه المنذر بن عمرو الساعدي، فخرجوا حتى إذا كانوا على بئر معونة وهو ماء من مياه بني سُليم، وهي بين أرض بني عامر وبني سُليم فخرج المنذر، فعسكروا بها، وسرّحوا ظهرهم، وبعثوا في سرحهم الحارث بن الصمة وعمرو بن أمية، وقدّموا حرام بن ملحان بكتاب سيدنا رسول الله الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر. فلما انتهى حرام إليهم لم يقرؤوا الكتاب، ووثب عامر بن الطفيل على حرام فقتله، واستصرخ عليهم بني عامر فأبَوا، وقد كان عامر بن مالك أبو براء خرج قبل القوم إلى ناحية نجد، فأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد، فلا تعرضوا لهم، فقالوا: لن نخفر جوار أبي براء. فلما أبت عليه بنو عامر استصرخ عليم قبائل من بني سليم: عُصَيّة ورِعْل، فنفروا معه ورأسوه عليهم، فقال عامر بن الطفيل: أحلف بالله ما أقبل هذا وحده، فاتّبعوا أثره حتى وجدوا القوم قد استبطؤوا صاحبهم، فأقبلوا في أثره، فلقيهم القوم، والمنذر معهم، فأحاطت بنو سليم بالقوم، وكاثروهم، فقاتل القوم حتى قتل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقي المنذر بن عمرو الساعدي وهو الذي يقال له: أعنق ليموت فقالوا له: إن شئت أمّناك، فقال: لن أعطي بيدي، ولن أقبل لكم أماناً، حتى آتي مقتل حرام، ثم برىء مني جواركم، فأمّنوه حتى أتى مصرع حرام، ثم برئوا إليه من جوارهم، ثم قاتلهم حتى قتل. فذلك قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعنق ليموت. وأقبل الحارث بن الصمة وعمرو بن أمية بالسَّرح، وقد ارتابا بعكوف الطير على منزلتهم، أو قريب من منزلتهم، فجعلا يقولان: قتل والله أصحابنا، والله ما قتل أصحابنا إلا أهل نجد، فأوفى على نشز من الأرض، فإذا أصحابهم مقتولون، وإذا الخيل واقفة، فقال الحارث لعمرو: ما ترى؟ قال: أرى أن ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره الخبر، فقال الحارث: ما كنت لأتأخر عن موطن قتل فيه المنذر، فأقبلا فلقيا القوم،

فقاتلهم الحارث حتى قتل منهم اثنين، ثم أخذوه فأسروه، وأسروا عمرو بن أمية، وقالوا للحارث: ما تحب أن نصنع بك؟ فإنا لا نحب قتلك، فقال: أبلغوني مصرع المنذر وحرام، وبرئت مني ذمتكم، فبلغوه به، ثم أرسلوه، فقاتلهم، فقتل منهم اثنين، ثم قتل، فما قتلوه حتى شرعوا له الرماح فنظموه فيها. وقال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية، وهو أسير في أيديهم ولم يقاتلهم: إنه قد كانت على أمّه نَسمة فأنت حرّ عنها، وجزّ ناصيته. فلما جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر بئر معونة جاء معها في ليلة واحدة مُصابهم ومُصاب مَرْثَد بن أبي مَرثَد، وبَعْث محمد بن مسلمة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هذا عمر أبي براء. قد كنت لهذا كارهاً. ودعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قَتَلتهم بعد الركعة من الصبح، في صبح تلك الليلة التي جاءه الخبر. فلما قال: سمع الله لمن حمده قال: اللهم، اشدُد وطأتك على مضر، اللهم، عليك ببني لحيان وزعْب ورِعْل وذكوان وعُصَيّة، فإنهم عَصُوا الله ورسوله، اللهم، عليك ببني لحيان وعَضَل والقارة، اللهم، أَنْجِ الوليد بن الوليد، وسَلَمة بن هشام، وعيّاش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، ثم سجد، فقال ذلك خمس عشرة ليلة، ويقال: أربعين يوماً، حتى نزلت هذه الآية: " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ أَو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ " الآية. وكان أنس بن مالك يقول: يا رب، سبعين من الأنصار يوم بئر معونة. وكان أبو سعيد الخدري يقول: قُتل من الأنصار في مواطن سبعين، سبعين يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم

اليمامة سبعون، ويوم جسر أبي عبيدة سبعون. ولمَ يَجِدْ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة. وكان أنس يقول: أنزل الله فيهم قرآناً قرأناه حتى نسخ: بلّغوا قومنا أنا لقينا ربنا، فرضي عنا، ورضينا عنه. قالوا: وأقبل أبو براء سائراً، وهو شيخ هِمّ كبير، فبعث من العيص ابن أخيه لبيد بن ربيعة بهديةٍ فرسٍ، فردّه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: لا أقبل هدية مشرك، فقال لبيد: ما كنت أظن أن أحداً من مضر يردّ هدية أبي براء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو قبلت هدية مشرك لقبلت هدية أبي براء، قال: فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به، وكانت بد الدُّبَيْلة فتناول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبوبة من الأرض، فتفل فيها ثم ناوله وقال: دُفْها بماء ثم اسقها إياه، ففعل فبرأ. وقال إنه بعث إليه بعكة عسلٍ، فلم يزل يلعقها حتى برأ. فكان أبو براء يومئذ سائراً في قومه يريد أرض بَلِي "، فمرّ بالعيص، فبعث ابنه ربيعة مع لبيد يحملان طعاماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربيعة: ما فعلت ذمة أبيك؟ قال ربيعة: نقضتها ضربة بسيف أو طعنة برمح، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم، فخرج ابن أبي براء فخبر أباه فشقّ عليه ما فعل عامر بن الطفيل، وما صنع بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا حركة به من الكبر والضعف، فقال: أخفرني ابن أخي من بين بني عامر، وسار حتى كانوا على ماء من مياه بَلِيّ يقال له الهُدُم، فركب ربيعة فرساً له، ويلحق عامراً وهو على جمل له، فطعنه بالرمح، فأخطأ مقاتله، وتصايح الناس، فقال عامر بن الطفيل: إنها لم تضرني، إنها لم تضرني، وقال: قضيت ذمة أبي براء. فقال عامر بن الطفيل: قد

عامر بن مسعود

عفوت عن عمي هذا فعله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، اهد بني عامر، وأطلب خُفرتي من عامر بن الطفيل. عامر بن مسعود أبو سعد ويقال: أبو سعيد الزُّرَقي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقال: لا صحبة له. سكن دمشق. حدث يونس بن مَيْسرة الجُبْلاني قال: خرجت مع أبي سعد الزُّرقي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شرى الضحايا، قال يونس: فأشار لي أبو سعد إلى كبش أدغم، ليس بالمرتفع ولا بالمتضع. قال: اشتره لي، كأنه شبّهه بكبش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سيعد: قوله: ليس بالمرتفع ولا بالمتضع، يعني في جسمه. قال: والأدغم: الأسود الرأس. حدث أبو سعيد الزُّرقي أن رجلاً من أشجع سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العزل فقال: ما يقدَّر في الرحم يكن. عامر بن المعمَّر الأزدي حدث عن وكيع بن الجراح بسنده عن عُبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله عزّ وجلّ: " لَهُمُ البُشْرَى في الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخرةِ " قال: " هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له ".

عامر بن واثلة بن عبد الله

عامر بن واثلة بن عبد الله ابن عمير بن جابر بن خُميس بن حُدَيّ بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة أبو الطفيل الكناني صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآخر أصحابه موتاً. قال أبو الطفيل: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبق على الأرض أحد رآه غيري. قال: قلت له: كيف رأيته؟ قلت: رأيته أبيض، مليحاً، مُقَصداً، إذا مشى كأنه يهوي في صبب. وحد أبو الطفيل قال: كنت غلاماً أحمل عضو البعير، ورأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لحماً بالجعرانة، قال: فجاءته امرأة فبسط لها رداءه، فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. قال أبو الطفيل عامر بن واثلة: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا غلام شاب، يطوف بالبيت على راحلته، يستلم الحجر بِمحجَنة. دخل أبو الطفيل على معاوية، فقال له معاوية: أبا الطفيل، قال: نعم، قال: ألست من قتلة عثمان؟ قال: لا، ولكني ممن حضره فلم ينصره، قال: وما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار فقال معاوية: أما لقد كان حقه واجباً عليهم أن ينصروه، قال: فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام؟ فقال

معاوية: أما طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر: " البسيط " لا اُلفينك بعدَ الموتِ تندُبُني ... وفي حياتي ما زودتني زادي فقال له معاوية: يا أبا الطفيل، ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليّاً؟ قال: ثكل العجوز المِقْلات، والشيخ الرَّقوب، ثم ولَى. قال: فكيف حبك له؟ قال: حبّ أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير. المقلات: التي لا يعيش لها ولد، والرّقوب: الرجل الذي قد يئس أن يولَد له. كان أبو الطفيل من أصحاب محمد بن الحنفية، وكان ثقة، وكان متشيعاً. وابنه الطفيل بن عامر قتل مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي يوم دير الجماجم. قال أبو الطفيل. أدركت ثماني سنين من حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولدت عام أُحُد. وقيل في اسم جده حُدَي أنه بالحاء المهملة، ووجد في جمهرة ابن الطلبي جُدي بالجيم. وسئل ممد بن يعقوب الأخرم: لم ترك البخاري حديث أبي الطفيل؟ قال: لأنه كان يُفرط في التشيع. دخل عبد الله بن صفوان على ابن الزبير وهو يومئذ بمكة، فقال: أصبحت كما قال الشاعر: " البسيط " فإن تُصِبك من الأيامِ جائحةٌ ... لمنبكِ منكَ على دنيا ولا دينٍ فقال: وما ذاك يا أعرج؟ قال: هذا عبد الله بن عباس يفقه الناس، وعبيد الله يطعم الناس، فما بقيا لك؟ فأحفظه ذلك، فأرسل صاحب شرطه عبد الله بن مطيع،

فقال: انطلق إلى ابنَي عباس فقل لهما: بدِّدا عني جمعكما ومن ضوى إليكما من أهل العراق. وفي رواية أنه أرسل إليهما: إنكما تريدان أن ترفعا راية قد وضعها الله، ففرَّقا من قِبَلكما من مُرّاق أهل العراق. فقال ابن عباس: قل لابن الزبير: يقول لك ابن عباس: والله ما يأتينا من الناس غير رجلين: رجل طالب علم، ورجل طالب فضل، فأي هذين نمنع؟ فأنشأ أبو الطفيل عامر بن واثلة يقول: " البسيط " للهِ درُّ الليالي كيف تُضحكنا ... خطوب شتى أعاجيبٌ وتُبكينا ومثلما تحدثُ الأيام من غِيرَ ... وابنُ الزبير عن الدنيا يُلَهّينا كنا نجيء ابن عباسٍ فيسبقنا ... فِقهاً ويُكسبنا أجراً ويهدينا ولا يزال عبيد الله مترعة ... جفانُه مطعماً ضعفى ومسكينا فاليُمن والدينُ والدنيا بدارهما ... ننالُ منه الذي نبغي إذا شينا إن النبي هو النورُ الذي كُشِفت ... بهِ عَمايات ماضينا وباقينا ورهطُه عِصمة في ديننا ولهم ... فضل علينا وحق واجب فينا ففيم تمنعنا منهم وتمنعهم ... منا وتؤذيهم فينا وتؤذينا؟ ولست فاعلمه بالأولى به نسباً ... يا بن الزبير ولا الأولى به دينا لن يجزي الله من أجزى لبعضهم ... في الدين عزاً وفي الأرض تمكينا قال سيف بن وهب: دخلت على أبي الطفيل بمكة فقال: أتى عليّ تسعون سنة ونصف فكم أتى عليك؟ قلت: أنا ابن ثلاث وثلاثين سنة. قال علي بن المديني: آخر من بقي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة سهل بن سَعْد الساعدي، وآخر من بقي بالبصرة أنس بن مالك، وآخر من بقي بالكوفة أبو جُحيفة وهبُ بن عبد الله

عامر بن يحيى

السوائي، من بني سواءة بن عامر، وآخر من بقي بالشام عبد الله بن بُسر المازني، من بني مازن بن منصور، وآخر من بقي بمصر عبد الله بن الحارث بن جزء، وآخر من مات بمكة ممن رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي، ويقال: الحماني. وكان أبو الطفيل يقول: ما بقي على وجه الأرض أحد يقدر يقول إنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيري. وتوفي أبو الطفيل سنة مئة. وقيل: بعد المئة من الهجرة. وقيل: سنة اثنتين ومئة. وقيل: سنة سبع ومئة. وقيل: سنة عشر ومئة. وقيل إنه لم يزل باقياً حتى أدركته إمرة عمر بن عبد العزيز، فكتب يستأذنه في القدوم عليه: فقال عمر: ألم تؤمر بلزوم البلد؟ عامر بن يحيى أبو حازم الغوثي حدث عن المنكدر بن محمد قال: بلغني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لأنا أشدُّ عليكم خوفاً من النّعم مني من الذنوب. ألا إن النِّعم إن النِّعم التي لا تشكر هي الحتف القاضي ". عايذ الله بن عبد الله ويقال: عَيِّذ الله بن إدريس بن عايذ بن عبد الله ابن عتبة بن غيلان بن مَكين أبو إدريس الخولاني قاضي دمشق في أيام عبد الملك بن مروان. ولد عام حنين وهزيمة الله هوازن في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

حدث أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " يا عبادي، إنكم الذين تُخطئون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر لكم الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاستكسوني أكسُكم. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجِنّكم كانوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم ما سأل لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقُص البحر أن يغمس المِخيَط غمسة واحدة. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله عزّ وجلّ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومّنّ إلا نفسه ". قال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. وحدث أبو إدريس عن أبي ثعلبة الخُشَني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأت فاستنثر، وإذا استجمرت فأوتر ". هكذا روى هذا الحديث، وإنما هو عن أبي هريرة. وعن أبي إدريس قال: جلست خلف معاذ بن جبل وهو يصلي. فلما انصرف من الصلاة قلت: إن أحبك لله، قال: فأدناني منه ثم قال: إنك لتحبني لله؟ قلت: نعم، إن لأحبك لله، قال: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المتحابون في الله في ظل عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلّه ". وقيل: إن أبا إدريس لم يسمع من معاذ ولا لقيه. وقيل: إنه لقيه.

حدث عايذ الله بن عبد الله أن معاذاً قدم عليهم اليمن فلقيته امرأة من خولان معها بنون لها، اثنا عشر، وتركت أباهم في بيتها، أصغرهم الذي قد اجتمعت لحيته، فقامت فسلمت على معاذ، ورجلان من بنيها ممسكان بعضديها، فقالت: من أرسلك إليها أيها الرجل؟ قال لها معاذ: أرسلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت المرأة: أرسلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفلا تحدثني يا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال لها معاذ: سلي عما شئت، قالت: حدِّثني ما حقُّ المرء على زوجته؟ قال لها معاذ: تتقي الله ما استطعت، وتسمع وتطيع. قالت: أقسمت عليك بالله ما حقّ المرء على زوجته؟ قال لها معاذ: ما رضيتِ بأن تسمعي وتطيعي، وتتقي الله؟! قالت: بلى، ولكن حدثني ما حقّ المرء على زوجته، فإني تركت أبا هؤلاء شيخاً كبيراً في البيت، فقال لها معاذ: والذي نفس معاذٍ بيده لو أنك ترجعين إذا رجعت إليه فوجدت الجذام قد خرق أنفه، ووجدت منخريه يسيلان قيحاً ودماً ثم التعقتيهما بفيك لكيما تبلغي حقه ما بلغته أبداً. وعن أبي إدريس قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتىً براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل. فلما كان الغد هجّرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئت من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت: والله إن لأحبك لله، قال: آلله؟ فقلت: آلله. فقال: آلله؟ فقلت: آلله. فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيَّ ". حدث يزيد بن عبيدة أنه رأى أبا إدريس الخولاني في زمان عبد الملك بن مروان، وأن حلق المسجد

بدمشق يقرؤون القرآن، يدرسون جميعاً، وأبو إدريس جالس إلى بعض العمد، فكلما مرت حلقة بآية سجدة بعثوا إليه يقرأ بها، وأنصتوا له، وسجد بهم، وسجدوا جميعاً بسجوده، فربما سجد بهم ثنتي عشرة سجدة، حتى إذا فرغوا من قراءتهم قام أبو إدريس يقص. حدث يزيد بن أبي مالك قال: كنا نجلس إلى أبي إدريس الخولاني فيحدثنا في الشيء من العلم لا يقطعه بغيره حتى يقوم أو تقام الصلاة حفظاً لما سَّمع. قال: فحدث يوماً عن بعض مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استوعب الغزاة، فقال له رجل من ناحية المجلس: أحضرت هذه الغزاة؟ قال: فقال: لا، فقال الرجل: قد حضرتها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأنت أحفظ لها مني. وحدث يوماً بأحاديث، فقال له رجل: أرأيت هذه الأحاديث إلى من تسندها؟ فقال: إن رضيت بما تسمع منا وإلا فلا تجالسنا. قال: وكان أبو إدريس إذا أخذ في نوع في مجلس لم يكد يأخذ في غيره حتى يقوم من مجلسه، وكان إذا جلس لم يحتب حتى يقوم، وإذا احتبى لم يحلّ حَبْوَته حتى يقوم ولم يُرَ يعبث بشيء. قال: وقال له رجل وهو يحدث: عمن يا أبا إدريس؟ قال: لأنا أقدر على الإسناد مني على الحديث. قال معاوية لأبي إدريس الخولاني يا أهل اليمن، إن فيكم خلالاً ما تخطئكم، قالوا: وما هي؟ قال: الجود والحِدَّة وكثرة الأولاد. قال: أما ما ذكرت من الجود فذلك لمعرفتنا من الله عزّ وجلّ بحسن الخلف، وما الحِدّة فإن قلوبنا ملئت خيراً فليس فيها للشر موضع، وأما كثرة الأولاد فإنا لسنا نعزل ذلك عن نسائنا. قال: صدقت، لا يفضض الله فاك. وعن أبي إدريس قال: ما أودى شيء إلى شيء خير من حلم إلى علم.

عائذ بن سعيد

وكان أبو إدريس يقول: عِفّوا، رحمكم الله، فإنه مع عفّ نساء قومٍ قط حتى تعفّ رجالهم. وكان يقول: ما أكون خيراً مني، يعني: إلا إذا كنت مع من هو خير مني. وكان يقول: من نظر فتفكر خير من نظر فتعجب. وقال أبو إدريس: ما على ظهرها من بشر لا يخاف على إيمانه أن يذهب إلا ذهب. وقال أبو إدريس: المساجد مجالس الكرام. وكان يقول: لأن أرى في المسجد ناراً تأجج أحَبُّ إليّ من أن أرى بدعة لا تغيّر. توفي أبو إدريس سنة ثمانين. عائذ بن سعيد والد محمد بن عائذ حدث عن المطعم بن المقدام عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي رواية عن نافع قال: كنت أسير مع ابن عمر، فسمع صوت زامر رعاء، فعدل عن الطريق ثم قال: يا نافع، هل تسمع شيئاً؟ قلت: لا، ثم رجع إلى الطريق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل.

عبادة بن أوفى

عبادة بن أوفى ويقال: ابن أبي أوفى بن حنظلة بن عمرو بن رباح ابن جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر، أبو الوليد النميري القنّسريني وقيل: إنه دمشقي، وقيل: حمصي وقيل: إن له صحبة. شهد صفين مع معاوية. حدث عن عمرو بن عبسة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قال ": " أبرِدوا بصَلاة الظهر في اليوم الحارّ، فإن شدة الحرّ من فيح جهنّم ". ذكر يحيى بن حمزة أنّ الذي قتل عمارَ بن ياسر عمرو بنُ محصن الأزدي وعُبادةُ بن وفى النُّميري، اشتركا فيه، وكان عمرو فارساً وكان عُبادة راجلاً. والمحفوظ أن قاتل عمّار أبو الغادية. عبادة بن الصامت ابن قيس بن فهر بن قيس بن ثعلبة بن غَنْم بن سالم بن عوف ابن عمرو بن عوف بن الخزرج، أبو الوليد الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد الاثني عشر نقيباً ليلة العقبة. سكن الشام، ودخل دمشق قبل فتحها وبعده.

روى عبادة بن الصامت أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج ذات ليلة وهو يريد أن يخبرهم بليلة القدر، فتلاحى رجلان، فاختُلِجَتْ منه. فقال عليه السلام: " إني أردتُ أن أُخبركم بليلة القدر فتلاحى هذا الرجلان فاختُلجت منّي. ولعل ذلك أن يكون خيراً لكم فاطلبوها في العشر الأواخر: في التاسعة والسابعة والخامسة ". وروى عبادة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الذهب بالذهب، مِثْلاً بِمثْل، يداً بيد، والشعير بالشعير مِثْلاً بمثل، يداً بيد. التمر بالتمر مِثْلاً بمثل، يداً بيد ". قال: حتى ذكر الملح مِثْلاً بمثل، يداً بيد. فقال معاوية: إن هذا لا يقول شيئاً. فقال عبادة: إني والله ما أبالي ألا أكون بأرضكم هذه. حدث المقدام الرهاوي قال: جلست إلى أبي الدرداء وعبادة بن الصامت والحارث بن معاوية فقالوا لعبادة: حدِّثْنا حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة كذا وكذا فقال: صلّى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ إلى بعير من المقسم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: " هذه غنائمكم ولا حقّ لي فيها إلا سهمي والخمس، والخمسُ مردودٌ عليكم، فأدّوا الخيط والخياط وأصغر من ذلك وأكبر، ولا تغلّوا فإن الغلول عيب على أهله في الدنيا والآخرة، وأقيموا حدود الله في السفر والحضر، وجاهدوا الناس القريب والبعيد، ولا تخافوا في الله لومةَ لائم، وعليكم بالجهاد في سبيل الله، فإن في الجهاد في سبيل الله باباً من أبواب الجنة عظيم ينجي الله به من الغم والهم ". حدث أبو الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق فلقي شداد بن أوس الأنصاري والصنابحي فقالا له: اذهب بنا إلى أخ لنا نعوده، فدخلا على عبادة بن الصامت فقالا: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة من الله وفضل. قال له شداد: أبشر بكفارات السيئات وحطّ الخطايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله عزّ وجلّ: إذا ابتليت عبداً من عبادي مؤمناً، فحمدني وصبر على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه

من الخطايا. ويقول الربّ عزّ وجلّ للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تُجرون له قبل ذلك من الأجر وهو صحيح ". قال عبد الرحمن بن غنم: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وابو الدرداء ألفينا عبادة بن الصامت فأخذ يميني بشماله، وشمال أبي الدرداء بيمينه. فخرج يمشي بيننا فقال عبادة: إن طال بكما عمر أحدكما أو كلاكما فيوشك أن تريا الرجل من ثَبَج المسلمين قد قرأ القرآن على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعاده وأبداه، وأحل حلاله وحرّم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد، لا يحورُ فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت. فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من الشهوة الخفية والشرك " فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غَفْراً، أو لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب. فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها. فما هذا الشرك الذي تخوّفنا به يا شداد؟ قال: أريتكم لو رأيتم أحداً يصلي لرجل أو يصوم له أو يتصدق له أتَرَون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم. قال شداد: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " فقال عوف: ولا يعمد الله إلى ما ابتُغي فيه وجهه من ذلك العمل كله فيتقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه. فقال شداد: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنا خير قسيم فمن أشرك بي شيئاً فإن حشده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي، أنا عنه غنيّ ". أُمُّ عبادة وأوس ابني الصامت: قرّةُ العين بنت عمارة بن نضلة بن العَجْلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج. شهد عبادة بدراً وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين

عبادة وبين أبي مَرْثد الغنوي، وشهد أُحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان عبادة عقبياً، نقيباً، بدرياً، أنصارياً وهو من القواقلة، وكان مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن لا يخاف في الله لومة لائم، وشهد الفتح بمصر، وكان أمير ربع المدد. توفي أبو " الوليد " عبادة بفلسطين الشام سنة أربع وثلاثين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه إليها معلماً، وعمره ابن اثنتين وسبعين سنة. قال عبادة بن الصامت: كنا أحد عشر رجلاً في العقبة الأولى، فبايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعة النساء قبل أن تفرض علينا الحرب، بايعناه على ألا نشرك بالله تعالى، ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نقتل أولادنا، ولا نعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غشي شيئاً من ذلك فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له. وفي حديث آخر قال: بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمَنْشَط والمكره، ولا ننازع الأمر أهله، نقول في الحق حيثما كنا، لا نخاف لومة لائم ما لم نَرَ كُفْراً بواحاً. وعن جابر أن حاطبَ بن أبي بَلْتَعَة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آتٍ لغزوهم، فدّلَّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المرأة التي معها الكتاب فأرسلَ إليها، فأخذ كتابها من رأسها، فقال: يا حاطب، فعلت؟! قال: نعم، أما إني لم أفعلْهُ غشّاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نفاقاً، قد علمتُ أن الله يُظهِر رسولَه ويُتُّم له أمرَهُ، غير أني كنتُ غريباً بين أظهرهم، وكان ولدي معهم، فأردت أن أتخذها عندهم، فقال: عمر: ألا أضربُ رأس هذا؟ فقال: أتقتل رجلاً من أهل بدر؟ ما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم.

ولما حارب بنو قَيْنُقاع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشبّث بأمرهم عبد الله بن أبيّ، وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتبرَّأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، فقال: يا رسول الله، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولّى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم، ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة: " يَا أَيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّه مِنْهُمْ " إلى قوله: " فَتَرى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " يعني عبد الله بن أبي لقوله: إني أخشى الدوائر " يُسَارِعُونَ فِيْهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيْبَنَا دَائِرَاةٌ " حتى بلغ إلى قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ والَّذِيْنَ آمَنُوا " لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرُّئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم. إلى قوله: " وَمَنْ يَتَوَلَّى اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ ". وعن عبادة بن الصامت قال: خلوت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أيُّ أصحابك أحبُّ إليك حتى أحبَّ مَنْ تحبّ كما تحب؟ قال: اكتم عليّ حياتي أحبابي يا عبادة، فقلت: نعم. فقال: أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم علي، ثم سكت، فقلت: ثم من يا رسول الله؟ قال: مَنْ عسى أن يكون إلا الزبير، وطلحة، وسعد، وأبو عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبو طلحة، وأبو أيوب، وأنت يا عبادة، وأُبي بن كعب، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وابن عوف، وابن عفان. ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان، وصهيب، وبلال، وعمار بن ياسر. وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه على الصدقة فقال له: اتّقِ الله يا أبا الوليد، اتق، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة لها ثؤاج، فقال: يا رسول الله، إن ذلك كذلك؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إن ذلك لكذلك إلا من

رحم الله عز وجل. قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبداً. وعن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأُبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء. فلما كان عُمر كتب يزيد بن أبي سفيان أن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة. فقالوا: هذا شيخ كبير، لأبي أيوب، وهذا سقيم لأُبي، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء فقال: ابدؤوا بحمص، فإذا رضيتم منهم فليخرج واحد إلى دمشق وآخر إلى فلسطين، فأقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. ومات معاذ عام طاعون عمواس، وصار عُبادة بعدُ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات. وعن يعلى بن شداد قال: ذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته فقال عبادة: أمُّك هند أعلم منك. فأتم خطبته ثم صلى، ثم أرسل إلى عبادة فنفذت رجال الأنصار معه فاحتبسهم، ودخل عبادة فقال له معاوية: ألم تتق الله وتستحي إمامك؟ فقال عبادة: أليس قد علمت أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة أني لا أخاف في الله لومة لائم؟ ثم خرج معاوية عند العصر فصلى العصر، ثم أخذ بقائمة المنبر فقال: أيها الناس، إن ذكرت لكم حديثاً على المنبر فدخلت البيت فإذا الحديث كما حدثني عبادة فاقتبسوا منه فهو أفقه مني. وعن قبيصة بن ذؤيب أن عبادة أنكر على معاوية شيئاً فقال: لا أساكنك بأرضٍ، فرحل إلى المدينة فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال: ارْحَل إلى مكانك فقبَّحَ الله أرضاً لست فيها وأمثالك. فلا إمرة له عليك. وعن عبيد بن رفاعة أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام، تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل: لا، بل خمر يباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها

راوية إلا بقرها، وأبو هريرة ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال: ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت؟ أما بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشيّ فيقعد بالمسجد ليس له عملٌ إلا شتم أعراضنا وعيبنا، فأمسكْ عنا أخاك. فأقبل أبو هريرية يمشي حتى دخل على عبادة فقال: يا عبادة، مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل فإن الله تعالى يقول: " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلتْ لَها مَاكَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ " قال: يا أبا هريرة، لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا، ولنا الجنة، ومن وفّى وفّى الله له الجنة بما بايع عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن نكث فإنما ينكُث على نفسه، فلم يكلمه أبو هريرة بشيء، فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة: إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن يكفَّ عبادة وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب عثمان إلى فلان أن أرْحِلْه إلى داره من المدينة، فبعث به فلان حتى قدم المدينة، فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه، ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين، فلم يُفْجَ عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار، فالتفت إليه، فقال: ما لنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدار فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا القاسم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما يعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله فلا تضلوا بربكم. فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك. فما راجعه عثمان بحرف. عن الحسن قال: كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضة يباع الإناء بمثلي ما فيه، أو نحو ذلك، فمشى إليهم عبادة فقال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا

عبادة بن الصامت، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان لم يصم رمضان بعده يقول: الذهب بالذهب مثلاُ بمثل، سواء بسواء. وزناً بوزن، يداً بيد فما زاد فهو رباً، والحنطة بالحنطة قفيز، بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو رباً، والتمر بالتمر، قفيز بقفيز، يد بيد فما زاد فهو رباً. قال: فتفرق الناس عنه فأتى معاوية فأخبر بذلك، فأرسل إلى عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن كنت صحبت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعت منه، لقد صحبناه وسمعنا منه، فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره؟ فأخبره، فقال له معاوية: اسكت عن هذا الحديث ولا تذكره. فقال له عبادة: بلى، وإن رغم أنف معاوية. قال: ثم قام فقام له معاوية: ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصفح عنهم. حدِّث حميد بن زياد أبو صخر أنه بلغه أن عبادة بن الصامت حين ذكر لناس من شأن عثمان ما ذكروا قال: والله، لا أحضر هذا الأمر أبداً، فخرج من المدينة حتى لحق بغَسْقلان، فمكث حتى فرغ من عثمان، ثم أقام حتى استخلف معاوية، فقام معاوية على المنبر فخطب الناس فذكر أبا بكر بن أبي قحافة فصلّى عليه، ثم قال: إنه وطىء عقب نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبع أمر صاحبه، ثم مات، له الفضل من ذلك، لا عليه، ثم ولي عمر فوطىء عقب نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبع أثر صاحبه ثم مات، له الفضل من ذلك لا عليه، ثم مكث عثمان ثمان سنين لا يخالف أمر نبيه وصاحبيه، ثم أخذ وترك فمات، فالله أعلم به، ثُم وَليتُ فأخذت حتى خالط لحمي ودمي، فهو خير مني وأنا خير ممن بعدي، ويا أيها الناس إنما أنا لكم جنَّة. فقام عبادة بن الصامت فقال: أرأيت إن احترقت الجنة قال: إذاً تخلص إليها النار، قال: من ذلك افر، قال: فأمر به فأخذ، فأضْرَط بمعاوية، ثم قال: علمت كيف كانت البيعتان حين عينا إليهما، دُعيت على أن تبايع على ألاَّ نزني ولا نسرق، ولا نخاف في الله لومة لائم

فقلت: أما هذه فاعفني يا رسول الله، ومضيت أنا عليها، فبايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخافك في الله عز وجل، فقال معاوية: صدقت، قد كان هذا شأن البيعتين، فأمر به فارسل. وعن عبادة بن الصامت أنا معاوية قال لهم: يا معشر الأنصار، مالكم لم تلقوني مع إخوانكم من قريش؟ قال عبادة: الحاجة. قال: هلاّ على النواضح. قال: أنضيناها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، فما أجابه. قال: وقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها ستكون أثَرَه بعدي. قال معاوية: فما أمَرَكُمْ؟ قال: أمرنا أن نصبر. قال: فاصبروا حتى تَلْقَوه. وعن عبادة بن الوليد عن أبيه قال: لقد أهديت لعبادة بن الصامت هدية وإن معه في الدار اثني عشر أهل بيت، فقال عبادة: اذهبوا بهذه إلى آل فلان فهم أحوج إلهيا منا. قال: فما زالوا كلما جئت إلى أهل بيت يقولون: اذهبوا إلى آل فلان، هم أحوج إليه منا، حتى رجعت الهدية إليه قبل الصبح. حدِّث عثمان بن أبي العاتكة أن عبادة بن الصامت مَرَّ بقرية يقال لها دُمَّر، من قرى الغوطة، فأمر غلامه أن يقطع له سواكاً من صفصاف على نهر بردى، فمضى ليفعل، ثم قال له: ارجع فإنه إلا يكن بثمن، فإنه ييبس فيعود حطباً بثمن. وعن مالك بن شرحبيل قال: قال: عبادة بن الصامت: ألا تروني لا أقوم إلا رِفداً، ولا آكل إلا ما لوِّق لي، وقد مات صاحبي منذ زمان يعني: ذكره وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي وأنَّ لي ما تطلع عليه الشمس مخافة أن يأتي الشيطان فيحركه علي، إنه لا سمع له ولا بصر. قوله: " ما أقوم إلا رفداً " يريد إلا أن أُرفَد فأُعان على القيام حتى أنهض، وقوله: " إلا ما لُوّق لي " يقول: إلا ما لُيْن من الطعام حتى يصير كالزُّبد في لينه.

عبادة بن نسي الكندي الأزدي

ولما حضرت عبادة الوفاةُ قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن يعني الدار ثم قال: اجمعوا لي مواليّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليّ، فجمعوا له فقال: إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة. وأحَرِّج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي، قال: فقالوا: بل كنت والداً وكنت مؤدباً قال: وما قال لخادم سوءاً قط فقال: أغفرتم لي ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم، قال: اللهم، اشهد. ثم قال: أما لا فاحفظوا وصيّتي: أخرِّج على أنسان منكم يبكي عليّ، فإذا خرجت نفسي فتوضؤوا وأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي ثم يستغفر لعُبادة ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال: " استَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاِةٍ " ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبِعُنّي ناراً ولا تضعوا تحتي أرجواناً. توفي عبادة ببيت المقدس في خلافة عثمان، وقيل: مات بالرملة من أرض الشام سنة أربع وثلاثين، وقيل: توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالشام. وكان رجلاً طُوالاً جسيماً جميلاً. وقيل توفي سنة خمس وأربعين. وقال رجاء بن أبي سلمة قبر عبادة بن الصامت ببيت المقدس. عُبادة بن نُسَيّ الكندي الأزديّ أبو عمر قاضي طبرية وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته، واجتاز بدمشق.

حدث عبادة بن نسي عن عبادة بن الصامت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الذي يقاتل فيقتل في سبيل الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، القتيل في سبيل الله شهيد، والمطعون شهيد، والمبطون شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد، يعني النُّفَساء ". وحدث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعلَّموا مناسككم فإنها من دينكم ". وحدث عبادة بن نسي أنه سمع قيس بن الحارث يقول: أخبرني أبو عبد الله الصُّنابحي انه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورتين من قصار المفصل، وقرأ في الركعة الثالثة، قال: فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية: " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا.. " حتى " الوَهّابِ ". قال أبو عبيدة: وأخبرني عبادة أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته فقال عمل لقيس: كيف أخبرتني عن أبي عبد الله؟ قال: فما تركناها منذ سمعناها منه، وإن كنت قبل ذلك لعلي غير ذلك، فقال له رجل: وعلى أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك؟ قال: كنت أقرأ " قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ". توفي عبادة بن نسي سنة ثمان عشرة ومئة بالشام.

عبادة المخنث

عَبَّادة المخنث قدم دمشق مع المتوكل، وكان ماجناً مضحكاً وهو بفتح العين وتشددي الباء وكان ينادر المتوكل، وله نوادر. دخل عَبَّادة المخنث على الواثق، وبعضٌ يُضرب، وبعضٌ يُقتل في خلق القرآن، قال: وبعض يُحبس، قال: فقال عبادة: والله إن امتحنني أمير المؤمنين ليقتلني، ولكن أبدؤه أنا، قال: فقلت: أعظم الله أجرك يا سيدي، قال: فقال لي: ويلك فيمن؟ قال: قلت: في القرآن، قال: فقال لي: ويلك والقرآن يموت؟! قال: قلت: نعم، كل مخلوق هو ميت، فإذا مات القرآن في شعبان، من يصلي بالناس في رمضان؟ فقال: أخرجوه، أخرجوه. وفي أخرى: فإنه مجنون. قال محمد بن نشيط قال: بلغني أنه كان لرجل على عَبّادة المخنث دين، فكان يتردد إليه كل يوم، فيقال: ليس هو في البيت، فغلّس عليه يوماً في الثلث الأخير، فدقَّ الباب فقيل: ليس هو ها هنا، فصاح الرجل واستغاث بالجيران. فلما اجتمعوا قال: يا معشر الناس، في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة؟ فأشرف عليه عَبَّادة من طاق له قال: نعم يا بن الفاعلة، هو ذا أنت لست في بيتك الساعة. قال محمد بن عبد الرحمن بن فهم: تغذينا عند عياش ومعناه عبادة، فلما فرغنا جاء غلام بجام فيه لَوْزينج فقال له عياش: ضعها خلف الخيش، فقال له عبادة: وإيش فيها جُعلت فداك؟ قال: بظر أمك: فأعضني به.

عباد بن الريان

قال أبو العيناء: قال المتوكل لعبَّادة: غنني صوتاًن فغناه، فاضطرب فقال: ما هذا؟ قال؛ يا سيدي غناء المخنثين كقراءة اليهود، قال:: وكيف ذاك؟ قال: " يُحَرَّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ". عبّاد بن الريَّان أبو طرفة اللخمي الحمصي وفد على هشام بن عبد الملك. قال: وأراه سكن دمشق. قال أبو ذر: أول ما دعاني إلى الإسلام أنّا كنّا قوماً عرباً، فأصابتنا السَّنَة، فاحتملت أمي وأخي - وكان اسمه أنيس إلى أصهار لنا بأعلى نجد، فلما حللنا بهم أكرمونا. فلما رأى ذلك رجل من الحي مشى إلى خالي، فقال: تعلم أن أنيسا يخالفك إلى أهلك، قال: " فحز في قلبه وأحبس "، فانصرفت من رعية إبلي فوجدته كئيباً يبكي، قلت: ما بكاؤك يا خال؟ فأعلمني الخبر، فقلت: حجر الله من ذلك، إنا نعاف الفاحشة وإن كان الزمان قد حلّ بنا، ولقد كدر علينا صفو ما ابتدأنا به ولا سبيل إلى اجتماع، فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة. فقال أخي: إني مدافع رجلاً على الماء بشِعر، وكان امرأ شاعراً، فقلت: لا تفعل، فخرج به اللجاج حتى دافع دُريد بن الصّمة صِرمته إلى صرمته، وايم الله لدُريد يومئذٍ أشعر من أخي، فتقاضيا إلى خنساء، فقضت لأخي على دريد، وذلك أن دريداً خطبها إلى أبيها، فقالت: شيخ كبير لا حاجة لي فيه، فحقدت ذلك عليه، فضممنا صِرمته إلى صرمتنا، فكانت لنا هجمة قال: ثم أتيت مكة فابتدأت بالصفا، فإذا عليه رجالات قريش، وقد بلغني أن بها صابئاً أو مجنوناً أو

شاعراً أو ساحراً فقلت: أين هذا الصابىء الذي تزعمونه؟ قال: ها هو ذاك حيث ترى فانقلبت إليه، فوالله ما جُزت عنهم قيس حَجَرة حتى أكبّوا عليَّ بكلّ عظيم وحجر ومدر، فضرجوني بدمي حتى أتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء، فصرمت فيه ثلاثين يوماً، لا آكل ولا أشرب إلاّ من ماء زمزم، حتى إذا كانت ليلة قمراء إضحيان أقبلت امرأتان من خزاعة فطافتان بالبيت في ثم ذكرتا أُساف ونائلة، وهما وثنان كانا يعبدانهما في الجاهلية، قال: فأخرجت رأسي من تحت الستور فقلت: احملا أحدهما على صاحبه فغضبتا ثم قالتا: أما والله لو كان رجالنا حضوراً ما تكلمت بهذا، ثم ولّتا، فخرجت أقفوا آثارهما حتى لقيتا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأ عربياً، فقال: ما أنتما؟ ومن أي أنتما؟ ومن أي جئتما؟ وما جاء بكما؟ فأخبرتاه الخبر، فقال: أين تركتما الصابىء؟ فقالتا: تركناه بين الستور والبناء، فقال لهما: هل قال لكما شيئاً؟ قالتا: نعم، كلمة تملأ الفم، قال: فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم انسلَتا. وأقبلت حتى حيَّيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلام فقال: من أنت؟ وممن أنت؟ ومن أين جئت؟ وما جاء بك، فأنشأت أعلمه الخبر فقال: من أين كنت تأكل وتشرب؟ فقلت: من ماء زمزم. قال: أما إنه طعام طعم، ومعه أبو بكر فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أعشّيَه؟ قال: نعم، ثم خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي، وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بباب أبي بكر، ثم دخل أبو بكر، ثم أتانا بزبيب من زبيب الطائف، فجعل يلقيه لنا قُبَصاً قُبَصاً، ونحن نأكل حتى تَملأنا، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا أبا ذر فقلت: لبيك، قال: إنه قد رفعت لي أرض وهي ذات نخل ولا أحسبها إلاّ تهامة، فاخرج إلى قومك فادعهم إلى ما دخلت فيه، قال: فخرجت حتى أتيت أمي وأخي فأعلمتهما الخبر فقالا: ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلتَ فيه، قال: فخرجت حتى أتيت أمي وأخي فأعلمتهما الخبر فقالا: ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلتَ فيه، فأسلما، ثم خرجنا حتى أتينا المدينة، فأعلمت قومي فقالوا: إنا قد صدقناك، ولكنا نلقى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيناه فقالت له غفار: يا رسول الله، إن أبا ذر قد أعلمنا ما أعلمته، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله، ثم تقدمت أسْلَمُ خزاعة فقالوا: يا رسول الله، إنا قد رغبنا ودخلنا فيما دخل

عباد بن زياد

فيه إخوتنا وحلفاؤنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسْلَمُ سالمها الله، وغِفار غفر الله لها. قال: ثم أخذ أبو بكر بيدي، فقال: يا أبا ذر، فقلت: لبيك يا أبا بكر، قال: هل كنت تتأله في جاهليتك؟ قلت: نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس فما أزال مصلياً حتى يؤذيني حرها، فأخرَّ كأني خِفاء، فقال لي: فأين كنت توجّه؟ قال: قلت: لا أدري إلاّ حيث وجّهني الله حتى أدخل الله عليَّ الإسلام. قال عبّاد بن الرَّيان اللخمي: كنت عند هشام فأقبل مكحول، فأمر هشام أن يؤتى بالسيف والنِّطع ليضرب رقبة مكحول، فقام رجل من الناس فقال: ائذن لي يا أمير المؤمنين أن أتكلم، قال: تكلم. قال: إني سمعت مكحولاً يقول: لا أبقاني الله بعد هشام، قال: أنت سمعته؟ قال: نعم، قال: ردّوا السيف والنّطع. عبّاد بن زياد المعروف أبوه بزيادة بن أبي سفيان، أبو حرب من البصرة، قدم دمشق غير مرة، وشهد وقعة مرج راهط من مروان بن الحكم. روى ابن شهاب عن عبّاد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة أنه ذهب مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته في غزوة تبوك. قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسكبت عليه فغسل وجهه، ثم ذهب يُخرج يده من كُمَّيْ جُبَّتهِ، فلم يستطع من ضيق كُمّيْ جُبَّته، فأخرجها من تحت جبته، فغسل يديه ومسح برأسه، ومسح على الخفين، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلّى لهم ركعة، فصلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم الركعة التي بقيت عليهم، ففزع الناس، فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أحسنتم.

العباس بن أحمد بن محمد

قال مصعب: أخطأ مالك في قوله: وهو من ولد المغيرة. قال: وصوابه: عباد بن زياد عن رجل من ولد المغيرة، وهو عروة. والله أعلم. وزاد في حديث آخر: ثم قال: أحسنتم وقد أصبتم، يغبطهم أن صلّوا الصلاة لوقتها. وصرَّح في حديث آخر: فوجد عبد الرحمن بن عوف قد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر. وحدّث عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين. توفي زياد بالكوفة سنة ثلاث وخمسين. مات عباد سنة مئة، وقيل: إنه مات بجرود من عمل دمشق. العباس بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن ربيعة، أبو الفضل السُّلمي المعروف بابن الصَّباغ حدّث عن أبي موسى عمران بن موسى الطَّرسوسي بسنده عن مجاهد قال: لا تقولوا رمضان، ولكن قولوا شهر رمضان. لعله اسمٌ من أسماء الله عزّ وجلّ. ونسب العباس هذا الخبر إلى جده فقال: أبو الفضل العباس بن محمد بن عبد الله. توفي العباس بن الصباغ سنة ستة ست وعشرين وثلاث مئة.

العباس بن أحمد بن محمد

العباس بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب المعروف بالشافعي حدّث سنة سبعين وثلاث مئة عن مكحول بسنده عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلُ عمل منقطع عن صاحبه إلاّ المرابط في سبيل الله، فإنه يجري عليه عمله، ويجري عليه رزقه إلى يوم الحساب ". وحدّث عن عثمان بن عبد الله بن عفان الجرجرائي المعروف بالغسُولي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلاّ بوليّ، والسلاطن ولي من لاولي له ". توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة. وكان زاهداً فاضلاً. العباس بن أحمد الشامي سمع بدمشق. وحدّي عن عبد الوهاب بن الضحاك بسنده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يُسَلِّم الصغير على الكبير، ويُسلِّم الواحد على الاثنين، ويسلِّم القليل على الكثير ويسلِّم الراكب على الماشي، ويسلِّم المارّ على القائم، ويسلِّم على القاعد ". العباس بن بكير الخياط الصيداوي حدّث بصيدا عن محمد بن عبد الله الخراساني سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة بسنده عن أنس قال: سُئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، هل يثقل العرش على حَمَلَتِه؟ قال: نعم، والذي

العباس بن حماد الأنصاري

بعثني بالحق إنه ليثقل على حملته، قالوا: وفي أي وقت ذاك. قال: إذا قام المشركون إلى شركهم اشتدَّ غضب الله عزّ وجلّ، ويثقل العرش على حملته حتى يتنبه المتنبه من أمتي، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيسكن غضب الله عزّ وجلّ، ويخف العرشُ على حملته، ويقول حملة العرش: اللهم اغفر لقائلها. العباس بن حمّاد الأنصاري سمع بدمشق. وحدّث عن سليمان ابن بنت شرحبيل عن زيد بن عنترة عن خصيف أنّ كعب الأحبار لما قدم الشام نظر إلى دمشق قال: يا مدينة الزّواني، تكبرت على المدن، والذي نفس كعب بيده ليدخلنها سبعون ألف سيف مسلول، يرفع الله عنهم الرحمة ثلاث ساعات من النهار، ثم يمكث زماناً، فيهدم حائطها، فإذا هُدم حائطها، فإذا هُدم حائطها كان من اقتراب الساعة. العباس بن حمزة بن عبد الله ابن أشرس. أبو الفضل النيسابوري الواعظ صاحب لسان وبيان. رحل في طلب الحديث وسمع بدمشق. حدّث عن عبد الرحيم بن حبيب بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة، والصلاة في مسجد الرباطات ألف صلاة ". وحدث عن أحمد بن إبراهيم الدروقي بسنده عن ثابت البناني قال: والله لَلْعبادةُ أشدُّ من ثقل الكارات.

العباس بن خرشة الكلابي الكوفي

قال العباس بن حمزة: وإنما ذلك أوّل ما يبتدىء فيها تثقل عليه، فإذا علم الله من عبده صدق النية يهوّن عليه حتى تكون أحلى عنده من السكر، وألذ من الماء البارد في اليوم الشديد الحر. قال العباس: سمعت ذا النون يقول: عرف المطيعون عظمتك فخضعوا، وسمع المذنبون بجودك فطمعوا. وعن العباس أنه قال: لو التفتّ طولُ أملي فعايَن قرب أجلي لاستحيا طول أملي من قرب أجلي. وسأل رجل العباس بن حمزة عن الزهد فقال: ترك ما يشغلك عن الله أخذُه، وأخذُ ما يُبعدُكَ عن الله تركُهُ. توفي العباس سنة ثمان وثمانين ومئتين. العباس بن خَرَشَة الكلابي الكوفي روى عنه أبو حسان أنه قال له بنو عمه أو بنو عمر امرأته: إن امرأته لا تحبّك، فإنْ أحببت أن تعلم ذلك فخيّرها، فقال: بابرزة بنت الحر، اختاري، فقالت: اخترت ولست بخيار، قالت ذلك ثلاث مرات. فقالوا: حرمت عليك. فقال: كذبتم، فأتى علياً فذكر ذلك له فقال: لئن قربتها حتى تنكح زوجاً غيرك لأرضخنك بالحجارة. فلما استخلف معاوية أتاه فقال: إن أبا تراب فرّق بيني وبين امرأتي بكذا وكذا، قال: قد أجزنا قضاءه عليك، أو قال: ما كنا لنردّ قضاءه عليك.

العباس بن سالم بن جميل

العباس بن سالم بن جمَيْل ابن عمرو بن ثوابة بن الأخنس بن مالك بن النعمان ابن امرىء القيس اللخمي الدمشقي قال العباس بن سالم: بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلاّم الحبشي، فحُمل على البريد. فلما قدم على عمر بن عبد العزيز قال: يا أمير المؤمنين، لقد شقَّ عليّ محملي علي البريد، فقال عمر: ما أردنا المشقة بك أردنا المشقة بك يا أبا سلاّم، ولكنه بلغني عنك حديث ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحوض فأحببت أن أشافهك به. قال أبو سلام: سمعت ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن حوضي من عَدَن إلى عَمَّان البلقاء، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، أكاويبُه عدد نجوم السماء، مَنْ شرب منه شربة لم يظمأ بعده أبداً، أول الناس وروداً عليه فقراءُ المهاجرين، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، من هم؟ قال: الشُّعث رؤوساً، الدُّنْس ثياباً، الذين لا ينكحون الممنّعات ولا يُفتح لهم أبواب السُّدد؟. قال عمر بن عبد العزيز: لا جرم والله لقد فُتحت لي أبواب السُّدد، ونكحت الممنعات: فاطمة بنت عبد الملك، إلا أن يرحمني الله، لا جرم لا أدهن رأسي حتى أشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. العباس بن سعيد أبو القاسم من ساكني بيت لهيا. حدث ببيت لهيا عن إسماعيل بن عبد الله السكري بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل دين خلقاً وخلق هذا الدين الحياء.

العباس بن سفيان الخثعمي

العباس بن سفيان الخثعمي كان أميراً على غازية البحر في خلافة بني العباس. قال الوليد: غزوت قبرس سنة ست وأربعين ومئة مع العباس بن سفيان الخثعمي، فكان أول جيش من المسلمين غزوا في ولاية آل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. العباس بن سهل بن سعد ابن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي المدني وفد على يزيد بن معاوية. حدث العباس بن سهل عن أبي حميد قال: أقبلنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزو تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه. وعن عباس بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي من الأنصار، وأنهم تذاكروا الصلاة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: كيف؟ قال: اتبعت ذلك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: فأرنا، قال: فقام فصلى وهم ينظرون، فبدأ فكبر فرفع يديه نحو المنكبين، ثم كبر للركوع فرفع يديه، ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع رأسه ولا مصوّبة ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ورفع يديه، وزاد غيره

في حديث آخر قال: ثم قال: الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس وتورك إحدى يعني رجليه، ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى، يكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام فكبر، ثم ركع الركعتين الأخريين. فلما سلّم سلّم عن يمينه، سلام عليكم ورحمة الله، وسلّم عن شماله أيضاً سلام عليكم ورحمة الله. وزاد في رواية أخرى: في كل موضع حتى يرجع كل عضو في موضعه، يعني في الاعتدال والجلوس من السجود. استؤمن لعباس بن سهل بن سعد الساعدي، فأبى مسلم أن يُؤمِنه فأتوْه به، ودعا بالغداء فقال له عباس صلى الله الامين والله لكأنها جفنة ابيك كان يخرج عليه مِطْرف خزّ حتى بِفنائه، ثم توضع جفنته بين يدي من حضر، قال - وقد رأيته قال أشد ما قال - صدقت كان كذلك كان كذلك، أنت آمن، فقيل للعباس: كان أبوه كما قلت؟ قال: لا والله، ولقد رأيته في عباءة يجرها على الشوك ما نخاف على ركابنا ومتاعنا أن يسرقه غيره. قال قدامة بن إبراهيم: رأيت الحجاج يضرب عباس بن سهل في أمر ابن الزبير، فأتاه سهل بن سعد وهو شيخ كبير، له ضفيرتان وعليه ثوبان إزار ورداء فوقف بين السماطين فقال: يا حجاج، ألا تحفظ فينا وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وما وصى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكم؟ قال: وصّى أن يُحسن إلى مُحسن الأنصار ويعفى عن مسيئهم، قال: فأرسله. توفي العباس بن سهل في ولاية الوليد.

العباس بن عبد الله

العباس بن عبد الله بن أحمد ابن عصام ويقال: العباس بن أحمد بن عبد الله، أبو الفضل - ويقال: أبو القاسم المزني المري البغدادي الفقيه الشافعي رحَّال. حدث عن القاسم بن جعفر العلوي بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صليتم الصبح فافرغوا إلى الدعاء، وباكروا في طلب الحوائج، اللهم بارك لأمتي في بكورتها " العباس بن عبد الله ابن أبي عيسى ازداذ بنداذ. أبو محمد التَّرْقُفي الباكُسائي سمع بدمشق وغيرها. حدث عن زيد بن يحيى الدمشقي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه " وحدث عن حفص بن عمر بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وددت أن " تَبَرَكَ الَّذِيْ بِيَدِهِ الْمُلْكُ " في قلب كل مؤمن " قال العباس بن عبد الله الترقفي سمعت شيخاً يكنى أبا عمرو يقال له كَبَاث بن مصعب قال: قيل لأعرابي: لم لا تزوج؟ قال: إني وجدت مداراة العفة أيسر من الاحتيال لمصلحة النساء. توفي الترقفي سنة سبع وخمسين. قالوا: وهذا القول خطأ، والصحيح أنه توفي سنة سبع وستين ومئتين، وقيل: سنة ثمان وستين.

العباس بن عبد الرحمن بن الوليد

العباس بن عبد الرحمن بن الوليد ابن نَجِيع أبو الحارث القرشي حدث عن بكر بن عبد العزيز بن إسماعيل بن عبد الله بسنده عن أبي الدرداء قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا جماعة من العرب يتفاخرون، قال: فأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخلت، فقال لي: يا أبا الدرداء، ما هذا اللجب الذي أسمع! قال: قلت: هذه العرب تفتخر بفناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقال: يا أبا الدرداء، إذا فاخرت ففاخر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم، وإذا حاربت فحارب بقيس، ألا وإن وجوهها كنانة، ولسانها أسد، يا أبا الدرداء، إن لله فرساناً في سمائه يقاتل بهم أعداءه، وهم الملائكة، وفرساناً في أرضه وهم قيس يقاتل بهم أعداءه، يا أبا الدرداء، إن آخر من يقاتل عن الدين حين لا يبقى إلا ذكره، ومن القرآن إلا رسمه رجل من قيس. قلت: يا رسول الله، ممن هو من قيس؟ قال: من سليم. قال: هذا غريب جداً. العباس بن عبد المطلب أبو الفضل القرشي الهاشمي عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكتم إسلامه إلى أن اسر ببدر فأظهر إسلامه. قدم الشام مع عمر بن الخطاب. حدث العباس قال: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل ينفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح.

وحدث العباس أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه. ولما دنا عمر من الشام وأخذ طريق أيلة تنحى معه غلامه. فلما أراد الركوب عمد إلى مركب غلامه وإن عليه لفرواً مقلوباً، فركب وحوَّل غلامه على رحل نفسه، وهو على جمل أحمر، وعمر يومئذ متزر بإزار، ومرتد بعمامة على حقبيه، تحته فرو، وإن العباس لبين يديه على عتيق يتقدى به وكان رجلاً جميلاً، فجعلت البطارقة يسلمون عليه ويشير أني لست به، وأنه ذاك، فيسلمون عليه ويرجعون معه حتى انتهى إلى أيلة والجابية، وتوافى إليه بها المسلمون وأهل الذمة. قالوا: وركب عمر من الجابية يريد الأردن، وقد توافى إليه الناس، ووقف له المسلمون وأهل الذمة، فخرج عليهم على حمار، وأمامه العباس على فرس. فلما رآه أهل الكتاب سجدوا له، فقال: لا تسجدوا للبشر واسجدوا لله، ومضى في مسيره، وقال القسيسون والرهبان: ما رأينا أحداً قط أشبه بما يوصف من الحواريين من هذا الرجل. ثم دخل الأردن على بعيره. وولد عبد المطلب بن هاشم اثني عشر رجلاً وست نسوة، منهم العباس، وكان شريفاً عاقلاً مهيباً. وضراراً، وكان من فتيان قريش جمالاً وسخاء، ومات أيام أوحي إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عقب له. وقُثم بن عبد المطلب لا عقب له. وأمهم نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر، وهو الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط.

قيل: إنه شهد بدراً كرهاً، وأنه اسلم بعد انصرافه إلى مكة، وهو وكَّد البيعة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة. ولد العباس قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أبيض جميلاً بضاً، له ضفيرتان معتدل القامة. وفي موضع آخر: كان معتدل القناة، يعني طويلاً حسن الانتصاب ليس فيه جنأ. سئل العباس: أن أكبر أو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر منّي وولدته قلبه. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: يا عماه، أنت أكبر مني وولدت قبله. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: يا عماه، أنت أكبر مني، قال العباس: أنا أسنّ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر. قال ابن سلام: لما أمعر أبو طالب قالت بنو هاشم: دعنا فليأخذ كل رجل منا رجلاً من ولدك. قال: اصنعوا ما أحببتم إلى خليتم لي عقيلاً، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليّاً، فكان أول من أسلم ممن تلفت عليه حيطانه من الرجال، ثم أسامة بن زيد، فكان أو طالب يدّان لسقاية الحاج حتى أعوزه ذلك، فقال لأخيه العباس بن عبد المطلب وكان أكثر بني هاشم مالاً في الجاهلية -: يا أخي، قد رأيت ما دخل عليّ، وقد حضر الموسم ولا بدّ لهذه السقاية من أن تقام للحاج، فأسلفني عشرة آلاف درهم، فأسلفه العباس إياها، فأقام أبو طالب تلك السنة بها وبما احتال. فلما كانت السنة الثانية وأَفِدَ الموسم قال لأخيه العباس: يا أخي، إن الموسم قد حضر ولابدّ للسقاية من أن تقام، فأسلفني أربعة عشر ألف درهم فقال: إني قد أسلفتك عام أول عشرة آلاف درهم ورجوت ألاّ يأتي عليك هذا الموسم حتى تؤديها

فعجزت عنها، وأنت تطلب العام أكثر منها وترجو زعمت ألا يأتي عليك الموسم حتى تؤديها، فأنت عنها أعجز اليوم، ههنا أمر لك فيه فرج: أدفع إليك هذه الأربعة عشر ألف درهم، فإن جاء موسم قابل ولم توفني حقي الأول، وهذا فولاية السقاية إلي فأقوم بها وأكفيك هذه المؤنة إذا عجزت عنها، فأنعم له أبو طالب بذلك، فقال: ليحضر هذا الأمر بنو فاطمة ولا أريد سائر بني هاشم، ففعل أبو طالب وأعاره العباس الأربعة عشر الألف درهم بمحضر منهم ورضى. فلما كان الموسم العام المقبل، ولم يكن بدّ من إقامة السقاية، فقال العباس لأبي طالب: قد أفِد الحج وليس لدفع حقي إليّ وجه وأنت لا تقدر أن تقيم السقاية فدعني وولايتها أكِفكها وأبرئك من حقي، ففعل، فكان العباس بن عبد المطلب يليها وأبو طالب حيّ ثم تمّ ذلك لهم إلى اليوم. قال معروف بن خربوذ: انتهى الشرف من قريش من الجاهلية إلى عشرة نفر من عشرة بطون، فأدركهم الإسلام فوصل ذلك لهم من بني هاشم: العباس بن عبد المطلب، كان قد سقى في الجاهلية الحجيج فبقي ذلك له في الإسلام. قال: وكانت سقاية الحاج في الجاهلية وعمارة المسجد الحرام وحلول الثغر في بني هاشم. فأما حلول الثغر فإن قريشاً لم تكن تملك عليها في الجاهلية أحداً، فإذا كانت الحرب أقرعوا بين أهل الرئاسة، فإذا حضرت الحرب أجلسوه، لا يبالون صغيراً أو كبيراً، أجلسوه تيمناً به. فلما كان أيام الفجار أقرعوا بين بني هاشم فخرج سهم العباس وهو غلام فأجلسوه على ترسٍ. وقال العباس بن عبد المطلب في دم عمرو بن علقمة بن عبد المطلب بن عبد مناف يحرض أبا طالب بن عبد المطلب على الطلب به: " الطويل " أبا طالبٍ لا تقبلِ النصْف منهُمُ ... وإنْ أنصفوا حتّى تعقّ وتظلِما أبى قوما أن ينصفونا فأنصفت ... قواطعُ في أيماننا تقطر الدما

إذا خالطتْ هام الرجال رأيتها ... كبَيْض نعامٍ في الوغى قد تحطما وزعناهُمُ وزع الحوامس غُدوة ... بكل يماني إذا عض صمّما وزعناهُمُ وزع الحوامس غُدوة ... بكل يماني إذا عض صمّما تركناهُمُ لا يستحلون بعدها ... لِذي رحمٍ يوماً من الناس مَحْرَما قال الزبير: ويقال: كان للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بن هاشم وجفنة لجائعهم ومِقْطَرة لجاهلهم، وفي ذلك يقول إبراهيم بن علي بن هرمة: " الطويل " وكانت لعباس ثلاثٌ يعدّه ... إذا ما جنابُ الحيّ أصبح أشْهَبا فسلسلةٌ تنهى الظلوم وجفنةٌ ... تباحُ فيكسوها السَّنام الْمُزَغَّبا وحُلَّةٌ عَصبٍ ما تزال معُدَّةً ... لعارٍ ضريكٍ ثوبُه قد تهبَّبا وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب. عن عمرو بن عثمان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمتي أمة مباركة، لا يدري أولها خير أو آخرها ". فأسلم العباس ليلة الغار، وأسلم عمر بعد أربع سنين من مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عباس قال: أسلم العباس بمكة قبل بدر، وأسلمت أم الفضل معه حينئذٍ، وكان مثقامه بمكة، إنه كان لا يغبّي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة خبراً يكون إلاّ كتب به إليه، وكان مَنْ هناك من المؤمنين يتقوون به ويصيرون إليه، وكان لهم عوناً على إسلامهم، ولقد كان يطلب أن

يقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكتب إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مقامك مجاهد حسن، فأقام بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن قريشاً لما نفروا إلى بدر فكانوا بمرّ الظهران بعث أبو جهل من يومه فقال: يا معشر قريش، ألا تبّاً لرأيكم، ماذا صنعتم، خلّفتم بني هاشم وراءكم، فإن ظفر بكم محمد كانوا من ذلك بنجوة، وإن ظفرتم بمحمد أخذوا ثأرهم منكم من قريب من أولادكم وأهليكم، وفلا تذروهم في بَيْضَتِكم ونسائكم ولكن أخرجوهم معكم، وإن لم يكن عندهم غَناء، فرجعوا إليهم فأخرجوا العباس بن عبد المطلب ونوفلاً وطالباً وعقيلاً كُرهاً. قال: هكذا ذكر ابن سعد، والصحيح أن العباس أسلم بعد بدر. قال أبو اليسر: نظرت إلى العباس بن عبد المطلب يوم بدر وهو قائم كأنه صنم وعيناه تذرفان. فلما نظرت إليه قلت: جزاك الله من ذي رحم شرّاً، أتقاتل ابن أخيك مع عدوه! قال: ما فعل؟ وهل أصابه القتل؟ قلت: الله أعزُّ له وأنصر من ذلك، قال: ما تريد إليَّ؟ قلت: إسار، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قتلك، قال: ليست بأول صلته، فأسرته ثم جئت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: وكان الذي أسر العباس بن عبد المطلب أن اليسر بن عمرو وهو كعب بن عمرو أحد بني سلمة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أسرته يا أبا اليسر؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل، هيئته كذا، وهيئته كذا، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد أعانك عليه مَلَك كريم. وعن ابن عباس قال: فبعثت قريش إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما

تراضوا، وقال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن قد كنت مسلماً فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الله أعلم بإسلامك، فإن يك كما تقول فالله يجزيك بذلك، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فأفد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، وحليفك عتبة بن عمرو بن جَحْدم أخو بني الحارث بن فهر، قال: ماذاك عندي يا رسول الله. قال: فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها: إن أصبتُ في سفري هذا فهذا المال لبنيّ: الفضل وعبد الله وقُثَم؟ فقال: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاسحب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذاك شيء أعطاناه الله منك، ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه. وأنزل الله عزّ وجلّ فيه: (يا أَيُّها النَّبيّ قُلْ لِمَنْ في أيديكُمُ مِن الأَسرى إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فأعطاني الله تعالى مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً، كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجوا من مغفرة الله تعالى. قال ابن إسحاق: وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب، وذلك لأنه كان رجلاً موسراً فافتدى نفسه بمئة أوقية من ذهب. قال يحيى بن أبي كثير: لما كان يوم بدر أسر المسلمون من المشركين سبعين رجلاً، فكان ممن أسى عباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فولي وَثاقة عمر بن الخطاب فقال عباس: أما والله يا عمر ما يحملك على شدة وثاقي إلا لطمتي إياك في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عمر: والله ما زادتك تلك عليَّ إلاّ كرامة، ولكن الله أمرنا بشدّ الوثاق، قال: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع أنين العباس فلا يأتيه النوم، فقالوا: يا رسول الله، ما يمنعك من النوم؟ فقال: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي؟! قال: فزعموا أن الأنصار أطلقوه من وثاقه وباتت تحرسه.

وفي حديث مجاهد أن العباس أسره رجل من الأنصار وأوعدوه أن يقتلوه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لم أنم الليلة من أجل العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه، فقال عمر: آتيهم يا رسول الله؟ فأتى الأنصار فقال: أرسلوا العباس، قالوا: إن كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضاً فخذه. وعن ابن عباس قال: أقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فرغ من بدر، قال: عليك العير ليس دونها شيء. قال: فناداه العباس وهو أسير: لا يصلح ذلك، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لمه؟ قال: لأن الله عزّ وجلّ وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك. وعن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار: ذرنا يا رسول الله نترك لابن أخينا العباس فداءه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تذرون له درهماً واحداً. وعن ابن عباس قال: قال العباس: فيّ نزلت: " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يكونَ لهُ أسرَى حتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ "، فأخبرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذ مني، فأبى عليَّ، فأبدلني الله بالعشرين أوقية عشرين عبداً، كلهم تاجرٌ، مالي في يده. وعن الهيثم بن معاوية قال: للعباس بن عبد المطلب عِدَةٌ في كتاب الله عزّ وجلّ ليس لغيره، وعده الله عزّ وجلّ إياها فهي تقرأ إلى يوم القيامة تكون له ولولده من بعده، قال الله عزّ وجلّ في

كتابه: " إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: وفيْت فوفى الله لك. وذلك أن الإيمان كان في قلبه. وعن حميد بن هلال قال: بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البحرين بثمانين ألفاً، ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد قال: فنثرت على حصير ونودي بالصلاة، قال: وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمثل قائماً على المال، قال: وجاء أهل المسجد، قال: فما كان يومئذٍ عدد ولا وزن ما كان إلا قبضاً، قال: فجاء العباس بن عبد المطلب فحثى في خميصة عليه، فذهب يقوم فلم يستطع، قال: فرفع رأسه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ارفع عليّ، فتبسمّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى خرج ضاحكه أو نابه فقال له: أعد في المال طائفة، وقم بما تطيق، قال: أفعل، قال: فجعل العباس يقول وهو منطلق: أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا، وما ندري ما يصنع في الأخرى: " يا أَيُّها النَّبيّ قُلْ لِمَنْ في أيديكُمُ مِن الأَسرى إنْ يَعْلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "، قال: فهذا خير ما أخذ مني، ولا أدري ما يصنع الله في الآخرة، فما زال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم وما بعث إلى أهله بدرهم، قال: ثم أتى الصلاة فصلى. قال أبو رافع: بشرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلام العباس فأعتقني. وعن سهل بن سعد قال: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر أستأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطمئن يا عم، فإنك خاتم المهاجرين في الهجرة، كما أنا خاتم النبيين في النبوة.

قال ابن عباس: أسلم كل من شهد بدراً مع المشركين من بني هاشم، فادى العباس نفسه وابن أخيه عقيلاً، ثم رجعوا جميعاً إلى مكة، ثم أقبلوا إلى المدينة مهاجرين. وعن العباس بن عبد المطلب قال: لما كان يوم فتح مكة ركبت بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقدمت إلى قريش وفي رواية: إلى مكة لأردهم عن حرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففقدني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأل عني فقالوا: تقدم إلى مكة ليرد قريشاً عن حربك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ردّوا عليّ أبي، ردّوا عليّ أبي، لا تقتله قريش كما قتلت ثقيف عروة بن مسعود، قال: فخرجت فوارس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يلقوني فردّوني معهم. فلما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهش واعتنقني باكياً، فقلت: يا رسول الله، إني ذهبت لأنصرك، فقال: نصرك الله، اللهم انصر العباس وولد العباس. قالها ثلاثاً. ثم قال: يا عمّ، أما علمت أن المهدي من ولدك موفقاً راضياً مرضياً؟ وعن عبادة بن الصامت: قال: أخذ العباس بعنان دابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين حين أنهزم المسلمون فلم يزل آخذاً بعنان دابته، حتى نصر الله رسوله وهزم المشركين. وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: دخل العباس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضباً، فقال له: ما يغضبك؟ قال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى احمرّ وجهه، وحتى استدرّ عرق بين عينيه، وكان إذا غضب استدرّ. فلما سُرّي عنه قال: والذي نفسي بيده أو نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله عزّ وجلّ ولرسوله، ثم قال: أيها الناس، من آذى العباس فقد آذاني، وإنما عمّ الرجل صنو أبيه.

وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احفظوني في العباس، فإنه بقية آبائي، وإن عمّ الرجل صِنْو أبيه. وعن العباس بن عبد المطلب أنه جلس إلى قوم فقطعوا حديثهم، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحد من هل بيتي قطعوا حديثهم، والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرىء الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني. وعن ابن عباس أن رجلاً شتم أباً للعباس في الجاهلية، فلطمه العباس، فأخذ قوم هذا السلاح، وأخذ قوم هذا السلاح، قال: فغضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء فصعد المنبر فقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فإن عمّ الرجل صنو أبيه، لا تسبّوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا، فقالوا: نعوذ بالله من غضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه: فصعد المنبر فقال: يا أيها الناس، أيُّ الناس تعلمون أكرم على الله عزّ وجلّ؟ قالوا: أنت. قال: فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا. وزاد في آخر: فقالوا: يا رسول الله: نعوذ بالله من غضبك فاستغفر لنا، أحسبه قال: فاستغفر لهم. وفي حديث بمعناه: " مَنْ سبّ العباس فقد سبَّني ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يغسلني العبّاس فإنه والد، والوالد لا ينظر إلى عورة ولدِه ".

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر، فسما لحاجة له، فلحقه العباس بكساء فستره، قال فقال له: يا عباس، سترك الله من النار، وستر ولدك من النار. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس بن عبد المطلب: إذا كان غداة الاثنين فائتني أنت وولدك، فغدا وغدونا معه فألبسنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كساء له وقال: اللهم، اغفر للعباس ولولده مغفرة ظاهرة باطنة لا تغادر ذنباً، اللهم، اخلفه في ولده. وعن أبي أسيد الأنصاري الخزروجي البدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للعباس بن عبد المطلب: يا أبا الفضل، لا تَرِمْ منزلك غداً أنت وبنوك، فإن لي فيكم حاجة، فانتظروه فجاء فقال: السلام عليكم، قالوا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قال: كيف أصبحتم؟ قالوا: بخير نحمد الله، كيف أصبحت أنت يا رسول الله، قال: بخير أحمد الله، فقال: تقاربوا ليزحف بعضكم إلى بعض، ثلاثاً. فلما أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته، وقال: هذا العباس عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي، اللهم، استرهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، قال: فَأمَّنّتْ اُسْكُفّه الباب وحوائط البيت. آمين آمين، ثلاثًا. وعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بن الخطاب ساعياً على الصدقة، فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس بن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، إن خالداً قد احتبس أدْراعه وأعواده في سبيل الله، وأما العباس عمّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهي عليّ ومثلها معها. ثم قال: أما شعرت أن عمّ الرجل صنو أبيه؟ وفي حديث آخر مطول بمعناه: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عمر، أكرمه أكرمك الله، أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه؟ لا تكلم العباس فإنا قد تعجلنا منه صدقة سنتين.

وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العباس بن عبد المطلب عمي وصنو أبي، فمن شاء فليباه بعمه ". وعن عبد الله بن مسعود قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتشل يد العباس بن عبد المطلب وقال: " هذا عمي وصنو أبي وسيد عمومتي من العرب، وهو معي في السناء الأعلى من الجنة ". ومن حديث: " من آذى العباس فقد آذاني، إنما عمّ الرجل صنو أبيه ". وعن قيس بن عاصم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " العباس عمي وصنو أبي وبقية آبائي، اللهم، اغفر له ذنبه وتقبل منه أحسن ما عمل، وتجاوز عنه سيء ما عمل، وأصلح له في ذريته ". وعن ابن عباس قال: جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود العباس فأخذ بيده العباس حتى صعد إليه على السرير فأقعده في مجلسه فقال: رفعك الله يا عم. وعن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس بن عبد المطلب: " اللهم، اغفر للعباس وولد العباس ولمحبي ولد العباس وشيعتهم ". قال أبو هريرة: ثم رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ضرب بيديه على منكب العباس فقال: يا رب، هذا عمي وصنو أبي، اللهم، لا تفجعني به كما فجعتني بعمي حمزة يوم أحد، وكان أمرك يا رب قَدراً مقدوراً، ثم رأيت عينيه تذرفان بالدموع. قال أبو هريرة: ثم رأيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رفع يديه وهو يدعو ويقول: " اللهم، اغفر للعباس ما أسرّ وما أعلن، وما أبدى وما أخفى، وما كان وما يكون منه ومن ذريته إلى يوم القيامة ".

قال أبو هريرة: وكان في المجلس عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وعقيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين. فقال: هؤلاء أهلي، اللهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وعن الأعمش قال: بني العباس بن عبد المطلب داره التي كانت إلى المسجد فجعل يرتجز ويقول: بنيتها باللّبن والحجاره ... والخشبات فوقها مطاره يا رب باركن في أهل الداره فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم، باركن في أهل الداره ". قال: وجعل العباس ميزابها لاصقاً بباب المسجد يصب عليه، فطرحه عمر بن الخطاب فقال العباس: أما والله ما شده إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنه لعلى منكبي، فقال عمر: لا جرم والله لا تشده إلا وأنت على منكبيّ، فشده على منكبي عمر. وعن عبد الله بن العباس قال: قال لي العباس: جئت أنا وعلي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآنا قال: " بخٍ لكما، أنا سيد ولد آدم، وأنتم سيدا العرب ". وعن ابن عباس قال: أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين والأنصار أن يصفّوا صفين، ثم أخذ بيد علي وبيد عباس، ثم مشى بينهم، ثم ضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال له علي: ممّ ضحكت يا رسول الله؟ قال: أن جبريل أخبرني أن الله تعالى باهى بالمهاجرين والأنصار أهل السموات السبع، وباهى بك يا علي وبك يا عباس حملة العرش. وعن علي بن أبي طالب قال: لما فتح الله على نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة صلى بالناس الفجر من صبيحة ذلك، فضحك حتى بدت نواجذه، فقالوا: يا رسول الله، ما رأيناك ضحكت مثل هذه الضحكة، فقال: "

وما لي لا أضحك وهذا جبريل عليه السلام يخبرني عن الله عز وجل أن الله باهى بي وبعمي العباس وبأخي علي بن أبي طالب سكان الهواء وحملة العرش وأرواح النبيين وملائكة ست سماوات، وباهى بأمتي أهل سماء الدنيا ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجهز بعثاً بسوق الخيل وهو اليوم موضع سوق النخاسين فطلع العباس بن عبد المطلب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا العباس عم نبيكم أجود قريش وأوصلها ". وفي حديث: " أجود قريش كفاً وأوصلها لها ". وعن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم، إن هذا عمّ نبيك نتوجه به إليك، فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله، فخطب عمر الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده فيعظمه ويفخمه ويَبَرّ قسمه ولا تناله يمينه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكرم أحداً إكرامه العباس. وعنها قالت: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِلّ أحداً ما يُجِلّ العباس. وعن عائشة رضوان الله عليها أنها قالت لعروة: يا بن أختي، لقد رأيت من تعظيم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس أمراً عجيباً: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت تأخذه الخاصرة، فتشتد به جداً، قالت: فكنا نقول: أخذ

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرق الكلية ولا نهتدي للخاصرة، قالت: فاشتد به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جداً حتى أغمي عليه، ففزع الناس إليه، قالت: فظننا أن به ذات الجنب فلددناه، قالت: ثم سُرّي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرف أن قد لددناه، ووجد أثر اللدود فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أظننتم أن الله عز وجل سلطها عليّ، ما كان الله ليسلطها علي، والذي نفسي بيده لايبقى أحد في البيت إلا لُدّ، إلا عمي، قالت عائشة: فلقد رأيتهم يلدون رجلاً رجلاً، قالت: ومن في البيت يومئذ يذكر فضلهم، قالت: فلُدّ الرجال أجمعون، قالت: ثم بلَغَنا والله اللدود أزواجَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فلددنا والله امرأة امرأة، قالت: حى بلغ اللدود امرأة منا، قالت: إني والله صائمة، قلنا لها: بئس ما تحسبين أن تتركين وقد أقسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلددناها والله يا بن أختي وإنها لصائمة. وفي حديث آخر عن العباس بن عبد المطلب قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده نساء فيهن أسماء، وهي تدق سعطة لها فقال: " لا يبقى في البيت أحد شهد اللد إلا لُدّ، وإني قد أقسمت أن يميني لم تصب العباس ". قال أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أشد الناس لطفاً بالعباس. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً مع أصحابه وبجنبه أبو بكر وعمر، فاقبل العباس عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأوسع له أبو بكر فجلس بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين أبي بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل "، قال: ثم أقبل العباس على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثه فخفض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته شديداً فقال أبو بكر لعمر: قد حدث برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الساعة علة قد شغلت قلبي، قال: فما زال العباس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى فرغ من حاجته وانصرف، فقال أبو بكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، حديث بكل علةٌ الساعة "؟ قال: لا. قال: فإني قد رأيتك قد خفضت صوتك شديداً،

قال: إن جبريل أمرني إذا حضر العباس أن أخفض صوتي، كما أُمرتم أن تخفضوا أصواتكم عندي. قال أبو رِشْدين كريب مولى ابن عباس: إن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليجلّ العباس إجلال الولدِ والده، خاصة خص الله عزّ وجلّ العباس من بين الناس، وما ينبغي للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجل أحداً إلا والداً أو عماً. وعن عروة قال: أخذ العباس بن عبد المطلب بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقبة حين وافاه السبعون من الأنصار، فأخذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم واشترط له، وذلك والله في غرّة الإسلام وأوله من قبل أن يعبد الله أحد علانية. وعن محمد بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وهو في مجلس بالمدينة وهو يذكر ليلة العقبة فقال: " أيّدتُ تلك الليل بعمي العباس، وكان يأخذ على القوم ويعطيهم ". وعن دحية الكلبي قال: قدمت من الشام فأهديتُ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاكهة يابسة من فستق ولوز وكعك، فوضعته بين يديه، فقال: " اللهم، ائتني بأحبّ أهلي إليك أو قال: إليّ يأكل معي من هذا "، فطلع العباس، فقال: " ادنُ يا عم فني سألت الله عز وجل أن يأتيني بأحب أهلي إلي أو إليه يأكل معي من هذا فأتيت " قال: فجلس يأكل. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لم يحبّ العباس بن عبد المطلب وأهل بيته فقد برىء اللهُ ورسولُه منه ".

وعن أبي الضحى قال: قال العباس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لأعرف ضغائن في صدور أقوام بوقائع أوقعتُها فقال: " لن يبلغوا خيراً حتى يحبّوك لله ولقرابتي، ترجو سَلْهَم شفاعتي ولا ترجوها بنو عبد المطلب ". وفي رواية: سَلهم: حيٌّ من مراد. وعن عبد الله بن حارثة قال: لما قدم صفوان بن أمية المدينة أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على من نزلت يا أبا وهب؟ قال: على العباس بن عبد المطلب، قال: نزلت على أشد قريش لقريش حباً. وروى المنصور أبو جعفر عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العباس وصيّي ووارثي ". وعن ابن عباس قال: لما حاصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائف خرج رجل من الحصن فاحتمل رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدخله الحصن، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يستنقذه فله الجنة، فقام العباس فمضى فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: امض ومعك جبريل وميكائيل، فمضى فاحتملهما جميعاً ووضعهما بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث سمعناه عن جابر بن عبد الله قال: لقد بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الطائف حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يكلمهم، فاحتملوه ليدخلوه حصنهم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لهؤلاء وله مثل أجل غزاتنا هذه؟ فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يُدخلوه الحصن، فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً فاختطفه من أيديهم، وامطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أبي سفيان بن الحارث قال: اليوم علمت أن العباس سيد العرب بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه أعظم الناس منزلة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أخطره قريشاً بأصلها فقال: لئن قتلوه لا أستبقي منهم أحداً أبداً. وقال في حمزة رضي الله عنه حين قتل ومُثِّل به: لئن بقيت لأمثلنّ بثلاثين من قريش. وقال المكثر: بسبعين. وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: يا أبا الفضل، ألا أبشرك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: لو قد متّ أعطاك الله حتى ترضى. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين ". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسعد الناس يوم القيامة العباس ". وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما للعباس فضل؟ قال: " بلى. إن له في الجنة غرفة كما تكون الغرف، مُطِلّ عَلَيَّ يكلمني وأكلمه ". قال عبد الله بن كثير: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصاني الله بذي القربى، وأمرني أن أبدأ بالعباس بن عبد المطلب ". قال: وقال علي بن أبي طالب: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أو بكر وعمر، ولو شئت أن أسمي لكم الثالث لسميته، وقال: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلداً وجيعاً، وسيكون في آخر

الزمان قوم ينتحلون محبتنا والتشيّع فينا، هم شرار عبد الله، الذي يشتمون أبا بكر وعمر. قال: وقال علي: ولقد جاء سائل فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاه، وأعطاه أبو بكر، وأعطاه عمر، وأعطاه عثمان، فطلب الرجل من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدعوا له فيما اعطوه بالبركة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وكيف لا يبارك لك ولم يعطك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ ". وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كاتبَ سِرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا جاء العباس بن عبد المطلب تنحى أبو بكر وجلس العباس مكانه. وعن المُجَمّع بن يعقوب الأنصاري عن أبيه قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالأسوار، وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ منا يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه وألقى إليها حديثه، وسمع الناس، فطلع العباس فتزحزح له أبو بكر من مجلسه فعرف السرور في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتعظيم أبي بكر العباس. وعن جابر بن عبد الله قال: جاء العباس بن عبد المطلب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ثياب بيض. فلما نظر إليه تبسم، فقال العباس: يا رسول الله، ما الجمال؟ قال: صواب القول بالحق، قال: فما الكمال؟ قال: حسن الفعال بالصدق. وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: أقبل العباس بن عبد المطلب وهو أبيض بضّ، وعليه حُلَّةٌ وله ضفيرتان. فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبسم فقال له العباس: مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك؟

قال أعجبني جمالك يا عم، فقال العباس: يا رسول الله، ما الجمال في الرجل؟ قال: اللسان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل شيء أسّ، وأسّ الإيمان الورع، ولكل شيء فرع وفرع الإيمان الصبر، ولكل شيء سنام وسنام هذه الأمة عمي العباس، ولكل شيء سِبط، وسبط هذه الأمة حبيباي الحسن والحسين، ولكل شيء جناح وجناح هذه الأمة أبو بكر وعمر، ولكل شيء مجنّ ومجن هذه الأمة علي بن أبي طالب ". وعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمه العباس بن عبد المطلب وإلى علي بن أبي طالب فأتياه في منزل أم سلمة فنهاهما عن بعض الأمر وأمرهما ببعض الأمر، فاختلفا وامتريا حتى ارتفعت أصواتهما، واشتد اختلافهما بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا علي، مَهْ " وأقبل عليه وقال: " هل تدري لمن اغلظت؟! أبي وعمي وبقيتي وأصلي وعنصري وبقية نسل آبائي، خير أخصل الجاهلية محتداً، وأفضل أهل الإسلام نفساً وديناً بعدي، من جهل حقه فقد ضيع حقي، أما علمت أن الله جلّ ذكره مخرج من صلب عمي العباس أولاداً ولاة أمر أمتي يجعلم خلفاء ملوكاً ناعمين ومنهم مهديّ أمتي، يا علي، لست أنا ذكرتهم، ولكن الله هو الذي ذكرهم ورفع أصواتهم، فيخذل من ناوأهم، يجعل الله عز وجل فيهم نوراً ساطعاً، عبداً صالحاً، مهدياً سيداً، يبعثه الله حين فرقة من الأمر واختلاف شديد، فيحيي الله به كتابه وسنتي، ويعز به الدين وأولياءه في الأرض، يحبه الله في سمائه وملائكته وعباده الصالحون في شرق الأرض وغربها، وذلك يا علي بعد اختلاف الأخوين من ولد العباس فيقتل أحدهما صاحبه، ثم تقع الفتنة ويخرج قوم من ولدك يا علي فيفسدون عليهم البلدان ويعادونهم، ويفترون عليهم في قطر الأرض، ويفسد عليهم فيكن ذلك أشهراً أو تمام السنة، ثم يرد الله عز وجل النعمة

على ولد العباس، فلا يزال فيهم حتى يخرج مهدي أمتي منهم، شاب حدث السن، فيجمع الله به الكلمة ويحيي به الكتاب والسنة، ويعيش في زمانه كل مؤمن متمسك بكتاب الله وسنته، ينزل الله به رحمته، ويفرج به كل كربة كان في أمتي، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض، فلا يزال ذلك فيه وفي نسله حتى ينزل عيسى بن مريم روح الله وكلمته فيقبض ذلك منهم. يا علي، أما علمت أن للعباس ولآل العباس من الله حافظاً، أعطاني الله ذلك فيهم، أما علمت أن عدوهم مخذول ووليهم منصور؟ قال: وغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً شديداً حتى درّ عرق بين عينيه واحمرّ وجهه ودرت عروقه، فما كاد يقلع في المقالة في العباس وولده عامة نهاره. فلما رأى ذلك عليّ وثب إلى العباس فعانقه وقبل رأسه وقال: أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله وسخط عمي، فما زال كذلك حتى سكن غضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: " يا علي، إنه من لم يعرف حق أبي وعمي وبقيتي وبقيتك العباس بن عبد المطلب ومكانه من الله ورسوله فقد جهل حقي، يا علي، احفظ عترته وولده فإن لهم من الله حافظاً، يَلُون أمر أمتي، يشد الله بهم الدين ويعز بهم الإسلام بعدما أُكفِىء الإسلام وغُيرت سنتي، يخرج ناصرهم من أرض يقال لها: خراسان برايات سود، فلا يلقاهم أحد إلا هزموه وغلبوا على ما في أيديهم حتى تضرب رايات ببيت المقدس ". ثم أمرهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانصرفا. فلما أدبرا دعا لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعاء كثيراً، وخرجا راضيين غير مختلفين. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للعباس بن عبد المطلب: " فيكم النبوة والمملكة ". وعن علي بن أبي طالب قال: لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس بن عبد المطلب يوم فتح مكة وهو على بغلته الشهباء فقال: " يا عم، ألا أحبوك ألا أجيزك؟ " قال: بلى فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله فتح هذا الأمر بي ويختمه بولدك ".

وعن ابن عباس قال: قال العباس: يا رسول الله، ما لنا في هذا الأمر؟ قال: " لي النبوة ولكم الخلافة، بكم يفتح هذا الأمر، وبكم يختم ". زاد غيره: وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعباس: " من أَحبَّك نالته شفاعتي، ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي ". وعن عمار بن ياسر قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكب إذ حانت منه التفاتة فإذا هو بالعباس فقال: يا عباس، قال: لبيك، قال: يا عم، قال: لبيك، قال: " إن الله بدأ الإسلام بي، وسيختمه بغلام من ولدك، وهو الذي يصلي بعيسى عليه السلام ". وفي حديث: " وسيختمه بغلام من ولدك يملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلي بعيسى ". وعن أبي ميسرة قال: سمعت العباس يقول: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة فقال: انظر هل ترى في السماء من شيء؟ قال: قلت: نعم. قال: ما ترى؟ قال: قلت: أرى الثريا. قال: أما إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك. وعن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت: مررت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الحجر، قال: يا أم الفضل، إنك حامل بغلام، قلت: يا رسول الله، وكيف وقد تحالف الفريقان ألا يأتوا النساء؟! قال: هو ما أقول لك، فإذا وضعتيه فائتني به. قالت: فلما وضعته أتيت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى فقال: اذهبي بأبي الخلفاء. قالت: فأتيت العباس فأعلمته، وكان رجلاً جميلاً لباساً، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام إليه فقبّل ما بين عينيه ثم

أقعده عن يمينه ثم قال: هذا عمي، فمن شاء فليباه بعمه. قلت: يا رسول الله، بعض القول. فقال: يا عباس، لم لا أقول هذا وأنت عمي وصنو أبي وبقية آبائي وخير من أخلّف بعدي من أهلي، فقلت: يا رسول الله، ما شيء أخبرّتْني به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال: نعم، يا عباس، إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومئة فهي لك ولولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي. وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هبط عليّ جبريل وعليه قباء أسود، وعمامة سوداء فقلت: ما هذه الصورة التي لم أرك هبطت عليّ فيها قطّ؟ قال: هذه صورة الملوك من ولد العباس عمك. قلت: وهم على حق؟ قال جبريل نعم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، اغفر للعباس وولده حيث كانوا، وأين كانوا. قال جبريل: ليأتين على أمتك زمان يُعزّ الله الإسلام بهذا السواد. قلت: رئاستهم ممن؟ قال: من ولد العباس، قلت: وتبّاعهم؟ قال: من أهل خراسان. قلت: وأي شيء يملك ولد العباس؟ قال: يملكون الأصفر والأخضر، والحجر والمدر، والسرير والمنبر، والدنيا إلى المحشر، والملك إلى المنشر. وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أكاد أعرف في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموت، فانطلق بنا إليه نسأله مَنْ يستخلف، فإن يستخلف منا فذاك، وإلا أوصى بنا. قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال العباس لعليّ: ابسط يدك فلنبايعك قال: فقبض يده. فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد البابين كان خيراً من حُمْر النَّعم. قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً.

وحدث إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص هو وغيره قالا: ما أدركنا أحداً من الناس إلا وهو يقدم العباس بن عبد المطلب في العقل في الجاهلية والإسلام. وروي أن العباس بن عبد المطلب لم يمر قط بعمر بن الخطاب ولا بعثمان بن عفان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز العباس بهما، إجلالاً له أن يمرّ بهما عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما راكبان وهو يمشي. وعن أنس قال: كانوا إذا قُحطوا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقَوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسقوا. فلما كان بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إمارة عمر قحطوا فأخرج عمر العباس يستسقي به فقال: اللهم، إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك استسقينا به فستسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. قال: فسُقُوا. وعن ابن عباس أن عمر استسقى بالناس بالمصلى، فقال عمر للعباس: قم فاستسق، فقام العباس فقال: اللهم، إن عندك سحاباً وعندك ماء، فانشر السحاب ثم أنزل فيه الماء، ثم أنزله علينا فاشدد به الأصل، وأطل به الفرع، وأدْرِر به الضرع، اللهم، إنا شفعاء إليك عمَّن لا ينطق من بهائمنا وأنعامنا، اللهم، شفعنا في أنفسنا وأهالينا، اللهم، إنا نشكو إليك جوع كل جائع، وعُري كل عار، وخوف كل خائف، اللهم، اسقنا سقيا وادعةً نافعةً طبعاً مجلّلاً عامّاً. وعن أبي صالح أن العباس بن عبد المطلب يوماً استسقى به عمر بن الخطاب. فلما فرغ عمر من دعائه، قال العباس: اللهم، إنه لم ينزلْ بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يُكشف إلا بتوبة، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب

ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تُهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مَضِيعةٍ، فقد ضرع الصغير ورقّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم، فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون، قال: فما تمّ كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال. وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب: " الطويل " بعمّي سقى الله الحجاز وأهلَه ... عشيةَ يستسقي بشيبته عُمَرْ توجّه بالعباس في الجدب راغباً ... إليه فما إنْ رامَ حتى أتى المطرْ ومنّا رسول الله فينا تُراثُه ... فهل فوق هذا للمفاخِر مُفْتَخرْ وعن جابر بن عبد الله قال: أصابتنا سنة الرمادة فاستسقينا فلم نُسْق ثم استسقينا فلم نُسق، ثم استسقينا فلم نُسق. فقال عمر: لأستسقين غداً بمن يسقيني الله، فقال الناس: بمن؟ بعلي، بحسن، بحسين؟ فلما أصبح غدا إلى منزل العباس فدقّ عليه، فقال: من؟ فقال: عمر، قال: ما حاجتك؟ قال: اخرج حتى نستسقي الله بك، قال: اقعد، فأرسلَ إلى بني هاشم أن تطهروا والبسوا من صالح ثيابكم، فأتوه، فأخرج إليهم طيباً فطيَّبهم، ثم خرج وعليٌّ أمامه بين يديه، والحسن عن يمينه، والحسين عن يساره، وبنو هاشم خلف ظهره، فقال: يا عمر، لا تخلط بنا غيرنا، قال: ثم أتى المصلى، فوقف فحمد الله وأثنى عليه وقال: اللهم، إنك خلقتنا ولم تؤامرنا، وعلمت ما نحن عاملون قبل ان تخلقنا، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا، اللهم، فكما تفضَّلْتَ علينا في أوله فتفضّلْ علينا في آخره، فما برحنا حتى سحَّت السماء علينا سحّاً، فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضاً. فقال العباس: أنا المُسقى ابن المسقى ابن المُسقى، خمس مرات. فقال سعيد: فقلت لموسى بن جعفر: كيف ذاك؟ قال: استسقى فسقي عام الرمادة، واستسقى

عبد المطلب فسقي زمزم، فنافسته قريش، فقالوا: ائذن لنا فيه فأبى، فقالوا: بيننا وبينك راهب إيلياء، فخرجوا معه، وخرج مع عبد المطلب نفر من أصحابه. فلما كانوا في الطريق نفِد ماء عبد المطلب وأصحابه فقال للقرشيين، اسقونا، فأبوا، فقال عبد المطلب: علام نموت حسرة؟ فركب راحلته. فلما نهضت انبعث من تحت خفّها عين، فشرب وسقى أصحابه، واستسقوه القرشيون فسقاهم فقالوا: إن الذي أسقاك في هذه الفلاة هو الذي أسقاك زمزم، فارجع فلا خصومة لنا معك. وكان لعبد المطلب مال بالطائف يقال له: ذو الجذم، فغلبت عليه بنو ذباب وكلاب، وغلَبَ عليه، ثم أتى فقال: هذا المال لي فجُحده، فقال: بيني وبينكم سطيح، فخرجوا وخرج معه نفر من قومه حتى إذا كانوا في فلاً من الأرض عطش وفني ماؤه، فاستسقى بني كلاب وبني ذباب فأبوا أني سقوه وقالوا: موتوا عطشاً، فركب راحلته وخرج. فبينا هو يسير إذ انبعثت عين، فلوَّح بسيفه إلى أصحابه فأتوه، فلما رأوا ذباب كثرة الماء أهراقوا ماءهم، فاستسقوه، فقال القرشيون: والله لا نسقيكم، فقال عبد المطلب: لا تتحدث العرب أن قوماً من العرب ماتوا عطشاً وأنا أقدر على الماء فسقاهم ثم رحلوا إلى سطيح، فقالت بنو ذباب: والله ما ندري أصادق فيما يقضي بيننا؟ فخبّأ رجل منهم ساق جرادة. فلما قدموا عليه قال الرجل، إني خبأت لك خبيئاً فما هو؟ قال: ظهر كالفقار، طار فاستطار، واسق كالمنشار، ألق ما في يدك، فالقى ساق جرادة، قال: وخبّأ رجل منهم تمرة فقال: قد خبأت خبيئة، قال: طالب فبسَق وأينع فأطعم، ألق التمرة، وخبأ له رجل آخر رأس جرادة، خرزها في مزادة، فعلقها في عنق كلب يقال له: يسار. فقال: خبأت خبيئاً فما هو؟ فقال: رأس جرادة خرزت في مزادة في عنق كلبك يسار، ثم اختصموا إليه فقضى لعبد المطلب بالمال. فغرموا لعبد المطلب مئة ناقة، وغرموا لسطيح مئة ناقة، فقدم عبد المطلب فاستعار قدوراً، فنحر وأطعم الناس حوله، ثم أرسل إلى جبال مكة فنحر، فأكلته السباع والطير والناس، والخامسة أسقى الله إسماعيل زمزم.

وعن ابن عباس قال: كانت للعباس دار إلى جنب المسجد بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب: بعنيها أو هبْها لي حتى أدخلها في المسجد فأبى، فقال: اجعل بيني وبينك رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلا بينهما أبيًّ بن كعب، فقضى للعباس على عمر، فقال عمر: ما أحدٌ من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجرأ علي منك، فقال أبيُّ بن كعب: أو أنصح لك مني. ثم قال: يا أمير المؤمنين، أما بلغك حديث داود أن الله أمره ببناء بيت المقدس، فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها، فلما بلغ حِجْز الرجال منعه الله بناءه قال داود: أي ربّي، إن منعتني بناءه فاجعله في خلفي، فقال العباس: أليس قد قضيتَ لي بها وصارت لي؟ قال: بلى، قال: فإني أشهدك أني قد جعلتها لله عزّ وجلّ. وعن عدي بن سهيل قال: لما استمدَّ أهل الشام عمر على أهل فلسطين استخلف علياً وخرج ممدّاً لهم، فقال له عليٌّ: أين تخرج بنفسك؟ إنك تريد عدواً كلباً، فقال: إني أبادر بجهاد العدو موت العباس، إنكم لو قد فقدتم العباس لا نتقض بكم الشر كما ينتقض الحبل، فمات العباس لست سنين خلت من إمارة عثمان، فانتقض والله بالناس الشر. وعن صهيب مولى العباس قال: رأيت علياً يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم، ارض عني. وعن الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يقول: إن قريشاً رؤوس الناس، وأن ليس أحد منهم يدخل في باب إلا دخل معه طائفة من الناس، فلما طُعن أمر صُهيباً أن يصلي بالناس ويطعمهم ثلاثة أيام حتى يجتمعوا على رجل. فلما وضعوا الموائد كفّ الناس عن الطعام، فقال العباس: يا أيها الناس، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مات فأكلنا بعده وشربنا، وبعد أبي بكر، وأنه لابد للناس من الأكل، فأكل وأكل الناس، فعرفت فضل قول عمر.

زاد في حديث غيره: فعُرف فضل قول عمر: إن قريشاً رؤساء الناس. وعن سعيد بن المسيب أنه قال: العباس خير هذه الأمة، وارث النبي وعمه. وعن ابن شهاب قال: لقد جاء الله بالإسلام وإن جَفْنَة العباس لتدور على فقراء بني هاشم، وإن سوطه وقيده لمعد لسفهائهم. قال: فكان ابن عمر يقول: هذا والله الشرف: يطعم الجائع، ويؤدب السفيه. وعن ابن عباس قال: كان العباس بن عبد المطلب كثيراً ما يقول: ما رأيت أحداً أحسنت إليه إلا أضاء ما بيني وبينه، وما رأيت أحداً أسأت إليه إلا أظلم ما بيني وبينه، فعليك بالإحسان واصطناع المعروف، فإن ذلك يقي مصارع السوء. وكان العباس بن عبد المطلب تكون له الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سَلْعٍ، وذلك من آخر الليل فيناديهم فيسمعهم. قال: وذلك نحو من تسعة أميال. وكان العباس قد عمي قبل موته. وعن علي بن عبد الله بن عباس قال: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكاً. وعن عبد الله بن إبراهيم القرشي قال: لما نزل بالعباس بن عبد المطلب الموت قال لابنه: يا عبد الله، إن والله ما متُّ موتاً ولكنني فنيت فناء، وإني موصيك بحب الله وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك. وإن استودعتك الله يا بني، ثم استقبل القبلة فقال: لا إله إلا الله ثم شخص ببصره فمات.

وعن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة قال: جاءنا مؤذن يؤذنا بموت العباس بن عبد المطلب بقباء على حمار، ثم جاءنا آخر على حمار فقلت: ما الأول؟ قال: مولى لبني هاشم، والثاني رسول عثمان بن عفان، فاستقبل قرى الأنصار قرية قرية حتى انتهى إلى السافلة: بني حارث وما والاها، فحشد الناس فما غادرنا النساء ... فلما أُتي به إلى موضع الجنائز تضايق فتقدموا به إلى البقيع، فلقد رأيتنا يوم صلينا عليه بالبقيع وما رأت مثل ذلك الخروج على أحد من الناس قط، وما يستطيع أحد من الناس أن يدنو إلى سريره، وغلب عليه بنو هاشم. فلما انتهوا إلى اللحد ازدحموا عليه فأرى عثمان اعتزل وبعث الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم حتى خلص بنو هاشم، فكانوا هم الذين نزلوا في حفرته ودلّوه في اللحد، ولقد رأيت على سريره بُرْدَ حِبَرةٍ قد تقطع من زحامهم. وتوفي في ست من خلافة عثمان. قال عيسى بن طلحة: رأيت عثمان يكبّر على العباس بالبقيع وما يقدر من لغط الناس، ولقد بلغ الناس الحِشّان، وما تخلف أحد من الرجال والنساء والصبيان. وتوفي العباس وهو ابن سبع وثمانين. وقيل: توفي سنة تسع وعشرين وله ست وثمانون، وقيل: توفي سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. ودفن بالبقيع في مقبرة بني هاشم. وقيل: سنة ثلاث وثلاثين. وقيل: سنة أربع وثلاثين، وجلس عثمان على قبره حين دفن. قال ابن عباس: ولد أبي قبل الفيل بثلاث سنين، وكان أسن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين،

العباس بن عثمان بن محمد

وتوفي وهو ابن ثمان وثمانين سنة. سنة اثنتين وثلاثين، وهو معتدل القناة، وكان يخبرنا عن عبد المطلب أنه مات وهو أعدل قناة منه. قال خالد: ورأيت علي بن عبد الله بن العباس معتدل القناة. العباس بن عثمان بن محمد أبو الفضل البجلي الراهبي المُكتِّب حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقيل: متى وجبت لك النبوة؟ قال: " فيما بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ". أو كما قيل. وعنه بسنده إلى يونس بن ميسرة بن حلبس قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يخطب فقال: يا أيها الناس؛ أقلوا الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنتم متحدثون لا محالة فتحدثوا بما كان يُتَحدث به في عهد عمر، إن عمر كان يخيف الناس في الله، أقيموا وجوهكم وصفوفكم في صلاتكم وتصدقوا، ولا يقولن الرجل: إني مُقِلّ لا شيء لي، فإن صدقة المقلّ أفضل عند الله من صدقة المكثر، إياكم وقذف المحصنات، ولا يقولن أحدكم: سمعت وبلغني، فوالله ليؤخذن به، ولو كان قيل في عهد نوح، عوّدوا أنفسكم الخير، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخير عادة والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ". وحدث عنه أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أُسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن. فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر لغوت أمتك. ولد العباس بن عثمان المُكتِّب في سنة ست وسبعين ومئة. وتوفي في سنة تسع وثلاثين ومئتين.

العباس بن علي بن الفضل

العباس بن علي بن الفضل ابن العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو الفضل الهاشمي الموسائي الحاطب حدث عن أبي جعفر بن سليمان البصري بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ". أو قال: " ووجهك إليه منطلق، وأن تصبّ من دلوك في إناء جارك ". وحدث عن علي بن حرب قال: خرجنا من الموصل في سفينة نريد سُرَّ من رأى، فإذا سمكة قد وثبت من الماء إلى السفينة، فقال أحداث كانوا معنا: اعدلوا بنا إلى الشط نطلب حطباً نشويها، قال: فخرجنا ندور فجئنا إلى خربة فدخلناها فوجدنا رجلاً مذبوحاً ورجلاً مكتوفاً قائماً، فسألنا الرجل عن القصة فقال: هذا المكاري عدل بي من القافلة في الليل فشدني وثاقاً كما ترون وعزم على قتلي فناشدته الله، وقلت: يا هذا، خذ جميع ما معي ولا تقتلني فابى إلا قتلي فانتزع سكيناً معه فعسرت عليه فاجتذبها، فمرت على أوداجه فذبحته. قال: فاطلقنا يديه من وثاقه وأعطيناه البغل، ورجعنا إلى السفينة فوثبت السمكة إلى الماء فذهبت. توفي العباس الموسائي الخطيب سنة تسع وعشرين وثلاث مئة.

العباس بن الفضل بن حبيب

العباس بن الفضل بن حبيب أبو الفضل السامريّ الدباج الحافظ قدم دمشق مرات، وحدث بها وبغيرها. حدث عن عبد العزيز بن معاوية أبي خالد العتابي بسنده عن صُمَيْتة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات بالمدينة كنت له يوم القيامة شفيعاً أو شهيداً ". وحدث عن محمد بن بشر أخي خطاب بسنده عن صخر الغامدي قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم، بارك لأمتي في بكورها ". العباس بن الفضل بن العباس ابن الفضل بن عبد الله، أبو الفضل بن فضلويه الدينوري سكن دمشق في قرية يقال لها: السَّفليّين. حدث عن أبي زرعة بسنده عن عائشة. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشراً. وحدث عن عبيد الله بن محمد الهمذاني بسنده عن الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي يقول: من سافر في كانونين فقد برئت منه الذمة. توفي العباس بن فضلويه سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.

العباس بن الفضل بن العباس

العباس بن الفضل بن العباس ابن يعقوب القرشي حدث عن الوليد بن سلمة الأزدي الفلسطيني بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء، وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحجامة يوم الثلاثاء ". العباس بن الفضل بن محمد ويقال: ابن الفضل بن بشر أبو الفضل الأسفاطي البصري حدث عن إسماعيل بن أبي أُويس بسنده عن أبي طلحة الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً ". العباس بن محمد بن حامد أبو القاسم البغدادي الصائغ حدث عن أبي بكر جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ". العباس بن محمد بن حبّان ابن موسى بن حِبَّان بن موسى، أبو الفرج الكلابي حدث عن أحمد بن سعيد بن محمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيد الشهور شهر رمضان، وأعظمها حرمة ذو الحجة ".

العباس بن محمد بن سعيد الهاشمي

توفي أبو الفرج سنة تسع وثمانين وثلاث مئة. العباس بن محمد بن سعيد الهاشمي مولى بني هاشم حدث عن صفوان بن صالح بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين، إذا أتت هذه نطحتها، وإذا أتت هذه نطحتها ". العباس بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الفضل الهاشمي ولاه المنصور دمشق والشام كله، وقدمها مع المهدي، وولي إمارة الجزيرة في أيام الرشيد، وكان من رجالات بني هاشم. ولد سنة إحدى وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وقيل: سنة ثمان عشرة ومئة. وأمُّه وأُمُّ ولد. قدم دمشق والياً عليها وعلى الشام سنة أربعين ومئة. وكان العباس أجود الناس رأياً. وكان الرشيد يقول: عمي العباس بن محمد يذكر في أسلافنا. قال العباس: قلت للرشيد يوماً: إنما مالُك تزرعُ به من أصلحتْه نعمتُك، وسيفُك تحصد به من كفرها. وكان بين يدي الرشيد طبيب يقول: له كُلْ كذا ولا تأكل كذا، فقلت للطبيب: أنت أحمق، إذا صححْتَ فَكُل كُلَّ شيء، وإذا مرضت فاحتَمِ مِنْ كُلِّ شيء. وقال له بعض الشعراء: " الكامل

لو قيلَ للعباسِ يابنَ محمدٍ ... قُلْ: لا وأنت مخُلَدٌ ما قالها إن السماحة لم تزل مَعْقولةٌ ... حتة حَلَلْتَ براحتيك عِقالها وإذا الملوكُ تسايرَت في بَلدةٍ ... كانوا كواكِبَها وكنتً هِلالَها قال العباس بن محمد لمؤدب بنيه: يا فل، إنك قد كفيتَ أعراضهم فاكفني آدابهم، علِّمهم كتابَ الله فإِنّه عليهم نزل، ومن عندهم فصل. وأنه كفى بالمرء جهلاً أن يجهل فضلا عنه أُخذ، وفَقِههم في الحلالِ والحرام فإنه حابسٌ أن يظلموا، وغذهم بالحكمة فإنها ربيع القلوب، والتمسني عند آثارك فيهم تجدني. قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتُك في حاجة صغيرة، فقال: اطلب لها رجلاً صغيراً. وحكى ابن قتيبة قال: قال رجل للعباس بن محمد: إني أتيتك في حُوَيْجة، فقال: اطلب لها رُجَيلاً. قال: وهذا خلاف قول علي بن عبد الله بن العباس لرجل قال له: إني أتيتك في حاجة صغيرة، قال: هاتِها، فإن الرجل لا يصغُر عن كبير أخيه ولا يكبر عن صغيره. وفي سنة خمس وثمانين ومئة ولي العباس بن محمد الذي تنسب إليه العباسية الجزيرة، وصار إلى الرٌّقة، فأمر الرشيد يفرش له في قصر الإمارة، واتخذت له فيه الآلات، وشحن بالرقيق، حمل إليه خمسة آلاف ألف درهم. وفي سنة ست وثمانين توفي العباس بن محمد ببغداد، وكانت علته الماء الأصفر. وصلى عليه الأمين. ودفن في العباسية وسنة خمس وستون سنة.

وقيطعة العباس التي في الجانب الشرقي تنسب إلى العباس وهو أخو المنصور. وبينه وبين وفاة أبي العباس خمسون سنة، لأن أبا العباس مات سنة ست وثلاثين، ومات العباس سنة ست وثمانين ومئة. وكان يتولى الجزيرة، وأهله يتهمون فيه الرشيد، يزعمون أنّه سَمَّه، وأنه سقى بطنُه، فمات في هذه العلة. /

العباس بن مرداس بن أبي عامر ابن حارثة ويقال: جارية ابن عبد عباس، ويقال: عيسى، ويقال: عبس، ويقال: عبد عبس بن رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. وفي نسبه اختلاف، له صحبة، وكان من المؤلفة قلوبهم، واستعمله سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني سليم، وقدم دمشق، وكان بها دار. روى العباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء فأجابه الله: إني قد فعلت وغفرت لأمتك إلا ظلم بعضهم بعضاً، فأعاد فقال: يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب المظلوم خيراً من ظلامه، فلم تكن تلك العشية إلا ذا، فلما كان من الغد دعا غداة المزدلفة فعاد يدعو لأمته فلم يلبث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تبسم فقال بعض أصحابه - وفي رواية فقال: أبو بكر وعمر -: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي تبسمت في ساعة لم تكن تضحك فيها فما أضحكك أضحك الله سنك؟ قال: تبسمت من عدو الله إبليس حين علم أن الله تبارك وتعالى قد أجابني في أمتي وغفر للظالم أهوى يدعو بالثبور والويل، يحثو التراب على رأسه فضحكت مما يصنع من جزعه. وعن العباس: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطلب إليه أن يحفره ركية بالدثينة فأحفره إياها على أنه ليس له منها إلا فضل ابن السبيل.

أسلم العباس قبل فتح مكة، ثم أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تسع مئة من قومه على الخيول معهم القنا والدروع الظاهرة فحضروا فتح مكة، وحضر حنيناً وأعطاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع من أعطى من المؤلفة قلوبهم، ولم يكن يسكن بمكة ولا المدينة وكان يغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيرجع إلى بلاد قومه وكان ينزل بوادي البصرة، ويأتي البصرة كثيراً، وقيل كان ينزل أرض بني سليم. وحدث العباس بن مرداس: أنه كان في لقاح له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض مثل اللبن فقال: يا عباس بن مرداس، ألم تر أن السماء كفت أحراسها، وأن الحرب تجرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الدين نزل بالبر والتقوى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء. صاحب الناقة القصواء؟ قال: فرجعت مرعوباً قد راعني ما رأيت وسمعت، حتى جئت وثناً لنا يدعى الضمار وكنا نعبده ونكلمه من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به وقبلته وإذا صائح من جوفه يقول: قل للقبائل من سليم كلها ... هلك الضمار وفاز أهل المسجد هلك الضمار وكان يعبد مرة ... قبل الصلاة مع النبي محمد إن الذي جا بالنبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتد قال: فخرجت مرعوباً حتى جئت قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر، فخرجت في ثلاثة مئة من قومي من بني حارثة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمدينة فدخلنا المسجد. فلما رآني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عباس، كيف كان إسلامك؟ قال: فقصصت عليه القصة. قال: فسر بذلك فأسلمت أنا وقومي. وعن رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية،

وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مئة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك. فقال العباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئٍ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتم له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مئة. وفي رواية: أنه كان في فتح مكة وأنه قال: اذهب يا بلال فاقطع لسانه. قال: فذهب بلال، فجعل يقول: يا معشر المسلمين، أيقطع لساني بعد الإسلام! يا رسول الله، لا أعود أبداً. فلما رأى بلال جزعه قال: إنه لم يأمرني أن أقطع لسانك، أمرني أن أكسوك وأعطيك شيئاً. قال في هذه الرواية: إنه في فتح مكة، وإنما كان يوم حنين. وفي رواية: أنه أعطاه أربعاً من الإبل فعاتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شعر قاله: كانت نهاباً تلافيتها ... بكري على القوم باالأجرع وحثي الجنود لكي يدلجوا ... إذا هجع القوم لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبي ... د بين عيينة والأقرع إلا أفاليل أعطيتها ... عديد قوائمها الأربع وقد كنت في الحرب ذا تدارإ ... فلم أعط شيئاً ولم أمنع وما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا ترفع

فرفع أبو بكر أبياته إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال للعباس: أنت الذي يقول: أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة؟ فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ قال: فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواء، ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقطعوا عني لسانه وأعطوه مئة من الإبل - ويقال: خمسين من الإبل - ففزع منها أناس وقالوا: أمر بعباس يمثل به. دخل عمرو بن معدي كرب على عمر بن الخطاب فقال عمر: أخبرني يا عمرو من أشجع العرب؟ قال: كنا يا أمير المؤمنين ستة فرسان لا يعادلنا أحد من العرب، وكان أشجعنا العباس بن مرداس السلمي. قال: وكيف حكمت له بذلك وعلمته؟ قال: علمته بأشعار قلناها في حروبنا. قال: هات ما قلت أنت وما قال هؤلاء قال: قلت: ولما رأيت الخيل زوراً كأنها ... جداول زرع خليت فاسبطرت فجاشت إلي النفس أول مرة ... فردت إلى مكروها فاستقرت ما جاشت نفسي يا أمير المؤمنين إلا من الجبن. وقال دريد بن الصمة: ولقد أصرفها كارهة ... حين للنفس من الموت هرير كلما ذلل عني خلق ... وبكل أنا في الروع جدير ما هرّ من الموت إلا من الجبن. وقال عمرو بن الإطنابة: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي ما جشأت نفسه ولا جاشت إلا من الجبن. وقال عامر بن الطفيل: أقول لنفسي لا يجاد بمثلها ... أقلي مراجاً إنني غير مدبر ما مرجت نفسه يا أمير المؤمنين إلا من الجبن. وقال عنترة: إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي

العباس بن نجيح أبو الحارث القرشي

ما تضايق مقدمه إلا من الجبن. وقال العباس بن مرداس: أشد على الكتيبة لا أبالي ... أفيها كان حتفي أم سواها فكان هذ اأشجعنا فقال: صدقت يا عمرو. قيل للعباس بن مرداس بعدما كبر: ألا تأخذ من الشراب، فإنه يزيد في جرأتك ويقويك؟ قال: أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم؟ لا والله لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبداً. العباس بن نجيح أبو الحارث القرشي حدث العباس عن الهيثم بن حميد بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزال الخلافة في بني أمية يتلقفونها تلقف الكرة. فإذا نزعت منهم فلا خير في عيش. وحدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام وهم أربعون رجلاً، كلما هلك رجل أبدل الله مكانه آخر ليسوا بالمتماوتين ولا المتهالكين ولا المتناوشين. لم يبلغوا ما بلغوه بكثرة صوم ولا صلاة، وإنما بلغوا ذلك بالسخاء وصحة القلوب والمناصحة لجميع المسلمين. وإن أمتي سيكونون على خمس طبقات: فأنا ومن معي إلى أربعين أهل إيمان وعلم، ومن بعده إلى ثمانين سنة أهل بر وتقوى، ومن بعدهم إلى عشرين ومئة سنة أهل تراحم وتواصل، ومن بعدهم إلى ستين ومئة سنة أهل تقاطع وتدابر، ومن بعدهم إلى انقضاء الدنيا فالهرج. النجاء، النجاء.

العباس بن الوليد بن صبح

العباس بن الوليد بن صبح أبو الفضل السلمي الخلال حدث عن الفريابي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل معروف صدقة. وحدث عن محمد بن عيسى بن سميع بسنده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً لمسه إلا مريم وابنها. ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم " وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ". توفي الخلال سنة ثمان وأربعين ومئتين. العباس بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم أبو الحارث ويقال: أبو الوليد الأموي. فارس سخي يقال له: فارس بني مروان. فتح مدناً وحصوناً كثيرة من بلاد الروم. أرسل حديثاً عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة ". وللعباس مواقف وحروب وغزوات وفتوحات. قال ابن شوذب: عرض على عمر بن عبد العزيز جوار وعنده العباس بن الوليد. فجعل كلما مرت به جارية تعجبه قال: يا أمير المؤمنين، اتخذ هذه. قال: فلما أكثر قال له عمر بن عبد العزيز: أتأمرني بالزنا؟ قال: فخرج العباس فمر بأناس من أهل بيته فقال: ما يجلسكم بباب رجل يزعم أن آباءكم كانوا زناة؟!. مات العباس بن الوليد في سجن مروان بن محمد بحران.

العباس بن الوليد بن عمر الدرفس الغساني.

العباس بن الوليد بن عمر الدرفس الغساني. حدث عن أبيه بسنده عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: أشرف عيسى بن مريم عليه السلام من جبل البضيع - يعني جبل الكسوة - فأشرف على الغوطة. فلما رآها قال عيسى: إن للغوطة أن يعجز الغني أن يجمع فيها كنزاً، ولن يعجز المسكين أن يشبع فيها خبزاً. قال سعيد بن عبد العزيز: فليس يموت أحد في الغوطة من الجوع. العباس بن الوليد بن مزيد أبو الفضل العذري البيروتي. حدث بدمشق. حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوها ". وحدث عن عقبة بسنده عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية " الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ". فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، أو قال: أحد غيرك " قال: " هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ". ولد العباس بن الوليد بن مزيد سنة تسع وستين ومئة، ومات سنة سبعين ومئتين.

العباس بن الوليد أبو الفضل

العباس بن الوليد أبو الفضل المكتب البصري سمع بدمشق حدث عباس بن الوليد المؤدب بدمشق، درب القصابين، باب الجابية، عن الوليد بن مسلم بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل يوكل بآكل الخل ملكين يستغفران الله له حتى يفرغ " العباس بن هاشم بن القاسم حدث بصيدا عن أبيه بسنده عن ابن عباس قال: هذه السراطين التي على ساحل البحر وكلها الله بالموج لا يغدق الساحل، أو لا يغرق الساحل. العباس بن يوسف أبو الفضل الشكلي البغدادي الصوفي رحل وطوف الشام. حدث عن أحمد بن سفيان بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ". وروي عن العباس بن يوسف أنه قال: إذا رأيت الرجل مشتغلاً بالله عز وجل فلا تسل عن إيمانه، وإذا رأيته منشغلاً عن الله عز وجل فلا تسل عن نفاقه. مات أبو الفضل الشكلي سنة أربع عشرة وثلاث مئة.

عباية بن أبي الدرداء

عباية بن أبي الدرداء ويقال عباد حدث عن أبيه أبي الدرداء قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنال رجل من رجل فرد عليه رجل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رد عن عرض أخيه رفع بها درجة ". وفي رواية أخرى: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار ". وفي رواية أخرى عن عباد بن أبي الدرداء عن أبيه قال: أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبشان أملحان جذعان فضحى بهما. عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن إبراهيم بن محمد أبو محمد المصري الجوهري سمع بدمشق وبمصر. حدث عن إبراهيم بن مرزوق البصري بسنده عن سمرة بن جندب: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوماً المسجد فقال: " أيكم رأى رؤيا فليحدث بها. فلم يحدث أحد بشيء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني رأيت رؤيا فاستمعوا مني: بينا أنا نائم إذ جاءني رجل فقال: قم فقمت، فقال: امضه فمضيت ساعة فإذا أنا برجلين: رجل قائم وآخر نائم، والقائم يجمع الحجارة فيضرب بها رأس النائم فيشدخه فإلى أن يجيء بحجر آخر عاد رأسه كما كان. قال: فقلت: سبحان الله ما هذا؟ فقال: امض أمامك فمضيت ساعة فإذا أنا برجلين؛ رجل جالس وآخر قائم وفي يده حديدة فيضعها في شدقه فيمده حتى يبلغ حاجبه ثم ينزعه ويمد الجانب الآخر، فإذا مد هذا عاد هذا كما كان. فقلت: سبحان الله ما هذا؟ فقال: امض أمامك فمضيت ساعة فإذا أنا بنهر من دم فيه رجل يسبح، وعلى شاطىء النهر رجل يجمع حجارة قد أحماها، قد تركها مثل الجمر. كلما دنا منه ألقمه حجراً -

للذي في الدم - فقلت: سبحان الله ما هذا؟ فقال: امض أمامك فمضيت ساعة فإذا أنا بروضة قد ملئت أطفالاً ووسطهم رجل يكاد يرى رأسه طولاً في السماء. قلت: سبحان الله ما هذا؟ فقال: امض أمامك فمضيت ساعة فإذا أنا بشجرة لو اجتمع تحتها الخلق لأظلتهم، وتحتها رجلان: واحد يجمع حطباً والآخر يوقد. قلت: سبحان الله ما هذا؟ فقال: ارقب ساعة فإذا أنا بمدينة من ذهب وفضة وإذا أهلها شق منهم سود وشق منهم بيض فقلت: سبحان الله ما هذا؟ قال: امض أمامك، هل تدري أين مآبك؟ قال: قلت: مآبي عند الله عز وجل. قال: صدقت. قال: انظر إلى السماء فإذا أنا برابية - أو كلمة تشبهها - قال: ذاك مآبك قال: قلت: ألا تخبرني عما رأيت؟ قال: لا تفارقني وسلني عما بدا لك، وإذا أنا بمدينة أوسع منها ووسطها نهر ماؤه أشد بياضاً من اللبن، فيه رجال مشمرون يشدون إلى المدينة الأخرى فيصبغونهم في ذلك النهر - أو كلمة تشبهها - فيخرجون بيضاً نقاء. قال: قلت: أخبرني عن هذه المدينة الأخرى قال: تلك الدنيا، فيها ناس خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، تابوا فتاب الله عليهم قال: قلت: فالرجلين اللذين كانا يوقدان النار تحت الشجرة؟ قال: ذيناك ملكي جهنم يحمون جهنم لأعداء الله عز وجل يوم القيامة. قال: قلت: فالذي يسبح في الدم؟ قال: ذلك صاحب الربا، ذاك طعامه في القبر إلى يوم القيامة. قال: قلت: فالذي يشدخ رأسه؟ قال: ذلك رجل تعلم القرآن فنام عنه حتى نسيه لا يقرأ منه شيئاً. كلما رقد دقوا رأسه في القبر إلى يوم القيامة، لا يدعونه ينام. وسألته عن الذي يشق شدقه قال: ذاك رجل كذاب. وحدث عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام ". توفي عبد الله المصري سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة.

عبد الله بن أحمد بن بشير

عبد الله بن أحمد بن بشير ابن ذكوان أبو عمرو ويقال أبو محمد إمام المسجد الجامع بدمشق. حدث بدمشق عن عراك بن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري بسنده عن ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات. توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين ومئتين، ومولده سنة ثلاث وسبعين ومئة. عبد الله بن أحمد بن جعفر ابن خذيان بن حامس أبو محمد الفرغاني الأمير القائد الجندي صاحب أبي جعفر الطبري. ذيل على تاريخ الطبري. وحدث بدمشق في سنة خمس وأربعين وثلاث مئة عن أبي جعفر الطبري بسنده عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أفضلكم من علم القرآن أو تعلمه ". ولد الفرغاني سنة اثنتين وثمانين ومئتين. الجندي بضم الجيم وسكون النون. وخذيان: بخاء مضمومة وذال، معجمتين. وجلب خذيان من فرغانة إلى المعتصم فأسلم. ونزل عبد الله مصر وحدث بها.

عبد الله بن أحمد أبي عمرو بن حفص

عبد الله بن أحمد أبي عمرو بن حفص ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة القرشي المخزومي. لأبيه أبي عمرو صحبة، كان مع أبيه بالشام حين خرج في جيش عمر لافتتاحها فأصيب جماعة من أهل بيته في طاعون عمواس، ونجا هو. ثم قدم على معاوية ثم قدم على يزيد بن معاوية فأكرمه وأحسن جائزته، ثم رجع إلى المدينة - وكان مرضياً صالحاً - فقام إلى جنب المنبر وقال: ألم أحب ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة فخلعوه، وخرج مع أهل الحرة فقتل. وفيه يقول الشاعر: وبجنب القرارة ابن أبي عمرو ... قتيل جادت عليه السماء والحرة سنة ثلاث وستين. عبد الله بن أحمد بن خالد بن عبد الملك الأموي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول ليلة من شهر رمضان رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ". وحدث عن ابن مصفى بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا فشا الإسلام في الأنباط واتخذوا فيكم الدور، وقعدوا في الأفنية فاحذروهم فإن فيهم الدغل والنغل والفتنة ".

عبد الله بن أحمد بن ديزويه

عبد الله بن أحمد بن ديزويه ويقال دبزويه أبو عمرو الجبيلي الدمشقي حدث بمصر وغيرها. روى عن أحمد بن علي بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه: يا ويله عصم مني دينه ". حدث سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة. عبد الله بن أحمد بن راشد ابن شعيب بن جعفر بن يزيد أبو محمد قاضي دمشق يعرف بابن أخت وليد ويقال ابن بنت وليد. من أهل بغداد. حدث عن أبي العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني بسنده عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون فتنة: القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من الموضع ". ولي قضاء دمشق سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة من قبل الإخشيدية، وتوفي سنة تسع وستين وثلاث مئة، وكان يقال أنه جاوز التسعين، ونقل أنه كان خياطاً، كان أبوه حائكاً نسج المقانع، وكان سخيفاً خليعاً مذكوراً بالإرتشاء، وهجاه جماعة من أهل مصر منهم محمد بن بدر الغفاري، هجاه لكونه جعل رجلاً اسمه حماد كاتبه وحاجبه وما كتب قط، وإنما قدمه للمقاطعة في الأحكام والتعديل.

عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر

عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر أبو محمد الربعي ولي القضاء بدمشق ومصر دفعات. حدث سنة سبع وعشرين وثلاث مئة عن الهيثم بن سهل بسنده عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل الصالح لنفسه ويحمده الناس. قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن ". زبر جده: بفتح الزاي وسكون الباء. تقلد أبو محمد عبد الله القضاء بمصر، ودخلها سنة سبع عشرة وثلاث مئة، وذكر أن مولده سنة نيف وخمسين ومئتين وقرأ عهده من قبل جعفر المقتدر في الجامع، ونظر في القضاء والأحباس والمواريث، وكان شيخاً ضابطاً من الدهاة ممشياً لأموره، عارفاً بالأخبار والكتب والسير في الدولتين. قال معبد الصيداوي: كنت في خدمة القاضي أبي محمد عبد الله بن زبر، وخرجت معه إلى بغداد، فما قدر مفلح المقتدري على ولايته مع علي بن عيسى الوزير، فطال مقامه فقال لي يوماً: يا معبد لي عليك حق، وأريد أن ترفع لي رقعة إلى مجلس المظالم وهذه عشرون ديناراً، فأخذت منه الدنانير، وعملت على أن ألقي الرقعة في دجلة، وأقول: قد أوصلتها، فسهر ليلته حتى حرر الرقعة ثم أقامني في آخر الليل وألبسني ثوباً مشمراً في زي الخراسانية ومنديل خراساني، ودفع إلي دفاتر ومحبرة، ونقط الحبر على ثيابي، وسلم إلي رقعة. وركبت الزورق، ومررت إلى الموضع الذي فيه ترفع المظالم، فرأيت خادماً وامرأة بنقاب كحلي، وتأملت وإذا الرقاع لا تقرأ، وكنت قبل وصولي قد فتحت الرقعة أقرؤها لئلا يكون فيها أمر مهلك فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم: والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير أمين دعا إلى خير

الدين، محمد سيد المرسلين، وعلى أهل بيته الطاهرين، على رغم أنف الراغمين. حضر مدينة السلام رجل من أهل خراسان يريد الحج، فاشتغل بكتابة الحديث إلى أن يأتي وقت الحج، فرأى في منامه في ثلاث ليال متواليات العباس بن عبد المطلب في وسط مدينة السلام وهو يبني داراً. فكلما فرغ من موضع منها تقدم رجل فهدمه فقال صاحب هذه الرؤيا: يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ من هذا الذي قد بليت به يهدم كلما تبني؟ فقال: هذا علي بن عيسى فبهذه الرؤيا، ثم تأملت من يأخذ الرقاع من المتظلمين وإذا هو يتناول ويرمي خلفه فناولته الرقعة. وقلت لصاحب المركب: ادفع فدفع. وصرت إلى القاضي ابن زبر وهو قائم ينتظر ما يكون. فلما رآني سالماً حمد الله عز وجل ودخلت فقال لي: أي شيء كان؟ فقلت: رأيت خادماً وامرأة عليها نقاب كحلي، فقال: هذه أم موسى، فتناول الخادم الرقعة، فقال لي: قرأها؟ قلت: لا. قال: فقرأتها أنت؟ قلت: لا. فدعا بالمائدة وأكلت معه وكان صيفاً، وقام لينام. فدخل البواب فقال: القاضي ابن الأشناني قد جاء. فقال: يدخل، هذا منهم، فدخل وصاح، يهنئك أيهاالقاضي عزل عيسى وقبض عليه، فقال: أي شيء السبب؟ فقال: رقعة رفعت بأن رجلاً صالحاً رأى رؤيا كذا. فقال أمير المؤمنين المقتدر: هذه رؤيا صحيحة، يصرف ويقبض عليه، فأمر القاضي ابن زبر أن يسرج له وركب هو وابن الأشناني. فلما كان عند العتمة وافى ومعه عهده على القضاء بمصر ودمشق. وكان من أوسع الناس حيلة، وأحذقهم بأخذ دينار ودرهم وهدية، ولا يمس هدية أو تقضى حاجة صاحبها. وحدث بمصر عن جماعة، وكانت مجالسة حفلة عامرة يملي ويقرأ عليه، ولم يزل قاضياً على مصر إلى أن صرف في سنة سبع عشرة وثلاث مئة، فكانت أيامه ستة أشهر. وولي قضاء مصر مراراً. وتوفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة بالفسطاط.

عبد الله بن أحمد بن زياد

عبد الله بن أحمد بن زياد ابن زهير أبو جعفر الهمذاني المعروف بالدحيمي لقب بذلك لكثرة روايته عن دحيم، سمع جماعة. حدث عن يحيى بن أيوب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ سورة الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفوراً له ". وحدث عن منصور بن أبي مزاحم بسنده عن جابر قال: كانت لأبي قتادة جمة. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أكرمها " فكان يرجلها غباً. عبد الله بن أحمد بن عبد الله أبي الحواري بن ميمون أبو محمد حدث عن ابن علية بسنده عن حبيب بن مسلمة. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل الثلث. توفي في سنة خمس وثلاث مئة. عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب أبو القاسم البغدادي البراز قدم دمشق. حدث عن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن عبد الكريم النفيلي بسنده عن بلال بن الحارث قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان. وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان ".

عبد الله بن أحمد بن علي

وحدث عن إبراهيم بن عبد الصمد عن علي أنه قال: نهاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقرأ وأنا راكع، وأن أتختم بالذهب، وأن ألبس المعصفر، والقسي. ولد سنة سبع وثلاث مئة، وتوفي سنة تسعين وثلاث مئة. عبد الله بن أحمد بن علي ابن صابر بن عمر أبو القاسم السلمي يعرف بابن سيده حدث عن أبي عبد الله الحسن بن أحمد السلمي بسنده عن يزيد بن عامر قال: جئت والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة. فلما وجدت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة - إما في الظهر وإما في العصر - قال: وقد كنت صليت في المنزل، جلست فلم أدخل في الصلاة، فانصرف علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآني جالساً فقال: مسلم يا يزيد! فقلت: بلى يا رسول الله قد أسلمت. فقال: مالك - أو: ما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم! - قلت: كنت صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم. قال: فإذا جئت فوجدت الناس في صلاة فصل معهم وإن كنت قد صليت، تكون تلك نافلة وهذه مكتوبة. ومن شعر أبي القاسم بن صابر: صبراً لحكمك أيها الدهر ... لك أن تجور ومني الصبر آليت لا أشكوك مجتهداً ... حتى يردك من له الأمر توفي أبو القاسم بن صابر سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة بدمشق، وذكر أن مولده سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة.

عبد الله بن أحمد بن عمر

عبد الله بن أحمد بن عمر ابن أبي الأشعث أبو محمد بن أبي بكر السمرقندي أبوه ولد بدمشق وسمع بها الحديث الكثير. حدث عن أبي القاسم إسماعيل بن أحمد بسنده عن زيد بن خالد الجهني قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سب الديك، وقال: إنه يؤذن للصلاة. ذكر أن مولده سنة أربع وأربعين بدمشق، وتوفي سنة ست عشرة وخمس مئة. عبد الله بن أحمد بن عمرو ابن أحمد بن معاذ، أبو الحسين، ويقال أبو العباس العنسي الداراني. حدث عن أبي الميمون بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم قال: " رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ". توفي بداريا سنة أربع عشرة وأربع مئة. عبد الله بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن ربيعة، أبو محمد بن الصباغ السلمي أخو أبي الفضل. حدث بدمشق عن أبي عتبة أحمد بن الفرج الحجازي بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وباشر الشريك واجتنب الفساد، يعني: فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف ". سمع سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.

عبد الله بن أحمد بن محمد

عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قبان أبو القاسم البغدادي. حدث بدمشق عن أبي علي الحسن بن عليل العنزي بسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر، زر غب تزدد حباً ". وعنه بسنده إلى سعد بن قيس أنه قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما اسمك؟ " قال: سعد الخيل. قال: " بل أنت سعد الخير ". قبان: بفتح القاف وتشديد الباء. عبد الله بن أحمد بن محمد ابن إبراهيم بن الليث، ابن شعبة بن البختري بن إبراهيم بن زياد بن الليث بن شعبة بن فراس ابن حابس، أخي الأقرع بن حابس. أبو القاسم - ويقال: أبو محمد - التميمي المعلم المعروف بالغباغبي. حدث عن ضرار بن سهل الضراري ببغداد بسنده عن علي بن أبي طالب وأنكره الحافظ جداً. ورواه من طريق آخر بسنده أن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً، فأنتم الأربعة قد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن، ولا يبغضكم إلا منافق، وأنتم خلائق نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي ". توفي عبد الله بن أحمد - وكان معلماً بدمشق على باب الجابية - سنة خمس وعشرين وثلاث مئة.

عبد الله بن أحمد بن محمد

وحدث عن الحر بن يزيد القطان بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند النبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إن ابناً لي دب من سطح لنا إلى ميزاب فهو متعلق به، فادعوا الله أن يهبه لوالديه. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا بنا ". قال جابر: فانبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيت أمراً عظيماً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادعوا لي صبياً مثله على السطح "، فدعوه فناغاه ثم ناغاه فدب الصبي حتى أخذه أبوه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تدرون ما قال له؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال له: لم تلقي نفسك فتتلفها؟! قال: مخافة الذنوب. قال: فلعل العصمة أن تلحقك ". قال الحافظ: هذا حديث منكر، والغباغبي غير ثقة. عبد الله بن أحمد بن محمد ابن يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي من بيت لهيا. حدث عن أبيه بسنده عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء وعن هبته. قال الحافظ: هذا غريب، والمحفوظ عن عبد الله بن دينار. عبد الله بن أحمد بن مروان ابن عبد الصمد، أبو المعالي سمع بدمشق. حدث عن أبي القاسم عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن الفضيل الكلاعي بسنده عن عثمان ابن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من خياركم - أو أفاضلكم - من تعلم القرآن وعلمه ". ولد سنة أربعين وأربع مئة.

عبد الله بن أحمد بن المنيب

عبد الله بن أحمد بن المنيب من أهل ساحل دمشق. حدث عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد بسنده عن جابر قال: آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ترك الوضوء مما مست النار ". عبد الله بن أحمد بن موسى ابن زياد أبو محمد الجواليقي الأهوازي القاضي المعروف بعبدان أحد الحفاظ المجودين المكثرين. قدم دمشق نحو سنة أربعين ومئتين وسمع بها. حدث عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة قالت: ما رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه إلى السماء إلا قال: " يا مصرف القلوب ثبت قلبي على دينك ". وحدث عن سهل بن عثمان العسكري بسنده عن علي بن أبي طالب قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح الصلاة بقول: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، اعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير في يديك وأنا بك وإليك، لا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، واستغفرك، ثم أتوب إليك، ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا ركع قال: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين. ثم رفع رأسه فإذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده ثم يقول: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء. ثم سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: اللهم لك سجدت،

عبد الله بن أحمد بن وهيب

وبك آمنت، وإليك أسلمت، أنت ربي سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين ". قال أبو علي الحافظ: كان عبدان يحفظ مئة ألف حديث. وقال أبو علي: ما رأيت من المشايخ أحفظ من عبدان. وقال أبو جعفر محمد بن عثمان وراق عبدان: سمعت عبدان يقول: لولا أني في بلد مفتنين - يعني بالقدرية - لقلت في الحديث ما لم يقله علي بن المديني. مات عبدان الجواليقي سنة ست وثلاث مئة وقيل سنة سبع وثلاث مئة، ومولده سنة ست عشرة ومئتين. وكان في الحديث إماماً. عبد الله بن أحمد بن وهيب أبو العباس الدمشقي يعرف بابن عدبس حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نضر الله عبداً سمع مقالتي ثم وعاها ثم حفظها، فرب حامل فقه غير فقيه، وربما حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن؛ إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، والاعتصام بجماعة المسلمين، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم ". عبد الله بن أحمد اليحصبي من دمشق حدث عن علي بن أبي علي بسنده عن أبي ريطة بن كرامة المذحجي قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لقوم سفر: لا يصحبنكم جلال من هذه النعم - يعني: الضوال - ولا يضمن أحدكم ضالة، ولا يردن سائلاً إن كنتم تريدون الربح والسلامة، ولا يصحبنكم من الناس إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ساحر ولا ساحرة ولا كاهن ولا كاهنة ولا منجم ولا منجمة ولا شاعر ولا شاعرة، وإن كان يريد الله أن يعذب به أحداً من عباده فإنما يبعث به إلى السماء الدنيا، فأنهاكم عنمعصية الله عشاء ".

عبد الله بن أحمد أبو محمد الزبيري

وحدث عن أبي معيد بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يدعو: اللهم عافني في قدرتك، وأدخلني رحمتك، واقض أجلي في طاعتك، واختم لي بخير عملي، واجعل ثوابه الجنة ". عبد الله بن أحمد أبو محمد الزبيري حدث عن تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من رجل يمر بقبر كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ". عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله ابن سيما أبو محمد المؤدب إمام مسجد نعيم. حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان بسنده عن الزهري أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نذر كان على أمه، ماتت ولم تقضه، فأمره بقضائه. توفي سنة إحدى وعشرين وأربع مئة. عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن علي ابن بندار بن عباد أيمن أبو علي الدينوري حدث عن أبي القاسم عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن الفضيل الكلاعي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا من تعلم القرآن وعلمه وأخذ بما عليه وأخذ بما فيه فأنا له سائق ودليل إلى الجنة. توفي سنة اثنتين وخمس مئة بدمشق حرسها الله تعالى.

عبد الله بن إبراهيم بن يوسف

عبد الله بن إبراهيم بن يوسف أبو القاسم الآبندروني الجرجاني الحافظ طاف وكتب وسمع بدمشق وغيرها. حدث عن محمد بن إبراهيم الرازي بسنده عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن علماً لا ينتفع به ككنز لا ينفق في سبيل الله ". كان أبو القاسم الجرجاني أحد أركان الحديث، وسافر في الحديث إلى خراسان وفارس والبصرة والشام ومكة، وكان زاهداً متعللاً، ولم يكن يحدث بحديث غير واحد منفرد، فقيل له في ذلك فقال: أصحاب الحديث فيهم سوء، فإذا اجتمعوا للسماع تحدثوا، وأنا لا أصبر على ذلك. قال البرقاني: دفع إلي أبو القاسم يوماً قدحاً فيه كسر يابسة وأمرني أن أحمله إلى ألبا قلاني ليطرح عليه ماء الباقلاء ففعلت ذلك، فلما ألقى الباقلاني الماء وقع في القدح من الباقلاء ثنتان أو ثلاثة فبادر الباقلاني إلى رفعها فقلت له: ويحك! ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح؟! فقال: هذا الشيخ يعطيني في كل شهر دانقاً حتى أبل له الكسر اليابسة فكيف أدفع إليه الباقلاء مع الماء؟!. توفي أبو القاسم الآبندوني سنة ثمان وستين وثلاث مئة، وقيل سبع وستين وله خمس وتسعون سنة. عبد الله بن أبيّ ويقال عبد الله بن كعب. ويقال: عبد الله بن عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن غنم ابن مالك بن النجار أبو أبي بن أم حرام امرأة عبادة بن الصامت. صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلى معه القبلتين. عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: خرجنا من عند واثلة بن الأسقع فلقينا عبد الله بن الديلمي فقال: من أين؟ قلنا:

من عند واثلة بن الأسقع. فقال: من تريدون؟ قلنا: أبا أبي الأنصاري فقال: عليكم الرجل، عليكم الرجل. قال: فدخلنا على أبي أبيّ فقال أبو أبي: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السنا والسنوت فيهما دواء من كل داء ". قال أبو حذيفة: بلغني أن اسم أبي أبيّ: عبد الله بن أم حرام امرأة عبادة الصامت. فقيل لابن أبي عبلة: وما السنوت؟ قال: أما سمعت قول زهير: هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم ... وهم يمنعون الجار أن يتقردا قال: لا ألس: لا كذب. وقيل السنوت: هو العسل، وقيل: الكمون البري. وكان أبو أبي يسكن بيت المقدس. وفي حديث آخر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالسنا والسنوت فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام. قالوا يا رسول الله وما السام؟ قال الموت ". قال أبو الدرداء: قلت لعمر بن بكر: ما السنوت؟ قال: في غريب كلام العرب: رب عكة السمن تعصر فتخرج خطوطاً سوداً مع السمن وأنشد البيت: هم السمن بالسنوت؟. ولا ألس فيهم: لا غش فيهم. قلنا: يتقرد؟ قال: لا يستذل جارهم. وحدث إبراهيم عن أبي عبلة العقيلي: أنه لقي أبا أبي بن أم حرام الأنصاري فأخبره أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلتين، ورأى عليه كساء خز أغبر.

عبد الله بن إسحاق بن إسماعيل

وروى أبو أبي: صلوا الصلاة لوقتها. قال إبراهيم بن أبي عبلة: كنت أنا وابن الديلمي في مسجد بيت المقدس فدخل واثلة بن الأسقع وعبد الله بن أم حرام، فقمت إلى ابن أم حرام وقام ابن الديلمي إلى واثلة بن الأسقع، فأخبرني ابن أم حرام أنه صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلتين. وحدثني ابن الديلمي أن واثلة بن الأسقع حدثه قال: أتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صاحب لنا قد أوجب فقال: " اعتقوا عنه رقبة، يفك الله تعالى عنه بكل عضو منها عضواً من النار ". وقال إبراهيم بن أبي عبلة: رأيت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن عمرو، وعبد الله بن أم حرام، وواثلة بن الأسقع وغيرهم، كانوا يلبسون البرانس، ويقصون شواربهم ولا يحفون حتى ترى الجلدة ولكن يكشفون الشفة، ويخضبون بالحناء والكتم. عبد الله بن إسحاق بن إسماعيل ابن مسروق العذري عم أبي قصي. حدث عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حمل بجوانب السرير الأربع غفر له أربعين كبيرة. وفي رواية أخرى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شهد جنازة ومشى أمامها، وجلس حتى يأخذ بأربع زوايا السرير، وجلس حتى يدفن كتب له قيرطان من أجر، أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من أحد ".

عبد الله بن إسماعيل بن عبد كلال

عبد الله بن إسماعيل بن عبد كلال المعروف بوضاح اليمن من أهل صنعاء، من الأبناء، ويقال عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال بن داد بن أبي حمد، من آل خولان. لقب بوضاح اليمن لجماله. قيل: إنه قدم دمشق على الوليد بن عبد الملك فأحسن رفده. حدث أبو مسهر قال: كان وضاح اليمن يشاهد وأم البنين صغيرين فأحبها وأحبته فكان لا يصبر عنها، حتى إذا بلغت حجبت عنه، فطال بهما البلاء فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها معه إلى الشام. قال: فذهب عقل وضاح عليها، وجعل يذوب وينحل، فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام فجعل يطيف بقصر الوليد بن عبد الملك في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى يوماً جارية صفراء فلم يزل حتى تأنس بها، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟ قالت: إنك تسأل عن مولاتي فقال: إنها لابنة عمي وإنها لتسر بموضعي لو أخبرتها، قالت: إني أخبرها، فمضت الجارية فأخبرت أم البنين فقالت: ويلك أوحي هو؟ قالت: نعم قالت: قولي له: كن مكانك حتى يأتيك رسولي فلن أدع الاحتيال لك؛ فاحتالت أن أدخلته إليها في صندوق فمكث عندها حيناً حتى إذا أمنت أخرجته فقعد معها، وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق. فأهدي يوماً للوليد بن عبد الملك جوهر فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين فوجه به إليك، فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح معها فلمحه ولم تشعر أم البنين، فبادر إلى الصندوق فدخله، فأدى الخادم الرسالة إليها وقال: هبي لي من هذا الجوهر حجراً فقال: لا أم لك وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق، فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله، فقال له: كذبت لا أم لك، ثم نهض الوليد مسرعاً فدخل عليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق عداد، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم فقال لها: يا أم البنين، هبي لي صندوقاً من صناديقك

عبد الله بن إسماعيل بن يزيد

هذه فقالت: يا أمير المؤمنين هي وأنا لك فقال: ما أريد غير هذا الذي تحتي قالت: يا أمير المؤمنين، إن فيه شيئاً من أمور النساء قال: ما أريد غيره فقالت: هو لك فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر حق إذا حفرا فبلغ الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقاً فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك، وإن كان كذباً فما علينا في دفن الصندوق من خشب حرج، ثم أمر به فألقي في الحفرة وأمر بالخدم فقذف في ذلك المكان فوقه، وطم عليهما جميعاً التراب. قال: فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوماً مكبوبة على وجهها ميتة. وحكي عن هشام بن محمد بن السائب: أن أم البنين كانت عند يزيد بن عبد الملك فكان لها من قلبه موضع، وأنه سير إليها جوهراً مع الخادم فوجد عندها وضاح اليمن - وحكى مثل الصورة - إلى أن رماه في الحفيرة وأهال عليه التراب حتى استوى، فلم ير وضاح اليمن حتى الساعة. قال: ولا والله ما بان لها في وجهه ولا في خلائقه ولا في شيء حتى فرق الموت بينهما. عبد الله بن إسماعيل بن يزيد ابن حجر أبو عمر البيروتي ابن بنت الأوزاعي حدث عن أبيه عن جده الأوزاعي قال: من تعلم باباً من العلم كان أفضل من عبادة حول يصام نهاره ويقام ليله. وعن أبيه قال: كان بلال بن سعد يقول: يا عباد الله، هل أتاكم مخبر يخبركم أن أعمالكم تقلبت وخطاياكم غفرت أم " حسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ".

عبد الله بن إسماعيل الديلي

وكان بلال يقول أيضاً: يا عباد الله، كما ترجون رحمة الله بما تأتون من طاعته فكذلك فأشفقوا من عذاب الله بما تأتون من معاصيه. عبد الله بن إسماعيل الديلي حدث ببيروت عن حمد بن عبد الملك بسنده عن مالك بن الحويرث قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه إذا كبر لافتتاح الصلاة، ويرفع يديه إذا كبر للركوع، ويرفع يديه إذا قال: سمع الله لمن حمده. عبد الله بن أوفى ويقال عبد الله بن عمرو ابن النعمان بن ظالم بن مالك بن أبي بن عصر بن سعد بن عمرو بن جشم أبو عمرو ويقال: ابن الكواليشكري، المعروف بابن الكوا قال عوانة: قدم على معاوية قوم من أهل الكوفة، فيهم صعصعة بن صوجان العبدي وعبد الله بن الكواليشكري، فأنزلهم معاوية داراً من دور دمشق وأمرهم أن لا يخرجوا منها، وكان في الدار مسجد يخرجون إليه، ويتحدثون فيه. فبينما هم يتحدثون أقبل معاوية ودخل إليهم فقال: هذا خير لكم من الفتنة. أنشدكم الله أي رجل أنا؟ فسكتوا ثم نشدهم مرتين فقال له ابن الكوا: أما إذا نشدتنا الله فإنك واسع الدنيا، ضيق الآخرة، قريب المرعى، بعيد الثرى، تجعل الظلمات نوراً، والنور ظلمات، فقام ولم يقل شيئاً. فلما أصبح أمر لهم بجوائزهم وردهم إلى الكوفة. وفي حديث آخر أنه لما قدم مسيرة أهل الكوفة على معاوية أنزلهم داراً ثم خلا بهم فقال لهم، وقالوا

له. فلما فرغوا قال: لم تؤتوا إلا من الحمق، والله ما أرى منطقاً سديداً، ولا عذراً مبيناً، ولا حلماً، ولا قوة، وإنك يا صعصعة لأحمقهم، اصنعوا وقولوا ما شئتم ما لم تدعوا شيئاً من أمر الله تعالى، فإن كل شيء يحتمل لكم إلا معصية الله تعالى، فأما فيما بيننا وبينكم فأنتم أمراء أنفسكم، فرآهم بعد وهم يشهدون الصلاة ويقضون مع قاضي الجماعة، فدخل عليهم يوماً وبعضهم يقرىء بعضاً فقال: إن في هذا لخلفاً مما قدمتم به علي من النزاع إلى أمر الجاهلية، اذهبوا حيث شئتم واعلموا أنكم إن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم، وإن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم، ولم تضروا أحداً، فجزوه خيراً، وأثنوا عليه فقال: يا بن الكوا، أي رجل أنا؟ قال: بعيد الثرى، كثير المرعى، طيب البديهة، بعيد الغور، الغالب عليك الحلم، ركن من أركان الإسلام، سدت بك فرجة مخوفة، قال: فأخبرني عن أهل الأحداث من أهل الأمصار فإنك من أفضل أصحابك فقال: كاتبوني وكاتبتهم فأنكروني وعرفتهم. فأما أهل الأحداث من أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر وأعجزه عنه، وأما أهل الأحداث من أهل الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير وأركبه لكبير، وأما أهل الأحداث من أهل البصرة فإنهم يردون جميعاً ويصدرون شتى، وأما أهل الأحداث من أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم وأعصاهم لمغويهم. قال علي بن ربيعة: سأل ابن الكوا علياً: ما " الذاريات ذرواً " قال: الريح، قال: فما " الحاملات وقراً " قال: السحاب، قال: فما " الجاريات يسراً " قال: السفن. قال: فما " المقسمات أمراً " قال: الملائكة. قال: هذه اللطمة في القمر، قال الله عز وجل: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ". يا بن الكوا، أما والله ما العلم أردت ولكنك أردت العنت، فكيف بقولك - ثكلتك أمك، لو تعنت يا بن الكوا -: من رب الناس؟ قال: الله، قال: فمن مولى

الناس؟ قال: الله. قال: كذبت " الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ". وعن أبي الطفيل مختصراً قال: قال علي بن أبي طالب: سلوني عن كتاب الله عز وجل، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ أنزلت أو نهار، أو في سهل أو جبل فسألت عن الآيات التي تقدم ذكرها. وفيه: وقال: يقول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار " قال: نزلت في الأفخرين من قريش. قال: وهذه الآية: " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً " قال: أولئك أهل حروراء. قال: أما هذا القوس قزح؟ قال: أمان من الغرق، علامة كانت بين نوح وبين ربه. قال: أفرأيت ذا القرنين، أنبي كان أو ملك؟ قال: لا واحد منهما، ولكن كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه، وناصح الله فنصحه، ودعا قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه، فانطلق فمكث ما شاء الله أن يمكث فدعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر فسمي ذا القرنين: ولم يكن له قرنان كقرني الثور. وفي حديث آخر عن النزال بن سبرة قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس ومزاج. وذكر الحديث وفيه: قالوا: يا أمير المؤمنين، إن الله يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث " قال: كنت أمرأ أبتدأ فأعطى وأسكت فأبتدأ، وإن تحت الجوارح مني لعلماً جماً. سلوني. فقام ابن الكوا فسأله. وذكر الحديث، وفيه: قال: فقوله: " والسماء ذات الحبك " قال: ويحك، ذات الخلق الحسن. وفيه: قال: فأخبرنا عن المجرة التي في السماء. قال: هي أبواب السماء التي

صب الله عز وجل منها الماء المنهمر على قوم نوح. وفيه: قال: فأخبرنا: كم ما بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، من قال غير هذا فقد كذب. قال: يا أمير المؤمنين، كم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة مستجابة فمن قال غير هذا فقد كذب. قال: فأخبرنا عن قوله: " هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً " أولئك القسيسون والرهبان، ومد علي بها صوته. قال: وما أهل النهر منهم غداً ببعيد، قال: وما خرج أهل النهر بعد. قال: يا أمير المؤمنين، لا أسأل أحداً سواك ولا آتي غيرك. قال: فقال: إن كان الأمر إليك فافعل. قال: فلما خرج أهل النهر خرج معهم ثم رجع تائباً. قال معاوية لابن الكوا: صف لي الزمان والإخوان فقال: أنت الزمان والإخوان، فإن تصلح صلحاً وإن تفسد فسداً. قال: صدقت. ومن حديث: قدم عبد الله بن الكوا على معاوية. قال: فأخبرني عن أهل مصر. قال: لقمة آكل. قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل. قال: قلادة وليدة فيها من كل خرزة. قال: فأخبرني عن أهل الشام قال: جند أمير المؤمنين ولا أقول فيهم شيئاً. قال: لتقولن، قال: أطوع الناس لمخلوق وأعصاهم لخالق، ولا يحسبون للسماء ساكناً. قال عبد الله بن شداد: قدمت على عائشة رضي الله عنها، فبينا نحن جلوس عندها مرجعها من العراق ليالي قوتل علي، إذ قالت لي: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، قلت: وما لي لا أصدقك، قالت: فحدثني عن قصتهم قلت: إن علياً لما أن كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة، يقال لها حروراء، وأنهم أنكروا عليه فقالوا: انسلخت من

قميص ألبسكه الله وأسماك به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله، فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه وفارقوه أمر فأذن مؤذن: لا يدخلن على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن. فلما أن امتلأ من قراء الناس الدار دعا بمصحف عظيم فوضعه علي بين يديه فطفق يصكه بيديه ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأله عنه! إنما هو ورق ومداد ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله في امرأة ورجل: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً " فأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم حرمة من امرأة ورجل، ونقموا علي أن كاتبت معاوية وكتبت: علي بن أبي طالب وقد جاء سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم قلت: فكيف أكتب؟ قال: اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكتبه ثم قال: اكتب: من محمد رسول الله فقال: لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشاً، يقول الله في كتابه " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر " فبعث إليهم علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس، فخرجت معهم حتى إذا توسطنا عسكرهم، قام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله. هذا ممن نزل فيه وفي قومه " بل هم قوم خصمون " فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله. قال: فقام خطباؤهم فقالوا: والله لنواضعنه كتاب الله، فإذا جاء بالحق نعرفه اتبعناه، ولئن جاءنا بباطل لنبكتنه بباطله ولنردنه إلى صاحبه، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم، فأقبل بهم ابن الكوا حتى أدخلهم على علي، فبعث عليّ إلى بقيتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتنزلوا فيها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلاً، أو تطلبوا دماً، فإنكم

إن فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء " إن الله لا يحب الخائنين " فقالت له عائشة: يا بن شداد، فقد قتلهم، فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء وقتلوا ابن خباب واستحلوا أهل الذمة، فقالت: الله، قلت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به، يقولون: ذو الثدي، ذو الثدي؟ قلت: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي، فلم يأتني بثبت يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قلت: سمعته يقول: صدق الله ورسوله. قالت: أجل، صدق الله ورسوله، يرحم الله علياً، إنه من كلامه، كان لا يرى شيئاً يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله. وعن ابن شهاب قال: خاصمت الحرورية علياً عليه السلام ستة أشهر فقالوا: شككت في أمر الله الذي ولاك، وحكمت عدوك ووهنت في الجهاد، وتأولوا على علي وأصحابه " إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين " وتأولوا قول الله: " والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء " فطالت خصومتهم وخصومة علي بالكوفة، ثم أصبحوا يوماً وقد زالوا براياتهم، وهم خمسة آلاف عليهم ابن الكوا، فقطع بقتالهم وأرسل إليهم عبد الله بن عباس وصعصعة بن صوحان من عبد القيس، فناشدوهم ودعوهم إلى الجماعة فأبوا عليهم. فلما رأى ذلك علي أرسل إليهم: إنا ندعوكم إلى مدة نتدارس فيها كتاب الله لعلنا نصطلح، فمادوه بضع عشرة ليلة فقال علي: ابعثوا منكم اثني عشرة نقيباً ونبعث منا مثلهم، ثم ابرزوا منا إلى مكان سماه يجتمع الناس فيه ويقوم فيه خطباؤنا بحججنا ففعلوا ورجعوا إلى الناس، فقام علي فتشهد، ثم قال: أما بعد. فإني لم أكن أحرضكم على هذه القضية وعلى التحكيم، ولكنكم وهنتم في القتال وتفرقتم علي وحاكمتوني بالقرآن، فخشيت أن أبيت الذي عرض علينا القوم من كتاب الله أن يتأولوا كتاب الله علي: " ألم ترى إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم

يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون " وخشيت أن يتأولوا علي قول الله: " يا آيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة " وخشيت أن يتأولوا علي قول الله في الرجل وامرأته: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما " فيقولوا لي إن أبيت أن أحكم فيها: قد دعاك القوم إلى كتاب الله فتحكم بينهم، قد فرض الله في الكتاب حكمين في أصغر من هذا الأمر الذي فيه سفك الدماء وقطع الأرحام وانتهاك المحارم فيخاصموني من كتاب الله بما ترون أن لكم الحجة علي، فأجبت حين دعيت إلى الحكم بكتاب الله، وخشيت وهنكم وتفرقكم، ثم قامت خطباء علي فنحو بالنحو الذي احتج به علي، حتى إذا فرغوا قام خطباء الحرورية فقالوا: إنكم دعوتمونا إلى كتاب الله فأجبناك ودعوتمونا إلى العمل به حتى قتلت عليه القتلى يوم الجمل ويوم صفين، وقطعت فيه الأرحام، ثم شككت في أمرك وحكمت عدوك، فنحن على أمرك الذي تركت وأنت اليوم على غيره إلا أن تتوب وتشهد على نفسك بالضلالة فيما سلف فلما فرغوا من قولهم قال علي: أما أن أشهد على نفسي بالضلالة، فمعاذ الله أن أكون ارتبت منذ اهتديت بل بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم الله من الضلالة، ولكن حكمت منا حكماً ومنهم حكماً، وأخذت عليهما أن يحكما بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسنة الجامعة غير المفرقة. فإذا فعلاً كنت ولي هذا الأمر، وإن خالفا لم يكن لهما علي حكم. فكثر قول علي وقولهم واختصامهم ثم تفرقوا. فنبذ بعضهم إلى بعض، فأرسل إليهم علي عبد الله بن عباس وصعصة بن صوحان فكلمهم فقال: اسمعوا مني أعظكم بكلمات فإن الخصومة قد طالت منذ هذه الأشهر. يا قوم، أذكركم الله والإسلام أن تكونوا شيناً لأهل القرآن، فإنكم - والله - لقد فتحتم أمراً لو دخلت فيه هذه الأمة بأسرها ما بلغت غورة أبداً. قالوا: يا صعصعة، إنا نخشى إن أطعناك اليوم أن نفتتن عاماً قابلاً، قال: يا قوم، إني أذكركم الله والإسلام أن تعجلوا فتنة العام خشية فتنة عام قابل، قال ابن الكوا - وهو رأسهم

عبد الله بن الأهتم واسم الأهتم سمي

الذي دعاهم إلى البدعة التي ركبوا -: يا قوم، ألستم تعلمون أني دعوتكم إلى هذا الأمر وأنا رأسكم اليوم فيه؟ قالوا: بلى قال: فإني أول من أطاع، فإن هذا واعظ شفيق على الدين، فقاموا معه قريب من خمس مئة ودخلوا في جماعة أمر علي وبقي قريب من خمسة آلاف فقاتلهم وقاتلوه حتى أبادهم، اعتزل منهم أهل النخيلة، وهم قريب من ألف رجل، فأقرهم علي، يأخذون أعطيتهم لا يزيدون عليها من كل مال مر بهم، ولا يبتزون أحداً ولا يقطعون سبيلاً. وقال علي: ذروهم ما تركركم. فلم يزالوا كذلك حتى قتل علي عليه السلام. عبد الله بن الأهتم واسم الأهتم سمي ابن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، أبو معمر المنقري. وفد على سليمان بن عبد الملك رسولاً من يزيد بن المهلب. قال خالد بن معدان: دخل عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز مع العامة فلم يفجأ عمر إلا وهو بين يديه يتكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الله خلق الخلق غنياً عن طاعتهم آمناً لمعصيتهم، والناس يومئذ في المنازل، والرأي مختلفون، والعرب بشر تلك المنازل، أهل الحجر وأهل الوبر وأهل الدبر تحتاز دونهم طيبات الدنيا ورخاء عيشها، لا يسألون الله جماعة، ولا يتلون كتاباً، ميتهم في النار، وحيهم أعمى يحشر مع ما لا يحصى من المرغوب عنه والمزهود فيه. فلما أن أراد الله أن ينشر عليهم رحمته بعث إليهم رسولاً من أنفسهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورحمة الله وبركاته فلم يمنعهم ذلك أن جرحوه في جسمه، ولقبوه في اسمه، ومعه كتاب من الله ناطق لا يقدم إلا بأمره، ولا يرحل إلا بإذنه. فلما

أمر بالعزمة وحمل على الجهاد انبسط لأمر الله فأفلج الله حجته، وأجاز كلمته، وأظهر دعوته، وفارق الدنيا تقياً نقياً. ثم قام بعده أبو بكر فسلك سنته وأخذ سبيله، وارتدت العرب - أو من فعل ذلك منهم - فأبى أن يقبل منهم بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الذي كان قابلاً، أشرع السيوف من أغمادها، وأوقد النيران في شعلها ثم ركب بأهل الحق أهل الباطل، فلم يبرح يقطع أوصالهم ويسقي الأرض دماءهم حتى أدخلهم في الذي خرجوا منه، وقررهم بالذي نفروا عنه، وقد كان أصاب من مال الله بكراً يرتوي عليه، وحبشية أرضعت ولداً له فرأى ذلك عند موته غصة في حلقه، فأدى ذلك إلى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه. ثم قام بعده عمر بن الخطاب فمصر الأمصار وخلط الشدة باللين. وحسر عن ذراعيه وشمر عن ساقيه، وأعد للأمور أقرانها، وللحرب آلتها. فلما أصابه قين المغيرة بن شعبة أمر ابن عباس يسأل الناس: هل يثبتون قاتله؟ فلما قيل: قين المغيرة بن شعبة استهل بحمد ربه أن لا يكون أصابه ذو حق في الفيء فيحتج عليه بأنه إنما استحل دمه بما استحل من حقه. وقد كان أصاب من مال الله بضعة وثمانين ألفاً فكسر لها رباعه وكره بها كفالة أولاده، فأداها إلى الخليفة من بعده وفارق الدنيا تقياً نقياً على منهاج صاحبه. ثم إنك يا عمر بني الدنيا، ولدتك ملوكها وألقمتك ثديها فربيت فيها تلتمسها مظانها. فلما وليتها ألقيتها حيث ألقاها الله، هجرتها وجفوتها وقذرتها إلا ما تزودت منها. فالحمد لله الذي جلا بك حوبتنا، وكشف بك كربتنا فامض ولا تلتفت، فإنه لا يعز على الحق شيء، ولا يذل على الباطل شيء. أقول قولي وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات. قال أبو أيوب: فكان عمر بن عبد العزيز يقول في شيء قال لي ابن الأهتم: امض ولا تلتفت.

عبد الله بن أبي زكريا إياس

كنا عند الحسن بن علي فأتاه آت فقال: يا أبا سعيد، دخلنا آنفاً على عبد الله بن الأهتم فإذا هو يجود بنفسه فقلنا: أبا معمر، كيف تجدك؟ قال: أجدني والله وجعاً ولا أظنني إلا لمآبي. ولكن ما تقولون في مئة ألف في هذا الصندوق لم تؤد منها زكاة، ولم يوصل منها رحم؟ قلنا: يا أبا معمر، فلمن كنت تجمعها؟ قال: كنت أجمعها لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومكاثرة العشيرة. فقال الحسن: البائس، انظروا أنى أتاه شيطانه فحذره روعة زمانه وجفوة سلطانه عما استودعه الله إياه وعمره فيه. فخرج والله منه سليباً حزيناً ذميماً مليماً، إيهاً عنك أيها الوارث لا تخدع عما خدع صويحبك أمامك، أتاك هذا المال حلالاً فإياك وإياك أن يكون وبالاً عليك، أتاك ممن كان له جموعاً منوعاً، يدأب فيه الليل والنهار، ويقطع فيه المغاوز والقفار، من باطل جمعة ومن حق منعه، جمعه فأوعاه وشده فأوكاه، لم يؤد منه زكاة، ولم يصل فيه رحماً، إن يوم القيامة ذو حسرات، وإن أعظم الحسرات غداً أن يرى أحدكم ماله في ميزان غيره، أو تدرون كيف ذاكم؟ رجل آتاه الله مالاً فأمره بإنفاقه في صنوف حقوق الله فبخل به. فورثه هذا الوارث فهو يرى ماله في ميزان غيره، فيا لها عثرة لا تقال وتوبة لا تنال. عبد الله بن أبي زكريا إياس ابن يزيد أبو يحيى الخزاعي من فقهاء أهل دمشق، كانت داره بدمشق إلى جانب دار الحجارة، فباعها واشترى داراً بباب الشرقي رغبة في كثرة الخطا إلى المسجد الجامع. ذكر الواقدي أنه كان يعدل بعمر بن عبد العزيز. حدث عبد الله بن أبي زكريا عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء أبائكم، فحسنوا أسماءكم. استزار عمر بن عبد العزيز عبد الله بن أبي زكريا وهو بدير سمعان فأتاه فقال له: يا بن زكريا، مرحباً بك قال: وبك يا أمير المؤمنين أهلاً وسهلاً. قال: يا بن أبي زكريا، عرضت لي إليك حاجة، قال: على الرأس والعينين يا أمير المؤمنين

قال: تدعو الله أن يميت عمر، قال: يا أمير المؤمنين، بئس وافد المسلمين أنا إذاً، نعمة أنعمها الله على أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدعو الله أدعو الله أن يزيلها عنهم! قال: قد وعدتني يا بن أبي زكريا. قال: فاستقبل القبلة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم عبدك قد توسل بي إليك فاقبضه إليك، ولا تبقني بعده، فبينا هم كذلك إذ جاء ابن له صغير فوقع في حجره فقال: يا بن أبي زكريا وهذا معنا، فإني أحبه فقال: اللهم وابنه هذا فاقبضه إليك، قال: فما شبهت الثلاثة إلا بخرازات ثلاث في سلك قطع أسفله، فتتابعن في جمعة. قال اليمان بن عدي: كان عبد الله بن أبي زكريا عابد الشام، وكان يقول: ما عالجت من العبادة شيئاً أشد من السكوت. قال عبد الله بن أبي زكريا: عالجت الصمت عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد. قال: وكان لا يغتاب في مجلسه أحد. يقول: إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم. قال ابن أبي زكريا: لو خيرت بين أن أعمر مئة سنة من ذي قبل في طاعة الله أو أن أقبض في يومي هذا، أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض في يومي هذا، أو في ساعتي هذه شوقاً إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الصالحين من عباده. قال عبد الله بن أبي زكريا: ما مسست ديناراً قط ولا درهماً، ولا اشتريت شيئاً قط، ولا بعته، ولا ساومت به إلا مرة: فإنه أصابني الحصر فرأيت جوربين معلقين عند باب جيرون عند صيرفي فقلت: بكم هذا؟ ثم ذكرت فسكت. وكان من أبش الناس وأكثرهم تبسماً. قال بقية: قلت لمسلم: كيف هذا؟ قال: كان له إخوة يكفونه. توفي عبد الله بن أبي زكريا سنة سبع عشرة ومئة.

عبد الله بن أيوب بن أبي عائشة

عبد الله بن أيوب بن أبي عائشة حدث أن عمر بن عبد العزيز لم يغتسل من أهله من حين ولي إلا ثلاث مرات. عبد الله بن البختري أبو الطيب الناسخ حدث عن أستاذ له، من أولاد اليونانية - وكان قد عمر - أن أباه كان يقرأ كتب اليونانية، فحدثه أن على باب جيرون في أعلى الحصن حجراً مكتوباً عليه باليونانية: اللاعب بالعجين ما يجمع مالاً متعوب النفس، قليل ذات اليد، وعلى حجر أسفل الحصن مما يلي باب البريد خارج ثلاثة الأبواب مما يلي قبلة الباب حجر مكتوب عليه باليونانية تفسيره: لا تغتر بهواء دمشق ولا بسعرها ولا بناسها، إن أحببت أن تسكنها. قال: وعلى حجر مكتوب في الحصن الذي فيه باب البريد: لا تتبع ما كفيت ولا تضيع ما وليت. قال: وعلى حجر آخر مكتوب في الحصن الذي فيه دار الوليد بن عبد الملك من خارجه: دمشق يطرد أهلها وإن تطاولت بهم المدد، ويملكها الغرباء من غيرهم، فإذا كان ذلك قرب منهم ما بعد. قال: وعلى حجر آخر خارج الحصن عند دار مسلمة مكتوب: يا حاسد، أتعبت نفسك، واستعجلت الغم لروحك وأضعفت قوتك. عشت محسوراً ومت مذبولاً. وعلى الحجر الشرقي من الفصيل في الخضراء: احتفظ بما في يديك وإن قل يصنك عن ابذال جاهل. ونظف لباسك تكثر هيبتك، وإياك ومخالفة الجماعة فيما يهوونه فتتخذهم لك أعداء، وإذا غلبك أمر فاعتزل، واحذرأن يكثر غرماؤك لك وعليك تفتقر، ولا تحرص فيما لا تناله تستجهل، واقصد ما يعينك ترشد، واحذر الأحمق تسلم، والملك القديم يعينك على ذلك. قال: وما حجر آخر خارج الحصن مما يلي نهر بردى وهو اليوم في دار ماخور مكتوب: أسست هذه المدينة على الحصا، وظهر في أكثر أمكنة منها الماء، وجعلت أبوابها النحاس، وتحصنت فيها من الأعداء، فوجدت فيها يوماً إنساناً لا أعرفه ولا عرفه أحد من أهلها، فكلمناه فلم نعرف لسانه ولا عرف لساننا وإذا هو غريب عنها قد

عبد الله بن بريدة بن الحصيب

دخل إليها ولم يعلم به. فجعلت في نفسي أن الغريب يملكها. فيا ليت مخبراً يخبرني كيف يكون حالها، أتبقى عليهم أم يطردون عليها. وعلى حجر آخر من خارج الزاوية القبلية الغربية مكتوب: ادخل أو مر، ادخل أو مر يا غريب تغنم، اترك التعدي تسلم. لا تشمخ فتندم. وعلى حجر مكتوب في قناطر المزة وحافات القناة مكتوب فيه: لا تتعرض لما لا تعرفه تتعب فيما تعرفه، اتبع الرئيس فيما يأمرك به تنج من الخطأ، الظالم على الأرض ثقيل، لا تتخذه لك أخاً، تباعد من الشر ولا تدخل فيه، التجارب محمودة العاقبة. بهذا أخبرنا الديان الأكبر. وعلى حجر مكتوب - وهو اليوم في عقبة الصوف - العبد الصالح المتجنب للخطايا يحذر فتنة العبد الخاطئ، لأنا وجدنا في كثير من التجارب أن الخطيئة إذا نزل عقابها من الملك حلت بالخاطئ وبمن قرب منها. فتباعد من الشر تقرب من الخير. عبد الله بن بريدة بن الحصيب أبو سهل الأسلمي وفد على معاوية. حدث عن سمرة بن جندب أن امرأة ماتت في نفاسها على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليها فقام عند وسطها. وعن عبد الله بن بريدة قال: قالت أم المؤمنين عائشة: يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر بم أدعو؟ قال: قولي: اللهم إني أسألك العفو والعافية. قال عبد الله بن بريدة: دخلت أنا وأبي على معاوية، فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا ثم أتينا بشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال

معاوية: كنت أجمل شباب قريش وأجوده ثغراً، وما شيء أجد له لذة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن، أو إنسان حسن الحديث يحدثني. حدث عبد الله بن بريدة قال: ولدت لثلاث خلون من خلافة عمر. قال يحيى بن معين: عبد الله بن بريدة وسليمان بن بريدة توأم، ولد هذا قبل هذا بساعة. قال يونس بن عبيد الله: أراد قتيبة بن مسلم أن يولي على خراسان، فأشاروا عليه بعبد الله بن بريدة فسأله فأبى وقال: لا أقعد على القضاء بعد حديث حدثنيه أبي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة: قاضٍ قضى بغير الحق وهو يعلم فهو في النار، وقاضٍ قضى بغير الحق وهو لا يعلم فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة. وعن أبي بريدة قال: ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثاً: ينبغي له أن لا يدع المشي، فإن احتاج إليه يوماً يقدر عليه، وينبغي له ألا يدع الأكل فإن أمعاءه تضيق، وينبغي له أن لا يدع الجماع فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها. مات سليمان بن بريدة وهو على القضاء بها، سنة خمس ومئة وولي أخوه بعده القضاء بها، فكان على القضاء بمرو إلى أن مات سنة خمس عشرة ومئة.

عبد الله بن بسر أبو صفوان

عبد الله بن بسر أبو صفوان ويقال أبو بسر المازني، مازن بن منصور أخي سليمان بن منصور. له صحبة من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم الشام أو ساحلها مجتازاً من حمص إلى عكا، وركب منها البحر لغزو قبرس مع معاوية. سئل عبد الله بن بسر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل كان في رأسه ولحيته شيء من الشيب؟ قال: لا، إلا في غنفقته شعرات بيض فكان إذا ادهن تغير به. قال عبد الله بن بسر: أهديت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة، والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: اطبخوا هذه الشاة وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه واطبخوا وأثردوا عليه. قال: وكانت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال. فلما أصبح وسبح الضحى أتى بتلك القصعة فالتفوا عليها، فإذا كثر الناس جثا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الأعرابي: ما هذه الجلسة؟! فقال: إن الله تعالى جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال: كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك الله فيها، ثم قال: خذوا فكلوا، فوالذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم أرض فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر اسم الله تعالى عليه. وعن عبد الله بن بسر: أن أعرابياً قال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. أسلم أبو صفوان هو وأبوه وأمه، ومات بالشام سنة ثمان وثمانين وهو آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفاةً بالشام، وهو ابن أربع وتسعين سنة. قال أبو زرعة: في تسمية من نزل الشام من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مصر: عبد الله بن بسر،

وعطية بن بسر، والصماء بنت بسر واسمها بهيمة وأبوهما بسر، أربعة صحبوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قيس من بني مازن. وقيل: إن عبد الله عاش مئة سنة، ومات في خلافة سليمان بن عبد الملك، واستخلف سليمان سنة ست وتسعين. وقبره في قرية يقال لها تنونية. وكان ممن صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلتين. ووضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على رأسه وبارك عليه، ودعا له، وكان يصفر لحيته ورأسه وهو حاسر عن رأسه، وكانت ثيابه مشمرة ورداؤه فوق القميص، وكان إذا مر بحجر على الطريق نحاه، وكانت له جمة، لم ير عليه عمامة ولا قلنسوة شتاء ولا صيفاً، وقيل: كان شعره مفروقاً يغطي أذنيه، وشاربه مقصوص مع الشفة. قال عبد الله بن بسر: بعثني أبي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدعوه إلى طعام فجاء معي، فلما دنوت من المنزل أسرعت فأعلمت أبوي فخرجا فتلقيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورحبا به، ووضعنا له قطيفة كانت عندنا زبيرية، فقعد عليها ثم قال أبي لأمي: هاتي طعامك، فجاءت بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح فوضعته بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: خذوا بسم الله من حواليها وذروا ذروتها فإن البركة فيها، فأكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأكلنا معه وفضل منها فضلة، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم. وفي حديث بمعناه: فما زلنا نتعرف البركة والسعة في الرزق إلى اليوم. وفي حديث آخر بمعناه عن ابني بسر: وأنزل عليه الوحي في بيتنا، وقدمنا إليه زبداً وتمراً، وكان يحب البسر، وكان في رأس أحدهما في قرنه شعر مجتمع كأنه قرن فقال: ألا أرى في أمتي قرناً، الحديث.

وحدث عبد الله بن بسر قال: كانت أختي تبعثني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدية فيقبلها. وعن عبد الله بن بسر قال: ترون يدي هذه ضربت بها على يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية - بايعت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمعته يقول: لا تصوموا يوم السبت إلا في فريضة، وإن لم يجد أحدكم إلا عود كرم أو لحاء شجرة. زاد في غيره: فليفطر عليه. وعن عبد الله بن بسر وكان عبد الله شريكاً لأبيه في قرية يقال لها تمونية يرعيان فيها خيلاً لهم قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلنا مع أبي فقام إلى قطيفة لنا قليلة الخمل فجمعها بيده ثم ألقاها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقعد عليها ثم قال أبي لأمي: هل عندك شيء تطعميناه فقالت: نعم، شيء من حيس، قال: فقربته إليهما فأكلا، ثم دعا لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم التفت إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا غلام فمسح بيده على رأسي ثم قال: " يعيش هذا الغلام قرناً " قال: فعاش مئة سنة. وفي حديث آخر قال عبد الله: فلقد عشت خمساً وتسعين، وبقيت خمس سنين إلى أن أتم قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات. وفي حديث آخر عنه: وكان في وجهه ثؤلول فقال: لا يموت هذا الغلام حتى يذهب هذا الثؤلول. فلم يمت عبد الله حتى ذهب الثؤلول من وجهه. وعن عبد الله بن بسر قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان: إذا كنت في قوم، عشرين رجلاً أو أقل أو أكثر فتصفحت في وجوههم فلم تر فيهم رجلاً يهاب من الله فاعلم أن الأمر قد رق.

عبد الله بن بسر النصري

لما فرغ مسلم بن سليم من تزيين مسجد حمص كتب إليه الوليد بن عبد الملك أن أحضره أناساً من قدمائهم وصالحيهم فليدعوا لأمير المؤمنين بالصلاح والعافية والبقاء، فدعا ناساً من الجند فيهم عبد الله بن بسر فقال له مسلم: يا أبا صفوان، كيف ترى هذا المسجد؟ قال: أراه حسناً ملهياً. وعن أم هاشم الطائية قالت: رأيت عبد الله بن بسر جالساً يتوضأ، فبينا هو يتوضأ إذ خرجت نفسه. قال أبو مسلم: مات عبد الله بن بسر سنة سبع وثمانين. عبد الله بن بسر النصري والد عبد الواحد بن عبد الله له صحبة ورواية عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي قال: مررت بعبد الواحد بن عبد الله بن بسر وأنا غاز وهو أمير على حمص فقال لي: يا أبا عمرو، ألا أحدثك بحديث يسرك؟ فوالله ربما كتمته الولاة. قلت: بلى. قال: حدثني أبي عبد الله بن بسر قال: بينما نحن بفناء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلوس إذ خرج علينا مشرق الوجه، يتهلل، فقمنا في وجهه، فقلنا: يا رسول الله، سرك الله، إنه ليسرنا ما نرى من إشراق وجهك وتطلقه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن جبريل أتاني آنفاً فبشرني أن الله قد أعطاني الشفاعة " فقلنا: يا رسول الله، أفي بني هاشم خاصة. قال: " لا ". قال: فقلنا: أفي قريش عامة. قال: " لا ". فقلنا: في أمتك؟ فقال: " هي في أمتي للمذنبين المثقلين ".

عبد الله بن بشر بن عميرة

عبد الله بن بشر بن عميرة ابن الصدي بن جميل بن شرحبيل بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب أبو محمد الطالقاني البكري من بكر بن وائل سمع بدمشق وبمصر وغيرهما. حدث عن أسد بن محمد المصيصي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عقل كالتدبير ". وحدث عن محمد بن كثير الحراني بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل ". وحدث عن العباس بنالوليد بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة ". وعميره جده: بفتح العين وكسر الميم. قال أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ: سمعت أبا محمد عبد الله بن بشر يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، وبكلامه خلق الخلق، وكون الأشياء، وليس من الخلاق العليم شيء مخلوق، ومن زعم أن كلامه مخلوق فقد زعم أن الله شيئاً مخلوقاً، فتعالى الله عن هذا. فلقد جاء قائل هذا القول شيئاً نكراً، وافترى عظيماً، قال الله عز وجل: " ألا له الخلق والأمر " ففصل الخلق من الأمر وقال جل ثناؤه: " كن " فكان، وكلامه من أمره مخلوق، خلق الخلق سبحانه وتعالى.

عبد الله بن بكر بن محمد

قال أبو عبد الله محمد بن يعقوب: سمعت عبد الله بن بشر الطالقاني يقول: أرجو أن يأتيني أمر الله بين يدي ولم يفارقني القلم والمحبرة، وكان عبد الله بن بشر يحضر المجالس ويكتب ويسمع ويكتب بخطه إلى أن مات. توفي عبد الله الطالقاني سنة خمس وسبعين ومئتين. عبد الله بن بكر بن محمد ابن الحسين بن محمد أبو أحمد الطبراني الزاهد ساكن أكواخ بانياس. حدث بسنده عن أحمد بن عبد الوهاب الذهبي عن مشايخه قال: قال حذيفة: كفى من العلم الخشية، وكفى من الجهل أن يذكر العالم حسناته وينسى سيئاته، وكفى من الكذب أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. قال أبو محمد عبد الله بن جعفر الخبازي: سمعت أبا أحمد عبد الله بن بكر العالم الزاهد بالشام في جبل لبنان يقول: أبرك العلوم وأفضلها وأكثرها نفعاً في الدين والدنيا بعد كتاب الله عز وجل أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فيه من كثرة الصلوات عليه، وإنها كالرياض والبساتين تجد فيها كل خير وبر وفضل وذكر. كان أبو أحمد ثقة ثبتاً مكثراً، وكان بأكواخ بانياس، يتعبد في أصل جبل هناك، وتوفي سنة تسع وتسعين وثلاث مئة. وكان يرمى بالتشيع. عبد الله بن تمام الكلاعي القاضي كان قاضياً لعبد الملك. جاءت امرأة تخاصم زوجها إلى عبد الله بن تمام وهو يومئذ قاضٍ لعبد الملك بن مروان فذكرت أن زوجها لا يأتيها فقضى لها بيوم من أربعة، فقال أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي:

عبد الله بن ثابت بن يعقوب

لقيت من الغانيات العجابا ... لو أدرك مني العذارى الشبابا ولكن جمع العذارى الحسان ... عناء شديد إذا المرء شابا يرضن بكل عصا رائض ... ويصبحن كل غداة غضابا علام يكحلن حور العيون ... ويحدثن بعد الخضاب الخضابا ويبرقن إلا لما تعلمون ... فلا تحرموا المؤمنات الضرابا فلو كلت بالمد للغانيات ... وأطهرت بعد الثياب الثيابا ولم يغش فيهن من ذاك ذاك ... بغينك عند الأمير الكذابا إذا لم يخالطن كل الخلا ... ط أصبحن مخرنطمات غضابا يميت الخلاط عتاب النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا وكان عبد الملك يقول لأيمن: أنشدني شعراً في النساء فإذا أنشده قال: ما عامل النساء معاملتك أحد قط، ولا أبصر منهن ما أبصرت، هن على ما ذكرت، غير أني لم أسمعك ذكرت أربهن ومكرهن، وقال عبد الملك: نعم الشفيع أيمن لهن. قال الحافظ: لا أعرف ابن تمام هذا في قضاة دمشق. قال: ولعله كان قاضياً في بعض أعمالها. عبد الله بن ثابت بن يعقوب ابن قيس بن إبراهيم بن عبد الله أبو محمد العبقسي التوزي البحراني القاضي المقرئ. حدث بدمشق عن يوسف بن موسى القطان بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض، مما يرون من ثواب أهل البلاء. قال عبد الله بن ثابت: أنشدنا المبرد محمد بن يزيد:

عبد الله بن ثعلبة بن صعير

حتى متى أنا في حل وترحال ... وطول سعي بإدبارٍ وإقبال ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... عن الأحبة لا يدرون ما حالي في مشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على بالي ولو قنعت أتاني الرزق في دعةٍ ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال وأنشد عبد الله بن ثابت المقرئ: إذا لم تكن حافظاً واعياً ... فعلمك في البيت لا ينفع وتحضر بالجهل في موضعٍ ... وعلمك في البيت مستودع ومن يك في دهره هكذا ... يكن دهره القهقري يرجع توفي عبد الله بن ثابت سنة ثمان وثلاث مئة، وقيل إنه قال: ولدت سنة ثلاث وعشرين ومئتين في آخرها. عبد الله بن ثعلبة بن صعير ويقال ابن أبي صعير، أبو محمد العذري حليف بني زهرة أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح على وجهه، ودعا له وحفظ عنه حديثاً، وشهد خطبة عمر بالجابية. حدث ابن أبي الصعير قال: أشرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلى أحد فقال: زملوهم بدمائهم وكلومهم، فإني شهدت عليهم. وعن عبد الله بن ثعلبة وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد مسح وجهه أن رسول الله قال لقتلى أحد الذين قتلوا، ووجدهم قد مثل بهم فقال: زملوهم بجراحاتهم، فإنه ما كلم يكلمه في الله إلا يأتي يوم القيامة لونه لون دم وريحه ريح المسك. زاد في حديث آخر: وكان عبد الله بن ثعلبة ولد عام الفتح.

عبد الله بن ثوب وقيل ابن ثواب

وفي آخر: انظروا أكثرهم جمعاً للقرآن فاجعلوه أمام صاحبه في القبر. وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة في القبر. وحدث عبد الله بن ثعلبة: أن المستفتح يوم بدر أبو جهل بن هشام. قال: لما التقى الجمعان قال: اللهم، أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة، فقتل. وفيه أنزل الله عز وجل " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم ". وحدث عبد الله بن ثعلبة قال: صلينا مع عمر بن الخطاب بالجابية صلاة الصبح فقرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين. وكان ثعلبة أبو عبد الله شاعراً وكان حليفاً لبني زهرة. وصعير: بضم الصاد المهملة وفتح العين المهملة. ولد عبد الله بن ثعلبة قبل الهجرة بأربع سنين، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن أربع عشرة سنة. وتوفي سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وتسعين. وقيل: توفي سنة سبع وثمانين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة. وكان عالماً بالأنساب. عبد الله بن ثوب وقيل ابن ثواب وقيل: ابن أثوب. ويقال: ابن عبد الله - أبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد - ويقال: ابن عبد - ويقال: ابن عوف - ويقال: ابن مسلم - ويقال: اسمه يعقوب بن عوف. أدرك الجاهلية، وسكن الشام فنزل بداريا، أصله من اليمن، قارئ أهل الشام.

حدث أبو مسلم الخراساني قال: حدثني الحبيب الأمين - أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين - عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرددها ثلاث مرات، فقدمنا أيدينا فبايعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: يا رسول الله، قد بايعناك فعلى أي شيء نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وأسر كلمة خفية: ألا تسألوا الناس شيئاً. قال: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يقول لأحد يناوله إياه. أسلم أبو مسلم في عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: إنه أسلم على عهد معاوية، فقيل له: ما منعك أن تسلم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان؟ فقال: إني وجدت هذه الأمة على ثلاثة أصناف: صنف يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً، وصنف يصيبهم شيء، ثم يدخلون الجنة، فأردت أن أكون من الأولين، فإن لم أكن منهم كنت من الذين يحاسبون حساباً يسيراً، فإن لم أكن منهم كنت من الذين يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنة. وقيل: إنما كان إسلامه في عهد أبي بكر، ولكن هاجر إلى الأرض المقدسة أيام معاوية من قبل عمر وسكنها. قال المصنف: المحفوظ أن أبا مسلم الخولاني تقدم إسلامه، والذي تأخر إسلامه أبو مسلم الجليلي، فسأله أبو مسلم الخولاني عن سبب تأخر إسلامه، فذكر معنى ما في الحديث. وكان إسلام أبي مسلم الجليلي في خلافة عمر. حدث شرحبيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس تنبأ باليمن فبعث إلى أبي مسلم الخولاني فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: فتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. فرددها عليه مرات. فلما رأى أنه لا يجيبه أمر بنار عظيمة فأججت ثم قذف أبا مسلم فيها فلم تضره، فقال له من اتبعه: إن لم تنف هذا عنك أفسد عليك أمر من اتبعك فأمره بالرحيل، فأتى المدينة فأناخ راحلته بباب المسجد، وعمد إلى سارية من سواري المسجد ليصلي إليها، فبصر به عمر، فأقبل إليه فقال: السلام عليك، فقال: وعليك السلام، فقال: من أين أقبلت؟ قال:

من اليمن. قال: فما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثوب. قال أنشدك بالله أنت هو! قال: اللهم نعم، فاعتنقه وبكى، وأخذ بيده وانطلق به إلى أبي بكر رضي الله عنه حتى أجلسه فيما بينه وبينه، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعل به مثلما فعل بإبراهيم خليل الرحمن فلم تضره النار. قال ابن عياش: وأنا أدركت من اليمن من ريما مازح بعضهم بعضاً فيقول الخولانيون للعنسيين: صاحبكم الكذاب أحرق صاحبنا بالنار فلم تضره. لقي كعب أبا مسلم الخولاني فقال: كيف كرامتك على قومك؟ قال: إني عليهم لكريم. قال: إني أجد في التوارة غير ما تقول. قال: فصدقت التوراة، وكذب أبو مسلم. قال: فما وجدت في التوراة؟ قال: وجدت في التوراة أنه لم يكن حكيم من قوم إلا كان أزهدهم فيه قومه ثم الأقرب فالأقرب، فإذا كان في حبسه شيء عيروه به، وإن كان عمل برهة من دهره ذنباً عيروه به، فقالوا: فلان يعيرنا وابن فلان يعيرنا. وفي رواية: إذاً، ما كان رجل حكيم في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه. رأى كعب أبا مسلم الخولاني فقال: من هذا؟ قالوا: أبو مسلم. فقال: هذا حكيم هذه الأمة. كان أبو مسلم الخولاني يعلق سوطه في مسجده، فإذا غلبه النوم مشق ساقيه، ويقول: أنت أحق بالضرب من البهائم، فإذا غلبه النوم. قال: منك لا مني. قال الزهري: كنت عند الوليد فكاد يتناول عائشة فقلت له: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام كان قد أوتي حكمة؟ قال: ومن هو؟ قلت: أبو مسلم الخولاني، وسمع أهل الشام كأنهم ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلكم ومثل أمكم هذه؟ كمثل عينين في رأسه تؤذيان صاحبهما ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما. قال: فسكت.

قال عثمان بن أبي العاتكة: كان من أمر أبي مسلم أن علق سوطاً في مسجده ويقول: أنا أولى بالسوطمن الدواب، فإذا دخلته فترة مشق ساقيه سوطاً أو سوطين، وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد. وعن شرحبيل: أن رجلين أتيا أبا مسلم في منزله فقال بعض أهله: هو المسجد فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظرا انصرافه، وأحصيا ركوعه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مئة ركعة، والآخر أربع مئة ركعة قبل أن ينصرف، فقال له: يا أبا مسلم، كنا قاعدين خلفك ننتظرك. فقال: إني لو عرفت مكانكما لانصرفت إليكما، وما كان لكما أن تحفظا علي صلاتي، وأقسم لكما بالله إن خير كثرة السجود اليوم القيامة. قال: وكان أبو مسلم يتكلف حضور صلاة الجماعة من داريا إلى المسجد الجامع بدمشق التماس الفضيلة. وبين داريا والمسجد أربعة أميال. وكان أول من دخل المسجد لصلاة الصبح. قيل لأبي مسلم الخولاني حين كبر: إنك كبرت ورققت، فلو رفقت بنفسك، قال: أليس إذا أرسلت الحلبة فقلت لفرسانها: ارفقوا بها وسددوا بها، فإذا دنوتم من الغاية فلا تستبقوا منها؟ قال: فقد رأيت الغاية فدعوني. قال عطية بن قيس: دخل أناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في فسطاطه وجعل فيها نطعاً وأفرغ فيه الماء وهو يتصلق فيه فقالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر وقد أرخص لك في الفطر في الغزو والسفر؟! فقال: لو حضرت قتال لأفطرت، ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهي بدن، إنما تجري وهي ضمر، ألا وإن أيامنا باقية جائية، لها نعمل.

قال أبو مسلم الخولاني: ما عرضت لي دعوة قط فذكرت جهنم إلا صرفتها إلى الاستجارة من النار والاستعاذة منها. كان أبو مسلم يكثر أن يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان، وكان يقول: اذكر الله حتى يرى الجاهل أنك مجنون. أتى رجل أبا مسلم الخولاني فقال له: أوصني يا أبا مسلم قال: اذكر الله تحت كل شجرة وحجر، فقال: ذرني. قال: اذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله مجنوناً. قال: فكان أبو مسلم يكثر ذكر الله عز وجل، فقال: أمجنون صاحبكم هذا؟ فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا بن أخي، ولكن هذا دواء الجنون. كان من هدي أبي مسلم الخولاني إذا انصرف إلى منزله بعد العشاء إظهار التكبير، فإذا دنا من منزله وسمعته أم مسلم أجابته، فإذا دخل منزله سلم وقال: يا أم مسلم، شدي رحلك، فإنه ليس على جسر جهنم معبر. قال أبو مسلم: ما عملت عملاً أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله، أو يقضي حاجة غائط. كان أبو مسلم الخولاني إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال: أجيزوا بسم الله، ويمر بين أيديهم فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الركب أو بعض ذلك قريباً من ذلك، فإذا جازوا قال للناس: هل لكم شيء؟ من ذهب له شيء فأنا له ضامن. قال: فألقى بعضهم مخلاة عمداً، فلما جاوزوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر قال له: اتبعني فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر، فقال: خذها. وعن أبي مسلم الخولاني أنه أتى على دجلة وهو يرمي بالخشب من مدها، فوقف عليها ثم حمد الله تبارك وتعالى وأثنى عليه، وذكر سير بني إسرائيل في البحر ثم لهز دابته فخاضت الماء وتبعه الناس حتى قطعوا، ثم قال: هل فقدتم شيئاً من متاعكم فأدعوا الله أن يرده علي؟ اشترى أبو مسلم بغلة فقالت له امرأته: ادع الله لنا فيها بالبركة. قال: اللهم بارك

لنا فيها، فأصبحت وقد نفقت. ثم اشترى بغلة ثانية فقالت له مثلها، فأصبحت وقد نفقت. ثم اشترى الثالثة فقالت: أبا مسلم، ادع الله لنا فيها بالبركة. قال: اسكتي يا حمقاء، اللهم متعنا بها. كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل سلم، فإذا بلغ وسط الدار كبر وكبرت امرأته، فإذا بلغ البيت كبر وكبرت امرأته قال: فيدخل فينزع رداءه وحذاءه وتأتيه بطعام فيأكل، فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه ثم أتى باب البيت فكبر وسلم وكبر فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراج وإذا هي جالسة بيدها ود في الأرض تنكت به، فقال لها: ما لك؟ قالت: الناس بخير وأنت أبو مسلم لو أنك أتيت معاوية فيأمر لنا بخادم ويعطيك شيئاً نعيش به، فقال: اللهم، من أفسد علي أهلي فأعم بصره. قال: وكانت امرأة فقالت: أنت امرأة أبي مسلم، فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم قال: فبينا هذه المرأة في منزلها والسراج يزهر إذ أنكرت بصرها، فقالت: سراجكم طفئ قالوا: لا. قالت: إنا لله ذهب بصري، فأقبلت كما هي إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه، فدعا الله، فرد بصرها، ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها. حدث بلال بن كعب قال: كان الظبي يمر بأبي مسلم الخولاني فيقول له الصبيان: يا أبا مسلم، ادع ربك يحبس علينا هذا الظبي فيدعو الله فيحبسه حتى يأخذوه بأيديهم. قالت امرأة أبي مسلم: يا أبا مسلم، ليس لنا دقيق. قال: عندك شيء؟ قالت: درهم بعنابه غزلاً. قال: ابغينيه، وهاتي الجراب، فدخل السوق، فوقف على رجل يبيع الطعام فوقف عليه سائل فقال: يا أبا مسلم، تصدق علي فهرب منه وأتى حانوتاً آخر وتبعه السائل فقال: تصدق علينا. فلما أضجره أعطاه الدرهم، ثم عمد إلى الجراب فملأه من نحاتة النجارين مع التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من أهله. فلما ذهب من الليل الهديء جاء أبو مسلم فنقر الباب. فلما دخل وضعت بين يديه خواناً

وأرغفة حواري فقال: من أين لكم هذا؟ قالت: يا أبا مسلم، من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي. حدث الأوزاعي قال: أتى أبا مسلم نفر من قومه فقالوا: يا أبا مسلم، أما تشتاق إلى الحج؟ قال: بلى، لو أصبت لي أصحاباً، قال: فقالوا: نحن أصحابك، قال: لستم لي بأصحاب، إنما أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد، قالوا: سبحان الله وكيف يسافر قوم بلا زاد ولا مزاد؟! قال لهم: ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد، والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري، ولا تحرث ولا تزرع والله يرزقها؟ قال: فإنا نسافر معك، فقال: تهيؤوا على بركة الله تعالى، قال: فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاداً ولا مزاد، قال: فلما انتهوا إلى المنزل قالوا: يا أبا مسلم، طعام لنا وعلف لدوابنا قال: فقال لهم: نعم، فتنحى غير بعيد فتسنم مسجد أحجار، فصلى فيه ركعتين ثم جثا على ركبتيه قال: إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي، وإنما خرجت زائراً لك، وقد رأيت البخيل من ولد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى، وإنا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا، واعلف دوابنا، قال: فأتي بسفرة فمدت بين أيديهم وجيء بجفنة من ثريد تبخر، وجيء بقلتين من ماء وجيء بالعلف لا يدرون من يأتي به. فلم تزل حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا، لا يتكلفون زاداً ولا مزاداً. كان بيد أبي مسلم الخولاني سبحة يسبح بها قال: فنام والسبحة في يده. قال: فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه وجعلت تسبح، فالتفت أبو مسلم والسبحة تدور في ذراعه وهي تقول: سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثبات. قال: فقال: هلمي يا أم مسلم وانظري إلى أعجب الأعاجيب قال: فجاءت أم مسلم والسبحة تدور تسبح. فلما جلست سكتت. قالت جارية أبي مسلم الخولاني: يا أبا مسلم، لقد جعلت لك السم في طعامك منذ كذا وكذا فما أراه يضرك. فقال: ولم فعلت ذلك؟ قالت: أنا جارية شابة، ولا أنت تدنيني من فراشك. فقال: إني كنت

أقول إذا قرب إلي طعامي: بسم الله خير الأسماء الذي لا يضر مع اسمه داء، رب الأرض ورب السماء. وأعتقها. حدث سعيد بن عبد العزيز: إن الناس كانوا بأرض الروم فبعثوا سرية، فأبطأت عن وقت قدومها، فأحزن ذلك الجيش. فبينا أبو مسلم الخولاني يصلي إلى رمحه إذا بطائر قد وقع على سنان الرمح فقال: يا أبا مسلم، أبشر وبشر المسلمين بأن الله عز وجل قد سلم السرية وغنموا كذا، وهم قادمون في وقت كذا، فقال أبو مسلم: من أنت رحمك الله؟ قال: أنا ارزبابيل. فذهب الحزن من صدور المؤمنين. وفي رواية: مسلي الحزن عن قلوب بني آدم. قال أبو مسلم لجارية له: لولا أن الله تعالى يقول: " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله "، لأوجعتك. قال: فقالت: يرحمك الله فوالله، إنني لممن يرجو أيامه فما لك لا توجعني؟ فقال: إن الله يأمرني أن أغفر للذين لا يرجون أيامه فعمن يرجو أيامه أحرى، فانطلقي فأنت حرة. انصرف أبو مسلم الخولاني إلى منزله فإذا جاريته تبكي فقال لها: يا بنية ما يبكيك؟! فقالت: ضربني سيدي ابنك، فدعا ابنه فقال: كيف ضربك؟ قالت: لطمني. قال لابنه: اجلس فجلس فقال لها: الطميه كما لطمك فقالت: لا ألطم سيدي، فقال لها: عفوت عنه؟ قالت: نعم، قال: لا تطلبينه في الدنيا ولا في الآخرة؟ قالت: نعم. قال: اذهبي حتى تشهدي على ما تقولين. فدعت رجالاً فقال لها أبو مسلم: إن ابني لطمها لطمة، فدعوتها لتقتص من ابني فأبت أن تقتص، فزعمت أنها قد عفت عنه لا تطلبه لا في الدنيا ولا في الآخرة. فكذلك؟ قالت: نعم. قال: أشهدكم أنها حرة لوجه الله. فأقبل عليه بعض

القوم فقال: أعتقتها من أجل أن لطمها ابنك وليس لك خادم غيرها؟ قال: دعونا عنكم أيها القوم ليتنا نفلت كفافاً، لا لنا ولا علينا. عن أبي مسلم الخولاني: أنه سمع مكفوفاً بالمدينة وهو يلعن عثمان وما ولد، فقال: يا مكفوف، ألعثمان تقولون هذا يا أهل المدينة؟! كنتم بين قاتل وخاذل فكلاً جزى الله شرأ. يا أهل المدينة، لأنتم شر من ثمود، إن ثموداً قتلوا ناقة الله وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم على الله من ناقته. يا أهل المدينة، لو لم يكن في عثمان إلا أني رأيت في المنام كأن السماء، فإذا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، وإذا بالسماء تقطر دماً وقائل يقول: هذا دم عثمان قتل مظلوماً. مر بأبي مسلم الخولاني رجال من أهل المدينة قدموا من الحج وهو عند معاوية بدمشق، فخرج فلقيهم فقال لهم: هل مررتم بإخوانكم من أهل الحجر؟ قالوا: نعم. قال: فكيف رأيتم صنع الله بهم؟ قالوا: بذنوبهم. قال: أشهد أنكم عند الله مثلهم. قال: فدخلوا على معاوية فقالوا له: ما لقينا من هذا الشيخ الذي خرج من عندك؟! فبعث إليه فجاءه فقال: ما لك ولبني أخيك؟ قال: قلت لهم: مررتم على الحجر؟ قالوا: نعم فقلت: كيف رأيتم صنع الله بهم؟ فقالوا: صنع الله بهم بذنوبهم، فقلت: أشهد أنكم عند الله مثلهم. فقالوا: كيف يا أبا مسلم؟ قال: قتلوا ناقة الله وقتلتم خليفته، وأشهد على ربي لخليفته أكرم عليه من ناقته. قال أبو مسلم الخولاني: مثل الإمام كمثل عين عظيمة صافية طيبة الماء، يجري منها إلى نهر عظيم فيخوض الناس النهر فيكدرونه، ويعود عليهم صفو العين، فإن كان الكدر من قبل العين فسد النهر. قال: ومثل الإمام العادل ومثل الناس كمثل فسطاط لا يستقم إلا بعمود، ولا يقوم العمود إلا بأطناب وأتاد، فكلما نزع وتد ازداد العمود وهناً، فلا يصلح الناس إلا بالإمام ولا يصلح الإمام إلا بالناس.

قام أبو مسلم الخولاني إلى معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر فقال: يا معاوية، إنما أنت قبر من القبور. إن جئت بشيء كان لك شيء، وإلا فلا شيء لك. يا معاوية، لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفريقه، إنما الخلافة القول بالحق والعمل بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله، يا معاوية، إنا لا نبالي بكدر الأنهار ما صفا لنا رأس عيننا، يا معاوية، وإياك أن تميل على قبيلة من العرب فيذهب حيفك بعدلك. قال: ثم جلس فقال له معاوية: يرحمك الله يا أبا مسلم، يرحمك الله يا أبا مسلم. دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم، ثم قال: السلام عليك أيها الأجير. فقال الناس: الأمير. فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أعلم بما يقول. قال أبو مسلم: إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيراً فولاه ماشيته، وجعل له الأجر على أن يحسن الرعية، ويوفر جزازها وألبانها، فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها حتى تلحق الصغيرة، وتسمن العجفاء، أعطاه أجره وزاده من قبله زيادة، وإن هو لم يحسن رعيتها وأضاعها حتى تهلك العجفاء، وتعجف السمينة ولم يوفر جزازها وألبانها غضب عليه صاحب الأجر فعاقبه ولم يعطه الأجر. فقال معاوية: ما شاء الله. كان أبو مسلم الخولاني يقول: مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، إذا بدت لهم اهتدوا وإذا خفيت عليهم تحيروا. قال: ومثل الصالحين مثل الأميال في الأرض، ينجو بها السالك من الضلالة. وكان يقول: يا معشر القراء، استقيموا فقد سبقتم سبقاً بيناً بعيداً. وإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً. قال: وكان يقول: كلمة العالم الذي لا يعمل بها تزل عن القلب كما يزل القطر عن الصفا. قال أبو مسلم الخولاني: العلماء ثلاثة؛ رجل عاش في علمه وعاش الناس فيه، ورجل عاش في علمه ولم يعش معه فيه أحد، ورجل عاش الناس في علمه وكان وبالاً عليه.

دخل أبو مسلم الخولاني المسجد فنظر إلى نفر قد اجتمعوا جلوساً، فرجا أن يكونوا على ذكر، على خير، فجلس إليهم فإذا بعضهم يقول: قدم غلام لي فأصاب كذا وكذا، وقال الآخر: وأنا قد جهزت غلامي. فنظر إليهم فقال: سبحان الله هل تدرون يا هؤلاء ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل، فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين فقال: لو دخلت هذا البيت حتى يذهب عني أذى هذا المطر، فدخل فإذا بيت لا سقف له، فجلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على خير، على ذكر، فإذا أنتم أصحاب دنيا، فقام عنهم. قال أبو مسلم الخولاني: أظهر اليأس مما في أيدي الناس، فإن فيه الغنى، وأقل طلب الحاجات إلى الناس، فإن فيه الفقر الحاضر، وإياك وما يعتذر منه من الكلام، وصل صلاة مودع يظن أن لن يعود، وإن استطعت أن تكون اليوم خيراً منك الأمس وتكون غداً خيراً منك اليوم فافعل. قال مسلم بن حامد: قال لي أبو مسلم: كيف بك إذا صرت في حثالة من الناس؟ فقلت: يا أبا مسلم، وما الحثالة؟ فقال: قوم لا تعرفهم ولا يعرفونك، أولئك شرار الخلق، ألا إن أفضلكم في ذلك الزمان أخملكم ذكراً. قلت: يا أبا مسلم، وما خمالة الذكر؟ قال: من لم يعرف الناس ولم يعرفوه، ولم يتصد للفتن فتهلكه، وأخفهم حاذاً. فقلت: يا أبا مسلم، وما خفة الحاذ؟ قال: من قل أهله وعياله، ولم يكن متشاغلاً عن عبادة ربه عز وجل، إن الرجل منكم يخرج فيحتطب الدنيا من حلها وحرامها لأهله وعياله. ألا وسيعيش الرجل منكم في ذلك الزمان في حسب غيره. فقلت: يا أبا مسلم، سبحان الله! أويكون هذا؟ قال: نعم، يدرس العلم ويذهب الناس فينتمي قوم إلى غير آبائهم، ويتولى قوم إلى غير مواليهم، لا يجدون من يصدقهم ولا يكذبهم.

قال أبو مسلم: كان الناس ورقاً لا شوك فيه، وإنهم اليوم شوك لا ورق فيه، إن سببتهم سبوك وإن ناقدتهم ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك. زاد في أخرى: وإن فررت منهم أدركوك، فقال رجل: فكيف أصنع؟ قال: أعط من عرضك ليوم فقرك. قال أبو مسلم الخولاني: أربع لا يقبلن في أربع: السرقة، والخيانة، والغلول، ومال اليتيم: في الحج، والعمرة، والصدقة، والنفقة في سبيل الله عز وجل. قال أبو مسلم: مثل هذه من توفيق - وعقد طرف اصبعه - خير من مثل هذا من عقل وفرج بين يديه. توفي أبو مسلم الخولاني بأرض الروم بحمة بسر في خلافة معاوية، فقال لبسر بن أرطأة: أمرني على من مات معك من المسلمين، واعقد لي لواء عليهم، واجعل قبري أقصى القبور إلى العدو، فإني أرجو أن آتي يوم القيامة بلوائهم. وكان معاوية شتى بسر بن أرطأة سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة أربع وأربعين. روي عن بعض مشيخة دمشق قال: أقبلنا من أرض الروم قفالاً. فلما أن خرجنا من حمص متوجهين إلى دمشق مررنا بالعمير الذي يلي حمص على نحو من أربعة أميال في آخر الليل. فلما سمع الراهب الذي في الصومعة كلامنا اطلع إلينا فقال: ما أنتم يا قوم؟ فقلنا: ناس من أهل دمشق أقبلنا من

عبد الله بن جابر بن عبد الله

أرض الروم فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني؟ فقلنا: نعم. قال: فإذا أتيتموه فأقرئوه السلام، وأعلموه أنا نجده في الكتب رفيق عيسى بن مريم. أما إنكم إن كنتم تعرفونه لا تجدونه حياً. قال: فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته. يعني سمعوا خبر وفاته بدمشق وكانت وفاته بأرض الروم. قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة لموت أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأنصاري. توفي ابن لعتبة بن أبي سفيان فقام ناس إلى معاوية فقالوا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، أعظم الله أجرك في ابن أخيك، وجعل ثوابك من مصيبتك به الجنة، فأسكت عنهم فردوا عليه الكلام فقال: إن موت غلام من آل أبي سفيان قبضه الله إلى جنته وكرامته ليس بمصيبة. إن المصيبة كل المصيبة على مثل أبي مسلم الخولاني وكريب بن سيف الأزدي. عبد الله بن جابر بن عبد الله أبو محمد الطرسوسي البزاز سمع بدمشق. حدث عن زهير بن محمد بن قمير بسنده إلى تميم الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. وحدث عبد الله بن جابر عن ابن خبيق بسنده إلى سفيان الثوري قال: أصبنا أصل كل عداوة: اصطناع المعروف إلى اللثام.

عبد الله بن جابر أبو مسلم

عبد الله بن جابر أبو مسلم من جلساء الوليد بن مسلم. حدث عبد الله بن جابر قال: سمعت الوليد بن مسلم يقول: أضاف بأبي شيخ من أهل الحجاز فبات ليلته يردد هذه الآية ويبكي إلى الصباح: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين " فلما غدا إلى المسجد غدوت معه. قال: فقلت له: يا عم، لقد أبكتك الليلة آية ما يبكي عند مثلها، إنها آية رحمة. فقال لي: يا بن أخي، وما ينفعني أو يغني عني عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم؟ قال عبد الله بن جابر: سمعت الوليد يقول في قوله عز وجل: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " قال: يعبدونك فيحسنون عبادتك، ولا يخرجون علينا الحد، " واجعلنا للمتقين إماماً " قال: نأتم بصالح من مضى من قبلنا ويأتم بنا صالح من يجيء من بعدنا. وحدث عبد الله بن جابر قال: سمعت الخشني يقول في قوله تعالى: " فلنحيينه حياة طيبة " قال: لنرزقنه طاعة يجد لذتها في قلبه. قال: وسمعت الخشني يقول: من أراد أن يغزر دمعه ويرق قلبه فليأكل وليشرب في نصفه بطنه. فحدثت به أبا سليمان فقال لي: إنما جاء الحديث ثلث طعام، وثلث شراب، وأرى هؤلاء قد حاسبوا أنفسهم فربحوا سدساً.

عبد الله بن الجارود واسمه بشر

عبد الله بن الجارود واسمه بشر كان عبد الله بن يزيد الأسيدي ثم التميمي يكثر التعبث بعبد الله بن الجارود العبدي، وكان عبد الله بن الجارود عاملاً على البصرة من قبل سليمان بن عبد الملك، فدس عبد الله بن الجارود رجالاً من عبد القيس فشهدوا على عبد الله بن يزيد بشرب الخمر، فقبض عليه وضربه الحد ضرب التلف. فأخذ عبد الله بن يزيد يقول: ما هكذا تقام الحدود، ثم أمر به السجن، ودس إليه غلاماً له فدق عنقه في الحبس، وادعى عليه أنه مص خاتماً كان في يده تحت فصة سم. فأنشأ الفرزدق يقول من أبيات: يال تميم ألا لله أمكم ... لقد رميتم بإحدى المصمئلات فوجه عبد الله بن الجارود من لبب الفرزدق وقاده إلى السجن. فلما كان على باب السجن قال: أيها المسلمون، أشهدكم أنه ليس في اصبعي خاتم. ونمي الخبر إلى سليمان فعزل ابن الجارود، وأشخصه إليه، فلما دخل عليه سلم بالخلافة، فقال له سليمان: لا سلم الله عليك، قتلت من كان خيراً منك أباً وأماً. فقال له الجارود: يا أمير المؤمنين، وليتمونا بلداً ودفعتم إلينا سيفاً وسوطاً، وأمرتمونا بإقامة الحدود، فإن تهلك نفس فمن وراء الجهد، وأما قولك يا أمير المؤمنين: إنه كان خيراً مني أباً وأماً، فأما أبي فهو الجارود بن المعلى الذي قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلم يا جارود، قال: اضمن لي الجنة يا رسول الله، وهو الذي قال فيه عمر: لو أدركت سالماً مولى أبو حذيفة لم يخالجني فيه الشك، ولو أدركت أعميش عبد القيس لسلمتها إليه، وأما أمي فابنة الذي أجار أباك على علي بن أبي طالب يوم الجمل. وكان جده لأمه مسمع بن مالك أبو مالك بن مسمع، وكان أجار مروان يوم الجمل على علي بن أبي طالب.

عبد الله بن جراد بن المنتفق

عبد الله بن جراد بن المنتفق ابن عامر بن عقيل ويقال ابن جراد بن معاوية، العقيلي. يقال: إن له صحبة، وقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مؤتة من الشام. حدث عبد الله بن جراد قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كم إبلك؟ قال: قلت: ثلاثون. قال: إن ثلاثين خير من مئة، قلت: يا رسول الله، إنا لنرى أن المئة أكثر من ثلاثين، وهي أحب إلينا. قال: إن ربها بها معجب، وإنه لا يؤدي حقها، إن المئة مفرحةمفتنة، وكل مفرح مفتن. وعن ابن جراد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قطع العروق مسقمة، والحجامة خير منه، قطع العروق مسقمة. وعنه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان: إذا ضربت راحلته دعا بلبن فشرب، فقطرت على ثوبه قطرة، فدعا بماء فغسله وقال: هو يخرج من بين فرث ودم، وهو طعام المسلمين وشراب أهل الجنة. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل شيء يتوضأ منه إلا الحلواء، وكان إذا أكل دعا بماء فتمضمض. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الضيف لا ينقص من كرامته ثلاثة أيام. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أطعم كبداً جائعاً أطعمه الله من أطيب طعام الجنة يوم القيامة.

وعنه قال: قالرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من برد كبداً عطشان سقاه الله، وأرواه من شراب الجنة يوم القيامة. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتاك أخوك المسلم عطشان فأروه، فإن لك في ذلك أجراً. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أقرض أحدكم قرضاً فليوفه ثناء وحمداً. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في الجنة شجرة تسمى السخاء، منها يخرج السخاء، وفي النار شجرة تسمى الشح، منها يخرج الشح، ولن يلج الجنة شحيح. وعنه أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا نبي الله، هل يزني المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يكون ذلك. قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا، ثم أتبعها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قال هذه الكلمة: " لا " " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ". وعنه قال: صحبني رجل من مؤته فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا معه فقال: يا رسول الله، ولد لي مولود فما خير الأسماء؟ قال: إن خير أسماءكم الحارث وهمام. ونعم الاسم عبد الله وعبد الرحمن، وسموا بأسماء الأنبياء ولا تسموا بأسماء الملائكة. قال: وباسمك؟ قال: وباسمي ولا تكنوا بكنيتي.

عبد الله بن جرير بن عبد الله

عبد الله بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي. حدث عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من لا يرحم لا يرحم. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من يكون بين أظهرهم رجل يعمل بالمعاصي هم أمنع منه وأعز، لا يغيرون عليه إلا أصابهم الله بعقاب. عبد الله بن جعفر ذي الجناحين الطيار بن أبي طالب أبو جعفر ويقال: أبو محمد. ولد بأرض الحبشة إذ كان أبواه مهاجرين بها، وأمه أسماء بنت عميس، وكان جواداً ممدوحاً. سكن المدينة، وقدم دمشق على معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان، وأمر له يزيد بن معاوية بألفي ألف. حدث عبد الله بن جعفر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل القثاء بالرطب. وعنه قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس. قال: وكان أحب ما استتر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته هدف أو حائش نخل، فدخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل. فلما رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حن وذرفت عيناه، فأتاه

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح سراته وذفراه فسكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل. فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه. وعن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: إن قتل زيد واستشهد فأميركم جعفر، فإن قتل واستشهد فأميركم عبد الله بن رواحة. فلقوا العدو فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، وأتى خبرهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن إخوانكم لقوا العدو، وإن زيداً أخذ الراية فقاتل أو استشهد، ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه، ثم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي. قال: فجيء بنا كأننا أفرخ فقال: ادعوا لي الحلاق؛ فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها فقال: اللهم، اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرات. قال: فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا، وجعلت تفرخ له، فقال: آلعيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ قال عبد الله بن جعفر: إنما أحفظ حين دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمي فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهراقان الدموع حتى تقطر لحيته ثم قال: اللهم إن جعفراً

قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته، ثم قال يا أسماء: ألا أبشرك؟ قالت: بأبي وأمي، قال: فإن الله جل وعز جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: بأبي وأمي يا رسول الله فأعلم الناس ذلك، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي على النبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلي والحزن يعرف عليه فتكلم فقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفراً قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيته وأدخلني، وأمر بطعام يصنع لأهلي وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده والله غداءً طيباً مباركاً. عمدت سلمى خادمه إلى شعير فطحنته ثم نسفته ثم أنضجته ثم أدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلاً فتغديت أنا وأخي معه، فأقمنا ثلاثة أيام في بيته ندور معه، كلما صار في بيت إحدى نسائه، ثم رجعنا إلى بيتنا. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أساوم بشاة أخ لي فقال: اللهم بارك له في صفقته. قال عبد الله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت إلا بورك لي فيه. وعن عروة: أن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر بايعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما ابنا سبع سنين، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما. وعن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة إما حسن وإما حسين فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وعن عبد الله بن جعفر قال: سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة ما أحب أن لي بها حمر النعم. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: جعفراً أشبه خلقي وخلقي. وأما أنت يا عبد الله فأشبه خلق الله بأبيك. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا عبد الله، هنيئاً لك مريئاً: خلقت من طينتي وأبوك يطير مع الملائكة في السماء.

خطب الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن جعفر عليهما السلام إلى المسيب بن نجية ابنته الجنان، فقال لهم: إن لي فيها أميراً لن أعدو أمره، فأتى علي بن أبي طالب فأخبره خبرهم واستشاره، فقال له علي: أما الحسن فإنه رجل مطلاق وليس يحظين عنده، وأما الحسين فإنما هي حاجة الرجل إلى أهله، وأما عبد الله بن جعفر فقد رضيته لك فزوجه السائب ابنته. وعن ابن عمر: أنه كان يأتي عبد الله بن جعفر فقال له الناس: إنك تكثر إتيان عبد الله بن جعفر فقال ابن عمر: لو رأيتم أباه أحببتم هذا، وجد فيما بين قرنه إلى قدمه سبعون بين ضربةٍ بسيف وطعنةٍ برمح. وفد عبد الله بن جعفر على معاوية فأنزله في داره، فقالت له ابنة قرظة امرأته: إن جارك هذا يسمع الغناء، قال: فإذا كان ذلك فأعلميني، فأعلمته، فاطلع عليه وجارية له تغنيه: إنك والله لذو ملةٍ ... يطرفك الأدنى عن الأبعد وهو يقول: يا صدقكاه. قال: ثم قال: اسقني، قالت: ما أسقيك؟ قال: ماء وعسلاً، قال: فانصرف معاوية وهو يقول: ما رأى بأساً. فلما كان بعد ذلك قالت له: إن جارك هذا لا يدعنا ننام الليل من قراءة القرآن. قال: هكذا قومي: رهبان بالليل ملوك بالنهار. قدم عبد الله بن جعفر على معاوية وكانت له منه وفادة في كل سنة، يعطيه ألف ألف درهم، ويقضي له مئة حاجة، فقال: يا أمير المؤمنين، اقض عني ديني فإني إنما أخذته عليك، وابسط أملي بإعطاء يومك، ودعني وغداً، فإنك غداً خير منك اليوم، كما أنك اليوم خير منك أمس ثم قال:

يوماك: يوم يفيض نائله ... وخير يوميك ما بقيت غدا ولا يمنعك من قضاء حقنا، وصلة أرحامنا حاجتنا إليك، وغناك عنا، فإنه ليس كل حاجة تتم، ولا كل غنى يدوم، وقد عودتنا من نفسك عادة صارت لنا عليك فريضة إن تقف بنا عندها رضينا بها، وإن زدتنا عليها حملنا زيادتها، ونحن وأنت كما قال الأعشى لقيس بن النمر: عودت كندة عادةً فاصبر لها ... اغفر لجاهلها وروّ سجالها وأعلم أنك لا تقضي لنا حاجة إلا قضينا لك مثلها، ولا تقبض عنا يدك فوالله إنه لتجيء منك الفلتة من الحرمان فكأنما جاءت من غيرك، يشك فيها الشاهد، ويكذب بها الغائب، ويطلب لها أهل الرأي المخرج لك منها حتى يبتغوا لك من الغدر ما يجوز الحرمان، وكذلك بحظك الغالب وقدرك الجالب. فقال معاوية: حسبك فما يتسع بيت ما لي لمكافأتك، والله ما في قريش رجل أحب أن يكون ابن هند منك، ولكني إذا ذكرت مكانك من علي ومكان علي منك انقبضت عنك، ثم أذكر أني لا أقيس بك رجلاً من قريش إلا عظمت عنه، ولا أزنك إلا رجحت به فعطفت عليك. فالغالب على ذلك الأوليان، بك مني وسيلة لا أخيب دالتها، وأثرة لا أستكثر عطيتها، وأما ما عودتكم فهو لكم ما كنتم لي، وأما أن تقضي من حقك فإني لا أكون على حال إلا وفي يديك مني أكثر مما في يدي منك، وأما البخل فكيف أبخل بمال، إنما تغيب عني أربعة أشهر حتى يرجع إلي بيت مالي، فقد اعتقدت به المنن، وما أحبسه إلا لأعطيه، وما أجمعه لأمنعه، ولأنا بإعطائه أشد سروراً منكم بأخذه، وقد قدمت علي وقد خلفت الحقوق في المال، ولك عودة، والدهر بيني وبينك أطرق مشتت، فلا تضربن بيني وبينك بالإساءة. كم دينك يا بن جعفر؟ قال: ألف ألف درهم. فقال معاوية: يا سعد، اقضها عنه، واجبهاغداً من فسا ودرابجرد، فغضبت قريش الشام حين أعطاه ألف ألف درهم فقالت: نظن معاوية هائباً لابن جعفر، فقال معاوية من أبيات: تقول قريش حين خفت حلومها ... نظن ابن هند هائباً لابن جعفر

فمن ثم يقضي ألف ألف ديونه ... وحاجته مقضية لم تؤخر فقلت: ادعوا لي لا أباً لأبيكم ... فما منكم فيض له غير أعور أليس فتى البطحاء ما تنكرونه ... وأول من أثني بتقواه خنصرى وكان أبوه جعفر ساد قومه ... ولم يك في الحرب العوان بجيدر فما ألف ألف فاسكتوا لابن جعفركثير ولا أمثالها لي بمنكر ولا تحسدوه وافعلوا كفعاله ... ولن تدركوه كل ممشى ومحضر دخل عبد الله بن جعفر على معاوية وعنده يزيد ابنه، فجعل يزيد يعرض بعبد الله في كلامه وينسبه إلى الإسراف في غير مرضاة الله، فقال عبد الله ليزيد: إني لأرفع نفسي عن جوابك، ولو صاحب السرير يكلمني لأجبته. فقال معاوية: كأنك تظن أنك أشرف منه. قال: أي، والله ومنك ومن أبيك وجدك. فقال معاوية: ما كنت أحب أن أحداً في عصر حرب بن أمية أشرف من حرب بن أمية. فقال عبد الله: بلى والله أشرف من حرب من أكفأ عليه إناءه، وأجاره بردائه. قال: صدقت يا أبا جعفر، وسل حاجتك، فقضى حوائجه وخرج. قال الشعبي: ومعنى قول عبد الله لمعاوية: إن أشرف من حرب من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه، لأن حرب بني أمية كان إذا كان في سفر وعرضت له ثنية أو عقبة تنحنح، فلم يجترئ أحد أن يربأها حتى يجوز حرب بن أمية، فكان في سفر، فعرضت له ثنية فتنحنح، فوقف الناس ليجوز، فجاء غلام من بني تميم فقال: ومن حرب؟ ثم تقدمه فنظر إليه حرب فتهدده وقال: سيمكنني الله تعالى منك إذا دخلت مكة. فضرب الدهر من ضربه. ثم إن التميمي بدت له حاجة بمكة فسأل عن أعز أهل مكة فقيل له: عبد المطلب بن هاشم فقال: أردت دون عبد المطلب فقيل له: الزبير بن عبد المطلب، فقدم إلى مكة فأتى باب الزبير بن عبد المطلب فقرع عليه بابه، فخرج إليه الزبير فقال: ما أنت؟ إن كنت

مستجيراً أجرناك، وإن كنت طالب قرى قريناك، فأنشأ التميمي يقول: لاقيت حرباً بالثنية مقبلاً ... والصبح أبلج ضوءه للساري قف لا تصاعد واكتنى ليروعني ... ودعا بدعوة معلن وشعار فتركته خلفي وسرت أمامه ... وكذاك كنت أكون في الأسفار فمضى يهددني الوعيد ببلدة ... فيها الزبير كمثل ليث ضار فتركته كالكلب ينبح وحده ... وأتيت قرم مكارم وفخار قرما هزبراً يستجار بقربه ... رحب المياه مكرماً للجار وحلفت بالبيت العتيق وركنه ... وبزمزم والحجر ذي الأستار إن الزبير لما نعي بمهند ... عضب المهزة صارم بتار فقال الزبير: قد أجرتك وأنا ابن عبد المطلب، فسر أمامي فإنا - معشر بني عبد المطلب - إذا أجرنا رجلاً لم نتقدمه، فمضى بين يديه والزبير في إثره فليقه حرب فقال: التميمي، ورب الكعبة، ثم شد عليه ثم اخترط سيفه الزبير، ونادى في إخوته، ومضى حرب يشتد، والزبير في إثره حتى صار إلى دار عبد المطلب، فلقيه عبد المطلب خارجاً من الدار فقال: مهيم ياحرب، فقال: ابنك. قال: ادخل الدار، فدخل فأكفأ عليه جفنة هاشم التي كان يهشم فيها الثريد. وتلاحق بنو عبد المطلب بعضهم على إثر بعض، فلم يجترئوا أن يدخلوا دار أبيهم فاحتبوا بحمائل سيوفهم، وجلسوا على الباب فخرج إليهم عبد المطلب. فلما نظر إليهم سره ما رأى منهم فقال: يا بني، أصبحتم أسود العرب. ثم دخل إلى حرب فقال له: قم فاخرج، فقال: يا أبا الحارث، هربت من واحد وأخرج إلى عشرة؟! فقال: خذ ردائي هذا فالبسه، فإنهم إذا رأوا ردائي عليك لم يهيجوك، فلبس رداءه وخرج فرفعوا رؤوسهم، فلما نظروا إلى الرداء عليه نكسوا رؤوسهم، ومضى حرب، فهو قوله: إن أشرف من حرب من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه. قال عمرو بن العاص لعبد الله بن جعفر عند معاوية ليصغر منه: يا بن جعفر، فقال له عبد الله: لئن نسبتيني إلى جعفر فلست بدعي ولا أبتر، ثم ولى وهو يقول:

تعرضت قرن الشمس وقت ظهيرة ... لتستر منها ضوءها بظلامكا كفرت اختياراً ثم آمنت خيفة ... وبغضك إيانا شهيد بذلكا قوله: لست بدعي ولا أبتر لأن العاص قال: إن محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبتر، فأنزل الله عز وجل " إن شانئك هو الأبتر ". روي عن عبد الله بن جعفر أنه أسلف الزبير بن العوام ألف ألف درهم. فلما توفي الزبير قال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم، فقال: هو صادق فاقبضها إذا شئت. ثم لقيه بعد فقال: يا أبا جعفر، إنما وهمت، المال لك عليه، قال: فهو له. قال: لا أريد ذلك، قال: فاختر، إن شئت فهو له، وإن كرهت ذلك فلك فيه نظرة ما شئت، فإن لم ترد ذلك فبعني من ماله ما شئت، قال: أبيعك، ولكني أقوم فقوم الأموال ثم أتاه فقال: أحب ألا يحضرني وإياك أحد. فقال له عبد الله: يحضرنا الحسن والحسين فيشهدان لك، قال: ما أحب أن يحضرنا أحد. قال: انطلق، فمضى معه فأعطاه خراباً وسباخاً لا عمارة له، وقومه عليه، حتى إذا فرغ قال عبد الله لغلامه: ألق لي في هذا الموضع مصلى، فألقى له في أغلظ موضع من تلك المواضع مصلى، فصلى ركعتين وسجد فأطال السجود يدعو. فلما قضى ما أراد من الدعاء قال لغلامه: احفر في موضع سجودي فحفر، فإذا عين قد أنبطها، فقال له ابن الزبير: أقلني. قال: أما دعائي وإجابة الله إياي فلا أقيلك، فصار ما أخذ منه أعمر ما في أيدي ابن الزبير. وعن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله. فكان عبد الله بن جعفر يقول لخازنه اذهب فخذ لي بدين، فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي بعد الذي سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن الحسين قال: علمنا عبد الله بن جعفر السخاء.

وعن هشام: أن دهقانا كلم عبد الله بن جعفر أن يكلم علي بن أبي طالب في حاجة، فكلمه فقضاها: فأهدى إليه الدهقان أربعين ألفاً فردها عليه وقال: إنا لا نأخذ على المعروف ثمناً. حج معاوية فنزل في دار مروان بالمدينة، فطال عليه النهار يوماً، وفرغ من القائلة فقال: يا غلام، انظر من بالباب، هل ترى الحسن بن علي أو الحسين أو عبد الله بن جعفر أو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش، فأدخله علي، فخرج الغلام فلم ير منهم أحداً، وسأل عنهم فأخبر أنهم مجتمعون عند عبد الله بن جعفر يتغدون عنده، فأتاه فأخبره فقال: والله ما أنا إلا كأحدهم، ولقد كنت أجامعهم في مثل هذا، فقام فأخذ عصاً فتوكأ عليها وقال: سر يا غلام، فخرج بين يديه حتى دق عليهم الباب فقال: هذا يا أمير المؤمنين فدخل فأوسع له عبد الله بن جعفر عن صدر فراشه فجلس فقال: غداءً يا بن جعفر، قال: ما يشتهي أمير المؤمنين من بيتي فليدع به قال: أطعمنا مخاً، قال: يا غلام، هات مخاً. قال: فأتي بقصعة فيها مخ، فأقبل معاوية يأكل، ثم قال عبد الله: يا غلام زدنا مخاً، فزاد، ثم قال: يا غلام مخاً، فزاد. فقال معاوية: إنما كنا نقول: يا غلام زدنا سخيناً، فأما قولك: يا غلام، زدنا مخاً فلم أسمع به قبل اليوم، يا بن جعفر، ما يسعك إلا الكثير، فقال عبد الله: يعين الله على ما ترى يا أمير المؤمنين. قال: فأمر له يومئذ بأربعين ألف دينار، وكان عبد الله بن جعفر قد ذبح ذلك اليوم كذا وكذا من شاة، وأمر بمخهن فنكت له، فوافق ذلك معاوية. كتب رجل إلى عبد الله بن جعفر رقعة، فجعلها في ثني وسادة التي يتكئ عليها، فقلب عبد الله الوسادة فبصر بالرقعة فقرأها، فردها في موضعها، وجعل مكانها كيساً فيه خمسة آلاف دينار، فجاء الرجل فقال: قلب المرفقة فخذ ما تحتها فأخذ الكيس وخرج وأنشأ يقول: زاد معروفك عندي عظماً ... أنه عندك مستور حقير تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الله مشهور كبير خرج عبد الله بن جعفر إلى حيطان المدينة، فبينا هو كذلك إذ نظر إلى أسود على بعض الحيطان وهو يأكل وبين يديه كلب، وعبد الله بن جعفر واقف على دابته ينظر

إليه، فلما فرغ دنا منه فقال له: يا غلام لمن أنت؟ فقال: لورثة عثمان بن عفان فقال: لقد رأيت منك عجباً فقال له: وما الذي رأيت من العجب؟ قال: رأيتك تأكل، فكلما أكلت لقمة رميت للكلب لقمة، فقال: يا مولاي، هو رفيقي منذ سنين، ولا بد أن أجعله كأسوتي في الطعام، فقال له: فدون هذا يجزئك؟ فقال له: يا مولاي، إني لأستحي من الله أن آكل، وعين تنظر إلي لا تأكل. ثم مضى عنه حتى ورثة عثمان بن عفان فنزل عندهم فقال: جئت في حاجة، تبيعوني الحائط الفلاني قالوا: قد وهبناه لك فقال: لست آخذه إلا بضعف فباعوه، فقال لهم: وتبيعوني الغلام الأسود؟ فقال له: إن الأسود ربيناه وهو كأحدنا، فلم يزل بهم حتى باعوه، فلما أصبح غدا على الغلام وهو في الحائط، فخرج إليه فقال له: أشعرت أني قد اشتريتك واشتريت الحائط من مواليك؟ فقال: بارك الله لك فيما اشتريت، ولقد غمني مفارقتي لموالي، إنهم ربوني، فقال له: فأنت حر والحائط لك فقال: إن كنت صادقاً يا مولاي فاشهد أني أوقفته على ورثة عثمان بن عفان. فتعجب عبد الله بن جعفر منه وقال: ما رأيت كاليوم، فقال: بارك الله فيه ودعا له ومضى. قال معاوية لعبد الله بن جعفر: ما العيش يا أبا جعفر؟ قال: ركوب الهوى وترك الحياء. خرج حسين بن علي وعبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص إلى مكة في حج أو عمرة. فلما قفلوا اشتاقوا إلى المدينة، فركبوا صدور رواحلهم بأبدانهم، وخلفوا أثقالهم، وكان ذلك في الشتاء فلما بلغوا المنحنين قرب الليل أصابهم مطر واشتد عليهم البرد، فاحتاجوا إلى مبيت وكن، فنظروا إلى نار تلوح لهم عن ناحية من الطريق، فأموها، فإذا هي نار لإنسان من مزينة فسألوا المبيت فقال: نعم، والقرى، فأنزلهم وأدخلهم خباءه وحجز بينهم وبين امرأته وصبيانه بكساء أو شيء ثم قام إلى شاة عنده فذبحها وسلخها، ثم قربها إليهم، وأضرم لهم ناراً عظيمة، فباتوا عليها، ودخل على امرأته وهو يظن أنهم قد ناموا فقالت له: ويحك، ما صنعت بأصبيتك؟! فجعتهم بشويهتهم، لم يكن لهم غيرها يصيبون من لبنها، لقوم مروا بك كسحابة أفرغت ما فيها ثم استقلت، لا خير عندهم.

قال: ويحك، والله لقد رأيت أوجهاً صباحاً لا تسلمهم إلا إلى خير. قال: فباتوا عنده. فلما أرادوا المضي قالوا: يا أخا مزينة، هل عندك من صحيفة ودواة؟ قال: لا والله، إن هذا الشيء ما اتخذته قط. قال: فكتبوا أسماءهم في خرقة بحممة ثم قالوا: احتفظ بها، قال: فأكنها المزني. وأيس من خيرهم. فمكث بذلك ما شاء الله. ثم إنه نزل قوم من أهل المدينة قريباً منه، فذهب إليهم بالخرقة فقال: أتعرفون هؤلاء بأبي أنتم؟ قالوا: ويلك من أين لك هؤلاء؟ فأخبرهم بقصتهم فقالوا: انطلق معنا. قال: فانطلق المزني مع المدنيين حتى قدم المدينة فغدا إلى سعيد وهو كان أمير المدينة، فلما نظر إليه رحب به وقال: أنت المزني؟ قال: نعم، قال: جئت واحداً من أصحابي؟ قال: لا. قال: يا كعب، اذهب فأعطه ألف شاة ورعاتها، فقال له كعب: إن شئت اشترينا لك وإن شئت فإغلاء القيمة، فاختار الثمن، فأعطاه الثمن. ثم صار إلى حسين فرحب به وقال: جئت واحداً من أصحابي؟ قال: نعم سعيداً. قال: فما صنع بك؟ قال: أعطاني ألف شاة ورعاتها فقال لقيمه: أعطه ألف شاة ورعاتها وزده عشرة آلاف درهم. فقال: إن شئت اشترينا لك، فاختار الثمن. ثم ذهب إلى عبد الله بن جعفر فرحب به وقال: هل جئت أحداً من أصحابي؟ قال: نعم كلاهما. قال: فما صنعا؟ قال: أما سعيد فأعطاني ألف شاة برعاتها، وأما حسين فأعطاني ألف شاة ورعاتها وعشرة آلاف درهم. قال: يا بديح، أعطه ألف شاة ورعاتها وسجل له فلانة بينبع، قال: لعين عظيمة الخطر تغل مالاً كثيراً. قال: هم أولئك المزنيون الذين يسكنون الخليج، وهم مياسير إلى اليوم. قال بديح مولى عبد الله بن جعفر: خرجت معه في بعض أسفاره فنزلنا إلى جانب خباء من شعر وإذا بصاحب الخباء رجل من بني عذرة، فبينا نحن كذلك إذا أعرابي يسوق ناقة حتى وقف علينا ثم قال: ابغوني شفرة فناولناه الشفرة، فوجأ في لبتها، وقال شأنكم بها. قال: وأقمنا اليوم الثاني

وإذا نحن بالشيخ العذري يسوق ناقة أخرى فقال: ابغوني شفرة. قال: فقلنا: إن عندنا من اللحم ما ترى فقال: أبحضرتي تأكلون الغاب؟! ناولوني الشفرة فوجأ في لبتها ثم قال: شأنكم بها، وبقينا اليوم الثالث، فإذا نحن بالعذري يسوق أخرى فقال: أي قوم، ابغوني شفرة فقلنا: إن معنا من اللحم ما ترى، قال: أبحضرتي تأكلون الغاب؟! إني لأحسبكم قوماً لئاماً، ناولوني الشفرة فناولناه، فوجأ في لبتها ثم قال: شأنكم بها. قال: وأخذنا في الرحيل، فقال ابن جعفر لخازنه: ما معك؟ قال: رزمة ثياب وأربع مئة دينار. قال: اذهب بها إلى الشيخ العذري، فذهب بها فإذا جارية في الخباء فقال: يا هذه، خذي هدية ابن جعفر، قالت: إنا قوم لا نقبل على قرانا أجراً، فجاء إلى ابن جعفر فأخبره فقال: عد إليها، فإن هي قبلت وإلا فارم بها على الخيمة، فعاودها فقالت: اذهب عنا، فوالله لئن جاء شيخي فرآك ها هنا لتلقن منه أذى، فرمى بالرزمة والصرة على باب الخباء، ثم ارتحلنا، فما سرنا إلا قليلاً حتى إذا نحن بالشيخ العذري ومعه الصرة والرزمة فرمى بذلك إلينا ثم ولى مدبراً، فجعلنا ننظر في قفاه هل يلتفت فهيهات. فكان جعفر يقول: ما غلبنا بالسخاء إلا الشيخ العذري. جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة مسموطة في مكتل، فقالت: بأبي أنت، هذه الدجاجة كانت مثل بنيتي، آكل من بيضها وتؤنسني، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه، ولا والله ما في الأرض موضع أكرم من بطنك. قال: خذوها منها، واحملوا إليها من الحنطة كذا ومن التمر كذا، وأعطوها من الدراهم كذا، فعدد شيئاً. فلما رأت ذلك قالت: بأبي " إن الله لا يحب المسرفين ". قال ابن أبي الفخر: سمنت بهمة لي ثم خرجت بها أبيعها، فمررت بعبد الله بن جعفر. قال: يا صاحب البهمة، أتبيع؟ قلت: لا والله ولكن هي لكم، ثم انصرفت وتركته، فأقمنا أياماً، ثم إذا الحمالون على الباب، فإذا عشرون يحملون حنطة، وعشرة يحملون زيتاً، وخمسة يحملون كسوة، وواحد يحمل مالاً حتى أدخلت علينا.

وعن محمد بن سيرين أن رجلاً جلب سكراً إلى المدينة فكسد عليه. فقالوا له: ائت عبد الله بن جعفر، فأتاه فاشتراه منه بده دوازده وقال: من شاء أخذ، فقال الرجل: آخذ معهم؟ قال: خذ. جاء أعرابي إلى عبد الله بن جعفر وهو محموم، فأنشأ يقول: كم لوعة للندى وكم قلق ... للجود والمكرمات من قلقك ألبسك الله منه عافية ... في نومك المعتري وفي أرقك أخرج من جسمك السقام كما ... أخرج ذم الفعال من عنقك فأمر له بمئة ألف دينار. قال أبو إسحاق المالكي: وجه يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن جعفر مالاً جليلاً هدية له، ففرقه في أهل المدينة، ولم يدخل منزله منه شيئاً، فبلغ ذلك عبد الله بن الزبير فقال: إن عبد الله بن جعفر لمن المسرفين. فأنهي ذلك إلى عبد الله بن جعفر فقال: بخيل يرى في الجود عاراً وإنما ... على المرء عار أن يضن ويبخلا إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا فبلغ ما فعل عبيد الله بن قيس الرقيات فقال في قصيدة له يمدح بها بعض الأمراء: وما كنت إلا كالأعز ابن جعفر ... رأى المال لا يبقى فأبقى به ذكرا دخل ابن أبي عمار وهو فقيه الحجاز يومئذ على نخاس يعترض منه جارية، فعرض عليه جارية بأكثر مما كان معه من الثمن، وكانت حسنة الوجه جداً، فعلق بها. وأخذه أمر

عظيم، ورآه النخاس فتباعد عليه في الثمن، واستهتر بذكرها، فمشى إليه عطاء وطاوس ومجاهد يعذلونه فكان جوابه أن قال: يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أو وقعا فبلغ خبره عبد الله بن جعفر فلم يكن له همة غيرها. فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها بأربعين ألف درهم، وأمر قيمة جواريه أن تزينها، وتحليها ففعلت، وقدم المدينة، فجاءه الناس يسلمون عليه، وجاءه جلة أهل الحجاز فقال: ما لي لا أرى ابن أبي عمار زائراً؟ فأخبر الشيخ فأتاه. فلما أراد أن ينهض استجلسه، فقال له ابن جعفر: ما فعل حبك فلانة؟ قال: في اللحم والدم والمخ والعصب والعظام. قال: أتعرفها إن رأيتها؟ قال: جعلت فداك، هي مصورة نصب عيني عند كل خطرة وفكرة، ولو أدخلت الجنة ما كنت أنكرها. قال: والله ما نظرت إليها مذ ملكتها، يا جارية، أخرجيها فأخرجت ترفل في الحلي والحلل فقال: هي هذه وأنشأ يقول: هي التي هام قلبي من تذكرها ... والنفس مشغولة أيضاً بذكراها قال: فشأنك بها فخذها، بارك الله فيها. قال: جعلت فداك، لقد تفضلت بشيء ما كان يتفضل به إلا الله. فلما ولى بها قال: يا غلام، احمل معها مئة ألف درهم كي لا يهتم بها ولا تهتم به. فبكى ابن أبي عمار سروراً ثم قال: الله يعلم حيث يجعل رسالاته، والله - جعلت فداك - لئن كان الله وعدنا بنعيم الآخرة لقد عجلت نعيم الدنيا. كانت عند عبد الله بن جعفر جارية مغنية يقال لها عمارة وكان يجد بها وجداً شديداً وكان له منه مكان لم يكن لأحد من جواريه. فلما وفد عبد الله بن جعفر على معاوية خرج بها معه. فزاره يزيد ذات يوم فأخرجها إليه، فلما نظر إليها وسمع غناءها وقعت في نفسه، فأجره عليها مالاً لا يملكه، وجعل لا يمنعه أن يبوح بما يجد بها إلا مكان أبيه مع يأسه من الظفر بها. فلم يزل يكاتم الناس أمرها إلى أن مات معاوية وأفضى الأمر إليه، فاستشار بعض من قدم عليه من أهل المدينة وعامة من يثق به في أمرها، وكيف الحيلة

فيها: فقيل له: إن عبد الله بن جعفر لا يرام، ومنزلته من الخاصة والعامة ومنك ما قد علمت، وأنت لا تستجيز إكراهه وهو لا يبيعها بشيء أبداً، وليس يغني في هذا إلا الحيلة، قال: انظروا لي رجلاً عراقياً له أدب وظرف ومعرفة، فطلبوه فأتوه به. فلما دخل رأى بياناً وحلاوة وفهماً. فقال يزيد: إنني دعوتك لأمر إن ظفرت به فهو حظوتك آخر الدهر ويد أكافئك عليها إن شاء الله، ثم أخبره بأمره فقال له: إن عبد الله بن جعفر ليس يرام ما قبله إلا بالخديعة، ولن يقدر أحد على ما سألت، فأرجو أن أكونه، والقوة بالله فأعني بالمال. قال: خذ ما أحببت، فأخذ من طرف الشام وثياب مصر، واشترى متاعاً للتجارة من رقيق ودواب وغير ذلك، ثم شخص إلى المدينة فأناخ بعرصة عبد الله بن جعفر، واكترى منزلاً إلى جانبه ثم توسسل إليه وقال: رجل من أهل العراق قدمت بتجارة فأحببت أن أكون في عز جوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به، فبعث عبد الله إلى قهرمانة أن أكرم الرجل ووسع عليه في نزله، فلما اطمأن العراقي سلم عليه أياماً وعرفه نفسه وهيأ له بغلة فارهة وثياباً من ثياب العراق، وألطافاً، فبعث بها إليه وكتب معه: يا سيدي، إني رجل تاجر ونعمة الله علي سابغة، وقد بعثت إليك بشيء من لطف، وكذا وكذا من الثياب والعطر، وبعثت ببغلة خفيفة العنان وطيئة الظهر فاتخذها لرحلك، فأنا أسألك بقرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا قبلت هديتي ولم توحشني بردها، فإني أدين الله بمواصلتك، فأمر عبد الله بقبض هديته وخرج إلى الصلاة. فلما رجع مر بالعراقي في منزله فقام إليه وقبل يده واستكثر منه، فرأى أدباً وظرفاً وفصاحة فأعجب به، وسر بنزوله عليه، فجعل العراقي في كل يوم يبعث إلى عبد الله بلطف يطرفه، فقال عبد الله: جزى اله ضيفنا هذا خيراً، فقد ملأنا شكراً، وما نقدر على مكافأته. فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله ودعا بعمارة وبجواريه. فلما طاب لهما المجلس وسمع غناء عمارة تعجب، وجعل يزيد في عجبه. فلما رأى ذلك عبد الله سر به إلى أن قال: هل رأيت مثل عمارة قال: لا والله يا سيدي، ما رأيت مثلها، وما تصلح إلا لك، وما ظننت أن يكون في الدنيا مثل هذه الجارية حسن وجه وحسن عمل، قال: فكم تساوي عندك؟ قال: ما لها ثمن إلا الخلافة، قال: تقول هذا لتزين لي رأيي فيها، وتجتلب سروري، فقال له: يا سيدي، والله إني لأحب سرورك، وما قلت إلا الجد، وبعد فإني تاجر أجمع

الدرهم طلباً للربح، ولو أعطيتها بعشرة آلاف دينار لأخذتها، فقال عبد الله: عشرة آلاف دينار؟ قال: نعم، ولم يكن في ذلك الزمان جارية تعرف بهذا الثمن. فقال له عبد الله: أنا أبيعكها بعشرة آلاف دينار. قال: قد أخذتها. قال: هي لك. قال: قد وجب البيع، وانصرف العراقي. فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا بالمال قد وافى، فقيل لعبد الله: قد بعث العراقي بعشرة آلاف دينار وقال: هذا ثمن عمارة. فردها وكتب إليه: إنما كنت أمزح معك، وأعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها، فقال له: جعلت فداك إن الجد والهزل في البيع سواء، فقال عبد الله: ويحك ما أعلم جارية تساوي ما بذلت، ولو كنت بائعها من أحد لآثرتك، ولكني كنت مازحاً وماأبيعها بملك الدنيا لحرمتها لي وموضعها من قلبي، فقال العراقي: إن كنت مازحاً فإني كنت جاداً، وما اطلعت على ما في نفسك، وقد ملكت الجارية وبعثت بثمنها إليك، وليست تحل لك ومالي من أخذها بد، فمانعه إياها، فقال له: ليست لي بينة، ولكني أستحلفك عند قبر رسول الله صلىالله عليه وسلم ومنبره. فلما رأى عبد الله الجد قال: بئس الضيف أنت، ما طرقنا طارق أعظم بلية منك أتحلفني فيقول الناس: اضطهد عبد الله ضيفه وقهره وألجأه إلى أن استحلفه؟ أما والله ليعلمن الله أني ساءلته في هذا الأمر الصبر وحسن العزاء، ثم أمر قهرمانه بقبض المال منه وبتجهيز الجارية بما يشبهها من الثياب والخدم والطيب، فجهزت بنحو من ثلاثة آلاف دينار وقال: هذا لك ولها عوضاً مما ألطفتنا، والله المستعان. فقبض العراقي الجارية وخرج بها. فلما برز من المدينة قال لها: يا عمارة، إني والله ما ملكتك قط، ولا أنت لي ملا مثلي يشتري جارية بعشرة آلاف دينار، وما كنت لأقدم على ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلبه أحب الناس إليه لنفسي، ولكني دسيس من يزيد بن معاوية وأنت له، وفي طلبك بعثني فاستتري مني، وإن داخلني الشيطان في أمرك أو تاقت نفسي إليك فامتنعي، ثم مضى بها حتى ورد دمشق فتلقاه الناس بجنازة يزيد وقد استخلف ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية، فأقام الرجل أياماً ثم تلطف للدخول عليه، فشرح له القصة ولم يكن أحد من بني أمية يعدل بمعاوية بن يزيد في زمانه نبلاً ونسكاً. فلما أخبره قال: هي لك وكل ما دفعه إليك في أمرها لك، وارحل من يومك ولا أسمع خبرك في شيء من بلاد الشام، فرحل

العراقي، ثم قال للجارية: إني قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة، وأخبرتك أنك ليزيد وقد صرت لي وأنا أشهد الله أنك لعبد الله بن جعفر، وإني قد رددتك عليه فاستتري. ثم خرج بها حتى قدم المدينة فنزل قريباً من عبد الله بن جعفر فقيل لعبد الله: هذا العراقي ضيفك الذي صنع بنا ما صنع قد نزل العرصة لا حياه الله، فقال عبد الله: مه، أنزلوا الرجل وأكرموه، فلما استقر بعث إلى عبد الله بن جعفر: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أذنة خفيفة لأشافهك بشيء فعلت: فأذن له. فلما دخل سلم عليه وقبل يديه، وقربه عبد الله، ثم قص عليه القصة حتى فرغ، ثم قال: قد والله وهبتها لك قبل أن أراها أو أضع يدي عليها، فهي لك ومردودة عليك، وقد علم الله إني ما رأيت لها وجهاً إلا عندك، وبعث إليها فجاءت، وجاءت بما جهزها به موفراً، فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشياً عليها، وأهوى إليها فضمها إليه، وخرج العراقي وتصايح أهل الدار: عمارة عمارة، فجعل عبد الله يقول ودموعه تجري: أحلم هذا؟ أحق هذا؟ ما أصدق بهذا. فقال له العراقي جعلت فداك، ردها الله عليك بإيثارك الوفاء وصبرك على الحق وانقيادك له، فقال عبد الله: الحمد لله، اللهم إنك تعلم أني صبرت عنها، وآثرت الوفاء، وسلمت لأمرك، فرددتها علي بمنك. قالت: الحمد لله، ثم قال: يا أخا العراق، ما في الأرض أعظم منك منة وسيجازيك الله تعالى. فأقام العراقي أياماً وباع عبد الله غنماً بثلاثة آلاف دينار، وقال لقهرمانه: احملها إليه وقل له: اعذر واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلاً لأكثر منه، فرحل العراقي محموداً وافر العرض والمال. قيل لمعاوية بن عبد الله: ما بلغ من كرم عبد الله بن جعفر؟ قال: كان ليس له مال دون الناس، هو والناس في ماله شركاء، كان من سأله أعطاه ومن استمنحه شيئاً منحه، لا يرى أنه يقتصر فيقصر، ولا يرى أنه يحتاج فيدخر. قال الشماخ بن ضرار لعبد الله بن جعفر: إنك يا بن جعفر نعم الفتى ... ونعم مأوى طارق إذا أتى ورب ضيف طرق الحي سرى ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى إن الحديث جانب من القرى

قال خلف الأحمر: ومن سنة الأعراب إذا حدثوا الغريب وهشوا إليه وفاكهوه أيقن بالقرى، وإذا أعرضوا عنه أيقن بالحرمان. فمن ثم قيل: إن الحديث جانب من القرى. بعث رجل من أهل المدينة بابنة له إلى عبد الله بن جعفر فقال: إنا نريد أن نخدرها وقد أحببت أن تمسح يدك على ناصيتها، وتدعو لها بالبركة. قال: فأقعدها في حجره ومسح بيده على ناصيتها ودعا لها بالبركة، ثم دعا مولى له فساره بشيء، فذهب المولى ثم جاء فأتاه بشيء، فصره عبد الله في خمار الجارية، ثم دفعها إلى الرسول. قال: فنظروا، فإذا لؤلؤة، فأخرجت إلى السوق لتباع فعرفت وقيل: لؤلؤة ابن جعفر حبا بها ابنة جاره. قال: فبيعت بثلاثين ألف درهم. مر عبد الله بن جعفر ومعه عدة من أصحابه بمنزل رجل قد أعرس، وإذا مغنية تقول: قل لكرام ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج فقال عبد الله لأصحابه: لجوا فقد أذن لنا القوم، فنزل ونزلوا فدخلوا. فلما رآه صاحب المنزل تلقاه وأجلسه على الفرش، فقال للرجل: كم أنفقت على وليمتك؟ قال: مئتي دينار. قال: فكم مهر امرأتك؟ قال: كذا وكذا، فأمر له بمئتي دينار ومهر امرأته وبمئة دينار بعد ذلك معونة، واعتذر إليه وانصرف. قال إبراهيم بن صالح: عوتب عبد الله بن جعفر على السخاء فقال: يا هؤلاء إني عودت الله عادة وعودني عادة، وإني أخاف إن قطعتها قطعني. بلغ معاوية أن عبد الله بن جعفر أصابه جهد فكتب إليه: لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع يسد به نوائب تعتريه ... من الأيام كالنهل الشروع

وكتب إليه يأمره بالقصد ويرغبه فيه، وينهاه عن السرف ويعيبه عليه. قال: فأجابه عبد الله بن جعفر: سلي الطارق المعتر يا أم خالد ... إذا ما أتاني بين ناري ومجزري أأبسط وجهي إنه أول القرى ... وأبذل معروفي لهم دون منكري وقد أشتري عرضي بمالي وما عسى ... أخول إذا ما ضيع العرض يشتري يؤدي إلي الليل إتيان ماجد ... كريم ومالي سارح مال مقتر فأعجب معاوية ما كتب إليه به، وبعث بأربعين ألف دينار عوناً له على دينه. قال عبد الله بن جعفر: ليس الجواد الذي يعطي بعد المسألة، لأن الذي يبذل السائل من وجهه وكلامه أفضل مما يبذل من نائله، وإنما الجواد الذي يبتدئ بالمعروف. قال محمد بن سلام الجمحي: رئي عبد الله بن جعفر يماكس في دهم فقيل له: تماكس في درهم وأنت تجود من المال بكذا وكذا؟! فقال: ذلك مالي جدت به، وهذا عقلي بخلت به. أنشد عبد الله بن جعفر: إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى يصاب بها طريق المصنع فقال: هذا رجل أراد أن يبخل الناس، أمطر المعروف مطراً، فإن صادفت موضعاً فذاك ما أردت، وإلا رجع إليك فكتب أهله. قال أعرابي لعبد الله بن جعفر: لا ابتلاك الله ببلاء يعجز عنه صبرك، وأنعم عليك نعمة يعجز عنها شكرك. كان عبد الله بن جعفر يصبغ بالوسمة.

توفي عبد الله بن جعفر سنة ثمانين وهو عام الجحاف - سيل كان ببطن مكة جحف الحاج، وذهب بالإبل وعليها الحمولة - وكان الوالي يومئذ أبان بن عثمان في خلافة عبد الملك بن مروان وكان عمر عبد الله بن جعفر تسعين سنة. وحمل أبان السرير بين العمودين فما فارقه حتى وضعه بالبقيع، ودموعه تسيل وهو يقول: كنت، والله خيراً لا شر شققن الجيوب، والناس يزدحمون على سريره. وقيل: توفي عبد الله سنة ست وثمانين. وقيل: إنه كان يوم توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عشر سنين. وقيل: إنه ولد في السنة التي توفي فيها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل: سنة أربع أو خمس وثمانين وهو ابن ثمانين سنة. قال: وهذا أشبه بالصواب. وقيل: إن عبد الله بن جعفر توفي سنة تسعين وهو ابن تسعين. قال هشام بن سليمان المخزومي: أجمع أهل الحجاز وأهل البصرة وأهل الكوفة أنهم لم يسمعوا بيتين أحسن من بيتين رأوهما على قبر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب

عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن

عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو جعفر القرشي الزهري المخرمي المديني. حدث عبد الله بن جعفر عن سعد بن إبراهيم قال: سألت القاسم عن رجل، له مساكن، فأوصى بثلث مساكن فقال: لا، تجمع له في مسكن واحد، وأخبرتني عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ". توفي عبد الله بن جعفر سنة تسعين ومئة. وقيل: سنة سبعين ومئة، وهو ابن بضع وسبعون سنة. وكان ثقة. قيل إنه قتل مع الحسين بن علي بفخ، فمن ثم كره أهل المدينة أن يحدثون عنه، إلا أنه ثقة في الحديث. وقال يحيى بن معين - وقد سئل عن عبد الله بن جعفر -: هو صويلح، وسليمان بن بلال فوقه، لم يعب إلا بولايته السوق. وكان عالماً بالمغازي والفتوى، ولم يزل يؤمل فيه أن يلي القضاء بالمدينة حتى مات ولم يله، وكان قصيراً دميماً قبيحاً. قال ابن أبي الزناد: ما عزل قاض عن المدينة أو مات إلا قيل يولى عبد الله بن جعفر لكماله ومروءته وعلمه. فمات قبل أن يليه. قال عبد الرحمن: وما أحسبه قعد به عن ذلك إلا خروجه مع محمد بن عبد الله بن حسن.

عبد الله بن جعفر بن محمد

قال محمد بن عمر: لما جاء نعي أبي عمر بن واقد احتبست في البيت ثلاثة أيام، ثم غدوت فإذا أنا بعبد الله بن جعفر على بغلته عند سوق الحنطة. فلما رآني حبس بغلته وقال: ما حبسك عني؟ قد سألت جحدراً يعني غلاماً: أجاء فرددته أم لم تعلمني بمكانه؟ فقال: ما جاء، فما حبسك؟ قلت: جاء نعي أبي عمر: فلم يكلمني كلمةً حتى رد بغلته راجعاً، ثم جاءني في بيته ماشياً يعزيني، فقلت: حفظك الله ما أحب أن تتعنى وتجيء ماشياً، قال: إن أحب ذلك إلي أن أقضي فيه الحق أشقه علي. ألم تسمع حديث أم بكر بنت المسور بن مخرمة؟ قلت: لا، قال: حدثتني أم بكر بنت المسور أن المسور اعتل فجأة ابن عباس نصف النهار يعوده، فقال له المسور: يا أبا عباس هل ساعةً غير هذه؟ فقال ابن عباس: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق إليك أشقها علي. عبد الله بن جعفر بن محمد أبو محمد الخبازي الطبري الحافظ قدم دمشق وسمع بها. حدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن عمر الفقيه بسنده إلى عبد الله بن عباس أنه قال: من صلى ليلةً تسع وعشرين من رجب ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغ من صلاته قرأ بفاتحة الكتاب سبع مرات وهو جالس، ثم قال: سبحان الله والحمد لله ولا إلهإلاالله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربع مرات، ثم أصبح صائماً حط الله عز وجل عنه ذنوبه ستين سنة، وهي ليلة بعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عبد الله بن جعفر

عبد الله بن جعفر أبو القاسم المالكي الضرير حدث بالجامع بدمشق عن أحمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بابن زوران بسنده إلى علي أنه قيل له: أن الناس قد أقبلوا على الحديث، وتركوا القرآن قال: أو فعلوها؟! أما أنه نزل جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد إن أمتك مفتونة من بعدك، قال: فما المخرج من ذلك؟ قال: كتاب الله المنزل. يقولها ثلاثاً. فذكر الحديث بطوله. عبد الله بن أبي جعفر حدث عن محمد بن جعفر قال: سمعت المبرد ينشد: إذا شئت أن تبقى من الله نعمة ... عليك فسارع في حوائج خلقه ولا تعصين الله ما نلت ثروة ... فيحظر عنك الله واسع رزقه عبد الله بن الحارث بن أمية بن عبد شمس وفد على معاوية، وهو كبير. فقربه حتى مست ركبتاه فراشه ثم قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله، خيري وشري. قال معاوية: ذهب والله خير قليل وبقي شر كثير، فما لنا عندك؟ قال: إن أحسنت لم أحمدك، وإن أسأت لمتك. قال: ما انصفتني. قال: ومتى أنصفتك، ولقد شججت أخاك حنظلة فما أعطيتك عقلاً ولا قوداً، وأنا الذي أقول: أصخر بن حرب لا نعدك سيداً ... فسد غيرنا إذا كنت لست بسيد فقال معاوية: وأنت الذي تقول: شربت الخمر حتى صرت كلاً ... على الأدنى وما لي من صديق

عبد الله بن الحارث بن نوفل

وحتى ما أوسد من وساد ... إذا أنشو سوى التراب السحيق فوثب على معاوية يخبطه بيده، ومعاوية ينحاز ويضحك. عبد الله بن الحارث بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي النوفلي من أهل المدينة، وسكن البصرى، واصطلح عليه أهلها حين مات يزيد بن معاوية واستخفى عبد الله بن زياد، وقدم الشام مع عمر بن الخطاب، وشهد خطبته بالجابية، ثم قدم دمشق على بعض خلفاء بني أمية. وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، ويقال إنه ولد في زمنه، وكان يلقب ببة. حدث عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم هو لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". وعن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وأمامه بنت أبي العاص - بنت زينب - على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها. وعن عبد الله بن الحارث قال: سمعت العباس قال: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك ونفعك، فهل ينفعه؟ قال: نعم، وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح. قال عبد الله بن الحارث: شهدت عمر بن الخطاب يخطب بالجابية وثم الجاثليق رأس النصارى، فلما قال عمر: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له قال: " برقس " ونفض جيب قميصه،

فقال عمر: ما تقول يا عدو الله؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، يقولوا: أن الله يهدي ولا يضل. قال: كذبت، بل الله خلقك ثم أضلك ثم يميتك ثم يدخلك النار، إن شاء الله، والله لولا ولث من عهد لك لضربت عنقك. إن الله لما خلق آدم بث ذريته في يده فقال: هؤلاء أهل الجنة، وما كانوا عاملين لليمنى، وهؤلاء أهل النار وما كانوا عاملين للأخرى، وهؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه، قال: فافترق الناس، وما يختلف في القدر اثنان. وأم عبد الله بن الحارث هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية. قالت هند بنت أبي سفيان وهي تنقز ابنها ببة: عبد الله بن الحارث: يا ببه يا ببه ... لأنكحن ببه جارية بنقبه ... تسود أهل الكعبة فعمر حتى زوجته خالدة بنت معتب بن أبي لهب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب. كان الحارث بن نوفل رجلاً على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عنه، وأسلم عند إسلام أبيه، فولد له ابنه عبد الله بن الحارث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتت به أمه هند بنت أبي سفيان، أختها أم حبيبة، فدخل عليها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من هذا يا أم حبيبة؟ قالت: هذا ابن عمك وابن أختي، هذا ابن الحارث بن نوفل وابن هند بنت أبي سفيان بن حرب. قال: فتفل سيدنا رسول الله في فيه، ودعا له. وكان ثقة كثير الحديث، وتحول إلى البصرة مع أبيه، وابتنى بها داراً وكان يلقب ببه. ولما كان أيام مسعود بن عمرو خرج عبيد الله بن زياد عن البصرة واختلف الناس بينهم، وتداعت القبائل أجمعوا أمرهم، وولوا عبد الله بن الحارث صلاتهم وفيئهم، وكتبوا بذلك إلى الزبير: إنا قد رضينا به، فأقره عبد الله بن الزبير على البصرة، فصعد عبد الله بن الحارث بن نوفل المنبر، فلم يزل يبايع الناس لعبد الله بن

عبد الله بن حبيب أبو محمد المجهز

الزبير حتى نعس، وجعل يبايعهم وهو نائم ماد يده، فقال سحيم بن وثيل اليربوعي: بايعت أيقاظاً فأوفيت ببيعتي ... وببة قد بايعته وهو نائم فلم يزل عبد الله بن الحارث عاملاً لعبد الله على البصرة سنة، ثم عزله، واستعمل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وخرج عبد الله بن الحارث إلى عمان، فمات بها. وكان خرج هارباً من الحجاج. توفي سنة أربع وثمانين. وقيل: سنة ثلاث وثمانين. وكان من أفاضل المسلمين. وببة لقبه. بباء أولى مفتوحة، وباء ثانية مشددة. وقال الشعبي وغيره: رجع ابن عباس إلى البصرة يعني من صفين فأقام بها، فلم يزل بها حتى قتل علي، فحمل ما حمل من المال، ثم مضى إلى الحجاز، واستخلف عبد الله بن الحارث بن نوفل على البصرة. عبد الله بن حبيب أبو محمد المجهز حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب بسنده إلى محمد بن عمرو بن عطاء. أن زينب بنت أبي سلمة سألته: ما سميت ابنتك؟ وروى الحافظ هذا الحديث أعلى من هذا وأتم: ذكر بسنده إلى محمد بن عمرو بن عطاء أن زينب بنت أبي سلمة سألته: ما سميت ابنتك؟ قال: سميتها برة، فقالت: فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن هذا الاسم، سميت برة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: ما نسميها؟ قال: سموها زينب.

عبد الله بن الحجاج بن محصن

عبد الله بن الحجاج بن محصن ابن جندب الثعلبي شاعر شجاع فاتك. وفد على عبد الملك بن مروان مستأمناً. وقيل: إنه كان مع عمرو بن سعيد الأشدق حين غلب على دمشق. ووفد على الوليد بن عبد الملك. وكان من أصحاب الزبير فضربه كثير بن شهاب الحارثي - وكان أميراً على الري - في الخمر، فاغتاله عبد الله بن الحجاج ليلة بالكوفة فضربه على وجهه ضربة أثرت فيه، وقال: من مبلغ أفناه قيس أنني ... أدركت طائلتي من ابن شهاب أدركته ليلاً بعقوة داره ... فضربته قدماً على الأنياب هلا خشيت وأنت عاد ظالم ... بقصور أبهر أسرتي وعقابي؟ فطلبه عبد الملك بن مروان فصار إليه ليلاً وهو يعشي الناس فأنشده من أبيات: منع القرار فجئت نحوك هارباً ... جيش يجر ومقنب يتلمع فأمنه. وعبد الله بن الحجاج هو القائل لأبي داود يزيد بن هبيرة المحاربي، وقد ولي ولايات: رأيت أبا داود في المجد نابهاً ... زعيماً على قيس لقد أبرح الدهر يقود الجياد المسنفات كأنما ... نماه زهير للرئاسة أو بدر كان عبد الله بن الحجاج من أشد الناس على عبد الملك بن مروان في طاعة ابن الزبير مع القيسية، فلما قتل ابن الزبير أرسل عبد الملك يطلب عبد الله بن الحجاج فلم يظفر به،

فلما خاف عبد الله بن حجاج أن يظفر به أقبل فدخل على عبد الملك اليوم الذي يطعم فيه أصحابه فمثل بين يديه ثم قال: منع القرار نحوك هارباً ... جيش يجر ومقنب يتلمع قال: أي الأخابيث أنت!؟ قال: ارحم أصيبيتي هديت فإنهم ... حجل تدرج بالشربة جوع قال: أجاع الله بطونهم. قال: مال لهم فيما يظن جمعته ... يوم القليب فحيز عنهم أجمع قال: احسبه كان كسب سوء، قال: أدنو لترحمني وتقبل توبتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع؟ قال: إلى النار، قال: ضاقت ثياب الملبسين ونفعهم ... عني فسألبسني فثوبك أوسع فنزع مطرفاً كان عليه فطرحه عليه، ثم قال: أآكل؟ قال: كل، فلما وضع يده على الطعام قال: أمنت ورب الكعبة، قال: كن من كنت إلا عبد الله بن حجاج. قال: فأنا عبد الله بن حجاج، قال: أولى لك. وفي خبر آخر: أن عبد الله قال له: لا سبيل لك إلى قتلي، قد جلست في مجلسك، وأكلت طعامك، ولبست من ثيابك.

عبد الله بن أبي حدرد

عبد الله بن أبي حدرد واسمه سلامة أبو محمد الأسلمي له صحبة مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواية. عن ابن حدرد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تمعدوا واخشوشنوا وانتعلوا وامشوا حفاة. قال الحافظ: هكذا أخرجه البغوي في ترجمة عبد الله معتقداً أن ابن أبي حدرد هو عبد الله، وإنما هو القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ابنه. كذلك رواه جماعة، فيكون الحديث مرسلاً، لآن القعقاع لا صحبة له، قال: وقد أخرجه البغوي في حرف القاف في ترجمة القعقاع. قال: وذلك من الأوهام العجيبة. وعن عبيد الله بن حدرد قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية إلى إضم قبل مخرجه إلى مكة. قال: فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي، فحيانا بتحية الإسلام. قال: فنزعنا وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية، فقتله واستلبه بعيراً له ووطباً ومتيعاً كان له. قال: فانتهينا بشأنه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرناه بخبره فأنزل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم " وفي رواية: "

السلام " " لست مؤمناً " وكان في تلك السرية أبو قتادة الحارث. وعن عبد الله بن حدرد الأسلمي قال: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب الجابية إذا هو بشيخ من أهل الذمة يستطعم، فسأل عنه فقلنا: يا أمير المؤمنين، هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف فوضع عنه عمر الجزية التي في رقبته وقال: كلفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم، فأجرى عليه من بيت المال عشرة آلاف دراهم، وكان له عيال. وأول مشهد شهده عبد الله بن أبي حدرد مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية ثم خيبر وما بعد ذلك من المشاهد. وعن ابن أبي حدرد قال: كنت في خيل خالد بن الوليد الذي أصاب بها جذيمة، فقال لي فتى منهم، هو في السبي وقد جمعت يده إلى عنقه برمة، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه: يا فتى هلأنت آخذ بهذه الرمة وتدنيني إلى هذه النسوة حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعون بي ما بدا لكم؟ قلت: والله ليسير ما طلبت، فأخذت بيده فقربت به حتى أوقفته عليهن فقال: أسلم حبيش قبل نفاذ العيش:؟ أرأيت إن طالبتكم فوجدتكم بحلية أو ألفيتكم بالخوانق ألم يك حقاً أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معاً ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق أثيبي بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق

فإني لا ضيعت سر أمانة ... ولا راق في عيني تقول رائق على أن ناب العشيرة شاغل ... عن اللهو إلا أن تكون بوائق ثم قالت: وأنت حييت عشراً، وسبعاً وتراً، وثماني تترى، قال: ثم انصرفت به فضربت عنقه. وعن إسماعيل بن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد أنه قال: تزوج جدي عبد الله بن أبي حدرد امرأة بأربعة أواق، فأخبر ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنتم تنحتون من قباء جبل - أو قال: من أحد - ما زدتم على ذلك، عندنا نصف صداقها، قال عبد الله: فانطلقت فجمعتها فأديتها إلى امرأتي، ثم أنبأت بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألم أكن قلت لك: عندنا نصف الصداق؟ فلعلك إنما فعلت ذلك لما كان من قولي، فقلت: لا يا رسول الله، وما كان بي إلا ذلك. وعن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك فقال: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك. قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قم فاقضه. وعن ابن أبي حدرد الأسلمي: أنه كان ليهودي عليه أربعة الدراهم، فاستعدى عليه فقال: يا محمد، إن لي على هذا أربعة الدراهم وقد غلبني عليها، فقال: أعطه حقه، قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: أعطه حقه، قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئاً فأرجع فأقضيه، قال: أعطه حقه. قال: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدن بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص

إذا قال ثلاثاً لم يراجع، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق، وعلى رأسه عصابة وهو متزر ببردة، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربع الدراهم، فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرها، فقالت: ها، دونك هذا، ببرد عليها طرحته عليه. توفي عبد الله بن أبي حدرد سنة إحدى وسبعين، وسنه إحدى وثمانون. وقيل: توفي سنة اثنتين وسبعين. عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدن بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن؟؟؟؟ لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، أبو حذافة القرشي السهمي. صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، وبعثه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً إلى كسرى، وخرج إلى الشام مجاهداً فأسرته الروم على قيسارية وحمل إلى الطاغية، ففتنه عن دينه فلم يفتتن فأطلقه. وقيل إن عمر كتب فيه إلى قسطنطين فخلى عنه. ومات في خلافة عثمان. حدث عبد الله بن حذافة السهمي قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنادي في أهل منى في مؤذنين ألا يصوم هذه الأيام أحد، فإنها أيام أكل وشرب وذكر. وعن عبد الله بن حذافة قال: أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رهط أن يطوفوا في طواف منى في حجة الوداع يوم النحر أن هذه أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل. فلا صوم فيهن إلا صوم في هدي.

وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى ألا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر. وفي رواية: وذكر الله عز وجل. وقد اختلف في عبد الله بن حذافة أكان من أهل بدر أم لا، وورد في الحديث أنه من أهل بدر. قيل إنه توفي بمصر، وقبر في مقبرتها، وله بها دار، وفيه نزلت: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " وكان امرأ فيه دعابة. عن أبي سعيد الخدري قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي على سرية، بعثه - وكان من أصحاب بدر - وأنا في ذلك الجيش: وكانت في عبد الله دعابة. فنزلنا بعض الطريق فأوقد ناراً وقال لهم: عليكم السمع والطاعة. قالوا: نعم، قال: فلست آمركم بشيء إلا فعلتموه. قالوا: نعم، قال: فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا توثبتم في هذه النار، فقام بعض القوم فتحجزوا، وظنوا أنهم واثبون فيها، فقال لهم: اجلسوا فإنما كنت أضحك بكم، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن قدم فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه. وعن أبي سلمة: أن عبد الله بن حذافة قام يصلي فجهز بالقراءة فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا حذافة، لا تسمعني وسمع الله. وعن عبد الله بن وهب قال: قال الليث في حديث عبد الله بن حذافة صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه كانت فيه دعابة قال: بلغني أنه حل حزام راحلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، حتى كاد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقع. قلت لليث: ليضحكه بذلك؟ قال: نعم.

قال الزبير: إنما يقال الغرضة، ولكن عبد الله بن وهب لا علم له بكلام العرب، ينسخ نسخة واحدة، فإن ركب بها برحل فهي غرضة، وإن ركب بها بحمل فهي بطان، وإن ركب بها فرساً فهي حزام، وإن ركبت بها امرأة فهي وضين. وعن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: سلوني، فقام رجل فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة - للذي كان ينسب إليه - فقالت له أمه: لقد قمت بأبيك مقاماً عظيماً قال: أردت أن أبرئ صدري مما كان يقال، وقد كان يقال فيه. وروي عن جماعة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتباً، فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع، وأصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذي بعثه إليهم، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن حذافة السهمي، وهو أحد الستة إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام وكتب إليه كتاباً. قال عبد الله: فدفعت إليه كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرئ عليه ثم أخذه فمزقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مزق ملكه. وكتب كسرى إلى باذان عامله على اليمن أن أبعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني بخبره، فبعث باذان قهرمانه ورجلاً آخر، وكتب معهما كتاباً. فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد، وقال: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد، فأخبركما بما أريد، فجاءاه الغد فقال لهما: أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة لسبع ساعات مضت منها، وهي ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، وأن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله، فرجعا إلى باذان بذلك، فأسلم هو والأبناء الذين باليمن. وعن أبي رافع قال: وجه عمر بن الخطاب جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة، من

أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد فقال له الطاغية: هل لك أن تنصر وأشركك في ملكي وسلطاني؟ قال له عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع مملكة العرب على أن أرجع عن دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرفة عين ما فعلت، قال: إذاً أقتلك قال: أنت وذاك. قال: فأمر فصلب، وقال للرماة: ارموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه وهو يأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بقدر، فصب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها، وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم أمر به أن يلقى فيها، فلما ذهب به بكى، فقيل له: إنه قد بكى، فظن أنه جزع فقال: ردوه، يعرض عليه النصرانية فأبى، قال: ما أبكاك إذاً؟ قال: أبكاني أني قتلت فهي نفس واحدة تلقى الساعة في هذه القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى هذا في الله. قال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين؛ قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله فأقبل رأسه يخلي عني وعن أسارى المسلمين، لا أبالي، فدنا منه فقبل رأسه، قال: فدفع إليه الأسارى، فقدم بهم على عمر، فأخبر عمر بخبره، فقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ فقام عمر فقبل رأسه. وفي رواية عوضاً عن القدر والماء: نقرة نحاساً فيها زيت. وفي آخر الحديث: فكان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمازحون عبد الله فيقولون: قبلت رأس علج، فيقول لهم: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين من المسلمين. وفي حديث آخر فقال: اتركوه واجعلوه في بيت ومعه لحم خنزير مشوي وخمر ممزوج، فلم يأكل ولم يشرب، وأشفقوا أن يموت فقال: أما إن الله عز وجل قد كان أحله لي، ولكن لم أكن. لأشمتك بالإسلام.

عبد الله بن الحر العبسي

عبد الله بن الحر العبسي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد فتح دمشق، وكانت له قطيعة بباب كيسان. قال يزيد بن أبي حبيب: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عبد الله بن الحر العبسي زرع أرضاً بالشام، فأنهب زرعه وقال: انطلقت إلى ذل وصغار في أعناق الكفار، فقلدته عنقك. وعن عطية بن قيس قال: أقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناساً من بني عبس من أندر كيسان أو دير كيسان لمرابط خيولهم، فبلغه أنهم زرعوه، فأخذه منهم وغرمهم لما زرعوه. عبد الله بن الحسن بن أحمد ابن الحسن بن المثنى بن معاذ أبو طالب العنبري البصري. قدم دمشق وحدث بها. روى عن محمد بن عدي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كانت نعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها قبالان. وروى عنه بسنده إلى عيسى بن طهمان قال: أخرج إلينا أنس بن مالك نعلين بقبالين وهما جرداوانليس عليهما شعر. فرأينا أنهما نعلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن زياد بن سعد قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكره أن يطلع شيء من نعله على قدميه.

عبد الله بن الحسن بن أحمد

عبد الله بن الحسن بن أحمد ابن عبد الله بن الحسن بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن نوفل بن عبد الله بن محمد الديباجي العثماني. ونوفل بن عبد الله بن محمد الديباج بن عبد الله المطرف بن عمرو بن عثمان بن عفان، أبو محمد. حدث بسنده إلى عبد الله بن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضهما على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شطرها. مولده سنة سبع وعشرين. قتل الشريف أبو محمد عبد الله بن الحسن في طريق بيروت، وهو منحدر إلى طرابلس، وفي رجب سنة أربع وستين. وكان شاباً أديباً فهماً. عبد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب الهاشمي أمه فاطمة بنت الحسين. وفد على سليمان بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز وعلى هشام بن عبد الملك. روى عبد الله بن الحسن عن عبد الله بن جعفر في شأن هؤلاء الكلمات: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش الكريم، الحمد لله رب العالمين، اللهم اغفر لي، اللهم تجاوز عني، اللهم اعف فإنك عفو غفور، أو غفور عفو. قال عبد الله بن جعفر: أخبرني عمي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه هؤلاء الكلمات.

وحدث عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه وجده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أجرى الله على يديه فرجاً وفرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة. وحدث عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن علي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخل المسجد قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك. وحدث عبد الله بن الحسن عن أمه عن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام. قال رجاء: قدم عبد الله بن الحسن - وهو إذ ذاك فتى شاب - على سليمان بن عبد الملك، فكان يختلف إلى عمر يستعين به على سليمان في حوائجه، فقال له عمر: إن رأيت ألا تقف ببابي إلا في الساعة التي ترى بأنه يؤذن لك فيها علي، فإني أكره أن تقف ببابي فلا يؤذن لك علي. قال: فجاءه ذات يوم فقال: إن أمير المؤمنين قد بلغه أن في العسكر مطعوناً فالحق بأهلك، فإني أضن بك. قدم عبد الله بن حسن على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر: إنك لن تغنم أهلك شيئاً خيراً من نفسك، فرجع وأتبعه حوائجه. قال عبد الله بن حسن: وفدت على هشام بن عبد الملك فقال لي: ما لي لا أرى ابنيك محمداً وإبراهيم يأتياننا فيمن أتى؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، حبب إليهما البادية والخلوة فيها، وليس تخلفهما عن أمير المؤمنين لمكروه، فسكت هشام. قال: فلما ظهر ولد العباس تغيباً أيضاً فلم يأتيا أحداً منهم، وسأل عنهما أبو العباس فأخبره أبوهما عنهما بنحو مما قاله لهشام، فكف أبو العباس عنهما. وكان عبد الله بن حسن بن العباد وكان له شرف وعارضة وهيبة، ولسان شديد. وأدرك دولة بني العباس، ووفد على أبي العباس بالأنبار ثم رجع إلى المدينة. فلما

ولي المنصور حبس عبد الله بالمدينة لأجل ابنيه محمد وإبراهيم عدة سنين، ثم نقله إلى الكوفة فحبسه بها حتى مات. سئل مالك بن أنس عن السدل فقال: لا بأس، قد رأيت من يوثق به يفعل ذلك. فلما قام الناس سئل: من هو؟ قال: عبد الله بن الحسن. قال مصعب بن عبد الله: ما رأيت أحداً من علمائنا يكرمون أحداً ما يكرمون عبد الله بن حسن بن حسن. وعنه روى مالك الحديث في السدل في الصلاة. قال عبد الله بن إسحاق الجعفري: كان عبد الله بن حسن يكثر الجلوس إلى ربيعة. قال: فتذاكروا يوماً السنن، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل على هذا. فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام، أفهم الحجة على السنة؟ قال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء. قال جرير: كانت سارية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة لعبد الله بن الحسن، فجاءه رجل من بني أمية فدفعه حتى وقع لوجهه فقالت الأنصار: السلاح، السلاح، فكانوا يهيجوها فتنة فسكتوهم بغير شر. وكانت بين المغرب والعشاء لهشام بن عروة. قال أبو خالد الأحمر: سألت عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال: صلى الله عليهما، ولا صلى على من لم يصل عليهما.

قال عبد الله بن الحسن: والله لا يقبل الله توبة عبد تبرأ من أبي بكر وعمر، وإنهما ليعرضان على قلبي فادعوا الله لهما، أتقرب به إلى الله عز وجل. قال حفص بن قيس: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين فقال: امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب، فقلت: أنا أسألك أنت: أتمسح؟ قال: ذلك أعجز لك، حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيراً مني، وملء الأرض مثلي، قلت: يا أبا محمد، إن ناساً يقولون: إن هذا منكم تقية. فقال لي: ونحن بين القبر والمنبر، اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعن قول أحد بعدي، ثم قال: هذا الذي يزعم أن علياً كان مقهوراً، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بأمر فلم ينفذه، فكفى هذا إزراء على علي عليه السلام، ومنقصة أن يزعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بأمر فلم ينفذه. قال محمد بن القاسم الأسدي أبو إبراهيم: رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ذكر قتل عثمان فبكى حتى بل لحيته وثوبه. قال أبو خالد الأحمر: سألت عبد الله بن الحسن عن الصلاة خلف هؤلاء فقال: من صلاها في وقتها فصل خلفه، ومن لم يصلها في وقتها فلا صلى الله عليه. قال سليمان بن قرم: قلت لعبد الله بن حسن: في أهل قبلتنا كفار؟ قال: نعم، الرافضة. قال فضيل بن مرزوق: سمعت عبد الله بن الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة: والله إن قتلك لقربة لولا حق الجوار. وقع بين جعفر بن محمد وبين عبد الله بن حسن كلام في صدر يوم، قال: فأغلظ في القول عبد الله بن حسن، ثم افترقا وراحا إلى المسجد، فالتقيا على باب المسجد فقال أبو

عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن: كيف أمسيت يا أبا محمد؟ قال: بخير: - كما يقول المغضب - فقال: يا أبا محمد، أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ فقال: لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه. قال: فإني أتلو عليك قرآناً. قال: وذلك أيضاً؟ قال: نعم. قال: فهاته. قال: قول الله تعالى: " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ". قال: فلا تراني بعدها قاطعاً رحماً. قال الحسين بن يزيد: سب رجل عبد الله بن حسن بن حسن فأعرض عنه عبد الله. فقيل له: لم لا تجبه؟ قال: لم أعرف مساوئه، وكرهت بهته بما ليس فيه. تعرض رجل لعبد الله بن حسن فسبه فأنشأ يقول: أظنت سفاهاً من سفاهة رأيها ... أن أهجوها لما هجتني محارب؟ فلا وأبيها إنني بعشيرتي ... هنالك عن ذاك المقام لراغب ومن شعر عبد الله بن حسن بن حسن: لم يبق شيء يسامه أحد ... إلا وقد سامناه إخوتنا فوجدونا نحمي الذمار ونأ ... بى الضيم أن تستباح حرمتنا بذاك أوصى من قبل والدنا ... وتلك أيضاً غدراً وصيتنا قال الأصمعي: عزم عبد الله بن علي على أن يقتل بني أمية بالحجاز، فقال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا بن عم، إذا أسرعت بالقتل في أكفائك فمن تباهى بسلطانك؟ فاعف يعف الله عنك، ففعل.

قال عبد الله بن الحسن بن الحسن: إياك ومعاداة الرجال، فإنك لن تعدم مكر حليم، أو مفاجأة لئيم. قال عبد الله بن الحسن بن الحسن: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون المغالبة، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة. ومن شعر عبد الله بن حسن بن حسن: أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من أنس الحديث زوانياً ... ويكفهن عن الخنا الإسلام قال الحسن بن الحسين الأشقر: كنت أطوف مع عبد الله بن حسن بن حسن فإذا هو بغمرأة حسناء تطوف. فقال لها عبد الله بن حسن بن حسن: أهوى هوى الدين واللذات تعجبني ... فكيف لي بهوى اللذات والدين؟ فقالت يا بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دع أحدهما، تنل الآخر. فقال: هل من زوج؟ فقالت: قد كان، فدعي، قال: منذ كم؟ قالت: منذ سنة. فقال: الحمد لله على تمام النعمة. قال: هل لك في التزوج؟ قالت: والله ما كان ذلك رأيي ولكن لك فنعم. فتزوجها. قال سليمان بن أبي شيخ: بينا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يطوف بالبيت إذ رأى امرأة تطوف وتنشد: لا يقبل الله من معشوقة عملاً ... يوماً وعاشقها غضبان مهجور

وكيف يأجرها في قتل عاشقها ... لكن عاشقها في ذاك مأجور فقال عبد الله للمرأة: يا أمة الله، مثل هذا الكلام في مثل هذا الموقف؟ فقالت: يا فتى، ألست ظريفاً؟ قال: بلى. قالت: ألست راوية للشعر؟ قال: بلى. قالت: أفلم تسمع الشاعر حيث يقول: بيض غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الحديث زوانياً ... ويصدهن عن الخنا الإسلام لما ولي أبو جعفر ألح في طلب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن وتغببا بالبادية، وأمر أبو جعفر زياد بن عبد الله الحارثي بطلبهما، فكان يغبب في ذلك ولا يجد في طلبهما، فعزله أبو جعفر عن المدينة، وولاها محمد بن خالد بن عبد الله القسري وأمره بطلبهما، فلم يبالغ أيضاً وكان يعلم مكانهما، فيرسل الخيل في طلبهما إلى مكان آخر، وبلغ ذلك أبا جعفر فغضب عليه فعزله، وولى رياح بن عثمان بن حيان المري وأمره بالجد في طلبهما وقلة الغفلة عنهما. قال محمد بن حرب: قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه محمد حين أراد الاختفاء من أبي جعفر المنصور: يا بني، إني مؤد إلى الله حقه علي في نصيحتك، فأد إلى الله حقه عليك في الاستماع والقبول، يا بني، كف الأذى، وأفض الندى، واستعن على السلامة بطول الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها، فإن الصمت حسن على كل حال، وللمرء ساعات يضر فيهن خطاؤه، ولا ينفع صوابه، اعلم أن من أعظم الخطأ العجلة قبل الإمكان، والأناة بعد

الفرصة، يا بني، احذر الجاهل وإن كان لك ناصحاً كما تحذر العاقل إذا كان لك عدواً، فيوشك الجاهل أن يورطك بمشورته في بعض اغترارك، فيسبق إليك مكر العاقل، وإياك ومعاداة الرجال، فإنها لا تعدمك مكر حليم أو مبادأة جاهل. أخذ أبو جعفر عبد الله بن حسن بن حسن فقيده وحبسه في داره. فلما أراد الخروج إلى الحج جلست إليه ابنة لعبد الله بن حسن بن حسن يقال لها فاطمة، فلما مر بها أنشأت تقول: ارحم كبيراً سنة متهرماً ... في السجن بين سلاسل وقيود وارحم صغار بني يزيد إنهم ... يتموا لفقدك لا لفقد يزيد إن جدت بالرحم القريبة بيننا ... ما جدنا من جدكم ببعيد فقال أبو جعفر: أذكرتنيه، ثم أمر به فحدر إلى المطبق فكان آخر العهد به. قال ابن داحة: يزيد هذا أخ لعبد الله بن حسن، قال إسحاق بن محمد: سألت زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي عن يزيد هذا فقال: لم يقل شيئاً، ليس في ولد علي بن أبي طالب يزيد، إنما هذا شيء تمثلت به، ويزيد ابن معاوية بن عبد الله بن جعفر. توفي عبد الله بن حسن بن حسن سنة خمس وأربعين ومئة، بالهاشمية، في حبس المنصور. وعبد الله يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة. وكان عبد الله ذا منزلة من عمر بن عبد العزيز في خلافته، ثم أكرمه أبو العباس ووهب له ألف ألف درهم، ومات ببغداد. وقال الخطيب: هذا وهم، إنما مات بالكوفة، وقيل: كانت سنة ستاً وسبعين سنة.

عبد الله بن الحسن بن حمزة

عبد الله بن الحسن بن حمزة ابن الحسن بن حمدان بن ذكوان أبو محمد البعلبكي يعرف بابن أبي فجة حدث القاضي أبو محمد عبد الله سنة ست وثمانين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في سجوده القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره. وحدث أيضاً عن أبي عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن محمد بن أبي كامل بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل إذا غضب على أمة لم ينزل بها عذاب خسف ولا مسخ، غلت أسعارها ويحبس عنها أمطارها ويلي عليها شرارها. ولد عبد الله بن الحسن سنة تسع وأربع مئة، وقيل: سنة ست وأربع مئة، وتوفي سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. عبد الله بن الحسن بن طلحة ابن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن كامل أبو محمد بن البصري المعروف بابن النحاس. من أهل تنيس، قدم دمشق ومعه ابناه محمد وطلحة، وسمع بها، وحدث بها. حدث بدمشق سنة ثمان وخمسين وأربع مئة عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الحسين بسنده إلى العرباض بن سارية: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً وللثاني مرة. وحدث عن الشيخ الصدوق أبي عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر. ولد أبو محمد بن النخاس سنة أربع وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وستين أو إحدى وستين وأربع مئة.

عبد الله بن الحسن بن عبد الرحمن

عبد الله بن الحسن بن عبد الرحمن أبو القاسم البزاز حدث بأطرابلس بسنده إلى سعيد بن المسيب قال: دخلنا مقابر المدينة مع علي بن أبي طالب عليه السلام، فقام علي إلى قبر فاطمة، وانصرف الناس. قال: فتكلم وأنشأ يقول: لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وإن بقائي بعدكم لقليل وإن افتقادي واحداً بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل أرى علل الدنيا علي كثيرة ... وصاحبها حتى الممات عليل ثم نادى: يا أهل القبور من المؤمنين، تخبرونا بأخباركم أم تريدون أن نخبركم؟ السلام عليكم ورحمة الله. قال: فسمعنا صوتاً، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين. خبرنا عما كان بعدنا. فقال علي: أما أزواجكم فقد تزوجوا، وأما أموالكم فقد اقتسموها، وأولادكم فقد حشروا في زمرة اليتامى، والبناء الذي شيدتم فقد سكنها أعداؤكم. فهذه أخباركم عندنا. فما أخبار ما عندكم؟ فأجابه ميت: قد تخرقت الأكفان، وانتثرت الشعور، وتقطعت الجلود، وسالت الأحداق على الخدود، وسالت المناخر بالقيح والصديد، وما قدمناه وجدناه، وما خلفناه خسرناه. ونحن مرتهنون بالأعمال. عبد الله بن الحسن بن محمد ابن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو العباس الهاشمي، ويقال أبو جعفر السامري. سمع بدمشق والعراق. وحدث عن يزيد بن هارون بسنده عن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أربع من كن فيه فهو منافق، وإن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.

عبد الله بن الحسن بن محمد

وحدث عن هشام بن عمارة بسنده إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان لزنباع عبد يسمى ابن سندر؛ فوجده يقبل جارية له، فأخذه فجبه وجدع أنفه وأذنيه، فأتى ابن سندر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل إلى زنباع فقال: لا تحملوهم ما لا يطيقون، وأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، فما كرهتم فبيعوا، وما رضيتم فأمسكوا، ولا تعذبوا خلق الله. مات عبد الله بن الحسن بسر من رأى في سنة سبع وسبعين ومئتين. عبد الله بن الحسن بن محمد أبو القاسم البزاز يعرف بابن المطبوع حدث عن أبي الحسين محمد بن هيمان بن محمد البغدادي بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال حقه عليها ألا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب. قالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تصوم يوماً واحداً إلا بإذنه إلا الفريضة، فإن فعلت أثمت ولم يتقبل منها. قالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تعطي من بيته شيئاً إلا بإذنه، فإن فعلت كان له الأجر وكان عليها الوزر. قالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تخرج من بيته إلا بإذنه فإن فعلت لعنها الله وملائكة الغضب حتى تثوب. قالت: يا رسول الله، فإن كان لها ظالماً؟ قال: وإن كان لها ظالماً، قالت: والذي بعثك بالحق لا يلي على أمري رجل ما بقيت أبداً.

عبد الله بن الحسن بن محمد

عبد الله بن الحسن بن محمد ابن عبد الله بن الفضيل أبو محمد الكلاعي الحمصي البزاز والد عبد الرزاق. سكن دمشق. حدث عن أبي عبد الله بن خالويه بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. كان أبو محمد هذا رجلاً صالحاً. توفي سنة إحدى - والصحيح سنة اثنتي - عشرة وأربع مئة. عبد الله بن الحسن بن هلال ابن الحسن بن عبد الله بن محمد أبو القاسم بن أبي محمد الأزدي حدث عن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي بسنده إلى ابن عباس قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطى الحجام أجره، واستعط. توفي سنة ست وخمس مئة. عبد الله بن الحسن أبو علي العلوي الوراق أنشد لأبي القاسم المتطبب: أحبائي من أهل القبور عليكم ... سلام أما من دعوة تسمعونها؟ ولا من سؤال ترجعون جوابه ... إلينا ولا من حاجة تطلبونها؟ وكنتم أناساً مثلنا مثل ما نرى ... تسرون بالدنيا وتستحسونها سكنتم ظهور الأرض في الناس خلسة ... فلم تلبثوا حتى سكنتم بطونها وقد كان في الدنيا قرون كثيرة ... ولكن ريب الدهر أفنى قرونها

عبد الله بن الحسين بن جابر

عبد الله بن الحسين بن جابر أبو محمد المصيصي الإمام البزاز حدث عن محمد بن بكار بن بلال بسنده إلى ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مكتوب في التوراة: من سره أن تطول حياته ويزاد في رزقه فليصل رحمه. وحدث عن آدم بن أبي إياس بسنده إلى ابن عمر قال: كانت أم عاصم اسمها عاصية فسماها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميلة. وحدث عن محمد بن كثير العبدي بسنده إلى جابر قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسأل عن شيء فقال: لا. حدث أبو محمد عبد الله بن الحسين بن جابر العقيلي مولى عقيل بن أبي طالب بالمصيصة، حدثنا محمد بن يزيد بن سنان بسنده عن ثوبان قال: مر رجل بثوبان فقال: أين تريد؟ قال: أريد الغزو في سبيل الله، قال له: لا تجبن إن لقيت، ولا تغلل إن غنمت، ولا تقتلن شيخاً كبيراً ولا صبياً صغيراً. فقال له الرجل: ممن سمعت هذا؟ قال: من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عبد الله بن الحسين بن غنجدة ويقال عبيد الله الليثي الرملي حدث عن سليمان بن حرب بسنده عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حلف بالله: لأفعلن كذا، وأضمر: إن شاء الله، ثم لم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث. وحدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن ينتزعه بقبض العلماء، فإذا لم يدع عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم بغير علم، فضلوا وأضلوا.

عبد الله بن الحسين

وحدث عبد الله بن الحسين بن غنجدة عن محمد بن عمرو بسنده عن ابن عباس قال: مات زوج سبيعة بنت الحارث فوضعت بعده بأيام، فأتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرها أن تتزوج. عبد الله بن الحسين بن محمد ابن جمعة أبو محمد السلمي حدث بدمشق عن أبي عتبة أحمد بن الفرج بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فقال: إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليترك. توفي سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة. عبد الله بن الحسين بن محمد ابن أحمد بن الحر ولقبه حيدرة بن سليمان بن هزان بن سليمان بن حيان بن وبرة المري، أبو بكر بن أبي عبد الله الأطرابلسي القاضي حدث عن أبي العباس محمد بن أحمد بن عمرو بن حميد بن الأبح الكندي الحمصي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذب ثلاثة: كذب الله ورسوله والذي يجيء به. عبد الله بن الحسين ويقال: ابن الحسن أبو بكر السلمي حدث عن الحسن الخلال بسنده أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى عائشة بمئة ألف. فوالله ما غابت الشمس في ذلك

عبد الله بن حماد بن أيوب بن موسى

حتى فرقتها فقالت مولاة لها: لو اشتريت من هذه الدراهم لحماً بدرهم فقالت: لو قلت لي قبل أن أفرقها فعلت. عبد الله بن حماد بن أيوب بن موسى أبو عبد الرحمن الآملي آمل جيحون ويقال له الآموي لأن بلده تسمى آمو. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن صفوان بن صالح بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر منأمتي. فقلت: ما هذا يا جابر؟ قال: نعم يا محمد، إنه من زادت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة، وإنما شفاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أوبق نفسه وأعلق ظهره. توفي عبد الله بن حماد سنة تسع وستين ومئتين. عبد الله بن حماد أبو رواحة وجد بدمشق كتاب كتبه ابن عباس إلى معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله بن العباس إلى معاوية بن أبي سفيان.

عبد الله بن حنش الخثعمي

سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، عصمنا الله وإياك بالتقوى. أما بعد، فقد جاءني كتابك فلم أسمع منه إلا خيراً، وذكرت شأن المودة بيننا، وإنك لعمر الله لمودود في صدري، من أهل المودة الخالصة والخاصة، وإني للخلة التي بيننا لراع، ولصالحها حافظ، ولا قوة إلا بالله. أما بعد حفظ الله، فإنك من ذوي النهى من قريش، وأهل الحلم والخلق الجميل منها، فليصدر رأيك بما فيه النظر لنفسك، والتقية على دينك، والشفقة على الإسلام وأهله، فإنه خير لك أوفر لحظك في دنياك وآخرتك. وقد سمعتك تذكر شأن عثمان بن عفان، فاعلم أن انبعاثك في الطلب بدمه فرقة وسفك للدماء وانتهاك للمحارم، وهذالعمر الله ضرر على الإسلام وأهله، وإن الله سيكفيك أمر سافكي دك عثمان، فتأن في أمرك، واتق الله ربك، فقد يقال: إنك تكيد الإمارة، وتقول: إن معك وصية من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فقول نبي الله الحق، فتأن في أمرك، ولقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول للعباس: إن الله يستعمل من ولدك اثني عشر رجلاً، منهم السفاح والمنصور والمهدي والأمين والمؤتمن وأمير العصب. أفتراني استعجل الوقت أو أنتظر قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله الحق، وما يرد الله من أمر يكن ولو كره العالم ذلك، وايم الله لو أشاء لوجدت متقدماً وأعواناً وأنصاراً، ولكني أكره لنفسي ما أنهاك عنه، فراقب الله ربك، واخلف محمداً في أمته خلافة صالحة. فأما شأن ابن عمك علي بن أبي طالب فقد استقامت له عشيرتك، وله سابقته وحقه، ونحن له على الحق أعوان، ونصحاء لك وله ولجماعة المسلمين. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وكتب عكرمة ليلة البدر من صفر سنة ست وثلاثين. عبد الله بن حنش الخثعمي شهد صفين مع معاوية، وكان مقدم خثعم معه بصفين. أرسل عبد الله بن حنش - رأس خثعم مع معاوية بصفين - إلى أبي كعب الخثعمي -

عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر

رأس خثعم مع علي - إن شئت توافقنا فلم نقتتل، فإن ظهر صاحبك كنا معه، وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا، ولم يقتل بعضنا بعضاً، فأبى أبو كعب، فلما دنا الناس بعضهم إلى بعض التقت خثعم وخثعم، فقال عبد الله بن حنش: يا معشر خثعم، قد عرضنا على قومنا من أهل العراق الموادعة صلة لأرحامهم وحفظاً لحقهم أبداً ما كفوا عنكم، فإن قاتلوكم فقاتلوهم. فقال رجل من أصحابه: قد ردوا عليك رأيك وأقبلوا يقاتلونك، فغضب عبد الله بن حنش وقال: اللهم، قيض له وهب بن مسعود - رجلاً من خثعم الكوفة، كانوا يعرفونه بالبأس في الجاهلية - فدعا الرجل إلى البزاز، فخرج إليه وهب بن مسعود فحمل على الشامي فقتله، ثم اقتتلوا قتالاً شديداً، قال: وحمل شمر بن عبد الله الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة، فطعنه فقتله، ثم انصرف يبكي ويقول: رحمك الله يا أبا كعب، لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحماً منهم وأحب إلي نفساً منهم، ولكن والله ما أدري ما أقول، ولا أرى الشيطان إلا وقد فتننا، ولا أرى قريشاً إلا قد لعبت بنا، ووثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها، ففقئت عينه وصرع، ثم أخذها شريح بن مالك فصرع، حتى صرع حول رايتهم ثمانون رجلاً، وأصابوا من خثعم الشام نحواً منهم. عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر المعروف بالراهب واسمه عبد الرحمن بن صيفي ابن النعمان بن مالك بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ويقال: مالك بن أمية بن ضبيعة وقيل غير ذلك أبو عبد الرحمن، ويقال أبو بكر الأنصاري من أهل المدينة، أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفد على يزيد بن معاوية، ثم رجع من عنده، وخرج مع من خرج في فتنة الحرة فقتل. وأبوه حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة قتل مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد شهيداً.

وعن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت على ناقة لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ست وثلاثين زنيةً. وفي حديث آخر: درهم رباً أشد من ثلاث وثلاثين زنية في الخطيئة. وعن عبد الله بن يزيد الخطمي وكان أميراً على الكوفة قال: أتينا قيس بن سعد بن عبادة في بيته فأذنت الصلاة، فقلنا لقيس: قم فصل لنا فقال: لم أكن لأصلي لقوم لست عليهم بأمير، فقال رجل: ليس بدونه، فقال له: عبد الله بن حنظلة، ابن الغسيل، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الرجل أحق بصدر دابته، وبصدر فرسه وأن يؤم في رحله، فقال قيس بن سعد عند ذلك: يا فلان - لمولى لهم - قم فصل بهم. وعن عبد الله بن حنظلة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. كان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وكان قد استأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها، ثم أراد الخروج وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها، ثم أطبقت فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل، وتعلق بعبد الله بن حنظلة، ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد، فتلد محمد بن ثابت بن قيس. وقتل حنظلة يومئذ شهيداً فغسلته الملائكة، فيقال لولده: بنو غسيل الملائكة، وولدت جميلة عبد الله بن حنظلة بعد ذلك بتسعة أشهر. لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها، ثم أطبقت فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل، وتعلق بعبد الله بن حنظلة، ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد، فتلد محمد بن ثابت بن قيس. وقتل حنظلة يومئذ شهيداً فغسلته الملائكة، فيقال لولده: بنو غسيل الملائكة، وولدت جميلة عبد الله بن حنظلة بعد ذلك بتسعة أشهر.

توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن حنظلة ابن سبع سنين. وقتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأيت حنظلة تغسله الملائكة بين السماء والأرض. وولت الأنصار أمرها يوم الحرة عبد الله. ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لعبد الله بن حنظلة ألفي درهم، فأتاه طلحة بابن أخ له، ففرض له دون ذلك فقال: يا أمير المؤمنين، فضلت هذا الأنصاري على ابن أخي فقال: نعم، لأني رأيت أباه يستتر يوم أحد بسيفه كما يستتر الجمل. قال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: سمعت عبد الله بن حنظلة يوماً وهو على فراشه، وعدته من علة، فتلا رجل من هذه الآية " لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش " فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج، ثم قال: صاروا بين أطباق النار، ثم قام على رجليه فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن، اقعد، فقال: منع مني ذكر جهنم القعود، ولا أدري لعلي أحدهم. ولم يكن لعبد الله بن حنظلة فراش ينام عليه، إنما كان يلقي نفسه هكذا، إذا أعيا من الصلاة توسد رداءه وذراعه، ثم هجع شيئاً. روي أن عبد الله بن حنظلة، ابن الغسيل لقيه الشيطان وهو خارج من المسجد فقال: تعرفني يا بن حنظلة؟ فقال: نعم. قال: من أنا؟ قال: أنت الشيطان. قال: فكيف علمت ذلك؟ قال: خرجت وأنا أذكر الله، فلما رأيتك بلدت، أنظر إليك فشغلني النظر إليك عن ذكر الله، فعلمت أنك الشيطان، قال: نعم يا بن حنظلة، فاحفظ عني شيئاً أعلمكه، قال: لا حاجة لي به، قال: تنظر فإن كان خيراً قبلت وإن كان شراً رددت: يا بن حنظلة، لا تسأل أحداً غير الله سؤال رغبة، وانظر كيف تكون إذا غضبت. كان عبد الله بن حنظلة ممن وفد إلى يزيد بن معاوية، ومعه ثمانية بنين له، فأعطاه مئة ألف، وأعطى بنيه كل واحد منهم عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملانهم،

فلما قدم عبد الله بن حنظلة المدينة أتاه الناس فقالوا: ما وراءك؟ فقال: أتيتكم من عند رجل، والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم قالوا: فإنه بلغنا أنه أكرمك وأعطاك، قال: قد فعل، وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوى به عليه، وحضض الناس فبايعوه. قال: فخرج أهل المدينة بجموع وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم، فأمر مسلم بن عقبة بسرير فوضع بين الصفين ثم أمر مناديه: قاتلوا عني أو دعوا، فشد الناس في قتالهم، فسمعوا التكبير خلفهم في جوف المدينة، وأقحم عليه بنو حارثة أهل الشام وهم على الحرة، فانهزم الناس وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوماً، فنبهه ابنه. فلما فتح عينيه فرأى ما صنع أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل، فلم يزل يقدمهم واحداً فواحداً حتى أتى على آخرهم، ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل وهو يقول: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ". حدث جماعة قالوا: لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة، فأخرجوا بني أمية عن المدينة، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة، فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال: يا قوم، اتقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء. إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً، فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجد، وما كان يزيد على شربة من سويق يفطر عليها إلى مثلها من الغد يؤتى بها في المسجد، يصوم الدهر، وما رئي رافعاً رأسه إلى السماء إخباتاً. فلنا دنا أهل الشام من وادي القرى صلى عبد الله بن حنظلة بالناس الظهر، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنما خرجتمغضباً لدينكم، فأبلوا بلاءً حسناً ليوجب لكم به مغفرته، ويحل به عليكم رضوانه.

أخبرني من نزل مع القوم السويداء: وقد نزل القوم ذا خشب ومعهم مروان بن الحكم - والله إن شاء الله مخيبه بنقضه العهد والميثاق عند منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتصايح القوم، وجعلوا ينالون من مروان ويقولون: الوزغ ابن الوزغ، وجعل ابن حنظلة يهدئهم ويقول: إن الشتم ليس بشيء، ولكن اصدقوهم اللقاء، والله ما صدق قوم إلا حازوا النصر بقدرة الله، ثم رفع يديه إلى السماء، واستقبل القبلة وقال: اللهم إنا بك واثقون، بك آمنا، وعليك توكلنا، وإليك ألجأنا ظهورنا، ثم نزل، وصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً حتى كثرهم أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، فلبس عبد الله بن حنظلة يومئذ درعين، وجعل يحض أصحابه على القتال فجعلوا يقاتلون، وقتل الناس، فما نرى إلا راية عبد الله بن حنظلة يمشي بها مع عصابة من أصحابه، وكانت الظهر فقال لمولى له: احم لي ظهري حتى أصلي فصلى الظهر أربعاً متمكناً. فلما قضى صلاته قال له مولاه: والله، يا أبا عبد الرحمن ما بقي أحد فعلام تقيم؟ ولواؤه قائم، ما حوله خمسة، فقال: ويحك، إنما خرجنا على أن نموت، ثم انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة، فتقلد السيف ونزع الدرع، ولبس ساعدين من ديباج، ثم حث الناس على القتال وأهل المدينة كالنعام الشرود، وأهل الشام يقتلونهم في كل وجه. فلما هزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح، وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتى قتلوه. ضربه رجل من أهل الشام ضربة بالسيف، فقطع منكبه حتى بدا سحره، ووقع ميتاً، فجعل مسرف يطوف على فرس له في القتلى ومعه مروان بن الحكم، فمر على عبد الله بن حنظلة وهو ماد اصبعه السبابة فقال مروان: أما والله لئن نصبتها ميتاً لطالما نصبتها حياً. ولما قتل عبد الله بن حنظلة لم يكن للناس مقام، فانكشفوا في كل وجه، وكان الذي ولي قتل عبد الله بن حنظلة رجلان شرعا فيه جميعاً وحزا رأسه، فانطلق به أحدهما إلى مسرف وهو يقول: رأس أمير القوم. فأومأ مسرف بالسجود وهو على دابته، وقال: من

عبد الله بن حوالة أبو حوالة

أنت؟ قال: رجل من بني فزارة، قال: ما اسمك؟ قال: مالك، قال: وأنت وليت قتله وحز رأسه؟ قال: نعم، وجاء الآخر: رجل من السكون من أهل حمص، يقال له: سعد بن الجون، فقال: أصلح الله الأمير، نحن شرعنا فيه رمحينا فأنفذناه بهما، ثم ضربناه بسيفنا، حتى تثلما مما يلتقيان. قال الفزاري: باطل. قال السكوني: فأحلفه بالطلاق والحرية، فأبى أن يحلف، وحلف السكوني على ما قال. فقال مسرف: أمير المؤمنين يحكم في أمركما، فأدبرهما، فقدما على يزيد بقتل أهل الحرة وبقتل ابن حنظلة، فأجازهما بجوائز عظيمة، وجعلهما في شرف من الديوان، ثم ردهما إلى الحصين بن نمير، فقتلا في حصار ابن الزبير. وكانت الحرة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين. وعن محمد بن كعب قال: مر مروان بعبد الله بن حنظلة فرآه مشيراً باصبعه قد يبست فقال: لئن أشرت بها ميتاً لطالما دعوت وتضرعت بها إلى الله عز وجل فقال رجل من أهل الشام: لئن كان هؤلاء كما تقول ما دعوتمونا إلا لنقتل أهل الجنة! قال مروان: إنهم خالفوا ونكثوا. قال عبد الله بن أبي سفيان سمعت أبي يقول: رأيت عبد الله بن حنظلة بعد مقتله في النوم في أحسن صورة، معه لواؤه فقلت: أبا عبد الرحمن، أما قتلت؟ قال: بلى، ولقيت ربي، فأدخلني الجنة، فأنا أسرح في ثمارها حيث شئت، فقلت: أصحابك ما صنع بهم؟ قال: هم معي حول لوائي هذا الذي ترى، لم يحل عقده حتى الساعة. قال: ففرغت من النوم فرأيت أنه خير رأيته له. عبد الله بن حوالة أبو حوالة ويقال أبو محمد له صحبة. روى عن سيدنا رسول الله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. حدث ابن حوالة قال: أتيت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في ظل دومة وعنده كاتب يملي عليه، فقال

له: أنكتبك يا بن حوالة؟ قال: فيم يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فأكب على كاتبه يملي عليه، فنظرت فإذا في الكتاب عمر، فعرفت أن عمر لا يكتب إلا في خير. ثم قال: أنكتبك يا بن حوالة؟ قلت: نعم يا رسول الله، فقال: يا بن حوالة، كيف تصنع في فتن تخرج في أطراف الأرض كأنها صياصي البقر؟ فقلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الأولى فيها انتفاجة أرنب. فقال: اتبعوا هذا، ورجل مقف حينئذ، فانطلقت، فسعيت فأخذت بمنكبه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: هذا؟ قال: نعم، فإذا هو عثمان بن عفان. وروى عبد الله بن حوالة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تهجمون على رجل يبايع الناس معتجراً ببرد يبايع الناس، من أهل الجنة. قال: فإذا هو عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وعن زغب بن فلان الأزدي قال: نزل علينا عبد الله بن حوالة الأزدي فقلت له: بلغني أنه فرض لك في مئتي كل عام فلم تقبل! قال: فقال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول المدينة لنغم، فرجعنا ولم نغنم شيئاً وعرف فينا الجهد، فقال: اللهم، لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم. وفي رواية أخرى بمعناه قال: والصحيح فيه ابن زغب ثم قال: ليفتحن لكم الشام والروم وفارس، أو الروم وفارس، حتى يكون لأحدكم من الإبل كذا وكذا، ومن النعم كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، ومن الغنم، حتى يعطى أحدهم مئة دينار فيتسخطها، ثم وضع يده على رأسي - أو على هامتي - فقال: يا بن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك.

عبد الله بن حيان أبو مسلم

عبد الله بن حوالة من ساكني دمشق، وهو من بني معيص بن عامر بن لؤي. توفي سنة ثمان وخمسين في خلافة معاوية، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقدم عبد الله بن حوالة مصر مع مروان بن الحكم، وقيل إنه توفي بالشام سنة ثمانين. وحولي بالحاء المهملة. وهو عبد الله بن حولي وهو ابن حوالة. والله أعلم. عبد الله بن حيان أبو مسلم جليس الوليد بن مسلم. حدث أبو مسلم عن الحسن في قوله عز وجل: " فلنحيينه حياة طيبة " قال: لنرزقنه طاعة يجد لذتها في قلبه. قال: فحدثت هذا أبا سليمان فقال: أما الذي سمعنا فالقناعة، ولكن أيهما أفضل عندك؟ القانع أو الذي يجد لذة الطاعة، فلم أجبه، فقال: القانع أفضل لأنه قد يجد لذة الطاعة من لم يقنع برزقه بعد، ولا يكون قانعاً حتى قد وجد لذة الطاعة وجاز إلى القناعة. عبد الله ويقال صالح بن خارجة ابن حبيب بن قيس بن عمرو بن حارثة بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن الحصن بن عكابة ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل ابن قاسط بن هنب أبو المغيرة الشيباني، المعروف بأعشى بني أبي ربيعة خزري شاعر، وفد على عبد الملك بن مروان. وعبد الله في اسمه أثبت. له في عبد الملك بن مروان: رأيتك أمس خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس

وأنت غداً تزيد الضعف ضعفاً ... كذاك تزيد سادة عبد شمس قدم أعشى بني أبي ربيعة على عبد الملك بن مروان وهو شيخ كبير، فقال له عبد الملك: ما الذي بقي منك؟ قال: يا أمير المؤمنين، وماذا أخذ وأنا القائل: وما أنا في أمري ولا في خصومتي ... بمهتضم حقي ولا قارع سني فلا مسلم مولاي عند جناية ... ولا خائف مولاي من سوء ما أجني وإن فؤاداً بين جنبي عالم ... بما أبصرت عيني وما سمعت أذني وفضلني في الشعر واللب أنني ... أقول على علم وأعرف من أعني فأصبحت إذ فضلت مروان وابنه ... على الناس قد فضلت خير أب وابن فقال عبد الملك: من يلومني على هذا؟ وأمر له بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب وعشر فرائض من الإبل، وأقطعه ألف جريب، وقال له: امض إلى زيد الكاتب يكتب لك بها، وأجرى له على ثلاثين عيلاً، فأتى زيداً فقال له: ائتني غداً فأتاه فجعل يردده ويتعبه فقال له: يا زيد يا فداك كل كاتب ... في الناس بين حاضر وغائب هل لك في حق عليك واجب ... في مثله يرغب كل راغب وأنت عف طيب المكاسب ... مبراً من عيب كل عائب ولست إذ كفيتني وصاحبي ... طول غدو ورواح دائب وشدة الباب وعنف الحاجب ... من نعمة أسديتها بخائب فأبطأ عليه زيد وأتى سفيان بن الأبرد الكلبي، فكلمه سفيان فأبطأ عليه فعاد من فوره إلى سفيان فقال له: عد إذ بدأت أبا يحيى فأنت لنا ... ولا تكن حين هاب الناس هيابا واشفع شفاعة أنف لم يكن ذنباً ... فإن من شفعاء الناس أذنابا فأتى سفيان زيد الكاتب، فلم يفارقه حتى قضى حاجته.

عبد الله بن خازم بن أسماء

دخل أعشى بني أبي ربيعة على عبد الملك بن مروان وهو يروي في الخروج لمحاربة ابن الزبير ولا يجد فقال له: يا أمير المؤمنين، مالي أراك متلوماً ينهضك الحزم ويقعدك العزم، وتهم بالإقدام ثم تجنح إلى الإحجام؟! انقد لبصيرتك، وامض لرأيك، وتوجه إلى عدوك، فجدك مقبل، وجده مدبر، وأصحابه له ماقتون، ونحن لك محبون، وكلمتهم متفرقة، وكلمتنا عليك مجتمعة، والله ما تؤتى من ضعف جنان، ولا قلة أعوان، ولا يثبطك عنه ناصح، ولا يحرضك عليه غاش، وقد قلت في ذلك أبياتاً فقال: هاتها فإنك تنطق بلسان ودود وقلب ناصح فأنشأ يقول: آل الزبير من الخلافة كالتي ... عجل النتاج بحملها فأحالها أو كالضعاف من الحمولة حملت ... ما لا تطيق فضيعت أحمالها قوموا إليهم لا تناموا عنهم ... كم للغواة أطلتم إمهالها إن الخلافة فيكم لا فيهم ... ما زلتم أركانها وثمالها أمسوا على الخيرات قفلاً موثقاً ... فانهض بيمنك فافتتح أقفالها فضحك عبد الملك وقال: صدقت يا عبد الله، إن أبا خبيب لقفل دون كل خير، ولن نتأخر عن مناجزته إن شاء الله، وأمر له بصلة سنية. عبد الله بن خازم بن أسماء ابن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان أبو صالح السلمي. أمير خراسان. أصله من البصرة، شجاع، مشهور، قدم به على معاوية ويقال إن له صحبة. وخازم بالخاء والزاي المعجمتين.

حديث سعيد بن الأزرق قال: رأيت رجلاً ببخارى من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسه عمامة خز سوداء وهو يقول: كسانيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمه عبد الله بن حازم. كان أسود، كثير الشعر، وكان ولي خراسان لابن الزبير وهو القائل: أتحسن مرة وتسيء أخرى ... فقد أعييتني ما تستقيم دخل عبد الله بن ذكوان على عبد الله بن خازم يعزيه بابن له حين قتل، فأنشأ يقول - واسمه ولده محمد -: أبا صالح صبراً فكل معمر ... يصير إلى ما صار فيه محمد فأجابه عبد الله: أعزى عليه والعزاء سجيتي ... وما أنا بالآسى على حدث الدهر فلا صلح بيني ما حييت وبينكم ... تميم بن مر أو أفي بكم وتري ولي عبد الله بن خازم خراسان. استعمله عليها عبد الله بن عامر بن كريز في خلافة عثمان. قتله وكيع بن الدوقية، وبعث برأسه إلى عبد الملك بن مروان، وكان لعبد الله بن خازم السلمي قدر، وذكر في فرسان بني سليم، وكان من أشجع الناس في زمانه. ولي خراسان عشر سنين، وافتتح الطبسين. وقال أبو نعيم الحافظ: عبد الله بن خازم ولي خراسان من قبل عبد الملك بن مروان وفتح على يده سرخس. كان ابن عامر قد استعمل قيس بن الهيثم على خراسان أيام معاوية، فقال له ابن خازم: إنك وجهت إلى خراسان رجلاً ضعيفاً، وإني أخاف إن لقي حرباً أن ينهزم بالناس فتهلك خراسان وتفتضح أخوالك. قال ابن عامر: فما الرأي؟ قال: تكتب لي عهداً إن هو انصرف عن عدو قمت مقامه، فكتب له، فجاشت جماعة من طخارستان فشاور قيس بن الهيثم فأشار عليه ابن خازم أن ينصرف حتى تجتمع إليه أطرافه، فانصرف. فلما سار مرحلة

عبد الله بن خليفة بن ماجد

أو اثنتين أخرج ابن خازم عهده، وقام بأمر الناس ولقي العدو فهزمهم، وبلغ الخبر المصرين والشام فغضبت القيسية وقالت: خدع قيس وابن عامر، فأكثروا في ذلك حتى شكي إلى معاوية فبعث إليه فقدم به فاعتذر مما قيل فيه. فقال له معاوية: قم فاعتذر إلى الناس غداً، فرجع ابن خازم إلى أصحابه فقال: إني قد أمرت بالخطبة، ولست بصاحب كلام، فاجلسوا حول المنبر، فإذا تكلمت فصدقوني، فقام الغد فحمد الله ثم قال: إنما يتكلف الخطبة إمام لا يجد منها بداً، أو أحمق يهمر من رأسه لا يبالي ما خرج منه، ولست بواحد منهما، وقد علم من عرفني أني بصير بالفرص وثاب عليها وقاف عند المهلك، أنفذ بالسرية، وأقسم بالسوية، أنشدكم بالله من كان يعرف ذلك مني لما صدقني، فقال أصحابه حول المنبر: صدقت. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك فيمن نشدت، فقل بما تعلم فقال: صدقت. كان عبد الله بن خازم غلب على خراسان، وكتب إليه عبد الملك عام قتل مصعب بولايته على خراسان، وبعث بالكتاب مع سورة بن أبجر الدارمي فقال له ابن خازم: لولا أني أكره أن أضرب بين بني تميم وسليم لقتلتك، ولكن كل كتابك فأكله، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بن بني عمرو بن سعد: إن قتلت ابن خازم أو أخرجته من خراسان فأنت الأمير. فقتل بكير ابن خازم، وأقام والياً حتى قدم أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فعزله، وولى أمية. وقتل عبد الله بن خازم بخراسان سنة إحدى وسبعين. وقال ابن سعد: في سنة سبع وثمانين أتي برأس ابن خازم. عبد الله بن خليفة بن ماجد أبو محمد الغثوي من أهل الغثاة من حوران. حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن بندار بن الكريدي بسنده إلى أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله عز وجل. قالوا: يا رسول

عبد الله بن خثيمة بن سليمان

الله، ليس عن هذا نسألك. قال: فإن أكرم الناس يوسف نبي الله نبي الله ابن خليل الله. قالوا: يا رسول الله، ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا: نعم. قال: الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. حدث عبد الله الغثوي: أنه رأى ليلة القدر وقال: لا شك أن أجلي قد قرب، فمات في تلك السنة بعد مدة قريبة. وكان خرج إلى ناحية حوران ليجدد العهد بأهله، فمات في الطريق. عبد الله بن خثيمة بن سليمان ابن الحارث ويعرف بحيدرة بن سليمان بن هزان بن سليم بن حيان بن وبرة، أبو بكر بن أبي الحسن القرشي الأطرابلسي. حدث عن أبي عبد الملك أحمد بن جرير بن عبدوس الصوري بسنده إلى أبي أمامة الباهلي قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبعد الخلق من الله رجلان: رجل يجالس الأمراء فما قالوا من جور صدقهم عليه، ومعلم الصبيان لا يواسي بينهم، ولا يراقب الله في اليتيم. عبد الله بن داوود بن عامر بن الربيع أبو عبد الرحمن الهمداني ثم الشعبي المعروف بالخريبي. سكن الخريبة بالبصرة، وسمع بدمشق وغيرها. حدث عبد الله بن داود عن هانئ بن عثمان بسنده إلى يسيرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهن أن يراعين بالتسبيح والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات.

وحدث عن أم داود الوابشية قالت: رأيت علي بن أبي طالب يأكل لحم دجاج، ويصطبغ بخل خمر. وحدث عن هارون البربري عن عبد الله بن عبيد قال: مكتوب في التوراة: إن الله تعالى يقول: أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرحومة ضعيفة لو نفختها طارت، أحب منها كل مفتن تواب. حدث عبد الله بن داود عن أبي عمر الصنعاني، لقيته بعسقلان، قال: إذا كان يوم القيامة جيء بالعلماء، فإذا قاموا للحساب قال: إني لم أجعل حكمتي فيكم إلا لخيرٍ أريده بكم، فادخلوا الجنة بما فيكم. ولد ابن داود سنة ست وعشرين ومئة. قال بشر بن الحارث: كنت عند عبد الله بن داود إذ جاءه قوم، فقالوا له: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: فكيف يكون مخلوقاً و" هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم " أمخلوق هذا؟ كان يحيى بن أكثم يتولى القضاء بالبصرة، وكان يختلف إلى عبد الله بن داود الخربي، يسمع منه، فتقدم رجلان إلى يحيى بن أكثم لخصومة، فتربع أحدهما بين يديه فأمر بأن يقام من تربعه، وأن يجلس جاثياً بين يديه، فبلغ ذلك عبد الله بن داود. فلما جاء يحيى إليه ليحدثه كما كان يجيء إليه لذلك من قبل قال له عبد الله بن داود: متعت بك - وكانت كلمة تعرف منه - لو أن رجلاً صلى متربعاً؟ فقال له يحيى: لا بأس بذلك. فقال له عبد الله بن داود: فحال يكون عليها بين يدي الله لا يكرهها منه، تكره أنت أن يكون الخصم بين يديك على مثلها! ثم ولى ظهره وقال: عزم لي ألا أحدثك. فقام يحيى ومضى. قال عبد الله بن داود الخربي: كل صديق لك ليس فيه عقل هو أشد عليك من عدوك.

عبد الله بن دويد

وفي حديث أن عبد الله بن داود حدث بحديث فيه: لا تباع الثمرة حتى تسقح، فسئل أبو عبيدة فلم يعرفها. فلما قدم وكيع حدث فقال: حتى تشقح فأخبر ابن داود فقال: أنا أرجع إلى الحق كما هو عند الناس. والتشقيح: تلوين البسر إذا اصفر واحمر. ويقال: شقحت النخلة تشقح تشقيحاً، وأشقحت إشقاحاً إذا تغير البسر للاصفرار بعد الاخضرار، وهو أقبح ما يكون في ذلك الوقت ولذلك قالوا: قبيح شقيح. توفي عبد الله بن داود سنة ثلاث عشرة ومئتين بخريبة البصرة. عبد الله بن دويد ويقال ابن ذويد بن نافع من أهل دمشق. سمع مكحولاً، وقيل: إن روايته عن مكحول ليست محفوظة. قال عبد الله بن دويد: سمعت سليمان بن موسى يحدث عن عمرو بن دينار أنه حدث مكحولاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من نام عن صلاة العشاء حتى يفوته وقتها فلا نامت عينه. عبد الله بن دينار أبو محمد البهراني ويقال الأسدي قيل: إنه دمشقي، والصحيح أنه حمصي. حدث عن حريز مولى معاوية بن أبي سفيان قال: خطب معاوية الناس بحمص، فذكر في خطبته أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم سبعة أشياء: الشعر، والتصاوير، والنوح، والتبرج، وجلود السباع، والذهب، والحرير.

عبد الله بن دينار أبو الوليد العذري الدمشقي

وحدث عبد الله بن دينار قال: قدم لقمان من سفر فتلقاه مولى له فقال: ما فعل أبي؟ قال: مات. قال: ملكت أمري. قال: ما فعلت أمي؟ قال: ماتت. قال: ذهب همي قال: فما فعلت أختي؟ قال: ماتت. قال: سترت عورتي. قال: ما فعلت امرأتي؟ قال: ماتت. قال: جدد فراشي. قال: ما فعل أخي؟ قال: مات. قال: انكسر ظهري. قال عبد الله بن دينار سمعت مكحولاً يقول: من أقسم على أخيه فلم يبره فقد أفجره. وثقة قوم وضعفه الأكثرون. عبد الله بن دينار أبو الوليد العذري الدمشقي حدث عن الأوزاعي بسنده عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها دم الحيض كيف تفعل به؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أصاب إحداكن دم الحيض فلتحته ثم لتقرصه بالماء، ثم لتنضج بقيته، ثم لتصل فيه. عبد الله بن أبي ذر أبو بكر السوسي حدث بأطرابلس عن يوسف بن عدي الكوفي بسنده عن أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المنتعل راكب.

عبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن المعروف بأبي الزناد

عبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن المعروف بأبي الزناد مولى آل عثمان بن عفان ويقال: مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس. من كبار فقهاء أهل المدينة ومحدثيها. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وفد على هشام بن عبد الملك، واستقدمه الوليد بن يزيد ليستفتيه في نكاح زوجته أم سلمة مع جماعة من فقهاء المدينة. حدث أبو الزناد عن الأعرج عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن، والصيام جنة من النار. وحدث أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم. وحدث أيضاً عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في الجسم والمال فلينظر إلى من دونه في المال والجسم. وكان ذكوان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر، بولادة العجم. كانت كنية أبي الزناد أبا عبد الرحمن فغلب عليه أبو الزناد، وكان ثقة، كثير الحديث، فصيحاً بصيراً بالعربية، عالماً، عاقلاً، وولي خراج المدينة. توفي بالمدينة فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثلاثين ومئة، وهو ابن ست وستين سنة. وكانت كنيته أبو عبد الرحمن، وكان يغضب من أبي الزناد. وقيل: توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة وسنه أربع وستون.

قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: كان سفيان يسمي أبا الزناد أمير المؤمنين في الحديث. وكان أبو الزناد فقيه أهل المدينة، وكان صاحب كتاب وحساب، وكان كاتباً لخالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بالمدينة. وكان كاتباً لعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وقدم على هشام بن عبد الملك بحساب ديوان المدينة، فجالس هشاماً مع ابن شهاب، فسأل ابن شهاب: في أي شهر كان يخرج عثمان العطاء فيه لأهل المدينة؟ قال: لا أدري. قال أبو الزناد: كنا نرى أن ابن شهاب لا يسأل عن شيء إلا وجد علمه عنده. قال أبو الزناد: فسألني هشام فقلت: المحرم، فقال هشام لابن شهاب: يا أبا بكر، هذا علم أفدته اليوم. قال ابن شهاب: مجلس أمير المؤمنين أهل أن يفاد منه العلم. وكان أبو الزناد معادياً لربيعة بن أبي عبد الرحمن، وكانا فقيهي البلد في زمانهما وكان يعقوب بن أبي سلمة الماجشون يعين ربيعة على أبي الزناد، وكان الماجشون أول من علم الغناء من أهل المروءة بالمدينة فقال أبو الزناد: مثلي ومثل الماجشون مثل ذئب كان يلج على أهل قرية، فيأكل صبيانهم ودواجنهم، فاجتمعوا له، وخرجوا في طلبه فهرب منهم، فتقطعوا عنه إلا صاحب فخار، فألح في طلبه، فوقف له الذئب فقال: هؤلاء عذرتهم، أرأيتك أنت، ما لي ولك؟! والله ما كسرت لك فخارة قط. ثم قال: الماجشون مالي وله؟! والله ما كسرت له كبرا ولا برابطاً. قال المدائني: كان خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم قد ولى أبا الزناد المدينة فقال علي بن الجون الغطفاني: رأيت الخير عاش لنا فعشنا ... وأحيا لي مكان أبي الزناد وسار بسيرة الحكمين فينا ... بعدل في الحكومة واقتصاد

قال أبو حنيفة: قدمت المدينة، فأتيت أبا الزناد، ورأيت ربيعة فإذا الناس على ربيعة، وأبو الزناد أفقه الرجلين، فقلت له: أنت أفقه أهل بلدك والعمل على ربيعة، فقال: ويحك، كف من حظ خير من جراب من علم. قال الليث: رأيت أبا الزناد وخلفه ثلاث مئة تابع، من طالب فقه وعلم وشعر، وصنوف، ثم لم يلبث أب بقي وحده، وأقبلوا على ربيعة. وكان ربيعة يقول: شبر من حظوة خير من باع من علم. قال عبد ربه بن سعيد: رأيت أبا الزناد دخل مسجد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه من الأتباع مثلي ما على السلطان بين سائل عن حديث، وبين سائل عن قراءة، وبين سائل عن فريضة، وبين سائل عن حساب، وبين سائل عن عربية، وبين سائل عن شعر. قال يحيى بن معين: قال مالك بن أنس: أبو الزناد، كان كاتب هؤلاء القوم، يعني: بني أمية، وكان لا يرضاه. قال عبد الرحمن بن القاسم: سألت مالك بن أنس عمن يحدث بالحديث الذي قالوا: إن شاء الله تبارك وتعالى خلق آدم على صورته، فأنكر ذلك مالك إنكاراً شديداً، ونهى أن يتحدث به أحد، فقيل له: فإن ناساً من أهل العلم يتحدثون به، فقال: من هم؟ فقيل له: محمد بن عجلان عن أبي الزناد، فقال: لم يكن يعرف ابن عجلان هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: إنه لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات. وكان صاحب عمال يتبعهم.

عبد الله بن راشد مولى خزاعة

عبد الله بن راشد مولى خزاعة من أهل دمشق، أظنه صاحب الطيب. حدث عبد الله بن راشد عن عروة بن رويم عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيمان يمان. حدث عبد الله بن راشد الدمشقي عن عمرو بن مهاجر صاحب حرس عمر بن عبد العزيز قال: تكلم غيلان عند عمر بن عبد العزيز بشيء من أمر القدر، فقال له عمر: يا غيلان اقرأ أي القران شئت فقرأ: " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " حتى انتهى إلى هذه الآية " إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً " قال: فرددها مراراً، وكف عما بقي. فقال له عمر: أتم السورة، فقال " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً " إلى آخرها. قال: فقال له عمر: يا غيلان، إن الله يقول: " إن الله كان عليماً حكيماً " قال: أخبرني: حكيم فيما علم أم حكيم فيما لا يعلم؟ قال: بل حكيم فيما علم، فقال له: أحييتني أحياك الله، والله لكأني لم أعلم هذا من كتاب الله عز وجل، فقال له عمر بن عبد العزيز: اللهم، إن كان صادقاً فارفعه ووفقه، وإن كان كاذباً فلا تمته إلا مقطوع اليدين والرجلين مصلوباً، ثم قال: أمن يا غيلان، ثم قال: أمن يا عمرو بن مهاجر قال: فأمنت أنا وغيلان على دعاء عمر بن عبد العزيز. فلما خرج قال لي عمر: يا عمرو، ويحه، إنه لمفتون. قال عمرو بن مهاجر: فوالله إني لفي الرصافة جالس، فقيل لي: قد قطعت يداه ورجلاه، قال: فأتيته فوقفت عليه وإنه لملقى، فقلت: يا غيلان، هذه دعوة عمر بن عبد العزيز قد أدركتك. قال: ثم أمر به فصلب.

عبد الله بن رباح أبو خالد الأنصاري

عبد الله بن رباح أبو خالد الأنصاري وفد على معاوية حدث عن أبي قتادة. قال: خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشية فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء غداً إن شاء الله تعالى. قال أبو قتادة: فانطلق الناس لا يلوي أحد في مسيرهم، فإني أسير إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ابهار الليل، فنعس رسول الله فمال على راحلته، ثم سرنا حتى إذا تهور الليل مال على راحلته ميلة أخرى فدعمته من غير أن أوقظه، فاعتدل على راحلته، ثم سرنا حتى إذا كان من آخر الليل مال ميلة أخرى هي أشد من الميلين الأوليين حتى إذا كاد أن ينجفل فدعمته فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: يا رسول الله، هذا مسيري منك منذ الليلة. قال: حفظك الله بما حفظت به نبيه ثم قال: أترانا نخفى على الناس؟ هل ترى أحداً؟ قلت: هذا راكب، وهذا آخر، فاجتمعنا فكنا سبعة، فمال عن الطريق، ثم وضع رأسه وقال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من انتبه والشمس في ظهره، فقمنا فزعين. فقال: اركبوا فركبنا، فجعل بعضنا يهمس بعضاً ما صنعنا تفريطنا في صلاتنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا الذي تهمسون دوني؟ قلنا: يا رسول الله، تفريطنا في صلاتنا فقال: أما لكم في أسوة، التفريط ليس في النوم، التفريط من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى، فإذا فعل ذلك فليصلها إذا انتبه لها، ثم ليصلها من الغد لوقتها، ثم نزلنا فدعا بميضأة كانت عندي فتوضأ وضوءاً دون وضوئه، ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر كما كان يصلي، ثم قال: اركبوا فركبنا، فانتهينا إلى الناس حين تعالى النهار - أو

قال: حين حميت الشمس شك سليمان - وهم يقولون: هلكنا عطشاً، قال: لأهلك عليكم، ثم نزل، ثم قال: اطلقوا لي غمري، فأطلق له، ثم دعا بالميضأة التي كانت عندي، فجعل يصب علي ويسقيهم. فلما رأوا ما في الميضأ تكابوا فقال: أحسنوا الملأ، فكلكم سيروى، فجعل يصب ويسقيهم حتى ما من القوم أحد إلا شرب، غيري وغيره، فصب علي ثم قال: اشرب يا أبا قتادة، فقلت: يا رسول الله، أشرب قبل أن تشرب؟ قال: إن ساقي القوم آخرهم، فشربت وشرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال عبد الله بن رباح: إني لفي مسجد الجامع أحدث بهذا الحديث إذ قال عمران بن الحصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإني كنت أحد الركب تلك الليلة. قلت له: أبا نجيد، فحدث فأنت أعلم قال: من أنت؟ قال: قلت من الأنصار، قال: فحدث القوم فأنت أعلم بحديثكم. فقال: لقد شهدت تلك الليلة، وما شعرت أن أحداً حفظه كما حفظته. وحدث عبد الله بن رباح: أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أسحييك، فقالت: سل ما بدا لك، فإنما أنا أمك، فقلت: يا أم المؤمنين، ما يوجب الغسل، فقالت: إذا اختلف الختانان وجبت الجنابة، فكان قتادة يتبع هذا الحديث: إن عائشة قالت: قد فعلت أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلنا. فلا أدري أشيء في هذا الحديث أم كان قتادة يقوله. وحدث عبد الله بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة، فكان بعضنا يصنع لبعض الطعام وكان أبو هريرة ممن يصنع لنا، فيكثر، فيدعونا إلى رحله، فقلت: لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم

إلى رحلي، ففعلت، ولقيت أبا هريرة بالعشي فقلت: يا أبا هريرة، الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني يا أخا الأنصار، فدعوتهم فإنهم لعندي إذ قال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر؟ - وكان عبد الله بن رباح أنصارياً - قال: فذكر فتح مكة، وقال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين، وبعث الزبير على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر ثم آراني فقال: يا أبا هريرة، فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلا بأنصاري. قال: ففعلت، ثم قال: انظروا قريشاً وأوباشهم فاحصدوهم حصداً. قال: فانطلقنا فما أحد منهم يوجه إلينا شيئاً، وما منا أحد منهم إلا أخذه، وجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيرت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، فألقى الناس سلاحهم، ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدأ بالحجر فاستلمه، ثم طاف سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم جاء ومعه القوس آخذ بسيتها، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم وهو يقول: " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً " ثم انطلق حتى أتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت، وجعل يحمد الله ويدعوه، والأنصار عنده يقولون: أما الرجل فأدركته رغبته في قريته، ورأفته بعشيرته، وجاء الوحي، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا، فلما رفع اللوحي قال: يا معشر الأنصار، قلتم: أما الرجل فأدركته رغبته في قريته، ورأفته بعشيرته، كلا فما اسمي إذاً؟ كلا، إني عبد الله ورسوله، المحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا يبكون وقالوا: يا رسول الله، والله ما قلنا إلا لضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم. وزاد في حديث آخر قال: فوالله ما منهم من أحد إلا من بل نحره بالدموع من عينيه. رضي الله عنهم. قال أبو عمران الجوني: وقفت مع عبد الله بن رباح ونحن نقاتل الأزارقة مع المهلب فبكى: فقلت:

عبد الله بن ربيعة بن عمر بن الحسن بن إسماعيل

ما يبكيك؟ قال: قد كان في أهل الشرك غناء عن قتال أهل القبلة. قتل أبو خالد في ولاية ابن زياد. عبد الله بن ربيعة بن عمر بن الحسن بن إسماعيل أبو سهل الكندي البستي الفقيه قدم دمشق حاجاً، وحدث بها في شوال سنة ثلاثين وأربع مئة. حدث عن أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي بسنده إلى محمد بن النضر الحارثي قال: وإذا صاحبت فاصحب صاحباً ... ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء: لا، إن قلت: لا ... وإذا قلت نعم، قال: نعم عبد الله بن رواحة بن ثعلبة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك وفي نسبه خلاف أبو محمد ويقال: أبو رواحة، ويقال: أبو عمرو الأنصاري شهد بدراً، والعقبة، وهو أحد النقباء، وأحد الأمراء في غزوة مؤته واستشهد بها. حدث عبد الله بن رواحة قال: كنت في غزاة، فتعجلت فانتهيت إلى الباب فإذا المصباح يتأجج، وإذا أنا بشيء أبيض، فاخترطت سيفي، ثم حركتها فأتيت المرأة، فقالت: إليك إليك، فلانة كانت عندي فمشطتني، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فنهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً. وحدث عبد الله بن رواحة قال: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب.

وكانت أم عبد الله بن رواحة كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة. وكان عبد الله بن رواحة يكتب في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً. وشهد عبد الله العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار، وشهد بدراً، وأحداً، والخندق، والحديبية، وخيبر، وعمرة القضية. وقدمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بدر يبشر أهل العالية بما فتح الله عليه، والعالية: بنو عمرو بن عوف وخطمة ووائل. واستخلفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المدينة حين خرج إلى غزوة بدر الوعد، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية في ثلاثين راكباً إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر فقتله، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خيبر خارصاً، فلم يزل يخرص عليهم إلى أن قتل بمؤته مع جعفر بن أبي طالب في قتال الروم سنة ثمان، وله في الإسلام مناقب وأيام. قال قتيبة: ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم الله ابن رواحة، كان أينما أدركته الصلاة أناخ. وعن أنس قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فأصابتنا مطر ورداغ، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نصلي على ظهور رواحلنا. قال: ففعلنا، ونزل ابن رواحة فصلى في الأرض. قال: فسعى به رجل من القوم فقال: يا رسول الله، أمرت الناس يصلون على ظهور رواحلهم ففعلوا، ونزل ابن رواحة فصلى في الأرض. قال: فبعث إليه فقال: ليأتينكم وقد لقي حجته. قال: فأتاه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن رواحة، أمرت الناس أن يصلوا على ظهور رواحلهم، نزلت وصليت في الأرض! قال: فقال: يا رسول الله، لأنك تسعى في رقبة قد فكها الله، وإنما أنا نزلت لأسعى في رقبة لم تفك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألم أقل لكم إنه سيلقى حجته.

وحدث ضمرة ومهاجر ابنا حبيب قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فأدركته الصلاة وهو على ظهر، فصلى رسول الله على ظهر، ونزل ابن رواحة فصلى بالأرض، ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن رواحة، أرغبت عن صلاتي؟! قال: لست مثلك، إنك تسعى في عتق ونحن نسعى في رق، فلم يعب عليه ما صنع. قال: وخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية فصلى بأصحابه على ظهر، فاقتحم رجل من الناس فصلى على الأرض فقال: خالف خالف الله به، فما مات الرجل حتى خرج من الإسلام. وعن أنس بن مالك قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة عليهم السلام. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن رواحة أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم وهو يخطب، فسمعه وهو يقول: " اجلسوا " فجلس مكانه خارجاً من المسجد حتى فرغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خطبته، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: زادك الله حرصاً على طواعية الله وطواعية رسوله. وحدث عمر بن ذر عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى نفر من أصحابه فيهم عبد الله بن رواحة يذكرهم بالله. فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذكر أصحابك فقال: يا رسول الله، أنت أحق مني. قال: أما إنكم الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معهم، ثم تلا عليهم: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم " الآية إلى آخرها، قال: وما قعد عدتكم قط يذكرون الله إلا قعد معهم عددهم من الملائكة. فإن حمدوا الله حمدوه، وإن سبحوا الله سبحوه، وإن كبروا الله كبروه، وإن استغفروا الله أمنوا، ثم عرجوا إلى ربهم

فسألهم وهو أعلم منهم فقال: أين ومن أين؟ قالوا: ربنا، عبيد لك من أهل الأرض ذكروك فذكرناك. قال: ويقولون: ماذا؟ قالوا: ربنا حمدوك فقال: أول من عبد وآخر من حمد. قالوا: وسبحوك قال: مدحي لا ينبغي لأحد غيري. قالوا: ربنا كبروك قال: لي الكبرياء في السموات والأرض وأنا العزيز الحكيم. قالوا: ربنا استغفروك قال: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم. قالوا: ربنا فيهم فلان وفلان قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. وعن أبي عمران الجوني: أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم إن كان قد حضر أجله فيسر عليه، وإن لم يكن حضر أجله فاشفه. فوجد خفة فقال: يا رسول الله، أمي تقول: واجبلاه واظهراه، وملك قد رفع مرزبة من حديد ويقول: أنت كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها. وعن أبي الدرداء قال: إن كنا لنكون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر في اليوم الحار الذي يضع أحدنا على رأسه من شدة الحر وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة. وفي حديث آخر مثله: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر رمضان. وعن مجاهد قال: قوله تعالى: " لم تقولون ما لا تفعلون " إلى قوله: " صفاً كأنهم نيان مرصوص " في نفر من الأنصار، منهم عبد الله بن رواحة. قالوا في مجلس: لو تعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل لعملنا به حتى نموت، فلما نزلت فيهم فقال عبد الله بن رواحة: لا أزال حبيساً في سبيل الله عز وجل حتى أموت، فقتل شهيداً، رحمة الله عليه.

وعن ابن عباس: في هذه الآية، يعني " ولأمة مؤمنة خير من مشركة " قال: نزلت في عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء، وإنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره خبرها، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هي يا عبد الله؟ قال: هي تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة. فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها. ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم. فأنزل الله تعالى فيهم: " ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " الآية. حدث معمر عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تزوج، يعني: رجل امرأة عبد الله بن رواحة فقال لها: تدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله بن رواحة في بيته، فذكرت له شيئاً لا أحفظه، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين، وإذا دخل داره صلى ركعتين، وإذا دخل بيته صلى ركعتين، لا يدع ذلك أبداً، وكان ثابت لا يدع ذلك فيما ذكر لنا بعض من يخالط أهله، وفيما رأينا منه. وعن ابن عباس قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة. قال: فقدم أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمعة ثم ألحقهم. قال: فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآه فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ قال: فقال: أردت أن أصلي معك الجمعة ثم ألحقهم. قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت غدوتهم. وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى مؤته. فاستعمل زيداً فإن قتل زيد فجعفر، فإن قتل

جعفر فابن رواحة، فتخلف ابن رواحة فجمع مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآه فقال: ما خلفك؟ فقال: أجمع معك. قال: لغدوة أو روحة خير من الدنيا وما فيها. وفي حديث بمعناه: لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها. فراح عبد الله منطلقاً. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما نزلت " والشعراء يتبعهم الغاوون " قال عبد الله بن رواحة: قد علم الله أني منهم، فأنزل الله عز وجل " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " حتى ختم الآية. وعن ابن عباس: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا " قال: أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن رواحة. وعن محمد بن سيرين قال: كان شعراء أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك. وعن حسن بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن رواحة: ما الشعر؟ قال: شيء يختلج في صدر الرجل فيخرجه على لسانه شعراً. قال: فهل تستطيع أن تقول شيئاً الآن، فنظر في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: نعم: إني توسمت فيك الخير نافلةً ... والله يعلم أني ثابت البصر ثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

قال عبد الله بن رواحة: مررت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في نفر من أصحابه فأضب القوم: يا عبد الله بن رواحة، يا عبد الله بن رواحة، فعرفت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعاني، فانطلقت إليهم مسرعاً، فسلمت فقال: ها هنا، فجلست بين يديه. فقال - كأنه يتعجب من شعري - فقال: كيف تقول الشعر إذا قلت؟ قلت: أنظر في ذلك ثم أقول فقال: فعليك بالمشركين. قال: ولم أكن أعددت شيئاً، فأنشدته، فلما قلت: فخبروني أثمان العباء متى ... كنتم بطاريق أو دانت لكم مضر قال: فكأني عرفت في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكراهية أن جعلت قومه أثمان العباء فقلت: نجالد الناس عن عرض فنأسرهم ... فينا النبي وفينا تنزل السور وقد علمتم بأنا ليس يغلبنا ... حي من الناس إن غزوا وإن كثروا يا هاشم الخير إن الله فضلكم ... على البرية فضلاً ماله غير إني تفرست فيك الخير أعرفه ... فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت أو استنصرت بعضهم ... في جل أمرك ما آووا ولا نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا فأقبل علي بوجهه متبسماً ثم قال: وإياك فثبت الله. قال: وأرسله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مؤتة ثالث ثلاثة أمراء: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب. فلما قتل صاحباه كره الإقدام فقال: أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعةً أو لا لتكرهنه

وطالما قد كنت مطمئنه ما لي أراك تكرهين الجنه فقتل يومئذ. وهجا سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ثلاثة من كفار قريش أبو سفيان: ابن الحارث، وعمرو بن العاص، وابن الزبعري. فقال قائل لعلي: أهج عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا فقال علي: إن أذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلت. فقال الرجل: يا رسول الله، أتأذن لعلي كيما يهجو عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا؟ فقال: ليس هناك - أو: ليس عنده ذلك - ثم قال للأنصار: ما يمنع القوم الذين قد نصروا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم؟ فقال حسان بن ثابت: أنا لها يا رسول الله وأخذ بطرف لسانه فقال: والله ما يسرني به مقولاً بين بصرى وصنعاء. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال: إني أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين. فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار يجيبونهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. فكان حسان بن ثابت وكعب بن مالك يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ويعيرانهم بالمثالب، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر وينسبهم إلى الكفر، ويعلم أنه ليس فيهم شر من الكفر. قال: وكانوا في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب بن مالك، وأهون القول قول عبد الله بن رواحة. فلما أسلموا كان أشد القول عليهم قول عبد الله بن رواحة. وعن أنس قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة في عمرة القضاء وابن رواحة بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر: يا بن رواحة، في حرم الله وبين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول هذا الشعر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خل عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل. وعن ابن عباس: أن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت على بعير يستلم الركن بمحجن وعبد الله بن رواحة آخذ بغرزة يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير مع رسوله وفي أخر الأبيات: يا رب إني مؤمن بقيله فقال عمر بن الخطاب: أو ها هنا يا بن رواحة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو ما تعلمن أو لا تسمع ما قال؟ قال: فمكث ما شاء الله ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هيه، يا بن رواحة، قل لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. وقيل: إن ذلك خطأ، وإن ابن رواحة لم يحضر فتح مكة. قتل ابن رواحة بمؤته مع جعفر بن أبي طالب. وقد روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه. قالوا: وهذا أصح عند بعض أهل العلم لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤته. وعن البراء قال: رأيت رسول الله يوم الخندق ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره، وهو

يرتجز برجز عبد الله بن رواحة، يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينةً علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا وفي حديث قيس بن أبي حازم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن رواحة: انزل فحرك بنا التراب، فقال: يا رسول الله، لقد تركت قولي، فقال له عمر: اسمع وأطع قال: فنزل فقال هذا الرجز. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعناه، وبعد الشعر: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارحمه، فقال عمر: وجبت. وعن أبي هريرة أنه قال في قصصه، وهو يذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أخاً لكم لا يقول الرفث، يعني: ابن رواحة قال: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع

ولما نزلت هذه الآية " وإن منكم إلا واردها " ذهب عبد الله بن رواحة إلى بيته فبكى فجاءت امرأته فبكت وجاءت الخادم فبكت، وجاء أهل البيت فجعلوا يبكون. فلما انقطعت عبرته قال: يا أهلاه، ما الذي أبكاكم؟ قالوا: لا ندري، ولكن رأيناك بكيت فبكينا قال: إنه أنزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آية ينبئني فيها ربي عز وجل أني وارد النار ولم ينبئني أني صادر عنها، فذلك الذي أبكاني. وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى زرعة بن سيف بن ذي يزن: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد. من محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى زرعة بن ذي يزن: إذا أتاكم رسلي فآمركم بهم خيراً: معاذ بن جبل، وابن رواحة، ومالك بن عبادة، وعتبة بن نيار. وعن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فذكر الحديث، وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها عليهم، ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله، تطعموني السحت، والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي وأنتم أبغض لي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وفي حديث آخر: أنهم جمعوا حلياً من حلي نسائهم فقالوا: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر يهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم، وأما الذي عرضتم علي من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها. قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض. وعن أبي الدرداء أنه قال: أعوذ بالله أن يأتي علي يوم لا أذكر فيه عبد الله بن رواحة، كان إذا لقيني مقبلاً ضرب

بين ثديي، وإذا لقيني مدبراً ضرب بين كتفي ثم يقول: يا عويمر، اجلس بنا فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله ما شاء، ثم يقول: يا عويمر، هذه مجالس الإيمان، إن مثل الإيمان مثل قميصك، بينا أنت قد نزعته إذا لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذا نزعته يا عويمر، للقلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت علياً. كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها سراً عن أهله، فبصرت به امرأته يوماً قد خلا بها فقالت: لقد اخترت أمتك على حرتك فجاحدها ذلك: فقالت: فإن كنت صادقاً فاقرأ آية من القرآن - وفي رواية: وقد عهدته لا يقرأ القرآن وهو جنب - فقال: شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا قالت: فزدني آية أخرى، فقال: وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا فقالت: زدني آية أخرى، فقال: وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مقربينا فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر، فأتى ابن رواحة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يغير عليه - زاد في رواية أخرى: بمعناه، فقالت له: أما إذ قرأت القرآن فإني قد عرفت أنه مكذوب عليك. فافتقدته ذات ليلة فلم تجده على فراشها فحبست نفسها، فلم تزل تطلبه حتى قدرت عليه في ناحية الدار، فقالت: الآن صدقت فيما بلغني؛ فجحدها فقالت: اقرأ الآيات من القرآن إن كنت صادقاً، فإنك إن كنت جنباً لم تقرأ، فقال: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... له موقنات أن ما قال واقع وأعلم علماً ليس بالظن أنني ... إلى الله محشور هناك وراجع فحدث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فاستضحك حتى رد يده على فيه وقال: هذا لعمري من معاريض الكلام، يغفر لك يا بن رواحة، إن خياركم خيركم لنسائكم. فأخبرني ما الذي ردت عليك حيث قلت ما قلت؟ قال: قالت لي: الله بيني وبينك، أما إذ قرأت القرآن فإني أتهم ظني وأصدقك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد وجدتها ذات فقه في الدين. قال شريح: قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر عبد الله بن رواحة ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود كان زيد بن أرقم يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة قال: فلم أر والي يتيم خيراً منه. خرج معه إلى مؤتة فحمله على حقيبة رحله وخرج به غازياً إلى مؤتة فسمعه زيد وهو يتمثل أبياته التي قال: إذا أدنيتني وحملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء فشأنك فانعمي وخلاك ذم ... ولا أرجع إلى أهلي ورائي وجاء المؤمنون وغادروني ... بأرض الشام مشتهر الثواء وردك كل ذي نسب قريب ... إلى الرحمن وانقطع الإخاء هنالك لا أبالي طلع نخل ... ولا بغل أسافلها رواء فلما سمعه زيد بكى فخفقه بالدرة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة،

وترجع بين شعبتي الرحل، ولزيد بن أرقم يقول عبد الله بن رواحة: يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل هديت فانزل يرتجز. يقول: انزل، فسق بالقوم. وفي حديث بمعناه: ثم نزله من الليل فصلى ركعتين ثم دعا فيهما دعاءً طويلاً ثم قال لي: يا غلام، فقلت: لبيك، قال: هي إن شاء الله الشهادة. ومضى قوله: هنالك لا أبالي طلع نخل البيت. يقول: إذا استشهدت لم أبال ما تركت من عذي النخل وسقيه. وعن عطاء بن أبي مسلم قال: لما ودع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن رواحة قال ابن رواحة: يا رسول الله، مرني بشيء أحفظه عنك قال: إنك قادم غداً بلداً، السجود فيه قليل، فأكثر السجود. قال عبد الله بن رواحة: زدني يا رسول الله، قال: اذكر الله فإنه عون لك على ما تطالب، فقام من عنده، حتى إذا مضى ذاهباً رجع إليه فقال: يا رسول الله، إن الله وتر يحب الوتر، قال: يا بن رواحة، ما عجزت فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدة، فقال ابن رواحة: لا أسألك عن شيء بعدها. وعن ابن إسحاق قال: فلما أصيب قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما بلغني: أخذ زيد بن حارثة الراية فقاتل بها حتى قتل شهيداً؛ ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم صممت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون، فقال: ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيداً. ثم، لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب، فرأيت في سرير

عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه فقلت: عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى. وقال عبد الله بن رواحة عند ذلك: أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أولا لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنه مالي أراك تكرهين الجنة قد طالما قد كنت مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنه ثم نزل فقاتل حتى قتل. قال: وقد قال أيضاً: يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وإن تأخرت فقد شقيت يريد جعفراً وزيداً، ونزل. فلما نزل أتاه ابن عمله بعرق لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت، فأخذه منه فنهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر فقال: وأنت في الدنيا؟؟؟؟؟؟، فألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل.

وعن الوليد قال: سمعت أنهم ساروا حتى إذا كانوا بناحية معان من أرض الشراة أخبروا أن الروم قد نذروا وجمعوا لهم جموعاً كثيرة من الروم وقضاعة وغيرهم من نصارى العرب، فاستشار زيد بن حارثة أصحابه فقالوا: قد وطئت البلاد وأخفت أهلها فانصرف فإنه لا يعدل العافية شيء، وعبد اله بن رواحة ساكت فسأله زيد عن رأيه فقال: إنا لم نسر إلى هذه البلاد ونحن نريد الغنائم ولكنا نريد لقاءهم ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة، فالرأي المسير إليهم، فقبل زيد رأيه وسار إليهم. فروي أن الراية لمل انتهت إلى عبد الله بن رواحة جاءه الشيطان فرغبه بالحياة وكره إليه الموت ثم تذكر فصاح بأولئك النفر الذين حضروا ذلك المجلس الذي بعث إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلا عليهم " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص " أين ما كنتم عاهدتم الله عليه، قد جاء مصداقه. اصدقوا الله يصدقكم، قال: فجاوؤه يخبون كأنهم بقر نزعت من تحتها أولادها، فتقدموا بين يديه وأوتي ابن رواحة بلوح من ضلع وقد التاث جوعاً فرده وقال: هذا أدعه فيما أدعه من الدنيا، فشد عليهم وشدوا حتى شدخوا جميعأ. وعن عروة بن الزبير من حديث قال: فإن أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم، فتجهز الناس وتهيؤوا للخروج، فودع الناس أمراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلموا عليه، فلما ودع الناس أمراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وودعوا عبد الله بن رواحة بكى قالوا: ما يبكيك يا بن رواحة؟؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ: " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً " فلست أدري كيف لي

بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا صالحين، ودفع عنكم، فقال ابن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا ثم أتى عبد الله بن رواحة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فودعه ثم قال: ثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا إني تفرست فيك الخير نافلةً ... والله يعلم أني ثابت البصر أنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر ثم خرج القوم حتى نزلوا بمعان فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مئة ألف من الروم ومئة ألف من المستعربة فأقاموا بمعان يومين، فقالوا: نبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنخبره بكثرة عدونا، فإما أن يمدنا وإما أن يأمرنا أمراً. فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم إليها تطلبون: الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فإن يظهرنا الله فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق ابن رواحة، فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم وهم بقرية من قرى البلقاء يقال لها شراف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤته: قرية فوق أحساء ابن مؤت.

ولما قتل جعفر بن أبي طالب دعا الناس: يا عبد الله بن رواحة، يا عبد الله بن رواحة، وهو في جانب العسكر ومعه ضلع حمل ينهسه ولم يكن ذاق طعاماً قبل ذلك بثلاث، فرمى بالضلع ثم قال: وأنت مع الدنيا؟، ثم تقدم فأصيب اصبعه فارتجز فجعل يقول: هل أنت إلا اصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حياض الموت قد صليت وما تمنيت فقد لقيت إن تفعلي فعلهما هديت وإن تأخرت فقد شقيت ثم قال: يا نفس، إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة؟ فهي طالق بالثلاثة، وإلى فلان وفلان، غلمان له، وإلى معجف: حائط له، فهو لله ولرسوله: يا نفس مالك تكرهين الجنه أقسم بالله لتنزلنه طائعةً أو لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه قد أجلب الناس وشدوا الرنه قال مصعب بن شيبة: لما نزل ابن رواحة للقتال طعن، فاستقبل الدم بيده فدلك به وجهه ثم صرع بين الصفين، فجعل يقول: يا معشر المسلمين، ذبوا عن لحم أخيكم، فجعل المسلمون يحملون حتى يحوزوه، فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه.

عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر

وعن سعيد بن عبد العزيز قال: قال بعضهم حين بلغه قتل ابن رواحة: كان أولنا فصولاً وآخرنا قفولاً. كان يصلي الصلاة لوقتها. وعن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعى إلى الناس - أو إلينا - جعفراً وابن رواحة وزيداً وعيناه تذرفان. ولما قتل جعفر بمؤته أخذ الراية بعده عبد الله بن رواحة فاستشهد. قال: ثم دخل الجنة معترضاً، فشق ذلك على الأنصار فقالوا: يا رسول الله، ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة، فسري عن قومه. وكانت مؤته في جمادى الأول سنة ثمان من الهجرة. عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر ابن كثيف بن عمرو بن حني ويقال: ابن حن - ابن ربيعة بن سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم - وفي نسبه اختلاف - أبو الشعثاء المعروف بالعجاج والد رؤبة بن العجاج. راجز مجيد. حدث عن أبي هريرة، وقيل عن أبي الشعثاء. قال العجاج: أنشدت أبا هريرة رضي الله عنه: الحمد لله الذي استقلت بأمره السماء واستعلت

بإذنه الأرض وما تعنت أرسى عليها بالجبال الثبت فقال أبو هريرة: أشهد أنك تؤمن بيوم الحساب. ولقب العجاج ببيت قاله. وولد في الجاهلية، وقال فيها أبياتاً من رجزه، ومات في أيام الوليد بن عبد الملك بعد أن كبر، وفلج وأقعد. وهو أول من رفع الرجز، وشبهه بالقصيد، وجعل له أوائل، ونسب به، وذكر الدار، ووصف ما فيها، وبكى على الشباب، كما صنعت الشعراء في القصيد، وهو القائل لعمر بن عبيد الله بن معمر لما توجه إلى أبي فديك الشاري: قد جبر الدين الإله فجبر وعور الرحمن من ولى يعني أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، لأنه توجه إلى أبي فديك فهزمه وفيها يقول: حول ابن غراء حصان إن وتر فاز وإن طالب بالوغم اقتدر إذا الكرام ابتدروا الباع بدر تهدي قداماه عرانين مضر ومن قريش كل منسوب أغر ومما يستحسن له في وصف الدر وتروى لرؤبة: كأن خلفيها إذا ما درا جروا هراش حرشا فهرا

عبد الله بن رومان

قال الأصمعي: قيل للعجاج: إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاماً تمنعنا من أن نظلم، وأحساباً تمنعنا من أن نظلم، وهل رأيت بانياً إلا وهو على الهدم أقدر منه على البناء؟ قال أبو علي الباهلي: قرأنا على الأصمعي شعر العجاج فمر بنا: من أن تبدلت بآدي آدا لم يك ينآد فأمسى انآدا فقد أراني أصل القعادا قال: ودخل ابن الأعرابي فأومأ إلينا: سلوه: ما قعادا؟ فسألناه فقال: الشيوخ الذين قعدوا عن الغزل كبراً، وكذلك هو من النساء. فقال ابن الأعرابي: أما القعاد من الرجال فصحيح، وأما النساء فقواعد كما قال الله عز وجل: " والقواعد من النساء " قال: فوالله ما التفت إليه الأصمعي، ثم أنشد للقطامي: أبصارهن إلى الشبان مائلة ... وقد أراهن عني غير صداد فما الفرق بين صداد وقعاد، فما نطق ابن الأعرابي بحرف، وقام فخرج. قال المعافى: الأمر في هذا على ما قال الأصمعي. وقد أغفل ابن الأعرابي إنكاره منه ما أنكره. عبد الله بن رومان أدرك عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح بعلبك مع أبي عبيدة بن الجراح وكتب الصلح لأهلها.

عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب

روى إسماعيل بن عياش أن عبيدة كتب لأهل بعلبك: هذا أمان من أبي عبيدة بن الجراح لفلان وفلان وأهل مدينتهم بعلبك، ورومها وفرسها وعربها، ولرؤسائها وسكانها والروم والنصارى، ولأموالهم ولدوابهم ولبيعهم ودياراتهم، وكل شيء لهم من خارج المدينة بيعة أو أداء أو شيء. وللمدينة ولأرحائهم، وأنهم على نسكهم لا يكرهون عليه، وأن عليهم السمع والنصح وإعطاء ما عليهم، ولا عقب بيعة بيننا وبينهم فيما قد خلا من القتال والحرب. وأن للروم أن يسيروا ويظعنوا حيث شاؤوا خمسة عشر ميلاً، ولا يثبتوا في قرية عامرة، وأن لهم أن يرعوا دوابهم خمسة أميال أو ستة. ولأهل المدينة وعربها واكتسابها أن يتجروا حيث شاؤوا من الأرض التي صالحناها. وأن للروم أن يمكثوا في المدينة شهري ربيع وجمادى الأولى، فإذا انسلخ فإنهم يسيرون حيث شاؤوا، ويذهبون بأموالهم ودوابهم. وإن مكثوا بعد انسلاخ الأشهر فإن عليهم مثل ما على أهل المدينة من السمع والطاعة والنصح، وإعطاء الذي عليهم من السبيل، فإن أحبوا أن يسيروا عند نفاذ هذه الصحيفة ساروا، وأن لنا على الروم وفارس ألا يخبئوا شيئاً كان للمؤمنين من أموالهم عند النبط والعرب من حين نفاذ هذه الصحيفة، فإن مكثوا فلنا عشور العرب والروم وأهل المدينة، وإن شاؤوا أن يذهبوا ذهبوا حيث شاؤوا من الأرض بأموالهم، فإن ذمة أبي عبيدة والمؤمنين لهم، وأن للمؤمنين ما عرفوا من أموالهم عند الروم والعرب، وأن لنا عندهم كل نفس حرة مسلمة فيهم، في رومهم وفرسهم وعربهم ونبطهم. والله هو الشاهد على هذه الصحيفة، ويزيد بن أبي سفيان، ومعمر بن رائم. وكتب عبد الله بن رمان. وختم أبو عبيدة بخاتمه. عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي له صحبة، واستشهد بأجنادين، وكان ممن ثبت مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين هو والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالبوأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب والزبير بن العوام وأسامة بن زيد.

قال أبو الحويرث: أول قتيل قتل من الروم يوم أجنادين برز بطريق معلم يدعو إلى البراز، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، فاختلفا ضربات ثم قتله عبد الله بن الزبير ولم يعرض لسلبه ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه عبد الله بن الزبير فتشاولا بالرمحين ساعة وصارا إلى السيفين، فحمل عليه عبد الله بن الزبير فضربه - وهو دارع - على عاتقه وهو يقول: خذها وأنا ابن عبد المطلب، فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع في منكبه ثم ولى الرومي منهزماً، وعزم عليه عمرو بن العاص ألا يبارز، فقال عبد الله: إني والله ما أجدني أصبر. فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضاً وجد في ربضة من الروم عشرة حجزة، مقتولاً وهم حوله قتلى وقائم السيف في يده قد غري، فبعد نهار ما نزع من يده، وإن في وجهه لثلاثين ضربة بالسيف. وكان فتح أجنادين يوم الاثنين عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصديق. وكان عبد الله بن الزبير يوم قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له نحو من ثلاثين سنة. ولا نعلمه غزا مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا روى عنه حديثاً. وأم عبد الله بن الزبير عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وقيل قتل في وقعة فحل، وكانت في سنة ثلاث عشرة في رجب. والله أعلم.

عبد الله بن الزبير بن العوام

عبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو بكر ويقال أبو خبيب الأسدي. وأول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من قريش. له صحبة، حضر وقعة اليرموك مع أبيه، وشهد خطبة عمر بالجابية، وقدم دمشق لغزو القسطنطينية أيام معاوية، وبويع بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية بمكة، وغلب على الحجاز والعراقين واليمن ومصر وأكثر الشام، ثم قتله الحجاج بن يوسف وصلبه في أيام عبد الملك بن مروان. قال ثابت البناني: سمعت عبد الله بن الزبير وهو على المنبر يخطب ويقول: قال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. قال سعيد بن جبير: كنت جالساً عند عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة إذ جاءه كتاب ابن الزبير: سلام عليك أما بعد. فإنك كتبت تسألني عن الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً من دون ربي لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكنه أخي في الدين وصاحبي في الغار، وجعل الجد أباً، فأحق من أخذنا به قول أبي بكر رضي الله عنه. قال عبد الله بن الزبير: خطبنا عمر بالجابية فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا كمقامي هذا فيكم فقال: أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولم يستشهد، وحتى يحلف ولم يستحلف، فمن أحب أن يسكن بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. ولا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن.

قال الزبير بن بكار: فولد الزبير بن العوام: عبد الله وبه كان يكنى الزبير، والمنذر، وعروة، وغيرهم. ثم قال: وأمهم أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين ولد عبد الله بن الزبير في شوال سنة اثنتين من الهجرة. قال الواقدي: توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله ابن ثماني سنين وأربعة أشهر. وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وجده أبو بكر الصديق، وجدته صفية عمة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمته خديجة زوجة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالته عائشة زوجة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة فحنكه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسماه عبد الله فكبر الصحابة والمسلمون لمولده استكثاراً، وقتل بمكة سنة ثلاث وسبعين فكبر فجرة أهل الشام لقتله استكباراً. بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثمان سنين، كان صواماً، قواماً، بالحق قوالاً، وللرحم وصالاً، شديد على الفجرة، ذليلاً للأتقياء البررة، وكانت له جمة مفروقة طويلة. وحملت به أمه وهي متم، فولدت بقباء وحملته إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحنكه بتمرة، فكان أول ما دخل في جوفه ريق سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له وبارك عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ترضعه أمه حتى أتت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذه فوضعه في حجره وحنكه. ولد بعد الهجرة بعشرين شهراً. قتل بمكة وصلب بها، وحمل رأسه إلى المدينة وبعث إلى خراسان فدفن بها. ولما ولد عبد الله بن الزبير بقباء، وكانت يهود حين قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أخذوهم حتى لا يكون لهم نسل. فلما ولد عبد الله بن الزبير كبر الناس. وكان أول مولود ولد في الإسلام. وحنكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له وأسماه عبد الله قال: قد أسميته بجبريل، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه

ثم بايعه. ولما قتل كبر أهل الشام فقال عبد الله بن عمر بن الخطاب - وسمع تكبير أهل الشام - الذين كبروا على مولده خير من الذين كبروا على قتله. قال زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب: لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قالت يهود: قد سحرنا محمداً وأصحابه فليس يولد لهم بأرضنا. قال: فكان أول مولود عبد الله بن الزبير. قال زيد: فسمعت أن اليهود لما علموا أن الله تبارك وتعالى قد أبطل كيدهم حولوا فكتبوا طباً فجعلوا ما يضر ينفع، وما ينفع يضر. ولما حمل إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحنكه أمر أن يؤذن في أذنيه بالصلاة، فأذن أبو بكر في أذنيه. وقال أبو إسحاق: إن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة وهو صبي مولود، وفي ذلك خلاف. والصحيح أن عبد الله بن الزبير ولد بالمدينة بعد الهجرة لا خلاف فيه، ومكة يومئذ دار حرب لم يدخلها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من المسلمين. وزعموا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نظر في وجهه قال: أهو هو ليمنعن البيت أو ليموتن دونه. وقال العقيلي في ذلك: بر تبين ما قال الرسول له ... من الصلاة لضاحي وجهه علم حمامة من حمام البيت قاطنة ... لا تتبع الناس إن جاروا وإن ظلموا هو أول مولود ولد بالمدينة، وأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي من المدينة اليوم الذي ولد فيه، وكانت أسماء مع أبيها بالسنح ببلحارث بن الخزرج. قال الزبير: والصحيح أن عبد الله بن الزبير ولد بقباء، والبيت الذي ولد فيه قائم معروف، ولاد ابن الزبير فيه وإنما كان نزول أبي بكر الصديق بالسنح حين تزوج مليكة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، ولم يتزوجها إلا بعد مولد عبد الله بن الزبير. وكان عبد الله يقول: هاجرت بي أمي في بطنها فما أصابها من مخمصة أو نصب إلا وقد أصابني. وكان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة.

وعن محمد بن كعب القرظي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على أسماء بنت أبي بكر الصديق حين ولد عبد الله بن الزبير فقال: أهو هو؟ فتركت أسماء رضاع عبد الله بن الزبير لما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول هو هو. فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أسماء تركت رضاع عبد الله بن الزبير لما سمعتك تقول: أهو هو، فقال: أرضعيه ولو بماء عينيك. كبش بين ذئاب، ذئاب عليها ثياب، ليمنعن الحرم أو ليقتلن به. كان الزبير يقبل ابنه عبد الله وهو صغير يقول: أبيض من آل أبي عتيق ... أحبه كما أحب ريقي وعن عروة: أن عبد الله بن الزبير وجعفر بن الزبير بايعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبسم وبسط يده فبايعهما. وعن عبد الله بن عروة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلم في غلمة ترعرعوا منهم عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعمر بن أبي سلمة، فقيل: يا رسول الله، لو بايعتهم فتصيبهم بركتك ويكون لهم ذكر، فأتي بهم إليه فكأنهم تكعكعوا حين جيء بهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاقتحم ابن الزبير أولهم فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنه ابن أبيه، وبايعوه. وعن عبد الله بن الزبير: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحتجم. فلما فرغ قال: يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد. فلما برز عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمد إلى الدم فشربه. فلما رجع قال: يا عبد الله، ما صنعت؟ قال: جعلته في أخفى مكان علمت أنه بخاف عن الناس. قال: لعلك شربته! قال: نعم. قال: ولم شربت الدم! ويل للناس منك، وويل لك من الناس. قال: فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.

وفي حديث: من قوة دم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه قال: إني أحببت أن يكون من دم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جوفي فقال: ويل لك من الناس، وويل للناس منك، لا تمسك النار إلا قسم اليمين. وعن محمد بن حاطب أنه قال - وذكر ابن الزبير فقال: طالما حرص على الإمارة قلت: وما ذاك؟ قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلص فأمر بقتله، فقيل: إنه سرق، قال: اقطعوه، ثم جيء بعد ذلك إلى أبي بكر وقد سرق وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئاً إلا قضى فيك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أمر بقتلك، فإنه كان أعلم بك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم. قال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه علينا فانطلقنا به إلى البقيع، فقتلناه. وعن محمد بن الضحاك: أن عبد الملك بن مروان قال لرأس الجالوت - أو لابن رأس الجالوت - ما عندكم من الفراسة في الصبيان؟ قال: ما عندنا فيهم شيء لأنهم يخلقون خلقاً بعد خلق، غير أنا نرمقهم فإن سمعنا منهم من يقول في لعبه: من يكون معي؟ رأيناها همة وخبر صدق فيه. وإن سمعناه يقول: مع من أكون؟ كرهناها منه. فكان أول ما علم من أمر ابن الزبير أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي فمر رجل فصاح عليهم، ففروا، ومشى ابن الزبير القهقري وقال: يا صبيان، اجعلوني أميركم، وشدوا بنا عليه. ومر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو صبي يلعب مع الصبيان، ففروا، ووقف، فقال له: مالك لم تفر مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك. كان نوف يقول: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.

وعن محمد بن أبي يعقوب الضبي: أن معاوية بن أبي سفيان كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحباً يا بن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأمر له بمئة ألف. قال ابن أبي مليكة: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال: قارئاً لكتاب الله، عفيفاً في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله لأحاسبن له نفسي محاسبة لم أحاسبها لأبي بكر ولا عمر. وفي حديث ابن عباس قال: لما بلغ الناس عبد الله بن الزبير قلت: أين المذهب عن ابن الزبير؟ أبوه حواري رسولالله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجدته عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية بنت عبد المطلب، وعمته خديجة بنت خويلد زوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالته أم المؤمنين عائشة، وجده صديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، وأمه ذات النطاقين، فشددت على عضده ثم آثر علي الحميدات والتويتات والأسامات فبأوت بنفسي ولم أرض بالهوان. إن ابن أبي العاص مشى اليقدمية - ويقال القدمية - وإن ابن الزبير مشى القهقرى. وفي حديث آخر: إن ابن الزبير لوى ذنبه ثم قال لعلي بن عبد الله بن العباس: الحق بابن عمك فغثك خير من سمين غيرك، ومنك أنفك وإن كان أجدع، فلحق علي بعبد الملك بنمروانفكان آثر الناس عنده. قوله مشى اليقدمية بهمته وأفعاله، وابن الزبير مشى القهقرى: أي نكص على عقبيه، وتأخر عما تقدم له الآخر. وقوله: فبأوت بنفسي أي رفعتها وعظمتها، والبأو: التعظيم. وقوله: آثر علي الحميدات والتوتيات والأسامات أراد: آثر

قوماً من بني أسد ابن عبد العزى من قرابته. وكأنه صغرهم وحقرهم. قال محمد بن المرتفع: سمعت ابن الزبير يقول: يا معشر الحاج، سلوني، فعلينا كان التنزيل، ونحن حضرنا التأويل، فقال له رجل من أهل العراق: دخلت في جرابي فأرة، أيحل لي قتلها وأنا محرم؟ قال: اقتل الفويسقة. قال: أخبرنا بالشفع والوتر والليالي العشر قال: العشر: الثمان، وعرفة، والنحر، والشفع: من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه. وهو اليوم. وكان عبد الله بن الزبير من العلماء العباد المجتهدين، وما كان أحد أعلم بالمناسك منه، وأوصت إليه عائشة أم المؤمنين. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير. وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود. وحدث أن أبا بكر رضي الله عنه كان كذلك. وقال يحيى بن وثاب: وكان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافير على ظهره، تصعد وتنزل، لا تراه إلا جذم حائط. وقال وهب بن كيسان: أول من وصف رجليه في الصلاة عبد الله بن الزبير فاقتدى به كثير من العباد. وكان مجتهداً. قال مسلم المكي: ركع ابن الزبير يوماً ركعة فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.

ويروي أنه قسم الدهر على ثلاث ليالٍ: فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. قال ابن المنكدر: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تصفقها الريح والمنجنيق يقع هاهنا وهاهنا. قال سفيان: كأنه لا يبالي. قال عمر بن عبد العزيز لابن مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه ترمرم على أصحابنا فتغشمروا عليه فقال: عن أي حاليه تسأل، أعن دينه أو عن دنياه؟ قال: عن كل. قال: والله ما رأيت جلداً قط ركب على لحم، ولا لحماً على عصب، ولا عصباً على عظم مثل جلده على لحمه، ولا مثل لحمه على عصبه، ولا مثل عصبه على عظمه، ولا رأيت نفساً ركبت بين جنبين مثل نفس له ركبت بين جنبيه. ولقد قام يوماً إلى الصلاة فمر حجر من حجارة المنجنيق بلبنه مطبوخة من شرافات المسجد فمرت بين لحيته وصدره، فوالله ما خشع لها بصره ولا قطع لها قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع. إن ابن الزبير كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها، ولقد كان يركع فتكاد تقع الرخم على ظهره، ويسجد فكأنه ثوب مطروح. وعن منصور بن زاذان قال: أخبرني من رأى ابن الزبير يشرب في صلاته، وكان ابن الزبير من المصلين. وحدث عمر بن قيس عن أمه قالت: دخلت على عبد الله بن الزبير ببيته فإذا هو قائم يصلي. قالت: فسقطت حية من السقف على ابنه هاشم، فتطوقت على بطنه وهو قائم، فصاح أهل البيت: الحية ولم يزالوا بها، حتى قتلوها، وعبد الله بن الزبير يصلي ما التفت. ولا عجل، ثم فرغ بعدما قتلت فقال: ما بالكم؟ قال: فقالت أم هاشم: يرحمك الله، أرأيت إن كنا هنا عليك أيهون عليك ابنك؟ قالت: فقال: ويحك! وما كانت التفاتة لو التفتها مبقية من صلاتي؟

وولاء عمر بن قيس لأم هاشم بنت منظور بن زيان، أم هاشم ابن عبد الله بن الزبير. وكان عبد الله بن الزبير قوام الليل، صوام النهار، وكان يسمى حمام المسجد. وكان عبد الله بن الزبير يواصل الصيام سبعاً، يصوم يوم الجمعة ولا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى، ويصوم بالمدينة ولا يفطر إلا بمكة، وكان عند إفطاره يدعو بقعب من سمن، ثم يأمر بلبن فيحلب عليه، ثم يدعو بشيء من صبر فيذره عليه ثم يشربه. فأما اللبن فيعصمه، وأما السمن فيقطع عنه العطش، وأما الصبر فيفتح أمعاءه. قال خالد بن أبي عمران: كان ابن الزبير لا يفطر من الشهر إلا ثلاثة أيام. قال: ومكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره. وقال هشام بن حسان: كان عبد الله بن الزبير يصوم عشرة أيام لا يفطر فيها. قال: فكان إذا دخل رمضان أكل أكلة في نصف الشهر. وقال عمار بن أبي عمار: كان عبد الله بن أبي الزبير يواصل سبعة أيام فإذا كان ليلة السابعة دعا بإناء من سمن فشربه، ثم أتى بثريدة في صحفة عليها عرقان، ويؤتى الناس بالجفان فتوضع بين أيديهم، فيقول: أيها الناس، هذا خالص مالي، وهذا من بيت مالكم. قال مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه عبد الله بن الزبير. ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل ابن الزبير يطوف سباحة. قال عثمان بن طلحة: كان عبد الله بن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة. قال عبد الواحد بن أيمن: رأيت على ابن الزبير رداءً عدنياً يصلي فيه، وكان صيتاً، إذا خطب تجاوب

الجبلان: أبو قبيس، وزرزرز، وكانت له جمة إلى العنق، وكانت له لحية صفراء. قال أبو سفيان الحميري: تكلم عبد الله بن الزبير والزبير يسمع، فقال له: أي بني، ما زلت تكلم بكلام أبي بكر رضي الله عنه حتى ظننت أن أبا بكر قائم، فانظر إلى من تزوج فإن المرأة من أخيها، من أبيها. وعن مصعب بن عبد الله قال: غزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، قال عبد الله: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومئة ألف، فأحاطوا بنا من كل مكان، وسقط في أيدي المسلمين، ونحن في عشرين ألفاً من المسلمين. واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطاً له فخلا فيه، ورأيت غرة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد، فخرجت أطلب ابن أبي سرح فقيل: قد خلا في فسطاطه، فأتيت حاجبه فأبى أن يأذن لي عليه فدرت من كسر الفسطاط فدخلت عليه، فوجدته مستلقياً على ظهره. فلما دخلت فزع واستوى جالساً، فقلت: إيه إيه " كل أزب نفور " فقال: ما أدخلك علي يا بن الزبير؟ قلت: رأيت عورة من العدو فاخرج فاندب لي الناس، قال: وما هي؟ قال: فأخبرته، فخرج معي مسرعاً؟، فقال: يا أيها الناس، انتدبوا مع ابن الزبير، فاخترت ثلاثين فارساً وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير، وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه، فخرجت صامداً له، وما يحتسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه حتى دنوت منه فعرف الشر، فثنى بردونه مولياً، وأدركته فطعنته، فسقط وسقطت الجاريتان عليه، وأهويت إليه مبادراً فدفقت عليه بالسيف وأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها، ثم احترزت رأسه فنصبته في رمحي وكبرت، وحمل المسلمون في الوجه

الآخر الذي كنت فيه، وارفض العدو في كل وجه، ومنح الله المسلمين أكتافهم. فلما أراد ابن أبي سرح أن يوجه بشيراً إلى عثمان قال: أنت أولى من هاهنا بذلك، فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر، فقدمت على عثمان فأخبرته بفتح الله ونصره وصنعه، ووصفت له أمرنا كيف كان. فلما فرغت من ذلك قال: هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى الناس؟ قال: وما يمنعني من ذلك؟ قال: فاخرج إلى الناس فأخبرهم، فخرجت حتى جئت المنبر، فاستقبلت الناس فتلقاني وجه أبي الزبير بن العوام فدخلتني له هيبة فعرفها في وجهي وقبض قبضة من حصى وجمع وجهه في وجهه وهم أن يحصبني فاعتزمت فتكلمت. فزعموا أن الزبير لما فرغ من كلامه قال: والله لكأني سمعت كلام أبي بكر الصديق. من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها أو أخيها فإنها تأتيه بأحدهما. وبشر عبد الله بن الزبير مقدمه من افريقية بابنة خبيب بن عبد الله، وعروة بن الزبير. وكان خبيب أكبر من عروة، وكان عبد الله يكنى أبا بكر، ويكنى أبا خبيب بابنه خبيب بن عبد الله. خرج ابن الزبير في ليلة مقمرة على راحلة فنزل يبول، فالتفت فإذا على الراحلة شيخ أبيض الرأس واللحية. قال: فشد عليه فتنحى، فركب راحلته ومضى. قال: فناداه: والله يا بن الزبير لو دخل قلبك مني الليلة شعرة لخبلتك. قال: ومنك أنت يا لعين يدخل قلبي شيء؟! قال عامر بن عبد الله بن الزبير: أقبل عبد الله بن الزبير من العمرة في ركب من قريش فيهم عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي ورهط من قريش، حتى إذا كانوا بالكديد قال ابن الزبير: رأيت رجلاً تحت التناضب - يعني: شجراً - فقال ابن الزبير: ألا أتقدم أبغيكم لبناً؟ قالوا: بلى، فأقبل

ابن الزبير حتى أتاه قال: فسلمت عليه. قال: وعليك السلام. قال: ابن الزبير: والله ما رأيتني أتيت أحداً إلا رأيت له مني هيبة غيره. فلما دنوت منه وهو في ظل قد كاد يذهب ولم يتحرك فضربته برجلي وقلت: انقبض إليك، إنك لشحيح بظلك، فانحاز متكارهاً فجلست وأخذت بيده وقلت: من أنت؟ قال: ر جل من أهل الأرض من الجن قال: فوالله ما عدا أن قالها، فقامت كل شعرة مني واجتذبته بيدي فقلت: إنك من أهل الأرض وتبدى لي هكذا؟ واجتذبته فإذا ليس له سفلة فانكسر فقلت: إلي تبدى وأنت من أهل الأرض؛ وانقمع مني فذهب، فجاءني أصحابي. قالوا: أين صاحبك؟ قلت: كان والله رجلاً من الجن فذهب. قال: ما بقي رجل ممن رآه إلا ضرب به الأرض ساقطاً. فأخذت كل رجل منهم فشددته على بعيره بين شعبتي رحله حتى أتيت بهم أمج، وما يعقلون. قال ابن الزبير: دخلت المسجد ذات ليلة فإذا نسوة يطفن بالبيت فأعجبنني. فلما قضين طوافهن خرجن مما يلي باب الحذائين فقلت: لأتبعهن حتى أعرف مواضعهن. فما زلن يمشين حتى أتين العقبة ثم صعدن العقبة وصعدت خلفهن، ثم هبطن وهبطت خلفهن حتى أتين فجاً، فدخلن في خربة فدخلت في إثرهن، فإذا مشيخة جلوس، فقالوا: ما جاء بك يا بن الزبير؟ فقلت لهم: ومن أنتم؟ قالوا: نحن الجن. قلت: إني رأيت نسوة يطفن بالبيت فأعجبنني، فاتبعتهن حتى دخلت هذا الموضع. قالوا: إن أولئك نساؤنا، تشه يا بن الزبير ما شئت، قلت: أشتهي رطباً، وما بمكة يومئذ من رطبة، فأتوني برطب فأكلت ثم قالوا لي: احمل ما بقي معك. قال: فحملته ورجعت، وأنا أريد أن أريه أهل مكة حتى دخلت منزلي، فوضعته في سفط، ثم وضعت السفط في صندوق، ثم وضعت رأسي، فوالله إني لبين النائم واليقظان إذ سمعت جلبةً في البيت. فقال بعضهم لبعض: أين وضعه؟ فقال بعضهم: في الصندوق. فقال بعضهم لبعض: افتحوا الصندوق. قال: ففتحوه. فقال بعضهم لبعض: أين هو؟ فقال بعضهم: في السفط. قال: افتحوا السفط فقالوا:

لا نستطيع أن نفتحه، إنه قد ذكر عليه اسم الله عز وجل. قال: فاحملوه كما هو. قال: فحملوه فذهبوا به. قال ابن الزبير: لم آسف على شيء أسفي كيف لم أثب عليهم وهم في البيت. قال وهب بن كيسان: ما رأيت ابن الزبير معطياً رجلاً كلمة قط لرغبة ولا لرهبة سلطان ولا غيره. ولما قتل عمر محى الزبير نفسه من الديوان. فلما قتل عثمان محا ابن الزبير نفسه من الديوان. وعن الزبير أنه قال على منبر مكة: والله لقد استخلفني أمير المؤمنين عثمان على الدار، فلقد كنت أنا الذي أقاتل بهم، ولقد كنت أخرج في الكتيبة وأباشر القتال بنفسي، فخرجت بضعة عشر جرحاً. وإني لأضع اليوم يدي على بعض تلك الجراحات التي جرحت مع عثمان، فأرجو أن تكون خير أعمالي. قال هشام بن عروة: أخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون طعنة وضربة. وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: أعطت عائشة للذي بشرها أن ابن الزبير لم يقتل عشرة آلاف درهم. قال أبو حبيبة مولى الزبير: أتانا ابن عباس بالبصرة في يوم شديد الحر. فلما رآه الزبير قال: مرحباً يا بن لبابة، أزائراً أم سفيراً؟ قال: كل ذلك أرسلني إليك ابن خالك، فقال لك: ما عدا مما بدا؟ عرفتني بالمدينة وأنكرتني بالبصرة؟! قال: فجعل الزبير ينقر بالمروحة في الأرض ثم رفع رأسه إليه فقال: نرفع لكم المصاحف غداً. فما أحلت حللنا وما حرمت حرمنا.

فانصرفت فناداني ابن الزبير وهو في جانب البيت: يا بن عباس، علي، أقبل، قال ابن عباس: فأقبلت عليه وأنا أكره كلامه، فقال: بيننا دم خليفة، وعهد خليفة، وانفراد واحد واجتماع ثلاثة، وأم مبرورة، ومشاورة العامة. قال: يعني الثلاثة: الزبير، وطلحة، وسعد، أقام بالمدينة، وعهد الخليفة: عمر بن الخطاب. قال: إذا اجتمعوا وتشاورا تبع الأقل الأكثر، ودم الخليفة: عثمان بن عفان. قال عروة بن الزبير: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعد أبي بكر من عبد الله بن الزبير. وعن عروة قال: ما سمعت أمي: عائشة وأسماء تدعوان لأحد من الخلق دعاءهما لعبد الله بن الزبير. قال هشام بن عروة: كان عبد الله بن الزبير يعتد بمكرمات لا يعتد بها أحد من الناس: أوصت له عائشة بحجرتها، واشترى حجرة سودة. قال عبد الله بن عروة: أقحمت السنة نابغة بني جعدة فدخل على ابن الزبير المسجد الحرام فأنشده: حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم وسويت بين الناس في الحق فاستوى ... فعاد صباحاً حالك اللون أسحم أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى ... دجى الليل جواب الفلاة عثمثم لتجبر منه جانباً ذعذعت به ... صروف الليالي والزمان المصمم

فقال له ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى، فإن الشعر أهون وسائلك عندنا. أما صفوة أموالنا فلآل الزبير، وأما عفوته فإن بني أسد تشغلها عنك، ولكن لك في مال الله حقان: حق برؤيتك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم، ثم أدخله دار النعم فأعطاه قلائص تسعاً، وجملاً رحيلاً، وأوقر له الركاب براً وتمراً وثياباً، فجعل النابغة يستعجل ويأكل الحب صرفاً. فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلى! لقد بلغ به الجهد. فقال النابغة: أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما وليت قريش فعدلت واسترحمت فرحمت، ووعدت خيراً فأنجزت، فأنا والنبيون فراط لقاصفين. وزاد في رواية: وحدثت فصدقت. قالت عائشة بنت طلحة: خرجت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فبينا نحن كذلك إذا نحن براجز يقول: أنشد من كان بعيد الهم ... يدلني اليوم على ابن أم له أب في باذخٍ أشم ... وأمه كالبدر ليل تم مقابل الخال كريم العم ... يجيرني من زمن ملم جرعة أكؤسه بسم قالت: فلما سمعت أم المؤمنين أبياته دعت به فقالت من وراء حجابها:

يا عبد الله، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الدال على الخير كفاعله، فحاجتك رجل بين يديك، فسل عن عبد الله بن الزبير فإنه شرطك، فخرج الرجل حتى أدرك عبد الله بن الزبير، فحمله على راحلة وصنع إليه معروفاً. قال أبو إسحاق التيمي: سمع معاوية رجلاً وهو يقول: ابن رقاش ماجد سميدع ... يأتي فيعطي عن يدٍ أو يمنع فقال: ذاك عبد الله بن الزبير. وفي رواية: ذاك منا. ذاك عبد الله بن الزبير. دخل عبد الله بن الزبير على معاوية، وعنده جماعة فيهم مروان وسعيد بن العاص، فأوسع له معاوية على سريره. فلما انصرف عبد الله بن الزبير أقبل مروان على معاوية فقال له: لله درك من رئيس قبيلة يضع الكبير ولا يدني إلا صغيراً فقال معاوية: نفس عصام سودت عصاماً فضحك مروان وقال: يا أمير المؤمنين، إنما كلمتك مازحاً، فقال معاوية: ترسلها شقراء غبراء ثم تتبعها ضحكة يا مروان؟! قال عبد الله بن محمد بن حبيب: لما حج معاوية لقيه عبد الله بن الزبير فقال: آدني على الوليد بن عتبة. فقد تزايد

خطله، وذهب به جهله إلى غاية يقصر عنها الأنوق، ودون قرارها العيوق، فقال معاوية: والله ما يزال أحدكم يأتيني، يغلي جوفه كغلي المرجل على ابن عمه، فقال ابن الزبير: أم والله ما ذلك عن فرار منه ولا جبن عنه، ولقد علمت قريش أني لست بالفهه الكهام، ولا بالهلباجة النثر. فقال له معاوية: إنك لتهددني وقد عجزت عن غلام من قريش لم يبر في سباق، ولم يضرب في سياق. إن شئت خلينا بينك وبينه. فقال ابن الزبير: ما مثلي يهارش به، ولكن عندك من قريش والأنصار، ومن ساكن الحجون في الآطام من إن سألته حملك على محجة أبين من ظهر الجفير. قال: ومن ذلك؟ قال: هذا، يعني: أبا الجهم بن حذيفة، فقال معاوية: تكلم يا أبا الجهم. فقال أعفني، قال: عزمت عليك لتقولن، قال: نعم؛ أمك هند وأمه أسماء بنت أبي بكر، وأسماء خير من هند. وأبوك أبو سفيان وأبوه الزبير، ومعاذ الله أن يكون مثل الزبير. وأما الدنيا فلك؛ وأما الآخرة فله إن شاء الله. قوله: آدني على الوليد. معناه: أعدني. وفلان استأدى على فلان أفصح من استعدى، وهما سواء. أذن معاوية للناس يوماً فدخلوا عليه، فاحتفل المجلس وهو على سريره، فأجال بصره فيهم، ثم قال: أنشدوني لقدماء العرب ثلاثة أبيات جامعة من أجمع ما قالتها، ثم قال: يا أبا خبيب، فقال: مهيم. قال: أنشدني ثلاثة أبيات لقدماء العرب جامعة من أجمع ما قالتها. قال: نعم يا أمير المؤمنين، بثلاث مئة ألف. قال معاوية: إن ساوت. قال: أنت بالخيار وأنت واف كاف. قال: نعم. فأنشده للأفوه الأودي: بلوت الناس قرناً بعد قرنٍ ... فلم أر غير ختال وقال

فقال: صدق. ولم أر في الخطوب أشد وقعاً ... وكيداً من معاداة الرجال فقال: صدق. وذقت مرارة الأشياء طراً ... فما شيء أمر من السؤال فقال: صدق. هيه يا أبا خبيب. قال: إلى هاهنا انتهى بي. قال: فدعا معاوية بثلاثين عبداً، على عنق كل واح منهم بدرة، فمروا بين يدي ابن الزبير حتى انتهوا إلى داره. حج معاوية فتلقاه الناس ولم يتلقه ابن الزبير، وبعث مولى له فقال: اذهب فانظر ما يقولك لك معاوية، فأتاه: فلما رآه معاوية قال: أين ابن الزبير؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنه كان وكان، يعذره. قال: لا والله، ولكن ما في نفسه. فلما كان بمنى مر به ابن الزبير وقد حلق معاوية رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أكبر جحرة رأسك. قال: اتق، لا تخرج عليك حية من بعض هذه الجحرة فتقتلك. فلما أفاض من منى لم يدخل عليه. فلما أراد معاوية أن يطوف قام إليه ابن الزبير فأخذ بيده فطاف معه حتى فرغ من طوافه فقال له: يا أمير المؤمنين إني أريد أن تنطلق معي، فتنظر إلى بنائي فانطلق معه إلى قعيقعان، فنظر إلى بنائه ودوره ففعل ماذا؟ لا والله لا أدعك حتى تعطيني مئة ألغ، فأعطاه. فجاءه مروان فقال: والله ما رأيت مثلك، جاءك رجل قد سمى بيت مال الديوان وبيت الخلافة وبيت كذا وبيت كذا فأعطيته مئة ألف! قال: ويلك فكيف أصنع بابن الزبير؟ قال هشام بن عروة: سأل عبد الله بن الزبير معاوية شيئاً فمنعه فقال: والله ما أجهل أن ألزم هذه

البنية فلا أشتم لك عرضاً، ولا أقصب لك حبساً، ولكني أسدل عمامتي من بين يدي ذراعاً، ومن خلفي ذراعاً في طريق أهل الشام، وأذكر سيرة أبي بكر وعمر، فيقول الناس من هذا؟ فيقولون: ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن الصديق. فقال معاوية: حسبك بهذا شراً. ثم قال: هات حوائجك. حدث هشام بن عروة: أن مروان بن الحكم نازع ابن الزبير، فكان هوى معاوية مع مروان، فقال ابن الزبير: يا أمير المؤمنين، إن لك حقاً وطاعة، فأطع الله نطعك، فإنه لا طاعة لك علينا إلا في حق الله عز وجل، ولا تطرق إطراق الأفعوان في أصول السخبر فإنه أقر صامت. قال سعيد بن يزيد: دخل عبد الله بن الزبير على معاوية وعنده ابن له، فأمره فلطم ابن الزبير لطمة دوخ منها رأسه، فلما أفاق قال له: ادن مني فدنا منه فقال له: الطم معاوية، قال: لا أفعل. قال: ولم؟ قال: لأنه أبي. قال: فرفع عبد الله يده فلطمه لطمة دار الصبي على البساط كما تدور الدوامة، فقال له معاوية: تفعل هذا بغلام لم تجب عليه الأحكام؟! قال: رأيته قد عرف ما ينفعه مما يضره، فأحببت أن أحسن أدبه. قال عبد الله بن أبي بكر: قدم معاوية المدينة فأقام بها، فأكثر الناس، وعرضوا له يسألونه، فقال يوماً لبعض غلمانه: أسرج لي بغلتي إذا قامت صلاة العصر، فأسرج له البغلة. فلما صلى العصر جلس عليها، ثم توجه قبل الشام وصيح في الأثقال والناس، وتبع معاوية من تبعه، ويدركه ابن الزبير في أولمن أدركه فسار إلى جنبه ليلاً وهو نائم، ففزع له فقال: من هذا؟ فقال: ابن الزبير، أما إني لو شئت أن أقتلك لقتلتك. قال: لست هناك، لست من قتال الملوك، إنما " يصيد كل طائر قدره " فقال ابن الزبير: أما والله لقد سرت تحت لواء أبي إلى ابن أبي طالب، وهو من تعلم. فقال: لا جرم والله، لقد قتلكم بشماله.

فقال: أما إن ذلك في نصرة عثمان، ثم لم نجز بها قال: والله ما كان بك نصرة عثمان، ولولا بغض علي بن أبي طالب لجررت برجلي عثمان مع الضبع، قال: لقد فعلتها، إنا قد أعطيناك عهداً، فنحن وافون لك به ما عشت، فإذا مت فسيعلم من بعدك. فقال: والله ما أخافك إلا على نفسك، ولكأني بك قد خبطت في الحبالة، واستحكمت عليك الأنشوطة فذكرتني وأنت فيها فقلت: ليت أبا عبد الرحمن لها، ليتني والله لها، أما والله لحللتك رويداً، ولأطلقتك سريعاً، ولبئس الولي أنت تلك الساعة. وفي حديث مختصر بمعناه: إنما يصيد كل طير على قدره، إنما أنت يا بن الزبير ثعلب رواغ، تدخل من جحر وتخرج من جحر، والله لكأني بك قد ربقت كما يربق الجدي، فيا ليتني لك حياً فأخلطك، وبئس المخلص كنت. قالوا: ولم يدع ابن الزبير بالخلافة حتى هلك يزيد. ولما هلك معاوية وفي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فلما أتاه موته بعث إلى مروان بن الحكم وناس من بني أمية فأعلمهم الذي أتاه، فقال مروان: ابعث الساعة إلى الحسين وابن الزبير فإن بايعا وإلا فاضرب أعناقهما، وقد هلك عبد الرحمن بن أبي بكر قبل ذلك، فأتاه ابن الزبير فنعى له معاوية فترحم له وجزاه خيراً، وقال له: بايع، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي بايعك هاهنا، ولكن تصبح فترقى المنبر وأبايعك ويبايعك الناس علانية غير سر، فوثب مروان فقال: اضرب عنقه فإنه صاحب فتنة وشر. فقال: إنك لها هنا يا بن الزرقاء واستبا فقال الوليد: أخرجوهما عني، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً، فأخرجا عنه، فجاء الحسين بن علي على تلك الحال فلم يكلم في شيء حتى رجعا جميعاً، ورجع مروان فقال: والله، لا تراه بعد مقامك إلا حيث يسوءك، فأرسل

العيون في أثره، فلم يزد حين دخل منزله على أن دعا بوضوء ثم صف بين قدميه فلم يزل يصلي، وأمر حمزة ابنه أن يقدم راحلته إلى ذي الحليفة على بريد من المدينة مما يلي الفرع، وكان له بذي الحليفة مال عظيم. فلم يزل صافاً قدميه حتى كان من آخر الليل، وتراجعت عنه العيون جلس على دابته فركضها حتى انتهى إلى ذي الحليفة فجلس على راحلته ثم توجه مكة. وخرج الحسين من ليلته فالتقيا بمكة فقال له ابن الزبي: ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك؟ فوالله لو أن لي مثلهم ما وجهت إلا إليهم؟ وبعث يزيد وعمرو بن سعيد أميراً على المدينة وعزل الوليد بن عتبة تخوفاً لضعف الوليد، فرقي عمرو المنبر حين دخل، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ابن الزبير وما صنع وقال: تعزز بمكة، فوالله لتغزون، ثم والله لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه، على رغم أنف من رغم. وحدث جماعة قالوا: جاء نعي معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عباس يومئذ غائب بمكة. فلما صدر الناس من الحج سنة ستين وتكلم عبد الله بن الزبير وأظهر الدعاء، خرج ابن عباس إلى الطائف. فلما كانت وقعة الحرة وجاء الخبر ابن الزبير كان بمكة يومئذ عبد الله بن عباس وابن الحنفية. ولما جاء الخبر بنعي يزيد بن معاوية وذلك لهلال ربيع الآخر سنة أربع وستين قام ابن الزبير فدعا إلى نفسه وبايعه الناس، دعا ابن عباس وابن الحنفية إلى البيعة فأبيا أن يبايعا وقالا: حتى تجتمع لك البلاد ويأتسق لك الناس، وما عندنا خلاف. فأقاما على ذلك ما أقاما، فمرة يكاشرهما ومرة يباديهما فكان هذا من أمره، حتى إذا كانت سنة ست وستين غلظ عليهما ودعاهما إلى البيعة فأبيا، ووقع بينهم شر. ولم يزل الأمر يغلظ حتى خافا منه خوفاً شديداً ومعهما الذرية، فبعثا رسولاً إلى العراق يخبر بما هما فيه، فخرج إليهما أربعة آلاف، فيهم ثلاثة رؤساء:

عطية بن سعيد، وابن هانئ، وأبو عبد الله الجدلي، فخرجوا من الكوفة، فبعث والي الكوفة في أثرهم خمس مئة ليردوهم، فأدركوهم بواقصة، فامتنعوا منهم، فانصرفوا راجعين، فمروا وقد أخفوا السلاح حتى انتهوا إلى مكة لا يعرض لهم أحد، وإنهم ليمرون على مسالح ابن الزبير ما يعرض لهم أحد، فدخلوا المسجد فسمع بهم ابن الزبير حين دخلوا فدخل منزله، وكان قد ضيق على ابن عباس وابن الحنفية، وأحضر الحطب يجعله على أبوابها يحرقهما أو يبايعان. فهم على تلك الحال حتى جاء هؤلاء العراقيون فمنعوهما حتى خرجا إلى الطائف، وخرجوا معهم وهم أربعة آلاف، وكانوا هناك حتى توفي عبد الله بن عباس فحضروا موته بالطائف ثم لزموا ابن الحنفية فكانوا معه في الشعب، وامتنعوا من ابن الزبير. وكان يقال لعبد الله بن الزبير: عائذ بيت الله. قالت أم هاشم زجلة بنت منظور ابن زبان الفزارية للحجاج حين خطبها وردته: أبعد عائذ بيت الله تخطبني ... جهلاً جهلت وغب الجهل مذموم فاذهب إليك فإني غير ناكحةٍ ... بعد ابن أسماء ما استن الدياميم وقال عمرو بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: فإن ينج منها عائذ البيت سالماً ... فما نالنا منكم وإن شفنا جلل وزعموا أن الذي دعا عبد الله بن الزبير إلى التعوذ بالبيت شيء سمعه من أبيه حين سار من مكة إلى البصرة، قال: التفت الزبير إلى الكعبة بعدما ودع، وتوجه يريد الركوب، ثم أقبل على ابنه عبد الله بن الزبير ثم قال: أما والله ما رأيت مثلها لطالب رغبة، أو خائف رهبة، وكان سبب تعوذ الزبير بها موت معاوية.

وقيل إن الحسين وابن الزبير خرجا جميعاً وسلكا طريق الفرع حتى مروا بالجثجاثة وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها وغمز عليهم بعير من إبلهم فانتهوا إلى جعفر. فلما رآهم قال: أمات معاوية؟ قال له ابن الزبير: نعم. انطلق معنا وأعطنا أحد جمليك، وكان ينضح على جملين له فقال جعفر متمثلاً: إخوتا لابتعدوا أبداً ... وبلى والله قد بعدوا فقال ابن الزبير - وتطير منها - بفيك التراب، فخرجوا جميعاً حتى قدموا مكة. فأما الحسين فخرج من مكة يوم التروية. قالوا: ولما خرج حسين بن علي إلى العراق لزم ابن الزبير الحجر ولبس المعافري، وجعل يحرض الناس على بني أمية. وبلغ يزيد ذلك فوجد عليه، فقال ابن الزبير: أنا على السمع والطاعة لا أبدل ولا أغير، ومشى إلى يحيى بن حكيم بن صفوان بن أمية الجمحي وهو والي مكة ليزيد بن معاوية فبايعه له على الخلافة. فكتب بذلك يحيى إلى يزيد فقال: لا أقبل هذا منه حتى يؤتى به وثاق، في جامعةٍ فقال ابنه معاوية بن زيد: يا أمير المؤمنين، ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبي رجل لحز لجوج، ولا يطيع بهذا أبداً، وإن تكفر عن يمينك، وتلهى منه، حتى تنظر ما يصير إليه أمره أفضل، فغضب يزيد وقال: إن في ذلك لعجباً. قال: فادع عبد الله بن جعفر فسله عما أقول وتقول، فدعا عبد الله بن جعفر فذكر له قولهما، فقال عبد الله: أصاب أبو ليلى، ووفق فأبى يزيد أن يقبل ذلك وعزل الوليد بن عتبة عن المدينة، وولاها عمرو بن سعيد بن العاصي، وأرسل إليه: أن أمير المؤمنين يقسم بالله لا يقبل من ابن الزبير شيئاً حتى يؤتى به في

جامعة. فعرضوا ذلك على ابن الزبير فأبى، فبعث يزيد بن معاوية الحصين بن نمير وعبد الله بن عضاه الأشعري بجامعة إلى ابن الزبير يقسم له بالله لا يقبل منه إلا أن يؤتى به فيها، فمر بالمدينة فبعث إليه مروان معهما عبد العزيز بن مروان يكلمه في ذلك ويهون عليه الأمر فقدموا عليه مكة فأبلغوه يمين يزيد بن معاوية ورسالته، وقال له عبد العزيز بن مروان: إن أبي أرسلني إليك عنايةً بأمرك، وحفظاً لحرمتك، فأبر يمين أمير المؤمنين فإنما يجعل عليك جامعة فضة أو ذهب وتلبس عليه برنساً فلا تبدو إلا أن يسمع صوتها، فكتب ابن الزبير إلى مروان يجزيه خيراً ويقول: قد عرفت عنايتك ورأيك، فأما هذا فإني لا أفعله أبداً، فليكفر يزيد عن يمينه أو يدع، وقال ابن الزبير: اللهم إني عائذ ببيتك الحرام وقد عرضت عليهم السمع والطاعة، فأبوا إلا أن يخلوا بي، ويستحلوا مني ما حرمت. فمن يومئذ سمي العائذ. وأقام بمكة لا يعرض لأحد ولا يعرض له أحد. فكتب يزيد بن معاوية إلى عمر بن سعيد أن يوجه إليه جنداً فسأل عمرو: من أعدى الناس لعبد الله بن الزبير؟ فقيل: أخوه عمرو بن الزبير. فذكر قصةً توجيهه إلى ابن الزبير وسيأتي ذلك في ترجمة عمرو بن الزبير. وعزل يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد عن المدينة، وولاها الوليد بن عتبة ثم عزله وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان، فوثب عليه أهل المدينة وأخرجوه. وكانت وقعة الحرة، وكانت الخوارج قد أتته وأهل الأهواء كلهم وقالوا: عائذ بيت الله. وكان شعاره: لا حكم إلا لله. ولم يزل على ذلك بمكة. وحج بالناس عشر سنين أولها سنة اثنتين وستين وآخرها سنة اثنتين وسبعين. ولما توفي يزيد بن معاوية ودعا ابن الزبير من يومئذ إلى نفسه، فبايع الناس له على الخلافة وسمي أمير المؤمنين، وترك الشعار الذي كان عليه، ودعاءه عائذ بيت الله، ولا حكم إلا لله. وولى العمال: فولى المدينة مصعب بن الزبير وبايع له الناس. وبعث الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة إلى البصرة فبايعوه. وبعث عبد الله بن مطيع إلى الكوفة فبايعوه. وبعث عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم الفهري على مصر أميراً فبايعوه، وبعث واليه إلى اليمن فبايعوه. وبعث واليه إلى خراسانفبايعوه. وبعث الضحاك بن قيس الفهري إلى

الشام والياً فبايع له عامة أهل الشام، واستوسقت له البلاد كلها ما خلا طائفة من أهل الشام كان بها مروان بن الحكم وأهل بيته. كتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير: إني قد بعثت إليك سلسلة فضة وقيداً من ذهب، وجامعةً من فضة وحلفت لتأتيني في ذلك فألقى الكتاب وقال: لا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر وعن هشام بن عروة قال: أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم. وكانت كسوتها المسوح والأنطاع. وحج ابن الزبير ثمان حجج ولاء: من سنة أربع وستين إلى سنة إحدى وسبعين. ثم حضر الموسم سنة اثنتين وسبعين، فحج ابن الزبير بالناس ولم يقفوا الموقف. وحج الحجاج بن يوسف بأهل الشام، ولم يطوفوا بالبيت. وقتل سنة ثلاث وسبعين. ولما جرد المهدي الكعبة كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج مكتوب عليه: لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين، وكان ابن الزبير يكنى أبا بكر، ويكنى أبا خبيب. قال عمر بن قيس: كان لابن الزبير مئة غلام منهم بلغة أخرى. وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته. وكنت إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين.

قال أبو الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي رأس مالي. وعنه قال: رأيت في مفرق ابن الزبير عشية عرفة من الطيب ما لو كان لرجل كان رأس مال. وعن طاوس قال: دخل ابن الزبير على امرأته بنت الحسن، فرأى ثلاثة مثل - يعني: أفرشة - في بيته فقال: هذا لي، وهذا لابنة الحسن، وهذا للشيطان، فأخرجوه. وكان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فلقيه يوماً، فعيره، فقال له ابن الزبير: ما أكثر ما تعيرني يا بن عباس قال: إن أفعل فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن المؤمن لا يشبع وجاره وابن عمه جائع. وفي رواية: ليس المؤمن الذي يبيت وجاره طاوٍ. وفي رواية: ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره إلى جنبه جائع. وعن عثمان بن عفان قال: قال له عبد الله بن الزبير حين حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله. عليه مثل نصف أوزار الناس. وعن سعيد قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير فقال: يا بن الزبير، إياك والإلحاد في

حرم الله تبارك وتعالى، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو توزن ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت، فانظر لا تكونه. وفي رواية فقال: يا بن الزبير، إياك والإلحاد في حرم الله عز وجل، فإني أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحلها ويحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها. قال: فانظر أن لا تكونه يا بن عمرو، فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهداً. وعن سلمان الفارسي قال: ليحرقن هذا البيت على يدي رجل من آل الزبير. وعن منذر الثوري قال: قال ابن الحنفية: اللهم، إنك تعلم أني كنت أعلم مما علمتني أن ابن الزبير لا يخرج منها إلا قتيلاً يطاف برأسه في الأسواق. وعن هشام بن عروة قال: كان أول ما أفصح به عمي عبد الله بن الزبير وهو صغير: السيف، فكان لا يضعه من فيه، فكان الزبير بن العوام إذا سمع ذلك منه يقول: أم والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام. وعن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: إني لفوق أبي قبيس حين المنجنيق على ابن الزبير، فنزلت، فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها تدور كأنها خمار أحمر، قد حرقت أصحاب المنجنيق نحواً من خمسين رجلاً.

قال سفيان: كان ابن الزبير يشتد بالسيف وهو ابن ثلاث وسبعين كأنه غلام. وكان ابن الزبير يقاتل الحجاج بمكة فقالت له امرأته: ألا أخرج فأقاتل معك؟ قال: لا. وكان الحجاج يقاتله وهو في المسجد الحرام، فجعل ابن الزبير يقول: كتب القتل والقتال علينا ... وعلى المحصنات جر الذيول قال هشام بن عروة: كان ابن الزبير يحمل عليهم حتى يخرجهم من الأبواب، يعني: أبواب مسجد الحرام وهو يقول: لو كان قرني واحداً كفيته ثم يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم قال هشام بن عروة: رأيت ابن الزبير يرمى بالمنجنيق فلا يلتفت، ولا يرعد صوته. قال: وربما مرت الشظية منه قريباً من نحره. قال: ورأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد يأخذ لحية عبد الله بن الزبير. فقال له أبي: ابن أم والله، إن كاد ليأخذ لحيتك، فقال عبد الله: دعني يا بن أم، فوالله ما هي إلا هيت حتى كأن الإنسان لم يكن فقال أبي، وأقبل علينا بوجهه: ألا إني والله ما أخشى عليك إلا من تلك الهيت. قال هشام بن عروة: سمعت عمي عبد الله بن الزبير يقول: والله، إن أبالي إذا وجدت ثلاث مئة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض.

قال المنذر بن جهم الأسلمي: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلاناً شديداً، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس، علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه، وفي حرم الله وأمنه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم. قال: فجعل الناس ينسلون حتى خرج إلى الحجاج من أصحاب ابن الزبير نحو من عشرة آلاف. فلقد رأيته وما معه. قال إسحاق بن أبي إسحاق: أنا حاضر قتل ابن الزبير يوم قتل في المسجد الحرام: جعلت الجيوش تدخل من أبواب المسجد. فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم. فبينا هو على تلك الحال إذ جاءت شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته وهو يتمثل بهذه الأبيات: يقول: أسماء يا أسماء لا تبكيني ... لم يبق إلا حسبي وديني وصارم لانت به يميني قال عباس بن سهل بن سعد: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولاً، ولقد رأيت في الليلة هذه كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكناً " ن والقلم " حرفاً حرفاً، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئة قبل ذلك. وقال يوم قتل: والله لقد مللت الحياة، ولقد جاوزت سن أبي. هذه لي ثنتان وسبعون سنة، اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي، وجاهدت فيك عدوك فأثبني ثواب المجاهدين. فقتل ذلك اليوم. قال مخرمة بن سليمان الوالبي: دخل عبد الله بن الزبير على أمه حين رأى من الناس ما رأى من خذلانهم إياه،

فقال: يا أمه، خذلني الناس حتى ولدي وأهلي فلم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا فما رأيك؟ فقالت أمه: أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك فيلعب بك غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك. قال: فدنا ابن الزبير فقبل رأسها فقال: هذا والله رأيي. والذي قمت به داعياً إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله، ولكني أحببت أعلم رأيك، فتزيديني قوة وبصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه فإني مقتول من يومي هذا، لا يشتد جزعك علي، سلمي لأمر الله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عمل بفاحشة، ولم يجر في حكم، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم، ولا معاهد، ولم يبلغني عن عمالي فرضيته بل أنكرته، ولم يكن من شيء آثر عندي من رضي ربي. اللهم، إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي، أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزية لأمي لتسلو به عني، فقالت له أمه: إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسناً إن تقدمتني وإن تقدمتك وفي نفسي حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرك. قال: جزاك الله يا أمه خيراً، فلا تدعي الدعاء لي بعد قتلي. قالت: لا أدعه، لست بتاركة ذلك أبداً. فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. وخرج. وقالت أمه: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب، والظمأ في هواجر المدينة، ومكة، وبره بأبيه وبي. اللهم إني سلمت فيه لأمرك، ورضيت فيه بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين. قال عبد الله مولى أسماء: لما قتل عبد الله خرجت إليه أمه حتى وقفت عليه وهي على دابة، فأقبل الحجاج في أصحابه فسأل عنها فأخبر بها، فأقبل حتى وقف عليها فقال: كيف رأيت، نصر الله الحق وأظهره؟ قالت: ربما أديل الباطل على الحق. وإنك بين فرثها والجية. قال: إن ابنك

ألحد في هذا البيت وقال الله: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " وقد أذاقه الله ذلك العذاب الأليم، قطع السبيل. قالت: كذبت، كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة وسر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحنكه بيده، فكبر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحاً به، وقد فرحت أنت وأصحابك بمقتله، فمن كان فرح به يومئذ خير منك ومن أصحابك وكان مع ذلك براً بالوالدين، صواماً، قواماً بكتاب الله عز وجل، معظماً لحرم الله، يبغض أن يعصى الله، أشهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسمعته يقول: سيخرج من ثقيف كذابان الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير وهو أنت، فانكسر الحجاج، وانصرف. وبلغ ذلك عبد الملك فكتب إليه يلومه في مخاطبته أسماء. وقال: مالك ولابنة الرجل الصالح؟! قال أبو عون: كان عبد الله بن الزبير، قد قشم جلده على عظمه. كان يصوم الدهر فإذا أفطر أفطر على لبن الإبل. وكان يمكث الخمس والست لا يذهب لحاجته، وكان يشرب المسك. وكان بين عينيه سجدة مثل مبرك البعير. فلما قتله الحجاج صلبه على الثنية التي بالحجون يقال لها كذا؛ فأرسلت أسماء إليه: قاتلك الله علام تصلبه؟ فقال: إني استبقت أنا وابنك إلى هذه الخشبة فكانت اللنحه به. فأرسلت إليه تستأذنه في أن تكفنه فأبى وكتب إلى عبد الملك يخبره بما صنع، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع ويقول: ألا خليت أمه فوارته، فأذن لها الحجاج فوارته بالمقبرة بالحجون. وحدث رياح بن مسلم عن أبيه قال: لقد رأيتهم مرة ربطوا هرة ميتة إلى جنبه، فكان ريح المسك يغلب على ريحها. وتوفيت أمه بعده بأشهر بالمدينة. ولما مات معاوية تثاقل عبد الله بن الزبير عن طاعة يزيد، وأظهر شتمه فبلغ يزيد،

فأقسم لا يؤتى به إلا مغلولاً وإلا أرسل إليه، فقيل لابن الزبير: ألا نصنع لك أغلالاً من فضة تلبس عليها الثوب وتبر قسمه، فالصلح أجمل بك. قال: فلا أبر والله قسمه ثم قال: ولا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر ثم قال: والله لضربة بسيف في عز أحب إلي من ضربة بسوط في ذل، ثم دعا إلى نفسه وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية، فوجه إليه يزيد مسلم بن عقبة المري في جيش أهل الشام، وأمره بقتال أهل المدينة، فإذا فرغ سار إلى مكة. فدخل مسلم المدينة، وهرب منه يومئذ بقايا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبث فيها، وأسرف في القتل، ثم خرج. فلما كان في بعض الطريق مات. واستخلف حصين بن نمير الكندي فقال له: يا بن بردعة الحمار احذر خدائع قريش ولا تعاملهم إلا بالثقاف ثم القطاف، فمضى حصين إلى مكة فقاتل بها ابن الزبير أياماً، وضرب ابن الزبير فسطاطاً في المسجد فكان فيه نساء يسقين الجرحى ويداوينهم، ويطعمن الجائع، ويكتمن إليهن المجروح فقال حصين: ما يزال يخرج علينا من ذلك الفسطاط أسد كأنما يخرج من عرينه فمن يكفينيه؟ فقال رجل من أهل الشام: أنا، فلما جن الليل وضع رمحه ثم ضرب فرسه فطعن الفسطاط فالتهب ناراً والكعبة يومئذ مؤزرة بالطنافس. وفي أعلاها الحبرة، فطارت الريح باللهب على الكعبة حتى احترقت، واحترق فيها يومئذ قرنا الكبش الذي فدى به إسحاق. قال: وبلغ حصين موت يزيد بن معاوية فهرب حصين. فلما مات يزيد دعا مروان بن الحكم إلى نفسه فأجابه أهل حمص وأهل الأردن وفلسطين، فوجه إليه ابن الزبير الضحاك بن قيس الفهري في مئة ألف فالتقوا بمرج راهط، ومروان يومئذ في خمسة آلاف من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام، فقال مروان لمولى له يقال له كرة: احمل على هؤلاء؟ لكثرتهم. قال: هم بين مكره ومستأجر. احمل عليهم لا أم لك، فيكفيك الطعان الماضغ الجندل، هم يكفونك أنفسهم،

إنما هم عبيد الدينار والدرهم، فحمل عليهم فهزمهم، وقتل الضحاك بن قيس، وانصدع الجيش. ففي ذلك يقول زفر بن الحارث: لعمري لقد أبقيت وقيعة راهط ... لمروان صدعاً بيناً متنائياً أبيني سلاحي لا أبا لك إنني ... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا وقد ينبت المرعى على دمن الثرى ... وتبقى حزازات النفوس كما هيا وفيه يقول أيضاً: أفي الحق أما بحل وابن بحدل ... فيحيا وأما ابن الزبير فيقتل كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... ولما يكن يوم أغر محجل ولما يكن للمشرفية فيكم ... شعاع كنور الشمس حين ترجل ثم مات مروان، فدعا عبد الملك إلى نفسه، وقام فأجابه أهل الشام فخطب على المنبر وقال: من لابن الزبير منكم؟ فقال الحجاج: أنا أمير المؤمنين، فأسكته ثم عاد فأسكته فقال: أنا أمير المؤمنين، فإني رأيت في النوم أني انتزعت جبته فلبستها، فعقد له في الجيش إلى مكة حتى ورودها على ابن الزبير فقاتله بها، فقال ابن الزبير لأهل مكة: احفظوا هذين الجبلين، فإنكم لن تزالوا بخير أعزة ما لم يظهروا عليهما. قال: فلم يلبثوا أن ظهر الحجاج ومن معه على أبي قبيس ونصب عليه المنجنيق، فكان يرمي به ابن الزبير ومن معه في المسجد. فلما كان في الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل ابن الزبير على أمه أسماء بنت أبي بكر وهي يومئذ بنت مئة سنة لم تسقط لها سن ولم يفسد لها بصر، فقالت له: يا عبد الله، ما فعلت في حربك؟ قال: بلغوا مكان كذا وكذا، قال: وضحك ابن الزبير، فقال: إن في الموت راحة. فقالت: يا بني لعلك تتمناه لي، ما أحب أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك. إما أن تملك فتقر بذلك عيني، وإما أن تقتل فأحتسبك، ثم ودعها فقالت له: يا بني، إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل، وخرج عنها،

فدخل المسجد وقد جعل بيضة على الحجر الأسود يتقي أن يصيبه المنجيق، وأتى ابن الزبير آتٍ وهو جالس عند الحجر فقال له: ألا نفتح لك الكعبة فتصعد فيها؟ فنظر إليه عبد الله ثم قال: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه يعني: من أجله. وهل للكعبة حرمة ليست لهذا المكان، والله لو وجدوكم متعلقين بأستار الكعبة لقتلوكم، فقيل له: ألا تكلمهم في الصلح؟ فقال: أو حين صلح هذا؟ والله لو وجدوكم في جوفها لذبحوكم جميعاً ثم قال: ولست بمبتاع الحياة بسبةٍ ... ولا مرتقٍ من خشية الموت سلما أنافس سهماً إنه غير بارحٍ ... ملاقي المنايا أي صرف تيمما ثم أقبل على آل الزبير يعظهم ويقول: ليكن أحدكم سيفه كما يكن وجهه، لا ينكسر سيفه فيدفع عن نفسه بيده كأنه امرأة، والله ما لقيت زحفاً قط إلا في الرعيل الأول، وما ألمت جرحاً قط إلا أن يكون ألم الدواء. قال: فبينا هم كذلك إذ دخل عليهم نفر باب بني جمح فيهم أسود. فقال: من هؤلاء؟ قيل: أهل حمص، فحمل عليهم ومعه من شيبان، فأول من لقيه الأسود فضربه بسيفه حتى أطن رجله فقال له الأسود: أخ، يا بن الزانية، فقال له ابن الزبير: اخس يا بن حام. أسماء زانية؟! ثم أخرجهم من المسجد وانصرف. فإذا بقوم قد دخلوا من باب بني سهم فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أهل الأردن، فحمل عليهم وهو يقول: لا عهد لي بغارة مثل السيل ... لا ينجلي غبارها حتى الليل قال: فأخرجهم من المسجد. فإذا بقوم قد دخلوا من باب بني مخزوم، فحمل عليهم وهو يقول: لو كان قرني واحداً كفتيه

قال: وعلى ظهر المسجد من أعوانه من يرمي عدوه بالآجر وغيره، فحمل عليهم فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه فوقف قائماً وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدما قال: ثم وقع فأكب عليه موليان له وهما يقولان: العبد يحمي ربه ويحتمي ثم سيروا إليه فحزوا رأسه. قالوا: وحصر ابن ليلة هلال ذي العقدة سنة اثنتين وسبعين، ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقدم على ابن الزبير حبشان من أرض الحبشة يرمون بالمزاريق فقدمهم لأهل الشام، فجعلوا يرمون بمزاريقهم فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا من أهل الشام قتلى كثيرة، ثم حمل عليهم أهل الشام حملة واحدة فانكشفوا، وكان مع ابن الزبير قوم من أهل مصر فقاتلوا معه قتالاً شديداً، وكانوا خوارج حتى ذكروا عثمان فتبرؤوا منه فبلغ ابن الزبير فناكرهم وقال: ما بيني وبين الناس إلا باب عثمان فانصرفوا عنه، ونصب الحجاج المنجنيق يرمي بها أحث الرمي، وألح عليهم بالقتال من كل وجه، وحبس عنهم الميرة، وحصرهم أشد الحصار حتى جهد أصحاب ابن الزبير وأصابتهم مجاعة شديدة. وحشر الحجاج أهل الشام يوماً وخطبهم وأمرهم بالطاعة، وأن يرى أثرهم اليوم فإن الأمر قد اقترب، فأقبلوا ولهم زجل وفرح. وسمعت ذلك أسماء بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير فقالت لعبد الله مولاها: اذهب فانظر ما فعل الناس، إن هذا اليوم يوم عصيب، اللهم امض ابني على بينة، فذهب عبد الله ثم رجع فقال: رأيت أهل الشام قد

أخذوا بأبواب المسجد، وهم من الأبواب إلى الحجون، فخرج أمير المؤمنين يخطر بسيفه وهو يقول: إني إذا أعرف يومي أصبر ... إذ بعضهم يعرف ثم ينكر فدفعهم دفعة تراكبوا منها فوقعوا على وجوههم، وأكثر فيهم القتل ثم رجع إلى موضعه. قالت: من رأيت معه؟ قال: معه أهل بيته ونفر قليل. قالت أمه: خذلوه وأحبوا الحياة، ولم ينظروا لدينهم ولا لأحسابهم. ثم قامت تصلي وتدعو وتقول: اللهم، إن عبد الله بن الزبير كان معظماً لحرمتك، كريه إليه أن تعصى، وقد جاهد فيك أعداءك، وبذل مهجة نفسه رجاء ثوابك، اللهم، فلا تخيبه، اللهم، ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر. اللهم، لا أقوله تزكية، ولكن الذي أعلم وأنت أعلم به، اللهم، وكان براً بالوالدين. قال: ثم جاء عبد الله بن الزبير فدخل على أمه وعليه الدرع والمغفر فدخل عليها فسلم ثم دنا فتناول يدها فقبلها وودعها، فقالت: هذا وداع، فلا تبعد إلا من النار. قال ابن الزبير: نعم جئت مودعاً لك، إني لأرى هذا آخر يوم من الدنيا يمر بي، واعلمي يا أمه أني إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي قالت: صدقت فامض على بصيرتك، ولا تمكن ابن أبي عقيل منك، فادن مني أودعك، فدنا منها فعانقها فمست الدرع فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد فقال: ما لبست الدرع إلا لأشد منك قالت: فإنه لا يشد مني بل يخالفني، فنزعها ثم أدرج كمه وشد أسفل قميصه وجبة خز تحت القميص، وأدخل أسفلها في المنطقة وأمه تقول: البس ثيابك مشمرة. قال: بلى هي على عهدك. قالت: ثبتك الله، فانصرف من عندها وهو يقول: إني إذا أعرف يومي أصبر ... إذ بعضهم يعرف ثم ينكر ففهمت قوله فقالت: تصبر والله إن شاء الله تعالى أليس أبوك الزبير؟ قال: ثم لاقاهم فحمل عليهم حملة هزمهم حتى أوقفهم خارجاً من الباب، ثم حمل عليه أهل حمص فحمل عليهم فمثل ذلك.

قالت ريطة بنت عبد الله: كنت عند أسماء إذ جاء ابنها عبد الله فقال: إن هذا الرجل قد نزل بنا، وهو رجل من ثقيف يسمى الحجاج، في أربعين ألفاً من أهل الشام، وقد نالنا نبلهم ونشابهم وقد أرسل إلي يخيرني بين ثلاث: بين أن أهرب في الأرض فأذهب حيث شئت، وبين أن أضع يدي في يده فيبعث بي إلى الشام موقراً حديداً، وبين أن أقاتل حتى أقتل. قالت: أي بني عش كريماً ومت كريماً، فإني سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن من ثقيف مبيراً وكذاباً. قالت: فذهب فاستند إلى الكعبة حتى قتل. وجاء عمارة بن عمرو بن حزم فقال: لو ركبت رواحلك فنزلت برمل الحرك. فقال ابن الزبير: فما فعلت القتلى بالحرم؟! والله، لئن كنت أوردتهم ثم فررت عنهم لبئس الشيخ أنا في الإسلام. قال نافع مولى بني أسد: لما كان ليلة الثلاثاء قال الحجاج لأصحابه: والله إني لأخاف أن يهرب ابن الزبير، فإن هرب فما عذرنا عند خليفتنا؟ فبلغ ابن الزبير قوله فتضاحك وقال: إنه ظن بي ظنه بنفسه، إنه فرار في الموطن وأبوه قبله. ولما ارتجز ابن الزبير قوله: لو كان قرني واحداً كفيته قال ابن صفوان: إي والله. وألف. وقيل: إنه لما أصابته الآخرة أصابته في قفاه، فوقذته، فارتعش ساعة ثم وقع لوجهه، ثم انتهض فلم يقدر على القيام، وابتدره الناس، وشد عليه رجل من أهل الشام وقد ارتعش ابن الزبير فهو متوكئ على مرفقه الأيسر، فضرب الرجل فقطع رجليه

بالسيف، وجعل يضربه وما يقدر ينهض حتى كثروه، ودففوا عليه، ولقد كان يقاتل وإنه لمطروح يخدم بالسيف كل من دنا منه، فصاحت امرأة من الدار. وفي حديث آخر بمعناه: وصاحت مولاة له مجنونة: وا أمير المؤمنيناه وقد رأته حيث هوى، فأشارت لهم إليه فقيل: وإن عليه ثياب خز، وجاء الخبر الحجاج فسجد وسار حتى وقف عليه هو وطارق بن عمرو فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا، فقال الحجاج: تمدح من خالف أمير المؤمنين! قال طارق: نعم هو أعذر لنا، ولولا هذا ما كان لنا عذر، إنا محاصروه، وهو في غير خندق ولا حصن ولا منعة منذ سبعة أشهر ينتصف منا بل بفضل علينا في كل ما التقينا، فبلغ كلامهما عبد الملك بن مروان فصوب طارقاً. ولما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة ثم شق بطنه ثم قال: املؤوا بطن عبد الله حجارة..الحديث. وعن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن الزبير: ما شيء يحدثنا به كعب إلا قد أتى علي ماقال، إلا قوله: فإن ثقيف تقتلني، وهذا رأسه بين يدي، يعني: المختار. قال ابن سيرين: ولا يشعر أن أبا محمد قد خبئ له، يعني: الحجاج. وعن مجاهد قال: قال ابن عمر لغلامه: لا تمر على ابن الزبير، فغفل الغلام فمر به فرفع رأسه فرآه فقال: رحمك الله، ما علمتك إلا صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما قد علمت من الذنوب ألا يعذبك الله. قال مجاهد: ثم التفت إلي فقال: حدثني أبو بكر الصديق أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا. وفي حديث أخر أنه قال: رحمك الله، أبا خبيب إن كنت، وكنت، ولقد سمعت أباك الزبير بن العوام

يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا أو في الآخرة. فإن يك هذا بذاك فهه فهه. مرتين. وقيل إنه قال له: لقد أفلحت قريش إن كنت شر أهلها. وقيل إنه قال له: يرحمك الله فوالله إن قوماً كنت أخسهم لقوم صدق. قال أبو العالية: إنه رأى ابن عمر واقفاً يستغفر لابن الزبير وهو مصلوباً فقال: إن كنت والله ما عملت صواماً قواماً تحب الله ورسوله، فانطلق رجل إلى الحجاج فقال: هذا ابن عمر واقف يستغفر لابن الزبير، فقال لرجل من أهل الشام: قم فائتني به فقام الشامي طويلاً فقال: أصلح الله الأمير، تأذن لي أن أتكلم؟ فقال: تكلم. فقال: إنما أعين الناس كافة إلى هذا الرجل، فإن أنت قتلته خشيت أن تكون فتنة لا تطفأ فقال: اجلس وأرسل إليه مكانه بعشرة آلاف، فقال: أرسل بهذه الأمير لتستعين بها فقبلها. ثم سكت عنه، فأرسل إليه إنا قد أنفقنا منها طائفة وعندنا طائفة، نجمعها لك أحد اليومين ثم نبعث بها. فأرسل إليه: استنفع بها فلا حاجة لنا فيها. حدث أبو المحياة عن أبيه قال: دخلت مكة بعدما قتل ابن الزبير بثلاثة أيام وهو مصلوب، فجاءته أمه، عجوز طويلة مكفوفة البصر، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ قال: فقال الحجاج: المنافق. قالت: لا والله، ما كان منافقاً، إن كان لصواماً، براً. قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. قالت: لا والله، ما خرفت منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت المبير. قال: فقلت لأبي المحياة: أما الكذاب رأيناه أليس يعني المختار؟ قال: لا أراه إلا إياه. ورأى عبد الله بن عمرو بن العاص عبد الله بن الزبير مصلوباً فقال: طوبى لأمة أنت

شرها. ورآه أبو عبد الله بن عمر فقال: ويل لابن الزبير ولمروان ما أهريق في سببهما من الدم. قال عامر بن عبد الله بن الزبير: مات أبي فما سألت الله حولاً إلا العفو عنه. كان أبان بن عثمان حين ولي المدينة في خلافة عبد الملك بن مروان أراد نقض ما كان عبد الله قضى به، فكتب أبان عثمان في ذلك إلى عبد الملك فكتب إليه عبد الملك: إنا لم ننقم على ابن الزبير ما كان يقضي به، ولكن نقمنا عليه ما كان أراد من الإمارة. فإذا جاءك كتابي هذا فأمض ما كان قضى به ابن الزبير، ولا ترده فإن نقضنا القضاء عناء معن. وانتشرت بيعة عبد الله بن الزبير في الحجاز واليمن والعراق والمشرق وعامة بلاد الشام والمغرب وفرق عماله في الأمصار، وسير بني أمية من المدينة إلى الشام، وفيهم يومئذ مروان بن الحكم، فقدموا الشام، ونزل مروان الجابية، واجتمع إليه من كان هناك من بني أمية وشيعتهم، فبايعوه بالخلافة. قال نافع مولى ابن عمر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة عشر سنين، ثم توفي. فكان أبو بكر سنتين وسبعة أشهر وكان عمر عشر سنين وخمسة أشهر، وكان عثمان ثلاث عشرة سنة، فكانت خلافة علي وفتنة معاوية خمس سنين، ثم ولي معاوية عشرين سنة إلا شهراً ثم هلك، وكان يزيد بن معاوية أربع سنين إلا شهراً، ثم هلك، فقام ابن الزبير فكانت فتنة ابن الزبير تسع سنين ثم قتل على رأس ثلاث وسبعين إلا شهرين. ثم استقام الناس لعبد الملك بن مروان. وقال الحجاج بن يوسف: من يعذرني من ابن الزبير، ابن ثلاث وسبعين ينقز في الجبل تقزان الظبي؟

عبد الله بن الزبير بن سليم

وروي أن أسماء بنة أبي بكر غسلت عبد الله بن الزبير بعدما تقطعت أوصاله، وجاء الإذن في ذلك من عبد الملك بن مروان عند إباء الحجاج أن يأذن لها، وحنطته، وكفنته، وصلت عليه، وجعلت فيه شيئاً حين رأته يتفسخ إذا مسته. قال مصعب بن عبد الله: حملته أسماء فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فابن الزبير مدفون في المسجد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر. قال مالك بن دينار: كانوا يسمعون كل ليلة زمن قتل ابن الزبير قائلاً يقول: لبيك على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكو هلكي وما قدم العهد وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها ... وقد ملكها من كان يوقن بالوعد فينتظرون فلا يجدون أحداً. وقالت الشعراء فيه عدة مراثٍ، رحمة الله عليه. قال عبد الأعلى ابن أخت المقعد: بلغني أن رجلاً من التابعين بإحسان، ورأى كأن القيامة قد قامت، فدعي عبد الله بن الزبير فأمر به إلى النار فجعل ينادي. فأين صلاتي وصومي؟ فنودي أن دعوه لصلاته وصومه. والله أعلم. عبد الله بن الزبير بن سليم ويقال ابن الأسلم ابن الأعشى بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة أبو كثير - ويقال: أبو سعد - الأسدي. شاعر معروف من أهل الكوفة، قدم دمشق وامتدح معاوية، وابنه يزيد، وابن ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية.

والزبير بزاي مفتوحة وباء مفتوحة وباء مكسورة. وهو شاعر أهل الكوفة، وله أخبار مع عبد الله بن الزبير بن العوام، فمن لا يميز بينهما يجعلهما واحداً، وله أخبار مع الحجاج بن يوسف. والزبير من أسماء الدواهي، وقيل: الزبير حماة البئر، وبه سمي الزبير، قال الشاعر: وقد جرب الناس آل الزبير ... فلاقوا من آل الزبير الزبيرا وقال عبد الله بن الزبير الشعر في أيام عثمان بن عفان. وهو القائل لما قتل عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة: إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ في السوق وابن عقيل تري جسداً قد هشم السيف وجهه ... ونضح دم قد سال كل مسيل قال أبو عبيدة: جاء عبد الله بن الزبير الأسدي إلى عبد الله بن الزبير بن العوام فقال: يا أمير المؤمنين إن بيني وبينك رحماً من قبل فلانة هي أختنا - وقد ولدتكم - وأنا ابن فلان ابن فلان، ففلانة عمتي. فقال ابن الزبير: نعم، هذا كما ذكرت، وإن فكرت في هذا أصبت الناس بأسرهم يرجعون إلى أب واحد وإلى أم واحدة، فقال: يا أمير المؤمنين، إن نفقتي قد نفدت فقال: ما كنت ضمنت لأهلك أنها تكفيك إلى أن ترجع لهم. قال: يا أمير المؤمنين، فإن ناقتي قد نقبت. قال أنجد بها يبرد خفها، وارقعها بسبت، واخصفها بهلب وسر عليها البردين. قال: يا أمير المؤمنين، إنما جئتك مستحملاً، ولم آتك مستوصفاً، لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال ابن الزبير: أن وراكبها، ثم خرج وأنشأ يقول:

أرى الحاجات عند أبي خبيب ... يعدن ولا أمية في البلاد من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد ومالي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد فبلغ شعره هذا عبد الله بن الزبير فقال: لو علم أن لي أما أخس من عمته الكاهلية لنسبني إليها. الكاهلية: هي زهرة بنت عمرو بن حنثر، أم خويلد بن أسد، جد ابن الزبير. وعن محمد بن سيرين قال: قال رجل: هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله فحبسه عثمان، وقال: أوعدني. وفي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي: أقول لعبد الله لما لقيته ... أرى الأمر أمس هالكاً متشعبا تخير فإما أن تزور ابن ضابئ ... عميراً وإما أن تزور المهلبا فما إن أرى الحجاج يغمد سيفه ... مدى الدهر حتى يترك الطفل أشيبا هما خطتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حولياً من الثلج أشهبا فحال ولو كانت خراسان خلتها ... عليه مكان السوق أو هي أقربا قيل: إن الحجاج بن يوسف بعث عبد الله بن الزبير في بعث إلى الري فمات بها في خلافة عبد الملك. والله أعلم.

عبد الله بن زريق

عبد الله بن زريق ويقال زريق مولى بني أمية قال عبد الله بن زريق: عزاني الزهري فقال في تعزيته: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من امرئ مسلم تصيبه مصيبة تحزنه فيرجع إلا قال الله عز وجل لملائكته: أوجعت قلب عبدي فصبر واحتسب. اجعلوا ثوابه منها الجنة. قال: ومتى ما ذكر مصيبته فرجع إلا جدد الله له أجرها. عبد الله بن زياد بن سليمان ابن سمعان أبو عبد الرحمن القرشي المدني مولى أم سلمة قدم دمشق وحدث بها واستقضاه الوليد بن يزيد في عسكره. حدث عبد الله بن زياد بن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أشرك بالله فليس بمحصن. وحدث عن الزهري بسنده إلى أبي سريحة حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقط منها واحدة توالت: خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها.. الحديث. كذبه قوم وضعفوه. وعن الوليد بن مسلم قال: كتبت كتاباً عن ابن سمعان، فإنه لفي يدي إذ غلبتني عيني فنمت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عبد الله بن زيد بن عامر

في النوم فقلت: يا رسول الله، هذا ابن سمعان حدثني عنك فقال: قل لابن سمعان يتق الله ولا يكذب علي. وحكي ذلك عن غير الوليد. والله أعلم. عبد الله بن زيد بن عامر ابن ناثل بن مالك بن عبيد بن علقمة بن سعد بن كبير بن غالب بن عدي بن بيهس بن طرود ابن قدامة بن جرم أبو قلابة الجرمي البصري. أحد الأعلام. قدم دمشق، وسكن داريا. حدث أبو قلابة أن ثابت بن الضحاك حدثه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حلف على ملةٍ غير الإسلام فهو كما قال. ليس على رجل نذر فيما لا يملك. وحدث أبو قلابة عن أنس قال: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وحدث عنه: أن رهطاً من عكل - أو قال من عرينة، ولا أعلمه إلا قال: من عكل - قدموا المدينة فاجتووها، فأمر لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلقاح وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها حتى برئوا وذهب سقمهم، فقتلوا راعي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأطردوا النعم، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبعث إليهم غدوة، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم،

وألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون. قال: فقال أبو قلابة: هؤلاء قوم، قتلوا وسرقوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. قيل لعبد الملك بن مروان، هذا أبو قلابة قد قدم على أمير المؤمنين. قال: وما أقدمه؟ قال: متعوذاً من الحجاج، أراده على القضاء، فقال عبد الملك..وكتب له إلى الحجاج بالوصاة. قالوا: وأخبر أبو قلابة، بقول عبد الملك فيه، فقال أبو قلابة: قد كنت أحب أن آتي الشام وقد دخلتها ولن أخرج منها. كان عمر بن عبد العزيز يقول: الأذان مثنى مثنى، والإقامة إحدى إحدى. وكان مع عمر بن عبد العزيز أبو قلابة الجرمي وعراك بن مالك ومحمد بن كعب القرظي وسالم بن عبد الله، ومحمد بن شهاب الزهري وغيرهم من الفقهاء، يصلون بصلاته، وهو يثني الأذان ويفرد الإقامة. لا ينكرون ذلك. كان أبو قلابة ثقة كثيراً الحديث، وكان ديوانه بالشام. حدث سليمان بن داود حديثاً فيه طول قال: قلت لأبي قلابة الجرمي: ما هذه الصلاة التي يصليها أمير المؤمنين؟ يريد: عمر بن عبد العزيز، فقال: حدثني عشرة من أفضل من أدركت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقراءته وركوعه وسجوده. وفي حديث آخر بمعناه. قال سليمان: فرمقت عمر في صلاته، فكان بصره إلى موضع سجوده. قال أبو قلابة: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فذكروا القسامة، فحدثته عن أنس بقصة العرنيين فقال عمر: لن تزالوا بخير يا أهل الشام ما دام فيكم هذا، أو مثل هذا.

وعن أبي قلابة قال: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمنهم أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسون عليكم ما كنتم تعرفون. قال أيوب: وكان أبو قلابة من الفقهاء وذوي الألباب. قال السري بن يحيى: حدثني جار كان لأبي قلابة الجرمي أنه خرج حاجاً فتقدم أصحابه في يوم صائف وهو صائم، فأصابه عطش شديد، فقال: اللهم، إنك قادر على أن تذهب عطشي من غير فطر، فأظلته سحابة فأمطرت عليه حتى بلت ثوبيه، وذهب العطش عنه. فنزل فحوض حياضاً فملأها ماء، فانتهى إليه أصحابه، فشربوا، وما أصاب أصحابه من ذلك المطر شيء. قال أيوب السختياني: لما مات عبد الرحمن بن أذينة ذكر أبو قلابة للقضاء فهرب حتى أتى اليمامة. قال أيوب: فلقيته بعد ذلك، فقلت له في ذلك فقال: ما وجدت مثل القاضي العالم إلا مثل رجل وقع في بحر، فما عسى أن يسبح حتى يغرق؟ قال أبو أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب، احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان، وإياك ومجالسة أهل الأهواء، والزم سوقك، فإن الغنى من العافية. وعن أيوب السختياني قال: قال لي أبو قلابة: يا أيوب، احفظ عني أربعاً: لا تقل في القرآن برأيك، وإياك والقدر، وإذا ذكر أصحاب محمد فأمسك، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك فيغروا قلبك. وعن أبي قلابة قال: إن أهل الأهواء أهل الضلالة، ولا أرى مصيرهم إلا النار، فجربهم فليس أحد منهم ينتحل قولاً، أو قال: حديثاً - فيتناهى به الأمر دون السيف، وإن النفاق كان ضروباً،

ثم تلا " ومنهم من عاهد الله " " ومنهم من يلمزك في الصدقات " " ومنهم الذين يؤذون النبي " فاختلف قولهم، واجتمعوا في الشك والتكذيب، وإن هؤلاء اختلف قولهم، واجتمعوا في السيف، ولا أرى مصيرهم إلا النار. وعن أبي قلابة قال: العلماء ثلاثة: فعالم عاش بعلمه وعاش بعلمه وعاش الناس بعلمه، وعالم عاش بعلمه ولم يعش الناس بعلمه، وعالم لم بعلمه ولم يعش الناس بعلمه. وعن أبي قلابة لأيوب: إذا حدث الله علماً فأحدث لله عبادة، ولا تكن إنما همك أن تحدث به الناس. وعن حميد الطويل قال: قال أبو قلابة: إذ بلغك عن أخيك شيء تجد عليه فيه، فاطلب له العذر جهدك، فإن لم تجده فقل: عسى عذره لم يبلغه علمي. قال عثمان بن الهيثم: كان رجل من بني سعد بالبصرة، وكان قائداً من قواد عبيد الله بن زياد، فسقط من السطح فانكسرت رجلاه، فدخل عليه أبو قلابة فعاده فقال له: أرجو أن يكون لك خيرة. فقال له: يا أبا قلابة، وأي خيرة في كسر رجلي جميعاً؟ فقال: ما ستر الله عليك أكثر. فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب ابن زياد يسأله أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي فقال له: قد أصابني ما أصابني. قال ذلك للرسول. فما كان إلا سبعاً حتى وافى الخبر بقتل الحسين، فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة، لقد صدق، إنه كان خيرة لي. قال أيوب: قرأت في بعض كتب أبي قلابة: ما هتك الله ستر عبدٍ، له عنده مثقال حبة من خردل من خير.

عبد الله بن زيد

قال أيوب السختياني: مر أبو قلابة وأنا أشتري تمراً ليس بالجيد، فقال: يا أيوب، قد كنت أحسب أن مجالستك إيانا قد نفعتك. أما علمت أن الله عز وجل قد نزع الركة من كل ردئ؟؟ قال أيوب: مرض أبو قلابة بالشام، فدخل عليه عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبا قلابة، تشدد، لا يشمت بنا المنافقون. ومات أبو قلابة بالشام، وأوصى بكتبه إلى أيوب فحملت إليه. وكانت وفاته في سنة أربع أو خمس ومئة. وقيل: سنة ست. وقيل: سنة سبع ومئة. عبد الله بن زيد ويقال: ابن يزيد ويقال: خالد بن زيد القاص الأرزق حدث عبد الله بن يزيد قاص مسلمة أن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يقص على الناس إلا أمير، أو مأمور، أو مختال. قال عبد الله بن زيد الأزرق: كان عقبة بن عامر الجهني يخرج فيرمي كل يوم، وكان يستتبعه، فكأنه كاد أن يمل فقال: ألا أخبرك ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بلى، قال: سمعته يقول: إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة - يعني: الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله، وقال: ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا. وقال: كل شيء يلهو به آدم فهو باطل إلا ثلاث: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله. فإنهن من الحق. قال: فتوفي عقبة وله بضع وستون قوساً، ومع كل قوس قرن، ونبل، فأوصى بهن في سبيل الله عز وجل.

عبد الله بن سبأ؟

وفي حديث بمعناه: ومن نسي الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي علمه. وفي حديث بمعناه: ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها، أو قال؛ كفرها. عبد الله بن سبأ؟ الذي تنسب إليه السبائية وهم الغلاة من الرافضة، أصله من أهل اليمن، كان يهودياً وأظهر الإسلام، وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة، ويدخل بينهم الشر. ودخل دمشق لذلك في زمن عثمان بن عفان. قال يزيد الفقعسي: كان ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء من أمة سوداء، فأسلم زمن عثمان بن عفان، ثم تنقل في بلاد المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاغتمز فيهم فقال لهم، فيما كان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " فمحمد أحق بالرجوع من عيسى. قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلموا فيها، ثم قال بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد، ثم قال: محمد خاتم النبيين وعلي خاتم الأوصياء، ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووثب على وصي رسول الله؟ ثم تناول الأئمة. ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان قد جمع أموالاً وأخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانهضوا في هذا الأمر، فحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيستميلوا الناس، وادعوا إلى هذا

الأمر فبث دعاة، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف، وكتبوا إلى الأمصار كتباً يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، فكتب أهل كل مصر منهم إلى أهل مصر آخر بما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة، وأسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء. إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع أهل الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما الناس فيه، فقالوا: إنه اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي أتانا؟ قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة فأخبروه بالذي أسقطوا إليهم. قال: فأنتم شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق به من الناس إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم. فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار، فقالوا: أيها الناس، والله ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين، ألا إن أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل، فوصل كتاب منعبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه فيهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم وسودان بن حمران وكنانة بن بشر يريدونه على أن يقول بقولهم، يزعمون أن محمداً راجع، ويدعونه إلى خلع عثمان ويخبرونه أن رأي أهل المدينة على مثل رأيهم، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في قتله وقتلهم قبل أن يبايعهم، فكتب إليه عثمان: لعمري إنك جريء بابن أم عبد الله، لا والله لا أقتله ولا أنكاه، ولا إياهم حتى يكون الله عز وجل ينتقم منهم ومنه بمن أحب، فدعهم - ما لم يخلعوا يداً من طاعة - يخوضوا ويلعبوا، وكتب إلى عمار: إني أنشدك الله أن تخلع يداً من طاعة أو تفارقها فتبوء بالنار، ولعمري إني على يقين من الله تعالى لأستكملن أجلي، ولأستوفين رزقي غير منقوص شيئاً من

ذلك، فيغفر الله لك. فثار أهل مصر. فهموا بقتله وقتل أولئك، فنهاهم عنه عبد الله بن سعد، وأقر عماراً حتى أراد القفل، فحمله وجهزه بأمر عثمان. فلما قدم على عثمان قال: يا أبا يقظان، قذفت ابن أبي لهب أن قذفك، وغضبت على أن أوطأك فعنفك، وغضبت على أن أخذت لك بحقك وله بحقه. اللهم، إني قد وهبت ما بين أمتي وبيني منمظلمة. اللهم، إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، اخرج عني يا عمار، فخرج فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه، وانتقل من ذلك، وإذا لقي من يأمنه أقر بذلك، وأظهر الندم، فلامه الناس وهجروه وكرهوه. وعن أبي حارثة وأبي عثمان قالا: لما قدم ابن السوداء مصر عجمهم واستخلاهم واستخلوه وعرض لهم بالكفر فأبعدوه، وعرض لهم بالشقاق فأطعموه، فبدأ فطعن على عمرو بن العاص وقال: ما باله أكثركم عطاء ورزقاً؟ ألا ننصب رجلاً من قريش يسوي بيننا، فاستحلوا ذلك منه وقالوا: كيف نطيق ذلك مع عمرو وهو رجل من العرب؟ قال: تستعفون منه، ثم نعمل عملنا، ونظهر الائتمار بالمعروف والطعن فلا يرده علينا أحد، فاستعفوا منه، وسألوا عبد الله بن سعد فأشركه مع عمرو فجعله على الخراج، وولى عمراً على الحرب ولم يعزله، ثمدخلوا بينهما حتى كتب كل واحد منهما إلى عثمان بالذي بلغه عن صاحبه، وركب أولئك واستعفوا من عمرو، وسألوا عبد الله بن سعد فأعفاهم. فلما قدم عمرو على عثمان قال: ما شأنك يا أبا عبد الله. قال: والله يا أمير المؤمنين، ما كنت منذ وليتهم أجمع أمراً ولا رأياً مني منذ كرهوني، وما أدري من أتيت، فقال عثمان: ولكني أدري. لقد دنا أمر هو الذي كنت أحذره، ولقد جاءني نفر من ركب تردد عنهم عمر وكرههم، ألا وإنه لا بد لما هو كائن أن يكون، وإن كابرتهم كذبوا واحتجوا، وإن كف منهم ما لم ينتهكوا محرماً كان لهم، ولم تثبت لهم الحجة، ووالله لأسيرن فيهم بالصبر، ولأتابعهم ما لم يعص الله عز وجل.

عبد الله بن سبعون بن يحيى بن حمزة

قال أبو الطفيل: رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببه: يعني ابن السوداء، وعلي على المنبر فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله. وعن علي عليه السلام قال: مالي ولهذا الخبيث الأسود. يعني: عبد الله بن سبأ. وكان يقع في أبي بكر وعمر. قال جابر: لما بويع علي عليه السلام خطب الناس، فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: أنت دابة الأرض. قال: فقال له: أنت الملك، فقال له: اتق الله، فقال له أنت خلقت الخلق، وبسطت الرزق، فأمر بقتله. واجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفه إلى ساباط المدائن، فإنك إن قتلته بالمدينة خرجت أصحابه علينا، وشيعته، فنفاه إلى ساباط المدائن، فثم القرامطة والرافضة. قال: ثم قامت إليه طائفة، وهم السبائية وكانوا أحد عشر رجلاً، فقال: ارجعوا، فإني علي بن أبي طالب، أبي مشهور، وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: لا نرجع، دع داعيك، فأحرقهم بالنار، وقبورهم في صحراء - أحد عشر - مشهورة، فقال من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم: علمنا أنه إله، واحتجوا بقول ابن عباس: لا يعذب بالنار إلا خالقها. قال ثعلب: وقد عذب بالنار قبل علي أبو بكر الصديق رضي الله عنهما. وذلك أنه رفع إليه رجل يقال له الفجاءة، فقالوا: إنه شتم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته فأخرجه إلى الصحراء فأحرقه بالنار. قال: فقال ابن عباس: قد عذب أبو بكر بالنار فاعبدوه أيضاً. عبد الله بن سبعون بن يحيى بن حمزة أبو محمد القيرواني المالكي البزاز سمع بدمشق وأسمع، واستوطن بغداد، ومات بها.

عبد الله بن سراقة بن المعتمر

حدث في المسجد الحرام عن أبي عبد الله محمد بن العباس بن الفضل بن بلال الأنصاري بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحج. وحدث عن أبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي السجستاني بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الراحمون يرحمهم الرحمان يوم القيامة، ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. توفي عبد الله بن سبعون في رمضان سنة إحدى وسبعين وأربع مئة. عبد الله بن سراقة بن المعتمر ابن أنس بن أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب العدوي ويقال: إنه أزدي. له صحبة. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي عبيدة بن الجراح، وشهده خطيباً بالجابية. قال عبد الله بن سراقة: خطبنا أبو عبيدة بن الجراح بالجابية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله لم يبعث نبياً قط بعد نوح إلا حذر قومه الدجال، وإني محدثكم فيه حديثاً لم يحدث به أحد كان قبلي: ليدركنه بعض من يراني أو يسمع كلامي. قال: فقال الناس: يا رسول الله، كيف قلوبنا يومئذ، أهي كاليوم؟ قال: أو خير. قال علي بن عاصم: قلت لخالد الحذاء: أي شيء في هذا؟ قال: أحسبه قد خرج، وليس يرى فرصته، ولو قد رآها خرج علينا.

عبد الله بن سعد بن أبي سرح

عبد الله بن سعد بن أبي سرح ابن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك ويقال: جذيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو يحيى القرشي، العامري، أخو عثمان بن عفان من الرضاع. له صحبة. وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان عثمان ولاه مصر، فشكاه أهل مصر وأخرجوه منها، فجاء فلسطين، ثم قدم على معاوية، دمشق. وشهد معه صفين. وقيل: لم يزل معتزلاً بالرملة فراراً من الفتنة. والله أعلم. حدث عبد الله بن سعد بن أبي سرح قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عشرة من أصحابه، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وغيرهم على جبل حراء إذ تحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء، فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد. كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد ارتد في عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهدر دمه. فستره عثمان بن عفان رضي الله عنه، وجاء به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأمن له فاستوهبه منه، فعفا عنه، وعاد إلى الإسلام، وفتح إفريقية في أيام عثمان، وولي مصر يوم ذلك، وبنى بها داراً حتى كان زمن عثمان إلى فلسطين، فمات بها بعد مقتل عثمان في الفتنة. ويقال: مات بعسقلان. وقال في حصار عثمان: أرى الأمر لا يزداد إلا تفاقماً ... وأنصارنا بالمكتين قليل وأسلمنا أهل المدينة والهوى ... هوى أهل مصرٍ والذليل ذليل وشهد أبو يحيى فتح مصر، وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في حروبه، وكان فارس بني عامر بن لؤي، وولي جند مصر لعثمان بن عفان، وغزا منها إفريقية سنة سبع وعشرين، والأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين وهو هادنهم هذه الهدنة

القائمة إلى اليوم، وذات الصوري من أرض الروم في البحر سنة أربع وثلاثين، ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية. توفي بعسقلان سنة ست وثلاثين، وقيل: توفي بالرملة سنة تسع وخمسين. وقيل: سنة ست وستين. ويقال: إن أول من كتب لسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ثم ارتد، فكتب له عثمان بن عفان، وكتب له العلاء بن الحضرمي، وشرحبيل بن حسنة. قال سعيد بن المسيب: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتل ابن أبي سرح يوم الفتح وفرتنا وابن الزبعرى وابن خطل، فأتاه أبو برزة وهو متعلق بأستار الكعبة، فبقر بطنه. وكان رجل من الأنصار قد نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله، فجاء عثمان - وكان أخاه من الرضاعة - فشفع له إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أخذ الأنصاري بقائم السيف ينتظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متى يومئ إليه أن يقتله، فشفع له عثمان حتى تركه. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصاري: هلا وفيت بنذرك؟ فقال: يا رسول الله، وضعت يدي على قائم السيف أنتظر متى تومئ، فأقتله فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإيماء خيانة. ليس لنبي أن يومئ. وعن أنس بن مالك قال: أمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني الناس - يوم فتح مكة إلا أربعة من الناس، عبد العزى بن خطل، ومقيس بن صبابة الكناني، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وسارة، قال: فأما عبد العزى فإنه قتل وهو آخذ بأستار الكعبة. قال: ونذر رجل من

الأنصار أن يقتل عبد الله بن سعد إذا رآه. قال: وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة. قال: فأتى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليشفع له. فلما بصر به الأنصاري اشتمل السيف ثم خرج في طلبه، يعني: فوجده عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهاب قتله فجاء الأنصاري يتردد ويكره أن يقدم عليه لأنه في حلقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبسط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فبايعه. قال للأنصاري: انتظرتك أن توفي نذرك. قال: يا رسول الله، هبتك، أفلا أومضت إلي؟ قال: إنه ليس لنبي أن يومض. قال: وأما مقيس فإنه كان له أخ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتل خطأ. فبعث معه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من بني فهر ليأخذ عقله من الأنصار. قال: فلما جمع له العقل ورجع نام الفهري، فوثب مقيس فأخذ حجراً فجلا به رأسه فقتله. ثم أقبل وهو يقول: شفى النفس من قد بات بالقاع مسنداً ... تضرج ثوبيه دماء الأخادع وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتنسيني وطيء المضاجع قتلت به فهراً وغرمت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع حللت به نذري وأدركت ثؤرتي ... وكنت إلى الأوثان أول راجع وأما سارة فإنها كانت مولاة لقريش، فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكت إليه الحاجة، فأعطاها شيئاً، ثم أتاهارجل فبعث معها كتاباً إلى أهل مكة يتقرب بذلك إليهم ليحفظ عياله، وكان له بها عيال، فأتى جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بذلك، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فتخفاها بالطريق ففتشاها فلم يقدرا على شيء معها، فأقبلا راجعين فقال أحدهما لصاحبه: والله ما كذبنا ولا كذبنا، ارجع بنا إليها، فسلا سيفهما ثم قالا: لتدفعن إلينا الكتاب أو لنذيقنك الموت، فأنكرت ثم قالت: أدفعه إليكما على ألا ترداني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبلا ذلك منها قال: فحلت عقاص رأسها فأخرجت الكتاب من قرن من قرونها فدفعته، فرجعا بالكتاب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفعاه إليه فدعا الرجل فقال: ما هذا الكتاب! قال: أخبرك

يا رسول الله، ليس من رجل ممن معك إلا وله قوم يحفظونه في عياله، فكتبت بهذا الكتاب ليكون لي في عيالي قال: فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " إلى آخر هذه الآيات. وقيل في سارة: أم سارة. قال: وهو الصواب. وفي حديث آخر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم فتح مكة: أربعة لا أؤمنهم في حل ولا في حرم: الحويرث بن نفيد، ومقيس بن صبابة، وهلال بن خطل، عبد الله بن أبي سرح، فأما الحويرث فقتله علي، وأما مقيس فقتله ابن عم له، وأما هلال بن خطل فقتله الزبير، وأما عبد الله بن أبي سرح فاستأمن له عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، وقينتين كانتا لمقيس تغنيان بهجو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت. قالوا: كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي، فربما أملى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سميع عليم " فيكتب: عليم حكيم، فيقرؤه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: كذلك الله، ويقره فافتتن، وقال: ما يدري محمد ما يقول، إني لأكتب له ما شئت. هذا الذي كتبت يوحى إلي كما يوحى إلى محمد، وخرج هارباً من المدينة إلى مكة مرتداً، فأهدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه يوم الفتح. فلما كان يومئذ جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة فقال: يا أخي، والله اخترتك فاحتبسني هاهنا، واذهب إلى محمد فكلمه في، فإن محمداً إن رآني ضرب الذي فيه عيناي. إن جرمي أعظم الجرم، وقد جئت تائباً فقال عثمان: بل اذهب معي. قال عبد الله: والله إن رآني ليضربن عنقي، ولا يناظرني. قد أهدر دمي، وأصحابه يطلبونني في كل موضع. فقال عثمان: انطلق معي فلا يقتلك إن شاء الله، فلم يرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعثمان آخذاً بيد عبد الله بن سعد بن أبي سرح، واقفين بين يديه، فأقبل عثمان على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن أمه

كانت تحملني وتمشيه، وترضعني وتفطمه، وكانت تلطف بي وتتركه، فهبه لي، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجعل عثمان كلما أعرض عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه استقبله فيعيد عليه هذا الكلام، وإنما أعرض عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه لأنه لم يؤمنه، فلما رأى أن لا يقوم أحد وعثمان قد أكب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل رأسه وهو يقول: يا رسول الله، تبايعه فداك أبي وأمي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله - أو قال: الفاسق - فقال عبد بن بشر: ألا أومأت إلي يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إلى فأضرب عنقه - ويقال: قال هذا أبو اليسر، ويقال: عمر بن الخطاب - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لا أقتل بالإشارة، وقيل: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذ: إن النبي لا يكون له خائنة الأعين، فبايعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يفر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما رآه. فقال عثمان: يا رسول الله، بأبي وأمي لو ترى ابن أم عبد الله يفر منك كلما رآك. فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أولم أبايعه وأؤمنه؟ قال: بلى، أي رسول الله، ولكنه يتذكر عظيم جرمه في الإسلام. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام يجب ما كان قبله، فرجع عثمان إلى ابن أبي سرح فأخبره، فكان يأتي فيسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الناس. وعن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر في قوله: " من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " قال: ذاك عمار بن ياسر " ولكن من شرح بالكفر صدراً " قال: ذاك عبد الله بن أبي سرح. قال الليث: كان عبد الله بن سعد والياً لعمر بن الخطاب بمصر على الصعيد، ثم ولاه عثمان مصر كلها، وكان محموداً، وغزا ثلاثة غزوات؛ غزا إفريقية فقتل جرجير صاحبها وبلغت سهمانهم للفارس ثلاثة آلاف دينار، وللراجل ألف دينار. ثم غزا ذات الصواري فلقوا ألف مركب للروم، فقتل للروم مقتلة لم يقتلوا مثلها قط. ثم غزا الأساود.

وكان عثمان قد استعمل عمرو بن العاص على حرب مصر، واستعمل عبد الله بن أبي سرح على الجزية وخراج الأرض وعبد الله بن سعد رضيع عثمان فتواشيا إلى عثمان، فكتب عمرو إلى عثمان: إن عبد الله قد أمسك يدي عن غزوي، وحال بيني وبين أن أنفذ لشيء من حربي. وكتب ابن سعد إلى عثمان: إن عمراً قد كسر علي جزيتي، وأخرب علي أرضي، وحال بيني وبين أن أنفذ لشيء من عملي، فكتب عثمان إلى عمرو فعزله، وجمع لعبد الله بن سعد وخراج الأرض، وقدم عمرو على عثمان مستخطاً، فدخل ذات يوم عليه، وعليه جبة له محشوة، فقال عثمان: ما حشو جبتك يا أبا عبد الله؟ قال: عمرو بن العاص. قال: والله ما عن ذلك سألتك، لقد عرفناك أنك فيها. ولكن إنما سألتك عن حشوها. قال: لكني قد أحببت أن أعلمك أن فيها عمرو بن العاص. قال: وحشد ابن سعد في حمل المال ليصدق حديثه. وقيل: إن عثمان كتب إلى عبد الله بن سعد: أما بعد. فقد رأيت ما صنعت بك: عزلت عنك عمرو بن العاص واستعملتك، فإذا جاءك كتابي هذا فاحشد في الخراج، وإياك في حشدك أن تظلم مسلماً أو معاهداً، قال: فبعث إليه عبد الله بن سعد بمالٍ قد حشد فيه. فلما وضع بين يدي عثمان قال: علي بعمرو بن العاص، فأتي به مسرعاً، فقال: ما تشاء؟ فقال عثمان: يا عمرو، أرى تلك اللقاح قد درت بعدك! فقال عمرو: إنما درت لهلاك فصالها، وإنها قد هزلت. قال: فسكت عثمان. قال خليفة العصفري: في سنة سبع وعشرين عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن مصر، وولاه عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فغزا ابن أبي سرح إفريقية ومعه العبادلة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام، فلقي جرجير، وجرجير في مئتي ألف بسبيطلة على سبعين ميلاً من القيروان، فقتل جرجير، وسبوا وغنموا.

وقال غيره: وأقام ابن أبي سرح بسبيطلة مدينة قبودة، فبعث إليه أهل القصور والمدائن فصالحوه على مئتي ألف رطل من ذهب. وفي سنة إحدى وثلاثين غزا ابن أبي سرح من مصر زندان من ناحية المصيصة. وفي سنة ثلاث وثلاثين غزا ابن أبي سرح الحبشة فأصيبت عين معاوية بن حديج. كان المقداد بن الأسود غزا مع عبد الله بن سعد إلى إفريقية، فلما رجعوا قال عبد الله بن سعد للمقداد في دار بناها: كيف ترى بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد: إن كان من مال الله فقد أفسدت، وإن كان من مالك فقد اسرفت. فقال عبد الله: لولا أن يقول قائل: أفسدت مرتين لهدمتها. وعن عباس بن سهل الساعدي: أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف - وهو الذي كان سرب المصريين إلى عثمان بن عفان، أنهم لما ساروا إلى عثمان فحصروه - وثب هو بمصر على عبد الله بن سعد بن أبي سرح - وهو عامل عثمان يومئذ على مصر - فطرده منها، وصلى بالناس فخرج عبد الله بن سعد من مصر فنزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين، فانتظر ما يكون من أمر عثمان، فطلع عليه راكب فقال: يا عبد الله ما وراءك؟ خبرنا بخبر الناس خلفك. قال: أفعل، قتل المسلمون عثمان، فقال عبد الله بن سعد: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا عبد الله، ثم صنعوا ماذا؟ قال: ثم بايعوا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب. قال عبد الله بن سعد: إنا لله وإنا إليه راجعون. قال له الرجل: كأن ولاية علي عدلت عندك قتل عثمان! قال: أجل. قال: فنظر إليه الرجل فتأمله فعرفه وقال: كأنك عبد الله بن سعد بن أبي سرح أمير مصر. قال: أجل. قال له الرجل: فإن كان لك في نفسك حاجة فالنجاء النجاء، فإن أمير المؤمنين فيك وفي أصحابك شيء، إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم من بلاد المسلمين. وهذا بعدي أمير يقدم عليك. قال له

عبد الله بن سعد بن فروة البجلي

عبد الله: ومن هذا الأمير؟ قال: قيس بن عبادة الأنصاري. قال: يقول عبد الله بن سعد: أبعد الله محمد بن أبي حذيفة فإنه بغى على ابن عمه وسعى عليه، وقد كان كفله ورباه، وأحسن إليه، فأساء جواره، ووثب على عماله، وجهز الرجال إليه حتى قتل، ثم ولى عليه من هو أبعد منه ومن عثمان، ومن لم يمنعه بسلطان بلاده حولاً ولا شهراً، ولم يره كذلك أهلاً. فقال له الرجل: انج بنفسك لا تقتل، فخرج عبد الله بن سعد هارباً حتى قدم على معاوية بن أبي سفيان، دمشق. وتوفي عبد الله بن أبي سرح بعسقلان، حيث خرج معاوية بن أبي سفيان إلى صفين، ولم يخرج معه، وكره الخروج في ذلك المخرج، فتوفي في أيام صفين بعسقلان، ودفن في موضع معروف، يقال له: مقابر قريش، إلى اليوم. وقيل: مات بالرملة فاراً من الفتنة وهو في الصلاة. قال يزيد بن أبي حبيب: لما حضرت عبد الله بن سعد بن أبي سرح الوفاة وهو بالرملة، وكان خرج إليها فاراً من الفتنة، فجعل يقول لهم من الليل، أصبحتم؟ فيقولون: لا. فلما كان عند الصبح قال: إني لأجد برد السحر، فانظروا، ثم قال: اللهم، اجعل خاتمة عملي صلاة الفجر. فنظر فإذا هو الصبح فتوضأ ثم صلى فقرأ في ركعة بأم القرآن والعاديات، وفي الأخرى بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه فذهب يسلم عن يساره فقبضت منه روحه. عبد الله بن سعد بن فروة البجلي مولاهم الكاتب له عقب بعكا. حدث عبد الله بن سعد عن الصنابجي عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأغلوطات.

عبد الله بن سعد بن معاذ

وفي حديث غيره: الغلوطات. قال الأوزاعي: شداد المسائل وصعابها. قال البيهقي: بلغني عن أبي سليمان الخطابي أنه قال في معناه: أن يعترض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط، ليستزلوا بها، ويسقط رأيهم فيها، وفيه كراهية المتعمق والمتكلف لما لا حاجة بالإنسان إليه من المسألة، ووجوب الموقف عما لا علم للمسؤول به. الرجل الذي لم يسم: معاوية. وعن عبد الله بن سعد بن عبادة بن نسي عن معاوية قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عقل المسائل. عبد الله بن سعد بن معاذ ابن سعد بن أبي سعد أبو سعد الأنصاري الرقي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى فهو مؤمن، وهو في جوار الله، فلا تخفروا الله في جواره. سئل الدارقطني عن عبد الله بن سعد الرقي القاضي فقال: كذاب، يضع الحديث. عبد الله بن سعد الأنصاري الحرامي ويقال: القرشي الأموي عم حرام بن حكيم بن سعد سكن دمشق. وكانت داره بسوق القمح. حدث عبد الله بن سعد: أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، وعن الصلاة

عبد الله بن سعيد أبي أحيحة

في بيتي وعن الصلاة في المسجد، وعن مؤاكلة الحائض، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يستحي من الحق، أما أنا فإذا فعلت كذا وكذا..فذكرالغسل، قال: أتوضأ وضوئي للصلاة، أغسل فرجي..ثم ذكر الغسل، وأما الماء يكون بعد الماء فذلك المذي، وكل فحل يمذي فأغسل عن ذلك فرجي وأتوضأ، وأما الصلاة في المسجد والصلاة في بيتي فقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة، وأما مؤاكلة الحائض فواكلها. وعن عبد الله بن سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله أعطاني فارس ونساءهم وأبناءهم وسلاحهم وأموالهم، وأعطاني الروم ونساءهم وأبناؤهم وسلاحهم وأموالهم وأمدني بحمير. عبد الله بن سعيد أبي أحيحة ابن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي له صحبة. كان اسمه الحكم، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سوق المدينة، واستشهد يوم مؤتة، وقيل إنه استشهد ببدر. حدث الحكم بن سعيد بن العاص: أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ما اسمك؟ قال: الحكم، قال: أنت عبد الله. قال: فأنا عبد الله يا رسول الله. وفي رواية قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبايعه ... وكان عبد الله بن سعيد كاتباً، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعلم الكتاب بالمدينة. قتل يوم بدر شهيداً. ولم يذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدراً، وقيل: إنه أسلم قبل فتح مكة. وقتل يوم مؤته شهيداً في سنة ثمان. وليس له عقب. وقتل أخوه العاص بن سعيد يوم بدر كافراً. وهو أبو سعيد بن العاص الذي ولي الكوفة لعثمان بن عفان.

عبد الله بن سعيد بن عبد الملك

وحدث سعيد بن عمرو بن سعيد: أن أعمامه خالداً وأبان وعمراً بني سعيد رجعوا من أعمالهم حين بلغهم وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أبو بكر: ما أجد أحق بالعمل من عمال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ارجعوا إلى أعمالكم، فقال بنو أبي أحيحة: لا نعمل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيره، فخرجوا إلى الشام فقتلوا جميعاً، وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء. وخيبر قرى عربية، وكان الحكم بن سعيد يعلم الحكمة، فخرجوا إلى الشام. فما افتتحت كورة إلا وقد وجد عندها رجل من بني سعيد ميت، فقتلوا أربعتهم. وقتل سعيد بن سعيد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الطائف. قالوا: وولد سعيد بن العاص أبو أحيحة ثمانية رجال لم يمت أحد منهم على فراشه، فقتل ثلاثة مع المشركين وخمسة مع المسلمين: قتل أحيحة يوم الفجار، والعاص بن سعيد وعبيدة بن سعيد يوم بدر، وقتل سعيد بن سعيد يوم الطائف، والحكم بن سعيد يوم اليمامة، وقتل خالد يوم مرج الصفر وهو القائل: من فارس كره الكماة يعيرني ... رمحاً إذا نزلوا بمرج الصفر وقتل أبان وعمرو يوم أجنادين. وقيل: قتل عمرو يوم فحل. عبد الله بن سعيد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو صفوان الأموي. أمه أم جميل بنت عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية. لحقت به بمكة حين قتل أبوه نهر أبي فطرس.

حدث أبو صفوان الأموي عن يونس عن الزهري قال: إن أنساً يحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب مملوءاً حكمة، فأفرغها في صدري ثم أطبقه. وحدث أبو صفوان الأموي عن يونس الأيلي عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين. قال علي بن المديني: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك أقعد قرشي رأيته، وكان له أربعة عمومة خلفاء: الوليد، وسليمان، وهشام، ويزيد، بنو عبد الملك بن مروان. حدث إسحاق بن يعقوب العثماني مولى آل عثمان عن أبيه قال: إنا لبفناء دار عثمان بن عفان بالأبطح في صبح خامس من الثمان، يعني: أيام الحج إن دريت إلا برجل على راحلة، على رحل جميل وأداة حسنة، معه صاحب له على راحلة قد جنب إليها فرساً وبغلاً، فوقفا علي وسألاني فانتسبت لهما عثمانياً فنزلا وقالا: رجلان من أهلك، قد بلتنا حاجة يجب أن نقضيها قبل أن نشده بأمر الحج فقال: حاجتكما؟ قالا: نريد إنساناً يقفنا على قبر عبيد بن سريج. قال: فنهضت معهما حتى بلغت بهما محلة أبي قارة من خزاعة بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنساناً يصحبهما حتى يقفهما على قبره بدسم فوجدت ابن أبي دباكل فأنهضته معهما، فأخبرني بعد أنه لما وقفهما على قبره نزل أحدهما فحسر عمامته عن وجهه، وإذا هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان فعقر ناقته واندفع يندبه بصوت شجي طليل حسن ويقول: وقفنا على قبر بدسم فهاجنا ... وذكرنا بالعيش إذ هو مصحب فجالت بأرجاء الجفون سوافح ... من الدمع تشتكي الذي يتغيب

إذا بطأت عن ساحة الخد ساقها ... دم بعد دمع إثره يتصبب فإن تسعدا نندب عبيداً بقولةٍ ... وقل له منا البكا والتنحب ثم نزل صاحبه فعقر ناقته وقال له القرشي: خذ في صوت أبي يحيى، فاندفع يتغنى: أسعداني بدمعةٍ أسراب ... من دموعٍ كثيرة التسكاب إن أهل الحصاب قد تركوني ... مولعاً مولهاً بأهل الحصاب أهل بيتٍ تبايعوا للمنايا ... ما على الموت بعدهم من عتاب فارقوني وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتةً من إياب كم بذاك الحجون من حي صدقٍ ... وكهول أعفةٍ وشباب سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفي الشباب فلي الويل بعدهم وعليهم ... صرت فرداً وملني أصحابي قال ابن أبي دباكل: فوالله، ما تمم صاحبه منها ثالثاً حتى غشي على صاحبه، وأقبل يصلح السرج على بغلته، فسألته: من هو؟ فقال: رجل من جذام قلت: بمن يعرف؟ قال: بعبد الله بن المنتشر. قال: ولم يزل القرشي على حاله ساعة ثم أفاق، فجعل الجذامي ينضح الماء على وجهه ويقول كالمعاتب له: أنت أبداً مصبوب على نفسك. من كلفك ما ترى؟ ثم قرب إليه الفرس. فلما علاه استخرج الجذامي من خرجٍ على البغل قدحاً وإداوة ماء، فجعل في القدح تراباً من تراب قبر ابن سريج، وصب عليه من ماء الإداوة ثم قال: هاك فاشرب هذه السلوة، فشرب، ثم فعل هو مثل ذلك، وركب على البغل، وأردفني، فخرجنا، لا والله ما يعرضان بذكر شيء مما كانا فيه، ولا أرى في وجوههما شيئاً مما كنت أرى مثل ذلك. فلما اشتمل علينا أبطح مكة قال: انزل يا خزاعي، فنزلت وأومأ الجذامي إلى القرشي بكلام فمد يده إلي وفيها شيء فأخذته. فإذا هو عشرون ديناراً، ومضيا، فانصرفت إلى قبره ببعيرين فاحتملت عليهما أداة الراحلتين اللتين عقراهما، فبعتهما بثلاثين ديناراً.

عبد الله بن سعيد

عبد الله بن سعيد ويقال أخطل بن المؤمل أبو سعيد الساحلي. من أهل جبيل، من ساحل دمشق. حدث عن مسلم بن عبيد عن أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل: أنها أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي، إني وافدة النساء إليك، واعلم - نفسي لك الفداء - أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل رأيي؛ إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا - يا معشر النساء - محصورات، مقصورات، قواعد بيوتكم، ونقضي شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم - معاشر الرجال - فضلتم علينا بالجمعة، والجماعات وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في الأجر يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله. قال: فأدبرت وهي تهلل وتكبر استبشاراً. عبد الله بن سعد حدث بأطرابلس عن أبيه بسنده إلى ابن عباس أن رجلاً سأله فقال: أكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمزح؟ فقال عبد الله: نعم، فقال الرجل: ما كان مزاحه؟ فقال ابن عباس: كسا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه ثوباً واسعاً قال: البسيه واحمدي الله، وجرى من ذيلك هذا كذيل العروس. قال الحافظ: كذا كان بخط عبد الرحمن بن عمرو. قال: ولا أعرف عبد الله بن

عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد

سعيد هذا، وأظنه عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، أبا القاسم المصري. وعبيد الله بن سعيد بن كثير توفي سنة ثلاث وسبعين مئتين. عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي المخزومي له صحبة. حكى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صام من صام الأبد. وأمه بنت عبد بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وكان قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، وقتل يوم اليرموك شهيداً في خلافة عمر بن الخطاب. وقتل أخوه هبار بن سفيان يوم أجنادين. وقيل: إن المستشهد باليرموك عبيد الله بن سفيان. عبد الله بن أبي سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الهياج الهاشمي. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سماك: سمعت عبد الله بن أبي سفيان وكان كبيراً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقدس أمة لا يأخذ ضعيفها الحق من قويها وهو غير متعتع. وقيل: إنه لم تصح له صحبة.

بلغ عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث أن عمرو بن العاص يعيب بني هاشم، ويقع فيهم وينتفضهم، وكان يكنى أبا الهياج، فغضب لذلك، وزور كلاماً يلقى به عمراً، ثم قدم على معاوية، ليس أكثر سفره إلا ليشتم عمرو بن العاص، فدخل على معاوية مراراً لم يتفق له ما يريد، وعنده عمرو فجاء الإذن، فقال: هذا عبد الله بن جعفر قد قدم وهو بالباب قال: ائذن له. قال عمرو: يا أمير المؤمنين، لقد أذنت لرجل كثير الخلوات للتمني، والطربات للتغني، صدوف عن السنان، محب للقيان، كثير مزاحه شديد طماحه، ظاهر الطيش، لين العيش، أخاذ للسلف، صفاق للشرف، فقال عبد الله بن أبي سفيان: كذبت يا عمرو. وأنت أهله، ليس هو كما وصفت، ولكنه لله ذكور، ولبلائه شكور، وعن الخنا زجور، سيد كريم، ماجد صميم، جواد حليم، إن ابتدأ أصاب، وإن سئل أجاب، غير حصر ولا هياب، ولا فاحش عياب، كذلك قضي في الكتاب، فهو كالليث الضرغام، الجريء المقدام، في الحسب القمقام، ليس بدعي ولا دنيء، كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فعلت عليه جرارها، فأصبح ينوء بالذليل، ويأوي فيها إلى القليل، مذبذب بين حيين، كالساقط بين المهدين، لا المعتزي إليهم قبلوه، ولا الظاعن عنهم فقدوه، فليت شعري، بأي حسب تنازل النضال؟ أم بأي قديم تعرض للرجال؟ أبنفسك فأنت الجبان الوغد الزنيم، أم بمن تنتهي إليه؛ فأهل السفه والطيش والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهر، ولا بقديم في الإسلام ذكر، غير أنك تنطق بغير لسانك، وتنهض بغير أركانك، وايم الله إن كان لأسهل للوعث، وألأم للشعث أن يكمعك معاوية عن ولوغك بأعراض قريش كعام الضبع في وجارها، فإنك لست لها بكفي، ولا لأعراضها بوفي. قال: فتهيأ عمرو للجواب فقال له معاوية: نشدتك الله أبا عبد الله إلا كففت. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، دعني أنتصر، فإنه لم يدع شيئاً، فقال معاوية: أما في مجلسك هذا فدع الانتصار، وعليك بالاصطبار. وخلف أبو الهياج بن أبي سفيان على أمامة بنت أبي العاص بعد علي بن أبي طالب. وقيل: إنه قتل مع الحسين بن علي يوم عاشوراء سنة إحدى وستين.

عبد الله بن سلمة بن عبد الله

عبد الله بن سلمة بن عبد الله ابن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وفد على عمر بن عبد العزيز. كان بين عمر بن عبد العزيز وبين يعقوب بن سلمة وأخيه عبد الله كلام، فأغلظ يعقوب لعمر في الكلام فقال له: اسكت فإنك ابن أعرابية جافية، وقال عقيل لعمر: لعن الله شرار الثلاثة: مني ومنك ومنه، فغضب عمر، فقال له صخر بن أبي الجهم: آمين، هو والله يا أمير المؤمنين شر الثلاثة. فقال عمر: والله إني لأراك لو سألته عن آية من كتاب الله ما قرأها فقال: بلى. والله، إنه لقارئ لآية وآيات. قال: فاقرأ. فقرأ: إنا بعثنا نوحاً إلى قومه، فقال عمر: قد أعلمتك أنك لا تحسن. ليس هكذا قال الله عز وجل. قال: فكيف قال؟ قال: " إنا أرسلنا نوحاً " قال: فما الفرق بين أرسلنا وبعثنا! خذ أنف هرشى أو قفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهن طريق عبد الله بن سليمان بن الأشعث ابن إسحاق بن بشير بن عمرو بن عمران أبو بكر بن أبي داود، الأزدي الحافظ. أصله من سجستان، وولد بها، ونشأ ببغداد. وقدم دمشق مع أبيه وسمع بها وطاف به أبوه شرقاً وغرباً، وأسمعه من علماء ذلك الوقت. وصنف المسند والسنن والتفسير والقراءات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك. وكان فهماً عالماً حافظاً.

حدث أبو بكر بن أبي داود عن هشام بن خالد بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر أم سلمة وعلى قبلها ثوب. يعني: وهي حائض. وحدث عن أحمد بن صالح المصري بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أكيل نفقة لنا وأحصيها فقال: يا أسماء، لا تحصي فيحصي الله عليك. وحدث عن محمد بن قهزاذ بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ في طست، فأخذت فصببته في بئر لنا. ولد عبد الله بن أبي داود سنة ثلاثين ومئتين. كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم، تعففاً وتنزهاً ونفياً للظنة عن نفسه، وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه، وكان له ابن أمرد يحب أن يسمعه حديثه، وعرف عادته في الامتناع عليه من الرواية، فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليتوهم ملتحياً، ثم أحضره المجلس، وأسمعه جزءاً، فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود: أمثلي يعمل معه مثل هذا؟ فقال له: أيها الشيخ، لا تنكر علي ما فعلته، واجمع ابني هذا مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه حينئذ من السماع. قال: فاجتمع طائفة من الشيوخ، فتعرض لهم هذا الابن مطارحاً وغلب الجميع بفهمه، ولم يرو له الشيخ مع ذلك شيئاً من حديثه، وحصل لذلك الجزء الأول، وكان ابن أبي داود يفتخر برواية هذا الجزء الواحد. قال أبو بكر بن أبي داود: دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مداً باقلاء، فكنت آكل منه مداً وأكتب عن أبي سعيد الأشج ألف حديث. فلما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث. قال أبو ذر الهروي: من بين مقطوع، ومرسل، وموقوف. وكان أبو بكر عبد الله بن سليمان إمام العراق وعلم العلم في الأمصار، ومن نصب له السلطان المنبر، فحدث عليه لفضله ومعرفته. وحدث قديماً قبل السبعين ومئتين. قدم

همذان سنة نيف وثمانين ومئتين. وكتب عنه عامة المشايخ ذلك الوقت. وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، ولم يبلغوا في الإتقان ما بلغ هو. قال ابن شاذان: قدم ابن أبي أصبهان، فسألوه أن يحدثهم فقال: ما معي أصل، فقالوا: ابن أبي داود وأصول؟! فأملى عليهم ثلاثين ألف حديث، ما أخطأ إلا في سبعة: ثلاثة هو أخطأ فيها، وأربعة كان شيوخه أخطؤوا فيها. قال أبو بكر بن أبي داود: حدثت بأصبهان من حفظي نيفاً وثلاثين ألف حديث ألزموني الوهم منها في سبعة أحاديث، ولما انصرفت إلى العراق وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به. خرج أبو بكر بن أبي داود إلى سجستان في أيام عمرو بن الليث، فاجتمع إليه أصحاب الحديث وسألوه أن يحدثهم فأبى وقال: ليس معي كتاب. فقالوا له: ابن أبي داود وكتاب؟! قال أبو بكر: فأثاروني، فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي. فلما قدمت بغداد قال البغداديون: مضى ابن أبي داود إلى سجستان ولعب بالناس، ثم فيجوا فيجاً اكتروه بستة دنانير، إلى سجستان ليكتب لهم النسخة، فكتب وجيء بها إلى بغداد وعرضت على الحفاظ بها فخطؤوني في ستة أحاديث: منها ثلاثة حدثت بها كما حدثت، وثلاثة أحاديث أخطأت فيها. قال أبو حفص بن شاهين: أملى علينا ابن أبي داود نحو العشرين سنة، ما رأيت بيده كتاباً، إنما كان يملي حفظاً. وكان يقعد على المنبر بعدما عمي، وكان ابنه أبو معمر يقعد تحته بدرجة وبيده كتاب يقول له: حديث كذا، فيقول من حفظه حتى يأتي على المجلس. وكان قرأ عليهم يوماً حديث القنوت من حفظه، فقام أبو تمام الزينبي وقال: لله درك، ما رأيت مثلك إلا أن يكون إبراهيم الحربي. فقال ابن أبي داود: كل ما كان يحفظ إبراهيم فأنا أحفظه، وأنا

أعرف الطب وإبراهيم ما كان يعرفه، وأنا أعرف النجوم وإبراهيم ما كان يعرف. قال هبة الله بن الحسن الطبري، وحكى عن عيسى بن علي بن عيسى الوزير: إنه كان يشير إلى موضع في داره فيقول: حدثنا أبو القاسم البغوي في ذلك الموضع، وحدثنا يحيى بن صاعد في ذلك الموضع، وحدثنا أبو بكر بن مجاهد في ذلك الموضع، وذكر غير هؤلاء، فقلنا له: لا نراك تذكر أبا بكر بن داود: فقال: ليته إذا مضينا إلى داره كان يأذن لنا في الدخول إليه والقراءة عليه. قال أبو حفص بن شاهين: لما أراد الوزير عيسى بن علي أن يصلح بين ابن أبي داود وابن صاعد جمعهما عنده، وحضر القاضي أبو عمر، فقال الوزير لابن أبي داود: أبو محمد أكبر منك فلو قمت إليه يا أبا بكر وسلمت عليه فقال: لا أفعل، فقال له الوزير: أنت شيخ زيف، فقال ابن أبي دواد: الشيخ الزيف الكذاب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الوزير: من الكذاب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: هذا، ثم قام وقال: تتوهم أني أذل لك لأجل أن رزقي يصل على يدك، والله ما أخذت من يدك شيئاً أبداً، ويم آخذه يكون علي مئة بدنة مجللة مهداة إلى بيت الله الحرام. فكان المقتدر بعد ذلك يرزق رزقه بيده ويجعله في طبق ويبعثه إليه من يد الخادم. وكان مولد ابن صاعد سنة تسع وعشرين، ومولد ابن أبي داود سنة ثلاثين. بينهما سنة. وتوفي ابن أبي داود سنة ست عشرة وثلاث مئة. ومن شعر ابن أبي داود: إذا تشاجر أهل العلم في خبر ... فليطلب البعض من بعض أصولهم إخراجك الأصل فعل الصادقين فإن ... لم تخرج الأصل لم تسلك سبيلهم فاصدع بعلمٍ ولا تردد نصيحتهم ... واظهر أصولك إن الفرع متهم قال أبو بكر بن أبي داود: رأيت أبا هريرة في النوم وأنا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة، كث اللحية ربعة، أسمر، عليه ثياب غلاظ فقلت: يا أبا هريرة، إني لأحبك فقال: أنا أول صاحب

حديث كان في الدنيا قلت: يا أبا هريرة، كم من رجل أسند عن أبي صالح عنك؟ فقال: مئة رجل، قال ابن داود: فنظرت فإذا عندي نحوها. قال أبو بكر بن أبي داود: مررت يوماً بباب الطاق فإذا رجل يعبر الرؤيا، فمر به رجل فأعطاه قطعة، وقال: رأيت البارحة كأني أطالب بصداق امرأة ولم أتزوج قط، فرد عليه القطعة وقال: ليس لهذه جواب، فقلت له: خذ منه القطعة حتى أفسر له جوابها، فأخذ القطعة فقلت للرجل: أنت تطالب بخراج أرض ليست لك. فقال: هو ذا والله، معي العون. سئل الدارقطني عن أبي بكر بن أبي داود فقال: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في الكلام على الحديث. كان أبو داود السجستاني يقول: ابني عبد الله كذاب. وكان يقول: ومن البلاء أن عبد الله يطلب القضاء. وكان ابن أبي داود يتهم بالانحراف عن علي عليه السلام والميل عليه. قال رجل لمحمد بن جرير الطبري: إن ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي بن أبي طالب! فقال ابن جرير: تكبيرة من حارس. قال علي بن عبد الله الداهري: سألت ابن أبي داود بالري عن حديث الطير، فقال: إن صح حديث الطير فنبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيانة، وحاجب النبي لا يكون خائناً. كان أبو بكر بن أبي داود قدم أصبهان، وكان من المتبحرين في فنون العلم والحفظ والفهم والذكاء، فحسده جماعة من الناس. وأخبرني يوماًفي مذاكرته ما قالته الناصبة في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وما نسبه الخوارج والنواصب إليه. فنسبوا الحكاية إليه، وتقولوا عليه، وحرضوا جعفر بن محمد بن شريك، وأقاموا بعض العلوية خصماً، فأحضر

عبد الله بن سليمان بن يوسف

مجلس الوالي أبي ليلى الحارث بن عبد العزيز، وأقاموا عليه الشهادة، فأمر الوالي أبو ليلى بضرب عنقه، فاتصل الخبر بمحمد بن عبد الله بن الحسن فحضر الوالي أبا ليلى وجرح الشهود وقدم في شهادتهم، وأخذ بيد عبد الله بن أبي داود فأخرجه وخلصه من القتل. وكان عبد الله بن أبي داود يدعو لمحمد بن عبد الله طول حياته، ويدعو على الذين شهدوا عليه، فاستجيب له فيهم، وأصابت كل واحد منهم دعوته، فمنهم من احترق، ومنهم من خلط وفقد عقله. وقد روي عنه أنه تبرأ من ذلك. وكان يقول: كل من بيني وبينه شيء أو ذكرني بشيء فهو في حل إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب. لما توفي عبد الله بن سليمان صلى عليه مطلب الهاشمي ثم أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمي، ثم صلي عليه ثمانين مرة حتى أنفذ المقتدر بنازوك، فخلصوا جنازته ودفنوه. ومات وهو ابن سبع وثمانين سنة. وصلى عليه زهاء ثلاث مئة ألف إنسان وأكثر، وصلي عليه في أربعة مواضع، رحمه الله. عبد الله بن سليمان بن يوسف ابن يعقوب بن الحكم بن المنذر بن الجارود أبو محمد العبدي البعلبكي ويقال: البغدادي حدث عن أبي إسحاق الفزاري بسنده إلى عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في صلاة الصبح " ألم تنزيل " و" تبارك ". وبه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن لله ملائكةً سياحين في الأرض، يبلغوني عن أمتي السلام. وحدث عن الليث بن سعد بسنده عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ".

عبد الله بن سماعة والد إسماعيل

عبد الله بن سماعة والد إسماعيل قال محمد بن شعيب: قال لي عبد الله بن سماعة: ما أتت علي منذ عشرين سنة ليلة إلا ختمت فيها القرآن. عبد الله بن سوار بن همام ابن ثعلبة بن عبد الله بن زيد بن عامر بن الحارث العبدي تابعي. قال خليفة: وفي سنة خمس وأربعين بعث ابن عامر عبد الله بن سوار العبدي فافتتح القيقان، وأصاب غنائم، وأفاد منها، خيل البراذين القيقانية من نسل تلك الخيل. ثم قدم، واستخلف كراز بن أبي كراز العبدي، وقدم على معاوية فرده إلى عمله، وعزل ابن عامر. ثم قال خليفة: سنة سبع وأربعين: فيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان فجمع له الترك. فقتل عبد الله بن سوار وعامة ذلك الجيش، وغلب المشركون على القيقان. عبد الله بن سلام بن الحارث أبو يوسف الإسرائيلي حليف الأنصاري أسلم وصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد له بالجنة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، وفتح بيت المقدس. كنيته أبو يوسف. وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله. وهو من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. وهو حليف القواقلة من بني عوف بن الخزرج.

حدث عبد الله بن سلام أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحرب خدعة. وروى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحياء من الإيمان. وروى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها. وحدث سعد بن أبي وقاص عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عز وجل: " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " قال: هو عبد الله بن سلام. وسلام مخفف اللام. وكان عبد الله بن سلام من أحبار يهود. وعن عبد الله بن سلام قال: لما ورد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة انجفل الناس عليه، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته يقول: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. وعن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ثلاث خصال لا يعلمها إلا نبي قال: سل، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني بهن جبريل آنفاً. قال: - قال: جبريل، ذاك عدو اليهود من الملائكة - قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة زيادة كبد حوت، وأما شبه الولد أباه وأمه: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه

الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم فسلهم عن أي رجل ابن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا، قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. قال: فخرج ابن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منهم. وفي حديث آخر: وتخبرني عن السواد الذي في القمر ما هو؟ وفي جوابه: وأما السواد الذي في القمر فإنهما كانا شمسين فقال الله عز وجل: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل " فهو السواد الذي رأيت، فهو المحو. فمحونا به الليل. وقيل: كان من حديث إسلام عبد الله بن سلام وكان حبراً عالماً. قال: لما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرفت صفته واسمه وزمانه وهيئته، والذي كنا نتوكف له، فكنت مسراً لذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة. فلما قدم نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبرت، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت. قال: قلت لها: أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بعث بما بعث به. فقالت لي: أي ابن أخ أهو النبي الذي كنا نخبر به أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: قلت: نعم. قلت: فذاك إذاً. قال: ثم خرجت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، وكتمت إسلامي اليهود. ثم جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن اليهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك فتغيبني عنهم ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي، فإنهم إن علموا بهتوني وعابوني. قال:

فأدخلني بعض بيوته، فدخلوا عليه فكلموه وساءلوه ثم قال لهم: أي رجل الحصين بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وعالمنا. فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله، واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون إنه لرسول الله، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة، اسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به وأصدقه وأعرفه. قالوا: كذبت، ثم وقعوا في، فقلت: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت وأهل كذب وغدر وفجور؟ قال: فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها. وحدث عوف بن مالك قال: انطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وأنا معه حتى دخلنا كنيسة بالمدينة يوم عيدهم، فكرهوا دخولنا عليهم. فقال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلاً منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضبه عليه، فاسكتوا، ما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثم تلبث فلم يجبه أحد فقال: أبيتم، فوالله إني لأنا الحاشر والعاقب وأنا المقفي، النبي المصطفى، لآمنتم أو كذبتم. ثم انصرف وأنا معه حتى أردنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفنا، فقال: كما أنت يا محمد، فقال ذاك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود قالوا: والله ما نعلم فينا رجلاً أعلم بكتاب الله، ولا أفقه منك ولا من أبيك من قبلك ولا من جدك قبل أبيك. قال: فإني أشهد الله أنه نبي الله الذي تجدون في التوراة. قالوا له: كذبت، ثم ردوا عليه وقالوا فيه شراً. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كذبتم لن نقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن كذبتموه، قلتم فيه ما قلتم، فلن نقبل قولكم. قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا وابن سلام فأنزل الله عز وجل فيه: " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ". وعن الضحاك في تفسير هذه الآية قال: قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله، إن اليهود أعظم قومٍ عضيهة فسلهم عني وخذ عليهم ميثاقاً إني إن

اتبعك وآمنت بكتابك أن يؤمنوا بك وبكتابك الذي أنزل إليك، وأخبأني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك، فأرسل إلى اليهود فقال: ما تعلمون عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وأعلمنا بكتاب الله، سيدنا وعالمنا وأفضلنا قال: أرأيتم إن شهد أني رسول الله وآمن بالكتاب الذي علي تؤمنون بي؟ قالوا: نعم. فدعاه فخرج عليهم عبد الله فقال: يا عبد الله بن سلام، أما تعلم أني رسول الله؟ تجدوني مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، أخذ الله أن تؤمنوا بي أن يتبعني من أدركني منكم؟ قال: بلى، قالوا: ما نعلم أنك رسول الله وكفروا به، وهم يعلمون أنه رسول الله، وأن ما قال حق، فأنزل الله عز وجل: " قل أرأيتم إن كان من عند الله " يعني الكتاب والرسول " وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " يعني: عبد الله بن سلام " فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشهد لأحد أنه من أهل الجنة إلا الجنة إلا لعبد بن سلام. زاد في حديث آخر: وفيه نزلت هذه الآية: " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ". وعن سعد: دفعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده فضلة من طعام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليطلعن عليكم من هذا الفج رجل يأكل هذه الفضلة من أهل الجنة. قال: فمررت بعمير بن مالك وهو يتوضأ فقلت في نفسي: هوصاحبها، فجعلنا نتشوف شخوص من يطلع علينا، فطلع عبد الله بن سلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا له بالفضلة يأكلها. وفي رواية: فأكلها. وعن خرشة بن الحر قال: كنت جالساً في حلقة في مسجد المدينة، وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد الله بن سلام. قال: فجعل يحدثهم حديثاً حسناً. قال: فلما قام القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. قال: فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته.

قال: فاتبعته فانطلق حتى كاد يخرج من المدينة ثم دخل منزله، فاستأذنت عليه فأذن لي فقال: ما حاجتك يا بن أخي؟ قلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فأعجبني أن أكون معك، فقال: الله أعلم بأهل الجنة وسأحدثك مم قالوا ذاك: إني بينا أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم، قال: فأخذ بيدي فانطلقت معه فإذا أنا بجواد عن شمالي فقال: لا تأخذ فيها فإنها طرق أصحاب الشمال. قال: وإذا أنا بجواد منهج عن يميني فقال لي: خذ هاهنا. قال: فأتى بي جبلاً فقال لي: اصعد. قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي حتى فعلت ذلك مراراً، قال: ثم انطلق بي حتى أتى عموداً رأسه في السماء وأسفله في الأرض وفي أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد بي فوق هذا، فقلت له: كيف أصعد فوق هذا ورأسه في السماء؟! فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا متعلق بالحلقة. قال: ثم ضرب العمود فخر. قال: وبقيت متعلقاً بالحلقة حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقصصتها عليه. قال فقال: وأما الطريق التي رأيت عن يسارك فهي طرق أصحاب الشمال. قال: وأما الطرق التي رأيت عن يمينك فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منازل الشهداء ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام لم تزل متمسكاً بها حتى تموت، ثم قال: أتدري كيف خلق الله الخلق؟ قال: قلت: لا، قال: خلق الله آدم فقال: تلد فلاناً وتلد فلاناً، ويلد فلان فلاناً، ويلد فلان فلاناً. أجله كذا وكذا، وعمله كذا وكذا، ورزقه كذا وكذا، ثم ينفخ فيه الروح. وعن يزيد بن عميرة السكسكي وكان تلميذاً لمعاذ بن جبل: فلما حضرت معاذاً الوفاة قعد يزيد عند رأسه يبكي فنظر إليه معاذ فقال: ما يبكيك؟! فقال له يزيد: أما والله ما أبكي لدنيا كنت أصبتها معك، ولكني أبكي لما فاتني من العلم فقال له معاذ: إن العلم كما هو لم يذهب، فاطلب العلم بعدي عند أربعة، ثم سماهم فيهم عبد الله بن سلام الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو عاشر عشرة في الجنة.

وفي حديث آخر عن يزيد أيضاً: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا. قال: التمسوا العلم عند أبي الدراء، وسلمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه عاشرة في الجنة. قال الأعرج: كان مجاهداً يقرأ: " ومن عنده علم الكتاب " قال: وكان يقول: هو عبد الله بن سلام. وعن عبد الله بن سلام: أنه جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني قرأت القرآن والتوراة فقال: اقرأ بهذا ليلة، وبهذا ليلة. قال عبد الله بن المغفل: كان عبد الله بن سلام، وذكر عنه حديثاً في نهيه عن قتل عثمان وقوله لعلي بن أبي طالب: لا تأت العراق، وعليك بمنبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالزمه، ولا أدري هل ينجيك، فإن تركته لا تراه أبداً، فقال من حوله: دعنا فلنقتله، فقال علي: دعوا عبد الله بن سلام فإنه منا رجل صالح. زعم عبد الله بن حنظلة أن عبد الله بن سلام مر في السوق وعليه حزمة من حطب فقيل له: أليس قد أغناك الله عن هذا؟! قال: بلى، ولكني أردت أن أقمع الكبر، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر. وحدث بكير بن الأشج أن عبد الله بن سلام خرج من حائط بحزمة حطب يحملها، فلما أبصره الناس قالوا: يا أبا يوسف، قد كان في ولدك وعبيدك من يكفيك هذا! قال: أردت أن أجرب قلبي هل ينكر هذا.

وشهد عبد الله بن سلام فتح نهاوند. قال هشام بن محمد: نبئت أن عبد الله بن سلام قال: إن أدركني وليس بي ركوب فاحملوني حتى تضعوني بين الصفين. يعني: قبال الأعماق. كان عبد الله بن سلام إذا دخل المسجد سلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وإذا خرج سلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعوذ من الشيطان. وحدث يحيى بن أبي كثير أن عبد الله بن سلام صك غلاماً صكة، فجعل يبكي ويقول: اقتص مني فيقول الغلام: لا أقتص من سيدي. قال ابن سلام: كل ذنب يغفره الله إلا صكة الوجه. قال أبو بردة: قدمت المدينة فإذا عبد الله بن سلام جالس في حلقة، متخشع، عليه سيماء الخير، فقال: يا أخي، جئت ونحن نريد القيام، قال: فأذنت له - أو قال: أو قلت له: إذا شئت - فقام فاتبعته حتى انتهيت إلى منزله. قال: من أنت؟ قلت: أنا ابن أخيك، أبو بردة بن أبي موسى. قال: فرحب بي، وسألني وسقاني قدحاً من سويق فشربته، ثم قال: إنكم بأرض الريف، وإنكم تساكنون الدهاقين فيهدون لكم حملان القت والدواخل فلا تقربوها فإنها نار. توفي عبد الله بن سلام بالمدينة سنة ثلاث وأربعين في خلافة معاوية بن أبي سفيان.

عبد الله بن الشاعر السكسكي

عبد الله بن الشاعر السكسكي كان بدمشق. وأظنه من أهل حمص. حدث حوشب بن سيف قال: غزا الناس في زمان معاوية وعليهم عبد الرحمن بن خالد فغل رجل من المسلمين مئة دينار رومية. فلما قفل الجيش قدم الرجل فأتى عبد الرحمن بن خالد فأخبره خبره وسأله أن يقبلها منه. فأبى وقال: قد تفرق الجيش فلن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل يستقرئ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقولون له مثل ذلك. فلما قدم دمشق دخل على معاوية فذكر ذلك له فقال له مثل ذلك: فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال أمطيعي أنت يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فانطلق إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك، فادفع إليه عشرين ديناراً، وانظر الثمانين الباقية فتصدق بها عن ذلك الجيش؛ فإن الله يقبل التوبة عن عباده وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم. ففعل الرجل، فقال معاوية: لأن أكون أفتيته بها أحب إلي من كل شيء أملكه. أحسن الرجل. عبد الله بن شداد بن الهاد واسمه أسامة بن عمرو بن عبد الله بن جابر ويقال: خالد بن بشر بن عتوراة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن علي أبو الوليد الليثي المدني. وفد على معاوية. حدث عبد الله بن شداد عن علي قال: ما سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفدي أحداً بأبويه إلا سعد، فإني سمعته يوم أحد يقول: ارم فداك أبي وأمي.

وحدث عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: إنما حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب. روى هذا الحديث مرة: المسكر. وقيل: السكر. حدث عبيد الله بن عياض بن عمر القاري قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن جلوس عندها مرجعه من العراق، ليالي قتل علي عليه السلام فقالت له: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي؟ قال: ومالي لا أصدقك؟ قالت: فحدثني عن قصتهم. قال: فإن علياً عليه السلام لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، فنزلوا بأرض يقال لها: حرواء من جانب الكوفة، وإنهم عتبوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله واسم سماك الله به، ثم انطلقت فحكمت في دين الله، ولا حكم إلا لله، فلما أن بلغ علياً ما عتبوا عليه، وفارقوه عليه قام فأذن مؤذن بأن لا يدخل على أمير المؤمنين رجل إلا رجلاً قد حمل القرآن. فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه، فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف، حدث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه، إنما هو مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فما تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله عز وجل في كتابه في امرأة ورجل: " وإن خفتم شقاق بينهما " فأمة محمد أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل، ونقموا علي أن كاتبت معاوية. كتبت: علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: كيف تكتب؟ فقال: اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكتبه. ثم قال فاكتب محمد رسول الله،

فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشاً. يقول الله عز وجل في كتابه: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ". فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ما يعرفه به. هذا ممن نزل فيه وفي قومه: " قوم خصمون " فردوه إلى أصحابه، ولا تواضعوه كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: والله لنواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف، كلهم تائب فيهم ابن الكوا حتى أدخلهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً، وتقطعوا سبيلاً أو تظلموا ذمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكمالحرب على سواء " إن الله لا يحب الخائنين ". فقالت له عائشة: يا بن شداد، فقد قتلهم، فقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة. فقالت: آلله؟ قال: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون ويقولون: ذو الثدي وذو الثدي؟ قال: قد رأيته وقمت مع علي عليه في القتلى، فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي. ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذلك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله. يرحم الله علياً، إنه كان من

كلامه، لا يرى شيئاً يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله، فيذهب أهل العراق يكذبون عليه، ويزيدون عليه في الحديث. قيل: إن الهاد جد عبد الله، إنما سمي بذلك لأنه كان يهدي الناس. وأم عبد الله بن شداد: سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس الخثعمية. قال محمد بن سعد بن سعد: في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة: عبد الله بن شداد بن أسامة بن عمرو - وعمرو هو الهاد - بن عبد جابر. وإنما سمي عمرو الهاد لأنه كان يوقد ناره ليلاً للأضياف ولمن سلك الطريق. وكان عبد الله بن شداد مع علي يوم النهر، ولقي عمر بن الخطاب وجماعة وكان شيعياً. وكان يأتي الكوفة كثيراً. فينزلها، وخرج فيمن خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقتل يوم دجيل سنة إحدى وثمانين. وروي عن شعبة قال: قدم عبد الله بن شداد وعبد الرحمن بن أبي ليلى اقتحم بهما فرساهما الفرات فذهبا، يوم الجماجم سنة ثلاث وثمانين. قال عطاء بن السائب: سمعت عبد الله بن شداد بن الهاد يقول: لوددت أني أقمت على المنبر من غدوة إلى الظهر فأذكر فضائل علي ثم أنزل فيضرب عنقي.

عبد الله بن شقيق أبو الرحمن العقيلي

عبد الله بن شقيق أبو الرحمن العقيلي من أهل البصرة. قدم الشام واجتاز بدمشق. قال عبد الله بن شقيق: سألت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرن بين السور؟ قالت: المفصل. قلت: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي جالساً؟ قالت: حين حطمه الناس. قلت: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم شهراً معلوماً سوى رمضان؟ قالت: لا والله، ما صام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهراً معلوماً. سوى رمضان، يصومه كله حتى يصيب منه. وعن عبد الله بن شقيق قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنة، فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتني وما لنا ثياب إلا البراد المتفتقة. وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاماً يقيم به صلبه، حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشده على أخمص بطنه؛ ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه. فقسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم بيننا تمراً فأصاب كل إنسان منا سبع تمرات فيهن حشفة، فما يسرني أن لي مكانها تمرة جيدة. قال: قلت: لم؟ قال: تشد لي من مضغي. قال: فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الشام، قال: فقال لي: هل رأيت حجر موسى؟ قلت: وما حجر موسى؟ قال: إن بني إسرائيل قالوا لموسى قولاً تحت ثيابه في مذاكره، قال: فوضع ثيابه على صخرة وهو يغتسل. قال: فسعت بثيابه. قال: فتبعها في أثرها وهو يقول: يا حجر، ألق ثيابي، يا حجر، ألق ثيابي، حتى أتت به على بني إسرائيل فرأوه سوياً حسن الخلق فلجته ثلاث كحبات. فوالذي نفس أبي هريرة بيده لو كنت نظرت لرأيت كحبات موسى فيه. وحدث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بادروا الصبح بالوتر.

عبد الله بن شوذب أبو عبد الرحمن الخراساني البلخي

كان عبد الله بن شقيق عثمانياً، يبغض علياً. قال يحيى بن معين: عبد الله بن شقيق، من خيار المسلمين لا يطعن في حديثه. وقال الجريري: كان عبد الله بن شقيق مجاب الدعوة، كانت تمر به السحابة فيقول: اللهم لا تجوز موضع كذا وكذا حتى تمطر، فلا تجاوز ذلك الموضع حتى تمطر. توفي عبد الله بن شقيق في ولاية الحجاج، وقال خليفة: توفي بعد المئة. عبد الله بن شوذب أبو عبد الرحمن الخراساني البلخي سكن البصرة، وانتقل إلى الشام، وسكن بيت المقدس، وقدم دمشق وسمع بها. حدث ابن شوذب عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. قال ابن شوذب: كنا عند مكحول ومعنا سليمان بن موسى، فجاء رجل فاستطال على سليمان، وسليمان ساكت، فجاء أخ لسليمان فرد عليه. فقال مكحول: لقد ذل من لا سفيه له. ذكر ابن شوذب أن مولده سنة ست وثمانين. وثقه جماعة. قال كثير بن الوليد: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة.

عبد الله بن شيبة بن عثمان

وعن ابن شوذب قال: يقول الله عز وجل: ما أنصفني ابن آدم، يدعوني فأستحي منه، ويعصيني ولا يستحيي مني. قال ابن شوذب: كان بمكة رجل يطعم الطعام. قال: فشكته قريش إلى هشيم قالوا: يزدري بنا، قال: فنهاه هشيم أن يطعم إلا في جفنة واحدة. قال: فأخذ جفنة شبه السفينة، فكان يطعم الناس فيها الحيس والتمر بمنى، وكان يجلس في صدرها، فكلما نفذ أمدهم بالحيس والتمر. قال: فمررت مع أيوب السختياني عليه، فنظر إليه، فجعل يدعو له ويعجب بفعاله. توفي ابن شوذب سنة ست وخمسين ومئة. أو أول سنة سبع وخمسين ومئة. عبد الله بن شيبة بن عثمان ابن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ابن قصي بن كلاب القرشي العبدي الحجبي وهو عبد الله الأصغر المعروف بالأعجم من أهل مكة. وفد على سليمان بن عبد الملك يشكو عامله على مكة خالد بن عبد الله القسري. قال محمد بن سلام الجحمي: كان خالد على مكة أيام سليمان بن عبد الملك، وكانت ولايته للوليد قبل ذلك، فعتب على رجل من بني عبد الدار يقال له: عبد الله بن الأعجم بن شيبة بن عثمان، فحبسه فأرسل ابن ابنه محمد بن طلحة بن عبد الله - وكنت معه إلى سليمان، فكتب له سليمان إلى خالد كتاباً أنه لا سلطان لك عليه، ولا على أحد من بني شيبة.

قال ابن سلام: فسمعت يونس يقول: فقدم الكتاب على خالد، فحبسه وضربه مئة سوط، فأتى الشيبي سليمان، فأراه ظهره وأرسل بثوبه مع ابنه متزملاً بالدماء، فكتب سليمان إلى طلحة بن داود الحضرمي - وكان قاضي مكة - يأمره إن كان خالد ضربه بعد قراءة الكتاب أن يقطع يده، وإن كان ضربه قبل قراءة الكتاب أن يضربه مئة سوط، ويسهد ثلاث ليال. قال محمد بن عائشة: فشهد له رجلان ضخمان: داود بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان يلي أمر زمزم، فكان يقيم بمكة، وعبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز، شهدا أن خالداً ضربه قبل قراءة الكتاب، فضربه طلحة مئة سوط وسهد فكان يقول: التسهيد أشد علي من الضرب. فمر به الفرزدق وهو يضرب فقال: ضم إليك جناحك يا بن النصرانية. قال خالد: فانتفعت بما قال، فقال الفرزدق: لعمري لقد صبت على ظهر خالدٍ ... شآبيب ما استهللن من سبل القطر وعمري لقد سار ابن شيبة سيرةً ... أرتك نجوم الليل ضاحية تجري أتضرب في العصيان من ليس عاصياً ... وتعصي أمير المؤمنين، أخا قسر؟! وكان سليمان أمر بقطع يده البتة، فكلمه يزيد بن المهلب فصار إلى ما صار إليه. وقيل: إن يزيد بن المهلب قبل يده. وقال الفرزدق: سلوا خالداً لا قدس الله خالداً ... متى ملكت قسر قريشاً تدينها أقبل رسول الله أم بعد عهده ... أم أضحت قريش قد أغث سمينها وأم عبد الله بن شيبة: لبنى بنت شداد بن قيس بن الأوبر بن أبان بن صفوان، من بني الحارث بن كعب.

عبد الله بن صالح بن جرير

عبد الله بن صالح بن جرير أبو محمد. لقبه: عبيد حدث عبد الله بن صالح عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى جابر بن عبد الله أن رجلاً أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن وقت الصلاة، فسكت عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن بلال بصلاة الظهر حين زالت الشمس، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة، فصلى. ثم أذن بلال بالعصر حين ظننا أن ظل الرجل قد كان أطول منه، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة. ثم أذن بلال بالمغرب حين غابت الشمس. وأفطر الصائم، فأمره فأقام الصلاة. ثم أذن بلال بالعشاء - وهي العتمة - حين ذهب بياض النهار، - وهو الشفق - فيما يرى، فأمره فأقام الصلاة. ثم أذن بلال بالفجر حين تبين الفجر، فأمره فأقام الصلاة فصلى. ثم أذن بلال للغد لصلاة الظهر حتى دلكت الشمس فأخرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننا أن ظل الرجل قد صار مثله، فأمره فأقام الصلاة، فصلى. ثم أذن بالعصر فوخر بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننا أن ظل الرجل قد صار مثليه، فأقام الصلاة، فصلى. ثم أذن المغرب فأخر بنا حتى كاد يذهب بياض النهار، - وهو الشفق - فيما نرى نحن، فأمره، فأقام الصلاة. ثم أذن بالعشاء - وهي العتمة - حين ذهب بياض النهار. فنمنا ثم قمنا. مراراً. ثم خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الناس قد صلوا ورقدوا. وإنكم لا تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة. لولا أن أشق على أمتي لأخرت الصلاة إلى هذا الحين. ثم صلى قريباً من نصف الليل - أو قبل أن ينتصف - ثم أذن بلال بالفجر، فأخرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أسفر الصبح ورأى الرامي مواقع نبله، ثم صلى، ثم التفت إلى الناس - يعني - فقال: أين سائلي عن وقت الصلاة؟ فقال: هذا أنا يا رسول الله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما بين هذين الوقتين وقت الصلوات. وحدث عبد الله بن صالح بن جرير عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم.

عبد الله بن صالح بن علي

عبد الله بن صالح بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي كان مع أبيه بالحميمة من أرض الشراة من نواحي البلقاء. وكان عظيم القدر كبير المحل. حدث عبد الله بن صالح سنة اثنتين وستين ومئة عن عمه سليمان بن علي عن عكرمة قال: إني لمع ابن عباس بعرفة إذا فتية أدمان يحملون فتى في كساء، معرورق الوجه، ناحل البدن، وله حلاوة، حتى وضعوه بين يدي ابن عباس وقالوا له: استشف له يا بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ابن عباس وما به؟ فأنشأ الفتى يقول: بنا من جوى الأحزان والوجد لوعةً ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب ولكنما أبقى حشاشة معول ... على بابه عود هناك صليب فأقبل ابن عباس على عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسدبن عبد العزى فقال: أخذ هذا البدوي العود علينا وعليك. قال: فحملوه فخفت في أيديهم فمات. فقال ابن عباس: هذا قتيل الحب لا عقل ولا قود. قال عكرمة: فما رأيت ابن عباس سأل الله في شيء إلا العافية مما ابتلى به الفتى. قال عبد الله بن صالح: لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنما يسعى في مضرته ونفعك. قال جعفر بن محمد بن الحارث: قدم عبد الله بن صالح في خلافة الرشيد مدينة السلام، فدخل عليه أحداث من أهل بيته، فرآهم على غير منهاج آبائهم. فلما مضوا من عنده تمثل: سوء التأدب أرداهم وغيرهم ... وقد يشين صحيح المنصب الأدب قال: وسمرت ليلة عند عبد الله بن صالح فذكرنا ما حدث من الاستهتار باللذات فقال عبد الله: ما عرفت فينا - أهل البيت - رجل يشرب نبيذ، ولا استماع غناء حتى ولي، ولقد أدركت من مضى من أهل بيتي يصونون من الدنس أعراضهم، ويحفظون من العار

عبد الله بن صالح بن محمد

أحسابهم، ثم خلفهم كما قال حسان بن ثابت: إني رأيت من المكارم حسبكم ... أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا توفي عبد الله بن صالح بسلمية من أرض حمص سنة ست وثمانين ومئة. عبد الله بن صالح بن محمد ابن مسلم أبو صالح المصري الجهني مولاهم، كاتب الليث بن سعد قدم دمشق مع الليث بن سعد متوجهاً إلى العراق. حدث عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح أن العلاء بن الحارث بن الحارث حدثه عن مكحول أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجهاد واجب عليكم مع كل بر وفاجر، وإن هو عمل الكبائر. والصلاة واجبة عليكم، على كل مسلم يموت، براً كان أو فاجراً وإن هو عمل الكبائر. وحدث عبد الله بن صالح عن ليث بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن في أحد جناحي الذباب داءً وفي الآخر شفاءً، فإذا وقع في إناء أحدكم فليغطسه ثم يخرجه. حدث الليث بن سعد عن عبد الله بن صالح عمن أخبره يرفع الحديث إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما أعطى أحد أربعة فمنع أربعة: ما أعطي أحد الشكر فمنع الزادة لأن الله تعالى يقول: " لئن شكرتم لأزيدنكم " ومن أعطي الدعاء لم يمنع الإجابة لأن الله تعالى يقول: " ادعوني استجب لكم " وما أعطي أحد الاستغفار ثم منع المغفرة لأن الله تعالى

يقول: " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً " وما أعطي أحد التوبة فمنع التقبل لأن الله تعالى يقول: " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " فسألت أبا صالح عن ذلك فقال: نعم أنا حدثته بذلك. فسألت أبا صالح فحدثني به. قلت: من حدثك؟ قال: حدثني أبو زهير يحيى بن عطارد بن مصعب عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثم ذكر الحديث. وحدث عبد الله بن صالح بن نافع بن يزيد بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين. واختار من أصحابي أربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فجعلهم أصحابي. وفي أصحابي كلهم خير. واختار أمتي على سائر الأمم. قالوا: وهذا الحديث موضوع بطوله. قال أبو صالح، كاتب الليث: ولدت سنة تسع وثلاثين ومئة. وقال في موضع آخر: سنة سبع وثلاثين ومئة. قال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى، ولا يتعشى وحده إلا مع الناس. وكان لا يأكل اللحم إلا أن يمرض. وقال الفضل بن محمد الشعراني: ما رأيت عبد الله بن صالح إلا وهو يحدث أو يسبح. وكان عبد الله بن صالح ثقة مأموناً. قال أبو حاتم: الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه نرى أنها مما افتعله

عبد الله بن صخر

خالد بن نجيح وكان أبو صالح يصحبه. وكان أبو صالح سليم الناحية. وكان خالد بن نجيح يفتعل الحديث، ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلاً صالحاً. وقد طعن فيه قوم. قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث فقال: كان أول أمره متماسكاً ثم فسد بأخرةٍ، وليس هو بشيء. توفي أبو صالح سنة اثنتين وعشرين ومئتين أو بعدها بيسير، وهو ابن خمس وثمانين. وقيل: مات سنة ثلاث وعشرين. وروى ذلك جماعة. عبد الله بن صخر وفد على سليمان بن عبد الملك. وحدث، قال: خرجت من عند سليمان بن عبد الملك في الظهيرة، فإذا رجل يهتف بي: يا عبد الله بن صخر، فالتفت إليه فقال لي: لله أبوك لهذا العدو الذي أتيح لأبوينا وهما في الجنة يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلم يزل يمينهما، ويدليهما بغرور ويقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين حتى أخرجهما مما كانا فيه. ثم ها هو ذا قد نصب لنا فنحن نمد أعيننا إلى ما لم يقسم لنا من الرزق، حتى نقطع أنفسنا دونه، ويزهدنا في الذي قد انتهى إلينا وحوينا من رزق الله حتى تقصر في الشكر. قال: فذهبت لأجيبه فما أدري كيف ذهب. قال: فذكرته فقيل: ذلك الخضر عليه السلام، أو لا نظنه إلا الخضر. قال أبو محمد بن أبي حاتم: عبد الله بن صخر روى كلاماً في الزهد والحكمة عن رجل تراءى له، ثم غاب حتى لا يدري كيف ذهب. فذكر له أنه كان الخضر.

عبد الله بن صفوان بن أمية

عبد الله بن صفوان بن أمية ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح واسمه تيم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. أبو صفوان الجمحي المكي، وهو الأكبر، من ولد صفوان بن أمية أدرك عصر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفد على معاوية في خلافته، وله بدمشق دار في زقاق صفوان. حدث أمية بن صفوان عن جده عم حفصة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، بأوسطهم، فينادي أولهم وآخرهم فلا ينجو إلا الشريد الذي يخبر عنهم. فقال رجل لجدي: والله، ما كذبت على حفصة، ولا كذبت حفصة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عبد الله بن صفوان عن حفصة بنة عمر قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يأتي جيش من قبل المشرق يريدون رجلاً من أهل مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فرجع من كان أمامهم لينظر ما فعل القوم فيصيبهم ما أصابهم. فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان منهم مستكرهاً؟ قال: يصيبهم كلهم ذلك، ثم يبعث الله عز وجل كل امرئ على نيته. أم عبد الله بن صفوان امرأة من ثقيف. قتل وهو متعلق بأستار الكعبة مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين، وكان عبد الله بن صفوان من سادات قريش، ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثنتين من الهجرة. قال أبو مجلز: سأل رجل ابن عمر عن أعور فقئت عينه الصحيحة، فقال عبد الله بن صفوان: قضى عمر بن الخطاب فيها بالدية. فقال: إياك أسأل! قال: تسألني؛ وهذا يخبرك أن عمر قضى بذلك؟!

قال يزيد بن عياص بن جعدية: لما قدم معاوية مكة لقيته رجال قريش، فلقيه عبد الله بن صفوان على بعير في خفين وعمامة وبت. فساير معاوية، فقال أهل الشام: من هذا الأعرابي الذي يساير أمير المؤمنين؟ فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من غنم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه ألفا شاةٍ أحرزتكها، فقسمها معاوية في جنده. فقالوا: ما رأينا أسخى من ابن عم أمير المؤمنين هذا الأعرابي. وعن جويرية قال: قالت بنات أبي سفيان لمعاوية: يقدم عليك ابن أختك يعنين: عبد الرحمن بن صفوان بن أمية فتؤخره، ويقدم عليك عبد الله بن صفوان فتقدمه؟! قال: فأقعدهن مقعداً جعل بينه وبينهن سداً، فقال: ائذنوا لابن أختي، فأذن له: فلما دخل قال: مرحباً وأهلاً، حاجتك؟! قال: يا أمير المؤمنين، أقطعني كذا وأقطعني كذا، قال: هيه. قال: أقطعني وافعل بي كذا، ثم قال: ائذنوا لعبد الله بن صفوان. فلما أراد أن يدخل قام إليه رجل فقال: حاجتك إلى أمير المؤمنين في هذا القرطاس. فلما دخل قال: هيه، قال: آل فلان بيننا وبينهم من القرابة، وبهم حاجة قال: هيه حسبك لنفسك! قال: لو لم أفد إليك إلا لنفسي ما وفدت أبداً. فلما قدم قال: يا أمير المؤمنين، حاجة هذا الرجل. قال: حسبك، قال: لا والله لا أقبل منك بواحدة إلا بهذه. قال: فدخل على أخوته فقال: أذنت لذاك فما سألني إلا لنفسه، وأذنت لهذا فما سألني إلا لقرابتي. وعن عامر بن حفص التميمي قال: قدم رجل من مكة على معاوية فقال: من يطعم اليوم بمكة؟ قال: عبد الله بن صفوان قال: تلك نار قديمة. قال علي بن سليمان: حضر قوم من قريش مجلس معاوية، فيهم عمرو بن العص وعبد الله بن صفوان بن

أمية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقال عمرو: احمدوا الله يا معشر قريش إذ جعل ولي أمركم من يغض على القذى، ويتصام عن العوراء، ويجر ذيله على الخدائع. فقال عبد الله بن صفوان: لو لم يكن كذلك لمشينا إليه الضراء ودببنا إليه الخمر، وقلبنا له ظهر المجن، ورجونا أن يقوم بأمرنا من لا يطعمك مال مضر. فقال معاوية: حتى متى لا تنصفوا من أنفسكم؟! فقال عبد الرحمن بن الحارث: إن عمراً وذويه أفسدوك علينا، فأفسدونا عليك، ما كان عليك لو أغضيت على هذه، فقال: إن عمراً ناصح لي. قال عبد الرحمن: فأطعمنا مثل ما أطعمته ثم خذنا بمثل نصيحته، إنا رأيناك يا معاوية تضرب عوام قريش بأياديك في خواصها، كأنك ترى أن كرامها حازوك عن لئامها، وايم الله لتفرغن من إنائهم في إناء ضخم، وكأنك بالحرب قد حل عقالها عليك، ثم لا ينظر لك. فقال له معاوية: يا بن أخي، ما أحوج أهلك إليك. معناه؛ إنني لا أقتلك ثم أنشأ يقول: غر رجالاً من قريش تتايعوا ... على سفهٍ مني الحيا والتكرم قدم على معاوية وفد من قريش فيهم عبد الله بن جعفر وابن الزبير وعبد الله بن صفوان بن أمية فوصلهم، وفضل عبد الله بن جعفر، فقال عبد الله بن صفوان: يا أمير المؤمنين، إنما صغرت أمورنا عندك، وحقت حقوقنا عليك إذ لم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، ولو كنا فعلنا ذلك كنا كابن جعفر، فقال معاوية: إني أعطيكم بين رجلين: إما معدم أعطيته يخزن، أو مضمر لها مع بخل به، وإن ابن جعفر ارتجىيعطي مما يأخذ، ثم لا يأتينا حتى يدان بأكثر مما أخذ. فخرج ابن صفوان وهو يقول: إن معاوية: إن معاوية ليحرمنا حتى نيأس، ويعطينا حتى نطمع. قال أبو عبد الله الأزدي: وفد المهلب بن أبي صفرة على عبد الله بن الزبير، فأطال الخلوة معه، فجاء ابن

صفوان فقال: من هذا الذي قد شغلك منذ اليوم يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا سيد العرب بالعراق، قال: ينبغي أن يكون المهلب، قال: فهو المهلب بن أبي صفرة، فقال المهلب: من هذا الذي يسألك عني يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا سيد قريش بمكة. قال: ينبغي أن يكون عبد الله بن صفوان. قال ابن مليكة: كان عمر بن عبد العزيز يقول لي: ما بلغ ابن صفوان ما بلغ؟ قلت: أجل، سأخبرك، والله لو أن عبداً وقف عليه يسبه ما استنكف عنه ابن صفوان، وسأخبرك عنه: إنه لم تكن تأتيه قط إلا كان أول خلق الله تسرعاً إليه الرجال، ولم يسمع بمفازة إلا حفرها ولا ثنية إلا سهلها، وكنتم تقدمون علينا هاهنا فيكون أولنا عليكم دخولاً، وآخرنا من عندكم خروجاً، وكنتم تحسبوننا بعطائنا، فيصيح بكم وأنتم بالشام ونحن بمكة فتخرجونها له، فبهذا بلغ. أقبل أبو حميد بن داود بن قيس بن السائب المخزومي على عبد الله بن صفوان بن أمية يشتمه ويقع فيه، وهو جالس في المسجد، وحوله بنوه وأهله فقال: عزمت على رجل منكم أن يجيبه، ثم انصرف، فقالوا له: لم نر مثل تركك هذا يشتمك، فأمر له بصلة مكانه. فأقبل عليه بعد ذلك فقال: أشتمك وتصلني؟! قال: تريد أن تزيل الحبال؟. وتناول رجل من أهل مكة ابناً لعبد الله بن صفوان ببعض ما يكره، فأمسك عنه الفتى. فقال مجاهد: لقد أشبه أباه في الحلم والاحتمال. كان محمد بن الحنفية عند ابن عباس وقد جاءهم نعي الحسين بن علي عليه السلام، وعزاهم الناس، فقال ابن صفوان: إنا لله وإنا إليه راجعون، أي مصيبة! يرحم الله أبا عبد الله، وآجركم الله في مصيبتكم. فقال ابن عباس: يا أبا القاسم، ما هو إلا أن أخرج من مكة، فكنت أتوقع ما أصابه. قال ابن الحنفية: وأنا والله. فعند الله نحتسبه، ونسأله الأجر وحسن الخلف. قال ابن عباس: يا أبا صفوان، أما والله لا يخلد بعد صاحبك

عبد الله بن طاهر بن الحسين

الشامت بموته، فقال ابن صفوان: يا أبا صفوان: يا أبا العباس، والله ما رأيت ذلك منه، ولقد رأيته محزوناً بمقتله، كثير الترحم عليه. قال: يريك ذلك لما يعلم من مودتك لنا، فوصل الله رحمك، لا يحبنا ابن الزبير أبداً. قال ابن صفوان: فجد بالفضل فأنت أولى به منه. كان عبد الله بن صفوان ممن يقوي أمر عبد الله بن الزبير، فقال له عبد الله بن الزبير: قد أذنت لك وأقلتك بيعتي. قال: إني والله ما قاتلت معك لك، ما قاتلت إلا عن ديني، فأبى أن يقبل الأمان حتى قتل هو وابن الزبيرمعاً في يوم واحد، وهو متعلق بأستار الكعبة. وله يقول الشاعر: كرهت كتيبة الجمحي لما ... رأيت الموت سال به كداء فليت أبا أمية كان فينا ... فيعذر أو يكون له غناء قال يحيى بن سعد: رأيت رأس عبد الله بن مطيع أتي به إلينا إلى المدينة ورأس عبد الله بن الزبير ورأس عبد الله بن صفوان. ولم يؤت من الرؤوس بغير رؤوس هؤلاء. عبد الله بن طاهر بن الحسين ابن مصعب بن زريق بن أسعد أبو العباس الخزاعي الأمير ولاه المأمون دمشق ومصر، وقدم دمشق مجتازاً إلى مصر، وكان جواداً عادلاً. حدث عبد الله بن طاهر عن أبيه بسنده إلى عبد الله بن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل سائل كل راع استرعاه رعية، قلت أو كثرت، حتى يسأل الزوج عن زوجته، والوالد عن ولده، والرب عن خادمه، هل أقام فيهم أمر الله. " كان عبد الله بارع الأدب، حسن الشعر، نبيهاً في نفسه. تنقل في الأعمال الجليلة شرقاً وغرباً، قلده المأمون مصر والمغرب، ثم نقله عنها إلى خراسان بعد وفاة أبيه. ومولده سنة ثلاث وثمانين ومئة. وتوفي عبد الله بنيسابور في خلافة الواثق سنة ثلاثين ومئتين،

وسنه سبع وأربعون سنة. وكان إليه وقت وفاته الشرطتان، بمدينة السلام وسر من رأى. والحرب بطساسيج السواد وخليفته على ذلك إسحاق بن إبراهيم المصعبي وكان له الحرب والخراج بخراسان وأعمالها بجانبي النهر، وطبرستان وجرجان والري وأعمالها، ورثاه جماعة من الشعراء منهم علي بن الجهم، والحسن بن وهب الكاتب، وعمارة بن عقيل وغيرهم. وعبد الله هو القائل للمعتصم: البسيط: إن التي أمطرت بالند صوب ردى ... باتت تألق بالقاطول للروم. إن الفتوح على قدر الملوك ... وهمات الولاة وإقدام المقاديم. وله: الطويل: يبيت ضجيعي السيف طوراً وتارة ... تعض بهامات الرجال مضاربه. أخو ثقة أرضاه في الروع صاحباً ... وفوق رضاه أنني أنا صاحبه. وكان عبد الله بن طاهر أحد الأجواد الممدحين والسمحاء المذكورين. قال أبو نصر بن ماكولا: رزيق بتقديم الراء: جد الحسين بن مصعب بن رزيق بن أسعد. وكان أسعد مولى لسعد بن أبي وقاص. ويزعم أن اسمه كان آزاد مرد بن فرخان بن هرمزدان. وذكر قوم أن رزيقاً كان نوبياً مزنياً. ذكر ذلك ابن أبي معدان في تاريخ مرو. وهو والد طاهر بن الحسين الأمير. قال إسحاق بن راهويه: سألني عبد الله بن طاهر: متى مات عبد الله بن المبارك؟ فقلن له: مات سنة اثنتين وثمانين ومئة. قال: ذلك مولدي.

قال أحمد بن سعيد الرباطي: قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد، إنكم تبغضون هؤلاء القوم يعني المرجئة جهلة، وأنا أبغضهم عن معرفة. وإن أول أمرهم أنهم لا يرون للسلطان طاعة، والثاني: ليس للإيمان عندهم قدر، والله، لا أستجير أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريل وميكائيل. قال عبد الله بن طاهر: لا تمنعوا العلم طالبه، فإنه أوحش جانباً من أن يستقر إلا عند أهله. قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: غلب عبد الله بن طاهر على الشام، ووهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنالك، ففرقه على القواد، ثم وقف على باب مصر فقال: أخزى الله فرعون ما كان أخسه وأدنى همته، ملك هذه القرية فقال: أنا ربكم الأعلى. والله لادخلتها. قالت فاطمة امرأة يحيى من حديث: قام يحيى ليلة لورده. فلما فرغ منه يقرأ في المصحف، فدخل عبد الله بن طاهر عليه. فلما قرب منه وسلم قام إليه والمصحف في يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها، ثم وضع المصحف، واعتذر إلى الأمير وقال: لم أشتغل عنه تهاوناً بحقه، إنما كنت افتتحت سورة فختمتها. فقعد عبد الله ساعة يحدثه ثم قال له: ارفع إلينا حوائجك، فقال: وهل يستغنى عن السلطان أيده الله؟ وقد وقعت لي حاجة في الوقت. فإن قضاها رفعتها، فقال: مقضية ما كانت، فقال أبو زكريا: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير، فلم أعانيها إلا ساعتي هذه، وحاجتي إليك أن لا تركب ما يحرق المحاسن بالنار. فأخذ الأمير عبد الله بن طاهر في البكاء حتى قام يبكي. ورد رجل من هراة فرفع قصته إلى عبد الله بن طاهر. فلما قدم بين يديه قال: من

خصمك؟ قال: الأمير أيده الله. قال: ما الذي تدعي علي؟ قال: ضيعة لي بهراة غصبنيها والد الأمير، وهي اليوم في يده. قال. قال: ألك بينة؟ قال: إنما تقام البينة بعد الحكومة إلى القاضي. فإن رأى الأمير أيده الله أن يحملني وإياه على حكم الإسلام. قال: فدعا عبد الله بن طاهر بالقاضي نصر بن زياد ثم قال للرجل: ادع. قال: فادعى الرجل مرة بعد أخرى. فلم يلتفت إليه نصر بن زياد، ولم يسمع دعواه، فعلم الأمير أنه قد امتنع عن استماع الدعوى حتى يجلس الخصم مع المدعي، فقال عبد الله بن طاهر من مجلسه حتى جلس مع خصمه بين يديه، فقال نصر للمدعي: ادع فقال: أدعي أيد الله القاضي أن ضيعة لي بهراة وذكرها بحدودها وحقوقها، هي لي في يدي الأمير، فقال له الأمير عبد الله بن طاهر: أيها الرجل، قد غيرت الدعوى إنما ادعيت أولاً على أبي، فقال الرجل: لم أشته أن أفضح والد الأمير في مجلس الحكم، ادعي أن والد الأمير قد كان غصبني عليها، وإنها اليوم في يد الأمير، فسأل نصر بن زياد عبد الله بن طاهر عن دعواه فأنكره، فالتفت إلى الرجل فقال: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فما الذي تريده؟ قال: يمين الأمير بالله الذي لا إله إلا هو قال: فقال الأمير إلى مكانه وأمر الكاتب ليكتب إلى هراة برد الضيعة عليه. قال المأمون لعبد الله بن طاهر: أيما أطيب: مجلسي أو مجلسك؟ قال: ما عدلت بك يا أمير المؤمنين شيئاً. فقال: ليس إلى هذا ذهبت، إلى الموافقة في العيش واللذة قال: منزلي يا أمير المؤمنين. قال: ولم ذاك؟ قال: لأني فيه مالك، وانا ها هنا مملوك. قال أحمد بن أبي داؤد: خرج دعبل بن علي إلى خراسان فنادم عبد الله بن طاهر، فأعجب به فكان في كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً، وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمئة وخمسين ألف درهم. فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل

يوم منادمته في بعض الخانات. فطلبه، فلم يقدر عليه فشق عليه. فلما كان من الغد كتب: الطويل: هجرتك، لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل يرتجى منك الزيادة بالكفر؟ ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر فم الآن لا آتيك إلا معذراً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر فإن زدت في بري تزيدت جفوة ... ولم نلتق حتى القيامة والحشر وقد حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يشكر الله عز وجل، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير. " فوصله بثلاث مئة ألف درهم. وانصرف. لما قدم عبد الله بن طاهر من خراسان اعترضه دعبل الشاعر، فأنشأ يقول: المنسرح: جئتك مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب فاقض دمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب قال: يا غلام، أعطه عشرة آلاف درهم. قال: فأعطاه وكتب إليه من الكامل أعجلتنا فأتلك عاجل برنا ... ولو انتظرت كثيره لم يقلل فخذ القليل وكن كمن لم يسأل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل حدث محمد بن الفضل بن محمد بن منصور قال: لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ونحن معه سوغه المأمون خراجها سنة، فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه ما يصنع عبد الله بن طاهر بالناسفي الجوائز، وكان عليه واجداً، فوقف بين يديه تحت

المنبر قفال: أصلح الله الأمير، أنا معلى الطائي ما كان مني من جفاء وغلظ، فلا تعجله علي قلبك ولا يستخفنك ما قد بلغك، انا الذي أقول: البسيط: يا أعظم الناس عفواً عند مقدرة ... وأظلم الناس عند الجود للمال لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهباً ... لما أشرت إلى خزن بمثقال تعنى بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيء أعاض الحمد بالغالي تفك باليسر كف العسر في زمن ... إذا استطال على قوم بإقلال لم تخل كفك من جود لمختبط ... أو مرهف قاتل في رأس قتال وما بثثت رعيل الخيل في بلد ... إلا عصفن بأرزاق وآجال هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال إن كنت منك على بال مننت به ... فكان شكرك من حمدي على بال مازلت مقتضياً لولا مجاهرة ... من ألسن خضن في ضري بأقوال قال: فضحك عبد الله وسر بما كان منه، وقال: يا أبا السمراء، بالله أقرضني عشرة آلاف دينار، فما أمسيت أملكها، فأقرضه، فدفعها إليه. دخل عوف بن ملحم الحراني على عبد الله بن طاهر، فسلم عليه عبد الله فلم يسمع فأعلم بذلك، فزعموا أنه ارتجل هذه القصيدة: السريع: يا بن الذي دان له المشرقان ... طراً وقد دام له المغربان إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان وبدلتني بالشطاط الحني ... وكنت كالصعدة تحت السنان وبدلتني من زمتع الفتى ... وهمتي هم الجبان الهدان

وقاربت مني خطاً لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان وأسبلت بيني وبين الورى ... عنانه من غير نسج العنان ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان أدعو به الله وإنني به ... على الأمير المصعبي الهجان فقرباني بأبي أنتما ... في وطني قبل اصفرار البنان وقبل منعاتي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان جاء أعرابي إلى ابن طاهر وهو راكب فأنشده: الوافر: سألت عن المكارم أين صارت ... فكل الناس أرشدني إليكا فجد لي يا بن طاهر إن فعلي ... سيثني بالذي تولي عليكا فقال له: كم ثمن هذين البيتين؟ قال: ألفا درهم. قال: لقد أرخصت. يا غلام، أعطه أربعة آلاف درهم فقال: البسيط صدقت ظني وظن الناس كلهم ... فأنت أكرمنهم نفساً وأجداداً لا زلت في روضة خضراء واسعة ... وأنت أخضرها روضاً وأعود فقال: يا غلام، أعطه أربعة آلاف أخرى فقال: من الطويل: لو كان قولي بهذا الشعر مستمعاً ... لكنت أحوي خراج الشرق والغرب أنت الكريم الذي يعطي بلا نكد ... وأنت تحيي الذي قد مات من جدب فقال: يا غلام: أعطه أربعة آلاف أخرى، فلما قبضها قال: أيها الأمير فني شعري ولم يضق صدرك. حدث عوف بن ملحم الشيباني قال: عادلت عبد الله بن طاهر إلى خراسان، فدخلنا الري في وقت السحر، فإذا قمرية

تغرد على فنن شجرة فقال عبد الله بن طاهر: أحسن والله أبو كبير الهذلي جيث يقول: الطويل: ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح؟! ثم قال يا عوف: أجز، فقلت: أعز الله الأمير شيخ ثلب حملته على البديهة، ولا سيما في معارضة أبي كبير، ثم انفتح لي شيء فقلت: الطويل: أفي كل يوم غربة ونزوح ... أما للنوى من ونية فنريح؟ لقد طلح البين المشت ركائبي ... فهل أرين البين وهو طليح؟ وأرقني بالري نوح حمامة ... فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعة ... ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامة فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ... فنلقي عصا التطواف وهي طريح فإن الغنى يدني الفتى من صديقه ... وبعد الغنى بالمقترين طروح قال: فأذن لي من ساعتي، ووصلني بمئة ألف درهم، وردني إلى منزلي. الثلب: الهرم: والأسراب: ظهور الماء وما يسرب، فهو مثل هذا. دخل كلثوم العتابي على عبد الله بن طاهر مع أصحاب القصص. فلما نظر إليه قال: حاجتك يا شيخ؟ فأنشأ يقول: الخفيف: حسن ظني وحسن ما عود الله سواي بك الغداة أتى بي أي شيء يكون أحسن من حسن يقين ثنى إليك ركابي؟ قال كلثوم: قال: ألا أتيتنا أول الدهر، وتمر له بألفي دينار. وقيل إن العتابي دخل عليه فأنشده البيتين حسن ظني فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه مرة أخرى فأنشده: السريع:

جودك يكفينيك في حاجتي ... ورؤيتي تكفيك مني السؤال فكيف أخشى الفقر ما عشت لي ... وإنما كفاك لي بيت مال فأجازه أيضاً. ثم دخل عليه اليوم الثالث فأنشده: الخفيف أكسني ما يبيد أصلحك الله فإني أكسوك ما لا يبيد فأجازه وكساه وحمله. قال أحمد بن يزيد ين أسيد السلمي: كنت مع طاهر بن الحسين بالرقة، وأنا أحد قواده، وكانت لي به خاصة أجلس عن يمينه. فخرج علينا يوماً راكباً ومشينا بين يديه وهو يتمثل: الطويل: عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... وأعرض عن ذكر العواقب جانبا سأرحض عني العار بالسيف جالباً ... علي قضاء الله ما كان جالبا فدار حول الرافقة ثم رجع فجلس مجلسه، فنظر في قصص ورقاع فوضع فيها صلات أحصيت ألف ألف وسبع مئة ألف. فلما فرغ نظر إلي مستطعماً الكلام فقلت: أصلح الله الأمير، ما رأيت أنبل من هذا المجلس، ولا أحسن ودعوت له، ثم قلت: لكنه سرف، فقال: السرف من الشرف، فأردت الآية التي فيها " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " فجئت بالأخرى إليها " إن الله لا يحب المسرفين " فقال: صدق الله، وما قلنا كما قلنا. ثم ضرب الدهر حتى اجتمعنا مع ابنه عبد الله بن طاهر في ذلك القصر بعينه، فخرج علينا راكباً وهو يتمثل: البسيط: يا أيها المتمني أن يكون فتى ... مثل ابن ليلى لقد خلى لك السبلا انظر ثلاث خلال قد جمعن له ... هل سب من أحد أو سب أو بخلا

ثم دار حول الرافقة ثم انصرف وجلس مجلسه، وحضرنا، وحضرت رقاع وقصص فجعل يوقع فيها، وأنا أحصي، فبلغت صلاته ألفي ألف وسبع مئة ألف، زيادة ألف ألف على ما وصل أبوه ثم التفت إلي مستطعماً الكلام فدعوت له وحسنت فعاله، ثم أتبعت ذلك بأن قلت له: لكنه سرف، فقال: السرف من الشرف، فقلت: نعم اعز الله الأمير، السرف من الشرف، السرف من الشرف، كررتها. قال: لم كررتها؟ فقالت: حدث الحسين بن منصور عن جماعة من طلبة الحديث قالوا: كنا بالشام أيام عبد الله بن طاهر قال: فأملقنا حتى صرنا في غير نفقة، وكانت العلماء لا تحدث يوم الجمعة، فقلنا لأصحابنا يوم الجمعة: مروا بنا إلى الفرات نغسل هذا الشعث عنا والدنس، فذهبنا إلى الفرات فغسلنا رؤوسنا وثيابنا، فأقبل شاب بين غلالتين يتلوه خادم حتى وقف علينا فقال: من انتم؟ قلنا: شتوت من الناس ونوازع بلدان فقال: من طلبة الحديث؟ قلنا: نعم. فقال: ممن يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؟ قلنا: نعم. قال: فما حالكم في نفقاتكم؟ قلنا: أسوأ حال. فالتفت إلى الخادم فقال: يعطون ألفاً ألفاً. قال: فمر بنا، فألقيت في أكمامنا، ألفاً ألفاً، فقلنا للخادم: من هذا؟ قال: عبد الله بن طاهر. قال سهيل بن ميسرة: لما رجع أبو العباس عبد الله بن طاهر من الشام ارتفع فوق سطح قصره، فنظر إلى دخان يرتفع في جواره فقال لعمرويه: ما هذا الدخان؟ قال: اظن القوم يجيرون قال: ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك؟ ثم دعا حاجبه فقال له: امض ومعك كاتب، فأخص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع، فمضى فأحصاهم فبلغ عدد صغيرهم وكبيرهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم في كل يوم بمنوين خبزاً ومنا لحم، ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مئة وخمسون درهماً وفي الصيف مئة درهم، وكان ذلك دأبه مقامه ببغداد. فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس.

قال علي بن إسحاق: اشترى عبد الله بن طاهر جارية بخمسة وعشرين ألفاً على ابنة عمه فوجدت عليه وقعدت في بعض المقاصير، فمكثت شهرين لا تكلمه فعمل هذين البيتين إلى كم يكون العتب في كل ساعة ... وكم لا تملين القطيعة والهجرا رويدك إن الدهر فيه كفاية ... لتفريق ذات البين فانتظري الدهرا وقال للجارية: اجلسي على باب المقصورة فغني به. فلما غنت بالبيت الأول لم تر شيئاً، فلما غنت البيت الثاني فإذا قد خرجت مشقوقة الثوب حتى اكبت رجليه فقبلتهما. أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى، ثعلب: الطويل يقول رجال إن مرو بعيدة ... وما بعدت مرو وفيها ابن طاهر وأبعد من مرو رجال أراهم ... بحضرتنا معروفهم غير حاضر أنشد أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان الصيدلاني لبعضهم الكامل يا من يؤمل ان تكون خصاله ... كخصال عبد الله أنصت واسمع فلأمحضن لك النصيحة والذي ... حج الحجيج إليه فاقبل أو دع أكرم وعف وكف واحلم واحتمل ... واسمع ودار وهش واصفح واسجع قال عبد الله بن طاهر ذات يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ، فأعاقبك بكذا وكذا، لأمر عظيم، فقال: أيها الأمير، من كانت هذه عقوبته على الخطأ فما ثوابه على الإصابة؟ حكى المبرد عن عبد الله بن طاهر قال: المال غاد ورائح، والسلطان ظل زائل والإخوان كنوز وافرة. ومن شعر عبد الله بن طاهر: الخفيف ليس في كل ساعة وثوان ... تتهيأ صنائع الإحسان فإذا أمكنت تقدمت فيها ... حذراً من تعذر الإمكان

ولعبد الله بن طاهر: البسيط نبهته وظلام الليل منسدل ... بين الرياض دفيناً في الرياحين فقلت: خذ، قال: كفي لا تطاوعني ... فقلت: قم، قال: رجلي لا تواتيني إني غفلت عن الشافي فصيرني ... كما سليب العقل والدين قال محمد بن منصور البغدادي: دخلت على عبد الله بن طاهر وهو في سكرات الموت، فقلت: السلام عليك أيها الأمير فقال: لا تسمني أمير وسمني أسيراً، ولكن اكتب عني بيتين عرضا بقلبي، ما أراهما إلا آخر بيتين أقولهما ثم أنشأ يقول: السريع بادر فقد أسمعك الصوت ... إن لم تبادر فهو الفوت من لم تزل نعمته قلبه ... زال عن النعمة بالموت توفي عبد الله بن طاهر سنة ثلاثين ومئتين، مرض ثلاثة أيام بوجع أصابه في حلقه بنيسابور، فولى الواثق ابنه طاهر أعماله كلها، وكان قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي وعمر رباطات خراسان، ووقف لها الوقوف، وأظهر الصدقات، ووجه أموالاً عظيمة إلى الحرمين وافتدى أسرى المسلمين من الترك، وبلغ ما أنفقه على الأسارى ألفي ألف درهم. كان زكريا بن دلويه يزور كل جمعة قبر عبد الله بن طاهر فيخرق الأسواق، وطريقه على قبر أستاذه أحمد بن حرب فلا يقف على قبره، فعوتب على ذلك فقال: إن أحمد بن حرب وغيره من العلماء والصالحين لم يفدهم زهدهم، وآثار عبد اللهبن طاهرباقية ما بقيت السموات والأرض. قال محمد بن عبد الله بن منصور لما بلغه موت عبد الله بن طاهر: الكامل هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل

عبد الله بن طاهر بن محمد

عبد الله بن طاهر بن محمد ابن كاكو أبو محمد المعروف بالقاضي ابن زينة الواعظ ولد بصور، ونشأ بالشام، كان يعظ في الأعزية. ذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وأربع مئة. أنشد عبد الله بن طاهر قال: أنشدني أبو إسحاق الشيرازي: البسيط لما أتاني كتاب منك مبتسماً ... عن كل معنى ولفظ غير محدود حكت معانيه في أثناء أسطره ... أفعالك البيض في أحوالي السود وأنشد في وزير عزل عن الوزارة ثم أعيد: الرجز قد رجع الأمر إلى نصابه ... وأنت من كل الورى أولى به ما كان إلا السيف سلته يد ... ثم أعادته إلى قرابه توفي سنة عشرين وخمس مئة. عبد الله بن أبي بردة عامر ويقال: الحارث بن عبد الله بن قيس الأشعري والد يزيد بن عبد الله الكوفي. خرج بلال بن أبي بردة وأخوه عبد الله بن أبي بردة إلى عمر بن عبد العزيز، فاختصما إليه في الأذان في مسجدهم، فارتاب بهما عمر فدس إليهما رجلاً يقول لهما: أرأيتما إن كلمت أمير المؤمنين فولاكما العراق ما تجعلان لي؟ فبدأ الرجل ببلال فقال له ذلك فقال: أعطيك مئة ألف، ثم أتى أخاه فقال له مثل ذلك. فأخبر الرجل عمر فقال لهما: الحقا بمصركما، وكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن: لا تول بلالاً، بليل الشر، ولا أحداً من ولد أبي موسى شيئاً. بليل الشر: صغر بلالاً.

عبد الله بن عامر بن كريز

عبد الله بن عامر بن كريز ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي. له رواية من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستعمله عثمان على البصرة، فافتتح خراسان. وقدم على معاوية وزوجه ابنته هند، وأسكنه إل جنبه. حدث عبد الله بن عامر وعبد الله بن الزبير قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل دون ماله فهو شهيد ". ولما استعمل عثمان بن عفان عبد الله بن عامر على البصرة وعزل أبا موسى الأشعري قال أبو موسى: قد أتاكم فتى من قريش كريم الأمهات والعمات والخالات. يقول بالمال فيكم هكذا هكذا. وهو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة، وقال: إن لي فيها صنائع، فشخصا معه، وله يقول الوليد بن عقبة: الطويل ألا جعل الله المغيرة وابنه ... ومروان نعلي بذلة لابن عامر لكي يقياه الحر والقر والأذى ... ولسع الأفاعي واحتدام الهواجر وكان كثير المناقب وهو الذي افتتح خراسان وقتل كسرى في ولايته وأحرم من نيسابور شكراً لله، وهو الذي عمل السقايات بعرفة وكان سخياً كريماً. وأمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. وأخوه لأمه عبد ربه بن قيس بن السائب بن عويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم. أسلم عامر بن كريز يوم فتح مكة وبقي إلى خلافة عثمان، وقدم على ابنه عبد الله بن عامر البصرة، وهو واليها لعثمان بن عفان. وولد عامر بن عبد الله بمكة بعد الهجرة بأربع سنين. فلما كان عام عمرة القضاء سنة سبع، وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة معتمراً

حمل إليه ابن عامر وهو ابن ثلاث سنين فحنكه فتلمظ وتثائب فتفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فيه وقال: هذا ابن السلمية؟ قالوا: نعم. قال: هذا ابننا وهو أشبهكم بنا، وهو مسقاء. فلم يزل عبد الله شريفاً، وكان كثير المال والولد، ولد له عبد الرحمن وهو ابن ثلاث عشرة سنة. وكريز: بضم الكاف وفتح الراء. وتوفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعبد الله بن عامر ثلاث عشرة سنة. وتوفي هو سنة تسع وخمسين. وقيل سنة ستين. وكان عبد الله بن عامر ابن خال عثمان بن عفان: كانت أم عثمان أروى بنت كريز وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم، وكانت البيضاء وعبد الله أبو سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توأمين. وعن أبي عبيدة النحوي أن عامر بن كريز أتى بابنه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن خمس سنين أو ست سنين فتفل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فيه، فجعل يزدرد ريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتلمظ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ابنك هذا لمسقاء قال: فكان يقال: لو أن عبد الله قدح حجراً أماهه. يعني: لخرج الماء من الحجر ببركته. وكان عبد الله لا يعالج أرضاً إلا ظهر له الماء. وله النباج الذي يقال له نباج ابن عامر، وله الجحفة وله بستان ابن عامر على ليلة من مكة، وله آبار في الأرض كثيرة. قال الأصمعي: أرتج على عبد الله بن عامر بالبصرة يوم أضحى فمكث ساعة ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً. من أخذ شاة من السوق فهي له وثمنها علي.

وقيل: إنه صعد منبر البصرة فحصر، فشق ذلك عليه فقال له زياد: أيها الأمير، إنك إن أقمت عامة من ترى أصابه أكبر مما أصابك. وعن زياد بن كسيب العدوي قال: كان عبد الله بن عامر يخطب الناس، عليه ثياب رقاق مرجل شعره. قال: فصلى يوماً ثم دخل. قال: وأبو بكر جالس إلى جنب المنبر، فقال مرداس أبو بلال: ألا ترون إلى أمير الناس وسيدهم يلبس الرقاق، ويتشبه بالفساق؟! فسمعه أبو بكر فقال لابنه الأصيلع: ادع لي أبا بلال فدعاه فقال له أبو بكرة: أما أني قد سمعت نقالتك للأمير آنفاً، وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله أهانه الله ". وذكرت لعبد الله بن عامر بعوث وسرايا وفتوحات وغنائم كثيرة. قالا: ولما أحرم ابن عامر بالحج من خراسان كتب إليه عثمان يتوعده ويضعفه ويقول: تعرضت للبلاء، حتى قدم على عثمان، فقال له: صل قومك من قريش ففعل، وأرسل إلى علي بثلاثة آلاف درهم وكسوة، فلما جاءته قال: الحمد لله إنا نرى تراث محمد يأكله غيرنا، فبلغ ذلك عثمان فقال لابن عامر: قبح الله رأيك أترسل إلى علي بثلاثة آلاف درهم؟! قال: كرهت أن أغرق ولم أدر ما رأيك. قال: فأغرق. قال: فبعث إليه بعشرين ألف درهم وما يتبعها. قال: فراح علي إلى المسجد فانتهى إلى حلقته وهم يتذاكرون غير مدافع. قال: وتكلمت الأنصار فقال: أبت الطلقاء إلا عداوة، فبلغ ذلك عثمان فدعا ابن عامر فقال: أبا عبد الرحمن قِ عرضك ودار الأنصار، فألسنتهم ما قد علمت، قال: فأفشى فيهم الصلات والكسا فأثنوا عليه، فقال له عثمان: انصرف إلى عملك، فانصرف والناس يقولون: قال ابن عامر، وفعل ابن عامر. فقال ابن عمر: إذا طابت المكسبة زكت النفقة. ولم تحتمله البصرة فكتب إلى عثمان يستأذنه في الغزو فأذن له، فكتب إلى ابن سمرة أن تقدم فتقدم فافتتح بست وما يليها، ثم مضى إلى كابل وزابلستان فافتتحهما، وبعث بالغنائم إلى ابن عامر. قالوا: ولم يزل ابن عامر ينتقص شيئاً شيئاً من خراسان حتى افتتح

هراة وبوشنج وسرخس وأبر شهر والطالقان الفارياب وبلخ، فهذه خراسان التي كانت في زمن ابن عامر وزمن عثمان. ومن حديث آخر: ثم كانت بالعراق غزوة جور وأميرها عبد الله بن عامر بن كريز يريد اصطخر، وعلى مقدمته عبيد الله بن معمر، وباصطخر يومئذ يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو ابن الختانة. فلما بلغه ذلك بعث جيشاً فلقوا عبيد الله فقاتلوه برام جرد فقتل عبيد الله بن معمر ورجع الآخرون، وخرج يزدجرد في مئة ألف مقاتل حتى أتى مرو فنزلها، وخلف على اصطخر رجلاً من الفرس، فأتاها عبد الله بن عامر فافتتحها، وقد كانت فتحت ذلك ولكن الفرس رجعوا إليها، وقتل يزدجرد بمرو، وكل من كان معه إلا رجلاً واحداً أخذ ابنه من أبيه الملك. ثم أتى جرجان فكان بها، ومضى عبد الله بن عامر حتى نزل بأبرشهر وبها ابنتا كسرى فحاصر أهلها، فصالحوه على أنفسهم أنهم آمنون وعلى ابنتي كسرى أنهما آمنتان وفتحوها له. وكان ابن عامر هو اتخذ للناس السوق بالبصرة. اشترى دوراً فهدمها وجعلها سوقاً. وهو أول من لبس الخز بالبصرة، لبس جبة دكناء فقال الناس: لبس الأمير جلد دب، ثم لبس جبة حمراء فقالوا: لبس الأمير قميصاً أحمر. وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إليها العين، وسقى الناس الماء، فذلك جار إلى اليوم. فلما استعتب عثمان من عماله كان فيما شرطوا عليه أن يقر ابن عامر على البصرة لتحببه إليهم، وصلته هذا الحي من قريش. فلما شتت الناس في أمر عثمان دعا ابن عامر مجاشع بن مسعود فعقد له على جيش إلى عثمان، فساروا حتى إذا كانوا بأداني بلاد الحجاز خرجت خارجة من أصحابه فلقوا رجلاً فقالوا: ما الخبر؟ قال: قتل عدو الله نعثل، وهذه خصلة من شعره، فحمل عليه

زفر بن الحارث وهو يومئذ غلام مع مجاشع بن مسعود فقتله، فكان أول مقتول في دم عثمان. ثم رجع مجاشع إلى البصرة. فلما رأى ذلك ابن عامر حمل ما في بيت المال واستعمل على البصرة عبد الله بن عامر الحضرمي، ثم شخص إلى مكة فوافى بها طلحة والزبير وعائشة وهم يريدون الشام فقال: لا بل ائتوا البصرة، فإن لي بها صنائع، وهي أرض الأموال وبها عدد الرجال. والله لو شئت ما خرجت حتى أضرب بعض الناس ببعض، فقال طلحة: هلا فعلت؟ أأشفقت على مناكب تميم؟ ثم أجمع رأيهم على المسير إلى البصرة ثم أقبل بهم. فلما كان من أمر الجمل ما كان وهزم الناس، جاء عبد الله بن عامر إلى الزبير فأخذ بيده فقال: أبا عبد الله، أنشدك الله في أمة محمد، فلا أمة محمد بعد اليوم أبداً، فقال الزبير: خل بين الغارين يضطربان فإن مع الخوف الشديد المطامع، فلحق ابن عامر بالشام حتى نزل دمشق، وقد قتل ابنه عبد الرحمن يوم الجمل وبه كان يكنى. ولما خرج ابن عامر عن البصرة بعث علي إليهما عثمان بن حنيف الأنصاري، فلم يزل بها حتى قدم طلحة والزبير وعائشة، ولم يزل عبد الله بن عامر مع معاوية بالشام ولم يسمع له بذكر في صفين، ولكن معاوية لما بايعه الحسن بن علي ولى بسر بن أبي أرطأة البصرة ثم عزله، فقال له ابن عامر: إن لي بها ودائع عند قوم، فإن تولني البصرة ذهبت، فولاه البصرة ثلاث سنين. ومات ابن عامر قبل معاوية بسنة، فقال معاوية: يرحم الله أبا عبد الرحمن، بمن نفاخر وبمن نباهي. ولما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي محرماً، فأحرم من نيسابور. فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع وقال: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم فيه الناس. قال أبو بكر الهذلي: قال علي بن أبي طالب يوم الجمل: أتدرون من حاربت؟ حاربت أمجد الناس أو أنجد الناس يعني ابن عامر، وأشجع الناس يعني الزبير، وأدهى الناس يعني طلحة. كان عبد الله بن عامر، بالبصرة عاملاً لمعاوية، فضعفه في عمله ضعفاً شديداً حتى شكي إلى معاوية. فلما أكثر عليه في أمره كتب إليه يسأله أن يزوره، فقدم عليه وكان

يزوره ويأتيه ويتغدى عنده، ثم دخل إليه يودعه راجعاً إلى عمله فودعه، وقبل وداعه ثم قال: إني سائلك ثلاثاُ فقال: هي لك وأنا ابن أم حكيم قال: ترد علي عملي ولا تغضب علي، قال: قد فعلت. قال: وتهب لي مالك بعرفة. قال: قد فعلت. قال: وتهب لي دورك بمكة قال: قد فعلت. قال: وصلتك رحم، قال: وإنيسائلك يا أمير المؤمنين ثلاثاً فقل: قد فعلت. قال: قد فعلت وأنا ابن هند. قال: ترد إلي مالي بعرفة. قال: قد رددت إليك مالك بعرفة. قال: وتنكحني هند بنت معاوية قال: وقد فعلت. قال: ولا تحاسب لي عاملاً، ولا تتبع أثري. قال: قد فعلت. وحدث قبيصة بن جابر عن معاوية في حديثه: لما سأله عمن يرى لهذا الأمر من بعده، يعني الخلافة. قال: وأما فتاها حياء وحلماً وسخاءً فابن عامر. قال عبد الله بن محمد الفروي: اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة بن أبي معيط داره التي في السوق ليشرع بها داره على السوق، بثمانين أو بسبعين ألف درهم. فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد فقال لأهله: ما هؤلاء؟ قال: يبكون دارهم. قال: يا غلام. فائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعاً. ولما ولي ابن عامر البصرة انحدر عليه صديقان له من أهل المدينة حتى سارا إلى البصرة. ثم إن أحدهما ندم على مسيره، وكان نزيهاً غني القلب فقال لصاحبه: أنا راجع قال: أنشدك الله، أبعد الشقة البعيدة والنفقة الكبيرة ترجع صفراً؟! قال: إني لم أزل عن ابن عامر غنياً، والذي أغناه قادر أن يغنيني عنه، ثم اعتزم فرجع عنه ولم يبق ابن عامر. قال: فقال صاحبه: ما علمت من رجوعه شيئاً إلا وقد ساءني غير أني كنت أتسلى عن ذلك بفراغ وجه ابن عامر لي، وأملت أن يجعل صلتي وصلة صاحبي. قال: وكان لابن عامر رجل مقيم بالمدينة، فكتب إليه بشخوص من شخص يريده ولا يقدم الرجل إلا على جائزة معدة، وأمر قد أحكم له. قال: فلما دخل عليه قال له أين أخوك؟ فقص عليه

القصص. قال: فأمر للمقيم بصلة، وأضعف ذلك للظاعن، فخرج المقيم متوجهاً وهو يقول: الطويل: أمامة ما حرص الحريص بنافع ... فتيلاً ولا زهد المقيم بضائر خرجنا جميعاً من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر فلما أنخنا الناعجات ببابه ... تخلف عني الخزرجي ابن جابر فقال ستكفيني عطية قادر ... على ما أراد اليوم للناس قاهر فقلت: خلا لي وجهه ولعله ... سيجعل لي حظ الفتى المتأخر فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنت طراب الأباعر فأضعف عبد الله إذ غاب حظه ... على حظ لهفان من الجوع فاغر وأبت وقد أيقنت أن ليس نافعي ... ولا ضائري شيء خلاف المقادر وفي حديث آخر بمعناه: أن الرجلين اللذين قصداه هما ابن جابر بن عبد الله الأنصاري وآخر من ثقيف، وأن الأنصاري لما كانا بناحية البصرة قال للثقفي: هل لك في رأي رأيته؟ قال: اعرضه. قال: رأيت أن ننيخ رواحلنا ونتناول مطاهرنا ونمس ماء ونصلي ركعتين، ونحمد الله على ما قضى من سفرنا. قال: هذا الذي لا يرد، فتوضيا ثم صليا ركعتين ركعيتن، فالتفت الأنصاري للثقفي فقال: يا أخا ثقيف ما رأيك؟ قال: وأي موضع رأي هذا؟! قضيت سفري، وأنصبت بدني، وأنضيت راحلتي، ولا مؤمل دون ابن عامر، فهل لك رأي غير هذا؟ قال: نعم، إني لما صليت هاتين الركعتين فكرت، فاستحييت من ربي أن يراني طالباً رزقاً من غيره، اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك، ثم ولى راجعاً إلى المدينة الحديث. قال مغراء الضبي: لما قدم عبد الله بن عامر الشام أتاه من شاء الله أن يأتيه من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إلا أبو الدرداء، فإنه لم يأته، فقال: لا أرى أبا الدرداء أتاني فيمن أتى، فلآتينه

عبد الله بن عامر أبو عمران

ولأقضين من حقه، فأتاه فسلم عليه وقال له: أتاني أصحابك زلم تأتني، فأجبت أن آتيك وأقضي من حقك، فقال له أبو الدرداء: ما كنت قط أصغر في عين الله ولا في عيني منك اليوم، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن تنغير عليكم إذا تغيرتم. لما مرض عبد الله بن عامر مرضه الذي مات فيه دخل عليه أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيهم ابن عمر قال: ما ترون في حالي؟ فقالوا: ما نشك لك في النجاة، قد كنت تقري الضيف وتعطي المختبط. المختبط: الذي يسأله عن غير معرفة كانت بينهما، ولا يد سلفت منه إليه ولا قرابة. وعن ميمون قال: بعث عبد الله بن عامر حين حضرته الوفاة إلى مشيخة أهل المدينة وفيهم ابن عمر، فقال: أخبروني كيف كانت سيرتي؟ قالوا: كنت تصدق، وتعتق، وتصل رحمك. قال: وابن عمر ساكت، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما يمنعك أن تتكلم؟ قال: قد تكلم القوم. قال: عزمت عليك لتكلمن، فقال ابن عمر: إذا طابت المكسبة زكت النفقة، وستقدم فترى. توفي عبد الله بن عامر سنة سبع، أو ثمان وخمسين. وقيل: سنة تسع وخمسين. عبد الله بن عامر أبو عمران ويقال: أبو عبيد الله ويقال: أبو نعيم، ويقال: أبو عامر اليحصبي قارئ أهل الشام. حدث عبد الله بن عامر: أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر بدمشق يقول: يا أيها الناس، إياكم وأحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا حديثاً كان يذكر في عهد عمر، فإن عمر رجل يخيف الناس في الله عز وجل. قال: ثم قال: ألا إني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ". ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أنا خازن وإنما الله عز وجل

عبد الله بن أبي عائشة

يعطي، فمن أعطيته عن طيب نفس فالله يبارك فيه، ومن أعطيته عطاء عن شرة وشدة مساءلة فهو كالذي يأكل ولا يشبع. ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ": لا تزال أمة من أمتي قائمة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس. قال عبد الله بن عامر: قال لي فضالة بن عبيد: أمسك علي هذا المصحف، ولا تردن علي ألفاً ولا واواً، وسيأتي أقوام لا يسقط عليهم ألف ولا واو. وذكر الحديث. قال عبد الله بن عامر اليحصبي: كنت عند فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه رجلان يختصمان في باز، فقال أحدهما: وهبته له، وأنا أرجو أن يثيبني منه، وقال الآخر: وهب لي بازاً ولم أسأله إياه ولم أتعرض له. فقال: اردد إليه بازه أو أثبه منه، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام. قال الهيثم بن عمران: كان رأس المسجد بدمشق زمان الوليد بن عبد الملك وبعده، عبد الله بن عامر اليحصبي، وكان يزعم أنه من حمير، وكان يغمز في نسبه، فحضر شهر رمضان فقال: من يؤمنا؟ فذكروا رجالاً وذكروا المهاجر بن أبي المهاجر، فقال: ذاك مولى ولسنا نريد يؤمنا مولى، فبلغت سليمان. فلما استخلف بعث إلى مهاجر فقال: إذا كان الليلة أول ليلة في شهر رمضان فقف خلف الإمام، فإذا تقدم ابن عامر قبل أن يكبر فخذ بثيابه من خلفه ثم اجذبه وقل: تأخر فلن يتقدمنا دعي، وصل أنت بالناس. ففعل. توفي عبد الله بن عامر سنة ثماني عشرة ومئة. عبد الله بن أبي عائشة حدث أن عمر بن عبد العزيز لم يغتسل من أهله من حين ولي إلا ثلاث مرات

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف أبو العباس الهاشمي بن عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحبر الأمة وعالمها، وترجمان القرآن. قدم دمشق وافداً على معاوية في السنة التي قتل فيها علي عليه السلام. قال سعيد بن أبي الحسن: كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: إني إنسان، إنما معيشي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، قال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صور صورة فإن الله يعذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها " وليس بنافع أبداً، قال: فربا لها الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، ثم قال: ويحك، إن أتيت الآن تصنع فعليك بهذا الشجر، وكل شيء ليس فيه روح. قال عبد الله بن عباس: دخلت على معاوية حين كان الصلح، وأول ماالتقيت أنا وهو، فإذا عنده أناس فقال: مرحباً يا بن عباس، ما تحاكت الفتنة بيني وبين أحد كان أعز علي بعداً ولا أحب إلي قرباً منك، الحمد لله الذي أمات علياً، قلت: إن الله عز وجل لا يذم في قضائه، وغير هذا الحديث أحسن منه، هل لك فيه؟ قال: ما هو؟ قلت: تعفيني من ذكر ابن عمي وأعفيك من ذكر ابن عمك. قال: ذلك لك، أنشدك الله يا بن عباس إلا حدثتني عن أبي سفيان، فقد حضرك من حضرك. قلت: تجر فربح، وأسلم فأفلح، وولد فأنجح، وكان في الشرك فكان نكساً حتى يقضي فقال: رحمك الله يا بن عباس، فوالله ما يعجزك في علمك أن تسر به جليسك، ولولا أن تراني قارضتك لأجزتك عن نفسك. وعن مجاهد قال: قال ابن عباس: لما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته بالشعب قال: أتى أبي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، أرى أم

الفضل قد اشتملت على حمل، فقال: لعل الله أن يقرأ أعينكم. قال: فأتى بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا في خرقة، فحنكني بريقه. قال مجاهد: فلا نعلم أحداً حنك بريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره. وفي رواية: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عسى الله أن يبيض وجوهنا بغلام، فولدت عبد الله بن عباس. قالوا: وولد قبل الهجرة بثلاث سنين وهو في الشعب. وعن ابن عباس قال: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن عشر سنين مختون. وفي رواية: وقد قرأت القرآن. وفي رواية: وقد جمعت المحكم. قيل: وما المحكم. قيل: وما المحكم؟ قال المفصل. وفي رواية: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنا ختين. وعن ابن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي. قال محمد بن عمر: لا اختلاف عند أهل العلم عندنا أن ابن عباس ولد في الشعب وبنو هاشم محصورون، فولد ابن عباس قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة. ألا تراه يقول في الحديث: راهقت الاحتلام في حجة الوداع.

قال عبيد الله بن أبي يزيد: سمعت ابن عباس يقول: أنا وأمي من المستضعفين، كانت أمي من النساء وأنا من الولدان. ودعا سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن العباس وقال: اللهم أعطه الحكمة وعلمه التأويل وكان بحراً لا ينزف، ورأى جبريل عليه السلام، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عسى ألا يموت حتى يؤتى علماً ويذهب بصره. وكان عمر يأذن له مع المهاجرين ويسأله ويقول: غص غواص، وكان إذا رآه مقبلاً قال: أتاكم فتى الكهول، له لسان سؤول وقلب عقول. وقيل في كنيته عبد الله بن العباس: أبو عبد الرحمن. وكان قد عمي قبل وفاته. ومات سنة ثمان وستين بالطائف في فتنة ابن الزبير، فصلى عليه محمد بن الحنيفية. وغزا عبد الله بن عباس إفريقيةمع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين. وأمه أم الفضل أخت ميمونة زوج النبي صلى عليه وسلم واسمها لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وكان بنو العباس بن عبد المطلب عشرة: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وأمهم أم الفضل بنت الحارث. وكثير، والحارث، وعون، وتمام وهو أصغرهم فكان العباس يحمله يحمله ويقول: الرجز تموا بتمام فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراماً برره واجعلهم ذكراً وأنم الثمره مات كثير وقثم بينبع أخذته الذبحة، واستشهد الفضل بأجنادين، وعبد الرحمن

ومعبد بإفريقية، وعبد الله بالطائف، وعبيد الله باليمن. ويقال: مات قثم بسمرقند، وكان خرج مع سعيد بن عثمان بن عفان في زمن معاوية. قبره بها. وكان مسلم بن قمادين المكي يقول: ما رأيت مثل بني أم واحدة إشراقةً، ولدوا في دار واحدة، أبعد قبوراً من بني أم الفضل. وكان عبد الله أبيض طويلاً مشرباً صفرة، جسيماً، وسيماً، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء، وكان يسمى الحبر والبحر لكثرة علمه وحدة فهمه، حبر الأمة وفقيهها، ولسان العشرة ومنطيقها، محنك بريق النبوة، ومدعو له بلسان الرسالة: فقهه في الدين وعلمه التأويل. ترجمان القرآن، سمع نجوى جبريل عليه السلام للرسول وعاينه. ومولده كان عام الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين. وقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ختين. وكانوا يختتنون للبلوغ، وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين. وقيل سنة سبعين، وصلى عليه محمد بن الحنفية وسماه رباني هذه الأمة، وجاء طير أبيض فدخل في أكفانه، وسمع هاتف يهتف من قبره يقول: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً " الآية. وكان عمر بن الخطاب يدنيه ويسأله ويستشيره، ويدخله مع مشيخة أهل بدر، وكان له الجواب الحاضر والوجه الناضر، صبيح الوجه، له وفرة مخضوبة بالحناء، أبيض طويل، مشرب صفرة، جسيم، وسيم، علمه غزير وخيره كثير، يصدر الجاهل عن علمه وحكمته يقظان، والجائع عن خيره ومائدته شبعان. وكانت عائشة تقول: هو أعلم من بقي بالسنة، وكان ابن عمر يقول: هو أعلم الناس بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وشهد ابن عباس مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين وقتال الخوارج

بالنهروان، وورد في صحبته المدائن، وكان ابن عباس إذا قعد أخذ مقعد الرجلين، وكان يخضب بالسواد. قال ابن جريج: كنا جلوساً مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله، وعلي بن عبد الله في الطواف وخلفه محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فعجبنا من تمام قامتهما وحسن وجوههما، قال عطاء: وأين حسنهما من حسن عبد الله بن عباس، ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة وأنا في المسجد الحرام طالعاً من جبل أبي قبيس إلا ذكرت وجه عبد الله بن عباس، ولقد رأيتنا جلوساً معه في الحجر إذ أتاه شيخ فديم بدوي من هذيل يهدج على عصاه فسأله عن مسألة فأجابه، فقال الشيخ لبعض من معه: من هذا الفتى؟ قالوا: هذا عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. قال الشيخ: سبحان الله الذي غيّر حسن عبد المطلب إلى ما أرى. قال عطاء: فسمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسن الناس وجهاً وما رآه أحد قط إلا أحبه. وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس عليه معه أحد، وكان الندي من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير، لم يبلغ، فجلس على المفرش فجبذه رجل، فبكى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عبد المطلب - وذلك بعدما كف بصره -:ما لابني يبكي؟! قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال عبد المطلب: دعوا ابني يجلس عليه، فإنه يحس من نفسه بشرف، وأرجو أيبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قبله ولا بعده، ومات عبد المطلب والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن ثماني سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. قال عكرمة: كان ابن عباس إذا مرّ في الطريق قلن النساء على الحيطان: أمر المسك أم مرّ ابن عباس؟

قال ابن عباس: أجلسني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجره، ومسح رأسي، ودعا لي بالبركة. وعن ابن عباس قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آخر الليل، فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه. فلما أقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صلاته خنست، فأخذ بيدي فجعلني حذاءه. فلما أقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صلاته خنست، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما انصرف قال لي: ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟! فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أعطاك الله عز وجل؟ قال: فأعجبه، فدعا الله لي أن يزيدني علماً وفهماً. قال: ثم رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام حتى سمعته نفخ، ثم أتاه بلال فقال: يا رسول الله، الصلاة، فقام فصلى ما أعاد وضوءاً. قال ابن عباس: دعا لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤتيني الحكمة والتأويل، قال: والحكمة: القرآن، والتأويل: تفسيره. وعن ابن عباس قال: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخير كثير. وقال: نعم ترجمان القرآن أنت. وعن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع يده على رأس عبد الله فقال: اللهم، أعطه الحكمة، وعلمه التأويل، ووضع يده على صدره، فوجد عبد الله بن العباس بردها في ظهره، ثم قال: اللهم احش جوه حكماً وعلماً، فلم يستوحش في نفسه إلى مسألة أحد من الناس، ولم يزل حبر هذه الأمة حتى قبضه الله عز وجل. وعن عمر قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أرأف أمتي بها أبو بكر، وإن أصلبها في أمر الله لعمر، وإن أشدها حياء لعثمان،

وإن أقرأها لأبي، وإن أفرضها لزيد، وإن أقضاها لعلي، وإن أعلمها بالحلال والحرام لمعاذ، وإن أصدقها لهجة لأبو ذر، وإن أمير هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس. وعن ابن عباس قال: انتهيت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده جبريل عليه السلام، فقال له جبريل: إنه كائن حبر الأمة فاستوص به خيراً. وعن ابن عمر قال: دعا النبي لعبد الله بن العباس فقال: اللهم، بارك فيه وانشر منه. وعن ابن عباس قال: مررت برسول الله وعليه ثياب بياض نقية، وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي، وهو جبريل، وأنا لا أعلم، قال: فلم أسلم. قال جبريل: يا محمد، من هذا؟ قال: هذا ابن عمي، هذا ابن عباس قال: ما أشد وضح ثيابه، أما إن ذريته ستسود بعده، لو سلم لرددنا عليه. قال: فلما رجعت قال: فلما رجعت قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما منعك أن تسلم؟ قال: قلت يا رسول الله، رأيتك تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن تقطعا منجاتكما. قال: وقد رأيته؟ قال: قلت: نعم، قال: أما إنه سيذهب بصرك، ويرده الله عليك في موتك. قال: فلما قبض ابن عباس ووضع على سريره جاء طير أبيض شديد الوضح فدخل في أكفانه فلمسوه، فقال لي عكرمة: ما تصنعون؟ هذه بشرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما وضع في لحده تلقي بكلمة سمعها من كان على شفير القبر " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ". وفي حديث آخر بمعناه: ورجل يناجيه ولم يذكر دحية الكلبي. وفي حديث آخر بمعناه عن سعيد بن جبير قال: مر العباس وابنه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل، فسلم العباس يعني: على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فلم يرد عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فشق عليه. قال: فلما جاز قال: يقول له ابنه: أبه، من الرجل الذي كان عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فشق على العباس وخشي أن يكون قد عرض لابنه شيء لأنه لم ير هو مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً، قال: فجاء العباس فقال: يا رسول الله، مررت بك فسلمت فلم ترد علي السلام. فلما مضيت قال لي ابني: من الرجل الذي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فلقد رآه؟ ذاك جبريل. قال: فمسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه ودعا له بالعلم. وعن أنس قال: نظر علي بن أبي طالب إلى جبريل عله السلام مرة، ونظر إليه ابن عباس مرة. وعن عبد الله بن عباس قال: دخلت على خالتي ميمونة في يومها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو نائم، ورأسه في حجرها، فقلت يا أمه، أو يا خالة، دعيني أغمز رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: شأنك، فتناولت رجليه فجعلتهما في حجري، فانتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عبد الله، أحبك الذي أحببتني له، أما إن جبريل قد أوصى بك خيراً، وقال: إن عبد الله من خيار هذه الأمة وإن ولده يرزقون الخلافة في آخر الزمان، ويرزقون حسن مشية الدواب. وعن ابن عباس قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: يا غلام، ألا أعلمك شيئاً ينفعك الله به؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، ولو جهد الخلائق أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا، ولو جهد الخلائق أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك. وعن ابن عباس قال: كنت ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سألت الله عز وجل لكم يابني عبد المطلب أن يهدي ضالكم، وأن يثبت قائلكم، وكلمة سقطت عن ابن القاسم، وأن يجعلكم نجباً نجداً جوداً، ولو أن أحداً صفن صلاة ما بين الركن والمقام ثم مات وهو مبغض لكم دخل النار.

وعن ابن عباس شرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن شماله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشربة لك، فإن شئت آثرت بها خالداً، قال: ما أوثر على سؤر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً. وعن ابن عباس قال: لما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتعلم منهم فإنهم كثير، فقال: العجب والله لك يا بن عباس أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من ترى من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة وتتبع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل سمعه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه فأجده قائلاً، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الرياح على وجهي حتى يخرج، فإذا خرج قال: ما جاء بك يا بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقول: جئت، بلغني أنك تحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأحببت أن أسمعه منك، فيقول: هلا بعثت إلي حتى آتيك؟ فأقول: أنا كنت أحق أن آتيك. فكان هذا الرجل يمر بي وقد ذهب أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحتاج الناس إلي فيقول: أنت كنت أعقل مني. وعن ابن عباس قال: كنت أكرم الأكابر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين والأنصار، وأسألهم عن مغازي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحداً منهم إلا سر بإتياني لقربى من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلت أسأل أبي بن كعب يوماً وكان من الراسخين في العلم عما نزل من القرآن بالمدينة فقال: نزل سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة. وكان ابن عباس يأتي أبا رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: ما صنع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم كذا وكذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب ما يقول. قال معمر: عامة علم ابن عباس عن ثلاثة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب.

قال ابن عباس: طلبت العلم فلم أجده أكثر منه في الأنصار، فكنت آتي الرجل فأسأل عنه فيقال لي: نائم، فأتوسد ردائي ثم أضطجع حتى يخرج إلي الظهر فيقول: متى كنت ها هنا يا بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقول: منذ طويل فيقول: بئس ما صنعت، هلا أعلمتني؟ فأقول: أردت أن تخرج إلي وقد قضيت حاجتك. وعن طاوس قال: قال ابن عباس: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقيل لابن عباس لطلب العلم، فعززت مطلوباً. وعن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا ثلاثاً الرقيم وغسلين وحناناً. وعن ابن عباس قال: قد حفظت السنة كلها، غير أني لا أدري أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف " وقد بلغت من الكبر عتياً " أو عسياً. قال ابن عباس: دخلت على عمر بن الخطاب يوماً فسألني عن مسألة كتب إليه بها يعلى بن أمية من اليمن، فأجبته فيها، فقال عمر: أشهد أنك تنطق عن بيت نبوة. وعن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: لقد علمت علماً ما علمناه. وعن سعيد بن جبير قال: كان أناس من المهاجرين قد وجدوا على عمرفي إدنائه ابن عباس دونهم قال: وكان

يسأله فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله، فسألهم عن هذه الصورة: " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " قال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمدوه ويستغفروه. قال: فقال عمر: يا بن عباس، ألا تكلم قال: فقال: أعلمه من يموت. قال: " إذا جاء نصر الله والفتح " وفي رواية: والفتح فتح مكة " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " فهي آيتك من الموت: فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " قال: ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها. فقال بعضهم: كنا نرى أنها في العشر الأوسط، ثم بلغنا أنها في العشر الأواخر، قال: فأكثروا فيها، فقال بعضهم: ليلة إحدى وعشرين، وقال بعضهم: ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: سبع وعشرين، فقال بعضهم لابن عباس: ألا تكلم! قال: الله أعلم. قال: قد نعلم أن الله أعلم، إنما نسألك عن علمك فقال ابن عباس: الله وتر يحب الوتر، خلق من خلقه سبع سموات فاستوى عليهن، وخلق الأرض سبعاً، وخلق عدة الأيام سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وبين الصفا والمروى سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع. قال: فقال عمر: وكيف خلق الإنسان من سبع، وجعل رزقه من سبع فقد فهمت من هذا الأمر ما فهمته؟ قال ابن عباس: إن الله يقول: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " حتى بلغ إلى قوله: " فتبارك الله أحسن الخالقين " قال: ثم قرأ: " أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً " وأما السبعة فلبني آدم، وأما الأب فما أنبتت الأرض للأنعام، وأما ليلة القدر فما نراها إن شاء الله إلا ليلة ثلاث وعشرين يمضين وسبع بقين. وعن ابن عباس قال: كان عمر يجلس مع الأكابر من أصحاب محمد، ويقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا، ثم

يسألني، ثم يقبل عليهم فيقول: ما يمنعكم أن تأتونيبمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستو شؤون رأسه؟! وفي حديث آخر عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر، ويأذن لي معهم. فقال بعضهم: يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله، فقال عمر: إنه ممن قد علمتم. قال: فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم فسألهم عن هذه السورة: " إذا جاء نصر الله والفتح " وساق الحديث بمعنى ما تقدم. وعن الزهري قال: قال المهاجرون لعمر: ألا ندعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، إن له لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً. وعن ابن عباس قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزبرني عمر ثم قال: مه، قال: فانطلقت إلى منزلي مكتئباً حزيناً، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل بمنزلة ما أراني إلا أني قد سقطت من نفسه، قال: فرجعت إلى منزلي فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي وما بي وجع، وما هو إلا الذي نقلني به عمر، قال: فبينا أن كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: فخرجت فإذا هو قائم قريباً ينتظرني، فأخذ بيدي ثم خلا بي فقال: ما كرهت مما قال الرجل؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فأستغفر الله وأتوب إليه، وأنزل حيث أحببت، قال: لتحدثني ما الذي كرهت مما قال الرجل، فقلت: يا أمير المؤمنين إنهم متى سارعوا هذه المسارعة يحتقوا ومتى يحتقوا اختلفوا، ومتى اختلفوا يقتتلوا، قال: لله أبوك، والله لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها.

وعن أبي الزناد: أن عمر بن الخطاب دخل على ابن عباس يعوده وهو يحم، فقال له عمر: أخل بنا مرضك، فالله المستعان. وعن عبد الله بن عباس قال: قال لي أبي: إن عمر بن الخطاب يدنيك فاحفظ عني ثلاثاً: لا تشفين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يجربن عليك كذباً. قال الشعبي: قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف. قال: بل خير من عشرة آلاف. وفي حديث آخر: ولا ابتدأته بشيء حتى يسألك عنه، عوضاً عن الكذب. وفي حديث آخر: أن العباس بن عبد المطلب قال لابنه عبد الله بن العباس: يا بني أنت أعلم مني وأنا أفقه منك، إن هذا الرجل يدنيك، يعني: عمر بن الخطاب، فاحفظ عني ثلاثاً الحديث. وعن عطاء بن يسار: أن عمر وعثمان كانا يدعوان ابن عباس فيسير مع أهل بدر، وكان يفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات. قال المدائني: قال علي بن أبي طالب في عبد الله بن عباس: إنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، لعقله وفطنته بالأمور. وعن عكرمة: أن علياً حرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تعذبوا بعذاب الله "، وكنت قاتلهم لقول

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بدل دينه فاقتلوه "، فبلغ ذلك عليا فقال: ويح ابن أم الفضل إنه لغواص على الهنات. وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألب لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس. ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك، قد جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار. وعن مسروق قال: قال عبد الله: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد. وفي رواية عنه قال: لوأن هذا الغلام من بني عبد المطلب أدرك ما أدركنا ما تعلقنا منه بشيء. سألت امرأة ابن عمر عن مسألة فقال: ائتي ابن عباس، فإنه أعلم الناس بما أنزل الله عز وجل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر: أن رجلاً أتاه يسأله عن " السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناها "، قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فسله ثم تعال فأخبرني ما قال. فذهب إلى ابن عباس فسأله، فقال ابن عباس: كانت السموات رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات. فرجع الرجل إلى ابن عمر، فأخبره، فقال: إن ابن عباس قد أوتي علماً. صدق، هكذا كانت، ثم قال ابن عمر: قد كنت أقول: ما تعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علماً. ولما مات ابن عباس قال جابر بن عبد الله لما بلغه موته، وصفق بإحدى يديه على الأخرى: مات أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.

ولما مات ابن عباس قال رافع بن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ابن عباس أعلم الناس بالحج. قال الشعبي: ركب زيد بن ثابت، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: لا تفعل يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال له زيد: أرني يديك، فأخرج يديه فقبلهما، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. وعن ابن عباس قال: نحن أهل البيت شجرة النبوة، ومختلف الملائكة، وأهل بيت الرسالة، وأهل بيت الرحمة، ومعدن العلم. وعن ابن عباس قال: لو كان المهدي في زماني لكنته، ولكنه في آخر الزمان، رجل من ولدي، أو قال مني. وعن عكرمة قال: قال كعب الأخبار: مولاك رباني هذه الأمة هو أعلم من مات ومن عاش. قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: ما رأيت أحداً كان أعلم بالسنة ولا أجلد رأياً، ولا أثقب نظراً حين ينظر من ابن عباس، وإن كان عمر بن الخطاب يقول له: لقد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها، ولا منا لها، ثم يقول عبيد الله: وعمر عمر في جده في ذات الله وحسن نظره للمسلمين. وعنه قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه،

وحلم ونسب ونائل. ما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية، ولا بتقسيم القرآن، ولا بحساب، ولا بفريضة منه، ولا أعلم بما مضى، ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه. ولقد كان يجلس يوماً ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً التأويل، ويوماً المغازي، ويوماً الشعر، ويوماً أيام العرب. وما رأيت عالماً قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علماً. وقال عطاء: ما رأيت مجلساً قط كان أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر علماً وأعظم جفنة، وإن أصحاب القرآن عنده يسألونه، وأصحاب النحو عنده يسألونه، وأصحاب الشعر عنده يسألونه، وأصحاب الفقه عنده يسألونه، كلهم يصدرهم في واد واسع. وقال عطاء: كان أناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس لأيام العرب ووقائعها، وناس للعلم، فما منهم من صنف إلا يقبل عليهم بما شاؤوا. وعن طاوس قال: كان ابن عباس قد سبق على الناس في العلم كما تبسق النخلة السحوق على الودي الصغار. وعن طاوس قال: ما رأيت أحداً خالف ابن عباس قط فتركه حتى يقرره. وعن ليث بن أبي سليم قال: قلت لطاوس: لزمت هذا الغلام يعني ابن عباس، وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تدارؤوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.

وعن طاوس قال: أدركت خمسين أو سبعين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا: هو كما قلت، أو صدقت. وعن ليث قال: قال لي طاوس: ما تعلمت من شيء فتعلم لنفسك، فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة. قال: وما رأيت رجلاً أعلم من ابن عباس ولا رأيت رجلاً أورع من ابن عمر. قال: وكان طاوس يعد الحديث حرفاً حرفاً. وعن مجاهد قال: ما رئي مجلس ابن عباس. ولقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة. وفي رواية: وما رأيت مثله قط أو قال: ما سمعت إلا أن يقول رجل: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال مجاهد: كان عبد الله بن العباس أمدهم قامة، وأعظمهم جفنة، وأوسعهم علماً. ولو شاء أن أبكي كلما ذكرته بكيت. قال: وكان ابن عباس يسمى البحر، لكثرة علمه. وعن مجاهد قال: كنا نفخر على الناس بأربعة: نفخر بفقيهنا، ونفخر بقاضينا، ونفخر بقارئنا ونفخر بمؤذننا: فأما فقيهنا فابن عباس، وأما قاضينا فعبيد بن عمير، وأما قارئنا فعبد الله بن السائب، وأما مؤذننا فأبو محذورة. قال مجاهد: كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه نوراً.

وقال: ما رأيت أحداً قط أعرب لساناً من ابن عباس. وعن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مجلساً قط أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، للحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والطعام، قال أبو هلال: ولا أراه إلا قال: والشعر. وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين: ما رأيت بيتاً كان أكثر طعاماً ولا شراباً ولا فاكهة ولا علماً من بيت عبد الله بن عباس. وقال الضحاك: ما رأيت بيتاً أكثر خبزاً ولحماً وعلماً من بيت ابن عباس. قال أبو صالح: لقد رأيت في ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخراً. لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا أن يذهب. قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال: ضع لي وضوءاً قال: فتوضأ وجلس وقال: اخرج فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه، وما أراد منه فليدخل وقال: فخرجت، فأذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثلما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن أو تأويله فليدخل. قال: فخرجت فأذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثلما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا فقلت لهم. قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، قال: فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل. قال: فخرجت فأذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم، وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا، ثم قال:

اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل. قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثله. قال أبو صالح: ولو أن قريشاً كلها فخرت بذلك لكان فخراً. فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس. قال جابر بن زيد: سألت البحر وكان يسمي ابن عباس البحر عن لحوم الحمر، فقرأ هذه الآي " قل لا أجد فيما أوحي غلي محرماً على طاعم يطعمه " إلى آخر الآية. وفي حديث ابن الفرا: عن تحريم الخمر. وهو تصحيف. وعن الحسن: أن ابن عباس كان من الإسلام بمنزل، وكان ابن عباس من القرآن بمنزل. قال: وكان يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرها آية آية. وكان مثجه غرباً غرباً، وكان عمر إذا ذكره قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول. قال أبو بكر الهذلي: دخلت على الحسن بن أبي الحسن، فجلست عنده وهو يصلي، فتذاكرنا آيات من القرآن. فلما انصرف قال: ما كنتم تقولون؟ قلنا: " حم " و" طسم ". قال. فواتح يفتح الله بها القرآن، فقلت له: فإن مولى ابن عباس يقول: كذا وكذا. قال: إن ابن عباس كان من الإسلام بمنزل. وساق بقية الحديث. قوله: كان مثجاً هو من العج والثج: السيلان. يريد أنه يصب الكلام صباً. وعن ميمون بن مهران قال: لو أتيت ابن عباس بصحيفة فيها ستون حديثاً لرجعت ولم تسأله عنها، وسمعتها. قال: يسأله الناس فيكفونك.

قال عبد الله بن أبي الهذيل: أردت الخروج، فعلم بي أهل الكوفة، فجمعوا مسائل، ثم أتوني بها في صحيفة. فلما قدمت على ابن عباس خرج، فقعد للناس، فما زال يسألونه حتى ما بقي في صحيفتي شيء إلا سألوه عنه. وعن مسروق انه قال: كنا إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس. قال ابن أبي ملكية: دخلنا على ابن عباس فقال: إني لم أنم الليل، فقلنا له: لم يا أبا عباس؟ قال: طلع الكوكب ذوالذنب فخشيت أن يطرق الدخان. سلوني عن سورة البقرة، سلوني عن سورة يوسف، فإني قرأت القرآن وأنا صغير. وعن عكرمة قال: كان ابن عباس أعلمهما بالقرآن، وكان علي أعلمهما بالمبهمات، وسئل إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن معنى قول عكرمة: إن ابن عباس أعلم بتفسير القرآن من علي، فقال: لم سمع ابن عباس عامة التفسير من علي فوعاه وجمعه، ثم ضم إليه ما سمعه من غيره مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وعامة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما ضم علم هؤلاء في التفسير إلى علم علي كان أعلم منه بالتفسير. وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا له فقال ": اللهم علمه الكتاب وفهمه التأويل، وعلي أعلم منه بالمبهمات ومن غيره، فقد شهد عامة التنزيل فروى فيم نزل، وفي أي أمر كان. قال شقيق: خطب ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة البقرة، فجعل يقرؤها ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله. لو سمعت فارس والروم لأسلمت. وفي حديث بمعناه: فقرأ سورة النور. وعن ابن عباس قال: لقد علمت علما من القرآن ما يسألني عنه أحد، لا أدري علمه الناس فلم يسألوا عنه أو لم يعلموها فيسألوا عنها.

وعن ابن عائشة قال: ما زال ابن عباس يستفيد حتى مات. وكان يقول: ما علمت ما " فاطر " حتى سمعت أعرابياً يخاصم رجلاً في بئر واحدهما يقول: أنا فطرتها، وكنت لا أدري ماء البعل حتى سمعت أعرابياً ينادي آخر يقول: يا بعل الناقة، فعلمت أنه ربها. وعن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا أربع: غسلين، وحناناً، والأواه، والرقيم. وعن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سئل عن شيء، فإن كان في كتاب الله عز وجل قال به، وإن لم يكن في كتاب الله عز وجل وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيء قال به، فإن لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه شيء قال بما قال به أبو بكر وعمر، فإن لم يكن لأبي بكر وعمر، فيه شيء قال برأيه. وعن القاسم بن محمد قال: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلاً قط. وعن سفيان بن عيينة قال: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه. ورد صعصعة بن صوحان على علي بن أبي طالب من البصرة، فسأله عن عبد الله بن عباس، وكان على خلافته بها، فقال صعصعة: يا أمير المؤمنين، إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث: آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، ويحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف. تارك للمراء، وتارك لمقاربة اللئيم، وتارك لما يعتذر منه. وعن عبد الله بن بريدة قال: شتم رجل ابن عباس، فقال: إنك تشتمني وفي ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل فلوددت أن جميع الناس علموا منها مثل الذي أعلم، وإني لأسمع الحاكم

من حكام المسلمين يقضي بالعدل فأفرج به ولعلي لا أقاضي إليه أبداً وإني لأسمع بالغيث يصيب الأرض من أرض المسلمين فأفرج به ومالي سائمة أبداً. وعن ابن أبي ملكية قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، إذا نزل قام ينتظر الليل، فيرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر من النشيج قلت: وما النشيج؟ قال: النحيب، البكاء، ويقرأ: " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ". قال شعيب بن درهم: كان هذا الموضع وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه من خدي ابن عباس، مثل الشراك البالي من كثرة البكاء. جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا بن عباس، كيف صومك؟ قال: أصوم الاثنين والخميس، قال: ولم؟ قال: لأن الأعمال ترفع فيها، وأحب أن ترفع أعمالي وأنا صائم. قال معاوية يوماً لعبد الله بن عباس: إنه ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين لم أعرف تأويلهما، ففزعت إليك، فقال ابن عباس: ما هما؟ فقال معاوية: قول الله عز وجل: " وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن تقدر عليه " فقلت: يونس رسول الله ظن أنه بقوته إذا أراده، ما ظن هذا مؤمن، وقول الله عز وجل: " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " فقلت سبحان الله! كيف يكون هذا أن يستيئس الرسل من نصر الله، أو

يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم! إن لهاتين الآيتين تأويلاً ما نعلمه. قال ابن عباس: أما يونس عله السلام فظن أن خطيئته لم تبلغ أن يقدر الله عليه تلك البلية، ولم يشك أن الله عز وجل إذا أراده قدر عليه. وأما قوله: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن من أعطاهم الرضا في العلانية أن يكذبهم في السريرة، وذلك أطول البلاء عليهم، ولم يستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم. فقال معاوية: فرجت عني فرج الله عنك. قال ابن عباس فإن رجلاً قرأ علي آية المحيض، قول الله عز وجل: " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض " إلى آخر الآية. يعني بالماء " فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله " يقول: طاهرات غير حيض، فقال معاوية: إن قريشاً لتغبط بك لا بل جميع العرب، لا بل جميع أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولولا خفتك مع علي عطفتني عليك العواطف، فقال أيمن بن خريم: البسيط ما كان يعلم هذا العلم من أحد ... بعد النبي سوى الحبر ابن عباس مستنبط العلم غضاً من معادنه ... هذا اليقين وما بالحق من باس دينوا بقول ابن عباس وحكمته ... إن المنافي فيكم عالم الناس كالقطب قطب الرحا في كل حادثة ... أو كالحمام فمنه موضع الراس من ذا يفرج عنكم كل معضلة ... إن صار رهناً مقيماً بين أرماس؟ قال ابن ملكية: كتب ابن هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاث خلال: مكان إذا كنت عليه لم تدر أين قبلتك، ومكان طلعت الشمس لم تطلع فيه قبل ولا بعد، وعن المحو الذي في القمر. فقال معاوية: من لهذه؟ فقيل له: ابن عباس. فكتب إلى ابن عباس، فكتب إليه ابن عباس: أما المكان الذي إذا كنت فيه لم تدر أين قبلتك فإذا كنت على ظهر الكعبة. وأما المكان الذي طلعت الشمس ولم تطلع فيه قبل ولا بعد فالبحر يوم انفلق لموسى. وأما المحو الذي في القمر فإن الله عز وجل يقول: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل " فهو آية الليل، فكتب به معاوية إلى ابن هرقل. قال: فكتب إليه: ما هذا من كنزك ولا كنز أبيك، ولا خرج هذا إلا من أهل بيت نبوة.

وعن ابن عباس قال: كتب قيصر إلى معاوية: أما بعد، فأي كلمة أحب إلى الله والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ومن أكرم عباد الله وإمائه عليه، وأربعة أشياء فيهم الروح لم ترتكض في رحم، وقبر سار بصاحبه، ومكان لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة، والمجرة التي في السماء ما هي؟ وقوس قزح ما هو؟ فلما قرأ معاوية الكتاب قال لعبد الله: ما أدري ما هذا، وماله إلا ابن عباس، فأرسل إلى ابن عباس يسأله عن ذلك، فقال: أحب كلمة إلى الله: لا إله إلا الله، والثانية: سبحان الله، والثالثة: الحمد، والرابعة: الله أكبر، والخامسة: لا حول ولا قوة إلا بالله. وأما أكرم عباد الله فآدم خلقه الله بيده وعلمه الأسماء كلها، وأكرم إمائه عنده مريم التي أحصنت فرجها، والرابعة التي فيها الروح لم ترتكض في رحم فآدم وحواء، وعصا موسى، وكبش إبراهيم، والقبر الذي سار بصاحبه قبر يونس بن متى في بطن الحوت. والمكان الذي لم تصبه الشمس إلا مرة واحدة فالبحر فلقه موسى بعصاه، وقوس قزح فأمان لأهل الأرض من الغرق وزاد في حديث آخر: بعد قوم نوح والمجرة فهي باب السماء. وفي حديث آخر بمعناه: فقلت: أما أحب كلمة إلى الله: فلا إله إلا الله لا يقبل عمل إلا بها، والثانية: المنجية سبحان الله وصلاة الخلق، والثالثة: الحمد لله كلمة الشكر، والرابعة: الله أكبر فواتح الصلاة والركوع والسجود، والخامسة: لا حول ولا قوة إلا بالله. فاكتب إليه بذلك، فإنهم سيعرفون فأما لا إله إلا الله فإذا قالها العبد قال: يقول الله - أخلص عبدي. فإذا قال: سبحان الله قال: عبدني عبدي، فإذا قال: الحمد لله، قال: أخلص عبدي، فإذا قال: الله أكبر، قال: صدق عبدي أنا أكبر، فإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال: ألقى إلي عبدي السلام الحديث. وعن أبي الجويرية الجرمي قال: كتب قيصر إلى معاوية: أخبرني عمن لا قبلة له، وعمن لا أب له، وعمن لا عشيرة له، وعمن سار به قبره، وعن ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم، وعن شيء ونصف شيء ولا

شيء، وابعث إلي في هذه القارورة ببزر كل شيء. فبعث معاوية بالكتاب والقارورة إلى ابن عباس، وقيل إنالحسن بن علي بعث إليه بالكتاب والقارورة أما من لا قبلة له فالكعبة، وأما من لا أب له فعيسى، وأما من لا عشيرة له فآدم، وأما من سار به قبره فيونس. وأما ثلاثة أشياء لم تخلق في رحم فكبش إبراهيم، وناقة ثمود، وعصا موسى. وأما شيء فالرجل له عقل، يعمل بعقله، وأما نصف شيء فالذي ليس له عقل ويعمل برأي ذوي العقول. وأما لا شيء فالذي ليس له عقل، يعمل بعقله، وملأ القارورة ماء، وقال: هذا بزر كل شيء. فبعث معاوية بالبزر والقارورة إلى قيصر. فلما وصل إليه الكتاب والقارورة قال: ما خرج هذا إلا من أهل بيت نبوة. وعن حماد بن حميد قال: كتب رجل من أهل العلم إلى ابن عباس يسأله عن هذه المسائل وكان الرجل عالماً. قال: أخبرني عن رجل دخل الجنة ونهى الله محمداً أن يعمل بعمله، وأخبرني عن شيء تكلم ليس له لحم ولا دم، وأخبرني عن شيء بنفس ليس له لحم ولا دم، وأخبرني عن شيء له لحم ولم تلده أنثى ولا ذكر، وأخبرني عن شيء قليله وكثيره حرام، وأخبرني عن رسول بعثه الله ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة، واخبرني عن نفس أوحى الله إليها ليست من الأشياء، وأخبرني عن منذر ليس من الجن ولا من الإنس، وأخبرني عن شيء حرم بعضه وحل بعضه، وأخبرني عن نفس ماتت وأحييت بنفس غيرها، وأخبرني عن نفس خرجت من جوف نفس ليس بينهما نسب ولا رحم، وأخبرني عناثنين تكلما ليس لهما لحم ولا دم، وأخبرني عن الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وأخبرني عن شيء إن فعلته كان حراماً وإن تركته كان حراماً، وأخبرني عن موسى كم أرضعته أمه قبل أن تلقيه في البحر، وفي أي بحر قذفته، وأخبرني عن الاثنين اللذين كانا في بيت فرعون حين لطم موسى فرعون، وأخبرني عن موسى حين كلمه الله تعالى من حمل التوراة إليه، وكم كانت الملائكة الذين حملوا التوراة إلى موسى، وأخبرني عن آدم كم كان طوله، وكم عاش، ومن كان وصيه، وأخبرني من كان بعد آدم من الرسل، ومن كان بعد نوح، ومن كان بعد هود، ومن كان بعد إبراهيم، ومن كان بعد لوط، ومن كان بعد إسحاق، ومن كان قبل

نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبرني عن الأنبياء كم كانوا، وكم كان منهم الرسل، وكم كان منهم من الأنبياء، وأخبرني كم في القرآن منهم، وأخبرني عن رجل ولد من غير ذكر ولا أنثى ولم يمت، وأخبرني عن أرض لم تصبها الشمس إلا يوماً واحداً، وأخبرني عن الطير الذي لا يبيض ولا يحضن عليه طير. قال: فلما قدمت المسائل على ابن عباس عجب من ذلك عجباً شديداً، ثم كتب إليه: أما سؤالك عن الرجل الذي دخل الجنة ونهي عنه محمداً أن يعمل بعمله فهو يونس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نبينا وعليه وسلم الذي يقول: " ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم " وأما الشيء الذي تكلم ليس له لحم ولا دم فهي النار التي تقول " هل من مزيد " وأما الرسول الذي بعثه الله من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة فهو الغراب الذي بعثه الله إلى ابن آدم ليريه كيف يواري سوأة أخيه. وأما الذي له لحم ودم لم تلده أنثى ولا ذكر فهو كبش إبراهيم الذي فدى به إسحاق. وأما الشيء الذي بنفس ليس له لحم ولا دم فهو الصبح، إذ يقول الله عز وجل " والصبح إذا تنفس " وأما النفس التي ماتت، وأحييت بنفس غيرها فهي البقرة التي ذكرها الله عز وجل في القرآن الذي يقول: " اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى " الآية. وأما الطير الذي لم يبض ولم يحضن عليه طائر فهو الطير الذي نفخ فيه عيسى بن مريم، فكان طيراً بإذن الله، واما الشيء الذي قليله حلال وكثيره حرام فهو نهر طالوت الذي ابتلاهم الله به، وأما النفس التي خرجت من جوف نفس ليس بينهما نسب ولا رحم فهو يونس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي خرج من بطن الحوت. وأما الاثنتان اللتان تكلمتا ليس لهما لحم ولا دم فهما السماء والأرض إذ يقول الله تعالى: " ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين "، وأما الشيء الذي مشى ليس له لحم

ولا دم فهو عصا موسى التي " تلقف ما يأفكون "، وأما الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فهو أرمنياً. وأما الشيء الذي إن فعلته كان حراما، وإن تركته كان حراماً فهي الصلاة: إن صليت وأنت سكران لا يحل لك، وإن تركتتها لا يحل لك. وسألت عن أم موسى كم أرضعته فإنها أرضعته ثلاثة أشهر قبل أن تقذفه في البحر، ثم ألقته في البحر بحر القلزم. وسألت عن الاثنين اللذين كانا في بيت فرعون حين لطمه موسى فهي آسية امرأة فرعون، والرجل الذي كان يكمن إيمانه. وسألت عن موسى يوم كلمه الله تعالى وحملت التوراة إليه فإن الله كلم موسى يوم الجمعة، وأعطي التوراة، ونزلت بها الملائكة إلى موسى يوم الجمعة، ومر الله تعالى بكل حرف من التوراة فحمله ملك من السماء، فلا يعلم عدد ذلك إلا الله وحده لا شريك له. وأما الأرض التي لم تنظر إليها الشمس إلا يوماً فهي أرض البحر الذي فلقه الله عز وجل لموسى. وأما المنذر الذي ليس من الإنس ولا من الجن فهي النملة: " قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم "، وسألت عن آدم فهو أول الأنبياء خلقه الله من طين، وسواه ونفخ فيه من روحه. وكان طوله فيما بلغنا والله أعلم ستين ذرعاً، وكان نبياً وخليفة، وعاش ألف سنة إلا ستين عاماً. وكان وصيه شيث. وسألت من كان بعد شيث من الأنبياء، كان بعد إدريس وهو أول الرسل. وكان بعد إدريس نوح، وكان بعد نوح هود، ثم كان بعد هود صالح، ثم كان بعد صالح إبراهيم، ثم كان بعد إبراهيم لوط ابن أخي إبراهيم، وكان بعد لوط إسماعيل، ثم كان بعد إسماعيل إسحاق، وكان بعد إسحاق، وكان بعد إسحاق يعقوب، ثم كان بعد يعقوب يوسف، ثم كان بعد يوسف موسى، ثم كان بعد موسى عيسى فأنزل الله عليه الإنجيل، ثم كان بعد نبينا نبي الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسألت عن عدد الأنبياء: كانوا فيما بلغنا والله أعلم ألف نبي ومئتي نبي وخمسة وسبعين نبياً. وكان منهم ثلاث مئة وخمسة عشر رسولاً، وسائرهم أنبياء صالحون نجد في القرآن منهم ثلاثة وثلاثين نبياً يقول الله عز وجل: " ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً ".

وكان ابن عباس امير البصرة، وكان يغشى الناس في شهر رمضان، فلا ينقضي الشهر حتى يفقههم، وكان إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم، ويتكلم بكلام يردعهم، ويقول: ملاك أمركم الدين، ووصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم الحلم وطولكم المعروف. إن كان الله كفلكم الوسع، اتقوا الله ما استطعتم. قال: فقال اعرابي فقال: من أشعر الناس أيها الأمير؟ قال: أفي إثر العظة؟ قل يا أبا الأسود قال: فقال: أبو الأسود الدؤلي: أشعر الناس يقول: الطويل فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع قال هذا لنابغة بني ذبيان. فكان الرجل يأتي مجلس عبد الله بن عباس وقد انتعل القوم، فيخلع نعليه، فيقول له الرجل لا يحبسك مكاني يا أبا العباس، فيقول: ما أنا بقائم حتى آحادثك وتحدثني فأسمع منك. قال محمد بن سلام: سعى ساع إلى ابن عباس برجل فقال: إن شئت نظرنا فينا قلت، فإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن كنت صادقاً مقتناك، وإن أحببت أقلناك. قال: هذه. قال ابو محمد بن قتيبية في حديث علي: إنه كتب إلى ابن عباس حين أخذ من مال البصرة ماأخذ: إني أشركتك في أمانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي. فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب، قلبت لابن عمك ظهر المجن بفراقه مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف

الذئب الأزل دامية المعزى. وفي الكتاب: ضح رويداً، فكأن قد بلغت المدى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي به ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المضيع التوبة والظالم الرجعة. قوله: قد حرب: أي غضب، وقوله قلبت لابن عمك ظهر المجن: هو مثل يضرب لمن كان لصاحبه على مودة أو رعاية ثم حال عن ذلك، والمجن: الترس. وقوله: اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى: خص الدامية دون غيرها لأن في طبع الذئب محبة الدم، فهو يؤثر الدامية على غيرها. ويبلغ به طبعه في ذلك أنه يرى الذئب مثله وقد دمي فيثيب عليه ليأكله. نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر وقد فرع بكلامه، فقال: من هذا الذي قد نزل عن القوم في سنه وعلاهم في قوله؟ قالوا: هذا ابن عباس، هذا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنشأ يقول: إني وجدت بيان المرء نافلة ... تهدى له ووجدت العي كالصمم المرء يبلى ويبقى الكلم سائره ... وقد يلام الفتى يوماً ولم يلم الكلم ها هنا جمع كلمة، وأصله الكلم بكسر اللام، فسكنه تخفيفاً لإقامة الوزن، كما قالوا: ملك في ملك. فأما الكلم الذي عين فعله ساكنة في أصل بنائه فإنه مصدر كلمه يكلمه كلماً بمعنى جرحه. وقوله: سائره يعني أنه يبقى سائر الكلام. يريد الحكم السائرة من الكلم. اختصم إلى عمر بن الخطاب حسان بن ثابت وخصم له، فسمع منهم، وقضى على حسان، فخرج وهو مهموم، فمر بابن عباس فأخبره بقصته، فقال له ابن عباس: لو كنت أنا الحكم بينكما لحكمت لك، فرجع حسان إلى عمر فأخبره فبعث عمر إلى ابن عباس فأتاه فسأله عما قال حسان، فصدقه، فسأله عن الحجة في ذلك فأخبره، فرجع عمر إلى قول ابن عباس، وحكم لحسان، فخرج وهو آخذ بيد ابن عباس وهو يقول: إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل منزلة فضلا قضى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربة في القول جداً ولا هزلا ورويت هذه الأبيات في ابن عباس في قصة أخرى. قال المدائني: تكلم رجل عند ابن عباس، فأكثر السقط في كلامه، فالتفت ابن عباس إلى عبد له

فأعتقه، فقيل له لم أعتقت عبدك؟ قال: شكراً لله إذ لم يجعلني مثل هذا. ثم أنشد المدائني: عي الشريف يشين منصبه ... وترى الوضيع يزينه أدبه ولما جاء معاوية نعي الحسن بن علي استأذن ابن عباس على معاوية، وكان ابن عباس قد ذهب بصره، فكان يقول لقائده: إذا دخلت بي على معاوية فلا تقدني، فإن معاوية يشمت بي. فلما جلس ابن عباس قال معاوية: لأخبرنه بما هو أشد عليه من أن أشمت به. فلما دخل قال: يا أبا العباس، هلك الحسن بن علي، فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون. وعرف ابن عباس أنه شامت به، فقال: أما والله يا معاوية لا تسد حفرتك، ولا تخلد بعده، ولقد أصبنا بأعظم منه، فخرنا الله بعده، ثمقام. فقال معاوية: لا والله، ما كلمت أحداً قط أعد جواباً ولا أعقل من ابن عباس. وعن ربعي بن حراش قال: استأذن عبد الله بن العباس على معاوية بن أبي سفيان، وقد تحلقت عنده بطون قريش، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه. فلما نظر إليه معاوية مقبلاً قال لسعيد: والله لألقين على ابن عباس مسائل يعيا بجوابها فقال سعيد: ليس مثل ابن عباس يعيا بمسائلك. فلما جلس قال له معاوية: ما تقول في أبي بكر الصديق قال: رحم الله أبا بكر، كان والله للقرآن تالياً، وللشر قالياً، وعن المثل نائياً، وعن الفحشاء ساهياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، ومن المهلكات جانفاً، يخاف فلتة الدهر، وإحياء بالليل قائماً، وبالنهار صائماً، ومن دنياه سالماً، وعلى عدل البرية عازماً، وبالمعروف آمراً، وإليه صائراً، وفي الأحوال شاكراً، والله بالغدو والآصال ذاكراً، ولنفسه في المصالح قاهراً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وزهداً وعفافاً، وسراً وحياطة، فأعقب الله من ثلبه اللعائن إلى يوم التغابن. قال معاوية: فما تقول في عمر بن الخطاب؟ فقال رحم الله أبا حفص، كان والله حليف الإسلام، ومأوى الأيتام، ومحل الإيمان، وملاذ الضعفاء، ومعقل الحنفاء، للخلق

حصناً، وللناس عوناً قال بحق الله صابراً محتسباً حتى أظهر الدين وفتح الديار وذكر الله في الإفطار والمنار، وعلى التلال وفي الضواحي والبقاع. عبد الجبار في الرخاء والشدة شكوراً، له وفي كل وقت وآن ذكوراً، فأعقب الله من يبغضه اللعنة إلى يوم الحسرة. قال معاوية: فما تقول في عثمان؟ قال: رحم الله أبا عمرو، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل البررة، وأصبر القراء، هجاد بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر الدار دائب الفكر فيما يعنيه بالليل والنهار، نهاضاً إلى كل مكرمة، سعاء إلى كل منقبة، فراراً من كل موبقة، صاحب جيش العسرة، وصاحب البئر، وختن المصطفى عليه السلام على ابنتيه، فأعقب الله من ثلبه الندامى إلى يوم القيامة. قال معاوية: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: رحم الله أبا الحسن، كان والله علم الهدى، وكهف التقى، ومحل الحجا، وطود الندى، ونور السفر في ظلم الدجى، وداعياً إلى المحجة العظمى، وعالماً بما في الصحف الأولى، وقائماً بالتأويل والذكرى متعلقاً بأسباب الهدى، وتاركاً للجور والأذى وحائداً عن طرقات الردى، وخير من آمن واتقى، وسيد من تقمص وارتدى، وأفضل من حج وسعى، وأسمح من عدل وسوى، وأخطب أهل الدنيا سوى الأنبياء والمصطفى، وصاحب القبلتين وزوج خير النساء، وأبو السبطين، لم تر عين مثله، ولا ترى أبداً حتى القيام واللقاء. فعلى من لعنه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة. قال معاوية: فما تقول في طلحة والزبير؟ قال: رحمة الله عليهما، كانا والله عفيفين، مسلمين، برين، طاهرين، مطهرين، شهيدين، عالمين بالله، لهما النصرة القديمة والصحبة الكريمة، والأفعال الجميلة وفي حديث آخر: زلا زلة الله غافرها لهما. قال: ما تقول في العباس بن عبد المطلب؟ قال: رحم الله أبا الفضل، كان والله صنو أبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرة عين صفي الله، لهميم الأقوام، وسيد الأعمام، قد علا بصراً للأمور، ونظراً في العواقب. علم تلاشت الأحساب عند ذكر فضيلته، وتباعدت

الأنساب عند فخر عشيرته، ولم لا يكون كذلك؟ وقد ساسه اكرم من ذهب وهب: عب المطلب أفخر من مشى من قريش وركب. قال معاوية: فلما سميت قريش قريشاً؟ قال: لدابة تكون في البحر هي أعظم دواب البحر خطراً، لا تظفر بشيء من دواب البحر إلا أكلته، فسميت قريش لأنها أعظم العرب فعالاً. فقال: هل تروي في ذلك شعراً؟ فأنشده قول الجمحي: وقريش هي التي تسكن البحر به ... اسميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك ل ... ذي الجناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش ... يأكلون البلاد أكلاً كشيشاً ولهم آخر الزمان نبي ... يكثر القتل فيهم والخموشا يملأ الأرض خيله ورجال ... يحشرون المطي حشراً كميشاً فقال معاوية: صدقت يا بن عباس، أشهد أنك لسان أهل بيتك. فلما خرج ابن عباس من عنده قال معاوية لمن عنده: ما كلمته قط إلا وجدته مستعداً. وفي حديث آخر قال: فأمر له معاوية بأربعة آلاف درهم فقبضها ثم صرفها في بني عبد المطلب. فقالوا له: لا نقبل صدقة. قال: إنها ليست بصدقة. وإنما هي هدية لم يبق منها شيء، فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه يلومه وأن يقصر عن ذلك فكتب إليه يقول: بخيل يرى بالجود عاراً وإنما ... على المرء عار أن يضن ويبخلا إذا المرء أثرى ثم لم يرج نفعه ... صديق فلاقته المنية أولا أنشد المبرد لعبد الله بن العباس، كتب به إلى معاوية لن أبي سفيان: الطويل

إني أغضيت عن غير بغضة ... لراع لأسباب المودة حافظ وما زال يدعوني إلى الصرم ما أرى ... فآبى وتثنيني عليك الحفائظ وأنتظر العتبى وأغضي على القذى ... وألبس طوراً مره وأغالظ وأنتظر الإقبال بالود منكم ... وأصبر حتى أوجعتني المغايظ وجربت ما يسلي المحب عن الهوى ... وأقصرت والتجريب للمرء واعط لما خرج الحسين بن علي إلى الكوفة اجتمع ابنعباس وعبد الله وبن الزبير بمكة فضرب ابن عباس جنب ابن الزبير وتمثل: الرجز يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجود فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري خلا لك والله يا بن الزبير الحجاز. وسار الحسين إلى العراق، فقال ابن الزبير لابن عباس: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس، فقال له ابن عباس: إنما يرى من كان في شك، فأما نحن من ذلك فعلى يقين، ولكن أخبرني عن نفسك لم زعمت أنك أحق بهذا الأمر من سائر العرب، قال ابن الزبير: لشرفي عليهم قديماً لا تنكرونه قال: فأيما أشرف، أنت أم من شرفت به؟ قال: إن الذي شرفت به زادني شرفاً. قال: وعلت أصواتهما، فقال ابن أخ لعبد الله بن الزبير: يا بن عباس، دعنا من قولك، فوالله لا تحبونا يا بني هاشم أبداً. قال: فخفقه عبد الله بن الزبير بالنعل وما استحق الضرب؟! وإنما يستحق الضرب من مرق ومذق. قال: يا بن عباس، أما تريد أن تعفو عن كلمة واحدة قال: إنما نعفو عمن أقر، فأما من هر فلا. قال: فقال ابن الزبير: فأين الفضل؟ قال ابن عباس: عندنا - أهل البيت - لا نضعه في غير موضعه فندم، ولا نزويه عن أهله

فنظلم. قال: أولست منهم؟ قال: بلى إن نبذت الحسد، ولزمت الجدد. قال: واعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما. وعن ابن عباس قال: لو أن العلماء أخذوا العلم بحقه لأحبهم الله عز وجل والملائكة والصالحون من عباده، ولهابهم الناس، لفضل العلم وشرفه. قال جندب لابن عباس: أوصني بوصية، قال: أوصيك بتوحيد الله، ولا عمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فإن كل خير أنت آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول وإلى الله مرفوع. يا جندب، إنك لن تزداد من يومك إلا قرباً، فصل صلاة مودع، وأصبح في الدنيا كأنك غريب مسافر، فإنك من أهل القبور، وابك على ذنبك، وتب من خطيئتك، ولتكن الدنيا أهون عليك من شسع نعليك، وكأن قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلفت، ولن ينفعك إلا عملك. قال ابن بريدة: رأيت ابن عباس آخذاً بلسانه وهو يقول: ويحك، قل خيراً تغنم أو اسكت عن شر تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم. قال: فقيل له: يا بن عباس، لم تقول هذا؟! قال: إنه بلغني أن الإنسان أراه قال: ليس على شيء من جسده حنقاً أو غيظاً يوم القيامة لعله قال: منه على لسان إلا قال به خيراً أو أملى به خيراً. قال وبرة المسلمين: أوصى ابن عباس بكلمات، لهن أحسن من الدهم الموقوفة فقال لي: لا تكلمن فيما لا يعنيك فإنه فضل، ولا آمن عليك فيه الوزر، ولا تكلمن فيما يعنيك حتى ترى له موضعاً، فرب متكلم قد تكلم بالحق في غير موضعه فعنت، ولا تمارين سفيهاً ولا حليماً، فإن الحليم يقيلك، والسفيه يريدك، ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يذكرك به إذا أنت تواريت عنه، واعمل عمل رجل يعلم أنه مجزي

بالإحسان، مأخوذ بالإجرام. قال: فقال رجل عنده: يا أبا عباس، هذه خير من عشرة آلاف. قال: فقال ابن عباس: كلمة واحدة منها خير من عشرة آلاف. قال ابن عباس: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله، وتصغيره عنده، وستره، فإنه إذا عجله هيأه وإذا صغره عظمه، وإذا ستره فخمه. قال ابن عباس: أكرم الناس علي جليسي، إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني. قيل لابن عباس: من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إلي، لو استطعت ألا يقع الذباب على وجهه لفعلت. وعن ابن عباس كان يقول: ثلاثة لا أكافئهم: رجل ضاق مجلسي فأوسع لي، ورجل كنت ظمآن فسقاني، ورجل اغبرت قدماه في الاختلاف على بابي، ورابع لا أقدر على مكافأته، ولا يكافئه عني إلا الله عز وجل: رجل حز به أمر فبات ليلته ساهراً. فلما أصبح لم يجد لحاجته معتمداً غيري. قال: وكان يقول: إني لأستحي من الرجل يطأ بساطي ثلاث مرات ثم لا يرى عليه أثر من أثري. قال ابن عباس: ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا أنزلته أحد ثلاثة منازل: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان نظيري تفضلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به. وهذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرض الله واسعة. ولما أصيبت عين ابن عباس نحل جسمه. فلما ذهبت الأخرى عاد لحمه، فقيل له في ذلك، فقال: أصابني ما رأيتم في الأولة شفقة على الأخرى، فلما ذهبتا اطمأن قلبي. قال عكرمة: لما وقع الماء في عين ابن عباس قيل له: تنزع الماء من عينيك، على أنك لا تصلي سبعة

أيام، فقال: لا إنه منترك الصلاة سبعة أيام وهو يقدر عليها لقي الله عز وجل وهو غضبان عليه. وعن ابن عباس أنه قال حين أصيب بصره: ما آسى على شيء من الدنيا إلا لو أني كنت مشيت إلى بيت الله عز وجل، فإني سمعت الله عز وجل يقول: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ". وعن عكرمة قال: كان ابن عباس في العلم بحراً ينشق له من الأمر الأمور. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم، ألهمه الحكمة، وعلمه التأويل ".فلما عمي أتاه ناس من أهل الطائف، ومعهم علم من علمه أو كتب من كتبه، فجعلوا يستقرؤونه، وجعل يقدم ويؤخر. فلما رأى ذلك قال: إني تلهت من مصيبتي هذه، فمن كان عنده علم من علمي، أو كتب من كتبي فليقرأ علي، فإن إقراري له به كقراءتي عليه. قال: فقرؤوا عليه، زاد في حديث آخر: ولا يكن في أنفسكم من ذلك شيء. تله الرجل إذا تحير. والأصل وله. والعرب قد تقلب الواو تاء، يقولون: تجاه، والأصل: وجاه. ولما وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ارتحل عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية بأولادهما ونسائهما حتى نزلوا مكة، فبعث عبد الله بن الزبير إليهما يبايعان فيأبيا، وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك، فأبى، وألح عليهما إلحاحاً شديداً. وقال فيما يقول: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة وقالا: إنا لا نأمن من هذا الرجل، فمشوا في الناس، فانتدب أربعة آلاف، فحملوا السلاح حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها أهل مكة، وابن الزبير في المسجد، فانطلق هارباً حتى دخل دار الندوة ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله. قال: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنيفة وأصحابهما، وهم في

دور قريب من المسجد قد جمع الحطب، فأحاط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه مارئي منهم أحد حتى تقوم الساعة، فأخرناه عن الأبواب، وقلنا لابن عباس: ذرنا نرح الناس منه، فقال: لا، هذا بلد حرام حرمه الله، ما أحله لأحد إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعة، فامنعونا وأجيرونا. قال: فتحملوا، وإن منادياً ينادي في الجبل: ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية، إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى، فأقاموا ما شاء الله، ثم خرجوا بهم إلى الطائف، فمرض عبد الله بن عباس. قال: فبينا نحن عنده إذ قال في مرضه: إني أموت في خير عصابة على وجه الأرض أحبهم إلى الله وأكرمهم عليه، وأقربهم إلى الله زلفى، فإن كت فيكم فأنتم هم، فما لبث إلا ثمان ليال بعد هذا القول حتى توفي، رحمه الله. فصلى عليه محمد بن الحنيفة، وولينا حمله ودفنه. قال منذرالثوري: سمعت محمد بن علي بن أبي طالب يقول يوم مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذ الأمة. وفي رواية عن كلثوم: اليوم مات رباني العلم. وعن بجير بن أبي عبيد قال: مات ابن عباس بالطائف. فلما خرجوا بنعشه جاء طير عظيم أبيض من قبل وج زاد في رواية: يقال له الغرنوق حتى خالط أكفانه، ثم لم يروه، زاد في رواية: قال: فكانوا يرون أنه علمه. قال ميمون بن مهران: شهدت جنازة عبد الله بن عباس بالطائف. فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى دخل في أكفانه، فالتمس فلم يوجد. فلما سوي عليه سمعنا صوتاً، نسمع صوته ولا

عبد الله بن العباس بن الوليد

نرى شخصه " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ". قال هشام بن محمد بن السائب: صلى محمد بن علي على عبد الله بن عباس، وكبر عليه أربعاً، وضرب على قبره فسطاطاً. قال ابن بكير: توفي عبد الله بن عباس سنة خمس وستين. ويقال: ثمان وستين. وصلى عليه محمد بن الحنفية، وأدخله من قبل القبلة، وقيل: توفي سنة سبع وثمانين. وتوفي ابن الحنفية بعده. وكان ابن عباس يصفر لحيته، وتوفي وسنه اثنتان وسبعون سنة، وقيل: إحدى وسبعون سنة، وقيل: أربع وسبعون سنة. والصحيح قول من قال: إنه توفي سنة ثمان وستين. والله أعلم. ولما دفن قال محمد بن الحنفية: مات والله اليوم حبر الأمة. قال الزبير: ويقال: قالت أم الفضل وهي ترقص عبد الله بن عباس: ثكلت نفسي وثكلت بكري ... إن لم يسد فهراً وغير فهر بحسب زاك وبذل الوفر عبد الله بن العباس بن الوليد ابن مزيد العذري البيروتي حدث عن أبيه بسنده إلى حميد بن عبد الرحمن قال: استوى معاوية على المنبر فقال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت

عبد الله بن عبد الله بن الحارث

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله علينا صيامه، وأنا صائمه، فمن شاء صامه، ومن شاء أفطره ". عبد الله بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو يحيى الهاشمي النوفلي. حدث عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. أنه اجتمع ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب فقالا: والله، لو بعثنا هذين الغلامين قال: لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا ما يصيب الناس من المنفعة. قال: فبينا هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب، فقال: ماذا تريدان؟ فأخبراه بالذي أرادا فقال: لا تفعلا، فوالله ما هو بفاعل، فقالا: لم تصنع هذا؟ فما هذا منك إلا نفاسة علينا، فوالله لقد صبحت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونلت صهره فما نفسنا ذلك عليك، فقال: أنا أبو حسن، أرسلوهما، ثم اضطجع. فلما صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى مر بنا، فأخذ بآذاننا، ثم قال: اخرجا ما تصرران، ودخل، فدخلنا معه، وهو حينئذ في بيت زينب بنت جحش. قال: فكلمناه، فقلت: يا رسول الله، جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس. قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفع رأسه إلى سقف البيت حتى أردنا أن نكلمه. قال: فأشارت إلينا زينب من وراء حجابها كأنها تنهانا عن كلامه، فأقبل فقال: ألا إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادع لي محمية بن الجزء وكان على العشور وأبا سفيان بن الحارث. قال: فأتياه، فقال لمحمية بن جزء: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل فأنكحه، وقال لأبي سفيان: أنكح هذا الغلام ابنتك فأنكحني، ثم قال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس.

عبد الله بن عبد الله أبي دجانة

وحدث عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: سألت لأجد أحداً يخبرني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبح في سفر. فلم أجد أحداً يخبرني بذلك، حتى أخبرتني أم هانئ بنت أبي طالب أنه قدم عام الفتح فأمر بستر فستر عليه، فاغتسل ثم سبح ثمان ركعات. وحدث عبد الله بن عبد الله أن أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل كان يسبح سبحة الضحى. قال: فسألت وحرصت أن أجد أحداً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثني: هل سبح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسبيحة الضحى، فلم أجد أحداً من الناس يخبرني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبحها غير أم هانئ بنت أبي طالب، أخبرتني أن النبي جاء يوم الفتح، مكة، بعدما ارتفعت الشمس فأمر بثوب فستر عليه، ثم اغتسل، ثم قام يصلي، فركع ثمان ركعات. قال: فلا أدري: أقيامه فيهن أطول أم ركوعه، ولا أدري: أركوعه فيهن أطول أم سجوده. وكان ذلك فيهن متقارباً. قال: فلم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبح سبحة الضحى قبل ولا بعد غير تلك المرة. وأم عبد الله بن عبد الله خالدة بنت معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب. وحدث عبد الله بن عبد الله عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سمع المؤذن قال: مثل ما يقول. توفي عبد الله بن عبد الله بن الحارث سنة تسع وتسعين، قتلته السموم، ودفن بالأبواء وهو مع سليمان بن عبد الملك، وصلى عليه، وكان قد حج معه، فمات بالأبواء. عبد الله بن عبد الله أبي دجانة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري حدث عن عمه أبي زرعة بسنده إلى فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأرض أرض الله، والعباد عباد الله، فمن اجتنى أرضاً مواتاً فهي له ".

عبد الله بن أبي عبد الله

عبد الله بن أبي عبد الله أبو عون الأنصاري الأعور حدث عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت معاوية وهو يخطب بالناس قال: وكان قليل الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فسمعته يقول: سمعت رسول الله قال: " كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافراً، والرجل يقتل المؤمن متعمداً ". عبد الله بن عبيد الله بن عاصم ابن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي المديني قدم على عمر بن عبد العزيز للخؤولة، لأن أم عمر أم عاصم بنت عاصم بن عمر. روى عن عمر بن عبد العزيز خطبة له قال: قدمنا على عمر بن عبد العزيز حين استخلف. قال: وجاءه الناس من كل مكان. قال: فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. أيها الناس، فالحقوا ببلادكم، فإني أنساكم ها هنا، وأذكركم في بلادكم فلا إذن له علي ألا ولا أرينه. وأيم الله، إني كنت منعت نفسي وأهل بيتي هذا المال، ثم ضننت به عليكم، إني إذاً لضنين، والله لولا أن أنعش سنة، وأسير بحق، ما أحببت أن أعيش فواقاً. قال عبيد الله: فلم يخطب بعدها.

عبد الله بن عبد الأعلى بن أبي عمرة

عبد الله بن عبد الأعلى بن أبي عمرة أبو عبد الملك الشيباني مولاهم أخو عبد الصمد بن عبد الأعلى. قال أبو هفان: كان عبد الله شاعراً، وكان أبوه عبد الأعلى شاعراً، وكان عبد الله متهماً في دينه، ويقال: إن سليمان بن عبد الملك ضمه إلى ابنه أيوب فزندقه، فدس له سليمان سماً، فقتله وعبد الله كثير الأمثال في شعره، أنفذ أكثر قوله في الزهد والمواعظ، وهو القائل: من الطويل: صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد ولما مات هشام بن عبد الملك اجتمع وجوه الناس وأشرافهم، وفيهم ابن عبد الأعلى الشاعر. فلما علا على مغتسله رمى ابن عبد الأعلى بطرفه نحو الباب الذي يغتسل فيه، ثم أنشأ يقول: الطويل: وما سالم عما قليل بسالم ... ولو كثرت أحراسه وكتائبه ومن يك ذا باب شديد وحاجب ... فعما قليل يهجر الباب حاجبه ويصبح بعد العز يفيضه أهله ... رهينة لحد لم تسو جوانبه فما كان إلا الدفن حتى تفرقت ... إلى غيره أجناده ومواكبه وأصبح مسروراً به كل كاشح ... وأسلمه أحبابه وأقاربه فنسك فاكسبها السعادة والتقى ... فكل امرئ رهن بما هو كاسبه قال عبد الملك بن مروان لبنيه في مرض موته: كونوا كما قال عبد الله بن عبد الأعلى: من الكامل ألقوا الضغائن والتخاذل بينكم ... عند المغيب وفي الحضور الشهد

عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة

بصلاح ذات البين طول بقائكم ... إن مد في عمري وإن لم يمدد فلمثل ريب الدهر ألف بينكم ... بتواصل وترحم وتودد والقوا الضغائن والتخاذل عنكم ... بتكرم وتوسع وتعهد حتى تلين قلوبكم وجلودكم ... لمسود منكم وغير مسود وتكون أيديكم معاً في أمركم ... ليس اليدان لذي التعاون كاليد إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالكسر والتوهين للمتبد ثم طفئ من ساعته. عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة أبو عبد الرحمن الخولاني قاضي مصر وابن قاضيها. وفد على عمر بن عبد العزيز في قضاء مصر من قبل قرة بن شريك أمير مصر من قبل الوليد بن عبد الملك في سنة تسعين. حدث عن أبيه عن ابي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى سلمان الخير فقال له: يا سليمان، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يمنحك كلمات تسألهن الرحمن وترغب إليه فيهن، وتدعو بهن في الليل والنهار. قل: اللهم إني أسألك صحة في إيمان، وإيماناً في حسن خلق، ونجاحاً يتبعه فلاح، ورحمة منك وعافية، ومغفرة منك ورضواناً. قال إبراهيم بن نشيط: رأيت عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة، وكانت تحته امرأة من وعلان هي مولاة ابن نشيط، وقد تغدى فقال: أتتغدى؟ قال: قلت نعم، قال: أعيدي عليه الغداء يا جارية، فأتت بعدس على طبق خوص وكعك وماء، فقال: ابلل وكل. فلم تتركنا الحقوق نشبع من الخبز.

عبد الله بن عبد الرحمن

قال ابن نشيط: وأتاه رجل يذكر له حاجة، فقال: تعود، فسأل عنه، فإذا هو صادق، فأعطاه ثمانية عشر ديناراً، فأتاه في مجلس القضاء يثني عليه، فقال: أخروه عني. عبد الله بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن سليمان بن خيثمة بن سليمان بن حيدرة أبو بكر القرشي الأطرابلسي. حدث عن أبي بكر محمد بن العباس بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك العصر ". وروي هذا الحديث بزيادة: " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ". وحدث أبو بكر أيضاً عن أبي بكر أحمد بن جعفر بن محمد البرمكي بسنده عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كذب علي حسبته قال: متعمداً فليتبوأ بيته من النار ". عبد الله بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن علي بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي العجائز سعيد بن خالد بن حميد بن صهيب بن كليب بن البخيت بن علقمة بن الصبر الأزدي، أزد شنوءة أبو محمد القاضي. ولي القضاء بدمشق نيابة. حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تتقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين، إلا رجلاً كان يصوم صياماً فليصمه ".

عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة

ولد القاضي أبو محمد بن أبي العجائز في ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة. وبخيت: أوله ياء مضمومة، وبعدها خاء معجمة مفتوحة، وآخره تاء معجمة باثنتين من فوقها. وتوفي القاضي أبو محمد بن أبي العجائز في رجب سنة اثنتين وستين وأربع مئة. عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة ابن إياس ويقال ابن أبي إياس بن عبد أسد بن جحدم بن عمرو بن عابس بن ظرب بن الحارث بن فهر، القرشي الفهري. ولي إمرة دمشق من قبل يزيد بن عبد الملك، ولي لعمر بن عبد العزيز صدقات بني تغلب. حدث ابن جحدم: أن عمر بن عبد العزيز بعثه على صدقات بني تغلب، فكان عهده إليه أن يقبضها ثم يردها في فقرائهم. قال: فكنت آتي الحي فأدعوهم بأموالهم، فأقبض ما كان فيها، ثم أدعو فقراءهم فأقسمها عليهم حتى إنه ليصيب المسكين الفريضتين والثلاث، فما أفارق الحي وفيه فقير. ثم آتي الحي الآخر، فأصبح به كذلك، فلم أنصرف إليه بدرهم. قال عبد الله بن أبي عبد الله: قحطت السماء في زمان يزيد بن عبد الملك، وعلى دمشق عبد الله بن عبد الرحمن الفهري، فخرج بنا إلى مضمار دمشق يستسقي، فجلس على درجة دون المجلس من المنبر، فدعا الله، وعظمه، ومجده طويلاً، ثم قال: اللهم أي رب، إنا لم نكن لنجيء بأجمعنا إلى أحد دونك وكل شيء هو دونك في أمر لا ينقصه شيئاً، وهو بنا رافق إلا أعطاناه، اللهم، ولك المثل الأعلىن جئناك الغداة نطلب في أمر لا ينقصك شيئاً وهو بنا رافق، فأعطنا برحمتك، يا أرحم الراحمين. فلم نبرح حتى مطرنا.

عبد الله بن عبد الرحمن بن عضاه بن الكركير الأشعري

عبد الله بن عبد الرحمن بن عضاه بن الكركير الأشعري شهد صفين مع معاوية، وبعثه يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير يدعوه لبيعته، ومعه جامعة من فضة، وبرنس خز، فقدم على ابن الزبير وهو جالس بالأبطح، ومعه أيوب بن عبد الله بن زهير بن أبي أمية المخزومي، وعلى مكة يومئذ الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة، فكلمه ابن عضاه وابن الزبير ينكت في الأرض، فقال له أيوب: يا أبا بكر، لا أراك غرضاً للقوم، فرفع ابن الزبير رأسه فقال: أقلت: حلف ألا يقبل بيعتي حتى يؤتى بي في جامعة؟ لا أبر الله قسمه، وتمثل ابن الزبير: البسيط ولا ألين لغير الحق أسأله ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر ثم قال: والله، لا أبايع يزيد، ولا أدخل له في طاعة. قال خالد سبلان: كنت فيمن ضهد صفين: فبينا نحن هناك إذ جاء الخبر إلى معاوية أنه قد بايع رجلاً من همدان اثنا عشر ألفاً من همدان بيعة الموت ليغتدن شاهرين سيوفهم فلا ينثنون دون أن يقتلوا معاوية، أو ينهزم الناس، أو يموتوا من آخرهم، فأعظهم ذلك معاوية، وأقبل على عمرو بن العاص فقال: اثنا عشر ألفاً كلهم قد بايع بيعة الموت، من يطيق هؤلاء؟ فقال له عمرو: اضربهم بمثلهم من فوقهم، فأرسل إلى عضاه أو قال: ابن عضاه فأخبره عن الهمداني وأصحابه وقال: ما عندك؟ قال: ألقاهم بمثل عدتهم من همدان. قال: فخرج إليه قبائل همدان، فخطبهم متوكئاً على قوسه، فذكر عثمان، وما انتهك من حرمته، وركب به يعني: قتلوا حتى نسخوا ثم ذكر الذين قتلوه، وأنه لحق على كل مسلم أن يطلب دم عثمان، والقود من قتله، ونحواً من هذا الكلام، وإن الهمداني قد بايعه منكم، فأخبرهم بما صنعوا، فما عندكم؟ قالوا: عندنا أن نلقاهم بيعة الموت. قال: بيعة الموت؟ قالوا: بيعة الموت. فأعادها، ثم استدار على قوسه، ووثبوا وثبة رجل فاستداروا مرات،

واعتنق بعضهم بعضاً، وبكى بعضهم إلى بعض، فغدا الهمداني في أصحابه فاقتتلوا فيما بين أول النهار إلى صلاة العصر، ما ينهزم هؤلاء ولا هؤلاء، فأرسل علي إلى معاوية يناشده الله في البقية إلى كف أصحابه، ويكف أصحابه. فلم يزل معاوية يكف أصحابه ويزعهم، وعلي مثل ذلك حتى حجزوا بينهم. /

عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ابن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب أبو سلمة، وهو عبد الله الأصغر قيل: اسمه عبد الله، وقيل: اسمه إسماعيل، وقيل: اسمه وكنيته واحد. كان ثقة فقيهاً كثير الحديث، وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هُبَل من كاب قضاعة، استقضاه سعيد بن العاص لما ولي المدينة لمعاوية، فلم يزل قاضياً حتى عزل سعيد بن العاص. قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: قلت لعائشة: إنما فاقنا عروة بدخوله عليك كلما أراد، قال: وأنت إذا أردت فاجلس من وراء حجاب، فتسألني عما أحببت: فإنا لم نجد أحداً بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصل لنا من أبيك، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحني عليكن إلا الصادق البار " وهو عبد الرحمن بن عوف. عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: تذاكرنا ليلة القدر في نفرٍ من قريش، فأتيت أبا سعيد الخدري، وكان صديقاً لي، فقلت: اخرج بنا إلى النخل، فخرج وعليه خميصة له.

وقال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً جماً. وكان أبو سلمة يسأل ابن عوف، فيخزن عليه، وكان عبيد الله بن عبد الله يلطفه، فكان يغره غراً. قال محمد بن أبي يعقوب: قدم علينا أبو سلمة بن عبد الرحمن في إمارة بشر بن مروان، وكان رجلاً صبيحاً، كأن وجهه دينار هرقلي. عن سعد بن إبراهيم: أنه رأى أبا سلمة يصبغ بالسواد، وقال مرة: يصبغ بالوسمة. قال أبو إسحاق: أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه. قال الزهري: أدركت بحوراً أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله، وأبا سلمة ابن عبد الرحمن، وكان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علماً كثيراً. وقال: قدمت مصر على عبد العزيز بن مروان، وأنا أحدث عن سعيد بن المسيب، قال: فقال لي إبراهيم بن عبد الله بن قارظ: ما أراك تحدث إلا عن ابن المسيب، فقلت: أجل، فقال: لقد تركت رجلين من قومك لا أعلم أكثر حديثاً منهما: عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وعن سليمان بن عبد الرحمن بن خباب قال: أدركت رجالاً من المهاجرين، ورجالاً من الأنصار من التابعين يقتنون بالليل،

فأما المهاجرون: فسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبان بن عثمان، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير، والقاسم، وسالم، وذكر الأنصار. وقال يحيى بن سعيد القطان: فقهاء أهل المدينة عشرة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وقبيصة بن ذؤيب، وأبان بن عثمان، وسقط من الكتاب العاشر. قال هشام بن محمد بن السائب: ولي أبو سلمة شرط سعيد بن العاص بالمدينة. قال إسماعيل بن أبي خالد: مشى أبو سلمة بن عبد الرحمن يوماً بيني وبين الشعبي، فقال له الشعبي: من أعلم أهل المدينة؟ قال: رجل يمشي بينكما. قال الشعبي: فسألته عن أربع مسائل، فأخطأ فيهن كلهن. وكان أبو سلمة ينازع ابن عباس في المسائل ويماريه، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: إنما مثلك، يا أبا سلمة، مثل الفروج سمع الديكة تصيح، فصاح معها؛ يعني: إنك لم تبلغ مبلغ ابن عباس وأنت تماريه. قال سعيد الجريري عن أبي بصرة: لما قدم أبو سلمة البصرة أتيته أنا والحسن، فقال للحسن: أنت الحسن؟ ما كان بالبصرة أحد أحب إلي لقاءً منك، وذلك أنه بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تفت برأيك إلا أن يكون سنة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو كتاب منزل. قال محمد بن إسحاق: رأيت أبا سلمة بن عبد الرحمن يأخذ بيد الصبي من الكتاب، فيذهب به إلى البيت، فيملي عليه الحديث ويكتب له.

عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام

عن أبي الأسود قال: كان أبو سلمة مع قومٍ، فرأوا قطيعاً من غنم، فقال: اللهم إن كان في سابق علمك أن أكون خليفة فاسقنا من لبنها، فانتهى إليها، فإذا هي تيوس كلها. وعن يونس بن أبي سالم: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن اشترى قطاً بالعرج، وهو محرم، فبلغ ذلك سعيد بن المسيب، فأرسل إليه وقال: لأنت صغيراً أفقه منك كبيراً. مات أبو سلمة بن عبد الرحمن سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين. وروي من طرقٍ أنه مات سنة مائة، وقيل: سنة أربع ومائة. عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام أبو محمد الدارمي السمرقندي الحافظ المشهور. رحل، وطوف. روى عن مروان بن محمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: " ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". رواه مسلم عن الدارمي.

وروى عن مروان بن محمد بسنده عن ابن عباس قال: فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة الفطر طعمة للمساكين، وطهرة للصائم من اللغو والرفث، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةً مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. رواه أبو داود عن الدارمي. وروى عن يحيى بن حسان بسنده عن عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعم الإدام الخل ". رواه مسلم وأبو عيسى عن الدارمي. قال محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي: عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدارمي الحافظ السمرقندي، كنيته أبو محمد، وكان على غايةٍ من العقل والديانة، من يضرب به المثل في الحلم والدراية والحفظ والعبادة والزهادة، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسراً كاملاً، وفقيهاً عالماً. قال أبو حاتم: ثقة صدوق، إمام أهل زمانه. وقال الخطيب: كان أحد الرحالين في الحديث، والموصوفين بحفظه وجمعه والإتقان له مع الثقة والصدق والورع والزهد. واستقضي على سمرقند، فأبى، فألح عليه السلطان حتى تقلده، وقضى قضيةً واحدة ثم استعفى، فأعفي، وكان على غاية العقل، وفي نهاية الفضل يضرب به المثل في الديانة والحلم والرزانة والاجتهاد والعبادة والزهادة والتقلل، وصنف المسند والتفسير، والجامع.

عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد

قال الدارمي: ولدت في سنة مات ابن المبارك، سنة إحدى وثمانين ومائة. قال أبو سعيد الجزري عمرو بن الحسن: كنت بمصر والشام ما رأيت أحداً من أهل العلم إلا وهو يعرف عبد الله بن عبد الرحمن. وسئل أحمد بن حنبل عن الحماني فقال: تركناه لقول عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي. قال محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي: يا أهل خراسان، ما دام عبد الله بن عبد الرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره. قال إسحاق بن أحمد بن خلف: كنا عند محمد بن إسماعيل، فورد عليه كتاب فيه نعي عبد الرحمن، فنكس رأسه، ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، ثم أنشأ يقول: من الكامل إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ... وفناء نفسك لا أبا لك أفجع قال الخطيب: مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، وهو ابن خمسٍ وسبعين سنةً. وقيل: مات سنة خمسين ومائتين، ووهم هذا القول الخطيب. عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد أبو محمد الأزدي الأردني. الشيخ الصالح. روى عن أحمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مشى إلى صاحب بدعةٍ ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام ".

عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية

وروى عن أبي بكر محمد بن علي الموازيني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعمل بهن، أو يعلمهن من يعمل بهن؟ " قال: فقلت: أنا يا رسول الله، قال: فأخذ بيدي، وعقد فيها خمساً فقال: " اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وارضَ للناس ما ترض لنفسك تكن مسلماً، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، ولا تكثر الضحك، فإن الضحك يقسي القلب ". وروى عن الشريف أبي محمد جعفر بن القاسم بن جعفر الهاشمي قال: كتبت من مكة إلى أهلي من منىً: من الطويل أمعشر أحبابي سلام عليكم ... رحلنا وخلفنا القلوب لديكم وبعد فأنتم قيد من سار عنكم ... وذكركم زاد المشوق إليكم عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية ابن حديج بن جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد ابن أشرس ابن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة الكندي ثم التُّجيبي المصري. ولي إمرة الإسكندرية في خلافة هشام بن عبد الملك، ووفد في وجوه أهل مصر على يزيد بن الوليد بن عبد الملك حين بويع، ثم ولي مصر لأبي جعفر المنصور في شهر ربيع الآخر اثنتين وخمسين ومائة، وهو أول من خطب بمصر في السواد، وخرج إلى المنصور في شهر رمضان سنة أربع وخمسين، ورجع في آخر سنة أربع، وتوفي وهو واليها يوم الأحد مستهل صفر سنة خمس وخمسين ومائة. قال ابن ماكولا: حُدَيج: بضم الحاء وفتح الدال.

عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر

عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ابن حزم بن زيد بن لوذان أبو طوالة الأنصاري المديني. وفد على عمر بن عبد العزيز فولاه القضاء بالمدينة، فلم يزل قاضياً بها حتى توفي عمر. سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". قال أبو طوالة: سمعت عمر بن عبد العزيز سأل عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية في السقط فقال: بلغني، ورفع إليه ديناً فوعده. قال محمد بن سعد: عبد الله بن عبد الرحمن، كان قاضياً بالمدينة لأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم والي عمر بن عبد العزيز على المدينة، فكان يقضي في المسجد. قال عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خِراش: كان صدوقاً، وكان مالك يرضاه. وقال الدارقطني: شامي ثقة. قال مالك: كان قاضياً في خلافة سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، وكان يسرد الصوم، وكان يحدث حديثاً حسناً. قال أبو طوالة: ليت لنا مع إسلامنا أحلام آبائنا - وفي رواية: مثل أخلاق آبائنا مع إسلامنا.

عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد

قال عبد الرحمن العمري الزاهد: جمع أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم بن معمر بن حزم الأنصاري ولده عند موته، فقال: يا بَنِيّ اتقوا الله، فإنكم إن اتقيتم الله فأنتم مني على الصدر والنحر، وإن لم تتقوا الله لم أبال ما صنع الله بكم. عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر أبو إسماعيل الأردني الداراني روى عن أبيه بسنده عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قال: " بينما أنا نائم انطلق بي إلى جبلٍ وعرٍ، فقيل لي: اصعد، قال: قلت: لست أستطيع الصعود، قيل: أنا سنسهله لك، قال: فصعدت حتى إذا كنت في أسوأ الجبل إذا أنا بأصواتٍ، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قيل: هذه أصوات أهل جهنم، قال: ثم انطلق بي حتى مررت بقوم أشده انتفاخاً، وأسوأه منظراً، وأنتنه ريحاً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قيل: الكفار، ثم انطلق بي حتى مر بي على قومٍ أشد شيءٍ انتفاخاً، وأسوأ منظراً، وأنتنه ريحاً، ريحهم كريح المراحيض. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني، ثم انطلق بي حتى مُرَّ بي على نسوةٍ معلقاتٍ بثديهن، تنهش ثديهن الحيات، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن. ثم انطلق بي حتى مررت على قومٍ معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل إنجاز صومهم - قال أبو يحيى: سمعت أبا أمامة يقول: خابت اليهود والنصارى، فلا أدري شيء سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم قاله من قبل نفسه - ثم انطلق بي حتى أشرفت على ثلاثة نفرٍ يشربون من خمرٍ لهم، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هذا زيد، وجعفر، وابن رواحة، قال: ثم انطلق بي حتى أشرفت على غلمان يلعبون بين نهرين، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: ذراري المؤمنين يحضُنُهم إبراهيم عليه السلام. قال: ثم انطلق بي حتى أشرفت على ثلاثة نفرٍ،

قلت: من هؤلاء؟ قال: إبراهيم، وموسى، وعيسى، وهم ينتظرونك ". وروى عن عطاء الخراساني بسنده عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوةٍ غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجٍ، وأنزل فيه. فسرنا حتى فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوته وقفل، ثم دنوا من المدينة، فآذن ليلةً بالرحيل، فقمت حين آذن بالرحيل، فلمست صدري عقداً من جزع أظفَارٍ قد انقطع، فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي. واحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكن إذ ذاك النساء خفافاً لم يمتلئن، وإنما نأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحلوه، وكنت جاريةً حديثة السن، فبعثوا البعير وساروا، ووجدت عِقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس به داعٍ، ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني، فيرجعون إلي، فبينا أنا لبيثة في منزلة إذا غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش، فادلج، فأصبح في المنزل، فرأى سواد إنسان نائماً، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، وولى ما يكلمني بكلمةٍ، ولا سمعت منه كلمةً غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، ووطئ على يديها، فركبتها، فانطلق يقود بي حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى كِبْرَه منهم عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول.

ثم قدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يخوضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيءٍ من ذلك، وهو يريبُني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف الذي كنت أرى منه، إنما يدخل علي فيسلم، ثم يقول: " كيف تيكم؟ " فذلك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أمُّ مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول التبرز قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف - فأقبلت أنا وابنة أبي رهم بيتي حين فرغنا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، قال: فقلت: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً!؟ قالت لي: أي هنتاه، وما سمعت ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على ما كان بي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلم، ثم قال: " كيف تيكم؟ " قالت: قلت: يا رسول الله، ائذن لي أن آتي أبويَّ؟ وأنا أريد حينئذٍ أن أستثبت الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجئت أبويّ، فقلت: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: أي بنية، هوني على نفسك، فوالله لأقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجلٍ يحبها، لها ضرائر إلا كثرن عليها، قالت: فقلت: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة لا ترقأ لي دمعة، ولا تكتحل عيني بنوم، ثم أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذي يعلم من براءة

أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال: يا رسول الله، أهلُك، ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية عنها تصدقك، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بريرة فقال لها: " أي بريرة، هل رأيت من شيءٍ يريبك؟ " فقالت: لا والذي بعثك بالحق! إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتدخل الداجن، فتأكله. قالت: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعذر من عبد الله بن أُبي ابن سلول، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " قالت: فقام سعد ابن معاذ، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا أمرتنا ففعلنا أمرك. فقال سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن حملته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقرب إلى قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: لعمر الله لنقتلنه، وإنك لمنافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر يكفهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك كله، لا ترقأ لي دمعة، ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتي ويومي ذلك حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي إذ استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلس، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء، فتشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين جلس، ثم قال: " أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله تعالى وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله عز وجل، تاب الله عز وجل

عليه " فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال، فقالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فقلت، وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن: إي والله لقد علمتم وسمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فإن قلت: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لم تصدقوني بذلك، وإن اعترفت بأمرٍ والله يعلم أني بريئة لتصدقونني. ما أجد لكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ". قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، والله يعلم أني بريئة، والله يبرئني ببراءتي، ولكن لم أكن أرجو أن ينزل الله في شأني وحياً، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله به بأمرٍ يتلى، ولكن كنت أرجو أن يري الله رسوله في منامه رؤيا يبرئني بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه، ولا خرج من أهل البيت حتى أنزل الله عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حين نزل عليه، وكان إذا أوحي إليه أخذه البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت: فلما سري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يضحك، فكان أول كلمةٍ تكلم بها أن قال: " أما الله فقد برأك " قال: فقالت أمي: قومي إليه، قلت: والله ما أقوم إليه، ولا أحمد على ذلك إلا الله، فأنزل الله عز وجل: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم، لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " قالت: وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته قالت: يا أبا أيوب، ألم تسمع ما يتحدث الناس؟ قال: وما يتحدثون؟ فأخبرته بقول أهل الإفك، قالت: قال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم. قالت: فأنزل الله عز وجل: " لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك

عبد الله بن عبد الرحمن

هذا بهتان عظيم " حتى بلغ " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة " حتى بلغ " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " قالت: وكان أبو بكر ينفق على مسطح لفقره وقرابته. قال: والله لا أنفق عليه وقد قال في عائشة ما قال، فلما أنزل الله " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " قال أبو بكر: بلى، أنا أحب أن يغفر الله لي، فأنفق على مسطح مثلما كان ينفق عليه قبل ذلك، وقال: لا أتركك منه أبداً. يبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قال، فقالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فقلت، وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن: إي والله لقد علمتم وسمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فإن قلت: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لم تصدقوني بذلك، وإن اعترفت بأمرٍ والله يعلم أني بريئة لتصدقونني. ما أجد لكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ". قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، والله يعلم أني بريئة، والله يبرئني ببراءتي، ولكن لم أكن أرجو أن ينزل الله في شأني وحياً، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله به بأمرٍ يتلى، ولكن كنت أرجو أن يري الله رسوله في منامه رؤيا يبرئني بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسه، ولا خرج من أهل البيت حتى أنزل الله عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حين نزل عليه، وكان إذا أوحي إليه أخذه البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي ينزل عليه. قالت: فلما سري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يضحك، فكان أول كلمةٍ تكلم بها أن قال: " أما الله فقد برأك " قال: فقالت أمي: قومي إليه، قلت: والله ما أقوم إليه، ولا أحمد على ذلك إلا الله، فأنزل الله عز وجل: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم، لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " قالت: وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته قالت: يا أبا أيوب، ألم تسمع ما يتحدث الناس؟ قال: وما يتحدثون؟ فأخبرته بقول أهل الإفك، قالت: قال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم. قالت: فأنزل الله عز وجل: " لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم " حتى بلغ " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة " حتى بلغ " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " قالت: وكان أبو بكر ينفق على مسطح لفقره وقرابته. قال: والله لا أنفق عليه وقد قال في عائشة ما قال، فلما أنزل الله " ألا تحبون أن يغفر الله لكم " قال أبو بكر: بلى، أنا أحب أن يغفر الله لي، فأنفق على مسطح مثلما كان ينفق عليه قبل ذلك، وقال: لا أتركك منه أبداً. قالت عائشة: كانت زينب بنت جحش زوجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسألها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا زينب، ما علمت، أو ما رأيت من عائشة؟ " قالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً، قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعصمها الله بالورع، وكانت أختها تجانب لها فهلكت فيمن هلك. قال الوليد بن مسلم: كنت جالساً مع عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فمر عبد الله بن عبد الرحمن - يعني ابنه - فقال: أنا أكبر منه بثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة. قال النسائي ويحيى: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. عبد الله بن عبد الرحمن ويقال عبد الرحمن بن عبد الله روى خطبة عمر بالجابية وشهدها قال: قدم عمر الجابية جابية دمشق، فقام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا يوماً كقيامي فيكم اليوم فقال: " أكرموا أصحابي، ثم

عبد الله بن عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن فضيل

الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب حتى يحلف الرجل وإن لم يستحلف، وحتى يشهد وإن لم يستشهد، فمن أراد بحيحة الجنة فعليه بالجماعة، فإن الشيطان مع الفرد، وهو من الاثنين أبعد، ألا لا يخلون رجل بامرأةٍ، فإن ثالثهما الشيطان، ومن ساءته خطيئته فهو مؤمن " ثم قال: إذا انصرفت من مقامي هذا فلا يبقين أحد له حق في الصدقة إلا أتاني، فلم يأته ممن حضره إلا رجلان، فأمر لهما، فأعطيا، فقام رجل فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، ما هذا الغني المتفقد بأحق بالصدقة من هذا الفقير المتعفف، فقال عمر: ويحك وكيف بالدليل؟ عبد الله بن عبد الرزاق بن عبد الله بن الحسن بن فضيل أبو محمد بن أبي القاسم الكلاعي قال الحافظ ابن عساكر: وكان خالي قد سمع منه، وتكره الرواية عنه لأجل خدمته بعض الجند. روى عن أحمد بن محمد بن أحمد أبي الحسن العتيقي عن تميم الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة " قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ". ولد عبد الله بن عبد الرزاق سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة بدمشق، ثقة، لم يكن الحديث من شأنه.

عبد الله بن عبد العزيز أبو محمد

عبد الله بن عبد العزيز أبو محمد قال من أبيات أنشدها لنفسه سمعها منه أبو القاسم بن صابر: من الخفيف لا رعى الله عسقلان مطاراً ... لحصيص يريغ فيها قرارا عرفتني أنياب دهري حتى ... قد رأى الناس مخ حالي رارا إن أطافت بك الحوادث يوماً ... أو أحلت من الهضيمة دارا فكما يطرق الكسوف أديم ال ... شمس أو يصحب الهلال سرارا فاحتمالاً إذا أذاقك دهر ... صير أمرٍ صروفه واصطبارا عبد الله بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عمر الأموي ولي الغزوة في خلافة أبيه، وهو الذي بنى المصيصة، وكانت داره بدمشق، وولي مصر. قال: قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أختمه في كل جمعة. قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: وكيف مع ما أنا فيه من الشغل!؟ قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الملك بن مروان: وعبد الله بن عبد الملك، وهو لأم ولد، وكان يوصف بحسن الوجه، وحسن المذهب، وله يقول الحزين الديلي: من البسيط

في كفه خيزران ريحها عبق ... من نشر أبيض في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم ومن خبر ذاك: أن عبد الله بن عبد الملك حج، فقال له أبوه: إنه سيأتيك بالمدينة الحزين الشاعر، وهو ذرب اللسان، فإياك أن تحتجب عنه، وأرضه، وهو أشعر، ذو بطنٍ، عظيم الأنف، قال: فلما قدم عبد الله المدينة وصفه لحاجبه، وقال له: إياك أن ترده، فلم يأت الحزين حتى قام فدخل لينام، فقال له الحاجب: قد ارتفع، فلما ولّى ذكر، فلحقه، فقال له: ارجع، فرجع، فاستأذن له، فأدخله، فلما صار بين يديه، ورأى جماله، وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتاً، فأمهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح، ثم قال له: السلام - رحمك الله - أولاً فقال: عليك السلام، أيها الأمير، أصلحك الله، إني كنت قد مدحتك بشعرٍ، فلما دخلت عليك، ورأيت جمالك، وبهاءك هبتك، فأنسيت ما قلت، وقد قلت في مقامي هذا بيتين، فأنشدهما فأجازه. قال سعيد بن غفير: ولّى عبد الملك بن مروان عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء والشرط، فأتي بمولى لعبد الله بن عبد الملك سكران، كان به خاصاً، فأمر به يجلد الحد، فقيل: لا تفعل، إنه من خاصة عبد الله بن عبد الملك، فقال: لو كان ابنه لحددته. وكان عبد الله بن عبد الملك بالإسكندرية، فلما بلغه ذلك غضب، فعزله، وضيق عليه. وخرج عبد الله بن عبد الملك إلى نزهةٍ دعاه إليها يحيى بن حنظلة الكاتب مولى بني سهم، واستخلف عبد الأعلى بن خالد بن ثابت الفهمي على الفسطاط، فلما متع النهار أقبل قرة بن شريك العبسي على أربعة من داوب البريد، فدخل فصلى في القِبلة، ثم تحول، وجلس صاحباه عن يمينه، وعن شماله، فأتتهم حرس المسجد، وكان له شرط يذبون عنه، فقالوا: إن هذا مجلس الوالي، ولكم في المسجد سعة، قال: فأين الوالي؟ قالوا: في متنزهٍ له، قال: فادعوا خليفته، فانطلق شرطي منهم إلى عبد الأعلى بن

خالد، فأتاه وقد فرغ من الغداء، فقال أصحابه: أرسل إليه يأتك صاغراً، قال: ما بعث إلي إلا وله السلطان علي، أسرجوا فركب حتى أتاه فسلم فقال: أنت خليفة الوالي؟ قال: نعم، قال: انطلق فاطبع الدواوين وبيت المال، قال: إن كنت والي خراجٍ فلسنا أصحابك، قال: ممن أنت؟ قال: من فهم، قال: انطلق كما تؤمر، فقال عبد الأعلى: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، ثم مضى لما أمره به، وكتب إلى عبد الله بن عبد الملك يعلمه، فبكى وقال: مات عبد الملك، ولبس خفيه قبل سراويله، وشغل عبد الله بن عبد الملك عن عمران. عن جعفر بن ربيعة: أن أهل مصر تشاءموا بعبد الله بن عبد الملك في ولايته عليهم، وذلك أن الطعام غلا، فاضطربوا لذلك، وكانت أول شدة رآها أهل مصر، فهجاه ابن أبي زمزمة، وهجاه عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، فعزله عن القضاء والشرط في سنة تسع وثمانين، وولى عبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج. قال ابن شهاب لعبد الله بن عبد الملك بن مروان: من الطويل أقول لعبد الله لما رأيته ... يطوف بأعلى القنتين مشرقا تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا عن يحيى بن سعيد قال: سأل عمر بن عبد العزيز عن بسر بن سعيد، فقيل له: مات، وقد علم أنه قد مات، قال: فما فعل عبد الله بن عبد الملك؟ قيل: مات، وذكر أن عبد الله بن عبد الملك ورث سبعين مديا من ذهب، فقال عمر: إن كان مدخلهما واحداً؛ لأن أعيش بعيش بسر بن سعيد أحب إلي من أن أعيش بعيش عبد الله بن عبد الملك، قال: فلما قام الناس دنا منه مزاحم فقال: يا أمير المؤمنين، أهلك؟ قال: لا أدع أن أذكر أهل الفضل بفضلهم.

عبد الله بن عبد الملك

وفي رواية: لئن كان بسر بن سعيد وعبد الله بن عبد الملك من الجنة في درجةٍ واحدة لأن أعيش بعيش عبد الله بن عبد الملك وأكون معه في درجته أحب إلي من أن أعيش بعيش بسر ابن سعيد وأكون معه في درجته. وفي رواية عن مالك بن أنس: لئن تجاوز الله لعبد الله سرفه لا يلت بسراً اجتهاده: يريد لا ينقصه، وكانت أم هيثم الأعرابية تدعو: يا من لا يفات، ولا يلات، ولا تغلطه الأصوات. توفي عبد الله بن عبد الملك سنة مائة. عبد الله بن عبد الملك أبو العباس القرشي الجمحي روى عن الأوزاعي بسنده عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل ". وعن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة قال: قلت يوم حنين والخيل تمرع بنا في آثار - وفي رواية: في أدبار - العدو: أكان مسيرنا هذا يا رسول الله في الكتاب السابق؟ قال: " نعم ".

عبد الله بن عبد أبي أحمد

عبد الله بن عبد أبي أحمد ابن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار الأسدي حليف بني عبد شمس بن عبد مناف، أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على معاوية، وكان جواداً كريماً، وأبوه أبو أحمد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجرين، وكذلك عمه عبد الله بن جحش، وشهد أبوه أحداً. قال عبد الله بن أبي أحمد: قال علي بن أبي طالب: حفظت لكم على - وفي رواية عن - رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستاً: " لا طلاق إلا من بعد نكاح، ولا عتاق إلا من بعد ملك، - وفي رواية ملكة - ولا وفاء لنذر في معصية الله، ولا يتم بعد الاحتلام، ولا صمات يوم إلى الليل، ولا وصال في الصيام " - وفي رواية ولا رضاع بعد فصال بدل ولا وفاء لنذر في معصية الله -. عن عبد الله بن أبي أحمد بن جحش قال: هاجرت أم كلثوم بنة عقبة بن أبي معيط في الهدنة، فخرج أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلماه في أم كلثوم أن يردها إليهم، فنقض الله عز وجل العهد بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المشركين في النساء خاصة، ومنعهن أن يرددن إلى المشركين، وأنزل الله عز وجل آية الامتحان. قال عثمان الجحشي عن أبيه: كان بنو غنم بن دودان أهل إسلامٍ، قد أوعبوا في الهجرة إلى المدينة رجالهم

ونساؤهم، فخرجوا جميعاً، وتركوا دورهم مغلقةً، فخرج عبد الله بن جحش، وأخوه أبو أحمد بن جحش، واسمه عبد، وعكاشة بن محصن، وأبو سنان بن محصن، وسنان بن أبي سنان، وشجاع بن وهب، وأخوه عقبة بن وهب، وأربد بن حميرة، ومعبد بن نباتة، وسعيد بن رقيش، ومحرز بن نضلة، وقيس بن جابر، وعمرو بن محصن بن مالك، ومالك بن عمرو، وصفوان بن عمرو، وثقاف بن عمرو، وربيعة بن أكثم، وزبير بن عبيد: فنزلوا جميعاً على مبشر بن عبد المنذر. وأم عبد الله بن جحش: أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. قال ابن ماكولا: وأما برة، باؤه مضمومة: برة بن رئاب، وهو جحش، والد عبد الله وأبي أحمد، وعبيد الله، وزينب، وحمنة بني جحش، كان اسم جحش في الجاهلية برة، ورد ذلك في حديث رواه مقسم، عن ابن عباس، عن زينب بنت جحش. قال عبد الله بن أبي أحمد: قدمت من عند معاوية بثلاثمائة ألف دينار، ثم أقمت سنة فحاسبت قوامي، فوجدتني أنفقت مائة ألف دينار ليس بيدي منها إلا رقيق، وغنم، وقصور، وأثاث ففزعت من ذلك فزعاً شديداً، فلقيت كعب الأحبار، فذكرت ذلك له، فقال: أين أنت عن النخل؟ فإنها تجدها في كتاب الله: المُطعِمات في المحل، الراسيات في الوحل، وخير المال النخل، بائعها ممحوق، ومبتاعها مرزوق، مَثَلُ من باعها ثم لم يجعل ثمنها في مثلها كمثل رماد على صفوان اشتدت به الريح في يومٍ عاصف، ففزعت للنخل فابتعتها. قال معاوية لابن أبي أحمد: أصب لي مالاً أبتاعه، قال: قد أصبت لك مالاً، قال: ما هو؟ قال: البلدة، قال: لا حاجة لي بها، قال: النخيل، قال: لا حاجة لي فيه، قال: ودعان، قال: لا حاجة لي به، قال: الغابة: قال: نعم اشترها.

عبد الله بن عبيدة بن نشيط الربذي

قال له: يا أمير المؤمنين، سميت لك أموالاً تعرفها، فكرهتها، وأخبرتك بما لا تعرف فاخترته؟ قال: نعم، سميت لي البلدة، فتبلدت علي، وسميت النخيل، فكان مصغراً، وسميت لي ودعان فنهتني نفسي عنها، وسميت لي الغابة فعلمت أنها كثيرة الماء، وقد قال الأول: من السريع إن كنت تبغي العلم أو مثله ... أو شاهداً يخبر عن غائب فاعتبر الأرض بأسمائها ... واعتبر الصاحب بالصاحب عبد الله بن عبيدة بن نشيط الربذي مولى بني عامر بن لؤي، وفد على عمر بن عبد العزيز روى عن أبيه، عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قضى نسكه، وسلم الناس من لسانه ويده غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر ". ووهم الحافظ قوله: عن أبيه. وروى عن جابر بن عبد الله أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال المغفرة على العبد ما لم يقع الحجاب " قيل: يا نبي الله وما الحجاب؟ قال: " الإشراك بالله "، قال: " ما من نفس تلقى الله عز وجل لا تشرك به شيئاً إلا حلت لها المغفرة من الله، إن شاء أن يعذبها، وإن شاء أن يغفر لها غفر لها " ثم قرأ نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".

عبد الله الأكبر بن عبيد

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم، فيقول إمامهم: يا رسول الله، أمنا، فيقول: لا، بعضكم أمراء بعضٍ، أمر يكرم الله به هذه الأمة ". قال عبد الله بن عبيدة: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: ما يهلك الناس إلا في هذه العلوقات. وكان يكتب: لا يذهب إلى العُلاّقة إلا جماعة وقوة، ثم يأخذ بعضهم ببعض حتى يرجعوا جميعاً، أو يعطبوا جميعاً. قال ابن سعد: عبد الله بن عبيدة بن نشيط أخو موسى بن عبيدة، قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة، وكان قليل الحديث. وقال البخاري: مات سنة ثلاثين ومائة، وهم ينتمون إلى اليمن. عبد الله الأكبر بن عبيد ويقال ابن عامر أبي الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي، العدوي القرشي أسلم يوم فتح مكة، وقتل يوم أجنادين.

عبد الله بن عبيد بن يحيى

قال الزبير بن بكار: وولد أبو جهم بن حذيفة: عبد الله الأكبر، قتل يوم أجنادين بالشام، وأخوه لأمه: عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وأمه: أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية من خزاعة. عبد الله بن عبيد بن يحيى أبو العباس بن أبي حرب السلماني حدث عن أبي علقمة نصر بن خزيمة بسنده عن عتبة بن عبد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النوح الأكبر، والخمش وقد الثوب، والرنة ولكن: العين تدمع والنفس تحزن. عبد الله بن عتاب بن أحمد بن كثير أبو العباس بن الزفتي الخزاعي روى عن عيسى بن حماد بسنده عن بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تقبّلوا لي بست أتقبّل لكم بالجنة " قالوا: وما هن؟ قال: " إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا وعد فلا يخلف، وإذا ائتمن فلا يخن، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم ". ولد عبد الله بن عتاب سنة أربع وعشرين ومائتين، وتوفي سنة عشرين وثلاثمائة.

عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان

عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية روى عن عمته أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان عندي فسمع الأذان يقول كما يقول المؤذن ثم يسكت. وفي رواية: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كان عندها في يومها أو ليلتها فسمع المؤذن قال: قال الزبير بن بكار: وولد عتبة بن أبي سفيان: عبد الله بن عتبة، وأمه أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب الثقفي. عبد الله بن عتبة بن الوليد بن عتبة أبو محمد المعدّل روى عن أبي الحسن بن جوصا بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإيمان بضع وستون - أو بضع وسبعون جزءاً أولها وأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان ".

عبد الله بن عتبة الأعور بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

عبد الله بن عتبة الأعور بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أمه الكاملة بنت الأشعث بن حبال الكلبية، وجدها حبال يقول: من الطويل ألا قالت العصماء يوم لقيتها ... كبرت ولم تجزع من الشيب مجزعا فقلت لها: لا تهزئي بي فقلما ... يسود الفتى حتى يشيب ويصلعا رأت ذا عصاً يمشي عليها وشيبةً ... تقنع منها رأسه ما تقنعا عبد الله بن عثمان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي سمع كعب الأحبار يقول: إن في التوراة أن الفتى إذا تعلم القرآن وهو حدث السن، وحرص عليه، وعمل به، وتابعه خلطه الله بلحمه ودمه، وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة، وإذا تعلم الرجل القرآن وقد دخل في السن، فحرص عليه، وهو في ذلك يتابعه ويتفلت منه كتب له أجره مرتين. عبد الله بن عثمان بن عبد الله ابن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب القرشي الأسدي المكي أمه أرملة بنت الزبير بن العوام، وفد على عبد الملك بن مروان فكلمه في شأن

امرأته سكينة بنت الحسين، فقام إليه خالد بن يزيد - وعنده أمه - ليعانقه فدفع بيده في صدره كراهة أن يعانقه، وذلك أن سكينة بنت الحسين توهمت على عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم، وهي زوجته، أن يكون طلقها، فاستعدت عليه - وكانت عبد الله بن عثمان فاطمة بنت عبد الله ابن الزبير، فلما خطب سكينة بنت الحسين أحلفته بطلاقها ألا يؤثر عليها فاطمة بنت عبد الله، ثم اتهمته أن يكون آثرها، فاستعدت عليه هشام بن إسماعيل، وهو والي المدينة، فركب عبد الله بن عثمان رواحله، وورد الشام - فدخلت رملة بنت الزبير على عبد الملك بن مروان، وكانت عند خالد بن يزيد بن معاوية، فقالت له: يا أمير المؤمنين، إن سكينة بنت الحسين نشزت بابني عبد الله بن عثمان، ولولا أن نغلب على أمورنا ما كانت لنا حاجة بمن لا حاجة له بنا، فقال لها عبد الملك: يا رملة، إنها بنت فاطمة، فقالت: نكحنا والله خيرهم، وأنكحنا والله خيرهم، وولدنا خيرهم، فقال عبد الملك: يا رملة، غرني عروة منك، فقالت: لم يغررك، ولكنه نصحك، إنك قتلت مصعباً أخي، فلم يأمني عليك. وكان عبد الملك أراد أن يتزوجها، فقال له عروة: لا أرى ذلك لك. وولدت سكينة بنت الحسين لعبد الله بن عثمان: عثمان بن عبد الله ولقبته قريناً، وبذلك كان يعرف، وربيحة، وحكيماً، وقد انقرض ولد حكيم بن عبد الله بن عثمان. ولعبد الله بن عثمان يقول أبو دهبل: من الطويل قضت وطراً من أهل مكة ناقتي ... سوى أملي في الماجد بن حزام جميل المحيا من قريشٍ كأنه ... هلال بدا من سدفةٍ وظلام وولدت فاطمة بنت عبد الله بن الزبير لعبد الله بن عثمان: يحيى وموسى، وفيهم بقية.

عبد الله ويقال عتيق بن عثمان أبي قحافة بن عامر

عبد الله ويقال عتيق بن عثمان أبي قحافة بن عامر ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه في الغار. قدم تاجراً إلى بصرى من الشام في الجاهلية، وفي الإسلام. عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن بالغار: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ". أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، ورواه الترمذي. عن قيس بن أبي حازم قال: قرأ أبو بكر هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمّهم الله بعقابه ". وفي رواية: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه ". عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبي بكرٍ الذي سماه به أهله: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو، ولكنه غلب عليه اسم عتيق.

قالت: والله إني لفي بيتي ذات يومٍ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم - زاد في رواية: دونهم - إذا أقبل أبو بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر ". ومن رواية عن عائشة: أن أبا قحافة كان له ثلاثة أولادٍ سمى واحداً عَتيقاً، والآخر معتقاً، والآخر عُتيقاً، - وفي رواية: عتيقاً ومعتقاً ومعيتيقاً. وقال موسى بن طلحة: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنتا أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فقالت: أبوك خير من أبي؟ فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار " فمن يومئذ سمي عتيقاً، قال: ودخل طلحة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا طلحة أنت ممن قضى نحبه ". وقال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله، قلت له: يا أبه، لأي شيءٍ سمي أبو بكر عتيق؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي. وقال مصعب: سمي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، قال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق. عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.

قال مغيرة بن زياد: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه؟ قال: فأتيته فسألته، فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان، وإنما كان عتيق لقباً. وعن الليث بن سعد قال: إنما سمي أبو بكر عتيقاً لجمال وجهه. وعن أبي نعيم الفضل بن دكين: إنما سمي عتيقاً لأنه عتيق، قديم في الخير. عن عبد الله بن الزبير قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته. وفي أبي بكر نزلت: " فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ". وعن ابن إسحاق: كان أبو بكر أنسب العرب للعرب. قال الزبير بن بكار: فولد عامر بن عمرو أبا قحافة، واسمه عثمان، وأمه قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، فولد أبو قحافة أبا بكر الصديق، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب - وفي رواية: ابن عامر بن عمرو بن كعب - بن سعد ابن تيم بن مرة، وأبو بكر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، الذي قال الله عز وجل: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " وهاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة ليس معهما أحد إلا مولى أبي بكر عامر بن فهيرة الذي رفع إلى السماء حين استشهد يوم بئر معونة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطريق إلى المدينة، وأعتق أبو بكر سبعة ممن كان يعذب في الله، منهم: بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وشهد عامر بن فهيرة بدراً وغيرها حتى استشهد يوم بئر معونة.

وأبو بكر أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. قال ابن سعد: دفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين ولّى الناس. قال إسماعيل بن علي الخطبي: وقد أدرك أبواه الإسلام وأسلما. قال أبو أحمد الحاكم: أدرك أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن ابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أربعتهم ولاءً، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست هذه المنقبة لأحدٍ من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وأدرك من أولاده وأهل بيته ومواليه سواهم، نفر من الرجال والنساء، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم بنوه عبد الله وعبد الرحمن، صَحِبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه الثالث محمد، ولد عام حجة الوداع، ولدته أسماء بقباء، فوجهت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرها، فأمرها أن تغتسل، وتهل، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم أبي بكر الصديق أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر، وامرأة أبي بكر الصديق أم رومان بنت عمير بن عبد مناة بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة، وابن خالته أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف، وبلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وسعد، والقاسم، موالي أبي بكر. قال أبو عبد الله بن منده: ولد أبو بكر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهرٍ إلا أيام، ومات بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين

وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين، وكان رجلاً أبيض نحيفاً، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال. عن الزهري قال: لما كان يوم فتح مكة أُتي بأبي قحافة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هلا أقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نأتيه؟ " تكرمة لأبي بكر، وأمرهم أن يغيروا شعره، وبايعه، وأتى المدينة، وبقي حتى أدرك خلافة أبي بكر، ومات أبو بكر قبله، وورثه أبو قحافة السدس، فرده على ولد أبي بكر، وكانت وفاته سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وله يومئذ سبع وتسعون سنة. قال أنس بن مالك: قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أسن أصحابه أبو بكر. وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بسنتين وشيءٍ. عن يزيد بن الأصم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أينا أكبر، أنا أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك. كذا في هذه الرواية، والمحفوظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسن من أبي بكر، وأن أبا بكر استكمل بخلافته سن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفجٍ. وقال: دخلت على أبي بكر وهو مريض، فإذا هو أبيض قضيف.

عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر الصديق أبيض أصفر لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه. ووصفته عائشة فقالت: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، مقرون الحاجب، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، معوق الوجه، وكان يخضب بالحناء والكتم. وعن الزهري في صفة أبي بكر: كان أبيض يخالط بياضه الصفرة، جعد، حسن القامة، رقيق، حمش الساقين، قليل اللحم، حسن الثغر. وعن ربيعة بن كعب قال: كان إسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام، فرأى رؤيا، فقصها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأيش أنت؟ قال: تاجر، قال: صدق الله رؤياك، فإنه سيبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر أبو بكر حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه، فقال: يا محمد، ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام، فعانقه، وقبل عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك محمداً رسول الله. قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنزلت على شيخٍ من الأزد، عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علماً كثيراً، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال: أحسبك حرمياً؟ قال أبو بكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم،

قال: وأحسبك قرشياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيمياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك، قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم تعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي. قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمرٍ، فاحذره، قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك. قال أبو بكر: فقضيت باليمن أربي، ثم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل أنت مني أبياتاً قلتها في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، فأنشأ يقول: من الطويل ألم تر أني قد وهنت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي واهنا حييت، وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين، ثم تسعين آمنا وصاحبت أحباراً أبانوا بعلمهم ... غياهيب في سدٍّ ترى فيه طامنا فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت بها سراً وجهراً معالنا وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخاً لا أطيق الشواجنا وأنت، ورب البيت تلقى محمداً ... بعامك هذا قد أقام البراهنا فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت داكنا فيا ليتني أدركته في شبابتي ... فكنت له عبداً وإلا العجاهنا

قال أبو بكر: فحفظت وصيته وشِعره، وقدمت مكة وقد بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري بن هشام، وصناديد قريشٍ، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة، أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب! يتيم أبي طالب، يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا. قال أبو بكر: فصرفتهم، وسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: إنه في منزل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد، بعدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: " يا أبا بكر، إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك على ذلك؟ قال: " الشيخ الذي لقيته باليمن " قلت: وكم من مشايخ لقيت، واشتريت، وأخذت وأعطيت، قال: " الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: " الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت رسول الله. قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي. قال طلحة بن عبيد الله: كان إسلام أبي بكر فتحاً، وذلك أن ورقة بن نوفل جاء إلى أبي بكرٍ، فقال له: يابن أخي، إني أراك متبدلاً بمكة، ولا أراك في شيءٍ، فأخبرني كم معك من المال؟ قال: عندي كذا وكذا من العير، قال: فأنا آتيك غداً بكذا وكذا فأضعف لك حتى تخرج إلى الشام، فتصيب فيه خيراً، فتعطيني ما شئت، وتمسك ما شئت، فانقلب أبو بكر إلى زوجته، فقال لها: اذبحي من تلك الغنم شاة سفِّرينا بها، قالت: وأين تريد؟ قال: الشام، قالت: ولم؟ قال: إن ورقة بن نوفل قارضني أن أخرج مالي كله ويعطيني كذا وكذا ألف دينار، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ قال: وما هو؟ قالت: جاء محمد يطلبك منذ اليوم ثلاث مرات، فما حبسك عنه؟ قال: ما حبسني عنه إلا ما ذكرت؛

قالت: سمعته يقول: " أنا رسول الله حقاً " قال: ويحك! فإنه هذا خير لي من الدنيا وما فيها! فانطلق إليه من ليلته، فقرع الباب، فقال: " من هذا؟ " قال: أبو بكر، ففتح له الباب، ثم قال: " ما جاء بك هذه الساعة، فإني قد كنت أبتغيك ثلاث مرات؟ " قال: إني كنت مع ورقة بن نوفل، فعرض علي قراضاً، فقلت لزوجتي: سفرينا، قالت: وأين تريد؟ فقلت: قارضني ورقة بن نوفل على أن أخرج إلى الشام، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أخبرتك؟ " قال: أخبرتني أنك تقول: إني رسول الله. ثم انصرف من عنده مسروراً بما نال من الخير والإسلام، فأصبح، وجاء إليه ورقة بن نوفل بالمال ليدفع إليه، فقال له: يابن أخي، هذا المال، قال: وجدت تجارة خيراً من تجارتك، وربحاً خير من ربحك، قال: وما هو؟ قال: قال لي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله " فصدقته وآمنت به، وشهدت أنه رسول الله، قال: فوالله لئن كنت صادقاً لا آكل ما ذبح على النصب، ولا ما ذبحت قريش لآلهتها، ولا ما ذبحت يهود لكنائسها، ولأستقبلن هذا البيت الحرام الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل، ولا أزال أصلي أبداً، ولأحرمن ما ذبح لغير الله - عز وجل - فتوفي ورقة قبل أن يظهر أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن محمد بن إسحاق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله يا أبا بكر ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا نعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق. وابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامها، فكبُر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد

زوجته، ثم كان أول ذكرٍ آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خيرٍ أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. عن عائشة قالت: قال أبو بكر: كنت أول من آمن. وعن ابن سيرين قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة. قال عمار: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. سئل سعد بن مالك: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً؟ قال: لا، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلاماً. عن أبي سعيد قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر ألست أول من أسلم؟ قال أبو بكر: أنا أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية: أول من صلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال علي بن أبي طالب. قال قائل لابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر، أما سمعت بقول حسان بن ثابت - رضي الله عنهما -: من البسيط

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا خير البرية أوفاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا والثاني التالي المحمود مشهدة ... وأول الناس منهم صدق الرسلا وفي رواية: أتقاها وأعدلها. عاش حميداً لأمر الله متبعاً ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا وفي رواية: عاشا جميعاً لأمر الله متبعاً لهدي. وسئل ميمون بن مهران: كان علي أول إسلاماً أو أبو بكر؟ فقال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب. وقيل له: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهماً كانا رأسي الإسلام، ورأسي الجماعة. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي، وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة - يعني أبا بكر - فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله واستقام عليه ". عن محمد بن عبد الرحمن: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه ".

وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهور، فقال: " يا أبا بكر، إنا قليل " فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجلٍ معه، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، وكان أول خطيبٍ دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر، وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، وأثّر على وجه أبي بكر لا يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم تتعادى، فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته، ورجعوا بيوتهم، فدخلوا المسجد، فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم، فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً، أو تسقيه إياه، فلما خلت به جعل يقول: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أَلِيّة ألا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل، وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فانكب عليه فقبله، وانكب عليه

المسلمون، ورق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادعُ الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دعاها إلى الله - عز وجل - فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً. وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة. فقال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: " يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج، فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها، فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي، فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى دار الأرقم ومن معه. قيل لعمر بن العاص: ما أشد ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمرو: أشد شيءٍ بلغ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رأيت - أنهم تآمروا عليه حين مر بهم ضحىً عند الكعبة، فقالوا: يا محمد، أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ذلكم " فأخذ أحدهم بتلابيبه، وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه،

يريد أن ينتزعه منهم، وهو يصيح: يا قوم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبة، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " قال: يردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان، فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عاشة قالت: لما أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث بذاك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن، وصدق به، وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق. عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسري به، فبلغ ذا طوى، فقال: " يا جبريل، إني أخاف أن يكذبوني " قال: كيف يكذبونك وفيهم أبو بكر الصديق؟ عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: ما نفعني الله إلا بك - وفي رواية: " مال أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر " قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر ". وعن ابن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مال رجلٍ من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ". قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أمنُّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ". عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ". وعن ابن عباس قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب إليه؟ فقال لي: " عائشة " فقلت: ليس عن النساء سألتك، قال: " فأبوها إذاً " قال: قلت: فلم يا رسول الله؟ قال: " لأنه أنفق ماله كله غير مقطبٍ بين عينيه حتى بقي بعباءة تخللها بريشة، لا تملك سواها، ووالله ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، وزوجني ابنته، ووهب لي غلامه، وواساني بنفسه، وكلما هبط جبريل علي قال: يا محمد، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ أبا بكرٍ السلام وقل له: " أساخطٍ فأرضيك؟ " فقال: على من أسخط يا رسول الله، أنا عنه راض، فهل هو عني راضٍ؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو عنك راضٍ " فقال أبو بكر: الحمد لله. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الناس علينا مناً أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر، أعتق منه بلالاً، وحملني إلى دار الهجرة ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " ما أطيب مالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي ". عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكرٍ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله،

رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديقٍ، رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً، اللهم أدر عليه الحق حيث دار ". عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالصدقة، فقال عمر بن الخطاب: وعندي مال كثير، فقلت: والله لأفضلن أبا بكر هذه المرة، فأخذت نصف مالي، وتركت نصفه، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا مال كثير، فما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم نصفه. وجاء أبو بكر بمالٍ كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله - زاد في رواية: قال عمر: فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً! وفي رواية مرسلة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: عدة الله، وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خيرٍ قط إلا سبقتنا إليه. عن عروة: أن أبا بكر الصديق أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: قالت عائشة: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً. وعن عروة قال: أعتق أبو بكر الصديق ممن كان يعذَّب في الله بمكة سبعة أنفسٍ: بلالاً الحبشي الأسود، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل.

وعن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب، والعون على الإسلام. عن عبد الله: أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأُبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أواقٍ، فأعتقه لله - عز وجل - فانزل الله - عز وجل - " والليل إذا يغشى " إلى قوله: " إن سعيكم لشتى " سعي أبي بكر وأمية وأُبي. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً؟ فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبه، إني إنما أريد ما أريد. قال: فيتحدث: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قاله أبوه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى " إلى آخر السورة. وعن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "، قال أبو بكر " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب. عن عبد الله بن الزبير قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر: " وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ". عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده: أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في

صدره بخلال؟ فقال: " يا جبريل، أنفق ماله علي قبل الفتح " قال: فإن الله عز وجل يقرأ عليه السلام ويقول: " قل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ. وعن ابن عباس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، وعليه طنفسة، وهو متخلل بها، فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي! قال: إن الله أمر الملائكة أن تخلل في السماء كتخلل أبي بكرٍ في الأرض ". عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له جبريل: هاجر، قال: ومن يهاجر معي؟ " قال أبو بكر، وهو الصديق. وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: " اسكن! نبي، وصديق، وشهيدان - وفي رواية: ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه برجله، وقال: " اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان " وفي رواية " اثبت حراء، عليك نبي، وصديق، وشهيد " فالصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان. عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفسٍ، ومزاح، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي، قال: حدثنا عن أصحابك خاصةً، قال: ما كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب إلا كان لي صاحباً، قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سلوني، قلنا: حدثنا عن أبي بكر الصديق،

قال: ذاك امرؤ سماه الله صديقاً على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، كان خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا. عن حكيم بن سعد قال: سمعت علياً يحلف لأنزل الله عز وجل اسم أبي بكر من السماء الصديق. وعن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر - وفي رواية: فما مر - علينا يوم إلا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيه طرفي النهار بكرةً وعشياً، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج، ولا يَخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع، فاعبد ربك في بلدك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريشٍ، فقال: إن أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسِب المعدم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل. قال: ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فتنقصف عليه نساء قريش، وأبناؤهم يتعجبون منه، وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريشٍ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد

ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك، فابتني مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يستعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن يسمع العرب أني أخفرت في عقد رجلٍ عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين: " قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين - وهما حرتان " فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: أو ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: " نعم "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر. قالت عائشة: فبينا نحن جلوس في بيتنا، في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبلاً مقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر، قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذن، فدخل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالثمن ". قالت: فجهزناهما أحب الجهاز، فصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها، فأوكت به الجراب، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - وفي

رواية: النطاق - ثم لحق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدخل، فيخرج من عندهما بسحرٍ، فيصبح بمكة مع قريش كبائت، لا يسمع أمراً يُكادون - وفي رواية: يُكادان - به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذاك إذا اختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك عامر تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر رجلاً من بني الدئل من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلفٍ في آل عاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر، والدليل الدئلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، وأبو بكر على راحلته، وعامر ابن فهيرة يمشي مع أبي بكر مرة، وربما أردفه. وكانت أسماء تقول: لما صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي سفرتهما وجد أبو قحافة ريح الخبز، فقال: ما هذا، لأي شيء هذا؟ فقلت: لا شيء، هذا خبز عملناه نأكله، فلما خرج أبو بكر جعل أبو قحافة يلتمسه ويقول: أقد فعلها؟! خرج وترك عياله علي، ولعله قد ذهب بماله - وكان قد عمي - فقلت: لا، فأخذت بيده، فذهبت به إلى جلد فيه أقط فمسسته، فقلت: هذا ماله! عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فوجهني في بعثه عمر بن الخطاب، فقدمت على عمر، فضربت عليه الباب، فخرج إلي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة بن محصن العنزي، قال: فأدخلني منزله، وقدم إلي طعاماً، فأكلت، ثم ذكرت له

أبا بكر الصديق، فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، هل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: فإنه لما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فاتبعه أبو بكر، فجعل مرة يمشي أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا فعلك! " فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرةً عن يمينك، ومرةً عن يسارك، لا آمن عليك، قال: فمشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله كله، حتى أدغل أطراف أصابعه، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك، قال: فدخل أبو بكر؛ فلم ير شيئاً، فقال له: اجلس، فإن في الغار خرقاً أسده، وكان عليه رداء، فمزقه، وجعل يسد به خرقاً خرقاً، فبقي جحران، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله، فأدخله الغار، ثم ألقم قدميه الجحرين، فجعل الأفاعي والحيات يضربنه ويلسعنه إلى الصباح، وجعل هو يتقلى من شدة الألم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم بذلك، ويقول له: " يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا " فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة، والطمأنينة فهذه ليلته. وأما يومه فلما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب؛ فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي، فأتيته لا ألوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارفق بالناس! وقال غيري ذلك. فقال أبو بكر: قد قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتفع الوحي، ووالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، قال: فقاتلنا فكان والله سديد الأمر، فهذا يومه. عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت:

يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ". عن ابن عباس قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل، فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أبو بكر: أُتينا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا " وانقطع الأثر، فذهبوا يميناً وشمالاً. عن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي بكر أمراً ما صنعه بي، فقال له رجل: ما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: يوم المَلْحم، قلنا: وما يوم الملحم؟ قال: يوم جاء المشركون يقتلون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، وخرج بأبي بكر معه، لم يأمن على نفسه أحداً غيره حتى دخلا الغار. عن حبيب بن أبي ثابت: في قوله عز وجل: " فانزل الله سكينته عليه " قال: على أبي بكر، فأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد نزلت عليه السكينة قبل ذلك. قال الحسن بن عرفة: " فأنزل السكينة عليهم " قال: على أبي بكر. عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".

عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: " هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " فقل حتى أسمع " فقال: من البسيط وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ يصعد الجبلا وكان ردف رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت ". قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أبي بكر وحده؛ فإنه خرج من المعاتبة، وتلا قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ". عن أنس بن مالك قال: لما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك؟ فيقول: هادٍ يهدي - وفي رواية: هذا رجل يهديني السبيل. عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي. وعن محمد بن عمر بن علي: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فلما قدم

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نقض تلك المؤاخاة إلا اثنتين: المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة. عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدرٍ فقالوا: أما ترون أبا بكر الصديق جاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح منكم صائماً اليوم؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من عاد اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمعن - هذه الخصال - في رجلٍ قط إلا دخل الجنة " وفي رواية: " من جمعهن في يومٍ واحد وجبت له، أو قال: غُفر له ". وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: لكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد اليوم عاد مريضاً؟ " قال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فكيف نعود المريض؟! فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ " فقال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائلٍ، فوجدت كسرة خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت فابشر بالجنة " فتنفس عمر، فقال: واها للجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة أرضى بها عمر.

عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: ما سبقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه. عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي - وفي رواية: نودي - من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي - وفي رواية: نودي - من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على أحدٍ ممن دعي من تلك الأبواب - وفي رواية فقال أبو بكر: ما على من يدعى من هذه الأبواب - من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب - وفي رواية من هذه الأبواب - كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم ". عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يدخل الجنة رجل لا يبقى فيها أهل دار ولا غرفة إلا قالوا: مرحباً مرحباً، إلينا إلينا "، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما توى هذا الرجل في ذلك اليوم، قال: " أجل، وأنت هو يا أبا بكر ". عن ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وأقبل على أبي بكر فقال: " إني لأعرف اسم رجل، واسم أبيه، واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قالت: مرحباً مرحباً " فقال سلمان: إن هذا لغير خائب، فقال: " ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ".

عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر خير أهل الأرض إلا أن يكون نبياً ". قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً جعل فيه واحدة منهن يدخله بها الجنة ". قال: وقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فيّ شيء منهن؟ قال: " نعم جميعاً " وفي رواية: " كلهن فيك، وهنيئاً لك يا أبا بكر ". عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت: يا جبريل، أرني الباب الذي تدخل منه أمتي " قال: " فأرانيه " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، ليتني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: فقال: " يا أبا بكر، أما إنك أول من يدخله من أمتي ". عن أبي الدرداء قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل أبو بكر، فأخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فأقبل حتى سلم، ثم قال: يا رسول الله، كان بيني وبين ابن الخطاب شيء حتى أسرعت إليه، وندمت، فسألته أن يستغفر لي، فأبى علي، وتحرز مني بفراره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغفر الله لك يا أبا بكرٍ - ثلاثاً " ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكرٍ، فسأل: أثم أبو بكرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها.

عن ابن عباس قال: ذكر أبو بكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبني الناس وصدقني، وآمن بي، وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وجاهد معي في جيش العسرة، ألا إنه سيأتي يوم القيامة على ناقةٍ من نوق الجنة، قوائمها من المسك والعنبر، ورحلها من الزمرد الأخضر وزمامها من اللؤلؤ الرطب، عليها جلان خضراوان من سندس واستبرق، ويجاء بأبي بكر يوم القيامة وإياي، فيقال: هذا محمد رسول الله، وهذا أبو بكر الصديق ". عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما احب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: " يا ربيع ألا تزوج؟ " فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني والله، لئن قال لي: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت. قال فقال: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: " انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار، وكان فيهم تراخٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأةٍ منهم - فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله، لا يرجع رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بحاجته،

فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً، فقال لي: " مالك يا ربيعة؟ " فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كراماً، فزوجوني وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواةٍ من ذهبٍ " قال: فجمعوا لي وزن نواةٍ من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها " فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً فقال: " يا ربيعة مالك حزين؟ " فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيب وليس عندي ما أولم، قال: " يا بريدة، اجمعوا له شاة " قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى عائشة، فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: هذا المكتل فيه تسعة آصع شعيرٍ، لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، قال: فأخذته، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً " فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً، وهذا طبيخاً. فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفوناه أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني بعد ذلك أرضاً، وأعطى أبا بكرٍ أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عذق نخلةٍ، فقلت أنا: هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً أكرهها، وندم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وانطلق أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيءٍ يستعدي عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين! إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيُهلك ربيعة! قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: وانطلق أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه، فقال: " يا ربيعة مالك وللصديق؟ " قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، فقال لي كلمة كرهها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر " فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولّى أبو بكر وهو يبكي.

قال حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقد هممت أن أبعث رجالاً يعلمون الناس السنة والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل "، فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: " لا غنى لي عنهما - أو بي عنهما - فإنهما من الدين كالسمع من البصر ". عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي أيدني بكما ". عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر: " يا أبا بكر، إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من أمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة ". عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر ". عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء: مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، فصنعوا به ما صنعوا قال " فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ".

عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل آنفاً، فقلت له: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، قال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ". عن عبد الله قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالساً ومعه جبريل إذ أقبل أبو بكر، فقال جبريل: يا محمد هذا أبو بكر قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل له اسم في السماوات تعرفونه به كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة خليل الرحمن فلينظر إلى شيبة أبي بكر، فبينا هو كذلك إذ أقبل عمر، فقال جبريل: يا رسول الله هذا عمر أقبل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة نوحٍ في المرسلين فلينظر إلى شيبة عمر بن الخطاب، فبينا هو كذلك إذ أقبل عثمان بن عفان، فقال له جبريل: هذا عثمان قد أقبل، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة موسى كليم الرحمن فلينظر إلى شيبة عثمان بن عفان، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، فقال له جبريل: يا رسول الله هذا علي قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة هارون فلينظر إلى شيبة علي بن أبي طالب. ثم ارتفع جبريل، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على قدميه، قال: " يا أيها الناس، قد أخبرني الروح الأمين بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، ألا أيها الشاتم أبا بكرٍ فكأني بك قد جئتني تخوض بحار النيران، وقد سالت حدقتاك على خديك، فأُعْرِض عنك بوجهي،

وأنت أيها الشاتم عمر، أنت وربي بريء من الإسلام، وأنت أيها الشاتم عثمان بن عفان، وخَتَني على ابنتيّ، والذي قلت له: اللهم لا تنس له هذا اليوم، كأني بك قد جئتني في الأهوال المهيلة المهيبة، فأعرض بوجهي عنك، وأنت أيها الشاتم علياً، أخي وابن عمي، وخَتَني على بنتي والضارب بسيفي بين يدي لا نالتك شفاعتي ". عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح ". والمحفوظ عن عمر قوله: لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح بهم - وفي رواية: لرجح به. عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء، فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق. عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدرٍ مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدرٍ، فصدّقت عنك، ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك. قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: بتفسير هذا الحديث يقال: قوله أهدفت لي معناه: أشرفت لي، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف، وهدف الرامي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي حتى يراه، وإن عبد الرحمن كره أن يقاتل أباه،

أو انصرف عنه هيبة له. وقول أبي بكر: لو أهدفت لي لم أصرف وجهي عنك؛ وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم لما جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان، وبهذا وصف الله أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر. " الآية. عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ ولأبي بكر: " مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال " وفي رواية " في الصف ". عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ". وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر ". عن يعقوب الأنصاري قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالإسوار، وإن مجلس أبي بكرٍ منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس. قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم بارك لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابي في أبي بكر الصديق، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي

طالب، وثبت الزبير واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسانٍ ". عن سهل بن مالك الأنصاري قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حجته، اجتمع الناس إليه، فقال: " يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني طرفة عين، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس، إن الله راضٍ عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، يا أيها الناس دعوا لي أختاني وأصهاري، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحدٍ منهم، فيعذبكم بها، فإنها مما لا يوهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منكم فاذكروا منه خيراً ". عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قالوا: إنما نعني من الرجال، قال: " أبوها ". عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " كلا أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: ألسنا إخوانك؟ قال: " لا، إخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني، فأحبوك بحبك إياي، فأحبهم أحبهم الله ". وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على عليٍ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: " يا أبا الحسن، أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة ".

عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتكئ على يدي علي بن أبي طالبٍ، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " حبهما يُدخِل الجنة ". عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبُّ أبي بكرٍ وشكره واجب على أمتي " - وفي رواية أخرى: " أمنُّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي ". عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب أبي بكرٍ وعمر إيمان، وبغضهما كفر ". عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبغِض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ". عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما ولد أبو بكر الصديق أقبل الله تعالى على جنة عدنٍ، فقال: وعزتي وجلالي لا أُدخِلك إلا من يحب هذا المولود ". عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي جبريل رأيت في السماء خيلاً موقفةً مسرجةً ملجمةً، لا تروث ولا تبول، ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الأحمر، وحوافرها من الزمرد الأخضر، وأبدانها من العِقيان الأصفر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر، يزورون الله عليها يوم القيامة ".

قال الخطيب: منكر. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملكٍ يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملكٍ بلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ". عن ابن عباس قال: كان أبو بكر الصديق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، فعطش أبو بكر عطشاً شديداً، فشكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى صدر الغار، واشرب " فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار، وشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحةً من المسك، ثم عاد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شربت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبشرك يا أبا بكر؟ " قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله تعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر " فقال أبو بكر: ولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: " نعم، وأفضل، والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً ". عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق، وإن رفيقي في الجنة أبو بكر ". وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك جعلت أبا بكرٍ رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا وأبو بكر في الجنة كهاتين " وضم السبابة والوسطى. عن ابن مليكة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غديراً، فقال: " ليسبح كل رجل إلى صاحبه "،

قال: فسبح كل رجلٍ منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، قال: فسبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتنقه، وقال: " لو كنت متخذاً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكنه صاحبي ". عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " وفي رواية قالت: قلت: يا رسول الله أكل الناس تقف يوم القيامة للحساب؟ قال: " نعم، إلا أبا بكر فإن شاء مضى، وإن شاء وقف ". عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: - وفي رواية فقيل له -: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: " هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة زفاً - وفي رواية: تزفه الملائكة إلى الجنان ". عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني بك يا أبا بكرٍ على باب الجنة تشفع لأمتي ". عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحداً هو خير منه، ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيين " فما برحنا حتى طلع أبو بكر الصديق فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله والتزمه. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد، قال: فيؤتى بأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، قال: فيقال لأبي بكر:

قف على باب الجنة، فأدخل الجنة من شئت برحمة الله، ودع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف على الميزان، فثقِّل من شئت برحمة الله عز وجل وخفف من شئت بعلم الله، ويعطى عثمان بن عفان عصا آس التي غرسها الله عز وجل في الجنة ويقال له: ذد الناس عن الحوض ". عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن على حوضي أربعة أركانٍ، فأول ركن منها في يد أبي بكرٍ، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليٍ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر، لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان، ومن أحب عثمان وأبغض علياَ لم يسقه عثمان، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ". عن معاذ بن جبلٍ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أما العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكرٍ كرسي فيجلس عليها، وينادي منادٍ: يا لك من صديقٍ بين خليلٍ وحبيب ". عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دخلت الجنة ليلة أسري بي، نظرت إلى برجٍ أعلاه نور، ووسطه نور، وأسفله نور، فقلت لحبيبي جبريل: لمن هذا البرج؟ فقال: هذا لأبي بكر الصديق ". عن البراء بن عازب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اتخذ لإبراهيم في أعلى عليين قبةً من ياقوتةٍ بيضاء، معلقة بالقدرة،

تخترقها رياح الرحمة، للقبة أربعة آلاف باب، كلما اشتاق أبو بكر إلى الله انفتح منها باب ينظر إلى الله عز وجل ". عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ويتجلى لأبي بكرٍ خاصة ". عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكرٍ، أعطاك الله الرضوان الأكبر " فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الرضوان الأكبر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، إذا كان يوم القيامة يتجلى الجبار لأهل الجنة، فتراه وتراه أهل الجنة، ويتجلى لك خاصةً، فلا يراه مخلوق غيرك ". عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لطيراً كأشباه البُخْت " فقال أبو بكر: إن هذه لطير ناعمة! قال: " آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكلها يا أبا بكر ". عن علي قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ". عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفقٍ من آفاق السماء، ألا وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". قال محمد بن الجهم السمري: سألت الفراء عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الدرجات العلى: " وأنعما " لم أدخلت الألف في آخر حرفٍ؟ فقال: معناه: وقد أنعما أي صارا إلى النعيم، وأنشد الفراء عن

بعض العرب يصف راعياً: من الطويل سمين الضواحي لم تؤرّقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعُونُها معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً، وقد أنعم: صار إلى النعيم. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مررت بسماء إلا رأيت فيها، مكتوب: محمد رسول الله، أبو بكرٍ الصديق ". عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الله عز وجل فقال له: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، فقال: " منه بدأ السلام " قال: إن الله يقول لك: " قل للعتيق ابن أبي قحافة إني عنه راضٍ ". عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ". عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " قال أبو بكر: لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار. عن سعد بن زُرارة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فالتفت التفاتةً، فلم يرَ أبا بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر، أبو بكر أما إن روح القدس أخبرني آنفاً أن خير أمتك بعدك أبو بكر ".

عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً: أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي: القرن الأول، والثاني، والثالث تترى، والرابع فرادى ". عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الدرداء يمشي أمام أبي بكرٍ، فقال له: " أتمشي قُدّام رجلٍ لم تطلع الشمس على أحدٍ منكم أفضل منه؟! " فما رئي أبو الدرداء بعد ذلك إلا خلف أبي بكر. وعن أبي الدرادء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحدٍ أفضل - أو خيرٍ - من أبي بكر إلا أن يكون نبياً ". عن جابرٍ قال: كنا جماعة من المهاجرين والأنصار، فتذاكرنا الفضائل بيننا، فارتفعت أصواتنا، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تفضلن أحداً منكم على أبي بكر؛ فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة ". عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم: " من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء،

فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم ارتفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عرفجة الأشجعي قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم جلس: فقال: " وزن أصحابنا الليلة، وزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ". عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدفن المرء في تربته التي خلق منها " فلما دفن أبو بكرٍ وعمر إلى جانب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أنهما خلقا من تربته. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من تنشق الأرض عنه أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع، فتنشق عنهم، ثم أنتظر أهل مكة، فتنشق عنهم، فأُبعث بينهم ". عن عائشة قالت: كان بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلام، فقال: " من ترضين أن يكون بيني وبينك، أترضين بأبي عبيدة بن الجراح؟ " قلت: لا، ذلك رجل هين لين، يقضي لك، قال: " فترضين بأبيك؟ " قال: فأرسل إلى أبي بكر، فجاء فقال: " اقصصي "، قالت: قلت: اقصص أنت، فقال: " هي كذا وكذا " قالت: فقلت: اقصد! فرفع أبو بكر يده فلطمني، قال: تقولين يا بنت فلانة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نرد هذا " قال: وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل الدم بيده من ثيابها ويقول: " رأيتِ كيف أنقذتك منه؟ ".

عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكرٍ فأقام للناس حجهم - أو قال: فحج - ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس العام المقبل حجة الوداع، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكرٍ، فبعث أبو بكرٍ عمر بن الخطاب، فحج بالناس، ثم حج أبو بكرٍ في العام المقبل، ثم استخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عمر إمارته كلها، ثم استخلف عثمان، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عثمان إمارته كلها. عن أبي جعفر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب ب " براءة " لما نزلت، فقرأها على أهل مكة، وبعث أبا بكر على الموسم. قال الزبير بن بكار: ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة تسعٍ إلى أبي بكر الصديق رايته العظمى، وكانت سوداء، ولواؤه أبيض. عن محمد بن إسحاق: أن أبا بكرٍ أقام للناس الحج سنة ثنتي عشرة، وبعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث في سنة ثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف. عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر الصديق أحج على الناس سنةً عمر بن الخطاب، والسنة الثانية عتاب بن أسيد القرشي. عن ابن شهاب قال: رأى النبي رؤيا، فقصها على أبي بكرٍ، فقال: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: خير يا رسول الله، يبقيك الله حتى

ترى ما يسرك، ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مراتٍ، فأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته، وأعيش بعدك سنتين ونصف. عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أؤول الرؤيا أبا بكر ". عن سفينة قال: لما بنى النبي المسجد وضع حجراً، ثم قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري " ثم قال: " ليضع عمر حجراً إلى جنب أبي بكر " ثم قال: " ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " ثم قال: " هؤلاء الخلفاء بعدي ". عن زرعة بن عمرو، عن أبيه قال: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: " انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم " فلما أتاهم سلم عليهم، ورحبوا به، فقال: " يا أهل قباء، إيتوني بحجارة من هذه الحرة " فجمعت عنده، فخط بها قبلتهم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً، فوضعه، ثم قال: " يا أبا بكر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجري " ففعل، ثم قال: " يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر " ففعل، ثم قال: " يا عثمان خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر "، ففعل ثم التفت إلى الناس بأخرة فقال: " وضع رجل حجره حيث أحب على هذا الخط ". عن جبير بن مطعم: أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله شيئاً، فقال لها: " ارجعي إلي " قالت: فإن

رجعت فلم أجدك يا رسول الله - تعرِّض بالموت -؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن رجعت فلم تجديني فالقي أبا بكر ". قال الزبير بن العوام - وذكر عنده أبو بكر -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " قال: فقمنا سنة حتى دخلنا على علي بن أبي طالب فقلنا: يا أمير المؤمنين إنا سمعنا الزبير بن العوام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " فقال: صدق، سمعت ذاك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط، فاستفتح رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذن له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي " ففعلت، فإذا هو أبو بكر، ثم استفتح رجل، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي ومن بعد أبي بكر " فإذا هو عمر، فأخبرته، ثم جاء آخر، فدق فقال: " يا أنس فافتح له وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعد عمر، وأنه سيلقى من الرعية الشدة، حتى يبلغوا دمه، وأمره عند ذلك بالكف " فقمت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، فلما أخبرته أنهم سيبلغون دمه استرجع. عن ابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب " وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً " فقال لحفصة: " أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ". عن ميمون بن مهران: في قوله تعالى: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين " أبو بكر وعمر.

عن عبد الله بن جراد قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرسٍ، فركبه، وقال: " يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي " فركبه أبو بكر الصديق. عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " جاء العباس إلى علي، فقال: قم بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: " يا عباس، يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا " قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا. عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ". عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً أحداً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولكل آيةٍ منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ". وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو على المنبر في مرضه الذي توفي فيه: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا علي كل خوخةٍ غير خوخة أبي بكر ".

عن سعيد بن جبير قال: كتب عبد الله بن عتبة إلى ابن الزبير يستفتيه في الجد، فقال سعيد: فقرأت كتابه إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي تستفتني في الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار " وإن أبا بكر كان ينزله بمنزلة الوالد، وإن أحق من اقتدينا به بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر. عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه، وهو عاصب رأسه، قال: فأتبعته حتى صعد المنبر فقال: " إني الساعة لقائم على الحوض " قال: ثم قال: " إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة " فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر، فقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة. عن كعب بن مالك قال: إن أحدث عهدي بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته بخمس ليالٍ، دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول: " لم يكن نبي كان قبلي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي من أمتي أبو بكر بن أبي قحافة، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ". عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نغسله بسبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راحة، فخرج فصلى بالناس، فاستغفر لأهل أُحُدٍ، ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: " أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها،

فأكرموا كريمهم - يعني محسنهم - وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير ما بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر، وظن أنه يريد نفسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك يا أبا بكر! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرأً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ". وعن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نوراً ". وعن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، قالت: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكرٍ رجل أسيف، فلو أمرت عمر! قالت: فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قالت: فقالت له حفصة، قالت: فقال: " إنكن لأنتن صواحبات يوسف " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً! قالت: وأمر أبا بكر فصلى بالناس، فلما دخل أبو بكرٍ في الصلاة وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفةً، فقام يُهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخُطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقم مكانك، قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس عن يسار أبي بكرٍ، قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.

وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليصل أبو بكر بالناس " قالوا: يا رسول الله، لو أمرت غيره أن يصلي، قال: " لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر ". عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس " قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكرٍ غائباً، فقال: قم يا عمر فصل بالناس، قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان عمر رجلاً مُجهراً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس. قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك! ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس! قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة. عن أنس بن مالك قال: لم يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكرٍ يصلي بالناس، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فما رأينا منظراً أعجب إلينا منه، حيث وضح لنا وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن تقدم، وأرخى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فلم يوصل إليه حتى مات. قالت حفصة بنت عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أنت مرضت قدَّمت أبا بكر، قال: " لست أنا الذي أقدمه ولكن الله يقدمه ".

عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكرٍ الصديق بأربع خصالٍ لم يخصص بها أحداً من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، والمسلمون شهود. قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان وأنا حي، فأستغفر لكِ وأدعو لكِ " قالت عائشة: واثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت معرِّساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكرٍ وابنه، فأعهد إليه: أن يقول القائلون، ويتمناه المتمنون ". عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتوني بأديمٍ ودواةٍ - أو كتفٍ ودواةٍ - فأكتب لأبي بكرٍ كتاباً لا يختلف عليه اثنان " ثم قال: " دعوه، معاذ الله أن يختلفوا في أبي بكرٍ - مرتين ". وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكرٍ أو عمر. عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر ابن الخطاب، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر أبا بكرٍ أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكرٍ؟ ". عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في طائفةٍ من المدينة، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً! مات محمد، ورب الكعبة.

قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان، حتى أتوهم، فتكلم أبو بكرٍ، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شأنهم إلا ذكره، وقال: لقد علمتم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار " ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء. وفي رواية عن عائشة: قال عمر: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فنشج الناس يبكون. عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنت أمين هذه الأمة " فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤمنا، فأمنا حتى مات. عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات، وأبو بكر بالسنخ - يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك، أنت سيدنا، وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه وبايعه الناس.

نا ابن عون عن محمد: أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني، فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه. قال القاسم بن محمد: فلما اجتمع الناس على أبي بكرٍ قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً! فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً. قال عمر بن الخطاب: وكنت أول الناس أخذ بيد أبي بكر، فبايعته إلا رجل من الأنصار أدخل يده من خلفي، من بين يدي ويده، فبايعه قبلي. قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها - يعني بالخلافة - إنه لصدّيق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن أبي سعيد الخدري قال: قُبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، وبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار. قال: فصعد أبو بكرٍ المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير، فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه

القوم، فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه. قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبت له في رقعة، وقرأت عليه، وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل هذا يسوى بدرة. وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري، في صدر الحديث: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول - وفي رواية: فجعل الرجل منهم يقول: - يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك. عن عبد الله بن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فالتسمته يوماً، فلم أجده، فانتظرته في بيته حتى رجع من عند عمر، فلما رجع قال: لو رأيت رجلاً آنفاً قال لعمر كذا وكذا، وهو يومئذٍ بمنى في آخر حجةٍ حجها عمر، فذكر عبد الرحمن لابن عباس أن رجلاً أتى عمر؛ فأخبره أن رجلاً قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، قال عمر حين بلغه ذلك: إني لقائم - إن شاء الله - في الناس، فمحذرهم الذين يغصبون الأمة أمرهم، قال عبد الرحمن: قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ذلك يومك، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغائهم، وإنهم هم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم اليوم مقالةً أن يطيروا بها، ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعوا مقالتك، ويضعوها مواضعها. فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقامٍ أقومه. قال ابن عباس: فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وذاك يوم الجمعة هجرت، فوجدت سعيد بن

زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى ركنٍ جانب المنبر، فجلس إلى جنبي تمس ركبتي ركبته، فلم ينشب عمر أن خرج، فأقبل يوم المنبر، فقلت لسعيد بن زيد، وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله، فأنكر ذلك سعيد، وقال: ما عسى أن يقول أحد قبله!؟ فلما جلس على المنبر أذّن المؤذن، فلما أن سكت قام عمر، فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، ولعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتُترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه بينة، أو كان الحَبَل، أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ ألا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تطروني كما أُطري ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه بلغني أن فلاناً منكم يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً فتمت فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله عز وجل وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن علياً، والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه

حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيت أبا عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه، حتى إذا دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، فذكرا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من هؤلاء الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا هم جميع في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهارهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ماله؟ قالوا: هو وَجِع، فلما جلس تكلم خطيب الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، فقد دفت دافة من قومكم. قال عمر: فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحصنونا من الأمر، فلما قضى مقالته أردت أن أتكلم، قال: وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه - فتكلم أبو بكر، وهو كان أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا تكلم بمثلها، أو أفضل في بديهته حتى سكت - فتشهد أبو بكرٍ، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خيرٍ فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم، فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من

أن أؤمر على قومٍ فيهم أبو بكر، إلا أن تغتر نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقالته قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف، قلت: ابسط يدك يا أبا بكرٍ، فبسط أبو بكر يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة وشرٍّ، وإنا ما رأينا فيما حضر من أمرنا أمراً أقوى من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساداً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكرٍ كانت فلتةً فتمت، فقد كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر. عن حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به، فقلت له: يا أبا سعيد، أما ترى ما الناس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا بحير، أصلح أمر الناس أربعة، وأفسده اثنان، أما الذين أصلحوا أمر الناس: فعمر بن الخطاب يوم سقيفة ساعدة حيث قالت قريش: منا أمير، وقالت الأنصار: منا أمير، فقال لهم عمر بن الخطاب: ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأئمة من قريش؟ " قالوا: بلى، قال: أولستم تعلمون أنه أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يتقدم أبا بكر؟ قالوا: لا أحد، فسلمت لهم الأنصار، ولولا ما احتج به عمر من ذلك لتنازع الناس هذه الخلافة إلى يوم القيامة! وأبو بكر الصديق حيث ارتدت العرب، فشاور فيهم الناس، فكلهم أشار عليه بأن يقبل

منهم الصلاة، ويدع الزكاة، فقال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاهدتهم، ولولا ما فعل أبو بكر من ذلك لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة! وعثمان بن عفان حيث جمع الناس على هذه القراءة، وقد كانوا يقرؤونه على سبعة أحرفٍ؛ فكان هؤلاء يلقون هؤلاء، فيقولون: قراءتنا أفضل من قراءتكم، حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً، فجمعهم عثمان على هذا الحرف، ولولا ما فعل عثمان من ذلك لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، وعلي بن أبي طالب حيث قاتل أهل البصرة، فلما فرغ منهم قسم بين أصحابه ما حوى عسكرهم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تقسم بيننا إماءهم ونساءهم؟ فقال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: ومن يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟! قال: أفرأيتم هؤلاء اللواتي قتل عنهن أزواجهن، أيعتددن أربعة أشهرٍ وعشراً، ويورَّثن الربع والثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما أراهن إماءً؟ ولو كن إماءً لم يعتددن، ولم يورَّثن. ولولا ما فعل علي من ذلك لم تعلم الناس كيف تقاتل أهل القبلة. وأما اللذان أفسدا أمر الناس: فعمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكمت الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ في مسيره، فلما ورد عليه قال له: يا مغيرة، ما الذي أبطأ بك؟ قال: أمر، والله كنت أوطئه وأهّيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك! فلما خرج من عند معاوية قال له أصحابه: ما وراءك يا مغيرة؟ قال: ورائي، والله أني وضعت رجل معاوية في غرز بغيٍ لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لآبائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.

عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكرٍ إلى المنبر إزعاجاً. عن عائشة قالت: توفيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، فاجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكرٍ: ائتنا، فقال عمر: والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لأتينهم، وما تخاف علي منهم؟ فجاءهم حتى دخل عليهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى عليه، ثم قال: إني قد عرفت أنكم قد وجدتم عليَّ في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا لأني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أرى أثرة فيه وعمله، إلى غيري حتى أسلك به سبيله، وأنفذه فيما جعله الله، ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي، لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعظيم حقه الذي جعله له على كل مسلم. ثم تشهد علي، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً قسمه الله لك ألاّ أن تكون أهلاً لما أسند إليك في صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنك، وفضلك؛ ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقوّل به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع، وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كان العشية، فصلِّ بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك، فأبايعك. فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه. فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكرٍ، وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من خيرٍ، ثم قام إلى أبي بكرٍ، فبايعه، فلا ترى مثلما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً؛ فقد أحسنت وأجملت حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم، فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف.

عن صعصعة بن صوحان قال: دخلنا على علي بن أبي طالب حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين، استخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم كما تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، استخلف علينا، فقال: " لا، إن يعلم الله عز وجل فيكم خيراً يول عليكم خياركم " قال علي: فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر. عن أبي الزناد قال: أقبل رجل يتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكرٍ، وأنت أوفى منه منقبة، وأقدم منه سلماً، وأسبق سابقةً، قال: إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، إن أبا بكر سبقني إلى أربع، لم أبزهن ولم أعتض منهن: سبقني إلى الإمامة، وتقديم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الإسلام. عن عمرو بن شقيق الثقفي قال: لما فرغ علي من الجمل قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً من قبلنا: ولي أبو بكرٍ، فأقام واستقام، ثم ولي عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الإسلام بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فيعفو الله عمن يشاء، ويعذب الله من يشاء. عن عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيئ.

قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى. قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ: الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم. قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه. عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة. وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر. قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون

الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين. قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل. عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق

إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق عن رافع بن أبي رافع قال: كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره. فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال

لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته. عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني. قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم. عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم. عن أبي هريرة قال: والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام. وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش. عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة

العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ". عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط. عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله. عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه. وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه. عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك. وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر. وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.

عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ". وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها. عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،

وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله. عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ". عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه. فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.

ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف. عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني. ومن طريق ابن سعد قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟

قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء. قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان. عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت. وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة. ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من

الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم. ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان. عن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي

بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله. عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني. عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً. عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً. عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في

الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين. عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه. عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام. قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب. عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من

نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع. عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع

فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم. عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود. وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ". عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما. عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر. عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع. عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ". قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.

ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك. وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!. وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي. وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر. وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر. وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين. عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم

بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ". عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر. عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه. عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين. وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة. وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.

مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي. عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه. عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا. عن عائشة: أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود

منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له

قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما

صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!. عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم

حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين. عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة. وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود. عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة. وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما. وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر. وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر. عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة. وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه. فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.

وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ". عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك! عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل. قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ. قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر. عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.

عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول. وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر

أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته. عن مسلم الطبين قال: من الكامل أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ. وعن ابن شهاب: أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة. قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن

الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ". وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله. ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.

عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة. فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.

عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر. فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن

حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء. عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ". عن أنسٍ قال: أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم

واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم. عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً. ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،

قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية. عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ". عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر. وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها. عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق. قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس. عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.

عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،

تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم. أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك. وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى. عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك. عن الأصمعي: أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء

من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء الشد: العدو. عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر. وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً. وقبر أبو بكر ليلاً. وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك. وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره. ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة. عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما

عبد الله بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان

أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه. عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم. وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة. عبد الله بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي: وفد على عبد الملك بن مروان. عن أبي المقدام قال: هلك معاوية بن يزيد بن معاوية بالشام، وقد قيل له: اعهد إلى رجل يُفزَع إليه، قال: لا، تذهبون بحلاوتها وأذهب بمرارتها! ليختر الناس لأنفسهم، فقدم عليهم الوليد بن عتبة، وكان أسن آل أبي سفيان، فلما كبَّر عليه الثالثة خر مطعوناً، فلم يرفعوه إلا ميتاً، فقدموا عليه عثمان ابن عنبسة بن أبي سفيان، وكان أسن آل أبي سفيان يومئذٍ، فلما صلى عليه أحاطوا به، فقالوا: نبايعك بالخلافة، فقال: لا، بل ألحق بخالي

عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك

عبد الله بن الزبير - وأمه ابنة الزبير بن العوام - فقال له مروان: عمك لا خالك، إنها والله ما هي بساعة أخوال، فقال عبد الرحمن بن أم الحكم: من الكامل أودت خلافة آل حر ... بٍ حين أودي بالوليد ومضت بعثمان الركا ... ب من القريب إلى البعيد فخرج حتى أتى ابن الزبير، وشهد المرج، يقاتل بني أمية، فحمل على ألف دابةٍ، فلما انهزم أرسل إلى ابن الزبير: إن بأصحابي حاجة فأمدهم، فبعث إليه بمائة مد برٍ، ومائة مد شعير، فأرسل إليه عثمان: أحمل على ألف دابةٍ في قتال قومي وتبعث إلي بهذا؟ والله لا أكلمك أبداً. واستحيا من الرجوع إلى بني أمية، فأقام بمكة، فلما احتضر قال لابنه عبد الله: يا بني، الحق بقومك: فإن أباك لم يغتبط بفراقهم، وأوصى إلى خالد بن يزيد، وهو بالشام، فلما قدم عبد الله أدخله على عبد الملك، فلما رآه قال: لا رحم الله أباك! والله لا أدع لك خضراء، ولا بيضاء إلا قبضتها، قال: فجمع الغلام رداءه ثم رمى به وجه عبد الملك، ثم قال: اقبض هذا أولاً، وخرج حاسراً، فقال عبد الملك للوليد: يا وليد، رجل والله! فاجعله في صحابتك. عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد بن المبارك أبو أحمد الجرجاني المباركي الحافظ المعروف بابن القطان أحد أئمة أصحاب الحديث، والمكثرين فيه، والجامعين له، والرحالين فيه. رحل إلى الشام ومصر رحلتين، أولاهما في سنة سبع وتسعين وماءتين والثانية في سنة خمس وثلاثمائة، وكان مصنفاً حافظاً ثقةً على لحن فيه.

روى بسنده عن عبد الله بن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من اتخذ كلباً إلا كلب ماشيةٍ، أو ضاري نقص من أجره كل يومٍ قيراط، والقيراط مثل أحد ". وبسنده عن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ ". ولد عبد الله بن عدي سنة سبع وسبعين ومائتين، وهي السنة التي مات فيها أبو حاتم الرازي. قال حمزة بن يوسف: صنف أبو أحمد بن عدي في معرفة ضعفاء المحدثين كتاباً مقدار ستين جزءاً سماه: كتاب الكامل، سألت أبا الحسن الدارقطني - رحمه الله - أن يصنف كتاباً في ضعفاء المحدثين فقال لي: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: نعم، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، وكان ابن عدي جمع أحاديث مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وشعبة، وإسماعيل بن أبي خالد، وجماعة من المقلين، وصنف على كتاب المزني سماه: الانتصار، وتوفي سنة خمسٍ وستين وثلاثمائة. قال أبو أحمد بن عدي: قال لي عبدان الأهوازي: أغرب علي لخالد الحذاء حديثاً، فذكرت له هذا الحديث عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة.

عبد الله بن عروة بن الزبير

عبد الله بن عروة بن الزبير ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب أبو بكر القرشي الأسدي: وفد على الوليد بن يزيد. حدث عن أبيه، عن عائشة قالت: اجتمعن - وفي رواية: اجتمعت - إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً، فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر، ولا قر، ولا مخافة، ولا سآمة، قالت الخامسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن نام التف، ولا يولج الكف ليعلم البث، قالت السادسة: زوجي غياياء أو عياياء - شك الراوي - طباقاء، كل داءٍ له داء اشجك أو فلك، أو جمع كلاً

لك، قالت السابعة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب، قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النادي، قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك! مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حليٍّ أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إليّ نفسي، فوجدني في أهل غنيمة بشقٍ، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنقٍّ، فعنده أقول ولا أقبّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح أم أبي زرعٍ،

وما أم أبي زرعٍ؟ عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، وما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبةٍ، وتشبعه ذراع الجفرة، ابنة أبي زرع، وما ابنة أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها وملء مكسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، وما جارية أبي زرع، لا تبثث حديثنا تبثيثاً، ولا تنقل ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، خرج أبو زرع، والوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، قال: كلي أم زرعٍ، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائش، كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ - وفي رواية: يا عائشة ". وروى عن أبي سفيان بن الحارث قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هوازن، وقد جمعت له العرب كلها، فلما أتوه

حملوا عليه حملةً واحدةً، قال الله عز وجل: " ثم وليتم مدبرين " وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته الشهباء. قال أبو سفيان وبيدي السيف صلتاً، ثم أخذت بلجام بغلته، وعباس بن عبد المطلب ينادي: يا أصحاب سورة البقرة، فثاب إليه الناس حتى توافى حول بغلته نحو من مائة. وروى عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: كان أكثر صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ثقل وبدَّن وهو جالس. وعن عبد الله بن عروة، عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " دعوا الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره " قال عبد الله بن عروة: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي. قال الزبير بن بكار: ومن ولد عروة بن الزبير: عمر بن عروة قتل مع عبد الله بن الزبير، وكان مشجعاً لا عقب له، وعبد الله بن عروة؛ أمها: فاختة بنت الأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها: أم شيبة بنت حكيم بن حزام، وأمها: زينب بنت العوام، كان عبد الله بن عروة أسن بني عروة، وبه كان يكنى، وبلغ خمساً - أو ستاً - وتسعين سنة، لم يكن بينه وبين أبيه إلا خمس عشرة سنة، وكان له عقل وحزم، ولسان وفضل، وشرف، وكان يشبه عبد الله في لسانه، وكان عبد الله بن الزبير يعرف ذلك له، وهو رسول عبد الله ابن الزبير إلى الحصين بن نمير حين لقيه بمر. قال الحاكم أبو أحمد: هو والد عمر بن عبد الله بن عروة.

سئل أبو حاتم عن عبد الله بن عروة، فقال ثقة. عن الزبير بن خبيب قال: أرسل معاوية بن أبي سفيان رسولاً، وكتب معه إلى عبد الله بن الزبير يخطب إليه ابنته أم حكيم بنت عبد الله على ابنه يزيد بن معاوية، فزوجها عبد الله بن عروة، وكان أول من زوج من بين أخيه، فقال له رسول معاوية: ما تجيب به أمير المؤمنين؟ قال: ما له عندي جواب إلا ما رأيت. قال عبد الله بن عروة: كان عمي عبد الله بن الزبير يبيت عند أمه كما يبيت عند أهله، فإذا كانت الليلة التي يكون فيها عند أمه جئته، فيقوم، فيصلي ليلته، وأقوم إلى جنبه أصلي حتى الصباح، وأهجر كل يومٍ، فأصلي معه، فمكثت بذلك ما شاء الله؛ فأدركني يوماً، وأنا رائح بالهجير إلى المسجد، فصاح بي: مهيم؟ فوقفت، فاتكأ على يدي حتى بلغ باب المسجد. ثم قال: أفيك خير؟ فقلت: أين يُذهب بالخير عني؟ قال: أزوجك ابنتي أم حكيم، قد عرفت منزلتها مني، قلت: نعم، فدخل بي إلى المسجد، فجلس إلى عبد الله بن عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وزوجني أم حكيم، ثم قام، وقمت معه حتى أتى مصلاه، فوقف فيه، فخرجت حتى أتيت أبي، فأعلمته، فكذبني، وقال: لا يسمعن هذا منك أحد، فقلت: قد والله كان ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن الزبير: أكان ما ذكر عبد الله؟ قال: نعم، زوجته أم حكيم، فقال لي: هذا مال لك عندي ورثته من أمك، وهو عشرون ألف درهمٍ، فأحمله إليها، ففعلت، فأرسل إلي عمي عبد الله، فجئته، فقال: ألم تعدني الخير من نفسك؟ قال: قلت: بلى، قال: فما حملك على أن بعثت إلينا بمالٍ؟ لو أردت المال لوجدته عند غيرك! - يريد معاوية - احمل مالك، فلا حاجة لنا فيه،

قال: فرجعت بالمال إلى أبي. وكانت أم حكيم بنت عبد الله قالت لأبيها: لم تؤثر بنيك في النخل علينا؟ وبناتك أحق بالأثرة لضعفهن؟ أترى بنيك يؤثروننا على نسائهم؟ فقال لها: لا أفعل بعدها. وكانت أم حكيم أحب ولد عبد الله إليه. ومن طريق المعافى بن زكريا: أن عبد الله بن عروة بن الزبير - وأمه ابنة المغيرة بن شعبه - دخل على هشام بن عبد الملك، وقد كان إبراهيم بن هشام أضر به وهو على المدينة، فقال له عبد الله: يا أمير المؤمنين، إنك قد وليت خالك ما بين المدينة إلى عدن، فلم يمنعه كثير ما في يديه من قليل ما في أيدينا أن نازعته نفسه اختلاس ما في اختلاسه هلكنا، فأنشدك الله، يا أمير المؤمنين أن تصل رحماً بقطيعة أخرى، فوالله ما سخا بأنفسنا عن الأموات إلا ما كف وجوه الأحياء، ولأن نموت مرفوعين أحب إلينا من أن نعيش مخفوضين. فقال هشام لعبد الله: إنه لا سلطان لخالي عليك بعد يومك هذا. وحج هشام، فاجتمع عنده: عبد الله بن عروة، وإبراهيم بن هشام، وحضره مسلمة بن عبد الملك، فقال عبد الله بن عروة: يا أمير المؤمنين، إن مما طيب أنفسنا عمن أصبت منا لما بقي بأيدينا بما كف الله به وجوهنا عن قومنا وغيرهم، فتناول هذا أعراضنا وأموالنا، فكيف الحياة مع هذا؟! فقال هشام: ألا تسمع يا إبراهيم ما يقول هذا؟ فقال إبراهيم: أمير المؤمنين أمير المؤمنين، وأنا أنا، وهو هو! قال هشام: فماذا الكلام؟ أجل لعمري إن ذا لكذا، وأقبل هشام بعد ذلك على مسلمة، فقال: سمعت ما قال ابن عروة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، كأنك قد قلت لي: تجهز إلى الحجاز، قد سمعت كلام رجل لا يقيم على ما شكا إن أقام، إلا قليلاً.

عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة قال: إلى الله أشكو عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا أتي. وأنشد عبد الله بن عروة: من البسيط يبكون بالدين للدنيا وبهجتها ... أرباب دنيا، عليها كلهم صادي لا ينظرون لشيءٍ من معادهم ... تعجلوا حظهم في العاجل البادي لا يهتدون، ولا يهدون تابعهم ... ضل المقود، وضل القائد الهادي قال حماد بن عطيل بن فضالة: رأيت عبد الله بن عروة في سنيات خالد بن عبد الملك بن الحارث - وكان والياً لهشام بن عبد الملك على المدينة سبع سنين قحط المطر في تلك السبع فكان يقال لها: سنيات خالد، فجلا الناس من بادية الحجاز، فلحقوا بالشام، فحضرت عبد الله بن عروة بن الزبير في أمواله بالفرع - يدخل الناس في مربد تمره طرفي النهار: غدوةً فيتغدون من التمر، وعشية فيتعشون، فما زال كذلك يفعل حتى أحيا الناس. وقال: جلونا مرة إلى الشام في جهدٍ أصاب الناس، ثم رجعنا فوجدنا عبد الله بن عروة قد هدم الثلم، وكسر الوشع، وأمرج الناس في مال أبيه، وجنى لهم فأطعمهم. قال عبد الله بن عروة: بعث إلي عبد الله بن الزبير، فقال: انطلق إلى الحصين بن نمير حتى تلقاه، فتناظره، فانطلقت حتى لقيت الحصين بن نمير، فأدناني منه، فكلمته وأنا مشرف عليه، فجعل يتطاول إلي بعنقه.

قال يوسف بن يعقوب الماجشون: كنت مع أبي في حاجةٍ، فلما انصرفنا قال لي أبي: هل لك في هذا الشيخ؟ فإنه بقيةً من بقايا قريش، وأنت واجد عنده ما شئت من حديث ونبيل رأي - يريد عبد الله بن عروة - قال: فدخلنا عليه، فحادثه أبي طويلاً، ثم ذكر أبي بني أمية، وسوء سيرتهم، وما قد لقي الناس منهم، وقال: انقطع آمال الناس من قريش. فقال عبد الله: أقصر أيها الشيخ، فإن الناس لم يبرح لهم أمر صالح من قريش ما لم يلِ بنو فلانٍ، فإذا وليت بنو فلان انقطع آمالهم. فقال له سلمة الأعور صاحبنا: بنو هاشم؟ فقال برأسه: أي نعم. قال مصعب بن عبد الله: جمع عبد الله بن عروة بنيه، ثم قال: يا بني، إن الله تعالى لم يبن شيئاً فهدمه، وإن الناس لم يبنوا شيئاً قط إلا هدموه، وإن بني أمية من عهد معاوية إلى اليوم يهدمون بشرف علي، فلا يزيده الله إلا شرفاً وفضلاً ومحبةً في قلوب المؤمنين، يا بنيّ، فلا تشتموا علياً. وكان عبد الله بن عروة يشهد الجمعة، وينصت لخالد بن عبد الملك بن الحارث، فإذا شتم خالد علياً تكلم عبد الله بن عروة، وأقبل على أدنى إنسان يكون إلى جنبه يحدثه، فيقال له: الإمام يخطب! فيقول: إنا لم نؤمر ننصت لهذا. قالوا لعبد الله بن عروة بن الزبير: ألا تأتي المدينة؟ فقال: ما بقي بالمدينة إلا حاسد لنعمة، أو فرح بنقمة. قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عروة ابن له سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر

عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب

فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا مقيماً ما أقام جبال لبس ... فليس بزائل حتى تزولا وله: من الطويل: ترى المرء يبكيه الذي مات قبله ... وموت الذي يبكي عليه قريب يحب الفتى المال الكثير وإنما ... لنفس الفتى مما تحب نصيب وقال للوليد بن عبد الملك حين أخذ إبراهيم ومحمداً ابني هشام: من الطويل عليك أمير المؤمنين بشدةٍ ... على ابني هشام إن ذاك هو العدل تبيح بها أموالهم ودماءهم ... ويبقى عليهم بعد ذلكم نصل عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب أبو محمد المفسر المقرئ المعدل روى عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده عن العرباض سارية قال: قام فينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فوعظنا موعظة بليغة وجفت منها قلوبنا، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، وعظتنا موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: " عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسيرى من بقي منكم بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات؛ فإن لكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ". أنشد أبو محمد عبد الله بن عطية لنفسه: من الكامل احذر مودة مارقٍ ... مزج المرارة بالحلاوه

عبد الله بن أبي أوفى

يحصي الذنوب عليك أي ... ام الصداقة للعداوه وله: كنت الضنين بمن فجعت به ... فسلوت حين تقادم الدهر ولخير حظك في المصيبة أن ... يلقاك عند نزولها الصبر ومن إنشاده: من الكامل يا دهر أين الخيرون ذوو الندى ... أغفوا؟ فنحييهم بطيب ثنائهم والمنعمون إذا عدا دهر على ... إخوانهم بالفضل من نعمائهم والدافعون الضيم عن جيرانهم ... والبادرون سواهم بعطائهم؟ فأجابني: لم يبق منهم غير ما ... حفظت بطون الكتب من أنبائهم توفي أبو محمد عبد الله بن عطية بن عبد الله بن حبيب المعدل المفسر يوم الاثنين لأربع وعشرين ليلة خلت من شوال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وكان يقال: إنه يحفظ خمسين ألف بيت شعرٍ في الاستشهاد على معاني القرآن وغيره. وكان ثقة. عبد الله بن أبي أوفى واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن ابن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس الخزاعي الأسلمي، أبو معاوية صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخزاعة هم: بنو عمرو بن عامر، سموا بذلك لأنهم انخزعوا عن قومهم، وعبد الله بن أبي أوفى سكن الكوفة، وكان ممن بايع تحت الشجرة وكان قدم على أبي عبيدة وهو محاصر دمشق بكتاب عمر بن الخطاب.

عن عبد الله بن أبي أوفى: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إني لا أقرأ من القرآن، فهل شيء غيره يجزيني من قراءة القرآن؟ قال: " تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " قال: فقبضهن خمساً، قال: فقال الرجل: هذا لله، فما أقول لنفسي؟ قال: " تقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني " فقبضهن خمساً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ملأ يديه من الخير ". وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه قوم بصدقةٍ قال: " اللهم صل عليهم - وفي رواية: اللهم صل على آل فلان " - فأتاه أبي بصدقة قومه - وفي رواية: بصدقته - فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفى ". عن أبي يعفور قال: أتينا عبد الله بن أبي أوفى نسأله عن الجراد، فقال: غزوت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات نأكل الجراد. وقال: اعتمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واعتمرنا معه، فطاف بالبيت، وطفنا معه، وسعى بين الصفا والمروة، وسعينا معه، نستره من حجارة المشركين التي ترمى. قال إسماعيل: فرأيت بذراع ابن أبي أوفى جرحاً، فقلت: متى أصابك هذا؟ قال: يوم حُنَين، فقلت: أوقد شهدته مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وقبله. قال محمد بن عمر: لم يزل عبد الله بن أبي أوفى بالمدينة حتى قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتحول إلى الكوفة، فنزلها حيث نزلها المسلمون، وابتنى بها داراً في أسلم، وكان قد ذهب بصره. قال سعيد بن جمهان: كنا نقاتل الخوارج، وفينا عبد الله بن أبي أوفى، وقد لحق غلامه الخوارج، وهم من

عبد الله بن علي بن أحمد

ذلك الشط، ونحن من ذلك الشط، فناديناه: أبا فيروز، ويحك، هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفى، قال: نِعْم الرجل هو لو هاجر، قال: ما يقول عدو الله؟ قال: قلنا: يقول: نعم الرجل لو هاجر، قال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " طوبى لمن قتلهم وقتلوه ". قال عبد الله بن أبي أوفى: كنا يوم الشجرة ألفاً وثلاثمائة. قال محمد بن عمر: أول غزوة غزاها عبد الله بن أبي أوفى: الفتح، ثم حنين، ثم الطائف، ثم تبوك. وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة، مات في سنة ست وثمانين. قال البخاري: ومات عبد الله بن أبي أوفى سنة سبع - أو ثمان - وثمانين، وكنيته أبو إبراهيم الأسلمي. وقيل: كنيته أبو هاشم. عبد الله بن علي بن أحمد ويقال: ابن علي بن هلال أبو القاسم البغدادي الخلال المالكي الدقاق قدم دمشق في رجب سنة أربع وعشرين وأربعمائة. روى عن محمد بن عبد الله بن أخي ميمي بسنده عن عائشة قالت: طاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع حول الكعبة على بعيرٍ يستلم الركن بمحجنٍ كراهية أن يصرف عنه الناس.

عبد الله بن علي بن أحمد بن علي بن الحسن بن عبد الله

عبد الله بن علي بن أحمد بن علي بن الحسن بن عبد الله أبو القاسم الأنصاري روى عنه الحافظ ابن عساكر بسنده عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أحب الأنصار فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغض الأنصار فقد أبغض الله ورسوله، ما يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ". مات أبو القاسم الأنصاري سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. عبد الله بن علي بن سعيد أبو محمد القصري الشافعي قال الحافظ ابن عساكر: سمعت درسه، وقرأت عليه بعض غريب الحديث لأبي عبد الله بن نبهان. وروى من طريقه عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا. توفي أبو محمد القصري سنة أربعين وخمسمائة بحلب. عبد الله بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي عم السفاح والمنصور، وهو الذي افتتح دمشق، وهدم سورها، وتولى قتال

مروان بن محمد، وقتل من قتل من بني أمية بنهر أبي فطرس من أرض الرملة، وكان السفاح جعله ولي عهده حين وجهه إلى مروان، فلما بلغه موت السفاح دعا إلى نفسه، فبايعه أهل الشام بالخلافة، فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني، فهزمه. روى عن أخويه وأبيه علي بن عبد الله بن عباس: أن عبد الله بن عباس توفي بالطائف، فصلى عليه محمد بن الحنفية، فكبر عليه أربعاً، وقال: لولا أني سمعته يقول: إن السنة أربع لكبرت عليه سبعاً. وقال: لما أدرج عبد الله بن عباس في أكفانه، وأدخل حفرته خرج من أكفانه طير أبيض، وسمعوا صوتاً وهو يقول: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضيةً، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ". ووهم ابن عساكر الحديث من هذا الطريق وذكره من طريق آخر. قال يحيى بن حمزة: أول رجل رأيته يلبس السواد عبد الله بن علي، رأيته في باب كيسان عليه قميص أسود، وعمامة سوداء متقلداً سيفاً أسود، والنساء والصبيان يحضرون ينظرون إليه ويقولون: أميرنا عليه ثياب سواد، فسمعت رجلاً ممن كان يتولى بني أمية قال: صليت خلف عبد الله بن علي في مسجد الجامع يوم الجمعة، وكان إلى جنبي شيخ من مشايخ أهل الشام؛ فقال الشيخ: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ما أوحش وجهك، وأشد سواد لباسك! فقلت: إن الرجل لما رأى السواد استقطعه. ذكر إبراهيم بن عيسى بن منصور: أن عبد الله بن علي ولد في سنة ثلاث ومائة، وسقط عليه البيت في سنة ثمان وأربعين ومائة.

ومن طريق الخطيب: أول من دفن في مقابر باب الشام عبد الله بن علي سنة سبعٍ وأربعين ومائة وهو ابن اثنتين وخمسين سنةً. وقال المرزباني: ولد في آخر سنة اثنتين ومائة، ومات في حبس المنصور في سنة سبع وأربعين ومائة، وهو القائل لما قتل من بني أمية من قتل بالشام: مجزوء الكامل الظلم يصرع أهله ... والظلم مرتعه وخيم ولقد يكون لك البعي ... د أخاً ويقطعك الحميم وله أيضاً: من البسيط بني أمية قد أفنيت آخركم ... فكيف لي منكم بالأول الماضي يطيب النفس أن النار تجمعكم ... عوضتم بلظاها شر معتاض منيتم، لا أقال الله عثرتكم ... بليث غاب، إلى الأعداء نهاض إن كان غيظي لفوتٍ منكم فلقد ... رضيت منكم بما رضي به راض قال الخطيب: سار عبد الله إلى مروان حتى قتله، واستولى على بلاد الشام، ولم يزل أميراً عليها مدة خلافة السفاح، فلما ولي المنصور خالف عليه، ودعا إلى نفسه، فوجه إليه المنصور أبا مسلم صاحب الدولة، فحاربه بنَصِيبين فانهزم عبد الله بن علي، واختفى، وصار إلى البصرة، فأشخصه سليمان بن علي والي البصرة إلى بغداد، فحبسه أبو جعفر المنصور، ولم يزل في حبسه ببغداد حتى وقع عليه البيت الذي حبس فيه، فقتله. ودخل عبد الله بن علي على هشام بن عبد الملك، فأدنى مجلسه حتى أقعده معه، وأكرم لقاءه، وأظهر بره، ثم قال: ما أقدمك؟ فذكر له حاجته، وما أصابه من خلة الزمان، فخرج بني لهشام ابن عبد الملك صغير معه قوس ونشاب، وهو يلعب كما يلعب الصبيان، فجعل الصبي يأخذ السهم فيرمي به عبد الله بن علي، حتى فعل ذلك مرات، وعبد الله بن علي ينظر إليه، ثم قام عبد الله، فخرج، فقال مسلمة بن عبد الملك:

يا أمير المؤمنين، أما رأيت ما صنع الصبي؟ والله لا يكون قتله، وقتل رجال أهل بيته إلا على يديه! فما مضت الأيام والليالي حتى ورد عبد الله والياً على الشام من قبل أبي العباس، فقتل ثلاثة وثمانين رجلاً من بني أمية، فأتي بالصبي فيمن أتي به، فقال: أنت صاحب القوس! فقُدّم، فضربت عنقه. قال محمد بن عائذ: فلما كان سنة ست وثلاثين ومائة أغزى أبو العباس جماعة من أهل الشام والجزيرة والموصل كما كانوا يغزون، وأغزى جماعة من أهل خراسان، وأهل العراقين، وولى على جماعتهم عبد الله بن علي، وأمره بالإدراب وتوفي أبو العباس، فرأوا كتمان عبد الله بن علي ذلك ليتم إدرابه، وكتبوا إلى صالح بن علي وهو بمصر بولايته على عمله الأول، وعلى ما كان يليه عبد الله بن علي من الشام، ويأمرونه بالمسير إلى ذلك فمر الرسول بذلك إلى صالح بن علي بقربة له بحلب فباح به إليه، واستكتمه إياه يوماً وليلة، ومضى الرسول: فأخبر بذلك المستكتم عامل عبد الله بن علي على حلب، فأخذ الكتاب، فبعث به إلى عبد الله وهو بدُلوك، فقرأه فجمع إليه الناس، ودعا إلى نفسه، واستشهد حميد بن قحطبة وأصحاباً له أن أبا العباس قد كان جعل له العهد في مسيره إلى مروان إن هو هزمه، فشهدوا له بذلك، فبايعوه بالخلافة، وانصرف عن الإدراب، ومضى يريد العراق، فوجه إليه أبو جعفر أبا مسلم في نحوٍ من أربعين ألفاً، فقاتل عبد الله بن علي فاتحة سبع وثلاثين ومائة حتى هزمه الله. قال العجلي: كان عيسى بن موسى لا يقطع أمراً عن ابن شُبرمة، فبعث أبو جعفر إلى عيسى بن موسى عبد الله بن علي، وأمره أن يحبسه، ثم كتب إليه أن يقتله، فبعث عيسى بن موسى إلى ابن شبرمة، فقال: إن أبا جعفر بعث إلي بعمه، وأمرني أن أحبسه، وكتب إلي أن أقتله، فقال له ابن شبرمة: لم يرد غيرك! وكان عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر، فقال له ابن شبرمة: احبسه واكتب إليه: إني قد قتلته، فقال أبو جعفر - وقد علم بالأمر - قتلني الله إن لم أقتل الأعرابي، عيسى بن موسى لا يعرف هذا! فما زال ابن

عبد الله بن علي بن عبد الله

شبرمة مختفياً حتى مات؛ وسيره عيسى بن موسى إلى خراسان حين خشي عليه، وإنما أراد أن لو قتل عبد الله بن علي فيقتله به، فيكون قد قتلهما جميعاً. عبد الله بن علي بن عبد الله أبو الحسين الصيداوي الوكيل المعروف بابن المخ روى عن أبي الحسن بن جميع بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ". قال الأمير: وأما المُخ - بضم الميم وبالخاء المعجمة - فهو شيخ سمعنا منه بصيدا من ثغور الشام. قال غيث بن علي: سألته عن مولده، فقال: في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة. عبد الله بن علي بن عبد الرحمن ويقال عبد الله بن أبي العجائز أبو محمد الأزدي روى عن سلم بن معاذ بسنده عن أبي هريرة: عن هذه الآية: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "، قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة. وروى عن أبي بكر الخرائطي بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آتاه الله وجهاً حسناً، وخلقاً حسناً، وجعله في موضع غير شائن له فهو من صفوة الله من خلقه ".

عبد الله بن علي بن عياض

قال ابن عباس: قال الشاعر: من الخفيف أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه وفي رواية - أنت وصف - بدل: شرط. عبد الله بن علي بن عياض ابن أحمد بن أيوب بن أبي عقيل أبو محمد بن أبي الحسن الصوري القاضي، عين الدولة روى عن محمد بن أحمد بن جميع بسنده عن أنس بن مالك قال: كان لأبي طلحة ابن يكنى أبا عُمير، فكان له نُغَير يلعب به، فمات النغير، فحزن عليه، فكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل على أم سليم قال: " يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ". قال حمزة بن محمد الصوفي: خرجت أنا ووالدي ورجل يعرف بأبي حاتم الصوفي إلى الخربة، فبينا نحن كذلك إذ عثر بنا القاضي أبو محمد راكباً وأحد أولاده معه، فسلما عليه، فلما ولى قال أبو حاتم: يا مولاي، تقول: " نحن قسمنا بينهم " ما هذه القسمة؟! هذا رجل شيخ وأنا كذلك، وله ولد، ولي ولد، وهو غني وولده جميل، وأنا فقير وولدي خالفة، قال: والقاضي يسمع ذلك، فلم يتكلم، ومضى، فلما عاد قال: إذا كان غداً ائتني يا شيخ، قال: ففرقنا من ذلك، وصعب علينا، وخفناه فلما أصبح أنفذ رسولاً استدعى والدي؛ فلما دخلا عليه أخرج لأبي حاتم ثوبين وعمامتين وخمسة دنانير، فدفعها

عبد الله بن علي بن محمد بن يحيى

إليه، وكتب له رقعةً إلى الوكيل بجرة عسل، وجرة زيتٍ، وحنطة، وسكر، ثم قال: رضيت يا شيخ؟ قال: لا والله يا سيدي، ما هذه قسمة، قال: كلما فرغ عرفني به حتى أجدده لك، رضيت الآن؟ قال: أمّا إذا كان الأمر هكذا فنعم. توفي القاضي عين الدولة أبو محمد سنة خمسين وأربعمائة. عبد الله بن علي بن محمد بن يحيى أبو نصر بن أبي الحسن السراج الصوفي الطوسي روى عن أبي العباس أحمد بن محمد البرذعي بسنده عن يحيى بن معاذ الرازي قال: حقيقة المودة هي التي لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء. مات أبو نصر سنة ثمانٍ وسبعين وثلاثمائة. عبد الله بن عمران ويقال: ابن محمد بن عمران بن موسى أبو محمد البغدادي بالنجار، الفقيه الحافظ قدم دمشق سنة تسعٍ وتسعين ومائتين. روى عن عباس بن الحسين، قاضي الري، بسنده إلى أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ستر ما بين أعين الجن وبين عورات بني آدم إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله ". وروى عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باع مُدَبَّراً.

عبد الله بن عمر بن أيوب

عبد الله بن عمر بن أيوب ابن المعمر بن قعنب بن يزيد بن كثير بن مرة بن مالك والد أبي نصر بن الجبان روى عن محمد بن خريم بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ". روى عنه ابنه أبو نصر: أن الناس بدمشق في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة نهبوا دار أبي الحسين بن مكلاح النصراني الكاتب، وبسببه أحرقت كنيسة مريم لقصة كانت له، وطلب الناس قتله فهرب وكتب على داره: من الوافر ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ... وخل الدار تبكي من بكاها فإنك واجد داراً بدارٍ ... ولست بواجدٍ نفساً سواها عبد الله بن عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح أبو عبد الرحمن القرشي العدوي من المهاجرين، شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخندق وما بعده من المشاهد، وشهد غزوة مؤتة مع زيد وجعفر، وشهد يوم اليرموك. عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين - زاد في رواية: في بيته - وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته.

عن ابن عمر قال: بينا الناس في مسجد قباء، في صلاة الصبح إذ جاء رجل فقال: أنزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرآن، فأمر أن يتحول إلى الكعبة، فقال: هكذا يوصف أنهم استداروا إلى القبلة. عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية، قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقامي، فسلم، فقال: " استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى إن الرجل يبتدئ بالشهادة قبل أن يُسألها، وباليمين قبل أن يُسألها، فمن أراد بحبحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون أحدكم بامرأةٍ، فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن ". عن ابن عمر قال: أَصَبنا يوم اليرموك طعاماً وعلفاً فلم يقسم. قال الزبير بن بكار: فمن ولد عمر بن الخطاب: عبد الله بن عمر، استُصغر يوم أحد، وشهد الخندق مع رسول الله، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وهو ابن عشر سنين، وبقي حتى مات سنة ثلاثٍ وسبعين، وأخته لأبيه وأمه حفصة بنت عمر، زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الرحمن الأكبر؛ وأمهم: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، كانت من المهاجرات وكان عبد الله بن عمر يتوجه في السرايا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان إسلام عبد الله بمكة مع إسلام أبيه، ولم يكن بلغ يومئذٍ، وكان ربعةً يخضب بالصفرة، وتوفي بمكة، ودفن بذي طوى، ويقال: دفن بفخ مقبرة المهاجرين، وكان لابن عمر مَقْدَم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة إحدى عشر سنةً.

قال أبو نعيم الحافظ: خال المؤمنين، من أملك شباب قريش عن الدنيا، كان آدم طالاً، له جمة مفروقة تضرب قريباً من منكبيه، يقص شاربه، ويصفر لحيته ويشمر إزاره، أعطي القوة في العبادة، وفي الجماع، كان من التمسك بآثار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسبيل المبين، وأعطي المعرفة بالآخرة، والإيثار لها، لم تغيره الدنيا، ولم تفتنه كان من البكّائين الخاشعين، وعدّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصالحين، نقش خاتمه عبد الله لله، أصاب رجله زج رمحٍ، فورمت رجلاه، فتوفي منها بمكة سنة أربع - وقيل: سنة ثلاث - وسبعين، ودفن بالمُحصِّب، وقيل: بذي طوى، وقيل: بفخ، وقيل: بسرف، مات وهو ابن ست وثمانين. قال الخطيب: خرج إلى العراق، فشهد يوم القادسية، ويوم جلولاء، وما بينهما من وقائع الفرس، وورد المدائن غير مرة. عن الحارث بن جزء الزبيدي قال: توفي صاحب لي، فكنا على قبره أنا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكان اسمي العاص، واسم ابن عمر العاص، واسم ابن عمرو العاص، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انزلوا واقبروه، وأنتم عبيد الله " قال: فنزلنا فقبرنا أخانا، وصعدنا من القبر وقد بدلت أسماؤنا. قال أبو إسحاق: رأيت ابن عمر رجلاً آدم جسيماً ضخماً في إزارٍ إلى نصف الساقين. قال ابن عمر: إنما جاءتنا الأُدمة من قبل أخوالي، والخال أنزع شيءٍ، وجاءني البُضْع من

أخوالي؛ فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي، رحمه الله؛ كان أبي أبيض، لا يتزوج النساء شهوةً إلا لطلب الولد - وفي رواية: لشهوة. وقال: عُرضْتُ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ وأنا ابن ثلاث عشرة فردني، ثم عرضت عليه يوم أحدٍ، وأنا ابن أربع عشرة فردني، ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر فأجازني. قال يزيد بن هارون: وهو في الخندق ينبغي أن يكون ابن ست عشرة سنةً؛ لأن بين أحدٍ والخندق بدراً الصغرى. عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، فاستصغرنا، وشهدنا أحداً. قال ابن عمر: شهدت الفتح وأنا ابن عشرين سنةً. وكان ابن عمر يوم مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن اثنتين وعشرين سنةً. عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطنٍ، وجبة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن المزني قائماً على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس يبايعونه. عن ابن عمر قال: كان الرجل في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت غلاماً عزباً شاباً، وكنت أنام في

المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرأيت في المنام كأن ملكين أتياني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، فإذا لها قرنان كقرني - وفي رواية: قرن كقرن - البئر، قال: فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك، فقال: لن تراع، قال: فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " نِعْم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " قال: فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً. وفي رواية أخرى قال: رأيت في المنام كأن في يدي سَرَقَةً من حرير، فما أهوي بها إلى مكانٍ من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصصتها على حفصة، فقصَّتها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن أخاكِ رجل صالح، أو قال: إن عبد الله رجل صالح ". وفي رواية أخرى قال: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة إستبرق، ولا أشير بها إلى مكانٍ من الجنة إلا طارت بي إليه. قال ابن عمر: كنت شاهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط نخلٍ، فاستأذن أبو بكرٍ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذنوا له، وبشروه بالجنة " ثم استأذن عمر، فقال: " ائذنوا له، وبشروه بالجنة " ثم استأذن عثمان، فقال: " ائذنوا له وبشروه بالجنة على بلوى تصيبه " قال: فدخل يبكي ويضحك. قال عبد الله: فأنا يا نبي الله، قال: " أنت مع أبيك ".

عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كتب المهاجرين على خمسة آلاف، والأنصار على أربعة آلاف، ومن لم يشهد بدراً من أبناء المهاجرين على أربعة آلاف؛ وكان منهم: عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسدي المخزومي، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش الأسدي، وعبد الله بن عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: إن ابن عمر ليس من هؤلاء؛ إنه وإنه! فقال ابن عمر: إن كان لي حق فأعطنيه، وإلا فلا تعطني، فقال عمر لابن عوف: اكتبه على خمسة آلاف، واكتبني على أربعة آلاف، فقال عبد الله: لا أريد هذا، فقال عمر: والله لا أجتمع أنا وأنت على خمسة آلاف!. قال عبد الله بن عمر: كساني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلة من حلل السير أهداها له فيروز، فلبست الإزار، فأغرقني طولاً وعرضاً، فسجبته، ولبست الرداء، فتقنعت به، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعاتقي، فقال: " يا عبد الله بن عمر، ارفع الإزار، فإن ما مست الأرض من الإزار إلى ما أسفل من الكعبين في النار "، فلم يُرَ أشد تشميراً من عبد الله بن عمر. قال حذيفة: ما منا أحد يفتش إلا فُتّش عن جانفةٍ أو مثقلةٍ إلا عمر وابنه. قال جابر بن عبد الله: من سره أن ينظر إلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين مضوا قبله وبعده، ولم يغيروا، ولم يبدلوا فلينظر إلى هذا - يعني عبد الله بن عمر - وفي رواية: ما أحد منا أدرك الدنيا إلا مالت به، ومال بها إلا ابن عمر. قالت عائشة: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر.

وقالت عائشة لابن عمر: ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً قد استولى على أمرك، وظننت أنك لن تخالفيه - يعني ابن الزبير - قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت، قال: وكانت تقول: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فإذا مر قيل لها: هذا ابن عمر، فلا تزال تنظر إليه. عن السدي قال: رأيت نفراً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وابن عمر، كانوا يرون أنه ليس أحد منهم على الحال التي فارق عليها محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عبد الله بن عمر. قال أبو سلمة: مات ابن عمر، وهو مثل عمر في الفضل. وقال: إن عمر كان في زمَانٍ له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمان ليس له فيه نظير. وقال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر. وسئل عن العلم يكون في العمامة، فقال: كان عبد الله بن عمر يكرهه، وسئل عن الحرير، فقال: كان ابن عمر يوم مات خير من بقي، وكان يقول: إنه ثياب من لا خلاق له، وقال: مات ابن عمر يوم مات وما في الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منه، وسئل عن صوم يوم عرفة فقال: كان ابن عمر لا يصومه، قلت له: فغيره؟ قال: حسبك به شيخاً. عن سالم قال: كان عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر لا يُعرف فيهما البِرُّ حتى يقولا أو يفعلا - يعني أنهما لم يكونا مؤنثين ولا متماوتين.

قال طاوس: ما رأيت رجلاً أورغ من ابن عمر. قال بعض الخلفاء لمالك - يظن أنه هارون -: يا أبا عبد الله، ما لكم أقبلتم على عبد الله بن عمر، وتركتم ابن عباس؟ قال: لا على أمير المؤمنين ألا يسأل عن هذا، قال: فإن أمير المؤمنين يريد أن يعلم ذلك، قال: كان أورع الرجلين. كان يقال: ما رجل أضل بعيره بأرض فلاةٍ؛ فهو في طلبه بأتبع له من عبد الله بن عمر لعمر. عن القاسم بن محمد قال: كان ابن عمر قد أتعب أصحابه، فكيف من بعدهم؟! عن ابن عمر قال: ما وضعت لبنةً على لبنةٍ ولا غرست نخلةً منذ توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن أبي جعفر قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أجدر ألا يزيد فيه، ولا ينقص منه، ولا، ولا، من عبد الله بن عمر بن الخطاب. وعن نافع: أن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مكان صلى فيه، حتى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل تحت شجرةٍ، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تركنا هذا الباب للنساء " فلم يدخل فيه ابن عمر حتى مات. قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمر يتحفظ ما سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويسأل إذا لم يحضر من حضر عما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعل، وكان يتبع آثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مسجد صلى فيه، وكان يعترض براحلته في كل طريق مر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقال له في

ذلك، فيقول: إني أتحرى أن تقع أخفاف راحلتي على بعض أخفاف راحلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، فوقف معه بالموقف بعرفة، فكان يقف في ذلك الموقف كلما حج، وكان كثير الحج، حج عام قتل ابن الزبير مع الحجاج، وكان عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف يأمره ألا يخالف ابن عمر في الحج، فأتى ابن عمر حين زالت الشمس يوم عرفة، ومعه ابنه سالم، فصاح به عند سرادقه: الرواح، فخرج عليه الحجاج في معصفرةٍ، فقال: هذه الساعة؟ قال: نعم، قال: فأمهلني أصب علي ماءً، فدخل ثم خرج، قال سالم: فسار بيني وبين أبي، فقلت له: إن كنت تحب أن تصيب السنة فعجل الصلاة، وأوجز الخطبة، فنظر إلى عبد الله ليسمع ذلك منه، فقال عبد الله: صدق، ثم انطلق حتى وقف في موقفه الذي كان يقف فيه، فكان ذلك الموقف بين يدي الحجاج، فأمر من نخس به حتى نفرت به ناقته فسكنها ابن عمر حتى سكنت، ثم ردها إلى ذلك الموقف، فوقف فيه، فأمر الحجاج أيضاً بناقته، فنخست، فنفرت بابن عمر، فسكّنها ابن عمر حتى سكنت، ثم ردها إلى ذلك الموقف، فثقل على الحجاج أمره، فأمر رجلاً معه حربة، يقال إنها كانت مسمومة، فلما دفع الناس من عرفة لصق به ذلك الرجل، فأَمَرَّ الحربة على قدمه، وهي في غرز رحله، فمرض منها أياماً، ثم مات بمكة، فدفن بها وصلى عليه الحجاج. عن الشعبي قال: صحبت ابن عمر سنة، ما رأيته يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا حديثاً واحداً. وفي رواية: جالست ابن عمر قريباً من سنتين، فما سمعته يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيءٍ، غير أنه قال يوماً: كان ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكلون ضباً فيهم سعد بن مالك، فنادتهم امرأة من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ضب، فأمسكوا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا فإنه حلال، ولا بأس به، ولكنه ليس من طعام قومي ". وعن زيد بن عبد الله بن عمر: ما ذكر ابن عمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بكى، وما مر على ربعهم إلا غمض عينيه.

عن يوسف بن ماهك قال: رأيت ابن عمر وهو عند عبيد بن عمير، وعمير يقص، فرأيت ابن عمر عيناه تُهراقان دمعاً. وعن عبيد بن عمير: أنه قرأ: " فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ " حتى ختم الآية، فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه، قال الذي كان إلى جنب ابن عمر: لقد أردت أن أقوم إلى عبيد بن عمير، فأقول له: أقصر عليك، فإنك قد آذيت هذا الشيخ!. عن نافعٍ قال: وكان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " بكى حتى يغلبه البكاء. عن القاسم بن أبي بزة، حدثني من سمع ابن عمر قرأ: " ويل للمطففين " فلما بلغ " يوم يقوم الناس لرب العالمين " بكى حتى خر، وامتنع من قراءة ما بعده. عن ابن أبي مليكة قال: مر رجل على عبد الله بن عمر وهو ساجد في الحجر، وهو يبكي، فقال: أتعجب أن أبكي من خشية الله وهذا القمر يبكي من خشية الله! ونظر إلى القمر حين شفَّ أن يغيب.

قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: لا يطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وعن نافع: أن ابن عمر كان يحيي الليل، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة، فإذا قلت: نعم قعد يستغفر الله، ويدعو حتى يصبح. وكان ابن عمر إذا فاتته صلاةً في جماعة صلى إلى الصلاة الأخرى، فإذا فاتته العصر سبَّح إلى المغرب، ولقد فاتته صلاة عشاء الآخرة في جماعة فصلى حتى طلع الفجر. قال: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر؛ إلا أن يمرض، أو أيام يَقْدَم؛ فإنه كان رجلاً كريماً يحب أن يؤكل عنده، قال: وكان يقول: ولأن أفطر في السفر، وآخذ برخصة الله أحب إلي من أن أصوم. وعن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادماً قط إلا مرة فأعتقه. وعن نافع: أن عبد الله بن عمر كانت له جارية، فلما اشتد عجبه بها أعتقها وزوجها مولى له، فولدت غلاماً؛ فلقد رأيت عبد الله بن عمر يأخذ ذلك الصبي، فيقبِّله، ثم يقول: واهاً لريح فلانة - يعني الجارية التي أعتق. قال زيد بن أسلم: مر عبد الله بن عمر براعٍ، فقال: يا راعي الغنم، هل من جزرةٍ؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها، فقال له ابن عمر: تقول إنه أكلها الذئب، قال: فرفع الراعي رأسه إلى السماء، ثم قال: فأين الله؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول: فأين الله! فاشترى ابن عمر الراعي، واشترى الغنم، فأعتقه، وأعطاه الغنم.

عن نافع قال: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة، ومعه أصحاب له، فوضعوا له سفرة له، فمر بهم راعي غنمٍ، قال: فسلم، فقال له ابن عمر: هلم يا راعي، هلم فأصب من هذه السُّفرة، فقال له: إني صائم، فقال له ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه، وأنت في هذه الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال له: إني والله أبادر أيامي هذه الخالية، فقال له ابن عمر وهو يريد يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها ونعطيك من لحمها، فتفطر عليه - وساق الخبر. وقال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيءٍ من ماله قربه لربه عز وجل وكان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم، ولزم المسجد، إذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، والله ما بهم إلا أن يخدعوك! فيقول ابن عمر: فمن خدعنا بالله انخدعنا له. قال ميمون بن مهران: مر أصحاب نجدة الحروري على إبلٍ لعبد الله بن عمر، فاستاقوها، فجاء راعيها، فقال: يا أبا عبد الرحمن، احتسب الإبل، قال: ما لها؟ قال: مر بها أصحاب نجدة، فذهبوا بها، قال: كيف ذهبوا بالإبل وتركوك؟ قال: قد كانوا ذهبوا بي معها، لكني انفلت منهم، فما حملك على أن تركتهم وجئتني؟ قال: أنت أحب إلي منهم، قال: الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم؟ قال: فحلف له، قال: فإني أحتسبك معها؛ فأعتقه، فمكث ما مكث، ثم أتاه آتٍ، فقال: هل لك في ناقتك الفلانية؟ - سماها باسمها - ها هي بالسوق تباع، قال: أرني ردائي، فلما وضعه على منكبه وقام جلس، فوضع رداءه، ثم قال: كنت احتسبتها، فلِمَ أطلبها؟ وكاتب غلاماً له، ونجّمها عليه نجوماً، فلما حل أول النجم أتاه المكاتب به، فسأله ابن عمر: من أين أصبت هذا؟ قال: كنت أعمل وأسأل، قال: فجئتني بأوساخ الناس تريد أن تطعمنيها؟! أنت حر، ولك ما جئت به.

عن زاذان قال: كنت عند ابن عمر، فدعا غلاماً له، فأعتقه، ثم قال: ما لي فيه من أجرٍ ما يسوى هذا، أو يزن هذا - وتناول شيئاً من الأرض - سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ضرب عبداً له حداً لم يأته، أو ظلمه - أو لطمه، شك الراوي - فإن كفارته أن يعتقه ". عن محمد العمري قال: أعطى عبد الله بن جعفر عبد الله بن عمر بنافعٍ عشرة آلاف درهم إلى ألف دينار، فدخل عبد الله على صفية امرأته، فقال: إنه أعطاني ابن جعفر بنافع عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، فما تنتظرنّ؟! تبيع! قال: فهلا ما هو خير من ذلك؛ هو حر لوجه الله تعالى، قال: فكان يخيل إلي أن ابن عمر كان ينوي قول الله عز وجل " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ". وروى سالم أنه لم يسمع عبد الله يلعن خادماً له قط، غير مرة واحدة غضب فيها على بعض خدمه، فقال له: لعنة الله عليك، كلمة لم أكن أحب أن أقولها. عن نافع قال: أُتي ابن عمر ببضعةٍ وعشرين ألفاً، فما قام من مجلسه حتى أعطاها، وزاد عليها، ولم يزل يعطي حتى أنفد ما كان عنده، فجاءه بعض من كان يعطيه، فاستقرض من بعض من كان أعطاه، فأعطاه. وقال: عن ابن عمر أنه ربما تصدق في الشهر بثلاثين ألف درهم، وما يأكل فيه أكلة لحم، واشترى سمكة طرية بدرهم ونصف، فأتاه سائل، فتصدق بها عليها، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما امرئٍ اشتهى شهوةً، فرد شهوته، وآثر على نفسه غفر الله له ".

واشتكى ابن عمر فاشتهى العنب في غير زمانه، فطلبوه، فلم يجدوه له إلا عند رجلٍ سبع حباتٍ بدرهم، فأُشتري له، فجاء سائل، فأمر له به، ولم يذقه. عن أبي بكر بن حفص قال: كان ابن عمر لا يحبس عن طعامه بين مكة والمدينة مجذوماً، ولا أبرص، ولا مبتلى حتى يقعدوا معه على مائدته؛ فبينما هو يوماً قاعداً على مائدته أقبل موليان من موالي أهل المدينة، فسلما، فرحبوا بهما، وحيوهما، وأوسعوا لهما، فضحك عبد الله بن عمر، فأنكر الموليان ضحكه، فقالا: يا أبا عبد الرحمن، ضحكت، أضحك الله سنك، فما الذي أضحكك؟ قال: عجباً من بنيّ هؤلاء، يجيء هؤلاء الذين تدمى أفواههم من الجوع، فيضيقون عليهم، حتى لو أن أحدهم يأخذ مكان اثنين فعل، جئتما أنتما قد أوقرتما الزاد، فأوسعوا لكما، وحيوكما؛ يطعمون طعامهم من لا يريده، ويمنعونه من يريده. دخل سائل إلى ابن عمر، فقال لابنه: أعطه ديناراً، فأعطاه فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة، أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ إنما يتقبل الله من المتقين. عن ميمون بن مهران: أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه، فقيل لها: ما تلطفين بهذا الشيخ، قالت: وما أصنع به؟ لا نصنع له طعاماً إلا ما دعا عليه من يأكله، فأرسلت إلى قومٍ من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد، فأطعمتهم وقالت: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته فقال: أرسلوا إلى فلان وإلى فلان، وكانت امرأته قد أرسلت إليهم بطعام، وقالت: إن دعاكم فلا تأتوه، فقال: أردتم ألا أتعشى الليلة، فلم يتعش تلك الليلة.

عن نافع: أن ابن عمر أُتي بجوارشٍ، فكرهه، وقال: ما شبعت من كذا وكذا. عن ميمون بن مهران: دخلت منزل عبد الله بن عمر، فما كان فيه ما يسوى طيلساني هذا. وسئل عبد الله بن دينار: كيف كان طعام ابن عمر؟ قال: كان يطعمنا ثريداً، فإن لم نشبع زادنا آخر، فقيل: كيف كان لباس ابن عمر؟ قال: كان يلبس ثوبين ثمن عشرين درهماً، وكان يلبس ثوبين قطريين ثمن عشرة دراهم. عن ميمون بن مهران: أن رجلاً من بني عيد الله بن عمر استكساه إزاراً، وقال: تخرق إزاري، فقال له: اقطع إزارك، ثم انكسه، فكره الفتى ذلك، فقال له عبد الله بن عمر: ويحك! اتق الله، ولا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم، وعلى ظهورهم. كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر قال: ارفع إلي حاجتك، قال: فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إن اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول " ولست أسألك شيئاً، ولا أرد رزقاً رزقنيه الله منك. عن نافع قال: نزل ابن عمر بقومٍ، فلما مضت ثلاثة أيامٍ قال: يا نافع، أنفق علينا من مالنا، لا حاجة لنا أن يُتصدَّق علينا. وقال: عن ابن عمر أنه كان ليلةً على الصفا، فقال: اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعملني بسنة نبيك، وتوفني على ملته، وأعذني من شر مضلات الفتن.

وقال: لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا انتقص من درجاته عند الله، وإن كان على الله كريماً. وعن وهب: أن ابن عمر حماراً، فقيل له: لو أمسكته، قال: لقد كان لنا موافقاً ولكنه أذهب شُعبةً من قلبي، فكرهت أن أشغل قلبي بشيء. عن نافع قال: سمع ابن عمر شيئاً، فضحك، وهو عند قبر ابنه يوم مات، وكان أحب الناس إليه، فقال: إنما نفرح بهم، ونحزن عليهم ما داموا معنا، فإذا انقرضوا، وصاروا إلى الله انقطعوا منا. ومرض ابن له، فجزع جزعاً شديداً، فلما مات خرج على أصحابه مكتحلاً، مدهناً، فقالوا: لقد أشفقنا عليك يا أبا عبد الرحمن! فقال: إذا وقع القضاء فليس إلا التسليم. قال خالد بن أسلم مولى عمر: آذى رجل من قريش عبد الله بن عمر، فأبى عبد الله أن يقول له شيئاً، فجئت، فقلت: أبا عبد الرحمن، بلغني أن فلاناً آذاك، فإما أن تنصر وإما أن ننتصر لك منه، فقال عبد الله: إني وأخي عاصماً لا نُسابُّ الناس. عن نافع أو غيره: أن رجلاً قال لابن عمر: يا خير الناس، أو ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه. قال وبرة: أتى رجل ابن عمر، فقال: أيصلح أن أطوف بالبيت وأنا محرم؟ قال: ما يمنعك

من ذلك؟ قال: إن فلاناً ينهانا عن ذلك، حتى ترجع الناس من الموقف، ورأيته كأنه مالت به الدنيا أعجب إلينا منه، قال ابن عمر: حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وسنة الله ورسوله أحق أن تتبع من سنة ابن فلان، إن كنت صادقاً. قيل لابن عمر: لا يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم، فغضب ابن عمر وقال: إني لأحسبك عراقياً، وما يدريك علام يغلق عليه ابن أمك بابه - وفي رواية: وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه؟! عن حصين قال: قال ابن عمر: إني لأخرج، وما لي أن أسلم على الناس، ويسلموا عليَّ. عن أبي بردة عن أبيه قال: صليت إلى جانب ابن عمر، فسمعته حين سجد يقول: اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي، وخوفك أخوف الأشياء عندي، وسمعته حين سجد يقول: " رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " وقال: ما صليت صلاة مذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارةً. وقال لأبي بردة: علمت أن أبي لقي أباك فقال له: يا أبا موسى، أيسرك أن عملك الذي كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلص لك، لا عليك، ولا لك؟ قال: لا؛ قرأت القرآن، وعلَّمت الناس، قال: قال عمر: ليت أن علمي خلص لي كفافاً لا عليَّ، ولا لي. قال أبو بردة: إن أباك أفقه من أبي.

عن عبد الجبار بن موسى، عن أبيه: أن رجلاً أتى ابن عمر يسأله، فألقى إليه عمامته، فقال له بعض القوم: لو أعطيته درهماً لأجزأه، فقال ابن عمر: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من أبر البِر أن يصل الرجل أهل ود أبيه " وإن هذا كان من أهل ود عمر. قال نافع: دخلت مع ابن عمر الكعبة وهو يومئذ مُضَيَّق، فسمعته وهو ساجد يتضرع إلى ربه، يقول: يا رب، وقد تعلُم، لولا خوفك لزاحمنا قريشاً على هذه الدنيا. قال عبد الله بن عمر: ساعة للدنيا، وساعة للآخرة، وبين ذلك؛ اللهم اغفر لنا. ومكث عبد الله بن عمر على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها. وقال: لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنتعلم حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلَّمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجلاً لا يرى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، وما يدري ما آمره، ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثر نثر الدقل. قال عمر: ما منكم أحد إلا وأنا أحب أن أقول عليه: إنا لله وإنا إليه راجعون خلا عبد الله؛ فإني أحب أن يبقى ليأخذ به الناس. وكانوا يرون أن أعلم الناس بالمناسك ابن عفان، وبعده ابن عمر.

قال مجاهد: ترك الناس أن يقتدوا بابن عمر وهو شاب، فلما كبُر اقتدوا به. قال سعيد بن عبد العزيز: كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس، وكان بعد هذين سعيد بن المسيب. قال مسعود بن سليمان: أتينا معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه، ومعه ابنه قرظة، فإذا هو بجماعة على رحالٍ لهم، وإذا شاب قد رفع عقيرته يغني: من الرمل من يساجلني يساجل ماجداً ... أخضر الجلدة في بيت العربْ فقال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر، قال: خلوا له الطريق فليذهب، قال: ثم إذا هو بجماعةٍ فيهم غلام يغني: من الرمل بينما يذكرنني أبصرنني ... عند قيد الميل يسعى بي الأغرّ قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعم ... قد عرفناه، وهل يخفى القمرْ؟ قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال: خلوا له الطريق، فليذهب، ثم إذا هو بجماعةٍ، فإذا رجل منهم يُسأل، فقال له: رميت قبل أن أحلق، وحلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج: فقال: من هذا؟

فقالوا: عبد الله بن عمر، فالتفت إلى ابنة قرظة، فقال: هذا وأبيك الشرف، هذا والله شرف الدنيا والآخرة. قال مالك بن أنس: لا يعدلن برأي ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستين سنةً، فلم يذهب عنه من أمره، ولا من أمور أصحابه شيء. قال ابن سيرين: قال رجل: اللهم أبقني ما أبقيت ابن عمر أقتدي به، وقال رجل: لقد رأيت هذه الفتنة وما فينا أحد إلا فيه غير عبد الله بن عمر. عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس يجلسان للناس عند قدوم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يوماً وإلى هذا يوماً، وكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما قال عنه، وكان ابن عمر ما يرد أكثر مما يفتي. وسأل رجل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه، ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته: قال: فقال له: يرحمك الله، أما سمعت مسألتي؟ قال: بلى، ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا، يرحمك الله، حتى نتفهم في مسألتك، فإن كان لها جواب عندنا، وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به. عن عقبة بن مسلم: أن ابن عمر سئل عن شيءٍ فقال: لا أدري، ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً في جهنم أن تقولوا: أفتانا ابن عمر؟ وعن نافع عن ابن عمر: انه سئل عن أمرٍ فقال: لا أعلمه، ثم قال: نِعْمَ ما قال ابن عمر، سئل عن أمرٍ لا يعلمه، فقال: لا أعلمه.

عن الشعبي قال: كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه. عن الليث قال: كتب رجل إلى ابن عمر: اكتب إليّ بالعلم كله، فكتب إليه ابن عمر: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافاً لسانك عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم فافعلِ، والسلام. عن أبي عبد الرحمن القرشي قال: بعثت أم ولدٍ لعبد الملك بن مروان إلى وكيلٍ لها بالمدينة تستهديه غلاماً وقالت له: يكون على هذه الصفة: عالماً بالسنة، قارئاً لكتاب الله، فصيح اللسان، حسن البيان، عفيف الفرج، كثير الحياء، قليل المراء، قال: فكتب إليها: قد طلبت الغلام الذي استهديتني على ما وصفت، فلم أجد غلاماً بهذه الصفة إلا عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ساومت به أهله فأبوا أن يبعوه!! عن نافع قال: كنا مع ابن عمر - في سفر -، فقيل: إن السبع في الطريق قد حبس الناس، فاستخف ابن عمر راحلته، فلما بلغ إليه نزل، فعرك أذنه وقعّده، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره، ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله لم يكله إلى سواه ". عن الشعبي قال: لقد رأيت عجباً؛ كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم

كل رجلٍ منكم، فليأخذ بالركن اليماني، ويسأل الله حاجته؛ فإنه يعطى من ساعته. قم يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولودٍ ولد في الهجرة، فقام، فأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك عظيم، ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز، ويسلم عليّ بالخلافة، وجاء حتى جلس، فقالوا: قم يا مصعب بن الزبير، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، فقال: اللهم إنك رب كل شيءٍ، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني سكينة بنت الحسين، وجاء حتى جلس، فقالوا: قم يا عبد الملك بن مروان، فقام، فأخذ بالركن اليماني، فقال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرضين ذات النبت بعد الفقر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، وبحق الطائفين حول عرشك ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها، ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه، ثم جاء حتى جلس، فقالوا: قم يا عبد الله بن عمر، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رحمن رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة. قال الشعبي: فما ذهبت عيناي حتى رأيت كل رجلٍ منهم قد أعطي ما سأل. قال مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير: خطب عروة بن الزبير إلى عبد الله بن عمر ابنته سودة بنت عبد الله، وهو بمكة، فلم يرد عليه شيئاً، فلما قدم المدينة أتاه عروة وهو في المسجد، فسلم عليه، فقال له عبد الله بن عمر: أرأيت ما ذكرت لي بمكة، أهو من شأنك اليوم؟ قال له عروة: نعم، ولقد عجبت من سكاتك عني بمكة! فقال: إني خرجت حاجاً، فكرهت أن أخلط حجي بشيءٍ، فتشهد عبد الله بن عمر، ثم زوجه. عن عبد الله بن واقد قال: رأيت ابن عمر يفت المسك في الدهن يدَّهِن به.

قال زيد بن عبد الله الشيباني: رأيت ابن عمر إذا مشى إلى الصلاة دب دبيباً، لو أن نملة مشت معه قلت: لا يسبقها. عن مجاهد قال: مررت مع عبد الله بن عمر بخربةٍ، فقال: يا مجاهد، ناد، يا خربة أين أهلك، أو قال: ما فعل أهلك؟ قال: فناديت، فقال ابن عمر: ذهبوا، وبقيت أعمالهم. قال إبراهيم بن أدهم: مر عبد الله بن عمر على قومٍ مجتمعين، وعليه بردة حسناء، فقال رجل من القوم: إن أنا سلبته بردته فما لي عندكم؟ فجعلوا له شيئاً، فأتاه فقال: يا أبا عبد الرحمن، بردتك هذه هي لي. قال: فقال: فإني اشتريتها بالأمس! قال: قد أعلمتك وأنت في حرج من لبسها، قال: فهتكتها ليدفعها إليه، قال: فضحك القوم، فقال: ما لكم؟ فقالوا له: هذا رجل بطال، قال: فالتفت إليه فقال: يا أخي أما علمت أن الموت أمامك لا تدري متى يأتيك صباحاً أو مساءً، ليلاً أو نهاراً؟! ثم القبر، وهول المطلع، ومنكر ونكير، وبعد ذلك القيامة، يوم يخسر فيه المبطلون!؟ فأبكاهم ومضى. قال أبو عبد الله بن الأعرابي: أراد رجل أن يعتزل الناس، فقال له عبد الله بن عمر: إنه لا بد لك من الناس، ولا بد للناس منك، ولكن كن كأصم يسمع، وأعمى يبصر، وسكوت ينطق. عن ابن سيرين: أن ابن عمر كان إذا خرج في سفرٍ أخرج معه سفيهاً، فإن جاءه سفيه رده عنه. عن قتادة قال: كان ابن عمر يقول: إن الحليم ليس من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج، ولكن الحليم من قدر ثم عفا، وإن الوصول ليس من وصل - يعني من وصله - فتلك مجازاة، ولكن الوصول من قطع ثم وصل، وعطف على من لم يصله.

عن حميد الطويل قال: قال ابن عمر: البِر شيء هين، وجه طليق وكلام لين. قال ابن عمر: ما حمل الرجال حملاً أثقل من المروءة، فقال له أصحابه: أصلحك الله، صف لنا المروءة، فقال: ما لذلك عندي حد أعرفه، فألح عليه رجل منهم، فقال: ما أدري ما أقول: إلا أني ما استحييت من شيءٍ علانيةً إلا استحييت منه سراً. عن مالكٍ قال: اشترى ابن عمر جاريةً رومية، فأحبها حباً شديداً، فوقعت يوماً عن بغلةٍ كانت عليها، فجعل ابن عمر يمسح التراب عنها، ويفديها، فكانت تقول له: - أي رجل صالح - ثم هربت منه، فقال ابن عمر: من البسيط قد كنت أحسبني قالون، فانطلقت ... فاليوم أعلم أني غير قالون قال المغيرة بن شعبة لعمر: ألا أدلك على القوي الأمين؟ قال: بلى، قال: عبد الله بن عمر، قال: ما أردت بقولك هذا؟ ولأن يموت فأكفِّنه بيدي أحب إلي من أوليه وأنا أعلم أن في الناس من هو خير منه. عن عبد الله بن موهب: أن عثمان قال لابن عمر: اذهب قاضياً، قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: عزمت عليك إلا ذهبت، فقضيت، قال: لا تعجل، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من عاذ بالله فقد عاذ بمَعَاذٍ " قال: نعم، قال: إني أعوذ بالله أن أكون قاضياً، قال: ما يمنعك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كان قاضياً فقضى بجهلٍ كان من أهل النار، ومن كان قاضياً عالماً فقضى بحقٍ أو بعدلٍ سأل الله أن ينقلب كفافاً " فما أرجو منه بعد؟!

قال مصعب بن عبد الله: جاءت جماعة من بني عدي إلى عبد الله بن عمر، وهو عند عثمان في الدار يوم قتل عثمان، قبل قتله فاحتملوا عبد الله بن عمر من الدار، فخرجوا به. قال نافع: لما قتل عثمان جاء علي ابن عمر، فقال: إنك محبوب إلى الناس؛ فسر إلى الشام، فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقرابة التي بيننا، فلم يعاوده. قال مصعب بن عبد الله: لما قتل عثمان، وبويع علي أُتي بعبد الله بن عمر، فقيل: بايع، فأبى، فشد به أصحاب علي، فقال عبد الله بن عمر لعلي: ما تصنع بهذا، لا والله؟ لا أبسط يدي ببيعة في فرقةٍ، ولا أقبضها في جماعة أبداً، فقال علي: خلوه، وأنا كفيله، وخرج بعد قتل عثمان إلى مكة ليلاً، فلما أصبح علي فقده، وظنه خرج إلى الشام، فنهض إلى سوق الظهر، وقال: عليَّ بالإبل، فأمر بجمعها ليرسل في طلبه، فأرسلت إليه ابنته أم كلثوم: لا تعن بطلبه، فلم يخرج إلى الشام وإنما خرج إلى مكة، وأنا عذيرتك منه، فوقف عن طلبه. قال ابن عمر: دخلت علي حفصة ونوساتها تنطف، فقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الحكمان خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلي قرنه، فلنحن أحق بذلك منه ومن أبيه - يعرض بابن عمر - فحلَلْتُ حبوتي، فهممت أن أقول: أحق بذلك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع، ويسفك فيها الدم، وأحمل فيها على غير رأيي؛ فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال معاوية لعبد الله بن جعفر: بلغني أن ابن عمر يريد هذا الأمر، وفيه ثلاث خصالٍ لا يصلحن في خليفة: هو

رجل غيور، وهو رجل عييٍّ وهو رجل بخيل، قال: فذهب ابن جعفر فأخبر ابن عمر، فقال ابن عمر: أما قوله: إني رجل غيور، فإني كنت أغلق بابي على أهلي، فما حاجة الناس إلى ما وراء ذلك؟ وأما قوله: إني لرجل عييٍّ فإني كنت أعلم الناس بكتاب الله، ولا كلام أبلغ منه، وأما قوله: إني رجل بخيل؛ فإني كنت أقسم على الناس فيئهم بكتاب الله، فإذا فعلت ذلك فما حاجة الناس إلى ما أورثني ابن الخطاب؟ فأخبر ابن جعفر معاوية بها، فقال معاوية: عزمت عليك ألا يسمع هذا منك أحد. وقد روي نحو هذه المقالة عن الحجاج. عن قطن قال: أتى رجل ابن عمر، فقال: ما أحد شر لأمة محمد منك، فقال: لمَ؟ فوالله ما سفكت دماءهم، ولا فرقت جماعتهم، ولا شققت عصاهم! قال: إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول: لا، وآخر يقول: بلى. وعن ميمون قال: دس معاوية عمرو بن العاص، وهو يريد ما في نفس ابن عمر: يريد القتال أم لا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟ قال: وقد اجتمع الناس كلهم على ما تقول؟ قال: نعم إلا نفر يسير، قال: لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهَجَرَ لم يكن لي فيها حاجة، قال: فعلم أنه لا يريد القتال، قال: فهل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويكتب لك من الأرضين، ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟ فقال: أفٍّ لك اخرج من عندي ثم لا تدخل عليّ، ويحكّ! إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم، وإني لأرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية.

وعن نافع عن ابن عمر: أنه أتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عمر، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر مناقبه - فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعني أن الله حرم دم المسلمين، قال: فإن الله تعالى يقول: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله "؟ قال: قد فعلنا، قد قاتلناهم حتى كان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوهم حتى يكون الدين لغير الله. عن أبي العالية: أن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان كانا ذات يوم قاعدين في الحِجر، فمر بهما ابن عمر، وهو يطوف بالبيت، فقال أحدهما لصاحبه: أتراه بقي أحد خير من هذا؟ ثم قالا لرجل: ادعه لنا إذا قضى طوافه، فلما قضى طوافه، وصلى ركعتين أتاه رسولهما، فقال: هذا عبد الله ابن الزبير وعبد الله بن صفوان يدعوانك إليهما؛ فقال عبد الله بن صفوان: أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمنين؟ - يعني ابن الزبير - فقد بايع له أهل العروض، وأهل العراق، وعامة أهل الشام، فقال: والله لا أبايعكم وأنتم واضعون سيوفكم على عواتقكم، تصيب أيديكم من دماء المسلمين! عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رجلاً أتاه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما الذي يحملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً، وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يا بن أخي، بُني الإسلام على خمسة: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس، وصيام شهر رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت، فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتبه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " فما يمنعك أن تقاتل الفئة الباغية

كما أمرك الله عز وجل في كتابه؟ فقال: يا بن أخي لأن أعتبر بهذه الآية فلا أقاتل أحب إلي من أن أعتبر بالآية التي يقول الله عز وجل فيها: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن عمر: قولي في علي وعثمان؛ أما عثمان فكان الله عفا عنه وكرهتم أن يعفو الله، وأما علي فابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وختنه، وأشار بيده: هذا بيته حيث ترون! عن نافع قال: دخل ابن عمر الكعبة، فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريشٍ على هذه الدنيا إلا خوفك. وكتب إلى عبد الله بن الزبير: إنك انبريت على رقاب الناس بغير شورى، فدع ما أنت فيه، فإنك لست في شيءٍ. عن الأوزاعي: أن ابن عمر قال: لقد بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما نكثت، ولا بدلت إلى يومي هذا، ولا بايعت صاحب فتنة، ولا أيقظت مؤمناً من مرقده. قال حبيب بن أبي مرزوق: بلغني أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو يومئذٍ خليفة: من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان، فقال مَنْ حول عبد الملك: بدأ باسمه قبل اسمك! فقال عبد الملك: هذا من أبي عبد الرحمن كثير. عن عبد الرحمن بن يسار قال: سمعت الحجاج وهو يقول: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كلام الله، فقال

ابن عمر: كذبت، ليس تبديل كلام الله بيدك، ولا بيد ابن الزبير، كتاب الله أعز من أن يبدَّل، قال: فقال الناس لابن عمر: اخرج، فأبى أن يخرج حتى صلى معه. عن محمد بن سيرين قال: كان ابن عمر يأتي العمال، ثم قعد عنهم، فقيل له: لو أتيتهم، فلعلهم يجدون في أنفسهم، فقال: أرهب إن تكلمت أن يروا أن الدين غير الذي بي، وإن سكت رهبت أن آثم. سئل نافع عن بدء مرض ابن عمر وموته، فقال: أصابته عارضة محمل بمكة بين إصبعين من أصابعه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلما رآه ابن عمر غمّض عينيه، فكلمه الحجاج، فلم يكلمه، قال: فغضب الحجاج وقال: إن هذا يقول: إني على الضرب الأول. وقال سعيد بن عمرو: قدم ابن عمر حاجاً، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمحٍ، فقال: من أصابك؟ فقال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكانٍ لا يحل فيه حمله. عن نافع قال: ذكرت الوصية لابن عمر في مرضه، فقال ابن عمر: أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأما رباعي وأرضي فإني لا أحب أن يشارك ولدي فيها أحد. عن سعيد بن جبير قال: لما حضر ابن عمر الموت قال: ما آسى على شيءٍ من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقتل هذه الفئة التي نزلت بنا - يعني الحجاج. قال ابن عمر عند الموت لسالم: يا بني، إن أنا مت فادفني خارجاً من الحرم؛ فإني أكره أن أدفن فيه بعد أن

عبد الله بن عمر بن سليمان

خرجت منه مهاجراً، فقال: يا أبه، إن قدرنا على ذلك، فقال: تسمعني أقول لك، وتقول: إن قدرنا؟! قال: أقول: الحجاج يغلبنا يصلي عليك، قال: فسكت ابن عمر. وكان آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موتاً بمكة عبد الله بن عمر، مات سنة أربع وسبعين، وبلغ من السن سبعاً وثمانين، وقيل: أربعاً وثمانين، ودفن بالمحصب، وبعض الناس يقول: بفخ، وقيل بذي طوى. وقيل إنه توفي سنة ثلاث وسبعين بعد ابن الزبير بشهرين أو ثلاثة أشهر. عن رجاء بن حيوة قال: نعي إلينا ابن عمر في مجلس ابن محيريز، فقال ابن محيريز: إن كنت لأعد بقاء عبد الله بن عمر أماناً لأهل الأرض. عبد الله بن عمر بن سليمان أبو العباس الكوكبي النيسابوري روى عن يزيد بن محمد الدمشقي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تنجسوا موتاكم: فإن المؤمن ليس بنجسٍ حياً ولا ميتاً ". وعن يزيد بن محمد بن عبد الصمد، بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد. قال أبو عبد الله الحافظ: كان عبد الله بن عمر بن سليمان أبو العباس الكوكبي النيسابوري من الرحالة المكثرين، ومن الصالحين الأثبات، توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة في السنة التي توفي فيها السراج، وكان يكتب إلى أن مات.

عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي

وقيل إنه توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، وهو الصحيح من وفاته. عبد الله بن عمر بن عبد الله بن علي بن عدي أبو عدي القرشي العبشمي المعروف بالعبلي حجازي شاعر مشهور، وفد على هشام بن عبد الملك. وليس هو في الحقيقة عبلياً، إنما العبلات من ولدته عبلة بنت عبيد بن خاذل بن قيس بن حنظلة، وكانت زوج عبد شمس بن عبد مناف، فولدت له أمية الأصغر، وعبداً، ونوفلاً، فأولادها هم العبلات، ولكن العبلات هم أخوته. حدث عن عبيد بن حنين مولى الحكم بن أبي العاص بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أهبَّني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فقال: " يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع " فخرجت معه أتينا البقيع، فرفع يديه، فاستغفر لهم طويلاً، ثم قال: " ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى، يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، خذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها. ثم الجنة، فقال: " والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي، ثم الجنة " فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه الله فيه. وفد أبو عدي الأموي إلى هشام بن عبد الملك، وقد امتدحه بقصيدته التي يقول فيها: من الخفيف عبد شمسٍ أبوك وهو أبونا ... لا نناديك من مكانٍ بعيد

والقرابات بيننا واشجات ... محكمات القوى بعقد شديد فأنشده إياها، وأقام ببابه مدةً حتى حضر بابه وفود قريشٍ فدخل فيهم فأمر لهم بمالٍ، فضّل فيه بني مخزوم أخواله، وأعطى أبا عديٍّ عطيةً لم يرضها، فانصرف وقال: من الخفيف خس حظي أن كنت من عبد شمسٍ ... ليتني كنت من بني مخزوم فأفوز الغداة فيهم بقسم ... وأبيع الأب الكريم بلوم قال الزبير بن بكار: لحق العبلي الدولة العباسية، ولما ظهر محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن اتبعه العبلي، وطلبه المنصور بعد ذلك فقال: من الخفيف وتقربت بإتباعي علياً ... فإذا ذاك كان داءً دويا وهو الذي يقول حين قتل مروان بن محمد، وظهرت بنو هاشم: من السريع هيهات مروان وأشياعه ... هيهات أهل الجور والباطل مريت يا مروان أطنابها ... حتى استمرت بدم حائل هيجتم الحرب فلا تنكلوا ... ليس أخو النهمة بالناكل جاشت خراسان لكم جيشةً ... فارتج منها عُرُض الكاهل وله يذكرون خؤولة بني مخزوم ويثني عليهم: من الطويل جزى الله مخزوم بن مرٍّ جزاءها ... إذا عدت الأقوام فضل الأوائل هم شرفوني في المواطن كلها ... وهم رفدوني نصرهم غير آجل أولئك إخواني وأخوالي الألى ... أسابق بهم، مستبدلاً لا أبادل

قال سليمان بن عياش السعدي: جاء عبد الله بن عمر الذي يعرف بالعبلي سويقة، وهو طريد من بني العباس - وذلك بزمان خروج ملك بني أمية، وانتقاله في بني العباس - إلى عبد الله وحسن ابني حسن بن حسن، فاستنشده عبد الله بن حسن من شعره، فأنشدهم، فقالوا: نريد بعض ما كان من شعرك فيما كان من أمركم وأمر القوم، فأنشدهم: من المتقارب تقول أمامة لما رأت ... نشوزي عن المنزل المنفس وقلة نومي على مضجعي ... لدى هجيعة الأعين النعس أبي، ما عراك؟ فقلت الهموم ... عرين أباك، فلا تبلسي عرين أباك فحبّسنه ... من الطود في شر ما محبس لفقد العشيرة إذ نالها ... سهام من الحدث المؤيس رمتها المنون بلا نصلٍ ... ولا طائشاتٍ، ولا نكس بأسهمها الخالسات النفو ... س متى ما تصب مهجةً تخلس فصرعاهم في نواحي البلا ... د تلقى بأرضٍ ولم ترسس

تقيٍّ أصيب وأثوابه ... من العار والعيب لم تدنس وآخر قد رس في حفرةٍ ... وآخر طار فلم يحسس فكم تركوا من بواكي العيو ... ن حزنى ومن صبية بؤَّس إذا ما ذكرنهم لم تقم ... صباح الوجوه ولم تجلس يرجعن مثل بكاء الحما ... م في مأتم قلق المجلس فذاك الذي غالني فاصمتي ... ولا تسألني وتستنحسي وفي ذاك أشياء قد ضفنني ... ولست لهن بمستحلس أفاض المدامع قتلى كدىً ... وقتلى بكثوة لم ترمس وبالزابيين نفوس ثوت ... وقتلى بنهر أبي فطرس أولئك قومي أذاعت بهم ... حوادث في زمنٍ متعس

أذلت حياتي لمن رامها ... وأنزلت الرعم بالمعطس فلما أتى عليها استبكى محمد بن عبد الله بن حسن، قال: فنظر عبد الله إلى أخيه حسن، فقال حسن: ما لك تنظر؟ أما والله لو كان ابنك على غير ما ترى - لمكان خبر النازلة - قال: وقام حسن إلى منزله، فبعث إلى عبد الله بن عمر المعروف بالعبلي بخمسين ديناراً، يقول له: استعن بهذه على نفسك، وارحل عنا إلى حيث شئت، فإنا نخاف يغيرنا قربك، قال: وأعطاه عبد الله بن حسن، وابناه محمد وإبراهيم كل واحد منهما مثل ذلك، وكانت هند بنت أبي عبيدة مقتفية له، فقال العبلي: من الوافر أقام ثوي بنت أبي عبيدٍ ... بخير منازل الجيران جارا أتاهم خائفاً وجلاً طريداً ... فصادف خير دور الناس دارا إذا ذم الجوار نزيل قومٍ ... شكرتهم ولم أذمم جوارا فقالت هند بنت أبي عبيدة لعبد الله بن حسن، ولابنيها محمد وإبراهيم: والله ما مدحكم بأفضل مما مدحني به، ولتُعطُنّه عني مثل ما أعطاه أحدكم، فأعطوه عنها خمسين ديناراً. قال مصعب الزبيري: قتلى كدى: يعني آل أسيد بن أبي العيص، مسكنهم مكة، فهربت منهم طائفة، فنزلوا الطائف، فقتل داود بن علي منهم خلقاً حتى قتل أربعين صبياً، ما فيهم أحد لبس سراويل، وكدى: عقبة الطائف التي يهبط عليها، وقوله: وقتلى بكوثة، ويروى بكثوة، والأجود الأول، يعني من قلته داود بن علي من بني أسيد بن أبي العيص، ومكة تسمى كوثة.

عبد الله بن عمر بن عبد العزيز

عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي ولي الكوفة ليزيد بن الوليد. روى عن أبيه بسنده عن عثمان بن عفان: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد حراء، فارتج بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق، أو شهيد " وعليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد بن زيد - وزاد في رواية أخرى: وعبد الرحمن بن عوف. وروى عن أبيه عن جده قال: وحج معاوية بن أبي سفيان، فلما انتهى إلى المدينة - قال: وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير قاعدان، فلما انتهى إليهما قام سعيد بن العاص - قال: فقال معاوية: أخوك أفقه منك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سره إذا رأته الرجال مقبلاً أن تمثل له قياماً بنى الله له بيتاً في النار ". وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم إني أعوذ بك من أن أبدل نعمةً لك كفراً، أو أنكرها بعد أن أعرفها، أو أنساها فلا أثني بها. قال محمد بن سعد: فولد عمر بن عبد العزيز: عبد الله، وبكراً، وأم عمار؛ وأمهم لميس بنت علي بن الحارث بن عبد الله بن الحصين ذي الغصة بن يزيد بن شداد بن قنان الحارثي.

عبد الله بن عمر بن عمرو

عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي أبي: ما نقش خاتمك؟ قال: قلت: لكل عملٍ ثواب، قال: إذاً يا بني فادأب لرب الأرباب. وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: يا بني، ذكروني آية الأربعين، فإن كنت أذكرها زدتموني ذكراً، وإن كنت قد نسيتها ذكرتموني: " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنةً ". وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ملازماً للمقابر، ومعه كتاب لا يفارقه، فقيل له في ذلك، فقال: ما شيء أوعظ من قبرٍ، ولا آنس من كتاب، ولا أسلم من الوحدة. وكان عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أكولاً؛ كان يأكل في اليوم تسع مراتٍ، وينتبه من السحر، فيدعو بالطعام، فيأكل أكل من لم يطعم طعاماً منذ أيام. واستعمل على البصرة فحفر لهم نهر ابن عمر. وولي العراق سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن أقل من أربعين سنة، ولما قتل ابن هبيرة عبيدة بن سوار الخارجي وأصحابه، وسار إلى واسط وثب من كان في المدينة فسدوا باب القصر على ابن عمر باللبن حتى أتاه ابن هبيرة فأرسل به إلى مروان فحبسه بحران مع إبراهيم بن محمد بن علي، ثم قتله غيلة، ويقال: بل مات في السجن من وباء وقع بحران. عبد الله بن عمر بن عمرو ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عثمان، ويقال: أبو عمر الأموي الشاعر المعروف بالعرجي نسب إلى عرج الطائف لسكناه به، من الشعراء المجيدين، قدم الشام غازياً، واجتاز بدمشق.

ذكر أبو بكر البلاذري: أن العرجي غزا مع مسلمة بن عبد الملك في البحر في خلافة سليمان بن عبد الملك، فقال: يا معشر التجار، من أراد من الغزاة المعدمين شيئاً فأعطوهم، فأعطوهم عليه عشرين ألف دينار، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز قال: بيت المال هو أولى بمال هؤلاء التجار من مال العرجي فقضى ذلك من بيت المال. وأمه آمنة بنت عمر بن عثمان بن عفان. روى أبو الفرج من طريقه: أن العرجي كان أزرق كوسجاً ناتئ الحنجرة، وكان صاحب غزل وفتوة، وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم. وروى المرزباني في معجم الشعراء: أن العرجي سجن في تهمة دمٍ، فلم يزل في السجن حتى مات، وهو القائل في الحبس: من الوافر أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغر وخلوني لمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها لنحري كأني لم أكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو وقال في ذلك أيضاً: من البسيط

يا ليت سلمى رأتنا لا يراع لنا ... لما هبطنا جميعاً أبطح السوق وكشرنا، وكُبُول القين تنكبنا ... كالأسد تكشر عن أنيابها الروق والناس صفان من ذي بغضةٍ حنقٍ ... وممسكٍ بدموع العين مخنوق وفي السطوح كأمثال الدمى خرد ... يكتمن لوعة حبٍّ غير ممزوق من كل ناشرةٍ فرعاً لرؤيتنا ... ومفرقٍ ذي نبات غير مفروق يضربن حر وجوهٍ لا يلوحها ... لفح السموم، ولا شمس المشاريق كأن أعناقهن التلع مشرفةً ... من الزهو كأعناق الأباريق حج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وخرج معه بأشعب بن جبير مولى عبد الله بن الزبير، ويعقوب بن مجاهد بن جبير القاضي، فبعث إليه العرجي وهو محبوس يسأله أن يتكلم فيه، ويعني به، فوعده ذلك، ثم نفر النفر الأول، ولم يكن منه فيما سأله العرجي شيء، فقال له العرجي: من الطويل عذرت بني عمي إلى الضعف ما هم ... وخالي، فما بال ابن عمي تنكبا تعجل في يومين عني بنفسه ... وآثر يعقوباً عليَّ وأشعبا أنشد ابن أبي عتيق قول عبد الله بن عمر العرجي: من الطويل يا ليلة الاثنين لست ببالغٍ ... جزاء الذي أوليتني آخر الدهر

فما ليلة عندي وإن قيل جمعة ... ولا ليلة الأضحى، ولا ليلة الفطر بعادلة الاثنين عندي وبالحرى ... يكون سواءً مثلها ليلة القدر فما أنس مِ الأشياء لا أنس قولها ... لخادمها: قومي سلي لي عن الوتر فقالت: يقول الناس في ست عشرةٍ ... فلا تعجلي عنه، فإنك في أجر قال الزبير بن بكار: ولسكينة بنت مصعب بن الزبير، ولأم ولدٍ، ولعثيمة بنت بكير يقول عبد الله بن عمر العرجي: من الخفيف إن عثمان والزبير أحلا ... بيتها باليفاع إذ ولداها إنها بنت كل أبيض قرم ... نال في المجد من قُصَيٍّ ذراها سكن الناس بالظواهر منها ... فتبوّا لنفسه بطحاها فهي أترجة تحير ماءً ... مألف الظل بالعشي خباها منهم الطيب النبي به الل ... هـ إلى كل باب خيرٍ هداها من ترابٍ بين المقام إلى الرك ... ن براها الإله حين براها وأنشد مصعب الزبيري للعرجي: من البسيط خمس بعثن رسولاً في ملاطفةٍ ... ثقفاً إذا أسقط الهيّابة الوهم إلي أن ائتنا وهناً إذا غفلت ... أحراسنا وافتضحنا إن هم علموا

عبد الله بن عمر بن يزيد بن الحكم

أقبلت أمشي على هول أُجشِّمه ... تجشم المرء هولاً في الهوى كرم قالت كلابة من هذا فقلت لها ... هذا الذي أنت من أعدائه، زعموا إني امرؤ لج بي فأجرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم فأنعمي نعمة تجزي بأحسنها ... فربما مسّني من أهلك النعم قالت رضيت ولكن جئت في قمر ... هلا تلبثت حتى تدخل الظلم خلت عناني كما خليت ذا عذرٍ ... إذا رأته إناث الخيل ينتحم عبد الله بن عمر بن يزيد بن الحكم ويقال: ابن زيد بن الحكم أبو زرارة الحكمي قال: حضرت عمر بن عبد العزيز في عسكره حين كتب إلى الأجناد يمنع من طبخ الطلاء الذي قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فكلمه فيه أصحابه من أهل الشام وقالوا: أحله عمر ونهيت عنه؟ فقال: نهيت عن طبخه ليترك حرامه.

عبد الله بن عمرو بن أويس الأكبر بن سعد بن أبي سرح

عبد الله بن عمرو بن أويس الأكبر بن سعد بن أبي سرح ابن الحارث بن حُبيّب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري كان رسول يزيد بن معاوية إلى ابن عمه الوليد بن عتبة أمير المدينة بموت أبيه، وأخذ البيعة له. سمع عبد الملك بن مروان يقول لقبيصة بن ذؤيب: هل سمعت في الوداع بدعاء؟ فقال: لا، فقال عبد الملك: ولا أنا. عبد الله بن عمرو بن الحارث مولى بني عامر بن لؤي كان على بيت مال الوليد بن عبد الملك، وسليمان، وهشام، وكان أبوه على خاتم عبد الملك بن مروان بعد قبيصة. روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أُتي بأسير أسره مسلمة بن عبد الملك، وأن أهله سألوه أن يفتدوه بمائة مثقال، فرده عمر إليهم، وفداه بمائة مثقال. عبد الله بن عمرو بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي قال الحافظ: أظنه عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن صفوان. سكن دمشق، وأقطعه العباسيون بها إذ دخلوا إقطاعاً لدلالته إياهم على بني أمية.

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم

عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم ابن عيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو محمد. ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نصير السهمي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أكثر أصحابه عنه حديثاً، وقيل: كان اسمه العاص فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله. عن عبد الله بن عمرو قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنودي بالصلاة جامعة، فركع ركعتين بسجدة، ثم قام؛ فركع ركعتين بسجدة، ثم جلس حتى جُلِّي عن الشمس، فقالت عائشة: ما سجد سجوداً، ولا ركع ركوعاً قط أطول منه. وعنه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلبٍ واحد، يصرفه حيث يشاء " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم مُصرِّف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك ". كتب معاوية بن أبي سفيان إلى مسلمة بن مخلد: أن سل عبد الله بن عمرو بن العاص أسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير مضطر "؟ فإن أخبرك أنه سمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابعثه إلي على مركبة من البريد، فقدم على البريد، فقال: أنت

سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله؟ قال: نعم، قال معاوية: وأنا سمعته منه كما سمعته. قال الزبير بن بكار: كان عبد الله بن عمرو يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " صم، وأفطر، وصل، ونم ". أم عبد الله بن عمرو ريطة بنت مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم، أسلم قبل أبيه، وكان له من الولد: محمد وبه كان يكنى، وهشام، وهاشم، وعمران، وأم إياس، وأم عبد الله، وأم سعيد، وشهد الفتح بمصر، واختط بمصر، استأذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتابة عنه في حال الغضب والرضى، فأذن له، وحفظ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف مثل، وكان قد قرأ الكتب، وكان يرغب عن غثيان النساء، ولم يعل عمرو بن العاص ابنه في السن إلا بثنتي عشرة سنةً. وكان عبد الله بن عمرو رجلاً سميناً طوالاً أحمر عظيم البطن. عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ قال: توفي صاحب لنا غريب بالمدينة، وكنا على قبره، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " فقلت: العاص، وقال لعبد الله بن عمر: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، وقال لعبد الله بن عمرو: " ما اسمك؟ " فقال: العاص، فقال: " أنزلوه فاقبروه، فأنتم عبيد الله " قال: فقبرنا أخانا وخرجنا وقد بدلت أسماؤنا. عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم أهل البيت أبو عبد الله، وأم عبد الله، وعبد الله ". عن أبي أمامة قال: مر ابن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مسبل إزاره، ومسبل جُمَّته، فقال: "

نِعْم الفتى ابن العاص لو شمر من مئزره، وقصر من لمته " قال: فحلق رأسه، وقصر، ورفع إزاره إلى الركبة. عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتي هذا، فقال: " يا عبد الله، ألم أخبرك أنك تكلفت قيام الليل، وصيام النهار؟ " قال: قلت: إني لأفعل، قال: فقال: " إن من حسبك - ولم يقل افعل - أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ؛ الحسنة بعشر أمثالها، فكأنك قد صمت الدهر كله "، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، وإني أحب أن تزيدني، قال: " فخمسة أيامٍ " قال: قلت: إني أجد قوة، فإني أحب أن تزيدني، قال: سبعة أيام " قال: فجعل يستزيده ويزيده يومين يومين حتى بلغ النصف، فقال: " إن أخي داود كان أعبد البشر، وإنه كان يقوم نصف الليل، ويصوم نصف الدهر؛ إن لأهلك عليك حقاً، وإن لعبدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً " فكان عبد الله بعدما كبر وأدركه السن يقول: ألا كنت قبلت رخصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي من أهلي ومالي. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في شهرٍ " فقلت: إني أقوى، فقال: " اقرأه في خمسٍ وعشرين " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشرين " قلت: إني أقوى: قال: " اقرأه في خمس عشرة " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في عشر " قلت: إني أقوى، قال: " اقرأه في خمسٍ " قلت: إني أقوى، قال: " لا ". عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما.

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تدري من معنا في البيت؟ جبريل عليه السلام وقد سلم عليك ". وقال: كنت أكتب كل شيءٍ أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيءٍ تسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق ". قال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني إلا عبد الله بن عمرو؛ فإني كنت أعي بقلبي ويعي بقلبه، ويكتب. عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنّع عليَّ، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك؟ فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط لم أبال ما صنعت الدنيا. عن سليمان بن الربيع العدوي قال: لقينا عمر، فقلنا: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول؛ قالها ثلاثاً، ثم نودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، فخطبهم عمر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله ".

قال عبد الله بن عمرو بن العاص: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء، قال عكرمة: فأخبرت ابن عباس بقوله، فقال: إن عنده لعلماً، ولقد كان يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحلال والحرام. عن عروة بن الزبير أن عائشة قالت له: يا بن أخت، إني قد أخبرت أن عبد الله بن عمرو حاج في عامه هذا، فالقه، فإنه قد حفظ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرةً. التقى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو، فقال كعب: أتطيُّر يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: الله لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، فقال: أنت أفقه العرب؛ إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت. وقدم كعب مكة، وبها عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال كعب: سلوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو عالم؛ سلوه عن شيء من الجنة وضعه الله للناس في الأرض، وسلوه ما أول ماء وضع بالأرض، وما أول شجرة غرست بالأرض، فسئل عبد الله عنها، فقال: الشيء الذي وضعه الله للناس في الأرض فهذا الركن الأسود، وأول ماء وضع بالأرض فبرهوت ماء باليمن ترده هام الكفار، وأما أول شجرةٍ غرسها الله في الأرض فالعوسجة التي اقتطع منها موسى عصاه، فلما بلغ ذلك كعباً قال: صدق، الرجل والله عالم. عن مولى لعمرو بن العاص: أن عبد الله بن عمرو نظر إلى المقبرة، فلما نظر إليها نزل، فصلى ركعتين، فقيل

له: هذا شيءٍ لم تكن تصنعه، فقال: ذكرت أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله عز وجل بهما. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأن أعمل اليوم عملاً أقر عليه أحب إلي من ضعفه فيما مضى؛ لأنا حين أسلمنا وقعنا في عمل الآخرة، فأما اليوم فقد خلبتنا الدنيا. وقال: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله عز وجل فإن المنبت لا بلغ بعداً، ولا أبقى ظهراً، وأعمل عمل امرئ يظن ألا يموت إلا هرماً، واحذر حذر امرئٍ يحسب أنه يموت غداً. وقال: لأن أكون عاشر عشرةٍ مساكين يوم القيامة أحب إلي من أن أكون عاشر عشرةٍ أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا - يقول: يتصدق يميناً وشمالاً. قال ابن أبي مليكة: بينما عبد الله بن عمرو بن العاص يصلي وراء المقام، وهو يبكي، وقد كسف - أو خسف - القمر إذ مر به العلاء بن طارق، فوقف يسمع، فقال: ما توقفك يا بن أخي؟ تعجب من أني أبكي؟! والله إن هذا القمر يبكي من خشية الله، أما والله لو تعلمون اليقين لبكى أحدكم حتى ينقطع صوته، ولسجد حتى ينقطع صلبه. عن عبد الله بن يزيد قال: قلت لعبد الله بن عمرو: بلغني أنك كنت من أحسن قريشٍ عيناً، فما الذي أرى بهما؟ قال: البكاء.

وقال عبد الله بن عمرو: ما أُعطي إنسان شيئاً خيراً من صحة، وعفة، وأمانة، وفقه. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يضرب فسطاطه في الحل، ويجعل مصلاه في الحرم، فقيل له: لِمَ تفعل ذلك؟ قال: لأن الأحداث في الحرم أشد منها في الحل. قال عمرو بن العاص لابنه: يا بني، ما الشرف؟ قال: كف الأذى، وبذل الندى، قال: فما المروءة؟ قال: عرفان الحق، وتعاهد الصنعة، قال: فما المجد؟ قال: احتمال المغارم، وابتناء المكارم. وسأله: ما الغي؟ قال: طاعة المفسد، وعصيان المرشد، قال: فما البله؟ قال: عمى القلب، وسرعة النسيان. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأخواله - حي من عنزة يقال لهم بنو فلان - يا بني أمي إنه ليس الواصل الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، وليس الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويجهل على من يجهل، قالوا: فمن ذاك؟ قال: ذاك المنصف، إنما الحليم الذي يحلم عمن يحلم عنه، ويحلم عمن يجهل عليه. هم أخوال أبيه عمرو بن العاص، وهذا الكلام محفوظ من كلام عمرو بن العاص. عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: دع ما لست منه في شيءٍ، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك. قال الشعبي: قيل لعبد الله بن عمرو وهو قاعد بالكعبة: إن كنت تريد أن تذكر فقد ذكرت،

وإن كنت تريد أن يشاع حديثك فقد أشيع، حدثنا شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعنا مما وجدت في خرجك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ". كانت راية عمرو بن العاص يوم اليرموك يحملها ابنه عبد الله بن عمرو. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص على الميمنة بصفين مع معاوية. عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمارٍ، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه؛ فإني سمعت - يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " تقتله الفئة الباغية " فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه ما دام حياً " وأنا معكم ولست أقاتل. وقال عبد الله بن عمرو: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عمر، فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " ثم جاء عثمان فاستأذن، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة " قال: قلت: فأين أنا؟ قال: " أنت مع أبيك ". وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف بك إذا بقيت في حثالةٍ من الناس، قد مرجت عهودهم ومواثيقهم، وكانوا هكذا " - فخالف بين أصابعه - قال: تأمرني بأمرٍ

يا رسول الله؟ قال: " تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتعمل بخاصة نفسك، وتدع الناس وعوام أمرهم " قال: فلما كان يوم صفين قال له أبوه عمرو بن العاص: يا عبد الله بن عمرو، اخرج فقاتل، فقال: يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل، وقد سمعت ما سمعت يوم يعهد إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يعهد؟ فقال: أنشدك الله يا عبد الله بن عمرو ألم يكن آخر ما عهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخذ بيدك فوضعها بيدي، ثم قال: " أطع أباك " قال: اللهم بلى، قال: فإني أعزم عليك أن تخرج فتقاتل، فخرج عبد الله بن عمرو، فقاتل يومئذٍ متقلداً بسيفين، فلما انكشف الحرب أنشأ عمرو بن العاص يقول: من الرمل شبت الحرب فأعددت لها ... مفرغ الحارك مروي الثبجْ يصل الشد بشدٍّ فإذا ... دنت الخيل من الشد معج جرشع أعظمه جفرته ... فإذا ابتل من الماء حدج قال: وأنشأ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: من الطويل فلو شهدت جمل مقامي ومشهدي ... بصفين يوماً شاب منها الوائب عشية جا أهل العراق كأنهم ... سحاب ربيعٍ دفعته الجنائب وجئناهم نردي كأن صفوفنا ... من البحر موج موجه متراكب إذا قلت: قد ولوا سراعاً بدت لنا ... كتائب منهم، وارجحنّت كتائب

فدارت رحانا واستدارت رحاهم ... سراة النهار ما تولي المناكب كان عبد الله بن عمرو بن العاص في زمن عمر وعثمان بمصر يجلس يحدث، وكان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنها ستكون فتنة عمياء صماء الراقد فيها خير من اليقظان، والجالس فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي " فلما كانت الفتنة التي كانت بين معاوية وعلي حضر عبد الله بن عمرو صفين فقاتل فيها، فاستعمل معاوية بذلك عمرو بن العاص على مصر، فلما ولي عبد الله مصر جلس ذلك المجلس الذي كان يجلسه في زمن عمر وعثمان، فحدث كيف كان القتال بصفين، فقال له رجل من أهل مصر: قاتلت؟ قال: بلى، قال: والله لا أكلمك كلمةً بعد هذا. عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: كان عبد الله بن عمرو يأتي الجمعة من المغمَّس، فيصلي الصبح، ثم يرتفع إلى الحجر ويكبر حتى تطلع الشمس، ثم يقوم في جوف الحجر، فيجلس إليه الناس، فقال يوماً: ما أفرق على نفسي إلا من ثلاثٍ: مواطن في دم عثمان. فقال له عبد الله بن صفوان: إن كنت رضيت قتله فقد شركت في دمه، وأني آخذ المال، فأقول: أقرضه الله هذه الليلة، فيصبح في مكانه، فقال ابن صفوان: أنت امرؤ لم توق شح نفسك، ويوم صفين. عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهْطٍ من نسألك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحدثنا إليه، فدللنا على عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، قال: فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله بن عمرو؟ قالوا: نعم؛ وهو ومواليه وأحباؤه، قال: فانطلقنا إلى البيت، فإذا نحن برجلٍ

أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص، قال: فقلنا: أنت عبد الله بن عمرو، وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجل من قريش، وقد قرأت الكتاب الأول، وليس أحد نأخذ عنه أحب إلينا - أو قال: أعجب إلينا - منك، فحدثنا بحديث لعل الله أن ينفعنا به. فقال لنا: ممن أنتم؟ فقلنا: من أهل العراق، فقال: إن من أهل العراق قوماً يَكذِبون ويُكَذِّبون، ويسخرون، قال: قلنا: ما كنا لنكذِّبك، ولا نكذب عليك، ولا نسخر منك، حدثنا بحديثٍ لعل الله أن ينفعنا به، فحدثهم بحديث في بني قنطور بن كركر. وفي رواية أخرى قال: أما ورب هذا المسجد الحرام، والبلد الحرام، واليوم الحرام، والشهر الحرام، أسميت اليمين أم لا، قال: قلنا: قد اجتهدت، قال: ليوشك بنو قنطور بن كركر؛ قوم خنس الأنوف صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، في كتاب الله المنزل أن يسوقوكم بخراسان وسجستان سياقاً عنيفاً، قوم يرزقون اللحم، وينتعلون الشعر، ويحتجزون السيوف على أوساطهم حين ينزلون الأبلة، قال: وكم الأبلة من البصرة؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: ويعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس، ثم يرسلون إلى أهل البصرة اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل البصرة من البصرة، فيلحق لاحق ببيت المقدس، ويلحق لاحق بالمدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، ثم يسيرون حتى ينزلوا البصرة، فيلبثون بها سنة، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم، فيخرج أهل الكوفة منها، فيلحق لاحق ببيت المقدس ويلحق لاحق المدينة، ويلحق آخر بمكة، ويلحق آخرون بالأعراب، فلا يبقى في الأرض من المسلمين إلا قتيل أو أسير، في أيديهم في دمه ما يشاؤون، فانصرفنا عنه، وساءنا الذي حدثنا، ومشينا من عنده غير بعيد، ثم انصرف إليه المنتصر بن الحارث، فقال: يا عبد الله بن عمرو، إنك قد حدثتنا بحديث قد قطعتنا، وإنا لا ندري من يدركه

منا، فحدثنا هل بين يدي ذلك من علامة؟ قال: نعم لا تعدم عقلك، بين يدي ذلك أمارة، قال: فقال له المنتصر: وما الأمارة؟ قال: الأمارة العلامة، قال: وما تلك العلامة؟ قال: إمارة الصبيان، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض فاعلم أن الذي حدثتك قد جاء. فانصرف عنه المنتصر، فمشى قليلاً، ثم رجع إليه، فقلنا: مهلاً، علام تؤذي هذا الشيخ؟ قال: والله لا أفارقه حتى يتبين لي، فلما رجع بين. قال طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي: كان عبد الله بن عمرو إذا جلس لم تنطق قريش، فقال يوماً: كيف أنتم بخليفةٍ يملككم ليس هو منكم؟ قالوا: فأين قريش يومئذٍ؟ قال: يفنيها السيف. عن عبيد الله بن سعيد: أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاص المسجد الحرام، والكعبة محرَّقة حين أدبر جيش الحصين بن نمير، والكعبة تتناثر حجارتها، فوقف ومعه ناس غير قليل، فبكى حتى إني لأنظر إلى دموعه تسيل على وجنتيه، فقال: والله لو أن أبا هريرة أخبركم أنكم قاتلوا ابن نبيكم، ومحرقوا بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من أبي هريرة؛ أنحن نقتل نبينا، ونحرق بيت ربنا عز وجل؟ فقد والله فعلتم، فانتظروا نقمة الله عز وجل فوالذي نفسي بيده ليلبسنّكم الله شيعاً، ويذيق بعضكم بأس بعضٍ - قالها ثلاثاً - ثم نادى بصوت فأسمع: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر؟ والذي نفس عبد الله بيده، لقد ألبسكم الله شيعاً، وأذاق بعضكم بأس بعض، لبطن الأرض خير لمن عليها لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر. قال عمرو بن صفوان: كان لعبد الله بن عمرو ابن سبع سنين مثل الدينار، فلدغته حية، فمات، فقال: من الوافر

عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان

فلولا الموت لم يهلك كريم ... ولم يصبح أخو عزٍّ ذليلا ولكن المنية لا تبالي ... أغراً كان أم رجلاً جليلا لقد أهلكت حية بطن وادٍ ... كريماً ما أريد به بديلا مقيماً ما أقام جبال لبسٍ ... فليس بزائلٍ حتى يزولا وكان عبد الله بن عمرو قد صار إلى قريته بعسقلان، وهي حبس من عمرو بن العاص لولده، فلم يزل بها حتى مات، ودفن بقريةٍ يقال لها أولاميس، وهي من عسقلان على فرسخين. قالوا: توفي عبد الله بن عمرو ليالي الحرة في ولاية يزيد بن معاوية. وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وقيل بعد ذلك. عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وفد على عبد الملك بن مروان. روى عن الحسين بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الولد للفراش ". عن عبد الله بن نافع قال: كان ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا قدم على عبد الملك نهى بني أمية عن كلامه.

فخرج من عنده مرةً فمر بعبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو جالس مع أهل الشام، فجعل ثابت يتصفح وجوههم، فقال له عبد الله: إلام تنظر؟ هؤلاء قتلة أبيك! قال: لكن أبوك ما قتله إلا حملة القرآن. قال الزبير بن بكار: وولد عمرو بن عثمان بن عفان: عبد الله الأكبر؛ وأمه: حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكان يقال لعبد الله بن عمرو المطرف من حسنه وجماله. عن نافع: أن ابنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان، فطلقها البتة، فانتقلت، فأنكر ذلك عليه عبد الله بن عمر. قال مصعب بن عثمان: قدم الوليد بن عبد الملك المدينة وهو خليفة، فوضع أربع كراسي عليها أربعة أشرافٍ من قريش كلهم أمه من بني عدي بن كعب: عبد الله بن عمرو بن عثمان، وأمه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن المنذر بن الزبير؛ أمه: عاتكة بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وطلحة بن عبد الله بن عوف؛ وأمه: بنت مطيع بن الأسود، ونوفل بن مساحق؛ وأمه: بنت مطيع بن الأسود. قال جميل لبثينة: ما رأيت عبد الله بن عمرو بن عثمان يخطر على البلاط إلا أخذتني الغيرة عليك وأنت بالجناب. ولعبد الله يقول الفرزدق: من الوافر أعبد الله إنك خير ماشٍ ... وساعٍ بالجراثيم الكبار

نمى الفاروق أمك وابن أروى ... أباك فأنت منصدع النهار هما قمرا السماء وأنت نجم ... به الليل يدلج كل ساري هل في الناس من أحدٍ يساوي ... يديك إذا تبوع للفخار كلا أبويك عبد الله نور ... رفيع في المنازل والديار عن يزيد بن عياض بن جعدبة قال: خرج الحسن بن الحسن بن علي، وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إلى الصحراء، فأخذتهما السماء، فأويا إلى سرحة، فكتب الحسن بن الحسن على السرحة: من الخفيف خبرينا خصصت يا سرح بالغي ... ث بصدقٍ والصدق فيه شفاء هل يموت المحب من لاعج الشو ... ق ويشفي من الحبيب اللقاء؟ وقال الآخر: من الخفيف إن جهلاً سؤالك السرح عما ... ليس فيه على اللبيب خفاء ليس للعاشق المحب من الحبْ ... بِ سوى لذة اللقاء شفاء مات عبد الله بن عمرو بن عثمان بمصر سنة ست وتسعين.

عبد الله بن عمرو بن غيلان

عبد الله بن عمرو بن غيلان ابن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي وهو ثقيف بن منبه ابن بكر بن هوازن الثقفي أصله من دمشق، وولاه معاوية البصرة. روى عن عبد الله بن مسعود أنه حدثه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يستنج أحدكم إذا خرج إلى الخلاء بعظمٍ ولا ببعرةٍ، ولا بروثة ". عن أبي رجاء العطاردي قال: عزل سمرة بن جندب عن البصرة سنة خمسٍ وخمسين، واستعمل عبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي، فاقر زرارة بن أوفى على القضاء، ثم استعمل عبيد الله بن زياد على البصرة. وقال: ولى معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان بن سلمة الثقفي ستة أشهر ثم عزله. عبد الله بن عمرو السعدي ابن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب أبو محمد القرشي العامري، ويعرف بابن السعدي لأن أباه عمراً كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر، ولعبد الله صحبة، وسكن الأردن. قال: وفدت في نفرٍ من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضوا حوائجهم، وخلفوني في رحالهم، فجئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فقلت: يا رسول الله، أخبرني عن حاجتي، فقال: " ما حاجتك؟ " قلت: انقطعت الهجرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت خيرهم حاجة - أو قال: حاجتك من خير حاجاتهم - لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار ". وفي رواية: وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبعةٍ أو ثمانيةٍ أو تسعةٍ، كلنا يطلب حاجةً، فكنت آخرهم دخولاً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله إني تركت من خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، فقال: حاجتك خير حاجاتهم ". وعن ابن السعدي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل ". وقال عبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنقطع الهجرة ما تُقُبِّلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولةً حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت من المغرب خُتم على كل قلبٍ بما فيه، وكفي الناس العمل ". وقال عبد الله بن السعدي: قدمت على عمر بن الخطاب، فأرسل إلي بألف دينار، فرددتها، فقال: لم رددتها؟ قلت: أنا عنها غني، وستجد من هو أحوج إليها مني، فقال: خذها، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني عطاءً فقلت: يا رسول الله، أنا عنه غني، وستجد من هو أحوج إليه مني، فقال: " خذه هذا رزق الله إذا ساق الله إليك رزقاً لم تسأله، ولم تشره إليه نفسك، فهو رزق الله ساقه إليك، فخذه ".

قال الزبير بن بكار: وولد وقدان بن عبد شمس: عبداً، وعمراً، وهو السعدي، وأمهما: عقيلة بنت غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، ومن ولد السعدي: عبد الله بن السعدي، كانت له صحبة. قال محمد بن سعد: عبد الله بن السعدي أسلم يوم فتح مكة، ثم تحول فنزل دمشق، فمات هناك، وأم عبد الله بن السعدي ابنة الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم. عن عبد الله بن السعدي قال: بينا أنا نائم على جبلٍ، فبينا أنا عليه طلعت علي ثلة من هذه الأمة قد سدت الأفق، حتى إذا دنوا مني دفعت عليهم الشعاب بكل زهرة من الدنيا، فمروا، ولم يلتفت إليها منهم راكب، فلما جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، فلبثت ما شاء الله أن ألبث، ثم طلعت علي ثلة مثلها، حتى إذا بلغوا مبلغ الثلة الأولى دفعت عليهم الشعاب بكل زهرة من الدنيا، فالآخذ والتارك، وهم على ظهْرٍ، حتى إذا جاوزوها قلصت الشعاب بما فيها، ولبثت ما شاء الله، ثم طلعت الثلة الثالثة، حتى إذا بلغوا مبلغ الثلتين دفعت الشعاب بكل زهرةٍ من الدنيا، فأناخ أول راكبٍ، فلم يجاوزها راكب، فنزلوا يهتالون من الدنيا، فعهدي بالقوم يهتالون، وقد ذهبت الركاب. مات عبد الله بن السعدي سنة سبع وخمسين. وقال ابن حبان: مات في خلافة عمر بن الخطاب. قال الحافظ ابن عساكر: ولا أراه محفوظاً، والله أعلم.

عبد الله بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان

عبد الله بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان ابن أبي عمرو بن أمية، أبو وهب القرشي الأموي، وهو ابن أبي قطيفة الشاعر كان في زمان هشام بن عبد الملك، وبينه وبينه مراجمة بالشعر قال له هشام بن عبد الملك: من الطويل أبلغ أبا وهب إذا ما لقيته ... بأنك شر الناس عيباً لصاحب ثم قال: والله لئن هجوتني لأبلغن في عقوبتك. عبد الله بن عمرو بن هلال ويقال: عبد الله بن عمرو بن عوف ويقال: عبد الله بن عمرو بن مسعود بن عمرو بن النعمان ابن سلمان بن صبح بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان - وهو: مزينة - بن عمر بن أُدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المزني والد بكر بن عبد الله المزني. له صحبة، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة الفتح، وكان معه أحد ألوية مزينة، وخرج مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، وتوجه منها إلى دومة الجندل، ثم نزل البصرة، ذكر هذا النسب خليفة بن خياط في ترجمة ابنه، وفرق بين نسب بكر بن عبد الله، وبين نسب علقمة بن عبد الله.

عن علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأسٍ: أن يكسر الدرهم، فيجعل فضة، ويكسر الدينار فيجعل ذهباً. قال محمد بن عمر الواقدي في غزوة دومة الجندل، قالوا: فكان عبد الله بن عمرو يقول: كنا أربعين رجلاً من مزينة مع خالد بن الوليد، وكانت سُهماننا خمس فرائض كل رجلٍ مع سلاح يقسم علينا درع ورماح. قال الواقدي: يقول الله تعالى: " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا أجد ما أحملكم عليه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون " هؤلاء البكاؤون، وهم سبعة: أبو ليلى المازني، وسلمة بن صخر الزرقي، وثعلبة بن عنمة السلمي، وعلبة بن زيد الحارثي، والعرباض بن سارية السلمي، وعبد الله بن عمرو المزني، وسالم بن عمير. قال: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني حين أراد الخروج لفتح مكة - إلى مزينة بلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو المزني، وكانت مزينة - يعني من حضر منها الفتح - ألفاً، فيها من الخيل مائة فرس ومائة درع، وفيها ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن

عبد الله بن عمرو الدوسي

مقرن، ولواء مع بلال بن الحارث، ولواء مع عبد الله بن عمرو. عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال لي علقمة بن عبد الله المزني: غسل أباك أربعة من أصحاب البدر - وفي رواية: أربعة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فما زاد على أن حسروا عن سواعدهم، وجعلوا ثيابهم في حجزهم، فلما فرغوا توضؤوا ولم يغتسلوا. عبد الله بن عمرو الدوسي ممن أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يوم أجنادين، وكانت أجنادين سنة ثلاث عشرة. عبد الله بن عمير روى عن بلال بن سعد قال: أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرابٍ، وهو في أصحابه، فنظر في وجوههم فقال: " أعطه أبا عبيدة بن الجراح، فإن البركة مع أكابرهم ". عبد الله بن عنبسة بن سعيد ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي من وجوه قريش، كان مع الوليد بن يزيد حين قتل، واستشاره الوليد في بعض أمره، ثم تحول إلى الحجاز، فقتل فيمن قتل من بني أمية؛ قتله داود بن علي، وهو صاحب القصر الذي يقال له: قصر ابن عنبسة.

عبد الله بن عوف

عبد الله بن عوف أبو القاسم الكناني القارئ سمع أبا جمعة جنبذ بن سبع يقول: قاتلت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وكنا ثلاثة رجال، وسبع نسوةٍ، وفينا أنزلت: " ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات " الآية. وسمع عبد الملك بن مروان حين قتل عمرو بن سعيد بن العاص قال لبشير بن عقربة: يا أبا اليمان، إني قد احتجت اليوم إلى كلامك، فقم، فتكلم، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قام بخطبةٍ لا يريد بها إلا رياء وسمعة وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة ". كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف القارئ: إذا أتاك كتابي هذا، فاركب أنت ومن معك إلى البيت النجس الذي برفح فاقلعه من أساسه، ثم أذره في البحر. عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون مولى مزينة، من أهل البصرة، أحد الأئمة، أدرك أنس بن مالك، قدم دمشق. روى عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أتى الجمعة فليغتسل ".

روى عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً بعشائرهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم رجل، ولا ينقص منهم، وخلق النار، وخلق لها أهلاً بعشائرهم وقبائلهم، لا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم " قيل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وروى عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ". قال ابن عون: أنا رأيت غيلان القدري مصلوباً على باب دمشق. قال ابن عون: حدثني أبي، عن جدي أرطبان قال: لما عتقت اكتسبت مالاً، فأتيت عمر بن الخطاب بزكاته، فقال لي: ما هذا؟ قلت: زكاة مالي، قال: أولك مال؟ قلت: نعم، قال: بارك الله لك في مالك وولدك. وكان أرطبان شماساً في بيعة ميسان، فوقع في السهم لعبد الله بن ذرة المزني، وقيل: لعبد الله ابن معقل المزني. قال ابن عون: رأيت على أنس بن مالك جبةً وعمامةً وكساء خزٍّ، ورأيته تقاد به دابته، لا يلقى ما ألقى أنا، لقد تركوني ما أقدر أن أخرج إلى حاجة!

قال حماد بن زيد: مكث ابن عون بالبصرة نحواً من سبعين سنة أو سنتين وليس له في أيدي الناس إلا ثمانية أو سبعة أحاديث حتى مات أيوب. قال شعبة: شك ابن عون أحب إلي من يقين غيره. ولد ابن عون سنة ست وستين، ومات سنة إحدى وخمسين ومائة. حدث هشام بن حسان مرةً، فقال له رجل: من حدثك به؟ قال: من لم تر عيناي والله مثله قط؛ عبد الله بن عون، وما استثني الحسن، ولا ابن سيرين، وقدم هشام مرةً من مكة، فأتى ابن عون، فقال: والله ما أتيت أهلي، ولا أحداً حتى أتيتك. قال مالك بن أنس للثوري: يا أبا عبد الله، من خلفت بالعراق؟ قال: فكرهت أن أذكر له أهل الكوفة، قال: فقلت له: تركت بها أيوب، ويونس بن عبيد، وابن عون والتيمي، قال: فقال لي: ذكرت الناس. عن أبي إسحاق الفزاري قال: كنت عند الأوزاعي، فقال: لو خيرت لهذه الأمة من ينظر لها، ويختار لها ما اخترت لها إلا سفيان بن سعيد، وعبد الله بن عون. وقال: إذا مات ابن عون وسفيان الثوري استوى الناس. قال سفيان الثوري: دخلت البصرة فرأيت أربعة أئمة: سليمان التيمي، وأيوب السختياني، وابن عون، ويونس، كل يقول: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فرجعت عن قولي، فقلت كما قالوا: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وكان قوله: بكر، وعمر، وعلي، وعثمان. عن ابن عون أنه نادته أمه، فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين.

عن عباد المهلبي قال: أتيت ابن عون، فسلمت عليه، قال: فرجعت إلى البيت، فإذا أنا بإنسان قد ضرب الباب، فإذا هو ابن عون، فقلت: ادخل فما جاء به إلا أمر، وإنما فارقته الساعة، فقلت: يا بن عون، مه؟ قال: أردت أن آتيك، فأسلم عليك، فكرهت أن أعوّد نفسي هذه العادة؛ أن أنوي شيئاً ثم لا أفي به. قال ابن المبارك: ما رأيت أحداً ذُكر لي قبل أن ألقاه ثم لقيته إلا وهو على دون ما ذكر لي، إلا حيوة بن شريح، وابن عون، وسفيان؛ فأما ابن عون فلوددت أني لزمته حتى أموت، أو يموت. وقيل لابن المبارك: ابن عون بمَ ارتفع؟ قال: بالاستقامة. كان يقال لابن عون سيد القراء في زمانه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً. وكان ابن عون إذا غضب على أحدٍ من أهله قال: بارك الله فيك، فقال: أنا بارك الله فيّ؟ قال: نعم، فقال بعض من حضر: ما قال لك إلا خيراً، قال: ما قال لي هذا حتى أجهد. وكان يأتيه السابري من سابور؛ فإذا أراد أن يبيعه أخرجه إلى صحن الدار، فيريهم المتاع، قال: فيشترونه منه، قال: وكان له جار مجوسي يأتيه السابري من سابور، فإذا أراد أن يبيعهم أدخلهم في موضع مظلم، فكانوا لا يشترون من المجوسي شيئاً حتى لا يصيبوا عند ابن عون شيئاً. قال بكار بن محمد: صحبت ابن عونٍ دهراً من الدهر حتى مات، وأوصى إلى أبي، فما سمعته حالفاً على يمينٍ برةٍ ولا فاجرة حتى فرق الموت بيننا، وما رأيت بيد ابن عون ديناراً، ولا درهماً

قط، ولا رأيته يزن شيئاً قط، وكان إذا توضأ للصلاة لا يعينه عليه أحد، وكان يمسح وجهه بالمنديل إذا توضأ أو بخرقة، وكان لا يبكر إلى الجمعة ذاك التبكير الذي يُعرف، ولا يؤخرها، وكان أحب الأمور إليه أوسطها، والاختلاط بالجماعة، وكان يغتسل للجمعة والعيدين، ويتطيب للجمعة والعيدين، ويرى ذلك سُنة، وكان طيب الريح في سائر الأيام، لين الكسوة، وكان يلبس للجمعة والعيدين أنظف ثيابه، وكان يأتي الجمعة ماشياً وراكباً، ولا يقيم بعد صلاة الجمعة، وكان في شهر رمضان لا يزيد على المكتوبة في الجماعة، ثم يخلو في بيته، وكان إذا خلا في منزله إنما هو صامت، ولا يزيد على الحمد لله ربنا، وكان إذا وصل إنساناً وصله سراً، وإن صنع شيئاً صنع سراً، يكره أن يطلع عليه أحد، وكان لابن عون سُبْع يقرؤه كل ليلة، فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار. عن عباد المهلبي قال: سأل رجل ابن عون عن الوتر، أي متى يُوتر؟ قال: فحدثه بما كانوا يفعلون، قال: فقال: حدثني كيف تفعل أنت، فقال: كفى بالرجل ما يخطئ في نفسه. قال بكار بن محمد: كان ابن عون يغزو على ناقته إلى الشام، فإذا صار إلى الشام ركب الخيل، قال: وبارز ابن عون رومياً، فقتله، وكان إذا جاءه إخوانه فكأن على رؤوسهم الطير، لهم خشوع وخضوع ليس أراه لأحد، وكان يرد عليهم: وعليكم السلام ورحمة الله، وكان لا يدع أحداً من أصحاب الحديث، ولا غيرهم يتَّبعه، واتبع ابن عون محمد بن سيرين يوماً، فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، قال: فانصرف، وما رأيت ابن عون يمازح أحداً، ولا يماري أحداً، ولا ينشد شعراً؛ وكان مشغولاً بنفسه، وكان إذا صلى الغداة مكث مستقبلاً القبلة في مجلسه يذكر الله، فإذا طلعت الشمس صلى، ثم أقبل على

أصحابه، وما رأيت ابن عون شاتماً أحداً قط: عبداً، ولا أمةً، ولا شاةً، ولا دجاجةً، ولا شيئاً، ولا رأيت أحداً أملك للسانه منه. وكان ابن عون قد سمع بالكوفة علماً كثيراً، فعرضه على محمد، قال محمد: ما أحسن هذا! حدث به. وما كان سوى ذلك أمسك عنه حتى مات وكان إذا حدث بالحديث تخشع عنده حتى نرحمه، مخافة أن يزيد أو ينقص. عن سلام بن أبي مطيع قال: لما بعث سليمان بن علي بالألفين إلى يونس وابن عون، فقبلها يونس، فدخلت عليه، فقال: يا أبا سعيد ما اكتسبت مالاً قط أطيب عندي منه، قال: وكان الرسول فيها حميد، قال: وأما ابن عون فأقبل على حميد فقال: ما لي ولك يا حميد، ما لي ولك يا حميد! أتستطيع أن تخرجني مما أدخلتني فيه؟! قال: فأبى أن يقبلها. قال عصام بن يوسف: سمعت خارجة بن مصعب يقول: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلم بكلمة كتبها عليه الكرام الكاتبون. قال بكار بن محمد: حدثني بعض أصحاب ابن عون قال: كان له ناقة يغزو عليها، ويحج عليها، وكان بها معجباً، فأمر غلاماً له يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، قلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل إلينا فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله أفلا غير الوجه؟ بارك الله فيك، اخرج عني، اشهدوا أنه حر! وقال بكار بن محمد: ما سمعت ابن عون ذاكراً بلال بن أبي بردة بشيءٍ قط، ولقد بلغني أن قوماً قالوا:

يا أبا عون، بلال فعل، فقال: إن الرجل يكون مظلوماً فلا يزال يقول حتى يكون ظالماً، ما أظن أحداً منكم أشد على بلالٍ مني، قال: وكان بلال قد ضربه بالسياط لأنه كان تزوج امرأة عربية. قيل لابن عون: ألا تتكلم، فتؤجر؟ قال: أما يرضى المتكلم بالكفاف؟ قال إبراهيم بن رستم: كنت عند ابن عون ببغداد إذا جاءت الجارية وبيدها قصعة، فسقطت القصعة من يدها، وفزعت، فنظر إليها ابن عون، فقال لها بالفارسية: أخفت مني؟ قالت: نعم، فقال لها: فأنت حرة، فأنت حرة. قال ابن عون: يا إخوتاه، أوصيكم بثلاثٍ: بقراءة القرآن، ولزوم السنة، والكف عن الناس. سلم عمرو بن عبيد على ابن عون فلم يرد عليه، وجلس إليه، فقام عنه. قال سليم بن أخضر: أردت السفر إلى مكة، فأتيت ابن عون لأودعه، فقال: يا سليم، اتق الله، وعليك بالإحسان؛ فإن المحسن معان، " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ". عن عبد الله بن عون: أما بعد، فاتهم الشيطان على دينك، واحذره على نعمة الله عليك أن يفتنك كما أخرج أبويك من الجنة، فإنه عدو مضل مبين، عدو للحق، ولي للباطل، قاعد بصراط الله المستقيم، يصد عن صراط الجنة، ويدعو إلى سبيل النار، وقد صارع كل خصلةٍ من الطاعة شهوة من المعصية، وكل شريعة من الهدى شريعة من الضلالة، حريص على أن يصدق ظنه، وأن يكثر نفعه، من هنالك سأل النظرة إلى الوقت المعلوم، اعلم أنه يعرض

الشهوات على العباد كلها، والمعاصي صغيرها وكبيرها، كلما عرض على عبدٍ باباً من الحرام فلم يوافق شهوته، ولم يطع فيه عرض عليه آخر حتى يصادف هواه، فيستهويه عند ذلك، ويتركه حيران لا يدري أين توجه، كلما مل العبد شهوةً من الحرام أطرفه بأخرى، وأخبره أنه قد تاب من الأولى، كلما غلق في عينه باب من أبواب المعاصي جدد له آخر، وزينه له، فهو يعلل العبد بالشهوات، ويعده بالغرور، ويلهيه بالأماني والأمل كما يعلل الصبي حتى يقذفه في النار، ثم يتبرأ منه. وعن ابن عون قال: لا تثق بكثرة العمل، فإنك لا تدري يقبل منك أم لا، ولا تأمن من ذنوبك فإنك لا تدري هل كفرت عنك أم لا، إن عملك عنك مغيب كله، ما تدري ما الله صانع فيه؛ أيجعله في سجين أم في عليين. وقال: وددت أني خرجت من العلم كفافاً، ما أنا على شيء مقيم؛ أخاف أن يدخلني النار غيره. جاء شرطي يطلب رجلا في مجلس ابن عون، وهو في المجلس، قال: يا أبا عون فلان رأيته؟ قال: ما في كل الأيام يأتينا فلان، فذهب وتركه. عن عبد الله بن عون قال: أوصى إلي ابن عم لي وأنا غائب، فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين، فقال: اقبض وصيته، قال: فأخذتها وكتبت إلى نافع أسأله: هل علمت ابن عمر رد وصية أحدٍ من أقاربه، أو من غيرهم من إخوانه من المسلمين؟ فكتب: إني لا أعلم ابن عمر رد وصية أحدٍ من أقاربه، ولا من غيرهم من إخوانه من المسلمين، قال: فقبلها. قال ابن عون: رأيت في المنام كأني مع محمد في بستان، قال: فجعل يمشي فيه، فيمر على الجدول،

فيثبه، وأنا خلفه أفعل ذلك، قال: فأتيته فقصصتها عليه، فرأيت أنه عرفها، فقال: ما شاء الله، هذا رجل يتبع رجلاً يتعلم منه الخير. عن محمد بن فضاء قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وهو يقول: " زوروا ابن عونٍ؛ فإن الله ورسوله يحبه، أو أنه يحب الله ورسوله ". عن النضر بن كثير قال: رأيت ابن عون في أعلى منارةٍ في المسجد الجامع التي في مؤخر المسجد مستقبل القبلة، وإصبعه في أذنه، وهو يقول: هذا صراط ابن عون المستقيم. قال مولى سليمان بن علي: رأيت ابن عون مقيداً يمشي في سكك المربد. قال بكار بن محمد: كان ابن عون يتمنى أن يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يره إلا قبل وفاته بيسير، فسر بذلك سروراً شديداً، فنزل من درجته إلى مسجد كان في الدار، قال: فسقط، فأصيب في رجله، فلم يعالجها حتى مات، وكفن في برد شراؤه مائتي درهم فماكسنا بنوه، وقالوا: لا نشتري إلا بدون ذلك، فقالت عمتي، وكانت امرأته: احسبوا الباقي علي، وحضرته الوفاة، فكان موجّهاً حتى قبض يذكر الله حتى غرغر بالموت، وما رأيت أحداً أشد عقلاً منه عند الموت، ومات في السحر فما قدرنا على أن نصلي عليه حتى وضعناه في محراب المصلى، غلبنا عليه الناس ومات وعليه من الدين بضعة عشر ألفاً، وأوصى بخُمس ماله بعد دينه إلى أبي في قرابته المحتاجين وغير المحتاجين، وكانت وفاته في رجب سنة إحدى وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر، وصلى عليه جميل بن محفوظ الأزدي صاحب شرطة عقبة بن مسلم. قال أبو الربيع الزهراني: وكان من خيار الناس، حدثني جار لنا قال: رأيت ابن عون في النوم، فقلت:

عبد الله بن العلاء بن زبر

ما صنع الله بك؟ فقال: ما غربت الشمس من يوم الاثنين حتى عرضت على صحيفتي وغفر لي. عبد الله بن العلاء بن زبر أبو عبد الرحمن الربعي روى عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه أعرابي، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: " ما ألوانها؟ " قال: فذكر كلمةً، قال: " هل فيها من أورق؟ " قال: نعم، قال: " فأنى ذلك؟ " قال: لعل عرقاً نزعه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلعل هذا نزع ابنك ". عن عبد الله بن العلاء وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر قالا: ثنا أبو سلاّم، حدثني أبو سلمى راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بخٍ بخٍ! خمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم، فيحتبسه ". وروى عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: أهللت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ في حجته - وفي رواية أخرى: أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ وحجة. ولد عبد الله بن العلاء بن زبر سنة خمس وسبعين، وتوفي سنة أربع وستين ومائة - وقيل: سنة خمس وستين ومائة. وكان ثقة لا بأس به.

عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة

عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو الحارث القرشي المخزومي المديني ولد بأرض الحبشة في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم دمشق غازياً. عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض بيوت آل بني ربيعة، إما لعيادة مريض، وإما لغير ذلك، فقالت له أسماء بنت المخربة التميمية وكانت أم الجلاس، وهي أم عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة: يا رسول الله، ألا توصني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أم الجلاس، ائتني إلى أختك ما تحبين أن تأتي إليك، وأحبي لأختك ما تحبين لك " ثم أُتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصبي من ولد عياش، وكانت أم الجلاس ذكرت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرضاً بالصبي، أو علة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقي الصبي، ويتفل عليه، وجعل الصبي يتفل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما تفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل بعض أهل البيت ينهى الصبي ويكفهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. وقال: ما قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتلك الجنازة، إلا أنها كانت يهودية، فآذاه ريح بخورها، فقام حتى جازته. قال الزبير بن بكار: وولد عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: عبد الله بن عياش - ونِعْم عبد الله كان - حكي عن نافع مولى ابن عمر أنه قيل له: أكان عبد الله بن عمر يقول لمن يصحبه في السفر: إن كنت تصوم فلا تصحبنا؟ قال: قد كان يصحبه ابن عياش، وهو يصوم، فيأمر له بسحورٍ، وأم عبد الله بن عياش بنت سلامة بن مخرِّبه بن جندل.

عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى

قال نافع: سمعت من عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حديثاً، لا أدري عمن حدث به، قال: يبعث الله ريحاً بين يدي الساعة، لا تدع أحداً في قلبه من الخير شيء إلا أماتته. عن محمد بن ميناء: أن عبد العزيز أبا عمر بن عبد العزيز بعث إلى ابن عمر بمالٍ في الفتنة، فقبله، وبعث إلى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة فلم يقبل. عن نافع قال: رأيت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بطريق مكة يسعيان على أرجلهما، وإنهما لشيخان. قتل عبد الله بن عياش بسجستان سنة ثمان وسبعين. عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أبو محمد الأنصاري الكوفي فقدم دمشق، وأبو ليلى له صحبة، وقد اختلف في اسمه. حدث عن عبد الله بن جبير، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ في إناءٍ يسع رطلين، وكان يغتسل بصاعٍ. عن عبد الله بن عيسى قال: لقيت زيد بن علي بالشام، فذاكرته المسح على الخفين، وقلت له: إن علياً مسح، قال: أنتم أعلم بعلي منا، كان فيكم، أما أنا ففي نفسي منه شيء، قال: وحدثته بحديث، فكتبه في ألواح معه صغار.

عبد الله بن الفرج بن عبيد الله

وقال: رآني عبد الرحمن بن أبي ليلى وأنا أصلي، فقال: ألزق أنفك بالأرض يا بن عيسى، وكان عبد الله بن عيسى ابن أخي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، كانوا يقولون: هو أفضل من عمه، وهو أسن من عمه، وكان ثقةً صالحاً. قال علي بن المديني: عبد الله بن عيسى الذي روى عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس منا من خبّب امرأة على زوجها " هو عندي منكر الحديث. هلك عبد الله بن عيسى سنة ثلاثين ومائة. عبد الله بن الفرج بن عبيد الله ويقال: ابن عبد الله أبو محمد القرشي، المعروف بابن البرامي روى عن القاسم بن عثمان الجوعي بسنده إلى أبي سعيد بن رافع قال: سألت ابن عمر عن هذه الآية: " إنك لا تهدي من أحببت " أفي أبي جهل وأبي طالبٍ نزلت؟ قال: نعم. عبد الله بن فروخ مولى عائشة، شامي، تابعي، ثقة. روى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافعٍ، وأول مُشفَّع ".

عبد الله بن فيروز

عبد الله بن فيروز أبو بشر ويقال: أبو بسر الديلمي وكانت لأبيه صحبة، وأبوه من أبناء اليمن، صحب عبد الله معاذ بن جبل بالشام إلى أن مات، وسكن فلسطين، ويقال: الأردن، ووفد على عمر بن عبد العزيز. عن عبد الله بن فيروز الديلمي قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله خلق خلقه في الظلمة، ثم ألقى - وفي رواية: فألقى - عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، ولذلك - وفي رواية: فلذلك - أقول: جف القلم عن علم الله عز وجل ". عن أبي بسر عبد الله الديلمي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن سليمان بن داود لما فرغ من بنيان بيت المقدس سأل الله حكماً يصادف حكمة، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، ولا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما اثنتان فقد أعطيهما، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة ". عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من القدر، فأتيت أُبي بن كعب، فقلت: يا أبا المنذر، إنه وقع في نفسي شيء من القدر قد خشيت أن يكون فيه هلاك ديني، أو أمري، فحدثني من ذلك شيئاً، لعل الله عز وجل أن ينفعني، فقال: لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحدٍ - أو مثل جبل أحد - ذهباً، فأنفقته في سبيل الله عز وجل ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن

تأتي أخي عبد الله بن مسعود، فأتيت عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك، وقال: لا عليك أن تأتي أخي حذيفة بن اليمان، فتسأله، فأتيت حذيفة، فسألته، فقال مثل ذلك، وقال: لو أتيت زيد بن ثابت، فأتيت زيد بن ثابت فسألته، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل لو عذب أهل سماوته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد - أو مثل جبل أحد - ذهباً أنفقته في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك؛ فإن مت على غير هذا دخلت النار ". عن ابن الديلمي قال: كنت ثالث ثلاثةٍ ممن يخدم معاذ بن جبل، فلما حضرته الوفاة قلنا: يرحمك الله، إنما صحبناك، وانقطعنا إليك لمثل هذا اليوم، ولتحدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ننتفع به، قال: ساء ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات وهو مؤمن بثلاث: أن الله حق، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة - أو قال: نجا من النار ". كان عبد الله بن الديلمي يصحب عبد الملك بن مروان، ويجالسه. خرج عبد الله بن الديلمي إلى صنعاء، فلما أراد أن يخرج شيعه وهب بن منبه، فقال: يا أبا بشر أين منزلك؟ فأخبره، فقال: إن استطعت ألا تنام إلا في موضع ترى فيه أهلك فافعل، قال: فاشترى داراً بكورة بيت جبرين في قرية يقال لها: معلولا.

عبد الله بن القاسم بن الحكم

عبد الله بن القاسم بن الحكم ابن عبد الرحمن بن معاوية بن عبد الله بن أبان بن عثمان بن عفان، أبو محمد العثماني حدث عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى مالك: أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني، إن الناس قد تطاول عليهم ما يوعدون، وهم إلى الآخرة سراعاً يذهبون، وإنك قد استدبرت الدنيا منذ كبرت، واستقبلت الآخرة، وإن داراً تسير إليها أقرب إليك من دارٍ تخرج منها. عبد الله بن القاسم بن سهل بن جوهر أبو الحسن الموصلي الفقيه الصواف روى عن أحمد بن محمد بن إسحاق بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يستأنى بالجراحات سنةً ". عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي من أهل دمشق - يقال: هو أخو عبد الرحمن صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم سكن حمص، وولاه إياها معاوية، وشهد فتح دمشق على ما ذكره عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي في كتابه: فتوح الشام، وبعثه يزيد بن أبي سفيان بكتابه إلى أبي بكر، وشهد اليرموك، وذكر الواقدي أنه كان من جند دمشق. عن عبد الله بن قرط أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أفضل الأيام عند الله عز وجل يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر الناس

فيه، وهو الذي يلي يوم النحر " وقُدّم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبهن قال كلمةً خفيةً لم أفهمها فقلت للذي إلى جنبي: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: " من شاء اقتطع ". عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال: جاء عبد الله بن قرط الأزدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اسمك؟ " قال: شيطان بن قرط، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عبد الله بن قرط ". وقيل: إن عبد الله بن قرط خرج يعس وهو والٍ على حمص على شاطئ الساحل، فنام على فرسه لم يشعر حتى أخذته الروم، فقتلته في هذا الموضع - يعني عند برج ابن قرط، وذلك سنة ست وخمسين. قال سليم بن عامر: سمعت عبد الله بن قرط الأزدي على المنبر يقول في يوم أضحى أو فطرٍ؛ ورأى على الناس ألوان الثياب فقال: يا لها من نعمةٍ ما أسبغها، ويا لها من كرامة ما أظهرها! وإنه ما زال عن جادة قومٍ أشد من نعمة لا يستطيعون ردها، وإنما تلبث - وفي رواية: تثبت - النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم. وقد روي نحو هذه الخطبة عن أخيه عبد الرحمن بن قرط من وجه آخر. عن عروة بن رويم: أن عمر بن الخطاب تصفح الناس، فمر به أهل حمص، فقال: كيف أميركم؟ قالوا: خير أمير، إلا أنه بنى علية يكون فيها، فكتب كتاباً، وأرسل بريداً، وأمره أن

يحرقها، فلما جاءها جمع حطباً وحرق بابها، وأخبر بذلك، فقال: دعوه! فإنه رسول. ثم ناوله الكتاب، فلم يضعه من يده حتى ركب إليه، فلما رآه عمر قال: احبسوه عني في الشمس ثلاثة أيام، فلما مضت قال: يا بن قرط، الحقني إلى الحرة - وفيها إبل الصدقة - قال: انزع ثيابك، فألقى إليه نمرة من أوبار الإبل، ثم قال: امتح، واسقِ هذه الإبل! فلم ينزع حتى تعب، ثم قال: متى عهدك يا بن قرط بهذا؟ قال: قريب يا أمير المؤمنين، قال: فلذلك بنيت العلية وارتفعت بها على المسكين والأرملة واليتيم؟ ارجع إلى عملك ولا تعد! عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر قال: وقد كان عمر بن الخطاب وجّه عبد الله بن قرط إلى حمص، ثم وجد عليه عمر، فعزله، وولى عبادة بن الصامت الأنصاري حمص، فلما قدمها قام في الناس خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: ألا إن الدنيا خضرة يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك قادر، ألا وإن للدنيا بنين، وللآخرة بنين، فكونوا من بني الآخرة، ولا تكونوا من بني الدنيا؛ فإن كل أم يتبعها بنوها يوم القيامة. قم يا شداد بن أوسٍ فعظِ الناس - وكان شداد مفوهاً، قد أعطي لساناً وحكمةً وبياناً - فقال: يا أيها الناس، تعاهدوا كتاب الله عز وجل، وإن تركه كثير من الناس، فإنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ثم إن الله عز وجل قد جمع الخير كله بحذافيره، فجعله في الجنة، وجمع الشر كله بحذافيره، فجعله في النار، وإن الجنة حزنة، وإن النار سهلة، ألا وإن الجنة حفت بالمكاره والصبر، ألا وإن النار حفت بالهوى والشهوات، فمن كشف حجاب الكره والصبر أسفر عن الجنة، ومن أسفر عن الجنة كان من أهلها؛ ألا فاعملوا

عبد الله بن قيس بن سليم

بالحق تنزلوا بالحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق. وكتب إلى عبادة بن الصامت أن يشخص إليه عبد الله بن قرط الثمالي، فلما قدم عليه قال: لأردنك إلى بلادك ورعية الإبل! فرده إلى بلاد ثمالة، فمكث بها سنةً، ثم كتب إليه فقدم عليه، ورضي عنه، وأذن له إلى حمص، فكان بها حتى كان من آخر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفاةً. عبد الله بن قيس بن سليم ابن حضار بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر - وهو نبت - بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو موسى الأشعري كان عامل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زبيد وعدن وساحل اليمن، واستعمله عمر على الكوفة، والبصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، ثم قدم دمشق على معاوية. عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، وكان القوم يصعدون ثنية أو عقبةً، فإذا صعد الرجل قال: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: أحسبه قال: بأعلى صوته، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته يعترضها في الخيل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس، إنكم لا تنادون أصم، ولا غائباً " ثم قال: " يا عبد الله بن قيس - أو يا أبا موسى الأشعري - ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: " قل لا حول ولا قوة إلا بالله ".

عن أبي يوسف الحاجب قال: قدم أبو موسى الأشعري، فنزل بعض الدور بدمشق، وكان معاوية يخرج ليلاً، فيسمع قراءته. قال خليفة: ولي لعمر بن الخطاب البصرة، واستعمله عثمان بن عفان على الكوفة بعد أن فتح الله به البلدان الكثيرة، وبنى بها داراً إلى جنب المسجد، وقُتل عثمان وهو على الكوفة، وله بها عقب. وأم أبي موسى ظبية بنت وهب من عك، كانت أسلمت، وماتت بالمدينة، وكان أبو موسى الأشعري قدم مكة، فحالف سعيد بن العاص بن أمية أبا أُحَيحة، وأسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح خيبر بثلاث، قسم لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد الفتح غيرهم، وكان تولى فتح أصبهان في وقت عمر بن الخطاب، وكان أحسن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوتاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد أُوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود " دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس فقال: " اللهم اغفر له ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً ". تزوج أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأولدها موسى بن أبي موسى. وكان رجلاً خفيف الجسم، خفيف اللحية، قصيراً. عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: ليس أبو موسى من مهاجرة الحبشة، وليس له حلف في قريش، وقد كان أسلم بمكة قديماً، ثم رجع إلى بلاد قومه، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، ووافوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فقالوا: قدم أبو موسى مع أصحاب السفينتين. ويقولون: إنما أصابوا دماً باليمن، فخرجوا منها، وهم عشرة، ورأسهم أبو عامر حتى قدموا مكة، فنزلوا بالمعلاة حيث يقال: بيت أبي موسى، وحالفوا آل سعيد بن العاص، ثم شخصوا حين سمعوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فركبوا في السفينة عند جدة، فقدموا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتفق قدومهم، وقدوم جعفر، فأطعمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خيبر طعمة وهي معروفة، يقال لها: طعمة الأشعريين، وشهدوا معه حنيناً، وهم عشرة، فلما انهزمت هوازن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عامر في طلبهم، فلحقهم بأوطاس، فنزل إليه رجل منهم، فدعا إلى البراز، فخرج إليه أبو عامر، وقال: اللهم اشهد، فقتله، ثم آخر، فخرج إليه أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقتله، حتى قتل منهم تسعة، ثم خرج العاشر، فبرز له أبو عامر، فقال: اللهم اشهد، فقال العاشر: اللهم لا تشهد، فقتل أبا عامر، وأخذ الراية أبو موسى، فقتل قاتله، وانهزم القوم، وصارت الرئاسة لأبي موسى. عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأخوان لي أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم - إما قال: بضعاً، وإما قال ثلاثة، أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي - فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، قال جعفر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. قال: فأقمنا معه حتى قدمنا جميعاً، قال: فوافقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفرٍ وأصحابه؛

قسم لهم معهم، قال: قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: سبقناكم بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا، على حفصة ذا مرة - وفي رواية: حفصة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرةً - وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، فقال عمر: آلحبشيه هذه، آلبحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، ونحن أحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغضبت، وقالت: كلمةً يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يطعم جائعكم، ويعظ - وفي رواية: ويعلم - جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وايم الله لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شرباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسأله، ووالله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك. فلما جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فما قلت له؟ " قالت: قلت كذا وكذا، قال: " ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان " قال: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث. قال أنس بن مالك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقدم عليكم غداً قوم هم أرق قلوباً للإسلام منكم " قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غداً نلقى الأحبه ... محمداً وحزبه فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة.

قال عياض الأشعري: لما نزلت: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هم قومك يا أبا موسى " وأومى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده إلى أبي موسى. عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: يا بني، لو رأيتنا ونحن مع نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصابتنا السماء لحسبت ريحنا ريح الضأن؛ وإنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: الماء والتمر. عن أبي موسى قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاةٍ، ونحن ستة نفرٍ بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، فنقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، قال: فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق. فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، فقال: ما كنت أصنع بأن أذكر هذا الحديث، قال: لأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه، الله يجزي به. عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين بعث أبا عامر على جيشٍ إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريداً، وهزم الله أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامرٍ، قال: فرمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهمٍ، فأثبته قي ركبته، فانتهيت إليه فقلت: يا عم، من رماك؟

فأشار أبو عامر إلى أبي موسى: إن ذاك قاتلي، تراه، ذاك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له، فاعتمدت له، فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهباً، فاتبعته، وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، ألا تستحي، ألست عربياً؟ فكف فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف، فقتلته، ثم رجعت إلى أبي عامر، فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزا منه الماء، قال: يا بن أخي، انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقره مني السلام، وقل له: يقول لك: استغفر لي، قال: فاستخلفني أبو عامر، ومكث يسيراً، ثم إنه مات، فلما رجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دخلت عليه، وهو في بيت على سرير، قد أثّر السرير بظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجنبيه، فأخبرته خبرنا وخبر أبي عامرٍ، فقلت: إنه قد قال: استغفر لي - وفي رواية: قل له يستغفر لي - قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماءٍ، فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: " اللهم اغفر لعُبيدٍ أبي عامر " ثم قال: " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير خلقك - أو من الناس - " فقلت: وليّ يا رسول الله فاستغفر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيسٍ ذنبه، وأدخله مدخلاً كريماً " قال أبو بردة: إحداهما لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى. عن أبي موسى قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل أعرابي، فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبشر " فقال الأعرابي: أكثرت عليَّ من أبشر، ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فأقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: " إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما " فقالا: قبلنا يا رسول الله، ثم دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدحٍ فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال لهما: " اشربا منه، وأفرغا منه على وجوهكما،

ونحوركما وأبشرا " فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفةً. خرج بريدة عشاءً، فلقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجلٍ يقرأ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه يرائي؟ " فأسكت بريدة، فإذا رجل يدعو، فقال: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب " قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاءً، ولقيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ بيده، فأدخله المسجد، فإذا صوت رجل يقرأ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تراه مرائياً؟ " فقال بريدة: أتقوله مرائياً يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بل مؤمن منيب، لا بل مؤمن منيب " فإذا الأشعري يقرأ بصوتٍ له في جانب المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعري - أو إن عبد الله بن قيس - أُعطي مزماراً من مزامير داود "، فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟ فقال: " بلى فأخبره " فأخبرته، فقال: أنت لي صديق، أخبرتني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث. عن أنسٍ قال: قعد أبو موسى في بيتٍ - وفي رواية: في بيته - واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ألا أعجبك من أبي موسى! إنه قعد في بيتٍ، واجتمع إليه ناس، وأنشأ يقول عليهم القرآن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

أتستطيع أن تقعدني حيث - وفي رواية: من حيث - لا يراني منهم أحد؟ " قال: نعم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى، قال: فقال: " إنه يقرأ - وفي رواية: ليقرأ - على مزمارٍ من مزامير آل داود ". عن أنسٍ: أن أبا موسى الأشعري قام ليلةً يصلي، فسمع أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان حلو الصوت، فقمن يستمعن، فلما أصبح قيل له: النساء كن يستمعن، فقال: لو علمت لحبّرتكن تحبيراً، ولشوقتكن تشويقاً - وفي رواية: لحبرتكم وشوقتكم. عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، وقل طعامهم - وفي رواية: أو قل طعام عيالهم - بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ، ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم ". عن أبي عامر الأشعري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نِعْم الحي الأسد، والأشعريون لا يفرون في القتال، ولا يغلون، هم مني وأنا منهم " قال عامر ابن أبي عامر: فحدثت به معاوية، فقال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وإليَّ " فقلت: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: " هم مني وأنا منهم " قال: فأنت أعلم بحديث أبيك.

عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا، بالقرآن، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالليل، ومنهم حكيم إذا لقي الخيل - أو قال: العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنتظروهم ". حدث كعب بن عاصم الأشعري قال: ابتعت قمحاً أبيض، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي، فأتيت به أهلي، فقالوا: تركت القمح الأسمر الجيد وابتعت هذا؟ والله لقد أنكحني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياك، وإنك لعيي اللسان، دميم الجسم، ضعيف البطش، وصنعت منه خبزةً، فأردت أن أدعو عليها أصحابي الأشعريين أصحاب العقبة، فقلت: أتجشأ من الشبع، وأصحابي جياع، فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها، وقالت: انزعني من حيث وضعتني، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع بينهما، فحدثه حديثها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم تنقمي منه شيئاً غير هذا؟ " قالت: لا، قال: " فلعلك تريدين أن تختلعي منه، فتكوني كجيفة الحمار؟ أو تبغين ذا جمة فينانة على كل جانب من قُصَّته شيطان قاعد؟ ألا ترضين أني أنكحتك رجلاً من نفرٍ ما تطلع الشمس على نفَرٍ خير منهم؟ " قالت: رضيت، فقامت المرأة حتى قبلت رأس زوجها، وقالت: لا أفارق زوجي أبداً. خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس قائماً، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر الطوائف من المسلمين، فأثنى عليهم خيراً، ثم قال: " ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم، ولا يفقهونهم، ولا يفطنونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم؟ ما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يفقهون، ولا يفطنون!؟ والذي نفسي بيده لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم ولتعظنهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم؛ وليتعلمن قوم من جيرانهم، وليتفقهن وليتفطنن أو لأعجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا " ثم نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل بيته، فقال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بينهم: من يعني بهذا الكلام؟ قالوا: ما نعلم بهذا الكلام إلا الأشعريين؛ إنهم فقهاء علماء، ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة، فاجتمع جماعة من الأشعريين، فدخلوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: ذكرت طوائف المسلمين بخير، وذكرتنا بشرٍ، فما بالنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتعلمن جيرانكم، ولتفقهنهم، ولتفطننهم، ولتأمرنهم، ولتنهنهم، أو لأعاجلنكن بالعقوبة في دار الدنيا " فقالوا: يا رسول الله أمّا إذاً فأمهلنا سنةً ففي سنةٍ، نعلمهم ويتعلمون، فأمهلهم سنةً ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ". قال نعيم بن يحيى التميمي: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيد الفوارس أبو موسى ". عن أبي بردة قال: قال ابن عمر: علمت أن أباك لقي أبي، فقال: يا أبا موسى، أتحب أن تخلص عملك مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنك تفلت كفافاً؟ قال: لا، قد علمت الناس، وأقرأتهم، قال عمر: ولكن وددت أنه يخلص عملي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأني أنفلت كفافاً، قال: إن أباك كان أفقه من أبي. قال الأسود بن يزيد: لم أر بالكوفة من أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلم من علي بن أبي طالب والأشعري. قال الشعبي: كان الفقهاء من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وزيد، وأبو موسى، وأُبي بن كعب. وقال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ودهاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة، وزياد.

عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال أبي: تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان كتابي مثل العقارب. قال سليمان أو غيره: ما كان يشبه كلام أبي موسى إلا الجزار الذي لا يخطئ المفصل. قال عمر بن الخطاب: بالشام أربعون رجلاً، ما منهم رجل كان يلي أمر الأمة إلا أجزأه، فأرسل إليهم، فجاء رهط منهم، فيهم: أبو موسى الأشعري، فقال: إني أرسلت إليكم لأرسلك إلى قومٍ عسكر الشيطان بين أظهرهم، قال: فلا ترسلني، فقال: إن بها جهاداً، وإن بها رباطاً، قال: فأرسله إلى البصرة. عن الحسن قال: بعث عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري وهو بالشام، فقدم عليه، فلما قدم عليه قال له: إني إنما بعثت إليك لخيرٍ، لتؤثر حاجتي على حاجتك؛ أما حاجتك فالجهاد في سبيل الله، وأما حاجتي فأبعثك إلى البصرة، فتعلمهم كتاب ربهم وسُنة نبيهم، وتجاهد بهم عدوهم، وتقسم بينهم فيئهم. قال الحسن: ففعل والله، لقد علمهم كتاب ربهم، وسُنة نبيهم، وجاهد بهم عدوهم، وقسم بينهم فيئهم، فوالله ما قدم عليهم راكب كان خيراً لهم من أبي موسى. قال ابن شوذب: كان إذا صلى الصبح أمر الناس فثبتوا في مجالسهم، ثم استقبل الصفوف رجلاً رجلاً يقرئه القرآن، حتى يأتي على الصفوف، ودخل على جملٍ أورق، وخرج عليه حين عُزل. عن أبي مرية قال: جعل أبو موسى الأشعري يعلم سنتهم ودينهم فقال: ولا يدافعن أحد منكم في

بطنه غائطاً ولا بولاً، وإن حك أحدكم فرجه فمرشة أو مرشتين، وليكن ذلك خفيفاً، فشخصت أبصارهم - أو قال: فصرفوها عنه - فقال: ما صرف أبصاركم عني؟ قالوا: الهلال، أيها الأمير، قال: أفذاك الذي أشخص أبصاركم عني؟ قالوا: نعم، قال: فكيف بكم إذا رأيتم الله جهرةً؟! وقال لأهل البصرة: إن أمير المؤمنين عمر بعثني أعلمكم كتاب ربكم، وسُنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم. عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يأيس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر والصلح بين المسلمين إلا صلح أحل حراماً أو حرّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضية راجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسُنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك، فأحبه إليّ أحبه إلى الله، وأشبهها بالحق فيما يرى، اجعل للمدعي أمداً ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذ حقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ للعذر، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حد، أو مجرب في شهادة زورٍ، أو ظنين في ولاءٍ أو قرابةٍ، إن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، ثم إياك والقلق، والضجر، والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذخر، فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن

تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته، والسلام عليك. عن أبي بردة قال: كتبت حديث أبي، فقال: ألا أراك تكتب حديثي؟ قلت: أجل، قال: فاتني به، قال: فأتيته به، فمحاه، وقال: احفظ كما حفظت. قال قتادة: بلغ أبا موسى أن قوماً منعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، قال: فخرج على الناس في عباءة. عن السميط بن عبد الله السدوسي قال: قال أبو موسى وهو يخطب: إن باهلة كانت كراعاً، فجعلناها ذراعاً، قال: فقام رجل، ألا أنبئك بألأم منهم؟ قال: من؟ قال: عك والأشعريون، قال: أولئك وأبيك آبائي، يا ساب أميره، تعال؛ قال: فضرب عليه فسطاطاً فراحت عليه قصعة، وغدت أخرى، فكان ذاك سجنه. قدم أبو موسى البصرة والياً سنة سبع عشرة بعد عزل المغيرة، فلم يزل عليها حتى قتل عمر. وكتب إليه عمر: أن سر إلى كور الأهواز، فسار أبو موسى، واستخلف على البصرة عمران ابن حصين، فأتى الأهواز، فافتتحها - يقال: عنوةً، ويقال: صلحاً - فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمائة ألف، وفي سنة ثمان عشرة افتتح الرها، وافتتح سميساط، وما والاها عنوة. وكان أبو عبيدة بن الجراح وجه عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى

بعد فتح هذه المدائن، فمضى ومعه أبو موسى، فافتتحا حران، ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوةً - ويقال: وجه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى الأشعري قد افتتح الرها، وسميساط، فوجه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حران فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحاً وما بينهما عنوةً، وفيها: فتح جنديسابور، والسوس صلحاً، صالحهم أبو موسى، ثم رجع إلى الأهواز، وفي سنة عشرين كانت وقعة تستر، وفتحها. سار أبو موسى الأشعري إلى تستر، وفيها الهرمزان، وكان من أهل مهرجان كذق، وكان شهد جلولاً، مع الناس، فلما هزم لحق بيزدجرد، فقال له: ائذن لي فأرجع إلى عملي بالأهواز، فأحبس عنك العرب من هذا الوجه، وأمدك بالأموال، فأذن له، فجاء حتى أتى تستر، وأجفلت الأساورة، وعظماء الأعاجم إليه، وأمده. ونزل الهرمزان على حكم أمير المؤمنين عمر بعد أن هزمه الله، فبعثه أبو موسى مع أنس إلى عمر، فقدم به عليه، فقال عمر: تكلم لا بأس عليك، فاستحياه، فأسلم، وفرض له. وفي ذلك يقول ابن ذي نمر الخزاعي: من المتقارب قدمنا المدينة بالهرمزان ... عليه القلائد والمنطقه يزف إليك زفاف العروس ... على بغلةٍ سهوةٍ معتقه قد أنزله الله من حصنه ... على الحكم، أرجوك أن تعتقه وذا الأشعري لنا والد ... وأم بنا برة مشفقه

تهيء المهاد لأولادها ... وتنفض عن لطعها المرفقه ترى الوجه منه طليقاً لنا ... ونلقاه بالأوجه المشرقه فلسنا نريد به غيره ... عليه الجماعة مستوسقه ولا تشمتن بنا حاسداً ... رماه بأسهمه المفرقه قال: فأشرق وجه عمر سروراً بكلامه. قال عبد الله بن يزيد الباهلي: دخل ضبة بن محصن من الليل، فتحدث عندي حتى خشيت عليه الحرس، قال: فكان فيما حدثني قال: شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل أمره، قال: فانطلقت أبووا عليه عند عمر، قال: وذلك عند حضور وفادة أبي موسى إلى عمر، فكتب أبو موسى إلى عمر - والبرد إذ ذاك على الإبل - قال: السلام عليك، أما بعد فإني كتبت إليك، وأنا خارج إليك في كذا وكذا، قال: وكتب إليه، وضبة بن محصن قد خرج من عندي عاصياً بغير إذن بيني وبينك، فأحببت أن تعلم ذلك يا أمير المؤمنين، قال: فسبقني كتابه، فقدمت المدينة، فجئت إلى باب عمر، فقلت: السلام عليكم، يدخل ضبة بن محصن، فقال عمر: لا مرحباً ولا أهلاً! قال: فقلت: أما المرحب فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال! قال: فأعدت ذلك ثلاث مرات، وأعادهن ثلاثاً، ثم قال: ادخل، أو قال: أذن لي، فدخلت، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين الرجل يظلمه سلطانه، فإذا انتهى إلى أمير المؤمنين لم يجد عنده خيراً، فوالله يا أمير المؤمنين إن الأرض لواسعة، وإن العدو لكثير، قال: فكأنما كُشف عن وجهه غطاء، فقال: ادن دنوك، فقال: إيه، ثم قال: إيه، قال: قلت: أبو موسى اصطفى لنفسه أربعين من الأساورة. قال: فقال: اكتب، فكتب. قال: ثم قال: إيه؟ قلت: أبو موسى له مكتالان يكيل للناس بغير الذي يكتال به، قال: اكتب، فكتب قال: قلت: عقيلة سريته، لها قصعة غادية رائحة يأكل منها أشراف الجند، قال: اكتب، فكتب. فما لبث إلا يسيراً حتى قدم أبو موسى، قال: فمشيت إلى جنبه، أعطفه، وأذكر أمير المؤمنين قال: حتى

انتهى إلى أمير المؤمنين، قال: فقال له: ما بال أربعين اصطفيتهم لنفسك من أبناء الأساورة؟ قال: يا أمير المؤمنين، اصطفيتهم، وخشيت أن يخدع الجند عنهم، ففاديتهم، واجتهدت في فدائهم، وكنت أعلم بفدائهم، ثم خمست وقسمت، قال ضبة: وصادقاً، والله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال مكتالٍ تكتال به، وتكيل للناس بغيره؟ قال: مكتال أكيل به قوت أهلي، وأرزاق دوابي، وما كلت به لأحدٍ، وما اكتلت به من أحد، قال ضبة: وصادقاً والله، فوالله ما كذبه أمير المؤمنين وما كذبته، قال: فما بال قصعة عقيلة الغادية الرائحة؟ قال: فسكت ولم يعتذر منها بشيءٍ، قال: فقال عمر لوفده: أنشد الله رجلاً أكل منها، قال: فسكت القوم، ثم عاد ثلاث مرات، قال: فقال وكيع بن قشير التميمي: قبح الله تلكم القصعة، فإني إخالنا قد أصبنا منها، قال: فقال عمر: لا جرم، والذي نفسي بيده لا ترى عقيلة العراق ما دمت أملك شيئاً! فاحتبسها عنده. عن أنس بن مالك قال: قال الأشعري وهو على البصرة: جهزني، فإني خارج يوم كذا وكذا، فجعلت أجهزه، فجاء ذلك اليوم، وقد بقي من جهازه شيء لم أفرغ منه، فقال: يا أنس إني خارج، فقلت: لو أقمت حتى أفرغ من بقية جهازك، فقال: إني قد قلت لأهلي إني خارج يوم كذا وكذا، وإني إن كذبت أهلي كذبوني، وإن خنتهم خانوني، وإن أخلفتهم أخلفوني، فخرج وقد بقي من حوائجه بعد شيء لم يفرغ منه. قال محمد بن عمر: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وكان عامله عليها سبع سنين، وولى عبد الله بن عامر بن كريز. قال خليفة: وفيها - يعني سنة تسع وعشرين - عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة، وفيها -

يعني سنة أربع وثلاثين - أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص، وولوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يولي أبا موسى، فولاه، وأقر عثمان أبا موسى الأشعري على البصرة أربع سنين. عن أبي مجلز قال: صلى أبو موسى بأصحابه، وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلى العشاء ركعتين، وسلم، ثم قام، فقرأ مائة آية من سورة النساء في ركعة، فأُنكر ذلك عليه، فقال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن أصنع مثل الذي صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان عمر إذا جلس عنده أبو موسى ربما قال له: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ. وكان يقرأ بين يدي عثمان بن عفان في غير صلاة. وكان أبو موسى إذا قرأ: " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم " قال: يعني الجهل، ويبكي. وإذا قرأ: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني، وهم لكم عدو " بكى. عن أبي موسى قال: غزونا غزوةً في البحر نحو الروم، فسرنا، حتى إذا كنا في لجة البحر، وطابت لنا الريح، فرفعنا الشراع إذ سمعنا منادياً ينادي: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم، قال: فقمت، فنظرت يميناً وشمالاً، فلم أر شيئاً، حتى نادى سبع مرات، فقلت: من هذا؟ ألا ترى على أي حالٍ نحن؟! إنا لا نستطيع أن نُحبس قال: ألا أخبرك بقضاءٍ قضاه الله على نفسه؟ قال: قلت: بلى، قال: فإنه من عطش نفسه لله في الدنيا في يومٍ حار كان على الله أن يرويه يوم القيامة.

فكان أبو موسى لا نكاد نلقاه إلا صائماً في يوم حار. عن أبي إدريس قال: صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال، فقيل له: لو أجممت نفسك؟ فقال: هيهات، إنما يسبق من الخيل المضمرة! عن أبي موسى قال: ما استويت قائماً لغسل منذ أسلمت. وكان إذا اغتسل في بيتٍ مظلمٍ تحادب وحنى ظهره حتى يأخذ ثوبه، ولا ينتصب، وكان له سراويل يلبسه بالليل إذا نام، مخافة أنت تنكشف عورته. قال أبو موسى: من كثر صديقه ركب رقاب أعدائه. وقال: إن هذه الفتنة فتنة باقرة كوجع البطن لا يُدرى أنى يؤتى، المضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، كسروا القسي، وقطعوا الأوتار. وقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كانت معك أسهم فخذ بنصولها لا تجرح مسلماً، أو تخرق ثوبه ". قال أبو موسى: فهؤلاء يأمرونني أن أستقبل بها حدق المسلمين. قال عمار بن ياسر: يا أبا موسى، أنشدك الله، ألم تسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وأنا سائلك عن حديثٍ، فإن صدقت، وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقررك به، أنشدك الله، أليس إنما عناك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فقال: " إنها ستكون فتنة بين أمتي، أنت - يا أبا موسى فيها نائماً خير منك قاعداً، وقاعداً خير منك قائماً، وقائماً خير منك ماشياً " فخصك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعم الناس؟ فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئاً. عن سويد بن غفلة قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في هذه الأمة حكمين ضالين، ضال من اتبعهما " فقلت: يا أبا موسى، انظر لا تكون أحدهما، قال: فوالله ما مات حتى رأيته أحدهما. عن عكرمة قال: لما كان يوم الحكمين، فحكم معاوية من قبله عمرو بن العاص قال الأحنف بن قيس لعلي: يا أمير المؤمنين، حكم ابن عباس، فإنه نحوه وابن عباس رجل مجرب، قال علي: فأنا أفعل، فحكم ابن عباس، فأتت اليمانية، وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، ودعوا إلى أبي موسى الأشعري، فجاء ابن عباس إلى علي فقال: علام تحكم أبا موسى؟ فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله الآن في معاقد الأمر، مع أن أبا موسى ليس بصاحب ذاك، فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس، فإنه مجرب من العرب، وهو قرن لعمرو بن العاص، فقال علي: فأنا أجعل الأحنف، فأتت اليمانية أيضاً، وقالوا: لا يكون فيها إلا يمان، فلما غلب علي جعل أبا موسى. وقال ابن عباس: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم الأشعري، فإنه معه رجلاً حذر مرس قارح من الرجال، فَلُز بي إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها، ولا يعقد عقدة إلا حللتها، قال: يا بن عباس، فما أصنع؟ إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت بينهم، وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبداً حتى يكون أحدهما يمان، قال ابن عباس: فعذرته، وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم.

قال أبو صالح: قال علي: يا أبا موسى، احكم ولو على حز عنقي. وعن عبد الله بن الحسن قال: قال علي في الحكمين: أحكمكما على أن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كله لي، فإن لم تحكما بكتاب الله فلا حكومة لكما. عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد فإن عمرو بن العاص قد تابعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني لأستعملن ابنيك، أحدهما على الكوفة والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك. قال: فقال لي أبي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فكتب إليه كتاباً مثل العقارب، فكتب: سلام عليك، أما بعد فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فماذا أقول لربي عز وجل إذا قدمت عليه؟ ليس لي فيما عرضت من حاجةٍ، والسلام عليك. وكتب معاوية بن أبي سفيان بعد الحكومة إلى أبي موسى الأشعري، وهو يومئذ عائذ بمكة من علي، وأراد بكتابه إليه أن يضمه إلى الشام: أما بعد، فلو كانت النية تدفع خطأ لنجا المجتهد، وأعذر الطالب، ولكن الحق لمن قصد له فأصابه، ليس لمن عارضه فأخطأه، وقد كان الحكمان إذا حكما على رجلٍ لم يكن له الخيار عليهما، وقد اختار القوم عليك، فاكره منهم ما كرهوا منك؛ وأقبل إلى الشام؛ فإنها أوسع لك. وكتب إليه بهذه الأبيات: من الطويل

وفي الشام أمر واسع ومعول ... وعذرك مبسوط وقولك جائز وإن كنت قد أعطيت عقلاً فشبته ... بتركك وجه الحق والحق بارز وإن كنت أبصرت الهدى فاتبع الهدى ... وإن كنت لم تبصر فإنك عاجز جمعت بخرقٍ منك خلعي وخلعه ... كما جمع السيرين في الخرز خارز فأصبحت فيما بيننا متذبذباً ... تهادى بما قد كان منك العجائز قدم أبو موسى على معاوية بعد الجماعة، فقال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، قال: فرحب به معاوية؛ ثم قال: بايع يا أبا موسى، قال: لنا وعلينا؟ فقبض معاوية يده، وخرج أبو موسى من عنده، فأتى منزله، فأتاه عبد الله بن عضاه، فدخل عليه منزله، فقال: يا أبا موسى إنك والله ما أنت في زمان أبي بكر، ولا زمان عمر، ولا عثمان، فاتق على نفسك؛ فإني أخاف أن تقتل، وخرج ابن عضاه، فقال أبو موسى لأبي بردة: اتبع الرجل، فانظر أين يدخل؟ قال: فتبعه، فدخل ابن عضاه إلى معاوية، فرجع أبو بردة إلى أبي موسى، فأخبره، فقال أبو موسى: معاوية أرسله، ثم راح أبو موسى إلى معاوية، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قال: ما الذي أنكرت من سلامي عليك بالأمس؟ قد كنا نسلم على عمر، وعلى عثمان بأمير المؤمنين، وبالأمير، إذا سلمنا عليك بالإمرة فنحن المؤمنون، وأنت أمير المؤمنين، وإن لم نقلها لك، وما الذي أنكرت من قولي لك: لنا وعلينا؟ لنا أجرها، وعلينا الوفاء بها! ثم قال: امدد يدك يا أبا موسى، قد علمت أنك لم تأتنا حتى زممتها، وخطمتها! قال: ثم بايع، فأمر له بعطاء خمس سنين كان حرمه إياها. قال أبو بردة: أوصى أبو موسى حين حضره الموت، فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري

بناءً، وأشهدكم أني بريء من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة، قالوا: أو سمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى فتيانه حين حضرت الوفاة، قال: اذهبوا فما حفروا، وأوسعوا وأعمقوا. فجاؤوا فقالوا: قد حفرنا، وأوسعنا وأعمقنا، فقال: والله إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن علي قبري حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي، وما أعد الله لي من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها، ورَوحها حتى أبعث، ولئن كانت الأخرى، ونعوذ بالله منها، ليضيقن علي قبري حتى يكون أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث. عن ثابت بن قيس قال: أرسل أبو موسى إلى امرأته وهو مريض، فلما أتته بكت قال: مه، ألم تعلمي أني بريء ممن تبرأ منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا أنا مت فغسليني وعلي قميصي، فإذا فرغت فانزعيه عني أو شقيه. ومات أبو موسى الأشعري بالكوفة في خلافة معاوية، واختلف في تاريخ وفاته، فقيل: سنة ثنتين وأربعين، وقيل: سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين.

عبد الله بن قيس بن مخرمة

عبد الله بن قيس بن مخرمة ابن المطلب بن عبد مناف قصي بن كلاب القرشي المطلبي يقال: إن له صحبة، ووفد على عبد الملك بن مروان. روى عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتوسدت عتبته، أو فسطاطه، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة. عن عبيد الله بن موهب قال: أول من فرق بين هاشم والمطلب في الدعوة عبد الملك بن مروان، قدم عليه عبد الله بن قيس ابن مخرمة، أخو بني عبد المطلب، فقال له عبد الملك: أقد رضيت يا عبد الله أن تُدعى لغير أبيك، فتجيب؟ قال: ومن يدعوني لغير أبي؟ قال: أليس يدعى ببني هاشم ولا يدعى بنو المطلب فتجيب؟ قال: أمر صنعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف لي بذلك. قال: سلني أن أقركم على عريفٍ، فأفعل، فلما أذن للناس من الغد قام عبد الله بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين، إنا أصبحنا ليس لنا عريف، إنما تدعى بنو هاشم فنجيب، فاجعل لنا عريفاً، فكتب له: أن تعرفوا على عريف، ويكون ذلك عبد الله بن قيس يليها، ويوليها من أحب. قال الزبير بن بكار: وكان لقيس بن مخرمة من الولد: عبد الله، ومحمد، وعبد الملك، ونساء؛ أمهم: درة بنت عقبة ابن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري، استخلف

عبد الله بن قيس

حجاج بن يوسف عبد الله بن قيس بن مخرمة على المدينة حين استعمله عبد الملك بن مروان على الكوفة والبصرة. قال محمد بن سعد: أسلم عبد الله بن قيس يوم فتح مكة. قال الحافظ: هذا وهم من ابن سعد، عبد الله بن قيس تابعي، لا أعرف له صحبة. قال عبد الله بن قيس بن مخرمة: أقبلت من مسجد بني عمرو بن عوف بقباء على بغلةٍ لي، قد صليت فيه، فلقيت عبد الله بن عمر ماشياً، فلما رأيته نزلت عن بغلتي، ثم قلت: اركب ابن عمر، قال: أي ابن أخي، لو أردت أن أركب الدواب لوجدتها، ولكني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي إلى هذا المسجد، حتى يأتي، فيصلي فيه، فأنا أحب أن أمشي إليه كما رأيته يمشي، قال: فأبى أن يركب، ومضى على وجهه. قال خليفة: ولاها - يعني المدينة - عبد الملك الحجاج بن يوسف سنة ثلاث وسبعين، فاستقضى الحجاج عبد الله بن قيس بن مخرمة. عبد الله بن قيس أبو بحرية التراغمي الحمصي شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وقدم دمشق. روى عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الملحمة العظمى، وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ".

عن أبي بحرية قال: قدمت الشام، فجئت المسجد، فإذا أنا بحلقة مشيخة، فيهم فتى شاب يحدثهم قد أنصتوا له، قلت: من هؤلاء؟ قالوا أصحاب محمد، قلت: ومن الشاب؟ قالوا: معاذ بن جبل، فرحت إلى المسجد، وكان يُهجِّر فجئته، وقد قضى سبحته، وجلس، فجلست، فقلت: إني لأحبك في الله، فأخذ بججزتي، فجذبها وقال: الله؟ قلت: الله، مرتين أو ثلاثاً، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " وجبت رحمتي - أو قال: محبتي - للذين يتحابون فيّ، ويتجالسون فيّ، ويتزاورون فيّ، ويتباذلون فيّ ". قال حسان بن عطية: دخل أبو كبشة السلولي مسجد دمشق، فقام إليه عبد الله بن أبي زكريا ومكحول وأبو بحرية في أناسٍ، قال حسان: فكنت فيمن قام إليه، فحدثنا قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربعون حسنة أعلاها منيحة العنز لا يعمل رجل بخصلةٍ منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها إلا أدخله بها الجنة ". قال حسان: فذهبنا نعد: رد السلام، وإماطة الحجر، ونحو ذلك مما دون منيحة العنز، فما أجزنا خمسة عشر. عن أبي بحرية قال: عُدنا أبا عبيدة بن الجراح بالشام في رهطٍ من أصحابنا، فلما جلسنا إليه قال رجل منا: أبشر بالأجر من الله يا أبا عبيدة، فقال: أي بني - أو ابن أخي - إنما الأجر في سبيل الله، ولكن المرض يحط الخطايا والذنوب كما تحط عن الإبل أوثاقها إذا هي جاءت من أرض نائية.

عبد الله بن قيس الهمداني الحمصي

عن محمد بن عمر الواقدي في كتاب الصوائف: أن عثمان كتب إلى معاوية أن أغز الصائفة رجلاً مأموناً على المسلمين، رفيقاً بسياستهم، فعقد لأبي بحرية بن عبد الله بن قيس الكندي، وكان ناسكاً فقيهاً، يُحمل عنه الحديث وكان عثماني الهوى، حتى مات في زمن الوليد بن عبد الملك، وكان معاوية وخلفاء بني أمية يعظمونه، وكان فيمن غزا مع عمير بن سعد الصائفة، أول صائفة قطعت درب الروم على عهد عمر، فكان ذا غناء وجرأة - فغزا أبو بحرية بالناس. عن أبي بكر بن عبد الله بن حويطبٍ قال: كنت جالساً عند عبد الله بن عبد الملك، إذ دخل شيخ من شيوخ الشام يقال له: أبو بحرية مجتنح بين شابين، فلما رآه عبد الله قال: مرحباً بأبي بحرية، فأوسع له بيني وبينه، وقال: ما جاء بك يا أبا بحرية؟ أتريد أن نضعك من البعث؟ قال: لا أريد أن تضعني من البعث، ولكن تقبل مني أحد هذين - يعني ابنيه - ثم قال: من هذا عندك؟ قال: هو يخبرك عن نفسه، فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا أبو بكر بن عبد الله بن حويطب، فقال: مرحباً، وأهلاً بابن أخي، أما إني في أول جيش - أو قال: في أول سريةٍ - دخلت أرض الروم زمن عمر بن الخطاب. وهذا دليل على أن أبا بحرية عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان. عبد الله بن قيس الهمداني الحمصي شهد عمر بالجابية قال: كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مقدمه الشام والجابية يريد قسم ما فتحنا من الأرضين، قال: فتلقيناه خلف أذرعات مع أبي عبيدة بن الجراح، قال: فبينا هو يساير

عبد الله بن قيس الفزاري

أبا عبيدة إذ لقيه المقلسون من أهل أذرعات، فأنكرهم عمر، وأمر بردهم، فقال أبو عبيدة: إنها بيعة الأعاجم، فإنك إن تمنعهم من هذا يرون أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال عمر: دعوهم؛ عمر وآل عمر في طاعة أبو عبيدة، قال: ثم مضى حتى نزل الجابية، فذكر عمر قسم الأرضين، فأشار عليه معاذ بن جبل بإيقافها، فأجاب عمر إلى إيقافها. قال سيف بن عمر: كان عبد الله بن قيس على كردوسٍ يوم اليرموك. عبد الله بن قيس الفزاري ويقال: الأنصاري ولاه معاوية غزو البحر، وركب من ساحل دمشق. عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: كنا في البحر وعلينا عبد الله بن قيس الفزاري، ومعنا أبو أيوب الأنصاري؛ فمر بصاحب المقاسم، وقد أقاموا السبي، فإذا بامرأةٍ تبكي، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: فرقوا بينها وبين ولدها، قال: فأخذ بيد ولدها حتى وضعه في يدها، فانطلق صاحب المقاسم إلى عبد الله بن قيس، فأخبره فأرسل إلى أبي أيوب: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فرق بين والدةٍ وولدها فرق الله بينه وبين الأحبة يوم القيامة ".

عبد الله بن أبي قيس

عن صفوان بن عمرو: أن عبد الله بن قيس لقي في مسيره إلى القسطنطينية بمحرَّقاته محرَّقات الروم على الخليج، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت محرقات المسلمين محرقات الروم، وجاؤوا بالأسارى من الروم، فضرب أعناقهم يزيد بن معاوية، والروم تنظر إليهم. فتح عبد الله بن قيس الفزاري سقلية في خلافة معاوية، فكانت غنائمهم يومئذٍ مائتي دينارٍ، وأوقية تبرٍ، وقمقم صفْرٍ. وفي سنة سبعٍ وخمسين شتا عبد الله بن قيس بأرض الروم. عبد الله بن أبي قيس ويقال ابن قيس أبو الأسود النصري ويقال: عبد الله بن أبي موسى عن عبد الله بن أبي قيس أنه سمع عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: كان أحب الشهور إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان. عن أبي الأسود عبد الله بن قيس: أن عطية بن عازب أرسله إلى أم المؤمنين عائشة يسألها عن ثلاث خصالٍ، فقرأ عليها السلام من عطية وأهدى هديةً، فقالت: ابن عفيفٍ؟ قال: نعم، أمرني أن أسألك عن وصال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يصوم يوماً وليلةً، وسألها عن صيامه، فقالت: يصل شعبان برمضان، وسألها عن ركعتين بعد العصر، فنهت عنهما، وقالت: سألت عائشة عن ذُرّية المؤمنين، وذرية المشركين، فقالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال: " ذرية المؤمنين مع آبائهم " قالت: قلت: بلا عمل؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين " قلت: ذرية المشركين؟ قال: " مع آبائهم " قلت: بلا عمل؟ قال: " اللهم أعلم بما كانوا عاملين ".

عبد الله بن كثير القارئ الطويل

وقال عبد الله بن أبي قيس: خرجت مع عفيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فلما أتينا دمشق قال عفيف: لو انطلقنا إلى أبي الدرداء، فسلمنا عليه فقال لعفيفٍ: أين تريد؟ قال: نؤم بيت المقدس، قال أبو الدرداء: إن كنت لا بد فاعلاً فلا تزد على صلاة يوم وليلةٍ، والق أبا ذر، فقل له: إن أبا الدرداء أخاك يقرئك السلام، ويقول لك: اتق الله، وخف الناس. قال: فلما أتينا بيت المقدس لقينا أبا ذرٍ قائماً يصلي، وإذا قيامه قريب من ركوعه، وركوعه قريب من سجوده، فجلسنا حتى فرغ من صلاته، سلمنا عليه، فقلنا له: إن أخاك أبا الدرداء يقرئك السلام، ويقول: اتق الله، وخف الناس. فقال: رحم الله أبا الدرداء إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد جالسنا فقد جلس، أو ما علم أني قد بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أخاف في الله لومة لائم. وقال عبد الله بن أبي قيس: رأيت عمر يطوق بالكعبة، ويقبّل الحجر ويقول: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبّلك ما قبّلتك. عبد الله بن كثير القارئ الطويل إمام جامع دمشق. روى عن سعيد بن عبد العزيز بسنده، عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نذرٍ كان على أمه، فهلكت قبل أن تقضيه، فأمره أن يقضي عنها. وروى عن شيبان، عن منصور، عن إبراهيم قال: " الذين هم على صلاتهم دائمون " قال: هي الصلاة المكتوبة.

عبد الله بن لحي

قال محمد بن الفيض الغساني: سمعت أبي يقول: صلى بنا عبد الله بن كثير القارئ، فقرأ: " وإذا قال إبراهام لأبيه " فبعث إليه نصر بن حمزة - وكان الوالي بدمشق - فخفقه بالدرة خفقاتٍ ونحاه عن الصلاة. عبد الله بن لُحَيّ أبو عامر الهوزني الحمصي شهد خطبة عمر بالجابية، وحج مع معاوية. قال: حججت مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاصٍ يقص على أهل مكة، مولى لبني مخزوم، فأرسل إليه معاوية فقال: أمرت بالقصص؟ قال: لا، قال: فما حملك على أن تقص بغير إذنٍ؟ قال: ننشر مما علَّمناه الله عز وجل، فقال معاوية: لو كنت تقدمتُ إليك من قبل مرَّتي هذه لقطعت منك طابقاً! ثم قال حين صلى صلاة الظهر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملةً، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين ملةً كلها في النار إلا واحدةً، وهي الجماعة " وقال: " إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى عرق، ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيركم من الناس أحرى ألا يقوم به ". قال العسكري: لُحَيّ: أول الاسم لام مضمومة، والحاء غير معجمة.

عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرغان

قال العجلي: أبو عامر عبد الله بن لحي شامي تابعي ثقة، من كبار التابعين. عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرغان أبو عبد الرحمن ويقال: أبو النّضر الحضرمي المصري الفقيه قدم الشام غازياً مع صالح بن علي سنة ثمان وثلاثين، فنزل معه برصافة هشام، واجتاز بدمشق أو بساحلها، ذكر قدومه في هذه الصائفة الواقدي. روى عن شرحبيل بن شريك المعافري بسنده عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ". وروى عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إياكم والوصال " قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل؟! قال: " لست في ذلك كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ". قال مروان: قلت لليث بن سعد - ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان -: يا أبا الحارث، ما لك أن تنام بعد العصر، وقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نام بعد العصر، فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه " قال الليث: لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة عن عقيل! قال محمد بن سعد: عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرمي، من أنفسهم، يكنى أبا عبد الرحمن، وكان

ضعيفاً، وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالاً في روايته ممن سمع منه بأخره، وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحداً؛ ولكن كان يُقرأ عليه ما ليس من حديثه فيسكت عليه، فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئون بكتابٍ، يقرؤونه ويقومون ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي. قال يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومائة. قال إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر: أنا حملت رسالة الليث بن سعد إلى مالك بن أنس، وأخذت جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فجعل مالك يقول لي: فابن لهيعة ليس يذكر الحج؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد السماع منه. قال يحيى بن حسان: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم، فقلت له: إن الناس يقولون: احترقت كتب ابن لهيعة، فقال: ما علمت له كتاباً. قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع، وقال: حججت حججاً لألقى ابن لهيعة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: وددت اني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديثٍ، وأني غرمت مؤدى. قال ابن وهب: وسأله رجل عن حديث، فحدثه به، فقال له: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟ قال: -

حدثني به - والله - الصادق البار عبد الله بن لهيعة. وقال: حديثه عن عقبة بن عامر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار " ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زُرعة عن ابن لهيعة والإفريقي أيهما أحب إليكما؟ فقالا: جميعاً ضعيفان، بين الإفريقي وبين ابن لهيعة كثير، أما ابن لهيعة فأمره مضطرب، يكتب حديثه على الاعتبار، قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك، وابن وهب يحتج به؟ قال: لا. قال: وسئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ قال: أوله وآخره سواء، إلا أن ابن المبارك، وابن وهب كانا يتتبعان أصوله، فيكتبان منها، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه. قال أبو أحمد بن عدي: ابن لهيعة حديثه حُسّان، كأنه بستان عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه. قال عثمان بن صالح: ولا أعلم أحداً أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني؛ أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة نريد إلى ابن لهيعة، فوافيناه أمامنا راكباً على حماره يريد إلى منزله، فأفلج، وسقط عن حماره، فبدر ابن عتيق إليه فأجلسه، وصرنا به إلى منزله، فكان ذلك أول علته. مات عبد الله بن لهيعة سنة أربع وسبعين ومائة، وصلى عليه داود بن يزيد بن حاتم، وكان واليهم، ومات وهو ابن ثمان وسبعين سنةً.

عبد الله بن محمد بن إبراهيم

عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبو نصر الهمداني حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أحدكم إذا مات عُرض على مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، ثم يقال: هذا مقعدك حتى تبعث يوم القيامة ". وروى عن خيثمة بن سليمان بسنده، عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستجندون أجناداً. " فذكر الحديث. عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس ويقال: إبراهيم بن أسد أبو القاسم الرازي الشافعي روى عن أحمد بن إبراهيم بن عبادل بسنده عن أنسٍ قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: زوجني الله من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس الناس، وأولم عليّ خبزاً ولحماً، وفيّ أنزلت آية الحجاب. وروى عن محمد بن يوسف الهروي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عدل يومٍ واحدٍ من عبادة ستين سنةً ". قال أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال: مات أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أسد الرازي الشافعي الملقب بالدود سنة سبعٍ وثمانين وثلاثمائة.

عبد الله بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زهير

عبد الله بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زهير أبو محمد بن أبي كامل الأطرابلسي روى عن علي بن عبد العزيز بسنده عن أبي ذر قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد عند غروب الشمس، فقال: " يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " تذهب حتى تسجد تحت العرش، عند ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع، فيؤذن لها، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع، وتطلب فإذا طال عليها قيل لها: اطلعي مكانك، فذلك قوله: " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ". عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو محمد الطرسوسي، المعروف بالنسائي، المؤدب روى عن أحمد بن محمد بن عمارة بسنده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن رجلاً كان يبيع الخمر في سفينةٍ، ومعه قرد في السفينة، وكان يشوب الخمر بالماء، فأخذ القرد الكيس وصعد في الزورق، وفتح الكيس، فجعل يأخذ ديناراً فيلقيه في السفينة، وديناراً في البحر حتى جعله نصفين ". وروى عن أحمد بن محمد بن عمارة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سمعتك يا أبا بكر تخافت بالقراءة " قال: قد أسمعت من ناجيت، وقال: " سمعتك يا عمر تجهر بقراءتك " قال: أُنفّرالشيطان، وأوقظ الوسنان، " وسمعتك يا بلال تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة " قال: كلام طيب يجمع الله بعضه إلى بعضٍ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلكم قد أصاب ".

عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صدقة

مات عبد الله بن محمد المؤدب سنة ست وتسعين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صدقة أبو محمد بن الغزال المصري وكان جده يلقب بالغزال لسرعة عدوه. روى عنه الحافظ ابن عساكر بسنده عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ". قال الحافظ: لم أسمع منه غيره، وذكر أن ابن الغزال توفي في سنة أربع وعشرين وخمسمائة. عبد الله بن محمد بن الأشعث أبو الدرداء الأنطرطوسي روى عن إبراهيم بن محمد بن عبيدة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتيتم الصلاة فأتوها وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم ". عبد الله بن محمد بن أيوب بن حيان أبو محمد القطان الحافظ روى عن علي بن محمد بن عبد الله المروزي بسنده: أن رجلاً قام إلى أبي مسلم وهو يخطب، فقال له: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟

عبد الله بن محمد بن بهلول

فقال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وهذه ثياب الهيبة، وثياب الدولة، يا غلام، اضرب عنقه. عبد الله بن محمد بن بهلول أبو أسامة الحلبي روى عن أبي سعد عمر بن حفص الأنصاري بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشعر حكمةً، وإن من البيان سحراً ". قدم أبو أسامة دمشق سنة تسع وستين ومائتين. عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزويني الفقيه الشافعي ولي قضاء دمشق نيابةً عن محمد بن العباس الجمحي، وولي قضاء الرملة، وسكن مصر. روى عن إبراهيم بن سليمان بن حبان بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". قال أبو سعيد بن يونس: كان عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني فقيهاً على مذهب الشافعي، وكانت له حلقة بمصر، وكان قد تولى قضاء الرملة وكان محموداً فيما يتولى، وكان يظهر عبادةً وورعاً، وكان قد ثقل سمعه ثقلاً شديداً، وكان يفهم الحديث ويحفظ، وكان له مجلس إملاء في داره، وكان يجتمع إليه حفاظ الحديث، وذوو الأسنان منهم، وكان مجلسه وقيراً

عبد الله بن محمد بن جعفر

ويجتمع فيه جمع كثير، فخلط في آخر عمره، ووضع أحاديث على متونٍ محفوظةٍ معروفة، وزاد في نسخٍ معروفة مشهورة فافتضح، وحرّقت الكتب في وجهه وسقط عند الناس. قال علي بن زريق بن إسماعيل: أحد ما أخذ على عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني روايته عن أبي قرة بسنده عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قرب العشاء، وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعَشاء ". قال الدارقطني: عبد الله بن جعفر القزويني ضعيف كذاب، يضع الحديث، ألف كتاب: سنن الشافعي، فيها مائتا حديث - أقل أو أكثر - لم يحدث بها الشافعي. وكان يصحف في أسماء شيوخه الذين يحدث عنهم. توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن جعفر أبو محمد النهاوندي المقرئ المالكي روى عن الحسين بن بندار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حملة القرآن، إن أهل السموات يذكرونكم عند الله عز وجل فتحببوا إلى الله عز وجل بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده، يا حملة القرآن إنكم لتسألون عما يسأل عنه الأنبياء، يا حملة القرآن، فتحببوا إلى الله بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده، أنتم المخصصون برحمة الله، المعلمون كلام الله، المقربون إلى الله، من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، يُدفع عن قارئ القرآن بلاء الدنيا، ويُدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة، يا حملة القرآن، فتحببوا إلى الله بتوقير كتابه يزدكم حباً، ويحببكم إلى عباده ".

عبد الله بن محمد بن الحسن

عبد الله بن محمد بن الحسن ابن إسماعيل بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي روى عن جده بسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للمملوك على مولاه ثلاث خصال: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، وإذا استباعه باعه ". عبد الله بن محمد بن الحسن ابن الخصيب بن الصقر بن حبيب، أبو بكر الخصيبي الشافعي الأصبهاني ولي قضاء دمشق في خلافة أبي إسحاق المتقي لله سنة اثنتين وثلاثمائة، ثم وليه من قبل المطيع لله أبي القاسم الفضل بن جعفر في حدود الخمسين والثلاثمائة، وكان له كتاب في الفقه سماه: المسائل المجالسية، يدل على فضلٍ فيه. روى عن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بسنده عن أبي المليح قال: كنا مع بريدة في غزوة يومٍ ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك صلاة العصر حبط عمله ". وذكر أبو محمد بن الأكفاني: أن عبد الله بن محمد بن الخصيب ولي القضاء بمصر في أيام المطيع لله في سنة أربعين وثلاثمائة إلى أن توفي في تاسع المحرم سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة. والخصيبي: أوله خاء معجمة، وبعدها صاد مبهمة ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها ثم باء معجمة واحدة.

عبد الله بن محمد بن الحسين بن جمعة

عبد الله بن محمد بن الحسين بن جمعة روى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده عن عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةً جهر فيها بالقراءة، ثم انصرف إلينا، فقال: " ألا أراكم تقرؤون مع إمامكم؟ " قلنا: أجل يا نبي الله، فقال: " إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ لا تفعلوا إذا جهر الإمام بالقرآن فلا تقرؤوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ". عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة أبو يعلى الصيداوي ولي القضاء بيت المقدس. روى عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك العصر حتى تغيب الشمس من غير عذرٍ فكأنما وُتِرَ أهله وماله ". عبد الله بن محمد بن ذويد مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان، له شعر في حرب أبي الهيذام مع القحطانية.

عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون

عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل بن ميمون أبو بكر النيسابوري الفقيه الحافظ الشافعي، مولى آل عثمان بن عفان. روى عن العباس بن الوليد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يستام الرجل على سوم أخيه حتى يشتري، أو يترك، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يرد، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة ". وروى عن عبد الرحمن بن بشر بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا لم يجد المحرم النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين ". وروى عن يونس بن عبد الأعلى بسنده عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرفق في المعيشة خير من بعض التجارة ". قال أبو عبد الله الحافظ: عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل من أحفظ الناس للفقه واختلاف الصحابة. وقال الدارقطني: ما رأيت أحفظ من أبي بكر النيسابوري. وقال: لم نر مثله في مشايخنا، لم نر أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان أفقه المشايخ، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون. وقال: كنا ببغداد يوماً جلوساً في مجلس اجتمع فيه جماعة من الحفاظ يتذاكرون - وذكر

عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان

الدارقطني أبا طالب الحافظ، وأبا بكر الجعابي وغيرهما - رجل من الفقهاء، فسأل الجماعة: من روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعلت لي الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً " فقال الجماعة: روى هذا الحديث فلان وفلان، وسموهم، فقال السائل: أريد هذه اللفظة: " وجعلت لنا تربتها لنا طهوراً " فلم يكن عند واحد منهم جواب، ثم قالوا: ليس لنا غير أبي بكر النيسابوري، فقاموا بأجمعهم إلى أبي بكر، فسألوه عن هذه اللفظة، فقال: نعم، وساق في الوقت من حفظه الحديث، واللفظة فيه. قال أبو بكر النيسابوري: تعرف من أقام أربعين سنةً لم ينم الليل، ويتقوت كل يومٍ بخمس حباتٍ، ويصلي صلاة الغداة على طهارة العشاء الآخرة؟ ثم قال: أنا هو، وهذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن، أيش لمن زوجني، ثم قال في أثر هذا: ما أراد إلا خيراً. توفي أبو بكر النيسابوري سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان أبو محمد الحلبي الشاعر المعروف بالخفاجي أنشد لنفسه: من الطويل خليليّ بثا ما أملت عليكما ... دموعي فإني ما أريد الهوى سرا أصابكما برح الغرام لعله ... يمهّد لي ما بين قلبيكما عذرا سقى الله أياماً من الدهر لم تشب ... بهم كأنا ما عرفنا بها الدهرا ومائلة الأعطاف من نشوة الصبا ... سقتني الهوى صرفاً، ورنّحها سكرا رمت عينها عيني وراحت سليمةً ... فمن حاكم بين الكحيلة والعبرى فيا طرف قد حذرتك النظرة التي ... خلست، فما راقبت نهياً ولا زجرا ويا قلب قد أرداك من قبل مرةً ... فويحك لم طاوعته مرةً أخرى

ومما كتب به إلى الأمير الأجل شرف أمراء العرب أبي سلامة محمود بن نصر بن صالح على طريق الهزل والدعابة: من الخفيف قد قنعنا من وصلكم بالخيال ... ورضينا من وعدكم بالمطال وصبرنا على ملالكم الزا ... ئد عن كل مذهبٍ في الملال ورأينا دياركم فلقينا ... كل رسمٍ بالٍ بجسمٍ بال دارساتٍ وناحلين فما يف ... رق بين العشاق والأطلال أكذا تفعل الصبابة أم عا ... د علينا الصيام في شوال ففراق الكرام يصنع في الأ ... جسام ما يصنعون في الأموال حفظ الله معشراً ضيعوا العه ... د وحالوا في سائر الأحوال قيل لي لم قعدت عنهم وهل يح ... سن أن يترك العبيد الموالي؟ قلت لا تعجلوا عليّ فلو سر ... ت لكانت نهاية الاختلال يا أجل الملوك عماً وخالاً ... عند ذكر الأعمام والأخوال ومثير الحرب العوان من المه ... دي إلى يوم وقعة الدجال ليت شعري بأي فنٍ أداري ... ك فقد قل في رضاك احتيالي ليس يجدي جدي ولا ينفع الهز ... ل سوى أن أعد في الجهال ثقّل الناس في الطلاب وخفف ... ت بجهدي عليك من أثقالي توفي الشاعر الخفاجي سنة ست وستين وأربعمائة في قلعة عزاز.

عبد الله بن محمد بن سلم بن حبيب بن عبد الوارث

عبد الله بن محمد بن سلم بن حبيب بن عبد الوارث أبو محمد المقدسي الفريابي روى عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحج. وروى عن أبي عروبة الحراني بسنده عن ابن عمر قال: عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف بعمامةٍ سوداء كرابيس، وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع، وقال: " هكذا فاعتم، فإنه أعرف له وأجمل " وقال: " اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا، هذا عهد الله، وسنة نبيكم فيكم ". عبد الله بن محمد بن سيار أبو محمد الفرهياني - ويقال: الفرهاذاني روى عن عباس بن عبد العظيم بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبيك بعمرةٍ وحجةٍ معاً ". وروى عن عبد الملك بن شعيب بسنده عمن لا يتهمه من قومه: أن كعب بن عجرة الأنصاري أصابه أذىً في رأسه، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام ثلاثة أيامٍ. وروى عن قتيبة بن سعيد بسنده عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يدّخر شيئاً لغدٍ.

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد

قال أبو أحمد بن عدي: عبد الله بن محمد بن سيار الفرهاذاني، رفيق أبي عبد الرحمن، كان من الأثبات، وكان له بصر بالرجال. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد أبو محمد - ويعرف بالفاقاني البزاز روى عن أحمد بن سليمان بن حذلم بسنده عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اسمح يُسمح لك ". وبسنده عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد مر بالروحاء سبعون نبياً عليهم العباء، يؤمون البيت العتيق فيهم موسى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وروى عن عبد الرحمن بن عمر بن راشد - بخبر له - أن بسر بن أبي أرطأة سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ". عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري الشاعر المعروف بالأحوص وأمه أُثيلة بنت عمير بن مخشي، وكان أصفر أحوص العينين، والحوص أن يكون في مؤخر العين ضيق.

ذكره ابن سلام في الطبقة السادسة من الإسلاميين. قال الوليد بن هشام القحذمي: وفَد وفْد من أهل المدينة إلى الوليد بن عبد الملك بالشام، فبينما هو جالس والناس عنده إذ دخل عليه عبد الأحوص بن محمد الأنصاري، فقال: أعوذ بالله، وبك يا أمير المؤمنين مما يكلفني الأحوص! قال: وما يكلفك؟ فأخبره أنه يريده على أمرٍ مذموم، فقال له الوليد: كذبت أي عدو الله على مولاك، اخرج قال: فخرج، فلما شاع الخبر اندس الأحوص إلى غلامٍ من آل أبي لهب، فقال له: إن دخلت على أمير المؤمنين، فشكوت من مولاك ما شكا عبدي مني أعطيتك مائتي دينار، فدخل العبد على الوليد، فشكا من مولاه ما شكا عبد الأحوص منه، ومولاه جالس عند الوليد في السماطين، فنظر إليه الوليد، فقال: ما هذا يا فلان!؟ قال: مظلوم يا أمير المؤمنين، والله ما كان هذا، وهذا وفد أهل المدينة، فسلهم عني، فسألهم، فقالوا: ما أبعده مما رماه به غلامه. فقال: خذوه فأُخذ الغلام فضُرب بين يدي الوليد، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تعجل عليّ حتى أخبرك بالأمر: أتاني الأحوص، فجعل لي مائتي دينارٍ على أن أدخل عليك، وأشكو من مولاي ما شكا عبده منه، فأرسل إلى الأحوص فأتى به، فأمر به الوليد فجرد وضرب بين يديه ضرباً مبرحاً، وقال: أي عدو الله، سترت عليك ما شكا عبدك، فعمدت إلى رجلٍ من قريشٍ تريد أن تفضحه؟! فسُيّر إلى دَهْلك - جزيرة في البحر - فلم يزل مسيراً أيام الوليد وسليمان؛ فلما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رجع الأحوص إلى المدينة، وقال: هذا رجل أنا خاله - يعني عمر - فما يصنع؟ - وكانت أم عمر بن عبد العزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وأم أم عاصم أنصارية بنت عاصم بن أبي الأقلح الأنصاري - فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فأمر به فرد إلى دهلك. فلما قام يزيد بن عبد الملك رجع الأحوص إلى المدينة؛ ثم إنه خرج وافداً إلى

يزيد بن عبد الملك، فمر بمعبدٍ المغني، فقال له معبد: الصحبة، يا أبا عثمان، قال: ما أحب أن تصحبني، تقول وفود العرب: هذا ابن الذي حمت لحمه الدبر والغسيل معبد معه مغنٍ! قال: لا بد والله من الصحبة فلما أبى إلا أن يصحبه ذهب، فلما نزل البلقاء وهي من الشام، أصابهم مطر من الليل، فأصبحت الغدر مملوءة، فقال الأحوص: لو أقمنا اليوم ها هنا، فتغدينا على هذا الغدير ففعلا. ورفع لهما قصر لم يريا بناءً غيره، فلما أصبحوا خرجت جارية معها جرة إلى غدير من تلك الغدر، فملأت جرتها، فلما رفعتها ومضت بها رمت بالجرة فكسرتها، فقال معبد للأحوص: أرأيت ما رأيت، وما صنعت هذه؟ قال: نعم، فأرسل إليها الأحوص بعض غلمانه، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: أنا طربت، قال: وما أطربك؟ قالت: ذكرت صوتاً كنا نغني به أنا وصواحب لي بالمدينة، فأطربني، فكسرت الجرة، قال: وما الصوت؟ قالت: من الكامل يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل قال: ولمن هذا الشعر؟ قالت: للأحوص الأنصاري، قال: والغناء؟ قالت: لمعبد، فقالا لها: أفتعرفينا؟ قالت: لا، قال: فأنا الأحوص وهذا معبد. لمن كنت بالمدينة؟ قالت: لآل فلان، اشتراني أهل هذا القصر، فصرت ها هنا ما أرى أحداً غيرهم. وقالت: فإن لي حاجةً، قالا: ما حاجتك؟ قالت لمعبد: أن تغنيني قال الأحوص لمعبد: غنِّها، قال: فجعلت تقترح ويغنيها حتى قضت حاجتها، ثم قالا لها: أتحبين أن نعمل لك في الخروج من ها هنا؟ قالت: نعم، قالا: فإن نحن فعلنا أتشكريننا؟ قالت: نعم، فلما قدما على يزيد بن عبد الملك، ودخلا عليه قال الأحوص: يا أمير

المؤمنين إني رأيت في مسيرنا عجباً! نزلت إلى البلقاء فرأينا جارية - وقص عليه قصتها - قال: أفتعرفها؟ قال: نعم. فسماها وأهلها وموضعها، وقال: يا أمير المؤمنين أنا الذي أقول فيها: من الخفيف: إن زين الغدير من كسر الجر ... ر وغنى غناء فحلٍ مجيد قلت: من أنت يا ظعين؟ فقالت ... كنت فيما مضى لآل الوليد ثم بُدّلت بعد حي قريشٍ ... من بني عامرٍ لآل الوحيد فغنائي لمعبدٍ ونشيدي ... لفتى الناس الأحوص الصنديد يعجز المال عن شراك ولكن ... أنت في ذمة الهمام يزيد قال: فمضى لذلك ما مضى، ثم دخل الأحوص ومعبد يوماً على يزيد، فأخرج إليهما الجارية، ثم قال: يا أحوص، أفتعرف هذه الجارية؟ قال: نعم. ثم قال لها الأحوص: أوفينا لك؟ قالت: نعم، جزاكما الله خيراً. عن أيوب بن عمر، عن أبيه قال: ركب الأحوص إلى الوليد قبل ضرب ابن حزم إياه، ليشكوه إليه، فلقيه رجل من بني مخزوم، يقال له: ابن عنبة، فوعده أن يعينه على ابن حزم، فلما دخلا على الوليد قال له الوليد: ويلك! ما هذا الذي أتيت به يا أحوص؟ قال: يا أمير المؤمنين، والله لو كان الذي رماني به ابن حزمٍ أمراً من أمر الدين، إلا أن دناءته ونذالته على ما هي عليه لاجتنبته، فكيف وهو من أكبر معاصي الله؟ وأنا الذي أقول: " لظلوا وأيديهم إليك تشير " قال: فقال ابن عنبة: يا أمير المؤمنين، إن ابن حزمٍ من فضله، وعدله، ورضاه في بلده، وليس ممن يتهم له قول ولا حكم، فقال الأحوص: هذا والله كما قال الأول: من الطويل

وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم وفي رواية: أغار - وعدني والله أن يعينني على ابن حزم ثم هذا قوله! قال محمد بن سلام: كان الأحوص الشاعر يشبب بنساء أهل المدينة، فتأذوا به، وكان معبد وغيره من المغنين يتغنون في شعره، فشكاه قومه، فبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يضربه مائة سوطٍ، ويقيمه على البلس للناس، ثم يسيره إلى دهلك. ففعل به. فثوى بها سلطان سليمان، وعمر بن عبد العزيز، فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز، فسألوه أن يرده إلى حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: عرفت نسبه، وموضعه من قومه، وقد أخرج إلى أرض الشرك، فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودار قومه، فقال عمر: من الذي يقول: من الطويل فما هو إلا أن أراها فجاءةً ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب؟ قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: من الطويل أدور، ولولا أن أرى أم جعْفَرٍ ... بأبياتكم ما درت حيث أدور؟ قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: مجزوء البسيط الله بيني وبين قيِّمها ... يفر مني بها وأتّبع؟ قالوا: الأحوص، قال: فمن الذي يقول: من الطويل سيُلقى لها في القلب في مضمر الحشا ... سريرة حبٍّ يوم تبلى السرائر؟

قالوا: الأحوص، قال: إنه عنها يومئذ لمشغول، والله لا أرده ما كان لي سلطان. فمكث هنالك صدراً، ثم استخلف يزيد بن عبد الملك، فبينا يزيد ليلةً على سطح، وجاريته حبابة تغنيه بشعر الأحوص، إذا قال يزيد: من يقول هذا الشعر؟ قالت: لا وعينيك ما أدري. قال: وقد كان ذهب من الليل شطره، فقال: ابعثوا إلى الزهري فعسى أن يكون عنده علم من ذلك، فأتي ابن شهاب الزهري، فقرع بابه، فخرج فزعاً حتى أتى يزيد، فلما صعد إليه قال: لا بأس، لم ندعك إلا لخيرٍ، اجلس. فجلس، فقال: من يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص يا أمير المؤمنين، قال: ما فعل؟ قال: قد طال حبسه بدهلك، قال: عجبت لعمر بن عبد العزيز كيف أغفله؟ فأمر بالكتاب بتخلية سبيله، ثم قدم عليه، فأجازه وأحسن جائزته. قال يحيى بن عروة بن أذينة: لما قدم الفرزدق أتى مجلس أبي، فأنشده الأحوص شعراً، قال: من أنت؟ قال: الأحوص بن محمد، قال: ما أحسن شعرك! فقال: أهكذا تقول لي؟ فوالله لأنا أشعر منك، قال: وكيف تكون أشعر مني، وأنت تقول: من الطويل يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأفضل شيء ما به العين قرت فإنه يقر بعينها أن تنكح، فيقر ذاك بعينك؟! عن خويلد الهذلي قال: بينما أنا وأبي نطوف بالبيت إذا نحن بعجوز يضرب أحد لحييها بالآخر، أقبح عجوزٍ رأيتها قط، فقال: أي بني، أتعرف هذه؟ قلت: لا، ومن هذه؟ قال: هذه التي يقول فيها الأحوص: من البسيط

سلام ليت لساناً تنطقين به ... قبل الذي نالني من خبله قطعا أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني ... حتى إذا قلت: هذا صادق نزعا يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا عن يوسف بن عنيزة قال: هجا الأحوص بن محمد رجلاً من الأنصار من بني حرام يقال له: ابن بشير، وكان كثير المال، فغضب من ذلك، فخرج حتى قدم على الفرزدق بالبصرة، فأهدى له وألطفه، فقبل ذلك منه، فجلسا يتحدثان، فقال له الفرزدق: ممن أنت؟ قال: من الأنصار، قال: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله ثم بك من رجلٍ هجاني، قال: قد أجارك الله منه وكفاك مؤونته، فأين أنت عن الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني، فأطرق ساعةً، ثم قال: أليس الذي يقول: من الطويل ألا قف برسم الدار فاستنطق الرسما ... فقد هاج أحزاني وذكرني نعما؟ قال: بلى، قال:

فلا والله ما أهجو رجلاً هذا شعره، فخرج ابن بشير، فاشترى أفضل من الشراء الأول من الهدايا، وقدم بها على جرير، فأخذها وقال له: ما أقدمك؟ قال: جئت مستجيراً بالله وبك من رجل هجاني، قال: قد أجارك الله وكفاك، أين أنت عن ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو الذي هجاني، قال: فأطرق ساعةً ثم قال: أليس الذي يقول: من الطويل تمشى بشتمي في أكاريس مالك ... شبابة كالكلب الذي ينبح النجما فما أنا بالمخسوس في جذم مالكٍ ... ولا بالمسمى ثم يلتزم الاسما ولكن بيتي إن سألت وجدته ... توسط منها العز والحسب الضخما؟ لا والله، لا أهجو رجلاً هذا شعره. فاشترى أفضل من تلك الهدايا، وقدم على الأحوص، فأهداها له، وصالحه. عن إسماعيل بن محمد المخزومي قال: اجتمع خمس نسوةٍ عند امرأةٍ من أهل المدينة، فقلن: أرسلي إلى الأحوص، فإنا نحب أن نتحدث معه، ونسمع من شعره، قالت: إذاً لا يزيد إذا خرج من عندكن، وعرفكن أن يفضحكن بالشعر، فلم يزلن بها حتى أرسلت رسولاً يذكر رسولاً يذكر له أمرهن، ولا يسميهن، ويأتي مخمراً رأسه. ففعل، وتحدث معهن، وأنشدهن؛ فلما أراد الخروج شق طرة من ردائه فوضعها على جدار باب الدار، ثم تيمم الموضع لما أصبح، فطاف عليه حتى وجد العلامة، فقال: من الكامل خمس دسنن إليّ في لطفٍ ... حور العيون نواعم زهر فطرقتهن مع الرسول وقد ... نام الرقيب، وحلق النسر متأبطاً للحي إن فزعوا ... عضباً يلوح بمتنه أثر فعكفن ليلتهن ناعمةً ... ثم استفقن وقد بدا الفجر بأشم معسولٍ بحاجبه ... غض الشباب رداؤه غمر قامت تخاصره لكلتها ... تمشي التأود غادة بكر فتناغيا من دون نسوتها ... كلما يُسَرُّ كأنه سحر كل يرى أن الشباب له ... في كل مبلغ لذةٍ عذر

قال إسماعيل: فخرجت وأنا شاب، ومعي شباب، لنزور مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرنا خبر الأحوص هذا وشعره، وقدامنا عجوز عليها وسم جمالٍ، فلما بلغنا المسجد وقفت، والتفتت إلينا، فقالت: يا فتيان، أنا والله إحدى الخمس، كذب ورب هذا القبر والمنبر ما خلت معه واحدة، ولا راجعته دون نسوتها كلاماً. وقال من قصيدة يرثي معاوية: من الكامل يا أيها الرجل الموكل بالصبا ... وصبا الكبير إذا صبا تعليل قدّم لنفسك قبل موتك صالحاً ... واعمل، فليس إلى الخلود سبيل لا بد من يومٍ لكل معمرٍ ... فيه لمدة عيشه تكميل أين ابن هندٍ، وهو فيه عبرة؟ ... إما اعتبرت لمن له معقول ملك تدين له الملوك مبارك ... كادت لمهلكه الجبال تزول تجبى له بلخ ودجلة كلها ... وله الفرات وما سقاه النيل لو أنه وزن الجبال بحلمه ... لوفى بها، أو ظل وهو يميل فأزال ذلك ريب يومٍ واحدٍ ... عنه وحكم ماله تبديل حتى ثوى جدثاً كأن ترابه ... مما تطرده الصبا منخول فهو الذي لو كان حي خالداً ... يوماً لكان من المنون يؤول وقال يمدح عبد العزيز بن مروان: من الطويل أقول بعمانٍ، وهل طربي به ... إلى أهل سلعٍ، إن تشوفت نافع؟ أصاحِ، ألم تحزنك ريح مريضة ... وبرق تلالا بالعقيقين رافع فإن الغريب الدار مما يشوقه ... نسيم الرياح، والبروق اللوامع

نظرت على فوتٍ، وأوفى عشيةً ... بناء منظر من حصن عمان يافع لأبصر أحياء بخاخٍ تضمنت ... منازلهم منها التلال الداوفع فأبدت كثيراً نظرتي من صبابتي ... وأكثر منها ما تجن الأضالع وكيف اشتياق المرء يبكي صاببةً ... إلى من نأى عن داره وهو طائع وإنا عدانا عن بلادٍ نحبها ... إمام دعانا نفعه المتتابع أغر لمروانٍ وحربٍ كأنه ... حسام جلت عنه الصياقل قاطع هو الفرع من عبدي منافٍ كليهما ... إليه انتهت أحسابها والدسائع هو الموت أحياناً يكون، وإنه ... لغيث حيا يحيى به الناس واسع قال عبد الله بن عمران بن أبي فروة: أتت الأحوص الأنصار حين وقفه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في سوق المدينة، وإنه يصيح: من الكامل ما من مصيبة نكبةٍ أعنى بها ... إلا تعظمني وترفع شاني وتزول حين تزول عن متخمطٍ ... تخشى بوادره على الأقران إني إذا خفي اللئام رأيتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان وأنشد نفطويه النحوي للأحوص: من الطويل

وإني لآتي البيت ما إن أحبه ... وأكثر هجر البيت وهو حبيب وأغضي عن الأشياء منكم تريبني ... وأدعى إلى ما سركم فأجيب وقال الأحوص: من الوافر أأن نادى هديلاً ذات فلجٍ ... مع الإشراق في فننٍ حمام ظللت كأن دمعك در سلكٍ ... هوى نسقاً وأسلمه النظام تموت تشوق طرباً وتحيا ... وأنت جوٍ بدائك مستهام كأنك من تذكر أم حفص ... وحبل وصالها خلق رمام صريع مدامةٍ غلبت عليه ... تموت لها المفاصل والعظام وأنى من بلادك أم حفص ... سقى بلداً تحل به الغمام سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام ولا غفر الإله لمُنكحيها ... ذنوبهم، وإن صلوا وصاموا فطلقها فلست لها بأهلٍ ... وإلا شق مفرقك الحسام وقال الأحوص في مرضه الذي مات فيه: من البسيط

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله

يا بشر، يا رب محزونٍ بمصرعنا ... وشامتٍ جذلٍ ما مسه الحزن وما شمات امرئ إن مات صاحبه ... وقد يرى أنه بالموت مرتهن؟! عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله أبو الحسين الحنظلي السمناني روى عن عيسى بن حماد بسنده عن خولة بنت حكيم السلمية قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من نزل منزلاً ثم يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ". أنشد أبو الحسين عبد الله بن محمد السمناني لنفسه: من الطويل ترى المرء يهوى أن يطول بقاؤه ... وطول البقا ما ليس يشفي له صدرا ولو كان في طول البقاء صلاحنا ... إذاً لم يكن إبليس أطولنا عمرا توفي أبو الحسين السمناني - بسمنان - سنة ثلاثٍ وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع أبو أحمد، المعروف بابن المفسر الفقيه الشافعي روى عن أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي بسنده عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزالون بخيرٍ ما كان فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخيرٍ ما كان فيكم من رأى من رأى رآني وصاحبني ". ولد ابن المفسر سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة.

عبد الله ويقال عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله

عبد الله ويقال عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله أبو القاسم القرشي الحراني روى عن ابن أبي شيخ بسنده عن سفيان بن عيينة قال: عيرت اليهود عيسى بن مريم بالفقر، فقال: من الغنى إثم، بحسبك أنه من شرف الفقر أنك لا ترى أحداً يعصي الله ليفتقر. وبسنده عن الشافعي أنه قال: صحبة من لا يخاف العار عار. توفي أبو القاسم القرشي إمام الجامع العبد الصالح سنة سبع وستين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال أبو بكر الحنائي البغدادي الأديب روى عن أبي يوسف يعقوب بن أحمد بن عبد الرحمن الجصاص الدعاء بسنده عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنة قاطع ". مات أبو بكر الحنائي سنة إحدى وأربعمائة، وكان ثقة. عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الأندلسي يعرف بابن العربي والد أبي بكر، دخل إلى المشرق بابنه أبي بكر.

عبد الله بن محمد بن عبد الله

روى أبو بكر محمد بن طرخان من طريقه موطأ مالك. قال أبو محمد بن العربي: صحبت الإمام أبا محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم سبعة أعوامٍ، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من كتاب: القصد، نحو السدس، وقرأنا من كتاب: الاتصال، أربع مجلدات، ولم يفتني من تواليفه شيء سوى ما ذكرته. قال ابن طرخان: وكان عند الإمام أبي محمد كتاب: الاتصال، في أربعةٍ وعشرين مجلداً بخط يده. عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو محمد التنوخي ولد بمعرة النعمان يوم الأربعاء التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وأربعمائة. أنشد ابنه أبو اليسر له: من الكامل يا من تنكب قوسه وسهامه ... وله من اللحظ السقيم سيوف يغنيك عن حمل السلاح إلى العدى ... أجفانك المرضى فهن حتوف وأنشد له في الربوة: من الرمل قف على الربوة يا حادي الركاب ... وقفةً تذهب عني بعض ما بي وارجع العيس على أدراجها ... نقض حق الود من دار الرباب كيف لا أصبو إلى أرضكم ... وبها صاحبت أيام الشباب فإذا ما ابتسمت من نحوها ... بوميض البرق أجفان السحاب

عبد الله بن محمد بن عبد الله

لج من فرط غرامي بكم ... دمع عيني وحنيني وانتحابي توفي عبد الله بن محمد بمصر سنتة ست عشرة وخمسمائة. عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الصنهاجي المغربي، المعروف بابن الأشيري كان أديباً له شعر جيد. اجتمع به الحافظ ابن عساكر بدمشق، وذكر وفاته سنة إحداى وستين وخمسمائة. عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني قال عبد الله بن أبي عتيق: كنا عند عائشة، فجيء بطعامٍ، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلي بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ". وفد ابن أبي عتيق على عبد الملك بن مروان، فلقي حاجبه، فسأله أن يستأذن له عليه، فسأله الحاجب: ما نزعه؟ فذكر دَيناً فدحه، فاستأذن له، فأمر

عبد الملك بإدخاله، فأدخله، وعند رأس عبد الملك ورجليه جاريتان له وضيئتان، فسلم وجلس، فقال له عبد الملك: حاجتك؟ قال: ما لي حاجة إليك، قال: ألم يذكر لي الحاجب أنك شكوت إليه دَيناً عليك، وسألته ذكر ذلك لي؟ قال: ما فعلت وما علي دين، وإني لأيسر منك، قال: انصرف راشداً، فقام، ودعا عبد الملك الحاجب، فقال له: ألم تذكر لي ما شكا إليك ابن أبي عتيق من الدَين؟ قال: بلى، قال: فإنه أنكر ذلك! فخرج إليه الحاجب، فقال: ألم تشكُ إلي دَينك، وذكرت أنك خرجت إلى أمير المؤمنين فيه، وسألتني ذكره له؟ قال: بلى، قال: فما حملك على إنكار ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال ابن أبي عتيق: دخلت عليه وقد أجلس الشمس عند رأسه، والقمر عند رجليه ثم قال لي: كن سؤالاً! لا والله ما كان الله تعالى ليرى هذا أبداً! فدخل الحاجب على عبد الملك، فأخبره، فضحك ووهب الجاريتين له، وقضى دينه ووصله. قال الزبير بن بكار: ومن ولد عبد الرحمن بن أبي بكر: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو أبو عتيق، وابنه: عبد الله الذي يقال له: ابن أبي عتيق، وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، وكان امرأ صالحاً، وكانت فيه دعابة، وقد سمع من عائشة أم المؤمنين، ودخل عليها في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: كيف أصبحت يا أمه، جعلني الله فداك؟ فقالت له: أصبحت ذاهبة! فقال: فلا إذاً! وأمه: رميثة بنت الحارث بن حذيفة بن مالك بن ربيعة من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. قال موسى بن عقبة: ما نعلم أربعةً في الإسلام أدركوا هم وأبناؤهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هؤلاء الأربعة: أبو قحافة، وأبو بكر وابنه، وابن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي عتيق: محمد.

قال أبو نصر الحافظ: عتيق - بفتح العين. قال عبد الله بن كثير بن جعفر: اقتتل غلمان عبد الله بن العباس، وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودجٍ على بغلةٍ لها، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: أي أمي جعلني الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا، فركبت لأصلح بينهم، فقال: يعتق كل ما يملك إن لم ترجعي! فقالت: يا بني، ما حملك على هذا؟ قال: انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة! قال الزبير: وحدثني أبي أن ابن عتيق دخل على أم المؤمنين عائشة وهو مشتمل على قرد، فقال لها: يا أمه، برّكي فيّ، فقالت: بارك الله فيك، قال: وفيما معي، قالت: وفيما معك، فتكشف لها عنه، فغضبت وقالت له: لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك! وجاء ابن عتيق إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن: من الرمل ما ترى فيمن قد آلى جاهداً ... حالفاً بالله في قطع الرحم قال رب الناس: صلها، قال: لا ... مثلما لو قال: لا، قال: نعم وعبد الله بن عمر يضحك. كان لرجلٍ على ابن أبي عتيق دين، فتقاضاه، فلما ألح عليه قال: ائتني العشية في مجلس القلادة - وكان مجلس القلادة مجلساً لقريش يتذاركون الفقه وأصناف العلوم - فاسألني عن بيت قريش، فأتاه الغريم في المجلس، فقال: إنا تلاحينا في بيت قريشٍ، ورضيناك حكماً، فقال: أعفني من الكلام في هذا، قال: لا بد من أن تقول، قال: فإن بيت قريش آل حرب بن أمية،

قال: ثم من؟ قال: ثم آل أبي العاص، قال: وعبد الله بن عباس حاضر، فقال الرجل: فأين بنو عبد المطلب؟ فقال: لم أظنك تسألني عن بيت الملائكة، ومهبط جبريل، إنما ظننتك تسألني عن بيت الآدميين، فأما إذا صرت إلى بيت رسول رب العالمين، وسيد كل شهيدٍ، وعم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطيار في الجنة مع الملائكة فمن يسامي هؤلاء؟ وأي فخر إلا وهو ينقطع دونهم؟ قال: فجلا عن ابن عباس ما كان فيه، فدعاه بعد ما قام الناس، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، علي دَين، فقال: قد قضيناه عنك. وقد رويت الحكاية من وجهٍ آخر فيه الحسن بدل ابن عباس. قال مروان بن الحكم: بغلة الحسن تعجبني، فقال له ابن أبي عتيق: فإن أخذتها لك تقضي لي أربعين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا كان العشية فأذن للناس، فإني سأذكر أولية قريش إذا جلس الحسن، ولا أذكر من ناحية الحسن شيئاً، فقل: ما لك لا تذكر أبا محمد؟ قال: فلما كان عشية أذن للناس، فلما أخذوا مجالسهم أفاض ابن أبي عتيق مع مروان يذكر أولية قريش وشرفهم، فقال له مروان: أراك تذكر أولية قريش وشرفهم، ولا أسمعك تذكر أبا محمد، وحظه من ذلك الحظ الوافر؟ فقال له ابن أبي عتيق: إنا كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا أبا محمد، فلما قام الحسن قام معه ابن أبي عتيق، فلما خرج أضحك الحسن، وأقبل عليه، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، البغلة، قال: هي لك فأعطاها مروان. قال عبد الله بن عروة بن الزبير: لقد اشتقت إلى حديث ابن أبي عتيق، وأرسل إليه يقول له: إني قد اشتقت إلى حديثك، فأحب أن تزورني، قال: فقال ابن أبي عتيق للرسول: نعم، قال: فأين تعده؟ قال: الحوض، فرجع الرسول إلى عبد الله بن عروة، فأخبره، فقال: هذا موعد مغمس، ارجع إليه فاسأله أي حوض؟ فرجع إليه، فقال: يقول لك: أي حوض؟ قال: حوض القيامة، فذكر ذلك الرسول لعبد الله بن عروة، فضحك، وقال: قل له: أتعدنا حوضاً لا ترده؟ عن عبد الله بن نافع بن ثابت قال: جلس ابن أبي عتيق مع أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مجلس للقضاء،

فخاصمت إلى أبي بكرٍ امرأة منتقبة لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق، فقال: ما تقول في أمر هذه؟ فقال: لها عين مظلومةٍ، إلى أن طالت بها الخصومة، فأذلقتها، فكشفت وجهها، فإذا أنفها ضخم قبيح، فقال له أبو بكر: ما تقول في أمرها؟ قال: لها أنف ظالمة، وأبو بكر بن محمد إذ ذاك يلي عمل المدينة، وقضاءها. عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: كنا نعرض على ابن أبي عتيق وهو في المسجد، فربما أغمض فنسكت، فيقول: اقرؤوا ما لكم؟ فنقول: ظنناك نمت، فيقول: لا ولكن مر رجل يثقل علي فغمضت عينيّ. أنشد منشد لعبد الله بن محمد بن أبي عتيق: من الطويل وإني لأستحيي من الله أن أرى ... إذا غبت عن ليلى أُسرُّ وأفرح وأن ترتعي عيناي في وجه غيرها ... أبى ذاك في الحشا ليس يبرح عن ابن أبي عتيق: أنه مر به رجل ومعه كلب، فقال للرجل: ما اسمك؟ قال: وثاب، قال: فما اسم كلبك؟ قال: عمرو، قال: واخلافاه. حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد: من الطويل من كان محزوناً لإهراق دمعةٍ ... وهى عزمها فليأتنا نبكها معا قال: قد أتيناك، ولا تبرح أو نبكي، فبكى معه. عن الزبير بن بكار قال: لما قال عمر بن أبي ربيعة القرشي: من الوافر أحن إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن سمعت لها حنينا

عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد

فقد أزف المسير فقل لسعدى ... فديتك خبّري ما تأمرينا قال: فخرج ابن أبي عتيق حتى أتى الجباب من أرض غطفان، ثم أتى خيمة سعدى، فاستأذن عليها، وأنشدها البيتين، ثم قال: ما تأمرين، قالت: آمره بتقوى الله. قال عمر بن أبي ربيعة، وهو أول من وصف القوادة بهذين البيتين: من الرمل فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجد مراراً باللعب ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتطأطي عند سورات الغضب فقال ابن أبي عتيق: قد طلبنا مثل هذه تصلح أمر الناس يوم قتل عثمان بن عفان فلم نصبها!. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد أبو محمد الجهني الأندلسي القرطبي روى عن حمزة بن محمد بن علي بن محمد بن العباس الكناني المصري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ". قال أبو محمد بن أسد: أعطيت بوادي القرى ثيابي لامرأةٍ أعرابيةٍ تغسلها، فغسلتها وأتت بها، فدقتها بحذائي بين حجرين وهو تقول: من الرجز

عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن الصامت

أعط الأجير أجره وينصرف ... إن الأجير بالهوان معترف قال: فحفظت عنها الشعر، وزدتها على أجرتها قيراطاً. قال أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهني من أهل قرطبة، رحل إلى المشرق سنة اثنتين وأربعمائة، وتوفي يوم السبت لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن الصامت أبو هاشم حدث عن أبي لبيد محمد بن إدريس السرخسي بسنده إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: المروءة مروءتان، فللسفر مروءة، وللحضر مروءة، فأما مروءة السفر فبذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله، وأما مروءة الحضر فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن، وكثرة الإخوان في الله. سنة ست وعشرين وثلاثمائة توفي أبو هاشم بن الصامت. عبد الله بن محمد بن عبد الغفار ابن أحمد بن إسحاق بن ذكوان أبو محمد البعلبكي القاضي حدث عن أبي الدحداح بن محمد بن إسماعيل التميمي بسنده عن حبة العرني قال: سمعت علياً يقول: أنا أول من صلى خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأول من أسلم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

وعن الحسين بن عبد الله البغراسي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ". توفي ابن ذكوان في سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمانين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ابن نصير بن عبد الوهاب بن عطاء بن واصل أبو سعيد القرشي الرازي الصوفي روى عن محمد بن أيوب الرازي بسنده عن البراء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سئل المسلم في القبر فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فذلك قول الله عز وجل: " يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ". وروى عن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل درهم رباً فهو مثل ثلاثةٍ وثلاثين زنيةً ". توفي أبو سعيد الرازي سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو محمد الهاشمي العقيلي المدني وفد على هشام بن عبد الملك.

روى عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاهدت في سبيل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبرٍ حتى أقتل أدخل الجنة؟ قال: " نعم، إلا أن يكون عليك دين ليس عندك له وفاء ". قدم عبد الله بن محمد بن عقيل على هشام بن عبد الملك فأمر له بأربعة آلاف أو نحوها، فأتى هذا الدير، فنزل فيه، فطُرِق من الليل، فذُهِب بها. قال عبيد الله بن عمرو: فنهضت أنا وأبو المليح، ورجل آخر يقال له: محمد بن عتبة من أهل الرقة، فجمعنا له مثلها أو نحوها، ثم أتيناه بها، فقال لنا: أي شيءٍ هذه؟ إن كانت صلة قبلتها، وإن كانت صدقةً فلا حاجة لي فيها، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحل الصدقة لنا - أهل البيت " قلنا: بل هي صلة، قال: فأخذها. قال مصعب بن عبد الله: انقرض ولد عقيل بن أبي طالب إلا من محمد بن عقيل، كانت عند محمد بن عقيل زينب بنت علي بن أبي طالب، فولدت له: عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد بن سعد: كان عبد الله بن محمد بن عقيل منكر الحديث، لا يحتجون بحديثه، وكان كثير العلم. عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي أبو جعفر، ومحمد بن الحنفية إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فنسأله عن سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن صلاته، فنكتب عنه، ونتعلم منه.

عبد الله بن محمد بن علي

وقال: أتيت الربيع بنت معوذ بن عفراء، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ عندها، فأخرجت إلي إناءً يكون مداً أو مداً وربع بمد ابن هشام، فقالت: بهذا كنت أخرج لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوضوء، فيبدأ، فيغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء - وزاد في رواية في المسح، قال: ثم مسح قرنيه إلى عارضيه حتى بلغ لحيته. قال سفيان بن عيينة: رأيت ابن عقيل يحدث نفسه، فحملته على أنه قد تغير. كان مالك لا يروي عن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولم يدخله في كتبه، ولم يروِ عنه يحيى ابن سعيد القطان. وسئل علي بن المديني عن عبد الله بن محمد بن عقيل، فقال: كان ضعيفاً. وقال يحيى بن معين: لا يحتج بحديثه، وقال: ليس بذاك، ضعيف الحديث. مات عبد الله بن محمد بن عقيل بالمدينة قبل خروج محمد بن عبد الله بن حسن، وخرج محمد بن عبد الله بن حسن سنة خمسٍ وأربعين ومائة. أجمعوا على تضعيفه. عبد الله بن محمد بن علي ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو هاشم العلوي الهاشمي من أهل المدينة، وفد على الوليد بن عبد الملك - ويقال: على سليمان بن عبد الملك - فأدركه أجله بالبقاء في رجوعه، ودفن بالحميمة.

روى عن أبيه انه سمع أباه علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. قال مصعب: كان عبد الله بن محمد يكنى أبا هاشم، وكان صاحب الشيعة، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودفع إليه كتبه ومات عنده، وقد انقرض ولده إلا من قبل النساء. قال خليفة: أمه فتاة - يعني أم ولد - توفي سنة ثمان - أو تسع - وتسعين. قال ابن سعد: كان أبو هاشم صاحب علم ورواية، وكان ثقة قليل الحديث، وكانت الشيعة يلقونه وينتحلونه وكان بالشام مع بني هاشم. قال البخاري: كان عبد الله يتبع السبائية. قال عيسى بن علي: مات أبو هاشم بن الحنفية في عسكر الوليد بدمشق، فخالفني مصعب الزبيري وقال: مات بالحِجر من بلاد الثمود. عن عبد الله بن عياش وجويرية بن أسماء: أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي وفد إلى سليمان بن عبد الملك في حوائج عرضت له، فدخل عليه، فأكرمه سليمان، ورفعه، وسأله، فأجاب بأحسن جواب، وخاطب سليمان بأشياء مما قدم له من أموره، فأبلغ وأوجز، فاستحسن سليمان كلامه

عبد الله السفاح بن محمد بن علي

وأدبه واستعذب ألفاظه، وقال: ما كلمني قرشي قط بشبه هذا، وما أظنه إلا الذي كنا نخبر عنه أنه سيكون منه كذا وكذا، وقضى حوائجه، وأحسن جائزته وصرفه. فتوجه من دمشق يريد فلسطين، فبعث سليمان مولى له أديباً حصيفاً مكراً، فسبق أبا هاشم إلى بلاد لحمٍ وجذام، فواطأ قوماً منهم، فضربوا أبنية على الطريق كهيئة الحوانيت، وبين كل بناء نحو الميل - وأقل وأكثر - وأعدوا عندهم لبناً مسموماً، فلما مر بهم أبو هاشم، وهو راكب بغلةً له جعلوا ينادون: الشراب الشراب، اللبن اللبن، فلما تجاوز عدةً منهم تاقت نفسه إلى اللبن، فقال: هاتوا لبنكم هذا، فناولوه، فلما استقر في جوفه، وتجاوزهم قليلاً أحس بالأمر، وعلم أنه قد اغتيل، فقال لمن معه: أنا والله يا هؤلاء ميت، فانظروا القوم الذين سقوني اللبن من هم؟ فعادوا إليهم، فإذا هم قد طاروا على وجوههم، فذهبوا فقال أبو هاشم: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بالحميمة، وما أحسبني أدركه، فأغذوا السير، قال: فجدوا في السير حتى أدركوا الحميمة كداً - وهي من الشراة - فنزل على محمد بن علي، فقال: يا بن عم، إني ميت من سم سقيته، وأخبره الخبر، وأعلمه أن هذا الأمر صائر إلى ولده، وأوصاه في ذلك، وعرفه بما تمسك به محمد بن علي، ومات أبو هاشم من ساعته. وذكر أبو معشر ان الذي سم أبا هاشم الوليد بن عبد الملك. عبد الله السفاح بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو العابس، أمير المؤمنين ويقال له: المرتضى والقائم ولد بالحميمة من أرض الشراة من ناحية البلقاء، فكان بها إلى أن جاءته الخلافة، وبويع به بالكوفة، وأمه الحارثية، وهي ريطة - ويقال: رائطة - بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان، وكانت قبل أن يتزوجها محمد عند عبد الله بن عبد الملك بن مروان.

حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد، بسنده عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أنه يفد عليه وفدان في يومٍ واحدٍ من السند وإفريقية بسمعهم وطاعتهم، وتلك علامة وفاته. ولا يعلم أن السفاح روي عنه حديث مسند غير هذا الحديث. بويع أبو العباس السفاح بالكوفة ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات بالجدري بالأنبار سنة خمس وثلاثين ومائة، وكان مولده سنة ثمان ومائة، وموته في سنة خمس وثلاثين ومائة يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة، وهو ابن ثمان وعشرين سنة، وصلى عليه عيسى بن علي، وكانت ولايته أربع سنين وتسعة أشهر وفي تاريخ مولده ووفاته ومدة خلافته خلاف، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله وكان أبو العباس طوالاً، أبيض، أقنى، ذا شعرة جعدةٍ، حسن اللحية جعدها. عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يخرج عند انقطاعٍ من الزمان، وظهورٍ من الفتن رجل يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثياً ". عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ". وعن ابن عباس قال: " والله لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لأدال الله من بني أمية، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي ".

عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفةٍ، لا تصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونكم مقتلةً لم تروا مثلها - ثم ذكروا شيئاً - فإذا كان ذلك فأتوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله - وفي رواية: ثم تجيء الرايات السود، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنه خليفة الله المهدي ". عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجر الأسود من حجارة الجنة، وزمزم خطفة مقام جبريل عليه السلام، وسيكون لبني العباس رايةً، فمن تبعها رشد، ومن تخلف عنها هلك، ولن يخرج الأمر منهم إلى غيرهم ". عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخرج رايات سود من قبل خراسان، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء ". عن ابن عباس قال: إني لأرجو ألا تذهب الأيام والليالي حتى يبعث الله منا غلاماً شاباً، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لم يلبس الفتن، ولم تلبسه الفتن، وإني لأرجو أن يختم الله بنا هذا الأمر كما فتحه، فقال له رجل: يا أبا عباس، عجزت عنها شيوخكم وترجوها لشبابكم؟ قال: إن الله يفعل ما يشاء. وعن ابن عباس قال: قال حذيفة وكعب: إذا ولي بنوك - يعني الخلافة - لم تخرج منهم حتى يدفعوها إلى عيسى عليه السلام.

عن محمد بن علي بن عبد الله قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من النصارى، فقال له عمر بن عبد العزيز: من تجدون الخليفة بعد سليمان؟ قال له النصراني: أنت، قال: فأقبل عمر بن عبد العزيز عليّ، فقال: دمي في ثيابك يا أبا عبد الله! قال محمد بن علي: فلما كان بعد ذلك جعلت ذلك النصراني من بالي، فرأيته يوماً، فأمرت غلامي أن يحبسه عليّ، وذهبت به إلى منزلي، وسألته عما يكون، وقلت له: خلفاء بني مروان واحداً واحداً؟ فعد لي خلفاء بني مروان واحداً واحداً، وتجاوز عن مروان بن محمد، قال محمد بن علي: فقلت له: ثم من؟ قال: ثم ابنك ابن الحارثية، وهو اليوم حمل. حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبيه قال: رأيت أبا العباس حين الجمعة على برذونٍ أشهب قريبٍ من الأرض بين عمه داود بن علي وأخيه أبي جعفر، شاباً جميلاً تعلوه صفرة، فأتى المسجد فصعد المنبر، فتكلم فصعد داود بن علي فقام عتبتين من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، والله ما علا منبركم هذا خليفة بعد علي بن أبي طالب غير ابن أخي هذا، ووعد الناس، ومناهم. قال: فقال أبي: ثم إني رأيته الجمعة الثانية كأن وجهه ترس، وكأن عنقه إبريق فضةٍ، وقد ذهبت الصفرة، والله ما كان بينهما إلا أسبوع. عن سعيد بن سلم الباهلي قال: حدثني من حضر مجلس السفاح، وهو أحشد ما كان ببني هاشم، والشيعة، ووجوه الناس. فدخل عبد الله بن حسن بن حسن ومعه مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف، قال: فأشفق الناس من أن يعجل السفاح بشيء إليه، فلا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته، أو يعيا بجوابه،

فيكون ذلك نقصاً له، وعاراً عليه، قال: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعجٍ، فقال: إن جدك علياً - وكان خيراً مني وأعدل - ولي هذا الأمر، فأعطى جديك الحسن والحسين - وكانا خيراً منك - وكان الواجب أن أعطيك مثله؛ فإن كنت فعلت قد أنصفتك، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك، قال: فما رد عبد الله جواباً، وانصرف والناس يعجبون من جوابه له. قال يعقوب بن إبراهيم بن سعد: دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي على أبي العباس في أول وفدٍ وفد عليه من المدينة، فأمروا بتقبيل يده، فتبادروها، وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة وهنأه، وذكر حسبه ونسبه، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعةً، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد؛ وإني لغني عما لا أجر لنا فيه، وعلينا فيه ضعة، قال: ثم جلس. قال: فوالله ما نقص من حظّ أصحابه. قال ابن النطاح: روينا أن السفاح عمل بيتين ووجه برجلٍ إلى عسكر مروان ليقوم على الجبل ليلاً فيصيح بهما، وينغمس، فلا يوجد، وهما هذان البيتان: من البسيط يا آل مروان إن الله مهلككم ... ومبدل أمنكم خوفاً وتشريدا لا عمّر الله من أنسالكم أحداً ... وبثكم في بلاد الخوف تطريدا قال: ففعل ذلك، فدخلت قلوبهم مخافة.

قال جعفر بن يحيى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة، وكان من أجمل الناس وجهاً، فقال: اللهم إني لا أقول كما قال عبد الملك: أنا الملك الشاب، ولكني أقول: اللهم عمرني طويلاً في يطاعتك مُمتّعاً بالعافية، فما استتم كلامه حتى سمع غلاماً يقول لغلامٍ آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيامٍ، فتطير من كلامه، وقال: حسبي الله، ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وبه أستعين، فما مضت الأيام حتى أخذته الحمى، فجعل يوم يتصل بيوم إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام. عن أبي عبيد الله محمد بن عمران بن موسى قال: قال أبو العباس في علته التي مات فيها، وجسه الطبيب: من مجزوء الكامل انظر إلى ضعف الحرا ... ك وذله بيد السكون ينبئك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون وله - وقال له الطبيب: إنك صالح: من الوافر يبشرني بأني ذو صلاحٍ ... يبين له وبي داء دفين لقد أيقنت أني غير باقٍ ... ولا شك إذا وضح اليقين حدث إسحاق بن عيسى بن علي عن أبيه: أنه دخل في أول النهار من يوم عرفة على أبي العباس، وهو في مدينته بالأنبار، قال إسحاق: قال أبي: وكنت قد تخلفت عنه أياماً لم أركب إليه فيها، فعابتني على تخلفي عنه، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر، فقبل عذري، وقال لي: أنا في يومي هذا صائم، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك إياي ما فاتني من محادثتك

في الأيام التي تخلفت عني فيها، ثم تختم ذلك بإفطارك عندي، فأعلمته أني أفعل ذلك، فأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينيه، قد غلب عليه، فنهضت عنه، واستمر به النوم، فميّلت بين القائلة في داره، وبين القائلة في داري، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي، لأقيل في الموضع الذي اعتدت القائلة فيه، فصرت إلى منزلي، وقلت إلى وقت الزوال، ثم ركبت إلى دار أمير المؤمنين، فوافيت باب الرحبة الخارج، فإذا برجلٍ دحداحٍ، حسن الوجه، مؤتزر بإزارٍ، متردٍّ بآخر، فسلم علي، فقال: هنأ الله الأمير هذه النعمة، وكل نعمة البشرى، أنا وافد أهل السند، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فما تمالكت سروراً أن حمدت الله عز وجل على توفيقه إياي في الانصراف رغبةً في أن أبشر أمير المؤمنين بهذه البشرى، فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته، وقريب الصورة من صورته، فسلم علي كما سلم الآخر، وهنأني بمثل تهنئته، وذكر أنه وافد أهل إفريقية إلى أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم، فتضاعف سروري، وأكثرت من حمدي على ما وفقني له من الانصراف، ثم دخلت الدار، فسألت عن أمير المؤمنين، فأخبرت أنه في موضع كان يتهيأ فيه للصلاة، وكان يكون فيه سواكه، وتسريح لحيته، فدخلت إليه وهو يسرح لحيته، فابتدأت بتهنئته، وأعلمته أني رأيت ببابه رجلين، فسقط عليه زمع، وقال: الآخر وافد أهل إفريقية بسمعهم وطاعتهم؟ فقلت: نعم، فوقع المشط من يده، ثم قال: سبحان الله، كل شيءٍ بائد سواه! نعيت والله نفسي. حدثني إبراهيم الإمام، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه يقدم عليّ في يومٍ واحدٍ في مدينتي هذه وافدان، وافد السند، والآخر وافد إفريقية بسمعهم وطاعتهم، وبيعتهم، فلا تمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت " وقد أتاني الوافدان، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيكّ فقلت له: كلا يا أمير المؤمنين -

إن شاء الله - قال: بلى - إن شاء الله - لئن كانت الدنيا حبيبةً إليّ فصحة الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إليّ منها، والله ما كذبت، ولا كُذبت، ثم نهض، وقال لي: من مكانك حتى أخرج إليك، فما غاب حيناً حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فخرج إلي خادم له، فأمرني بالخروج إلى المسجد، والصلاة بالناس، ففعلت ذلك، ورجعت إلى موضعي حتى آذنه المؤذنون بصلاة العصر، فخرج إلي الخادم، فأمرني بالصلاة بالناس، والرجوع إلى موضعي، ففعلت، ثم آذنه المؤذنون بصلاة المغرب، فخرج الخادم، فأمرني بمثل ما كان أمرني به في صلاة الظهر والعصر، ففعلت ذلك، ثم عدت إلى مكاني، ثم آذنه المؤذنون بصلاة العشاء، فخرج إلي الخادم، فأمرني بمثل ما كان يأمرني به، ففعلت مثل ما كنت أفعل، ولم أزل مقيماً بمكاني إلى أن مر الليل، ووجبت صلاته، فقمت، فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر إلا بقية بقيت من القنوت، فخرج عند ذلك ومعه كتاب، فدفعه إليّ حين سلمت، فإذا هو معنون مختوم: " من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين، إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين " وقال: يا عم، اركب في غدٍ، فصل بالناس في المصلى، وانحر، وأخبر بعلة أمير المؤمنين، وأكثر لزومك داره، فإذا قضى نحبه فاكتم وفاته حتى تقرأ هذا الكتاب على الناس، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا الكتاب، فإذا أخذتها، واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان فانعَ إليهم أمير المؤمنين، وجهزه وتول الصلاة عليه، ثم انصرف في حفظ الله، فتأهب لركوبك، فقتل: يا أمير المؤمنين، هل وجدت علة؟ فقال: يا عم، وأي عِلَّةٍ هي أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأخذت الكتاب ونهضت، فما مشيت إلا خطىً حتى هتف بي يأمرني بالرجوع، فرجعت وقال لي: إن الله عز وجل قد ألبسك كمالاً أكره أن يُحظّك الناس فيه، وكتابي الذي في يديك مختوم، وسيقول من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل: إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب؛ لأن الكتاب كان مختوماً وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك، فوالله لتفين للمسمى في هذا

الكتاب، وليَلِيَنَّ الخلافة ما كذبت ولا كُذبت، وانصرف. وتأهبت للركوب فركبت وركب معي الناس حتى صليت بأهل العسكر، ونحرت وانصرفت إليه، فسألته عن خبره، فقال: خبر ما، به الموت لا محالة! فقلت: يا أمير المؤمنين، هل وجدت شيئاً؟ فأنكر عليّ قولي، وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله! أقول لك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه يموت " فتسألني عما أجد؟! لا تعد لمثل هذا الذي كان منك! ثم دخلت إليه عشية يوم العيد، وكان من أحسن من عاينته عيناي وجهاً، فرأيته في تلك العشية وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعرفها، فزادت وجهه كمالاً، ثم بصرت بإحدى وجنتيه في الحمرة مثل حبة الخردل بيضاء، فارتبت بها، ثم صوبت بطرفي إلى الوجنة الأخرى، فوجدت فيها حبةً أخرى، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بدياً فرأيت الحبة قد صارت ثنتين، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مقدار الدينار حباً أبيض صغاراً، فانصرفت وهو على هذه الحال. وغَلّست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق فوجدته قد هجر، وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري، فرحت إليه بالعشي، فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق، فسجيّته كما أمرني، وخرجت إلى الناس فقرأت عليهم الكتاب وكان فيه: سلام عليكم، أما بعد فقد قلّد أمير المؤمنين الخلافة عليكم بعد وفاته أخاه، فاسمعوا له وأطيعوا، وقد قلد الخلافة بعد عبد الله: عيسى بن موسى - إن كان. ثم أخذت البيعة على الناس، وجهزته، وصليت عليه، ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة.

عبد الله بن محمد بن علي

وقيل: كان آخر ما تكلم به عند موته: " الملك لله الحي القيوم، ملك الملوك، وجبار الجبابرة ". عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو جعفر المنصور بويع له بالخلافة بعد أخيه أبي العباس السفاح، وأمه أم ولد بربرية اسمها سلامة. روى عن أبيه عن جده عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه. كان المنصور حاجاً في وقت وفاة السفاح، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوماً، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور، وكان مولده بالحُميمة سنة خمسٍ وتسعين. وصفه علي بن ميسرة الرازي فقال: رأيت سنة خمسٍ وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة فتىً أسمر رقيق السمرة، موفر اللمة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف، بيّن القنى، أعين، كأن عينيه لسانان ناطقان، تخالطه أبهة الملوك بزي النساك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يعرف الشرف في تواضعه، والعتق في صورته، واللب في مشيته. خرج أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس سنة أربع وخمسين، واستقرى الجزيرة وأجناد الشام مدينةً مدينةً، ودخل دمشق مرتين.

عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومن المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمةً من دمٍ، وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً ". عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فذكرنا المهدي، وكان منضجعاً فاستوى جالساً، فقال: " منا السفاح، ومنا المنصور، ومنا المهدي ". قالت سلامة أم أمير المؤمنين المنصور: لما حملت بأبي جعفر رأيت كان أسداً خرج من فرجي، فأقعى وزأر وضرب بذنبه، فرأيت الأُسد تقبل من كل ناحية إليه، فكلما انتهى إليه أسد منها سجد له. حدث أبو سهل بن علي بن نوبخت قال: كان جدنا نوبخت على دين المجوسية، وكان في علم النجوم نهايةً، وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أدخل السجن، فرأيت من هيبته وجلالته، وسيماه وحسن وجهه وبنائه ما لم أرَ لأحدٍ قط، قال: فصرت من موضعي إليه، فقلت: يا سيدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد! فقال: أجل يا مجوسي، قلت: فمن أي بلادٍ أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلت: أي مدينةٍ؟ فقال: من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: وحق الشمس والقمر إنك لمن ولد صاحب المدينة؟ قال: لا، ولكني من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرب إليه وأخدمه حتى سألته عن كنيته؟ فقال: كنيتي أبو جعفر، فقلت: أبشر فوحق المجوسية لتملكن جميع

ما في هذه البلدة حتى تملك فارس، وخراسان، والجبال، فقال لي: وما يدريك يا مجوسي؟ قلت: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى، فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواةً، فوجدتها فكتب لي: بسم الله الرحمن الرحيم: يا نوبخت، إذا فتح الله على المسلمين، وكفاهم مؤونة الظالمين، ورد الحق إلى أهله لم نُغفل ما يجب من حق خدمتك إيانا. قال نوبخت: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فأخرجت الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقع، فالحمد لله الذي صدق وعده، وحقق الظن، ورد الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت، فكان منجّماً لأبي جعفر. عن الربيع بن حظيان قال: كنت مع أبي جعفر المنصور في مسجد دمشق عند المقصورة أيام مروان بن محمد، فقال لي: يا ربيع، ترى لهذا الأمر من فرج؟ ثم تذاكرنا الأمر، فقلت: من ترى لهذا الأمر؟ فقال: ما أعرف له أحداً إلا عبد الله بن حسن بن حسن، فقلت: ما هو لها بأهلٍ، لا في فضله، ولا في عقله، قال: لا تقل ذاك يغفر الله لك، إن له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً قريبة، فقال لي: فأنت من ترى لها؟ فقلت له: أنت؟ ووالله الذي لا إله غيره ما علمت يومئذٍ أحداً أحق بها منه. قال: فلما ولي الخلافة أرسل إليّ، فدخلت عليه فقال لي: يا ربيع الحديث الذي كان بيني وبينك بدمشق تحفظه؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: والله يا ربيع لو نازعني فيها أحد من الناس لضربت ما بين عينيه بالسيف، قال: ثم لم يزل يحادثني ويذاكرني أمر عبد الله بن حسن، وقال: قد وليتك دار الضرب بدمشق، فاخرج إليها. واستخلف أبو جعفر المنصور - وهو عبد الله الأكبر، ويقال له: عبد الله الطويل الأكبر - يوم توفي العباس بالأنبار، وأبو جعفر يومئذٍ بمكة في الحج، وأنفذ إليه الخبر بذلك، فلقيه الرسول في منصرفه من الحج بمنزلٍ يقال له: صُفَينة، من ناحية طريق

الجادة، فتفاءل باسم المنزل، وقال: صفت لنا - إن شاء الله - وأغذ السير، ثم قدم الأنبار، وهي يومئذٍ دار الملك، فاستقبل بخلافته المحرم من سنة سبع وثلاثين، فكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً تنقص أياماً، وتوفي بأكناف مكة وهو محرم، وكان يلقب في أيام أبيه مدرك الترات. ويحكى أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة، فبينا هو يدخل منزلاً من المنازل قبض عليه صاحب الرصد، فقال: زن درهمين، قال: خل عني؛ فإني من بني أعمام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: زن درهمين، قال: خل عني، فإني رجل قارئ لكتاب الله، قال: زن درهمين، قال: خل عني فإني رجل عالم بالفقه والفرائض، قال: زن درهمين، قال: فلم أعياه أمرُه وزن الدرهمين، ولزم جمع المال، والتدنيق فيه، فبقي على ذلك بُرهةً من زمانه إلى أن قلد الخلافة، وبقي عليه فصار الناس يبخلونه، فلقب بأبي الدوانيق. عن الأصمعي قال: قالت أعرابية للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العباس: أعظم الله أجرك في أخيك، لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم من خلافتك. قال المنصور: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والملوك أربعة: معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا. عن مالك بن أنس قال: دخلت على أبي جعفر الخليفة فقال: من أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فهجم عليّ أمر لم أعلم رأيه، قال: قلت: أبو بكر، وعمر، قال: أصبت، وذلك رأي أمير المؤمنين.

وأقام الحج أبو جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة، وسنة أربعين ومائة، وسنة أربع وأربعين ومائة، وسنة سبع وأربعين ومائة، وسنة اثنتين وخمسين ومائة. عن إسماعيل الفهري قال: سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته: أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على فيئه بمشيئته، أقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، وقد جعلني الله تعالى عليه قفلاً إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم، وإذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني، فارغبوا إلى الله تعالى، أيها الناس، وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه إذ يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً " أن يوفقني للصواب، ويسددني للرشاد، ويلهمني الرأفة بكم، والإحسان إليكم، ويفتحني لإعطائكم، وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم، فإنه سميع مجيب. عن الأصمعي قال: صعد أبو جعفر المنصور المنبر، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، اذكر من أنت في ذكره! فقال أبو جعفر: مرحباً، مرحباً، لقد ذكرت جليلاً، وخوفت عظيماً، وأعوذ بالله من أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله ما الله أردت بها، وإنما أردت أن يقال: قام، فقال: فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، وإياكم - معشر الناس - وأمثالها. قال أبو الفضل الربعي: حدثني أبي قال: بينما المنصور ذات يومٍ يخطب، وقد علا بكاؤه، إذ قام رجل فقال: يا وصاف،

تأمر بما تحتقبه، وتنهى عما تركبه؟ بنفسك فابدأ، ثم بالناس. فنظر إليه المنصور وتأمله ملياً، وقطع الخطبة، ثم قال: يا عبد الجبار خذه إليك، فأخذه عبد الجبار، وعاد إلى خطبته حتى أتمها، وقضى الصلاة، ثم دخل ودعا بعبد الجبار، فقال له: ما فعل الرجل؟ قال: محبوس عندنا يا أمير المؤمنين، قال: أملٍ عليه ثم عرض له بالدنيا، فإن صدف عنها، وقلاها فلعمري إنه لمريد، وإن كان كلامه ليقع موقعاً حسناً، وإن مال إلى الدنيا، ورغب فيها إن لي فيه أدباً يزعه عن الوثوب على الخلفاء، وطلب الدنيا بعمل الآخرة. فخرج عبد الجبار، فدعا بالرجل، وقد دعا بغدائه، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: حق لله كان في عنقي، فأديته إلى خليفته، قال: ادن فكل من هذا الطعام حتى يدعو بك أمير المؤمنين، قال: لا حاجة لي فيها، قال: وما عليك من أكل الطعام؟ إن كانت نيتك حسنةً فلا يفثؤك عنها شيء، فدنا، فأكل فلما أكل طمع فيه، فتركه أياماً، ثم دعاه فقال: لَهِيَ عنك أمير المؤمنين وأنت محبوس، فهل لك في جارية تؤنسك، وتسكن إليها؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه جاريةً، ثم أرسل إليه: هذا الطعام قد أكلت، والجارية قد قبلت، فهل لك في ثيابٍ تكتسيها، وتكسو عيالك - إن كان لك عيال - ونفقة تستعين بها على أمرك إلى أن يدعو بك أمير المؤمنين؟ قال: ما أكره ذلك، فأعطاه، ثم قال له: ما عليك أن تصنع خلة تبلغ بها الوسيلة من أمير المؤمنين إن أردت الوسيلة عنده، إذا ذكرك، قال: وما هي؟ قال: أوليك الحسبة والمظالم، فتكون أحد عماله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: ما أكره ذلك، فولاه الحسبة والمظالم، فلما انتهى شهر قال عبد الجبار للمنصور: الرجل الذي تكلم بما تكلم به، فأمرت بحبسه قد أكل من طعام أمير المؤمنين، ولبس من ثيابه، وعاث في نعمته، وصار أحد ولاته، وإن أحب أمير المؤمنين أن أدخله إليه في زي الشيعة فعلت. قال: فأدخله، فخرج عبد الجبار إلى الرجل، فقال: قد دعا بك أمير المؤمنين وقد

أعلمته أنك أحد عماله على المظالم والحسبة، فادخل عليه في الزي الذي يحب، فدخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك، ألست القائم بنا والواعظ لنا ومذكرنا بأيام الله على رؤوس الملأ؟ قال: نعم، قال: فكيف ملت عن مذهبك؟ قال: يا أمير المؤمنين فكرت في أمري فإذا أنا قد أخطأت فيما تكلمت به، ورأيتني مصيباً في مشاركة أمير المؤمنين في أمانته، فقال: هيهات أخطأت استك الحفرة! هبناك يوم أعلنت الكلام، وظننا أنك أردت الله به، فكففنا عنك! فلما تبين لنا أنك الدنيا أردت جعلناك عظةً لغيرك حتى لا يجترئ بعدك مجترئ على الخلافة، أخرجه يا عبد الجبار، فاضرب عنقه! فأخرجه فقتله. قال أبو عبيد الله: سمعت المنصور أمير المؤمنين يقول لأمير المؤمنين المهدي: يا أبا عبد الله، إن الخليفة لا يصلحه إلى التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. وقال له: لا تبرمن أمراً حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآة تريه قبيحه وحسنه. عن الأصمعي أن المنصور قال لابنه: أي بني ائتدم النعمة بالشكر، والمقدرة بالعفو، والطاعة بالتآلف والنصر بالتواضع والرحمة للناس. عن المبارك بن فضالة قال: كنا عند أمير المؤمنين المنصور فدعا برجلٍ، ودعا بالسيف، فأخرج المبارك رأسه

في السماط، فقال: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما سمعه المنصور يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل عليه بوجهه يسمع منه، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة قام منادٍ من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا " فقال المنصور: خلوا سبيله، ثم أقبل على جلسائه يخبرهم بعظيم جرمه، وما صنع. حدث قطن بن معاوية الغلابي قال: كنت ممن سارع إلى إبراهيم، واجتهد معه؛ فلما قتل طلبني أبو جعفر، واستخفيت فقبض أموالي ودوري، فلحقت بالبادية، فجاورت في بني نصر بن معاوية، ثم في بني كلاب، ثم في بني فزارة، ثم في بني سليم، ثم تنقلت في بلاد قيس أجاورهم حتى ضقت ذرعاً، فأزمعت على القدوم على أبي جعفر، والاعتراف له؛ فقدمت البصرة فنزلت في طرفٍ منها، ثم أرسلت إلى أبي عمرو بن العلاء، وكان لي وداً، فشاورته في الذي أزمعت عليه، فقيَّل رأيي، وقال: والله إذا ليقتلنك، وإنك لتعين على نفسك، فلم ألتفت إليه، وشخصت حتى قدمت بغداد، وقد بنى أبو جعفر مدينته، ونزلها، وليس من الناس أحد يركب فيها ما خلا المهدي، فنزلت الخان، ثم قلت لغلماني: أنا ذاهب إلى أمير المؤمنين، فأمهلوا ثلاثاً، فإن جئتكم وإلا فانصرفوا. ومضيت حتى دخلت المدينة، فجئت دار الربيع، والناس ينتظرونه وهو يومئذٍ داخل المدينة في الشارعة على قصر الذهب، فلم ألبث أن خرج يمشي، فقام إليه الناس، وقمت معهم، فسلمت عليه فرد علي وقال: من أنت؟ قلت: قطن بن معاوية، قال: انظر ما تقول! قلت: أنا هو. فأقبل على مسودةٍ معه، فقال: احتفظوا بهذا. قال: فلما حرست لحقتني ندامةً، وتذكرت رأي أبي عمرو، فتأسفت عليه، ودخل الربيع، فلم يطل حتى خرج خصيّ فأخذ بيدي فأدخلني قصر الذهب، ثم أتى بيتاً حصيناً فأدخلني فيه، ثم أغلق بابه وانطلق فاشتدت ندامتي، وأيقنت بالبلاء،

وخلوت بنفسي ألومها، فلما كانت الظهر أتاني الخصي بماءٍ، فتوضأت وصليت وأتاني بطعامٍ، فأخبرته أني صائم، فلما كانت المغرب أتاني بماءٍ، فتوضأت وصليت، وأرخى الليل علي سدوله، فيئست من الحياة، وسمعت أبواب المدينة تغلق، وأقفالها تشدد، فامتنع مني النوم، فلما ذهب صدر الليل أتاني الخصي، ففتح عني، ومضى بي فأدخلني صحن دارٍ ثم أدناني من سترٍ مسدولٍ، فخرج علينا خادم، فأدخلنا، فإذا أبو جعفر وحده والربيع قائم في ناحيةٍ، فأكب أبو جعفر هنيهةً مطرقاً، ثم رفع رأسه فقال: هيه! قلت: يا أمير المؤمنين أنا قطن ابن معاوية، قد والله جهدت عليك جهدي؛ فعصيت أمرك، وواليت عدوك، وحرصت على أن أسلبك ملكك؛ فإن عفوت فأهل ذاك أنت، وإن عاقبت فبأصغر ذنوبي تقتلني، قال: فسكت هنيهةً، ثم قال: هيه!؟ فأعدت مقالتي، فقال: فإن أمير المؤمنين قد عفا عنك. وكتب إلى عامله على البصرة برد جميع ما اصطفى له. قال الأصمعي: أُتي المنصور برجلٍ يعاقبه على شيءٍ بلغه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، فعفا عنه. ولقي أبو جعفر المنصور أعرابياً بالشام فقال: احمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا - أهل البيت - قال: إن الله لم يجمع علينا حشفاً وسوء كيلٍ؛ ولايتكم والطاعون!.

قال عباد بن كثير لسفيان الثوري: قلت لأبي جعفر المنصور: أتؤمن بالله!؟ قال: نعم، قلت: فحدثني عن الأموال التي اصطفيتموها من أموال بني أمية، فوالله لئن كانت صارت إليهم ظلماً وغصباً لما رددتموها إلى أهلها الذين ظلموا وغُصبوا؟! ولئن كانت الأموال لهم لقد أخذتم ما لا يحل، ولا يطيب، إذا دعيت يوم القيامة بنو أمية بالعدل جاؤوا بعمر بن عبد العزيز، فإذا دعيتم أنتم بالعدل وأنتم أمس رحماً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تجيئوا بأحدٍ، فكن أنت ذاك الأحد؛ فقد مضت خلافتك ست عشرة سنةً، وما رأينا خليفةً قبلك بلغ اثنتين وعشرين سنةً، فهبك تبلغها، فما ست سنين تعدل فيها؟! عن النضر بن زرارة قال: أدخل سفيان الثوري على أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين، فأقبل عليه أبو جعفرٍ يوبخه، فقال: تُبغِضنا، وتبغض هذه الدعوة، وتُبغِض عِترة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وسفيان ساكت يقول: سَلْم، سلم. قال: فلما قضى أبو جعفر كلامه، قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد " إلى قوله: " إن ربك لبالمرصاد " قال: ونكس أبو جعفرٍ رأسه، وجعل ينكت بقضيبٍ في يده الأرض، فقال سفيان: البول البول، قال: قم، قال: فخرج وأبو جعفر ينظر إليه. عن بكر العابد قال: قال سفيان الثوري لأبي جعفر المنصور. إني لأعلم رجلاً إن صلح صلحت الأمة، قال: ومن هو؟ قال: أنت. قال محمد بن منصور البغدادي: قام بعض الزهاد بين يدي المنصور، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلةً، واذكر ليلةً تمخّض عن يومٍ لا ليلة بعده.

قال: فأفحم أبو جعفر من قوله، فقال الربيع: أيها الرجل، إنك قد عممت أمير المؤمنين! فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، هذا صحبك عشرين سنةً لم يرَ لك عليه أن ينصحك يوماً واحداً، ولا عمل وراء بابك بشيءٍ من كتاب الله تبارك وتعالى، ولا بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له المنصور بمالٍ، فقال: لو احتجت إلى مالك لما وعظتك. عن عقبة بن هارون قال: دخل عمرو بن عبيد على أبي جعفرٍ المنصور، وعنده المهدي، بعد أن بايع له ببغداد، فقال له: يا أبا عثمان، عظني، فقال: إن هذا الأمر الذي أصبح في يدك لو بقي في يد غيرك ممن كان قبلك لم يصل إليك، فأحذِّرك ليلةً تمخّض بيومٍ لا ليلة بعده. عن إسحاق بن الفضل، قال: إني لعلى باب المنصور، وإلى جنبي عمارة بن حمزة إذا طلع عمرو بن عبيد على حماره، فنزل عن حماره، ونحى البساط برجله، وجلس دونه، فالتفت إلي عمارة، فقال: لا تزال بصرتكم، قد رمتنا بأحمق! فما فصل كلامه من فيه حتى خرج الربيع وهو يقول: أبو عثمان عمرو بن عبيد، قال: فوالله ما دل على نفسه حتى أرشد إليه، فاتكأ بيده ثم قال: أجب أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، فمر متوكئاً عليه، فالتفت إلى عمارة، فقلت: إن الرجل الذي استحمقت قد دعي وتركنا! فقال: كثيراً ما يكون مثل هذا، فأطال اللبث، ثم خرج الربيع وعمرو متوكئاً عليه، وهو يقول: يا غلام، حمار أبو عثمان! فما برح حتى أقره على سرجه، وضم إليه نشر ثوبه، واستودعه الله، فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل فعلاً لو فعلتموه بوليِّ عهدكم لكنتم قد قضيتم حقه! قال: فما غاب عنك والله مما فعله أمير المؤمنين أكثر وأعجب! قال: فإن اتسع لك الحديث فحدثنا فقال: ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلسٍ ففرش لبوداً، ثم

انتقل هو والمهدي، وعلى المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له، فلما دخل سلم عليه بالخلافة فرد عليه، وما زال يدنيه حتى أتكأه على فخذه، وتخفى به، ثم سأله عن نفسه، وعن عياله، يسميهم رجلاً رجلاً، وامرأةً امرأةً، ثم قال: يا أبا عثمان عظني، فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: " والفجر، وليالٍ عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر، ألم تر كيف فعل ربك بعادٍ، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك - يا أبا جعفر - لبالمرصاد " قال: فبكى بكاءً شديداً، كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا تلك الساعة، ثم قال: يا أبا عثمان، هل من حاجة؟ قال: نعم، قال: وما هي؟ قال: لا تبعث إلي حتى آتيك، قال: إذاً لا نلتقي، قال: عن حاجتي سألتني! قال: فاستخلفه الله عز وجل وودعه، ونهض، فلما ولى أمده بصره وهو يقول: مجزوء الكامل كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيدْ غير عمرو بن عبيد عن عبد السلام بن حرب قال: قدم أبو جعفر المنصور البصرة، فنزل عند الجسر، فبعث إلى عمرو بن عبيد، فجاءه، فأمر له بمالٍ، فأبى أن يقبله، فقال المنصور: والله لتقبلنه، فقال: لا والله لا أقبله، فقال له المهدي: يحلف عليك أمير المؤمنين، فتحلف ألا تقبله! فقال: أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك، فقال المنصور: يا أبا عثمان، علمت أني جعلت هذا ولي عهدي؟ قال: يا أمير المؤمنين يأتيه الأمر يوم يأتيه وأنت مشغول.

عن عبد الله بن صالح قال: كتب أبو جعفر إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي يخاصم فيها فلان القائد فلاناً التاجر، فادفعها إلى فلانٍ القائد. فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها لفلانٍ التاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببينة. فكتب إليه أبو جعفر المنصور: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى فلان القائد! فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد فلانٍ التاجر إلا بحق! فلما جاءه الكتاب قال أبو جعفر: ملأتها والله عدلاً، صار قضاتي يردوني إلى الحق. قالوا: شُكي سوار بن عبد الله القاضي إلى أبي جعفر المنصور، وأُثني عليه عنده شراً، قال: فاستقدمه، فلما قدم دخل عليه، فعطس المنصور، فلم يشمته سوار، فقال: ما يمنعك من التشميت؟ قال: لأنك لم تحمد الله، فقال: حمدت في نفسي، قال: فقد شمتك في نفسي، فقال: ارجع إلى عملك، فإنك إذا لم تحابني لم تحاب غيري. عن نمير المدني قال: قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه، فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شيءٍ ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتاباً بالحضور معهم، وإنصافهم، فقلت: تعفيني من هذا، فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب! فكتبت، ثم ختمه، فقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا عليك فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس: - وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم - إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحداً قام إليّ، إذا خرجت أو تدانى بالسلام، ثم خرج المسيب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزارٍ ورداء، فسلم على الناس، فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلم على

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلى الربيع، فقال: يا ربيع، ويحك! أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل لا ولي ولايةً أبداً! فلما رآه وكان متكئاً أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم والجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادعى عليه القوم، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه، فقال: يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلا بعد أن فرغ من أمر الناس جميعاً، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك، وعن نبيك، وعن حسبك، وعن خليفتك أحسن الجزاء، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينارٍ فاقبضها، وكانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة. قال المعلى بن أيوب: دخل رجل على المنصور، فقال له: ما مالك؟ فقال: ما يكف وجهي، ويعجز عن بر الصديق، فقال المنصور: لقد تلطف للسؤال، ووصله. قال محمد بن يزيد المبرد: دخل أعرابي على المنصور، فكلمه بكلام أعجبه، فقال له المنصور: سل حاجتك، فقال: ما لي حاجة يا أمير المؤمنين، فأطال الله عمرك، وأنعم على الرعية بدوام النعمة عليك، قال: ويحك! سل حاجتك؛ فإنه لا يمكنك الدخول علينا كلما أردت، ولا يمكننا أن نأمر لك كلما دخلت، قال: ولِمَ يا أمير المؤمنين وأنا لا أستقصر عمرك، ولا أغتنم مالك؟ وإن العرب لتعلم في مشارق الأرض ومغاربها أن مناجاتك شرف، وما للشريف عنك منحرف، وإن عطاءك لزين، وما مسألتك بنقصٍ ولا شين، فتمثل المنصور بقول الأعشى: من البسيط

فجربوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلا المجد والفنعا ثم قال: يا غلام أعطه ألف دينار. قال محمد بن حفص العجلي: ولد لأبي دلامة ابنة فغدا على أبي جعفر المنصور فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه ولد لي الليلة ابنة، قال: فما سميتها؟ قال: أم دلام، قال: وأي شيءٍ تريد؟ قال: أريد أن يعينني عليها أمير المؤمنين، ثم أنشده: من البسيط لو كان يقعد فوق الشمس من كرمٍ ... قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم ... إلى السماء، فأنتم أكرم الناس قال: فهل قلت فيها شيئاً؟ قال: نعم قلت: من الوافر فما ولدتك مريم أم عيسى ... ولم يكفلك لقمان الحكيم ولكن قد تضمك أم سوءٍ ... إلى لباتها وأن لئيم قال: فضحك أبو جعفر ثم أخرج أبو دلامة خريطة من خرق، فقال: ما هذه؟ قال: يا أمير المؤمنين أجعل فيها ما تحبوني به، قال: املؤوها له دراهم، فوسعت ألفي درهم. عن بعض الهاشميين قال: كنت جالساً عند المنصور بإرمينية، وهو أميرها لأخيه أبي العباس، وقد جلس للمظالم، فدخل عليه رجل، فقال: إن لي مظلمةً، وإني أسألك أن تسمع مني مثلاً أضربه قبل أن أذكر مظلمتي، قال: قل، قال: إني وجلت لله تبارك وتعالى؛ خلق الخلق

على طبقَاتٍ، فالصبي إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه، ولا يطلب غيرها، فإذا فزع من شيءٍ لجأ إليها، ثم يرتفع عن ذلك طبقةً، فيعرف أن أباه أعز من أمه، فإن أفزعه شيء لجأ إلى أبيه، ثم يبلغ، ويستحكم، فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه، فإن ظلمه ظالم انتصر به، فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه، واستنصره، وقد كنت في هذه الطبقات وقد ظلمني ابن نهيك في ضيعةٍ لي في ولايته، فإن نصرتني عليه، وأخذت بمظلمتي وإلا استنصرت إلى الله عز وجل ولجأت إليه، فانظر لنفسك أيها الأمير، أو دع! فتضاءل أبو جعفر، وقال: أعد علي الكلام؟ فأعاده، فقال: أما أول شيءٍ فقد عزلت ابن نهيك عن ناحيته، وأمر برد ضيعته. قيل لأبي جعفر المنصور: هل بقي لذات الدنيا شيء لم تنله؟ قال: بقيت خصلة؛ أن أقعد في مصطبةٍ وحولي أصحاب الحديث، يقول المستملي: من ذكرت - رحمك الله -؟ قال: فغدا عليه الندماء، وأبناء الوزير بالمحابر والدفاتر فقال: لستم به، إنما هم الدنسة ثيابهم، المشققة أرجلهم، الطويلة شعورهم برد الآفاق ونقلة الحديث. عن محمد بن سلام والزيادي قالا: اجتمع جماعة من أهل العلم عند المنصور فيهم عمرو بن عبيد، فسأل المنصور عمرو بن عبيد عن الحديث: " فيمن اقتنى كلباً لغير زرعٍ، ولا حراسة، إنه ينقص كل يومٍ من أجره قيراط " فقال له عمرو بن عبيد: هكذا جاء الحديث، قال المنصور: خذها بحقها؛ إنما قيل ذلك لأنه ينبح الضيف، ويروّع السائل، ثم أنشد: من الكامل

أعددت للضيفان كلباً ضارياً ... عندي، وفضل هراوةٍ من أرزن ومعاذراً كذباً، ووجهاً باسراً ... وتشكياً عض الزمان الألزن قال: فما بقي أحد في المجلس إلا كتب عن المنصور. قال أبو العيناء: دخل المنصور من باب الذهب، فإذا ثلاثة قناديل مصطفة، فقال: ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافياً؟ يقتصر من هذا على واحدٍ، فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم من قبل أن يشبعوا، فقالوا: يا غلام، علي بالقهرمان، قال: ما لي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيتك قد قدرت الزيت فقدرت الطعام، قال: فقال: وأنت لا تفرق بين زيتٍ يحترق في غير ذات الله، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلاً! ابطحوه، فبطحوه فضربه سبع دررٍ. عن الربيع الحاجب قال: لما مات المنصور قال لي المهدي: يا ربيع، قم بنا حتى ندور في خزائن أمير المؤمنين، قال: فدرنا فوقعنا على بيتٍ فيه أربعمائة حبٍّ مطينة الرؤوس، قال: فقلنا: ما هذه؟ قيل: هذه فيها أكباد مملحة، أعدها المنصور للحصار. عن يونس قال: كتب زياد بن عبيد الله الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه وأرزاقه، وأبلغ في كتابه فوقّع المنصور في القصة: إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجلٍ أبطراه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة.

قال المنصور: إذا مد إليك عدوك يده، فإن قدرت على قطعها وإلا قبلها. عن محمد بن سلام قال: رأت جارية للمنصور قميصه مرقوعاً، فقالت: خليفة وقميصه مرقوع؟! فقال: ويحك! أما سمعت ما قال ابن هرمة: من الكامل قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع لما قتل المنصور أبا مسلم قال وهو طريح بين يديه: من الوافر قد اكتنفتك خلات ثلاث ... جلبن عليك محتوم الحمام خلافك وامتناعك من يميني ... وقودك للجماهير العظام وله لما عزم على قتله: من الطويل إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ ... فإن فسادها الرأي أن تترددا ولا تمهل الأعداء يوماً بقُدرةٍ ... وبادرهم أن يملكوا مثلها غدا قال الربيع الحاجب: حججت مع المنصور أبي جعفر، فلما كنا بالقادسية، قال لي: يا ربيع، إني مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، فناد في الناس، فناديت، فلما كان من الغد قال لي: يا ربيع، أجمت المنزل، فناد بالرحيل، فقلت: ناديت أمس أنك مقيم بهذا المنزل ثلاثاً، وترحل الساعة!؟ قال: أجمت المنزل، فرحل، ورحل الناس، وقربت له ناقة ليركب، وجاؤوه بمجمرٍ ليتبخر، فقمت بين يديه، فقال: ما عندك؟ فقلت: رحل الناس، فأخذ فحمة من المجمر، فبلها بريقه، وقام إلى الحائط، فجعل يكتب على الحائط بريقه

حتى كتب أربعة أسطرٍ، ثم قال: اركب يا ربيع، فكان في نفسي هم لأعلم ما كتب، ثم حججنا، فكان من أمر وفاته ما كان، ثم رجعت من مكة، فبسط لي في الموضع الذي بسط له فيه في القادسية، فدخلت وفي نفسي أن أعلم ما كتب على الحائط، فإذا هو قد كتب على الحائط: مجزوء الكامل المرء يأمل أن يعي ... ش وطول عمرٍ قد يضره تبلى بشاشته ويب ... قى بعد حلو العيش مره وتخونه الأيام حت ... ى لا يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إن هلك ... ت وقائلٍ لله دره وقال: لما مرض أمير المؤمنين المنصور بالله مرضه الذي مات فيه بمكة أتيته يوماً وهو وحده، فنظر إلى القبلة، فرأى فيها كتاباً، فقرأه وقال: يا ربيع، قم بيني وبين القبلة، فإذا الكتابة في صدري، فقال: افتح الباب، فعاد الكتاب إلى القبلة، فقال: ظننت هذا من حيلة الآدميين، وإذا فيه: من الطويل أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت ... سنوك وأمر الله لا بد واقع أبا جعفرٍ هل كاهن أو منجمٍ ... لك اليوم من ريب المنية دافع قال طيفور: كان سبب إحرام المنصور من خضراء مدينة السلام أنه نام ليلةً، فانتبه فزعاً، ثم عاود النوم، فانتبه فزعاً ثم راجع النوم، فانتبه فزعاً، فقال: يا ربيع، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: لقد رأيت في منامي عجباً، قال: ما رأيت، جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت كأن آتياً أتاني، فهينم بشيءٍ لم أفهمه، فانتبهت فزعاً، ثم عاودت النوم، فعاودني يقول ذلك الشيء، ثم عاودني يقوله، حتى فهمته، وحفظته، وهو: من الطويل

كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وعري منه أهله ومنازله وصار رئيس القوم من بعد بهجةٍ ... إلى جدثٍ تبنى عليه جنادله وما أحسبني يا ربيع إلا قد حانت وفاتي، وحضر أجلي، ومالي غير ربي. قال بعض أهل العلم: كان آخر ما تكلم به عند الموت أبو جعفر عبد الله بن محمد: اللهم بارك لي في لقائك، وكان نقش خاتمه: الله ثقة عبد الله، وبه يؤمن. قال فليح بن سليمان: قال لي أبو جعفر سنة حج، فمات فيها: ابن كم أنت؟ قلت: ابن ثلاثٍ وستين، قال: تلك سني، ثم قال: تدري ما كانت العرب تسميها؟ قلت: لا، قال: مدقة الأعناق، ثم مضى فمات فيها. قال الحكم بن عثمان: قال المنصور أبو جعفر أمير المؤمنين عند موته: اللهم إنك تعلم أني قد ارتكبت من الأمور العظام جرأةً مني عليك، وإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك، شهادة أن لا إله إلا الله مخلصاً، مناً منك لا مناً عليك، ثم خرجت نفسه. عن هارون الفروي: حدثني من رأى أبا جعفر محمولاً على السرير ميتاً مكشوف الوجه، وكان مات محرماً، قال: وبصرت برجلٍ أبصره على تلك الحال تمثل هذا البيت: من المتقارب وافى القبور أبو مالكٍ ... برغم العداة وأوتارها

عبد الله بن محمد بن علي

ومات أبو جعفر ببئر ميمون يوم السبت لسبع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وصلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي - ويقال: إبراهيم بن يحيى بن محمد، وكانت خلافته ثنتين وعشرين سنةً، ودفن مكشوف الوجه. قال أبو شيخ: كنت حاجاً في سنة ثمان وخمسين - وقد حج فيها أبو جعفر - فلما قربنا من مكة رأيت كان رأسي قطع، فأخبرت بذاك عديلي سعيد بن خالد، فقال: الرأس أبو جعفر، ولا أراه إلا يموت، فما مكثنا إلا أياماً حتى مات أبو جعفر. عبد الله بن محمد بن علي ابن نفيل بن زراع بن عبد الله بن قيس أبو جعفر النفيلي الحراني روى عن محمد بن سلمة بسنده عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عنده أتاه بلال، فآذنه بالصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس ". قال الخطيب في ولد بَصَر - بالباء المعجمة بواحدة -: أبو جعفر النفيلي المحدث، واسمه: عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، بن زراع بن عبد الله ابن قيس بن عُصُم بن كوز بن هلال بن عصم بن بصر بن زِمّان. وقال أبو علي التنوخي في نسب تنوخ: وبعض النساب يقول: نصْر - بالنون وبالصاد الساكنة.

قال أبو جعفر بن نفيل: قدم علينا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فسألني يحيى وهو يعانقني، فقال: يا أبا جعفر، قرأت على معقل بن عبيد الله، عن عطاء: " أدنى وقت الحائض يوم "؟ فقال: له أبو عبد الله: لو جلست! فقال: أكره أن يموت، أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه. ثم قال: حدثك نضر بن عربي، عن عكرمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش له في قبره قطيفة بيضاء بعلبكية؟ وذكر أبو عبد الله أبا جعفر النفيلي فأثنى عليه خيراً، وقال: كان يجيء معي إلى مسكين بن بكير. قال صالح بن علي النفيلي: سألت النفيلي عن تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجرى بيني وبينه كلام - فقلت: يا أبا جعفر، فأنا أريد أن أجعلك حجةً بيني وبين الله عز وجل قال: ومن أنا؟ قلت: لم أرَ مثلك، قال: يا بن أخي، فإنا نقول: خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. قلت: يا أبا جعفر، إن أحمد بن حنبل، ويعقوب ابن كعب يقولان: عثمان، ويقفان عن علي، قال: أخطآ جميعاً؛ أدركت الناس وأهل السنة والجماعة على هذا. وقال أبو جعفر النفيلي: من شرب مسكراً فقد شرب خمراً، ولو أن رجلاً حلف بالطلاق لا يشرب خمراً، فشرب نبيذاً مسكراً، فإن كانت له نية في خمر العنب فهو ونيته، وأن لم يكن له نية قلت له: اعتزل امرأتك. وقال: المسكر حرام، المسكر حرام. مات أبو جعفر النفيلي سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين.

عبد الله بن محمد بن علي الهمداني الدينوري القاضي

وثقه النسائي والدارقطني. عبد الله بن محمد بن علي الهمداني الدينوري القاضي سمع أبا زرعة الدمشقي يقول: سمعت أبا مسهر يقول: سأل المأمون مالك بن أنسٍ: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينارٍ، وقال: اشتر بها داراً، قال: ثم أراد المأمون الشخوص، وقال لمالك: تعال معنا؛ فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال مالك: ليس إلى ذلك سبيل؛ وذاك أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، ولا سبيل إلى الخروج معك؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون " وقال: " المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد " وهذه دنانيركم، فإن شئتم فخذوه، وإن شئتم فدعوه. روى عبد الله بن محمد بن القاضي الهمداني، عن أبي زرعة قال: قلت لأحمد بن حنبل: مالك أفقه أو الأوزاعي؟ قال: مالك، قلت: مالك أفقه أو الثوري؟ قال: مالك، قلت: مالك أفقه أو الليث بن سعد؟ قال: مالك.

عبد الله بن محمد بن عمر

عبد الله بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو محمد العلوي روى عن أبيه، عن جده، عن علي قال: كان أحب ما في الشاة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذراع. قال الزبير بن بكار: وولد محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: عمر، وعبد الله، وعبيد الله، وأم كلثوم، أمهم: خديجة بنت علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأمها أم ولد، وولد عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: أحمد، ومحمداً، يكنى أبا عمر؛ وأمهما أم ولد، وعيسى يلقب مباركاً، كان راوية للشعر والحديث، وكان شاعراً، ويحيى وأم عبد الله أمهم أم الحسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ وأمها أم ولد. كان عبد الله بن محمد بن عمر يلقب دافناً، مات في آخر زمن أبي جعفر، وكان قليل الحديث. عبد الله بن محمد بن عمر بن العباس بن الوليد ابن سليمان بن الوليد أبو العباس المعروف بابن الجليد الأسدي روى عن هشام بن عمار بسنده عن عائشة: أن رجلاً ابتاع غلاماً من رجلٍ، فكان عنده ما شاء الله، ثم ردّه من عيب وجد به،

عبد الله بن محمد بن عمرو بن الجراح

فقال الرجل: قد كان استعمل غلامي منذ كان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخراج بالضمان ". قال ابن ماكولا: جليد - بفتح الجيم وكسر اللام. توفي أبو العباس بن الجليد سنة سبع وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن عمرو بن الجراح أبو العباس الأزدي الغزي روى عن محمد بن يوسف الفريابي بسنده عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَمَسَّحوا بالأرض؛ فإنها بكم برة ". وعن الفريابي بسنده عن جرير قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لم يرحم الناس لا يرحمه الله ". قال أبو العباس الغزي: كتب أحمد بن حنبل إلى أبي مسهر أن يكتب إليه بهذا الحديث؛ يعني حديث أم حبيبة: " من مس فرجه فليتوضأ " فقلت لأبي مسهر: اكتب به معي، لأتبجح به عنده، فقال لي: كتب إليّ: اكتب بخطك، وأنا الساعة في شغل.

عبد الله بن محمد بن الفضيل

عبد الله بن محمد بن الفضيل ويقال: ابن الفضل الصيداوي حدث عن محمد بن صالح بسنده عن سليمان التيمي قال: ليس قوم أشد نقصاً للإسلام من الجهمية والقدرية؛ فأما الجهمية فقد بارزوا الله، وأما القدرية فإنهم قالوا في الله. عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم بن خلف أبو محمد الأندلسي الثغري القلعي من أهل قلعة أيوب، كان شيخاً جليلاً من أهل العلم والزهد والشجاعة، رحل إلى المشرق سنة خمسين وثلاثمائة، ودخل العراق والشام، ثم انصرف إلى الأندلس، فلزم العبادة والجهاد، واستقضاه المستنصر بالله الأموي، ثم استعفاه من القضاء، فأعفاه. وكان فقيهاً، فاضلاً، ديناً، ورعاً، صليباً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم كان يشبه بسفيان الثوري في زمانه. وأنكر على بعض أسباب السلطان شيئاً في ناحيته، فبغي به، فعهد بإسكانه قرطبة، فقدمها سنة خمسٍ وسبعين وثلاثمائة، قرأ عليه أبو الوليد بن الفرضي كتاب: معاني القرآن، للزجاج. توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة بقلعة أيوب، وهو ابن ثلاث وستين سنة.

عبد الله بن محمد بن مسلم

عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الأسفرائيني الجوربذي من قرية جوربذ. روى عن عيسى بن أبي عمر البزاز عن عتبة بن عبد السلمي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " النار لها سبعة أبوابٍ، والجنة لها ثمانية أبوابٍ ". وروى عن محمد بن عزيز الأيلي بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الملحين في الدعاء ". كان عبد الله بن محمد بن مسلم النيسابوري من الأثبات المجودين الجوالين في أقطار الأرض. ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، وتوفي سنة ثمان عشرة وثلاثمائة. عبد الله بن محمد بن المُسلَّم أبو المفضل الهاشمي روى عن أبوي القاسم السميساطي والحنائي بسندهما عن أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر. عبد الله بن محمد بن منصور أبو منصور الهروي البزاز قال: سمعت هشام بن عمار: وبلغه أن ناساً ينسبونه إلى اللفظية، فغضب، وخطب خطبةً أثنى فيها على الله

عبد الله بن محمد بن نصر بن طويط

تعالى، ووصفه بالآيات الست من أول الحديد؛ وتلاها علينا، وذكر من عظمة الله ما عجب منه السامعون، من حسنه، ثم ذكر القرآن فقال: القرآن كلام الله، وليس بمخلوقٍ، ومن قال: القرآن - أو قدرة الله أو عزة الله - مخلوق؛ فهو من الكافرين. فقيل له: ما تقول فيمن قال: لفظي بالقرآن مخلوق؟ فقال: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد " هذا الذي قرأت كلام الله، فقيل له: تحدث الناس ببغداد أنك كتبت إلى الكرابيسي! فقال: ومن الكرابيسي، ما رأيته قط!؟ ولا أدري من هو، والله ما كتبت إليه. توفي عبد الله بن محمد بن منصور البزاز سنة تسع وثمانين ومائتين. عبد الله بن محمد بن نصر بن طويط ويقال: طويت أبو الفضيل البزاز الرملي الحافظ. روى عن محمد بن علي، ابن أخي رواد بن الجراح بسنده عن أبي هريرة وعائشة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ولذته، فإذا فرغ أحدكم من حاجته فليتعجل إلى أهله ". عبد الله بن محمد بن وهب ابن بشر بن صالح بن حمدان أبو محمد الدينوري الحافظ روى عن العباس بن يزيد البحراني بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".

عبد الله بن محمد بن يزداذ بن سويد

قال أبو علي الحافظ: كان عبد الله بن محمد بن وهب الدينوري صاحب حديث حافظاً، بلغني أن أبا زرعة كان يعجز عن مذاكرته في زمانه. قال الدارقطني: عبد الله بن وهب الدينوري متروك، يضع الحديث. عبد الله بن محمد بن يزداذ بن سويد أبو صالح الكاتب أصله من مرو، كان أبوه وزيراً للمأمون، ووزر هو للمستيعن نحواً من شهر، ووزر أيضاً للمهتدي، وقدم دمشق في صحبة المتوكل. ذكره أبو بكر محمد بن يحيى الصولي في كتاب: الوزراء، وذكر من شعره: من الخفيف ضاق صدري لما بعدت ولو كن ... ت قريباً إذاً لما ضاق صدري يا خلياً مما ألاقيه فيه ... ليس بالحب والصبابة تدري بأبي وجهك الذي لم يزل لي ... قائماً عند من يلوم، بعذر وذكر له أيضاً: من المجتث سكرت من حب شكر ... وبعت عرفاً بنكر وأكثرت ذكر هجري ... فصار منها كهجر ومن شعره: من البسيط لا تجحد الذنب ثم اطلب تجاوزنا ... عنه؛ فإن جحود الذنب ذنبان وامحُ الإساءة بالإحسان مقتبلاً ... إن الإساءة قد تمحى بإحسان

وله يفخر بما كان المأمون عقده لأبيه من ولائه لبني هاشم: من الخفيف إن بيتي من الأكاسرة الغر ... ر مكاناً تحله العيوق ولها من ولاء أحمد خير ال ... ناس ما نحوه النفوس تتوق تتلظى الأعداء شحاً عليه ... ما لهم من جمالة ثفروق والإمام المأمون أكد منه ... سبباً زاده له التوفيق مات أبو صالح بن يزداد وهو مستخفٍ في داره، ودفن؛ فشاع موته، فنُبش حتى نُظر إليه، ثم رُدّ في قبره في رجب سنة إحدى وستين ومائتين. /

عبد الله بن محمد بن أبي يزيد الخلنجي القاضي ولي قضاء الكرخ ببغداد. وقيل: ولي قضاء دمشق. وكان من رؤوس أصحاب أحمد بن أبي داؤد. وكان الخلنجي من المجردين للقول بخلق القرآن المعلنين به. وكان حاذقاً بالفقه، على مذهب أبي حنيفة، واسع العلم، ضابطاً. وتقلد المظالم. فأخبر ابن أبي دؤاد أنه مشتغل عالم بالقضاء ووجوهه، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم فولاه قضاء همذان، فأقام نحو عشرين سنة لا يشكى، وتلطف له محمد بن الجهم في مال عظيم فلم يقبله. ولما ولي الشرقية ظهرت عفته وديانته لأهل بغداد. وكان فيه كبر شديد، وكتب إليه المعتصم في أن يمتحن الناس، وكان يضبط نفسه، فتقدمت إليه امرأة فقالت: إن زوجي لا يقول بقول أمير المؤمنين في القرآن ففرق بيني وبينه، فصاح عليها. فلما كان في سنة سبع وثلاثين في جمادى عزله المتوكل، وامره أن يكشف ليفضحه بسبب ما امتحن الناس في خلق القرآن، فما انكشف عليه أنه أخذ حبة واحدة. وكان القاضي عبد الله هو ابن أخت علوية المغني، وكان تياهاً صلفاً. وكان يجلس إلى أسطوانة من أساطين المسجد فيستند إليها بجميع جسده ولا يتحرك، فإذا تقدم إليه الخصمان أقبل عليهما بجميع جسده وترك الاستناد حتى يفصل بينهما ثم يعود إلى حاله،

فعمد بعض المجان إلى رقعة من الرقاع التي يكتب فيها الدعاء وألصقها في موضع ذنبته وطلاها بدبق، وجاء الخلنجي فجلس كما كان يجلس فالتصقت ذنبته بالدبق وتمكن منها. فلما تقدم إليه الخصوم وأقبل عليهم بجميع جده كما كان يفعل انكشف رأسه وبقيت الذنبة في موضعها مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلموبة، فقام الخلنجي مغضباً وعلم أنها حيلة وقعت عليه. فغطى رأسه بطيلسانه وانصرف وتركها مكانها حتى جاء بعض أصحابه فأخذها. وقال بعض شعراء أهل عصره فيه: المنسرح إن الخلنجي من تتايهه ... أثقل بادٍ لنا بطلعته ماتيه ذي نخوةٍ مناسبة ... بين أخاوينه وقصعته يصالح الخصم من يخاصمه ... خوفاً من الجورفي قضيته لو لم تدبقه كف قانصه ... لطار تيهاً على رعيته قال: وشهرت الأبيات والقصة ببغداد، وعمل علوية حكاية أعطاها للزفانين والمخنثين فأحرجوه فيها. وكان علوية يعاديه لمنازعةٍ كانت بينهما، ففضحه. واستعفى الخلنجي من القضاء ببغداد، وسأل أن يولى بعض الكور البعيدة، فولي جند دمشق أو حمص. فلما ولي المأمون الخلافة غناه علوية بشعر الخنلجي وهو: الطويل برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا ولكنهم لما رأوك غريةً ... بهجري تواصوا بالنميمة واحتالوا فقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ قال: دمشق. فأمر المأمون بإحضاره فحضر، وجلس المأمون وأحضر علوية ودعا بالقاضي فقال له: أنشدني قولك: برئت من الإسلام إن كان ذا الذي. فقال له: يا أمير المؤمنين، هذه أبيات قلتها منذ

أربعين سنة وأنا صبي، والذي أكرمك بالخلافة، وورثك ميراث النبوة ما قلت شعراً من أكثر من عشرين سنة إلا في زهدٍ أو عتاب صديق فقال له: اجلس فجلس، فناوله قدح نبيذ كان في يده وقال له: اشرب فأرعد وبكى، وأخذ القدح من يده وقال: والله يا أمير المؤمنين ما غيرت الماء بشيء قط مما يختلف في تحليله فقال: لعلك تريد نبيذ التمر والزبيب، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين ما أعرف شيئاً منها، فأخذ القدح من يده وقال: أما والله لو شربت شيئاً من هذا لضربت عنقك، ولقد ظننت أنك صادق في قولك كله، ولكن لا يتولى القضاء أبداً رجل بدأ في قوله بالبراءة من الإسلام. انصرف إلى منزلك وأمر علوية فغير هذه الكلمة وجعل مكانها: حرمت مناي منك إن كان ذا الذي وقد رويت هذه القصة لغير الخلنجي وذكر أنها لعمر بن أبي بكر المؤملي. وسيأتي ذكره. قال علي بن محمد بن الفرات: لما تولى الخلنجي قضاء الشرقية كثر من يطالبه بفك الحجر، فدعا بالأمناء وقال لهم: من كان منكم في يده مال ليتيم فليشتر له منه مراً وزبيلاً يكون قبله، وليدفع إليه ماله. فإن أتلفه عمل بالمر والزبيل. قال داود بن علي: سمعت بعض شهود الخلنجي يقول: ما علمت أن القرآن مخلوق إلى اليوم.. فقلت: وكيف علمت! أجاءك وحي؟ قال: سمعت القاضي يقول.. توفي الخلنجي سنة ثلاث وخمسين ومئتين.

عبد الله بن محمد

عبد الله بن محمد والصواب عبد الملك بن محمد الصنعاني من صنعاء دمشق. حدث عن سعيد بن عبد العزيز بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أدبارهن. قال: كذا وقع في هذه الرواية. وإنما هو عبد الملك بن محمد. عبد الله بن محمد الدمشقي قال: سمعت محمد بن المبارك الصوري يقول: أعمال الصادقين لله بالقولب، وأعمال المرائين بالجوارح للناس، فمن صدق فليقف موقف العمل لله لعلم الله به، لا لعلم الناس بمكان عمله. عبد الله بن محمد المعروف بابن الوسخ البزار، اشيخ الصالح حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عروة أن الزبير أعلم يوم بدر بعمامة صفراء. عبد الله بن محمد النسائي أبو أحمد حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى معاذ بن جبل قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منزل أبي أيوب. قال: فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تغرغرت -

يعني: عينيه - فقلت: يا رسول الله، ما تفسير هذه الآية " يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً " فبكى حتى غشي عليه ثم أفاق، فإذا هو ينتفض ويفيض عرقاً، ثم قلت: يا رسول الله، ما قوله: فتأتون أفواجاً؟ قال: يا معاذ لقد سألتني عن أمر عظيم، وبكى حتى ظننت أني أسأت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أقبل علي فقال: يا معاذ، هل تدري عم سألت؟ قلت: أخبرني يا رسول الله عن قوله " فتأتون أفواجاً " قال: إنك أول من سألني عنها: إذا كان يوم القيامة تجزأ أمتي عشرة أجزاء، يحشرون على عشرة أفواج: صنف على صورة القردة، وصنف على صورة الخنازير، وصنف على صورة الكلاب، وصنف على صورة الحمر، وصنف على صورة الذر، وصنف على صورة البهائم، وصنف على صورة السباع، وصنف يحشرون على وجوههم، وصنف ركبان، وصنف مشاة: فأما الذين يحشرون على صورة القردة فهم قوم من هذه الأمة يسمون القدرية. قلت: يا رسول الله، وما علاماتهم وقولهم؟ قال: يا معاذ، إنهم مشركو أمتي، يزعمون أن الله تعالى قدر بعض الأشياء ولم يقدر بعضها، وأن المعاصي ليست بمخلوقة، أولئك مشركو هذه الأمة، يعذبهم الله تعالى في النار على صورة القردة قال: قلت: يا رسول الله، فمن هؤلاء الذين يحشرون على صورة الخنازير؟ قال: يا معاذ، أولئك آفة أهل الإسلام، وهلاك الدين، المكذبين بما جئت به. قلت: من هم؟ قال: قوم يسمون بالمرجئة، قلت: يا رسول الله، وما علاماتهم وقولهم؟ قال: يا معاذ، إنهم يزعمون أن الإيمان قول لا يضرهم مع القول كثرة المعاصي، كما لا ينفع أهل الشرك كثرة من صالح الأعمال، أولئك يعذبهم الله عز وجل في النار مع هامان في صورة الخنازير. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الكلاب؟ قال: يا معاذ؛ أولئك قوم من أهل الدعوة مرقوا من الدين، واستحلوا دماء أمتي واستباحوا حرمهم، وتبرؤوا من أصحابي، يسمون بالحرورية، أولئك كلاب النار. ثلاثاً، لو قسم عذابهم على الثقلين لأوسعهم، لهم في الدنيا نباح كنباح الكلاب. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الحمر؟ قال: صنف من هذه الأمة يسمون الرافضة. قالت: يا رسول الله، فما علامتهم؟ قال: إنهم مشركون ينتحلون حبنا، ويتبرؤون من أبي بكر وعمر، ويشتمونهما لهم نبز. لا يرون جمعة ولا جماعة، أولئك في النار شر مكاناً. قلنا:

عبد الله بن محمد أبو العباس

يا رسول الله، أليس هؤلاء الأصناف مؤمنون؟ قال: يا معاذ، ما نفعهم إيمانهم شيئاً إذا تركوا الإيمان وخالفوا ما جئت به، أولئك لا تنالهم شفاعتي. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة السباع؟ قال: يا معاذ، زنادقة الأمة. قلت: يا رسول الله، صفهم، وما قولهم. قال: ينكرون حوضي وشفاعتي، ويكفرون بفضائلي، الا إن الله عز وجل - يعني، جعل منهم قوماً يحشرون عطاشاً إلى النار على صورة السباع - قلت: يا رسول الله، اتنفعهم شفاعتك؟ قال: يا معاذ، كيف تنفعهم شفاعتي ولم يقروا بشفاعتي؟ قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على صورة الذر؟ قال: يا معاذ، المتكبرون المتعظمون من أمتي، وأصحاب البغي على أمتي، وأصحاب التطاول، يحشرون على صورة الذر إلى النار. قالت: يا رسول الله؛ فما الصنف الذين يحشرون على صورة البهائم؟ قال: أولئك أكلة الربا، الذين لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس قالت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون على وجوههم؟ قال: أولئك المصورون، والهمازون، واللمازون، والسعاة من هذه الأمة. قلت: يا رسول الله، فما الصنف الذين يحشرون مشاة؟ قال: أولئك أهل اليمين. قلت: فما الصنف الذين يحشرون ركوباً؟ قال: أولئك المقربون إلى جنات عدن. قال: هذا حديث منكر. وفي إسناده غير واحد من المجهولين. عبد الله بن محمد أبو العباس الأنباري، المعروف بابن شرشير الناشئ الشاعر المتكلم قدم دمشق، وله كتب ينقض فيها كتاب المنطق، وأشعار في ذلك. وكان شاعراً، وله قصيدة على روي واحد وقافية واحدة تكون أربعة آلاف بيت، ذكرها الناجم، وذكر أنه أنشده إياها، وكان يقول في خلاف كل معنى قالت فيه الشعراء. وكان متهوساً شديد الهوس، وشعره كثير، وهو مع كثرته قليل الفائدة، وكان أخذ نفسه بالخلاف على أهل المنطق والشعراء والعروضيين وغيرهم، ورام أن يحدث لنفسه أقوالاً ينقض بها ما هم عليه، فسقط ببغداد، فلجأ إلى مصر، فشخص إليها وأقام بها بقية عمره.

عبد الله بن محمد الرعيني

رئي الناشئ في مسجد دمشق وقد خلع سراويله ليبيعه، فقيل له: لو تعرضت لهؤلاء الملوك، فأنشأ يقول: من الطويل وإني لأرض باليسير تعففاً ... ولي همة تسطو على نوب الدهر أفكر في بيعي قبائي بهمتي ... فأرتاح من ذل السؤال إلى الفقر مخافة أن ألقى بخيلاً مصرداً ... يثمن لي نزر العطية بالشكر ومن شعر أبي العباس المتكلم: المتقارب وكان لنا أصدقاء حماة ... واعداء سوءٍ فما خلدوا تساقوا جميعاً كؤوس الحمام ... فمات الصديق ومات العدو ومن شعره: الكامل إني ليهجرني الصديق تجنياً ... فأريه أن لهجره أسبابا وأراه إن عاتبته أغريته ... فيكون تركي للعتاب عتابا وإذا بليت بجاهلٍ متحلمٍ ... يجد المحال من المور صوابا أوليته مني السكوت وربما ... كان السكوت عن الجواب جوابا مات أبو العباس الناشئ سنة ثلاث وتسعين ومئتين. عبد الله بن محمد الرعيني حدث عن محمد بن الوزير بسنده إلى سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعي أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن لي نخلاً، قال: أد العشر. قال: يا نبي الله، احم جبلها قال: يحمى له جبلها. سمع بدمشق سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.

عبد الله بن محمد أبو القاسم

عبد الله بن محمد أبو القاسم الدمشقي الساجي الصوفي صنف كتاب مقالات الصوفية. حكى عن إبراهيم بن المولد قال: قال أبو سعيد الخزاز: علامة العبودية ثلاث: الوفاء لله على الحقيقة، والمتابعة للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشريعة، والنصيحة لجميع الأمة. وروى عن السلبي قال: الورع أن يتورع عن كل ما سوى الله. وحكى عن إبراهيم بن المولد قال: سألت ابن أجلا: متى يستحق الفقير اسم الفقير؟ قال: إذا لم يبق عليه بقية منه، فقلت: كيف ذاك؟ فقال: إذا كان له فليس له، وإذا لم يكن له فهو له. قال عبد الله الدمشقي: أنشدني بعضهم: الوافر هجرتك لا قلى مني ولكن ... رأيت بقاء ودك في الصدود كهجر الحائمات الورد لما ... رأت أن المنية في الورود تفيض نفوسها ظمأ وتخشى ... حذاراً وهي تنظر من بعيد تصد بوجه ذي البغضاء عنه ... وترمقه بألحاظ الودود قال عبد الله بن محمد الدمشقي: كنت واقفاً على حلقة الشلبي، فجعل يبكي ولا يتكلم، فقال له رجل: ما هذا البكاء؟! فأنشأ يقول: الوافر إذا عاتبته أو عاتبوه ... شكا فعلي وعدد سيئاتي فيا من دهره غضب وسخط ... أما أحسنت يوماً في حياتي؟

عبد الله بن محمد أبو القاسم المقدسي الإمام

عبد الله بن محمد أبو القاسم المقدسي الإمام حدث بدمشق عن أبي حفص عمر بن يوسف بن سليمان البغدادي المذكر، المعروف بالباقلاني بسنده قال: سمعت ميمون بن سياه يقول: سمعت حرسياً يقول: قال الله عز وجل: وعزتي وجلا لي وجودي ومجدي، ما من عين بكت من مخافتي إلا بدلتها ضحكاً في نور قدسي في جواري حيث تسمع كلامي. قال الحافظ: كذا وجد المقدسي وأظنه القرشي، وقد يصحف عليهم. عبد الله بن محمد أبو محمد بن الزجاج الوشاء حدث بدمشق إملاء من لفظه عن أبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي بسنده إلى أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ارتجت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي عليه السلام باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى فقال: رحمك الله أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً. فذكره بطوله. عبد الله بن المبارك بن واضح أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، المروزي من أئمة المسلمين. قدم دمشق. حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتى أعرابي فسأله، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ وأقيمت الصلاة فنهض فصلى. فلما فرغ

من صلاته قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرء مع من أحب. قال: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم به. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى. وحدث ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك شك في رفعه، ووقع عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان عن أنس مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال: ثلاث ليالٍ. قال عبد الله بن المبارك: قدمت الشام على الأوزاعي - قريته ببيروت - فقال لي: يا خاساني، من هذا الذي خرج بالكوفة؟ - يعني: أبا حنيفة - فرجعت إلى بيتي فأقبلت على كتب أبي حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها، وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت: ... فما زال قائماً بعدما أذن حتى قرأ صدراً من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه. قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه. قال ابن المبارك: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السن فقال: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم، فقال لي:

وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك. كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار. وعبد الله بن المبارك الخراساني مولى عبد شمس من بني سعد بني تميم، وكانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي. وكان عبداً لرجلٍ من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم. وروى عبد الله بن المبارك كثيراً، وطلب العلم، وصنف6 كتباً كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قوم، وكتبها الناس عنهم، وسمع علماً كثيراً وكان ثقة، مأموناً، إماماً، حجةً، كثير الحديث. وقال سلام بن أبي مطيع: ما خلف بالمشرق مثله. وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المنادين بالزهد. سئل ابن المبارك عن أول زهدة فقال: إني كنت يوماً في بستان، وأنا شاب مع جماعة من أترابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا، وكنت مولعاً بضرب العود، فقمت في بعض الليل، وإذا غصن يتحرك تحت رأسي، فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته، وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما شغل عن الله، وجاء التوفيق من الله تعالى، فكان ما سهل لنا من الخير بفضل الله ورحمته. قال ابن المبارك: كنا نطلب هذا الحديث وفي خفافنا المباخر، وكنا نطلبه لغير الله فردنا إلى الله.

سأل أبو خراش بالمصيصة عبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب اعلم؟ قال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد. وفي رواية قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد. وفي رواية قال: أرجو أن تروني فيه إلى أن أموت. اجتمع ابن المبارك ووكيع عند شريك يكتبان عنه، فكان وكيع إذا سود ورقتيه تركهما تجف وأخذ في الكلام، وكان ابن المبارك إذا سود ورقتيه تركهما تجف وقام يركع. وسمع ابن المبارك وكيعاً يقدم علياً على عثمان فقال له: يا أبا سفيان، وإنك لعلى هذا! إنك لرجل لا كلمتك حتى ألقى الله عز وجل. قال أحمد بن يونس: سمعت عبد الله بن المبارك قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم. وعن ابن المبارك قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق. قال سفيان بن سعيد: أحببت أن أكون خمسة أيام على وتيرة ابن المبارك، فلم أقدر عليه، وأربعة أيام فلم أقدر عليه، وثلاثة أيام فلم أقدر عليه، ويومين فلم أقدر عليه. قال شعيب: كنا نأتي ابن المبارك فنحفظ عنه هل نستطيع أن نتعلق عليه بشيء فلا نقدر على شيء من ذلك.

قال عمران بن موسى الطرسوسي: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق. قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: هو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم، واهل المغرب. قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزوهم معه. قال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين. قال عبد الرحمن بن مهدي: ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا اعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن المبارك. قال شعيب بن حرب: ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه. وقال علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس. قال معاذ بن خالد: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك، فقال إسماعيل بن عياشِ: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله عز وجل خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الحبيس، وهو الدهر صائم. قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماماً اقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة. إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.

قال محمد بن معتمر: قلت لأبي: من فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري. فلما مات سفيان قلت له: من فقيه العرب؟ قال: عبد الله بن المارك. وقال المعتد أيضاً: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشيء الذي لا نصيبه عند أحد. قال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين ومحمد بن النضر فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل والعبادة، والحج، والغزو، والسخاء، والشجاعة، والفروسية، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه. وكان كثيراً ما يتمثل: الرمل وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ... ذا حياءٍ وعفافٍ وكرم قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: قلت ليحي بن معين: إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى. قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحي؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: الأشجعي؟ قال: مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قال: ذلك أمير المؤمنين. وقال عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك: الطويل إذا سار عبد الله من مرو ليلةً ... فقد سار منها نورها وجمالها إذا ذكر الأخيار في كل بلدةٍ ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها

قال ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الروم، فذهبت على أن أرده إلى صاحبه. فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى ارض الشام حتى رددته على صاحبه. قال أبو وهب: مر ابن المبارك برجل أعمى. قال: فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد علي بصري قال: فدعا الله فرد عليه بصره، وانا أنظر. قال الحسن بن عيسى: رأيت ابن المبارك دخل زمزم، فاستقى دلواً واستقبل البيت ثم قال: اللهم، إن عبد الله بن المؤمل حدثني عن ابن الزبير عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم، إني أشربه لعطش يوم القيامة. فشرب. زاد في رواية: قال الحسن بن عرفة: ما رأيت أكثر شرباً من يومئذٍ. قيل لابن المبارك: رجلان أحدهما أخوف، والآخر قتل في سبيل الله. فقال: أحبهما إلي أخوفهما. دخل شيخ على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة حسنة مرتفعة. قال: فأردت أن أقول له، فرأيت به من الخشية حتى رحمته، فإذا هو يقول: قال الله عز وجل: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " قال: لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها؟ وقال الله عز وجل: " ويل للمطففين " في الكيل والوزن فكيف بمن يأخذ المال كله؟ وقال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً " ونحو هذا. فكيف بمن يقتله؟ قال: فرحمته وما رأيته فيه فلم اقل له شيئاً. سئل ابن المبارك: من أحسن الناس حالاً؟ قال: من انقطع إلى الله عز وجل.

قال النضر بن مساور: قلت لعبد الله بن المبارك: هل تتحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثاً قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما اشتهيته علق بقلبي. قال عبد الله بن المبارك: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقنها؟ قال: قلت: وما علي من ذلك، وهو في صدري؟ حدث صخر صديق ابن المبارك قال: كنا غلماناً في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب خطبة طويلة. فلما فرغ قال لي ابن المبارك: وقد حفظتها، فسمعه رجل من القوم فقال له: هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك وقد حفظها. قال فضالة النسوي: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، فكانوا إذا تشاجروا في حديث قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله. يعنون عبد الله بن المبارك. قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست منه. قال ابن المبارك: من ضن بالحديث ولم يفده ابتلي بإحدى ثلاث: إما أن يصحب السلطان فيذهب علمه، أو يكذب في الحديث، او يموت. قال بعض الشعراء، ويقال: هو ابن المبارك: الطويل تعلم فليس المرء يخلق عالماً ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل ذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس فقال فيه قولاً شديداً، وأنشد: السريع

دلس للناس أحاديثه ... والله لا يقبل تدليسا وكان يقول: لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يدلس حديثاً. قال محمد بن حميد ونوح بن حبيب: كنا عند ابن المبارك فألحوا عليه فقال: هاتوا كتبكم حتى أقرأ، فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه، فأصاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمعة ابن المبارك حرف كتابه فانشق، وسال الدم، فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن، ثم قال: سبحان الله كاد أن يكون قبالاً، ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه. حضر ابن المبارك عند حماد بن زيد مسلماً عليه، فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل، تسأل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن، تحدثهم فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر! قال: فقال: أقسمت لتفعلن. قال: فقال ابن المبارك: خذوا: حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد. فما حدث بحرفٍ إلا عن حماد بن زيد. قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته. عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أي شيء يقول الرجل إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد الله، فقال له ابن المارك: يرحمك الله، فعجب من حضر من حسن أدبه. قال ابن المبارك لأصحاب الحديث: انتم إلى قليل من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم. قال عباد بن زياد: سمعت ابن المبارك يقول: يا بن المبارك، إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك.

قدم الرشيد هارون أمير المؤمنين الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب. فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان. قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو. فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله. ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس. فكنت فيمن ازدحم إليه وهو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟! قال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج وأنفذها معي لفضيل بن عياض في سنة سبعين ومئة. وقيل: في سنة سبع وسبعين: الكامل يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت انك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب: لا يستوي وغبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميتٍ لا يكذب فلقيت الفضيل بن عياض في مسجد الحرام بكتابه، فلما قرأه ذرفت عيناه، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم

يا أبا علي. قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تستطيع أن تصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يانبي الله. أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله، فتكتب بذلك الحسنات؟. قال عبد الله بن المبارك: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة فصحبه الصوفية فقال لهم: أنتم لكم أنفس، تحتشمون أن ينفق عليكم، ياغلام، هات الطست، فألقى على الطست منديلاً ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهماً، فأنفق عليهم إلى المصيصة. فلما بلغ المصيصة قال: هذه بلاد نفير فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين ديناراً فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنما أعطيت عشرين درهماً، فيقول: وما تنكر؟ إن الله تعالى وتبارك يبارك للغازي في نفقته. قال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوته من أهل مرو فيقولون: نصحبك، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول لكل رجل منهم: ما امرك عيالك أن تشتري لهم من طرف

المدينة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو فإذا صاروا إلى مرو صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، إذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه، فحدث خادمه انه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذج، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم. قال المسيب بن واضح: كنت عند ابن المبارك إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبع مئة درهم ديناً، فكتب إلى وكيله أن يدفع له سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل: أي شيء قصتك؟ قال: كلموه أن يقضي عني سبع مئة درهم، فقال: الكتاب أصبت فيه غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك، من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامدة فبك فكتب إلى عبد الله بن المبارك اتاني كتابك وسألت صاحبه فذكر أنه كلمك في سبع مئة درهم وها هنا سبعة آلاف درهم، فإن يكن منك غلطاً فاكتب إلي، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً، فكتب إليه: إن كان على هذا الفعل تفعل، ما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تامرني به. قال محمد بن عيسى: كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلاً، فخرج في النفير، فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. قال: فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد الله فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج، فخرج الفتى في أثره

فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان، قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوساً بدين، قال: فكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال لي عبد الله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله. قال حبان بن موسى: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان، ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان قوم، ولهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا الطلب للحديث، وحاجة الناس إليهم شديدة، وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم. قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تامرنا بالزهد والتقلل وبالبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا، وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك، ما احسن ذا إن تم ذا. قال نعيم بن حماد: قيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، تكثر القعود في البيت وحدك! قال: أنا وحدي! أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يعني النظر في الحديث. قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله.

سئل ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح بستشيره. قيل: فإن لم يكن؟ قال صمت طويل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل. كان عبد الله بن المبارك كثيراً كان يتمثل بأييات حميد النحوي: الخفيف اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا وإذا ما هممت بالنطق في البا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا فاغتنام السكوت أفضل من خوضَ ... وإن كنت بالحديث فصيحا سمع ابن المبارك رجلاً يتكلم بما لا يعنيه فقال: المتقارب تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله قال محمد بن إدريس الحنظلي: قال عبد الله بن المبارك: المنسرح أدبت نفسي فما وجدت لها ... من بعد تقوى الإله من أدب في كل حالاتها وإن قصرت ... أفضل من صمتها عن الكذب وغيبة الناس إن غيبتهم ... حرمها ذو الجلال في الكتب إن كان من فضةٍ كلامك يا ... نفس فإن السكوت من ذهب قال أبو أمية الأسود: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الصالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ عبد الله يقول: مجزوء الكامل الصمت أزين بالفتى ... من منطقٍ في غير حينه والصدق أجمل بالفتى ... في القول عندي من يمينه

وعلى الفتى بوقاره ... سمة تلوح على جبينه فمن الذي يخفى عليك ... إذ نظرت إلى قرنيه رب امرئٍ متيقنٍ ... غلب الشقاء على يقينه فأزاله عن رأيه ... فابتاع دنياه بدينه كان عبد الله بن المبارك يقول: سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس بالبذل، والقناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء، وانشد: البسيط ماذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا فالعرف من يأته تحمد عواقبه ... ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا وعن عبد الله بن المبارك: البسيط لا تضرعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذاك مضر منك بالدين واسترزق الله مما في خزائنه ... فإنما هي بين الكاف والنون ألا ترى كل من ترجو وتامله ... من البرية مسكين ابن مسكين؟ قال عبد الله بن المبارك: لن يخلو المؤمن من ثلاثة: من نفس تدعوه، وشيطان يبغيه، ومنافق يحسده. سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه. قيل له: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة بن حازم وأصحابه. قيل له: فمن الدنيء؟ قال: الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف. كان ابن المبارك يقول: من طلب العلم تعلم العلم، ومن تعلم العلم خاف من الذنب، ومن خاف من الذنب هرب من الذنب، ومن هرب من الذنب نجا من الحساب.

قال زرقان: سمعت ابن المبارك يقول على سور طرسوس: الكامل ومن البلاء وللبلاء علامة ... ألا يرى لك عن هواك نزوع العبد عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع أنشد الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك: الكامل تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: الرمل خالق المناس بخلقٍ حسنٍ ... لاتكن كلباً على الناس تهر كان ابن المبارك يقلو: إذا تاكد الإخاء قبح الثناء. قال عبد الله بن المبارك: إن العبد إذا استخف بستر الله عليه أنطق الله لسانه بمعايب نفسه حتى يكفي الناس مؤنته. سأل حاتم بن عبد الله العلاف ابن المبارك حين أراد الخروج إلى مكة فقال: أما توصينا؟ فقال عبد الله بن المبارك: الوافر إذا صاحبت في الأسفار قوماً ... فكن لهم كذي الرحم الشفيق بعيب النفس ذا بصرٍ وعلمٍ ... غني النفس عن عيب الرفيق ولا تأخذ بعثرة كل قومٍ ... ولكن قل هلم إلى الطريق فإن تأخذ بعثرتهم يقلوا ... وتبقى في الزمان بلا صديق قال عبد الله بن المبارك: حفروا بخراسان حفيراً، فوجدوا رأس إنسان فوزنوا سناً من أسنانه فإذا فيه سبعة اسانين

وفي رواية: فوزنهما أو وزن أحدهما فإذا فيه منوان وزيادة في كل سن، فقال عبد الله من أبيات: المتقارب أرى الناس يبكون موتاهم ... وما الحي أبقى من الميتينا أليس مصيرهم للفناء ... وإن عمر القوم أيضاً سنينا يساقون سوقاً إلى يومهم ... فهم في السياق وما يشعرونا فإن كنت تبكين من قد مضى ... فبكي لنفسك في الهالكينا أتيت بسنين قد رمتا ... من الحصن لما أثاروا الدفينا على وزن منيين إحداهما ... تقل به الكف شيئاً رزينا ثلاثين أخرى على قدرها ... تباركت يا أحسن الخالقينا فماذا يقوم لأجرامهم ... وما كان يملأ تلك البطونا إذا ما تذكرت أجسامهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا وكل على ذاك لاقي الردى ... فبادوا جيمعاً فهم خامدونا وعن أبي موسى الأشعري قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي. ثم قال عبد الله بن المبارك: البسيط وطارت الصحف في الأيدي منشرةً ... فيها السرائر والأخبار تطلع فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليلٍ ولا تدري بما يقع أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فما تبقي وما تدع تهوي بسكانها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها وقعوا طال البكاء فلم ينفع تضرعهم ... هيهات لا رقة تجزي ولا جزع

لن ينفع العلم قبل الموتٍ عالمه ... قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا كان ابن المبارك يقول في دعائه: اللهم، إني أسألك الشهادة في غير جهد بلية ولا تبديل نية، فأجيبت دعوته، فمات شهيداً غريباً في غير تربته من غير جهد في الشهادة ولا تبديل في الإرادة. ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه: اجعل رأسي على التراب. قال: فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؛ قال: أذكر ما كنت فيه من النعيم، وأنت هو ذا تموت فقيراً غريباً فقال له: اسكت، فإني سألت الله تبارك وتعالى أن يجنبني جباه الأغنياء، وان يميتني ميتة الفقراء. ثم قال: لقني، ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان. لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه: قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال: إنك ليس تحسن، وأخاف أن تؤذي بها رجلاً مسلماً بعدي. إذا لقنتني فقلت: لا إله إلا الله ثم لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً بعدها فلقني حتى تكون آخر كلامي. لما احتضر ابن المبارك فتح عينيه وضحك وقال: " لمثل هذا فليعمل العاملون ". لما مات ابن المبارك قال هارون أمير المؤمنين: مات سيد العلماء. قال ابن المديني: مات خيار الرض جميعاً في سنة واحدة: مالك، وحماد، وخالد، وسلام بن سليم أبو الأحوص، وعبد الله بن المبارك سنة تسع وسبعين ومئة. قال: وهذا القول وهم، والمحفوظ أن عبد الله خرج إلى العراق سنة إحدى وأربعين ومئة ومات بهيت وعانات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة. مات سحراً ودفن بهيت، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان منصرفاً من الغزو.

وولد عبد الله بن المبارك بمرو سنة ثمان عشرة ومئة. وقيل: سنة تسع عشرة. قال عبد الله بن رستم: رئي على قبر عبد الله بن المبارك مكتوب: السريع الموت بحر موجه غالب ... تذهل فيه حيل السابح لا يصحب المرء إلى قبره ... غير التقى والعمل الصالح قال أبو حاتم الفربري: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام واقفاً على باب الجنة، بيده مفتاح فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، ما يوقفك ها هنا؟ قال: مفتاح باب الجنة دفعه إلي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض. قال إسماعيل بن إبراهيم بن أبي جعفر المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فقلت: ما فعل الله بك يا أبا عبد الله؛ قال: غفر لي. قلت: فأين ابن المبارك؟ قال: بخٍ بخٍ، ابن المبارك في عليين ممن يلج على الله في كل يوم مرتين. قال صخر بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب. قلت: فسفيان الثوري؟ قال: بخٍ بخٍ، ذاك: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ". قال محمد بن فضيل بن عياض: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال غفر لي مغفرة تتبعها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة، أو امرأة من الحور العين. وفي حديث آخر: قلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجهي هذا الذي مت فيه. قال: فقلت له: فالحديث؟ قال: قدم الحديث.

عبد الله بن محمود بن أحمد

عبد الله بن محمود بن أحمد أبو علي البرزي المعروف بالخشبي حدث عن أبي الحسن محمد بن عوف بن أحمد المزي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: بينا نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب، أصابها في بعض المغازي، فجاء بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ركنه الأيمن، فقال: يا رسول الله، خذها مني صدقه، فوالله مالي مال غيرها، فأعرض عنه، ثم جاءه عن ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، ثم جاءه من بين يديه فقال مثل ذلك، فقال: هاتها، مغضباً، فحذفه بها حذفة لو أصابته لأوجعته أو لعقرته، ثم قال: يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدق به، ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غناء. خذا الذي لك، فلا حاجة لنا به، فأخذ الرجل ماله وذهب. عبد الله بن محيريز بن جنادة ابن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب أبو محيريز القرشي الجمحي المكي نزل بيت المقدس، واجتاز بدمشق غازياً. وقيل في اسمه عبد الرحمن بن محيريز. وقيل: هو عبد الله. وله ابن يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة. حدث عن معاوية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له. وحدث عن أي سعيد الخدري أن ناساً أتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، إنا نصيب سبايا فما ترى في العزل؟

فقال: وإنكم لتفعلون ذلك، لا عليكم ألا تفعلوه، إنه ليس نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة. قال رجاء بن جيوة: إن يفخر عينا أهل المدينة بعابدهم عبد الله بن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا عبد الله بن محيريز. قال خالد بن دريك: كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت من هذه الأمة: كان من أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له، يتكلم فيه، غضب في الله من غضب ورضي فيه من رضي، وكان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده. وعن الأوزاعي أنه قال: من كان مقتدياً فليقتد بمثل ابن محيريز. فإن الله لم يكن ليضل أمة فيها ابن محيريز. قال ابن محيريز لرجل وهو يوصيه: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف، ويسأل ولا تسأل، وتمشي ولا يمشي إليك فافعل. وعن يحيى بن أبي عمرو قال: قال لنا ابن محيز: إني أحدثكم فلا تقولوا: حدثنا ابن محيرز، فإني أخاف أن يصرعني ذلك يوم القيامة مصرعاً يسوؤني. وعن ابن محيريز قال: كفى بالمرء شراً أن يشار إليه بالأصابع في دينٍ أو دنيا. وكان ابن محيرز يجيء إلى الجمعة يوم الخميس من قريته، يقيم حتى يصلي الجمعة ثم يروح. وهي أربعة أميال من الرملة. دخل ابن محيريز حانوتاً بدابق يريد أن يشتري ثوباً، فقال رجل لصاحب

الحانوت: هذا ابن محيريز فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نريد أن نشتري بأموالنا. لسنا نشتري بديننا. قال سلم بن أبي العلاء: رأيت ابن محيريز واقفاً بدابق فسمع رجلاً وهو يساوم رجلاً وهو يقول: لا والله، وبلى والله. فقال: ما هذا؟ لا يكونن الله أهون بضاعتك عليك. قال همام بن مسلم القرشي: كنت مع ابن محيريز بمرج الديباج، فرأيت منه خلوة، فسألته عن مسألة فقال لي: ما تصنع بالمسائل؟ قلت: لولا المسائل ذهب العلم. قال: لا تقل ذهب العلم، لا يذهب العلم ما قرئ القرآن، ولكن لو قلت: لذهب الفقه. قال أبو زرعة: غل رجل مئة دينار. فلما حضرته الوفاة أوصى أن يسأل عنها ابن محيريز، فما قال فيها من شيء عمل به. فلما مات لقيه الوصي، فقال له ابن محيريز: اسأل غيري. فقال له الرجل: إنما أمرت أن أسألك، ولا أسأل غيرك. فقال له ابن محيريز: هل تستطيع أن تجمع ذلك الجيش؟ قال: لا، وكيف وقد تفرقوا؟ قال: فلا شيء إلا ذلك. وعن ابن محيريز قال: ما ملأت بين جنبي بعد فيء يعدل فيه بين اسود والأحمر أحب إلي من مال تاجرٍ صدوق. قال عبد الرحمن بن محيريز: لما ثقل أبي وهو سائر يريد الصائفة قال: قلت له: يا أبة، لو أقمت، قال: أي بني، لا تدع أن تغدو بي وتروح في سبيل الله. قال: فما زلت أغدو به وأروح حتى مات.

عبد الله بن المخارق بن سليمان

وعنه قال: مات أبي وهو غاز فهمني من يحضره. قال: فغشيني جماعة من الناس كثيرة فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى معي عليه صفوف، قال: جماعة كثيرة. وعن رجاء بن حيوة أنه كان يقول: إن بقاء ابن محيريز بين أظهر هؤلاء الناس أمان لهم. يقول: لن يعذب الله أمة فيها مثل ابن محيريز. وكان ابن محيريز يقول: إن بقاء ابن عمر بين أظهر هؤلاء الناس أمان لهم. قال رجاء بن حيوة: أتانا يعني: ابن عمر ونحن في مجلس ابن محيريز، فقال ابن محيريز: والله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أماناً لأهل الأرض. وقال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز: وأنا والله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أماناً لأهل الأرض. توفي ابن محيريز في ولاية الوليد بن عبد الملك. وقيل إنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. عبد الله بن المخارق بن سليمان وقال ابن سليم ابن حصيرة بن مالك بن قيس بن شيبان بن حمار بن حارثة بن عمرو ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة الشيباني، والمعروف بنابغة بني شيبان شاعر من شعراء الأمويين، وفد على عبد الملك، وعلى يزيد ابنه، وعلى هشام بن عبد الملك، وعلى الوليد بن يزيد. وكان مداحاً لهم وكان نصرانياً. وقيل: كان اسمه جميل بن سعد بن معقل. والأول أثبت، وهو إسلامي كثير الشعر، وهو القائل: من الطويل

وكائن ترى من ذي همومٍ تفرجت ... وذي غربةٍ عن داره سيؤوب ومغتبطٍ ناءٍ بأرضٍ يحبها ... ستذهل عنها نفسه وتطيب وقد ينطق الشعر العيي لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو لبيب ومن شعره: من البسيط من يلق بؤساً يصبه بعدها فرج ... والناس بني ذوي روحٍ ومكروب لاتحمدن امرأ حتى تجربه ... ولا تذمنه من غير تجريب لما هم عبد الملك بن مروان بخلع عبد العزيز أخيه وولاية ابنه الوليد العهد، وكان نابغة بني شيبان منقطعاً إلى عبد الملك، مداحاً له، فدخل إليه في يوم حفل، والناس حوله وولده قدامه، فأنشده من أبيات: من المنسرح آل أبي العاص أهل مأثرةٍ ... غر عتاق بالخير قد نفخوا خير قريشٍ وهم أفاضلها ... في الجد جد وإن هم فرحوا أرحبها ذرعاً وأصبرها ... أنتم إذا القوم في الوغى كلحوا أما قريش فأنت وارثها ... تكف من شغبهم إذا طمحوا حفظت ما ضيعوا وزندهم ... أوريت إن أصلدوا وإن قدحوا آليت جهداً وصادق قسمي ... برب عبدٍ لله ينتصح يظل يتلو الإنجيل يدرسه ... من خشية الله قلبه نقح لابنك أولى بملك والده ... وعمه إن عصاك مطرح داود عدل فاحكم بسيرته ... ثم ابن حربٍ فإنهم نصح وهم خيار فاعمل بسنتهم ... واحي بخيرٍ واكدح كما كدحوا

عبد الله بن مخمر الشرعبي

قال: فتبسم عبد الملك، ولم يتكلم في ذلك بإقرار ولا دفع، فعلم الناس أن رأيه خلع عبد العزيز. فبلغ ذلك من قول النابغة عبد العزيز فقال: لقد أدخل ابن النصرانية بنفسه مدخلاً ضيقاً، وأوردها مرداً خطراً. والله لئن ظفرت به لأخضبن قدمه بدمه. قال عيسى بن عمر: كان نابغة بني شيبان ينشد الشعر فيكثر، حتى إذا فرغ قبض على لسانه فقال: لأسلطن عليك ما يسؤوك: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر. عبد الله بن مخمر الشرعبي حمصي، ويقال: دمشقي، كان قد أدرك الجاهلية، وقدم دمشق، واستشاره معاوية في قتل حجر بن عدي وأصحابه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تعاقبهم فقد أصبت، وإن تعف فقد أحسنت. وعبد الله بن مخمر الشرعبي عامل يزيد بن معاوية على حمص. ومخمر: بفتح الميم الأولى وكسر الميم الثانية والخاء ساكنة، وقيل: مخمر بكسر الميم الأولى وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية. حدث عبد الله بن مخمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة: احتجبي من النار ولو بشق التمرة. وعن عبد الله بن مخمر أنه قال وهو على المنبر، وقد رأى الناس وقد تلبسوا: واحسناه، واجمالاه بعد العدم والسدم من الدم والحوتكية والبرود، أصبحتم

عبد الله بن مخيمرة

زهراً وأصبح الناس عبراً، يعطون انتم تأخذون، وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح الناس يزرعون وانتم تأكلون. وأول من اتخذ صاحب حرس معاوية، وأول من وضع ديوان الخاتم معاوية، وكان على رأس الحرس أبو المختار مولى لحمير، وعلى الخاتم عبد الله بن مخمر الحميري قاضي القضاة. قيل: إنه توفي زمن يزيد بن معاوية. عبد الله بن مخيمرة قال: لقيت شيخاً بدمشق قد جالس كعب الأحبار فقال: سمعت كعباً يقول: يتصل العمران ما بين باب الجابية إلى البضيع. عبد الله بن مدرك بن عبد الله أبو مدرك الأزدي حدث أبو مدرك أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أمه أسماء بنت أبي بكر قالت: ذبحنا فرساً فأكلنا نحن وأهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث أبو مدرك عن عباية عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعدة من النار. عبد الله بن مروان بن معاوية أبو حذيفة الفزاري سمع بدمشق وغيرها.

عبد الله بن مروان أبو علي

حدث عن عبد الله بن رجاء بسنده إلى علي قال: ما رأيت يهودياً أصدق من فلان، زعم أن نار الله الكبرى هي البحر، فإذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل فيه الشمس والقمر والنجوم ثم بعث عليه الدبور فسعر به. أنشد أبو حذيفة: الوافر ومنتظر سؤالك بالعطايا ... وأفضل من عطاياه السؤال إذا لم يأتك المعروف عفواً ... فدعه فالتنزه عنه مال وكيف يلذ ذوأدبٍ نوالاً ... ومنه لوجهه فيه ابتذال إذا كان النوال ببذل وجهٍ ... وإلحاحٍ فلا كان النوال وقيل في اسمه: عبيد الله بن مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينية بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، بزيادة ياء، وهو وهم، وكان صدوقاً. سمع أبو القاسم البغوي من أبي حذيفة سنة إحدى وثلاثين ومئتين. عبد الله بن مروان أبو علي قيل إن أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه جرجاني. حدث عن عيسى الهاشمي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في مجلس فقال رجل: يا سعد، وقال آخر: يا سعد، وقال آخر: يا سعد فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما جمع ثلاثة سعود في حديث إلا سعد أهله. وحدث عبد الله بن مروان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من انهمك في أكل الطين فقد أعان على نفسه. وحدث عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: قالرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.

عبد الله بن مساحق بن عبد الله

عبد الله بن مساحق بن عبد الله ابن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي العامري من بني حسل حدث عن ابن عمز قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تجندون أجناداًن فقال رجل: خر لي يا رسول الله، قال: عليك بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده، فيها حيرته من عباده، فمن رغب عن ذلك فليلحق بيمنه، وليسق من غدرة، فإن الله قد تكلف بالشام وأهله. وعن عبد الله بن مساحق قال: كل وتر لا يكون بعده ركعتان فهو أبتر. قال الزبيدي: ثم يقول راشد: سلوا عن عبد الله بن مساحق من كان. عبد الله بن مسافع بن عبد الله الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ابن كلاب بن مرة القرشي، العبدري، المكي الحاجب وفد على سليمان بن عبد الملك فأدركه أجله عنده. حدث عبد الله بن مسافع عن مصعب بن شيبة بسنده إلى عبد الله بن جعفر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شك في صلاته فليسجد سجدتين وهو جالس. وفي حديث آخر: من شك في صلاة فليسجد سجدتين بعدما يسلم. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: فلم يزل سليمان بن عبد الملك معسكراً بدابق لا يريد القفول دون أن

عبد الله بن مسعدة

يفتح يعني: القسطنطينية أو تؤدى الجزية، فشتا بدابق شتاء بعد شتاء، إذ ركب ذات عشية من يوم جمعة فمر بالتل الذي يقال له: تل سليمان اليوم، فالتفت فإذا بقبر ثري فقال: من صاحب هذا القبر؟ قالوا قبر ابن مسافع القرشي المكي، فقال: يا ويحه، لقد أمسى فترة بدار غربة. قال ابن جابر: ويمرض ويموت ويدفن إلى جانب قبر عبد الله بن مسافع الجمعة التي تليه أو الثانية. عبد الله بن مسعدة ويقال ابن مسعود بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري له رؤية من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: إنه كان من سبي فزارة وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبه لفاطمة ابنته فأعتقته وكان غلاماً ربته فاطمة وعلي، وكان بعد ذلك مع معاوية أشد الناس على علي. وذكر الواقدي أن عبد الله بن مسعدة قتل في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعل هذا أخ له سمي باسمه. وسكن دمشق وكان مع معاوية بصفين، وبعثه يزيد بن معاوية على جند دمشق يوم الحرة، وبقي إلى أن بايع مروان بن الحكم بالخلافة بالجابية. حدث عبد الصمد بن العباس قال بكرت إلى الهيثم بن عدي يوماً، فجئته قبل أن يأتيه الناس، فسلمت عليه وجلست، فقال لي: يا هاشمي، ما أحسن طلبك العلم، لا جرم لأحدثنك حديثاً قل من سمعة مني، فقال: حدثني أبي عن عبد الله بن مسعود الفزاري قال: لما أوفدني معاوية بن أبي سفيان إلى ملك الروم دخلت عليه، فوجدت عنده رجلاً على سرير دون سرير الملك، فكلمني بالعربية فقلت له: من أنت؟ فقال: جبلة بن الأيهم، فإذا انصرفت من عنده فائت إلى منزلي. فلما انصرفت أتيته فدخلت عليه، فإذا هو على سرير وبين يديه شراب، وعنده جاريتان تغنيان بشعر حسان بن ثابت، فتحدثنا وتساءلنا وحملني رسالة إلى معاوية بن أبي سفيان، ورأيت بين يديه كتاباً ينظر فيه فظننت أنه الإنجيل أو التوراة، فقلت له: ما هذا الكتاب؟ فيه التوراة؟ قال: لا. قلت: الإنجيل؟

قال لا. ولكنه أخبار الأنبياء. فقلت له: أنظر فيه، فقال: دونك، فإذا أوله: بسم الرب الشفيق المتحنن على خلقه. حدثنا شمعون بن خنوع بن مارغ عن زكريا بن غمريل بن دان بن يحيى قال: مما أثر علماؤنا عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام أنه مر ببساطه فبسط، وحف بكراسي وجلس عليه معه رجال من بني إسرائيل ثم أمر بالسحاب فأظلته، وأمر بالريح فحملته، وسار متنزهاً. فلما سار غير بعيد هبط عليه جبريل عليه السلام، قال: يا نبي الله، إلى أين سفرك هذا؟ فقال: أردت أن أروح عن قلبي، وأفتح عيني، وأنظر إلى نبات بلاد ربي عز وجل، فقال له جبريل: إن الله جل وعز ملائكة وكلهم بالمسافرين، فإذا خرج الرجل من بلده مسافراً تلقاه ملك فيقول له: أين تقصد في وجهك هذا؟ فإن قال: أغزو في سبيل الله، أطلب ثواب الله، قال الملك: اللهم اصحبه بالسلامة في سفره، والغنيمة في معيشته، واخلفه بخير، وإن قال: ألتمس التمحيص لذنوبي بالشهادة، قال الملك: اللهم، ارزقه شهادة سعيدة تمحص عنه ذنوبه وتحط بها أوزاره، وإن قال: خرجت طالباً للعلم والفقه في ديني، قال: اللهم، آته من الحكمة ما تفقهه في دينه وعلمه من تأويل كتابك، وأتبعه سنة نبيك. فإن قال: أور أخاً لي، قال الملك: أبينك وبينه رحم تصلها، أو له عندك معروف، أو يد تكافئه بذلك عليها؟ فإن قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال الملك: اللهم، اكتب بخطاه حسنات، وامح بعدها سيئات، وإن قال: أقصد فلاناً الملك ألتمس من نائله، قال له الملك: أي ملك أعظم من الله سبحانه ملكاً، واوسع منه رزقاً، وأسرع منه عطاء؟ وإن قال: خرجت أتعرض من فضل الله، وأعود به على عيالي، قال الملك: اللهم، احفظ عليه ماله وأوسع ربحه وأسرع أوبته، وإن قال: خرجت متنزهاً ومتصيداً، قال الملك: أما علمت أن الله جل ثناؤه سيسألك يوم القيامة عن ما له الذي أعطاك فيم أنفقته؟ وعن عمرك فيم أفنيته؟ وعن قوتك فيم استعملتها؟ وعن بدنك فيم أتبعته؟ قال: فاستحيا سليمان من جبريل عليه السلام، ورجع من ساعته، فما عاد ليسفر إلا في سبيل الله.

عبد الله بن مسعود بن غافل

وعن خديج خصي لمعاوية أن معاوية قال له: ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري، فدعوته، وكان آدم شديد الأدمة، فقال: دونك هذه، يعني جارية، بيض بها ولدك. دخل أبو قتادة على معاوية، فأجلسه معه على سريره، فقال له أبو قتادة: يا معاوية، فقال عمرو بن سعدة الفزاري وهو ابن عم عيينة؟ من هذا الذي يسمي أمير المؤمنين؟ فأشار إليه معاوية أن أسكت، فأبى أن يسكت، فقال أبو قتادة: من هذا المتكلم؟ قال: عمرو بن مسعدة الفزاري. قال: ابن سارق لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما والله إني لصاحب أبيك حين أدركته فطعنته بالرمح في جاعرته فما اتقاني إلا بسلحه، فما منعني من سلبه إلا ذلك، فقال معاوية: أرغم الله أنفك. عبد الله بن مسعود بن غافل ابن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم ابن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة وابن أختهم، وفي نسبه اختلاف، وجده غافل سماه ابن سعد غافلا بالغين المعجمة والفاء. وسماه خليفة عاقلاً بالعين المهملة والقاف. وفار: قاله الطبري بالفاء وفي جمهرة النسب عن ابن الكلبي فارى بالفاء، بزيادة ياء.

من المهاجرين الأولين، شهد بدراً، وهاجر الهجرتين، وشهد اليرموك، وكان غل النفل. حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من توضأ فذكر الله على وضوئه كان طهوراً لسائر جسده، ومن توضأ ولم يذكر الله عز وجل لم يطهر منه إلا ما أصابه، يعني الماء. وعن عائذ الله أبي إدريس الخولاني قال: قام فينا عبد الله بن مسعود على درج هذه الكنيسة - وفي رواية: على درج كنيسة دمشق - فما أنسى أنه يوم خميس، فقال: يا أيها الناس عليكم بالعلم قبل أن يرفع، فإن من رفعه أن يقبض أصحابه، وإياكم والتبدع والتنطع، وعليكم بالعتيق فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام يزعمون أنهم يدعون إلى ثواب الله وقد تركوه وراء ظهورهم. وأم عبد الله بن مسعود أم عبد بنت الحارث بن زهرة وقيل: أمه أم عبد بنت ود بن سوي بن فويم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب. بعثه عمر بن الخطاب إلى أهل الكوفة معلماً ووزيراً، وسكن الكوفة، وهو فقههم وأقرأهم القرآن، وكان على بيت المال، وهو الذي أجاز على أبي جهل يوم بدر وضرب عنقه بعد أن أثبته ابنا عفراء. وشهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس يعدل أهل الكوفة بقوله شيئاً، وليس أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبل صاحباً من ابن مسعود. قال علي: أصحاب عبد الله سرح هذه القرية وثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعون قولهم لقول ثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان ابن مسعود يدع قوله لقول عمر، وكان أبو موسى الأشعري يدع قوله لقول علي، وزيد بن ثابت يدع قوله لقول أبي.

وكان إسلامه فيما روي عنه أنه قال: لقد رأيتني سادس ستةٍ ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وكان آدم له ضفيرتان، عليه مسحة أهل البادية، دقيق الساقين، وكناه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبد الرحمن قبل أن ولد له، وكان سادس الإسلام سبقاً وإيماناً. وهو أحد الأربعة من القراء الذين قال فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: استقرئو القرآن من الأربعة. تلقن من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة. قال فيه: من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة، وأخبر أن ساقيه في الميزان أثقل من أحد. وامر أمته أن يتمسكوا بعهد ابن أم عبد. وقال: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد. وقال له حين سمع دعاءه وثناءه: سل تعطه. وقال له: إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي حتى أنهاك. كان أشبه الناس هدياً ودلاً بسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من أقربهم إلى الله وسيلة. نفله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف أبي جهل حين أتاه برأسه. بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة، وولاه بيت المال، وكتب فيه إليهم: هو من النجباء وآثرتكم بعبد الله على نفسي فاقتدوا به. وقال: هو كنيف ملئ علماً وفقهاً. وقال فيه علي: قرأ القرآن، وقام عنده، وكفي به. وقال أبو موسى: كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا. وقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم. وقال فيه معاذ بن جبل حين حضره الموت وأوصى أصحابه: التمسوا العلم عند أربعة: عند ابن أم عبد. كان أحد الثمانية الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح. وكان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة. وهو أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يوقظ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نام، ويستره إذا اغتسل، ويرحل له إذا سافر، ويماشيه في الأرض الوحشاء. أحد النفر الذين دار عليهم علم القضاء والأحكام من الصحابة. توفي بالمدينة، وأوصى أن يصلي عليه الزبير بن العوام، عاده عثمان بن عفان في مرضه فقال: كيف تجدك؟ فقال: مردود إلى قول الحق. ترك تسعين ألفاً. وعقبه بالكوفة. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى عليه الزبير للمؤاخاة التي بيتهما. وكان أحمش الساقين، عظيم البطن،

قضيفاً، لطيفاً، فطناً، له ضفيرتان يرسلهما من وراء أذنيه. وقيل: كان آدم، خفيف اللحم، قصيراً، شديد الأدمة، لا يغير، وكان من أجود الناس ثوباً أبيض، من أطيب الناس ريحاً. أسند عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم نيفاً وثلاث مئة حديث. عن زيد من بن وهب قال قال عبد الله إن أول شيء علمت من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمت مكة مع عمومةٍ لي أو ناسٍ من قومي نبتاع منها متاعاً، فكان في بغيتنا شراء عطر، فأرشدونا على العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم، فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض، تعلوه حمرة، وله وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه أشتم، أقنى، أذلف، أدعج العينين، براق الثنايا، دقيق المسربة، شثن الكفين والقدمين، كث اللحية، عليه ثوبان أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر، يمشي على يمينه غلام، حسن الوجه مراهق أو محتلم، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصد نحو الحجر فاستلمه ثم استلمه الغلام واستلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الركن، فرفع يديه وكبر، وقامت المرأة خلفهما، فرفعت يديها وكبرت، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فقنت ملياً، ثم سجد وسجد الغلام معه والمرأة، يتبعونه، يصنعون مثلما يصنع، فرأينا شيئاً أنكرناه، لم نكن نعرفه بمكة، فأقبلنا على العباس فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين حدث فيكم، أو أمر لم نكن نعرفه فيكم! قال: أجل، والله، ما تعرفون هذا؟ قال: قلنا: لا والله ما نعرفه. قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته. أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة. وعن عبد الله بن مسعود: كنت غلاماً يافعاً في غنم لعقبة بن أبي معيط أرعاها، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر معه

فقال: يا غلام، هل معك من لبن؟ فقلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: آتني بشاة لم ينز عليها الفحل، فأتيته بعناق أو جذعة فاعتقلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جعل يمسح ويدعو حتى انزلت. فاتاه أبو بكر بصخرة، فاحتلب فيها ثم قال لأبي بكر: اشرب فشرب أبو بكر، ثم شرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم بعدة ثم قال للضرع: اقلص فقلص. فعاد كما كان. قال: ثم أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن. فمسح رأسي وقال: إنك غلام معلم. قال: فلقد أخذت من فيه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر. وفي حديث بمعناه: فإنك غلام معلم، فأسلمت فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبينما نحن عنده على حراء إذ نزلت عليه سورة المرسلات، فأخذتها وإن فاه ليرطب بها فلا أدري بأية الآيتين ختمت " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " " فبأي حديثٍ بعده يؤمنون ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن ستة نفر، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا. فكنت أنا وعبد الله بن مسعود ورجل من هذيل ورجلان قد نسيت اسمهما، فوقع في نفس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شاء الله، وحدث به نفسه، فأنزل الله تعالى: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الآية، " وكذلك فتنا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ". وعن علي قال: أول من قرأ آية من كتاب الله عن ظهر قلبه عبد الله بن مسعود. وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم " في عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر.

وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين الزبير وبين عبد الله بن مسعود وعن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً، ولم نولهم الدبر، وهم الذين انزل الله عليهم السكينة. قال: ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بغلته، فمضى قدماً فحادت بغلته، فمال عن السرج، فقلت: ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفاً من التراب. قال: فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم تراباً، قال: أين المهاجرون والأنصار؟ قلت: هم هنا، قال: اهتف بهم، فهتفت بهم، فجاؤوا وسيوفهم بأيمانهم كانها الشهب، وولى المشركون أدبارهم. وعن ابن مسعود قال: أنا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر ويم أحد وبيعة الرضوان. في حديث طويل. وعن ابن عباس قال: ما بقي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد إلا أربعة أحدهم عبد الله بن مسعود. وعن عبد الله في قول الله عز وجل: " الذين استجابوا لله وللرسول " قال: كنا ثمانية عشر رجلاً. وعن زيد بن وهب قال: كنا جلوساً عند حذيفة وأبي موسى في المسجد فقال أحدهما: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا. قال: فسمعته أنت؟ قال: لا، قال: فإن صاحب هذه الدار زعم أنه سمعه - يعني عبد الله بن مسعود - قال: فو الله لئن قال ذاك، لقد كان يشهد إذا غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا.

وعن أبي الأحوص قال: كنت في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحف، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: ما أعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك بعده أحداً أعلم من هذا القائم. قال أبو موسى: أما لئن قلت ذاك لقد كان يشهد إذا غبنا ويؤذن له إذا حجبنا. وعن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمين فمكثنا حيناً وما نحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكثرة دخولهم وخروجهم عليه. قال أبو عمرو الشيباني: أتيت أبا موسى فذكرت له قول ابن مسعود فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم. فوالله لقد رأيته وما أراه إلا عبداً لآل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الله بن مسعود قال: كانت أمي تكون مع نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل، وكنت ألزمه بالنهار. وعن عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذنك علي أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي حتى أنهاك. قال سفيان: سوادي: سري. قالوا: السواد: السرار. وقالوا: المحادثة. وذكروا أن امرأة حملت من غلام لها، فقيل لها: ما حملك على هذا؟! قالت: قرب الوساد وطول السواد. وقد قال: أساود ربها أي: أخادعه عنها. وعن عبيد الله بت عبد الله بن عتبة قال: كان عبد الله بن مسعود صاحب سواد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني سره - ووساده - يعني: فراشه وسواكه وسوتكه ونعليه وطهوره. وهذا يكون في السفر. وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عبد الله يلبس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى

مجلسه نزع نعليه، فأد خلهما في ذارعيه وأعطاه العصا. فإذا أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الله بن مسعود قال: ما كذبت منذ أسلمت إلا كذبة واحدة. قيل: وما هي يا أبا عبد الرحمن؟ قال: كنت أرحل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر برجل من الطائف ليرحل له فقال الرجل: من كان يرحل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقيل: ابن أم عبد. قال: فأتاني فقال: أي الراحلة كان أحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: الطائفية المنكبة. قال: فرحل بها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فركب بها وكانت من أبغض الراحلة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من رحل هذه؟ فقالوا: الرجل الطائفي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مروان ابن أم عبد فليرحل لنا، فردت الراحلة إلي. وعن عبد الله بن مسعود قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حائطاً فأتبعته بإداوة من ماء فقال: من أمرك بهذا؟ قلت: لا أحد. قال: أحسنت. قال: وقال: أبشر بالجنة، والثاني والثالث والرابع، فجاء أبو بكر وجاء عمر فبشرته وجاء علي فبشرته. وعن أبي ظالم قال: جاء رجل إلى سعيد بن زيد فقال: إني أحببت علياً حباً لم أحبه أحداً. قال: أحببت رجلاً من أهل الجنة. ثم إنه حدثنا قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حراء فذكر عشرة في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود. وعن ابن عباس في هذه الآية " ونزعنا ما في صدورهم من غل " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وسعيد بن زيد وعبد الله بن مسعود. وعن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا

ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " الآية. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت منهم. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بين أبي بكر وعمر، وعبد الله يصلي، فافتتح سورة النساء، ويسجلها فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد. ثم سأل في الدعاء، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سل تعطه، سل تعطه، سل تعطه، فقال فيما قال: اللهم، إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى جنة الخلد، فأتى عمر عبد الله ليبشره فوجد أبا بكر خارجاً قد سبقه فقال: إن فعلت إنك لسباق بالخير. وعن عبد الله قال: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وأنا أمجد الله وأعظمه وأصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سل تعطه، ولم أسمعه، فأدلج إلي أبو بكر يبشرني بما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم أتاني عمر فأخبرني بما قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: قد سبقك إليها أبو بكر، فقال عمر: يرحم الله أبا بكر، ما استبقنا بخير قط إلا سبقني إليه، إنه كان سباقاً بالخيرات. قال: فقال عبد الله: قد صليت منذ كذا وكذا، ما صليت فريضة ولا تطوعاً إلا دعوت الله في دبر كل صلاة: اللهم، إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفد، ومرافقة نبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أعلى جنة الخلد، فأنا أرجو أن اكون قد دعوت بهن البارحة. وفي حديث آخر بمعناه عن قيس بن مروان أنه أتى عمر فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، فتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه. فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويسير عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك، والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه. الحديث.

وعن عمار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب أن يسمع القرآن جديداً غضاً كما أنزل فليسمعه من ابن مسعود. قال: فلما كان الليل ذهب عمر إلى بيت ابن مسعود يستمع قرآنه، فوجد أبا بكر قد سبقه، فاستمعا، فإذا هو يقرأ قراءة هينة مفسرة حرفاً حرفاً. قال: كانت تلك قراءة ابن مسعود. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنت مستخلفاً أحداً من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد. وفي رواية عنه: لو كنت مؤمراً أحداً دون مشورة المؤمنين لأمرت ابن أم عبد. وعن أم موسى قالت: ذكرت عبد الله بن مسعود عند علي فذكر من فضله ثم قال: لقد ارتقى مرة شجرة أراك يجتني لأصحابه، فضحك أصحابه من دقة ساقه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يضحككم! فلهي أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد. وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والذي نفسي بيده، إن عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد. وعن أبي الوليد سعيد بن مينا قال: لما فرغ أهل مؤتة ورجعوا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسير إلى مكة. فلما انتهى الى مر نزل بالعقيقة، وأرسل الجناة يجتنون اللباب، فقلت لسعيد: وما هو؟ قال: ثمر الأراك، فانطلق ابن مسعود فيمن يجتني، فجعل الرجل إذا أصاب حبة طيبة يدقها في فيه، وكانوا ينظرون إلى دقة ساقي ابن مسعود وهو يرقى في الشجرة، فيضحكون، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعجبون من دقة ساقية؛ فو الذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد. وكان ابن مسعود ما اجتنى من شيء جاء به وخياره فيه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هذا جناي وخياره فيه، إذ كل جانٍ يده إلى فيه.

وعن عبد الله بن مسعود قال: لما قتلت أبا جهل قال نفر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قوة ابن مسعود لقوة أبي جهل، وحمشة ساق عبد الله ودقته، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرف إليهم بصره ولحن كلامهم ثم قال: والذي نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده لساقا عبد الله يوم القيامة أشد وأعظم من أحد وحراء. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. وفي حديث آخر بمعناه: وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني رضيت لأمتي ما رضي لهم ابن أم عبد. وعن عمرو بن حريث قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الله بن مسعود: اقرأ. قال: أقرأ وعليك أنزل! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ " فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً " فاستعبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكف عبد الله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تكلم، فحمد الله في أول كلامه، وأثنى على الله وصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد شهادة الحق وقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رضيت لكم ما رضي لكم ابن أم عبد. وعن أبي الدرداء قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخطب خطبة خفيفة. فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خطبته قال: يا أبا بكر قم، فاخطب، فقام أبو بكر فخطب فقصر دون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما فرغ أبو بكر من خطبته قال: يا عمر قم فاخطب، فقام عمر فخطب فقصر دون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ودون أبي بكر. فلما فرغ من خطبته قال: يا فلان، قم فاخطب. قال: قلت: يا أبا عبد الله، من ذاك؟ قال: إما أن يكون ذكر لي فنسيته، وإما لم يذكر فاستوفى القول. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس أو اسكت، قال: التشقيق من الشيطان والبيان من السحر. ثم قال: يا بن أم عبد، قم فاخطب، فقام ابن أم عبد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن الله ربنا، والقرآن إمامنا، وإن البيت قبلتنا، وإن هذا نبينا - ثم أومأ بيده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصاب ابن أم عبد وصدق. مرتين. رضيت بما رضي الله به لأمتي وابن أم عبد، وكرهت ما كره الله لأمتي وابن أم عبد. رواه سعيد بن جبير عن أبي الدرداء. قال الحافظ: سعيد بن جبير لم يدرك أبا الدرداء. وعن أبي نوفل العرنجي قال: لما حضر عمرو بن العاص جزع جزعاً شديداً جعل يبكي، فقال له ابنه: لم تجزع! فقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعملك ويدنيك، قال: قد كان يفعل، ولا أدري أحب ذلك منه أو تآلف يتألفني به، ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبهما: ابن سمية - يعني عماراً - وابن مسعود. وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا حذيفة فقلنا له: حدثنا بأقرب الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدياً وسمتاً ودلا نأخذ عنه، ونسمع منه. قال لك كان أقرب الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هدياً وسمتاً ودلا عبد الله بن مسعود، حتى يتوارى عنا في بيته. ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه من أقربهم إلى الله زلفى. وفي حديث مختصر: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله وسيلة يوم القيامة.

وعن شقيق قال: سمعت حذيفة يقول: إن أشبه الناس هدياً وسمتاً ودلا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود، من من حين أن يدخل إلى أن يرجع، ما أدري ما يصنع في بيته. وعن علقمة قال: كان عبد الله يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هدية ودله وسمته. وكان علقمة يشبه بعبد الله. وعن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أصبح، أو امسى ابن مسعود لكريماً. ثم تلا إبراهيم " وإذا مروا باللغو مروا كراماً ". وعن جابر بن عبد الله قال: لما استوى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يوم الجمعة قال: اجلسوا. فسمع ذلك ابن مسعود، فجلس عند باب المسجد فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تعال يا عبد الله بن مسعود. كتب عمر إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من اصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي. وعن مسروق قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، لقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغني الإبل إليه لأتيته. وعن مسروق قال: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث عنده، فذكرنا يوماً عبد الله بن مسعود، فقال: لقد ذكرتم رجلاً لا أزال أحبه منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: خذوا القرآن من

أربعة: من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة. وعن مسروق قال: قال عبد الله حين صنع بالمصاحف ما صنع: والذي لا إله غيره، ما أنزلت من سورة إلا أعلم حيث أنزلت، وما من آية إلا أعلم فيم أنزلت، ولو أني أعلم أجداً أعلم بكتاب الله تعالى مني تبلغنيه الإبل لأتيته. وعن مسروق قال: كان عبد الله وحذيفة وأبو موسى في منزل أبي موسى فقال حذيفة: اما أنت يا عبد الله بن قيس فبعثت إلى أهل البصرة أميراً ومعلماً، فأخذوا من أدبك ومن لغتك ومن قراءتك وأما أنت يا عبد الله بن مسعود فبعثت إلى أهل الكوفة معلماً، فأخذوا من أدبك ومن لغتك ومن قراءتك، فقال عبد الله: أما إني إذاً لم أضلهم، وما في كتاب الله آية إلا أعلم حيث نزلت، وفيم نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لرحلت إليه. وعن أبي وائل قال: خطبنا عبد الله فقال: والله، إني لأعلم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتاب الله عز وجل، وما أنا بخير منهم، ولو علمت مكان رجل أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لرحلت إليه. قال أبو وائل: فجلست في الحلق بعد ذلك فما رأيت أحداً ينكر ما قال. وعن عبد الله بن مسعود قال: عجبت - وفي رواية: عجب الناس - فتركتم قراءتي، وأخذتم قراءة زيد، وقد أخذت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة، وزيد بن ثابت غلام صاحب ذؤابة، يجيء ويذهب في المدنية. وعن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة أحكمتها، قبل أن يسلم زيد بن ثابت. وعن خمير بن مالك قال: أمر بالمصاحف أن تغير. قال: قال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفه

فليغله فإنه من غل شيئاً جاء به يوم القيامة. قال: ثم قال: قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة أفأترك ما أخذت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أبي وائل قال: خطب ابن مسعود على المنبر فقال: من يغلل يأت بما غل يوم القيامة، غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعاً وسبعين سورة، وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان، والله ما نزل من القرآن إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، ما أحد أعلم بكتاب الله مني، وما أنا بأكبركم، ولو أعلم مكاناً تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته. قال أبو وائل: فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق فما أحد ينكر ما قال. وعن خمير بن مالك قال: سمعت ابن مسعود يقال: إني غال مصحفي، فمن استطاع أن يغل مصحفاً فليغلل، فإن الله يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ". الحديث. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف، فقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتاب المصاحف، ويولاها رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه كافر - يريد زيد بن ثابت - ولذلك قال عبد الله: يا أهل الكوفة - أو يا أهل العراق - اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها فغن الله عز وجل يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " فالقوا الله بالمصاحف. قال الزهري: فبلغني أن ذلك كره من مقالة ابن مسعود كرهه رجال من أفاضل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن أبي داود: عبد الله بن مسعود بدري وزيد ليس هو بدرياً وإنما ولوه لأنه كاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نعد عبد الله حناناً فما باله يواثب الأمراء؟! وعن ابن عباس قال: أي القراءتين تعدون أول؟ قال: قلنا: قراءة عبد الله. قال: لا، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرض عليه القرآن في كل رمضان مرة إلا العام الذي قبض فيه، فإنه عرض عليه مرتين بحضرة عبد الله، فشهد ما نسخ منه وما بدل. قال: وإنما شق ذلك على ابن مسعود لأنه عدل عنه مع فضله وسنه وفوض ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه، وإنما ولى عثمان زيد بن ثابت لحضوره وغيبة عبد الله، ولأنه كان يكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب المصحف في عهد أبي بكر الصديق. وقد روي عن ابن مسعود أنه رضي بذلك وتابع ووافق رأي عثمان في ذلك. وراجع فيما روي عن عبد الله بن مسعود أنه أتاه ناس من أهل الكوفة فقرأ عليهم السلام، وأمرهم بتقوى الله عز وجل وألا يختلفوا في القرآن ولا يتنازعوا فيه، فإنه لا يختلف ولا ينسى ولا ينفذ لكثرة الرد، أفلا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة حدودها وفرائضها وأمر الله فيها، ولو كان شيء من الحرفين يأتي بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف، ولكنه جامع لذلك كله، وإني لأرجو أن يكون قد اصبح فيكم اليوم من الفقه والعلم من خير ما في الناس، ولو أعلم أحداً تبلغنيه الإبل هو أعلم بما أنزل على لقصدته حتى أزداد علماً إلى علمي، فقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعرض عليه القرآن كل عام مرة فعرض عام توفي فيه مرتين، فكنت إذا قرأت عليه أخبرني أني محسن، فمن قرأ على قراءتي فلا يدعها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعه رغبة عنه، وإن من جحد بحرف منه حجد به كله. ولما أراد عبد الله أن يأتي المدينة جمع أصحابه فقال: والله، إنني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين من الدين والفقه والعلم بالقرآن. إن هذا القرآن أنزل على حروف، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشد ما اختصما في شيء قط، فإذا قال القارئ: هذا أقرأني قال: أحسنت، وإذا قال الآخر قال: كلاكما محسن فأقرأنا: إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه: كذب وفجر، وبقوله له

إذا صدق: صدقت وبررت، إن هذا القرآن لا يختلف ولا يستشن ولا يتفه لكثرة الرد، فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه، ومن قرأه على شيء من تلك الحروف التي علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يدعه رغبة عنه، فإنه من يجحد بآية منه يجحد به كله، فإنما هو كقول أحدكم لصاحبه: أعجل وحيهلا. والله لو أعلم رجلاً أعلم بما أنزل الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني لطلبته حتى أزداد علمه إلى علمي. إنه سيكون قوم يميتون الصلاة، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا أصلابكم معهم تطوعاً، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعارض بالقرآن في كل رمضان، وإني عرضت عليه في العام الذي قبض مرتين فأنبأني أني محسن، وقد قرأت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعين سورة. وعن فلفلة الجعفي قال: فزعت فيمن فزع إلى عبد الله في المصاحف، فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم ناتك زائرين ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر، فقال: إن القرآن أنزل على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سبعة أبواب على سبعة أحرف - او حروف - وإن الكتاب قبلكم كان ينزل - أو نزل - من باب واحد على حرف واحد معناهما واحد. وعن عبد الله قال: كنا إذا تعلمنا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. فقيل لشريك: من العمل؟ قال: نعم. وعن أبي البختري قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: عن أيهم؟ قالوا: عن عبد الله بن مسعود، فقال: قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفي بذاك. وفي حديث بمعناه فقال: قرأ القرآن ثم قام عنده وكفي به.

وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قالوا - يعني لعلي -: تحدثنا عن ابن مسعود؟ قال: ذاك امرؤ قرأ القرآن، تعلم حلاله وحرامه، وعمل بما فيه، ونزل عنده وختم. في حديث طويل. وعن أبي بريدة " قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً " قال: عبد الله بن مسعود. وعن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر إذ جاءه ابن مسعود يكاد الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل يكلمه عمر ويضاحكه وهو قائم عليه ثم ولى فاتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كنيف ملئ علماً. وعن رجل يكنى أبا خالد قال: وفدنا إلى عمر بن الخطاب، ففضل أهل الشام على أهل الكوفة في الجائزه فقلنا له: تفضل أهل الشام علينا؟! قال يا أهل الكوفة، أتجزعون أني فضلت عليكم أهل الشام لبعد شقتهم؟! فقد آثرتكم بابن أم عبد. وعن أبي عبيدة قال: سافر عبد الله سفراً:؛ فذكروا أن العطش قتله هو وأصحابه، فذكر ذلك لعمر فقال: لهو أن يفجر الله له عيناً يسقيه منها وأصحابه أظن عندي من أن يقتله عطشاً. وعن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا بن مسعود فارفع إزارك، فقال له عبد الله: إني لست مثلك إن بساقي حموشة وأنا أؤم الناس، فبلغ ذلك عمر، فجعل يضرب الرجل، ويقول: ترد على ابن مسعود؟! كان عمر على دار لعبد الله بالمدينة ينظر إلى بنائها فقال رجل من قريش: يا أمير

المؤمنين، إنك تكفأ هذا. فأخذ لبنة فرماه بها، وقال: أترغب بي عن عبد الله؟! وعن حبة قال: لما قدم علي الكوفة أتاه نفر من أصحاب عبد الله فسألهم عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم. قال: وأنا أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل: قرأ القرآن، فأحل حلال، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة. وعن علي أنه أتي في فريضة ابني عم، أحدهما أخ لأم، فقالوا: أعطاه ابن مسعود المال كله، فقال: يرحم الله ابن مسعود إن كان لفقيهاً، لكني أعطيه سهم الأخ من الأم من قبل أمه، ثم أقسم المال بينهما. وعن أبي عمرو الشيباني قال: أتى رجل ابن مسعود فقال: في حجري بنت عم لي، وإن امرأتي خافتني عليها، فأرضعتها، فقال: سألت أحداً قبلي؟ قال: نعم، أبا موسى، فقال: حرمت عليك، قال: إنه لا يقول شيئاً، لا أحرم من الرضاع إلا ما أثبت اللحم والدم، فأتيت أبا موسى فذكرت ذلك له فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، فوالله لقد رأيته وما أراه إلا عند آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي عطية قال: جاء رجل إلى أبي موسى فقال: إن امرأتي ورم ثديها فمصصت، فدخل حلقي شيء فسبقني، فشدد عليه أبو موسى، فأتى ابن مسعود فقال: سألت أحداً غيري؟ قال: نعم، أبا موسى فشدد علي. قال: فأتى أبا موسى فقال: أرضع هذا؟ فقال أبو موسى: لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم. سأل رجل أبا موسى عن امرأة تركت ابنتها وابنة ابنها وأختها، فقال: النصف للبنت وللأخت النصف، وقال: ائت ابن مسعود فإنه سيتابعني. قال: فأتوا ابن مسعود فأخبروه بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للابنة النصف، ولا بن الابن السدس الكلمة الثلثين، وما بقي فللأخت،

فأتوا أبا موسى فأخبروه بقول ابن مسعود فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء مادام هذا الحبر بين أظهركم. وعن أبي موسى قال: لمجلس كنت أجالسه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عملي سنة. وعن عمر بن ميمون قال: قدم معاذ بن جبل على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقع حبه في قلبي، فلزمته حتى واريته في التراب، ثم لزمته بالشام، ثم لزمت أفقه الناس من بعده: عبد الله بن مسعود. وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وشاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي، وعبد الله. وفي حديث غيره: ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى عمر، وعلي، وعبد الله. وعن مسروق قال: جالست أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا كالإخاذ، يروي الراكب، والإخاذ يروي الراكبين، والإخاذ يروي العشرة، والأخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من تلك الأخاذ. وعن تميم بن حذلم قال: جالست أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وعمر فما رأيت أحداً أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه منك يا عبد الله بن مسعود.

وعن الأعمش قال: ذكر أبو وائل أبا بكر وعمر فذكر فضلهما وسابقتهما فقلت: فعبد الله فلا تنسه، قال: ذاك رجل لا أعد معه أحداً. وعن الأعمش قال: سمعت أبا وائل يقول: ذاك رجل ما أعدل به أحداً، يعني عبد الله. بعث عمر بن الخطاب إلى أبي مسعود وابن مسعود فقال: ما هذا الحديث الذي تكثرونه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! ولم يكن هذا من عمر على وجه التهمة لابن مسعود، وإنما أراد التشديد في باب الرواية لئلا يتجاسر أحد إلا على رواية ما تتحقق صحته، وقد كان من حسن رأيه في ابن مسعود وثنائه عليه ما يدل على عدالته عنده، هذا مع ما روي عن ابن مسعود من تحرزه في الرواية وتخوفه من السهو فيها، وذلك بين فيما روي عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود يأتي عليه الحول قبل أن يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث. وعن مسروق عن عبد الله قال: حدث يوماً فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذته الرعدة، ورعدت ثيابه ثم قال نحو هذا أو هكذا. وحدث الشعبي عن عمه قال: جالست ابن مسعود سنة فلم أسمعه يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء، وحدث يوما بحديث فانتفض انتفاض السعفة. وعن عمرو بن ميمون قال: كان عبد الله بن مسعود تأتي عليه السنة لا يحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث. فحدث ذات يوم عنه بحديث، فتغير وجهه، وعلته كآبة، فجعل العرق يتحدر من جبينه ويقول: نحو هذا أو قريب من هذا.

وعن عبد الله بن مسعود أنه حدث ذات يوم أصحابه بحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذته رعدة شديدة، فقالوا له: مالك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: إني حدثت بحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخوفت أن أزيد فيه شيئاً أو انقص منه شيئاً. قال الأعمش: كان عبد الله إذا صلى كأنه ثوب ملقى. وعن عبد الله أنه كان إذا قام إلى الصلاة يغض بصره وصوته ويده. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان عبد الله إذا هدأت العيون قام فسمعت له دوياً كدوي النحل حتى يصبح. وكان عبد الله حسن الصوت بالقرآن. وعن يحيى بن أبي كثير قال: أراد ابن مسعود أن يقوم من الليل يصلي، فأخذت امرأته بثوبه فقالت: أين تقوم؟! علينا ليل، فقال: اللهم إنهما اثنان وأنا واحد، فأعني عليهما، يعني: امرأته والشيطان. وعن أبي وائل قال: بعثني ابن مسعود إلى قرية له وأمرني أن أعمل فيها بما كان يعمل العبد الصالح - رجل كان في بني إسرائيل - أن أتصدق بثلث، وأخلف فيها ثلثاً، وآتيه بثلث. وعن عبد الله بن مسعود قال: لأن أكون أعلم أن الله تقبل مني عملاً أحب إلي من أن يكون لي ملء الأرض ذهباً. وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رجل عند عبد الله: ليتني من أصحاب اليمين. قال عبد الله: ليتني إذا مت لم أبعث.

وعن الحارث بن سويد قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره ما أصبح عند آل عبد الله ما يرجون أن يعطيهم الله به خيراً أو يدفع عنهم به سوءاً إلا أن الله تعالى قد علم أن عبد الله لا يشرك به شيئاً. وعن عبد الله قال: لو تعلمون ذنوبي ما تبعني منكم رجلان، ولوددت أني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنباً من ذنوبي. وعن الحارث بن سويد قال: أكثروا على عبد الله ذات يوم فقال: والذي لا إله غيره لو تعلمون علمي لحثيتم التراب على رأسي. وقال عبد الله: وددت أن الله عز وجل غفر لي خطيئة من خطاياي، وأنه لم يعرف نسبي. وكان ابن مسعود يقول في دعائه: خائف مستجير، تائب مستغفر، راغب راهب. وعن عبد الله بن مسعود قال: لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلياً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا. قال أبو الأحوص: دخلنا على عبد الله بن مسعود وعنده بنون، لهم غلمان كأنهم الزنابير حسناً، فجعلنا نتعجب من حسنهم، فقال عبد الله: كأنكم تغبطوني. قلنا: والله إن مثل هؤلاء يغبط بهم الرجل المسلم، فرفع رأسه إلى سقف بيت له قصير قد عشش فيه الخطاف وباض فقال: والذي نفسي بيده لأن أكون قد نفضت يدي من تراب قبورهم أحب إلي من أن يخر عش هذا الخطاف فينكسر بيضه.

وعن عبد الله بن مسعود قال: حبذا المكروهان: الموت والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفقر، وما أبا لي بأيهما ابتدئت لن حق الله في كل واحد منهما واجب، إن كان الغنى إن فيه للعطف، وإن كان الفقر إن فيه للصبر. وعن عبد الله قال: إن الناس قد أحسنوا القول كلهم، فمن وافق قوله فعله فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه. وعن عبد الله بن مسعود قال: والله الذي لا إله إلا هو ما على ظهر الأرض شيء أحق بطول سجن من لسان. وعن عبد الله بن مسعود قال: لوددت أني من الدنيا فرد، كالراكب الغادي الرائح. وعن عدسة الطائي قال: مر بنا ابن مسعود ونحن بزمالة: فأتينا بطائر، فقال: من أين صيد هذا الطائر؟ فقلنا: من مسيرة ثلاث؛ فقال: وددت أني حيث هذا الطائر لا يكلمني بشر ولا أكلمه حتى ألقى الله عز وجل. وعن عبد الله قال: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، يا قوم، فأضروا بالفاني للباقي. وعن عبد الله أنه قال: لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا أهل زمانهم، ولكنهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعت نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من جعل الهموم هماً واحداً، همه المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن شعبته الهموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك.

كان ابن مسعود يقول: قولوا خيراً، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلاً، مذاييع، بذراً. قال ابن مسعود: اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، وإن الله بقسطه وعلمه وحكمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: علمني كلمات جوامع نوافع، فقال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتزول مع القرآن أينما زال، ومن جاءك بصدق من صغير أو كبير وإن كان بعيداً بغيضاً فاقبله منه، ومن جاءك بكذب وإن كان حبيباً قريباً فاردده عليه. كان عبد الله بن مسعود إذا قعد يقول: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع ما زرع، ولا يسبق بطيء حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، فمن أعطي خيراً فالله أعطاه، ومن وقي شراً فالله وقاه. العلماء سادة، والفقهاء قادة، مجالستهم زيادة. قال عبد الله بن مسعود: ارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس، واجتنب المحارم تكن من أورع الناس، وأد ما افترض عليك تكن من أعبد الناس.

قال وجاءه رجل يشتكي إليه جاراً له، فقال: إنك إن سببت الناس سبوك، وإن نافرتهم نافروك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن فررت منهم ادركوك، وإن جهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، كل زمام بسبعين ألف ملك. وعن عبد الله قال: لا أعرفن رجلاً يستلقي لحلاوة القفا، يجعل رجلاً فوق رجل - ولعله أن يكون شبع - يتغنى، ويدع أن يقرأ كتاب الله تعالى، وقد جعلوا يفعلون. وعن أبي الأحوص أنه سمع عبد الله يقول: مستريح ومستراح منه، فأما المستريح فالمؤمن استراح من هم الدنيا، وأما المستراح منه فالفاجر. وعن عبد الله بن مسعود قال: جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجودههم فاكفهروا في وجوههم. وعن عبد الله قال: انظروا إلى حلم المرء عند غضبه، وإلى أمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب؟ وما علمك بأمانته إذا لم يطمع؟ ولا يعجبنكم صاحبكم حتى تنظروا على أي شقية يقع. وعن عبد الله بن مسعود قال: لا تعجلوا بحمد الناس، ولا بذمهم، فإنك لعلك ترى من أخيك اليوم شيئاً يسرك، ولعلك يسوؤك منه غداً؛ ولعلك ترى منه اليوم شيئاً يسوؤك ولعلك يسرك منه غداً. والناس يغيرون، وإنما يغفر الذنوب الله، والله أرحم بالناس من أم واحد فرشت له بأرض فيء ثم لمست، فإن كانت لدغة كانت بها قبله، وإن كانت شوكة كانت بها قبله.

قال ابن مسعود: مجالس الذكر محياة للعلم، وتحدث للقلب خشوعاً. وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في خطبته: إن أصدق الحديث كلام الله، وأثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وأحسن القصص هذا القرآن، وأحسن السنن سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأشرف الحديث ذكر الله، وخير الأمور عزائمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت مثل الشهداء، وأعمى الضلالة بعد الهدى، وخير الهدي ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من السفلى، وما قل كفى خير مما كثر وألهى، ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها، وشر المعذرة عند حضرة الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبراً، ومن الناس من لا يذكر الله هجراً وأعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، والنوح من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والكبر كير من النار، والشعر من مزامير إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى موضع أربعة أذرع والأمر بآخره، وأملك العمل به خواتيمه، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آتٍ قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل ماله من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن تباك على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزايا يعقبه الله، ومن يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرفه ينكر، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن ينو الدنيا تعجزه، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه. وعن عبد الله بن مسعود قال: ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله عز وجل، فمن كانت راحته في لقاء الله عز وجل فكأن قد.

وعن سلمة بن تمام قال: لقي رجل ابن مسعود فقال: لا تعدم حالماً مذكراً: رأيتك البارحة ورأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منبر مرتفع، وأنت دونه وهو يقول: يا بن مسعود، هلم إلي، فلقد جفيت بعدي، فقال: الله أنت رأيته؟ قال: نعم. قال: فعزمت أن تخرج من المدينة حتى تصلي علي، فما لبث إلا أياماً حتى مات، رحمة الله عليه، فشهد الرجل الصلاة عليه. أوصى عبد الله بن مسعود فكتب: إن وصيتي إلى الله وإلى الزبير بن العوام وإلى ابنه عبد الله بن الزبير وإنهما في حل وبل، فيما وليا وقضيا في تركتي، وإنه لا تزوج امرأة من نسائي إلا بإذنهما. قال أنس بن مالك: دخلنا على عبد الله بن مسعود نعوده في مرضه فقلنا: كيف أصبحت أبا عبد الرحمن؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخواناً، قلنا: كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أجد قلبي مطمئناً بالإيمان. قلنا له: ما تشتكي أبا عبد الرحمن؟ قال: أشتكي ذنوبي وخطاياي، قلنا: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي مغفرة الله ورضوانه، قلنا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني. وفي حديث آخر قال: الطبيب أنزل بي ما ترون، قال: ثم بكى عبد الله ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد إذا مرض يقول الرب تبارك وتعالى: عبدي في وثاقي فإن كان نزل به المرض في فترة منه قال: اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته، فأنا أبكي أنه نزل بي المرض في فترة، ولوددت أنه كان في اجتهاد مني. وزاد في حديث آخر قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: لا حاجة لي به، قال: تركة نسائك، قال: لا حاجة لهن به. وفي حديث غيره قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً.

قال أبو سيف: كان ابن مسعود قد ترك عطاءه حين مات عمر، وفعل ذلك رجال من أهل الكوفة أغنياء، واتخذ ضيعة براذان، فمات عن تسعين ألف مثقال سوى رقيق، وعروض وماشية بالسيلحين. فلما رأى الشر ودنو الفتنة استأذن عثمان فلم يأذن له. وقرب موته، فقدم على عثمان فلم يلبث أن مات فوليه عثمان، وبينهما أشهر. قال الشعبي: لما حضر عبد الله بن مسعود الموت دعا ابنه فقال: يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، إني موصيك بخمس خصال فاحفظهن عني: أظهر اليأس للناس، فإن ذلك غنى فاضل، ودع مطلب الحاجات إلى الناس، فإن ذلك فقر حاضر، ودع ما يعتذر منه من الأمور، ولا تعمل به، وإن استطعت ألا يأتي عليك يوم إلا وأنت خير منك بالأمس فافعل، وإذا صليت صلاة فصل صلاة مودع كأنك لا صلاة بعدها. كان عبد الله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وقد كان عثمان حرمه عطاءه سنين، فأتاه الزبير فقال: إن عياله أحوج إليه من بيت المال، فأعطاه عطاءه عشرين ألفاً أو خمسة وثمانين ألفاً. وفي حديث آخر: فأخذ عطاءه بعد وفاته فدفعه إلى ورثته. أوصى عبد الله بن مسعود: إذا أنا مت أن يصلي عليه الزبير بن العوام. قيل: إن عبد الله بن مسعود مات سنة ثمان وعشرين. قبل: قبل عثمان، وقيل: هذا وهم. قال أبو نعيم: مات ابن مسعود سنة ثمان عشرة من متوفى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال ابن عباس: توفي عبد الله بن مسعود سنة اثنتين وثلاثين من مهاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي

عبد الله بن مسلم بن عبيد الله

بالمدينة ودفن بالبقيع، وهو ابن بضع وستين سنة. وقيل: صلى عمار بن ياسر. وقيل: صلى عليه عثمان، وهو أثبت. وقيل: توفي سنة ثلاث وثلاثين، وله ثلاث وستون. ولما جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء قال: ما ترك بعده مثله. عبد الله بن مسلم بن عبيد الله ابن عبد الله بن شهاب بن الحارث أبو محمد القرشي الزهري المدني، أخو أبي بكر الزهري قدم الشام غازياً القسطنطينية مع مسلمة بن عبد الملك، أيام سليمان. حدث عن أنس بن مالك أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله،. ما الكوثر؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو نهر، أعطانيه ربي في الجنة، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إنها لناعمة، فقال: آكلها أنعم منها. وعنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما الكوثر الذي أعطاك ربك؟ قال: نهر جميل، ما بين صنعاء إلى أيلة من أرض الشام، آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، يرده طائر لها أعناق كأعناق البخت، فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إنها لناعمة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آكلها أنعم منها. وفي حديث آخر بمعناه: فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنها لناعمة فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آكلها أنعم منها. وعن عبد الله بن مسلم قال: رأيت ابن عمر وجد تمرة، فعض بعضها، ثم أرى سائلاً فأعطاه بعضها. توفي محمد بن مسلم بن عبيد الله بت شهاب سنة أربع وعشرين ومئة، وتوفي أخوه عبد الله بن مسلم قبله.

عبد الله بن مسلم بن رشيد

عبد الله بن مسلم بن رشيد أبو محمد الهاشمي مولاهم من أهل دمشق. حدث عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله، أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ. وحدث عن إبراهيم بن هدية عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. ظن به أنه مات بعد الأربعين والمئتين. عبد الله بن مسلم القرشي الدمشقي فرق أبو بكر الخطيب بينه وبين ابن رشيد المذكور قبله. ومسلم بفتح السين واللام المشددة. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى ابن عمر قال: لما طعن عمراً أمر بالشورى، دخلت عليه ابنته حفصة فقالت له: يا أبتاه، إن الناس قد تكلموا، فقال: أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى يقولون في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي، يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل. ما عسى يقولون في عثمان بن عفان؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصة أو الناس عامة؟ قال: لعثمان خاصة ما عسى يقولون في طلحة بن عبيد الله؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سقط رحله يقول: من يسوي رحلي، فهو معي في الجنة؟ فبرز طلحة

عبد الله بن معافى بن أحمد

فسواه له حتى ركب، فقال النبي يا طلحة، جبريل يقرئك السلام ويقول لك: أنا معك في أهوال القيامة، أنجيك منها. ما عسى يقولون في الزبير بن العوام؟! رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام فجلس الزبير عند وجهه حتى استيقظ، فقال له: أبا عبد الله لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي وأمي، قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أذهب عن وجهك شرر جهنم. ما عسى يقولون في سعد بن أبي وقاص؟! سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر وقد لوي قوسه أربع عشرة مرة يقول له: ارم فداك أبي وأمي. ما عسى يقولون في عبد الرحمن بن عوف؟! رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً ويتضوران فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يصلنا بشيء؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصحفة فيها حيسة، ورغيفين بينهما إهالة، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامن. عبد الله بن معافى بن أحمد ابن محمد بن بشير بن أبي كريمة الصيداوي، أخو محمد بن المعافى حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له. عبد الله بن معانق أبو معانق الشعري الدمشقي ويقال: إنه من الأردن. حدث عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى والناس نيام.

عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان

وحدث عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي عامر الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إسباغ الوضوء نصف الإيمان، والحمد تملأ الميزان، والتسبيح نصف الميزان، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك وعليك، والناس غادون: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها. وحدث عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سأل القتل في سبيله صادقاً من نفسه ثم مات أو قتل، فله أجر شهيد، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها كالزعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء. عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان أبو الخير، ويقال: أبو سليمان كان يلقب بمبقت. وكان مضعف العقل. مر عبد الله بن معاوية يوماً بطحان قد شد بغله في الرحى للطحن، وجعل في عنقه جلاجل فقال له: لم جعلت في عنق بغلك هذا هذه الجلاجل؟ فقال الطحان: جعلتها في عنقه لأعلم أن قد قام فلم يدر الرحى، فقال له: أرأيت إن هو قام وحرك رأسه؟ كيف تعلم إنه لا يدير الرحى؟ فقال له الطحان: إن فعل هذا أصلح الله الأمير فليس له عقل مثل عقل الأمير.

عبد الله بن معاوية بن عبد الله

عبد الله بن معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب أبو معاوية الهاشمي الجعفري وفد على بعض خلفاء بني أمية، وكان صديقاً للوليد بن يزيد قبل أن تفضي إليه الخلافة. حدث عن أبيه معاوية بن عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي أصلي، وجعفر فرعي، أو جعفر أصلي، وعلي فرعي. وحدث عن أبيه عن جده قال: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: الناس من شجرة، يعني أنا وجعفر من شجرة. حدث عبد الله بن معاوية الهاشمي أن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته، وهم يومئذ عشرة، فأمرهم، ونهاهم، وقال: وإياكم والبغي، فوالله ما خلق الله عز وجل شيئاً أعجل عقوبة من البغي، ولا رأيت أحداً بقي على البغي إلا إخوتكم من بني عبد شمس. كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر صديقاً للوليد يأتيه ويؤانسه، فجلسا يوماً يلعبان بالشطرنج، وأتاه الإذن، فقال: أصلح الله الأمير، رجل من أخوالك من أشراف ثقيف قدم غازياً، وأحب السلام عليك، فقال: دعه، فقال عبد الله: وما عليك؟ ائذن له، فقال: نحن على لعبنا وقد أنجحت عليك، قال: فادع بمنديل فضع عليها، ويسلم الرجل، ونعود، ففعل، ثم قال: ائذن له فدخل يشمر، له هيئة، بين عينيه أثر السجود، وهو معتم، قد رجل لحيته، فسلم ثم قال: أصلح الله الأمير، قدمت غازياً فكرهت أن أجوزك حتى أقضي حقك، قال: حياك الله وبارك عليك، ثم سكت عنه. فلما أنس أقبل عليه الوليد فقال: يا خال، هل جمعت

القرآن، قال: لا، كانت تشغلنا عنه شواغل، قال: هل حفظت من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومغازيه وأحاديثه شيئاً؟ قال: كانت تشغلنا من ذلك أموالنا، قال: فأحاديث العرب وايامها وأشعارها؟ قال: لا، قال: فأحاديث أهل الحجاز ومضاحكها؟ قال: لا، قال: فأحاديث العجم وآدابها؟ قال: إن ذلك شيء ما كنت أطلبه، فرفع الوليد المنديل وقال: شاهك. قال عبد الله بن معاوية: سبحان الله، قال: لا والله ما معنا في البيت أحد. فلما رأى ذلك الرجل خرج، وأقبلوا على لعبهم. قال المصنف: ما اعجب كلام الوليد هذا وألطفه، ويشبهه ما روي أن رجلاً خاطب معاوية فأكثر اللغو في كلامه، فضجر معاوية وأعرض عنه، فقال: أسكت يا أمير المؤمنين؟! فقال: وهل تكلمت؟! ولعمري إن ذا الجهل والغباوة إلى منزلةٍ من النقص وسقوط القدر وغن اتفق لهم بالجد إعظام كثير من الناس لهم. وقد ذكر أن بزرجمهر سئل: ما نعمة لا يحسد صاحبها عليها؟ قال: التواضع، قال: فما بلية لا يرحم صاحبها؟ قال: الكبر. قيل: فما الذي إذا انفرد لم يساو شيئاً؟ قال: الحسب بلا أدب. وكان عبد الله بن معاوية جواداً، شاعراً، وخرج عبد الله بن معاوية بالكوفة في خلافة مروان بن محمد، فبعث إليه مروان جنداً، فلحق بأصبهان، فغلب عليها وعلى تلك الناحية، واجتمع إليه قوم كثير في سنة إحدى وثلاثين ومئة، ثم قتل بمدينة جي. وقيل: بل هرب ولحق بخرسان وأبو مسلم يدعو بها، فبلغه مكانه، فأخذه فحبسه في السجن حتى مات في سنة إحدى وثلاثين ومئة. وكان عبد الله بن معاوية ظهر وبويع له بالخلافة بأصبهان سنة سبع وعشرين ومئة في خلافة مروان بن محمد، وملك فارس وكرمان، وكثر تبعه، وجبى الأموال، وملك تلك البلاد، وقوي أمره، وكانت بينه وبين عمال مروان وقائع وحروب كثيرة، ولم يزل هناك إلى أن جاءت الدولة العباسية ثم حاربه مالك بن الهيثم صاحب أبي مسلم، فظفربه، وحمله إلى أبي مسلم، فحبسه وقتله. وقيل: بل مات في سجنه.

كتب بند إلى عمران بن هند أن عبد الله بن معاوية بعث إليك مع فلان بعشرين ألف درهم صلة وبخمسين ثوباً وجارية وخدماً من الغلمان، فقطع بذلك المال في جبال الأكراد، وذكر له أنه قد اجتمع الخلق من الناس إليه، فكتب عمران بن هند إلى بند: الطويل أتاني كتاب منك يا بند سرني ... يخبرني فيه بإحدى الرغائب تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبرٍ منها كريم الضرائب فهناكم الله المليك نكاحها ... وراش بكم كل ابن عم وصاحب يكني عن الخلافة بالعجوز. ومن شعر عبد الله بن معاوية من ولد ذي الجناحين: الخفيف أيها المرء لا تقولن قولاً ... ليس تدري ما يعيبك منه الزم الصمت إن في الصمت حكماً ... وإذا أنت قلت قولاً فزنه وإذا القوم ألغطوا في حديث ... ليس يعنيك شأنه فاله عنه ومن شعره: الطويل رأيت فضيلاً كان شيئاً ملفقاً ... فكشفه التمحيص حتى بداليا أأنت أخي ما لم تكن لي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا فلا زاد ما بيني وبينك بعدما ... بلوتك في الحاجات إلا تماديا فلست براء عيب ذي الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا ونسب ابن طلاب هذه الأبيات لجعفر بن محمد الصادق، وهو وهم. والفضيل في الشعر هو الفضيل بن السائب بن الأقرع الثقفي، قاله فيه حين لم ينهض بحاجته.

عبد الله بن معاوية بن يحيى

قالوا. وظهر أبو مسلم في رمضان سنة تسع وعشرين ومئة فحبس عبد الله بن معاوية وأخويه ثم قتله، ثم خلى عن أخويه في سنة ثلاثين ومئة. عبد الله بن معاوية بن يحيى الهاشمي ويعرف بابن شمعلة كان ثقة. حدث عن أيوب بن مدرك الحنفي عن مكحول عن واثلة. قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تمنعوا عباد الله فضل ماءٍ ولا كلأٍ ولا نار، فإن الله جعلها متاعاً للمقوين وقواماً للمستغيثين. عبد الله بن مغيث بن أبي بردة ابن أسير بن عروة بن سواد بن الهيثم الأنصاري الظفري المديني استقدمه يزيد بن عبد الملك فكان عنده مع الزهري. حدث عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيخرج من الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسةً لا يدرسها أحد بعده. وحدث عبد الله بن مغيث قال: أرسلت أم عامرٍ الأشهلية بقعبة فيها حيس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في قبته، وهو

عبد الله بن مفرج

عند أم سلمة فأكلت أم سلمة حاجتها، ثم خرج بالبقية فنادى منادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عشائه فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي. مغيث بغين معجمة وياء بنقطتين تحتها وثاء بثلاث نقط عبد الله بن مفرج أبو محمد الأندلسي قدم دمشق. حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الولي الأنصاري بسنده إلى عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته. ولد في سنة سبع عشر وأربع مئة. عبد الله بن منصور بن عبد الله أبو نصر إمام مسجد المربعة. حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الله بسنده إلى عم حزام بن حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنكم قد أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه؛ كثير من يعطي، قليل من يسأل، العمل فيه خير من العلم، وسيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه، قليل فقهاؤه، كثير من يسأل، قليل من يعطي، العلم فيه خير من العمل.

عبد الله بن منصور بن عمران

عبد الله بن منصور بن عمران أبو بكر الربعي الواسطي المقرئ قدم دمشق. أنشد لأبي الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي لنفسه ارتجالاً وقد دخل عزاء لصبي وهو في عشر المئة، وبه ارتعاش، فتغامز عليه الحاضرون فقال: المتقارب إذا دخل الشيخ بين الشباب ... وقد مات طفل صغير رأيت اعتراضاً على الله إذ ... توفى الصغير وعاش الكبير فقل لابن شهرٍ وقل لابن ألفٍ ... وما بين ذاك: هذا المصير عبد الله بن أبي موسى التستري نويل بيروت، ونزيل الشام. حدث عن ابن عجلان بسنده عن عائشة رضوان الله عليها قالت: لو أدرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذه النساء ما أدركنا لنهاهن عن الخروج إلى المساجد كما نهي نساء بني إسرائيل. قالت عمرة: فقلت لعائشة: ونهي نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم. قال عبد الله بن أبي موسى: قيل لي: حيثما كنت فكن من قرب فقيه. قال: فأتيت بيروت إلى الأوزاعي. قال: فبينا أنا عنده إذ سألني عن امرئ، فأخبرته. - قال: وكان أسلم - فقال لي: ألك أب؟ قلت: نعم، تركته بالعراق مجوسياً. قال: فهل لك أن ترجع إليه لعل الله أن يهديه على يديك؟ قال: ترى لي ذاك؟ قال: نعم، فأتيت أبي فوجدته مريضاً فقال لي: يا بني أي شيء أنت عليه؟ وساءله عن أمره، قال: فأخبرته أني أسلمت. قال:

عبد الله بن موهب

فقال لي: اعرض علي دينك. قال: فأخبرته بالإسلام وأهله، قال: فإني أشهدك أني قد أسلمت. قال: فمات في مرضه ذاك، فدفنته، ورجعت إلى الأوزاعي فأخبرته. عبد الله بن موهب الهمداني، ويقال الخولاني الفلسطيني القاضي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سرية من المشركين، فانهزمت فغشي رجل من المسلمين رجلاً من المشركين وهو منهزم، فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال الرجل: لا إله إلا الله، فلم ينثن عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهلا نفثت عن قلبه، فإنما يعبر عن القلب اللسان. فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى توفي ذلك الرجل القاتل، فدفن، فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فقال: ادفنوه، فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الأرض قد أبت أن تقبله، فاطرحوه في غارٍ من الغيران. وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما السنة في الرجل الكافر يسلم على يدي المسلم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو أولى الناس بمحياه ومماته، قال عبد العزيز بن عمر: وشهدت عمر بن عبد العزيز قضى بذلك في رجل أسلم على يدي رجل، فمات وترك مالاً وابنةً له، فأعطى عمر ابنته النصف والذي أسلم على يديه النصف. زاد في حديث: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله بهذا الحديث وأمرهم أن يأخذوا به.

عبد الله بن مهاجر الشيعيثي النصري

وعن عمرو بن مهاجر قال: حضرت عمر بن عبد العزيز واختصم إليه رجلان، اشترى أحدهما من الآخر جارية صغيرة، واشترط البائع على المبتاع عتقها، فسأل عنها عمر ابن موهب فقال: يبطل البيع، وسأل عنها ابن حلبس فقال: جاز البيع، وبطل الشرط، قال عمر: لم ذلك؟ قال: من أجل الظهار. قال: صدقت، فأجاز البيع، وأبطل الشرط. قال المعلى بن رؤية التميمي: كانت لي حاجة إلى رجاء بن حيوة وكان عند سليمان بنيعان، فلقيته في الطريق، فقال: ولى الأمير عبد الله بن موهب القضاء، ولو خيرت بين أن أحمل إلى حفرتي وبين ما ولي ابن موهب لا خترت أن أحمل إلى حفرتي. قال: قلت له: إن الناس يزعمون أنك الذي أشرت به. قال: صدقوا، إني إنما نظرت للعامة ولم أنظر له. وعن ابن موهب قال: ثلاث إذا لم تكن في قاضٍ فليس بقاضٍ: يسأل وإن كان عالماً، ولا يسمع من أحد شكية ليس معه خصمه، ولا يقضي إلا بعد أن يفهم. عبد الله بن مهاجر الشيعيثي النصري حدث عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة أم المؤمنين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صلى قبل الظهر أربعاً حرمه الله على النار.

عبد الله بن ملاذ الأشعري

عبد الله بن ملاذ الأشعري من أهل دمشق. حدث عن نمير بن أوس بسنده إلى آبي عامر الأشعري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم الحي الأسد، والأشعريون لا يفرون في القتال ولا يغلون، هم مني وأنا منهم. قال عامر بن أبي عامر: فحدثت به معاوية قال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه قال: هم مني وإلي، فقلت: ليس هكذا حدثني أبي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هم مني وأنا منهم. قال: فأنت إذاً أعلم بحديث أبيك. عبد الله بن ميمون وهو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني مولى آل المنكدر التيميين، واسم أبي سلمة ميمون. وقدم دمشق مع عروة بن الزبير، وفدا على الوليد بن عبد الملك حين أصيب عروة بابنه ورجله. حدث عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمناً إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر. قال مصعب بن عبد الله: توفي محمد بن عروة مع أبيه وعروة يومئذٍ عند الوليد بن عبد الملك، وفي ذلك السفر أصيبت رجل عروة، وكان محمد بن عروة من أحسن الناس، وكان عروة يحبه حباً شديداً. قال: فقام محمد بن عروة على سطح فيه خلاء، فقام من الليل فسقط من الخلاء في اصطبل الدواب، فتخبطته حتى مات، وكان الماجشون مع عروة بالشام، فكره أصحاب عروة وغلمانه أن يخبروه خبره، فذهبوا إلى الماجشون فأخبروه،

عبد الله بن ميمون بن عياش بن الحارث

فجاء من ليلته، فاستأذن على عروة، فوجده يصلي، فاذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة؟! قال: نعم، يا أبا عبد الله طال علي الثواء، وذكرت الموت، وزهدت في كثير مما كنت أطلب، وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون، فبكى، فجعل الماجشون يذكر فناء الناس، وما مضى ويزهد في الدنيا ويذكر بالآخرة حتى أوجس عروة فقال: قل فما تريد؟ فإنما قام محمد من عندي آنفاً، فمضى في قصته، ولم يذكر شيئاً، ففطن عروة، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسب محمداً عند الله، فعزاه الماجشون عليه، وأخبره بموته. وقيل: إن الوليد حمل عروة على بغلة كان الحجاج أهداها إلى الوليد، فخرج من عنده محمد ابنه فضربته البغلة، فمات، فأسقط في يد غلمانه، ولم يخبر أحد بخبره، ومضوا إلى الماجشون.. الحديث. قال: فما رئي أصبر منه. ولما قطعوا رجله قالوا له: تسقى شيئاً؟ قال: فتمسك. قال: وبسطها على مرفقه حتى نشرت وحسمت، فما تكلم، ولا تأوه. عبد الله بن ميمون بن عياش بن الحارث ويقال: عبد الله بن محمد بن ميمون أبو الحواري التغلبي الغطفاني والد أحمد بن أبي الحواري الزاهد. كان من الزهاد أيضاً، وكان بدمشق. وقيل: كان كوفياً وانتقل ابنه إلى دمشق. قال عبد الله: سمعت وهيب بن الورد يقول: إذا دخل العبد في لاهوتية الرب، ومهيمنة الصديقين، ورهبانية الأبرار لم يلق أحداً يأخذه بقلبه، ولا يلحقه عينه. قال أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري: حدثت به أبا سليمان فقال: أما اللاهوتية فالعظمة. قال: فما المهيمنية؟ قلت: لا أدري؟ قال: اليقين. قال: فما الرهبانية؟ قال: قلت: لا ادري. قال: هو الزهد.

عبد الله بن نافع بن ذؤيب

وحدث عن وهيب بن الورد قال خلق ابن آدم وخلق الخبز معه، فما زاد على الخبز فهو شهوة، قال: فحدثت به سليمان بن أبي سليمان فقال: صدق، والخبز مع الملح شهوة. وحدث عبد الله بن أبي الحواري عن أبيه أنه رأى موضع أركان قبة دمشق وقد بلغت الماء. قال أحمد بن أبي الحواري: لبست الصوف وأبي حي، فقال لي: يا بني، ما أراك تقوى على هذا، هذه طريقة الأنبياء - وكانت مرقعة - وكان عبد الله بن ميمون أبو الحواري والد أحمد من مذكوري المشايخ وابنه أحمد أخذ عنه الطريقة. قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبي: يا بني، لا تكثر البكاء فإنه يغشي القلب. وقال: سمعت آبي يقول: من كانت نيته في العافية ملأ الله حضنه بالعافية. عبد الله بن نافع بن ذؤيب ويقال ذويد من أهل دمشق. حدث عن أبيه قال: قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله قرحة الأكلة، فبعث إليه الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على إن لم ينشروها قتلته، فقال: شأنكم بها، فقالوا: نسقيك شيئاً كيلا تحس بما نصنع، فقال: لا، شأنكم بها، قال: فنشروها بالمنشار، فما حرك عضواً عن عضو وصبر. فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده فقال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بها إلى حرام، أو قال: معصية. قال الوليد: قال عبد الله بن نافع بن ذويب أو غيره من أهل دمشق عن أبيه أنه حضر عروة حين فعل به ذلك قال هذه المقالة، ثم أمر بها فغسلت وطيبت، ولفت في قبطية، ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين.

عبد الله بن نزار العبسي

عبد الله بن نزار العبسي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجهه أبو بكر الصديق بكتابه إلى أبي عبيدة بن الجراح حين توجه إلى فتح دمشق. عن ابن عباس قال: ثم سار - يعني أبا عبيدة - حتى إذا دنا من باب الجابية أتاه آتٍ فقال له: إن هرقل بأنطاكية، وقد جمع لك من الجنود جمعاً لم يجمعه أحد من الأمم ممن كان قبله، فانصر نصرك الله، فاختبر أبو عبيدة عن ذلك فوجده حقاً، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله أبي بكر الصديق خليلفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنا نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله عزاً منيعاً وأن يفتح لهم فتحاً يسيراً، فإنه بلغني أن ملك الروم نزل قرية من قرى الروم يقال لها أنطاكية، وأنه بعث إلى أهل مملكته يحشرهم إليه، وأنهم خرجوا إليه على الصعبة والذلول، فقد رأيت أن أعلمك ذاك فترى رأيك، ورأيك موفق رشيد والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال: فكتب إليه أبو بكر: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي عبيدة بن الجراح - ومنهم من قال: إنما كتب من أبي بكر، وكان عمر هو الذي أحدث من عبد الله عمر أمير المؤمنين، فكتب أبو بكر - سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فقد أتاني كتابك وفهمت ما ذكرت من أمر هرقل ملك الروم، فأما نزوله بأنطاكية فهزيمة له ولأصحابه، وفتح من الله عليك وعلى المسلمين إن شاء الله، وأما حشره لكم بمملكته وجمعه لكم الجموع فإن ذلك إنا نعلم وأنتم تعلمون أنه سيكون منهم ما كان قوم ليدعوا سلطانهم، ولا ليخرجوا من ملكهم بغير قتال، ولقد علمت - والحمد الله - أن قد غزاهم رجال كثير من المسلمين يحتسبون من الله في قتالهم الأجر العظيم، ويحبون الجهاد في سبيل الله أشد من حبهم أبكار نسائهم، وعقائل أموالهم،

عبد الله بن نصر

الرجل منهم عند الهيج خير من ألف رجل من الروم، فالقهم بجندك، ولا تستوحش لمن غاب عنك من المسلمين، فإن الله معك، وأنا مع ذلك ممدك بالرجال بعد الرجال حتى تكتفي ولا تحب أن تزداد، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وبعث بالكتاب مع عبد الله بن نزار العبسي. عبد الله بن نصر بن هلال السلمي والد أبي الفضل. حدث عن محمد بن المبارك الصوري بسنده إلى واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، التقوى ها هنا، وأومأ بيده إلى القلب. قال: وحسب امرئ من الشر أن يخفر أخاه المسلم. عبد الله بن نصر أبو محمد التبريزي القاضي حدث عن الشيخ أبي نصر أحمد بن محمد بن شبيب الكاغدي البلخي الإمام المفسر، وإمام خراسان بسنده إلى عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لملك الموت حربة مسمومة، طرف لها بالمشرق، وطرف لها بالمغرب، يقطع بها عرق الحياة، والذي لا إله إلا هو، والذي نفس محمد بيده، والذي بعثني بالحق نبياً إن معالجته أشد من ألف ضربة بالسيف، وألف نشرة بالمناشير، وألف طبخة في القدور، وإن الصراط مسيرة ثلاثة آلاف عام، ألف طالع وألف نازل وألف استواء، أدق من الشعر وأحد من السيف، ثم قال: والذي بعثني بالحق نبياً من أكرم عالماً مات ولم يعلم وجاز الصراط ولم يعلم. قال الحافظ: الحديث منكر.

عبد الله بن نعيم بن همام القيني

عبد الله بن نعيم بن همام القيني ذكر أنه دمشقي، وذكر في كتاب تسمية كتاب أمراء دمشق، فقيل: كان كاتب الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب الأشعري، وقيل: كان من كتاب عمر بن عبد العزيز. حدث عبد الله بن نعيم عن الضحاك بن عبد الرحمن بن غرزب الأشعري عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد لأبي عامر الأشعري يوم حنين على خيل الطلب، فلما انهزمت هوازن طلبها حتى أدرك دريد بن الصمة، فأسرع به فرسه فقتل ابن دريد أبا عامر. قال: أبو موسى: فشددت على ابن دريد فقتله، وأخذت اللواء، وانصرفت بالناس. فلما رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واللواء بيدي، قال: أبا موسى، قتل أبو عامر؛ قلت: نعم، قال: فرفع يديه يدعو له ويقول: اللهم، أبا عامر اجعله في الأكثرين يوم القيامة. هذا أو نحوه. وحدث عن الضحاك أيضاً أنه أخبره أن عبد الرحمن بن غنم أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: ليمت يهودياً أو نصرانياً - يقولها ثلاث مرات - رجل مات ولم يحج، وجد لذلك سعة، وخليت سبيله، لحجة أحجها وأنا صرورة أحب إلي من ست غزوات أو سبع - ابن نعيم يشك - ولغزوة أغزوها بعدما أحج أحب إلي من ست حجات أو سبع، ابن نعيم يشك فيهما. وحدث أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك وبصق عن يمينه وهو في مسيره فنهاه عمر عن ذلك فقال: إنك تؤذي صاحبك، ابصق عن شمالك. القيني: بالقاف والياء المعجمة باثنتين تحتها ونون.

عبد الله بن واقد الجرمي

عبد الله بن واقد الجرمي شهد قتل الوليد بن يزيد. قال: دخلوا على الوليد وقد ظاهر بين درعين وبيده السيف صلتاً، فأحجموا عنه فنادى مناديهم: اقتلوا اللوطي قتلة قوم لوط، فقتل. عبد الله بن وقاص قال: إني لعند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن، حتى إذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك. عبد الله الأصغر بن وهب ابن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الزمعي وفد على معاوية. حدث عن ام سلمة قالت: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة بعد الفتح فنا جاها فبكت، ثم حدثها فضحكت، فقالت أم سلمة: فلم أسألها عن شيء حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألتها عن بكائها وضحكها قالت: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يموت فبكيت، ثم حدثني أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فضحكت. وحدث عنها أيضاً قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من أحد يحيي أرضاً فتشرب منها كبد حرى أو يصيب منها عافية إلا كتب الله له بها أجراً.

وحدث عنها قالت: لعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراشي والمرتشي في الحكم. وحدث قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تاجراً إلى بصرى، لم يمنع أبا بكر من الضن برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشحة على نصيبه منه من الشخوص إلى التجارة، وذلك لإعجابهم بكسب التجارة وحبهم للتجارة، ولم يمنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر من الشخوص في تجارته لحبه صحابته، وضنه بأبي بكر، وقد كان بصحابته معجباً لاستحباب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التجارة وإعجابه بها. لما اجتمع الناس على معاوية خرج إليه عبد الله بن وهب الأصغر طالباً بدم أخيه عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي، وقال: إما وجدت قاتله فأمكنني منه فقتله، وإما لم أجده فكان ذلك وسيلة لي إليه، فقدم عليه. فلما حضر الطعام قال له معاوية: ادن يا بن مسلم بن مسلم، قال: فتقدمت إلى الغداء، وما يسوغ لي أبداً في آبائي، وأعود فلا أجد فيهم مسلماً، فرجعت إلى المدينة، وقد كان معاوية قال له: أما قاتل أخيك فلا يعرف، قتل في فتنة واختلاط من الناس، ولكن هذه الدية فهي لك، وأعطاه الدية، وأحسن جائزته. قال: فانصرفت، فدخلت المدينة فسألتني زوجتي كريمة بنت المقداد بن عمرو عن سفري، فأخبرتها بما قال لي معاوية، فقالت: صدق، كان جدك أسد بن عبد العزى لا يدع مهتجرين من قريش إلا أصلح بينهما فسمي مسلماً. فلما توفي قام ذلك المقام المطلب بن أسد فسمي مسلماً. فلما توفي قام ذلك المقام أبو زمعة الأسود بن المطلب فسمي مسلماً، فأنت أبن مسلم ابن مسلم ابن مسلم. قال: فخرجت إلى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت لها قول معاوية، فقالت مقالة كريمة بنت المقداد، فقلت: والله لأرجعن إلى معاوية، فرجعت إليه لذلك لا يفزعني غيره. فلما حضر الغداء قالك ادن يا بن مسلم ابن مسلم، قال؛ قلت: أي والله، إني لابن مسلم ابن مسلم ابن مسلم، قال لك علمت فتعلمت! قلت: إنما العلم بالتعلم. كان أخوه عبد الله بن وهب الأكبر قتل مع عثمان بن عفان في الدار.

عبد الله بن وهيب بن عبد الرحمن

عبد الله بن وهيب بن عبد الرحمن ابن عمر بن حفص أبو العباس ويقال: أبو إسحاق الجذامي الغزي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة أو تيسير من عسرة أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام. توفي أبو العباس الغزي سنة إحدى وثلاث مئة. عبد الله بن هارون بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس - ويقال: أبو جعفر المأمون بن الرشيد قدم دمشق دفعات، وأقام بها مدة. قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: صليت العصر في الرصافة خلف المأمون في المقصورة يوم عرفة. فلما سلم كبر الناس، فرأيت المأمون خلف الدرابزين وعليه كمة بيضاء وهو يقول: لا يا غوغاء لا يا غوغاء، غداً سنة أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما كان يوم الأضحى حضرت الصلاة فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.. حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا ابن شبرمة عن الشعبي عن البراء بن عازب عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم قدمه لأهله، ومن ذبح بعد أن يصلي فقد أصاب السنة، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، اللهم، أصلحني واستصلحني وأصلح على يدي.

قال أحمد بن إبراهيم الموصلي: كنت بالشماسية والمأمون يجري الحلبة فسمعته يقول ليحيى بن أكثم وهو ينظر إلى كثرة الناس: أما ترى؟ ثم قال: حدثنا يوسف بن عطية الصفار عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخلق كلهم عيال الله عز وجل، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله. وحدث المأمون عن هشيم عن منصور عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياء من الإيمان. ولد المأمون في ربيع الأول سنة سبعين ومئة، ليلة مات موسى الهادي، واستقامت له الولاية في المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة، ومات سنة ثمان عشرة ومئتين، فكانت ولايته عشرين سنة وخمسة أشهر وأياماً، ودعي له بالخلافة بخراسان في حياة أخيه الأمين ثم قدم بغداد بعد قتله. وكان إبراهيم يقول: مات خليفة، وولي خليفة، وولد خليفة في ليلة واحدة: مات موسى، وولي الرشيد، وولد المأمون في ليلة واحدة. وكان المأمون بايع لعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وسماه الرضا، وطرح السواد وألبس الناس الخضرة، فمات علي بسرخس، وقدم المأمون بغداد سنة أربع ومئتين في صفر وطرح الخضرة، وعاد إلى السواد، وامر المأمون في آخر عمره أن يكون أخوه أبو إسحاق الخليفة من بعده. وكانت كنيته أولاً أبو العباس، فلما ولي الخلافة اكتنى بأبي جعفر. وأمه أم ولد يقال لها: مراجل الباذغيسية، توفيت في نفاسها به، وكان ولي عهد أبيه الرشيد بعد أخيه محمد الأمين، وكان يدعى للمأمون بالخلافة ومحمد حي، دعي له من آخر سنة خمس وتسعين ومئة إلى أن قتل محمد، واجتمع الناس عليه، وتفرق عماله في البلاد، ومحمد حي، ودعي له بالحرمين، وأقيم الحج للناس بإمامته في سنتي ست وسبع وتسعين ومئة، وهو مقيم بخراسان، والكتب تنفذ عنه، والأموال تحمل إليه، وأمره ينفذ في الآفاق، فاجتمع الناس عليه بعد قتل محمد، وبويع له ببغداد على يدي طاهر بن الحسين في المحرم سنة ثمان وتسعين وورد الخبر عليه وهو

بمرو في صفر سنة ثمان وتسعين. ولم يزل المأمون مقيماً بمرو. ووجه الحسن بن سهل صنو ذي الرياستين إلى بغداد وجعله خليفته بالعراق، وعقد له عليه، وكان وجه قبله منصور بن المهدي إلى بغداد، ودفع إليه خاتمه، وأمره أن يكاتب عنه. فلما قدم الحسن بن سهل لم يكن لمنصور من الأمر شيء غير المكاتبة والختم. وعقد المأمون بخراسان العهد بعده لعلي بن موسى بن جعفر وسماه الرضا، وخلع السواد، وألبس الناس الخضرة في سنة إحدى ومئتين. فلما اتصل ذلك بمن في العراق من العباسيين من ولد الخلافة وغيرهم عظم عليهم، وأنكروه، واجتمعوا، فكتبوا إلى المأمون كتاباً في ذلك، وورد كتابه على الحسن بن سهل يأمره بأخذ البيعة على الناس لعلي بن موسى بعده فأعظم الناس ذلك وأبوه وخالفوا الأمر فيه ودعاهم ذلك إلى أن بايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، وخلعوا المأمون. وكان المأمون أبيض، ربعة، حسن الوجه، قد وخطه الشيب، تعلوه صفرة، أغبر، طويل اللحية رقيقها، ضيق الجبين، على خده خال، وكان ساقاه من سائر جسده صفراوين، حتى كأنهما طليتا بالزعفران. قال أبو محمد اليزيدي: كنت أؤدب المأمون وهو في حجر سعيد الجوهري. قال: فأتيته يوماً وهو داخل، فوجهت إليه بعض خدمه يعلمه بمكاني، فأبطأ علي، ثم وجهت إليه آخر فأبطأ، فقلت لسعيد: إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة وتأخر، قال: أجل، ومع هذا إنه إذا فارقك تعرم على خدامه، ولقوا منه أذى شديداً فقومه بالأدب. فلما خرج أمرت بحمله فضربته سبع درر. قال: فإنه ليدلك عينيه من البكاء إذ قيل له: هذا جعفر بن يحيى قد أقبل، فأخذ منديلاً، فمسح عينيه من البكاء، وجمع ثيابه، وقام إلى فرشه، فقعد عليها متربعاً ثم قال: ليدخل، فدخل، فقمت عن المجلس، وخفت أن يشكوني إليه، فألقى

منه ما أكره. قال: فأقبل عليه بوجهه وحديثه حتى أضحكه، وضحك إليه. فلما هم بالحركة دعا بدابته، وأمر غلمانه، فسعوا بين يديه، ثم سأل عني فجئت، فقال: خذ على ما بقي من جزئي. فقلت: ايها الأمير - أطال الله بقاءك - لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر بن يحيى فلو فعلت ذلك لشكر لي، فقال: أتراني يا أبا محمد كنت أطلع الرشيد على هذه؟ فكيف بجعفر بن يحيى حتى أطلعه؟ إني أحتاج إلى أدب. إذاً يغفر الله لك بعد ظنك، ووجيب قلبك، خذ في أمرك، فقد خطر ببالك ما لا تراه أبداً، ولو عدت في كل يوم مئة مرة. أراد الرشيد سفراً فأمر الناس أن يتأهبوا لذلك، وأعلمهم أنه خارج بعد الأسبوع، فمضى الأسبوع ولم يخرج، فاجتمع الناس إلى المأمون فسألوه أن يستعلم ذلك، ولم يكن الرشيد يعلم أن المأمون يقول الشعر فكتب إليه المأمون: السريع يا خير من دنت المطي به ... ومن تقدى بسرجه فرس هل غاية في المسير نعرفها ... أم أمرنا في المسير ملتبس؟ ما علم هذا إلا إلى ملكٍ ... من نوره في الظلام نقتبس إن سرت سار الرشاد متبعاً ... وإن تقف فالرشاد محتبس فقرأها الرشيد وسر بها، ووقع فيها: يا بني، ما أنت والشعر إنما الشعر أرفع حالات الدنيء، وأقل حالات السري والمسير إلى ثلاث أن شاء الله. حدث ذو الرياستين في شوال سنة اثنتين ومئتين أن المأمون ختم في شهر رمضان ثلاثاً وثلاثين ختمة. أما سمعتم في صوته بحوحة؟ إن محمد بن أبي محمد اليزيدي في أذنه صمم، كان يرفع صوته ليسمع، وكان يأخذ عليه. قال محمد بن عباد: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان والمأمون.

حدث يحيى بن أكثم القاضي قال: قال لي المأمون يوماً: يا يحيى إني لرأيت أن أحدث، فقلت: ومن أولى بهذا من أمير المؤمنين؟ فقال: ضعوا لي منبراً بالحلبة، فصعد وحدث، فأول حديث حدثنا به من هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار. ثم حدث بنحو من ثلاثين حديثاً، ثم نزل فقال لي: يا يحيى، كيف رأيت مجلسنا؟ قلت: أجل مجلس، يا أمير المؤمنين، تفقه الخاصة والعامة، فقال: لا، وحياتك، ما رأيت لكم حلاوة، إنما المجلس لأصحاب الخلقان والمحابر، يعني من أصحاب الحديث. قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: لما فتح المأمون مصر قام فرج الأسود فقال: الحمد الله الذي كفاك أمر عدوك، وأدان لك العراقين والشامات ومصر، وأنت ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ويحك يا فرج، إلا أنه بقيت لي خلة، وهو أن أجلس في مجلس، ويستملي يحيى فيقول: من ذكرت رضي الله عنك؟ فأقول: حدثنا الحمادان: حماد بن سلمة بن دينار، وحماد بن زيد بن درهم قالا: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من عال ابنتين أو ثلاثاً أو أختين أو ثلاثاً حتى يمتن أو يموت عنهن كان معي كهاتين في الجنة. وأشار بالمسبحة والوسطى. قال أبو بكر الخطيب: في هذا الخبر غلط فاحش. قال: ويشبه أن يكون المأمون رواه عن رجل عن الحمادين، وذلك أن مولد المأمون في سنة سبعين ومئة، ومات حماد بن سلمة في سنة سبع وستين ومئة، قبل مولده بثلاث سنين، وأما حماد بن زيد فمات في سنة تسع وسبعين ومئة. قال محمد بن سهل بن عسكر: وقف المأمون يوماً للإذن، ونحن وقوف بين يديه إذ تقدم إليه رجل غريب بيده محبرة، فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع به، فقال له المأمون: ما تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئاً، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم، وحدثنا حجاج بن محمد، وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن بابٍ باب فلم يذكر فيه شيئاً، فذكره

المأمون، ثم نظر إلى أصحابه فقال: أحدهم يطلب الحديث ثلاثة أيام ثم يقول: أنا من أصحاب الحديث؟! أعطوه ثلاثة دراهم. قال محمد بن حفص الأنماطي: تغدينا مع المأمون في يوم عيد. قال: فأظنه وضع على مائدته أكثر من ثلاث مئة لون. قال: فكلما وضع لون نظر المأمون إليه فقال: هذا نافع لكذا، ضار لكذا، فمن كان منكم صاحب بلغم فليجتنب هذا، ومن كان منكم صاحب صفراء فليأكل من هذا، ومن غلبت عليه السوداء فلا يعرض لهذا، ومن قصده قلة الغذاء فليقتصر على هذا. قال: فوالله إن زالت تلك حاله في كل لون يقدم إليه حتى رفعت الموائد، فقال له يحيى بن أكثم: يا امير المؤمنين، إن خضنا في الطب كنت جالينوس في معرفته، أو في النجوم كنت هرمس في حسابه، او في الفقه كنت علي بن أبي طالب في علمه، أو ذكر السخاء كنت حاتم طيئ في صفته، أو صدق الحديث فأنت أبو ذر في لهجته، أو الكرم فأنت كعب بن مالك في فعاله، أو الوفاء فأنت السموءل بن عادياء في وفائه. فسر بهذا الكلام، وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل بعقله، لولا ذلك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أطيب من دم. قال: ونظر يوماً إلى رؤوس آنيته محشوة بقطن، وكانت قبل ذلك بأطباق فضة، فقال لصاحب الشراب: أحسبت يا بني أنما تباهي بالذهب والفضة من قلاً عنده، واما نحن فينبغي أن نباهي بالفعال الجميلة والأخلاق الكريمة، فإياك أن تحشو رؤوس أوانيك إلا بالقطن، فذلك بالملوك أهيأ وأبهى. قال يحيى بن أكثم القاضي: ما رأيت أكمل آلة من المأمون وجعل يحدث بأشياء استحسنها من كان في مجلسه ثم قال: كنت عنده - يعني ليلة أذاكره أو أحدثه، ثم نام وانتبه فقال: يا يحيى، انظر إيش عند رجلي، فنظرت فلم أر شيئاً، فقال: شمعة، فتبادر الفراشون فقال: انظروا، فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها، فقلت: قد انضاف إلى كمال أمير المؤمنين علم الغيب، فقال: معاذ الله، ولكن هتف بي هاتف الساعة وأنا نائم فقال: مجزوء الكامل

يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى قال: فانتبهت، فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب وإما بعيد، فتأملت ما قرب فكان ما رأيت. قال عمارة بن عقيل: قال ابن أبي حفصة الشاعر: أعلمت أن المأمون أمير المؤمنين لا يبصر الشعر؟ فقلت: من ذا يكون أفرس منه، والله إنا لننشد أول البيت، فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه. قال: إني أنشدته بيتاً أجدت فيه، فلم أره تحرك له، وهذا البيت فاسمعه: البسيط أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلاً ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل فقلت له: مازدت على أن جعلته عجوزاً في محرابها في يدها سبحة. فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولاً عنها؟ فهو المطوق بها، ألا قلت كما قال عمك جرير لعبد العزيز بن الوليد: الطويل فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: كنت واقفاً على رأس المأمون، وهو يتفكر، ثم رفع رأسه فقال: يا إبراهيم، بيتا شعر قيلا لم يسبق قائلهما إليهما أحد، ولا يلحقهما أحد. قلت: من هما يا أمير المؤمنين؟ قال: أبو نواس وشريح، فتبسمت فقال: أمن أبي نواس وشريح؟ قلت: نعم. قال: خذ، قال أبو نواس: الطويل إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدوٍ في ثياب صديق قال: قلت أحسن يا أمير المؤمنين، فما قال شريح؟ فقال: قال شريح الطويل تهون على الدنيا الملامة أنه ... حريص على استصلاحها من يلومها

فقلت: أحسن يا أمير المؤمنين، فقال: أحسن منها ما سمعته أنا: كنت أسير في موكبي فألجأني الزحام إلى دكان، عليه أسمال، فنظر إلي نظر من رحمني أو متعجب مما أنا فيه فقال: الطويل أرى كل مغرور تمنيه نفسه ... إذا ما مضى عام سلامة قابل قال النضر بن شميل: دخلت على أمير المؤمنين المأمون بمرو وعلي أطمار متر عبلة، فقال لي: يا نضر، أتدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟! فقلت: يا أمير المؤمنين، إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: لا، ولكنك تتقشف فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز، قلت: صدق قول أمير المؤمنين عن هشيم. حدثني عوف الأعرابي عن الحسن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز، وكان المأمون متكئاً، فاستوى جالساً وقال: السداد لحن يا نضر؟ قلت: نعم هاهنا، وإنما لحن هشيم، وكان لحاناً، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في السبيل، والسداد: البلغة، وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد. قال: أفتعرف العرب ذلك؟ قلت نعم. هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان يقول: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسداد ثغرٍ فأطرق المأمون ملياً ثم قال: قبح الله من لا أدب له، ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب. قلت: قول ابن بيض في الحكم بن مروان: المنسرح

تقول لي والعيون هاجعة: ... أقم علينا يوماً فلم أقم أي الوجوه انتجعت؟ قلت لها: ... لأي وجهٍ إلا إلى الحكم متى يقل حاجبا سرادقه: ... هذا ابن بيضٍ بالباب يبتسم قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً ... هيهات إذ حل أعطني سلمي فقال المأمون: لله درك، فكأنما شق لك عن قلبي. أنشدني أنصف بيت قالته العرب، قلت: قول ابن أبي عروبة المدني بأمير المؤمنين: الكامل إني وإن كان ابن عمي عاتباً ... لمراجم من خلفه وورائه ومفيده نصري وإن كان امرأ ... مترحرحاً في أرضه وسمائه وأكون والي سره وأصونه ... حتى يحين إلي وقت أدائه وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه وإذا دعا باسم ليركب مركباً ... صعباً قعدت له على سيسائه وإذا أتى من وجهه بطريقة ... لم أطلع فيما وراء خبائه وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل: ... يا ليت أن علي حسن ردائه فقال: أحسنت يا نضر. أنشدني الآن أقنع بيت للعرب، فأنشدته قول ابن عبدل: المنسرح

إني امرؤ لم أزل من الله أديب أعلم الأدبا أقيم بالدار ما اطمأنت بي الدار وإن كنت نازحاً طربا لا أجتوي خلة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئاً إذا ذهبا أطلب ما يطلب الكريم من الرزق وأجمل الطلبا وأحلب الثرة الصفي ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في ضيعةٍ رغبا والعبد لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن شيئاً إلا إذا ضربا وام أجد عروة العلائق إلا الدين لما اختبرت والحسبا قد يرزق الخافض المقيم وما ... شد بعنسٍ ولا قتبا ويحرم الرزق ذو المطية والرحل ومن لا يزال مغتربا قال: أحسنت يا نضر، أفعندك ضد هذا؟ قلت: نعم احسن منه، قال: هاته وأنشدته: الوافر يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور قال: أحسنت يا نضر، وأخذ القرطاس فكتب شيئاً لا أدري ما هو، ثم قال: كيف تقول أفعل من التراب؟ قلت: أترب. قال: الطين؟ قلت: طن، قال: فالكتاب ماذا؟ قلت: مترب مطين، قال: هذه أحسن من الأولى، قال: فكتب لي بخمسين ألف درهم، ثم أمر الخادم أن يوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمني إلى الفضل بن سهل، فمضيت

معه. فلما قرأ الكتاب قال: يا نضر، لحنت أمير المؤمنين؟! قلت: كلا، ولكن هشيم لحانة، فأمر لي بثلاثين ألف درهم، فخرجت إلى منزلي بثمانين ألفاً. وقال لي الفضل: يا نضر، حدثني عن الخليل بن أحمد، قلت: حدثني الخليل بن أحمد قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من اعلم من رأيت، وكان على سطح أو سطيح. فلما رأيناه أشرنا باليد بالسلام، فقال: استووا، فلم ندر ما قال، فقال لنا شيخ عنده يقول لكم: ارتفعوا، فقال الخليل: هذا من قول الله عز وجل " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " ثم ارتفع ثم قال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فلما فارقناه قال: سلاماً، قلنا: فسر قولك هذا، فقال متاركة: لا خير ولا شر، فقال الخليل: هذا مثل قول الله عز وجل " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " أي متاركة. قال محمد بن زياد الأعرابي: بعث إلي المأمون، فصرت إليه، وهو في بستان يمشي مع يحيى بن أكثم، فرأيتهما موليين، فجلست. فلما أقبلا قمت فسلمت عليه بالخلافة، فسمعته يقول: يا أبا محمد، ما أحسن أدبه، رآنا موليين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام، ثم رد علي السلام، وقال: يا ابا محمد، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب، فقلت: يا أمير المؤمنين قوله: الطويل تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطق

فقال: أشعر منه الذي يعني: أبا نواس: السريع فتمشت في مفاصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمهم ... كتمشي البرء في السقم فعلت في البيت إذ مزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم واهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم فقلت: فائدة يا أمير المؤمنين، فقال: أخبرني عن قول هند بنت عتبة: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق من طارق هذا؟ قال: فنظرت في نسبها فلم أجده، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما اعرفه في نسبها، فقال: إنما أرادت النجم، وانتسبت إليه لحسنها من قول الله تعالى " والسماء والطارق " الآية قال: فقلت: فائدتان يا أمير المؤمنين، فقال: أنا بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبئه، ثم دحا إلي بعنبرة كان يقلبها في يده، بعتها بخمسة آلاف درهم. حدث محمد بن عبد الرحمن الشروي صاحب أبي نواس قال: أشرف المأمون ليلة من موضع كان به على الحرس، فقال: هل فيكم من ينشد لأبي نواس أربعة أبيات؟ قال: فقال غلام من الحرس؛ أو من أبناء الحرس: أنا يا أمير المؤمنين، قال: هات، فأنشده: البسيط

لاتبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد كأساً إذا انحدرت من حلق شاربها ... أجدته حمرتها في العين والخد فالخمر يا قوتة والكأس لؤلؤة ... في كف لؤلؤةٍ ممشوقة القد تسقيك من عينها خمراً ومن يدها ... خمراً فمالك من سكرين من بد لي نشوتان وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي فقال المأمون: هذا والله الشعر، لا قول الذي يقول: ألا هبي بسلحك فالطحينا. وأمر للغلام بأربعة آلاف درهم. قال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يخطب يوم العيد فأثنى على الله، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوصاهم بتقوى الله، وذكر الجنة والنار ثم قال: عباد الله، عظم قدر الدارين، وارتفع جزاء العاملين، وطال مدة الفريقين، فوالله إنه الجدلا اللعب، وإنه الحق لا الكذب، وما هو إلا الموت والبعث والحساب، والفصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم والصراط ثم العقاب والثواب، فمن نجا يومئذ فقد فاز، ومن هوى يومئذ فقد خاب، الخير كله في الجنة والشر كله في النار. وعن الحسن بن عبد الجبار المعروف بالعرق قال: بينا المأمون في بعض مغازيه يسير مفرداً عن أصحابه ومعه عجيف بن عنبسة إذ طلع رجل متخبط متكفن. فلما عاينه المأمون وقف ثم التفت إلى عجيف فقال: ويحك، اما ترى صاحب الكفن مقبلاً يريدني؟! فقال له عجيف: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، قال: فما كذب الرجل أن وقف على المأمون، فقال له المأمون: من أردت يا صاحب الكفن؟ قال: إياك أردت، قال: وعرفتني؟ قال: لو لم أعرفك ما قصدتك، قال: أولا سلمت علي؟ قال: لا أرى السلام عليك، قال: ولم؟ قال: لإفسادك علينا الغزاة، قال عجيف: وأنا ألين مس سيفي لئلا نبطئ ضرب عنقه إذ التفت المأمون، فقال: يا عجيف: إني جائع ولا رأي لجائع، فخذه إليك حتى أتغدى، وأدعو به. قال: فتناوله عجيف فوضعه بين يديه. فلما صار المأمون إلى رحلة دعا

بالطعام. فلما وضع بين يديه أمر برفعه، وقال: والله ما أسيغه حتى أناظر خصمي، يا عجيف، علي بصاحب الكفن. قال: فلما جلس بين يديه قال: هيه يا صاحب الكفن، ماذا قلت؟ قال: قلت: لا أرى السلام عليك لإفسادك الغزاة علينا، قال: بماذا أفسدتها؟ قال: بإطلاقك الخمور تباع في عسكرك وقد حرمها الله في كتابه، فابدأ بعسكرك ثم اقصد الغزو، بماذا استحللت أن تبيح شيئاً قد حرمه الله كهيئة ما أحل الله؟! قال: أو عرفت الخمر أنها تباع ظاهراً ورأيتها؟ قال: لو لم أرها وتصح عندي ما وقفت هذا الموقف. قال: فشيء سوى الخمر أنكرته؟ قال: نعم إظهارك الجواري في العماريات وكشفهن الشعور منهن بين أيدينا كأنهن فلق الأقمار، خرج الرجل منا يريد أن يهراق دمه في سبيل الله، ويعقر جواده قاصداً نحو العدو، فإذا نظر إليهن أفسدت قلبه، وركن إلى الدنيا، وانصاع إليها، فلم استحللت ذاك؟ قال: ما استحللت ذاك، وسأخبرك العذر فيه فإن كان صواباً وإلا رجعت ثم قال: شيئاً غير هذا أنكرته؟ قال: نعم، شيء أمرت به، تنهانا عن الأمر بالمعروف، قال: أما الذي يأمر بالمنكر فإني أنهاه، وأما الذي يأمر بالمعروف فإني أحثه على ذلك وأحدوه عليه، أفشيء سوى ذاك؟ قال لا. قال: يا صاحب الكفن، أما الخمر فلعمري قد حرمه الله، ولكن الخمر لا تعرف إلا بثلاث جوارح: بالنظر والشم والذوق، أفتشربها؟ قال: معاذ الله أن أنكر ما أشرب، قال: أفيمكن في وقتك هذا أن تقصى على بيعها حتى نوجه معك من يشتري منها؟ قال: ومن يظهرها لي أو يبيعنيها فيها على هذا الكفن؟ قال: صدقت، قال: فكأنك إنما عرفتها بهاتين الجارحتين. يا عجيف: علي بقوارير فيها شراب، فانطلق عجيف، فأتاه بعشرين قارورة، فوقفها بين يديه في أيدي عشرين وصيفاً، ثم قال: يا صاحب الكفن، نفيت من آبائي الراشدين المهديين إن لم تكن الخمر فيها، فإنك تعلم أن الخمر من ستر الله على عباده، وأنه لا يجوز لك أن تشهد على قوم مستورين إلا بمعاينةٍ وعلم، ولا يجوز لي أن آخذ إلا بمعاينة بينة وشاهدي عدل، قال: فنظر صاحب الكفن إلى القوارير فقال له

عجيف: أيها الرجل، لو كنت خماراً ما عرفت موضع الخمر بعينها من هذه القوارير، فقال له: هذه الخمر بعينها من هذه القوارير، فأخذ المأمون القارورة فذاقها ثم قطب ثم قال: يا صاحب الكفن، انظر إلى هذه الخمر فتناول الرجل القارورة فذاقها فإذا خل ذابح، فقال: قد خرجت هذه عن حد الخمر، فقال المأمون: صدقت، إن الخل مصنوع من الخمر، ولا يكون خلاً حتى يكون خمراً، ولا والله ما كانت هذه خمراً قط، وما هو إلا رمان حامض يعصر لي أصطبغ به من ساعته، فقد سقطت الجارحتان، وبقي الشم، يا عجيف، صيرها في رصاصيات وائت بها، قال: ففعل، فعرضت على صاحب الكفن فشمها، فوقع مشمه على قارورة منها فيها ميبختج فقال: هذه، فأخذها المأمون فصبها بين يديه وقال: انظر إليها كأنها طلاء قد عقدتها النار بل تقطع بالسكين. قد سقطت إحدى الثلاث التي أنكرت يا صاحب الكفن، ثم رفع المأمون رأسه إلى السماء وقال: اللهم، إني أتقرب إليك بنهي هذا ونظرائه عن الأمر بالمعروف، يا صاحب الكفن، أدخلك الأمر بالمعروف في أعظم المنكر، شنعت على قوم باعوا من هذا الخل ومن هذا الميبختج الذي شممت. فلم تسلم، استغفر الله من ذنبك هذا العظيم، وتب إليه. والثاني؟ قال: الجواري، قال: صدقت، أخرجتهن أبقي عليك وعلى المسلمين، كرهت أن تراهن عيون العدو والجواسيس في العماريات والقباب، والسجف عليهن، فيتوهمون أنهن بنات أو أخوات، فيجدون في قتالنا، ويحرصون على الغلبة على ما في أيدينا حتى يجتذبوا خطام واحد من هذه الإبل يستقيدونه بكل طريق إلى أن يبين لهم أنهن إماء، فأمرت برفع الظلال عنهن، وكشف شعورهن، فيعلم العدو أنهن إماء نقي بهن حوافر دوابنا، لا قدر لهن عندنا. هذا تدبير دبرته للمسلمين عامة، ويعز علي أن ترى لي حرمة، فدع هذا فليس هو من شأنك، فقد صح عندك أني في هذا مصيب، وأنك أنكرت باطلاً.

أي شيء الثالثة؟ قال: الأمر بالمعروف، قال: نعم، أرأيتك لو أنك أصبت فتاة مع فتى قد اجتمعا في هذا الفج على حديث، ما كنت صانعاً بهما؟ قال: كنت أسألهما: ما أنتما؟ قال: كنت تسأل الرجل فيقول: امرأتي، وتسأل المرأة فتقول: زوجي، ما كنت صانعاً بهما؟ قال: كنت أحول بينهما وأحبسهما، قال: حتى يكون ماذا؟ قال: حتى أسأل عنهما، قال: ومن تسأل عنهما؟ قال أسألهما: من أين أنتما؟ قال: سألت الرجل: من أين أنت؟ قال: أنا من أسفيجاب، وسألت المرأة، من أين أنت؟ فقالت: من أسفيجاب، ابن عمي، تزوجنا وجئنا، كنت حابساً الرجل والمرأة لسوء ظنك وتوهمك الكاذب إلى أن يرجع الرسول من أسفيجاب، مات الرسول أو ماتا إلى أن يعود رسولك؟ قال: كنت أسأل في عسكرك هذا، قال: فعلك لا تصادف في عسكري هذا من أهل أسفيجاب إلا رجلاً أو رجلين فيقولان لك: لا نعرفهما على هذا النسب، يا صاحب الكفن، ما احسبك إلا أحد ثلاثة رجال: إما رجل مديون، وإما مظلوم، وإما رجل تأولت في حديث أبي سعيد الخدري في خطبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وروى الحديث عن هشيم وغيره، ونحن نسمع الخطبة إلى ... مغربان الشمس إلى أن بلغ إلى قوله: إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، فجعلتني جائراً وأنت الجائر، وجعلت نفسك تقوم مقام الأمر بالمعروف، وقد ركبت من المنكر ما هو أعظم عليك، لا والله لأضربنك سوطاً، ولا زدتك على تخريق كفنك، ونفيت من آبائي الراشدين المهديين، إن قام أحد مقامك هذا لا يقوم بالحجة إن نقصته من ألف سوط، ولآمرن بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمبه في الموضع الذي يقوم فيه. قال: فنظرت إلى عجيف وهو يخرق كفن الرجل، ويلقي عليه ثياب بياض. وعن ابن عباد أنه ذكر المأمون يوماً فقال: كان والله أحد ملوك الأرض، وكان يجب له هذا الاسم على الحقيقة.

قال ابن أبي داود دخل رجل من الخوارج على المأمون فقال: ما حملك على خلافنا؟ قال: آية في كتاب الله تعالى، قال: وما هي؟ قال: قوله " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ". فقال له المأمون: ألك علم بأنها منزلة؟ قال: نعم، قال؛ وما دليلك؟ قال: إجماع الأمة، قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل، قال: صدقت. السلام عليك يا أمير المؤمنين. وعن أبي العيناء قال: كان المأمون يقول: كان معاوية بعمره، وعبد الملك بحجاجه، وأنا بنفسي. قال قحبطة بن حميد بن قحطبة: حضرت المأمون يوماً وهو يناظر محمد بن القاسم النوبنجاني في شيء، ومحمد يغضي له ويصدقه، فقال له المأمون: أراك تنقاد لي إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك، ولو شئت أن أقتسر الأمور بفضل بيان، وطول لسان، وأبهة الخلافة، وسطوة الرئاسة لصدقت وإن كنت كاذباً، وصوبت وإن كنت مخطئاً، وعدلت وإن كنت جائراً. ولكني لا أرضى إلا بإزالة الشبهة، وإن شر الملوك عقلاً وأسخفهم رأياً من رضي بقولهم: صدق الأمير. قيل للمأمون يوماً: يا أمير المؤمنين، لو نصبت للناس رجلاً وأقمته لحوائجهم، فتشاغل بهم واقتصرت عليه بينك وبين الرعية، ولم تشغل نفسك بالاستماع إلى كل داخل، فقال المأمون: إني بسطت للناس في الكلام، وأذنت لهم علي، وجعلت حوائجهم بيني وبينهم لتصل إلي أخبارهم، وأعرف مبلغ عقولهم، وأعطي كل امرئ منهم على قدره، فيكون كل إنسان وجميل حاجته، ولسان طلبته خارجاً عن يدي شكله والطلب إلى مبلغ، ولو جعلت ذلك إلى أحدٍ لضاق على الرعية المذهب، وخفيت علي أمورهم،

وحبست عني أخبارهم، وموطلوا بحوائجهم وتآمر عليهم غيري، وكان الحمد والمن لواحد في زمانهم دوني ودون أوليائي، وخفت مع هذا أن لو نصبت لهم رجلاً لا أشكر على صنيعة، فينسون نعمتي أوليائي ويستعبدهم غيري، فأكون قد صبرت أحراراً أرقاء. قال قحطبة بن حميد بن الحسن بن قحطبة: كنت واقفاً على رأس المأمون أمير المؤمنين يوماً، وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، فإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورجمة الله وبركاته، فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فقال: تكلمي، فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله تبارك وتعالى، فقال لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم المجلس، قال: فرجعت. فلما كان يوم المجلس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة، فدعا بها، فقال لها: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين قد حيل بيني وبينه، وأومأت إلى العباس، ابنه، فقال لأحمد بن أبي خالد: خذه بيده وأقعده معها، ففعل، قتناظر ساعة حتى علا صوتها عليه، فقال لها أحمد بن أبي خالد: أيتها المرأة، إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين، فاخفضي عليك، فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه، فلم تزل تناظره حتى حكم لها المامون عليه، وأمره برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع إليها عشرة آلاف درهم. وقد حكي عن هذه المرأة أنها دخلت على المأمون، وقد أذن المؤذن فقالت: البسيط يا خير منتصف يهدى له الرشد ... ويا إماماً به قد أشرق البلد تشكو إليك عقيد الملك أرملة ... عدا عليها فلم تقوبه أسد فابتز مني ضياعي بعد منعتها ... وقد تفرق عني الأهل والولد فأجابها المأمون: من دون ما قلت عيل الصبر والجلد ... مني ودام به من قلبي الكمد

هذا أوان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الظهر فانصرفيوأحضري الخصم في اليوم الذي أعد والمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ... أنصفك منه وإلا المجلس الأحد وساق بقية الحديث بمعناه. قال أحمد بن يوسف القاضي: قلت للمامون: يا أمير المؤمنين، إن رجلاً ليس بينه وبين الله أحد يخشاه لحقيق أن يتقي الله عز وجل، فقال المأمون: صدقت. قال محمد بن منصور: وقع المأمون في رقعة متظلم من علي بن هشام: علامة الشريف أن يظلم من فوقه، ويظلمه من هو دونه، فأخبر أمير المؤمنين: أي الرجلين أنت؟. ووقع في قضية رجل يظلم من بعض أصحابه: ليس من المروءة أن تكون ابنتك من ذهب وفضة وغريمك عارٍ، وجارك طاو. قال أبو عيسى الهاشمي: حدثني أبي قال: كنت بحضرة المأمون فأحضر رجلاً، فأمر بضرب عنقه، وكان الرجل من ذوي العقول، فقال ليحيى بن أكثم: إن أمير المؤمنين قد أمر بضرب عنقي، وإن دمي عليه لحرام، فهل لي في حاجة أسأله إياها لا تضر بدينه ولا مروءته؟ فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي، فأظهر المأمون تحرجاً، فقال ليحيى بن أكثم: سله عنها، فقال الرجل: يضع يده في يدي إلى الموضع الذي يضرب فيه عنقي، فإذا فعل ذلك فهو في حل من دمي، فقالم المأمون من مجلسه وضرب بيده إلى يد الرجل، فلم يزل يخبره وينشده، ويحدثه حتى كأنه من بعض أسرته، فلما أن رأى السياف والسيف والموضع الذي يكون فيه مثل هذه الحال انعطف فقال للمأمون: بحق هذه الصحبة والمحادثة لما عفوت، فعفا عنه، وأجزل له الجائزة. وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له: والله لأقتلنك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، تأن علي، فإن الرفق نصف العفو، فقال: فكيف وقد حلفت

لأقتلنك؟ فقال: يا امير المؤمنين، لأن تلقى الله حانثاً خير لك من أن تلقاه قاتلاً. قال: فخلى سبيله. قال المأمون: لوددت أن أهل الجرائم عرفوا رأبي في العفو، ليذهب الخوف عنهم، ويخلص السرور إلى قلوبهم. قال عبد الله بن البواب: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات، وغنه جلس يستاك على دجلة من وراء ستره، ونحن قيام بين يديه، فمر ملاح وهو يقول: بأعلى صوته: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟ قال: فوالله ما زاد على أن تبسم وقال لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل؟!. قال يحيى بن أكثم: بت ليلة عند المأمون، فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب ماء، فرآني المأمون فقال: مالك؛ ليس تنام يا يحيى! فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا عطشان، قال: ارجع إلى موضعك، فقالم إلى البرادة، فجاءني بكوز ماء، وقام على رأسي وقال: اشرب يا يحيى، فقلت: يا أمير المؤمنين فهلا وصيف أو وصيفة؟ (يعني: فقال: إنهم نيام، قلت: فأنا كنت أقوم للشرب، فقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه قال: يا يحيى، قلت: لبيك، قال: ألا أحدثك؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، قال: حدثني الرشيد، حدثني المهدي، حدثني المنصور عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس، حدثني جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيد القوم خادمهم. قال يحيى بن أكثم: ما رأيت أكرم من المامون، بت ليلة عنده فعطش، وقد نمنا، فكره أن يصيح بالغلمان فأنتبه، وكنت منتبهاً، فرأيته قد قام يمشي قليلاً قليلاً إلى البرادة وبينه وبينها بعيد حتى شرب ورجع، قال يحيى: ثم بت عنده ونحن بالشام، وما مي أحد، فلم يحملني النوم، فأخذ المأمون سعال، فرأيته يسد فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه، ثم حملني آخر الليل النوم، وكان له وقت يقوم فيه يستاك، فكره أن ينبهني. فلما ضاق الوقت عليه تحركت فقال: الله أكبر، يا غلمان، نعل أبي محمد.

قال يحيى بن أكثم: وكنت أمشي يوماً مع المأمون في بستان موسى في ميدان البستان، والشمس علي وهو في الظل. فلما رجعنا قال لي: كن الآن أنت في الظل، فأبيت عليه، فقال: أول العدل أن يعدل الملك في بطانته، ثم الذين يلونهم حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى. كان المأمون يقول: الملوك لا تحتمل ثلاثة أشياء: إفشاء السر، والتعرض للحريم والقدح في الملك. قال يحيى بن خالد البرمكي: سمعت المأمون يقول: يا يحيى، اغتنم قضاء حوائج الناس، فإن الفلك أدور، والدهر أجور من أن يترك لأحد حالاً، أو يبقي لأحد نعمة. قال المأمون: غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة، لأن غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجة لا يزيلها شيء. قال المأمون لأبي حفص عمر بن الأزرق الكرماني؛ أريدك للوزارة، قال: لا أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح لها يا أمير المؤمنين، قال: ترفع نفسك عنها؟! قال: ومن يرفع نفسه عن الوزراة؟ ولكني قلت هذا رافعاً لها، وواضعاً لنفسي بها، فقال المأمون: إنا نعرف موضع الكفاة الثقات، المتقدمين من الرجال، ولكن دولتنا منكوسة إن قومناها بالراجحين انتقضت، وإن أيدناها بالناقصين استقامت، ولذلك اخترت استعمال الصواب فيك. قال المبرد: انشد المأمون بيت أبي العتاهية: الوافر تعالى الله يا سلم بن عمروٍ ... أذل الحرص أعناق الرجال فقال: الحرص مفسدة للدين والمروءة، والله ما عرفت من أحد قط حرصاً أو شرهاً فرأيت فيه مصطنعاً. كان المأمون يقول: من لم يحمدك على حسن النية لم يشكرك على جميل الفعل.

قال أبو العالية: سمعت المأمون يقول: ما أقبح اللجاجة بالسلطان، وأقبح من ذلك الضجر من القضاة قبل التفهم، وأقبحمنه سخافة الفقهاء بالدين، وأقبح منه البخل بالأغنياء، والمزاح بالشيوخ، والكسل بالشباب، والجبن بالمقاتل. قال المأمون: اظلم الناس لنفسه من عمل بثلاث: من يتقرب إلى من يبعده، ويتواضع لمن لا يكرمه، ويقبل مدح من لا يعرفه. قال مخارق: أنشدت المأمون قول أبي العتاهبة: الطويل وإني لمحتاج إلى ظل صاحبٍ ... يرق ويصفو إن كدرت عليه قال: أعد فأعدت سبع مرات، فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب، لله در أبي العتاهبة، ما أحسن ما قال. كان للمأمون ابن عم جيد الخط، فدخل عليه يوماً، فقال له المأمون: يا بن عمي، بلغني أنك جيد الخط، وذلك معدوم في أهلك فقال: يا امير المؤمنين، جودة الخط بلاغة اليد، قال: وبلغني أنك شاعر، قال: ذاك ضعه للشريف ورفعة للوضيع، قال: وبلغني أنك سخي، قال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود قلة ثقة بالمعبود، قال: فأنت أكبر أم أمير المؤمنين؟ قال: جوابي في ذلك جواب جدك العباس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل، فقيل له: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر أم أنت؟ فقال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر، وولدت قبله. قال هدبة بن خالد: حضرت غداء المأمون. فلما رفعت المائدة جعلت التقط ما في الأرض، فنظر إلي المأمون، فقال: اما شبعت يا شيخ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين، إنما شبعت في فنائك وكنفك، ولكن حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر. فنظر المأمون إلى خادم

واقف بين يديه فأشار إليه، فما شعرت حتى جاءني ومعه منديل، فيه ألف دينار، فناولني، فقلت: يا أمير المؤمنين، وهذا أيضاً من ذلك. قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: يا أبا عبد الله، قد أعطيتك ألف ألف وألف ألف وألف ألف وعليك دين! إن فيك سرفاً، قال: يا أمير المؤمنين إن منع الموجود سوء الظن بالمعبود، قال المأمون: أحسنت يا محمد، أعطوه ألف ألف وألف ألف وألف ألف. قال ثمامة بن أشرس: تفرد المأمون يوماً في بعض تصيده، فانتهى إلى بعض بيوت البادبة، فرأى صبياً يضبط قربة، وقد غلبه وكاؤها، وهو يقول: يا أبه، اشدد فاها، فقد غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها. قال: فوقف عليه المأمون، فقال: يا فرخ غمه، ممن يكون؟ قال: من قضاعة، قال: من أيها؟ قال: من كلب، قال: وإنك لمن الكلاب! قال: لسنا هم، ولكنا قبيل يدعى كلباً، قال: فمن أيهم أنت؟ قال: من بني عامر، قال: من أيها؟ قال: من الأجدار ثم من بني كنانة، فمن أنت يا خال؟ فقد سألتني عن حسبي، قال: ممن تبغضه العرب كلها، قال: فأنت إذاً من نزار، قال: أنا ممن تبغضه نزار كلها، قال: فأنت إذاً من مضر، قال: أنا ممن تبغضه مضر كلها، قال: فأنت إذالً من قريش، قال: أنا ممن تبغضه قريش كلها، قال: فأنت إذاً من بني هاشم، قال: أنا ممن تحسده بنوهاشم كلها، قال: فأرسل فم القربة، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وضرب بيده إلى شكيمة الدابة وهو يقول: مشطور الرجز مأمون يا ذا المن (ن الشريفه ... وصاحب الكتيبة الكثيفه هل لك في أرجوزةٍ ظريفه ... أظرف من فقه أبي حنيفه؟ لا والذي أنت له خليفه ... ما ظلمت في أرضنا ضعيفه عاملنا مؤنته خفيفه ... وما حبا فضلاً عن الوظيفه والذئب والنعجة في سقيفه ... واللص والتاجر في قطيفه قد سار فينا سيرة الخليفة فقال له المأمون: أحسنت يا فرخ غمه، فأيهما أحب إليك، عشرة آلافٍ معجلة أو

مئة ألف موكلة؛ قال: بل أؤخرك يا أمير المؤمنين. فما لبث أن أبلت الفرسان، فقال: احملوه، حتى كان أحد مسامريه. ركب المأمون يوماً إلى المطبق، وبلغ القواد ركوبه فتبعوه، وكان رجل من الطالبيين يلقب بكلب الجنة، وكان طيباً ظريفاً، فكان كلب الجنة ممن ركب تلك العشية، قال: فبصر به المأمون، وفي يده خشبة من حطب الوقود، وفي اليد الآخرى لحافه، فقال: كلب الجنة؟ قال: نعم، كلب الجنة، بلغه ركوبك فجاء لنصرتك، والله ما وجدت سلاحاً إلا هذه المشققة من الحطب، ولا ترساً إلا لحافي هذا، وعياش بن القاسم في بيته ألف ترس وألف درع، والف سيف قائم غير مكترث، فوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه بثلاثين ألفاً؛ وجاء عياش يركض فشتمه المأمون وناله بمكروه. قال عمرو بن سعيد بن سلم الباهلي: كنت في حرس المأمون بحلوان حين قفل من خراسان. قال: فخرج لينظر إلى العسكر في بعض الليالي فعرفته، ولم يعرفني، فأغفلته، فجاء من ورائي حتى وضع يده على كتفي، فقال لي: من أنت، فقلت: أنا عمرو - عمرك الله - ابن سعيد - اسعدك الله - ابن سلم، سلمك الله، فقال: أنت الذي كنت تكلؤنا من هذه الليلة؟ فقلت: الله يكلؤك يا أمير المؤمنين، فأنشأ المأمون يقول: مشطور الرجز إن أخا هيجاك من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب زمانٍ صدعك فرق من جميعه ليجمعك ثم قال: أعطه لكل بيت ألف دينار، فوددت أن تكون الأبيات طالت علي فأجد الغناء، فقلت: يا أمير المؤمنين، وازيدك بيتاً من عندي فقال لي هات، فقلت: وإن غدوت طالما غدا معك

فقال: أعطه لهذا البيت ألف دينار، فما برحت من موقفي حتى أخذت خمسة آلاف دينار. دخل المأمون يوماً ديوان الخراج، فمر بغلام جميل، على أذنه قلم، فأعجبه ما رأىمن حسنه، فقال: من أنت يا غلام؟ قال: الناشئ في دولتك وخريج أدبك يا أمير المؤمنين، المتقلب في نعمتك، والمؤمل لخدمتك، الحسن بن رجاء، فقال له المأمون: يا غلام، بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ثم أمر أن يرفع عن مرتبة الديوان، وأمر له بمئة ألف درهم. قال أبو الفضل الربعي: لما ولد جعفر بن المأمون المعروف بابن بخه دخل المهنئون على المأمون فهنؤوه بصنوف من التهاني، وكان فيمن دخل العباس بن الأحنف، فمثل قائماً بين يديه ثم أنشأ يقول: الرجز مد لك الله الحياة مدا ... حتى ترى ابنك هذا جدا ثم يفدى مثلما تفدى ... كأنه أنت إذا تبدى أشبه منك قامةً وقدا ... مؤزراً بمجده مردى فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم. كانت للرشيد هارون جارية غلامية، تصب على يده، وتقف على رأسه، وكان المأمون يعجب بها، وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها، والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته بحاجبها، وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون، فقال: ما هذا؟! فتلكأت عليه، فقال: ضعي ما معك، علي كذا، إن لم تخبريني لأقتلنك، فقالت: أشار إلي عبد الله بقبلة، فالتفت إليه وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه فاعتنقه، وقال: أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: قم فادخل بها في تلك القبة، فقام، ففعل، فقال له، هارون: قل في هذا شعراً، فأنشأ يقول: المجتث ظبي كنيت بطرفي ... عن الضمير إليه قبلته من بعيد ... فاعتل من شفتيه

ورد أحسن رد ... بالكسر من حاجبيه فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه عشق المأمون جارية لأم عيسى امرأته، فوجدت عليه فكتب إليها شعراً به: الوافر أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي؟ فرضيت عنه. وجاءها فأخرجت إليه الجواري، فغنت الجارية الشعر من بينهن، فقال المأمون: أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود فقالت: خذها غير مبارك لك فيها. قال بعض النخاسين: عرضت على المأمون جارية فصيحة، متأدبة، شطرنجية، فساومته في ثمنها بألفي دينار، فقال المأمون: إن هي أجازت بيتاً أقوله ببيت من عندها اشتريتها بما تقول، وزدتك. قال: فكم الزيادة يا أمير المؤمنين؟ قال: مئة دينار، قال: زدني، قال: مئتا دينار، قال: زدني، قال: ثلاث مئة دينار، قال: زدني، قال: خمس مئة دينار، قال: فليسألها أمير المؤمنين عما أراد، فأنشد المأمون: البسيط ماذا تقولين فيمن شفه أرق ... من جهد حبك حتى صار حيرانا فأجازته: إذا وجدنا محباً قد أضر به ... داء الصبابة أوليناه إحسانا

كان المأمون يهوى جارية من جواريه يقال لها: تتريف، فبعث إليها ليلة خادماً يأمرها بالمصير إليه، فجاءها الخادم، فقالت: لا والله، لا أجيؤه، فإن كانت الحاجة له فليصر إلي. فلما استبطأ المأمون الخادم أنشأ يقول: الطويل بعثتك مشتاقاً ففزت بنظرةٍ ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا ونا جيت من أهوى وكنت مقرباً ... فيا ليت شعري عن دنوك ما أغنى ورددت طرفاً في محاسن وجهها ... ومتعت باستمتاع نغمتها أذنا أرى أثراً منها بوجهك ظاهراً ... لقد سرقت عيناك من حسنها حسنا فقال الخادم: لا والله يا سيدي، إلا أنها قالت كذا وكذا، فقال: إذاً والله أقوم إليها. ومن شعر المأمون يقوله في نديم له، وقد ثمل عنده سكراً، فناوله قدحاً بيده فقال: خذ، فقال: يدي لا تطاوعني، فقال: قم نم في فراشك، وكان ينام عنده، فقال رجلي لا تواتيني، فقال فيه المأمون: البسيط أبصرته وظلام الليل منسدل ... وقد تمدد سكراً في الرياحين فقلت: خذ قال: كفي لا تطاوعني ... فقلت: قم قال: رجلي لا تواتيني إني غفلت عن الساقي فصيرني ... كما تراني سليب العقل والدين ومن شعر المأمون: البسيط مولاي ليس لعيشٍ أنت حاضره ... قدر ولا قيمة عندي ولا ثمن ولا فقدت من الدنيا ولذتها ... شيئاً إذا كان عندي وجهك الحسن

كتب الرضى إلى المأمون: السريع إنك في دار لها مدة ... يقبل فيها عمل العامل أما ترى الموت محيطاً بها ... يقطع منها أمل الآمل يعجبك الذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة في قابل والموت يأتي أهله بغتةً ... ماذا بفعل الحازم العاقل دخل المريسي يوماً على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، إن ها هنا شاعراً يهجو، ويقول الشعر فيما أحدثناه من أمر القرآن، فأحب أن تحدد له عقوبة، فقال المأمون: أما غنه إن كان شاعراً فلست أقدم لك عليه، وإن كان فقيهاً أقدمت عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه يدعي الشعر، وليس بشاعر، فقال: إنه قد خطر على فؤادي في هذه الليلة أبيات فأنا أكتب بها إليه، فإن لم يجبني أقدمت عليه فكتب: المنسرح قد قال مأموننا وسيدنا ... قولا له في الكتاب تصديق إن علياً أعني أبا حسنٍ ... أفضل من أرقلت به النوق بعد نبي الهدى وإن لنا ... أعمالنا والقران مخلوق فلما قرأها الشاعر قال: اكتب: البسيط يا أيها الناس لا قول ولا عمل ... لمن يقول كلام الله مخلوق ما قال ذاك أبو بكر ولا عمر ... ولا النبي ولم يذكره صديق ولم يقل ذاك إلا كل مبتدعٍ ... على الإله وعند الله زنديق عمداً أراد به إمحاق دينكم ... لأن دينهم والله ممحوق أصح يا قوم عقلاً من خليفتكم ... يمسي ويصبح في الأغلال موثوق؟ فلما ورد الشعر على المأمون التفت إلى المريسي فقال له: يا عاض كذا من أمه، لا يكني، أليس زعمت أنه ليس بشاعر؟ وأغلظ له في القول.

قال معلى بن أيوب: وقف المأمون في بعض أسفاره وهو قافل إلى طرسوس في قدمته التي مات فيها، فوقف على شرفٍ عالٍ ثم انشاً يقول: البسيط حتى متى أنا في حط وترحالٍ ... وطول سعيٍ وإدبارٍ وإقبالٍ ونازح الدار لا أنفك مغترباً ... عن الأحبة ما يدرون ما حالي بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصٍ على بالي ولو قعدت أتاني الرزق في دعةٍ ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال وصفت للمأمون جارية، بكل ما توصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم. فلما هم ليلبس درعه خطرت بباله، فأمر، فأخرجت إليه. فلما نظر إليها أعجب بها؛ فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشأت تقول: الوافر سأدعو دعوة المضطر رباً ... يثيب على الدعاء ويستجيب لعل الله أن يكفيك حرباً ... ويجمعنا كما تهوى القلوب فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ يقول: الطويل فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول ثم قال لخادمه: يا مسرور، احتفظ بها، وأكرم محلها، وأصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فلولا ما قال الأخطل حين يقول: البسيط قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار

عبد الله بن هارون

ثم خرج، فلم يزل يتعهدها، ويصلح ما أمر به، فاعتلت الجارية علةً شديدة، وورد عليها نعي المأمون. فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وتوفيت. وكان مما قالت وهي تجود بنفسها: البسيط إن الزمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة انفاساً وأروانا أبدى لنا تارة منه فأضحكنا ... ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا إنا إلى الله فيما لا نزال به ... من القضاء ومن تلوين دنيانا دنيا نراها ترينا من تصرفها ... مالا يدوم مصافاةً وأحزانا ونحن فيها كأنا لا نزايلها ... للعيش أحياؤنا يبكون موتانا توفي المأمون وسنة ثمان وأربعون سنة، وقيل تسع وأربعون، وسنه الصحيح ثمان وأربعون سنة وأ؟ ربعة أشهر وخمسة أيام. وتوفي ناحية طرسوس في رجب سنة ثمان عشرة ومئتين. ودفن بطرسوس في دار خاقان الخادم. وقال أبو سعيد المخزومي: الخفيف ما رأيت النجوم أغنت من المأ ... مون في عز ملكه المأسوس خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس عبد الله بن هارون أبو إبراهيم الصوري حدث عن الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خيار أمتي خمس مئة، والأبدال أربعون، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون. وكلما مات بدل ادخل الله من الخمس مئة مكانه، وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمس مئة ينقصون، ولا الأربعون ينقصون؛ فقالوا: يا رسول الله، دلنا على أعمال هؤلاء، فقال: هؤلاء يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون مما آتاهم

عبد الله بن هاشم بن عتبة

الله، قال: وتصديق ذلك في كتاب الله " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". عبد الله بن هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري الكوفي أقدمه معاوية لشيء بلغه عنه. حدث أبو الهيثم الحميري قال: إني لعند معاوية ذات يوم، وكتب إلى زياد بن أبي سفيانأن اطلب لي عبد الله بن هاشم المرقال في منزل سارة مولاة بني هاشم، فإن ظفرت به فاشدد يده إلى عنقه، وألبسه مدرعة من صوف، واحمله على قتب، ووجه به إلي، فلما قرأ زياد الكتاب طلب الرجل فأصابه، فوجه به إليه على حال ما وصف له معاوية فلم يصل إلى معاوية حتى لوحته الشمس، وغيرت لونه. فلما دخل عليه، وعنده عمرو بن العاص، فقال له معاوية: يا عمرو اتعرف الرجل الماثل بين يديك؟ فنظر إليه عمرو بن العاص طويلاً، وقال: لا يا أمير المؤمنين، قال: هذا ابن الذي يقول: الرجز إني شريت النفس لما اعتلا ... واكثر الوين ولم يقلا أعور يبغي أهله محلا ... قد عالج الحياة حتى ملا لا بد أن يفل أو يفلا ... أتلهم بذي الكعوب تلا لا خير منا في كريمٍ ولى

قال: عرفت يا أمير المؤمنين: الضب المضب، فأشخب أوداجه على أثباجه، فإنه إن أفلت من حبالك بعد أن رمت، ومن قرانك بعد أن حزمت، ليحملن عليكجيشاً تحيا فيه أصائله ويكثر فيه صهيله ودواغله، فإن العصا من العصية، ولا تلد الحية إلا حية، وإنما مثله يا أمير المؤمنين كما قال الشاعر: الوافر أمامة قد حللت بلاد قومٍ ... هم الأعداء والأكباد سود هم إن يأخذوني يقتلوني ... ومن أثقف فليس له خلود قال: فقال عبد الله بن هاشم: فأين كنت عن ذلك يا بن الأبتر يوم تلوذ بعاتق الدماث، وتطير مع الغداف، يوم كسرتك بصفين، وأنت كالأمة السوداء لا تمنع يد لامس، فقال معاوية: تلك أضغان صفين، وما ورثك أبوك. قال: فما فيك يا معاويةما تنتصر حتى تسلط علينا عبدكم، والله لئن شئت لأربدن وجهه، ولأخرسن لسانه، وليقومن وبين كتفيه عنابة يلين لها أخدعاه، فأمر به معاوية إلى الحبس، وخرج عمرو مغضباً وأنشأ يقول: الطويل. أمرتك أمراً حازماً فعصيتني ... وكان من التوفيق قتل ابن هاشم أليس أبوه يا بن هند الذي به ... رمانا علي يوم حز الغلاصم يقتلنا حتى جرت من دمائنا ... بصفين أمثال البحار الخضارم فهذا ابنه والمرء يشبه عيصه ... ولا شك أن تقرع به سن نادم

عبد الله بن أبي هاشم بن عتبة

فبلغ ذلك عبد الله بن هاشم فكتب إلى معاوية من الحبس: الطويل معاوي إن المرء عمراً أتت به ... ضغينة صدرٍ ودها غير سالم يرى لك قتلي يا بن هند وإنما ... يرى ما يرى عمرو وملوك الأعاجكم على أنهم لا يقتلون أسيرهم ... إذا كان منهم منعة للمسالم وقد كان منا يوم صفين وقعة ... عليك جناها هاشم وابن هاشم مضى من قضاء الله فيها الذي مضى ... وما قد مضى منها كأضغاث حالم هي الوفعة العظمى التي تعرفونها ... وكل على ما فات ليس بنادم فإن تعف عني تعف عن ذي قرابةٍ ... وإن تر قتلي تستحل محارمي فقال معاوية: أرى العفو عن عليا معد وسيلةً ... إلى الله في اليوم العبوس القماطر فبعث إليه معاوية، فأخرجه من السجن، فحلف أن لا يخرج عليه، فأحسن جائزته وخلى سبيله. وكان هاشم بن عتبة صاحب راية علي بن أبي طالب، فقتل، فتناول الراية ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال، فقاتل قتالاً شديداً. عبد الله بن أبي هاشم بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي العبشمي قال سعيد بن عبد العزيز: لما حضرت عبد الله بن أبي هاشم بن ربيعة الوفاة، وكان ولي عهد معاوية ترك مئتي ألف دينار، فقال: ياليته كان بعيراً محيلاً، يا ليتني غلام من غلمان المهاجرين، لي فرس وغلام ونعلان أغزو عليهما في سبيل الله، قال أبو ريحانة: الله أكبر يفرون إلينا، ولا نفر إليهم.

عبد الله بن هبة الله بن القاسم

عبد الله بن هبة الله بن القاسم أبو محمد الصوري، ابن السمسار المعدل حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى المازني بسنده إلى المقداد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان في مصر من الأمصار يسعى على عياله في عسرة ويسرة جاء يوم القيامة مع النبيين. أما إني لا أقول: يمشي معهم، ولكن في منزلتهم. توفي أبو محمد عبد الله سنة سبع وسبعين وأربع مئة. وكان مولده سنة خمس وأربع مئة، وذكر أن له ثلاثاً وسبعين سنة. عبد الله بن هشام بن عبد الله بن سوار أبو الحسين العنسي الداراني قال عبد الله بن هشام قال أبو محمد بن عطية: الخفيف إن من لم يكن على الناس ذئباً ... أكلته في ذا الزمان الذئاب توفي أبو الحسين عبد الله بن هشام سنة أربع وثلاثين وأربع مئة. عبد الله بن همام بن نبيشة ابن رياح بن مالك بن الهجيم بن خوزة بن عمرو بن مرة ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو عبد الرحمن السلولي شاعر مشهور، من فحول الشعراء، من أهل الكوفة. قالوا: وولد مرة بن صعصعةأمهم سلول إليهم ينسبون. استقدمه يزيد بن معاوية، وكان قد وجد عليه في

أشعار قالها. فلما قدم عليه مدحه بأشعار حثه فيها على العهد إلى ابنه معاوية بن يزيد. وكان يقال له: العطار من حسن شعره. وكان في صدر الإسلام، وكان وجيهاً عند آل أبي سفيان، مكيناً عندهم، وبلغ شيئاً عالياً، وهو القائل للنعمان بن بشير أيام تقلده الكوفة: الطويل إذا انتصبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول يخلفه الفعل وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتى ما يدر لها ثعل وله لما بويع يزيد بن معاوية: الوافر شربنا الغيظ حتى لوسقينا ... دماء بني أمية ما روينا ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ ... لبايعنا أميرة مؤمنينا وكان عبد الله بن همام رجلاً له جاه عند السلطان ووصلة بهم، وكان سرياً في نفسه، له همة تسمو به، وكان عند آل حرب مكيناً حظياً فيهم، وهو الذي جرأ يزيد بن معاوية على البيعة لابنه معاوية، فأنشده شعراً رثى فيه معاوية بن أبي سفيان، وحضه على البيعة لابنه معاوية بن يزيد فقال: الوافر تعزوا يا بني حربٍ بصبرٍ ... فمن هذا الذي يرجو الخلودا؟ لعمر منا خهن ببطن جمعٍ ... لقد جهزتم ميتاً فقيدا لقد وارى قبيلكم بياناً ... وحلماً لا كفاء له وجودا وجدناه بغيضاً في الأعادي ... حبيباً في رعيته حميدا أميناً مؤمناً لم يقض أمراً ... فيوجد غبه إلا رشيدا فقد أضحى العدو رخي بالٍ ... وقد أمسى التقي به عميدا

فعاض الله أهل الدين منكم ... ورد لنا خلافتكم جديدا مجانبة المحاق وكل نحسٍ ... مقارنة الأيامن والسعودا خلافة ربكم خافوا عليها ... ولا ترموا بها الغرض البعيدا تلقفها يزيد عن أبيه ... وخذها يا معاوي عن يزيدا فإن دنياكم بكم اطمأنت ... فأولوا أهلها خلقاً سدسدا وإن ضجرت عليكم فاعصبوها ... عصاباً تستدر به شديدا وأنشده غيرها أيضاً. فلم يزل في نفس يزيد حتى بايع لمعاوية ابنه، فعاش بعد أبيه أربعين ليلة بعد أن أتته البيعة من الآفاق، ثم مات. وقيل له: أوصه، فقال: ما أحب أن أزودهم الدنيا وأخرج عنها. قال الأصمعي: وشى واشٍ بعبد الله بن همام السلولي إلى زياد فقال له: إن ابن همام هجاك، فقال له: وما علمك؟ قال: أنا جاره وأعلم الناس به، فقال: أنا أجمع بينكما، فقال: ذلك إليك، فأدخله بيتاً، وبعث إلى ابن همام، فأحضره ثم قال له: بلغني أنك هجوتني فقال له: ما فعلت ذلك أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحك الله، ولا أنت لذلك بأهل، فقال: إن فلاناً بلغني، وأخرج الرجل إليه، فقال له ابن همام: أنا هجوت الأمير؟ فقال: نعم، فأطرق ابن همام قليلاً ثم أنشأ يقول: الطويل وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلةٍ بين الخيانة والإثم فأعجب زياداً جوابه، وأقصى الساعي، ولم يقبل منه.

عبد الله بن هلال بن الفرات

عبد الله بن هلال بن الفرات أبو محمد الربعي الدومي دمشقي، سكن بيروت، وكان أحد الزهاد، وكان صادقاً، صالحاً. حدث عن أحمد بن أبي الحواري بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رضي عن الله رضي الله عنه. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى فضيل بن غزوان الضبي قال: لقيني أبو إسحاق السبيعي فقال: والله إني لأحبك، ولولا الحياء لقبلتك، فقال أبو إسحاق: حدثني أبو الأحوص عن عبد الله أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ". وحدث عنه أيضاً بسنده إلى محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تجالس قوم مجلسا فلم ينصت بعضهم لبعض إلا نزع من ذلك المجلس البركة. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى محمد بن المنكدر قال: إن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى سفيان الثوري قال: وددت أن كل حديث في صدري، وكل حديث حفظه الرجال عني نسخ من صدري وصدورهم، فقلت: يا أبا عبد الله، ذا العلم الصحيح، وذا السنة الواضحة التي بثثتها، تمنى أن تنسخ من صدرك وصدور الرجال؟! قال: اسكت، وما يدريك، لست أريد أن أقف يوم القيامة حتى أسأل عن كل مجلس جسته، وعن كل حديث حدثته: إيش أردت به؟

عبد الله بن يحيى بن موسى

وحدث عنه قال: وسئل سفيان بن عيينة عن الزهد فقال: من لم تمنعه النعماء من الشكر، ولا البلوى من الصبر، فذاك عندنا الزهد. قال أحمد: فقلت له: قد يكون لا تمنعه النعماء من الشكر ويمسكها، قال: فضرب بمؤخر يده ساقي ثم قال: اسكت، من لم تمنعه النعماء من الشكر، ولا البلوى من الصبر فذاك عندنا الزاهد. وحدث عنه بسنده إلى سفيان قال: لما جاء البشير إلى يعقوب عليه السلام قال: على أي دين تركت يوسف عليه السلام؟ قال: على الإسلام، فقال: الآن تمت النعمة. وحدث عنه قال: سمعت أبا سليمان يقول: كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو عليك مشؤوم. عبد الله بن يحيى بن موسى أبو محمد السرخسي القاضي له رحلة إلى مصر والشام. حدث عن سعيد بن يعقوب الطالقاني بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحداً فواحداً. ومن أمسى غاضباً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحداً فواحداً. قال الرجال: وإن ظلماه؟! قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه. عبد الله بن يزيد بن آدم السلمي وقال: الأودي البابي حدث عن أبي الدرداء وأبي أمامة الباهلي وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع قالوا: خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نتمارى في أمر الدين، فغضب غضباً شديداً لم

يغضب مثله ثم قال: مه مه يا أمة محمد، لا تهيجوا على انفسكم وهج النار، ثم قال أبهذا أمرتم؟! أوليس عن هذا نهيتم؟ أوليس إنما هلك من كان قبلكم بهذا؟ ثم قال: ذرواالمراء، لعله خيرة فإن نفعه قليل، ويهيج العداوة بين الإخوان، ذروا المراء، فإن المراء لا تؤمن فتنته، ولا تغفل حكمته، ذروا المراء، فإنه يورث الشك، ويحبط العمل، ذروا المراء، فكفاك إثماً أن لا تزال مما رياً، ذروا المراء، فإن المؤمن لا يماري، فانا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء، فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء، فإن أول ما نهاني عنه ربي عز وجل بعد عبادة الأوثان المراء وشرب الخمر، ذروا المراء، فإن الشيطان قد يئس أن تعبدوه، ولكن قد رضي منكم بالتحريش، وهو المراء في دين الله عز وجل، ثم قال: إن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها ضال إلا السواد الأعظم، قالوا: يا رسول الله، وما السواد الأعظم؟ قال: من لا يماري في دين الله، ومن كان على ما أنا عليه اليوم. قال ابن عباس في قول الله عز وجل: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ": هم أصحاب الأمراء والخصومات في دين الله عز وجل وقوله: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله: " فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزبٍ بما لديهم فرحون ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله عز وجل. وقوله عز وجل: " إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: "

عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز

ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، وقول الله عز وجل: " أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ": هم أصحاب المراء والخصومات في دين الله، ثم قال ابن عباس: اجتمعوا على القرآن ما اتفقت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا، فإن المراء بالقرآن كفر. وحدث عنهم قالوا: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء. قالوا: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلون إذا فسد الناس، فلا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أهل القبلة بذنب. ذكر عنه أن أحاديثه موضوعة. عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز أبو يحيى القسري البجلي. أبو خالد بن عبد الله الأمير. من أهل دمشق. كان مع عمرو بن سعيد حين غلب على دمشق. فلما قتل عمرو سيره عبد المك فلحق بابن الزبير فوجهه إلى العراق. فلما أمن عبد الملك الناس بعد قتل ابن الزبير سألت اليمانية عبد الملك فيه فأمنه. وقيل: إن عبد الله كان كاتباً مفوهاً وغنه كتب لحبيب بن مسلمة في خلافة عثمان، فنال حظاً وشرفاً. وقيل: إنه غير صحيح النسب في بجيلة.

عبد الله بن يزيد بن راشد

عن سيار أنه سمع خالد بن عبد الله القسري وهو يخطب على المنبر وهو يقول: حدثني أبي عن جدي أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتحب الجنة؟ قال: قلت: نعم. قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك. وعن بسر بن عبيد الله الحضرمي قال: لما بعث زياد بحجر بن عدي وأصحابه إلى معاوية قال: فأمر معاوية بحبسهم بمكان يقال له مرج العذراء، ثم استشار الناس فيهم، فجعلوا يقولون: القتل القتل، قال: فقام عبد الله بن يزيد بن أسد البجلي وهو أبو خالد فقال: يا أمير المؤمنين، أنت راعينا، ونحن رعيتك، وأنت ركننا ونحن عمادك، إن عاقبت قلنا: أصبت، وإن عفوت قلنا: أحسنت، والعفو أقرب للتقوى، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، فتفرق القوم على قوله. وكان أعور، ذهبت عينه يوم مرج راهط، وكان من عقلاء الرجال. قال له عبد الملك يوماً: ما مالك؟ قال: شيئان لا عيلة علي معهما: الرضى عن الله والغناء عن الناس. فلما نهض من بين يديه قيل له: ألا أخبرته بمقدار مالك؟ فقال: لم يعد أن يكون قليلاً فيحقرني أو كثيراً فيحسدني. عبد الله بن يزيد بن راشد أبو بكر الدمشقي القرشي المرئ المعروف بحمار القراء حدث عن صدقة بن عبد الله بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفر لحيته وما فيها عشرون شعرة بيضاء. وحدث عنه بسنده إلى أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه، ويعين عليه مالا يعين على العنف. توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين، مولده سنة ست وثلاثين ومئة. عمر خمساً وتسعين سنة.

عبد الله بن يزيد بن ربيعة

عبد الله بن يزيد بن ربيعة وقيل: عبد الله بن ربيعة بن يزيد حدث عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان داود عليه السلام يقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم، اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي والماء البارد. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر. عبد الله بن يزيد بن عبد الله ابن أصرم بن شعيثة بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال أبو ليلى الهلالي شاعر شامي، وهو جد زفر بن عاصم. وقف عبد الله بن يزيد بباب عبد الملك بن مروان مع جماعة فأذن لغيره قبله فقال: الطويل فلو كنت صهراً لابن مروان قربت ... ركابي وأصحابي إلى المنزل الرحب ولكني صهر النبي محمدٍ ... وخال بني العباس والخال كالأب أراد بالمصاهرة كون ميمونة بنت الحارث الهلالية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأختها لبابة الكبرى بنت الحارث عند العباس بن عبد المطلب، وهي أم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وقثم، ومعبد، وعبد الرحمن بن العباس. وعبد الله بن يزيد هو القائل فيهم: الرجز

عبد الله الأكبر ويقال الأوسط

ما ولدت بختية من فحل ... بجبلٍ نعلمه أو سهل كنسبةٍ من نجل أم الفضل ... أكرم بها من كهلةٍ وكهل وله يهجو بني عبس: الطويل فسادة عبسٍ في الحديث نساؤها ... وقادة عبسٍ في القديم عبيدها يريد بقوله نساؤها: أم الوليد وسلميان ابني عبد الملك وأمهما عبسية، وقوله عبيدها: يريد عنترة بن شداد. عبد الله الأكبر ويقال الأوسط ابن يويد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي، وهو المعروف بالأسوار لقب بذلك لجودة رميه. وأمه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر. قال مصعب بن عثمان: دخل عبد الله بن يزيد بن معاوية على أخيه خالد بن يزيد فقال: لقد هممت اليوم بقتل الوليد بن عبد الملك فقال له خالد: بئس ما هممت به، ابن أميرالمؤمنين وولي عهد المسلمين؟! فقال: إنه لقي خيلي فعقرها، وتلعب بها، فقال له خالد: أنا أكفيكه إن شاء الله، فدخل خالد على عبد الملك وعنده الوليد بن عبد الملك، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن ولي عهد المسلمين ابن أمير المؤمنين لقي خيل ابن عمه بعد الله بن يزيد فعقرها وتلعب بها، فنكس عبد الملك، وقرع الأرض بقضيب في يده ثم رفع رأسه إليه فقال: " إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون " فقال له خالد: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق

عبد الله بن يزيد أبو إلا صبع

عليها القول فدمرناها تدميراً " فقال له عبد الملك: أتكلمني فيه وقد دخل علي لا يقيم لسانه لحناً؟! فقال له خالد: يا أمير المؤمنين، أفعلى الوليد تعول في اللحن؟ قال: إن يك لحاناً فأخوه سليمان، قال خالد: وإن يك لحاناً فأخوه خالد، فقال الوليد لخالد: أتكلمني ولست في عير ولا في نفير؟! قال خالد: ألا تسمع يا أمير المؤمنين ما يقول هذا؟ أنا والله ابن العير والنفير، سيد العير جدي أبو سفيان، وسيد النفير جدي عتبة، ولكن لو قلت: حبيلات وغنيمات والطائف لقلنا صدقت، ورحم الله عثمان. عبد الله بن يزيد أبو إلا صبع حدث عن صفوان بن صالح بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كنا مع رجاء بن حيوة فتذاكرنا شكر النعم فقال: ما أحد يقوم بشكر نعمه، وخلفنا رجل على رأسه كساء، فكشف الكساء عن رأسه، فقال: ولا أمير المؤمنين؟ قلنا: وما ذكر أمير المؤمنين هاهنا؟! إنما أمير المؤمنين رجل من الناس، فغفلنا عنه، فالتفت رجاء فلم يره، فقال: أتيتم من صاحب الكساء، ولكن إن دعيتم فاستحلفتم فاحلفوا. فما علمنا إلا وحرسي قد أقبل فقال: أجيبوا أمير المؤمنين، فأتينا باب هشام، فأذن لرجاء من بيننا. فلما دخل عليه قال: هيه يا رجاء! يذكر أمير المؤمنين فلا تحتج له؟! قال: فقلت: وما ذاك يا امير المؤمنين؟ قال: ذكرتم شكر النعم فقلتم: ما احد يقوم بشكر نعمه، قيل لكم: ولا أمير المؤمنين؟! فقلتم: أمير المؤمنين رجل من الناس، فقلت: لم يكن ذاك، قال: الله، قلت: الله قال رجاء: فأمر

عبد الله بن يوسف

بذلك الساعي فضرب سبعين سوطاً وخرجت، وهو متلوث في دمه، فقال: هذا وأنت ابن حيوة؟! قلت: سبعون في ظهرك خير من دم مؤمن. قال ابن جابر: فكان رجاء بن حيوة إذا جلس بعد ذلك في مجلس التفت فقال: احذروا صاحب الكساء. عبد الله بن يوسف أبو محمد الدمشقي نزل تنيس. حدث عن الهيثم بن حميد بسنده إلى أبي موسى الأشعري إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل يبعث الأيام على هيأتها، ويبعث يوم الجمعة وهي زهراء منيرة، أهلها محفون بها، كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج، وريحهم يسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان ما يطرفون تعجباً، حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون. وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره في يوم حارٍ، إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، فما كان منا صائم إلا ما كان من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن رواحة. توفي بمصر سنة ثمان عشرة ومئتين. وكان ثقة حسن الحديث، وروى عن مالك الموطأ. وكان يحيى بن معين يقول: ما بقي على أديم الأرض أحد أصدق في الموطأ من عبد الله بن يوسف التنيسي. عبد الله الأسدي سمع أبا الدرداء بدمشق. قال عبد الله الأسدي: بينا أنا وأبو الدرداء ليلة في رمضان إذ سلم من بعض القيام، فالتفت إلى الناس، فقال: يا أهل دمشق، ألا تستحيون مما تصنعون؟! والله إنكم لإخواني في

عبد الله أبو يحيى المعروف بالبطال

الدين، وجيراني في الديار، وأعواني على العدو، أفلا تستحيون مما تصنعون؟: تجمعون مالا تاكلون، وتبنون مالا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون كالذين من قبلكم بنوا شديداً، وجمعوا كثيراً، وأملوا بعيداً، فأصبحت بيوتهم قبوراً، وجمعهم بوراً، واصبح أملهم غروراً. عبد الله أبو يحيى المعروف بالبطال كان ينزل أنطاكية. لما أراد عبد الملك بن مروان بن الحكم أن يوجه ملسمة ابنه إلى بلاد الروم قال: قد أمرت عليكم مسلمة بن عبد الملك. قال: وولى على رؤساء أهل الجزيرة والشام البطال، وأقبل على مسلمة فقال: صير على طلائعك البطال، وأمره فليعس باللسيل العسكر، فإنه أمين، ثقة، مقدام، شجاع. قالوا: وعقد مسلمة للبطال على عشرة آلاف من المسلمين، فجعلهم سيارة فيما بين عسكر المسلمين، وما يليهم من حصون الروم، ومن يتخوفون اعتراضه في نشر المسلمين وعلاقاتهم، ويخرج المسلمون يتعلقون فيما بينهم وبين العسكر، فيصيبون ويخطئون، فيأمن بهم العسكر وتلك العلاقات. قال البطال: سألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمري مع الروم فقلت: خرجت في سرية ليلاً، ودفعنا إلى قرية، وقلت لأصحابي: أرخوا لجم خيولكم، ولا تحركوا أحداً بقتل ولا سبي حتى تشحنوا القرية فإنهم في نومة. قال: ففعلوا، وافترقوا في أزقتها، وذفعت في ناسٍ من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وامرأة تسكت ابنها من بكائه، وهي تقول: لتسكتن أو لأدفعنك إلى البطال يذهب بك. فانتشلته من سريره فقال: أمسك يا بطال، فأخذته.

حدث أبو مروان قال: سمعت البطال يحدث قال: خرجت ذات يوم متوحداً على فرسي لأصيب غفلة - أو منفرداً متسمطاً مخلاة فيها عليق فرسي، ومنديل فيه خبز وشواء. فبينا أنا أسير إذ مررت ببستان فيه بقل طيب، فنزلت، فعلقت على فرسي، وأصبت من ذلك الشواء ببقل البستان إذ أسهلني بطني، فاختلفت ماراً، فأشفقت من دوائه وضعفي عما يجيء علي من الركوب، فبادرت فركبت، ولزمت طريقاً، واستفرغني على سرجي كراهية أن أنزل فأضعف عن الركوب حتى لزمت عنقه مخافة أن أسقط عنه، وذهب بي، ولا أدري أين يذهب بي إذ سمعت وقع حوافره على بلاط، ففتحت عيني فإذا دير، فوقف في وسط الدير، وإذا نسوة يتطلعن من أبواب الدير. فلما رأين أنه لا تبع لي، ورأين حالي وضعفي عن النزول خرجت صاحبة منهن حتى وقفت علي، ونظرت في وجهي، وعرفت من حالي، ورطنت لهن تحتسب علي، فأمرتهن فنزعن ثيابي وغسلن ما بي، ودعت بثياب فألبستنيها وترياق أو دواء فشربته، ثم أمرت بي فجعلت على سرير لها ودثار، وامرت بطعام فهيئ لي، فأتيت به، وأقمت يومي ذاك. وتلك الليلة مسبوتاً، لا ادري ما أنا فيه، وأصبحت من الغد على ضعف من الركوب، وأقمت ليلتي ويومي وليلتي، فذهب عني السبات، وأنا ضعيف عن الركوب، حتى كان في اليوم الثالث جاءها من يخبرها أن فلاناً البطريق قد أقبل في موكبه، فأمرت بفرسي فغيب، وأغلق علي باب بيتي الذي أنا فيه، ودخل البطريق، فانزلته منزلاً، واقتفت به وبأصحابه، وأسمع بعض النسوة تخبر أنه خاطب لها، فبينا هو على ذلك إذ جاءه من يخبره عن موضع فرسي وإغلاقهم علي، فهم ان يهجم علي، فأقسمت لئن تعرضني لا نال حاجته، فأمسك، وأقام قائلة ذلك اليوم في قرى ثم تروح، وخرجت، فدعوت بفرسي، فخرجت إلي فقالت: إني لا آمن أن يكمن لك، دعه يذهب، فأبيت عليها وركبت، فقفوت الأثر حتى لحقته، وشددت عليه، فانفرج عنه أصحابه فقتلته، وطلبت أصحابه فهربوا عني، وأخذت فرسه وسمطت رأسه، ورجعت إلى الدير فألقيت الرأس، ودعوتها ومن معها من نسائها

وخدمها، فوقفن بين يدي وأمرتها بالرحلة ومن معها على دواب الدير، وسرت بهن إلى العسكر حتى دفعت بهن إلى الوالي، فجعل نفلي منهن، فتنفلت المرأة بعينها، وسلمت سائر الغنيمة في المقسم واتخذتها.، فهي أم بني. قال أبو مروان: وكان أبوها بطريقاً من بطارقة الروم له شرف، يهاديه ويكاتبه. حدث آبو يحيى البطال: أن هشاماً أو غيره من خلفاء بني أمية كان قد استعمله على ثغر المصيصة وما يليها، وإنه راث عليه خبر الروم، فوجه سرية لتأتيه بالخبر عن غير إذن من الوالي. قال: فتوجهوا، وأجلتهم أجلاً، فاستوعبوا الأجل، فأشفقت من مصيبتهم ولائمة الخليفة، فخرجت متوحداً حتى وغلت في الناحية التي أمرتهم بها، فلم أجد لهم خبراً، فعرقت أنهم أجبروا بغفلة ناحية أخرى فتوجهوا إليها، وكرهت أن أرجع، ولم أسنقذهم مما هم فيه، إن كان عدو يكاثرهم، وأعرف من خبرهم ما أسكن إليه، فلم أجد أحداً يخبرني بشيء فمضيت حتى أقف على باب عمورية، فضربت بابها، وقلت للبواب: افتح لفلان سياف الملك ورسوله، وكنت أشبه به، فأعلم ذلك صاحب عمورية، فأمره بفتح الباب، ففعل أدخلني. فلما صرت إلى بلاطها وقفت وأمرت من يشتد بين يدي إلى باب بطريقها ففعل، ووافقت باب البطريق قد فتح، وجلس لي، ونزلت عن فرسي وأنا متلثم بعمامتي، فأذن لي، ومضيت حتى جلست على مثال إلى جانب مثاله، فرحب بي، وقرب، وقلت: أخرج من أرى فإني قد حملت إليك، فأخرجهم، وشددت عليه حتى غلق باب الكنيسة، وعاد إلى مجلسه، واحترطت سيفي فضربت به على رأسه، فقلت له: قد وقعت بهذا الموضع فاعطني عهداً حتى أكلمك بما أردت حتى أرجع من حيث جئت، لا يتبعني منك خلاف، ففعل، فقلت: أنا البطال، فاصدقني عما أسألك عنه، وانصحني وإلا أجزت عليك، فقال: سل عما بدا لك، فقلت: السرية، فقال: نعم، وافت البلاد غارة لا يدفع أهلها يد لامس، فوغلوا في البلاد، وملؤوا أيديهم غنائم، وهذا

آخر خبر جاءني: إنهم بوادي كذا. قد صدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا، فغمدت سيفي وقلت: ادع لي بطعام فدعا، ثم قمت وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك، حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم، وخرجت بهم بما غنموا. فهذا أعجب ما كان. قفل البطال من حجه في السنة التي قتل فيها رحمه الله. وأخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجه الإسلام بما فتح له من الجهاد، وأنه سأل الله الحج والشهادة، وأن الله قد قضى عنه حجة، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا في عامه، فاستشهد. رحمه الله تعالى. وكان ليون طاغية الروم قد خرج في نحو من مئة ألف، وأشار البطال على مالك بن شبيب - مقدم الجيش - باللحاق ببعض مدن الروم، والتحصن بها حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام فعصاه في إشارته. قال: ولقينا ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، فتجمعوا عليه وشد عليهم، فذكر بعض من كان معه اسمه فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية المسلمين، والناس معتصمون بسيوفهم حتى كان مع اصفرار الشمس، وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، فضربت له مغارة، وأمر برهبانه وأساقفته فأحضروا، فرفع يده ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين، ورأوا من قلتهم وقلة من بقي، قال: ناد يا غلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نفاديهم، فدخل وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً ينادي: أيها الناس، عليكم بسنادة، فادخلوها وتحصنوا فيها، وأمر البطال رجلاً على مقدمتهم وآخر على ساقتهم لا يخلف جريحاً ولا ضعيفاً فيما قدر عليه وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناسٍ من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم ويقول: أيها الناس، الحقوا فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم. أيها الناس، الحقوا فيإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق، ويهيئ

منزلكم بسنادة. فمضى الناس، فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها، والقتال عليها، وأصبح البطال في مكانه في المعركة به رمق، وركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة، فوجدهم قد لحقوا بسنادة إلا البطال ومن ثبت معه فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: وما رأيت؟ كذلك الأبطال تقتل وتقتل. قال ليون: علي بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه، فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة علي، ودفني، وتخلى سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة فحاصرهم، فبينا هم على ذلك إذ أشرف عليهم ثابت البهراني على فرسه في رجال، على خيول الطلائع، وهو يقول: أيها الناس، أنا رسول الأمير سليمان بن هشام يخبركم بسرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطسنية، حتى دخلها، واقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة. الحديث.. قال أبو بكر بن عياش: قيل للبطال: ما الشجاعة؟ قال: قبل صبر ساعة. ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن البطال قتله الروم في سنة اثنتي عشرة ومئة. وذكر أبو حسان الزيادي أنه قتل في سنة ثلاث عشرة. وقال خليفة: سنة إحدى وعشرين ومئة. وقتل بأرض الروم. رحمه الله تعالى.

عبد الله

عبد الله الطويل إن لم يكن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فهو غيره. حدث عن أبي جابر بسنده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الأول يقول: سلوا الله عز وجل العافية والمعافاة، فإنه ما أوتي عبد بعد يقين خيراً من معافاة. عبد الله العابد حدث حسين ابن المصري أحد شيوخ الصوفية قال: كنت بدمشق، وكان خارجها جبل، فوقه رجل يقال له عثمان مع أصحابه يتعبدون، وكان أسفل الجبل آخر يقال له عبد الله مع غلمانه. فكان يوصف عنه أنه إذا سمع شيئاً من الذكر عدا فلم يرده شيء لا نهر ولا ساقية ولا وادٍ. قال حسن: فبينا أنا عنده ذات يوم إذ قرأ قارئ. قال: فتهيأ له غلمانه فتبعوه، حتى استقبلته نار الأعراب، وقد أوقدوها. قال: فوقع بعضه على النار وبعضه على الأرض، فحملوه. قال الجنيد: إيش نقول في رجل وقعت به حالة هي أقوى من النار؟. عبد الله أحد أصحاب أبي عبيد محمد بن حسان البسرى حدث عن أبي عبيد قال: كنت معه يوماً قاعداً بدمشق انا وجماعة من إخوانه إذ مر رجل على دابة، وخلفه غلام يعدو، وقد انبهر، بيده غاشية. فلما حاذى أبا عبيد قال: اللهم، اعتقني وأرحني منه، ثم التفت إلى الجماعة وقال: ادعوا الله لي، فقال أبو عبيد: اللهم، أعتقه من النار،

عبد الأعلى بن عبيد الله

ومن الرق، فعثرت الدابة بمولاه فسقط إلى الأرض، فالتفت إلى الغلام فقال له: أنت حرلوجه الله. قال: فرمى بالغاشية إليه وقال: يا مولاي أنت لم تعتقني، إنما أعتقني هؤلاء، وصحب أصحابنا وتوفي بينهم. عبد الأعلى بن عبيد الله ابن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي البصري وفد على هشام بن عبد الملك. حدث عن عبد الله بن الحارث الهاشمي قال: خطب عمر بن الخطاب بالشام والجاثليق ماثل، معناه: قائم، فتشهد فقال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. قال الجاثليق: لا، فقال عمر: ما تقول؟ فأعاده، فقال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق بجبته ينفضها وقال: إن الله لا يضل أحداً، فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا، فقال: كذبت عدو الله، الله خلقك، والله أضلك، ثم يميتك، فيدخلك النار إن شاء الله. والله لولا ولث عهدٍ لك لضربت عنقك، ثم قال: إن الله خلق آدم ثم نثر ذريته، ثم كتب أهل الجنة وما هم عاملون، وكتب اهل النار وما هم عاملون، ثم قال: هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه. قال: فتصدع الناس، ولا يتنازع اثنان في القدر. قال: وقد كان قبل ذلك شيء من التنازع. وحدث عبد الأعلى قال: قدمت مع أمي - أو قال: جدتي - مكة، فأتتها صفية بنت شيبة فأكرمتها. فقالت صفية: ما أدري ما أكافئها به، فأرسلت إليها بقطعة من الركن، فخرجنا بها، فنزلنا أول منزل، فذكر من مرضهم وعلتهم جميعاً. قال: فقالت أمي - أو جدتي -: ما أرانا أتينا إلا

عبد الأعلى بن أبي عبد الله الغبري

أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم، فقالت لي - وكنت أمثلهم -: انطلق بهذه القطعة إلى صفية فردها وقل لها: إن الله وضع في حرمه شيئاً فلا ينبغي أن يخرج منه. قال عبد الأعلى: فقالوا لي: فما هو إلا أن تحينا دخولك الحرم فكأنا أنشطنا من عقال. كان عبد الأعلى يفد إلى هشام بن عبد الملك فيتكلم عنده، فيعجب مسلمة كلامه ويقول: والله إني لأرفع كور العمامة عن أذني لأستفرغ كلام ابن عامر. ويقول: إن الرجل يكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فكأنه يقضمني حب الرمان الحامض حتى يسكت فأرده عنها، ويكلمني الرجل في الحاجة ما يستوجبها فيعرب فأجيبه إليها. قال أبو عاصم: سأل سائل عبد الأعلى بن عبد الله، وليس عليه إلا إزار فقال: امدد طرف الإزارثم اجذبه إليك، ففعل السائل، وتوارى عبد الأعلى بباب بيته ثم أغلقه على نفسه. وكان عبد الأعلى كثير الطعام، فقال بلال بن أبي بردة للجارود ابن أبي سبرة: أخبرني عن طعام عبد الأعلى، قال: كثير، قال: فكيف هو على طعامه؟ قال: يأتيه صاحب الطعام، فيقوم بين يديه، فيقول له: ما عندك من الطعام؟ فيصف له طعامه. قال بلال: ولم يفعل هذا؟ قال: لعل بعض من عنده يشتعي بعض تلك الأطعمة فيقي نفسه التي تشتهي فيدعو بالطعام، فيتحدث عليه، ويضحك أصحابه، ويتناول الطعام، فيقسمه بينهم، ويأكل ولا يجهد، قال: ولم؟ قال: يريد أن يأكل آخر من ياكل. عبد الأعلى بن أبي عبد الله الغبري وقد على عمر بن عبد العزيز. وحدث عنه قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة في ثياب دسمة، ورآه حبشي يمشي، فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال: هكذا رحمكما الله،

عبد الأعلى بن أبي عمرة الشيباني مولاهم

حتى صعد المنبر فخطب فقرأ " إذا الشمس كورت " فقال: وما شأن الشمس " إذا النجوم أنكدرت " حتى انتهى " وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت " فبكى، وبكى أهل المسجد؛ وارتج المسجد بالبكاء حتى رأيت أن حيطان المسجد تبكي معه. عبد الأعلى بن أبي عمرة الشيباني مولاهم أرسله عمر بن عبد العزيز في مفاداة أسرى المسلمين من الروم. حدث عبد الأعلى بن أبي عمرة عن عبادة بن نسي بسنده إلى معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المجرة التي في السماء هي عرق الأفعى التي تحت العرش. وعن عبد الأعلى أن عبد العزيز بن مروان أرسل معه إلى ابن عمر ألف دينار فقلبها. وكان عبد الأعلى بن أبي عمرة على أخت موسى بن نصير، وكانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة، فخطت له داره ذات الحمام. وسأل عبد العزيز حين قدم من عند اليون صاحب الروم فقال: قد أبليت المسلمين في وجهي هذا نصحاً، فمر لي بأربعة سوارٍ من خراب الإسكندرية، فأمر له بها، فهي على حوض حمامه الأعظم. قال أبو سعيد: وهو حمام التبن. حدث صالح بن كيسان ان خالد بن الوليد سار حتى نزل على عين التمر فقتل، وسي. فكان من تلك السبايا أبو عمرة، مولى بني شيبان وهو أبو عبد الأعلى بن أبي عمرة. قال عبد الأعلى بن أبي عمرة: لما بعثني عمر بن عبد العزيز لفداء أسرى القسطنطينية قلت: أرأيت إن أبوا أن يفدوا الرجل بالرجل كيف أصنع؟ قال: زدهم، قالت: أرأيت إن أتوا أن يفدوا الرجل

عبد الأعلى بن مسهر

بالاثنين؟ قال: فأعطهم ثلاثة، قلت: فإن أبوا إلا أربعة؟ قال: فأعطهم بكل مسلم ما سألوا، فوالله للرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي، إنك ما فديت به المسلم فقد ظفرت، إنك إنما تشتري الإسلام، قال: فقلت له: أرأيت إن وجدت رجالاً قد تنصروا فأرادوا أن يرجعوا إلى الإسلام أفديهم؟ قال: نعم، بمثل ما تفدي بهم غيرهم، قال: فقلت له: ارأيت إن وجدت امرأة قد تنصرت، فأرادت أن ترجع إلى الإسلام؟ قال: افدها بمثل ما تفدي به غيرها، قال: فقلت له: أفرأيت العبيد أفديهم إذا كانوا مسلمين؟ قال: نعم، بمثل ما تفدي به غيرهم، قال: قلت: أرأيت إن وجدت منهم من قد تنصر، فأراد أن يرجع إلى الإسلام؟ قال: اصنع بهم مثلما تصنع بغيرهم، قال: فصالحت عظيم الروم على رجل من المسلمين برجلين من الروم. عبد الأعلى بن مسهر أبو درامة الغساني كان سريع الحفظ. ما كان يسمع شيئاً إلا حفظه. قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: قلت لأبي مسهر: ما حمل جدك على أن اكتنى بأبي درامة؟ فقال: وعجائب جدي كانت واحدة؟! إذا استثقل إنساناً قال له: اقرأ ما على هذا. وكان نقش خاتم أبي درامة أبرمت فقم، فكان إذا استثقل إنساناً أراه الخاتم فينظر إليه فيقوم. قتل عبد الأعلى بن مسهر يوم دخل عبد الله بن علي دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وقيل غير ذلك. والأول أصح.

عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر

عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر الغساني الفقيه يعرف بابن أبي درامة شيخ الشام في وقته. حدث عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة، مولاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: ائتوه، فصلوا فيه، قالت: وكيف الروم إذ ذاك فيه؟ قال: فإن لم تستطيعوا فابعثوا بزيت يسرج في قناديله. وحدث عن هيثم بن حميد بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مس فرجه فليوضأ. قال العلاء: قال مكحول: من مسه متعمداً. ولد أبو مسهر سنة أربعين ومئة. قال إبراهيم بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين - وذكر أبا مسهر - فقال: كان يبغض الموالي، وقال لي يوماً: عندك حديث في الموالي في عيبهم؟ قلت ليحيى: فمن كان أبو مسهرٍ؟ قال: كان عربياً غسانياً. كان عبد الأعلى راوية لسعيد بن عبد العزيز التنوخي وغيره من الشاميين وكان أشخص من دمشق إلى عبد الله بن هارون وهو بالرقة، فسأله عن القرآن فقال: هو كلام الله، وأبى أن يقول مخلوق، فدعا له بالسيف والنطع ليضرب عنقه. فلما رأى ذلك قال: مخلوق، فتركه من القتل، وقال: أما إنك لو قلت ذلك قبل أن أدعو لك بالسياف لقبلت منك، ورددتك إلى بلادك وأهلك، ولكنك تخرج الآن فتقول: قلت ذلك فرقاً من القتل أشخصوه إلى بغداد، فاحبسوه بها حتى يموت، فأشخص من الرقة إلى بغداد في ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومئتين، فحبس، فلم يلبث في الحبس إلا يسيراً حتى

مات في غرة رجب سنة ثمان عشرة ومئتين، فاخرج ليدفن فشهده قوم كثير من أهل بغداد، رحمه الله تعالى. قال أبو زرعة: سمعت محمد بن عثمان التنوخي يقول، وقد جئنا إليه: من أين جئتم؟ فقلنا: من عند أبي مسهر قال: تركتم أبا مسهر وجئتموني، ما بالشام مثل أبي مسهر. وقال يحيى بن معين: ما رأيت منذ خرجت من بلادي أحداً أشبه بالمشيخة الذين أدركتهم من ابي مسهر، والذي يحدث وفي البلاد أولى بالتحديث منه فهو أحمق. قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق ذكروا له أبا مسهر الدمشقي، ووصفوه بالعلم والفقه، فوجه من جاءه به. فلما دخل إليه قال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " قال: أمخلوق أوغير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: يقول أمير المؤمنين: إنه مخلوق، قال: يخبر عن رسول الله أو عن الصحابة أو عن التابعين أو عن أحد من الفقهاء؟ قال: بالنظر، واحتج عليه، قال له: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآنكلام الله غير مخلوق، قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل اختتن؟ قال: لا أدري، وما سمعت في هذا شيئاً، قال: فأخبرني عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكان يشهد إذا تزوج أو زوج؟ قال: ولا أدري. قال اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه، وجعلك قدوة. خرج السفياني المعروف بأبي العميطر وهو علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وأمه نفيسة بنة عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، فولى القضاء بدمشق عبد الأعلى بن مسهر الغساني كرهاً، ثم تنحى أبو مسهر عن القضاء لما خلع على بن عبد الله، فلم يل القضاء أحد بدمشق بعد ذلك حتى قدم المأمون.

قال المأمون لأبي مسهر: والله لأحبسنك في أقصى عملي أو تقول: القرآن مخلوق، تريد تعمل للسفياني! فقال أبو مسهر: يا أمير المؤمنين، القرآن كلام الله غير مخلوق. قال أبو داود سليمان بن الأشعث - وقيل له: إن أبا مسهر كان متكبراً في نفسه فقال: كان من ثقات الناس، ورحم الله أبا مسهر، لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه، وجرد السيف فأبى أن يجيب. فلما رأوا ذلك منه حمل إلى السجن، فمات. قال علي بن عثمان النفيلي: كنا بدمشق على باب أبي مسهر عبد الأعلى جماعةً من أصحاب الحديث نسمع منه، فمرض أبو مسهر أياماً، ثم دخلنا عليه نعوده، فقلنا له: إيش خبرك يا أبا مسهر؟ كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والحمد الله في عافية، راضياً عن الله، ساخطاً على ذي القرنين حيث لم يجعل السد بيننا وبين أهل العراق كما جعل بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، قال: فما كان بعد هذا إلا يسيراً حتى وافى المأمون دمشق، ونزل سفح جبل دير المران وبني القبيبة التي فوق الجبل، فكان يأمر بالليل بجمر عظيم، فيوقد ويجعل في طسوس كبار، وتدلى من فوق الجبل من عند القبيبة بالسلاسل والحبال، فتضيء له الغوطة، فيبصرها بالليل. قال: وكان أبو مسهر له حلقة في مسجد دمشق بين العشاء والعتمة عند حائط الشرقي، قال: فبينا أبو مسهر ليلة من الليالي جالس في مجلسه إذا قد دخل المسجد ضوء عظيم، فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: هذه النار التي توقد لأمير المؤمنين من الجبل حتى تضيء له الغوطة، فقال أبو مسهر: " أتبنون بكل ريعٍ آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون " وكان في حلقة أبي مسهر صاحب خبرٍ للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه، وكان قد بلغه أنه كان على قضاء أبي العميطر.

فلما أن رحل المأمون من دمشق أمر أن يحمل أبو مسهر إليه، فحمل وامتحنه بالرقة في القرآن، وأحدر إلى بغداد، فكان آخر العهد به. قال هاشم: كنت كثيراً ما أسمع أبا مسهر يقول: الهزج كما أضحك الدهر ... كذاك الدهر يبكيكا قال: فما مضت الأيام حتى حمل في الامتحان، وهو يبكي ويقول: مأسور والله. حدث محمود بن خالد أنه ودع أبا مسهر محمولاً إلى المأمون، قال: فسمعته يقول: وما هو إلا القتل أو الكفر. قال عبد الرحمن: فأدخل على المأمون، فامتحنه في القرآن، فالتوى أبو مسهر بين يديه، لم يلقه بالذي يستحل بها دمه، ولم يلقه بإعطاء ما يوجب عليه الكفر، فقال له المأمون؛ أعلي تلغز؟! علي بالسيف، فلما أحضر ارتعد الشيخ وقاربه فيما أراد منه، فأمر به فأحدرإلى العراق، وأكرمه إسحاق بن إبراهيم أمير بغداد. وتكلم أبو مسهر بالعراق بشيء حمده أهل الحديث، ثم مات بها محموداً مشكوراً. وقيل: إن أبا مسهر أدخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح بين يديه، فأوقف أبو مسهر بين يديه في تلك الحال فامتحنه، فلم يجبه، فأمر به، فوضع في النطع ليضرب رقبته، فأجاب - يعني إلى خلق القرآن - وهو في النطع. ثم بعد أن أخرج من النطع رجع عن قوله ثم أعيد إلى النطع. فلما صار في النطع أجاب، فأمر به أن يوجه إلى بغداد. الحديث. وقيل: إن أبا مسهر أقيم ببغداد بباب إسحاق بن إبراهيم ليقول قولاً يبرئ فيه نفسه عن المحنة ويقي المكروه، فقيل: إنه قال في ذلك الموقف؛ جزى الله أمير المؤمنين خيراً، علمنا مالم نكن نعلم، وعلم علماً لم يعلمه من كان قبله، وقال: قل: القرآن مخلوق، وإلا

ضربت رقبتك، ألا فهو مخلوق، وهو مخلوق، قال: فازديد بمقالة أبي مسهر عجباً، وارجو أن تكون له نجاة. كان أبو مسهر يقول: عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره. قال أبو زرعة: سئل أبو مسهر عن الرجل يغلط، وبهم ويصحف، فقال: بين أمره، فقلت لأبي مسهر: أترى ذلك من الغيبة؟ قال: لا. قال: ورأيت أبا مسهر يفعل ذلك فيما حمل عن سعيد بن عبد العزيز، ورأيته يكره الرجل أن يحدث إلا أن يكون عالماً بما يحدث، ضابطاً يعني: إذا خفي عليه بعض الحديث واستفهم من غيره فينبغي له أن يبين. ومن شعر أبي مسهر: الخفيف هبك عمرت مثل ما عاش نوح ... ثم لاقيت كل ذاك يسارا هل من الموت لا أبا لك بد ... أي حي إلى سوى الموت صارا؟ ومن شعره: الطويل ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له ... من الله في دار المقام نصيب فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه ... متاع قليل والزوال قريب ومن شعره: المنسرح أفٍ لدنيا ليست تواتيني ... إلا بنقضي لها عرى ديني عيني لحيني نذير مقلتها ... تريد ما ساءها لترديني ومن شعره: الوافر فلا بعدي يغير حال ودي ... عن العهد القديم ولا اقترابي ولا عند الرخاء بطرت يوماً ... ولا في فاقتي دنست ثيابي كماء المزن بالعسل المصفى ... أكون وتارة سلعاً بصاب

عبد الأعلى بن هلال

عبد الأعلى بن هلال أبو النضر السلمي الحمصي حدث عن عرباض بن سارية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم تأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأت حين وضعته نوراً أضاءت منه قصور الشام. قال طلحة بن يحيى: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه عبد الأعلى بن هلال فقال: أبقاك الله يا أمير المؤمنين مادام البقاء خيراً لك. قال: قد فرغ من ذاك يا أبا النضر، ولكن قل: أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك مع الأبرار. قال خالد بن معدان: حضرنا صنيعاً لعبد الأعلى بن هلال. فلما فرغنا من الطعام قام أبو أمامة فقال: لقد قمت مقامي هذا وما أنا بخطيب، وما أريد الخطبة، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عند انقضاء الطعام: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير ملقى ولا مودع ولا مستغنى عنه. قال: فلم يزيل يرددهن علينا حتى حفظنا هن. توفي عبد الأعلى سنة أربع ومئة. عبد الباقي بن أحمد بن إبراهيم بن علي أبو البركات بن النرسي البغدادي الأزجي المعدل ولي حسبة بغداد، وقدم دمشق في تجارة مرتين، ولم يكن يحسن الحديث، وكان شافعياً، ويظهر التعصب للحنابلة لأجل سكناه بباب الأزج. وقيل: إنه كانت فيه

عبد الباقي بن أحمد بن محمد

غفلة. شهد في بيع عقار غير محدد، فعاب عليه القاضي ذلك، وقال: لا يشهد إلا فيما ذكرت حدوده، فأتاه اثنان قد تبايعا سفينة، فنظر في الكتاب ثم قال: أين الحدود؟ خذ كتابك. حدث عن أبي القاسم عبد الله بن الحسن بن الخلال بسنده إلى أبي سعيد قال: أخر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العشاء ذات ليلة إلى نحو من شطر الليل، ثم خرج، فصلى، قال: خذوا مقاعدكم، فأخذنا مقاعدنا، فقال: إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم - وأحسبه قال: وحاجة ذي الحاجة - لخرت هذه الصلاة إلى هذه الساعة. ولد عبد الباقي سنة تسع وخمسين واربع مئة. عبد الباقي بن أحمد بن محمد أبو القاسم، ابن الطرسوسي الفقيه حدث عن أبي منصور بن رامش النيسابوري بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعان ظالماً سلطه الله عليه. وحدث عنه بسنده إلى حذيفة قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العزبة فقال: يا حذيفة، خير أمتي أولها المتزوجون وآخرها العزاب، وإني أحللت لأمتي الترهب إذا مضت إحدى وثمانون ومئة سنة، قلت: يا رسول الله، وعن الجماعة يوم الجمعة قد جعلها الله علينا فريضة واجبة؟ فقال: يا حذيفة، يوشك أن يجتمعوا في مساجدهم، والمؤمن يومئذٍ فيهم قليل، قلت: يا رسول الله، يكون فيهم منافقون؟ فقال: نعم، أظهر فيهم منهم اليوم فيكم، قلت: يا رسول الله، فبم يعرف المنافق في ذلك الزمان؟ فقال: إذا رأيته نعاصاً براقاً، قد احتشى واكتسى من الحرام يترايش في الناس بالحلم والعلم، إن أمر المؤمن للضعيف فيهم بأمر قالوا: إن لله جميل يحب الجمال، أوليس قد كلم الله تعالى وتبارك موسى

عبد الباقي بن أحمد بن هبة الله

عليه السلام في جبة صوف، وقلنسوة من لبود ونعلين من جلد حمار ميت؟ أو ليس قد رفع الله عيسى عليه السلام شقة قد تجلل بها، ألا وإن علي هذه الجبة من صوف، وإن الله عز وجل طلب مني يقيناً صادقاً، وعملاً صالحاً، والنصيحة له في خلقه، وليس الجميل من يتجمل بالثياب ويخلق دينه. ولد أبو القسم الطرسوسي سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثمان وأربعون وأربع مئة بدمشق. عبد الباقي بن أحمد بن هبة الله أبو الحسن البزار صهر أبي علي الأهوازي. حدث عن أبي علي الأهوازي بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا ينجي أحداً عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، فسددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من القصد يبلغوا. ولد عبد الباقي سنة أربع مئة وتوفي سنة ثمانين وأربع مئة. قيل إنه كذاب. عبد الباقي بن جامع بن الحسن أبو القاسم الفقيه التاجر سكن بيت المقدس. حدث عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن علي ابن محمد بن هارون الصوفي بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، وسنة قائمة، وفريضة عادلة.

عبد الباقي بن عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل

عبد الباقي بن عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل أبو محمد الشاهد حدث عن أبي الحسن علي بن الخضر بن محمد الحلبي المؤدب بسنده إلى القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد قال: سمعت ثعلباً وسئل عن قوله عز وجل: " يرونهم مثليهم رأي العين " قال: ثلاثة أضعافهم. قال: وقاله الفراء. قال القاضي: وسمعت ثعلباً يقول: وسئل عن قوله: " ووجدك ضالاً فهدى " قال: يعني بين قوم ضلال. قال: ومن كان في قوم نسب إليهم. توفي في سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. عبد الباري بن عبد الملك بن عبد العزيز أبو عبد العبسي الجسريني حدث عن مروان بن محمد بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل حسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، فهو لي وأنا أجزي به. عبد الجبار بن أحمد بن عبد الله بن علي أبو القاسم التغلبي الأديب أنشد لأبي الفرج الببغاء: البسيط يا غازياً أتت الأحزان غازية ... إلى فؤادي في الأحشاء حين غزا إن بارزتك كماة الروم فارمهم ... بسهم عينيك تقتل كل من برزا

عبد الجبار بن الحارث بن مالك

وأنشد أبو القاسم: السريع من سره العيد فما سرني ... بل زاد من همي وأشجاني لأنه ذكرني ما مضى ... من عهد أحبابي وإخواني عبد الجبار بن الحارث بن مالك أبو عبيد الحدسي ثم المناري من أهل الشراة من أرض البلقاء، وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعه على الإسلام. قال عبد الجبار: وفدت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أرض شراة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحييته بتحية العرب، فقلت: أنعم صباحاً، فقال: إن الله عز وجل قد حيا محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته بغير هذه التحية، بالتسليم بعضها على بعض، فقلت: السلام عليكم يا رسول الله، فقال لي: وعليك السلام، ثم قال لي: ما اسمك؟ فقلت: الجبار بن الحارث، فقال لي: أنت عبد الجبار بن الحارث، فقلت: وأنا عبد الجبار بن الحارث، فأسلمت وبايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما بايعت قيل له: إن هذا المناري فارس من فرسان قومه، فحملني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فرس، فأقمت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقاتل معه، ففقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صهيل فرسي الذي حملني عليه، فقال: ما لي لا أسمع صهيل فرس الحدسي؟ فقلت يا رسول الله، بلغني أنك تأذيت من صهيله فأخصيته، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إخصاء الخيل، فقيل لي: لو سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً كما سأله ابن عمك تميم الداري، فقلت: أعاجلاً سأله أم آجلاً؟ فقالوا: بل عاجلاً سأله، فقلت: عن العاجل رغبت، ولكن أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغيثني غذاً بين يدي الله عز وجل.

عبد الجبار بن عاصم

عبد الجبار بن عاصم أبو طالب الخراساني النسائي نزيل بغداد. سمع بدمشق وبحلب وبغيرها. حدث عن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة العقيلي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نضر الله من سمع قولي ثم لم يزد عليه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل الله عز وجل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم. وحدث عن أبي عبد الملك الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس، هلى سمع أحد منكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسر " حم عسق "؟ فوثب ابن عباس فقال: أنا، فقال: حم اسم من أسماء الله عز وجل، قال: فعين؟ قال: عاين المشركون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: ف " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "، قال: فقاف؟ فجلس، فسكت، فقال عمر: أنشدكم بالله، هل سمع أحد منكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسر: " حم عسق " فوثب أبو ذر فقال: حم؟ فقال: اسم من أسماء الله، فقال: عين؟ فقال: عاين المشركون عذاب يوم بدر، قال: فسين؟ قال: " سيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون "، قال: فقاف؟ قال: قارعة من السماء تصيب الناس. توفي عبد الجبار ببغداد سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومئتين. قال موسى بن إسحاق: كان أبو طالب جلاداً، فتاب الله عليه، فيقال: إنه دلي عليه كيس فكان ينفق منه.

عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة

عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة أبو الفتح الأردستاني ثم الرازي الجوهري الواعظ سكن دمشق مدة، ثم تحول إلى أصبهان. حدث عبد الجبار في دكانه بباب البريد سنة سبع وخمسين وأربع مئة عن الفقيه أبي الحسن علي بن محمد بن عمر القصار بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنت مع حذيفة في المدائن، فاستسقى، فأتاه دهقان من دهاقينها بإناء من فضة يسقيه منه، فخذفه به، فطأطأ الدهقان رأسه فأخطأه، ثم قال: إني أعتذر إليكم من شأن هذا الدهقان، إنه أتاني بهذا الإناء قبل هذه المرة، فنهيته عنه، فأبى إلا أن يعود سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تشربوا في الذهب والفضة، ولا تلبسوا الديباج ولا الحرير، فإنها لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة. ولد عبد الجبار سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، وخرج من دمشق قبل حريق الجامع بسنةٍ أو نحوها إلى بغداد، ومات بها، وكان شيخاً كبيراً. عبد الجبار بن عبد الله بن علي أبو القاسم التغلبي الأوجي أنشد لأبي الفرج حمد بن علي الزعفراني: المتقارب مضيق الأمور إلى مفرج ... وكل خلي كأن قد شجي فيا شامتاً بنعيي أفق ... فإني هناك إلى أن تجي

عبد الجبار بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم

عبد الجبار بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم ويقال: عبد الرحمن بن داود أبو علي الخولاني الداراني المعروف بابن مهنا حدث عن أبي الحارث أحمد بن سعيد بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن الكهان كانوا يحدثونا بأشياء فنجدها حقاً، قال: تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، فيكذب معها مئة كذبة. عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان أبو عبد رب العزة من أهل دمشق. قال عبد الجبار في قوله تعالى: " إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين " قال: يرسل عليهم من أمر الله أمراً، فيولون مدبرين، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدموع، فيبكون حتى ينفد الدمع، ثم تستجيب أعينهم بالدم، فيبكون دماً حتى ينفذ الدم، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، فيبكون قيحاً حتى ينفذ القيح، وتعود أبصارهم كالحرق في الطين. قال أبو عبد رب العزة وذكر عن أويس القرني قال: كان إذا نظر إلى الرؤوس المشوية ذكر هذه الآية " تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " ثم يقع مغشياً عليه.

عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل بن علي

عبد الجبار بن عبد الصمد بن إسماعيل بن علي أبو هاشم السلمي المؤدب حدث في رمضان سنة ثلاث وستين وثلاث مئة عن أبي جعفر محمد بن خالد البرذعي بسنده إلى ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله، ما يمنع حبش بني المغيرة أن يأتوك إلا إنهم يخشون أن تردهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا خير في الحبش، لئن جاعوا سرقوا، وإن شبعوا شرسوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين، إطعام الطعام، وبأس عند البأس. حدث أبو هاشم عبد الجبار الإمام بمسجد الجامع بدمشق عن الحسن بن حميد الإمام عن أبي عبد الله البصري وكان من الزهاد قال: سمعت أبا محمد سهل بن سوار يقول: الدنيا كلها جهل وموات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل منه، والعمل كله هباء إلا الإخلاص منه، والإخلاص له خطر عظيم لا يدري بما يختم له. ولد عبد الجبار سنة ست وثمانين ومئتين، وتوفي سنة أربع وستين وثلاث مئة وكان ثقة مأموناً. عبد الجبار بن عبد الواحد التنوخي قال عبد الجبار: قال عمر وهو على المنبر: أنشد الله، لا يعلم رجل عني عيباً إلا عابه، فقال رجل: نعم يا أمير المؤمنين، فيك عيبان: قال: ما هما؟ قال: تذيل بين البردين، وتجمع بين الأدمين، ولا يسع ذاك الناس، قال: فما أذال بين بردين، ولا جمع بين أدمين حتى لقي الله عز وجل.

عبد الجبار بن محمد

عبد الجبار بن محمد أبو الفتح المقدسي الواعظ المعروف بزرتيلات قدم دمشق، وتوجه إلى الموصل؛ وعقد مجلس الوعظ، وظهر له قبول ووعظ ببغداد، وكان صحيح الاعتقاد. حدث عن أبي المعالي الجويني بسنده إلى سالم بن زيد قال: سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه واعظاً بكناس الكوفة وقد سئل عن مسائل أجاب فيها بغير الصواب، فخرج مسرعاً وقام مقامه وقال: ذمتي بما اقول رهينة وأنا به زعيم، إن أمرأ صرحت له العواقب بما بين يديه من المثلات، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات، وإن شر الناس لرجل قمش أقاويل في أوباش من الناس، فهو في قطع من الشبهات كمثل نسج العنكبوت خباط عشوات، ركاب جهالات، فهو من أبغض خلق الله إلى الله، قد وكله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبيل مشغوفاً بكلام بدعة، يعمل فيها برأيه، قد لهج منها بالصوم والصلاة، ضالاً عن هدى من قبله، مضلاً لمن اقتدى به بعده، سماه أشباه له من الناس عالماً، فانتصب قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهات هيأ حشواً من رأيه ثم قطع، إن أصاب أخطأ لأنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وإن أخطأ لم يعلم، لم يعض على العلم بضرسٍ قاطع فيعلم، ولا سكت عما لم يعلم ليسلم، فويل للدماء والأموال والفروج من أمثاله.

عبد الجبار بن مسلم

عبد الجبار بن مسلم أخو الوليد بن مسلم حدث عن الزهري بسنده إلى ابن عباس إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن جلود الميتة فقال: دباغها طهورها. وحدث عنه بسنده إلى ابن عباس قال: إنما حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الميتة لحمها، فأما الجلد والشعر والصوف فلا بأس به، وفي حديث آخر عنه: وأما الجلد والعظم والشعر فلا بأس به. ضعفه الدارقطني. وقال هشام بن عمار: كان للوليد أخ صلب، متكبر، يركب الخيل، ويخرج معه غلمان له كثير، وكان صاحب صيد وبزة، وكان يخرج إلى الصيد في فوارس ومطابخ. عبد الجبار بن واقد الليثي من أهل دمشق، من المتعبدين. كان يكون ببيت المقدس. قال قاسم بن عثمان: كتب إلي عبد الجبار بن واقد، قال: كان مما أوصى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم عليه السلام: يا عيسى إن الذين يعبدوني على حب منهم لي لأجعلنهم في أعين أوليائي ملوكاً في الجنة. خرج قاسم الجوعي إلى بيت المقدس وبه أستاذه عبد الجبار بن واقد، فدخل إليه، ومعه غلام حدث، من أهل الخير. فلما نظر إليه عبد الجبار أعرض عنه وقال لقاسم: يا قاسم، ما هذه الفتنة؟ فقال: يا أستاذ، إنه يريد الخير، فقال له: يا قاسم، أنى لك بعصمة لم تضمن؟ ونفس لا تؤمن، إني أرى الذبابة على الذبابة فأمذي.

عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك

عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي وأمه أو ولد. أدرك ولاية أخيه الوليد. حدث عياش المروي أن أباه حمل عدة جوارٍ إلى الوليد بن يزيد، فدخل عليه وعنده أخوه عبد الجبار، وكان حسن الوجه والشعرة، وفيه لين، فأمر الوليد جارية منهن أن تغني: البسيط لو كنت من هاشم أو من بني أسدٍ ... أو عبد شمسٍ وأصحاب اللوا الصيد فغنت ما أمرها به أخوه، فغضب الوليد واحمر وجهه، وظن أنها فعلت ذلك ميلاً إلى أخيه، وعرفت الشر في وجهه فاندفعت فغنت: الخفيف أيها العاتب الذي خاف هجري ... وبعادي وما عمدت لذاكا أترى أنني بغيرك صب ... جعل الله من تظن فداكا أنت كنت الملول في غير شيء ... بئس ما قلت ليس ذاك كذاكا ولو أن الذي عتبت عليه ... خير الناس واحداً ما عداكا ارض عني جعلت نعليك إني ... والعظيم الجليل أهوى رضاكا الشعر لعمر بن أبي ربيعة، قال: فسري عن الوليد، وقال لها: ما منعك أن تغني ما دعوتك إليه، قالت: لم أكن أحسنه، وكنت أحسن الصوت الذي سألنيه، أخذته من ابن عائشة. فلما تيقنت غضبك غنيت هذا الصوت، وكنت أخذته من معبد، تعني: الصوت الذي اعتذرت به إليه.

عبد الجبار بن يزيد الكلبي

قال خليفة: أخذ عبد الله بن علي حين دخل دمشق يزيد بن معاوية بن مروان وعبد الله بن عبد الجبار بن يزيد فبعث بهما إلى أبي العباس فصلبهما، وقيل: إن المصلوب عبد الجبار بن يزيد، وقيل: إن عبد الجبار وأخاه الغمر ابني يزيد قتلا بنهر أبي فطرس. عبد الجبار بن يزيد الكلبي كان دليل بني المهلب حين هربوا من السجن بالعراق، ولحقوا بالشام. ذكر الدينوري في كتاب الأنواء قال: وممن شهد بصدق الأمر عبد الجبار بن يزيد الكلبي، دليل بني المهلب، وكانوا مختبئين بلعلع، فهربوا، فلحقوا بالشام فنكب بهم عبد الجبار جواد الطريق، وتتبع معامي الأرض، فتحير يوماً وهو بالسماوة فارتبك، فاتهمه يزيد وأراد قتله، فقال له عبد الجبار: أنت على قتلي إذا شئت قادر، ولكن دعني أنم نومة، فنام، فانتبه، وقد تجلت حيرته، فسمت بهم السمت المصيب حتى نفذ، فقال: الطويل ورهطٍ من أبناء الملوك هديتهم ... بلا علم بادٍ ولا ضوء كوكب ولا قمرٍ إلا ضئيل كأنه ... سوار جناه صائغ السور مذهب على كل حرجوجٍ كأن ضلوعها ... إذا حل عنها الكور أعواد مشجب قال أبو حنيفة: قوله: ولا ضوء كوكب يعني أن الكواكب غمت بالقتام فهداهم بالقمر، ثم أخبر أن القمر أيضاً ضئيل أصغر لما دونه من القتام فكأنه في تلك الحال سوار مذهب.

عبد الجبار الخولاني

عبد الجبار الخولاني من أهل دمشق. قال: دخل رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسجد دمشق، وإذا كعب يقص، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال، فبلغ ذلك كعباً، فما رئي يقص بعدها. وعن عبد الجبار الخولاني قال: قدم عليه رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمشق، فرأى ما فيه الناس - يعني من الدنيا - فقال: وما يغني عنهم؟ أليس من ورائهم الفلق؟ قيل: وما الفلق؟ قال جب في النار إذا فتح هر منه أهل النار. قال يحيى: هر منه أهل النار ولم يقل: فر منه. عبد الجليل بن عبد الجبار بن عبد الله بن طلحة أبو المظفر المروزي الشافعي قدم دمشق، وولي القضاء سنة ثمان وستين وأربع مئة حين دخل الترك إلى دمشق. وكان عفيفاً نزهاً مهيباً. قيل: إنه لم ير قط في سقاية. حدث بدمشق سنة ست وسبعين عن القاضي التقي أبي المظفر محمد بن أحمد التميمي بسنده إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء. توفي أو المظفر عبد الجليل سنة تسع وسبعين وأربع مئة بدمشق.

عبد الجليل بن محمد بن الحسن

عبد الجليل بن محمد بن الحسن أبو سعد الساوي البيع المعدل سمع بدمشق وبمصر وبغيرها، وسكن بغداد. حدث عن أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أكثروا من ذكر هادم اللذات: توفي أبو سعد عبد الجليل سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة. ودفن عند قبر أبي حنيفة. عبد الحليم بن محمد بن عبيد الله ابن أبي المهاجر المخزومي حدث عن ابين شهاب عن محمد بن قيس بن مخرومة بن المطلب قال: فقال - يعني للزبير بن باطا القرظي الذي استوهبه ثابت بن قيس من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله -: ما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قلت: هيهات! مات، قتل. قال: فنكس وقال: ما فعل الذي كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى فيها عذارى الحي وجوههم: كعب بن أسد؟ قال: يعني. قتل. قال: فنكس. قال: فما فعل جناحنا إذا وقفنا، ومقدمتنا إذا فررنا: عزال بن سموءل؟ قلت: هيهات! قتل. فنكس. ثم رفع بصره فقال: ما فعل المجلسان كعب وعمرو ابنا قريظة؟ قلت: هيات! هلكا، فنكس ثم رفع بصره فقال: فما أنا بصابرٍ لله فتلة دلو ناضح.

عبد الحميد بن بكار

حدث عبد الحليم بن محمد عن عمه إسماعيل قال: قالت لي أم الدرداء: كيف يا إسماعيل ينام رجل عند رأسه عشرة آلاف؟ قال: قلت لها: لا، بل، كيف ينام إذا لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟ قالت: ما أراك إلا سوف تبتلى بالدنيا! قال أبو مسهر: فابتلي بالدنيا. قال عبد الحليم بن محمد: قدم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه. قال: فذهب ليقول، فنهاه عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إني إنما أذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاذكر؟ فقال: الكامل إن الذي ابتعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للأمير العادل رد الظالم حقها بيقينها ... عن جورها وأقام ميل المائل إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس موزعة بحب العاجل فقال له عمر: ما أجد لك في كتاب الله حقاً فقال: بلى يا أمير المؤمنين، إنني ابن سبيل: قال: فأمر له من خاصة ماله: خمسين ديناراً. عبد الحميد بن بكار أبو عبد الله السلمي الدمشقي ثم البيروتي حدث عن محمد بن شعيب بسنده إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبرح هذا الصوت: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل صلى الله عليها ما. وحدث عن سعيد بن بشير بسنده إلى مالك بن الحويرث قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه إذا كبر في الصلاة حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين

عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبو سعيد الدمشقي ثم البيروتي كاتب الأوزاعي حدث عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: اسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الحنة، فقال سعيد: أوفيها سوق؟ قال أبو هريرة: نعم أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من ايام الدنيا، فيرون الله، ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم - وما فيهم دني - على كثبان المسك والكافور، لا يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة: وهل نرى ربنا يا رسول الله؛ قال: هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا، قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم عز وجل، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضر الله محاضرة حتى إنه يقول للرجال منهم: يا فلان بن فلان أتذكر يوم علمت كذا وكذا؟ فيذكره بعض غدراته في الدنيا، فيقول: رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه. قال: فبينا هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط. قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. قال: فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم يخطر على القلوب. قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى، في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه، وما فيهم دني، فيروعه ما يرى من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها. قال: ثم ننصرف إلى منازلنا، فتلقانا أزواجنا فيقولن: مرحباً وأهلاً بحبنا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه. قال: فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلينا.

عبد الحميد بن حريث بن أبي حريث

عبد الحميد بن حريث بن أبي حريث أبو الحكم مولى قريش، من أهل دمشق، أخو سعيد بن حريث حدث عبد الحميد أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز وهو على المنبر بخناصرة - وأنا حاضر -: يا أمير المؤمنين، هذا رجل يسبك فأعرض عنه عمر، ثم قال له الثانية فأعرض عنه، ثم قال له الثالثة فقال عمر: سنستدرجه - والله - من حيث لا يعلم. قال يونس بن ميسرة لعبد الحميد بن حريث يا أبا الحكم، إنك كنت عودتنا عادة: كنت لا تزال تصنع الخبيص، وتدعونا إليه، ثم تركت! قال: يا أبا حلبس، اما إن القدر التي كنا نعمل فيها فهي عندنا، والجارية التي كانت تعمله فهي صافية، فقد عرفتها، فعلي بعسل وسمن - وفي رواية: فاحمل إلينا شيئاً من عسل وسمن - ثم ادع بما شئت، فقال ابن حلبس: إنا لله وإنا إليه راجعون، لولا مودة كانت بيني وبين أبيك ما كلتمك أبداً، ذهب أهل الجود وبقينا في الفسفارين؟. عبد الحميد بن الحسين بن علي ابن الحسن بن محمد المعري أبو يحيى بن المعري ونسبه إلى يزدجرد بن بهرام جور. حدث عن أبيه بسنده إلى يزيد بن عمرو بن مسلم الخزاعي قال: حدثني أبي عن أبيه قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنشد ينشده قول سويد بن عامر المصطلقي: البسيط لا تأمنن وإن أمسيت في حرمٍ ... إن المنايا بجنبي كل إنسان

عبد الحميد بن حماد بن عبيد الله

فاسلك طريقك تمشي غير مختشعٍ ... حتى تلاقي ما يمني لك الماني فكل ذي صاحبٍ يوماً مفارقه ... وكل زادٍ وإن أبقيته فان والخير والشر مجموعان في قرنٍ ... بكل ذلك يأتيك الجديدان فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أدركني هذا لأسلم فبكى أبي، قثلت: يا أبه، ما يبكيك من مشرك مات في الجاهلية؟! قال: يا بني، ما رأيت مشركة بلغت من مشرك خيراً من سويد. عبد الحميد بن حماد بن عبيد الله أبو الوليد القرشي البعلبكي حدث عن سويد بن عبد العزيز بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان. إن أفاضلكم أحسانكم أخلاقاً، إن من الإيمان حسن الخلق. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: جاء حبشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، فضلتم علينا بالنبوة والصور، فقال عمر بن الخطاب: ما أجاد المسألة، ما أحكمها، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سل واستفهم، فقال: يا نبي الله، فضلتم علينا بالنبوة والصور والألوان أفإن آمنت بك، وعملت بالذي عملت به فإني كائن معك في الجنة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم، والذي نفسي بيده، من آمن بالذي آمنت به، وعمل بالذي عملت به فإنه كائن معي في الجنة، ثم قال: والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة مئة عام أو ألف عام، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا إله إلا الله كتب له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده كتب له بها مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة، فقالوا: يا رسول الله

عبد الحميد بن شميط

كيف نهلك بهد هذا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده، إن العبد ليجيء يوم القيامة، معه من الحسنات ما - لو كان على جبلٍ لأثقله، قال: ثم تقوم نعمة مما أنعم الله عليه، فتكاد تذهب بذلك كله، حتى يتطول الله عز وجل عليه منه برحمة. قال: ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً " حتى انتهى إلى قوله: " وإذا رأيت نعيماً وملكاً كبيراً " قال الحبشي: يا رسول الله، إن عيني هاتين لتريان ما ترى عيناك يوم القيامة. قال: واستبكى الحبشي شوقاً إلى الجنة حتى خرجت نفسه. قال ابن عمر: وأنا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دلاه في قبره. عبد الحميد بن شميط حكى عبد الحميد أن رجلاً استأجر لعابين ثلاثة أيام بسبعة دنانير، فلعبوا له بالوجوه كلها، فمطل الرجل اللعابين، فأتوا به نمير بن أوس - وكان قاضي دمشق زمن هشام بن عبد الملك - فقضى عليهم، وقال: إنا لا نقضي لكم بعمل الشياطين، فأبطل أجورهم. عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب بن نفيل أبو عمر القرشي العدوي الخطابي كان عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة، ووفد عليه. حدث عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمير الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمر بن الخطاب: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمرٍ وما نرى أن ترجع عنه

وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعاهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قدر الله! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، وكان عمر يكره خلافه، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كانت لك إبل كثيرة فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته، قفال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فحمد الله عمر ثم انصرف. وحدث عبد الحميد بن عبد الرحمن قال: أتينا عبد الله بن عباس وهو مسند ظهره إلى سارية من سواري مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت عليه وانتسبت فقال لي: أنت ابن العامرية؟ قلت: نعم، وأخذ بيدي وأدناني منه حتى لصقت ركبتي برأسه، فقلت: يا عم، أخبرني عن الوضوء، فقبض يده، ثم بسطها وقال: سألت عمك عمر بن الخطاب عن الوضوء، فقبض على يدي وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء ففعل مثل ذلك وقال: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. وحدث عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية " وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم " الآية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذريته ثم قال: خلقت هؤلاء للجنة،

وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على أعمال أهل الجنة، ويدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على أعمال أهل النار، فيدخله الله به النار. وحدث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الرجل يأتي امرأته وهي حائض قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار. قال عبد الله: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة، وهذا عبد الحميد من ولد عمر بن الخطاب ثقة مأمون. وعبد الحميد بن عبد الرحمن ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، وهو الأعوج، وكان معه أبو الزناد عبد الله بن ذكوان كاتباً له. قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز وهو متغيظ على عبد الحميد، وهو على الكوفة فقال عمر: بلغني أنه قال: لا اطلع على شاهد زور إلا قطعت لسانه. قال ميمون: قلت يا أمير المؤمنين، إنه ليس بفاعل، إنما أراد أن يؤدب أهل مصره، فقال عمر: انظروا إلى هذا الشيخ، إن خلتين خيرهما الكذب لخلتا سوء. وأم عبد الحميد ميمونة بنت بشر بن معاوية بن ثور بن معاوية. قال أبو يعقوب بن زيد: أجاز عمر بن عبد العزيز عبد الحميد بن عبد الرحمن، وكان عامله على العراق بعشرة آلاف درهم. كتب عبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإن الناس قد اصابوا من الخير قبلنا خيراً كثيراً، حتى لقد تخوفت أن ذلك سيطغيهم. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن الله عز وجل لما أدخل أهل الجنة الجنة، وأسكنهم داره وأحلهم جواره، رضي منهم بأن قالوا: الحمد الله رب العالمين. فآمر من قبلك أن يحمدوا الله على ما رزقهم. توفي عبد الحميد بحران في خلافة هشام بن عبد الملك.

عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الحميد

عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الحميد أبو خازم السكوني القاضي ولي قضاء دمشق، والأردن، وفلسطين في أيام أحمد بن طولون في خلافة المعتمد وكان ممن أفتى بدمشق بخلع أبي أحمد الموفق. حدث عن شعيب بن أيوب بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار. أبو خازم بالخاء المعجمة. قاضي مدينة السلام وغيرها. كان عراقي المذهب، وكان عفيفاً، ورعاً، فاضلاً، نبيلاً، أديباً. وكان حنفي المذهب، عالما بمذهب أهل العراق، والفرائض، والحساب، والزرع، والقسمة، حسن العلم بالجبر، والمقابل، وحساب الدور، وغامض الوصايا والمناسخات. قدوة في العلم بصناعة الحكم ومباشرة الخصوم وأحذق الناس بعمل المحاضر والسجلات والإقرارات. أخذ العلم عن هلال بن يحيى وجماعة. كان يفضل عليهم. وأما عقله قالوا: لا نعلم أحداً رآه فقال: إنه رأى أعقل منه. وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي فقال له: إن على الضبعي بيعاً كان للمعتضد، ولغيره مالاً، وقد بلغني أن غرماءه ثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم، فقال أبو خازم: قل له: أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - ذاكر لما قال لي وقت قلدني: إنه قد أخرج الأمر من عنقه وجعله في عنقي ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة، فرجع إليه طريف فأخبره، فقال: قال له: فلان وفلان يشهدان - يعني لرجلين جليلين - كانا في ذلك الوقت - فقال: يشهدان عندي، وأسأل عنهما، فإن زكيا قبلت شهادتهما وإلا أمضيت ما قد ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعاً، ولم يدفع إلى المعتضد شيئاً. وحدث وكيع القاضي قال: كنت أتقلد لأبي خازم وقوفاً في أيام المعتضد، منها وقوف الحسن بن سهل. فلما

استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بن سهل التي كانت في يدي ومجاورة للقصر، وبلغت السنة آخرها، وقد حببت مالها إلا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته في سبيله وعلى أهل الموقف، فقال لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟! فقال: والله لا قسمت الراتفاع أو تأخذ ما عليه، والله إن لم يزح العلة لا وليت له عملاً، ثم قال: امض إليه الساعة وطالبه فقلت: من يوصلني إليه؟ فقال لي: امض إلى صافي الحرمي، وقل إنك رسول أنفذت في مهم، فإذا وصلت فعرفه ما قلتلك. فجئت فقلت لصافي ذلك، فأوصلني، وكان آخر النهار. فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمراً عظيماً قد حدث وقال: هيه! قل، كأنه متشوف، فقلت له: إني ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بن سهل، وفيها ما قد أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولما جئت بمال هذه السنة امتنع من تفرقته إلى أن أجبي ما على أمير المؤمنين، وقد أنفذني الساعة قاصداً بهذا السبب، وأمرني أن أقول: إني حضرت في مهم، لأصل. فسكت ساعة مفكراً لم قال: أصاب عبد الحميد، يا صافي، هات الصندوق. قال: فأحضره صندوقاً لطيفاً، فقال: كم يجب لك؟ فقلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذا العقار: أربع مئة دينار. قال: كيف حذقك بالنقد والوزن؟ قلت: أعرفهما، قال: هاتوا ميزاناً، فجاؤوا بميزان، فأخرج من الصندوق دنانير عيناً، فوزن لي منها أربع مئة دينار، فقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر، فقال: أضفها إلى ما اجتمع للوقف عندك، وفرقه في غدٍ في سبيله، ولا تؤخر ذلك، ففعلت. فكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك، وشكرهم للمعتضد في إنصافه.

حدث أبو عبد الله الصيمري أن عبد الله بن سليمان الوزير وجه بأبي إسحاق الزجاج إلى أبي خازم القاضي وأبي عمر محمد بن يوسف يسألهما في رجل محبوس بدين ثابت عندهما، فبدأ أبو إسحاق بأبي خازم، فجاء إليه وقد علا النهار، ودخل داره، فقال أبو إسحاق للبواب: استأذن لإبراهيم الزجاج، فقال: إن القاضي الآن دخل إلى الدار، وليس العادة بعد أن يقوم من مجلسه، ويدخل الدار أن يستأذن عليه، حتى يصلي العصر، فقال له أبو إسحاق: تعلمه أن الزجاج بالباب، فأبى عليه ذلك، فقال: تعلمه أن رسول الوزير عبيد الله بن سليمان بالباب، فأبى عليه ذلك فقال تعلمه أن رسول الوزير عبيد الله فقال: لو جاء الوزير الساعة لم يستأذن عليه. فانصرف أبو إسحاق وقعد في المسجد مغتاظاً مما جرى، غير أنه لا يشتهي الانصراف إلى الوزير إلا بعد قضاء الحاجة، وقعد إلى وقت العصر، فخرج البواب وكنس الباب ورش، وقال للزجاج: القاضي قد جلس، فإن كان لك رأي في الدخول إليه فقم، فقام أبو إسحاق، فدخل على أبي خازم، فسلم عليه، وتعرف كل واحد منهما خبر صاحبه، غير أنه لم يكن منه من الإقبال ما كان أبو إسحاق يعتقد منه، فأدى أبو إسحاق الرسالة، فقال أبو خازم: تقرأ على الوزير - أعزه الله - السلام وتقول له: إن هذا الرجل محبوس لخصمه في دينه، وليس بمحبوس لي، فإن أراد الوزير إطلاقه، فإما أن يسأل خصمه إطلاقه، أو يقضي عنه دينه، فإن الوزير لا يعجزه ذلك. قال أبو إسحاق: جئت إلى هاهنا قبل الظهر فامتنع البواب من الاستئذان على القاضي، فجلست إلى الآن للدخول عليه - وهو يقصد بهذا أن ينكر القاضي على البواب - فقال له: نعم، هكذا عادتي، إذا قمت من مجلسي، ودخلت إلى داري اشتغلت ببعض الحوائج التي تخصني، فإن القاضي لا بد له من خلوة وتودع، فاغتاظ أبو إسحاق من ذلك أكثر، وقال له مبكتاً له؛ كنت بحضرة الوزير في بعض هذه الليالي، فأنشدت بين يديه: المتقارب.

أذل فيا حبذا من مذل ... ومن سافكٍ لدمي مستحل إذا ما تعزز قابلته ... بذل وذلك جهد المقل فسأل عن ذلك فقيل: إنها للقاضي أعزه الله، فقال أبو خازم: نعم هذه الأبيات قلتها في والدة هذا الصبي - لغلام قاعد بين يديه، في يده كتاب من الفقه، يقرأ عليه وهو ابنه - فإني كنت ضعيف الحال أول ما عرفتها، وكنت مائلاً إليها، ولم يمكن إرضاؤها بالمال، فكنت أطيب قلبها بالبيت والبيتين. فقام أبو إسحاق وودعه، ومضى إلى أبي عمر فاستقبله حجابه من باب الدار، وأدخلوه إلى الدار، فاستقبله القاضي من مجلسه بخطوات، وأجلسه في موضعه، وأكرمه كما يكرم من يكون خصيصاً بوزير إذا جاء إلى ناظر من قبله، فقال له: في أي شيء يرسم؟ فأدى إليه رسالة الوزير في باب الرجل المحبوس، فقال أبو عمر: السمع والطاعة لأمر الوزير، أنا أسأل صاحب الحق حتى يفرج عنه، فإن فعل، وإلا وزنت الدين من مالي إجابة لمسألة الوزير، فقام أبو إسحاق فودعه، وانصرف إلى الوزير ضيق الصدر من أبي خازم، مسروراً بصنيع أبي عمر، فاستبطأه الوزير، فحكى له ما جرى من كل واحد منهما، فقال له الوزير: فأي الرجلين أفضل عندك يا أبا إسحاق؟ فقال: أبو عمر، في عقله وسداده وحسن عشرته ومعرفته بحقوق الوزير يغري بأبي حازم: فقال الوزير: دع هذا عنك، أبو خازم دين كله، وأبو عمر عقل كله. وحكى أبو عبد الله الصيمري قال: كتب عبيد الله بن سليمان رقعة إلى أبي خازم القاضي يسأله في ضيعة ليتيم يبيعها بثمنها أو أكثر من بعض الدهاقين الكبار له ملك يجاور هذه الضيعة، فوقف أبو خازم على الرقعة وكتب إليه: إن هذه الضيعة لا حاجة باليتيم إلى بيعها، لو كان ثمنها في ملك اليتيم لرأيت أن أشتري له مثلها، إذ كانت هذه الضيعة مما يرغب هذا الدهقان في شرائها، وإن رأى الوزير أن يجعلني أحد رجلين: إما رجل صين الحكم به أو صين الحكم عنه، والسلام. جلس أبو خازم القاضي في الشرقية - وهو قاضيها - للحكم، وارتفع إليه خصمان، فاجترأ أحدهما بحضرته إلى ما أوجب التأديب، فأمر بتأديبه، فأدب، فمات في الحال،

وكتب إلى المعتضد من المجلس: اعلم أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي، فأمرت بتأديبه، فأدب فمات، وإذا كان المراد بتأديبه مصلحة المسلمين فمات في الأدب فالديه واجبة في بيت مال المسلمين، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بحمل الدية لأحملها إلى ورثته، فعاد الجواب إليه بأنا قد أمرنا بحمل الدية إليك، وحمل إليه عشرة آلاف درهم، فأحضر ورثة المتوفى ودفعها إليهم. حدث مكرم بن بكر - وكان من فضلاء الرجال وعلمائهم - قال: كنت في مجلس أبي خازم القاضي، فتقدم رجل شيخ، ومعه غلام حدث، فادعى الشيخ عليه ألف دينار عيناً ديناً، فقال له: ما تقول؟ فأقر، فقال للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه، فقال للغلام: قد سمعت، فهل لك أن تنقده البعض وتسأله إنظارك؟ فقال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه. قال: فتفرس أبو خازم فيها ساعة ثم قال: تلازما إلى أن أنظر بينكما في مجلس آخر. قال: فقلت لأبي خازم: وكان بيننا أنسة: لم أخر القاضي حبسه؟ فقال لي: ويحك! إني أعرف في أكثر الأحوال في وجه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دربة لا تكاد تخطئ وقد وقع لي في أن سماحة هذا بالإقرار هي عن بلية وأمرٍ بعيد من الحق، وليس في كلزومهما بطلان حق، ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على وثيقة مما أحكم به بينهما، أما رأيت قلة تغاضبهما في المناظرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يقر بمثل هذا طوعاً عجلاً بمثل هذا المال. قال: فنحن كذلك نتحدث إذ استؤذن على أبي خازم لبعض وجوه الكوخ من مياسير التجار، فأذن له فدخل وسلم، وتثبت لكلامه، فأحسن فقال: قد بليت بابن لي حدث يتقاين، ويتلف كل ما ظفر به من مالي في القيان عند فلان المقين، فإذا منعته مالي احتال بحيل تضطرني إلى التزام غرم له، وإن عددت ذلك طال، وأقربه أن قد نصب المقين اليوم ليطالبه بألف دينار عينا ديناً حالاً، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقر له بها، فيحبس، وأقع مع أمه فيما ينغص عيشي إلى أن أزن ذلك عنه للمقين، فإذا قبضه المقين حاسبه بذلك من الجذور. ولما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له هذا الأمر فيداويه بما يشكره

عبد الحميد بن محمود بن خالد بن يزيد

الله عز وجل، فجئت فوجدتهما على الباب. قال: فحين سمع ذلك أبو خازم تبسم وقال لي: كيف رأيت؟ قال: فقلت: لهذا ولمثله فضل الله عز وجل القاضي، وجعلت أدعو له، فقال: علي بالغلام والشيخ فدخلا، فأرهب أبو خازم على الشيخ، ووعظ الغلام. قال: فأقر الشيخ بأن الصورة كما بلغ القاضي، وأنه لا شيء له على الغلام، وأخذ الرجل بيد ابنه وانصرفوا. مات أبو خازم سنة اثنين وتسعين ومئتين، وله خمس وتسعون سنة. عبد الحميد بن محمود بن خالد بن يزيد أبو بكر السلمي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً فليسجد سجدتين وهو جالس. وحدث على إبراهيم بن المنذر بسنده إلى عامر بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب فقال: أما بعد. وحدث عن موسى بن أيوب بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ابتلي بشيء من البنات فأحسن صحبتهن كن له ستراً من النار. وحدث عن أبيه بسنده إلى عباية بن رافع قال: كنا عند رافع بن خديج فقال: تحدثوا بما شئتم فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار. توفي عبد الحميد بن محمود سنة أربع وستين ومئتين. وقيل: سنة ست وستين بدمشق.

عبد الحميد بن يحيى بن داود

عبد الحميد بن يحيى بن داود أبو محمد البويطي حدث بالرملة عن أبي عبد الله أحمد بن هشام بن عمار بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رجل: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وتصديق بوعده، وجهاد في سبيله. قال: أريد أهون من ذلك، قال: السماحة والصبر، قال: أريد أهون من ذلك، قال: لا تتهم الله في قضائه. عبد الحميد بن يحيى بن سعد أبو يحيى الكاتب مولى بني عامر بن لؤي، ويقال بني عامر بن كنانة، الذي يضرب به المثل في الكتابة. كان كاتباً لمروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وهو صاحب الرسائل والبلاغات، وهو مولى قريش. حدث عبد الحميد بن يحيى بسنده إلى زيد بن ثابت كاتب الوحي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كتبت فبين السينة في: بسم الله الرحمن الرحيم. قال أحمد بن يوسف الكاتب: رآني عبد الحميد بن يحيى أكتب خطاً رديئاً فقال لي: إن أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها ثم قال: الطويل إذا جرح الكتاب كان قسيهم ... دوياً وأقلام الدوي لهم نبلا

عبد الخالق بن زيد بن واقد الدمشقي

قال الأخفش: قوله: جلفتك أراد: فتحة رأس القلم. وقيل: إن عبد الحميد من سبي القادسية. يتولون عامر بن لؤي. قيل: إن عبد الحميد استجلي بعد قتل مروان فوجد بالشام أو بالجزيرة، فدفعه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن - وكان على شرطة - فكان يحمي طستاً بالنار ويضعها على رأسه حتى مات. ومن شعر عبد الحميد الكاتب: المتقارب ترحل ما ليس بالقافل ... وأعقب ما ليس بالآفل فلهفي من الخلف البادل ... ولهفي على السلف الراحل أبكي على ذا وأبكي لذا ... بكاء المولهة الثاكل تبكيٍ من ابن لها قاطعٍ ... وتبكي على ابنٍ لها واصل عبد الخالق بن زيد بن واقد الدمشقي حدث عن أبيه عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قول الناس في العيد: يقبل الله منا ومنكم. قال: ذاك فعل أهل الكتابين، وكرهه. وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى أم سلمة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من لبس ثوباً يتباهى به ليروه الناس لم ينظر الله إليه حتى ينزعه. ضعيف منكر الحديث.

عبد الخالق بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب

عبد الخالق بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب أبو العز الأصبهاني حدث عن محمد بن أحمد البصري بسنده إلى سلمان قال: قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار: أخبرنا من فضائل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل مولده، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قرأت فيما قرأت أن إبراهيم الخليل وجد حجراً مكتوباً عليه أربعة أسطرٍ الأول: أنا الله لا إله أنا فاعبدني، والثاني: إني أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسول الله، طوبى أمن به واتبعه، والثالث: إني أنا الله لا إله إلا أنا، من اعتصم بي نجا، والرابع: إني أنا الله لا إله إلا أنا. الحرم لي، والكعبة بيتي، من دخل بيتي أمن عذابي. عبد الخالق بن منصور أبو عبد الرحمن القشيري النيسابوري سكن الشام أو مصر. حدث عن أبي النضر هاشم بن القاسم بسنده إلى عون بن عبد الله عن أبيه قال: ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كتب وقرأ. قال مجاهد: فذكرت ذلك للشعبي فقال: قد صدق، قد سمعت من أصحابنا يذكرون ذلك. توفي عبد الخالق سنة ست وأربعين ومئتين. عبد الدائم بن الحسن بن عبيد الله ابن عبد الله بن عبد الوهاب بن صالح بن سليمان بن علي وفي نسبه اختلاف. حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعوذ يقول: اللهم، إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب

عبد الدائم بن المحسن بن عبد الله بن خليل

النار وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فاتنة الفقر. اللهم، وإني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال. اللهم، اغسل قلبي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم، وإني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم. ولد أبو الحسن عبد الدائم سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة بدمشق، وتوفي سنة ستين وأربع مئة. عبد الدائم بن المحسن بن عبد الله بن خليل أبو القاسم حدث عن أبي بكر محمد بن سليمان بن يوسف الربعي السمسار بسنده إلى أبي جحيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما أنا فلا آكل متكئاً. عبد ربه بن صالح القرشي من أهل دمشق. حدث عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: ربنا خلقتهم يأكلون، ويشربون، وينكحون، ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال الله تبارك وتعالى: لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: كن فيكون.

عبد ربه بن ميمون

عبد ربه بن ميمون أبو عبد الملك الأشعري النحاس قاضي دمشق. حدث عن النعمان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تضع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمرة في المسجد وهي حائض. وحدث عن العلاء بن الحارث عن مكحول - رفعه - قال: أيما شجرة أظلت على قوم فصاحبه بالخيار من قطع ما أظل منها أو أكل ثمرها. وحدث عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه قال في مري النينان: غيرته الشمس. عبد الرب بن محمد بن عبد الله ابن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر أبو ذر الغساني حدث عن أبيه بسنده إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من صبغ بالسواد لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ومن نتف شيبه قمعه الله بمقاميع من نار يوم القيامة. كان أبو ذر من بيت علم. وتوفي سنة ثلاثين وثلاث مئة. وجد أبيه أبو مسهر محدث الشام في زمانه.

عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن

عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن أبو الفضل العجلي الرازي رحل وسمع بدمشق وبمصر وبغيرهما. حدث بأصبهان سنة اثنتين وخمسين واربع مئة عن أبي مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي الكاتب بسنده إلى ابن مسعود أنه حدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يكون في النار قوم ما شاء الله أن يكونوا، ثم يرحمهم الله فيخرجهم، فيكونون في وادٍ أدنى الجنة، فيغتسلون في نهر الحياة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين، لو أضاف أحدهم أهل الدنيا لأطعمهم وسقاهم، وفرشهم ولحفهم - وأحسبه قال: وزوجهم - لا ينقص ذلك مما عنده شيئاً. كان عبد الرحمن بن أحمد شيخاً فاضلاً، ثقة، إماماً في القرآن، جوالاً في الآفاق في طلب الحديث. وكان الشيوخ يكرمونه ويعظمونه. وكان لا يسكن الخانقاهات، ولكنه كان يأوي إلى مسجد خراب يسكنه في أطراف البلد، يطلب الخلوة فيه، فإذا عرف مكانه تركه، وانتقل إلى مسجد آخر، وكان فقيراً قليل الانبساط لا يأخذ من أحد شيئاً، فإذا فتح عليه بشيء أعطاه غيرة وأنفقه. قال الإمام أبو الفضل عبد الرحمن: يحتاج العالم إلى ثلاثة أشياء: جنان مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور. قال أبو الفضل الرازي: هذه الأوراق تحل منا محل الأولاد. ومن شعر أبي الفضل عبد الرحمن الرازي: السريع

عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين

يا موت ما أجفاك من زائر ... تنزل بالمرء على رغمه وتأخذ العذراء من خدرها ... وتاخذ الواحد من أمه توفي أبو الفضل سنة أربع وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة خمس وخمسين وأربع مئة. عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين أبو محمد النيسابوري الواعظ قدم دمشق حاجاً، وحدث بها. حدث بدمشق سنة تسع وخمسين وأربع مئة بمشهد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام عن أبي الحسن عبيد الله بن محمد بن منده الأصبهاني بسنده إلى آنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من قال حين يصلي الغداة: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، والله أكبر مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك فذلك خير له من أن يجمع له ما بين الشرق والغرب ويدأب الملائكة أياماً يكتبون ولا يحصون ما قال. أنشد أبو محمد عبد الرحمن قال: أنشدنا السيد أبو الحسن محمد بن عبد الله البلخي لنفسه: مجزوء الكامل ما واحد من واحدٍ ... أولى ببعد من جهاله وأحق بالشيم الحمي ... دة والنزوع عن الضلالة ممن تقلب أصله ... بين الوصاية والرساله

عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن الفضل

عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن الفضل أبو بشر الأصبهاني المديني المعروف بالولادي المتعبد سمع بدمشق وغيرها. من كبار المتعبدين. حدث عن أبي نعيم الحافظ بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. توفي أبو بشر بعد الثمانين ومئتين. حدث عن العراقيين والشاميين والمصريين. عبد الرحمن بن أحمد بن عطية ويقال: عبد الرحمن بن عطية - ويقال: عبد الرحمن بن عسكر أبو سليمان العنسي الداراني الزاهد من صليبة العرب. وقيل: إن أصله من واسط. قال أبو سليمان الداراني: سمعت علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد يقول: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: سمعت ابن عجلان يذكر عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى قبل الظهر أربعاً غفر له ذنوبه يومه ذلك قال أبو سليمان الداراني: اقام داود الطائي أربعاً وستين عزباً، فقيل له: كيف صبرت عن النساء؟! قال: قاسيت شهوتهن عند إدراكي سنة، ثم ذهبت شهوتهن من قلبي. كان أبو سليمان أستاذ أحمد بن أبي الحواري، له الكلام المتين، والأحوال السنيات، والرياضات والسياحات، شهرته تغني عن الإكثار فيه.

وكان من أهل داريا، وهي ضيعة إلى جنب دمشق. كان أحد عباد الله الصالحين، ومن الزهاد المتعبدين. قدم إلى بغداد وأقام بها مدة، وعاد إلى الشام، فأقام بداريا حتى توفي. وهو العنسي بالنون. حكي عن أبي سليمان قال: اختلفت إلى مجلس قاص، فاثر كلامه في قلبي. فلما قمت لم يبق في قلبي منه شيء، فعدت ثانياً فسمعت كلامه فبقي في قلبي كلامه في الطريق، ثم زال، ثم عدت ثالثاً فبقي أثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي، وكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق فحكى هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال: عصفور اصطاد كركياً: أراد بالعصفور القاص وبالكركي أبا سليمان الداراني. قال أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي المثنى الموصلي: رأيت أبا سليمان الداراني ببغداد سنة ثنتين ومئتين مخضوب اللحية، له شعيرة، في مسجد عبد الوهاب الخفاف، فقيل له: إن عبد الوهاب الخفاف يقول بشيء من القدر، فترك الصلاة في مسجده، وذهب إلى مسجد آخر. قال أبو جعفر: وإني لأرجو برؤيته خيراً. وقال أبو سليمان: صل خلف كل صاحب بدعة إلا القدري، لا تصل خلفه وإن كان سلطاناً. قال أحمد: وبه نأخذ. قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: صليت وخلفي قدري. قال: فلما سلمت إذا هو خلفي رافع يديه يدعو. قال: فضربت بيدي إلى يديه أمسكتهما، فقلت له: إيش تسأل أنت؟ دعني أنا أسأل الذي أزعم أني لا أقدر على شيء، واذهب أنت اعمل الذي تزعم أنك تعمل ما تريد. قال

أبو محمد عباس العكي في قول الله عز وجل " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله إلى ما لا يعلمون، فحدثت به أبا سليمان، فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئاً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الآثر، فإذا سمع به في للآثر عمل به، وحمد الله حين وافق ما في قلبه. قال أبو سليمان: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. وقال أبو سليمان: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس. وقال: لكل شيء علم، وعلم الخذلان ترك البكاء. وقال: لكل شيء صدأ، وصدأ نور القلب شبع البطن. وقال: كل ما شغلك عن الله من أهل، أو مال، أو ولد فهو عليك مشؤوم. وقال أبو سليمان: كنت ليلة باردة في المحراب، فأقلقني البرد، فخبأت إحدى يدي من البرد، وبقيت الأخرى ممدودة، فغلبتني عيني، فهتف بي هاتف: يا أبا سليمان، قد وضعنا في هذه ما أصابها، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها، فآليت على نفسي أن لا أدعو إلا ويداي خارجتان حراً كان حراً أو برداً. وقال: نمت ليلة عن وردي، فإذا أنا بحوراء تقول لي: تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمس مئة عام؟.

قال: ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال، ولولا أني بعد أدع الفكر فيها ما جزتها أبداً. ولربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم بعد. وقال: خير ما أكون أبداً إذا لزق بطني بظهري، فلربما شبعت شبعة فأخرج. فإنما عيناي تطمحان، وربما جعت الجوعة فترحمني المرأة فما ألتفت إليها. قال أبو سليمان: لأن أترك من عشائي لقمة أحب إلي من أن أقوم الليل إلى آخره. قال أبو سليمان: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع. وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة، فلا يعطي إلا لمن أحب خاصة. وقال أبو سليمان في قول الله عز وجل " أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى " قال: أزال عنهم الشهوات. قال أبو سليمان: إذا جاع القلب وعطش صفا ورق، وإذا شبع وروي عمي. حدث أحمد بن أبي الحواري قال: قال أبو سليمان: يا أحمد، جوع قليل، وذل قليل، وعري قليل، وفقر قليل، وضر قليل، وقد انقضت عنك أيام الدنيا. قال: وقال: يا أحمد، ما أنجب من أنجب إلا بالقبول من مشايخهم، كم أقول لك: لا تفتح أصابعك في القصعة، فأنت لا تقبل مني، يا أحمد عهدت قوماً من القراء، وشهدت طوائف من الصوفية يعدون الجوع فيهم غنيمة كما تعد أنت وأصحابك الشبع غنيمة.

قال: وقال: أي شيء يزيد الفاسقون عليكم؟ إذا كان كلما اشتهيتم شيئاً أكلتموه وأولئك كلما أرادوا شيئاً فعلوه؟. قال أحمد: اشتهى أبو سليمان رغيفاً حاراً بملح، فجئت به إليه، فعض منه عضة، ثم طرحه، وأقبل يبكي ويقول: يا رب، عجلت لي شهوتي، لقد أطلت جهدي وشقوتي، وأنا تائب، فاقبل توبتي. قال أحمد: ولم يذق أبو سليمان الملح حتى لحق بالله عز وجل. قال أحمد: سمعت أبا سليمان يقول: قدم أهلي إلي مرة خبزاً وملحاً، فكان في الملح سمسمة، فأكلتها، فوجدت رانها على قلبي بعد سنة. قال أبو سليمان: ما رضيت عن نفسي طرفة عين، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضعوني كاتضاعي عن نفسي ما أحسنوا. وقال: من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة. وقال: إذا تكلف المتعبدون أن لا يتكلموا إلا بالإعراب ذهب الخشوع من قلوبهم. وقال أبو سليمان: ليس شيء أحب إلي من أن أكفى المؤونة يتحدث رجل، وأسمع أنا، ولربما حدثني الرجل بالحديث أنا أعلم به منه فأنصت إليه كأني ما سمعته قط، ولربما مشيت إلى الرجل هو أولى بالمشي إلي مني إليه. وقال: من حسن ظنه بالله ثم لا يخاف فهو مخدوع.

قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أبو سليمان: يا أحمد، أيكون شيء أعظم ثواباً من الصبر؟ قال: قلت: نعم، الرضى عن الله عز وجل. قال: ويحك إذا كان الله تعالى يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، فانظر إلى ما يفعل بالراضي عنه. وقال أبو سليمان: أرجو أن أكون عرفت طرفاً من الرضى لو أنه أدخلني النار لكنت بذلك راضياً. قال أبو سليمان: ربما مثل لي أني على قنطرة من قناطير جهنم بين حجرين، فكيف يكون عيش من هو هكذا؟. قال أبو سليمان: لولا الذنوب لسألناه أن يقيم القيامة، ولكن إذا ذكرت الخطيئة قلت: أبقى لعلي أتوب. قال أبو سليمان: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله طرفة عين. قال رجل لأبي سليمان: أوصني، فقال أبو سليمان: قال زاهد لزاهد: أوصني، قال: لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، قال: زدني، قال: ما عندي زيادة. قال أبو سليمان: وقعت أمي من فوق وتكسرت، فأهمني أمرها، فقلت: يا رب، من يخدمها؟ فجعلت أبكي في سجودي، فإذا بهاتف يهتف: يا أبا سليمان، قم إلى الحائط فخذ ما فيه وادع به، فقمت، فإذا بقرطاس ما رأيت على نقائه وبياضه، بخط ما رأيت مثله حسناً، تفوح منه رائحة المسك، وإذا فيه مكتوب: يا مدرك الفوت بعد الفوت، ويا من يسمع في ظلم

الليل الصوت، ويا من يحيى العظام وهي رميم بعد الموت، فدعوت بها وأنا ساجد، فإذا أمي تقول: يا أبا سليمان، ما فعلت الغلة؟ قال: قلت لها: قد قمت؟ قالت: نعم. قال أحمد بن أبي الحواري: بات أبو سليمان ذات ليلة. فلما انتصف الليل قام ليتهيأ. فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح وحان وقت الإقامة، فخشيت أن تفوت صلاته فقلت: الصلاة يرحمك الله، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: يا أحمد، أدخلت يدي في الإناء فعارضني عارض من سري: هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك، فبماذا تغسل قلبك؟ فبقيت متفكراً، فألهمت حتى قلت: بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله. قال ابن أبي الحواري: كنت مع أبي سليمان حين أراد الإحرام، فلم يلب حتى سرنا ميلاً، وأخذه كالغشية في المحمل ثم افاق فقال: يا أحمد، إن الله تبارك وتعالى أوصى إلى موسى: مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة حتى يسكت، ويحك يا أحمد! بلغني أنه من حج من غير حله، ثم لبى قال الله له: لا لبيك ولا سعد يك حتى ترد ما في يديك، فما يؤمننا أن يقال لنا ذلك؟. قال أبو سليمان: ينبغي للخوف أن يكون أغلب على الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب. قال أبو سليمان: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه، والله تعالى أكرم من أن يعذي قلباً لشهوة تركت له. قال أبو سليمان: إذا سكنت الدنيا القلب ترحلت منه الآخرة.

قال: إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الاخرة. إن الآخرة كريمة، والدنيا لئيمة. قال أبو سليمان: إن في الجنة أنهاراً، وعلى شاطئها خيام، فيهن الحور ينشئ الله خلق إحداهن إنشاء، فإذا تكامل خلقها ضربت الملائكة عليهن الخيام، جالسة على كرسي، ميل في ميل، قد خرجت عجيزتها من جوانب الكرسي. قال: فيجيء أهل الجنة من قصورهم يتنزهون ما شاؤوا، يخلو كل رجل منهم بواحدة منهن. قال أبو سليمان: كيف يكون في الدنيا حال من يريد يفتض الأبكار على شاطئ الأنهار في الجنة؟. قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على ابي سليمان يوماً وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟! فقال: يا أحمد ولم لا أبكي؟ إذا جن الليل، ونامت العيون، وخلا كل حبيب بحبيبه افترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، وتقطرت في محاريبهم أشرف الجليل سبحانه فنادى: يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح إلى ذكري، وإني لمطلع عليهم في خلواتهم أسمع أنينهم، وأرى بكاءهم، فلم لا تنادي فيهم يا جبريل: ما هذا البكاء؟ هل رايتم حبيباً يعذب أحباءه؟! أم كيف يجمل بي أن آخذ قوماً إذا جنهم الليل تملقوا في، حلفت إذا وردوا علي القيامة لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إلي، وأنظر إليهم. قال أحمد بن أبي الحواري: بت عند أبي سليمان الداراني، فسمعته يقول: وعزتك وجلالتك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار لأخبرنهم أني كنت أحبك. قال أبو سليمان: لو شك الناس كلهم في الحق ما شككت فيه وحدي. قال أحمد بن أبي الحواري: كان قلبه في هذا مثل قلب أبي بكر الصديق يوم الردة.

قال أبو سليمان: كنت نائماً في بيت فوقه علية فجاءني حين رقدت فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، قم، وتوضأ، وصل، قلت: بكلامك يا لعين أصلي أنا؟ فرقدت وتركته، قال: فجاءني بعد فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، افتح عينيك، قال: ففتحتهما، فإذا بحيطان البيت والجدر والسقف وشي محبرة قال: فرقدت، وتركته. قال: ثم جاءني بعد فحركني، فقال: يا عبد الرحمن، افتح عينيك، فإذا سقف البيت وسقف العلية قد انفرج. قال: فجعلت أنظر إلى النجوم، وأنا في الفراش. قال: وقال أبو سليمان: رأيت لصاً قط يجيء إلى خربة، ينقبها، وهو يدخل من أي أبوابها شاء؟ إنما يجيء إلى بيت، قد جعل فيه رزم بر، وأقفل، فينقب حائطاً يستخرج رزمة، كذلك إبليس ليس يجيء إلا إلى كل قلب عامرٍ ليستنزله عن شيء. قال أبو سليمان: ما خلق الله خلقاً أهون علي من إبليس، ولولا أني أمرت أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبداً، ولو بدا لي ما لطمت إلا صفحة وجهه. قال أبو سليمان: إذا أخلص العبد انقطع عنه الوسواس والرؤيا. قال: وربما أقمت سنين فما ارى في النوم شيئاً. قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: أقمت عشرين سنة لم أحتلم، فدخلت مكة، فأحدثت فيها حدثاً، فما أصبحت حتى احتلمت، فقلت له: وأي شيء كان الحدث؟ قال: فاتتني صلاة العشاء في جماعة.

قال أبو سليمان: الزاهد حقاً لا يذم الدنيا ولا يمدحها، ولا ينظر إليها، ولا يفرح بها إذا أقبلت، ولا يخزن عليها إذا ولت. قال الجنيد: شيء يروى عن أبي سليمان الداراني أنا أستحسنه كثيراً: قوله: من اشتغل بنفسه شغل عن الناس، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس. قال أبو سليمان الداراني: إذا أحب العبد الدنيا فآثرها يقول الله عز وجل: لأنسينه معرفتي حتى يلقاني وهو لا يعرفني. قال أبو سليمان: خير السخاء ما وافق الحاجة. قال أبو سليمان: إن في خلق الله خلقاً، ما تشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه، فكيف يشتغلون بالدينا؟ قال أبو سليمان: الدنيا عند الله أقل من جناح بعوضة، فما قيمة جناح بعوضة حتى يزهد فيها؟ وإنما الزهد في الجنة والحور العين، وكل نعيم خلقه الله ويخلقه، حتى لا يرى الله في قلبك غير الله. قال أبو سليمان: من طلب الدنيا حلالاً واستعفافاً عن المسألة واستغناء عن الناس لقي الله يوم يلقاه ووجهه كالقمر ليلة البدر، ومن طلب الدنيا حلالاً مكاثراً مفاخراً مرائياً لقي الله وهو عليه غضبان.

قال أبو سليمان: ليس الزاهد من ألقى غم الدنيا واستراح منها إنما تلك راحة، وإنما الزاهد من ألقى غمها، وتعب فيها لآخرته. قال أبو سعيد: يقول: كما يزهد فيها يزهد في الراحة، فإن الراحة في الدنيا من الدينا ومن نعيمها. قال أبو سليمان: إن قوماً طلبوا الغنى فحسبوا أنه في جمع المال ألا وإنما الغنى في القناعة، وطلبوا الراحة في الكثرة، وإنما الراحة في القلة، وطلبوا الكرامة من الخلق ألا وهي في التقوى، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق اللين، وفي طعام طيب، والنعمة في الإسلام والستر والعافية. قال أبو سليمان: في قول الله عز وجل " وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً " قال: عن الشهوات. قال أبو سليمان: نظروا إلى آخر غاية فجعلوها أول غاية: لباس الصوف. ينبغي إذا لم يبق في القلب شهوة من الدنيا تدرع العباء، لأنها علم الزهد، أما يستحي أحدكم أن يلبس عباء بثلاثة دراهم وفي قلبه شهوة بخمسة؟! قال أبو سليمان: لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، ولربما رأيت القلب يضحك ضحكاً. زاد في حديث آخر: ولولا الليل ما أحببت البقاء. قال أبو سليمان: إنما الأخ الذي يعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه، لقد كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهراً.

قال أبو سليمان: لا يكون العبد تائباً حتى يندم بالقلب، ويستغفر باللسان، ويرد المظالم فيما بينه وبين الناس، ويجتهد في العبادة. قال أحمد بن أبي الحواري: ذكرات أبا سليمان الصبر، فقال: والله، ما نصبر على ما نحب فكيف نصبر على ما نكره؟ قال أحمد بن أبي الحواري: تنهدت يوماً عند أبي سليمان الداراني فقال لي: إنك عنها مسؤول يوم القيامة، فإن كان على ذنب سلف فطوباك، وإن كان على الدنيا فويل لك. قال أبو سليمان: إنما رجع القوم من الطريق قبل الوصول، ولو وصلوا إلى الله ما رجعوا. قال ابن المبارك: لا تقل: ما أجرأ فلاناً على الله! فإن الله تعالى أكرم من أن يجترأ عليه، ولكن قل: ما أعز فلاناً بالله قال أبو سليمان: صدق ابن المبارك، هو أكرم من أن يجترأ عليه، ولكنهم هانوا عليه فتركهم ومعاصيهم، ولو كرموا عليه لمنعهم منها. قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأبي سليمان: أريد أن أدع السوق وأتعبد، فقال: الزم السوق وتعبد. قال: قلت: فليس في السوق ما يكفيني، قال: فتحتاج إلى درهم؟ قلت: نعم، قال: فتكسب في السوق دانقاً؟ قلت: نعم. قال: فتحتال خمسة دوانيق خير من أن تحتال الدرهم كما هو. قال: وقلت لأبي سليمان: تخالف العلماء؟ فغضب، وقال: رأيت عالماً قط بعينك؟ رأيت عالماً يأتي أبواب السلطان فيأخذ دراهمهم؟ قال أبو سليمان: إذا دخلت الدنيا من باب البيت خرجت الآخرة من الكوة.

قال أبو سليمان: من صارع الدنيا صارعته. قال احمد بن أبي الحواري: حججت أنا وأبو سليمان، فبينا نحن نسير إذ سقطت السطحية مني، فقلت لأبي سليمان: فقدت السطحية وبقينا بلا ماء، وكان برد شديد، فقال أبو سليمان: يا راد الضالة، ويا هادي من الضلالة، اردد علينا الضالة، فإذا واحد ينادي: من ذهبت له سطحية؟ قال: فقلت: أنا، فأخذتها. فبينا نسير وقد تدرعنا بالفراء لشدة البرد، فإذا نحن بإنسان عليه طمران، وهو يترشح عرقاً، فقال أبو سليمان: تعال ندفع إليك شيئاً مما علينا من الثياب، فقال: يا أبا سليمان، أتشير إلى الزهد وتجد البرد؟ أنا أسيح في هذه البرية منذ ثلاثين سنة، ما انتفضت، ولا ارتعدت، يلبسني في البرد فيحاً من محبته، ويلبسني في الصيف مذاق برد محبته، ومر. قال ابن أبي الحواري: قلت لأبي صفوان: ما رأيت مثل أبي عبد الله النباجي، فقال لي: ما رأيت أنت أحداً قط مثل أبي سليمان، ولكن أخبرك بقصتك حين فضلت أبا عبد الله: إن أبا سليمان زرع في قلبك حبيبة أصابها عطش، فسقاها النباجي فأنبتت، فالأصل بركة أبي سليمان. مات أبو سليمان سنة أربع ومئتين. وقيل: سنة خمس ومئتين. وقيل: سنة خمس عشرة ومئتين. وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئتين. قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لمروان حين مات أبو سليمان: لقد أصيب به أهل دمشق، قال: أهل دمشق؟! لقد أصيب به أهل الإسلام.

عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر

قال أحمد بن أبي الحواري: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في المنام، فرأيته بعد سنة، فقلت له: يا معلم، ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد، دخلت من باب الصغير فرايت وسق شيح، فأخذت منه عوداً، فلا أدري تخللت به ام رميت به؟ فأنا في حسابه من سنة إلى هذه الغاية. عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر أبو محمد السلمي، يعرف بابن سيده كان ثقة متحرزاً. ولد سنة إحدى وستين وأربع مئة. حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن عبد السلام بن أبي الحزور بسنده إلى شقيق قال: كنت أنا وحذيفة إذ جاء شبث بن ربعي، فقام يصلي، فبزق بين يديه. فلما انفتل قال له حذيفة: يا شبث لا تبزق بين يديك ولا عن يمينك، عن يمينك كاتب الحسنات، وابزق عن يسارك أو خلفك، فإن الرجل إذا قام يصلي استقبله الله عز وجل بوجهه فلا يصرفه حتى يكون هو الذي يصرفه، أو يحدث حدث سوء. توفي أبو محمد سنة إحدى عشرة وخمس مئة. عبد الرحمن بن أحمد بن عمران أبو القاسم الدينوري الواعظ حدث عن عبد الله بن محمد بن وهب بن حمدان بسنده إلى عائشة قالت: لما فتح الله علينا خيبر قلت: يار سول الله، الآن نشبع من التمر. كان أبو القاسم عبد الرحمن الواعظ قلما خلا مجلس وعظه إلا وهو يقول: قال ابن السماك: الكامل يا أيها الرجل المعلم غيره ... ألا لنفسك كان ذا التعليم؟

عبد الرحمن بن أحمد

تصف الدواء من السقام لذي الطنى ... ومن الطنى هذا وأنت سقيم لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم توفي أبو القاسم الدينوري الواعظ بقينية سنة إحدى وستين وثلاث مئة. عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف أبو علي المزني الأعرج حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب. عبد الرحمن بن أحمد أبو غالب ابن بنت علي بن عيسى الوزير أنشد أبو غالب لابن بسام العريب: الخفيف إن صحبنا الملوك ملوا وصدوا ... واستبدوا بالأمر دون الجليس أوصحبنا التجار عدنا إلى الذر ... وصرنا إلى حساب الفلوس فلزمنا البيوت نتخذ الحب ... ر ونملا به وجوه الطروس عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد أبو طاهر المعروف بالحراني حدث عن أبي زكريا يحيى بن عبد الله الواقدي الحراني بسنده إلى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، إنا نتساءل بيننا، قال: فليسأل أحدكم في فتق أو جائحةٍ فإذا بلغ أو كرب أمسك.

عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون

وجاء من طريق آخر عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نتساءل أموالنا قال: يسأل الرجل في الجائحة أو الفتق ليصلح به بين قومه، فإذا بلغ أو كرب استعف. وحدث أبو طاهر عن أبي زكريا أيضاً بسنده إلى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه. توفي أبو طاهر عبد الرحمن سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون أبو سعيد، المعروف بدحيم الفقيه قاضي دمشق وطبرية. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن أعرابياً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الهجرة فقال: ويحك! إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك. ولد عبد الرحمن سنة سبعين ومئة، وكان ثقة مأموناً، توفي سنة خمس وأربعين ومئتين وقد جاوز خمساً وسبعين سنة. قالوا: وكان عبد الرحمن بن إبراهيم، دحيم ثقة وكان يختلف إلى بغداد، وسمعوا منه، فذكروا الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: من قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب الناس عنه ثم سمعوا منه. قال أبو عمر الكندي في كتاب قضاة مصر: فوليها الحارث بن مسكين إلى أن صرف عنها. وورد كتاب المتوكل على دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعيد بن ميمون مولى

عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهو على قضاء فلسطين يأمره بالانصراف إلى مصر ليليها، فتوفي بفلسطين سنة خمس وأربعين ومئتين. وقيل: توفي بالرملة: وقيل في نسبه: أبو سعيد دحيم بن إبراهيم القرشي، المنسوب إلى اليتيم. عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدث عن ليث بن سعد بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما عرج لي إلى السماء دخلت جنة عدن، فوقعت في كفي تفاحة، وانفلقت عن حوراء مرضية، كأن شفار عينيها مقادم أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت؟ فقالت: أنا للخليفة من بعدك المقتول عثمان بن عفان. قال العقيلي: عبد الرحمن بن ابراهيم يحدث عن الليث بن سعد مجهول بالنقل، وحديثه موضوع لا أصل له. عبد الرحمن بن آدم يعرف بصاحب السقاية البصري مولى أم برثن، ويقال له ابن أم برثن، لأنها تبنته. وفد على يزيد بن معاوية متظلماً من ابن زياد. حدث عبد الرحمن مولى أم برثن قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقوموا لنا حلب شاة أن كفيناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلقتنا عنده رجال حسان، بيض الوجوه. قالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، فرجعنا، وركبوا أكتافنا وكانت إياها.

وحدث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى بعيسى بن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين كأن رأسه يقطر، ولم يصبه بلل، وإنه يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال، حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام، وحتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الاسلام وحتى يهلك الله في زمانه مسيح الضلالة، الأعور الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض، حتى يرعى الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا يضر بعضهم بعضاً، يبقى في الأرض أربعين سنة، ثم يموت، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. وحدث عبد الرحمن قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثهم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إياكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة تصير إلى النار. استعمل عبيد الله بن زياد عبد الرحمن بن أم برثن ثم غضب عليه، فعزله وأغرمه مئة ألف، فخرج إلى يزيد، فذكر عبد الرحمن أنه لما صار من دمشق على مرحلة قال: فنزلت وضرب لي خباء وحجرة، فإني لجالس إذا كلب سلوقي قد دخل، في عنقه طوق من ذهب، يلهث، فأخذته، وطلع رجل على فرس. فلما رأيت هيبته أدخلته الحجرة، وأمرت بفرسه يعود، فلم ألبث أن توافت الخيل، فإذا هو يزيد بن معاوية، فقال لي بعدما صلى: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته، فقال: إن شئت كتبت لك من مكانك وإن شئت دخلت، قال: بل تكتب لي من مكاني. قال: فأمر، فكتب لي: إلى عبيد الله بن زياد أن اردد عليه مئة ألف، فرجعت. قال: واعتق عبد الرحمن يومئذ في المكان الذي كتب له فيه الكتاب ثلاثين مملوكاً، وقال لهم: من أحب أن يرجع معي فليرجع، ومن أحب أن يذهب فليذهب. وكان عبد الرحمن يتأله. ورمى غلاماً له يوماً بسفود فأخطأ الغلام وأصاب رأس ابنه فنثر دماغه، فخاف

عبد الرحمن بن آدم الأزدي

الغلام حين قتل عبد الرحمن ابنه بسببه أن يقتله، فدعاه فقال: يا بني، اذهب فأنت حر، فما أحب أن ذلك كان بك، لأني رميتك متعمداً، فلو قتلتك هلكت، وأصبت ابني خطأ. ثم عمي عبد الرحمن بعد ومرض، فدعا الله في مرضه ذلك ألا يصلي عليه الحكم، ومات من مرضه، وشغل الحكم ببعض أموره، فلم يصل عليه، وصلى عليه الأمير قطن بن مدرك فيما يقال. وكان شأن عبد الرحمن - فيما ذكر جويرية بن أسماء - أن أم برثن كانت امرأة من بين ضبيعة تعالج الطيب، وكانت تخالط آل عبيد الله بن زياد، فأصابت غلاماً لقطة، فربته وتبنته حتى أدرك وسمته عبد الرحمن، فكلمت نساء عبيد الله بن زياد فكلمن عبيد الله فيه فولاه، فكان يقال له: عبد الرحمن بن أم برثن، كما يقال فيروز حصين. ويقال: ابن برثن، وابن برثم، ونسب إلى آدم أبي البشر صلوات الله على نبينا محمد وعليه وسلامه لأنه لا يعرف أبوه. عبد الرحمن بن آدم الأزدي ويقال الأودي قال الوليد بن مسلم: ذكرت لعبد الرحمن بن آدم أمر الرايات السود فقال: سمعت عبد الرحمن بن الغاز بن ربيعة الجرشي يقول: إنه سمع عمرو بن مرة الجهني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليخرجن من خراسان راية سوداء حتى تربط خيولها بهذا الزيتون الذي بين بيت لهيا وحرستا. قال عبد الرحمن بن الغاز: فقلنا له: والله، ما نرى بين هاتين القريتين زيتونة قائمة! فقال عمرو بن مرة: إنه ستنصب فيما بينهما؛ حتى تجيء أهل تلك الراية، فتنزل تحتها وتربط بها خيولها. قال عبد الرحمن بن آدم: فحدثت بهذا الحديث أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان السلمي فقال: إنما يربطها أصحاب الراية السوداء الثانية التي تخرج على الراية الأولى منهم، فإذا نزلت تحت الزيتون خرج عليهم خارج فهزمهم.

عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان

عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان ويقال: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان - بن عمرو ابن نجيد بن سعد بن الأحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف ابن زيد بن بكر بن عميرة بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار، المحاربي المدني شاعر مقل. له اختصاص بآل أبي سفيان، ووفد على معاوية. وسيحان بسين مهملة مفتوحة وبعدها ياء ساكنة وجاء مهملة. قال سلمة بن بلال: كان أرطأة بن سيحان حليفاً لأبي سفيان. فأخذ في شراب، فرفع إلى مروان، وهو على المدينة فضربه ثمانين فكتب أرطأة إلى معاوية يشتكيه، ويصف ما صنعه به، فكتب إليه معاوية: أما بعد، يا مروان، فإنك أخذت حليف أبي سفيان، فضربته على رؤوس الناس ثمانين، والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك، فقال مروان لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: أرى أن لا تفعل، قال: ويحك! أنا أعلم بمعاوية منك ثم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني كنت ضربت أرطأة بن سيحان بشهادة رجل من الحرس، فقد وقفت على أنه غير عدل ولا رضي، فأشهدكم أني قد أبطلت ذلك عنه، ثم نزل ورضي أرطأة فأمسك. هكذا روي. قالوا: والمحفوظ عبد الرحمن بن أرطأة. كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعراً، حلو الأحاديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه. فلما ولي الوليد بن

عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه، وكان قد شعثه، فحمل ذلك مروان عليه واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان، فيشرب معه وابن سيحان لا يظن أن مروان يفعل به الذي فعله، قد كان ابن سيحان مدحه ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج من السحر من عند الوليد ثملاً فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء. فملا خرج ابن سيحان ثملاً من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة وأشهدهما على سكره، وقد سأله أن يقرأ أم الكتاب فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطه، فحبسه. فلما أصبح الوليد بلغه الخبر، وشاع في المدينة، وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملاً خارجاً من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطه فضربه الحد ثم أرسله، فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده - وكان له جليساً - فقال له: ما يجلسك في بيتك؟! قال: الاستحياء من الناس. قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها، ورح معنا إلى المسجد، فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين، فتخبره بما صنع بك الوليد، فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك، فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطاً لهم، حتى دخل المسجد، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة، فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: عزراً أسواطاً. فمكث أياماً ثم رحل إلى معاوية، فدخل على يزيد، فكلم يزيد، فكلم يزيد أباه معاوية في أمره، فدعا به فأخبره بقصته، وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد، ما اضعف عقله! أما استحيا من ضربك فيما شرب؟!

وأما مروان فإني ما كنت أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي، ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه. صار شرطياً، ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد، وأخبرهم أن صاحب شرطتك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد ابطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول: الطويل وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الربى ... عديداً إذا ارفضت عصا المتحلف إلى نضدٍ من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجاً أركانها لم تقصف ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف غطارفة ساسو البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف وكتب له بأن يعطى أربع مئة شاة، وثلاثين لقحة مما توطن السيالة، وأعطاه هو خمس مئة دينار، وأعطاه يزيد مئتي دينار ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب له به معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان، وما أراده بذلك، ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان أن يعود للشرب معه فقال: والله لا ذقت معك شراباً أبداً.

عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف

ولعبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان المحاربي حليف بني أمية بن عبد شمس: الرجز لا صبر عن دار بني باليه ... إني أرى ليلتهم لا هيه قد شربوا الخمر وناموا معاً ... وآثروا الدنيا على الباقيه وابتسطوا الديباج في دارهم ... واستصبحوا في الليل بالغاليه قال: فرأيتهم في بعض الليالي، وهم على لهوهم، فلم يجدوا للمصباح زيتاً، فاستصبحوا بغالية. هم بنو باليه بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي. عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف ابن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب أبو جبير القرشي الزهري له صحبة. حدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدم الشام مع عمر بن الخطاب في خرجته التي رجع فيها من سرغ، وشهد حنيناً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان عبد الرحمن بن أزهر يحدث أن خالد بن الوليد بن المغيرة جرح يومئذ - يعني يوم حنين - وكان على الخيل خيل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن أزهر: قد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما هزم الله الكفار، ورجع المسلمون إلى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ قال: فمشيت - أو قال: فسعيت - بين يديه، وأنا محتلم أقول: من يدل على رحل خالد؟ حتى دللنا على رحله، فإذا خالد مستند إلى مؤخرة رحله، فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إلى جرحه. قال الزهري: وحبست أنه قال: ونفث فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عبد الرحمن بن إسحاق بن إبراهيم

وفي حديث آخر: فأتي بشارب فأمرهم، فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بنعله، ومنهم من ضربه بعصاً، ومنهم من ضربه بسوط، وحثى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التراب. وحدث عبد الرحمن بن أزهر أنه حضر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين كان يحثي في وجوههم التراب، يعني المداحين، أو شراب الخمر. وعن عبد الرحمن بن الأزهر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار، فيذهب خبثها، ويبقى طيبها. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة. عبد الرحمن بن إسحاق بن إبراهيم ابن إسماعيل بن سليمان بن راشد بن سليم ويقال: ابن إسحاق بن محمد أبو محمد بن الضامدي الثقفي، ويقال: السلمي حدث بمكة في المسجد الحرام عن محمد بن وزير بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد، فإن سبقني لم أقربه، وإن سبقته لم يقربه.

عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث

وذكر في ترجمته حديثاً مروياً عن عبد الرحمن بن معاوية بن أبي سفيان أنه ذكر لهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مسح رأسه حتى قطر الماء عن رأسه أو كاد يقطر. عاش ابن الضامدي إلى سنة تسع وتسعين ومئتين. عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث ويعرف بعباد القرشي، ويقال: الثقفي. من أهل المدينة. كان كثير العلم والرواية، شاعراً فصيحاً، وهو الذي كلم يزيد بن الوليد في أمر أهل بيته ونبهه على ظلمهم، ودعاه إلى القول بالقدر، وذلك أيام هشام بالرصافة. حدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا قبر أحدكم - أو إنسان - أتاه ملكان أزرقان أسودان ياقل لأحدهما: المنكر، والآخر: النكير فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل، يعني: محمداً؟ فهو قائل ما كان يقول، فإن كان مؤمناً قال: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيفسح له في قبره سبعين ذراعاً في سبعين ذراعاً؛ وينور له فيه، ويقولان له: نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا كأحب أهله إليه، فيقول: دعني أرجع إلى أهلي، فأخبرهم، فيقولان: لا نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا كأحب أهله إليه، فلا يزال كذلك حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقاً يقولان له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً وكنت أقوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقولان للأرض: خذيه، فتأخذه، حتى تختلف فيها أضلاعه، ولا يزال معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.

عبد الرحمن بن إسحاق

سئل سفيان عن عبد الرحمن بن إسحاق فقال: كان قدرياً، فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا مقتل الوليد، فلم يجالسه. وقالوا: إنه سمع الحديث. وثقه قوم وتكلم فيه قوم. قال الدارقطني: كان عبد الرحمن بن إسحاق يرمى بالقدر. ضعيف الحديث. عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الحميد ابن فضالة ويقال: عبد الرحمن بن عبد الحميد أبو محمد الكتاني حدث بدمشق عن أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء. توفي عبد الرحمن بعد سنة ثمانين ومئتين. عبد الرحمن بن إسحاق أبو القاسم الزجاجي النحوي تلميذ أبي إسحاق الزجاج. من أهل بغداد. حدث بدمشق. روى عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الرازي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى مخيلة أقبل، وأدبر، وتغير، قالت: فذكرت ذلك له

عبد الرحمن بن إسماعيل بن علي

فقال: ما يدرينا؟ لعله مثل قوم قال الله عز وجل لهم: " هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم ". أبو القاسم الزجاجي له كتاب الجمل، وتصانيف، وأمالٍ. وروي عن أبي علي الفارسي أنه قال - وقد وقف على كلامه في النحو - لو رآنا لا ستحيا. وتوفي أبو القاسم الزجاجي بطبرية سنة أربعين وثلاث مئة. وقيل: سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة. قيل: وهو خطأ. عبد الرحمن بن إسماعيل بن علي ابن سعيد بن كردم أبو محمد الرقي، المعروف بالكوفي سكن دمشق، وحدث بها. وجده سعيد المعروف بزيد بن كردم، قتل مع الحسين، وكردم قتل مع علي بصفين. حدث بدمشق بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى الحجام أجره. ولو كان خبيثاً لم يعطه. وحدث بسنده إلى سعيد بن المسيب وسئل عن الرجل يصلي في قميص واحد ليس على عاتقة إزار قال: ليس بذلك بأس إذا كان يواريه. قال سعيد بن المسيب: قال ابن مسعود: كنا نصلي في ثوب واحد حتى جاء الله بالثياب، فقال: صلوا في ثوبين. قال أبي بن كعب: ليس في هذا شيء، قد كنا نصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثوب الواحد، ولنا ثوبان. قيل لعمر بن الخطاب: ألا تقضي يمين هذين؟ وهو جالس، قال: أنا مع أبي. توفي أبو محمد عبد الرحمن بدمشق سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.

عبد الرحمن بن اسميفع

عبد الرحمن بن اسميفع ويقال ابن السميفع بن وعلة السبائي المصري السبائي: بسين مهملة مفتوحة وباء موحدة وهمزة مكسورة. وفد على معاوية بن أبي سفيان. وكان شريفاً بمصر؛ وصار إلى إفريقية، وبها مسجده ومواليه. روى عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا دبغ الإهاب فقد طهر. وفي حديث آخر: دباغ كل إهاب طهوره. عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أبو محمد القرشي الزهري المدني ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الشعر حكمة. حدث الطفيل بن الحارث وكان رجلاً من أزد شنوءة، وكان أخاً لعائشة من أمها أم رومان قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن ابن الزبير يقول: لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها، فبلغ عائشة فقالت: أو قاله؟! إن الله تعالى عليها ألا تكلمه أبداً. قال: فهجرته، فنقصه الله تعالى في أمره كله، فاستشفع عليها الناس، فلم تقبل، فسأل

المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن يستأذنا عليها في أمره ويكلماها ففعلا فقالت: ادخلا فقالا: ومن معنا؟ فقالت: ومن معكما. قال: وابن الزبير بينهما في ثوب، فدخلا دون الحجاب، وجدخل ابن الزبير عليها في الحجاب، فبكى إليها، وبكت إليه، وقبلها، وكلماها فيه وذكرا قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فبعد لأي ما كلمته، فبعث بمال إلى اليمن، واشتروا به أربعين رقبة، فأعتقهم كفارةً لنذرها، وكانت تذكر نذرها، فتبكي حتى تبل خمارها. وعن عكرمة في قوله تعالى وتقدس: " إنا كفيناك المستهزئين ". قال: هم خمسة فتية، كلهم هلك قبل بدر: العاص بن وائل. والوليد بن المغيرة، وأبو زمعة بن الأسود، والحارث بن قيس بن العيطلة، والأسود بن عبد يغوث. قال الزبير بن بكار: الأسود بن عبد يغوث من المستهزئين حنى جبريل عليه السلام ظهره ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر فقال: يا جبريل، خالي، فقال جبريل: دعه عنك، فمات. وكان لعبد الرحمن بن الأسود قدر. ذكروا أنه كان ممن ذكر عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري في الحكومة، فقالوا: ليس له ولا لأبيه هجرة. وكان ذا منزلة من عائشة أم المؤمنين. وكان أبيض الرأس واللحية، فغدا على جلسائه يوماً قد حمرها فقال القوم:

هذا أحسن، فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة، وأقسمت علي لأصبغن، وأخبرتني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يصبغ. حدث عبد الرحمن بن الأسود أنهم حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أسد شنوءة، فأسرع إلى العدو وحده، ليستقتل، فعاب ذلك المسلمون عليه؛ ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص وهو على جند من الأجناد، فأرسل إليه عمرو فرآه فقال له عمرو: " عن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص "، وقال الله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " فقال له الرجل: يا عمرو، أذكرك الله الذي وجدك رأس كفر فجعلك رأس الإسلام أن تصدني عن أمر جعلته في نفسي، فغني أريد أن أمشي حتى يزول هذا - واشار إلى جبل الثلج - فلم يزل يناشد عمراً حتى خلى عمرو سبيله، فانطلق حتى أمسى وجنح الليل قبل العدو ثم رجع، فقال له المسلمون: الحمد الله الذي رجعك، وأراك غير رأيك الذي كنت عليه. قال: إني والله ما انثنيت عما كان في نفسي، ولكني رأيت المساء وخشيت أن أهلك بمضيعة، فلما أصبح غدا إلى العدو وحده فقاتلهم حتى قتل. لما حصر عثمان اطلع من فوق داره، فذكر أنه يستعمل عبد الرحمن بن الأسود على العراق، فبلغ ذلك عبد الرحمن فقال: والله لركعتان أركعهما أحب إلي من الإمرة على العراق. كان عبد الرحمن بن الأسود رجلاً صالحاً، يعتبر من كبار التابعين.

عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد

عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد ابن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان أبو حفص النخعي المذحجي الكوفي، وقيل: كنيته أبو بكر وفد على عمر بن عبد العزيز: حدث عن أبيه عن عائشة قالت: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رقية كل ذي حمة وبه قالت: صلاتان ما تركهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي قط: ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر. قال عمرو بن مرة: سمعت إبراهيم يقول: إن غلاماً لآل الأسود شهد القادسية، فابلى، فأراد الأسود أن يعتقه فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال: دعه حتى يشب عبد الرحمن، مخافة الضمان. وعن عبد الرحمن بن الأسود قال: كان أبي يبعثني إلى عائشة أسألها. فلما كان عام احتلمت أتيتها، فناديت من وراء الحجاب فقلت: يا أمر المؤمنين، ما يوجب الغسل؟ فقالت: أفعلتها يالكع! إذا التقت المواسي. وعن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان يصلي بقومه في رمضان اثنتي عشرة ترويحة، ويصلي لنفسه بين كل ترويحتين اثنتي عشرة ركعة، ويقرأ بهم ثلث القرآن، كل ليلة. قال: وكان يقوم بهم ليلة الفطر ويقول: إنها ليلة عيد.

وفي رواية: كان يقوم بهم ليلة الفطر كما يقوم بهم في رمضان أربعين ركعة ثم يوتر، وكان ينفع رجليه في الماء وهو صائم. قالت ريا خادم عبد الرحمن بن الأسود لعبد الرحمن بن الأسود: ياسيدي، ليس ارى أحداً يصلي بعد العصر غيرك! قال: أكثري من الصلاة ما استطعت. قال ابن إسحاق: قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود حاجاً، فاعتلت إحدى قدميه، فقام يصلي حتى أصبح على قدم، فصلى الفجر بوضوء العشاء. وعن زبيد قال: ما لقيت عبد الرحمن بن الأسود إلا قال: تيسروا للقاء ربكم. قال الربيع بن خثيم لعبد الرحمن بن الأسود: يا بن أخي، اعلم أنه ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت، فانتظره انتظار رجل بشر بقدوم غائبه. قال: فكان عبد الرحمن يصوم بعد ذلك حتى أحرق الصوم لسانه، فكنت إذا رأيته حسبته بعض السودان. وعن الشعبي قال: أهل بيت خلقوا للجنة: علقمة، والأسود، وعبد الرحمن. قال سنان بن حبيب السلمي: خرجت مع عبد الرحمن بن الأسود إلى القنطرة، فكان لا يمر على يهودي ولا على نصراني إلا سلم عليه. قال: فقلت له: تسلم على هؤلاء وهم أهل الشرك؟! فقال: إن السلام سيماء المسلم، فأجبت أن يعلموا أني مسلم.

عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان

وعن الحكم قال: لما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل له: ما يبكيك؟! قال: أسفاً على الصوم والصلاة. قال: ولم يزل يقرأ القرآن حتى مات. قال: فرئي له أنه من أهل الجنة. فكان الحكم يقول: وما يبعد من ذلك؟ لقد كان يعمل نفسه مجتهداً لهذا حذراً من مصرعه الذي صار إليه توفي عبد الرحمن بن الأسود آخر خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ثمان أو تسع وتسعين. عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان حدث عن أبيه عن جده نافع بن كيسان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ينزل عيسى بن مريم عند باب دمشق، قال نافع: ولا أدري أي بابها يومئذ، قال: عند المنارة البيضاء لست ساعات من النهار، في ثوبين ممشقين، كأنما ينحدر من رأسه اللؤلؤ. عبد الرحمن بن بجير الشامي وفد على عمر بن عبد العزيز. وحدث قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني: ما فعل دين عبد الرحمن بن حيويل، هل قضي عنه؟ - يعني، قلت: نعم - قال: فغمزني نعيم بن سلامة. فلما خرجنا قال لي نعيم: ما رأيته، فد سقطت منك مثل هذه. إن أمير المؤمنين يسأله عن دينه وأنت تعلم أنه يقضي عمن ترك وفاء دينه نصف دينه، ويجعل نصف ما ترك للورثة، قال: قلت: قد كان ذلك.

عبد الرحمن بن بحر بن معاذ

عبد الرحمن بن بحر بن معاذ أبو محمد البزاز النسوي سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى عمرو بن العاص أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر. وحدث عن محمد بن يحيى بن أبي عمر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأى أحدكم من هو فوقه في المال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم. حدث بنيسابور سنة ثلاث وثلاث مئة. عبد الرحمن بن بشير أبو أحمد الشيباني سكن دمشق. حدث عن محمد بن إسحاق بسنده إلى صفية بنت شيبة قالت: والله لكأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغداة حين دخل الكعبة، ثم خرج منها، ثم وقف على باب الكعبة، وإن في يده لحمامة من عيدان وجدها في البيت، فخرج بها في يده، حتى إذا قام على باب الكعبة كسرها ثم رمى بها. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى جابر قال: أتي بوم الفتح بأبي قحافة ليبايع، وإن رأسه ولحيته كالثغامة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيره بشيء.

عبد الرحمن بن بكران

وحدث عن عمار بن إسحاق بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النفر ليرمي الجمار ماشياً، وأمر بناقته فأنيخت. فلما أخذ بشعبتي الرحل جاء رجل فأخذ بجديل الناقة، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: كلمة عدل عند إمام جائر، خل سبيل الناقة. وحدث عن محمد بن إسحاق بسنده إلى عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحرب خدعة. عبد الرحمن بن بكران أبو القاسم الدربندي المقرئ سكن دمشق. حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده إلى سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أشد حسرات ابن آدم ثلاث: رجل كانت له امرأة حسناء تعجبه، فولدت له غلاماً فماتت، وليس عنده ما يسترضع، ورجل كان في بعث فسار أصحابه إلى غنيمة، وهو على فرس فرماه فرسه من الغنيمة، فوقع فرسه فمات، ورجل كان له زرع وناضح، فمات ناضحه حين أعجبه زرعه، وليس عنده ما يشتري بعيراً، فمات زرعه. عبد الرحمن بن بيهس بن صهيب ابن عامر بن عبد الله بن نائل بن مالك بن عبيد بن علقمة الجرمي قال عبد الرحمن بن بيهس: قلت لرجل، استعمله هشام بن عبد الملك على الغوطة، يقال له الوليد بن عبد الرحمن، وكلمته في حاجة فقال: قد حلفت على هذا ونحوه، فقلت له: إن لم تكن حلفت بيمين قط إلا أبررتها فما أحب أن أكون أول إخوانك أحنثك، وإن كنت ربما حلفت باليمين فرايت ما هو خير منها فكفرتها فلست أحب أن أكون أهون إخوانك عليك، فقال: سحرتني والله وقضى حاجته.

عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان

عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان أبو عبد الله الزاهد حدث عن عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش قال: ذكر عند عبد الله بن مسعود ليلة القدر فقال: من قام شهر رمضان كله أدركها. قال: فقدمت المدينة، فذكرت ذلك لأبي بن كعب فقال: والذي نفسي بيده إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقيامها، قال: وسالته قال: ليلة سبع وعشرين. كان عبد الرحمن بن ثابت فيه سلامة وكان مجاب الدعوة، وكان عابداً، واختلف فيه فقيل: ثقة. وكان يحيى بن معين يضعفه، وكان يذهبه مذهب القدر. دعا أخ لابن ثوبان ابن ثوبان قال: تعش عندي، قال ابن ثوبان: نعم، فما زال ينتظره حتى أصبح. فلما أصبح لقيه، فقال له ابن ثوبان: لولا ميعادك ما أخبرتك بالذي عرض لي: إني لما صليت العتمة قلت: أوتر قبل أن أجيئك. فلما كنت في الوتر عرضت لي روضة خضراء من الجنة، فما زلت أنظر إليها حتى أصبحت. أغلظ ابن ثوبان للمهدي أمير المؤمنين في كلام كلمه به، فاستشاط غضباً، ثم سكن، فقال: والله لو كان المنصور حياً ما أقالكها، قال: لا تقل ذاك يا أمير المؤمنين. فوالله لو كشف لك عن المنصور حتى تخبر بما لقي وعاين ما جلست مجلسك هذا. ولد ابن ثوبان سنة خمس وسبعين، ومات سنة خمس وستين ومئة. وصلى عليه سعيد بن عبد العزيز. عبد الرحمن بن أبي ثور الكوفي قال: وفدت على معاوية في وفد من أهل الكوفة. فلما جلسنا على مائدته أتينا ببصل فأكل ثلاثاً، ثم نبذ إلى القوم فقال: كلوا من فحا أرضكم، فلقلما أكل قوم من فحا أرضهم فضرهم ماؤها.

عبد الرحمن بن جيش بن شيخ

عبد الرحمن بن جيش بن شيخ أبو محمد الفرغاني سكن الشاغور. حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن زهير المقرئ بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقدموا بين يدي رمضان بصوم، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً. قال: فكان ابن عمر إذا كان ذلك اليوم أرسل من ينظر إلى الهلال، فإن رآه أصبح صائماً، وإن لم يرع أصبح مفطراً، وإن كان بينه وبينه سحاب أصبح صائماً. شيخ: بشين وخاء معجمتين. عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم أبو محمد المخزومي من أهل المدينة، أدرك عصر سيدنا رسول الله صلى اله عليه وسلم وخرج مع أبيه الحارث إلى الشام مجاهداً، وهو صغير، وأقام بالشام مدة، ورجع إلى المدينة، وأرسلته عائشة إلى معاوية بدمشق تكلمه في حجر بن الأدبر الكندي، فألفاه قد قتله وقتل خمسة من أصحابه، فقال له عبد الرحمن: أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه؟ ألا حبستهم في السجون، وعرضتهم للطاعون، قال: حين غاب عني مثلك من قومي، وكان عبد الرحمن بن الحارث ممن ارتضاه عثمان بن عفان لإعراب المصحف.

حدث عبد الرحمن بن الحارث ان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج أم سلمة في شوال، وجمعها في شوال، وقالت: يا رسول الله، سبع عندي، قال: إن شئت سبعت عندك ثم سبعت عند صواحبك، وإن شئت فثلاثك. قالت: بل ثلاثي، ثم تدور علي في يومي. وأورد هذا الحديث في هذه الترجمة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه حدث أن أم سلمة أخبرته. أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة، فكذبوها، ويقولون: ما أكذب الغرائب، حتى أنشأ ناس منهم للحج، فقالوا: نكتب إلى أهلك، فكتبت معهم، فرجعوا إلى المدينة يصدقونها، فازدادت عليهم كرامة. قالت: فلما وضعت زينب جاءني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبني، فقلت: مثلي ينكح؟! أما أنا فلا ولد في، وأنا غيور عجوز، ذات عيال. قال: أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله وإلى رسوله، فتزوجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يأتيها فيقول: أين زناب؟ حتى جاء عمار فاختلجها، فقال: هذه تمنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت ترضعها، فجاء إليها، فقال: أين زناب؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية ووافقها عندها: أخذها ابن ياسر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أتيكم الليلة، قالت: فوضعت ثفالي، فأخرجت حباتٍ من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحماً، فعصدت له. قالت: فبات ثم أصبح، فقال حين أصبح: عن لك على أهلك كرامة، إن شئت سبعت لك، وإن أسبع لك أسبع لنسائي. وكان عبد الرحمن بن الحارث حين قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عشر سنين، وكان عبد الرحمن من أشراف قريش والمنظور إليه، وشهد الدار فارتث جريحاً، وكان له

خمس عشرة بنتاً، فلما أتي به صحن وصاح معهن غيرهن، فم بهن عمار بن ياسر فاستمع فمضى وهو يقول: الطويل ذوقوا كما ذقنا غداة محجرٍ ... من الحر في أكبادنا والتحوب يريد بذلك أن أبا جهل قتل أمه، وما كانوا يعذبونه في الجاهلية، وكان إذا مر بدار عبد الرحمن بن الحارث وضع يده عليها وقال: إنها محمومة. يريد أنها عثمانية. توفي عبد الرحمن بن الحارث في خلافة معاوية. كان عبد الرحمن بن الحارث اسمه إبراهيم، فدخل على عمر بن الخطاب في ولايته حين أراد أن يغير اسم من تسمى بأسماء الأنبياء فغير أسمه، فسماه عبد الرحمن، فثبت اسمه إلى اليوم، وتوفي الحارث بن هشام في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة، فخلف عمر بن الخطاب على امرأته فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهي أم عبد الرحمن بن الحارث، فكان عبد الرحمن في حجر عمر، وكان يقول: ما رأيت ربيباً خيراً من عمر بن الخطاب. وكان عبد الرحمن رجلاً شريفاً سخياً مريا، وكان قد شهد الجمل مع عائشة. قال محمد بن قيس: ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت: والناس يقولون يوم الجمل؟! قالوا لها: نعم، فقالت عائشة: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعة عشر رجلاً كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث، أو مثل عبد الله بن الزبير. وفي رواية: لأن أكون قعدت في منزلي عن مسيري إلى البصرة احب إلي من أن يكون لي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة من الولد كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث. قالت عائشة: كان عبد الرحمن بن الحارث رجلاً سرياً، له من صلبه اثنا عشر رجلاً.

قال أنس بن مالك: أمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يكتبوا المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية منه فاكتبوه بلسان قريش، فإن القرآن نزل بلسان قريش، فاختلفوا في التابوت، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد بن ثابت: التابوت، فرفعوه إلى عثمان بن عفان فقال اكتبوه التابوه كما قالت قريش، فإن القرآن نزل بلسانهم. قال عبد الله بن عكرمة: دخلت على عبد الرحمن بن الحارث أعوده فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجدني والله للموت، وما موتي بأشد علي من أم هشام، أخاف أن تتزوج بعدي، فحلفت له أنها لا تتزوج بعده، فغشي وجهه نور، ثم قال: الآن فلينزل الموت متى شاء ثم مات. فلما انقضت عدتها، وتزوجت عمر بن عبد العزيزفقلت: الطويل فإن لقيت خيراً فلا يهنئنها ... وإن تعست فلليدين وللفم قال: فبلغها ذلك، فكتبت إلي: قد بلغني ما تمثلت به، وما مثلي وما مثل أخيك إلا كما قال الشاعر: الطويل وهل كنت إلا والهاً ذات ترحةٍ ... قضت نحبها بعد الحنين المرجع فدع ذكر من قد وارت الأرض شخصه ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع قال: فبلغ ذلك مني كل غيظ، فحسبت حسابها فإذا هي قد عجلت، فبقي عليها من عدتها أربعة أيام، فدخلت على عمر فأعلمته فانتقض النكاح. وعزل عمر عن المدينة.

عبد الرحمن بن الحارث السلامي الساحلي

عبد الرحمن بن الحارث السلامي الساحلي قال عبد الرحمن: قال أبي للزهري، وكنا عنده: لانزال نحسن الظن بالرجل من أهل القرأن وأهل المساجد ثم يخلف، قال الزهري: ذلك النقص يا أبا محمود، ثم قال الزهري: إن الناس كانوا في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل سنة، ولم يكن لهم كثير عبادة، ولكنهم كانوا يؤدون الأمانة، ويصدقون النية. فلما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبط الناس درجة، وكانوا على شريعة من أمرهم مع أبي بكر وعمر. فلما مات عمر هبط الناس درجة، وكانوا مع عثمان حسنة علانيتهم لا بأس بحالهم حتى قتل عثمان انتهك الحجاب، وكان الناس في فتنتهم استحلوا الدماء فتقاطعوا وتدابروا حتى انكشفت، ثم ألفهم الله في زمان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، فكانوا أهل دنيا يتنافسون فيها، ويتصنعون لها، ثم حضرتهم فتنة ابن الزبير فكانت الصليم، ثم صلحوا على يدي عبد الملك بن مروان. فأنت منكر معهم ما تذكر من حسن ظنك بهم وخلافهم، فليس يزال هذا الأمر ينقص حتى يكون أسعد أهل الإسلام أصحاب الحمام والكلاب، يعبدون الله على الأمر، ولا يعرفون حلالاً ولا حراماً. قال عبد الرحمن بن الحارث: سمعت عمير بن هانئ يخطب عند منبر دمشق يقول: يا أيها الناس، إنما الهجرة هجرتان: هجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهجرة مع يزيد. قال: ورايت زيد بن واقد ومبرد بن سنان أتيا الوليد يحملان رأس الوليد بن يزيد على ترس. روى في هذه الترجمة عن عبيد الله بن عمر قال: لا تقل للرجل وهو ينازع: اتق الله، فإنه يقبح، وإذا ذكر رجل في قوم بصلاح فلا تقل: سبحان الله، فإنها غيبة، تدافع ذلك عنه، وإذا ذكر رجل من قوم بخير فلا تقل: لا إله إلا الله، فإنها إنكار، وفضل السلام على المعرض رياء، ولا بأس بالقوم إذا كانوا يتزاورون ويتهادون، لا يقطع العرض ذاك أن يكونوا على حالة.

عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة

عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة أبو يحيى بن أبي محمد اللخمي أحد بني راشدة ابن أذب بن جزيلة من لخم - وهو مالك - بن عدي بن الحارث بن مرة ابن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان من أهل المدينة، ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبوه من أهل بدر حليف لبني أسد. قدم دمشق مع النعمان بن بشير بقميص عثمان حين قتل. كتبت نائلة بنت الفرانصة إلى معاوية وبعثت بالقميص معهما. حدث عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من اغتسل يوم الجمعة، ولبس أحسن ثيابه، وبكر، ودنا كفارة إلى الجمعة الأخرى، أو كما قال. وحدث عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المقوقس ملك الإسكندرية. قال: فجئته بكتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزلني في منزله، وأقمت عنده، ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته وقال: إني سأكلمك بكلام، وأحب أن تفهمه مني. قال: قلت: هلم، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت: بلى هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيره؟ قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه فأرادوا ان يقتلوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله عز وجل، حتى رفعه الله إلى السماء الدنيا؟ فقال لي: انت حكيم جاء من عند حكيم، هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك إلى مأمنك. قال: فأهدى إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث جوارٍ، منهن أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وواحدة وهبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري، وأرسل إليهم بطرف من طرفهم.

عبد الرحمن بن حسان بن ثابت

وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي العيد يذهب في طريق، ويرجع في طريق آخر. وعن عبد الرحمن عن أبيه حاطب بن أبي بلتعة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يزوج المؤمن في الجنة ثنتين وسبعين زوجة: سبعين من نساء الآخرة، وثنتين من نساء الدنيا. وكان حاطب عبداً لعبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، فكاتبه فأدى كتابته يوم الفتح. وأصل حاطب من اليمن من الأزد. مات سنة ثمان وستين بالمدينة. وسعاد بفتح السين وتشديد العين سعاد بن راشدة بن جزيلة بن لخم بن عدي من آباء حاطب بن أبي بلتعة. وقيل عبد الرحمن بن أبي بلتعة قتل يوم الحرة، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين، وحاطب توفي في خلافة عمر بن الخطاب. عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ابن المنذر بن حران بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو محمد - ويقال: أبو سعيد - الأنصاري الخزرجي المدني الشاعر يقال: إنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم دمشق في أيام معاوية، ووفد على يزيد بن معاوية. حدث عبد الرحمن عن أبي قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوارات القبور. وحدث عبد الرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا واختي ما ينهانا. فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس جالسان، ثم

حمل، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، وراى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله ان يتقنه. ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر. وأم عبد الرحمن سيرين القبطية أخت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان فهو ابن خالة إبراهيم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يقول لعبد الرحمن بن حسان: أنشدني قول أحيحة بن الجلاح: الوافر فهل من كاهن أو ذي إلهٍ ... إذا ما حان من ربي نزول يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بني بما أقول فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول وما تدري وإن أزمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل وما تدري وإن أضربت شولاً ... أتلقح بعد ذلك أم تحول وما تدري وإن انتجت سقباً ... لأي الناس ينتج ذا الفصيل وما من إخوة كثروا وطالوا ... بأيهم لأمهم الهبول

لما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما يمنعكم أن تلقوني؟! قال: لم يكن لنا دواب، قال معاوية: فأين النواضح؟ فقال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، قال: ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: إنكم سترون أثرة بعدي، قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبروا حتى تلقوه، فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك: الوافر ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... أمير المؤمنين ثنا كلامي فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام قال يزيد بن معاوية لأبيه: ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك؟! فقال معاوية: وما قال؟ قال: يقول: الخفيف هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهرٍ مكنون فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول: فإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناءٍ من المكارم دون فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول: ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمرٍ مسنون فقال معاوية: كذب. قوله: خاصرتها أي أخذت بيدها، يقال: خرج القوم متخاصرين: إذا كان بعضهم آخذاً بيد بعض. شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال: الخفيف رمل هل تذكرين يوم غزالٍ ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني

إذ تقولين عمرك الله هل شي ... ء وإن جل سوف يسليك عني أم هل أطعمت منكم يا بن حسا ... ن كما قد أراك أطمعت مني فبلغ شعره يزيد، فغضب، ودخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تر إلى هذا العلج من أهل يثرب كيف يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا؟! قال: من هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان، وأنشده ما قال، فقال: يا يزيد، ليس العقوبة من أحدٍ أقبح منها من ذوي المقدرة، فأمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به، فلما دخلوا عليه قال: يا عبد الرحمن، الم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟! قال: بلى يا أمير المؤمنين، ولو علمت أحداً أشرف منها لشعري لشببت بها، قال: فأين أنت عن أختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟. قال: نعم، وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً فيكذب نفسه، فلم يرض يزيد ما كان من ذلك، فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال: اهج النصار؟ فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكني أدلك على الشاعر الكافر الماهر، فقال: من هو؟ قال: الأخطل فدعاه، فقال: اهج النصار، قال: أفرق من أمير المؤمنين، قال: لا تخف شيئاً، أنا لك بهذا، فهجاهم فقال: الكامل وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارةٍ وحمار لعن الإله من اليهود عصابةً ... بالجزع بين صليصل وصرار خلوا المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار فبلغ الشعر النعمان بن بشير، فدخل على معاوية فحسر عن رأسه وعمامته وقال: يا أمير المؤمنين، أترى لؤماً؟! قال: بل أرى كرماً وخيراً، وما ذاك؟ قال: زعم

الخطل أن اللؤم تحت عمائمنا! قال: وفعل؟ قال: نعم. قال: فلك لسانه، وكتب ان يؤتى به. فلما أتي به قال للرسول: أدخلني على يزيد، فأدخله عليه، فقال: هذا الذي كنت أخاف؟! قال: فلا تخف شيئاً، ودخل على معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا؟ قال: هجاء الأنصار، قال: ومن يعلم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير، قال: لا يقبل قوله، وهو يدعي لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن ثبت شيئاً أخذت له، فدعاه بها، فلم يأت بشيء فخلاه. ويروى أن عبد الرحمن بن حسان هجا قريشاً فقال: الكامل أحياؤكم عار على موتاكم ... والميتون خزايةً للعار فأرسل يزيد إلى كعب بن جعيل، فقال: اهج الأنصار، فقال: إن لهم عندي يداً في الجاهلية، فلا أجزيهم بهجائهم، ولكني أدلك على المغدف القناع، المنقوص السماع القطامي، فأمر القطامي، فقال: أنا امرؤ مسلم أخاف الله، وأستحي المسلمين من هجاء الأنصار، ولكني أدلك على من لا يخاف الله، ولا يستحي من الناس، قال: ومن هو؟ قال: الغلام المالكي الخطل، فأرسل إليه وأمره بذلك فقال: على أن تؤمنني، فقال: على أن أومنك، قال: فرفلني واكسني وأظهر إكرامي ففعل فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان فقال: الكامل لعن الإله من اليهود عصابة ... بين الثوير فمدفع الثرثار قوماً يدوسون النساء طوامثاً ... ويكون محفل ميتهم في النار قوماً إذا هدر العصير رأيتهم ... حمراً عيونهم من المصطار فاللؤم فوق أنوف تغلب كلها ... كالرقم فوق ذراع كل حمار

فقال الأخطل أبياته: واللؤم تحت عمائم النصار تلك الأبيات. وقيل: إن الأخطل لما أتى يزيد ركب إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لي حاجة، قال: قد قضيتها إن لم يكن الأخطل، قال: وما لي وللأخطل؟ لعنه الله، ليس الخطل حاجتي، قال: قد قضيتها، قال: هب لي لسان النعمان بن بشير، قال: هو لك، وبلغ الخبر النعمان، فكف عن الأخطل. لما أراد عبد الرحمن بن حسان أن يهاجي النجاشي قال له أبوه: هلم، فأنشدني من شعرك، فإنك تهاجي أشعر العرب. قال: فأنشده، فهوى حسان إلى شيء خلفه فعلاه به ضرباً، وقال: يا عاض كذا وكذا، أبهذا تهاجيه؟! اذهب، فقل ثلاث قصائد قبل أن تصبح. قال: فقال ثلاث قصائد في ليلته، ثم جاء بها، فعرضها عليه، فقال حسان: اذهب فابسط الشر على ذراعيك، فقال له: يا أبه، ما هذه وصية يعقوب بنيه، فقال له حسان: ما أبوك مثل يعقوب، ولا أنت مثل بني يعقوب، اعمد إلى أمرأة لطيفة بأخت النجاشي فمرها، فلتصفها لك، واجعل لها جعلاً، ففعل. فلما كانت أيام منى قيل له: إن ها هنا نفراً من بني عامر إخوة مطاعين في قومهم، فخرج إلى أمهم، فكلمها، وانتسب لها، وذكر الذي أراد، فأرسلت إليهم، فقالت: قوموا مع هذا الرجل، وكلموا بني عمكم، يقوموا معه، ففعلوا، وجعلوا له غبيطاً على نجيبة، ثم وتروا فوق الغبيط رجلاً، فجاء مشرفاً على الناس، وجاء النجاشي على فرس وهو يقول: الرجز أنا النجاشي على جماز ... راغ ابن حسان من ارتجازي روغ الحبارى من خوات البازي

عبد الرحمن بن حسان

فقال ابن حسان: يا ليل يا أخت النجاشي اسلمي ... هل تذكرين ليلة بإضم وليلة أخرى بحر الحرم ... والشامة السوداء بالمخدم والخال بالكشح اللطيف الأهضم قال: فانكسر النجاشي إذ أتى بما يعرف. عاش حسان بن ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش أبوه ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش المنذر جده مئة سنة وأربع سنين، وعاش حرام جد أبيه مئة سنة وأربع سنين، وكان عبد الرحمن بن حسان إذا حدثنا بهذا الحديث اشرأب لها وثنى رجليه على مثلها، فمات وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وتوفي سنة أربع مئة. قال راويه: ولا أراه محفوظاً. عبد الرحمن بن حسان أبو سعيد الكناني دمشقي ويقال: حمصي. حدث عن الزهري عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الناس كالإبل المئة لا تكاد توجد فيها راحلة. عبد الرحمن بن الحسام حدث عن رجل مري من أهل حوران عن رجل آخر قال: اجتمع عشرة من بني هاشم، فغدوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما انقضت الصلاة التفت إليهم، فسلم عليهم، وسلموا عليه ثم قال بعضهم: غدونا يا رسول الله إليك

عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الله

لنذاكرك بعض أمورنا: إن الله تبارك وتعالى قد خصك بهذه الرسالة وهذه النبوة، فشرفك بها، وشرفنا بشرفك، فكل شيء من أمرك حسن جميل والله محمود، وهذا معاوية بن أبي سفيان قد نخا علينا بكتابة الوحي، فرأينا أن غيره من أهل بيتك أولى، فقال: نعم، انظروا في رجلٍ. فكان الوحي ينزل في كل أربعة أيام من عند الله تبارك وتعالى إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الوحي أربعين ليلة لا ينزل شيء. فلما كان يوم أربعين هبط جبريل بصحيفة بيضاء فيها مكتوب: يا محمد، ليس لك أن تغير من اختاره الله لكتابة وحيه، فأقره فإنه أمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين معاوية، فجاء معاوية فأجلسه، وأثبته على ما كان عليه من كتاب الوحي. قال: هذا حديث منكر، وفيه غير مجهول. عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الله ويقال: ابن عبد الرحمن - بن يزيد بن نعيم السلمي الحوراني ويقال: البج حوراني، من بج حوران. حدث عن مروان بن معاوية الفزاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قال: يا رسول الله، ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تمنعه من ظلمه، فذلك نصرك إياه. وحدث عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهير أنه حدثه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تقولوا الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم، ولكن قولوا: الأعناب.

عبد الرحمن بن الحسن بن محمد

عبد الرحمن بن الحسن بن محمد أبو القاسم الفارسي الصوفي قدم دمشق. حدث سنة ثمان وسبعين واربع مئة عن أبي الغنائم محمد بن محمد بن محمد بن الفراء المقرئ البصري بسنده إلى أبي حفص الأبار قال: كان لي عن ابن شبرمة حاجة، فقضاها، فأتيته أشكره، فقال: على أي شيء تشكرني؟ قلت: قضيت لي حاجة، فقال: اذهب. إذا سألت صديقك حاجة يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله فتوضأ للصلاة، وكبر عليه أربعاً، وعده في الموتى. قال أبو خالد السجستاني: المنسرح ارض من المرء في مودته ... بما يؤدي إليك ظاهره من كشف الناس لم يجد أحداً ... تصح منه له سرائره عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم أبو محمد الداراني الكتاني حدث عن أبي الفضل بن الفرات بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصيام والجهاد، حتى ذكر سهام الخير، وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله. توفي أبو محمد الداراني سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.

عبد الرحمن بن الحسين بن الحسن

عبد الرحمن بن الحسين بن الحسن ابن علي بن يعقوب بن إبراهيم بن شاكر بن أبي العقب أبو القاسم الهمداني حدث عن جد أبيه أبي القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب بسنده إلى جابر بن عبد الله. أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، وأراد أن يسيبه، فلحقني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربه، ودعا له، فسار سيراً لم يسر مثله، ثم قال: بعنيه بوقية، فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي. فلما قدمنا المدينة أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم انصرفت، فأرسل على أثري، قال: أتراني ما كستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهما لك. عبد الرحمن بن الحسين بن علي ابن الخضر بن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاد ابن غند بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو القاسم الأزدي المقرئ حدث عن القاضي أبي القاسم سعد بن أحمد بن محمد النسوي بسنده إلى جندب قال: قالت امرأة من قريش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أرى شيطانك إلا قد ودعك وقلاك، فنزلت " والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ". توفي أبو القاسم سنة أربعين وخمس مئة.

عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس

عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو مطرف ويقال: أبو حرب ويقال: أبو الحارث أخو مروان بن الحكم سكن دمشق. شاعر محسن. أدرك عائشة، وشهد يوم الدار. حدث القاسم بن محمد سليمان بن يسار أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة - فقالت: اتق الله يا مروان، ورد المرأة إلى بيتها، فقال مروان: أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، قال مروان: فإن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر. عرض على معاوية فرس وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فقال: كيف ترى هذا يا أبا مطرف؟ فقال: أراه أجش هزيماً، قال: أجل، ولكنه لا يطلع على الكنائن، قال: يا أمير المؤمنين، لم استوجبت هذا الجواب؟ قال: قد عوضتك منه عشرين ألفاً. ومعنى قوله: أجش هزيم: قول النجاشي: الطويل ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دوان وأما قوله: لا يطلع على الكنائن فإنه كان يتهم بنساء إخوته. لما ادعى معاوية زياداً كتب بذلك إلى الآفاق، فكتب إليه عبد الرحمن بن الحكم: الوافر

ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فقد ضاقت بما تأتي اليدان أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان؟ فأشهد أن رحمك من زيادٍ ... كرحم الفيل من ولد الأتان وأشهد أنها حملت زياداً ... وصخر من سمية غير دان فلما قرأ معاوية الكتاب رمى به، وغضب على عبد الرحمن غضباً شديداً، وقال: والله لا أرضى عنه حتى يرضى زياد، وغضب على مروان بن الحكم، ومنع سعيد بن العاص عطاءه، وقال: لا أرضى عنهم حتى يرضى زياد، فأتى عبد الرحمن بن الحكم العراق. فلما دخل على زياد أنشأ يقول: ألا من مبلغ عني زياداً ... مغلغلة من الرجل الهجان حلفت برب مكة والمطايا ... ورب العرش أحلف والقران لأنت زيادة في آل حرب ... أحب إلي من وسطى بناني من أبيات، فقال زياد: أراك شاعراً، فقبلها، وكتب إلى معاوية بالرضى، فرضي عنه. قال معاوية بن أبي سفيان لعبد الرحمن بن الحكم: أراك تعجب بالشعر، فإن فعلت فإياك والتشبيب بالنساء، فإنه تعر به الشريفة، وترمي به العفيفة، وتقر على نفسك بالفضيحة، وإياك والهجاء، فإنك تحنق به كريماً، وتستثير به لئيماً، وإياك والمدح، فإنه كسب الوقاح، وطعمه السواد، ولكن افخر بمفاخر قومك، وقل من الأمثال ما تزين به نفسك وشعرك، وتودد به إلى غيرك - وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفي حديث قال - ويقال: الشعر أدنى مروءة السري وأفضل مروءة الدني. لما أدخل ثقل الحسين بن علي عليه السلام على يزيد بن معاوية ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال: الطويل

نفلق هاماً من رجال أحبةٍ ... إلينا وهم كانوا أعق وأظلما أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبداً، فقال علي بن حسن: ليس هكذا. قال: فكيف يا بن أم؟ فقال: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " وعنده عبد الرحمن بن الحكم، فقال عبد الرحمن: الطويل لهام بجنب الطف أدنى قرابة ... من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل فرفع يزيد يده فضرب صدر عبد الرحمن وقال: اسكت. مر عبد الرحمن بن الحكم بناس من بني جمح، فنالوا منه، فبلغه ذلك، فمر بهم وهم جلوس فقال: يا بني جمح قد بلغني شتمكم إياي وانتهاككم ما حرم الله، وقديماً شتم اللئام الكرام، وأبغضوهم. وايم الله، ما يمنعني منكم إلا شعر عرض لي، فذلك الذي حجزني عنكم، فقال له رجل منهم: وما الشعر الذي نهاك عن شتمنا؟ فقال عبد الرحمن: الطويل فوالله ما بقيا عليكم تركتكم ... ولكنني أكرمت نفسي عن الجهل بأوت بها عنكم وقلت لعاذلي ... على الحلم دعني قد تداركني عقلي وجللني شيب القذال ومن يشب ... يكن قمناً أن يستفيق عن العذل وقلت لعل القوم أخطأ رأيهم ... فقالوا وخالوا الوعث كالمنهج السهل فمهلاً أريحوا الحكم بيني وبينكم ... بني جمح لا تشربوا كدر الضحل

عبد الرحمن بن حنبل بن مليك

ولعبد الرحمن بن الحكم: الوافر وأكرم ما تكون على نفسي! ... إذا ما قل في الكربات مالي فتحسن سيرتي وأصون عرضي ... ويجمل عند أهل الرأي بالي أرسل عبد الرحمن أخاه مروان ليخطب له إلى رجل شريف، فتزوج مروان وترك أخاه، فكان يشبب بنسائه، فوجهت إليه امرأة مروان فقالت: أما تستحي وأنا أختك من الرضاعة؟! فقال عبد الرحمن من أبيات: الطويل وما خلت أمي حرمتك صغيرة ... علي ولا أرضعت لي بلبان دعتني أخاها بعدما كان بيننا ... من الأمر مالا يفعل الأخوان منها: تقول وقد جردتها من ثيابها ... وقلص عن أنيابها الشفتان تعلم يقيناً أم مروان قاتلي ... ومنزوعة من ظهرك العضدان عبد الرحمن بن حنبل بن مليك ويقال: ابن عبد الله بن حنبل، أبو حنبل وأبوه من أهل اليمن. شهد حصار دمشق مع خالد بن الوليد. وقتل عبد الرحمن بن حنبل مع علي بصفين، وكان ممن ينحرف عن عثمان، وهجاه ظالماً له: وذلك أنه أتاه فذكر له أن ناقته ماتت فحمله، ثم أتاه ثانية فحمله، ولما كان في الثالثة منعه وقال: ما هذا؟! في كل يوم تنفق ناقتك؟! فهذا سبب هجائه إياه، فحبسه عثمان، فكلمه فيه علي، فقال عبد الرحمن يهجو عثمان: المتقارب أحلف بالله جهد اليمين ... ما ترك الله أمراً سدى ولكن خلفت لنا فتنة ... لكي نبتلى بك أو تبتلى دعوت الطريد فأدنيته ... خلافاً لسنة من قد مضى وأعطيت مروان خمس العبا ... د ظلماً لهم وحميت الحمى

عبد الرحمن بن حيان أبو مسلم

ومالاً أتاك به الأشعري ... من الفيء أعطيته من دنا وإن الأمينين قد بينا ... منار الطريق عليه الهدى فما أخذا درهماً غيلة ... ولا قسما درهماً في هوى وكان عثمان بن عفان قد حمل عبد الرحمن بن حنبل على فرس فباعه، فلامه عثمان على بيعه فغضب، فهجا بني أمية بأبيات منها: الكامل أبلغ أمية أن صاحب أمرها ... كالبكر يوم رغا على الأطواق عرفت لكم فاعلوا عليها وأسفلوا ... فعل القبيح ودقة الأخلاق فضربه عثمان، وسيره إلى خيبر وحبسه في القموص فقال: الطويل إلى الله أشكو لا إلى الناس ماعدا ... أبا حسن غلا شديداً أكابده بخيبر في قعر القموص كأنها ... جوانب قبر عمق اللحد لاحده أأن قلت حقاً أو نشدت أمانة ... قتلت فمن للحق إن مات ناشده عبد الرحمن بن حيان أبو مسلم قال: أظنه بصرياً. كان جليساً للوليد. حدث عن الحسن في قوله عز وجل: " فلنحيينه حياة طيبةً " قال: لنرزقنه قناعة يجد لذتها في قلبه.

عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي، ابن سيف رسول الله أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان مع أبيه يوم اليرموك، وسكن حمص، وشهد صفين مع معاوية، وكان معه اللواء، وكان معاوية يستعمله على غزو الروم، وله معهم وقائع، وكان شريفاً ممدحاً، وله بدمشق دار. حدث عبد الرحمن بن خالد أنه احتجم على هامته وبين كتفيه فقيل له: ما هذه الدماء؟ فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء. وفي حديث آخر فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحتجمها في هامته ويقول: من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء. استعمله معاوية على جماعة الناس في غزوة أرمينية سنة اثنتين وأربعين فشتا بهم سنة أربع وخمس وست؛ وقدم حمص في سنة ست وأربعين قافلاً، فدس ابن أثال النصراني بعض أولئك المماليك فسقاه شربة فمات بحمص، فاعترض لابن أثال خالد بن عبد الرحمن بن خالد فضربه بالسيف، فقتله فرفع إلى معاوية فحبسه أياماً، وأغرمنه ديته، ولم يقده منه. وكان عبد الرحمن بطلاً شجاعاً. وقيل: إن عبد الرحمن مات بأرض الروم. قال أبو أيوب: ادربنا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وهو أمير الناس يومئذ على الدروب،

عبد الرحمن بن خالد

فنزلنا منزلاً من أرض الروم، فأقمنا به، وكان أبو أيوب قد اتخذ مسجداً، فكنا نروح ونجلس إليه ويصلي لنا ونستمع من حديثه قال: فإنا لعشية معه إذ جاء رجل فقال: أتي الأمير الآن بأربعة أعلاج من الروم، فأمر بهم أن يصبروا، فرموا بالنبل حتى قتلوا، فقام أبو أيوب فزعاً حتى جاء عبد الرحمن بن خالد فقال: أصبرتهم؟! لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن صبر الدابة، وما احب أن لي كذا وكذا وأني صرت دجاجة. قال: فدعا عبد الرحمن بن خالد بغلمان له أربعة فأعتقهم مكانهم. لما ولي العباس بن الوليد حمص قال ذات يومٍ لأشراف أهل حمص: يا اهل حمص، مالكم لا تذكرون أميراً من أمرائكم مثل ما تذكرون عبد الرحمن بن خالد بن الوليد؟ فأسكت القوم، فقال عبد الرحمن بن خالد الحمصي: إن شاء الأمير أخبرناه. قال: فأخبرنا، قال: كان يدني شريفنا، ويغفر ذنبنا، ويجلس في أبنيتنا، ويمشي في أسواقنا، ويعود مرضانا، ويشيع جنائزنا، وينصف مظلومنا من ظالمنا، ويخير بن علمائنا. وفي سنة ست أربعين مات عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. قتله ابن أثال النصراني بحمص. وقيل: مات سنة تسع وأربعين. عبد الرحمن بن خالد لم يسم جده، كان أميراً على الصائفة. وليس هو بابن خالد بن الوليد لأنه قديم الوفاة. لم يدرك أبو حازم الغزو معه. قال زيد بن أسلم: كنت مع أبي حازم في الصائفة، فأرسل عبد الرحمن بن خالد - وكان أصلح من بقي من أهل بيته - إلى أبي حازم أن ائتنا حتى نسائلك، وتحدثنا، فقال أبو حازم: معاذ

عبد الرحمن بن الخشخاش العذري

الله، أدركت أهل العلم لا يحملون الدين إلى أهل الدنيا، فلن أكون بأول من فعل ذلك، فإن كانت لك حاجة فأبلغنا، فتصدى له عبد الرحمن وسأل عنه، وقال: لقد ازددت علينا بهذا كرامة. عبد الرحمن بن الخشخاش العذري قاضي دمشق لعمر بن عبد العزيز. حدث عبد الرحمن قال: حضرت فضالة بن عبيد وأتي برجل معه سرقة، فقالوا: سرقها، فجعل يقول: لا إخاله سرقها، لا إخاله إلا وجدها، فجعل بعض الناس كأنه يلقنه، فقال: وجدتها، فقال: خلوا سبيله. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الرحمن بن الخشخاش العذ1ري: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن رجلاً أعمر رجلاً مسكناً له ولعقبه، وتسألني عن رأيي في ذلك، فإذا انقضت العامورة فأولياء المسكن أولى بمسكنهم، أو أحق بمسكنهم. والخشخاش: بخاء وشين معجمتين. عبد الرحمن بن داود بن منصور أبو محمد الفارسي سمع بدمشق وغيرها: حدث عن خالد بن روح بسنده إلى أنس بن مالك قال: قلنا: يا رسول الله، متى ترى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهر

عبد الرحمن بن زياد بن أنعم

فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم، قال: قلنا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم. وحدث سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده يحيى بن حمزة قال: كتب إلى المهدي أمير المؤمنين أن أصلب في الحكم، وقال في كتابه إلي: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال ربك عز وجل: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً يقدر أن ينصره فلم ينصره. توفي بفارس. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ابن ذري بن يحمد بن معدي كرب أبو خالد ويقال: أبو أيوب المعافري ثم الشعباني الإفريقي قاضي إفريقية، وفد على خلفاء بني أمية، وولاه مروان بن محمد قضاء إفريقية، وكان قوالاً للحق. حدث عن أبي علقمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله ملء الميزان، والله أكبر ملء السموات والأرض، ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها عز وجل.

وحدث عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث قال: وحدث عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعته على الإسلام، وأخبرت أنه بعث جيشاً إلى قومي فقلت: يا رسول الله، اردد الجيش، فأنا لك بإسلام قومي وطاعتهم، فقال لي: اذهب، فردهم، فقلت: يا رسول الله، إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فردهم. قال الصدائي: وكتبت إليهم كتاباً، فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أخا صداء، إنك لمطاع في قومك، فقلت: بل الله هو هداهم للإسلام، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلا أؤمرك عليهم؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: فكتب لي كتاباً، فقلت: يا رسول الله، مر لي بشيء من صدقاتهم، قال: نعم، فكتب لي كتاباً آخر. قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلاً، فاتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم وقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو فعل؟ فقالوا: نعم، فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصحابة وأنا فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن. قال الصدائي: فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر، فقال: يا نبي الله، أعطني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سأل الناس عن ظهر غنى، فصداع في الرأس، وداء في البطن، فقال السائل: فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الجزاء أعطيناك حقك. قال الصدائي، فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات. وأنا غني، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتشى من أول الليل فلزمته، وكنت قوياً، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيري. فلما كان أوان أذان الصبح أمرني فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر ناحية المشرق إلى الفجر فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبرز، ثم

انصرف إلي، وقد تلاحق أصحابه، فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت: لا، إلا شيء قليل. لا يكفيك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت، فوضع كفه في الماء. قال الصدائي: فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عيناً تفور، قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لولا أني أستحي من ربي عز وجل لسقينا وأسقينا، ناد في أصحابي من له حاجة في الماء، فناديت فيهم، فأخذ من أراد منهم، ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد بلال أن يقيم، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أخا صداء هو أذن، ومن أذن فهو يقيم. قال الصدائي: فأقمت الصلاة. فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة أتيته بالكتابين فقلت: يا بني الله، إعفني من هذين، فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بدا لك؟ فقلت: سمعتك يا نبي الله تقول: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، وأنا أؤمن بالله ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وسألتك وأنا غني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هو ذا، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فدع، فقلت: أدع، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدلني على رجل أؤمره عليكم، فدللت على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمره عليهم، ثم قلنا: يا نبي الله، إن لنا بئراً، إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها، فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا، ةكل من حولنا عدو لنا، فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها، فنجتمع عليها ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده، ودعا فيهن ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر، فالقوا واحدة واحدة، واذكروا اسم الله عز وجل. قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعني: البئر. وحدث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي - وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمغرب من إفريقية - عن مسلم بن يسار عن سفيان بن وهب عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل مسكر حرام. توفي سنة ست وخمسين ومئة، وكان جاز المئة، وكان قدم على أبي جعفر بغداد في بيعة أهل إفريقية.

وذري: بذال معجمة وراء مكسورة وياء خفيفة. وذكر في نسبه جماعة، وفي أسمائهم أسماء غير معهودة. قال عبد الرحمن بن زياد: أرسل إلي أبو جعفر المنصور، فقدمت عليه، فدخلت والربيع قائم على رأسه، فاستدناني ثم قال لي: يا عبد الرحمن، كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا؟ قال: قلت: رأيت يا أمير المؤمنين أعمالاً سيئة، وظلماً فاشياً، وظننته لبعد البلاد منك، فجعلت كلما دنوت منك كان أعظم للأمر. قال: فنكس رأسه طويلاً ثم رفعه إلي فقال: كيف لي بالرجال؟ قلت: أفليس عمر بن عبد العزيز كان يقول: إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان براً أتوه ببرهم، وإن كان فاجراً أتوه بفجورهم. قال: فأطرق طويلاً، فقال لي الربيع وأومأ إلي أن اخرج، فخرجت، وما عدت إليه. وحدث إسماعيل بن عياش قال: ظهر بإفريقية جور من السلطان. فلما قام أبو العباس قدم عبد الرحمن بن زياد بن أنعم على أبي جعفر فشكى إليه العمال ببلده، فأقام ببلاده أشهراً ثم دخل عليه فقال: ما أقدمك! فقال: ظهر الجور ببلدنا، فجئت لأعلمك فإذا الجور يخرج من دارك، فغضب أبو جعفر، وهم به ثم أمر بإخراجه. قال عبد الرحمن بن زياد: كنت أطلب العلم مع أبي جعفر أمير المؤمنين قبل الخلافة، فادخلني منزله، فقدم إلي طعاماً ومريقة من حبوب ليس فيها لحم، ثم قدم إلي زبيباً ثم قال: يا جارية، عندك حلواء؟ قالت: لا، قال: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقى ثم قرأ " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون " فلما ولي الخلافة دخلت عليه، فقال لي: يا عبد الرحمن، بلغني أنك كنت تفد لبني أمية قال: قلت:

عبد الرحمن بن زياد بن عبيد

أجل، كنت أفد لهم، وأفد إليهم، قال: وكيف رأيت سلطاني من سلطانهم؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، والله ما رأيت في سلطانهم من الجور والظلم إلا رأيته في سلطانك، تحفظ يوم أدخلتني منزلك فقدمت إلي طعاماً ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم، ثم قدمت إلي زبيباً، ثم قلت: يا جارية، عندك حلواء؟ قالت: لا، قلت: ولا التمر؟ قالت: ولا التمر، فاستلقيت ثم تلوت هذه الآية: " عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون "؟ فقد والله أهلك عدوك، واستخلفك في الأرض، فانظر ما تعمل، فقال: يا عبد الرحمن، إنا لا نجد الأعوان قلت: يا أمير المؤمنين، إن السلطان سوق نافق، لو نفق عندك الصالحون تحببوا إليك قال: فكأني أقمته الحجر، فلم يرد علي شيئاً. كتب ابن الإفريقي إلى سفيان الثوري: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، وشغل عظيم الآخرة عن شغل صغر الدنيا، والسلام. قال أحمد بن صالح: كان الإفريقي أسيراً في الروم، فخلوا عنه لما رأوا منه، على أن يأخذ لهم شيئاً عند الخليفة، فلذلك أتى أبا جعفر. وثقه قوم، وضعفه آخرون. عبد الرحمن بن زياد بن عبيد أخو عبيد الله وسلم وعباد، أحد الأجواد. وفد على معاوية فولاه خراسان، ثم وفد على يزيد بن معاوية. حدث عن عبيد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن

عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب

أبغضهم فبغضبي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه. قدم عبد الرحمن بن زياد وافداً على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ما لنا حق؟ قال: بلى، قال: فما ذاك؟ قال: توليني، قال: بالكوفة النعمان بن بشير، وهو رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبيد الله بن زياد على البصرة وخراسان، وعباد بن زياد على سجستان، ولست أرى عملاً يشبهك إلا أن أشركك في عمل أخيك عبيد الله، قال: أشركني، فإن عمله واسع يحتمل الشركة، فولاه خراسان. وقدم عبد الرحمن بن زياد على يزيد بن معاوية من خراسان بعد قتل الحسين، واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم، وقال يزيد لعبد الرحمن بن زياد: كم قدمت به معك من خراسان؟ قال: عشرين ألف ألف درهم، قال: إن شئت حاسبناك، وقبضناها منك وردناك على عملك، وإن شئت سوغناك، وعزلناك، وتعطي عبد الله بن جعفر خمس مئة ألف درهم، قال: بل سوغني ما قلت، وتستعمل عليها غيري، وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن جعفر بألف ألف درهم وقال: خمس مئة ألف من قبل أمير المؤمنين، وخمس مئة ألف من قلبي، وقيل: إن ولايته خراسان كانت في سنة تسع وخمسين. عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي ابن أخي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفد على يزيد بن معاوية، وولي إمرة مكة. حدث عبد الرحمن بن زيد عن أبيه قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع: أرقاءكم أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون، والبسوهم مما تلبسون، وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أت تغفروه، فبيعوا عبد الله ولا تعذبوهم.

وحدث عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة نحو المقابر، فقعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قبر، فرأيناه كأنه يناجي، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الدموع من عينيه، فتلقاه عمر، وكان أولنا، فقال: بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟! قال: إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي، وكانت والدة ولها قلبي حق أن أستغفر لها، فنهاني. قال: ثم أومأ إلينا أن اجلسوا فجلسنا، فقال: إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن شاء منكم أن يزور فليزر، وإني نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فكلوا، وادخروا، ما بدا لكم، وإني كنت نهيتكم عن ظروف، وأمرتكم بظروف، فانتبذوا، فغن الآنية لا تحل شيئاً ولا تحرمه، واجتنبوا كل مسكر. وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس بمنى فقال: يا ايها الناس، إنا أدركنا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذنا عنهم، وسمعنا منهم، فحدثونا أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين، إلا أن يشهد رجلان ذوا عدل أنهما رأياه بالأمس، فصوموا لرؤيتهما، وأفطروا لرؤيتهما، وانسكوا لرؤيتهما. وفي حديث مختصر بمعناه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها. حدث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نظر عمر إلى أبي عبد الحميد - أو ابن عبد الحميد - وكان اسمه محمداً، ورجل يقول: يا محمد، فعل الله بك، وفعل وفعل، وقال وجعل يسبه، قال: فقال أمير المؤمنين عند ذلك: يا بن زيد، ادن مني، ألا أرى محمداً يسب بك، ولا والله، لا تدعى محمداً ما دمت حياً، فسماه عبد الرحمن، ثم أرسل إلى بني طلحة ليغير أسماءهم، وهم يومئذ

سبعة، وسيدهم أكبرهم محمد. قال: فقال محمد بن طلحة: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فوالله إن سماني محمداً - يعني إلا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فقال عمر: قوموا لا سبيل إلى شيء سماه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأم عبد الرحمن لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري. وكان عبد الرحمن من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيهاً بأبيه، وكان عمر بن الخطاب إذا نظر إليه قال: الوافر أخوكم غير أشيب قد أتاكم ... بحمد الله عاد له الشباب وزوجه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة، فولدت له عبد الله بن عبد الرحمن، وقبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الرحمن ابن ست سنين، ومات في زمن ابن الزبير بالمدينة. وولد عبد الرحمن بن زيد وهو ألطف من ولد، فاخذه جده أبو أمه أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري في كنفه، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما هذا معك يا ابا لبابة؟ فقال: ابن ابنتي يا رسول الله، ما رأيت مولداً قط أصغر خلقةً منه، فحنكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة. قال: فما رئي عبد الرحمن بن زيد مع قوم في صفٍ إلا برعهم طولاً. وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد ولي الكوفة لعمر بن عبد العزيز، وكان كاتبه أبو الزناد. قال العتبي: أرسلت امرأة من بني هاشم بجارية لها إلى عبد الرحمن بن زيد، ومعها شمعة فأدنتها منه، وانصرفت، وكان أحسن الناس وجهاً، فقال لها: ما هذا؟ فقالت: طفئ مصباحنا، فأردنا أن نقتبس من ضياء وجهك. كان عبد الرحمن بن زيد والياً ليزيد على مكة، فوفد إليه. قال: فمكث سبعاً، ثم خرج على فرس أعز محجل، مشمراً، على يده بازي، فقلت: ما عند هذا خير،

عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة

فدنوت منه، فكلمته، فأنكرت عقله، ثم رده إلى مكة، فكان آثر الناس عنده عبد الله بن الزبير، فبلغ ذلك يزيد فعزله عن مكة وولاها الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. لما توفي عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أرادوا أن يخرجوه من الليل لكثرة الزحام، فقال ابن عمر: لو أخرتموه إلى أن تصبحوا - وفي رواية: إن أخرجتموه - فلا تصلوا عليه حتى ترتفع الشمس، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الشمس تطلع بقرن شيطان. عبد الرحمن بن سابط بن أبي حميضة ابن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي بن غالب الجمحي المكي، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط دخل دمشق مجتازاً إلى الغزو. حدث عبد الرحمن بن سابط عن سعيد بن أبي راشد أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن في أمتي خسفاً ومسخاً وقذفاً. حدث ابن ساباط: أنه خرج من قنسرين، وهو قافل، يريد دمشق، فأشار إنسان إلى قبر عبد الملك بن مروان، فوقفت أنظر، فمر عبادي، فقال لي: لم وقفت هاهنا؟ قلت: أنظر إلى قبر هذا الرجل الذي قدم علينا مكة في سلطان وأمر، ثم عجبت إلى ما رد إليه، فقال: ألا أخبرك خبره لعلك ترهب؟ قلت: وما خبره؟ قال: هذا ملك الأرض، بعث إليه ملك السموات والأرض، فأخذ روحه، فجاء به أهله، فجعلوه ها هنا حتى يأتي الله يوم القيامة مع مساكين أهل دمشق.

عبد الرحمن بن سراقة الأزدي

توفي عبد الرحمن بن سابط بمكة سنة ثمان عشرة ومئة، وكان ثقة، كثير الحديث. سابط: بسين مهملة وباء موحدة وطاء مهملة. عبد الرحمن بن سراقة الأزدي أخو عبد الأعلى من وجوه أهل دمشق. كان عبد الرحمن يبغض قريشاً، فقال لعبد الله بن علي يوم دخل دمشق بالسيف: إنه قد بقي لحق السيف في أهل دمشق ساعتان، وكان محبوساً، فأطلقه عبد الله بن علي، ثم قيل لعبد الله بن علي: إنه يبغض قريشاً، وإنه قال هذا عصبية، فأمر بطلبه وأحل دمه، فبينا هو ينشد عند الخربة: من وجد عبد الرحمن فله دية، إذ بصر به رجل من أهل الشام فلزق به وقال. أنت طلبة الأمير، فقال له: الأمر كما ذكرت، ولك هذه الخمسة دراهم، اخرج، اتبع لي بها عمامة زرقاء، ولك نصف الجائزة، فخرج الشامي كما سأله، ثم رجع يطلبه فلم يجده، فصاح المنشد، وطلب فلم يوجد حتى مات. عبد الرحمن بن سعد الخير أبو القاسم الحمصي حدث بدمشق عند مسجد الثقفيين في المربعة، عند دار كروس عن العباس بن إسماعيل بسنده إلى أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه قميص أصفر، ورداء أصفر، وعمامة صفراء. عبد الرحمن بن سعيد بن بشير أبو غفار أو عفان أصله بصري. حدث عن الوليد بن عبد الله بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: كان إدريس النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يدعو بدعوة، كان يأمر ألا

عبد الرحمن بن سعيد الدمشقي

يعلموها السفهاء، فيدعون بها، فكان يقول: يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأنس الخائفين، إني أسألك إن كنت في أم الكتاب شقياً أن تمحو من أم الكتاب شقائي، وثبتني عندك سعيداً وإن كنت في أم الكتاب محروماً مقتراً علي في رزقي أن تمحو من أم الكتاب حرماني، وإقتار رزقي، وثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير كله. عبد الرحمن بن سعيد الدمشقي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تعار من الليل، فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم دعا: رب اغفر لي، غفر له. قال الوليد: وإذا دعا استجيب له، وإذا قام، فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته. عبد الرحمن بن السفر الدمشقي حدث عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الله تبارك وتعالى ينزل على أهل هذا المسجد - مسجد مكة - في كل يوم وليلة

عبد الرحمن بن سلمان ويقال عبيد

عشرين ومئة رحمة، فستين للطائفين، وأربعين للراكعين، وعشرين منها للناظرين وفي راوية: وأربعين للمصلين. هو أبو الفيض. عبد الرحمن بن سلمان ويقال عبيد أبو الأعيس الخولاني حمصي، ويقال: من أهل دمشق. قال أبو الأعيس في قول الله عز وجل: " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال: الجنة أو النار. وقال أبو الأعيس: لما سأل يوسف ربه قوله: " رب قد آتيتني من الملك " إلى آخر الآية. فعاش بعد ذلك ثمانين عاماً. قال أبو الأعيس: منت مع خالد بن يزيد بن معاوية في صحن بيت المقدس، فاستقبله رجل فأخذ بيد خالد فقال: يا خالد، هل علينا من عين؟ قال: فاستنكرت من قوله:

عبد الرحمن بن سلمة

يا خالد، فقلت: نعم، عليكما من الله أذن سميعة، وعين بصيرة. قال: فاستل يده من يد خالد، وأرعد، فقلت: يا خالد، من هذا؟! فقال: هذا عمر بن عبد العزيز، يوشك إن طال بك عمر أن تراه إماماً عادلاً، أو إماماً مهدياً. عبد الرحمن بن سلمة الجمحي القرشي، ويقال: المخزومي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفلح من أسلم، وكان رزقه كفافاً، وصبر عليه. عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون أبو سليمان العنسي، بالنون من ساكني داريا. حدث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض جسدي فقال: يا عبد الله، كن كأنك غريب في الدنيا، أو كعابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من شبابك قبل هرمك، ومن صحتك قبل سقمك، ومن غناك قبل فقرك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك - يا عبد الله - لا تدري ما اسمك غداً.

عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب

عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن ربيعة بن عبد شمي بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي العبشمي وفي نسبه اختلاف. صحابي من ساكني البصرة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. حدث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير. وقال ابن خزيمة: وأت الذي هو خير. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ونحن في صفة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني رأيت البارحة عجباً: رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه، فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه، فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله عز وجل، فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أكتي يلهث عطشاً، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاء صيامه شهر رمضان، فأسقاه ورواه، ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوساً حلقاً حلقاً، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة، فاخذ بيده، فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه - يعني: ظلمة - وعن شماله ظلمة، ومن فوقه ظلمة، وهو متحير

فيه، فجاءه حجة وعمرته فاستخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور، ورأيت رجلاً من أمتي يقي بيده وجهه وهج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار فظلا على رأسه، ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه، فقالت: يا معشر المؤمنين إنه كان وصولاً لرحمة فكلموه، فكلمه المؤمنون، وصافحوه، وصار فيهم، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه، وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاءه حسن خلقه وأخذ بيده، فأدخله على الله عز وجل، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل أفراطه فثقلوا ميزانه ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك، ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل، فاستنقذته من ذلك، ورايت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل، فسكن رعدته، ومضى، ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على السراط، ويحبو أحياناً، ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته علي فأنقذته، وأقامته على قدميه، ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة. حدث عمار بن مولى بني هاشم أنه مر على عبد الرحمن بن سمرة وهو قاعد على نهر أم عبد الله يسبل الماء مع غلمته ومواليه يوم جمعة، فقال له عمار: الجمعة يا أبا سعيد؟ فقال له عبد الرحمن: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: إذا كان مطر وابل فليصل أحدكم وحده.

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: وجهني خالد بن الوليد يوم مؤتة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أتيته قال لي: اسكت يا عبد الرحمن، أخذ اللواء زيد فقاتل زيد، فرحم الله زيداً، ثم أخذ اللواء جعفر، فقاتل جعفر، فقتل جعفر فرحم الله جعفراً، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، فقاتل عبد الله، فقتل عبد الله، فرحم الله عبد الله، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، فقاتل خالد، ففتح الله لخالد. وأن عبد الرحمن بن سمرة أروى بنت أبي الفارعة، من بني فراس بن غنم. توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين، ويقال: سنة خمسين. وافتتح سجستان وزالق، وكان أسلم عبد الرحمن يوم فتح مكة، وكان اسمه عبد الكعبة، فسماه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عبد الرحمن، وقيل: كان اسمه عبد كلال، وقيل: عبد كلوب، ويقال: عبد يكرب. وتحول عبد الرحمن بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البصرة، فنزلها، واستعمله عبد الله بن عامر على سجستان، وغزا خراسان، ففتح بها فتوحاً، ورجع إلى البصرة، فأقام بها حتى مات. قالوا: وولى عثمان البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز، فوجه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة إلى سجستان، فافتتحها صلحاً على أن لا يقتل بها ابن عرس ولا قنفذ وذلك لمكان الأفاعي بها، إنها تأكلها. ثم مضى إلى أرض الداور، فافتتحها واففتح بست وما يليها، ومضى إلى كابل وزابلستان، فافتتحها جميعاً، وبعث بالغنائم إلى ابن عامر وكان ورد المدائن رسولاً إلى الحسن من عند معاوية، كما روي عن الشعبي قال: بايع أهل العراق بعد علي الحسن بن علي، فأرسل الحسن بن علي عبد الله بن الحارث إلى معاوية، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب، فقدما المدائن إلى الحسن بن علي رضي الله عنه، فأعطياه ما أراد ووثقا له.

عبد الرحمن بن سهل بن زيد

قال عيينة بن عبد الرحمن: حدثني أبي قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة، وخرج زياد يمشي بين يدي سريره، ورجال يستقبلون السرير رويداً، يمشون على أعقابهم، يقولون: رويداً، بارك الله فيكم. يدبون دبيباً، حتى إذا كنا في بعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة. فلما رأى أولئك وما يصنعون حمل عليهم بغلته، وأهوى إليهم بسوطه، وقال: خلوا، فوالذي نفسي بيده لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنا نكاد أن نرمل بها رملاً، فأسرعوا المشي وأسرع زياد المشي. عبد الرحمن بن سهل بن زيد ابن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة الأنصاري الحارثي ممن شهد أحداً والخندق، وحدث عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدم الشام غازياً في خلافة عثمان - ومعاوية أمير على الشام - ومرت به روايا خمر تحمل، فقل فبقركل راوية منها فناوشه غلمانه حتى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه، فإنه شيخ قد ذهب عقله، فقال: كذب والله، ما ذهب عقلي، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا أن يدخل بطوننا وأسقيتنا، وأحلف بالله لئن أنا بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه. حدث عبد الرحمن بن سهل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كانت نبوة قط إلا تبعتها خلافة، ولا كانت خلافة قط إلا تبعها ملك، ولا كانت صدقة قط إلا كان مكساً.

عبد الرحمن بن شبل بن عمرو

وعبد الرحمن بن سهل أمه ليلى بنت رافع بن عامر، وهو المنهوش بحريرات الأفاعي، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمارة بن حزم برقيه برقية أمره بها، فرقاه، فهي رقية آل يتوارثونها إلى اليوم. وكان عمر استعمل عبد الرحمن بن سهل على البصرة حين مات عتبة بن غزوان. ولما نهش عبد الرحمن بن سهل قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهبوا به إلى عمارة بن حزم فليرقه. قال: قالوا: يا رسول الله، إنه يموت، قال: وإن، قال: فذهبوا به إلى عمارة فرقاه، فشفاه الله. وفي رواية عن سهل بن أبي حثمة قال: لدغ رجل لنا بحرة الأفاعي، فدعي بن حزم يرقيه، فأبى أن يرقيه حتى جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذنه فقال: اعرضها علي، فعرضها عليه فأذن له فيها. وحرة الأفاعي حين نروح من الأبواء إلى مكة، على ثمانية أميال على المحجة، وكانت منزلاً للناس قبل اليوم فأجلتهم منه الحيات عبد الرحمن بن شبل بن عمرو ابن زيد بن نجدة بن مالك بن لوذان بن عمرو بن عوف ابن عبد عوف، الأنصاري له صحبة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. قال عبد الرحمن بن شبل: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهاني عن أكل الضب.

عبد الرحمن بن شبيب الفزاري

كتب معاوية إلى عبد الرحمن بن شبل: أن علم الناس ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمعهم، فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تعلموا القرآن، فإذا علمتموه فلا تغلوا فيه، ولا تخفوا عنه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ثم قال: إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله، أليس قد أحل الله البيع وحرم الربا؟ قال: بلى، ولكنهم يحلفون ويأثمون، ثم قال: إن الفساق هم أهل النار. قالوا: يا رسول الله، ومن الفساق؟ قال: النساء. قالوا: يا رسول الله، ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: بلى، ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم يصبرن. ثم قال: ليسلم الراكب على الراجل، والراجل على الجالس، والأقل على الأكثر، فمن أجاب السلام كان له، ومن لم يحب فلا شيء له. وبنو مالك بن لوذان يقال لهم: بنو السميعة. كان يقال لهم في الجاهلية بنو الصماء، وهي امرأة من مزينة أرضعت أباهم مالك بن لوذان، فسماهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني السميعة. وأم عبد الرحمن بن شبل أم سعد بنت عبد الرحمن بن حارثة بن سهل بن حارثة بن قيس بن عامر بن مالك بن لوذان وروى عبد الرحمن بن شبل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن نقرة الغراب، وافتراس السبع. توفي عبد الرحمن بن شبل بالشام في إمارة معاوية، وكان أحد النقباء. عبد الرحمن بن شبيب الفزاري كان بدمشق عيناً لعلي بن أبي طالب. حدث الضحاك أن ابن غزية الأنصاري ثم النجاري قدم على علي بن أبي طالب عليه السلام من

مصر، وقدم عبد الرحمن بن شبيب الفزاري عليه من الشام، وكان عينه بها، فأما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر، فحدثه بما رأى وعاين من هلاك محمد بن أبي بكر، وحدثه الفزاري بأنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى، يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر، وقتل محمد بن أبي بكر، حتى آذن معاوية بقتله على المنبر، وقال له: ما رأيت يا أمير المؤمنين قوماً قط أسر، ولا سرور قومٍ قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبي بكر، فقال له علي: أما إن حزننا على قتله على قدر سوروهم به، لا بل يزيد أضعافاً، وحزن علي على محمد بن أبي بكر حزناً رئي في وجهه، وتبين فيه، وقام في الناس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ألا إن مصر أصبحت قد افتتحت، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد أصيب، رحمه الله، عند الله نحتسبه. أما والله إن كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى المؤمن. والله ما ألوم نفسي في تقصير، ولا عجز. إني بمقاساة الحروب لجد خبير، وإني لأتقدم في الأمر، فأعرف وجه الحزم، فأقول فيكم بالرأي المصيب، واستصرخ معلناً، وأناديكم نداء المستغيث، لا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة، وأنتم اليوم لا تدرك بكم الأوتار، ولا يشفى بكم الغل. دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف " كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ". فأف لكم، ثم نزل فدخل رحله.

عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب بن أحور

عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب بن أحور أبو عمرو المهري الدمشقي ثم المصري قال عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب إن فقيماً اللخمي قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين، وأنت كبير، يشق عليك فقال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أعانه، قال: قلت للحارث: قلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال: إنه من علم الرمي ثم تركه فليس منا، أو قد عصى. عبد الرحمن الأكبر بن صفوان ابن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ابن لؤي ين غالب بن فهر بن مالك الجمحي المكي أمه أم حبيب أميمة بنت أبي سفيان أخت معاوية. روى أن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار من أبيه صفوان أدراعاً، فهلك بعضها. فقال: إن شئت غرمنا فقال: لا. وفد على معاوية هو أخوه عبد الله، وكان معاوية يقدم عبد الله بن صفوان على عبد الرحمن، فعاتبته أخته في تقديمه إياه على ابنها، فأدخل ابنها عبد الرحمن وأمه عند معاوية، فقال:: حاجتك، فذكر ديناً وعيالاً،

عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس

وسأل حوائج لنفسه، فقضاها له ثم أذن لعبد الله بن صفوان، فقال: حوائجك، فقال: تخرج العطاء وتفرض للمنقطعين؛ فإنه قد حدث في قومك نائبة لا ديوان لهم، وقواعد قريش لا تغفل عنها، فإنهن قد جلسن على ذيولهن ينتظرن ما يأتيهن منك، وحلفاؤك من الأحابيش قد عرفت نصرهم ومؤازرتهم اخلطهم بنفسك وقومك، قال: أفعل، هلم حوائجك لنفسك، قال: فغضب عبد الله وقال: وأي حوائج لي إليك إلا هذا وما أشبهه؟ إنك لتعلم أني أغنى قريش، ثم قام وانصرف، فأقبل معاوية على أم حبيب بنت أبي سفيان أخته، وهي أم عبد الرحمن، فقال: كيف ترين؟ فقالت: أنت - يا أمير المؤمنين - أبصر بقومك. وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين الكعبة؟ قال: صلى ركعتين. عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس ابن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك، الفهري من سروات قريش وكرمائهم. قال الأصمعي: لما ولي محمد بن الضحاك بن قيس الفهري المدينة صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، لن تعدموا مني ثلاث خلال: لا اجمر لكم جيشاً، وإن أمرت فيكم بخير عجلته لكم، أو بشر أخرته عنكم، ولا يكون بيني وبينكم حجاب. فمكث عندهم كذلك. فلما عزل صعد المنبر، فبكى، وبكى الناس لبكائه، وقال: والله

ما أبكي جزعاً من العزل، وضناً بالولاية، ولكني أربأ بهذه الوجوه أن يتبدلها بعدي من لا يرى لها من الحق ما كنت أراه، وإني وإياكم يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار لكما قال أخو كنانة: الطويل فما القيد أبكاني ولا السجن شفني ... ولكنني من خشية النار أجزع بلى إن أقواماً أخاف عليهم ... إذا مت أن يعطوا الذي كنت مانع وقع في رواية الأصمعي: لما ولي محمد بن الضحاك، وإنما هو عبد الرحمن بن الضحاك. ولما استعمل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري على المدينة خطب فاطمة بنت حسين بن علي فقالت: والله، ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء، وجعلت تحاجزه، وتكره أن تباديه لما تخاف منه، وألح عليها، فقال: والله، لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر ولدك في الخمر - يعني: عبد الله بن حسن - قال: فبينا هي كذلك، وكان على ديوان المدينة ابن هرمز، فكتب إليه يزيد بن عبد الملك أن يرتفع إليه للمحاسبة، فدخل على فاطمة يودعها، وقال: هل من حاجة؟ فقالت: تخبر أمير المؤمنين ما ألقى من ابن الضحاك، وما يتعرض مني، قال: وبعثت رسولاً بكتاب إلى يزيد تذكر قرابتها ورحمها، وما ينال ابن الضحاك منها، وما يتوعدها به، فقدم ابن هرمز فأخبر يزيد، وقرأ كتابها، فنزل من أعلى فراشه، فجعل يضرب بخيزرانة في يده، ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك، من رجل يسمعني صوته في العذاب، وأنا على فراشي؟ ثم كتب إلى عبد الواحد بن عبد الله النصري - وهو يومئذ بالطائف - إني قد وليتك المدينة فأغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار، وعذبه حتى أسمع صوته، وأنا على فراشي. وبلغ ابن الضحاك الخبر فهرب إلى الشام، فلجأ إلى مسلمة بن عبد الملك، فاستوهبه من يزيد، فلم يفعل، وقال: قد صنع ما صنع وأدعه؟ فرده إلى النصري إلى المدينة، فاعزمه أربعين ألف دينار، وعذبه، وطاف به في جبة من صوف.

عبد الرحمن بن عامر

ولما عزل بالنصري عزم على التوجه إلى المدينة، فرد من الطريق، ووقف للناس، وكذلك كانت بنو أمية تفعل بالعامل إذا عزلته، فكان يمر به القرشيون فيعد لون إليه ويثنون عليه، ويجلسون تحته، حتى صاروا حلقة ضخمة؛ وسقط خف رجليه من الشمس حتى حمل حملاً. عبد الرحمن بن عامر أبو الأسود الكوفي سكن دمشق. حدث عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن جيش عن حذيفة قال: رأينا في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرور ذات يومٍ، فقلنا: يا رسول الله، لقد رأينا في وجهك اليوم تباشير السرور، فقال: ما لي لا أسر وقد أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما. عبد الرحمن بن عائذ أبو عبد الله - ويقال: أبو عبيد الله - الأزدي ثم الثمالي الحمصي يقال: إن له صحبة. وكان مع معاذ بن جبل بالجابية. حدث ابن عائذ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ثلاثة لا يحببهم ربك عز وجل: رجل نزل بيتاً خرباً، ورجل نزل على طريق السبيل، ورجل أرسل دابته ثم جعل يدعو الله أن يحبسها. وحدث عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث بعثاً قال: تألفوا الناس، وتأوبوهم، ولا تغيروا

عليهم حتى تدعوهم، فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إلي من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم، وتقتلوا رجالهم. وعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغير لحيته بماء السدر، وكان يأمرنا بالتغيير مخالفة للأعاجم. وحدث عبد الرحمن بن عائذ عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للناس يوماً: ألا أحدثكم ما حدثني الله في الكتاب؟ إن الله خلق آدم، وبنيه حنفاء، مسلمين وأعطاهم المال حلالاً لا حرام فيه، فمن شاء اقتنى، ومن شاء احترث، فجعلوا مما أعطاهم حلالا وحراماً. وعبدوا الطواغيت، فأمرني الله أن آتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه، فقلت لربي أخاطبه: إني إن آتيهم به تثلغ قريش رأسي، كما تثلغ الحبرة، فقال: أمضه أمضه وأنفق، انفق عليك، وقاتل بما أطاعك من عصاك، وإن شاء جعل مع كل جيش بعثته عشرة أمثالهم من الملائكة، ونافخ في صدر عدوك الرعب، ومعطيك كتابي لا يمحوه الماء. أذكركه نائماً ويقظاناً، فانصروني وقريشاً هذه، فإنهم قد دموا وجهي، وسلبوني أهلي وأنا مناديهم، فإن أغلبهم يأتوا ما دعوتهم إليه، طائعين، أو كارهين، وإن يغلبوني فاعلموا أني لست على شيء، ولا أدعوكم إلى شيء. قال: وقد كان مكحول يضارع حديث عبد الرحمن بن عائذ عن عياض بن حمار. وعائذ: بياء معجمة باثنتين تحتها وذال معجمة. قال ثور بن يزيد: كان أهل حمص يأخذون كتب ابن عائذ، فما وجدوا فيها من أحكام عمدوا بها على باب المسجد قناعة بها ورضى بحديثها. لما أتي الحجاج بعبد الرحمن بن عائذ أسيراً يوم الجماجم وكان به عارفاً فقال له

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي

الحجاج: عبد الرحمن بن عائذ، كيف أصبحت؟ قال: كما لا يريد الله، ولا يريد الشيطان، ولا أريد. قال له: ما تقول ويحك! قال: نعم، يريد الله أن أكون عابداً زاهدا. ما أنا بذاك، ويريد الشيطان أن أكون فاسقاً مارقاً، والله ما أنا بذاك، وأريد أن أكون مخلى سربي، آمناً في أهلي، والله ما أنا بذاك، فقال له الحجاج: مولد شامي، وأدب عراقي، وجيراننا إذ كنا في الطائف، خلوا عنه. عبد الرحمن بن عائش الحضرمي له صحبة، وقيل: لا صحبة له، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً واحداً. حدث عبد الرحمن قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة فقال قائل: ما رأيت أسفر وجهاً منك الغداة، فقال: ما لي، وقد تبدى لي ربي في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أنت أعلم أي رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال: قلت: أنت أعلم أي رب، فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السموات والأرض، ثم تلا هذه الآية " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين " قال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت: في الكفارات رب، قال: وما هن؟ قال: المشي على الأقدام إلى الجمعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكاره، قال: من يفعل ذلك يعش بخير، ويمت بخير، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات إطعام الطعام، وبذل السلام، وأن يقوم بالليل والناس نيام. سل تعطه، قلت: اللهم، إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب علي، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، فتعلموهن، فوالذي نفسي بيده إنه لحق.

عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث

وذكر أبو سلام أنه سمع عبد الرحمن بن عائش يقول في هذا الحديث إنه سمع روس الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم، إني أسألك حبك وحب من أحبك، وحباً يبلغني حبك. ومن طريق آخر أن عبد الرحمن حدث عن مالك بن يخامر السكسكي عن معاذ بن جبل قال: احتبس عنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فثوب بالصلاة، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتجوز في صلاته. فلما سلم دعا بصوته قال لنا: على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل إلينا فقال: إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى..الحديث. عائش: بياء باثنتين من تحتها، وشين معجمة. عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث ابن نظام بن جشم بن عمرو بن مالك بن الحارث بن عبد الجن أبو المصبح الهمداني الشاعر الأعشى، المعروف بأعشى همدان. شاعر فصيح، من أهل الكوفة، وكانت تحته أخت الشعبي الفقيه، وأخته تحت الشعبي، وكان فقيهاً، قارئاً، ثم ترك ذلك، واشتغل بقول الشعر، وقدم دمشق في صدر أيام بني أمية، وخرج مع ابن الأشعث فأتي به الحجاج، فقتله صبراً. قال الأعشى للشعبي: يا أبا عمروٍ، رأيت كأني دخلت بيتاً فيه حنطة وشعير، فقبضت بيميني حنطة، وقبضت بيساري قبضة شعير، ثم خرجت، فنظرت، فإذا في يميني شعير، وإذا في يساري حنطة، فقال: لئن صدقت رؤياك لتستبدلن بالقرآن الشعر، فقال الأعشى الشعر بعدما كبر، وكان قبل ذلك إمام الحي ومقرئهم.

قال الهيثم بن عدي: لما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة وولاه معاوية حمص وفد عليه أعشى همدان، فقال له: ما اقدمك أبا المصبح؟! قال: جئتك لتصلني وتحفظ قرابتي وتقضي ديني، قال: فأطرق ثم رفع رأسه، ثم قال، والله ما من شيء، ثم قال: هيه، كأنه ذكر شيئاً، فقام فصعد المنبر فقال: يا أهل حمص - وهم يومئذ في الديوان عشرون ألفاً - هذا ابن عم لكم، من أهل القرآن والشرف قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون فيه؟ قالوا: أصلح الله الأمير احكم له فأبى عليهم، فقالوا له، فإنا قد حكمنا له على أنفسنا: من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، نعجلها له من بيت المال، فعجل له أربعين ألف دينار فقبضها ثم أنشأ يقول: الطويل ولم أر للحاجات عند التماسها ... كنعمان نعمان الندى ابن بشير إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن ... كمدل إلى القوام حبل غرور متى أكفر النعمان لا أك شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشكور قال الشعبي: كنت أجالس الأحنف فأفاخر جلساءه من أهل البصرة بأهل الكوفة، فقال: إنما أنتم خول لنا، استنقذناكم من عبيدكم، فذكرت كلمة قالها أعشى همدان: الرمل أفخرتم أن قتلتم أعبداً ... وهزمتم مرة آل رعل نحن قدناكم إليهم عنوةً ... وجمعنا أمركم بعد الفشل فإذا فاخرتمونا فاذكروا ... ما فعلناه بكم يوم الجمل بين شيخٍ خاضب عثنونه ... أو فتى أبيض وضاح رفل

جاءنا يهدر في سابعةٍ ... فذبحناه كما ذبح الحمل وعفونا فنسيتم عفونا ... وكفرتم نعمة الله الأجل فقال الأحنف: يا جارية.، هاتي تلك الصحيفة الصفراء. وعن عامر قال: كنت أجالس الأحنف بن قيس فأفاخر أهل البصرة بأهل الكوفة، فبلغ منه كلامي ذات يوم، وأنا لا أدري، فقال: يا جارية، هاتي ذلك الكتاب، فجاءت به، فقال: اقرأ وما يدري أحد من القوم ما فيه، قال: فقرأته فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من المختار بن أبي عبيد إلى إلى الأحنف بن قيس ومن قبله من ربيعة ومضر، أسلم أنتم؟ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فويل لأم ربيعة ومضر، وإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع بهم الصدر، وإني لا أملك لكم ما خط في القدر، وإنه بلغني أنكم تكذبون، وتؤذون رسلي، وقد كذبت الأنبياء، وأوذوا من قبلي، فلست بخير من كثير منهم والسلام. فملا قرأته قال: أخبرني، هذا من أهل البصرة أو من أهل الكوفة؟ قلت: يغفر الله لك أبا بحر، إنما كنا نمزح، ونضحك. قال: لتخبرني ممن هو، قلت: يغفر الله لك، أبا بحر، قال: لتخبرني، قلت: من أهل الكوفة، قال: فكيف تفاخر أهل البصرة وهذا منكم؟! ومما قاله أعشى همدان في المختار وشيعته: الطويل شهدت عليكم أنكم سبئية ... وأني بكم يا شرطة الشرك عارف وأقسم ما كرسيكم بسكينةٍ ... وإن كان قد لفت عليه اللفائف وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت ... شبام حواليه ونهد وخارف

عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن

وإني امرؤ أحببت آل محمدٍ ... وتابعت وحياً ضمنته المصاحف وبايعت عبد الله لما تبايعت ... عليه قريش شمطها والغطارف يعني ابن الزبير، والكرسي كان مع المختار، يزعم أنه كالتابوت في بني إسرائيل. وفي سنة ثلاث وثمانين زحف ابن الأشعث إلى البصرة، فلقي الحجاج بالزاوية، فاقتتلا، ثم إن ابن الأشعث توجه إلى الكوفة منهزماً من الحجاج لعشر خلون من المحرم، وخرج الحجاج في أثره حتى اجتمعوا في دير الجماجم، فكانت بين الحجاج وبين عبد الرحمن بن الأشعث ثمانون وقعة، ومضى ابن الأشعث في شعبان إلى البصرة، وتبعه الحجاج حتى أجلاه عنها نحو الهواز، وشخص في أثره فالتقوا بدجيل الأهواز، فهزمه الحجاج، وأسر من اصحابه ثلاثة آلاف رجل، فضرب أعناقهم كلهم، ووجه في طلب ابن الأشعث عمارة بن تميم ومحمد بن الحجاج، ورجع الحجاج إلى واسط، فابتدأ في بنائها. وقتل الأعشى الهمداني الشاعر، قتله الحجاج صبراً يومئذ، وأتي به إليه أسيراً. عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن أبو القاسم المقرئ الشافعي الدمشقي حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى بن راشد بن خالد بن يزيد بن سعيد بن عبد الله الكلابي المعروف بأخي تبوك بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر. توفي سنة ثلاث وأربعين.

عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن

عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن ابن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان أبو الحسين بن أبي القاسم بن أبي عبد الله السلمي، المعروف بابن أبي الحديد خطيب دمشق المعدل. حدث عن جده أبي عبد الله بسنده إلى ابي ثعلبة الخشني قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بما يحل لي وما يحرم علي، قال: فصعد في البصر وصوبه وقال: نوبئته، قلت: يا رسول الله، نوبئته خير، أو نوبئته شر؟ قال: بل نوبئته خير: لا تأكل لحم الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السباع. قال أبو الحسين: إنه ولد سنة أربع وستين واربع مئة، وذكر قبل ذلك أنه ولد سنة اثنتين وستين. توفي سنة ست وأربعين وخمس مئة. عبد الرحمن بن عبد الله بن الزبير ابن محمد بن دينار بن مهران أبو بكر الرهاوي حدث بدمشق وسكنها. روى عن أبيه بسنده عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: سألت أنس بن مالك: كيف تتوضأ؟ قال: تسألني كيف أتوصأ، ولا تسألني كيف رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ؟ قلت: نعم، قال: رأيته توضأ ثلاثاً، وقال: بهذا أمرني ربي عز وجل.

عبد الرحمن بن عبد الله

عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المدني غزا القسطنطينية. حدث عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: " قل هو الله أحد " يرددها. فلما أصبح أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقللها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن. توفي ابن أبي صعصعة الأنصاري في خلافة أبي جعفر. عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ابن عبد الله بن مسعود، الهذلي المسعودي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لقد دعوت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وليمة ليس فيها خبز ولا لحم، قال: فقلت: يا أبا حمزة، فماذا أكلوا؟ قال: أتي بنطاع فبسطت، ثم أتي بتمر وسمن، فأكلوا، أو ليس التمر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير؟. وفي نسخة: سويق بدل سمن. توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ببغداد. وكان ثقة كثير الحديث، إلا أنه اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة. قيل: إنه تغير قبل موته بسنة أو سنتين.

عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان

قال أبو النضر هاشم بن القاسم: إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي: كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان، فقال له: إن غلامك أخذ عشرة آلاف من ملكك وهرب، ففزع وقام يدخل إلى منزله، ثم خرج إلينا وقد اختلط، رأينا فيه الاختلاط. قال محمد بن عمران بن زياد: قال أبو نعيم - وسألته عن حديث عن المسعودي - فقال: لو رأيت رجلاً عليه قباء أسود وشاشية، وفي وسطه خنجر، كيف تكتب عنه؟ ثم قال: رأيت المسعودي هكذا، ومكتوب بين كتفيه ببياض: " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وقيل: إن ابنه وقع في بئر قد كنس فيها، فخرج فمات، فاختلط حين رآه. توفي المسعودي سنة ستين ومئة. عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو محمد - ويقال: أبو عبد الله - ويقال: أبو عثمان - ابن أبي بكر الصديق له صحبة بسيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم الشام قبل الفتح، ورأى ابنة الجودي ببصرى، ثم دخل الشام بعد الفتح. حدث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، وسادس، أو كما قال. وأن أبا بكر جاء بثلاثة نفر، وانطلق نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعشرة، وكنت أنا وأبي وأمي.

ولا أدري لعله قال: امرأتي، وخادمي - بين بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع، فلبث حتى نعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت امرأته: ما حبسك؟ قد حبست عن أضيافك - أو قالت: ضيفك - قال: أو ما عشيتموهم؟ قالت: لا، أبوا إلا انتظارك حتى تجيء، قال: فعرضوا عليهم، فغلبوهم، قال: فذهبت فاختبأت، فقال لي أبو بكر: يا غنثر، فجئت، قال: فجدع وسب وقال: كلوا هنيئاً، لا أطعمه أبداً، قال: فأكلنا، قال: فوالله ما كنا نأخذ لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال: فشبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، ونظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ قالت: لا، وقرة عيني، ألا وهي الآن أكثر منها ثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر، ثم قال: إنما كان ذلك من الشيطان - يعني: يمينه - فأكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبحت - يعني: عنده - قال: وكان بينه وبين قوم عقد، فمضى الأجل، فعرضنا، فإذا هم اثنا عشر رجلاً، مع كل واحد منهم أناس، الله أعلم بهم كثرة إلا أنها بقيت معهم بقية من ذلك الطعام، فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال. وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أردف عائشة فأعمرها من التنعيم. قال الزبير: عبد الرحمن بن أبي بكر كان اسمه عبد العزى، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن. وقال مصعب: عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر.

وكان يختلف إلى الشام في تجارة قريش في الجاهلية. فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي من غسان، وكان يهذي بها، ويذكرها في شعره. وأم عبد الرحمن وعائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. وقيل: أمهما أم رومان بنت عمير بن عبد مناف بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة، وقيل: أم رومان بنت الحارث بن الحويرث من بني فراس بن غنم بن كنانة بن خزيمة، وفيها خلاف آخر. ولم يزل عبد الرحمن بن أبي بكر على دين قومه، وشهد بدراً مع المشركين، ودعي إلى المبارزة، فقام إليه أبو بكر الصديق ليبارزه فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متعنا بنفسك. ثم اسلم عبد الرحمن في هدنة الحديبية، وهاجر إلى المدينة، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخبير أربعين وسقاً، وشهد الجمل مع عائشة، وقدم على عبد الله بن عامر البصرة، وتوفي قبل عائشة بيسير. وكانت وفاة عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، وكانت وفاة عبد الرحمن بالحبشي من مكة على بريد في سنة ثلاث وخمسين، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، بعد سعد بن أبي وقاص. وقدم مصر سنة ثمان وثلاثين. وكان سبب قدومه أن عائشة لما بلغها أن معاوية قد عقد لعمرو بن العاص، وأمره بالمسير إلى مصر لقتال محمد بن أبي بكر، وكان محمد أمير مصر لعلي أرسلت عبد الرحمن ليتكلم في أمر محمد. فما أغنى عنه شيئاً. وقيل: إن عمرو بن العاص قال لعبد الرحمن: ما جعل إلي معاوية من الأمرشيئاً، وما أنا إلا بواء، وما الأمر إلا لهذا الكندي، يريد: معاوية بن حديج. توفي عبد الرحمن بمكة في نومة نامها، فأعتقت عائشة رضي الله عنها عنه، وقابلت في أمره معاوية سنة ثلاث وخمسين، وقيل: أربع وخمسين، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سنة ثمان وخمسين.

وقال علي بن زيد جدعان: إن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل الفتح. وقال مصعب بن عبد الله: وقف محكم اليمامة يوم الحديقة على ثلمة فحماها، فلم يجترئ عليه أحد فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله، فدخل المسلمون من تلك الثلمة. قال: وكان أحد الرماة. قال يحيى بن يحيى الغساني: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يشبب بجارية في الجاهلية، فقدم على يعلى بن منية وهو على اليمن، فوجدها في السبي، فسأله أن يدفعها إليه، فابى، وكتب يعلى إلى أبي بكر يذكر له أمر عبد الرحمن، فكتب أن ادفعها إليه. وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قدم الشام في تجارة، فرأى هنالك امرأة يقال لها ابنة الجودي على طنفسة، حولها ولائد، فأعجبته واسمها ليلى، وذكر من جمالها، فقال عبد الرحمن فيها: الطويل تذكرت ليلى والسماوة دونها ... فما لابنة الجودي ليلى وماليا وأنى تعاطي قلبه حارثية ... تدمن بصرى أو تحل الجوابيا وأنى تلاقيها بلى ولعلها ... إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا

فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال لصاحب الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأعجب بها، وآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة، فعاتبته على ذلك فقال: والله كاني أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها. وعنه أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق. كتب معاوية إلى مروان أن يبايع ليزيد بن معاوية، فقال عبد الرحمن: جئتم بها هرقلية وفوقية، يبايعون لأبنائكم، فقال مروان: أيها الناس، إن هذا الذي يقول الله تعالى: " والذي قال لوالديه أف لكما " إلى آخر الآية، فغضبت عائشة وقالت: والله، ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته. قال عبد الله بن نافع بن ثابت: قام مروان على المنبر، فدعا إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير بكلام، موضعه غير هذا، وقال له عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقلية؟! إذا مات كسرى كان كسرى مكانه، لا نفعل والله أبداً. جاء كتاب من معاوية إلى مروان وهو على المدينة في سيد المسلمين وشيخ أمير المؤمنين يزيد بن أمير المؤمنين، وإنا قد بايعنا له، قال: فمسح مروان إحدى يديه على الأخرى، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: يا مروان، إنما هي هرقلية! كلما مات هرقل كان هرقل مكانه! ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد الله؟ فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيه " والذي قال لوالديه أف لكما " إلى

آخر الآية، فقام عبد الرحمن حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فأخبرها، فضربت بسترٍ على الباب، فقالت: يا بن الزرقاء أعلينا تتأول القرآن؟! لولا أني أرى الناس كأنهم أيدٍ يرتعشون، لقلت قولاً تخرج من أقطارها، فقال مروان: ما يومنا منك بواحد. وعن عبد العزيز الزهري قال: بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمئة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن، وأبى أن ياخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟! وخرج إلى مكة فمات بها. وعن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين توفي، تعني: كفن في حلة، ثم بدا لهم فنزعوها، وكفن في ثلاثة أثواب سحولية، ثم إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخذ تلك الحلة، فقال: تكون في كفني، ثم بدا له، فقال: شيء لم يرضه الله لرسوله لا خير فيه فأماطه. قال: كذا روي. والمحفوظ أن الذي حبس الحلة عبد الله بن أبي بكر. وعن ابن مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر هلك وقد حلف أن لا يكلم إنساناً. فلما مات قالت عائشة: يميني في يمين ابن أم رومان. وعن القاسم بن محمد أن معاوية انصرف حين قدم المدينة من مكة، فلم يلبث ابن أبي بكر إلا يسيراً حتى توفي، بعدما خرج معاوية من المدينة.

وعنه قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في مقيل قاله، على غير وصية، فأعتقت عنه عائشة رقيقاً من تلاده، ترجو أن ينفعه الله بذلك بعد موته. وعن ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي بالحبشي على رأس أميال من مكة، فنقله ابن صفوان إلى مكة، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: ما آسى من أمره إلا على خصلتين: إنه لم يعالج ولم يدفن حيث مات. قال نافع: وكان مات فجأة. وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن امرأة دخلت بيت عائشة، فصلت عند بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي صحيحة، فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت، فقالت عائشة: الحمد الله الذي يحيي ويميت، إن في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر، رقد في مقيل له قاله، فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات، فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شر، أو عجل عليه فدفن وهو حي، فرات أنه عبرة لها، وذهب ما كان في نفسها من ذلك. ولما مات أخو عائشة فجأة شق عليها وقالت: لو كان أصيب في بعض جسده لكان أحب إلي، ثم قالت: أما إنها أخذه أسف، وتخفيف عن المؤمن. وعن ابن أبي مليكة قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالصفاح أو قريباً منها، فحملناه على عواتق الرجال حتى دفناه بمكة، فقدمت عائشة بعد وفاته، فقالت: أين قبر أخي؟ فأتته فصلت عليه. وعنه قال: لما قدمت عائشة أتت قبر أخيها فبكت عليه وقالت: أما والله لو حضرتك حيث مت لدفنتك مكانك، ولو حضرت ما بكيت وقالت:

عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان

وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن نتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دفنته إلا حيث مات، وما أدخلته مكة. قدمت أم المؤمنين ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن قبر عبد الرحمن بن أبي بكر. قال: ففعلت يومئذ وتركت، فقالت لها امرأة: وإنك لتفعلين مثل هذا يا أم المؤمنين؟! قالت: وما رأيتيني فعلت؟ إنه ليست لنا أكباد الأبل، ثم أمرت بفسطاط فضرب على القبر ووكلوا به إنساناً، وارتحلت، فقدم ابن عمر فرأى الفسطاط مضروباً، فسأل عنه فحدثوه، فقال للرجل: انزعه، فقال: إنهم وكلوني، قال: انزعه، وأخبرهم أن عبد الرحمن إنما يظله عمله. قال: وتوفيت عائشة بعد ذلك بيسير سنة تسع وخمسين. عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم ابن قسي - وهو ثقيف - ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل أبو سليمان - ويقال: ابو مطرف - الثقفي، المعروف بابن أم الحكم امه أم الحكم بنت أبي سفيان أخت معاوية. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وقيل: له صحبة. أمر في غزوه الروم، وغلب على دمشق لما خرج عنها الضحاك بن قيس إلى مرج راهط، ودعا إلى مروان بن الحكم. حدث عبد الرحمن بن عبد الله ابن أم الحكم الثقفي قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض سكك المدينة إذ عرض له اليهود فقالوا: يا محمد ما الروح؟ وبيده عسيب نخل، فاعتمد عليه، ورفع رأسه ثم قال: " ويسألونك عن الروح " إلى قوله: " قليلاً ". قال: فسمع الله عز وجل فمقتهم.

وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف، قال: فأتيناه، فأنحنا ببابه، وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال: فإنك منا يا رسول الله، ألا سألت ربك فملكك ملك سليمان؟ قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: لعل صاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنها من دعا بها على قومه لما عصوه أهلكوا بها، ثم إن الله تعالى أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي: شفاعة لأمتي يوم القيامة. وحدث عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي أنه صلى خلف عثمان - يعني: ابن عفان - صلاة الجمعة، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن وسورة الجمعة، وفي الركعة الثانية بأم القرآن وسبح - للحواريين - يعني: سورة الصف. وحدث أيضاً قال: صليت خلف عثمان بن عفان الصلاة فكان يقرأ في صلاة الصبح من يوم الجمعة إلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الصبح من يوم الخميس ما بين " الذين كفروا " إلى الممتحنة أربع عشرة سورة، ويقرأ في صلاة الجمعة بسبح - للحواريين - والجمعة، ويقرأ في صلاة العشاء من ليلة الجمعة إلى صلاة العشاء من ليلة الخميس من " إذا جاءك المنافقون " إلى " هل أتى على الإنسان " أربع عشرة سورة، ويقرأ في صلاة المغرب من ليلة الجمعة إلى صلاة المغرب من يوم الخميس من المرسلات إلى " لا أقسم بهذا البلد " أربع عشرة سورة، سورة في إثر سورة. كان جد عبد الرحمن بن أم الحكم عثمان بن عبد الله يحمل لواء المشركين يوم حنين - لواء هوازن - فقتله علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبعده الله، إنه كان يبغض قريشاً. وولي عبد الرحمن الكوفة ومصر، وولده يسكنون دمشق.

وحبيب بتشديد الياء باثنتين من تحتها، هو حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط. وعن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبد الرحمن بن أم الحكم يخطب قاعداً فقال: انظروا إلى هذا الحبيب يخطب قاعداً، وقد قال الله عز وجل: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائماً ". وعن ثابت بن عبيد قال: قتل عبد الرحمن بن أم الحكم ابن صلوبا، فجاء الشيخ صلوبا، فدخل المسجد آخذاً بلحيةٍ له بيضاء، فقال: يا معشر المسلمين، علام قتل ابني؟ على هذا صالحت عمر بن الخطاب؟ قال: فقال الناس: ذمتكم ذمتكم، فاجتمع الناس، وجاء جرير، قال: فجاء عبد الرحمن ناس فقالوا له: إنا نخاف عليك فأغلق باب المقصورة. ولما اشتد بلاء عبد الرحمن بن أم الحكم على أهل الكوفة قال عبد الله بن همام السلولي شعراً، وكتبه في رقاع وطرحها في مسجد الجامع الوافر ألا أبلغ معاوية بن صخرٍ ... فقد خرب السواد فلا سوادا أرى العمال أفتننا علينا ... بعاجل نفعهم ظلموا العبادا فهل لك أن تدارك ما لدينا ... وتدفع عن رعيتك الفسادا؟ وتعزل تابعاً أبداً هواه ... يخرب من بلادته البلادا إذا ما قلت أقصر عن مداه ... تمادى في ضلالته وزادا فبلغ الشعر معاوية فعزله.

قال الجارود بن أبي سبرة: دخلت على بلال ابن أبي بردة فقلت: قال حارثة بن بدر في عبد الرحمن بن أم الحكم: البسيط نهاره في قضايا غير عادلةٍ ... وليله في هوى سعد بن هبار فيصبح القوم طلحى قد أضر بهم ... نص المطي وليل المدلج الساري ما يسمع الناس أصواتاً لهم ظهرت ... إلا دوياً دوي النحل في الغار فلما خرجت مني ندمت، وقلت يظن أني قد عرضت بت وبالرغل، والرغل من حرم، أي أنه يشرب معه. قال: فأمر خبيئة فأخرج على جرته ثلاث مئة درهم في النهرين، وما كان في النهرين شيء. قال: وأكثر أهل النهرين ذمة؟. استعمل معاوية ابن أم الحكم على الكوفة فأساء السيرة فيهم، وطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال: أوليك خيراً منها: مصر، قال: فولاه، فتوجه إليها، وبلغ معاوية بن حديج السكوني الخبر، فخرج، فاستقبله على مرحلتين من مصر، فقال: ارجع إلى خالك، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية، وأقبل معاوية بن حديج وافداً، قال: وكان إذا جاء قلست له الطريق - يعني: ضربت له قباب الريحان - قال: فدخل على معاوية وعنده أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بخٍ، هذا معاوية بن حديج، قالت: لا مرحباً به تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: على رسلك يا أم الحكم، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا، فيسير فينا كما سار في

إخواننا من أهل الكوفة، ما كان الله ليرى ذلك، ولو فعل لضربناه ضرباً يصامي منيته، وإن كان ذلك الجالس، فالتفت إليها معاوية، فقال: كفي. كان عبد الرحمن بن أم الحكم ينازع يزيد بن معاوية كثيراً، فقال معاوية لأبي خداش بن عتبة بن أبي لهب: إن عبد الرحمن لا يزال يتعرض ليزيد، فتعرض له أنت، حتى يسمع يزيد ما يجري بينكما، ولك عشرة آلاف درهم، قال: عجلها لي، فعجلها له، فحملت إليه ثم التقوا عند معاوية، فقال أبو خداش: يا أمير المؤمنين، أعدني على عبد الرحمن، فإنه قتل لي مولى بالكوفة، فقال عب الرحمن: يا بن بنت، ألا تسكت؟ فقال أبو خداش لعبد الرحمن: يا بن تمدر، يا بن البريج، يا بن أم قدح، فقال معاوية: يا أبا خداش، حسبك، يرحمك الله علي دية مولاك، فخرج أبو خداش، ثم عاد إلى معاوية، فقال: أعطني عشرة آلاف درهم أخرى، وإلا أخبرت عبد الرحمن أنك أنت أمرتني بذلك، فأعطاه عشرة آلاف وقال: فسر ليزيد ما قلت لعبد الرحمن، قال: هن أمهات لعبد الرحمن حبشيات، وقد ذكرهن ابن الكاهلية الثقفي وهو يهجو ابن عم لعبد الرحمن: الوافر ثلاث قد ولدنك من حبوش ... إذا يسمو خدينك بالزمام: تمدر والبريج وأم قدح ... ومجلوب يعد من ال حام وعن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن أم الحكم سأل امرأة له أن يخرجها من ميراثها منه في مرضه فأبت، فقال: لأدخلن عليك من ينقص حقك أو يضر به، فنكح ثلاثاً في مرضه، أصدق كل واحدة منهن ألف دينار، فأجاز عبد الملك بن مروان، وشرك بينهن في الثمن.

عبد الرحمن بن عبد الله بن علي

عبد الرحمن بن عبد الله بن علي ابن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد بن صهيب بن طليب بن البخيت بن علقمة بن الصبر أبو علي بن أبي العجائز الأزدي المعدل حدث ابن أبي العجائز بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من آية أو سورة أوتيها رجل ثم نسيها. حدث محمد بن قدامة قال: أتينا باب سفيان بن عيينة فحجبنا عنه، قال: فجلسنا على بابه، فلم نشعر إلا بخادم الرشيد هارون، يقال له حسين جاء في طلبه، فأخرجه، فقمنا إليه فقلنا: يرحمك الله، أما أهل الدنيا فيصلون إليك، وأما نحن فلا نصل إليك، قال: قد وجدتم مقالاً فقولوا: لا افلح ذوعيال، ثم أنشأ يقول: البسيط اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري ثم التفت إلينا فقال: يا أصحاب الحديث، تركتم الطواف وجئتم؟ قلنا: أصلحك الله قد طفنا، ولسنا نترك حظنا منك، قال: ما مثلي ومثلكم إلا كمثل إخوة يوسف إذ قالوا: اقتلوه وكونوا من بعده قوماً صالحين ثم قال: يا أصحاب الحديث، بم تشبهون حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما شغل عبدي ذكري عن مسألتي إلا أعطيته أفضل ما أعطي السائلون؟ قلنا له: تقول يرحمك الله، قال: بقول الشاعر: مجزوء الكامل وفتى خلا من ماله ... ومن المروءة غير خال أعطاك قبل سؤاله ... وكفاك مكروه السؤال توفي ابن أبي العجائز في المحرم سنة تسع وعشرين وأربع مئة.

عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد

عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد أبو الميمون البجلي حدث أبو الميمون بن راشد عن بكار بن قتيبة بسنده إلى مالك بن أنس قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بأرض يخترف، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الرجل إلى أبيه وأمه؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفاً. فقال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: فقرأ عليه الآية " من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، يار سول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني يبهتوني، قال: فجاءت اليهود، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالزا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أفرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله بن سلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، فنقضوه، فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله. ولد أبو الميمون سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وقيل: سنة خمسين. وكان شيخاً جليلاً من معدلي دمشق، ومات سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. وكان نبيلاً، مأموناً، من أهل الأدب، ويقول الشعر، وكان ممتعاً ببصره وعقله وصحة جسده، غير أن سمعه كان قد لحقه ثقل.

عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز

عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز الجمحي الفلسطيني غزا أرض الروم مع أبيه، واجتاز بدمشق. حدث عن أبيه عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب على نبيه أو على عينيه أو على والديه فإنه لا يرح رائحة الجنة. حدث عبد الرحمن بن عبد الله بن محيريز عن أبيه أنه كان في بعث الصائفة، فمرض مرضاً شديداً، فقال: يا بني، احملني فسر بي إلى أرض الروم، قال: فحملته، فلم أزل أسير به وهو يقول يا بني، أسرع في السير، قلت: يا أبه، إنك شاكٍ، قال: يا بني، إني أحب أن يكون أجلي بأرض الروم، فما زالت أسير به حتى هلك بأرض حمص. وفي رواية قال: مرض أبي، ونحن نسير إلى دابق غازياً، فقلت: يا أبه، أقيم بك، قال: يا بني إن استطعت أن تنقلني من منزل إلى منزل فافعل، قال: فلما مات همني من يصلي عليه، فرأيت على جنازته صفوفاً لا أعرفهم. وفي رواية: كنت مع أبي في السفر الذي مات فيه. فلما أتينا فامية قضى. عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم الهذلي الكوفي حدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

وعنه قال: لعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وعنه قال: الصفقة بالصفقتين ربا. وأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسباغ الوضوء. وحدث عبد الرحمن بن عبد الله قال: إن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة، وأنا جالس مع أبي في المسجد، فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت! أجاءك من أمير المؤمنين أمر فسمع وطاعة؟ أو ابتدعت الذي صنعت؟! قال: لم يأتني من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ الله أن أكون ابتدعت، أبى الله علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا، ونتبع حاجتك. وعن قيس بن ابي حازم قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة، وهم يقرؤون قراءة ما أنزلها الله على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، قال: فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم وهم يتبعون رجلاً، ورأسهم عبد الله بن النواحة، قال: فأمر به عبد الله فقتل، ثم قال: ما كنا لنحرز الشيطان هؤلاء ولكنا نحدرهم إلى الشام، لعل الله أن يكفيناهم. وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود في ارتداد ابن النواحة وإيمانه بمسيلمة قال: فقال لقرظة بن كعب: انطلق فأحط بالدار فخذهم، فأتني بهم، قال: فأخذهم، فجاء بهم، فقال له عبد الله: أكتاب بعد كتاب الله؟! ورسول بعد رسول الله؟! قال: فقال لقرظة بن كعب: انطلق به إلى السوق، فاضرب عنقه، ثم انطلق برأسه حتى تجعله في حجر أمه، فإني أراها قد كانت تعلم منه علماً، قال فقال القوم: فإنا نسنغفر الله، ونتوب إليه، ونشهد أم مسيلمة هو الكذاب، قال: فقال عبد الرحمن - يعني ابن عبد الله بن مسعود - فلقيت شيخاً منهم بالشام طويل اللحية فقال لي: يرحم الله أباك، والله لو قتلنا جميعاً لدخلنا النار.

عبد الرحمن بن عبد الله بن يزداد الرازي

وعن أبي إسحاق قال: ذكر الضب عند عبد الرحمن بن عبد الله فقال إنسان من القوم: حرام، فقال عبد الرحمن: من حرمه؟ سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن محرم الحلال كمستحل الحرام. توفي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود مقدم الحجاج العراق سنة سبع وسبعين. وقيل: سنة تسع وسبعين، وكان ثقة، قليل الحديث، وقد تكلموا في روايته عن أبيه، وكان صغيراً. قيل: إنه سمع من أبيه، وقيل: إنه لم يسمع من أبيه شيئاً. وكان هذلياً حليف بني زهرة، وكان شاعراً وهو القائل: الخفيف أيها الشاتمي لتوهن عرضي ... أنت بي جاهل وفيك اغترار ومتى أدع زهرة بن كلابٍ ... يستجيبوا أو تأتني أنصار فيهم غلظة لمن خاشنوه ... ويسار إذا يراد يسار قيل: إن عبد الله مات، وعبد الرحمن ابن ست، أو نحو ذلك. أوصى عبد الله ابنه عبد الرحمن فقال: أوصيك بتقوى الله، وليسعك بيتك، وابك من خطيئتك، واملك عليك لسانك. عبد الرحمن بن عبد الله بن يزداد الرازي سكن بخارى، وسمع بدمشق. حدث ببخارى عن الحسن بن حبيب الدمشقي بسنده قال: قال بشر بن الحارث: ما رأيت أسمج من فقير جالس بين يدي غني، ولا رأيت أحسن من غني جالس بين يدي فقير.

عبد الرحمن بن عبد العزيز

عبد الرحمن بن عبد العزيز أبو عبد الملك ابن الفارسي القيسراني حدث عن الفريابي قال: سمعت الأوزاعي يقول: لما فرغ عبد الله بن علي من قتل بني أمية بعث إلي، وكان قتل يومئذٍ نيفاً وسبعين بالكافر كوبات إلا رجلاً واحداً فدخلت عليه، وقد أقام أولئك الجند بالسيوف والغمد، قال: فدخلت فسلمت، فأشار بيده، فقعدت فقال: ما تقول في دماء بني أمية؟ فحدت، فقال: قد علمت من حيث حدت، أجب إلى ما سألتك عنه، قال: وما لقيت مفوهاً مثله قط، قال: فحدت أيضاً، فقال: كأن لهم عليك عهداً، وإن كان ينبغي لك أن تفي لهم بالعهد الذي جعلته، قال: فقال لي: فاجعلني وإياهم، ولا عهد لهم علي، ما تقول في دمائهم؟ قلت: هي عليك حرام، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحل قتل مسلم إلا في ثلاث: الدم بالدم، والثيب الزاني، والمرتد عن الإسلام، فقال لي: ولم ويلك؟ أوليست الخلافة وصية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاتل عليها علي بصفين؟ قلت: لو كانت الخلافة وصية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رضي علي بالحكمين، قال: فنكس، ونكست أنتظر، قال: فأطلت ثم قلت: البولة، قال: فأشار بيده: هكذا، أي اذهب، قال: فقمت، فجعلت لا أخطو خطوة إلا ظننت أن رأسي يقع عندها. وحدث عبد الرحمن بن عبد العزيز عن محمد بن عبد الله بن حميد المقراني قال: لما نزل الأوزاعي مدين خرج خادمه ليشتري تمراً فقال: أين تريد؟ قال: أشتري تمراً، قال: لا خير فيه، إنه مسوس، قال: لا اشتري إلا جيداً، قال: ذاك الجيد مسوس، يعني: ابن الصوافي.

عبد الرحمن بن عبد الغفار الدمشقي

عبد الرحمن بن عبد الغفار الدمشقي حدث بمسجد حلب عن قاسم بن عثمان الجوعي قال: سمعت سباع الموصلي يقول: أوحى الله إلى نبي إسرائيل: إن كنت تريد أن أسكنك عندي غداً في حضيرة القدس فكن في الدنيا مغموماً مهموماً، فريداً وحيداً، شريداً بمنزلة الطير الوحداني، يظل في الأرض الفلاة، يأكل من رؤوس الجبال، ويشرب من ماء الأنهار، إذا جنة الليل أوى وحده استئناساً بربه عز وجل. عبد الرحمن بن عبد الغفار بن عفان البيروتي حدث عن رواحة بنت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي بسندها إلى أبي أمامة قال: علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فقال: قل: اللهم، إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك. عبد الرحمن بن عبد الواحد ابن عبد الرحمن - أبي الميمون - ابن عبد الله بن عمر بن راشد أبو الميمون البجلي حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار. وزاد في رواية أخرى: متعمداً. توفي في رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة.

عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن علي

عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن علي أبو القاسم بن أبي محمد الغساني السمسار في البز حدث عن الفقيه أبي الفتح نصر بن إبراهيم بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن تستجاب دعوته في الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء. توفي أبو القاسم بن عبد الكريم سنة ست وأربعين وخمس مئة. وكان خيراً مواظباً على الجماعة، فيه ذكاء ومعرفة. عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد أبو الحسن بن أبي الحسين الكلابي حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى علي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر. وورد هذا الحديث بطريق آخر عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربع لن يجد رجل طعم الإيمان حتى يؤمن بهن: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله بعثني بالحق، وبأنه ميت ثم مبعوث من بعد الموت، ويؤمن بالقدر كله. عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد أبو محمد الأسدي حدث سنة اثنتين وتسعين ومئتين عن إبراهيم بن سعيد الجوهري بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يدخل النار من بايع تحت الشجرة، إلا صاحب الحمل الأحمر.

عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز

عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد العزيز ابن الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو محمد - ويقال: أبو القاسم - الهاشمي الحلبي المعدل المعروف بابن أخي الإمام قدم دمشق سنة اثنتين وثلاث مئة، وحدث بها وبحلب. روى عن محمد بن قدامة الجوهري بسنده إلى ابي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً. عبد الرحمن بن عبيد نفيع ويقال: ابن عبيد بن نعيم - العنسي، بالنون من أهل حرستا. حدث عبد الرحمن أنه مكان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى، ومتع النهار، قال: فبينا هو جالس إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجلفت فيمن أجفل، فإذا برجلٍ جاثٍ على ركبتيه، عليه إزار وملاءة وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص، سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: اربع من كن فيه فهو مؤمن، فمن جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره. من جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر.

عبد الرحمن بن عبيد ويقال ابن عبد

عبد الرحمن بن عبيد ويقال ابن عبد أبو راشد الأردني له صحبة، سماه سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكناه. نزل الأردن، ويقال إنه نزل داريا. كانت كنيته، أبوة مغوية، بالغين المعجمة. حدث أبو راشد قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأخي أبو عاكية. من سروات الأزد، فأسلمنا جميعاً، فكتب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً إلى جميع الأزد: من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يقرأ عليه كتابي هذا، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة فله أمان الله، وأمان رسوله. وكتب هذا الكتاب العباس بن عبد المطلب. قال: في إسناده النضر بن سلمة، وهو كذاب يضع الحديث. وحدث أبو راشد عبد الرحمن بن عبد قال: قدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مئة رجل من قومي. فلما دنونا من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقفنا، وقالوا لي: تقدم أنت يا أبا مغوية، فإن رأيت ما تحب رجعت إلينا حتى نتقدم إليه، وإن لم تر مما تحب شيئاً. انصرفت إلينا حتى ننصرف، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت أصغر القوم، فقلت: أنعم صباحاً يا محمد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس هذا سلام المسلمين بعضهم على بعض، فقلت له: فكيف يا رسول الله؟ فقال: إذا أتيت قوماً من المسلمين قلت: السلام عليكم ورحمة الله، فقلت: السلام عليكم يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قال: وعليك السلام ورحمة الله، فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما اسمك؟ ومن انت؟ فقلت: أنا أبو مغوية بن عبد اللات والعزى فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل أنت أبو راشد عبد الرحمن، فأكرمني

وأجلسني إلى جانبه، وكساني رداءه، وأعطاني حذاءه، ودفع إلي عصاه، وأسلمت، فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوم من جلسائه: يا رسول الله، إنا نراك قد أكرمت هذا الرجل، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا شريف قوم فإذا أتاكم شريف قوم فأكرموه. قال أبو راشد: وكان معي عبد لي يقال له سرحان، فأسلم معي، فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل لك يا أبا راشد أن تعتقه فيعتق الله عز وجل بكل عضو منه عضواً منك من النار؟ قال أبو راشد: فأعتقته وقلت: اشهد يا رسول الله أنه حر لوجه الله، وانصرفت إلى أصحابي، فأدركت منهم قوماً، وفاتني منهم قوم، فأتوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلموا. وفي رواية أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من هذا معك؟ قلت: مولاي، قال: ما اسمه؟ قلت: قيوم، قال: كلا، ولكنه عبد القيوم. وأبو راشد هذا هو من ولد رحب بن خولان، وليس بداريا رحبي غيره وولده ومن ولده جماعة بداريا. قال محمد بن شعيب: حدث سعيد بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب كان يقاسم عماله نصف ما أصابوا بعند عزلهم، فقاسم خالد بن الوليد حتى إحدى نعليه. قال: وأراد مقاسمة أبي هريرة، فامتنع عليه لإمامته. قلت لسعيد: فما كان يلي؟ قال: البحرين، قلت: ولاه عمر؟ قال: نعم، قلت: فهل قاسم أبا عبيدة؟ قال: قد رد أبو عبيدة؟ قال: قد رد أبو عبيدة عمالته إلى بيت المال، وكان عمر أعمله على ألفي درهم في السنة، قلت: فردها كلها؟ قال: نعم. قال سعيد: ثم لم يزل العمال يقاسمون حتى كان عبد الملك، فكان يقاسمهم. قال: وكان معاوية يقاسمهم، يحاسبهم بنفسه، فقدم عليه أبو راشد من الأسد، من أهل فلسطين. قال سعيد: ويذكرون أن في الأسد أمانة. فلما ذهب يحاسبه بكى أبو راشد، فقال: ما يبكيك؟! قال: ما من المحاسبة أبكي، ولكن ذكرت حساب يوم القيامة، فتركه معاوية، فلم يحاسبه.

عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله

عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب القرشي التيمي، ابن أخي طلحة بن عبيد الله له صحبة، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث عبد الرحمن بن عثمان التميمي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لقطة الحاج. قال حرملة: لقط الحاج نتركها حتى يجدها صاحبها. وحدث عبد الرحمن قال: ذكر طبيب عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دواء عمل فيه الضفدع، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل الضفدع. وفي رواية عنه أن طبيباً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهى النبي عن قتلها. قال محمد بن سعد: في الطبقة السابعة عبد الرحمن بن عثمان التيمي، يقال له: شارب الذهب. قال: دخلنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمرة القضية، فسلك بين الصخرتين اللتين في المروة مصعداً فيها. وقيل: كان عثمان بن عمرو بن كعب يقال له: شارب الذهب. وشهد عبد الرحمن اليرموك مع أبي عبيدة، وأصيب مع ابن الزبير، فدفن في المسجد الحرام، وأخفي مكان قبره عن أهل الشام. قال عبد الرحمن بن عثمان: أسلمت يوم الفتح وبايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الرحمن بن عثمان وكان قد أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان بين فرشة قضيب له، وكان يأتيه بنوه وبنو أخيه وناس من أهل بيته،

عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم

فربما غلبه الحديث فيقول أحدهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فينزع القضيب فيعلوه به ويقول له: أين أنت لا أم لك من الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! حدث عثمان بن عبد الرحمن عن أخيه قال: قال: أصيب أبوك عبد الرحمن مع ابن الزبير فدفن في مسجد الكعبة، ثم أمر الخيل على قبره كيلا يرى أثره. وقيل: إنه دفن بالحزورة. فلما زيد في المسجد دخل قبره في المسجد الحرام. عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ابن معروف بن حبيب بن أبان بن إسماعيل أبو محمد بن أبي نصر التميمي العدل حدث أبو محمد بن أبي نصر عن أبي اسحاق ابراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت بسنده إلى معاذ قال: كنت ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا معاذ، ألا تسألني إذا خلوت معي؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، قال: فهل تدري ما حق العبادعلى الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يدخلهم الجنة. ولد أبو محمد في رمضان، سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة عشرين وأربع مئة. ولم تر جنازة أعظم من جنازته. كان بين يديه جماعة من أصحاب الحديث يهللون ويكبرون ويظهرون السنة. وحضر جنازته جميع أهل البلد حتى اليهود والنصارى، ولم يوجد شيخ مثله زهداً وورعاً وعبادة ورئاسة، وكان ثقة، عدلاً، مأموناً، رضىً، وكان يلقب بأبي محمد بن أبي نصر العفيف.

عبد الرحمن بن عثمان بن هشام

عبد الرحمن بن عثمان بن هشام ابن عبد الرحمن بن زبر، أبو هشام حدث عن الوليد بن مسلم بسندة إلى بلال بن سعد عن أبيه قال: قلنا: يا رسول الله، ما للخليفة من بعدك؟ قال: مثل الذي لي، ما عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا رحم، فإن لم يفعل ذلك فليس مني ولست منه، يريد: الطاعة في طاعة الله، والمعصية في معصية الله. وحدث عن أبي النضر أسحاق بن إبراهيم بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل وهو يحتجم عند الحجام، وهو يعرض رجلاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أفطر الحاجم والمحجوم. قال أبو الحسن محمد بن الفيض: لقي أبو بكر ابن عزون لأبي هشام ابن زبر، ومر به، وكان يلبس طويلة فقال له: إيش خبرك يا أبا هشام؟ وكيف حالك؟ قال: بخير، قال: كيف أكلك؟ قال: معدة قبول، وضرس طحون، قال: فكيف قوة ذكرك في الجماع؟ قال: يهتز كأنه جان، قال أبو الحسن: وكان له نيف وتسعون سنة حين قال هذا الكلام. توفي أبو هشام المحدث في رمضان ثلاث وخمسين ومئتين. عبد الرحمن بن عثمان أبو عثمان من ساكني الراهب، محلة كانت قبل المصلى. حدث عن أبي حمزة قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا لا وتر بعد الفجر، ألا لا وتر بعد الفجر.

عبد الرحمن بن عديس بن عمرو

عبد الرحمن بن عديس بن عمرو ابن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن هميم بن ذهل بن هني بن بلي أبو محمد البلوي وفي نسبه خلاف. له صحبة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وكان ممن سكن مصر، وأعان على قتل عثمان رضي الله عنه، فحبسه معاوية ببعلبك، ويقال: بفلسطين، فهرب، فأدرك بجبل لبنان من أعمال دمشق، فقتل. حدث عبد الرحمن بن عديس قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيخرج ناس من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلون بجبل لبنان أو الجليل، أو بالجليل أو بجبل لبنان. فلما كانت الفتنة كان ابن عديس ممن أخذه معاوية في الرهن فسجنهم بفلسطين، فهربوا من السجن، فأدركوا، فأدرك فارس ابن عديس فقال له: ويحك، اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، قال: الشجر في الجبل كثير فقتله. قال ابن لهيعة: قتل ابن عديس بجبل لبنان، أو بجبل الجليل. وكان عبد الرحمن ممن رحل إلى عثمان حين حصر، حتى قتل، وكان أحد فرسان بلي المعدودين بمصر، وشهد الفتح بمصر، وكان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان بن عفان، وكان فيمن أخرجه معاوية من مصر في الرهن، وقتل سنة ست وثلاثين بفلسطين. وعديس: بضم العين وفتح الدال وسكون الياء المعجمة باثنتين تحتها. وهني: بضم الهاء، والأشهر هني بفتح الهاء. وقال ابن ما كولا: أما العتري: بكسر العين المهملة وسكون التاء المعجمة باثنتين فوقها فجماعة منهم عبد الرحمن بن عديس العتري.

عبد الرحمن بن عراك

حدث أبو ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان بن عفان، فبينا أنا عنده إذ خرجت، فإذا وفد أهل مصر، فرجعت إلى عثمان فقلت: إني أرى وفد أهل مصر قد رجعوا جيشاً عليهم ابن عديس. قال: وكيف رأيتهم؟ قال: رأيت قوماً في وجوههم الشر، فصعد ابن عديس منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى بهم الجمعة وقال في خطبته: إن عبد الله بن مسعود حدثني أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن عثمان أضل من عتبة غاب قفلها، فدخلت على عثمان وكان محصوراً فسألني: بماذا قام فيهم؟ فأخبرته، فقال: كذب والله ابن عديس ما سمعها ابن عديس عن ابن مسعود قط، ولا سمعها ابن مسعود من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط، ولقد اختبأت عند ربي عشراً، ولولا ما ذكر ابن عديس ما ذكرت: إني لرابع أربعة في الإسلام، ولقد ائتمنني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته، ثم توفيت فأنكحني الأخرى، والله، ما زنيت، ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيت، ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقد ختمت القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا مرت بي جمعة إلا وأنا عتق فيها رقبة منذ أسلمت إلا ألا أجد في تلك الجمعة ثم أعتق لها بعد. قال محمد بن يحيى الذهلي: عبد الرحمن البلوي هو رأس الفتنة، لا يحل أن يحدث عنه بشيء. عبد الرحمن بن عراك أبو إدريس الأصغر الفزاري، ويقال: العدوي من أهل دمشق، من حملة القرآن. حدث أبو إدريس قال: إذا كان رجل بأرض فلاة فتصيبه مجاعة فيقول: اللهم، ائتني برزقي الذي قدرته لي إلا أتاه الله برزقه.

عبد الرحمن بن عسيلة

عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله المرادي الصنابحي، وقيل: اسمه عبد الله بن عسيلة والصنابح: بطن من مراد، من أهل اليمن. هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يقدم المدينة بخمس أو ست، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى خلف أبي بكر الصديق، ولم ير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل إنه يشبه أن يكون له صحبة. قال الصنابحي: دخلت على عبادة بن الصامت، وهو في الموت، فبكيت فقال: مه لم يبكي؟! فوالله إن استشهدت لأشهدن لك، وإن شفعت لأشفعن لك، وإن استطعت لأنفعنك، ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثاً واحداً، وسوف أحدثكموه اليوم، وقد أحيط بنفسي. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار. وحدث الصنابحي عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: شبابه فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه. قال أبو سعيد: قال لنا صامت بن معاذ: ليس لمسألة منها جواب. حدث أبو الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق، وهجر الرواح، فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه فقال: أين تريدان رحمكما الله؟ قالا: نريد هاهنا، إلى أخ لنا مريض نعوده، قال: فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة الله وفضله، قال: فقال له شداد: أبشر بكفارات السيئات، وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبداً

من عبادي مؤمناً فحمدني على ما اتبليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الله: إني أنا قيدت عبدي هذا، وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون قبل ذلك، وهو صحيح. قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن عسيلة أدرك عبد الملك بن مروان، وكان يجلس معه على السرير، وهو من أهل مصر. وكان ثقة قليل الحديث. وعن عبد الله الصنابحي سمع عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما عرج به إلى السماء ثم هبط فلينظر إلى هذا، يعني: الصنابحي. وحدث قيس بن الحارث المذحجي أنه دخل هو والصنابحي على عبادة بن الصامت في مرضه الذي مات فيه، فقال حين نظر إلى الصنابحي: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما صعد إلى السماء فهو يعمل بما يرى فلينظر إلى هذا. وفي حديث غيره: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعمل ما عمل على ما رأى فلينظر إلى هذا. وفي حديث غيره: من أحب أن ينظر إلى رجل عرج به إلى السماء، فنظر أهل الجنة وأهل النار فرجع وهو يعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا. وحدث أبو الخير عن الصنابحي أنه قال له: متى هاجرت؟ قال: خرجنا من اليمن مهاجرين، فقدمنا الجحفة، فأقبل راكب فقلت له: ما الخبر فقال: دفنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ خمس، قلت: هل سمعت في ليلة القدر شيئاً؟ قال: نعم، أخبرني بلال مؤذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه في السبع في العشرالأواخر.

عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن صفوان

وفي رواية: فسألت بلالاً عن ليلة القدر فلم يغتم وقال: ليلة ثلاث وعشرين. وعن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال: الدنيا تدعو إلى فتنة، والشيطان يدعو إلى خطيئة، وأما الله خير من الإقامة معهما. وكان أبو عبد الله الصنابحي يحدث الواحد والاثنين، فإذا نظر إلى الثالث قال: لا سبيل إلى الحديث سائر اليوم، فقطع الحديث. أتى الصنابحي دمشق، فحضره الموت، فقال ليزيد بن نمران الذماري: يا يزيد، إن مت في هذا البيت فانظر لي قبراً سليماً، ولو مكثت في هذا البيت ثلاثة أيام فلا تخرجني حتى تصير لي قبراً سليماً. عبد الرحمن بن عسيلة المرادي الصنابحي، شهد الفتح بمصر. وعسيلة بعين مهملة مضمومة وسين مفتوحة. عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن صفوان أبو القاسم المرادي المكي حدث بدمشق. روى عن عمر بن حفص الشطوي بسنده إلى ابن عمر قال: كان لنعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبالان.

عبد الرحمن بن علي بن العجلان القرشي الدمشقي

عبد الرحمن بن علي بن العجلان القرشي الدمشقي حدث عن عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مدت الأرض، وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال. عبد الرحمن بن علي بن القاسم بن أحمد بن إبراهيم أبو القاسم بن أبي الحسن الصوري المعدل البيع، المعروف بابن الكاملي سمع بدمشق وغيرها. حدث بصور عن أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله النصيبي بسنده إلى جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله. ولد عبد الرحمن في المحرم سنة تسع عشرة وأربع مئة، وتوفي في رمضان سنة تسعين وأربع مئة بصور. عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر بن رجاء بن عمر أبو القاسم بن أبي العيش، أخو أبي العيش الجمحي الأطرابلسي حدث عن أبي محمد خلف بن محمد بن علي حمدون الواسطي الحافظ بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون. توفي أبو القاسم بن أبي العيش في جمادى الأولى من سنة أربع وستين وأربع مئة.

عبد الرحمن بن عمر

عبد الرحمن بن عمر بن نصر بن محمد أبو القاسم الشيباني السامري البزاز المؤدب حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس بين العبد والكفر والشرك إلا ترك الصلاة. وحدث عن خيثمة بسنده إلى محمد بن شعيب: في قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " قال: هي الصلاة، والصيام، والغسل من الجنابة. توفي أبو القاسم عبد الرحمن الشيباني في رجب سنة عشر وأربع مئة، وكان يتهم بالاعتزال، واتهم في ابن أبي ثابت. والله أعلم. عبد الرحمن بن عمر أبو عمر، مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة المدني، المعروف بدحمان كان جمالاً يكري إلى المواضع، ويتجر، وكانت له مروءة. قال في حكاية: ثم خرجت إلى الشام، فبينا أنا ذات يوم نازل إذا أنا براكب قد طلع، فسلم علينا، فرددنا عليه السلام، وقال: أتأذنون لي أن أنزل تحت ظلكم هذا ساعة؟ قلنا: نعم، فأقبل علي وقال لي: أتبعيني هذه الجارية؟ لجارية كانت كعي فقلت: نعم، قال: بكم؟ فقلت له كالعابث: بعشرة آلاف دينار، قال: قد أخذتها، فهلم دواة وقرطاساً، فجئته بذلك فكتب: ادفع إلى حامل كتابي هذا ساعة تقرأه عشرة آلاف دينار، واستوص به خيراً، وأعلمني بمكانه، وختم الكتاب، وقال: إذا دخلت البخراء

عبد الرحمن بن عمرو

فأسأل عن فلان، وادفع كتابي هذا إليه، وقبض منه مالك، ثم انصرف بالجارية. قال: ومضيت. فلما دخلت البخراء سألت عن اسم الرجل فدللت عليه، فدخلت عليه، ودفعت الكتاب إليه فقبله، ووضعه على عينيه ودعا بعشرة آلاف دينار، فدفعها إلي وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. يعني: الوليد بن يزيد. عبد الرحمن بن عمرو ابن عبد الله بن صفوان بن عمرو أبو زرعة النصري - بالنون - الحافظ الدمشقي شيخ الشام في وقته، وداره بدمشق. حدث عن أحمد بن خالد عن محمد بن إسحاق عن عياض بن دينار قال: دخلت المسجد وأبو هريرة يخطب الناس خليفة لمروان على المدينة أيام الحج في يوم الجمعة، قال: قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم التي تليها على أشد نجوم السماء إضاءة. قال: ونحن الآخرون السابقون، وذلك أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، اليهود غداً والنصارى بعد غد، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، وهدانا الله له، في يوم الجمعة ساعة لا توافق مؤمناً وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويفيض المال، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج. قيل: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: القتل، القتل، القتل. قال أبو زرعة: سألني أحمد بن مدبر عن بيع الكلأ فأعلمته أن الأوزاعي يقول: الناس فيه أسوة. قال أبو زرعة: فتظلم إلى ابن مدبر رجل من الرعية على رجل يدعي كلأ له فلم يعده، وقال: فقيه أهل الشام لا يرى لك حقاً. توفي أو زرعة بدمشق سنة ثمانين، وقيل: سنة إحدى وثمانين ومئتين.

عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن

عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن ويقال: ابن عبد الرحيم - أبو عمرو الرحبي الحمصي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيت يوسف ليلة أسري بي في السماء الثالثة، وإذا أنا برجل راعني حسنه، شاب فضل على الناس بالحسن، قيل: هذا أخوك يوسف. وجدث عن أبي عتبة أحمد بن الفرج بسنده إلى أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرغ الله إلى كل عبد من خمس: خلقه، وخلقه، وأثره، ومضجعه، ورزقه. عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم أبو سعيد حدث عن إسماعيل بن عبد الرحمن الكناني الدمشقي بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن العزل فقال: أنت تخلقه؟ أنت ترزقه؟ أقره قراره. عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبي عمرو أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام في الحديث والفقه. كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس بمحلة الأوزاع، ثم تحول إلى بيروت، فسكنها مرابطاً إلى أن مات بها. حدث عن أبي جعفر محمد بن علي بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مثل الراجع في صدقته كالكلب يقيء فيرجع في قيئه فيأكله.

وحدث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بسنده إلى ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه بوضوئه وحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده، القوي، سبحانرب العالمين، سبحان رب العالمين، سبحان رب العالمين القوي. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل لك حاجة قلت: يا رسول الله، مرافتك في الجنة، قال: فأعني بكثرة السجود. والأوزاع بطن من همدان، وهو من أنفسهم. ولد سنة ثما وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، والأول أصح. وكان ثقة، مأموناً، حافظاً، صدوقاً، فاضلاً، خيراً، كثير الحديث والعلم، والفقه، حجة. قال محمد بن إسماعيل: عبد الرحمن الأوزاعي، ولم يكن منهم، نزل فيهم، والأوزاع من حمير الشام. وقال غيره: الأوزاع قرية بدمشق، إذا خرجت من باب الفراديس. قالوا: وكان ينزل الأوزاع فنسب إلى الأوزاع، وليس منهم. وعرض هذا القول على أحمد بن عمير - وكان علامة بحديث الشام وأنساب أهلها - فلم يرضه، وقال: إنما قيل أوزاعي لأنه من أوزاع القبائل، والأوزاع من قبائل شتى، وهو ابن عم يحيى بن أبي عمرو السيباني لحاً، وقول من نسبه إلى القرية التي هي خارج باب الفراديس أصح، وهو موضع مشهور بربض مدينة دمشق يعرف بالأوزاع، سكنه في صدر الإسلام بقايا من قبائل شتى. قال الأصمعي: الأوزاع: الفرق يقول: وزعت الشيء على القوم إذا فرقته عليهم، وهذا اسم جمع لا واحد له. قال الرياشي: والأوزاع: بطون من العرب يجمعها هذا الاسم. وقال العباس بن الوليد: إنما سمي الأوزاعي لأنه كانت هجرته معهم فنسب إليهم، وهو سيباني من بني سيبان، وكان اسمه عبد العزيز فسمى هو نفسه عبد الرحمن، وكان أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمه من سباء السند فكان ينزل في الأوزاع، فغلب عليه ذلك، والأوزاع قبيلة من حمير.

وإليه فتوى الفقه لأهل الشام لفضله فيهم وكثرة روايته، وكانفصيحاً، وكانت صنعته الكتابة والترسل، ورسائله تؤثر وتكتب. روى عن مالك بن يخامر قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العرب كلها بنو إسماعيل بن إبراهيم إلا أربع قبائل: إلا السلف، والأوزع، وحضرموت، وثقيف. قال الأوزاعي: كنت محتلماً أو شبيهاً به في خلافة عمر بن عبد العزيز. قال العباس بن الوليد بن مزيد سمعت أبي يقول: كان مولد الأوزاعي ببعلبك، ومنشؤه بالبقاع، ثم نقلته أمه إلى بيروت، فما رأيت أبي يتعجب من شيء مما رآه في الدنيا تعجبه منه، فكان يقول: سبحانك تفعل ما تشاء. كان الأوزاعي يتيماً فقيراً في حجر امرأة تنقله من بلد إلى بلد، وقد جرى حكمك فيه بأن بلغته حيث رأيته، ثم يقول: يا بني، عجزت الملوك أن تؤدب أنفسها وأولادها، أدبه في نفسه، ما سمعت منه كلمة قط فاضلة إلا احتاج مستمعوها إلى إثباتها عنه، ولا رأيته ضاحكاً قط حتى يقهقه، ولا يلتفت إلى شيء إلا باكياً، ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد أقول في نفسي: أترى في المجلس قلب لم يبك، ولا يرى ذلك فيه. وكان الأوزاعي فوق الربعة، خفيف اللحية، به سمرة، وكان يخضب بالحناء. قال الأوزاعي: مات أبي وأنا صغير، فذهبت ألعب مع الغلمان، فمر بنا فلان - وذكر شيخاً من العرب جليلاً - قال: ففر الصبيان حين رأوه، وثبت أنا، فقال: ابن من أنت فأخبرته، فقال: ابن أخي، يرحم الله أباك، فذهب بي إلى بيته، فكنت معه حتى بلغت، فألحقني في الديوان، وضرب علينا بعثاً إلى اليمامة. فلما قدمت اليمامة، ودخلنا مسجد الجامع، فلما خرجنا قال لي رجل من أصحابنا: رأيت يحيى بن أبي كثير معجباً بك، يقول: ما رأيت في هذا البعث أهدأ من هذا البعث أهدأ من هذا الشاب. قال: فجالسته فكتبت عنه أربعة عشر كتاباً أو ثلاثة عشر، فاحترق كله. خرج الأوزاعي في بعث إلى اليمامة. فلما وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم إليها دخل مسجدها، فاستقبل

سارية يصلي إليها، وكان يحيى بن أبي كثير قريباً منه، فجعل يحيى ينظر إلى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته فأعجبته، وقال: ما أشبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة هذا لافتى بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة عمر بن عبد العزيز، قال: فقام رجل من جلساء يحيى فانتظر حتى إذا فرغ الأوزاعي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته أخيبره بما قال يحيى، فجاء الأوزاعي الديوان وأقام عند يحيى مدة يكتب عنه، ويمسع منه، فقال له يحي: ينبغي لك أن تبادر إلى البصرة لعلك أن تدرك الحسن البصري ومحمد بن سيرين، فتأخذ عنهما، فانطلق إليهما فوجد الحسن قد مات قبل دخوله بشهرين، وابن سيرين حي، فذكر الأوزاعي أنه أتى بابه وهو مريض، قال: فكنا ندخل فنعوده، ونحن قيام لا نتكلم، وهو أيضاً لا يتكلم، فمكثنا أياماً فخرج إلينا الرجل الذي كان يوصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمنا إليه، فقلنا له: ما خبر الشيخ؟ قال: تركته قد لزق لسانه بحنكه، وهو يقول: لا إله إلا الله، ومات من يومه ذلك، وكان به البطن. قال الأوزاعي: حججت، فلقيت عبدة بن أبي لبابة بمنى، فقال لي: هل لقيت الحكم؟ قال: قلت: لا، قال: فاذهب فالقه، فما بين لاييتها أفقه منه، قال: فلقيته، فإذا برجل حسن السمت مقنع. قال أبو رزين اللخمي: أول ما سئل الأوزاعي عن الفقه سنة ثلاث عشرة ومئة وهو يومئذٍ ابن خمس وعشرين سنة، ثم لم يزل يفتي بعد ذلك بقية عمره إلى أن توفي رحمة الله عليه. قال هقل بن زياد: أجاب الأوزاعي في سبعين ألف مسألة، أو نحوها من العلم، قال: وسئل يوماً عن مسألة فقال: ليس عندي فيه خبر، أي إن الذي أفتيتها كلها كان عندي أخبار. قال إسماعيل بن عياش: انقلب الناس من غزاة الندوة سنة أربعين ومئة فسمعتهم يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.

فال أبو شعيب: قلت لأمية بن زيد بن أبي عثمان: أين الأوزاعي من مكحول؟ فقال: هو عندنا أرفع من مكحول، فقلت له: إن مكحولاً قد رأى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وإن كان قد رآهم، فأين فضل الأوزاعي في نفسه؟ وقد جمع العبادة، والورع، والعلم، والقول، الحق. قال إسحاق بن عباد الختلي: حدثني أبي قال: حججت في بعض السنين، فرأيت شيوخاً أحدهم راكب، والآخر يسوق به، وآخر يقود به، يقولون: أوسعوا للشيخ، وأسعوا للشيخ، فقلت: من الراكب؟ ومن القائد؟ ومن السائق؟ فقالوا: الراكب الأوزاعي، والقائد مالك، والسائق الثوري، قال: لولا أنهم رأوا أنه أفضلهم ما فعلوا به ذلك. بلغ سفيان الثوري وهو بمكة مقدم الأوزاعي، فخرج حتى لقيه بذي طوى. فلما لقيه حل رسن البعير من القطار، فوضعه على رقبته، فجعل يتخلل به، فإذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ. قال عثمان بن عاصم، أخو علي بن عاصم: رأيت شيخاً بين الصفا والمروة على ناقة وشيخاً يقوده، واجتمع أصحاب الحديث عليه، فجعل الشيخ الذي يقود يقول: يا معشر الشباب، كفوا حتى نسأل الشيخ فقلت: من هذا الراكب؟ قالوا: هذا الأوزاعي، فقلت: من هذا الذي يقوده؟ قالوا: هذا سفيان الثوري. قال احمد بن حنبل: دخل سفيان الثوري والأوزاعي على مالك. فلما خرجا قال مالك: أحدهما أكثر علماً من صاحبه ولا يصلح للإمام، والآخر يصلح للإمامة، يعني الأوزاعي للإمامة، ولا يصلح سفيان. لم يكن لمالك في سفيان رأي.

ذكر الأوزاعي عند مالك فقال: ذاك إمام يقتدى به. قال محمد بن عبد الحكم: جاء أهل الثغر إلى مالك فقالوا له: إن رأي هذين الرجلين قد غلب على أهل الثغر: سفيان الثوري، والأوزاعي، فرأي من ترى نأخذ؟ فقال: مالك: كان الأوزاعي عندنا إماماً. قال يحيى بن سعيد القطان: قال مالك بن أنس: اجتمع عندي الأوزاعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة فقلت: فأيهم وجدته أكثر علماً؟ قال: كان أرجحهم الأوزاعي. قال عبد الرحمن بن القاسم: جئت يوماً إلى منزل مالك بن انس، فوجدت سفيان الثوري وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي خارجين من عنده، فدخلت إلى مالك فقلت له: أبا عبد الله، لقيت الساعة الأوزاعي والثوري خارجين من عندك، فقال لي: أما أحدهما فمن الراسخين في العلم، يريد: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. قال عون بن حكيم: حججت مع الأوزاعي وكان حجاجاً، فلما أتينا المدينة أتى المسجد، فبلغ مالكاً مقدمه، فأتاه فسلم عليه، قال: فجلسا بين الظهر والعصر يتذاكران الفقه، فلا يذكران باباً من أبواب العلم إلا ذهب الأوزاعي عليه، ثم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلميا العصر، فعاودا المذاكرة، فلم يزل الأوزاعي على تلك الحال حتى اصفرت الشمس، فناظره مالك في كتاب المكاتب والمدبر فخالفه فيه. فلما صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلميا المغرب قلت لأصحابه: كيف رأيتم صاحبنا من صاحبكم؟ فقالوا: لو لم يكن في صاحبكم إلا سمته لأقررنا بفضله.

وروي أن مالكاً والأوزاعي اجتمعا في مسجد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناظرا في المغازي فغمره الأوزاعي، ثم تناظرا في الفقه فغمره مالك. قال سفيان بن عيينة: اجتمع الأوزاعي والثوري بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: لم لا ترفع يديك في خفض الركوع ورفعه؟ فقال الثوري: حدثنا يزيد بن أبي زياد، فقال الأوزاعي: أروي لك عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارضني بيزيد بن أبي زياد؟! يريد: رجل ضعيف الحديث، وحديثه مخالف للسنة، قال: فاحمار وجه سفيان الثوري، فقال الأوزاعي: كأنك كرهت ما قلت! قال الثوري: نعم، فقال الأوزاعي: قم بنا إلى المقام، نلتعن أينا على الحق، قال: فتبسم الثوري لما رأى الأوزاعي قد احتد، وقال: أنت المقدم. قال الوليد بن مسلم: قال لي سعيد بن عبد العزيز: أما رأيت ابن عمرو الأوزاعي؟ قلت: بلى، قال: فاقتد يه، فقد كفاك من كان قبله. قال علي بن بكار: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ما رأيت مثل رجلين: الأوزاعي، والثوري، فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، وأما الثوري فكان رجل خاصة نفسه، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي. قال علي بن بكار: فقلت في نفسي: لو خيرت لهذه الأمة اخترت لها أبا إسحاق الفزاري. وفي رواية: لو قيل لي: اختر لهذه الأمة: سفيان أو الأوزاعي لاخترت لها الأوزاعي لأنه كان أكثر توسعاً.

حدث الفزاري عن الأوزاعي قال: وكان والله إماماً إذ لا نصيب اليوم إماماً. وقال إبراهيم بن محمد الفزاري: لو أن الأمة أصابتها شدة، والأوزاعي فيهم لرأيت لهم أن يفزعوا إليه. قال محمد بن عبد الوهاب بن هشام بن الغاز: كنا عند أبي إسحاق الفزاري يوماً فذكر الأوزاعي فقال: إن ذاك رجل كان شأنه عجباً. قال: فقال بعض أهل المجالس: وما كان عجبه يا أبا إسحاق؟ قال: يسأل عن الشيء، عندنا فيه الأثر، فيقول: ما عندي فيه شيء، وأنا أكره التكلف، ولعله يبتلى بلجاجة السائل حتى يردد عليه، فلا يعدو الأثر الذي عندنا، فقال بعض أهل المجلس: هذا أشبه بالوحي يا أبا إسحاق! قال: فأغضبه ذلك، وقال: من هذا نعجب كان والله يرد الجواب كما هو عندنا في الأثر، ولا يقدم منه مؤخراً، ولا يؤخر منه مقدماً. قال أبو إسحاق الفزاري: ما رأيت أحداً كان أشد تواضعاً من الأوزاعي، ولا أرحم بالناس منه، وإن كان الرجل ليناديه فيقول: لبيك. وكان الأوزاعي أفضل أهل زمانه. قال عبد الرحمن بن مهدي: إنما الناس في زمانهم أربعة: حماد بن زيد بالبصرة، وسفيان بالكوفة، ومالك بن أنس بالحجاز، والأوزاعي بالشام. قال بقية: إنا لنمتحن الناس بالأوزاعي، فمن ذكره بخير عرفنا أنه صاحب سنة، ومن طغى عليه عرفنا أنه صاحب بدعة. قال الوليد بن مسلم: كان الأمر لا يبين على الأوزاعي حتى يتكلم، فإذا تكلم جل وملأ القلب. قال صدقة بن عبد الله: ما رأيت أحداً أحلم، ولا أكمل، ولا أجمل فيما جمل من الأوزاعي.

قال العباس بن الوليد البيروتي: سمعت أبي يقول: ما رأيت الأوزاعي قط ضاحكاً مقهقهاً. وكان إذا أخذ في الفرائض كثر تبسمه، ولا رأيته باكياً قط. قال موسى بن يسار: صحبت مكحولاً أربع عشرة سنة. قال عقبة: فسمعت موسى بن يسار يقول: ما رأيت أحداً قط أحد نظراً ولا أنفى للغل عن الإسلام من الأوزاعي. قال محمد بن عجلان: ما أعلم مكان أحد أنصح للمسلمين من الأوزاعي. قال إسحاق بن إبراهيم: إذا اجتمع سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي على أمر فهو سنة، وإن لم يكن في كتاب ناطق فإنهم أئمة. قال عبد الرحمن بن مهدي: سفيان الثوري إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، ومالك بن أنس إمام فيهما جميعاً. قال إبراهيم بن إسحاق الحربي: سألت أحمد بن حنبل قلت: ما تقول في مالك بن أنس؟ فقال: حديث صحيح ورأي ضعيف. قلت: فالأوزاعي؟ قال: حديث ضعيف ورأي ضعيف. قلت: فالشافعي؟ قال: حديث صحيح ورأي صحيح. قال أحمد البيهقي: قوله في الأوزاعي: حديث ضعيف يريد به بعض ما احتج به، لا انه ضعيف في الرواية، والأوزاعي إمام ثقة في نفسه، لكنه قد يحتج في بعض مسائله بأحاديث من عساه لم يقف على حاله، ثم يحتج بالمراسيل والمقاطيع وذلك بين في كتبه.

وعن الأوزاعي قال: كان السلف إذا صدع الفجر أو قبله شيئاً كأنما على رؤوسهم الطير مقبلين على أنفسهم، حتى لوأن حميماً لأحدهم غاب عنه حيناً ثم قدم ما التفت إليه، فلا يزالون كذلك حتى يكون قريباً من طلوع الشمس، ثم يقوم بعضهم إلى بعض فيتحلقون، فأول ما يقتضون فيه أمر معادهم وما هم صائرون إليه، ثم يتحلقون إلى الفقه والقرآن. وعن الأوزاعي قال: طالب العلم بلا سكينة ولا حلم كالإناء المنخرق، كلما حمل فيه شيء تناثر. قال الأوزاعي: كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم المزيف، فما عرفوا منه أخذنا، وما أنكروا منه تركنا. قال الوليد بن مسلم: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينا حدثاً قال: يا غلام، قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم قال: " يوصيكم الله في أولادكم " فإن قال: لا، قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم. قال عمرو بن أبي سلمة: قلت للأوزاعي: في المناولة أقول فيها: حدثنا؟ قال: إن كنت حدثتك فقل، فقلت: أقول أخبرنا؟ قال: لا، قلت: فكيف أقول؟ قل: قال أبو عمرو، وعن أبي عمرو. وعن الأوزاعي قال: ما زال هذا العلم غزيراً يتلاقاه الرجال حتى وقع في الصحف، فحمله أو دخل فيه غير أهله. وفي رواية: كان هذا الأمر شيئاً شريفاً إذ كان الناس يتلاقونه بينهم. فلما كتب ذهب نوره، وصار إلى غير أهله.

قال أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر: بكر أصحاب الحديث على الأوزاعي، قال: فالتفت إليهم فقال: كم من حريص خاشع ليس بمنتفع ولا نافع. قال أبو مسهر: وكان الأوزاعي لا يلحن. قال بشر بن أبي بكر: سئل الأوزاعي فقيل: يا أبا عمرو، الرجل يسمع الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه لحن أيقيمه على عربيته؟ قال: نعم، إن سول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم إلا بعربي. وقال الأوزاعي: أعربوا الحديث، فإن القوم كانوا عرباً. وقال الأوزاعي: لا بأس يا صلاح الخطأ واللحن في الحديث. قال الوليد بن مسلم: احترقت كتب الأوزاعي زمنه الرجفة، ثلاثة عشر قنداقاً، فأتاه رجل بنسخها، قال: يا أبا عمرو، هذه نسخة كتابك، وإصلاحك بيدك، فما عرض لشيء منها حتى فارق الدنيا. مر إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - بالأوزاعي وحوله الناس فقال: على هذا عهدت الناس، كأنك معلم وحولك الصبيان، والله لوأن هذه الحلقة على أبي هريرة لعجز عنهم. قال: فقام الأوزاعي وترك الناس.

قال أبو عبيد الله كاتب المنصور: كانت ترد على المنصور من الأوزاعي - رحمه الله - كتب يتعجب منها، ويعجز كتابه عن الإجابة، فكانت تنسخ في دفاتر، وتوضع بين يدي المنصور، فيكثر النظر فيها استحساناً لألفاظها، فقال لسليمان بن مجالد: وكان من أحظى كتابه عنده، وأشدهم تقدماً في صنعته: ينبغي أن نجيب الأوزاعي عن كتبه جواباً تاماً، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ذلك وإنما أرد عليه ما أحسن، وإن له نظماً في الكتب لا أظن أحداً من جميع الناس يقدر على إجابته عنه، وأنا أستعين بألفاظه على من لا يعرفها ممن نكاتبه في الآفاق. قال الوليد بن مسلم: ما كنت أحرص على السماع من الأوزاعيحختى رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقيل لي: إنه ها هنا في شبه غار. قال: فدخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا الأوزاعي جالس إلى جنبه. قال: فقلت: يا رسول الله، عمن أحمل العلم؟ قال لي: عن هذا، واشار إلى الأوزاعي رحمة الله عليه. وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقلت: يا رسول الله، عمن أكتب العلم؟ فقال: عن الأوزاعي. قال: فقلت له: عبد الله بن سمعان؟ قال: لا. وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسلمت عليه فقلت: يا رسول الله، ائذن لي في تقبيل يدك، قال: ومالك وتقبيل اليد؟ إنما تقبيل اليد من شكل الأعاجم، ثم قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

في مصلى ذلك البيت يصلي. قال الوليد: فحانت مني التفاتة، فإذا أنا بالأوزاعي قائم في مصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنه قال: رأيت في المنام كأني دفعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا شيخ جالس إلى جنب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا الشيخ مقبل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثه، وإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبل على الشيخ يسمع حديثه، قال: فسلمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد علي السلام، ثم جلست إلى بعض الجلساء، فقتل للذي جلست إليه: من ذلك الشيخ الذي قد أقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يسمع حديثه؟ قال: وما تعرف هذا؟ قال: قلت: لا قال: هذا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي. قال: إنه لذو منزلة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم. قال الأوزاعي: رايت كأن ملكين عرجا بي، وأوقفاني بين يدي رب العزة، فقال لي: أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فقتل: بعزتك أي رب، أنت أعلم. قال: فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني. وفي رواية: فقال: يا عبد الرحمن، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فقلت: بفضلك يا رب، فقلت: يا رب أمتني على الإسلام، فقال: وعلى السنة. قال محمد بن الأوزاعي: قال لي أبي: يا بني، أريد أن أحدثك بشيء، ولا أفعل حتى تعطيني موثقاً إنك لا تحدث به ما دمت حياً، قال: فقلت: افعل يا أبه، قال: إني رأيت فيما يرى النائم أني أدخلت الجنة، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكر وعمر، وهم يعالجون مصراع باب الجنة، فإذا ردوه زال، ثم يعالجونه فإذا ردوه زال، قال: فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عبد الرحمن، ألا تمسك معنا؟ قال: فجئت فأمسكت معهم، فثبت. قال العباس: ونرى ذلك مما كان يذب عن السنة.

قال محمد بن شعيب: جلست إلى شيخ في المسجد - يعني: مسجد دمشق - فقال: أنا ميت يوم كذا وكذا. فلما كان ذلك اليوم أتيته فإذا به في الصحن يتفلى فقال: ما أخذتم السرير؟ خذوه قبل أن تسبقوا إليه. قلت: ما تقول رحمك الله؟ قال: هو ما أقول لك، إني رايت في المنام كأن طائراً وقع على ركنٍ من أركان هذه القبة، فسمعته يقول: فلان قدري، وفلان كذا، وأبو حفص عثمان بن أبي العاتكة نعم الرجل وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي خير من يمشي على الأرض، وأنت ميت يوم كذا وكذا. قال: فما جاء الظهر حتى مات وأخرج بجنازته. كان الأوزاعي من العبادة على شيء لم يسمع بأحد قوي عليه، ما اتى عليه زوال قط إلا وهو فيه قائم يصلي. قا الأوزاعي: من أطال القيام بالليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة. قال ضمرة بن ربيعة: حججنا مع الأوزاعي سنة خمسين ومئة، فما رأيته مضطجعاً على المحمل في ليلٍ ولا نهار قط، كان يصلي، فإذا غلبه النوم استند إلى القتب. وكان الأوزاعي لا يكلم أحداً بعد صلاة الفجر حتى يذكر الله تعالى، فإن كلمه أحد أجابه. وقال بشر بن المنذر: رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع. قال ابن عفان: حدثتني أمي قالت: دخلت على امرأة الأوزاعي فرأيت الحصير الذي يصلي عليه مبلولاً، فقلت: يا أختي، أخاف أن يكون الصبي بال على الحصير، فبكت وقالت: ذلك دموع الشيخ.

قال أبو مسهر: ما رئي الأوزاعي باكياً قط، ولا ضاحكاً حتى تبدو نواجذه، وإنما كان يتبسم أحياناً. كما روي في الحديث. وكان يحيي الليل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماةً وقرآنا وبكاء. قال: وأخبرني بعض إخواني من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل منزل الأوزاعي وتتفقد موضع مصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماه، فتجده رطباً من دموعه في الليل. قال: وتفقدت ذلك في الشتاء، فلم يكن الموضع يجف في الصيف حتى يقلع الحصير من موضعه ويبسط غيره فيكون سبيله سبيل الأول. دخل محمد بن عبد الله دمشق فهرب الأوزاعي، فبقي ثلاثة أيام صائماً يطوى، لا يجد ما يأكله، فقصد صديقاً له عند الإفطار، فقدم إليه، فقال: لو علمت قبل هذا لتقدمنا لك، فقام الأوزاعي وخرج عنه، ولم يفطر. قال العباس بن مزيد: سمعت أصحابنايقولون: صار إلى الأوزاعي أكثر من سبعين ألف دينار، يعني من السلطان من بني امية وبني العباس. فلما مات ما خلف إلا سبعة دنانير، بقية من عطائه، وما كان له أرض ولا دار. قال العباس: نظرنا فإذاه قد أخرجها كلها في سبيل الله والفقراء. وعن الأوزاعي: أنه ذكر الخردل، كان يحبه أو يتدواى به، فقال رجل من أهل صفورية: انا أبعث إليك منه يا أبا عمرو، فإنه ينبت عندنا كثير، بري. قال: فبعث إليه منه بصرة، وبعث بمسائل فبعث الأوزاعي بالخردل إلى السوق، فباعه، وأخذ ثمنه فلوساً فصرها في رقعته، وأجابه في المسائل، وكتب إليه: أن لم يحملني على ما صنعت شيء تكرهه، ولكن كانت معه مسائل فخفت أن يكون كهيئة الثمن لها. قال محمد بن عيسى بن الطباع: أهدوا للأوزاعي هدية أصحاب الحيدث. فلما اجتمعوا قال لهم: أنتم بالخيار: إن شئتم قبلت هديتكم ولم أحدثكم وإن شئتم حدثتكم ورددت هديتكم.

قال أحمد بن أبي الحواري: بلغني أن نصرانياً أهدى إلى الأوزاعي جرة عسل، فقال له: يا أبا عمرو، تكتب إلى ملك بعلبك، فقال: إن شئت رددت الجرة وكتبت لك، وإلا قبلت الجرة ولم أكتب لك. قال: فرد الجرة، وكتب له، فوضع عنه ثلاثين ديناراً. قال محمد بن الأوزاعي: قال لي أبي: يا بني، لوكنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا لأوشك بنا أن نهون عليهم. قال أبو هزان: كان الأوزاعي من أسخا الناس، وإن كان الرجل ليعرض بالشيء فينقلب الأوزاعي، فيعالج الطعام فيدعوه. كان الأوزاعي يقول: ندور مع السنة حيثما دارت. وعن الأوزاعي قال: اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما يسعهم. وعن الأوزاعي قال: يا بقية، لا تذكر أحداً من أصحاب نبيك إلا بخير، وأزيدك يا بقية: ولا أحداً من أمتك، قال بقية: إذا سمعت الرجل يقع في غيره فهو يقول: انا خير منه. وقال لي الأوزاعي، يا بقية، العلم ما جاء عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما لم يجئ عن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس بعلم. وعن الأوزاعي قال: لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلب مؤمن. وعن الأوزاعي قال: إذا أراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.

وعن الهيثم بن عمران قال: لي الأوزاعي: أعرى الإسلام تقوى في كل يوم، وتزيد أم تضعف وتضحل وترق؟ قلت: بل تضعف، وتضمحل وترق، فقال: صدقت، ولو كان القدر من عرى الإسلام لضعف واضمحل ورق، ولكنه بدعة وهو يطول وينمو أو يزيد. قال الأوزاعي: لا يكون في آخر الزمان شيء أعز من أخ مؤنس، أو كسب درهم من حله، أو سنة يعمل بها. قال الأوزاعي: كتب إلي قتادة من البصرة: إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة. قال الأوزاعي: جئت إلى بيروت أرابط فيها، فلقيت سوداء عن المقابر فقلت لها: يا سوداء، أين العمارة؟ فقالت لي: أنت في العمارة، وإن أردت الخراب فبين يديك، فقلت: هذه سوداء تقول هذا؟! لأقيمن بها، فأقمت ببيروت. قال الأوزاعي: خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برجل من جراد في السماء، وإذا أنا برجل راكب على جرادة منها، وهوشاكٍ في الحديد، وكلما قال بيده هكذا مال الجراد مع يده، وهو يقول: الدنيا باطل، باطل ما فيها، الدنياباطل، باطل ما فيها، الدنيا باطل، باطل ما فيها. قال الأوزاعي: كان عندنا رجل صياد يسافر يوم الجمعة يصطاد، ولا ينتظر الجمعة، فخرج يوماً فخسف ببغلته، فلم يبق منها إلا أذنها.

كان الأوزاعي على باب دكان بحذاء درج مسجد بيروت، وحذاءه صاحب دكان يبيع فيه ناطفاً، وإلى جانبه صاحب دكان يبيع بصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماً، وهو يقول: يا أحلى من الناطف، فقال الأوزاعي: سبحان الله، ما يرى هذا بالكذب بأساً. حدث الوليد عن مكحول أنه قال: لو خيرت بين القضاء وبين ضرب رقبتين لاخترت ضرب رقبتي. قال: ثم قدم علينا الأوزاعي، وقد كانوا يريدون يولونه القضاء. قال: فحدثته بقول مكحول، ثم رأيته بعد وقد صرف ذلك عنه، قال: إن كنت لمن سدد لي رأيي. قال سليمان بن عبد الرجمن: قال عقبة بن علقمة: أرادوا الأوزاعي للقضاء فامتنع، وأبى، فتركوه. قال: فقلت لعقبة: هم كانوا يكرهون الناس على ما يريدون، فكيف لم يكرهوا الأوزاعي؟! فقال: هيهات، إنه كان في أنفسهم أعظم قدراً من ذلك. وعن الأوزاعي قال: كنا قبل اليوم نمزح ونضحك، فأما إذا صرنا أئمة ينظر إلينا ويقتدى بنا، فينبغي لنا أن نتحفظ. وفي رواية: فلما صرنا يقتدى بنا خشيت أن لا يسعنا التبسم. كان الأوزاعي يقول: إن المؤمن قليلاً، ويعمل كثيراً. وإن المنافق يقول كثيراً، ويعمل قليلاً. وقال: من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير من العمل، ومن عرف أن منطقه من عمله قل كلامه. كتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يشار بك كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به. والسلام.

وقال الأوزاعي: لؤم بالرجل ودناءه نفس يفوته وقت الصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة بكسب دانق. حدث الهقل بن زياد: أن الأوزاعي وعظ فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " فإنكم في دارٍ، الثواء فيها قليل، وأنتم فيها مرحلون، خلائف بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفسها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعماراً، وأمد أجساماً، وأعظم آثاراً، فجددوا الجبال، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد، مؤيدين ببطش شديد، وأجساد كالعماد، فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مدتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذكرهم، فما تحسن منهم من أحد، ولا تسمع لهم ركزاً، كانوا بلهو الأمل آمنين، لميقات يوم غافلين، ولصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتاً من عقوبة الله عز وجل، فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمه وزوال نعمه، ومساكن خاوية، فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم، وعبرة لمن يخشى، وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوص، ودنيا مقبوضة في زمان قد ولى عفوه، وذهب رخاؤه، فلم يبق منه إلا حمة شر، وصبابة كدر، وأهاويل غير، وعقوبات عبر، وأرسال فتن، وتتابع زلازل، ورذالة خلف، بهم ظهر الفساد في البر والبحر، فلا تكونوا أشباهاً لمن خدعه الأمل، وغره طول الأجل، وتبلغ بالأماني، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعى وانتهى، وعقل مثواه فمهد لنفسه. قال محمد بن كثير: سمعت الأوزاعي يقول: البسيط الملك ملكان مقرونان في قرن ... فأهنأ العيش عندي خفة المؤن

وصحة الجسم ملك ليس يعدله ... ملك وما الملك إلا صحة البدن قال أبو سعيد هاشم بن مزيد: سمعت أحمد بن الغمر يقول: سمعت عبد الله بن أبي السايب يقول: قلت لأبي عمرو الأوزاعي: يا أبا عمرو، رضي الله عنك، أخبرني عن تفسير حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأتي على الناس زمان، المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر، متى هو؟ قال الأوزاعي: إن لم يكن زماننا هذا فلا أدري متى هو. قال أبو سعيد: فقلت لأبي عبد الله، أحمد بن الغمر: يا أبا عبد الله، أخبرني عن قول الأوزاعي: زماننا هذا وما بعده أشد منه كما جاءت به الآثار. فلما جاءت المحنة التي نزلت به - لما نزل عبد الله بن علي حماة - بعث إلى الأوزاعي: فأشخص إليه. قال: فنزل على ثور بن يزيد الحمصي. قال الأوزاعي: فلم يزل ثور يتكلم في القدر من بعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة العشاء الآخرة إلى أن طلع الفجر، والأوزاعي ساكت، ما أجابه بحرف. فلما انفجر الفجر قام فتوضأ لصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الصبح، ثم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، وركب، فأتى حماة، فدخل الآذن، فأذن للأوزاعي. قال: فدخلت على عبد الله، وهو على سريره، وفي يده خيزرانة ينكت بها الأرض، وحوله المسودة بالسيوف المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمتة والغمد الحديد، والسيف والنطع بين يديه، فسلمت: فنكت في الأرض ثم رفع رأسه إلي وقال: يا أوزاعي، أتعد مقامنا هذا - أو مسيرنا - رابطاً؟ فقلت: جاءت الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لامرأة يتزوجها، أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قال: فنكت

بالخيزرانة نكتاً هو أشد من النكت الأول، وجعل من حوله يعضون لي أيديهم، ثم رفع رأسه فقال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟ قلت: جاءت الآثار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أنه لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الزاني بعد إحصان، والمرتد عن الإسلام، والنفس بالنفس، فنكت بالخيزرانة نكتاً هو أشد من ذلك وأطرق ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي، ما تقول في أموال بني أمية؟ فقلت: إن كانت لهم حراماً فهي عليك حرام، وإن كانت لهم حلالاً فما أحلها الله لك إلا بحقها. قال: فنكت بالخيزرانة نكتاً هو أشد من ذلك وأطرق ملياً ثم رفع رأسه، فقال: يا أوزاعي، هممت أن أوليك القضاء، فقلت: اصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح الله الأمير، قد كان انقطاعي إلى سلفك ومن مضى من أهل بيتك، وكانوا بحقي عارفين، فإن رأى الأمير أن يستتم ما بتدأه آباؤه فليفعل. قال: كأنك تريد الإذن، قلت: إن ورائي لحرماً بهم حاجة إلى قيامي بهم وستري لهم. قال: فذاك لك. قال: فخرجت فركبت دابتي، وانصرفت. قال: فلم أعلم حين وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمت إلى بيروت إلا وعثمان على البريد. قال: قلت: بدأ الرجل في، فقال: إن الأمير غفل عن جائزتك، وقد بعث لك بمئتي دينار. قال أحمد: قال ابن أبي العشرين - يعني: عبد الحميد: فلم يبرح الأوزاعي مكانه حتى فرقها في الأيتام والأرامل والفقراء، ثم وضع الرسائل في رد ما سمع من ثور بن يزيد في القدر. وزاد في حديث آخر بمعناه قال: أخبرني عن الخلافة: وصية لنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فورد علي أمر عظيم، واستسلمت للموت، فقلت: لأصدقنه، فقلت: أصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح الله الأمير، كان بيني وبين داود مودة، ثم قلت، لو كانت وصية من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترك علي بن أبي طالب أحداً يتقدمه. كتب أبو جعفر أمير المؤمنين إلى الأوزاعي: أما بعد، فقد جعل أمير المؤمنين في عنقك ما جعل الله لرعيته قبلك في عنقه، فأطلعه طلعهم، واكتب إليه بما رأيت فيه المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحة، وبما أحببت وبدا لك. قال: فكتب إليه الأوزاعي: أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين يعلمني أنه قد جعل في عنقي ما جعل الله لرعيته في عنقه، ويأمرني أن أطلعه طلعهم وأكتب إليه بما رأيت فيه المصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمحة لهم، وبما أحببت، وبدا لي، فعليك يا أمير المؤمنين بتقوى الله وطاعته، وتواضع يرفعك الله يوم يضع المتكبرين في الأرض بغير الحق، واعلم أن قرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لن تزيد حق الله عليك إلا عظيماً، ولا طاعته إلا وجوباً، ولا الإياس فيما خالف ذلك منه إلا إنكاراً. والسلام.

قال الأوزاعي: بعث إلي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل. فلما وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمت إليه سلمت عليه بالخلافة، ورد علي، واستجلسني ثم قال: ما الذي بطأ بك عنا يا أوزاعي؟ قلت: وما الذي تريد يا أمير المؤمنين؟ قال: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم، قلت: فانظر يا أمير المؤمنين ألا تجهل شيئاً مما أقول لك. قال: وكيف أجهله، وأنا أسألك عنه، وفيه وجهت إليك، وأقدمتك له؟! قلت: أن تسمعه ولا تعمل به: يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين، فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة، فطابت نفسي، وانبسطت في الكلام، فقلت: يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عطية بن بسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنما هي نعمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها يشكر، وإلا كانت حجة من الله عليه، ليزداد بها إثماً، ويزداد الله عليه سخطاً. يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عطية بن بسر قال: قال ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيما وال بات غاشاً لرعيته حرم الله عليه الجنة. يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله عز وجل، إن الله هو الحق المبين. يا أمير المؤمنين، إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولأكم أمورها لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كان بهم رؤوفاً رحيماً، مواسياً لهم بنفسه في ذات يده، وعن الناس لحقيق أن تقوم له فيهم بالحق، وأن تكون بالقسط فيهم قائماً، ولعوراتهم ساتراً، لم تغلق عليه دونهم الأبواب، ولم تقم دونهم الحجاب، تبتهج بالنعمة عندهم، وتبتئس بما أصابهم من سوء. يا أمير المؤمنين، قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم، أجرهم وأسودهم، ومسلمهم وكافرهم، فكل له عليك نصيب من العدل، فكيف بك إذا اتبعك منهم فئام وراء فئام، ليس منهم أحد إلا وهو يشكو شكوة، أو يشكو بلية أدخلتها عليه، أو ظلامة سقتها إليه؟.

يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال: كانت بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريدة رطبة يستاك بها، ويردع بها المنافقين، فاتاه جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، ما هذه الجريدة التي قد كسرت بها قرون أمتك، وملأت بها قلوبهم رعباً؟! فكيف بمن شقق أبشارهم، وسفك دماءهم، وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم، وغيبهم الخوف منه يا أمير المؤمنين، حدثني مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة خدشها أعرابياً لم يتعمده، فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن الله لم يبعثك جباراً ولا متكبراً، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعرابي فقال: اقتص مني، فقال الأعرابي: قد احللتك، بأبي أنت وأمي، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، ولو أتيت على نفسي، فدعا الله له بخير. يا أمير المؤمنين، رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك، وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقيد قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها. يا أمير المؤمنين، إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك. يا أمير المؤمنين، ما جاء في تاويل هذه الآية عن جدك: " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: الضحك. فكيف بما عملته الأيدي وأحصته الألسن؟ يا أمير المؤمنين، بلغني أن عمر بن الخطاب قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخفت أن أسأل عنها، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك؟ يا أمير المؤمنين، تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك: " يا داود إنا جعلنا لك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ". قال: يا داود؛ إذا قعد الخصمان

بين يديك، فكان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له، فيفلج على صاحبه، فأمحوك من نبوتي، ثم لا تكون خليفتي، ولا كرامة. يا داود، إني إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل، لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة، ليجبروا الكسير، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء. يا أمير المؤمنين، إنك قد بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه. يا أمير المؤمنين، حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب استعمل رجلاً من الأنصار على الصدقة، فرآه بعد أيام مقيماً فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله؟ قال: لا، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنه بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من والٍ يلي شيئاً من أمور المسلمين إلا أتي به يوم القيامة، يده مغلولة إلى عنقه، فيوقف على جسر في النار، ينتقض به ذلك الجسر انتقاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه، ثم يعاد فيحاسب، فإن كان محسناً نجا بإحسانه، وإن كان مسيئاً انخرق به ذلك الجسر، فهوى به في النار سبعين خزيفاً. قال له: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي ذر وسلمان، فأرسل إليهما عمر فسألهما، فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: واعمراه، من يتولاها بما فيها؟ فقال أبو ذر: من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض. قال: فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى، وانتحب حتى أبكاني، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، قد سأل جدك العباس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمارة على مكة أو الطائف أو اليمن، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عباس، يا عم النبي، نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها، نصيحةً منه لعمه وشفقة منه عليه، وإنه لا يغني عنه من الله شيئاً إذ أوحى إليه " وأنذر عشيرتك الأقربين " فقال: يا عباس عم النبي، يا صفية عمة النبي، ويا فاطمة بنت محمد، إني لست أغني عنكم من الله شيئاً، لي عملي ولكم عملكم. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله

عنه: لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل، أريب العقدة، لا يطلع منه على عورة، ولا يحنق على جرة، ولا تأخذه في الله لومة لائم. وقال علي رضي الله عنه: السلطان أربعة أمراء: فأمير ظلف نفسه وعماله، فذلك كالمجاهد في سبيل الله، يد الله عليه باسطة بالرحمة. وأمير ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفى هلاك إلا أن يرحم الله - وفي رواية: إلا أن يتركهم - وأمير ظلف عماله وأربع نفسه فذلك الحطمة الذي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شر الرعاء الحطمة، فهو الهالك وحده. وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعاً. وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتيتك حين أمر الله بمنافيخ النار، فوضعت على النار لتسعر إلى يوم القيامة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبريل، صف لي النار، فقال: إن الله أمر بها، فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، قم أوقد عليها ألف عام حتى أصفرت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا تطفأ - وقيل: لا يضيء لهبا ولا جمرها - والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من ثياب أهل النار ظهر لأهل الأرض لماتوا جميعاً، ولو أن ذنوباً من شرابها صب في مياه الأرض جميعاً لقتل من ذاقه، ولو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله عز وجل وضع على جبال الأرض لزالت، وما استقلت، ولو أن رجلاً دخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه، فبكى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكى جبريل لبكائه فقال: أتبكي يا محمد، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم بكيت يا جبريل، وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه؟ فقال: أخاف أن أبتلى بمثل ما ابتلي به هاروت وما روت، فهو الذي منعني من اتكالي على

منزلتي عند ربي، فأكون قد أمنت مكره، فلم يزالا يبكيان حتى نودي من السماء أن يا جبريل ويا محمد، إن الله قد آمنكما أن تغضباه، فيعذبكما. وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اللهم، إن كنت تعلم أني لا أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على مال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين. يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه، وإن اكرم الكرم عند الله المقري، وإنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله، ووضعه. وهذه نصيحتي، والسلام عليك. ثم نهضت فقال: إلى أين؟ فقلت: إلى البلد والوطن بإذن الله وإذن أمير المؤمنين إن شاء الله قال: قد أذنت لك، وشكرت لك نصيحتك، وقبلتها بقبولها، والله هو المرفق للخير والمعين عليه، وبه أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم الوكيل، فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثلها، فإنك المقبول القول، غير المتهم في النصيحة، قلت: أفعل إن شاء الله، فامر له بمال يستعين به على خروجه، فلم يقبله، وقال: أنا في غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من أعراض الدنيا كلها، وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في رده. رفع إلى المهدي أن الأوزاعي لا يلبس السواد ويحرمه، فقال لأبي عبيد الله وزيره: ادع هذا الشيخ فسله عما عنده من تحريم السواد، فأحضره أبو عبيد الله فقال له: يا شيخ، إنه رفع إلى أمير المؤمنين أنك تحرم السواد، فما عندك فيه؟ فقال: لا احرمه، ولكني أكرهه. قال: وما الذي تكره منه؟ فقال الأوزاعي: لم أر محرماً أحرم فيه، ولا عروساً جليت فيه، ولا ميتاً كفن فيه، فمن ها هنا أكرهه. فدخل أبو عبيد الله على المهدي فأخبره بقول الأوزاعي، فاستضحك المهدي، وقال: ما أحسن ما تخلص الشيخ، لا تعرضوا له، فإنه شيخ فاضل. هكذا ورد المهدي، وإنما هو المنصور، والأوزاعي لم يبق إلى دولة المهدي.

قال بشر بن بكر: كان والٍ بالشام قد أراد الأوزاعي على شيء فلم يجده عنه. قال: فهم أن يؤدبه، فقال له بعض من يعتاده: لا تفعل، فإنه لا مقام لك بالشام مع الأوزاعي، فإن يكن من أمير المؤمنين شيء كان من غيرك. قال: فكف عنه. قال: فبينما هم كذلك إذ جاءه كتاب أن يخرج إلى فلان الشاري، فيقابله. قال: فقال له أولئك: الآن جاءك ما تحب منه، لو ضربت رقبته لم يجبك فيه بشيء. قال: فأرسل إليه، فاجتمع، واجتمع من كان يؤلبه على الأوزاعي وغيرهم. قال: فقال له الوالي: يا أبا عمرو، هذا كتاب أمير المؤمنين يأمر فيه بالخروج إلى هذا الظالم الشاري. قال: فقال الأوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير اليمامي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما الأعمال بالنية، ولكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وروسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قال: فقال له الوالي: أخبرك عن كتاب أمير المؤمنين وتعارضني بغيره؟! قال: فقال له الأوزاعي: اسكت، أخبرك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارضني بغيره؟! قال: فأشار إليه بعض من كان يؤلبه عليه بيده أن يسكت. قال: فقال له: انصرف يا أبا عمرو. قال: فلما قام قال لهم الوالي: هذا رجل معصوم. قال: وقال الوالي لمن كان يؤلبه: إشارتكم إلي أن أسكت لم كان؟ قالوا: لو أشار إلى أهل الشام لضربت رقبتك. قال ابن أبي العشرين: سمعت أميراً كان بالساحل يقول وقد دفنا الأوزاعي ونحن عند القبر: رحمك الله أبا عمرو، لقد كنت أخافك أكثر ممن ولاني. قال أبو مهر: ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده، ما يجلس إليه أحد، وحتى ملئت أذنه شتماً وهو يسمع. قال محمد بن عبيد الطنافسي: كنت جالساً عند الثوري، فجاءه رجل فقال: رأيت كأن ريحانة من المغرب قلعت -

وفي رواية: من الشام رفعت - قال: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي، فكتبوا ذلك فجاء موت الأوزاعي في ذلك اليوم، أو تلك الليلة. قال يحيى بن معين: مات الأوزاعي في الحمام. قال خيران بن العلاء وكان من خيار أصحاب الأوزاعي وكان الأوزاعي روى عنه قال: دخل الأوزاعي الحمام، وكان لصاحب الحمام حاجة، فاغلق الباب عليه، وذهب قال: ثم جاء ففتح الباب، فوجده ميتاً، قد وضع يده اليمنى تحت خده، وهو مستقبل القبلة. وقيل: إن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه. ولم تكن عامدة لذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة. قال: وما خلف ذهباً ولا فضة ولا عقاراً ولا متاعاً إلا ستة دنانير، فضلت من عطائه، وكان قد اكتتب في ديوان الساحل. توفي الأوزاعي سنة خمسين ومئة. وقيل: سنة إحدى وخمسين ومئة. وقيل: سنة ست وخمسين. وقيل: سنة سبع وخمسين. وكان مولده سنة فتح الطوانة. فلم يتم عمره سبعين سنة، وقيل: ولد سنة ثمان وثمانين. ولما مات شيع جنازته أهل أربعة أديان: المسلمون، واليهود، والنصارى، والقبط. قال بشر بن أبي بكر: رأيت في المنام كأني دخلت الجنة، فإذا سفيان بن سعيد الثوري والأوزاعي قاعدان، فقلت لهما: ما فعل مالك؟ فقالا: وأين مالك؟ رفع مالك. قال يزيد بن مذعور: رأيت الأوزاعي في منامي فقلت: يا أبا عمرو، دلني على درجة أتقرب بها إلى الله عز وجل قال: ما رأيت هناك أرفع من درجة العلماء، ومن بعدها درجة المحرومين.

عبد الرحمن بن عمرو اليحصبي

عبد الرحمن بن عمرو اليحصبي حدث عن صدقة بن عبد الله السمين بسنده إلى أبي أمامة قال: كان الناس كشجرة ذات جنى، ويوشك أن يعودوا كشجرة ذات شوك. عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني ويقال: الأزدي، أخو محمد بن أبي عميرة له صحبة. وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل: إنه سكن دمشق، وقيل: إنه سكن حمص. حدث عبد الرحمن بن أبي عميرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب. وحدث أيضاً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من الناس نفس مسلمة يقبضها ربها تعالى تحب أن ترجع إليكم، وإن لها الدنيا وما فيها، غير الشهيد. وقال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر. وقال أيضاً: خمس حفظتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا صفر، ولا هامة، ولا عدوى، ولا يتم شهران ستين يوماً، ومن خفر ذمة اله لم يرح رائحة الجنة. نزل عبد الرحمن بن أبي عميرة الشام، وهو الذي روى في معاوية ما روى من حديث الوليد بن مسلم قال:

عبد الرحمن بن عوف

حدثنا شيخ من أهل دمشق، حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون في بيت المقدس بيعة هدى. عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو محمد القرشي الزهري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. من المهاجرين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وغيرها من المشاهد، وهو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر، وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي وهو عنهم راضٍ. وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، ويقال: عبد الكعبة. قدم مع عمر بن الخطاب الجابية، وشهد في كتاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمح أهل بيت المقدس، وكان على ميمنة عمر في تلك الخرجة، وعلى ميسرته في خرجته الثانية إلى الشام التي رجع عمر فيها من سرغ بحديثه، وسماه عمر: العدل الرضي. عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي قال: أخبرني عن قصتكم يوم بدر قال: اقرأبعد العشرين ومئة من آل عمران تجد قصتنا " وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " إلى قوله: " إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا: " قال: هم الذين طلبوا الأمان من المشركين، إلى قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " قال: فهو تمني لقاء المؤمنين إلى قوله: " إذ تحسونهم بإذنه ".

وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. قال ابن عباس: كنت جالساً مع عمر بن الخطاب وهو خليفة فقال: يا بن عباس، أما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أحد من أصحابه يذكر ما أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سها المرء في صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته؟ قلت: لا، أو ما سمعت ذلك أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: فدخل الخمية علينا عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ قال عمر: سألته: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أحد من أصحابه يذكر ما أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سها المرء في صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته؟ فقال عبد الرحمن: عندي علم من هذا، فقال عر: هلم فحدثنا، فأنت عندنا العدل الرضي، فقال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا شك أحدكم في الاثنتين والواحدة فليجعلها واحدة، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها اثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثاً، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم ليتم ما بقي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته، ويسجد سجدتين، وهو جالس قبل أن يسلم. زاد في رواية: ثم يسلم. وعن عكرمة بن خالد المخزومي: أن عمر بن الخطاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى بالناس بالجابية المغرب، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ثنتين ثم دخل خباه فأطاف به عبد الرحمن، وسلم، فذكره ما بقي من صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماته فاستأنف. ولد عبد الرحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين. وأمه صفية بنت عبد مناف بن زهرة بن كلاب. وقيل: أمه العنقاء، وهي الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث. وعبد الرحمن بن عوف أمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نسائه، وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وراءه في غزوة تبوك، وهو صاحب الشورى، وكان اسمه عبد عمرو فأسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسلم عبد الرحمن. وكان رجلاً طويلاً، حسن الوجه، رقيق البشرة،

فيه جنأ، أبيض مشرب حمرة لا غير شعره، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين وربما أدمى نابه شفته، له جمة أسفل من أذنيه، أعين، ضخم الكفين، غليظ الأصابع، أعشر، أعرج. وبعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية وعممه، وعقد له اللواء بيده، وكان أصابته يوم أحد جراحات كثيرة قيل: إنها إحدى وعشرين جراحة، وهتم فسقطت ثنيتاه، وكان أهتم، وعرج في رجله. حدث عبد الرحمن بن عوف قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا محمد، ما صنعت في استلام الحجر؟ قال: استلمت وتركت. قال: أصبت. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البار، الصادق، وآخى بينه وبين سعد بن الربيع الخزوجي، وله أخوان: عبد الله، والأسود. قال عبد الرحمن بن عوف: سافرت إلى اليمن قبل مبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنة ونحوها، فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميري، وكان شيخاً كبيراً، قد أسني له في العمر حتى عاد كالفرخ وهو يقول: الوافر. إذا ما الشيخ صم فلم يكلم ... وأودى سمعه إلا بدايا ولا عب في العشي بني بنيه ... كفعل الهر يفترس العظايا فذاك الداء ليس له دواء ... سوى الموت المنطق بالرزايا

يفديهم وودوا لو سقوه ... من الداذي مترعةً ملايا شهدت تتابع الأملاك منا ... وأدركت المرفق في القضايا فماتوا أجمعون وصرت حلساً ... صريحاً لا أبوح إلى الجلايا قال عبد الرحمن: وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن نزلت عليه، فيسائلني عن مكة والكعبة وزمزم ويقول: هل ظهر فيكم رجل له نبه؟ له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عيكم في دينكم. فأقول: لا، فأسمي له من قريش وذوي الشرف حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعقبها، فوافيته وقد ضعف، وثقل سمعه، فنزلت عليه، فاجتمع عليه ولده وولد ولده، وأخبروه بمكاني، فشد عصابة على عينية واشتد، فقعد وقال لي: انتسب لي يا أخا قريش، فقلت: أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قال: حسبك يا أخا زهرة، ألا أبشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة؟ قلت: بلى، قال: أنبئك بالمعجبة، وأشرك بالمرغبة، إن الله عز وجل قد بعث في الشهر الأول من قومك نبياً، ارتضاه، صفياً، وأنزل عليه كتاباً، وجعل له ثواباً، ينهى عن الأصنام، ويدعو إلى الإسلام، يأمر بالحق ويفعله، وينهى عن الباطل ويبطله، قال: فقلت: ممن هو؟ قال: لا من الأزد، ولا ثمالة، ولا من السرو ولا تبالة، هو من بني هاشم وأنتم أخواله، يا عبد الرحمن، أخف الوقعة، وعجل الرجعة، ثم امض ووازره، وصدقه واحمل إليه هذه الأبيات: مخلع البسيط أشهد بالله ذي المعالي ... وفالق الليل والصباح

أنك في السور من قريشٍ ... يا بن المفى من الذباح أرسلت تدعو إلى يقينٍ ... يرشد للحق والفلاح هد كرور السنين ركبي ... عن بكير السير والرواح فصرت حلساً لأرض بيتي ... وقص من قوتي جناحي إذا نأى بالديار بعد ... فأنت حرزي ومستراحي أشهد بالله رب موسى ... أنك أرسلت بالبطاح فكن شفيعي إلى مليكٍ ... يدعو البرايا إلى الفلاح قال عبد الرحمن: فحفظت الأبيات، وأسرعت في تقصي حوائجي، حتى إذا أحكمت منه ما أردت ودعته وانصرفت، فقدمت مكة، فلقيت أبا بكر رضوان الله عليه وكان خليطاً، فأخبرته الخبر مما سمعت من الحميري فقال: هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله رسولاً إلى خلقه، فائته، فأتيته. وهو في بيت خديجة رضي الله عنها، فاستأذنت عليه. فلما رآني ضحك وقال: أرى وجهاً خليقاً أردو له خيراً، ما وراءك يا أبا محمد؟ قلت: وماذاك يا محمد؟ قال: حملت إلي وديعة؟ أم أرسلك مرسل إلي برسالة؟ هاتها، فهاتها، أما إن أخا حمير من خواص المؤمنين. قال عبد الرحمن بن عوف: فأسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأنشدته شعره وأخبرته بقوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رب مؤمن بي ولم يرني، ومصدق لي وما شهدني، أولئك إخواني حقاً. قال عبد الرحمن: وأنا الذي أقول في إسلامي: الطويل. أجبت منادي الله لما سمعته ... ينادي إلى الدين الحنيف المكرم فقلت له بالبعد لبيك داعياً ... إليك متابي بل إليك تميمي أجوب الفيافي من أفاويق حميرٍعلى جلعم جلد القوائم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمقم

بأبناء صدقٍ علمتها موفق ... ولا العلم إلا باطلاب التعلم فكم مخبرٍ بالحق في الناس ناصحٍ ... وآخر أفاكٍ كثير التوهم ألا إن خير الناس في الأرض كلهم ... نبي جلا عنا شكوك الترجم نبي أتى والناس في أعجمية ... وفي سدفٍ من ظلمة الكفر معتم فأقشع بالنور المضيء ظلامة ... فسعقاً لهم في قعد مهوى جهنم وخالفه الأشقون من كل فرقة ... وساعده في أمره كل مسلم حدث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: كنا نسير مع عثمان بن عفان في طريق مكة إذ رأى عبد الرحمن بن عوف فقال عثمان: ما يستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ فضلاً في الهجرتين جميعاً، يعني: هجرته إلى الحبشة، وهجرته إلى المدينة. وعن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر آخى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عثمان بن عفان فقال له: إن لي حائطين فاختر أي حائطي شئت، قال: بارك الله لك في حائطيك، ما لهذا أسلمت، دلني على السوق، قال: فدله، فكان يشتري السمينة والأقيطة والإهاب، فجمع، فتزوج، فاتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه ردع من صفرة قال: مهيم؟ قال: تزوجت، فقال: بارك الله لك، أو لم ولو بشاة، قال: فكثر ماله حتى قدمت له سبع مئة راحلة تحمل البز وتحمل الدقيق والطعام، قال: فملا دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها: عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، وسبع مئة راحلة تحمل البز والدقيق والطعام، فقالت عائشة: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: وعبد الرحمن لا يدخل الجنة إلا حبواً. فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمه، إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل الله عز وجل. قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر.

قال الحارث بن الصمة: سألني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وهو في الشعب، فقال: هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟ فقلت: نعم، رأيته إلى جنب الجبيل، وعليه عكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه، فرأيتك فعدلت إليك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الملائكة تقاتل معه. قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى، فقلت: ظفرت يمينك أمل هؤلاء قتلت؟! فقال: أما هذا - لأرطأة بن شرجبيل - وهذا فأنا قتلتهما، وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره، فقلت: صدق الله ورسوله. قال ابن منده: هذا حديث غريب. قال عمرو بن وهب الثقفي: كنا مع المغيرة بن شعبة فسئل: هل أم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد من هذه الأمة غير أبي بكر؟ فقال: نعم، كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر. فلما كان من السحر ضرب عنق راحلتي، فظننت أن له حاجة، فعدلت معه، فانطلقنا حتى برزنا عن الناس، فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلاً ثم جاء فقال: حاجتك يا مغيرة، قلت: مالي حاجة، قال: هل معك ماء؟ فقلت: نعم، فقمت إلى قربة - أو سطيحة - معلقة في آخر الرحل، فأتيته بها فصببت عليه فغسل يديه، فأحسن غسلهما - وقال: وأشك أقال: دلكهما بتراب أم لا - ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن يديه وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فضاقت، فأخرج يديه من تحتها إخراجاً، فغسل وجهه وبدنه. قال: فيجيء في الحديث غسل الوجه مرتين فلا أدري أهكذا كان أم لا، ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين، وركبنا، فادركنا الناس، وقد أقيمت الصااة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة، وهم في الثانية فذهبت أوذنه فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا، وقضينا الركعة التي سبقنا. وفي حديث بمعناه: فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى مع الناس خلفه ركعة. فملا سلم قال: أصبتم، أو أحسنتم.

وفي رواية: فلما أحس بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذهب يتأخر فأومأ إليه أن يتم الصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة وقال: قد أحسنت كذلك فافعل. وعن المغيرة بن شعبة قال: اثنتان لا أسأل عنهما أحداً لأني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله: المسح على الخفين، وصلة الرجل خلف رعيته، وقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ركعتين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة الفجر خلف عبد الرحمن بن عوف. وعن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أنه كان جالساً معه على قباء، فأتاه رجل من أهل العراق يسأله عن إرسال العمامة خلفه، فقال ابن عمر: سأنبئك عنه بعلم إن شاء الله: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاشر عشرة رهط في مسجده فيهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن جبل، وابن مسعود، وأبو مسعود، وأبو سعيد الخدري، وابن عمر، فجاءه رجل من الأنصار فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم له استعداداً، أولئك هم الأكياس، ثم أمسك الفتى. وأقبل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا معشر المهاجرين، خصال خمس، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، ولم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله عز وجل إلا جعل الله بأسهم بينهم.

ثم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن عوف أن يتجهز لسرية يبعثها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء، فأدناه إليه ثم نقضها فعمه بيده، وأرسل العمامة خلفه، أربع أصابع، أو نحو ذلك، ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أعرف وأحسن، ثم أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً يدفع إليه اللواء فحمد الله عز وجل وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: خذ يا بن عوف، اغزوا في سبيل الله جميعاً، قاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً. فهذا عهد الله إليكم وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيكم. وذكر خليفة في تسمية عمال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصدقات: عبد الرحمن بن عوف على صدقات كلب. وعن ابن عباس قال: جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من الطائف بستة أشهر، ثم أمره الله عز وجل بغزوة تبوك، وهي التي ذكر الله عز وجل ساعة العسرة، وذلك في حر شديد، وقد كثر النفاق، وكثر أصحاب الصفة بيت كان لأهل الصدقة، يجتمعون فيه، فتأتيهم صدقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين وإذا حضر غزو عمد المسلمون إليهم، فاحتمل الرجل الرجل، أو ما شاء الله بشبعة، فجهزوهم، وغزوا معهم، واحتبسوا عليهم - فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين بالنفقة في سبيل الله والحسبة، فأنفقوا احتساباً، وأنفق رجال غير محتسبين، وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس، وأفضل ما تصدق به يومئذٍ أحد عبد الرحمن بن عوف، تصدق بمئتي أوقية، وتصدق عمر بن الخطاب بمئة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمرٍ، وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرحمن إلا قد اخترب: ما ترك لأهله شيئاً، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تركت لأهلك شيئاً؟ قال: نعم، أكثر مما أنفقت، وأطيب. قال: كم؟ قال: ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير، وذكر الحديث.

وعن قتادة: في قوله تبارك وتعالى " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات " قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف بشطر ماله ثمانية آلاف دينار، فتصدق بأربعة الاف دينار، فقال أناس من المنافقين: إن عبد الرحمن لعظيم الرياء، فقال الله تعالى: " الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ". وكان لرجل من الأنصار صاعان من تمر، فجاء بأحدهما، فقال أناس من المنافقين: إن الله عن صاع هذا لغني، وكان المنافقون يطعنون عليهم ويسخرون منهم فقال الله تعالى: " والذين لايجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم " الآية. وعن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشطر ما له أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفاً، ثم تصدق بأربعين الف دينار، ثم حمل على خمس مئة فرس في سبيل الله، ثم حمل على ألف وخمس مئة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة. وعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا بن عوف، إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفاً، فأقرض الله يطلق لك قدميك، قال ابن عوف: فما الذي أقرض الله يا رسول الله؟ قال: تبرأ مما أنت فيه، قال: أمن كله أجمع يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك، فأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتاني جبريل، فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، ويبدأ بمن يعول، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية ما هو فيه. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أريت أني دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا بلال، فنظرت، فإذا أعالي أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المؤمنين، وإذا ليس فيها

أحد - يعني: من الأغيناء والنساء - فقلت: ما لي لا أرى فيها أحداً أقل من الأغنياء والنساء؟! فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يحاسبون ويمحصون، وأما النساء فألها هن الأحمران: الذهب والحرير. فخرجت من أحد الثمانية أبواب فوضعت في كفة الميزان، وأمتي في كفة فرجحتها، ثم جيء بأبي بكر فوضع في كفة وأمتي في كفة فرجح بها، ثم جيء بعمر فوضع في كفه وأمتي في كفة فرجح بها، ثم جعلوا يعرضون علي أمتي رجلاً رجلاً فاستبطات عبد الرحمن بن عون فلم أره إلا بعد إياسة، فلما رآني بكى فقلت: عبد الرحمن بن عوف؟ ما يبكيك؟! فقلت: والذي بعثك بالحق ما رأيتك، حتى ظننت أني لا أراك أبداً إلا بعد المشيبات. قال: فقلت: وما ذاك؟ قال: من كثرة مالي، ما زلت أحاسب بعدك وأمحص. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً على أصحابه فقال: يا أصحاب محمد، لقد أراني الله تعالى الليلة منازلكم في الجنة وقدر منازلكم من منزلي، ثم أقبل على علي عليه السلام فقال: يا علي، ألا ترضى أن يكون منزلك مقابل منزلي في الجنة؟ قال: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: فإن منزلك في الجنة مقابل منزلي، ثم أقبل على أبي بكر فقال: إني لأعرف رجلاً باسمه واسم أبيه وأمه إذا أتى باب الجنة لم يبق باب من أبوابها ولا غرفة من غرفها إلا قال له مرحباً، فقال له سلمان: إن هذا لغير خائب يا رسول الله، فقال: هو أبو بكر بن أبي قحافة، ثم أقبل على عمر فقال: يا عمر، لقد رأيت في الجنة قصراً من درة بيضاء، شرفه من لؤلؤ أبيض، مشيد بالياقوت، فاعجبني حسنه فقلت: يا رضوان، لمن هذا القصر؟ فقال: لفتى من قريش، فظننته لي، فذهبت لأدخله فقال لي رضوان: يا محمد، هذا لعمر بن الخطاب، فولا غيرتك يا أبا حفص لدخلته، قال: فبكى عمر قم قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ ثم أقبل على عثمان فقال: يا عثمان، إن لكل نبي رفيقاً في الجنة وأنت رفيقي في الجنة، ثم أقبل على طلحة والزبير فقال: يا طلحة ويا زبير، إن لكل نبي حواري، وأنتما حواري، ثم أقبل على

عبد الرحمن بن عوف فقال: يا عبد الرحمن، لقد بطئ بك عني حتى حسبت أن تكون قد هلكت، ثم جئت وقد عرقت عرقاً شديداً، فقلت: ما بطأ بك عني؟ لقد حسبت أن تكون قد هلكت، فقلت: يا رسول الله، كثرة مالي، ما زلت موقوفاً محتبساً، أسأل عن مالي، من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ قال: فبكى عبد الرحمن، وقال: يا رسول الله، هذه مئة راحلة، جاءتني الليلة عليها من تجارة مصر فأشهدك أنها بين أرامل أهل المدينة وأيتامهم، لعل الله يخفف عني ذلك اليوم. وعن عبد الرحمن بن عوف: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في النوم أنه دخل الجنة فلم يجد فيها أحداً إلا فقراء المؤمنين، ولم يجد فيها من الأغنياء إلا عبد الرحمن بن عوف، فقال: رأيت عبد الرحمن دخلها - حين دخلها - حبواً، فأرسلت أم سلمة إلى عبد الرحمن بن عوف تبشره أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رآك دخلت الجنة، ويراك دخلتها حبواً، فقال عبد الرحمن: إن لي عيراً أنتظرها، فهي في سبيل الله، وأحمالها ورقيقها، وإني لأرجو أن أدخلها غير حبو. وعن أنس قال: بينما عائشة في بيتها إذ سمعت صوتاً في المدينة فقالت: ما هذا؟ قالوا: عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام، تحمل من كل شيء. قال: فكانت سبع مئة بعير، فارتجت المدينة من الصوت، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قد رأيت عبد الرحمن يدخل الجنة حبواً، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال: إن استطعت لأدخلنها قائماً، فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز وجل. وعن عبد الرحمن بن عوف أنه دخل على أم سلمة فقال: يا أم المؤمنين، إني أخشى أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالاً، بعت أرضاً لي بأربعين ألف دينار. قالت: يا بني، أنفق، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه، فأتيت عمر فأخبرته، فأتاها فقال: بالله أنا منهم؟ قالت: اللهم لا، ولن أبرئ أحداً بعدك.

وعن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تصدق عجب لها الناس حتى ذكرت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أعجبتكم صدقة ابن عوف؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: لروعة صعلوك من صعاليك المهاجرين يجر سوطه في سبيل الله أفضل من صدقة ابن عوف. وعن أبي هريرة قال: وقع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد بعض ما يكون بين الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا لي أصيحابي - فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه. وعن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها! قال: فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهباً ما بلغتم أعمالهم. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد، لا تؤذ رجلاً من اهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله. قال: يقعون في فأرد عليهم، فقال: لا تؤذوا خالداً، فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار. وفي حديث عن الحسن بمعناه قال: فكان بعد ذلك بين عبد الرحمن والزبير شيء فقال خالد: يا بني الله، نهيتني عن عبد الرحمن، وهذا الزبير يسابه! فقال: إنهم أهل بدر، وبعضهم أحق ببعض. وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على حراء ومعه أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، قال: اثبت حراء، فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد. وذكر سعيد بن زيد أنه كان معهم.

وعن عبد الرحمن بن الأخنس قال: خطبنا المغيرة بن شعبة، فنال من علي، فقام سعيد بن زيد فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر. زاد في حديث: يعني نفسه. وعن أبي حاتم - وهو ابن خديجة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، إنك باركت لأمتي في أصحابي، فبارك لأصحابي في ابي بكر، ولا تسلبهم البركة، واجمعهم عليه، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره. اللهم، وأعز عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي طالب، وثبت الزبير، واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووفق عبد الرحمن بن عوف، والحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، الذين يدعون لي، ولأموات أمتي، ولا يتكلفون - ألا وإني بريء من التكلف - وصالح أمتي. وعن سهل بن يوسف بن سهل ابن أخي كعب عن أبيه عن جده قال: لما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة من حجة الوداع صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له. يا أيها الناس، إني عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين راضٍ، فاعرفوا ذلك لهم. أيها الناس، احفظوني في أصحابي، وأصهاري، وأحبائي لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم. أيها الناس، ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً. وعن بسرة بنت صفوان قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أمشط عائشة، فقال: يا بسرة، من يخطب أم كلثوم؟ قلت: يخطبها فلان وفلان وعبد الرحمن بن عوف، فقال: أين أنتم عن عبد الرحمن؟ فإنه من سادة المسلمين، وخيارهم أمثاله، قلت: يا رسول الله،

إنما تكره أن تنكح على ضر أو تسأل طلاق بنت عمها شيبة بن ربيعة. قال: فأعاد قوله كما قال، قالت: فأعدت عليه قولي، فأعاد قوله الثالثة فقال: إنها عن تنكح تحظ وترض. قالت عائشة: يا فتيتاه! ألا تسمعين ما يقول لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قالت: فمسحت يدي من غسلها، وذهبت إلى أم كلثوم فأخبرتها بما قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فأرسلت أم كلثوم إلى عثمان بن عفان وإلى خالد بن سعيد، فزوجانيه. قال: فحظيت والله ورضيت. وعن عبيد الله بن عبد الله عتبة بن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى رهطاً منهم إلا عبد الرحمن بن عوف فلم يعطه معهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج عبد الرحمن يبكي، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: ما يبكيك؟ فقال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رهطاً وأنا معهم، وتركني ولم يعطني، فأخشى أن يكون منع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجدة وجدها علي. قال: فدخل عمر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره خبر عبد الرحمن بن عوف وما قال، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس بي سخط عليه، ولكني وكلته إلى إيمانه. وعن الحضرمي قال: قرأ رجل عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لين الصوت، أولين القراءة، فما بقي أحد من القوم إلا فاضت عينه غير عبد الرحمن بن عوف فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه. وكان عبد الرحمن بن عوف يقال له: حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خياركم خياركم لنسائي. قال: فأوصى عبد الرحمن لهن بحديقة قومت - أو بيعت بأربع مئة ألف.

وعن المسور بن مخرمة: أن عبد الرحمن بن عوف باع كيدمة من عثمان بأربعين ألف دينار، فأمر عثمان بن عفان عبد الله بن أبي سرح، فأعطاه الثمن، فقسمه بين نبي زهرة، ويبن فقراء المسلمين، وأزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال المسور: فأتيت عائشة بنصيبها، فقالت: ما هذا؟ فقلت: بعث به عبد الرحمن بن عوف، فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وعن عائشة قالت: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه في مرضه فقال: سيحفظني فيكم الصابرون، الصادقون. وعن ابن أبي نجيح أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الذي يحافظ على أزواجي من بعدي هو الصادق البار. قال: فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهن، ويحج معهن، ويجعل على هوادجهن الطيالسة، وينزل بهن في الشعب الذي ليس له منفذ. وعن مجاهد قال: لما صدر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسارى عن بدر أنفق سبعة من المهاجرين على أسارى مشركي بدر منهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، وأبو عبيدة بن الجراح. قال: فقالت الأنصار: قبلناهم في الله وفي رسوله، ونفوتهم بالنفقة! فأخبرت الأنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله فيهم تسع عشرة آية: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً " إلى قوله " عيناً فيها تسمى سلسبيلاً ". وكان عبد الرحمن بن عوف إذا أتى مكة كره أن ينزل منزله الذي هاجر منه. وفي حديث: منزله الذي كان ينزله في الجاهلية حتى يخرج منها.

وكان عبد الرحمن ممن يفتي في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأبي بكر، وعمر، وعثمان بما سمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عمرو بن ميمون قال: كنت شاهد عمر حين طعن فقال: الأمر بعدي إلى هؤلاء الستة الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، فذكر علياً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. وحدث محمد بن جبير عن أبيه أن عمر قال: إن ضرب عبد الرحمن إحدى يديه على الأخرى فبايعوه. وحدث زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال: الستة هم الذين خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدنيا وهو عنهم راض. قال: بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن، فمن أبى فاضربوا عنقه. وعن ابن عمر عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختر لكم، وأنتفي منها؟ قال علي: نعم، أنا أول من رضي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لك: إنك أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض وعن أم بكر بنت المسور عن أبيها قال: لما ولي عبد الرحمن بن عوف الشورى كان أحب الناس إلي أن يليه، فإن تركه فسعد بن أبي وقاص، فلحقني عمرو بن العاص فقال: ما ظن خالك بالله إن ولى هذا الأمر أحداً وهو يعلم أنه خير منه، قال: فقال لي: ما أحب، فأتيت عبد الرحمن فذكرت ذلك له، فقال من قال ذلك لك؟ فقال: لا أخبرك، فقال: إن لم تخبرني لا أكلمك أبداً، فقلت: عمرو بن العاص، فقال عبد الرحمن: والله لأن تؤخذ مدية فتوضع في حلقي، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك. وعن عبد الرحمن بن أزهر أن عثمان بن عفان اشتكى رعافاً فدعى حمران فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من

بعدي، فكتب له، فانطلق حمران إلى عبد الرحمن، فقال لي: البشرى، قال: لك البشرى وذاك، ما ذاك؟ قال: إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده، فقام بين يدي القبر والمنبر، فدعا فقال: اللهم، إن كان من تولية عثمان إياي هذا فأمتني قبل عثمان، فلم يمكث إلا ستةة أشهر حتى قبضه الله تعالى. وعن سعد بن أبي وقاص أنه أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف أن ارفع رأسك، وانظر في أمر الناس، فقال له عبد الرحمن: إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس. وعن عبد الرحمن بن عوف قال: أقطعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وذهب الزبير إلى آل عمر فاشترى نصيبه منهم، فأتى عثمان بن عفان فقال: إن عبد الرحمن وعمر إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا، وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان: عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه. وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائماً، فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، فكفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. وعن جعفر بن برقان قال: بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت. وعن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم بماله، وثلث يصلهم.

وعن الدرامي أن سائلاً أتى عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق من عنب، فناوله حبة، فكف السائل يده، فقيل له: واين تقع هذه منه؟ قال: يقبل الله مثقال ذرة وخردلة، وكم فيها مثقال ذرة؟ وكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ في زواياه آية الكرسي قال أبو هناد: رأيت رجلاً يطوف بالبيت وهو يقول: رب، قني شح نفسي، قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال: إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل. يعني: عبد الرحمن بن عوف. وكان عبد الرحمن بن عوف حرم الخمر في الجاهلية وقال فيها بيت شعر: الوافر رأيت الخمر شاربها مجمبرجع القول أو فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلم الخطاب قال سعيد بن المسيب: كان بين طلحة وعبد الرحمن بن عوف تباعد، فمرض طلحة، فجاء عبد الرحمن يعوده، فقيل له: أبو محمد عبد الرحمن بالباب، قال: أقد جاء على ما بيننا؟ ليدخل. فلما دخل قال له طلحة: أنت والله يا أخي خير مني، فقال له عبد الرحمن: لا تفعل يا أخي، فقال: بلى، والله أنت خير مني، لأنك لو كنت المريض ما عدتك. حدث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنه غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه فظنوا أنه فاظت نفسه فيها، حتى قاموا من عنده، وجللوه ثوباً، وخرجت أم كلثوم ابنة عقبة امرأته إلى المسجد، تستعين بما امرت أن تستعين به من الصبر والصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة، فلبثوا ساعة، وهو في غشيته ثم أفاق، فكان أول ما تكلم به أن كبر فكبر أهل البيت، ومن يليهم، ثم قال لهم: غشي

علي انفاً؟ قالوا: نعم، فقال: صدقتم. كأنه انطلق بي في غشيتي رجلان، أحد فيهما سدةً وغلظةً وفظاظة، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً فقال: أين تذهبان بهذا؟ فقالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين، فقال: أرجعاه. فإنه من الذين كتبت لهم السعادة والمغفرة، وهم في بطون أمهاتهم. وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله. فعاش بعد ذلك شهراً ثم توفي. وفي رواية: فلقد عاش بعد ذلك حيناً. وعن عروة بن الزبير: أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى ألف دينار. قال الزهري: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن بقي ممن شهد بدراً أربع مئة دينار لكل رجل، وكانوا مئة، فأخذوها، واخذ عثمان فيمن أخذ، وهو خليفة. وأوصى بألف فرس في سبيل الله. أوصى عبد الرحمن بن عوف إلى الزبير بن العوام. وتوفي عبد الرحمن بن عوف وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وقيل: ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة، ودفن بالبقيع. قال يحيى بن أبي غنية: توفي سنة إحدى وثلاثين، وله ثلاث وستون سنة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وعليه الأكثر. وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى عليه عثمان، وسمع علي بن أبي طالب يقول يوم مات عبد الرحمن: اذهب يا بن عوف، فقد أدركت صفوها، وسبقت رنقها. وسمع عمرو بن العاص يوم مات عبد الرحمن يقول: اذهب عنك ابن عوف ببطنتك ما يغضغض منها من شيء.

حدث سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت سعد بن أبي وقاص بين عمودي سرير عبد الرحمن المقدمين، وأصبعه على كاهله وهو يقول: واجبلاه. قال أنس بن مالك: لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن بن عوف وبه وضر من خلوق، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مهيم عبد الرحمن؟ قال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: كم أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولم ولو بشاة. قال أنس: فلقد رأيته قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف. وفي حديث بمعناه: مئة ألف درهم. توفي عبد الرحمن بن عوف وكان فيما ترك ذهباً، قطع بالقوس حتى مجلت أيدي الرجال. قال مجاهد: أصاب كل امرأة من نساء عبد الرحمن بن عوف ربع الثمن: ثمانون ألف. قال عثمان بن الشريد: ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير، وثلاثة ألاف شاة، ومئة فرس ترعى بالبقيع. وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً، فكان يدخل قوت أهله من ذلك سنة.

عبد الرحمن بن عيسى

عبد الرحمن بن عيسى أبو محمد حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد الأوزاعي قال: مر ميسرة بن حلبس بمقابر باب توما، وكان يسكن المصيصة، وقائده يقوده وكان مكفوفاً - حتى إذا صار إلى مقبرة باب توما، قال له قائده: هذه المقبرة، فقال: السلام عليكم أهل القبور، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، فرحمنا الله وإياكم، وغفر لنا ولكم. فكأن قد صرتم إلى ما صرتم إليه، فرد الله الروح في رجل منهم فأجابه، فقال: طوبى لكم يا أهل الدينا، حين تحجون في الشهر أربع مرات. قال: وإلى أين يرحمك الله؟ قال: إلى الجمعة، أفما تعلمون أنها حجة مبرورة متقبلة؟ قال: ما خير ما قدمتم؟ قال: الاستغفار يا أهل الدنيا. قال: ما يمنعك أن ترد السلام؟ قال: يا أهل الدنيا، السلام والحساب قد رفعت عنا فلا في حسنة تزيد، ولا من سيئة تنقص. غلقت زهوتنا يا أهل الدنيا. عبد الرحمن بن المغاز بن ربيعة الجرشي من أهل دمشق. حدث عن عمرو بن مرة الجهني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لتخرجن راية سوداء من خراسان، حتى تربط خيولها بهذا الزيتون الذي بين بيت لهيا وحرستا. قال عبد الرحمن: فقلنا: والله، ما بين هاتين القريتين زيتونة قائمة! فقال عمرو بن مرة: إنه ستنصب فيما بينهما، حى يجيء أهل تلك الراية فينزلون تحتها، ويربطون خيولهم بها. والله أعلم. /

عبد الرحمن بن غنم بن كريب ابن هانىء بن ربيعة بن عامر بن عذر بن وائل بن ناجية ابن حنيك بن جماهر بن أدعم الأشعري قيل: إن له صحبة. وأبوه غنم بن سعد ممن قدم مع أبي موسى الأشعري من الأشعريين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أتاه جبريل في صورة لم يعرفه فيها حتى وضع يده على ركبتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تسلم وجهك لله، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، قال: فإن فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فما الإيمان يا رسول الله؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتاب، والنبيين، وبالموت، والحياة بعد الموت، والحساب، والميزان، والجنة و، والنار، والقدر، كله خيره وشره، قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فما الإحسان يا رسول الله؟ قال: تخشى الله كأنك تراه، فإنك إلا تك تراه، فإنه يراك. قال: وإذا فعلت ذلك فقد أحسنت؟ قال: نعم، قال: صدقت، قال: فمتى الساعة يا رسول الله؟ قال: سبحان الله! خمس من الغيب لا يعلمهن إلا

الله، ما المسؤول عنهن بأعلم بهن من السائل: " إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت "، وإن شئت أخبرتك بعلم ما قبلها: إذا ولدت الأمة ربتها، وتطاول أهل البناء، ورأيت الحفاة العالة على رقاب الناس، قال: ومن هم يا رسول الله؟ قال: عريب. ثم ولى الرجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين السائل؟ قال: ما رأينا طريقه منفذاً، قال: ذاكم جبريل يعلمكم دينكم، وماجاءني قط إلا عرفته إلا اليوم. وروى عبد الرحمن بن غنم، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: سلم علي ملك، ثم قال لي: لم أزل أستأذن ربي - عز وجل - في لقائك حتى كان أوان أذن لي، وإني بشرتك أنه ليس أحد أكرم على الله - عز وجل - منك. وعن عبد الرحمن بن غنم قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العتل الزنيم، قال: هو الشديد الخلق، المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف. وعن عبد الرحمن بن غنم: أنه كان في مسجد دمشق مع نفر من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيهم: معاذ بن جبل، فقال عبد الرحمن: يا أيها الناس؛ إن أخوف عليكم الشرك الخفي، فقال معاذ: اللهم غفراً! أو ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ودعنا: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرتكم هذه، ولكن يطاع فيما تحتقرون - وفي رواية: تحقرون - من أعمالكم فقد رضي. فقال عبد الرحمن: أنشدك الله يا معاذ، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

من صام رياء فقد أشرك، ومن تصدق رياء فقد أشرك، ومن صلى رياء فقد أشرك؟ فقال معاذ: لما تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية " فمن كان يرجو لقاء ربه " قال: فشق على القوم ذلك، واشتد عليهم، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أولا أفرج عنكم؟ قال: فقالوا: بلى يا رسول الله، فرج الله عنك الهم والأذى، قال: هي مثل الآية التي في الروم: " وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله " فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عمل رياء لم يكتب له، ولا عليه " وقوله: " فقد أشرك "، يريد به، والله أعلم، فقد أشرك في إرادته بعمله غير الله، فيقول الله: أنا منه بريء، وهو الذي أشرك. قال عبد الرحمن بن غنم: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ويل ديان من في الأرض من ديان من في السماء؛ إلا من أم بالعدل، وقضى بالحق، ولم يقض على رغبٍ، ولا رهب، ولا قرابة، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه. قال ابن غنم: فحدثت بهذا الحديث عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان. قال أبو مسهر: وكان أصحاب معاذ بن جبل كباراً - فذكرهم، وذكر منهم: عبد الرحمن بن غنم الأشعري. وقال أبو زرعة: ناظرت عبد الرحمن بن إبراهيم، قلت: أرأيت الطبقة التي أدركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تره، أدركت أبا بكر، وعمر، ومن بعدهما من أهل الشام، ومن المقدم منهم:

عبد الرحمن بن الفتح الثقفي البيروتي

الصنابحي أو عبد الرحمن بن غنم؟ قال: ابن غنم المقدم عندي، وهو رجل أهل الشام. ورآه مقدماً لمكانه من أمراء المؤمنين، وحديثه عن عثمان بن عفان. مات عبد الرحمن بن غنم سنة ثمان وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان عبد الرحمن بن الفتح الثقفي البيروتي إمام جامع بيروت حدث عن محمود بن الربيع الجرجاني - من أصحاب إبراهيم بن أدهم - بسنده عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال عند مضجعه من الليل: الحمد لله الذي علا، فقدر، والذي بطن، فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، بات على غير ذنب. عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج بن عبد الواحد أبو بكر الهاشمي المعروف بابن الرواس ابن أخت إبراهيم بن أيوب الحوراني. حدث عن عبد الأعلى بن مسهر بسنده، عن أم أيمن قالت: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أهله: لا تشرك بالله شيئاً، وإن عذبت وحرقت، أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه، لا تترك صلاة " عمداً؛ فإنه من ترك الصلاة عمداً فقد برئت منه ذمة الله، إياك والخمر؛ فإنها مفتاح

عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق

كل شرٍ، إياك والمعصية؛ فإنها لسخط الله، لا تفر يوم الزحف، وإن أصاب الناس موتان، لاتنازع الأمر أهله، وإن رأيت أنه لك، أنفق من طولك على أهل بيتك، لاترفع عصاك عنهم، أخفهم في الله - عز وجل. قال عبد الرحمن: سمعت من أبي مسهر وأنا ابن إحدى عشرة سنة:، قال: فسمعته يقول: من الكامل قال عبد الرحمن: داود محمود وأنت مذمم ... عجباً لذاك وأنتما من عود ولرب عودٍ قد يشق لمسجد ... نصفاً وسائره لحش يهود فالحش أنت له وذاك لمسجدٍ ... كم بين موضع مسلح وسجود عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عبد الله بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، أبو محمد القرشي التيمي الفقيه المديني وفد على هشام بن عبد الملك متظلماً من عامل المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، المعروف بابن مطيرة. واستوفده الوليد بن يزيد مع فقهاء من أهل المدينة ليستفتيهم عن الطلاق قبل النكاح، فمات بالفدين من أرض حوران، ودفن بها سنة ست وعشرين ومائة؛ وكان بعث إليه وإلى أبي الزناد، ومحمد بن المنكدر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن.

روى عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه ولحله قبل أن يطوف بالبيت. قال سفيان: لهما. وزادت رواية: قبل أن يحرم. وفي رواية أخرى: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت - وفي رواية: بيدي قبل أن يفيض، وفي رواية: لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يفيض، وفي رواية أخرى: لحرمه قبل أن يطوف بالبيت. وروى عبد الرحمن بن القاسم أن عائشة قالت: المبتوتة لاتخرج من بيتها حتى ينقضي أجلها. كان عبد الرحمن أفضل أهل زمانه، ولم يكن بالمدينة رجل أرضى منه. قال يحيى بن سعيد: وقع بيني وبين مالك مخالفة في شيءٍ، قال: فدحت إلى هشام بن عروة، فقال لي: ما كان بينك وبين العبد؟ قال: ثم لم يبرح حتى قال رجل: حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، فقال: مليء مليء - يعني عبد الرحمن عن أبيه. وحدث هارون الفروي المديني عن أبيه قال: كنا نجلس عند مالك، وابنه يحيى يدخل ويخرج، ولا يجلس معنا، فيقبل علينا مالك، فيقول: - مما يهون علينا أمر ابنه يحيى - إن هذا الشأن لا يورث، وإن أحداً لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم. وحدث هارون الفروي المدين عن أبيه قال: كنا نجلس عند مالك، وابنه يحيى يدخل ويخرج، ولا يجلس معنا، فيقبل علينا مالك، فيقول: - مما يهون علينا أمر ابنه يحيى - إن هذا الشأن لا يورث، وإن أحداً لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم. وعن ابن شوذب قال: قلت لأيوب السختياني: إن لي حاجة " إلى عبد الرحمن بن القاسم، وقد أردت أن

عبد الرحمن بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي

أكتب إليه، قال: فابدأ به. وعن حماد بن زيد قال: ما رأيت أيوب يبدأ بأحدٍ في الكتاب إلا عبد الرحمن بن القاسم، فقلت له: فقال: إن سيد!. قال إبراهيم بن حمزة: كان عبد الرحمن بن القاسم يعين أباه في خصومةٍ على ابن أبي عتيق، وكانت أمه - وهي ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - تقول له: تعين أباك على خالك؟ والله لتضطجعن حتى أطأ رقبتك! فيضطجع لها، فتطأ على رقبته، فيقول لها القاسم: يا أم عبد الرحمن، من شاء أن يعقه ولده عقه. مات عبد الرحمن عن القاسم بالشام سنة ست وعشرين ومائة. وفي رواية: مات بالمدينة. وقال الفلاس: مات عبد الرحمن بن القاسم في ولاية مروان بن محمد، وهو آخر من ولي من بني أمية، وقتل مروان سنة إحدى وثلاثين. وقال الحافظ: وقد قدمنا أنه مات في أيام الوليد بن يزيد. عبد الرحمن بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي حدث عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: " أنت أمامي يوم القيامة، فيدفع إلي لواء الحمد، فأدفعه إليك، وأنت تذود الناس عن حوضه "

عبد الرحمن بن قريش

عبد الرحمن بن قريش ويقال: ابن محمد بن قريش بن فهير بن خزيمة، أبو نعيم الهروي الجلاب حدث عن إدريس بن موسى الهروي بسنده عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الرجل لأخيه: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ بالثناء " وحدث عن القاسم بن عبد الأعلى المازني - بسنده - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته، فليسرع الرجوع إلى أهله " وعن إدريس بن موسى الهروي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله " قدم عبد الرحمن بن قريش بغداد، وحدث بها. وذكر أنه توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. عبد الرحمن بن قرط قيل إنه أخو عبد الله بن قرط الثمالي، وقيل إنه سكن دمشق، وقيل هو من أهل فلسطين. له صحبة

عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسرى به إلى المسجد الأقصى كان بين المقام وزمزم، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات السبع، فلما رجع قال: " سمعت تسبيحاً في السماوات العلى مع تسبيح كثير، سبحت السماوات العلى من ذي المهابة، مشفقات لذي العلا بما علا. سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى وفي رواية: وكان جبريل عن يمينه وفي رواية لم يسند فيها الحديث: لنا أسرى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى فلما رجع كان بين المقام وزمزم أتاه جبريل وميكائيل. فطارا به إلى السماء، فسمع تسبيح الملائكة وسمع تسبيحاً في السماوات كلها سبحت السماوات السبع العلي من ذي المهابة. وعن عروة بن رويم قال: كان ابن قرط والياً على حمص في زمان عمر نب الخطاب، فبلغه أن عروساً حملت في هودج، وحمل معها النيران، فكسر الهودج، وأطفأ النيران، ثم أصبح، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني كنت مع أهل الصفة - وهم مساكين في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن أبا جندل نكح أمامة، فصنع له جفنات من طعام، فدعانا، فأكلنا، وحمدنا الله، فقتل أبو جندل شهيداً، وتوفيت أمامة محمودة، فرحم الله أبا جندل، وصلى الله على أمامة، ولعن الله أهل هودجكم، البارحة حملوا النيران، واستنوا بسنة أهل الكفر. وإن إبراهيم لما شاب رآه نوراً، فحمد الله، وإن ابن الحرابية أطفأ نوره، والله مطفئه يوم القيامة. وكان ابن الحرابية أول من صبغ من أهل حمص بالسواد.

عبد الرحمن بن أبي قسيمة

وعن عروة بن رويم أن عبد الرحمن بن قرط صعد منبره فرأى الزعفراني في أهل اليمن، والمعصفر في قضاعة، فقال: يالك فضلاً، يالك كرامة " ما أطهرك، يالك نعمة " ماأسبغك! اعلموا أيها الناس أنه ما ظعن عن جادة قوم ظاعن قط أشد عليهم من نعمة الله لا يطيقون ردها "، وأنه إنما قامت النعمة على المنعم عليه بالشكر للمنعم، لله رب العالمين قال الحافظ: الذي ولي حمص عبد الله بن قرط، ويقال: إنه أخو عبد الرحمن هذا. قال البخاري: عبد الرحمن بن قرط، وكان من أصحاب الصفة، صفة مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الأمير: قرط - بضم القاف وبالطاء المهملة - عبد الرحمن بن قرط، له صحبة. عبد الرحمن بن أبي قسيمة ويقال: ابن أبي قسيم - الحجري من أهل دمشق. روى عن وائلة عن الأسقع أنه حدثه قال: كنت في محرس يقال له: الصفة، وهم عشرون رجلاً، فأصابنا جوع، وكنت أحدث أصحابي سناً، فبعثوني إلى رسول الله صلى وسلم أشكو جوعهم، فالتفت في بيته، فقال: " هل من شيء؟ قالوا: نعم، هاهنا كسرة - أو كسر - وشيء من لبن، قال: أئتوني به،. ففت الكسر فتاً دقيقاً، ثم صب عليه اللبن، ثم جبله بيده حتى جعله كالثريد، ثم قال لي: ياواثلة، ادع لي عشرة " من أصحابك، وخلف عشرة، ففعلت،

عبد الرحمن بن القعقاع العبسي

فقال: اجلسوا، بسم الله، فجلسوا، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأس الثريد، فقال: " كلوا، بسم الله من جوانبها، واعفوا رأسها؛ فإن البركة تأتيها من فوقها، وإنها تمد. قال: فرأيتهم يأكلون، ويتخللون أصابعه حتى تملؤوا - وفي رواية تضلعو - شبعاً، فلما انتهوا قال لهم: " انصرفوا إلى أماكنكم، وابعثوا أصحابكم. فانصرفوا. فقمت متعجباً لما رأيت. فأقبل على العشرة، وأمرهم مثل الذي كان أمر به أصحابهم، وقال لهم مثل الذي قال لهم، فأكلوا منها حتى تملؤوا شبعاً، وحتى انتهوا، وإن فيها لفضلة. وروي عن طريق آخر فقيل: ابن أبي قسيم. وقال الأمير: قسيم: - بضم القاف وفتح السين - عبد الرحمن بن أبي قسيم الحجري عبد الرحمن بن القعقاع العبسي غزا أرض الروم في خلافة هشام بن عبد الملك عبد الرحمن بن قيس بن سواء أبو عطية المذبوح شهد اليرموك حدث عنه خال بن معدان قال: توفي رجل على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم: يا رسول الله، لاتصل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه رسول: " هل رآه أحد منكم على شيء من أعمال الخير؟ " فقال رجل: حرس معنا ليلة كذا وكذا. فصلى عليه، ثم مشى إلى قبره، فجعل يحثو عليه، ويقول: " إن

عبد الرحمن بن قيسية بن كلثوم

أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة ".ثم قال: " يا عمر، إنك لا تسأل عن أعمال الناس، إنما تسأل عن الفطرة " قال الهيثم بن مالك: كنا نتحدث عند أيفع بن عبد، وعنده أبو عطية المذبوح، فتذاكروا النعيم، فقالوا: من أنعم الناس؟ فقالوا: فلان، وفلان. فقال أيفع: ما تقول ياأباعطية؟ فقال: أنا أخبركم بمن هو أنعم منه؛ جسد في لحد، قد أمن من العذاب. قال حماد بن سعيد بن أبي عطية المذبوح: لما حضر أبا عطية الموت جزع، فقيل له: أتجزع من الموت؟ فقال: ومالي لا أجزع، وإنما هي ساعة، ثم لا أدري أين يسلك بي؟ وإنما سمي أبو عطية المذبوح لأنه أصابه سهم وهو مع أبي عبيدة بن الجراح باليرموك، فقطع جلده، ولم يحز الأوداج. عبد الرحمن بن قيسية بن كلثوم ابن حباشة بن هدم بن عامر بن حولي بن وائل بن سوم بن عدي بن أشرس بن شبيب بن أشرس بن كندة ثم السومي من أشراف أهل مصر وممدحيهم. وقد على عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: من خيركم، يا عبد الرحمن؟ فعد له رجالاً، فقال: ما أراك تذكر أبا زرعة الناسك! قال: يا أمير المؤمنين، ذاك رجل من موالينا. قال: فهو، والله، خير بني سوم! قال أبو مصعب البلوي قيس بن سلمة الشاعر في قصيدته التي امتدح فيها عبد الرحمن بن قيسية: من الكامل وأبوك سلم داره وأباحها ... لحياة قومٍ ركعٍ وسجود

عبد الرحمن بن أبي كبشة

عبد الرحمن بن أبي كبشة واسم أبي كيشة حيوئل السكسكي من أهل دمشق قال الليث بن سعد: وفيها - يعني سنة خمس وتسعين - فتح على الحجاج بن يوسف الصغد، وأمر عبد الرحمن بن أبي كبشة السكسكي على أهل العراق عبد الرحمن بن أبي كبيرة العنسي الداراني سمع أبا الدرداء يقول لرجلٍ مر بين يديه: ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ قال: مررت بين يدي صلاة أخيك، وهدمت من عملك بنيان سنةٍ أو سنتين. عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبو محمد بن أبى حاتم الرازي أحد الحفاظ. صنف كتاب: الجرح والتعديل، فأكثر فائدته. روى عن أحمد بن سنان الواسطي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله - تبارك وتعالى - من هذه الأيام -

يعني أيام العشر "، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيءٍ قال أبو الحسن علي بن الحسن المصري - بالري - في جنازة عبد الرحمن بن أبي حاتم - وكان رحل إليه من العراق وسمع منه: قلنسوة عبد الرحمن من السماء، وما هو بعجب، رجل منذ ثمانين سنة على وتيرة واحدة، ما انحرف عن الطريق ساعة واحدة. وقال أبو الحسن علي بن أحمد الفرضي: ما رأيت أحداً ممن عرف عبد الرحمن ذكر عنه جهالة قط. وكنت ملازمة مدة طويلة، فما رأيته إلا على وتيرة واحدةٍ، لم أر منه ما أنكرته من أمر الدنيا، ولامن أمر الآخرة، بل رأيته صائناً لنفسه ودينه ومروءته. وكان أبو حاتم يقول: ومن يقوى على عبادة عبد الرحمن؟ لا أعرف لعبد الرحمن ذنباً! لا يتهيأ لي أن أعمل ما يعمل عبد الرحمن. قال علي بن إبراهيم: سمعت عبد الرحمن يقول: لم يدعني أبي اشتغل بالحديث حتى قرأت القرآن على الفضل بن شاذان، ثم كتبت الحديث. وكان حافظاً للقرآن، ويصلي التروايح بنفسه. قد رأيت مشايخ أهل العلم، ما رأيت أحسن شيبة " من عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقال علي بن عبد الرحمن: كان عبد الرحمن بن أبي حاتم مقبلاً على العبادة من صغره، والسهر بالليل، والذكر، ولزوم الطهارة، فكساه الله بها نوراً، فكان يسر به من نظر إليه.

وقال محمد بن عبد الله البغدادي: وكان من منة الله على عبد الرحمن أنه ولد بين قماطر العلم والروايات، وتربى بالمذاكرات مع أبيه، وأبي زرعة، فكانا يزقانه كما يزق الفرخ الصغير، ويعنيان به؛ فاجتمع له مع جوهر نفسه كثرة عنايتهما، ثم تمت النعمة برحلته مع أبيه، فأدرك الإسناد، وثقات الشيوخ بالحجاز، والعراق، والشام، والثغور، وسمع بانتخابه حتى عرف الصحيح من السقيم، فترعرع في ذلك. ثم كانت رحلته الثانية بنفسه بعد تمكن معرفته، يعرف له ذلك. وتقدم بحسن فهمه، وديانته، وقديم سلفه. وقال عبد الرحمن: ساعدتني الدولة في كل شيء، حتى أخرجني أبي سنة خمس وخمسين ومائتين، وما احتلمت بعد، فلما بلغنا الليلة التي خرجنا فيها من المدينة نريد ذا الحليفة احتلمت، فحكيت ذلك لأبي، فسر بذلك، وقال: الحمد لله حيث أدركت حجة الإسلام. قال عبد الرحمن: كنت مع أبي في الشام في الرحلة، فدخلنا مدينة، فرأيت رجلاً واقفاً على الطريق يلعب بحية، ويقول: من يهب لي درهماً حتى أبلع هذه الحية؟ فالتفت إلي أبي، فقال: بابني، احفظ دراهمك، فمن أجلها تبلع الحيات! وقال عبد الرحمن: لا يستطاع العلم براحة الجسم. وقال: كنا بمصر سبعة أشهر، فلم نأكل فيها مرقة، وذلك أنا كنا نغدو بالغدوات إلى مجلس بعض الشيوخ، ووقت الظهر إلى مجلس آخر، ووقت العصر إلى مجلسٍ آخر،

ثم بالليل للنسخ والمعارضة، فلم نتفرغ نصلح شيئاً. وكان معي رفيق خراساني أسمع كتابه، ويسمع في كتابي؛ فما أكتب لا يكتب، وما يكتب لا أكتب. فغدونا يوماً إلى مجلس بعض الشيوخ، فقال: هو عليل، فرجعنا، فرأينا في طريقنا حوتاً يكون بمصر، يشق جوفه، فيخرج منه أصغر، فأعجبنا، فلما صرنا إلى المنزل حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فلم يمكنا إصلاحه، ومضيا إلى المجلس، فلم يزل حتى أتى عليه ثلاثة أيام كاد أن يتغير، فأكلناه نيئاً. فقيل له: كنتم تعطونه لمن يشويه، ويصلحه، قال: من أين كان لنا فراغ!؟ وكان لعبد الرحمن ثلاث رحلات: رحلة مع أبيه في سنة حج؛ سنة خمس وخمسين، وست وخمسين، والرحلة الثانية بنفسه إلى مصر ونواحيها، والشام ونواحيها، في الستين ومائتين، والرحلة الثالثة إلى أصبهان سنة أربع وستين. روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في إسناده، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد، وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى، فكتب الوزير إلى ابن أبي حاتم يسأله عن ذلك، فنظر وتأمل، وإذا الحديث على ما قال ابن عقدة، فكتب إليه بذلك، فأطلق ابن عقدة، وارتفع شأنه. قال أبو أحمد الحاكم: كنت بالري، فرأيتهم يوماً يقرؤون على أبي محمد بن أبي حاتم كتاب: " الجرح والتعديل "، فلما فرغوا قلت لعبدويه الوراق: ما هذه الضحكة؟ أراكم تقرؤون كتاب التاريخ لمحمد بن اسماعيل البخاري على شيخكم على الوجه، وقد نسبتموه إلى أبي زرعة وأبي حاتم؟ فقال: يا أبا أحمد، اعلم أن أبا زرعة، وأبا حاتم لما حمل إليهما هذا الكتاب

قالا: هذا علم حسن لايستغنى عنه، ولا يحسن بنا أن نذكره عن غيرنا، فأقعدا أبا محمد عبد الرحمن حتى سألهما عن رجلٍ بعد رجل، وزادا فيه، ونقصا، ونسبه عبد الرحمن إليهما، قلت لأبي أحمد - رحمه الله: فما زادا ونقصا فوائد كثيرة لا توجد في كتاب البخاري. وقال محمد بن الفضل العباسي: كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو ذا يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي، فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ قال: كتاب صنعته في الجرح والتعديل، فقال: وما الجرح والتعديل؟ فقال: أظهر أحوال أهل العلم؛ من كان منهم ثقة " أو غير ثقة، فقال له يوسف بن الحسين: استحيت لك يا أبا محمد، لكم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة، ومائتي سنة، وأنت تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض! فبكى عبد الرحمن، وقال: يا أبا يعقوب، لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيعي هذا الكتاب لما صنعته!. وفي رواية: فبكى، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية، ولم يقرأ في ذلك المجلس شيئاً. قال علي بن إبراهيم: دخلنا يوماً على عبد الرحمن بغلس قبل صلاة الفجر في مرضه الذي توفي فيه، وكان على الفراش قائماً يصلي، وكنا جماعة، وأبو الحسين الدرستني في الجماعة، فركع، فأطال الركوع، فقال أبو الحسين: هو على العادة التي كان يستعملها في صحته. وقال علي بن إبراهيم: سمعت أحمد بن محمد بن عمر الرازي بعد وفاة عبد الرحمن بن أبي حاتم، والناس مجتمعون للتعزية، والمسجد غاص بأهله، قام، فقرأ: " قد أفلح المؤمنون الذين هم في

عبد الرحمن بن محمد بن الجارود بن هارون الرقي

صلاتهم خاشعون " إلى قوله: " أولئك هم الوارثون "، الآية، فضج المسجد بالبكاء والنحيب، وقالوا: نرجو أن يكون عبد الرحمن من أهل هذه الآيات؛ فإن هذه الخصال كانت كلها فيه. قال ابن زبر: سنة سبع وعشرين وثلاثمائة - فيها - توفي أبو محمد بن عبد الرحمن بن أبي حاتم. عبد الرحمن بن محمد بن الجارود بن هارون الرقي روى عن قطن بن صالح بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يعذب الموحدين في جهنم بقدر نقصان إيمانهم، ثم يردهم إلى الجنة خلوداً دائماً بإيمانهم. " وروى عن ويونس بن عبد الأعلى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: " يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ " فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: فأنت مع من أحببت ". وروى عن أحمد بن هاشم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للجنة باباً يقال له الضحى لا يدخل منه إلا أصحاب الضحى، تحن الضحى إلى صاحبها، كما تحن الناقة إلى فصيلها "

عبد الرحمن بن محمد بن العباس

عبد الرحمن بن محمد بن العباس ابن الوليد بن محمد بن عمر بن الدرفس، أبو بكر الغساني روى عن العباس بن الوليد بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي رواية: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احثوا في وجوه المداحين التراب " توفي أبو بكر بن الدرفس الغساني سنة خمس وعشرين وثلاثمائة. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد أبو عبد الله ويقال: أبو محمد القاري وفد على عمر بن عبد العزيز روى عن أبيه أو عمه إبراهيم، عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال: سقانا الله فقد آمن بالله " "، قال البخاري: يعني في المطر. وروى عن أبيه أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه، قال: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني!

وروى أنه كان عند عمر بن عبد العزيز إذ جاءه رجل فقال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، فقال له عمر: عم بسلامك! وقال: خطب عمر بن عبد العزيز هذه الخطبة، وكانت آخر خطبة خطبها: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم ميعاداً ينزل الله فيه ليحكم فيكم، ويفصل بينكم، وخاب، وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض. ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلا من حذر الله اليوم وخافه، وباع نافذاً بباق، وقليلاً بكثير، وخوفاً بأمان. ألا ترون أنكم من أسباب الهالكين، وستصير من بعدكم للباقين، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين. ثم أنكم تشيعون كل يوم غادياً ورائحاً إلى الله - عز وجل - قد قضى نحبه، وانقضى أجله، حتى تغيبوه في صدع من الأرض، ثم تتركوه غير ممهد، ولا موسد، قد فارق الأحباب، وباشر التراب، ووجه للحساب، مرتهناً بما عمل، غنياً عما ترك، فقيراً إلى ما قدم. فاتقوا الله قبل موافاته، وحلول الموت بكم. أم والله، إني لأقول هذا وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فاستغفروا الله، وما منكم من أحد يبلغنا حاجته، يتسع له ما عندنا إلا تمنيت أن يبدأ بي وبخاصتي، حتى يكون عيشنا وعيشه عيشاً واحداً. أم والله أردت غير هذا من غضارة عيش لكان الشأن به ذلولاً وكنت بسببه عالماً. ولكن سبق من الله كتاب ناطق، وسنة " عادلة "، دل فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته. ثم رفع طرف ردائه فبكى وأبكى من حوله. وقال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أن ضع عن الناس المائدة،

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران بن سلمة

والنوبة، والمكس. ولعمري ما هو بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله: " ولا تبخسوا الناس أشياؤهم ولاتعثوا في الأرض مفسدين ". فمن أتى بزكاة ماله فقد أقبل منه، ومن لم يأت فالله حسيبه. قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري ثقة. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران بن سلمة أبو مسلم البغدادي الحافظ الزاهد قال أبو عبد الله الحافظ: ما رأيت في البغداديين أورع منه، كان أوحد عصره في علم أهل الحقائق من الزهاد والصوفية، ثم تقدم أيضاً في معرفة الحديث. سمع بالعراق، وبالجزيرة، وبالشام، وأظنه دخل مصر أيضاً. ورد أبو مسلم بنيسابور سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكتب عن الحسن بن الحسين بن منصور، وأبي حامد بن بلال، وأقرانهما، ثم خرج من نيسابور سنة ثلاث وثلاثين، وأقام بمرو مدة، وسمع بها الكثير، ثم دخل بخارى، وكتب إلى بغداد في حمل كتبه، فسلمت، وحملت إليه؛ فأقام بسمرقند ثلاثين سنة، وجمع المسند الكبير على الرجال. وخرج إلى مكة سنة ثمان وستين، وجاور بها. وكان يجهد ألا يظهر للتحديث، وغيره. فحدثني أبو نصر البزاز أنه مرض بمكة، وكان الناس يعودونه، وهو يخالقهم بغير أخلاقه التي كان عليها من التقريب لهم، والبسط، والدعاء، ويظهر الفرح بأن الله قد أجاب دعوته أن يقبض بمكة

عبد الرحمن بن أبي الرجال

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: صحب الشبلي ومن فوقه من البغداديين، وهو أوحد المشايخ في طريقته من لزوم الشريعة، والرجوع إلى علم الظاهر، وحفظ الحديث. قال الخطيب: كان الدارقطني والشيوخ يعظمونه. وحكى لنا أبو العلاء أن أبا الحسين البيضاوي حضر عند أبي مسلم يوماً، وفي رجل البيضاوي نعل ليست بالجيدة، قد أخلقت، فوضع أبو مسم مكانها نعلاً جديدة، وأخذها، وذلك بغير علم من البيضاوي. فلما قام لينصرف طلب نعله فلم يجدها، ورأى النعل الجديدة مكانها، فبقي متحيراً، وسأل عن نعله، فقال له أبو مسلم: هذه نعلك يا أبا الحسين - يعني الجديدة - وأمره بلبسها. قال الخطيب: فحدثني القاضي أبو العلاء الواسطي: أنه توفي بمكة للنصف من ذي القعدة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ودفن بالبطحاء بالقرب من فضيل بن عياض. وقال محمد بن أبي الفوارس: كان أبو مسلم بن مهران قد صنف المسند، والثوري، وشعبة، ومالكاً، وأشياء كثيرة. عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري المدني كان ينزل بعض ثغور الشام

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث

روى عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة قالت: مازلت أصلي بعد العصر ركعتين حتى مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان عبد الرحمن بين أبي الرجال ثقة. قال محمد بن سعد: أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة بن النعمان، من بني مالك بن النجار، وحارثة من أهل بدر. ويكنى أبو الرجال أبا عبد الرحمن، وإنما كني بأبي الرجال بولده، وكانوا عشرة رجال. وأمه: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. قال أبو زراعة الرازي: حارثة وعبد الرحمن ابنا أبي الرجال: حارثة واه، وعبد الرحمن أشبه، عبد الرحمن أيضاً يرفع أشياء لا يرفعها غيره. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث أبو الأشعث بن أبي بكر العجلي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه قال: سئل الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز عما يصنع الناس في قرض الخبز، والخبز بلا وزن؟ قالا: لا بأس به، قيل له: فإنه ربما أخذ القوم أفضل مما أعطوا، قال: لا بأس بذلك إذا لم يكن المعطي ينوي الفضل. قال: وسئل الأوزاعي عن الخبز بالحنطة؟ قال: لا بأس بذلك. قال الأوزاعي: الحنطة بالدقيق لا بأس به. قيل للأوزاعي: فالحنطة اليابس بالحنطة المقلي؟ قال: لا بأس به وزناً بوزن. قيل: فالخبز اللين بالخبز اليابس؟ قال: إن أخذه أهل البيت

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسلم

ليأكلوه؟ قال: لا بأس به. توفي أبو الأشعث سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن مسلم أبو سعيد بن أبي عبد الله الأبهري المالكي قدم دمشق، وحدث بها ببعض كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج حدث عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن شعيب القاضي بسنده عن ابن مسعود قال: قال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سباب - أو سب - المسلم فسوق، وقتاله كفر " سئل الأبهري عن مولده، فقال: بأبهر، سنة أربع وأربعمائة، ودخلت مصر مع والدي سنة خمسٍ وعشرين وأربعمائة، وسمعت بها. توفي أبو سعيد الأبهري سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وكانت وفاته في ربيع الأول، ودفن في مقبرة باب الفراديس. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عامر بن إسماعيل أبو طالب الشيرازي الصوفي روى عن أبي عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد الحلبي البزار بسنده عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: من صلى على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتاب صلت الملائكة عليه مادام اسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الكتاب.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب العطار

وعن أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل القاضي المحاملي بسنده عن أبي هريرة قال: زار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمه، فبكى، وأبكى من حوله، فقال: " استأذنت ربي - عز وجل - في أن استغفر لها، فلم يأذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت " سئل الخطيب عن أبي طالب عبد الرحمن بن محمد الشيرازي، فقال: كذاب، يدعي أن رجلاً حدثه عن القاضي المحاملي، وليس كذلك. توفي أبو طالب عبد الرحمن بن محمد الشيرازي عند صلاة المغرب من ليلة الجمعة، ودفن من الغد بعد الظهر السابع من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ودفن لصيق قبر أبي إسحاق القباني. صنف مجلدة " في الدعوات قد أدخل فيها ما ليس من الدعوات، دلت منه على تخلف شديد. وكان خطه رديئاً. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب العطار حدث عن هشام بن خالد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سبق العاطس بالحمد وقاه الله وجع الخاصرة، ولم ير فيه مكروها حتى يخرج من الدنيا. "

عبد الرحمن بن محمد بن عصام

عبد الرحمن بن محمد بن عصام ويقال: عصيم بن جبلة، أبو القاسم القرشي مولاهم. من سكان لؤلؤة الكبيرة خارج باب الجابية. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أم الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تجوز عن أمتي عن ثلاثة: عن الخطأ، والنسيان، والكره " وفي رواية: عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء توفي عبد الرحمن بن محمد بن عصام سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن أحمد بن سعيد أبو القاسم البخاري الحنفي رحل، وسمع، وصنف كتاباً أسماه عدة المسترشد في الترغيب في فضائل الأعمال، وحكى فيه عن جماعة من الصوفية، سمع منه بعضه عباد بن عمر بن محمد بن عباد العسقلاني. روى عن أبي حفص عمر بن أحمد بن حسين بن خلف البخاري بسنده عن خلف بن تميم قال: دخلنا على أبي هرمز نعوده فقال: دخلنا على أنس بن مالك نعوده فقال: صافحت بكفي هذه كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما مست خزاً، ولا حريراً ألين من كفه. قال أبو هرمز لأنس بن مالك: صافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصافحنا. قال خلف بن تميم: قلنا لأبي هرمز: صافحنا بالكف التي صافحت بها أنس بن مالك، فصافحنا.... الحديث.

عبد الرحمن بن محمد

وروى عن طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي أنه جاءه رجل فقال له: جرى بيني وبين حرمتي كلام إلى أن قالت لي: يا سفلة، فقلت لها: أنت طالق إن كنت سفلة. قال له إبراهيم: أتحب أبا بكر؟ قال: نعم، قال: أفتحب عمر؟ قال: نعم، قال: أفتحب عثمان؟ قال: نعم، قال: أفتحب علياً؟ قال: نعم، قال: نعم، قال: فما أنت سفلة. عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر أبو الحسن التميمي الجوبري كان يسكن في زقاق الرمان. حدث عن أبي القاسم بن أبي العقب عن أنس أن أبا بكر الصديق أخبرهم: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو معه في الغار - فقال: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه - فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ توفي أبو الحسن الجوبري سنة خمس وعشرين وأربعمئة كان ثقة، ولم يكن يحسن يقرأ ولا يكتب، وكان والده محدثاً، فسمعه الكثير. وحدث مدة يسيرة. عبد الرحمن بن محمد حدث عن محمد بن تميم بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من أذى مؤمناً فقيراً بغير حق فكأنما هدم مكة عشر مرات، وبيت المقدس، وكأنما قتل ألف ملك من المقربين "

عبد الرحمن بن مثنى بن مطاع

عبد الرحمن بن مثنى بن مطاع ابن عيسى بن مطاع بن زيادة بن مسلم أبو مسعود اللخمي حدث عن أبيه بسنده عن جده مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه مطاعاً، وقال له: " يا مطاع، أنت مطاع في قومك "، وحمله على فرس أبلق، وأعطاه الراية، وقال له: " يا مطاع، امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتي هذه فقد أمن العذاب " عبد الرحمن بن مدرك بن علي ابن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو سهل التنوخي المعري له أشعار حسنة منها ما قاله في مقامه بدمشق: من الوافر كأن دمشق أفلاك تدور ... تلوح بها الشموس أو البدور وأي محلة قابلت منها ... رأيت كواكباً فيها تسير وكتب من حماة لصديقه أبي اليسر شاكر وكان في حماة: مجزوء الكامل لابد أن أشكو الذي ... لاقيت من ألم الفراق وأبث وجدي ما استطع ... ت وطول همي واشتياقي فلعل علام الغيو ... ب وخالق السبع الطباق يقضي لنا بتجمع ... أبداً على الأيام باقي وله: من المتقارب جرحت بلحظي خد الحبيب ... فما طالب المقلة الفاعله

ولكنه اقتص من مهجتي ... كذاك الديات على العاقلة وله: من البسيط بالله يا صاحب الوجه الذي اجتمعت ... فيه المحاسن واستولى على المهج خذني إليك فإن لم ترضني صلفا ... فاطرد بي العين عن ذا المنظر البهج كيف السلامة من جفنيك أنهما ... حتف لكل محب في الهوى وشج وله من أبيات: من البسيط ريم يعز إذا ماريم مطلبه ... ويستبيح نفوس الناس كلهم أظلهم علم للحسن منه بدا ... وإنما يهتدي الضلال بالعلم له وداد سقيم ما يصح لنا ... كأنما طرفه أعداه بالسقم ما أنس لا أنس قولي في العتاب له ... وقد بدا لي منه وجه محتشم إن كان هجرك من خوف الرقيب فصل ... بالذكر مثلي فكم ساع بلا قدم وابعث إلى الطرف طيفاً إن بعثت به ... فإنه مذ حجبتم عنه لم ينم أجبتكم ونهتني عفتي فغدا ... أحلى وصالكم ما كان في الحلم وله: من الطويل تعم رأسي بالمشيب فساءني ... وما سرني تقبيح نور بياضه وقد أبصرت عيني خطوباً كثيرة " ... فلم أر خطباً أسوداً كبياضه توفي أبو سهل في زلزلة حماة في رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.

عبد الرحمن بن مروان بن سالم بن المبارك

عبد الرحمن بن مروان بن سالم بن المبارك أبو محمد التنوخي المعري الواعظ المعروف بابن المنجم قال الحافظ كان أبوه منجماً رأيته يجلس على الطريق، وكان عبد الرحمن ينشد في صباه في الأسواق، ويمشي على الدكاكين، وكان صوته شجى ". ثم خرج عن دمشق وهو شاب، وغاب عنها مدة، ثم رجع إليها، فكان يعظ في الأعزية، ورزق قبولاً، واكتسب بالوعظ مالاً. ثم خرج إلى العراق، وأقام ببغداد مدة، وأظهر الزهد، وأظهر له بها سوق. وكان يعرف ببغداد بالدمشقي. ثم رجع في آخر عمره إلى دمشق، ووعظ بها، وونفقت سوقه، ومع ذلك لم يترك الوعظ في الأعزية. وحضرت مجلس وعظه يوماً واحداً في المسجد الجامع، فسمعته ينشد شعراً لنفسه. ومات ابن المنجم في يوم الجمعة العشرين من رجب سنة سبع وخمسين وخمسمائة، ودفن يوم السبت بجبل قاسيون عبد الرحمن بن مرزوق من أهل دمشق حدث عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العمرى ميراث لأهلها "

عبد الرحمن بن مسعود بن الحارث

وروى عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث الكندي، عن عائشة قالت: أوتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الليل، وأوسطه، وآخره. وروى عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فتح الله باباً للتوبة من المغرب عرضه مسيرة سبعين عاماً، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه " عبد الرحمن بن مسعود بن الحارث ابن عمرو بن حرجة بن حزام بن سعد بن عدي بن فزارة بن ذيبان بن بغيض ابن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان الفزاري أحد القواد الذين ولوا صوائف الروم في أيام معاوية. وفيه قيلت هذه الأبيات حين استخلف على الصائفة بعد أن هلك سفيان بن عوف: من الطويل أقم يابن مسعودٍ قناة " صليبة ... كما كان سفيان بن عوفٍ يقيمها وسم يابن مسعودٍ مدائن قيصر ... كما كان سفيان بن عوفٍ يسومها وسفيان قرم من قروم قبيلةٍ ... تضيم وما في الناس حي يضمها قال ابن عائذ: غضب معاوية على ابن مسعود في شيء، فقال له: هلا فعلت كما فعل سفيان بن عوف؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وأين أنا من سفيان بن عوف؟ قال: قد عفونا عنك بمعرفتك فضل سفيان. وقد قيل: إن المستخلف عبد الله بن مسعود المعروف بابن مسعدة أخا عبد الرحمن

عبد الرحمن بن مسلم

وفي خبرٍ أن سفيان بن عوف هو الذي استخلف عبد الرحمن بن مسعود على الناس لما أدركه أجله. عبد الرحمن بن مسلمة قال الحافظ: أظنه ابن حبيب بن مسلمة الفهري روى أن رجلاً أجار رجلاً - زاد في رواية: من المشركين - وهو مع أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد. قال عمر وخالد: لا نجير من أجاره. فقال أبو عبيدة: بلى، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يجير على المسلمين بعضهم " - وفي رواية: " أحدهم ". قال ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن مسلمة، سألت أبي عنه، فقال: هو صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء عبد الرحمن بن مسلم ويقال: ابن عثمان بن يسار، أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس قدم هو وأبو سلمة حفص بن سليمان المعروف بالخلال على إبراهيم بن محمد الإمام، فأمرهما بالمصير إلى خراسان، وبالحميمة كان إبراهيم الإمام حينئذ

روى مصعب بن بشر، عن أبيه قال: قام رجل إلى أبي مسلم، وهو يخطب، فقال له: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وهذه ثياب الهيبة، وثياب الدولة. يا غلام، اضرب عنقه. وروى أبو مسلم عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يرد هوان قريشٍ أهانه الله " - وفي رواية: " من أراد " قيل إن مولد أبي مسلم بأصبهان، برستاق فريذين، وهو الذي أقام دولة بني العباس، وقيل له: كيف أنت إذا حوسبت على إنفاقك المال في غير حقه؟ فقال: لولا ذنوبي في إقامة دولة بين العباس لطمعت في خفة المحاسبة على تبذير المال. وكان فاتكاً شجاعاً، ذا رأي وعقل وتدبير وحزم. قال الخطيب: كان اسم أبي مسلم صاحب الدعوة: إبراهيم بن عثمان بن يسار بن شيدوس بن جوردن، من ولد بزر جمهر، وكان يكنى أبا إسحاق، وولد بأصبهان، ونشأ بالكوفة. وكان أبوه أوصى إلى عيسى بن موسى السراج، فحمله إلى الكوفة، وهو ابن سبع سنين، فقال له إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس لما عزم على توجيهه إلى خراسان: غير اسمك: فإنه لايتم لنا الأمر إلا بتغييرك اسمك على ما وجدته في الكتب، فقال: قد سميت نفسي عبد الرحمن بن مسلم. وتكنى أبا مسلم. ومضى لشأنه وله

ذؤابة، فمضى على حمار بإكاف، وقال له: خذ نفقة من مالي، لا أريد أن تمضي بنفقةٍ من مالك، ولامن مال عيسى السراج. فمضى على ما أمره. ومات عيسى ولا يعلم أن أبا مسلم هو أبو مسلم إبراهيم بن عثمان. وتوجه أبو مسلم لشأنه وهو ابن تسع عشرة سنة "، وزوجه إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بنت عمران بن إسماعيل الطائي، المعروف بأبي النجم على أربعمائة، وهي بخراسان مع أبيها، وزوجه وقت خروجه إلى خراسان، وبنى بها بخراسان. وروى المعافى بن زكريا الجريري بسنده عن رجل من آل خراسان قال: كنت أطلب العلم، فلا آتي موضعاً إلا وجدت أبا مسلم قد سبقني إليه، فألفني، فدعاني إلى منزله، ودعا بما حضر، فأكلت، ثم قال: كيف لعبك بالشطرنج؟ وذكر أنه كان يلاعبه ويلهو بهذين البيتين: من الطويل ذروني ذروني ما قررت فإنني ... متى ما أهج حرباً تضيق بكم أرضي وأبعث في سود الحديد إليكم ... كتائب سوداً طالما انتظرت نهضي قال رؤبة: كان أبو مسلم عالماً بالشعر. وذكر الخطيب من طريقه عن محمد بن زكويه قال: روي لنا أن أبا مسلم صاحب الدولة قال: ارتديت الصبر، وآثرت الكتمان، وحالفت الأحزان والأشجان، وسامحت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي، وأدركت نهاية بغيتي. ثم أنشأ يقول: من البسيط قد نلت بالحزم والكتمان ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا مازلت أضربهم بالسيف فانتبهوا ... من رقدةٍ لم ينمها قبلهم أحد

طفقت أسعى عليهم في ديارهم ... والقوم في ملكهم بالشام قد رقدوا ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ... ونام عنها تولى رعيها الأسد دعا أبو مسلم الناس إلى البيعة، فدعا إبراهيم الصائغ، فقال له: بايع طوعاً غير كاره، فقال الصائغ: لا بل كرهاً غير طائعٍ، قال: فكيف بايعت لنصر بن سيار؟ قال: إني لم أسأل عن ذلك، ولو سئلت لقلت. وكتب الصائغ إلى أبي مسلم كتاباً يأمره وينهاه، وكان أبو مسلم وعده القيام بالحق، والذب عن الحرم أيام دولة بني أمية، فقال أبو مسلم: يا إبراهيم، أين كنت عن نصر بن سيار وهو يتخذ زقاق الذهب للخمر، فيبعث بها إلى الوليد بن يزيد؟ فقال إبراهيم: إني كنت معهم أخشى، وأنت وعدتني أن تعمل بالحق، وأن تقيمه. فكف عنه أبو مسلم. وكان إبراهيم يظهر مخالفته إياه، ومع ذلك لا يدع ما يمكنه. قال محمد بن سلام الجمحي: دخل أبو مسلم على أبي العباس، فسلم عليه، وعنده أبو جعفر، فقال له: يا أبا مسلم، هذا أبو جعفر، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا موضع لا يؤدى فيه إلا حقك. ومن طريق المعافى: كتب أبو مسلم إلى المنصور حين استوحش منه: أما بعد، فقد كنت اتخذت أخاك إماماً، وجعلته على الدين دليلاً لقرابته، والوصية التي زعم أنها صارت إليه، فأوطأني عشوة الضلالة، وأوهقني في ربعة الفتنة، وأمرني أن آخذ بالظنة، وأقتل على التهمة، ولا أقبل المعذرة؛ فهتكت بأمره

حرمات حكم الله وصيانتها - وفي رواية: حتم الله صونها - وسفكت دماء فرض الله حقنها، وزويت الأمر عن أهله، ووضعته منه في غير محله. فإن يعف الله عني فبفضل منه، وإن يعاقب فيما كسبت يداي، وما الله بظلام للعبيد. ثم أنساه الله هذا حتى جاءه حتف أنفه فقتله. ومن كتب أبي جعفر إلى أبي مسلم: أما بعد، فإنه يرين على القلوب، وتطبع عليها المعاصي، فقع أيها الطائر، وأفق أيها السكران، وانتبه أيها الحالم، فإنك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، وفي برزخ دنيا قد غرت قبلك، وسحر بها سوالف القرون، فهل " تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزاً. وإن الله تعالى لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب. ولا تغتر بمن معك من شيعتي، وأهل دعوتي، فكأنهم قد صاولوك إن أنت خلعت الطاعة، وفارقت الجماعة، فبدا لك عند ذلك من الله ما لم تكن تحتسب. فمهلاً مهلاً، أحذر البغي أبا مسلم؛ فإنه من بغى واعتدى تخلى الله عنه، ونصر عليه من يصرعه باليدين والفم. أحذر أن تكون سنة في الذين خلوا من قبل، فقد قامت الحجة، أعذرت إليك، وإلى أهل طاعتي فيك؛ قال الله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين "

فأجابه أبو مسلم: أما بعد، فقد قرأت كتابك، فرأيتك فيه للصواب مجانباً، وعن الحق حائداً، إذ تضرب فيه الأمثال على غير أشكالها، وتضرب لي فيه آيات منزلة " من الله في الكافرين، وما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وإني والله ما انسلخت من آيات الله، ولكن يا عبد الله بن محمد كنت رجلاً متأولاً فيكم من القرآن آياتٍ أوجبت لكم بها الولاية والطاعة، فأتممت بأخوين لك من قبلك، ثم بك من بعدهما؛ فكنت لهم شيعة " متديناً، أحسبني هادياً، وأخطأت في التأويل، وقديماً لعمري ما أخطأ المتأولون المريدون بذلك وجه الله تعالى، المبتغون إقامة حكم الله سبحانه. وفيما أنزل الله سبحانه من القرآن: " إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل: سلام عليكم "، إلى قوله: " فإنه غفور رحيم " ومن رسالة أخرى كتبها إليه أبو جعفر: أيها الفاسق، إني وليت موسى بن كعب خراسان، وأمرته بالمقام بنيسابور، فإن أردت خراسان لقيك دونها بمن معه من قوادي وشيعتي. وأنا موجه للقائك أقرانك، فاجمع كيدك وأمرك غير مسددٍ، ولا موفق، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل. وسفرت بين أبي مسلم وأبي جعفر السفراء، وأخذوا له الأمان، فأقبل حتى دخل على أبي جعفر، وهو يومئذ بالرومية من المدائن، فأمر الناس، فتلقوه، وأذن له، فدخل على دابته، ورحب به، وعانقه، وقال: كدت تخرج قبل أن أفضي إليك بما أريد، قال: أتيت يا أمير المؤمنين، فمر بأمرك، قال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك، وادخل الحمام، واسترح عنك كلال السفر. وجعل أبو جعفر ينتظر به الفرص، ويريه من الإكرام ما لم يره قبل ذلك حتى إذا مضت أيام أقبل على التجني عليه. فأتى أبو مسلم عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه، قال عيسى: تقدم حتى آتيك، قال أبو مسلم:

إني أخافه، قال: أنت في ذمتي، وأقبل أبو مسلم، فقيل له: ادخل، فلما صار إلى الرواق الداخل قيل له: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست. وأبطأ عيسى بن موسى عليه. وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك في عدة فيهم: شعيب بن رزاح. وتقدم أبو جعفر إلى عثمان فقال: إذا عاتبته فعلا له صوتي، فأخرجوا، وعثمان وأصحابه في سترة من أبي مسلم. قال الحافظ: الصواب: شبيب بن واج قال أبو العباس المنصوري: لما قتل أمير المؤمنين المنصور أبا مسلم قال: رحمك الله أبا مسلم، بايعتنا وبايعناك، وعاهدتنا، وعاهدناك، ووفيت لنا، ووفينا لك؛ وإنا بايعناك على أنه لا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا، فقتلناك. قال: ولما أراد المنصور قتله دس له رجالاً من القواد منهم: شبيب بن واج، وتقدم إليهم فقال: إذا سمعتم تصفيقي فاخرجوا إليه، فاضربوه، فلما حضر وحاوره طويلاً حتى قال له في بعض قوله: وقتلت وجوه شيعتنا: فلاناً وفلاناً، وقتلت سليمان بن كثير وهو من رؤساء أنصار دولتنا، وقتلت لاهزاً، قال: إنهم عصوني، فقتلتهم. وقد كان قبل ذلك قال المنصور له: ما فعل سفيان بلغني أنك أخذتهما من عبد الله بن علي؟ فقال: هذا أحدهما يا أمير المؤمنين - يعني السيف الذي هو متقلده - قال: أرينه، قال: فدفعه إليه، فوضعه المنصور تحت مصلاه، وسكنت نفسه. فلما قال ما قال، قال المنصور: ياللعجب! أتقتلهم حين عصوك، وتعصيني أنت فلا أقتلك؟! ثم صفق، فخرج القوم، وبدرهم إليه شبيب فضربه فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه، فقال له المنصور: اضربه، قطع الله يدك، فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين، استبقني

لعدوك، قال: وأي عدو أعدى لي منك؟!! اضربوه! فضربوه بأسيافهم حتى قطعوه إرباً إرباً، فقال المنصور: الحمد لله الذي أراني يومك يا عدو الله. واستؤذن لعيسى بن موسى، فلما دخل، ورأى أبا مسلم على تلك الحال استرجع، فقال له المنصور: احمد الله، فإنك إنما هجمت على نعمةٍ، ولم تهجم على مصيبة. وروى يعقوب بن جعفر بعد قتل أبي مسلم فقال: أيها الناس، لا تنفروا أطراف النعمة بقلة الشكر فتحل بكم النقمة، ولا تسروا غش الأئمة، فإن أحداً لا يسر منكراً إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره، وإنا لن نجهل حقوقكم ما عرفتم حقنا، ولا ننسى الإحسان إليكم ما ذكرتم فضلنا. ومن نازعنا هذا القميص أوطأنا أم رأسه خبيىء هذا الغمد. وإن أبا مسلم بايع لنا على أنه من نكث بيعتنا، وأضمر غشاً لنا فقد أباحنا دمه، ونكث، وغدر، وفجر وكفر، فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا. قيل لعبد الله بن المبارك: أبو مسلم كان خيراً أو الحجاج؟ قال: لا أزعم أن أبا مسلم كان خيراً من أحدٍ، ولكن الحجاج شر منه. ظهر أبو مسلم لخمسٍ بقين من شهر رمضان سنة تسعٍ وعشرين ومائة، ثم سار إلى أمير المؤمنين أبي العباس سنة ست وثلاثين ومائة، وقتل في سنة سبع وثلاثين ومائة، وبقي أبو مسلم فيما كان فيه ثمانية وسبعين شهراً غير ثلاثة عشر يوماً. وقتل لخمس ليال بقين من شعبان - ويقال: لليلتين بقيتا منه - وفي رواية: لسبع ليالٍ خلون من شعبان - وفي رواية: سنة أربعين ومائة - وفي المدائن كان مقتله.

عبد الرحمن بن مسلم

عبد الرحمن بن مسلم روى عن واقد بن عبد الله البصري بسنده عن عبد الله بن عمر قال: لما طعن عمر وأمر الناس بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبت، إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضى "، فقال: سندوني، سندوني. فلما سندوه قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء " قلت: يا رسول الله لعثمان خاصة ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله وقد سقط رحله، أم للناس عامة؟ قال: " لعثمان خاصة "، يقول: " من يسوي لي رحلي وله الجنة "؟ فبرز طلحة حتى سوى رحله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ياطلحة، هذا جبريل يقرئك السلام، ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أنجيك من أهوالهاً. ماعسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهك حتى استيقظ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا عبد الله، لم تزل؟ " قال: لم أزل، بأبي وأمي. قال: " هذا جبريل يقرئك السلام، ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم ". ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ وقد أوتر قوسه أربع عشر مرة يدفعها إليه ويقول: " ارم، فداك أبي وأمي ". ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوفي؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في بيت فاطمة، والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يصلهما بشيء؟ فأطلع عبد الرحمن بن

عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة

عوف بصحفةٍ ورغيفين بينهما إهالة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامن ". قال الحافظ: وهذا هو عبد الله بن مسلم بن رشيد الدمشقي الذي حدث بنيسابور، وهو ضعيف. عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، أبو المسور الزهري المديني الفقيه قدم الشام مع سعد بن أبي وقاص. روى عن أبي رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له في أمته حواري وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون به، ثم يخلف من بعدهم خلف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة من خردل - وفي رواية: حبة خردل " ". وفي رواية أخرى: " ما كان نبي إلا وله حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويعملون ما ينكرون، من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل. "

عبد الرحمن بن مصاد بن زهير

وروى عن سعد قال: كنا معه بالشام شهرين، فكنا نتم، وكان يقصر، فقلنا له، فقال: إنا نحن أعلم. وحكى عبد الرحمن بن المسور: أنه خرج مع أبيه أدرج ومعه سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، حتى إذا كانوا بسرغ سمعوا بالطاعون بالشام. قال أبو عون: رأيت المسور بن محرمة حين خرج إلى مكة في وجهه الذي قتل فيه كتب وصيته، ودفعها وهي مختومة إلى رجال بني زهرة، وأشهدهم أن ما فيها حق، وأمرهم أن يشهدوا على ما فيها وهي مختومة، فقبضوها على ذلك. قال: فلما قتل المسور دفعوا الكتاب إلى عبد الرحمن بن المسور، وكانت الوصية إليه، فأنفذ مافيها. مات عبد الرحمن بن المسور بن مخزمة سنة تسعين، وكان يكنى أبا المسور. عبد الرحمن بن مصاد بن زهير ويقال: ابن زياد الكلبي من وجوه أهل المزة الذين قاموا في أمر يزيد بن الوليد حتى بويع، ولم يكن يرى ذلك، وإنما حمله عليه أخوه هشام بن مصاد، وحكى شيئاً من أمر حربه. وكان بطلاً شديداً.

عبد الرحمن بن معاذ بن جبل الأنصاري

عبد الرحمن بن معاذ بن جبل الأنصاري أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، وتوفي مطعوناً في طاعون عمواس قبل أبيه. قال أبو حذيفة إسحاق بن بشر: قالوا: فبدر معاذ بن جبل - يعني باليرموك - فنادى المسلمين: يا معشر أهل الشام، إنهم قد تهيئوا للشدة، ولا والله، لا يردهم إلا الصدق عند اللقاء، والصبر عند القراع!. ثم نزل عن فرسه، فقال: من يريد فرساً يركبه، يقاتل عليه؟ قال: فوثب ابنه عبد الرحمن وهو غلام حين احتلم، فأخذه، فقال: ياأبه، إني لأرجو ألا يكون فارس أعظم غناء " في المسلمين مني فارساً. وأنت يا أبت راجل أعظم منك فارس، الرجالة هم عظم المسلمين، فإذا رأوك حافظا مترجلاً صبروا - إن شاء الله - وحافظوا. قال: فقال أبوه: وفقني الله وإياك يا بني. قال شهر بن حوشب: طعن عبد الرحمن بن معاذ بن جبل، فدخل عليه أبوه، فقال له: كيف تجدك أي بني؟ فقال له: يا أبت " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "، قال معاذ: " ستجدني إن شاء الله من الصابرين " وعن أبي منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام، فذكر الطاعون، فقال: إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وقبض الصالحين قبلكم، اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة. ثم نزل من مقامه ذلك فدخل على ابنه.

عبد الرحمن بن معاوية بن حديج بن جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس

عبد الرحمن بن معاوية بن حديج بن جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس ابن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن أشرس بن شبيب التجيبي المصري قاضي مصر، ووفد على الوليد بن عبد الملك ببيعه أهل مصر. وروى: أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرد عليه ثلاث مرات، كل ذلك يسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: " أين السائل؟ " فقال: " أنا ذا يا رسول الله، قال: - ونقر بإصبعه - " ما أنكر قلبك فدعه " وقال: سمعت رجلاً من كندة يقول: حدثني رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأنصار أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا ينتقص أحدكم من صلاته شيئاً إلا أتمها الله له من سبحته " ولي القضاء عبد الرحمن بن معاوية بن حديج في ربيع الأول سنة ست وثمانين، وكان على الشرط أيضاً، وفي هذه السنة توفي عبد العزيز بن مروان، فقدم عبد الله بن عبد الملك بن مروان أميراً فأقر عبد الرحمن بن معاوية على القضاء والشرط إلى شهر رمضان سنة ست وثمانين، ثم صرفه عنهما. وكان عبد الرحمن بن معاوية بن حديج أول قاضٍ نظر في أموال اليتامى، وضمن عريف كل قومٍ أموال يتامى تلك القبيلة، وكتب بذلك كتاباً، فكان عنده. توفي سنة خمس وتسعين. وضبط ابن ماكولا حديج - بضم الحاء وفتح الدال -

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو المطرف الأموي الهشامي المعروف بالداخل ولد بدير حنيناء، وذكر البلاذري أنه من عمل دمشق. غلب على الأندلس حين قتل مروان بن محمد، وهو لأم ولد اسمها راح. ويقال إنه لما خرج هارباً من مصر إلى أرض برقة، أقام ببرقة خمس سنين، ثم رحل من برقة يريد الأندلس. وكان دخول عبد الرحمن الأندلس سنة تسعٍ وثلاثين ومائة - وقيل سنة ثمان وثلاثين - في زمن أبي جعفر المنصور. وكان الوالي على الأندلس يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عن بني أمية، وكان من قبل يوسف من الولاة يدعون لولد عبد الملك بالخلافة، فلما أتى يوسف قطع الخلافة عنهم، ودعا لنفسه، فلما دخل عبد الرحمن الأندلس قاتل يوسف، وأخذ البلاد. قيل إن عبد الرحمن لما توجه إلى يوسف الفهري أتلى الخبر يوسف بشخوصه، وأخبر بقدومه، وتوجهه إليه، فلم يعبأ يوسف، ولم يكترث، وإن عبد الرحمن لما توجه إليه غدا إلى الجزيرة، فنزلها، فاتبعه أهلها، ثم مضى منها إلى شذونة، فاتبعه أهلها، ثم مضى من شذونة إلى اشبيلية، فاتبعه من فيها، ثم مضى من اشبيلية إلى قرطبة، وهي مدينة الأندلس، فاتبعه من فيها، فكان كلما دخل مدينة ابتعه أهلها حتى دخلوا معه الأندلس. فذكروا أنهم دخلوها يوم الأضحى، أول الفطر، فلما رأى يوسف العساكر قد أظلته خرج هارباً إلى دار الشرك، فتحصن فيها هناك.

وغزاه عبد الرحمن من بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، وانصرف عبد الرحمن ومن معه بلا حرب. وجعل عبد الرحمن لمن أتاه برأسه جعلاً، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأس يوسف، فسره ذلك، فأجازه، وأكرمه. وأقام عيال يوسف في مسكنهم لم يهجهم بشيء، فلما كان بعد ذلك خير عياله في الخروج عنه، أن المقام في موضعهم، فاختاروا موضعهم، فأقاموا فيه. وكان عبد الرحمن الأندلسي، ووليها نائباً، وقال: إن أتت رسل بين العباس سلمت إليهم، وأنزلتهم هاهنا، فقال له مولاه - يقال له: مهدي بن الأصفر -: تخاف قوماً بينك وبينهم طول هذه المدة، والبحر دونك ودونهم؟ فأشار عليه ألا يفعل، فقبل منه. ولعبد الرحمن أدب وشعر. ومما أنشد له يتشوق إلى معاهده بالشام: من الخفيف أيها الراكب الميمم أرضي ... أقر من بعضي السلام لبعضي إن جسمي كما علمت بأرضٍ ... وفؤادي ومالكيه بأرض قدر البين بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي قد قضى الله بالفراق علينا ... فعسى باجتماعنا سوف يقضي وكان من أهل ذلك الصقع جفاء وغلظة، فلما أمن به عبد الرحمن، ونشأ أولاده فضلاء علماء سمحاء توفر أعيان الرعية به على التأدب والتفقه، فرقت حواشيهم، ونبغ فيهم شعراء، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، والملك سوق يجلب إليها ما ينفق فيها. وكان المنصور يثني على عبد الرحمن، ويقول: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية، ويلبس القحطانية بالعدنانية حتى ملك. وكان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريتين - يعنون: عبد الرحمن والمنصور، أم المنصور سلامة البربرية، وأم عبد الرحمن راح البربرية.

عبد الرحمن بن مغراء بن عياض بن الحارث بن عبد الله بن وهب

وكان عبد الرحمن على سيرة جميلة من العدل، ومن قضاته: معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي. كان مولد عبد الرحمن بالشام سنة ثلاث عشرة ومائة. ومات سنة اثنتين وسبعين ومائة. عبد الرحمن بن مغراء بن عياض بن الحارث بن عبد الله بن وهب أبو زهير الدوسي الرازي سكن ماشهران، قرية من قرى الري. وولي قضاء الأردن، وقدم دمشق، وحدث بها. وكان جده الحارث قدم مع أبيه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السبعين الذين قدموا من دوس. روى عن محمد بن إسحاق بسنده، عن خزيمة بن جزء قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فقلت: يارسول الله، إني جئت أسألك عن أحناش الأرض، قال: " سل عما شئت "، قال: فسألته عن الضب، فقال: " لا آكله، ولا أحرمه "، فقلت: إني آكل ما لم يحرم، قال: " إنها فقدت - يعني - أمة من الأمم، وإني رأيت خلقاً رابني ". قال: وسألته عن الأرنب، فقال: " لا آكله، ولا أحرمه "، قلت: فإني آكل ما لم يحرم، قال: " بلغني أنها تدمى ". قال: وسألته عن الضبع، قال: " ومن يأكل الضبع؟! " قال: وسألته عن الذئب، فقال: " لا يأكل الذئب أحد فيه خير ".

عبد الرحمن بن مل

روى عن الأعمش، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب الله - عز وجل - لأهل البلاء " قال عيسى بن يونس: كان عبد الرحمن بن مغراء طلابة ". وقال أبو خالد الأحمر: طلب الحديث قبلنا وبعدنا. وقال أبو زرعة: صدوق وقال محمد بن مهران: ذاك صاحب الأسمر وقال علي بن عبد الله بن المديني: ليس بشيء، تركناه، لم يكن بذاك وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم. عبد الرحمن بن مل ويقال: ابن ملي بن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن جذيمة ابن كعب بن رفاعة ابن مالك بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير، أبو عثمان النهدي من أكابر التابعين. وأدرك حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصدق إليه، ولم يره، وسكن البصرة، وغزا غزوات كثيرة. شهد اليرموك. روى عن أسامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قمت على باب الجنة، فإذا عامة من يدخلها الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار، فإذا عامة من يدخلها النساء ". وفي رواية: " فإذا عامة من دخلها المساكين ". هاجر عبد الرحمن بن مل إلى المدينة بعد موت أبي بكر، ووافق استخلاف عمر.

قال أبو حفص الفلاس: أبو عثمان النهدي، اسمه عبد الرحمن بن مل. وكان أصله من الكوفة. قال: عمران بن حدير: كنت آتية في الحاجة، فيقوم ستين قومة، ثم يصلي ستين ركعة. وعن عاصم الأحول: سئل أبو عثمان النهدي وأنا أسمع: هل أدركت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، أسلمت على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأديت إليه صدقات، وغزوت على عهد عمر: القادسية، وجلولاء، وتستر، ونهاوند، وأذربيجان، ومهران، ورستم - وقال في رواية: فكنا نأكل السمن، ونترك الودك. وروى البخاري أنه قال: بلغت نحواً من ثلاثين ومائة سنة - زاد غير البخاري: وما مني شيء إلا قد أنكر خلا أملي. وروى عمرو بن علي أنه قال: حججت في الجاهلية حجتين وقال أبو نعيم الحافظ: وكان كثير العبادة، حسن القراءة، لزم سلمان الفارسي وصحبه اثنتي عشرة سنة قال الحجاج بن أبي زينب: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: كنا في الجاهلية نعبد حجراً، فسمعنا منادياً: ينادي: إن ربكم قد هلك فالتمسوا رباً غيره. قال: فخرجنا على كل صعب وذلول، فينا نحن كذلك نطلبه إذا نحن بمنادٍ ينادي: أن قد وجدنا ربكم. وقال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث صنماً من رصاصٍ يحمل على جملٍ أجرد، فإذا بلغ وادياً فبرك فيه قالوا: قد رضي لكم ربكم هذا الوادي.

وقال: حججت ليغوث، وكان صنماً من رصاص لقضاعة بمثال امرأةٍ، وعبدت ذا الخلصة، ودورت الأدورة، ثم اتبعت الإسلام. وقال: كنت ابن سبعة عشرة سنة أرعى إبل أهلي، فكان يمر بنا المار جائي من تهامة، فنقول له: ما هذا الصابىء الذي خرج فيكم؟ فيقول؛ خرج والله رجل يدعو إلى الله وحده، قد أفسد ذات بينهم. وقال: أتيت أطلب رسول الله فوجدته قد مات، ثم كان أبو بكر قلما لبث، ثم أتيت عمر بن الخطاب، فكنت عنده شهرين، وكان يقنت في صلاة الغداة بعد الركوع. وقال: كنت فيمن يضرب عمر قدميه لإقامة الصف. قال ابن عياش: كان الفقهاء والمحدثون بعد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هؤلاء النفر المسلمين. فذكرهم، وفيهم أبو عثمان النهدي قال عاصم الأحول: بلغني أن أبا عثمان النهدي يصلي فيما بين المغرب والعشاء مائة ركعة، فصليت المغرب، ثم قام يصلي، وقعدت أعد صلاته، قال: فقلت: إن هذا لهو الغبن، يصلي وأنا جالس؟ فقلت له: كم أحصيت إلى تلك الساعة؟ قال: خمسين ركعة ". وعن سليمان التيمي قال: إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب دنيا، كان ليله قائماً، ونهاره صائماً، وإن كان ليصلي حتى يغشى عليه. وقال عبد السلام بن عجلان: كان أبو عثمان النهدي إذا حدث قال: ارجعوا مغفوراً لكم، فلو حلفت لبررت إنه مغفور لكم.

وعن ثابت البناني، عن أبي عثمان النهدي قال: إني لأعلم حين يذكرني الله، فقيل له: من أين تعلم ذلك؟ قال: يقول الله عز وجل: " اذكروني أذكركم " فإذا ذكرت الله ذكرني. قال: وكنا إذا دعونا الله قال: والله لقد استجاب الله لنا، ثم يقول: " ادعوني استجب لكم " - وزاد في رواية: فقال له الحسن: يا أبا عثمان تألى على الله!؟ فقال له: أرأيت لو وعدتني ميعاداً ظننت أنك لا تخلفني؟! وقال سليمان التيمي: كنت ابتدىء أبا عثمان بالحديث، فيحدثني به. وقال عاصم: قلت لأبي عثمان: إنك تحدثنا بالحديث، فربما حدثتناه كذلك، وربما نقصت، قال: عليك بالسماع الأول. وقال مالك بن إسماعيل النهدي: كان أبو عثمان النهدي من ساكني الكوفة، ولم يكن له دار في النهد، فلما قتل الحسين بن علي تحول فنزل البصرة، وقال: لا أسكن بلداً قتل فيه ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الحافظ: الصواب: من سكني الكوفة، وله بها دار في بني نهد. قال أبو حاتم: أبو عثمان النهدي ثقة. كان عريف قومه. سئل أبو زرعة عن أبي عثمان النهدي فقال: بصري ثقة.

عبد الرحمن بن ميسرة

وقال عبد السلام بن شداد " رأيت أبا عثمان النهدي شرطياً. قال: يجيء، فيأخذ من أصحاب الكمأة. قال هشيم: بلغني أن أبا عثمان النهدي توفي وهو ابن اربعين ومائة سنة. وقال عمرو بن علي: وهو ابن ثلاثين ومائة سنة. ومثله من طريق خليفة وفي سنة وفاته خلاف: قال عمرو بن علي: مات سنة خمس وتسعين ومثل ذلك من طريق ابن زبر وقال: وهو ابن اثنتين وثلاثين ومائة سنة. وقال المدائني: سنة مائة مات أبو عثمان النهدي. وقال الهيثم مثل ذلك، ومثله من طرق أخرى. وقال خليفة: مات بعد سنة مائة - ويقال بعد خمسٍ وتسعين وقالوا: مات أبو عثمان النهدي أول ماقدم الحجاج. عبد الرحمن بن ميسرة أبو سليمان الكلبي من أهل دمشق حدث عن عطية مولى السلم من طريقه عن أبي ذر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئاً فإن حقاً على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده "

عبد الرحمن بن نافع

قال الحافظ: وقد فرق البخاري بين الدمشقي والحضرمي، فقال: عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، ثم ذكر بعده ما قدمناه. قال العجلي: عبد الرحمن بن ميسرة شامي، تابعي، ثقة. عبد الرحمن بن نافع أبو عبد رب الوضوء سمع يونس بن ميسرة بن حلبس يقول: ثلاثة يحبهم الله: من كان عفوه قريباً ممن أساء إليه، فذلك الذي تقوم به الدنيا، ومن كره سوءاً يأتيه إلى أخيه أو صاحبه، فذاك قمن أن يستحي الله منه، ومن كان بمنزلة رفعةٍ في الدنيا، فتواضع، فذلك الذي يخاف عظمتي، ويخاف مقتي - وقال غيره: يعرف عظمتي. عبد الرحمن بن نجيح أبو محمد الثقفي المؤذن حدث عن أبي علي الجرجاني بسنده، عن عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال عند مضجعه بالليل: الحمد لله الذي علا فقهر، والذي بطن فخبر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، مات على غير ذنب " عبد الرحمن بن نشر بن الصارم ابو سعيد الغافقي المصري وفد على سليمان بن عبد الملك، ورجع إلى الأندلس فاستشهد بها في قتال الروم. كان قتله في سنة اثنتين وعشرين ومائة فيما حكي عن ابن بكير، عن الليث.

عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع

قال أبو نصر الحافظ: نشر: أوله نون مفتوحة بعدها شين ساكنة معجمة عبد الرحمن بن أبي بكرة نفيع ابن الحارث ويقال: مسروح بن الحارث أبو بحر - ويقال: أبو حاتم - الثقفي وفد مع أبيه على معاوية. وقدم على معاوية أيضاً يخبره بمجيء زياد من فارس. روى عن أبيه أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويحك! قطعت عنق صاحبك ". ثم قال: " إن كان أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلاناً، ولا أزكي على الله أحداً، حسيبه الله، إن كان يرى أنه كذلك ". وقال عبد الرحمن بن أبي بكرة: وفدنا إلى معاوية نعزيه مع زياد، ومعنا أبو بكر، فلما قدمنا عليه لم يعجب بوفدٍ ما أعجب بنا، فقال: يا أبا بكرة، حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكرة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجبه الرؤيا الحسنة، ويسأل عنها، وإنه قال ذات يوم: " أيكم رأى رؤيا؟ " فقال رجل من القوم: أنا رأيت ميزاناً دلي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت بأبي بكر، ووزن فيه أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر

بعمر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فاستأولها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي أولها، فقال: " خلافة نبوةٍ ويؤتي الملك من يشاء "، قال:، فزخ في أقفائنا، وأخرجنا. فلما كان الغد عدنا، فقال: يا أبا بكرة، حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فبكعه به، قال: فذخ في أقفائنا واخرجنا فلما كان في اليوم الثالث عدنا فسأله أيضاً فبكعة به. فقال معاوية: يقول: إنا ملوك، فقد رضينا بالملك، فقال أبو بكرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل نفساً معاهدة بغير حقها لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد مسيرة خمسمائة سنة ". وقال أبو بكرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني، فإذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فأقول: يارب، أصحابي - وفي رواية: أصيحابي! - فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك " قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن أبي بكرة أدرك عمر. شهد فتح تستر وقال: أنا أول مولود ولد بالبصرة، ونحرت علي جذور. ومن طريق سيف: خرج عتبة بن غزوان في سبعمائة من المدائن، فسار حتى نزل على شاطىء دجلة، وتبوأ دار مقامه، فولد فيها عبد الرحمن بن أبي بكرة، فنحر أبو بكرة عليه جزوراً، فدعا عليها أهل البصرة يومئذ، فكفتهم. ومن طريق آخر، قال عبد الرحمن: أنا أنعم الناس، أنا أبو أربعين، وعم أربعين، وخال أربعين، وأبي أبو بكرة، وعمي زياد. وقال يونس بن عبيد: شهدت وقعة ابن الأشعث وهم يصلون في شهر رمضان، وكان عبد الرحمن بن أبي

بكرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسعيد بن أبي الحسن، وعمران العبدي، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة، ولايقنتون إلا في النصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرتين. عن ابن سيرين: اشتكى رجل، فوصف له لبن الجواميس، فبعث إلى عبد الرحمن بن أبي بكرة: ابعث إلينا بجاموسةٍ، قال: فبعث إلى قيمه: كم حلوب لنا؟ قال: تسعمائة، قال: ابعث بها إلينا. فلما أتته قال: إنما أردت واحدة "! قال: فبعث إليه: اقبضها كلها. قال الحافظ: وقد رويت هذه الحكاية لعبيد الله بن أبي بكرة، وهي به أشبه. وعن العتبي: عزى عبد الرحمن بن أبي بكرة سليمان بن عبد الملك فقال: إنه من طال عمره فقد الأحبة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه. وروي الخبر عن الأصمعي قال: عزى عبد الرحمن بن أبي بكره سليمان بن عبد الملك بجارية له كان يجد بها وجداً مبرحاً، فاغتم عليها، فقال: يا أمير المؤمنين، من طال عمره فقد الأحبة، ومن قصر عمره كانت مصيبته في نفسه. فقال سليمان بن عبد الملك: من الكامل وإذا تصبك مصيبة فاصبر لها ... عظمت مصيبة مبتلى لايصبر عن المدائني: مات عبد الرحمن بن أبي بكرة سنة ست وتسعين، صلى عليه الجراح في الرحبة. ومن طريق آخر عنه: مات عبد الرحمن بن أبي بكرة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.

عبد الرحمن بن نمر

عبد الرحمن بن نمر أبو عمر اليحصبي من أهل دمشق روى عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من خلافته ركعتين، ثم أتمها عثمان أربعا: حين اتخذ الأموال بمكة، وأجمع على إقامةٍ بعد الحج. وقال: سألت الزهري عن الرجل يمس ذكره، أو المرأة تمس فرجها، فقال: حدثني عروة بن الزبير أنه سمع مروان بن الحكم يقول: أخبرتني بسرة بنت صفوان الأسدية أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالوضوء من مس الذكر، والمرأة مثل ذلك. وروى عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منادياً: " إن الصلاة جامعة "، فاجتمع الناس، وتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكبر، وافتتح القرآن، وقرأ قراءة طويلة يجهر بها، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: " سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد "، ثم افتتح القرآن وهو قائم لم يسجد فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً وهو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم كبر، ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع

ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس. ثم قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة. " قال الزهري: فقلت لعروة: والله ما فعل ذلك أخوك عبد الله بن الزبير، انخسفت الشمس وهو بالمدينة، ومن أراد أن يسير إلى الشام، فما صلى إلا مثل صلاة الصبح!. قال عروة: أجل، إنه أخطأ السنة قال أبو زكريا البخاري: نكر - بالنون - والد عبد الرحمن بن نمر صاحب الزهري قال دحيم: عبد الرحمن بن نمر صحيح الحديث عن الزهري وقال ابن معين: هو ضعيف في الزهري وقال أبو حاتم: ليس بقوي وقال ابن عدي: وقول ابن معين: هو ضعيف في الزهري ليس أنه أنكر عليه في أسانيد ما يرويه عن الزهري أو متونها إلا ما ذكرت من قوله: " والمرأة مثل ذلك "، وهو في جملة ن يكتب حديثه من الضعفاء. وابن نمر هذا له عن الزهري غير نسخة، وهي أحاديث مستقيمة.

عبد الرحمن بن هرمز

عبد الرحمن بن هرمز أبو داود الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وفد على يزيد بن عبد الملك. وروى عن عبد الله بن بحينة قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة " - يطن أنها العصر - فقام في الثالثة ولم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين - وفي رواية: قام في السجدتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما فرغ من صلاته ... وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استأذن أحدكم جاره أن يضع خشبة " في حائطه فلا يمنعه "، قال: فأعرضوا، فقال: مالي أراكم معرضين؟ لألقينها بين أكتافكم! وعن الواقدي: أن عبد الرحمن بن هرمز أراد الشخوص إلى يزيد بن عبد الملك، وكان على ديوان أهل المدينة، فأرسلت إليه فاطمة بنت الحسين بن علي، وعرفته أن عبد الرحمن بن الضحاك الفهري خطبها، وسألته أن ينهي ذلك إلى يزيد. قال ابن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاوس. وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفاً.

وسئل عن أعلى أصحاب أبي هريرة، فبدأ بسعيد بن المسيب، ثم قال: وبعده أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين، فقيل له: فالأعرج؟ فقال: هو ثقة، وهو دون هؤلاء. قال محمد بن عكرمة: كان عبد الرحمن الأعرج يكتب المصاحف: وروى ابن المبارك عن رجل: أن عبد الرحمن نظر إلى رجل صلى في المسجد صلاة سوءٍ، فقال له عبد الرحمن: قم فصل! قال: قد صليت، قال: والله لا تبرح حتى تصلي! فقال: مالك ولهذا يا أعرج؟! قال: والله لتصلينه أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد! فقام الرجل، فصلى صلاة " حسنة. قال أبو إسحاق: لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب. وعن نافع بن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أنه قرأ: " لتخذت عليه أجراً "، قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالماً بالنحو. قال أبو علقمة الفروي: رأيت عبد الرحمن الأعرج جالساً على باب داره إذا مر به مسكين أعطاه تمرة. قال عبد الرحمن: إني أريد أن آتي الإسكندرية فأرابط بها، فقيل له: وما تصنع بها وما عندك قتال؟ وما تكون في مكان إلا كنت كلا على المسلمين؟! قال: سبحان الله،

عبد الرحمن بن أبي هريرة الدوسي

فأين الحصيصا؟! قال: وكان سيخاً كبيراً، فخرج إليها، فأراه مات بها. وثقة العجلي وابن خراش. مات عبد الرحمن الأعرج بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة. عبد الرحمن بن أبي هريرة الدوسي حدث عن أبي هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال فقد صام الدهر كله " وفي رواية: " صوم شهر الصبر - يعني رمضان - وستة أيام من شوال من العد صوم الدهر " وروي عن رجل من رهط أبي هريرة أن عبد الرحمن بن أبي هريرة صنع لهم طعاماً يوم الفطر، وهم بدمشق، ثم دعاهم، ثم حدثهم عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وعن نافع: أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر، فنهاه عن أكله، ثم انقلب عبد الله، فنظر بالمصحف، فقرأ: " أحل لكم صيد البحر وطعامه " قال نافع: فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة: إنه لا بأس به، فكله.

عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل

عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل ابن عبيد الله بن أبي المهاجر ويقال: ابن يحيى بن عبد العزيز، أبو محمد المخزومي روى بسنده عن إسماعيل بن عبيد قال: قال لي عبد الملك بن مروان: يا إسماعيل، أدب ولدي، فإني معطيك - أو مثيبك - فقال إسماعيل: وكيف بذلك يا أمير المؤمنين؟ وقد حدثتني أم الدرداء، عن أبي الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أخذ على تعليم القرآن قوساً قلده الله - تبارك وتعالى - قوساً من نار يوم القيامة "! فقال عبد الملك: يا إسماعيل، إني لست معطيك - أو مثيبك - عن القرآن، إنما أعطيك على النحو. وروى عن الوليد بن مسلم بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه العدل، أو يوثقه الجور " توفي أبو محمد عبد الرحمن بن يحيى بن اسماعيل المخزومي في سنة سبعٍ وعشرين ومائتين. قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، صدوق. عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي أخو عبد الله بن يزيد بن تميم روى عن الزهري، عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن عمر دخل على عبد الله بن مطيع حين هاجت الفتنة، فقال: مرحباً

بابي عبد الرحمن، ضعوا له وسادة "، فقال: إني لم آتك لأقعد، ولكن جئت لأحدثك كلمتين سمعتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من نزع يدا من طاعةٍ فإنه يأتي يوم القيامة لا طاعة، ولا حجة، ومن مات مفارقاً للجماعة فقد مات موتة جاهلية ". وروى عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: خرجت في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوةٍ، فلقينا العدو، فشددت على رجلٍ، فطعنته، ففطرته، وأخذت سلبه، فنفلينه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال دحيم: وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم منكر الحديث عن الزهري وسئل دحيم: عبد الرحمن بن يزيد ين تميم أين هو من أخيه عبد الله؟ قال: كان عبد الله يتهم بالقدر، وكان عبد الرحمن عنده كتاب كبير للزهري. وقال أبو حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن، ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر؟ قال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، ويزيد بن جابر بن يزيد بن جابر. ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر. فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم. وقال: ضعيف وقال أبو بكر بن أبي داود: ابن يزيد بن تميم قدم فاراً مع القدرية، وكان من أهل دمشق. وقد سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وجميعاً يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضاً دمشقي، وحدث عن مكحول؛ ظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك. وابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه، وابن تميم ضعيف، روى عن الزهري أحاديث مناكير.

عبد الرحمن بن يزيد بن جابر

وقال احمد بن حنبل: أقلب أحاديث شهر بن حوشب، صيرها حديث الزهري وقال البخاري: منكر الحديث وقال أبو داود والنسائي: متروك وقال الدار قطنب وأبو زرعة: ضعيف عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أبو عتبة الأزدي الداراني حدث عن القاسم، عن عقبة بن عامر الجهني قال: بينا - وفي رواية: بينما - أنا أقود برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نقب من تلك النقاب إذ قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اركب ياعقب "، قال: فأجللت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أركب مركبه، ثم أشفقت أن تكون معصية "، فركبت هنية - وفي رواية: هنيهة - ثم نزلت، ثم ركب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدت به، فقال لي: " يا عقب، ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ فقلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال: " قل أعوذ برب الفلق "، و" قل أعوذ برب الناس "، قال: فلما أقيمت الصلاة صلاة الصبح قرأ بهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم مر بي، فقال: كيف رأيت يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت - وفي رواية: اقرأهما " كان عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أكبر من أخيه يزيد بن يزيد. مات سنة ثلاث

وخمسين ومائة، وهو ابن بضع وثمانين سنة - وقيل سنة أربع وخمسين ومائة - في خلافة أبي جعفر. وفي رواية: سنة ست وخمسين ومائة. وكان ثقة. وذكر هشام بن الغاز أن أبا جعفر المنصور كتب إليه وإلى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقدما عليه بغداد. وذكروا أن يزيد بن جابر كان من أهل البصرة. قدم مع عباد بن زياد، وولد عبد الرحمن ويزيد بالشام. وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: كنت أردف أبي أيام الوليد بن عبد الملك، فقدم علينا سليمان بن يسار، فدعاه أبي إلى الحمام، وصنع له طعاماً. وقال: كنت ألي المقاسم في أيام هشام، وصليت بسليمان بن موسى، وكنت أسن منه. وقال: وكنت أدخل أنا ومكحول المسجد، وقد صلى الماس فيؤذن مكحول، ويقيم، ويتقدم، فيصلي بهم. وكان الوليد بن مسلم يثني على ابن جابر. وقيل: إذا رأيت الشامي يذكر الأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن عبد العزيز فاطمئن إليه. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: " لا تكتبوا العلم إلا ممن يعرف بطلب الحديث "

قال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، فالحمل عليهم في تلك الأحاديث، ولم يكن ابن تميم ثقة "، وإلى تلك الأحاديث أشار عمرو بن علي، وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر. وحدثت عن دعلج بن أحمد قال: قال موسى بن هارون:: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان في ذلك وهماً منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف. عبد الرحمن بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك واسمه هانىء الهمداني أخو خالد بن يزيد بن أبي مالك ولي قضاء دمشق للمهدي بعد يحيى بن حمزة، ثم عزله المهدي ورد يحيى بن حمزة. وقيل: إن الذي عزله الهادي. سماه أبو زرعة في نفرٍ ثقات، وفي الإخوة من أهل الشام. عبد الرحمن بن يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر روى عن أبيه عن جده قول حذيفة: لاتفتح القسطنطينة حتى تفتح القريتان: نيقية وعمورية؟

عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي روى عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يضمن لي واحدة أضمن له الجنة؟ قلت: أنا يا رسول الله، قال: " لا تسأل الناس شيئاً ". فكان سوط ثوبان يسقط وهو على بعيره، فينيخ حتى يأخذه، ولا يقول لأحد: ناولنيه. وفي رواية: " من يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة " - وفي رواية: تقبلت له بالجنة -؟ "، قال: ثوبان: أنا يا رسول الله، قال: " لا تسأل أحد شيئاً " قال: فربما سقط سوط ثوبان وهو على البعير، فما يسأل أحداً يناوله إياه حتى ينزل فيأخذه. وروى عن ثوبان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أرقاءكم " قال المفضل بن غسان الغلابي: قلت ليحيى بن معين: يزيد بن هارون، نا عن العوام بن حوشب، عن عبد الكريم المكتب، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية قال: الكلمات التي تلقى آدم من ربه كلمات؛ قال: هو عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية. قال مصعب: كان عبد الرحمن بن يزيد رجلاً صالحاً

وعن الوليد بن هشام: كان عمر بن عبد العزيز يرق على عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لما هو عليه من النسك. وقال: قدم عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية على عمر بن عبد العزيز، فرفع إليه ديناً، أربعة آلاف دينار، فوعده بقضاء ذلك عنه، فقال له: وكل أخاك الوليد بن هشام، وانصرف إلى أهلك. قال الوليد: فتقاضيته ذلك، قال: فقال لي: قد بدا لي أن أقضي عن رجل واحدٍ أربعة آلاف دينار، وإن كنت أعلم أنه أنفقها في خير. قال: قلت يا أمير المؤمنين، فأين ما كنا نتحدث أن من أخلاق المؤمن أن ينجز ما وعد؟ فقال لي: ويحك يا بن هشام؟ قد وضعتني بهذا الموضع؟؟؟؟ قال المفضل بن غسان: كان يقال: أربعة كلهم عبد الرحمن، وكلهم عابد، وكلهم قريش: عبد الرحمن بن زياد بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن أبان بن عثمان، وعبد الرحمن بن يزيد بن معاوية. يقال: إنه أفضلهم الذي حدث: " فتلقى آدم من ربه كلمات " وعن المعتمر بن سليمان قال: قال عبد الرحمن بن يزيد - وكان له حظ من دينٍ وعقل، فقال لبعض أصحابه -: أيا فلان، أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاها للموت؟ قال: لا، قال: فهل أزمعت للتحويل إلى حال ترضاها للموت؟ قال: لا، والله ماتاقت نفسي إلى ذلك بعد، قال: فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ قال: لا، قال: فهل تأمن أن يأتيك الموت وأنت على حالك هذه؟ قال: ولا، قال: ما رأيت مثل هذه حالاً رضي بها، وأقام عليها - أحسبه قال: - عاقل وكان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلا لعبد الملك بن مروان، فلما مات عيد الملك، وتصدغ الناس عن قبره وقف عليه، فقال له: أنت عبد الملك بن مروان

عبد الرحمن بن يسار أبي ليلى

الذي كنت تعدني فأرجوك، وتوعدني فأخافك، أصبحت وليس معك من ملكك غير ثوبيك، وليس لك غير أربعة أذرع في عرض ذراعين ثم أنكفأ إلى أهله، فاجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن بال، فدخل عليه بعض أهله، فعاتبه في نفسه، وإضراره بها، فقال لقائله: أسألك عن شيء تصدقني عنه ما بلغه علمك؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاها للموت؟ قال: اللهم لا، قال: فاعتزمت على انتقالك منها إلى غيرها؟ قال: ما أشخصت رأيي في ذلك، قال: أفتأمن أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها؟ قال: اللهم لا، قال: فيعد الدار التي أنت فيها معتمل؟ قال: اللهم لا، قال: حال ما أقام عليها عاقل. ثم أنكفأ إلى مصلاه. عبد الرحمن بن يسار أبي ليلى ويقال: اسم أبي ليلى داود بن بلال ويقال: يسار - بن بلال بن بليل بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف أبو عيسى الأنصاري الكوفي الفقيه وفد على معاوية بن أبي سفيان. واستوفده عبد الملك بن مروان روى عن علي أن فاطمة أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو إليه ما تلقى من يدها من أثر الرحى، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت له عائشة. فقال علي: فأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أخذنا مضاجعنا. قال: فذهبنا لنقوم، فقال: " على مكانكما "، قال: فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري،

فقال: " ألا أدلكما، أو أخبركما، بخير مما سألتما؟ إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين؛ فإنه خير لكما من خادم، أو مما سألتما " وروى عن سمرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من روى عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين " وعن البراء: أنه كان يقنت في الصبح. قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم، فغضب وقال: إنه كان صاحب أمراء - يعني: ابن أبي ليلى وفي رواية أخرى: أنه كان يقنت في الصبح. قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال لي: لم يكن كأصحاب عبد الله، كان صاحب أمراء. قال: فرجعت، فتركت القنوت، فقال أهل مسجدنا: تالله ما رأينا كاليوم قط شيئاً لم يزل في مسجدنا. قال: فرجعت إلى القنوت. قال: فبلغ ذلك إبراهيم، فلقيني، فقال: هذا مغلوب على صلاته. قدم ابن أبي ليلى - يعني محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - من عند أبي جعفر، وقد كساه، وأعطاه، فأتيته مسلماً، فوجدت عنده طربالاً وأخا طربال، فسأله، فقال: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وانتسب إلى أحيحة بن الجلاح، فقال له معاوية: أعد، فأعاد، ثم قال له: أعد، فأعاد، ثم قال له: أعد، ففعل، وقال له: يا أمير المؤمنين، قبس؛ فإن وجوهنا تضيء عنده.

قال يحيى بن سعيد: فاستحييت، وعلمت أنه يعلم ما يقول الناس في نسبه، فأراد أن يقوي نسبه بهذا الحديث. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف: احمل إلي عبد الرحمن بن أبي ليلى مقيداً. فأرسل إلي الحجاج حوشب بن رويم - وكان له صديقاً -: إن أمير المؤمنين قد كتب يأمر بحملك مقيداً، فأته وأنت مطلق. قال: فشخصت إليه. وروى عبد الله بن محمد بن عمارة، ابن القداح، قال: والعقب من ولد أحيحة بن الجلاح في ولد بلالٍ وبليلٍ ابني أحيحة، وأما أبو ليلى فلا يعرفونه، ولا يعرفون نسبه، ولا يعرفون له صحبة، ولامشهداً. من ولد أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن عتورة بن بليل بن بلال بن أحيحة بن الجلاح. إلى هذا النسب ينسب ولد أبي ليلى، وقد أبت ذلك عليهم الأوس. واسم أبي ليلى يسار، وكان من رقيق العرب. قال عمر بن الخطاب: نعم الرجل يسار. وزعموا أن عمر بن الخطاب وجده مضطجعاً في مسجد قباء، فقال: قم فأعطني جريدة "، واتق العواهن، فأتاه، فجعل عمر يمسح بها المسجد ويقول: لو كنت على مسيرة شهرٍ لضربنا إليك أكباد الإبل. وقد أدرك عبد الرحمن بن أبي ليلى عمر بن الخطاب ويقال: إنه ولد لست سنين بقين من خلافة عمر بن الخطاب، وقتل بدجيل سنة ثلاث وثمانين - وقيل: سنة إحدى وثمانين. وكان يسكن الكوفة. وروي عن البخاري قال: كان بعضهم يقول: هو من أنفسهم.

قال ثابت البناني: كنا إذا قعدنا إلى ابن أبي ليلى يقول لرجلٍ: اقرأ القرآن، فإنه يدلني على ما تريدون؛ نزلت هذه الآية في كذا، وهذه في كذا. وعن الحكم، عن عبد الرحمن: خرج عمر من داره، وأتبعته، حتى إذا كان في بعض الطريق تنحى إلى حائط، فبال، ثم أخذ عوداً من حجر، فرأيت أنه قد اعتاده، ثم دعا بماءٍ فتوضأ، ومسح على خفيه، كأني أنظر إلى أثر أصابعه على خفيه. فاقل بعضهم: ماجئنا إلا لنسألك عن هذا، قال: ما فعلته إلا لتنظروا. ودخل المسجد. قال عبد الرحمن: لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة " من الأنصار من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما أحد منهم يحدث حديثاً إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولايسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا. قال وكيع: لم يلق ابن أبي ليلى عمر، يصغر عن ذلك. وسئل يحيى بن معين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر؟ فقال: لم يره، فقيل له: الحديث الذي يروى: كنا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيء. وكان شعبة ينكر أن يكون سمع ابن أبي ليلى من عمر. وعن ابن أبي ليلى: صحبت علياً في الحضر والسفر، وأكثر ما يحدثون عنه باطل. قال عبد الملك بن عمير: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في نفرٍ من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمعون لحديثه، وينصتون له، منهم: البراء بن عازب صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال الشعبي: كان الفقه بعد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكوفة في أصحاب عبد الله، في هؤلاء الرهط " علقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن قيس المرادي، ثم السلماني، وشريح بن الحارث الكندي، ومسروق بن الأجدع الهمداني ثم الوادعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري. وقال ابن سيري: جلست إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأصحابه يعظمونه كأنه أمير. وقال عبد الله بن الحارث: ما شعرت أن النساء ولدت مثله. وقال ثابت البناني: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى إذا صلى الصبح نشر المصحف، وقرأ حتى تطلع الشمس. وعن مجاهد: كان لعبد الرحمن بن أبي ليلى بيت فيه مصاحف يجتمع فيه القراء، فقلمتا تفرقوا إلا عن طعام. وقال يزيد بن أبي زياد الهاشمي: ما استأذنت على عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا أطعمني طعاماً طيباً أو حدثني بحديث حسن. وقال ابن أبي ليلى: إحياء الحديث مذاكرته، فتذاكروا، فقال له عبد الله بن شداد بن الهاد: رحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري كان قد مات - وفي رواية: إحياء العلم. قال أبو حصين: لما قدم الحجاج العراق استعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء. قال: ثم عزله، واستعمل أبا بردة بن أبي موسى، وأقعد معه سعيد بن جبير.

وفي رواية: لما قدم الحجاج أراد أن يستعمل عبد الرحمن بن أبي ليلى على القضاء، فقال له حوشب: إن كنت تريد أن تبعث علي بن أبي طالب على القضاء فافعل. وعن محمد بن الحنيفة قال: ما بالكوفة أهل بيتٍ أشد لنا حباً من آل أبي ليلى. وقال عبد الله بن عيسى: كان عبد الرحمن بن أبي ليلى علوياً، وكان عبد الله بن عكيم عثمانياً، وكانا في مسجد واحد، وما رأيت واحداً منهم يكلم صاحبه - يعني كلام مخاصمةٍ ومناظرةٍ في عثمان وعلي. وقال أبو الجهم: صحبت عبد الله بن عكيم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى عشرين عاماً، هذا علوي، وهذا عثماني يتزاورون في اليوم مراراً. سمعت عبد الله يقول: رحمك الله أبا عيسى، لو صبر صاحبك - يعني علياً - ثم كان بعدن إبين لأتاه الناس حتى يبايعوه. وماتت أم عبد الرحمن بن أبي ليلى فقدم عليها عبد الله بن عكيم. وعن مجمع بن يحيى الأنصاري قال: دخل عبد الرحمن بن أبي ليلى على الحجاج، فقال: إن أردتم رجلاً يشتم عثمان بن عفان فها هو ذا؟. فقلت: إنه يمنعني من ذلك آيات في كتاب الله ثلاثاً: قال الله عز وجل: " للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "، وكان عثمان منهم. " والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم " إلى قوله: " المفلحون "، فكان أبي منهم. وقال: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " - إلى قوله: " رؤوف رحيم " فكنت منهم، فقال: صدقت

قال الأعمش: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد ضربه الحجاج، وهو متكىء على ابنه معقل، وهم يقولون: العن، فيقول: لعن الله الكذابين، ثم يسكت، ثم يقول: علي بن أبي طالب، والمختار بن أبي عبيد - وزاد في رواية: عبد الله بن الزبير. وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا أعقل من شأن أبي شيئاً إلا أني أعرفه كانت له امرأتان، وكان له حبان أخضران، فيبيت عنه هذه يوماً، وعند هذه يوماً. وقال إبراهيم التيمي: أعجب خصلة إلى رأيتها منه أني خرجت إلى الظهر، وكان الناس يخرجون، فجاء عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى نزل إلى جنبنا، فكان يأمر ابنه بالأذان. قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بي أبي ليلى ثقة. وكذلك قال العجلي. قال أبو حاتم: لا بأس به. ومن أقواله: لا أماري صاحبي؛ إما أن أكذبه، وإما أن أغضبه - وفي رواية: أخي وقال: إن الرجل ليعذلني في الصلاة، فأشكر ذلك له.

عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش

عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش أبو محمد البغدادي الحافظ حدث بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عمار بن ياسر أنهم سألوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أتيت في الجاهلية من النساء شيئاً حراماً؟ قال: " لا، وقد طنت على ميعادين؛ أما أحدهما فغلبتني عيني، وأما الآخر فشغلني عنه سامر قوم " ومن أقواله: شربت بولي في هذا الشأن - يعني الحديث - خمس مرات. ومن إنشاده: من السريع وقائل كيف تهاجرتما ... فقلت قولاً فيه إنصاف لم يك من شكلي فتاركته ... والناس أشكال وألاف قال ابن عدي: وابن خراش هذا هو أحد من بذكر بحفظ الحديث من حفاظ العراق، وكان له مجلس مذاكرة لنفسه على حدة. وإنما ذكر بشيء من التشيع، فأما في الحديث فإني أرجو أنه لا يتعمد الكذب. وقال ابن عقدة: كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئاً - يعني من باب التشيع - يقول لي: هذا لا ينفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس.

عبد الرحمن بن يونس بن محمد

وحمل ابن خراش إلى بندار جزأين صنفهما في مثالب الشيخين، فأجازه بألفي درهم، فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها، فما متع بها، ومات حين فرغ منها. وكان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم بالحديث. مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين. وقيل: سنة أربع وتسعين ومائتين عبد الرحمن بن يونس بن محمد أبو محمد الرقي السراج روى عن سويد بن سعيد بسنده عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخرج، فناد في المدينة: من شهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فله الجنة ". فخرجت، فلقيني عمر، فقال: أين؟ فأخبرته، فقال: ارجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقل: يا رسول الله، دع الناس فإنهم يعملون، فإنهم إن سمعوا هذا اتكلوا، فلم يعملوا فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته بما قال لي عمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق عمر ". سئل أحمد عن عبد الرحمن بن يونس السراج، فقال: ما علمت منه إلا خيراً مات يعد سنة ست وأربعين ومائتين. وقيل إنه مات في سنة ثمان وأربعين ومائتين. عبد الرحمن أبو المهاجر البهليبي تابعي من أهل مصر ذكره أبو عمر محمد بن يوسف الكندي في كتاب " موالي أهل مصر "، قال: ومنهم أبو المهاجر البلهيبي، واسمه عبد الرحمن. وكان من سبي بلهيب حين انتقضت

عبد الرحمن السيدي

في خلافة عمر. وكان معاوية قد عرفه على موالي تجيب. وهو الذي خرج إلى معاوية بشيراً بفتح خربتا عبد الرحمن السيدي ويقال: ابن السيدي - أبو أمية مولى سليمان بن عبد الملك، ويقال: مولى عمر بن عبد العزيز. كاتب عمر بن عبد العزيز. كان يسكن نابلس. قال: كنت وصيفاً بين يدي الحجاج إذ دخل عليه أنس بن مالك وهو على الغداء، فدعاه، فجلس ناحية "، فقال له الحجاج: كيف رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا أكل اللحم؟ قال: رأيته تعرق كتفاً أو عظماً، ثم مسح يده، ثم صلى ولم يتوضأ. وفي رواية أخرى: رأيت أنس بن مالك دخل على الحجاج، فأتي الحجاج بلطفٍ بعد العصر إلا أنه ليس بلحم، فزعم أنه شيء طبخ، فجمع. فلما وضع الطبق بين يديه فأكل أنس والحجاج وعنبسة بن سعيد بن العاص. ثم أتي الحجاج بوضوءٍ، فأشار إلى الخصي أن يقدم الوضوء إلى أنس، فقال أنس: قد اكتفيت بمسح المنديل، وتوضأ الحجاج أطراف أصابعه، ثم قال الحجاج لأنس: بلغني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل لحماً ثم يتوضأ، قال: نعم، أتي بعضوٍ من لحم شواءٍ، وعنده أبو بكر الصديق، ودخل عليهم عمر بن الخطاب، فأكلوا جميعاً، ثم تمسحوا بخرقة، ثم انتظروا حتى أتاهم المؤذن بالمغرب، فقامت جميعاً، فصلوا، ولم يتوضأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، وعمر بن الخطاب.

عبد الرحمن الطويل

وقال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفطر إذا كان صائماً على اللبن. وجئته بقدحٍ من لبن، فوضعته إلى جانبه، فغطى عليه وهو يصلي. قال: كان عمر بن عبد العزيز إذا كان يوم الشك من شهر رمضان يقول لغلامه: أخر غداءك إلى العشاء، فإنا نبادر الأحداث وإلا فات. قال أبو حاتم: عبد الرحمن مولى سليمان بن عبد الملك، وهو منكر الحديث. عبد الرحمن الطويل ولي ديوان دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز حدث عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: - وذكر الجمعة، فقال: " من غسل واغتسل، ثم غدا وابتكر، وخرج يمشي، ولم يركب، ثم دنا من الإمام، فأنصت له، ولم يلغ كان له كأجر سنةٍ صيامها وقيامها ". وفي رواية: " له بكل خطوةٍ كأجر سنةٍ صيامها وقيامها ". عبد الرحيم بن أحمد بن نصر ابن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث أبو زكريا التميمي البخاري الحافظ روى بسنده عن علي السلام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "

اغسلوا ثيابكم، وخذوا من شعوركم، واستاكوا، وتزينوا، وتنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم. " وروى بسنده عن النعمان بن بشير، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الواقع في حدود الله والمدهن كمثل قوم ركبوا في سفينة، فاستهموا عليهما، فركب قوم علوها، وقوم سفلها، فكانوا إذا استقوا آذوهم، وأصابوهم بالماء، فقالوا: قد آذيتمونا بما تمرون علينا. فأعطوا رجلاً فأساً ينقب عندهم نقباً، قالوا: ما هذا الذي تصنعون؟ قالوا: تأذيتم بنا، فننقب عندنا نقبا لنستقي منه. فإن تركوهم هلكوا وهلكوا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجواً قال أبو زكريا البخاري: رأى أبو إسحاق الهجيمي أنه تعمم، فدور على رأسه مائة " وثلاث دورات، فعبر له أن يعيش مائة سنةٍ وثلاث سنين، فلم يحدث حتى بلغ المائة، ثم حدث، فقرأ القارىء عليه، وأرادا أن يخبر عقله: رجز أل الجبان حتفه من فوقه ... كالكلب يحمي جلده بروقه فقال الهجيمي: قل: كالثور، ياثور. فإن الكلب لاروق له. ففرح الناس بصحة عقله. سئل عبد الرحيم بن أحمد عن مولده، فقال: في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة قال الحافظ: قرأت في كتاب: " تكملة الكامل في معرفة الضعفاء " لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي: عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري أبو زكريا. حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب " مشتبه النسبة "، وقال: قراءة " عليه وأنا أسمع. وفي هذا نظر، فإني

عبد الرحيم

سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني - رحمه الله - يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشاب - والله أعلم. قال الحافظ: وفي قول الزنجاني نظر، فإن هذه شهادة على يقين، وقد وجد ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضاً أبو الحسن رشأ بن نظيف المقرىء، وكان من الثقات، وأبو نصر عبد الرحيم بن أحمد ثقة، ما سمعنا أحداً تكلم فيه، ففي إخراج المقدسي ذكره في كتاب الضعفاء نظر. توفي أبو زكريا البخاري سنة إحدى وستين وأربعمائة بالحوراء عبد الرحيم ويقال: عبد الرحمن بن إلياس بن أحمد الملقب بالمهدي أبو القاسم المعروف بولي العهد جعله ابن عمه الملقب بالحاكم ولي عهده في سنة أربعٍ وأربعمائة، وقرىء المنشور بذلك بدمشق في شهر ربيع الأول من هذه السنة. ثم قدم دمشق والياً عليها في آخر أيام الملقب بالحاكم. اعتقل ولي العهد في مصر بحجرة إلى أن قتل نفسه بسكين حملت إليه مع بطيخ. عبد الرحيم بن عمر بن عاصم أبو مروان المازني الماسح كان يسكن الخريميين روى بسنده عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "

عبد الرحيم بن محمد بن أحمد

خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة " وبسنده عن عروة: أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبةٍ، وحمل على مائة بعير، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبره بما صنع؛ فقال: إني أعتقت في الجاهلية مائة رقبة، وحملت على مائة بعير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أسلمت على ما سلف لك من خيرٍ " وبسنده عن أبي ثعلبة الخشني، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع عبد الرحيم بن محمد بن أحمد ابن إبراهيم بن إسحاق بن عبيد ويقال: ابن إسحاق بن يعقوب بن مروان أبو مروان ويقال: أبو فرسخ الجرشي القزاز من أهل باب توما روى بسنده عن بشر بن عاصم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما والٍ ولي المسلمين شيئاً وقف به على جسر جهنم، فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو " وروى بسنده عن الهيثم بن عدي قال: ركب أبو علقمة النميري بغلاً، فوقف على أبي عبد الرحمن القرشي، فقال: يا أبا علقمة، إن لبغلك هذا منظراً، فهل مع حسن هذا المنظر من خبر؟ قال:

عبد الرحيم بن محمد بن علي

سبحان الله، أو ما بلغك خبره؟ قال: لا؟. قال: لقد خرجت عليه مرة من مصر، فقفز بي قفزة إلى فلسطين، والثانية إلى الأردن، والثالثة إلى دمشق. فقال له أبو عبد الرحمن: تقدم إلى أهلك يدفنوه معك في قبرك، فلعله يقفز بك الصراط. مات عبد الرحيم القزاز سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. عبد الرحيم بن محمد بن علي ويقال: عبد الرحيم بن محمد بن شعيب بن صالح بن حنظلة أبو محمد الأنصاري الداراني المؤذن من ولد حنظلة الغسيل حكى عنه ابنه أبو القاسم عبد العزيز أنه قال: رأيت الوليد بن مسلم شيخاً أبيض الوجه، وكان كثير الصلاة. حكى أبو هاشم محمد بن عبد الأعلى بن عليك الإمام قال: هيأ ابن الأجدع طعاماً، ودعا قاسم الجوعي، وأحمد بن أبي الحواري، وعبد الرحيم المؤذن على أنهم يصلون العتمة ويجيئون إلى عنده. فصلوا، وخرجوا. فلما صاروا عند دار ابن أبي الفاتك قال أحمد بن أبي الحواري لعبد الرحيم المؤذن: اذكر لنا شيئاً قبل أن ندخل، فأنشأ يقول: من الطويل علامة صدق المستخصين بالحب ... بلوغهم المجهود في طاعة الرب وتحصيل طيب القوت من مجتنائه ... وإن كان ذاك القوت في مرتقى صعب فضرب أحمد بن أبي الحواري إلى عارض عبد الرحيم بيده، وقال: مر به كذا وكذا لئن برحت لأتبعنها. فلم يزل يردد الكلام وهو قيام حتى أذن مؤذن الفجر، ورجعوا إلى المسجد. سئل عبد الرحيم بدمشق عن سنه، فقال: لي مائة وثماني عشرة سنة.

عبد الرحيم بن محمد بن مجاشع

ولعبد الرحيم هذا خبر مع أم هارون الخراسانية وأبي سليمان الداراني عبد الرحيم بن محمد بن مجاشع أبو علي الأصبهاني الحافظ المجاشعي حدث بالرملة بسنده عن ابن سيرين قال: رأيت أبا أيوب توضأ، ثم خلع خفيه ولم يمسح، ثم قال: أما إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، ومسح على الخفين، ولكني امرؤ حبب إلى الطهور. وبسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آذى المسلمين في طرقهم أصابته لعنتهم " عبد الرحيم بن محرز ابن عبد الله بن محرز بن سعيد بن حيان بن مدرك بن زياد أبو عطية الفزاري ومدرك بن زياد الفزاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم مع أبي عبيدة فتوفي بدمشق في قرية يقال لها: رواية، وكان أول مسلم دفن فيها. روى عبد الرحيم بن محرز عن أحمد بن تبوك بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: إنا لجلوس ذات يومٍ عند علي بن أبي طالب في خلافة أبي بكر إذ أقبل رجل من حضر موت لم أر رجلاً قط أنكر منه، ولا أطول، فاستشرفه الناس، وراعهم منظره، وأقبل مسرعاً جواداً حتى وقف وسلم، وجثا، فكلم أدنى القوم منه مجلساً، فقال: من عميدكم؟ فأشاروا إلى علي بن أبي طالب، فقالوا: هذا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعالم الناس، والمأخوذ عنه، فقام فقال: - وذكر أبياتاً منها: من البسيط

عبد الرحيم بن المحسن

سمعت بالدين دين الحق جاء به ... محمد وهو قرم الحاضر البادي فجئت متنقلاً من دين باغيةٍ ... ومن عبادة أوثانٍ وأنداد فادلل على القصد واجل الريب عن خلدي ... بشرعة ذات إيضاح وإرشاد قال: فأعجب علياً والجلساء شعره، وقال له علي: لله درك من رجلٍ، ما أرض شعرك. ممن أنت؟ قال: من حضرموت. سر به علي، وشرح له الإسلام، فأسلم على يديه ثم إن علياً سأله عن الأحقاف وقبر هود، فوصف له ماحكى علي عليه السلام أنه سمعه من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عبد الرحيم بن المحسن ابن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي حصين أبو محمد التنوخي المعري سكن دمشق، وخرج منها إلى ماردين، واتصل بتمرتاش بن الغازي بن أرتق. ثم مضى إلى ميا فارقين، ونزل بها على بني نباته. ومن شعره: من البسيط هاج اشتياق برق خاطف لمعا ... وهنأ ونوح حمام الأيك إذ سجعا يا برق ما العهد منسي لديك ولا ... حبل الهوى رث لما بنت فانقطعا إن الأولى بنواحي الغوطتين وإن ... شط المزار بهم يوماً وإن شسعا أشهى إلى ناظري من كل ما نظرت ... عيني في مسمعي من كل ماسمعا توفي أبو محمد التنوخي بميا فارقين سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

عبد الرحيم بن يعقوب بن سهل

عبد الرحيم بن يعقوب بن سهل أبو المهذب البدري الأنصاري النيسابوري الكرميني قدم دمشق طالب علم حدث عن أبي الفضل محمد بن أحمد الزهري بسنده عن الزهري أنه كان عند عبد الملك بن مروان، فلما أراد أن يقوم أجلسه عبد الملك، فجيء بالغداء، فلما أكلوا قربوا البطيخ، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه أنه سمع بعض عمات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلاً، ويذهب بالداء أصلاً. فقال له عبد الملك: لو أخبرتني بذلك يا بن شهاب لفعلنا كذلك. فدعا صاحب الجراية، وسار في أذنه شيئاً، فأقبل الخازن ومعه مائة ألف، فوضعها بين يدي الزهري. قال الخطيب: عبد الرحيم بن يعقوب، أبو المهذب الأنصاري النيسابوري. علقت عنه شيئاً يسيراً. وبلغنا أنه توفي بخراسان في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. عبد الرزاق بن عبد الله ابن الحسين بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الفضيل أبو القاسم الكلاعي روى عن أبي بكر الحنائي بسنده عن أنس قال: أقيمت الصلاة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجي لرجلٍ في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.

عبد الرزاق بن عبد الله بن المحسن

وروى عن أبي القاسم السراج بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلس له إذ أقبل أعرابي على بعير له حتى جاء فوقف، فسلم عليهم، فقال: أيكم محمد؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا محمد ". فنزل الأعرابي، فجثا على يديه، وقال: يا رسول الله، إن لي اليوم خمسة أيام، خرجت من أهلي أطلب الإسلام، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن يسلم قلبك ولسانك، وأن تصلي الخمس، وإن كان لك مال تؤدي زكاة مالكن وتحج البيت، وتغتسل من الجنابة، وتؤمن بالله " قال: يا رسول الله، فإذا فعلت هذا فأنا مسلم؟ فقال: " نعم "، ثم ركب راحلته، فسار هنية، فسقط من بعيره في جحر كم جردٍ، فوقص الأعرابي ميتاً. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوموا إلى أخيكم، فخذوا في جهازه " توفي عبد الرزاق بن عبد الله بن الفضيل في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة. عبد الرزاق بن عبد الله بن المحسن أبي القاسم بن عبد الله بن عمرو أبو غانم بن أبي حصين التنوخي المعري القاضي روى عن إسماعيل بن عبد الرحمن أبي عثمان الصابوني بسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ببعض جسدي، فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب، وكأنك عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور " قال مجاهد: ثم أقبل علي عبد الله بن عمر، فقال: يا مجاهد، إذا أصبحت فلا تحدث

عبد الرزاق بن علي

نفسك بالمساء، وخذ من حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً. ومما أنشده لنفسه يصف كوز الفقاع: من الوافر ومحبوس بلا جرمٍ جناه ... له سجن بباب من رصاص يضيق بابه خوفاً عليه ... ويوثق بعد ذلك بالعفاص إذا أطلقته خرج ارتقاصا ... وقبل فاك فرح الخلاص ولد أبو غانم المعري سنة ثمان عشرة وأربعمائة بالمعرة وتوفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة - وقيل سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. عبد الرزاق بن علي ويقال: ابن محمد بن أبي الكراديس النحوي البجلي قال: أصول ظاءات القرآن العظيم إحدى وعشرون كلمة ثم يتفرع بالاشتقاق منها، وهذه الأبيات التي تجمعها: من الطويل ظفرت بحظ من ظلومٍ تعاظمت ... ظواهره للناظر المتيقظ ظمئت فلم تحظر على ظلالها ... فظاظة ألفاظٍ ولا غيظ وعظ ظنون تلظى للكظوم شواظها ... تغلظ عيب الظاعن المتحفظ

عبد الرزاق بن عمر

عبد الرزاق بن عمر بن بلدج بن علي بن إبراهيم أبو بكر الشاشي المقرىء روى عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن الحسين الأرموي بمصر، بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لايبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يتوضأ منه " توفي أبو بكر الشاشي بدمشق سنة ثلاث وأربعين وثمانين وأربعمائة عبد الرزاق بن عمر بن مسلم العابد الدمشقي روى عن مدرك بن أبي سعد بسنده عن أبي الدرداء قال: ما من عبد يقول: حسبي الله، لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، سبع مرات، صادقاً كان بها أو كاذباً إلا كفاه الله ماأهمه - وفي رواية: من قال: ... كان عبد الرزاق بن عمر الدمشقي فاضلاً متعبداً، وكان يعد من الأبدال. عبد الرزاق بن عمر أبو بكر الثقفي روى عن الزهري، عن أنس بن مالك. أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح، فقال: " هذا أمين هذه الأمة "

وفي رواية " لكل أمة أمين، وهذا أميننا "، وأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح وروى عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى " أجمعوا على تضعيف عبد الرزاق بن عمر الثقفي عن الزهري، والسبب في ذلك أن كتبه ذهبت، فأدخل عليه الأحداث شيئا فاضطرب. قال أبو مسهر: سمع من الزهري، فذهب كتابه، فتتبع حديث الزهري من كتب الناس، فرواها فتركوه. وكان خرج إلى بيت المقدس، فجعل كتبه في خرج جديد، وثيابه في خرج خلق، فجاء اللصوص، فأخذوا الخرج الجديد، فذهبت كتبه. وكان بعد ذلك إذا سمع حديثاً من حديث الزهري قال: هذا مما سمعت. وقال سعيد بن عمرو: وأحاديثه عن غير الزهري أشبه، ليس فيها تلك المناكير، إنما المناكير في حديثه عن الزهري قال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن عمر عن الزهري غير حديث لا يتابع عليه. وقد روى عبد الرزاق هذا عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الغار. وهذا معروف بشعيب بن أبي حمزة عن الزهري. وقد روى عن معاوية بن يحيى عن الزهري، ومعاوية ضعيف.

عبد الرزاق بن عمر

عبد الرزاق بن عمر أبو محمد الأدمي حدث القاضي أبي بكر الميانجي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من عمر ستين فقد أعذر الله عز وجل إليه في العمر " عبد الرزاق بن محمد بن سعيد العطار أبو محمد الشاهد حدث عن أبي المسمون بن راشد بسنده عن عائشة قالت: " أهدى النجاشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلية فيها خاتم ذهبٍ، فصه حبشي. فدعا أمامة بنت أبي العاص، بنت ابنته زينب، فقال: " تحلي بهذا يابنية ". وروى عن أبي الميمون بن راشد بسنده عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رحم الله حارس الحرس " مات أبو محمد عبد الرزاق بن سعيد العطار سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قدم الشام تاجراً.

روى عن معمر، عن همام قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من الليل، واستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول فلينصرف، فليضطجع " وروى عن معمر بسنده عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه. وروى محمد بن عبيد الصنعاني قال: دفع سفيان الثوري إلى عبد الرزاق بن همام أربعمائة درهم ليشتري له بالشام أثواباً، فلم يجد عبد الرازق ما سمى سفيان، فاشترى بردين، فلما قدم عبد الرزاق من الشام، ودخل مكة وجد مشترى لهذين الثوبين، فباعهما بسبعمائة دينار قبل أن يصير إلى سفيان، فلما صار إلى سفيان قال له سفيان: يا عبد الرازق، كأن نفسي تحدثني مع ربح كثير، فهات بضاعتي التي أمرتك. فقال له عبد الرازق: قد أغناك الله، يا أبا عبد الله، خذ سبعمائة دينار. فقال سفيان: هذا من أين؟ فقال عبد الرازق: اشتريت لك ثوبين بردٍ، وبعتها هنا بسبعمائة دينار، والذي أمرتني لم أجد، فقد أغناك الله، وخذ من حيث شئت، فقال سفيان: يا عبد الرازق، أما تعلم أن أبا الزبير حدثني عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ريح ما لم يضمن؟ رد علي رأس مالي، والباقي لك. ففعل عبد الرزاق. ولد عبد الرزاق سنة ست وعشرين ومائة، ومات سنة إحدى عشرة ومائتين. وهو مولى لقومٍ من العرب. قال أحمد: عبد الرازق يماني من الأبناء

وروى عنه أنه قال: جالست معمراً ما بين الثمان إلى التسع - وفي رواية أخرى: لزمت معمراً ثماني سنين. وقال: صار معمر هليلجة في فمي وقال عبد الرزاق: لما قدم علينا سفيان قال: ائتوني برجل خفيف الكتاب. قال: فأتيناه بهشام بن يوسف، فكان هو يكتب ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختمها، حتى نسخه. وقال سلمة بن شبيب: قلت لأحمد بن حنبل: عبد الرزاق أعجب إليك أم هشام بن يوسف؟ فقال: لابل عبد الرزاق، قلت: إني سمعت عبد الرزاق يقول: كان هشام بن يوسف يكتب لنا عند الثوري ونحن ننظر في الكتاب، فإذا فرغ ختم الكتاب، فقال لأحمد بن حنبل: إن الرجل ربما نظر مع الرجل في الكتاب وهو أعلم بالحديث منه. وقال يحيى بن معين: كان عبد الرزاق في حديث معمر أثبت من هشام بن يوسف، وكان هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق، وكان ألم بحديث سفيان الثوري من عبد الرزاق. وقال أحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق. وقال: عبد الرزاق يشبه رجل أهل العراق. وقال: كتب عبد الرزاق ثلثي العلم. وقال يحيى بن معين: عبد الرزاق ثقة لابأس به.

وقال في حديث عبد الرزاق: " إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأس على عمر قميصاً "، هو حديث منكر، ليس يرويه أحد غير عبد الرزاق. قيل له: إن عبد الرزاق كان يحدث بأحاديث عبيد الله عن عبد الله بن عمر، ثم حدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله بن عمر، قال يحيى: لم يزل عبد الرزاق يحدث بها عن عبيد الله، ولكنها كانت منكرة، وسئل أبو حاتم عن عبد الرزاق فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال معمر: يختلف إلينا في طلب العلم من أهل اليمن أربعة: رباح بن زيد، ومحمد بن ثور، وهشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، فأما رباح بن زيد فخليق أن يتكلم، تغلب عليه العبادة، فينتفع بنفسه، ولا ينتفع به الناس، وأما هشام بن يوسف فخليق أن يغلب عليه السلطان، وأما محمد بن ثور فكثير النسيان قليل الحفظ، وأما ابن همام، فإن عاش، فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل. وقال أحمد: لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر، فسألنا عن منزل عبد الرزاق، فقيل لنا: بقريةٍ يقال لها الرمادة، فمضيت لشهوتي للقائه - وفي رواية: إلى لقائه - وتخلف يحيى بن معين، وبينها وبين صنعاء قريب حتى سألت - وفي رواية إذا سألت - عن منزله، قيل لي: هذا منزله. فلما ذهبت أدق الباب قال لي قائل تجاه داره: مه! لا تدق، فإن الشيخ مهيب - وفي رواية: مهوب - فجلست، حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج لصلاة المغرب، فوثبت إليه، وفي يدي أحاديث قد انتقيتها، فقلت له: سلام عليكم، تحدثني بهذه - رحمك الله - فإني رجل غريب. فقال لي: ومن

أنت؟ ورحب بي، فقلت: أنا أحمد بن حنبل. قال: فتقاصر، ورجع، وضمني إليه، وقال: بالله أنت أبو عبد الله؟! ثم أخذ الأحاديث، فلم يزل يقرؤها حتى أشكل عليه الظلام، فقال للنقال: هلم للمصباح، حتى خرج وقت المغرب - وفي رواية: صلاة المغرب - وكان يؤخرها. قال عبد الله: فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزاق بكى. وقال يحيى بن معين: كنت أنا وأحمد بن حنبل عند عبد الرزاق، وكنت أكتب الشعر والحديث، وكان أحمد يكتب الحديث وحده، فخرج إلينا يوماً عبد الرزاق وهو يقول: من السريع كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لابد في الدنيا من الهم وكلما زادك من نعمةٍ ... زاد الذي زادك من غم فقال له أحمد: كيف قلت؟ فأعاده عليه، فكتبها. وقال محمد بن رافع: كنت مع أحمد بن حنبل، وإسحاق عند عبد الرزاق، فجاءنا يوم الفطر، فخرجنا مع عبد الرزاق إلى المصلى ومعنا ناس كثير، فلما رجعنا من المصلى دعانا عبد الرزاق إلى الغداء، فجعلنا نتغدى معه، فقال عبد الرزاق لأحمد وإسحاق: رأيت اليوم منكما عجباً؛ لم تكبرا! قال أحمد وإسحاق: يا أبا بكر، نحن كنا ننظر إليك هل تكبر فنكبر، فلما رأيناك لم تكبر أمسكنا عن التكبير. قال: وأنا كنت أنظر إليكما هل تكبران، فأكبر. وقال أبو خثيمة زهير بن حرب: لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق، فلما وصلنا مكة كتب أصحاب الحديث إلى صنعاء، إلى عبد الرزاق: قد أتاك حفاظ الحديث، فانظر كيف يكون: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خثيمة زهير بن حرب. فلما قدمنا صنعاء غلق الباب عبد الرزاق، ولم يفتحه إلا لأحمد بن حنبل، لديانته، فدخل، فحدثه بخمسة وعشرين حديثاً، ويحيى بن معين بين البابين جالس، فلما خرج قال يحيى

لأحمد: أرني ماحدثك؟ فنظر فيها، فخطأ الشيخ في ثمانية عشر حديثاً، فلما سمع أحمد بالخطأ رجع، فأراه موضع الخطأ، وأخرج عبد الرزاق الأصول، فوجده كما قال يحيى، ففتح الباب، فقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيت، فسلمه إلى أحمد بن حنبل، وقال: هذا البيت ماد خلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله على أنكم لا تقولون مالم أقل، ولاتدخلون علي حديثاً من حديث غيري. ثم أومأ لأحمد، فقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. قال: فأقاموا عنده حولاً، فلما انصرفوا بلغهم أن بالمدينة شيخاً بدوياً عنده خمسون حديثاً في صحيفة، فجاء يحيى، فأخذ الصحيفة، وجلس يكتب حديثاً من حديثه، وحديثين من حديث غيره. ثم مزجها كلها، ثم جاء ليقرأ، فكان إذا مر على الشيخ حديثه عده، فإذا مر على أذنه حديث غيره قال بيده هكذا، وأشار بيده: لا. قال: فلم يزل حتى انتقاها، فما مر عليه حرف. ثم أجال نظره في وجوه القوم، وهو يومئذ لا يعرفهم، فوقعت عيناه على أحمد بن حنبل، فقال: أما أنت فلا تستحل أن تفعل مثل هذا، ثم وقعت عينه علي - يقول زهير - فقال: أما أنت فلا تحسن أن تفعل مثل هذا. وأومأ بيده إلى يحيى بن معين، ثم رفع رجله، فصك بها صدره، فأقلبه على قفاه، فقال: لاتعد لمثل هذا! وقال عبد الرزاق: كتب عني ثلاثة لا أبالي ألا يكتب عني غيرهم؛ كتب عني ابن الشاذكوني، وهو من أحفظ الناس، وكتب عني يحيى بن معين، وهو من أعرف الناس بالرجال، وكتب عني أحمد بن حنبل وهو من أزهد الناس. وقال ابن زهير النسائي: تشفعنا بأمرأة عبد الرزاق على عبد الرزاق، فدخلنا على عبد الرزاق، فقال: هاتوا، تشفعتم إلى بمن يتقلب على فراشي. ثم أنشأ يقول: من البسيط ليس الشفيع الذي يأتيك متزراً ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا وقال أحمد بن الحسن الخلال: أتينا في الرحلة جماعة مسافرين إلى عبد الرزاق بن همام بصنعاء، فامتنع أن

يحدثنا، فقلنا: أيها الشيخ، رق لنا، وتعطف علينا، ارحمنا. فحرك رأسه، وأنشأ يقول: من الكامل فتركتني حتى إذا ... ما صرت أبيض كالشطن ألقيت تطلب وصلنا ... في الصيف ضيعت اللبن ثم قال لنا: أتدرون ما قال عمرو بن معدي كرب؟ فقلنا: وما قال؟ فقال: إنه يقول: من الوافر إذا لم تستطع أمراً فدعه ... وجاوره إلى ما تستطيع وقال عبد الرزاق: حججت، فصرت إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرمت الدخول إلى مالك بن أنس، فحجبني ثلاثة أيام، ثم دخلت إليه وهو جالس في فرش خز، فلما أن نظرت إليه قلت: حدثني معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في جهنم رحى تطحن جبابرة العلماء طحنا "، فقال لي: يا أبا بكر، وإنك لهو الله، وما علمت بقدومك، ولو علمت لتلقيتك. فأخرج إلي كتبه، فكتبت منها، ورحلت. وقال عبد الرزاق: قدمت مكة، فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فمضيت، فطفت،

وتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يارب، مالي؟ أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ قال: فرجعت إلى البيت، فجاؤوني. وقال: أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مائة سنةٍ كتب عنه، فإما أن يقال: كذاب، فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع، فيبطلون علمه، فما أقل من ينجو من ذلك. وقال: قال لي وكيع: أنت، رجل عندك حديث، وحفظك ليس بذاك، فإذا سئلت عن حديث فلا تقل: ليس هو عندي، ولكن قل: لا أحفظه. قال يحيى بن معين: قال عبد الرزاق: اكتب عني ولو حديث واحد من غير كتاب، فقلت: لا، ولاحرف. وقال أبو عبد الله: من سمع عبد الرزاق بعد ذهاب بصره فهو ضعيف السماع. أتيناه نحن قبل المائتين. قال يحيى: أخبرني أبو جعفر السويدي أن قوماً من الخراسانية من أصحاب الحديث جاؤوا إلى عبد الرزاق بأحاديث للقاضي هشام بن يوسف، فتلقطوا أحاديث من معمر من حديث هشام وابن ثور - قال يحيى: وكان ابن ثور هذا ثقة - فجاؤوا بها إلى عبد الرزاق، فنظر فيها، فقال: هذه بعضها سمعتها، وبعضها لا أعرفها، ولم أسمعها. قال: فلم يفارقوه حتى قرأها، ولم يقل لهم: حدثنا، ولا أخبرنا. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره - وفي رواية أخرى:

عبد الرزاق بن همام من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بآخره جاء عنه بأحاديث مناكير. وقال الدارقطني: ثقة يخطىء على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب وقال أبو عبد الله: حديث زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: " ائتدموا بالزيت " هو عندنا مرسل. عبد الرزاق حدثناه. وقال أبوعبد الله في حديث أبي هريرة: حديث عبد الرزاق، يحدث به: " النار جبار "، ليس بشيء، لم يكن في الكتب، باطل، ليس بصحيح. قال أحمد بن محمد بن أبي هانىء: قلت لأبي عبد الله: سمعت الحلواني يحدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن أبي مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "، فعجب منه. قيل له: وعن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينا، عن ابن عباس، في اليمين مع الشاهد، قال: لم أسمعه. قلت لأبي عبد الله: سمعت رجلاً حدث عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،

عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما زوج علياً فاطمةً كلاماً عجباً، فسمعته منه؟ قال: لا، ماأعرف هذا. وقيل لأبي عبد الله: فحديث أنس بن مالك: " دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وابن رواحة آخذ بغرزة ". فقال: وهذا أيضاً، قيل: ياأبا عبد الله، ليس له أصل؟ قال: ما أدري كيف أقول لك، فأنكره. وقال عبد الرزاق لعلي بن المديني حيث ودعه: إذا ورد حديث عني لا تعرفه، فلا تنكره، فإنه ريما لم أحدث به. وحكم يحيى بن جعفر البيكندي قال: كنت مرجئاً، فخرجت إلى الحج، فدخلت الكوفة، فسألت وكيع بن الجراح عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه، ثم دخلت مكة، فسألت سفيان بن عيينة عن الإيمان، فقال: الإيمان قول وعمل، فلم أستحل أن أكتب عنه. ثم دخلت اليمن، وجلست في مجلس عبد الرزاق، فلم أسأله عنه، فأخبر بمذهبي، فلما جلس أصحابي قال لي: ياخراساني، والله لو علمت أنك على هذا المذهب ما حدثتك، اخرج عني. قال: فقلت في نفسي: صدق عبد الرزاق، لقيت وكيع بن الجراح، فقال: الإيمان قول وعمل، ولقيت سفيان بن عيينة، فقال: الإيمان قول وعمل، فرجعت عن مذهبي، وكتبت عنهما بعد رجوعي من اليمن. وقال عبد الرزاق: قال لي إبراهيم بن يحيى: إني أرى المعتزلة عندكم كثيراً. قال: قلت: نعم، وهم يزعمون أنك منهم، قال: أفلا تدخل معي هذا الحانوت حتى أكلمك؟ قلت: لا، قال: لم؟ قلت: لأن القلب ضعيف، وأن الدين ليس لمن غلب.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي قلت: عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط في التشيع، فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئاً، ولكن كان رجلاً تعجبه أخبار الناس، والإخبار عنه. وقال يحيى بن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، فقلت له: إن أستاذيك الذين أخذت عنهم ثقات كلهم أصحاب سنة: معمر، ومالك بن أنس، وابن جريج، وسفيان، والأوزاعي، فعمن أخذت هذه المذاهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً، حسن الهدي، فأخذت هذا عنه. وقال مخلد الشعيري: كنا عند عبد الرزاق، فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقذروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان " قال أبو الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي إزراء أن أحب علياً، ثم أخالف قوله. وقال ابن عدي: ولعبد الرزاق بن همام أصناف، وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأساً، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع. وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليه أحد من الثقات. وأما في باب الصدق فإني أرجو أنه لابأس به إلا أنه سيق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير. قال سلمة بن شبيب: أقمت على عبد الرزاق بصنعاء أربعين سنة "، فلما أردت الرجوع إلى نيسابور دنوت منه وهو خارج من منزله، فسلمت عليه، وقلت: كيف أصبح الشيخ؟ فقال: بخير منذ لم أر وجهك؛ ثم قال: لعن الله صنعة لا تروج إلا بعد ثمانين سنة.

عبد الرزاق أبو محمد

عبد الرزاق أبو محمد روى عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق المقرىء بسنده عن أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال كل يومٍ حين يصبح، وحين يمسي: لا إله إلا الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا وأمر الآخرة، صادقاً كان بها أو كاذباً ". عبد الرؤوف بن عثمان روى عن أخيه يزيد بن عثمان، عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو وهو ساجد ليلة النصف من شعبان يقول: " أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جل وجهك ". وقال: " أمرني جبريل أن أرددهن في سجودي، فتعلمتهن وعلمتهن ". عبد السلام بن أحمد بن سهيل بن مالك بن دينار أبو بكر البصري نزيل مصر. روى عن هشام بن عمار بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يا بن مسعود "، قلت: لبيك، ثلاثاً، قال: " أتدري أي عرى الإيمان أوثق؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله "، ثم قال: " يا بن مسعود "، قلت: لبيك يا رسول الله، ثلاثا "، قال: " أي المؤمنين أعلم؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " إذا اختلفوا - وشبك بين أصابعه -

عبد السلام بن أحمد بن محمد بن الحارث

أبصرهم بالحق، وإن كان في عمله تقصير، وإن كان يزحف زحفاً. ثم الق: " يا بن مسعود، هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث فرق؟ فرقة أقامت في الملوك والجبابرة، فدعت إلى دين عيسى بن مريم، فقاتلت حتى قتلت، فلحقت بالله، فنجت، ثم قامت فرقة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال، فقامت بالقسطاس في الملوك والجبابرة، فدعت إلى دين الله، ودين عيسى بن مريم، فأخذت، فقطعت بالمناشير، وحرقت بالنيران، فصبرت حتى لحقت بالله، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها بالقتال قوة، ولم تطق القيام بالقسط، فلحقت بالجبال، فتعبدت، وترهبت، وهم الذين ذكرهم الله - عز وجل - فقال: " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " إلى " وكثير منهم فاسقون "، وهم الذين لم يؤمنوا بي، ولم يصدقوني، فلم يرعوها حق رعايتها، وهم الذين فسقهم الله - عز وجل " مات عبد السلام بن أحمد، أبو بكر البصري سنة ثمان وتسعين ومائتين. عبد السلام بن أحمد بن محمد بن الحارث ويقال: ابن أبي الحارث أبو علي القرشي القزاز روى عن أحمد بن أصرم المغفلي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسو ل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصلاة نور المؤمن " وروى عن محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي بسنده عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء المغزل "

عبد السلام بن أحمد بن محمد

عبد السلام بن أحمد بن محمد أبو الفتح الفارسي روى عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطبيز بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة يكتب له بها حسنة "، ويمحى عنه بها خطيئة " عبد السلام بن إسماعيل بن زياد أبو الحسن العثماني الحداد روى عن عمر بن عبد الواحد بسنده عن ابن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، واعدد نفسك من أهل القبور " وعن أوس بن أوس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وغدا ابتكر، ومشى، ولم يركب، ثم دنا من الإمام فأنصت، ولم يلغ حتى ينصرف الإمام كلن له عمل سنةٍ، صيامها وقيامها " عبد السلام بن الحسن بن علي بن زرعة أبو أحمد الصوري، ويعرف بحمدان قال الحافظ: وكان مستوراً، ولم يكن الحديث من شأنه. سمعت منه.

عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام

روى عن نصر بن إبراهيم الزاهد بسنده عن علي بن أبي طالب قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين يعذبان، فقال: " إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لايستنزه عن بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ولد أبو أحمد بن زرعة سنة سبع وخمسين وأربعمائة بصور. ومات سنة تسع وخمسين وخمسمائة بدمشق. عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام ابن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم أبو محمد الشاعر، المعروف بديك الجن من أهل حمص، شاعر مطبوع. له شعر حسن. قدم دمشق، ومدح بها ابن المدبر. وكان جده تميم من أهل مؤتة، فأسلم على يد حبيب بن مسلمة الفهري. ويقال: إنه مولى لطيء روى عن دعبل بن علي الشاعر بسنده عن الطرماح بن عدي الشاعر قال: لقيت نابغة بني جعدة الشاعر، فقلت له: لقيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: من الطويل بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال: " إلى أين يا أبا ليلى؟ " قلت: إلى الجنة، يا رسول الله، قال: " إلى الجنة إن شاء الله "

وله من قصيدة أنشدها أحمد بن المدبر بدمشق: من البسيط إني امرؤ نازل في ذروتي شرفٍ ... لقيصر ولكسرى محتدي وأبي فإن تجد تجد النعمى وتحظ بها ... وإن تضق لا يضق في الأرض مضطربي حرف أمون ورأي غير مشتركٍ ... وصارم من سيوف الهند ذو شطب وخوض ليلٍ تهاب الجن بجته ... وينطوي جيشها عن جيشه اللجب لكن نوائب نابتني وحادثة ... والدهر يطرق بالأحداث والنوب وليس يعرف لي قدري ولاأدبي ... إلا امرؤ كان ذا قدرٍ وذا أدب قال أبو الحسن سعيد بن يزيد الحمصي: دخلت على ديك الجن، وكنت أختلف إليه، أكتب عنه شعره، فرأيته وقد شابت لحيته وحاجباه، وشعر يديه، وكانت عيناه خضراوان، ولذلك سمي ديك الجن، وقد صبغ لحيته وحاجبيه بالزنجار خضراً، وعليه ثياب خضر، وكان حسن الغناء بالطنبور، وبين يديه صينية الشراب، وهو يغني نفسه: من المنسرح أقصيتموني من بعد فرقتكم ... فخبروني علام إقصائي عذبني الله بالصدود، ولا ... فرج عني هموم بلوائي إن كنت أحببت حبكم أحدا ... أو كان ذاك الكلام من رائي فلا تصدوا فليس ذا حسنا ... أن تشتموا بالصدود أعدائي وقيل لأبي تمام: لو أنبهت ديك الجن مما هو فيه، ولك عشرة آلاف درهم. قال أبو تمام: فدخلت عليه وهو مطروح على حصير سكران، وغلام على رأسه يروحه، فلما رآني الغلام قال له: مولاي، أبو تمام! قال: ويلك! حبيب؟ قال: نعم. فقام، ولببني، قال: أتحسن تقول مثلي؟ وأنشد أبياتاً منها: من البسيط

أما ترى راهب الأسحار قد هتفا ... وحث تغريده لما علا الشعفا مشنف بعقيقٍ فوق مذبحه ... هل كنت في غير أذنٍ نعرف الشنفا هز اللواء على ماكان من سنةٍ ... فارتج ثم علا واهتز ثم هفا إذا استهل استهلت فوقه عصب ... كالحي صيح صباحاً فيه فاختلفا فلم أزل به حتى نومته وخرجت. فقيل لي: إنما قلنا لك أنبهه، ولم تقل لك نومه! قال: قلت لهم: دع ذا ينام، فإنه إن انتبه يحرمنا عشرة آلاف كبيرة!. وكان عبد السلام بن رغبان الملقب بديك الجن شاعراً أديباً ذا نغمة ٍ حسنةٍ، وكان له غلام كالشمس، وجارية كالقمر، وكان يهواهما جميعاً. فدخل يوماً منزله، فوجد الجارية معانقة للغلام تقله، فشد عليهما، فقتلهما، ثم جلس عند رأس الجارية، فبكاها طويلاً، ثم قال: من الكامل يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها ثم جلس عند رأس الغلام، فبكى، وأنشأ يقول: من الكامل قمر أنا استخرجته من دجنةٍ ... بمودتي وجنتيه من خدره فقتلته وله علي كرامة ... ملء الحشا، وله الفؤاد بأسره ولهذه الحكاية رواية أخرى ومما أنشده لنفسه: من الخفيف ياسمي المقتول بالطف خير الن ... اس طراً حاشى أبيه وجده عنفوني أن ذاب فيك فؤادي ... أوما ذاك من شقاوة جده

عبد السلام بن العباس

أنا أفدي من المكاره من دم ... عي عليه أرق من ورد خده وله أيضاً من أبيات: من الطويل أمالي على الشوق اللجوج معين ... إذا نزحت دار وخف قطين إذا ذكروا ذكر الشآم استعادني ... إلى من بأكناف الشآم حنين عبد السلام بن العباس ابن الوليد بن الزبير الحضرمي الحمصي روى عن عبد الرحمن بن أيوب السكوني الحمصي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " لو أذن الله في التجارة لأهل الجنة لاتجروا في البز والعطر عبد السلام بن عبد الرحمن أبو القاسم الحرداني روى عن شعيب بن شعيب بسنده عن أبي هريرة: عن هذه الآية: " وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف النبي في الصلاة توفي عبد السلام الحرداني سنة تسعين ومائتين

عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب

عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب أبو محمد الكلاعي روى عن أبيه بسنده عن سعد السكوني قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شرب مخمراً مسكراً مستحلاً له بعد تحريمه، لم يتب، ولم ينزع، فليس مني، ولا أنا منه يوم القيامة " وروى عن هشام ين عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " أربع لا يشبعن من أربعٍ: أرض من مطرٍ، وأنثى من ذكرٍ، وعين من نظر، وطالب علمٍ من علم " قال ابن عدي: لا يرويه عن هشام غير عبد الرحمن هذا، وهو بهذا الإسناد منكر، وعامة ما يرويه غير محفوظ. وروى عن ثور بن يزيد بسنده عن أبي أمامه الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تذهب الأيام والليالي حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، ويسمونها بغير اسمها " قالوا: عبد السلام بن عبد القدوس وأبوه ضعيفان.

عبد السلام بن عتيق بن حبيب بن أبي عتيق

عبد السلام بن عتيق بن حبيب بن أبي عتيق كانت داره بناحية باب السلام روى عن أبي مسهر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيكون بعدي خلفاء، يعملون يما يعلمون، ويفعلون مايؤمرون، وسيكون من يعدهم خلفاء يعملون يما لا يعلمون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برىء، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وتابع! " قال النسائي في أسماء شيوخه: عبد السلام بن عتيق، صالح. وقيد ابن ماكولا: عتيق: بفتح العين. وقال ابن زبر: وفيها - يعني سنة سبع وخمسين ومائتين - توفي أبو هشام عبد السلام بن عتيق عبد السلام بن محمد بن عبد الصمد بن لاوي أبو الحسن الطرابلسي، المعروف بالزرافي روى عن أبيه بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيدين: " سبح اسم ربك الأعلى " و" هل أتاك حديث الغاشية ".

عبد السلام بن محمد بن أبي موسى

عبد السلام بن محمد بن أبي موسى أبو القاسم البغدادي المخرمي الصوفي سكن مكة. وكان شيخ الحرم في وقته في التصوف. وكان ثقة. روى عن أحمد بن عمير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، ثم يسجد سجدني السهو " وروى عن محمد بن زيان بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحمى من فيح الجهنم، فأطفئوها بالماء ". قال الخطيب: عبد السلام بن محمد، أبو القاسم المخرمي البغدادي. جمع بين علم الشريعة، وعلم الحقيقة، والفتوة، وحسن الخلق، وأقام بمكة سنين، وبها مات سنة أربع وستين وثلاثمائة. عبد السلام بن محمد بن محمد بن يوسف أبو يوسف القزويني المتكلم على مذهب المعتزلة مصنف مشهور. سكن أطرابلس مدة، ثم عاد إلى بغداد وسكنها إلى أن توفي بها. روى عن القاضي أبي عبد الله المحاملي بسنده عن هشام بن عامر قال: شكونا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرح يوم أحد، فقلنا: كيف تأمرنا بقتلانا؟ قال: "

عبد السلام بن محمد

احفروا، ووسعوا، وعمقوا، وادفنوا في القبر الاثنين والثلاثة، وقدموا أكثرهم قرآناً " وروى عن عبد الجبار بن أحمد بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " ليؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء " فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في العلم في السنة سواء فأقدمهم هجرة "، فإن كانوا في الهجرة سواء " فأكبرهم سناً. ولا يؤم رجلاً في بيته، ولافي سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه " صنف أبو يوسف القزويني في تفسير القرآن في ثلاثمائة ونيفٍ مجلداً، وقال: من يقرؤه على وهبت له النسخة، فلم يقرأه عليه أحد. ولد القاضي أبو يوسف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ومات في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. عبد السلام بن محمد أبو بكر العقيلي روى عن أبي الحسن بن جوصا بسنده عن أبي هريرة قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر، ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد. عبد السلام بن مسلم والمعروف أنه عبد الله بن مسلم روى عن وهب بن وهب بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وصلوا على من قال: لا إله إلا الله "

عبد السلام بن مكلبة الثعلبي البيروتي

عبد السلام بن مكلبة الثعلبي البيروتي سأل الأوزاعي عن رجل أرسل كليه في الحل على صيدٍ، فدخل الحرم، فطلبه الكلب في الحرم حتى أخرجه إلى الحل، فقتله، فقال: ما عندي فيها جواب، ولاسمعت فيها بشيء، قلت: فأجبني برأيك، قال: إني أكره التكلف، فألححت عليه، فقال: ما أحب أن يأكله، ولا أوجب عليه أن يديه. وحين رزقه الله الحج أتى ابن جريج، فسأله عنها، فقال له: إن ابن عباس سئل عنها، فقال: ما أحب أن يأكله، ولا أوجب عليه أن يديه. وحين رزقه الله الحج أتى ابن جريج، فسأله عنها، فقال له: إن ابن عباس سئل عنها، فقال: ما أحب له أن يأكله، ولا أرى أن يديه. وكان عبد السلام من أعلم الناس بالأوزاعي وبحديثه وفتياه. عبد الصمد بن أحمد بن خنبش ابن القاسم بن عبد الملك بن سليمان بن عبد الملك بن حفص بن سليمان أبو الفتح الخولاني الحمصي روى عن خيثمة بن سليمان بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه " ولد أبو الفتح الخولاني بحمص في سنة ثمان عشرة وثلاثمائة. وسمع منه ثلاث وثمانين وثلاثمائة. ومما أنشده لنفسه: من البسيط الجسم بعدك ماينفك من سقم ... والعين مذ غبت لم ترقد ولم تنم ووجبة البين تغشاني وتطرقني ... حتى يقال به ضرب من اللمم ياقرة العين ماقرت دموعي مذ ... سار المطي بكم من داره العلم

عبد الصمد بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن يعقوب

ولاحضرت سرورا " في مغيبكم ... إلا شرقت بطيب الريق الشبم ولادعيت إلى راح لأشربها ... إلا توهمتها ممزوجة " بدم أسائل الركب عن أخبار عيركم ... خوف الظنون وإشفاقاً من التهم قال الخطيب: عبد الصمد بن أحمد بن خنبش أبو القاسم الخولاني الحمصي. ورد بغداد، وأقام بها مدة طويلة. وقال عبد الغني: خنبش - بالنون وبالباء معجمة بواحدة وبالشين المعجمة عبد الصمد بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن يعقوب أبو القاسم الكندي القاضي قاضي حمص. قدم دمشق قديماً. روى عن سليمان بن أيوب البهراني بسنده عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية " وروى عن العباس بن السندي بسنده عن سعد بن محيصة أفسدت ناقة للبراء بن عازبٍ في حائط قومٍ، فرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى بحفظ المائية على أهلها بالليل، وحفظ الحوائط على أهلها بالنهار. توفي عبد الصمد الحمصي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.

عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد

عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد المعروف بابن أبي يزيد، ابن أخي يزيد بن عبد الصمد، أبو محمد القرشي قاضي دمشق. روى عن محمود بن خالد بن يزيد السلمي بسنده عن ابن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كن كأنك غريب في الدنيا، أو عابر سبيل، واعدد نفسك من أهل القبور ". ثم قال ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك، قبل موتك؛ فإنك لا تدري ما اسمك غداً. " مات عبد الصمد بن أبي يزيد سنة خمس وثلاثمائة أو سنة ست وثلاثمائة. عبد الصمد بن عبد الأعلى ويقال: أبي العلاء السلامي روى عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لدرهم أعطيه في غفلٍ أحب إلي من خمسةٍ في غيره " قال البخاري: سمع عبد الصمد، عن ابن عمر أنه غسل الإناء إذا أنبذ له لكي لايضر قال أبو حاتم: شيخ مجهول

عبد الصمد بن عبد الأعلى بن أبي عمرة

عبد الصمد بن عبد الأعلى بن أبي عمرة أبو وهب ويقال: أبو بكر الشيباني مؤدب الوليد بن يزيد. شارع، كان يتهم بالزندقة روى عن محمد بن جرير الطبري قال: ظهر من الوليد بن يزيد مجون وشراب الشراب حمله على ذلك عبد الصمد بن عبد الأعلى الشيباني، وكان مؤدب الوليد. فكان هشام يعيب الوليد، ويتنقصه، وكثر عبثه به وبأصحابه، وقصر به، فلما رأى ذلك الوليد خرج، وأخرج معه عبد الصمد بن عبد الأعلى، فشربوا يوماً، فلما أخذ فيهم الشراب قال الوليد لعبد الصمد: يا أبا وهب، قل أبياتاً، فقال: من المتقارب ألمن تر للنجم شيعا ... يبادر في برجه المرجعا تحيز من قصد مجراته ... أتى الغور والتمس المطلعا فقلت وأعجبني شأنه ... وقد لاح إذ لاح لي مطمعا لعل الوليد دنا ملكه ... فأمسى إليه قد استجمعا فروي الشعر، وبلغ هشاماً، فقطع عن الوليد ماكان يجري عليه. وكتب إلى الوليد أن يخرجه، فأخرجه وكتب إلى هشام يعلمه بإخراجه، ويعتذر إليه مما بلغه من منادمته. عبد الصمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر بن خالد أبو الحسين الدولابي روى عن أبي عمر بن فضالة بسنده عن أنس قال: عطس رجلان عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له: يا

عبد الصمد بن علي بن عبد الله

رسول الله، عطس رجلان، فشمت أحدهما، ولم تشمت الآخر، فقال: " هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله " وفي رواية: " إن هذا حمد الله - عز وجل - فشمته، وإن هذا لم يحمد الله، فلم أشمته " عبد الصمد بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو محمد الهاشمي ولد بالحميمة، ثم شهد حصار دمشق مع أخويه صالح وعبد الله ابني علي. وولي دمشق. وولي الموسم، وإمرة المدينة. ثم ولي إمرة البصرة للمنصور، ثم وليها للرشيد. روى عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس قال: لما نزلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن تبدو مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " شق ذلك على أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزلت: " فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء "، فسري بذلك عنهم. وروى عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا الشهود؛ فإن الله يستخرج بهم الحقوق، ويدفع بهم الظلم " وروى - في حديث طويل - أن المنصور قال له: ياعم حدث ولدك، وإخوتك، وبني أخيك حديث البر والصلة. فقال:

حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العابس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن البر والصلة ليطيلان الأعمار، ويعمران الديار، ويكثران الأموال، ولو كان القوم فجارا ". ثم قال: يا عم، الحديث الآخر، فقال عبد الصمد بن علي: حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ". ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم، ويخافون سوء الحساب " فقال المنصور: يا عم، الحديث الآخر، فقال عبد الصمد بن علي: حدثني عن جدي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان من بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين، وكان أحدهما باراً برحمه، عادلاً على رعيته، وكان الآخر عاقاً برحمه، جائراً على رعيته. وكان في عصرهما نبي، فأوحى الله إلى ذلك النبي أنه بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين، وبقي من عمر هذا العاق ثلاثون سنة ". قال: فأخبر ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رعية هذا، ورعية هذا. قال: فأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية الجائر. قال: ففرقوا بين الأطفال والأمهات، وتركوا الطعام والشراب، وخرجوا إلى الصحراء، يدعون الله - عز وجل - أن يمتعهم بالعادل، ويزيل عنهم أمرالجائر. فأقاموا ثلاثاً، فأوحى الله - عز وجل - إلى ذلك النبي أن أخبر عبادي أني قد رحمتهم، وأجبت دعاءهم، فجعلت ما بقي من عمر هذا البار لذلك الجائر، وما بقي من عمر الجائر لهذا البار. قال: فرجعوا إلى بيوتهم. ومات العاق لتمام ثلاث سنين، وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة " ثم تلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما يعمر من

معمرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ. إن ذلك على الله يسير " ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد، فقال: يا أبا عبد الله، حدث أخوتك، وبني عملك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من ملك يصل رحمه، وذوي قرابته، ويعدل على رعيته إلا شد الله له ملكه، وأجزل له ثوابه، وأكرم مآبه، وخفف حسابه " ولد عبد الصمد بالشراة، وهو لأم ولد، أمه كثيرة التي كان عبيد الله بن قيس الرقيات يشبب بها في شعره ويقول: من المنسرح عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب قال الزبير: وعبد الصمد بن علي، وإسماعيل بن محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، وعبيد الله بن عروة بن الزبير ورثوا آخر من بقي من عبد بن قصي بالقعدد قال المدائني: كان أول من هاج الحرب بالشام في أيام أبي الهيذام المري، والأمير يومئذ على دمشق عبد الصمد بن علي. وقال الخطبي: وكان عبد الله بن علي حين بويع له بالشام في سنة سبع وثلاثين ومائة عقد العهد من بعده لأخيه عبد لصمد بن علي - وكان خرج مع أخيه عبد الله خالف على المنصور - فلما انقضى أمر عبد الله حمل عبد الصمد إلى المنصور أسيراً، فعفى عنه، وأطلقه.

وولي مكة والمدينة للمنصور، وولي الجزيرة للمهدي، وولي البصرة للرشيد. وكان الرشيد حبسه ثم أطلقه. وحج بالناس سنة خمسين ومائة، وسنة خمس وخمسين ومائة، وسنة إحدى وسبعين ومائة وإليه ينسب شارع عبد الصمد بالجانب الشرقي من بغداد. وكانت فيه خلال؛ منها: انه ولد سنة أربع ومائة، وتوفي سنة خمس وثمانين، وولد أخوه محمد سنة ستين. فكان بينه وبين أخيه في المولد أربع وأربعون سنة. وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثمانين، فكان بينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة. وحج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة، وهما في النسب إلى عبد مناف سواء. وولد عبد الله بن الحارث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو وعبد الصمد في النسب إلى عبد مناف سواء. وأدرك أبا العباس وهو ابن أخيه، ثم أدرك أبا جعفر، ثم أدرك المهدي، وهو عم أبيه، ثم أدرك الهادي، وهو عم جده، ثم أدرك الرشيد. وكانت أسنانه قبل أن يثغر قطعة واحدة من فوق، وقطعة من أسفل، ومات بأسنانه التي ولد بها. وكانت قدمه ذراعاً بالأسود. واستخرج عمه حمزة في عام الجرفة - وكان يلي المدينة - استخرجه من قبره كهيئته، وعليه النمرة التي كفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها، والإذخر على قدميه. ومات، وليس على الأرض عباسية إلا وهو محرم بها. وهو أعرق الناس في العمى: هو أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى. وكان عمي بريشةٍ، وذلك أنه طرح في بيت فيه ريش، فطارت ريشة، فسقطت في عينه، فذهبت.

عبد الصمد بن محمد بن عبد الله بن حيويه

وحكى ابن أخت سفيان الثوري قال: مرض خالي سفيان، فعاده عبد الصمد بن علي، وكان سيد بني هاشم، فقال لنا سفيان: لا تأذنوا له؟ فقلنا: ويمكن ذلك؟ فحول وجهه إلى الحائط، ودخل عبد الصمد، فسلم، فلم يرد السلام، فجلس عبد الصمد ملياً، فقال: أحسب أن أبا عبد الله نائم، فقال سفيان: لست بنائم، فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله، لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لاتعود إلي ثانية، ولاتشهد جنازتي، ولا تترجم علي إذا ذكرت عندك. قال: فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت ألا أخرج إلا ورأسه معي؟ وكان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي، فأعداه عليه، فأبى عبد الصمد، وقام، فلما خرج قال: والله لقد هممت ألا أخرج إلا ورأسه معي. وكان عمر بن حبيب على قضاء الرصافة لهارون الرشيد، فاستعدى إليه رجل على عبد الصمد بن علي، فأعداه عليه، فأبى عبد الصمد أن يحضر مجلس الحكم، فختم عمر بن حبيب قمطره، وقعد في بيته، فرفع ذلك إلى هارون، فأرسل إليه، فقال: ما منعك أن تجلس للقضاء؟ فقال: أعدي على رجل فلم يحضر مجلسي، قال: ومن هو؟ قال: عبد الصمد بن علي. فقال هارون: والله لا يأتي مجلسك إلا حافياً. وتوجه الحكم على عبد الصمد، فحكم عليه، وسجل به. مات عبد الصمد بن علي ببغداد في سنة خمس وثمانين ومائة، ودفن في مقابر باب البردان. وكان عظيم الخلق. عبد الصمد بن محمد بن عبد الله بن حيويه أبو محمد - ويقال: أبو القاسم - البخاري الحافظ حدث عن أبي نصر محمد بن محمد بن حاتم السجستاني بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بلالاً يؤذن بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم ". وإنما كان بينهما قدر ما ينزل هذا، ويرتقي هذا. "

وروى عن الهيثم بن كليب الشاشي بسنده عن الحسن قال: قدم ابن أبي طالب - يعني عقيلاً - البصرة، فتزوج امرأة "، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا ذلك؛ فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا عن ذلك، وأمرنا أن تقول: " بارك الله لك، وبارك عليك " قال أبو القاسم بن أبي العقب: عبد الصمد بن محمد البخاري من أصحاب الحديث، قدم علينا في حديث فيه لقمان بن عاصم أنه الفلتان بن عاصم، وذكر لي أنه مسموع معه من " تاريخ العسال " وقال عبد الصمد: سمعت أبا بكر بن حرب - شيخ أهل الرأي في بلدنا - يقول: كثيراً ما أرى أصحابنا في مدينتنا هذه يظلمون أهل الحديث؛ كنت عند حاتم العتكي، فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأي، فقال: أنت الذي تروي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في ذلك - يعني قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " - فقال له: كذبت، إن فاتحة الكتاب لم تكن في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إنما نزلت في عهد عمر بن الخطاب. قال أبو عبد الله الحافظ: عبد الصمد بن محمد بن حيويه البخاري، أبو محمد الأديب الحافظ النحوي. وكان من أعيان الرحالة في طلب الحديث. قدم علينا نيسابور سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وأقام عندنا إلى سنة سبع، ثم خرج إلى العراق، ودخل الشام ومصر، وجمع الحديث الكثير، وانصرف إلى بغداد سنة أربعين، ودخلتها، وهو بها سنة إحدى وأربعين. وكان جمع علي " صحيح البخاري " وجوده. ثم اجتمعنا بعد ذلك بنيسابور، ثم كتبنا عنه ببخارى سنة خمس - أو ست - وخمسين. وكان قلما يفارقنا سنين. وتوفي - رحمه الله - ببخارى في شهر رمضان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

عبد الصمد بن هشام بن الغاز الجرشي

وقال غنجار: إنه توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة بالدينور. وقال أبو نصر الحافظ: حيويه: بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها. عبد الصمد بن هشام بن الغاز الجرشي وجد في كتاب أبيه: هذه أول حكمة فارس: أدنى عمل خير من الفراغ، والفراغ خير من عمل السوء، عدو حكيم خير من صديق أحمق، والوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، ما يفعل الحكيم بعدوه ما يفعل الأحمق بنفسه. عبد العزيز بن أحمد بن علي بن حمدان أبو القاسم اللخمي المقرىء الخفاف حدث عن أبي سليمان بن زبر بسنده عن أبي تحيى قال: سمعت علياً يحلف لأنزل الله - عز وجل - اسم أبي بكر صديقاً وعن أبي سليمان بن زبر بسنده عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً توفي عبد العزيز بن أحمد اللخمي الإسكاف سنة خمس وعشرين وأربعمائة.

عبد العزيز بن أحمد بن محمد

عبد العزيز بن أحمد بن محمد ابن علي بن سلمان بن إبراهيم بن عبد العزيز أبو محمد التميمي الكتاني الصوفي الحافظ سمع الكثير، وكتب الكثير، ورحل في طلب الحديث روى عن أبي القاسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء، وعن هبته وسمع عبد الوهاب بن جعفر بسنده عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذه الآية نزلت في القدرية: " إن المجرمين في ضلال وسعر " ولد عبد العزيز الكتاني سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وبدأ بسماع الحديث سنة سبع وأربعمائة، كان ثقة أميناً، كتب عنه شيوخه وسمعوا منه. توفي سنة ست وستين وأربعمائة. عبد العزيز بن إسحاق العسقلاني روى عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أئتوا المساجد حسراً ومقنعين؛ فإن ذلك من سيماء المسلمين "

عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر

عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر روى عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لتنقضن عرى الإسلام عروة " عروة "، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة ". وروي عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير قال: يقول الله - عز وجل -: ألا إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وإن كان مكافىء قرناءه. وفي رواية عن عمارة بن زعكرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ".... وهو ملاق قرنه " وروى عن أبيه أنه كان فيما يمجد به نواح بني إسرائيل: سبحانك إلهي، أنت بديع، كرسيك كرسي الكرامة، عرشك عرش المهابة الذي هو على رقاب الكروبيين، يسبحون بحمدك، ويقدسون باسمك، ويرهبون من جلال، فأنت الله يحمل من حمل عرشك. وعبد العزيز بن إسماعيل هذا أخو مروان، وعبد الغفار، ويحيى، وعبد الحكيم. قال أبو حاتم: ليس به بأس.

عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي

عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز، وأذربيجان، وغزا الترك. ووفد على عمر بن عبد العزيز. وكان سيداً في الجزيرة، وكذلك كان أبوه حاتم بن النعمان. ومات بأرمينية. عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو الأصبغ القرشي الأموي كان وجيهاً عند يزيد بن الوليد الناقص لقيامه معه في محاربة الوليد بن يزيد، وهو الذي تولى قتال الوليد حتى قتل. وجعله يزيد بن الوليد ولي عهده بعد أخيه إبراهيم بن الوليد. وكان يقول بالقدر. وتزوج عبد العزيز هذا أم سلمة بنت هشام بن عبد الملك. وكان أخاً أبي العباس السفاح لأمه؛ أمهما ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله الحارثي. وحين غلب مروان بن محمد على دمشق وذلك في سنة سبع وعشرين توجه عبد العزيز بن الحجاج إلى داره ليخرج عياله، فثار به أهل دمشق، فقتلوه، واحترزوا رأسه، فأتوا به أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان محبوساً مع يوسف بن عمر وأصحابه، فأخرجوه، فوضعوه على المنبر في قيوده، ورأس عبد العزيز بين يديه، وحلوا قيوده وهو على المنبر، فخطبهم، وبايع لمروان، وشتم يزيد وإبراهيم ابني الوليد وأشياعهم، وأمر بجسد عبد العزيز فصلب على باب الجابية منكوساً، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد.

عبد العزيز بن الحسن بن علي بن أبي صابر

عبد العزيز بن الحسن بن علي بن أبي صابر أبو محمد البغدادي الصيرفي الجهبذ الدلال روى عن العباس بن أحمد بن محمد البرتي بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى، فأرصد الله - عزوجل - وفي رواية: له - على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أردت أخاً لي في هذا القرية، فقال: هل له عليك من نعمةٍ تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله - عز وجل - قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " توفي عبد العزيز بن أبي صابر الجهبذ سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وكان ثقة. عبد العزيز بن الحسين بن أحمد أبو محمد دلال البز. والد بركات بن عبد العزيز سمع محمد بن علي بن يحيى المازني بسنده عن عبد الله، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أول من سيب السوائب أبو خزاعة بن عامر، وإني رأيته في النار يجر أمعاءه فيها ". توفي عبد العزيز بن الحسين بن أحمد سنة خمس وتسعين وأربعمائة بدمشق. وكان ثقة.

عبد العزيز بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد

عبد العزيز بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد أبو الفضل الرازي بن أخي أبي سعد السمان حدث عن عبد الجبار بن أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله: أن أمرأة من الأنصار صنعت شاة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعته في نفر من أصحابه، وفرشت لهم صوراً، ثم أتتهم بطعامٍ، فأكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكلنا معه، فدعا بماءٍ، فتوضأ، ثم صلى بنا الظهر، ثم أتي بفضول طعامهم، فأكلوا، ثم قام، فصلى بنا العصر، ولم يتوضأ. عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان أبو سهل - ويقال: أبو الأصبغ - الخراساني ثم المروزي روى عن ثابت البناني، عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل، عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند وفاته، فجعل سكرة الموت تذهب به الطويل ثم سمعته يهمس يقول: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ثم يغلب عليه، ثم يعود، فيقول مثلها، ثم قال: أوصيكم بالصلاة، أوصيكم بما ملكت أيمانكم " ثم قضي عندها. وروي عن الزهري بسنده عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قائم على المنبر يقول: " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل "

وعن أبي الزبير، عن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على النجاشي، وكنت أنا في الصف الثاني، فكبر عليه أربعاً - وليست " عليه " في رواية. قال البخاري: عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ليس بالقوي، سكتوا عنه. وقال مسلم: ذاهب الحديث وقال يحيى بن معين: خراساني ضعيف الحديث، ليس بشيء، لايسوى حديثه فلساً قال ابن المديني: بلاء من البلاء، وضعفه جداً. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بقوي، منكر الحديث، ضعيف الحديث، وسألت أبا زرعة، فقال: لا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث وقال أبو أحمد بن عدي: والضعف على رواياته بين. وقد روى عن الزهري أحاديث مشاهير، وأحاديث مناكير.

عبد العزيز بن حيان بن صابر بن حريث

عبد العزيز بن حيان بن صابر بن حريث أبو القاسم الأزدي المعولي الموصلي روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في جهنم رحى تطحن علماء السوء طحناً " وروى بسنده عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الاستجمار وتر، ورمي الجمار وتر، والسعي بين الصفاوالمروة وتر " قال أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي في كتاب: " طبقات محدثي أهل الموصل ": عبد العزيز بن حيان بن جابر بن حريث المعولي، ومعولة من الأزد، كان فيه فضل وصلاح. وطلب الحديث، ورحل فيه، وأكثر الكتاب. حدث الناس دهراً طويلاً، وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين. عبد العزيز بن خلف بن محمد بن المكتفي أبو الأصبغ، ويقال: أبو محمد الأندلس المعافري قد م دمشق سنة اثنتين وخمسمائة، وحدث بها بكتاب الموطأ. وسئل عن مولده فقال: في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. روى بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أتى الجمعة فليغتسل "

عبد العزيز بن زرارة بن جزء

عبد العزيز بن زرارة بن جزء ابن عمرو بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كطلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر الكلابي وفد على معاوية، وطال مكثه على بابه، ولما وصل إليه قال له: يا أمير المؤمنين، لم أزل أستدل بالمعروف عليك، وأمتطي النهار إليك، حتى إذا جاء الليل أقام بدني، وسافر أملي، والاجتهاد عذر، وإذا بلغت فقط ومن شعره في ذلك: من الوافر دخلت على معاوية بن حربٍ ... وذلك إذ أيست من الدخول وما نلت الدخول إليه حتى ... حللت محلة الرجل الذليل ومن شعره: من الوافر ومالب اللبيب بغير حظ ... بأنفع في المعيشة من فتيل رأيت الحظ يستر عيب قومٍ ... وهيهات الحظوظ من العقول كان عبد العزيز بن زرارة الكلابي رجلاً شريفاً ذا مالٍ كثيرٍ، وإنه أشرف عشية فواجهه مال كثير، فما أدرك بصره من ذلك الكال شيئاً إلا وفيه عانة قائمة على ولدها؛ إما فرس، وإما ناقة، وإما وليدة، وإما نعجة، وإما عنز. فقال عبد العزيز لغلامٍ له: لمن هذا المال؟ قال: لآل زرارة، فقال عبد العزيز: إني لأرى مالاً إن له انصراماً، اللهم أحسنت زراعة آل فأحسن صرامهم، اللهم إن عبد العزيز يشهدك أن قد حبس ماله ونفسه وأهله في سبيل الله.

عبد العزيز بن سعيد

ثم أتى أباه، فقال: يا أبه، ما ترى في رأي أرتأيته؟ قال: تطاع فيه، وتنعم عيناً، قال: فإني قد حبست نفسي، وأهلي، ومالي في سبيل الله، قال: فارتحل، يا عبد العزيز على بركة الله. قال: فأصبح على ظهرٍ يصلح من أمره، فلما وجه ذلك السوام، أقبل على أهله يقود جمله، حتى وقف عليهم فقال: إن لي فيكم قرائب، فلا تزوجوهن إلا رجلاً يرضينه. وذكر القطر بلي أنه استشهد في غزوة يزيد القسطنطينة سنة وخمسين. عبد العزيز بن سعيد أبو الأصبغ الهاشمي روى بسنده عن أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتجم ثلاثاً، ثنتان في الأخدعين وواحدة على الكاهل. عبد العزيز بن سليمان بن أبي السائب القرشي أخو الوليد بن سليمان وعم عبد العزيز بن الوليد، عبيد. من أصحاب مكحول، وعمربن عبد العزيز. وبنو أبي السائب أهل بيت من أهل دمشق، أهل علم، وفضل، وخير. عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة أبو محمد السعدي الأندلسي الشاطبي قدم دمشق طالب علمٍ، ورحل إلى العراق. وصنف غريب حديث أبي عبيد القاسم بن سلام على حروف المعجم، وجعله أبواباً

عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد

روى عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: توفي عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة سنة خمس وستين وأربعمائة في حوران عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المكي ولي مكة لسليمان بن عبد الملك. وقيل: إنه وليها أيضاً لعبد الملك وكان جواداً ممدحاً. وتوفي برصافة هشام. والأظهر أنه دخل دمشق. وقد كان لأخيه خالد بن عبد الله بها دار. روى عن رجل ٍ من خزاعة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الجعرانة ليلاً، فاعتمر، ثم رجع، فأصبح بها كبائتٍ فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وروى عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عرفة: اليوم الذي يعرف فيه الناس " وقال الزبير بن بكار في تسمية من ولد عبد الله بن خالد بن أسيد: وعبد العزيز وعبد الملك ابني عبد الله. وأمهما أم حبيب بنت جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل. وأخوهما لأمهما: عبد الله بن سعيد بن العاص. استعمل عبد الملك بن

مروان عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد على مكة. وله يقول أبو صخر الهذلي: من البسيط ياأم حسان إني والسرى تعب ... جبت البلاد بلا سمت ولاهادي إلا قلائص لم تطرح أزمتها ... حتى ونين ومل العقبة الحادي والمرسمون إلى عبد العزيز بها ... معاً وشتى ومن شفعٍ وإفراد كان من حل أعياص دوحته ... إذا تولج في أعياص آساد ومات عبد العزيز برصافة هشام، فرثاه أبو صخر الهذلي، فقال: من الطويل إن تمس رمساً بالرصافة ثاوياً ... فما مات يابن أيامك الزهر وذي ورقٍ من فضل مالك ماله ... وذي حاجة قد رشت ليس له وفر حج عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد بالناس ثمان وتسعين، وهو يومئذٍ أمير مكة - يعني في ولاية سليمان بن عبد الملك. وحج سنة إحدى ومائة - يعني في أيام يويد بن عبد الملك.

عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب

عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح القرشي العدوي المدني وفد على هشام بن عبد الملك في شأن صدقة جديه: عمر وابن عمر رضي الله عنهما. وعنه أنه قال: استأدى على مولى لي جرحته، يقال له: سلام البربري إلى ابن حزم. فقال: جرحته؟ فقلت: نعم، فقال: سمعت عمرة تقول: قالت عائشة: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم ". قال: فخلي سبيله، ولم يعاقبه - وزاد في رواية: وقد أقلناك. وروى عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حج عن والديه بعد وفاتهما كتب الله له عتقاً من النار، وكان للمحجوج عنهما أجر حجة تامةٍ من غير أن ينتقص من أجورهما شيء " وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مشى عن راحلته بأفضل من حجةٍ يدخلها عليه بعد موته في قبره " وعن الزبير بن بكار: حدثني مصعب بن عثمان قال: اختصم آل عمر بن الخطاب في ولاية صدقة عمر وعبد الله بن عمر، فخرجت معهم

في جماعة إلى هشام بن عبد الملك، فيهم: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر، فأعجب هشاماً جمال عبد العزيز، وبيانه، فقال له: لمن تطلب ولاية الصدقتين؟ قال: لأخي عبد الحميد بن عبد الله، وكلني بذلك، قال: ماأسأل عن عبد الحميد بعد أن كنت أنت وكيله. قال الزبير: وكان عبد العزيز بن عبد الله مع نباهته بارع الجمال. وقال ابن سعد: وأمه: أم عبد الله بنت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل. فولد عبد العزيز بن عبد الله: عمر بن عبد العزيز، وأمه: كيسة بنت عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب، وعبد الله بن عبد العزيز، وهو العابد، وأمه: أمة الحميد بنت عبد الله بن عياض بن عمرو بن بليل بن بلال بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة. وكان آل عبد الله بن عبد الله إذا خاصمهم أحد من بني عمهم في ولاية الصدقة يهرعون بعبد العزيز، ويقولون: نبايض بعبد العزيز عذائمنا - أي نفاخر به في أيامه البيض وأخباره البيض. وكان عبد العزيز ممن أسر مع محمد بن عبد الله بن الحسن، فلما قتل محمد حمل عبد العزيز إلى أمير المؤمنين المنصور في حديد، فلما أدخل عليه قال: ما رضيت أن خرجت علي حتى خرجت معك أسياف من ولدك؟! فقال: أفعل، فعفا عنه، فقال له عبد الله بن الربيع المدائني " يا أمير المؤمنين، اضرب عنقه، لا يطمع فيك فتيان قريش، فقال له أمير المؤمنين المنصور: إذا قتلت هؤلاء، فعلى من أحب أن أتأمر؟

عبد العزيز بن عبد الحميد اللخمي الداراني

عبد العزيز بن عبد الحميد اللخمي الداراني روى عن الأوزاعي بسنده عن أبي موسى قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل في صورة أعرابي، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرفه، فقال: يا محمد، ما الإيمان؟ قال: " تؤمن - وفي رواية: أن تؤمن - بالله واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره ". قال: إذا فعلت هذا - وفي رواية: ذلك - فأنا مؤمن؟ قال: " نعم "، قال: صدقت. قال: فما الإسلام؟ قال: " تشهد أن - وفي رواية: شهادة أن - لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم شهر رمضان ". قال: صدقت - وزاد في رواية: قال: فما الإحسان؟ قال: " تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تره فإنه يراك ". قال: صدقت - قال: فالتفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلب الرجل، فلم يقدر عليه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل، جاءكم يعلمكم دينكم - وفي رواية: قال: قال: ثم انصرف، ثم طلبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يقدر عليه. قال: ثم قال: " هذا جبريل يعلمكم أم دينكم " عبد العزيز بن عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن - وقيل: أبو القاسم القزويني الفقيه الشافعي روى عن أبيه بسنده عن عائشة قالت: مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، بين ليلتي ويومي، بين سحري ونحري، وخلطت ريقي بريقه. قيل: يا أم المؤمنين، كيف خلطت ريقك بريقه؟ قالت: دخل

عبد العزيز بن عبد الرحيم بن محمد بن علي

عبد الرحمن وبيده سواك، فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمت أنه قد اشتهاه، فأخذت لسواك، فكسرته، ثم مضغته، ثم ناولته النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتاق به. ولد عبد العزيز بن عبد الرحمن سنة تسعٍ وسبعين وثلاثمائة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. قال غيث بن علي: طاف البلاد حتى سمع، وطاف حتى سمع منه. وما علمت من حاله إلا خيراً. عبد العزيز بن عبد الرحيم بن محمد بن علي أبو القاسم الأنصاري الداراني المؤذن روى عن عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الصمد بسنده عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: أتى العباس وعلي أبا بكر لما استخلف؛ فجاء علي يطلب نصيب فاطمة، وجاء العباس يطلب عصبته مما كان في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان في يده نصف خيبر، ثمانية عشر سهماً - وكانت ستة وثلاثين سهماً - وأرض بني قريظة، وفدك، فقالا: ادفعها إلينا، فإنها كانت في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهما أبو بكر لا أرى ذلك، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إنا - معاشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا فهو صدقة ". فقام قوم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشهدوا بذلك. قالا: فدعها تكون في أيدينا، تجري على ما كنت في يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: لا أرى ذلك، أنا الوالي من بعده، وأنا أحق بذلك منكما أضعها في موضعها الذي كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضعها فيه. فأبى أن يدفع إليهما شيئاً. فلما ولي عمر أتياه: قال: فإني لعند عمر، وقد أتاه مال، قال: فقال: خذ هذا المال، فاقسمه في قومك بني فلان. إذا جاء الآذن، فقال: بالباب أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ائذن، فدخلوا قال: ثم أتاه، فقال: علي والعباس بالباب، قال: ائذن لهما، فدخلا، فقال عمر: ما جاء بكما إلي؟ قد طلبتماه من أبي بكر، فأبى أن يدفعه إليكما. قال: فترددوا عليه فيها. فلما رأى ذلك قال: أدفعها إليكما على أن آخذ

عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر

عليكما عهد الله وميثاقه أن تعملا فيها كما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخذاها، فأعطاهما، فقبضاها، ثم مكثا ما شاء الله. ثم إنهما اختصما فيما بينهما فيها. قال: فجاءا إلى عمر، وعنده أناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاختصما بين يديه، فقالا ما شاء الله أن يقولا. فقال بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح كل واحد منهما من صاحبه، فقال: والله لا أقضي فيها أبداً إلا قضاء " قد قضيته، فإن عجزتما عنها فرداها إلي كما دفعتها إليكما. فقاما من عنده. فلما ولي عثمان أتياه فيها، وأنا عنده، فقال: أنا أولى، وأنا أحق بها منكما جميعاً. فلما سمع ابن عباس قوله أخذ بيد أبيه، فقال: قم هاهنا، فقال: أين تقيمني؟ قال: بلى، قم أكلمك، فإن قبلت وإلا رجعت إلى مكانك. فقال معه، فقال له: دعها تكون في يد ابن أخيك، فهو خير لك من أن تكون في بعض بني أمية. فخلاها العباس، ودفعها إلى عليٍ، فلم تزل في يد ولده حتى انتهت إلى عبد الله.؟ عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر أبو الأصبغ الأموي الأندلسي روى سليمان بن أحمد بن يحيى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل بني أبٍ عصبة ينتمون إليها، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم، وأنا عصبتهم، وهم عترتي، خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله. قال أبو عبد الله الحافظ: عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر الأموي، أحد المذكورين في الدنيا. من الرحالة في طلب الحديث. ولد بقرطبة، وتوفي ببخارى سنة خمسٍ وستين وثلاثمائة

عبد العزيز بن عثمان بن محمد

عبد العزيز بن عثمان بن محمد أبو القاسم القرقساني الصوفي روى عن إسحاق بن صالح التنوخي بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله - عز وجل " وروى عن أبي بكر أحمد بن كامل بن شجرة بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرونٍ من بعد أصحابي: القرن الأول والثاني والثالث تترى، والقرن الرابع فرادى " حدث القرقساني بكتاب محمد بن جرير " " التفسير " وغيره، وكان أشعري المذهب توفي سنة سبع وأربعمائة. عبد العزيز بن علي بن الحسن أبو القاسم الشهرزوري المالكي عابر الأحلام، كان يحفظ من علم الرؤيا عشرة آلاف ورقة. روى عن أبي بكر محمد بن الحسن بن محمويه الحنائي بسنده عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يارسول الله، كيف ترى في اللقطة؟

عبد العزيز بن عمدان بن كوشيذ

فقال: " أعرف عددها، ووكاءها، ثم عرفها سنة "، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستنفقها تكون عندك وديعة "، قال: فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، وتعرفها "، قال: فضالة الإبل؟ قال: دعها، فإن معها سقاءها، وحذاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يقدم صاحبها " قتل عبد العزيز بن علي بالمغرب سنة سبع وعشرين وأربعمائة. عبد العزيز بن عمدان بن كوشيذ أبو بكر الأصبهاني المديني من أهل مدينة جي، مدينة أصبهان، كان من الرحالة المصنفين روى عن محمد بن يعقوب بن حبيب بسنده عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو، فيقول: " اللهم إنك سألتنا من أنفسنا مالا نملكه إلا بك، اللهم فأعطنا منها ما يرضيك عنا " عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري وفد على عبد الملك بن مروان حدث عن أبي سلمة قال: قال عبد الرحمن بن عوف: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر على الحال التي قال الله - عز وجل -: " وإن

عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز

فريقاً من المؤمنين لكارهون " إلى قوله: " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم "، قال: العير. وروى أن حفصاً وعبد العزيز ابني عمر بن عبد الرحمن بن عوف تنازعا إلى والي المدينة، فأشكل عليه أمرهما، فكتب بأمرهما إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إليه: أن أشخصهما ألي، ففعل، فسبق عبد العزيز، ثم قدم حفص بعد ذلك، فقال له عبد الملك: الفحلتين، فدفنته، وأقبلت. ففزع عبد الملك، وجلس، فقال: حقاً؟. قال: حقاً. قال عبد الملك: وإن مما يقول أهل الكتاب لباطل. وكان ناس يرون أن أزهر بن مكمل يلي الخلافة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو محمد الأموي روى عن قزعة، عن ابن عمر قال: ودعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " استودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك " وروى عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استمتعوا من هذه النساء "، قال: والاستمتاع عندنا اليوم التزويج، قال: فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلاً. قال: فذكرنا ذلك للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " افعلواً، قال: فانطلقت أنا وابن عم لي، ومعه بردة، ومعي بردة، وبرده

أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا امرأة، فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت: برد كبردٍ، فتزوجتها، فكان الأجل بيني وبينها عشراً. قال: فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غادياً إلى المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الباب والحجر يخطب الناس يقول: " ألا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً. وحكى أن محمد بن أبي سويد أقامه للناس وهو غلام، بالطائف في شهر رمضان، يؤمهم، فكتب بذلك إلى عمر يبشره، فغضب عمر، وكتب إليه: ما كان نولك أن تقدم للناس غلاماً لم تجب عليه الحدود. قدم عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عاملاً ليزيد بن الوليد على المدينة لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ست وعشرين ومائة، ونزع عن المدينة سنة ثمان وعشرين ومائة، وفي رواية: سنة تسع وعشرين. وحج بالناس سنة سبع وعشرين ومائة وسنة ثمان وعشرين ومائة. قال يحيى بن معين: ثقة، ليس به بأس وقال أبو حاتم: يكتب حديثه وقال لبن عمار: ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف وقال أبو مسهر: ضعيف الحديث.

عبد العزيز بن عمير

ومما أنشد له: فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أشرب لقاحا ولابردا وروي عن رجل قال: رأيت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز على ثلاثة أحوال: رأيته في زمن أبيه بمكة وهو مسند ظهره إلى المنبر، وهو يدعو لبني أمية، ويثني عليهم، ثم رأيته أيام أبي جعفر المنصور بمكة، وهو مسند ظهره إلى المنبر، وهو يشتم بني أمية، ويثلبهم، ثم رأيته بعد ذلك بالسراقة، ومعه جملان يستقي عليهما. كذا، ولعله أرادا بالسوارقية. عبد العزيز بن عمير أبو الفقير الخراساني الزاهد روى عن زيد بن أبي الزرقاء بسنده عن عمر قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصعب بن عمير مقبلاً، عليه إهاب كبش، قد تنطق به، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انظروا إلى هذا الذي نور الله قلبه، قد رأيته بين أبوين يغذوانه بأطيب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة شراؤها بمائتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون - وفي رواية: حب الله، وحب رسوله " وروى عن عطاء الأزرق، عن عبد الواحد بن زيد قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، من أين أتى هذا الخلق؟ قال: من قلة الرضا عن الله - عز وجل - قلت: فكيف أتوا من قلة الرضا عن الله - عز وجل - قال: من قلة المعرفة بالله - عز وجل

عبد العزيز بن غانم بن علي بن غانم

وروى عن عبد العزيز الراسبي - وسئل ما بقي مما تلذذ به؟ فقال: - سرداب أخلو فيه، فلا أرى أحداً حتى أموت وروى عن أبي سليمان الداراني قوله: ذكر النعم يورث الحب لله - عز وجل ومن أقواله: إن في القلوب قلوباً مرتصدة، فإذا وجدت بغيتها طارت إليه. وقال: مارضوا له بتعطيل الدارين حتى بذلوا له المهج وقال: إنما يفتح على المؤدب بقدر المتأدبين وقال: أوحى الله تعالى إلى داود - عليه السلام -: ياداود، إذا رأيت لي طالباً، فكن له خادماً، ياداود، اصبر على المؤونة تأتك المعونة. وكانت رابعة تسميه: سيد العابدين؟ عبد العزيز بن غانم بن علي بن غانم الغساني الخطيب حدث عن أبي القاسم هبة بن إبراهيم الصواف بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتملؤوا أعينكم من أبناء الملوك؛ فإن لهم فتنة أشد من فتنة العذارى "

عبد العزيز بن محمد بن أحمد

عبد العزيز بن محمد بن أحمد ابن إسماعيل بن علي أبو القاسم بن البرزي المعتوقي المقرىء روى عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن مالك بن حويرث: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وضبط ابن ماكولا البرزي - بتقديم الراء الساكنة على الزاي - وقال: برزة ضيعة من سواد دمشق. توفي أبو القاسم سنة اثنتين وستين وأربعمائة عبد العزيز بن محمد بن إسحاق أبو المعتب الضرير حدث بصيدا عن أبي الوليد محمد بن أحمد بن برد بسنده، عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، دلني على عملٍ إذا أنا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، قال: " أزهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس " عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز ابن أبي كريمة أبو كريمة المؤذن الصيداوي حدث عن أبي نعيم عبد الرحمن بن قريش الهروي بسنده عن عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يؤتى برجل من أمتي يوم القيامة، وماله من حسنةٍ ترجى له الجنة، فيقول الرب - عز وجل: أدخلوه الجنة؛ فإنه كان يرحم عياله "

عبد العزيز بن محمد بن عمر

عبد العزيز بن محمد بن عمر أو عمير أبو الأصبغ الأسدي إمام جامع دمشق روى عن هشام بن عمار بسنده عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر. عبد العزيز بن محمد بن محمد ابن عاصم بن رمضان بن علي بن أفلح أبو محمد بن أبي جعفر بن أبي بكر النسفي النخشبي العاصمي الحافظ قدم دمشق، وحدث بها، وانتقى على بعض شيوخها. روى عن أبي القاسم عبيد الله بن محمد بن عبد الله السجستاني بسنده عن عاشئة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً. قال عبد الغافر في تذليله تاريخ نيسابور: عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النخشبي الحافظ، أبو محمد. رجل فاضل نبيل محدث حافظ، يجمع ويذاكر. وكان ثقة ورعاً مجتهداً. طاف في البلاد، وحج. توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وقيل: إنه توفي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، واختلف في مكان وفاته. عبد العزيز بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو الأصبغ الأموي أصله من المدينة، وولاه أوبه مصر، وجعله ولي عهدٍ بعد أخيه عبد الملك. ودخل دمشق غير مرة، وشهد قتل عمرو بن سعيد بن العاص بدمشق

وسمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شر مافي رجلٍ: شح هالع، وجبن خالع - وفي رواية: مافي الرجل " وأمه: ليلى بنت زبان بن الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم الحارث بن عدي بن جناب بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة. قال الزبير بن بكار: وولد مروان بن الحكم: عبد العزيز بن مروان، ولي بمصر، ومات بها قبل عبد الملك، وكان ولي العهد بعد عبد الملك، وفي ذلك يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: من المنسرح يلتفت الناس خحول منبره ... إذا عمود البرية انهدما ومن قول كثير عزة فيه: من الطويل؟ شهدت ابن ليلى في مواطن قد خلت يزيد بها ذا الحلم حلما حضورها فلا هاجرات القول يؤثرون عنده ... ولاكلمات النصح مقصى مشيرها ترى القوم يخفون المواعظ عنده ... وينذرهم عور الكلام نذيرها قال محمد بن سعد: وكان مروان بن الحكم قد عقد ولاية العهد لعبد الملك بن مروان، وبعده عبد العزيز بن مروان، وولاه مصر، فأقره عليها عبد الملك. وثقل على عبد الملك مكانه، وهم أن يخلعه ويعقد لابنيه: الوليد وسليمان وبعده بالخلافة، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذؤيب، وقال له: لاتفعل هذا، فإنك تبعث به عليك صوتاً نعاراً، ولعل

الموت بأتيه فتستريح منه. فكف عبد الملك عن ذلك، ونفسه تنازعه أن يخلعه. فدخل عليه ليلة " رزح بن زنباع الجذامي فقال: ياأمير المؤمنين، لو خلعته ماانتطحت فيه عنزان، فقال عبد الملك: نصيح - إن شاء الله - فبينما هو على ذلك، وقد نام عبد الملك بن مروان، وروح بن زنباع إلى جنبه إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقاً - وكان لايحجب عنه في أي ساعة جاء في ليلٍ أو نهار - وكان الخاتم إليه، فقال: آجرك الله ياأمير المؤمنين في أخيك. قال: وهل توفي؟ قال: نعم، قال: فاسترجع عبد الملك بن مروان، ثم أقبل على روح، فقال: أبا زرعة، كفانا الله ماكنا نريد. وكان موت عبد العزيز في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وقال ابن يونس مات سنة ست وثمانين - وهذا وهم، لأنه مات قبل عبد الملك، وتوفي عبد الملك سنة خمس وثمانين. وقال خليفة: اثنتين وثمانين، ومن طريقه أيضاً أنه مات سنة أربع وثمانين دخل عبد العزيز بن مروان على معاوية، فقال: إني رحلت إليك بالأمل، واحتملت جفوتك بالصبر. وإني رأيت ببابك أقواماً قدمهم الحظ، وآخرون باعدهم الحرمان: فليس ينبغي للمقدم أن يأمن، ولا للمؤخر أن ييأس. وقال عبد الملك لأخيه عبد العزيز حين وجهه إلى مصر: أعرف حاجبك وكاتبك، وجليسك؛ فإن الغائب يخبره عنك كاتبك، والمتوسم يعرفك بحاجبك، والخارج من عندك يعرفك بجليسك. ودخل على عبد العزيز بن مروان رجل يشكو صهراً له، فقال: إن ختني فعل بي كذا وكذا. فقال به عبد العزيز: من ختنك؟ فقال له: ختني الختان الذي يختن الناس. فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك. بم أجابني؟ فقال له: أيها الأمير، إنك لحنت، وهو لايعرف اللحن، كان ينبغي أن تقول له. ومن خنتك؟ فقال عبد العزيز: أراني أتكلم بكلامٍ لايعرفه العرب؟ لاشاهدت الناس حتى أعرف اللحن.

قال: فأقام في البيت جمعة " لايظهر، ومعه من يعلمه العربية. قال: فصلى بالناس الجمعة وهو من أفصح الناس. قال: وكان يعطي على العربية ويحرم على اللحن. وكتب إلى ابن عمر: ارفع إلي حاجتك، قال: فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اليد العليا خير من اليد السفلى، وأبدأ بمن تعول "، ولست أسألك شيئاً، ولا أرد رزقاً رزقنية الله. وقال عبد العزيز بن مروان: مانظر إلي رجل قط فتأملني فاشتد تأمله إياي إلا سألته عن حاجته، ثم أتيت من ورائها، فإذا تعار من وسنه مستطيلاً لليله، مستبطئاً لصبحه، متأرقاً للقائي، ثم غدا إلي أنا تجارته في نفسه، وغدا التجار إلى تجارتهم إلا رجع من غدوه بأربح من تجر. وعجباً لمؤمنٍ موقن، يوقن أن الله يرزقه، ويوقن أن الله يخلف عليه، كيف يحبس مالاً عن عظيم أجرٍ وحسن سماع. ولما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: إيتوني لم أكن شيئاً، ألا ليتني كنت كهذا الماء الجاري، أو كنباته الأرض، أو كراعية ثلة في طرف الحجاز من بني نصر بن معاوية، أو من بني سعد بن بكر. وروى ابن أبي الدنيا بسنده أنه لما حضرته الوفاة أتى يبشر بماله الذي كان بمصر حين كان عاملاً عليها

عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز بن محمد بن أمية

عامة "، فقال: هذا مالك، هذه ثلاثمائة مديٍ من ذهب. قال: مالي وله؟ والله لوددت أنه كان بعراً حائلاً بنجد عبد العزيز بن معاوية بن عبد العزيز بن محمد بن أمية ابن خالد بن عبد الرحمن بن سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد أبو خالد الأموي الأسيدي العتابي البصري روى عن خيثمة بن سليمان بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لايزال العبد في الصلاة - وفي رواية: في صلاةٍ - مادام ينتظر الصلاة - وفي رواية: مادام ينتظرها - تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه - وفي رواية: وارحمه " وروى عن محمد بن مخلد الحضرمي بسنده عن أنسٍ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله - عز وجل -: " خذوا زينتكم عند كل مسجد "، قال: صلوا في نعالكم ". قال الدارقطني: عبد العزيز بن معاوية أبو خالد القرشي. لا بأس به. وقالوا: روى عن أبي عاصم ما لا يتابع عليه. توفي سنة أربع وثمانين ومائتين

عبد العزيز بن المهرجان

عبد العزيز بن المهرجان أبو الحسن النيسابوري روى عن محمد بن يزيد السلمي بسنده عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتشد المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " وروى عن أحمد بن حفص بن عبد الله بسنده عن ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ سبعاً وعشرين درجة " " - وفي رواية بسبعٍ. عبد العزيز بن الوليد بن سليمان بن أبي السائب أبو عبد الله القرشي يقال له: عبيد حدث عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أنس بن مالك حدثه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتترس مع أبي طلحة بترس واحدٍ، وكان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى يتشرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إلى مواقع نبله. كان عبد العزيز بن الوليد بن أبي السائب يخضب بحمرة، وذكر أن أباه رأى مكحولاً. قال هشام بن عمار: ماأدركنا أعبد منه.

عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك

وقال مروان بن محمد: ما أدركت أحداً أفضل من ابن أبي السائب. وقال أبو زرعة: وكان أورع أهل زمانه. وبنو أبي السائب أهل بيت من أهل دمشق أهل علم ٍ وفضلٍ وخير. عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الأصبغ القرشي الأموي أمه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، أخت عمر. كان أبوه الوليد أراد خلع أخيه سليمان من ولاية العهد، وتولية عبد العزيز، فلم يتم له ذلك. وقيل: بل أراد أن يجعل إليه ولاية العهد بعد سليمان. وولاه الموسم. وولي إمرة دمشق في أيام أبيه. وداره بدمشق كانت موضع فندق الخشب الكبير، قبلة دار البطيخ، وكان له عقب بالمرج بقريةٍ تسمى الجامع. وتزوج أمة الله بنت الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال مالك بن أنس: أراد الوليد بن عبد الملك أن يبايع لابنه عبد العزيز بن الوليد، فأراد عمر بن عبد العزيز على ذلك، فقال عمر: إن لسليمان في أعناقنا بيعة ". فبلغت الوليد، فأمر به، فطين عليه البيت، فقالت أم البنين ابنة عبد العزيز: لابلغه الله أمله فيه، ففتح الباب عن عمر. ولما ولي عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك دمشق - ولم يكن في بني أمية ألب منه في حداثة سنه - قال أهل دمشق: هذا غلام شاب، ولاعلم له بالأمور، وسيسمع منا. فقام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير، عندي نصيحة، فقال له: ليت شعري ماهذه.

النصيحة التي ابتدأتني بها من غير يد سبقت مني إليك!؟ قال: جار لي عاصٍ متخلف عن نفره. فقال له: والله مااتقيت ربك، ولاأكرمت أميرك، ولاحفظت جوارك! إن شئت نظرنا فيما تقول، فإن كنت صادقاً لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أقلناك. قال: أقلني، أصلح الله الأمير، قال: اذهب حيث لايصحبك الله، والله إني لأراك شر جندك رجلاً! ثم قال: ياأهل دمشق، أما أعظمتم ماجاء به الفاسق!؟ إن السعاية - أحسب - منه سجية، ولولا أنه لاينبغي للوالي أن يعاقب قبل أن يعاتب كان لي في ذلك رأي؛ فلا يأتني أحد منكم بسعايةٍ على أحدٍ بشيءٍ؛ فإن الصادق فيها فاسق، والكذوب فيها بهات. وكان كلامه يشبه بكلام خاله عمر بن عبد العزيز. وقد قال له عمر بن عبد العزيز. يابن أختي، بلغني أنك سرت إلى دمشق تريد أن تدعو إلى نفسك، ولو فعلت ما نازعتك - وكان عبد العزيز قد سار إلى دمشق، فلحقه الخبر بدير الجلجل أن عمر بن عبد العزيز قد بويع له، فانصرف. ثم دخل على عمر بن عبد العزيز، فقال له: إنه لم يبلغني أن الخليفة كان عقد لأحدٍ، ففرقت على الأموال أن تنهب، وما أحب أنه ولي هذا الأمر غيرك، وبايع عمر بن عبد العزيز. وكان عبد العزيز بن الوليد ممدحاً، ومن قول جرير فيه: من الطويل فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله

عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي

عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي والد سعيد بن عبد العزيز روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام أول يومٍ من رجب عدل بصيام سنة، ومن صام سبعة أيامٍ غلق عنه سبعة أبواب النار، ومن صام من رجب عشرة أيامٍ نادى مناد من السماء: أن سل تعطه ". وروى عن حبيب بن مسلمة قال: ركب معاوية؛ فإني لأسير معه إذ طلع رجل، فرأيت معاوية أعظمه، ولم أر الرجل أكبر معاوية؛ فما سلم واحد منهما على صاحبه. فقال معاوية: أزائراً جئت أم طالب حاجة؟ قال: كل بم آت له، ولكنني جئتك مجاهداً، وأرجع زاهداً. فمضى معاوية عنه، فقلت: من هذا ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا عقبة بن عامر الجهني، قلت: ماأدري ماأراد بقوله، أخيراً أم شراً؟ قال: دعه، فلعمري لئن قال خيراً لقد أراد شراً، قلت: سبحان الله! أتكلم بمثل هذا؟ ما ولدت قرشية قرشياً أذل منك! قال: يا حبيب، أحلم عنهم ويجتمعون، أم أجهل عليهم ويتفرقون؟ قلت: بل تحلم عنهم ويجتمعون، قال: امض، فما ولدت قرشية قرشياً يحمل مثل قلبي، قلت: أخاف أن يكون ذلاً، قال: كيف وقد صبرت لابن أبي طالب!؟. عبد العزيز القارىء الملقب ببشكست، المديني النحوي الشاعر وفد على هشام بن عبد الملك، فلما حضر الغداء دعاه هشام، وقال لفتيان بني أمية: تلاحنوا عليه؛ فجعل أحدهم يقول: ياأمير المؤمنين، رأيت أبي فلانٍ، ويقول آخر: مربي أبا فلان، ونحو هذا. فلما ضجر أدخل يده في صحفةٍ، فغمسها، ثم طلى لحيته، وقال لنفسه: ذوقي، هذا جزاؤك في مجالسة الأنذال!.

عبد العزيز المطرز

وقدم بشكست مصر، وانقطع إلى رجاء بن الأشيم، ومدحه، ورثاه حين قتل. وكان بشكست نحوياً، أخذ عنه أهل المدينة النحو، وكان يذهب مذهب الشراة، ويكتم ذلك، فلما ظهر أبو حمزة الشاري بالمدينة خرج معه، فقتل فيمن قتل. وكان وقعة أبي حمزة بأهل المدينة سنة ثلاثين ومائة. عبد العزيز المطرز أحد العباد. صاحب قاسم الجوعي. وكان يجلس في موضع من المقصورة في المسجد الجامع، فكان كثيراً مما يرى وهو يلاحظ الكتاب الذي هو على الحائط، فنظروا، فإذا الموضع الذي يحاذيه قد انتهت الكتابة فيه إلى قوله: " ألم يعلم بأن الله يرى ". فكان يجد في ذلك تقوية " لحاله في الوقت. فكانت المراقبة قد حضرته، وجمعته جمعاً لافضل فيه لشيء. وكان قد رقي إلى حال المشاهدة، فكان مشاهداً بغير عينيه. عبد الغافر بن سلامة بن أحمد بن عبد الغاقر بن سلامة بن أزهر أبو هاشم الحضرمي الحمصي. قدم دمشق سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة روى عن يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المراء في القرآن كفر " وروى عن كثير بن عبيد بسنده عن بلال: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الموقين والخمار

عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي

وقال الخطيب: عبد الغافر بن سلامة بن أحمد، أبو هاشم الحضرمي، من أهل حمص. كان جوالاً. حدث في عدة مواضع. وقدم بغداد وحدث بها. وبلغني أنه مات بالبصرة في سنة ثلاثين وثلاثمائة. عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي روى عن أبيه بسنده عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سقط بعض الحديث من طريقه. والحديث بتمامه رواه الحافظ من طريق آخر: " ليكفرن أقوام بعد إيمانهم ". قال. فقال: " نعم، ولست منهم ". قال العجلي: عبد الغفار بن إسماعيل بن أبي المهاجر: شامي ثقة وقال أبو حاتم: مابه بأس عبد الغفار بن عبد الرحمن بن نجيح الثقفي روى عن ابن وهب بسنده عن أبي حميد الساعدي أنه قال: استسلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمر لون، فلما جاء يتقاضاه قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس عندنا اليوم، فإن شئت تأخرت عنا حتى يأتينا شيء فنقضيك "، قال الرجل: واعذراه! فتنمر له عمر، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعه ياعمر، فإن لصاحب الحق مقالاً، انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصارية، فالتمس لنا عندها تمراً "، فانطلقوا،

عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد

فقالت: والله ماعندي إلا تمر ذخرة، فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوه فأقضوه "، فلما قضوه أقبل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: " استوفيت؟ " قال: نعم، قد أوفيت، وطيبت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن خيار عباد الله الموفون المطيبون " عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن نصر بن هشام بن رزمان أبو النجيب الحافظ مولى جرير بن عبد الله البجلي الأرموي روى عن أبي نعيم الحافظ بسنده عن قطبة بن مالك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء والأدواء ". وروى عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الآردستاني بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسن الشعر مال، وحسن الوجه مال، وحسن اللسان مال، والمال مال " وروى عن ناجية بن علي الفقيه بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسنادٍ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر، وإن يك باطلاً كان وزره عليه. " رحل أبو النجيب في طلب الحديث إلى أصبهان، وقدم بغداد، وخرج إلى مصر، ولقي عبد العزيز بن أحمد الكتاني في دمشق، وأدركه أجله بين دمشق والرحبة، وذلك في شوال من سنة ثلاث وثلاثين وأربعمئة منصرفاً من الحج. وقيل إنه توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة، وهو وهم.

عبد الغفار بن عبد الوهاب

عبد الغفار بن عبد الوهاب ابن بشير بن عبد الله بن الحسن بن يزيد بن عبد الله الشيباني المعروف بابن عبادل روى عن محمد بن يوسف الفريابي بسنده عن عروة قال: كان على باب عائشة ستر فيه تصاوير، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائشة، أخري هذا؛ فإني إذا رأيته ذكرت الدنيا " عبد الغفار بن عفان ويقال: عثمان البيروتي روى عن الوليد بن مزيد بسنده عن عقبة بن عامر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أراد أن يدخل الجنة، فنظر في أسفل خفيه - أو نعليه - تقول الملائكة: طبت وطابت لك الجنة، أدخل بسلام " عبد الغني بن سعيد بن علي ابن سعيد بن بشير بن مروان بن عبد العزيز بن مروان أبو محمد بن أبي بشر الأزدي الحافظ المصري أحد الأئمة في علم الحديث، وصاحب المؤلفات المعروفة. روى عن أبي عمرو وعثمان بن محمد السمرقندي بسنده عن بشر بن حري قال: شهدت أبا سعيد الخدري وأتاه ابن عمر فقال له: يا أبا سعيد، ألم أخبرك أنك بايعت لأميرين قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد؟! قال: قد والله فعلت، لقد بايعت ابن الزبير، ثم أتاني أهل الشام، فساقوني بعتوهم إلى حبيش بن دلجة فبايعته. قال: فقال

ابن عمر: أنا ما كنت أخاف، أنا ما كنت أخاف ثلاثا أنا أبايع لأميرهم قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد! قال: فقال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من استطاع منكم ألا ينام نوماً، ولا يصبح صبحاً إلا وعليه إمام فليفعل "؟ قال: بلى، ولكن لم أكن لأبايع لأميرين مكن قبل أن يجتمع الماس على أمير واحدٍ. قال أبو بكر البرقاني: سألت الدارقطني بعد قدومه من مصر: هل رأيت في طريقك من يفهم شيئاً من العلم؟ فقال: مارأيت في طول طريقي أحداً إلا شاباً بمصر يقال له: عبد الغني، كأنه شعلة نار. وجعل يفخم أمره، ويرفع ذكره. وقال الدارقطني: ما التقيت من مرةٍ مع شابكم هذا فانصرفت عنه إلا بفائدة ٍ وقال حين وجد أهل مصر يبكون وهم يودعونه: تبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد، وفيه الخلف. وقال البرقاني: ما رأيت بعد أبي الحسن الدارقطني أفهم بالحديث من عبد الغني الحافظ وقال الأمير: حافظ المصريين، وفريد وقته. له المصنفات المعروفة المتداولة. كان عبد الغني بن سعيد مجلاً للدار قطني معظماً له، وروي عنه أنه قال: ابتدأت بعمل كتاب: " المؤتلف والمختلف "، وقدم علينا أبو الحسن الدارقطني، فأخذت عنه أشياء كثيرة منه، فلما فرغت من تصنيفه سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني، قلت له: عنك أخذت أكثره! فقال: لاتقل هكذا؛ فإنك أخذته عني متفرقاً، وقد أوردته فيه مجموعاً، وفيه أشياء كثيرة أخذتها من شيوخك. ولد عبد الغني سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي بمصر سنة تسع وأربعمائة.

عبد الغني بن عبد الله بن نعيم الأردني

عبد الغني بن عبد الله بن نعيم الأردني شهد وفاة سليمان بن عبد الملك، قال: خرجت علينا جنازة سليمان بن عبد الملك، ورجاء بن حيوة آخذ بمقدم السرير ذكره أبو زرعة في نفرٍ أهل زهدٍ وفضل مع جماعة كلهم من أهل الرملة. وقال ابن سميع: قيني وضبط عبد الغني بن سعيد والأمير في نسبه القيني: بالقاف والياء المعجمة باثنتين من تحتها والنون. عبد القادر بن عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل أبو البركات الخطيب أصله من الأنبار، وخطب في دولة المصريين والعباسيين روى عن أبي الحسن محمد بن عوف بسنده عن السليك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين " وروى عن علي بن الخضر بن سليمان السلمي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العبد ليبلغ بحسن خلقه " عظيم " درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه درجة جهنم، وإنه لعابد " ولد أبو البركات الخطيب سنة تسع عشرة وأربعمائة بدمشق، وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة. ثقة. لم يكن الحديث من شأنه.

عبد القادر بن تمام بن أحمد

عبد القادر بن تمام بن أحمد أبو محمد الرعي القيرواني روى بسنده عن علي بن المدين: ذكر لسفيان بن عيينة حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يضرب الناس آباط الإبل، فلا يجدون عالماً من عالم أهل المدينة "، فقال لي سفيان: هو مالك بن أنس. وروى حكاية في مناظرة مالك مع أبي يوسف القاضي بين يدي الرشيد. عبد القادر بن علي بن محمد بن أحمد بن يحيى أبو الفضل الشريف الواسطي ذكر أنه قرأ القرآن بواسط بروايات. وكان أديباً شاعراً. واتصل بمحمد بن بوري صاحب بعلبك، وكان يعلم ولده آبق بم محمد الملقب بالمجير، ثم غضب عليه آبق، فنفاه، وبعث إليه من قتله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. ومن شعره: من الطويل غرام وهل بعد المشيب غرام ... وسقم وهل بعد الفناء سقام تولى الشباب الجون واعتضت بالصبا ... مشيبا ونور العارضين ظلام وقالوا وقار قلت لاواو في اسمه ... على أوجه تشنى به وتذام وما شعرت الشيب إلا نوابل ... لها في سويداء الفؤاد سهام سقى الله ريعان الشبيبة ريه ... فبي منذر وإني إليه أوام

عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف

عبد القادر بن محمد بن يوسف بن محمد بن يوسف أبو القاسم البغدادي أصبهاني الأصل. كتب عنه الخطيب وقال: كان من أهل الأمانة والصدق والدين والفضل، حسن الصوت بالقرآن. مات ببيت المقدس لخمس خلون من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وكان خرج إلى الشام بقصد الحج، فأدركه أجله هناك. وروى عنه الخطيب بسنده عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من بيته قال: " بسم الله، اللهم إني أعوذ بك أن، أو أضل، أو أن أظلم، أو أظلم، أو أن أبغي، أو أن يبغى علي " عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين أبو الفرج الشيباني الحلبي النحوي الشاعر المعروف بالوأواء أصله من بزاعا، ونشأ بحلب، وتأدب بها، وكانت بينه وبين أبي عبد الله الطليطلي النحوي نزيل شيرز مكاتبات. وتردد إلى دمشق غير مرة، وكان يقرىء بها النحو. ومما أنشده له ابنه: من الطويل هلال بدا نقصي لفرط تمامه ... وحتفي دنا من لحظه لاحسامه إذا ما ادلهم الليل من لام صدغه ... أتى الصبح حثا من يروق ابتسامه تكاد تقوم النائحات بشجوها ... علي إذا عاينت حسن قوامه

عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر

فأضعف عن رد الكلام لسائل ... إذا صدعني مانعا لكلامه سقاني وقال الخمر أودت بلبه ... وسكري من عينيه لامن مدامه وطال عذابي إذ فتنت لشقوتي ... بمن ليس يرضاني غلام غلامه ظلوم رشفت الظلم من فيه لاهجا ... به ولثمت البدر تحت لثامه وله من قصيدة: من الطويل نفاني عن الأوطان مالم أبح به ... فصرت كفعلٍ ظاهرٍ فيه إضمار وعوضت من صحبي أناسا بهم غدا ... يبعد ذو فضلٍ ويعبد دينار فعندهم ذو الفضل من فاق طمره ... ترى عنده حسن القول تنطق أطمار وقال يرثي صبياً: من الكامل أضرمت نيرانا بغير زناد ... فبدا تأججها على الأكباد وأتى الطبيب فما شفى لك غلة ... ولطالما قد كنت تشفي الصادي قد كان لي عين وكنت سوادها ... فاليوم لي عين بغير سواد توفي أبو الفرج سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بحلب. عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن سعد بن الحسن بن القاسم بن النضر ابن القاسم بن محمد بن عبد الله بن بعد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو النجيب التيمي القرشي البكري الفقيه الواعظ. شيخ الحافظ ابن عساكر اشتغل بالزهد والمجاهدة مدة، حتى إنه كان يستقي الماء ببغداد، ويأكل من كبسه،

عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن علي

ثم اشتغل بالتذكير، وحصل له فيه قبول. وينب له ببغداد للصوفية من أصحابه، وولي المدرسة النظامية ببغداد. وتوفي سنة ثلاثين وستين خمسمائة ببغداد. وكان مولده سنة تسعين وأربعمائة. روى عن أبي علي محمد بن سعيد بن نبهان بسنده عن ابن عباس: أن رجلاً كان واقفاً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقصت به دابته - أو راحلته - وهو محرم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غسلوه، وكفنوه، ولا تخمروا وجهه أو رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً - أو قال: ملبداً - " وفي رواية: فوقصت به ناقته في أخاقيق جرذان. قال الأصمعي: إنما هو لخاقيق، واحدها لخقوق، وهي شقوق الأرض. عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن علي أبو الحسين الأزدي المقرىء الشاهد الصائغ الجوهري روى عن أبي القاسم بن أبي العقب بسنده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فصلى نحو القبلة. توفي عبد القاهر سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وقيل: سنة عشر وأربعمائة

عبد القدوس بن حبيب

عبد القدوس بن حبيب أبو سعيد الكلاعي الوحاظي روى عن الحسن، عن سمرة بن جندي أنه قال: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أصحابه، فقال: " أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - والقرآن؛ فإنه نور الظلمة، وهدى النهار، فاتلوه على ما كان من جهدٍ وفاقةٍ، فإن عرض لك بلاء " فاجعل مالك دون دمك، فإن جاوزك - وفي رواية: يجاوزك - البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك؛ فإن المسلوب من سلب دينه؛ والمحروب من حرب دينه؛ إنه لافاقة بعد الجنة، ولا غنى بعد النار. إن النار لايستغني فقيرها، ولايفك أسيرها " وروى عن عامر الشعبي، عن ابن عباس قال: " أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلوٍ من ماء زمزم، فشرب وهو قائم " وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر إخواني تناصحوا في العلم، ولايكتم بعضكم بعضاً، فإن خيانة الرجل في عليمه أشد من خيانته في ماله. " وعن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرض بيت شعرٍ بعد العشاء لم يقبل الله له صلاة " حتى يصبح " قال مسلم بن الحجاج: أبو سعيد عبد القدوس الشامي ذاهب الحديث وقال البخاري: في حديثه مناكير

وقال النسائي: ليس بثقة ولامأمون. سكتوا عنه. متروك الحديث وقال الدولابي: متروك الحديث وقال يحيى بن معين: شامي ضعيف، مطروح الحديث. قال حجاج الأعور: رأيت عبد القدوس في زمن أبي جعفر على باب مدينة أبي جعفر، وهو مغلق، فجاء إليه رجل فقال: أصلحك الله الحديث الذي أحدثت به، أعده علي، فقال: " لاتتخذوا شيئاً فيه الروح عرضاً " فقال له الرجل: أي شيء يعني بهذا؟ قال: أهل الشام يسمون الروشن والكنيف إلى خارج: القسطرون قال الخطيب: صحف فيه عبد القدوس، وفسر تصحيفه؛ لأن الحديث: " لاتتخذوا شيئاً فيه الروح - بضم الراء - غرضاً - بالغين المعجمة " قال عبد الله بن المبارك: اشتريت بعيرين، فقدمت على عبد القدوس الشامي، قال: فقال: حدثنا مجاهد، عن ابن عمر. قلت: إن أصحابنا يروون هذا الحديث عن عبد الله بن عباس، قال: فقال: ابن عباس لم يرو عنه مجاهد شيئاً، وكان مجاهد مولى ابن عمر، فكان لا يروي إلا عن ابن عمر. فقلت: إن لله، وفي سبيل الله، على نفقتي وبعيري! وتبسم عبد الله وقال: لأن أقطع الطريق أحب إلي عن عبد القدوس الشافعي

عبد القدوس بن الحجاج

قال الدارقطني وابن عدي: منكر الحديث وأجمعوا على اتهامه وتضعيفه. مات بالعراق عند أبي جعفر عبد القدوس بن الحجاج أبو المغيرة الخولاني الحمصي روى عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم. قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وإن كانت خالته، إنما تزوجها حلالاً. وروى عن عبد الرحمن بن يزيد ين تميم بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ضحك الله - عز وجل - من رجلين قتل أحدهما صاحبه، ثم دخلا الجنة " قال الزهري: مشرك قتل مسلماً، ثم اسلم، ثم مات، فدخل الجنة " وروى عن صفوان بن عمرو بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء ياجبريل؟ قال: هؤلاء كانوا يأكلون لحوم الناس، وينتقصون من أعراضهم " قال النسائي: عبد القدوس بن الحجاج. حمصي، ليس به بأس

عبد القدوس بن الريان بن إسماعيل البهراني القاضي

وقال الدارقطني: ثقة وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صدوق، كدنا أن ندركه قلت له: فاتك بطول مقامك بدمشق؛ قال: لا، كان قد توفي قبل ذلك. قلت: فما قولك فيه؟ قال: يكتب حديثه. وثقة العجلي. وقال البخاري: مات سنة اثنتي عشرة ومائتين عبد القدوس بن الريان بن إسماعيل البهراني القاضي سمع محمد بن عائذ بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا راح أحكم إلى الجمعة فليغتسل " عبد القدوس بن عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب الكلاعي روى عن أبيه بسنده عن أنس قال: قلنا: يا رسول الله، لانأمر بالمعروف حتى نعمل به، ولاننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل تأمرون بالمعروف، ولاتعملون به كله، وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله. " عبد الكريم بن الحسين بن إسماعيل أبو الفضل الأنباري حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لله - عز وجل - تسعة وتسعون أسماً، مائة غير واحدٍ، من أحصاها دخل الجنة " توفي سنة خمسين وأربعمائة

عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس

عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس أبو محمد السلمي الحداد أخو سليمان وكيل المقربين. قال الحافظ: قرأت عليه كثيراً من مسموعاته، وإجازاته. وكان ثقة مستوراً وروى من طريقه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: عطش الناس ونحن بالحديبية، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه ركوة يتوضأ منها، إذ جهش الناس نحوه، فقال: " ماشأنكم؟ " قالوا: مالنا ماء نتوضأ به، ولانشرب منه إلا مابين يديك. قال: فوضع يده على الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، قال: فشربنا وتوضأنا. قلت: وكم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفاهم؛ كنا خمس عشرة مائة. قال الحافظ: توفي أبو محمد ليلة الخميس، ودفن يوم الخميس الثاني من ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمسمائة بباب الفراديس، وحضرت دفنه، والصلاة عليه. عبد الكريم بن سليط بن عقبة ويقال: ابن عطية الهفاني الحنفي المروزي وفد على هشام بن عبد الملك، وبعث معه بعهد نصر بن سيار على خراسان. حدث عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة! فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "

عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عمد الله بن محمد بن عبد الله بن

ما حاجة ابن أبي طالب "؟ قال: يا رسول الله، ذكرت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً وأهلاً "، لم يزد عليهما. فخرج علي على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري خير، غير أنه قال لي: " مرحباً وأهلاً "، قالوا: يكفيك من رسول الله إحداهما، أعطاك الأهل، وأعطاك المرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: " ياعلي، لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندك كبش وفي رواية: علي كبش. وجمع له رهط من الأنصار أصوعاً من ذرةٍ. فلما كان ليلة البناء قال: " لاتحدث شيئاً حتى تلقاني ". فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماءٍ، فتوضأ، ثم أفرغه علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما " وروى محمد بن جرير الطبري أن وفاة أسد بن عبد الله لما انتهت إلى هشام بن عبد الملك استشار أصحابه في رجلٍ يصلح لخراسان، فأشاروا عليه بقومٍ كان فيهم نصر بن سيار الليثي، فاختاره، وبعث عهده مع عبد الكريم بن سليط بن عقبة الهفاني. عبد الكريم بن عبد الله بن محمد بن عمد الله بن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو الفضائل التنوخي المعري ولد سنة ثماني عشرة وخمسمائة بحماة، ونشأ بها، ورباه جده القاضي أبو المجد محمد بن عبد الله، وأخوه أبو اليسر، لأن والده سافر إلى مصر وهو طفل. وكان زاهداً كريما " ورعاً كثير الصدقة، مواظباً على تلاوة القرآن. ومن شعره وقد اجتاز بجسر شواش: من السريع جسر ابن شواش الذي لم يزل ... فيه العيون النجل تسبيني ونشر عطرناعم لم أزل ... أموت من توقٍ فيحييني وكان قلبي في الهوى طائعي ... وعاصيا من كان يغويني

وكتب إلى أخيه أبي اليسر: وقفت على كتابك فاستراحت ... إليه النفس من حرق اشتياقي وظلت كربة " في القلب تطفي ... دموعي من جفوني والمآقي ومما كتب به إليه أيضاً: أبا اليسر الميسر كل صعبٍ ... من النكبات والنوب الشداد ومن تدنو المسرة حين يدنو ... إلي به وتبعد بالبعاد فديتك من أخٍ بر شقيقٍ ... لنفس صديقه بالنفس فادي أتتني منك أبيات حسان ... بأعجازٍ مناسبة الهوادي بديعات المعاني رائعات ... تضمن حسن رأي واعتقاد تخبر عن حنين واشتياقٍ ... وتشهد بالمحبة والوداد فبحت بشكر ماأوليت منها ... إلي من العوارف والأيادي وهاأنا قد كتبت إليك أشكو ... روائح من همومي أو غوادي فأنعم بالجواب علي إني ... إليه، وماتسطر فيه صادي وإن يك في المقال علي نقص ... فأنت حليف فضلٍ مستزاد وإن أخطأت فيما قلت فيه ... فإن على تغمدك اعتمادي قال الأخوه أبو اليسر: كان مرضه عشرة أيام بالسعال، ونفث الدم العبيط، ومات ميتة " سهلة وكان ذلك يوم الجمعة من شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمسمائة.

عبد الكريم بن عبد الرحمن بن بكران

عبد الكريم بن عبد الرحمن بن بكران أبو الفضل بن أبي القاسم الدربندي خال أبي القاسم بن السمرقندي حدث عن أبي بكر محمد بن الحرمي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ كل ليلة " إذا وقعت الواقعة " لم يصبه فقر أبداً، ومن قرأ كل ليلة: " لا أقسم بيوم القيامة " لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر " عبد الكريم بن علي بن أبي نصر أبو سعيد القزويني روى عن أبي بكر محمد بن الحرمي بن الحسين بسنده عن عبي بن أبي طالب قال: " سبحان الله، ما أزهد كثيراً من الناس في الخير! عجبت لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجةٍ لا يرى نفسه للخير اهلاً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها مما يدل على سبل النجاح ". فقام رجل، فقال: سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: نعم، وماهو خير منه؛ لما أتانا سبايا طيء، وقفت جارية جماء حواء لسعاء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين جدلة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين. فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت: لأطلبن إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعلها من فيتئي. فلما تكلمت

عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد

نسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت: يامحمد، إن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب؛ فإني بنت سراة قومي؛ كان أبي يفك العاني، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجةٍ من حاجة قط؛ أنا ابنة حاتم طيء. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك إسلامياً لترحمنا عليه، خلو عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق ". فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يارسول الله: " الله يحب مكارم الأخلاق؟ " فقال: " نعم ياأبا بردة، لايدخل أحد الجنة إلا بحسن خلقه " عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد ابن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله أبو سعد بن أبي بكر بن أبي المظفر التميمي المروزي السمعاني الفقيه الشافعي الحافظ الواعظ الخطيب مؤلف كتاب الأنساب قال الحافظ ابن عساكر: ولد بمرو يوم الاثنين حادي وعشرين من شعبان سنة ست وخمسمائة، وقدم علينا دمشق. وكتب فأكثر، وحصل النسخ الكثيرة، اجتمعت به بنيسابور، وببغداد، وبدمشق، وسمع بقراءتي، وسمعت بقراءته، وكتب عني، وكتبت عنه. وكان متصوناً عفيفاً، حسن الأخلاق. ذيل تاريخ بغداد، وسمعه بها. وطوف، فاستفاد، وحدث فأفاد، وأحيا 1ذكر سلفه، وأبقى ثناء " صالحاً لخلفه. وآخر ماورد علي من أخباره كتاب كتبه بخطه، وأرسل به غلي، سماه " كتاب فرط الغرام إلى ساكني الشام " في ثمانية أجزاء، كتبه سنة ستين وخمسمائة، يدل على صحة ورده، ودومه على حسن عهده، ضمنه قطعة من

عبد الكريم بن محمد اللخمي

الأحاديث المسانيد، وأودعه جملة " من الحكايات والأناشيد، فذكرني حسن صحبته، ودلني على صحة محبته. وروى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يارسول الله، متى الساعة؟ قال: " وماأعددت لها؟ " فلم يذكر كبيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت " توفي أبو سعد السمعاني بمرو في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة. عبد الكريم بن محمد اللخمي من أهل نوى روى عن عروة بن رويم عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية في هذين الحيين من لخمٍ وجذامٍ " عبد الكريم بن مالك أبو سعيد الجزري الحراني مولى بني امية، أصله من إصطخر، وسكن حران. روى عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الذي يقع على امرأته وهي حائض، قال: " إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة " فليتصدق بنصف دينار "

روى عن مجاهد بسنده عن كعب بن بجرة أنه كان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فآذاه القمل في رأسه، فقال له رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواسة: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احلق رأسك، وصم " - وفي رواية: فأمره رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحلق رأسه، وقال: صم - ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسانٍ، أو انسك شاة "، فأنى - في رواية: بشاةٍ، أي - ذلك فعلت أجزأ عنك " - وفي رواية " لكل مسكين مدين شعيراً " عبد الكريم بن مالك هو ابن عم خصيف لحاً. نزل حران، وهما موليان لنبي أمية وقيل: أصلهما من اليمامة، من الخضارمة، وأخذا سبيا. قال يحيى بن معين ثبت، ثقة. وقال ابن سعد: وكان ثقة كثير الحديث، مات سنة سبع وعشرين ومائة قال ابن عيينة: لم أر مثله. إن شئت قلت: عراقي. إنما يقول: سمعت، وسألت: وقال النسائي: ثقة. وقال ابن عدي: وهو ثبت عند العارفين بالنقل. وقال أبو أحمد الحالكم: ليس بالحافظ عندهم. وقال الأمير: أما الخضرمي - بكسر الخاء وسكون الضاد المعجمة - أبو سعيد عبد الكريم بن مالك الجزري.

قال أبو الوليد بن الفرضي الأندلسي: أصلهم من قرية من قرى اليمامة، يقال لها: خضرمة قال عبد الكريم الجزري: رأيت على أنسٍ جبة خز، وكساء خز، وأنا أطوف مع سعيد بن جبير بالبيت، فقال سعيد: لو أدركه السلف لأوجعوه. وقال سفيان بن سعيد: لقد جاءنا عبد الكريم الجزري بأحاديث لو حدثنا بها هؤلاء الكوفيون مازالوا يفخرون علينا بها، منها: " الندم توبة ". مارأيت أعرابياً أثبت من عبد الكريم. وقال لسفيان بن عيينة: أرأيت حديث عبد الكريم الجزري، وأيوب، وعمرو بن ديار؟ فهؤلاء، ومن أشبههم ليس لأحد فيهم متكلم وقال أحمد بن حنبل: الجزري ثقة ثبت، وهو أثبت من خصيف في الحديث قال يحيى: حديث عبد الكريم عن عطاء رديء قال ابن عدي: وهذا الذي ذكره ابن معين، عن عبد الكريم، عن عطاء، هو مارواه عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن عائشة: " كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبلها ولايحدث وضوءاً، إنما أراد ابن معين هذا الحديث، لأنه ليس بمحفوظ. ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة يرويها عن قومٍ ثقات، وإذا روى عنه الثقات فأحاديثه مستقمية. قال إبراهيم بن يعقوب: قلت لعلي: عبد الكريم الجزري إلى من تضمه؟ قال: ذلك ثبت ثبت. قلت: هو مثل ابن أبي نجيح؟ قال: ابن أبي نجيح أعلم بمجاهد، وهو أعلم بالمشايخ، وهو ثبت ثقة.

عبد الكريم بن مسلم بن عمرو بن حصين الباهلي

وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. وأضاف أبو زرعة: أخذ عنه الأكابر قالوا: مات عبد الكريم الجزري سنة سبع وعشرين ومائة وقال الهيثم: مات زمن أبي العابس قال الحافظ: هذا وهم، فإن أبا العباس ولي سنة اثنتين وثلاثين، ولم يبق عبد الكريم إلى أيامه، والصحيح ماتقدم. عبد الكريم بن مسلم بن عمرو بن حصين الباهلي أخو قتيبة بن مسلم وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال: خرجنا إلى الشام إلى الوليد بن يزيد حين بايع لابنيه الحكم وعثمان، قال: فخرج وفود أهل البصرة ليهنئوه، وأهل الكوفة. قال: فكنا في موضع واحدٍ. قال: وخرج معنا شيخ باذ الهيئة، قبيح الفعل. قال: فكنا إذا نزلنا ذهب يشرب، فيمسي سكران، ويصبح مخموراً. فتمنينا فراقه، فلم نزل منه في غم، حتى وردنا الشام، قال: وهيأنا الكلام. قال: ثم غدونا على الوليد، قال: فتكلم الناس، فأحسنوا. قال: ودخل الشيخ على حالته تلك، فتكلم، فقال: أراك الله - ياأمير المؤمنين - في بنيك ماأرى أباك فيك، وأرى بنك فيك ماأراك في أبيك. قال: فاستوى جالساً، فقال: أعد كلامك، فأعاده، ففضله علينا في الحباء والجزاء.

عبد الكريم بن المؤمل بن الحسن بن علي

عبد الكريم بن المؤمل بن الحسن بن علي أبو الفضل السلمي الكفر طابي البزاز حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أنسٍ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نضر الله عبداً سمع مقالتي هذه، ثم وعاها، وحملها. رب حامل فقهٍ غير فقيه، ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه. ثلاث لايغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر، والاعتصام بجماعة المسلمين: فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ". ولد أبو الفضل سنة عشرٍ وأربعمائة. وتوفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وهو آخر من حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بدمشق. عبد المجيد بن إسماعيل بن محمد أبو سعيد القيسي الهروي الحنفي ول بأوبة من عمل هراة، وتفقه بما وراء النهر على الزودي، والسيد الأشرف، والقاضي فخر وغيرهم. وله مصنفات في الفروع والأصول، وله خطب ورسائل، وأشعار، وروايات. توفي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

عبد المجيد بن سهيل

عبد المجيد بن سهيل ابن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة أبو وهب - ويقال: أبو محمد - القرشي الزهري المدني وفد على عمر بن عبد العزيز. وأمه أم ولد. روى عن سعيد بن المسيب بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً على خيبر - سمي في رواية: سواد بن غزية - فجاءه بتمرٍ جنيب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكل تمر خيبر هكذا؟ " فقال: لاوالله، يارسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فلا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم اتبع بالدراهم جنيبا " قال عبد المجيد: قدمت خناصره في خلافة عمربن عبد العزيز، وإذا قوم في بيت، أهل خمرٍ وسفه ظاهر، فذكر ذلك لصاحب شرط عمر، فقال: إنهم يجتمعون على الخمر، إنما هو حانوت! فقال: قد ذكرت ذلك لعمر بن عبد العزيز، فقال: من وارت البيوت فاتركه. قال ابن سعد: فولد عبد المجيد بن سهيل: سهيلاً، وسودة، وأمة العزيز، وأمهم أم عمرو بنت عبد العزيز بن عبد الرحمن بن ربيعة بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث،

عبد المحسن بن صدقة بن عبد الله بن حديد

عبد المحسن بن صدقة بن عبد الله بن حديد أبو المواهب المعري كان له اقتدار على النظم والنثر ومن نظمه ما كتب به إلى بقراط الطبيب: يا حكيما أفكاره كالشموس ... جزت في الطب فضل جالينوس ليت شعري بأي جرمٍ تفرد ... ت عن الأصدقاء بأكل الرؤوس خف من الله أن تساءل عن هـ ... ذا وأن تبتلى ببغض العروس فتراها إذا دخلت إلى البي ... ت بخلق صعبٍ ووجهٍ عبوس ثم لا تنتهي عن السب والذم ... م وأن تشتكي إلى القسيس قتل أبو المواهب باليمن يقال: سنة ثلاث وخمسمائة. ومولده سنة سبع - أو ثمان - وأربعين وأربعمائة. عبد المحسن بن عمر بن يحيى بن سعيد أبو القاسم الصفار روى عن أبي الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبادل الشيباني بسنده عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله - عزو جل - يقول: ياعبادي، كلكم مذنب إلا من عاقيت، فاستغروني أغفر لكم، ومن علم منكم أني ذو قدرةٍ على المغفرة غفرت له بقدرتي، ولاأبالي، وكلكم ضال إلا من هديت، فاسألوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فاسألوني

عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون

أعطكم. ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبدٍ هو لي لم ينقص من ملكي جناح بعوضةٍ، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلبٍ عبدٍ هو لي مازاد في ملكي جناح بعوضةٍ، ولو أن أولكم وآخركم، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا، فسأل كل واحدٍ مابلغت أمنيته لم ينقص ملكي إلا كما لو أن أحدكم أتى شفة البحر، فغمس فيه إبرة "، ثم انتزعها؛ ذلك بأني جواد ماجد واحد، أفعل ماأشاء، عطائي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئاً إنما أقول له: كن، فيكون " عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون أبو محمد الصوري الشاعر مطبوع الشعر، سائر القول، محسن في أفانين النظم. قدم دمشق مراراً، ومدح بها. وكان أبو الفتيان بن حيوس مغري بشعره، شديد التفضيل له، حتى إنه كان إذا سمع البيت الحسن السائر قال: ماأشبه هذا بشعر عبد المحسن، لعظم قدره في نفسه. وكان بعضهم يفضله على كثيرٍ ممن تقدمه. وذكر عن أبي العلاء المعري أنه كان يعيبه بقصر النفس وكان ابن حيوس يقول: أغزل ماقيل حول قول عبد المحسن: من الرمل بالذي ألهم تعذيبي ... ثناياك العذابا ماالذي قالته عينا ... ك لقلبي فأجابا ومن غزله: من المتقارب أراضية أنت إن شفه ... هواك وساخطة إن سلا وأنت بغيت له سلوة ... فسل الهوى أولا أولا غداة صددت فعلمته ... وماكان ظنك أن يفعلا فعودي بعد وقصدي صد ... فقد عزم الحب أن يعدلا

يعبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد

ومن مواعظه: من الكامل وتريك نفسك في معاندة الورى ... رشدا ولست إذا فعلت براشد شغلتك عن أفعالها أفعالهم ... هلا اقتصرت على عدو واحد وقال في رجلٍ بخيل: من المنسرح إذا عزمتم على زيارته ... فودعوا الخبز حيثما كنتم فليس يحتاج أن يقول لكم ... صوموا أضيفوا به وقد صمتم توفي عبد المحسن سنة تسع عشرة وأربعمائة، وكان قد بلغ الثمانين، أونيف عليها. يعبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد أبو منصور بن أبي بكر البغدادي التاجر المعروف بالشيحي. ويعرف بابن شهد انكه روى بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " ولد عبد المحسن سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة سبعٍ وثمانين وأربعمائة. عبد الملك بن الأصبغ بن محمد بن مرزوق أبو الوليد القرشي مولى عثمان بن عفان، الحراني. نزيل بعلبك

عبد الملك بن أكيدر بن عبد الملك

حدث عن الوليد بن مسلم بسنده عن أنس بن مالك قال: ما صليت خلف إمامٍ قط أخف صلاة " من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أتم. روى عنه أبو زرعة النصري قال: وكان ثقة مات قبل البخاري بيسير. عبد الملك بن أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجند ذكره أبو عبد الله بن منده في الصحابة قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً، ولم يكن معه خاتم فختمه بظفره. عبد الملك بن بزيع أبو مروان من أهل دمشق، سكن تنيس من أعمال مصر، ومات بها. روى عن الحسن بن عبد العزيز الجروي وقال: وكان أفضل من رأيته. قال عبد الملك بن بزيع: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أمابعد، فإنك لن تزال تعني إلى رجلاً من المسلمين في الحر والبرد يسألني عن السنة، كأنك إنما تعظمني بذلك؛ وايم الله، لحسبك بالحسن! فإذا أتاك كتابي هذا فسل الحسن لي، ولك، وللمسلمين؛ فرحم الله الحسن، فإنه من الإسلام بمنزلةٍ ومكان. لاتقرئنه كتابي هذا!.

عبد الملك بن جنادة القرشي

عبد الملك بن جنادة القرشي مولاهم المصري الكاتب وفد على عمر بن عبد العزيز. وكان كاتب حيان بن شريح، فبعثه إلى عمر بن عبد العزيز، وكتب معه يستفتيه أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم، فسأل عمر عراك بن مالك عن ذلك وهو يسمع، فقال: ما سمعت لهم بعهدٍ ولا عقدٍ، وإنما أخذوا عنوة " بمنزلة العبيد. عبد الملك بن الحارث بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي بعثه عبد الملك بن مروان في أربعة آلاف إلى المدينة فما دونها يلقون جموع ابن الزبير، ومن أشرف لهم من عماله. وكان سليمتان بن خالد بن أبي خالد الزرقي عابداً له فضل، فولاه ابن الزبير خيبر وفدك، فخرج، فنزل في عمله. فبعث عبد الملك بن الحارث أبا القمقام في خمسمائة إلى سليمان بن خالد، فقتله. وقتل من كان معه، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان غاظه، وكره قتله. عبد الملك بن خالد بن عتاب ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي كان في صحابة عمر بن عبد العزيز، وله يقول جرير: يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمقرون في قرن

عبد الملك بن خيار

عبد الملك بن خيار ويقال: ابن خباب بن نهار بن بسطام قرابة يحيى بن معين حدث بسنده عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغشيه الوحي، فلما سري عنه قال لي: " ياأنس، تدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش؟ " قال: قلت: بأبي وأمي، وما جاءك به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: " إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي "، ثم لم يزدنا على هذا. قال الأمير: خيار - بالخاء المعجمة عبد الملك بن أبي ذر الغفاري قدم الشام مرابطاً مع سلمان الفارسي، وكان مرابط سلمان ببيروت روى عن أبيه أبي ذر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واصل بين يومين وليلة، فأتاه جبريل، فقال: إن الله قد قبل وصالك، ولا يحل لأحدٍ بعدك، وذلك لأن الله قال: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " فلا صيام بعد الليل، وأمرني بالوتر بعد الفجر. وقال عبد الملك: أمرني أبي بصحبة سلمان الفارسي، فصحبته إلى الشام، فرابطنا بها، حتى إذا انقضى رباطنا، أقبلنا نريد الكوفة، فلما أتينا إلى النجف قال لي سلمان: أهي هي؟ قال: قلت: لا - وكانت أبيات الحيرة - قال: فسرنا حتى بدت لنا أبيات الكوفة، فقال لي:

عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت بن ظاعن

أهي هي؟ قال: قلت: نعم، واهاً لك أرض البلية، وأرض التقية، والذي نفس سلمان بيده إني لأعلم أن لك زماناً لايبقى تحت أديم السماء مؤمنٍ إلا وهو فيك، أو يحن إليك، والذي نفس سلمان بيده، كأني أنظر إلى البلاء يصب عليك صباً، ثم يكشفه عنك قاصم الجبارين. والذي نفس سلمان بيده ماأعلم أنه تحت أديم السماء أبيات يدفع الله عنها من البلاء والحزن إلا دون مايدفع عنك، إلا أبياتاً أحاطت ببيت الحرام، أو بقبر نبيه عليه السلام. والذي نفس سلمان بيده كأني أنظر إلى المهدي قد خرج منك في اثني عشر ألف عنانٍ، لاترفع له راية إلا أكبها الله لوجهها حتى يفتح مدينة القسطنطينة. عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت بن ظاعن ابن العجلان بن عبد الله بن صبح بن والبة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن القين بن فهم بن عمرو بن سعد بن قيس بن عيلان الفهمي المصري أمير مصر. وليها من قبل الوليد بن عبد الملك بعد قرة بن شريك، ثم أقره سليمان بن عبد الملك، وعزله عمل بن عبد العزيز حين ولي الخلافة، فكانت إمرته على مصر ثلاث سنين. ووفد بعد ذلك على هشام بن عبد الملك إلى الشام، فولاه مصر، فقدمها وهو عليل مستهل المحرم سنة تسع ومائة، فكان الوليد بن رفاعة أخوه يخلفه عليها، فتوفي للنصف من المحرم، وكانت ولايته عليها خمس عشرة ليلة. وكان يقول في هدية الإمام: هو السحت الظاهر

عبد الملك بن صالح بن علي

عبد الملك بن سفيان - وقيل: ابن يسار، وهو أصح - الثقفي حدث عن ابي أمية الشعباني، عن معاذ بن جنبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثون نبوة، وثلاثون خلافة وملك، وثلاثون تجبر، وثلاثون جبروت، ولاخير فيما وراء ذلك. وفي رواية: " ثلاثون خلافة نبوة، وثلاثون نبوة وملك، وثلاثون ملك وتجبر، وماوراء ذلك فلا خير فيه " وفي رواية: " ثلاثون نبوة، وثلاثون ملك وجبر، وماوراء ذلك فلا خير فيه. " قال أبو نصر الحافظ: يسار: أوله ياء معجمة باثنتين من تحتها وسين مهملة عبد الملك بن صالح بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو عبد الرحمن الهاشمي كانت أمه أمة لمروان بن محمد، فشراها أبوه صالح. ولي دمشق من قبل هارون الرشيد، ثم حبسه خشية وثوبه على الخلافة، ثم أطلقه الأمين، وولاه الشام والجزيرة سنة أربعٍ وتسعين، وولي المدينة، والصوائف في أيام الرشيد. روى عن عمه سليمان بن علي، عن عكرمة قال: إنا لمع عبد الله بن عباس عشية عرفة إذ أقبل أدمان يحملون فتى ىدم من بني

عذرة، قد بلي بدنه، وكانت له حلاوة وجمال، حتى وقفوه بين يديه، ثم قالوا: استشف لهذا يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: وما به؟ قال: فترنم الفتى بصوت ضعيف خفي لا يبين، وهو يقول: من الطويل بنا من جوى الأحزان والحب لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب ولكنما أبقى حشاشة معولٍ ... على ما به عود هناك صليب وما عجب موت المحبين في الهوى ... ولكن بقاء العاشقين عجيب ثم شهق شهقة، فمات. قال عكرمة: فمازال ابن عباس بقية يتعوذ بالله من الحب ونقل عن مالك بن أنس: آل محمد كل من آمن بمحمد وقال: " العاملين عليها "، فقلا: له عبيد الله بن عمرو: ليس لكم فيها شيء، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الصدقة لا تحل لنا أهل البيت " وبعث الرشيد إلى يحيى بن خالد بن برمك: إن عبد الملك بن صالح أراد الخروج علي، ومنازعتي في الملك، وعلمت ذلك، فأعلمني ما عندك فيه، فإنك إن صدقتني أعدتك إلى حالك الأول - وكان يحيى في الحبس - فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما اطلعت من عبد الملك على شيء من هذا، ولو اطلعت عليه لكنت صاحبه دونك؛ لأن ملكك كان ملكي، وسلطانك كان سلطاني، والخير والشر كان فيه علي. وولي عبد الملك بن صالح الجزيرة مرتين، وأقام الصائفة. وأوصى أمير السرية ببلاد الروم، فقال: أنت تاجر الله لعباده، فكن كالمضارب الكيس، الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة، وكن من احتيالك على عدوك أشد خوفاً من احتيال عدوك عليك. وكان يرسل الجفان فيها الكعك والسويق والتمر إلى رحل ابن المبارك، بأرض

الروم، فيقول عبد الله بن المبارك للشرط: انطلقوا، لا حاجة لنا فيها. وقال لمؤدب بنيه: يا عبد الرحمن، لا تطرني في وجهي؛ فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تعني على ما يقبح، ودع عنك: كيف أصبح الأمير، وكيف أمسى الأمير؟ واجعل مكان التقريظ لي صواب الاستماع مني، واعلم أن صواب الاستماع أحسن من صواب القول؛ فإذا حدثتك فلا يفوتنك منه شيء، وأرني فهمك في طرفك. إني اتخذتك مؤدباً بعد أن كنت معلماً، وجعلتك جليساً مقرباً بعد أن كنت مع الصبيان مباعداً، ومتى لم تعرف نقصان ماخرجت منه لم تعرف رجحان ما صرت إليه. وعزى الرشيد في ابن له توفي وهنأه بآخر ولد، فقال: يا أمير المؤمنين، أجرك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرك، وجعل هذه بهذه جزاء " للشاكرين، وثواباً للصابرين. وحكى الأصمعي: كنت عند الرشيد، ودعا بعبد الملك بن صالح - وكان معتقلاً في حبسه - فأقبل يرفل في قيوده، فلما مثل بين يديه التفت الرشيد، وقد كان يحدث يحيى بن خالد بن برمك، وهو يتمثل ببيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي: أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد ثم قال: يا عبد الملك، كأني والله أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أورى ناراً، فأبرز عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم. فمهلاً بني هاشم؛ فبي والله سهل لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، وألقت إليكم الأمور أثناء أزمتها، فبدار تدارككم كم حلول داهية خبوط باليد والرجل.

فقال عبد الملك: اتق الله، يا أمير المؤمنين، فيما ولاك، واحفظه في رعاياك التي استرعاك، ولاتجعل الكفر بموضع الشكر، والعقاب بموضع الثواب؛ فقد، والله، سهلت لك الوعور، وجمعت على خوفك، ورجائك الصدور، وشدد أواخي ملكك بأوثق من ركن يلملم. فأعاده إلى محبسه، ثم أقبل على جلسائه، فقال: والله لقد نظرت إلى موضع السيف من عنقه مراراً، فمنعني من قتله إبقائي على مثله. وأجاب يحيى بن خالد حين قال له: بلغني أنك حقود: إن كان الحقد هو بقاء الخير والشر إنهما لباقيان في قلبي وقيل: إن الذي سعى به إلى الرشيد ابنه عبد الرحمن، ومؤدب بنيه قمامة، فقالا له: إنه يطلب الخلافة، ويطمع فيها. وقال بعد أن أخرجه الأمين من حبس الرشيد: والله إن الملك لشيء ما تمنيته، ولا نويته، ولا قصدت إليه، ولا ابتغيته. ولو أردته لكان أسرع إلى من السيل إلى الحدود، ومن النار في يبس العرفج؛ وإني لمأخوذ بما لم أجن، ومسؤول عما لا أعرف؛ ولكنه حين رآني للملك قمنا "، وللخلافة خطرا؟، ورأى لي يداً تنالها إذا مدت، وتبلغها إذا بسطت، ونفساً تكمل بخصالها، وتستحقها بخلالها، وإن كنت لم أختر تلك الخصال، ولم أترشح لها في سر، ولا أشرت إليها في جهر، ورآها تحن إلى حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك، وحاذر أن ترغب إلى خير مرغوب، وتنزع إلى خير منزوع عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها، ونصب في التماسها، وتقدر لها بجهده، وتهيأ لها بكل حيلته.

عبد الملك بن صدقة بن عبد الله بن جندب

فإن كان حبسني على أني أصلح لها، وتصلح لي، وأليق بها، وتليق بي فليس ذلك بذنب فأتوب منه، ولا جرم فأرجع عنه، ولا تطاولت لها فأخطأتني. فإن زعم أنه لا صرف لعقابه، ولا نجاة من إغضابه إلا بأن أخرج له من الحلم والعلم، وأتبرأ إليه من الحزم والعزم؛ فكما لا يستطيع المضياع أن يكون حافظاً ولا يملك العاجز أن يكون حازماً كذلك العاقل لا يكون جاهلاً، ولا يكون الذكي بليداً، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير، وشغلته عن التدبير، ولما كان من الخطاب إلا اليسير، ومن بذل الجهد إلا القليل، غير أني والله أرى السلامة من تبعاتها غنماً، والخف من أوزارها حظاً. مات عبد الملك بن صالح بن علي بالرقة سنة ست وتسعين ومائة. عبد الملك بن صدقة بن عبد الله بن جندب روى عن أبيه، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن الله تبارك وتعالى قال: " من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة " عبد الملك بن عبد الكريم أبو الأصبغ الطبراني روى عن فهد بن موسى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أعلمك كلماتٍ تعمل بهن، وتعلمهن الناس؟ كن ورعاً تكن أعبد الناس، واقنع بما رزقك الله تكن أغنى الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن إلى من جاوزك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإنه يميت القلب "

عبد الملك بن عبد الوهاب

عبد الملك بن عبد الوهاب أبو عبد الرحيم المطلبي روى عن أبي الفتح الغزنوي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": " الصوم جنة " عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي أمه أم ولد. كان رجلاً صالحاً يعين أباه على رد المظالم، ويحثه على ذلك. مات في حياة أبيه. قال لأبيه في أصحابه: أنفذ فيهم أمر الله، وإن جاشت بي وبك القدور وقال: يا أبت أقم الحق ولو ساعة من نهارٍ وكتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد؛ فإني أحضك على الشكر الذي اصطنع عندك من نعمه، وآتاك من كرامته؛ فإن نعمته يمدها شكره، ويقطعها كفره، وأكثر ذكر الموت الذي لا تدري متى يغشاك، وذكر يوم القيامة، وهو له وشدته؛ فإن في ذلك عوناً حسناً على الزهادة فيما رهدت فيه، والرغبة فيما رغبت فيه. وكن مما أوتيت من الدنيا على حذرٍ؛ فإنه من أمن ذلك ولم يتوقه أوشكت الصرعة أن تدركه في العمار حتى يضيع بعض الذي لا ينبغي له إضاعته. وأكثر النظر في دنياك التي تذهب آخرتك ما لم تعاهدها، واقتصر على ما أمرت به، فإن فيه شغلاً عما نهيت عنه، وفي الحق سعة لأهله، على ما كان من شدته وثقله. واعلم أن ذلك إمام الأعمال الصالحة، وأن عملا: لم يكن الحق قائده وإمامه عمل لا يزكو به

صاحبه. واحذر نفسك واتهمها، ولاتحملها على الرخاء والدعة واحملها على مكروهها. وأكثر الصمت؛ فإنه زعة من الخطايا، وسلامة من الشر، ثم انزل الدنيا منزل ظعن، حتى تؤثره على الجهل، ولا الحق حتى تذر الباطل؛ فلا يكونن الحق عندك ضعيفاً، ولا الباطل لك أخاً وصاحباً. وكتب إليه: ليس من أحد من الناس رشده وصلاحه أحب من رشدك وصلاحك إلا أن يكون والي عصابةٍ من المسلمين، أو من أهل العهد، يكون لهم في صلاحه مالا يكون لهم في غيره، أو يكون عليهم من فساده مالا يكون عليهم من غيره. وقال عمر لميمون بن مهران: إن ابني عبد الملك آثر ولدي عندي، وقدرين على علمي بفضله، فاستبره لي، ثم ائتني بعلمه، وأدبه وعقله، وانظر هل ترى منه مايشاكل نحوه؛ فإنه شاب! فخرج إلى عبد الملك، فنظر في أحواله، وتتبع أقواله وأفعاله، فلم ير شاباً مثله. وقال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: أما دخلت علي عبد الملك؟ فأتيت الباب، فإذا وصيف، فقلت له: استأذن عليه، فقال: ادخل، فدخلت عليه، فقال: من أنت؟ قلت: ميمون بن مهران، معرف. ثم حضر طعامه، فأتى بقلية مدنية - وهي عظام اللحم - ثم أتى بثريدة قد ملئت خبزاً وشحماً، ثم أتى بتمرٍ وزبدٍ. فقلت: لو كلمت أمير المؤمنين، فخصك منه بخاصة؟ فقال: إني لأرجو أن يكون أوفى حظاً عند الله من ذلك، إني في ألفين كان سليمان ألحقني فيهما، والله لو كان إلى أبي في نفسي ما فعل، ولي غلة بالطائف إن سلمت لي أتاني منها غلة ألف درهم، فما أصنع بأكثر من ذلك؟ فقلت في نفسي: أنت لأبيك.

وأمر عمر بن عبد العزيز غلامه بأمرٍ، فغضب عمر، فقال له ابنه عبد الملك: يا أبتاه، ما هذا الغضب والاختلاط؟! فقال له عمر: إنك لمحتكم، يا عبد الملك؟ فقال له عبد الملك: لا والله، ما هو التحكم، ولكنه الحكم. وقال عمر بن عبد العزيز: لولا أن أكون زين لي من أمر عبد الملك ما يزين في عين الوالد من الولد أنه أهل الخلافة. ودخل عبد الملك على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقاً لم يحيه، وباطلاً لم تمته؟ قال: اقعد يا بني، إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس عن الحق، فانتهت الأمور إلي، وقد أقبل شرها، وأدبر خيرها، ولكن، أليس حسبي جميلاً ألا تطلع الشمس علي في يومٍ إلا أحييت فيه حقاً، وأمت فيه باطلاً حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك؟ وجمع عمر بن عبد العزيز قراء أهل الشام، فقال: إني قد جمعتكم لأمر قد أهمني؛ هذه المظالم التي في يدي أهل بيتي، ما ترون فيها؟ قال: فقالوا: ما نرى وزرها إلا على من اغتصبها. قال: فقال لعبد الملك ابنه: ما ترى أي بني؟ قال: ما أرى من قدر على أن يردها فلم يردها، والذي اغتصبها إلا سواء ". قال: قال: صدقت أي بني، قال: ثم قال: الحمد لله الذي جعل لي وزيراً من أهلي عبد الملك ابني ثم دخل عبد الملك على أبيه فقال: أين وقع رأيك من رد المظالم؟ فقال عمر: على إنفاذه، أصلي الظهر - إن شاء الله - ثم أصعد المنبر، فأردها على رؤوس الناس. فقال عبد الملك: يا أمير المؤمنين، من لك بالظهر؟ ومن لك، يا أمير المؤمنين إن بقيت، أن تسلم لك نيتك للظهر؟ قال عمر: فقد تفرق الناس للقائلة، فقال عبد الملك: تأمر منادياً، فينادي: الصلاة جامعة، حتى يجتمع الناس، فأمر منادياً، فنادى، فاجتمع الناس، وقد جيء بسفط، أو جونة، فيها تلك الكتب، وفي يد عمر جلم يقصه، حتى نودي بالظهر.

قالوا لعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز: أبوك خالف قومه، وفعل، وصنع، فقال: إن أبي يقول: " قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يومٍ عظيم ". قال: ثم دخل على أبيه فأخبره، فقال: فأي شيء قلت؟ ألا قلت: إن أبي يقول: " إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " قال: قد فعلت دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في وجعه، فقال: يا بني، كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحق، قال: يا بني، لأن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك. قال ابنه: وأنا يا أبه، لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب. فلما هلك عبد الملك قال عمر: يا بني، لقد كنت في الدنيا كما قال جل ثناؤه: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ولقد كنت أفضل زينتها، وإني لأرجو أن تكون اليوم من الباقيات الصالحات التي هي خير ثواباً، وخير أملاً، والله ما يسرني أن دعوتك من جانبٍ فأجبتني. ومما عزي به عمر بن عبد العزيز بيتان أنشدهما أعرابي من بني طلاب: من الطويل تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذى الصغير ويولد هل ابنك إلا من سلالة آدمٍ ... وكل على حوض المنية مورد وعن زياد بن أبي حسان: أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك؛ قال: لما سوي عليه جعلوا في قبره خشبتين من زيتون إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، فلما سوى عليه قام على قبره، وطاف به الناس، فقال: يرحمك الله يا بني، قد كنت براً بأبيك، ومازلت مذ وهبك الله لي بك مسروراً، ولا والله ما كنت قد أشد سروراً، ولا أرجى لحظي من

عبد الملك بن عمير اللخمي

الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه؛ فرحمك الله، وغفر لك ذنبك، وتجاوز له لك عن سيئة، ورحم الله كل شافع يشفع لك بخيرٍ من شاهد وغائب، رضينا بقضاء الله، وسلمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين. وعن جعونة قال: لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل يثني عليه، فقال له مسلمة: لو بقي كنت نعهد إليه؟ قال: لا، ولم، وأنت تثني عليه؟ قال: أخاف أن يكون زين في عيني منه مازين في عين الوالد من ولده. وقيل: إن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز كان ابن تسع عشرة سنة " حين مات. عبد الملك بن عمير اللخمي من أهل قرية نوى من قرى دمشق روى عن عروة بن رويم اللخمي، أنه سمع أنس بن مالك يحدث الخليفة بالجابية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الإيمان يمانٍ، والحكمة في هذين الحيين من لخم وجذام " وسماه البخاري عبد الكريم بن محمد اللخمي، وقد تقدم، وتقدم الحديث من طريقه. عبد الملك بن قريب بن عبد الملك ابن علي بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد ابن عبد بن غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري صاحب اللغة روى عن كيسان مولى هشام بن حسان بسنده عن المغيرة بن شعبة قال: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرعون بابه بالأظافير.

ونروى عن يعقوب بن طحلاء، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بيت لاتمر فيه جياع أهله " وذكر قعنب بن محرر أبو عمر الباهلي، أن الأصمعي حدثه قال: رأيت حكم الوادي حين مضى المهدي إلى بيت المقدس، فعرض له في الطريق، وكان له شعيرات. فأخرج دفاً ينقر به، فقال: أنا القائل: مجزوء الخفيف فمتى تخرج العرو ... س فقد طال حبسها قد دنا الصبح أو بدا ... وهي لم تقض لبسها فتسرع إليه الحرس، فصيح بهم: كفوا. وسأل عنه، فقيل: حكم الوادي. فأدخله إليه ووصله. وروى يعقوب بن سفيان قال: سمعت الأصمعي يقول: مررت بالشام على باب ديرٍ، وإذا على حجر منقور بالعبرانية، فقرأتها، فأخرج راهب رأسه من الدير، وقال لي: ياحنيفي، أتحسن تقرأ العبرانية؟ قلت: نعم، قال لي: اقرأ، فقلت: من الوافر أيرجو معشر قتلوا حسينا ... شفاعة جدة يوم الحساب فقال لي الراهب: ياحنيفي؟، هذا مكتوب على هذا الحجر قبل أن يبعث صاحبك بثلاثين عاماً. قال ابن معين: روى مالك عن عبد الملك بن قرير، وإنما هو: ابن قريب؛ قال الأصمعي: سمع مني مالك. كذا قال يحيى، ووهم في ذلك، إنما هو عبد الملك بن قرير، أخو عبد العزيز بن قرير.

قال التوزي: كنا عند الأصمعي، وعنده قوم قصدوه من خراسان، وأقاموا على بابه، فقال له قائل منهم: يا أبا سعيد، إن خراسان ترجف بعلم بالبصرة، وعلمك خاصة "، وما رأينا أصح من علمك. فقال: لا عذر لي إن لم يصح علمي، دع من لقيت من العلماء، والفقهاء والرواة للحديث، والمحدثين، ولكن قد لقيت من الشعراء الفصحاء، وأولاد الشعراء - فعدهم ثم قال: - وما عرف هؤلاء غير الصواب، فمن أين لا يصح علمي؟! وهل يعرفون أحداً له مثل هذه الرواية؟!. قال المبرد: كان الأصمعي أسد الشعر، والغريب، والمعاني، وكان أبو عبيدة كذلك، ويفضل على الأصمعي بعلم النسب، وكان الأصمعي أعلم منه بالنحو ويقال: إن الرشيد كان يسميه شيطان الشعر. وكان الأصمعي صدوقاً في الحديث. عنده عن ابن عون، وحماد ين سلمة، وحماد بن زيد وغيرهم. وعنده القراءات عن أبي عمرو، ونافع، وغيرهما، ويتوقى تفسير شيءٍ من القرآن والحديث على طريق اللغة، وأكثر سماعة من الأعراب، وأهل البادية. قال له أعرابي وقد رآه يكتب كل شيء " ما تدع شيئاً إلا نمصته - أي نتفته. وقال له آخر: أنت حتف الكلمة الشرود وأبو سعيد الأصمعي عند أهل الأدب أشهر من أبي عبيدة، وأبو عبيدة عند أهل الحديث أصدق من الأصمعي. قال الأخفش: ما رأينا أحداً أعلم بالشعر من الأصمعي وخلف، والأصمعي أعلم لأنه كان معه نحو. قال الأصمعي: حدث يوماً شعبة بحديث، فقال فيه: فذوى السواك. فقال له رجل

حضره: إنما هو: فذوي. فنظر إلي شعبة، وأومأ بيده فقلت له: القول ما تقول. فزجر القائل. وقال له شعبة: لو أتفرغ لجئتك. وقال له: إني وصفتك لحماد بن سلمة، وهو يحب أن يراك. قال: فوعدته يوماً، فذهبت معه إليه، فسلمت عليه، فحيا، ورحب. ثم قال لي: كيف تنشد هذا البيت: " أولئك قوم إن بنوا أحسنوا ... "؟ فقلت: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا - يعني بكسر الباء - فقال لي: انظر جيداً، فنظرت، فقلت: لست أعرف إلا هذا. فقال: يا بني، " أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا "، القوم إنما بنو المكارم، ولم يبنوا باللبن والطين! قال: فلم أزل هائباً لحماد بن سلمة، ولزمته بعد ذلك. قال ثعلب: وقيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي أصحابك؟ قال: درست وتركوا. وقال الأصمعي: أحفظ ست عشرة ألف أرجوزة وقال ابن الأعرابي: شهدت الأصمعي وقد أنشد نحواً من مائتي بيت ما فيها بيت عرفناه. وقال الشافعي: ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعي. ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة " من الأصمعي. وقال يحيى بن معين: الأصمعي ثقة وسئل عنه أبو داود فقال: صدوق.

وزعم الباهلي صاحب المعاني أن طلبة العلم كانوا إذا أتوا مجلس الأصمعي اشتروا البعر في سوق الدر، وإذا أتوا أبا عبيدة اشتروا الدر في سوق البعر. والمعنى أن الأصمعي كان حسن الإنشاد والزخرفة لردىء الأخبار والأشعار حتى يحسن عنده القبيح، وأن الفائدة عنده مع ذلك قليلة، وأن أبا عبيدة كان معه سوء عبارة، وفوائد كثيرة، والعلم عنده جم. وقال عمرو بن مرزوق: رأيت الأصمعي وسيبويه يتناظران، فقال يونس: الحق مع سيبويه، وهذا يغلبه بلسانه. قال حماد بن إسحاق الموصلي: قال لي يوماً هارون أمير المؤمنين الواثق: إن لي حاجة إليك، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الكلام يجل عني، إنما أنا عبد من عبيد أمير المؤمنين، يأمرني فأأتمر، قال: قد جعلتها حاجة "، فقلت: يقول أمير المؤمنين ما أحب، فقال: أحب أن تترك لي التشاغل بالأصمعي؛ فإني ربما سألت عنك، فوجدته مشغولاً به، وتعتل علي، فلا تأتيني. فقلت: يا أمير المؤمنين، أما هذا فلا أضمنه لك، أن تمنعني شيئاً به حللت عندك هذا المحل، وفضلتني به على غيري. وقال خلف: يغلبني الأصمعي بحضور الحجة. ولما أخبر أبو نواس بأن الخليفة عمل على أن يجمع بين الأصمعي وأبي عبيدة قال: أما أبو عبيدة فعالم ما ترك مع أسفاره يقرؤها، والأصمعي بمنزلة بليلٍ في قفص تسمع من نغمه لحوناً، وترى كل وقت من ملحه فوناً. وحكى الأصمعي أن هارون الرشيد أمر بحمله إليه، فلما مثل بين يديه استدناه. قال الأصمعي: فجلست، وقال لي: يا عبد الملك، وجهت إليك بسبب جاريتين

أهديتاه إلي، وقد أخذتا طرفاً من الأدب، أحببت أن تبور ما عندهما، وتشير علي فيهما بما هو الصواب عندك. فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط، فقلت لأحداهما: مااسمك؟ قالت: فلانة، قلت: ما عندك من العلم؟ قالت: ما أمر الله - عز وجل - به، ثم ما ينظر الناس فيه من الأشعار، والآداب، والأخبار. فسألتها عن حروف من القرآن، فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب، وسألتها عن النحو، والعروض، والأخبار، فما قصرت. فقلت: أنشدينا شيئاً، فاندفعت في هذا الشعر: من الخفيف ياغياث البلاد في كل محلٍ ... ما يريد العباد إلا رضاكا لا ومن شرف الإمام وأعلى ... ما أطاع الإله عبد عصاكا فقلت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أمرأة في مسك رجل مثلها. وقالت الأخرى، فوجدتها دونها، فقلت: ما تبلغ هذه منزلتها، إلا أنها إن ووظب عليها لحقت. ثم قال لي: يا عبد الملك أنا ضجر، وقد جلست أحب أن أسمع حديثاً أتفرج به، فحدثني بشيءٍ، فقلت لأي الحديث يقصد أمير المؤمنين؟ قال: لما شاهدت وسمعت من أعاجيب الناس، وطرائف أخبارهم. فقلت: يا أمير المؤمنين، صاحب لنا في بدوٍ، كنت أغشاه، وأتحدث إليه، وقد أتت عليه ست واسعون سنة أصح الناس ذهناً، وأجودهم أكلاً، وأقواهم بدناً، فغبرت بدناً. فغبرت عنه زماناً، ثم قصدته، فوجدته ناحل البدن، كاسف البال، متغير الحال، فقلت: ما شأنك، أصابتك مصيبة؟ قالت: لا، قصدت بعض القرابة في حي بني فلان، فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها، وطلت بالورس مابين قرنها إلى قدمها، وعليها قميص وقناع مصبوغان، وفي عنقها طبل توقع عليه، وتنشد هذا الشعر: من الوافر محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب برى ريب المنون لهن سهما ... تصيب بنصله مهج القلوب

فأجبتها: قفي شفتي في موضع الطبل ترتعي ... كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن هبيني عودا أجوفا تحت شنة ... تمتع فيما بين نحرك والذقن فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل، فرمت به في وجهي، وبادرت إلى الخباء فدخلت، فلم أزل واقفاً إلى أن حميت الشمس على مفرق رأسي، لاتخرج إلي، ولا ترجع إلي جواباً، فانصرفت سخين العين، قريح القلب. فهذا الذي ترى بي من التغير، من عشقي لها. قال الأصمعي: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الربيع، فقال: يا أصمعي، كم كتابك في الخيل؟ قال: قلت: جلد. قال: فسأل أبا عبيدة عن ذلك، فقال: خمسون جلداً. قال: فأمر بإحضار الكتابين. قال: ثم أمر بإحضار فرسٍ، فقال لأبي عبيدة: أقرأ كتابك حرفاً حرفاً، وضع يدك على موضعٍ موضعٍ، فقال أبو عبيدة: ليس أنا بيطاراً، إنما هذا شيء أخذته، وسمعته من العرب، وألفته، فقال لي: يا أصمعي، قم، فضع يدك على موضعٍ موضعٍ من الفرس. فقمت، فحسرت عن ذراعي وساقي، قم وثبت، فأخذت بأذني الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته، فجعلت أقبض منه شيئاً شيئاً، وأقول: هذا اسمه كذا، وأنشد فيه، حتى بلغت حافره. قال: فأمر لي بالفرس. فكنت إذا أردت إن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس، وأتيته. قال الأصمعي للكسائي، وهما عند الرشيد: ما معنى قول الراعي: من الرمل. قتلوا كسرى بليلٍ محرما ... فتولى لم يمتع بكفن هل كان محرماً بالحج؟ فقال هارون للكسائي: يا علي، إذا جاء الشعر فإياك والأصمعي.

قوله محرماً، كان في حرمة الإسلام. قال محمد بن سويد: قال ابن السكيت، قال الأصمعي: ومن ثم قيل: مسلم محرم؛ أي لم يحل من نفسه شيئاً يوجب القتل. وقوله في كسرى: محرماً، يعني حرمة العهد الذي كان له في أعناق أصحابه. قال أبو عر الجرمي يوماً: أنا أعلم الناس بكلام العرب. فسمعه الأصمعي، فقال: كيف تنشد هذا البيت: من الكامل قد كن يخبأن الوجوه تسترا ... فالآن حين بدأن للنظار أو " حين بدين "؟ قال أبو عمر: حين بدان، فقال: أخطأت، فقال: بدين، فقال: أخطأت يا أعلم الناس بكلام العرب؛ " حين بدون " وقيل: كان الرشيد يحب الوحدة، فكان إذا ركب حماره عادله الفضل بن الربيع، وكان الأصمعي يسير قريباً منه بحيث يحاذيه، وإسحاق الموصلي على دابةٍ يسير قريباً من الفضل. فأقبل الأصمعي لا يحدث الرشيد شيئاً إلا سربه، وضحك منه، فحسده إسحاق. وكان فيما حدثه الأصمعي، فقال: يا أمير المؤمنين، مررت على رجلٍ زانكي جالس على بابه، قال ويحك. فما الزانكي؟ فوصفه له - وهو الشاطر - قال: فقلت له: يافتى، أيسرك أنك أمير المؤمنين؟ قال: لا، قلت: ولم؟. قال: لا يدعوني أذهب حيث شئت. قال: فقال الرشيد: صدق والله، ما يدعونا نذهب حيث شئنا. قال: فاستضحك الرشيد، فقال إسحاق للفضل: ما يقول كذب، فقال الرشيد: أي شيء؟ قال: فأخبره، فغضب، فقال: والله لو كان ما يقول كذباً إنه لأظرف الناس، وإن كان حقاً إنه لأعلم الناس. فمكث بينهما دهراً من الدهر، فقال إسحاق: أصيمع باهل يستطيل.. قال إبراهيم الحربي: كان أهل البصرة، أهل العربية، منهم أصحاب الأهواء إلا أربعة؛ فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي. قال أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي سمعت أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين يثنيان على الأصمعي في السنة

قال الأصمعي: من قال: إن الله - لا يرزق الحرام فهو كافر. قال الجاحظ: كان الأصمعي منانياً، فقال له العباس بن رستم: لا والله، ولكن تذكر حين جلست إليه تسأله، فجعل يأخذ نعله بيده، وهي مخصوفة بحديد، ويقول: نعم قناع القدرس، نعم قناع القدري، فعلمت أنه يعنيك، فقمت؟ قال الأصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار "، لأنه لم يكن يلحن، فما رويت عنه، ولحنت فيه كذبت عليه. قال أبو قلابة: سألت الأصمعي، فقلت: يا أبا سعيد، ما قول: أحق بسقيه " - يعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجار أحق بسقيه " - فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن العرب تقول: السقب اللزيق. وسئل عن معنى قول النبي صلى اله عليه وسلم: " جاءكم أهل اليمن، وهم أبخع أنفساً "، قال: يعني أقتل أنفساً، ثم أقبل على نفسه كاللائم لها، فقال: ومن أخذني بهذا، وما علمي به؟ وكان يتقي أن يفسر حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يتقي أن يفسر القرآن. قال أبو حاتم السجستاني: أهديت إلى الأصمعي قدحاً من هذه السجزية، فجعل ينظر إليه ويقول: ما أحسنه. فقلت: إنهم يزعمون أن فيه عرقاً من الفضة، فردع علي، وقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يشرب في آنية الفضة.

قال الأصمعي: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً. وقال: بلغت ما بلغت بالعلم، ونلت ما نلت بالملح. وقال: مررت بصنعاء اليمن على مزرعة، وبجنبها عين، وإذا غلام قد ملأ قربته، وهو متعلق بعراها، وهو يصيح: يا أبه، يا أبه، فاها، فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها؛ وإذا به قد أتى بوجوه الإعراب في حال الرفع والنصب والخفض. قال الأصمعي: مررت بالبادية على رأس بئر، وإذا على رأسه جوارٍ، وإذا واحدة فيهن كأنها البدر، فوقع علي الرعدة، وقلت لها: من البسيط يا أحسن الناس إنسانا وأملحهم ... هل ياشتكائي إليك الحب من باس فبيني لي بقولٍ غير ذي خلف ... أبا لصريمة نمضي عنك أم ياس قال: فرقعت رأسها، وقالت لي: أخسأ! فوقع في قلبي مثل جمر الغضا، فانصرفت عنها، وأنا حزين. قال: ثم رجعت إلى رأس البئر، فإذا هي على رأس البئر، فقالت: من البسيط هلم نمح الذي قد كان قد وله ... ونحدث الآن إقبالاً من الراس حتى نكون سواء في مودتنا ... مثل الذي يحتذي نعلا بمقياس فانطلقت معها إلى أبيها، فتزوجتها، فابني علي منها. وقال: كنت يوماً في سكة من سكك البصرة فرأيت كناساً يحمل العذرة، وهو ينشد هذا البيت: من الطويل وأكرم نفسي إنني إن أهنتها ... لعمري لاتكرم على أحدٍ بعدي فقلت: يا هذا، أي كرامةٍ لنفسك عندك وأنت من قرنك إلى قدمك في الخراء؟! فقال: عن سفلة مثلك، لا آتية أستقرض منه دانقاً فيردني. قال: فأفحمت، فلم أجىء بجواب.

قال سلمة بن عاصم: ما لقيني الأصمعي قد إلا قال: أرجو أن تكون من أهل الجنة. قال: فقال لي جليس له: إنما أراد أنك أبله، لأن أكثر أهل الجنة البله، قال: لا يبعد، فقد كان ماجناً. قال عباس بن الفرج: ركب الأصمعي حماراً دميماً، فقيل: أبعد براذين الخلفاء تركي هذا؟! فقال متمثلاً: من الطويل ولما أبت إلا انصراما بودها ... وتكديرها الشرب الذي كان صافيا شربنا برنقٍ من هواها مكدر ... وليس يعاف الرنق من كان صاديا هذا، وأملك ديني ونفسي أحب إلي من ذلك م ع ذهابهما. كان أبو عبيدة يقول: كان الأصمعي بخيلاً، فكان يجمع أحاديث البخلاء ويتحدث بها، ويوصي بها ولده. وقال محمد بن سلام: كنا مع أبي عبيدة في جنازة ننتظر إخراج الميت، ونحن بقرب دار الأصمعي، فارتفعت ضجة في دار الأصمعي، فبادر الناس ليعرفوا ذلك، فقال أبو عبيدة: إنما يفعلون هذا عند الخبز. كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفاً. ويقال: إن جعفر بن يحيى استرد مبلغاً كان أمر أن يوصل به وذلك لما رأى من رثاثة حاله، ووسخ منزله، وقال: علام نعطيه الأموال إذا لم تظهر الصنيعة عنده، ويتزيا بزي أهل المروآت؟! مات الأصمعي سنة سبع عشرة ومائتين - وقيل: سنة ست عشرة ومائتين، وقيل: سنة خمس عشرة ومائتين - وكان قد بلغ ثمانياً وثمانين سنة. وكانت وفاته بالبصرة.

عبد الملك بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب أبو سعد بن أبي عثمان الواعظ النيسابوري المعروف بالخركوشي قدم دمشق سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وحدث بها. روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن حامد بن متويه البلخي بسنده عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلقة، ورجل قائم يصلي، فلما ركع وتشهد دعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لإله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، ياذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقوم: " أتدرون ما دعا "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده، لقد دعا الله - عز وجل - باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. وروى بسنده عن عطاء قال: بلغنا أن موسى بن عمران صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بين الصفا والمروة، وعليه جبة قطوانية، وهو يقول: " لبيك اللهم لبيك " فيجيبه ربه: " لبيك ياموسى " كان عبد الملك بن أبي عثمان خلفاً لجماعة من تقدمة من العباد المجتهدين، والزهاد القانعين. وقد وفقه الله لعمارة المساجد والحياض والقناطر والدروب وكسوة الفقراء والعراة من الغرباء والبلدية حتى بنى داراً للمرضى بعد أن خربت الدور القديمة لهم بنيسابور، ووكل جماعة من أصحابه المستورين بتمريضهم، وحمل مياههم إلى الأطباء، وشراء الأدوية لهم. وقد صنفت في علوم الشريعة، ودلائل النبوة، وفي سير العباد والزهاد كتباً نسخها جماعة من أهل الحديث، وسمعوها منه، وسارت تلك المصنفات في المسلمين تاريخاً لنيسابور، وعلمائها الماضين منهم والباقين.

قال أبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام الزاهد: رأيت الأستاذ الزاهد أبا سعد حضر مصلى بنيسابور للاستسقاء في أيام أمسك المطر فيها، وبدأ القحط، وكان الناس يتضرعون، ويبكون، فصلى صلاة الاستسقاء على رأس الملأ، ودعا في الاستسقاء، وسمعته يصيح ويقول: من المنسرح إليك جئنا وأنت جئت بنا ... وليس رب سواك يغنينا روى الثقة: أنه دخل على الإمام سهل الصعلوكي يوما، وكان عليه قميص غليظ دنس، فقال له الإمام: أيها الأستاذ، إن هذا الملبوس غليظ خشن، فقال: أيها الشيخ، ولكنه من الحلال، فقال: أيها الأستاذ، إنه دنس، فقال: أيها الشيخ، إنه مما تصح الصلاة فيه. فسكت الشيخ. توفي أبو سعد سنة ست وأربعمائة. عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي ولي إمرة دمشق للوليد بن يزيد بن عبد الملك، وولي الجند له أيضاً. وكان قد خرج عن دمشق لأجل الوباء، فلذلك تم ليزيد بن الوليد الناقص تدبيره في الوثوب بدمشق. عبد الملك بن محمد بن عدي أبو نعيم الجرجاني الأستراباذي الفقيه سكن جرجان. وكان مقدماً في الفقه والحديث، كانت الرحله إليه في أيامه. ورد نيسابور في صفر سنة ست عشرة وثلاثمائة، وأقام بها مدة. سئل عن مولده، فقال: سنة اثنتين وأربعين ومائتين. روى عن العباس بن الوليد بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "

عبد الملك بن محمد بن عطية بن عروة السعدي

لكل أمة مجوس، وإن هؤلاء القدرسة مجوس أمتي؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، ولاتصلوا عليهم " قال الخطيب: وكان أحد أئمة المسلمين، ومن الحفاظ لشرائع الدين مع صدق، وتورع، وضبط، وتيقظ، سافر الكثير، وكتب بالعراق، والحجاز، والشام، ومصر. وورد بغداد قديماً. مات في حدود سنة عشرين وثلاثمائة. وقال غير الخطيب: سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة - وقيل ثلاث وعشرين - وكان ابن ثلاث وثمانين سنة. قال الأستاذ أبو الوليد: لم يكن في عصرنا من الفقهاء أحد أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان أبي نعيم الجرجاني. وقال الحسين بن علي الحافظ: كان أبو نعيم الجرجاني أحد الأئمة، مارأيت بخراسان بعد أبي بكر محمد بن إسحاق - يعني ابن خزيمة - مثله، أو أفضل منه. كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كما نحفظ نحن المسانيد. عبد الملك بن محمد بن عطية بن عروة السعدي من أهل دمشق. ولي الحجاز واليمن لمروان بن محمد ودخل أبو حمزة المدينة فوجه مروان بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن عطية، فقتل أبا حمزة، وضم إليه مكة. قال الزبير بن عبد الرحمن بن أبي يسار الشيبي خرجت مع ابن عطية ونحن في اثني عشر رجلاً بعهد مروان على الحج، ومعه أربعون ألف دينار في أخرجة متفرقة، حتى ينزل الجوف يريد الحج، قد خلف عسكره

عبد الملك بن محمد بن يونس بن الفتح

وخيله وراءه بصنعاء. فوالله إنا لنتحدث، آمنون إذ سمعت كلمة " من امرأة: قاتل الله ابني جمانة ما أشمهما، فقمت كأني أهريق الماء، فأشرقت على نشز، فإذا الدهم من الرجال والسلاح والصبيان والخيل والقذافات. وإذا ابنا جمانة المراديان قد أحدقوا بنا من كل ناحية يرمون، فقلنا: ما تريدون؟ قال: أنتم لصوص، فأخرج ابن عطية كتاب أمير المؤمنين، وعهده على الحج، وقال: أنا ابن عطية، قالوا: هذا باطل: ولكنكم لصوص، فرأينا الشر، فركب الصقر بن حبيب فرسه، فقاتل، فأحسن حتى قتل، ثم ركب ابن عطية، فقاتل حتى قتل. عبد الملك بن محمد بن يونس بن الفتح أبو عقيل السمرقندي حدث عن أبي نصر أحمد بن عمرو بن محمد العراقي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا العلماء، فإنهم ورثة الأنبياء " عبد الملك بن محمد، أبو الزرقاء ويقال: أبو محمد البرسمي الصنعاني من صنعاء دمشق. روى عن الربيع بن حظيان، عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس تبع لكم يا أهل المدينة في العلم " قال: فكنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري قال: مرحبا " بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عبد الملك بن محمود بن إبراهيم

وروى عن أبي سلمة العاملي بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير رفقائي أربعة " وروى عن الأوزاعي بسنده عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة في الثوب الواحد، قال: " ليتوشح به، ويصلي فيه " قال أبو أيوب الدمشقي: وهو ثقة من أصحاب الأوزاعي وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، سألت دحيماً عن عبد الملك بن محمد الصنعاني، فكأنه ضجع، فقلت: هو أثبت أو عقبة بن علقمة؟ فقال: ماأقربهما! وقال أبو حاتم محمد بن حبان البستي: كان يجيب فيما يسأل عنه حتى ينفرد بالموضوعات. لا يجوز الاحتجاج بروايته. عبد الملك بن محمود بن إبراهيم ابن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع أبو الوليد القرشي الفقيه روى عن عبيد الكشوري بسنده عن حبيب بن سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفل الثلث. وروى عن محمد بن عبد الملك الدقيقي بسنده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " ما من رجل من المسلمين يرمي بسهم في سبيل الله، في العدو، أصاب أو أخطأ إلا كان له أجر ذلك السهم كعدل - أو عدل - نسمةٍ، وما من رجل من المسلمين ابيضت

عبد الملك بن مروان بن الحكم

شعرة منه في سبيل الله إلا كانت له نوراً يوم القيامة، وما من رجل من المسلمين أعتق صغيراً أو كبيراً إلا كان حقاً على الله أن يجزيه بكل عضوٍ منه أضعافاً مضعفة " مات أبو الوليد بن سميع في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة. عبد الملك بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. أبو الوليد الأموي. بويع له بالخلافة بعد أبيه مروان، بعهدٍ منه. روى عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلفه في أهله بخيرٍ أصابه الله - عزوجل - بقارعةٍ قبل يوم القيامة - وفي رواية: إلا أصابه الله " وفي رواية: " ما من امرىء مسلم لا يغزو في سبيل الله، أو يجهز غازياً أو يخلفه بخير إلا " قال عبد الملك: كنت أجالس بريرة بالمدينة قبل أن ألي هذا الأمر، فكان تقول: يا عبد الملك، إني لأرى فيك خصالاً لخليق أن تلي أمر هذه الأمة، فإن وليت فاحذر الدماء؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الرجل ليدفع عن باب الجنة أن ينظر إليها بملء محجمة من دمٍ يريقه من مسلم بغير حق "

قال الزبير بن بكار: فولد مروان بن الحكم أحد عشر رجلاً، ونسوة: عبد الملك بن مروان، ولي الخلافة، ومعاوية، وأمر عمرو، وأمهم عائشة بنت معاوية بن أبي العاص وقال مصعب الزبيري: أول من سمي في الإسلام عبد الملك عبد الملك بن مروان وذكر محمد بن سيرين: أن مروان بن الحكم سمى ابنه القاسم، وكان يكنى به، فلما بلغه النهي حول اسمه عبد الملك. قال ابن سعد: كان عبد الملك يكنى أبا الوليد. ولد سنة ست وعشرين في خلافة عثمان بن عفان، وشهد سوم الدار مع أبيه، وهو ابن عشر سنين، وحفظ أمرهم وحديثهم، وشتا المسلمون بأرض الروم سنة اثنتين وأربعين، وهو أول مشتى شتوه بها، فاستعمل معاوية على أهل المدينة عبد الملك بن مروان، وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة "، فركب عبد الملك بالناس البحر. كان عابداً ناسكاً قبل الخلافة، وقد جالس العلماء والفقهاء، وحفظ عنهم، وكان قليل الحديث. قال البخاري: ولي عبد الملك أربع عشرة سنة "، وكانت فتنة ابن الزبير ثمان سنين، مديني سكن الشام. مات سنة ست وثمانين. ودخل على عثمان وهو غلام، فقبله. قال أبو سعيد بن يونس: قدم مصر سنة خمسين لغزو المغرب مع معاوية بن خديج التجيبي، وكانت وفاته بدمشق. قال الخطيب: بويع له بالخلافة عند موت أبيه، وهو بالشام، ثم سار إلى العراق، فالتقى هو

ومصعب بن الزبير يمسكن على نهر دجيل قريباً من أوانا عند دير الجاثليق، فكانت الحرب بينهما حتى قتل مصعب، وقتل الحجاج بن يوسف بعده أخاه عبد الله بن الزبير بمكة، واجتمع الناس على عبد الملك، وكان منزله بدمشق. قال خليفة: ولد عبد الملك بالمدينة في دار مروان في بني حديلة سنة ثلاث وعشرين - وقال: سنة ست وعشرين وذكر أبو حسان الزيادي أنه ولد سنة خمسٍ وعشرين قال الخطبي: وكان ربعة، إلى الطول أقرب منه إلى القصر، أبيض، ليس بالنحيف، ولا البادن، ولم يخضب إلى أن مات - وقيل إن خضب وترك - وكانت أسنانه مشبكة بالذهب، أفوه مفتوح الفم. عن عبادة بن نسي قال: قيل لبن عمر: إنكم معشر أشايخ قريش توشكون أن تنقرصوا، فمن نسأل بعدكم؟ فقال: إن لمروان ابناً فقيهاً فسلوه قال أبو الزناد: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذويب، وعبد الملك بن مروان وروي أن قوماً استغاثوا ليلةً، فخرج الناس مغيثين، فأدركوا رجلاً، فجاؤوا به، فجعل الرجل يقول: إنما كنت مغيثاً، فأبوا حتى رفعوه إلى عبد الملك، فأمر بقتله،

فجاء رجل من الناس، فقال: إن هذا، والله، ما هو القاتل، ولكنني أنا القاتل، ولا والله، لا أقتل رجلين، قال: فقال عبد الملك: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا نفساً بنفسه فلا قود عليه ". فخلى سبيله، وقال: ما أحسب قصته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سقطت عن عبد الملك ومر عبد الملك بن مروان بعبد الله بن عمر، وهو في المسجد، وذكر اختلاف الناس، فقال: لو كان هذا الغلام اجتمع الناس عليه. وقال: ولد الناس أبناء، وولد مروان أباً. قال بشر أبو نصر: دخل عبد الملك بن مروان على معاوية، وعنده عمرو بن العاص، فسلم، ثم جلس، ثم يلبث أن نهض. فقال معاوية: ما أكمل مروءة هذا الفتى! فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إنه أخذ بأخلاقٍ أربعةٍ، وترك أخلاقاً ثلاثة: أخذ بأحسن البشر إذا خولف. وترك مزاح من لا يوثق بعقله ولا دينه، وترك مخالفة لئام الناس، وترك من الكلام ما يعتذر منه. وقالت أمر الدرداء لعبد الملك بن مروان: يا أمير المؤمنين، مازلت أتخيل هذا الأمر فيك مذ رأيتك. قال: وكيف ذاك؟ قالت: ما رأيت أحسن منك محدثاً، ولا أعلم منك مستمعاً. حدث شيخ كان يجالس سعيد بن المسيب قال: مر به يوماً ابن زمل العذري، ونحن معه، فحصبه سعيد، فجاءه، فقال له سعيد: بلغني أنك مدحت هذا، وأشار نحو الشام - يعني عبد الملك، قال: نعم يا أبا محمد، قد مدحته، أفتحب أن تسمع القصيدة؟ قال: نعم، اجلس، فأنشده حتى بلغ: من الوافر

فماعابتك في خلقٍ قريش ... بيثرب حين أنت بها غلام فقال سعيد: صدقت، ولكنه لما صار إلى الشام بدل قال يحيى بن سعيد: أول من صلى في المسجد مابين الظهر والعصر عبد الملك، وفتيان معه. كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا، فصلوا إلى العصر، فقيل لسعيد بن المسيب: لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء؟ فقال سعيد بن المسيب: ليست العبادة بكثرة الصلاة، ولا الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله، والورع عن محارم الله. قال الشعبي: ما جالست أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان؛ فإني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني فيه، ولا شعراً إلا زادني فيه. عن المقبري: أن عبد الملك بن مروان لم يزل بالمدينة في حياة أبيه، وولايته حتى كان أيام الحرة. فلما وثب أهل المدينة، فأخرجوا عامل يزيد بن معاوية عن المدينة، وأخرجوا بني أمية خرج عبد الملك مع أبيه، فلقيهم مسلم بن عقبة بالطريق قد بعثه يزيد بن معاوية في جيشٍ إلى أهل المدينة، فرجع معه مروان، وعبد الملك بن مروان، وكان مجدوراً، فتخلف عبد الملك بذي خشبٍ، وأمر رسولاً أن ينزل مخيضاً، وهي فيما بين المدينة وذي خشب على اثني عشر ميلاً من المدينة، وآخر يحضر الوقعة يأتيه بالخبر، وهو يخاف أن تكون الدولة لأهل المدينة. فبينا عبد الملك جالس في قصر مروان بذي خشب يترقب إذا رسوله قد جاء يلوح بثوبه، فقال عبد الملك: إن هذا لبشير. فأتاه رسوله الذي كان بمخيض يخبره أن أهل المدينة قد قتلوا، ودخلها أهل الشام، فسجد عبد الملك. ودخل المدينة بعد أن برأ. ويروى أن رجلاً كان يهودياً فأسلم، يقال له: يوسف، وكان يقرأ الكتب، فمر بدار مروان بن الحكم، فقال: ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار - ثلاث مرار - فقلت له: إلى متى؟ قال: حتى تجىء رايات سود من قبل خراسان، وكان صديقاً

لعبد الملك بن مروان، فضرب منكبيه ذات يومٍ، فقال: اتق الله - يا بن مروان في أمة محمد إذا وليتهم، فقال: دعني، ويحك! ودفعه، ما شأني وشأن ذلك؟ فقال: اتق الله في أمرهم. قال: وجهز يزيد بن معاوية جيشاً إلى أهل مكة، فقال عبد الملك بن مروان: - وأخذ قميصه فنفضه، يعني من قبل صدره، فقال: - أعوذ بالله، أعوذ بالله، أعوذ بالله، أتبعث إلىحرم الله؟! فضرب يوسف منكبه وقال: لم تنفض قميصك؟ جيشك إليهم أعظم من جيش يزيد بن معاوية. أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره يقرأ، فأطبقه، قوال: هذا آخر العهد بك. وبايع أهل الشام عبد الملك بالخلافة ليله الأحد لهلال شهر رمضان سنة خمس وشتين - وقيل سنة أربع وستين وهو ابن ثمان وثلاثين، وتوفي وله سبع وخمسون سنة - وكانت الجماعة على عبد الملك سنة ثلاثٍ وسبعين عن أبي الطفيل قال: صنع لعبد الملك مجلس بويع فيه، فدخله، فقال: لقد كان يرى ابن حنتمة الأحوزي يقول: إن هذا عليه حرام - يعني عمر بن الخطاب. كان نقش خاتم عبد الملك بن مروان: " أومن بالله مخلصاً " عن عبد الملك بن عمير: أن عبد الملك بن مروان دخل الكوفة بعد قتل مصعب الزبير، فطاف في القصر ثم خرج، فاستلقى، وقال: من الكامل اعمل على حذرٍ فإنك ميت ... واكدح لنفسك أيها الإنسان - وفي رواية: اعمل على مهل -

فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى ... وكأنما هو كائن قد كانا لما أجمع الناس على عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين كتب إليه ابن عمر بالبيعة، وكتب إليه أبو سعيد الخدري، وسلمة بن الأكوع بالبيعة. وكتب عبد الله بن عمر إلى عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله بن عمر إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنك راع، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته " لا إله إلا الله هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه، ومن أصدق من الله حديثاً؟ لا أحد، والسلام. قال: وبعث به مع سالم. قال: فوجدوا عليه أن قدم اسمه. فقال سالم: انظروا في كتبه إلى معاوية، فنظروا، فوجدوه يقدم اسمه، فاحتلموا ذلك. حج عبد الملك حجة "، أقام الحج للناس سنة خمس ٍوسبعين، فلما مر بالمدينة نزل في دار أبيه، فأقدم أياماً، ثم خرج حتى انتهى إلى ذي الحليفة، وخرج معه الناس، فقال له أبان بن عثمان: أحرم من البيداء، فأحرم عبد الملك من البيداء. قال ثعلبة بن مالك القرظي: رأيت عبد الملك بن مروان صلى المغرب والعشاء في الشعب، فأدركني دون جمع، فست معه، فقال: صليت بعد؟ فقلت: لا لعمري، قال: فما منعك من الصلاة؟ قال: قلت: إني في وقت بعد، قال: لا لعمري، ما أنت في وقتٍ. قال: ثم قال: لعلك ممن يطعن على أمير المؤمنين عثمان؟ فاشهد على أبي لأخبرني أنه رآه صلى المغرب والعشاء في الشعب، فقلت: ومثلك يا أمير المؤمنين يتكلم بهذا، وأنت الأمام!؟ ومالي وللطعن عليه وعلى غيره؟ قد كنت له لازماً، ولكني رأيت عمر لا يصلي حتى يبلغ جمعاً، وليست سنة أحب إلي من سنة عمر. فقال: رحم الله عمر، لعثمان كان أعلم بعمر، لو كان عمر فعل هذا لاتبعه عثمان، وما كان أحد أتبع لأمر عمر بن عثمان، وما خالف

عثمان عمر في شيء من سيرته إلا باللين؛ فإن عثمان لان لهم حتى ركب، ولو كان غلظ عليهم جانبه كمما غلظ عليهم ابن الخطاب ما نالوا منه ما نالوا، وأين الناس الذين كان يسير فيهم عمر بن الخطاب والناس اليوم! يا ثعلبة؛ إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس، إن ذهب اليوم رجل يسير بتلك السيرة أغير على الناس في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلابد للوالي أن يسير في كل زمان بما يصلحه. وعن ابن كعب قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: باأهل المدينة، إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم، وقد سالت علينا أحاديث من قبل هذا المشرق، لا نعرفها، ولا نعرف منها إلا قراءة القرآن، فالزموا ما في مصحفكم الذي جمعكم عليه الإمام المظلوم - رحمه الله - وعليكم بالفرائض التي جمعكم عليها إمامكم المظلوم - رحمه الله - فإنه استشار في ذلك رويد بن ثابت، ونعم المشير كان للإسلام - رحمه الله - فأحكما ما أحكما، وأسقطا ما شذ عنهما وعن ابن جريج، عن أبيه قال: حج علينا عبد الملك بن مروان سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطبنا، وقال: أما بعد، فإنه كان من قبلي من الخلفاء، يأكلون من المال، ويؤكلون، وإني والله، لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف - بعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأبون - يعني يزيد بن معاوية - أيها الناس، إنما نحتمل لكم كل اللغوبة مالم يكن عقد راية، أو وثوب على منبر؛ هذا عمرو بن سعيد، حقه حقه، وقرابته قرابته، قال رأسه هكذا، فقلنا بسيفنا هكذا.

وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهداً ألا أضعها في عنق أحدٍ إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب. قال الأصمعي: خطب عبد الملك بن مروان، فحصر، فقال: إن اللسان بضعة من الإنسان، وإنا لا نسكت حصراً ولا ننطق هذراً، ونحن أمراء الكلام، فينا وشجت عروقه، وعلينا تهدلت أغصانه، وبعد مقامنا هذا مقام، وبعد أيامنا هذه أيام يعرف فيها فصل الخطاب، ومواقع الصواب. عن أبي الزناد قال: قال عبد الملك بن مروان: ما يسرني أن أحداً من العرب ولدني إلا عروة بن الورد لقوله: من الطويل إني امرؤ عافي إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافي إنائك واحد أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بجسمي مس الحق والحق جاهد أقسم جسمي في جسومٍ كثيرةٍ ... وأحسوا قراح الماء والماء البارد قيل لعبد الملك بن مروان: أسرع إليك الشيب، فقال: شيبني كثرة ارتقاء المنبر مخافة اللحن - وفي رواية: وكيف لا يعجل علي وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين. وأراد قتل رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنك أعز ما تكون أحوج ما تكون إلى الله، فاعف له، فإنك به تعان، وإليه تعاد، فخلى سبيله.

قال في خطبة له بإيلياء قبل أن يقع الوجع الذي خرج منه إلى الموقر: إن العلم سيقبض قبضاً سريعاً، فمن كان عنده علم فليظهره غير غال فيه، ولاجافٍ عنه. قال يوسف بن الماجشون: كان عبد الملك بن مروان إذا قعد للقضاء قيم على رأسه بالسيوف، فأنشد: من السريع إنا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت الساكت للقائل واصطرع الناس بألبابهم ... نقضي بحكمٍ عادلٍ فاضل لا نجعل الباطل حقا ولا ... نلط دون الحق بالباطل نخاف أن نسفه أحلامنا ... فنحمل الدهر مع الخامل قال: ثم يجتهد في القضاء عن الزهري: أن يهودياً جاء إلى عبد الملك بن مروان فقال له: ابن هرمز ظلمني، فلم يلتفت إليه، ثم الثانية، ثم الثالثة، فلم يلتفت إليه، فقال له اليهودي: إنا نجد في كتاب الله في التوراة: إن الإمام لا يشرك في ظلم ولا جور حتى يرفع إليه، فإذا رفع إليه فلم يغير شرك في الجور والظلم. قال: ففزع لها عبد الملك، وأرسل إلى ابن هرمز، فنزعه. عن عبد الله بن بكر السهمي، عن أبيه قال: سأل رجل عبد الملك بن مروان الخلوة، فقال لأصحابه: إذا شئتم. فلما تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك أن تمدحني، فإني أعلم بنفسي منك، أو تكذبني، فإنه لا رأي لكذوب، أو تسعى إلي بأحد. وإن شئت أقلتك، قال: أقلني. فأقاله.

وفي رواية أخرى: كان عبد الملك بن مروان إذا دخل عليه رجل من أفق من الآفاق قال: أعفني من أربع وقل بعدها ما شئت - وقال فيه: ولا تحملني على الرعية. فإني إلى الرفق بهم والرأفة أحوج - وفي رواية: لا تخفني - يعني تغضبني حتى يحملني الغضب على خفة الطيش. عن الأصمعي، عن أبيه قال: أتى عبد الملك بن مروان برجلٍ كان مع بعض من خرج عليه، فقال: اضربوا عنقه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما كان هذا جزائي منك! قال: وما جزاؤك؟ قال: والله ما خرجت مع فلان إلا بالنظر لك؛ وذلك أني رجل مشؤوم، ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم، وقد بان لك صحة ما ادعيت، وكنت عليك خيراً من مائة ألفٍ معك. فضحك وخلى سبيله. قال يحيى بن الحكم بن أبي العاص لعبد الملك بن مروان: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وترك النصرة عن قوة. وقال عبد الملك: ثلاثة من أحسن شيء: جواد لغير ثوابٍ، ونصب لغير دنيا، وتواضع لغير ذل. وقال: يا بني أمية، إن خير المال ما أفاد حمداً، ومنع ذماً، فلا يقولن أحدكم: " أبدأ بمن تعول "، فإن الناس عيال الله. وقال: الطمأنينة ضد الحزم دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان وهو يأكل الفالوذج، فقال: يا بن عم، ادن، فكل من الفالوذج، فإنه يزيد في الدماغ. قال: إن كان كما يقول أمير المؤمنين فينبغي أن يكون رأسه مثل رأس البغل. بعث عبد الملك بن مروان إلى الشعبي، فقال: يا شعبي، عهدي بك وإنك لغلام في الكتاب، فحدثني، فما بقي معي شيء إلا قد ملكته سوى الحديث الحسن، وأنشد: ومللت إلا من لقاء محدث ... حسن الحديث يزيدني تعليما

وقال: كل شيء قد قضيت منه وطراً إلا من مناقضة - وفي رواية: مفاوضة - الإخوان الحديث على متن التلال العفر في الليالي البيض قال إسماعيل بن عبيد الله: كنت أعلم ولد عبد الملك بن مروان من عاتكة، فكنت جالساً على فراشين وهم بين يدي يتعلمون إذ أقبل عبد الملك، ثم جلس ينظر إليهم، وهم يتعلمون، فقال له بنوه: يا أمير المؤمنين، إنه قد شق علينا في التعليم، فإن رأيت أن تأذن لنا نلعب، فقال: تلعبون، وقد مر على رأس أبيكم ما قد علمتم؟! لقد رأيتني أغزو مصعب بن الزبير، وعدوي كأمثال الجبال كثرة "، وأنصاري من أهل الشام عامتهم أعداء لي، فأمكث طويلاً، وقد ذهب عقلي، ثم يرده الله علي. وقال لمؤدب بنيه: لا تطعم ولدي السمن، ولا تطعمهم طعاماً حتى تخرجهم على البراز، وعلمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم الكذب، وإن كان فيه القتل - وفي رواية: وجنبهم الحشم، فإنهم لهم مفسدة، وجنبهم السفلة، فإنهم أسوأ الناس رعة "، واحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضاً، ويمصوا الماء مصاً، ولا يعبوا عباً، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدبٍ فليكن في سر لا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليهم - وفي رواية: وجالس بهم علية الناس يناطقوهم الكلام. كتب زر بن حبيش إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يعظه، وكان في آخره: ولا يطعمك يا أمير المؤمنين، في طول البقاء ما يظهر من صحتك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون: من الرجز إذا الرجال ولدت أولادها ... وبليت من كبر أجسادها وجعلت أسقامها تعتادها ... تلك زروع قد دنا حصادها فلما قرأ عبد الملك الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر، لو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق.

وقف عبد الملك على قبر أبيه فقال: من الطويل وما الدهر والأيام إلا كما أرى ... رزية مالٍ أو فراق حبيب وإن امرأ قد جرب الدهر لم يخف ... تقلب عصريه لغير لبيب أشرف عبد الملك على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظه ذلك، فقال: أيها عن ذكر عمر، فإنه إزراء على الولاة، مفسدة للرعية. وكان كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق وهو خليفة، فجلس إليها مرة من المرار، فقالت له: يا أمير المؤمنين، بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة والنسك؟! قال: إي والله، يا أم الدرداء، والدماء قد شربتها، ثم أتاه غلام له قد كان بعثه في حاجةٍ، فأبطأ عليه، فقال: ما حسبك، عليك لعنة الله؟ فقالت له: لا تفعل، يا أمير المؤمنين، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يدخل الجنة لعان " قال عبد الملك بن مروان لمحمد بن عطارد التميمي: يا محمد، احفظ عني هذه الأبيات، واعمل بهن، قال: هاتها يا أمير المؤمنين، قال: من الطويل إذا أنت جاريت السفيه كما جرى ... فأنت سفيه مثله غير ذي حلم إذا أمن الجهال حلمك مرة ... فعرضك للجهال غنم من الغنم فلا تعرض عرض السفيه وداره ... بحلم فإن أعيا عليك فبالصرم وعض عليه الحلم والجهال والقه ... بمرتبةٍ بين العداوة والسلم فيرجوك تارات، ويخشاك تارة ... وتأخذ فيما بين ذلك بالحزم فإن لم تجد بدا من الجهل فاستعن ... عليه بجهال وذاك من العزم قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال: قد صرت لا أفرح بالحسنة أعملها، ولا أحزن على السيئة أرتكبها، فقال سعيد: الآن تكامل موت قلبه!.

كان عبد الملك فاسد الفم، فعض تفاحة، فألقاها إلى امرأة من نسائه، فأخذت سكيناً، فاجتلفت ما عاب منها، فقال: ما تصنعين؟ قالت: أمطت الأذى عنها. وصعد يوماً المنبر فخطب الناس بخطبةٍ بليغة، ثم قطعها، وبكى بكاءً شديداً، ثم قال: يا رب، إن ذنوبي عظيمة، وإن قليل عفوك أعظم منها، اللهم فامح بقليل عفوك عظيم ذنوبي. قال: فبلغ ذلك الحسن، فبكى، وقال: لو كان كلام يكتب بالذهب لكتب هذا الكلام. وكان كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين: من الطويل ألم تر أن الفقر يهجر أهله ... وبيت الغنى يهدى له ويزار وماذا يضر المرء من كان جده ... إذا سرحت شول له وعشار عن أبي مسهر الدمشقي قال: حضر غداء عبد الملك بن مروان، فقال لآذنه: خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد؟ قال: مات يا أمير المؤمنين، قال: فأمية بن عبد الملك بن خالد بن أسيد؟ قال: مات يا أمير المؤمنين. قال: - وكان عبد الملك قد علم أنهم ماتوا، فقال: - ارفع يا غلام، ثم قال: من الكامل ذهبت لذاتي وانقضت آجالهم ... وغبرت بعدهم ولست بخالد وعن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه قال: كنا نسمع نداء عبد الملك بن مروان من وراء الحجرات: يا أهل النعم، لا تغالوا شيئاً منها مع العافية، وكان قد أصابه داء في فمه.

قيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك، يا أمير المؤمنين؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرةٍ، وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون " واستأذن قوم على عبد الملك بن مروان، وهو شديد المرض، فقالوا: إنه لما به، فقالوا: إنما ندخل لنسلم قياماً ثم نخرج، فدخلوا عليه وقد أسنده خصي إلى صدره، وقد اربد لونه، وجرى منخراه، وشخصت عيناه، فقال: إنكم دخلتم علي في حين إقبال آخرتي، وإدبار دنياي، وإني تذكرت أرجى عمل لي فوجدته غزوة " عزوتها في سبيل الله، وأنا خلو من هذه الأشياء، فإياكم وإيا أبوابنا هذه الخبيثة أن تطيفوا بها. ولما نزل به الموت أمر بفتح باب القصر، فإذا بقصار يضرب بثوب له على حجر، فقال: ما هذا؟ فقالوا: قصار، قال: يا ليتني كنت قصاراً. وقال: والله وددت أني عبد لرجلٍ من تهامة أرعى غنماً في جبالها، وأني لم أل من أمر الناس شيئاً ودعا بنيه فأوصاهم، ثم لم يزل بين مقالتين حتى فاضت نفسه: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيراً أخذ من ملكه أم كبيراً، والأخرى: من الوافر فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار وكان آخر ما تكلم به عد موته: اللهم إن تغفر تغفر جماً، ليتني كنت غسالاً أعيش بما أكتسب يوماً بيوم. في حديث سعيد بن المسيب أنه قال ذات يوم: اكتب يا برد أني رأيت موسى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي على البحر حتى صعد إلى قصرٍ، ثم أخذ برجلي شيطانٍ، فألقاه في البحر، وإني لا أعلم نبياً هلك على رجله الجبابرة ما هلك على رجل موسى. وأظن هذا قد هلك - يعني عبد الملك - فجاءه نعيه بعد أربعٍ.

عبد الملك بن مروان بن موسى

قوله: هلك على رجله: إي في زمانه وأيامه، يقال: هلك القوم على رجل فلانٍ أي بعهده. وقد اختلف في سنه ومدة خلافته وتاريخ وفاته. قال الخطيب: كانت خلافة عبد الملك بن مروان اثنتين وعشرين سنة ونصفاً - يعني من وقت بويع له بالخلافة بعد موت أبيه. وقال: كان موت عبد الملك لانسلاخ شوال - وقال آخرون: للنصف من شوال - سنة ست وثمانين، وهو ابن سبع وخمسون سنة " - ومنهم من الق: إحدى وستين سنة " وهو أثبت عندنا - فكانت خلافته من مقتل ابن الزبير إلى أن توفي ثلاث عشرة سنة " وأربعة أشهر وثمانياً وعشرين ليلة. وصلى عليه ابن الوليد بن عبد الملك، ودفن خارجاً بين باب الجابية وباب الصغير. عبد الملك بن مروان بن موسى ابن نصير اللخمي مولاهم، أمير مصر، وفد على مروان بن محمد فولاه مصر. قال أبو عمر الكندي: ووفد على عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير على مروان بن محمد، فولاه مصر، فلما تلقاه سلمة بن أبي رجاء، وزياد بن أبي حمزة، وأبو عبيدة مولى بني سهم، وكانوا خاصته وجلساءه، قال لسلمة: كيف أمك؟ وقال لابن أبي حمزة: كيف أنت يا بن كيسان؟ ولأبي عبيدة: كيف أنت يا بن فروخ؟ فعوتب في ذلك، فقال: أردت أن أرد من سنن دالتهم لئلا ينبسطوا على الناس. وهو أول من جعل المنابر في الكور، ولم يكن قبله، إنما كان أصحاب الجبل يخطبون على العصي إلى جانب القبلة. وهو أول من سمى الزمام بمصر، وإنما كان قبل ذلك يعرف بديوان المحاسبة. وكان خطيباً من أخطب الناس. وكان حسن السيرة.

عبد الملك بن مسمع بن مالك

عبد الملك بن مسمع بن مالك ابن مسمع بن شيبان بن شهاب بن علقمة بن عباد بن عمرو ابن ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الربعي من وجوه أهل البصرة. وقد على عبد الملك بن مروان، وولي السند لعدي بن أرطأة، عامل عمر نب عبد العزيز على البصرة. قال أبو سعيد السكري: كان عبد الملك بن مسمع بن مالك سيداً جواداً جميلاً، وكان فتى ربيعة وسيدها في زمانه، لا يعرف مثله، ولاه الحجاج شطي دجلة، وأوفده إلى عبد الملك بن مروان، فلما قدم عليه وقد أهل البصرة قدم المشيخة وأهل البلاء، فدخل عبد الملك في آخر من دخل لصغر سنه، فلما انتسب له قال له عبد الملك: فما أخرك عني يا غلام؟ قال: أصلح الله أمير المؤمنين، قدم الأمير أهل السن والبلاء، قال: فأنت، والله، أعظمهم عندنا بلاء " ووالداً! يا حجاج، قدمه في أول من يدخل علي من الناس. فلم يزل مكرماً له، وعارفاً بفضله حتى قدم مع الحجاج العراق، فولاه البحرين، فلم يول والياً عليها حتى مات الحجاج، ثم ولي بعد الحجاج البحرين، وخرزانة البحر، والسند، والهند، لعدي بن أرطأة، وافتتح مدينة القيفان، ومدينة راكس، وهما بين سجستان والسند. وقد كان بعض الكتاب وجد على عبد الملك من أجل أنه قصر به في شيء كان قسمه في الكتاب والأعوان، فقال لعمر بن عبد العزيز: إن هذه المدينة في الصلح وهو كاذب. وأتاه قوم بالسند كثير بن ربيعة، فأعطاهم، وحملهم، وكان فيهم قوم ممن سعى عليه مع كيسة امرأة أبيه، ومرنوح بن شيبان فشاور فيهم قوماً من أصحابه، فأشار عليه بعض القوم أن يضربهم، وقال بعض: احرمهم. قال: ليس هذا برأي؛ إن كانوا أساؤوا وجهلوا فنحن أحق من عطف بفضل إذ رغبوا إلينا. فأمر لهم بجوائز كأفضل ما أعطى أحداً من زواره. قتل عبد الملك بن مسمع سنة اثنتين ومائة.

عبد الملك بن مرهان

عبد الملك بن مرهان أبو هشام المغازلي الرقاعي الموصلي حدث عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عباس: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن بي ناسوراً، وكلما توضأت سال - وفي رواية: إن بي الناسور، وإني أتوضأ فيسيل مني - فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا توضأت فسال من قرنك إلى قدمك فلا وضوء عليك " وروى عن سهل بن أسلم العدوي. عن معاوية بن قرة المزني، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة " وروى بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عاقبوا أرقاءكم على قدر عقولهم " وروى عن يزيد بن أبي معاوية بسنده عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقص الرؤيا حتى تطلع الشمس قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لعبد الملك المغازلي: أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: إعطاء المجهود، وقطع الآمال، وخلع الراحة. قال أبو جعفر العقيلي: عبد الملك بن مهران صاحب مناكير، غلب على حديثه الوهم، لا يقيم شيئاً من الحديث.

عبد الملك بن الوليد

وقال ابن عدي: ليس بشيء وقال الأمير: الرقاعي: بالقاف، ووهم فيه فسماه عبد الله. عبد الملك بن الوليد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو مروان الأموي أنشد الأصمعي هذه الأبيات لرجل من كلب يرثيه بها: من البسيط أقول للركب إذ عاجوا مطيهم ... هل كان من حدثٍ أم جاءكم خير قالوا: نعم أنت مفجوع بصاحبه ... أمسى وصبح وردا ماله صدر مات الكريم أبو مروان فابتليت ... كلب وأي بلاءٍ تبتلى مضر إنا وجدنا بين أم البنين لهم ... مجد طويل وفي آجالهم قصر عبد الملك بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي فيه يقول الكميت بن زيد: من المنسرح من عبد شمس إلى الشآم ومن ... عبد منافٍ لبيتك القطب عبد الملك بن يزيد أبو عون الأزدي مولاهم الجرجاني. مولى بني هناءة من الأزد. أحد قواد بني العباس. شهد حصار دمشق مع عبد الله وصالح ابني علي. وكان نازلاً على باب كيسان،

عبد المنعم بن الحسن

ومضى إلى مصر في طلب مروان، وولي إمرة مصر في خلافة السفاح خلافة لصالح بن علي مرتين، وكانت ولايته الثانية عليها ثلاث سنين وستة أشهر عبد المنعم بن الحسن أبو الفضل المعروف بابن اللعيبة الحلبي رجل من أهل حلب محب للأدب، نصيبه منه وافر، وهو بما يحاوله منه ظافر، سريع الخاطر في النظم والنثر، مائل إلى الشجاعة، ومعان بها، حتى إنه يرمي عن المنجنيق، ويضاهي فيه كل عريق، وله في الموسيقى يد جيدة طويلة، ويلحن شعره، ويغني لنفسه. ومن قوله في صبي: من المتقارب أبا حسنا وجهه كاسمه ... وياطلعة البدر في تمه ويا ظالما أنا عبد له ... ولاأتشكاه من ظلمه فلا يعجل الماس في حربه ... فإن السلامة في سلمه عبد المنعم بن الخضر بنت العباس أبو الفتح الغساني روى عن أبي سعيد عمرو بن يحيى الدينوري بسنده عن سعيد بن جبير قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فمر رجل من المسلمين على رجل من المنافقين، فقال له: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وأنت جالس؟؟ فقال له: امض إلى عملك، إن كان لك عمل، فقال: ما أظن سيمر عليك من ينكر عليك، فمر عليه عمر بن الخطاب، فقال له: يا فلان، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وأنت جالس؟؟ فقال له مثلها، قال له: هذا من عملي، فوثب عليه، فضربه حتى انتهر، ثم دخل المسجد، فصلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما انفتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام إليه عمر، فقال: يا نبي الله، مررت آنفاً على فلان وأنت تصلي، فقلت له: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي وأنت جالس قال: مر إلى عملك، إن كان لك عمل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فهلا ضربت عنقه " فقام عمر مسرعاً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عمر، ارجع، فإن غضبك عز، ورضاك

حكم، إن لله في السماوات السبع ملائكة يصلون له، غني عن صلاة فلان "، فقال عمر: يا نبي الله، وما صلاتهم؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأتاه جبريل، فقال: يا نبي الله، سألك عمر عن صلاة أهل السماء؟ قال: " نعم "، قال اقرأ على عمر السلام، وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان رب العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت عبد المنعم بن غلبون أبو الطيب الحلبي، نزيل مصر المقرىء الشافعي روى عن سليمان بن محمد بن إدريس بسنده عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيءٍ منه، وما تشابه عليكم فردوه إلى الله - عز وجل - وإلى أولي العلم من بعدي كيما يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور، وما أوتي النبيان من ربهم، وليسعكم القرآن وما فيه، فإنه شافع مشفع، وما حل مصدق، وإن لكل آيةٍ نوراً يوم القيامة، ألا وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب، وخواتيم البقرة من تحت العرش، والمفضل نافلة ". قال أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرىء: لما فتحت عمروية ووجدوا على كنيسةٍ من كنائسها مكتوباً بالذهب: شر الخلف خلف بشتم السلف، واحد من السلف خير من ألف من الخلف. يا صاحب الغار نلت كرامة الافتخار، إذ أثني عليك الملك الجبار، إذ يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل: "

ثاني اثنين إذ هما في الغار ". يا عمر، ما كنت والياً، بل كنت والداً. عثمان، قتلوك مقهوراً، ولم يزوروك مقبوراً. وأنت ياعلي، إمام الأبرار، والذاب عن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكفار، فهذا صاحب الغار، وهذا أحد الأخيار، وهذا غياث الأمصار، وهذا إمام الأبرار، فعلى من ينتقصهم لعنة الجبار. قال: فقلت لصاحب له: من ذ كم هذا على باب كنيستكم مكتوب؟ فقال: من قبل أن يبعث نبيكم بألفي عام، وهو قول الله عزوجل في كتابه: " ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل " سنة تسع وثمانين وثلاثمائة مات أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرىء. وكان ثقة. عبد المنعم بن عبد الواحد بن علان أبو القاسم القاضي حدث عنه عبد العزيز الكتاني سنة ثلاث عشرة وأربعمائة روى عن أبي الخير أحمد بن علي الحافظ بسنده عن علي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الذباب في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع على الطعام فاغمسوه فيه يذهب الله الداء بالدواء "

عبد المنعم بن علي بن محمد

عبد المنعم بن علي بن محمد ابن أحمد بن داود بن محمد بن الوليد أبو محمد الخطيب العدل، المعروف بابن النحوي سمع منه عبد العزيز الكتاني سنة خمس عشرة وأربعمائة عن الميانجي يوسف بن القاسم بسنده عن معقل بن يسار قال: حرمت الخمر، وإن عامة شرابهم الفضيخ. قال: فقذفتها، وأنا أقول: هذا آخر عهد بالخمر. عبد المنعم بن محمد بن عبيد الله ابن محمد بن عبد الكريم بن أبي حكيم أبو محمد القرشي روى عن جعفر بن أحمد بن عاصم بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده، والعائد من هبته كالعائد من قيئه " عبد المؤمن بن أحمد أبو حاتم البيروتي القاضي روى عن أحمد بن يوسف الأوزاعي بسنده عن أبي أسماء قال: وفدت على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعته، وصافحني، فآليت على نفسي ألا أصافح أحداً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عبد المؤمن بن خلف بن طفيل

وعنه أيضاً بسنده عن حرام بن حزم الجذامي قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيد اصطدته، فأهديتها، فقبلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكساني عصابته، وسماني حراماً. عبد المؤمن بن خلف بن طفيل ابن زيد بن طفيل بن شريك بن شماس بن زيد بن الحارث أبو يعلى التميمي النسفي محدث مشهور، له رحلة واسعة روى عن إبراهيم بن عبد الله العبسي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون مافيهما لأتوهما ولو حبوا " وروى عن يحيى بن عثمان بن صالح بسنده عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ندفن موتانا وسط قومٍ صالحين، وقال: " إن الموتى يتأذون بجيران السوء كما يتأذى الأحياء ".

عبد المؤمن بن المتوكل بن مشكان

عبد المؤمن بن المتوكل بن مشكان أبو خازم البيروتي روى عن الحسن بن بكار بسنده عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماأزين الحلم " عبد المؤمن بن مهلهل القرشي حكى عن أبيه قال: قال لي مروان بن محمد لما عظم أمر أصحاب الرايات السود: لولا وحشتي لك، وأنس بك لأحببت أن تكون ذريعة فيما بيني وبين هؤلاء القوم، فلآخذ لي ولك الأمان، فقلت: أنى وقد بلغت هذه الحال! قال: إي والله. قال: فأنا أدلك على أحسن في الأحدوثة مما أردت، قال: اذكره، قال: إبراهيم بن محمد في يديك تخرجه من حبسك، وتزوجه ابنتك، وتشركه في أمرك؛ فإن كان الأمر كما تقولون انتفعت بذلك عنده، وإلا يكون كذلك كنت قد وضعت ابنتك في كفاءة. فقال: أشرت والله بالرأي، ولكن الآن؟! السيف والله أهون من ذلك! ولكن انتظروا خامس ولد العباس، فو الله ليملكنها سبعاً يكون فيها لاهياً، وسبعاً ساهياً، وتسعاً جابياً، وليموتن في سنة ثلاث وتسعين ومائة، ولتدخلن سنة أربع ببلاءٍ من العصبية، وليخرجن السفياني في سنة خمس وتسعين ومائة. الخامس الرشيد، وولي ثلاثاً وعشرين سنة "، وخرج أبو العميطر " علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في سنة خمسٍ على الأمين

عبد الواحد بن أحمد بن إسماعيل بن عوف

عبد الواحد بن أحمد بن إسماعيل بن عوف أبو القاسم المري الشاهد روى عن أبي علي محمد بن سليمان بن حيدرة بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تخرج عنق من النار، لها عينان تبصر، وأذنان تسمع، ولسان ناطق، تقو: أمرت بأخذ الجبارين، ثم تخرج، فتقول: أمرت بأخذ من اتخذ مع الله إلهاً آخر. ثم تخرج، فتقول: أمرت بأخذ المصورين " مات أبو القاسم بن عوف سنة تسع وتسعين وثلاثمائة - وفي رواية: سنة إحدى وأربعمائة. عبد الواحد بن أحمد بن الطيب أبو القاسم الوكيل، يعرف بابن القماح حدث عن عبد الوهاب الكلابي بسنده عن معاوية بن قرة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم "

عبد الواحد بن أحمد

عبد الواحد بن أحمد ابن محمد بن يوسف بن محمد بن مقدام بن قادم يعرف بابن مشماس أبو محمد، وقيل: أبو القاسم، الهمداني روى عن الحسين بن أحمد بن أبي ثابت بسنده عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد يتوجه الرجلان إلى المسجد، فينصرف أحدهما، وصلاته أفضل من الأخر إذا كان أفضلهما عقلاً، وينصرف الأخر، وصلاته لاتعدل مثقال ذرة " توفي أبو محمد بن مشماس سنة تسع عشرة وأربعمائة - وقيل سنة ثماني عشرة، وقيل سنة عشرين وأربعمائة، وكان سماعه صحيحاً غير أنه لم يكن الحديث من صنعته. عبد الواحد بن أحمد الغساني أبو محمد الطبيب طبيب تاج الدولة من شعره في صفة نهر ثوراً " من البسيط دمشق دار رعاها الله من بلدٍ ... ونهر ثورا سقاه الله من واد كأنه ونسيم الريح جمشة ... نقش المبارد في سلساله الهادي مزجت بالراح منه الراح فاكتسبت ... لونا وطعما غريبا غير معتاد في روضةٍ من رياض الخلد باكرها ... صوب الغمام بإبراق وإرعاد ظللت فيها رخي البال مع رشأ ... مهفهف كقضيب البان مياد

عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد

عبد الواحد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو الفضل بن أبي سعد، المعروف بابن القرة كان أبوه من أهل حلب، وانتقل إلى دمشق روى عنه الحافظ ابن عساكر بسنده عن أسماء بنت يزيد قالت: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطراب السعفة في النار " ولد ابن القرة سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة، ومات في سنة ستين وخمسمائة. عبد الواحد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن إبراهيم أبو محرز العبسي روى عن أبيه بسنده عن أنس: أن الصلاة كانت تقام لعشاء الآخرة، فيقوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الرجل يكلمه حتى يرقد طوائف من أصحابه، ثم ينتهون إلى الصلاة. عبد الواحد بن بكر بن محمد أبو الفرج الهمداني الورثاني الصوفي روى عن محمد بن الحسين القرشي بسنده عن سفيان الثوري قال: قرأت في بعض الكتب: ابن آدم خلق أحمق، ولولا ذلك بم يحب الدنيا، ولم يركن إليها.

عبد الواحد بن جهير بن مفرج

وروى عن علي بن يعقوب بسنده عن قاسم الجوعي قال: رأيت رجلاً في الطواف لا يزيد على قوله: إلهي قضيت حوائج الكل ولم تقض حاجتي، فقلت: مالك لاتزيد على هذا الدعاء؟! فقال: أحدثك: اعلم أنا كنا سبعة أنفسٍ من بلدان شتى، فخرجنا إلى الغزاة، فأسرنا الروم، ومضوا بنا لنقتل، فرأيت سبعة أبواب ٍ فتحت من السماء، وعلى كل باب جارية حسناء من الحور العين، فتقدم واحد منا، فضرب عنقه، فرأيت جارية منهن هبطت إلى الأرض، بيدها منديل، فقبضت روحه، حتى ضرب أعناق ستة منا، فاستوهبني بعض رجالهم، فقالت الجارية: أي شيء فاتك يا محروم! وأغلق الباب. قال حمزة بن يوسف السهمي في " تاريخ جرجان " عبد الواحد بن بكر الورثاني الصوفي، أبو الفرج. كتب الكثير. كان رفيق أحمد بن منصور الشيرازي بالشام. دخل جرجان في سنة خمس وستين، في أيام الشيخ أبي بكر الإسماعيلي، وسمع، وحدث بجرجان بأخبار وأحاديث وحكايات، وتوفي بالحجاز سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة. عبد الواحد بن جهير بن مفرج شاعر رقيق الشعر. رآه ابن عساكر ولم يسمع منه. من أبيات له في غلام اسمه عمر: قلبي أشار ببينهم ... وعليه عاد وباله وغداً كئيبا في الهوى ... تبكي له عذاله يا كاملا لولا نفو ... ر فيه تم كماله قمر ولكن قافه ... عين فتم جماله مات ابن جهير سنة أربع وخمسين وخمسمائة

عبد الواحد بن الحسن بن محمد بن خلف

عبد الواحد بن الحسن بن محمد بن خلف أبو نصر الأبهري المقرىء حدث عن أبي بسنده عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع - ثم يجمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم قال: العالم والمتعلم شريكان في الأجر، ولا خير في سائر الناس بعد. " عبد الواحد بن الحسين بن إبراهيم بن عطية أبو الفضل الحارثي المعروف بابن أبي الزميت قاضي جسرين روى عن أبي الفتح عبد الصمد بن تميم بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أتى الجمعة فليغتسل " توفي ابن أبي الزميت سنة ثمان وستين وأربعمائة عبد الواحد بن الحسين بن الحسن أبو أحمد الوراق الكاتب روى عن أبي عبد الله بن إبراهيم بن مروان بسنده عن بي مسعود الأنصاري قال: أشار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده نحو اليمن، فقال: " إن الإيمان هاهنا، إن الإيمان هاهنا، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين، عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر "

عبد الواحد بن رزق الله بن عبد الوهاب

توفي عبد الواحد بن الحسين سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. عبد الواحد بن رزق الله بن عبد الوهاب أبو القاسم بن أبي محمد التميمي البغدادي الحنبلي قدم دمشق، رسولاً من الخليفة المستظهر بالله. وروى تاريخ مولد أبيه ووفاته. توفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة عبد الواحد بن زيد أبو عبيدة البصري الزاهد كان يسرح في الشام روى عن فرقد السبخي بسنده عن أبي بكر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام " واختلف في سنده وفي رواية أتم من السابقة: " إن الله - عز وجل - حرم الجنة على كل جسد غذي بحرامٍ " - وفي رواية: " حرم على الجنة جسداً - وفي رواية: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت " قال عبد الواحد بن زيد: هبطت داريا، فإذا أما براهبٍ قد حبس نفسه في بعض مغائر داريا، بالقرب منها، فراعني، وأوحشت منه، فقلت: أجني أنت أم أنسي؟ فقال: ومكيف بتخوف من غير الله؟! أنا رجل أوبقته ذنوبه، فهرب منها إلى ربه، لست بجني، ولكني إنسي

مغرور، فقلت: قال: الوحش، قلت: ما طعامك؟ قال: ثمار الأشجار، ونبات الأرض، قلت: أما تحن وتشتاق إلى الناس؟ قال: منهم أفر، قلت: فعلى الإسلام أنت؟ قال: ما أعرفه؛ غير أن المسيح أمرنا بالانفراد عند فساد الناس وفي غير هذه الرواية: ما أعرف غيره. وروي من وجه آخر، وفيه: هبطت وادياً بدل داريا، وفيه: قال عبد الواحد: فحسدته والله على مكانه ذلك. وقال: خرجت إلى الشام في طلب العباد، فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد، حتى قال لي رجل: قد كان هاهنا رجل من النحو الذي تريد، ولكنا فقدنا من عقله. قلت: وما أنكرتم منه؟ قال: إذا كلمه أحد قال: الوليد وعاتكة، لايزيد على ذلك. قال: قلت: فكيف لي به؟ قال: هذه مدرجته، فانتظرته، فإذا برجل واله، كريه الوجه، كريه المنظر، وافر الشعر، متغير اللون، عليه أطمار دنسة. قال: فتقدمت إليه، فسلمت عليه، فالتفت إلي، فرد علي السلام، قلت: رحمك الله، إني أريد أن أكلمك، قال: الوليد وعاتكة، قلت: قد أخبرتك بقصتك، قال: الوليد وعاتكة. ثم مضى حتى دخل المسجد، فاعتزل إلى سارية، فركع، فأطال الركوع، ثم سجد، فأطال السجود. فدنوت منه، فقلت: رجل غريب يريد أن يكلمك، ويسألك عن شيء، فإن شئت فأقصر، فلست ببارحٍ أو تكلمني. قال: وهو في سجوده يدعو وستضرع، قال: فقمت عنه وهو ساجد، وهو يقول: سترك، سترك. قال: فأطال السجود حتى سئمت، فدنوت منه. فلم أسمع له نفساً، ولا حركة "، فحركته، فإذا هو ميت. قال: بينما أنا أسير في الشاقة في بلاد الروم، فغفلت ذات ليلة عن وردي، فأتاني آت في منامي، فقال لي: من السريع

ينام من شاء على غفلة ... والنوم كالموت فلا تتكل تنقطع الأيام عنه كما ... تنقطع الدنيا عن المرتحل قال يحيى بن معين: عبد الواحد بن زيد ليس بشيء، كان قاصاً بالبصرة. وقال البخاري: تركوه وقال عمرو بن علي: كان متروك الحديث وقال الجوزجاني: كان قاصاً بالبصرة، سيىء المذهب، ليس من معادن الصدق وقال يعقوب بن شيبة: رجل صالح متعبد، وكان يقص. يعرف بالنسك والتزهد، وأحسبه كان يقول بالقدر، وليس له بالحديث علم. وقال يعقوب بن سفيان: هو ضعيف وقال أبو زرعة الرازي: قدري، أما في الحديث فليس بذاك الضعيف وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقويٍ في الحديث، ضعيف بمرة. وقال النسائي: متروك الحديث وقال الدارقطني: ضعيف هذه الأقاويل في ضعفه في الرواية، فأما زهده، فقد قيل: لو قسم بث عبد الواحد بن زيد على أهل البصرة لوسعهم؛ فإذا أقبل سواد الليل نظرت إليه كأنه فرس رهانٍ مضمر، يتحزم، ثم يقوم إلى محرابه، فكأنه رجل مخاطب. وقال مضر القارىء: مارأيت عبد الواحد بن زيد ضاحكاً قط، وماشئت أن أراه باكياً إلا رأيته. وكان إذا ذكر الموت تغير لونه جداً.

وكان يقول في دعائه: أسألك أركاناً قوية على عبادتك، وأسألك جوارح مسارعة " إلى طاعتك، وأسألك همة متعلقة بمحبتك. وأصابه الفالج، فسأل الله أن يطلقه في وقت الصلاة. فإذا أراد أن يتوضأ انطلق، وإذا رجع إلى سريره عاد إليه الفالج. وقال: ما بالله حاجة إلى تعذيب عباده أنفسهم بالجوع والظمأ، ولكن الحاجة بالمؤمن إلى ذلك ليراه سيده ظمآن ناصباً، قد جوع نفسه له، وأهمل عينيه، وأنصب بدنه، فلعله أن ينظر إليه برحمته، فيعطيه بذلك الجوع والظمأ الثمن الجزيل. ثم قال: وهل تدري ما الثمن الجزيل؟ فكاك الرقاب من النار!. قال مضر القارىء: شاهدت لعبد الواحد بن زيد دعوات مستجابات جلسنا يوماً إلى عبد الواحد بن زيد، فلم يتكلم طويلاً، فقال له بعض إخوانه: ألا تعلم إخوانك شيئاً يا أبا عبيدة، ألا تهديهم إلى خدمة الله؟ قال: قال: فبكى بكاء " شديداً، ثم قال: السرور والخير الأكبر أمامكم، أيها العابدون، فعلى ماذا تعرجون؟ وما تنتظرون؟ الأهبة للرحيل، والعدة لسلوك السبيل، فكأنكم بالأمر الجليل قد نزل بكم، فأوردكم على الكرامة والسرور، أو على مقطعات النيران، مع طول النداء بالويل والثبور. ألا فبادروا إليه رحمكم الله. قال: ثم غشي عليه، وتفرق الناس. ومن أقواله: " من عمل بما علم فتح له علم مالا يعلم " الغم غمان: فالغم على ما مضى من المعاصي والتفريط، وذلك يفضي بصاحبه إلى راحة، وغم إذا صار في الراحة غم إشفاق أن سلب الأمر الذي هو فيه من الطاعة والعبادة. ما أحسب أن شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، فلاأعلم درجة أشرف، ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة.

قاعدوا أهل الدين، فإن لم تقدروا عليهم فقاعدوا أهل المروءات من أهل الدنيا، فإنهم في مجالسهم لايرفثون. وقال عبد الواحد: سألت الله ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة، فرأيت كأن قائلاً يقول: ياعبد الواحد، رفيقتك في الجنة ميمونة السوداء، فقلت: وأين هي؟ قال: في آل فلان بالكوفة، قال: وخرجت إلى الكوفة، فسألت عنها، فقيل: هي مجنونة بين ظهرانينا ترعى غنيمات، فقلت: أريد أن أراها، قالوا: اخرج إلى الجبان، فخرجت، وإذا بها قائمة تصلي، وإذا بين يديها عكازة لها، فإذا عليها جبة من صوف، عليها مكتوب: لاتباع ولاتشترى، وإذا الغنم مع الذئاب، لا الذئاب تأكل الغنم، ولا الغنم تفزع من الذئاب، فلما رأتني أوجزت في صلاتها، ثم قالت: ارجع يابن زيد، ليس الموعد هاهنا، إنما الموعد ثم. فقلت لها: رحمك الله، ما يعلمك أنن ابن زيد؟ فقالت: أما علمت أن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وماتناكر منها اختلف. فقلت لها: عظيني، فقالت: واعجبا لواعظ يوعظ! فقلت لها إني أرع هذه الذئاب مع الغنم، لا الغنم تفزع من الذئاب، ولا الذئاب تأكل الغنم، فأيش هذا؟! قالت: إليك عني؛ فإني أصلحت ما بين وبين سيدي فأصلح بين الذئاب والغنم. خطب عبد الواحد بن زيد رابعة، فحجبته أياماً، ثم أذنت له، فلما دخل قالت له: يا شهواني، أي شيء رأيت من آلة الشهوة في؟! ألا خطبت شهوانية مثلك؟! وقيل إنه صلى الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة " ووقف على قبرٍ فقال: من الطويل وبينا تراه في سرور وغبطة ... إذا هاتف من هاجس الموت قد هتف فتلقاه مكروبا كثيرا غمومه ... أخا أسفٍ لو كان ينفعه الأسف فيا عجبا ممن يسر بدهره ... وقد بصر الأنباء فيه وقد عرف مات عبد الواحد بن زيد سنة سبعٍ وسبعين ومائة.

عبد الواحد بن سعيد

عبد الواحد بن سعيد بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حسان، أبو بكر حدث عن موسى بن عامر بسنده عن ابن عمر أن رجلاً سأل ابن عمر عن الوتر، أواجب هو؟ فقال ابن عمر: أوتر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون بعده؛ ولم يزد على ذلك. عبد الواحد بن سعيد قال: خاصمت إلى عمر بن عبد العزيز في جوار غصبتهن، ولدن في الشام، فردهن علينا وأولادهن - وفي رواية: اغتصبناهن وقد ولدن عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عثمان - ويقال: أبو خالد - الأموي ولي الموسم لمروان بن محمد، وكان عامله على المدينة روى عن أبيه بسنده عن عثمان بن عفان أنه لما بنى المسجد، وأكثر الناس فيه قال: ما إكثاركم؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "، وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من بنى بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة ". فلقيت عروة بن الزبير، فحدثني أنه لما زاد عثمان في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: في المسجد - أكثر الناس، فقال علي بن أبي طالب: ما إكثاركم؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة ".

عبد الواحد بن شعيب

قال الزبير: عبد الواحد بن سليمان قتله صالح بن علي، وكان ذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وأمه أمر عمرو بنت عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس. وكان جواداً ممدحاً. عبد الواحد بن شعيب أبو القاسم الجبلي قاضي جبلة روى عن سلامة بن عبد العزيز اللخمي بسنده عن أبي هريرة قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذره؛ فإن الحياء من الإيمان " وعن إبراهيم بن حماد بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم " عبد الواحد بن عبد الله بن كعب ابن عمير بن قنيع بن عباد بن عوف بن نصر بن معوية بن بكر ابن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ويعرف بابن بس، أبو بسر النصري كانت داره في دمشق. ولي حمص، وولي المدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك، وكان محمود الإمارة

حدث عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الفرى على الله أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينيه - وفي رواية: عينه - في المنام مالم تر، ويقول على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي رواية: أو يقول على الله - مالم يقل " وحدث عن وائلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها، ووليدها، والولد الذي لاعنت عليه " وفي رواية: " إن المرأة يحوز ثلاث مواريث: لقيطها، وعتيقها، وولدها الذي تلاعن عليه ". قال مصعب بن عبد الله: كان عبد الواحد النصري رجلاً صالحاً. بلغي عن القاسم بن محمد أنه سئل عن شيء فقال: مازلت أحبه حتى بلغني أن الأمير يكرهه، والأمير إذ ذاك عبد الواحد النصري. قال أبو حاتم: صالح الحديث ولايحتج به. وقال الدارقطني والعجلي: ثقة حج بالناس سنة أربع ومائة. قال محمد بن عمر: سنة أربع ومائة - فيها نزع عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة، ووليها عبد الواحد بن عبد الله بن بسر النصري، ومكة والطائف، فقدم المدينة يوم السبت للنصف من شوال، لم يقدم عليهم والٍ أحب إليهم منه. كان يذهب مذاهب أهل الخير، ولايقطع أمراً إلا استشار فيه القاسم وسالماً، وما كان لنبي مروان والٍ أحمد منه عند أهل المدينة، ولاأجدر أن يقرب أهل الخير، ويعرف قدرهم، وكان يتعفف في حالاته كلها.

عبد الواحد بن عبد الله بن هشام

وحين نزع النصري توجع القاسم بن محمد، وجزع عليه، وقال: رجل قد عرفناه، وعرفنا مذاهبه، وأمناه، يأتينا غر لا ندري ما هو روى الأصمعي عن مالك بن أنس قال: كان سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت فاضلاً، عابداً، كثير الصلاة، فأريد على قضاء المدينة، فامتنع، فكلمه إخوانه من الفقهاء، وقالوا له: لقضية تقضيها بحق أفضل من كذا وكذا من التطوع، فلم يجب، فأكره على القضاء، فكان أول شيء قضى به على عبد الواحد بن عبد الله النصري والي المدينة، وأخرج من يده كالاً عظيماً لفقراء أهل المدينة، فقسمه فيهم، وعزل عبد الواحد بذلك السبب، فقال لسعيد بن سليمان إخوانه: قضيتك هذه خير لك من مال عظيم لو تصدقت به من عندك. قال ابن ماكولا: النصري أوله نون. عبد الواحد بن عبد الله بن هشام ابن عبد الله بن سوار أبو الفضل العنسي الداراني روى عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده عن أبي الدرداء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ذكر أمراً بما ليس فيه ليعيبه حبسه الله به في جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال " قال ابن ماكولا: سوار بكسر السين وتخفيف الواو

عبد الواحد بن عبد الماجد

عبد الواحد بن عبد الماجد ابن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن بن محمد بن طلحة بن عبد الملك أبو محمد بن أبي المحاسن بن أبي سعيد بن أبي القاسم القشيري النيسابوري الصوفي قدم دمشق سنة وسبع وخمسين وخمسمائة، وسمع منه الحافظ ابن عساكر، وخرج من دمشق سنة ثمان وخمسين وخمسمائة روى عن أبي بكر الشيروبي بسنده عن عبد الملك بن عمر قال: حاصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئا ". قال: " إنا قافلون غداً إن شاء الله "، قال المسلمون: أنرجع ولم نفتحه؟؟! فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغدوا على القتال "، فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا قافلون غداً إن شاء الله تعالى "، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي أبو محمد سنة تسع وستين وخمسمائة - بأصبهان، ودفن بالقرب من قبر حممة الدوسي. عبد الواحد بن عبد الوهاب ابن عبد العزيز بن المظفر أبي حزور، أبو محمد ويقال: أبو علي الأزدي الوراق روى عن أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني بسنده عن سهل بن سعد الساعدي سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً - أو سبعمائة ألف شك الراوي - متماسكين، أخذ بعضهم بعضاً، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ".

عبد الواحد بن علي بن عبد الواحد

ولد عبد الواحد بن عبد الوهاب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة - أو سنة تسع وعشرين وأربعمائة عبد الواحد بن علي بن عبد الواحد ابن موحد بن إسحاق بن إبراهيم بن البري ويقال: موحد بن أبي نصر بسنده عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". فقال بعض أصحابه - أو بعض أهله: أتخاف علينا، وقد آمنا بك؟ فقال: " سبحان الله، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقول به هكذا - يعني: يقلبه " توفي أبو الفضل عبد الواحد بن علي البري سنة إحدى وستين وأربعمائة من نشابة أصابته، وفي هذا السنة احترق جامع دمشق. عبد الواحد بن قيس السلمي والد عمر بن عبد الواحد. من أهل دمشق روى عن عروة بن الزبير، عن كرز الخزاعي قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابي فقال: يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟ قال: " نعم، فمن أراد الله به خيراً من عجم أعرب أدخله عليهم - وفي رواية: أدخله الله عليهم - ثم تقع فتن كالظلل - وفي رواية: كالظلام - يعودون فيها أساود صباً يضرب بعضهم - وفي رواية: بعضكم - رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعبٍ من الشعاب يتقي ربه، ويدع الناس من شره ".

أساود صباً: الأسود إذا انصب، وإنه لا يدركه البصر، أسرع من الريح. وروى عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك، ثم يشبك لحيته بإصبعه من تحتها - وفي رواية: وشبك يده في لحيته. وروى عن رجل عن أبي هريرة قال: تكفير كل لحاء ركعتان قال البخاري: كان الحسن بن ذكوان في نفرٍ ثقات. ووثقة يحيى بن معين، وقال مرة: لم يكن بذاك ولا قريب قال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث قال الهيثم بن عمران: جلست إلى نمير بن أوس وأنا غلام لم أحتلم، فسألني عن ابنة عبد الواحد بن قيس السلمي كيف وجدتها؟ قلت: من خير النساء، فقال نمير: إن تك كذلك فإن أباها خير من نمير. قال عبد الواحد بن قيس ليزيد بن عبد الملك - وكان معلم بنيه: إني لست آخذ منك على القرآن شيئاً، إنما آخذ منك على آدابي. قال يحيى بن سعيد، وذكر عنده عبد الواحد بن قيس الذي روى عنه الأوزاعي: كان شبه لاشيء

عبد الواحد بن محمد بن أحمد

قال أبو أحمد بن عدي: أرجو أنه لابأس به؛ لأن في روايات الأوزاعي عنه استقامة قال أبو حاتم: يكتب حديثه، وليس بالقوي، لا يعجبني حديثه. قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي: ينفرد بالمناكير عن المشاهير ذكره الدارقطني في المتروكين عبد الواحد بن محمد بن أحمد أبو الحسن الكلبي الكناني، المعروف بالسني روى عن أبي القاسم بن أبي العقب بسنده عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوي صفوفنا في الصلاة حتى يدعهن مثل القدح، فرأى صدر رجل ناتئاً، فقال: " عباد الله، لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم " عبد الواحد بن محمد بن أحمد ابن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان بن أبي الحديد أبو الفضل الشاهد ذكر الحداد أنه ثقة مأمون روى عن أبي بكر الميانجي بسنده عن حذيفة قال: " لايدخل الجنة قتات "

عبد الواحد بن محمد بن جبريل

وروى عن أبي بكر يوسف بن القاسم بسنده عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: قولي: اللهم اغفر له، وأعقبنا عقبى صالحة "، قالت: فأعقبني الله به محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي أبو الفضل بن أبي الحديد يوم السبت السابع من ذي الحجة سنة سبع وأربعمائة - وقيل: سنة ثمان عشرة عبد الواحد بن محمد بن جبريل ابن هلال بن عبد الصمد أبو أحمد الهروي المقرىء المعروف بالطيني روى عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر، واحتسب، أقل ثوابه عندي الجنة ". - وفي رواية: " إذا سلبت كريمتي عبد فصبر واحتسب لم أجد له ثواباً غير الجنة " توفي أبو أحمد الهروي الطيني سنة تسع عشرة وثلاثمائة. عبد الواحد بن محمد بن عمرو ابن حميد بن معيوف أبو المقدم الهمذاني المعي وفي قاضي عين ثرماء حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن سمره قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكل طعاماً بعث بفضله إلى أبي أيوب الأنصاري، فبعث إليه بقصعةٍ، فلم يأكل منها، لأن فيها ثوماً، فأتى أبو أيوب، فقال: يا رسول الله، أحرام هو؟ قال: " لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه " قال: فإني أكره ما كرهت. توفي أبو المقدم المعيوفي سنة تسع وأربعمائة

عبد الواحد بن محمد

عبد الواحد بن محمد بن المسلم أبو المكارم بن أبي طاهر بن أبي الفضل بن أبي محمد الأزدي الشاهد سمع منه الحافظ ابن عساكر، وسأله عن مولده فقال: في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. وروى بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لكل أمةٍ مجوس، وإن مجوس أمتي هؤلاء القدرية، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، ولاتصلوا عليهم " عبد الواحد بن محمد أبو الليث المقرائي الحمصي روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن عنبسة الحمصي بسنده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للذي يحدث، فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له " عبد الواحد بن محمد بن المهذب ابن المفضل بن محمد بن المهذب أبو المجد التنوخي المعري روى الحافظ ابن عساكر عنه إجازة بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا من زين نفسه للقضاة بشهادة الزور زينه الله - عز وجل - يوم القيامة بسربالٍ من قطران، وألجمه بلجام من نار "

عبد الواحد بن ميمون

توفي أبو المجد بالمعرة سنة أربع وخمسين وخمسمائة عبد الواحد بن ميمون ويقال: ابن حمزة أبو حمزة المدني القرشي مولى عروة بن الزبير روى عن عروة، عن عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير علةٍ، ولا مرض، ولا عذر طبع الله على قلبه " وعن عروة، عن عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال الله تبارك وتعالى: من آذى لي ولياً فقد استحل محاربتي، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت عينه التي يبصر بها، وفؤاده الذي يعقل به، ولسانه الذي يتكلم به؛ إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن موته، إنه يكره الموت، وأنا أكره مساءته " - وفي رواية: " من أذل لي ولياً " قال عبد الواحد بن ميمون: شهدت عروة قطعت رجله وهو صائم، من بلاء كان به. قال البخاري: عبد الواحد بن ميمون منكر الحديث قال النسائي: ليس بثقة وقال الدارقطني: متروك، صاحب مناكير، ضعيف

عبد الواحد بن نصر بن محمد

عبد الواحد بن نصر بن محمد أبو الفرج المخزومي، المعروف بالببغاء أصله من نصيبين، وقدم دمشق غير مرة، وله أشعار يصف فيها أوقاته بدير مران. وأشعاره حسنة سائرة. وإنما لقب بالببغاء للثغة فيه. قال الخطيب: كان شاعراً مجوداً، وكاتباً مترسلاً، مليح الألفاظ، جيد المعاني، حسن القول في المديح والغزل، والتشبيه، والأوصاف، وغير ذلك. وكتب إلى سيف الدولة يشكره وقد خلع عليه: من البسيط لما تحصنت من دهري بخلعته ... سمت بحملانه ألحاظ إقبالي وواصلتني صلات منه رحت بها ... أختال مابين عز الجاه والمال فلينظر الدهر عقبى ما صبرت له ... إذ كان من بعض حسادي وعذالي ألم أكده بحسن الانتظار إلى ... أن صنت حظي عن حط وترحال بلغت من لا يجوز السؤل نائله ... ولا يدافع عن فضلٍ وإفضال يا عارضا لم أشم مذ كنت بارقه ... إلا رويت بغيثٍ منه هطال رويد جودك قد فاضت به هممي ... ورد عني بعزم الدهر إقلالي أنشد أبو الفرج الببغاء لنفسه: من السريع قد ساعف الدهر بإعتابه ... واعتاد قلبي بعض إطرابه فاشكر له من فعله يومنا ... بالدير يامن لي بأضرابه

غداة باكرناه في فتية ... والصبح قد سار بأسبابه محدودب لم يبق فيه التقى ... إلا خيالا بين أثوابه شاركته عند قرابينه ... فطنني من بعض أصحابه فلو تراني وترى وقفتي ... وقد أتينا العيش من بابه من بين مستلق على جنبه ... وآخر يسأل عما به يريد تمزيقا لأثوابه ... من فرح منه بأحبابه عاجله السكر فأضحى لقى ... وكفه في ثني جلبابه وقال: أكل وميض بارقة كذوب ... أما في الدهر شيء لايريب تشابهت الطباع فلا دنيء ... يحن إلى الثناء ولاحسيب وقال: من البسيط يا من تشابه منه الخلق والخلق ... أما في الدهر شيء لا يريب تشابهت الطباع فلا دنيء ... يحن إلى الثناء ولا حسيب وقال: من البسيط يا من تشابه منه الخلق والخلق ... فما تسافر إلا نحوه الحدق توريد دمعي من خديك مختلس ... وسقم جسمي من جفنيك مسترق لم يبق لي رمق أشكو إليك به ... وإنما يشتكي من به رمق وقال: من المنسرح يا مكمدي دعني أمت كمدا ... أو جد بعبدك مثلما وجدا وزعمت أن البين منك غدا ... هدد بهذا من يعيش غدا

عبد الواحد

وقال: أستودع الله قوما ماذكرتهم ... إلا وضعت يدي لهفا على كبدي تبدلوا وتبدلنا وأخسرنا ... من ابتغى عوضا يسلي فلم يجد طمعت ثم رأيت اليأس أجمل بي ... تنزها فخصمت الشوق بالجلد وقال: من الكامل يانازحا شط المزار به ... شوقي إليك يجل عن وصفي أغفي لكي ألقاك في حلمي ... ومن العجائب عاشق يغفي قال الخطيب: توفي أبو الفرج الببغاء في ليلة السبت لثلاث بقين من شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. عبد الواحد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق أبو يوسف الطبري روى عن غيلان بن محمد بسنده عن سعد القرظ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب الناس في الحرب وهو متوكىء على قوسه عبد الواحد لم ينسب عن محمد بن سوقة قال: سمعت عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب يتحدثون. فقيل: ما بال الناس يرغبون فيما عنك من العلم، وأهل بيتك جلوس

عبد الوارث بن الحسن بن عمر القرشي

لاهين؟ قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أزهد الناس في الأنبياء، وأشدهم عليهم الأقربون "، وذلك فيما أنزل الله عز وجل: " وأنذر عشيرتك الأقربين " إلى آخر الآية، ثم قال: " أزهد الناس في العالم أهله حتى يفارقهم " عن عبد الواحد الدمشقي قال: مر أبو هريرة حتى قام على أهل مجلسٍ، فقال: ألا أحدثكم عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً غير كذب؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ألا أحدثكم بما يدخلكم الجنة؟ " قالوا: بلى، قال: " ضرب السيف، وطعام الضيف، واهتمام بمواقيت الصلاة، وإسباغ الطهور في الليلة القرة، وإطعام الطعام على حبه ". عبد الوارث بن الحسن بن عمر القرشي يعرف بابن الترجمان البيساني من أهل بيسان. قدم دمشق روى عن عبد الله بن يزيد المقرىء بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتجالسوا أهل القدر، ولاتفاتحوهم " وروى عن عطاء بن همام الكندي بسنده عن عمر بن حريث قال: مرض أبو بكر، فصلى بالناس، ثم أقبل عيهم بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنا لم نألكم نصحاً، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يخرج الدجال من قبل المشرق ومعه قوم وجوههم كالمجان "

عبد الوارث بن عبد الغني بن علي

وعن سفيان الثوري بسنده عن حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يأتي على الناس زمان، أفضل أهل ذلك الزمان كل خفيف الحاذ "، قيل: يا رسول الله، ومن خفيف الحاذ؟ قال: قليل العيال ". قال ابن ماكولا: البيساني: أوله باء معجمة بواحدة، ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها، ثم سين مهملة. عبد الوارث بن عبد الغني بن علي ابن يوسف بن عاصم أبو محمد المغربي التونسي المالكي الأصولي الزاهد كان عالماً بعلم الكلام، بصيراً به، حسن الاعتقاد، له قدم في العبادة. قدم دمشق غير مرة، وكان يتردد منها إلى حمص، وحلب، ويرجع إليها، وكان له أصحاب ومريدون. روى الحافظ ابن عساكر أبياتاً من إنشاده في علم الأصول، وقال: توفي أبو محمد عبد الوارث بن عبد الغني سنة خمسين وخمسمائة بحلب على ما بلغني. عبد الوارث بن عبد الغني بن علي ابن يوسف بن عاصم أبو محمد المغربي التونسي المالكي الأصولي الزاهد كان عالماً بعلم الكلام، بصيراً به، حسن الاعتقاد، له قدم في العبادة. قدم دمشق غير مرة، وكان يتردد منها إلى حمص، وحلب، ويرجع إليها، وكان له أصحاب ومريدون. روى الحافظ ابن عساكر أبياتاً من إنشاده في علم الأصول، وقال: توفي أبو محمد عبد الوارث بن عبد الغني سنة خمسين وخمسمائة بحلب على ما بلغني. عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الحجاج يزعمون أنه من ولد عمر بن الخطاب، ويقال: إنهم موالي لذي الكلاع الحميري روى عن القاضي الميانجي بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتي قباء راكباً وماشيا - وفي رواية: يزور قباء.

عبد الوهاب بن أحمد بن هارون بن موسى

عبد الوهاب بن أحمد بن هارون بن موسى أبو الحسين بن الجندي الشاهد أخو القاضي أبي نصر روى عن أبي بكر بن أبي الحديد بسنده عن أسامة بن شريك قال: شهدت الأعاريب يسألون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقولون: ما خير ما أعطي العبد؟ قال: " خلق حسن " توفي أبو الحسين بن الجندي سنة تسع وأربعين وأربعمائة عبد الوهاب بن إسحاق القرشي روى عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال: خطب عبد الملك بن مروان أم الدرداء، فأبت أن تتزوج، فسمعتها تقول: لا، إني سمعت أبا الدرداء يقول: " المرأة لأخر أزواجها " عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ولي الموسم، وإمرة فلسطين من قبل أبي جعفر المنصور. مولده بأرض الشراة من أعمال دمشق، وقدم على أبي جعفر المنصور، وولاه غزو الصائفة سنة أربعين ومائة فلم تحمد ولايته. قال الوليد بن مسلم: لما أفضى الأمر إلى أبي جعفر أغزى عبد الوهاب بن إبراهيم والحسن بن قحطبة في

سنة تسع وثلاثين ومائة في سبعين ألفاً ملطية، وأمضى طائفة منهم إلى أرض الروم. ووجه في سنة اثنتين وأربعين ومائة عبد الوهاب بن إبراهيم معه الحسن بن قحطبة في جماعة من أهل خراسان، وأهل الشام والجزيرة والموصل، وأمرهما أن يبنيا ما خربته الروم من حائط ملطية، وإعادته على ماكان. وفي سنة ست وأربعين ومائة حج بالناس عبد الوهاب بن إبراهيم قال خليفة: وفيها - يعني سنة أربعين ومائة - وجه أبو جعفر عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي لبناء ملطية، فأقام عليها سنة حتى بناها، وأسكنها الناس. وغزا الصائفة سنة اثنتين وخمسين فلم يدرب. وقال يعقوب الفسوي: سنة إحدى وخمسين ومائة غزا الصائفة عبد الوهاب بن إبراهيم قال الربيع بن حظيان: كنت جالساً عند المنصور إذ دخل الحاجب، فقال: عبد الوهاب بن إبراهيم بالباب، فقال: يدخل ابن الفاعلة، وبيد المنصور قضيب، قال: فلما سمعت ذلك قمت، فأمرني بالجلوس، فجلست، ودخل عبد الوهاب، فسلم، فقال: لاسلم الله عليك يا بن الفاعلة! فألقى عبد الوهاب نفسه على ركبتيه، وجعل يحبو إليه، فألقى بقضيبه قلنسوته، وجعل يضربه حتى وقع من رأسه حتى أدماه، وهو يقول؛ يا بن فلانة، تقتل الغساني، وتتعصب؟ فلو أنك إذ خرجت من دينك عممت، ولكن تعصبت، فمن يعدل بين الناس؟! وحدث غير واحد أن عبد الوهاب بن إبراهيم ولي فلسطين للمنصور، فأخربها، فوجه إليه المنصور أن احمل إلي إبراهيم بن أبي عبلة، وابن مخمر الكناني لأسألهما عن أمر البلد، فدعا بهما عبد الوهاب، فغداهما، ثم غلفهما بالغالية بيده، ثم قرأ عليهما كتاب

عبد الوهاب بن بخت

المنصور، وأشخصهما إليه، فلما قدما، ودخلا على المنصور أدنى مجالسهما، ورفعهما، وقال: يابن أبي عبلة، كيف تركت البلد؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لقد قرأت العهود مذ زمن الوليد بن عبد الملك، فما سمعت عهداً أحسن من عهدته إلى عبد الوهاب، لكنه عمد إلى جميع ما أمرته به فاجتنبه، وإلى جميع مانهيته عنه فارتكبه. وقال ابن مخمر الكناني: يا أمير المؤمنين، ترك ابن أخيك البلد كهذا الطائر، وأخرج من كمه طائراً قد نتفه. فقال المنصور: ماله؟ قبحه الله! قد عزلته، فاختاروا من أحببتم. روى ابن أبي الدنيا من طريقه قال: لما احتضر عبد الوهاب بن إبراهيم، وكان أمير فلسطين، جعل يقول: يا ويحكم، أيموت مثلي!؟ توفي عبد الوهاب بن إبراهيم الهاشمي سنة ثمان وخمسين ومائة وقيل: سنة تسع وخمسين ومائة وهو والي دمشق. عبد الوهاب بن بخت أبو عبيدة، ويقال: أبو بكر مولى آل مروان. سكن الشام، ثم تحول إلى المدينة. روى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نضر الله من سمع مقالتي هذه فوعاها، ثم بلغها غيره، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لايغل عليهن صدر مؤمن: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم "

وروى بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لقي أخاه فليسلم عليه، وإن حالت بينهما شجرة أو حائط، أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ". قال عبد الوهاب بن بخت: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فأتي بموالٍ لسليمان بن عبد الملك في جراحٍ بينهم، فقال لي: ياعبد الوهاب، قم، فاقض بينهم؛ واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقض في شجة دون الموضحة كما حدثني خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال يحيى: كان عبد الوهاب بن بخت ثقة، وكان شامياً نزل المدينة، وكان رجل صدق. قال أبو زرعة، ويعقوب بن سفيان: ثقة قال أبو حاتم الرازي: لابأس به، صالح الحديث قال معان بن رفاعة: رأيت أبا عبيدة عبد الوهاب بن بخت المكي إذا رأى في المسجد الصبيان يشتد ذلك عليه، حتى لو يستطيع يأخذهم بيده أخذ. قال مصعب الزبيري: كان عبد الوهاب بن بخت يشبه بالبطال في بلاد العدو، وهما من موالي آل مروان. قال مالك: بلغني أن عبد الوهاب بن بخت خرج إلى الغزو، فانبعثت به راحلته، فقال: " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل "، فاستشهد. ما أراه أخذ ذلك إلا من موسى عليه السلام حين توجه تلقاء مدين. وقد كان تزوج عندنا بالمدينة، وأقام بها. إن لم يكن

عبد الوهاب بن جعفر بن علي

هو أحق بما في رحله في السفر من رفقائه، وكان كثير الحج والعمرة، والغزو حتى استشهد. وذكر أن عبد الوهاب غزا مع البطال، وانكشفوا، فجعل يكر فرسه وهو يقول: ما رأيت فرساً أجبن منك، وسفك دمي إن لم أسفك دمك! ثم ألقى بيضته عن رأسه وصاح: أنا عبد الوهاب بن بخت، أمن الجنة تفرون؟! ثم تقدم في نحور العدو. قال: فمر برجلٍ وهو يقول: واعطشاه! فقال: تقدم، الري أمامك. أخبر من غزا مع البطال أنه سمع عبد الوهاب بن بخت يقول: والله لقد كنا نسمع أن سرية ثمانية آلاف ونحوها يليها رجل من قيس، فيقتل ومن معه إلا الشريد؛ وآية ذلك أنها خيل جريدة، ليس معهم إلا راحلة، فانظروا هل ترون عند آل فلان. قال: ولقينا العدو، فقتلوا مالك بن شبيب، والبطال، وعبد الوهاب بن بخت المكي. استشهد البطال سنة ثلاث عشرة ومائة، وقيل سنة إحدى عشرة ومائة. عبد الوهاب بن جعفر بن علي ابن جعفر بن أحمد بن زياد أبو الحسين بن الميداني روى عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان القرشي بسنده عن أم الدرداء قالت: خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " من أين يا أم الدرداء؟ " قالت: فقلت: من الحمام، قال: " والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن تعالى " روى عن أحمد بن الحسين بن طلاب بسنده عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة، فنظر إليها، فقال: اللهم أنت أنت، وأنا أنا،

عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد

أنت العواد بالنعم - وفي رواية: بالمغفرة - وأنا العواد بالذنوب، فاغفر لي. وخر على جبهته ساجداً، فنودي: أنت العواد بالذنوب، وأنا العواد بالمغفرة، قد غفرت لك. فرفع رأسه، فغفر له - وفي رواية: غفر الله عز وجل له " كان ابن الميداني لايبخل بإعارة شئٍ من كتبه سوى كتاب واحد كان يضن بإعارته، فلما احترقت كتبه استجد جميعها من النسخ التي كتبت منها غير ذلك الكتاب الذي ضن بإعارته، فإنه لم يقدر على نسخه، وآلى على نفسه ألا يبخل بإعارة كتابٍ. توفي أبو الحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني سنة ثماني عشرة وأربعمائة - وذكر أن مولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة - ودفن في مقبرة الفراديس. ذكر أنه كتب بنحو مائة رطل حبر. كان فيه تساهل. عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد ابن موسى بن سعيد بن راشد بن يزيد بن قندس بن عبد الله أبو الحسين الكلابي، المعروف بأخي تبوك العدل حدث عن أبي بكر محمد بن خريم العقيلي بسنده عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء؛ فإن توضأنا به عطشنا، فنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " ولد عبد الوهاب بن الحسن الكلابي سنة خمس وثلاثمائة، وتوفي سنة ست وتسعين وثلاثمائة. وكان ثقة نبيلاً مأموناً محسناً.

عبد الوهاب بن سعيد بن عطية

عبد الوهاب بن سعيد بن عطية أبو محمد السلمي، يعرف بوهب روى عن شعيب بن شعيب بن إسحاق بسنده عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة صامه، وأمر الناس بصيامه، حتى إذا فرض رمضان كان رمضان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه. وروى سفيان بن عيينة بسنده عن ابن عباس أن شاعراً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يابلال، اقطع لسانه عني " فأعطاه أربعين درهماً وحلة، فقال: قطع والله لساني توفي أبو محمد عبد الوهاب بن سعيد السلمي سنة ثلاث عشرة ومائتين، وشهد أبو زرعة جنازته. ذكر أبو زرعة في أهل الفتوى بدمشق عبد الوهاب بن صدقة بن محمد أبو محمد الضرير المقرىء الفقيه الشافعي كان أديباً. وله شعر متوسط، وكان له بعبارة الرؤيا معرفة حسنة، وكان يقرأ في السبع الكبير، وسكن في دورة حمد، وكان يتردد إلى سماع الدرس بالزاوية الغربية، والمدرسة الأمينية، وسمع من الحافظ ابن عساكر حديثاً كثيراً، وكان حسن الاستفادة، صحيح العقيدة.

عبد الوهاب بن الضحاك

من شعره: من الوافر كفى عجبا بأن تعدي فراقا ... محبا ذاب وجدا واشتياقا حشوت حشاه بالإحراق نارا ... فكيف قرار من ذاق احتراقا ولولا حكم هذا الدهر قدما ... أذاق صميم قلبك ما أذاقا قطعت بذات عرقٍ كل عرقٍ ... غريق حين يممت العراقا ولما ساق حادي الركب ليلا ... بعثت لمهجة الصب السياقا فلو حملت مابي كل ملك ... تحمل عرش ربك ما أطاقا وقال: من الرمل إن من وكل طرفي بالأرق ... لخليا لم يذق طعم القلق لارعى الله وشاة بيننا ... فيهم زاد من الحب الحنق صد عني وجفاني معرض ... ورمى قلبي بنارٍ فاحترق ونعم صد، فمن علمه ... أن يعوق الطيف حتى ماطرق مات عبد الوهاب سنة إحدى وستين وخمسمائة، ودفن في مقبرة باب الفراديس عبد الوهاب بن الضحاك أبو الحارث العرضي سكن سلمية روى عن إسماعيل بن عياش بسنده عن ابن عباس قال: أول ما سمعنا بالفالوذج أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن أمتك تفتح لهم الأرض، وتفاض عليهم الدنيا حتى إنهم ليأكلون الفالوذج، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

وما الفالوذج؟ " قال: يخلطون السمن والعسل جميعاً، قال: فشهق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك شهقة. وعن إسماعيل بمن عياش بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب - عزوجل " قال ابن أبي حاتم: عبد الوهاب بن الضحاك السلمي، قاص أهل سلمية، أبو الحارث. سمع منه أبي بالسلمية، وترك حديثه والرواية عنه، وقل: كان يكذب، سألت أبا اليمان عنه فقال: لا يكتب عنه، هذا قاص، ثم أتيناه، فأخرج إلينا شيئاً من الحديث، فقال: هذا جميع ما عندي، ثم بلغني أنه أخرج بعدنا حديثاً كثيراً. قال محمد بن عوف: قيل لي: إنه أخذ فوائد أبي اليمان، فكان يحدث بها عن إسماعيل بن عياش، وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة، فخرجت إليه، فقلت: ألا تخاف الله!؟ فضمن لي ألا يحدث بها، فحدث بها بعد ذلك. قال البخاري: عنده عجائب قال ابن عدي: سألت عبدان عن حديث ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لو كان القرآن في إهاب مامسته النار "، فقال: لقن عبد الوهاب بن الضحاك بحضرتي، فمنعتهم قال: وكان محمد بن عوف يحسن القول فيه، وبعض حديثه مالايتابع عليه. تركه الدارقطني والعقيلي والبيهقي وقال صالح بن محمد: عامة حديثه كذب

عبد الوهاب بن طالب بن أحمد

عبد الوهاب بن طالب بن أحمد ابن يوسف بن عبد الله بن عنبسة بن عبد الله أبو القاسم التميمي البغدادي المقرىء الأزجي الفقيه قدم دمشق، وكان إمام مسجد درب الريحان روى عن أبي الفرج الطناجيري بسنده عن جابر بن عبد الله قال: أكل أبو بكر بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبزاً ولحماً، ثم صلى، ولم يتوضأ مات أبو القاسم الأزجي الحنبلي سنة سبع وثمانين أربعمائة، ودفن في مقبرة باب الصغير. عبد الوهاب بن عبد الله ابن عمر بن أيوب بن المعمر بن قعنب بن يزيد أبو نصر المري الإمام الحافظ الشروطي، ويعرف بابن الأذرعي، ويابن الجبان ذكر أبو بكر الحداد أنه ثقة روى عن أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في حبالة من أدم، فسلمت، ثم قلت: أدخل؟ قال: " ادخل "، قال: فأدخلت رأسي، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ وضوءاً مكيثاً، فقلت: يا رسول الله، أدخل كلي؟ قال: " كلك "، قال: فلما جلست قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعدد ست خصال بين يدي الساعة، قال: " موت نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - قال عوف: فوجمت لذلك وجمة " ما وجمت مثلها قط - قال: " قل إحدى "، قلت:

عبد الوهاب بن عبد الله

إحدى، قال: " وفتح بيت المقدس "، قال: " وفتنة فيكم تعم بيوتات العرب، ويأخذكم موت كقعاص الغنم، ويفشو المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساخطاً، وهدنة " تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم في ثمانين غاية، تحت كل غايةٍ اثنا عشر ألفاً " وروى عن حميد بن الحسن الوراق بسنده عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود في قوله - عز وجل: " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، قال ثعبان له زبيبتان تنهشه في قبره، تقول: أنا مالك الذي بخلت به، قال ابن ماكولا: المري: بضم الميم وكسر الراء وتشديدها توفي أبو نصر بن الجبان سنة خمسٍ وعشرين وأربعمائة وصلى عليه أبو الحسن بن السمسار، ودفن في مقبرة باب الصغير. صنف كتباً مثيرة، وكان يحفظ شيئاً من علم الحديث. عبد الوهاب بن عبد الله ابن محمد بن سعيد بن عمرو بن حفص بن حريش أبو الفرج العنسي الداراني - يعرف بوهيب روى عن أحمد بن عطاء المعروف بالروذباري بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء والإيمان مقرونان في قرنٍ، فمن سلب أحدهما تبعه الأخر "

عبد الوهاب بن عبد الرحيم

قال الحافظ: سألت أبا محمد بن الأكفاني عن نسبة عبد الوهاب، فقال: ما وجدته إلا هكذا - وذكره لي ابن الأكفاني بالشين المعجمة. ووجدته بخط مكي بن جابار: - حريس - بالسين المهملة فالله أعلم. عبد الوهاب بن عبد الرحيم ابن عبد الوهاب بن محمد بن يزيد أبوعبد الله الأشجعي الجوبري من أهل قرية جوبر. روى عن سفيان بسنده عن عمر بن الخطاب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار. قال سفيان: ينفقه في طاعة الله. قال أبو نصر الحافظ: الجوبري - بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الباء المعجمة بواحدة توفي عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي سنة تسع وأربعين ومائتين، وقيل سنة خمسين ومائتين. عبد الوهاب بن عبد العزيز بن المظفر أبو بكر الأزدي - ابن حزور الوراق حدث عن تمام بن محمد الرازي بسنده عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

عبد الوهاب بن عبد الملك بن محمد بن عبد الصمد

زينوا القرآن بأصواتكم " ذكر أبو بكر الحداد: أن ابن حزور كان كهفاً للفقراء وأصحاب الحديث، وكان يمدهم بالورق والورق رجل صحة ثقة. مات بتنيس سنة خمسين وأربعمائة. وكان يذهب مذهب أحمد بن حنبل عبد الوهاب بن عبد الملك بن محمد بن عبد الصمد أبو طالب الفقيه الهاشمي، ابن المهتدي بالله روى عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان بسنده عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ياحكيم، إن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى ". فقال حيكم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ بعدك أحداً شيئاً حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر يدعم حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبله منه. فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم ني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيىء، فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ أحداً من الناس حتى توفي. توفي الشريف أبو طالب عبد الوهاب بن عبد الملك بن عبد الملك سنة خمس عشرة وأربعمائة. كان فقيهاً حافظاً للفقه، يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري.

عبد الوهاب بن علي ابن نصر بن أحمد بن الحسين بن هارون بن مالك أبو محمد البغدادي القاضي المالكي الفقيه صاحب المصنفات. قدم دمشق سنة تسع عشرة وأربعمائة مجتازاً إلى مصر. روى عن بن محمد بن إبراهيم البجلي بسنده عن أبي هريرة: " الأبعد فالأبعد إلى المسجد أعظم أجراً " وعن أبي الفتح يوسف بن عمرو بن مسرور القواس بسنده عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشياطين يستمتعون بثيابكم؛ فإذا نزع أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها؛ فإن الشيطان لا يلبس ثوباً مطوياً قدم الشيخ أبو محمد عبد الوهاب بن نصر الفقيه المالكي - رضي الله عنه، يعني دمشق - في شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة، وخرج في جمادى الأولى من سنة عشرين وأربعمائة، وتوفي بمصر. أنشد حين ودع بغداد: من الطويل سلام على بغداد في كل منزل ... وحق لها مني السلام المضاعف لعمرك ما فارقتها عن قلي لها ... وإني بشطي جانبيها لعارف ولكنها ضاقت علب بأسرها ... ولم تكن الأرزاق فيها تساعف فكنت كخل كنت أهوى دنوه ... وأخلاقه تنأى به وتعاسف

وفي رواية موضع " بشطي ": " بجنبي "، وموضع " بأسرها ": " برحبها " قال الخطيب: عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد بن الحسين، أبو محمد الفقيه المالكي، كتبت عنه. وكان ثقة "، ولم نلق من الملكيين أحداً كان أفقه منه، وكان حسن النظر، جيد العبارة، وتولى القضاء ببادرايا، وباكسايا، وخرج في آخر عمره إلى مصر فمات بها سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف: كان فقيهاً شاعراً متأدباً، وله كتب ككثيرة في كل فن من الفقه. مات سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وقيل سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. عبد الوهاب بن محمد بن خالد بن أبي معاذ أبومعاذ بن سعدان روى عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " نعم الإبل الثلاثون؛ يحمل على نجيبها، وتغني أربابها، وتمنح غزيرتها، وتلتقي في محلها يوم ورودها، في أعطانها " توفي أبو معاذ بن سعدان سنة أربع عشرة وأربعمائة؟

عبد الوهاب بن محمد بن ميمون أبو القاسم العمري المدني روى عن الحسن بن صالح بن جابر بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " مكتوب على ساق العرش: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق - رضي الله عنه ". عبد الوهاب بن محمد الأوزاعي حدث عن عمرو بن مهاجر قال: قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز بخناصرة، فجعل محمد بن كعب يجد النظر إليه، فقال له عمر: مالي أراك تحد إلى النظر يامحمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، عهدي بك بالمدينة وأنت غزير اللون، ظاهر الدم، وهيئتك غير هذه الهيئة، فقال عمر: كيف بك يا محمد لو رأيتني في قبري بعد ثالثة وقد وقعت عيناي على وجنتي، وسال فمي قيحاً ودماً رأيتني أشد تغيراً؟ يا محمد، حدثني حديث ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في الصلاة " فقال محمد: حدثني عبد الله بن عباس أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اقتلوا الحية والعقرب، وإن كنتم في الصلاة " وحدثني ابن عباس أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أشرف المجالس ما استقبل به القبلة " قال ابن عباس: وسمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول: " من اطلع في كتاب أخيه بغير أمره فكأنما اطلع في النار "

وقال ابن عباس: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:: " شركم من نزل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده "؟ عبد الوهاب بن المحسن بن عبد الوهاب بن سقير أبو الفضائل العطار روى عن الحافظ ابن عساكر بسنده عن أبي سعيد المقبري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رب قائم حظه من قيامه السهر، ورب صائمٍ حظه من صيامه الجوع والعطش "؟ عبد الوهاب بن نجدة أبو محمد الحوطي روى عن بقية بسنده عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما عدل والٍ اتجر في رعيته " - وفي رواية: " من أخون الخيانة تجارة الوالي في رعيته " قال رجل لعبد الوهاب الحوطي: يا أبا محمد، تثبت؛ فإن أهل العراق يقولون: حديث الشاميين خرافات. قال الحوطي: سخنت عين الرعونة، أنا شامي عراقي. ورئي يصلي في سروايل وقلنسوة وخف متقلداً سيفاً، ليس عليه قميص، فقيل له، فقال: أليس يقال: السيف بمنزلة الرداء في الصلاة.

عبد الوهاب بن هلال بن عبد الوهاب

عبد الوهاب بن هشام بن الغاز الجرشي روى عن أبيه عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان وصلة - وفي رواية: نصرة - لأخيه المسلم إلى ذي سلطانة - وفي رواية: ذي سلطان - في منفعةٍ بر، أو تيسير عسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام " وفي رواية: " من كان ذا وصلةٍ " قال أبو حاتم: كان يكذب وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به. قال ابن ماكولا: الجرشي: بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة عبد الوهاب بن هلال بن عبد الوهاب أبو القاسم البيروتي روى عن يحيى بن عبد الباقي بسنده عن أنس بن مالك قال: يقال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قيدوا العلم الكتاب " ذكره عبد الوهاب الكلابي في تسمية شيوخه. عبدان بن زرين بن محمد أبو محمد الأذربيجاني الدويني المقرىء الضرير روى عن الحافظ ابن عساكر وقال: أقرأ القرآن مدة، ولقن جماعة، وكان ثقة خيراً.

وروى من طريقه عن ميمون بن مهران قال: دخلت على سالم بن عبد الله بن عمر، وحدثته ملياً، ثم التفت إلي فقال: يا أبا أيوب، ألا أخبرك بحديث تحبه، وتحمله عني، وتحدث به؟ قال: قلت: بلى، قال: دخلت على أبي عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو يتعمم، فلما فرغ التفت إلي، فقال: أتحب العمامة؟ قلت: بلى، قال: فأحبها، وأغر بها تجل، وتوقر، وتكرم، ولا يراك الشيطان إلا ولى. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " صلاة تطوعٍ أو فريضةٍ بعمامة تعدل خمساً وعشرين صلاة " بلا عمامة، وجمعة بعمامة تعدل سبعين جمعة " بلا عمامة "، أي بني اعتم، فإن الملائكة يشهدون يوم الجمعة معتمين، فيسلمون على أهل العمائم حتى تغيب الشمس. مات عبدان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وشهد الحافظ ابن عساكر جنازته والصلاة عليه. عبدان بن عمر بن الحسن أبو محمد المنبجي حدث عن عبدان بن حميد المنبجي بسنده عن أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال لأصحابه: " أي الناس أغنى؟ " قالوا: أبو سفيان بن حرب، قال آخر: عبد الرحمن بن عوف، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أغنى الناس حملة القرآن، من جعله الله في جوفه " وعن هاشم بن محمد الطائي بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه بغسل واحد - وفي رواية: طاف

عبدان بن محمد بن عيسى

عبدان بن محمد بن عيسى أبو محمد المروزي الحافظ الزاهد روى عن هشام بن عمار الدمشقي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال ربكم - عز وجل: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه " وعن هشام بن عمار بسنده عن أبي هريرة، سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يتقارب الزمان، ويقبض العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج " قلت: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: " القتل " قال أبو عبد الله الحافظ: حدث عبدان بنيسابور سنة خمس وست وثمانين ومائتين. وهو ثقة مأمون إمام. وقال الخطيب: قدم بغداد، وروى بها " كتاب التفسير " لمقاتل بن حيان، وكان ثقة حافظاً صالحاً زاهداً. ولد سنة عشرين ومائتين، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين. وذكر أبو بكر الشيرازي أن عبدان كان ورعاً فاضلاً من قرية جنو جرد. صنف كتاباً سماه " الموطأ " عبد عمرو بن يزيد بن عامر الجرشي ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك. وبعثه أبو عبيدة بن الجراح إلى فحل من أرض الأردن لما كان أبو عبيدة بمرج الصفر.

عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة

عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة واسمه ثعلبة بن سبين، ويقال: عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة - الغساني شاعر جاهلي نصراني. وفد على سطيح الغساني إلى الجابية سأله عن رؤيا موبذان الفرس التي ليلة ولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عبد المسيح من المعمرين، وهو الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة. روى هانىء المخزومي قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وخمدت نار فارسٍ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عامٍ، وغاضت بحيرة ساوة. فلما أصبح أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعاً، فلما عيل صبره رأى ألا يستر ذلك عن وزرائه ومرزابته، فلبس تاجه، وقعد على سريره، وجمعهم إليه، فأخبرهم لما رأى، فينا هم كذلك إذ ورد عليه الكتاب بخمود النار، فازداد غماً إلى غمه، فقال الموبذان: وأنا - أصلح الله الملك - قد رأيت في هذه الليلة إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، فقال: أي شيءٍ يكون يا موبذان؟ قال: حادث يكون من ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر: أما بعد فابعث إلي برجلٍ عالم أريد أن أسأله عنه. فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه قال: أعندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليخبرني الملك؛ فإن كان عندي منه علم أخبرته، وإلا دللته على من يخبره، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام - وفي رواية: ابن عم لي بالجابية - يقال له: سطيح، قال: فأته، فاسأله عما أخبرتك، ثم ائتني بجوابه. فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح، وقد أشفى على الموت، فسلم عليه، وحياه، فلم يرد على سطيح جواباً، فأنشأ عبد المسيح يقول: رجز

أصم أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاز فاز لم به شأو العنن يافاضل الخطة أعيت من ومن ... أتاك شيخ الحي من آل سنن فلما سمع شعره رفع رأسه، وقال: عبد المسيح، على جمل مشيح، إلى سطيح، وقد أوفى على ضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان؛ رأى إبلاً صعاباً، تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها. يا عبد المسيح، إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهرواة، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ماهو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ووثب عبد المسيح الغساني يقول: من البسيط شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفز عنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير فربما ربما أضحوا بمنزلةٍ ... تهاب صولهم الأسد المهاصير فالخير والشر مقرونان في قرنٍ ... فالخير متبع والشر محذور فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً قد كانت أمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين والباقون إلى آخر خلافة عثمان. قالوا: لما انصرف خالد بن الوليد من اليمامة ضرب عسكره علىالجرعة التي بين الحيرة والنهر، وتحصن منه أهل الحيرة في القصر الأبيض، وقصر ابن بقيلة. فبعث إليهم: ابعثوا إلي رجلاً من عقلائكم أسائله، ويخبرني عنكم. فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني، وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة. فلما رآه خالد قال: مالهم، أخزاهم الله، بعثوا إلي رجلاً لا يفقه فلما دنا من خالد قال: أنعم صباحاً

أيها الملك، فقال خالد: قد أكرمنا الله بغير هذه التحية، بالسلام. ثم قال له خالد: من أين أقصى أثرك؟ قال: من ظهر أبي، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: علام أنت.؟ قال: على الأرض، قال: فيم أنت ويحك؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأقيد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت اليوم قط! أسائله عن شيء وينحو في غيره، قال: ما أجيبك إلا عما سألت عنه، فاسأل عما بدا لك، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة، قال: أخبرني، ما أنتم؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا، قال: فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما بال هذه الحصون؟ قال: بنيناها لتحبس السفيه حتى ينهاه الحليم. فقال له خالد: ما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تخرج إلى الشام في قرى متواترة ما تزود رغيفاً، وقد أصبحت خراباً يباباً. وقال عبد المسيح حين رجع: أبعد المنذرين أرى سواما ... تروح بالخورنق والسدير تحاماها فوارس كل حي ... مخافة ضيغم عالي الزئير وبعد فوارس النعمان أرعى ... رياضا بين دورة والحفير فصرنا بعد هلك أبي قبيسٍ ... كمثل الشاء في اليوم المطير تقسمها القبائل من معد ... علانية كأيسار الجزور وكنا لا يباح لنا حريم ... فنحن كضرة الناب الضجور كذاك الدهر دولته سجال ... تصرف بالمساءة والسرور قالوا: وخرج بقيلة في ثوبين أخضرين، فقال له إنسان: ما أنت إلا بقيلة، فسمي بقيلة بذلك. واسمه ثعلبة ين سبين.

عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث

عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي له صحبة. وروى شيئاً يسيراً. قال: مشت بنو عبد المطلب إلى العباس، فقالوا: كلم لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليجعل فينا ما يجعل في الناس من هذه السعاية وغيرها. قال: فينما هم كذلك يأتمرون إذ جاء علي بن أبي طالب، فدعاه العباس، فقال: هؤلاء قومك، وبنو عمك اجتمعوا، لو كلمت لهم رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل لهم السعاية، فقال علي: إن الله تعالى أبى لكم يابني عبد المطلب أن يطعمكم غسالة أوساخ أيدي الناس. قال: فقال ربيعة بن الحارث: دعوا هذا، فليس عنده خير، وابعثوا أنتم. فبعث العباس ابنه الفضل، وبعثني أبي ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. قال: فانطلقنا حتى دخلنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأجلسنا عن يمينه، وعن شكاله، قال: فحصرنا كأشد حصر. قال: ثم أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بأذني وأذنه، فقال: " أخرجا ماتصرران "، فقلنا: يا رسول الله، بعثنا إليك عمك، واجتمع بنو عمك إليه، بنو عبد المطلب، أن يطعمكم غسالة أوساخ الناس، ولكن لكم عندي الحياء والكرامة؛ أما أنت يا عبد المطلب فأزوجك فلانة، وأما أنت يافضل فأزوجك فلانة، ". قال: فرجعنا إليهم وهم كذلك، فلما أتيناهم قالوا: ماوراءكما، أسعد أو سعيد؟ قال: فقلنا: قد زوجنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فادعوا لنا بالبركة، قال: فأخبرناهم بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فوثب علي، عليه السلام، فقال: أنا أبو الحسن! وتفرقوا. قال الزبير بن بكار: ومن ولد ربيعة: عبد المطلب بن ربيعة. وأمه أم الحكم بنت الزبير بن

عبدوس بن ديرويه

عبد المطلب. وكان عبد المطلب بن ربيعة رجلاً على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا سفيان بن الحارث أن يزوجه ابنته، فزوجه إياها، وهو الذي أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الفضل بن عباس، فسألاه أن يستعملهما على الصدقة، ولم يزل عبد المطلب بالمدينة إلى زمن عمر نب الخطاب، ثم تحول إلى دمشق، فنزلها، وهلك بها، وأوصى إلى يزيد بن معاوية في خلافة يزيد، وقبل يزيد وصيته. قال البغوي: عبد المطلب - ويقال: المطلب - بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي قال خليفة: ومات أيام يزيد بن معاوية: عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. عبدوس بن ديرويه أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، الرازي سكن مصر، وتوفي بها سنة تسعين ومائتين. روى عن الوليد بن عتبة الدمشقي بسنده عن عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة يجهر فيها بالقراءة، فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه، ثم قال: " هل تقرؤون خلفي إذا جهرت "؟ فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: " فلا تقرؤوا بشيءٍ من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن ". وعن هشام عن عمار بسنده عن عمير الليثي قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة

عبدة بن رياح الغساني

عبدة بن رياح الغساني ولي الجزيرة للوليد بن يزيد، وكانت داره بدمشق بباب البريد، وهي المعروفة بدار الكأس روى عن منيب بن عبد الله، عن أبيه قال: تلا علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل يوم هو في شأن "، قلنا: يا رسول الله، وما ذلك الشأن؟ قال: " يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين " قال ابن ماكولا: رياح: بكسر الراء وفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها: عبيدة بن رياح الغساني، كذا. قال أبو مسهر: كان لسعيد بن عبد العزيز جليس يقال له: هشام بن يحيى الغساني، فقال له يوماً: كان عندنا صاحب شرطة يقال له: عبدة بن رياح، وكان ظلوماً، فجاءته امرأة، فقالت: إن ابني يعقني ويظلمني. فأرسل بها في الطريق، فقالوا لها: إن أخذ ابنك ضربه قتله، قالت: كذا! قالوا: نعم، قال: فمرت بكنيسةٍ على بابها شماس، فقالت: خذوا هذا، هذا ابني، فقالوا له: أجب عبدة بن رياح. فلما مصل بين يديه قال له: تضرب أمك وتعقها! قال: ماهي أمي، قال: وتجحدها أيضاً! خذوه! فضربه ضرباً وجيعاً، وأرسله، فقالت: إن أرسلته معي ضربني، قال: هاتوه، فأركبها على عنقه، وقال: كرروا عليه النداء. فقالوا: هذا جزاء من يضرب أمه ويعقها. فمر به رجل ممن يعرفه، فقال له: ماهذا؟ فقال: من لم يكن له أم فليمر إلى عبيدة بن رياح حتى يجعل له أماً

عبدة بن عبد الرحيم بن حسان

عبدة بن عبد الرحيم بن حسان أبو سعيد المروزي روى عن وكيع بن الجراح بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لإمرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله، وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. قال عبدة بن عبد الرحيم: دخلنا بلاد الروم، وكان معنا شاب يقطع نهاره بقراءة القرآن، والصوم، وليله بالقيام، وكان من أعلم الناس بالفرائض والفقه. فمررنا بحصنٍ بم نؤمر أن نقف عليه، فمال إلى ناحية الحصن، ونزل عن فرسه يبول، فنظر إلى من ينظر فوق الحصن، فرأى امرأة "، فأعجبته، فقال لها بالرومية: كيف السبيل إليك؟ فقالت: هين؛ تنتصر، فنفتح لك الباب، وأنا لك، ففعل، ودخل الحصن. فنزل بكلٍ واحدٍ منا من الغم ما لو كان ولده من صلبه ما كان أشد عليه. فقضينا غزاتنا، فرجعنا، فلم نلبث إلا يسيراً حتى خرجنا إلى غزوةٍ أخرى، فمررنا بذلك الحصن، فإذا هو ينظر إلينا مع النصارى، فقلنا: يا فلان، ما فعل قرآنك؟ مافعل علمك؟ ما فعل صومك وصلاتك؟! فقال: أنسيت القرآن كله، حتى لا أحفظ منه إلا قوله: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، ذرهم يأكلوا ويتمتعوا، ويلههم الأمل فسوف يعلمون " سئل أبو حاتم عن عبدة بن عبد الرحيم فقال: صدوق، وقال النسائي: صدوق لا بأس به. وقال أبو سعيد بن يونس: قدم مصر، وحدث بها، وخرج إلى دمشق، فكانت وفاته بها سنة أربع وأربعين ومائتين.

عبدة بن أبي لبابة

عبدة بن أبي لبابة أبو القاسم الأسدي مولى بني غاضرة، حي من بني أسد. ويقال: مولى قريش. كوفي سمكن دمشق. سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تابعوا بين الحج والعمرة، فو الذي نفسي بيده إن متابعتهما تنفي الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد " وروى عن شقيق بن سلمة قال: شهدت عثمان توضأ ثلاثا - وذكر أنه أفرد، وفي رواية: وأفرد - المضمضة من الاستنشاق ثم قال: هذا توضأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الأوزاعي: لم يقدم علينا من العراق أحد أفضل من عبدة بن أبي لبابة وثقة أبو حاتم والنسائي والفسوي وابن خراش قال عبدة بن أبلي لبابة: كنت في سبعين من أصحاب ابن مسعود وقرأت عليهم القرآن، ما رأيت منهم اثنين يختلفان، يحمدون اله على الخير، ويستغفرونه من الذنوب. قال الأوزاعي: كان عبدة إذا كان في المسجد لم يذكر شيئاً من أمر الدنيا وقال: رأيت عبدة يطوف بالبيت وهو ضعيف، فقلت: لو رفقت بنفسك؟ فقال: إنما المؤمن بالتحامل.

قال عبدة بن أبي لبابة: لوددت أن حظي من أهل هذا الزمان: لا يسألوني عن شيء، ولا أسألهم. يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم. وقال: إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته. وأرسل عبدة بن أبي لبابة بخمسين ومائة درهم ليفرقها في فقراء الأنصار فلم يجد فيهم محتاجاً، كان قد أغناهم عمر بن عبد العزيز حين ولي، فلم يترك فيهم أحداً إلا ألحقه. قال حسين الجعفي: قدم الحسن بن الحر وعبدة بن أبي لبابة - وكانا شريكين - ومعهما أربعون ألف درهم، قدما في تجارة، فوافقا أهل مكة وبهم حاجة شديدة. قال: فقال الحسن بن الحر: هل لك في رأي قد رأيته؟ قال: وما هو؟ قال: تقرض ربنا عشرة آلاف درهم، وتقسمها بين المساكين. قال: فأدخلوا مساكين أهل مكة داراً. قال: وأخذوا يخرجون واحداً واحداً فيعطونهم، فقسموا عشرة آلاف، وبقي من الناس ناس كثير، قال: هل لك أن تقرضه عشرة آلاف أخرى؟ قال: فاستقرضوا عشرة آلاف، فأرضوا بها الناس. قال: وطلبهم السلطان، فاختفوا، حتى ذهب أشراف أهل مكة، فأخبروا الوالي عنهم بصلاح وفضل. قال: فخرجوا بالليل، ورجعوا إلىالشام. قال: وكان عبدة بن أبي لبابة قد عمي، وكان يأتي الحسن بن الحر، فكان إذا قام عبدة ليتوضأ أمر الحسن بن الحر غلاماً يقوده أن يغسل ذراعيه، وطيبه، ليضع عبدة يده على ذراعه، فإذا توكأ عليه توكأ عليه وهو مطيب.

عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله

عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن غفير بن عمرك بن خليفة بن إبراهيم بن قتيبة بن قيس بن عامر بن قيس أبو ذر الأنصاري الهروي الحافظ سكن مكة مجاوراً بها. روى عن شيبان بن محمد بن عبد الله بسنده عن أبي بكرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبر في صلاة الفجر، ثم أومى إليهم، ثم انطلق واغتسل، فجاء ورأسه يقطر فصلى بهم. قال أبو النجيب الأرموي: سألت أبا ذر عن مولده، فقال: سنة خمس - أو ست - وخمسين وثلاثمائة. وذكر أبو محمد بن الأكفاني: أن أبا ذر قدم دمشق، وسمع بها من عبد الوهاب الكلابي " الموطأ " وقال الخطيب: خرج أبو ذر إلى مكة، فسكنها مدة، ثم تزوج في العرب، وأقام بالسروات. وكان يحج في كل عام، ويقيم بمكة أيام المواسم، ويحدث، ثم يرجع إلى أهله. وكتب إلينا من مكة بالإجازة بجميع حديثه. وكان ثقة، ضابطاً، ديناً، فاضلاً. مات بمكة لخمس خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. قيل لأبي ذر الهروي: أنت من هراة، فمن أين تمذهبت لمالك والأشعري؟ فقال: سبب ذلك أني قدمت بغداد لطلب الحديث، فلزمت الدارقطني، فلما كان في بعض الأيام كنت معه، فاجتاز به القاضي أبو بكر بن الطيب، فأظهر الدارقطني من إكرامه ما تعجبت منه، فلما فارقه قلت له: أيها الشيخ، الإمام من هذا الذي أظهرت من إكرامه ما رأيت، فقال: أو ما تعرفه؟ قلت: لا، فقال: هذا سيف السنة، أبو بكر الأشعري، فلزمت القاضي منذ ذلك الوقت، واقتديت به في مذهبه.

عبيد بن أحمد بن الحسن بن يعقوب

قال أبو ذر الهروي: كنت أحج على قدمي حجاتٍ، فنفذ زادي مرة "، وضعفت، فاستقرضت من إنسان فأعطاني كفاً، فما كفاني، ومضى بعد ذلك علي يومان، فأيست من نفسي، واستسلمت للموت، فإذا بسواد ٍ قد لاح لي مقبلاً إلي، فحدقت النظر نحوه، وإذا أما بامرأتين على ناقتين، وقد مدتا أيديهما، بيد كل واحدة منهما قعب فيه لبن، فأخذهما أحدهما، وشربت، فبكت الأخرى، فقلت لها: مالك تبكين؟ فقالت: تسابقنا إلى البر فسبقتني، فقلت لها: أعطني، فإني أشرب أيضاً، فما شبعت، فقالت: هيهات! ومن لي بري عظامك؟! قال ابن أبي أسامة: أبو ذر أول من أدخل مذهب الأشعري الحرم وقال الأنصاري: صدوق، تكلموا في رأيه عبيد بن أحمد بن الحسن بن يعقوب أبو الفرج بن السخت المقرىء الرقي البزار روى قول أنس: لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن، وقد اجتمع حبهم في قلبي توفي أبو الفرج بن السخت في سنة أربعمائة عبيد الله بن أحمد بن سليمان بن يزيد المعروف بابن الصنام، أبو محمد القرشي الرملي روى عن إدريس بن أبي الرباب بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبكم وأقربكم مني مجلس " في الجنة أحاسنكم أخلاقاً، وأبغضكم إلي الثرثارون

عبيد الله بن أحمد بن عبد الأعلى بن محمد بن مروان

المتشدقون، المتفيهقون ". قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: " المستكبرون ". وروى عن الحسن بن عرفة بسنده عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أطيب الكسب، فقال: " عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرورٍ ". توفي أبو محمد عبيد الله بن الصنام الرملي بدمشق سنة تسع وتسعين ومائتين عبيد الله بن أحمد بن عبد الأعلى بن محمد بن مروان أبو القاسم الرقي الفقيه المعروف بابن الحراني روى عن نصر بن أحمد الخليل المرجى بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يفتك مؤمن، الإيمان قيد الفتك " وروى عن محمد بن أحمد بن موسى الملاحمي بسنده عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه إذا كبر في الصلاة حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وإذا قام في الركعة فعل مثل ذلك. قال الخطيب: كتبت عنه ببغداد في سنة وعشرين وأربعمائة. وكان ثقة. سألته عن مولده فقال: في ربيع سنة أربع وستين وثلاثمائة. قال: وكان دخولي بغداد في سنة ست وثمانين. وبلغني أنه مات بالرحبة ثلاث وأربعين وأربعمائة، وكان قد سكن الرحبة.

عبيد الله بن أحمد بن محمد

عبيد الله بن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم أبو محمد بن فطيس القرشي المستملي روى عن أبي الحسن بن جوصا بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " عبيد الله بن أحمد بن محمد أبو القاسم الحلبي السراج الفقيه قدم سنة ثمان وستين وثلاثمائة روى عن عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي بسنده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل الذي لايتم صلاته كمثل حبلى حملت، فلما دنا نفاسها أسطت، فلا هي ذات حملٍ، ولاهي ذات ولادٍ، ياعلي، مثل المصلي كالتاجر لايخلص له ربحه حتى يأخذ رأس ماله، كذلك المصلي لاتقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة ". عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو محمد النجار، المعروف بابن كبيبة هكذا وجد الحافظ اسمه بخطه، ويسمى أبضاً عبد القدر، وكان يسمع له على الأجزاء، ويكتب له: عبيد روى عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن القطان بسنده عن عائشة قالت:

عبيد الله بن أرقم

رحم الله لبيداً إذ يقول: من الكامل ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب فقالت عائشة: رحم الله لبيدا، كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال ابن ماكولا: أما كبيبة فهو: ابن كبيبة النجار، شيخ صالح، سمعنا منه بدمشق توفي ابن كبيبة سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وقع من سطح الجامع عبيد الله بن أرقم أبي عبيد الله بن أبي الأرقم عبد مناف بن أبي جندب ابن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي المخزومي وأبوه الأرقم له صحبة، وهو الذي استخفى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في داره التي تعرف اليوم بدار الخيرزان حضرت الأرقم بن أبي الأرقم الوفاة فأوصى أ، يصلي عليه سعد بن أبي وقاص، وكان مروان بن الحكم والياً على المدينة، وكان سعد في قصره بالعقيق، ومات الأرقم فاحتبس عليهم سعد، فقال مروان: أيحبس صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل غائب؟ وأراد الصلاة عليه، فأبى عبيد الله بن الأرقم ذلك على مروان، وقامت معه بنومخزوم، ووقع بينهم كلام، ثم جاء سعد فصلى عليه، وذلك سنة خمس وخمسين بالمدينة. وشهد الأرقم بدراً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعبيد الله بن الأرقم أخو عثمان بن الأرقم لأبيه وأمه؛ أمهما حميده بنت عبد الرحمن بن عوف وقال ابن سعد: عبيد الله لأم ولد، وعثمان لأم ولد.

عبيد الله بن إسحاق بن سهل

عبيد الله بن إسحاق بن سهل أبو القاسم السنجاري روى عن هشام بن أحمد بن مسرور بسنده عن أنس بن مالك: أن أم سليم أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجلات قد شوتهن بأضباعهن، وخمرتهن، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر " قال أنس: فجاء علي بن أبي طالب، فقال: أستأذن لي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: هو علي حاجة، وأحببت أن يجيء رجل من الأنصار، فرجع، ثم عاد، فسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، فقال: " ادخل ياعلي، اللهم وال، اللهم وال، اللهم وال " عبيد الله بن أقرم وهو: عبيد الله بن أبي المهاجر أبو الوليد المخزومي والد إسماعيل بن عبيد الله. كانت داره بدمشق ناحية باب الفراديس قال إسماعيل: لما حضرت أبي الوفاة جمع بنيه، فقال: يابني، عليكم بتقوى الله، وعليكم بالقرآن فتعاهدوه، وعليكم بالصدق، حتى لو قتل أحدكم قتيلاً ثم سئل أقر به؛ والله ما كذبت كذبة منذ قرأت القرآن، يا بني، وعليكم بسلامة الصدور لعامة المسلمين؛ فو الله لقد رأيتني وإني لأخرج من بابي فما ألقى مسلماً إلا والذي في نفسي له كالذي في نفسي لنفسي، أفتروني أحب لنفسي إلا خيراً؟! وخرج عطية بن قيس، وينس بن ميسرة، وبلال بن سعد يعودون عبيد الله بن أبي المهاجر في منزله، في سقيفة كعب، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما استعفيت الله قط

عبيد الله بن جعفر بن أحمد بن عاصم بن الرواس

من مرض أصابني، ولا لقيت أحداً بغير ما في نفسي. فلما نزلوا من عنده قالوا: لقد صغر إلينا هذا الرجل أنفسنا. عبيد الله بن جعفر بن أحمد بن عاصم بن الرواس أبو الفتح كان يسكن بالبيمارستان روى عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على صبيان فسلم عليهم عبيد الله بن أبي جعفر. أبو بكر المصري الفقيه مولى بني كنانة، ويقال: مولى بني أمية. رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وغزا القسطنطينية روى عن بكير بن عبد الله الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيتكن أرادت المسجد فلا تقربن طيباً " وعن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عليكم بالسواك؛ فإنه مطيبة للفم، مرضاة للرب " قال عبيد الله بن أبي جعفر: رأيت على عبد الله بن الحارث بن جزء صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامة حرقانية، ورداء صنعانياً. الحرقانية: السوداء

وروى عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أهدى مسلم لأخيه أفضل من كلمة حكمةٍ يزيده بها هدى، أو يرده بها عن رديء " قال عبيد الله بن أبي جعفر: غزونا القسطنطينة، فكسر بنا مركبنا. فألقانا الموج على خشبة في البحر، وكنا خمسة " أو ستة، فأنبت الله بعددنا، ورقة لكل رجلٍ منا، فكنا نمصها فتشعبنا، وتروينا، فإذا أمسنا أنبت الله له مكانها حتى مر بنا مركب، فحملنا قال ابن سعد: عبيد الله بن أبي جعفر مولى بني أمية، وكان ثقة بقية في زمانه. مات سنة خمس - أو ست - وثلاثين ومائة. كان سليمان بن أبي داود يقول: مارأت عيني عالماً زاهداً إلا عبيد الله بن أبي جعفر قال أبو حاتم: ثقة، بابة يزيد بن أبي حبيب وقال ابن خراش: مصري صدوق وقال أحمد: كان يتفقه، وليس به بأس ومن أقوال: إذا كان المرء يحدث في مجلسٍ، فأعجبيه الحديث فليسكت، وإذا كان ساكتاً فأعجبه السكوت فليتحدث كان يقال: هل استعان عبد على دينه بمثل الخشية من الله - عز وجل

عبيد الله بن الحبحاب السلولي

عبيد الله بن الحبحاب السلولي مولاهم الكاتب كان كاتباً لهشام بن عبد الملك، ثم ولاه إمرة مصر، ثم ولاه إفريقية قال يعقوب بن سفيان: وفيها - يعني سنة سبع ومائة - نزع يزيد بن أبي يزيد، وأمر عبيد الله بن الحبحاب، وقدم مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة " خلت من شهر رمضان. وفي سنة ست عشرة ومائة نزع عبيدة بن عبد الرحمن من إفريقية وأمر عبيد الله بن الحبحاب، جاءته إمارة إفريقية وهو بمصر. قال أبو سعيد بن يونس: عبيد الله بن الحبحاب مولى بني سلول، عامل مصر زمن هشام. قتله أبو جعفر المنصور بواسط مع ابن هبيرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. عبيد الله بن الحر بن عمرو ابن خالد بن المجمع بن مالك بن كعب بن عوف بن حريم بن جعفي بن سعد العشيرة بن مالك ابن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ الجعفي الكوفي قدم دمشق على معاوية، وشهد معه صفين، وكان عثمانياً، وكان شجاعاً: فاتكاً سأل الحسين بن علي: أعهد إليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسيرك هذا شيئاً؟ قال: لا روى عمران بن كثير النخعي: أن عبيد الله بن الحر كان تزوج جارية " يقال لها الدرداء، زوجها إياه أبوها، ثم

غاب عبيد الله إلى الشام، ولحق بمعاوية، ثم مات أبوها، فزوجها أخوها وأمها رجلاً يقال له: عكرمة بن خبيص، فدخل بها، فبلغ ذلك عبيد الله بن الحر، فقدم من الشام، فخاصمه إلي علي، فلما دخل على علي قال لعبيد الله: أظاهرت علينا عدونا، ولحقت بمعاوية، وفعلت، وفعلت؟؟ فقال له عبيد الله: ويمنعني ذلك من عدلك؟ قال: لا فقص عليه القصة، فرد عليه امرأته، وقضي بها له. فقالت المرأة لعلي: أقضيت بي لعبيد الله؟ قل: نعم، قالت: فأنا أحق بمالي أم عبيد الله؟ فقال: بل أنت أحق بمالك، قالت: فأشهد أن ما كان لي على عكرمة من شيء فهو له. قال: وكانت المرأة حبلى، فوضعها علي يدي عدلٍ، فلما وضعت ألحق الولد بعكرمة، ودفع المرأة إلى عبيد الله. روى عبد الرحمن بن جندب الأزدي: أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة، فلم ير عبيد الله بن الحر، ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه، فقال: أين كنت يابن الحر؟ قال: كنت مريضاً، قال: مريض القلب أو مريض البدن؟ قال: أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد من الله على العافية. فقال له ابن زياد: كذبت، ولكنك كنت مع عدوي، قال: لو كنت مع عدوك، لرئي مكاني، وما مثل مكاني يخفى ثم خرج حتى أتى منزل أحمد بن زياد الطائي، فاجتمع إليه في منزله أصحابه، ثم خرج حتى أتى كربلاء، فنظر إلى مصارع القوم، فاستغفر لهم. ثم مضى حتى نزل المدائن. ومن قوله في ذلك: من الطويل يقول أمير غادر حق غادر ... ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة ونفسي على خذلانه واعتزاله ... وبيعة هذا الناكث العهد لائمة فيا ندمي ألا أكون نصرته ... ألا كل نفس لا تسدد نادمة وإني لأني لم أكن من حماته ... لذو حسرةٍ ما إن تفارق لازمه سقى الله أرواح الذين تآزروا ... على نصره سقيا من الغيث دائمة

عبيد الله بن الحسن

عبيد الله بن الحسن بن أحمد ابن إبراهيم بن زنجويه ويقال: ابن العباس بن زنجويه أبو الحسن الأصبهاني روى عن أحمد بن سليمان بن حذلم: بسنده عن ابن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر " توفي عبيد الله بن الحسن سنة تسع وأربعمائة، وكان شيخاً صالحاً ثقة مأموناً عبيد الله بن الحسن من ولد جعفر بن أبي طالب الهاشمي الأعرج شهد حصار دمشق مع عبد الله بن علي: نزل عبد الله بن علي على باب من أبوابها، وأنزل أخاه عبد الصمد على باب آخر. ثم وافاه عبيد الله بن الحسن في خمسة آلاف، فأنزله على باب آخر، ثم وافاه بسام بن إبراهيم في خمسة آلاف فأنزله على باب آخر وألح عليهم أبو العباس بالكتب يأمرهم بالمناجزة. فأقام عبد الله علي محاصراً لدمشق خمسة أشهر - وقيل أقل من ذلك - فلم يقدر علي شيءٍ منها حتى وقعت العصبية بين اليمانية والمضرية فذكر من شهد يومئذ من أهل خراسان الذين كانوا مع عبد الله بن علي قال: صففنا، فصفوا، وإن أعيننا لتقتحمهم استقلالاً لهم، ونحن قد ملأنا الأرض، فما شعرنا بشيء حتى أقبل جماعة منهم ببغال وأحمرة تحمل طوباً، فقلنا: ما نراهم يصنعون بهذا؟ ثم جاءت مثلها تحمل حصى "، ثم جاءت دواب تحمل ماء ". ثم نخل الحصى وبل،

عبدي الله بن الحكم بن أبي العاص

وقام البناؤون فبنوا منارة " في طرفة عين، ونحن نراهم، ونعجب، ونقول: أي مكيدة ٍ هذه من مكائد اللقاء فما كان شيء حتى ارتفع البناء وأناف. وإذا رجل قد صعد إليه، صيت، ونادى: يا أهل دمشق، ويلكم يا بني فلان، عمن تقاتلون؟ عن مروان الذي قتل منكم فلاناً، وكان سيدكم، وفلاناً، وفعل بكم كذا، وقال فيكم كذا، وشتمكم بكذا؟! فلقد رأيت أولئك وهم يتأخرون وينكصون بعد أن أقدموا، وكانوا في أول الصفوف ثم خرجوا إلى آخرها، فيعدد على أهل كل مدينة ما صنع مروان بهم حتى اختلفوا بينهم، وتلاعنوا في المسجد يوم الجمعة، وتضاربوا بالأيدي والنعال. ثم دست اليمانية إلى عبد الله بالرسل بأنا نفتح لك الباب الذي يلي عبد الصمد أخاك على أن تؤمنا وتقتل أعداءنا المضرية، ففعل له اليمانية الباب الشرقي. ثم دعا عبيد الله بن الحسن الطالبي، فقال له: اكفني الأبواب ألا يخرج منها أحد. عبدي الله بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي أخو مروان بن الحكم قال الزبير بن بكار في تسمية ولد الحكم: عبيد الله بن الحكم، قتل يوم الربذة مع حبيش بن دلجة القيني - وذكر غيره ثم قال: - وأمهم: بنت منبه بن شبل بن العجلان بن عتاب بن مالك بن كعب بن ثقيف. عبيد الله بن رباح أبو خالد مولى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وهو الذي ادعى نصر بن الحجاج بن علاط البهزي أنه أخوه، وخاصم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فيه إلى معاوية. وكان نديماً ليزيد بن معاوية بدمشق، وأمره معاوية على بعض جيوشه في غزو الروم.

كان جرير مع عبيد الله بن رباح، وكانوا في الدرب، وكان عبيد الله أمير الجيش، فأصاب الناس برد شديد، قال: فقال جرير لعبيد الله بن رباح: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله "، قال: فكتب عبيد الله إلى معاوية بالذي قال جرير، قال: فقال معاوية: ابعث إلي بجرير، قال: فبعث، فقدم على معاوية، فقال: ما حديث ترويه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ يقول " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " قال: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنا سمعته؟ قال: لا جرم، لأوسعنهم طعاماً ولحماً، ولا يشتو لي جيش وراء الدرب بعدها أبداً. قال: فبعث إليهم القطائف والأكسية والثياب قال محمد بن إسحاق: ادعى نصر بن الحجاج بن علاط السلمي عبد الله بن رباح مولى خالد بن الوليد، فقام عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فقال: مولاي، ولد على فراشي، مولاي فقال نصر: أخي، أوصاني بمنزله. قال: فطالت خصومتهم، فدخلوا على معاوية، وهو تحت فراشه، فادعيا، فقال معاوية: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر "، فقال نصر: فأين قضاؤك هذا يا معاوية في زياد؟ فقال معاوية: قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من قضاء معاوية. فكان عبد الله بن رباح لا يجيب نصراً إلى ما يدعي. فقال نصر: من الطويل أبا خالدٍ خذ مثل مالي وراثة ... وخذني أخا عند الهزاهز شاهدا أبا خالدٍ لا تجعلن بناتنا ... إماء لمخزومٍ وكن مواجدا أبا خالدٍ إن كنت تخشى ابن خالد ... فلم يكن الحجاج يرهب خالدا أبا خالد لا نحن نار ولاهم ... جنان ترى فيها العيون رواكدا

عبيد الله بن زيادة

كذا قال. وإنما هو عبيد الله عبيد الله بن زيادة أبو زيادة البكري - من بكر بن وائل - ويقال: الكندي من أهل دمشق. روى عن بلال: أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤذنه بصلاة الغداة، فحبسته عائشة بأمرٍ سألته عنه حتى انفجر الصبح - وفي رواية: فضحه الصبح - وأصبح جداً. قال: فقام بلال، فآذنه بالصلاة، وتابع أذانه، فلم يخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج، وصلى بالناس، ثم انصرف أخبره بلال أن عائشة شغلته عنه حتى أصبح جداً، فقال: " إني لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما، وأحسنتهما، وأجملتهما " قال عبيد الله بن زيادة: دخلت على ابني بسر السلميين، فقلت: يرحمكما الله، الرجل يركب الدابة، فيضربها بالسوط، ويكبحها باللجام، فهل سمعتما من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك شيئاً؟ فقالا: لا، فنادتني امرأة من جوف البيت: يا هذا، إن الله - عز وجل - يقول: " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيءٍ ثم إلى ربهم يحشرون ". فقالا: هذه أختنا، وهي أكبر منا، وقد أدركت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيد الله بن زياد بن عبيد المعروف بابن أبي سفيان، أبو حفص أمير العراق قدم دمشق على معاوية، ثم قدمها بعد موت يزيد بن معاوية، وكانت له بها دار

بناحية زقاق الديماس النافذ إلى سوق الأساكفة العتق، وعرفت بعده بدار ابن عجلان. ولد سنة تسع وثلاثين، وكان ابن ثمان وعشرين سنة حين قتل الحسين. وهو ابن مرجانة. روى عن أبي أمية أخي بني جعدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتغدى في السفر، وأنا قريب منه جالس، فقال: " هلم إلى الغداء "، فقلت: يا رسول الله، إني صائم، فقال: هلم أحدثك ما للمسافر عند الله، إن الله وضع عن أمتي نصف الصلاة، والصيام في السفر " قال المزرباني: عبيد الله بن زياد بن أبيه. أمه مرجانة سبية من أصبهان. هو القائل لمروان حين وجهه لحرب ابن الأشتر - قال: إياك والفرار كعادتك -: من الطويل سيعلم مروان ابن نسوة أنني ... إذا التقيت الخيلان أطعنها شزرا وإني إذا حل الضيوف ولم أجد ... سوى فرسي أوسعته لهم نحرا قال ثابت بن عبد الرحمن: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد: إذا جاءك كتابي فأوفد إلي ابنك عبيد الله. فأوفده عليه، فما سأله عن شيء إلا أنفذه له، حتى سأله عن الشعر، فلم يعرف منه شيئاً. قال: ما منعك من روايته؟ قال: كرهت أن أجمع كلام الله، وكلام الشيطان في صدري، فقال: اغربوالله لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين مراراً، ما يمنعني من الانهزام إلا أبيات ابن الإطنابة حيث يقول: من الوافر

أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإعطائي على الإعدام مالي ... وإقدامي على البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تعذري أو تستريحي لأدفع عن مآثر صالحاتٍ ... وأحمي بعد عن أنفٍ صحيح وكتب إلى أبيه: أن روه الشعر. فرواه، فما كان يسقط عليه من شيء ولي معاوية عبيد الله بن زياد البصرة سنة خمسٍ وخمسين، فلم يزل والياً حتى مات معاوية بدمشق، فلما قام يزيد بن معاوية أقر عبيد الله بن زياد على البصرة، وضم إليها الكوفة، فبنى في سلطان بن يزيد البيضاء، وعلق عليها باب قصر الأبيض، أبيض كسرى، وهو المحبس، وبنى الحمراء، وهي على سكة المربد؛ فكان يشتو في الحمراء، ويصيف في البيضاء - يعني بالكوفة - فلم يزل على البصرة حتى هلك يزيد بن معاوية بحمص، فلما خرج الناس على عبيد الله بن زياد تراضوا بعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ويلقب: ببه. وروى الأصمعي أن معاوية قال للناس: كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف على أنه يلحن، قال: فذاك أظرف له. يريد باللحن: أفقه، يقول: ألحن بحجته. قال ابن قتيبة: أراد القوم اللحن الذي هو الخطأ، وذهب معاوية إلى اللحن الذي هو الفطنة. قال: والأول بسكون الحاء، والثاني بفتحها. ولي معاوية عبيد الله بن زياد خراسان سنة ثلاث وخمسين. وفي سنة أربع وخمسين غزا عبيد الله بن زياد خراسان، فقطع النهر إلى بخارى على الإبل، فكان أول عربي قطع

النهر إلى بخارى، وافتتح زامين ونصف بيكند، وهما من بخارى، وجمع يزيد بن معاوية لعبيد الله بن زياد الكوفة والعراق. وبعث مروان بن الحكم عبيد الله بن زياد إلى العراق، فقتله ابن الأشتر بالخازر من أرض الموصل. خاصمت أم الفجيع زوجها إلى عبيد الله بن زياد، وكانت قد أحبت فراقه، فقال: أبو الفجيع: أصلح الله الأمير، لاتحكم لها، ودع ما تقول؛ فإن خير شطري الرجل آخره، وإن شر شطري المرأة آخره. قال: وكيف ذاك؟ قال: إن الرجل إذا أسن اشتد عقله، واستحكم رأيه، وذهب جهله، وإن المرأة إذا أسنت ساء خلقها، وعقم رحمها، وحد لسانها. فقال: صدقت، خذ بيدها وانصرف. قال العتبي: أتي عبيد الله بن زياد برجلٍ، فقال: أيها الأمير، ماتت امرأتي، وأردت أن أتزوج أمها، وليس عندي تمام صداقها، فأعني. قال: كم عطاؤك؟ قال: سبع مائة، قال: يا غلام، حطه أربع مائة، يكفيك من فقهك هذا ثلاثمائة. أمر ابن زياد لصفوان بن محرز بألفي درهم، فسرقت، فقال: عسى أن يكون خيراً، فقال أهله: كيف يكون هذا خيراً؟ فبلغ ابن زياد، فأمر له بألفين، فوجد الأولى التي سرقت، فصارت أربعة آلاف. قال أبو عتاب: ما رأيت رجلا: أحسن وجهاً من عبيد الله بن زياد قيل لهند بنت أسماء بن خارجة: أي أزواجك كان أحب إليك؟ فقالت: ما أكرم النساء إكرام بشر بن مروان، ولاهاب النساء هيبة الحجاج، وددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد، وأشتفي من حديثه، والنظر إليه.

كان أبا عذرتها قال إبراهيم النخعي: أول من جهر بالمعوذتين في المكتوبة عبيد الله بن مرجانة وعن مغيرة قال: أول من ضرب الزيوف عبيد الله بن مرجانة قال أبو وائل: دخلت على ابن زياد وعنده مال، فقال: يا أبا وائل، هذا ثلاثة آلاف ألف خراج أصبهان، فما ظنك بمن مات وهذا عنده؟؟ قال: قلت: أصلح الله الأمير، فكيف أيضاً إذا كان من خيانة؟؟؟ عن الحسن قال: ثقل معقل بن يسار، فدخل إليه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: هل تعلم يا معقل أني سفكت دماً؟؟ قال: ما علمت. قال: هل تعلم أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين؟ قال: ما علمت، أجلسوني، ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئاً لم أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة "، ولامرتين؛ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من دخل في شيءٍ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً على الله أن يقعده بعظمٍ من النار يوم القيامة ". قال: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، غير مرةٍ، ولا مرتين. وقال الحسن: دخل عبيد الله بن زياد على عبد الله بن مغفل قال: حدثني بشيء سمعته من

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاتحد ثني بشيءٍ سمعته من غيره، وإن كان ثقة في نفسك، فقال: لولا أني سمعته غير مرة ما حدثتك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للوالي من الرعية، إلا والياً يحوطهم من ورائهم بالنصيحة " وقال: قدم علينا عبيد الله بن زياد أميراً، أمره علينا معاوية، فقدم علينا غلاماً سفيهاً يسفك الدماء سفكاً شديداً، وفينا عبد الله بن مغفل المزني صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من التسعة رهطٍ الذين بعثهم عمر بن الخطاب يفقهون أهل البصرة في الدين، فدخل عليه ذات يوم فقال له: انته عما أراك تصنع، فإن شر الرعاء الحطمة، فقال له: وما أنت وذاك، إنما أنت حثالة من حثالات أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: وهل كان فيهم حثالة لا أم لك؟ بل كانوا أهل بيوتات وشرفٍ ممن كانوا منه، أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " ما من إمام، ولا وال بات ليلة سوداء غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ". ثم خرج من عنده حتى أتى المسجد فجلس فيه. فما لبث الشيخ أن مرض مرضه الذي توفي فيه، فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال له: أتعهد إلينا شيئاً نفعل فيه الذي تحب، قال: أو فاعل أنت؟ قال: نعم، قال: فإني أسألك ألا تصلي علي، ولا تقم على قبري، وأن تخلي بيني وبين أصحابي حتى يكونوا هم الذين يلون ذلك مني. قال: فكان عبيد الله بن زياد رجلاً جباناً يركب في كل غداة، فركب ذات يوم، فإذا الناس في السكك، ففزع، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: مات عبد الله بن مغفل صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فوقف حتى مر بسريره، فقال: أما إنه لولا أنه سألنا شيئاً فأعطيناه إياه لسرنا معه حتى نصلي عليه، ونقوم على قبره. وقال: مرض معقل بن يسار مرضاً ثقل منه، فأتاه ابن زياد يعوده، فقال: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من

استرعي رعية " فلم يحطهم بنصيحته لم يجد ريح الجنة " وريحها يوجد من مسيرة مائة عامٍ ". قال ابن زياد: ألا كنت حدثتني بهذا الحديث قبل الآن؟ قال: والآن لولا الذي أنا عليه لم أحدثك. وروى أن عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أن شر الرعاء الحطمة "، فإياك أن تكون منهم. فقال: اجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم في غيرهم. قال مغيرة: قالت مرجانة لابنها عبيد الله: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاتدخل الجنة أبداً. لما مات يزيد بن معاوية، صعد عبيد الله بن زياد المنبر، فخطب، ونعاه إلى أهل البصرة، فقال: اختاروا لأنفسكم، فإنه سيأتيكم الآن أمير، فقالوا: فإنا نختارك، فقال: لعل يحملكم على هذا حداثة عهدي عليكم؟ قالوا: لا، فإنا نختارك، أخرج إلينا إخواننا من السجن. قال: إني اشير عليكم بغير ذلك، اجمعوا جزلاً من جزل الحطب، ثم أحدقوا بالسجن، ثم حرقوا عليهم. قالوا: فإنا لانفعل ذلك بإخواننا. قال: فأخرجهم، فبايعوه. قال: فما خرج منهم إلا قليل حتى جعلوا يغلظون له في البيعة. قال: فخرجوا من السجن، فخرجوا عليه، فحصبوه. قال: فأرسل إلى الحارث بن قيس الجهضمي، فجاءه، فقال: إن نفسي قد أبت إلا قومك، قال: والله ما ذلك لك عندهم، وقد أبلوا في أبيك ما أبلوا، ففعلت بهم ما فعلت. قال: فأردف الحارث بن قيس، وكان الناس يتحارسون. قال: فانطلق به من ناحية، قال: فمر بقوم يحرسون، فقالوا: من هذا؟ قال: الحارث بن قيس، قالوا: ابن أختنا، انطلق. قال: وفطن رجل، فقال: ابن مرجانة! فرماه بسهم، فوقع في قلنسوته، وجاء به إلى مسعود بن عمرو، فلبث في منزله ما لبث.

انطلق مالك بن مسمع، وسويد بن منجوف إلى مسعود ليحالفوه، ويردوا ابن زياد إلى دار الإمارة، فقال ابن زياد لأخيه: أكد بينهم الخلف. فكتبوا بينهم كتاباً، وختمه مسعود بخاتمه، وكتب لمالك بن مسمع كتاباً، وختمه بخاتمه، ودفع الكتاب إلى ذراع النمري أبي هارون بن ذراع، فوضعوهما على يده، وقالوا لابن زياد: انطلق حتى ترد إلى دار الإمارة. فقال لهم ابن زياد: انطلقوا، فمسعود عليكم، فإن ظفرتم رأيتم حينئذ رأيكم. فسار مسعود وأصحابه يريدون الدار، ودخل أصحاب مسعود المسجد، وقتلوا قصاراً كان في ناحية المسجد، ونهبوا دار امرأة يقال لها: عزة، وبلغ الأحنف، فبعث حين علم بذلك إلى بني تميم، فجاؤوا، ودخلت الأساورة المسجد، فرموا بالنشاب. وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود، وهو واقف في رحبة بني سليم، فقتله، وهرب مالك بن مسمع، فلجأ إلى بني عدي، وانهزم الناس. وقد كان لمروان لما بايع لعبد الملك وعبد العزيز عقد لعبيد الله بن مرجانة، وجعل له ماغلب عليه. ومات مروان قبل أن ينفصل، فأمضى عبد الملك بعثه، فخرج متوجهاً إلى العراق، وبلغ ذلك أهل الكوفة، وذلك في سنة ست وستين، ففزع شيعة الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي، وإلى المسيب بن نجبة الفزاري، وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التميمي، وإلى رفاعة بن شداد البجلي. وقد كان أهل الكوفة وثبوا على عمرو بن حريث حين هلك يزيد، فأخرجوه من القصر، فاصطلحوا على عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي، فصلى بالناس، وبايع لابن الزبير. وقدم المختار بن أبي عبيد في النصف من رمضان يوم الجمعة. وبعث إبراهيم بن الأشتر لقتال ابن زياد، فمضى حتى التقى مع ابن زياد بالخازر، وبين الخازر وبين الموصل خمس فراسخ، والتقوا هم وأهل الشام، فصارت الدائرة على أهل الشام، وانهزموا بعد قتال شديد، وقتلى كثيرة بين الفريقين، وهمهم ابن زياد، وقالوا ترون نجا؟ فقال إبراهيم بن الأشتر: قد قتلت رجلاً وجدت منه رائحة المسك، شرقت يداه، وغربت رجلاه، تحت راية منفرداً على شاطىء النهر، فانظروا من هو. فالتمس، فإذا هو عبيد الله بن زياد مقتولاً كما وصف إبراهيم بن الأشتر

عبيد الله بن أبي زياد

ولقي إبراهيم بنت الأشتر عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء أول سنة ست وستين بالخازر من أرض الموصل عن عمارة بن عمير قال: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة، فانتبهت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت. فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت. ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح عبيد الله بن أبي زياد أبو منيع الرصافي أصله من دمشق. وزهو مولى لآل هشام بن عبد الملك. روى عن الزهري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ينزل ربنا - عز وجل - كل ليلةٍ حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، من يسألني فأعطيه، حتى الفجر " قال ابن سعد: وكان عبيد الله بن أبي زياد أخا امرأة هشام بن عبد الملك من الرضاعة؛ وهي عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية. ولزم عبيد الله الزهري فسمع علمه، وكتبه.

عبيد الله بن سفيان بن عبد الأسد

ومات عبيد الله بن أبي زياد سنة ثمانٍ - أو تسع ٍ - وخمسين ومائة، وهو يومئذ ابن نيف وثمانين سنة، أسود شعر الرأس، أبيض، وكان ذا جمة. قال أبو أحمد الحاكم: أبو منيع عبيد الله بن أبي زياد الشامي. ويقال اسمه يوسف بن عبيد الله بن أبي زياد، مولى لآل أبي سفيان، يعرف بالرصافي. سكن رصافة الرقة. كناه وسماه لنا أبو غروبة السلمي. قال الدارقطني: عبيد الله بن أبي زياد الرصافي من الثقات. عبيد الله بن سفيان بن عبد الأسد ابن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب القرشي المخزومي استشهد يوم اليرموك في خلافة عمر - وقيل إن الذي استشهد يوم اليرموك أخوه عبد الله - وهو ممن صحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يعرف له رواية. وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة. وأمه: ريطة بنت عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. عبيد الله بن سليمان من أهل دمشق حدث عن عبد الرزاق بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني لأدخل الجنة، فلا أفقد منها أحداً إلا معاوية بن أبي سفيان سبعين عاماً، ثم أراه بعد ذلك على ناقةٍ من زبرجدة خضراء، قوائمها من ياقوتةٍ حمراء، فأقول:

عبيد الله بن طغج بن جف

يا معاوية، أين كنت؟ فيقول: لبيك يا رسول الله، كنت تحت العرش عرش ربي - عز وجل - يحييني بيده. فقال: هذا بما كانوا يشتمونك في دار الدنيا. قال الحافظ: هذا حديث منكر. عبيد الله بن طغج بن جف أبو الحسين الفرغاني ولي إمرة دمشق في أيام الراضي بالله خلافة لأخيه أبي بكر محمد بن طغج بن جف المعروف بالإخشيد بعد عزله أخاه الحسن بن طغج، ثم عزله، وولى غلامه بدراً الإخسيدي المعروف ببدير. مات بالرملة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف أبو محمد الهاشمي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث عنه. وقدم دمشق وافداً على معاوية. وكان من كرماء قريش وجودائهم. قال: كنت رديف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأتاه رجل فقال: يا نبي الله، إن أمه عجوز كبيرة، إن حزمها خشي أن يقتلها، وإن حملها لم تستمسك. فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحج عنها. وقال: جاءت الغميضاء أو الرميصاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها، وتزعم أنه لايصل إليها. فجاء زوجها، فقال: إنها كاذبة، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره " فما كان إلا يسيراً حتى جاء زوجها، فزعم إنها كاذبة.

قال خليفة: عبيد الله ووقثم ابنا العباس بن عبد المطلب بن هاشم، ومعبد بن العباس بن عبد المطلب. أمهم أم الفضل بنت الحارث؛ وهي لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. عبيد الله يكنى أبا محمد. مات بالمدينة سنة ثمان وخمسين، واستشهد قثم بسمرقند، واستشهد معبد بإفريقية. وقال الزبير: وعبيد الله بن العباس كان أصغر سناً من عبد الله بسنة. وكان سخياً جواداً. وكان ينحر، ويذبح، ويطعم في موضع المجزرة التي تعرف بمجزرة ابن عباس بالسوق، فنسبت المجزرة إليه بذلك السبب. واستعمل علي بن أبي طالب عبيد الله بن العباس على اليمن، وأمره فحج بالناس سنة ست وثلاثين. قال ابن سعد: وقال بعض أهل العلم: كان عبد الله وعبيد الله ابنا العباس إذا قدم مكة أوسعهم عبد الله علماً، وأوسعهم عبيد الله طعاماً. وكان عبيد الله رجلاً تاجراً. قال أبو شنبة: وكان لعبيد الله بن العباس من الولد: محمد، وبه كان يكنى، وعباس، والعالية، وميمونة. وأمهم: عائشة بنت عبد الله. وعبد الله وجعفر وعمرة لأمهات أولاد، ولبابة، وأم محمد. عن عبد الله بن الغسيل قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمر بالعباس، فقال: " يا عباس، أتبعني بنيك " فقال له أبو الهيثم بن عتبة: يا عم، انتظرني حتى أجيأك. قال: فلم يأتهم، فانطلق بهم ستة " من

بنيه: الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد، فأدخلهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيتاً، وغطاهم بشملةٍ له سوداء مخططة بحمرة، فقال: " اللهم، إن هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاسترهم من النار كما سترتهم بهذه الشملة ". قال: فما بقي في البيت مدرة، ولاباب إلا أمن. عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصف عبد الله، وعبيد الله، وكثيراً بني العباس، ثم يقول: " من سبق إلى فله كذا وكذا " فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره ن وصدره، فيقبلهم، ويلزمهم. قال عبد الله بن جعفر: مر بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنا، وقثم، وعبيد الله، فقال: " ارفعوا هذا "، فجعلني أمامه، ثم قال: " ارفعوا هذا - يعني قثم - فجعله وراءه، ثم استحيا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عمه العباس أن حمل قثم، وترك عبيد الله، وكان عبيد الله أحب إلى العباس من قثم. قال: قلت: مافعل قثم؟ - وفي رواية: قلت لعبد الله: ما فعل قثم؟ - قال: استشهد، قلت: الله ورسوله كان أعلم بالخيرة، قال: أجل - وفي رواية: الله أعلم بالخير حيث كان. قال محمد بن عمر: استعمل علي بن أبي طالب عبيد الله بن العباس على اليمن، فأمره، فحج بالناس سنة ست وثلاثين، وسنة سبع وثلاثين. وبعثه أيضاً على الحج سنة تسع وثلاثين، فاصطلح الناس تلك السنة على سيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، فحج بهم. ذكروا أن علياً ولى عبيد الله بن العباس اليمن، فهلك علي، فبعث معاوية بسر بن أبي أرطأة الفهري على اليمن، فأصاب ابنين لعبيد الله صغيرين، فقتلهما، وكانت أمهما تجيء إلى الموسم كل سنةٍ تبكي عليهما، وتقول: من البسيط

ها من أحس بنيي اللذين هما ... كالدرتين تشظى عنهما الصدف هامن أحسن بنيي اللذين هما ... مخ العظام فمخي اليوم مزدهف خبرت يسرا وما أيقنت مازعموا ... من قولهم ومن الإفك الذي اقترفوا أنحى على ودجي ابني مرهفة ... مشحوذة لم يخالط حدها عقف من دل والهة عبرى مسلبة ... على صبيين ضلا إذا غدا السلف قال: فدخل عبيد الله على معاوية حين استقام له الناس، وقد عزل بسر بن أبي أرطأة عن اليمن، فقال عبيد الله: يا أمير المؤمنين، إن بسراً قتل ابني ظالما لهما، ولو أبنه أصاب ابنيك على الوجه الذي أصاب ابني عليه قتلهما، ولو ولينا من أمره ما وليت أقدناكه، فأقدنيه يابني، وايم الله لو قتلت بسراً بهما لما كان من قتله بواء بهما، ولكن لاسبيل لي إلا على من قتل ابني، وإني في ذلك لكما قال امرؤ القيس في قاتل حجر أبيه: من الوافر قد يشفي الضغينة غير كفءٍ ... وقد يملا الوطاب من الحباب وقد علمت قريش أني غير هش المشاشة، ولامرىء المأكلة. وإن أولنا ساد أولكم، وإن آخرنا هدى آخركم، فإن كنت أمرت بسرا بقتل ابني خلينا عنه وطلبناك، وإن كنت لم

تفعل خليناك وطلبناه، وأيم الله لولا أنه: " لافتك في الإسلام " لما سألناك استقادة بسر. فقال معاوية: يا عبيد الله، إن بسرا قتل ابنيك ظالماً لهما، فاقتل ابنيه بابنيك، فدونك الرجل. وأما قولك: إني غير هش المشاشة، ولامرىء المأكلة، فكذلك بنو عبد مناف، وقريش بعضها أكفاء بعضٍ، عرض بعرض، ودم بدم. ولا والله، ما أمرته بقتلهما، ولاعزلته إلا لهما، ولو أمرته لاعتذرت إليك، وطلبك بسراً أهون علي من طلبي. وعن ابن عباس: أنه دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام، فقال: إني صائم، فقال: إنكم أئمة يقتدى بكم، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب. كان يقال في المدينة: من أراد العلم والسخاء والجمال فليأت دار العباس بن عبد المطلب، أنا عبد الله فكان أعلم الناس، وأما عبيد الله فكان أسخى الناس، وأما الفضل فكان أجمل الناس. عن جويرة بن أسماء: أن عبيد الله بن العباس كان ينحر كل يوم جزوراً، فقال له عبيد الله: تنحر كل يوم جزوراً؟! قال: وكثير ذاك يا أخي؟ والله لأنحرن كل يوم جزورين! كان عبد الله بن عباس يسمى: حكيم المعضلات، وكان عبيد الله يسمى تيار الفرات. وكان يطعم كل يوم، فقال له أبوه: يا بني، مالك ولا تعشي إذا غديت، فعش. فقال عبيد الله لغلامٍ له: يا بني، انحروا غدوة "، وانحر عشية ". قال عبيد الله بن محمد العائشي: قدمت امرأة إلى البصرة في سنة شهباء، ومعها ابنان لها، فلم يأت عليها الحول حتى دفنتهما، فقعدت بين قبريهما، فقالت: من الطويل

فلله عيني اللذان تراهما ... قريبين مني والمزار بعيد هما تركا عيني لا ماء فيهما ... وشكا سواد القلب فهو عميد مقيمان بالبيداء لا يبرحانها ... ولا يسألان الركب أين يريد فقيل لها: لو أتيت عبيد الله بن العباس، فقصصت عليه القصة، فأتته، فقالت له: يا بن عمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني أصبحت لاعند قريبٍ يحميني، ولاعند عشيرةٍ تؤويني، وإني سألت عن المرجى سيبه، المأمول نائله، المعطى سائله، فأرشدت إليك، فاعمل بي واحدة " من ثلاثٍ: إما أن تقيم أودي، أو تحسن صلتي، أو تردني إلى أهلي. فقال: عبيد الله: كل يفعل بك. عن جويرية قال: اقتسم عبد الله وعبيد الله ابنا عباس داراً، فقال عبد الله: يا غلام، أقم حبلك، فقال عبيد الله: دع لأخي ذراعاً، فقال عبد الله: يا غلام، إن أخي قد ترك لي ذراعاً، فأقم حبلك، فقال عبيد الله: دع لأخي ذراعين، فقال: يا غلام، إن أخي قد ترك لي ذراعين، فأقم حبلك، فقال: يا أخي، كأنك تحب أن تكون الدار كلها لك؟ قال: نعم، قال: فهي لك. عن عوانه قال: وفد عبيد الله بن العباس على معاوية بن أبي سفيان، فلما كان ببعض الطريق عارضته سحابة، فأقام أبياتاً من الشعر، فإذا هو بأعرابي قد قام إليه، فلما رأى هيئته وبهاءه، وكان من أحسن هيئة ثار إلى عنيزة له ليذبحها، فجاذبته امرأته ومانعته، وقالت: أكل الدهر مالك، فلم يبق لك ولبناتك إلا هذه

العنيزة تتمتعون منها، ثم تريد أن تفجعهن بها، فقال: والله لأذبحنها، فذبحها أحسن من اللؤم، قالت: إذا " والله لأبقي لبناتك شيئاً، فأخذ العنز، وأضجعها، وقال: من الرجز قرينتي لا توقظي بنيه ... إن توقظيها تنتحب عليه وتنزع الشفرة من يديه ... أبغض بهذا أو بذا إليه ثم ذبح الشاة، وأضرم نارا، وجعل يقطع من أطايبها ويلقيه على النار، ثم يناوله عبيد الله، ويحدثه في خلال ذلك بما يلهيه ويضحكه، حتى إذا أصبح عبيد الله، وانجلت السحابة، وهم بالرحيل قال لقيمه: ما معك؟ قال: خمسمائة دينار، قال: ألقها إلى الشيخ. قال القيم: جعلت فداك، إن هذا يرضيه عشر ما سميت، وأنت تأتي معاوية، ولا تدري علام توافقه، على ظاهره أم على باطنه. قال: ويحك! إنا نزلنا بهذا وما يملك من الدنيا إلا هذه الشاة، فخرج إلينا من دنياه كلها، وإنما وجدنا له ببعض دنيانا، فهو أجود منا. ثم ارتحل، فأتى معاوية، فقضى حوائجه، فلما انصرف، وقرب من الأعرابي قال لوكيله: انظر ما حال صاحبنا؟ فعدل إليه، فإذا إبل، وحال حسنة وشاء كثير، فلما بصر الأعرابي بعبيد الله قام إليه، فأكب على أطرافه يقبلها، ثم قال: بأبي وأنت وأمي، قد مدحتك، وما أدري من أي خلق الله أنت. ثم أنشده الشيخ أبياتاً منها: توسمته لما رأيت مهابة ... عليه وقلت المرء من آل هاشم وإلا فمن آل المرار فإنهم ... ملوك وأبناء الملوك الأكارم

فبلغت معاوية، فقال: لله در عبيد الله، من أي بيضةٍ خرج، وفي أي عش ٍ درج؟! عبيد الله معلم الجود. قال حميد بن هلال: تفاخر رجلان من قريش؛ رجل من بني هاشم، ورجل من بني أمية، فقال هذا: قومي أسخى من قومك، وقال هذا: قومي أسخى من قومك. قال: سل في قومك حتى أسأل في قومي. فافترقا على ذلك: فسأل الأموي عشرة " من قومه، فأعطوه مائة ألف: عشرة آلاف، عشرة آلاف. قال: وجاء الهاشمي إلى عبيد الله بن عباس، فسأله فأعطاه مائة ألف، ثم أتى الحسن بن علي، فسأله فقال هل سألت أحداً قبل أن تأتيني قال نعم أخاك الحسن فأعطاني مائة وثلاثين ألفاً. فقال: هل أتيت أحداً قبلي؟ قال: نعم، عبيد الله بن عباس، فأعطاني مائة ألفٍ، فأعطاه الحسن مائة ألف، وثلاثين ألفاً. ثم أتى الحسين بن علي، فسأله، فقال: لو أتيتني قبل ا، تأتيه أعطيتك أكثر من ذلك، ولكن لم أكن لأزيد على سيدي. قال: فأعطاه مائة ألف وثلاثين ألفاً. قال: فجاء الأموي: بمائة ألف من عشرة وجاء الهاشمي بثلاثمائة وستين ألفاً من ثلاثة فقال الأموي: سألت عشرة " من قومي، فأعطوني مائة ألفٍ، وقال الهاشمي: سألت ثلاثة من قومي، فأعطوني ثلاثمائة وستين ألفاً. قال: ففخر الهاشمي الأموي ورجع الأموي إلى قومه فأخبرهم الخبر، ورد عليهم المال، فقبلوه، ورجع الهاشمي إلى قومه، فأخبرهم الخبر، ورد عليهم المال فأبوا أن يقبلوه، وقالوا: لم نكن لنأخذ شيئاً قد أعطيناه. قيل لعبيد الله بن العباس: كم تطلب العلم؟! قال: إذا نشطت فهو لذتي، وإذا اغتممت فسلوتي. مات عبد الله بن عباس سنة سبع وثمانين بالمدينة. وقيل: مات عبيد الله بن عباس، وقثم بن عباس زمن معاوية، قثم بسمرقند، وعبيد الله بالشام.

عبيد الله بن العباس

عبيد الله بن العباس أبو محمد البغدادي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده عن عبادة بن الصامت قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه قطيفة رومية قد عقدها على عنقه، ثم صلى بنا، ماعليه غيرها. عبيد الله بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب بن نفيل أبو بكر القرشي العدوي العمري المدني ذكر محمد بن إسحاق أنه قدم دمشق، وغزا منها القسطنطينة في الجيش الذي خرج إليها مع مسلمة بن عبد الملك، وولي على رؤساء أهل الحجاز. روى إن أباه قال: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة، وصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين. وكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله - عزوجل. وروى عن ابن عمر أيضاً قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمس لا جناح في قتل من قتل منهم في الحرم: الفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور، والعقرب "

قال محمد بن سعد: عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأمه أم ولد، وهي أم سالم بن عبد الله. قال محمد بن عمر: وكان عبيد الله بن عبد الله أسن من عبد الله فيما يذكرون. وكان قليل ثقة الحديث. قال خالد بن أبي بكر: رأيت على عبيد الله بن قلنسوة بيضاء، ورأيت عليه عمامة يسدل خلفه منها أكثر من شبر. وقال عيسى بن حفص: رأيت على عبيد الله بن عبد الله بن عمر ثوبين معصفرين يروح فيهما بعد العصر، يشهد فيهما العشاء. سئل أبو زرعة عنه، فقال: مدني ثقة وقال خالد بن أبي بكر: رأيت سالماً شهد عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وعلى قبر عبيد الله فسطاط، ورش على قبره الماء. وقال: إنه رأى سالماً قدم أميراً كان يومئذٍ على المدينة يقال له النصري على عبيد الله. وأمر عبد الواحد بن عبد الله النصري على المدينة سنة أربع ومائة.

عبيد الله بن عبد الله بن هشام

عبيد الله بن عبد الله بن هشام ابن عبد الله بن سوار أبو القاسم العنسي الداراني روى عن ابن أبي كامل بسنده عن عقيل بن أبي طالب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " قال الأمير: سوار بكسر السين وتخفيف الواو توفي أبو القاسم العنسي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وكان مولده سنة أربعٍ وثمانين وثلاثمائة. عبيد الله بن عبد الرحمن بن العوام بن خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي شهد يوم الدار مع عثمان بن عفان، ثم شهد صفين مع معاوية، وقتل يومئذٍ. ويقال: قتل يوم الجمل. قال الزبير: عبيد الله، لا عقب له، قتل مع معاوية يوم صفين. وعبد الله بن عبد الرحمن قتل يوم الدار مع عثمان؛ وأمهما: جمينة بنت عبد العزى بن قطن من بني المصطلق، وهي من المبايعات.

عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن المهتدي بالله بن هارون الواثق

عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن المهتدي بالله بن هارون الواثق أبو عبد الله الهاشمي روى عن إسماعيل بن محمد بن قيراط بسنده عن ابن عمر قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يخرج الأعور الدجال من يهودية أصبهان، ولم تخلق له عين، والأخرى كأنها كوكب ممزوجة من دم، يشوي في الشمس شيئاً، يتناول الطير من الجو، له ثلاث صيحاتٍ يسمعها أهل المشرق والمغرب، له حمار ما بين عرض أذنيه أربعون ذراعاً، يطأ كل منهل في كل سبعة أيام، يسير معه جبلان، أحدهما فيه أشجار وثمار وماء، وأحدهما فيه دخان ونار، يقول: هذه الجنة، وهذه النار. " قال الخطيب: توفي أبو عبد الله بن المهتدي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وكان ثقة، وكان يتفقه بمذهب الشافعي. عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأئمة الجوالين، والحفاظ المتقنين. روى عن يحيى بن عبد الله بن بكير بسنده عن ابن عمر قال: كان من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أعوذ بك من زوال نعمتك، وجميع سخطك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك "

وروى عن عمرو بن علي الكندي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة من كن فيه يستكمل إيمانه: رجل لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يرائي بشيءٍ من عمله، ومن إذا عرض عليه أمران: أحدهما للدنيا والآخر للآخرة اختار أمر الآخرة على الدنيا. " قال يزيد بن عبد الصمد: قدم علينا أبو زرعة الرازي سنة ثمان وعشرين فما رأينا مثله، وكنا نجلس إليه، فلما أراد الخروج قلت له: يا أبا زرعة، اجعلني خليفتك في هذه الحلقة، قال: فقال لي: قد جعلتك. قال محمد بن عوف: قدم علينا أبو زرعة، فما ندري مما يتعجب به؟! مما وهب الله له من الصيانة والمعرفة مع الفهم الواسع. قال أبو زرعة الرازي: لا أعلم أنه صح لي رباط يوم قط؛ أما ببيروت فأردنا العباس بن الوليد بن مزيد، وأما عسقلان فمحمد بن أبي السري، وأما قزوين فمحمد بن سعيد بن سابق. وقال: كنت أكثر الاختلاف إلى أحمد بن حنبل، وأذاكره، ويذاكرني وأسائله. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثير المذاكرة له، فسمعت أبي يوماً يقول: ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي. قال أبو سعيد بن يونس: عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد، أبو زرعة الرازي، نسبوه في قريش، قدم مصر. وكانت وفاته بالري سنة أربعٍ وستين ومائتين.

وقال الخطيب: أبو زرعة الرازي مولى عياش بن مطرف القرشي. قدم بغداد غير مرة. قال العسكري أبو أحمد: عياش - تحت الياء نقطتان والشين منقوطة. قال يونس بن عبد الأعلى: أبو زرعة آية، وإذا أراد الله أن يجعل عبداً من عباده آية جعله. حدث بمصر وهو ابن سبعٍ وعشرين سنة ". سئل أبو زرعة الرازي عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث، هل حنث؟ فقال: لا. ثم قال أبو زرعة: أحفظ مائتين ألف حديث كما يحفظ الإنسان " قل هو الله أحد "، وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث. قال أحمد بن حنبل: صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر، وهذا الفتى - يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف حديث - إنما أراد ما صح من أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقاويل الصحابة، وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين. قال محمد بن إسحاق الصغاني، وذكر جماعة من الحفاظ: أبو زرعة أعلاهم؛ لأنه جمع الحفظ مع التقوى والورع، وهو يشبه بأبي عبد الله أحمد بن حنبل. وقال أبو يعلى: ما سمعنا بذكر أحدٍ في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبو زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه، وكان لا يري أحداً ممن هو دونه من الحفظ أنه أعرف منه، وكان قد جمع حفظ الأبواب، والشيوخ، والتفسير.

قالت أم عمرو بنت شمر: سمعت سويد بن غفلة يقرأ: وعنس عين، يريد: " حور عين "، فألقي هذا على أبي زرعة، فبقي متعجباً، فقال: أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث! قلت: فتحفظ هذا؟ قال: لا قال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل قال أبو زرعة: إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة، ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتابٍ هو، في أي ورقةٍ هو، في أي صفحٍ هو، في أي سطر هو. وقال: ما سمعت أذني شيئاً من العلم إلا وعاه قلبي. وإني كنت أمشي في سوق بغداد، فأسمع من الغرف صوت المغنيات، فأضع إصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي. قال يزيد بن مخلد الطرسوسي: رأيت أبا زرعة في المنام بعد موته، وكنت أشتهي أن أراه في حياته، فرأيته كأنه يصلي في السماء الدنيا بقوم عليهم ثياب بيض، وعليه ثياب بيض، وهم يرفعون أيديهم في الصلاة، فلما سلم دنوت منه، فقلت: يا أبا زرعة، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الملائكة، قلت: بأي شيء أدركت أن تصلي مع الملائكة؟ قال: برفع اليدين في الصلاة. قال صالح جزرة: قال لي أبو زرعة الرازي: مر بنا إلى سليمان الشاذكوني يوماً حتى نذاكره. قال: فذهبنا جميعاً إليه، فما زال يذاكره حتى عجز الشاذكوني عن حفظه، فلما أعياه الأمر ألقى عليه حديثاً من حديث الرازيين، فلم يعرفه أبو رزعة، فقال الشاذكوني: يا سبحان

الله! ألا تحفظ حديث بلدك!؟ هذا حديث مخرجه من عندكم، ولاتحفظه؟ وأبو زرعة ساكت، والشاذكوني يخجله، ويرى من حضر أنه قد عجز عن الجواب، فلما خرجنا رأيت أبا زرعة قد اغتم، ويقول: لا أدري من أين جاء بهذا الحديث؟! فقلت له: إنه وضعه في الوقت كي لا يمكنك أن تجيب عنه، فتخجل. فقال أبو زرعة، هكذا، قلت: نعم، فسري عنه. قال عبد الله بن محمد بن وهب الحافظ: كنا عند أبي زرعة ورجل من أهل العراق قد جمع أحاديث من الغرائب الطنانات يسأله عنها، وهو يجيب حتى عجز السائل، وجهد أن يتوقف عن الجواب بحديث واحد، فلم يقدر عليه، فقال السائل: أقول في أذنك شيء؟ قال: قل. فتقدم، وأسمعه في أذنه شتمة، فقال له أبو زرعة: الاشتغال بالعلم أولى بنا. قال الحسن بن الليث الرازي: قدمت على أحمد بن حنبل، فقلت: عندنا بالري شاب يكتب عنه، فقال: من هو؟ فقلت: شاب يكنى أبا زرعة، فقال: شاب شاب؟! كالمنكر لذلك، اكتبوا عنه، أعلى الله كعبه، نصره الله على مخالفيه. فلما رجعت الري أخبرت أبا زرعة بما سمعت من أبي عبد الله، فبكى، ثم قال: والله إني لأكون في الشدة الشديدة من أهل الري فأتوقع أن يكشف الله عني بدعاء أبي عبد الله. قال أبو حاتم الرازي: حدثني أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي - رضي الله عنه، وما خلف بعه مثله علماً وفهماً - وفي رواية: وفقها - وصيانة وصدقاً. وهذا مالا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل. وقال: لم يكن في أمةٍ من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة. فقال له رجل: يا أبا حاتم، وربما رووا حديثاً لا أصل له، ولا يصح، فقال:

علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة، ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار، وحفظوها. ثم قال: رحم الله أبا زرعة، كان والله مجتهداً في حفظ آثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإذا رأيت الرازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع. وقال: أزهد من رأيت أربعة: آدم بن أبي إياس، وثابت بن محمد الزاهد، وأبو زرعة. وذكر آخر. قال أحمد بن سعيد الدارمي: صلى أبو زرعة الرازي في مسجده عشرين سنة بعد قدومه من السفر، فلما كان يوماً من الأيام قدم عليه قوم من أصحاب الحديث، فنظروا، فإذا في محرابة كتابة، فقالوا له: كيف تقول في الكتابة في المحاريب؟ فقال: فذكره ذلك أقوام ممن مضوا، فقالوا له: هو ذا محرابك كتابة، أو ما علمت به؟! قال: سبحان الله: رجل يدخل على الله - عز وجل - ويدري ما بين يديه؟ فقالوا: هذا ببركة بشر بن الحارث، وأحمد بن حنبل، فقال: لا، هذا ببركة صوفي رأيته، وصحبته أياماً. وقال: بشر وأحمد سيدان من سادات المؤمنين إلا أن معارفهم دون معرفة هذا الصوفي. قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح أولى بهم، وهم زنادقة. قال ابن خراش: كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن أبكر عليه، فأذاكره، فبكرت، فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده، فدعاني، فأجلسني معه، فذاكرني حتى أضحى النهار، فقلت له: بيني وبين أبي زرعة موعد، فجئت إلى أبي زرعة، والناس عليه منكبين، فقال لي:

تأخرت عن الموعد، قلت: بكرت، فمرت بهذا المسترشد، فدعاني، فرحمته لوحدته، وهو أعلى إسناداً منك، وضربت أنت بالدست. قال أبو زرعة: كنا نبكر بالأسحار إلى مجالس الحديث نسمع من الشيوخ، فبينا أنا يوماً من الأيام قد بكرت - وكنت حدثا - إذ لقيني في بعض طرق الري - في موضع قد سماه أبي ونسيته أنا - شيخ مخضوب بالحناء، فسلم علي، فرددت عليه السلام، فقال لي: يا أبا زرعة، سيكون لك شأن، وذكر، فاحذر أن تأتي أبواب الأمراء. ثم مضى الشيخ، ومضى لهذا الحديث دهر وسنين كثيرة، وصرت شيخاً كبيراً، ونسيت ماأوصاني به الشيخ. وكنت أزور الأمراء. وأغشى أبوابهم. فبينا أنا يوماً وقد بكرت أطلب دار الأمير في حاجة عرضت لي إليه فإذا أنا بذلك الشيخ الخضيب بعينه في ذلك الموضع، فسلم علي كهيئة المغضب، وقال لي: ألم أنهك عن أبواب الأمراء أن تغشاها؟ ثم ولي عني، فالتفت، فلم أره، وكأن الأرض انشقت، فابتلعته، فخيل إلي أنه الخضر، فرجعت من وقتي، فلم أزر أميراً، ولا غشيت بابه، ولا سألته حاجة. قال أبو جعفر التستري: حضرنا أبا زرعة بما شهران، وكان في السوق، وعنده أبو حاتم، ومحمد بن مسلم، والمنذر بن شاذان، وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله "، فاستحيوا من أبي زرعة، وقالوا - وفي رواية: وهابوا أن يلقنوه، فقالوا: - تعالوا نذكر الحديث، فقال محمد بن مسلم: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح، وجعل يقول: ابن أبي ولم يجاوز، وقال أبو حاتم: نا نبدار، نا أبو عاصم نا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح، ولم يجاوز، والباقون سكتوا. فقال أبو زرعة وهو في السوق: حدثنا بندار، نا أبو عاصم، نا عبد الحميد بن

عبيد الله بن عبد الواحد بن محمد

جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة ". وتوفي - رحمه الله. رئي أبو زرعة في النوم، فقيل: ما فعل بك؟ قال: وقفني بين يديه، فقلت: يا رب لقد أوذيت فيك، فقال: هلا تركت خلقي علي وأقبلت أنت علي. عبيد الله بن عبد الواحد بن محمد ابن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان أبو محمد بن أبي الحديد السلمي المعدل روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد بسنده عن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره إذا أمرأة من الأنصار على ناقة لها تضجرت منها، فلعنتها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوا ما عليها، وأعروها؛ فإنها ملعونه "، قال: فكأني أرى تلك الناقة تمشي في الناس، لايعرض لها أحد. ولد عبيد الله بن عبد الواحد بن أبي الحديد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وتوفي سنة سبعين وأربعمائة. عبيد الله بن عبيد أبو وهب الكلاعي من أهل دمشق روى عن زهير بن سالم العنسي بسنده عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل سهوٍ سجدتان بعدما يسلم "

عبيد الله بن عثمان بن محمد

وروى عن مكحول عن ابن عمر قال: أشد حديثٍ جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل " قوله: عن مكحول عن ابن عمر: خطأ، وإنما هو: عن مكحول، عن نافع، عن ابن عمر. وهم البخاري فقال: عبيد الله بن وهب أبو وهب الكلاعي، ووهم ابن أبي حاتم فقال: أبو وهب الطلاعي الجشمي قال يحيى بن معين: أبو وهب عبيد الله الكلاعي دمشقي ليس به بأس. مات أبو وهب الكلاعي مدخل عبد الله بن علي دمشق، ودخل عبد الله بن علي دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومائة. عبيد الله بن عثمان بن محمد أبو الحسن البغدادي، المعروف بابن الحلب البزاز روى عن الحسن بن علي العدوي بسنده عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً " عبيد الله بن عدي الأكبر بن الخيار ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم غازياً، واجتاز بدمشق وحمص. روى عن علي بن أبي طالب أنه قال: ما بال أقوامٍ يكذبون علينا، يزعمون أن عندنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ليس عند

غيرنا، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عاماً، ولم يكن خاصاً، وما عندي عنه ما ليس عند المسلمين إلا شيء في قرني هذا. فأخرج منه صحيفة، فإذا فيها: " من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف، ولا عدل ". حدث عن رجلين قالا: جئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع والناس يسألونه من الصدقة، فزاحمنا الناس وفي رواية: فزاحمنا الناس وفي رواية: فزاحمنا عليه الماس - حتى خلصنا إليه، فسألناه من الصدقة، قالا: فرفع البصر فينا وخفضه فرآنا رجلين جلدين، فقال: " إن شئتما فعلت، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب - وليست: فيها في رواية ". وروى أنه دخل على عثمان وهو محصور، وعلي يصلي بالناس، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أتحرج أن أصلي مع هؤلاء، وأنت الإمام، فقال: إن الصلاة أحسن ما عمل الناس، فإذا رأيت الناس يحسنون فأحسن معهم، وإذا رأيتهم يسيئون فاجتنب سيئهم. قال الزبير بن بكار: فولد عدي الأكبر بن الخيار: عبيد الله بن عدي، وأسيد بن عدي، وعبد الله بن عدي، وأمهم: أم قتال بنت أسيد بن أبي العيص. وقال بعض الناس: بل أم بني عدي هؤلاء بنت أسيد بن علاج من ثقيف. ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة وقال: له دار بالمدينة عند دار علي بن أبي طالب. ومات عبيد الله بن عدي بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك. وكان ثقة قليل الحديث. قال ابن منده: عن عبيد الله بن عدي قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عبيد الله بن علي بن أحمد

قال الأمير: خيار بالخاء المعجمة والراء. قال العجلي: عبيد الله بن عدي بن الخيار. مدني، تابعي، ثقة، من كبار التابعين، وهو ابن أخت عثمان بن عفان. قال خليفة: مات في آخر ولاية الوليد، ومات الوليد سنة ست وتسعين عبيد الله بن علي بن أحمد أبو القاسم البغدادي المالكي الخلال قدم دمشق وروى عن محمد بن إسماعيل الوراق بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاتسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً مابلغ مد أحدهم، ولانصيفه " سكن عبيد الله بن علي مصر، وكان يعلم بها ولد السلطان إلى أن مات بمصر.

عبيد الله

عبيد الله بن علي بن عبيد الله بن داوود أبو القاسم المصري الداودي القاضي روى عن أبي علي الحسن بن حبيب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طاعة الإمام حق على المرء المسلم ما لم يأمر بمعصية الله، فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له " قال أبو عبد الله الحافظ: عبيد الله بن علي بن عبيد الله بن داود، أبو القاسم الداودي المصري. سكن نيسابور، ثم بخارى، وتصرف في أعمال القضاء في بلاد كثيرة. وكان فقيه الداودية في عصره بخراسان، وكان موصوفاً بالفضل وحسن العشرة والظرف وحفظ النتف من الأشعار والحكايات. توفي ببخارى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. عبيد الله ويقال: عبد الله، والصحيح: عبيد الله بن علي القرشي من أهل دمشق روى عن سليمان بن حبيب المحاربي، حدثني أسود بن أصرم المحاربي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " تملك يدك ". قال: قلت: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " تملك لسانك "، قلت: فماذا أملك إذا لم أملك لساني؟ قال: " لاتبسط يدك إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً "

عبيد الله بن عمر بن أحمد بن محمد بن جعفر

عبيد الله بن عمر بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو القاسم القيسي - يعرف بعبيد - البغدادي الفقيه الشافعي قال أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الفرضي القاضي في كتاب: " تاريخ الأندلس ": من أهل بغداد، قدم الأندلس سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. تفقه ببغداد على مذهب الشافعي، وتحقق به، وناظر فيه. وأخذ من المالكيين. وكتب بالرقة ودمشق وحلب ومصر. وكان فقيهاً على مذهب الشافعي، إماماً فيه، بصيراً به، عالماً بالأصول والفروع، حسن النظر والقياس. وكان مع ذلك إماماً في القراءات ضابطاً. وقد سمعت محمد بن أحمد بن يحيى ينسبه إلى الكذب، ووقفت على بعض ذلك في كتاب " تاريخ أبي زرعة " الدمشقي. ولعبيد الله بن عمر هذا كتب مؤلفة كثيرة في الفقه، والحجة، والرد، والقراءات، والفرائض، وغير ذلك. وكان المستنصر الأموي صاحب الأندلس قد أنزله، وتوسع له في الجراية، ولم يزل يؤلف له إلى أن مات. وكانت وفاته بقرطبة سنة ستين وثلاثمائة، ومولده ببغداد سنة خمسٍ وتسعين ومائتين. عبيد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى أبو عيسى العدوي من أهل المدينة. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غزا في خلافة أبيه، وقدم على معاوية بعد قتل عثمان، فكان معه حتى قتل بصفين. وكان قد جعله على الخيل. خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما، وسهل، وقال: لو أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله تعالى أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكما، فتبتاعان به من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان

رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الربح. فقالا: وددنا. ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال. فلما قدما على عمر قال: أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا: لا، فقال عمر: ابني أمير المؤمنين، فأسلفكما! أديا المال وربحه! قال: فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين، لو هلك المال، أو نقص لضمناه، فقال: أدياه. فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراشاً. فقال عمر: قد جعلته قراضاً. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبيد الله وعبد الله نصف ربح ذلك المال. قال الزبير في تسمية ولد عمر بن الخطاب: وزيداً الأصغر، وعبيد الله ابني عمر؛ وأمهما أم كلثوم بنة جرول بن مالك بن المسيب من خزاعة. وأخوهما لأمهما عبيد الله الأكبر بن أبي الجهم بن حذيفة بن غانم. قال ابن سعد: وكان الإسلام قد فرق بين عمر وبين أم كلثوم بنت جرول عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر ضرب عبيد الله ابنه بالدرة، وقال: أتكتني بأبي عيسى؟ أو كان له أب؟! عن البهي: أن عبيد الله بن عمر سب المقداد بن عمرو، فقال عمر: علي نذر أن أقطع لسانه. فمشى إليه ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلموه، فقال: دعوني أقطع لسانه، فلا يسب بعدي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ابن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم يجرب عليه كذبة قط - قال حين قتل عمر: إني انتهيت إلىالهرمزان وجفنيه وأبي لؤلؤة، وهم نجي، فبغتهم، فثاروا، فسقط من بينهم خنجر له رأسان، نصابه في وسطه. قال عبد الرحمن: فانظروا بم قتل عمر؟ فنظروا، فإذا الخنجر على النعت الذي نعت عبد الرحمن. قال: فخرج عبيد الله بن عمر مشتملاً

على السيف حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني تنظر إلى فرسٍ لي: وكان الهرمزان خبيراً بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حز السيف قال: لا إله إلا الله. فقتله، ثم أتى جفنية، وكان نصرانياً، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب جفنية بين عينيه، ثم أتى أبي لؤلؤة، جارية صغيرة، تدعي بالإسلام، فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ثلاثاً. وأقبل بالسيف صلتاً، وهو يقول: والله لا أترك بالمدينة سبياً إلا قتلته فجعلوا يقولون له: ألق السيف، ويأبى، ويهابون أن يقربوه حتى أتى عمرو بن العاص فقال: أعطني السيف يا بن أخي، فأعطاه إياه، ثم ثار إليه عثمان، فأخذ برأسه، فتناصيا حتى حجز الناس بينهما. فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق! فأشار عليه المهاجرون أن يقتله. وقال جماعة الناس: قتل عمر أمس، وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم؟! أبعد الله الهرمزان وجفنيه! فقال عمر بن العاص: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس سلطان، إنما كان هذا ولاسلطان لك، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين. فتفرق الناس على خطبة عمرو بن العاص، وودى عثمان الرجلين والجارية. فطعن المسلمون على عثمان، وكان ذلك أول أحداثه، فقال زياد بن لبيد بن بياضة الأنصاري: أبا عمرو عبيد الله رهن ... فلا تشكك بدفع الهرمزان فإنك إن حكمت بغير حق ... فمالك بالذي حدثت يدان كأنك إن فعلت وذاك يجري ... وأسباب الخطا فرسا رهان

وقد قيل: إن عثمان إنما ترك قتله لأن ابن هرمزان عفا عنه. ويؤيد ذلك أن الطعانون على عثمان قالوا: عدل ست سنين، ولو لم يكن كذلك لقالوا: استأنف الجور من لدن ولي لأنه تعطيل حد من محارم الله. وكان علي بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل معه. عن يسار بن عوف قال: لما قدم عبيد الله بن عمر الكوفة وأتيته أنا وعبد الله بن بديل، وهو في دار المختار، فقال له عبد الله بن بديل: اتق الله ياعبيد الله بن عمر، لاتهريقن دمك في هذه الفتنة، وأنت فاتق الله لا تهريقن دمك في هذه الفتنة. قال ابن بديل: أطلب بدم أخي قتل مظلوماً، فقال عبيد الله بن عمر: وأنا أطلب بدم الخليفة المظلوم. قال يسار: لقد رأيتهما صريعين، هذا في هذا الصف، وهذا في هذا الصف ما بينهما إلا عرض الصف. قال عبيد الله في سيفٍ ورثه عن أبيه يقال له: ذو الوشاح: من الطويل إذا كان سيفي ذا الوشاح ومركبي ... الظليم فلم يطلل دم أنا صاحبه سيعلم من أمسى عدوا مكاشحا ... بأني له مادمت حيا أطالبه عن أبي رزين قال: كنت مع مولاي بصفين، فرأيت علياً بعدما مضى ربع الليل يطوف على الناس يأمرهما، وينهاهم، فأصبحوا يوم الجمعة، فالتقوا، وتقاتلوا أشد القتال، والتقى عمار بن ياسر، وعبيد الله بن عمر، فقال عبيد الله: أنا الطيب بن الطيب، فقال له عمار بن ياسر: أنت الخبيث بن الطيب. فقتلته عمار. ويقال: قتله رجل من الحضارمة. ويقال: قتله رجل من همدان

ويقال: إن معاوية أقرع بين الناس يومئذٍ، فخرج سهم عبدي الله بن عمر على ربيعة. فأحضر امرأتيه القتال؛ وكانت عنده أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، وبحرية بنت هانىء بن قبيصة الشيباني. ولقيته ربيعة، وعلى ربيعة الكوفة يومئذ: زياد بن خصفة التيمي، فشدت ربيعة على عبيد الله بن عمر، فقتلته، فلما ضرب فسطاط زياد بن خصفة بقي طنب من الأطناب لم يجدوا له وتداً، فشدوه برجل عبيد الله. وأقبلت امرأتاه منصرفتين حتى وفقتا عليه، فبكتا عليه، وصاحتا، فخرج زياد بن خصفة، فقيل له: هذه بحرية بنت هانىء بن قبيصة الشيباني، فقال لها: حاجتك يابنة أخي؟ فقالت: زوجي قتيل تدفعه إلي، فقال: نعم، خذيه، فجيء ببغل، فحملته. فذكروا أن يديه ورجليه خطتا بالأرض من البغل، فقال في ذلك كعب بن جعيل التغلبي: من الطويل ألا إنما تبكي العيون لفارسٍ ... بصفين ولت خيله وهو واقف تبدل من أسماء أسياف وائلٍ ... وكان فتى لو أخطأته المتالف تركن عبيد الله بالقاع مسلما ... يمج دماء والعروق نوازف ينوء وتغشه سبائب من دمٍ ... كما لاح من جيب القميص الكفائف دعاهن فاستسمعن من أين صوته ... فأقبلن شتى والعيون ذوارف

يحللن عنه زر درعٍ حصينة ... وينفرن منه بعد ذاك معارف وقد صبرت حول ابن عم محمدٍ ... لدى الموت شهباء المناكب شارف فما برحوا حتى رأى الله صبرهم ... وحتى أليحت بالأكف المصاحف بموج ترى الرايات بيضاً كأنها ... إذا اجتنحت للطعن طير عواكف جزى الله موتانا بصفين خيرما ... أيثيبت عباد غادرتها المواقف وكان عبيد الله بن عمر بن الخطاب شد يومئذ، فهو يرتجز ويقول: أنا عبيد الله يميني عمر ... خير قريشٍ قد مضى ومن غبر إلا نبي الله والشيخ الأغر وقال أبو زبيد يرثيه: من البسيط إن الرزية لاناب مصرمة ... قرم تنصله من حاصنٍ عمر

عبيد الله بن عمر بن عبد العزيز

وجفنةٍ كنضيح الحب قد تركت ... بثني صفين يعلو فوقهما الغبر وظل يرشح مسكا فوقه علق ... كأنما قد في أثوابه الجزر كم من أخ لي كعدل الموت مهلكه ... أودى فكان نصيبي بعده الذكر يا أسم صبرا على ماكان من ألم ... تلك الحوادث ملقي ومنتظر عن نافع قال: أصيب عبيد الله بن عمر يوم صفين، فاشترى معاوية سيفه، فبعث به إلى عبد الله بن عمر. قيل لنافعٍ: هو سيف عمر الذي كان؟ قال: نعم، قلت: فما كانت حليته؟ قال: وجدوا في نعله أربعين درهماً وكانت وقعة صفين في صفر سنة سبع وثلاثين وقيل إنها كانت في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين. عبيد الله بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم الأموي كان له عقب روى عن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أمرهم بالمتعة. قال: فخطبت أنا ورجل امرأة "، قال: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ثلاث، وإذا هو يحرمها أشد التحريم، ويقول أشد القول، وينهي أشد النهي.

عبيد الله بن العيراز المازني البصري

عبيد الله بن العيراز المازني البصري وفد على عمر بن عبد العزيز روى عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تهادوا تزدادو خيرا - وفي رواية: حبا - وهاجروا تورثوا أبناءكم مجداً، وأقيلوا الكرام عثراتهم " وروى عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن الحميري قالا: نشأ ناس من أهل العراق، فقالوا في القدر، فقدمنا المدينة، فدخلنا المسجد، فإذا نحن بعبد الله بن عمر، فابتدرناه: أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله. قال: فظننت أنه سيكل المنطق إلي، وكنت أبسط لساناً منه، فقلنا: ياعبد الله بن عمر، ألا تخبرنا عن قوم نشأوا بالعراق، وقضوا في المساجد، وزعموا أن الأمر أنف، وأنه لا قدر. قال: إذا أتيت أولئك فقل لهم؛ قال عبد الله بن عمر: أنا منكم بريء، وأنتم براء مني حتى تؤمنوا بالقدر. أخبرني عمر قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس إذا جاء رجل حسن الوجه، شديد سواد الشعر، لم يشفعه سفر، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: قال: " أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن تصلي الخمس، وأن تصوم رمضان "، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: " نعم "، قال: صدقت، قال: فما الإيمان؟ قال: " أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والبعث من بعد الموت، والقدر كله "، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مؤمن؟ قال: " نعم "، فجعل القوم يعجبون من سؤاله، وتصديقه، قال: فما الإحسان؟ قال: " تعمل لله كأنك ترى الله - عز وجل - فإن كنت لا تراه فإنه يراك "، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا محسن؟ قال: " نعم "، قال:

عبيد الله بن القاسم بن علي بن القاسم

صدقت، قال: فمتى قيام الساعة؟ قال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، إنها في الخمس التي استأثر الله - عز وجل - بهن: " إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام " حتى ختم السورة "، قال: فما أشراطها؟ قال: " أن ترى الصم البكم العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، وأن تلد الامرأة ربتها " قال عبيد الله بن العيزار: خطبنا عمر بالشام على منبر من طين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم تكلم بثلاث كلماتٍ، فقال: أيها الناس، أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم، واعملوا أن رجلاً ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرق له في الموت. والسلام عليكم. قال البخاري، ويحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان: عبيد الله بن العيزار ثقة وقال عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد: بصرى صدوق قال عبيد الله بن العيزار: يابن آدم، إنك موقوف ومسؤول، فأعد جواباً عند الموت يأتك الخير، حتى متى تقول: ياأهلاه غدوني، ياأهلاه عشوني!؟ يوشك ألا يكون لك في الدنيا غداء ولا عشاء، ولا ليل، ولانهار. عبيد الله بن القاسم بن علي بن القاسم أبو الحسن المراغي سكن أطرابلس، وحدث بمصر سنة أربع وأربعمائة روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد البصري بسنده عن أنس بن مالك قال: أتت النبي صلى الله امرأة تشتكي حاجة "، فقال: " ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟

عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن وهيب

تسبحين الله إذا أويت إلى فراشك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرينه أربعاً وثلاثين، فذلك مائة هي خير من الدنيا، وما فيها " عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن وهيب ابن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري الشاعر المعروف بابن قيس الرقيات. من أهل الحجاز. مشهر معروف، وبالإحسان في الشعر موصوف. مدح مصعب بن الزبير فطلبه عبد الملك بن مروان، فاستخفى منه. ثم قدم دمشق فعفى عنه. قال الزبير بن بكار: ومن ولد ربيعة بن وهيب بن ضباب: عبيد الله بن قيس الرقيات. وأمه قتيلة بنت وهب بن عبد الله بن عبد الله بن ربيعة بن طريف. وأخوه لأمه وأبيه: عبيد الله بن قيس؛ وسعد وأسامة ابنا عبد الله بن قيس قتلا يوم الحرة، وفيهما يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: من الكامل إن المصائب بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه وأتى كتاب من يزيد وقد ... شد الحزام بسرج بغلتيه ينعي أسامة لي وإخوته ... فظللت مستكا مسامعيه كالشارب النشوان قطره ... سمل الزقاق تفيض عبرتيه

وعبد الواحد - يعني ابن أبي سعد - بن قيس بن وهب بن وهبان بن ضباب بن حجير أبو رقية التي كان يشبب بها ابن قيس الرقيات، وبابنة عم لها يقال لها: رقية، فقيل لعبيد الله: ابن قيس الرقيات. وقال محمد بن سلام الجمحي: إنما نسب إلى الرقيات لأن جدات له توالين يسمين رقية قال خالد بن عطاء بن مقدم: قال لي حماد الراوية، وكان نازلاً علي: إذا أردت أن تقول الشعر فارو شعر ابن الرقيات، فإن أرق الناس حواشي شعرٍ قال محمد بن سلام الجمحي: كان عبد الله أشد قريش أسر شعر في الإسلام بعد ابن الزبعري، وكان غزلاً، وأغزل من شعره شعر عمر بن أبي ربيعة، وكان عمر يصرح بالغزل، ولايهجو، ولايمدح، وكان عبد الله يشبب ولايصرح. وكان انقطاعه إلى آل الزبير، فمدح مصعباً، وهجا عبد الملك بن مروان، وذلك حين يقول: من الخفيف إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء ملكة ملك رحمةٍ ليس فيه ... جبروت منه ولاكبرياء يتقي الله في الأمور وقد أفل ... ح من كان همه الاتقاء وقال فيها لعبد الملك: قد عمرنا فمت بدائك غيظا ... لاتميتن غيرك الأدواء

وقال في عبد الملك بن مروان لما أخذ عبد الله بن جعفر له الأمان: من المنسرح عاد له من كثيرة الطرب ... فعينه بالدموع تنسكب كوفية نازح محلتها ... لأمم دارها ولاسقب ما نقموا من بني أمية إلا ... أهم يحلمون إن غضبوا وأنهم معدن الملوك فلا ... تصلح إلا عليهم العرب إن الفنيق الذي أبوه أبو ال ... عاص عليه الوقار والحجب يعتدل التاج فوق مفرقه ... على جبينٍ كأنه الذهب وكان عبد الملك قد نذر دمه فهرب عبيد الله إلى عبد الله بن جعفر، وسأله أن يجيره، فأدخله على عبد الملك، فقال عبد الملك: قد أزلت عنه القتل، ولكني لاأعطيه رزقاً مادمت في الدنيا. فقال عبد الله بن جعفر لابن قيس: أنا أعطيك الرزق موفراً، فلم يزل يقيمه له. وقيل: إن عبد الله بن جعفر قال له: كم تؤمل أن تعيش؟ قال: عشرين سنة، قال: فأنا أدفع لك من هذا الوقت رزق عشرين سنة، ففعل، فقال عبيد الله يمدحه: من الطويل تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها

تزور امرأ قد يعلم الله أنه ... تجود له كف قليل غرارها أتيناك نثني بالذي أنت أهله ... عليك كما أثنى على الروض جارها ووالله لولا أن تزور ابن جعفرٍ ... لكان قليلا في دمشق قرارها ذكرتك إذ جاش الفرات بأرضنا ... وفاص بأعلى الرقتين بحارها وعندي مما خول الله هجمة ... عطاؤك منها شولها وعشارها قدم على عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بمالٍ عظيم من قبل عبد الملك بن مروان، ومتاع كثير، فقسمه، وقال لنديم له: احفظ نصيب عبيد الله بن قيس الرقيات، فعزل له جارية " وكسوة "، وعشرة آلاف درهم، فلما قدم دفعه إليه، فقال ابن قيس الرقيات: من الطويل إذا جئت عبد الله نفسي فداؤه ... رجعت بخير من نداه ونائل وإن غبت عنه كان للود حافظا ... ولم يك عني في المغيب بغافل أبو جعفر نفسي تقيه من الردى ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل أبوه كريم ذو الجناحين جعفر ... فبخ بخ له من فاضلٍ وابن فاضل لما قتل الوليد وضاح اليمن حجت بعد ذلك أم البنين محتجبة لاتكلم أحداً، فقال ابن قيس الرقيات: من المنسرج

عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حامد

يا بن الخليط الذي به نثق ... واشتد دون الحبيبة الغلق قد تتقي الله في المحارم أو ... تعجز في نفسها فتنحمق لست بجثامةٍ له كرش ... يأكل مااسطاع ثم يغتبق قد برمت عرسه بمضجعه ... ودت لو أن العجول ينطلق عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حامد المعروف بابن الحريص، أبو أحمد ويقال: أبو محمد - البغدادي روى عن الحسين بن إسماعيل المحاملي بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة " وروى عن يحيى بن محمد بن صاعد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: اطلعت امرأة من هودج لها، ومعها صبي، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: " نعم، ولك أجر " قال الخطيب: عبيد الله بن محمد بن أحمد بن حامد بن محمود بن جعفر بن عبد الله، أبو أحمد البزاز، ويعرف بابن الحريص. بغدادي سكن الرملة.

عبيد الله بن محمد بن الحكم

عبيد الله بن محمد بن الحكم أبو معاوية الكلابي المقرىء المؤدب كان يسكن قنطرة سنان. روى عن محمود بن خالد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عج حجر إلى الله - عزوجل - فقال: إلهي وسيدي، عبدتك كذا وكذا ألف سنةٍ، ثم جعلتني في أس كنيفٍ؟ فقال: أما ترضى أن عدلت بك عن مجلس القضاة؟ " عبيد الله بن محمد بن خنيس ويقال: خشيش أبو علي الدمياطي ويقال: الدمشقي روى عن موسى بن محمد بن عطاء بسنده عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى. وعنه أيضاً بسنده عن أبي الدراداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال بعد صلاة الصبح، وهو ثانٍ رجليه، قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات ٍ كتب له بكل مرةٍ عشر حسناتٍ، ومحي عنه عشر سيئاتٍ، ورفع عشر درجات، وكن له في يومه حرزاً من كل مكروه، وحرزاً هن الشيطان، وكان له بكل مرة عتق رقبة من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبةٍ اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذ ذنب إلا الشرك بالله. ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك ".

عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز

وعنه أيضاً بسنده عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الصوم رياء " قال ابن ماكولا: خنيس: أوله خاء مضمومة بعدها نون مفتوحة، وآخره سين مهملة ". عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز ابن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمربن الخطاب أبو بكر العمري القاضي من أهل المدينة. ولي القضاء بحمص، وقنسرين، وأنطاكية، والثغور الشامية. وقدم دمشق أيان ابن طولون. ثم ولي قضاء دمشق في أيام أبي الجيش بن طولون. وكان ممن خلع أبا أحمد الموفق بدمشق سنة تسع وستين ومائتين روى عن الزبير بن بكار بسنده عن عمر بن عبد العزيز: أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: أما بعد فإنك راع، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، حدثنيه أنس بن مالك، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل راعٍ مسؤول عن رعيته "، " الله الذي لاإله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً " وروى إسماعيل بن أويس بسنده عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سب الأنبياء قتل، ومن سب أصحابي جلد "

عبيد الله بن محمد بن عبد الوارث الرعيني القوفاني

عبيد الله بن محمد بن عبد الوارث الرعيني القوفاني روى عن محمد بن الوزير بسنده عن ابن عمر قال: صليت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني - قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين، وبعد الجمعة ركعتين، فأما الجمعة والمغرب ففي بيته. عبيد الله بن محمد بن عفان أبو محمد حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه بغسلٍ واحد - وفي رواية: طاف مات أبو محمد بن عفان سنة ثمان وأربعمائة. عبيد الله بن محمد بن محمد أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة الفقيه الحنبلي روى عن حفص بن عمر بن الخليل بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخل ".

وروى عن عبد الله بن محمد البغوي بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا " قال الخطيب: أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة. كان أحد الفقهاء على مذهب أحمد بن حنبل. قال عبد الواحد بن علي العكبري: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث، ولافي غيرهم أحسن هيأة من ابن بطة. قال أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة "، فلم ير يوماً منها في سوق، ولارئي مفطراً إلا في يوم الأضحى والفطر. وكان أماراً بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره. قال أبو الفتح القواس: كان أبو عبد الله بن بطة يخرج إلى دكاني يكتب عني زهد ابن خبيق. وذكرت لأبي سعد الإسماعيلي ابن بطة، وعلمه، وزهده، فقال: شوقتني إليه. فخرج مع أولاده وأهله، فلما رجع جئت لأسلم عليه، فقال لي أول ما رآني: الرجل الذي ذكرت لي رأيته فوق الوصف - يعني ابن بطة. قال نصر الأندلسي: خرجت إلى عكبرا، فكتبت عن ابن بطة، ورجعت إلى بغداد، فقال أبو الحسن الدارقطني: أين كنت؟ فقلت: بعكبرا، فقال: وعمن كتبت؟ فقلت: عن فلان، وعن ابن بطة، فقال: وأيش كتبت عن ابن بطة؟ قلت: كتبا السنن لرجاء بن مرجى، حدثني به ابن بطة، عن حفص بن عمر الأردبيلي، وعن رجاء بن مرجى،

فقال: هذا محال! دخل رجاء بن مرجى بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الأردبيلي سنة سبعين ومائتين، فكيف سمع منه؟ قال أبو القاسم التنوخي: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا لأسمع من ابن بطة كتاب " معجم الصحابة "، تصنيف أبي القاسم البغوي، فجاءه أبو عبد الله بن بكير، وقال له: لاتفعل، فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي؛ وذلك أن البغوي حدث به دفعتين الأولى منهما قبل سنة ثلاثمائة في مجلسٍ عام، والأخرى بعد سنة ثلاثمائة في مجلس خاص لعلي بن عيسى وأولاده، ففي أي المرتين سمعه ابن بطة؟ قال الخطيب: وفي هذا القول نظر؛ لأن محمد بن عبد الله بن الشخير قد روى عن البغوي المعجم، وكان سماعه بعد الثلاثمائة بسنين عدة. ولعل ابن بكير أراد بالمرتين قبل سنة عشر وثلاثمائة وبعدها. وأحسب البغوي روى المعجم قبل العشر، فسمعه منه ابن الشخير وغيره، ورواه بعد العشر لعلي بن عيسى وأولاده خاصة. ومما يدل على ذلك أن أبا حفص بن شاهين كان من المكثرين عن البغوي، وكذلك أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر بن شاذان، ولم يكن عند واحدٍ منهم عنه المعجم، فهذا يدل على أن رواية العامة كانت قبل العشر بسنين عدة، فلم يسمع هؤلاء منه المعجم لذلك. قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف ضعيف، ليس بحجة. وعندي عنه معجم البغوي، ولاأخرج منه في الصحيح شيئاً. قلت: فكيف كان كتابه بالمعجم؟ فقال: لم نر له أصلاً به، وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب، فنسخنا منها، وقرأنا عليه. قال محمد بن أبي الفوارس: روى ابن بطة عن البغوي بسنده عن أنس: " طلب العلم فريضة على كل مسلم "

عبيد الله بن محمد

قال الخطيب: وهذا الحديث باطل من حديث مالك، وهو موضوع بهذا الإسناد، والحمل فيه على ابن بطة. توفي ابن بطة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة عبيد الله بن محمد ويقال: ابن منصور بن محمد أبو بكر البغدادي البزار المعروف بابن الصباغ روى عن أبي الوليد الطيالسي بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وروى عن محمد بن خالد بسنده عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبة " عبيد الله بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي ولي غزو الصائفة من قبل أخيه عبد الملك بن مروان. له ذكر ودار بدمشق روى عن عائشة، عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداةٍ بعد طلوع الشمس، فقال: " رأيت قبيل الفجر كأني أعطيت المقاليد والموازين - فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهذه التي

عبيد الله بن مروان بن محمد

تزنون بها - ووضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فوزنت بهم، ثم جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن، ثم جيء بعمر فوزن فوزن ثم جيء بعثمان، فوزن بهم، فوزن، ثم رفعت. قال محمد بن سعد: فولد مروان بمن الحكم: أبان بن مروان، وعبيد الله، وعبد الله درج، أيوب، وعثمان، وداود، ورملة؛ وأمهم أم أبان بنت عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية قال محمد بن عائذ: وفي سنة إحدى وثمانين غزا عبيد الله بن مروان، وفتح حصن سنان، وأصيبت الروم. عبيد الله بن مروان بن محمد ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي كان ولي عهد أبيه مروان بن محمد، وهو الداخل إلى بلاد النوية، وله مع ملكها حكاية طويلة. وفيل إن الذي حكى هذه الحكاية عبد الله أخوه، وعبيد الله قتلته النوبة. وكان قدم مع أبيه دمشق، فعقد له ولاية العهد، ولأخيه عبد الله بدير أيوب عمل دمشق. وتزوج عبيد الله هذا عائشة بنت هشام بن عبد الملك، ولم يعقب

عبيد الله بن المظفر بن عبد الله بن محمد

عبيد الله بن المظفر بن عبد الله بن محمد أبو الحكم الباهلي الأندلسي ولد بالمدينة سنة ست وثمانين وأربعمائة، وحج سنة ست عشرة وخمسمائة، وحج طبيباً مع أمير الجيوش قطز سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة. كان شاعراً مطبوعاً خليعاً، وأكثر شعره في المجون. ومن قصيدة له قالها على لسان الأديب نصر الهيثي يرثي مقلى انكسرت له: من الطويل لقد جار هذا الدهر في الحكم واستعلى ... وجرعني كأسا أمر من الدفلى وحملت من أهواله فوق طاقتي ... ولكنها هانت لحزني على المقلى أتانا بها من أرض بيروت تاجر ... وأنزلها قبلي دار أبي يعلى وجزت بها في دار سيف وإنها ... لفي ناظري من كان مقلى بها أحلى أخاف عليها العين حين أزفها ... إلى منزلي شبه العروس إذا تجلى فطورا أواريها بكمى وتارة ... أجردها مثل الحسام إذا سلا وأعددتها ذخرا لترويح طعمنا ... وللشحم إذ يسلى وللبيض إذ يقلى فلما أراد الله إنفاذ حكمه ... وكان قضاء الله في خلقه عدلا أتاح لها خطبا من الدهر فاتكا ... فأودى بها هلكى وغادرني عطلا فتبا لهذا الدهر كم غبطة طوى ... وكم نعمة أودى وكم جدة أبلى توفي أبو الحكم بدمشق ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة

عبيد الله بن معمر بن عثمان

عبيد الله بن معمر بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو معاذ القرشي التيمي والد عمر بن عبيد الله بن معمر، أحد أجواد قريش. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل إنه وفد على معاوية. عن عبيد الله بن معمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماأوتي - وفي رواية: أعطي - أهل بيت الرفق إلا نفعهم، ولامنعوه إلا ضرهم " وروى عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس قال الزبير: وولد معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة: عبيد الله ومعبداً: وأمهما: سلمى بنت الأصفر بن وائل بن ثمالة. روى له بعض الناس في معاوية: إذا أنت لم ترخ الإزار تكرما ... على الكلمة العوراء من كل جانب فمن ذا الذي نرجو لحقن دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحمل النوائب قال محمد بن سيرين: أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن معمر، وأول من أحدث الوصية برأيه قالوا: سكن المدينة. وقال ابن منده: لا يصح له حديث روى عثمان بن عبد الرحمن أن عبيد الله بن معمر، وعبد الله بن عامر بن كريز

اشتريا من عمر بن الخطاب رقيقاً من سبي، ففضل عليهما من ثمنهم ثمانون ألف درهم، فأمر بهما عمر أن يلزما بها، فمر بهما طلحة وهو يريد الصلاة في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما لابن معمر يلازم؟ فاخبر خبره، فأمر بالأربعين ألف التي عليه، فقضيت عنه، فقال عبيد الله بن معمر لعبد الله بن عامر: إنها إن قضيت عني بقيت ملازما "، وإن قضيت عنك لم يتركني طلحة حتى يقضي عني. فدفع إليه الأربعين ألف درهم، فقضاها عبد الله بن عامر عن نفسه، وخلي سبيله. فمر طلحة منصرفاً من الصلاة فوجد عبيد الله بن معمر يلازم، فقال: ما لابن معمر؟ ألم نأمر بالقضاء عنه؟ فأخبر بما صنع، فقال: أما ابن معمر فقد علم أن له ابن عم لا يسلمه، احملوا أربعين ألف درهم، فاقضوها عنه. فخلي سبيل عبيد الله بن معمر قال طلحة بن الشجاح: كتب عبيد الله بن معمر القرشي إلى عبد الله بن عمر، وهو أمير على فارس على خيل: إنا قد استقررنا، فلا نخاف عدونا، وقد أتى علينا سبع سنين، وقد ولد لنا الأولاد، فكم صلاتنا؟ فكتب إليه عبد الله: إن صلاتكم ركعتان. ثم أعاد إليه الكتاب، فكتب إليه ابن عمر: إني كتبت إليك بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: " من أخذ بسنتي فهو مني، ومن رغب عن سنتي فليس مني " قيل إن عبيد الله بن معمر مات في عهد عثمان بإصطخر. وقيل إنه قتل بدرابجرد سنة ثلاث وعشرين. ومن طريق خليفة: إن ابن عامر صار إلى اصطخر بعد سنة تسعٍ وعشرين وعلى مقدمته عبيد الله بن معمر.

1 - /عبيد الله بن أبي بكرة واسمه نفيع، ويقال: مسروح، أبو حاتم الثقفي أحد الكرام المذكورين: ولي قضاء البصرة وإمرة سجستان وقضاءها، ووفد على عبد الملك ابن مروان. حدث عبيد الله بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من رأى أنه يشرب لبناً فهو على الفطرة، ومن رأى عليه درعاً من حديد فهو في حصن من دينه، ومن رأى أنه يبني بناء فهو يبني من عمل الخير بعمله، ومن رأى أنه غرق فهو في النار، ومن رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي. وحدث عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اثنتان يجعلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين. ولد عبيد الله وعبد الرحمن ابنا أبي بكرة سنة أربع عشرة. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاضي سجستان: أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لايحكم أحد وهو غضبان.

بعث الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة إلى عبد الملك يسأله أن يوليه خراسان أو سجستان، فقال عبد الملك لعبيد الله: إن شئت جمعتهما لك؟ فقال: لا حاجة لي فيهما، إني لا أخون رجلاً بعثني في حاجته، فقال: ما كنت لأعزل أمية للحجاج. ثم إنه ولى الحجاج سجستان وخراسان. قال أبو جمرة الضبعي: أتى علينا زمان ونحن لا نغسل أثر الغائط والبول، حتى كان أول من رأيت غسل عبيد الله بن أبي بكرة، كنا نقول: انظروا إلى هذا الأحمق يغسل استه. كان عبد الملك بن مروان يكتب إلى الحجاج: لا تول عبيد الله بن أبي بكرة خراجاً فإنه أريحي. دخل عبيد الله بن أبي بكرة على الحجاج، وفي إصبعه خاتم، فقال له: يا عبيد الله على كم ختمت بخاتمك هذا؟ قال: على ثلاثين ألف ألف، قال: ففيم أتلفتها؟ قال: في تزويج الغفائل والمكافأة بالصنائع، وأكل الحار، وشرب القار، قال: أراك صليفاً! قال: ذاك أصلحك الله، لأني لا آكل إلا على بناء، ولا أجامع إلا على شهوة، فإذا كان الليل رؤيت قدمي زنبقاً، ورأسي بنفسجاً، يصعد هذا، ويحدر هذا، فالتقيا في المعدة، فعقدا الشحم. قال رجل لعبيد الله بن أبي بكرة: ما تقول في موت الوالد؟ قال: ملك حادث، قال: فموت الأخ؟ قال قص الجناح، قال: فموت الزوج: قال: عرس جديد، قال: فموت الولد؟ قال صدع في الفؤاد لا يجبر ثم أنشد أبو الأشهب هوذة بن خليفة بن عبد الرحمن لبعضهم: لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظلم

وزادني رغبة في العيش معرفتي ... ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم أحاذر الفقر يوماً أن يلم بها ... فيهتك الستر من لحم على وضم تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً ... والموت أكرم نزال على الحرم قال عبيد الله بن أبي بكرة: موت الأخ قاصمة الظهر. لقي عبيد الله بن أبي بكرة سعيد بن عثمان وقد ولاه معاوية خراسان، فاستبذ هيئته فقال: ابن عثمان بن عفان ووالي خراسان!؟ ليس معك إلا ما أرى؟ ثم كتب له كتاباً إلى وكيله سليم الناصح يأمره فيه أن يدفع إليه، أحسبه قال: عشرين ألفاً وعشرين بعيراً ومن كل شيء عشرين عشرين فلما قدم حمله إليه سليم، وكان سعيد بن عثمان قد استخف بالرقعة، ثم أرسل بها بعد إلى سليم. فلما حمل إليه ما حمل قال سعيد: من الكامل لا تحقرن صحيفة مختومة ... وانظر بما فيها فكاك الخاتم إن الغيوب عليكم محجوبة ... إلا تظني جاهل أو عالم نازع عبيد الله بن أبي بكرة المهلب بن أبي صفرة في ضيعتين من نهر عدي، فقال المهلب: واله لئن دخلتها لا ترجع إلى أهلك أبداً، قال: فغدا إليها ابن أبي بكرة في أربع مئة من مضر، فقال المهلب: يا أبا حاتم، ما كنت أراك تبلغ هذا كله، قال: إنك أتيت الأمر من غير وجهه، قال: فأنا آتيه من وجهه وأسألكها، قال: فهي لك. كان عبيد الله بن أبي بكرة من الأجواد، فاشتري يوماً جارية نفيسة بمال عظيم، فطلب دابة تحمل عليها، فجاء رجل على دابة، فنزل عنها فحملها، فقال له عبيد الله: اذهب بها إلى منزلك. وباع ابنه ثابت بن عبيد الله بن أبي بكرة دار الصفاق من مقاتل بن مسمع بستة آلاف دينار، ثم اقتضاه، فلزمه في دار أبيه، ورآه عبيد الله فقال: ما لك؟ قال حبسني ابنك بثمن دار الصفاق، فقال له: يا ثابت! ما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري، ادفع إليه صكه وأعوضك.

دخلت أعرابية على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة، فوقفت بين السماطين، فقالت: أصلح الله الأمير وأمتع به، حدرتنا إليك سنة، اشتد بلاؤها، وانكشف غطاؤها، أقود صبية صغاراً، وأجري كباراً، تخفضنا خافضة، وترفعنا رافعة، لملمات من الدهر برين عظمي، وأذهبن لحمي، تركنني والهاً، أذوذ بالحضيض، قد ضاق بي البلد العريض، فسألت في أحياء العرب، من المرتجى غيثه، والمعطى سائله، والمكفي نائله، فدللت عليك أصلحك الله، وأنا امرأة من هوزان، قد مات الوالد، وغاب الوافد، وأنت بعد الله غياثي ومنتهى أملي، فافعل بي إحدى ثلاث خصال: إما أن تردني إلى بلدي، أو تحسن لي صفدي، أو تقيم لي أودي؟ فقال: بل أجمعهن لك وحباً. فلم يجري عليها كما يجري على عياله حتى مات. وكان عبيد الله ينفق على جيرانه، فينفق على أربعين داراً عن يساره، وأربعين داراً أمامه، وأربعين داراًمن وراء داره، سائر نفقاتهم السنة كلها، ويبعث إليهم في كل عيد التحف والأضاحي والكسوة، ويزوج من أراد التزويج منهم، ويصدق عنهم مهور نسائهم، وكان في كل يعتق في كل عيد مئة عبد سوى ما يعتق في السنة كلها. أصاب رجلاً من العتيك تشنج في أعصابه، وكان وجيهاً، فأتى ناس من قومه عبيد الله بن أبي بكرة فقالوا له: إن فلاناً صاحبنا أصابه تشنج في أعصابه، ونعت له ألبان الجواميس يستنقع فيها أياماً متتابعة، وقد أخبرنا أن لك جواميس، فأقبل على وكيله فقال: كم لنا منها يا لطف؟ قال: ثلاث مئة، قال اصرفها إليهم، فقالوا: رحمك الله، إنا نحتاج إلى بعضها عارية، إذا استغنى صاحبنا عنها ردت، قال نحن لا نغير الجواميس، وقد أهديتها لصاحبكم. وجه محمد بن المهلب بن أبي صفرة إلى عبيد الله بن أبي بكرة أنه أصابتني علة، فوصف لي لبن البقر، فابعث إلي ببقرة أشرب من لبنها، قال: فبعث إلي بسبع مئة بقرة ورعاتها، وقال: القرية التي ترعى فيها لك.

رأى عبيد الله بن أبي بكرة على أبي الأسود الدئلي جبة رثة، كان يكثر لبسها، فقال: يا أبا الأسود! أما تمل هذه الجبة؟ فقال: رب مملول لا يستطاع فراقه، فبعث إليه بمئة ثوب، فقال أبو الأسود: من الطويل كساني ولم أستكسه فحمدته ... أخ يعطيك الجزيل وناصر وإن أحق الناس إن كنت شاكراً ... بشكرك من أعطاك والعرض وافر قدم يزيد بن مفرغ الحميري على عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان فقال له: يابن مفرغ، اصدقني عن نفسك، قال أفعل، أصلح الله الأمير، قال: ماذا قلت لها حين رحلت إلي؟ قال قلت: يا نفس ترحلين إلى واحد أهل الأرض كرماً ونائلاً، فإن ألفيته كثير الزائر والغاشية فهي ثلاثون ألفاً، وإن ألفيته قد خف زواره، وكثرت جبايته، ودر خراجه، وصلحت أطرافه فهي خمسون ألفاً فوقفت الأمنية عندها، قال: فهذا كان قولك حين رحلت، فما قلت حين حللت؟ قال: أيست من الخمسين، ولم أحدث نفسي بالثلاثين، ورجوت العشرين رجاء كرجاً، غير أني طمعت، والطمع أخو الرجاء، قال: وكيف ذلك؟ قال: رأيت باب الأمير كأنه مشهد المصلى يوم العيد، ورأيت أكثر زواره أهل المروءة والثروة، وعلمت أن هؤلاء لا يقيمهم القليل، ورأيت بعد من يرد عليه أكثر ممن يصدر من عنده، ورأيته يلقاهم بوجه بسيط وعريكة لينة، ورأيته يصبر على طول الكلام وكثرة السؤال، وكل هذه الخلال تقطع ظهر المتخلف ويحظى بها السابق، فضحك عبيد الله وأمر له به. وانصرف إلى البصرة فأتاه إخوانه والمسلمون عليه، وسألوه عن صنيع عبيد الله وبره به فقال: من الطويل

يسائلني أهل العراق عن الندى ... فقلت: عبيد الله حلف المكارم فتى حاتمي في سجستان داره ... وحسبك منه أن يكون كحاتم سما لبناء المكرمات فنالها ... بشدة ضرغام وبذل الدراهم كان من جود ابن أبي بكرة أن أقبل من نعمان فعطش، فلما كان بالخريبة استسقى من منزل امرأة، فأخرجت كوزاً وقدحاً، وقامت خلف الباب فقالت: تنحوا عن الباب وليل أخذه مني بعض غلمانكم، فإني امرأة من العرب، ماتت خادمتي منذ أيام، فتنحوا، وأخذ بعض الغلمان الكوز، فشرب وقال لغلامه: احمل إليها عشرة آلاف درهم، فقالت: سبحان الله! تسخر بي! قال: احملوا إليها عشرين ألفاً، قالت: أسأل الله العافية: ياأمة الله، كأنك لا ترينا أهلاً أن تقبلي منا، احمل إليها ثلاثين ألفاً، فما أمست حتى كثر خطابها. دخل الفرزدق على عبيد الله بن أبي بكرة يعوده وعنده متطبب يذوف له ترياقاً فأنشأ الفرزدق يقول: ياطالب الطب من داء تخونه ... إن الطبيب الذي أبلاك بالداء هو الطبيب فمنه البرء فالتمسن ... لامن يذوف له الترياق بالماء فقال عبيد الله: والله لا أشربه أبداً، فما أمسى حتى وجد العافية. توفي عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان سنة تسع وسبعين، وقيل: سن ة ثمانين. قالوا: وكان عبيد الله جاء إلى سجستان فوهن وخار وأهلك جنده، وكان سلك مضيفاً فأخذ عليه، فهلك جنده.

عبيد الله بن يحيى بن خاقان بن عرطوج

قالوا: ومات ببست كمداً لما أصابه ونال العدو منه، ويقال: اشتكى أذنه. ومات سنة ثمانين. عبيد الله بن يحيى بن خاقان بن عرطوج أبو الحسن التركي وزير المتوكل، قدم مع المتوكل دمشق، وقدمها مرة أخرى منكوباً حين نفاه المستعين إلى برقة سنة ثمان وأربعين ومئتين، وعاد إلى بغداد سنة ثلاث وخمسين ومئتين بعد أن حج، واستوزره المعتمد سنة ست وخمسين ومئتين. حدث عبيد الله عن أبيه قال: حضرت الحسن بن سهل، وجاءه رجل يستشفع يبغي حاجة فقضاها، فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن بن سهل: علاما تشكرنا؟ ونحن نرى أن للجاه زكاة، كما أن للمال زكاة، ثم أنشأ الحسن يقول: من الكامل فرضت علي الزكاة ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع ... فاجهد بوسعك كله أن تنفعا اعتل عبيد الله بن يحيى بن خاقان فأمر المتوكل الفتح أن يعوده، فأتاه فقال: إن أمير المؤمنين يسأل عن علتك؟ فقال عبيد الله: من الهزج عليل من مكانين ... من الأسقام والدين وفي هذين لي شغل ... وحسبي شغل هذين فأمر المتوكل بألف ألف درهم.

قال محمد بن أحمد بن الخصيب: كانت في والدي رقدة لا أحتملها، فضويت إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقبلني بأحسن قبول، وحللت منه محل والده، فقال لي يوماً: اخرج إلى شيخ يقف كثيراً على الباب، ولا يترجل إذا رآني، فقل له: قد ألححت علي وأنت ثقيل على قلبي، فليس لك عندي عمل ولا عائد، فانصرف عني وإلا حبستك سنة، وقرن بي من يرتئيه من غلمانه، فخرجت فأديت إليه الرسالة فقال: والله ما أدري ممن أتعجب، أمن المرسل بهذه الرسالة أم من المرسل؟ قل له: أما تبرمك بي، واستثقالك لي، فوالله ما أتيت قصداً لك، ولا رغبة إليك في سواد ليل ولا ضوء نهار، ولكنك أجلست في طريق أرزاقنا فلا بد من الاجتياز بك، وإن كان رجاء العاقل منوطاً بالله دونك، وليس لك إعطاء ما منع الله، ولا منع ما أعطى. ثم تضاحك، وقال: وأعجب ما في رسالتك تواعدك إياي بحسبي سنة، فيا ويحك، من ملكك الزمان المستقبل حتى تتحكم في هذا التحكم؟ وتتوعد به هذا التوعد؟ ولعله يجري عليك فيه من المكروه أكثر مما نويته لي. وكانت إشارته، وفحوى كلامه يدلان على استصغار موارد أمورنا ومصادرها، فدخلت إليه فقال لي: ما أجابك به؟ فقلت: هو مجنون، فقال: لا تغالطني فيه، هو يعقل إلا أنه حسن الكلام، فبحياتي لما قصصت لي جوابه، فقابلت جهة من الدار، وأعدت عليه جميع ما تكلم به، فقال: قد والله ابتليت به. وركب، فتلقاه بمثل ما كان تلقاه، ودخل عبيد الله إلى أمير المؤمنين، فما أطال حتى خرج إلي غلام له، كان يدخل بدخوله، فقال: الشيخ الذي كلمته اليوم وأجابك، فبعثت إليه من جاء به، فسار به مسرعاً حتى أدخله إلى أمير المؤمنين، وقام مقدار ساعة ثم خرج ومعه ثلاث توقيعات بين أصابعه، فقال لي: يشكر الله عز وجل ولأمير المؤمنين. ومضى. وانتظرت الوزير على عادتي حتى خرج، فوالله ما صبر إلى دخول داره حتى حدثني بحديثه في الطريق، قال: دخلت وقد غلب علي الغيظ من رسالة هذا الشيخ لأنه خلط فيها التأله وما بنيت عليه الدنيا من سر تقلبها، فبعض الرسالة يحركني على مساءته،

وبعضها يقفني عنه، فوقفت بين يدي أمير المؤمنين، فألقى إلي كتاب عامل بريد الثغر يخبر بوفاة عامل الخراج به، وقال: من ترى أن ينقل إلى العمل؟ وكان هذا العمل في أيام المتوكل غزير الإنفاق كثير المال لما يحمله المتوكل من الأموال للغزاة ومصالح الثغر، ففكرت ساعة، فقال: ما ظننتك على هذا التخلف، ولقد توهمت أن في خاطرك الساعة مئة يصلحون لمثله، فقلت له: على الباب شيخ يصلح إن قبلته عين أمير المؤمنين، فاستحضره، فلما تأمله قال: ما أحسن ما اخترت! قد قبلته نفسي، فعلمت أن الأمر على ما ذكره لي في رسالته معك، فقال له المتوكل: كيف بك إذا ندبناك لموضع يهمنا، قال: أستفرغ جهدي، والجهد عاذر، قال: صدقت، وقع له الساعة بتقليده، وأخذ الرزق المرسوم فيه له، ففعلت، فقال: يا أمير المؤمنين! قد أخلقت حالي بعطلتي، فإن رأى أن ينهضني بمعونة. فقال: وقع له بألف دينار معونة. ففعلت، فقال له أمير المؤمنين: بادر إلى الناحية، فقال: يكتب لي بإزاحة علة من يتوجه معي في أرزاقهم؟ قال: اكتب له، فخرج بثلاث توقيعات، وما رأيت في نفسه انخفاضاً ولا تذللاً، وكأن أمير المؤمنين قضاه ديناً يجب له الخروج إليه منه. قال أحمد بن إسرائيل: صرت يوماً إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فلما صرت في صحن الدار رأيته مضطجعاً على مصلاه مولياً طهره باب مجلسه فهممت بالرجوع، فقال لي الحاجب: ادخل فإنه منتبه، فلما سمع حسي جلس، فقلت: حسبتك نائماً، قال: لا، ولكني كنت مفكراً، قلت: في ماذا؟ في أمر الدنيا وصلاحها في هذا الوقت واستوائها، ودرور الأموال، وأمن السبل وعز الخلافة، فعلمت أنها أمكر وأغدر من أن يدوم صفاؤها لأحد. فدعوت له وانصرفت، فما مضت أربعون ليلة حتى قتل المتوكل ونزل به من النفي ما نزل. تقلد عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزارة مرتين، ونفي في وقت النكبة إلى برقة، فاجتاز بدمشق وعيسى بن الشيخ يتقلدها، فلقيه عيسى وترجل له، وأعظمه وبره وحدثه، حتى كان عبيد الله يسير بالليل في قبة، وعيسى يسير بين يديه الليل كله على ظهر دابته، فأصبح عبيد الله ووجه إلى عيسى بن الشيخ يسأله عن خبره ومبيته، وهو

لا يشك أنه أيضاً في قبة، فقيل له: إنه كان بين يديه يسير على ظهر دابته منذ أول الليل إلى الساعة، فلما تقلد عبيد الله بن يحيى الوزارة المرة الثانية، حفظ له ذلك، وقلده الديار البكرية وإرمينية. قال محمد بن علي القنبري الهمذاني من ولد قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام يمدح عبيد الله بن يحيى بن خاقان: من البسيط إلى الوزير عبيد الله مقصدها ... أعني ابن يحيى حياة الدين والكرم إذا رميت برحلي في ذراه فلا ... نلت المنى منه إن لم تشرقي بدم وليس ذاك لجرم منك أعلمه ... ولا لجهل بما أسديت من نعم لكنه فعل شماخ بناقته ... لدى عرابة إذ أدته للأطم قال المبرد: أنشدني عاصم بن وهب البرجمي: من الطويل نظرت إلى يحيى بن خاقان مقبلاً ... فشبهته في الملك يحيى بن خالد. ومر عبيد الله يشبه جعفراً ... فأكرم بمولود وأكرم بوالد جمعت بذا المعنى معان كثيرة ... ولم أفسد المعنى بطول القصائد قيل: إن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لعب في الميدان مع خاتم له يقال له: رشيق، فصدمه فسقط عبيد الله عن فرسه، ومات من يومه، وصلى عليه الموفق، ومشى في جنازته في ذي القعدة سنة ثلاث وستين ومئتين، وقيل توفي سنة ست وستين ومئتين.

عبيدة بن عثمان

عبيدة بن عثمان ويقال: عبيدة الثقفي الفقيه من أهل دمشق. حدث عن يحيى بن حمزة، عن برد بن سنان أن يزيد بن الوليد أرسل إلى نافع مولى ابن عمر فسأله، فقال: سمعت عبد الله بن عمر يحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً. وعبيدة بفتح العين وكسر الباء. قال عبيدة: كان الرجل يكتفي من العبادة بالنظر إلى الأوزاعي إذا رآه مصلياً أو رآه قاعداً. عبيدة بن أبي المهاجر ويقال ابن المهاجر البكري والد يزيد بن عبيدة، من أهل دمشق قال عبيدة بن أبي المهاجر: سمعت معاوية بن أبي سفيان على هذا المنبر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلاً كان يعمل السيئات وقتل سبعة وتسعين نفساً كلها تقتل ظلماً بغير حق، فخرج فأتى ديرانياً فقال: ياراهب، إن الآخر قتل سبعة وتسعين نفساً كلها تقتل ظلماً بغير حق، فهل له من توبة؟ قال: لا ليس لك توبة، فضربه فقتله: ثم جاء آخر فقال له: يا راهب، إن الآخر قد قتل ثمانية وتسعين نفساً، كلها تقتل ظلماً بغير حق، فهل له من توبة؟ فقال: لا، ليست له توبة، قال: فضربة فقتله: ثم أتى آخر فقال له: إن

الآخر قتل تسعة وتسعين نفساً، كلها تقتل ظلماً بغير حق، فهل له من توبة؟ فقال له: لا، فضربه فقتله، ثم أتى راهباً آخر فقال له: إن الآخر لم يدع من الشر شيئاً إلا قد عمله، قد قتل مئة نفس كلها تقتل ظلماً بغير حق، فهل له من توبة؟ فقال له: والله لئن قلت لك: إن الله لا يتوب على من تاب إليه، لقد كذبت، ها هنا دير فيه قوم متعبدون، فأتهم فاعبد الله معهم، فخرج تائباً، حتى إذا كان في نصف الطريق بعث الله إليه ملكاً، فقال لهم: إلى أي الفريقين كان أقرب، فهو منها، فقاسوا ما بينهما فوجدوه أقرب إلى قرية التوابين مقيس أنملة، فغفر له. وعبيدة بفتح العين وكسر الباء. حدث سعيد بن عبد العزيز أن الوليد بن عبد الملك كان يؤخر الظهر والعصر، فلما ولي سليمان كتب إلى الناس عن رأي عمر بن عبد العزيز، أن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها، قال سعيد: فبعث والي الجند إلى عبيدة بن المهاجر فسأله عن الوقت الذي كان يصلى فيه على عهد معاوية وأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرهم بالوقت الذي يصلى عليه اليوم بدمشق الظهر والعصر. وفي حديث: فأراهم عبيدة بن المهاجر وقت الصلاة في خلافة معاوية في المقسلاط. قال سعيد: وهو وقتنا هذا يعني الظهر والعصر.

عبيد بن أشعب الطمع

عبيد بن أشعب الطمع ويقال: عبيدة حجازي مدني، قدم دمشق حين وليها إبراهيم بن المهدي. عن إبراهيم ين المهدي أن الرشيد لما ولاه دمشق بعث إليه عبيدة بن أشعب، وكان يقدم عليه من الحجاز، وأراد أن يطرفه به، فقدم عليه. قال إبراهيم: وكان يحدثني من حديث أبيه بالطرائف، وعادلته يوماً وأنا خارج من دمشق في قبة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد، فدعوت بدواج سمور لألبسه فأتيت به، فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب، فقلت له: حدثني بشيء من طمع أبيك، فقال لي: ومالك ولأبي، عليك بي هاأنذا، دعوت بالدواج فما شككت في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه: ثم قلت له: ألأبيك ولد غيرك؟ فقال: كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت خمسون؟ قال: أكثر كثر، قلت: مئة، قال: دع المئين وخذ في الألوف، فقلت ويلك! أي شيء تقول؟! أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب، كيف يكون له ألوف من الولد؟ فضحك، ثم قال لي: له في هذا خبر طريف، فقلت: حدثني به، فقال: كان أبي منقطعاً إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام، وكانت متزوجة بزيد بن عمر بن عمرو بن عثمان، وكانت محبة له، فكان لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج،

فيخرج معها، فإذا مضوا إلى مكة قالت: أريد الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة قالت له: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا ينقضي. قال أبي: وكانت حلفته بما لا كفارة له أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يلم بنسائه وجواريه إلا بإذنها، وحج الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج أمير المؤمنين ولا بد لي من لقائه، قالت: فاحلف لي أنك لا تدخل الطائف، ولا تلم بجواريك على وجه ولا سبب. فحلف لها بما رضيت به من الأيمان على ذلك، ثم قالت: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، ولكن ابعثي معي بثقتك، قال: فدعتني وأعطتني ثلاثين ديناراً وقالت: اخرج معه وحلفتني بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ولا سبب فحلفت لها بما أثلج صدرها، وأذنت له فخرج وخرجت معه، فلما حاذينا الطائف قال لي شعيب! تعال، أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك، وهذه ثلاث مئة دينار خذها وأذن لي ألم بجواري، فلما سمعتها ذهب عقلي، ثم قلت: يا سيدي هي سكينة فالله الله في، فقال: أوتعلم سكينة الغيب؟ فلم يزل بي حتى أخذتها، وأذنت له فمضى فبات عند جواريه، فلما أصبحنا رأيت أبيات قوم من العرب قريبة منا، فلبست حلة وشي كانت لزيد، قيمتها ألف دينار، وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلمت، فرددن وأجللني للهيئة والزي الذي لا يلبس مثله إلا أولاد الخلفاء، ونسبنني فانتسبت نسب زيد فحادثنني وأنسن بي، وأقبل رجال الحي، فكما جاء منهم رجل سأل عني فخبر بنسبي، فجاءني فسلم علي وعطمني وانصرف إلى أن أقبل شيخ كبير منكر، فلما خبر بي وبنسبي شال حاجته عن عينه، ثم نظر إلي وقال: وأبي ما هذه خلقة قرشي ولا شمائله، ولا هو إلا عبد، ثم بادر إلى بيته، وعلمت أنه يريد شراً، فركبت الفرس ثم مضيت، ولحقني فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج، وما شككت في أنه يلحقني بآخر يقتلني، فسلحت في ثيابي، ولوثتها، ونفذ إلى الحلة فصيرتها شهرة، وأتيت رحل زيد بن عمر، فجلست أغسل الحلة وأجففها، وأقبل زيد بن عمر فرأى ما لحق الحلة والسرج فقال لي: ما القصة ويلك؟ فقلت له: يا سيدي! الصدق أنجى، وحدثته الحديث فاغتاظ، ثم قال: لم يكفك أن تلبس حلتي

وتصنع بها ما صنعت؟ وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي؟ وفضحتني وجعلتني عند العرب ولاجاً جماشاً؟ وجرى عليك ذل نسب إلي؟ أنا نفي من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبالغ في ذلك. ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة، فسألته عن خبره كله، فخبرها حتى انتهت إلى جواريه فقالت: إيه، وما كان خبرك في طريقك، هل مضيت إلى جواريك بالطائف؟ فقال لها: لا أدري، سلي ثقتك، فدعتني وسألتني؟ وبدأت فحلفت لها بكل يمين محرجة أنه ما مر بالطائف ولا دخلها ولا فارقني، فقال لها: اليمين التي حلف بها لازمة لي إن لم أكن دخلت الطائف، وبت عند جواري وغسلتهن جميعاً، وأخذ مني ثلاث مئة دينار، وفعل كذا وكذا، وحدثها الحديث، وأراها الحلة والسرج، فقالت لي: فعلتها يا شعيب؟ أنا نفية من أبي إن أنفقتها إلا فيما يسوؤك، ثم أمرت بكبس منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت، فاشترت بها خشباً وبيضاً وسرجينا، وعملت من الخشب بيتاً فحبستني فيه، وحلفت أن لا أخرج منه ولا أفارقه حتى أحضن البيض كله إلى أن ينقف، فمكثت أربعين يوماً أحضن لها البيض حتى أنقف كله، وخرج منه فراريج كثير، فربيتهن وتناسلن، فكن بالمدينة يسمين بنات أشعب، ونسل أشعب، فهو إلى الآن بالمدينة نسل يزيد على الألوف وما بين الألوف كلهن أهلي وقرابتي. قال إبراهيم: فضحكت من قوله ضحكاً ما أذكر أني ضحكت مثله قط، ووصلته، ولم يزل عندي زماناً، ثم خرج إلى المدينة ومات هناك. بعثت سكينة إلى أبي الزناد فجاءها تستفتيه في شيء، فاطلع أشعب عليه من بيت، وجعل يقوقي مثلما الدجاجة، فسبح أبو الزناد وقال: ما هذا؟! فضحكت وقالت: إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا فحلفت أن يحضن بيضاً في هذا البيت ولا يفارقه حتى ينقف، فجعل أبو الزناد يعجب.

عبيد بن أحمد بن عبيد بن سعيد

قال أشعب لابنه عبيدة: إني أراني سأخرجك من منزلي وانتفي منك، قال: لم؟ قال: لأني أكسب خلق الله لرغيف، وأنت ابني قد بلغت هذا السن، وأنت في عيالي ما تكسب شيئاً، قال: بلى، إني لأكسب، ولكن مثل الموزة لا تحمل حتى تموت أمها. عبيد بن أحمد بن عبيد بن سعيد أبو محمد الرعيني الحمصي الصفار قدم دمشق. حدث عن سليمان بن عبد الحميد بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل عليه السلام: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر، وهو يلي أمتك من بعدك، وهو أفضلها وأرأفها. قال: غريب جداً، ولم يكتب إلا من هذا الوجه. عبيد ويقال عبيد الله بن أوس ابن أوس الغساني كاتب معاوية وحاجبه، ويزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم. قال عبيد: كتبت بين يدي معاوية كتاباً فقال لي: يا عبيد: ارقش كتابك، فإني كتبت بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً رقشته. قال: قلت: ما رقشته يا أمير المؤمنين؟ قال: أعط كل حرف ما ينوبه من النقط.

عبيد بن حبان الجبيلي

عبيد بن حبان الجبيلي من أهل جبيل من سواحل دمشق. روى عن مالك بن أنس بسنده إلى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت؟ فقال: خذوها وما حولها من السمن فألقوه. قال عبيد: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، الناقة تذبح وفي بطنها جنين، فيرتكض فيشق بطنها فيستخرج جنينها، أيوكل؟ قال: نعم، قال: قلت: إن الأوزاعي قال: لا يؤكل، قال: أصاب الأوزاعي. وعن عبيد قال: أتيت مجلس مالك بن أنس رحمه الله بالمدينة فلم أجده، فألقيت أصحابه قعوداً، فقلت لهم: ما تقولون في الرجل يذبح الشاة فيركض جنينها في بطنها فيبادر فيشق بطنها، ما تقولون فيه؟ وقد فرى الأوداج؟ قلت: نعم، قالوا: فما بأس بذلك، قلت لهم: لكن أبا عمرو يعني الأوزاعي قال: حرمت وحل جنينها فاستهزؤوا بي وتضاحكوا، فنحن على ذلك إذ أقبل مالك، فتوسد مجلسه، فابتدرته فقلت له: ما تقول رحمك الله في الرجل يذبح الشاة فيركض جنينها في بطنها فيبادر فيشقه، ما تقول في ذلك؟ قال: وقد فرى الأوداج؟ قلت: نعم، قال: لا بأس بذلك، قال: قلت: لكن أبا عمرو الأوزاعي قال: حرمت وحل جنينها، قال لي: كلفوا الشيخ فتكلف، ثم أخلد إلى الأرض طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: صدق أبو عمرو، حرمت وحل جنينها.

عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله عبيد

عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله عبيد ابن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي أبو جهم العدوي القرشي: ويقال: اسمه عامر وهو من مسلمة الفتح، واستعمله سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض الصدقات، وشهد اليرموك، وأشخص في تحكم الحكمين بدومة الجندل من الشام، وقدم على معاوية في خلافته غير مرة، ولا تعرف له رواية عن سيدنا رسول الله، بل قد جاء ذكره في غير حديث. عن يزيد بن عياض بن جعدبة قال: استعمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النفل يوم حنين أبا جهم بن حذيفة العدوي، فجاء خالد بن البرصاء الليثي، فتناول زماماً من شعر، فمنعه أبو جهم فقال: إن نصيبي فيه أكثر، فتمانعا، فعلاه أبو جهم بقوس فشجه منقلة، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعداه عليه فقال: خذ خمسين شاة ودعه. فقال: يا رسول الله، أقدني منه. قال: لك مئة شاة ودعه. قال: أقدني منه. قال: لك خمسون ومئة شاة لا أزيدك عليها، ولا أقصدك من وال عليك. قال: فقدمت خمسون ومئة شاة خمس عشرة فريضة، وهي عقلها اليوم. وفي حديث آخر بمعناه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً، فلاحه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه الحديث. أسلم أبو جهم يوم فتح مكة، وقدم المدينة بعد ذلك، فابتنى بها داراً، وكان شديد العارضة، فكان عمر بن الخطاب قد أشرف عليه وأخافه، حتى كف من غرب لسانه عن

الناس، فلما مات عمر سر بموته، قال: وجعل يومئذ يخنبش في بيته، ومات بالمدينة في خلافة معاوية، ويقال: بقي أبو جهم إلى فتنة ابن الزبير، وفيها مات. الخنبشة: أن يقفز على رجليه كما يفعل الجواري. وأم عبيد بشيرة بنت عبد الله بن أذاة بن رياح، وقيل يسيرة، وهو صاحب الأنبجانية. عن عائشة قالت: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية. حدث سعيد بن عبد الكبير بن الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أبيه عن جده قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بخميصتين سوداوين، فلبس إحداهما، وبعث بالأخرى إلى أبي جهم، وكانت خميصة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها علم، فكان إذا قام إلى الصلاة نظر إلى علمها فكرها لذلك، فبعث بها إلى أبي جهم بعد ما لبسها، وأرسل إلى خميصة أبي جهم، فلبسها بعد ما لبسها أبو جهم لبسات. وعن فاطمة بنت قيس قال: كتبت ذاك من فيها كتاباً قالت: كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني البتة، فأرسلت إلى أهله أبتغي النفقة فقالوا: ليس لك علينا نفقة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليست لك عليهم نفقة، وعليك العدة، انتقلي إلى أم شريك ولا تفوتيني بنفسك، ثم قال: إن أم شريك يدخل عليها إخوتها من

المهاجرين الأولين، انتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنه رجل قد ذهب بصره، فإن وضعت من ثيابك شيئاً لم ير شيئاً. قالت: فلما حللت خطبني معاوية وأبو جهم بن حذيفة، فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما معاوية فعائل لا شيء له، وأما أبو جهم فإنه رجل لا يضع عصاه عن عاتقه، أين أنتم عن أسامة! فكان أهلها كرهوا ذلك، فقالت: لا أنكح إلا الذي دعاني إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنكحته. قال أبو الجهم بن حذيفة: لقد تركت الخمر في الجاهلية، وما تركتها إلا خشية الفساد على عقلي ومالي. قال أبو جهم بن حذيفة: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ومعي شنة ماء وإناء، فقلت: إن كان به رمق سقيته من الماء، ومسحت به وجهه، قال: فإذا أنا به ينشع، فقلت له: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه، فإذا هو هشام بن العاص أخو عمرو بن العاص، فأتيته فقلت: أسقيك؟ فسمع آخر يقول: آه، فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قد مات، ثم رجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، ثم أتيت ابن عمي فإذا هو قد مات. قال عروة: لما أصيب عثمان أرادوا الصلاة عليه فمنعوا من ذلك، فقال أبو جهم بن حذيفة القرشي: دعوه فقد صلى الله عليه ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن شهاب في حديث يطول أن عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس حيث حكمهما علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان اختلفا في حكمهما، لا يدعوه عمرو بن العاص إلى أمر إلا خالفه، فلما رأى ذلك عمرو قال له: هل أنت مطيعي فإن هذا الأمر لا يصلح لنا أن ننفرد

به حتى نحضره رهطاً من قريش نستعين بهم ونستشيرهم في أمرنا، فإنهم هم أعلم بقومهم. فقال له: نعم ما رأيت، فابعث إلى من شئت منهم، فبعث إلى خمسة رهط من قريش، منهم عبد الله بن عمر، وأبو جهم بن حذيفة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث، وجبير بن مطعم، فكتبا إليهم أن أقبلوا حين تنظرون إلى كتابنا هذا، فإنه لا يحبسنا أن نحكم بين الناس غيركم، فانطلقوا يسيرون حتى أتوهم بدومة فوجدوهما حالين بباب المدينة، فلما وقفوا عليها قام عمرو بن العاص فقال: ابرز معي يا أبا جهم أخبرك بعض الخبر، فلما برز به ناداهما أبو موسى: ما هذه النجوى دوني يا أبا جهم، فقال: أيها المرابص بصرك فإنما نحن في بعض أمرنا، فقال له عمرو بن العاص: أبشر يا أبا جهم! فوالذي نفسي بيده لأعتقن رقبتك من ملك بني أمية، قال أبو جهم: لام ما أنت إن فعلت يا عمرو. ثم انصرفا، فكان من اختلافهما ما كان. قال أبو بكر بن الأنباري: أنشدني أبي لعبد المسيح بن دارس، وكان وفد على بعض ملك غسان فأكرمه وأحسن جائزته، فقال فيه: من الوافر نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا نميل على جوانبه كأنا ... نميل إذا نميل على أخينا وفي رواية: على أبينا. قال ابن الكلبي: ثم وفد أبو الجهم العدوي على معاوية بن أبي سفيان، وكان من شيوخ قريش وأكابرهم، فأمر له بمئة ألف درهم، فأراد بعد ذلك أن يسأله حاجة، فقال له ابنه: يا أبه

لا تكثر على أمير المؤمنين فتمله، قال: يا بني إن أمير المؤمنين كما قال الشاعر وذكر هذين البيتين، فأمر له معاوية بمئة ألف أخرى. قال عيسى بن عمر: وفد أبو الجهم بن حذيفة على معاوية بن أبي سفيان فقال له: يا أبا الجهم إن لك حقاً وقرابة وشرفاً، وإن مع حقك لحقوقاً، وإن مع قرابتك لقرابة، وإنه ليلزمنا مؤن عظيمة، ولكن هذه مئة ألف درهم، فخذها واعذر. قال أبو الجهم: فقبضها على مضض، وقلت في نفسي: ما عسى أن أقول له، رجل ناء عن بلاد قومه، وقد تخلق بأخلاق أهل الشام الجفاة الأغفال، فأخذتها على أنه قد قصر بي، فلما استخلف يزيد، صرت إليه وافداً، فأقمت أياماً، ثم قال: إني بحقك عارف وقرابتك وشرفك، وإن مع حقك علينا لحقوقاً ومؤناً لا نستطيع دفعها، وأنت أولى من عذر ابن أخيه، هذه خمسون ألف درهم فاقبضها واعذر. فقلت في نفسي: غلام حدث نشأ مع غير قومه، وسكن غير بلده، وهو مع هذا فابن كليبة، فأي خير يرجى منه؟ فأخذها على أنه قد قصر بي، فلما استخلف عبد الله بن الزبير قلت: هذا بقية قريش البطاح، فوفدت عليه فأقمت أياماً، ثم قال لي: يا أبا الجهم، مهما جهلت فلم أجهل حقك وقرابتك وشرفك، غير أن مؤناً علينا وغرماً وحمالات وأموراً يطول شرحها، ومع ذلك فغير مخيب لسفرك، هذه ألف درهم فاستعن بها على أمورك. قال أبو الجهم: فقبضها فرحاناً بها، ثم مثلت بين يديه فقلت: يا أمير المؤمنين مد الله لقريش في بقائك، ودافع لنا عن حوبائك، ولا امتحننا بفقدك، فوالله لا زالت قريش بخير ما مد الله لها في عمرك. فقال ابن الزبير: جزاك الله عن الرحم خيراً، فما قلت هذا لمعاوية وقد أعطاك مئة ألف، ولا قلته ليزيد وقد أعطاك خمسين ألفاً، وقد قلت لنا وإنما أعطيناك ألف درهم! فقال: نعم يا أمير المؤمنين، من أجل ذلك قلت

عبيد بن حصين بن جندل بن قطن

ذلك، وخفت إن أنت هلكت أن لا يلي أمر المسلمين بعدك إلا الخنازير، فأحببت أن يبقيك الله لقريش، فإنك على كل حال خير لها من غيرك. قيل: إن أبا جهم مات في آخر خلافة معاوية. عبيد بن حصين بن جندل بن قطن ويقال ابن حصين بن معاوية بن جندل بن قطن أبو جندل النميري المعروف بالراعي لقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل، وحسن نعته، قالوا: ما هذا إلا راعي الإبل، فلزمته. شاعر محسن مشهور، وقد وفد عبد الملك. وفد الراعي إلى عبد الملك يشكو بعض عماله. وهو الذي قال لعبد الملك: من الكامل إني جلفت على يمين برة ... لا أكذب اليوم الخليفة قيلا ما إن أتيت أبا خبيب وافداً ... يوماً أريد لبيعتي تبديلا ولما أتيت نجيدة بن عويمر ... أبغي الهدى فيزيدني تضليلا أزمان قومي والجماعة كالذي ... لزم الرحالة أن تميل مميلا أخذوا العريف فشققوا حيزومه ... بالأصبحية قائماً مغلولا كهداهد كسر الرماة جناحه ... يدعو بفارعة الشريف هديلا

فادفع مظالم عيلت أبناءنا ... عنا وأنقذ شلونا المأكولا ولئن بقيت لأدعون بطعنة ... تدع الفرائض بالشريف فليلا فقال له عبد الملك: وأين من الله والسلطان لا أم لك؟ قال: يا أمير المؤمنين! من عامل إلى عامل، ومصدق إلى مصدق. فلم يحظ ولم يحل منهم بشيء، فوفد إليه من قابل فقال: من البسيط أما الفقير الذي كانت حلوبته ... قوت العيال فلم يترك له سبد واختل ذو المال والمثرون قد بقيت ... على التأثل من أموالهم عقد فإن رفعت بهم رأساً نغشتهم ... وإن لقوا مثلها في عامهم فسدوا فقال عبد الملك: أنت العالم أعقل منك عام أول. وفد الراعي وفادة على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك لأهله: أنكحوا إلى هذا الشيخ فإني فأراه منجباً. قدم الراعي على خالد بن عبد الله بن أسيد ومعه ابنه جندل، فكان ينشد خالداً، وربما أنشده وابنه جندل، إلى أن قدم عليه مرة فقال له خالد: ما فعل ابنك؟ قال: هلك أصلح الله الأمير، بعد أن زوجته وأصدقت عنه، فأمر له خالد بدية ابنه، فأنشأ الراعي يقول: من الطويل وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه ... وشق له قبراً بأرضك لاحد وقد كان مات الجود حتى نعشته ... وأذكيت نار الجود خامد

فلا حملت أنثى ولا آب غائب ... ولا عاش ذو سقم إذا مات خالد فقال له خالد: لم أقتله، فأده لك، وإنما مر به ما سيمر بي وبك. قال أبو دفاقة بن سعيد بن سلم الباهلي: قرأنا على الأصمعي شعر الراعي، فمر في قصيدته: من الكامل ما بال دفك بالفراش مذيلا وكأن مربضها إذا باشرتها ... كانت محبسة الدخول ذلولا فقلنا له: ما معنى باشرتها؟ قال: ركبها من المباشرة، فحكينا ذلك لأبي عبيدة فقال: صحف الأصمعي، إنما هو ياسرتها، وهذا كقول الآخر: إذا يوسرت كانت ذلولاً أدبية ... وتحسبها إن عوسرت لم تؤدب قال المصنف: والأمر في ذلك كما قال أبو عبيدة، واستشهاده فيه صحيح. وهجا الراعي ابن الرقاع العاملي فأوجع: من البسيط لو كنت من أحد يهجى هجوكم ... يابن الرقاع ولكن لست من أحد تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسباً ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد

قال أبو الغراف: الذي هاج بين جرير والراعي، أن الراعي كان يسأل عن جرير والفرزدق؟ فيقول: أكرمهما وأشعرهما، فلقيه جرير فاستعذره من نفسه، وطلب إليه أن لا يدخل بينهما وقال: أنا كنت أولى بعونك، لأني أمدحكم، ولأنه يهجوكم، قال: أجل ولست لمساءتك بعائد، ثم بلغ جريراً أنه عاد في تفضيل الفرزدق عليه، ولقيه بالبصرة، وجرير على بغلة فقال: استعذرك فزعمت أنك غير داخل بيني وبين ابن عمي قال: والراعي يعتذر إليه إذ أقبل ابنه جندل، وكان فيه خطل وعجب، فقال لأبيه: ألا أراك تعتذر إلى ابن الأتان! نعم، والله لنفضلن عليك ولنروين هجاءك، ولنهجونك من تلقاه أنفسنا. وضرب وجه بغلته، وقال: من الوافر ألم تر أن كلب بني كليب ... أراد حياض دجلة ثم هابا فانصرف جرير مغضباً محفظاً، فقال الراعي لابنه، أما والله ليهجوني وإياك، فليته لا يجاوزنا ولكن سيذكر سوأتك. وعلم الراعي أن قد أساء فندم. فتزعم بنو تميم أنه حلف أن لا يجيبه سنة غضباً على ابنه، وأنه مات في السنة، ويقول غيرهم: إنه كمد لما سمعها فمات. وكان جرير يوم جرى هذا بينهما بالبصرة نازلاً على امرأة له من بني كليب، فبات في علية لها، وهي في أسفل دارها، قالت المرأة: فبات ليلته لا ينام، يتردد في البيت حتى ظننت أنه قد عرض له جني فتح له فقال: من الوافر أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا

حتى قال: إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا ثم أصبح في المربد فقال: يا بني تميم: قيدوا قيدوا أي اكتبوا فلم يجبه الراعي، ولم يهجه جرير بغير ما قال بعض رواة قيس: كان الراعي فحل مضر، فضغمه الليث يعني جريراً. قال الأصمعي: كان جرير نازلاً على رجل يقال له حسين، فقال له: يا حسين إني أريد هجاء الراعي، فإذا كان الليلة فضع عندك لوحاً وكاتباً وقلماً، وأجد سراجك. ففعل، فلما مر بهذا البيت: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا قال: يا حسين أطفئ سراجك، فإني قد فرغت من هجائه. قال أبو كندة النميري: قال الراعي لبناته وبنات أخيه: اذهبن إلى ابن المراغة حتى يراكن، فأتينه، فقلن: يا أبا حزرة أنشدنا ما قلت في بنات نمير، قال: فمن أنتن؟ قلن: عقيليات، فأنشدهن حتى انتهى إلى قوله: وسوداء المحاجر من نمير فكشفن عن وجوههن وقلن: يا أبا حزرة! هل ترى من سواد؟ هل ترى من عيب؟ قال: وإنكن نميريات؟ قلن: نعم، قال: إن عمكن لكذوب.

عبيد بن زياد الأوزاعي

عبيد بن زياد الأوزاعي حدث عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم أحيني مسكيناً، وتوفني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين. وحدث عن سالم عن سديسة عن حفصة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما لقي الشيطان عمر إلا خر لوجهه. عبيد بن سريج أبو يحيى مولى بني نوفل بن عبد مناف ثم لعبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث ابن نوفل ويقال: مولى بني الحارث بن عبد المطلب وقيل مولى غيرهم. المكي المشهور بالإحسان في صنعة الغناء وكان من رواة الأخبار والأشعار، واستوفده الوليد بن عبد الملك كما روى إبراهيم الموصلي أن الوليد بن عبد الملك كتب إلى عامل مكة أن أشخص إلي ابن سريج، فأشخصه، فلما قدم مكث أياماً لا يدعو به ولا يلتفت إليه، ثم إنه ذكره وطرب له، فطلبه، فتهيأ وتلبس، ودخل على الوليد فسلم، فأجلسه فجلس بعيداً، فاستدناه فدنا حتى كان قريباً منه فقال: قد بلغني عنك ما حملني على الوفادة بك من كثرة أدبك، وجودة اختيارك، مع ظرف لسانك وحلاوة منطقك، قال: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تسمع بالمعيدي لا أن تراه قال الوليد: إني لأرجو أن لا تكون أنت ذاك، هات ما عندك، فاندفع ابن سريج يغني بشعر الأحوص: من الطويل أمنزلتي سلمى على القدم اسلما ... وقد هجتما للشوق قلباً متيما

وذكرتما عصر الشباب الذي مضى ... وجدة وصل حبله قد تجذما إمام أتاه الملك عفواً ولم يثب ... على ملكه مالاً حراماً ولا دما تخيره رب العباد لخلقه ... ولياً وكان الله بالناس أعلما فلما ارتضاه الله لم يدع مسلماً ... لبيعته إلا أجاب وسلما ينال الغنى والعز من نال وده ... ويرهب موتاً عاجلاً من تسنما فقال الوليد: أحسنت وأحسن الأحوص. ثم قال: هيه، فغنى بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد: من البسيط صلى الذي الصلوات الطيبات له ... والمؤمنون إذا ما جمعوا الجمعا على الذي سبق الأقوام ضاحية ... بالأجر والحمد حتى صاحباه معا هو الذي جمع الرحمن أمته ... على يديه، وكانوا قبله شيعا عذنا بذي العرش أن نحيا ونفقده ... وأن نكون لراع بعده تبعا إن الوليد أمير المؤمنين له ... ملك عليه أعان الله فارتفعا لا يمنع الناس ما أعطى الذين هم ... له عبيد ولا يعطون من منعا فقال الوليد: صدقت ياعبيد أنى لك هذا؟ قال: هو من عند الله، قال الوليد: لو غير هذا قلت لأحسنت أدبك، قال ابن سريج: " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " قال الوليد: " يزيد في الخلق ما يشاء " قال ابن سريج: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " قال الوليد: علمك أكبر وأعجب إلي من غنائك، غنني، فغناه، بشعر عدي بن الرقاع يمدح الوليد:

عرف الديار توهماً فاعتادها ... من بعد ما شمل البلى أبلادها صلى الإله على امرئ ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها وإذا الربيع تتابعت أنواؤه ... فسقى خناصرة الأحص فجادها نزل الوليد بها فكان لأهلها ... غيثاً أغاث أنيسها وبلادها أولا ترى أن البرية كلها ... ألقت خزائمها إليه فقادها ولقد أراد الله إذ ولاكها ... من أمة إصلاحها ورشادها وعمرت أرض المسلمين فأقبلت ... وكففت عنها من أراد فسادها وأصبحت في أرض العدو مصيبة ... عمت أقاصي غورها ونجادها ظفراً ونصراً ما يناوئ مثله ... أحد من الخلفاء كان أرادها وإذا نشرت له الثناء وجدته ... جمع المكارم طرفها وتلادها فإشار الوليد إلى بعض الخدم فغطوه بالخلع، ووضعوا بين يديه كيسة الدنانير وبدر الدراهم، ثم قال الوليد: يا مولى بني نوفل بن الحارث، لقد أوتيت أمراً جليلاً، فقال ابن سريج: وأنت يا أمير المؤمنين قد آتاك اله ملكاً عظيماً وشرفاً عالياً، وعزاً بسط يدك فيه. ولم يقبضه عنك، ولا يفعل إن شاء الله، فأدام الله لك ما ولاك، وحفظك فيما استرعاك. قال: يا نوفلي، وخطيب أيضاً!؟ قال: عنك نطقت، وبلسانك تكلمت، وبعزك أنست. وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمد الأنصاري وعدي بن الرفاع العاملي، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما جنب ابن سريج، فقالا: لقرب أمير المؤمنين كان أحب إلينا من

قربك يا مولى بني نوفل، فإن قربك لما يلذ لنا ويشغلنا عن كثير مما نريد، فقال ابن سريج: أو قلة أو شكر؟؟؟، فقال عدي: كأنك يابن اللخناء تمن علينا، علي وعلي إن جمعنا وإياك سقف بيت أو صحن دار إلا عند أمير المؤمنين. وأما الأحوص فقال: أو لا تحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة؟؟؟، كفارة يمين خير من عدم المحبة، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج في غير منفعة، فتحول عدي، وبقي الأحوص، وبلغ الوليد ما جرى بينهم، فدعا بابن سريج فأدخله بيتاً، وأرخى دونه ستراً، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلمتيهما أن يغني، فلما دخلا وأنشده مدائح له، رفع ابن سريج صوته من حيث لا يرونه، وضرب بعوده. فقال عدي: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في أن أتكلم؟ قال: قل يا عاملي، قال: مثل هذا عند أمير المؤمنين؟ وتبعث إلى ابن سريج تتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام، ترفعه أرض وتخفضه أخرى؟، فيقال من هذا؟ فيقال: ابن سريج مولى بني نوفل، بعث إليه أمير المؤمنين ليسمع غناءه،. قال: ويحك يا عدي أولا تعرف هذا الصوت؟ قال: لا والله، ما سمعته قط، ولا سمعت مثله حسناً، ولولا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت طائفة من الجن يتغنون. فقال: اخرج عليهم، فخرج فإذا ابن سريج، فقال عدي: حق لهذا أن يحمل، حق لهذا أن يحمل ثلاثاً، ثم أمر لهما بمثل ما أمر به لابن سريج، وارتحل القوم. قال ابن سريج: إذا غنيت لحني في شعر عمر بن أبي ربيعة: من مشطور الرجز إن خان من تهوى فلا تخنه وكن وفياً إن سلوت عنه واسلك سبيل وصله وصنه إن كان غدراً فلا تكنه توهمت أني الخليفة في الغناء وأن المغنين رعيتي. دخل مقمة على ابن سريج في مرضه فقال له: كيف أصبحت؟ فقال: كما قال الشاعر: من الوافر:

عبيد بن سرية

مريض غاب عنه أقربوه ... وأسلمه المداوي والحميم ثم مات من ليلته. قال أبو أيوب المديني: توفي ابن سريج بالعلة التي أصابته من الجذام بمكة في خلافة سليمان بن عبد الملك، أو في آخر خلافة الوليد. عبيد بن سرية ويقال: ابن سارية، ويقال: ابن شرية الجرهمي. وفد على معاوية، وقيل: إنه لم يفد عليه، وإنه لقيه بالحيرة حين توجه معاوية إلى العراق. قال هشام بن محمد الكلبي: عاش عبيد بن سرية الجرهمي ثلاث مئة سنة، وأدرك الإسلام فأسلم، ودخل على معاوية بالشام، فقال له معاوية: كيف رأيت الدنيا؟ قال: يوم كيوم، وليلة كليلة، سنيات بلاء وسنيات رخاء، وميت ومولود، ومولود مهنأ، ومولود معزى بمفقود، ولولا كثرة من يولد، ما بقي على الأرض أحد، ولولا من يموت ما وسع الناس بلد، فقال له معاوية: إن لك لعلماً، فما أحسن الأشياء في عينك؟ قال: عين خرارة في أرض خوارة، فال: ثم ماذا؟ قال: ثم فرس في بطنها فرس تتبعها فرس، قال: فأين أنت عن النعم؟ قال: ليس النعم مال مثلك، إنما النعم مال من حضرة وأشرف عليه، قال: فما تقول في الذهب والفضة؟ قال: حجران إن حبستهما لم يزيدا، وإن أنفقتهما تلفا، قال: إنا حابسوك عندنا، ومجرون عليك جراية، قال: لا حاجة لي في هذا، لأن أبي وأمي هلكا في مثل هذه السنة، ونفسي تحدثني أني هالك فيها، فمالي حاجة في المقام عندك، فقال معاوية: فسلني حاجتك؟ قال: أما الآخرة فإنها بيد غيرك، وأما الدنيا فما

تقدر ترد شبابي علي فما أسألك؟ قال له معاوية: فأخبرني بما يكون بعدي؟ ثم انصرف ورجع، فقال: سألتني عن شيء لم أكن أعلمه ثم علمته، مررت بغلمان يستبقون يقول بعضهم لبعض: الآخر أشر. فقال معاوية: هل رأيت حرباً؟ قال: رأيت أمية يقوده غلام له يقال له: ذكوان، فقال له: لا تقل ذاك، فإنهم سادة الحي، فقال قل أنت ما شئت. وقيل إنه عاش مئتين وعشرين سنة. وإن معاوية قال له: كم أتى عليك؟ قال مئتان وعشرون سنة قال: ومن أين علمت ذلك؟ قال من كتاب الله تعالى. قال: ومن أي كتاب الله تعالى؟ قال: من قول الله تعالى: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب " فقال له معاوية: وما أدركت؟ قال: أدركت يوماً في إثر يوم، وليلة في إثر ليلة متشابهاً كتشابه الحذف يحدوان بقوم في ديار قوم يكدحون ما يبيد عنهم، ولا يعتبرون بما مضى منهم، حيهم يتلف، ومولودهم يخلف، في دهر يصرف، أيامه تقلب بأهلها كتقلبها دهرها، بينا أخوه في الرخاء إذ صار في البلاد، وبينا هو في الزيادة إذ أدركه النقصان، وبينا هو حر إذ أصبح قنا، لا يدوم على حال، بين مسرور بمولود، ومخزون بمفقود. قال: أخبرني عن المال، أيه أحسن في عينك؟ قال: أحسن المال في عيني وأنفعه غناء وأقله غناء، وأجداه على العامة: عين خرارة في أرض خوارة، إذا استودعت أدت، وإذا استحلبتها درت وأفعمت، تعول ولا تعال. وفي آخره قال: فأخبرني عن قيامك وقعودك وأكلك وشربك ونومك وشهوتك للباه؟ قال: أما قيامي فإن قمت فالسماء تبعد، وإن قعدت فالأرض تقرب فالأرض تقرب، وأما أكلي وشربي فإني إن جعت كلبت، وإن شربت بهرت، وأما نومي فإن حضرت مجلساً

حالفني، وإن خلوت أطلبه فارقني، وأما الباه فإن بذل لي عجزت، وإن منعته غضبت. قال معاوية: فأخبرني عن أعجب شيء رأيته، قال: أعجب شيء رأيته، أني نزلت بحي من قضاعة، فخرجوا بجنازة رجل من عذرة يقال له: حريث بن جبلة، فخرجت معهم حتى إذا واروه انكبدت جانباً عن القوم، وعيناي تذرفان، ثم تمثلت بأبيات شعر كنت رويتها قبل ذلك بزمان طويل: من البسيط يا قلب إنك في أسماء مغرور ... أذكر وهل ينفعك اليوم تذكير قد بحت بالحب ما تخفيه من أحد ... حتى جرت بك أطلاقاً محاضير تبغي أموراً فما تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير فاستقدر الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر أم ما فيه مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبطاً ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيتما حال دهارير يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما المرء ضمنه اللحد الخناشير الواحد: خنشير والجمع خناشير، ويقال: الخناشرة، وهم الذين يتبعون الجنازة، فقال

عبيد بن سلمان الكلبي ثم الطابخي

رجل إلى جانبي، سمع ما أقول: يا عبد الله، من قائل هذه الأبيات؟ قلت: والذي أحلف به ما أدري، قد رويتها منذ زمن، قال: قائلها الذي دفناه آنفاً، وإن هذا ذو قرابته أسر الناس بموته، وإنك للغريب الذي وصف تبكي عليه، فعجبت لما ذكر في شعره، والذي صار إليه من قوله، كأنه كان ينظر إلى موضع قبره، فقلت: إن البلاء موكل بالمنطق فذهبت مثلاً. عبيد بن سلمان الكلبي ثم الطابخي حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حدث عني حديثاً هو الله عز وجل رضى فأنا قلته وإن لم أكن قلته، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لأني به أرسلت. وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثنتان خير من واحد، وثلاثة خير من واحد، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ولم يجمع الله عز وجل أمتي إلا على هدى، واعلموا أن كل شاطن هوى في النار. وحدث عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل القرآن وهم في المسجد فقال: يا أهل القرآن، يا أهل القرآن، يا أهل القرآن قال ثلاث مرات إن الله عز وجل قد زادكم في صلاتكم صلاة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر، فقال أعرابي: ما هي يا رسول الله؟ قال: أما إنها ليست عليك ولا على أصحابك، إنما هي على آل القرآن.

عبيد بن عبد الواحد بن شريك

وحدث عن أبي ذر أنه سمعه يقول: إن عمر قال: يا أبا ذر آمن بالقدر، خيره وشره، حلوه ومره، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل شاطن هوى في الإسلام في النار. وحدث عبيد بن سلمان قال: كنت عند معاوية وعنده حسان بن مالك بن بحدل، فذكر معاوية تجار قريش، إذ أقبل رجل من القطار على ناقة عليها رجل عليه برنس، وأقبل يمشي حتى أتى معاوية، وهو جالس، فسلم، فضم معاوية رجليه حتى بدت ركبتاه، ثم جلس الرجل على الطنفسة، ثم أقبل عليه بالحديث، فلما قام ليركب كشف البرنس فرأيت عليه قميص كتان قطري، ورأيت أثر مسح زقاق الزيت على قميصه، فقال له حسان بن مالك: ومن الذي شغلك حديثه؟ قال: رجل يرجو الخلافة من بعدي، قال حسان: ما هذا الزيات لذلك بأهل يا أمير المؤمنين، قال: مهلاً يا حسان، فإن هذا مروان بن الحكم. عبيد بن عبد الواحد بن شريك أبو محمد البغدادي البزاز رحل وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن نعيم بن حماد بسنده إلى عبد الله بن جعفر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل الرطب بالقثاء. وحدث عبيد بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتخاذ الديك الأبيض. وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى الأوزاعي قال: لابأس بإصلاح الخطأ واللحن والتحريف والحديث.

عبيد بن قائد

توفي عبيد بن شريك سنة ثمان وثمانين ومئتين، وهو خطأ، والصواب أنه توفي سنة خمس وثمانين ومئتين. عبيد بن قائد حدث عن أبي العزيز، قال: مررت بأبي عبيد البسري من المدينة، ومعه جمل له قد مات، وإذا هو وامرأته جلوس عند الجمل، فقلت: عز علي يا أبا عبيد، فبينا أنا وهو كذلك إذا برجل قد جاء بجمل يهدر، فقال: يا أبا عبيد، اركب، وأركب المرأة، وتركنا، ومضى الرجل وترك الجمل. عبيد بن كعب النميري من أهل العراق. وفد على معاوية، فقال: أخبرني عن زياد من يستعمل؟ قال: يستعمل على الخير والأمانة دون الهوى، ويعاقب، فلا يعدو بالذنب قدره، ويسمر ويحب السمر، يستحكم بحديث الليل تدبير النهار، قال: أحسن، إن التثقيل على القلب مضرة بالرأي، فكيف رأيه في حقوق الناس؟ قال: يأخذ ما له عفواً، ويعطي ما عليه عفواً، قال: فكيف عطاياه؟ قال: يعطي حتى يقال جواد، ويمنع حتى يبخل، فقال معاوية: إن العدل لضيق، وفي البذل عوض من العدل، قال: فكيف الشفاعة عنده؟ قال: ليس فيها مطمع، ما أراد من خير جعله لك أوله. لما أراد معاوية أن يبايع ليزيد كتب إلى زياد يستشيره، فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري فقال: إن لكل مستسر ثقة، ولكل سر مستودع، وإن الناس قد أبدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإخراج النصيحة، وليس موضع السر إلا أحد الرجلين: رجل

عبيد بن محمد بن يحيى بن حمزة

آخرة يرجو ثواباً، ورجل دنيا له شرف في نفسه، وعقل يصون حسبه، وقد عجمتهما منك، فأحمدت الذي قبلك، وقد دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصحف، إن أمير المؤمنين كتب إلي يزعم أنه قد أجمع على بيعة يزيد، وهو متخوف نفرة الناس، ويرجو مطابقتهم، ويستشيرني، وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة وتهاون، مع ما قد أولع به من الصيد، فالق أمير المؤمنين مؤدياً عني، فأخبره عن فعلات يزيد، وقل له رويدك بالأمر، فأقمن أن يتم لك ما تريد، ولا تجعل فإن دركاً في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت، فقال عبيد: أفلا غير هذا؟ قال: ما هو؟ قال: لا تفسد على معاوية رأيه، ولا تمقت إليه ابنه، وألقى أنا يزيد سراً من معاوية، فأخبره عنك أن أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في بيعته، وأنك تخوفت خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه، وأنك ترى له ترك ما ينقم عليه، فتستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس، ويسهل لك ما تريد، فتكون قد نصحت ليزيد وأرضيت أمير المؤمنين، وسلمت مما تخاف من علاقة أمر الأمة، فقال زياد: لقد رميت الأمر بحجره، اشخص على بركة الله، فإن أصبت فما لا ينكر، وإن يكن خطأ فغير مستغش، وأبعدتك إن شاء الله من الخطأ، قال: تقول بما ترى ويقضي الله بغيب ما يعلم، فقدم على يزيد فذاكره ذلك، وكتب زياد إلى معاوية يأمره بالتؤدة وأن لا يعجل، فقبل ذلك معاوية، وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع، ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة. عبيد بن محمد بن يحيى بن حمزة ابن واقد الحضرمي البتلهي. حدث عن أبيه بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من بني آدم من مولود يولد إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مسه إلا مريم وابنها ". ثم يقول أبو هريرة حين يحدث بهذا الحديث: واقرؤوا إن شئتم: " إذ قالت امرأة عمران " إلى قوله: " حسناً "

عبيد بن وهب

عبيد بن وهب ويقال: عبد الله بن وهب ويقال: عبد الله بن هانئ أبو عامر الأشعري له صحبة، روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد مؤتة مع جعفر وزيد، ثم استشهد يوم أوطاس. حدث عامر بن أبي عامر الأشعري عن أبيه أبي عامر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الحي الأسد، والأشعريون، لا يفرون في القتال ولا يغلون، هم مني وأنا منهم. " قال عامر: فحدثت به معاوية فقال: ليس هكذا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " هم مني وأنا منهم ". قال: فأنت أعلم بحديث أبيك. قال أبو اليسر الأنصاري: كنت جالساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه أبو عامر الأشعري فقال: يا رسول الله، بعثتني في كذا وكذا، فلما أتيت مؤتة، وصف القوم، ركب جعفر فرسه ولبس الدرع وأخذ اللواء، فمشى قدماً حتى رأى القوم فنزل، ثم قال: من يبلغ هذا الفرس صاحبه؟ فقال الرجل: أنا، قال: فبعث به، قال: ثم نزع درعه فقال من يبلغ هذه الدرع صاحبها؟ فقال رجل: أنا، قال: فبعث بها، قال: ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل، قال فتفجرت عينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دموعاً، فصلى بنا الظهر ولم يكلمنا، قال: ثم أقيمت العصر فخرج فصلى، ثم دخل ولم يكلمنا، قال: وفعل ذلك في المغرب والعشاء، يدخل ولا يكلمنا، قال: كان إذا صلى أقبل علينا بوجهة فخرج علينا الفجر في ساعة كان يخرج فيها وأنا وأبو عامر الأشعري جلوس، فجلس شيئاً ثم قال: ألا أحدثكم عن رؤيا رأيتها: أدخلت الجنة، فرأيت جعفراً ذا جناحين مضرجاً بالدماء، وزيداً مقابله، وابن رواحة معهم، كأنه معرض عنهم وسأخبركم عن ذلك: إن جعفراً حين تقدم فرأى القتل، لم يصرف وجهه، وزيداً كذلك، وابن رواحة صرف وجهه.

وكان أبو عامر ممن قدم مع الأشعريين على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وشهد معه فتح مكة وحنيناً، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين في آثار من توجه إلى أوطاس من المشركين. والأشعريون هم ولد أشعر، واسمه نبت أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، واستشهد بأوطاس يوم حنين مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعثه إلى أوطاس، قتله دريد بن الصمة، واستغفر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي عامر، ودعا له. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة ". قال: فقتل يوم أوطاس، قال: فقتل أبو موسى قاتله، فقال أبو وائل: إني لأرجو أن لا يجتمع الله أبا موسى وقاتل أبي عامر في النار. وعن أبي موسى مختصراً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعث أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس، وعقد له لواء، معه في ذلك البعث سلمة بن الأكوع، فكان يحدث، يقول: لما انهزمت هوزان عسكروا بأوطاس عسكراً عظيماً، وقد تفرق منهم من تفرق، وقتل من قتل، وأسر من أسر، فانتهينا إلى عسكرهم، فإذا هم ممتنعون، فبرز رجل فقال: من يبارز؟ فبرز له أبو عامر فقال: اللهم اشهد. فقتله أبو عامر حتى قتل تسعة، كذلك، فلما كان التاسع، برز له رجل معلم انتحب للقتال، فبرز له أبو عامر فقتله، فلما كان العاشر برز له رجل معلم بعمامة صفراء، فقال أبو عامر: اللهم اشهد. قال: يقول الرجل: اللهم لا تشهد، فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق، واستخلف أبا موسى

الأشعري، وأخبر أبو عامر أبا موسى أن قاتله صاحب العمامة الصفراء، قالوا: وأوصى أبو عامر إلى أبي موسى، ودفع إليه الراية، وقال: ادفع فرسي وسلاحي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاتلهم أبو موسى حتى فتح الله عليه، وقتل قاتل أبي عامر، وجاء بسلاحه وتركته وفرسه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إن أبا عامر أمرني بذلك، وقال: قل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر لي، قال: فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى ركعتين ثم قال: اللهم اغفر لأبي عامر، واجعله من أعلى أمتي في الجنة. وأمر بتركه أبي عامر فدفعت إلى ابنه، قال: فقال أبو موسى: يا رسول الله! إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر، قتل شهيداً، فادع الله لي، فقال اللهم اغفر لأبي موسى، واجعله في أعلى أمتي. فيرون أن ذلك وقع يوم الحكمين. وعن أبي موسى الأشعري قال: لما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دريد بن الصمة، فقتل الله دريداً وهزم أصحابه. قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، الحديث. وفي حديث حبيب بن عبيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم صل على أبي عبيد أبي مالك، واجعله فوق كثير من الناس ". روى أبو بردة عن أبيه، قال: أتيت عمر فسلمت عليه، فإذا رجل قاعد عنده، فقال لي عمر: يا أبا موسى أتعرف هذا الرجل؟ قلت: لا، ومن هذا الرجل؟ قال: هذا الذي أفلت من قتل أبي عامر، قال: وقد قتل أبو عامر قبله عشرة من المشركين، كلما قتل رجلاً قال: اللهم اشهد، حتى إذا بقي هذا الحادي عشر ذهب ليتعاطاه فقال: اللهم اشهد، فنزا الرجل حائطاً وقال: اللهم لا تشهد علي اليوم. قال عمر: فقد جاء اليوم مسلماً. قتل أبو عامر يوم حنين قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقل من سنتين، وهو الذي يقال له: أبصر بعدما ذهب بصره.

عبيد بن يزيد بن عبد الله

عبيد بن يزيد بن عبد الله الكريري الدمشقي حدث عن أبي مسهر بسنده إلى أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن الله عز وجل أنه قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمت، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوت، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، ثم سألوني، فأعطيت كل إنسان منهم ما سأل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً، إلا كما ينقص البحر أن يغمس فيه المخيط غمسة واحدة، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. قال: فكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. عبيد أبو مريم قال: أظنه فلسطينياً. قال أبو مريم: دخلت مع عمر بن الخطاب، محراب داود فقرأ فيه " ص " وسجد. عتبة بن بيان قال عتبة بن بيان الدمشقي: قال رجل لسفيان الثوري: ادع الله لي، قال: الدعاء ترك الذنوب.

عتبة بن أبي حكيم

عتبة بن أبي حكيم أبوالعباس الهمذاني الأردني ثم الطبراني سمع بدمشق. وكان ينزل الأردن بالطبرية. حدث عن طلحة بن نافع عن أبي أيوب الأنصاري، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة، كفارة ما بينهما، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: غسل الجنابة، فإن تحت كل شعر جنابة. وحدث عن طلحة بن نافع عن أبي أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك الأنصاري: أن هذه الآية لما نزلت: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب الطهرين " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الأنصاري إن الله عز وجل قد أثنى عليكم خيراً في الطهور، فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول الله، نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فعل مع ذلك غيره قالوا: لا: غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال: هو ذاك فعليكموه. توفي عتبة بن أبي حكيم بصور سنة سبع وأربعين ومئة.

عتبة بن حماد أبو خليد القارئ الحكمي

عتبة بن حماد أبو خليد القارئ الحكمي إمام المسجد الجامع بدمشق. حدث عن الأوزاعي بسنده إلى معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. قال أبو خليد: أقمت على مالك بن أنس فقرأت الموطأ في أربعة أيام، فقال: علم جمعه شيخ في ستين سنة، أخذتموه في أربعة أيام، لافقهتم أبداً. عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو الوليد القرشي العبشمي. قدم على قيصر في جماعة من قريش لاستخلاص أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان شاعراً. وولد ربيعة بن عبد شمس عتبة وشيبة، قتلا يوم بدر كافرين دعوا إلى البراز، ومعهم الوليد بن عتبة، فخرجوا ثلاثتهم بين الصفين، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فقتلوهم، وضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث فقطعها، فمات راجعاً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء على ليلة من بدر.

وعن مجاهد: في قوله عز وجل: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ". قالوا: هو عتبة بن ربيعة، وكان ريحانة قريش يومئذ. قال حكيم بن حزام: لما توافت كنانة وقيس من العام المقبل بعكاظ بعد العام الأول الذي كانوا التقوا فيه، ورأس الناس حرب بن أمية، خرج معه عتبة بن ربيعة، وهو يومئذ في حجر حرب فمنعه أن يخرج وقال: يا بني إني أضن بك، فاقتاد راحلته وتقدم في أول الناس، فلم يدر به حرب إلا وهو في العسكر، قال حكيم بن حزام: فنزلنا على عكاظ، ونزلت هوازن بجمع كثير، فلما أصبحنا ركب عتبة جملاً ثم صاح في الناس: يا معشر مضر على ما تفانون بينكم؟! هلم إلى الصلح. قالت هوازن: وماذا تعرض؟ قال: أعرض على أن أعطي دية من أصيب منكم ونعفو عمن أصيب منا. قالوا: وكيف لنا بذلك؟ قال: أنا، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقالوا: قد فعلنا. فاصطلح الناس ورضوا بما قال عتبة، وأعطوهم أربعين رجلاً من فتيان قريش. قال حكيم: كنت في الرهن، فلما رأت بنو عامر أن الرهن قد صار في أيديهم رغبوا في العفو فأطلقوهم. قال ابن أبي الزناد: مر عتبة بن ربيعة على فتية من بني المغيرة أحدث، فقالوا: على ما يسود هذا؟! ما لهذا مال ولا كذا يعيبونه وهو يسمع، ثم انصرف ولم يراجعهم الكلام، فبلغ هشام بن المغيرة فأرسل بأولئك الفتية إليه، فقال: هؤلاء الفتية بلغني أنهم قالوا كذا وكذا، لا والله ما قصروا إلا بي، فخذ من أبشارهم ما رأيت. فقال عتبة: وصلته رحم ما كنت لأفعل،

وما هم إلا ولد، ولكن يحسنون ويحملون ويقلبون مني كسوة. فدعا بكسوة فكساهم. قال أبو الزناد: ما نعلم أحداً ساد في الجاهلية بغير مال إلا عتبة بن ربيعة. قال عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: لم يسد مملق من قريش إلا عتبة بن ربيعة وأبو طالب بن عبد المطلب، فإنهما سادا ولا مال لهما. قال مصعب بن عبد الله: لم يعرف لعتبة بن ربيعة رفث إلا كلمتان قالهما يوم بدر، قال لأبي جهل: يا مصفر استه، وقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: أنا أسد الخلفاء. وعن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلاً عالماً بالسحر والكهانة والشعر فكلمه، ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت قول السحر والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه، فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم، وأنت خير أم عبد المطلب، أنت خير أم عبد الله؟ قال: فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباه زوجناك عشر نسوة، تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت

وعقبك من بعدك. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكت لا يتكلم، فلما فرغ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون " فقرأ حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه: فأتوه، فقال له أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبك إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعقلون " قال: هكذا! قال: فيه " لقوم يعقلون " حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب. وفي حديث آخر بمعناه أن عتبة لما انصرف إلى قريش في ناديها، قالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي، خلوا محمداً وشأنه واعتزلوه، فو الله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ: فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبياً كنتم أسعد الناس به، لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات، سحرك محمد يا أبا الوليد، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما شئتم. قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من

قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من الناس. فقال أبو طالب يمدح عتبة بن ربيعة حين رد على أبي جهل فقال: ما تنكر أن يكون محمد نبياً: من الطويل عجبت لحكم يابن شيبة حادث ... وأحلام أقوام لديك سخاف يقولون: شايع من أراد محمداً ... بسوء وقم في أمره بخلاف ولا تركبن الدهر مني ظلامة ... وأنت امروؤ من خير عبد مناف ولا تتركنه ما حييت لمطمع ... وكن رجلاً ذا نجدة وعفاف تذود العدا عن ذروة هاشمية ... إلا فهم في الناس خير إلاف فإن له قربى لديك قريبة ... وليس بذي خلف ولا بمضاف ولكنه من هاشم في صميمها ... إلى أبجر فوق البحار صواف وزاحم جميع الناس عنه وكن له ... ظهيراً على العداء غير مجاف فإن غضبت فيه قريش فقل لهم ... بني عمنا ما قومكم بضعاف فما بالكم تغشون من ظلامة ... وما بال أحلام هناك خفاف وما قومنا بالقوم يغشون ظلمنا ... وما نحن مما ساءهم بخواف ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... وعز ببطحاء الحطيم مواف قال علي: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها، وأصابنا بها وعك، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخبر عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلاً من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم. فجعل. المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخبره كم هم فأبى، ثم إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله: كم ينحرون من

الجزر؟ فقال: عشراً كل يوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القوم ألف، كل جزرو لمئة وتبعها. " ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف، نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ربه ويقول: " اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد. " قال: فلما طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله. فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرض على القتال ثم قال: إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل، فلما دنا القوم منا وصافناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي، ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لم يكن في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر. فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم إني أرى قوماً مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي، وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم. قال: فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟! والله لو غيرك يقول لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعباً. فقال عتبة: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا الجبان. قال: فبرز عتبة وأخوه شبيه وابنه الوليد حمية، فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا، من بني عبد المطلب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قم يا علي، وقم ياحمزة، وقم ياعبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرحعبيدة، فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح

من أحسن الناس وجهاً، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم. فقال علي: فأسرنا من بني عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث. قال سعيد بن المسيب: كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه، فكان يسمر معه، فذكروا عند مروان الفيء، فقالوا: مال الله، وقد سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمه، ووضعه عمر بن الخطاب مواضعه. فقال مروان: المال مال أمير المؤمنين معاوية، يقسمه لمن شاء، ويمنعه ممن شاء، ما أمضى فيه من شيء فهو مصيب، فخرج ابن البرصاء فذكر ذلك لسعد بن أبي وقاص. قال سعيد بن المسيب: فلقيني سعد وأنا أريد المسجد، فضرب عضدي ثم قال: الحقني تربت يداك، فخرجت معه لا أدري حتى دخلت على مروان في داره، فلم أهب مثل هيبتي له، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت مع سعد، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم: أنت الذي تزعم أن المال مال معاوية؟ فقال مروان: فقلت ذلك، فمه؟ فردها الثانية، قال: فقلت ذلك فمه؟ فردها الثالثة، قال: فقلت ذلك فمه؟ قال: فرفع سعد يديه إلى الله عز وجل يدعو، فزال رداؤه عنه، وكان أسعر، بعيد ما بين المنكبين، فوثب إليه مروان فأمسك يديه وقال: اكفف عني يدك أيها الشيخ، إنا حملنا على أمر فركبناه، وليس الأمر كذلك. قال سعد: أما والله لو لم تنزع ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي أو تنفرد هذه السالفة. فلما خرج سعد ثبت في مجلسي عند مروان، فقال: من ترون قال لهذا الشيخ ما قلت؟ قالوا: ابن البرصاء الليثي. فأرسل إليه، فأتي به، فقال: ما حملت على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت؟ قال الليثي: ذلك حق، قلت: ماكنت أظنك تجترىء على الله عز وجل، وتفرق من سعد! فقال له مروان: أوكل ما سمعت تكلمت به؟ أما والله لتعلمن. ثم أمر أن يجرد من ثيابه، فجرد من ثيابه وبرز بين يديه: فبينما نحن على ذلك إذ دخل حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام، قال: ائذن له. ثم قالوا: ردوا عليه ثيابه، آخرجوه عنا، لا يهيج علينا هذا الشيخ، كما فعل بالآخر قبله، فلما دخل حكيم بن

حزام قال مروان: مرحباً أبا خالد، ادن مني، فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا حديث بدر، فقال: نعم، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها وهي زهرة، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد! هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا دم ابن الحضرمي، وهو حليفك، فتحمل بديته وترجع بالناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمل بدية حليفي، فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك. فجئته فإذا هو في جماعة بين يديه ومن ورائه، وابن الحضرمي واقف على رأسه، وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره. قال حكيم: فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة متكىء على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل بالشر في وجهه، فقال: لعتبة: انتفخ سحرك. فقال له عتبة: ستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال له: بئس الفأل هذا. فعند ذلك قامت الحرب. وعن الأوزاعي قال: قال عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر: ألا ترونهم يعني أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جثوا على الركب، يتلمظون تلمظ الحيات.

وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال، والشيطان معهم لا يفارقهم، فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عاشت؟ قال عتبة: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس، وتحمل بدية ابن الحضرمي، وبما أصاب محمد من تلك العير. ودم هذا الرجل، قال عتبة: نعم، قد فعلت، ونعم ما قلت، ونعم ما دعوت إليه، فاسع في عشيرتك، فأنا أتحمل بهذا. فعسى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركب عتبة بن ربيعة جملاً له، فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال: يا قوم، أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي، وما أصابوا من عيركم تلك، وأنا أتحمل بوفاء ذلك، ودعوا هذا الرجل، فإن كان كاذباً ولي قتلته غيركم من العرب، فإن فيكم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه أو أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحناً وضغائن، وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به، ولن تخلصوا أحسب إليهم حتى يصيبوا أعدادهم، ولا آمن أن تكونوا لهم الدبرة عليكم. فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله إلا أن ينفذ أمره، وعتبة بن ربيعة يومئذ سيد المشركين، فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك، أن تقبلوا الدية؟! وقال أبو جهل لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفبهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم، ولما حرض أبو جهل قريشاً على القتال أمر النساء يعولن عمراً، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه، تحريضاً على القتال، وقال رجال فتكشفوا، يعيرون بذلك قريشاً، فاجتمعت قريش على القتال، وقال عتبة لأبي جهل: ستعلم اليوم من انتفخ سحره، وستعلم أي الأمرين أرشد. وأخذت قريش مصافها للقتال، وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحزر لنا محمداً وأصحابه. فقعد عمير على متن فرسه، فأطاف برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجع إلى المشركين، فقال: حزرتهم ثلاث مئة مقاتل، زادوا شيئاً أو نقصوا شيئاً، وحزرت سبعين بعيراً أو نحو ذلك، ولكن أنظروني حتى أنظر لهم مدد أو خبيء؟ فأطاف حولهم، وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجعوا وقالوا: لا مدد لهم ولا خبيء، وإنما هم أكلة جزور

وطعام مأكول. وقالوا لعمير: حرش بين القوم، فحمل عمير على الصف ورجعوا لمنية قريش. قال حكيم بن حزام: فدخلت على أبي جهل، وهو يتخلق بخلوق درعه موضوعه بين يديه، فقلت: إن عتبة بعثني إليك، فأقبل علي مغضباً، فقال: أما وجد عتبة أحداً يرسله غيرك؟! فقلت: أما والله لو كان غيره أرسلني ما شيت في ذلك، ولكن مشيت في إصلاح بين الناس، وكان أبو الوليد سيد العشيرة، فغضب غضبة أخرى، قال: وتقول أيضاً: سيد العشيرة؟! فقلت: أنا أقوله؟ قريش كلها تقوله. فأمر عامر أن يصيح بخفرته، واكتشف. وقال: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل المشركون يقولون: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل أبو جهل يسر بما صنع المشركون بعتبة. قال حكيم: فجئت إلى منبه بن الحجاج، فقلت له مثلما قلت لأبي جهل، فوجدته خيراً من أبي جهل، قال: نعم ما مشيت فيه! وما دعا إليه عتبة! فرجعت إلى عتبة فأجده قد غضب من كلام قريش، فنزل عن جمله، وقد طاف عليهم في عسكرهم يأمرهم بالكف عن القتال فيأبون، فحمي فنزل فلبس درعه، وطلبوا له بيضة تقدر عليه، فلم يوجد في الجيش بيضة تسع رأسه من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر، ثم برز بين أخيه شيبة وبين ابنه الوليد بن عتبة، ثم دعا عتبة إلى المبارزة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش، وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه، وقال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. قال أبو بكر: يا رسول الله، قد دنا القوم وقد نالوا منا. فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً، وقلل بعضهم في أعين بعض، ففرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللهم إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك، ولا يقم لك دين. وأبو بكر يقول: والله لينصرك الله وليبيضن وجهك. قال ابن رواحة: يا رسول الله إني أشير عليك

ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم وأعلم بالأمر من أن يشار عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشد وعده. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يابن رواحة ألا ننشد الله وعده، إن وعد الله لا يخلف الميعاد. وأقبل عتبة يعمد إلى القتال، فقال له حكيم بن حزام: أبا الوليد، مهلاً مهلاً، تنهى عن شيء وتكون أوله، فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد المخزومي حين دنا من الحوض: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فشد الأسود بن عبد الأسد حتى دنا من الحوض، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطن قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض، فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وأتبعه حمزة فضربه في الحوض فقتله، والمشركون ينظرون على صفوفهم، وهم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا إلى المبارزة، ولما ضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف فأصاب عضلة ساقه فقطعها، وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، واحتملا عبيدة فحازاه إلى الصف، ومخ ساقه يسيل، فقال عبيدة: يا رسول الله، ألست شهيداً؟ قال: بلى. قال: أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول: من الطويل كذبتم وبيت الله نخلي محمداً ... ولما نطاعن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل ونزلت هذه الآية " هذان خصمان اختصما في ربهم ". كان أبو ذر يقسم قسماً أنها في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، قالوا: وحضر عتبة بن ربيعة بدراً، وهو ابن أربعين ومئة سنة، وقيل ابن اثنتين وخمسين ومئة سنة، قالوا: وشيبة أكبر من عتبة بثلاث سنين.

ولما قال عبيدة: يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى وأنا الشاهد عليك. ثم مات. فدفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء، ونزل في قبره، وما نزل في قبر أحد غيره. ولما هزم المشركون جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام، ثم أمر بأبي جهل بن هشام فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بعتبة ربيعة فحسب فألقي في القليب، ثم أمر بشيبة بن ربيعة فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بأمية بن خلف فسحب فألقي في القليب، وأبو حذيفة بن عتبة قائم إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفطن إليه له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إلى أبيه سحب حتى ألقي في القليب تغير وجهه، فالتفت إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه تغير وجهه قال: يا أبا حذيفة، كأنه ساءك ما صنعنا بعتبة؟ قال: يا رسول الله ما بي ألا أكون مؤمناً بالله ورسوله، ولكن لم يكن في القوم أحد يشبه عتبة في عقله وفي شرفه، فكنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما رأيت مصرعه ساءني ذلك. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً، فلما كان في جوف الليل خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعه الناس وهو ينادي في جوف الليل: يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، أوجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. قال: فناداه الناس: يا رسول الله! أتنادي قوماً قد جيفوا؟ قال: والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا. قال ابن عباس في قوله عز وجل " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض " قال: الذين آمنوا: علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، والمفسدون في الأرض، عتبة وشيبة والوليد، وهم الذين تبارزوا يوم بدر. وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وهي أول سنة أرخت.

عتبة بن أبي السائب

عتبة بن أبي السائب قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت عتبة بن أبي السائب يقول: ثلاث هن إخذة للمتعبد، المرض والحج والترويح، فمن ثبت بعدهن فقد ثبت. قال: هكذا قال عتبة، قال: وأظنه عبيد بن أبي السائب، وهو عبد العزيز بن الوليد بن سليمان بن أبي السائب. عتبة بن سلامة بن ربيح ويقال: دبيح، أبو همام، ويقال: أبو هشام الأزدي حدث عن محمد بن عائذ عن يحيى بن حمزة عن عمر بن الدرفس الغساني قال: رأيت قبة مسجد دمشق، وقد حفر لأركانها حتى بلغ الحفر إلى الماء، وألقي على الماء جراز الكرم، وبني الأساس عليه. عتبة بن صخر أبي سفيان بن حرب ابن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد الأموي. أخو معاوية. أدرك عثمان بن عفان، وشهد معه الدار، وقدم دمشق على أخيه معاوية، وولي المدينة والطائف ومصر والموسم لأخيه معاوية غير مرة.

روى حسين بن عطية قال: لما نزل بعتبة بن أبي سفيان الموت اشتد جزعه، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أما إني سمعت أم حبيبة يعني أخته تقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى أربعاً قبل الظهر، وأربعاً بعدها، حرم الله لحمه على النار. فما تركتهن منذ سمعتها. وشهد عتبة بن أبي سفيان الجمل مع عائشة، ثم نجا، فعيره ذلك عبد الرحمن بن الحكم، فقال: من الوافر لعمرك والأمور لها دواعي ... لقد أبعدت يا عتب الفرارا ولحق عتبة بأخيه معاوية بالشام، فلم يزل معه، وولاه معاوية الطائف وعزل عنه عنبسة بن أبي سفيان، فعاتبه عنسبة على ذلك، فقال معاوية: يا عنسبة، إن عتبة ابن هند، فقال عنبسة: من الطويل كنا لصخر صالحاً ذات بيننا ... جميعاً فأمست فرقت بيننا هند فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفه مجد أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضر بها الجهد له جفنات ماتزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد فقال له معاوية: لا تسمعها مني بعدها. وكان عتبة بن أبي سفيان أعور، ذهبت عينه يوم الجمل مع عائشة. قال أبو العباس ثعلب: قال معاوية لعتبة يوم الحكمين: يا أخي، أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل، وغفلة أصحابه مجبورة بفطنته، وهي ساعتنا الطولى فاكفنيه، قال: قلت بجهدي. قال: فقعدت إلى جنبه، فلما أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث، فقرع يدي وقال: ليست ساعة حديث، قال: فأظهرت غضباً

وقلت: يا بن عباس، إن ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا، وقد والله تقدم فيك العذر، وكثر من الصبر، ثم أقذعته فجاش بي مرجله، وارتفعت أصواتنا، فجاء القوم فأخذوا بأيدينا، فنجوه عني ونحوني عنه، قال: فجئت فقربت من عمرو بن العاص، فرماني بمؤخر عينه: أي ما صنعت؟ فقلت له: كفيتك التقوالة، قال: فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير. قال: وفات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم في آخره. قال عتبة بن أبي سفيان: العجب من علي بن أبي طالب ومن طلبه الخلافة، وما هو وهي!؟ فقال له معاوية: اسكت يا وره، فوالله إنه منها كخاطب الحرة إذ يقول: من الطويل لئن كان أدلى خاطب فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنها كانت لآخر خطت حج عتبة سنة إحدى وأربعين، والناس قريب عهدهم بالفتنة، فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: يا أيها الناس إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف عهدهم للمحسن فيه الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، ورب متمن حتفه في أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولو، فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلاً على كل. قال: فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، قال: لست به ولم تبعد، فقال: يا أخاه، فقال: قد سمعت فقل، فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه، وإن منا كان منا فما أولاكم بمكافأتنا، قال

له عتبة: من أنت؟ قال: رجل من بني عامر بن صعصعة، يلقاكم بالعمومة، ويقرب إليكم بالخوولة، قد كثرة العيال، ووطئه الزمان، وبه فقر، وعنده شكر. فقال عتبة: أستغفر الله منكم وأستعينه عليكم، قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائك عنا. وكان عتبة بن أبي سفيان والي الجند بمصر لأخيه بعد عمرو بن العاص سنة ثلاث وأربعين، وتوفي بالإسكندرية سنة أربع وأربعين، هو وأخته أم حبيبة في عام واحد. استخلف عتبة بن أبي سفيان ابن أخي أبي الأعور السلمي على مصر، فدخلها فاعتاصوا عليه والتاثوا، قال: فكتب إلى عتبة فقدمها ثم دخل المسجد، ثم أوفى على منبرها، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر قد كنتم تعذرون ببعض المنع منكم لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من يقول: نفعل ونفعل، يقول: فإن دررتم مراكم بيده، وإن استصعبتم مراكم بسيفه، ثم دخل في الأخير ما أمل في الأول، إن البيعة شائعة، فلنا عليكم السمع، ولكم علينا العدل، وأينا غدر فلا ذمة له عند صاحبه، فنادوه من جنيات المسجد: سمعاً سمعاً، فناداهم: عدلاً عدلاً، ثم نزل. ورد كتاب معاوية على عتبة بن أبي سفيان وهو وال على مصر: أن قبلك قوماً يطعنون على السلف، ويعيبون على السلطان، فإذا قرأت كتابي فأحسن تقويمهم، وخذ على أيديهم. فلما قرأ عتبة الكتاب صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر، قد خف على ألسنتكم مدح الحق، ولا تأتونه، وذم الباطل، وأنتم تفعلونه، كمثل الحمار يحمل أسفاراً، أثقله حملها ولم ينفعه نقلها، فالزموا ما أمركم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا، وإياكم وقال ويقول، من قبل أن يقال: فعل ويفعل، إني والله ما أداويكم

بالسيف ما تقومتم على السوط، ولا أبلغ بكم السوط ما استقمتم بالدرة، ولا أبطئ على الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى، فكونوا خير قريش سهماً، فهذا اليوم الذي ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، وصلى الله على محمد النبي وسلم. مر عتبة بن أبي سفيان ببعض ولده وعنده رجل يشتم رجلاً، فوقف عليه فقال: يا بني نزه نفسك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها. ومما قال عبد الله بن المبارك في ذلك: من البسيط أولو بصائر، عن قول الخنا خرس ... لا يرفعون إلى الفحشاء أبصارا أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة حديثاً، فقال لأبيه: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: والله يابني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رق الخطأ. قال عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، إذا أراد سفراً فقال: يا بني، تلقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، فاحملوه على مطاياها إذا ركبتم، لا تسبق وإن تقدمت نجا من هرب من النار. وأدرك من سابق إلى الجنة، فقال الأصاغر: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة يا بني. قال سعد مولى عتبة: قال عتبة: يا سعد، تعهد صغير مالي يكبر، ولا تخف كثيره يصغر، فإنه ليس يمنعني كبير ما في يدي عن إصلاح قليل مالي.

عتبة بن عبد الرحمن الحرستاوي

أوصى عتبة عبد الصمد مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، علمهم كتاب الله، ولا تملهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تخرجهم من باب العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، واشغلهم بيسير الحكماء، واستزدني بآدابهم أزدك، ولا تتكلن على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك. عتبة بن عبد الرحمن الحرستاوي قال جرير بن عتبة بن عبد الرحمن: سمعت أبي يحدث الأوزاعي وأنا جالس، عن القاسم مولى بني يزيد أبي أمامة الباهلي قال: كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا الشام ومن بها من الروم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنكم ستظهرون بالشام وتغلبون عليها، وتصيبون على سيف بحرها حصناً، يقال له أنفة، يبعث الله منه يوم القيامة اثني عشر ألف شهيد. قال: فسمعت الأوزاعي يقول لأبي: لقد سمعت منك حديثاً جيداً يا شيخ وحدث عنه أنس بن مالك بالبصرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل المسجد والحارث بن مالك نائم، قال: فحركه برجله، قال: ارفع رأسك. قال: فرفع رأسه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: فقال: له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أصبحت يا حارث بن مالك؟ قال: أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً، قال: إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة ما تقول؟ قال: عزمت عن الدنيا، وأظميت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني أنظر إلى عرش ربي، فكأني أنظر إلى أهل الجنة

عتبة بن عبد أبو الوليد السلمي

فيها يتزاورون، وإلى أهل النار يتعاوون. قال: فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت امروؤ نور الله قلبه، عرفت فالزم. عتبة بن عبد أبو الوليد السلمي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتاز بدمشق أو بساحلها من حمص إلى عكا لغزو قبرس مع معاوية بن أبي سفيان. حدث عتبة بن عبد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القتل ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، ذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله عز وجل تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فتلك لساعتها مضمضة محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء الخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، بعضها أفضل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق. وعن عتبة قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه بالقتال، فرمى رجل من أصحابه بسهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوجب هذا. وقالوا حين أمرهم بالقتال إذ أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما من المقاتلين.

وعن عتبة قال: استكسيت رسول الله فكساني خيشتين، ولقد رأيتني ألبسهما وأنا أكسى أصحابي. توفي عتبة بن عبد السلمي سنة سبع وثمانين، ويقال: سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وسبعين، وقيل: سنة سبع وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين سنة. وقيل: مات آخر خلافة عبد الملك بن مروان. قال عتبة بن عبد: أعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفاً قصيراً، قال: إن لم تستطع أن تضرب به، فاطعن به طعناً. وكان اسم عتبة بن عبد عتلة، فسماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتبة، قال عتبة: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله، ولقد أتيناه سبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، وبايعناه معاً. ونزل عتبة الشام. وعن عتبة قال: دعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا غلام حدث، قال: ما اسمك؟ قلت: عتلة بن عبد قال: بل أنت عتبة بن عبد. وقال: أرني سيفك. فسله فنظر إليه، فلما رآه فيه رقة وضعفاً قال: لا تضربن بهذا، ولكن اطعن طعناً. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قريظة والنضير: " من أدخل هذا الحصن سهماً وجبت له الجنة. قال عتبة: فأدخلت ثلاثة أسهم ". وعن عتبة بن عبد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقصوا نواصي الخيل، فإنه معقود بنواصيها الخير، ولا أعرفها، فإنه دفاؤها، ولا أذنابها، فإنها مذابها.

عتبة بن قيس

وعن عتبة قال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع بيعات، خمس على الطاعة يقول: هن يكفرن واثنتان قال محمد بن إسماعيل: سقط علي ها هنا حرف. وورد في حديث آخر: واثنتان على المحبة. وكان عتبة يقول: عرباض خير مني. وعرباض يقول: عتبة خير مني، سبقني إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنة. عتبة بن قيس حدث عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى قبل الظهر أربعاً، وبعدها أربعاً، حرمه الله النار ". عتبة بن الندر السلمي سكن دمشق، وروى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين. حدث عتبة بن الندر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا انتاط غزوكم، وكثرت العزائم، واستحلت الغنائم، فخير جهادكم الرباط. " توفي عتبة بن الندر في ولاية عبد الملك، وقيل: سنة أربع وثمانين، وكان ينزل دمشق، توفي سنة ست وثمانين.

عتبة الأعور بن يزيد بن معاوية

عتبة الأعور بن يزيد بن معاوية أمه أم ولد. حدث عتبة بن يزيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة: أما بعد، فإني قد كتبت إليك بكتب كثيرة أنهاك فيها عن الاقتداء بالحجاج بن يوسف، فإنه كان بلاء على أهل العراق، وافق خطيئة قوم بأعمالهم، فبلغ الله في ذلك ما أحب، ثم انقطع ذلك البلاء، وأقبلت عافية الله، فلو لم يكن ذلك إلا جمعة واحدة كان عطاء من الله، ومنا عظيماً ونهيتك عن الاقتداء به في الصلاة فإنه كان يؤخرها تأخيراً عظيماً لم يحلل له ذلك ونهيتك عن الاقتداء به في الزكاة فإنه كان يأخذها، ثم يسيء مواضعها، فاجتنب ما نهيتك عنه، والسلام. عتبة أبو أمية الدمشقي حدث عن أبي سلام الأسود الدمشقي عن ثوبان أنه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح على الخفين وعلى الخمار يعني العمامة. عتبة العابد الدمشقي قال عتبة العابد: ليس لمن حاد عن الله حياة إلا أن يرجع إليه، ولن يصل أحد إلى الله وبينه وبين أحد سبب يتعلق به، حتى يطرح الأسباب كلها، فإذا وصل لم يرجع أبداً.

عتيق بن علي بن داود بن علي

عتيق بن علي بن داود بن علي ابن يحيى بن عبد الله بن إبراهيم أبو بكر التميمي الصقلي الزاهد المعروف بالسنمطاري. رحل وسمع بدمشق وغيرها وصنف كتاباً في الزهد وغيره سماه دليل القاصدين في اثني عشر مجلداً. حدث عن أبي بكر محمد بن الحرمي بسنده إلى العباس بن محمد المنقري قال: قدم حسين بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام حاجاً، فاشتريت منه حقه في صدقة أبيه بذي المروة احتجنا أن نوجه رسولاً يقتضي الثمن، وكان في الجوف، وأبى الرسول أن يخرج، وخاف على نفسه من الطريق، فقال الحسين بن الحسين: أنا أكتب لك رقعة فيها حرز، لن يضرك شيء إن شاء الله. فكتب له رقعة وجعلها الرسول في صرته فذهب الرسول فلم يلبث أن جاء سالماً، فقال: مررت بالأعراب يميناً وشمالاً فما هيجني منهم أحد. فقال حسين بن حسين: ربما خرجت في الرفقة فيعدى عليها، فأسلم أنا إذ علي الحرز، وقال: هو خير لك مما ابتغيت من الثمن. والحرز عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب. وإن هذا الحرز كان الأنبياء تتحرز به من الفراعنة: " بسم الله الرحمن الرحيم ". " قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ". " إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ". أخذت بسمع الله وبصره وقوتة على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم، يا معشر الجن

عتيق بن عمران بن محمد

والإنس والشياطين والأعراب والسباع والهوام واللصوص مما يخاف فلان ويحذر فلان بن فلان، سترت بينه وبينكم بستر النبوة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة، جبريل عن أيمانكم، وميكائيل عن شمائلكم، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمامكم، والله تعالى من فوقكم، يمنعكم من فلان بن فلان في نفسه وولده وأهله وشعره وبشره وماله، وما عليه وما معه وما تحته وما فوقه. " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ". " وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً ". " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً ". وصلى الله على محمد وسلم كثيراً. توفي عتيق سنة أربع وستين وأربع مئة. عتيق بن عمران بن محمد أبو بكر الربعي السبتي قدم دمشق سنة أربع وثمانين وأربع مئة. حدث عن أبي يعلى أحمد بن محمد العبدي، الفقيه المالكي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحداً صمداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. إحدى عشرة مرة، كتب له ألفا ألف حسنة، ومن زاده الله عز وجل ". قتله أمير الجيوش وكان طالب بلده بعد مرجعه من بغداد، فرددته الريح إلى الإسكندرية، فحمل إليه فقتله في سنة أربع وثمانين وأربع مئة. وسبب قتله أنه وجدت معه كتب من المقتدي بأمر الله إلى أمير المغرب.

عتيق بن محمد

عتيق بن محمد أبو بكر القرشي المقرئ. حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى ابن عمر، قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا ابن أم عبد، أتدري من أفضل المؤمنين إيماناً؟ قال: والله ورسوله أعلم. قال: أحسنكم أخلاقاً. الموطؤون أكنافاً، لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه، وحتى يأمن جاره بوائقه. عتيبة بن عبد العزى أبي لهب ابن عبد المطلب شيبة بن هاشم بن عبد مناف، أبو واسع الهاشمي ابن عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبل أن يوحى إليه بابنته أم كلثوم، فلم يبن بها حتى أوحي إليه، وأنزل في أبوي عتيبة سورة تبت ففارقها. وأمه أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس. وقدم الزرقاء من أعمال دمشق، فأكلته بها الأسود بدعوة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عتيبة بن عبد العزى تزوج أم كلثوم فلم يبن بها حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت رقية ابنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أخيه عتبة بن عبد العزى أبي لهب. فلما أنزل الله تعالى " تبت يدا أبي لهب وتب " قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: رأسي من رأسيكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد، وسأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عتبة طلاق رقية، وسأله رقية ذلك، فقالت له أمه، وهي حمالة الحطب: طلقها يا بني، فإنها قد صبت، فطلقها، وطلق عتيبة أم كلثوم، وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فارق أم كلثوم، وقال: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك،

لا تحبني ولا أحبك، ثم سطا عليه فشق قميص النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو خارج نحو الشام تاخراً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه ". فخرج في تجر من قريش حتى نزلوا بمكان من الشام يقال له: الزرقاء ليلاً فأطاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أمي، هو والله آكلي كما دعا محمد علي، أقاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام! فعدا عليه الأسد من بين القوم فأخذ برأسه فضغمه ضغمة فدغه، فتزوج عثمان بن عفان رقية، فتوفيت عنده، ولم تلد له. وعن هبار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة تجهزا إلى الشام فتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه سبحانه وتعالى فانطلق حتى أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي " دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ". فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم ابعث عليه كلباُ من كلابك ". ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بني، ما قلت له؟ فذكر ما قال له، قال: فما قال لك؟ قال: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. فقال: يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه. فسرنا حتى نزلنا الشراة وهي مأسدة فنزلنا إلى صومعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد؟ فإنما يسرح الأسد فيها كما يسرح الغنم. فقال لنا أبو لهب: إنكم قدعرفتم كبر سني وحقي، فقلنا: أجل يا أبا لهب. فقال: إن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا

عثمان بن أحمد بن شنبك

حولها. ففعلنا، فجمعنا المتاع، ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله، فبتنا نحن حوله وأبو لهب معنا أسفل، وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد يشم وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تقبض، فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع يشم وجهه، ثم هزمه هزمة ففسح رأسه، فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت من دعوة محمد. قال الشعبي: ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر غير محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عثمان بن أحمد بن شنبك أبو سعيد الدينوري حدث عن أبي محمد يحيى بن محمد بسنده إلى أنس بن مالك قال: إنما سمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعين العرنيين، لأنهم سملوا أعين الرعاة. وحدث عن الحسن بن إسحاق الصوفي بسنده إلى محمد بن الحنيفة، قال: وقع بين علي وطلحة كلام، فقال طلحة يعني لعلي ومن جرأتك أنك سميت باسمه، وكنيت بكنيته، وقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجتمعان. فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله ورسوله، ادعوا إلي فلاناً وفلاناً فجاؤوا، فشهدوا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: إنك سيولد لك ولد، قد نحلته اسمي وكنيتي. وحدث عن عبد الله بن أحمد الدينوري بسنده إلى سفيان الثوري قال: قل لمن يطلب الرياسة فليتهيأ للنطاح. وشنبك: بشين معجمة ونون وباء معجمة بواحدة من تحتها. وكان عثمان هذا حياً إلى سنة خمس وخمسين وثلاث مئة.

عثمان بن إبراهيم بن محمد

عثمان بن إبراهيم بن محمد ابن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة أبو محمد الحجمي الحاطبي أصله من المدينة، وسكن الكوفة، وقدم دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك. حدث عن أبيه وعمه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله. وحدث عثمان بن إبراهيم بن محمد عن جده محمد بن حاطب عن أمه أم جميل بنت المجلل قال: أقبلت من أرض الحبشة، حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طبيخة، ففني الحطب، فخرجت أطلبه، فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك، فأتيت بك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمي بك، قالت: فتفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فيك، ومسح على رأسك، ودعا لك، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشاقي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. قالت: فما بك من عنده إلا وقد برأت يدك. وحدث عثمان بن إبراهيم عن أمه عائشة بنت قدامة قالت: أقبلت مع أمي رائطة بنت سفيان امرأة من خزاعة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبايعهن على ألا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرفن، ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف. قال: فأطرقن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قولي نعم، فيما استطعنا. فقلن: نعم، فيما استطعنا. كنت أقول كما يقلن، وأمي تقول: قولي نعم، فأقول نعم. حدث عثمان بن إبراهيم قال: خرجنا ونحن نفر من قريش إلى الوليد بن عبد الملك وفوداً إليه، فلما كنا بناحية من أرض السمارة نزلنا على ماء، فإذا امرأة جميلة قد أقبلت حتى وقفت علينا، فقالت:

يا هؤلاء، احضروا رجلاً يموت، فاشهدوا على ما يقول، ومروه بالوصية، ولقنوه. قال: فقمنا معها فأتينا رجلاً يجود بنفسه، فكلمناه، وإذا حوله بنون له صبية صغار، لو غطيت عليهم مكتلاً لغطاهم، كأنما ولدوا في يوم واحد، ستة أو سبعة، فلما سمع كلامنا فتح عينيه فبكى، ثم قال: من الكامل يا ويح صبيتي الذين تركتهم ... من ضعفهم ما ينضجون كراعا قد كان في لوان دهراً ردني ... لبني حتى يبلغون متاعا قال: فأبكانا جميعاً، ولم نقم من عنده حتى مات، فدفناه وقدمناه على الوليد فذكرنا ذلك له، فبعث إلى عياله وولده فقدم بهم عليه، وقضى لهم وأحسن إليهم. وحدث عثمان: أن ابن عمر كان أحفى شاربه، كأنه قد نتفه، وكان يرفع إزاره. قال عثمان بن إبراهيم وكان جزلاً موجهاً ذا عارضة قال: أتاني فتى من قريش يستشيرني في امرأة يتزوجها، فقلت: يابن أخي، أقصيرة النسب أم طويلته؟ قال: فكأنه لم يفهم، فقلت: يابن أخي، إني أعرف في العين إذا أنكرت، وأعرف فيها إذا عرفت، وأعرف فيها إذا هي لم تعرف ولم تنكر، أما هي إذا عرفت فتحواص، وأما هي إذا أنكرت فتجحظ، وأما هي إذا لم تعرف ولم تنكر فتسجو. القصيرة النسب يا ابن أخي التي إذا ذكرت أباها اكتفيت، والطويلة النسب التي لا تعرف حتى تطيل، وإياك يابن أخي وأن تقع في قوم قد أصابوا غثرة من الدنيا دناءة، فتضع نفسك بهم. قوله: تسجو: أي تسكن، والغثرة والكثرة ها هنا بمعنى، ويقال لعوام الناس: الغثر.

عثمان بن إسماعيل بن عمران

عثمان بن إسماعيل بن عمران أبو محمد الهذلي كان يسكن خارج باب الصغير. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى بلال بن سعد عن أبيه قال: قيل يا رسول الله، ماللخليفة من بعدك؟ قال: مثل الذي لي إذا عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا الرحم، فمن لم يفعل ذلك فليس مني ولست منه يريد الطاعة في الطاعة لله، والمعصية في المعصية لله. وحدث عثمان بن إسماعيل عن مروان الفزاري بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تخيروا بين الأنبياء. عثمان بن أيمن الدمشقي حدث عن أبي الدرداء قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من خرج يريد علماً يتعلمه فتح له باب إلى الجنة، وفرشته الملائكة أكنافها، وصلت عليه ملائكة السموات وحيتان البحور، وللعالم من الفضل على العابد كفضل القمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا العلم. فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بخطة موت العالم مصيبة ولا تجبر، وثلمة لا تسد، وهو نجم طمس، موت قبيلة أيسر من موت عالم. عثمان بن أبي بكر بن حمود ابن أحمد أبو عمرو السفاقسبي المغربي قدم دمشق طالب علم، وسمع بها. وحدث أبو عمرو عثمان وأخذ بلحيته، عن محمد بن إسحاق العبدي وأخذ بلحيته، بسنده إلى أنس وأخذ بلحيته، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ بلحيته يقول: " لا يؤمن العبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره. ".

عثمان بن الحسن بن نصر

وهذا الحديث مسلسل، رواته جميعهم يأخذون بلحيتهم. أنشد أبو عمرو بسنده إلى أبي عبد الله المفجع: من المتقارب إذا ما عدوك يوماً سما ... إلى حالة لم تطق بعضها فقبل يديه ولا تأنفن ... إذا لم تكن تستطع عضها عثمان بن الحسن بن نصر أبو عمرو أخو عمر الحلبي، قدم دمشق حاجاً. حدث عن عبد الرحمن بن عبيد الله بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اسم الله الأعظم في سور ثلاث من القرآن، في البقرة وآل عمران وطه. قال القاسم أبو عبد الرحمن: فالتمست في البقرة فإذا هو في آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، وفي آل عمران فاتحتها " الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، وفي طه " وعنت الوجوه للحي القيوم ". عثمان بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد أبو الحسين، ويقال: أبو الحسن البغدادي الخرقي. قدم دمشق. حدث عن أبي بكر بن جعفر بن محمد بن الحسين بن المستفاض الفريابي سنة إحدى وستين وثلاث مئة بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة مكتوبة ".

عثمان بن الحسين بن كيسان

قال عثمان بن الحسين المعروف بابن الخرقي: إنه ولد سنة ثمان وثمانين ومئتين وكان ثقة. عثمان بن الحسين بن كيسان أبو الليث النصيبي الفقيه المقرئ. كان عثمان بن الحسين يقول: العالم إذا عملت معه شيئاً من الجميل رأى لك الفضل عليه، والجاهل إذا عملت معه شيئاً من الجميل رأى أن له ديناً عليك توفي أبو الليث في مئذنة الجامع الشرقية بدمشق سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة. عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق ويقال: عثمان بن عبيدة بن حصن بن علاق ويقال: عثمان بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن ويقال: أبو عبد الله القرشي من أهل دمشق. حدث عن عروة بن رويم عن الديلمي الذي كان يسكن إيلياء: أنه ركب يطلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة، فاتبعه إلى الطائف فوجده في مزرعة له، تسمى الوهط، فوجده يخاصر رجلاً من قريش يزن بشرب الخمر، فسلم فقال: ما غدا بك؟ أومن أين أقبلت؟ فأخبره، قلت: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر

شارب الخمر؟ قال: نعم، فانتزع القرشي يده من يده، وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يشرب الخمر رجل فتقبل منه صلاته أربعين صباحاً. قلت: فما هذا الحديث الذي بلغني عنك! تقول: جف القلم بما هو كائن، وصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة في غيره؟ فقال: اللهم لا أحل لهم أن يقولوا علي ما لم أقل، أما قولك: جف القلم بما هو كائن فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلهم في ظلمه، ثم أخذ من نوره ما شاء، فألقى عليهم، فأصاب النور من شاء الله أن يصيبه، وأخطأ النور من شاء الله أن يخطئه، فمن أصابه النور يومئذ اهتدى، ومن أخطأه النور ضل. فلذلك أقول: جف القلم بما هو كائن، وأما ما ذكرت من أمر إيلياء فإن سليمان بن داود لما فرغ من بيت المقدس قرب قرباناً فتقبل منه، ودعا الله عز وجل بدعوات منهن: أيما عبد مؤمن زارك في البيت تائباً إليك، إنما جاء يتنصل من خطاياه وذنوبه، أن تتقبل منه، وتنزعه من خطاياه كيوم ولدته أمه. وحدث عن عروة بن رويم عن معاوية بن حكيم القشيري أنه قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: والذي بعثك بالحق ودين الحق ما تخلصت إليك حتى حلفت لقومي عددها قال: يعني أنامل كفيه بالله لا أتبعك ولا أؤمن بك ولا أصدقك، وإني أسألك بالله: بم بعثك ربك؟ قال: بالإسلام. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم وجهك لله، وأن تخلي له نفسك. قال: فما حق أزواجنا علينا؟ قال: أطعم إذا طعمت، واكس إذا كسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبحه، ولا تهجر إلا في البيت: كيف " وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ". ثم أشار بيده قبل الشام فقال: ها هنا تحشرون، ها هنا تحشرون ركباناً ورجالاً، وعلى وجوهكم الفدام، وأول شيء يعرب عن أحدكم فخذه.

عثمان بن الحويرث بن أسد

وحدث عن زيد بن واقد عن خالد بن حسين مولى عثمان بن عفان قال سمعت أبا هريرة يقول: علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم في بعض الأيام، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في الدباء، فلما كان المساء جئته أحملها إليه فقال: ما هذا يا أبا هريرة؟ فقال: قلت: يا رسول الله، علمت أنك تصوم هذا اليوم فتحينت فطرك بهذا النبيذ، فقال: أدنه مني يا أبا هريرة. فإذا هو ينش، فقال: اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. وحدث عن عروة بن رويم اللخمي عن أبي ذر يرفع الحديث قال: من أنفق في سبيل الله زوجين ابتدرته خزنة الجنة. فسألناه: ما هذان الزوجان؟ قال: درهمين أو خفين أو نعلين، أو ثوبين. قال: عروة لم يدرك أبا ذر. عبيدة: بفتح العين، وعلاق: بالعين المهملة، وكان ابن علاق ثقة. عثمان بن الحويرث بن أسد ابن عبد العزى ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الأسدي. شاعر من شعراء مكة، جاهلي يقال له: البطريق. قدم على قيصر ليملكه على أهل مكة. قال عروة بن الزبير: خرج عثمان بن الحويرث، وكان يطمع أن يملك قريشاً، وكان من أظرف قريش وأعقلها حتى يقدم على قيصر، وقد رأى حاجتهم ومتجرهم ببلاده، فذكر له مكة ورغبه فيها وقال: تكون زيادة في ملكك كما كسرى صنعاء. فملكه عليهم، وكتب له

إليهم، فلما قدم عليهم قال: يا قوم، إن قيصر من قد علمتم، أمانكم ببلاده، وما تصيبون من التجارة في كنفه، وقد ملكني عليكم، وإنما أنا ابن عمكم وأحدكم، وإنما آخذ منكم الجراب من القرظ، والعكة من السمن والإهاب، فأجمع ذلك ثم أبعث به إليه، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك أن يمتنع منكم الشام، فلاتتجروا به، ويقطع مرفقكم منه. فلما قال لهم ذلك خافوا قيصر، وأخذ بقلوبهم ما ذكر من متجرهم، فأجمعوا أن يعقدوا على رأسه التاج عشية وفارقوه على ذلك. فلما طافوا عشية بعث الله عليه ابن عمه أبان، معه الأسود بن المطلب بن أسد، فصاح على أحفل ما كانت قريش في الطواف: يالعباد الله، ملك بتهامة!؟ فانحاشوا انحياش حمر الوحش، ثم قالوا: صدق واللات والعزى، ما كان بتهامة ملك قط. فانتقضت قريش عما كانت قالت له، ولحق بقيصر ليعلمه. وكان قيصر حمل عثمان على بغلة عليها سرج عليه الذهب حين ملكه. وقال الأسود بن المطلب حين أرادت قريش أن تملك عثمان بن الحويرث عليها: إن قريشاً لقاح لا تملك، فخرج عثمان بن الحويرث إلى قيصر ليملكه على قريش، فكلم تجار من تجار قريش بالشام عمرو بن جفنة في عثمان بن الحويرث، وسألوه أن يفسد عليه أمره، فكتب إلى ترجمان قيصر يحول كلام عثمان، فلما دخل عثمان على قيصر فكلمه، قال للترجمان: ما قال؟ فقال: مجنون يشتم الملك. فأراد قتله وأمر به فدفع، إلى أن مر برجل من أصحاب الملك، فتمثل ببيت شعر، فكلمه عثمان بن الحويرث وقال له: إني أرى لسانك عربياً فممن أنت؟ قال: رجل من بني أسد، وأنا أكره أن يدروا بنسبي، قال: فما دهاني عنده؟ قال: الترجمان، كتب إليه عمرو بن جفنة أن يحول كلامك. قال: فكيف الحيلة أن تدخلني عليه مدخلاً واحد وخلاك ذم؟ قال: أفعل. فاحتال له حتى أدخل عليه

ودعا له قيصر الترجمان، فقال له عثمان: إن أفخر الناس فأعلم ذلك الترجمان قيصر قال وأغدر الناس فأعلمه أيضاً قال: وأكذب الناس، فذكر ذلك الترجمان لقيصر، ثم أهوى فتشبث بالترجمان، فقال قيصر: إن له لقصة، فادعوا إلي ترجماناً آخر، فدعوه له فأفهمه قصته، فعاقب قيصر الترجمان الأول، وكتب لعثمان بن الحويرث إلى عمرو بن جفنة أن يحبس له من أراد حبسه من تجار قريش، فقدم على ابن جفنة، فوجد بالشام أبا أحيحة سعيد بن العاص وابن أخيه أبا ذئب، فحبسهما، فمات أبو ذئب في الحبس، وسم عمرو بن جفنة عثمان بن الحويرث فمات بالشام. حدث عروة أن ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش بن رئاب، وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيداً، وكانوا يعظمونه وينحرون له الجزر، ثم يأكلون ويشربون ويعكفون عليه، فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوباً على وجهه، فأنكروا ذلك وأخذوه إلى حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلاباً عنيفاً، فأخذوه فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة، فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك، فقال عثمان بن الحويرث: ما له قد أكثر التنكس؟؟ إن هذا لأمر قد حدث، وذلك في الليلة التي ولد فيها سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل عمي يقول: من الطويل أيا صنم العيد الذي صف حوله ... صناديد وفد من بعيد ومن قرب تكوست مغلوباً فما ذاك قل لنا ... أذاك سفية أم تكوست للتعب وإن كان من ذنب أتيتنا فإننا ... نبوء بإقرار ونلوي عن الذنب وإن كنت مغلوباً تكوست صاغراً ... فما أنت في الأوثان بالسيد الرب قال: وأخذوا الصنم فردوه إلى حاله، فلما استوى هتف بهم هاتف من الصنم بصوت جهير، وهو يقول: تردى لمولود أنارت بنوره ... جميع فجاج الأرض بالشرق والغرب وخرت له الأوثان طرا وأرعدت ... قلوب ملوك الأرض طرا من الرعب

ونار جميع الفرس باخت وأظلمت ... وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب وصدت عن الكهان بالغيب جنها ... فلا مخبر عنهم بحق ولا كذب فيال قصي ارجعوا عن ضلالكم ... وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب فلما سمعوا ذلك خلصوا نجياً، فقال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض فقالوا: أجل، فقال لهم ورقة بن نوفل: تعلمون والله ما قومكم على دين، ولقد أخطؤوا المحجة وتركوا دين إبراهيم، ما حجر تطيفون به، لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر؟ يا قوم، التمسوا لأنفسكم الدين. قال: فخرجوا عند ذلك يضربون في الأرض، يسألون عن الحنيفية دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فأما ورقة فتنصر وقرأ الكتب حتى علم علماً، وأما عثمان بن الحويرث فصار إلى قيصر، فتنصر وحسنت منزلته عنده، وأما زيد بن عمرو بن نفيل فأراد الخروج فحبس، ثم إنه خرج بعد ذلك، فضرب في الأرض حتى بلغ الرقة من أرض الجزيرة، فلقي بها راهباً عالماً فأخبره بالذي يطلب، فقال له الراهب: إنك لتطلب ديناً ما تجد من يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك، يبعث بدين الحنيفية. فلما قال له ذلك رجع يريد مكة، فغارت عليه لخيم فقتلوه، وأما عبيد الله بن جحش فأقال بمكة حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة، فلما صار بها تنصر وفارق الإسلام، فكان بها حتى هلك هنالك نصرانياً. عثمان بن حيان بن معبد بن شداد ابن نعمان رياح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن يربوع ابن غيظ بن مرة بن عوف، أبو المغراء المري. مولى أم الدرداء، ويقال: مولى عتبة بن أبي سفيان بن حرب، داره بدمشق، واستعمله الوليد بن عبد الملك على المدينة، وكان في سيرته عنف، وولي الغزو في أيام يزيد بن عبد الملك.

حدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر، حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما في اليوم صائم إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة. وحدث عن أم الدرداء قالت: كان رجلان متآخيين، تآخياً في الله عز وجل، وكانا إذا لقي أحدهما الآخر قال له: أي أخي، تعال هلم نذكر الله عز وجل. فبينما هما التقيا في السوق عند باب حانوت، فقال أحدهما للآخر: أي أخي، هلم نذكر الله عز وجل، عسى أن يغفر لنا. ثم لبثا لبثاً، فمرض أحدهما، فأتاه صاحبه فقال: أي أخي، انظر أن تأتيني في منامي فتخبرني ماذا لقيت بعدي. قال: أفعل إن شاء الله، قال: فلبث حولاً ثم أتاه فقال: أي أخي، أشعرت أنا حين التقينا في السوق عند الحانوت فدعونا الله عز وجل؟ إن الله غفر لنا يومئذ. قال ابن جابر: ولقد سماهما لي عثمان فنسيت اسميهما. وعن ابن شوذب قال: قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك بالشام، والحجاج بن يوسف بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت الأرض والله جوراً. قال سعيد بن عمرو: رأيت منادي عثمان بن حيان ينادي: برئت ذمة الله ممن آوى عراقياً وكان عندنا رجل من أهل البصرة، له فضل يقال له سوادة، من العباد، فقال: والله ما أحب أن أدخل عليكم مكروهاً، بلغوني مأمني، قال: قلت: لا خير لك في الخروج، إن الله يدفع عنا وعنك، قال: فأدخلته بيتي، وبلغ ذلك عثمان بن حيان، فبعث أحراساً فأدخلته إلى بيت آخر، فما قدروا على شيء، وكان الذي سعى بي عدواً، فقلت: أصلح الله الأمير، يؤتى بالباطل فلا يعاقب عليه؟؟؟؟ قال: فضرب الذي سعى بي عشرين سوطاً، وأخرجنا

العرافي، فكان يصلي معنا ما يغيب عنا يوماً واحداً، وحدب عليه أهل دارنا، وقالوا: نموت دونك، فما برح معنا في بني أمية بن زيد حتى عزل الخبيث. لما مات الحجاج بن يوسف ووليد بن عبد الملك جعل الصبيان والإماء بالمدينة يقولون: يا مهلك الإثنين ... أهلك ذاك الإنسان قال: فكان عثمان بن حيان يقول: أنا ذاك الإنسان، فلما عزل عثمان بن حيان جهروا فقالوا: يا مهلك الإثنين ... أهلك ذاك الإنسان ومن ذاك الإنسان ... عثمان بن حيان كنب عبد العزيز إلى عمر بن الوليد: إن أظلم مني وأجور من ولى عبد ثقيف خمس المسلمين، يحكم في دمائهم وأموالهم يعني زيد بن أبي مسلم وأظلم مني وأجور من ولى عثمان بن حيان الحجاز، ينطق بالأشعار على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأظلم مني وأجور، من ولى قرة بن شريك مصر، أعرابي جلف جاف، أظهر فيها المعازف. قال هبيرة بن الأشعث: وجهني عبد الحميد بن عبد الرحمن إلأى عمر بن عبد العزيز بتقدير ديوان الكوفة، فإني لفي المقصورة إذ دخل رجل أمغر، أصهب السبال، عليه جبة خز حمراء، وكساء خز أحمر، وجعل القوم يقولون: مرحباً بك يا أبا المغراء ها هنا. فقلت: من هذا؟ قالوا:

عثمان بن حيان المري. ثم دخل رجل طوال، خفيف العارضين، حسن اللحية، عتيق الوجه، عليه جبة خز خضراء، وكساء خز أخضر، فقال القوم: مرحباً بك أبا عقبة ها هنا. فقلت: من هذا؟ فقالوا: الجراح بن عبد الله الحكمي، إذ قال عثمان: العجب من رجل ولي ثغري العرب: خراستان وسجستان، فصعد منبرهم فقال: أتيتكم محفياً فتركتموني عصبياً. فانفرث من حمقه ولؤمه كانفراث الكبد، فأتانا مخلوعاً منزوعاً ملوماً مهاناً. قال: فأكب الجراح ساعة ثم رفع رأسه فقال: أما تعجبون من رجل ولي ثغري العرب، فأتى قوماً متفرقة أهواؤهم، متشتتاً أمرهم، فلم يخف سبيلاً، ولم يسفك دماً، ولم يأت منكراً، ثم استعفى خليفته، فرجع إلى جنده غير عاجز ولا ملوم. وأحمق والله من ذاك وآلم وأمض لما يكره، رجل ولي حرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشرب فيه الخمر، فضرب فيه الحد، وغسل منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، ثم شتم ابن الخليفة عثمان بن عفان بما هو أولى منه، فضرب حداً آخر، ثم صعد به منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطرح منه فاندقت ترقوته، فأتانا مخلوعاً منزوعاً مهاناً ملوماً. فسمع عمر كلامهما، فقال: يا غلام، ما هذا؟ فقالوا: الجراح وعثمان استبا، قال: يا حرسي، اخرج فخذ بيد عثمان فأخرجه من المسجد، وقل لهما: الحقا بأهلكما، لا في كنف الله ولا في ستره. وكانا حجا جيين، فكان عمر يبغضهما. وفي سنة اثنتين افتتح عثمان بن حيان سطبة، وما يليها من الحصون. وفي

عثمان بن الخطاب بن عبد الله

سنة أربع ومئة غزا عثمان بن حيان المري وعبد الرحمن بن سليم الكلبي سميرة فافتتحاها، وفيها غزا عثمان بن حيان قيصرة حصناً من حصون الروم. وقيل: إن عثمان غزا الروم في سنة ثلاث ومئة، وغزاها سنة خمس ومئة. عثمان بن الخطاب بن عبد الله ابن العوام أبو عمرو البلوي المغربي المعروف بأبي الدنيا الأشج قدم دمشق. قال أبو عمرو عثمان بن الخطاب: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام قال: إنه لعهد النبي الأمي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. قال: وسمعت علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت " وتعيها أذن واعية " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي. حدث القاضي أبو الحسين أحمد بن يحيى العطار الدينوري بمدينة ميافارقين سنة ست عشرة وأربع مئة، قال: خرجت مع خالي سنة خمس وثلاث مئة نطلب الحج، حتى إذا كنا بمكة، وقضينا حجنا رأيت حلقة دائرة عليها خلق من الناس، فسألت بعضهم: من هؤلاء؟ فقالوا: حجاج من المغرب. فدنوت منهم، فإذا هم يقولون: هذا أبو سعيد الأشج؛ فجلست إليهم حتى صرنا في جماعة كثيرة، فقالوا له: حدثنا، فقال: نعم؛ خرجت مع أبي من المغرب من مدينة يقال لها: مربذة نطلب الحج، فوصلنا مصر، فبلغنا حرب علي بن أبي طالب عليه السلام مع معاوية؛ فقال لي أبي: أقم بنا يا بني حتى نقصد إلى علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فلما وصلنا إلى دمشق خرجنا نطلب العسكر، فبينا نحن سائرون وكان يوماً شديد الحر، فلحق أبي عطش شديد، فقلت له: يا أبه اجلس حتى أمضي أرتد

لك المال، وأحملك إليه حتى لا تتعب. فجلس وقصدت إلى طلب الماء يميناً وشمالاً، فبينا أنا أدور رأيت عيناً شبه البركة، فلم أملك نفسي أن خلعت ما كان علي وطرحت نفسي فيها، فتغسلت وشربت من مائها، وجئت إلى أبي فوجدته قد قضى، فواريته؛ وانصرفت أطلب أمير المؤمنين، فوصلت للعسكر ليلاً فبت؛ فلما كان من غد جئت فوقفت على باب خيمته، فخرج وقدم له بغلة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم أن يركب، فأسرعت أن أقبل ركابه فنفحني بركابه أو قال: بالمهماز فشجني هذه الشجة وكشف عن رأسه فرأينا أثر الشجة قال: فتأخرت عنه، فنزل وصاح إلي: ادن مني فأنت الأشج. فدنوت منه، فمر يده علي وقال لي: حدثني بحديثك. فحدثته ما كان مني ومن أبي إلى أن وصلت العين، كيف سبحت فيها وشربت من مائها، فقال لي: يا بني تلك عين الحياة، اللهم عمره، اللهم عمره. يقولها ثلاثاً، وقال: أنت المعمر أبو الدنيا، اسمع ما أحدثك به: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أن الدين قبل الوصية، وأنتم تقرون أو تقضون " من بعد وصية يوصي بها أو دين " وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون العلات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. قال أبو الفتح أحمد بن علي الجزري: سافرت إلى أرض إفريقية فلما وصلنا إلى القيروان وقف بنا رجل يسأل الناس، فروى لنا خبراً ممن هذه الأخبار، فقلت له: من أين لك هذا؟ قال: عندنا بالقيروان رجل مقعد يروي هذا الخبر مع أخبار جماعة. فمضيت إلى أبي عمران الفقيه المالكي وكان مقدماً بالقيروان فقصصت عليه الخبر، فقلت له: أخبرني بها أكتبها عنك. فقال لي: لا يجوز أن أمليها أنا. قلت: ولم ذلك؟ قال: فيها خبر لا يجمع عليه العامة. قلت: وما هو؟ قال: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سألت الله أن يجعلها أذنك ففعل. فأنت الأذن الواعية. فكيف يجوز أن يكون الأذن الواعية، ويتقدمه أحد من الناس؟.

عثمان بن داود الخولاني

وذكره في حديث آخر بمعناه، وسماه أبا عمرو عثمان بن الخطاب البلوي عوض أبي سعيد الأشج في الحديث المتقدم. وكان عثمان بن الخطاب يروي عن علي بن أبي طالب، وعاش دهراً طويلاً، وقدم بغداد بعد سنة ثلاث مئة، والعلماء لا يثبتون قوله، ولا يحتجون بحديثه. توفي الأشج سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وهو راجع إلى بلده، وقيل: إنهم كانوا يكنونه بعد ذلك بأبي الحسن، ويسمونه علياً. عثمان بن داود الخولاني أخو سليمان بن داود. حدث عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله، ما نسمع منك نحدث به كله؟ قال: نعم، إلا أن تحدث قوماً حديثاً لا تضبطه عقولهم، فيكون على بعضهم فتنة. فكان ابن عباس يكن أشياء يفشيها إلى قوم. عثمان بن زفر الجهني الدمشقي حدث عثمان بن زفر عن بعض بني رافع بن مكيث عن رافع بن مكيث وكان ممن شهد الحديبية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم، والبر زيادة في العمر، والصدقة تمنع ميتة السوء. وحدث عن أبي الأشد السلمي، عن أبيه عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمع كل واحد منا

عثمان بن زياد

درهماً، فاشترينا أضحية بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أفضل الضحايا أغلاها وأنفسها. فأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فأخذ بيد، ورجلاً بيد، ورجلاً برجل، ورجلاً برجل، ورجلاً بقرن، ورجلاً بقرن، وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعاً. وفي حديث آخر بمعناه، قال بقية: فقلت لحماد بن زيد: من السابع؟ قال: لا أدري. قلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقيل في الراوي: إنه أبو الأشد، بالشين المعجمة والدال المشددة. عثمان بن زياد عزى سليمان بن عبد الملك عن ابنه أيوب لما توفي فقال: يا أمير المؤمنين إن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يقول: من أحب البقاء فليوطن نفسه على المصائب. عثمان بن سعد العذري جالس عمر بن عبد العزيز، وولاه عمر دمشق. قال سعيد بن عبد العزيز: ذكر عثمان بن سعد العذري أهل العراق عند عمر بن عبد العزيز، فقال عمر: لا تفرقوا بين الناس. كتب عمر بن عبد العزيز إلى واليه عثمان بن سعد على دمشق: إذا صليت بهم فأسمعهم قرآنك، وإذا خطبتهم فأفهمهم موعظتك.

عثمان بن سعيد بن أحمد بن البري

عثمان بن سعيد بن أحمد بن البري أبو عمرو القاضي، والد صدقة بن عثمان. حدث عن عمر بن الحسن بن نصر الحلبي القاضي بسنده إلى علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحب أن يمد له في عمره فليتق الله، وليصل رحمه. توفي القاضي أبو عمرو سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. عثمان بن سعيد بن خالد أبو سعيد الدرامي السجزي. سمع بدمشق. وحدث عن موسى بن إسماعيل بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أكلنا يرى ربه يوم القيامة؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا رزين، أليس كلكم يرى القمر مخلياً به؟ قلت: بلى، قال: فالله أعظم ". قال يعقوب بن إسخاق: سمعت عثمان بن سعيد الدرامي يقول: نويت ألا أحدث عمن أجاب إلى خلق القرآن. قال: فأدركته المنية، ولولا ذلك لترك الحديث عن جماعة من الشيوخ. قال عثمان بن سعيد: قال لي رجل من أهل سجستان ممن كان يحسدني: مذا كنت أنت لولا العلم؟ فقلت: أردت شيناً فصار زيناً، سمعت نعيم بن حماد يقول: سمعت أبا معاوية يقول: قال الأعمش: لولا العلم لكنت بقالاً من بقالي الكوفة، وأنا لولا العلم لكنت بزازاً من بزازي سجستان. لما رحل أبو الحسن الطرائفي إلى عثمان بن سعيد، وقدم هراة، دخل عليه،

عثمان بن سعيد بن عبيد الله

فقال له عثمان: متى قجمت هذا البلد؟ فأراد أن يقول: أمس، فقال: غداً، فقال له عثمان: فأنت إذاً في الطريق بعد. توفي عثمان سنة ثمانين ومئتين. وقيل: توفي بهراة سنة اثنتين وثمانين ومئتين. عثمان بن سعيد بن عبيد الله ابن أحمد ابن أبي سفيان بن فطيس أبو القاسم حدث عن شرحبيل بن محمد بسنده إلى مسلم الخولاني قال: قدم وفد من أهل العراق على معاوية، فقام رجل منهم: فقال: يا أمير المؤمنين، إن لسلطان الله بهاء، فلو اتخذت أقواماً لهم بهاء كأنه يزري على أهل الشام فرفع أبو مسلم الخولاني فقال: ممن الرجل؟ فقال: من أهل العراق. فقال: نعم، ما رأيت قوماً أمد أجساماً، ولا أخرب قلوباً، ولا أسأل عن علم ولا أتركه له من أهل العراق. فقال له أصحابه: يا أبا مسلم، إنه لا يقول شيئاً. فقال أبو مسلم: فعما سمع جواباً؟ عثمان بن سعيد بن محمد بن بشير أبو بكر الصيداوي. من أهل صيدا من ساحل دمشق. حدث عن محمد بن شعيب بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأمور، ويكره سفسافها. وحدث عن سليم بن صالح بسنده إلى أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر يوم من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان فقال: " أيها الناس، هل تدرون ما تستقبلونه، وهل تدرون ما يستقبلكم؟ فقلنا: يا رسول الله، هل نزل وحي، أو حضر عدو، أو حدث أمر؟ فقال: هذا شهر رمضان يستقبلكم وتستقبلونه، ألا إن الله ليس بتارك يوم صبيحة الصوم أحداً من أهل القبلة إلا غفر له ".

عثمان بن سعيد أبو سعيد الدمشقي

فنادى رجل من أقصى الناس فقال: يا طوبى للمنافقين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: علي بالرجل، ما لي أراك ضاق صدرك؟ فقال: يا رسول الله، ذكرت أهل القبلة، والمنافقون هم من أهل القبلة! فقال: لا ليس لهم ها هنا حظ ولا نصيب، ألا إن المنافقين ليس هم منا ولا نحن منهم، ألا إن المنافقين هم الكافرون. عثمان بن سعيد أبو سعيد الدمشقي حدث عن عثمان بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كنس البيت يورث الفقر. عثمان بن سعيد أبو سهل الرازي حدث عن عمرو بن الصلت البصري بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لست من دد ولا الدد مني ". عثمان بن سليمان المدني حدث عن عمر بن عبد العزيز قال: سمعته وهو خليفة يقول: شيئان ليس لأهلهما فيهما جواز أمر ولا لوال، إنما هما لله عز وجل يقوم بهما الوالي: من قتل عدواناً وفساداً في الأرض، ومن قتل غيلة. عثمان بن أبي سودة أخو زياد بن أبي سودة من أهل بدر المقدمين، أمه مولاة عبادة بن الصامت، وأبوه مولى عبد الله بن عمرو بن العاص، اجتاز بدمشق أو عمالها في غزوه.

عثمان بن طلحة بن أبي طلحة

حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عاد مريضاً، أو زار أخا له في الله، نادى مناد من السماء أن طبت وطاب ممشاك، وتبأت من الجنة منزلاً. وعن عثمان بن أبي سودة قال: صلاة الأبرار: ركعتان إذا دخلت بيتك، وركعتان إذا خرجت. وعنه أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تبارك وتعالى. قيل: وكيف يهتك ستر الله عز وجل؟ قال: يعمل الذنب فيستره الله تعالى عليه فيذيعه في الناس. وفي رواية: فيحدث به الناس. عثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي ابن كلاب القرشي العبدري. حاجب الكعبة. له صحبة ورواية عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم في الهدنة، وهاجر مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وسكن مكة. حدث عثمان بن طلحة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل الكعبة فصلى ركعتين وجاهك حين تدخل بين الساريتين. وعن عثمان بن طلحة قال: قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه. هاجر عثمان في الهدنة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وخالد بن الوليد بن المغيرة، ولقوا عمرو بن العاص مقبلاً من عند النجاشي يريد الهجرة إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآهم: رمتكم مكة بأفلاذ كبدها. يقول: إنهم وجوه أهل مكة.

ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاح الكعبة إليه وإلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وقال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة، لا يأخذها منكم إلا ظالم. فبنو أبي طلحة هم الذين يلون سدانة الكعبة دون بني عبد الدار. وأم عثمان بن طلحة أم سعيد بنت سهيل من بني عمرو بن عوف. قال عثمان بن طلحة: لقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قبل الهجرة فدعاني إلى الإسلام، فقلت: يا محمد، العجب لك حيث تطمع أن أتبعك وقد خالفت دين قومك، وجئت بدين محدث، ففرقت جماعتهم وألفتهم، وأذهبت بهاءهم. فانصرف، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس، فأقبل يوماً يريد أن يدخل الكعبة مع الناس، فغلظت عليه، ونلت منه، وحلم عني، ثم قال: يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت. فقلت: لقد هلكت قريش يومئذ وذلت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل عمرت وعزت يومئذ. ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعاً ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال: قال: فأردت الإسلام ومقاربة محمد، فإذا قومي يزبروني زبراً شديداً، ويزرون برأيي، فأمسكت عن ذكره، فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة جعلت قريش تشفق من رجوعه عليها، فهم على ما هم عليه حتى جاء النفير إلى بدر، فخرجت فيمن خرج من قومنا، وشهدت المشاهد كلها معهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة عام القضية غير الله قلبي عما كان عليه، ودخلني الإسلام، وجعلت أفكر فيما نحن عليه، وما نعبد من حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، وأنظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وظلف أنفسهم عن الدنيا، فيقع ذلك مني فأقول: ما عمل القوم إلا على الثواب لما يكون بعد الموت، وجعلت أحب النظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن رأيته خارجاً من باب بني شيبة يريد منزلة بالأبطح، فأردت أن آتيه وآخذ بيده وأسلم عليه، فلم يعزم لي على ذلك، وانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راجعاً إلى المدينة، ثم عزم على الخروج إليه، فأدلجت إلى بطن

يأجج، فألقى خالد بن الوليد. فاصطبحنا حتى نزلناه الهدة، فما شعرنا إلا بعمرو بن العاص، فانقمعنا منه وانقمع منا، ثم قال: أين يريد الرجلان؟ فأخبرناه، فقال: وأنا أريد الذي تريدان، فاصطحبنا جميعاً حتى قدمنا المدينة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعته على الإسلام، وأقمت معه حتى خرجت معه في غزوة الفتح، ودخل مكة فقال لي: يا عثمان، ائت بالمفتاح. فأتيته به، فأخذه مني ثم دفعه إلي مضطبعاً عليه بثوبه، وقال: خذها تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف. قال عثمان فلما وليت ناداني، فرجعت إليه فقال: ألم يكن الذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي، أضعه حيث شئت. فقلت: بلى أشهد أنك رسول الله. قال ابن عمر: قدم عثمان بن طلحة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في صفر سنة ثمان. وهذا أثبت الوجوه في إسلام عثمان، ولم يزل مقيماً بالمدينة حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجع إلى مكة، فنزلها حتى مات بها في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان. قال ابن عمر: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوم الفتح، فنزل أعلى مكة، ثم دعا عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتاح، ففتح الباب، فدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل بلال وأسامة وعثمان بن طلحة فأغلقوا الباب، فلبثوا فيه ملياً، ثم إن الباب فتح، قال عبد الله: فبادرت الناس، فتلقاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خارجاً وبلال على أثره، فسألت بلالاً هل صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه؟ قال: نعم، قلت: أين؟ قال: بين العمودين تلقاه وجهه؟ قال: فنسيت أن أسأله كم صلى.

وفي حديث آخر قال عبد الله: فسألت بلالاً حين خرج: ماذا صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: جعل عموداً عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى. قالوا: وكان المتولي البيت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وليست له هجرة، وكان عثمان بن طلحة بن أبي طلحة هاجر وسكن المدينة، وإليه دفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المفتاح. وفي حديث آخر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جلس ناحية من المسجد، وأرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة يأتيه بالمفتاح الكعبة، فجاء بلال إلى عثمان فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك أن تأتي بمفتاح الكعبة، قال عثمان: نعم، فخرج عثمان إلى أمه، ورجع بلال إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره أنه قال: نعم. ثم جلس بلال مع الناس، فقال عثمان لأمه والمفتاح يومئذ عندها: يا أمة: أعطني المفتاح، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أرسل إلي وأمرني أن آتي به إليه. فقالت له أمه: أعيذك بالله أن تكون الذي تذهب مأثرة قومه على يديه. قال: فوالله لتدفعنه أو ليأتينك غيري فيأخذه منك. وفي حديث غيره فقال: والله لئن تعطينيه ليخرجن هذا السيف من بطني، قال: فأدخلته في حجزتها وقالت: أي رجل يده ها هنا؟ فبينما هما على ذلك، وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر في الدار، وعمر رافع صوته حين رأى إيطاء عثمان: يا عثمان اخرج. فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح، فإن تأخذه أنت أحب إلي من أن تأخذه تيم وعدي. قال: فأخذه عثمان فأتى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فناوله إياه فلما ناوله إياه بسط العباس بن عبد المطلب يده فقال: يا نبي الله، بأبي أنت، اجمع لنا الحجابة والسقاية. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطيكم ما ترزؤون فيه، ولا أعطيكم ما ترزؤون منه.

وقيل: إن عمر بن الخطاب بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البطحاء ومعه عثمان بن طلحة، وأمره أن يتقدم فيفتح البيت، فلا يدع فيه صورة إلا محاها، ولا تمثالاً، إلا صورة إبراهيم، فلما دخل الكعبة رأى صورة إبراهيم شيخاً يستقسم بلأزلام، ويقال: أمره أن لا يدع فيها صورة إلا محاها، فترك عمر صورة إبراهيم، فلما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى صورة إبراهيم فقال: يا عمر، ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة إلا محوتها؟ فقال عمر: كانت صورة إبراهيم، قال: فامحها. وعن مجاهد في قوله تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " قال: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، وقال: خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم. قالت صفية بنت شيبة: إني لأنظر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم فتح مكة، فقام إليه علي بن أبي طالب، ومفاتيح الكعبة بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا نبي الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية، صلى الله عليك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال: ها مفتاحك. قال سعيد بن المسيب: لما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ففتحها، أخذ المفتاح بيده ثمقام للناس، فقال: هل من متكلم؟ هل من أحد يتكلم؟ قال: فتطاول العباس ورجال من بني هاشم رجاء أن

عثمان بن أبي العاتكة سليمان

يدفعها إليهم مع السقاية، قال: فقال لعثمان بن طلحة: تعال. قال: فجاء فوضعها في يده. وقال الزهري: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع المفتاح إلى عثمان، وقال له: يا عثمان، غيبوه. قال جبير بن مطعم في روايته: فلذلك تغيب المفتاح. مات عثمان بن طلحة سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة اثنتين وأربعين، وقيل: قتل بأجنادين. عثمان بن أبي العاتكة سليمان أبو حفص قاص أهل دمشق. حدث عن علي بن يزيد بسنده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغسل من الجنابة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أفرغ على رأسي ثلاث مرات، أعرك رأسي في كل مرة ". وحدث عن سليمان بن حبيب المحاربي، عن الوليد بن عبادة أن أباه عبادة بن الصامت لما احتضر قال له ابنه عبد الرحمن: يا أبتاه، أوصني. قال: أجلسوني لابني. فأجلسوه له، ثم قال: يا بني اتق الله، ولن تتقي الله حتى تؤمن بالله، ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: القدر على هذا، من مات على غير هذا أدخله الله النار. كان دحيم ينسب عثمان إلى الصدق، ويثني عليه ويقول: كان معلم أهل دمشق. ويقالبالشام للمقرئ معلم، وقد ضعفه قوم آخرون. وتوفي سنة نيف وأربعين ومئة، وقيل: سنة خمس وخمسين ومئة.

عثمان بن عاصم بن حصين

عثمان بن عاصم بن حصين ويقال: ابن عاصم بن زيد بن كثير بن زيد بن مرة أبو حصين الأسدي الكوفي. حدث عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ". يقال: إن عثمان بن عاصم من ولد عبيد بن الأبرص الشاعر لم يكن له ولد ذكر، وكان من قراء أهل الكوفة، كان يقرأ عليه في مسجد الكوفة خمسين سنة. وحصين: بفتح الحاء وكسر الصاد، أبو حصين عثمان بن عاصم، وكان شيخاً عالماً صاحب سنة، وكان عثمانياً، رجلاً صالحاً، ثقة، ثبتاً في الحديث، وكان أعلى سناً من الأعمش، ووقع بينه وبين الأعمش شر، حتى تحول الأعمش عنه إلى بني حرام. أتي أبو حصين بجائزة من السلطان فلم يقبلها، فقيل له: مالك لم تقبلها؟ قال: الحياء والتكرم. كان أبو حصين إذا سئل عن مسألة قال: ليس لي بها علم، والله أعلم. وكان أبو حصين يقول: إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر. وحدث شعبة قال: حدثنا أبو حصين عن ذكوان عن أبي هريرة قال: من رآني في النوم فقد رآني. فقالوا لشعبة: يا أبا بسطام رفعه؟ قال: لو قلت هذا لأبي حصين للطم عيني، وكان في خلق أبي حصين زعارة مشددة الراء. وقال أبو حصين: كنت ولا يصطلى بناري، فصرت اليوم أنحس بالقضيب.

عثمان بن عبد الله بن إبراهيم

قال وكيع: كان أبو حصين يقول: أنا أقرأ من الأعمش، وكانا في مسجد بني كاهل، فقال الأعمش لرجل يقرأ عليه: اهمز الحوت فهمزه، فلما كان من الغد، قرأ أبو حصين في الفجر نون فقرأ " كصاحب الحؤت " فهمزها، فلما صلى قال الأعمش: يا أبا حصين، كسرت ظهر الحوت. فكانن ما بلغكم. والذي بلغنا أنه قذفه، فحلف الأعمش ليحدنه، فكلمه بنو أسد فأبى، فقال خمسون منهم: والله لنشهدن أن أمه كما قال: فحلف ألا يساكنهم، وتحول إلى بني حرام. وعن الأعمش قال: كان أبو حصين يسمع مني ثم يذهب فيرويه. قال القاسم بن معن: خرج أبو حصين وهو يضرب بغله، وهو يقول: الحمد لله الذي سار بي تحت رايات الهدى يعني مع زيد بن علي. وفي نسخة أخرى: أبو كبير. وهذه الحكاية بأبي كبير أشبه، فإن أبا حصين كان عثمانياً. توفي أبو حصين سنة سبع وعشرين ومئة، وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين، وكان الطاعون سنة ثلاثين. وقيل: توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة. عثمان بن عبد الله بن إبراهيم ابن محمد أبو عمرو الطرسوسي الكاتب. قاضي معرة النعمان، سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي البغدادي، المعروف بابن العلاف بسنده إلى أبي أمامة قال: قال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم ".

عثمان بن عبد الله بن أبي جميل

وحدث عن أبي العباس أحمد بن أبي بكر الفقيه بسنده إلى أبي ذر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يكون قرية أو مدينة أو مصر، يقال له البصرة، أقوم الناس قبلة، وأكثره مؤذنون، يدفع الله عنهم ما يكرهون ". توفي عثمان الطرسرسي سنة إحدى وأربع مئة. عثمان بن عبد الله بن أبي جميل أبو سعيد القرشي. حدث عن مروان بن محمد الطاطري بسنده إلى أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متوشحاً في ثوب واحد، في رأسه أثر الغسل، قال: فصلى، قال: فقلت: يا رسول الله، أفيه وفيه؟ قال: نعم. يعني الجنابة والصلاة. وحدث عن حجاج بن محمد الأعور بسنده إلى علي بن شيبان وكان ممن وفد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ". توفي ابن أبي جميل سنة تسع وسبعين ومئتين. عثمان بن عبد الله بن محمد ابن خرزاد بن عمرو الأنطاكي. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن مؤمل بن الفضل بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نادى المنادي أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، حتى يخطر بين الرجل وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا، ولما لم يكن يذكر، حتى لا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً أم واحدة، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس. وحدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عطاء بن أبي رباح قال: دعي أبو سعيد الخدري إلى وليمة وأنا معه، فدخلنا، فرأى صفرة وخضرة، فقال: أما

عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة

يعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا تغدى لم يتعش، وإذا تعشى لم يتغد؟ وكان ثقة مأموناً، وكان يقول: يحتاج صاحب الحديث إلى خمس، فإن عدمت واحدة فهي نقص: يحتاج إلى عقل جيد، ودين، وضبط لما يقول، وحذاقة بالصناعة، مع أمانة تعرف منه. توفي عثمان بن عبد الله سنة إحدى وثمانين ومئتين، وقيل: سنة اثنتين وثمانين ومئتين بأنطاكية. عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي القاضي. من أهل دمشق، وهو من بطن الأزد يقال لهم الخبائل من بني سعد بن الغطريف بن بكر بن يشكر، كانت داره بدمشق. حدث عن كهيل بن حرملة النمري قال: سمعت أبا هريرة يقول: كيف بكم إذا خرجتم منها كفراً كفراً إلى سنبك من الأرض يقال لها: حسمى جذام، إذا لم تأخذوا أبيض ولا أصفر، ولم يخدمكم ثدراء لا ينان ولا جرجنة ولا مارق، وكيف بكم إذا أخرجتم منها كفراً كفراً إلى سنبك من الأرض يقال لها: حسمى حذام، قال: فقال قائل: أبصر ما تقول يا أبا هريرة! قال فغضب حتى تخالج لونه،

عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم

فقال: لقد ضل أبو هريرة وما اهتدى إن لم تكن سمعته أذناي ووعاه قلبي. قالها مراراً. قال ابن سراقة: كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشاوره في جارية أراد أن يشتريها، قال: فكتب إليه عمر لا تتخذ منهن فإنهن قوم لا يتعايرون الزنى، وإن الله نزع الحياء من وجوههم كما نزع من وجوه الكلاب، وعليك بجارية من سبايا العرب، تحفظك في نفسها، وتخلفك في ولدها. وكان عثمان بن سراقة أمير دمشق في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد: أبو عبد الله ويقال: أبو هاشم الحراني، مولى بني أمية ويعرف بالطرائفي، لقب بذلك لأنه كان يتتبع طرائف الحديث. سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي يوسف بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجمعة حج الفقراء " وحدث عن عبد الرحمن بن ثابت بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد أن مرت عليه ثمانون سنة، واختتن بالفأس ". وحدث عن أحمد بن حفص الجزري عن أبي الفضل بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمع قوم قط في مشورة، معهم رجل اسمه محمد، لم يدخلوه في مشورتهم إلا لم يبارك لهم ". توفي سنة ثلاث أواثنتين ومئتين.

عثمان بن عثمان الثقفي

عثمان بن عثمان الثقفي له صحبة، كان عاملاً على صنعاء دمشق. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله ليقبل التوبة من عبده قبل أن يموت بسنة إلى أن رجع إلى فواق ناقة ". وحدث به عثمان موقوفاً قال: إن الله يقبل التوبة من عبده قبل موته بسنة، ثم قال له: عثمان ابن عثمان الثقفي، فلما قدم ورأى رجال أهل اليمن رجع، فقال له عثمان: ما ردك؟ قال: رأيت قوماً ما سئلوا أعطوه، إن سئلوا حقاً أعطوه، وإن سئلوا باطلاً أعطوا، فلا أعمل على هؤلاء أبداً. عثمان بن عروة بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي. حدث عن أبيه عن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود. وحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف. وحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " لقد كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند إحرامه بأطيب ما أجد.

وفد عثمان بن عروة على مروان بن محمد، فأخبر به، فقال: أنا راكب غداً فلا تورونيه حتى أتوسمه في الناس. فركب فتصفح وجوه الناس، ثم أقبل على بعض من معه فقال: ينبغي أن يكون ذاك عثمان بن عروة وأشار إليه فقال: هو هو يا أمير المؤمنين. وكان وسيماً جميلاً، فأعطاه مروان مئة درهم، قال: ثم قدم من عند مروان، فأغلى كراء الحمر من كثرة من يلقاه، فقلت له: ولم ذاك؟ قال: يرجون جوائزه. قال عروة بن خالد بن عبد الله: دخلت المقصورة في زمن هشام بن عبد الملك، فإذا رجل من أهل الشام قدم من عند هشام بن عبد الملك، فجلست إلى جنبه، وغلقت المقصورة، فاستفتح رجل ففتح له، فإذا محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأقبل حتى وقف قريباً، ونزع نعله فقام يصلي، فقال الشامي: ما رأيت كاليوم رجلاً أجمل ولا أهيأ من هذا! فقلت: هذا عمي، هذا محمد بن عبد الله بن عمرو. وغلقت المقصورة، ثم استفتح رجل ففتح له فإذا هو عثمان بن عروة بن الزبير، فإذا مثله في الجمال والهيئة، فجاء فجلس قريباً منا، فقال الشامي: ما رأيت كاليوم رجلاً أجمل ولا أهيأ من هذا! فقلت: هذا خالي أخو أمي عثمان بن عروة بن الزبير، ثم أغلقت المقصورة فاستفتح رجل ففتح له فإذا عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فإذا مثلهما في الجمال والهيئة، فأقبل حتى وقف قريباً منا، فقال الشامي: ما رأيت كاليوم رجلاً أجمل ولا أهيأ من هذا! فقلت: هذا ابن خال أبي، وهو ابن خالي، فأقبل علي الشامي فقال: ويحك ما قدرت أن تشبه من هؤلاء أحداً؟ وكان عروة بن خالد قبيحاً. كان عثمان بن عروة جميل الوجه، جيد الثياب والمركب، عطراً، وقال: إن كان أبي ليقول لي وأنا أغلف لحيتي بالغالية: إني لأراها ستقطر أو قد قطرت. وما يعيب ذلك علي

عثمان بن عطاء بن ميسرة

وكان عثمان بن عروة يقوم من مجلسه، فيأتي ناس يستلون الغالية من على الحصى لما أصابها من لحيته. قال عثمان بن عروة: الشكر وإن قل جزاء لكل نائل وإن جل. عثمان بن عطاء بن ميسرة أبو مسعود الخراساني. من أهل بيت المقدس. وفد مع أبيه على هشام بن عبد الملك. حدث عن أبيه قال: كان العباس يقول: سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: " عينان لا تصيبها النار: عين بكت في جوف الليل من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله ". وحدث عن أبي عمران عن ذي الأصابع رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلنا يا رسول الله، أرأيت إن ابتلينا بالبقاء بعدك، أين تأمرنا؟ قال: فعليك ببيت المقدس، فعسى الله أن ينشو لك ذرية، يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون. قال ابن عطاء: ولدت سنة ثمان وثمانين. وتوفي سنة خمس وخمسين مئة. وضعفه قوم.

عثمان بن عفان بن أبي العاص

عثمان بن عفان بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمرو وأبو عبد الله القرشي الأموي. أمير المؤمنين، ذو النورين، صاحب الهجرتين، زوج الابنتين، قديم الإسلام، وقدم الشام قبل الإسلام في تجارة، واجتاز بالبلقاء، وكان على ميمنة عمر رضي الله عنهما في خرجته إلى الشام التي رجع منها من سرغ، وقدم مع عمر. حدث عثمان قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ". وحدث أبو صالح مولى عثمان أن عثمان قال: أيها الناس، هجروا فإني مهجر، فهجر الناس، ثم قال: أيها الناس، إني محدثكم بحديث ما تكلمت به منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن رباط يوم في سبيل الله أفضل من ألف يوم مما سواه، فليرابط امرؤ حيث شاء، هل بلغتكم؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. وعن عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا إن خياركم أو قال: أفاضلكم من تعلم القرآن وعلمه ". تزوج عثمان رقية بنت سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجاهلية، فولدت له عبد الله بن عثمان، وبه كان يكنى، حتى كني بعد ذلك بعمرو، وبكل قد كان يكنى. وأم عثمان أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم توأمة أبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي البيضاء.

وكان أبو عثمان بن عفان خرج في تجارة إلى الشام فهلك هناك، ويقال: إنه قتل بالغميضاء مع الفاكه بن المغيرة. وأم حكيم بنت عبد المطلب هي التي قالت لامرأة من قريش قاولتها: إني لحصان فما أكلم، صناع فما أعلم. وهاجر عثمان بن عفان رضي الله عنه الهجرتين إلى الحبشة مع امرأته رقية ابنة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم إلى المدينة، وخلفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج إلى بدر على ابنته رقية، وكانت مريضة، فماتت يوم زيد بن حارثة المدينة بشيراً بفتح بدر، وضرب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهمه وأجره، وزوجه أم كلثوم من بعد رقية، واستخلفه في غزوته إلى ذات الرقاع، واستخلفه في غزوته إلى غطفان بذي أمر بنجد. وكان عثمان في الجاهلية يكنى أبا عمرو، فلما كان الإسلام ولد له من رقية بنت رسول الله صلى اله عليه وسلم غلام سماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله! فبلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك على عينه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل في حفرته عثمان. كانت خلافته اثنتي عشرة إلا ثنتي عشرة ليلة. وقتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه جبير بن مطعم، ودفن في حش كوكب والحشاش: البساتين الصغار. بويع له يوم الجمعة غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد موت عمر بثلاثة أيام.

وشهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راض، قيل: إنه أسلم بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة. وكان حسن الوجه، ليس بالقصير ولا بالطويل، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب. قتل يوم الجمعة، وقيل: يوم الأربعاء لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. ولما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببيعة الرضوان كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل مكة، فبايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس، ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله. فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان خيراً من أيديهم. وأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الملائكة تستحي منه، وجهز جيش العسرة من خالص ماله، واشترى بئر رومة، فجعل دلوه كدلاء المسلمين. كان من القانتين بآيات الله آناء الليل ساجداً حذراً لآخرته ورجاء لرحمة ربه، يحيي القرآن جل لياليه في ركعة حياة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخليفتيه، فلما ولي كان خير الخيرة وإمام البررة. أخبر الله عز وجل على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مع أصحابه حين وقوع الفتنة على الحق، فكان كذلك إلى أن قتل شهيداً، وشهد له بالجنة، ومات وهو عنه راض. ودفن عثمان بالبقيع ليلاً، وصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه حكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة ونيار بن مكرم الأسلمي ونائلة وأم البنين بنت عيينة. ونزل في حفرته نيار وأبو جهم وجبير، وكان حكيم وأم البنين ونائلة يدلونه على الرجال حتى لحد وبني عليه، وغيبوا قبره وتفرقوا. رضي الله عنه.

قال أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر، عليه إزار عدني غليظ، ثمنه أربعة دراهم أو خمسة وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم، طويل اللحية، حسن الوجه. قال عبد الله بن حزم المازني: رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه. وكان عثمان أحسن الناس ثغراً، جمته أسفل من أذنيه، خدل الساقين، طويل الذراعين، أقنى ربعة، رقيق البشرة. قال الحسن بن أبي الحسن: دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان بن عفان متكئاً على ردائه، فأتاه سقاءان يختصمان إليه، فقضى بينهما، ثم أتيته فنظرت إليه، فإذا رجل حسن الوجه، وإذا بوجنته نكتات من جدري، وإذا شعره قد كسا ذراعيه. سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، صف لنا عثمان. قال: كان رجلاً أبيض، نحيف الجسم، مشرف الأنف، كثير شعر الساعدين والساقين، شعر رأسه إلى أنصاف أذنيه. قلت: ماذا كان رداؤه؟ قال مضرجاً، قلت: كم كان ثمنه؟ قال: ثمانية دراهم، قلت: ما كان قميصه؟ قال: سنبلانياً، قلت: كم ثمنه؟ قال: ثمانية دراهم، قال: ونعلاه معقبتان مخصرتان، لهما قبالان.

وقيل في وصفه: إنه كان أضلع، أروح الرجلين، وكان من المهاجرين الأولين، هاجر إلى الحبشة ومعه رقية ابنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهما لأول من هاجر إلى الله بعد إبراهيم ولوط. ثم هاجر إلى المدينة، واشترى بئر رومة بعشرين ألف درهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يزيد في مسجدنا؟ فاشترى عثمان موضع خمس سواري فزاده في المسجد. وجهز جيش العسرة بتسع مئة وخمسين بعيراً، وأتمها ألفاً بخمسين فرساً. قال أسامة بن يزيد: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصفحة فيها لحم إلى عثمان، فدخلت عليه، فإذا هو جالس مع رقية، ما رأيت زوجاً أحسن منهما، فجعلت مرة أنظر إلى عثمان ومرة أنظر إلى رقية، فلما رجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: دخلت عليهما؟ قلت: نعم. قال: هل رأيت زوجاً أحسن منهما؟ قلت: لا يا رسول الله، وقد جعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان. وفي رواية أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى عثمان بهدية، فاحتبس الرسول ثم جاء، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حبسك؟ ثم قال: إن شئت أخبرتك ما حبسك، كنت تنظر إلى عثمان مرة، وإلى رقية مرة، أيهما أحسن. قال: إي والذي بعثك بالحق، إنه الذي حبسني. قالوا: وكان أحسن زوج في الإسلام عثمان ورقية. ولما عرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام على عثمان وأسلم قال: يا رسول الله، قدمت حديثاً من الشام، فلما كنا بين معان والزرقاء فتحرك النيام إذا مناد ينادينا أيها النيام هبوا

فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك. وكان إسلام عثمان قديماً قبل دخول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم. ومن حديث في إسلام عثمان حدث به عثمان عن نفسه أنه قال: كنت رجلاً مستهتراً بالنساء، فإني ذات ليلة بفناء الكعبة قاعد في رهط من قريش إذ أتينا فقيل لنا: إن محمداً قد أنكح عتبة بن أبي لهب من رقية ابنته وكانت رقية ذات جمال رائع قال عثمان: فدخلتني الحسرة لم لا أكون أنا سبقت إلى ذلك، قال: فلم ألبث أن انصرفت إلى منزلي، فأصبت خالة لي قاعدة وهي سعدى بنت كريز قال عثمان: وكانت قد طرفت وتكهنت عند قومها، فلما رأتني قالت: من مشطور الرجز أبشر وحييت ثلاثاً تترى ثم ثلاثاً وثلاثاً أخرى ثم بأخرى كي تتم عشرا أتاك خير ووقيت شرا أنكحت والله حصاناً زهرا وأنت بكر ولقيت بكرا وافيتها بنت عظيم قدرا بنيت أمراً قد أشاد ذكرا قال عثمان: فعجبت من قولها وقلت: يا خالة؟؟؟، ما تقولين؟ فقالت: عثمان من مشطور الرجز لك الجمال ولك اللسان هذا نبي معه البرهان أرسله بحقه الديان

وجاءه التنزيل والفرقان فاتبعه لا تغتالك الأوثان قال: قلت: يا خالة؟؟، إنك لتذكرين شيئاً ما ذكره ببلدنا فأبينيه لي، فقالت: محمد بن عبد الله ... رسول من عند الله جاء بتنزيل الله ... يدعو به إلى الله ثم قالت: من منهوك المنسرح مصباحه مصباح ودينه فلاح وأمره نجاح وقرنه نطاح ذلت له البطاح ما ينفع الصياح لو وقع الذباح وسلت الصفاح ومدت الرماح قال: ثم انصرفت، ووقع كلامها في قلبي، وجعلت أفكر فيه، وكان لي مجلس عند أبي بكر، فأتيته فأصبته في مجلس ليس عنده أحد، فجلست إليه، فرآني مفكراً، فسألني عن أمري وكان رجلاً متأنياً فأخبرته بما سمعت من خالتي، فقال: ويحك يا عثمان، إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه الأوثان التي يعبدها قومنا؟ أليست من حجارة صم، لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع؟ قال: قلت: بلى والله إنها لكذلك. قال: فقد صدقتك خالتك، هذا رسول الله، محمد بن عبد الله، قد بعثه الله برسالته إلى خلقه، فهل لك أن تأتيه فتسمع منه؟ قال: قلت: بلى، فما كان أسرع من أن

مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه علي بن أبي طالب عليه السلام يحمل ثوباً، فلما رآه أبو بكر قام إليه، فساره في أذنه بشيء، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقعد، ثم أقبل علي فقال: يا عثمان، أجب الله إلى جنته، فإني رسول الله إليك وإلى خلقه. قال: فوالله ما تمالكت حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكان يقال: أحسن زوج رقية وعثمان، وكان يقال: أحسن زوج رآه إنسان: رقية وزوجها عثمان. وفي إسلام عثمان تقول خالته سعدى بنت كريزبن ربيعةبن عبد شمس: من الطويل هدى الله عثماناً بقولي إلى الهدى ... وأرشده، والله يهدي إلى الحق فتابع بالرأي السديد محمداً ... وكان برأي لا يصد عن الصدق وأنكحه المبعوث بالحق بنته ... فكانا كبدر ما زج الشمس في الأفق فداؤك يابن الهاشميين مهجتي ... وأنت أمين الله أرسلت في الخلق ثم جاء الغد أبو بكر بعثمان بن مظعون وبأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا، وكانوا مع من اجتمع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية وثلاثين رجلاً. قال محمد بن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه تجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، فانطلقوا ومعهم أبو بكر حتى أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق

الإسلام وبما وعدهم الله من الكرامة، فآمنوا وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، فكان هؤلاء النفر الثمانية يعني مع علي وزيد بن حارثة الذين سبقوا إلى الإسلام، فصلوا وصدقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمنوا بما جاء من عند الله تعالى. ولما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية، فأوثقه رباطاً وقال: نزعت عن ملة آبائك إلى دين محدث؟؟ والله لا أحلك أبداً حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه. قال أبو ثور الفهمي: قدمت على عثمان، فبينا أنا عنده فخرجت، فإذا بوفد أهل مصر قد رجعوا، فدخلت على عثمان فأعلمته، قال: وكيف رأيتهم؟ قلت: رأيت في وجوههم الشر. وعليهم ابن عديس البلوي، فصعد ابن عديس منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بهم الجمعة وتنقص عثمان في خطبته، فدخلت على عثمان فأخبرته بما قام فيهم، فقال: كذب والله ابن عديس، ولولا ما ذكر ما ذكرت ذلك: إني لرابع أربعة في الإسلام، ولقد أنكحني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته، ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى، وما زنيت ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيت ولا تمنيت منذ أسلمت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أتت علي جمعة إلا وأنا أعتق فبها رقبة منذ أسلمت إلا أن لا أجدها في تلك الجمعة، فأجمعها في الجمعة الثانية. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنته أم كلثوم قال لأم أيمن: هيئي ابنتي أم كلثوم وزفيها إلى

عثمان، وخفقي بين يديها بالدف. ففعلت ذلك، فجاءها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الثالثة، فدخل عليها فقال: يا بنية، كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير بعل. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد صلى الله عليهما. وعن أنس بن مالك قال: أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان بن عفان، خرج وخرج بابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبطأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهما، فجعل يتوكف الخبر، فقدمت امرأة من قريش من أرض الحبشة، فسألها فقالت: رأيتهما قال: على أي حال رأيتهما؟ قالت: رأيته وقد حملها على حمار من هذه الدبابة، وهو يسوق بها. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صحبهما الله، إن كان عثمان بن عفان لأول من هاجر إلى الله بعد لوط. وعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما كان بين عثمان ورقية، وبين لوط من مهاجر. وعن أسماء ابنة أبي بكر قالت: كنت أحمل الطعام إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي، وهما في الغار. قالت: فجاء عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني أسمع من المشركين من الأذى فيك ما لا صبر لي عليه؛ فوجهني وجهاً أتوجهه، فلأ هجرنهم في ذات الله. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أزمعت بذاك يا عثمان؟ قال: نعم. قال: فليكن وجهك إلى هذا الرجل بالحبشة يعني النجاشي فإنه ذو وفاء، واحمل معك رقية ولا تخلفها، ومن رأى معك من المسلمين مثل رأيك، فليتوجهوا هناك، وليحملوا معهم نساءهم ولا يخلفوهم. قال: فودع عثمان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبل يديه. قال: فبلغ عثمان المسلمين رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال لهم: إني خارج من تحت ليلتي فمقيم لكم بجدة ليلة أو ليلتين، فإن أبطأتم فوجهني إلى باضع جزيرة في البحر

قالت: فحملت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: ما فعل عثمان ورقية؟ قلت: قد سارا فذهبا: قالت: فقال: قد سارا فذهبا؟ قلت: نعم فالتفت إلى أبي بكر فقال: زعمت أسماء أن عثمان ورقية قد سارا فذهبا، والذي نفسي بيده إنه لأول من هاجر بعد إبراهيم ولوط. وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن عثمان بن عفان قال له: يا بن أخي، أدركت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقلت: لا، ولكن خلص إلى من علمه واليقين ما يخلص إلى العذراء في سترها. قال: فتشهد ثم قال: أما بعد، فإن الله بعث محمداً بالحق، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وآمن بما بعث به محمد، ثم هاجرت الهجرتين كما قلت، ونلت صهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى. وعن ابن سيرين أنه ذكر عنده عثمان بن عفان فقال له رجل: إنهم ليسبونه. قال: ويحهم، يسبون رجلاً دخل على النجاشي في نفر من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلهم أعطاه الفتنة غيره؟؟ ؟ قالوا: وما الفتنة التي أعطوها؟ قال: كان لا يدخل عليه أحد إلا أومأ إليه برأسه، فأبى عثمان، فقال له: ما يمنعك أن تسجد كما يسجد أصحابك؟ فقال: ما كنت لأسجد لأحد من دون الله عز وجل. ولما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر خلف عثمان على ابنته رقية، وكانت مريضة، فماتت يوم قدم زيد بن حارثة المدينة بشيراً بما فتح الله على رسوله ببدر، وضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان بسهمه وأجره في بدر، فكان كمن شهدها. وتزوج عثمان بأم كلثوم بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل بها سنة ثلاث، ولما ماتت زوجة عثمان مر عليه عمر فعرض عليه بنته فلم يجبه، فمر عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أزوجك خيراً من بنت عمر، ويتزوج ابنه عمر خير منك. فتزوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنة عمر، وزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عثمان ابنته الثانية.

وعن أبي هريرة: أن عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك؟ قال: أبكي على انقطاع صهري منك، قال: فهذا جبريل عليه السلام يأمرني بأمر الله عز وجل أن يزوجك أختها. وفي حديث آخر بمعناه: أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها، وعلى مثل عشرتها. قال: فزوجه إياها. وفي حديث آخر بمعناه: أن الله أمرني أن أزوجك أختها رقية، وأجعل صداقها مثل صداق أختها. كذا قال، والمحفوظ أن الأولى رقية. وفي حديث آخر: وجده يبكي قال: لاتبك، والذي نفسي بيده لو أن عندي مئة بنت، تموت واحدة بعد واحدة، زوجتك أخرى حتى لا يبقى من المئة شيء. وعن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثمان أمراً ما صنعه بي ولا بأبي بكر ولا بعمر. قلنا: وما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: كنا حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلوساً وقدمه وساقه مكشوفة إلى رأس ركبتيه، وساقه في ماء بارد كان يضرب عليه عضلة ساقه، فكان إذا جعله في ماء بارد سكن عنه، فقلت: يا رسول الله، مالك لا تكشف عن الركبة؟ فقال: إن الركبة من العورة يا علي. فبينا نحن حوله إذ طلع علينا عثمان، فغطى ساقه وقدمه بثوبه، فقلت: سبحان الله يا رسول الله، كنا حولك وساقك وقدمك مكشوفة، فلما طلع علينا عثمان غطيته، فقال: أما أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟ ثم طلع علينا عمر فقال: يا رسول الله، ألا أعجبك من عثمان؟ قال: وما ذاك؟ قال: مررت به آنفاً وهو حزين كئيب، فقلت: يا عثمان، ما هذا الحزن والكآبة التي بك؟ قال: ما لي لا أحزن يا عمر، وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كل نسب وصهر مقطوع يوم القيامة إلا نسبي وصهري. وقد قطع صهري من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعرضت حفصة بنت عمر فسكت عني، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عمر، أفلا أزوج حفصة من هو خير من عثمان؟ قال: بلى

يا رسول الله. قال: فتزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة في ذلك المجلس، وزوج عثمان ابنته الأخرى، فقال بعض من حسد عثمان بخ بخ يا رسول الله، تزوج عثمان بنتاً بعد بنت، فأي شرف أعظم من ذا؟ قال: لو كانت لي أربعون بنتاً زوجت عثمان واحدة بعد واحدة، حتى لا يبقى منهن واحدة. ونظر إلى عثمان فقال: يا عثمان، أين أنت وبلوى تصيبك من بعدي؟ قال: ما أصنع يا رسول الله؟ قال: صبراً صبراً يا عثمان حتى تلقاني والرب عنك راض. عن أنس بن مالك أو غيره قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبو أيم، ألا أخو أيم، ألا ولي أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته اثنتين، ولو كانت عندي ثالثة لزوجته، وما زوجته إلا بوحي من السماء ". وعن أم عياش وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء ". وعن ابن عمر قال: ذكر عثمان بن عفان عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذاك النور. فقيل له: ما النور؟ قال: النور شمس في السماء والجنان، والنور يفضل على الحور العين، وإني زوجته ابنتي، فلذلك سماه الله عند الملائكة ذا النور، وسماه في الجنان ذا النورين، فمن شتم عثمان فقد شتمني. وعن النزال بن سبرة الهلالي قال: قلنا يعني لعلي يا أمير المؤمنين فحدثنا عن عثمان بن عفان، فقال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين، كان ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنتيه، ضمن له بيتاً في الجنة. وعن أم كلثوم أنها جاءت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، زوج فاطمة خير من

زوجي؟ قال: فأسكت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ملياً، ثم قال: زوجتك من يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله. فولت، فقال: هلمي، ماذا قلت؟ قالت: زوجني من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. قال: نعم، وأزيدك: لو قد دخلت الجنة فرأيت منزله لم تري أحداً من أصحابي يعلوه في منزله. وعن أبي إسحاق قال: قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السلام: إن عثمان في النار، قال: ومن أين علمت؟ قال: لأنه أحدث أحداثاً، فقال له علي: أتراك لو كانت لك بنت أكنت تزوجها حتى تستشير؟ قال: لا. قال: أفرأي هو خير من رأي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنتيه؟ وأخبرني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أكان إذا أراد أمراً يستخير الله أو لا يستخيره؟ قال: لا، بل كان يستخيره. قال: أفكان الله عز وجل يخير له أم لا؟ قال: بل كان يخير له. قال: فأخبرني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أخار الله له في تزويجه عثمان أم لم يخر له؟ قال: ثم قال له: لقد تجردت لك لأضرب عنقك، فأبى الله ذلك، أما والله لو قلت غير ذلك ضربت عنقك. وعن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس في الجنة شجرة إلا وعلى كل ورقة منها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين. وحدث جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً. وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنه لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبي غيره. وعن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي قال: قال لي خالي حسين الجعفي: يابني، تدري لم سمي عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري. قال: لم يجمع بين ابنتي

نبي مذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان بن عفان، فلذلك سمي ذا النورين. وعن عائشة قالت: مكث آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة أيام ما طمعوا شيئاً حتى تضاغوا صبياناً، فدخل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عائشة، هل أصبتم بعدي شيئاً؟ فقلت: من أين إن لم يأتنا الله به على يديك؟ فتوضأ وخرج متسجياً، يصلي ها هنا مرة وها هنا مرة، يدعو، قالت: فأتى عثمان بن عفان من آخر النهار فاستأذن، فهممت أن أحجبه، ثم قلت: هو رجل من مكاثير المسلمين، لعل الله إنما ساقه إلينا ليجري لنا على يديه خيراً، فأذنت له، فقال: أيا أمتاه، أين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: يا بني، ما طعم آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أربعة أيام شيئاُ، ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متغيراً، ضامر البطن، فأخبرته بما قال لها وبما ردت عليه، قال: فبكى عثمان بن عفان وقال: مقتاً للدنيا. ثم قال: يا أم المؤمنين، ما كنت بحقيقة أن ينزل بك مثل هذا ثم لا تذكرينه لي ولعبد الرحمن بن عوف ولثابت بن قيس في نظرائنا من مكاثير الناس. ثم خرج فبعث إلينا بأحمال من الدقيق وأحمال من الحنطة، وأحمال من التمر، وبمسلوخ وثلاث مئة درهم في صرة، ثم قال: هذا يبطئ عليكم، فأتى بخبز وشواء كثير، فقال: كلوا أنتم واصنعوا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يجيء، ثم أقسم على ألا يكون مثل هذا إلا أعلمته. قالت: ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عائشة، هل أصبتم بعدي شيئاً؟ قالت: يا رسول الله، قد علمت أنك إنما خرجت تدعو الله تعالى، وقد علمت أن الله لم يردك عن سؤالك، فقال: فما أصبتم؟ قلت: كذا وكذا حمل بعير دقيق، وكذا وكذا بعير حنطة، وكذا وكذا بعير تمر، وثلاث مئة درهم في صرة، ومسلوخاً وخبزاً وشواء كثيراً. فقال: ممن؟ فقلت: من عثمان بن عفان. قالت: وبكى وذكر الدنيا بمقت، وأقسم على ألا يكون فينا مثل هذا إلا أعلمته. قالت يعني: فلم يجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى خرج إلى المسجد ورفع يديه وقال: اللهم إني قد رضيت عن عثمان فارض عنه، اللهم قد رضيت عن عثمان فارض عنه، اللهم قد رضيت عن عثمان فارض عنه.

وعن أبي سعيد الخدري قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعاً يديه يدعو لعثمان بن عفان يقول: اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه. وعن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم يقول لعثمان: غفر الله لك، ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما كان منك، وما هو كائن إلى يوم القيامة. وزاد في رواية أخرى: وما أخفيت وما أبديت. وعن ليث بن أبي سليم قال: أول من خبص الخبيص في الإسلام عثمان، خلط بين العسل والنقي ثم بعث به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منزل أم سلمة، فلم يصادفه، فلما جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضعته بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستطابه، قال: من بعث بهذا؟ قالت: عثمان، قالت: فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه. وعن زيد بن أسلم قال: بعث عثمان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بناقة صهباء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم جوزه على الصراط. وعن عمران بن حصين: أنه شهد عثمان بن عفان أيام غزوة تبوك في جيش العسرة، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصدقة والقوة والتأسي، وكانت نصارى العرب كتبوا إلى أهل هرقل: إن هذا الرجل الذي خرج ينتحل النبوة قد هلك، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم، فإن كنت تريد أن تلحق دينك فالآن. فبعث رجلاً من عظمائهم يقال له: الصناد، وجهز معه أربعين ألفاً، فلما بلغ ذلك نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب في العرب، وكان يجلس كل يوم على المنبر فيدعو الله ويقول: اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض. فلم يكن للناس قوة، وكان عثمان بن عفان قد جهز عيره إلى الشام، يريد أن يمتار عليها، فقال: يا رسول الله، هذه مئتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومئتا أوقية، فحمد الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكبر وكبر الناس، ثم قام

مقاماً آخر فأمر بالصدقة، فقام عثمان فقال: يا نبي الله، وهاتان مئتان، ومئتا أوقية. فكبر وكبر الناس، وأتى عثمان بالإبل، وأتى بالمال فصبه بين يديه، فسمعته يقول: لا يضر عثمان ما عمل بعد اليوم. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش العسرة قال: فصبها في حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم مراراً. وعن حذيفة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها، قال: فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعه بين يديه، قال: فجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقلبها بيديه ويدعو له، يقول: غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا. وعن عثمان بن عفان قال: لما جهزت جيش العسرة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنمى الله لك يا أبا عمرو في مالك. وربما قال: ورحمك، وجعل ثوابك الجنة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يشتري لنا رومة، فيجعلها صدقة للمسلمين، سقاه الله يوم العطش "؟ فاشتراها عثمان بن عفان، فجعلها صدقة للمسلمين. قال ابن عمر: لما جهز عثمان جيش العسرة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم لا تنساها لعثمان ".

وعن أبي مسعود قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاة، فأصاب الناس جهد، حتى رأيت الكآبة في وجوه المسلمين، والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق ". فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدقان فاشترى عثمان أربعة عشر راحلة بما عليها من الطعام، فوجه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها بتسع، فلما رأى ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما هذا؟ قال: أهدى إليك عثمان. فعرف الفرح في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والكآبة في وجوه المنافقين، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، يدعو لعثمان دعاء ما سمعته دع لأحد قبله ولا بعده: اللهم أعط عثمان، اللهم افعل بعثمان. وعن كثير بن مرة: أنه سئل علي عن عثمان عليهما السلام، فقال: نعم، يسمى في السماء الرابعة ذا النورين، زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحدةً بعد أخرى، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يشتري بيتاً يزيده في المسجد غفر الله له؟ فاشتراه عثمان فزادهفي المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يشتري مربد بني فلان فيجعله صدقةً على المسلمين غفر الله له؟ فاشتراه عثمان، فجعله صدقةً للمسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يجهز هذا الجيش يعني جيش العسرة غفر الله له؟ فجهزهم عثمان حتى لم يفقدوا عقالاً. وقيل: إن عثمان جهز جيش العسرة بتسع مئة وثلاثين ناقة، وسبعين فرساً، ومال، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكفه هكذا يحركها: ما على عثمان ما عمل بعد هذا. قيل: إن جيش العسرة كان سنة ثمان من الهجرة.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله، وما نفعني مال في الإسلام ما نفعني مال أبي بكر، ورحم الله عمر، لقد تركه الحق وما له من صديق، ورحم الله عثمان تستحيه الملائكة، وجهز جيش العسرة، وزاد في مسجدنا حتى وسعنا. حدث أبو سلمة بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تبيعها بعين في الجنة؟ فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان بن عفان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة إن اشتريتها؟ قال: نعم. قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. وعن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رومة وكانت لرجل من مزينة يسقي عليها بأجر، فقال: نعم صدقة المسلم هذه، من رجل يبتاعها من المزني فيتصدق بها؟ فاشتراها عثمان بن عفان بأربع مئة دينار، فتصدق بها، فلما علق عليها العلق مر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأل عنها؟ فأخبر أن عثمان اشتراها وتصدق بها فقال: اللهم أوجب له الجنة. ودعا بدلو من مائها فشرب منه، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا النقاخ، أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ويعذبون، وبئر المزني أعذبها. وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجنة مرتين بيع الخلق، يوم رومة ويوم جيش العسرة.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من وسع لنا في مسجدنا هذا بنى الله له بيتاً في الجنة. قال: فاشترى البيت عثمان، فوسع به في المسجد. وعن سلمة بن الأكوع: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بايع لعثمان بن عفان بإحدى يديه على الأخرى وقال: اللهم إن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك. وعن عثمان بن عفان قال: كانت بيعة الرضوان في، وضرب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشماله على يمينه، وشمال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير من يميني. قال القوم في حديثهم: فبينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البيعة إذ قيل: هذا عثمان قد جاء، فقطع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيعة. وعن جابر قال: إنما بيعة الرضوان بيعة الشجرة في عثمان بن عفان خاصة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن قتلوه لأنابذهم. قال: فبايعناه، ولم نبايعه على الموت، ولكنا بايعناه على ألا نفر، ونحن ألف وثلاث مئة. وذكر الواقدي بأسانيده قال: وكان أول من بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش خراش بن أمية الكعبي، على جمل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له الثعلب، ليبلغ أشرافهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء له، ويقول: إنما جئنا معتمرين معنا الهدي معكوفاً، فنطوف بالبيت ونحل وننصرف. فعقروا جمل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والذي ولي عقره عكرمة بن أبي جهل، وأراد قتله فمنعه من هناك من قومه، حتى خلوا سبيل خراش، فرجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يكد، فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لقي، فقال: يا رسول الله، ابعث رجلاً أمنع مني، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمر بن الخطاب ليبعثه إلى

قريش، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي، قد عرفت قريش عداوتي لها وليس بها من بني عدي من يمنعني، وإن أحببت يا رسول الله دخلت عليهم، فلم يقل له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، قال عمر: ولكني أدلك يا رسول الله على رجل أعز بمكة مني، أكثره عشيرة وأمنع، عثمان بن عفان، قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عثمان فقال: اذهب إلى قريش فخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد، وإنما جئنا زواراً لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدي ننحره وننصرف. فخرج عثمان حتى أتى بلدح، فيجد قريشاً هنالك، فقالوا: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم يدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، وتدخلوا في الدين كافة، فإن الله مظهر دينه ومعز نبيه، وأخرى تكفون عنه، ويلي هذا منه غيركم، فإن ظفر بمحمد فذلك ما أردتم، وإن ظفر محمد كنتم بالخيار، أن تدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو تقاتلوا وأنتم وافرون جامون، إن الحرب قد نهكتكم وأذهبت الأماثل منكم، وأخرى، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبركم أنه لم يأت لقتال أحد، وإنما جاء معتمراً معه الهدي عليه القلائد ينحره وينصرف. فجعل عثمان يكلمهم فيأتيهم بما لا يريدون، ويقولون: قد سمعنا ما تقول، ولا كان هذا أبداً، ولا دخلها علينا عنوة، فارجع إلى صاحبك فأخبره أنه لا يصل إلينا. فقام إليه أبان بن سعيد بن العاص فرحب به وأجاره، وقال: لا تقصر عن حاجتك، ثم نزل عن فرس كان عليه، فحمل عثمان على السرج وردف وراءه، فدخل عثمان مكة، فأتى أشرافهم رجلاً رجلاً، أبا سفيان بن حرب، وصفوان يردون عليه: إن محمداً لا يدخلها علينا أبداً، قال عثمان: ثم كنت أدخل على قوم مؤمنين من رجال ونساء مستضعفين فأقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبشركم بالفتح ويقول: أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالإيمان. فقد كنت أرى الرجل منهم والمرأة، ينتحب حتى أظن سوف يموت فرحاً بما خبرته، فيسأل عن

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيحفي المسألة، وتشهد لذلك أنفسهم، ويقولون: اقرأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منا السلام، إن الذي أنزله الحديبية لقادر أن يدخله بطن مكة. وقال المسلمون: يا رسول الله، وصل عثمان إلى البيت وطاف. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أظن عثمان يطوف بالبيت ونحن محصورون. قالوا: يا رسول الله، وما يمنعه وقد وصل إلى البيت؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ظني به ألا يطوف حتى نطوف ". فلما رجع عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: اشتفيت من البيت يا أبا عبد الله؟ فقال عثمان: بئس ما ظننتم بي، لو مكثت بها سنة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقيم بالحديبية ما طفت، ولقد دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت ذلك عليها، فقال المسلمون: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أعلمنا بالله، وأحسننا ظناً. فلما رجع عثمان أتى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشجرة فبايعه، وقد قبل ذلك حين بايع الناس قال: إن عثمان ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله، فأنا أبايع له، فضرب بيمينه شماله. وعن سعيد بن العاص: أن عثمان وعائشة أخبره أنا أبا بكر استأذن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت عليه، فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك قال: فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت. قال فقالت عائشة: يا رسول الله، لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان. فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن عثمان رجل

حيي، وإني خشيت إن أذنت له، وأنا على تلك الحال، أن لا يبلغ إلى حاجته ". وفي حديث آخر بمعناه عن حفصة بنت عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ذات يوم جالساً قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر فاستأذن الحديث. وفي حديث آخر بمعناه: قال محمد: لا أقول ذلك في يوم واحد يعني أنه كان كاشفاً فخذيه أوساقيه فسوى ثيابه عند دخول عثمان رضي الله عنه. وعن عبد الله بن عمر قال: بينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وعائشة وراءه، إذ استأذن أبو بكر فدخل، ثم استأذن عمر فدخل، ثم استأذن علي فدخل، ثم استأذن سعد بن مالك فدخل، ثم استأذن عثمان بن عفان فدخل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحدث كاشفاً عن ركبيته، فمد ثوبه على ركبتيه وقال لامرأته: استأخري عني. فتحدثوا ساعة ثم خرجوا. قالت عائشة: فقلت يا رسول الله، دخل عليك أصحابك فلم تصلح ثوبك على ركبتيك، ولم تؤخرني عنك حتى دخل عثمان!؟ فقال: يا عائشة، ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ والذي نفس محمد بيده إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله، ولو دخل وأنت قريبة مني لم يرفع رأسه، ولم يتحدث حتى يخرج. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحياء من الإيمان، وأحيا أمتي عثمان ". وعن ابن أبي أوفى قال: استأذن أبو بكر على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجارية تضرب بالدف، فدخل، ثم استأذن عمر فدخل ثم استأذن عثمان فأمسكت، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن عثمان رجل حيي.

وعن بدر بن خالد قال: وفد علينا زيد بن ثابت يوم الدار فقال: ألا تستحيون ممن تستحي منه الملائكة؟! قلنا: وما ذاك؟ قال: سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول: " مر بي عثمان وعندي جيل من الملائكة ". وفي رواية: وعندي ملك من الملائكة فقال: شهيد يقتله قومه، إنا نستحي منه. قال بدر: فانصرفنا عصابة من الناس. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الإسلام عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وعن عبد خير قال: وضأت علياً برحبة الكوفة فقال: يا عبد خير سلني، قلت: عما أسألك يا أمير المؤمنين؟ فتبسم ثم قال: وضأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما وضأتني، فقلت: من أول من يدعىإلى الحساب يوم القيامة؟ قال: أنا، أقف بين يدي ربي عز وجل ما شاء الله، ثم أخرج وقد غفر الله لي. قلت: ثم من؟ قال: أبو بكر يقف كما وقفت مرتين، ثم يخرج وقد غفر الله له. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر يقف كما وقف أبو يكر مرتين، ثم يخرج وقد غفر الله له. قلت ثم من؟ قال: أنا. قلت: وأين عثمان يا رسول الله؟ قال: عثمان رجل ذو حياء، سألت ربي عز وجل ألا يوقفه للحساب، فشفعني. وعن فاطمة ابنة عبد الرحمن قالت: حدثتني أمي أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال: إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان، فإن الناس قد شتموه؟ فقالت: لعن الله من لعنه، فوالله لقد كان قاعداً عند نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمسند ظهره إلي، وإن جبريل عليه السلام ليوحي إليه القرآن، وإنه ليقول له: اكتب يا عثيم. فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريماً على الله ورسوله

وعن جابر قال: بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أبي حشفة في نفر من المهاجرين، فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وفي رواية ابن حمدان: وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لينهض كل رجل إلى كفئه. ونهض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عثمان فاعتنقه ثم قال: أنت وليي في الدنيا، وأنت وليي في الآخرة. وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وزيري والقائم في أمتي من بعدي، وعمر حبيبي ينطق على لساني، وأنا يعني من عثمان وعثمان مني، وعلي أخي وصاحب لوائي ". وفي رواية: وصاحبي يوم القيامة. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق في الجنة، ورفيقي فيها عثمان بن عفان ". وعن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يدخل عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة ". فدخل عثمان بن عفان. وعن جابر قال: ما صعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنبر قط إلا قال: " عثمان في الجنة ". وعن معاذ بن جبل قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويمينه في يد أبي بكر، ويساره في يد عمر، وعلي آخذ بطرف ردائه، وعثمان من خلفه، فقال: " هكذا ورب الكعبة ندخل الجنة ". وعن سهل بن سعد الساعدي قال: وصف لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم الجنة، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أفي الجنة برق؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده، إن عثمان ليتحول من منزل إلى منزل، فتبرق له الجنة ".

وعن عبيدة السلماني قال: هجمت على عبد الله بن مسعود وهو في دهليزه، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: القائم بعدي في الجنة، والذي يقوم بعده في الجنة، والثالث والرابع في الجنة. وعن أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بينا أنا جالس إذ جاءني جبريل، فحملني فأدخلني جنة ربي، فبينا أنا جالس إذ جعلت في يدي تفاحة، فانفلقت التفاحة، فخرجت منها جارية، لم أر جارية أحسن منها حسناً، ولا أجمل منها جمالاً، تسبح تسبيحاً لم يسمع الأولون والآخرون بمثله، فقلت: من أنت يا جارية؟ قالت: أنا من الحور العين، خلقني الله تعالى من نور عرشه. فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا للخليفة المظلوم عثمان بن عفان. وفي حديث عن عقبة بن عامر: انفلقت عن حوراء عيناء مريضة، كأن أشفار عينيها مقاديم أجنحة النسور، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا للخليفة المقتول ظلماً عثمان بن عفان. وفي رواية ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": لما أسري بي إلى السماء، فصرت إلى السماء الرابعة، سقط في حجري تفاحة، فأخذتها بيدي، فانفلقت فخرج منها حوراء تقهقه، فقلت لها: تكلمي، لمن أنت؟ قالت: للمقتول شهيداً عثمان بن عفان. قالوا: وهذا الحديث منكر بهذا الإسناد. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربع قرون بعد أصحابي، القرن الأول

والثاني والثالث تترى، والقرن الرابع فرادى. وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى بالناس الغداة أقبل عليهم بوجهه فقال: " هل فيكم مريض أعوده؟ فإن قالوا: لا، قال: فهل فيكم جنازة أتبعها؟ فإن قالوا: لا، قال: من رأى منكم رؤيا يقصها علينا؟ فقال رجل: رأيت البارحة كأنه نزل ميزان من السماء، فوضعت في إحدى الكفتين، ووضع أبو بكر في الكفة الأخرى فشلت به، ثم أخرج أبو بكر من الكفة، فجيء يعني بعمر فوضع في الكفة فشال به أبو بكر، ثم جيء بعثمان فوضع في الكفة فشال به عمر، ثم رفع به الميزان، فما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسألهم عن الرؤيا بعد. وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني أريت أني وضعت في كفة وأمتي في كفة فعدلتها، ثم وضع أبو بكر في كفة وأمتي في كفة فعدلها، ثم وضع عمر وأمتي في كفة فعدلها، ثم وضع عثمان في كفة وأمتي في كفة فعدلها ". وعن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة فقال: رأيت قبل صلاة الفجر كأنما أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهذه المفاتيح، وأما الموازين فهذه التي يوزن بها، فوضعت في إحدى الكفتين ووضعت أمتي في الأخرى، فوزنت، فرجحتهم، ثم جيء بأبي بكر فوزن، فوزنهم، ثم جيء بعمر فوزن فوزنهم، ثم جيء بعثمان فوزن فوزنهم، ثم استيقظت فرفعت ". وعن عرفجة الأشجعي قال: صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر ثم جلس، فقال: وزن أصحابنا الليلة، فوزن أبو بكر، ثم وزن عمر فوزنه عثمان فخف، وهو صالح.

وعن سفينة قال: بنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد، ووضع حجراً، قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري، ثم قال: ليضع عمر حجراً إلى جنب حجر أبي بكر، ثم قال: ليضع عثمان حجراً جنب حجر عمر، ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي. وعن رجل يقال له: سويد بن يزيد السلمي قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته: كنت رجلاً أتتبع خلوات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يوماً خالياً وحده، فاغتنمت خلوته، فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر فسلم ثم جلس عن يمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر، ثم جاء عثمان فسلم ثم جلس عن يمين عمر، بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتناول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع حصيات أو قال: تسع حصيات فأخذهن فوضعهن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر، فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان، فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه خلافة النبوة ". وفي حديث آخر رواه عن عاصم بن حميد أن أبا ذر كان يقول: انطلقت ألتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض حوائط المدينة، وساق الحديث والحصيات، وقال: فناولهن عثمان فسبحن في يده، ثم انتزعهن منه فناولهن علياً، فلن يسبحن، وخرسن. وعن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ حصيات في يده فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد أبي بكر، فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عمر، فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عثمان، فسبحن حتى سمعنا التسبيح ثم صيرهن في أيدينا رجلاً رجلاً، فما سبحت حصاة منهن.

وعن الحارث بن أقيش قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد إلا أدخلهما الله الجنة. قالوا يا رسول الله، وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قالوا يا رسول الله، واثنان؟ قال: واثنان، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون أحد زواياها، وإن من أمتي لمن يدخل بشفاعته الجنة أكثر من مضر. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل أحد الحيين ربيعة ومضر. فقال رجل: يا رسول الله، أما ربيعة من مضر؟ فقال: " إنما أقول ما أقول ". قال: فكان المشيخة يرون ذلك الرجل عثمان بن عفان. وعن ابن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد جاورني عثمان بن عفان في طبق أربعين صباحاً وأربعين ليلة، فما سمعت له خضخضة ماء، فنعم الجار عثمان ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله ليشفعن عثمان بن عفان في سبعين ألفاً من أمتي قد استوجبوا النار، حتى يدخلهم الله الجنة ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل نبي خليل في أمته، وأنا خليلي عثمان بن عفان ". وعن ابن عباس قال: نزل رسول الله بالجحفة، فدخل في غدير ومعه أبو بكر وعمر يتماقلان، فأهوى عثمان إلى ناحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاعتنقه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ": هذا أخي ومعي ".

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؛ واختار أمتي على سائر الأمم، فبعثني في خير قرن، ثم الثاني، ثم الثالث تترى، ثم الرابع فرادى. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله أمر بحب أربعة من أصحابي، وقال: أحبهم، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كما فرض عليكم الصلاة والصيام والحج والزكاة فمن أبغض واحداً منهم فلا صلاة له، ولا صيام له، ولا حج له، ولا زكاة له ويحشر يوم القيامة من قبره إلى النار. وعن علي قال: من أحب أبا بكر قام يوم القيامة مع أبي بكر، وصار معه حيث يصير، ومن أحب عمر كان مع عمر حيث يصير، ومن أحب عثمان كان مع عثمان، ومن أحبني كان معي؛ من أحب هؤلاء الأربعة كان قائد هؤلاء الأربعة إلى الجنة. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أربعة لا يجتمع حبهم في قلب منافق، ولا يحبهم إلا مؤمن: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

وعن جابر قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجنازة رجل فلم يصل عليه، فقالوا: يا رسول الله، ما رأيناك تركت الصلاة على أحد إلا على هذا؟؟؟ قال: إنه كان يبغض عثمان؛ أبغضه الله. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لحوضي أربعة أركان: ركن عليه أبو بكر، وركن عليه عمر، وركن عليه عثمان، وركن عليه علي، فمن جاء محباً لهم سقوه، ومن جاء مبغضاً لهم لا يسقونه. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أبو بكر؟ فيؤتى بابن أبي قحافة، فيوقف على باب الجنة، ويقال له: أدخل من شئت برحمة الله، وامنع من شئت بعلم الله؛ ثم يؤتى بعمر، فيوقف عند الميزان، فيقال له: ثقل ميزان من شئت برحمة الله، وخفف ميزان من شئت بعلم الله؛ ثم يؤتى بعثمان، فيؤتى بعصا من جنة الخلد التي غرسها الله بيده، ويوقف عند الحوض، ويقال له: رد من شئت برحمة الله، وذب من شئت بعلم الله، ثم يؤتى بعلي، فيكسى حلة من نور، ويقال له: هذه اذخرتها لك حين أنشأت خلق السموات والأرض. وروى عن ابن عباس حديثاً آخر بمعناه، إلا أنه جعل الحلة لعثمان، وجعل لعلي قضيب عوسج من عوسج الجنة يذود الناس عن الحوض. وعن أبي موسى الأشعري قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً إلى حائط من حوائط المدينة لحاجته، فخرجت في إثره، فلما دخل الحائط جلست على بابه، وقلت: لأكونن اليوم بواب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يأمرني، فذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضى حاجته ثم جلس على قف البئر، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فجاء أبو بكر يستأذن عليه ليدخل، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك،

فوقف وجئت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا نبي الله، أبو بكر يستأذن عليك، فقال: " ائذن له، وبشره بالجنة ". فدخل، فجاء عن يمين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، ثم جاء عمر، فدخل، فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك. فقال: ائذن له وبشره بالجنة. فجاء فجلس عن يسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، فامتلأ القف، فلم يكن فيه مجلس، ثم جاء عثمان فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك، فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلاء يصيبه. فلم يجد معهم مجلساً حتى جاء مقابلهم على شفير البئر، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر. فجعلت أتمنى أن يأتي أخ لي، وأدعو الله أن يأتي به، فلم يأت أحد حتى قاموا فانصرفوا. قال ابن المسيب: فتأولت ذلك، قبورهم اجتمعت ها هنا، وانفرد عثمان. وفي رواية: فقال عثمان: اللهم صبراً. وعن أنس بن مالك قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، وخرجت معه، فدخل حائطاً من حيطان الأنصار، فدخلت معه وقال: يا أنس، أغلق الباب. فأغلقت الباب، فإذا رجل يقرع الباب، فقال: يا أنس، افتح لصاحب الباب، وبشره بالجنة، وأخبره أنه يلي أمتي من بعدي. قال: فذهبت أفتح له وما أدري من هو، فإذا هو أبو بكر، فأخبرته بما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمد الله عز وجل فدخل، ثم جاء آخر فقرع الباب، فقال: يا أنس، افتح لصاحب الباب، وبشره بالجنة، وأخبره أنه يلي أمتي من بعد أبي بكر. قال: فذهبت أفتح له، وما أدري من هو فإذا هو عمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله عز وجل ودخل، ثم جاء آخر فقرع الباب، فقال: يا أنس، افتح لصاحب الباب، وبشره بالجنة، وأخبره أنه يلي أمتي من بعد أبي بكر وعمر، وأنه سيلقى منهم بلاء يبلغون دمه. قال: فذهبت أفتح له، وما أدري من هو، فإذا هو عثمان بن عفان، ففتحت له الباب وأخبرته بما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فحمد الله عز وجل واسترجع.

وعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تهجمون في هذا الوادي على رجل من أهل الجنة معتجر ببرد أحمر، تبايعونه ". فهجمنا عليه نبايعه، فإذا هو عثمان بن عفان. قال أبو جحيفة: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال: ألا إن خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، ثم عمر، ولو شئت أن أخبركم بثالث لأخبرتكم. قال: فنزل عن المنبر وهو يقول: عثمان، عثمان. قال صالح بن موسى الطلحي: قلت لعاصم بن أبي النجود: على ما تضعون قول علي: لو شئت أن أسمي الثالث لسميته؟ قال: نضعه على أنه عنى عثمان، هو كان أفضل من أن يزكي نفسه. وعن عمرو بن حريث قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وعمر وعثمان. وعن شريح القاضي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم أنا. وعن شريح عن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. لم يزد. وعن عبد خير قال: خطب علي فقال: أفضل الناس بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، وأفضلهم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته. قال: فوقع في نفسي من قوله: ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته. فأتيت الحسن بن علي فقلت: إن أمير المؤمنين خطب فقال: إن أفضل الناس بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، وأفضلهم بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي

الثالث لسميته. فوقع في نفسي. فقال الحسن: قد وقع في نفسي كما وقع في نفسك، فسألته فقلت: يا أمير المؤمنين، من الذي لو شئت أن تسميه؟ قال: المذبوح كما تذبح البقرة. أو كما قال. وعن عبد الله بن عمر قال: جاءني رجل من الأنصار في خلافة عثمان، فإذا هو يأمرني في كلامه أن أعيب على عثمان، فتكلم كلاماً طويلاُ، وهو امرؤ في لسانه ثقل، فلم يكد يقضي كلامه في سريع، فلما قضى كلامه فقلت له: إنا كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفساً بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئاً، ولكنه هو هذا المال، إن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يتركون لهم أميراً إلا أمير إلا قتلوه، ففاضت عيناه بأربعة من الدمع، ثم قال: اللهم لا نريد ذاك. وعن عبد الله بن عمر قال: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أبو بكر وعمر وعثمان. وفي رواية: أفضل هذه الأمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعده أبو بكر وعمر وعثمان. وعن ابن عمر قال: إنا كنا نقول على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة. وعنه قال: كنا في زمن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نعدل بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد بأبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نفاضل بينهم. وعن ابن عمر قال: اجتمع المهاجرون والأنصار على أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان،.

هته الآن. وعن ابن عمر قال: كنا إذا ذكرنا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان ثم لم ينال من قدمنا وأحزنا. وعن ابن عمر قال: كنا نقول والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا، وأصحابه متوافرون: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينكره. وعن ابن عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا ذهب أبو بكر وعمر عثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينكره. وعن زرعة بن عمرو مولى الحباب عن أبيه قال: لما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم، فلما أن أتاهم قال: يا أهل قباء، اجمعوا لنا من حجارة الحرة. قال: فجمعوا، قال: ثم خط لهم قبلتهم، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً من تلك الحجارة فجعله على الخط، ثم قال لأبي بكر: خذ حجراً فاجعله على الخط. فأخذ أبو بكر حجراً من تلك الحجارة فجعله إلى جنب حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر. ثم قال لعثمان: خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر. قال: فأخذ حجراً فوضعه، قال: ثم التفت إلى الناس بعد فقال: من أحب أن يضع فليضع حجره حيث شاء على هذا الخط. وعن قطبة قال: مررت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أسس أساس مسجد قباء، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقلت: يا رسول الله، أسست هذا المسجد وليس معك غير هؤلاء النفر

الثلاث؟ قال: إنهم ولاة الخلافة من بعدي. وكان جابر بن عبد الله يحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونيط عمر بن الخطاب بأبي بكر، ونيط عثمان بن عفان بعمر. قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما ما ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلال فقال: يا بلال، ناد في الناس أن الخليفة أبو بكر. ثم قال: يا بلال، ناد في الناس أن الخليفة بعد أبي بكر عمر. ثم قال: يا بلال، ناد في الناس أن الخليفة من بعد عمر عثمان. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا بلال امض أبى الله عز وجل إلا ذلك. ثلاث مرات. وعن سهل بن أبي حثمة قال: بايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابياً، فلما خرج من عنده قال له علي: إن مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فممن تأخذ حقك؟ قال: ما أدري. قال: ارجع فسله. فرجع الأعرابي فسأله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أبي بكر. فلما خرج قال له علي: فإن مات أبو بكر ممن تأخذ؟ قال: لا أدري. قال: ارجع فسله، فسأله فقال: من عمر. فلما خرج قال علي: فإن مات عمر؟ قال: لا أدري، قال: ارجع فاسأله، قال فرجع فسأله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عثمان. فلما خرج قال علي: فإن مات عثمان فممن تأخذ حقك؟ قال: لا أدري. قال: ارجع فاسأله. قال: فرجع فسأله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا مات عثمان فإن استطعت أن تموت فمت.

وفي حديث آخر عن رجل من خزاعة قدم فلقيه علي، فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت أسأل رسول الله صلى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى من ندفع صدقة أموالنا إذا قبضه الله؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلى أبي بكر. قال: فإذا قبض الله أبا بكر فإلى من؟ قال: إلى عمر. قال: فإذا قبض الله عمر فإلى من؟ قال: إلى عثمان. قال: فإذا قبض الله عثمان فإلى من؟ قال: انظروا لأنفسكم. وفي حديث آخر بمعناه: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هؤلاء الخلفاء من بعدي. وفي حديث آخر بمعناه عن وفد بني المصطلق قالوا في آخره: فإن لم نجد عثمان؟ قال: فلا خير لكم في الحياة بعد ذلك. وفي حديث عن أنس، بمعناه قالوا: قل له فإن لم نجد عمر؟ فقلت له، فقال: قل لهم ادفعوها إلى عثمان، وتباُ لكم يوم يقتل عثمان. وعن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية: " تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ". قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعلي وولده. وعن ابن عباس في قوله: " آمنوا كما آمن الناس " قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وعن ابن عباس في قوله تعالى: " كزرع " قال: أصل الزرع عبد المطلب، " أخرج شطأه " محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " فآزره " بأبي بكر " فاستغلظ " بعمر، " فاستوى " بعثمان، " على سوقه " بعلي بن أبي طالب، " يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ". وعن أنس: أن عثمان أحد الحواريين حواريي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن الزهري قال: لم يجمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عثمان وأبي بن كعب. وعن الشعبي قال: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه. وقال الشعبي: ما حفظ من الخلفاء القرآن أحد إلا عثمان بن عفان. وعن عامر بن سعد أنه سمع عثمان بن عفان يقول: ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله ألا أكون كنت أوعى من أصحابه عنه، ولكني أشهد لسمعته يقول: من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا حدث أتم حديثاً ولا أحسن من عثمان بن عفان، إلا أنه كان رجلاً يهاب الحديث. وعن القاسم بن محمد قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار، دعا عمر وعثمان وعلياً، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي كعب، وزيد بن ثابت، وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر، وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر على ذلك، ثم ولي عمر فكان يدعو هؤلاء النفر، وكانت الفتوى تصير وهو خليفة إلى عثمان، وأبي، وزيد بن ثابت. وعن المسور بن مخرمة قال: كان علم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ستة: إلى عمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت.

وعن ابن سيرين قال: كانوا يرون أن أعلم الناس بالمناسك عثمان بن عفان، وبعده عبد الله بن عمر. وعن ابن شهاب قال: لو هلك عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة، جاء على الناس زمان وما يحسنه غيرهما. وعن نافع قال: سئل ابن عمر عن عدة أم الولد فقال: حيضة، فقال رجل: إن عثمان كان يقول: ثلاثة قروء، فقال: عثمان خيرنا وأعلمنا. كان عثمان إذا جلس على المقاعد جاءه الخصمان فقال لأحدهما: اذهب ادع علياً. وقال للآخر: اذهب فادع طلحة والزبير ونفراً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم يقول لهما: تكلما، ثم يقبل على القوم فيقول: ما تقولون؟ فإن قالوا ما يوافق رأيه أمضاه، وإلا نظر فيه بعد، فيقومان وقد سلما وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون بعدي اثنا عشر خليفة: أبا بكر الصديق لا يلبث خلفي إلا قليلاً، وصاحب رحى دارة العرب، يعيش حميداً ويموت شهيداً. فقال رجل: من هذا؟ فأشار إلى عمر بن الخطاب، قال: ثم أشار إلى عثمان فقال: وأنت يقمصك الله قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه، فإنك إن خلعته دخلت النار. وفي رواية فوالذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يدخل الجمل في سم الخياط. فقال رجل لعبد الله بن عمرو: ما لنا ولهذا! إنما جلسنا لتذكرنا. قال: فقال: والذي نفسي بيده لو تركتني لأخبرتكم بما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم واحداً واحداً. وعن علي بن أبي طالب قال: لم يقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أسر إلي، أن الخليفة من بعده أبو بكر، ومن بعد أبي بكر عمر، ومن بعد عمر عثمان، ثم تلي الخلافة.

وعن عبد الله بن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله وعنده أبو بكر وعمر وعثمان، وقد خلص بهم، فسلمت فلم يرد علي، فمثلت قائماً لألتمس فراغه وخلوته، خشية أن أكون أحدثت حدثاً، فناجى أبا بكر طويلاً ثم خرج، ثم عمر ثم خرج، فأقبلت أستغفر وأعتذر فقلت: سلمت فلم ترد علي، فقال: شغلني هؤلاء عنك. فقال: بماذا؟ فقال: أعلمت أبا بكر أنه من بعدي، وقلت: انظر كيف تكونن، فقال: لا قوة إلا بالله، ادع الله لي. ففعلت، والله فاعل به ذلك، ثم قلت لعمر مثل ذلك، فقال: لا قوة إلا بالله، حسبي الله، والله حسبه، ثم قلت لعثمان مثل ذلك وأنت مقتول، فقال: لا قوة إلا بالله، ادع الله لي بالشهادة، فقلت: إن صبرت ولم تجزع، فقال: أصبر. وأوجب الله له الجنة، وهو مقتول. فلما جاءت إمارته قال: والله ما ألوا عن أعلاها ذي فوق. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عثمان يكتب وصية أبي بكر فقال أبو بكر: إني لا أدع أحداً بعدي أحب إلي منك، ولا أعز علي وأشد فقراً منك، وإني قد كنت جعلت لك من أرضي جداد أحد وعشرين وسقاً يقول: صرام النخل فلو كنت قبضت كان لك. ثم أغمي عليه أو غشي عليه، قال: فعجل عثمان بن عفان فكتب عمر بن الخطاب، فأفاق أبو بكر فقال له: أكتبت؟ قال: نعم قد كتبت، قال: من كتبت؟ قال: كتبت عمر. قال: أما إنك كتبت الذي أريد أن آمرك به، ولو كنت كتبت نفسك كنت لها أهلاً.

وعن حذيفة قال: إني وعمر لواقفان بعرفة، ونحن ننتظر أن تجب الشمس فنفيض. قال حذيفة: فلما رأى عمر عجيج الناس وما يصنعون قال: يا بن اليمان، كم ترى هذا يدوم لهم؟ قلت: حتى يكسر باب أو يفتح باب. قال: ففزع عمر وقال: ما يكسر باب أو يفتح؟ قلت يقتل رجل أو يموت. قال حذيفة: فلقنها عمر فقال: يا حذيفة، من ترى قومك يؤمرون؟ قال: قلت: قد نظر الناس إلى عثمان بن عفان وشهروه لها. ومن حديث آخر عنه قلت: أراهم شوفوا لابن عفان، فقال: يا ويحهموه. وعن حذيفة أيضاً قال: قلت لعمر بالموقف: من الخليفة بعدك؟ قال: ابن عفان. وعن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر فكان الحادي يحدو: من مشطور السريع إن الأمير بعده ابن عفان وحججت مع عثمان فكان الحادي يحدو: من مشطور السريع إن الأمير بعده علي وعن الأقرع مؤذن عمر: أن عمر دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في شيء من كتبكم، قال: نجد صفتكم وأعمالكم ولا نجد أسماءكم. قال: كيف تجدوني؟ قال: قرناً من حديد. قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد. قال عمر: الله أكبر! فالذي من بعدي؟ قال: رجل صالح يؤثر

أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، فالذي من بعده؟ قال: صدأ من حديد، قال: فقال عمر: وألقى شيئاً في يده وجعل يقول: وادفراه، وادفراه! قال: فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، فإنه رجل صالح ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء، والسيف مسلول. وعن المسور بن مخرمة قال: كان عمر بن الخطاب وهو صحيح يسأل أن يستخلف فيأبى، فصعد يوماً المنبر، فتكلم بكلمات وقال: إن مت فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين فارقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض: علي بن أبي طالب ونظيره الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف ونظيره عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله ونظيره سعد بن مالك، ألا وإني أوصيكم بتقوى الله في الحكم والعدل في القسم. وعن زيد عن أبيه: أن عمر بن الخطاب لما طعن قال للستة النفر الذي خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدنيا وهوعنهم راض: بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فمن أبى فاضربوا عنقه. وعن ابن أبي ملكية قال: ما خص عمر أحداً من الشورى دون أحد، إلا أنه خلا بعلي وعثمان، كل منهما دون صاحبه فقال: يا فلان، اتق الله ابتلاك الله بهذا الأمر، ولا تحملن بني فلان على رقاب الناس، وقال للآخر مثل ذلك.

وعن عبد الله بن أبي ربيعة قال: أدخلوني معكم في الشورى، فإني لا أنفس على أحد خيراً ساقه الله إليه، ولا يعدمكم مني رأي. قال: فقالوا: لا تدخل معنا، قال: فاسمعوا مني، قالوا: قل ما شئت. قال: إن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا، وإن بايعتم لعثمان سمعنا وأطعنا، والله ما يتشابهان، فاتق الله يا بن عوف. بعث عبد الرحمن بن عوف في ليلة إلى أهل الشورى، فجلس في المسجد، فدعا رجلاً بعد رجل، فيقول له: أرأيت لو كنت تلي أمر هذه الأمة فحضرتك الوفاة، من كنت مستخلفاً؟ فيقول: عثمان، فيقول له: قم، ثم يدعو الآخر فيقول له مثل ذلك، حتى انتهى إلى علي بن أبي طالب آخرهم، وقال له: أرأيت لو كنت تلي أمر هذه الأمة فحضرتك الوفاة، من كنت مستخلفاً؟ فتلكأ عليه وقال: ما لك ولهذا، فجعل يتلكأ عنه حتى نودي بالصلاة للصبح، وعبد الرحمن يسأله عن ذلك، فأبى علي أن يخبره حتى خشي الإقامة والصبح، فقال له عبد الرحمن: هذا الصبح وهذه الصلاة قد حضرت فأخبرني؟ قال: اللهم عثمان. وعن المسور بن مخرمة: أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن بن عوف: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم. فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف. قال: فما رأيت رجلاً بذ قوماً قط أشد مما بذهم به حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأياً، ولا يطؤوا عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن بن عوف يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحداً، حتى إذا كان من الليلة التي أصبح فيها فبايع. قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: ألا أراك نائماً! والله ما اكتحلت منذ هذه الثلاث كثير نوم، انطلق

فادع لي رجلاً من المهاجرين، نشاورهم، ثم أرسلني بعدما ابهار الليل فدعوت له علياً، فناجاه طويلاً، ثم قام علي من عنده، ثم دعاني فقال: ادع لي عثمان آخر من ناجى وآخر من دعا فانتحى هو وعثمان حتى فرق التأذين للفجر بينهما، فلما صلوا صلاة الفجر جمع عبد الرحمن الرهط، ثم أرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين من قريش فدعاهم، وأرسل إلى السابقة من الأنصار، ثم أرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا قد وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن بن عوف ثم قال: أما بعد: يا علي، فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان بن عفان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، ثم أخذ عبد الرحمن بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس، المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد، وبايعه المسلمون. وفي حديث آخر بمعناه: أنه دعا بعلي وعثمان، فلما اجتمعا عنده خطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني قد فليت الناس عنكما فأشيرا علي وأعيناني على أنفسكما، هل أنت يا علي مبايعي إن وليتك هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله بعهد الله وميثاقه وسنة الماضيين قبل؟ قال: لا، ولكن على طاقتي، قال: فصمت شيئاً ثم تكلم كلاماً دون كلامه الأول، ثم قال في قوله: إني قد فليت الناس عنكما، فأشيرا علي وأعيناني على أنفسكما، هل أنت يا علي مبايعي إن وليتك هذا الأمر على سنة الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعهد الله وميثاقه وسنة الماضيين قبل؟ قال: لا، ولكن على طاقتي، قال: ثم قال عثمان: أنا يا أبا محمد أبايعك إن وليتني هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله وميثاقه وسنة الماضيين قبل قالها عثمان في الثلاث قال: ثم كانت الثالثة، فقال: اسمع أبا عبد الله، قد قال ما ترى، وعسى الله أن يجعل في ذلك خيراً، قال: فأحب أن يقوما عنه، فقال: إن شئتما، فقاما عنه. فقام عبد الرحمن فاعتم ولبس السيف ثم خرج إلى المسجد، قال: ولا أشك أنه يبايع لعلي لما رأيت من حرصه على علي، فلما صليت الصبح رقي عبد الرحمن على المنبر، فحمد اله وأثنى عليه، ثم

أشار إلى عثمان، حجرة من الناس ما هو بقريب، فقال: ادن، فبايعه على سنة الله وسنة رسوله بعهد الله وميثاقه. قال: فعرفت أن خالي كان أصوب، أشكل عليه رجلان، فأعطاه أحدهما وثيقة، ومنعه الآخر إياها. وفي حديث آخر بمعناه عن أبي صالح الحنفي قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فجعلها في الستة الرهط، وأمر صهيباً إذا هو مات أن يصلي بالناس ثلاثاً، فإن اختاروا لأنفسهم وإلا ترك الصلاة بهم، فلما قبر عمر صلى بهم صهيب يومين، فلما كان اليوم الثالث قال لهم وقد صلى بهم الغداة: اختاروا لأنفسكم فيما بينكم وإلا فقد اعتزلت الصلاة في آخر هذا اليوم كما أمرني أمير المؤمنين عمر. وقد كان عبد الرحمن بن عوف قبل ذلك يسأل المسلمين في دورهم، ويأتيهم في منازلهم فيقول: من ترضون أن يكون عليكم خليفة؟ فيجيبونه ويقولون: عثمان. فلما كان اليوم الثالث في وقت الظهر اجتمع المسلمون في المسجد، وجاء أهل العوالي، وازدحم الناس في المسجد وتكاتفوا، فلما صلى بهم صهيب الظهر قال لهم: اختاروا لأنفسكم، فقام عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر، منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا معشر الناس، على أماكنكم، فجلس الناس وتطاولت أعناقهم واستمعوا، فقال: يا معشر الناس، ألستم تعلمون أن عمر بن الخطاب جعل هذا الأمر في ستة؟ قالا: بلى، قال: فإني خارج منها ومختار لكم، فما تقولون؟ قالوا: رضينا، وأقبل على علي وعثمان فقال: ما تقولان؟ فقالا: رضينا. فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي فاجتمع رأي المسلمين بعد على أن استخلفوا أبا بكر فاستخلفوه، فقام بأمر الله، وأخذ المنهاج الذي أخذ فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى مضى لسبيله، ثم استخلف عمر فقام بما قام به صاحباه، ولم يأل حتى كان من قدر الله ما قد علمتم، فجعلها فينا معاشر الستة وإني مختار لكم، قم يا عثمان، قم يا علي. فقاما، فقال لهذا: ابسط يدك، وقال لهذا: ابسط يدك. فبسطا أيديهما، فقال: يا أبا الحسن، إن صار هذا الأمر إليك أتسير سيرة صاحبيك؟ قال: نعم، فأعاد القول على علي فقال مثل قوله الأول، وقال لعثمان فقال: نعم. ثم أقبل على علي فقال: يا أبا الحسن، إن فاتك هذا

الأمر فمن تحب أن يكون؟ قال: في أخي هذا وأومى إلى عثمان فقال عبد الرحمن: معاشر الناس، ألستم راضين بأحد هذين أيهما بايعتموه؟ فأعاد القول على علي فقال: أشهد لن تبايعني، ولن تبايع إلا عثمان لأن هذا عهد معهود إلي، معاشر الناس، والله ليقلدن الأمر والخلافة، عهد البار الصادق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي أنه الخليفة الثالث بعده، ولئن فعلتم لأسمعن ولأطيعن، فقال عبد الرحمن: فابدأ إذاً فبايعه، فضرب على كفه بالبيعة، فكانت أول كف وقعت على يد عثمان، وقال في بيعته: سبقت عدتي بيعتي. قال أبو صالح: يريد بهذا القول أنه إن فاتته كان أحب الناس إليه عثمان أن يكون فيه، ولقد علم بالعهد المعهود أنه لا يكون خليفة بعد عمر إلا عثمان. وعن أبي ذر قال: لما كان أول يوم في البيعة لعثمان " ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ليهلك من هلك عن بينة " قال أبو ذر: اجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، ونظرت إلى أبي محمد يعني عبد الرحمن بن عوف قد اعتجر بريطته، وقد اختلفوا، إذ جاء أبو الحسن بأبي هو وأمي فلما أن بصروا بأبي الحسن علي بن أبي طالب سر القوم طراً، فأنشأ يقول: إن أحق ما ابتدأ به المبتدئون، ونطق به الناطقون، وتفوه به القائلون، حمد الله وثناء عليه بما هو أهله، والصلاة على النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خطب خطبة، حمد الله وأنثى عليه، وصلى على سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثم قال في آخرها: فقبضه الله إليه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ما أجل رزيته، وأعظم مصيبته، فالمؤمنون فيه سواء، مصيبتهم فيه واحدة. ثم قال علي: فقام مقامه أبو بكر الصديق رحمة الله عليه فوالله، يا معشر المهاجرين، ما رأيت خليفة أحسن أخذاً بقائم السيف يوم الردة من أبي بكر الصديق، رحمة الله عليه يومئذ، قام مقاماً أحيا الله به سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: والله لو منعوني عقالاً لأجاهدنهم في الله. فسمعت وأطعت لأبي بكر، وعلمت أن ذاك خير لي، فخرج من الدنيا خميصاً

وكيف لا أقول هذا في أبي بكر؟ وأبو بكر ثاني اثنين، وكانت ابنته ذات النطاقين يعني أسماء تنطلق بعباءة له، وتخالف بين رأسيها، ومعها يعني رغيفين في نطاقها، فتزج بها إلى حبيب القلوب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف لا أقول هذا وقد اشترى سبعة: ثلاث نسوة وأربعة رجال، كلهم أوذي في الله وفي رسوله، وكان بلال منهم وتجهز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماله ومعه يومئذ أربعون ألفاُ، فدفعها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهاجر بها إلى طيبة. ثم قام مقامه الفاروق عمر بن الخطاب رحمة الله عليه، شمر عن ساقيه، وحسرعن ذراعيه، لا تأخذه في الله لومة لائم، كنا نرى أن السكينة تنطق على لسانه، وكيف لا أقول هذا ورأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي بكر وعمر رحمهما الله فقال: هكذا نحيا، وهكذا نموت، وهكذا نبعث، وهكذا ندخل الجنة. وكيف لا أقول هذا في الفاروق، والشيطان يفر من حسه؟ فمضى شهيداً رحمة الله عليه. ثم أراكم معشر المهاجرين والأنصار رمقتموني بأبصاركم طراً. ولم يكن أبوعبد الله يعني عثمان بن عفان تلك الساعة ثم. وأنشأ علي في أبي عبد الله يعني عثمان يقول: أعلمتم معاشر المهاجرين أنه ما فيكم مثل أبي عبد الله، أوليس زوجة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثم أتاه جبريل فقال حين أوعز إليه وهو في المقبرة: يا محمد، إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أختها. وكيف لا أقول هذا وقد جهز أبو عبد الله جيش العسرة؟ وهيأ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سخينة أو نحوها فأقبل بها في صحفته وهي تفور، فوضعها تلقاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا من حافتيها، ولا تهدوا ذروتها فإن البركة تنزل من فوقها. ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤكل الطعام سخناً جداً، فلما أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السخينة أونحوها من سمن وعسل وطحين، فمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى فاطر البرية تبارك وتعالى ثم قال: غفر الله لك يا عثمان، ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وما أسررت وما أعلنت، اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان. قال علي رحمه الله: معشر المهاجرين، تعلمون أن بعير أبي جهل ند فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: يا عمر، ائتنا بالبعير. فانطلق البعير إلى عير أبي سفيان، وكانت

عليه حلقة مزموم بها من ذهب، وقال آخرون: من فضة، وعليه جل مدبج كان لأبي جهل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: ائتنا بالبعير. فقال عمر: يا رسول الله، إن من هناك يعني ملأ قريش عدى أقل ذاك. فعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن العدد والمادة لعبد مناف، فوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثمان إلى عير أبي سفيان ليأتي بالبعير، فانطلق عثمان على قعوده وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معجباً به جداً حتى أتى بالبعير، فأتى أبا سفيان، فقام إليه مبجلاً معظماً، وقد احتبى بملاءته، فقال أبو سفيان: كيف خلفت ابن عبد الله؟ فقال له عثمان: من هامات قريش وذروتها وسنام قناعسها، يا أبا سفيان، هو علم من أعلامها، يا أبا سفيان، سماء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماء ماطرة، وبحاره زاخرة، وعيونه هماعة، ودلاؤه رفاعة، يا أبا سفيان، فلا عري من محمد فخرنا، ولا قصم بزوال محمد ظهرنا. فأنشأ أبو سفيان فقال: يا أبا عبد الله، أكرم بابن عبد الله، ذاك الوجه كأنه ورقة مصحف، إني لأرجو أن يكون خلفاً من خلف. وجعل أبو سفيان يفحص بيده مرة، ويركض الأرض برجله أخرى، ثم دفع البعير إلى عثمان. فقال علي: فأي مكرمة أسنى ولا أفضل من هذه لعثمان رحمه الله؟ حتى مضى أمر الله فيمن أراد. ثم إن أبا سفيان دعا بصحفة كثيرة الإهالة، ثم دعا بطلمة فقال: دونك يا أبا عبد الله، فقال أبو عبد الله قد خلفت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حد لست أقدر أن أطعم، فأبطأ أبو عبد الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد أبطأ صاحبنا، بايعوني. قال: فقال أبو سفيان: إن فعلت وطعمت من طعامنا رددنا عليك البعير برمته، فنال أبو عبد الله من طعام أبي سفيان، وأقبل عثمان بعدما بايعوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال علي: أناشدكم الله هل تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار أن جبريل أتى

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي. فهل تعلمون هذا كان لغيري؟ أناشدكم الله أن جبريل نزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تحب علياً وتحب من يحبه، فإن الله يحب علياً ويحب من يحبه؟ قالوا اللهم نعم. قال: أناشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لما أسري به إلى سماء السابعة، فقال: رفعت إلى رفارف من نور، ثم رفعت إلى حجب من نور، فأوعز إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشياء، فلما رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم! ونعم الأخ أخوك علي! تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا؟ فقال أبو محمد يعني عبد الرحمن بن عوف من بينهم: سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلا فصمتا. تعلمون أن أحداً كان يدخل المسجد غيري جنباً؟ هل تعلمون أني كنت إذا قاتلت عن يمين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتلت الملائكة عن يساره قالوا: اللهم نعم. فهل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ وهل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخا بين الحسن والحسين، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا حسن. مرتين، فقالت فاطمة: يا رسول الله، إن الحسين لأصغر منه وأضعف منه وأضعف ركناً منه. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا ترضين أن أقول هي يا حسن، ويقول جبريل: هي يا حسين؟ فهل لخلق مثل هذه المنزلة؟ نحن صابرون ليقضي الله أمراً كان مفعولا.

قال أبو وائل: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً؟ فقال: ما ذنبي؟ قد بدأت لعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرة أبي بكر وعمر؟ قال: فقال: فيما استطعت. قال: ثم عرضتها فقبلها على عثمان. قال حذيفة بن اليمان: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستخلف الله أبا بكر، وقبض أبو بكر فاستخلف الله عمر ثم قبض عمر فاستخلف الله عثمان. حدث حفص بن غياث قال: قال شريك بن عبد الله: مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فلو علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن في أصحابه أحداً أفضل من أبي بكر لأمر ذلك الرجل وترك أبا بكر، فلما احتضر أبو بكر استخلف عمر بن الخطاب، ولو علم أبو بكر أن أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً أفضل من عمر بن الخطاب، ثم قدم عمر وترك ذلك الرجل لقد كان غش أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما احتضر عمر بن الخطاب فصير الأمر شورى، فوقعت الشورى بعثمان بن عفان، فلو علم أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن في القوم أحداً أحق بها من عثمان، ثم نصبوا عثمان وتركوا ذلك الرجل، لقد كانوا غشوا هذه الأمة. قال: فأتيت عبد الله بن إدريس فقلت له: يا أبا محمد، كلاماً سمعته الساعة من حفص بن غياث. قال: فأسند، ثم قال: هات. قال: فحدثته بالحديث. قال: أنت سمعته؟ قلت: الساعة وكتبته في ألواحي. قال: الحمد لله الذي أطلق بذلك لسانه، فوالله إنه لشيعي، وإن شريكاً لشيعي، قال: قلت له: يا أبا محمد، ما تقول في الوقوف عند علي وعثمان؟ قال: لا بل نضعه حيث وضعه أصحابه. قال أبو عمر الإمام: يعني يقال: عثمان وعلي، ثم رجع إلى الحديث. وكان الواحد منهم نوراً، ولقد قتل يوم قتل وهو عندنا أفضل منه. ثم قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فذكر فتنة فقربها، ثم مر رجل مقنع الرأس فقال: وهذا يومئذ على الهدى أو قال: على الحق قال فقمت إلى الرجل فأخذت بعضديه، وأقبلت بوجهه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: هذا؟ قال: نعم. وإذا هو عثمان بن عفان.

قال خالد بن خداش: جلست إلى حماد بن زيد وأنا ابن عشرين سنة، وجلست إليه ثلاث عشرة سنة، فسمعته يقول ما لا أحصي: لئن قلت: إن علياً أفضل من عثمان لقد قلت إن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خانوا. وكانت الشورى باجتماع الناس على عثمان، وبويع لعثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين، وقتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. قال ابن شهاب: عاش أبو بكر بعد أن استخلف سنتين وأشهراً، وعمر عشر سنين، حجها كلها، وعثمان اثنتي عشرة، حجها كلها إلا سنتين، ومعاوية عشرين سنة إلا شهراً، حج حجتين، ويزيد ثلاث سنين وأشهراً، وعبد الملك بعد الجماعة بضع عشرة سنة إلا شهراً، حج حجة، والوليد عشر سنين إلا شهراً، حج حجة. وفتح الري سنة أربع وعشرين، وفتحت، وفتحت الجزيرة وأرمينية سنة خمس وعشرين، وفتحت الإسكندرية سنة ست وعشرين، وافتتحت إفريقية سنة سبع وعشرين، وحصر عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وولي أمر الناس في حصار عثمان علي بن أبي طالب، فصلى بالناس صلاة العيد يوم الأضحى. وكان نقش خاتم عثمان: آمنت بالذي خلق فسوى، وقيل: كان نقشه: آمن عثمان بالله العظيم. قالوا: وبويع عثمان بن عفان فكان عام الرعاف سنة أربع وعشرين، وكانت الإسكندرية سنة خمس وعشرين، وكانت غزوة سابور الجنود سنة ست وعشرين، وكانت إفريقية وأميرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين، ثم كانت فارس الأولى واصطخر الآخرة سنة ثمان وعشرين، ثم كانت فارس الآخرة سنة تسع وعشرين، ثم كانت

طبرستان سنة ثلاثين ثم كانت الأساودة سنة إحدى وثلاثين، ثم كان المضيق سنة اثنتين وثلاثين، ثم كانت قبرس سنة ثلاث وثلاثين، ثم كانت الصواري سنة أربع وثلاثين، وكانت ذي خشب سنة خمس وثلاثين، وعثمان محصور في الدار. قال المسيب بن رافع: سار إلينا عبد الله بن مسعود سبعاً من المدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن غلام المغيرة أبا لؤلؤة قتل أمير المؤمنين، فضج الناس وبكوا واشتد بكاؤهم ثم قال: إنا اجتمعنا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرنا علينا عثمان بن عفان، ولم نأل عن خيرنا ذا فوق. قال أبو عبيد: قوله: ذا فوق يعني السهم الذي له فوق، وهو موضع الوتر، وإنما نراه قال: خيرنا ذا فوق، ولم يقل: خيرنا سهماً، لأنه قد يقال له: سهم، وإن لم يكن أصلح فوقه، ولا أحكم عمله، فهو سهم ليس بتام كامل، حتى إذا صلح عمله واستحكم عمله فهو حينئذ سهم ذو فوق، فجعله عبد الله مثلاً لعثمان يقول: إنه خيرنا سهماً تاماً في الإسلام والسابقة والفضل، فلهذا خص ذا فوق.

وعن ابن عباس قال: نزلت الآية " ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء " في هشام بن عمرو، وهو الذي " ينفق ماله سرا ًوجهراً " ومولاه أبو الحواية كان ينهاه. ونزلت " وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم " فالأبكم الكل على مولاه هو أسيد بن أبي العيص، والذي " يأمر بالعدل وهوعلى صراط مستقيم " عثمان بن عفان. وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ". قال: الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل عثمان وضربه. وعن ابن عمر قال: لقيت ابن عباس، وكان خليفة عثمان عام قتل على الموسم فأخبرته بقتله، فعظم أمره وقال: والله إنه لمن الذين يأمرون بالقسط. فتمنيت أن أكون قتلت يومئذ قال الزهري: كان أمير المؤمنين عبد الملك يحدث أن أبا بحرية الكندي أخبره أن عمر بن الخطاب خرج ذات يوم فإذا هو بمجلس فيه عثمان بن عفان فقال: منكم رجل لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لوسعهم. يريد عثمان بن عفان. وعن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال: كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس، وكان أصيب يوم اليمامة، فلما أدخلناه القبر سمعناه يقول: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان لين رحيم. فنظرنا فإذا هو ميت.

وعنه أن رجلاً من قتلى مسيلمة تكلم فقال: محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عثمان الرحيم. وعن سعيد بن المسيب قال: مات رجل من الأنصار فغسل وكفن وحنط فقعد في أكفانه، فقال: محمد رسول الله حقاً، أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه ضعيف في العين، قوي في أمر الله، عمر بن الخطاب القوي الأمين، عثمان بن عفان على منهاجهم، بئر أريس ما بئر أريس، قال: ثم رجع فمات. وعن النعمان بن بشير أنه قال: بينما زيد بن خارجة يمشي في بعض طرق المدينة بين الظهر والعصر خر ميتاً، فنقل إلى أهله، وسجي ببردين وكساء، فاجتمع عليه نسوة من الأنصار، فصرخن حوله إذ سمعوا صوتاً بين المغرب والعشاء من تحت الكساء وهو يقول: أنصتوا أنصتوا. مرتين، قال: فحسر عن وجهه وصدره فقال: محمد رسول الله النبي الأمي وخاتم النبيين، كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قيل على لسانه: صدق صدق صدق، ثم قال: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، القوي الأمين، كان ضعيفاً في بدنه قوياً في أمر الله عز وجل؛ كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قيل على لسانه: صدق صدق صدق؛ ثم قال: الأوسط أجلد القوم عند الله عمر أمير المؤمنين الذي كان لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يمنع الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قيل على لسانه: صدق صدق صدق؛ ثم قال: عثمان أمير المؤمنين، رحيم بالمؤمنين، معافي الناس في ذنوب كثيرة، خلت ثنتان أو قال: ليلتان وبقي أربع قال داود: مضت سنتان وبقي أربع حتى يقع الاختلاف. قال: ثم اختلف الناس ولا نظام لهم، وأبيحت الأحماء، ودنت الساعة، وأكل الناس بعضهم بعضاً فقالوا: قضاء الله وقدره. قال: ثم قال: يا أيها الناس، أقبلوا على

أميركم واسمعوا وأطيعوا قال: ثم يحرك داود شفتيه برجل ولا يظهر لنا فإنه على منهاج عثمان؛ فمن تولى بعد ذلك فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً. ثلاثاً. ثم قال: هذه الجنة وهذه النار، وهؤلاء النبيون والشهداء؛ ثم قال: السلام عليكم يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة وسعداً؟ قال داود: أبوه وأخوه كانا أصيبا يوم أحد قال: ثم قال: " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " قال: ثم قال: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. قال: ثم خمد صوته وعاد ميتاً كما كان. وعن عثمان بن عفان أنه قال: من لم يزدد يوماً بيوم خيراً فذلك رجل يتجهز إلى النار بصيرة. قال الحسن: رأيت عثمان نائماً في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ثم يجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم. وعن محمد بن هلال المديني عن أبيه عن جدته: أنها كانت تدخل على عثمان بن عفان، ففقدها يوماً فقال لأهله: ما لي لا أرى فلانة؟ فقالت امرأته: يا أمير المؤمنين ولدت الليلة غلاماً، قالت: فأرسل إلي بخمسين درهماً وشقيقة سنبلانية، ثم قال: هذا عطاء ابنك، وهذه كسوته، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مئة. وعن الحسن قال: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قلما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيراً، فقال لهم: يا معشر المسلمين، اغدوا على أعطياتكم. فيأخذونها وافرة، ثم قال

لهم: اغدوا على أرزاقكم. فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على السمن والعسل؛ الأعطيات جارية والأرزاق دارة، والعدو منفي، وذات البين حسن، والخير كثير، وما مؤمن يخاف مؤمناً، من لقيه فهو أخوه من كان، ألفته ونصيحته ومودته، قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة، فإذا كانت أن يصبروا. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسيد بن حضير: ستلقون بعدي أثرة. قال: فما تأمرنا؟ قال: أن تصبروا حتى تلقوا الله ورسوله. قال الحسن: لو أنهم صبروا حين رأوها وأخذوها بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير. قالوا: لا والله ما نصابرها، فو الله ما ردوا ولا سلموا، والأخرى كان السيف مغمداً عن أهل الإسلام، ما على الأرض مؤمن يخاف أن يسل مؤمن عليه سيفاً حتى سلوه على أنفسهم، فو الله ما زال مسلولاً إلى يوم الناس هذا، وأيم الله إني لأراه سيفاً مسلولاً إلى يوم القيامة. وعن حكيم بن عباد بن حنيف قال: أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا، وانتهى سمن الناس، طيران الحمام والرمي على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان من بني ليث سنة ثمان، فقصها وكسر الجلاهقات. وزاد في حديث: وحدث بين النشو قتال بالعصي، فأرسل عثمان طائفاً يطوف عليهم فمنعهم من ذلك، ثم استن الناس بإفشاء الحدود، وساء ذلك عثمان، وشكا ذلك إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في النبيذ، فأخذ نفراً منهم فجلدوا.

وعن الحسن قال: شهدت عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام. وعن ابن داب قال: قال ابن سعيد بن يربوع بن عنكثة المخزومي: انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله من المسجد يبنى، فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم، تحت رأسه لبنة أوبعض لبنة، فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله! ففتح عينيه فقال: من أنت يا غلام؟ فأخبرته، فنادى غلاماً نائماً قريباً منه فلم يجبه، فقال لي: ادعه، فدعوته فأمره بشيء، وقال لي: اقعد، قال: فذهب الغلام فجاء بحلة وجاء بألف درهم، فنزع ثوبي وألبسني الحلة، وجعل الألف درهم فيها، فرجعت إلى أبي فأخبرته فقال: يا بني، من فعل هذا بك؟ فقلت: لا أدري، إلا أنه رجل في المسجد نائم، لم أر قط أحسن منه! قال: ذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان. حدث الأصمعي قال: استعمل ابن عامر قطن بن عوف الهلالي على كرمان، فأقبل جيش من المسلمين أربعة آلاف، وجرى الوادي فقطعهم عن طريقهم، وخشي قطن الفوت فقال: من جاز الوادي فله ألف درهم. فحملوا أنفسهم على العظم، فكان إذا جاز الرجل منهم قال قطن: أعطوه جائزته. حتى جازوا جميعاً، وأعطاهم أربعة آلاف ألف درهم، فأبى ابن عامر أن يحسبها، فكتب بذلك إلى عثمان بن عفان، فكتب عثمان أن احسبها له، فإنه إنما أعان المسلمين في سبيل الله، ففي ذلك اليوم سميت الجوائز لإجازة الوادي، وقال الكناني في ذلك: من الوافر

فدى للأكرمين بني هلال ... على علاتهم أهلي ومالي. هم سنوا الجوائز في معد ... فعادت سنة أخرى الليالي. رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر قبل تركيب النصال. قال أبو العباس محمد بن إسحاق يعني السراج: قال لي أبو إسحاق القرشي يوماً: من أكرم الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: عثمان بن عفان، قال: كيف وقعت على عثمان من بين الناس؟ قلت: لأني رأيت الكرم في شيئين: في المال والروح، فوجدت عثمان جاد بماله على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاد بروحه على أقاربه، قال: لله درك ياأبا العباس. ابتاع عثمان بن عفان حائطاً من رجل فساومه حتى قاومه على الثمن الذي رضي به البائع، فقال: أرنا يدك، قال: وكانوا لا يستوجبون البيع إلا بالصفقة، فلما رأى ذلك الرجل قال: لا أبيعك حتى تزيدني عشرة آلاف، فالتفت عثمان إلى عبد الرحمن بن عوف قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله عز وجل أدخل الجنة رجلاً كان سمحاً بائعاً ومبتاعاً قاضياً ومقتضياً ". اذهب فقد زدتك العشرة آلاف لأستوجب بها هذه الكلمة التي سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر في قوله: " أمن هو قانت آناء الليل " الآية، قال: نزلت في عثمان بن عفان. وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام،

قال: فسبقت إليه، فبينا أنا قائم أصلي إذ وضع رجل يده على ظهري، فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان، وهو خليفة، فتنحيت عنه فقام، فما برح قائماً حتى فرغ من القرآن في ركعة لم يزد عليها، فلما انصرف قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة!؟ قال: أجل هي وتري. وعن عامر بن عبدة قال: قمت ذات ليلة خلف المقام فإذا رجل شديد بياض الثياب طيب الريح يصلي، ورجل يفتح عليه إذا أخطأ، وإذا هو عثمان بن عفان. وعن عطاء بن أبي رباح: أن عثمان بن عفان صلى بالناس ثم قام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة كانت وتره، فسميت البتيراء. وعن محمد بن سيرين قال: لما أطافوا بعثمان يريدون قتله قالت امرأته: إن تقتلوه أو تدعوه، فقد كان يحيي الليلة بركعة يقرأ فيها القرآن. وكان عثمان لا يوقظ أحداً من أهله إذا قام من الليل إلا أن يجده يقظان، فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر. وكان عثمان يقوم من الليل فيأخذ وضوءه، فقالت له امرأة من أهله: يا أمير المؤمنين، لو أيقظت بعض الخدم فناولك وضوءك؟ فقال: لهم الليل يستريحون. وذكر عند الحسن حياء عثمان قال: إن كان ليكون جوف البيت، والباب عليه مغلق، فيضع ثوبه ليفيض عليه الماء، فيمنعه الحياء أن يرفع صلبه قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: لما بويع عثمان خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياماً، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله.

وعن الحسن قال: لما كان من بعض هيج الناس ما كان، جعل رجل يسأل عن أفاضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل لا يسأل أحداً إلا دله سعد بن مالك، قال: فقيل له: إن سعداً رجل إذا أنت رفقت به كنت قمناً أن تصيب منه حاجتك، وإن أنت خرقت به كنت قمناً أن لا تصيب منه شيئاً. فجلس أياماً لا يسأله عن شيء حتى استأنس به فذكر الحديث قال: أخبرني عن عثمان؟ قال: كنا إذ نحن جميع مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحسننا وضوءاً، وأطولنا صلاة وأعظمنا نفقة في سبيل الله. ذكر أبو الزناد: أن رجلاً من ثقيف جلد في الشراب في خلافة عثمان بن عفان قال: وكان لذلك الرجل مكان من عثمان ومجلس في خلوته، فلما جلد أراد ذلك المجلس فمنعه إياه عثمان، وقال: لا نعود إلى مجلسك أبداً إلا ومعنا ثالث. قال الحسن: قال: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف، وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما كان يديم النظر فيه. وعن علي: أنه قال لعثمان: إن سرك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكس الإزار، وارقع القميص، واخصف النعل، تلحق بهما. قال: والمحفوظ أن علياً قال ذلك لعمر، يعني بصاحبيه: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر. حدث أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل إرمينية في غزوهم ذلك فيمن اجتمع من أهل العراق وأهل الشام فتنازعوا في القرآن حتى سمع

حذيفة من اختلافهم فيه ما يكره، فركب حذيفة حتى قدم على عثمان فقال: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب، ففزع لذلك عثمان بن عفان، فأرسل إلى حفصة بنت عمر أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها حفصة، فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا، حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به. فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار. قال يزيد بن معاوية الأشجعي: إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة، قال: فليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة، إذ هتف هاتف: من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت الزاوية التي عند أبواب كندة، ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد الله، فاختلفا في آية في سورة البقرة، قرأ هذا " وأتموا الحج والعمرة للبيت "، وقرأ هذا " وأتموا الحج والعمرة لله " فغضب حذيفة واحمرت عيناه، ثم قام فغرز قميصه في حجزته وهو في المسجد وذلك في زمن عثمان فقال: إما أن تركب إلى أمير المؤمنين، وإما أن أركب، فهكذا كان من قبلكم، ثم أقبل فجلس فقال: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى أظهر الله دينه، ثم إن الله قبضه

فطعن الناس في الإسلام طعنة جواداً ثم إن الله استخلفأبا بكر، فكان ما شاء الله، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواداً، ثم إن الله استخلف عمر، فنزل وسط الإسلام، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإسلام طعنة جواداً، ثم إن الله استخلف عثمان، وأيم الله ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله. وعن محمد وطلحة قالا: وصرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مدداً لعبد الرحمن بن ربيعة، وخرج معه سعيد بن العاص، فبلغ معه أذربيجان، فأقام حتى قفل حذيفة ثم رجعا. قال له حذيفة: إني سمعت في سفرتي هذه أمراً لئن ترك الناس ليضلن القرآن ثم لا يقومون عليه أبداً، قال: رأيت أمداد أهل الشام حين قدموا علينا، فرأيت أناساً من أهل حمص يزعمون لأناس من أهل الكوفة أنهم أصوب قراءة منهم، وأن المقداد أخذها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول الكوفيون مثل ذلك، ورأيت من أهل دمشق قوماً يقولون لهؤلاء: نحن أصوب منكم قراءة وقرآن، ويقول هؤلاء لهم في مثل ذلك. فلما رجع إلى الكوفة دخل المسجد فحذر الناس مما سمع في غزاته، فساعده على ذلك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أخذ عنهم وعامة التابعين، وقال له قوم ممن قرأ على عبد الله: وما تنكر؟ ألسنا نقرأ على قراءة ابن أم عبد؟ وأهل البصرة يقرؤون على قراءة أبي موسى ويسمونها لباب الفؤاد، وأهل مصر يقرؤون على قراءة المقداد وسالم؟ فغضب حذيفة من ذلك وأصحابه وأولئك التابعون، وقالوا: إنما أنتم أعراب، وإنما بعث عبد الله إليكم ولم يبعث إلى من هو أعلم منه، فاسكتوا فإنكم على خطأ. وقال حذيفة: والله لئن عشت حتى آتي أمير المؤمنين لأشكون إليه ذلك، ولأشيرن عليه أن يحول بينهم وبين ذلك حتى ترجعوا إلى جماعة المسلمين والذي عليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة. وقال الناس مثل ذلك، فقال عبد الله: والله إذاً ليصلين الله وجهك نار جهنم. فقال سعيد بن العاص: أعلى الله تألى والصواب مع صاحبك؟ فغضب سعيد وقام، وغضب ابن مسعود فقام، فغضب القوم فتفرقوا، وغضب حذيفة فرحل إلى عثمان فأخبره بالذي حدث في نفسه من تكذيب بعضهم

بعضاً بما يقرأ، ويقول: أنا النذير العريان فأدركوا. فجمع عثمان الصحابة، وأقام حذيفة فيهم بالذي رأى وسمع، فأعظموا ذلك، ورأوا جميعاً مثل الذي رأى، قالوا: إن يتركوا ويمضي هذا القرن لا يعرف القرآن. فسأل عثمان: مالباب الفؤاد؟ فقيل: مصحف كتبه أبو موسى، وكان قرأ على رجال كثير ممن لم يكن جمع على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسأل عن مصحف ابن مسعود فقيل له: قرأ على مجمع بن جارية وخباب بن الأرت، وجمع القرآن بالكوفة، فكتب مصحفاً وسأل عن المقداد فقيل له: جمع القرآن بالشام، فلم يكونوا قرؤوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جمعوا القرآن في أمصارهم، فاكتتب المصاحف وهو بالمدينة، وفيها الذين قرؤوا القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبثها في الأمصار، وأمر الناس أن يعمدوا إليها وأن يدعوا ما يعلم في الأمصار. فكل الناس عرف فضل ذلك، أجمعوا عليه وتركوا ما سواه إلا ما كان من أهل الكوفة، فإن قراء قراءة عبد الله نزوا في ذلك حتى كادوا يتفضلون على أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود فقال: ولا كل هذا، إنكم قد سبقتم سبقاً بيناً، فاربعوا على ظلعكم. ولما قدم المصحف الذي بعث به عثمان على سعيد، وأجمع عليه الناس، وفرح به أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سعيد إلى ابن مسعود يأمره أن يدفع إليه مصحفه، فقال: هذا مصحفي، تستطيع أن تأخذ ما في قلبي؟ فقال له سعيد: يا عبد الله، ما أنا عليك بمسيطر، إن شئت تابعت أهل دار الهجرة وجماعة المسلمين، وإن شئت فارقتهم، وأنت أعلم. قال مصعب بن سعد: قام عثمان فخطب الناس فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على رجل منكم ماكان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً

رجلاً فناشدهم: أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم. فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال: عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قد أحسن ". وعن علي قال: رحم الله عثمان لقد صنع في المصاحف شيئاً لو وليت الذي ولي قبل أن يفعل في المصاحف ما فعل لفعلت كما فعل. ولما نسخ عثمان المصاحف قال له أبو هريرة: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أشد أمتي حباً لي قوم يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، يعملون بما في الورق المعلق. فقلت: أي ورق؟ حتى رأيت المصاحف، فأعجب ذلك عثمان وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله ما علمت إنك لتحبس علينا حديث نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: إياكم والغلو في عثمان، تقولون: حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو وليت مثلما ولي فعلت مثل الذي فعل. وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شراً، أذعتم السيئة، وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يأتي هؤلاء القوم فيسألهم ما الذي نقموا، وما الذي يريدون؟ ثلاث مرات لا يجيبه أحد، فقام علي فقال: أنا، فقال عثمان: أنت أقربهم رحماً وأحقهم بذلك، فأتاهم فرحبوا به وقالوا: ما كان يأتينا أحد أحب إلينا منك، فقال: ما الذي نقمتم؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله،

وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مئة ألف، وتناول أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم لأني خفت عليكم الاختلاف، فاقرؤوا على أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا غمني، وإنما حميته لإبل الصدقة لتسمن وتصلح وتكون أكثر ثمنا للمساكين، وأما قولكم: إني أعطيت مروان مئة ألف فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا، وأما قولهم: تناول أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقاً أو مظلمة فهذا أنا، فإن شاء قود، وإن شاء عفو، وإن شاء أرضي، وفرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة، وكتب بذلك إلى أهل البصرة وأهل الكوفة فمن لم يستطع أن يجيء فليوكل وكيلاً. وعن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك ". قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر وعمر وخلافة عثمان ثم قال: عمل بما عمل صاحباه ست سنين، وكان في ست فيه وفيه، غفر الله لنا وله ورحمنا وإياه وخلافة علي، فنظرنا فوجدناها ثلاثين سنة. قال الشعبي: كان عثمان في قريش محبباً، يوصون إليه، ويعظمونه، وإن كانت المرأة من العرب لترقص صبيها، وهي تقول: من المجتث أحبك والرحمان ... حب قريش عثمان قال الزهري: لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميراً، يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً،

وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه أهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر، وفي نسخة أخرى بخمس إفريقية، وأعطى أقرباءه المال وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ المال واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك. وعن عروة قال: استخلف عثمان ففتح الله عليه إفريقية وخراسان، فعزل عمير بن سعد عن حمص، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر وأمر عليها عبد الله بن سعد ابن أبي سرح، أحد بني عامر بن لؤي، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة وأمر عليها عبد الله بن عامر بن كريز، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص، فلم يزل أميرها حتى استعرت الفتنة في الناس، ففصل سعيد من عند عثمان إلى الكوفة، فلقيته خيل أهل الكوفة بالعذيب، فردوه فرجع إلى عثمان، فلم تزل الفتنة تستعر حتى قتل عثمان. وعن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان ناساً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم عمار بن ياسر، فقال: إني سائلكم وإني أحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤثر قريشاً على سائر الناس، ويؤثر بني هشام على سائر قريش؟ فسكت القوم، فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم. زاد في حديث غيره: ولأستعملنهم على رغم من رغم. فقال عمار: فإن ذلك يرغم بأنفي؟ قال: أرغم الله بأنفك. قال: بأنف أبي بكر وعمر؟ قال: فغضب فقام إليه فوطئه فأجفله الناس عنه.

قال: فبعث إلى طلحة والزبير فقال: ائتيا هذا الرجل فخيراه بين ثلاث: بين أن يقتص أو يأخذ أرشاً، أو يعفو. فأتياه فقالا: إن هذا الرجل قد أنصف فخيرك بين أن تقتص أو تأخذ أرشاً أو تعفو. قال: لا والله، لا أقبل منهن واحدة حتى ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأشكو إليه. قال: وجمع عثمان بني أمية فقال: يا ذبان الطمع، والله ما زلتم بي على هذا الرجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى خشيت أن أكون قد أهلكته وهلكت. قال عثمان: أما إنه لا يمنعني أن أحدث ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقبلت أنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتماشى بالبطحاء فإذا أنا بعمار وأبي عمار وأم عمار يعذبون في الشمس، فقال ياسر: يا رسول الله، الدهر هكذا؟ فقال: اصبر، اللهم اغفر لآل ياسر. حدث عباد بن زاهر أبو رواع قال: سمعت عثمان يخطب فقال: أما والله قد صحبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويشيع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن ناساً يعلموني به عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط. قال: فقال له أعين ابن امرأة الفرزدق: يا نعثل! إنك قد بدلت. فقال: من هذا؟ فقالوا: أعين. قال بل أنت أيها العبد. قال: فوثب الناس إلى أعين، قال: وجعل رجل من بني ليث يزعهم عنه حتى أدخله الدار. وعن عبد الصمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن أبيه: أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات، فأنكر الناس عليه، قال: يا أيها الناس، إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم.

قال أبو سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري: سمع عثمان بن عفان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم، فلما سمعوا به أقبلوا نحوه، قال: وكره أن يقدموا عليه المدينة فأتوه فقالوا له: ادع بالمصحف فافتتح السابعة وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأها حتى أتى على هذه الآية " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل الله أذن لكم أم على الله تفترون ". قالوا له: قف، أرأيت ما حميت من الحمى الله أذن لك أم على الله تفتري؟ فقال: امضه نزلت في كذا وكذا، فأما الحمى فإن عمر حمى الحمى قبلي لإبل الصدقة، فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في الصدقة. وعن شقيق قال: لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال: أبلغه أني لم أفر يوم عينين قال عاصم: هو يوم أحد ولم أتخلف يوم بدر، ولم أترك سنة عمر. فانطلق يخبر ذلك عثمان، فقال عثمان: أما قوله: يوم عينين فكيف يعيرني بذنب قد عفا الله عنه! فقال عز وجل: " إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم "، وأما قوله إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ماتت، وقد ضرب لي سهمي، ومن ضرب له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهم فقد شهد، وأما قوله إني أترك سنة عمر فإني لا أطيقها أنا ولا هو، فأته فحدثه بذلك. قال صهيب مولى العباس: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه، فأتيته فإذا هو يغدي الناس، فدعوته فأتاه، فقال: أفلح الوجه أبا الفضل. قال: ووجهك. قال: إن رسولك أتاني وأنا في دار

القضاء، ففرغت من شأني ثم أتيتك، فحاجتك؟ قال لا والله إلا أنه بلغني أنك أردت أن تقوم بعلي وأصحابه فتشكوهم إلى الناس، وعلي ابن عمك وأخوك في دينك، وصاحبك مع نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أجل، فوالله لو أن علياً شاء أن يكون أدنى الناس لكان وفي رواية أخرى: إن علياً لو شاء ما كان أحد دونه، ولكنه أبى إلا رأيه قال: ثم أرسلني إلى علي، فأتيته فقلت: أبا الفضل يدعوك، فلما جاءه قال: إنه بلغني أن عثمان أراد أن يقوم بك وأصحابك، وعثمان ابن عمك وأخوك في دينك وصاحبك مع نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: علي: والله لو أن عثمان أمرني أن أخرج من داري لفعلت. زاد في آخر: فأما أداهن ألا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل. وعن ابن الحنيفة قال: ما سمعت علياً ذاكراً عثمان بسوء قط، ولو كان ذاكرة بسوء لذكره يوماً، وسأخبر: كان الناس أتوا علياً يشكون إليه سعاة عثمان، فأرسلني أبي فقال: يا بني خذ هذا الكتاب فإن فيه عشر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصدقة، فاذهب به إلى عثمان. قال: فأتيته فأخبرته به فقال: انطلق فلا حاجة لنا به. فأتيت أبي فأخبرته فقال: لا عليك ضعه حيث أخذته. قال سفيان: لم يجد علي بداً حين كان عنده علم أن ينهيه إليه، ونرى أن عثمان إنما رده أن عنده من ذلك علم فاستغنى عنه. وعن أبي هريرة قال: ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتنة فقالوا: يا رسول الله، فما المخرج منها؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه. يعني عثمان بن عفان. وعن مرة بن كعب البهزي قال: كنت جالساً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الفتن، فمر رجل فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا يومئذ ومن معه على الحق. فقمت إليه فأخذت بردائه، فلفت بوجهه فإذا هو عثمان بن عفان، فقلت: هذا يا نبي الله؟ قال: هذا.

وعن عبد الله بن حوالة قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده كاتب يكتب فقال: يا عبد الله بن حوالة، ألا أكتبك؟ فقلت: في أي شيء؟ فأعرض عني، ثم قال: يا عبد الله بن حوالة، ألا أكتبك؟ قلت: في أي شيء؟ فأعرض عني. قال: فنظرت في الكتاب فإذا فيه أبو بكر وعمر، أو أحدهما، فقلت في نفسي: ما كتب أبو بكر وعمر إلا في خير. قال يا عبد الله، ألا أكتبك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: يا عبد الله، كيف بك إذا ظهرت فتنة في أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله. قل: فكيف بك يا عبد الله إذا ظهرت فتنة أخرى كأنها انتفاجة أرنب؟ قلت: ما خار الله ورسوله. قال: ومر رجل متقنع قال: هذا يومئذ على الهدى. قال: فتبعته فأخذت بمنكبه، فأقبلت به على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكشفت قناعه، قلت: هذا؟ قال: هذا. فإذا هو عثمان بن عفان. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر فتنة، فمر رجل فقال: يقتل هذا يومئذ مظلوماً. قال ابن عمر: فنظرت إليه فإذا هو عثمان بن عفان. وعن النعمان بن بشير قال: حججت فأتيت عائشة أم المؤمنين لأسلم عليها فقالت: من أنت؟ فقلت: أنا النعمان. فقالت: ابن عمرة؟ فقلت: نعم. فقالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لعثمان: إن كساك الله ثوباً فأرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه. قال النعمان: فقلت: غفر الله لك يا أم المؤمنين ألا ذكرت هذا حين جعلوا يختلفون إليك؟ فقالت: أنسيته حتى بلغ الله عز وجل فيه أمره. وفي حديث آخر بمعناه: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتاباً.

وعن عائشة قالت: ما استمعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مرة فإن عثمان جاءه في نحر الظهيرة وزاد في رواية: فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله ملبسك قميصاً تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه. فلما رأيت عثمان يترك لهم كل شيء إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زاد في رواية: فإن أنت خلعته لم ترح رائحة الجنة. ومن حديث: فلنا كان يوم الدار وحصر قلنا: يا أمير المؤمنين، ألا نقاتل؟ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهداً إلي عهداً، وإني صابر نفسي عليه. وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن. وعن أبي بكر العدوي قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أحد من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله غير أني سأخبرك، ثم أقبلت على حفصة فقالت: يا حفصة، أنشدك بالله أن تصدقيني بباطل وأن تكذبيني بحق. قالت عائشة: هل تعلمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أغمي عليه؟ فقلت: أفرغ؟ فقلت: لا أدري. فقال: ائذنوا له، فقلت: أبي؟ فسكت، فقلت أنت: أبي؟ فسكت ثم أغمي عليه أشد من الأولى، فقلت: أفرغ؟ فقلت: لا أدري. ثم أفاق فقال: ائذنوا له. فقلت: أبي فسكت، فقلت أنت: أبي؟ فسكت، ثم أغمي عليه إغماءة أشد من الأوليين حتى ظننا أنه قد فرغ. فقلت: أفرغ؟ فقلت: لا أدري. ثم أفاق فقال: ائذنوا له. فقلت: أبي؟ فسكت، فقلت أنت: أبي؟ فسكت. فقالت إحداهما: ليس لأبي ولا أبيك. فقلت: أتعلمين أن على الباب رجلاً؟ ائذنوا له. فإذا

عثمان وكان من أشد هذه الأمة حياء وهو على الباب، فأذنوا له فدخل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادنه. فدنا، فقال: ادنه. فدنا، فقال: ادنه. فدنا حتى أمكن يده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلها وراء عنقه ثم ساره، فلما فرغ قال: أفهمت؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. ثم وضع يده وراء عنقه ثم ساره، فلما فرغ قال: سمعت؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. ثم وضع يده وراء عنقه ثم ساره، فلما فرغ قال: سمعت؟ قال: سمعته أذناي ووعاه قلبي، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت عائشة: أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده. وعن حفصة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كانت قاعدة وعائشة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وددت أن معي بعض أصحابي نتحدث فقالت عائشة: أرسل إلى أبي بكر يتحدث معك؟ قال: لا. قال حفصة: أرسل إلى عمر يتحدث معك؟ قال لا، ولكن أرسل عثمان. فجاء عثمان فدخل، فقامتا فأرختا الستر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعثمان: إنك مقتول مستشهد، فاصبر صبرك الله، ولا تخلعن قميصاً قمصك الله ثنتي عشرة سنة وستة أشهر حتى تلقى الله وهو عليك. قال عثمان: إن دعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي بالصبر وفي رواية: قال عثمان: ادع لي بالصبر فقال: اللهم صبره. فخرج عثمان، فلما أدبر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صبرك الله فإنك سوف تستشهد وتموت وأنت صائم وتفطر معي. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ياعثمان، إنك ستؤتى الخلافة من بعدي، وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها، وصم في ذلك اليوم تفطر عندي. وعن عائشة قالت: دخل عثمان على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محلل الأزرار، فزرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: كيف أنت يا عثمان إذا لقيتني يوم القيامة وأوداجك تشخب دماً، فأقول: من فعل بك هذا؟ فتقول: بين خاذل وقاتل وآمر، فبينما نحن كذلك إذ ينادي مناد من تحت العرش: إن عثمان قد حكم في أصحابه. فقال عثمان: لا حول ولا قوة إلا بالله. وزاد في رواية: العلي العظيم.

وعن ابن حوالة الأسدي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من نجا من ثلاث فقد نجا: موتي، وخروج الدجال، وقتل الخليفة قوام مصطبر بالحق يعطيه. وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم فقال: اثبت أحد، نبي وصديق وشهيدان. وفي رواية عنه: حراء أو أحداً. الحديث. وعن محمد بن سيرين: أن رجلاً قال بالكوفة: هو يشهد أن عثمان قتل شهيداً، فأخذته الزبانية فرفعوه إلى علي، وقالوا: لولا أن تنهانا أو نهيتنا ألا نقتل أحداً لقتلنا هذا، زعم أنه يشهد أن عثمان قتل شهيداً. فقال الرجل لعلي: وأنت تشهد، أتذكر أني أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته فأعطاني، وأتيت أبا بكر فسألته فأعطاني، فأتيت عمر فسألته فأعطاني، وأتيت عثمان فسألته فأعطاني. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يبارك لي، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وكيف لا يبارك لك وأعطاك نبي وصديق وشهيدان، وأعطاك نبي وصديق وشهيدان وأعطاك نبي وصديق وشهيدان. وعن البراء بن عازب قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم ": تدرون ما على العرش مكتوب؟ مكتوب لا إله إلا الله محمد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان الشهيد، علي الرضا ". وفي حديث عن نعيم بن أبي هند قال: كان الناس بالكوفة إذا سمعوا أحداً يذكر عثمان بخير ضربوه، فقال لهم علي: لا تفعلون، ولكن ائتوني به. قال: فقال أعرابي: قتل عثمان شهيداً، فأتوا به علياً، وساق بقية الحديث بمعناه. وعن أبي عون الأنصاري قال: بلغ عثمان بن عفان أن ابن مسعود يحدث بحديث كان عثمان عرفه، فبعث إليه عثمان، فاعتذر إليه ابن مسعود ببعض العذر، فقال عثمان: إني قد سمعت كما سمعت وحفظت،

وليس كما تقول، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيكون أمير يقتل، ثم يكون بعده متنزي، فإذا رأيتموه فاقتلوه، وإنما قتل عمر رجل واحد، وإنه سيجتمع علي وأنا المقتول، والمتنزي يكون من بعدي. كان مبدأ الطعن على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه إفساد عبد الله بن سبأ الذي تنسب إليه السبئية، ويعرف بابن السوداء. قال يزيد الفقعسي: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى سودان بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجعه الغافقي، فتكلم وأطاف به خالد بن ملجم وعبد الله بن زرير وأشباه لهم، فصرف لهم القول فلم يجدهم يجيبون إلى شيء مما يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم ناب العرب وحجرهم ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون ولا تزرعون العام شيئاً حتى تنكسر مصر، فتشكونه، فيعزل عنكم ونسأل من هو أضعف منه، ونخلو بما نريد، ونظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيماً في حجر عثمان، وفلما ولي استأذنه في الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل العمل فقال: لست هناك. ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا وشكوا عمراً واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمر وقوماً وسكنهم وأرضاهم وقال: إنما هو أمين انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم إلى ما زعمتم أنه أفسد، وأما الحرب فسنقره عليها ونولي من سألتم، فولى عبد الله ابن سعد خراجهم خراج مصر، وترك عمراً على صلاتها، فمشى في ذلك سودان بن حمران

وكنانة بن بشر وخارجة وأشباههم فيما بين عمرو وعبد الله بن سعد، وأغروا بينهما حتى احتمل كل واحد منهما على صاحبه، وتكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد منهما، فكتب عبد الله بن سعد: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا عبد الله، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك، فأقبل. وجمع مصر لعبد الله صلاتها وخراجها، فقدم عمرو فقال له عثمان: أبا عبد الله ما شأنك استحيل رأيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، دعني فوالله ما أدري أين أتيت وما أتهم عبد الله بن سعد، وإن كنت لأهل عملي كالوالدة، وما قدر العارف الشاكر على معونتي. قال الحسن البصري: كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل، فشكوه فبلغه فقام فقال: ألا إني قد سننت الإسلام سن البعير، يبدأ فيكون جذعاً، ثم ثنياً، ثم رباعياً، ثم سدسياً، ثم بازلاً، فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان، ألا وإن الإسلام قد بزل، ألا وإن قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله مغويات دون عباده، ألا فأما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار.

قالوا: فلما ولي عثمان لم يأخذهم بالزي الذي كان أخذهم به عمر، فانساحوا في البلاد، فلما رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع من لم يكن له طول ولا مزية في الإسلام، وكان مغموراً في الناس، وصاروا أوزاعاً إليهم، وأملوهم وتقدموا في ذلك، وقالوا: يملكون فنكون قد عرفناهم وتقدمنا في التقرب والانقطاع إليهم، فكان ذلك أول وهن دخل على الإسلام، وأول فتنة كانت في العامة، ليس إلا ذلك. قال الشعبي: لم يمت عمر حتى ملته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة، وأسبغ عليهم وقال: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة انتشاركم في البلاد، فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو وهو ممن حبس في المدينة من المهاجرين، ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة فيقول: قد كان لك في غزوك مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يبلغك، وخير لك من غزوك اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك. فلما ولي عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس، وكان أحب إليهم من عمر. قال بن سعد بن أبي وقاص: قدم عمار من مصر وأبي شاك، فبلغه فبعثني إليه أدعوه، فقام معي ليس عليه رداء، وعليه قلنسوة من شعر، معتم عليها بعمامة وسخة، وجبة فراء يمانية، فلما دخل على سعد وهو متكئ، استلقى ووضع يده على جبهته، ثم قال: ويحك يا أبا اليقظان، إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين؟ أمعك عقلك أم لا؟ فأهوى عمار إلى عمامته، وغضب فنزعها وقال: خلعت عثمان كما خلعت عماتي هذه، فقال سعد: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويحك، حين كبر

سنك، ودق عظمك، ونفد عمرك، ولم يبق منك إلا ظمء كظمء الحمار، خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عرياناً كما ولدتك أمك؟ فقام عمار مغضباً مولياً، وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد، فقال سعد " ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين " اللهم: زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات، حتى خرج عمار من الباب. وأقبل علي سعد يبكي له حتى أخضل لحيته، وقال: من يأمن الفتنة؟ يا بني، لا يخرجن منك ما سمعت فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه فيتناولونه، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر. فقد دله وخرف، وكان بعد يكثر أن يقول: ليت شعري كيف يصنع الله بعمار مع بلائه وقدمه في الإسلام وحدثه الذي أحدث؟ قال مبشر: سألت سالم بن عبد الله عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان فقال: الغضب والطمع. فقلت: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق فأخذه عثمان من ظهره ولم يدهن، فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمماً بعد أن كان محمداً. بعثت ليلى بنت عميس إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فقالت: إن المصباح يأكل نفسه ويضيء للناس فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيه، فإن هذا الأمر الذي تحاولان اليوم لغيركم غداً، فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة عليكم غداً. فلجا وخرجا مغضبين يقولان: لا تنسي ما صنع بنا عثمان، وتقول: ما صنع بكما إلا ما ألزمكما الله. فلقيهما سعيد بن العاص، وقد كان بين محمد بن أبي بكر وبينه شيء، فتمثل له في تلك الحال بيتاً فأذكره حين لقي خارجاً من عند ليلى متمثلاً من الكامل:

استبق ودك للصديق ولا تكن ... قتباً يعض بغارب ملحاحا فأجابه سعيد متمثلاً: من الطويل ترون إذا ضرباً صميماً من الذي ... له جانب ناء عن الحزم معور كتب عثمان إلى أهل الأمصار: أما بعد، فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الأمة منذ وليت على الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع إلي شيء علي ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولا لعمالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلي أهل المدينة أن أقواماً يشتمون، وآخرين يضربون، فيا من ضرب سراً وشتم سراً، من ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم، وليأخذ بحقه كيف كان، مني أو من عمالي، أو يصدقوا، فإن الله يجزي المتصدقين. فلما قرىء في الأمصار أبكى الناس، ودعوا لعثمان وقالوا: إن الأمة لتمخض بشر، فإلى ما ذاك مسلمها؟ وما يدرون ما باب تلك الإذاعة وما حيلتها. وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه: عبد الله بن عامر، ومعاوية، وعبد الله بن سعد، وأدخل معهم في المشورة سعيداً وعمراً، فقال: ويحكم ما هذه الشكاة؟ وما هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم، وما يعصب هذا إلا بي. فقالوا له: ألم نبعث؟ ألم نرفع إليك الخبر عن العوام؟ ألم يرجعوا وما يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً، وما كنت لتأخذ به أحداً، ونقيمتك على شيء، وما هي إلا الإذاعة، ما يحل الأخذ بها ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا علي، فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر، فيلقى به غير

المعرفة فيخبر به فيتحدث به الناس في مجالسهم. قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم، حتى الأدب، فإنه خير من تدعهم. وقال معاوية: قد وليتني فوليت قوماً لا يأتيك عنهم إلا الخير، الرجلان أعلم بنا بناحيتهما. قال: فما الرأي؟ قال: حسن الأدب. قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم، وزدتهم على ما كان يصنع عمر، وأرى أن تلزم طريقة صاحبيك، فتشد في موضع الشدة، وتلين في موضع اللين، إن الشدة لا ينبغي عمن لا يألو الناس شراً، وتلين لمن يخاف البأس بالنصح، وقد فرشتهما جميعاً اللين. وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت، ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على الأمة كائن وإن بابه الذي يغلق عليه، ويكفكف به، اللين والمؤاتاة والمتابعة، إلا في حدود الله التي لا يستطيع أحد أن ينادي بعيب أحدهما، فإن سده شيء فذاك، ووالله ليفتحن، وليست لأحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس خيراً ولا نفسي، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها، كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها. فلما نفر عثمان شخص معاوية وعبد الله بن سعد معه إلى المدينة، ورجع ابن عامر وسعيد معه. ولما استقل عثمان رجز به الحادي من مشطور الرجز: قد علمت ضوامر المطي وضمرات عوج القسي أن الأمير بعده علي وفي الزبير خلف مرضي

وطلحة الحامي لها ولي فقال كعب وهو يسير خلف عثمان: الأمير والله بعده صاحب البغلة وأشار إلى معاوية. قالوا: فما زال معاوية يطمع فيها بعد ذلك، ولما بلغه هذا الحداء سأله عن الذي بلغه فقال: نعم، أنت الأمير بعده، ولكنها لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا. فوقعت في نفس معاوية. فلما ورد عثمان إلى المدينة رد الأمراء إلى أعمالهم فمضوا جميعاً، وأقام سعيد بعدهم، وفلما ودع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب السفر، متقلداً سيفه متنكباً قوسه، فإذا هو بنفر من المهاجرين، فيهم طلحة والزبير وعلي، فقام عليهم فتوكأ على قوسه بعد ما سلم عليهم، ثم قال: إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان إذ الناس يتغالبون إلى رجال، فلم يكن منهم أحد وفي قبيلته من يرأسه، ويستبد عليه، ويقطع الأمر دونه، ولا يشهده ولا يؤامره، حتى بعث الله تعالى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأكرم به من اتبعه فكانوا يرأسون من جاء بعدهم، وأمرهم شورى بينهم، يتفاضلون فيه بالسابقة والقدمة والاجتهاد، فإن أخذوا بذلك وقاموا به كان الأمر أمرهم والناس لهم تبع، وإن صغوا إلى الدنيا، وطلبوها بالتغالب سلبوا ذلك، ورده الله إلى من جعل له الغلب، وكان يرأسهم أولاً، فليحذروا الغير فإن الله على البدل قادر، وله المشيئة في ملكه وأمره، إني قد خلفت فيكم شيخاً فاستوصوا به خيراً، وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك. ثم ودعهم ومضى، فقال علي: إن كنت لأرى في هذا خيراً. فقال الزبير: لا والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة. وقد كان معاوية قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين، انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الأمر لم يزولوا عنه. فقال: أنا أبيع جوار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء وإن كان قطع خيط عنقي؟؟؟ قال: فأبعث إليك جنداً منهم يقيم بين ظهراني المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك؟ قال: أنا أقتر على جيران

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأرزاق بجند يساكنهم، وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة؟ قال: يا أمير المؤمنين، والله لتغتالن ولتغزن، فقال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقال معاوية: يا أيسار الجزور، وأين أيسار الجزور؟ ثم خرج حتى وقف على النفر ثم مضى. وكان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن ينووا خلاف أمرائهم، واتعدوا يوماً حيث شخص أمراؤهم فلم يستقم ذلك لأحد منهم، ولم يتمم عليه إلا أهل الكوفة، فإن يزيد بن قيس الأرحبي ثار فيها واجتمع إليه أصحابه، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء؟ فوالله إني لسامع مطيع وهم، وإني للازم لجماعتي وهم، إلا أني أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد، فقد يستعفي الخاصة من أمر قد رضيته العامة. قال: فذاك إلى أمير المؤمنين. فتركهم والاستعفاء، ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك. واستقبلوا سعيداً فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى، وأقره عثمان. ولما رجع الأمراء لم يك للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأتمرون بالمعروف، ويسألون عثمان عن أشياء ليطير في الناس ولتحقق عليه. فتوافوا بالمدينة،

وأرسل عثمان رجلين: مخزومي وزهري، فقال: انظرا ما يريدون، واعلما علمهم، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبرو هما بما يريدون، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة نفر، فقالا: هل إلا؟ قالوا: لا، قالا: فكيف تريدون أن تصنعوا؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قد قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه، وكانت إياها. فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء النفر، فإنك إن لم تسلمهم شقوا، فأما عمار، فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركه بي، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه، وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء. وأرسل إلى المصريين والكوفيين ونادى الصلاة جامعة، وهم عنده في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أحاطوا بهم، فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم خبر القوم، وقام الرجلان فقالوا جميعاً: اقتلهم، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، فاقتلوه. وقال عمر بن الخطاب: لا أحل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم. فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا، ولا نحاد أحد حتى يركب حداً أو يبدي كفراً، إن هؤلاء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها علي، عقد من لا يعلم. وقالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذا من الأمر، أفكذلك؟ قالوا: اللهم نعم. قالوا: وحميت حمى، وإني ما حميت إلا ما حمي قبلي، والله ما حموا شيئاً لأحد، ما حموا إلا ما غلب عليه أهل المدينة، ثم لم يمنعوا من رعية أحد، واقتصروا

لصدقات المسلمين مويهاً لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحن منها أحداً إلا من ساق دهماً، ومالي من بعير غير راحلتين، ومالي ثاغية، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيراً وشاة، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي، أكذاك؟ قالوا: اللهم نعم. قال: وقالوا: كان القرآن كتباً فتركها إلا واحداً، ألا وإن القرآن واحد، جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع لهؤلاء، أفكذلك؟ قالوا: اللهم نعم. وسألوه أن يقتلهم. وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحكم مكي سيره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى الطائف، ثم رده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيره، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رده، أفكذلك؟ قالوا: نعم. وقالوا: اسمعت الأحداث، ولم أستعمل إلا مجتمع محتمل مرضي، وهؤلاء أهل عمله فسلوهم عنه، وهؤلاء أهل بلده، وقد ولى من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: نعم. يعيبون للناس مالا يفسرون. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإني إنما نفلته خمس ما أفاء الله

عليه من الخمس فكان مئة ألف، قد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذاك؟ فقالوا: نعم. وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيتهم، فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم، وأما إعطاؤهم فإني إنما أعطيهم من مالي، ولا أستجل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة والرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي، وفني عمري، ووزعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا، إني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، ولقد رددته عليهم، ولا قدم علي الأخماس، ولا يحل لي منها شيء فولي المسلمون وضعها في أهلها دوني ولا تبلغت من مال الله عز وجل بفلس فما فوقه، ولا أتبلغ به، ما آكل إلا في مالي. قالوا: أعطيت الأرض رجالاً، وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت، فمن أقام بمكة من هذه الفتوح فهو أسوة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله عز وجل له. فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب، فنقلت إليهم نصيبهم، فهو في أيديهم دوني. وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطي، فبدأ ببني أبي العاص، فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف، عشرة آلاف، فأخذوا مئة ألف، وأعطي بني عثمان مثل ذلك، وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي بني حرب، ولانت حاشية عثمان لأولئك الطراء، وأبى المسلمون إلا قتلهم، وأبى إلا تركهم، فذهبوا فرجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحجاج كالحجاج، وتكاتبوا وقالوا: موعدكم ضواحي المدينة في شوال.

قالوا وكتب عثمان إلى الناس بالذي كان وبكل ما صبر عليه من الناس إلى ذلك اليوم، وبما عليهم، فما كتب به: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإن أقواماً ممن كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس، أنما يدعون إلى كتاب الله والحق، ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها، فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى، منهم آخذ للحق ونازع عنه من يعطاه، ومنهم تارك للحق رغبة في الأمر، يريدون أن يبتزوه لغير الحق، وقد طال عليهم عمري وراث عليهم أملهم في الأمور، واستعجلوا القدر، وإني جمعتهم والمهاجرين والأنصار فنشدتهم فأدوا الذي علموا، فكان أول ما شهدوا به أن يقتل كل من دعا إلى نفسه أو أحد. وفسر لهم ما اغتدوا به عليه، وما أجابهم فيه وشهد له عليه. ورجع إليهم الذين شخصوا، لا يستطيعون أن يظهروا شيئاً حتى إذا دخل شوال خرجوا كالحجاج فنزلوا قرب المدينة. قالوا: ولما كان في شوال سنة خمس وثلاثين خرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء، المقلل يقول: ست مئة، والمكثر يقول: ألف، ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب إنما خرجوا كالحجاج، ومعهم ابن السوداء، وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق، وعددهم كعدد أهل مصر، وخرج أهل البصرة في أربع رفاق، وعددهم كعدد أهل مصر، فأما أهل مصر فإنهم يشتهون علياً، وأما أهل البصرة فإنهم كانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فإنهم يشتهون الزبير فخرجوا وهم على الخروج جميع، في التأمير شتى، لا تشك كل فرقة إلا أن الفلج معها، وأن أمرها سيتم دون الأخرى، فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم أناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب، وأناس من الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من أهل مصر،

وتركوا عامتهم بذي المروة. ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم، وقالوا: لا تعجلوا حتى ندخل لكم المدينة ونرتاد، فإنه قد بلغنا أنهم قد عسكروا لنا، فوالله إن كان أهل المدينة قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا، لهم علينا إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا لباطل، وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلاً لنرجعن إليكم بالخبر، قالوا: اذهبوا، فدخل الرجلان فلقوا أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطلحة والزبير وعلياً، وقالوا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي هذا الوالي من بعض عمالنا، ما جئنا إلا لذلك، واستأذنوهم للناس بالدخول فكلهم أبي ونهى وقال: بيض ما يفرخن: فرجعا إليهم. فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبتغهم. فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت، عليه حلة أفواف معتم بشقيقة حمراء يمانية، متقلد السيف، ليس عليه قميص، وقد سرح الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، والحسن جالس عند عثمان، وعلي عند أحجار الزيت فسلم عليه المصريون وعرضوا له، فصاح بهم واطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فارجعوا لا صحبكم الله. قالوا: نعم. فانصرفوا من عنده على ذلك. وأتى البصريون طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي عليه السلام وقد أرسل بنيه إلى عثمان، فسلم البصريون عليه وعرضوا به، فصاح بهم واطردهم، وقال: لقد

علم المؤمنون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأتى الكوفيون الزبير وهو جماعة أخرى، وقد سرح عبد الله إلى عثمان، فسلموا عليه وعرضوا له فصاح بهم واطردهم، وقال: لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فخرج القوم وأروهم أنهم يرجعون، فانقشوا عن ذي خشب حتى أتوا عساكرهم، وهي ثلاث مراحل، كي يفترق أهل المدينة ثم يكرون، فافترق أهل المدينة لخروجهم، فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم، فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في نواحي المدينة، فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياماً، ولزم الناس بيوتهم، ولم يمنعوا أحد من كلام، فأتاهم الناس فكلموهم، وفيهم علي فقال علي: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم؟ قالوا: وجدنا مع يزيد كتاباً بقتلنا. وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك، وأتاهم الزبير فقال الكوفيون مثل ذلك، وقال الكوفيون والبصريون: فنحن ننصر إخواننا ونمنعهم، فقالوا جميعاً كأنما كانوا على ميعاد، كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر، وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة، قالوا: فضعوه على ما شئتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا. وهو في ذلك يصلي بهم وهم يصلون خلفه، ويغشى من شاء عثمان، وهم أدق في عينيه من التراب، وكانوا لا يمنعون أحداً الكلام، وكانوا زمراً بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع. وكتب عثمان إلى أهل مصر يستمدهم: أما بعد، فإن الله بعث محمداً بالحق بشيراً

ونذيراً، وبلغ عن الله ما أمر به ثم مضى، وقد قضى الذي عليه وخلف فينا كتابه، فيه حلاله وحرامه، وبيان الأمور التي قدر، فأمضاها على ما أحب العباد وكرهوا، فكان الخليفة أبو بكر ثم عمر، ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة عن ملأ من الأمة، ثم اجتمع أهل الشورى عن ملأ منهم ومن الناس عن غير طلب مني ولا محبة، فعملت فيهم بما يعرفون ولا ينكرون، تابعاً غير مستتبع، متبعاً غير مبتدع، مقتدياً غير متكلف، فلما انتهت الأمور وانتكث الشر بأهله، وبدت ضغائن وأهواء على غير اجترام ولا ترة فيما مضى إلا إمضاء الكتاب، وطلبوا أمراً وأعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر، فعابوا علي أشياء مما كانوا يرضون، وأشياء عن ملأ من أهل المدينة، لا يصلح غيرها، فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين، وأنا أرى وأسمع، فازدادوا على الله جرأة، حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرمه وأرض الهجرة، وثابت إليهم الأعراب، فهم كالأحزاب أيام الأحزاب، أو من غزانا بأحد إلا ما يظهرون، فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق. فأتى الكتاب أهل الأمصار فخرجوا على الصعبة والذلول. ولما جاءت الجمعة على أثر نزول المصريين مسجد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عثمان فصلى بالناس، ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء الغزاء، الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون إنكم لملعونون على لسن محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيء إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأخذ حكيم بن جبلة فأقعده، فقام زيد بن ثابت فقال: أبغى الكتاب؟ فثار إليه في ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وقال فأقظع، وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصنوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فاحتمل فأدخل داره. وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن يساعدهم إلا في ثلاثة نفر، فإنهم كانوا يراسلونهم: محمد بن أبي بكر

ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر، وشرى أناس من الناس فاستقتلوا، منهم سعد بن مالك وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن بن علي، فبعث إليهم بعزمه لما انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل علي حتى دخل عثمان، وأقبل طلحة حتى دخل عليه، وأقبل الزبير حتى دخل عليه يعودونه من صرعته ويشكون بثهم، ثم رجعوا إلى منازلهم. وفي حديث عن الحسن أن عثمان يخطب يوم الجمعة فقام رجل فقال: أسألك كتاب الله. فقال عثمان: أو ما لكتاب الله طالب غيرك؟ اجلس، فجلس، فقال الحسن: كذبت يا عدو نفسه، لو كنت تطلب كتاب الله لم تطلبه يوم الجمعة والإمام يخطب، ثم قام الثانية والثالثة، فقال عثمان: أما لهذا أحد يجلسه؟ قال: فتخاصبوا حتى ما أرى أديم السماء، قال: فكأني أنظر إلى ورقات مصحف رفعته امرأة من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تقول: إن الله قد برأ نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، قال: فذاك أول ما عقلت الأحاديث، وخالطت الناس فقال لي بعض أصحابي: تلك أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جابر بن عبد الله: أن المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان بذي خشب، دعا عثمان بن محمد مسلمة فقال: اذهب إليهم فارددهم عني وأعطهم الرضى، وأخبرهم أني فاعل وفاعل بالأمور التي طلبوا ونازع عن كذا الأمور التي تكلموا فيها فركب محمد بن مسلمة إلى ذي خشب، وأرسل معه عثمان خمسين راكباً من الأنصار أنا فيهم، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وسودان بن حمران المرادي، وابن البياع، وعمرو بن الحمق الخزاعي، لقد كان الاسم غلب حتى كان يقال: جيش ابن الحمق، فأتاهم محمد بن مسلمة وقال: إن أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا وأخبرهم بقوله، فلم يزل بهم حتى

رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان، فأخذوا متاعه ففتشوه فوجدوا قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء إلى عبد الله بن سعد أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في عثمان. فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خشب، فأرسل عثمان إلى محمد بن مسلمة وقال: اخرج فارددهم عني، فقال: لا أفعل، قال: فقدموا فحصروا عثمان. وقال سفيان بن أبي العوجاء: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب أو أرسل ذلك الرسول، وقال: فعل ذلك دوني؟ وقيل: إنهم لما أخذوا ميثاقه وكتبوا عليه، وأخذ عليهم ألا يشقوا عصاً ولا يفارقوا جماعة ما أقام لهم بشرطهم، ثم رجعوا راضين، فبينا هم بالطريق إذا راكب يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم، فقالوا له: مالك؟ قال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر. ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان، عليه خاتمه إلى عامل مصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم، فأقبلوا حتى قدموا المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر عدو الله؟ إنه كتب فينا بكذا وكذا، وإن الله أحل دمه، فقم معنا إليه، فقال: والله لا أقوم معكم. قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً. فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة. فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: كتبت فينا بكذا وكذا، فقال: إنما هما اثنتان: تقيمون رجلين من المسلمين أو يميني بالذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل، وينقش بالخاتم على الخاتم. فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق، وحصروه في القصر.

وحدث ابن عون عن محمد قال: لما كان حيث نزل بابن عفان، جمعهم فاستشارهم في القوم الذين حصروه، فأرسل إليهم علياً ورجلاً آخر، فعرض عليهم كتاب الله، فشادهم وشادوه مرتين أو ثلاثاً، ثم قالوا: ابن عم رسول الله صلى عليه وسلم ورسول أمير المؤمنين يعرض عليكم كتاب الله، قال: فقبلوه واشترطوا خمساً، فكتبوهن في الكتاب، وثنتين لم يكتبوها في الكتاب: المنفي يقلب والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، ويرد ابن عامر على أهل البصرة فإنهم به راضون، ويستعمل الأشعري على الكوفة. فذهبوا. قال ابن عون: فلا أدري أين بلغوا، ثم رجعوا فقعدوا ناحية فقالوا: لا يكلمنا أحد، ولا يدنون منا أحد. فأرسل إليهم المغيرة، فأتاهم فقالوا: لا تدنون منا يا أعور، لا تكلمنا يا أعور، فأتى ابن عفان فقال: إني رأيت الناس فما رأيت قوماً ألج من العرب، فلو خرجت في كتيبتك فعسى أن يروها فيرجعوا فخرج ابن عفان في كتيبته فنسل من أولئك رجل، ومن هؤلاء رجل، فانطلقا بسيفيهما، فحانت منه التفاتة فقال: في بيعتي وتأميري، فرجع فدخل الدار، فما أعلمه خرج بعد ذلك اليوم حتى قتل. قال محمد: فلقد قتل وفي الدار لسبع مئة فيهم الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير، ولو أذن لهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطار المدينة. وعن عبد الله بن سلام قال: بينما أمير المؤمنين عثمان يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ لي، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً فإنه من شيعته، فقلت له: لقد قلت القول العظيم في يوم القيامة في الخليفة من بعد نوح. قوله: فوذأه فاتذأ له يقال: وذأت الرجل إذا زجرته وقمعته، وقوله: اتذأ يعني انزجر. وقوله: نعثلاً، قيل: إنه يشبه برجل من أهل مصر اسمه نعثل، وكان طويل

اللحية، وكان عثمان إذا نيل منه وعيب يشبه بذلك لطول لحيته، لم يكونوا يجدون عيباً غير هذا. وقيل: من أهل أصبهان، وقيل: نعثل إنه الذكر من الضباع، وأما قوله: الخليفة من بعد نوح، فقد اختلف فيه، فقيل: إنه أراد بنوح عمر بن الخطاب لحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين استشار أبا بكر في أسارى بدر، فأشار عليه أبو بكر بالمن عليهم، وأشار عليه عمر بقتلهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقبل على أبي بكر: إن إبراهيم كان ألين في الله من الدهن باللبن. ثم أقبل على عمر فقال: إن نوحاً كان أشد في الله من الحجر. قال أبو عبيد: شبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر بإبراهيم وعيسى حين قال: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، وشبه عمر بنوح حين قال: " لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً " فأراد أن عثمان خليفة عمر. وقيل: إن قوله الخليفة من بعد نوح، إنه لم يرد عمر إنما أراد نوح النبي صلى الله على نبينا وعليه، جعله مثلاً له، أن الناس في زمن نوح كانوا في عافية، فكان هلاكهم في دعوة نوح، فأراد في قتل عثمان سل السيف والفتن إلى يوم القيامة. وقوله: يوم القيامة أراد يوم الجمعة، وذلك أن الخطبة كانت يوم الجمعة. وروى عن كعب أنه رأى رجلاً يظلم رجلاً يوم الجمعة فقال: ويحك! أتظلم رجلاً يوم القيامة؟! وروي في الأحاديث أن الساعة تقوم يوم الجمعة فلذلك سمي يوم الجمعة يوم القيامة. ولما حصر عثمان قام إليه فلان بن سعيد الغفاري وهو جهجاه حتى أخذ القضيب

من يده قضيب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعها على ركبته ليكسرها بشعبها، وصاح به الناس، فنزل عثمان حتى دخل داره، ورمى الله الغفاري في ركبتيه فلم يحل عليه الحول حتى مات. وفي حديث آخر: فوقعت في ركبتيه الأكلة. وعن صعصعة بن معاوية التميمي قال: أرسل عثمان وهو محصور إلى علي وطلحة والزبير وأقوام من الصحابة فقال: احضروا غداً، فكونوا حيث تسمعون ما أقول لهذه الخارجة. ففعلوا وأشرف عليهم فقال: أنشد الله من سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يشتري هذا المربد ويزيده في مسجدنا وله الجنة، وأجره الدنيا ما بقي درجات له؟ " فاشتريته بعشرين ألفاً وزدته في المسجد، قالوا " اللهم نعم. وقال الخوارج: صدقوا ولكنك غيرت. ثم قال: أنشد الله من سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يجهز جيش العسرة وله الجنة؟ " فجهزتهم حتى ما فقدوا عقالاً ولا خطاما؟ قالوا: نعم. فقال الخوارج: صدقوا ولكنك غيرت. قال: أنشد الله من سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ": من يشتري رومة وله الجنة؟ فاشتريتها، فقال: اجعلها للمساكن ولك أجرها والجنة؟ قالوا: اللهم نعم. قال الخوارج: صدقوا ولكنك غيرت. وعدد أشياء، وقال: الله أكبر، ويلكم خصمتم والله، كيف يكون من يكون هذا له مغيراً؟ يا أيها النفر من أهل الشورى اعلموا أنهم سيقولون لكم غداً كما قالوا لي اليوم. فلما خرجوا بعد على علي، جعل ينشد الناس عن مثل ذلك ويشهد له به فيقولون: صدقوا ولكنك غيرت. فقال:

ما اليوم قتلت ولكن يوم قتل ابن بيضاء. قال: هذا حديث غريب. وعن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار، فأشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم هذين اللذين ألباكم. قال: فجيء بهما كأنهما جملان أو كأنهما حماران، قال: فأشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المدينة وليس فيها ما يستعذب غير بئر رومة، فقال: من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر؟ قالوا: اللهم نعم زاد في حديث غيره: قال: فعلى ما تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد كان ضاق بأهله فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يشتري بقعة آل فلان بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من مالي أو قال: من صلب مالي فزدتها في المسجد وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين به قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا اللهم نعم. قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على ثبير مكة هو وأبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض قال: فركضه برجله قال: اسكن ثبير، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟ قالوا: اللهم نعم. فقال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد، والله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد. قالها ثلاثاً. زاد في حديث آخر بمعناه ولكن طال عليكم عمري فاستعجلتم وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإنه لا أخلعه حتى أموت أو أقتل.

وعن الهزيل قال: إني بالمدينة جالس في حلقة من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاء أعرابي فقال: يا صاحب محمد، ما تقول في قتل هذا الرجل يعني عثمان؟ فقام من مجلسه ذلك حتى فعل ذلك ثلاثاً، إذ مر طلحة بن عبيد الله، فقلنا له: هذا من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسله، فقام الأعرابي فقال: يا صاحب محمد ما تقول في قتل هذا الرجل؟ قال طلحة: ها أنذا داخل عليه. فقال له الأعرابي: فأدخلني معك. قال: نعم. فدخل على عثمان ومعه الأعرابي فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له عثمان: وعليك. ثم قال: أنشدك الله يا طلحة هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على حراء فقال: اقرر حراء، فإن عليك نبياً أو صديقاً أو شهيداً. فكان عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وأنا وعلي وأنت والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك وسعيد بن زيد، ثم قال: أنشدك بالله يا طلحة أتعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ":النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة؟ " قال: اللهم نعم. قال: أنشدك بالله أتعلم أن سائلاً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطاه أربعين درهماً، ثم سأل أبا بكر فأعطاه أربعين درهماً، ثم سأل عمر فأعطاه أربعين درهماً، ثم سأل علياً فلم يكن عنده شيء فأعطيته أربعين عن علي وأربعين عني، فجاء بها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالبركة. فقال: وكيف لا يبارك لك، وإنما أعطاك نبي أو صديق أو شهيد؟ قال: اللهم نعم. وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: شهدت عثمان حين حوصر والناس عنده موضع الجنائز، فلو أن حصاة ألقيت ما سقطت إلا على رأس رجل، فنظرت إلى عثمان حين أشرف من الخوخة التي تلي مقام جبريل، فقال للناس: أفيكم طلحة؟ قال: فسكتوا، قال: أفيكم طلحة؟ فسكتوا، ثم قال: أفيكم طلحة؟ فسكتوا، قال: أفيكم طلحة؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان: ألا أراك ها هنا! ما كنت أراك تكون في جماعة قوم تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني! أنشدك يا طلحة، أما تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بمكان كذا وكذا سمى

الموضع وأنا وأنت معه ليس معه من أصحابه غيري وغيرك فقال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل نبي رفيقاً من أمته معه في الجنة، وإن عثمان هذا رفيقي معي في الجنة. يعنيني؟ فقال طلحة: اللهم نعم. قال: فانصرف طلحة. وحدث عبيد الله بن عبيد الحميري عن أبيه قال: كنت فيمن حصر عثمان، فأشرف ذات يوم فقال: ها هنا طلحة؟ فقال: طلحة نعم. فقال: نشدتك بالله أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا ذات يوم ونحن عنده: " ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه، فإنه جليسه ووليه في الدنيا والآخرة ". فأخذت أنت بيد فلان بيد فلان، وفلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد جليسه، وأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فقال: هذا جليسي ووليي في الدنيا والآخرة؟ قال طلحة: اللهم نعم. فقال الحميري: كيف نقاتل رجلاً قد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا فيه؟ قال: فرجع في سبع مئة من قومه. وعن ابن لبيبة: أن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار، فقال: أفيكم طلحة؟ قالوا: نعم. قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المهاجرين والأنصار آخى بيني وبين نفسه؟ فقال طلحة: اللهم نعم. فقيل لطلحة في ذلك، فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به؟! وحدث محمد بن عبد الرحمن بن محيريز عن أبيه عن جده: أن عثمان لما أشرف على الذين حصروه فسلم عليهم فلم يردوا عليه، فقال عثمان: أفي القوم طلحة؟ قال طلحة: نعم. قال: فإنا لله وإنا إليه راجعون، أسلم على قوم وأنت فيهم فلا يردون! قال: قد رددت. قال: ما هكذا الرد، أسمعك ولا تسمعني؟ يا طلحة، نشدتك الله أسمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل دم المسلم إلا واحد من ثلاث: أن يكفر بعد إيمانه، أو يزني بعد إحصانه، أو يقتل نفساً فيقتل بها؟ " قال اللهم نعم. قال: فكبر عثمان

فقال: والله ما أنكرت الله منذ عرفته، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام، وقد تركته في الجاهلية تكرماً وفي الإسلام تعففاً، وما قتلت نفساً يحل بها قتلي. وعن قتادة قال: فأشرف عليهم عثمان حين حصر فقال أخرجوا رجلاً أكلمه، فأخرجوا صعصعة بن صوحان، قال عثمان: ما نقمتم؟ قال: أخرجنا من ديارنا بغير حق إلا أن قلنا: ربنا الله. قال عثمان: كذبت، لستم أولئك، نحن أولئك، أخرجنا أهل مكة، وقال الله: " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " فكان ثناء قبل بلاء. وعن حنظلة بن قنان من بني عامر ذهل قال: أشرف علينا عثمان فقال: أفيكم ابنا مخدوج؟ فقال: أنشدكما الله، ألستما تعلمان أن عمر قال: إن ربيعة فاجر وغادر، وإني والله لا أجعل فرائضهم وفرائض قوم جاؤوا من مسيرة شهر، وإنما مهاجر أحدكم عند طنبه، وإني زدتهم في غداة واحدة خمس مئة حتى ألحقتهم بهم؟ قالوا: بلى. قال: أذكركما الله ألستما تعلمان أنكما أتيتماني فقلتما: إن كندة أكلة رأس، وإن ربيعة هم الرأس، وإن الأشعث بن قيس قد أكلهم فنزعته واستعملتكما؟ قالا: بلى. قال: اللهم إن كانوا كفروا معروفي وبدلوا نعمتي فلا ترضهم عن إمام ولا ترض إماماً عنهم. قالوا: وقال عثمان: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما. وعن مجاهد قال: أشرف عثمان علة الذين حاصروه فقال: يا قوم! لا تقتلونني فإني وال وأخ مسلم

فوالله إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت، أصبت أو أخطأت، وإنكم إن تقتلوني لا تصلون جميعاً أبداً، ولا تغزون جميعاً أبداً، ولا يقسم فيئكم بينكم، قال: فلما أبو قال: أنشدكم الله هل دعوتم عند وفاة أمير المؤمنين بما دعوتم به وأمركم جميعاً لم يتفرق، وأنتم أهل دينه وحقه، فتقولون: إن الله لم يجب دعوتكم، أم تقولون: هان الدين على الله، أم تقولون: إني أخذت هذا الأمر بالسيف والغلبة ولم آخذه عن مشورة من المسلمين، أم تقولون: إن الله لم يعلم من أول أمري شيئاً لم يعلمه من آخره، فلما أبو قال: اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً. قال مجاهد: فقتل الله منهم من قتل في الفتنة، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون ما شاؤوا لمداهنتهم. وعن أبي ليلى الكندي قال: رأيت عثمان أشرف على الناس وهو محصور في الدار فقال: يا أيها الناس، لا تقتلوني واستعتبوني، فو الله لئن قتلتموني لا تصلون جميعاً أبداً، ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه " يا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما قوم لوط منكم ببعيد ". قال: وأرسل إلى عبد الله بن سلام فسأله، فقال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم. حدث قيس بن رمانة عن يوسف بن عبد الله بن سلام: وكان قيس يكرم ولد يوسف إذا نزلوا، فقال له يوسف: إني لا أدري ما أكرمك به إذا نزلت بي لما كنتم تصنعون إلى من نزل بكم. ألا حديث أحدثكموه، فاحفظه مني: إن عبد الله بن سلام كان مع عثمان في الدار فقال لعثمان: لو شئت خرجت ففثأت الناس

عنك، فإني خارج، أغنى عنك مني عندك. قال: فقال عثمان: فافعل، فخرج عبد الله بن سلام، فلما رآه الناس صاحوا في وجهه، فقالوا: الناموس، الناموس ثلاث مرات عبد الله بن سلام. فقال علي بن أبي طالب: أيها الناس، دعوا عبد الله بن سلام فليتكلم، فخذوا من حديثه ما شئتم، ودعوا ما شئتم، فتركوه فتكلم فقال: أيها الناس، دعوا عثمان لا تقتلوه خمس عشرة ليلة، فإن لم يمت أو يقتل إلى خمس عشرة ليلة من ذي الحجة فقدموني فاضربوا عنقي. فقال الناس: الناموس، الناموس، الناموس عبد الله بن سلام. فأخذ بيدي أبي فقال: يا بني، رفع سلطان الدرة ووقع سلطان السيف، لا يرفع عنهم إلى يوم القيامة. ثم قال: إن لهؤلاء القوم سلطاناً لن يزول حتى تزول الجبال، حتى يتفرقوا فيما بينهم، فإذا فعلوا ذلك خرجوا عصبة بسواد العراق، يخرج فيهم أمير العصب، لا يوجهون لشيء إلا فتح لهم، لا والذي لا إله إلا هو ما أنزل الله في توراة ولا إنجيل ولا قرآن أفضل مما جعل لأولئك القوم، فإن وجدت من العدة والنشاط فلا تقاتل أحداً أبداً حتى ترى ذلك، قال: قلت: ألا إن ذلك بعيد. قال: فوالله ما أراه إلا قد كان، ألا ترى ما كان من سليمان والوليد؟! فإن أدركته فسوف ترى، وإلا فاحفظ عني ما قلت لك. وعن عبد الله بن مغفل قال: كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على أتان أو حمار يوم الجمعة يذكر، فإذا قضيت الصلاة أتى أرضه، فلما هاج الناس بعثمان قال: أيها الناس، لا تقتلوا عثمان واستعتبوه، فوالله الذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فأصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفاً، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفاً، وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان. ثم قال: لا تقتلوه واستعتبوه. فلم ينظروا فيما قال وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، حتى أتى عليه فقال: أين تريد؟ قال: العراق. قال: لا تأت العراق، وعليك بمنبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فالزمه، فوالذي نفسي بيده

لئن تركته لا تراه أبداً. قال: فقال من حوله: دعنا فلنقتله. فقال علي: دعوا عبد الله بن سلام فإنه رجل صالح. فقال ابن مغفل: وكنت استأمرت عبد الله بن سلام في أرض إلى جنب أرضه أشتريها، فقال بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون بعدها صلح فاشترها. فقال سليمان: قلت لحميد: كيف يرفعون القرآن على السلطان؟ قال: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان؟! وعن عبد الله بن سلام: أنه قال للمصريين: لا تقتلوه فإن الله قد رفع عنكم سيف الفتنة منذ بعث نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يزال مرفوعاً عنكم حتى تقتلوا إمامكم، فإن قتلتموه سل عليكم سيف الفتنة، ثم لم يرفعه عنكم حتى يخرج عيسى بن مريم، والثانية أن مدينتكم لم تزل محفوظة بملائكة منذ نزلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولئن قتلتموه ليرتفعن عنها، ثم لا يحفونها حتى تلتقوا عند الله تعالى، والثالثة: تا الله لقد حق له عليكم ما يحق للوالد على ولده، إن رآه نائماً لا يوقظه، والرابعة: أنه لا يستكمل ذا الحجة حتى يأتي على أجله، ولولا ما على العلماء لعلمت أن ما هو كائن سيكون. فشتموه وهموا به، فانصرف عنهم. وعن أبي سلمة قال: قال عبد الله بن سلام للناس وناشدهم في قتل عثمان: لا تقتلوه فإنكم إن قتلتموه فإنما مثلكم في كتاب الله كمثل قرقور في البحر، مرة يستقيم ومرة لا يستقيم. وعن مسلم أبي سعيد قال: ما سمعت عبد الله بن مسعود قائلاً في عثمان سبة قط، ولقد سمعته يقول: لئن قتلوه

لا يستخلفوا بعده مثله. وعن عمرو بن العاص قال لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان، إنك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمر، فتب وليتوبوا معك. قال: فحول وجهه إلى القبلة فرفع يديه فقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، ورفع الناس أيديهم. دخل ابن عمر على عثمان وعنده المغيرة بن الأخنس فقال: انظر ما يقول هؤلاء. قال: يقولون اخلعها ولا تقتل نفسك. فقال ابن عمر: إذا خلعتها أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا، قال: فإن لم تخلعها هل يزدون على أن يقتلوك؟ قال: لا، قال: فهل يملكون لك جنة وناراً؟ قال: لا. قال: فلا أرى لك أن تخلعها، ولا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله، فيكون سنة، كلما كره قوم إمامهم أو خليفتهم خلعوه. دخل عبد الله بن سلام على عثمان في آخر ما دخل عليه الناس فقال: ما ترى في القتال والكف؟ قال: الكف أبلغ للحجة، وإنا لنجد في كتاب يوم القيامة أمير على القاتل والآمر. قال طاوس: سئل عبد الله بن سلام حين قتل عثمان: كيف تجدون صفة عثمان في كتبكم؟ قال: نجده يوم القيامة أميراً على القاتل والخاذل. وكان وفد أهل مصر لما قدموا المدينة أتو علياً فقالوا: قم معنا، قال: والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم كتاباً قط. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ألهذا تغضبون! أم لهذا تقاتلون!؟ قال: وخرج علي فنزل خارجاً من المدينة.

قال أبو جعفر القارئ مولى ابن عياش المخزومي: كان المصريون الذين حصروا عثمان ست مئة، والذين قدموا من الكوفة والذين قدموا من البصرة مئة رجل، وكانوا يداً واحدة في الشر، وكان حثالة من الناس ضووا إليهم، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، مفتونون، وكان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين خذلوه كرهوا الفتنة، وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فندموا على ما صنعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوههم التراب لا نصرفوا خاسئين. قال محمد بن الحسن: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد، فقد بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع الأمر من لا يدفع عن نفسه: من الطويل فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق. قوله: بلغ السيل الزبى، زبى الأسد التي تحفر لها، وجعلت مثلاً في بلوغ السيل إليها، لأنها تجعل في الروابي ولا تكون في المنحدر، ولا يبلغها إلا سيل عظيم. وقوله: جاوز الحزام الطبيين: يعني أنه قد اضطرب من شدة السير حتى خلف الطبيين من اضطرابه، مثلاً للأمر الفظيع الفادح. والبيت لشاعر من عبد القيس جاهلي يقال له: الممزق، وإنما سمي ممزقاً لهذا البيت.

وعن قنبر مولى علي عليه السلام قال: دخلت مع علي على عثمان، فأحبا الخلوة، فأومى علي إلي بالتنحي، فتنحيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتب علياً، وعلي مطرق، فأقبل عليه عثمان فقال: مالك لا تقول؟ قال: إن قلت لم أقل إلا ما تكره، وليس لك عندي إلا ما تحب. قال أبو العباس: تأويل ذلك أني إن تكلمت اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به علي. فلدغك عتابي، وعقدي ألا أفعل وإن كنت عاتباً إلا ما تحب. قال القاضي أبو الفرج: وفيه تأويل آخر: وهو أن يكون أراد أنه إن شرع في مخاطبته بما استدعى أن يخاطبه فيه ذكر له أنه أتى بخلاف الأصوب عنده، وترك ما كان الأولى به أن يفعله، إلا أنه لإشفاقه عليه مع إيثاره النصيحة له، آثر محبته، وكره إظهار ما فيه تثريب عليه، أو لائمة له. وهذا التأويل أصح من الأول، وقد ورد في هذا المعنى أن عثمان بعث إلى ابن عباس وهو محصور، فأتاه وعنده مروان بن الحكم، فقال عثمان: يابن عباس، أما ترى إلى ابن عمك، كان هذا الأمر في بني تيم وعدي، فرضي وسلم، حتى إذا صار الأمر إلى ابن عمه بغانا الغوائل. قال ابن عباس: فقلت له: إن ابن عمك والله ما زال عن الحق ولا يزول، ولو أن حسناً وحسيناً بغيا في دين الله الغوائل لجاهدهما في الله حق جهاده، ولو كنت كأبي بكر وعمر لكان ذلك كما كان لهما، بل كان لك أفضل لقرابتك ورحمك وسنك، ولكنك ركبت الأمر وهاباه. قال ابن عباس: فاعترضني مروان فقال: دعنا من تخطئتك يابن عباس، فأنت كما قال الشاعر: من الوافر دعوتك للغياث ولست أدري ... أمن خلفي المنية أم أمامي. فشققت الكلام رخي بال ... وقد جل الفعال عن الكلام. إن يكن عندك غياث لهذا الرجل فأغثه، وإلا فما أشغله عن التفهم لكلامك والفكر في جوابك. قال ابن عباس: فقلت له: هو والله كان عنك وعن أهل بيتك أشغل إذ أوردتموه

ولم تصدروه. قم أقبلت على عثمان فقلت له: من الوافر جعلت شعار جلدك قوم سوء ... وقد يجزى المقارن بالقرين. فما نظروا لدنيا أنت فيها ... بإصلاح ولا نظروا لدين. ثم قلت له: إن القوم غير قابلين إلا قتلك أو خلعك، فإن قتلت قتلت على ما قد عملت وعلمت، وإن تركت فإن باب التوبة مفتوح. فهذا الخبر يؤيد التأويل الثاني. وعن محمد بن جبير بن مطعم قال: أرسل عثمان إلى علي: أن ابن عمك مقتول وإنك مسلوب. حدث عبد الله بن رافع عن أمه قال: خرجت الصعبة بنت الحضرمي فسمعاها تقول لابنها طلحة بن عبيد الله: إن عثمان قد اشتد حصره فلو كلمت فيه حتى يرفه عنه وطلحة يغسل أحد شقي رأسه فلم يجبها، فأدخلت يديها في كم درعها فأخرجت ثدييها وقالت: أسألك بما حملتك وأرضعتك إلا فعلت. فقام ولوى شعر شق رأسه حتى عقده وهومغسول، ثم خرج حتى أتى علياً وهو جالس في جنب داره، فقال طلحة ومعه أمه وأم عبد الله بن رافع: لو رفهت عن هذا فقد اشتد حصره، قال: فنقر بقدح في يده ثلاث مرار ثم رفع رأسه فقال: والله ما أحب من هذا شيئاً تكرهه. قال جبير بن مطعم: لما حصر عثمان بن عفان حتى والله ما يشرب إلا من الفقير، فقير الدار، قال جبير: فدخلت على علي بن أبي طالب فقلت: يابن أبي طالب، أقد رضيت بهذا أن يحصر ابن عمك حتى والله ما يشرب إلا من فقير الدار؟ فقال: سبحان الله! وقد بلغوا هذا منه؟ قال: نعم وأشد من هذا. قال: فحمل الروايا حتى أدخلها عليه وسقاه. ذكر عدي بن حاتم الطائي قريشاً وما رزقوا من الفصاحة والبيان فقال: أما

الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو ينطق بالوحي، ولا ينطق عن الهوى، وأما سائر قريش في الجاهلية والإسلام فإنهم فاقوا الناس، ولقد كنت عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذ وردت عليه رقعة من عثمان بخطه من الطويل: تجنى علي كي يقارضني ذنبا ... وأبدى عتاباً فامتلأت له عتبي. فلو لي قلوب العالمين بأسرها ... لما تركت لي من معاتبة قلبا. معاتبة السلفين تحسن مرة ... فإن أكثرا إدمانها أفسدا الحبا وقد قال في بعض الأقاويل قائل ... أراد به العتبى ولم يرد العتبا. إذ شئت أن تقلى فزر متتابعاً ... وإن شئت أن تزداد حبا فزر غبا وقال هشام بن عروة: كان عثمان أروى الناس للبيت والبيتين والثلاثة إلى الخمسة. وعن أبان لن عثمان: أنه أتى علياً فقال: يا عم أهلكتنا الحجارة، فجاء علي حتى دخل، فلم يزل يرميهم بيمينه حتى وهنت، ثم لم يزل يرميهم بشماله حتى وهنت، فقال: يابن أخي اجمع حشمك وافعل كما تراني أفعل. قال محمد بن علي: لما كان يوم الدار أرسل عثمان إلى علي أن يأتيه فتعلقوا به ومنعوه، فألقى عمامة له سوداء على رأسه وجعل يقول: اللهم إني لا أرضى قتله ولا آمر به. وفي حديث آخر: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت في قتله. وعن أبي إدريس الخولاني قال: لما كان اليوم الذي قتل فيه عثمان أرسل عثمان إلى سعد ابن أبي وقاص، فأتاه فكلمه فقل له سعد: أرسل إلى علي فإنه إن أتاك ورضي صلح هذا الأمر، قال: فأنت رسولي إليه، فأتاه فقام معه علي يريد أن يأتي عثمان، فمر بمالك الأشتر في أهل الكوفة، فقال مالك: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان. فقال لأصحابه: والله لئن دخل عليه لتقتلن

عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد، وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فافرغوا، فدخلوا فقتلوه. وروي أن علياً عليه السلام جاء عثمان فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فأعرض عنه، ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فأعرض عنه، ثم قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فرد عليه ضعيفاً، فقال: أما تعلم أنا كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حرى فتحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ فقال: بلى، فقال علي: فوالله لتقتلن ولا قتلن معك. قال ذلك ثلاث مرات. حدث أبو عمرو عن الحسن قال: قلت: تعقل مقتل عثمان رضي الله عنه؟ قال: نعم، قلت: فهل تعرف أحداً أقام بذلك؟ قال: نعم، قهر الرجل فلم يجد ناصراً، فجاء أبو هريرة وسعد بن مالك فجثيا بحيالهم وناديا: أبد لنا صفحتك، فأشرف عليهما وقال: والله لا تقتلان أنفسكما إن رأيتما الطاعة فانصرفا، فو الله ليضربنهم الله بذل، ولا ينال إبليس مني أمراً يدخل به على سلطان الله عز وجل دخلاً. وعن ابن عباس، وابن الزبير، والمسور بن مخرمة قالوا: بعث عثمان بن عفان المسور بن مخرمة إلى معاوية، يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يبعث إليه جيشاً سريعاً يمنعونه، فلما قدم على معاوية وأبلغه ذلك، ركب معاوية نجائبه ومعه معاوية بن حديج ومسلم بن عقبة، فسار من دمشق إلى عثمان عشراً فدخل المدينة نصف الليل، فدق باب عثمان، فدخل، فأكب عليه فقبل رأسه، فقال عثمان: فأين الجيش؟ فقال معاوية: لا والله ما جئتك إلا في ثلاثة رهط. فقال عثمان: لا وصل الله رحمك ولا أعز نصرك ولا جزاك عني خيراً: فو الله ما أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من

أجلك. فقال معاوية: بأبي أنت وأمي، إني لو بعثت إليك جيشاً فسمعوا به عاجلوك فقتلوك قبل أن يبلغ الجيش إليك، ولكن معي نجائب لا تساير، ولم يشعر بي أحد، فاخرج معي فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام، فإنها أكثر الإسلام رجالاً وأحسنه فيك رأياً. فقال عثمان: بئس ما أشرت به. وأبى أن يجيبه إلى ذلك، فخرج معاوية إلى الشام راجعاً، وقدم المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعاً إلى الشام، فقدم المسور على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له، فلما كان في حصره الآخر بعث المسور أيضاً إلى معاوية، فأغذ السير حتى قدم عليه، فقال: إن عثمان بعثني إليك لتبعث إليه بالرجال والخيول وتنصره بالحق وتمنعه من الظلم. فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به. فشددت عليه فقال: يا مسور، تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان رحمة الله ورضوانه عليه. وعن المسور: قال: قال لي معاوية: يا مسور، أنت ممن قتل عثمان. فقال المسور: أنا والله يا معاوية نصحته واعتزلته، وأنت والله غششته وخذلته، فإن شئت أخبرت القوم خبرك بأمر عثمان وخبري حين قدمت عليك الشام، فقال معاوية: لا يا أبا عبد الرحمن. ولما أتى الخبر معاوية بحصر عثمان أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: إن عثمان قد حصر فأشر علي برجل ينفذ لأمري ولا يقصر، فقال: ما أعرف ذلك غيري، فقال: أنت لها، فأشر علي برجل أبعثه على مقدمتك، لا يتهم رأيه ولا نصيحته، وعجله في سرعان الناس، فقال: أمن جندي أم من غيرهم؟ فقال: من الشام. فقال: إن أرته من جندي أشرت به عليك، وإن كان من غيرهم فإني أكره أن أغرك بمن لا علم لي به، فقال:

فهاته من جندك، فال: يزيد بن شجعة الحميري، فإنه كما تحب. فإنهم لفي ذلك إذ قدم الكتاب بالحصر، فدعاهما فقال لهما: النجاء، سيرا فأغيثا أمير المؤمنين، وتعجل أنت يا يزيد، فإن قدمت يا حبيب وعثمان حي فهو الخليفة والأمر أمره، فانفذ لما يأمرك به، وإن وجدته قد قتل فلا تدعن أحداً أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك شيء قبل أن تصل إليه حتى أرى من رأيي. وبعث يزيد بن شجعة فأمضاه على المقدمة في ألف فارس على البغال يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الروايا، وأتبعهم حبيب بن مسلمة وهو على الناس، وخرجوا جميعاً، وأغذ يزيد السير، فانتهى إلى ماء بين خيبر والسقيا فلقيه الخبر، ثم لقيه النعمان بن بشير، معه القميص الذي قتل عثمان مخضب بالماء وأصابع امرأته، وأخبره الخبر. فرجع يزيد إلى حبيب ومعه النعمان، فأمضى حبيب النعمان إلى معاوية، وأقام، فأتاه رأيه فرجع حتى قدم دمشق، ولما قدم النعمان على معاوية فأخرج القميص وأصابع نائلة بنت الفرافصة، إصبعان قد قطعتا ببراجمها وشيء من الكف، وإصبعان مقطوعتان من أصلهما مفترقتان ونصف الإبهام، وأخبره الخبر. فوضع معاوية القميص على المنبر وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلقة فيه، والرجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من الاحتلام، ولا ينامون على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان، ومن عرض دونهم أو تفنى أرواحهم، فمكثوا يبكون حول القميص سنة، والقميص يوضع كل يوم على المنبر، ويجلل أحياناً فيلبسه، وعلق في أردانه أصابع نائلة رحمها الله. وعن المغيرة بن شعبة: أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وإني

أعرض عليك خصالاً ثلاثة اختر إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإن معك عدداً وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن تخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية. فقال عثمان: أما أن أخرج فأقاتل، فلن أكون أول من خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمته بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلوني بها، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم ". فلن أكون أنا، وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية، فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن جندب بن عبد الله البجلي قال: بلغني عن حذيفة بعض الشيء ذكره في عثمان، فغدوت عليه فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، فأدركني الرسول فردني، فأذن لي فدخلت، فقال: ما رجعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فظننتك نائماً. قال: ما كنت لأنام حتى أعلم من أين تطلع الشمس. ثم قال: ما غدا بك؟ قلت: بعض الشيء بلغني أنك ذكرت به أمير المؤمنين عثمان. فقال: وما أنكرت من ذاك؟ فقلت: أنكرت ذاك من مثلك لمثله. فقال: أما إنهم قد ساروا إليه وهم قاتلوه. قلت: أين هو إن قتلوه؟ قال: في الجنة، قلت: في الجنة؟ قال: إي والله. قلت فأين قتلته؟ قال: في النار. قلت: في النار؟ قال: إي والله. قال: ثم تكون فتنة لأنا أعلم بها مني بطريق قرية كذا وكذا وطريق قرية كذا لقريتين من قرى المدائن، وكان عاملاً قلت: فما تأمرني؟ قال: انظر الذي أنت عليه اليوم فالزمه ولا تفارقه فتضل. " وعن ابن عمر: أن عثمان أصبح يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الليلة في المنام فقال: يا عثمان، أفطر عندنا غداً. فأصبح صائماً وقتل من يومه.

وعن كثير بن الصلت قال: أغفى عثمان بن عفان في اليوم الذي قتل فيه، فاستيقظ فقال: لولا أن يقول الناس تمنى عثمان أمنية لحدثتكم. قال: قلنا: أصلحك الله حدثنا، فلسنا نقول ما يقول الناس. فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي هذا فقال: إنك شاهد معنا الجمعة. وعن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان: أن عثمان أعتق عشرين مملوكاً ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام وقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر، وإنهم قالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه. وعن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور، فدخلت عليه فقال: مرحباً بأخي، ما يسرني أني كنت وراءك، رأيت في هذه الليلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الخوخة، في خوخة من البيت، فقال لي: يا عثمان حصروك؟ قلت: نعم. قال: أعطشوك؟ قلت نعم. قال: فدلى لي دلواً، فشريت منه حتى رويت، وإني لأجد برد ذلك الماء بين ثديي وبين كتفي، فقال لي: إن شئت أفطرت عندنا وإن شئت نصرت عليهم. فاخترت أن أفطر عنده. فقتل في ذلك اليوم. وفي حديث عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان: أنه كان صائماً لما حصر، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب، فأبو عليه وقالوا: دونك ذاك الركي، قال: وركي في الدار يلقى فيه التبن، قالت: فبات من غير أن يفطر، فلما كان عند السحر أتيت جارات لي على أجاجير متواصلة، فسألتهم الماء

العذب، فأعطوني كوزاً من ماء، فجئت به فنزلت فإذا عثمان قد وضع رأسه أسفل الدرجة وهو نائم يغط، فحركته فانتبه فقلت: هذا ماء عذب، أتيتك به، فرفع رأسه إلى السماء، فنظر إلى الفجر فقال: إني أصبحت صائماً. قلت: ومن أين ولم أر أحداً بطعام ولا شراب؟! فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان. فشربت حتى رويت. ثم قال: ازدد. فشربت حتى نهلت. ثم قال: أما إن القوم سيكثرون عليك، فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا. قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه. قال ابن سيرين: لقد قتل عثمان وما أعلم أحداً يتهم علياً في قتله. وقال: لقد قتل عثمان يوم قتل وإن الدار يومئذ لغاصة، فيهم عبد الله بن عمر، وفيهم الحسن بن علي في عنقه السيف، ولكن عثمان عزم عليهم ألا يقاتلوا. وحدث زهير عن كنانة قال: كنت فيمن حمل الحسن بن علي بن أبي طالب جريحاً من دار عثمان. وكان الحسن بن علي آخر من خرج من عند عثمان. وعن ابن عمر: أنه لبس الدرع مرتين، فأتى عثمان فقال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرفت له حق الرسالة وحق النبوة، وصحبت أبا بكر فعرفت له حق الولاية، وصحبت عمر فكنت أعرف له حق الوالد وحق الولاية، وأنا أعرف لك مثل ذلك، فقال له عثمان: جزاكم الله خيراً من أهل بيت، اقعد في بيتك حتى يأتيك أمري. ودخل ابن عمر على عثمان يعرض نصرته ويذكر بيعته فقال: أنتم في حل من بيعتي وفي حرج من نصرتي، وإني لأرجو أن ألقى الله سالماً مظلوماً. قال أبو هريرة: أتيت عثمان يوم الدار فقلت: جئت أقاتل معك، قال: أيسرك أن يقتل الناس كلهم.

وفي حديث آخر: وإياي معهم؟ قلت: لا. قال: فإنك إن قتلت نفساً واحدة كأنك قتلت الناس كلهم. فقال: انصرف مأذوناً غير مأزور. ثم جاء الحسن بن علي بن أبي طالب فقال: جئت يا أمير المؤمنين أقاتل معك، فأمرني بأمرك. فالتفت إليه عثمان فقال: انصرف مأذوناً لك، مأجوراً غير مأزور، جزاكم الله من أهل بيت خيراً. قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: كنت مع عثمان في الدار فقال: أعزم على كل من رأى لنا عليه طاعة إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي غناء من كف يده وسلاحه، ثم قال: قم يا ابن عمر فاحرس الناس، فقام ابن عمر وقام معه رجاله من بني عدي وابن سراقة وابن مطيع ففتحوا الباب وخرج، ودخل الناس فقتلوا عثمان. وعن جابر بن عبد الله: أن علياً أرسل عثمان أن معي خمس مئة دارع فأذن لي فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئاً يستحل به دمك، قال: جزيت خيراً، ما أحب أن يهراق دم في سببي. خرج سعد بن أبي وقاص حتى دخل عثمان وهو محصور، ثم خرج من عنده فرأى عبد الرحمن بن عديس، ومالك بن الأشتر، وحكيم بن جبلة، فصفق بيديه إحداهما على الأخرى، ثم استرجع ثمأظهر الكلام فقال: والله إن أمراً هؤلاء رؤساؤه لأمر سوء. قال أبو قتادة: دخلت على عثمان وهو محصور أنا ورجل من قومي نستأذنه في الحج، فأذن لنا، فلما خرجت استقبلني الحسن بن علي بالباب، فدخل وعليه سلاحه، فرجعت معه، فدخل فوقف بين يدي عثمان، قال: يا أمير المؤمنين، ها أنذا بين يديك فمرني بأمرك، فقال له

عثمان: يا بن أخي وصلتك رحم، إن القوم ما يريدون غيري، ووالله لا أتوقى بالمؤمنين ولكن أوقي المؤمنين بنفسي. فلما سمعت ذلك منه قلت: يا أمير المؤمنين، إن كان من أمرك كون فما تأمر؟ قال: انظر ما اجتمعت عليه أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الله لا يجمعهم على ضلالة، كونوا مع الجماعة حيث كانت. قال بشار: فحدثت به حماد بن زيد فرق ودمعت عيناه، وقال: رحم الله أمير المؤمنين حوصر نيفاً وأربعين ليلة لم تبد منه كلمة يكون لمبتدع فيها حجة. ولما ضرب عثمان والدماء تسيل على لحيته جعل يقول: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " اللهم إني أستعديك عليهم، وأستعينك على جميع أموري، وأسألك الصبر على ما ابتليتني. وعن عبد الله بن سلام: انه قال لمن حضر تشحط عثمان في الموت حين ضربه أبو رومان الأصبحي: ماذا كان قول عثمان وهو يتشحط؟ قالوا: سمعنا يقول: اللهم اجمع أمة محمد، ثلاثاً، قال: والذي نفسي بيده لو دعا الله على تلك الحال ألا يجتمعوا أبداً، ما اجتمعوا إلى يوم القيامة. ومن حديث أن عثمان كتب إلى أهل الشام يستمدهم حين حصر، فضرب معاوية بعثاً على أهل الشام، على أربعة آلاف، وكان قائدهم أسد بن كرز، جد خالد بن عبد الله القسري، فبلغ الذين حصروه أنه قد استغاث بأهل الشام، وقد أقبل إليه أربعة آلاف مدداً، فخافوا أن يكون بينهم وبين أهل الشام قتال، فعجلوا، فأحرقوا باب عثمان، فلما وقع الباب ألقوا عليه التراب والحجارة، وكان في الدار مع عثمان قريب من مئتي رجل، فيهم الحسن بن علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير، فاستعمل عثمان على أهل الدار

عبد الله بن الزبير، وفلان بن الأخنس الثقفي على أهل الميمنة ومروان على الميسرة، وهم بالقتال، فلما رأى الباب قد أحرق خرج إليهم فقال: جزاكم الله خيراً، قد وفيتم بالبيعة، وقد بدا لي ألا ولا تراق أقاتل في محجمة دم، ففتح لهم سدة في داره فخرجوا منها، وغضب مروان بن الحكم فاختبأ في بعض بيوت الدار، فلما أحرق الباب وألقي عليه التراب والحجارة رجع عثمان ففتح المصحف يقرؤه إذ دخلت عليه جماعة ليس فيهم من أصحاب رسول الله ولا من أبنائهم أحد، فلما وصلوا إليه قاموا خلفه عليهم السلاح فقالوا: بدلت كتاب الله وغيرته، قال عثمان: كتاب الله بيني وبينكم. فضربه رجل منهم على منكبه فندر منه الدم على المصحف، وضربه آخر، فلما كثر الضرب غشي عليه، ونساؤه مختلطون مع الرجال، فضج النساء وغشي عليه، وجيء بماء فمسح على وجهه فأفاق، فدخل محمد بن أبي بكر عند ذلك وهو يرى أنه قتل، فلما رآه قاعداً قال: لا أراكم قياماً حول نعثل، وأخذ بلحيته فجره من البيت إلى باب الدار وهو يقول: بدلت كتاب الله وغيرته يا نعثل. فقال عثمان: لست بنعثل ولكني أمير المؤمنين، وما كان أبوك يأخذ بلحيتي. فقال محمد: لا يقبل منا يوم القيامة أن نقول: " أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل " ودخل رجل من كندة من أهل مصر مخترط السيف فقال: أفرجوا. فأفرجوا، فطعن في بطنه، وخلفه امرأته بنت الفرافصة الكلبية تمسك السيف، فقطع أصابعها. وفي حديث آخر: أن محمد بن أبي بكر أخذ بلحية عثمان فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية؟ ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك؟ فقال: أرسل لي لحيتي الحديث.

وفي حديث آخر: أن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته، وأهوى بمشاقص معه ليلجأ بها في حلقه، فقال: مهلاً يا بن أخي فوالله لقد أخذت مأخذ ما كان أبوك ليأخذ به، فتركه وانصرف مستحيياً نادماً، فاستقبله القوم على باب الصفة فردهم طويلاً حتى غلبوه، فدخلوا، وخرج محمد راجعاً فأتاه رجل بيده جريدة، تقدمهم حتى قام عثمان، فضرب بها رأسه فشجه، فقطر دمه على المصحف حتى لطخه، ثم تغاووا عليه، فأتاه رجل فضربه على الثدي بالسيف، فسقط، ووثبت نائلة بنت الفرافصة الكلبية فصاحت وألقت نفسها عليه وقالت: يا بنت شيبة، أيقتل أمير المؤمنين؟! فأخذت السيف، فقطع الرجل يدها، وانتهبوا متاع البيت، ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف، فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف وقال: ما رأيت كاليوم وجه كافر أحسن ولا مضجع كافر أكرم. فلا والله ما تركوا في داره شيئاً حتى الأقداح إلا ذهبوا به. وفي حديث أن محمد بن أبي بكر لما أخذ بلحيته هزها حتى سمع صرير أضراسه بعضها على بعض، فقال: يا بن أخ، دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن يؤذيها. وقال في آخر الحديث: وانتهبوا بيته، فهذا يأخذ الثوب، وهذا يأخذ المرآة، وهذا يأخذ الشيء. وعن كنانة مولى صفية بنت حيي قال: شهدت مقتل عثمان رضي الله عنه وأنا ابن أربع عشرة سنة، قلت: هل أندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ فقال: معاذ الله، دخل عليه فقال عثمان: يا بن أخي، لست بصاحبي فخرج، ولم يند من دمه بشيء، فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: رجل من

أهل البصرة، وقيل من أهل مصر يقال له: جبلة بن الأيهم، وقيل جبلة بن الأهتم، وقيل: من أهل مصر يقال له: حمار. وعن عائشة قالت: دخل محمد بن أبي بكر على عثمان متأبطاً سيفه، قد علق كنانته في همياته حتى جلس بين يديه فقال: يا نعثل، فقال: لست بنعثل ولكني عثمان أمير المؤمنين. فأهوى بيده إلى لحيته، فقال: مه يا بن أخي! كف يدك عن لحية عمك وأجلها، فإن أباك كان يجلها. فغضب فأخذ مشقصاً من كنانته فضربه في ودجه، فأسرع السهم فيه، ثم دخل التجيبي ومحمد بن أبي حذيفة فضرباه بأسيافهما حتى أثبتاه وهو يقرأ المصحف، فوقعت نضحة من دمه على قوله: " فسيكفيكهم الله ". وفي حديث آخر: أن محمد بن أبي بكر تسور إلى عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة ابن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق، فوجروا عثمان عند امرأته نائلة، وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة، فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال: قد أخزاك الله يا نعثل، فقال عثمان: لست بنعثل ولكني عبد الله وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان؟ فقال عثمان: يا بن أخي، دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه. فقال محمد: ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك. فقال عثمان: أستنصر الله عليك وأستعين به. ثم طعن جبينه بمشقص في يده، ورفع كنانة بن بشر ابن عتاب مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف حتى قتله.

قالوا: وضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه، وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خر لجنبه فقتله. وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنته إياهن لما كان في صدري عليه. وحدث الحسن عن سياف عثمان: أن رجلاً من الأنصار دخل على عثمان فقال: ارجع يا بن أخي فلست بقاتلي. قال: وكيف علمت ذاك؟ قال: لأنه أتي بك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعك فحنكك ودعا لك بالبركة قال ثم دخل عليه رجل آخر من الأنصار فقال: ارجع ابن أخي فلست بقاتلي، قال: بم تدري ذلك؟ قال: لأنه أتي بك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعك فحنكك ودعا لك بالبركة. قال: ثم دخل عليه محمد بن أبي بكر فقال: أنت قاتلي. قال: وما يدريك يا نعثل؟ قال: لأنه أتي بك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعك ليحنكك ويدعو لك بالبركة فخريت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فوثب على صدره وقبض على لحيته، فقال: إن تفعل، كان يعز على أبيك أو يسوؤه. قال: فوجأه في نحره بمشاقص كانت في يده. وعن المغيرة بن شعبة قال: قلت لعلي: إن هذا الرجل مقتول، وإنه إن قتل وأنت بالمدينة ألحدوا فيك، فاخرج فكن في مكان كذا وكذا فإنك إن فعلت فكنت في غار باليمن طلبك الناس. فأبى، وحصر عثمان اثنتين وعشرين يوماً، ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير، فيهم عبد الله بن الزبير ومروان. فقالوا: ائذن لنا: فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه، وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم منه، فأخرج على رجل يستقتل ويقاتل. وخرج الناس كلهم، ودعا بالمصحف فقرأ فيه والحسن عنده، فقال: إن أباك الآن لفي أمر عظيم من أمرك فأقسمت عليك لما خرجت، وأمر عثمان أبا كرب رجلاً من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب المال، وليس فيه إلا

غرارتين من ورق، فلما طفئت النار بعدما ناوشهم ابن الزبير ومروان، وتوعد محمد بن أبي بكر ابن الزبير ومروان، فلما دخل على عثمان هربا. ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته، فقال: أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولهم. فأرسلها، ودخلوا عليه، منهم من يجؤه بنعل سيفه، وآخر يلكزه، ووجأه رجل بمشاقص معه في ترقوته، فسال الدم على المصحف، وهم في ذلك يهابون قتله، وكان كبيراً وغشي عليه، ودخل آخرون فلما رأوه مغشياً عليه جروا برجله، فصاحت نائلة وبناته وجاء التجيبي مخترطاً سيفه ليطعنه في بطنه، فوقته نائلة، فقطع يدها، واتكأ بالسيف عليه في صدره، وقتل الرجل قبل غروب الشمس، ونادى مناد، ما يحل دمه ويحرم ماله! فانتهبوا كل شيء، ثم تنادوا: المال المال، فألقى الرجلان المفاتح ونجيا وقالا: الهرب الهرب، هذا ما طلب القوم. وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:: فتح عثمان الباب، ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل، وقال: بيني وبينك كتاب الله. فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر فقال: بيني وبينك كتاب الله فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فلا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها، فقال: أم والله إنها لأول كف خطت المفصل. قال: ودخل عليه رجل من بني سدوس يقال له: الموت الأسود، فخنقه وخنقه قبل أن يضرب بالسيف، فقال: والله ما رأيت شيئاً ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان، تردد في جسده. وفي غير هذا الحديث: ودخل التجوبي فأشعره

مشقصاً، فانتضح الدم على قوله: " فسيكفيكهم الله " فإنها في المصحف ما حكت. وقيل: قتله سودان بن رومان المرادي. وعن المسيب بن دارم قال: إن الذي قتل عثمان قام في قتال العدو سبع عشرة كرة، يقتل من حوله، لا يصيبه شيء حتى مات على فراشه. ولما ضربه بالمشاقص قال عثمان: بسم الله، توكلت على الله، وإذا الدم يسيل على لحيته، فقطر والمصحف بين يديه، فاتكأ على شقه الأيسر وهو يقول: سبحان الله العظيم، وهو في ذلك يقرأ المصحف والدم يسيل على المصحف، حتى وقف الدم عند قوله " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وأطبق المصحف، وضربوه جميعاً ضربة واحدة، فضربوه والله كان يحيي الليل في ركعة، ويصل الرحم، ويطعم الملهوف، ويحمل الكل، فرحمه الله. قال الزهري: قتل عثمان عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله، ودخلت الغوغاء دار عثمان، فصاح إنسان منهم: أيحل دم عثمان ولا يحل ماله! فانتهبوا متاعه، فقامت نائلة فقالت: لصوص ورب الكعبة! يا أعداء

الله ما ركبتم من دم عثمان أعظم، أما والله لقد قتلتموه صواماً قواماً يقرأ القرآن في ركعة. وخرج الناس من دار عثمان، وأغلق بابه على ثلاثة قتلوا: عثمان، وعبد عثمان الأسود، وكنانة بن بشر. وقال عبد الله بن سعيد بن ثابت: رأيت مصحف عثمان ونضح الدماء فيه على أشياء من الوعد والوعيد، فكان ذلك عند الناس من الآيات. قال كنانة: كنت أقود بصفية بنت حيي، لترد عن عثمان، فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت، فقالت: ردوني لا يفضحني هذا الكلب. قال: فوضعت خشباً بين منزلها وبين منزل عثمان، تنقل عليه الطعام والشراب. قال محمد بن شهاب الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ ما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: قتل عثمان مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً، ومن خذله كان معذوراً. قلت: كيف كان كذلك؟ قال: إن عثمان لما ولي، كره ولايته نفر من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وكان كثيراً مما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحبة، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست حجج الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وما أشرك معهم، وأمرهم بتقوى الله، ولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، فكان بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود، وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم قد

حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر. وجاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه، فأبى ابن أبي سرح يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله، فخرج من أهل مصر سبع مئة رجل فنزلوا المسجد، وشكوا إلى أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة بن عبيد الله فكلم عثمان بن عفان بكلام شديد، وأرسلت عائشة إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسألوك عزل هذا الرجل، فأبيت إلا واحدة! فهذا قد قتل منهم رجلاً، فأنصفهم من عاملك. ودخل عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وكان متكلم القوم فقال: إنما يسائلونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا قبله دماً، فاعزله عنهم واقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه. فقال لهم: اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر، فقال: أستعمل عليه محمد بن أبي بكر. فكتب عهده وولاه، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فخرج محمد ومن معه، فلما كان على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطاً، كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب؟ فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين، وجهني إلى عامل مصر، فقال له رجل: هذا عامل مصر، قال: ليس هذا أريد، فأخبر بأمره محمد بن أبي بكر فبعث في طلبه رجلاً فأخذه، فجيء به إليه فقال: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، حتى عرفه رجل أنه لعثمان، فقال له محمد: إلى من أرسلت؟ إلى عامل مصر، قال: بماذا: قال برسالة، قال معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معده كتاباً، وكانت معه إداوة قد يبست، فيها شيء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج، فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد من كان عنده من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فضوا فك الكتاب بمحضر منهم، فإذا فيه: إذا أتاك فلان ومحمد وفلان فاحتل قتلهم

وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إلي يتظلم منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله. فلما قرؤوا الكتاب فزعوا وأزمعوا فرجعوا إلى المدينة، وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه، ودفع الكتاب إلى رجل منهم، وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعلياً وسعداً ومن كان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام، وأقرؤوهم الكتاب، فلم يبق أحد من المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار حنقاً وغيظاً. وقام أصحاب محمد صلى الله عيله سلم فلحقوا بمنازلهم، ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما قرؤوا الكتاب. وحاصر الناس عثمان، وأجلب عليه محمد بن أبي بكر بيتي تيم وغيرهم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد ونفر من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلهم بدري، ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير، فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم. قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا. وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمر ولا علم به، قال له علي: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك، بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله ما كتبت ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط. وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، وشكوا في أمر عثمان، وسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد من عنده غضاباً، وشكوا في أمره، وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل، إلا أن قوماً قالوا: لن يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجل من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان. ولزموا بيوتهم، وأبى عثمان أن يخرج إليهم وخشي عليه القتل، وحاصر الناس عثمان، ومنعوه الماء، فأشرف على الناس فقال أفيكم علي؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا. قال: فسكت، ثم قال: ألا أحد يبلغ فسيقينا ماء؟ فبلغ ذلك علياً فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح في سببها عدة من موالي بني

هاشم وبني أمية، حتى وصل الماء إليه، فبلغ علياً أن عثمان يراد قتله، فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما قتل عثمان فلا. وقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحداً يصل إليه. وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبناءهم، يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم وهو في الدار، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد بن أبي يكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيرونها فتنة، فأخذ بيد الرجلين فقال: إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما نريد، ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد. فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار، حتى دخلوا على عثمان ولا يعلم أحد ممن كان معه، لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت، ولم يكن معه إلا امرأته، فقال لهما محمد: مكانكما فإن معه امرأته حتى أبداكما بالدخول، فإذا أنا ضبطته فادخلا، فتوجاه حتى تقتلاه. فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال له عثمان: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني. فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوجاه حتى قتلاه، وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخهما لما كان في الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل. فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان مذبوحاً، فانكبوا عليه يبكون، وخرجوا، ودخل الناس فوجدوه مذبوحاً، وبلغ علي بن أبي طالب الخبر وطلحة والزبير وسعداً ومن كان بالمدينة، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم، حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولاً، فاسترجعوا، وقال علي لابنتيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟! ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة ولعن عبد الله بن الزبير، وخرج علي وهو غضبان، فلقيه طلحة فقال: مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين؟ فقال: عليك وعليهما لعنة الله! إلا أن يسوءني ذلك! يقتل

أمير المؤمنين رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدري لم تقم عليه بينة ولا حجة! فقال طلحة: لو دفع مروان لم يقتل. فقال علي: لو أخرج إليكم مروان قتل قبل أن يثبت عليه حكومة. وخرج علي فأتى منزله، وجاء الناس كلهم يهرعون إلى علي، وأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم، كلهم يقول: أمير المؤمنين علي حتى دخلوا عليه داره فقالوا له: نبايعك فمد يدك، فلا بد من أمير. فقال علي: ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة. فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى علياً فقالوا: ما نرى أحد أحق بها منك، مد يدك نبايعك. فقال: أين طلحة والزبير؟ فكان أول من بايعه طلحة بلسانه وسعد بيده، فلما رأى ذلك علي خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه طلحة فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد وأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميعاً، ثم نزل فدعا الناس وطلب مروان، فهرب منه، وطلب نفراً من ولد مروان وبني أبي معيط فهربوا منه. وخرجت عائشة باكية تقول: قتل عثمان. وجاء علي إلى امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه رجلان لا أعرفهما إلا أن أرى وجوههما، وكان معهما محمد بن أبي بكر، وأخبرت علياً والناس ما صنع محمد، فدعا محمداً فسأله عما ذكرت امرأة عثمان، فقال محمد: لم تكذب، قد دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكر لي أبي، فقمت عنه، وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت امرأته: صدق ولكنه أدخلهما. قال يزيد بن أبي حبيب: كان عمر بن الخطاب أمر على الشام بعد يزيد بن أبي سفيان معاوية ابن أبي سفيان وعمير بن سعد الأنصاري، وأمر على الكوفة المغيرة بن شعبة الثقفي، وأمر على البصرة أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس، وأمر على أهل مصر عمرو بن العاص، فقتل عمر ولم يخلع أحداً منهم، فاستخلف عثمان فنزع عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية كله، ثم نزع عمرو بن العاص، وأمر عبد الله بن سعد، فقال أناس: نزع عمراً وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره، وأمر ابن سعد، فكانت تلك فتنة في أنفسهم، ثم نزع أبا موسى

الأشعري، وأمر الوليد بن عقبة، قالوا: أمر الفاسق وخلع أبا موسى!. وأظهر الناس ذلك قالة سوء. وكتب أهل الآفاق بذلك بعضهم إلى بعض، ثم إن عثمان أمر عبد الله بن سعد على أهل الشام وأهل مصر غزوة ذات الصواري، ففتح الله لأهل الإسلام يومئذ فتحاً عظيماً، وكان معاوية بن حديج غزا تلك السنة بغزاوة أمره عليها عثمان، ففتح ذلك الحصن، وأمر له عثمان بالخمس مما أصاب لنفسه، وذلك سنة أربع وثلاثين، ثم إن عبد الله بن سعد وفد عثمان برجال من أهل مصر، فأخبروه بالذي فتح الله لهم ولأهل الإسلام، فكتب عثمان بذلك الفتح إلى الأجناد، واستخلف عبد الله بن سعد على أهل مصر حين وفد عثمان السائب بن هشام، ورجلاً من بني عامر بن لؤي، وجعل الخاتم بيد سليمان بن عتر التجيبي، فبينا عبد الله بن سعد عند عثمان ومعه وفد، إذ أقبل راكب بعثه صاحب منهل من مناهل المدينة، حتى دخل إلى عثمان فأخبره أن ركباً من أهل مصر مروا بنا معهم السلاح والخيل، فراعنا ذلك، فأشفق عثمان، فأرسل إلى عبد الله بن سعد فقال: يا أبا يحيى، أخبرني كيف تركت أهل مصر؟ قال: تركتهم على ما يحب أمير المؤمنين في طاعتهم، فهل بلغك يا أمير المؤمنين شيء؟ ثم قال راكب آخر بعثه صاحب ذي المروة، فأخبر عثمان أن راكباً من أهل مصر نزلوا ذا المروة معهم السلاح والخيل، قد احتقبوا الدروع، عليهم رجل يقال له: عبد الله بن بديل، فلما بلغ ذلك عثمان استيقن إنما يراد نفسه، فأرسل إلى عمر بن العاص وهو بالمدينة، قد أنكحه عثمان أخته لأمه أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، فقال له: يا أبا عبد الله، ما بال ركب من أهل مصر نزلوا ذا المروة؟ فهون عليه عمرو وقال: لعلهم عتبوا على ابن سعد في أنه وفد برجال وترك آخرين، ويقال: إنما قدم الركب على ملأ من علي وعمرو لأنه نزعه عن

مصر، فقال له عثمان: انطلق إليهم فارددهم بما أحبوا. وبعث معه عثمان أربع مئة راكب، فسار لهم عمرو، فلما دنا منهم نزل ونزلوا، فلما جن الليل قال مسلمة بن مخلد وكان في وفد عبد الله بن سعد: جاءني عين لي فقال: يا أبا سعيد، قد جاء علي الآن مختفياً. فانطلق هو وعمرو إلى الركب سراً، فرصدهم مسلمة فإذا الأمر كذلك، ثم أمرنا عمرو بالانصراف، وما ندري ما قال عمرو للقوم وما ردوا عليه، فذكر الركب الذين خرجوا من مصر أن عمرو بن العاص قال لهم: ما الذي قدمتم له؟ قالوا: أردنا قتل عثمان. قال: لستم في عدد كعدد من مع عثمان، ولكن ارجعوا واقبلوا من الرجل ما أعطاكم حتى تستوثقوا ممن خلفكم وترجعوا إليه ثانية وأنتم في كثف. فقال له ابن بديل وهو أحد خزاعة: يا عمرو، أما علمت أن الله يقول في كتابه: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " فقال عمرو: يا بن بديل، إنه يكون من قضاء الله كم من فئة كثيرة غلبت فئة قليلة والله مع الصابرين، وأيم الله لو أعلم أن من وراءكم على مثل رأيكم، ثم كنت في أربعة آلاف أخذت منهم الحرمة، فما شعر عثمان حتى نغشاه بالخيل. ورجع الركب من ذي المروة إلى مصر، فأعطاهم ما سألوا، فلما قدم عمرو المدينة قام عثمان على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: يا أهل المدينة، فقد بلغني أنكم أكثرتم في الركب، وإني بعثت إليهم عمرو بن العاص، فأخبرني بأمر هو دون ما تذكرون. فقال عمرو بن العاص رافعاً صوته: أتريد أن تجعلها بي يا عثمان؟ كلا والله بل قدموا في أمر جسيم من أمور أهل الإسلام، يا عثمان، إنك قد ركبت بأمتك نهابير وركبوها، فتب ولتتب أمتك. فقال أهل المدينة عند ذلك: نشهد بالله ونشهد من حضر من المسلمين أنا وأهل مصر على أمر واحد. فجالوا حتى حالوا بين عثمان والمنبر، فنزل، فدخل عليه نفر من قومه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن عمراً هو الذي أغرى بك. فأخرجه عثمان، فطلق عمرو امرأته، ونزل السبع من أرض فلسطين، فقال عمرو حين أخرج:

من الوافر: لنخضب لحية غدرت وخانت ... بأحمر من دماء الجوف قاني. ثم إن عثمان خرج إلى الناس فقال: أيها الناس، ما هذا الأمر الذي عتبتم علي فيه؟ قالوا: نعتب عليك أنك نزعت أبا نوسى الأشعري ووليت الفاسق، قد علمت ذلك ونزعت عمراً وأمرت ابن سعد وقد علمت ما قيل في ابن سعد، وقد بلغنا أن الوليد يخرج سكراناً لا يعقل. فقال عثمان: معاذ الله أن أعلم هذا منه وأؤمره، فانظروا من رجل أمين نبعث، فيعلم لنا علمه؟ فقال أهل المدينة: قد رضينا جبلة بن عمرو. فبعثوه، فنزل على رجل من الأنصار يقال له: قرظة بن كعب، فقال له: ألا يتقي الله عثمان! يجعل علينا رجلاً يخرج إلى الصلاة لا يعقل؟! فقال له جبلة: اتق الله، اعلم ما تقول فإن عليك طاعة. ثم جمع مع ذلك أنه أخ لأمير المؤمنين، فقال له: أتراني كاذباً؟ فوالله ما كذبتك. فقال له: كيف لي أن أعلم ذلك منه مثل ما علمت؟ فقال: إن صاحب شرابه يألف وليدة لنا، وهي تخبرنا. فلم يزل حتى أخبرته الوليدة أنه الآن سكران لا يعقل، فدخل عليه جبلة بن عمرو فانتزع خاتمه وهو لا يشعر، فقدم عثمان فسأله، فقال له: يا أمير المؤمنين، بيني وبينك، فقال أهل المدينة: كلا والله إلا علانية. فلما قص قصته على عثمان قال عثمان: كذبت، فقد أخبرت خبرك قبل خروجك. فأمر به عثمان فسجن، فجعل أهل المدينة يأتونه في السجن، ثم إن أناساً من أهل المدينة دخلوا على أهل السجن فأخرجوا جبلة بن عمرو، فخرج جبلة عند ذلك إلى مصر، ولما رجع ابن بديل وأصحابه من ذي المروة بما أحبوا عارضهم رجل على جمل يسير بأعلى الطريق، وذلك ببطن النخل، فأرابهم أمره ففتشوا متاعه فإذا بصحيفة من عثمان إلى خليفة عبد الله بن سعد يأمره أن يقطع أيديهم وأرجلهم، ووجدوا الكتاب في إداوة، والجمل جمل عثمان، فقدموا بالجمل وبالغلام مصر وبالكتاب، فأقرؤوه إخوانهم، وقام جبلة خطيباً بين

ظهريهم، حرضهم، وأخبر من أمره، وأنكر عثمان أن يكون كتب، ولعن الكاتب والمرسل في ذلك، فانتزى محمد بن أبي حذيفة على الإمارة، فتأمر على مصر وبايعه أهلها طراً. إلا أن تكون عصابة، فيهم معاوية بن حديج وبسر بن أبي أرطأة. قالوا: وقام عمار بن ياسر بمصر فقال: خلعت عثمان كما أخلع كور عمامتي هذه فأعطاه محمد بن أبي حذيفة أربعين ألف دينار وتوابعها. ومن حديث يزيد بن أبي حبيب قال: ثم إن ابن عديس دخل المسجد فبينا هو محتبي فيه إذ رمي من دار عثمان بسهم، فوقع عند حبوته، فانتزع السهم وانطلق حتى دخل بيت بعض أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم خرج ودخل المسجد فتراسل عثمان وعلي وطلحة والزبير، ولم يزالوا حتى دعاهم عثمان إلى أن اجتمعوا في بيت عائشة، ثم يعتبهم وينزع عما كرهوا، فاجتمعوا وأرسلت عائشة إلى صفية لتحضرها وتسمع مقالتهم، فأقبلت ومعها سليم مولاها، فدخلت على عائشة، وبينها وبين الملأ ستر، فتجاولوا طويلاً وكثر كلامهم، وكان أشد القوم على عثمان صوتاً جبلة بن عمرو الأنصاري، فقالت صفية وضعوها مع عثمان: من هذا الذي يرفع صوته على أمير المؤمنين؟ فقالت عائشة: هذا جبلة بن عمرو الأنصاري، فصاحت صفية: يا جبيلة، أترفع صوتك على أمير المؤمنين؟ فقالت عائشة وضعوها مع الملأ الذين حصروا عثمان: لم تصغرين اسمه؟ ادعيه يا جبلة، فإن الله لم ينقصه ولم ينقص اسمه، فاستوسق أمرهم على أن أجابهم عثمان إلى ما أحبوا، ونزع كما كرهوا دون الخلو لهم من الولاية، فرفضوا بذلك وافترقوا، فقال لها سليم مولاها: الحمد لله الذي أصلح أمر هذه الأمة وألف بينهم. فقالت له صفية: إنهم ليسوا بالذين يرضون منه بما أعطاهم من نفسه، وقد ركبوا ما ركبوا، وإني سمعت من كلامهم اليوم ما سمعت. ثم إن عبد الرحمن بن عديس أشار إلى

أصحابه يحصروا عثمان. وانصرف علي فاختبأ في المسجد وعنده سعد بن أبي وقاص في ناس كثير، وألط القوم وكثر حردهم، فخرج سعد في وجوههم فقال: الله الله يا معشر المسلمين، تركتم عثمان حتى إذا غسلتموه وصار مثل الثوب الرحيض أردتم قتله، أفلا بوسخه فعلتم ذلك به! فقالوا: ما لنا ولك يا سعد. فشدوا على سعد حتى خر من قيامه، وخلص إلى عثمان بينهم فناشدهم عثمان في قتله، ونبذ إليهم مفاتيح الخزائن، فأقبلوا بها إلى طلحة بن عبيد الله فقال: لا والله لا نرضى بذلك منه حتى نسله من الولاية مثل الشعرة من العجين فكان أول من دخل عليه حتى تناوله محمد بن أبي بكر. الحديث ولما بلغ عمرو بن العاص قتل عثمان قال: قد علمت العرب أني إذا حككت قرحة أدميتها، ثم إن الركب انصرفوا إلى مصر، فلما دخلوا الفسطاط ارتجز مرتجزهم: من مشطور الرجز: ألا احذرن مثلها أبا حسن إنا نمر الحرب إمرار الرسن ننطق بالفصل وإحكام السنن فلما دخلوا المسجد قالا: إنا لسنا قتلنا عثمان ولكن الله قتله، وكذلك يقول الله: " بل تقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون ". فلما رأى ذلك شيعة عثمان ومن كره قتله قام من قام منهم إلى ابن أبي الكنود سعد بن مالك الأزدي، ثم تتابعوا إليه حتى عظمت حلقته، لا يقوم إليه رجل إلا كان على مثل رأيه، فوجم القوم لذلك طويلاً، فقال عبد الله بن جويبر لأهل الحلقة: قد طال صماتكم، فحلوا حباكم ثم

الحقوا برجالكم وأبرموا أمركم، فقاموا فألب بعضهم بعضاً، وكان من يمشي في ذلك ويدعو إليه مقسم بن بجرة التجيبي، واجتمع من اجتمع منهم وساروا نحو الصعيد إلى إخميم، فأخبروا بخيل لأهل مصر، فبعث عليها حيان بن مرثد الأبذوي، فالتقوا بدقياس من كورة البهنسا فقتلوا وأسروا. ولما دخل عليه رومان بن وردان وقتله أدخلته ابنة الفرافصة الكلبية بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة ضليعة، وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقي من جسده، فدخل رجل من أهل مصر، معه السيف مصلتاً فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة عنه فغالبته، وكشف عنها من خلفها حتى نظر إلى بريق متنها، فلم يصل حتى أدخل السيف بين قرطيها ومنكبها، فقبضت على السيف فقطع أناملها، وقالت: يا رباح وهو غلام لعثمان أسود، ومعه سيف عثمان أغن عني هذا. فمشى إليه الغلام فضربه ضربة بالسيف فقتله، ثم إن الناس دخلوا فلما رأوا الرجل قد قتل وأن المرأتين لا تتركانه تذمم ناس من قريش واستحيوا، فأخرجوا الناس، ونادى أهل البيت بهم فاقتتلوا على الدار، فضرب مروان بن الحكم على حبل العاتق فخر، وضرب رجل من أهل مصر المغيرة بن الأخنس بالسيف فصرع، فقال رجل من أهل المدينة: تعس المغيرة ابن الأخنس. فقال

قاتله: بل تعس قاتل المغيرة بن الأخنس، وألقى سلاحه وأدبر هارباً يلتمس التوبة، قال: ثم أمسينا فقلنا: إن تركنا صاحبكم حتى يصبح مثلوا به. فانطلقنا إلى بقيع الغرقد فامكنا له في جوف الليل حتى حملناه، فغشينا سواد من خلفنا، فهبناهم حتى كدنا ننصرف عنه، فنادى مناديهم أن لا روع عليكم، اثبتوا فإنما جئنا لنشهده معكم. وكان أبو حبيش يقول: هم والله ملائكة الله، قال: فدفناه ثم هربنا من ليلتنا إلى الشام. وقيل: إن قاتل المغيرة بن الأخنس أدرك وهو هارب يطلب التوبة فقتل، وكان يخبر أنه رأى في المنام جهنم تسعر، لها زفير وشهيق، فاقشعر جلده لذلك، ففرق فرقاً شديداً، ثم نظر إلى تنور فيها، أشدها لهباً فقال: ما هذا التنور؟ فقالوا: لقاتل المغيرة بن الأخنس. وقالوا من حديث: إن جماعة ثابوا إلى عثمان منهم أبو هريرة وزيد بن ثابت وسعد بن مالك وجماعة من اهل الأمصار، فلما رأى القوم أن الناس قد ثابوا إلى عثمان وضعوا على علي رقيباً في نفر، فلازمه، وعلى طلحة رقيباً، وعلى الزبير رقيباً، وعلى نفر بالمدينة وقال لهم إن تحركوا فاقتلوا. ولما لم يستطع هؤلاء النفر غشيان علي بعثوا أبناءهم إلى عثمان، فأقبل الحسن بن علي حتى قام عنده وقال: مرنا أمرك، فقال: يا بن أخي، أوصيك بما أوصي به نفسي، وتأول: " واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن ولا تك في ضيق مما يمكرون " ووالله لأقينكم بنفسي ولأبذلنها دونكم، أو تقرنوا لهم وذاك. وجاء النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة فقالوا له مثل مقالة الحسن، ورد عليهم مثل ذلك، وجاء أبو الهيثم بن التيهان فقال: كيف بت يا أمير المؤمنين؟ قال: بخير، قال أبو الهيثم: بأبي أنت وأمي، اصبر ولا تعط الدنية ولا تهدم سلطان الله، وقال عثمان متمثلاً: من الطويل:

لعمري لموت لا عقوبة بعده ... لدي اللب أشفى من شقاً لا يزايله. فعرف الناس أنه لا يعطيهم شيئاً وأفرحهم بذلك. قالوا: ولما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته، وعزم له المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله تعالى، قال: اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني، وأرسل إلى علي وطلحة والزبير، وعدة أن ادنوا، فاجتمعوا وأشرف عليهم، فقال: أيها الناس اجلسوا فجلسوا جميعاً المحارب والطارئ والمسالم المقيم، فقال: يا أهل المدينة، إني أستودعكم الخلافة من بعدي، إني والله لا أدخل علي أحداً بعد يومي هذا حتى يقضي الله في قضاءه، ولأدعن هؤلاء وما رأوا، وإني غير معطيهم شيئاً يتخذونه عليكم دخلاً في دين أو دنيا، حتى يكون الله هو الصانع في ذلك ما أحب. وأمر أهل المدينة بالرجوع، وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمداً وابن الزبير وأشباهاً لهم، فجلسوا بالباب عن أمر آبائهم، وثاب إليهم أناس، ولزم عثمان الدار. وكان الحصر أربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة ليلة قدم ركبان من الوجوه، فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق: حبيب من الشام، ومعاوية من مصر، والقعقاع من الكوفة، ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان ومنعوه كل شيء حتى الماء، وقد كان يدخل عليه بالشيء مما يريد، وطلبوا العلل، فلم تطلع عليهم علة، فعثروا، فرموا في داره بالحجارة ليرموا، فيقولوا: قوتلنا وذلك ليلاً فناداهم: ألا تتقون الله! أما تعلمون أن في الدار غيري! قالوا: لا والله ما رميناك، قال: فمن رمانا؟ قالوا: الله، قال: كذبتم، إن الله لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئونا، وأشرف عثمان على آل حزم، وهم في جيرانه، فسرح ابناً لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء، فإن قدرتم على أن ترسلوا إلينا بماء فافعلوا، وإلى طلحة الزبير وإلى عائشة وأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أولهم إنجاداً له علي وأم حبيبة، جاء علي في الغلس فقال: يا أيها

الناس، إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين ولا أمر الكافرين، لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة، وإن الروم وفارس لتؤسر فتطعم وتسقى، وما تعرض لكم هذا الرجل في شيء، فبم تستحلون حصره وقتله؟ فقالوا: لا والله ولا نعمة عين، لا نتركه يأكل ولا يشرب. فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت فيما أنهضتني له، فرجع. وجاءت أم حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على إداوة، فقيل: أم المؤمنين أم حبيبة! فضربوا وجه بغلتها، فقالت: بني، إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل، وأحببت أن ألقاه وأسأله عن ذلك كي لا تهلك أموال أيتام وأرامل. فقالوا: كاذبة. وأهووا لها، وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة، فتلقاها الناس وقد مالت رحالتها، فتعلقوا بها فأخذوها وقد كادت تقتل، فذهبوا بها إلى بيتها. وتجهزت عائشة خارجة إلى الحج هاربة، واستتبعت أخاها فأبى، فقالت: أم والله لئن استطعت أن أحرمهم ما يحاولون لأفعلن. وجاء حنظلة الكاتب، حتى قام على محمد بن أبي بكر فقال: يا محمد، تستعتبك أم المؤمنين فلا تتبعها ويدعوك ذؤبان العرب إلى ما لا يحل فتتبعهم! فقال: وما أنت وذاك يا بن التميمية؟ فقال: يا بن الخثعمية، إن هذا الأمر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه ويحك بنو عبد مناف. وانصرف وهو يقول: من الوافر: عجبت لما يخوض الناس فيه ... يرمون الخلافة أن تزولا ولو زالت لزال الخير عنهم ... ولا قوا بعدها ذلاً ذليلا وكانوا كاليهود أو النصارى ... سواء كلهم ضلوا السبيلا ولحق بالكوفة. وخرجت عائشة وهي ممتلئة على أهل مصر، وجاءها مروان بن الحكم فقال: يا أم

المؤمنين، لو أقمت أجدر أن يراقبوا هذا الرجل. قالت: أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد ما يمنعني؟! لا والله لا أعير، ولا أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء! وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي وأم حبيبة فلزموا بيوتهم، وبقي عثمان يسقيه آل حزم الغفلات، وعليهم الرقباء، وأشرف عثمان على الناس فقال: يا عبد الله بن عباس، فدعي له فقال: اذهب فأنت على الموسم. وكان ممن لزم الباب فقال: يا أمير المؤمنين، لجهاد هؤلاء أحب إلى من الحج. فأقسم عليه لينطلقن، فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة، ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته، فانصرف بها وفي الزبير اختلاف: أدركه مقتله أو خرج قبل قتله؟ وقال عثمان: " يا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد " اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون كما فعل بأشياعهم من قبل. قالوا: فلما توقع الناس السابق فقدم بالسلامة، وأخبر عن أهل الموسم أنهم يريدون جميعاً المصريين وأشياعهم، وأنهم يريدون أن يجمعوا ذلك إلى حجهم، فلما أتاهم ذلك عنهم مع ما بلغ من نفور أهل الأمصار، أعلقهم الشيطان وقالوا: لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل، فيشتغل بذلك الناس عنا، ولم تبق خصلة يرجون بها النجاة إلا قتله. فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن طلحة، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، ومن كان من أبناء الصحابة أقام معهم، واجتلدوا بها، فناداهم عثمان، الله الله، أنتم في حل من نصرتي فأبوا، ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم، فلما رأوه أرز المصريون وركبهم هؤلاء، ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين وأقسم على أصحابه ليدخلن إذ أبوا أن ينصرفو فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين. وقد كان المغيرة بن الأخنس بن شريق فيمن حج، ثم تعجل في نفر حجوا معه،

فأدرك عثمان قبل أن يقتل، وشهد المناوشة، ودخل الدار فيمن دخل، وجلس على الباب من داخل، وقال: ما عذرنا عند الله إن نحن تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت؟! واتخذ عثمان بن عفان القرآن تلك الأيام نجياً يصلي وعنده المصحف، فإذا أعيا جلس فقرأ فيه، وكانوا يعدون القراءة في المصحف من العبادة، وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الناس، فلما بقي المصريون لا يمنعهم أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤوا بنار فأحرقوا الباب والسقيفة، فتأجج الباب والسقيفة، حتى إذا أحرق الخشب خرت السقيفة على النار، وثار أهل الدار وعثمان يصلي حتى منعوهم من الدخول، وكان أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز: من مشطور الرجز: قد علمت جارية عطبول ذات وشاح ولها جديل أني بنصل السيف خنشليل لأمنعن منكم خليلي بصارم ليس بذي فلول وخرج الحسن بن علي عليه السلام وهو يقول: من الكامل: لا دينهم ديني، ولا أنا منهم ... حتى يصير إلى الطمر شمام وخرج محمد بن طلحة وهو يقول: من الرجز: أنا ابن من حامى عليه بأحد ورد أحزاباً على رغم معد

وخرج سعيد بن العاص وهو يقول من الطويل: صبرنا غداة الدار والموت واقف ... بأسيافنا دون ابن أروى نضارب وكنا غداة الروع في الدار قصرة ... نساهمهم بالضرب والموت ثائب وكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير، أمره عثمان إلى أبيه في وصيته، وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، فخرج عبد الله آخرهم فما زال يدعي بها، ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات عليه. وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة قد افتتح " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " وكان سريع القراءة فما كرثه ما يسمع، وما يخطىء وما يتتعتع حتى أتى عليها قبل أن يصلوا إليه، ثم عاد فجلس إلى نجيه المصحف وقرأ: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " وارتجز المغيرة بن الأخنس وهو دون الدار في أصحابه: قد علمت ذات القرون الميل والحلي والأنامل الطفول لتصدقن بيعتي خليلي بصارم ذي رونق مصقول لا أستقيل إن أقلت قيلي

وأقبل أبو هريرة والناس محجمون عن الدار لأولئك العصبة، قد شروا واستقلوا، فقام معهم وقال: وأنا أسوتكم، وقال: اليوم طاب امضراب، ونادى " يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " وبارز مروان يومئذ ونادى: رجل ورجل، فبرز له رجل من بني ليث يدعى ابن البياع، فاختلفا ضربتين، فضربه مروان أسف لرجليه، وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه، فانكب مروان واستلقى الآخر، فاجتر هذا أصحابه واجتر هذا أصحابه، وقال المصريون: والله لولا أن تكون حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد، فتحوا. فقال المغيرة: من يبارز؟ فبرز له رجل، فاجتلدا، وهو يقول من منهوك الرجز: أضربهم باليابس ضرب غلام عابس من الحياة آيس فأصابه صاحبه وقال الناس: قتل المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: إنا لله. فقال له: عبد الرحمن بن عديس: مالك؟ فقال: إني أتيت فيما يرى النائم فقيل لي: بشر قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار، وابتليت به، وقتل قباث الكناني نيار بن عبد الله الأسلمي، واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤوها ولا يشعر الذين بالباب، وأقبلت القبائل على أبنائهم، فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم، وندبوا له رجلاً يقتله، فدخل عليه

البيت فقال: اخلعها وندعك. فقال: ويحك! والله ما كشفت امرأة في جاهلية، ولا تغنيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولست خالعاً قميصاً كسانيه الله، وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء. فخرج، فقالوا: ما صنعت؟ فقال: غلقنا، والله ما يحل لنا قتله، ولا ينجينا من الناس إلا قتله، فأدخلوا عليه رجلاً من بني ليث، فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي، قال: وكيف؟ قال: ألست الذي دعا لك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفر أن يحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلم تضع، فرجع وفارق القوم، فأدخلوا عليه رجلاً من قريش فقال: يا عثمان، إني قاتلك، قال: كلا يا فلان، لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استغفر لك يوم كذا وكذا، فلن تقارف دماً حراماً، فاستغفر ورجع وفارق أصحابه. وأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله، وقال: يا قوم، لا تسلوا سيف الله عليكم، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه، ويلكم إن سلطان الله اليوم يقوم بالدرة، وإن قتلتموه لم يقم إلا بالسيف، ويلكم! إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله، والله لئن قتلتموه لتتركنها. فقالوا: يا بن اليهودية، وما أنت وهذا! فرجع عنهم. وكان آخر من دخل عليه إلى القوم محمد بن أبي بكر، فقال له عثمان: ويلك! أعلى الله تغضب، هل لي إليك جرم إلا حقه أخذته منك، فنكل ورجع. ولما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي، فضربه الغافقي بجريدة معه، وضرب المصحف برجله، واستدار المصحف وانتشر فاستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء، وجاء سودان بن حمران ليضربه فأكبت عليه نائلة، واتقت السيف بيدها، فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها،

وولت فغمز أوراكها، وقال: إنها لكيدة العكيزة، ويضرب عثمان فقتله، وقد دخل مع القوم غلمة لعثمان لينصروه، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم، فلما رأى أحد العبيد سودان قد ضربه أهوى عليه فضرب عنقه، ووثب قتيرة علىالغلام فقتله، وانتبهوا ما في البيت، فأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى، فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فضربه فقتله، ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل ملاءة نائلة، والرجل يدعى كلثوم من تجيب، فتنحت نائلة، فقال: ويح أمك من عكيزة ما أتمك، ويضربه غلام آخر لعثمان فقتله وقتل. وتنادى القوم: أبصر رجل من صاحبه، وتنادوا في الدار: أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه، وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم، وليس فيه إلا غرارتين، فقالوا: النجاء، فإن القوم إنما يحاولون الدنيا فهربوا، وأتوا بيت المال فانتهبوه، وماج الناس، فالثاوي يسترجع ويبكي، والطارئ يسعى ويفرح. وقتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً واثنتين وعشرين يوماً من مقتل عمر بن الخطاب. وبقي الناس فوضى، وندم القوم، فتخلى منهم الشيطان، وأتى الزبير الخبر بمقتل عثمان وهو حيث هو فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله عثمان. وانتصر له وقيل له: إن القوم نادمون. فقال: ذئروا ذئروا " وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل

بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب " وأتى طلحة الخبر فقال: يرحم الله عثمان وانتصر له وللإسلام، وقيل له: القوم نادمون، فقال: تباً لهم وقرأ " فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ". وأتى علياً الخبر فقيل: قتل عثمان فقال: رحم الله عثمان وخلف علينا بخير. وقيل: ندم القوم، فقرأ " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر " إلى آخر الآية. وطلب سعد فإذا هو في حائطه، وقال: لا أشهد قتله. فلما جاءه قتله قال: فررنا إلى المدينة بديننا فصرنا اليوم نفر منها بديننا، وقرأ: أولئك " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ". اللهم أندمهم ثم خذهم. وكان الزبير قد خرج أيضاً لئلا يشهد قتله كارهاً أن يقيم بالمدينة، فأقام على طريق مكة. وعن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: كان عثمان كخير ابني آدم. قال أبو عوانة: كان القواد الذين ولوا قتله ستة: علقمة بن قيس، وكنانة بن بشر، وحكيم بن جبلة، والأشتر، وعبد الله بن بديل وحمران بن فلان أو فلان بن حمران. قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمس مئة ألف درهم وخمسون ومئة ألف دينار، فانتبهت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات كان تصدق بها ببئر أريس وخيبر ووادي القرى قيمة مئتي ألف دينار.

قال عدي بن حاتم الطائي: سمعت صوتاً يوم قتل عثمان يقول: أبشر يا بن عفان بروح وريحان، أبشر يا بن عفان برب غير غضبان، أبشر يا بن عفان برضوان وغفران. قال: فالتفت فلم أر أحداً. وعن سلمة قال: قال علي: لقد علمت عائشة أن جيش ذي المروة وأهل النهر ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو بكر بن عياش: جيش ذي المروة قتلة عثمان. وعن الزبير بن العوام: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قتل رجلاً من قريش وقال: لا يقتل بعد اليوم قرشي صبراً إلا رجل قتل عثمان فاقتلوه، فإن لم تقتلوه تقتلوا قتل الشاء. وفي رواية: فإن لم تفعلوا فأبشروا بذبح مثل ذبح الشاة. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله سيفاً مغموداً في غمده ما دام عثمان بن عفان حياً، فإذا قتل عثمان جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة. قال: في هذا الحديث عمرو بن فائد، وله أحاديث مناكير. قال يزيد بن أبي حبيب: أعظم ما أتت هذه الأمة بعد نبيها ثلاث خلال: قتل عثمان بن عفان، وتحريقهم الكعبة، وأخذهم الجزية من المسلمين. قال ابن الأعرابي: وقتل الحسين بن علي.

قال رجل لطاوس: ما رأيت أحداً أجرأ على الله من فلان. لعامل ذكره، فقال طاوس: لم تر قاتل عثمان؟ وعن محمد بن سيرين قال: لو حل القتال في أهل القبلة حل يوم قتل عثمان. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: إن عامة الركب الذين خرجوا إلى عثمان جنوا. قال ابن المبارك: الجنون لهم قليل. وعن محمد بن سيرين قال: كنت أطوف بالكعبة فإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن يغفر لي. قلت: يا عبد الله ما سمعت أحداً يقول ما تقول! قال: كنت أعطيت الله عهداً إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون فيصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه، فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه فلطمت وجهه، وسجيته وقد يبست يميني، فرأيتها يابسة كأنها عود. وعن حذيفة قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره. وعن ابن عباس قال: لو أجمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط. وعن زهدم الجرمي قال: خطب ابن عباس فقال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء. وعن أبي جعفر الأنصاري قال: لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت فروجي، فمررت مجتازاً بالمسجد

فإذا رجل قاعد في ظلة النساء، عليه عمامة سوداء، وحوله نحو من عشرة، فإذا هو علي، فقال: ما صنع الرجل؟ قلت: قتل الرجل، قال: تباً لهم آخر الدهر. وعن ابن أبي ليلى قال: سمعت علياً وهو على باب المسجد أوعند أحجار الزيت رافعاً صوته: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان. فذكرت ذلك لعبد الملك بن مروان فقال: ما أرى له ذنباً. وقد روي أنه كان غائباً يوم قتل. وعن الحسن قال: قتل عثمان وعلي غائب في أرض له، فلما بلغه قال: اللهم إني لم أرض ولم أمالئ. وعن أبي العالية قال: لما أجيز على عثمان بن عفان دخل عليه علي بن أبي طالب فوقع عليه وجعل يبكي حتى قلنا: إنه سيلحق به. ثم قالوا: قد قتلنا الرجل فلمن نبايع؟ فقال علي: لمن سلت الله أنفه، فتقتلوه كما قتلتم هذا بالأمس! ثم أنشأ علي يقول: عثمان لقيت حمام الحتف فابشر بخير ما له من وصف اليوم حقاً جاء يقين زحفي قد قطعت رجلي وفيها خفي أتى لكم الويل قتلتم سلفي وفضله علي يعلو سقفي

في رجز ذكره، اختصره صاحب الأصل. وعن قيس بن عباد قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة! " وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل الأرض لم يدفن بعد. فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس يسألوني البيعة فقلت: اللهم إني لمشفق مما أقدم عليه، ثم جاء عزمة فبايعت. فلما قالوا: أمير المؤمنين، فكأن صدع قلبي وانسكبت بعبرة. وعن ابن عباس قال: أشهد على علي بثلاث: أنه قال في عثمان: ما قتلت ولا أمرت، ولقد كنت كارهاً. وفي رواية: ما أمرت ولا قتلت، ولقد نهيت. وفي رواية: ولكني غلبت. وعن علي بن ربيعة قال: قال علي بن أبي طالب: لوددت أن بني أمية قبلوا مني خمسين يميناً قسامة أحلف بها: ما أمرت بقتل عثمان ولا مالأت.

وعن عبد الله بن أبي سفيان أن علياً قال: إن بني أمية يقاتلوني يزعمون أني قتلت عثمان، فكذبوا، إنما يلتمس الملك، فلو أعلم أن ما يذهب ما في قلوبهم أن أحلف لهم عند المقام: والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله، لفعلت، ولكن إنما يريدون الملك، وإني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله عز وجل " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين " قال خليد بن شريك: سمعت علي بن أبي طالب وهو على منبر الكوفة يقول: أي بني أمية، من شاء نفلت له يميني بين المقام والركن: ما قتلت عثمان ولا شركت في دمه. قال أبو صالح: رأيت علي بن أبي طالب قاعداً في زرارة تحت السدرة، وانحدرت سفينة فقرأ " وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام " والذي أجراها مجراها ما قتلت عثمان ولا شايعت في قتله، ولا مالأت، ولقد غمني. وعن حصين الحارثي قال: جاء علي إلى زيد بن أرقم يعوده وعنده قوم، قال: فما أدري أقال علي: اسكتوا أو أنصتوا، فوالله لا تسألوني عن شيء حتى أقوم إلا حدثتكم به. قال: فقال له زيد: أنشدك الله أنت قتلت عثمان؟ قال: فأطرق علي ساعة ثم رفع رأسه، قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما قتلته ولا أمرت بقتله.

قال سالم بن أبي الجعد: كنت جالساً عند محمد بن الحنفية في الشعب، قال: فذكروا عثمان، قال: فنهانا محمد وقال: كفوا عن هذا الرجل، قال: ثم غدونا يوما آخر، قال: فنلنا منه أكثر مما كان قبل ذلك، فقال: ألم أنهكم عن هذا الرجل؟ قال: وابن عباس جالس عنده فقال: يا بن عباس، تذكر عشية الجمل وأنا على يمين علي في يدي الراية، وأنت عن يساره إذ سمع هدة في المربد، فأرسل رسولاً، فجاء الرسول فقال: هذه عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد، قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه، مرتين أو ثلاثاً، قال: وأنا ألعن قتلة عثمان، لعنهم الله في السهل والجبل. قال: فصدقه ابن عباس، ثم أقبل علينا فقال: في وفي هذا لكم شاهدا عدل. وعن سليمان بن عبد الله بن فروخ قال: قيل لعلي يوم الجمل وهو في فسطاط صغير، وقد بلغنا النبل فقال: شيموا سيوفكم حتى صاحوا: يا ثارات عثمان! فقال علي، لقد نعوه، يا قنبر ائتني بلامتي. فلبسها فقال: ترسوا لي. فترسوه، فقال: ما قلتم؟ قال: قلنا: يا ثارات عثمان. فقال علي: أكب الله قتلة عثمان على مناخرهم. قال عمير بن زوذي: قال علي بن أبي طالب: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا أدخلها، وإن لم يدخل النار إلا من قتله لا أدخلها. فأكثر الناس في ذلك، فقال: إنكم قد أكثرتم في وفي عثمان، والله قتله وأنا معه. قال عباد: يعني قتله الله ويقتلني معه. وعن حسان بن زيد قال: دخلت المسجد الأكبر مسجد الكوفة وعلي بن أبي طالب على المنبر يخطب الناس، وهو ينادي بأعلى صوته ثلاث مرات: يا أيها الناس، إنكم تكثرون في وفي ابن عفان، وإن مثلي ومثله كما قال الله عز وجل " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين "

وعن قرة العين بنت جون الضبي قالت: كنت عند عبد الله بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فجاء قنبر فسلم فقال: لا سلم الله عليك. فقلت: سبحان الله! تقول هذا لمولى عمك! قال: إن هذا يأتي أهل العراق فيقول: قال ابن عفان، وأنا سمعت علياً يقول: قاتل الله هؤلاء المفضلي على ابن عفان، والمفضلي ابن عفان علي، ما أقل علمهم بالله، والله إني لأرجو أن أكون أنا وابن عفان من الذين قال الله تعالى: " إخواناً على سرر متقابلين " وعن أنس بن مالك قال: لأن أشهد عشر مرار أن علياً وعثمان رضي الله عنهما في الجنة، فينزع الله عز وجل ما في قلوبهما من غل أحب إلي من أن أشهد شهادة واحدة أنهما ليسا كذلك. وعن علي بن أبي طالب: في قوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " قال: عثمان وأصحابه. وعن عبد الرحمن ومحمد ابني حاطب: أن رجلاً أتى علياً يسأله عن عثمان وعنده أصحابه فكلهم قال: كافر. فقال الرجل: إني لست أسألكم إنما أسأل أمير المؤمنين. فقال علي: في عثمان وأصحابه نزلت " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ". وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة وهو مجتنح لشقه، فخضنا في عثمان وطلحة والزبير، فاجتنح لشقه الآخر، فقال: فيم خضتم؟ قلنا: خضنا في عثمان وطلحة والزبير وحسبناك نائماً، فقال علي: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " وإن ذاك عثمان وطلحة والزبير، وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير. ثم

قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين " ذاك عثمان وطلحة والزبير، وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير. وحدث عبد بن سعيد عن أبيه قال: كنا جلوساً عند علي بن أبي طالب، وعن يمينه عمار بن ياسر، وعن يساره محمد بن أبي بكر إذ جاءه عراب بن فلان الصيدفي فقال: يا أمير المؤمنين، ما تقول في عثمان؟ فبدره الرجلان فقالا: عم تسأل، عن رجل كفر بالله من بعد إيمانه ونافق!؟ فقال الرجل لهما: لست إياكما أسأل، ولا إليكما جئت. فقال له علي: لست أقول ما قالا. فقالا له جميعاً: فلم قتلناه إذاً؟! قال: ولي عليكم فأساء الولاية في آخر أيامه، وجزعتم فأسأتم الجزع، والله إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان كما قال الله عز وجل: " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ". قال محمد بن حاطب: كنت مع علي بالبصرة، فلما هدأت الحرب قلت: يا أمير المؤمنين، ما أرد على قومي إذا سألوني عن قتل هذا الرجل؟ قال: أنا وعثمان مثلما وصف الله في كتابه " ونزعنا ما في صدورهم من غل " الآية. إذا قدمت فأبلغهم أن عثمان من الذين اتقوا، ثم آمنوا ثم اتقوا، وعلى ربهم يتوكلون. قال عبد الله بن الحارث: دخل علي على نسائه وهن يبكين، فقال: ما يبكيكن؟ قلن: ذكرن عثمان والزبير وقرابتهما منك، قال: فإني وإياهما من الذين قال الله تعالى " إخواناً على سرر متقابلين ". وعن يوسف بن سعد مولى عثمان بن مظعون قال: قال لي ابن حاطب: لو شهدت اليوم شهدت عجباً. قال: قلت: ما هو؟ قال:

فإن علياً وعماراً ومالكاً وصعصعة اجتمعوا في دار نافع فذكروا عثمان، فقال علي: يا أبا اليقظان، لقد سبق في عثمان من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوابق، لا يعذبه الله بعدها أبداً. وعن علي قال: أتاه رجل فقال: إني أبغض عثمان، فقال: مهلاً فإنهم يعني أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والكافرين الذين أنزل الله فيهم " الذين يحملون العرش ومن حوله " إلى " للذين آمنوا " أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تابوا " من الشرك " واتبعوا " الرسول إلى " الذين كفروا ينادون " فإياكم أن تكونوا ببغضه منهم. وعن مطرف بن الشخير قال: لقيني علي بن أبي طالب يوم الجمل فقال لي: أحب عثمان شغلك عنا؟ قال: فسكت لمن معه من الناس، فلما رأيت منه خلوة أقبل نحوي قال: قلت: أنا أحق بالسرعة. قال: فحركت. فقال: إن تفعل فإنه كان أتقانا للرب، وأوصلنا للرحم. وفي حديث بمعناه: فقد كان والله خيرنا وأبرنا وأوصلنا. قال الأوزاعي: قيل لعلي بن أبي طالب: أقتل عثمان منافقاً؟ قال: لا، ولكنه ولي فاستأثر، وجزعنا فأسأنا، وكل سيرجع إلى حكم عدل، فإن تكن الفتنة أصابتنا أو خبطتنا فبما شاء الله. وعن عمير بن زوذي قال: خطب علي عليه السلام فقطعوا عليه خطبته فنزل، فدخل فقال: إنما

مثلي ومثل عثمان مثل ثلاثة أثوار كن في غيضة: أبيض وأحمر وأسود، معهم فيها أسد، كان كلما أراد واحداً منهم اجتمعوا عليه فلم يطقهم، فقال للأسود وللأحمر: إن هذا الأبيض يفضحنا في غيضتنا، يرى بياضه، خليا عنه كيما آكله، ثم أكون أنا وأنتما، فلوني على ألوانكما وألوانكما على لوني. قال: فخليا عنه، فلم يلبثه أن أكله، قال: ثم كان كلما أراد واحداً منهما اجتمعا عليه، فلم يطقهما فقال للأحمر: إن هذا الأسود يفضحنا في غيضتنا، يرى سواده، فخل عني كيما آكله، ثم أكون أنا وأنت، فلوني على لونك ولونك على لوني. قال: فتركه فلم يلبثه أن أكله، قال: فلبث ثم قال: يا أحمر إني آكلك. قال: تأكلني؟ قال: نعم. قال: فخل عني أصوات ثلاثة أصوات. قال: ثم قال: ألا إني إنما أكلت يوم أكل الأبيض، ألا إني إنما أكلت يوم أكل الأبيض، ألا إني إنما أكلت يوم أكل الأبيض. قال: ثم قال علي: وأنا إنما وهنت يوم قتل عثمان قال ذلك ثلاثاً ألا وإني وهنت يوم قتل عثمان، ألا إني وهنت يوم قتل عثمان. قالوا: كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال فتحمل وقرها ثم تقول: اللهم بدل اللهم غير. فقال حسان بن ثابت حين قتل عثمان: من الرمل: قتلتم بدل فبدلتم به ... سنة حرى وحرباً كاللهب ما نقمتم من ثياب خلفة ... وعبيد وإماء ذهب وقال أبو حميد أخو ساعدة، وكان فيمن شهد بدراً، وكان فيمن جانب عثمان، فلما قتل قال: والله ما أردنا قتله، ولاكنا ترى أن يبلغ منه القتل، اللهم إن لك علي ألا أفعل كذا ولاأضحك حتى ألقاك.

وعن الحسن من حديث قال: لما كانت الفتن جعل رجل يسأل عن أفضل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أنفسهم، لا يسأل أحد إلا قالوا له: سعد بن مالك وقيل له: إن سعداً رجل إن رفقت به كنت قمناً أن تصيب منه حاجتك، وإن خرقت به كنت قمناً ألا تصيب منه شيئاً، فجلس إليه أياماً لا يسأله عن شيء حتى استأنس إليه، ثم قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " إلى قوله: " ويلعنهم اللاعنون " فقال سعد: مه، لأن قلت لا جرم لا تسألني عن شيء أعلمه إلا خبرتك به. فقال له: ما تقول في عثمان؟ قال: كان إذ كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحسننا وضوءاً، وأطولنا صلاةً، وأعظمه نفقة في سبيل الله عز وجل، ثم ولي المسلمين زماناً لا ينكرون منه شيئاً، ثم أنكروا منه أشياء، فما أتوا إليه أعظم مما أتى إليهم، فقلت له: هذا علي يدعو الناس وهذا معاوية يدعو الناس، وفد جلس عنهما عامة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال سعد: أما إني لا أحدثك ما سمعته من وراء وراء، ما أحدثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن استطعت أن تكون عبد الله المقتول ولا تقتل أحداً من أهل القبلة فافعل ". وعن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص سمعت أباها يقول: ألا لعن الله من لعن علياً، ألا لعن الله من لعن عثمان إنهما الفئتان التي قال الله " حتى تفيء إلى أمر الله ". وعن عبد الله بن عمرو قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه، وعمر بن الخطاب الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، عثمان بن عفان ذا النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوماً، أصبتم اسمه.

وعن عقبة السدوسي قال: كنا جلوساً إلى عبد الله بن عمرو بن العاص في بيت المقدس، فقال: أبو بكر الصديق أصبت اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد، أصبت اسمه، عثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوماً. ثم سكت فقال له رجل من أهل الشام: ألا تذكر أمير المؤمنين معاوية؟ فقال: ملك الأرض المقدسة. ولم يحدثنا محمد بن سيرين قط بهذا الحديث إلا أتبعه: أنبئت أن أبا الجلد كان يقول: يبعث على الناس ملوك بذنوبهم. وعن زهدم الجرمي قال: كنت في سمر ابن عباس فقال: لأحدثنكم حديثاً ليس بسر ولا علانية: إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان يعني عثمان قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك. فعصاني، وأيم الله ليتأمرن عليه معاوية، وذلك بأن الله يقول " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ". وعن أبي موسى الأشعري قال: لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبناً، ولكنه كان ضلالاً فاحتلبت به الأمة دماً. وحدث من سمع عبد الله بن سلام يقول يوم قتل عثمان: اليوم هلكت العرب. وعن عبد الرحمن بن جبير قال: انصرف عبد الله بن سلام إلى منزله، فإذا هو برجلين يمشيان أمامه وهو خلفهما، يقول أحدهما للآخر: يا هناه، لمن ترى الأمر بعد عثمان؟ فقال له صاحبه: والله

والله لا تنتطح في عثمان شاتان فسمعه ابن سلام فقال: أجل إن الغنم والبقر لا تنتطح في قتل خليفة إذا قتل، ولكن تنتطح فيه الرجال بالسلاح، والله ليقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد. وعن أبي مريم قال: رأيت أبا هريرة يوم قتل عثمان وله ضفيرتان وهو ممسك بهما، وهو يقول: اضربوا عنقي، قتل والله عثمان على غير وجه الحق. وعن الحسن بن علي قال: ما كنت لأقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على العرش ورأيت أبا بكر واضعاً يده على منكب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت عمر واضعاً يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على منكب عمر، ورأيت دماً دونهم، قلت: ما هذا الدم؟ قالوا: هذا دم عثمان يطلب الله به. وعن مسروق قال: قالت عائشة حين قتل عثمان: تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه فذبحتموه كما يذبح الكبش، فهلا كان هذا قبل هذا! فقال لها مسروق: هذا عملك أنت، كتبت إلى الناس تأمرينهم أن يخرجوا إليه. فقالت عائشة: لا والذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون، ما كتبت إليهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا. قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها. وعن عائشة قال: كان الناس يختلفون إلي في عتب عثمان، ولا أرى إلا أنها معاتبة، وأما الدم، فأعود بالله من دمه، فوالله لوددت أني عشت في الدنيا برصاء سالخ، وأني لم أذكر عثمان بكلمة

قط، وأيم الله لإصبع عثمان التي يشير بها إلى الأرض خير من طلاع الأرض مثل فلان. وعن عائشة أنها قالت: لقد آذيت عثمان فأوذيت، وأشخصت عثمان، لو قتله لقتلت. وعن طلق بن خشاف قال: قتل عثمان افترقنا في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نسألهم عن قتله، فسمعت عائشة رضي الله عنها قالت: قتل مظلوماً، لعن الله قتلته. وعن زيد بن صوحان: أنه قال يوم قتل عثمان: اليوم نفرت القلوب منافرها، والذي نفسي بيده لا تتألف إلى يوم القيامة. وعن أبي مسلم الخولاني: أنه مر به رجال من أهل المدينة قدموا منها، وهو عند معاوية بدمشق، فلقيهم أبو مسلم فقال لهم: هل مررتم بإخوانكم من أهل الحجر؟ فقالوا: نعم، فقال: كيف رأيتم صنيع الله عز وجل بهم؟ قالوا: بذنوبهم، قال: فإني أشهدكم أنكم عند الله مثلهم. فدخلوا على معاوية فقالوا: ما لقينا من هذا الشيخ الذي خرج من عندك؟! فبعث إليه فجاءه فقال له: يا أبا مسلم، مالك ولبني أخيك؟ قال: قلت لهم: مررتم على أهل الحجر؟ قالوا: نعم، قلت: كيف رأيتم صنيع الله بهم؟ قال: صنع الله ذلك بهم بذنوبهم، فقلت: أشهد أنكم عند الله مثلهم. فقال: وكيف يا أبا مسلم؟ قال: قتلوا ناقة الله، وقتلتم خليفة الله، وأشهد على ربي لخليفته أكرم عليه من ناقته. وحدث ابن طاوس عن أبيه قال: لما وقعت فتنة عثمان قال رجل لأهله: أوثقوني بالحديد فإني مجنون، فلما قتل

عثمان قال: خلوا عني فالحمد لله الذي شفاني من الجنون وعافاني من قتل عثمان. وحدث هشام عن محمد قال: لم تر هذه الحمرة التي في آفاق السماء حتى قتل الحسين بن علي، ولم تفقد الخيل البلق في المغازي حتى قتل عثمان. وعن إبراهيم النخعي قال: لما نزلت " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قالوا: فيم الخصومة ونحن إخوان؟! فلما قتل عثمان بن عفان قالوا: هذه خصومتنا. قال الشعبي: لقي مسروق الأشتر، فقال مسروق للأشتر: قتلتم عثمان؟ قال: نعم. قال: أما والله لقد قتلتموه صواماً قواماً. قال: فانطلق الأشتر فأخبر عماراً، فأتى عمار مسروقاً فقال: والله ليجلدن عماراً وليسيرن أبا ذر وليحمين الحمى، وتقول: قتلتموه صواماً قواماً؟! فقال له مسروق: فوالله ما فعلتم واحدة من ثنتين: ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، وما صبرتم فهو خير للصابرين. قال: فكأنما ألقمه حجراً. وقال الشعبي: وما ولدت همدانية مثل مسروق. وفن حديث عن كثير بن مروان الفلسطيني قال: سألت جعفر ابن برقان عما اختلف الناس فيه من أمر عثمان وعلي وطلحة والزبير ومعاوية، وعن قول العامة في ذلك، فقال جعفر بن برقان، قال ميمون بن مهران: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم أبا بكر رضي الله عنه وساق الحديث إلى قتل عثمان. قال كثير بن مروان: فقلت لجعفر بن برقان: فما الذي نقموا على

عثمان؟ قال جعفر: قال ميمون: إن أناساً أنكروا على عثمان، وجاؤوا بما هو أنكر منه، أنكروا عليه أمراً هم فيه كذبة، وإنهم عاتبوه، فكان فيما عاتبوه أنه ولى رجلاً من أهل بيته، فأعتبهم وأرضاهم، وعزل من كرهوا واستعمل من أرادوا، ثم إن فساقاً من أهل مصر، وسفهاء من أهل المدينة دعاهم أشقاهم إلى قتل عثمان، فدخلوا عليه منزله، وهو جالس يتلو فيه كتاب الله، ومعهم السلاح فقتلوه صابراً محتسباً، رحمه الله. وإن الناس افترقوا عن قتله أربع فرق، ثم فصل منهم صنف آخر، فصاروا خمسة أصناف: شيعة عثمان، وشيعة علي، والمرجئة، ومن لزم الجماعة، ثم خرجت الخوارج بعد، حيث حكم علي الحكمين، فصاروا خمسة أصناف. فأما شيعة عثمان فأهل الشام وأهل البصرة، قال أهل البصرة: ليس أحد أولى بطلب دم عثمان من طلحة والزبير لأنهما من أهل الشورى، وقال أهل الشام: ليس أحد أولى بطلب دم عثمان من أسرة عثمان وقرابته، ولا أقوى على ذلك يعنون من معاوية، وإنهم جميعاً برئوا من علي وشيعته. وأما شيعة علي فهم أهل الكوفة. وأما المرجئة فهم الشكاك الذين شكوا، وكانوا في المغازي، فلما قدموا المدينة بعد قتل عثمان، وكان عهدهم بالناس وأمرهم واحد ليس فيهم اختلاف، فقالوا: تركناكم وأمركم واحد ليس فيكم اختلاف، وقدمنا عليكم وأنتم مختلفون، فبعضكم يقول: قتل عثمان مظلوماً، وكان أولى بالعدل وأصحابه، وبعضكم يقول: كان علي أولى بالحق، وأصحابه كلهم ثقة، وعندنا مصدق، فنحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما ولا نشهد عليهما، ونرجئ أمرهما إلى الله حتى يكون الله هو الذي يحكم بينهما. وأما من لزم الجماعة فهم: سعد بن أبي وقاص، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد، وحبيب بن مسلمة الفهري، وصهيب بن سنان، ومحمد بن مسلمة،

في أكثر من عشرة آلاف من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لهم بإحسان، قالوا جميعاً: نتولى عثمان وعلياً، ولا نتبرأ منهما، ونشهد عليهم وعلى شيعتهما بالإيمان، ونرجو لهم ونخاف عليهم. وأما الصنف الخامس فهم الحرورية، قالوا: نشهد على المرجئة بالصواب، ومن قولهم حيث قالوا: لا نتولى علياً ولا عثمان ثم كفروا بعد، حيث لم يتبرؤوا ونشهد على أهل الجماعة بالكفر. قال ميمون بن مهران: وهذا أول ما وقع الاختلاف، وقد بلغوا أكثر من سبعين صنفاً. وقد كان بعض من خرج من هذه الأصناف دعوا سعد بن أبي وقاص إلى الخروج معهم، فأبى عليهم سعد وقال: لا، إلا أن تعطوني سيفاً له عينان بصيرتان، ولسان ينطق بالكافر فأقتله، وبالمؤمن فأكف عنه، وضرب لهم سعد مثلاً فقال: مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة، والمحجة البيضاء الواضحة، فيناهم كذلك يسيرون هاجت ريح عجاجة، فضلوا الطريق، فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين، فأخذوا فيه، فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: الطريق ذات الشمال، فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: كنا على الطريق حيث هاجت الريح، فننيخ، فأناخوا وأصبحوا، فذهبت الريح وتبين الطريق. فهؤلاء هم أهل الجماعة. قالوا: نلزم ما فارقنا عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نلقاه، ولا ندخل في شيء من الفتن، فصارت الجماعة والفئة التي تدعى فئة الإسلام، ما كان عليه سعد بن أبي وقاص وأصحابه الذين اعتزلوا الفتن، حتى أذهب الله الفرقة وجمع الألفة، فدخلوا الجماعة، ولزموا الطاعة وانقادوا لها، فمن فعل ذلك ولزمه نجا، ومن لم يلزمه وشك فيه وقع في المهالك. قال سعد بن عبيدة: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر محاسن عمله، فقال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله عز وجل بأنفك. قال: ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله ثم قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال: لعل ذلك يسوؤك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك.

قال أبو حازم: كنت عند عبد الله بن عمر بن الخطاب فذكر عثمان وذكر فضله ومناقبه وقرابته حتى تركه أنقى من الزجاجة، ثم قال: من أراد أن يذكر هذين فليذكرهما هكذا أو فليدع. وعن أنس بن مالك قال: يقولون: لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب مؤمن. وكذبوا، والله الذي لا إله إلا هو لقد اجتمع حبهما في قلوبنا. قال الثوري: لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلوب نبلاء الرجال. قال حماد بن سلمة: سمعت أيوب يقول: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. قال حماد: فقلت لأيوب: أتحفظ هذا؟ قال: نعم فاحفظوه وعلموه أبناءكم، وليعلمه أبناؤكم أبناءهم. قال طلحة بن مصرف: أبى قلبي إلا حب عثمان عليه السلام. قيل ليزيد بن هارون: لم تحدث بفضائل عثمان ولا تحدث بفضائل علي؟ فقال: إن أصحاب عثمان مأمونون على علي، وأصحاب علي ليس بالمأمونين على عثمان. قال سفيان: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، الذين أجمعوا على بيعة عثمان. وعن سفيان الثوري قال: من قدم علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى على المهاجرين والأنصار، وأخاف ألا ينفعه مع ذلك عمل.

قال عبد الله بن داود: من قدم عثمان على علي رضي الله عنهما فحجته قوية لأن الخمسة اختاروه. قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، يعني في الفضل والخلافة. قيل لأحمد بن حنبل: إلى ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. فقيل له: كأنك تذهب إلى حديث سفينة؟ قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر، رأيت علياً في زمن أبي بكر وعثمان لم يتسم أمير المؤمنين، ولم يقم الجمعة والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك، فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن قبل ذلك. قال محمد بن منصور الطوسي لأحمد بن حنبل: بلغني أن قوماً يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان. ثم يسكت، فقال: هذا كلام سوء. قال أبو الحسن الدارقطني: اختلف قوم من أهل بغداد من أهل العلم، فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: علي أفضل، فتحاكموا إلي فيه، فسألوني عنه، فأمسكت عنه وقلت: الإمساك عنه خير، ثم لم أر لديني السكوت، قلت: دعهم يقولون في ما أحبوا، فدعوت الذي جاءني مستفتياً وقلت: ارجع إليهم وقل: أبو الحسن يقول: عثمان بن عفان أفضل من علي بن أبي طالب باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يحل في الرفض. سئل مالك بن أنس عن علي وعثمان فقال: ما أدركت أحداً أقتدي به إلا وهو يقدم أبا بكر وعمر ويمسك عن علي وعثمان. وعن مغيرة قال: تحول جرير بن عبد الله وحنظلة وعدي بن حاتم من الكوفة إلى قرقيسياء،

وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. قال بشير أبو النصر: أتيت الحسن فقلت: إني أحب الله ورسوله وأحب علياً، وأقوام عندنا يقولون: إن لم تسب عثمان لم يغن عنك حب علي. فقال: يا بني، إن الذي يأمرك بهذا لعثمان خير منه ومني ومنك، زوجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته أم كلثوم، أفترى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جاهلاً أن يزوج خبيثاً؟ فماتت عنده، ثم زوجه ابنته رقية، فلو كان جهل أمره أكان يجهل الثانية، وجهز جيش العسرة من ماله، وكان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى فارق الدنيا. فينبغي لك أن تسب رجلاً كانت هذه الأشياء له من المناقب والمكرمات؟!. قال علي بن زيد: كنت جالساً عند سعيد بن المسيب فقال: قل لقائدك يذهب ينظر إلى هذا الرجل حتى أحدثك. قال: فذهب فقال: رأيت رجلاً أسود الوجه أبيض الجسد. فقال سعيد: إن هذا كان يسب علياً وعثمان وطلحة والزبير. فقلت: إن كان كاذباً سود الله وجهه، قال: فخرجت بوجهه قرحة فاسود وجهه. قال أبو نضرة: كنا بالمدينة فنال رجل من عثمان رضي الله عنه، فنهيناه، فأبى أن ينتهي، فأرعدت، فجاءت صاعقة فأحرقته. قال قتادة: ما سب أحد عثمان إلا افتقر. قتل عثمان رضي الله عنه لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وقيل: قتل في عشر ذي الحجة. وقيل: قتل يوم النحر، وفيه يقول الفرزدق: من الكامل: عثمان إذ قتلوه وانتهكوا ... دمه صبيحة ليلة النحر.

وقال نابغة بني جعدة: من الرمل: وابن عفان حنيفاً مسلماً ... ولحوم الإبل لما تنتفل. وقال القاسم بن أمية بن أبي الصلت: من الطويل: لعمري لبئس الذبح ضحيتم به ... خلاف رسول الله يوم الأضاحيا وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: إحدى وثمانين، وقيل: ابن نيف وسبعين. وقيل: ابن ثمان وثمانين أو تسع وثمانين. وقال الزهري: قتل وهو ما بين الثمانين إلى التسعين. وحمله جبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وأبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وصلى عليه جبير بن مطعم، وكانت معه امرأتاه: أم البنين بنت عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارية، ونائلة بنت الفرافصة الكلبية. وزعم آل مالك بن أنس أن بن أبي عامر شهده معهم. وبعث قيس بن مخرمة إلى عثمان بكفن حين قتل، فقالت امرأته رملة: وصلتك رحم، عندنا ما نكفنه. وعن جماعة من الرواة: أن عثمان قتل لثمان عشرة خلت من ذي الحجة في آخر ساعة، دخلوا عليه وهو يدعو: اللهم لا تكلني إلى نفسي فتعجز عني، ولا إلى الدنيا فتغرني، ولا إلى الناس فيخذلوني، ولكن تول أنت صلاح آخرتي التي أصير إليها، وأخرجني من الدنيا سالماً، اللهم حل بينهم وبين ما يشتهون من الدنيا، وبغضهم إلى خلقك واجعلهم شيناً على من تولاهم، أما والله لولا أنها ساعة الجمعة وأني أمرت أن أدعو عليكم لما فعلت، ولصبرت. فقتل رحمه الله، فقتل قاتله، وقتل ناصره، وأغلق الباب على ثلاثة قتلى وفي الدار أحد المصريين،

وقيل قاتله فقالت نائلة لعبد الرحمن بن عديس: إنك أمس القوم بي رحماً وأولادهم بأن تقوم بأمري، أغرب عني هؤلاء الأموات. فشتمها وزجرها، حتى إذا كان في جوف الليل خرج مرزان حتى يأتي دار عثمان، فأتاه زيد بن ثابت، وطلحة بن عبيد الله، وعلي، والحسن، وكعب بن مالك، وعامة من ثم من الصحابة، وتوافى إلى موضع الجنائز صبيان ونساء، فأخرجوا عثمان فصلى عليه مروان، ثم خرجوا به حتى انتهوا به إلى البقيع فدفنوه فيه مما يلي حشان كوكب، حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان فأخرجوهم، فرأوهم فمنعمهم من أن يدفنوهم، فأدخلوهم حشان كوكب، فلما انقشوا خرجوا بهما فدفنوهما إلى جنب عثمان، ومع كل واحد منهما خمسة نفر وامرأة، فاطمة أم إبراهيم بن عربي. ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر فقالوا: إنك أمس القوم بنا رحماً فأمر بهاتين الجيفتين اللتين في الدار أن تخرجا. فكلمهم في ذلك فأبوا، فقال: أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لفهم، فأخرجوهما فارموا بهما. فجر بأرجلهما فرمي بهما في البلاط، فأكلتهما الكلاب. وكان العبدان اللذان قتلا يوم الدار يقال لهما: نجيح وصبيح، فكان اسماهما الغالب على أسماء الرقيق لفضلهما وبلائهما، ولم يحفظ الناس اسم الثالث. وقتل رحمه الله يوم الجمعة، ودفن ليلة يوم السبت في جوف الليل، وكان شهيداً فلم يغسل، كفن في ثيابه ودمائه، ولا غلاميه، وترك الآخرون بالبلاط حتى أكلتهم الكلاب. وكان القوم يتخذون الحشيش في ذلك الزمان كما يتخذ أهل هذا الزمان الأرياف وأهل الأرياف القرط والفصافص،

لما دفن خرجت ابنته تبكي في أثره ونائلة بنت الفرافصة، وحضره من أراد المقام والخروج. وندم القوم وسقط في أيديهم. ولما صلي عليه خرج من خرج وأقام من أقام، وأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقلن: هجم البلاء وانكفأ الإسلام. وقال قتادة: صلى الزبير على عثمان ودفنه وكان أوصى إليه. ولما حج معاوية نظر إلى بيوت أسلم شوارع في السوق فقال: أظلموا عليهم بيوتهم أظلم الله عليهم قبورهم، هم قتلة عثمان. قال: نيار بن مكرم: فخرجت إليه فقلت: الله! إن بيتي يظلم علي وأنا رابع أربعة حملنا أمير المؤمنين وقبرناه وصلينا عليه! فعرفه معاوية فقال: اقطعوا البناء، لا تبنوا على وجه داره، قال: ثم دعاني خالياً فقال: متى حملتموه؟ ومتى قبرتموه؟ ومن صلى عليه؟ فقلت: حملناه رحمه الله ليلة السبت بين المغرب والعشاء، فكنت أنا وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة العدوي، وتقدم جبير بن مطعم فصلى عليه. فصدقه معاوية. وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته. وفي حديث بمعناه: فتقدم أبو جهم بن حذيفة فصلى عليه، فصدقه معاوية. قال محمد بن يوسف: وخرجت نائلة بنت الفرافصة تلك الليلة وقد شقت جيبها قبلاً ودبراً، ومعها سراج وهي تصيح: وا أمير المؤمنيناه!. قال: فقال جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا فقد رأيت الغواة الذين على الباب. فأطفأت السراج. وانتهوا إلى البقيع فصلى عليه جبير بن مطعم وخلفه حكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة ونيار بن مكرم الأسلمي، ونائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة امرأتاه، ونزل في حفرته نيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة وجبير بن مطعم، وكان حكيم بن حزام وأم البنين ونائلة يدلونه على الرجال حتى لحد له وبني عليه وغيبوا قبره وتفرقوا. وقيل: إن جبير بن مطعم صلى على عثمان في ستة عشر رجلاً، بجبير سبعة عشر.

قال ابن سعد: الحديث الأول: صلى عليه أربعة. أثبت. وقيل: صلي عليه في ثمانية. وقيل: صلي عليه المسور بن مخرمة. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما قتل عثمان مكث ثلاثاً لا يدفن، حتى هتف بهم هاتف: أن ادفنوه ولا تصلوا عليه فإن الله قد صلى عليه. وعن عروة قال: لما منعوا الصلاة على عثمان قال أبو جهم بن حذيفة: إن تمنعوا الصلاة عليه فقد صلى الله عليه وملائكته. وعن مالك بن أبي عامر قال: كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي، حملناه على باب، وإن رأسه ليقرع الباب لإسراعنا به، وإن بنا من الخوف لأمر عظيماً حتى واريناه في قبره في حش كوكب. قال عبد الملك بن الماجشون: سمعت مالكاً يقول: قتل عثمان فأقام مطروحاً على كناسة بني فلان ثلاثاً، فأتاه اثنا عشر رجلاً فيهم جدي مالك بن أبي عامر، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير، وعائشة بنت عثمان، معهم مصباح في حق، فحملوه على باب وإن رأسه يقول على الباب: طق طق، حتى أتوا به البقيع، فاختلفوا في الصلاة عليه، فصلى عليه حكيم بن حزام أوحويطب بن عبد العزى، وقام رجل من بني مازن فقال: والله لئن دفنتموه مع المسلمين لأخبرن الناس فحملوه حتى أتوا به إلى حش كوكب، ولما دلوه في قبره صاحت عائشة بنت عثمان، فقال لها ابن الزبير: اسكتي، فوالله لئن عدت لأضربن الذي

فيه عيناك. فلما دفنوه وسووا عليه التراب قال لها ابن الزبير: صيحي ما بدا لك أن تصيحي. قال مالك: وكان عثمان بن عفان قبل ذلك يمر بحش كوكب فيقول: ليدفنن هنا رجل صالح، فيأتسي الناس، فكان عثمان أول من دفن هناك. وعن ابن عباس قال: لما قتل عثمان بن عفان رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فمر بي فسلم علي، فقلت: حبيبي رسول الله ألا تقف حتى أشتفي منك بالنظر؟ قال: إني مستعجل، إن إبراهيم وأخي موسى منتظرون لي لزفاف عثمان الليلة. وعن مطرف: أنه رأى عثمان بن عفان فيما يرى النائم فقال: رأيت عليه ثياب خضر، قلت: يا أمير المؤمنين، كيف فعل الله بك؟ قال: فعل الله بي خيراً، قلت: يا أمير المؤمنين، أي الدين خير؟ قال: الدين القيم ليس يسفك الدم. ونظم الشعراء فيه عدة مراث. قال الشعبي: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك وقيل: هي للمغيرة بن الأخنس، وقيل لغيره: من الطويل: فكف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل. وقال لأهل الدار لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل. فكيف رأيت الله صب عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار النعام الجوافل

وقال الوليد بن عقبة: من الطويل: بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ... ولا تنهبوه ما تحل مناهبه بني هاشم إلا تردوا فإننا ... سواء علينا قاتلاه وسالبه بني هاشم كيف الهوادة بيننا ... وسيف ابن أروى عندكم وحرائبه قتلتم أمير المؤمنين خيانة ... كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه فوالله لا أنسى ابن أمي عيشتي ... وهل ينسين الماء من كان شاربه هو الأنف والعينان مني فليس لي ... سوى الأنف والعينين وجهاً أعاتبه قال عثمان بن مرة: حدثتني أمي قالت: سمعت الجن بكت على عثمان بن عفان فوق مسجد المدينة، فكانت تنشد ما قالوا: من مجزوء الرمل: ليلة المسجد إذ ير ... مون بالصخر الصلاب ثم قاموا بكرة ين ... عون صقراً كالشهاب زينهم في الحي والمج ... لس فكاك الرقاب

عثمان بن علي بن عبد الله

عثمان بن علي بن عبد الله أبو القاسم البغدادي المعروف بالوقاياتي. قدم دمشق سنة اثنتين وخمس مئة. وحدث عن أبي الخطاب نصر بن أحمد القارئ إلى أبي رزين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت، والرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". قال: وأحسبه قال: لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي. سئل القاسم الوقاياتي عن مولده فقال: سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة ببغداد. عثمان بن عمارة بن خريم الناعم ابن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة بن مرة المري، أخو أبي الهيذام. من أهل دمشق، ولاه الرشيد سجستان، وحبس وطولب بالمال. روى الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة عن أشياخهم من بني مرة قال: رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلي تيماء والشراة في طلب بغية له، فإذا هو بخيمة رفعت له، وقد أصابه مطر، فعدل إليها فتنحنح، فكلمته امرأة، فقالت له: انزل. وراحت إبلهم وغنمهم، فإذا أمر عظيم ورعاء كثير، أي لبعض العبيد سلوا هذا الرجل من أين أقبل؟ فقلت من ناحية اليمامة ونجد، فقالت: بلاد نجد وطئت؟ قلت: كلها. فقالت: بمن نزلت هناك؟ قلت: ببني عامر. فتنفست الصعداء وقالت: بأي بني عامر؟ فقلت: ببني الحريش. فاستعبرت، ثم قالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له: قيس ويلقب بالمجنون؟ فقلت: إي والله، ونزلت بأبيه ورأيته يهيم في تلك الفيافي، ويكون مع الوحش، لا يعقل ولا يفهم، إلا أن تذكر له ليلى، فيبكي وينشد أشعاراً

يقول فيها. قالت: فرفعت الستر بيني وبينها فإذا شقة قمر، لم تر عيني مثلها، فبكت وانتحبت حتى ظننت أن قلبها قد انصدع، فقلت لها: اتقي الله فما قلت بأساً، فمكثت طويلاً على تلك الحال من البكاء والنحيب، ثم قالت: من الطويل: ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رحل قيس مستقل فراجع بنفسي من لا يستقل برحله ... ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع ثم بكت حتى غشي عليها، فلما أفاقت فلت: من أنت؟ قالت: أنا ليلى المشؤومة عليه غير المساعدة، فما رأيت مثل حزنها عليه ووجدها به. لما طولب عثمان بن خريم أخو أبي الهيذام بخمسة آلاف درهم، وكان على سجستان أيام الرشيد، وحبس قال: من الطويل: أغثني أمير المؤمنين بنظرة ... تزول بها عني المخافة والأزل ففضلك أرجو ل البراءة إنه ... أبى الله إلا أن يكون لك الفضل وإلا أكن أهلاً لما أنت أهله ... فأنت أمير المؤمنين له أهل قال عبد ال بن المعتز: دخل عدة من أهل الشام على المنصور حين عفا عنهم في اجلائهم مع عبد الله بن علي، فقال عثمان بن خريم: يا أمير المؤمنين، لقد أعطيت فشكرت، وابتليت فصبرت، وقدرت فغفرت. قال محمد بن يزيد المبرد: قال أبو يعقوب الخريمي يرثي عثمان بن خريم: من الطويل: جزى الله عثمان الخريمي خير ما ... جزى صاحباً جزل المواهب مفضلا أخاً كان إن أقبلت بالود زادني ... صفاءً وإن أدبرت حن وأقبلا أخاً لم يخني في الحياة ولم أبت ... تخوفني الأعداء منه التنقلا

عثمان بن عمرو بن عبد الرحمن

كفى جفوة الإخوان طول حياته ... وأورث مما كان أعطى وخولا مضى سلفاً قبلي وخلفت بعده ... أسيراً لأهوال الرجال مكبلا عثمان بن عمرو بن عبد الرحمن ابن الربيع أبو عمرو البغدادي الفقيه الشافعي ابن أخي النجاد. حدث الحافظ بسنده أخبرني فلان وجدي قال: حدثني فلان، وجدي إلى عثمان بن عمرو وجدي بسنده إلى عائشة وجدي قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النظر إلى وجه علي عبادة ". كل رواة هذا الحديث يقول: حدثني فلان وجدي. عثمان بن عمر بن موسى ابن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب القرشي التيمي المعمري. بفتح الميمين وتسكين العين المهملة منسوب إلى عبد الله بن معمر. أصله من المدينة وقدم دمشق بعد قتل أبيه، قدم به عمر بن موسى على عبد الملك بن مروان وهو صغير فرده إلى المدينة، وولي قضاء المدينة لمروان بن محمد ثم قضى للمنصور بالعراق. حدث عثمان بن عمر عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن صفية بنت حيي زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنها جاءت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب، فقام معها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد الذي كان عند مسكن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بهما رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نفذا، فقال لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلكما إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله! وكبر عليهما ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً. قال عثمان بن عمر التيمي: رأيت في المنام كأن عاتكة ابنة عبد الله بن يزيد بن معاوية ناشرة شعرها، وهي واقفة على مرقاتين من منبر دمشق، وهي تنشد بيتين من شعر الأحوص: من الكامل: أين الشباب وعيشنا اللذ الذي ... كنا به زمناً نسر ونجذل ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزناً يعل به الفؤاد وينهل قال عثمان: فلم يكن بين ذلك وبين الحادثة على مروان وعلى بني أمية إلا أقل من شهرين. ولما ظفر عبد الله بن علي ببني أمية واستباح حريمهم وقتل الصغير منهم والكبير أنشأ يقول: من الكامل: حسبت أمية أن سترضى هاشم ... عنها ويذهب زيدها وحسينها كلا ورب محمد وإلهه ... حتى يذل كفورها وخؤونها

عثمان بن عمرو أو عمر أبو محمد

وقال الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قي قتل مروان بن محمد وزوال ملك بني أمية: من الطويل: وإني لأغضي عن أمور كثيرة ... ولولا الذي أرجو من الأمر لم أغضي وإني لرهن إن بقيت لسورة ... أبير بها قوماً هم أذهبوا غمضي وهم فرقوا الإسلام تسعين حجة ... وما منهم في الدين لله من مرضي عثمان بن عمرو أو عمر أبو محمد أو أبو عمرو. حدث عن عبد السلام بن نهشل الخراساني عن خارجة بن مصعب عن أبيه قال: وكان من أصحاب علي عليه السلام قال: نزلنا مع علي بصفين فأصابتنا براغيث من الليل فتهجدنا، فلما أصبحنا غدونا إلى علي فقلنا: يا أمير المؤمنين، فعل الله بالبراغيث كذا وكذا، نشتمها ونسبها، أصابتنا البارحة فلم ننم فتهجدنا. فقال علي: لا تسبوا البراغيث: لولاها ما تهجدتم. وبه قال: كنا مع علي بصفين فأصابتنا مجاعة، فخرجنا في الطلب، نطلب الطعام، فإذا نحن ببغل عليه جوالقان، فضربناه بأسيافنا فإذا بالورق فلم نلتفت إليها، ومضينا، فنظرنا فإذا نحن بحمار عليه جوالقان، فضربناه بأسيافنا، فإذا الزاد السويق، فأخذنا فأكلنا. قال خارجة: لم يغنموا مالاً، ولم يروا بالزاد والطعام بأساً. عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أخي معاوية، وابن أخت ابن الزبير. لما حضرت معاوية بن يزيد الوفاة قيل له: اعهد. فقال: لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها. فلما مات دعت بنو أمية عثمان بن عنبسة إلى أن يبايعوا له بالخلافة فأبى

وقال: أنا ألحق بخالي يريد عبد الله بن الزبير فقال له مروان بن الحكم: إنها ليست بساعة خال، عمك لا خالك. ولما ووري معاوية بن يزيد في قبره قال مروان بن الحكم متمثلاً على قبره. من البسيط: إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وعثمان بن عنبسة هو الذي صلى على معاوية بن يزيد، ولما انتقل عثمان بن عنبسة إلى مكة ولحق بخاله عبد الله بن الزبير لقي منه جفاء، وتوفي عنده فحمله ابنه إلى الطائف، ودفنه عند قبر أبيه. قال عبد الله بن همام السلوي في عثمان بن عنبسة من أبيات. من الوافر: عمدت بمدحتي عثمان إني ... إذا أثنيت أعمد للخيار وعثمان بن عنبسة بن صخر ... إليه ينتهي كرم النجار فقد هزت قناتك في قريش ... عروق المجد والحسب النضار ورثت هدى الحواريين منهم ... وعز العنبسي وذا الخمار تبذ الناس مكرمة إذا ما ... فخرت ومن كمثلك في الفخار وكان عبد الله بن همام هرب من عبيد الله بن زياد، فاستجار بعثمان بن عنبسة حتى ينجز له كتاباً من يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بالعفو عنه. قال الأبيوردي: وعنى بهدى الحواريين: الزبير بن العوام، وهو جده من قبل أمه، وبالعنبسي: حرب بن أمية، كان أعز أهل الوادي، وبذي الخمار: أبا أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان يدعى ذا العصابة، وذا التاج، فأجاءته القافية إلى ذكر الخمار.

عثمان بن القاسم بن معروف

عثمان بن القاسم بن معروف أبو الحسين بن أبي نصر. والد أبي محمد. حدث عن أبي عبد الله محمد بن المعافى بن أحمد بن محمد بن بشير بن أبي كريمة الصيداوي بسنده إلى سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي ". توفي أبو الحسين عثمان بن القاسم سنة ست وخمسين وثلاث مئة، وكان أمير جيوش الغزاة من دمشق. عثمان بن قيس حدث عن واثلة بن الأسقع قال: شهدنا مع واثلة جنازة في مقابر باب صغير، فحضرت الصلاة، فخرج واثلة من المقابر وأتى كشل النهر، فصلى بنا ونحن خلفه رجل خلف رجل. عثمان بن محمد بن إبراهيم بن رستم أبو عمر الماذرائي المعروف بابن الأطروش حدث عن أبي محمد جعفر بن أحمد بن عاصم بدمشق بسنده إلى عمر بن عبد العزيز قال: أفضل القصد بعد الجدة، وأفضل العفة بعد المقدرة.

عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد

عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد ابن عبد الملك بن سليمان بن عبد الملك بن عنبسة بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عمرو العثماني البصري دخل دمشق وحدث بها وبغيرها، ومولده بالبصرة. حدث عن محمد بن الحسين بن مكرم بسنده إلى أم الدرداء عن أبي الدرداء قالت: قلت له: ما يمنعك أن تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أمامكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون. فأنا أريد أن أتخفف لتلك العقبة. وحدث عن أمية بن محمد الباهلي بسنده إلى عثمان بن القاسم قال: خرجت أم أيمن مهاجرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة، وهي ماشية ليس معها زاد، وهي صائمة في يوم شديد الحر، فأصابها عطش شديد حتى كادت أن تموت من شدة العطش، وقال: وهي بالروحاء أو قريباً منها، فلما غابت الشمس قالت: إذا أنا بحفيف شيء فوق رأسي فإذا أنا بدلو من السماء مدلى برشاء أبيض، قالت: فدنا مني حتى إذا كان حيث أستمكن منه تناوله فشربت منه حتى رويت. قالت: فلقد كنت بعد ذلك اليوم الحار أطوف في الشمس كي أعطش وما عطشت بعدها. وحدث عن محمد بن عبد السلام بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ".

عثمان بن محمد بن علي علان

عثمان بن محمد بن علي علان بن أحمد ابن جعفر أبو الحسين البغدادي الذهبي سكن مصر وحدث بها وبدمشق. روى عن محمد بن إسماعيل بن يوسف بسنده إلى أنس بن مالك قال: ركب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرساً فصرع عنه، فجحش شقة الأيمن، فصلى لنا قاعداً. وأنشد أبو الحسين عثمان بن محمد عن الحارث بن أبي أسامة التميمي بسنده إلى أبي يعلى الكوفي، قال: أنشدنا بعض أصحابنا من المنسرح: الملك والعز والمروءة والسؤدد والنبل واليسار معا مجتمعات في طاعة الله لل ... عبد إذا العبد أعمل الورعا والفقر والذل والضراعة وال ... فاقة في أصل أذن من طمعا وآثر الفاني الخسيس من الد ... نيا وأمسى لأهلها تبعا توفي سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة. وقيل: توفي نحو سنة أربعين وثلاث مئة. عثمان بن مردان أبو القاسم النهاوندي الصوفي: من سياحيهم. قال قيس بن عبد العزيز: ورد علي أبو القاسم بن مردان صاحب أبي سعيد الخراز، فاجتمع عليه جماعة من الصوفية ومعهم قوال، فاستأذنوه أن يقول، فأذن لهم، فكان يقول قصيدة فيها هذا البيت. من مجزوء الرمل:

واقف في الماء عطشا ... ن ولكن ليس يسقى فما بقي في القوم أحد إلا تواجد إلا ابن مردان لم يتحرك، فلما جلسوا سألهم عن معنى ما وقع لهم في هذا البيت، فكان يجيبه كل أحد منا بجواب لا يقنعه ذلك، فسألناه عن ذلك فقال: أن يكون في حالة ويكون ممنوعاً عن التمتع بحاله، ولا ينقل إلى حالة فوق حاله، هذا معناه، والله أعلم. قال ابن مردان: سمعت الجنيد يقول: جئت إلى أبي الحسن السري يوماً فدققت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت: جنيد. فقال: ادخل. فدخلت، فإذا هو قاعد مستوفز، وكان معي أربعة دراهم، فدفعتها إليه فقال لي: أبشر فإنك تفلح، فإني احتجت إلى هذه الأربعة دراهم، فقلت: اللهم ابعث إلي على يدي من يفلح عندك. قال أبو القاسم النهاوندي: صحبت أبا سعيد الخراز فقال أبو سعيد: كل وجد يطهر على الجوارح الظاهرة وفي النفس أدنى حمولة فهو مذموم، وكل وجد يظهر تضعف النفس عن حمله فذاك محمود. قال أبو القاسم بن مردان: سمعت أبا بكر الزقاق يقول: أخذ علي في ابتداء أمري مباينة والدي لأنه كان صيرفياً، فقالت لي نفسي: اخرج إلى جبل اللكام، فأقمت فيه عشر سنين، ثم أثر علي بعد ذلك الفاقة، فطالبتني نفسي بالرجوع إلى الوطن، فقالت لي: تأكل خبزك في بيتك، وتعبد ربك، فخرجت متوجهاً نحو العراق حتى وصلت مفرق الطريقين: طريق إلى الحجاز وطريق إلى العراق، فرأيت محراباً وعين ماء، فتطهرت للصلاة وصليت ركعتي الاستخارة، فسمعت هاتفاً يهتف بي وهو يقول: يا أبا بكر الزقاق: من الرجز:

عثمان بن المنذر الثقفي الدمشقي

ما لك قد أحزنك الفقر ... وقد جمعت الهم في الصدر إن الذي أحسن فيما مضى ... يحسن في الباقي من العمر عثمان بن معبد بن نوح البغدادي المقرئ سمع بدمشق وبمصر وبغيرهما. حدث عن إسحاق بن محمد الفروي بسنده إلى سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما بين قبري " وفي رواية: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة. وحدث عن الحجاج بن إبراهيم الأزرق بسنده إلى ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربع مئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا يهزم اثنا عشر ألفاً من قلة إذا صبروا وصدقوا. وحدث عن أبي بكر بن شيبة بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": لو أن المؤمن في حجر لقيض الله له من يؤذيه ". توفي عثمان بن معبد سنة إحدى وستين ومئتين. عثمان بن المنذر الثقفي الدمشقي حدث عن القاسم بن محمد الثقفي عن معاوية: أنه أراهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه، ثم مر بهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي منه بدأ.

عثمان التنوخي والد أبي الجماهر

عثمان التنوخي والد أبي الجماهر قال: أصاب الناس بإرمينية جهد شديد حتى أكلوا البعر، فأمطروا بنادق فيها حب قمح. عجلان بن سهيل ويقال: سهل. بن العجلان بن سهيل بن كعب بن عامر بن عمير بن رياح الباهلي من أهل قنسرين. خرج مع قرة بن شريك أمير مصر من دمشق إلى مصر. حدث العجلان بن سهيل عن أبي أمامة قال: نزلت هذه الآية في أصحاب الخيل " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية " فيمن لم يربطها لخيلاء ولا لضمار. وحدث عنه أيضاً، قال في قوله عز وجل: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية " قال: النفقة على الخيل في سبيل الله. وحدث عنه قال: من ارتبط فرساً في سبيل الله، لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار " الآية. ضعفة قوم.

عجير بن عبد الله بن عبيدة

عجير بن عبد الله بن عبيدة ويقال: عبيدة بن كعب بن عابسة، ويقال: عائشة بن ربيع ابن ضبيط بن جابر، ويقال: العجير بن عبد الله بن كعب بن عبيدة ابن جابر بن عمرو بن سلول أبو الفرزدق السلولي الشاعر وفد على عبد الملك بن مروان. في الطبقة الخامسة من الشعراء الإسلاميين، كنيته أبو الفرزدق. قال أبو الغراف: كان العجير دل عبد الملك بن مروان على ماء يقال له: مطلوب، لناس من خثعم، وأنشأ يقول: لا نوم إلا غرار العين ساهرة ... إن لم أروع بغيظ أهل مطلوب إن تشتموني فقد بدلت أيكتكم ... زرق الدجاج بحفان اليعاقيب وكنت أخبركم أن سوف يعمرها ... بنو أمية وعداً غير مكذوب فركب رجل من خثعم يقال له أمية، حتى دخل عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين، إنما أراد العجير أن يصل إليك، وإنما هو شويعر سأل. وحربه

عليه، فكتب عبد الملك إلى عامله على المدينة أن يشد يدي العجير إلى عنقه، ثم يبعث به في الحديد، فبلغ العجير الخبر، فركب في الليل حتى أتى عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين، أنا عندك فاحتبسني وابعث من يبصر الأرضين والضياع، فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل. فبعث، فاتخذ ذلك الماء، وهو اليوم من خيار ضياع بني أمية. قال عبد الله بن العباس بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وذكر عبد الملك الماجشون فأحسن ذكره، فقيل له: هو كما قال العجير السلولي: من الطويل إذا جد حين الجد أرضاك جده ... وذو باطل إن شئت أرضاك باطله يسرك مظلوماً ويرضيك ظالماً ... وكل الذي حملته فهو حامله مر العجير بفتيان من قومه يشربون نبيذاً لهم، فدعوه إليه فأجابهم وشرب، قال: فقرم إلى اللحم، فقال: أطعمونا لحماً. فقالوا: تروح الشاء والإبل ونذبح. فقال لفتى منهم: قم فخذ بزمام بعيري هذا وكان نجيباً يمانياً ليس في البلاد مثله قال: واستل الخنجر من حجزتة فضرب به لبته، قال: فقام القوم إليه فقالوا: ما صنعت؟ فقال أطعمونا لحماً، فجعل القوم يأكلون من كبده وسنامه والعجير يقول: من الرمل عللاني إنما الدنيا علل ... واتركاني من ملام وعذل

عدنان بن أحمد بن طولون

وانشلا ما اغبر من قدريكما ... واسقياني أبعد الله الجمل فيقال. والله أعلم: إن عشيرته صبحته بألف بعير حين بلغهم هذا الحديث. عدنان بن أحمد بن طولون أبو معد بن الأمير، وأخو الأمير مصري، قدم دمشق وحدث بها وبمصر. حدث عن بكر بن سهل الدمياطي بسنده إلى مسلمة بن مخلد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أعروا النساء يلزمن الحجال. ولد أبو معد بمصر، وتوفي في المحرم سنة خمس وعشرين وثلاث مئة. عدي بن أحمد بن عبد الباقي ابن يحيى بن يزيد بن إبراهيم بن عبد الله أبو عمير الأذني قدم دمشق سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة على أبي بكر الإخشيد في مفاداة أسرى المسلمين بأسارى الروم. حدث بأنطاكية عن يوسف بن يعقوب القاضي بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. وكان إذا كانت ليلة الجمعة قال: هذه ليلة غراء، ويوم الجمعة يوم أزهر. توفي أبو عمير سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة.

عدي بن أرطأة بن جداية بن لوذان

عدي بن أرطأة بن جداية بن لوذان الفزاري. ويقال: من بني خزامة بن لوذان ابن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان. من أهل دمشق. استعمله عمر بن عبد العزيز على البصرة. حدث بريد بن أبي مريم عن عدي بن أرطأة عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رمى بسهم في سبيل الله بلغ أو قصر فهو عدل محرر، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً ما لم يغيرها. قال بريد: فما غيرت بعد. قال عباد بن منصور: سمعت عدي بن أرطأة يخطب على منبر المدائن فجعل يعظنا حتى بكى وأبكانا، ثم قال: كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه: بني، أوصيك ألا تصلي صلاة إلا ظننت أنك لا تصلي بعدها غيرها حتى تموت، وتعال بني حتى نعمل عمل رجلين كأنهما قد أوقفا على النار ثم سألا الكرة، ولقد سمعت فلاناً نسي عباد اسمه ما بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته، ما منهم ملك تقطر دمعة من عينه إلا وقعت ملكاً يسبح، قال: وملائكة سجوداً منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة وركوعاً لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة، وصفوفاً لم ينصرفوا عن مصافهم، ولا ينصرفون إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم، فنظروا إليه وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وفي رواية: سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أما بعد، فإياك أن تدركك الصرعة

عند الغرة، فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة، ولا يعذرك من تقدم عليه، ولا يحمدك من خلفت لما تركت له، والسلام. قال أبو بشر بن لاحق: سمعت عدي بن أرطأة يخطب بعد انقضاء شهر رمضان يقول: كأن كبداً لم تظمأ، وكأن عيناً لم تسهر، فقد ذهب الظمأ وبقي الأجر، فياليت شعري! من المقبول منا فهنئته، ومن المردود منا فنعزيه. فأما أنت أيها المقبول فهنيئاً هنيئاً وأما أنت أيها المردود فجبر الله مصيبتك ثم يبكي ويبكي. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة: أما بعد، فإنه من ابتلي بالسلطان فقد ابتلي بأمر عظيم، وأي بلاء أعظم من بلاء يبسط المرء فيه لسانه ويده، أو يتكلم بأمر وهو يعلم أنه لله سخط، فاتق الله يا عدي، وحاسب نفسك قبل يوم القيامة، واذكر ليلة تمخض فيها الساعة، صباحها يوم القيامة، تكور فيها الشمس، وتتناثر فيها النجوم، وتفترق فيها الخلائق زمراً، فريق في الجنة وفريق في السعير، فانظر أين عقلك عند ذلك، والسلام. رأى عدي بن أرطأة في المنام وهو أمير البصرة كأنه يحتلب بختية، فاحتلب لبناً، ثم احتلب دماً، فكتب رؤياه في صحيفة وبعث بها إلى ابن سيرين وقال لرسوله: لا تعلمه أني رأيت هذه الرؤيا. فجاء الرجل إلى ابن سيرين وقال: رأيت في المنام كذا وكذا. فقال ابن سيرين: هذه الرؤيا لم ترها أنت، رآها عدي بن أرطأة، فانطلق الرجل إلى عدي بن أرطأة، فأخبره بذلك، فأرسل إليه، فأتاه فقال: أما البختية فهؤلاء قوم من العجم، والحلب جباية، واللبن حلال، جبيتهم حلالاً، ثم تعديت فجبيتهم حراماً الدم، تجاوزت ما أحل الله لك إلى ما حرم عليك، فاتق الله وأمسك. كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: إن الناس قد أصابوا من الخير خيراً

حتى كادوا أن يبصروا. فكتب إليه عمر: إن الله حيث أدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، رضي من أهل الجنة أن قالوا: الحمد لله، فمر من قبلك أن يحمدوا الله. كتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز: إنعندنا قوماً قد أكلوا من مال الله، وإنا لا نقدر أن نستخرج ما عندهم حتى نمسهم بشيء من العذاب. فكتب إليه عمر: إنما أنت ربذة من الربد، فوالله لأن يلقوا الله بخيانتهم أحب إلي من أن ألقى الله بدمائهم، فافعل بهم ما يفعل بغريم السوء. سئل ابن الأعرابي عن الربذة؟ فقال: هي خرقة أو صوفة يهنأ بها البعير. وقال الأصمعي: الربذة أيضاً صوفة تعلق على الهودج، وهي أيضاً خرقة الحيض، وفيها لغة أخرى: ربذة، وهي الصوفة أو الخرقة يهنأ بها البعير أو يدهن بها السقاء، والذي أراد عمر إن كان لم يذهب مذهب الذم لعدي: أنك إنما نصبت لتداوي وتشفي كما تشفي الربذة الناقة الدبرة، أو لأن يصلح بك كما يصلح بالربذة السقاء المدهون، وإن كان أراد الذم فذلك ما لا يحتاج له إلى تفسير. وكتب إليه أيضاً: غرني منك صلاتك ومجالستك القراء وعمامتك السوداء، ثم وجدناك على خلاف ما أملناك، قاتلكم الله أما تمشون بين القبور!؟ كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله عدي بن أرطأة: أما بعد، فإن الدنيا عدوة أولياء الله وعدوة أعداء الله، أما أولياء الله فغمتهم، وأما أعداء الله فغرتهم. قال عدي بن أرطأة لبكر بن عبد الله المزني: يا أبا عبد الله، أفي حق الله، ما يصنع هذا الرجل يعني عمر بن عبد العزيز يرد أعمال الخلفاء قبله ويسميها المظالم؟.

عدي بن حاتم الجواد بن عبد الله

قال المغيرة: شهدت دار الإمارة بواسط يوم جاء قتل يزيد بن المهلب، ومعاوية بن يزيد قاعد، فأتي بعدي بن أرطأة وابنه محمد بن عدي، ومالك وعبد الملك ابني مسمع، والقاسم بن مسلم، وعبد الله بن عمرو النصري فضرب أعناقهم. عدي بن حاتم الجواد بن عبد الله ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي أبو طريف الطائي. ويقال: أبو وهب. له صحبة، وقدم الشام قبل إسلامه، ثم قدم مع خالد بن الوليد في الفتوح إلى سوى، ووجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر رضي الله عنه، ثم سكن الكوفة. حدث عدي بن حاتم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ". وحدث عدي بن حاتم طيئ قال: لما نزلت الآية " فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود " قال: عمدت إلى عقالين أبيض وأسود، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أقوم من الليل فلا أستبين الأسود من الأبيض، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فضحك وقال: إن كان وسادك إذاً لعريض، إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل. شهد أبو طريف الجمل وصفين، ومات في الكوفة سنة ثمان وستين زمن المختار، وهو ابن عشرين ومئة سنة.

قالوا: وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدي بن حاتم على صدقات قومه، يعني عامل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من طيئ، واسم طيئ جلهمة، وسمي طيئاً لأنه أول من طوى المنازل، وقيل: أول من طوى بئراً. وكان حاتم من أجود العرب، وكنيته أبو سفانة. وأصيبت عينه يوم الجمل، وقيل توفي بقرقيسياء سنة سبع وستين زمن المختار، وكان سخياً جواداً، أسلم حين كفر الناس، ووفى إذ غدروا، وأقبل إذ أدبروا. وكان عدي نصرانياً، فلما بلغه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أصحابه إلى جبل طيئ، حمل أهله إلى الجزيرة فأنزلهم بها، وأدرك المسلمون أخته في حاضر طيئ فأخذوها وقدموا بها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمكثت عنده، ثم أسلمت، وسألته أن يأذن لها في المصير إلى أخيها عدي ففعل، وأعطاها قطعةً عليه قصتها، فقدم عدي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزع وسادةً كانت تحته فألقاها له حتى جلس عليها، وسأله عن أشياء فأجابه عنها، ثم أسلم وحسن إسلامه، ورجع إلى بلاد قومه، فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب ثبت عدي وقومه على الإسلام، وجاء بصدقاتهم إلى أبي بكر، وحضر فتح المدائن، وشهد مع علي صفين والنهروان. قال أبو عبيدة بن حذيفة: كنت أسأل عن عدي بن حاتم وهو إلى جنبي بالكوفة، فلقيته فقلت: ما حديث بلغني عنك؟ قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعث وأنا أشد الناس له كراهية، فلحقت بأقصى الشام مما يلي بلاد الروم، فكنت أنا بمكاني الذي به أشد كراهية لذلك من الأمر الأول، فقلت: والله لآتين هذا الرجل فإن كان صادقاً لا يضرني، وإن كان كاذباً لا يخفى علي. قال: فأقبلت حين قدمت المدينة، فاستشرفني الناس وقالوا: عدي بن حاتم، عدي بن

حاتم، فأتيته فقال: يا عدي بن حاتم، أنا الهارب من الله ورسوله؟! يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم. قلت: إن لي ديناً. قال: أنا أعلم بدينك منك. قلت: أنت أعلم بديني مني؟! قال: نعم، ألست ركوسياً؟ أولست رئيس قومك؟ أولست تأخذ المرباع؟ فإن ذلك لا يحل لك في دينك. قال: فأخذتني لذلك خصاصة، قال: إنه لا يمنعك أن تسلم إلا أنك ترى بمن حولنا خصاصة، وترى الناس علينا إلباً واحداً. ثم قال: هل أتيت الحيرة حتى تأتي البيت بغير جوار، وأوشك أن يخرج علينا كنوز كسرى. قلت: سرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من ماله فلا يجد من يقبلها. قال عدي: فقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تأتي البيت بغير جوار، وكنت في أول خيل غارت على كنوز كسرى، وأيم الله لتكونن الثالثة، إن قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحق. وعن عامر الشعبي قال: قدم عدي بن حاتم الكوفة، فأتيته في أناس من أهل الكوفة فقلت له: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: بعث رسول الله بالنبوة فلا أعلم أحداً من العرب كان أشد له بغضاً ولا أشد له كراهيةً مني حتى لحقت بالروم فتنصرت فيهم، فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة وما قد اجتمع الناس إليه ارتحلت أتيته، فوقفت عليه وعنده صهيب وبلال وسلمان، فقال: يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم.

فقلت: إخ إخ، فأنخت، فجلست، فألزمت ركبتي بركبته فقلت: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، يا عدي بن حاتم، لا تقوم الساعة حتى تفتح خزائن كسرى وقيصر، يا عدي بن حاتم، لا تقوم الساعة تأتي الظعينة من الحيرة ولم يكن يومئذ كوفة حتى تطوف بهذه الكعبة بغير خفير، يا عدي بن حاتم، لا تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال فيطوف به فلا يجد يقلبه، فيضرب به الأرض فيقول: ليتك لم تكن، ليتك كنت تراباً. قال الحسن بن عبد الله العسكري: وأما حديث عدي بن حاتم حين قال له النبي صلى اله عليه وسلم: " ما يفرك أن يقال: لا إله إلا الله " فيفتح الياء من يفرك، وهو خطأ. وقال أبو عبيد: روى بعض المحدثين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعدي: " ما يفرك " فيفتح الياء ويضم الفاء، وهذا تصحيف وقلب للمعنى. والصواب: " يفرك " بضم الياء، يقال: أفررت الرجل: إذا فعلت به ما يفر منه. وعن عدي بن حاتم قال: لما دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقى إليه وسادة، فجلس على الأرض، فقال: أشهد أني لا أبتغي علوا في الأرض لا فساداً. قال: فأسلم، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه ".

قال عدي بن حاتم: ما دخلت علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط إلا توسع لي أو قال: تحرك لي قال: فدخلت عليه ذات يوم وهو يوم في بيت مملوء من أصحابه، فلما رآني توسع لي حتى جلست إلى جانبه. وفي رواية: فلما رآني تحرك لي. ومن حديث: أن عدياً حين قدم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشام وأسلم قال: الصدقة يا عدي. فقال: ليست لنا سائمة إنما هي ركاب نركبها وأفراس نلجمها إن ألجم علينا. فقال: لابد من الصدقة. قال: نعم. فلما أجمع على الرجوع وقد ولاه على طائفة من طيئ، فسأله ظهراً. فبعث إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتذر إليه أن لم يجد عنده حاجته، وقال: لكن ترجع ويفعل الله خيراً. فأتى عدي قومه فدعاهم فصدقهم، فقبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي في يده، فوفى وأقبل بها إذا كان بالغمر ماء لبني أسد عليه جمع، ناداه رجل من بني أسد أشهد أن الصريح تحت الرغوة، وإن أبا الفضل لكاذب، يا بن حاتم فارجع فاقسم هذه الإبل بين قومك فتكون سيد الحيين ما بقيت. فقال عدي: إن يكن محمد قد مات فإن الذي أسلمت له حي لم يمت. فساق الصدقة، فلما دنا من المدينة لقيته خيل لأبي بكر عليها عبد الله بن مسعود، فابتدروه فأخذوه وقالوا: أين الفوارس التي كانت معك؟ قال: ما كان معي فوارس. قالوا: بلى. فقال ابن مسعود: خلوا عنه، فما كذب ولا كذبتم، أعوان الله ولم يرهم. فكانت ثالثة ثلاث صدقات أو ثانية صدقتين قدمتا على أبي بكر بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعطى منه عدياً ثلاثين بعيراً. ومن حديث آخر: قدم عليه بثلاث مئة بعير وقال: إن عدياً لما أسلم وأراد أن يرجع إلى بلاده بعث

إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعذر من الزاد ويقول: والله ما أصبح عند آل محمد سفة من طعام، ولكنك ترجع ويكون خير. فلما قدم على أبي بكر أعطاه ثلاثين فريضة، فقال عدي: يا خليفة رسول الله، أنت اليوم أحوج وأنا عنها غني. فقال أبو بكر: خذها فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعذر إليك ويقول: ترجع ويكون خير. فقد رجعت وجاء الله بخير، فأنا منفذ ما وعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته. فأنفذها، فقال عدي: آخذها الآن فهي عطية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو بكر فذاك. قالوا: وكانت تلك الصدقات مما جهز أبو بكر بها من نهض لقتال أهل الردة. قالوا: وكان عدي بن حاتم أحزم رأياً وأفضل في الإسلام رغبة ممن كان فرق الصدقة في قومه، فقال لقومه: لا تعجلوا، فإنه إن يقم لهذا الأمر قائم ألفاكم ولم تفرقوا الصدقة، وإن كان الذي تظنون، فلعمري إن أموالكم بأيديكم لا يغلبكم عليها أحد، فسكتهم بذلك وأمر ابنه أن يسرح نعم الصدقة، فإذا كان المساء روحها، وإنه جاء بها ليلة عشاء فضربه، وقال: ألا عجلت بها، ثم أراحها الليلة الثانية فوق ذلك قليلاً، فجعل يضربه ويكلمونه فيه، فلما كان اليوم الثالث قال: يا بني، إذا سرحتها فصح في أدبارها وأم بها المدينة، فإن لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل: أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا، فلما جاء الوقت الذي كان يروح فيه لم يأت الغلام، فجعل أبوه يتوقعه ويقول لأصحابه، العجب لحبس ابني! فيقول بعضهم: نخرج يا أبا طريف فنبتعثه؟ فيقول: لا والله، فلما أصبح تهيأ ليغدو، فقال قومه: نغدو معك؟ فقال: لا يغدون معي منكم أحد، إنكم إن رأيتموه حلتم بيني وبين أن أضربه وقد عصى أمري كما ترون، أقول له: تروح الإبل بسفر، فليلة

يأتي بها عتمة وليلة يعزب بها! فخرج على بعير له سريعاً حتى لحق ابنه ثم حدر النعم إلى المدينة، فلما كان ببطن قناة، لقيته خيل لأبي بكر الصديق عليها عبد الله بن مسعود، ويقال: محمد بن مسلمة وهو أثبت فلما نظروا إليه ابتدروه فأخذوه وما كان معه، وقالوا له: أين الفوارس الذين كانوا معك؟ فقال: ما معي أحد. فقالوا: بلى لقد كان معك فوارس. الحديث وسار عدي بن حاتم مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة، وقد انضم إلى عدي من طيئ ألف رجل، وكانت جديلة معرضة عن الإسلام، وهم بطن من طيئ، وكان عدي من الغوث، فلما همت جديلة أن ترتد ونزلت ناحية، جاءهم مكنف بن زيد الخيل الطائي فقال: أتريدون أن تكون سبة على قومكم لم يرجع واحد من طيئ! وهذا أبو طريف معه ألف من طيئ، فكسرهم. فلما نزل خالد بن الوليد بزاخة قال لعدي: يا أبا طريف، ألا تسير إلى جديلة؟ فقال: يا أبا سليمان، لا تفعل أقاتل معك بيدين أحب إليك أم بيد واحدة؟ فقال خالد: بل بيدين. قال عدي: فإن جديلة إحدى يدي. فكف خالد عنهم، فجاءهم عدي فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا، فسار بهم إلى خالد، فلما رآهم خالد فزع منهم وظن أنهم أتوا لقتال، فصاح في أصحابه بالسلاح، فقيل له: إنما هي جديلة أتت تقاتل معك. فجاءهم خالد فرحب بهم، واعتذروا إليه من اعتزلهم، وقالوا: نحن لك بحيث أحببت. فجزاهم خيراً فلم يرتدد من طيئ رجل واحد، فسار خالد على بغيته، فقال عدي: اجعل قومي مقدمة أصحابك. فقال: أبا طريف، إن الأمر قد اقترب ولحم، وأنا أخاف إن تقدم قومك ولحمهم القتال انكشفوا فانكشف من معنا، ولكن دعني أقدم قوماً صبراً لهم سوابق وثبات. فقال عدي: فالرأي رأيت. فقدم المهاجرين والأنصار.

قال الشعبي: استأذن عدي على عمر فقال له: تعرفني؟ قال عمر: نعم، فحباك الله أحسن المعرفة، أسلمت إذ كفروا، ووفيت إذ غدروا، وأعطيت إذ منعوا. وفي حديث آخر: وأقبلت إذ أدبروا. فقال: حسبي يا أمير المؤمنين حسبي. وعن عدي بن حاتم قال: أتيت عمر بن الخطاب في أناس من قومي، فجعل يفرض للرجل من طيئ في ألفين ويعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، ثم أتيته من حيال وجهه فأعرض عني، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتعرفني؟ قال: فضحك حتى استلقى لقفاه، ثم قال: نعم والله إني لأعرفك، آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقة طيئ، جئت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أخذ يعتذر ثم قال: إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة وهم سادة عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق. وعن نابل مولى عثمان بن عفان وحاجبه قال: جاء عدي بن حاتم إلى باب عثمان وأنا عله فنحيته عنه، فلما خرج عثمان إلى الظهر عرض له، فلما رآه عثمان رحب به وانبسط إليه، فقال عدي: انتهيت إلى بابك وقد غم آذنك الناس فحجبني عنك. فالتفت إلي عثمان فانتهرني وقال: لا تحجبه واجعله أول من تدخله، فلعمري إنا لنعرف له حقه وفضله، ورأي الخليفتين فيه وفي قومه، فقد جاءنا بالصدقة يسوقها والبلاد تضطرم كأنها شعل النار من أهل الردة، فحمده المسلمون على ما رأوا منه. وفي حديث ذكروه في استنقاذ عدي بن حاتم من ارتد من طيئ، فكان خير مولود ولد في طيئ، وأعظمه عليهم بركة. قال عدي بن حاتم: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء. وعنه قال: ما جاء وقت الصلاة قط إلا وقد أخذت لها أهبتها، وما جاءت إلا وأنا إليها بالأشواق.

أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير قدور حاتم، فملأها وحملتها الرجال إليه، فأرسل إليه الأشعث: إنما أردناها فارغة. فأرسل إليه عدي: إنا لا نعيرها فارغة. حدث من رأى عدي بن حاتم يفت الخبز للنمل ويقول: إنهن لجارات، ولهن حق. خطب عمرو بن حريث إلى عدي بن حاتم. فقال: لا أزوجك إلا على حكمي، فرجع عمرو وقال: امرأة من قريش على أربعة آلاف درهم أعجب إلي من امرأة من طيئ على حكم أبيها. فرجع، ثم أبت نفسه، فرجع إليه فقال: على حكمي؟ قال: نعم، فرجع عمرو بن حريث، فلم ينم ليلته مخافة أن يحكم عليه بما لا يطيق، فلما أصبح بعث إليه أن عرفني ما حكمت به علي؟ فأرسل إليه: إني حكمت بأربع مئة درهم وثمانين درهماً سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية: مهر عائشة. فبعث إليه بعشرة آلاف درهم وكسوة، فردها وفرق الثياب في جلسائه وقال: من الطويل: يرى ابن حريث أن همي ماله ... وما كنت موصوفاً بحب الدراهم وقالت قريش: لا تحكمه إنه ... على كل ما حال عدي بن حاتم فيذهب منك المال أول وهلة ... وحمامها والنخل ذات الكمائم فقلت: معاذ الله من ترك سنة ... جرت من رسول الله والله عاصمي وقلت: معاذ الله من سوء سنة ... تحدثها الركبان أهل المواسم أخذ رجل بلجام عدي بن حاتم فقال له: أتفخر بأبيك وهو جمر في النار؟ وتتفخر على قومك بأن تجلس على وطاء دونهم؟ وذكر أشياء تقصر به، وهو واقف لا يحرك بغلته، فقال له لما سكت: إن كان بقي عندك شيء تريد أن تذكره فافعل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لشيخهم لم يرضوا.

قال عدي بن حاتم: كان أبي يقول: ما بدأت أحداً بشر، ولا تذمرت على جار لي، ولا سألني أحد شيئاً فرددته. دخل قوم على عدي بن حاتم فقالوا له: أخبرنا عن السيد الشريف؟ قال: هو الأحمق في ماله، الذليل في عرضه، الطارح لحقده، المعنى بأمر عامته. قيل لعدي بن حاتم: أي الأشياء أثقل عليك؟ قال: تجربة الصديق، ومسلة اللئيم، ورد سائلي بلا نيل. قيل: فأي الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كره الإسلام، وإضاعة الأسرار، والثقة بكل أحد. قال عدي بن حاتم: لسان المرء ترجمان عقله. قال عدي بن حاتم: إن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى، وإن منكركم اليوم معروف زمان ما أتى، وإنكم لن تبرحوا بخير ما دمتم تعرفون ما كنتم تنكرون، ولا تنكرون ما كنتم تعرفون، وما دام عالمكم يتكلم بينكم غير مستخف. قال محمد بن سيرين: لما قتل عثمان قال عدي بن حاتم: لا ينتضح في قتلة عنزان، فلما كان يوم صفين فقئت عينه، فقيل له: لا ينتطح في قتل عثمان عنزان! قال: بلى، وتفقأ عيون كثيرة. هكذا ورد يوم صفين، وإنما فقئت عين عدي يوم الجمل، فإنه حضر الدار، فلما خرج

الناس يقولون: قتل عثمان، قال عدي: لا تحبق في فتله عناق حوليه. فلما كان يوم الجمل فقئت عينه، وقتل ابنه محمد مع علي، وقتل ابنه الآخر مع الخوارج، فقيل له: يا أبا طريف، هل حبقت في قتل عثمان عناق حوليه؟ فقال: بلى وربك، والتيس الأعظم. وكان يوم صفين من أصحاب علي على قضاعة وطيئ بن عدي بن حاتم الطائي. نظر علي بن أبي طالب إلى عدي بن حاتم كئيباً حزيناً، فقال: ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ فقال: وما يمنعني يا أمير المؤمنين! وقد قتل ابني وفقئت عيني؟ فقال: يا عدي، إنه من رضي بقضاء الله جزي عليه وكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جزي عليه وحبط عمله. حدث عيسى بن يونس عن أبيه عن جده قال: عندنا في الحي مأدبة، فرأيت فيها ثلاثة رجال عور، كأن وجوههم بيض النعام، لم أر صفحة وجوه أحسن منها، وهم: جرير بن عبد الله البجلي، والأشعث بن قيس الكندي، وعدي بن حاتم الطائي. استأذن عدي بن حاتم على معاوية وعنده عبد الله بن الزبير، فقال له عبد الله: بلغني يا أمير المؤمنين أن عند هذا الأعور جواباً، فلو شئت هجته. فقال: أما أنا فلا أفعل، ولكن دونكاه إن بدا لك. فلما دخل عدي قال له عبد الله بن الزبير: في أي يوم فقئت عينك يا أبا طريف؟ فقال له: في اليوم الذي قتل فيه أبوك، وكشف فيه استك، ولطم فيه علي قفاك، وأنت منهزم. يعني ابن الزبير. وزاد في آخر بمعناه: فضحك معاوية وقال له: ما فعلت الطرفات يا أبا طريف؟ قال: قتلوا، قال: ما أنصفك ابن أبي طالب إن قتل بنوك معه وبقي له بنوه. قال:

إن ذاك، لقد قتل وبقيت أنا من بعده. قال له معاوية: أليس زعمت أنه لا تحبق في قتل عثمان عنز؟ قال: قد والله حبق فيه التيس الأكبر. قال معاوية: إلا أنه قد بقي من دمه قطرة ولا بد من أن أتتبعها، قال عدي: لا أبا لك شم السيف، فإن سل السيف يسل السيف. فالتفت معاوية إلى حبيب بن مسلمة فقال: اجعلها في كنانتك فإنها حكمة. وعاش عدي بن حاتم مئة وثمانين سنة، فلما أسن استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم وقال: إني أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي عليه فضلاً، ولكني قد كبرت ورق عظمي فقالوا: انتظر. فلما أبطأوا عليه أنشأ عليه أنشأ يقول: من الوافر: أجيبوا يا بني ثعل بن عمرو ... ولا تكموا الجواب من الحياء فإني قد كبرت ورق عظمي ... وقل اللحم من بعد النقاء وأصبحت الغداة أريد شيئاً ... يقيني الأرض من برد الشتاء وطاء يا بني ثعل بن عمرو ... وليس لشيخكم غير الوطاء فإن ترضوا به فسرور راض ... وإن تأبوا فإني ذو إباء سأترك ما أردت لما أردتم ... وردك من عصاك من العناء لأني من مساءتكم بعيد ... كبعد الأرض من بعد السماء وإني لا أكون لغير قومي ... وليس الدلو إلا بالرشاء فأذنوا له أن يبسط في ناديهم، وطابت به أنفسهم، وقالوا: أنت شيخنا وسيدنا وما فينا أحد يكره ذلك ولا يدفعه. قال المغيرة: خرج عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة، فنزلوا

عدي بن ربيعة بن سواءة

قرقيسياء وقالوا: لا يقيم ببلد يشتم فيه عثمان، وقبورهم بقرقيسيا. عدي بن ربيعة بن سواءة ويقال: عدي بن سواءة بن جشم بن سعد. والد محمد التميمي السعدي، أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفد على ابن جفنة الغساني بالشام، وكان منزل ابن جفنة بأعمال دمشق. حدث خليفة بن عبدة المنقري قال: سألت محمد بن عدي بن سواءة بن جشم بن سعد: كيف سماك أبوك محمداً؟ قال: أما إني قد سألت كما سألتني عنه فقال: خرجت رابع أربعة من بني تميم، أنا أحدهم وسفيان بن مجاشع بن دارم، ويزيد بن عمرو بن ربيعة، وأسامة بن مالك بن جندب بن العنبر نريد ابن جفنة الغساني، فلما قدمت الشام نزلنا على غدير فيه شجيرات وقربه قائم لديراني، فأشرف علينا وقال: إن هذه للغة ما هي لأهل هذا البلد. قال: قلنا: نعم، نحن قوم من مضر، فقال: من أي المضريين أنتم؟ قلنا: من خندق. قال: أما إنه سيبعث وشيكاً نبي، فسارعوا إليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا، وإنه خاتم النبيين، واسمه محمد، فلما انصرفنا من عند ابن جفنة وصرنا إلى أهلنا ولد لكل رجل منا غلام فسميناه محمداً تأميلاً أن يكون ابنه ذاك النبي المبعوث.

عدي بن الرعلاء الغساني

عدي بن الرعلاء الغساني من بني كوث بن تفلذ ثم من بني عمرو بن مازن بن الأزد، شاعر مجيد، كان يكون ببادية دمشق، والرعلاء أمه، وهو القائل: من الخفيف: كم تركنا بالعين عين أباغ ... من ملوك وسوقة ألقاء فرقت بينهم وبين نعيم ... ضربة من صفيحة نجلاء ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعش ذليلاً ... كاسفاً باله قليل الرخاء فأناس يمصصون ثماداً ... وأناس حلوقهم في الماء ربما ضربة بسيف صقيل ... بين بصرى وطعنة نجلاء وغموس تضل فيهايد الآ ... سي ويعيا طبيبها بالدواء ومن شعره: من الكامل إني ليحمدني الخليل إذا اجتدى ... مالي ويكرهني ذوو الأضغان وأعيش بالنيل القليل وقد أرى ... أن الرموس مصارع الفتيان وتظل تخلجني الهموم كما ترى ... دلو السقاة يمد بالأشطان وقد رويت هذه الأبيات للحارث بن رعلاء الغساني.

عدي بن زيد بن حمار بن زيد

عدي بن زيد بن حمار بن زيد ابن أيوب ابن محروب بن عامر بن عصبة بن امرئ القيس ابن زيد مناة ابن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار التميمي. شاعر من شعراء الجاهلية، كان نصرانياً فكان يسكن الحيرة، وأرسله صاحب الحيرة إلى ملك الروم بهدية، ودخل دمشق وذكرها في شعره، وهو المعروف بالعبادي، والعباد هم نصارى الحيرة. وحمار: بكسر الحاء المهملة وآخره راء، وذكر الأصبهاني: خمار بدل حمار، وقال: ابن محروف بدل ابن محروب. وهو في الطبقة الرابعة، وهم أربعة رهط فحول شعراء، موضعهم مع الأوائل، وإنما

أخل قلة شعرهم بأيدي الرواة: طرفة، وعبيد بن الأبرص، وعلقمة بن عبدة، وعدي بن زيد. وهو الشاعر الذي قتله النعمان، وله أخ يقال له: عمير بن زيد، وله ابنان: زيد بن عدي وهو شاعر، وعمرو، والعبادي: بكسر العين. قال حبيب بن أبي ثابت: كان ابن عباس يعجبه شعر زهير، وكان معاوية يعجبه شعر عدي، وكان الزبير يعجبه شعر عنترة. حدث عمرو بن جرير قال: تدرون أي يوم تنصر فيه النعمان بن المنذر؟ قلنا: لا، قال: إنه خرج متنزهاً متصيداً، وكان النعمان يعبد الأوثان، فمر بمقابر بظاهر الحيرة، فوقف قريباً منها فقال له عدي بن زيد: أبيت اللعن! تدري ما تقول هذه المقابر؟ قال: لا، قال: إنها تقول: من مجزوء الرمل: أيها الركب المحثون ... على الأرض مجدون فكما أنتم كنا ... وكما نحن تكونون قال: أعد علي، فأعاد عليه، فرجع النعمان وهو رقيق، ثم خرج خرجة أخرى فوقف على مقابر، فقال له عدي، أبيت اللعن! تدري ما تقول هذه؟ قال: ما تقول؟ قال: تقول: من الرمل: رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال ثم بادوا عصف الدهر بهم ... وكذلك الهر حالاً بعد حال قال: أعد فأعاد، فرجع متنصراً ومات نصرانياً.

قال خالد بن صفوان بن الأهتم: وفدت إلى هشام بن عبد الملك في أهل العراق، فقدمت عليه وقد خرج مبتدياً بحشمه وأهله وجلسائه، وقد نزل في أرض صحصح، في عام كثر وسميه، وأخرجت الأرض زينتها من اختلاف ألوان نبتها، وقد ضرب له سرادق من حبرة ملونة، وقد فرشت له ألوان الفرش، وقد أخذ الناس مجالسهم، فأخرجت رأسي من ناحية الفسطاط، فنظر إلي شبه المستنطق لي، فدعوت له وقلت: ما أجد يا أمير المؤمنين شيئاً أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبره به. فاستوى جالساً وقال: هات يا بن الأهتم. قلت: يا أمير المؤمنين، إن ملكاً خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير، وكان قد أعطي بسطة في الملك مع الكثرة والغلبة والقهر، فنظر فأنفذ النظر، فقال لجلسائه: لمن هذا؟ قالوا: للملك. قال: فهل رأيتم أحد أعطي مثل ما أعطيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة، ولم تخل الأرض من قائم لله بحجته في عباده، فقال: رأيت ما أنت فيه، أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثاً، وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: كذلك هو. قال: فأراك إنما عجبت بشيء يسير، فلا تكون فيه إلا قليلاً وتنقل طويلاً، فيكون غداً عليك حساباً. قال: ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ وأخذته الأقشعريرة، قال: إما أن تقيم في ملكك، فتعمل فيه بطاعة الله على ما ساءك وسرك، وأمضك وأرمضك، وإما أن تنخلع عن ملكك

وتضع تاجك، وتلقي عليك أطمارك، وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك. قال: فإني مفكر الليلة وأوافيك في السحر فأخبرك أحد المنزلتين. فلما كان في السحر جاءه فقال: إني اخترت هذا الجبل وفلوات الأرض، وقد لبست أمساحي، ووضعت تاجي، فإن كنت رفيقاً لا تخالف، فلزمنا الحبل حتى أتاهما أجلهما، وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد العبادي: من الخفيف: أيها الشامت المعير بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور؟ أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير أين كسرى الملوك أبو سا ... سان أم أين قلبه سلبور وبنو الأصفر الكرام ملوك الر ... وم لم يبق منهم مذكور وأخو الحصن إذ بناه وإذ دج ... لة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وخلله كا ... ساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور وتذكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوماً، وللهدى تفكير سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرض والسدير فارعوى قلبه وقال فما غب ... بطة حي إلى الممات يسير ثم بعد الفلاح والملك والإم ... مة وارتهم هناك القبور

ثم صاروا كأنهم ورق جف ... ف فألوت به الصبا والدبور فبكى هشام حتى اخضلت لحيته، وخمل عمامته، وأمر بأبنية وبقلاع فرشه وحشمه، ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ماذا أردت إلى أمير المؤمنين؟! أفسدت عليه لذته ونغصت عليه مأدبته. فقال: إليكم عني فإني عاهدت الله ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل. فبعث إلى واحد من الوفد بجائزة، وكانوا عشرة، وبعث إلى خالد بمثل جميع ما وجه إلى جميع الوفد. وقال ابن الكلبي: كان سبب نزول عدي بن زيد الحيرة أن جده أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرئ القيس بن زيد مناة، فأصاب دماً في قومه، فهرب، فحلق بأوس بن قلام أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة، وكان بين أيوب وبين أوس بن قلام هذا نسب من قبل النساء، فلما قدم عليه أيوب أكرمه وأنزله في داره، فمكث معه، ثم قال له أوس: يا بن خالي أتريد المقام عندي وفي داري؟ فقال له أيوب: نعم، فقد علمت أني إن أتيت قومي وقد أصبت فيهم دماً لم أسلم، وما لي دار إلا دارك آخر الدهر، قال: فإني تذكرت وأنا خائف أن أموت ولا يعرف ولدي لك من الحق مثل ما أعرف، وأخشى أن يقع بينك وبينهم أمر يقطعون فيه الرحم، فانظر أحب مكان في الحيرة إليك فأعلمني به لأقطعكه أو أبتاعه لك. قال: وكان لأيوب صديق في الجانب الشرقي من الحيرة، وكان منزل أوس في الجانب الغربي، فقال له: قد أحببت. أن يكون المنزل الذي تسكنيه عند منزل عصام بن عقدة، أحد بني الحارث بن كعب، فابتاع له موضع داره بثلاث مئة أوقية من ذهب،

وأنفق عليها مئتي أوقية من ذهب، وأعطاه مئتين من الإبل برعاتها، وفرساً وقينة، ثم هلك أوس، فتحول إلى داره التي في شرقي الحيرة فهلك بها، وقد كان اتصل قبل مهلكه الملوك الذين كانوا بالحيرة وعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب، فلم يكن منهم ملك يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز وحملان، ثم إن زيد بن أيوب نكح امرأة من آل قلام فولدت له حماراً، فخرج زيد بن أيوب يوماً يتصيد في أناس من أهل الحيرة، متبدون بحفير المكان الذي يذكره عدي بن زيد في شعره، فانفرد وتباعد عن أصحابه، فلقيه رجل من امرئ القيس الذي كان لهم الثأر قبل أبيه، فقال له وقد عرف فيه شبه أيوب: ممن الرجل؟ قال: من بني تميم، قال: من أيهم؟ قال: مرئي، قال له الأعرابي: وأين منزلك؟ قال: الحيرة، قال: من بني أيوب؟ قال: نعم، ومن أين تعرف بني أيوب؟! واستوحش من الأعرابي، وذكر الثأر الذي هرب منه أبوه، فقال له: سمعت بهم، ولم يعلمه أنه قد عرفه، فقال له ابن أيوب: فمن أي العرب أنت؟ قال: أنا امرؤ من طيئ، فأمنه زيد، ثم إن الأعرابي اغتفل ابن أيوب فرماه بسهم بين كتفيه فعلق قلبه، فلم يرم حافر دابته حتى مات، فلما كان الليل طلب زيداً أصحابه وظنوا أنه قد أمعن في الصيد، فباتوا يطلبونه حتى أيسوا منه، ثم غدوا في طلبه واقتصوا أثره حتى وقعوا عليه، ورأوا معه أثر راكب آخر يسايره، فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلاً، فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله، فاتبعوه وأغذوا السير فأدركوه مسي الليلة الثانية، فصاحوا به وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنيل، حتى حال الليل بينهم وبينه، وقد أصاب رجلاً منهم في مرجع كتفه بسهم، فلما أجنه الليل مات، وأفلت المرئي، فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجل آخر من بني الحارث بن كعب، فمكث حمار في أخواله حتى أيفع، فخرج يوماً يلعب مع غلمانه بني لحيان، فلطم اللحياني عين الحمار، فشجه حمار، فخرج أبو اللحياني فضرب حماراً، فأتى أمه يبكي، فأخبرها، فجزعت أمه من ذلك وحولته

إلى دار زيد بن أيوب وعلمته الكتابة في دار أبيه، فكان حمار أول من كتب من بني أيوب، فخرج من أكتب الناس، وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الأكبر، فلبث كاتباً له حتى ولد له ابن من امرأة تزوجها من طيئ فسماه زيداً باسم أبيه، وكان لحمار صديق من الدهاقين العظماء يقال له: فروخ ماهان، وكان محسناً إلى حمار، فلما حضرت حماراً الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان وكان من المرازبة فأخذه الدهقان وكان مع ولده، وكان زيد قد حذق الكتابة العربية قبل أن يأخذه الدهقان، فعلمه لما أخذه الفارسية فلقنها وكان لبيباً فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حائجه، ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلا بأولاد المرازبة، فمكث ستولى ذلك لكسرى زماناً، ثم إن النعمان النصري اللخمي هلك، فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن يقعد كسرى الأمر لرجل ينصبه، فأشار عليهم المرزبان بزيد بن حمار، فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء السماء، ونكح زيد بن حمار نعمة بنت ثعلبة العدوية، فولدت له عدياً، وملك المنذر فكان لا يعصيه في شيء، وولد للمرزبان ابن فسماه شاهان مرد، فلما تحرك عدي بن زيد وأيفع طرحه أبوه في الكتاب، حتى إذا حذق أرسله المرزبان مع ابنه شاهان مرد إلى كتاب الفارسية، فخرج من أفهم الناس وأفصحهم بالعربية، وقال الشعر وتعلم رمي النشاب، فخرج من الأساورة الرماة، وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها. ية، فخرج من أفهم الناس وأفصحهم بالعربية، وقال الشعر وتعلم رمي النشاب، فخرج من الأساورة الرماة، وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها. ثم إن المرزبان وفد على كسرى ومعه ابنه شاهان مرد، فبيناهما بين يديه إذ سقط طائران على السور، فتطاعما كما يتطاعم الذكر والأنثى، وجعل كل واحد منهما منقاره في

منقار الآخر، فغضب كسرى ولحقته غيرة، فقال للمرزبان وابنه: ليرم كل واحد منكما واحداً من هذين الطائرين، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال وملأت أفواهكما بالجواهر، ومن أخطأ منكما عاقبته، فاعتمد كل واحد منهما طائراً ورميا فقتلاهما، فبعث بهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهراً، وأثبت شاهان مرد وسائر أولاد المرزبان في صحابته، فقال فروخ ماهان: عندي غلام من العرب مات أبوه وخلفه في حجري، وهو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية، واملك محتاج إلى مثله، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل، قال: ادعه. فأرسل إلى عدي بن زيد، وكان جميل الوجه فائق الحسن، وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه، فلما كلمه وجده أظرف الناس وأحضرهم جواباً، فرغب فيه وأثبته معه ولد المرزبان، فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة في عدي ورهبوه، ففلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصة، وهو معجب به، قريب منه، وأبوه زيد بن حمار يومئذ حي، إلا أن ذكر عدي قد ارتفع، وخمل ذكر أبيه، فكان إذا دخل إلى المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عدي. ثم إن كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده، فلما أتاه عدي بها أكرمه وحمله على البريد إلى أعماله ليريه سعة أرضه وعظم ملكه، فمن ثم وقع عدي بدمشق وقال فيها الشعر. قال: وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق، حتى أصلح أبوه بينهم، وذلك لأن الحيرة حين كان عليها المنذر أرادوا قتله لأنه كان يعدل فيهم، وكان يأخذ من أموالهم ما يعجبه، فلما تيقن أن أهل الحيرة أجمعوا على قتله، بعث إلى زيد بن حمار، وكان قبله على الحيرة، فقال له: يا زيد، أنت خليفة أبي، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة، فلا حاجة لي في ملككم، دونكموه فملكوه من شئتم. فقال له زيد: إن الأمر ليس إلي، ولكني أشير إلى هذا الأمر ولا آلوك نصحاً. فلما أصبح غدا إليه الناس فحيوه تحية الملك، وقالوا له: ألا تبعث إلى الظالم يعنون المنذر فتريح منه رعيتك؟ قال لهم: أفلا خير من ذلك؟ قالوا له: أشر علينا. قال: تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك، وأنا آتيه

فأخبروه أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلاً يكون أمر الحيرة إليه، إلا أن يكون عزف ومال، فلك اسم الملك وليس إليك شيء سوى ذلك من الأمور. قالوا: رأيك أفضل. فأتى المنذر، فأخبره ما قالوا، فقبل ذلك وفرح، وقال: إن لك يا زيد نعمة علي لا أكفرها ما عرفت حق سبد وسبد صنم لأهل الحيرة فولى أهل الحيرة زيداً على كل شيء سوى اسم الملك، فإنهم أقروه للمنذر، وفي ذلك يقول عدي: من الرمل: نحن كنا قد علمتم قبلكم ... عمد البيت وأوتاد الإصار ثم هلك زيد وابنه عدي بالشام، وكانت لزيد ألف ناقة للحملات، كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولوه ما ولوه، فلما أرادوا أخذها، فبلغ ذلك المنذر فقال: لا واللات والعزى، لا يؤخذ مما كان في يد زيد ثفروق وأنا أسمع الصوت. ففي ذلك يقول عدي بن زيد لأبيه النعمان بن المنذر: من الرمل: وأبوك المرء لم نشق به ... يوم سيم الخسف قمنا بخسار ثم قدم عدي المدائن على كسرى بهدية قيصر، فصادف أباه والمرزبان الذي رباه هلكا، فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة، فأذن له، فتوجه إليها، وبلغ المنذر خبره فخرج فتلقاه بالناس باشنبينا، ورجع معه. وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم، ولو أرادوا أن يملكوه لملكوه، ولكنه كان يوثر الصيد واللهو على الملك، فمكث سنين يبدو في فصلي السنة، فيقيم بالبر ويشتو بالحيرة، ويأتي المدائن في خلال ذلك، فيخدم كسرى، فمكث كذلك سنين، وكان لا يوثر على بلاد بني يربوع شيئاً من مبادي العرب، ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم، وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر، وكانت لإبله في ضبة وبلاد بني سعد، وكذلك كان

أبوه يفعل يجاور هذين الحيين بإبله، ولم يزل كذلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر، وهي يومئذ جارية حتى بلغت أو كادت. وكان المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي بن زيد، فهم الذين أرضعوه وربوه، وكلن للمنذر ابن آخر يقال له: الأسود، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعوه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا، ينتسبون إلى لخم، وكانوا أشرافاً، وكان للمنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان ولده يقال لهم: الأشاهب من جمالهم، ولذلك أعشى قيس بن ثعلبة: من الخفيف: وبنو المنذر الأشاهب بالح ... رة يمشون غدوة كالسيوف وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيراً، وأمه سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، فلما احتضر المنذر أوصى بولده إلى إياس بن قبيصة الطائي وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى بن هرمز رأيه، فمكث مملكاً عليها أشهراً وكسرى في طلب رجل يملكه عليهم، فلم يجد أحداً يرضاه، فضجر وقال: لأبعثن إلى الحيرة اثني عشر ألفاً من الأساورة، ولأملكهن عليهم رجلاً من الفرس، ولآمرنهم أن ينزلوا على العرب في دورهم ويملكوا عليهم أموالهم ونساءهم. وكان عدي بن زيد واقفاً بين يديه، فقال: ويحك يا عدي! من بقي من آل المنذر، وهل فيهم أحد فيه خير؟ قال له: نعم أيها الملك، إن فيهم لبقية وفيهم كل خير. قال: ابعث إليهم فأحضرهم. فبعث عدي إليهم، فأحضرهم وأنزلهم جميعاً عنده، فلما نزلوا عليه أرسل النعمان: لست أملك غيرك فلا يوحشك ما أفضل به إخوتك عليك من الكرامة، فإني أغترهم بذلك. ثم كان يفضل إخوته جميعاً عليه في النزل والإكرام والملازمة ويريهم تنقصاً للنعمان، وأنه غير طامع في تمام أمر على يده، وجعل يخلو بهم رجلاً رجلاً فيقول: إذا أدخلتم على الملك فالبسوا أفخر ثيابكم

وأجملها، وإذا دعي لكم بالطعام لتأكلوا فتباطؤوا في الأكل، وصغروا اللقم، ونزروا ما تأكلون، فإذا قال لكم: أتكفوني العرب؟ فقولوا: نعم، فإذا قال لكم: فإن شذ أحدكم عن الطاعة أو أفسد أفتكفونيه؟ فقولوا: لا، إن بعضنا لا يقدر على بعض ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم، ويعلم أن للعرب منعة وبأساً. فقبلوا منه، وخلا بالنعمان فقال له: البس ثياب السفر وادخل متقلداً سيفك، وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع، وزد في الاكل وتجوع قبل ذلك، فإن كسرى تعجبه كثرة الأكل ومن العرب خاصة، ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولاً شرهاً ولا سيما إذا رأى طعامه وما لا عهد له بمثله، فإذا سألك هل تكفيني العرب؟ فقل: نعم، فإذا قال لك: فمن لي بإخواتك؟ فقل له: إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم أعجز. قال: وخلا ابن مرينا بالأسود، فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره، فقال له: غشك والصليب والمعمودية ما نصحك، ولئن أطعتني لتخالفن كل ما أمرك به ولتملكن، ولئن عصيتني ليملكن النعمان فلا يعرنك ما أولاكه من الإكرام والتفضيل على النعمان، فإن ذلك دهاء ومكر، وإن هذه المعدية لا تخلو من مكر وحيلة. فقال له: إن عدياً لم يألني نصحاً، وهو أعلم بكسرى منك، وإن خالفته أوحشته فأفسد علي، وهو جاء بنا ووصفنا، وإلى قوله يرجع كسرى، فلما يئس ابن مرينا من قبوله منه قال له: ستعلم. ودعا بهم كسرى فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم، ورأى رجالاً قل ما رأى مثلهم، فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم عدي، فجعل ينظر إلى النعمان من بينهم ويتأمل أكله، فقال لعدي بالفارسية: إن يكن في أحد منهم ففي هذا. فلما غسلوا أيديهم جعل يدعو بهم رجلاً رجلاً فيقول أتكفيني العرب؟ فيقول: نعم أكفيكها كلها إلا إخوتي، حتى انتهى إلى النعمان آخرهم فقال له: أتكفيني العرب؟ قال: نعم. قال: كلها؟ قال: نعم. قال: فكيف لي بإخوتك؟ قال: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فملكه وخلع عليه، وألبسه تاجاً قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والجوهر والياقوت والزبرجد، فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للأسود: دونك عقبى خلافتك لي.

ثم إن عدياً صنع طعاماً في بيعة، فأرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة. فأتاه في ناس، فقعدوا في البيعة، فقال عدي بن زيد لابن مرينا: إن أحق من عرف الحق ولم يلم عليه من كان مثلك، وإني قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب أن لا تحقد علي شيئاً لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك. وقام إلى البيعة، فحلف أن لا يهجوه أبداً، ولا يبغيه غائلة، ولا يزوي عنه خيراً، فلما فرغ عدي بن زيد قام عدي بن مرينا فحلف بمثل يمينه أن لا يزال يهجوه أبداً، ويبغيه الغوائل ما بقي. وخرج النعمان حتى نزل منزل أبيه بالحيرة، فقال عدي بن مرينا لعدي بن زيد: من الوافر: ألا أبلغ عدياً عن عدي ... ولا تجزع وإن رثت قواكا هيا كلنا تنوء لغير فقد ... لتحمد أو يتم به علاكا فإن تظفر فلم تظفر حميداً ... وإن تعطب فلا يبعد سواكا ندمت ندامة الكسعي لما ... رأت عيناك ما صنعت يداكا ثم قال عدي بن مرينا للأسود: أما إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كنت أخبرك أن معداً لا ينام كيدها، وأمرتك أن تعصيه فخالفتني. قال: فما تريد؟ قال: أريد أن لا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها علي، ففعل، وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يكن في الدهر يوم يأتي إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه حتى كان لا يقضي في

ملكه شيئاً إلا بأمر ابن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عند النعمان أحسن الثناء عليه وشيع ذلك بأن يقول: عدي بن زيد فيه مكر وخديعة، والمعدي لا يصلح إلا هكذا. فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عدياً عند الملك بخير فقولوا: إنه لكذلك ولكنه لا يسلم عليه من أصحابه أحد، وإنه ليقول: إن الملك يعني النعمان عامله، وإنه هو ولاه ما ولاه، فلم يزالوا كذلك حتى أضغنوه عليه، وكتبوا كتاباً على لسانه إلى قهرمان له، ثم دسوا إليه حتى أخذوا الكتاب منه، وأتوا به النعمان فقرأه، واشتد غضبه، وأرسل إلى عدي بن يزيد: عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك، وعدي يومئذ عند كسرى، فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاهلم ينظر إليه حتىحبسه في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي يقول الشعر وهو في السجن، فمما قاله من أبيات: من الرمل: أبلغ النعمان عني مالكاً ... أنه قد طال حبسي وانتظاري لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري في قصائد كثيرة كان يقولها فيه ويكتب بها إليه ولا يغني عنده شيئاً. قال أبو بكر الهذلي: سمعت رجلاً ينشد الحسن شعر عدي بن زيد: من الخفيف: وصحيح أضحى يعود مريضاً ... هو أدنى للموت ممن يعود وأطباء بعدهم لحقوقهم ... ضل عنهم سعوطهم واللدود أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم وثمود أين أبناؤنا وأين بنوهم ... أين آباؤنا وأين الجدود

سلكوا منهج المنايا فبادوا ... وأرونا قد حان منا ورود بينما هم على النمارق والدي ... باج أفضت إلى التراب الخدود ثم لم ينقض الحديث ولكن ... بعد ذاك الوعيد والموعود فبكى الحسن حتى تحدرت دموعه على خديه ولحيته، ثم تلا: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " ولعدي بن زيد: من الطويل: عن المرء لا يسأل وسل عن قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي وفي حديث آخر أن عمر بن هند ملك العرب، لما هلك وفدت وفود العرب إلى كسرى تلتمس الملك، وكان عدي بن زيد كاتب كسرى بالعربية، ووفد فيهم النعمان بن المنذر وكان أحدثهم سناً، فلما قدموا على كسرى قام كل رجل منهم يذكر شرفه وأفعاله، وطاعة قومه له، فقال لهم كسرى: انصرفوا إلى منازلكم حتى يخرج إليكم رأيي. فلما انصرفوا قال لعدي: أي هؤلاء ترى أن أملك وكان النعمان صديقاً لعدي من قبل أن كلاهما من أهل الحيرة؟ قال له عدي: أيها الملك، كلهم شريف محتمل، ولكن فيهم فتى من أهل بيت ملك، لا أراهم يرضون بملكه عليهم. قال: وكيف لا يرضون بما أفعل؟ قال: من قبل أن أمه فارسية وهم يأنفون أن يملكهم ابن فارسية. ولم تكن أم النعمان فارسية، إنما هي غسانية، ولكن عدياً أراد أن يكيد له للذي بينهما من الصداقة، فأغضب كسرى، فلما فرغ، قال النعمان لعدي: اخرج معي فأجعل الخاتم في يدك، ويكون الأمر أمرك. قال عدي: أخاف أن يفطن كسرى لما صنعت، ولكن اخرج فسوف ألحقك، فكان كذلك، فمكث بعده شيئاً ثم لحقه، فوفى له النعمان فجعل الخاتم في يده، وكان الأمر

أمره، وكان بنو بقيلة معادين لعدي، فركب النعمان يوماً فقال له عدي: إنك ستمر ببني بقيلة ويعرضون عليك أن تنزل عندهم وتأكل طعامهم، وأنت إن فعلت لم أقم معك ساعة وانصرف إلى كسرى. فقال النعمان: إني لا أدخل إليهم ولا آكل طعامهم. فلما مر بهم تلقوه وقالوا: أيها الملك أكرمنا بنزولك إلينا ودخولك منزلنا. فتأبى عليهم، فقالوا: ننشدك الله أن تورثنا سبة ما عشنا، وعاراً في الناس. فلم يزالوا به حتى نزل إليهم وأكل من طعامهم، فلما بلغ ذلك عدياً انصرف إلى منزله، فلما رجع النعمان قال: أين عدي؟ قالوا: ذهب إلى منزله. قال: فادعوه. فأبى أن يجيب فأغضب النعمان، فقال لمن عنده من جنده وحشمه: ائتوني به ولو سحباً. فسحبوه، فلم يبلغوا به حتى أثروا به آثاراً قبيحة، فلما رآه النعمان علم أن فساده عند كسرى إن رآه على تلك الحال، فأمر به إلى السجن، فمكث في السجن زماناً يقول الشعرن ثم بلغ كسرى ما صنع به فأرسل أمناء من عنده، فقال: إن كان عدي على ما بلغني فأتوني النعمان في الحديد، وإن كان غير ذلك فأعلموني كيف كان. فراع ذلك النعمان فأسرى على عدي فقتله ودفنه، فلما جاء الأمناء قالوا أين عدي؟ قال: هيهات عدي مذ زمان، فصار عدي بن عدي كاتباً لكسرى بالعربية مكان أبيه، وأرضى النعمان الأمناء بشيء، فانصرفوا عنه، فعفوا عنه. وذكر المفضل الضبي أن عدياً كان له أخ اسمه أبي، وكان عند كسرى، فكتب إليه عدي يخبره بما جرى له، فأخبر كسرى بأمره، فوجه كسرى رسولاً إلى النعمان يأمره بإطلاقه، فقتله النعمان في السجن، ثم ندم على قتله، وكان ذلك سبب تغير كسى للنعمان.

عدي بن زيد بن مالك بن عدي

عدي بن زيد بن مالك بن عدي ابن الرقاع بن عصر بن عدة ويقال: عرة بن شعل بن معاوية بن الحارث وهو عاملة بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد أبو داود العاملي الشاعر المعروف بعدي الرقاع، ويقال: إن عاملة بنت وديعة بن قضاعة أم معاوية بن الحارث وإليها ينسبون. قدم دمشق ومدح الوليد بن عبد الملك. في الطبقة السابعة، وفي نسبه اختلاف، وكان أبرص، وهاجى جرير بن الخطفى، واجتمعا عند الوليد بن عبد الملك، فأنشده عدي قصيدة التي أولها: من الكامل: عرف الديار توهماً فاعتادها قال جرير: فحسدته على أبيات منها، حتى أنشدني صفة الظبية والغزال: تزجي أغن كأن إبرة روقه

قال جرير: فرحمته، فلما قال: قلم أصاب من الدواة مدادها رحمت نفسي وحالت الرحمة حسداً، وفيها يقول: وقصيدة قد بت أجمع بيتها ... حتى أقوم ميلها وسنادها نظر المثقف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافة ميادها وعلمت حتى ما أسأئل واحداً ... عن علم واحد لكي أزدادها دخل جرير على الوليد بن عبد الملك وهو خليفة وعنده ابن الرقاع العاملي، فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. قال: هذا رجل من عاملة. فقال: الذين يقول الله تعالى: " عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية " ثم قال: من الطويل: يقصر باع العاملي عن العلا ... ولكن أير العاملي طويل فقال العاملي: أأمك يا ذا أخبرتك بطوله ... أم أنت امرؤ لم تدر كيف تقول قال: لا، بل لم أدر كيف أقول. فوثب العاملي إلى رجل الوليد فقبلها وقال: أجرني منه. فقال الوليد لجرير: لئن سميته لأسرجنك ولألجمنك وليركبنك، فيعيرك بذلك الشعراء.

قال أحمد بن يحيى ثعلب: أشعر ما قيل قول عدي بن الرقاع: من الكامل: لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم وكأنها وسط النساء أعارها ... عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينيه سنة وليس بنائم قال ابن الأعرابي: بلغني أن جماعة من الشعراء أتوا باب ابن الرقاع الشاعر فدقوه فخرجت إليهم بنية له صغيرة، فقالت: من القوم؟ قالوا: نحن شعراء أتينا أباك لنهاجيه. قالت لهم: هو غائب. قالوا: لا، ولكنه هرب منا. فقالت: من الطويل: تجمعتم من كل شرق ومغرب ... على واحد لازلتم قرن واحد لما أتت الخلافة سليمان بن عبد الملك أتته وهوبالسبع، فكتب إلى عامله بالأردن أن يبعث إليه عدي بن الرقاع في وثاق، فوجهه إليه، فلما دخل عليه قال: إن كنت لكارهاً لخلافتي، قال: وكيف ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: حين تقول في مدحة الوليد: عذنا بذي العرش أن نبقى ونفقده ... وأن نكون لراع بعده تبعا قال ابن الرقاع: والله ما هكذا قلت يا أمير المؤمنين، ولكني قلت: عذنا بذي العرش أن نبقى ونفقدهم ... وأن نكون لراع بعدهم تبعا

عدي بن عبد الرحمن بن زيد

قال: وكذلك؟ قال: نعم، قال: فكوا حديده، وردوه على موكبه إلى أهله. وإنما كان خص بتلك المدحة الوليد. عدي بن عبد الرحمن بن زيد ابن أسيد بن جابر ابن عدي بن خالد بن خثيم بن أبي حارثة ابن جدي ابن تدول بن بحتر بن عتود، أبو الهيثم الطائي، والد الهيثم بن عدي. قيل: إنه دمشقي، سكن الكوفة وواسط. حدث عن داود بن أبي هند عن أبي صالح مولى لطلحة بن عبيد الله قال: كنت عند أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتاه ذو قرابة لها، غلام شاب ذو جمة، فقام يصلي، فلما ذهب يسجد نفخ، فقالت: لا تفعل، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول لغلام أسود: " يا رباح، ترب وجهك ". وحدث عنه عن عكرمة عن ابن العباس قال: ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله، إلا إبراهيم عليه السلام، قال الله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال: إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي " الآية. قال: أما الظالم فلا يؤتم به. قلت له: فما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن وأتمهن؟ قال: الإسلام ثلاثون سهماً: عشر آيات في براءة " التائبون العابدون " إلى

عدي بن عدي بن عميرة بن عدي

آخر الآيات، وعشر آيات من أول سورة " قد أفلح المؤمنون "، و" سأل سائل بعذاب واقع:، وعشر آيات في الأحزاب " إن المسلمين والمسلمات " إلى آخر الآية وعشر آيات من أول سورة " قد أفلح المؤمنون " و" سأل سائل بعذاب واقع " وعشر آيات في الأحزاب " إن المسلمين والمسلمات " إلى آخر الآية فأتمهن كلهن، فكتب له براءة، قال: " وإبراهيم الذي وفى ". قال سليمان بن أبي شيخ: سألت أبا سفيان الحميري عن عدي بن عبد الرحمن أبي الهيثم بن عدي: هل كان يطعن في نسبه؟ قال: لا، ولقد كان من خير رجل بواسط، ولكن ابنه يعني الهيثم بن عدي آذى الناس وتعرض لهم، فتعرضوا له. عدي بن عدي بن عميرة بن عدي ابن عفير، ويقال: عفير بن زرارة بن الأرقم بن النعمان ابن عمرو بن وهب بن ربيعة بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد الكندي كان يصحب خلفاء بني أمية، واستعمله عمر بن عبد العزيز على الموصل والجزيرة، ثم عزله وولاه أرمينية، فلم يزل عليها حتى توفي عمر. حدث عدي بن عدي عن أبيه عن العرس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها. وكان عدي يكنى أبا فروة، وكان ثقة ناسكاً فقيهاً محدثاً، وكان على قضاء الجزيرة في خلافة عمر بن عبد العزيز.

عدي بن عميرة بن فروة بن زرارة

قال مسلمة بن عبد الملك: إن في كندة لثلاثة، إن الله تبارك وتعالى لينزل بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء: رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وعدي بن عدي. سئل مكحول عن شيء وهو مع رجاء بن حيوة وعدي بن عدي الكندي؟ فقال سل شيخي هذين. فقالا له: أفت الرجل. فقال مكحول: نعم. فأجابه. قال خليفة: سنة تسع وتسعين فيها أغارت الخزر، على أرمينية وأذربيجان وعليهما عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي، فقتل الله عامة الخزرن وكتب عبد العزيز بذلك إلى عمر بن عبد العزيز عند ولايته، فولى عمر بن عبد العزيز أرمينية عدي بن عدي، فاحتفر عدي نهراً يقال له: نهر عدي إلى اليوم. توفي عدي بن عدي الكندي سنة عشرين ومئة. عدي بن عميرة بن فروة بن زرارة ابن الأرقم ابن نعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد أبو زرارة الكندي الأرقمي. وفد على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدث عنه، ووفد على معاوية. حدث عدي بن عميرة: أن امرأ القيس بن عابس الكندي خاصم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً من حضرموت في

أرض، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحضرمي البينة، فلم يكن له بينة، فقضى علىامرئ القيس باليمن، فقال الحضرمي: أمكنته يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليمن، ذهبت والله أرضي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أخيه لقي الله يوم يلقاه وهو عليه غضبان. قال: وقال رجاء: وتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانه ثمناً قليلاً " إلى آخر الآية. فقال امرؤ القيس: يا رسول الله، فماذا لمن تركها؟ قال: له الجنة. قال: فإني أشهدك أني قد تركتها. وعن عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من استعملناه منكم على عملنا فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه كان غلولاُ يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال: ومالك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل، فليجئ بقليله وكثيره، فما أمر منه أخذ، وما نهي عنه انتهى. قال محمد بن سعد في الطبقة الرابعة: عدي بن عميرة بن فروة بن زرارة بن الأرقم، وبنو الأرقم بطن لهم مسجد بالكوفة، لما قدم علي بن أبي طالب عليه السلام الكوفة جعل أصحابه يتناولون عثمان، فقالت بنو الأرقم: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. فخرجوا إلى الجزيرة إلى الرها، وخرج معهم من ولدوا من كندة، فخرج بنو أحمر بن عمرو وبعض بني الحارث بن عدي، وبنو الأحزم من بني حجر بن وهب بن ربيعة، فقدموا على معاوية بن أبي سفيان، فحمد

عدي بن الفصيل

معاوية الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الشام هذا حي عظيم من كندة قدموا علي، ناقمين على علي بن أبي طالب عليه السلام وكان إذا قدم عليه أهل العراق أنزلهم الجزيرة مخافة أن يفسدوا أهل الشام، فأنزلهم نصيبين. فأنزلهم الرها، وأقطعهم قطائع، ثم كتب إليهم: إني أتخوف عليكم عقارب نصيبين. فأنزلهم الرها وأقطعهم بها قطائع، وشهدوا صفين مع معاوية، فضرب عدي بن عميرة يومئذ على يده، وكان آخر من خرج إليهم من الكوفة العرس بن قيس بن سعيد بن الأرقم، فولي ولايات، وولي الجزيرة، وعدي بن عدي بن عميرة، كان ناسكاً فقيهاً. قال ابن أبي خثيمة: بلغني أن عدي بن عميرة هرب من علي بن أبي طالب عليه السلام فنزل الحيرة ومات بها. عدي بن الفصيل وقيل: ابن الفضل الفصيل: بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة. قال: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة وهو يقول: يا أيها الناس، إنه إن يك لأحد رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته قبل موته، فأجملوا في الطلب. كان عدي بن الفصيل ثقة. عدي بن كعب بعثه أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسولاً إلى ملك الروم مع عبادة بن الصامت وغيره، فقدموا دمشق. قال عبادة بن الصامت: بعثني أبو بكر إلى ملك الروم، يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه، ومعي عمرو بن

العاص، وهشام بن العاص، وعدي بن كعب، ونعيم بن عبد الله بن النحام، فقدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي، فإذا هو على فرش له مع الأسقف، فأجلسنا وبعث إلينا رسوله، وسألنا أن نكلمه، فقلنا: لا والله لا نكلمه برسول بيننا وبينه، فإن كان في كلامنا حاجة فليقربنا منه. فأمر بسلم فوضع ونزل إلى فرش له في الأرض، فقربنا، فإذا هو عليه ثياب سود مسوح، فقال له هشام بن العاص: ما هذه المسوح التي عليك؟ قال: لبستها ناذراً أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام. فقلنا: بل نملك مجلسك وبعده ملككم الأعظم، فوالله لنأخذنه إن شاء الله، فإنه قد أخبرنا بذلك نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصادق البار. قال: إذاً أنتم السمراء. قلنا: وما السمراء؟ قال: لستم بها. قلنا: ومن هم؟ قال: الذين يقومون الليل ويصومون النهار. قال: فقلنا: نحن والله هم. قال: فقال: وكيف صومكم وصلاتكم وحالكم؟ فوصفنا له أمرنا، فنظر إلى أصحابه وراطنهم، وقال لنا: ارتفعوا. ثم علا وجهه سواد حتى كأنه قطعة مسح من شدة سواده، وبعث معنا رسلاً إلى ملكهم الأعظم بالقسطنطينية. فخرجنا إلى مدينتهم ونحن على رواحلنا، علينا العمائم والسيوف، فقال لنا الذين معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم جئنا ببراذين وبغال؟ قلنا: لا والله، لا ندخلها إلا على رواحلنا فبعثوا إليه يستأذنونه فأرسل إليهم أن خلوا سبيلهم ودخلنا على رواحلنا حتى انتهينا إلى غرفة مفتوحة الباب، فإذا هو فيها جالس ينظر، قال: فأنخنا تحتها ثم قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فيعلم الله لانتفضت حتى كأنها نخلة يصفقها الريح، فبعث إلينا رسولاً: إن هذا ليس لكم أن تجهزوا بدينكم في بلادنا

وإمرتنا فأدخلنا عليه، وإذا هو مع بطارقته وعليه ثياب حمر، وفرشه وما حواليه أحمر، وإذا رجل فصيح بالعربية يكتب، فأومى إلينا، فجلسنا ناحية، فقال لنا وهو يضحك: ما منعكم أن تحيوني بتحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: نرغب بها عنك، وأما تحيتك التي لا ترضى إلا بها لا يحل لنا أن نحييك بها. قال: وما تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام. قال: فما كنتم تحيون به نبيكم؟ قلنا: بها. قال: فما كان تحيته هو؟ قلنا: بها. قال: فيم تحيون ملككم اليوم؟ قلنا: بها. قال: فيم يحييكم؟ قلنا: بها. قال: فما نبيكم يرث منكم؟ قلنا: ما يرث إلا ذا قرابة. قال: وكذلك ملككم اليوم؟ قلنا: نعم. قال: فما أعظم كلامكم عندكم؟ قلنا: لا إله إلا الله. قال: فيعلم الله لا نتفض حتى كأنه طير ذو ريش من حسن ثيابه، ثم فتح عينيه في وجوهنا وقال: هذه الكلمة التي قلتموها حين نزلتم تحت غرفتي؟ قلنا: نعم: كذلك إذا قلتموها في بيوتكم انتفضت لها سقوفكم؟ قلنا: والله ما رأيناها صنعت هذا قط إلا عندك، وما ذاك إلا لأمر أراده الله تعالى. قال: ما أحسن الصدق! أما والله لوددت أني خرجت من نصف ما أملك وأنكم لا تقولونها على شيء إلا انتفض لها. قلنا: ولم ذاك؟ قال: ذاك أيسر لشأنها وأخرى أن لا يكون من النبوة، وأن يكون من حيل بني آدم. قال: فماذا تقولون إذا فتحتم المدائن والحصون؟ قلنا: نقول: لا إله إلا الله والله أكبر، قال: تقولون: لا إله إلا الله والله أكبر، ليس غيره شيء؟ قلنا: نعم. قال: تقولون: الله أكبر، هو أكبر من كل شيء؟ قلنا: نعم. قال: فنظر إلى أصحابه، فراطنهم ثم أقبل علينا فقال: أتدرون ما قلت لهم؟ قلت: ما أشد اختلاطهم؟ فأمر لنا بمنزل وأجرى لنا نزلاً، فأقمنا في منزلنا تأتينا ألطافه غدوة وعشية، ثم بعث إلينا فدخلنا عليه ليلاً وحده ليس معه أحد، فاستعادنا الكلام فأعدناه

عليه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة ضخمة مذهبة، فوضعها بين يديه ثم فتحها، فإذا فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتاً واستخرج خرقة حرير سوداء، فنشرها فإذا فيها صورة حمراء، وإذا رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم ير مثل طول عنقه في مثل جسده، أكثر الناس شعراً، فقال لنا: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أعاده وفتح بيتاً آخر، فاستخرج منه خرقة حرير سوداء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل له شعر القبط قبل، ضخم العينين، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الهامة، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم أعادها في مواضعها، وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فإذا فيها صورة شديدة البياض، وإذا رجل حسن الوجه حسن العينين، شارع الأنف، سهل الخدين، أشيب الرأس، أبيض اللحية، كأنه حي يتنفس، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: إبراهيم. ثم أعادها وفتح بيتاً آخر، فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فإذا فيها صورة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: هذا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبكينا. فقال: بدينكم إنه محمد؟ قلنا: نعم، بديننا إنها صورته، كأنما ننظر في وجوهنا فقال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجلته لأنظر ما عندكم. فأعاده وفتح بيتاً آخر، فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فإذا فيها صورة رجل جعد أبيض قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقاص الشفة، كأنه من رجال أهل البادية، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى وإلى جانبه صورة شبيهة به، رجل مدور الرأس، عريض الجبين، بعينه قبل، قال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون. وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فنشرها وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شبه المرأة ذو عجيزة وساقين، قال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود.

فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فيها صورة بيضاء، فإذا رجل أوقص، قصير الظهر، طويل الرجلين، على فرس، لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله. ثم أعادها، وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه، حسن العينين، شديد سواد اللحية، يشبه بعضه بعضاً، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى بن مريم. فأعادها وأطبق الربعة. نا: لا. قال: هذا داود. فأعادها وفتح بيتاً آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء، فيها صورة بيضاء، فإذا رجل أوقص، قصير الظهر، طويل الرجلين، على فرس، لكل شيء منه جناح، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان وهذه الريح تحمله. ثم أعادها، وفتح بيتاً آخر فيه حريرة خضراء، فنشرها فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل شاب حسن الوجه، حسن العينين، شديد سواد اللحية، يشبه بعضه بعضاً، فقال: تدرون من هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى بن مريم. فأعادها وأطبق الربعة. قال: قلنا: أخبرنا عن قصة الصور ما حالها؟ فإنا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم، فإنا رأينا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشبه صورته، قال: أخبرت أن آدم سأل ربه أن يريه أنبياء نبيه فأنزل عليهم صورهم فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم عليه السلام في مغرب الشمس، فصورها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور، فهي هذه بعينها، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي فبايعتكم على دينكم، وأن أكون عبداً لأسوئكم ملكة، ولكن نفسي لا تطيب، فأجازنا فأحسن جوائزنا، وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا، فانصرفنا إلى رحالنا.

عدي بن يعقوب بن إسحاق بن تمام

عدي بن يعقوب بن إسحاق بن تمام أبو حاتم الطائي. حدث عن جده لأمه محمد بن يزيد بن عبد الصمد بسنده إلى أبي هريرة قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجماعة فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: مجنون. قال: ليس بالمجنون، ولكنه مصاب، إنما المجنون المقيم على معصية الله عز وجل. عرار بن عمرو بن شاش ابن أبي بلي واسمه عبيد بن ثعلبة بن ذؤيبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي الكوفي. وفد على عبد الملك بن مروان من عند الحجاج. ذكره أبوه عمرو بن شأس في شعره يعاتب امرأته أم حسان في أمر عرار، وكانت تؤذيه. قال أبو أحمد العسكري: عرار: بكسر العين المهملة وراءين غير معجمتين. كتب الحجاج كتاباً إلى عبد الملك بن مروان يصف له فيه أمر العراق وما ألفاهم عليه من الاختلاف، وما أنكره عليهم وعرفوه، وما يحتاجونإليه من التقويم والتأديب، ويستأذنه في أن يودع قلوبهم من الرغبة والرهبة ما يخفون معه إلى طاعة السلطان. ودعا برجل من أصحابه كان يأنس به فقال له: لا يصلن هذا الكتاب إلا من يدك إلى يده، فإذا فضه فخبره عليه، ففعل الرجل ذلك، فجعل عبد الملك كلما شك في شيء استنشأ الخبر من الرجل فيجده أبلغ من الكتاب فقال: من الطويل وإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنطق العمم

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، أتدري من يخاطبك؟ قال: لا. قال: أنا عرار، وهذا الشعر لأبي، وذلك أن أمي ماتت وأنا مرضع، فتزوج أبي امرأة فكانت تسيء ولايتي، فقال أبي من أبيات: فإن كنت مني أو تريدين شيمتي ... فكوني له كالسمن ربت به الأدم وإلا فسيري مثل ما سار راكب ... تيم خمساً ليس في سيره أمم أردت عراراًبا لهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم وإن عراراً يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنطق العمم فقال عبد الملك: لله أنتم آل مروان، إنكم لتضعون الهناء موضع النقب. وقال ابن سلام: لما قتل الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بعث برأسه مع عرار بن عمرو، فلما ورد به، وأوصل كتاب الحجاج، فرآه عبد الملك، فكلما شك في شيء سأل عراراً عنه فأخبره، فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته مع سواده، فقال متمثلاً: وإن عراراً إن يكن غير واضح ... فإني أحب الجون ذا المنكب العمم فضحك عرار من قوله ضحكاً غاظ عبد الملك، فقال له: مم ضحكت ويحك!؟ قال: أتعرف عراراً يا أمير المؤمنين الذي قيل فيه هذا الشعر؟ قال: لا. قال:

عراك بن خالد بن يزيد بن صالح

فأنا والله هو. فضحك عبد الملك ثم قال: خط وافق كلمة. وأحسن جائزته وسرحه. عراك بن خالد بن يزيد بن صالح ابن صبيح، أبو الضحاك المري الدمشقي حدث عن أبيه بسنده إلى عبادة بن الصامت قلب: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد في ظل الحطيم بمكة فقيل: يا رسول الله، أتي على عامل أبي فلان بسيف البحر فذهب به، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة، فحرزوا أموالكم بالزكاة، وداوو مرضاكم بالصدقة، وادفعوا عنكم طوارق البلاء بالدعاء، فإن الدعاء ينفع مما نزل ومما ينزل، ما نزل يكشفه، وما لم ينزل يحبسه ". وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إن الله عز وجل إذا أراد بقوم بقاء أو نماء، رزقهم السماحة والعفاف، وإذا أراد بقوم اقتطاعاً فتح عليهم باب خيانة. ثم نزع " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ". وحدث عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عكرمة ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان قال: الحمد لله، دفن البنات من المكرمات.

عراك بن مالك الغفاري المديني

عراك بن مالك الغفاري المديني قدم على عمر بن عبد العزيز. حدث عن أبي هريرة: أن رسول الله نهى عن أربع نسوة أن يجمع بينهن: المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها. وحدث عن أبي سلمة عن عائشة قالت: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء، ثم صلى ثمان ركعات قائماً وركعتين جالساً وركعتين بين النداءين، ولم يدعهما أبداً. قال رجاء بن أبي سلمة: أتي عمر بن عبد العزيز يوماً بتمر فقال: كأن هذا من تمر المدينة سقياً للمدينة وكان يحبها فقال له عراك بن مالك: يا أمير المؤمنين، لو سرت حتى تنزلها فإن بيت عائشة موضع قبر، فإن أصابك قدرك دفنت فيه. فقال: ويحك يا عراك! ما كان من عذاب يعذب الله به أحد من خلقه إلا وأنا أحب أن يصيبني من قبل أن يعلم الله أن منزلتي بلغت في نفسي أن أراها لذلك أهلاً. توفي عراك بالمدينة زمن يزيد بن عبد الملك، وكان ثقة من خيار التابعين، وكان شامياً. قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت صلاة من عراك بن مالك، كان يقرأ في كل ركعة عشر آيات. قال أبو الغصن: رأيت عراك بن مالك يصوم الدهر.

سأل عراك بن مالك عمر بن عبد العزيز أرضاً بالبلقاء، قال: لضيفي ومن غشيني بما فيها من حق. فقال له عمر: إنك لتعلم منها مثل ما أعلم، إياي تخادعون، خذها بذلها وصغارها. قال عراك: والله ما خادعتك. قال المنذر بن عبد الله الحزامي: كان عراك بن مالك من أشد أصحاب عمر بن عبد العزيز على بني مروان في انتزاع ما حازوا من الفيء والمظالم من أيديهم، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ولى عبد الواحد بن عبد الله النصري المدينة، فقرب عراكاً، وقال: صاحب الرجل الصالح. وكان لا يقطع أمراً دونه، وكان يجلس معه على سريره، فبينا هو يوماً معه إذ أتاه كتاب يزيد أن ابعث مع عراك حرسياً حتى ينزله دهلك، وخذ من عراك حمولته. فقال لحرسي وعراك معه على السرير: خذ بيد عراك فابتع من ماله راحله ثم توجه إلى دهلك حتى تقدة فيها ففعل ذلك الحدسي وكان عراك يغدو بأمه إلى المسجد فتصلي فيه الصلوات، ثم ينصرف بها، فما تركه الحرسي يصل إليها. وكان أبو بكر بن حزم نفى الأحوص إلى دهلك في إمرة سليمان بن عبد الملك، فلما ولي يزيد أرسل إلى الأحوص، فأقدمه عليه، فمدحه الأحوص، فأكرمه، قال: فأهل دهلك يأثرون الشعر عن الأحوص والفقه عن عراك. وقيل: إن أهل دهلك كانوا يقولون: جزى الله عنا يزيد خيراً، كان عمر قد نفى إلينا رجلاً علم أولادنا الباطل، وإن يزيد أخرج إلينا رجلاً علمنا الله على يديه الخير. وكان استخلاف يزيد سنة إحدى ومئة بعد موت عمر بن عبد العزيز، ومكث في الخلافة أربع سنين وشيئاً.

عرباض بن سارية السلمي

عرباض بن سارية السلمي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الصفة، سكن حمص، وكان العرباض أحد البكائين الذين نزل فيهم " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم "، وقدم دمشق. حدث عرباض بن سارية قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فوعظ الناس ورغبهم وحذرهم وقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وأطيعوا من ولاة الله أمركم، ولا تنازعوا الأمر أهله، ولو كان عبداً أسود أجدع، وعليكم بما تعرفون، وسنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ. حدث عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ". فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال عرباض: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. قال العرباض بن سارية: دخلت مسجد دمشق فصليت فيه ركعتين وقلت: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، فاقبضني إليك. وإلى جنبي شاب لم أر أجمل منه عليه دواج أخضر، فقال لي:

ما هذا الذي تقول؟ قلت: فكيف أقول؟ قال: قل اللهم حسن العمل وبلغ الأجل، قلت: من أنت؟ قال: أنا ربائيل الذي يسلي الحزن من صدور المؤمنين. ثم التفت فلم أر أحداً. قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد: العرباض: الطويل من الناس وغيرهم، الجلد المخاصم من الناس، وهو مدح، والسارية الأسطوانة، وسئل عن العرباض بن سارية. قال خليفة بن خياط: العرباض بن سارية من بني سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، وكنيته أبو نجيح، مات في فتنة ابن الزبير وقيل: سنة خمس وسبعين. قال محمد بن عوف: كل واحد من عمرو بن عبسة والعرباض بن سارية يقول: أنا ربع الإسلام، لا يدرى أيهما أسلم قبل صاحبه. قال العرباض بن سارية: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلينا يوم الجمعة في الصفة وعلينا الحوتكية، فيقول لنا: لو تعلمون ما ذخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم، ولتفتحن فارس والروم. قال شريح بن عبيد: كان عتبة بن عبد يقول: عرباض خير مني، وعرباض يقول: عتبة خير مني سبقني إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنة.

قال عرباض بن سارية: كنت ألزم باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجة، فرجعنا إلى منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تعشى ومن عنده من أضيافه ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال ابن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني، فكنا ثلاثة، كلنا جائع، إنما نعيش بباب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيت، فطلب شيئاً نأكله، فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالاً: يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ قال: لا والذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحميتنا. قال: انظر عسى أن تجد شيئاً. فأخذ الجرب ينفضها جراباً جراباً، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت بين يديه سبع تمرات، ثم دعا بصحفة، فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى الله وقال: كلوا باسم الله. فأكلنا، فأحصيت أربعة وخمسين تمرة أكلتها، أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، وشبعنا وأكل كل واحد منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي، فقال: يا بلال، ارفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعاً. قال: فبتنا حول قبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان يتهجد من الليل، فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر ركع ركعتي الفجر، وأذن بلال وأقام، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس ثم انصرف إلى فناء قتبه، فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من " المؤمنين " عشرة، فقال: هل لكم في الغداء؟ قال عرباض بن سارية: فجعلت أقول في نفسي: أي غداء؟! فدعا بلال بالتمرات، فوضع يده عليه في الصفحة ثم قال: كلوا بسم الله. فأكلنا

عروة بن أذينة وهو لقب

والذي بعثه بالحق حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعاً، وإذا التمرات كما هي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لولا أني أستحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة من آخرنا، وطلع غليم من أهل البلد فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التمرات بيده فدفعها إليه فولى الغلام يلوكهن. أعطى معاوية المقداد حماراً من المغنم فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، وما كان لمعاوية أن يعطيكه، كأني بك في النار تحمله على عنقك أسفله أعلاه. فرده. كان العرباض بن سارية يقول: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح لألحقت مالي سبله، ثم لحقت وادياً من أودية لبنان فعبدت الله حتى أموت. وعن عرباض بن سارية: أنه أوصى فقال: ألحدوا لي لحداً، وسنوا علي التراب سناً، ولا تجعلوه ضريحاً. عروة بن أذينة وهو لقب واسم أذينة، يحيى بن مالك بن الحارث بن عمرو بن عبد الله بن رجل بن يعمر الشداح بن عوف بن كعب بن عامر أبو عامر الليثي. شاعر من أهل الحجاز، وفد على هشام بن عبد الملك. وفي نسبه اختلاف. قال عروة بن أذينة: خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى البيت، حتى إذا كنا ببعض الطريق، فأرسلت مولى لها يسأل عبد الله بن عمر، قال: فخرجت معه نسأله، فقال عبد الله: مرها

فلتركب، ثم لتمشي من حيث عجزت. قال مالك: ونرى مع ذلك عليها الهدي. وعروة شاعر مكثر فصيح، مأمون على ما روى من المسند وغيره، ولحق بالدولة العباسية بعد سن عالية. قال غاضرة بن حاتم: وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك، فلما دخل إليه شكا خلة وديناً، فقال هشام: ألست القائل: من البسيط: لقد علمت وما الإشراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني أسعى إليه فيعنيني تطلبه ... ولو جلست أتاني لا يعنيني وما اشتريت بمال قط محمدة ... إلا تيقنت أني غير مغبون ولا دعيت إلى مجد ولا كرم ... إلا أجبت إليه من يناديني

ثم قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال عروة: وعظت يا أمير المؤمنين فأبلغت. وخرج إلى راحلته، فركبها ثم وجهها نحو الحجاز، فمكث هشام يومه، فلما كان في الليل ذكره فقال: رجل من قريش وفد إلي، فجبهته ورددته عن حاجته، وهو مع ذا شاعر، ولا آمن يقول في ما يبقى ذكره! فلما أصبح دعا مولاه فدفع إليه ألفي دينار وقال: الحق بهذه ابن أذينة. قال المولى: فخرجت إلى المدينة فقرعت عليه الباب، فخرج إلي فأعطيته المال فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام، وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكذبت، ورجعت إلى منزلي فأتاني، ولكني قد قلت: من الكامل: شاد الملوك قصورهم وتحصنوا ... من كل طالب حاجة أو راغب فإذا تلطف للدخول عليهم ... عاف تلقوه بوعد كاذب فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن ... يا ذا الضراعة طالباً من طالب فأقسم بالله لا سألت أحد حاجة حتى ألقى الله. فكان ربما سقط سرطه فينزل عن فرسه ويأخذه ولا يسأل أحداً أن يناوله إياه. مرت سكينة بعروة بن أذينة فقالت: يا أبا عامر، أنت الذي تقول: من البسيط: يا نظرة لي ضرت يوم ذي سلم ... حتى لي هذا الضر في نظري قالت وأبثثتها سري فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطى هواك وما ألقى على بصري وأنت القائل: من البسيط: إذا وجدت أذى للحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أيترد هذا بردت ببرد الماء ظاهرة ... فمن لحر على الأحشاء يتقد

قالت: هن حرائر وأشارت إلى جواريها إن كان هذا خرج من قلب سليم. قال عروة بن عبيد الله بن عروة بن الزبير: كان عروة بن أذينة نازلاً مع أبي في قصر عروة بن الزبير بالعقيق فسمعه ينشد نفسه: من الكامل: إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها فيك الذي زعمت بها فكلاكما ... أبدى لخلته الصبابة كلها ولعمرها لو كان حبك فوقها ... يوماً وقد حجبت إذا لأظلها وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضمير لها إليك فسلها بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها لما عرضت مسلماً لي حاجة ... أخشى صعوبتها وأرجو ذلها حجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها فدنا فقال: لعلها معذورة ... في بعض رقبتها، فقلت: لعلها قال عروة: فجاءني أبو السائب يوماً بالعقيق، فقلت له بعد الترحيب به: ألك حاجة؟ قال: أبيات لعروة بن أذينة بلغني أنك سمعتها منه، قلت: أي أبيات؟ قال: وهل يخفى القمر؟! إن التي زعمت فؤادك ملها فأنشدته إياها فقال: ما يروي هذه إلا أهل المعرفة والعقل، هذا والله الصادق الود، الدائم العهد، لا الهذلي الذي يقول: من الكامل:

عروة بن الجعد

إن كان أهلك يمنعونك رغبة ... عني فأهلي بي أضن وأرغب لقد عدا الأعرابي طوره، وإني لأرجو أن يغفر الله لصاحبه في حسن الظن بها، وطلب العذر لها، ودعوت له بطعام، فقال: لا والله حتى أروي هذه الأبيات، فلما رواها وثب فقلت: كما أنت حتى تأكل. فقال: ما كنت لأخلط بمحبتي لها وأخذي إياها غيرها. وانصرف. قال عروة بن أذينة الشاعر: عجبت لمن علم أنه يموت كيف لا يموت! كان عروة بن أذينة إذا نام الناس بالبصرة خرج فنادى في سككها: يا أهل البصرة، الصلاة الصلاة ثم يتلو " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون ". عروة بن الجعد ويقال: ابن أبي الجعد الأزدي ثم البارقي الكوفي. وبارق: جبل نزل عنده بعض الأزد فنسبوا إليه. ولعروة صحبة، روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث، وقدم دمشق في جملة من سير من أهل الكوفة في خلافة عثمان بن عفان. حدث عروة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخيل معقود بنواصيها الخير، والأجر والمغنم يوم القيامة ". وعن عروة بن الجعد قال: أعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديناراً فقال: اشترلنا به شاة. قال: فانطلقت فاشتريت شاتين بدينار، فلقيني رجل في الطريق فساومني بشاة، فبعتها بدينار، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، هذا ديناركم وهذه شاتكم. قال: فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وصنعت

عروة بن حزام بن مهاصر

كيف؟ قال: فأخبرته، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه. قال: فقال: إني لأقوم في الكناسة بالكوفة، فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفاً. وبارق: سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث. ونزل عروة بن الجعد الكوفة وولي القضاء بها، وأتى المدائن، ثم انتقل إلى براز الروز على مرحلة من النهروان، وأقام بها مرابطاً، وكان له فيها أفراس، منها فرس أخذه بعشرين ألف درهم. قال الشعبي: أول من قضى على الكوفة عروة بن الجعد البارقي وقيل: ابن مسعود، وقيل: سلمان بن ربيعة، وقيل: وليها شريح قبل عروة. وكان عروة قاضياً، فكتب إلى عمر في عين الدابة، فكتب إليه عمر: إنا كنا نقضي فيها كما نقضي في عين الإنسان، ثم اجتمع رأينا أن نجعلها الربع. قال شبيب بن غرقدة: رأيت في دار عروة سبعين فرساً مربوطة. عروة بن حزام بن مهاصر ويقال: ابن حزام بن مالك، أبو سعيد العذري أحد بني ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة. شاعر حجازي مشهور، كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مهاصر بن مالك، ويقال: بنت عقال ابن مهاصر، وكان أهلها خرجوا من الحجاز إلى الشام فتبعهم، وقد ذكر كونه ببصرى في أبيات: من الطويل:

لعمري إني يوم بصرى وناقتي ... لمختلفا الأهواء مصطحبان متى تحملي شوقي وشوقك تظلعي ... ومالك بالحمل الثقيل يدان جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني فما تركا من حيلة يعلمانها ... ولا رقية إلا وقد رقياني وقالا: شفاك الله، والله ما لنا ... بما حملت منك الضلوع يدان كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان وحزام: بكسر الحاء المهملة، وزاي معجمة. وعروة هذا قتيل الحب. ولما احتمل زوج عفراء إلى البلقاء، كان عروة بن حزام يأتي مواضع أبياتها وأعطان إبلها، فيلصق صدره بترابها، فيقال له: يا هذا، اتق الله في نفسك. فيقول: إليكم عني وينشد: من الطويل: بي اليأس أو داء الهيام شربته ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا فما زادني الناهون إلا صبابة ... ولا كثرة الواشين إلا تماديا قالوا: ورآه شيخ منهم فقال له: مه يا بن أخ، فما فعل هذا منا أحد إلا هلك. فقال: يا عم، إني لمكروب، وإني لأجد حراً على كبدي، فما زال به الحب حتى هلك، فبلغ ذلك معاوية بن أبي سفيان فقال: لو علمنا بهذين الكريمين لجمعنا بينهما. قال ابن أبي عتيق: إني لأسير في أرض عذرة، إذا أنا بامرأة تحمل غلاماً خدلاً، ليس مثله يتورك،

فعجبت لذلك، فتقبل به، فإذا برجل له لحية! قال: فدعوتها، فجاءت، فقلت: ما هذا ويحك؟ فقالت: أسمعت بعروة بن حزام قلت: نعم. قالت: هذا عروة بن حزام فقلت له: أنت عروة؟! فكلمني وعيناه تدوران في رأسه، وقال: نعم أنا الذي أقول: جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني فلهفي على عفراء لهف كأنه ... على النحر والأحشاء حد سنان فعفراء أحظى الناس عندي ... وعفراء عني المعرض المتواني قال: ثم ذهبت، فما برحت ممر الماء حتى سمعت الصيحة، وقالوا: مات عروة بن حزام. قال النعمان بن بشير: استعملني عمر بن الخطاب أو قال عثمان على الصدقات سعد هذيم وعذرة وسلامان وضنة والحارث، وهم قضاعة، فلما قبضت الصدقة وقسمتها بين أهلها، وأقبلت بالسهمين الباقيين إلى عمر أو عثمان فلما كنت بعد ذلك في أيام يزيد، ببلاد عذرة في حي منهم يقال لهم: بنو هند، إذا أنا ببيت حريد، منفرد عن الحي، جاحش عن الحي، فملت إليه فإذا عجوز جالسة عند كسر البيت، وإذا شاب قائم في ظل البيت، فلما دنوت منه وسلمت ترنم بصوت له ضعيف: بذلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني فقالا: نعم، نشفي من الداء كله ... وقاما مع العواد يبتدران نعم وبلى، قالا: متى كنت هكذا ... ليستخبراني قلت: منذ زمان

فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا بها سقياني فقالا: شفاك الله، والله ما لنا ... بما حملت منك الضلوع يدان قال: ثم شهق شهقة خفيفة، فإذا هو قد مات، فقلت: أيتها العجوز، ما أظن هذا النائم بفياء بيتك إلا قد مات. فقالت: نفسه والله نفسه ثلاث مرات. فدخلني من ذلك ما لا يعلمه إلا الله، واغتممت وخفت أن يكون موته لكلامي، فلما رأت العجوز جزعي قالت: هون عليك، فإنه قد مات بأجله واستراح مما كان فيه، وقدم على رب غفور، فهل لك في استكمال الأجر، هذه الأبيات منك غير بعيد، تأتيهم فتنعاه لهم، وتسألهم حضوره. فاسترحت إلى قولها، وأتيت أبياتاً منهم على قدر ميل، فنعيته إليهم وحفظت الشعر، فجعل الرجل بعد الرجل يسترجع إذا أخبرته، فبينا أنا أدور إذا بامرأة كأنها الشمس طالعة، فقالت: أيها الناعي بفيك الكثكث، بفيك الحجر، من تنعى؟ قلت عروة بن حزام. قالت: بالذي أرسل محمداً بالحق هل مات؟ قلت: نعم. قالت ماذا فعل قبل موته؟ فأنشدتها الشعر، فما نهنهت أن قالت: من الوافر: عداني أن أزورك يا خليلي ... معاشر كلهم واش حسود أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد فأما إذ ثويت اليوم لحداً ... ودور الناس كلهم لحود فلا طابت لنا الدنيا فواقاً ... ولا لهم ولا أثرى عديد ثم مضت معي ومع القوم تصيح وتولول، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه وقبرناه، فجاءت فأكبت على قبره. وحركت مطيتي وقدمت الشام، فدخلت على يزيد بن معاوية، فدفعت إليه

الكتاب، وأخبرته بالأمر الذي قدمت له، فسألني عن أمور الناس وقال لي: هل رأيت في طريقك شيئاً تحدثني؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، رأيت عجباً من العجب، وحدثته الحديث، فاستوى جالساً ثم قال: يا محمد بن قيس، امض الساعة قبل أن تعرف ما قدمت له إلى الموضع. قال محمد بن قيس: فمررت بموضع الحي، فوجدت إلى جانبه قبراً آخر، فسألت عنه، فقيل: المرأة التي أكبت على هذا القبر لم تذق طعاماً لا شراباً ولم ترفع إلا ميتة بعد ثلاث، فجئت ببني عمه وعمها فأتيت بهم أمير المدينة فأحقهم جميعاً في شرف العطاء. كان عروة بن حزام وعفراء بنت مالك نشأ جميعاً، فعلقها علاقة الصبا، وكان يتيماً في حجر عمه حتى بلغ، وكان عروة يسأله أن يزوجه إياها، فكان يسوفه إلى أن خرج في عير أهله إلى الشام، وقدم على أبي عفراء ابن عم له من البلقاء، كان حاجاً، فخطبها فزوجه إياها فحملها. وأقبل عروة في عيره تلك، حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلة من نحو المدينة، فيها امرأة على جمل أحمر، فقال لأصحابه: والله لكأنها شمائل عفراء. فقالوا له: ويحك ما تترك ذكر عفراء على حال من الحال. فلما تبينها بقي مبهوتاً لا يحير كلاماً حتى بعد القوم فذلك قوله: من الطويل: وإني لتعروني لذكراك روعة ... لها بين جلدي والعظام دبيب وما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب وقلت لعراف اليمامة: داوني ... فإنك إن داويتني لطبيب فما بي من سقم ولا طيف جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب عشية لا عفراء منك بعيدة ... فتسلو ولا عفراء منك قريب

ثم انصرق عروة إلى أهله، فأخذه البكاء والهلاس حتى لم يبق منه شيء فقال أناس: إنه لمسحور، وإن به جنة، وإنه لموسوس، وباحضارم من اليمامة طبيب يقال له سالم، له تابع من الجن، وهو أطب الناس، فساروا إليه وجاؤوا به، فجعل يشفيه وينشر عنه، فقال له عروة: يا هناه، هل عندك للحب من رقية؟ قال: لا والله. فانصرفوا حتى مروا بطبيب بحجر فعالجه، وصنع به مثل ذلك، فقال له عروة: ما دوائي إلا شخص مقيم بالبلقاء. فانصرفوا به وهو يقول: جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني وزاد في حديث آخر: أن عروة قال لأهله: إن نظرت إلى عفراء ذهب وجعي، فخرجوا به حتى نزلوا البلقاء مستخفين، فكان لا يزال يلم بعفراء ينظر إليها، وكانت عند رجل سيد كثير المال والغاشية، فبينا عروة يوماً بسوق البلقاء إذ لقيه رجل من بني عذرة. فسأله متى قدم؟ فأخبره، فلما أمسى الرجل تعشى مع زوج عفراء، ثم قال: متى قدم هذا الكلب عليكم الذي قد فضحكم؟ قال زوج عفراء: أنت أولى بأن تكون كلباً منه، ما علمت على عروة إلا خيراً، ولا رأيت فتى في العرب أحيا منه، ولا علمت بمقدمة، ولو علمت لضممته إلى منزلي. فلما أصبح غدا يستدل عليهم حتى جاءهم، فقال لهم: أنزلتم ولم تروا أن تعلموني منزلكم، علي وعلي إن كان منزلكم عندي. فقالوا: نعم. نتحول إليك هذه الليلة أو من غد. فلما ولوا قال عروة: قد كان من الأمر ما ترين، ولئن أنتن لم تخرجن معي لأركبن رأسي، الحقوا بقومكم، فليس بي بأس. فقربوا ظهرهم فارتحلوا،

عروة بن الحكم التميمي

ونكس فلم يزل يثقل حتى نزلوا وادي القرى. قال عروة بن الزبير: مررت بوادي القرى فقيل لي: هل لك في عروة؟ قلت: نعم. فجئته فالتفت إلى إخوانه فقال: من كان من أمهاتي باكياً أبداً ... فالآن إني أراني اليوم مقبوضاً يسمعننيه فإني غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم معروضا قال: فبرزن يضربن وجوههن ويمزقن ثيابهن، قال: وقمت فما وصلت إلى منزلي حتى لحقني رجل فخبرني أنه مات. أنشد الزبير لعروة بن حزام: من الطويل: وآخر عهدي من عفيراء أنها ... تدير بناناً كلهن خضيب عشية ما تقضي لي النفس حاجة ... ولم أدر إذ نوديت كيف أجيب عروة بن الحكم التميمي حدث عن يحيى بن سمرة القرشي قال: كان يقوم إلى جانب المنبر إذا صعده أبو العميطر يقول: يا أهل دمشق، ليفرضن لصبيانكم في الكتبات، وليعطين نساؤكم العشرات، هذا أمير المؤمنين علي بن عبد الله أولى بها من الغادرين الجائرين، أولي المكر، وقل يا أمير المؤمنين، فإنه ولي حباه الله بالعز

عروة بن رويم أبو القاسم اللخمي

والفخر. ثم يقول: هؤلاء موالي أمير المؤمنين: ابن أبي الزعيزية وأين مثل ابن أبي الزعيزية، وابن أبي ذويد، وأين مثل ابن أبي ذويد، لاكهرثمة، وإنما كان إسكافاً، ولا كالسندي وإنما كان حجاماً. عروة بن رويم أبو القاسم اللخمي من أهل الأردن، قدم الجابية، وسمع بها أنس بن مالك يحدث الخليفة. قال عروة بن رويم: كنا عند عبد الملك بن مروان حين قدم عليه أنس بن مالك، فقال له عبد الملك: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس بينك وبينه أحد، ليس فيه تزيد ولا نقصان، فقال أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الإيمان يمان إلى لخم وجذام، إلا أن الكفر وقسوة القلوب في هذين الحيين من ربيعة ومضر. وحدث عروة عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى اله عليه وسلم قال: لما أنزلت " إذا وقعت الواقعة " فذكر فيها " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " قال عمر: يا نبي الله، ثلة من الأولين وقليل منا؟ قال: فأمسك آخر السورة سنة، ثم أنزل الله تبارك وتعالى " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عمر، تعال اسمع ما قد أنزل الله " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " ألا وإن من آدم إلي ثلة، وأمتي ثلة، ولن تستكمل ثلتنا حتى تسعين بالسودان من رعاة الإبل، ممن يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وعن عروة بن رويم أنه حدث عن الأنصاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يكون في أمتي رجفة، يهلك فيها عشرة آلاف، وعشرون ألف، وثلاثون ألف، يجعلها الله تعالى موعظة للمتقين، ورحمة للمؤمنين، وعذاباً على الكافرين. وحدث عن الأنصاري قال: قال الله: " لأرجفن بعبادي في خير ليال، فمن قبضته فيها كافراً كانت منيته التي قدرت عليه، ومن قبضته فيها مؤمناً كانت له شهادة ". وعن عروة بن رويم قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزاة له، فدخل المسجد، فصلى له ركعتين وكان يعجبه إذا قدم، أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتى فاطمة عليها السلام، فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته فاطمة، فجعلت تقبل وجهه وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يبكيك؟ قالت: أراك يا رسول الله قد شحب لونك واخلولقت ثيابك. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا فاطمة، إن الله بعث أباك بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث يبلغ الليل. وعن عروة بن رويم قال: كاد المقلسون يحولون بيننا وبين جنازة عبد الملك، قوم يقلسون للوليد بن عبد الملك، ونحن نذهب بجنازة عبد الملك إلى المقابر!. توفي عروة بن رويم اللخمي سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وهودمشقي، وكان كثير الحديث، ثقة. وعن عروة بن رويم قال: ثلاثة من جاء بإحداهن زوجه الله من أي الحور العين شاء: من ولي طعماً فاتقى

الله فأدى الأمانة، ومن ضرب بسيفه بين يدي كتيبة يريد ما عند الله، ومن رد غيظه وهو قادر على أن يمضيه. قال عروة بن رويم: يأتي على الناس زمان يسمى فيه الأمر بالمعروف مكلف. واختلف في وفاة عروة، فقيل: سنة خمس وعشرين ومئة، وقالوا: وهو وهم. وقيل: توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئة، وقيل: سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة أربعين. ومات بذي خشب. وحمل إلى المدينة فدفن بها. وقيل: توفي سنة أربع وأربعين ومئة. /

عروة بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عبد الله الأسدي القرشي الفقيه المدني أمه أسماء بنت أبي بكر، وخالته عائشة أم المؤمنين وفد على معاوية بن أبي سفيان، وعلى عبد الملك بن مروان، وعلى الوليد بن عبد الملك. حدث عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب الحلوى والعسل. وحدث عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر الطعام أو العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا بالطعام ". وحدث عنها: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبّل وهو صائم. وكان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً، مأموناً ثبتاً. ولد عروة بن الزبير سنة ثلاث وعشرين في آخر خلافة عمر. وقيل: ولد لست سنين خلت من خلافة عثمان. وكان بينه وبين أخيه عبد الله بن الزبير عشرون سنة. وقيل: ولد سنة تسع وعشرين.

قال عروة: كنت أتعلق بشعر كتفي أبي الزبير وهوي قول: من الرجز مباركٌ من ولد الصّديق ... أزهر من آل أبي غتيق ألذّه كما ألذّ ريقي قال عروة بن الزبير: وقفت وأنا غلام أنظر إلى الذين حضورا عثمان بن عفان، وقد مشى أحدهم على الخشبتين اللتين غرزتا ليدخل منهما إلى عثمان، فلقيه عليهما أخي عبد الله بن الزبير، فبصرته طاح قتيلاً على البلاط، فقلت لصبيانٍ معي: قتله أخي، فوثب عليّ الذين حضروا عثمان، فكشّفوني فلم يجدوني أنبت، فخلّوني. وقد روي أنه أذّن له عمر بن الخطاب. قال عروة: كنت غلاماً لي ذؤابتان، قال: فقمت أركع ركعتين بعد العصر، قال: فبصر بي عمر بن الخطاب ومعه الدّرّة، فلما رأيته فررت منه وأحضر في طلبي حتى تعلق بذؤابتي قال: فنهاني، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أعود. قال علقمة بن وقاص: لما خرج طلحة والزبير وعائشة بطلب دم عثمان عرضوا من معهم بذات عرق فاستصغروا عروة بن الزبير فردوه.

قال عروة: رددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن من الطريق يوم الجمل واستصغرنا. قال قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة: كنا في خلافة معاوية في آخرها نجتمع في حلقة في المسجد بالليل وأنا ومصعب وعروة ابنا الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الملك بن مروان وعبد الرحمن بن المسور بن مخرمة وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وكنا نتفرق بالنهار. فكنت أنا أجالس زيد بن ثابت، وزيد مترئس بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي في مقامه بالمدينة، وفي الفقه خمس سنين، حتى ولي معاوية سنة أربعين، فكان كذلك حتى توفي زيد سنة خمس وأربعين، فكنت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نجالس أبا هريرة، وكان عروة بن الزبير يغلبنا بدخوله على عائشة. وكانت عائشة أعلم الناس، يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان يقول لنا ونحن شباب: مالكم لا تعلّمون؛ لقد هابكم سراتكم، إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبارهم، وما خير للشيخ يكون شيخاً وهو جاهل، لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته. ولقد كان يبلغني عن الرجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المهاجرين الحديث فآتيه فأجده قد قال، فأجلس على بابه فأسأله عنه. قال أبو الزناد: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان. قال الزهري: سألت ابن صغير عن شيء من الفقه، فقال: ألك بذا حاجة؟ عليك بهذا، وأشار

إلى سعيد بن المسيّب؛ فجالسته سبع سنين لا أرى أن عالماً غيره. قال: ثم تحولت إلى عروة ففجّرت به ثبج بحر. قال ابن شهاب: جالست سعيد بن المسيب، فكان يعيد عليّ الرجيع من حديثه. وكان عروة بحراً ما تكدره الدلاء. وما رأيت أغزر حديثاً من عبيد الله بن عبد الله. قال سفيان بن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن. حدث هشام بن عروة: أن عون بن عبد الله قال: حدثني عن أبيك، قال: فذهبت أحدثه عن السنين، فقال: لا غرائب أحاديثه! فإن عبد الله بن عروة حدثني عن عروة عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية بن أبي سفيان: إنك إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً، فاتق الله. قال هشام: حدثني عتبة بن عبد الله قال: جلست مع أبيك فضحكت فقال: ما يضحكك؟ فقلت: أنك تحيلنا على الأملئاء. قال هشام: فإنما كان يحدث عن عائشة. فقال هشام: وكان أبي يقول: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار، وإنكم اليوم أصاغر وستكونون كباراً، فتعلموا العلم تسودوا به قومكم، ويحتاجون إليكم، فوالله ما سألني الناس حتى لقد نسيت.

قال هشام: وكان أبي يدعوني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل أخويّ، وآخر قد سمّاه هشام، فيقول: لا تغشوني مع الناس، إذا خلوت فسلوني، فكان يحدثنا: يأخذ في الطلاق ثم الخلع ثم الحج ثم الهدي ثم كذا، ثم يقول: كروا عليه، فكان يعجب من حفظي. قال هشام: فوالله ما تعلمنا جزءاً من ألف جزء من أحاديثه. وفي حديث بمعناه: عن عبيد الله بن عبد الله: فقال: وما يضحكك؟ فقال: إنك تحدثني عن عائشة وتحيلني على الملاء وإن غيرك يحيلنا على المفاليس. قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: العلم لواحد من ثلاثة: لذي حسب يزينه به، أو ذي دين يسوس به دينه، أو مختبطٍ سلطاناً يتحفه بعلمه، ولا أعلم أحداً أشرط لهذه الخلال من عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز كلاهما حسيب ديّن من السلطان تأرّى. قال الزهري: كن عروة يتألّف الناس على حديثه، وفي رواية: على علمه. قال عثمان بن عروة: كان عروة يقول: يا بنيّ هلموا فتعلموا، فإن أزهد الناس في عالم أهله، وما أشده على أمير بأن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله. قال هشام بن عروة: ما رأيت عروة يسأل عن شيء قط، فقال فيه برأيه، إن كان عنده فيه علم قال بعلمه، وإن لم يكن عنده فيه علم، قال: هذا من خالص السلطان.

قال: وقال أبي: ما أخبرت أحداً بشيء من العلم قط لا يبلغه عقله إلا كان ذلك ضلالة عليه. وعن هشام بن عروة: أن أباه حرق كتباً له فيها فقه، ثم قال: لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي. قال الزهري: كنا عند عمر بن عبد العزيز، وهو والي المدينة، ثم صرت إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فقال: هل من معه به خبرٌ فأسأله الأمر؟ هل كان عمر يكتب؟ فقال عروة: نعم كان يكتب، فقال: بآية ماذا؟ قال: بقوله: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في القرآن لخططت آية الرجم بيدي. فقال عبيد الله: هل سمّى عروة من حدّثه؟ قلت: لا، فقال عبيد الله: فإنما صار عروة يمص مص البعوضة تملأ بطنها ولا يرى أثرها، يسرق أحاديثنا ويكتمنا. أي: إني أنا حدثته. قال أبو الزناد: ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله!! فقال: وما روايتي في رواية عائشة: ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً. قال ابن شوذب: كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون، وكان إذا دخله ردّد هذه الآية فيه حتى يخرج منه: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله " حتى يخرج. وكان عروة يقرأ ربع القرآن كل يوم نظراً في المصحف، ويقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاوده من الليلة المقبلة، وكان في رجله الأكلة، فنشرها

وكان الوليد بن عبد الملك بعث إليه الأطباء فقالوا: نقطع رجله، فقطعت، فما تضوّر وجهه يومئذ. وعن عروة: أنه خرج إلى الوليد بن عبد الملك، حتى إذا كان بوادي القرى وجد في رجله شيئاً، فظهرت به قرحة، وكانوا على رواحل، فأرادوه على أين يركب محملاً، فأبى عليهم، ثم غلبوه، وخلّوا ناقة له بمحمل فركبها، ولم يركب محملاً قبل ذلك، فلما أصبح تلا هذه الآية: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها " حتى فرغ منها، وقال: لقد أنعم الله على هذه الأمة في هذه المحامل بنعمة لا تؤدون شكرها. وترقّى في رجله الوضع حين قدم على الوليد، فلما رآه الوليد قال: يا أبا عبد الله اقطعها، فإني أخاف أن يبالغ فوق ذلك قال: فدونك؛ فدعا له الطبيب، وقال له: اشرب المرقد، قال: لا أشرب مرقداً أبداً. قال: فقدرها الطبيب، واحتاط بشيء من اللحم الحي، مخافة أن يبقى منها شيء ضمنٌ فيرقى، فأخذ منشاراً، فأمسّه النار فاتكأ له عروة، فقطعها من نصف الساق. فما زاد على أن يقول: حس حس. فقال الوليد: ما رأيت شيخاً قط أصبر من هذا. وأصيب عروة بابن له يقال له محمد، في ذلك السفر، ودخل إسطبل دواب من الليل ليبول، فركضته بغلةٌ فقتلته، وكان من أحب ولده غليه، فلم يسمع من عروة في ذلك كله كلمة حتى رجع، فلما كان بوادي القرى قال: لقينا من سفرنا هذا نصباً، اللهم

كان لي بنون سبعة فأخذت منهم واحداً وبقّيت لي ستة، وكانت لي أطراف أربعة، فأخذت مني طرفاً وبقّيت لي ثلاثة. وايمك لئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت. فلما قدم المدينة جاء رجل من قومه يقال له عطاء بن ذؤيب، فقال: يا أبا عبد الله ما كنا نحتاج أن نسابق بك، ولا نصارع بك، ولكنا كنا نحتاج إلى رأيك والأنس بك، فأما ما أصبت به فهو أمر ذخره الله لك، وأما ما كنا نحب أن يبقى لنا منك فقد بقي. وفي حديث غيره بمعناه، قال عروة: ما عزاني أحد عن رجلي مثلك. ونشرت رجل عروة في دمشق. ولما نظر عروة إلى رجله في الطست حين قطعت قال: اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى معصية قط. وما ترك حزبه تلك الليلة. قال: وقعد بنوه يخنّون، يعني يبكون، فقال: يا بنيّ إن أباكم لم يكن فرساً يراهن عليه، قد أبقي لي خير خلتين: ديني وعقلي. كان عروة يصوم الدهر كله إلا يوم الفطر ويوم النحر، ومات وهو صائم، فجعلوا يقولون له: أفطر، فلم يفطر. قال أبو الزناد: اجتمع في الحجر مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة. وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم. وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع

بينعائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين. وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا كلهم ما تمنّوا، ولعل ابن عمر قد غفر له. وعن محمد بن شيبة قال: قال مصعب بن الزبير: وددت أني لا أموت حتى أملك المصرين، وأتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة. وقال عبد الملك: وددت أني لا أموت حتى أسمى بهذا الاسم. وقال عروة بن الزبير: وددت أن الله غفر لي ورحمني وأدخلني الجنة. قال: ولم يمت هذان حتى أصابا ما طلبا، وأرجو أن يصيب هذا ما طلب. قال الزهري: كنت آتي عروة فأجلس في بابه مليّاً، ولو شئت أن أدخل لدخلت، فأرجع وما أدخل إعظاماً له. قال هشام بن عروة: جاء عمر بن عبد العزيز من قبل أن سيتخلف إلى أبي عروة بن الزبير، فقال له: رأيت البارحة عجباً، كنت فوق سطحي مستلقياً على فراشي، فسمت جلبة في الطريق، فأشرفت فظننت عسكر العسس، فإذا الشياطين يجيئون كردوساً كردوساً حتى اجتمعوا في جوبة خلف منزلي. قال: ثم جاء إبليس. فلما اجتمعوا هتف إبليس بصوت عال؛ فتفازعوا، فقال: من لي بعروة بن الزبير؟ فقالت طائفة منهم: نحن، فذهبوا ورجعوا، فقالوا: ما قدرنا منه على شيء. قال: فصاح الثانية أشد من الأولى، فقال: من لي بعروة بن الزبير؟ فقالت طائفة أخرى: نحن، فذهبوا،

فلبثوا طويلاً، ثم رجعوا، وقالوا: ما قدرنا منه على شيء، فصاح الثالثة صيحة ظننت أن الأرض قد انشقت، فتفازعوا، فقال؛ من لي بعروة بن الزبير؟ فقالت جماعتهم: نحن، فذهبوا ثم لبثوا طويلاً، ثم رجعوا، فقالوا: ما قدرنا منه على شيء. قال: فذهب إبليس مغضباً، واتبعوه. فقال عروة بن الزبير لعمر بن عبد العزيز: حدثني أبي الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من رجل يدعو بهذا الدعاء في أول ليله وأول نهاره إلا عصمه الله من إبليس وجنوده: بسم الله ذي الشان، عظيم البرهان، شديد السلطان، ما شاء الله كان، أعوذ بالله من الشيطان. قال عروة بن الزبير: كنت جالساً في مسجد الرسول ضحوة وحدي، إذ أتاني آتٍ يقول: السلام عليك يا بن الزبير، فالتفتّ يميناً وشمالاً، فلم أر شيئاً، غير أني رددت عليه: واقشعر جلدي، فقال: لا روع عليك، أنا رجل من أهل الأرض من الخافية أتيتك، أخبرك بشيء وأسألك عن شيء، قال: ما الذي تسألني عنه؟ وما الذي تخبرني به؟ قال: الذي أخبرك به أني شهدت إبليس عليه لعنة الله ثلاثة أيام، فرأيت شيطاناً مسودّاً وجهه، مزرقّة عيناه، يقول له إبليس عند المساء: ماذا صنعت بالرجل؟ فيقول له الشيطان: لم أطق الكلام الذي يقوله إذا أمسى وأصبح. فلما كان يوم الثالث قلت للشيطان: عمن يسألك إبليس اللعين؟ قال: يسألني عن عروة بن الزبير أن أغويه فما أستطيع ذلك لكلام يتكلم به إذا أصبح وإذا أمسى؛ فأتيتك أسألك ماذا تكلّم به إذا أصبحت وأمسيت؟ فقال عروة: أقول: آمنت بالله العظيم واعتصمت به، وكفرت بالطاغوت، واستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وإن الله هو السميع العليم. فإذا أصبحت أقول ذلك. فقال له: يا بن الزبير جزاك الله خيراً، فقد استفدت خيراً وأفدته.

قال: وكان عروة يقول: إذا رأيتم من رجل خلعة رائعةً من شر فاحذروه، وإن كان عند الناس رجل حذق، فإن لها عنده أخوات. وإذا رأيتم من رجل خلة رائعة من خير فلا تقطعوا أناتكم عنه، وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات. قال عروة: وإني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال، فعل الله بفلانة؛ ألفت بني فلان وهو بيض طوالٌ فقلبتهم سوداً قصاراً. قال عروة: خطبت إلى عبد الله بن عمر ابنته سودة ونحن في الطواف، فلم يجبني بشيء، فقلت في نفسي: لو رضيني لأجابني. فلما انقضى الحج خرج إلى المدينة قبلي، وخرجت بعده. فلما دخلت المدينة مضيت إليه، فسلمت عليه، فقال لي: كنت ذكرت سودة بنت عبد الله؟ قلت: نعم. قال: كنت ذكرتها ونحن في الطواف نتخايل الله بين أعيننا، أفلك فيها حاجة؟ قلت: أحرص ما كنت. قال: يا غلام: ادع عبد الله بن عبد الله ونافعاً مولى عبد الله. قال: قلت له: وبعض آل الزبير؟ قال: لا. قلت: فمولاك حبيباً؟ قال: ذلك أبعد. ثم قال لهما: هذا عروة بن أبي عبد الله بن الزبير، وقد علمتما حاله، وقد خطب إليّ سودة بنت عبد الله، وقد زوجته إياها بما جعل الله للمسلمات على المسلمين من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعلى أن يستحلها بما يستحل به مثلها. أقبلت يا عروة؟ قلت: نعم؛ قال: بارك الله لك. قال عروة بن الزبير: رب كلمة ذل احتملتها أورثتني عزاً طويلاً.

قال عروة: تفرق بنو الزبير في البلاد، فخرج المنذر إلى العراق، وخرج معه بخالد بن الزبير، فأرسل عبد الله بن الزبير مصعباً فرد خالداً من بني المطلب، ونفذ المنذر فقدم الكوفة. وخرج عروة حتى قدم البصرة على عبد الله بن عباس، وهو عامل عليها، فقال له عروة حين دخل عليه: من الطويل. أمتّ بأرحام إليكم قريبةٍ ... ولا قرب بالأرحام ما لم تقرّب فقال له ابن عباس: من قالها؟ قال عروة: قلت: أبو أحمد بن جحش. قال ابن عباس: فهل تدري ما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: لا، قال: قال له: صدقت. قال: ثم قال لي: ما أقدمك؟ قال: قلت: اشتدت الحال وأبى عبد الله أن يقسم سبع حجج، وتألّى أن لا يفعل حتى يقضي دين الزبير، وليس يؤدي عنه أحد. قال: ثم أجازني وأعطاني. ثم لحق بمصر فأقام بها بعد. بعث معاوية إلى عروة بن الزبير مقدمه المدينة، فكشفه وسأله واستنشده، ثم قال: تروي قول جدتك صفية؟ وأراد أن يحركه. وكان يقال: طيّروا دماء الشباب في وجوههم، يقول: حركوهم: من الطويل خالجت آباد الدهور عليكم ... وأسماء لم تشعر بذلك أيّم فلو كان زبرّ مشركاً لعذرته ... ولكنه قد يزعم الناس مسلم فقال لها الزبير: يا أمتاه وما هو إلا الزعم. فقال عروة: نعم وأروي قولها: من الوافر

ألا أبلغ بني عمّي رسولاً ... ففيم الكيد فينا والإمار وسائل في جموع بني عليٍّ ... إذا كثر التّناشد والفخار بأنّا لا نقرّ الضّيم فينا ... ونحن لمن توسّمنا نضار متى نقرع بمروتكم نسؤكم ... وتظعن من أماثلكم ديار مجازيل العطاء إذا وهبنا ... وأيسارٌ إذا جبّ القتار ونحن الغافرون إذا قدرنا ... وفينا عند غدوتنا انتصار ولم نبدأ بذي رحم عقوقاً ... ولم توقد لنا بالغدر نار وإنّا والسوابح يوم جمع ... بأيديها وقد سطع الغبار لنصطبرن لأمر الله حتى ... يبيّن ربّنا أين الفرار قال معاوية: يا بن أخي هذه بتلك، قال: وإنما قالت ذلك في قتل أبي أزيهر تعيّر به أبا سفيان بن حرب. وكان أبو أزيهر صهر أبي سفيان، وكان يدخل ثمّ في جوار أبي سفيان، فقتله هشام بن الوليد، فعيّر به حسان بن ثابت في قوله: من الطويل غدا أهل حضني المجاز بسحرةٍ ... وجار ابن حربٍ بالمغمّس لا يغدو كساك هشام بن الوليد ثيابه ... فأبل وأخلق مثلها جدداً بعد قضى وطراً منه فأصبح ماجداً ... وأصبحت رخواً ما تخبّ ولا تعدو فما منع العير الضّروط ذمارة ... وما منعت مخزاة والدها هند

فلو أن أشياخاً ببدر تشاهدوا ... لبلّ نعال القوم معتبطٌ ورد قال: وكانت العرب إذا غدر الرجل أوقدوا له ناراً بمنى أيام الحج على الأخشب الجبل المطل على منى، ثم صاحوا: هذه غدرة فلان، ففعلوا ذلك بأبي سفيان في أبي أزيهر. قال سفيان: قتل بان الزبير وهو ابن ثلاث وسبعين، وقتل معه ابن صفوان وابن مطيع بن الأسود. قيل له: فأين كان عروة؟ قال: بمكة، فلما قتل خرج إلى المدينة بالأموال، فاستودعها، وخرج إلى عبد الملك، فقدم عليه قبل البريد، وقبل أن يصل إليه الخبر. فلما انتهى إلى الباب قال للبواب: قل لأمير المؤمنين: أبو عبد الله على الباب، فقال: من أبو عبد الله؟ قال: قل له: أبو عبد الله، فدخل، فقال: ههنا رجل عليه أثر سفر يقول: قل لأمير المؤمنين: أبو عبد الله عند الباب، فقلت له: من أبو عبد الله؟ فقال: قل له: أبو عبد الله، فقال: ذاك عروة بن الزبير؛ فأذن له. فلما رآه زال له عن موضعه، قال: فجعل يسأله، فقال: كيف أبو بكر؟ يعين عبد الله بن الزبير، فقال: قتل رحمه الله قال: فنزل عبد الملك عن السرير فسجد. وكتب إليه الحجاج أن عروة قد خرج والأموال عنده. قال: فقال له عبد الملك في ذلك، فقال: ما تدعون الرجل حتى يأخذ سيفه فيموت كريماُ؟! قال: فلما رأى ذلك كتب إلى الحجاج أن أعرض عن ذلك. حدث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في حديث عروة بن الزبير أن الحجاج رآه قاعداً مع عبد الملك بن مروان، فقال له: أتقعد ابن العمشاء معك على سريرك؟! لا أم له. فقال عروة: أنا لا أم لي؟! وأنا ابن عجائز الجنة؟! ولكن إن شئت أخبرتك من لا أم له يا بن المتمنّية. فقال عبد الملك: أقسمت عليك أن تفعل فكفّ عروة.

قوله: يا بن المتمنّية أراد أمه، وهي الفريعة بنت همام أم الحجاج بن يوسف، وكانت تحت المغيرة بن شعبة، وهي القائلة: من البسيط ألا سبيل إلى خمر فأشربها ... أم لا سبيل إلى نصر بن حجّاج وكان نصر بن حجاج من بني سليم، وكان جميلاً رائعاً، فمرّ عمر بن الخطاب ذات ليلة وهذه المرأة تقول: ألا سبيل إلى خمر فأشريها...... البيت...... فدعا بنصر بن حجاج فسيره إلى البصرة، فأتى مجاشع نب مسعود السّلمي، وعنده امرأته شميلة، وكان مجاشع أميّاً، فكتب نصر على الأرض: أحبك حباً لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلّك. فكتبت المرأة: وأنا والله. فلبث مجاشع آنأ ثم أدخل كاتباً فقرأه، فأخرج نصراً، وطلقها. وكان عمر بن الخطاب سمع قائلاً بالمدينة يقول: من الطويل أعوذ برب الناس من شر معقلٍ ... إذا معقلٌ راح البقيع مرجّلا يعني معقل بن سنان الأشجعي، وكان قدم المدينة، فقال له عمر: الحق بباديتك. قال الزهري: دخل عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود على عمر بن عبد العزيز، وهو أميرنا بالمدينة، فقال عروة في شيء جرى من ذكر عائشة وعبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول: ما أحببت أحداً كحبي عبد الله بن الزبير، لا أعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبوي، فقال له عمر: إنكم تنتحلون عائشة وابن الزبير انتحال من لا يرى فيهما لأحد

نصيباً. قال عروة: بركة عائشة رضوان الله عليها كانت أوسع من أن لا نرى لكل مسلم فيها حقاً، ولقد كان عبد الله بن الزبير منها بحيث وضعته الرحم والمودة التي لا يشرك كلّ واحد منهما فيها غير صاحبه أحد، فقال عمر: كذبت. فقال عروة: هذا يعني عبيد الله بن عبد الله يعلم أين غير كاذب، وأنّ أكذب الكاذبين لمن كذّب الصادقين، فسكت عبيد الله ولم يدخل ما بينهما بشيء؛ فأفّف بهما عمر، وقال: اخرجا عني، فلم يلبث أن بعث إلى عبيد الله بن عبد الله رسولاً يدعوه لبعض ما كان يدعوه له، فكتب إليه عبيد الله: من الطويل لعمر ابن ليلى وابن عائشة الذي ... لمروان أدّاه أبٌ غير زمّل ولو أنهم عمّاً وجدّاً ووالداً ... تأسّوا فسنّوا سنّة المتفضّل غذرت أبا حفص بأن كان واحداً ... من القوم يهدي هديهم ليس يأتلي ولكنهم فاتوا وجئت مصلّياً ... تقرّب إثر السابق المتهمّل وعمت فإن تلحق فحضر مبرّز ... جوادٍ وإن تسبق فنفسك أعول فمالك في السلطان أن تحمل القذى ... جفونٌ عيونٍ بالقذى لم تكحّل وما الحقّ أن تهوى فتعسف بالذي ... هويت إذا ما كان ليس بأعدل أبى الله والأحساب أن ترأم الخنا ... نفوس كرامٍ بالخنا لم توكّل

قال هشام بن عروة: ما سمعت أحداً من أهل الأهواء يذكر عروة إلا بخير. كان عروة بن الزبير تابعياً ثقة صالحاً، لم يدخل في شيء من الفتن. قال عروة: ما برّ والده من شدّ الطرف إليه. قال عبد الله بن حسن بن حسن: كان علي بن حسين بن علي بن أبي طالب يجلس كل ليلة هو وعروة بن الزبير في مؤخر مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العشاء الآخرة، فكنت أجلس معهما. فتحدثا ليلة فذكرا جور من جار من بني أميّة. والمقام معهم، وهو لا يستطيعون تغيير ذلك، ثم ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم، فقال عروة لعليّ: يا علي، إن من اعتزل أهل الجور، والله يعلم منه سخطه لأعمالهم، فإن كان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم. قال: فخرج عروة فسكن العقيق. قال عبد الله: وخرجت أنا فنزلت سويقة. قال هشام بن عروة: لما قطع عمر بن الخطاب العقيق فدنا من موضع قصر عروة، قال: أين المستقطعون منذ اليوم؟ فوالله ما مررت بقطيعة تشبه هذه القطيعة، فقام إليه خوات بن خيبر الأنصاري فقال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين، فأقطعه إياها، وكان يقال لموضعها: خيف حرّة الوبرة. فلما كانت سنة إحدى وأربعين أقطع مروان بن الحكم عبد الله بن عباس بن

علقمة بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ودّ ما بين الميل الرابع من المدينة إلى صفيرة أرض المغيرة بن الأخنس التي في وادي العقيق إلى الجبل الأحمر الذي يطلعك على قباء، وشهود قطيعته عبد الملك وأبان ابنا مروان وعبيد الله بن عبد الله بن أبي أمية، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فاشترى عروة موضع قصره وأرضه وبئاره من عبد الله بن عباس وابتنى واحتفر واحتجر وضفر. فقيل له: يا أبا عبد الله إنك بغير موضع مدر، فقال: يأتي الله به من البقيع. فجاء سيل فدخل في مزارعه، فكساها من خليج كان خلجه. ولما فرغ عروة من بناء قصره وبئاره دعا جماعة من الناس، وكان فيمن دعي ابن أبي عتيق، قال: فطعم وجعلوا يبرّكون وينصرفون ويقولون: ما رأينا ماء أعذب ولا أطيب، ولا منزلاً أكرم. قال: وقام ابن أبي عتيق فبرّك، ثم قال: لولا خصيلة واحدة ما كان في الأرض مثلها، قال: فاشرأب عروة والناس، وقال: ما هي؟ قال: ليس لها وقاية ولا دونها وديعة، قال: فضحك عروة ومن حضر، وأعجبهم ذلك من قول ابن أبي عتيق. الوديعة: الخزانة تستودع بالمطر إذا جاء فيكون لها غذاء. والرقابة أن يكون لها ميضأة لئلا يرجع عليها الماء.

لما اتخذ عروة قصراً بالعقيق، قال له الناس: قد جفرت عن مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هنالك عما هم فيه عافية. وعن ابن أبي ربيعة: أنه مرّ بعروة بن الزبير وهو يبني قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد الله؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب، يعني المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت منتحياً عنها. وكان عروة يكون بالعقيق فيموت بعض ولده بالمدينة فلا يأتيه. من شعر عروة بن الزبير: من المتقارب إذا انتسب الناس كان التقيّ ... بتقواه أفضل من ينسب ومن يتّق الله يكسب بها ... من الحظ أفضل ما يكسب قال عروة: أفضل ما أعطي العباد في الدنيا العقل، وأفضل ما أعطوا في الآخرة رضوان الله. وقال عروة: ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها. قال عروة: ما أحب أن أدفن في البقيع، لأن أدفن في غيره أحب إليّ من أن أدفن فيه. إما أحد الرجلين: إما ظالم فما أحب أن أكون في قبره، وإما صالح فما أحب أن تنبش لي عظامه.

عروة بن العشبة الكلبي

مات عروة بن الزبير يوم مات، وهو يقول: أخشاك ربي وأرجوك، أخشاك ربي وأرجوك. مات عروة بن الزبير في أمواله بمجاح في ناحية الفرع، ودفن هناك يوم الجمعة سنة أربع وتسعين. وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها. وقيل: توفي سنة اثنتين وتسعين، وهو ابن سبع وسبعين، وقيل: سبع وستين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة خمس وتسعين. وقيل: سنة سبع وتسعين أو تسع وتسعين، أو إحدى ومئة. عروة بن العشبة الكلبي شاعر فارس، كان من أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم لحق بمعاوية. وقيل له: العشبة؛ لأنه كان كالعشب لقومه. وعروة من ولده. وبعضهم يقول: عمر بن العشبة، وهو باطل. بعث معاوية رجلاً من كلب يقال له: زهير بن مكحول من بني عامر إلى السّماوة فجعل يصدّق الناس. وبلغ ذلك علياً: فبعث ثلاثة نفر: جعفر بن عبد الله الأشجعي وعروة بن العشبة من كلب من بني عبد ودّ، والجلاس بن عمير من بني عدي بن جناب الكلبي، وجعل الجلاس كاتباً لهم ليصدقوا من كان في طاعته من كلب بكر بن وائل. فأخذوا على شاطئ الفرات حتى أتوا أرض كلب، ووافوا زهيراً الأجدادي، فاقتتلوا،

وهزم زهير أصحاب علي، وقتل جعفر بن عبد الله، وأفلت الجلاس، وأتى ابن العشبة علياً، فعنّفه وقال: جبنت وتعصّبت فانهزمت، وعلاه بالدّرة؛ فغضب ولحق بمعاوية؛ فهدم عليٌّ داره. وكان زهير حمل ابن العشبة على فرس، فلذلك اتهمه علي، وقال ابن العشبة: من الطويل أبلغ أبا حسنٍ إذا ما جئته ... يدينك منه الصبح والإمساء لو كنت رائينا عشية جعفرٍ ... جاشت لديك النفس والأحشاء إذ نحسب الصحراء خلف ظهورنا ... خيلاً وأن أمامنا صحراء إنا لقينا معشراً قبض الحصى ... فكأنهم يوم الوغى شجراء ومر الجلاس براع فأعطاه جبّة خزّن وأعطاه الراعي عباءة، فلبسها، وأخذ العلبة في يده، وأدركته الخيل، فقالوا: أين أخذ هؤلاء الترابيون؟ فأشار إليهم: أخذوا ههنا. ثم أقبل إلى الكوفة، فقال جوّاس بن القعطل: من الطويل ونجّى جلاساً علبةٌ وعباءةٌ ... وقولك إني جيّد الصّرّ حالب ولو ثقفته بالكثيب خيولهم ... لأودى كما أودى سميرٌ وحاطب وصار لقىً بين الفريقين مسلماً ... جباراً ولم يثأر به الدهر طالب

عروة بن محمد بن عطية

عروة بن محمد بن عطية ابن عروة بن القين بن عامر بن عميرة السعدي الجشمي لجده صحبة، واستعمله سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك على اليمن. حدث عروة بن محمد عن أبيه، قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أناسٍ من بني سعد بن بكر، وكنت أصغر القوم، فخلفوني في رحالهم، ثم أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقضى من حوائجهم، ثم قال: " هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: يا رسول الله، غلام منا في رحالنا؛ فأمرهم أن يبعثوني إليه؛ فأتوني فقالوا: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأتيته، فلما رآني قال: " ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئاً، فإن اليد العليا هي المنطية، وإن اليد السفلى هي المنطاة، وإن مال الله مسؤول ومنطىً ". قال: ويكلمني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغتنا. قال أبو وائل القاضي: كنا عند عروة بن محمد، فدخل عليه رجل فكلمه بكلام أغضبه، قال: فقام منا، ثم رجع وقد توضأ فقال: حدثني أبي عن جدي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما نطفئ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ". خرج عروة من اليمن وقد وليها سنتين وما معه إلا سيفه ورمحه ومصحفه. ولما دخل قال: يا أهل اليمن هذه راحلتي فإن خرجت بأكثر منها فأنا سارق. وقيل: إنه وليها عشرين سنة، وعزل عنها سنة ثلاث ومئة.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله باليمن: إلى عروة بن محمد السعدي، إني أكتب إليك آمرك أن ترد المسلمين مظالمهم، فتكتب إليّ تراجعني، ولا تعرف مسافة ما بيني وبينك، ولا تعرف أحداث الموت، حتى لو كتبت إليك أن ترد على رجل مظلمة شاة لكتبت إلي أردها عفراء أم سوداء؟ فاردد على المسلمين مظالمهم ولا تراجعني والسلام. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عروة صاحب اليمن: لا يحمل إليّ من اليمن إلا حق، ولو لم يبلغ خراجها إلا حفينة من كتم لم أبال. قال عروة بن محمد: لما استعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن؟ قلت: نعم. قال: إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض أسفل منك، ثم أعظم خالقهما. وعن معمر في قوله تبارك الله وتعالى: " فلما آسفونا انتقمنا منهم ". قال: حدثني سماك بن الفضل قال: كنت عند عروة بن محمد وعنده وهب بن منبّه، فأتي بعامل لعروة فشكا، فأكثروا عليه، فقالوا: فعل وفعل، وثبتت عليه البينة، قال؛ فلم يملك وهب نفسه؛ فضربه على قرنه بعصا؛ فإذا دماؤه تشخب، فقال: أفي زمن عمر بن عبد العزيز يصنع مثل هذا؟ قال: فاشتهاها عروة وكان حليماً واستلقى على قفاه، وضحك، وقال: يعتب علينا أبو عبد الله الغضب في حكمته وهو يغضب، فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الأحلام؟ إن الله تعالى يقول: " فلما آسفونا انتقمنا منهم " يقول: أغضبونا.

عروة بن مروان

قال عروة بن محمد: ما أبرم قوم أمراً قط، فصدروا فيه عن رأي امرأة إلا تبرّوا. عروة بن مروان أبو عبد الله العرقي الجرار من أهل عرقة من أعمال طرابلس من نواحي دمشق. حدث عن موسى بن أعين بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاكم شهر رمضان تزين فيه الحور العين ". قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان آخر يوم منشر رمضان أعتق فيه مثل جميع ما أعتق "، يعني في رمضان. وحدث عن ابن المبارك عن عاصم عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ". العرقي بكسر العين المهملة وقاف، والجرار بجيم وراءين. وكان أميّاً، وكان من العابدين. وعرقة: بلد بين رفنيّة وطرابلس. وكان رجلاً ما رئي أشد تعسّفاً منه، وكان محقّقاً شديد الحمل والجهد على نفسه، وكان ضيق الكمّ ما يقدر أن يخرج يده إلاّ بعد جهد، وكان لا يرى الاشتغال بالتجارة، إنما كان يأتي بريحان ينبت في الجبال إلى مصر فيبيعه، فيتقوته.

عروة بن المغيرة بن شعبة

عروة بن المغيرة بن شعبة أبو يعفور الثّقفي وفد على معاوية. حدث عن أبيه قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة في سفر، فقال: " أمعك ماء؟ " قلت: نعم، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء، فأفرغت عليه ماء من الإداوة، فغسل يديه ووجهه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه، ومسح رأسه، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: " دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين ". فمسح عليهما. وحدث عن أبيه قال: من باع الخمر فليشقّص الخنازير. حدث خالد الحذاء أن المغيرة بن شعبة حيث أراد معاوية البيعة ليزيد وفّد أربعين من وجوه أهل الكوفة، وأمّر عليه ابنه عروة بن المغيرة، فدخلوا على معاوية، فقاموا خطباء فذكروا: أنه إنما أشخصهم إليه التيه والنظر لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، كبرت سنك، وتخوفنا الانتشار من بعدك، يا أمير المؤمنين، أعلم لنا علماً، وحدّ لنا حدّاً ننتهي إليه؛ قال: أشيروا عليّ؛ قالوا: نشير عليك بيزيد ابن أمير المؤمنين، قال: وقد رضيتموه؟ قالوا: نعم، قال: وذاك رأيكم؟ قالوا: نعم، ورأي من بعدنا، فأصغى

إلى عروة، وهو أقرب القوم منه مجلساً، فقال: لله أبوك! بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بأربع مئة، قال: لقد وجد دينهم عندهم رخيصاً. قال الشعبي: علّم المغيرة بن شعبة ابنه عروة رعاية الغنم، ثم علّمه رعاية الإبل، ثم قال: أجلسوه في مجالسكم حتى يتعلّم منكم ويسمع حديثكم، ثم دعاه إليه فزوجه أربعاً. قال الشعبي: اشترى رجل من رجل جاريته بخمس مئة درهم فنقده منها ثلاث مئة درهم، فسأله أن يدفعها إليه، فأبى، فانطلق، فتحمّل له الثمن. ثم أتاه بها، فدفعها إليه، وقال: ادخل فاقبض سلعتك، فوجدها قد ماتت. فخاصمه إلى عروة بن المغيرة، قال: فقال عروة: أما الثلاث مئة فهي لك، وأما المئتين فإنك ارتهنت السلعة رهناً، والرهن بما فيه؛ فأعجب ذلك الشعبي. قال عروة بن المغيرة: شرّ العداوة ما ستر بالمداراة، وأشفاها للأنفس ما فزع بمثلها بادئاً، وكان ينشد: من الكامل لا أتّقي حسد الضّغائن بالرّقى ... فعل الذليل ولو بقيت وحيدا لكن أعدّ لها ضغائن مثلها ... حتى أوازي بالحقود حقودا كالخمر خير دوائها منها بها ... تشفي السقيم وتبرئ المنجودا وقال ابن عياش في تسمية الحول: عروة بن المغيرة بن شعبة.

عريان بن الهيثم بن الأسود

عريان بن الهيثم بن الأسود ابن أقيش بن معاوية بن سفيان بن هلال بن عمرو بن جشم ابن عوف بن النّخع، النّخعيّ الكوفيّ وفد على معاوية وعلى يزيد بن معاوية. حدث العريان بن الهيثم النخعي الأعور عن قبيصة بن جابر الأسدي قال: كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نعلّمها، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى عبد الله بن مسعود، فرأى جبينها يبرق، فقال: أتحلقونه؟ فغضبت وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك، قال: فاذهبي فانظري، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة. فانطلقت فدخلت، فقالت: ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لعن المتنمصات والمتفلجات والمتوشمات والمستوشمات اللاتي يغيرن خلق الله تعالى ". قال العريان بن الهيثم: كنت عند معاوية بن أبي سفيان، فذكروا البصرة فقال: كم بعد الأبلّة منها؟ فقالوا: أربعة فراسخ، فقال عبد الله بن عمرو: ينزل بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم المجانّ المطرقة.

بينما العريان يطوف ليلة بالكوفة، لقي شاباً سكران وهو يتغنى، فقال له: من أنت؟ فقال: من الطويل أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود فقال: خلّوا سبيله، وظنّ أنه شريف من أشراف الكوفة. فلما أصبح حدث بحديثه في مجلسه، فقال: وددت أني كنت عرفته؛ فقال له رجل من الشرط، أتحب أصلحك الله أن آتيك به؟ قال: وتعرفه؟ قال: نعم أصلحك الله أبوه يبيع الباقلاء في جبانة عرزم، قال: عليّ به الساعة. قال: فأتاه به، فأدخله عليه، فقال له: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره البيت...... فقال: أصلحك الله، فما كذبتك، إن أبي يبيع الباقلاء، فإذا أنزلت قدره فباع ما فيها أعادها؛ فضحك، وضحك جلساؤه، وعجبوا من ظرفه. أتي العريان بن الهيثم بن الأسود النّخعيّ بشابين قد جنيا جناية، فضرب أحدهما، وأمر بتجريد الآخر؛ وشدّ إزاره على وسطه وهو يقول: من الوافر فقلت لمذحج قوموا فشدّوا ... مآزركم فقد برح الخفاء فإن الحرب يجنيها رجالٌ ... ويصلى حرّها قومٌ براء فقال له العريان: من قائل هذا الشعر؟ قال: الهيثم بن الأسود النخعي، فضحك وقال: ما أراك إلاّ مظلوماً، خلّوا سبيله.

عزرة بن قيس بن غزية الأحمسي

عزرة بن قيس بن غزية الأحمسي البجلي الدهني الكوفي ولي عزرة حلوان في خلافة عمر، وغزا شهرزور منها فلم يفتحها، حتى افتتحها عبتة بن فرقد. حدث عزرة بن قيس، قال: قال خالد بن الوليد: كتب إليّ أمير المؤمنين حين ألقى الشام بوانيه وصار بثنيّةً وعسلاً أن: سر إلى أرض الهند، والهند يومئذ في أنفسنا البصرة، وأنا لذلك كاره، فقال رجل: اتق الله يا أبا سليمان، فإن الفتن قد ظهرت، فقال: أما وابن الخطاب حي فلا، إنها تكون بعده، والناس بذي بليّان أوف ي ذي بليّان بمكان كذا وكذا، فلينظر الرجل. فيتفكر هل يجد مكاناً لم ينزل به ما نزل بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر، فلا يجد، أولئك الأيام التي ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي الساعة، أيام الهرج. فنعوذ بالله أن تدركني وإياكم أولئك الأيام. قال الواقدي: وهذا لا يعرف عندنا أن عمر بعثه إلى الشام، ولا أراد أن يبعثه إلى الهند، إنما بعثه أبو بكر إلى أرض العراق، واستمد أهلا لشام أبا بكر بالرجال فكتب إلى خالد أن يسير مدداً إلى جند الشام، وكان من ولاية أبي بكر حين توفي، ثم عزله عمر. قوله: ألقى الشام بوانيه هو مثل، يقال للإنسان إذا اطمأن بالمكان واجتمع له أمره: قد ألقى بوانيه، وكذلك يقال: ألقى أوراقه، وألقى عصاه.

وقوله: صار بثنيّةً وعسلاً، فيه قولان: يقال: البثنيّة: حنطةٌ منسوبة إلى بلد بالشام معروفة من دمشق يقال لها: البثنيّة. والقول الآخر: أراد بالبثنية اللّينة، وذلك أن الرملة اللّيّنة يقال لها: بثنة، وتصغيرها: بثينة، ومنها سميت المرأة بثينة، فأراد خالدٌ أن الشام لما اطمأن وذهبت شوكته وسكنا لحرب فيه، وصر ليناً لا مكروه فيه إنما هو خصيب كالحنطة والعسل. وعزلني استعمل غيري. وفي رواية: فلما ألقى الشام بوانيه وصار سمناً وعسلاً، أراد أن يؤثر به غيري. وقوله: وكان الناس بذي بليّ وذي بلّى، فإنه أراد: تفرق الناس وأن يكونوا طوائف مع غير إمام يجمعهم ويعدي بعضهم من بعض، وكذلك كل من بعد منك حتى لا تعرف موضعه، فهو بذي بليّ وفيه لغة أخرى، بذي بليّان، وذي بليّان، وكان الكسائي ينشد في صفة رجل يطيل النوم: من الوافر ينام ويذهب الأقوم حتى ... يقال أتوا على ذي بليّان يعني: أنه أطال النوم، ومضى أصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى موضع لا يعرف مكانهم من طول نومه. ورواه بعضهم: ألقى الشام نواتيه. وليس بشيء، إنما النواتي في كلام أهل الشام: الملاحون الذين في البحر خاصة. وعزرة: العين غير معجمة والزاي ساكنة منقوطة والراء غير معجمة. قيل: إن عزرة بقي إلى أيام معاوية.

عزير بن جروة ويقال ابن شوريق.

عزير بن جروة ويقال ابن شوريق. ابن عربا بن أيوب بن درتنا بن غرى بن بقي بن إيشوع بن فنحاس ابن العازر بن هارون بن عمران ويقال: عزير بن سروخا قيل: قبره بدمشق. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث وثلاث وثلاث؛ ثلاث لا يمين فيهن، وثلاث الملعون فيهن، وثلاث أشك فيهن، أما التي لا يمين فيهن: فلا يمين للولد مع والده، ولا للمولى مع سيده، ولا للمرأة مع زوجها. وأما الملعون فيهن: فملعون من دعا لقرابته، وملعون من سبّ والديه، وملعون من غيّر تخوم الأرض. وأما التي أشك فيهن فلا أدري ألعن تبّع أم لا، ولا أدري أكان عزير نبيّاً أم لا ". قال محمد بن كريب: ونسيت التاسعة. وذكرها غيره فقال: ولا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا. وعن ابن عباس قال: كان عزير من أبناء الأنبياء، وقد كان أحكم التوراة، ولم يكن في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه، ولا كان أحفظ لها منه. وكان يذكر مع الأنبياء، حتى محا الله اسمه حين سأل ربه عن القدر. وكان ممن سباه بختنصّر وهو غلام حدث. فلما بلغ أربعين سنة أعطاه الله الحكمة. وعن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن عزيراً النبي عليه السلام كان من المتعبدين، فرأى في منامه أنهاراً تطّرد

ونيراناص تشتعل، ثم نبه، ثم نام فرأى في منامه أيضاً قطرة ماء كوبيص دمعة، فهي في شرارة من نار في دجن، ثم إنه نبه فكلم الله عز وجلن فقال: رب؟ رأيت في منامي أنهاراً تطرد، ونيراناً تشتعل، ورأيت أيضاً قطرة من ماء كوبيصة دمعة وشرارة من نار. فأجابه الله عز وجل: " أما ما رأيت في أول، يا عزير، أنهاراً تطرد ونيراناً تشتعل فما قد خلا من الدنيا، وأما ما رأيت من قطرة الماء كوبيصة دمعة وشرارة من نار في دجن فما قد بقي من الدنيا ". قال وهب: قرأت في مناجاة عزير: اللهم إنك اخترت من الأنعام الضانية، ومن الطير الحمامة، ومن النبات الحبة، ومن البيوت بكا وإيليا ومن إيليا بيت المقدس. وعن سفيان الثوري قال: قال عزير النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا رب، ما علامة من صافيته في مودته؟ قال: من قنّعته باليسير، وحركته للخطر العظيم، قليل المطعم، وكثير البكاء، يستغفرني بالأسحار، ويبغض فيّ الفجّار. وقال وهب: بلغني أن الله قال للعزير: " برّ والديك، قال: من بر والديه رضيت عنه، وإذا رضيت باركت، وإذا باركت بلغت الرابعة من النّسل ". قال ابن عباس: إن عزير بن سروخا هو الذي قال الله تعالى في كتابه: " أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهو خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ":

وعن ناجية بن كعب الأسدي قال: هو عزير أتى خبازاً قريباً منه، قال له عزير: هل تعرفني؟ فقال: ما أعرفك، ولكني أشبّهك رجلاً كان عندنا يقال له عزير. وفي نسخ: جباراً. وعن عكرمة: في قوله تعالى: " ولنجعلك آيةً للنّاس " قال: تبعث شاباً وولدك شيوخاً. ويقال: إن هذه الآية نزلت في إزمياء. حدث جماعة: أن عزيراً كان عبداً صالحاً حكيماً، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة، وأصابه الحرّ، فدخل الخربة وهو على حمار له، فنزل عن حماره، ومعه سلّة فيها تينٌ وسلّة فيها عنب، فنزل في ظلّ الخربة، وأخرج قصعة معه، فاعتصر من العنب في القصعة، ثم أخرج خبزاً يابساً معه، فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله، ثم استلقى على قفاه، وأسند رجليه إلى الحائط، فنظر سقف تلك البيوت ورأى ما فيها وهي قائمة على عروشها، وقد باد أهلها، ورأى عظاماً بالية فقال: أنّى يحيي هذه الله بعد موتها! فلم يشك أن الله يحييها، ولكن قالها تعجباً. فبعث الله ملك الموت، فقبض روحه، فأماته الله مئة عام، فلما أماته الله عز وجل مئة عام، وكانت فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث. قال: فبعث الله إلى عزير ملكاً، فخلق قلبه ليعقل به، وعينيه لينظر بهما؛ فيعقل كيف يحيي الله الموتى، ثم ركّب خلقه وهو ينظر، ثم كسا عظامه اللحم والشّعر والجلد، ثم نفخ فيه الروح، كلّ ذلك

يرى ويعقل، فاستوى جالساً، فقال له الملك: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً، وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة، وبعث في آخر النهار، والشمس لم تغب، فقال: أو بعض يوم، ولم يتم لي يوم، فقال له الملك: بل لبثت مئة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك، يعني الطعام الخبز لليابس، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة فإذا هما على حالهما لم يتغيرا، العصير والخبز يابس، فذلك قوله: " لم يتسنّه " يعني: لم يتغيّر، وكذلك التين والعنب غضّ لم يتغير عن شيء من حالهم، فكأنّه أنكر في قلبه. قال: فركب حماره حتى أتى محلته، فأنكره الناس، وأنكر الناس، وأنكر منازله؛ فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، قد أتى عليها مئة وعشرون سنة كانت أمةٌ لهم، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة، وكانت عرفته وعقلته، فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة. فقال لها عزير: يا هذه، أهذا منزل عزير؟ قالت: نعم، هذا منزل عزير! فسكت. وقالت: ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيراً، وقد نسيه الناس. قال: فإني أنا عزير، قالت: سبحان الله! فإن عزيراً قد فقدناه منذ مئة سنة، فلم نسمع له بذكر. قال: فإني أنا عزير كان الله أماتني مئة سنة

ثم بعثني. قالت: فإن عزيراً رجل مستجاب الدعوة، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادع الله أن يردّ عليّ بصري حتى أراك، فإن كنت عزيراً عرفتك؛ فدعا ربه، ومسح يده على عينيها، فصحتا، فأخذ بيدها فقال: قومي بإذن الله، فأطلق الله رجليها، فقامت صحيحة، كأنما نشطت من عقال! فنظرت فقالت: أشهد أنك عزير. فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، وابن لعزير شيخ ابن مئة سنة وثمان عشرة سنة، وبنو بنيه شيوخ المجلس. فقالت: هذا عزير قد جاءكم، فكذبوها، فقالت: أنا فلانة مولاتكم، دعا لي ربّه؛ فرد عليّ بصري، وأطلق رجلي، وزعم أن الله كان أماته مئة سنة ثم بعثه. قال: فنهض الناس، فأقبلوا إليه، فنظروا إليه، فقال ابنه: كان لأبي شامة سوداء بين كتفيه، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير. فقالت بنو إسرائيل: وإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوارة، فيما حدّثنا، غير عزير، وقد حرق بختنصّر التوراة. ولم يبق منها شيءٌ إلا ما حفظت الرجال، فاكتبها لنا. وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحدٌ غير عزير، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع، فحفره، فاستخرج التوارة، فكان قد عفن الورق، ودرس الكتاب، قال: فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله، فجدد لهم التوراة. فنزل من السماء شها بان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة، فجددها لبني إسرائيل؛ فمن ثم قالت اليهود: عزير ابن الله جل الله عز وجل؛ للذي كان من أمر الشهابين وتجديده للتوراة، وقيامه بأمر بني إسرائيل. وكان جدّد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقل، والقرية التي مات فيها يقال لها: سابر آباد، فكان كما قال الله: " ولنجعلك آيةً للناس " يعني لبني إسرائيل؛

ذلك أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ، وهو شاب؛ لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة، فبعثه الله شاباً كهيئته يوم مات. فقال ابن عباس: بعث بعد بختنصر. فلما سلط الله على بني إسرائيل بعد بختنصر مرّ أنطياخوس وهدم بيت المقدس، فلما بعث عزير قام بذلك يناشد ربه فيما نزل ببني إسرائيل من بختنصر وما لقوا منه ومن أنطياخوس. وقيل في قوله: " أو كالذي مرّ على قريةٍ " قال: القرية: أرض المقدس، وذلك أن العزير مرّ بها وهي خراب، فقال: " أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عامٍ ثم بعثه " على السن التي توفاه عليها بعد مئة سنة، وله أربعون سنة، ولأمته عشرون ومئة سنة، ولابن ابنه تسعون سنة. وأنشد في ذلك: من الطويل وأسود راسٍ شاب من قبله ابنه ... ومن قبله ابن ابنه فهو أكبر ترى ابن ابنه شيخاً يدبّ على عصا ... ولحيته سوداء والرأس أشقر وما لابنه حيلٌ ولا فضل قوّةٍ ... يقوم كما يمشي الصبيّ فيعثر يعد ابنه في الناس تسعين حجّةً ... وعشرين لا يجري ولا يتبختر وعمر أبيه أربعون أمرّها ... ولابن ابنه في الناس تسعون غبّر فما هو في المعقول إن كنت دارياً ... وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر وفي حديث آخر مختصر: فأمر الله ملكاً فنزل بمغرفة من نور فقذفها في عزير فنسخ التوراة حرفاً بحرف حتى فرغ منها. جاء ابن عباس إلى ابن سلام فقال: إني جئتك أسألك عن أشياء، فقال ابن سلام: وأنت تقرأ القرآن؟! قال: نعم، وإن كنت أقرأ القرآن. قال: ما لي أرى اليهود قالوا: عزير ابن الله، وقد كان فيهم موسى وهارون وداود وسليمان والأنبياء، فلم يقولوا لأحد

منهم هذا، وقالوا لعزير؟! وما بال سليمان تفقد الهدهد من بين الطير؟ وسمعت الله عز وجل يذكر تبّعاً فلم يذمّه وذمّ قومه؟. قال نعم إن تبّعاً غزا بيت المقدس، فسبى أولاد الأحبار، فقدم بهم على قومه، فأعجب بفتية منهم، فجعل يدنيهم وسمع منهم، وجعل الفتية يخبرونه عن الله وما في الآخرة، قال: فأعجب بهم، فجعلهم في سره دون قومه، فتكلم قومه في ذلك، فقالوا: إن هؤلاء الفتية قد غلبوا على تبع، ونخاف أن يدخلوه في دينهم. فبلغ تبعاً ما يقوله قومه؛ فأرسل إلى الفتية فدخلوا عليهم، فقال لهم: ألا تسمعون ما يقول قومي؟ قال الفتية: بيننا وبينهم المنصف، قال: وما هو؟ قالوا: النار التي تحرق الكاذب، ويبرأ فيها الصادق. قال: فأرسل تبع إلى أحبار قومه فأدخلهم عليه، وقال: اسمعوا ما يقول هؤلاء يقولون: إن لنا ربّاً هو خلقنا وإليه نعود، وإن بين أيدينا جنةً وناراً، فإن أبيتم علينا هذا فبيننا وبينكم النار التي تحرق الكاذب، وينجو منها الصادق؛ فقال قوم تبع: رضينا. فخرج تبع وقومه، وأخرج الناس معه، وأمر بالفتية فأخرجوا، وكانت النار تقبل، حتى إذا كانت قريبة من النار ركدت ولما تبرح. قال: فلما خرج الفتية أقبلت النار حتى إذا كانت قريبة منهم ركدت. قال تبع للفتية: هذه النار قد أقبلت فتوجهوا نحوها، فتوجه الفتية نحوها، وكانت إذا توجّه قبلها انفرقت فرقتين، فإذا دخلوها وتوسطوها، إن كانوا ليسوا بأهلها جاوزوها، فإذا جاوزوها انضمّت، وإن كانوا أهلها أقبلت عليهم وأحرقتهم. فلما توجه الفتية نحوها انفرقت فرقتين، فلما دنوا منها وجدوا حرها، وسفعت وجوههم؛ فرجعوا هاربين، قال له تبع: لتدخلنّها، أنتم دعوتمونا إلى هذا، قال: فأكرههم على أن دخلوها، ثم مشوا حتى خرجوا منها، فانضمّت. واختار تبع عدّة الفتية من قومه، فقال: ادخلوها، فلما دنوا منها وجدوا حرّها وسفعت وجوههم رجعوا هاربين، فقال لهم تبع: بئس الرجل أنا إن كنت حملت الفتية

على النار ثم لا أحملكم عليها، ارجعوا فادخلوها، فدخلوها، فلما توسطوها أحاطت بهم فأحرقتهم؛ فأسلم تبع، وكان رجلاً صالحاً، فذكره الله ولم يذمه، وذم قومه. وأما الهدهد فكان بمكان من سليمان لم يكن شيء من الطير عنده بمنزلته، فنزل سليمان مفازة، فسأل: كم بعد مفازة الماء؟ فقال الناس: ما ندري، فسأل الشياطين فقالوا: لا ندري؛ فغضب سليمان فقال: لا أخرج حتى أحفر إليه السبيل، فقالت له الشياطين: ليس يعلم هذا إن علمه إلا الهدهد، قال: فكيف ذلك، قالوا: أن يخرج بخار من الأرض قبل طلوع الشمس فيصعد بقدر مسافة الماء، لا يراه شيء إلا الهدهد، ففقد الهدهد عند ذلك. وأما عزير: فإن بختنصر حين غزا بيت المقدس، فقتلهم وخرب بيت المقدس وحرق التوراة، فبقي بنو إسرائيل ليس فيهم التوراة، إنما يقرؤونها نظراً، فلحق عزير بالجبال، فكان يكون هناك مع الوحوش، فلبث ما شاء الله، وكان يصوم ويرد عند الليل عيناً يشرب منها فيفطر، فورده ليلةً فإذا هو بامرأة قاعدة على الماء، فقال عزير: امرأة والنفس تهم بالشر، والشيطان للإنسان عدو مبين؛ فانصرف عنها ولم يفطر، فلما كان من الغد ورد الماء فإذا هي قاعدة على الماء، فجرى له كالأمس. ثم ورد اليوم الثالث، فإذا هي قاعدة على الماء، وقد كاد أن ينقطع عنقه عطشاً، فقال: يا نفس، النفس تهم بالشر، والشيطان عدو مبين، وامرأة، والخلوة، وأنا مضطر، فمضى إليها ليشرب من العين، وإذا بها قاعدة تبكي، فأقبل عليها وترك الشراب، وقال: ما يبكيك؟ قالت: ابني مات، قال: هل كان ابنك هذا يخلق؟ قالت: لا، قال: فهل كان يرزق؟ قالت: لا، قال: فكيف تبكين على من لا يخلق ولا يرزق؟ قالت: وما تصنع ههنا؟ وأين قومك؟ قال: وأين قومي؟ هلك قومي ومزقوا، قالت له: لج هذه العين فتخرج على قومك. قال: فعرف أنها مثلت له؛ فولج العين، فجعل لا يرفع رجلاً ولا يضع أخرى إلا زاده الله علماً حتى طلع في وسط المسجد، وقد أثبت الله تعالى التوراة في قلبه، كما كتبها لموسى عليه السلام.

قال: فدعا بني إسرائيل إلى التوراة، فكتبها لهم. قال: فقالت بنو إسرائيل: لم يستطع موسى أن يأتينا بها إلا في كتاب، وأتانا بها عزير من غير كتاب؛ فرماه طوائف منهم، فقالوا: هو ابن الله جل وعز وتقدس. وعن ابن عباس قال: آيةٌ لا يسألني الناس عنها، لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها؛ قيل له: وما هي؟ قال: لما نزلت: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ". شقّ على قريش، فقالوا: شتم آلهتنا. فجاء ابن الزّبعرى فقال: ما لكم؟ فقالوا: شتم آلهتنا، قال: فما قال؟ قالوا: قال: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون " قال: ادعوه، فلما دعي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله؟ قال: " لا بل لكل من عبد من دون الله ". فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية يعني: الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيراً عبد صالح، وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى يعبدون عيسى، هذه اليهود تعبد عزيراً!! قال: فضج أهل مكة؛ فأنزل الله تعالى: " إنّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى " الملائكة وعيسى وعزير " أولئك عنها مبعدون ". وعن ابن عباس قال: إن الله عز وجل لما بعث موسى وناجاه، وأنزل عليه التوراة، ورأى مكانه من ربه عز وجل، قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت

أن لا تعصى ما تعصيت وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه: " إني لا أسأل عما أفعل وهو يسألون ". فانتهى موسى. فلما بعث الله عزيراً، وآتاه التوراة، بعدما كان قد رفعها عن بني إسرائيل حتى قال من قال منهم: إن الله إنما خصه بالتوراة من بيننا أنه ابنه. فلما رأى منزلته من ربه قال: اللهم إنك رب عظيم لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذل تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه: " إني لا أسأل عما أفعل ". فأبت نفسه حتى سأل أيضاً، فقال: اللهم إنك رب لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله إليه: " يا عزير أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ " قال: لا، قال: " أتستطيع أن تصر صرّة من الشمس؟ " قال: لا، قال: " أتستطيع أن تجيء بحصاة من الأرض السابعة؟ " قال: لا، قال: " أتستطيع أن تجيء بمثقال من الريح؟ " قال: لا، قال: " أتستطيع أن تجيء بقيراط من نور؟ " قال: لا، قال: " فهذا لا تقدر على الذي سألت عنه، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، أما إني لا أجعل عقوبتك إلا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر بينهم "، وهو نبي مرسل أو رسول. فلما بعث الله عيسى ابن مريم وأنزل عليه الكتاب والحكم والتوراة والإنجيل، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. فرأى مكانه من ربه عز وجل، قال: اللهم إنك رب عظيم، ولو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذل تعصى، فكيف هذا أي رب؟ فأوحى الله تعالى إليه: " إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون، إنما أنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى مريم، وروح مني خلقتك من غير أب، ثم قلت لك: كن فكنت، لئن لم تنته لأفعلن بك ما فعلت بصاحبك بين يديك ": فجمع الحواريين ومن معه فقال: إن القدر سرّ الله عز وجل فلا تتكلفوا.

وفي رواية: إن القدر سريرة الله، فلا تسألوا عن سريرة الله. وقال في الحديث عن عزير: إنه زجره فلم يزدجر، فقال الله تعالى: " يا عزير تريد أن تسألني عن أصل علمي؟، فوعزتي لأمحونّ اسمك من النبوة ". قال: فعاقبه الله تعالى فمحا اسمه من النبوة؛ فلم يذكر مع الأنبياء. قال: ثم لم يكفّ فقال: يا رب، اشتبه علي أمري! فبعث الله إليه ملكاً فقال: يا عزير، إن الله يقول: " وما الذي اشتبه عليك؟ " قال: يا رب، تسليطك على بني إسرائيل وهم أبناء أنبيائك وأصفيائك عبدة النيران، فقتلوا وسبوا وحرقوا بيت المقدس بيتك الذي اخترته لنفسك، وحرقوا كتابك الذي جاء به موسى، فكيف هذا يا رب؟ فقال له الملك: يا عزير، إن الله جل ثناؤه يقول: " اسكت، وما أنت وذاك؟! " فقال للملك: اشفع لي إلى الله، فقال الملك: يا عزير، أنت فتعبّد وسل ربك. قال: فتعبد أربعين يوماً ثم سأل ربه؛ فأوحى الله إليه: " يا عزير، إن بني إسرائيل قتلوا أنبيائي وانتهكوا محامي؛ فسلطت عيهم من لا يرجو ثوابي ولا يخاف عقابي، يكون أبلغ لي منهم في العقوبة، فمن ثمّ سلطت عليهم بختنصر وعبدة النيران. قال: يا رب إنك حكم عدل، وأنت لا تجور، فكيف عذبت العامة بذنب الخاصة، والأصاغر بذنب الأكابر، فكيف هذا يا رب؟ فقال الله تعالى: " يا عزير، اخرج إلى فلاة من الأرض، يأتيك أمري ". قال: فخرج فأتاه ملك فقال: يا عزير إن ربك يقول: " أتستطيع أن ترد يوم أمس؟ " قال: لا، قال: " فتستطيع أن تصرّ صرة من الشمس؟ " قال: لا، قال: " فتستطيع أن تكيل مكيالاً من نور؟ " قال: لا، قال: " فتستطيع أن تزن مثقالاً من الريح؟ " قال: لا، قال: " فتستطيع أن تجيء بحصاة من البحر السابع من قعره؟ " قال: فكذلك لا تستطيع أن تعلم أصل علمي ". ثم سلط الله عليه الشمس حتى صمحته من فوق رأسه، وسلط عليه الرمضاء من تحت رجليه حتى بلغ مجهوده وأيقن بالهلاك، فظن أنها عقوبة الذي سأل،

إذا رفت له سحابة فعدا إليها، فإذا تحتها نهر جارٍ، فاغتسل فيه، ثم تروح في ظلها، فغلبته عيناه، فنام حتى استثقل نوماً. فسلط الله عليه قرية النمل، فارتفعن على ساقيه، فنخسته نملةٌ منها، فدلك إحدى رجليه على الأخرى؛ فقتل نملاً وذراً كثيراً، فانتبه، فأوحى الله إليه فقال: " يا عزير: لم قتلت هذا النمل؟ " قال: يا رب نخستني منها نملة، قال: " يا عزير، نخستك نملة، وقتلت نملاً كثيراً وذراً!! ". وفي حديث آخر: لما انتبه عزير أحرق قرية النمل، فأوحى الله إليه: " فهلاً نملة واحدة؟! ". وفي حديث آخر: فأوحى الله إليه: " يا عزير أحرقت قرية النمل، فبلغ من أذاهن إياك أن تحرقهن بالنار، وإنما عضتك منها نملة؟! " فقال: يا رب، إنما عضتني تلك الواحدة بقوتهن. فعلم عزير أن هذا مثل ضربه الله له، فقال عند ذلك عزير: يا رب، أنت كذلك أنت لا يدرك أحد كنه علمك وقدرتك. فقال الله تعالى: " يا عزير زعمت أني حكم عدل لا أجور بين عبادي، وكذلك أنا، وزعمت أني أعذب العامة بذنب الخاصة، والأصاغر بذنب الأكابر. يا عزير، إني لا أعذب العامة بذنب الخاصة حتى يعملوا المنكر جهاراً، فلا يأمروا ولا ينهوا، فأعذب الخاصة بالذنوب والمعاصي؛ فأعجلهم إلى النار، وأعاقب العامة بذنب الخاصة حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يقدرون على ذلك، فإذا كان يوم القيامة حاسبتهم بأعمالهم، وكان الذي عجلت لهم العقوبة في الدنيا لما تركوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما الأصاغر فأقبضهم بآجالهم قبضاً لطيفاً إلى راحتي ". قال عزير: كذلك أنت إلهي. فقال له ربه: " قم يا عزير، ارجع إلى قومك، وانطلق إلى مدينتك، وقم فيهم، فقد شفعتك فيهم وأنا رادهم إليها ".

فجمعهم الله وخلصهم من أيدي عدوهم، فجمعهم في بيت المقدس في خير حال، حتى قبض الله إليه عزيراً، فعتوا بعد ذلك، وبغى بعضهم على بعض، فجعلوا يخرجون من ليست له منعة من ديارهم، ويأخذون أموالهم؛ فسلط الله عليهم بعد ذلك طططيس بن سيس الرومي، فغزا بيت المقدس، فذلك قوله عز وجل: " وإن عدتم عدنا ". فعادوا إلى البغي؛ وأعاد الله عليهم العقوبة، فغزاهم طططيس، فهزمهم الله، فقتل مقاتليهم، وحمل كنوز بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وحمل الأموال التي كانت فيها، فهي في بيوت أموالهم بالروم، ففيهم نزلت: " ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ". يعني أهل الروم، فليس رومي يدخل بيت المقدس إلا خائفاً، مستنكراً يستوحشه إذا نظر إلى بيت المقدس، ثم يصبح فيدخله. " ولهم في الدنيا خزيّ " يعني: أن يقتل مقاتلة الروم وتسبى ذراريهم حتى يفتحها الله على أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر الزمان " ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ " يعني عذاب النار يوم القيامة. وقد أتى في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء؛ فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أن: في قرصة نملة أهلكت أمة من الأمم؛ فاستح؟ ". وعن وهب: أن عزيراً قام شافعاً إلى الله عز وجل في بني إسرائيل، وذكر الذي أصابهم من عظم المصيبة والبلاء، وما تتبع عليهم من الملك بختنصر وأنطياخوس. فقال: يا رب أنت خلقت الأرض بكلمتك، وكانت على مشيئتك، ثم خلقت فيها آدم بقدرتك جسداً، ثم نفخت فيه من روحك؛ فكان بشراً سويّاً، ثم أسجدت له ملائكتك،

وأسكنته جنتك التي خلقتها بيدك، ثم أمرته فعصاك، وأخرجته من الجنة، وقضيت عليه الموت وعلى ولده من بعده، فلما عصاك وأخرجته من الجنة فلم تخرج منه الضعف الذي به عصاك، وأخرجت منه ذريتهم، فلم تخرج ذلك الضعف من ذريته الذي يعصيك به الخاطئون، ثم اخترت من ذريته نوحاً وأهلكت به البرية بدعوته لكفرهم بك، ثم اخترت من ولد نوح إبراهيم، ومن ولد إبراهيم إسحاق، ومن ولد إسحاق يعقوب، ثم أخرجت آل يعقوب من مصر، ورغبت بهم عنها، وبوأتهم الشام، ثم أنزلت عليهم كتابك، وعهدت إليهم عهدك، ثم اخترت داود ثم سليمان من بعده، فأمرت ببناء بيتك المقدس من مالك، فسخرت له الإنس والجن والشياطين؛ فبنى ذلك البيت ليذكر فيه اسمك، ويسبحك من خلقك؛ فعصاك أهل ذلك البيت، وليسوا بأول من عصاك؛ فعاقبتهم على معصيتك، فسلطت عليهم من قتل أنبياءك وخرّب بيتك، وأحرق كتابك الذي أنزلت، وأذل أولياءك وأعز به أعداءك؛ فعجب يا رب كيف أسلمت أولياءك وأعززت أعداءك؟ وعجب ما الذي ينفعنا أن نسمّى أولياءك ونحن عبيد لأعدائك وخولٌ لأهل معصيتك؟! فكيف هذا يا رب؟! وعن ابن عباس: أن عزيراً سأل الله عز وجل فقال: يا رب أنت خلقت الشر وقدّرته، فلم تعذب عليه؟ فأوحى الله تعالى إليه: " يا عزير، أعرض عن هذا وإلا محوت اسمك من اسم النبوة "، فأعاد عزير القول ثلاث مرات؛ فمحا الله اسمه من النبوة. فما بعث عيسى عليه السلام سأل عن مثل ما سأل عنه عزير؛ فأوحى الله إليه: " يا بن العذراء البتول: إنه غيبي مكتوبٌ تحت عرشي المكنون ". وعن رجاء بن سويد: أن عيسى بن مريم سأل ربه فقال: يا رب إنك عدل وقضاؤك عدل، فكيف تقضي

عزير بن الأحنف بن الفضل

على العبد بالذنب ثم تعذبه عليه؟! فقال: " يا بن البتول: اله عن هذا فإنه من مكنون علمي ". وعن أنس بن مالك قال: جاء عزير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى باب موسى بن عمران بعدما محي اسمه من ديوان النبوة فحجب؛ فرجع وهو يقول: مئة موتةٍ أهون من ذل ساعة. قال عطاء بن أبي رباح: كان أمر عزير بين عيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال عطاء أيضاً: كان في الفترة تسعة أشياء: بختنصر، وجنة صنعاء، وجنة سبأ، وأصحاب الأخدود، وأمر حاصوراء، وأصحاب الكهف، وأصحب الفيل، ومدينة أنطاكية، وأمر تبع. وقال الحسن: كان أمر عزير وبختنصر في الفترة. وعن وهب بن منبه: أنها كانت بين عيسى وسليمان. والله أعلم أي ذلك كان. عزير بن الأحنف بن الفضل أبو عصمة البخاري البيكندي. ويقال الجرجاني لعله سكن جرجان؛ فنسب إليها. سمع بدمشق وبغيرها.

عسكر بن حصين

وحدث عن قتيبة بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يدخر شيئاً لغده. توفي أبو عصمة ببلخ سنة ثمان وثمانين ومئتين. عسكر بن حصين أبو تراب النخشبي أحد العباد السائحين، قدم دمشق. وحدث عن محمد بن نمير بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم ". وذكر أبو نعيم أن نخشب من خراسان، ووهم في ذلك، إنما هي من وراء النهر، وهي نسف. قال ابن الجلاّء: صحبت ست مئة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة، أولهم أبو تراب النخشبي. قال أبو تراب: الفقير قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومنزله حيث نزل. وقال: إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمل، وإذا أخلص فيه وجد حلاوته وقت مباشرة العمل.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: جاء أبو تراب إلى أبي، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ لا نغتاب العلماء؛ فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة. وكان أبو تراب صحب حاتماً الأصم وأخذ منه طريقة التوكل. كان أبو تراب إذا رأى من أصحابه ما يكره زاد في اجتهاده، وجدد توبته ويقول: بشؤمي دفعوا إلى ما دفعوا إليه لأن الله تعالى يقول: " إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم ". قال: وسمعته يقول لأصحابه: من لبس منكم مرقّعةً فقد سأل: ومن قعد في خانقاه أو في مسجد فقد سأل، ومن قرأ القرآن من مصحف أو كيما يسمع الناس فقد سأل الناس. قال: وكان يقول: بيني وبين الله عز وجل أن لا أمدّ يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه. قال أبو تراب: لابد للأستاذ من أربعة أشياء: تمييز فعل الله من فعل الخلق، ومعرفة مقامات العمال، ومعرفة الطبائع والنفوس، وتمييز الخلاف من الاختلاف. وكان أبو تراب يقول: لا أعلم شيئاً أضرّ للمريدين من أسفارهم على متابعة قلوبهم ونفوسهم الاعتقاد الباطل.

نظر أبو تراب إلى صوفي مدّ يده إلى قشر البطيخ وقد طوى ثلاثة أيام؛ فقال له أبو تراب: تمد يدك إلى قشر البطيخ؟! أنت لا يصلح لك التصوف، الزم السوق. مر أبو تراب مزيّن فقال له: تحلق رأسي لله عز وجل؟ فقال له: اجلس، ففيما يحلق رأسه مرّ به أميرٌ من أهل بلده، فقال: أليس هذا أبو تراب؟ فقالوا: نعم، قال: أيشٍ معكم من الدنانير؟ فقال له رجل من خاصته: معي ألف دينار، فقال: إذا قام فأعطه واعتذر إليه وقل له: لم يكن معنا غير هذه؛ فجاء الغلام إليه، فقال له: الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير، فقال له: ادفعها إلى المزيّن، فقال له المزيّن: أيشٍ أعمل بها؟ فقال: خذها، فقال: لا والله ولو أنها ألفا دينار، تشترط عليّ وتقول: احلق رأسي لله، لا والله ولو أنها ألفا دينار ما أخذتها، فقال له أبو تراب: مرّ إليه فقل له: إن المزين ما أخذها، خذها أنت فاصرفها في مهمّاتك. قال أبو نصر السراج: شرط التوكل ما قاله أبو تراب النخشبي وهو طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطي شكر، وإن منع صبر. سئل أبو تراب عن صفة العارف، فقال: الذي لا يكدره شيء، ويصفو به كل شيء. قال أبو تراب: ما تمنّت نفسي عليّ قط إلا مرة، تمنت عليّ خبزاً وبيضاً، وأنا في سفري، فعدلت عن الطريق إلى قرية، فوثب رجل وتعلق بي وقال: كان هذا مع اللصوص، فبطحوني وضربوني سبعة خشبة. فوقف علينا رجل، فصرخ وقال: هذا أبو تراب النخشبي!، فخلوني واعتذروا إليّ، وأدخلني الرجل منزله، فقدم إليّ خبزاً وبيضاً، فقلت: كلها بعد سبعين جلدة.

قال أبو تراب: إذا تواترت النعم على أحدكم فليبك على نفسه، فقد سلك به غير طريق الصالحين. قال أبو تراب: ليس ينال الرضا من للدنيا في قلبه مقدار. دخل أبو تراب من بادية البصرة فسئل عن أكله، فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنّباج، ثم بذات عرق، ومن ذات عرق إليكم. فقطع البادية بأكلتين. قال محمد بن يوسف البنا: كان أبو تراب النخشبي صاحب كرامات، فسافرت معه سنة، وكان معه أربعون نفساً. ثم أصابتنا مرة فاقة، فعدل أبو تراب عن الطريق، وجاء بعذق موز فناولنا، وفينا شاب، فلم يأكل! فقال له أبو تراب: كل، فقال: الحال الذي أعتقده ترك المعلومات، وصرت أنت معلومي، فلا أصحبك بعد هذا. فقال أبو تراب: كن مع ما وقع لك. قال أبو العباس الرّقّي: كنا مع أبي تراب في طريق مكة، فعدل عن الطريق إلى ناحية، فقال له بعض أصحابه: أنا عطشان، فضرب برجله فإذا عين ماء زلال، فقال الفتى: أحب أن أشربه في قدح! فضرب بيده الأرض، فناوله قدحاً من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت! فشرب وسقانا. وفمازال القدح معنا إلى مكة. فقال لي أبو تراب يوماً: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله عز وجل بها عباده؟ فقتل: ما رأيتك أحداً إلا وهو يؤمن بها، فقال: من لم يؤمن بها فقد كفر! إنما سألتك من طريق الأحوال، فقلت: ما أعرف لهم

قولاً فيه. فقال: بلى قد زعم أصحابك أنا خدع من الجن، وليس الأمر كذلك. إنما الخدع في حال السكون إليها، فأما من لم يقترح ذلك ولم يساكنها فتلك مرتبة الربانيين. كان أبو تراب يقول: من كان غناه بماله لم يزل فقيراً، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنياً، ومن كان غناه بربّه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى، لأنه دخل في حيّز ما لا وصف له. قال أبو تراب: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في أولياء الله. قال أبو تراب: وقفت خمساً وعشرين وقفة، فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات ما رأيت قط أكثر منهم، ولا أكثر خشوعاً وتضرعاً ودعاءً، فأعجبني ذلك، فقلت: اللهم من لم تتقبل حجّته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجّتي له، وأفضنا من عرفات وبينا نجمع رأيت في المنام هاتفاً يهتف بي: " تتسخى وأنا أسخى الأسخياء، وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له "، فانتبهت فرحاً بهذه الرؤية، فرأيت يحيى بن معاذ الرازي وقصصت عليه الرؤيا، فقال: إن صدقت رؤياك فأنت تعيش أربعين يوماً. فلما كان يوم إحدى وأربعين جاؤوا إلى يحيى بن معاذ فقالوا: إن أبا تراب مات، فغسله ودفنه. قال إبراهيم الخواص: مات أبو تراب بين مكة والمدينة، نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومئتين بالبادية.

عصمة بن أبي عصمة إسرائيل بن بجماك

قال أبو عمر الإصطخري: رأيت أبا تراب ميتاً في البادية قائماً منتصباً لا يمسكه شيء. قال أبو تراب النّهراوني: رأيت كأن القيامة قد قامت، والأهوال قد بدت، والأمم جاثية على الركب، والكل قد همه شأنه، فبيناهم كذلك إذ لاح علم كبير ونور ساطع أضاءت منه القيامة؛ قال الناس: هذا ملكٌ مقرب أو نبي مرسل. إذا منادٍ ينادي: هذا أبو تراب النخشبي الذي آثر الله على ماله، وبذل نفسه لمولاه، فهبّت ريح من قبل العرش نثرت على الخلق نثاراً، فما أحد إلا أصابه منه. عصمة بن أبي عصمة إسرائيل بن بجماك أبو عمرو البخاري حدث بدمشق عن عمة زوج بن بجماك بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم ". قال عصمة العباداني: كنت أجول في بعض الفلوات إذ أبصرت ديراً فيه صومعة، فيها راهب، فناديته، فأشرف عليّ، فقلت له: من أين تاتيك الميرة؟ قال: من مسيرة شهر، قلت: حدثني بأعجب ما رأيت. قال: نعم، بينا أنا ذات يوم أدير نظري في هذه البرية، وأتفكر في

عظمة الله عز وجل وقدرته إذ رأيت طائراً أبيض مثل النعام كبيراً قد وقع على تلك الصخرة، وأومأ إلى صخرة بيضاء، فتقايا رأساً ثم رجلاً ثم ساقاً، وإذا هو كلما تقايا عضواً من تلك الأعضاء التأمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق الخاطف بقدرة الله عز وجلن حتى استوى رجلاً جالساً بقدرة الله، فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة قطعه أعضاءً ثم يرجع فيبتلعه. فلم يزل على ذلك أياماً؛ فكثر تعجبي، وازددت يقيناً بعظمة الله عز وجل، وعلمت أن لهذه الأجساد حياة بعد الموت، فلم يزل على ذلك أياماً، فالتفت إليه يوماً، فقلت: أيها الطائر، سألتك بحق الله الذي خلقك وبرأك إلا أمسكت عنه حتى أسائله فيخبرني بقصته. فأجابني الطائر بصوت عربي: الخلق لذي الملك وله البقاء الذي يفني كل شيء ويبقى، أنا ملك من ملائكة الله موكل بهذا الجسد لما أجرم وجرى عليه من قضاء الله، وأمرني الله أن آتي هذا المكان لتسأله وتخاطبه، ليخبرك بما كان منه، فسله. فالتفت إليه، فقلت: يا هذا الرجل المسيء لنفسه ما قصتك؟ ومن أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وإني لما قتلته وصارت روحي بين يدي الله عز وجل، ناوني صحيفة مكتوبة، فيها ما عملته من الخير والشر منذ يوم ولدتني أمي إلى أن قتلت عليّ بن أبي طالب، وأمر الله هذا الملك بعذابي إلى يوم القيامة، فهو يفعل فيّ ما تراه، ثم سكت فنقره الطائر نقرة نثر أعضاءه بها، ثم جعل يبتلعه عضواً عضواً. فلما فرغ منه، قال: يا آدمي: إن ماض عنك، وخير وصيتي لك: أن تتقي الله في سرك وعلانيتك، فهذا جزاء من قتل نفساً زكية، قد كتب لها السعادة من الله عز وجل، وكتب على قاتلها النار والعذاب من الله عز وجل، وقد أتاني رسول الله أن أمضي بهذا الجسد جزيرة في البحر الأسود الذي تخرج منه هوام أهل النار فأعذبه إلى يوم القيامة. كان عصمة مقيماً بمصر، تحول إلى دمشق. وذكر الفضل بن جعفر أنه سمع من عصمة سنة ثلاث مئة.

عصمة بن أبي عصمة البعلبكي

عصمة بن أبي عصمة البعلبكي حدث عن أبي عبد الله محمد بن بكير البصري بسنده إلى أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري أنها قالت: لم تر فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دماً قط في حيض ولا في نفاس، وكانت يصب عليها من ماء الجنة؛ وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أسري به دخل الجنة، وأكل من فاكهة الجنة، شرب من ماء الجنة، فنزل من ليلته فوقع على خديجة، فحملت بفاطمة، رضوان الله وسلامه عليها، فكان حمل فاطمة من ماء الجنة. عطارد بن حاجب بن زرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد منامة من تميم ويقال: إن حاجباً لقب زرارة، لقّب بذلك لكبر حاجبيه أبو عكرمة التميمي أسلم على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووفد عليه، واستعمله سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقات بني دارم، ووفد على معاوية. روى عطارد بن حاجب: أنه أهدى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوب ديباج كساه إياه كسرى، فدخل أصحابه فقالوا: أنزلت عليك من السماء؟ فقال: " وما تعجبون من ذا؟ لمنديلٌ من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خيرٌ من هذا "، ثم قال: " يا غلام، اذهب به إلى أبي جهم بن حذيفة، وقل له: يبعث إليّ بالخميصة ".

عن ابن عمر قال: رأى عمر عطارد التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء، وكان رجلاً يغشى الملوك، فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارد يقيم في السوق حلة سيراء، فلو اشتريتها ولبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ". فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال: " شقّقها خمراً بين نسائك ". فجاء عمر يحملها، فقال: يا رسول الله: بعثت إليّ بهذه، وقلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت: قال: " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت بها إليك لتصيب بها ". فأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظراً عرف أن رسول الله عليه وسلم أنكر ما صنع، فقال: يا رسول الله ما تنظر إليّ وأنت بعثت بها إليّ؟ قال: " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت لها إليك لتشققها خمراً بين نسائك ". بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر بن سفيان، ويقال: نعيم بن عبد الله النحام على صدقات بني كعب. فجاء وقد حلّ بنواحيهم من بني تميم بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، فهم يشربون معهم على غدير لهم بذات الأشطاط. ويقال: وجدهم على عسفان، ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليه خزاعة الصدقة من كل ناحية، فاستنكر ذلك بنو تميم، وقالوا: ما هذا؟ تؤخذ أموالكم منكم ثباطاً؟! وتحبّشوا وتقلدوا القسيّ وشهروا السيوف. فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام، وهذا من ديننا. فقال التميميون: والله لا يصل إلى بعر منها أبداً.

فقملا رآهم المصدق هرب منهم، فانطلق مولّياً، وهو يخافهم، والإسلام يومئذٍ لم يعم العرب، وقد بقيت بقايا من العرب، فهم يخافون السيف؛ لما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة وحنين. وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ويتوقّوا كرائم أموالهم. فقدم المصدق على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره الخبر، وقال: يا رسول الله، إنما كنت في ثلاثة نفر. فوثبت خزاعة على التميميين، فأخرجوهم من محالهم، وقالوا: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، لتدخلنّ علينا بلاء من عداوة محمد وعلى أنفسكم، حيث تتعرضون لرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تردونهم عن صدقات أموالنا. فخرجوا راجعين إلى بلادهم. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟ " فانتدب أول الناس عيينة بن حصن الفزاري، فقال: أنا لهم أتبع آثارهم، ولو بلغوا يبرين حتى أنيل بهم إن شاء الله تعالى، فترى فيهم رأيك أو يسلموا. فبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خمسين فارساً من العرب ليس فيها مهاجرٌ واحد ولا أنصاري. وكان يسير بالليل ويكمن بالنهار، خرج على ركوبة حتى انتهى إلى العرج، فوجد خبرهم وأنهم قد عارضوا إلى أرض بني سليم. فخرج في إثرهم حتى وجدهم قد عدلوا من السّقيا يؤمّون أرض بني سليم في

صحراء، فدخلوا وسرحوا مواشيهم، والبيوت خلوف ليس فيها أحد إلا النساء ونفير، فلما رأوا الجمع ولّوا، وأخذوا منهم أحد عشر رجلاً، ووجدوا في المحلة من النساء إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيّاً، فجلبهم إلى المدينة، فأمر بهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. فقدم منهم عشرة من رؤسائهم: العطارد بن حاجب بن زارة، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، والأقرع بن حابس، ورياح بن الحارث بن مجاشع. فدخلوا المسجد قبل الظهر، فلما دخلوا سألوا عن سبيهم، فأخبروا بهم، فجاؤوهم فبكى الذراري والنساء، فرجعوا حتى دخلوا المسجد ثانية ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذٍ في بيت عائشة، وقد أذن بلال الأذان الأول، والناس ينتظرون خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعجلوا خروجه فنادوه: يا محمد، اخرج إلينا، فقام إليهم بلال، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج الآن، فاستشهر أهل المسجد أصواتهم، فجعلوا يخفضونهم بأيديهم. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام بلال الصلاة، وتعلقوا به يكلمونه، فوقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم بعد إقامة بلال الصلاة مليّاً، وهم يقولون: أتيناك بخطيبنا وشاعرنا فاستمع منا؛ فتبسم النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم مضى فصلى بالناس الظهر، ثم انصرف إلى بيته، فركع ركعتين، ثم خرج فجلس في صحن المسجد. وقدّموا عطارد بن حاجب التميمي، فخطب فقال: الحمد لله الذي له الفضل علينا، والذي جعلنا ملوكاً، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم مالاً وأكثرهم عدداً، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا برؤوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن يفاخر فليعدد مثلما عددنا، ولو شئنا لأكثرنا من

الكلام، ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا الله، أقول هذا لأن يؤتى بقولٍ هو أفضل من قولنا! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بن قيس: " قم فأجب خطيبهم ". فقال ثابت وما كان درى من ذلك بشيء وما هيأ قبل ذلك ما يقول، فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيها أمره، ووسع كل شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان مما قدر الله أن جعلنا ملوكاً، اصطفى لنا من خلقه رسولاً، أكرمهم نسباً، وأحسنهم زيّاً، وأصدقهم حديثاً، أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان؛ فآمن المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أصبح الناس أنصار الله ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قتله علينا يسيراً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. ثم جلس. فقالوا: يا رسول الله ائذن لشاعرنا، فأذن له؛ فأقاموا الزبرقان بن بدر فقال: من البسيط نحن الملوك فلا حيٌّ يقاربنا ... فينا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل الخير يتّبع ونحن نطعم عند القحط ما أكلوا ... من السّديف إذا لم يؤنس القزع وننحر الكوم عبطاً في أرومتنا ... للنازلين إذا ما استنزلوا شعبوا فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجبهم يا حسان بن ثابت "، فقام فقال: من البسيط

إنّ الذوائب من فهرٍ وإخوتهم ... قد شرعوا سنة للناس تتّبع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا قومٌ إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجيةٌ تلك منهم غير محدثةٍ ... إن الخلائق فاعلم شرّها البدع لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدّفاع ولا يوهون ما رقعوا ولا يضنّون عن جار بفضلهم ... ولا ينالهم في مطمع طبع إن كان في الناس سبّاقون بعدهم ... فكلّ سبقٍ لأدنى سبقهم تبع أكرم بقومٍ رسول الله شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشّيع أعفّةٌ ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطمعون ولا يرديهم طمع كأنهم في الوغى والموت مكتنعٌ ... أسدٌ ببيشة في إرصاعها قذع لا فرّح إن أصابوا في عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا خورٌ ولا جزع وإن أصبنا لحي لم ندبّ لهم ... كما تدبّ إلى الوحشية الذّرع نسمو إلى الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أطرافها خشعوا خذ منهم ما أتوا عفواً إذا غضبوا ... ولا يكن همّك الأمر الذي منعوا فإنّ في حربهم فاترك عداوتهم ... سماً عريضاً عليه الصاب والسّلع أهدى لهم مدحاً قلبٌ يؤازره ... فيما أحب لسانٌ حائكٌ صنع وإنهم أفضل الأحياء كلّهم ... إذ جدّ بالناس جدّ القول أو شمعوا

وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر بمنبر فوضع في المسجد ينشد عليه حسان، وقال: " إن الله ليؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن نبيه ". وسرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون بمقام ثابت، وشعر حسان. وخلا الوفد بعضهم إلى بعض، فقال قائلهم: تعلمن والله أن هذا الرجل مؤيد مصنوع له، والله لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعرهم أشعر من شاعرنا ولهم أحلم منا. وكان ثابت بن قيس من أجهر الناس صوتاً. وأنزل الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رفع أصوات التميميين، ويذكر أنهم نادوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات، فقال: " يا أيّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ " إلى قوله: " أكثرهم لا يعقلون ". يعني تميماً حين نادوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ثابت حين نزلت هذه الآية لا يرفع صوته عند سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأسرى والسبي، وقام عمرو بن الأهتم يومئذٍ فهجا قيس بن عاصم، كانا جميعاً في الوفد. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر لهم بجوائز، وكان يجيز الوفد إذا قدموا عليه، ويفضل بينهم في العطية على قدر ما يرى. فلما أجازهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هل بقي منكم من لم نجزه؟ " فقالوا: غلام في الرحل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرسلوه، نجيزه ". فقال قيس بن عاصم: إنه لا شرف له. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن كان فإنه وافد وله حق ". فقال عمروا بن الأهتم شعراً يريد قيس بن عاصم: من البسيط أظللت مفترشاً هلباك تشتمني ... عند الرسول فلم تصدق ولم تصب

عطاف المعلم

إنا وسؤددنا عودٌ وسؤددكم ... مجلف بمكان العجب والذنب إن تبغضونا فإن الروم أصلكم ... والروم لا تملك البغضاء للعرب وفي حديث آخر بمعناه: أن سبيهم لما جلب إلى المدينة قدم عليهم جماعة منهم، وأنه لما صلى الظهر قال الأقرع: يا محمد، ائذن لي، فوالله إن حمدي لزينٌ، وإنّ ذمّي لشينٌ. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت، ذاك الله تباك وتعالى ". قالوا: وكان عطارد بن حاجب مع سجاح بنت الحارث بن سويد التي تنبأت في بني تميم فقال عطارد: من البسيط أمست نبيّتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا عطاف المعلم الذي ينسب إليه زقاق عطاف. كان عطاف يعلم صبيّاً يقول له: " والعاديات ضبحاً ". فيقول: والعاديات ذبحاً، حتى إذا أعياه ضرب بأسفل اللوح نحره فقال: يا معلم ضبحتني ضبحتني. قال: فأين هذا الكلام من تلك الساعة يا كذا وكذا.

عطاء بن أبي رباح

عطاء بن أبي رباح واسم أبي رباح: أسلم أبو محمد القرشي الفهري مولى آل حنتم وفد على هشام. حدث عطاء عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استلم الحجر فقبله، واستلم الركن اليماني فقبّل يده. وحدث عطاء عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من جهّز غازياً في سبيل الله أو خلفه في أهله كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر الغازي شيء، ومن جهز حاجّاً أو خلفه في أهله كان له مثل أجر الحاج من غير أن ينتقص من أجر الحاج شيء، ومن فطر صائماً كان له مثل أجره ". قال ابن جريج: قلت لعطاء: هل لرجل بالشام رخصة في الشتاء أن يمسح قدميه مسحاً ليس عليهما خفان؟ قال: لا، ثم قال: أما أنا فإني كنت غاسلاً هنالك في الشتاء، ثم تلا عليّ قوله في الوضوء، قال: لا أراه إلا الغسل، إنما الرخصة في المسح على الخفين من أجل الدفء. قال عثمان بن عطاء الخراساني: انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك، فلما قربنا إذا شيخ أسود على حمار، عليه قميص دريس وجبة دنسة وقلنسوة لاطية دنسة، وركاباه من خشب، فضحكت، وقلت لأبي: من هذا الأعرابي؟ قال: اسكت! هذا سيّد فقهاء أهل الحجاز، هذا عطاء بن أبي رباح.

فلما قربت نزل أبي عن بغلته، ونزل هو عن حماره، فاعتنقا وتساءلا، ثم ركبا فانطلقا إلى باب هشام. فلما رجع أبي قلت: حدثني ما كان منكما. قال: لما قيل لهشام: عطاء بن أبي رباح أذن له، وما دخلت إلا بسببه. فلما رآه هشام قال: مرحباً مرحباً: هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد أصل العرب وقادة الإسلام ترد فيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن ترد فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوّكم قد أجريتم لهم أرزاقاً تدرّها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم، قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون ما لا يطيقون، فإن ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن لا يحملوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك، فإنك وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد. قال: وأكبّ هشام، وقام عطاء. فلما كنا عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه أدراهم أم دنانير! وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا، قال: لا أسألكم

عليه أجراً، إن أجري إلا عند ربّ العالمين. ثم خرج عطاء، ولا والله ما شرب عندهم حسوة من ماء فما فوقه. قال يحيى بن معين: كان أبو رباح أبو عطاء لامرأة من بني فهر، وكان عطاء معلم كتّاب دهراً. وكان عطاء من مولّدي الجند، ونشأ بمكة، وانتهت فتوى مكة إليه وإلى مجاهد في زمانهما، وأكثر ذلك إلى عطاء، وكان عامل عمر بن الخطاب على مكة. وكان أشر أعور، كانت يده شلاء، ضربت أيام ابن الزبير. قالوا: وكان أسود شديد السواد، أعور أفطس أعرج أشل أعور، ثم عمي بعد ذلك. وكان أنفه كأنه باقلاة، ولم يكن في رأسه شعر إلا شعرات في مقدم رأسه، وكان فصيحاً إذا تكلم، وما قال بالحجاز قبل منه، وكان ثقةً فقيهاً عالماً كثير الحديث. جاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حول قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قوما؛ فقاما، فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود. وكان عطاء يخضب بالحناء. ولد عطاء سنة سبع وعشرين، وكان عطاء يقول: إنه ولد لعامين خلوا من خلافة عثمان. قال ابن جريج: قلت لعطاء: هل رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استلموا قبلوا أيديهم؟ فقال: نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا

استلموا قبلوا أيديهم، قلت: وابن عباس؟ قال: نعم، حسبت كثيراً. قلت: هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك؟ قال: فلم أستلمه إذاً؟ قال عبد الرازق: أخذ أهل مكة الصلاة من ابن جريج، وأخذها ابن جريج عن عطاء، وأخذها عطاء من ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأخذها أبو بكر الصديق عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عليه السلام. قال عبد الرزاق: وما رأيت أحداً أحسن صلاة من ابن جريج، كان يصلي ونحن خارجون فيرى كأنه أسطوانة، وما يلتفت يميناً ولا شمالاً. وفي حديث آخر بمعناه: وأخذها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله تعالى. قال ابن جريج: كان عطاء بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة، فيقرأ مئتي آية من سور البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك. قال ابن عيينة: قلت لابن جريج: ما رأيت مصلياً مثلك! قال: فكيف لو رأيت عطاء؟! قدم ابن عمر مكة فسألوه، فقال: تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟! وعن قتادة قال: أعلم الناس من أهل زمانه بالحرام والحلال الحسن، وأعلمهم بالتفسير عكرمة، وأعلمهم بالمناسك عطاء.

قال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو على سريره، وحوله الأشراف في مكة في حجه في خلافته، فقام إليه وسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد ين يديه وقال له: يا أبا محمد حاجتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين، فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفل عنهم، ولا تغلق دونهم بابك. فقال له: أفعل. ثم نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة، ثم خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف! هذا وأبيك السؤدد. قال ابن أبي ليلى: دخلت على عطاء بن أبي رباح فجعل يسألني، فكأن أصحابه جعلوا يعجبون من ذلك، فقال: ما تنكرون من ذلك؟ هو أعلم مني. قال ابن أبي ليلى: وكان عطاء قد حجّ سبعين حجة، وعاش مئة سنة. قال ابن أبي ليلى: ورأيته يشرب الماء في رمضان ويقول: قال ابن عباس: " وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له " إني أطعم أكثر من مسكين. قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: ما رأيت مفتياً خيراً من عطاء بن أبي رباح، إنما كان مجلسه ذكر الله لا يفتر، وهم

يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شيء أحسن الجواب. قال الأوزاعي: مات عطاء وهو أرضى أهل الأرض، وكان أكثر من يستند غليه سبعةٌ أو ثمانيةٌ، وما كان أكثرهم من يهتدى إليه. قال رجل لابن جريج: لولا هذا الأسودان لم يكن لنا فقه. قال: من؟ قال: عطاء ومجاهد. فقال ابن جريج: فضّ الله فاك، تقول لهما الأسودان؟! قال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء وطاوس ومجاهد. قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاةً. قال أبو عبد الله: العلم خزائن يقسمه الله لمن أحب، لو كان يخص بالعلم أحداً لكان أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. كان عطاء بن أبي رباح واسم أبي رباح أسلم حبشياً، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبيّاً أسود، وكان الحسن البصري مولى للأنصار، وكان ابن سيرين مولى للأنصار. قال الزهري: قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة. قال: ثمن خلفت يسودها وأهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فيم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا.

قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فيم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي ذلك. قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي، عبد نوبيّ أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن البصري. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم النخعيّ. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب؛ قال: ويلك يا زهري؛ فرّجت عني، والله ليسودنّ الموالي على العرب في هذا البلد حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو دين، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط. قال عبد الرحمن بن سابط: ما أرى إيمان أهل الأرض يعدل إيمان أبي بكر، ولا أرى إيمان أهل مكة يعدل إيمان عطاء. قال عمر بن ذر: ما رأيت مثل عطاء قط، وما رأيت على عطاء قميصاً قط، ولا رأيت عليه ثوباً يسوى خمسة دراهم.

قال الربيع: سمعت الشافعي وسأله رجل عن المشي، فحنث بالمشي إلى الكعبة، فأفتاه بكفارة يمين؛ فقال له الرجل: بهذا تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: هذا قول من هو خير مني. قال: من هو؟ قال: عطاء بن أبي رباح. سئل عطاء عن شيء، فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ قال: إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي. قال يعلى بن عبيد الطنافسي: دخلنا على محمد بن سوقة فقال: يا بن أخي أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فقد نفعني، قال لنا عطاء بن أبي رباح: إن من قبلكم كانوا يعدّون فضول الكلام عداً: كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك التي لابد لك منها. أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين " عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؟ " أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته؟. سئل عطاء من أين معاشه؟ قال: نيل السلطان ومواساة الإخوان. قال عمران بن جابر: رأيت عمامة عطاء مخرقة، فقلت: أنا أعطيك عمامتي، قال: إنما لا تقبل إلا من الأمراء.

قال يعقوب بن عطاء: كان عطاء يريد المسجد فيلبس ثيابه، فيرى أن ليس عنده أحد، قال: وهو لا يبصر من أحد شقتيه، قال: فقلت له: يا أبه، كأنك تشتكي عينك هذه؟! قال: وفطنت لها؟ قلت: نعم، قال: ما أبصرت بها منذ أربعين سنة وما علمت أمك. قال يعقوب بن عطاء: كان رجل يحدث أبي بحديث كان أبي أحفظ لذلك الحديث من الرجل، قال: فجعل أبي يصغي إليه، فقلت أنا للرجل: إن أبي يحفظ هذا الحديث، فصاح أبي وقال: مه يا بني، فلما قام الرجل قال لي أبي: يا بني لم تبغّض أباك إلى جليسه؟ لقد سمعت هذا الحديث قبل أن يولد أبوه، ولقد كان يحدث أخاه بالحديث، والذي يحدّث بالحديث أحفظ من الذي يحدّثه، فما يزيده على أن يقول: ما أحسنه، إرادة أن يسرّه. قالوا: وكان عطاء قد اختلط بأخرة، فتركه ابن جريج وقيس بن سعد. قال عطاء: وددت أني أحسن العربية، وهو يومئذ ابن تسعين سنة. قال بعض الكوفيين: كان عطاء بن أبي رباح من المرجئة. ولما حضرت عطاء الوفاة. صحن النساء، فقال عطاء: اكفني هؤلاء، فإن أيين عليك فاستعن عليهن بالسلطان، ثم جعل يقول: يا صريخ الأخيار، يا صريخ الأخيار. فلم يزل يقول حتى مات. توفي عطاء بن أبي رباح سنة أربع عشرة ومئة، وقيل: سنة خمس عشرة

عطاء بن ابي صيفي بن نضلة

ومئة: وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل: مات سنة ست عشرة ومئة، وقيل: سنة سبع عشرة ومئة، والله أعلم. عطاء بن ابي صيفي بن نضلة ابن قانف بن الحويرث بن الحارث الثقفي وفد على يزيد بن معاوية وعزاه عن أبيه. قال شجاع بن إسحاق: أو من عزّى وهنّأ في مقام واحد عطاء بن أبي صيفي الثقفي. عزّى ابن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام. لما مات معاوية بن أبي سفيان دخل على يزيد أشراف أهل الشام، فلم يجتمع لأحد منهم تعزية مع تهنئة. فدخل عليه عطاء بن أبي صيفي فقال: يا أمير المؤمنين، أصبحت رزئت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، قضى معاوية نحبه، يغفر الله له ذنبه، وأعطيت بعده الرئاسة، ومنحت السياسة، فاحتسب على الله عظيم الرزية. واشكر الله على حسن العطية، وأعظم الله أجرك. وأحسن على الخلافة عونك. عطاء بن قرة أبو قرة السلولي من أهل دمشق. حدث عن عبد الله بن ضمرة السلولي عن أبي هريرة: أنه كان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل لا يكاد يرى، ولا يعرف له كثير عمل، فمات، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في أصحابه: " هل علمتم أن الله قد أدخل فلاناً الجنة؟ ". قال: فتعجب القوم، إذ كان لا يكاد يرى، فقام إلى أهله رجل، فسأل امرأته عن عمله، فقالت: ما كان له كثير عمل إلا ما قد رأيت، غير أنه قد كانت فيه خصلة. قال: وما هي؟ قالت: كان

لا يسمع المؤذن في ليل ولا نهار، وعلى أي حال، ما كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله قال مثل ذلك، فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال مثل قوله. فقال الرجل: بهذا دخل الجنة. فجاء حتى إذا كان من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في أصحابه بحيث يسمع الصوت، نادى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتيت أهل فلان، فسألتهم عن عمله، فأخبروك بكذا وكذا ". فقال الرجل: أشهد أنك رسول الله. وحدث عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذراري المسلمين في الجنة يكفلهم إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وبسنده أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن يسقيه الله عز وجل الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركه في الدنيا، أنهار الجنة تفجّر من تحت تلال، أو تحت جبال المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية، عدلت بحلية أهل الدنيا جميعاً، لكان ما يحليه الله عز وجل به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعاً ". قال محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس: إني لجالس عند عطاء بن قرة السلولي إذ أتانا من يخبرنا بأن دمشق دخلت يوم عبد الله بن علي، فقتل فيها نحو من أربعة آلاف. فقال له عطاء بن قرة: ما تقول يا عبد الله؟! قال: نعم. قال: فوضع عطاء بن قرة يده على صدره، وجعل يقول: وافؤاداه! وافؤاداه! حتى مات في مجلسه، وماله بدمشق قريب ولا حميم. قوله: أربعة آلاف يعني من الأزد، قال: وقد روى أنه قتل فيها خمسين ألفاً.

عطاء بن أي مسلم

عطاء بن أي مسلم واسم أبي مسلم ميسرة ويقال: عبد الله أبو أيوب ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة الأزدي سكن الشام، ودخل دمشق. قال عطاء: حدثني شيخ بسوق البرم بالكوفة عن كعب بن عمرة أنه قال: جاءني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي، وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملاً؛ فأخذ بجبهتي، وقال: " احلق هذا، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين "، وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أن ليس عندي ما أنسك به. وحدث عطاء الخراساني عن الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت لأبي ذر الغفاري: يا عم أوصني، قال: يا بن أخ: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم: " من ركع ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة ". وحدث عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما ذاك؟ " قال: أصبت امرأتي في رمضان وأنا صائم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ " قال: لا. قال: " هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ " قال: لا. قال: فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرق تمر، فقال: " خذ هذا فتصدق به "، فقال يا رسول الله ما أحد أحوج إليه مني، فقال: كله. " فصم يوماً مكان ما أصبت ".

قال مالك: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب، كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين. قال سليمان بن داود الخولاني: إن عمر بن عبد العزيز كان يصلي العتمة لساعتين تمضيان من الليل، فجاء عطاء الخراساني فحدثه حديثاً فأخرها ساعةً أخرى. قال الأوزاعي: قدم عطاء الخراساني على هشام، فنزل على مكحول، فقال عطاء لمكحول: هاهنا من يحركنا يعني: يعظنا؟ قال: يزيد بن ميسرة، فأتوه، فقال له عطاء: حركنا رحمك الله قال: عم، كانت العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا. قال: أعد عليّ. فأعاد عليه، فرجع ولم يلق هشاماً. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص، صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي؛ فصار فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل اليمن طاووس، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أهل البصرة الحسن، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم النّخعي، وفقيه أهل الشام مكحول، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله عز وجل خصّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيب. قال إبراهيم بن أبي عبلة: كنا نجلس إلى عطاء الخراساني بعد الصبح، فيدعو بدعوات، فغاب ذات يوم؛ فتكلم رجل من المؤدبين، فأنكر رجاء بن حيوة صوته، فقال: من هذا؟ فقال: أنا يا أبا المقدام. قال: اسكت، فإنا نكره أن نسمع الخير إلا من أهله.

وكان عطاء الخراساني ثقة سنّيّاً صدوقاً، له فضل وعلم، معروفاً بالفتوى والجهاد، يحتج بحديثه. قال القاسم بن عاصم: قلت لسعيد بن المسيب: إن عطاء الخراساني حدثني عنك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الذي وقع على امرأته في رمضان بكفارة الظّهار، فقال: كذب، ما حدثته، إنما بلغني أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تصدق تصدق ". وعن عطاء الخراساني أنه قال: أوثق عملي في نفسي نشر العلم. وعن عطاء قال: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف نشتري ونبيع، ونصلّي ونصوم وننكح ونطلق، ونحج، وأشباه هذا. قال عثمان بن عطاء: ابذلوا العلم لمن طلبه، واعرضوه على من لم يطلبه. قال: وكان عطاء يجلس مع المساكين فيعلمهم ويروي لهم الحديث. وعن عطاء قال: لإبليس كحل يكحل به الناس: النوم عند الذكر كحل إبليس كان عطاء الخراساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول: اللهم هب لنا يقيناً بك حتى يهوّن علينا مصيبات الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق، إلا ما قسمت لنا. وكان عطاء الخراساني إذا دخل بيته لم يضع ثيابه حتى يأتي مسجد بيته فيصلي ركعتين.

وعن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: كنا نغازي عطاء الخراساني أنا ويزيد بن يزيد وهشام بن الغاز في نفر، فكان بعضنا ينزل قريباً من بعض، فكان عطاء يحيي الليل كله، فإذا مضى منه ما شاء الله أخرج رأسه من البناء الذي يكون فيه فينادي: يا عبد الرحمن، يا يزيد بن يزيد، يا هشام بن الغاز، يا فلان يا فلان، قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شرب الصديد ولبس الحديد، وأكل الزقوم، النجاء النجاء!، الوجاء الوجاء. ثم يعود إلى ما كان فيه. قال عطاء: المؤمن لا يتم له فرح يوم. قال إسماعيل بن عياش: قلت لعطاء الخراساني: من أين معاشك؟ قال: من صلة الإخوان وجوائز السلطان. قال وهب بن منبه لعطاء الخراساني يعظه: يا عطاء ألم أخبر أنك تأتي الملوك وأبناء الدنيا تحمل إليهم علمك؟! وفي رواية: فقال له: ويحك يا عطاء! تأتي من يغلق عنك بابه، ويظهر لك فعره، ويواري عنك غناه، وتدع من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه، ويقول: " ادعوني أستجب لكم "، ويحك يا عطاء! ارض بالدون في الدنيا مع الحكمة، ولا ترض بالدون من الحكمة مع الدنيا، ويحك يا عطاء! إن كان يغنيك ما يكفيك، فإن أدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس في الدنيا شيء يكفيك، ويحك يا عطاء، إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية، ولا يملؤه شيء إلا التراب.

عطاء بن يسار

مرض عطاء الخراساني، فدخل عليه محمد بن واسع يعوده، قال: سمعت الحسن يقول: إن العبد ليبتلى في ماله، فيصبر، فلا يبلغ بذلك الدرجات العلا، ويبتلى في ولده فيصبر، فلا يبلغ بذلك الدرجات العلا، ويبتلى في بدنه، فيصبر فيبلغ بذلك الدرجات العلا، وكان عطاء قد أصابته مرضات. ولد عطاء سنة خمسين، وتوفي بأريح، وحمل إلى بيت المقدس فدفن به. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وقيل: سنة خمس وثلاثين ومئة. عطاء بن يسار أبو محمد ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار المدني، القاصّ مولى ميمونة أم المؤمنين قيل إنه قدم دمشق. روى عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ. وكان أولاد يسار أربعة إخوة: عطاء وسليمان وعبد الملك وعبد الله، وكان سليمان وعطاء وعبد الملك من فقهاء التابعين، وأبوهم يسار مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وليسار عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رواية. قال أبو بكر: كان بالمدينة ثلاثة إخوة لا يدرى أيهم أفضل: سليمان بن يسار وعطاء بن يسار وعبد الله بن يسار، وثلاثة إخوة محمد بن المنكدر، وعمر بن المنكدر وأبو بكر بن المنكدر، وثلاثة إخوة بكر بن عبد الله بن الأشج ويعقوب بن عبد الله بن الأشج وعمر بن عبد الله بن الأشج. سئل أحمد بن حنبل عن عطاء بن يسار وسليمان بن يسار وإسحاق بن يسار فحسّن القول فيهم.

كان عطاء بن يسار يقول: جدّوا في دار العمل لدار الثواب، وجدّوا في دار الفناء لدار البقاء. كان عطاء بن يسار يقول: دينكم دينكم، فأما دنياكم فلا أوصيكم بها، أنتم عليها حراص، وأنتم بها مستوصون. قال عطاء بن يسار: لم نرشيئاً إلى شيء أزين من حلم إلى علم. قال زيد بن أسلم: كان عطاء بن يسار يقص علينا حتى نبكي، ثم يحدثنا بالملح حتى نضحك، ثم يقول: مرة كذا ومرة كذا. وقال عطاء: قيل ليك إنا حائدوك ثلاث حيدات فجاعلوك في الغرفة العليا من الجنة، قال فأخذته الخاصرة بالإسكندرية، ثم أخذته مرة أخرى، ثم أخذته الثالثة؛ فكان فيها موته. وحدث زيد بن أسلم قال: ما رأيت عطاء بن يسار في مجلس قط ولي حاجة من حوائج الدنيا إلا آثرت مجالسته على حاجتي. قال عثيم بن نسطاس: خطب رجل من العرب إلى عطاء بن يسار ابنته، فقال له عطاء: ما ننكر نسبك ولا موضعك، ولكنا نزوج مثلنا، وتزوج أنت من عشيرتك. قال عثيم: فأخبرت سعيد بن المسيب بذلك، فقال: أحسن عطاء ما شاء.

عطاء الكلاعي

قال ابن زيد بن أسلم: ما رأيت أحداً كان أزين لمسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عطاء بن يسار. توفي عطاء سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة سبع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث ومئة، وقيل سنة اثنتين ومئة، وهو ابن أربع وثمانين سنة. عطاء الكلاعي شهد خطبة عمر بالجابية. قال عطاء: سمعت عمر بن الخطاب يخطب بالجابية، يقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا كقيامي فيكم فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم، ثم يظهر الكذب، حتى يحلف الرجل وما يستحلف، ويشهد وما يستشهد، فمن سرته بحيحة الجنة فليتق الله، وليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة. من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. وقال: سمعت عمر يخطب بالجابية، فقال: أيها الناس، أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، والذي بطاعته ينفع أولياءه، وبمعصيته يضر أعداءه. فذكر الخطبة.

عطرد أبو هارون المغني

عطرّد أبو هارون المغنّي مولى بني عمرو بن عوف الأنصاريين ويقال: مولى قريش، ويقال: مولى مزينة المدني القبائي كان فقيهاً، قارئاً للقرآن، مجيداً للغناء، وفد على الوليد بن يزيد. لما استخلف الوليد كتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إليّ عطرّد المغني. قال عطرد: فدفع إليه العامل الكتاب، فقلت: سمعاً وطاعة. فدخلت عليه في قصره وهو قاعد على شفير بركة ليست بالكبيرة، يدور فيها الرجل سباحةً، فو الله ما كلمني كلمة حتى قال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني: حي الحمول. قال عطرد: فغنيت: من الكامل حيّ الحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي والله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل إني بحبلك واصلٌ حبلي ... وبريش نبلك رائشٌ نبلي وشمائلي ما قد علمت وما ... نبحت كلابك طارقاً مثلي قال: فما تكلم بكلمة حتى شق بردة صنعانية عليه لا يدرى ما ثمنها بنصفين، فخرج منها كما ولدته أمه، ثم رمى بنفسه في البركة، فنهل منها، حتى تعرفت فيها النقصان، فأخرج منها ميتاً سكراً، فضربت بيدي إلى البردة، فأخذتها، فما قال لي الخادم: خذها ولا دعها. وانصرفت إلى منزلي، وأنا أفكر فيه وفيما رأيت منه.

فلما كان من الغد دعاني في مثل ذلك الوقت وهو قاعد في ذلك الموضع، فقال: عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: غنني، فغنيته: من الطويل أيذهب عمري هكذا لم أنل به ... مجالس تشفي قرح قلبي من الوجد وقالوا: تداو إن في الطب راحةً ... فعزّيت نفسي بالدواء فلم يجدي فلم يتكلم حتى شق بردة عليه مثل البردة الأمسيّة، فخرج منها، فرمى بنفسه في البركة، فعلّ منها حتى تبينت النقصان، فأخرج ميتاً سكراً، وضممت البردة إليّ فما قيل لي: خذ ولا دع. وانصرفت إلى منزلي. فلما كان اليوم الثالث دعاني؛ فدخلت إليه وهو في بهو قد كفت ستوره، فكلمني من وراء الستر، فقال: يا عطرد؟ قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: كأني بك الآن وقد أتيت المدينة فقلت: دعاني أمي المؤمنين فدخلت عليه ففعل وفعل، يا بن الفاعلة، لئن تكلمت شفتاك بشيء مما كان لأطرحنّ الذي فيه عيناك، يا غلام أعطه خمس مئة، الحق بالمدينة. قلت: أفلا يأذن لي أمير المؤمنين فأقبل يده، وأتزود نظراً إلى وجهه؟ قال: لا. قال عطرّد: فخرجت فما تكلمت بشيء من هذا حتى دخلت الهاشمية. جاء سليمان بن عياش القرشي فاستفتح عليه، فخرج إليه فقال سليمان: من الكامل إني غدوت إليك من أهلي ... في حاجة يغدو لها مثلي لا طالباً شيئاً إليك سوى ... حيّ الحمول بجانب العزل فقال: نعم حباً وكرامة. ثم أدخله منزله فغناه له.

عطية الله بن الحسين بن محمد بن زهير

عطية الله بن الحسين بن محمد بن زهير أبو محمد الصوري الخطيب بصور حدث عن أبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بسنده إلى ابن عباس قال: أول ما سمع بالفالوذج أن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أمتك ستفتح لهم الأرض، وما يكثر عليهم من الدنيا حتى إنهم ليأكلون الفالوذج. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما الفالوذج؟ " قال: تخلطون العسل والسمن جميعاً. قال: فشهق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك شهقة. توفي عطية الله الخطيب في سنة خمس وأربعين وأربع مئة. عطية الله بن عطاء الله بن محمد بن أبي غياث أبو الحسين الصيداوي القاضي حدث بصيدا سنة تسع وأربع مئة عن أبي يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على قبر بعدما دفن. عطية بن عروة ويقال: ابن سعد، ويقال: ابن عمرو بن عروة بن القين بن عامر بن عميرة السعدي له صحبة. روى عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نزل الشام، وكان ولده بالبلقاء.

حدث عطية: انه قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد من قومه من ثقيف، قال: فلما دخلنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان فيما ذكروا أن سألوه، فقال لهم: " هل قدم معكم أحد من غيركم؟ " قالوا: نعم، قدم معنا فتى منا خلفناه في رحلنا. قال: " فأرسلوا إليه ". قال: فلما دخلت عليه وهم عنده استقبلني فقال: " إن اليد المنطية هي اليد العليا والسائلة هي السفلى، فلا تسأل فإن مال الله مسؤول ومنطى ". وفي رواية: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت أصغر القوم. ثم ذكر الحديث، فقال: " ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئاً، فإن اليد العليا هي المنطية، وإن اليد السفلى هي المنطاة، وإن مال الله لمسؤول ومنطى ". فكلمني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغتنا. وعن عطية، رجل من بني جشم، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا أيها الناس لا تسألوا قال كلمة خفية فإن الله عز وجل مسؤول ومنطي، فإن الله مسؤول ومنطي ". قال أبو وائل القاضي: كنت عند عروة بن محمد، فدخل علينا رجل، وكلمه بكلام أغضبه. قال: فقالم، ثم رجع وقد توضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما يطفئ النار بالماء، وإذا غضب أحدكم فليتوضأ ".

وعن عطية بن عمرو السعدي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به البأس ". وحدث عطية: أنه كان ممن كلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سبي هوازن، فقال: يا رسول الله، عشيرتك وأصلك، وكلا المرضعين درّتك، ولهذا اليوم اختبأناك، وهن أمهاتك وأخواتك وخالاتك. وكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، فرد عليهم سبيهم إلا رجلين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهبوا فخيروهما ". فقال أحدهما: إني أتركه، وقال الآخر: لا أتركه. فلما أدبر، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أخسّ سهمه ". فكان يمر بالجارية بالبكر وبالغلام فيدعه، حتى مرّ بعجوز فقال: إني آخذ هذه، فإنها أم حي، وهم يستنقذونها مني بما قدروا عليه؛ فكبر عطية وقال: خذها فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد، ولا وافدها بواجد، عجوز بتراء شنية، مالها أحد، فلما رآها لا يعرض لها أحد تركها. وكان عطية بن عروة جد عروة بن محمد بن عطية المدني؛ ولي اليمن لعمر بن عبد العزيز، وتوفي بالشام.

عطية بن قيس

عطية بن قيس أبو يحيى الكلابي مولاهم المعروف بالمذبوح كانت داره بدمشق بناحية الحير قبلة كنيسة اليهود. حدث عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى قال: انطلقنا إلى أبي سعيد الخدري في رجال من أهل العراق فسألوه، فقلت: أما أنا فلا أسألك إلا عن فرائض الله، قال: إنه لا خير لك في أن تعلم ذلك. ثم قال: أما إذا أبيت لقد كانت الصلاة تقام فينطلق أحدنا إلى حاجته بالبقيع فيتوضأ ويرجع وإنهم لفي الركعة الأولى. وحدث عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ولد عطية بن قيس في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة سبع، وغزا في خلافة معاوية، وتوفي سنة عشر ومئة وقيل: مات سنة إحدى وعشرين ومئة وهو ابن أربع ومئة سنة، وكان من التابعين، وكان لأبيه صحبة، وقيل: مات وهو ابن أربع وثمانين سنة. قال عطية بن قيس الكلابي: غزوت في خلافة معاوية فارساً وعلينا عبيدة بن قيس العقيلي، ففتحنا شاش فبلغ نفلي مئتي دينار.

وقال عطية: إنه كان فيمن غزا القسطنطينية في ولاية معاوية، وإنه ممن شهد فتح حصنهم الذي يقال له: المدني، على خليج القسطنطينية. وكان عطية يقرأ القرآن العظيم. قال عبد الواحد بن قيس السلمي: كان الناس يصلحون مصاحفهم على قراءة عطية بن قيس وهم جلوس على درج الكنيسة من مسجد دمشق قبل أن يهدم. قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن أحد من الناس يطمع أن يفتح في مجلس عطية بن قيس شيئاً من ذكر الدنيا. وهو عطية بن قيس الكلابي، ويقال: الكلاعي الشامي من أهل حمص. قال الهيثم: رأيت عطية بن قيس على شذر ديباج محشواً بريش جالساً عليه في المسجد.

عطية مولى سلم بن زياد

عطية مولى سلم بن زياد ويقال: مولى السلم من أهل دمشق. حدث عن عبد الله بن معانق الأشعري عن عبد الرحمن الأشعري عن أبي ذر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أقام الصلاة وآتى الزكاة ومات لا يشرك بالله شيئاً فإن على الله أن يغفر له، إن هاجر أو مات في مولده "، قالوا: يا رسول الله ألا نبشر بها أصحابك؟ قال: " دعوا الناس فليعملوا فإن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سيبله، ولولا أن أشق على الناس بعدي ما تخلفت عن سرية أبعثها، ولكن لا يجدون سعة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ولا أجد ما أفضل به عليهم، ولوددت لو أقتل ثم أحيا ثم أقتل ". حدث عطية مولى سلم بن زياد عن حذيفة يرفعه قال: " أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل ". قلت: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: " تكسر يدك ". قال: قلت: فإن انجبرت؟ قال: " تكسر الأخرى ". قلت: حتى متى؟ قال: " حتى تأتيك يد خاطئة أو منيّةٌ قاضية ". أما سلم بفتحهما فقال ابن الكلبي في نسب قضاعة: ومن ولد النمر بن وبرة بن ثغلب التيم ووائل، وهو خشين، فولد خشين بن النمر مرّاً والسّلم، وهم قليل، والعدد في مرّ، وسلم: بطنّ من لخم. وقال ابن ماكولا: عطية مولى السّلم، عداده في أهل الشام، وكان ثقة.

عفير بن زرعة بن عفير بن الحارث

عفير بن زرعة بن عفير بن الحارث ابن النعمان بن قيس بن عبيد بن سيف ذي يزن واسمه عامر بن أسلم الحميري كان سيّداً بالشام في أيام معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان، وكان من الدين والفضل بمكان. خرج في جيش الصائفة إلى أرض الروم، ووجهه معاوية، فوقع في الجيش اختلاط، فخرج عفير ليصلح بين الناس، وعليه برنس، فجذب برنسه رجل من قيس، فلم يمس في ذلك الجيش قيسيّ إلا مكتوفاً، فجعل الرجل من اليمانية يقول لكتيفه: لعلك ممن مسّ برنس عفير، فيقول: لا والله! فيقول: لو كنت منهم لضربت عنقك. ثم طلب فيهم عفير فأرسلوا، وفيه جرى المثل: لجبارٌ دم من مسّ برنس عفير. عقال بن شبّة بن عقال بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن طابخة بن إلياس كان في صحابة هشام بن عبد الملك. حدث عقال بن شبة بن عقال بن صعصعة المجاشعي عن أبيه عن جده عن أبيه صعصعة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " احفظ ما بين لحييك وما بين رجليك ". قال: فوليت وأنا أقول: حسبي.

حدث عقال بن شبة قال: قالت أم تميم بن مرّ وولدت نسوة فقالت: لله عليّ إن ولدت غلاماً لأعبّدنّه للبيت. فولدت الغوث أكبر ولدها ابن مرّ، فلما ربطته عند البيت أصابه الحرّ، فمرت به، وقد سقط وذوى واسترخى، فقالت: ما صار ابني إلا صوفة؛ فسمي صوفة. وكان الحج وإجازة الناس من عرفة إلى منى، ومن منى إلى مكة لصوفة، فلذلك يقول حنّ بن ربيعة العذري: من الوافر أخذت الحجّ من عدوان عصباً ... ولو أدركت صوفة لاشتفيت فلم تزل الإجازة إلى عقب صوفة حتى أخذتها عدوان، فلم تزل عدوان حتى أخذتها قريش، ثم كان الحج مختلفاً، فكانت قريش تدفع بمن معها من المزدلفة، وكان أبو سيّارة يدفع بقيس من عرفة، وأبو سيّارة من بني عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وقيس أخواله. وكانت بكر بن وائل تدفع بكندرة، فلذلك يقول أبو طالب: من الطويل وكندة إذ ترمي الجمار غشيّةً ... يجيز بها حجّاج بكر بن وائل إنما أخذ حنّ الإجازة لأخيه لأمه قصي بن كلاب دخل عقال بن شبة على هشام بن عبد الملك فأراد أن يقبل يده، فمنعه، وقال: مه، لا يفعل هذا من العرب إلا الهلوع، ولا من العجم إلا الخضوع.

عقبة بن رؤبة بن العجاج

قال عقال بن شبة: دخلت على هشام وعليه قباء فنكٍ أخضر، فوجهني إلى خراسان، فجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء، ففطن، فقال: مالك؟ فقلت: رأيت عليك قبل أن تلي الخلافة قباء فنكٍ أخضر، فجعلت أتأمل هذا، أهو ذاك أم غيره؟ قالوا: وكان عقال مع هشام، فأما شبّة أبو عقال فإنه كان مع عبد الملك بن مروان، وكان عقال يقول: دخلت على هشام، فدخلت على رجل محشوٍ عقلاً. قيل: إن عقال بن شبة عاش إلى زمن المنصور، وتكلم عند سليمان بن علي بالبصرة فقال: من الطويل ألا ليت أم الجهم في جيرةٍ لها ... ترى حيث قمنا بالعراق مقامي عشية بذّ الناس جهري ومنطقي ... وبذّ كلام الناطقين كلامي عقبة بن رؤبة بن العجاج واسمه عبد الله بن رؤبة راجز ابن راجز ابن راجز. قال في حديث مطوّل: إنهم وفدوا إلى الوليد، وهو وأبوه رؤبة وجرير بن الخطفي. قال: فلما قدمنا عليه دعينا قبل جرير، فأنشد أبي، ثم قال له: هل تحسن الهجاء؟ قال: يا أمير المؤمنين ما في الأرض رجل بيده صناعة إلا وهو على الإساءة فيها أقدر منه على الإحسان، قال:

فما يمنعك أن تهجو من هجاك من عدوك؟ قال يا أمير المؤمنين، إن الله أعطانا هيبةً منعنا أن نظلم، وحلماً منعنا من أن نظلم، فقال: هذا القول أحسن من شعرك. ثم خرجنا، فقال جرير وليس يعين لنا إليه ذنب: أما والله يا بن أم العجاج، إن وضعت كلكلي عليكما لأطحنتكما طحناً لا تغني عنكما مقطعاتكما هذه شيئاً. دخل بشار على عقبة بن سلم وعنده ابن لرؤبة بن العجاج، فأنشده ابن رؤبة أرجوزة يمدحه بها، ثم أقبل ابن رؤبة على بشار، فقال: يا أبا معاذليس هذا من طرازك؛ فغضب بشار فقال: إليّ تقول هذا؟ أنا والله أرجز منك ومن أبيك. ثم غدا على عقبة بن سلم فأنشده: من الرجز يا طلل الحيّ بذات الصّمّد ... بالله خبّر كيف كنت بعدي منها: بدت بخدّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتد وصاحب كالدّمّل الممدّ ... حملته ف رقعةٍ من جلدي حتى اغتدى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي من زهدي الحرّ يلحى والعصا للعبد ... وليس لمحلف مثل الرّدّ اسلم وحيّيت أبا الملدّ ... والبس طرازي غير مستردّ ومضى فيها إلى آخرها، فأمر له عقبة بجائزة وكسوة.

عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو

قالوا: ولما أنشد هذه الأرجوزة ومضى فيها اغتاظ عقبة بن رؤبة لما سمع فيها من الغرائب، وقال: أنا وأبي فتحنا الغريب للناس، وأوشك والله أن أغلقه. فقال له بشار: ارحمهم رحمك الله قال: يا أبا معاذ أتستصغرني وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟! قال: فأنت إذاً من القوم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو ابن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن عثم بن الربعة ابن رشدان بن قيس ابن جهينة، أبو عبس ويقال: أبو حمّاد ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو الأسد، ويقال: أبو سعاد، ويقال: أبو عمرو الجهنيّ صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سكن مصر، وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق، وكانت له دار بها بناحية قنطرة سنان من نواحي باب توما. روى عقبة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه غنماً يقسمها على صحابته ضحايا، فبقي عتود، فذكره لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ضحّ به أنت ". وحدث عقبة: أنه قدم على عمر بفتح دمشق، قال: وعليّ خفّان، فقال لي عمر: كم لك يا عقبة مذ لم تنزع خفيك؟ فذكرت من الجمعة إلى الجمعة، فقلت: ثمانية أيام، قال: أحسنت وأصبت السنة.

وفي رواية: قال: كنت تمسح عليهما؟ قلت: نعم، قال: مذ كم؟ قال: مذ جمعة، قال: أصبت السّنّة. شهد عقبة صفين مع معاوية، وتحول إلى مصر فنزل بها، وتوفي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان، ودفن بالمقطّم مقبرة أهل مصر. وقال الهيثم بن عدي: إنه توفي بالشام، وكان يخضب بالسواد ويقول: نودّ أعلاها فتأبى أصولها. توفي سنة ثمانٍ وخمسين، وولي الجند بمصر لمعاوية بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين، وأغزاه معاوية البحر سنة سبع وأربعين، وكتب إلى مسلمة بن مخلّد بولايته على مصر، فلم يظهر مسلمة ولايته حتى دفع عقبة غازياً في البحر، فأظهر مسلمة ولايته، فبلغ ذلك عقبة، فقال: ما أنصفنا أمير المؤمنين، عزلنا وغرّبنا. وكان عقبة شاعراً. قال عقبة بن عامر الجهني: بلغني قدوم النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وأنا في غنيمةٍ لي، فرفضتها، وقدمت المدينة على النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، بايعني، قال: " بيعة أعرابية تريد أو بيعة هجرة؟ " قال: قلت: لا بل بيعة هجرة، فبايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقمت معه، فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا من كان هاهنا من معدّ فليقم، مقام رجال "، وقمت معهم، فقال: "

اجلس أنت ". وصنع ذلك ثلاث مرار، فقلت: يا رسول الله: إنا نحن من معدّ، قال: " لا ". قلت: ممن نحن؟ قال: " أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير ". وعن عقبة بن عامر قال: جئت في اثني عشر راكباً حتى حللنا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال أصحابي: من يرعى لنا إبلنا، وننطلق فنقتبس من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا راح ورحنا أقبسناه مما سمعنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ففعلت ذلك أياماً، ثم إني فكرت في نفسي، فقلت: لعلّي مغبون يسمع أصحابي ما لم أسمع، ويتعلمون ما لم أتعلم من نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحضرت يوماً، فسمعت رجلاً يقول: قال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضأ وضوءاً كاملاً كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ". فتعجبت لذلك؛ فقال عمر بن الخطاب: فكيف لو سمعت الكلام الأول كنت أشد عجباً، فقلت: اردد عليّ جعلني الله فداك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات لا يشرب بالله شيئاً فتح الله له أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء، ولها ثمانية أبواب ". قال: فخرج علينا نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست مستقبله، فصرف وجهه عني، حتى فعل ذلك مراراً، فلما كانت الرابعة، قلت: يا نبيّ الله بأبي وأمي، لم تصرف وجهك عني؟ فأقبل عليّ فقال: واحدٌ أحبّ إليك أم اثنا عشر؟ فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي. قال عقبة بن عامر الجهني: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في الصّفّة وكان عقبة بن عامر من أصحاب الصّفّة فقال: " أيّكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق فيأتي كلّ يوم بناقتين

كوماوين زهراوين يأخذهما من غير إثم ولا قطع رحم؟ " قلنا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله، قال: " فلان يغدو أحدكم إلى المسجد، فيقرأ أو يتعلم آيتين خير له من ناقتين، وثلاثاً خير له من ثلاث، وأربعاً خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل ". عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فابتدأته فأخذت بيده، قال: فقلت: يا رسول الله ما نجاة المؤمن؟ قال: يا عقبة أخرس لسانك، ليسعك بيتك، وابك على خطيئتك ". قال: ثمّ لقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال: " يا عقبة بن عامر، ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم؟ " قال: قلت: بلى، جعلني الله فداك، قال: فأقرأني: " قل هو الله أحد "، " قل أعوذ بربّ الفلق "، وقل أعوذ بربّ النّاس " ثم قال: " يا عقبة لا تنسهن، ولا تبت ليلة حتى تقرأهن ". قال: فما نسيتهن منذ قال: لا تنسهن. وما بتّ ليلة قط حتى أقرأهن.

قال عقبة: ثم لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال، فقال: " يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك ". وعن عقبة بن عامر قال: كنت عند النبيّ صلىالله عليه وسلم يوماً، فجاءه خصمان، فقال لي: " اقض بينهما "، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنت أولى، قال: " اقض بينهما "، قلت: على ماذا يا رسول الله؟ قال: " اجتهد فإن أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة ". قال عبد الله بن زيد الأزرق قال: كان عقبة بن عامر يخرج فيرمي كل يوم، ويستتبع رجلاً، فكان ذلك الرجل كاد أن يمل، فقال: ألا أخبرك ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بلى، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله "، وقال: " ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا، وكل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاث: رميه بسهمه عن قومه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق ". قال: فتوفي عقبة وله بضعة وستون، أو بضعة وسبعون قوساً، مع كل قوس قذذٌ ونبلٌ، وأوصى بهن في سبيل الله. قال: وقال النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ترك الرّمي بعد أن علمه فهي نعمة كفرها ".

أتي رجلٌ في المنام فقيل له: اذهب إلى عقبة بن عامر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقل له: إنك من أهل النار. فكره أن يقول له ذلك، فقال ثلاث مرات أو أربعاً، وقال في آخر ذلك: لئن لم تفعل ما أقول لك فعلت بك شراً. فأتى عقبة بن عامر فأخبره الخبر، فقال له عقبة بن عامر: أخبرني ما قال لك، قال: قال لي: قل لعقبة: إنك من أهل النار، فوضع عقبة بن عامر كفيه في الأرض، فقبض بكل كف قبضة من تراب، ثم رمى بها على عاتقه إلى وراء ظهره، ثم قال: كذب الشيطان، ثم قبض الثانية، فرمى بها وراء ظهره، فقال: كذب الشيطان، ثم قبض الثالثة فرمى بها وراء ظهره، وقال: كذب الشيطان. فلما رقد الرجل جاءه الذي كان يأتيه في كل ليلة في المنام، فقال: هل قلت لعقبة ما أمرتك؟ فقال الرجل: نعم، قال: فما قال لك؟ فأخبره، فقال: صدق، ما كان يرمي رمية إلا وقعت تلك الرّمية في وجهي وعيني. حدّث أبو علي الهمداني رجل من أهل مصر: أنه خرج في سفر فيه عقبة بن عامر الجهني، قال: فحانت صلاة من الصلوات، فأمرناه أن يؤمنا، وقلنا له: أنت أحقنا بذلك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبى، وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أمّ الناس فأصاب فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم ". قال عامر بن ذريح الحميري: بتّ عند عقبة بن عامر أنا وجابر بن سهل، فقال له عقبة: لئن دخلت الجنة لتندمنّ، قال: فقلت له: ولم أندم إن دخلت الجنة؟ فقال: لعلك أن ترى عبد بني فلان فوقتك، فتندم من أن لا تكون أعطيت ثوباً أو رغيفاً فتلحق به. وكان عقبة بن عامر من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فقال له عمر بن الخطاب: اعرض عليّ، فقرأ عليه سورة براءة، فبكى عمر.

عقبة بن علقمة بن جريج

قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمعهم من الآفاق، عبد الله وحذيفة وأبي الدّرداء وأبي ذر وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم ما نأخذ ونرد عليكم. فما فارقوه حتى مات. وما خرج ابن مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلاّ من حبس عمر في هذا السبب. قال سفيان بن وهب الخولاني: بينما نحن نسير مع عمرو بن العاص في سفح هذا الجبل ومعنا المقوقس، فقال له: يا مقوقس، ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات ولا شجر على نحو من جبال الشام؟ قال: ما أدري، ولكن الله أغنى أهله بهذا النيل عن ذلك، ولكنا نجد تحته ما هو خير من ذلك، قال: وما هو؟ قال: ليدفننّ تحته، أو ليقبرنّ قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم، فقال عمرو: اللهم اجعلني منهم. قال حرملة: فرأيت أنا قبر عمرو بن العاص فيه، وفيه قبر أبي نصرة الغفاري وعقبة بن عامر. عقبة بن علقمة بن جريج أبو عبد الرحمن ويقال: أبو يوسف، ويقال: أبو سعيد المعافري البيروتي حدث عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم فسها في صلاته، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليسجد سجدتين وهو جالس ". وقال مرة أخرى: " فلم يدر أزاد أم نقص ".

عقبة بن عمرو بن ثعلبة

وحدث عنه بسنده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العمرى سبيلها سبيل الميراث ". سكن عقبة بن علقمة بدمشق، وكان ثقة خياراً، وهو من أهل أطرابلس الغرب. توفي عقبة سنة أربع ومئتين. كان الأوزاعي إذا أراد أن يعتم يوم الجمعة يكره أن يرى معتمّاً وحده خوف الشهرة، فيبعث إلى هقل وإلى عقبة، وإلى ابن أبي العشرين أن اعتموا فإني أكره أن أعتم اليوم. عقبة بن عمرو بن ثعلبة ابن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أبو مسعود الأنصاري، البدري نسب إلى موضع كان يعرف ببدر. صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد على معاوية. حدث أبو مسعود الأنصاري عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما صنعت ".

وعن أبي مسعود قال: كان فينا رجل نازل يقال له أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال لغلامه: اصنع لي طعاماً لعلي أدعو النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خامس خمسة، فتبعه رجل، فقال النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك دعوتني خامس خمسة، وإن هذا تبعني فإن أذنت له إلا رجع ". قال: لا بل تأذن له. شهد أبو مسعود العقبة الآخرة. وولد عوف بن الحارث بن الخزرج خدرة وهو الأبجر، وجادرة، بطنان، فمن جدارة أبو مسعود البدري، واسمه عقبة بن عمرو، وأمه سلمى بنت غارب بن عوف بن عبد الله بن خالد من قضاعة. قيل: البدري: إنه من ماء بدر، من ساكني الكوفة. مات قبل الأربعين، قبل علي بن أبي طالب، ولم يشهد بدراً، وشهد العقبة وأحداً، ونزل بالكوفة، وابتنى بها داراً في سوق المراضيع. وقيل: إنه توفي في أول خلافة معاوية، وقيل: في آخرها، وقيل: توفي في خلافة علي عليه السلام بالكوفة. قال أبو بكر الخطيب، قال الدارقطني: أما نسيره: فهو في نسب أبي مسعود الأنصاري. قال الخطيب: وهذا تصحيف لا شكّ فيه. وذكر ذلك بسنده، قال: وما كان ينبغي للدارقطني أن يجعله أصلاً في كتابه ولا يذكره إلا على سبيل البيان لفساده، وقد أورد نسب أبي مسعود في أول كتابه في حرف الألف، فقال: عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة، بفتح الألف، وأسند ذلك، ووافقه خليفة بن خياط إلا أنه ذكره بضم الألف من أسيرة، وذكره ابن إسحاق يسيرة بالياء المضمومة، وليس بين ابن إسحاق وبين

خليفة بن خياط خلاف؛ لأن الياء قد تبدل من الألف، وأما النون فلا تبدل من الألف. فقد بان ان ما ذكره الدارقطني من نسيرة بالنون خطأ وتصحيف، وقولهم يسيرة بالياء أيضاً وهم. وقد قيل: إنه شهد بدراً، واستخلفه علي بن أبي طالب في مخرجه إلى صفين على الكوفة. روى الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري قال: وأعدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة يوم الأضحى ونحن سبعون رجلاً أنا أصغرهم، فأتانا، فقال: أوجزوا في الخطبة فإني أخاف عليكم كفار قريش. فقلنا: يا رسول الله، سلنا لربك، وسلنا لنفسك ولأصحابك، وأخبرنا الثواب على ذلك عليك وعلى ربك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسألكم لربي عزّ وجلّ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأسألكم لنفسي أن تتبعوني أهدكم سبيل السلام، وأسألكم لي ولأصحابي أن تواسونا في ذات أيديكم، وأن تمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم، وإذا فعلتم ذلك فإن لكم الجنة على الله واجبة ". قال: فمدننا أيدينا فبايعناه. قال عمر بن الخطاب لأبي مسعود الأنصاري: نبئت أنك تفتي الناس، ولست بأمين، فولٌ حارّها من تولّى قارّها. وكان أبو مسعود تشبه تجاليده تجاليد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. دخل رجلان من أبواب كندة، وأبو مسعود الأنصاري جالس في حلقة، فقال أحدهما: ألا رجل ينفد بيننا؟ فقال رجل في الحلقة: أنا فأخذ أبو مسعود كفاً من

خصىً فرماه به، وقال: مه، إنه كان يكره التسرع إلى الحكم. ولما خرج عليٌّ كرم الله وجهه إلى صفين استخلف عقبة بن عمرو أبا مسعود على الكوفة، قال: وقد تخبأ رجال لم يخرجوا مع علي، قال: فقام على المنبر فقال: يا أيها الناس من كان تخبأ فليظهر، فلعمري لئن كان إلى الكثرة، إن أصحابنا لكثير، وما نعده فتحاً أن يلتقي هذا الخيلان غداً من المسلمين فيقتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء ظهرت إحدى الطائفتين غداً على الأخرى، ولكن نعده فتحاً أن يأتي الله بأمر من عنده يحقن دماءهم، ويصلح به ذات بينهم، ويصلح به كلمتهم. قال الشعبي: لما خرج عليٌّ إلى صفين استخلف أبا مسعود على الكوفة، وكان رجال من أهل الكوفة استخفوا، فلما خرج ظهروا، فكان ناس يأتون أبا مسعود فيقولون: قد والله أهلك الله أعداءه، وأظهر أمير المؤمنين، فيقول أبو مسعود: إني والله ما أعده ظفراً ولا عافية أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى. قال: فمه؟ قال: يكون بين القوم صلح. فلما قدم عليّ ذكروا ذلك له، فقال له علي: اعتزل عملنا، قال: وذلك ممّه؟ قال: إنا وجدناك لا تعقل عقلة، قال: أما أنا فقد بقي من عقلي أن الآخر شر. وعن أبي مسعود قال: ذكرت الدنانير والدراهم عنده، قال: فقال: الزقوها بأكبادكم، وتناجزوا عليها تناجزكم، والذي نفس عقبة بن عمرو بيده لا تصلون إلى الآخرة دينا ولا بدرهم،

عقبة بن نافع بن عبد قيس

ولتتركنّها في بطون الأرض وعلى ظهرها كما تركها من كان قبلكم، تناجزوا عليها الآن تناجزكم، وتذابحوا عليها تذابحكم، وليهلك دينكم ودنياكم. قال أبو مسعود: وعن يسير بن عمرو قال: شيّعنا أبا مسعود حين خرج فنزل في طريق القادسية، فدخل بستاناً، فقضى الحاجة ومسح على جوربين، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا: اعهد غلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري أنلقاك بعد اليوم أم لا، فقال: اتقوا الله، واصبروا حتى يستريح برٌّ أو يستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة، فغن الله لا يجمع أمته على ضلالة. توفي سنة أربعين، وقيل: سنة تسع وثلاثين. عقبة بن نافع بن عبد قيس ابن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر الفهري يقال: إن له صحبة، والأظهر أنه لا صحبة له. سكن مصر، ووفد علمعاوية ويزيد بن معاوية. روى أبو عبيدة بن عقبة بن نافع: ان أباه وفد على معاوية بن أبي سفيان، فقرب له الغداء، فقال؛ اقترب يا عقبة، فاستأخرت، فقال: اقترب يا عقبة، قلت: إني صائم، قال: أما إنها ليست بسنة، وكان عقبة على سفر.

شهد الفتح بمصر، واختط بمصر، وولي الإمرة لمعاوية بن يزيد بن معاوية على المغرب، وهو الذي بنى قيروان إفريقية وأنزلها المسلمين، وقتلته البربر بتهوذة من أرض الزاب بالمغرب سنة ثلاث وثمانين، وولده بمصر وبالمغرب، وقيل: سنة ثلاث وستين، وهو الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت كأني في دار عقبة بن نافع، فأتينا برطبٍ أبرّ طاب، فأوّلتها الرفعة والعافية، وإن ديننا قد طاب لنا. هكذا قال. ووهم علي بن يونس في نسبه في موضعين، ووهم فيما حكى فيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ذاك عقبة بن رافع، ولذلك قال: إن لنا الرفعة. وقال أبو نعيم الحافظ: عقبة بن رافع وقيل: ابن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي. وعن أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها، الخيل تطؤهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد القيس، وكان نافع أخا العاص بن وائل لأمه، فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاة، غزوا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النوبة قتالاً شديداً، لقد لاقوهم أول يوم، فرشقوهم بالنبل، ولقد جرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجارحات كثيرة. وحذق ٍ بفقية، سموهم يومئذ رماة الحدق. فلم يزالوا على ذلك حتى ولي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ولاه عثمان، فسألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك، فاصطلحوا على غير جزية، على هداية ثلاث مئة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعاماً مثل ذلك.

وكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولّى عقبة بن نافع الفهري، وأنه قد بلغ زويلة، وأن ما بين برقة وزويلة سلمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، وأقر معاهدهم بالجزية. وبلغ عمرو بن العاص أطرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر: إن بيننا وبين إفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن للمسلمين في دخولها فعل؛ فإن المسلمين قد اجترؤوا عليهم وعلى بلادهم وعرفوا قتالهم، وليس عدوّاً كلٌّ شوكة منهم، وإفريقية عين مال الغرب، فيوسّع الله بما فيها على المسلمين. فكتب إليهم عمر: لو فتحت إفريقية ما قامت بوالٍ مقتصدٍ لا جند معه، ثم لا آمن أن يقتلوه، فإن شحنتها بالرجال كلفت حمل مال مصر أو عامته إليهم، لا أدخلها جنداً للمسلمين أبداً، وسيرى الوالي بعدي رأيه. فلما ولي عثمان أغزى الناس إفريقية، وأمرهم أن يلحقوا بعبد الله بن سعد. وأمر عبد الله بن سعد أن يسير بمن معه، ومن أمده بهم عثمان بن عفان إلى إفريقية. فخرج بالناس حتى نزل بقربها، فصالحه بطريقها على صلح يخرجه له، فقبل ذلك منه. فلما ولي معاوية بن أبي سفيان، وجّه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري إلى إفريقية غازياً في عشرة آلاف من المسلمين، فافتتحها واختط قيروانها، وقد كان موضعه غيطة لا ترام من السباع والحيات وغير ذلك من الدواب، فدعا الله عليها، فلم يبق فيها شيء مما كان فيها من السباع وغير ذلك إلا خرج منها هارباً بإذن الله، حتى إن السباع وغيرها لتحمل أولادها. قالوا: ولما قدم إفريقية وقف على واديها، فقال: من كان ههنا من الحي فليرتحل،

فإنا نازلون، فمن وجدناه قتلناه. قال: فرأى الناس الحيات تنساب خارجة من الوادي. وكان يقال: إن عقبة رجل يستجاب دعاؤه. وقيل: إن عقبة بن نافع نادى: إنا نازلون فاظعنوا. قال: فزبنّ يخرجن من جحرتهنّ هوارب. قال محمد بن عمر: فقلت لموسى بن علي: إنه يقال: إن بإفريقية عقارب تقتل. قال: بناحية منها، قلّما لدغت إنساناً إلا خيف عليه منها، وربما عافاه الله. قلت لموسى: أرأيت بناء إفريقية اليوم؟ هذا الواصل المجتمع، من أوّل من بناء حتى بني إليه؟، قال: أول من ابتنى بها عقبة بن نافع ومن كان معه الدور والمساكن، وأقام بها. قال الليث بن سعد: في سنة إحدى وأربعين غزوة عقبة بن نافع غدامس. وفي سنة اثنتين وأربعين حاربت البربر، فغزاهم عقبة بن نافع. وفي سنة ثلاث وأربعين غزوة عقبة بن نافع هوّارة. وفي سنة ثمان وأربعين غزوة عقبة بن نافع ومالك بن هبيرة مشتاههم بساموس. وفي سنة أربع وخمسين غزوة ابن مسعود وعقبة بن نافع مشتاهم بقريطيا، وفي سنة اثنتين وستين غزوة عقبة بن نافع إفريقية. وقال خليفة: في سنة إحدى وأربعين ولّى عمرو بن العاص وهو على مصر عقبة بن نافع الفهري

وهو ابن خالة عمرو إفريقية، فانتهى إلى قونية ومراقية، فأطاعوا، ثم كفروا؛ فغزاهم من سبتة، فقتل وسبى، وفيها يعني سنة اثنتين وأربعين غزا عقبة بن نافع إفريقية، فافتتح غدامس، فقتل وسبى، وفيها يعني سنة ثلاث وأربعين غزا عقبة بن نافع، فافتتح كوراً من بلاد السودان، وافتتح ودّان، وهي من حيدة برقة، وكلها من بلاد إفريقية. وفي سنة خمسين وجه معاوية عقبة بن نافع إلى إفريقية، فخط القيروان وأقام بها ثلاث سنين، ولما افتتحها وقف على القيروان، فقال: يا أهل الوادي، إنا حالون إن شاء الله فاظعنوا، ثلاث مرات، قال؛ فما رأينا حجراً ولا شجراً، إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: انزلوا باسم الله. حدث رجل من جند مصر قال: قدمنا مع عقبة بن نافع إفريقية، وهو أول الناس، اختطها وقطّعها للناس مساكن ودوراً. وبنى مسجدها. قال: فأقمنا معه حتى عزل عنها، وهو خير وال، وخير أمير، وولّى معاوية بن أبي سفيان حين عزل عقبة بن نافع مسلمة بن مخلّد الأنصاري، ولاّه مصر وإفريقية، وعزل معاوية بن حديج الكندي عن مصر، فوجّه مسلمة بن مخلّد إلى إفريقية ديناراً أبا المهاجر، مولىً له، وعزل عقبة بن نافع، فقيل لمسلمة بن مخلّد: لو أقررت عقبة بن نافع عليها؛ فإن له جرأة وفضلاً، وهو الذي اختطها وبنى مسجدها، فقال مسلمة: إن أبا المهاجر، كنا نرى، إنما هو كأحدنا، صبر علينا في غير ولاية ولا كثير نيل، فنحن يجب أن نكافئه ونصطنعه، فوجهه إلى إفريقية.

فلما قدم دينار إفريقية كره أن ينزل في الموضع الذي اختط عقبة بن نافع، فمضى حتى خلّفه بميلين، ثم نزل بموضع يقال له: أبت كروان فابتناه ونزله. وخرج عقبة بن نافع منصرفاً إلى المشرق حنقاً على أبي المهاجر، وكان أساء عزله، فدعا الله أن يمكنه منه، وبلغ ذلك أبا المهاجر، فلم يزل خائفاً منه مذ بلغته دعوته. فقدم عقبة بن نافع على معاوية فقال: الله! إني فتحت البلاد ودانت لي، وبنيت المنازل، وبنيت مسجد الجماعة، وسكّنت الرجال، ثم أرسلت عبد الأنصار، فأساء عزلي! فاعتذر إليه معاوية، وقال: قد عرفت مكان مسلمة بن مخلّد من الإمام المظلوم رحمه الله، وتقديمه إياه على من سواه، ثم قيامه بعد ذلك بدمه، وبذل مهجة نفسه محتسباً صابراً مع من أطاعه من قومه ومواليه، وقد رددتك على عملك والياً. قال عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة: لما ولّى مسلمة بن مخلّد أبا المهاجر إفريقية أوصاه بتقوى الله، وأن يسير بسيرةٍ حسنةٍ، وأن يعزل صاحبه أحسن العزل؛ فإن أهل بدله يحسنون القول فيه، فخالفه أبو المهاجر، فأساء عزله. فمر عقبة بن نافع على مسلمة بن مخلد، فركب إليه مسلمة، يقسم له بالله، لقد خالفه ما صنع، ولقد أوصيته بك خاصة. ولم يوله معاوية، ولكنه أقام حتى مات معاوية، فولاه يزيد بعد ذلك. وعن عقبة بن نافع: وكان قد استشهد بإفريقية أنه أوصى ولده، فقال: لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عن ثقة، ولا تديّنوا وإن لبستم العبا، ولا تكتبوا ما يشغلكم عن القرآن. وروى الليث: أن عقبة بن نافع قدم من عند يزيد بن معاوية في جيش على غزو المغرب، فمر على عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو بمصر، فقال له: يا عقبة، لعلك من الجيش الذين

الجنة ترجى لهم. قال: فمضى بجيشه حتى قاتل البربر، وهم كفار فقتلوه جميعاً. وقيل: إن عبد الله بن عمرو بن العاص قال لعقبة لما دخل عليه: ما أقدمك يا عقبة؟ فإني أعلمك تحب الإمارة، فقال: إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية عقد لي على جيش إلى إفريقية. فقال له عبد الله: إياك أن تكون لعبة لأرامل أهل مصر، فإني لم أزل أسمع أنه سيخرج رجل من قريش في هذا الوجه فيهلك فيه. قال: فقدم إفريقية فتتبع آثار أبي المهاجر، وضيق عليه، وحدّده. وأخذه في وثاق شديد، وأساء عزله. ثم خرج إلى قتال البربر وهم خمسة آلاف رجل من أهل مصر. وأخرج بأبي المهاجر معه في الحديد، فقتل، وقتل أصحابه، وقتل أبو المهاجر، وكان قدوم عقبة والياً على أبي المهاجر سنة ثنتين وستين. وفي سنة ثلاث وستين غزا عقبة بن نافع، وساتخلف على القيروان زهير بن قيس البلويّ، فأتى السوس القصوى، فغنم وسلم وقفل، فلقيه كسيلة بن اليزم، وكان نصرانياً، فقتل عقبة بن نافع، وأبو المهاجر مولى الأنصار، وعامة أصحابه، ثم سار كسيلة، فلقيه زهير بن قيس على بريد من القيروان فقتل كسيلة، وانهزم أصحابه، وقتلوا قتلاً ذريعاً. ولما رد يزيد بن معاوية عقبة بن عامر والياً على إفريقية خرج سريعاً لحنقه على أبي المهاجر حتى قدم إفريقية، فأوثق أبا المهاجر ي وثاق شديد، وأساء عزله، وغزا به إلى السوس الأدنى. وهو في حديد، وهو خلف طنجة، فيما بين قبلة مدينتها التي تسمى

عقبة بن يريم

وليلى والمغرب وأهل السوس، إذ ذاك أثبته، وجوّل في بلادهم، ولا يعرض له أحد، ولا يقاتله. ثم انصرف راجعاً إلى إفريقية، فلما دنا من ثغرها أمن أصحابه، وأذن لهم فتفرقوا عنه، وبقي في عدة قليلة، فأخذ تهوذة، وهي ثغر من ثغور إفريقية متياسراً عن طينة، ثغر الزاب، فيما بين طينة والمشرق، وتهوذة من مدينة قيروان إفريقية على مسيرة ثمانية أيام. فلما انتهى عقبة إلى تهوذة، عرض له كسيلة بن يلزم الأودي في جمع كبير من البربر والروم، وقد كان بلغه افتراق الناس عن عقبة وقلة من معه، وجمع لذلك جمعاً، فالتقوا، فاقتتلوا قتالاً شديداً. فقتل عقبة بن نافع شهيداً رحمه الله، وقتل من كان معه، وقتل أبو المهاجر، وهو موثوق بالحديد، واشتعلت إفريقية حرباً. ثم سار كسيلة ومن معه حتى نزلوا قونية، الموضع الذي كان عقبة بن نافع اختطه، فأقام بها ومن معه. وقهر من قرب منه بآب قايش وما يليه، وجعل يبعث أصحابه في كل وجه إلى أن توفي يزيد بن معاوية، وكانت خلافته ثلاث سنين وثلاثة أشهر. قال ابن لهيعة: كان قتل الحسن بن علي عليهما السلام، وقتل عقبة بن نافع، وحريق الكعبة في سنة واحدة، سنة ثنتين أو ثلاث سنين، وكان ذلك كله في خلافة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. عقبة بن يريم دمشقي. حدث عقبة بن يريم عن أبي ثعلبة الخشني: أن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يثني

عقيل بن أحمد بن محمد بن الأزرق

بفاطمة، ثم يأتي أزواجه، فقدم من سفرة مرة، فأتى فاطمة، فتلقته على باب المسجد، فجعلت تلثم فاه وعينه وتبكي، فقال لها: " ما يبكيك؟ " فقالت: أراك شعثاً نصباً قد اخلولقت ثيابك، فقال: " لا تبكي، فإن الله بعث أباك بأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر ولا شعر، إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغ حيث بلغ الليل ". عقيل بن أحمد بن محمد بن الأزرق أبو طالب الفراء الوراق حدث سنة ثمان وأربعين وأربع مئة بسنده عن الشريف أبي الغنائم محمد بن يحيى بن الحسين الحسني الزيدي بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تعلم القرآن وعلمه، وأخذ بما فيه، كان له شفيعاً ودليلاً إلى الجنة ". عقيل بن أي طالب عبد مناف ابن هاشم بن عبد مناف أبو يزيد ويقال: أبو عيسى الهاشمي أخو علي وجعفر، وكان أكبر منهما، أسلم قبل سنة ثمان، وشهد غزوة مؤتة من أرض البلقاء. وفد على معاوية. روى عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل ائتني بمحمد؛ فذهبت فأتيته به، فقال: يا بن

أخي إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم في ناديهم وفي مسجدهم، فانته عن ذلك، قال: فلحظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببصره إلى السماء، فقال: " أترون هذه الشمس؟ " قالوا: نعم، قال: " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تستشعلوا لي منها شعلة "، قال: فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي، فارجعوا. قال الحسن البصري: قدم عقيل بن أبي طالب البصرة، فتزوج امرأة من بني جشم، فلما خرج قالوا: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول: بالرفاء والبنين، وأمرنا أن نقول: " بارك الله لك، وبارك عليك ". وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وقد أسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أتى عقيل البصرة والكوفة والشام، ومات في خلافة معاوية. وعقيل وجعفر وعلي كل واحد منهم أسنّ من صاحبه بعشر سنين على الولاء، وأخوهم طالب لا عقب له. وهو الذي يقول حين استكرهه مشركو قريش على الخروج إلى بدر: من الرجز يا ربّ إمّا خرجوا بطالب ... في مقنبٍ من هذه المقانب فاجعلهم المغلوب غير الغالب ... والرجل المسلوب غير السالب وكان علي أصغر بني أبي طالب سناً، وأولهم إسلاماً، وكان عقيل فيمن أخرج من بني هاشم كرهاً مع المشركين إلى بدر، فشهدها، وأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه

العباس بن عبد المطلب، ورجع عقيل إلى مكة، فلم يزل بها حتى خرج إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجراً في أول سنة ثمانٍ، فشهد غزوة مؤتة، ورجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا الطائف ولا خيبر ولا حنين، وقد أطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مئة وأربعين وسقاً كل سنة، ومات عقيل بن أبي طالب بعدما عمي في خلافة معاوية، وله عقب، وله دار بالبقيع ربّة يعني كثيرة الأهل والجماعة واسعة. وروي أن عقيلاً بارز رجلاً يوم مؤتة فقتله، فنفّله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتمه. وقيل: نفّله سيفه وترسه، وكان إسلام عقيل قبل يوم مؤتة، وكان ورث أبا طالب هو وطالب دون علي وجعفر، لأنهما كانا مسلمين. وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " يا أيها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم، والله غفور رحيم " نزلت في الأسارى يوم بدر، ومنهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب. وقال عقيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قتلت من أشرافهن أثخن فيهم! فقال: قتل أبو جهل، فقال: " الآن صفا لك الوادي ". وقال له عقيل: إنه لم يبق من أهل بيتك أحد إلا وقد أسلم، قال: " فقل لهم فليلحقوا بي، فلما أتاهم عقيل بهذه المقالة خرجوا ".

وذكر أن العباس ونوفلاً وعقيلاً رجعوا إلى مكة، أمروا بذلك ليقيموا ما كانوا يقيمون من أمر السقاية والرفادة يعني والرياسة، وذلك بعد موت أبي لهب، وكانت السقاية والرفادة والرياسة في الجاهلية في بني هاشم، ثم هاجروا بعد إلى المدينة، فقدموها بأهاليهم وأولادهم. قال علي كرم الله وجهه: لما كان ليلة بدر أصابنا وعك من حمى وشيء من مطر، فافترق الناس يستترون تحت الشجر، وما رأيت أحداً يصلي غير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انفجرا لصبح، فصاح: " عباد الل " هـ، فأقبل الناس من تحت الشجر، فصلى بهم، ثم أقبل على القتال، ورغبهم فيه، فقال: " إن بين عبد المطلب قوم أخرجوا كرهاً، لم يريدوا قتالكم، فمن لقي منكم أحداً منهم فر يقتله، وليأسره أسراً ". ثم قال لهم: " إن جمع قريش عند ذلك الضلع من الجبل ". فلما تصافّ القوم، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يسير على جمل أحمر، فقال: " عن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر "، ثم قال: " يا علي انطلق إلى حمزة، وكان حمزة أدنى القوم من القوم، فسله عن صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول "؛ فسأله، فقال: هذا عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال. قال علي: وكان الشجاع منا يومئذ الذي يقوم بإزاء رسول الله صلى عليه وسلم، فلما هزم الله القوم التفت فإذا عقيل مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة، قال: فصددت عنه، فصاح بي: يا بن أم علي، وأما والله لقد رأيت مكاني، ولكن عمداً تصدّ عنّي. فقال علي: فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة؟ فقال: " انطلق بنا إليه " فمضينا إليه نمشي، فلما رآنا عقيل قال:

يا رسول الله، إن كنتم قتلتم أبا جهل فقد ظفرتم، وإلا فأدركوا القوم ما داموا بحدثان قرحهم، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد قتله الله عز وجل ". وعن حسن بن علي عليهما السلام قال: كان ممن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين العباس وعلي وأبو سفيان بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، والزبير بن العوام وأسامة بن زيد. وزاد في حديث آخر: وأيمن بن عبيد أخو أسامة بن زيد. وروي عن أنس: أن زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجارت أبا العاص بن عبد شمس، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها، وأن أم هانئ بنت أي طالب أجارت أخاها عقيل بن أي طالب يوم الفتح، فأجاز رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوارها. قال: وهذا الحديث غير محفوظ، إنما أجارت رجلين من أحمائها من بني مخزوم، فأما عقيل فتقدم إسلامه قبل الفتح، والله أعلم. وعن زيد بن أسلم: أن عقيلاً دخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه متلطخ بالدماء، فقالت: إني قد عرفت أنك قد قاتلت، فما أصبت من غنائم المشركين؟ فقال: دونك هذه الإبرة فخيطي بها ثيابك، ودفعها إليها. فسمع منادي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أصاب شيئاً فليرده، وإن كانت إبرة، فرجع عقيل إلى امرأته فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت منك. فأخذ عقيل الإبرة فألقاها في الغنائم.

وعن علي عليه السلام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أعطي كل نبيّ سبة رفقاء، وأنا أعطيت أربعة عشر "، قيل لعلي: من هم؟ قال: أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وعقيل وأبو بكر وعمر وعثمان والمقداد وسلمان وعمار وطلحة والزبير. وعن عقيل بن أبي طالب قال: نازعت علياً وجعفر بن أبي طالب في شيء، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، إن قرابتنا لواحدة، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا أحب أسامة بن زيد " 0 قلت: إني ليس عن أسامة أسألك، إنما أسألك عن نفسي. فقال: " يا عقيل: إني والله لأحبك لخصلتين: لقرابتك ولحب أبي طالب إياك وكان أحبهم إلى أبي طالب وأما أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ". وفي رواية أنه قال لعقيل: " إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك ". وعن جابر: أن عقيلاً دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " مرحباً بك أبا يزيد، كيف أصبحت؟ " قال: بخير صبّحك الله يا أبا القاسم. حدث يزيد بن حبّان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصليت خلفه، قال: لقد رأيته وقد خشيت أن يكون إنما أخرت لشرٍّ، ما حدثتكم به فاقبلوه، وما سكتّ عنه فدعوه. قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادٍ بين مكة والمدينة يدعى: خمّ، فخطب، فقال:

إنما أنا بشر أوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله، حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة، ثم أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاث مرات. قال: فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، لأن المرأة تكون مع الرجل برهة من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها. وأهل بيته: أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل. جاء علي بن أبي طالب إلى عثمان بن عفان، فقال له: يا أمير المؤمنين، لي إليك حاجة، لابد أن تسعفني بها، قال: ما هي؟ قال: فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، خطبتها، فأبتني، وتزوجت عقيل بن أبي طالب، فسلها: لم ذاك؟ فقال عثمان: ما نصنع بذلك؟ النساء يأخذن ويدعن، قال: إني أحب ذلك، أقسمت إلا سألتها عن ذلك. فدعا عثمان مولاه معتّباً فقال له: اذهب إلى فاطمة بنت عتبة فأقرها السلام ورحمة الله، وقل: إن عمك أرسلني إليك يسألك: لم رددت علياً وتزوجت عقيلاً؟ فلما جاءها استأذن عليها، فقالت: من هذا؟ قال: معتّب مولى عثمان، فقالت: ادخل، مرحباً، فدخل، فأبلغها رسالة عثمان، فقالت له: نعم، أمر معروف، إني وجدت علياً قتل الأحبة، ووجدت عقيلاً قاتل معهم. اخرج أبا زيد، فخرج عليّ شيخ أعقف في ملحفة مورّسة. فجاء عقيل بن أبي طالب إلى علي بن أبي طالب بالعراق ليعطيه. فأبى أن يعطيه شيئاً، فقال: إذاً أذهب إلى رجل هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فغرف له معاوية.

قال حميد بن هلال: أتى عقيل علياً، فقال: يا أمير المؤمنين إني محتاج، وإني فقير فأعطني، قال: اصبر حتى يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم، فألح عليه، فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل السوق فقل: دقّ هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت. قال: يريد عليٌّ أن يتخذني سارقاً، فرجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين: أردت أن تتخذني سارقاً! قال: أنت والله أردت أن تتخذني سارقاً، أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم، قال: لآتينّ معاوية، قال؛ أنت وذاك، فأتى معاوية فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك عليٌّ من نفسه، وما أوليتك من نفسي. قال: فصعد فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه، فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق، وأنها أعقل منه! وقيل: إن عقيلاً لما أتى معاوية قال له: كيف أنت أبا يزيد؟ كيف تركت علياً وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، إلا أني لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، وكأنك وأصحابك أبو سفيان يوم أحد، إلا أني لم أر أبا سفيان معكم، فكره معاوية أن يراجعه، فيأتي بأشد مما جاء به. فلما كان الغد قعد معاوية على سريره، وأمر بكرسي يوضع إلى جنب السرير، ثم أذن للناس فدخلوا، وأجلس الضحاك بن قيس معه، ثم أذن لعقيل، فدخل عليه، فقال: يا معاوية من هذا معك؟ قال: هذا الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة، وتمم النقيصة، هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا بالأبطح، لقد كان

بخصائها رفيقاً. فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش، وإن عقيلاً لعالم بمساوئها. ثم قال: ومن هذا الشيخ؟ فقال: أبو موسى الأشعري، قال: ابن المرّاقة، لقد كانت أمه طيبة المرق، فقال له معاوية: أبا يزيد: على رسلك، فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال له: كيف رأيتني من أخيك؟ قال: أخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي منك لنفسك، فأخذها ورجع إلى أخيه، فقال: اخترت الدنيا على الآخرة. وقيل: إن عقيلاً لما أتى علياً ومنعه، قال له: أكتب لك إلى مالي بالينبع فتعطى؟ فقال عقيل: لأذهبن إلى رجل يعطيني. فأتى معاوية فقال: مرحباً بأبي يزيد، هذا أخو علي وعمه أبو لهب. فقال له عقيل: هذا معاوية، وعمته حمالة الحطب. وقال معاوية لعقيل: أين ترى عمك أبا لهب من النار؟ فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو على يسارك مفترشٌ عمتك حمالة الحطب، والركب خير من المركوب. قال معاوية لعقيل: أي النساء أشهى إليك؟ قال: المواتية لما نهوى. قال: فأي النساء أسوأ؟ قال: المجانبة لما نرضى، فقال معاوية: هذا النقد العاجل، فقال له عقيل: بالميزان العادل. قال عبد الله بن عبد الله بن يسار: كنت عند عبد الله بن عمر بالمدينة، فجاءه عباس بن سهل الأنصاري، قال: إن عقيل بن أبي طالب قد وضع بباب المسجد، فصلي عليه، وابن الزبير حينئذ بمكة.

عقيل بن العباس بن الحسن

عقيل بن العباس بن الحسن ابن العباس بن الحسن بن الحسين أبي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو البركات. نقيب العلويين بدمشق. حدث الأمير النقيب عماد الدولة أبو البركات عقيل بن العباس الحسيني، عن أبي عبد الله الحسن عبد الله بن أبي كامل بن كامل الأطرابلسي، بسنده إلى واثلة بن الأسقع الليثي، قال: جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد علياً، فلم أجده، فقال: قالت فاطمة عليها السلام: انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه فاجلس، فجاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخلا، ودخلت معهما، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسناً وحسيناً، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه، وأنا منتبذ، فقال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّحس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً "، اللهم هؤلاء أهلي، اللهم أهلي أحق، قال واثلة: فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهلك، فقال: " وأنت من أهلي "، فقال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو. توفي الشريف عماد الدولة أبو البركات سنة إحدى وخمسين وأربع مئة بطرابلس، وقيل: توفي سنة ثلاث وخمسين. عقيل بن عبيد الله بن أحمد ابن عبدان بن أحمد بن زياد بن وردازاد بن غند بن شبة بن أحمد بن عبد الله أبو طالب الأزدي الصفار حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد الواسطي البزار بالكوفة بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسمر.

عقيل بن علفة بن الحارث بن معاوية

ولد أبو طالب عقيل في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وأربع مئة. وكان ثقة. عقيل بن علّفة بن الحارث بن معاوية ابن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة أبو العملّس، ويقال: أبو الخرقاء، ويقال: أبو علّفة ويقال: أبو الوليد المرّي من أشراف بني مرة ووجوههم. كان يسكن البادية، ووفد على عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز وغيرهما من خلفاء بني أمية. وعلّفة: بعين مهملة مضمومة ولام مشددة بعدها فاء. شاعر شريف شديد الغيرة، كانت الملوك تخطب إليه وأمه عمرة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرّي، وأختها البرصاء بنت عمرو أم شبيب بن البرصاء. تزوج إليه يزيد بن عبد الملك بن مروان، ويحيى بن الحكم أخو مروان. وخطب إليه إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، وهو خال هشام بن عبد الملك فأبى أن يزوجه، وكان غيوراً جافياً، وأراد أن يضرب ابنته بالسيف غيرةً عليها فمنعه أخوها منها، ورماه بسهم فانتظم فخذيه، فقال عقيل: من الرجز

إنّ بنيّ ضرّجوني بالدم ... شنشنةٌ أعرفها من أخزم من يلق أبطال الرجال يكلم ... ومن يكن ذا أودٍ يقوّم قوله: شنشنة أعرفها من أخزم قال: جد أبي حاتم الطائي. وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن أخزم بن أبي أخزم. وإنما اجتلبه عقيل، لما جاء موضعه وهو القائل: من الطويل وللدّهر أثوابٌ فكن في ثيابه ... كلبسته يوماً أجدّ وأخلقا وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم ... وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا وله يرثي ابنه: من الطويل لتمض المنايا حيث شئن فإنّها ... مجلّلةٌ بعد الفتى ابن عقيل فتى كان أحيا من فتاةٍ حييّةٍ ... وأقطع من ذي شفرتين صقيل فتىً كان مولاه يحلّ بنجوةٍ ... فخلّ الموالي عبده بمسيل وقيل في نسبه موضع ضباب: صبار، بالصاد المهملة والراء، قالوا: وهو وهم قبيح من الدارقطني، وهو ضباب، بضادٍ معجمة مكسورة، وآخرها باء معجمة بواحدة، وهذا على أن الدارقطني ذكره على الصحة في باب الضباب.

قال أبو عبد الله الجمحي: قيل لعقيل بن علفة: ما نرك تقرأ شيئاً من كتاب الله! قال: بلى والله، وإني لأقرأ. قالوا: فاقرأ، قال: إنا بعثنا نوحاً. وقيل: ما قال: إنا فرطنا نوحاً، قالوا: فقد والله أخطأت، قال: فكيف أقول؟ قال: قالوا: تقول: " إنا أرسلنا نوحاً " قال: إنا أرسلنا وبعثنا، أشهد أنكم تعلمون أنهما سواء. ثم قال: من الطويل خذا صدر هرشى أو قفاها فإنّه ... كلا جانبي هرشى لهنّ طريق وكان عقيل زوج ابنته الجرباء يحيى بن الحكم بن أبي العاص، فطلقها يحيى، فأقبل إليها عقيل ومعه ابناه: العملس وحزام فحملها، وقال عقيل في ذلك: من الطويل قضت وطراً من دير يحيى وطالما ... على عجل ناطحنه بالجماجم فأصبحن بالموماة ينقلن فتيةً ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم ثم قال: أجز يا حزام فأرتج عليه، فقالت الجرباء: من الطويل كأن الكرى يسقيهم صرخديّةً ... عقاراً تمشّت في القرا والقوائم

فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة، وشد عليها بالسيف، فطرح حزام نفسه عليها، فضربها فأصاب حزاماً. ومن شعر عقيل بن علفة: من الرجز إني وإن سيق إليّ المهر ... ألفٌ وعبدانٌ وذودٌ عشر أحبّ أصهاري إليّ القبر وله: من الرجز سميتها إذ ولدت تموت ... والقبر صهرٌ ضامنٌ زمّيت ليس لمن يسكنه تربيت يقال: ربّيته وربّبته. كان لعقيل بن علفة جار من بني سلامان فخطب إليه، فأخذه فقمّطه، ودهن استه بشحم، وألقاه في قرية النمل، فأكلن خصيتيه، ثم خلاه، وقال؛ يخطب إليّ عبد الملك فأرده، وتجترئ أنت عليّ؟! ثم إنه بعد ذلك ورد وادي القرى فثار به بنو حنّ بن ربيعة فعقروا به، فقال في ذلك: من الطويل لقد عقرت حنٌّ بنا وتلاعبت ... وما لعبت حنٌّ بذي حسبٍ قبلي رويد بني حنٍّ تسيحوا وتأمنوا ... وتنتشر الأنعام في بلدٍ سهل

عقيل بن محمد بن علي بن أحمد بن رافع

وقيل: إن عقيل بن علفة جاور جذاماً، فبينا هو ذات يوم بفنائه إذ أتته جماعة منهم فخطبوا إليه ابنته، فقام يسعى حتى صعد شرفاً، ثم رمى ببصره نحو الحجاز، ثم عوى عواء الكلب: فقالوا: لقد جنّ، ثم قاموا، فقالت له ابنته: إنه ما أنت ببلاد غطفان، تقول ما أحببت لا تخاف أحداً، والله إني لأخاف أن يغتالك القوم، فالحق ببلادك، فعرف ما قالت، فلما أمسى قربٍ رواحله وانصرف إلى قومه، وقال شعراً. عقيل بن محمد بن علي بن أحمد بن رافع أبو الفضل الفارسي البعلبكي، الفقيه الشافعي كان يحفظ المزني حفظاً جيداً، وكان يمتنع من الرواية، ويقول: لست أصلح لرواية حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسمع منه أبو محمد بن الأكفاني بعد جهد، وكان مكثراً رحمه الله. حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى أبي سعيد الخدري، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " يقول الله تبارك وتعالى لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك، فيقول الله عز وجل: هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحداً من خلقك! قال: فيقول: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قال: فيقولون: يا ربنا، فأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ".

عقيل بن خالد بن عقيل

قال: وأخبرنا ابن حبيب بسنده إلى الأوزاعي ف يقوله عز وجل: " في روضة يحبرون "، قال: هو السماع، إذا أراد أهل الجنة أن يطربوا أوحى الله إلى رياح يقال لها: الهفافة، فدخلت في آجام قصب اللؤلؤ الرطب، فحركته، فضرب بعضه بعضاً، فتطرب الجنة، فإذا طربت لم يبق في الجنة شجرة إلا ورّدت. وحدث عقيل بن محمد عن أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن يحيى القطان بسنده إلى أي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ أن يكون ". عقيل بن خالد بن عقيل أبو خالد الأيلي مولى عثمان بن عفان، قدم على هشام بن عبد الملك، وكان يصحب الزّهري حضراً وسفراً. حدث عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، وأنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حمل من أمتي ديناً ثم جهد في قضائه فمات قبل أن يقضيه فأنا وليه ". وعقيل بضم العين وفتح القاف. وكان ثقة. قال عقيل: قال لي عبد الواحد بن سليمان: امض إلى ابن شهاب فامتر لنا منه علمه، فخرجت، فأقمت عنده أشهراً، ثم قدمت بالكتب على عبد الواحد، فأمر بها فنسخت فاستوهبته الأصول فوهبها لي.

قال عقيل: كنت أسمر مع الزهري، فكان يسقينا العسل، قال: فنعست، فقال لي: ما أنت من سمّار قريش. قال مصعب بن عبد الله الزبيري وذكر أصحاب البدع فقال: منهم من لا يتّهم على أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولكن يتّهم على الله وعلى رسوله. ثم قال: قال الوليد يعني ابن عبد الملك للزهري يعني محمد بن مسلم: حدثني ولا تحدث الناس، فقال: لا أحدثك وأحدث الناس. قال: حدثني وحدث الناس، قال: فحدثه بأحاديث، ثم كتبها، وأخرجها إلى الناس، فحدثهم بها، فاجتمع الناس عليه وكثروا، فقال: كلكم لا يقدر على أن يأخذ هذه، ولكن خذوها من ديوان الوليد. فأتوا ديوان الوليد، فأخذوها منه، فإذا قد ألصق إليها أربعة أحاديث زيادة لم يحدثه بها: منها حديث حدث به عقيل عن الزهري بسنده. وكان الوليد قال للزهري حين أراد أن يحدثه: أروي حديثاً وأسنده؟ قال: لا والله، إلا أن أنصه إليك، فلم يفعل، فألزق إلى حديثه أربعة أحاديث كذب، فاحتملت من ديوان الوليد، ورويت، وبئست الرواية. وفي رواية أخرى: وزاد فيها حديثاً يحدث به عقيل عن الزهري بسنده في علي بن أبي طالب. قال الماجشون: كان عقيل شرطياً بالمدينة، وتوفي بمصر سنة إحدى وأربعين وقيل: سنة اثنتين وأربعين ومئة، وقيل: سنة أربع وأربعين ومئة فجأة.

عكرمة بن ربعي بن عمير التيمي

عكرمة بن ربعي بن عمير التيميّ البصري المعروف بالفياض قدم على عبد الملك بن مروان هارباً من الحجاج، فنزل على يزيد بن أبي النّمس الغساني بدمشق، فاستأمن له عبد الملك فأمنه. ولعكرمة بن ربعي يقول شبيب بن عمرو بن كريب: من الوافر إذا نهشت ربيعة للمعالي ... فعكرمة بن ربعيّ فتاها كانت امرأة من آل عكرمة الفياض تخاصم إلى ابن شبرمة، فكانت تأتيه بين موليين لها: أعمى وأعور، وكان ابن شبرمة إذا نظر إليها قال: من الطويل فلو كنت ممن يزجر الطير لم يكن ... وزيراك فيما ناب أعمى وأعور وقيل: إن الحجاج نادى مناديه يوم رستقياباذ: أمن الناس كلهم إلا أربعة: عبد الله بن الجارود، وعبد الله بن فضالة، وعكرمة بن ربعي، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان. فأما عكرمة بن ربعي فإنه لحقته خيل الحجاج في بعض سكك المربد فعطف عليهم، فقتل منهم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتلوه. عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو عثمان المخزومي كان من رؤوس الكفر والغلاة فيه، ثم رزقه الله الإسلام، فأسلم وحسن إسلامه، وصحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستعمله أبو بكر الصديق على عمان حين ارتدوا،

فقاتلهم، فأظفره الله بهم، ثم خرج إلى الشام مجاهداً، فاستشهد يوم أجنادين، وقيل: في فتح دمشق، وقيل: باليرموك، وكان أميراً على بعض الكراديس. وروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم جئته مهاجراً: " مرحباً بالراكب المهاجر ". وفي حديث آخر: " مرحباً بالراكب المهاجر أو المسافر ". ثم قال له: ما أقول يا نبي الله؟ قال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ". قال: ثم ماذا؟ قال: " تقول: اللهم إني أشهدك أني مهاجر مجاهد "، ففعل، ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أنت سائلي شيئاً أعطيه أحداً من الناس إلا أعطيتك ". فقال: أما إني لا أسألك مالاً، إني أكثر قريش مالاً، وكلن أسألك أن تستغفر لي. وقال: كل نفقة أنفقتها لأصدّ بها عن سبيل الله، فوالله لئن طالت بي حياة لأضعفن ذلك كله. وفي رواية: إلا أنفقت مثلها في سبيل الله. وفي عكرمة يقول الشاعر وهو رجل من هذيل حين هزمت بنو بكر ودخل على امرأته فاراً فلامته وهجرته، وعيرته بالفرار وقيل: هو حماس أخو بني سعد بن ليث: إنك لو شهدتنا بالخندمه ... إذ فرّ صفوانٌ وفرّ عكرمه فلحقتنا بالسيوف المسلمه ... يقطعن كلّ ساعد وجمجمه لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

وكان عكرمة خرج هارباً يوم الفتح، فركب البحر حتى استأمنت له زوجته أم حكيم بنت الحراث بن هشام بن المغيرة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمنه، فأدركته باليمن، فردته إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام فرحاً به، فقال: " مرحباً بالمهاجر ". وقيل: إن قيام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليه، وفرحه به؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في منامه أنه دخل الجنة، فرأى فيها عذقاً مذللاً، فأعجبه، فقيل: " لمن هذا؟ " فقيل له: لأبي جهل، فشق ذلك عليه، وقال: " ما لأبي جهل والجنة؟ " والله لا يدخلها أبداً، فلما رأى عكرمة أتاه مسلماً تأول ذلك العذق عكرمة بن أبي جهل. وقدم عليه عكرمة منصرفه من مكة بعد الفتح المدينة، فجعل عكرمة كلما مرّ بمجلس من مجالس الأنصار قالوا: هذا ابن أبي جهل، فيسبون أبا جهل؛ فشكا ذلك عكرمة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تؤذوا الأحياء بسبّ الأموات ". وأم عكرمة أم جميل بنت مجالد بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، وقيل: أمه أم مجالد بنت يربوع من بني هلال بن عامر. وليس لعكرمة عقب. وكان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نجّاني يوم بدر. وكان يضع المصحف على وجهه ويقول: كلام ربي. ولما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.

فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيدٌ إليه فقتله. وأما عكرمة فركب البحر، فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة لمن في السفينة: أخلصوا؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً هاهنا، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البرّ غيره، اللهم إن لك عليّ عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أني آتي محمداً حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفواً كريماً. فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سراح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله: بايع عبد الله، فرفع صلّى الله عليه وسلّم رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد الثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: " ما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟! " قالوا: ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ قال: " إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين ". وعن يزيد بن أبي حبيبي: أن عكرمة بن أبي جهل قتل رجلاً من الأنصار يقال له: المجذر، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فتبسم، فقال له رجل من الأنصار: يا رسول الله تبسمت أن قتل رجل من قومك رجلاً من الأنصار؟ قال: " لا، ولكني تبسمت إذ كان جميعاً في درجة واحدة في الجنة ". قال: فأسلم عكرمة، وقتل يوم وقعة المسلمين بالروم بأجنادين.

وعن أم سلمة قالت: لما قدم عكرمة بن أبي جهل المدينة جعل يمرّ بالأنصار فيقولون: هذا ابن عدو الله ابن أبي جهل، فشكا ذلك إلى أم سلمة، وقال: ما أظنني إلا راجعاً إلى مكة، فأخبرت أم سلمة بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخطب الناس فقال: " إنما الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لا يؤذينّ مسلم بكافر ". قال سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني ". فلما أسلم خالد بن الوليد رحمه الله. قيل: صدق الله رؤياك يا رسول الله، هذا كان لإسلام خالد. قال: " ليكوننّ غيره، حتى أسلم عكرمة بن أبي جهل، فكان ذلك تصديق رؤياه. وعن عبد الله بن الزبير قال: لما كان يوم الفتح أسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، ثم قالت أم حكيم: يا رسول الله قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فآمنه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وهو آمن ". فخرجت في طلبه، ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عكل، فاستغاثتهم عليه، فأوثقوه رباطاً. وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نوتيّ السفينة يقول له: أخلص، قال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا الله. قال عكرمة ما هربت إلا من هذا.

فجاءت أم حكيم على هدى من الأمر، فجعلت تلمح إليه وتقول: يا بن عم، جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته، فأمنك. فرجع معها، وقالت: ما لقيت من غلامك الرومي، وخبرته خبره؛ فقتله عكرمة هو يومئذ لم يسلم. فلما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة، قال لأصحابه: " يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراًن فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت ". قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: إنك كافر، وأنا مسلمة، فيقول: إن أمراً منعك مني لأمر كبير. فلما رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم عكرمة وثب إليه وما عليه رداء فرحاً به، ثم جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقف بين يديه، ومعه زوجته منتقبة فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمّنتني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صدقت، فأنت آمن ". قال عكرمة: فإلام تدعو يا محمد؟ قال: " أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل "، حتى عدّ خصال الإسلام. فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق، وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثاً، وأبرّنا برّاً. ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ فسرّ بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال: يا رسول الله، علمني خير شيء أقوله. فقال: " تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". فقال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحداً إلا أعطيتكه ".

قال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسيرٍ أوضعت فيه، أو مقام لعنتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو أنت غائب عنه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، واغفر له ما نال مني من عرض في وجهي، أو أنا غائب عنه ". فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله. ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيداً. فردّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم امرأته بذلك النكاح الأول. وفي رواية: أن امرأته أدركته بأمان من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد ركب السفينة، فنادته: يا بن عم، هذا أمان معي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن تسلم وتقبل أمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنا زوجتك، وإلا انقطعت العصمة فيما بيني وبينك، لم يلتفت إليها. وتهيأ نوتي السفينة ليدفع سفينته، فتكلم عكرمة بشركه باللات والعزى، فقال النوتي: أخلص، فإنه لن ينجيك إلا الإخلاص. قال عكرمة: ما أراني أفرّ إلا من الحق. فنزل من السفينة، وقبل أمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال سهيل بن عمرو يوم حنين: لا يجتبرها محمد وأصحابه، فقال له عكرمة:

إن هذا ليس بقول، إنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمدٍ من الأمر شيء، إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غداً، فقال له سهيل: والله إن عهدك بخلافه لحديث، قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شيء، وعقولنا عقولنا، نعبد حجراً لا يضر ولا ينفع. وقيل: إن عكرمة لما ركب البحر جعلت الصواري ومن في السفينة يدعون الله ويستغيثون به، فقال: ما هذا؟ قيل: هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله عز وجل، فقال عكرمة: فهذا إله محمد الذي كان يدعو إليه، ارجعوا بنا، فرجع، فأسلم. ولما رجع وضع يده في يد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: هذا مكان العائذ، إن قتلت قتلت مذنباً مخطئاً، وإن عفوت عفوت عن ذي رحم، فشهد شهادة الحق، وبسط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده فبايعه. وكان إسلام عكرمة بن أبي جهل سنة ثمان. ولما كان يوم اليرموك نزل فترجل، فقاتل قتالاً شديداً، فقتل، فوجدوا به بضعة وسبعين ما بين طعنة وضربة ورمية. ولما ترجل قال له خالد بن الوليد: لا تفعل، فإن قتلك على المسلمين شديد، فقال: خلّ عني يا خالد، فإنه قد كان لك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سابقة، وإن وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فمشى حتى قتل. وقيل: إنه قال يوم اليرموك: قاتلت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كل موطن، وأفرّ منكم اليوم؟! ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربع مئة

من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحة، وقتلوا إلا من نبا، منهم ضرار بن الأزور. قال الزهري: إن عكرمة يوم فحلٍ كان أعظم الناس بلاء، وإنه كان يركب الأسنة حتى جرحت صدره ووجهه، فقيل له: اتق الله وارفق بنفسك، قال: كنت أجاهد بنفسي عن اللات والعزى وأبذلها، فأستبقيها الآن عن الله ورسوله؟ لا والله أبداً، فلم يزدد إلا إقداماً حتى قتل يومئذ. قالوا: فوقف عليه خالد بن الوليد فقال: ليت ابن حنتمة يعني عمر نظر إلى ابن عمي وركوبه الأسنة حتى يعلم أنّا إذا لقينا العدو ركبنا الأسنة ركوباً. قالوا: وقال الزهري: كان الذي كان بينهما كالمتجانبين حتى أذهب الله ذلك منهم بعد، رحمة الله عليهما. وكان عكرمة بن أبي جهل محمود البلاء في الإسلام، محمود الإسلام حين دخل فيه. قال الزبير بن بكار: لما ندب أبو بكر الصديق الناس لغزو الروم، وقدم الناس، فعسكروا بالجرف على

عكرمة أبو عبد الله

ميلين من المدينة، خرج أبو بكر يطوف في معسكرهم، ويقوي الضعيف منهم، فبصر بخباء عظيم، حوله المرابط، ثمانية أفراس ورماح وعدة ظاهرة، فانتهى إلى الخباء، فإذا خباء عكرمة، فسلم عليه، وجزاه أبو بكر خيراً، وعرض عليه المعونة، فقال له عكرمة: أنا غني عنها، معي ألفا دينار، فاصرف معونتك إلى غيري. فدعا له أبو بكر بخير. ثم استشهد يوم أجنادين. وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى من سنة ثلاث عشرة. قالوا: وكانت وقعة أجنادين ومرج الصّفّر سنة ثلاث عشرة. وقال ابن إسحاق: كان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب، وقتل من المسلمين يوم دمشق عكرمة بن أي جهل. عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس الهاشمي أصله من البربر. قدم عكرمة الشام، واشتراه خالد بن يزيد بن معاوية بدمشق من علي بن عبد الله بن عباس، ثم استقاله عليه؛ فأقاله البيع وأعتقه. وقدم مع عبد الله بن عباس غازياً بلاد الروم. روى عكرمة عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه ".

وحدث عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتكف واعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت تحتها الطست من الدم. وزعم أن عائشة رأت مثل ماء العصفر، قالت: كأنّ هذا شيء كانت فرنة تجده. وحدث عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " خير يوم يحتجم فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد ". وحدث عكرمة: أنه غزا مع ابن عباس أرض الروم، وعلى الناس حبيب بن مسلمة حتى بلغنا مدينة الفتية الذن ذكرهم الله في كتابه. وعن عكرمة مولى ابن عباس قال: وفد ابن عباس على معاوية بالشام، وكان يسمران حتى شطر الليل أو أكثر، قال: فشهد ابن عباس مع معاوية العشاء ذات ليلة في المقصورة، فلما فرغ معاوية ركع ركعة واحدة، ثم لم يزد عليها، قال: وأنا أنظر إليه، قال: فجئت ابن عباس فقلت له: ألا أضحكك من معاوية؟ صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها، قال: أصاب أي بني، ليس أحد منا أعلم من معاوية، إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك، يوتر ما شاء. فأخبرت عطاء خبر عتبة هذا، فقال: إنما سمعنا أنه قال: قد أصاب، أو ليس المغرب عطاء القائل ثلاث ركعات؟ كان عكرمة مولى ابن عباس لحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، فوهبه لابن عباس حين جاء والياً على البصرة لعلي بن أبي طالب.

وكان عكرمة كثير الحديث والعلم، بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه. قالوا: واحتج بحديثه عامة الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من خبر الصحاح. وروى ابن عيينة عن عمرو: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، قال: سل عكرمة، فجعلت كأني أتباطأ، فانتزعها من يدي، فقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس. كان عكرمة من سكان المدينة، وكان سكن مكة، وقدم مصر، وصار إلى إفريقية، وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضيّة يعرفون بالصّفريّة، يزعمون أنهم أخذوا مذهبهم عن عكرمة مولى ابن عباس. قال عبد الحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أداها تحت لحيته، ولحيته بيضاء، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض. قال عكرمة: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسّنن. وقيل: الفرائض. قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار.

وعن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: " لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً ". قال: قال ابن عباس: لم أدر، أنجا القوم أم هلكوا! فما زلت أبيّن له، أبصّره حتى عرف أنهم قد نجوا، قال: فكساني حلّةً. قال عكرمة: قال ابن عباس: انطلق فأفت الناس، وأنا لك عون. قال: قلت: لو أن هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم. قال: انطلق فأفت الناس، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح على نفسك ثلثي مؤنة الناس. قال عثمان بن حكيم: كنت جالساً مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب عليّ؟ وفي رواية: فإنه لم يكذب على الله؟ فقال أبو أمامة: نعم. قال عكرمة: قال لي ابن عباس: لتأبقنّ ولتغرقنّ، قال عكرمة: فأبقت وغرقت فأخرجت. وما ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، وباعه علي بن عبد الله بن عباس من

خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار. فقال عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فاستقاله، فأقاله وأعتقه. وكان عكرمة يرى رأي الخوارج، وادعى على عبد الله بن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج. قال عمرو بن دينار: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه. وفي رواية: هذا أعلم الناس. قال الفرزدق بن جواس الحمّاني: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه؟ فقال: ائتوه، فإنه لم يكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة. قال مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة. وكان مصعب بن عبد الله يقول: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير. قال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله عزّ وجلّ من عكرمة.

وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء بن أبي رباح، وأعلمهم بالتفسير عكرمة. وفي رواية: أعلمهم بسيرة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عكرمة. وقال قتادة: لا تسألوا هذا العبد إلا عن القرآن، وكان عكرمة يقول: لقد فسرت ما بين اللوحين. قال أيوب: اجتمع حفاظ ابن عباس: سعيد بن جبير وعطاء وطاووس على عكرمة فأقعدوه، فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، قال: فكلما حدثهم حديثاً قال سعيد بن جبير بيده هكذا، فعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: كانا يحملانه في مكتل. فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعاً. قال سفيان بن عيينة: لما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير. وعن سفيان الثوري أنه قال بالكوفة: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك. قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم.

قال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريج: قدم عليكم عكرمة؟ قال: قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم. قال: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل، أتيناه يوماً، فقال: والله لأحدثنكم فمكثنا ساعة، فجعل يحدثنا، ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا؟ قال: وبينا أنا عنده يوماً وهو يحدثنا إذ رأى أعرابياً فقال: هاه! لم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها، فأقبل عليه وتركنا. وعن الزبير بن خريت عن عكرمة: " فإنّها محرمةٌ عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض ". قال: التحريم أبداً، وأربعين سنةً يتيهون في الأرض، ثم قال: قولوا لحسنكم يعني الحسن البصري يجئ بمثل هذا. قال: " لا تضارّ والدةٌ بولدها " قال: الظّئر. قال: وقيل له: إن قتادة يقول: إن المائدة محكمة، إلا آية منها، قال: إنه ليحدس. قال المغيرة بن مسلم: لما قدم عكرمة خراسان قال أبو مجلز: سلوه

ما جلاجل الحاج؟ قال: فسئل عكرمة عن ذلك، فقال: وأنّى هذا بهذه الأرض؟ جلاجل الحاج: الإفاضة، قال: فقيل لأبي مجلز، فقال: صدق. ولما قدم عكرمة الجند أهدى له طاووس نجيباً بستين دينار، فقيل لطاووس: ما يصنع هذا العبد بنجيب بستين ديناراً؟ فقال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاووس بستين ديناراً؟ قال ابن هبيرة: قدم علينا عكرمة، فكان يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم يحدثنا به عن غيره، قال: فأتينا شيخاً عندنا يقال له إسماعيل بن عبيد الأنصاري، قد كان سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم. قال: فأتاه فسأله عن أشياء ساءل عنها ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع. قال: فأتيناه، فسألناه، فقال: الرجل صدوق، ولكنه سمع من العلم فأكثر، وكلما سنح له طريق سلكه. وعن أرطاة بن أبي أرطاة: أنه سمع عكرمة يحدث القوم، وفيهم سعيد بن جبير وغيره من أهل المدينة قال: إن للعلم ثمناً، فأعطوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟ قال: ثمنه أن تضعه عند من يحسن حفظه ولا يضيعه. كتب الحجاج بن يوسف إلى عثمان بن حيان: سل عكرمة مولى ابن عباس عن

يوم القيامة، أمن الدنيا هو أو من الآخرة؟ فسأله، فقال عكرمة: صدر ذلك اليوم من الدنيا، وآخره من الآخرة. قال سليمان الأحول: لقيت عكرمة ومعه ابن له، فقلت له: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً، فقال: إنه يقال: إن أزهد الناس في عالم أهله. قال أبو يزيد المدني: كان عكرمة إذا رأى السؤال يوم الجمعة سبّهم، فقلت له: ما تريد منهم؟ فقتل: كان ابن عباس يسبهم إذا رآهم، فقلت له كما قلت لي، فقال: إنهم لا يشهدون للمسلمين عيداً ولا جمعة إلا للمسألة والأذى، فإذا كانت رغبة الناس إلى الله عز وجل، كانت رغبتهم إلى الناس. قال رجل لعكرمة: فلان يسبني في النوم، فقال: اضرب ظله ثمانين. ومن حميد الطويل: أنه ذكر عند عكرمة أنه يكره للصائم الحجامة، قال: أفلا يكره له الخراءة؟. سئل عكرمة عن الصلاة في ثوب واحد، قال: ما يحمله على أن يقيم أيره كأنه وتد في الصف؟. وكان عكرمة ثقة. قال يحيى بن معين: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام. قال عثمان بن مرة: قلت للقاسم بن محمد: كيف ترى هذه الأوعية؟ فإن عكرمة يحدث عن ابن

عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّم المقيّر والمزفّت والدّبّاء والحنتم والجرّ والحنتم والنّقير. قال إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى، فقال: يوم القيامة. فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر. فأخبرني من سأله بعد ذلك، فقال: يوم بدر. وعن ابن عمر أنه قال لنافع: اتق الله، ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، كما أحلّ الصرف واسلم ابنه صيرفياً. وقيل: إن هذا القول إنما قاله سعيد بن المسيب لبرد مولاه. ذكر أن رجلاً مشى بين سعيد بن المسيب وعكرمة في رجل نذر نذراً في معصية الله، فقال سعيد: توفي به، وقال عكرمة، لا يوفي به. فجاء الرجل إلى سعيد فأحبره بقول عكرمة، فقال سعيد لا ينتهي عبد ابن عباس حتى يلقى في عنقه حبل ويطاف به ". قال: فجاء الرجل إلى عكرمة فأخبره بقول سعيد! فقال عكرمة: أنت رجل سوء كما

أبلغتني عنه فأبلغه عني، قل له: هذا النذر لله عز وجل أم للشيطان؟ والله لئن قال: لله، يكذبن، وإن قال: إنه للشيطان، ليكفرن. وفي رواية: ولئن قال: إنه لغير الله فما فيه وفاء. قال عطاء الخراساني: قلت لابن المسيب: عكرمة يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم؛ فقال: كذب مخبثان، اذهب إليه فسبّه، سأحدثك: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محرم، فلما حلّ تزوجها. وعن محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال: بعت تمراً من التمّارين سبعة أصع بدرهم، فصار لي عند رجل منهم، فوجدت عند بعضهم تمراً يبيعه أربعة أصع بدرهم، فسألت عكرمة فقال: لا بأس عليك، تأخذ أقل مما بعت، فلقيت سعيد بن المسيب فأخبرته بقول عكرمة، فقال: كذب عبد ابن عباس، مما يكال فلا تأخذ مما يكال إلى التمر، فقلت: فإن فضل لي عنده الكثير؟ قال: فأعطه أنت الكثير وخذ منه الدراهم. قال: فرجعت، فإذا عكرمة يطلبني فقال: إن الذي قلت لك هو حلال هو حرام. قال عبد الله بن عثمان بن جشم: سألت عكرمة أنا وعبد الله بن سعيد عن قوله: " والنخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ "، قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها.

قال: فرجعت إلى سعيد بن جبير، فذكرت ذلك له، فقال::ذب بسوقها، طولها. وعن عكرمة: أنه كراء الأرض، فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء سنة بسنة. قال يزيد بن أبي زياد: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عباس وعكرمة ومقيد على باب الخشن قال: قلت: ما لهذا هكذا؟ قال إنه يكذب على أبي قالوا: وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه. وكان عكرمة يرى رأي الصفرية، وأخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لما قدم عليهم. وقيل: إن عكرمة كان إباضياً. قالوا: وكان يرى رأي نجدة الحروري. وقيل: كان بيهسيّاً. وطلبه بعض ولاة المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.

قيل لأيوب: إن عكرمة كان لا يحسن الصلاة، قال أيوب: وكان يصلي؟ قال خالد بن أبي عمران: كنا بالمغرب، وكان عندنا عكرمة مولى ابن عباس في وقت الموسم، فقال عكرمة: وددت أن بيدي حربة، فأعترض بها من شهد الموسم، قال خالد: فرفض الناس به. مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس. ولما ماتا ما شهدهما إلا سودان المدينة. وفي حديث آخر: أتي بجنازتهما بعد العصر، قال: فما علمت أن أحداً من أهل المسجد حل حبوته إليهما. وفي رواية: فما قام إليهما أحد من المسجد، ومن هناك لم يرو عنه مالك. توفي عكرمة سنة أربع ومئة بالمدينة. وقيل: سنة خمس ومئة وهو ابن ثمانين سنة. وقيل: سنة سبع ومئة. ولما اجتمعت جنازة عكرمة وجنازة كثير عزة عجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به أنه يرى رأي الخوارج، ويكفّر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة. وقيل: توفي سنة ستٍ ومئة. وقيل: توفي سنة خمس عشرة ومئة، وهو ابن أربع وثمانين. وقيل: إن عكرمة لم يبق إلى هذا الوقت.

علفة بن عقيل بن علفة

علفة بن عقيل بن علّفة ابن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر المرّي شاعر ابن شاعر، من وجوه بني مرة بن ذبيان. قال أبو عبيدة: كان علفة بن عقيل بن علفة هوي امرأة من قومه من بني مالك بن مرة وهويته، فأراد أن يتزوجها، فخطبها أبوه، فتزوجته، فأقامت عنده حيناً، ثم إن قومها ادعوا عليه طلاقها، فهرب بها إلى الشام، فقال في ذلك علفة بن عقيل بن علفة: من الطويل قفي يا بنة المرّي نسألك ما الذي ... تريدين فيما بيننا، إنه سهل نخبّرك إذ لم تنجزي الوأي أنّنا ... ذوو خلّةٍ لم يبق بينهما وصل فإن شئت كان الصرم ما هبت الصّبا ... وإن شئت لم يفن التكرّم والبذل ونسألك ما تغني عن الجاهل المنى ... وهل يستفيدنّ الحبيب ولا جمل فعدا عله أبوه بالسيف، وقال: يا عدو الله، ما هذه المرية؟، واتهمه بامرأته، وقال: تشبب بأمك؟ فكلمه أخوه، فحمل عليهما، ويرميه عملس بسهم في فخذه فصرعه، فقال عقيل: من الرجز إن بنيّ ضرّجوني بالدم ... من يلق أخدان الرجال يكلم شنشنة أعرفها من أخزم وقال يرثي ابنه علفة: من الطويل لتمض المنايا حيث شئن فإنها ... محلّلةٌ بعد الفتى ابن عقيل فتىً كان مولاة يحلّ بنجوةٍ ... فحلّ الموالي بعده بمسيل

علقمة بن جرير ويقال جرير السلمي

علقمة بن جرير ويقال جرير السّلمي قال علقمة بن جرير السلمي: جئت معاوية بن أبي سفيان، فوجدت نباتة بن وثيمة البصري وابن عارض الجشمي، فانتظرنا إذنها أياماً، ثم خرج علينا يوماً راكباً فاعترضناه، فقال: لم يخف عليّ مكانكم، فإذا أصبحتم فاغدوا عليّ. قال: فغدونا عليه، فتحدث وتحدثنا، ثم أقبل عليّ فقال: يا علقمة، هل كانت عندكم طريفة خبر أو أعجوبة؟ قال: قلت: قد كان. أفأحدثك؟ قال: ذلك أردت. فقلت له: أقبلت قبل مخرجي إليك، أسوق شارفاً لي، أريد أن أنحرها عند الحي، فأدركني الليل بين أبيات بني الشريد، فإذا عمرة بنت مرداس بن أبي عامر عروساً، وأمها الخنساء بنة عمرو بن الشريد. فقلت لهم: انحروا هذا الجزور، فاستعينوا بها على بعض ما أنتم فيه. وجلست معهم، فلما هيئت أذن له، فدخلنا عليها، فإذا جارية وضيئة على الأدمة، وإذا أمها الخنساء جالسة متلففة بكساء أحمر قد هرمت، وإذا هي تلحظ الجارية لحظاً شديداً. فقال القوم: بالله إلا تحرشت بها فإنها الآن تعرف بعض ما أنت فيه، فقامت الجارية تريد شيئاً، فوطئت على قدمها وطأة أوجعتها، فقالت وهي معتبطة: حس، إليك يا حمقاء! والله كأنما تطئين أمةً ورهاء تغني. فقالت الخنساء: أنا والله كنت أكرم منك عرساً، وأطيب ورساً، وذلك زماني إذ كنت فتاة أعجب الفتيان، أشرب اللبن غضاً

قارصاً. ومحضاً خالصاً، لا أنهس اللحم ولا أذيب الشحم ولا أرعى البهم، كالمهرة الصنيع لا مضاعة، ولا عند مضيع، عقيلة الجواري الحسان الحور، وذلك في شبيبتي قبل شيبتي، وعليّ درع من ثوب. فعجب معاوية من الحديث، وأقبل على ابن عارض، فقال: وأنت فما الذي تخبرنا؟ قال: خرجت مع أبي قبيل أن يموت، فألفينا في الطريق خشفاً، فصدته لابنة له كان يحبها، فخرجت محتضنه حتى وقفنا على دريد بن الصمة مهتراً قد فقد عقله، عريان يكوم بين رجليه البطحاء، فوقف أبي عليه، ووقفت بتعجّب مما صارت به الحال، فرفع رأسه فقال من أبيات: من الرجز كأنني رأس حضن ... في يوم غيم ودجن بل ليتني عهد زمن ... أنفض رأسي وذقن كالمهر في عقد شطن ... كأنني فحل حصن أرسل في خيل عنن ... فجاء سبقاً لم يفن أخوص خفّاق الجنن ... كالخشف هذا المحتضن أحسن من شيء حسن

ثم قال، فسقط، فقال أبي: انهض دريد، فالتفت إلينا يبكي ويقول: من الرجز لا نهض في مثل زماني الأول ... ومحنّب الساق شديد الأغفل ضخم المشاشين خميص الأصقل ... في جنجنٍ ركبٍ وصلبٍ أعدل وهامةٍ كأنها من جندل ... وأركب العارض ركب العندل أبلغ كالعوهج ضخم المركل ... منافس التقريب غير معجل مناهب الإجضار مثل الأجدل ... أرسل في خيلٍ كأن لم يرسل فجئن من تحت وجاء من علي ... يا أوّلي يا أوّلي يا أوّلي يبكي زمانه. قال: وأنت يا بن وثيمة؟ قال: عندي أطرف من حديثهما: أخبرني أبي قال: كنت زميل عامر بن مالك بن جعفر حين أقبل من عند النعمان بن المنذر، وقد وعده أن ينكحه ابنته، فأقبلت معه حتى نزل في أهله، وأنزلني عنده، وزوجته إذ ذاك تماضر بنت خالد بن صخر بن الشريد، له منها بنات، فذكر لها أن قد خطب إليه الملك.

علقمة بن رمثة البلوي

فلما كان بعد ذلك بليال، خرج أهل الحاضرة يتمشون، وفيهم أبو براء عامر بن مالك، فتخلفت، وعرفت أن جواري الحين سيبرزن، فبرزن، وخرج بنات عامر يتحدثن. قال: فإني لفي كسر البيت إذ قالت لهن أمهن: أيتكن خطبة الملك؟ فقالت أم سهم: أنا والله خطبة الملك، أنا جامعة الشمل، بينة الفضل، زوجة الكهل، أكف روعه، وأكون شبعه، وأعطيه طوعه. قالت دحاحة: لكنني، والله، ما أنا له بخطبة، لا محبّة ولا محبّة، ولابن عمٍ ينصفني أحبّ إلي من ملك يعسفني. علقمة بن رمثة البلوي من أصحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ممن بايع تحت الشجرة، سكن مصر. وقيل: إنه قدم دمشق مع عمرو بن العاص. قال علقمة بن رمثة: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى البحرين، وخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم في سريّة، وخرجنا معه، فنعس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً "، قال: فتذاكرنا كلّ إنسان اسمه عمرو، ثم نعس فاستيقظ، فقال مثلها، ثم نعس، فاستيقظ فقال مثلها؛ فقلنا: من عمرو يا رسول الله؟ قال: " عمرو بن العاص "، قالوا: وما باله؟ قال: " ذكرته إني كنت إذ ناديت الناس إلى الصدقة جاء من الصدقة فأجزل، فأقول: من أين لك هذا يا عمرو؟ فيقول: من عند الله، وصدق عمرو، إن لعمرو عند الله خيراً كثيراً ".

علقمة بن زامل بن مروان بن زهير

قال زهير بن قيس البلوي: فلما كانت الفتنة قلت: أتبع هذا الرجل الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه ما قال، قال: فلم أفارقه. كان علقمة بن رمثة البلوي ممن بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر. علقمة بن زامل بن مروان بن زهير ابن ثعلبة بن حديج بن أبي جشم بن كعب الكلبي شهد اليرموك، وكان على المقاسم. وذكر أنه دخل بلاد الروم، وتنصر بعد ذلك، نعوذ بالله من البلاء. علقمة بن شهاب القشيري روى عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من لم يدرك الغزو معي فلغز في البحر ". وزاد في آخر مرسلاً: " فإن قتال يوم في البحر خير من قتال يومين في البر، وإن أجر الشهيد في البحر كأجر شهيدين في البر، وإن خيار الشهداء أصحاب الأكف "، قيل: يا رسول الله: ومن أصحاب الأكف؟ قال: " قوم تكفأ عليهم مراكبهم في البحر ". علقمة بن عبدة بن النعمان ابن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم بن مرّ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر المعروف بن علقمة الفحل شاعر معروف من شعراء الجاهلية، سمي بعلقمة الفحل لأنه خلف على امرأة امرئ

علقمة بن علاثة بن عوف

القيس لما حكمت له على امرئ القيس بأنه أشعر منه في صفة فرسه، فطلقها، فخلف عليها. وقيل: إنما سمي الفحل، لأنه كان في بني تميم شاعر يقال له: علقمة بن عمارة خصاه بعض أقيال اليمن، فلقب الخصيّ، ولقب هذا الفحل فرقاً بينهما. وعبدة بفتح الحروف كلها. وأخو شأس بن عبدة. قدم على عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، وكان عنده حين قدم عليه حسان بن ثابت. قال حسان: أنا شاهد علقمة بن عبدة حين أنشد الجفني: طحا بك قبل في الحسان طروب فأمر له بمئة بعير، في سنام كل بعير ريشة غراب يعني أنها لم تمتهن والريش في أوبارها، وليست بعوامل. علقمة بن علاثة بن عوف ابن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن العامري الكلابي من المؤلفة قلوبهم من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قدم دمشق يطلب ميراث أبي عامر عند عمرو بن صيفي بن النعمان الأوسي المعروف بالراهب، وكان أبو عامر قد هرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى دمشق، فتحاكم علقمة

وكنانة بن عبد ياليل، فحكم به صاحب الروم بدمشق لكنانة، لأنه من أهل المدر، ولم يحكم به لعلقمة لأنه من أهل الوبر. وذكر أن عمر ولّى علقمة بن علاثة حوران، وجعل ولايته من قبل معاوية بن أبي سفيان. حدث علقمة بن علاثة قال: أكلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رؤوساً. وحدث ابن عمر قال: كان علقمة بن علاثة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رويداً يا بلال؛ يتسحّر علقمة ". قال: وهو يتسحر برأس. حدث جماعة من أهل العلم فيما ذكروا من وفود العرب، قالوا:

وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علقمة بن علاثة، وهوذة بن خالد بن ربيعة وابنه، وكان علقمة جالساً إلى جنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوسع لعلقمة ". فأوسع له، فجلس إلى جنبه، فقص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شرائع الإسلام، وقرأ عليه قرآناً، فقال: يا محمد إن ربك لكريم، وقد آمنت بك، وبايعت على عكرمة بن خصفة أخي قيس، وأسلم هوذة وابنه وابن أخيه، وبايع هوذة على عكرمة أيضاً. وعن أنس: أن شيخاً أعرابياً يقال له: علقمة بن علاثة، جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله: إن شيخ كبير، وإني لا أستطيع أن أتعلم القرآن كله، ولكني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فلما قفّى الشيخ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " فقه الرجل، أو فقه صاحبكم ". وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علقمة بن علاثة وابنا هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر خالد وأخوه، فأسلموا، وكتب لهم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاباً إل بديل وبسر وسروات بني عمرو: " أما بعد فإني لم أثم بإلّكم ولم أضع في جنبكم، وإن أكرم أهل تهامة عليّ وأقربه رحماً مني أنتم، ومن تبعكم من المطيّبين. أما بعد فإني قد أخذت لمن هاجر منكم مثلما أخذت لنفسي، ولو هاجر بأرضه، إلا ساكن مكة، إلا معتمراً أو حاجاً، وإني لم أضع فيكم منذ سالمت، وإنكم غير خائفين من قبلي ولا محصرين. أما بعد: فإنه قد أسلم علقمة بن علاثة وابنا هوذة، وهاجرا، وبايعا على من تبعهم من عكرمة، وإن بعضنا من بعض في الحلال والحرام، وإني والله ما كذتبكم وليحيّينّكم ربكم ". ولم يكتب فيها السلام لأنه كتب بها إليهم قبل أن ينزل عليه السلام. ابنا هوذة: العداء وعمرو، ابنا خالد بن هوذة من بني عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن تبعهم من عكرمة: عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. ومن تبعكم من المطيّبين: فهم بنو هاشم وبنو زهرة وبنو الحارث بن فهر وتيم بن مرة وأسد بن عبد العزى. وعن عاصم بن ضمرة قال: ارتد علقمة بن علاثة عن دينه بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم فأبى أن يجنح للسلم، فقال أبو بكر: لا تقبل منكم إلا سلم مخزية أو حرب مجلية. قال: فقال: ما سلم مخزية؟ قال: تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة، وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، فاختاروا سلماً مخزية.

وكان علقمة بن علاثة نافر عامر بن الطفيل في الجاهلية، ثم وفد على سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم، فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى خزاعة يبشرهم بإسلامه، فقال: " أسلم علقمة بن علاثة، وابنا هوذة، وبايعا، وأخذا لمن وراءهما من قومهما ". واستعمل عمر بن الخطاب علقمة بن علاثة على حوران، فمات بها، فقال الحطيئة يرثيه: من الطويل لعمري لنعم الحيّ من آل جعفرٍ ... يحوران أمسى أدركته الحبائل لقد أدركت حزماً وجوداً ونائلاً ... وحلماً أصيلاً خالفته المجاهل وقدراً إذا ما أنفض القوم أرفضت ... إلى نارها تسبى إليها الأرامل لعمري لنعم المرء لا واهن القوى ... ولا هو للمولى على الدهر خاذل وما كان بيني لو لقيتك سالماً ... وبين الغنى إلا ليالٍ قلائل فلو عشت لم أملل حياتي وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل وأم علقمة بن علاثة ليلى بنة أبي سفيان بن هلال بن عمرو بن جشم بن عوف بن النخع. قال ابن أبي حدرد الأسلمي: تذاكرنا يوماً في مسيرنا الشكر والمعروف، فقال محمد بن مسلمة: كنا يوماً عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال لحسان بن ثابت: " يا حسان أنشدني قصيدة من شعر الجاهلية، فإن الله قد وضع عنك آثامها في شعرها وروايتها "، فأنشد قصيدة للأعشى هجا بها علقمة بن علاثة: من السريع

علقم ما أنت إلى عامر ... النّاقض الأوتار والواتر في هجاء كثير، هجا به علقمة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا حسان لا تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسي "، قال: يا رسول الله، تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا حسان، أشكر الناس للناس أشكرهم لله تعالى، وإن قيصر سأل أبا سفيان بن حرب عني فتناول مني، قال وقال، وسأل هذا فأحسن القول ". فشكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك. وفي حديث آخر فقال: " يا حسان إني ذكرت عند قيصر، وعنده أبو سفيان بن حرب وعلقمة بن علاثة، فأما أبو سفيان فلم يترك فيّ، وأما علقمة فحسّن القول، وإنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس ". وفي حديث آخر: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا حسان أعرض عن ذكر علقمة، فإن أبا سفيان بن حرب ذكرني عند هرق فشعّث مني، فرد عليه علقمة ". فقال حسان: يا رسول الله، من نالتك يده وجب علينا شكره. وروي: أن علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل الجعفريين تنافرا في الشرف، فقال علقمة بن علاثة: أنا والله يا عامر أحب إلى بنات عمك إذا أصابتهم سنةٌ منك، فقال له عامر: لا أنافرك على هذه، أنت رجل سخي وأنا بخيل، ولكني أحب من بنات عمك إذا غشّتهنّ الخيل منك. قال علقمة: لا أنافرك على هذه، لأنك أشد مني بأساً، ولكني موفٍ وأنت غادر، وأنا عفٌّ وأنت عاهر، وأنا والد وأنت عاقر، فقال عامر: من الوافر

بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأمّ الصقر مقلاتٌ نزور وأولاد الثعالب نامياتٌ ... وكيف تذبح الحجل الصقور فقال عامر: أنا والله أطعن للسرة، وأجوب للقفرة، ولكني أنافرك إلى هرم بن قطبة بن سيار الفزاري، قال: نعم. فخرجا حتى دفعا إليه، فقالا: أتيناك فيما تنافرنا فيه من الشرف، وقد أردنا أن تحكم بيننا. فقال: اجمعوا لي الناس. فجمعا له من كان بعقوتهم، ثم أعلماه ذلك. فدعا علقمة بن علاثة فقال: يا علقمة، أتنافر عامراً وأنت تعلم أن يوماً منه خير من سنة منك؟! قال: فلما ظن علقمة أنه سيفضله عليه ناشده الله في الإبقاء، وأنه لا ينافره بعده أبداً، قال: الله؟ قال: الله. ثم أخرج. ثم دعا عامراً، فقال: أتنافر علقمة يا عامر؟، والله لأصغر ولد له أشرف منك، فلما ظن أنه سيفضله عليه ناشده الله في الإبقاء، وأنه لا ينافره أبداً، قال: الله؟ قال: الله. قال: اخرج. ثم أخذ بعارضتي بابه والناس ينظرون، فقال: إن هذين تنافرا إليّ في الشرف وحكّماني، وإنهما عند كذراعي بكرٍ هجانٍ، فقال عامر: اجعلني اليمنى منهما، ولك مئة ناقة، قال: والله لا أفعل. ثم طبق في وجوههم. ثم خرج علقمة بعد حين إلى قيصر ببصرى يحتذيه، فخرج آذن قيصر، فقال: من كان ههنا من رهط عامر بن القيس بن حجر فليدخل، ومن كان ههنا من رهط عامر بن الطفيل فليدخل، فقال علقمة: ما أراني إلا كنت ظالماً لعامر، جئت لا أعرف على باب قيصر إلا به، ما لي إليكم حاجة. ثم انصرف وهو يقول: من الطويل بحسبك من عار عليّ مقالهم ... وقد لحظوني بالعيون النواظر إليكم فلستم راجعين بحاجة ... سوى أن تكونوا من ندامى المعاقر

فيا ليتني لم أدع في الوفد وافداً ... وكنت أسيراً في صدا وبحائر ولم يدعني الداعي على باب قيصرٍ ... بتلك التي تبيضّ منها غدائري فأسلمت لله الذي هو آخذٌ ... بناصيتي من بعد إذ أنا كافر قال: فلما سمع عامر وبلغه قول علقمة في الشعر قال: من الطويل أعلقم قد أيقنت أنّي مشهّرٌ ... غداة دعا الداعي أغرّ محجّل وقيلهم إن كنت من رهط عامرٍ ... أو الشّمّ من رهط امرئ القيس فادخل فنوّه باسمي قيصرٌ وقبيله ... وإني لدى النعمان ضخمٌ مبجّل أترجو سهيلاً في السماء تناله ... بكفّك فاصبر إن صبرك أجمل وأسلم علقمة، ثم سأل عمر بن الخطاب هرم قطبة بعدما أسلم: أيهما كان أفضل عندك؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين، ما أبالي أيومئذ حكمت بينهما أو اليوم، فقال عمر: من أسرّ عني سراً فليضعه عند مثلك. قال مالك بن أنس: كان عمر رجلاً جسيماً أصلع، وكان يشبه خالد بن الوليد. قال الحسن: قدم علقمة بن علاثة على عمر من الشام، فسأله أن ينقل ديوان ابن أخيه مرّ إليه، وسأله راعياً لإبله فلم يجبه إلى شيء من ذلك. فلما كان الليل التقى هو وعمر، فظن علقمة أن عمر خالد بن الوليد وكان يشبه به، فقال: ما حمل أمير المؤمنين على عزلك بعد عنائك وبلائك؟ فقال عمر: زعم أني جواد أنفق المال في غير حقه. قال علقمة: والله لقد جئته من الشام أسأله أن ينقل ديوان ابن أخي إليّ، وراعياً لإبلي فأيئسني من كل خير هو عنده. قال عمر: قد كان ذلك منه في أمري، فماذا عندك؟ فقال علقمة: وماذا يكون عندي؟ هم قوم ولاهم الله أمراً، ولهم علينا حق، فأما حقهم فيؤدى، وأما حقنا فنطلبه إلى الله عز وجل. قال: فأقرها.

علقمة بن قيس بن عبد الله

فلما كان من الغد اجتمعنا عند عمر، فقال عمر: هي! يا خالد لقيت علقمة البارحة فقلت: كيت وكيت؛ فقال خالد: والله ما فعلت. قال: فجعل علقمة يعجب من جحده، ثم قال عمر: يا علقمة، قلت: هم قوم ولاهم الله أمراً، ثم اقتص كلام علقمة الذي كلمه وخالد ينكر ما سمع، وعلقمة يقول: خلّ، أبا سليمان، قد كان ذلك. ثم قال: عمر نعم، يا علقمة: أنا الذي لقيتك وكلمتك، ولأن يكون ما قلت وتكلمت به في قلب كل أسود وأحمر من هذه الأمة أحبّ إليّ من حمر النعم. وفي رواية: أن علقمة قال: أنزعك عمر كما بلغني؟ قال: نعم. قال: ما شبع عمر، لا أشبع الله بطنه، فقال عمر: ماشبع، لا أشبع الله بطنه، الحديث. وفي رواية: قال عمر: فماذا عندك؟ قال: ما عندي إلا سمع وطاعة. علقمة بن قيس بن عبد الله ابن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل ويقال: كهيل ابن بكر بن عوف بن النخع ويقال: بكر بن المنتشر بن النّخع أبو شبل النّخعي الفقيه من أهل الكوفة. يقال: إنه ولد في عهد سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقدم دمشق. حدث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة، قال إبراهيم: لا أدري زاد أم نقص، فلما سلم قل له: أحدث في الصلاة شيء؟ قال: " وما ذاك؟ " قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجله،

فاستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه قال: " إنه لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكم، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدهم في الصلاة فليتحرّ الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين ". وعن علقمة: أنه قدم الشام، فدخل مسجد دمشق، فصلى فيه ركعتين، ثم قال: اللهم ارزقني جليساً صالحاً، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة. قال: كيف سمعت ابن أمّ عبدٍ يقرأ: " والليل إذا يغشى "؟. فقال علقمة: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى. فقال أبو الدرداء: لقد حفظتها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما زال بي هؤلاء حتى شككوني. ثم قال: ألم يكفكم صاحب الوساد، وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره، والذي أجير من الشيطان على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟. صاحب الوساد ابن مسعود، وصاحب السر حذيفة، والذي أجير من الشيطان عمار بن ياسر. وفي حديث آخر قال: فأنا هكذا والله سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها، وهؤلاء لا يريدونني أن أقرأ: " وما خلق الذكر والأنثى " فلا أتابعهم. وكان علقمة قد شهد صفين مع علي بن أبي طالب. وكان علقمة مقدماً في الفقه والحديث. وورد المدائن في صحبة علي، وشهد معه حرب الخوارج بالنهروان. وكان علقمة عقيماً لا يولد له، وكان ابن مسعود كنى علقمة أبا شبل قبل أن يولد له.

وكان عبد الله يعني ابن مسعود وعلقمة يصفان الناس صفّين عند أبواب كندة، فيقرئ عبد الله رجلاً، ويقرئ علقمة رجلاً، فإذا فرغا تذاكرا أبواب المناسك، وأبواب الحلال والحرام، فإذا رأيت علقمة فلا يضرك أن لا ترى عبد الله، أشبه الناس به سمتاً وهدياً، وإذا رأيت إبراهيم لا يضرك أن لا ترى علقمة، أشبه الناس به هدياً وسمتاً. قال ابن سيرين: أدركت الكوفة وهم يقدمون خمسة: من بدأ بالحارث الأعور ثنّى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة ثنّى بالحارث، ثم علقمة بالثالث لا شك فيه، ثم مسروق، ثم شريح، فقال: وإن قوماً أخسّهم شريح لقوم لهم شأن. وكان أصحاب عبد الله، الذين يقرئون القرآن ويصدر الناس عن رأيهم، ستة: علقمة والأسود ومسروق وعبيدة وعمرو بن شرحبيل والحارث بن قيس. قال إبراهيم: كنت عند عبيدة فسئل عن قول عبد الله في الجدّ، فقال: كان عبد الله يورثه إلى السدس، لا ينقصه شيئاً، فأخذني ما قدّم وما حدّث، فقلت: لئن كان حديث علقمة كله هكذا، ما أدري ما حسب حديث علقمة، وما عبيدة عندي بمتهم. فمررت بعبيد بن نضيلة وهو على بابه، فقال: يا أعور، ما لي أراك مكتئباً؟ قال: قلت: لا والله، إلا أني كنت عند عبيدة، فشئل عن قول عبد الله في الجدّ، فقال: كان عبد الله يورثه إلى السدس، لا ينقصه شيئاً، فأخذني ما قدّم وما حدّث، فقلت: إن كان حديث علقمة هكذا، ما أدري ما حسب حديث علقمة، وما عبيدة عندي بمتهم. وكان علقمة قال عن عبد الله: إنه كان يورثه إلى الثلث.

قال: فقال لي: قد صدقا جميعاً، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن عبيدة كان يأتي الدار يسمع عن عبد الله، وكان عبد الله يقول: إلى السدس، وكان علقمة ألزمهما له، فقال عبد الله بعد: إلى الثلث، فأخبر علقمة بعلمه الآخر، وأخبر عبيدة بقوله الأول. وعن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، وكان حسن الصوت، فقال: رتّل، فداك أبي وأمي، فإنه زين القرآن. وعن علقمة قال: كنت رجلاً قد أعطاني الله حسن الصوت بالقرآن، فكان ابن مسعود يرسلك إليّ فأقرأ عليه القرآن، قال: فكنت إذا فرغت من قراءتي قال: زدنا من هذا، فداك أبي وأمي، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن حسن الصوت زينة القرآن ". وكان علقمة من الربانيين الذي يقرؤون القرآن. قال ابن عون: سألت الشعبي عن علقمة والأسود، فقال: كان الأسود صواماً قواماً كثير الحج، وكان علقمة مع البطيء، ويدرك السريع. قال عبد الرحمن بن يزيد: جاء خبّاب صاحب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عبد الله بن مسعود وهو في المسجد يقرئ، فقال: ما أرى هؤلاء الذي يقرئون يحسنون يقرؤون. قال له: أفلا يقرأ عليك بعضهم؟ فأمر علقمة فقرأ عليه بسورة مريم حتى بلغ السجدة، فسجدوا، وكان خبّاب عجب من ذلك. ثم قال عبد الله: ما أقرأ شيئاًن أو ما أعلم شيئاً إلا أن علقمة يقرؤه أو يعلمه؛ فقال زياد بن حدير: والله ما علقمة بأقرئنا يا عبد الله. قال: بلى والله، إنه لأقرؤكم، وإن شئت لأخبرنكم بما قيل في قومك وقومه.

قال أبو قيس: رأيت إبراهيم يأخذ بالركاب لعلقمة. خرج عبد الله بن مسعود على أصحابه وهم يتذاكرون ويتدارسون: علقمة والأسود ومسروق وأصحابهم، فوقف عليهم، فقال: بأبي وأمي العلماء، بروح الله ائتلفتم، وكتاب الله تلوتم، ومسجد الله عمرتم، ورحمة الله انتظرتم، أحبكم الله وأحب من أحبكم. قال علقمة: أتي عبد الله بشراب، قال: أعط علقمة، أعط مسروقاً، قال: فكلهم قال: إني صائم، قال: " يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار ". قال إبراهيم: كانعلقمة يقرأ القرآن في خمسٍ، والأسود في ستٍّ، وعبد الرحمن بن يزيد في سبع. وحدث علقمة: أنه قرأ القرآن في ليلة، طاف بالبيت أسبوعاً، ثم أتى المقام، فصلى عنده فقرأ بالمئتين، ثم طاف أسبوعاً، ثم أتى المقام فصلى عنده، فقرأ بالمثاني، ثم طاف أسبوعاً، ثم أتى المقام، فصلى عنده، فقرأ بقية القرآن. وعن الشعبي قال: إن كان أهل بيت خلقوا للجنّة منهم أهل هذا البيت: علقمة والأسود. قال مالك بن الحارث: قيل لعلقمة: ألا تخرج فتحدث الناس؟ قال: أخرج فيتبعون عقبي، فيقولون:

هذا علقمة؟! قالوا: أفلا تدخل على السلطان فتنتفع؟ قال: إني لا أصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من ديني مثله. قال المسيب عن رافع: قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس القرآن وحدثتهم. قال: أكره أن توطأ عقبي، وأن يقال: هذا علقمة. قال: فكان يكون في بيته يعلف غنمه ويفت لهم، قال: وكان معه شيء يقرع بينهن إذا تناطحن. وكان علقمة إذا طلب، أو قلما طلب إلا وجد في بيته مغلقاً عليه بابه، يقرع غنمه. جاء رجل إلى علقمة فسبّه، فقال علقمة: إن " الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً "، فقال الرجل: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو، إن شاء الله. قال النخعي: باع علقمة بعيراً أو دابة من رجل، فكرهها، فأراد أن يردها ومعها دراهم، فقال علقمة: هذه دابتنا، فما حقنا في دراهمك؟ فقبل دابته وردّ الدراهم. قال إبراهيم: وكان علقمة يتروح إلى أهل بيت دون أهل بيته، يريد بذلك التواضع. وعن علقمة: أنه قال لامرأته في مرضه: تزيّني واقعدي عند رأسي، لعل الله يرزقك بعض عوّادي. وعن علقمة قال: تذاكروا الحديث، فإن حياته ذكره.

وفي رواية: أطيلوا كرّ الحديث لا يدرس. وكان علقمة ثقة من أهل الخير. وعن علقمة: أنه أوصى، قال: إذا أنا حضرت فأجلسوا عندي من يلقنني: لا إله إلا الله، وأسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تنعوني إلى الناس، فإني أخاف أن يكون ذلك نعياً كنعي الجاهلية. وفي حديث: فإذا خرجتم بجنازتي من الدار، فأغلقوا الباب حين يخرج آخرالرجال على أول النساء، فإنه لا أرب لي فيهن. توفي علقمة سنة إحدى وستين. وقيل: سنة اثنتين وستين. وقيل: سنة ثلاث وستين. وقيل: سنة خمس وستين. وقيل: توفي سنة اثنتين وسبعين وله تسعون سنة. وقيل: سنة ثلاث وسبعين. 53 - علقمة بن مجزّز بن الأعور ابن جعدة بن معاذ بن عنزارة بن عمرو بن مدلج بن مرة بن عبد مناة ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر المدلجي له صحبة، وولاه سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض جيوشه، وولاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حرب فلسطين، وشهد اليرموك، ثم ولي حرب فلسطين في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحضر الجابية.

ومجزّز: بالجيم وزايين، وهو القائف، والزاي الأولى مشددة مكسورة، وعلقمة بن مجزز هذان في الصحابة. وكان عمر بن الخطاب بعثه في جيش إلى الحبشة فهلكوا كلهم، فرثاه جواس العذري: من الكامل إنّ السلام وحسن كلّ تحيةٍ ... تغدو على ابن مجزّز وتروح وعن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم، حتى إذا بغلنا رأس غزاتنا، أو كنا ببعض الطريق، أذن لطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، وكان من أصحاب بدر، وكان فيه دعابة، فنزلنا ببعض الطريق، ثم أوقد القوم ناراص، فاقل: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى. قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم. قال: فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار، قال: فقام بعض القوم فتحجّزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، قال: اجلسوا، فإنما كنت أضحك معكم. فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد أن رجعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أمركم منهم بمعصية الله فلا تطيعوه ". 54 - علقمة بن يزيد بن سويد بن الحارث ويقال: علقمة بن سويد بن علقمة بن الحارث الأزدي من أهل ساحل دمشق. قال أبو سليمان الداراني: حدثني شيخ بساحل دمشق يقال له: علقمة بن يزيد بن سويد. قال أبو سليمان:

وكان من المرتدين، حدثني سويد بن الحارث قال: وفدت على النبي صلّى الله عليه وسلّم سابع سبعة من رفقائي، فلما دخلنا عليه وكلمناه أعجبه ما رأى من سمتنا وزيّنا، فقال: ما أنتم؟ قلنا: مؤمنون، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " لكل قول حقيقة، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ " قال سويد: قلنا: خمس عشرة خصلة، خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس منها تخلقنا بها في الجاهلية، ونحن على ذلك إلا أن تكره منها شيئاً. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما الخمس الخصار التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت. وفي رواية: والقدر خيره وشره. قال: " فما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بهن؟ " قلنا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت، فنحن على ذلك. قال: " وما الخمس الخصال التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ " قلنا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والصدق عند اللقاء، ومناجزة الأعداء. وفي رواية: وترك الشماتة بالمصيبة إذا حلت بالأعداء، والرضا بالقضاء. فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " أدباء، فقهاء، عقلاء، حلماء كادوا أن يكونوا أنبياء؛ من خصالٍ ما أشرفها وأزينها وأعظم ثوابها ". ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوصيكم بخمس خصال لتكمل عشرون خصلة؟ ". قلنا: أوصنا يا رسول الله. قال: " إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون،

علي بن أحمد بن إبراهيم بن ثابت

ولا تنافسوا في شيء غداً عنه تزولون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون، وعليه تعرضون ". قال: فانصرف القوم من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد حفظوا وصيته وعملوا بها. ولا والله، يا أبا سليمان، ما بقي من أولئك النفر، ولا من أبنائهم غيري. ثم قال: اللهم اقبضني إليك غير مبدل ولا مغير. قال أبو سليمان: فمات والله بعد أيام قلائل. علي بن أحمد بن إبراهيم بن ثابت أبو القاسم الربعين الرازي البغدادي الحافظ سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن محمد بن أحمد بن عبد الله الرافقي بسنده إلى أبي العشراء الدرامي قال: رأيت أبي بال وتوضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بال وتوضأ ومسح على خفيه. وحدث عن الحسن بن حبيب بن عبد الملك الدمشقي بسنده إلى الشافعي قال: تفقه قبل أن ترأس، فإذا ترأست فلا سبيل إلى التفقه. كان أبو القاسم ثقة حافظاً، وتوفي بالري سنة تسع وسبعين وثلاث مئة. علي بن أحمد بن إبراهيم بن غريبٍ الخال أبو الحسن البغدادي البزار المعروف بالشعيري قدم دمشق مع أبي الحسن العتيقي. حث عن أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن محارب الإصطخري الأنصاري بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "

علي بن أحمد بن الحسين

أغبّوا في العيادة ". غريبٌ جدّه خال المقتدر بالله. سئل أبو الحسن البغدادي عن مولده فقال: في سنة تسع وسبعين وثلاث مئة، ومات في سنة تسع وأربعين وأربع مئة. علي بن أحمد بن الحسين أبو الحسن القرشي الفراء المعروف بابن الدلاء كان يجيد اللعب بالشطرنج، ويحاضر الأمراء لأجله، ثم صلحت طريقته قبل موته. حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربع مئة ألف ". فقال أبو بكر الصديق: زدنا يا رسول الله، قال: " وهكذا "، جمع يديه، قال: زدنا يا رسول الله، قال: " وهكذا "؛ فقال عمر: حسبك يا أبا بكر؛ فقال أبو بكر: دعني يا عمر، وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا؟، فقال عمر: إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بكفٍ واحدٍ. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: صدق عمر. وحدث عنه بسنده إلى الوليد بن هشام القحذمي قال: قال الحجاج يوماً لجلسائه: أي شيء أذهب بالإعياء؟ فقال بعضهم: التمريخ، وقال بعضهم: أكل التمر، وقال بعضهم: دخول الحمام، فقال رجل من الدهاقين: ما رأيت شيئاً أذهب بالإعياء من النجاح، وأنشد: من الطويل كأنك لم تنصب ولم تلق نكبةً ... إذا أنت لاقيت الذي كنت تطلب

علي بن أحمد بن سعيد بن سهل

سئل ابن الدلاء عن مولده، فقال: في سنة خمس وسبعين وأربع مئة، ومات في سنة ثمان وخمسين وخمس مئة. علي بن أحمد بن سعيد بن سهل أبو الحسن البغدادي الغازي المعروف بابن عفان حدث بسنده إلى أبي هرمز قال: دخلنا على أنس بن مالك نعوده، فقال: صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو هرمز: فقلنا لأنس بن مالك: فصافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فصافحنا. ثم ذكر المصافحة مسلسلة عن كل راوٍ إلى الحافظ رحمه الله. وحدث عن خيثمة بن سليمان قال: سمعت العباس بن الوليد بن مزيد قال: سمعت محمد بن شعيب بن شابور يقول: ما تصيب في ألف أصلع رجل سوء، ولا تصيب في ألف سناط رجلاً صالحاً. علي بن أحمد بن سلمة بن عبيد أبو الحسن العقيلي الجوبري من أهل قرية جوبر. حدث عن أحمد بن عبد الواحد بسنده إلى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: افتخر رجلان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، أحدهما من مضر والآخر من اليمن، فقال اليماني: إني من حمير لا من ربيعة أنا ولا من مضر؛ فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " فأشقى لبختك وأتعس لجدّك وأبعد لك من نبيك ".

علي بن أحمد بن سهل

علي بن أحمد بن سهل ويقال: ابن إبراهيم أبو الحسن البوشنجي الصوفي، أحد مشايخهم رحل إلى الشام. حدث عن محمد بن عبد الرحمن الشامي الهروي بسنده إلى ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا من الأوجاع كلها أن نقول: بسم الله الكبير، أعوذ العظيم من شر عرقٍ نعّار، ومن شر حرّ النار. كان أبو الحسن البوشنجي أوحد فتيان خراسان، وتكلم مع الشبلي في مسائل، وهو من أعلم مشايخ وقته بعلوم التوحيد، وعلوم المعاملات، وأحسنهم طريقة في الفتوة والتجريد، وكان ديّناً متعهداً للفقراء. توفي سنة سبع وأربعين بنيسابور، وقيل: ثمان وأربعين وثلاث مئة. وكان أسخى المشايخ، وأحسنهم خلقاً وأظرفهم، وكان يدل أصحابه على العبادة، ولا يتركهم هملاً، وكان له شأن عظيم في الخلق والفتوة، يرجع إلى فنون العلم، وكان متكلماً عالماً بعلوم القوم، وانقطعت بعده طريقة الفتوة والأخلاق عن نيسابور بموته. سئل البوشنجي عن المروءة فقال: ترك استعمال ما هو محرم عليك مع الكرام الكاتبين. وقال له إنسان: ادع الله لي، فقال: أعاذك الله من فتنتك. وقال البوشنجي: أول الإيمان منوط بآخره. سئل البوشنجي شيخ الصوفية بخراسان: ما التوحيد؟ قال: أن لا يكون مشبه الذات، ولا منفي الصفات.

وسئل: ما السنة؟ قال: البيعة تحت الشجرة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. وسئل البوشنجي: ما التصوف؟ فقال: فراغ القلب، وخلاء اليدين، وقلة المبالاة بالأشكال، فأما فراغ القلب: ففي قوله عز وجل: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ". وخلو اليدين لقوله: " الذي ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية ". وقلة المبالاة في قوله عز وجل: " ولا يخافون لومة لائم ". وسئل عن القناعة فقال: المعرفة بالقسمة. سئل البوشنجي عن الفتوة، فقال: الفتوة عندك في آية من كتاب الله عز وجل، وفي خبر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فأما قول الله عز وجل: " يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممّا أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ". وخبر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يعني من الخير ويكره لأخيه ما يكره لنفسه ". فمن اجتمع فيه هاتان الحالتان فله الفتوة. وسئل عن الفتوة، فقال: حسن البشر. وعن المروءة، فقال: ترك ما يكره كرام الكاتبين. وعن التوكل، فقال: أن تأكل مما يليك، وتضع لقمتك على سكون القلب، وتعلم أن مالك فلا يفوتك. وسئل عن وصف الإنسان، فقال: الخير منّا زلة، والشر لنا صفة، وإذا عزلنا عن الكذب لم يبق لنا شيء. وسئل عن الحب، فقال: بذل المجهود مع معرفتك المحبوب، والمحبوب مع بذل مجهودك يفعل ما يشاء. وكان أبو الحسن البوشنجي في الخلاء، فدعا تلميذاً له، فقال: انزع عني هذا

علي بن أحمد بن الصباح

القميص، وادفعه إلى فلان، فقيل له: هلاّ صبرت؟ فقال: لمن آمن على نفسي أن تتغير عما وقع لي من الخلو معه بذلك القميص؟. وسئل علي بن سهل عن التويحد، فقال: قريب من الظنون، بعيد من الحقائق، وأنشد لبعضهم: من الطويل فقلت لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريبٌ ولكن في تناولها بعد قال السيد أبو الحسن محمد بن علي بن الحسين العلوي: سمعت أبا الحسن البوشنجي يقول: النظر فخ إبليس نصبه للصوفية، وبكى، وقال: من كرّر النظر فالنظر عليه حرام، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبيك علي عليه السلام: " إياك والنظرة فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة ". قال أبو عبد الله الحافظ: سمعت أبا الحسن البوشنجي غير مة يعاتب في ترك الجماعة والجماعات والتخلف عن الجماعة، فيقول: إن كانت الفضيلة في الجماعة فإن السلامة في العزلة. قال أبو الوليد: دخلت على أبي الحسن يوم توفي، فقلت له: ألا توصي بشيء؟ فقال: أكفن في هذه الخريقات، وأحمل إلى مقبرة من مقابر المسلمين، ويتولى الصلاة عليّ رجل من المسلمين. علي بن أحمد بن الصباح أبو الحسن القزويني سمع بدمشق. وحدث عن دحيم بن إبراهيم الدمشقي بسنده إلى أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق ومنان ومكذب بالقدر ".

علي بن أحمد بن طاران

وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى بسر بن أرطاة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهم أحسن عاقتبنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة ". علي بن أحمد بن طاران أبو الحسن المامطيري سمع بدمشق. وحدث عن أبي العباس عبد الله بن عتاب الزفتي بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسعدٍ يوم مات، أو هو يدفن: " لهذا العبد الصالح الذي اهتز له العرش، وفتحت له أبواب السماء، شدّد عليه ثم فرّج عنه ". علي بن أحمد بن عبد الله ويقال له عبيد بن محمد بن يحيى بن حمزة أبو الحسين الحضرمي من أهل بيت لهيا. حدث أبو الحسين علي بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي البتلهي بدمشق عن محمد بن تمام بن صالح البهراني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من شاب شيبة في سبيل الله تباعدت منه جهنم مسيرة خمس مئة عام ".

علي بن أحمد بن عبد الرحمن

وحدث عنه أيضاً بسنده إلى واثلة بن الأسقع عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه صلى على رجل فقال: " اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فأعذه من فتنة القبر وعذاب القبر، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم فاغفر له، إنك أنت الغفور الرحيم ". قال: وكان اسمه حضرمي بن أحمد، وكان يسمي نفسه علياً. علي بن أحمد بن عبد الرحمن الدمشقي حدث عن ضمرة بن ربيعة بسنده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره ". فثاب الناس متشوفين، فلما أصبح قال: " أين علي؟ " قالوا: يا رسول الله ما يبصر، قال: " ائتوني به "، فأتي به، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ادن مني "، فدنا منه، فتفل في عينيه، ومسحهما بيده، فقام علي من بين يديه كأنه لم يرمد قط. علي بن أحمد بن عبد العزيز بن ظنّير أبو الحسن الأنصاري الميورقي الأندلسي قدم دمشق. حدث عن أبي علي حسين بن سعد الآمدي بسنده إلى أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقيت الملك، فأخبرني أنه من مات يشهد أن لا إله إلا الله كان له الجنة "، فما زلت أقول: وإن، حتى قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق ". ومما أنشده أبو الحسن علي الأنصاري للأستاذ أبي محمد غانم بن وليد المخزومي المالقي النحوي: من السريع

ثلاثةٌ يجهل مقدارها ... الأمن والصحة والقوت فلا تثق بالمال من غيرها ... لو أنّه درٌّ وياقوت قال: وأنشدني غانم لبعض الشعراء: من المنسرح يا أيها المبتغي أخا ثقةٍ ... عدمت ما تبتغي فدع طمعك داج المداجين ما لقيتهم ... وخادع النفس لامرئٍ خدعك لا تكشف المرء عن سرائره ... ودعه تحت النفاق ما ودعك أظهر له مثل قول ذي بلهٍ ... تريه إن ضرّ أنه نفعك قال: وأنشدني بعض القزوينيين لحسن بن رشيق القيرواني: من السريع في الناس من لا يرتجى نفعه ... إلا إذا مسّ بأضرار كالعود لا يطمع في طيبه ... إن أنت لم تمسسه بالنار ومن شعر أبي الحسن علي بن أحمد الأندلسي: من الوافر وسائلةٍ لتعلم كيف حالي ... فقلت لها: بحال لا تسرّ دفعت إلى زمان ليس فيه ... إذا فتّشت عن أهليه حرّ توفي أبو الحسن ببغداد سنة سبع وسبعين وأربع مئة، وكان من أهل ميورقة. وقيل: إنه كان قد ركب في البحر إلى بلاد الزنج، وكان معه من العلوم أشياء، فما نفق عندهم إلا النحو، ثم إنه عاد إلى البصرة على أن يقيم بها، فلما وصل إلى البصرة وقع عن الجمل، فمات سنة أربع وسبعين.

علي بن أحمد بن علي بن زهير

علي بن أحمد بن علي بن زهير أبو الحسن التميمي المالكي حدث عن أبي بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بن عثمان بن سعيد بن قاسم الغساني، يعرف بابن الطيار، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كلّ بيّعين لا بيع بينهما حتى يفترقا، إلا بيع الخيار ". توفي أبو الحسن التميمي في سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، ولم يكن ثقة ولا مأموناً، وذكر أنه ولد سنة خمس عشرة وأربع مئة. علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر أبو الحسن القرشي الحرستاني لم يكن الحديث من شأنه، وسمع من أبي عبد الله بن أبي الحديد بعض خبر، وكان خرج إليها متنزهاً، فاتفق حضوره في البستان فقرأ عليه، وكتب سماعه عليه. حدث عنه بسنده إلى جابر بن سمرة قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد والناس رافعو أيديهم، فقال: " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شمس، اسكنوا في الصلاة ". توفي في شوال سنة إحدى وستين وخمس مئة.

علي بن أحمد بن محمد

علي بن أحمد بن محمد ويقال: علي بن عبد الله زعم انه علي بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق، وكذب فيما زعم، القرمطي المعروف بالشيخ خرج في الشام في جماعة من الأعراب وغيرهم، فغاب بنواحي الرقة، ثم انصرف إلى دمشق، فخرج إليه طغج بن جفّ أمير دمشق فكسره القرمطي وهزمه. ثم خرج إليه جيش من مصر مع بدر الحمامي وغيره، فقتل بنواحي دمشق بقرية يقال لها: كنيكر، سنة تسعين ومئتين. وقام بأمر القارمطة بعده أخوه. وكان له شعر، منه ما قاله في بعض حروبه: من الكامل سل تعط عن خبري حقيقته ... بالرّقمتين وصاحب الخرج عني وعن عصبٍ قرعت بهم ... يوم الخميس قبالة النهج فأبحت أصحابي أساورهم ... وأبحت سيفي هامة العلج ثم انصرفت بها مؤيّدةً ... حتى وردت بها على طغج منصورة الرايات يقدمها ... رجلٌ عفيف البطن والفرج ما ظنّ إلا أنّ صدمتنا ... شرب المدام ببارد الثلج فرأى رجالاً يحملون قناً ... بأسنّةٍ كفتايل السرج خبّ الجواد بسوطه فنجا ... لولا القضاء لما نجا المزجي قال أبو القاسم بن حبيب: ومن شعر علي بن محمد البرقعي: من الكامل ما همّتي إلا مقارعة العدا ... خلق الزمان وهمتي لم تخلق والمرء كالمدفون تحت لسانه ... ولسانه مفتاح بابٍ مغلق إني أرى الأكياس قد تركوا سدىً ... وأزمّة الأفلاك طوع الأحمق

علي بن أحمد بن محمد بن الوليد

لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ... بنجوم أقطار السماء تعلّقي لكن من رزق الحجا حرم الغنى ... ضدان مفترقان أيّ تفرّق علي بن أحمد بن محمد بن الوليد أبو الحسين المرّي المقرئ حدث سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة عن أبي القاسم أخطل بن الحكم بن جابر القرشي بسنده إلى ابن عمر قال: لما ولي عمر حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحل المتعة ثلاثاً، ثم حرمها علينا، وأنا أقسم بالله قسماً برّاً لا أجد أحداً من المسلمين أحصن متمتعاً إلا رجمته، إلا أن يأتيني بأربعة شهداء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحلها بعد إذ حرمها، ولا أجد رجلاً من المسلمين متمتعاً إلا جلدته مئة جلدة، إلا أن يأتيني بأربعة شهداء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحلها بعدما حرمها. توفي أبو الحسين المري سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة. علي بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن مروان أبو الحسن البغدادي المعروف بابن المقابري البزاز سكن الرملة، وقدم دمشق، وحدث بها وبمصر. روى في سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة عن أبي بكر محمد بن شاذان الجوهري بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ليس على فرس المؤمن ولا غلامه صدقة ". وحدث عن محمد بن يونس بن موسى بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الأيّم أحق بنفسها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها ".

علي بن أحمد بن محمد

علي بن أحمد بن محمد ويعرف بابن قرقوب، أبو الحسن الهمذاني التمّار سمع بدمشق. حدث عن إبراهيم بن الحسين، بسنده إلى سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب: " أي عم، قال: لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك عند الله "، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي صلّى الله عليه وسلّم يعرضها عليه ويعيدانه تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك ". فأنزل الله عز وجل: " ما كان للنبي والذي آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانو أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم ". وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء ". وحدث عن أحمد بن ياسين المعروف بابن أبي تراب بسنده إلى زياد الصّدائي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من طلب العلم تكفل الله له برزقه ".

علي بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن

علي بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن أبو الحسن الشرابي حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يقولنّ أحدكم لعبده: عبدي، ولكن ليقل: فتاي، ولا يقول العبد لسيده: مولاي، ولكن ليقل: سيّدي ". علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مسلم بن أبي مسلم أبو الحسن الجرمي الطرسوسي قدم دمشق، وحدث بها وبغيرها. حدث عن أبي عبد الله محمد بن عبد اله بن محمد النيسابوري الحافظ المعروف بالحاكم بسنده إلى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من كذب عليّ متعمداً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". وحدث عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن أحمد المهلبي عن أبي عبد الله القرشي قال: رأيت رجلاً يعاتب إلفاً له على الجسر، وكنت قريباً منهما بحيث أسمع ما كانا فيه جميعاً، فقال له: ألم أفعل بك بكذا؟ ألم أصنع بك كذا؟ فلم يزل يعدد عليه ما أولاه إياه، فقال له المألوف: هذا الذي فعلته في هواك أو في هواي؟ وخرج الكلام بينهما إلى أن قال له: قد أضجرتني وآذيتني، فقال له: فما تحب أن أفعل بنفسي في هواك حتى تشتفي؟ قال: تطرح نفسك في هذا الماء إن كنت صادقاً في دعواك. قال: فعهدي به على رأسه رداء، وقد لف رأسه بردائه، وزجّ بنفسه في دجلة. قال: فداخلني من الأمر ما غلب عليّ حتى صعقت صعقة غشي عليّ منها، ولم أدر ما كان بعد ذلك.

علي بن أحمد بن المبارك

وحكى عن المهلبي أيضاً: أن رجلاً رأى صديقاً له بالكوفة، فقال له: من أين؟ قال: من بغداد، قال: وإلى أين؟ قال: إلى الصين. قال: وما تصنع؟ قال: أزور إلفاً لي! قال له: بعيد، قال: فأنشأ يقول: من الطويل بعيدٌ على كسلان أو ذي ملالةٍ ... فأما على المشتاق فهو قريب علي بن أحمد بن المبارك أبو الحسن البزار حدث عن أحمد بن محمد بن أحمد البزار البغدادي بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة، فضقت بأمري، وعرفت أن الناس مكذّبي ". قال: فقعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتزلاً حزيناً، فمر به أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ قال: " نعم، إني أسري بي الليلة ". قال: إلى أين؟ قال: " إلى بيت المقدس "، قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: " نعم ". قال: فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه، قال: أتحدث قومك ما حدثتني إن دعوتهم إليك؟ قال: " نعم "، قال: يا معش بني كعب بن لؤي، هلمّ، وقال: فانتقضت المجالس، فجاؤوا حتى جلسوا إليهما، فقال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنه أسري بي الليلة "، قالوا: إلى أين؟ قال: " إلى بيت المقدس "، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: " نعم "، فمن بين مصفّق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً، فقالوا: أتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد: قال رسول الله صلّى الله عليه سلّم: " فذهبت أنعت لهم، فمازلت أنعت حتى التبس عليّ بعض النعت "، قال: " فجيء المسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، فنعتّه وأنا أنظر إليه ".

علي بن أحمد بن مقاتل بن مطكود بن أبي نصر

قال: فقال القوم: أما النعت فوالله قد أصاب. توفي علي بن المبارك البزار سنة تسع وخمسين وأربع مئة. علي بن أحمد بن مقاتل بن مطكود بن أبي نصر أبو الحسن بن السوسي، ويعرف بابن المعلم كان يسكن الشاغور. حدث في الجامع بدمشق عن أبي القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء بسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طاوي الحشا، ضليع الفم شتى القدمين. قال: وأخبرنا أبو علي الأنصاري بسنده إلى سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن الناس قد رووا عنك في المتعة حتى قالوا شعراً، فقال: أو قد فعلوها؟ قال: أما إنها إنما أحلت كما أحلت الميتة والدم. مات أبو الحسن في سنة ستين وخمس مئة. علي بن أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسن بن أبي العباس الغساني المعروف بابن قبيس الفقيه المالكي النحوي الزاهد كان ثقة متحرزاً يفتي على مذهب مالك، ويقرئ النحو، ويعرف الفرائض والحساب، وكان مغالياً في السنة.

علي بن أحمد أبو الحسن

حدث عن أبي بكر الخطيب بسنده إلى ابن عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم احتجم وأعطى الحجّام أجره، ولو كان خبيثاً لم يعطه. ولد أبو الحسن سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة ثلاثين وخمس مئة. علي بن أحمد أبو الحسن الماردائي الكاتب أصله من العراق، وكتب للطولونية بمصر، وقدم دمشق مع أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون. قال أبو جعفر بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم المعروف بابن الداية: كنت قائماً على باب دار أبي الحسن علي بن أحمد الماردائي منتظراً لركوبه مع جماعة من كان يقف له، وإلى جانبي ابن لأبي أيوب ابن أخت أبي الوزير، ويعرف بأبي مالك، وهو يشتكي إليّ أنه أعوزه علف دابته في أمسه، حتى خرج بعض غلمانه، فقال: أفيكم ابن أبي أيوب؟ فاستجاب له فأدخله، فخرج ومعه توقيعان أحدهما بدفع مئتي دينار إليه، والثاني بتقليده كورة إتريب وعين شمس. وخرج أبو الحسن فافترقنا، وكان بناحيته رجل يعرف ببشر بن محمد، فالتقينا في الطريق، فشكرت صنيعه بأبي مالك، فقال له: خبرٌ عجيبٌ ما أحسبه تأدى إليك، قلت: وما هو؟ قال: رأى أبو الحسن البارحة كأن أبا أيوب لقيه، فقال: يا أبا الحسن أما تحتشم من غدوّ ابني عليك بغير سراويل؟! فانتبه. فلما صلّى وعلم أن قاصديه قد تكاملوا ببابه طلبه، فأدخل إليه وهو خال، فسأله عن حاله، فشكا اختلالاً شديداً، فوضع أبو الحسن يده على خفه فأصعدها إلى رأس خفه، فوجه بغير سراويل، فأمر له بجائزة وتقليد، ولم يزل يتعاهده ببرّه إلى أن توفي.

علي بن أحمد أبو الحسي السهيلي

علي بن أحمد أبو الحسي السّهيلي الفقيه الشافعي مصنف، قدم دمشق. وحدث في جامعها سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وفي هذه كان مسيره من البلد، قال: رأيت في بلاد جيلان في سنة ثلاثين وأربع مئة رجلاً عيناه في وسط رأسه، وما كان في موضع عينيه إلا شامة بين السواد والبياض. وحدث في هذه السنة أيضاً قال: كنت ببلاد ديلمان، وأكثرهم رافضي، وكنت أصلي فيها منفرداً، مرسلاً اليدين على وفق مذاهبهم خوفاً منهم، وهؤلاء يقولون بخلق القرآن. ففارقت ديارهم، ودخلت إلى بلدة تعرف ببلدة كوتم، وصليت الظهر بالجماعة بجنب شاب، فلما فرغت من الصلاة قلت: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، فقال: وما ذاك؟ فقلت: كنت ببلاد ديلمان، وما كنت أصلي بالجماعة، والساعة قد دخلت بلاد أهل السنة فشكرت الله تعالى عليه. فسألني وقال: أيش تقول في هذا الجدار أقديم هو أم مخلوق؟ فقلت: إنه مخلوق. فقال لي: أتقول إن القرآن مخلوق؟ فقلت: لا، بل أقول: إن القرآن كلام الله قديم، ومن قال: إنه مخلوق فهو كافر بالله. فقال: أما ترى كتب على الجدار: " إن الله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون "؟ فقال: ما أرى على الجدار أكثر من السواد والبياض والجصّ، وهذا كله مخلوق.

قال: إن كنت ترى غيره فاذكر لي. قلت: فإني لم أر أكثر من هذا. فقال: هذا لا يقوله إلا الأشعري، وقام وتخطى خطوتين ثلاثاً، وأعاد الصلاة، فقلت له: لم أعدت الصلاة؟ قال: لما سمعته منك. فقتل: أحسب أني صرت على زعمك كافراً بهذه المقالة، فعلى أي مذهب تجب إعادة الصلاة إذا صلى الرجل بجنب كافر غير مقتد به؟ فقال: أنا أنصحك ألا تذكر هذا الذي ذكرته لغيري تقتل. قلت: أنا أقول: إن الجدار مخلوق، وإن السواد والبياض والجص مخلوق، ولو قتلت. ثم تفكرت في حالي فخفت على نفسي، فقمت طائفاً في البلد أطلب فقهاء على مذهب الشافعي رحمه الله، فدلوني على قاض، فجئت إليه، وسألته عن مذهبه فقال: شافعي، فسألته عن مذهبه في الأصول فقال: ليس هذا وقته. فجلست إلى أن تفرق الناس فسألته، فقال: أنا على مذهب الحق، ولكن لا تظهر مذهبك لأحد؛ فإنك إن أظهرته قتلت؛ فذكرت القصة التي جرت لي، فاستخبرني عن الرجل، فذكرت له العلامات. فدعا بذلك الشاب وقال: اعلم أن هذا الرجل على مذهب أصحابنا في الأصول، وهو شافعي في الفروع كمثلي، غير أنه ظن أن هذه البلدة يقولون في القرآن مثلما يقول أهل ديلمان، فذكر ذلك طلباً للوفاق، وإن اعتقاده أن القرآن قديم، وأن الحروف والأصوات قديم، وأن الكتابة وأن الجدار قديم. قلت: صدق القاضي، وإنما قلت ذلك ظناً مني بأنكم تقولون بمقالة ديلمان. ثم تفرقنا، وأوصاني ذلك القاضي بأن إذا سئلت عن النزول والروح والإيمان والتدين والقرآن فتقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا مثلما ينزل واحد منا من السرير، وفي رجليه نعل من ذهب. ويقولون في الروح والإيمان: إنهما قديمان وتقول في القرآن مثلما ذكرنا.

علي بن أحمد أبو الحسن الزبيري

علي بن أحمد أبو الحسن الزبيري روى أبو الحسن الزبيري لعليّ عليه السلام: من المتقارب يمثّل ذو اللّبّ في نفسه ... مصائبه قبل أن تنزلا فإن نزلت بغتةً لم ترع ... هـ لما كان في نفسه مثّلا رأى الأمر يفضي إلى آخرٍ ... فصيّر آخره أوّلا وذو الجهل يهمل أيامه ... وينسى مصائب من قد خلا ولو مثّل الحزم في نفسه ... لعلّمه الصبر عند البلا علي بن إبراهيم بن العباس ابن الحسن بن العباس بن الحسن ب الحسين وهو أبو الجنّ بن علي بن محمد بن علي ابن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه كان متسنناً، وكنيته أبو القاسم، خطيب دمشق في أيام المصريين. قال أبو القاسم السميساطي: إنه ما رأى أحداً سمّي علياً وكنّي أبا القاسم إلا كان طويل العمر. حدث عن أبي الحسين محمد بن عبد الرحمن بن القاسم التميمي، بسنده إلى أبي هريرة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " لا تبدؤوهم بالسّلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ". يعني اليهود والنصارى.

علي بن إبراهيم بن مطر

وقيل إنه صلى على جنازة يوم الجمعة فكبّر عليها أربعاً، فكتب بذلك إلى مصر، فجاء كتاب صاحب مصر إلى أبيه أبي الحسين إبراهيم، يعاتبه في ذلك، فقال له أبوه: لا تصلّ بعدها على جنازة. وحدث عن رشا بن نظيف بسنده إلى أبي بكر محمد بن دريد قال: أنشدني أبو حاتم: من الوافر إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرّحيب وأوطئت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضّرّ وجهاً ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوثٌ ... يمنّ به اللّطيف المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب ولد الشريف أبو القاسم علي سنة أربع وعشرين وأربع مئة، وتوفي في سنة ثمان وخمس مئة. وأوصى أن يسنّم قبره ولا يتولاه أحد من الشيعة. علي بن إبراهيم بن مطر أبو الحسن السكري البغدادي سمع بدمشق وبحمص وبالعراق، وكان ثقة. حدث عن محمد بن المصفى بسنده إلى جرير بن عبد الله، عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: في قوله: " وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس " قال: " صلاة الصبح "، " وقبل غروبها " قال: " صلاة العصر ". وحدث عن أبي الوليد هشام بن عمار بسنده إلى عبيد بن عمير عن أبيه: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.

علي بن إبراهيم بن نصرويه

وحدث عن داود بن رشيد بسنده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان يغتسل بالصّاع ويتوضأ بالمدّ. توفي علي بن إبراهيم سنة خمس. وقيل: سنة ست وثلاث مئة. علي بن إبراهيم بن نصرويه ابن سختام بن هزيمة بن إسحاق بن عبد الله بن أشكر بن كاك أبو الحسن السمرقندي الغزي الفقيه قدم دمشق حاجاً سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، وحدث بها وبصور وبغداد. حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد بن مت الأسبيجي بسنده إلى أنس بن مالك قال: عطس رجلان عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فشمّت أحدهما ولم يشمّت الآخر. قيل هما رجلان عطسا فشمّتّ أحدهما وتركت الآخر! قال: " إن هذا حمد الله عزّ وجلّ وإن هذا لم يحمد الله عزّ وجلّ ". حدث عن أخيه إسحاق بسنده إلى أحمد بن قطن بن أبي قطن قال: سئل ذو النون وأنا حاضر عنده: متى يجد العبد حلاوة الأنس بالله عزّ وجلّ؟ قال: إذا قطع العلائق، ورفض الخلائق، وكان من أهل الحقائق، وعمل بالرقائق، فحينئذٍ ينجو من البوائق. قال: وأنشدني أخي قال: أنشدني أبو العباس البلخي بمدينة السلام في هذا المعنى: من الطويل وما الزهد إلى في انقطاع العلائق ... وما الحبّ إلا في وجود الحقائق وما الحبّ إلا حبّ من مال قلبه ... عن الخلق مشغولاً بربّ الخلائق فصدّ عن الدنيا ولم يرض بالمنى ... وصار إلى المولى بأرضى الطرائق كان من أهل العلم والتقدم في الفقه على مذهب أبي حنيفة. وولد سنة خمس وستين وثلاث مئة، وتوفي سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.

علي بن إبراهيم بن يوسف

علي بن إبراهيم بن يوسف أبو الحسن الشقيفي البصري الصوفي حدث عن جعفر الدّيبلي عن أبي القاسم جنيد بن محمد قال: كنت إذا قمت من عند أبي الحسن سري يقول: إذا قمت من عندي من تجالس؟ فقلت له: حارثاً المحاسبي. فقال: نعم، خذ من علمه وأدبه. واحذر تشقيقه الكلام. قال: فلما وليت سمعته يقول: جعلك صاحب حديث صوفيّاً، ولا جعلك صوفيّاً صاحب حديث. وحدث عن إبراهيم بن أحمد بن المولد الرقي بسنده إلى إبراهيم بن أدهم قال: مررت بالشام بحجر منقور عليه مكتوب: أنت بما تعلم لا تعمل، تطلب علم ما لا تعلم. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أبي الحسن أحمد بن هارون قال: وجدت هذه الأبيات على حائط بصنعاء مكتوبة: من المتقارب أحبّ الشمال وأهوى الجنوبا ... لأنهما يسعدان الكئيبا تجيء الشمال بريح الحبيب ... فتفعل في القلب فعلاً عجيبا وتمضي الجنوب بشكوى المحبّ ... إلى من يحب فتشفي القلوبا أعلل نفسي بمرّ الرياح ... لأني غريبٌ أحبّ الغريبا فطوبى لمن كان ذا فطنةٍ ... يرى من يحب قريباً قريبا

علي بن إبراهيم القاضي

علي بن إبراهيم القاضي حدث بدمشق عن جعفر بن أحمد بسنده إلى سعيد بن عبد العزيز أنه قال: إذا كان الله معك فمن تخاف؟ وإذا كان الله عليك فمن ترجو؟ وحدث بدمشق عن محمد بن علي بن خلف بسنده إلى أبي سليمان الداراني قال: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع. علي بن إسحاق بن رداء أبو الحسين الغساني الطبراني قاضي طبرية. حدث عن علي بن نصر البصري بسنده إلى علي بن الحسين عن أبيه رفعه قال: إن الله عزّ وجلّ خلق عليين، وخلق طينتنا منها، وخلق طينة محبينا منها، وخلق سجّين، وخلق طينة مبغضينا منها، فأرواح محبينا تتوق إلى ما خلقت منه، وأرواح مبغضينا تتوق إلى ما خلقت منه. كان علي بن رداء أحد الثقات والظرفاء من أهل الشام، رحمه الله. علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ الكاتب شاعر، ولي معونة دمشق في أيام الواثق في سنة ست وعشرين ومئتين. كان رجاء بن أبي الضحاك يتولى خرج حيدتي دمشق والأردن في أيام الواثق، وكان علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ يتولى معونة حيدتي دمشق والأردن خلافة أبيه،

فكانا إذا اجتمعا أمرّ رجاء في منزله بحضرة عليّ بن إسحاق، ولا يؤمر علي بن إسحاق، وكان ينكر رجاء إذا كان في منزل علي بن إسحاق أن يؤمر علي بن إسحاق بحضرته؛ فقيل له في ذلك فقال: أنا أجل وأقدم بخراسان، وأولى بالإمارة منه؛ فأحفظ ذلك علياً حتى زوّر كتاباً بولايته الخراج، ووجه إلى رجاء يحضره؛ فقيل لرجاء: وجه إلى شيوخ البلد وإلى الناس فاجمعهم عندك وشاورهم في ذلك؛ فقال رجاء: افتحوا الباب ولا تمنعوا أحداً، وحمله العجب على ترك التحرز. فوجه إليه علي بن إسحاق من أخرجه راجلاً حتى جاء به إليه، فحبسه ثم قتله، وقتل ابنه، وقتل كاتبه وطبيبه. فلما فعل ذلك غلظ على عيسى بن سابق، وكان صاحب شرطة دمشق، وشق ذلك أيضاً على جماعة الوجوه من قواده، وتشاوروا فيما بينهم، فقالوا: قد أقدم هذا على أمر غليظ، ونحن فقد علم السلطان موضعنا ومكاننا في البلد، وإنا من أهله وتنّائه، فاتفقوا على أن يقبضوا على علي بن إسحاق فيتوثقوا منه، ويكتبوا إلى السلطان بخبره. فدخلوا عليه، وأنكروا ما كان منه، فغضب علي بن إسحاق، وقال: خذوا عليهم الباب، فقام إليه عيسى بن سابق وضرب بيده إلى رجله، وقال: لمن تقول هذا يا صبي؟ ووثبوا بأجمعهم إليه فأوثقوه، وكتبوا بخبره إلى الواثق. فأمّروا عليهم عيسى بن سابق. فورد الكتاب بحمله مستوثقاً منه، فحمل. وكان محمد بن عبد الملك الزيات يميل إليه، وابن أبي دؤاد يميل إلى رجاء بن أي الضحاك. فلما أحضر علي بن إسحاق، قال الواثق لابن أبي دؤاد: ما ترى في أمره؟ فغلّظ أمره، وقال: أقدم على قتل رجل بغير حق، ومن عمال السلطان، وما يجب عليه إلا أن يقاد به.

وكان محمد بن عبد الملك الزيات قد أشار على أبيه إسحاق بن يحيى بأن يقول له: أن يظهر الجنون. فلما أمر الواثق بقتله قال له محمد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، إنه مجنون، فتعرف ذلك، فوجد كما قال، فقال لابن أبي دؤاد: ماذا ترى؟ فقال: إن كان مجنوناً يا أمير المؤمنين، فما عليه القتل، فأمر بحبسه، فأقام على ذلك سنتين يقذف من يكلمه، ويحدث في موضعه ويتلطخ به. فقال محمد بن عبد الملك يوماً لأحمد بن مدبر: يا أحمد امض إليه فتعرف خبره. فجاءه وفي وجهه شباك قد عمل له بسبب ما كان يفعله، فقال له: أي شيء خبرك؟ فقال له: وأي شيء تريد مني يا بن الفاعلة؟ فقال له: ليس عرضك كفواً لعرضي فأشتمك، ولكن حبسك أن حلّ بك القتل فتخلصت منه بالجنون والإحداث، ويصير في فيك ولحيتك، فترمي الناس به. فلم يزل في الحبس أيام الواثق، فلما مات الواثق أطلق، فصارت به لوثة من السوداء، فلقي يوماً الحسن بن رجاء، وكان رجاء وابنه أصدقاء أبيه إسحاق بن يحيى بن معاذ، فسأله أن يقرضه مئة ألف درهم، فقال له الحسن: ويلك! ما أصفق وجهك! تقتل أبي بالأمس، وتستقرض مني اليوم مئة ألف درهم؟! فقال له: وأي شيء يكون؟ اقتل أنت أبي وخذ مني مئة ألف درهم! فعجب الحسن منه، ووجّه إليه بما سأل. ولما قتل رجاء بن الضحاك رثاه الحسن ابنه بقوله: من مخلع البسيط أليس من معجب القضاء ... وثوب أرض على سماء هدّ بمثل الحصاة طودٌ ... ضاقت به فسحة الفضاء واستعذب السيف يوم ولّى ... منه دماً ليس كالدماء وانقطع اليوم من رجاءٍ ... رجاء من كان ذا رجاء أجابه علي بن إسحاق بقوله: من مخلع البسيط هينا جميعاً على سواء ... في مجلس الحكم والقضاء

علي بن إسماعيل أبو الوزير الصوفي

من كان منا يكون أرضاً ... وأيّنا كان كالسماء وأي راجٍ رجا رجاءً ... ففاز بالغنم في الرجاء أمّا دم العلج يوم ولّى ... فكان من أهون الدماء علي بن إسماعيل أبو الوزير الصوفي كان بساحل دمشق. قال أبو الوزير: سمعت محمد بن إسماعيل بن علي يقول عن أبيه: إنه قيل له: ما ألذ الأشياء؟ قال: ممازحة محبوب، ومحادثة إخوان في الله تعالى، وآمال تقطع بها زمانك، وما من لذة إلا والإفضال على الإخوان ألذّ منها. سئل أبو الوزير الصوفي في جامع طرابلس عن قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " الخلق عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ". فقال: هذا مخصوص، وعيال الله خاصته. قيل: وكيف؟ قال: لأن الناس أربعة أقسام: تجارة ونجارة وصناعة وزراعة، فمن لم يكن من هذه الأقسام فهو من عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لهؤلاء. علي بن أسيد بن أحيحة بن خلف ابن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي أبو ريحانة القرشي الجمحي المكي قدم على عبد الملك بن مروان. حدث أبو ريحانة وكان من أصحاب معاوية قال: قال معاوية لان عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: بدابّةٍ تكون في البحر من

علي بن الأقمر بن عمرو بن الحارث

أعظم دوابه يقال لها: القرش، لا تمرّ بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال: فتنشد في ذلك شيئاً؟ فأنشده شعر الجمحي إذ يقول: من الخفيف وقريشٌ هي التي تسكن البح ... ر بها سمّيت قريشٌ قريشا تأكل الغثّ والسمين ولا تت ... رك فيه لذي الجناحين ريشا هكذا في البلاد حيّ قريشٍ ... يأكلون البلاد أكلاً كميشا ولهم آخر الزمان نبيٌّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا قال أبو ريحانة: وقف ابن عمر يوم عرفة مع الحجاج، ووقفنا مع ابن عمر، قال أبو ريحانة: فدخلت المسجد الحرام مع ابن عمر فسمع غلاماً يقول لنا: أين الحواريّ؟ فقال: كذبت، إن لم يكن ابن الزبير. علي بن الأقمر بن عمرو بن الحارث ابن معاوية بن عمرو بن الحارث بن ربيعة بن عبد الله بن وداعة الهمذاني ثم الوداعي الكوفي أخو كلثوم بن الأقمر قيل: إنه وفد على معاوية بن أبي سفيان. وقيل: إنه لم يدرك معاوية. حدث عن أبي جحيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما أنا فلا آكل متكئاً ".

علي بن بحر بن بري

وحدث عنه قال: مرّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم على رجل سادل ثوبه في الصلاة فعطفه عليه. كان علي بن الأقمر ثقة صدوقاً. علي بن بحر بن برّي أبو الحسن القطان البغدادي الفارسي سمع بدمشق. حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ". والبرّي بباء موحدة وراء مشددة. وقال في موضع آخر: وراء مهملة، ولم يقل: مشددة. من الطويل ومن شعر علي بن بحر: يقولون مخلوقٌ كلام إلهنا ... وذلك مهجورٌ من القول منكر أيخلق ربّي منه شيئاً فخلقه ... يبيد ويفنى ثم يحيا فينشر فما قال هذا القول أحبار من مضى ... ولا عالمٌ عنه الرواية تؤثر فإن كان هذا منزلاً في كتابنا ... أجبنا سراعاً لا نصدّ فنكفر وإن كان من قول النّبي محمدٍ ... أجبنا، وقلنا: سنّةٌ لا تؤخّر وإلاّ فما بال التّقحّم هكذا ... على غير شيء يستبان ويبصر وكان علي بن بحر ثقة. توفي علي بن بحر البري سنة أربع وثلاثين ومئتين بالبصرة، وقيل: ببابسير من ناحية الأهواز.

علي بن بذيمة أبو عبد الله

علي بن بذيمة أبو عبد الله مولى جابر بن سمرة السّوائي أصله من الكوفة، ثم نزل حرّان، ووفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن قيس بن حبتر، قال: سألت ابن عباس عن الجر الأخضر والأبيض والأحمر، فقال: أول من سأل النّبي صلّى الله عليه وسلّم وفد عبد قيس، فقالوا: إنا نصيب من الثّفل، فأي الأسقية؟ قال: " لا تشربوا في الدّبّاء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجر واشربوا في الأسقية ". وحدث عنه قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله حرّم عليّ، أو حرّم الخمر والمسكر والكوبة ". قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال: الطبل. وحدث عنه قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كلم مسكر حرام ". قال: هذا حديث واحد قسم ثلاثة أحاديث. وحدث علي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أصبت من امرأتي وهي حائض، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعتق نسمة.

علي بن بركات بن إبراهيم بن علي

وحدث مولى لابن عباس قال: تمتعت فنسيت أن أذبح هدياً لمتعتي حتى مضت أيام الذبح، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: عليك من قابلٍ ديان: هدي لمتعتك، وهدي لما أخرت. وحدث علي بن بذيمة عن سعيد بن جبير قال: سألني الحارث بن أبي ربيعة: ما تقول في هذا، وهو يطوف بالبيت؟ قلت: ماله؟ قال: قدم الآن وقد فاته الحج، قلت: يحل بعمرة، وعليه الحج من قابل، هكذا قال عمر بن الخطاب. ذكر أبو إسرائيل عرم بن عبد العزيز، فقال: حدثني علي بن بذيمة قال: رأيته بالمدينة وهو أحسن الناس لباساً وأطيب الناس ريحاً، وهو أخيل الناس في مشيته، ثم رأيته بعد ذلك يمشي مشية الرهبان، فمن حدثك أن المشية سجية بعد عمر فلا تصدقه. مات علي بن بذيمة بحران سنة ست وثلاثين ومئة. وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئة. قيل: هو مولى جابر بن سمرة نفسه، وقيل: أبوه بذيمة، قال: وهو الصواب. وكان علي بن بذيمة ثقة، وكان شيعياً، وكان ينال من عثمان رضي الله عنه. علي بن بركات بن إبراهيم بن علي ابن محمد بن أحمد بن العباس بن هاشم أبو الحسن بن الخشوعي، عم إبراهيم بن طاهر كان حمالاً في فندق للطعام، ولم يكن الحديث من شأنه. وحكي عنه أنه كان يدخل الحمام يغير مئزر.

علي بن بشرى بن عبد الله

حدث عن أبي الحسين محمد بن مكي المصري بسنده عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن النظر في النجوم. توفي سنة عشر وخمس مئة. علي بن بشرى بن عبد الله أبو الحسن العطار الإمام في مسجد ابن أبي الحديد. حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي، بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في بغض مغازيه امرأة مقتولة، فكره ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان. وحدث عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن حمدان بمخالويه بسنده إلى أبي هريرة قال: المساجد سوق من أسواق الآخرة فقراها المغفرة وتحفها الرحمة. وكان ابن بشرى ثقة مأموناً. وتوفي سنة أربع عشرة وأربع مئة. علي بن بشر بن علي أبو الحسن القزويني الصوفي من ساني نيسابور، ورحل وسمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده إلى محمد بن سلام قال: جاء رجل إلى عمرو بن عبيد فقال له: إن الأسواري لم يزل يذكرك أمس في قصصه، ويقول: عمرو بن عبيد الضال، عمرو بن عبيد المبتدع؛ فقال عمرو بن عبيد: يا هذا، ما رعيت مجالسة الرجل، حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدّيت حقي حين أبلغتني عن أخي ما أكره، أبلغه أن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا.

علي بن بكار بن بلال العاملي

وحدث علي بن بشر عن أبي عبد الله محمد بن الحسن القنديلي الإستراباذي بسنده إلى بن عباس قال: قرابة الرحم تقطع، ومنة النعم تكفر، ولم ير مثل تقارب القلوب، يقول الله عز وجل: " لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ". وذلك موجود في الشعر: من الطويل إذا متّ ذو القربى إليك برحمه ... فغشّك واستغنى فليس بذي رحم ولكنّ ذا القربى الذي إن دعوته ... أجاب، ومن يرمي العدوّ الذي ترمي ومن ذلك قول القائل: من الكامل ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم ... وبلوت ما وصلوا من الأسباب فإذا القرابة لا تقرّب قاطعاً ... وإذا المودة أقرب الأنساب علي بن بكار بن بلال العاملي قاضي دمشق. حدث عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " الملك في قريش لهم عليكم حق، ولكم عليهم ما حكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". قيل: إن بكاراً لم يعرف له ابن اسمه علي وإنما يعرف له ابنان: محمد بن بكار وجامع بن بكار. وقد وقع هذا الحديث بعينه من رواية محمد بن بكار، وزاد فيه بعد قوله: " ما حكموا فعدلوا: واسترحموا فرحموا ".

علي بن بكار بن أحمد بن بكار

علي بن بكار بن أحمد بن بكار أبو الحسن الصوري الشاهد سمع بدمشق. حدث بصور عن أبي شجاع فاتك بن عبد الله الصوري مولى بني مزاحم بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عن جبريل عن ربه عز وجل قال: " من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ". فذكر الحديث. توفي سنة تسع وخمسين وأربع مئة. علي بن بندار بن الحسين أبو الحسن الصوفي المعروف بالصيرفي النيسابوري قدم دمشق. حدث عن إبراهيم بن يوسف بن خالد الهسنجاني بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم لا يشبع منه، ومنهوم في الدنيا لا يشبع منها ". وحدث عن إبراهيم بن نصر بن عنبر الضبي بسنده إلى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تعلّموا العلم لثلاث، من فعل ذلك دخل النار: لتباهوا العلماء، وتماروا به السفهاء، ولتصرفوا وجوه الناس إليكم ". كان أبو الحسن بن الصيرفي من الثقات في الرواية. وتوفي سنة سبع وخمسين وثلاث مئة وقيل: سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.

علي بن جعفر بن عبد الله

وكان جليل القدر، حسن الخلق، من جلة مشايخ نيسابور، ورزق من رؤية المشايخ وصحبتهم ما لم يرزق غيره، وبقيت بركته في عقبه وولده بعده. وأبو القاسم ابنه واحد وقته في طريقته، قال ابن أبو القاسم: قال لي يوماً وفي كمي كتاب: ما هذا الحبر؟ قلت: كتاب المعرفة، قال: ألم تكن المعرفة في القلوب؟ صارت في الكتب؟. وقال ابنه أبو القاسم: كنت أريد أن أخرج إلى النزهة فقلت له: فقال: من عدم النزهة من قلبه لا تزيده النزهة إلا وحشةً. وقال أبو القاسم: سمعت أبي يقول: يا بني إياك والخلاف على الخلق فمن رضي الله به عبداً، فارض به أخاً. علي بن جعفر بن عبد الله ويقال: ابن جعفر بن محمد أبو الحسن الرازي نزيل الرملة، سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن محمد بن الحسين بن قتيبة بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا نام العبد في سجوده باهى الله به ملائكته، قال: انظروا إلى عبدي، روحه عندي، وجسده في طاعتي ". وحدث عن أبي القاسم عامر بن خرتم الدمشقي بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: من خير الناس؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنفع الناس للناس، ومن الأعمال الصالحة سرور تدخله على مؤمن: تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أعين أخي المسلم على حاجته حتى أثبتها له أحبّ إلي من أن أعتكف شهري في المسجد الحرام، ومن أعان أخاه المسلم على حاجته حتى يثبتها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام، ومن كظم غيظه ملأ الله قلبه نوراً يوم القيامة، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ".

علي بن حجر بن إياس

وحدث عن محمد بن الحسين بن قتيبة بسنده إلى عائشة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " قال الله جلّ ثناؤه: " عبادي يلبسون لباس المسوّدة، وقلوبهم أمر من الصبر، ألسنتهم أحلى من العسل، يغرّون الناس بدينهم، أبي يغترون؟! أم عليّ يجترئون؟ فبي أقسم لألبسنّهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران " ". علي بن حجر بن إياس أبو الحسن السعدي المروزي من علماء أهل خراسان، قدم دمشق، وسمع بها. حدث عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: صليتم العصر؟ قلنا له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تلك صلاة المنافقين، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ". قال علي بن حجر: ولدت سنة أربع وخمسين ومئة. ومات سنة أربع وأربعين ومئتين. وكان علي بن حجر ثقة مأموناً حافظاً. وجه بعض مشايخ مرو إلى علي بن حجر بشيء من السكر والأرز وثوب، فردّ عليه وقال هذه القصيدة: من الخفيف جاءني عنك مرسلٌ بكلام ... فيه بعض الإيحاش والإحشام فتعجّبت ثم قلت: تعالى ... ربّنا، ذا من الأمور العظام خاب سعيي إن شريت خلاقي ... بعد تسعين حجّةً بحطام

أنا بالصبر واحتمالٍ لإخوا ... ني أرجّي حلول دار السلام والذي سمتنيه يزري بمثلي ... عند أهل العقول والأحلام نظر علي بن حجر إلى لحية أبي الدرداء، وهو طويل اللحية، فقال: من البسيط ليس بطول اللّحى ... يستوجبون القضا إن كان هذا كذا ... فالتّيس عدلٌ رضا قال: ومكتوب في التوراة: لا يغرنك طول اللحى فإن التيس له لحية. أنشد أبو عبد الرحمن الأودي لعلي بن حجر: من الرجز لتتركنّ قصرك المبنيّا ... وكرمك المعرّش المسقيّا والحوض والبستان والرّكيّا ... والمجلس المنجّد البهيّا والمسجد المشرّف العليّا ... والباب والوصيد والنّديّا والراتع العتيق والشّهريّا ... والأقمر المفلّس المصديّا والتّبر والأوراق والحليّا ... لوارثٍ عهدته عصيّا يأكله أكلاً له هنيّا ... ثم تزور جدثاً قصيّا في ملحدٍ تلقى به منسيّا ... حيث تساوي عنده الأبيّا قضاء ربٍّ لم يزل حفيّا ... يعلم منك الجهر والخفيّا وكان وعد ربنا مأتيّا توفي علي بن حجر سنة أربع وأربعين ومئتين. قال أحمد بن المبارك: سمعت علي بن حجر، وكلمه رجل في شيء فقال: من الوافر

علي بن الحريش

زمانك ذا زمان دخول بيت ... وحفظٍ للّسان وخفض صوت فقد مرجت عهود الناس إلا ... أقلهم فبادر قبل فوت فما يبقى على الأيام شيءٌ ... وما خلق امرؤ إلا لموت علي بن الحريش قال علي بن الحريش: أمر أبو العميطر بإنفاء رجل، وقال: تخرج عن عملي، فقال الرجل: الدنيا كلها لك يا أمير المؤمنين، فإلى أين تخرجني؟ قال: صدق، خلوا سبيله. علي بن أبي الحرّ قال علي بن أبي الحرّ: قال الأوزاعي: خرجت حاجاً فدخلت مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم بليل، فأتيت مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فإذا شاب بين القبر والمنبر يتهجد فيه، فلما طلع الفجر استلقى على ظهره، ثم قال: من الرجز عند الصباح يحمد القوم السّرى فقلت: يا بن أخ، لك ولأصحابك لا للجمّالين.

علي بن الحسن بن إبراهيم

علي بن الحسن بن إبراهيم ابن سعد بن دينار بن عطاء بن سعد أبو طالب التميمي الحلبي ثم الحمصي التاجر المعروف بالقفيل حدث عن أبي علي الحسين بن محمد السكوني بن وجه الفاقعة بسنده عن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أجاز شهادة أعرابي في رؤية الهلال لصوم شهر رمضان. علي بن الحسن بن إبراهيم ابن محمد بن حسان بن عمار بن جحاف أبو الحسن العنسي الصوفي الوكيل الفقير الدمشقي حدث في سنة خمس وعشرين وأربع مئة عن القاضي أبي الحسن محمد بن عبد الكريم بن سليمان الجوهري المصيصي بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الدباء والحنتم والنقير. وأنشد بسنده إلى منصور الفقيه لنفسه: من البسيط حال العيادة يومٌ بين يومين ... وجلسةٌ كممرّ الميل في العين لا تسألنّ عليلاً عن شكايته ... يكفيك ما تنظر العينان في العين توفي أبو الحسن العنسي الدمشقي الوكيل سنة ست وثلاثين وأربع مئة.

علي بن الحسن بن بندار بن محمد بن المثنى

علي بن الحسن بن بندار بن محمد بن المثنى أبو الحسن التميمي العنبري الإستراباذي شيخ أهل التصوف بجرجان، رحل وطوّف. حدث عن أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الجارود الرقي الحافظ بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا تصعد لهم إلى الله حسنة: السكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها، والعبد الآبق حتى يرجع فيضع يده في يد مواليه ". قال أبو الحسن بن بندار بسنده: قال رجل من الجهلة لبعض المتصوفة: أين هو؟ قال: لعنك الله: أتطلب مع العين الأثر؟ هو أجل من أن يخفى، وأعز من أن يرى. علي بن الحسن بن جعفر أبو الحسين البغدادي البزاز المعروف بابن كرنيب وبابن العطار من أهل الخرم من ناحية الرصافة من شرقي بغداد، سمع بدمشق. حدث بالمخرم عن أبي جعفر محمد بن الحسين بن جعفر الخثعمي بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن.

علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي

وكان أبو الحسين يقول: ولدت في سنة ثمان وتسعين ومئتين، وسمعت الحديث سنة ست وثلاث مئة. وتوفي أبو الحسين سنة ست وسبعين وثلاث مئة. علي بن الحسن بن حبيب الدمشقي حدث بسنده إلى الشافعي قال: كان لي صديق يقال له حصين، وكان يبرني ويصلني، فولاه أمير المؤمنين السّيبين قال: فكتبت إليه: من الكامل خذها إليك فإن ودّك طالقٌ ... مني وليس طلاق ذات البين فإن ارعويت فإنها تطليقةٌ ... ويدوم ودّك لي على ثنتين وإن التويت شفعتها بمثالها ... وتكون تطليقين في حيضين وإذا الثلاث أتتك مني طائعاً ... لم تغن عنك ولاية السّيبين لم أرض أن أهجو حصيناً وحده ... حتى أسوّد وجه كل حصين علي بن الحسن بن الحسين ابن علي بن عبد الله بن العباس بنعلي أبو الحسن بن أبي علي السلمي الموازيني حدث عن سنة خمس وخمس مئة عن أبي الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرابض الغنم.

علي بن الحسن بن رجاء بن ظعان

ولد أبو الحسن الموازيني سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وقيل: سنة ثلاثين وأربع مئة، وتوفي سنة أربع عشرة وخمس مئة. علي بن الحسن بن رجاء بن ظعان أبو القاسم المحتسب حدث عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمارة بسنده عن أنس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثيراً ما يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "، قال: فقلنا: يا رسول الله، وقد آمنّا بك وصدقناك بما جئت به، أتخاف علينا؟ قال: " نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها ". وأنشد علي بن الحسن بدمشق قال: أنشدني أبو علي محمد بن هارون بن شعيب لسمنون: من الكامل أمسي بخدّي للدموع رسوم ... أسفاً عليك، وفي الفؤاد كلوم والصبر يحسن في المصائب كلّها ... إلا عليك فإنه مذموم مات أبو القاسم المحتسب في سنة ست وسبعين وثلاث مئة. علي بن الحسن بن طاوس بن سكر أبو الحسن العاقولي المقرئ المعروف بتاج القراء سكن دمشق وسمع بها وبغيرها. حدث عن أبي القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بسنده إلى جرير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "

علي بن الحسن بن عبد السلام

لا يصدر المصدق، إذا جاءكم المصدق فلا يصدر إلا وهو عنكم راض ". كان أبو الحسن فكهاً حسن المحادثة، وكتب شيئاً كثيراً. وتوفي سنة أربع وثمانين وأربع مئة. وقيل: سنة ثلاث وثمانين، وذكرت أنه كان بلغ السبعين أو نيف عليها. قال أبو الفرح غيث بن علي: رأيت ليلة يوم السبت الحادي والعشري من رمضان سنة أربع وثمانين جمال القراء هذا رحمه الله في المنام وحاله وزيّه صالح. فسألته عن حاله فذكر خيراً، فقلت: أليس قد متّ؟ قال: بلى، قلت: فكيف رأيت الموت؟ قال: حسن أو جيد، وهو مستبشر، قلت: غفر لك ودخلت الجنة؟ قال: نعم. قلت: فأي الأعمال أنفع؟ قال: ما ثمّ شيء أنفع من الاستغفار، أكثر منه. علي بن الحسن بن عبد السلام ابن عبد العزيز بن المظفر بن أبي الحزوّر أبو الحسن الأزدي حدث سنة سبع وثمانين وأربع مئة عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي بسنده إلى ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ما شاء الله وشئت فقال: " جعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده ". ولد أبو الحسن الأزدي سنة أربع وعشرين وأربع مئة، وتوفي سنة تسع وتسعين وأربع مئة. وقيل: إنه كان يقرأ على القبور.

علي بن الحسن بن عبد المؤمن بن يحيى بن زيد

علي بن الحسن بن عبد المؤمن بن يحيى بن زيد أبو الحسن الخولاني القزاز المكفوف حدث عن محمد بن سليمان المنقري بسنده إلى بهز حكيم عن أبيه عن جده قال: قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أترعوون عن ذكر الفاسق؟! اذكروه بما فيه يحذره الناس ". وحدث عنه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوماً: " طوبى للغرباء "، قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: " أناس صالحون قليل في ناس كثير، من يبغضهم أكثر ممن يحبهم، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ". توفي أبو الحسن الخولاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة. علي بن الحسن بن علي بن ميمون بن بكر بن قيصر أبو الحسن الربعي المعروف بابن أبي زروان حدث عن أي العباس أحمد بن عتبة بن مكين بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال: لا إله إلا الله كتب له عشرون حسنة، ومن قال: الله أكبر كتب له عشرون حسنة، ومن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة، ومن قال: الحمد لله كتب له: ثلاثون حسنة ". وعن أبي علي الحسن بن عبد الله بن سعيد بن عبيد الله الكندي الحمصي بسنده إلى أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن في الجنة سوقاً فيها كثبان المسك، يأتونها كل جمعة، فتهب الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ".

علي بن الحسن بن علي بن أبي الفضل

توفي أبو الحسن الربعي سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وذكر أن مولده سنة ثلاث وستين وثلاث مئة. وكان ثقة مأموناً، صاحب أصول حسنة. علي بن الحسن بن علي بن أبي الفضل أبو الحسن بن الكفرطابي حدث بدمشق سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أول ما يجازى به المؤمن أن يغفر لجميع من اتبع جنازته ". توفي أبوالحسن الكفرطابي سنة ست وخمسين وأربع مئة. علي بن الحسن بن علي بن سعيد بن محمد بن سعيد أبو الحسن بن أبي علي العطار كان أبوه مقدم الشهود بدمشق، وسمّعه الحديث الكثير، وكان أبوه مثرياً، فاشترى له جارية مغنية، فتعلم منها الغناء، ثم افتقر، فكان يغني في مجالس الشرب، ويشرب الخمر، إلى أن كبر وضعف، وساءت حاله، ثم رغب في التوبة فتاب، وترك الغناء مدة. حدث عن أبي القاسم السميساطي بسنده إلى سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى أن تباع الرطب بالتمر. ولد أبو الحسن سنة خمس وأربعين. وتوفي سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة. علي بن الحسن بن علي بن عبد الواحد ابن موحد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة أبو الحسن السلمي المعروف بابن البري حدث عن عمه أبي المفضل عبد الواحد بن علي بن عبد الواحد بن البري بسنده إلى أبي هريرة أن

علي بن الحسن بن عمر

خفف على داود القرآن، فكان يأمر بداوبه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه. توفي سنة خمس وثلاثين وخمس مئة. علي بن الحسن بن عمر أبو الحسن القرشي الزهري المعروف بالثمانيني سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي بكر محمد بن علي بن محمد النيسابوري بسنده إلى ابن عباس، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اليوم الرهان، وغداً السباق، والغاية الجنة، والهالك من دخل النار، وأنا الأول وأبو بكر المصلي وعمر الثالث، والناس بعدنا علّ، والأول فالأول ". توفي أبو الحسن الثمانيني القرشي بصور في سنة تسع وخمسين وأربع مئة. وكان رجلاً صالحاً. علي بن الحسن بن علان بن عبد الرحمن أبو الحسن الحراني الحافظ قدم دمشق، وصنف تاريخ الجزيرة. حدث عن محمد بن علي بن الحسن بن حرب بسنده إلى عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يوتر بخمس ركعات، لا يفصل في شيء منهم إلا الخامسة. توفي أبو الحسن الحراني سنة خمس وخمسين وثلاث مئة. وكان ثقة حافظاً نبيلاً.

علي بن الحسن بن القاسم

علي بن الحسن بن القاسم ابن عبد الله بن محمد بن الحسن بن المترفق أبو الحسن البغدادي الطرسوسي الصوفي حدث بدمشق ومصر. روى عن أبي أحمد بن عبد الله بن عبد الله الحافظ بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن العبد ليتصدق بمثل الثمرة، ولا يقبل الله ذلك إلا طيباً، فيجعلها في يمينه، وكلتا يديه يمين فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى إنها تكون في يد الله كالجبل العظيم ". وحدث عن أبي الفضل العباس بن أحمد الخواتيمي بسنده إلى أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعليّاً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبداً عبد الله عز وجل بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام ولم يدرك محبتنا لأكبّه الله على منخريه في النار "، ثم تلا: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ". توفي أبو الحسن بن المترفق سنة سبع وأربع مئة. وكان يلقب الهكوك، وكان يتظاهر بالتصوف.

علي بن الحسن بن محمد

علي بن الحسن بن محمد أبو الحسن الصقلي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن ياسين بن عبد الصمد بن عبد العزيز أبي عتاب الدمشقي بسنده إلى أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر الجنة فقال: " ألا مشمّر لها؟ هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، ونهر مطرد، وزوجة حسناء جميلة في حبرة ونعمة في إقامة أبداً ". علي بن الحسن بن محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن جميع أبو الحسن الغساني الصيداوي حدث بصيدا عن أبيه بسنده إلى أبي أرلكه قال: سأل رجل عبد الله بن عمرو: ممّ خلق الخلق؟ قال: من النور والظلمة والماء والثرى، فقال: أئت ابن عباس فاسأله، فأتاه فسأله فقال له مثل ذلك، فقال: ارجع إليه فاسأله: مم خلق ذلك كله؟ فرجع إليه فسأله، فتلا: " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ". استغرب يحيى بن معين هذا الحديث جداً. وحدث أبو الحسن الغساني عن أبيه بسنده إلى الأوزاعي قال: أردت بيت المقدس، فرافقت يهودياً، فلما صرنا إلى طبرية، نزل فاستخرج

علي بن الحسن بن المبارك

ضفدعاً، فشد في عنقه خيطاً، فصار خنزيراً، فقال: حتى أذهب أبيعه من هؤلاء النصارى. فذهب فباعه، وجاء بطعام، فركبنا، فما سرنا غير بعيد حتى جاء القوم في الطلب، فقال: أحسبه صار في أيديهم ضفدعاً. قال: فحانت مني التفاتة فإذا بدنه ناحية، ورأسه ناحية، قال: فوقفت، وجاء القوم، فلما نظروا إليه فزعوا من السلطان ورجعوا عنه. قال: يقول لي الرأس: رجعوا؟ قال: قلت: نعم. قال: فالتأم الرأس إلى البدن وركب، وركبنا، قال: فقلت: لا رافقتك أبداً، اذهب عني. قتل أبو الحسن في وادي الحريق بعد سنة خمسين وأربع مئة. ووادي الحريق من أعمال صيدا. علي بن الحسن بن المبارك السوسي الأنطاكي البزاز سمع بدمشق وبحمص. حدث عن محمود بن خالد الدمشقي بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على طفل، وأرعاه على زوج في ذات يد ". علي بن الحسن بن ياسين بن جبير البغدادي سمع بدمشق. حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ".

علي بن الحسن بن يعقوب

علي بن الحسن بن يعقوب أبو الحسن النهرواني المتعبد سكن دمشق. حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم بن مهدي البلوطي بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم ربه عز وجل قال: " أي الأعمال أفضل؟ " قال: " ليس شيء أفضل عند من التوكل والرضا بما قسمت لهم ". علي بن الحسن الرازي الميسنجاني أخو عبد الله بن الحسن حدث عن إسحاق بن إبراهيم بن محمد الجرجاني بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، فإن عادت فليجلدها، ثم إن عادت فليبعها ولو بضقير ". وحدث بسنده عن سعيد بن عبد الملك بسنده إلى ابن عمر: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم توضأ مرّة مرّة. وحدث عن أخيه عبد الله بسنده إلى الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه، أوصني واجتهد لي. فقال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: يا بني، إنك لم تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله عز وجل حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه، وكيف لي أن أعلم ما خير القدر من شره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، فإن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن أول

علي بن الحسن أبو الحسن الصيرفي

ما خلق الله عز وجل القلم قال له: اكتب، فجر من تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة "، يا بني، إن متّ ولست على ذلك دخلت النار. توفي علي بن الحسن سنة خمس وسبعين ومئتين. علي بن الحسن أبو الحسن الصيرفي الزاهد البغدادي سكن بيت المقدس، وطوّف الشام. كان رجلاً متزهداً متعبداً، وكان يتكلم على الناس بعد صلاة العصر في مسجد بيت المقدس، في محراب معاوية، فقال له بعض الشيوخ: يستند الشيخ؟ فقال: ما حولت وجهي عن القبلة إلا وقعت عيني على ما أكره. وما رئي قط إلا متوجهاً إلى القبلة. توفي رحمه الله وهو في صلاة الوتر، قرأ: " قل هو الله أحد "، فلما قال: " ولم يكن له كفواً أحد " فاظت نفسه. علي بن الحسين بن أحمد بن محمد ابن السّفر بن محمد بن سعيد بن ربيعة بن الغار أبو القاسم الحرشي البزار حدث عن بكار بن قتيبة بسنده إلى جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسّن كفنه ". والسّفر: بفتح السين وسكون الفاء. توفي ابن السفر سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة.

علي بن الحسين بن أحمد

علي بن الحسين بن أحمد أبو نصر بن أبي حفص الوراق المعروف بابن أبي سلمة الصيداوي المعدّل حدث عن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بسنده إلى أنس قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والحلاق يحلقه، وقد اجتمع أصحابه، فما تسقط من شعرةٍ إلا بيد رجلٍ. علي بن الحسين بن أحمد بن محمد ابن الحسين أبو الحسن التغلبي المعروف بابن صصرى حدث عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن أبي كامل الأطرابلسي بسنده إلى سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول اله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا توضأت فانثر، وإذا استجمرت فأوتر، والأذنان ومن الرأس ". هكذا رواه خيثمة، وقوله: " والأذنان من الرأس " ليس من الحديث المرفوع. توفي علي بن الحسين بن صصرى سنة سبع وستين وأربع مئة. وكان ثقة. علي بن الحسين بن بندار بن عبيد الله بن خير أبو الحسن القاضي الأذنيّ سمع بدمشق وبغيرها. حدث أبو الحسن قاضي أذنة بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تسحّروا فإن في السحور بركة ". توفي قاضي أذنة سنة خمس وثمانين.

علي بن الحسين بن ثابت بن جميل

علي بن الحسين بن ثابت بن جميل أبو الحين الجهني الزّري الإمام من أهل زرّا التي تدعى اليوم زرع من حوران. حدث عن هشام بن خالد الأزرق القرشي بسنده إلى أبي الدرداء، قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه، فلما انصرف من صلاته، قالوا: يا رسول الله، تصلي في ثوب واحد؟ قال: " نعم، أصلي فيه وفيه ". أي فيه جامعت. وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في فيه ماءً، ثم ليستنثر ". وقد قيل في نسبه: الزوزيّ. علي بن الحسين بن الجنيد أبو الحسن النخعي الرازي المالكي عرف بذلك لجمعه حديث مالك. سمع بدمشق. حدث عن المعافى بن سليمان بسنده إلى عبد الله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الأحزاب فقال: " اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم ".

علي بن الحسين بن صدقة

وحدث عن صفوان بن صالح بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد إن شاء الله أن أختبئ دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة ". توفي علي بن الحسين بن الجنيد بالري سنة إحدى وتسعين ومئتين. وكان صدوقاً ثقة من حفاظ الحديث، وكان من خيار الناس. علي بن الحسين بن صدقة أبو الحسن بن الشرابي المعدّل حدث عن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليدالسلمي بسنده إلى أبي ذر قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله ". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: " أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً ". قلت: فإن لم أفعل؟ قال: " تعين صانعاً أو تصنع لأخرق ". قلت: فإن ضعفت عن ذلك؟ قال: " تدع الناس من الشر، فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك ". وحدث عنه أيضاً بسنده إلى محمد بن علي المصري: من الخفيف افعل الخير ما استطعت وإن كا ... ن قليلاً فلست مدرك كلّه ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقلّه توفي أبو الحسن سنة خمسين وأربع مئة.

علي بن الحسين بن عبد الرزاق

علي بن الحسين بن عبد الرزاق أبو الحسن الشعراني الدمشقي حدث بصيدا عن أبي الحسن رشا بن نظيف بن ما شاء الله بسنده إلى عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال إحدى عشرة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحداً صمداً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد كتب له ألفي ألف حسنة ". وحدث عن أبي الحسن علي بن محمد النيسابوري عن الأصمعي قال: دخلت في الطواف عند السحر، فإذا أنا بغلام شاب حسن الوجه، حسن القامة، عليه شملة، وله ذؤابتان، وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: من الطويل ألا أيها المأمول في كل ساعة ... شكوت إليك الضّرّ فارحم شكايتي ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي ... فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي فزادي قليلٌ ما أراه مبلّغي ... أللزّاد أبكي أم لبعد مسافتي أتيت بأعمالٍ قباحٍ رديّةٍ ... فما في الورى خلقٌ جنى كجنايتي أتحرقني بالنار يا غاية المنى ... فأين رجائي ثم أين مخافتي فقدمت إليه، وكشفت عن وجهه، فإذا به الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فقلت: يا سيدي مثلك من يقول هذه المقالة وأنت من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة؟! قال: هيهات! يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه وإن كان ولداً قرشياً، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ: " فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم " الآيتين.

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله زين العابدين عليهم الصلاة والسلام قدم دمشق بعد قتل أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، ومسجده المنسوب إليه فيها معروف. واستقدمه عبد الملك بن مروان في خلافته، يستشيره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة وطراز القراطيس. حدث عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: طرقني النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأنا مع فاطمة، فقال: " ألا تقومان فتصليان؟ " فقلت: إن أنفسنا بيد الله عزّ وجلّ، فإذا شاء أن ينبهنا نبّهنا، فضرب برجله الأرض فقال: " وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً ". ولد علي بن الحسين عليهما السلام سنة ثلاث وثلاثين، وأمه فتاه يقال لها سلامة، وقيل اسمها غزالة، وخلف عليها بعد حسين زبيد مولى الحسين، فولدت له عبد الله بن زبيد. وهو علي الأصغر، وأما علي الأكبر فإنه قتل مع أبيه علي بن أبي طالب بالطف. وأم علي الأكبر ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود. ولعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين، وهو علي الأصغر بن الحسين. قال محمد بن هلال: رأيت علي بن الحسين يعتم بعمامة بيضاء، فيرخي عمامته من وراء ظهره.

قال أبو المناهل نصر بن أوس الطائي: رأيت علي بن الحسين، وله شعر طويل، فقال: إلى من يذهب الناس؟ قال: قلت: يذهبون ههنا وههنا، قال: قل لهم يجيئون إليّ، وكان يعطيهم التمر. وحدث محمد بن القاسم الثقفي عن أبيه: أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب ثناياه ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، وطالما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلثم موضعه، فقال: إنك شيخ قد خرفت، فقام زيد يجرّ ثوبه. ثم عرضوا عليه، فأمر بضرب عنق علي بن الحسين، فقال له علي: إن كان بينك وبين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن، فقال: تؤديهن أنت، وكأنه استحيا، وصرف الله عن علي بن الحسين القتل. قال القاسم محمد: ما رأيت منظراً قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بن يديه وهو ينكته. قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين، وكان علي بن الحسين مع أبيه يوم قتل، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشري، وهو مريض، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض. ومن ولد علي بن الحسين زيد بن علي ين الحسين، وقتله يوسف بن عمر زمن هشام بن عبد الملك. قال علي بن الحسين: لما قال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض غنمني رجل منهم، وأكرم نزلي، واختصني، وجعل يبكي كلما دخل وخرج حتى قلت: إن يكن عند أحد خير فعند هذا، إلى أن نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به، فقد جعلنا فيه

ثلاث مئة درهم. فدخل عليّ وهو يبكي، وجعلي يربط يدي إلى عنقي، وهو يقول: أخاف. فأخرجني إليهم مربوطاً حتى دفعني إليهم فأخذ ثلاث مئة درهم وأنا أنظر. فأدخلت على ابن زياد، فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن حسين. قال: أولم يقتل الله علياً؟ قال: قلت: كان أخي أكبر مني يقال له علي، قتله الناس، قال: بل الله قتله، قلت: " الله يتوفّى الأنفس حين موتها " فأمر بقتله، فصاحت زينب بنت علي: يا زياد حسبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فتركه. فلما صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال: إن سباءهم لنا حلال، فقال علي بن حسين: كذبت، ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا. فأطرق يزيد ملياً، ثم قال لعلي بن حسين: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك فعلت، وإن أحببت وصلتك ورددتك إلى بلدك، قال: بل تردني إلى المدينة، فرده ووصله. قال نصر بن أوس: دخلت على علي بن حسين، فقال: من أنت؟ قلت: من طيّئ، قال: حيّاك الله، وحيّا قوماً اعتزيت إليهم، نعم الحي حيك. قال: قلت: من أنت؟ قال: أنا علي بن الحسين، قلت: أو لم تقتل مع أبيه؟ قال: لو قتل يا بني لم تره. وكان علي بن الحسين رجلاً له فضل في الدين، وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من علماء الناس، وكان إذا دخل في صلاته فقعد إليه إنسان لم يقبل عليه حتى يفرغ من صلاته على نحو ما يرى من طولها، وكان علي بن الحسين يأتيه فيجلس إليه، فيطول عبيد الله في صلاته، ولا يلتفت إليه، فقال له علي بن الحسين وهو ممن هو منه فقال: لابد لمن طلب هذا الأمر يعنى به.

وكان ابن شهاب يصحب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حتى إنه كان لينزع له الماء. قال هشام بن عروة: كان علي بن حسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها. وكان يجالس أسلم مولى عمر، فقال له رجل من قريش: تدع قريشاً وتجالس عبد بني عدي؟ فقال علي: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع. قال عبد الرحمن بن أردك: كان علي بن الحسين يدخل المسجد فيشق الناس، حتى يجلس مع زيد بن أسلم في حلقته، فقال له نافع بن جبير بن مطعم: غفر الله لك، أنت سيد الناس، تأتي تخطّى حتى تجلس مع هذا العبد؟ فقال علي بن الحسين: إن العلم يبتغى فيؤتى ويطلب من حيث كان. وعبد الرحمن بن أردك أخو علي بن الحسين لأمه. قال مسعود بن مالك: قال لي علي بن الحسين: تستطيع أن تجمع بيني وبين سعد بن جبير؟ قال: قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا. وقال مسعود بن مالك: قال علي بن حسين: ما فعل سعيد بن جبير؟ قال: قلت: صالح، قال: ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق. قال أبو الزبير: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليه الحسين بن علي، فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه، ثم قال: "

يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم هو ". قال رزين بن عبيد: كنت عند ابن عباس، فأتى علي بن الحسين، فقال ابن عباس: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب. قال الزهري: لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن حسين، قال: وكان من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن عبد الملك. قال ابن شهاب الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً في عدّةٍ وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فدخلت عليه، وهو في قبة، والأقياد في رجليه والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أوتظن هذا ممّا ترى عليّ وفي عنقي يكرثني؟ أما لو شئت ما كان، فإنه وإن بلغ فيك وفي أمثالك ليذكرني عذاب الله. ثم أخرج يديه من الغلّ، ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة. قال: فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يظنون أنه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعاً، إنه لنازل، ونحن حوله لا ننام نرصده، إذ أصبحنا، فما وجدنا بين محمليه إلا حديده.

قال الزهري: فقدمت بين ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته، فقال لي: إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان، فدخل عليّ فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به. وكان الزهري إذا ذكر عليّ بن الحسين يبكي، ويقول: زين العابدين. قال يحيى بن سعد: سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً. قال الأصمعي: لم يكن للحسين بن علي عقب إلا من ابنه علي بن الحسين، ولم يكن لعلي ولد إلا من أم عبد الله بنة الحسن، وهي ابنة عمه، فقال له مروان بن الحكم: أرى نسل أبيك قد انقطع، فلو اتخذت السراري، لعل الله أن يرزقك منهن، فقال: ما عندي ما أشتري به السراري، قال: أنا أقرضك، فأقرضه مئة ألف درهم، فاتخذ السراري، وولد له جماعة من الولد. ثم أوصى مروان لما حضرته الوفاة أن لا يؤخذ منه ذلك المال. قال الزهري: ما رأيت هاشمياً قط أفضل من علي بن حسين. وهو أبو الحسينيين كلهم. ويقال: إن قريشاً رغبت في أمهات الأولاد واتخذهن بعد زهادة فيهن، حيث ولد علي بن حسين، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر. قال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.

قال صالح بن حسان: قال رجل لسعيد بن المسيّب: ما رأيت أحداً أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحداً أورع منه. قال المقبري: بعث المختار إلى علي بن حسين بمئة ألف، فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فأخذها فاحتبسها عنده. فلما قتل المختار كتب علي بن الحسين إلى عبد الملك بن مروان: إن المختار بعث إليّ بمئة ألف درهم، فكرهت أن أردها، وكرهت أن آخذها، فهي عندي، فابعث من يقبضها. فكتب إليه عبد الملك: يا بن عم خذها فقد طيبتها لك، فقبلها. قال أبو نوح الأنصاري: قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا بن رسول الله، النار، يا بن رسول الله، النار. فما وقع رأسه حتى طفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الأخرى. كان علي بن الحسين إذا مشى لا يجاوز يديه فخذيه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قدام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ وقيل: إنه كان إذا توضأ اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ قال سفيان بن عيينة: حج علي بن الحسين، فلما حرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض، ودفع، غلته الرعدة، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك لا تلبي؟ فقال: أخشى أن أقول:

لبيك، فيقول لي: لا لبيك، فقيل له: لابدّ من هذا، فلما لبى غشي عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه. قال مالك بن أنس: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك اللهم لبيك قالها، فأغمي عليه حتى سقط من راحلته فهشم. قال: وبلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمى بالمدينة زين العابدين لعبادته. قال أبو جعفر: كان أبي علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فلما حضرته الوفاة بكى، قال: فقلت: يا أبه ما يبكيك؟ فوالله ما رأيت أحداً طلب الله طلبك، ما أقول هذا أنك أبي؛ فقال: يا بني إنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا كان لله عزّ وجلّ فيه المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه. قال طاووس: إني لفي الحجر ذات ليلة إذ دخل علي بن الحسين فقام يصلي، فقلت: رجل صالح من أهل بيت خير، لأصغين إلى دعائه الليلة، فسجد، فسمعته يقول: اللهم عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك. قال: فحفظتها، فوالله ما دعوتها في كرب إلا فرج عني. قال زيد بن أسلم: كان من دعاء علي بن الحسين يقول: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني. قال علي بن الحسين: لم أر للعبد مثل التقدم في الدعاء؛ فإنه ليس كلما نزلت بليّة يستجاب له عندها. وكان إذا خاف شيئاً اجتهد في الدعاء.

قال أبو حمزة الثّمالي: أتيت باب علي بن الحسين، فكرهت أن أصوت، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه، فردّ عليّ السلام، ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط له، فقال: يا أبا حمزة ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا بن رسول الله، قال: فإن اتكأت عليه يوماً وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه والثياب ينظر تجاه وجهي، ثم قال: ما لي أراك حزيناً كئيباً؟ أعلى الدنيا؟ فهو رزق حاضر، يأكل منه البرّ والفاجر، فقلت: ما عليها أحزن كما تقول، فقال: أعلى الآخرة؟ هو وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر. قلت: ما على هذا أحزن لأنه كما تقول؛ قال: فما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: أتخوف من فتنة ابن الزبير. قال: يا علي، هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا، ثم غاب عني. فيقول لي: يا علي هذا الخضر عليه السلام ناجاك. وعن أبي جعفر: أن أباه علي بن حسين قاسم الله ماله مرتين، وقال: إن الله يحب المذنب التواب. وعن أبي حمزة الثّمالي: أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في ظلمة الليل ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب. وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل. وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثراً، فسألوا عنه، فقالوا: هذا مما كان ينقل الجرب على ظهره إلى منازل الأرامل.

قال شيبة بن نعامة: كان علي بن حسين يبخّل، فلما مات وجدوه يعول مئة أهل بيت بالمدينة. وحدث ابن عائشة عن أبيه عن عمه قال: قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين. قال سعيد بن مرجانة: أعتق علي بن حسين غلاماً له أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار. قال عمرو بن دينار: دخل علي بن حسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: عليّ دين، قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، أو بضعة عشر ألف دينار، قال: فهي عليّ. وحدث الرضا عن أبيه عن جده قال: قال علي بن حسين: إني لأستحي من الله عزّ وجلّ أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل. وعن علي بن الحسين قال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم، لأن العلماء ورثة الأنبياء. وعن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال: لا تلوموني فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطاً من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً؟؟

وعن إبراهيم بن سعد قال: سمع علي بن الحسين واعية في بيته وعنده جماعة فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟ قال: نعم، فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب، ونحمده فيما نكره. وعن عبد الرازق قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ الصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عزّ وجلّ يقول: " والكاظمين الغيظ " فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: " والعافين عن النّاس " فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: " والله يحبّ المحسنين " قال: اذهبي فأنت حرة. دعا علي بن الحسين مملوكه مرتين فلم يجبه، ثم أجابه في الثالثة، فقال: يا بني أما سمعت صوتي؟ قال: بلى، قال: فما بالك لم تجبني؟ قال: أمنتك، قال: الحمد لله الذي جعل مملوكي فأمنني. قال الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن قال: كتاب الله وكلامه. وعن أبي حازم قال: ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين، وسمعت علي بن الحسين وهو يسأل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: منزلتهما منه الساعة. وفي رواية: كمنزلتهما منه اليوم، هما ضجيعاه.

قال محمد: جاء رجل إلى أبي يعني علي بن الحسين فقال: أخبرني عن أبي بكر، قال: عن الصّديق تسأل؟ قال: قلت: رحمك الله وتسميه الصديق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقاً من هو خير مني ومنك، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسمه صدّيقاً فلا صدّق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولّهما، فما كان من إثم ففي عنقي. قال علي بن الحسين: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إليّ فذكروا أبا بكر وعمر فمسّوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكاً، فقلت لهم: أخبروني: أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصّادقون "؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: وانتم من الذين قال الله فيهم: " والذي تبوّؤوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون "، قالوا: لسنا منهم، قال لهم: أما أنتم فقد تبرأتم من الفريقين أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم في الفرقة الثالثة الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوفٌ رحيمٌ ". قوموا عني لا قرّب الله دوركم، فإنكم متسترون بالإسلام، ولستم من أهله.

قل علي بن الحسين: جاءني رجل من أهل البصرة، فقال: جئتك في حاجة من البصرة، وما جئتك حاجّاً ولا معتمراً، قلت له: وما حاجتك؟ قال: جئت لأسألك: متى يبعث علي بن أبي طالب؟ قال: فقلت له: يبعث والله عليٌّ يوم القيامة، ثم تهمّه نفسه. قال عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب: جاء نفر إلى علي بن حسين، فأثنوا عليه، فقال: ما أكذبكم وأجرأكم على الله، لسنا كما تقولون لنا، ولكنا قوم من صالحي قومنا وكفانا، أو بحسبنا أن نكون من صالحيهم. وعن علي بن حسين قال: يا أهل العراق، أحبونا حبّ الإسلام، ولا تحبونا حبّ الأصنام، فما زال بنا حبّكم حتى صار علينا شيناً. وفي رواية: حتى صار سبّة. وفي رواية: حتى صار علينا عاراً، أو صار علينا عتباً. وفي رواية: مازال بنا ما تقولون حتى بغّضتمونا إلى الناس. قال الفضيل بن مرزوق: سألت عمر بن علي بن حسين بن علي عمي جعفر بن محمد، قال: قلت: هل فيكم إنسان من أهل البيت مفترضة طاعته تعرفون له ذلك؟ ومن لم يعرف له ذلك فمات مات ميتة جاهلية؟ فقال: لا والله ما هذا فينا، من قال: هذا فينا، فهو كذاب. قال: فقلت لعمر بن علي: رحمك الله، إن هذه منزلة، إنهم يزعمون أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أوصى إلى علي، وأنّ علياً أوصى إلى الحسن، وأن الحسن أوصى إلى الحسين، وأن الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين أوصى إلى ابنه محمد بن علي؟ قال: والله لقد مات أبي، فما أوصى بحرفين. ما لهم قاتلهم الله؟! والله، إن هؤلاء إلا متأكلين بنا، هذا خنيس الحرّ، وما خنيس الحر؟ قال: قلت له: المعلى بن خنيس؟ قال:

نعم، المعلى بن خنيس، والله لقد أفكرت على فراشي طويلاً أتعجب من قوم لبّس الله عقولهم حتى أضلّهم المعلى بن خنيس. وعن علي بن الحسين: أنه قام على باب الكعبة يلعن المختار بن أبي عبيد؛ فقال له رجل: يا أبا الحسين، لم تسبّه وإنما ذبح فيكم؟! قال: إنه كان كذاباً يكذب على الله وعلى رسوله. قال محمد بن الفرات: صليت إلى جنب علي بن الحسين يوم الجمعة، قال: فسمعت ناساً يتكلمون في الصلاة، فقال لي: ما هذا؟ قلت: شيعتكم لا يرون الصلاة خلف بني أمية، قال: هذا والذي لا إله إلا هو بدعٌ. من قرأ القرآن، واستقبل القبلة فصلّوا خلفه، فإن يكن محسناً فله حسنته، وإن يكن مسيئاً فعليه. كان هشام بن إسماعيل عزل، ووقف للناس بالمدينة، فمرّ به علي بن الحسين فأرسل إليه: استعن بنا على ما شئت، فقال هشام: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، وقد كان ناله أو بعض أهله بشيء يكرهه إذ كان أميراً. كان علي بن حسين خارجاً من المسجد، فلقيه رجل فسبّه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلاً عن الرجل، ثم أقبل عليه فقال: ما ستر الله عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، ورجع إلى نفسه. قال: فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، قال: وكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل. قال عبد الله بن عطاء: أذنب غلام لعلي بن حين ذنباً استحقّ منه العقوبة، فأخذ له السّوط فقال: " قل

للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " وقال الغلام: وما أنا كذلك، إني لأرجو رحمة الله، وأخاف عذابه. فألقى السوط، وقال: أنت عتيق. كان بين حسن بن حسن وعلي بن حسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن حسين وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئاً إلا قاله له وعلي ساكت، فانصرف حسن، فلما كان الليل أتاه في منزله، فقرع عليه بابه، فخرج إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي يغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم، وولى. قال: فاتبعه حسن، فلحقه فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له، ثم قال: لأحرم، حتى عدت، في أمر تكرهه. فقال علي: وأنت في حلّ مما قلت لي. قال موسى بن ظريف: استطال رجل على علي بن حسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك عني. فقال له علي: وعنك أغضي. كان عند علي بن حسين قوم، فاستعجل خادم له بشواء كان في التّنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، وسقط السّفود من يده على بنيّ لعليّ أسفل الدرجة، فأصب رأسه فقتله، فوثب علي، فلما رآه قال للغلام: إنك حرّ، إنك لم تعمده، وأخذ في جهاز ابنه. كان علي بن حسين إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أتصدق اليوم، أو أهب عرضي اليوم لمن استحله. قال المنهال بن عمرو: دخلت على علي بن حسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال:

ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! قال: فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيّدنا يتقرّب إلى عدونا بشتمه أو سبّه على المنابر، وأصبحت قريش بعد أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العرب معيّرة لهم بذلك، وأصبحت العرب بعد أن لها الفضل على العجم لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العجم معيّرة لهم بذلك. فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها، إن لنا أهل البيت الفضل على قريش، لأن محمداً منا، فأضحوا يأخذون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً، فهكذا أصبحنا إذ لم يعلم كيف أصبحنا. قال: فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت. وحدث جماعة أن علي بن الحسين قال: ما أودّ أن لي بنصيبي من الذّل حمر النّعم. قال عبد الله بن صالح العجلي: أبطأ عن علي بن الحسين أخ له كان يأنس به، فسأله عن إبطائه، فأخبره أنه مشغول بموت ابن له، وأن ابنه كان من المسرفين على نفسه. فقال له علي بن الحسين: إن من وراء ابنك لثلاث خلال: أما أولها: فشهادة أن لا إله إلا الله. وأما الثانية: فشفاعة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأما الثالثة: فرحمة الله التي وسعت كل شيء. قال المدائني: قارف الزهري ذنباّ فاستوحش من ذلك، وهام على وجهه، فقال له علي بن الحسين: يا زهري، قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك، فقال الزهري: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، فرجع إلى ماله وأهله.

وعن يزيد بن عياض قال: أصاب الزهري دماً خطأ، فخرج وترك أهله وضرب فسطاطاً وقال: لا يظلني سقف بيت، فمر به علي بن حسين، فقال: يا بن شهاب قنوطك أشد من ذنبك، فاتق الله واستغفر، وابعث إلى أهله بالدية، وارج إلى أهلك؛ فكان الزهري يقول: علي بن حسين أعظم الناس عليّ منة. وحدث علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد قال: كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق. سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها. كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق. سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس. قال علي بن الحسين: لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم. ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشك أن يتفرقا على غير طاعة الله. كان علي بن الحسين يلبس كساء خز بخمسين ديناراً يلبسه في الشتاء، فإذا كان الصيف تصدق به، أو باعه فتصدق بثمنه. وكان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين من متاع مصر، ويلبس ما دون ذلك من الثياب، ويقرأ: " قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده ". حج هشام بن عبد الملك في خلافة عبد الملك أو الوليد، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام. فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن حسين، عليهإزار ورداء، أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا

بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه هيبةً له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق: من البسيط هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن مثلها عرب الإسلام والعجم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم يغضي حياءً ويغضى عن مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم بكفّه خيرزانٌ ريحها عبقٌ ... من كفّ أروع في عرنينه شمم مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم ينجاب نور الهدى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم حمّال أثقال أقوامٍ إذا فدحوا ... حلو الشمائل تحلو عنده نعم

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا الله فضّله قدماً وشرّفه ... جرى بذاك له في لوحه القلم من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمته، دانت له الأمم عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت ... عنها الغياية والإملاق والظلم كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... تزينه اثنتان الحلم والكرم لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته ... رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم من معشرٍ حبّهم دينٌ وبغضهم ... كفرٌ، وقربهم منجىً ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويستربّ به الإحسان والنّعم مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ ذكرٍ ومختومٌ به الكلم إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم ... خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هضم لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّليّة هذا أو له نعم من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذر أبا فراس، لو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها. فردها وقال: يا بن رسول الله: ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله ما كنت لأرزأ عليها شيئاً. فردها إليه،

وقال: بحقي عليم لمّا قبلتها، فقد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، فقبلها وهجا هشاماً، فكان مما قال فيه: من الطويل يحبّسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلّب رأساً لم تكن رأس سيدْ ... وعينين حولاوين بادٍ عيوبها سئل علي بن الحسين عن صفة الزاهد في الدنيا فقال: يتبلغ بدون قوته، ويستعد ليوم موته، ويتبرم بحياته. قال الزهري: سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه، ويناجي ربه، ويقول: يا نفس حتام إلى الدنيا غرورك؟، وإلى عمارتها ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك؟ ومن وارته الأرض من ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟ ونقل إلى البلى من أقرانك؟ من الطويل فهم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوالٍ دواثر خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم ... وساقتهم نحو المنايا المقادر وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها ... وضمّتهم تحت التراب الحفائر كم تخرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون؟ وكم غيرت الأرض ببلاها؟ وغيبت في ثارها ممن عاشرت من صنوف الناس، وشيّعتهم إلى الأرماس؟ وأنت على الدنيا مكبٌّ منافسٌ ... لخطّائها فيها حريصٌ مكاثر على خطر تمسي وتصبح لاهياً ... أتدري بماذا لو عقلت تخاطر وإنّ أمرأ يسعى لدنياه دائباً ... ويذهل عن أخراه لا شكّ خاسر

فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يارد بك ساهٍ، وبلذة نومك لاهٍ؟ وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى ... عن اللهو واللذات للمرء زاجر أبعد اقتراب الأربعين تربّصٌ ... وشيب قذالٍ منذرٌ لك كاسر كأنك تعنى بالذي هو صائرٌ ... لنفسك عمداً أو عن الرّشد جائر انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية، كيف أفنتهم الأيام، ووافاهم الحمام؛ فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم. وأضحوا رميماً في التراب وعطّلت ... مجالس منهم أقفرت ومعاصر وحلّوا بدار لا تزاور بينهم ... وأنّى لسكان القبور تزاور فما إن ترى إلا جثىً قد ثووا بها ... مسطّحةً تسفي عليها الأعاصر كم من ذي منعة وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى القصور والدساكر، وجمع الأعلاق والذخائر. فما صرفت كفّ المنية إذ أتت ... مبادرةً تهوي إليه الذخائر ولا دفعت عنه الحصون التي بنى ... وحفّ بها أنهاره والدساكر ولا قارعت عنه المنية حيلةٌ ... ولا طمعت في الذّبّ عن العساكر أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين. مليكٌ عزيزٌ لا يدّ قضاؤه ... حكيمٌ عليمٌ نافذ الأمر قاهر عنا كلّ ذي عزٍّ لعزّة وجهه ... فكلّ عزيز للمهيمن صاغر لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نضبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها. وفي دون ما عنيت من فجعاتها ... إلى رفضها داعٍ، وبالزّهد آمر فجدّ ولا تغفل فعيشك زائلٌ ... وأنت إلى دار الإقامة صائر ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها غبّةً لك صائر وهل يحرص عليها لبيب؟ أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشى البيات؟ وتسكن نفس من يتوقع الممات؟ ألا لا ولكنا نغرّ نفوسنا ... وتشغلنا اللذّات عما نحاذر وكيف يلذّ العيش من هو موقنٌ ... بموقف عدلٍ يوم تبلى السرائر كأنّا نرى أن لا نشور أو أنّنا ... سدىً مال لنا بعد الممات مصائر وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها، وكثرة تعبه في طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها؟ وما قد ترى في كل يوم وليلة ... يروح علينا صرفها ويباكر تعاورنا آفاتها وهمومها ... وكم قد ترى يبقى لها المتعاور فلا هو مغبوطٌ بدنياه آمنٌ ... ولا هو عن بطلانها النفس قاصر كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من غرته، ولم تقمه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه؟ بلى أوردته بعد عزٍّ ومنعةٍ ... موارد سوءٍ ما لهنّ مصادر فلمّا رأى أن لا نجاة وأنه ... هو الموت لا ينجيه منه التّحاذر تندّم إذ لم تغن عنه ندامة ... عليه وأبكته الذنوب الكبائر بكى على ما سلف من خطاياه ... وتحسّر على ما خلف من دنياه حين لا ينفعه الاستعبار، ولا ينجيه الاعتذار، عند هول المنية، ونزول البلية.

أحاطت به أحزانه وهمومه ... وأبلس لمّا أعجزته المعاذر فليس له من كربة الموت فارجٌ ... وليس له مما يحاذر ناص ر وقد جشأت خوف المنية نفسه ... تردّدها منه اللها والحناجر هنالك خف عنه عواده، وأسلمه أهله وأولاده، فارتفعت الرنّة بالعويل، وأيسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدّوا عند خروج نفسه رجليه. فكم موجعٍ يبكي عليه ومفجعٍ ... ومستنجدٍ صبراً وما هو صابر ومسترجعٍ داعٍ له الله مخلصاً ... يعدّد منه خير ما هو ذاكر وكم شامتٍ مستبشرٍ بوفاته ... وعمّا قليلٍ كالذي صار صائر فشق جيوبها نساؤه، ولطم خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزئه إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه. وظلّ أحبّ القوم كان لقربه ... يحثّ على تجهيزه ويبادر وشمّر من قد أحضروه لغسله ... ووجّه لما قام للقبر حافر وكفّن في ثوبين واجتمعت له ... مشيّعةً إخوانه والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده. وقد غلب الحزن على فؤاده، وغشي من الجزع عليه، وخضّبت الدموع خدّيه، وهو يندب أباه يقول: يا ويلاه. لعاينت من قبح المنية منظراً ... يهال لمرآه ويرتاع ناظرٌ أكابر أولادٍ يهيج اكتئابهم ... إذا تناساه البنون الأصاغر ورنّة نسوانٍ عليه جوازعٍ ... مدامعهم فوق الخدود عوزار

وقد حثوا بأيديهم التراب، وأكثروا التلدد عليه والانتحاب، ووقفوا ساعة عليه، وآيسوا من النظر إليه. فولّوا عليه معولين وكلّهم ... لمثل الذي لاقى أخوه محاذر كشاءٍ رتاعٍ آمناتٍ بدا لها ... بمدننة بادي الذراعين حاسر فريعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت ... فلما نأى عنها الذي هو جازر عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال البهائم اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى والثرى، المدفوع إلى هول ما ترى. ثوى مفرداً في لحده وتوزّعت ... مواريثه أرحامه والأواصر وأخنوا على أمواله يقسمونها ... بلا حامدٍ منهم عليها وشاكر فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها ... ويا آمناً من أن تدور الدّوائر كيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائر إليها لا محالة؟! أم كيف تهنأ بحياتك، وهي مطيتك إلى مماتك؟! أم كيف تسيغ طعامك، وأنت منتظر حمامك؟! ولم تتزوّد للرحيل وقد دنا ... وأنت على حال وشيكاً مسافر فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي ... وعمري فانٍ والرّدى لي ناظر وكلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبتٌ ... يجازي عليه عادل الحكم قادر فكم ترقع بآخرتك دنياك؟ وتركب في ذلك هواك؟ أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين، أبهذا أمرك الرحمن؟ أم على هذا أنزل القرآن؟ تخرّب ما يبقى وتعمر فانياً ... فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامر

وهل لك إن وافاك حتفك بغتةً ... ولم تكتسب خيراً لدى الله عاذر أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي ... ودينك منقوصٌ ومالك وافر قال علي بن الحسين لابنه، وكان من فضل بني هاشم: يا بني اصبر على النوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له. قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطراً؟ قال: من لم يرض الدنيا خطراً لنفسه. قال علي بن الحسين: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته. قال أبو جعفر محمد بن علي: قال لي أبي: يا بني انظر، خمسة لا تحادثهم ولا تصاحبهم، ولا تر معهم في طريق. قلت: يا أبت، من هؤلاء الخمسة؟ قال: إياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة وأقل منها، قلت: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها. وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. وإياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السّراب، يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب. وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يحضرك، يريد أن ينفعك فيضرك. وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإن وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع: في الذين كفروا: " فهل عسيتم إن تولّيتم " إلى آخر الآية، وفي الرعد: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " الآية، وفي البقرة: " إنّ الله

لا يستحي أن يضرب مثلاً " إلى آخر الآيتين. قال علي بن الحسين: لقد استرقّك بالود من سبقك إلى الشكر. قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات الغيوب سريرتي. اللهم كما أسأت وأحسنت إليّ وإذا عدت فعد عليّ. وكان يقول: إن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبةً فتلك عبادة التجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار. قال علي بن الحسين: إن للحق دولة على العقل، وللمنكر دولة على المعروف، وللشرّ دولة على الخير، وللجهل دولة على الحلم، وللجزع دولة على الصبر، وللخرق دولة على الرفق، وللبؤس دولة على الخصب، وللشّدة دولة على الرخاء، وللرّغبة دولة على الزهد، وللبيوتات الخبيثة دولة على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة، وما من شيء إلا وله دولة، حتى تنتضى دولته، فتعوّذوا بالله من تلك الدول، ومن الحيّات في النّعمات.

قال محمد بن علي: كان أبي علي ين الحسين إذا مرت به جازة يقول: من الوافر نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تمضي ذاهبات كروعة ثلّةٍ لمغار سبعٍ ... فلما غاب عادت راتعات وعن أبي جعفر قال: أوصى علي بن حسين: لا تؤذنوا بي أحداً، وأن يكفن في قطن، ولا يجعلوا في حنوطه مسكاً. وتوفي وهو ابن سبع وخمسين سنة. وقيل: ثمان وخمسين سنة. قال أبو نعيم: مات علي بن الحسين سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة خمس وتسعين، ودفن بالبقيع. وقيل: توفي سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مئة. قال محمد بن عمرو: قولهم: إنه توفي وعمره ثمان وخمسون سنة، يدلك على أنه كان مع أبيه وهو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة، وليس قول من قال: إنه كان صغيراً ولم يكن ليثبت، بشيء. ولكه كان يومئذٍ مريضاً فلم يقاتل، وكيف يكون يومئذٍ لم يثبت وقد ولد له أبو جعفر محمد بن علي، ولقي أبو جعفر جابر بن عبد الله، وروى عنه، وإنما مات جابر سنة ثمان وسبعين؟!

علي بن الحسين بن محمد بن هاشم

علي بن الحسين بن محمد بن هاشم أبو الحسن البغدادي، الورّاق حدّث بدمشق. روى عن أبي العباس أ؛ مد بن عمر بن زنجويه القطان بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله عزّ وجلّ قرأ طه ويس، قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمع الملائكة القرآن قالوا: طوبى لأمة ينزل عليها هذا، وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تكلم بهذا ". علي بن الحسين بن محمد المغربي ابن يوسف بن بخز بن بهرام بن المرزبان بن ماهان بن باذام بن ساسان الحرون ابن بلاس ابن حاتناسف بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام بن جور بن جرد أبو القاسم المعروف بابن المغربي الوزير ولد بحلب ونشأ بها، ووزر لأميرها أبي المعالي بن سيف الدولة بن حمدان المعروف بسعد الدولة، ثم غضب عليه، فهرب إلى مصر سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة، ثم خرج إلى الشام مع تنجوتكين التركي حين ولاه العزيز إمرة جيوش الشام. ودخل معه دمشق سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة. حدث عن هارون بن عبد العزيز الأوراجي بسنده إلى حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ".

علي بن الحسين بن محمد بن مهدي

ومن شعر أبي القاسم بن المغربي: من الوافر ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ... وخلّ الدّار تندب من بكاها فإنّك واجدٌ أرضاً بأرضٍ ... ولست بواجدٍ نفساً سواها ولأحمد بن عبيد الله في أبي الحسن علي بن الحسين المغربي، وقد اعتلّ ثم عوفي: من المتقارب شكا لتشكّيك يا بن الحسي ... ن جسم العلاء ونفس الكرم وكادت صروف الليالي التي ... صرفت تلمّ لذاك الألم فلا فجع الله فيك الزمان ... فقد كان قطّب ثمّ ابتسم توفي أبو القاسم علي بن الحسين الوزير سنة ثمان عشرة وأربع مئة. وذكر أن الحاكم أمر بقتل علي ومحمد ابني الحسين بن المغربي بعد التسعين وثلاث مئة. علي بن الحسين بن محمد بن مهدي أبو الحسن ابن أبي الفوارس البصري الصوفي أحد شيوخ الصوفية الجوالين. قدم دمشق، وحدث بها في المحرم سنة إحدى وتسعين وأربع مئة. روى عن أي الحسن الخلعي بسنده إلى أبي مسعود عقبة بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ثلاث هنّ سحت، ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن ". قال الحافظ المصنف: دخلت على أبي الحسن البصري ببغداد مع أبي المعمر الأنصاري، وكان متمرضاً، فقال له أبو المعمر: نريد أن نقرأ عليك خمسة أحاديث، فأذن لنا، فقرأت عليه خمسة،

علي بن الحسين بن محموية بن زيد

وشرعت في السادس، فقال: ينبغي لصاحب الحديث أن يتعلم الصدق أولاً، فأتممت السادس وقمت. علي بن الحسين بن محموية بن زيد أبو الحسن النيسابوري الصوفي حدث عن أبي عبد الملك محمد بن أحمد الصوري بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". كان علي بن الحسين بن محموية من أعيان أهل البيوتات ومن العباد المجتهدين، أنفق أموالاً ورثها عن آبائه على العباد والمستورين، وخرج إلى الشام، وصحب أبا الخير الأقطع وأكابر المشايخ، وانصرف إلى نيسابور على التجريد، وحدث ولزم جده أبي علي بن زيد، والجامع على العبادة والفقر، إلى أن توفي في سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. علي بن الحسين بن هندي أبو الحسن الحمصي القاضي أديب فاضل، له شعر حسن، ولد سنة أربع مئة. ومن شعره يرثي جعفر بن ميسر: من الكامل الورد مهلكةٌ فكيف المصدر ... والأمر يقضى والمنون المعبر لا يرسل الباغي عنان جواده ... فلسوف يقصر تحته أو يعثر وليرتقب يوماً عقيماً ماله ... من ليلةٍ أو ليلةً لا تسحر إن الذي هو بالسّوية بيننا ... سيّان فيه مقدّمٌ ومؤخّر

يا ضاحكاً بمن استقل غباره ... سيثور عن قدميك ذاك العثير متقاربٌ إلاّ مناح تعلّلٍ ... ركبٌ إذاً بكروا وركبٌ هجّروا أمد الحياة ولو تطاول رقدةٌ ... والمرء في حلم بها لا يغبر يا منكر الأيام في بداوتها ... راجع فإنك عارفٌ ما تنكر زمنٌ بخيل يستردّ هباته ... أبداً ويطوي صرفه ما ينشر لو أنّ آثار الليالي نطقت ... صغر العظيم وقلّ ما يستكثر تسطو بعزّك في ديار معاشرٍ ... كانوا بها وهم أعزّ وأقدر متبدّلاً ما شئت إصغاراً لهم ... ولو أنّ أعينهم ترى لم يصغروا فاحفظ حياءك إن رأيت رسومهم ... واسترع حسن حديثهم إن خبّروا قد خاطبوك وإن هم لم ينطقوا ... ورأيتهم فيها وإن لم يحضروا لا فرق عند ذوي البصائر بين مو ... جودٍ تراه وممكنٍ يتصوّر عمروا المنازل والزمان خلالها ... ويوهي من الأعمار ما لا يعمر لا فارسٌ بجنودها منعت ردى ... كسرى ولا للروم خلّد قيصر جددٌ، مضى عادٌ وجرهم بعدهم ... وتلاه كهلانٌ وعقّب حمير وسطا بغسان الملوك وكندةٍ ... فلها دماءٌ عنده لا تثأر وحجرٌ وعمروٌ والطريد وحارثٌ ... ومحرّق ومزيقياء الأكبر وثنى إلى لخمٍ سناناً شارعاً ... أودى به نعمانها والمنذر وخلت قرونٌ بعد ذلك مالها ... أثرٌ يبين ولا حديث يؤثر لعبت بهم فكأنّهم لم يخلقوا ... ونسوا بها فكأنهم لم يذكروا أين الألى ولدوك من لد آدمٍ ... وهلمّ حتى بعثمٌ وميسّر

وإذا الأصول تهشّمت فلقلّما ... يبقى على أغصانها ما يثمر من ذا يرى شجراً تجذّ عروقها ... ويغرّه ورقٌ عليها أخضر قد كنت تكثر في الحياة تعجبي ... ولمّا بدا لي عند موتك أكثر فرأيت رضوى وهو يستر بالثّرى ... والبحر في بحر المنية يغمر ولربّما غمرت هباتك معشراً ... حاروا بها أن يعرفوا أو ينكروا فغدت عيونهم تحول تفرّساً ... في جعفرٍ فكأنّما هو جعفر يا برمكيّ الجود إلاّ أنه ... قلبٌ ويحيى كسروي أحمر لا أدعي بكما السّواء وإنما ... عودٌ صميميٌّ وعود أحور يا من تنزّل من صليبة قومه ... وسطاً بحيث يناط منها الأبهر يا من تتيه به مساعيه كما ... يزهى بتيجان الملوك الجوهر يا من له صدر النّديّ إذا اجتبى ... وله إذا عدّ الكرام الخنصر ما لي وللّيل البهيم يهيجني ... ويسوقني وجه الصباح المسفر عجباً لمعمور الفناء أنيسه ... كيف اطمأنّ به العراء المقفر ولعفر خدّك بالتراب وطالما ... عبق العبير به وصال العنبر ماذا على بلدٍ وقبرك جاره ... ألاّ يمرّ به السحاب الممطر فلقد تضمّن راحةً يجري بها ... ماء النّدى فتفيض منه أبحر أتزورني في النوم زورة عاتبٍ ... تبدي إليّ من الرّضا ما تضمر وجه تريد به القطوب وبشره ... يطفو على ماء الحياء فيظهر وتقول لي قولاً يذيب بحرّه ... قلباً يكاد من الصّبابة يقطر تمضي بباب الدار غير مسلّمٍ ... فترى بها أثري فلا تستعبر من أين لي من بعد يومك مقلةٌ ... تجري عليك دموعها أو تبصر

كنت السواد لها إذا ما استيقظت ... وإذا غفوت بها فأنت المحجر بيني وبين الهم بعدك حرمةٌ ... لا تستباح وذمّةٌ لا تخفر أرتاح ساحة قبره فأزورها ... والهجر من غير الزيارة ينظر لا أسمع الشكوى ولا أجلو القذى ... وأراه مهضوماً فلا أتذمّر بأبي الأعزّة أصبحوا وأسيرهم ... لا يفتدى، وذليلهم لا ينصر عهدي به غرضاً بطول مقامه ... كيف البراح ومن دمشق المحشر يقف الفتى والحادثات تسوقه ... والمرء يقدر والمنايا تسخر فاختطّ منها منزلاً من فوقه ... تسفي أعاصيرٌ وتمضي أعصر يرتاع آنسه ويرتع حوله ... من نافرات الوحش ما لا ينفر لم يخل ظهر الأرض ممّن ذكره ... من بين أثناء الصحائف يظهر إن ستّرت تلك المحاسن بالثرى ... فمن الحديث محاسنٌ لا تستر أو أسرعت في محوهنّ يد البلى ... فيداك تملي والليالي تسطر ولقد نظرت إلى الزّمان وجوره ... فأبيت عشية من يضام ويقهر ورغبت عن دارٍ سحاب همومها ... غدقٌ ونكباء النوائب صرصر دارٌ يسوءك منعها وعطاؤها ... وتذمّ منها غبّ ما تتخيّر تأتي فيؤلمك انتظار فراقها ... وتروغ عنك إلى سواك فتحشر فالناس إمّا حاذرٌ مترقّبٌ ... أو حاصلٌ منها على ما يحذر وإذا رأيت العيش في إقبالها ... نكداً فكيف تظنه إذ يدبر إن طبّت الدنيا عليك بقربها ... فلقد علمنا أنّ حظّك أكبر فارقتها فأمنت هول فراقها ... وتكرّمت عيناك عمّا تنظر وهجرت قوماً طالما صاحبتهم ... لك عاذر إن كان شيءٌ يعذر

ما عفتهم حتى وردت حياضهم ... وخبرتهم فصدقت عمّا تخبر فثويت تأمن منهم ما يتّقى ... وتنام عن غير الزمان وتسهر من أصغر الدنيا فذاك عظيمها ... لا من تراه بعزّها يستكبر يبدي إذا افتقر الخضوع بقد رما ... يختال في ثوب الرّخاء ويبطر من لم يهن فيما لديه ما صفا ... عزّ العزاء عليه فيما يكدر يا حبّذا أدب الحكيم فإنّ ... لا عابسٌ كزٌّ ولا مستبشر يا من ترى ما لا تراه عينه ... ويغيب بعض القوم عما تحضر الحيّ من تلقاه حيّاً عقله ... والميت ميت الجهل لا من يقبر من للخطوب إذا تدانى وردها ... وبدا من الأمر الجناب الأزعر كانت تسرّ وجوهها ووعيدها ... فالآن تطّرح القناع وتجهر فلربّما أصدرتها فثنيتها ... رغماً وصدر الهول فيها موغر ولمحضرٌ أحسنت فيه خلافتي ... حتى اشرأبّ لمّا وصفت الحضّر ردّيتني رداء فضلك فانثنى ... أدبي به زهواً يميس ويخطر ولمحفلٌ 1والعلم بين شهوده ... متحفّظٌ وأخو البلاغة محصر أسكتّ ناطقه بقولٍ فيصلٍ ... أعيت نقائضه على من ينكر لا جاهل الأقوام ثمّ مقدّمٌ ... وهو الكميّ ولا الوجيه موقّر فيودّ من ترك التّأدّب للغنى ... لو أنّ نقص مكسبيه الأوفر ولمرهف الجنبات يركب رأسه ... فيظلّ ينظم في الطّروس وينثر وتراه إن لبس الكلام دروعه ... يعتل في زرد الدلاص فينحر يمضي بحيث المشرفيّة تنثني ... ويطول حيث السّمهريّة تقصر فكأنما المعنى الخفيّ معرّضٌ ... وكأنه لدنٌ بكفّك أسمر

علي بن الحسين الجعفري

إن ضنّ طرفٌ لا يراك بدمعه ... فلايّ يومٍ بعد يومك يدخر يا صاحبيّ أرى الوفاء يشوبه ... هفوات قلب محافظٍ لا يغدر قولا لقلبك ما لوجدك حائراً ... لا الشوق مغلوبٌ ولا هو يظفر قصر ارتياحك قيل: ما طول المدى ... فإذا تطاول فارتياحك أقصر يا من كأنّ الدهر يعشق ذكره ... فلسانه من وصفه لا يفتر بأبي ثراك وما تضمّنه الثّرى ... كلٌّ يموت وليس كلٌّ يذكر ومن شعره: من البسيط تخلّقٌ حسنٌ إن لم يكن خلقٌ ... تروّعٌ حسنٌ إن لم يكن ورع فما أرى قيمة الدنيا وإن عظمت ... أن يأتي الحرّ ما من نفسه يضع توفي ابن هندي سنة خمسين وأربع مئة بدمشق، وخلف ستة عشر ألف درهم، وكان من الإمساك والضبط على غاية، وقيل سنة إحدى وخمسين وأربع مئة. وكان قاضي حمص وولد سنة أربع مئة. علي بن الحسين الجعفري حدث بداريا عن عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري عن حميد بن هشام الرازي قال: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: يوحي الله عزّ وجلّ إلى جبريل عليه وعلى نبيّنا محمد الصّلاة والسّلام: " اسلب عبدي ما رزقته من لذة طاعتي، فإن افتقدها فردها إليه، وإن لم يفتقدها فلا تردها عليه أبداً أبداً ".

علي بن الحسين

علي بن الحسين أبو الحسن القرشي الحراني حدث بدمشق عن أبي اليقظان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني عن أبيه عبد الرحمن بن مسلم قال: دخلت أنطاكية إلى مسجد الجامع، فإذا أنا بشيخ جليل جميل، فسلمت وجلست، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: أنا من أهل حران، قال: أما أنا فمن مدينة إبراهيم الخليل، ولا يزال فيها رجل من الأبدال إلى أن تقوم الساعة. قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك قال: إني لست أحدثك حتى تعطيني عهد الله وميثاقه أنك لا جلست إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به؛ قلت: أفعل ذلك إن شاء الله، قال: أتيت البصرة، فأقمت بها أربع حجج في طلب العلم، وكان العلماء متوافرين بالبصرة، فكتبت بها علماً كثيراً، فقال لي رجل: منذ كم تكتب معنا الحديث؟ لقد كتبت علماً كثيراُ، ولقد فاتك كلام رجل والنظر إليه، قد لقي أنس بن مالك خادم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: قلت: وأين منزله؟ قال: في رحبة اليهود بالبصرة. قال: فانطلقت حتى أتيت قصره، فإذا أنا بقصر مشيد، له باب من حيدي، وعلى باب القصر مشايخ ما رأيت أجمل منهم، فلما رأيتهم هالني أمرهم، فسلمت فردّوا ورحّبوا وقرّبوا، وقالوا: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، أنا شيخ من أهل الشام، خرجت إلى بلدكم في طلب العلم، وأنا مقيل فيه من أربع حجج، وقد بلغني عن والدكم أنه لقي أنس بن مالك، خادم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: " طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني "، وأبوكم رأى من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا لي:

نعم، وكرامة، إنا ندخل عليه في كل غداة فنسلم، ولا ندخل إلا من غد، ولنا أخ هو أصغر منا سنّاً يكنى بأبي الطيب، فنسأله يدخلك معه عليه، على أن نشرط عليك: أن لا تتكلم، تنظر إليه، وهو لا ينظر إليك. قال: فدعوت لهم، فقالوا لي: ادخل إلى هذا المسجد، فإذا صليت العصر فصر إلينا نسأله يدخلك. فلما دخلت المسجد شممت رائحة المسك، وأن المسجد قد وزر بالخلوق والمسك، فسلمت وصليت ركعتين، وسألت الله عزّ وجلّ أن يسهل لي النظر إلى وجه وليّه. فلما فرغت من الدعاء إذا بشيخ طوي القامة عظيم الهامة، عليه جبّة صوفٍ، مقطوع الكمين، مشدود وسطه بحبل لمن ليف، على عاتقه مرّ ومجرفة، ورسل، فوضعها في زاوية المسجد، ثم سلم وكبرن وصلى ركعة واحدة، فقلت: سبحان الله، لعله قد سها، فقال لي مجيباً: وبحمده. قلت: إنك لم تصل إلا ركعة، فقال: تحية المسجد، إنما هي تطوع. قال: قلت: من حدثك أن ركعة تجزئ تحية المسجد؟ قال: مولاي صاحب هذا القصر. قلت: ومملوك أنت؟ قال: كنت مملوكاً، ولكن الله أعتق رقبتي منذ خمسين سنة، وأنا أحفر القبور منذ خمسين سنة. قلت: وما الذي حملك على حفر القبور؟ قال: بحديث حدثني مولاي هذا عن أنس بن مالك أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من حفر قبراً لأخيه المسلم، ولم يأخذ عليه جزاء، بنى الله تعالى له بيتاً في الفردوس الأعلى، فيه قبة خضراء، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها ". وسمعته يقول: من غسل أخاه المسلم ولم يأخذ عليه أجراً، وكتم ما يرى منه غفر الله عزّ وجلّ له

ذنوبه في ظلمة قبره ووحشته، إذا خلا فرداً وحيداً مرتهناً بعمله، ووكل به ملك بيده مصباح من نور، فهو يؤنسه في قبره إلى أن ينفخ الله في الصّور. فهو الذي حملني على حفر القبور، وغسل الموتى، وحرسي القبور. قلت: ما اسمك؟ قال: صالح. قلت: بالله حدثني بأعجب شيء رأيته في ظلمات الليل، وأنت تحفر القبور من خمسين سنة، قال: إني لست أحدثك أو تعطيني عهد الله وميثاقه، أنت لا تجلس إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به، قلت: أفعل إن شاء الله. قال: ماتت بنت قاضي البصرة، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل منها، فجزع عليها أبوها جزعاً شديداً، فدخلت عليه وهو يبكي أحرّ البكاء، فسلمت عليه وقلت: إن الموت حتم على الخلق، وإن الله عزّ وجلّ قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: " إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون ". فقال: يا صالح، إنه لم يكن بالبصرة امرأة أجمل من ابنتي، ولا أكثر مالاً، مات عنها زوجها ولم ترزق منه ولداً، وورثت منه مالاً عظيماً، وقد أوصت إليّ أن أخرج من ثلثها ثلاثة آلاف دينار، ويعطى لحرس قبرها ألف دينار يحرس سنةً اثني عشر شهراً. قال: قلت: أما أنا فإنني أعطيت عهد الله وميثاقه أنني لا آخذ لحرس قبر، ولا لحفر قبر، ولا لغسل مست شيئاً أبداً. فقال لي: سبحان الله! ترزق رزقاً حلالاً وترده؟! قلت: نعم، وأشير عليك بشيء يسعدك الله به، ويدخل على ابنتك في قبرها السرور والرحمة؛ فقال: تكلم. قلت: إن الميت لا ينتفع أن يكفن بألف دينار، فإنه يبلى في التراب والصديد والدّود، ولكن تكفن بمئة دينار، وتضيف تسع مئة إلى الألفين، فتشتري بها الثياب والخبز والماء، فتكسو العاري، وتشبع الجائع، وتروي الظمآن، فإني أرجو أن يعتق الله

ابنتك من النار، ويدخل عليه في قبرها السرور والرّحمة. فقال لي: وفقت وأشرت بخير. قال: فكفّنها بمئة، وتصدق بالباقي عنها. قال صالح، فحرست قبرها ثلاث ليال، أصلي عند قبرها ألف ركعة، فلما كان في الليلة الرابعة، وقد طلع الفجر، وأصبت نعسة، وأذن المؤذن، فأخذت لبنة فوضعتها تحت رأسي، فما هو إلا أن ذهبت في النوم، فإذا بنت القاضي قائمة بين يديّ، عليها ثياب أهل الجنة وحلي أهل الجنة. قلت: يا هذه، من أنت التي قد ألبسها الله البهاء والنور؟ قال: صاحبة القبر بنت القاضي، جئت أشكرك، نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء كما أشرت بالخير في الصدقة عني، إن الله تبارك وتعالى قد نوّر قبري، وأدخل قبري السرور والرحمة، قم حتى أريك ما أعد الله تعالى لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله. فنهضت معها وفي يدها مصباح من بلور، والقبر روضة خضراء كأحسن ما يكون، وإن القبور قد أقبل أهلها، وقد جلس كلّ ميت على شفير قبره، قد ألبسهم الله البهاء والنور. قالت: هؤلاء الذين ماتوا وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ادن منهم، وكلّمهم فإنهم يكلّمونك. قلت: يا سبحان الله! موتى موتى يكلّمون الأحياء؟! قالت: وأنا ميتة، وقد أذن الله لي وكلمتك. فلما دنوت منهم قالوا بأجمعهم: جزاك الله خيراً من مؤنس، إنا نسمع قرآنك ودعاءك لا نقدر أن نجيبك، وأنتم يا معشر الأحياء تعملون الخيرات، ولا تدرون ما لكم عند الله عزّ وجلّ من الدّرجات، فإذا أصبحت فأت المسجد الجامع فأقرئ أهالينا السّلام، وقل لهم: موتاكم يقرؤون عليكم السلام ويقولون: جزاكم الله عنا خيراً، فإن هداياكم تأتينا بكرة وعشياً، فقلت: وما الهدايا؟ قالوا: الدعاء والصدقة، إن الصدقة شيء عظيم يطفئ غضب الرّب، ودعاء الأحياء يدعون لنا الله عزّ وجلّ فيستجيب الله لهم فينا، فيدخل علينا في قبورنا السرور والرحمة.

قال: فبينا أنا فرح بهم إذ نظرت إلى رجل مشوّه الوجه رثّ الكفن، في عنقه سلسلة من نار، ورجل بيده سوط من نار، يضرب حرّ وجهه وظهره وبطنه، وهو يصيح: يا ويلاه! من نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى. قال: فتقطع قلبي رحمة له، فقلت: يا هذا أيشٍ حالك من بين أصحابك هؤلاء الذين ألبسم الله البهاء والنور؟ قال: جرمي عظيم، كان لي مال عظيم، وكنت لا أزكّي فيه، فنالني هذا بعقوق والدي في الدنيا. قلت: وكيف ذلك؟ قال: مات أبي وخلف مالاً عظيماً، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل من والدتي، ولا أكثر مالاً، فرغب ملوك البصرة فيها، فخطبها بعض الملوك فأجابته، فبلغني ذلك فداخلتني الغيرة. فقلت: يا أمّه، بلغني أنك تريدين التزويج. قالت: التزويج حلال؛ فرفعت يدي، فلطمت حرّ وجهها، فخرّت مغشياً عليها، فسال من وجهها الدم. فلما أفاقت من غشيتها رفعت يدها ورأسها إلى السماء فقالت: يا بني لا أقالتك الله عثرتك، ولا آنس في القبر وحشتك. فلما أن مت صرت في قبري إلى نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى، وكذلك القبر من اليوم إلى يوم القيامة، فإذا أصبحت فأت والدتي وأقرئها السلام، وأعلمها بما رأيت من سوء حالي لعلها ترحمني. قال: فانتبهت فإذا رائحة المسك من مسجدي، وكأنما ضوء المصباح في مسجدي وبين عينيّ. قال: قلت: هذه رؤيا من الله، لآتينّ المسجد الجامع، فلأؤدينّ الرسالة، ولآتينّ أم المسكين، فأخبرها بما رأيت من سوء حاله. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع الإمام، فلما سلم قمت فقلت: السلام عليكم يا أهل المسجد ورحمة الله وبركاته، إني رأيت موتاكم في النوم بأحسن منظر، وهم يقرئونكم السلام، ويقولون لكم: جزاكم الله عنا خيراً أفضل الجزاء، فإن هداياكم تأتينا بكرة

وعشياً؛ فلم يبق في المسجد شيخ ولا شاب إلا علا نحيبه، ولم يبق أحد منهم إلا تصدق عن حبيبه ذلك اليوم، وكانت رؤيا رحمة على الأحياء والأموات. قال: ومضيت إلى باب أم المسكين، فإذا على الباب شيخ جميل بيده مصحف، يقرأ فيه، وحوله وصائف يقرئهم القرآن. فلما رآني مقبلاً أمر الوصائف فدخلن القصر، فسلمت، فصافحني، وعانقني، ورد السلام، وقال: هل من حاجة؟ قلت: أما إليك فلا، ولكن إلى أهلك! فقال: يا سبحان الله! ما في مالي، ولا فيما خوّلني الله ما أقضي حاجتك؟ قلت: " إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "؛ فقال: صدقت، يا غلام، ادخل إلى ستك فقل لها؟ تسبل الستر حتى يدخل صالح تنظر أيشٍ حاجته. قال: فدخل الغلام، وأسبل الستر، ودخل زوجها ودخلت معه، فقلت: السلام عليك يا أمة الله، من لك في المقابر؟ قال: فبكت حتى خرت مغشياً عليها، وبكى زوجها وكل من في القصر معها، وبكيت أنا رحمة لها. قالت: وما ذاك يا صالح؟ قلت: رأيت في المنام كذا وكذا، فبكت بكاءً شديداً، وقالت: ذاك ولدي، واحسرتاه، على ما فرطت فيك يا بني، ثم جيئت بكيس فقالت: خذه واشتر بما فيه الثياب والخبز والماء، فاكس العاري، وأشبع الجائع، وارو الظمآن، ثم قالت: اللهم إن هذا صدقة عن ولدي، اللهم فارض عنه. قال زوجها: أحسنت وأصبت ووصلت رحمك، وما كنا لنتركك تسبقينا إلى الخير. وجيء بكيس فقال: خذه وأضفه إلى الآخر، اللهم إن هذه صدقة عن ابن العجوز، اللهم فارض عنه وعن والديه وما ولد، وعن جميع المسلمين. قال صالح، فأخذت الكيسين، وفعلت ما قالاه، وهممت أن أقوم، فسقط مني، رغيف، فقلت: لا أبرح حتى أنقذه، فإن قليل الأمانة وكثيرها عند الله سواء. فبينا أنا كذلك إذ خرج من بعض دروب البصرة شيخ كبير منحنٍ، ما يرفع رأسه

من الكبر، يحرك شفتيه بالتحميد والتسبيح، وهو يقول: يا سيدي ومولاي خدمتك منذ ثلاثة أيام، فلما دنا قلت: يا شيخ، قال: يا سعديك، قلت: ما أرى معك أحداً، فلمن تناجي؟ قال: أناجي سيد السادات، ومالك الملوك، ومولى المولى، قد عودني في كل ثلاثة أيام قرصاً أفطر عليه، وهذا حاجتي إليه. قلت: إن الله عز وجل قد أجاب دعوتك. ودفعت إليه الرغيف، فقال: رضي الله عنك وعمن تصدق به عن جميع المسلمين. قال صالح: ومضيت في الليلة الرابعة لأحرس قبر ابنه القاضي، فلما قرأت حزبي وصليت وردي نمت، فإذا أنا بابن العجوز على أحسن الناس وجهاً، وأطيب رائحة، فقال: نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء، إن الله عز وجل قد نوّر قبري، وأدخله السرور والرحمة بدعاء والدتي ودعاء الفقراء لي. إن الصدقة شيء عجيب تطفئ غضب الرب، فإذا أصبحت فأقرئ والدتي السلام، وأعلمها أن الصدقة وصلت، وقل لها: لا تقطعي الصدقة، فإن قليل الخير عند الله كثير. قال: فانتبهت فرحاً، وصرت إلى والدته، فأخبرتها، فسرّت بذلك، وآلت على نفسها أنها تتصدق عنه في كل يوم. قلت: يا صالح قد وعدني مواليك هؤلاء أن يدخلوني على مولاك. قال: هيهات: ما أطمع لك في ذلك لأنه كبير قد أتى عليه مئة وعشرون سنة، وقد احتجب عن الناس منذ عشر سنين. قلت: وعدوني أن يكلموا ابنه الأصغر. فقال: نعم ليس في أولاده أصبح وجهاً منه، ولا أرق قلباً، ولا أرحم بالغريب، وإن للشيخ من صلبه سبعين ذكراً. قال: فصليت العصر وخرجت، وخرج صالح، فسلمت، فردوا السلام، والتفتوا إلى أخيهم الأصغر، فقالوا: يا أبا الطيب: إنا نعرضك إلى الأجر، وهذا الرجل مقيم في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله إلى والدنا؛ لينظر إليه نظرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني ورأى من رآني ". قال: نعم وكرامة، فنهض ودق الباب، فخرج خادم ففتح باب القصر، فلما فتحه شممت رائحة المسك والزعفران والياسمين، فسألت الله الجنة، ثم دخلنا من قصر إلى قصر، فإذ الشيخ متكئ على فرش مشيّدة، ووجهه كالقمر ليلة البدر. قال: فقلت: هذا وجه من وجوه أهل الجنة، فوقف ابنه بين

يديه وقال: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته؛ فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وعن والديك وما ولدا، وعن جميع المسلمين. قال: فقلت في نفسي: والله لا فاتني كلام ولي الله؛ فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فردّ علي السلام، واحمرّ وجهه، ثم التفت إلى ابنه فقال: يا أبا الطيب من هذا الذي أدخلته عليّ من غير إذن؟ فقال: يا أبه، هذا شيخ من أهل الشام، مقيم معنا في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله عليك، لينظر إليك، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني، ومن رأى من رآني ". وأنت يا أبه، قد رأيت من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخدمه. قال: لا بأس، وطابت نفسه، ثم التفت فقال لي: يا شاميّ من أي الشام أنت؟ قلت: من أهل أنطاكية. فقال: مرحباً بك وأهلاً، أنت من المدينة التي منها الرجل الصالح حبيب النجار، بعث الله تعالى المسلمين إلى أنطاكية، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى، قال: يا قوم اتبعوا المرسلين. وكانت قدومه على عاتقه، فعلوه بالقدوم حتى قتلوه، ووطئوا بطنه، حتى خرجت بيضته من دبره، فإذا كان يوم القيامة: " قال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ". قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك، وأشكرك عليه، ويثيبك الله تعالى الجنة، فقال: إني قد آليت على نفسي أن لا أحدث أحداً، ولم احدث أحداً منذ عشرين سنة، وكني أكفّر عن يميني وأحدثك إن شاء الله، فأخرجت الألواح المسوّدة، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي أمة مرحومة، جعلها الله تعالى في الأمم كالقمر ليلة البدر، فمحسنها يدخل

الجنة بلا حساب، ومسيئها يغفر له بشفاعتي ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير "، فسابقنا سابق، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفور له. قال: فكتبت عنه حديثاً يسوى الدنيا وما فيها، قلت: زدني رحمك الله قال: اكتب يا شاميّ: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي الأمة المرحومة، ولولا الرحمة ما خلقهم الله ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا " لمن عمل، " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "، " نعم أجر العاملين ". قال: فكتبت عنه حديثين يسويان الدنيا وما فيها. قلت: زدني رحمك الله قال: ما أعرفني بكم يا أصحاب الحديث، ما يشبعكم شيء؛ اكتب: حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " أمتي الأمة المرحومة، جعل الله عز وجل عذابها في الدنيا بالسيف والقتل، وذلك أني سألت الله عز وجل ثلاثاً فأعطاني: سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم من قبلنا فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسنا

علي بن الحصين بن مالك بن الخشخاش

شيعاً ". ثم قرأ مصداقه من القرآن: " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ". يعني السيف والقتل. فإذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل من المسلمين رجلاً من المشركين: إما مجوسياً وإما يهودياً وإما نصرانياً، فيقول: يا وليّ الله، هذا عدو الله فداؤك من النار، فإذا صعد أحدكم على فراشه فليقل: اللهم اجعل فلان بن فلان فدائي من النار، فإذا كان يوم القيامة أتاه ملك قابض على ناصيته حتى يوقفه بين يدي وليّ الله، فيقول له: يا وليّ الله، هذا فداؤك من النار، قال: فيكبّ الكافر على منخريه في النار، ويؤمر بالمؤمن إلى الجنة. ثم قرأ مصداقه من القرآن: " وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم، وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يفترون ". علي بن الحصين بن مالك بن الخشخاش العنبري البصري وفد على عمر بن عبد العزيز، وشهد دفن ابنه عبد الملك بن عمر. حدث علي بن الحصين قال: شهدت عمر بن عبد العزيز تتابعت عليه مصائب: مات أخ له، ثم مات مزاحم، ثم مات عبد الملك، فلما مات عبد الملك تكلم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أنا دفعته إلى النساء في الخرق، فما زلت أرى فيه السرور وقرة العين إلى يومي هذا، فما رأيت فيه أمراً قد أقرّ لعيني من أمر رأيته فيه اليوم.

علي بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن حمزة

علي بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن حمزة ابن الحسن بن حمدان بن ذكوان أبو الحسن بن أبي الكرام العطار المعروف بابن أبي فجّة حدث عن جده أبي محمد عبد الله بن الحسين بن حمزة بسنده إلى أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو بهذه الدعوات: " خلقت ربّنا فسوّيت، وقدّرت ربّنا فهديت، وعلى عرشك استويت، وأمتّ وأحييت، وأطعمت وأسقيت، وأشبعت وأرويت، وحملت في برّك وبحرك، وعلى فلكك ودوابك وأنعامك، فلك الحمد على ما قضيت، اللهم اجعل لي عندك قربة واجعل لي عندك وسيلة، واجعل لي عندك زلفى وحسن مآب، واجعلني من يخاف مقامك، ويخاف وعيدك، وممن يرجو لقاءك، ويرجو أيامك، واجعلني أتوب إليك توبة نصوحاً، وأسألك عملاً متقبلاً، وعملاً نجيحاً، وسعياً مشكوراً، وتجارة لا تبور ". توفي أبو الحسن بن فجّة سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة، وهي السنة التي نزل فيها ملك لمند الفرنجي على دمشق ورجع عنها خائباً. علي بن حمزة بن علي أبو الحسن الهاشمي حدث بجامع بدمشق عن محمد بن موسى بن فضالة بسنده إلى جابر قال: جاء سليك الغطفاني، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوّز فيهما ". ورواه الحافظ من طريق آخر بسنده إلى جابر قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فجلس، فقال رسو الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليصل ركعتين ثم ليجلس ".

علي بن أبي حملة

علي بن أبي حملة أبو نصر القرشي مولى لآل الوليد بن عتبة بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. أدرك معاوية بن أبي سفيان، كان على دار الضرب بدمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز. حدث عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، فيرى من في باطنها من في ظاهرها "، قيل: لمن هي يا رسول الله؟ قال: " لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وبات لله قائماً والناس نيام ". قال علي بن أبي حملة: رأيت واثلة زمن الطاعون بدمشق يشهد الجنائز على حمار، فيقدمونه فيصلي على الجنائز. توفي علي بن أبي حملة سنة ست وخمسين ومئة. وقيل: سنة ست وستين ومئة. قال: والأول أصح. علي بن حوشب أبو سليمان الفزاري ويقال: السلمي من أهل دمشق. حدث أنه سمع مكحولاً يحدث عن بريدة قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: " وتعيها أذنٌ واعيةٌ " فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " سألت الله أن يجعلها أذنك "، قال علي: فما نسيت شيئاً بعد ذلك.

علي بن حيدرة بن جعفر بن المحسن

وحدث علي بن حوشب أنه سمع أبا سلام يحدث عن عبادة بن الصامت قال: بصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برجل في مؤخر المسجد عليه ملحفة معصفرة. قال: ألا رجل يستر بيني وبين هذه النار؟ ففعل ذلك الرجل. وحدث علي بن حوشب عن أبي قبيل عن سالم عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تتخذوا المساجد طرقاً إلا لذكر أو صلاة ". وحدث عن مكحول قال: لما كرّ عليّ وحمزة على شيبة بن ربيعة غضب المشركون وقالوا: اثنان بواحدٍ، فاشتعل القتال، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم إنك أمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر، ولا خلف لوعدك ". وأخذ قبضة من حصىً فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله، فذلك قوله: " وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى ". وحدث عنه قال: إذا رأيت راية هاشمية فلا تعرض لها، فإن ذؤابتها طويلة. وحدث علي بن حوشب: أنه كان يرى مكحولاً يزيل عمامته حتى يسجد على الأرض. علي بن حيدرة بن جعفر بن المحسن أبو طالب العلوي الحسيني الحقني، المعروف بابن علوية كان أبوه نقيب العلويين بدمشق. حدث بكفرسوسة عن أبي القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء بسنده إلى عبد الله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً ". توفي أبو طالب سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.

علي بن الحضر بن الحسن

علي بن الحضر بن الحسن أبو الحسن العثماني الحاسب صنف كتباً في الحساب. حدث عن رشأ بن عبد الله المقرئ بسنده إلى أبي عثمان المازني قال: دخلت على الواثق فقال لي: يا مازني، لك ولد؟ قلت: لا، ولكن لي أخت بمنزلة الولد، قال: فما قالت لك؟ قلت: ما قالت بنت الأعشى للأعشى: من المتقارب فيا أب لا تنسنا غائباً ... فإنّا بخيرٍ إذا لم ترم أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منّا الرّحم قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها ما قال جرير: من الوافر ثقي بالله ليس له شريكٌ ... ومن عند الخليفة بالنجاح قال: أحسنت، أعطه خمس مئة دينار. ولد أبو الحسن العثماني سنة إحدى وعشرين وأربع مئة، وتوفي سنة تسع وخمسين وأربع مئة.

علي بن الخضر بن سليمان بن سعيد

علي بن الخضر بن سليمان بن سعيد أبو الحسن السلمي، الصوفي الوراق حدث عن الشيخ أبي نصر حديد بن جعفر بن محمد الأنباري بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين نزلت هذه الآية: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ". قال: إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح، قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتنحّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الموت. توفي أبو الحسن علي بن الخضر سنة خمس وخمسين وأربع مئة. علي بن الخضر بن عبدان بن أحمد ابن عبدان بن احمد بن زياد بن ورد أزاد بن عبد بن شبّة ابن أحمد بن عبد الله بن عبدان المعدّل الصفّار حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده إلى بريدة قال: لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء، فلما كان من الغد أخذه عمر، وقيل: محمود بن مسلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأدفعنّ لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح عليه ". فصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الغداة، ثم دعا باللواء، فدعا عليّاً وهو يشتكي عينيه، فمسحهما، ثم دفع إليه اللواء فافتتح. قال بريدة: إنه كان صاحب مرحب. توفي أبو الحسن علي بن الخضر سنة سبعين وأربع مئة.

علي بن الخضر بن محمد بن سعيد

علي بن الخضر بن محمد بن سعيد أبو الحسن الحلبي المؤدب إمام مسجد سوق الخشابين بدمشق. حدث عن أبي الحسن علي بن إبراهيم المعروف بابن النجّاد بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهم حاسبني حساباً يسيراً ". قالت: يا رسول الله، فما الحساب اليسير؟ قال: " أن ينظر في كتابه، إنه من نوقش الحساب يا عائشة هلك، وكل ما يصيب المؤمن يكفّر به عن سيئاته، حتى الشوكة تشوكه ". وحدث عن أبي طاهر محمد بن أحمد بسنده إلى الجريري قال: كنت أطوف مع أبي الطفيل، فقال: ما بقي أحد رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري، قلت: رأيته؟ قال: نعم. قلت: وكيف كانت صفته؟ قال: أبيض مليحاً مقصراً. قال الحافظ: عاش أبو الطفيل بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثمانياً وتسعين سنة، وتوفي سنة ثمان ومئة، بعد مولد سفيان بن عيينة بسنة. علي بن خليد أبو الحسن الدمشقي حدث عن أحمد بن مسكين قال: خرجت في طلب بشر بن الحارث من باب حرب، فإذا به جالس وحده، فأقبلت نحوه، فلما رآني مقبلاً خطّ بيده على الجدار وولّى، فأتيت موضعه، فإذا به قد خط بيده: من المنسرح الحمد لله لا شريك له ... في صبحه دائماً وفي غلسه لم يبق لي مؤنسٌ فيؤنسني ... إلا أنيسٌ أخاف من أنسه

علي بن داود بن أحمد

فاعتزل الناس يا أخيّ ولا ... تركن إلى من تخاف من دنسه وحدث علي ين خالد الدمشقي عن عباس العنبري قال: سمعت بشر بن الحارث يقول: من السريع أقسم بالله لرضخ النّوى ... وشرب ماء القلب المالحه أعزّ للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه فاستغن بالله تكن ذا غنىً ... مغتبطاً بالصفقة بالرابحه اليأس عزٌّ والتقى سؤددٌ ... ورغبة النفس لها فاضحه من كانت الدنيا به برّةً ... فإنها يوماً له ذابحه علي بن داود بن أحمد أبو الحسن الورثاني الأذربيجاني المعلم سكن المزة، وكان يعلم بها. حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي ذر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " معلم الخير والعامل به شريكان، يصلي عليهما كل شيء حتى الدواب في الأرض ومطر السماء ونون البحر ". وحدث عن الحسن بن صلام السواف بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " من أتت عليه ستون سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر ". وحدث بالنيرب سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة عن حامد بن سهل بسنده إلى علي قال: خير بئر بئر زمزم، وشر بئرٍ بئرٌ بحضرموت برهوت، فيها أرواح الكفار.

علي بن داود بن عبد الله

وحدث عن ابي الحسن القرشي قال: أنشدني عبد الله بن محمد الخراساني: من الطويل أتعمى عن الدنيا وأنت بصير ... وتجهل ما فيها وأنت خبير وتصبح تبنيها كأنك خالدٌ ... وأنت غداً عما بنيت تسير فلو كان ينهاك الذي أنت عارفٌ ... لقد كان فيما قد بلوت نذير فدونك فاصنع كلّ ما أنت صانعٌ ... فإنّ بيوت المترفين قبور علي بن داود بن عبد الله أبو الحسن الداراني المقرئ القطان إمام جامع دمشق، وكان يؤم أهل داريّا، فمات إمام جامع دمشق، فخرج أهل دمشق إلى داريّا ليأتو به للصلاة بالناس في جامع دمشق، فمنعهم أهل داريا، وكان فيمن خرج معهم القاضي أبو عبد الله بن النصيبي الحسيني، وجلة شيوخ البلد كأبي محمد بن أبي نصر، وقال: يا أهل داريا أما ترضون أن يسمع في البلاد أن أهل دمشق احتاجوا إلى إمام أهل داريا يصلي بهم؟ فقالوا: إنا رضينا، وألقوا السلاح، فقدمت له بغلة القاضي ليركبها، فلم يفعل، وركب حمارةً كانت له، فلما ركب التفت إلى ابن النصيبي، فقال: أيها القاضي الشريف، مثلي يصلح أن يكون إمام الجامع، وأنا علي بن داود، كان أبي نصرانياً فأسلم، وليس لي جد في الإسلام؟ فقال له القاضي: قد رضي بك المسلمون. ورحل معهم، وسكن في أحد بيوت المنارة الشرقية، وكان يصلي بالناس ويفرقهم في شرقي الرواق الأوسط من الجامع، ولا يأخذ على صلاته أجراً، ولا يقبل ممن يقرأ عليه براً، ويقتات من غلة أرض له بداريّا، ويحمل من الحنطة ما يكفيه من الجمعة إلى الجمعة، ويخرج بنفسه إلى طاحونة كسملين خارج باب السلامة، فيطحنه ويعجنه ويخبزه ويقتاته طول الأسبوع. وكان يقرأ عليه رجل مبخّل، له أولاد، كانوا يشتهون عليه القطائف مدة وهو يمطلهم، فألقي في روع أبي الحسن بن داود أمرهم، فسأله أن يتخذ له قطائف، فبادر

علي بن داود الدمشقي

الرجل إلى ذلك، لأن أبا الحسن لم يكن له عادة بطلب شيء ممن يقرأ عليه، ولا بقبوله، واشترى سكراً ولوزاً، واتخذها في إناء واسع، ثم أكل منها، فوجد لوزها مراً، فمنعه بخله من عمل غيرها، وحمله إلى ابن داود متغفلاً، فأكل منها واحدة، ثم قال له: احملها إلى صبيانك، فجاء بها بيته فوجدها حلوة، فأطعمها أولاده. توفي أبو الحسن سنة اثنتين وأربع مئة، وكان ثقة مأموناً، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري. علي بن داود الدمشقي حدث عن محمد بن زياد بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الفجر، فلما انفتل من صلاته، قال: " أين الصديق أبو بكر؟ " فلم يجبه أحد، فقام قائماً على قدميه فقال: " أين الصديق أبو بكر؟ " فأجابه من آخر الصفوف: يا لبيك، يا لبيك يا رسول الله. قال: " افرجوا لأبي بكر، ادن مني يا أبا بكر ". فدنا أبو بكر من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا أبا بكر لحقت معي الركعة الأولى؟ " قال: يا رسول الله كنت معك في الصف الأول فكبرت وكبرت، واستفتحت الحمد وقرأتها، فوسوس إليّ شيء من الطهور، فخرجت إلى باب المسجد، فإذا أنا بهاتف يهتف ويقول: وراءك، فالتفت فإذا بقدير من ذهب مملوء ماء أبيض من اللبن وأعذب من الشهد، وألين من الزبد، عليه منديل أخضر مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، الصديق أبو بكر، فأخذت المنديل، فوضعته على منكبي، فتوضأت للصلاة، وأسبغت الوضوء، ورددت المنديل على القدمين، فلحقتك وأنت راكع الركعة الأولى، فتممت صلاتي معك يا رسول الله، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أبا بكر أبشر، إن الذي وضأك للصلاة جبريل، والذي مندلك ميكائيل، والذي أمسك بركبتي حتى لحقت الركوع إسرافيل عليهم السلام ".

علي بن رباح بن قصير بن القشب

علي بن رباح بن قصير بن القشب ابن تبيع بن أردة بن حجر بن جزيلة بن لخم أبو عبد الله، ويقال: أبو موسى اللخمي، المصري والد موسى بن علي الذي يقال في اسمه: علي بالضم. وقد على معاوية، ووفد على عبد الملك غير مرة، وكان بدمشق حين قتل عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص. قال علي بن رباح: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تعلموا كتاب الله وتعاهدوه وتغنّوا به، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتاً من المخاض من العقل ". قال علي بن رباح: وفدنا مع معاوية بن حديج على معاوية بن أبي سفيان من إفريقية، فجعل معاوية يسأل ابن حديج عن أهل مصر، ويخبره عنهم، فقال معاوية بن أبي سفيان: يا بن حديج، إني وجدت أهل مصر على ثلاثة أصناف: فثلث ناس، وثلث أشبه الناس بالناس، وثلث لا ناس. فقال معاوية بن حديج: فسّر لنا يا أمير المؤمنين هذا. قال: أما الثلث الذين هم الناس فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالي، والثلث الذين لا ناس فالمسالمة. قال علي بن رباح: خرجت مع عبد العزيز بن مروان إلى الشام يوم انتفض بهم عمرو بن سعيد، فلما فرغوا منه انصرف عبد العزيز قافلاً لا ينزل منزلاً إلا غشيه جماعة من الناس يسألونه، ويذكرون بلاءهم، فأنكرت ذلك من صنيعهم، فقلت لعبد العزيز: لقد أظهر الناس من المسألة وأجازوها فيما بينهم، وما كان الناس يرضون بذلك لأنفسهم، ولا يجيزونها فيما بينهم. فقال عبد العزيز: إنه كان للناس أبواب من المعاش مفتّحة لهم، كانت تغنيهم عن المسألة، فلما أغلقت عليهم تلك الأبواب اضطرهم ذلك إلى المسألة. فقلت: وما يمنع

أمير المؤمنين وأنت أيها الأمير إذ عرفتم ذلك أن تفتحوها فيكفيهم ذلك عن المسألة؟ قال: إنك أحمق، إن الناس صاروا تجاراً بدينهم، ألا ترى إلى عمرو بن سعيد أغار على دمشق باثني عشر ألفاً على زيادة عشرة عشرة؟ ولد أبو عبد الله سنة خمس عشرة عام اليرموك، وكان أعور ذهبت عينه يوم الصواري في البحر مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح، سنة أربع وثلاثين. وكان يفد لليمانية من أهل مصر على عبد الملك بن مروان، وكانت له من عبد العزيز بن مروان منزلة، وهو الذي زفّ أمّ البينين ابنة عبد العزيز بن مروان إلى الوليد بن عبد الملك، ثم عتب عليه عبد العزيز فأغزاه إفريقية، فلم يزل بإفريقية إلى أن توفي بها. ويقال: إن وفتها كانت في سنة أربع وعشرة ومئة. وكان يلقب بعلي، وكان اسمه علياً، وكان يحرج على من سماه عليّاً بالتصغير. ورباح: بفتح الراء والباء الموحدة. وكان يقول: لا أجعل في حلٍّ من سماني عليّاً، فإن اسمي عليّ. قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو علي. وكان يغضب من علي. وقيل: توفي علي بن رباح سنة سبع عشرة ومئة. وثقه جماعة. قال الحارث بن زيد الحضرمي: دخلت على علي بن رباح وهو في الشمس، وعنده جارية علجة، وهو يقول: قال عمرو بن العاص، قال فلان، قال فلان، فقلت له: تحدث مثل هذه بهذه الأحاديث؟ فقال: ليست هي بي، إنما أستذكر حديثي.

علي بن ربيعة البيروتي

علي بن ربيعة البيروتي حدث عن الأوزاعي بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " الحمّى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء ". فكان ابن عمر يقول: اللهم اكشف عنا الرّجز. علي بن أبي رجاء أبو الحسن حدث عن أبي مسلمة إسحاق بن سعيد بن الأركون بسنده إلى أبي هريرة أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خيرٌ مما بين السماء والأرض ". قال الحافظ: هذا وهم، وأبو الحسن بن أبي الرجاء هذا اسمه أحمد بن نصر بن شاكر، دمشقي مشهور ولعله كان في الأصل غير مسمى، فسمّاه بعض الرّواة علياً، لأن الغالب في هذه الكنية أن تكون لعلي، والله أعلم. علي بن زكريا بن يحيى أبو الحسن القاضي البغدادي حدث عن أبي الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم القاضي الأسدي بسنده إلى ابن عمر: أنه كان يوتر على بعيره، ويذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك.

علي بن زيد بن عبد الله بن زهر

علي بن زيد بن عبد الله بن زهر أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو الحسن التيمي القرشي البصري الفقيه قدم على عمر بن عبد العزيز. حدث عن أنس بن مالك: أن أكيدر دومة أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جبّة، فعجب الناس من حسنها، فقال: والذي نفسي بيده إن مناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها. وحدث عن زرارة بن أوفى بسنده أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من ضم يتيماً ابن مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة، ومن أدرك والديه أو أحدهما، ثم لم يبرّهما، ثم دخل النار فأبعده الله، وأيّما مسلم أعتق مسلمة كانت فكاكه من النار ". قال علي بن زيد: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لقد تمت حجة الله على ابن الأربعين، ومات لها رحمه الله. وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يخطب وهو يقول: أيها الناس إن أفضل العبادة أداء فرائض الله واجتناب محارم الله. وأم علي بن زيد أم ولد، وولد علي بن زيد وهو أعمى، وكان كثير الحديث، وفيه ضعف، لا يحتج به.

قال علي بن زيد بن جدعان: لا ينبغي للوالي أن يلي حتى يكون فيه خمس خصال، إن أخطأته واحدة لا ينبغي أن يكون والياً: حتى يجمع المال من قبل وجهه، فإذا جمعه عفّ عنه، ثم قسمه في حقه، ثم يكون شديداً في غير جرأة، وليّناً في غير وهن. قال علي بن زيد: قال لي بلال بن أبي بردة: اغد إليّ غدوة حتى أرسلك فتخطب عليّ هند بنت المهلب. فلما أردت الغدو قال لي أهلي: عندنا تين، فلو أصبت منه قبل أن تذهب، فإنك لا تدري متى ترجع؛ فأتوني بسلة عظيمة، فأتيت على ما فيها أجمع. وغدوت على بلال، فقال: انطلق فاخطب عليّ هنداً، ثم قال: لا تبرح حتى تغدّى؛ فدعا بغداء كثير، فأكلت. ثم مضيت فأتيت هنداً فكلمتها، فقالت: ما عنه رغبة، وإنه لكفءٌ كريم، وهذا كتاب خالد بن عبد الله القسري فلو أردت التزويد لم أعدل به. فنهضت، فقالت: لا تخرج وقد دخلت منزلي حتى تغدّى، فأتوني بطعام كثير. وخرجت فمررت ببني شيبان، وبين أيديهم تمر ولبن، يتمجعون به، فدعوني فأصبت معهم، ومضيت. فصحبني زياد العنبري، فحدثني فقال: يا أبا الحسن، والله لعلل الموت أخفى من وشي برد، فقلت وأنا مكروب مما أجد في بطني: أنا والله في بعض تلك العلل. قالوا: وكان علي بن زيد رفاعاً. قال الترمذي: وعلي بن زيد صدوق، إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره.

علي بن زيد بن علي

قال شعبة: حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط. وقال يحيى بن معين: ما اختلط علي بن زيد قط. قال يزيد بن رزيغ: رأيت علي بن زيد ولم أحمل عنه، فإنه كان رافضياً، وكان علي بن زيد يتشيع، وكان الطاعون بالبصرة. علي بن زيد بن علي أبو الحسن السّلمي الدّواجي المؤدّب كان يؤدّب في مسجد السلاّلين رأس درب التّبان، صلى في مسجد درب الحجر نحو خمسين سنة احتساباً، وكان عفيفاً مستوراً. حدث عن نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده إلى أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث لا أدعهنّ: سبحة الضّحا في الحضر والسفر، وأن أصوم ثلاثة أيام من كلّ شهر وقال: إنه صيام الدهر وأن لا أنام إلا على وتر. ولد سنة إحدى وخمسين وأربع مئة. وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.

علي بن زيد أبو الحسن الدمشقي

علي بن زيد أبو الحسن الدمشقي حدث عن أيوب بن سويد بسنده إلى سعيد بن المسيب قال: توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ثلاث وستين سنة. قال ذلك عروة عن عائشة. علي بن سراح بن عبد الله أبو الحسن بن أبي الأزهر المصري الحرسيّ مولاهم، الحافظ حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث بسنده إلى أبي هريرة: أنه أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني كنت أصلّي فدخل عليّ رجل فأعجبه الحال التي رآني عليها. فقال: لك أجران: " أجر السّر وأجر العلانية ". توفي علي ين سراح بعد سنة ثلاث مئة، قيل: سنة ثمان وثلاث مئة. وكان يشرب المسكر ويسكر. قال محمد بن المظفر: رأيت علي بن سراح المصري سكران على ظهر رجل يحمله من ماخور. وقال الدارقطني: هو صالح.

علي بن سعيد بن بشير بن مهران

علي بن سعيد بن بشير بن مهران أبو الحسن الرازي الحافظ، يعرف بعليك عليك: بفتح العين. حدث بدمشق عن الهيثم بن مروان الدمشقي بسنده إلى عبد الله بن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه مرّ بصنم من نحاس فضرب ظهره بظهر كفه، ثم قال: خاب وخسر من عبدك من دون الله، ثم أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل ومعه ملك، فتنحى الملك؛ فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " ما شأنه تنحّى؟ " قال: إنه وجد منك زنخ نحاس وإنا لا نستطيع زنخ النحاس. قال حمزة بن يوسف: سألت الدارقطني عن عليك الرازي فقال: ليس في حديثه كذلك، وإنما سمعت بمصر أنه كان والي قرية، وكان يطالبهم بالخراج، فما كانوا يعطونه، قال: فجمع الخنازير في المسجد. فقتل له: إنما أسأل كيف هو في الحديث، فقال: قد حدث بأحاديث لم يتابع عليها، ثم قال: في نفسي منه، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر، وأشار بيده وقال: هو كذا وكذا، كأنّه ليس ثقة. توفي سنة تسع وتسعين ومئتين. علي بن سعيد بن جرير أبو الحسن النسوي محدث مشهور، له رحلة. حدث عن محمد بن المبارك بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى باليمين مع الشاهد. حدث علي بن سعيد النسوي بنيسابور سنة ست وخمسين ومئتين.

علي بن سعيد بن عبد الله

علي بن سعيد بن عبد الله أبو الحسن الأزدي العريفي حدث بأطرابلس عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه ". علي بن سليمان بن سلمة أبو الحسن المري، المعروف بالطبري حدث عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الوليد المري بسنده إلى أبي رجاء المري عن أبيه عن جده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بالله من لا يؤمن بي، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار ". علي بن سليمان بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي من وجوه بني العباس. قدم مع المهدي دمشق، وولي له الجزيرة: خراجها وحربها وصلاتها، وعدة ولايات. قال خليفة: سنة ثمان وستين كتب المهدي إلى علي بن سليمان بن علي يأمره ببناء مدينة الحدث، فوجه عليّ المسيب بن زهير فأقام بنيانها.

علي بن سليمان بن الفضل

خرج المهدي وعلي بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة، فرمى المهدي ظبياً فشكه، ورمى علي بن سليمان، وهو يريد ظبياً فأصاب كلباً فشكه؛ فضحك المهدي وقال: يا أبا دلامة قل في هذا، فقال: من الرمل قد رمى المهديّ ظبياً ... شكّ بالسهم فؤاده وعليّ بن سليما ... ن رمى كلباً فصاده فهنيئاً لكما كلّ امرئٍ يأكل زاده فأمر له بثلاثين ألف درهم. في سنة اثنتين وسبعين ومئة توفي إبراهيم وعلي ابنا سليمان بن علي. علي بن سليمان بن الفضل أبو الحسن النحوي، المعروف بالأخفش الصغير البغداي أنشد أبو الحسن: من البسيط يا ليتني كنت فيمن كان شاهده ... إذ ألبسوه ثياب الفرقة الجددا وطيّبوه فما ظنّوا بطيبهم ... طيباً لعمرك لم تمدد إليه يدا حتى إذا صيّروه دون صفّهم ... وأمّهم قارئٌ صلّى وما سجدا قالوا وهم عصبٌ يستغفرون له ... قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا كان إبراهيم بن المدبر طلب من أبي العباس المبرد جليساً يجمع مع مجالسيه يعلم ولده، فندب عليّ بن سليمان، وبعثه إلى مصر، وكتب معه: قد أنفذت إليك فلاناً، وجملة أمره كما قال الشاعر: من الوافر

علي بن سليمان بن كيسان

إذا زرت الملوك فإنّ حسبي ... شفيعاً عندهم أن يخبروني فقدم مصر سنة سبع وثمانين ومئتين، وخرج عنها سنة ثلاث مئة. وتوفي ببغداد سنة خمس عشرة وثلاث مئة. علي بن سليمان بن كيسان أبو نوفل الكسائي الكلبي، مولاهم ولد بالكوفة وسكن دمشق. حدث عن هشام بن حسان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، فلم يقل لشيء فعلته: مالك فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء لم أفعله: لم لم تفعل كذا وكذا؟ وحدث عن الأعمش بسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " فضل العلم كفضل العبادة، وخير دينكم الورع ". كان ثقة. علي بن سهل بن بكر الصيداني وقيل: الصيدلاني حدث عن محمد بن السري الرملي عن أبيه عن عطاء السلمي قال: مررت في أزقة الكوفة، فرأيت عليان المجنون على طبيب يضحك منه، وما كان لي عهد بضحكه، فقلت: ما يضحكك؟ قال من هذا العليل السقيم الذي يداوي غيره، وهو مسقام. قلت: فهل تعرف له دواء ينجيه مما هو فيه؟ قال: نعم، شربة، إن هو شربها

علي بن شريح بن حميد

رجوت برأه. قلت: صفها، قال: خذ ورق الفقر وعذق الصبر وهليلج التواضع ويلنلج المعرفة وغاريقون الفكر ودقّها دقّاً ناعماً بهاون الندم، واطبخها في طبخة التقى، وصبّ عليها ماء الحياة، وأوقد تحتها حطب المحبة حتى يرغو الزّبد، ثم أفرغها في جام الرّضا، وروّحها بمروحة الجهد، واجعلها في قدح القكرة، وذقها بملعقة الاستغفار، فلن تعود إلى المعصية أبداً، قال: فشهق الطبيب وخرّ مغشيّاً عليه، وفارق الدّنيا. قال عطاء: ثم رأيت عليان بعد حولين في الطواف، فقلت له: وعظت رجلاً فقتلته، قال: بل أحييته، قلت: وكيف؟ قال: رأيته في منامي بعد ثلاثٍ من وفاته، عليه قميص أخضر ورداء، وبيده قضيب من قضبان الجنة، قلت له: حبيبي، ما فعل الله بك؟ قال: يا عليان، وردت على ربٍّ رحيم، غفر ذنبي، وقبل توبتي، وأقالني عثرتي. علي بن شريح بن حميد ويقال: ابن شريح بن عبد الكريم أبو الحسن الأملوكي الحمصي حدث بدمشق عن أبي عبد الله أحمد بن عابد الخولاني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أكثر أهل الجنة البله ".

علي بن شيبان بن بنان أبو الحسن الجوهري أصله من البصرة، سكن دمشق، وحدّث بها. روى عن علي بن داود القنطري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدّنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ". وحدث عن محمد بن عبيد الله المنادي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تفترق أمتي على فرقتين، فتمرق بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق ". وحدّث عن محمد بن عبد الرّحمن الدّينوري عن رجل أظنه الرّبيع بن شيبان، قال: قال الشافعي: سمعت سفيان بن عيينة يقول: إن العالم لا يماري ولا يداري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردّت حمد الله. توفي ابن بنان الجوهري سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. وقال: قال أبو سليمان: سنة عشرين ومئتين: فيها مات علي بن شيبان.

علي بن أبي طالب عليه السلام

علي بن أبي طالب عليه السلام واسم أبي طالب عبد مناف، بن عبد المطلب واسمه شيبة، بن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف واسمه المغيرة، بن قصي واسمه زيد أبو الحسن الهاشمي ابن عم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وختنه على ابنته، وأخوه وأبو سبطيه الحسن والحسين. من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان بن عفان، يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري، ثم بويع للعامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقدم الجابية مع عمر بن الخطاب، وذكر الواقدي أنه لم يخرج مع عمر. حدث أبو الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ فغضب، ثم قال: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئاً كتمه عن الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هنّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قل: " لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غيّر منار الأرض ".

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت رجلاً مذّاءً، فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري، قال: فذكرت ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، أو ذكر له، فقال: " لا تفعل إذا رأيت المذي فاغتسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فصحت الماء فاغتسل ". وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما ". وعن نافع أن عظيم أنباط الشام قال: يا أمير المؤمنين إنا قد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، فإن رأيت أن تحضره، فقال: وأين؟ فقال: في الكنيسة، فقال عمر: إن في كنائسكم الصور، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإنا لا ندخل بيتاً لا تدخله الملائكة. وفي رواية قالوا: يا أمير المؤمنين قد أنفقنا عليك نفقة، وكلّفنا فيه مؤنةً. فقال عمر: يا علي انطلق فتغدّ وغدّ الناس، ففعل علي، فجعل يتغدّى ويغدّي الناس، وعلي ينظر إلى تلك الصّور التي في كنيستهم ويقول: ما كان على أمير المؤمنين أن لو دخل وتغدّى. وجعفر وعلي وعقيل بنو أبي طالب، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وأسلمت وهاجرت إلى الله وإلى رسوله بالمدينة وماتت بها، وشهدها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأم فاطمة بنت أسد فاطمة بنت هزم بن رواحة بن حدر بن عبد بن معيص بن عامر.

ويقال: إنّ علياً أول ذكر آمن بالله ورسوله. ويقال: أبو بكر الصّدّيق أول ذكر آمن بالله ورسوله. وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار يتوارثون، فآخى عليّاً يوارثه حتى نزلت: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله "، فرجعت الوراثة إلى الأرحام. وهو أحد أصحاب الشورى الستة الذين شهد لهم عمر بن الخطاب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفي وهو عنهم راضٍ. وله يقول أسيد بن أبي إياس بن زنيم بن محييه بن عبد بن عدي بن الديل وهو يحرض مشركي قريش على قتله ويغريهم: من الكامل في كلّ مجمع غايةٍ أخزاكم ... جذع أبرّ على المذاكي القرّح لله درّكم ألمّا تنكروا ... قد ينكر الحيّ الكريم ويستحي هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحاً وقتلة قعصةٍ لم يذبح أعطوه خرجاً واتّقوا بمصيبةٍ ... فعل الذّليل وبيعةً لم تربح أين الكهول وأين كلّ دعامةٍ ... في المعضلات وأين زين الأبطح أفناهم قعصاً وضرباً يقتري ... بالسيف يعمل حده لم يصفح وكان علي عليه الصلاة والسلام ربعة آدم، وقيل: أحمر ضخم المنكبين طويل اللحية أصلع عظيم البطن أبيض الرأس واللحية.

قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان سنين، ويقال: سبع سنين. قال زهر بن معاوية: كان علي يكنى أبا قضم، وكان رجلاً آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، وهو إلى القصر أقرب. وكان خلافته أربع سنين وثمانية أشهر وتسعة عشر يوماً، وقبض النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع وعشرين سنة. وعلي أول من صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بني هاشم، وشهد المشاهد معه، وجاهد معه، ومناقبه أشهر من أن تذكر، وفضائله أكثر من أن تحصى. توفيت أمه فاطمة مسلمةً قبل الهجرة. وقيل: إنها هاجرت، وصلى عليها سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ودفنها وبكى عليها، فإنها كانت بارة به، قيمة بأمره. وكان علي أصغر بني أبي طالب، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين. وكان علي من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة هارون من موسى، وصلى القبلتين جميعاً، وهاجر الهجرة الأولى، وشهد المشاهد كلها إلا تبوك، رده سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اخلفني في أهلي "، قال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ". وقال يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. فتطاول لها أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ادعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع إليه الراية، ففتح الله تعالى عليه. ولما نزلت: " ندع أبناءنا وابناءكم " دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال:

وقال صلّى الله عليه وسلّم: " إنه أقضى الأمة ". وشهد له سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة. ومات وهو عنه راض، رحمه الله وسلم عليه وحشرنا في زمرته. وقال علي عليه السلام يوم خيبر: من الرجز أنا الذي سمّتني أمي حيدره ... كليث غاباتٍ كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السّندره فسره ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب ولد وأبو طالب غائب، وسمته فاطمة أمه أسداً باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره هذا الاسم الذي سمته أمه به، وسماه علياً، فلما رجز علي يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمته به أمه. وحيدرة من أسماء الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد، والسندرة: شجر تعمل منها القسي والنبل. قال سهل بن سعد: استعمل على المدينة رجل من آل مروان، فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً فأبى سهل، فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأن كان ليفرح إذا دعي به، فقال له: أخبرنا عن قصته، لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت، فقال: " أين ابن

عمك؟ " فقالت: كان بينين وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان: " انظر أين هو؟ " فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسحه عنه، ويقول: " قم أبا تراب، قم أبا تراب ". وفي حديث آخر: ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فخرج مغضباً حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه، فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " قم يا أبا تراب "، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبرديه ويقول: " قم يا أبا تراب، أغضبت أن آخيت بين الناس ولم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، فقال: " أنت أخي، وأنا أخوك ". وعن أبي الطفيل قال: جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعليّ عليه السلام نائم في التراب، فقال: " أحق أسمائك أبو تراب، أنت أبو تراب ". وفي حديث بمعنى حديث سعدٍ في مغاضبة فاطمة عليها السلام: فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فإذا هو نائم في التراب فقال له: " يا أبا تراب ما ينيمك في التراب؟ والله، حجرة بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير من التراب "، فقام. قال أبو رجاء العطاردي: رأيت علي بن أبي طالب ربعة ضخم البطن، عظيم اللحية قد ملأت صدره، في عينيه خفش، أصلع شديد الصلع، كثير شعر الصدر والكتفين، كأنما اجتاب إهاب شاة. وفي حديث الشعبي: أصلع على رأسه زغبات، له ضفيرتان. وفي حديث: إلى القصر ما هو، دقيق الذراعين، لم يصارع أحداً قط إلا صرعه،

ومن أحاديث: كأنما كسر ثم جبر، لا يغير شيبه، خفيف المشي على الأرض، ضحوك السن، وكان من أحسن الناس وجهاً. ولما دعاه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام كان ابن تسع سنين، ويقال: دون التسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره. قال مجاهد: أول من صلى عليٌّ وهو ابن عشر سنين، وقيل: أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، وقيل: ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، وكانت له ذؤابة، يختلف إلى الكتاب. وقيل: إنه أول من أسلم بعد خديجة، وهو ابن خمس عشرة أو ست عشرة سنة. وروي عن ابنعباس قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة ثم أناس ثم علي، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع الأنداد واللات والعزى، وأمرهم بالصلاة. قال أبو نافع: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول يوم الاثنين، وصلت خديجة آخر يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد، وصلى مستخفياً قبل أن يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أحدٌ سبع سنين وأشهر. قال أنس: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء. قال علي عليه السلام: عبدت الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يعبد رجلٌ من هذه الأمة خمس سنين، أو سبع سنين.

وعن علي عليه السلام قال: أنا أول من أسلم. وعنه قال: أنا أول من صلى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال حبّة العرني: رأيت علياً ضحك ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه حتى بدت نواجذه وهو على المنبر، فقال: بينا أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم نرعى ببطن نجلة، فنحن نصلي إذ وجدنا أبو طالب فقال: ماذا تصنعان يا بن أخ؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أسلم "، وكلّمه، فقال: ما أدري ما تقول! وفي رواية فقال: ما بما تقولان بأس، ولكن والله لا يعلوني استي. قال: فضحك لقول أبيه، ثم قال: اللهم لا أعرف عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيها صلّى الله عليه وسلّم، ثلاث مرار، ثم قال: لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعاً. قال: والله ما قال سبعة أيام، ولا سعة أشهر ولا سبع سنين. قالت معاذ العدوية: سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يخطب يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم. قال الحارث: سمعت علياً يقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من صلى القبلة من الرجال مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عليّ. قال علي بن أبي طالب: صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يصلي معه أحد من الناس ثلاث سنين، وكان مما عهد إلي أن لا يبغضني مؤمن ولا يحبني كافر أو منافق، والله ما كذبت ولا كذّبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إلي.

قال عفيف: جئت في جاهلية إلى مكة، وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب، وكان رجلاً تاجراً، وأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة، وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت، فذهبت، إذ أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم قام مستقبل الكعبة، فلم ألبث إلى يسيراً حتى جاء غلام، فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امرأة، فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقتل: يا عباس، أمر عظيم! فقال العباس: أمر عظيم! تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي، تدري من هذا الغلام؟ هذا ابن أخي علي، تدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. إن ابن أخي هذا حدثني عن أن ربه ربّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، والله، ما على الأرض كلها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. قال ابن عباس: أول من آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي، ومن النساء خديجة. وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي أول من آمن بي وصدقني ". وقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب سبع سنين "، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " لم يكن معي من الرجال غيره ". قال مالك بن الحويرث: كان علي أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء. قال زيد بن أرقم: أول من أسلم على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب، فذكرت ذلك لإبراهيم فأنكره، قال: أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر. قال إبراهيم القرظيّ: كنا جلوساً في دار المختار ليالي مصعب، معنا زيد بن أرقم، فذكروا علياً، فأخذوا يتناولونه، فوثب زيد وقال: أف أف، والله إنكم لتتناولون رجلاً قد صلى قبل الناس بسبع سنين. وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد صلت الملائكة عليّ وعلى عليٍّ سبع سنين، لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ". وعن أنس بن مالكقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلى عليّ الملائكة وعلى عليّ بن أبي طالب سبع سنين، ولم تصعد أو ترتفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب ". وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وأنكم وروداً على الحوض أولكم إسلاماً: علي بن أبي طالب ". وعن سلمان وأبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " ألا إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين ". وفي رواية: " والمال يعسوب الكفار ". قال أبو سخيلة: حججت أنا وسلمان، فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء الله، فلما حان منا خفوف قلت: يا أبا ذر، إني أرى أموراً قد حدثت، وإني خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال: الزم كتاب الله عز وجل وعليّ بن أبي طالب، فأشهد أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "

علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل ". وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ". وعن قال: ستكون فتنة، فإن أدركهما أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب؛ فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول وهو آخذ بيد علي: " هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي ". وعن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: " يا قوم اتّبعوا المرسلين ". وحزقيال مؤمن آل فرعون الذي قال: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم ". وعن عبد الرحمن بن عوف: في قوله عز وجل: " والسابقون الأولون " قال: هم عشرة من قريش كان أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب.

وعن عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب: من أول من أسلم علي بن أبي طالب أبو بكر؟ قال: سبحان الله! علي أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأن علياً أول من أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهم إسلاماً فاشتبه على الناس. وفي حديث بمعناه عن محمد بن كعب القرظي: كان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ فقال: نعم، فقال: وازر ابن عمك وانصره. وقال: أسلم علي قبل أبي بكر. وحدثت ليلى الغفارية قالت: كنت أخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مغازيه، فأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلما خرج عليٌّ بالبصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة واقفة دخلني شيء من الشك، فأتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضيلة في علي؟ قالت: نعم. دخل علي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مع عائشة وهو على فريش لي، وعله جرد قطيفة فجلس بينهما فقالت له عائشة: أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، دعي لي أخي، فإنه أول الناس بي إسلاماً، وآخر الناس بين عهداً عند الموت، وأولى الناس بي يوم القيامة ". وعن علي قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خديجة وهو بمكة، فاتخذت له طعاماً، ثم قال لعلي: " ادع لي بني عبد المطلب "، فدعا أربعين، فقال لعلي: " هلم طعامك "، قال علي، فأتيتهم بثريدة، إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتى أمسكوا، ثم قال: " اسقهم "، فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم، فشربوا منه حتى صدروا، فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرقوا ولم يدعهم. فلبثوا أياماً ثم صنع لهم مثله، ثم أمرني فجمعتهم، فطعموا، ثم

قال لهم: " من يؤازرني على ما أنا عليه؟ ويتابعني على أن يكون أخي وله الجنة؟ " فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً، فسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك؟ قال: دعوه فلن يألو من ابن عمه خيراً. وفي حديث بمعناه فقال: " يا بني عبد المطلب: إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي؟ " قال: فلم يقم إليه أحد. قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم، قال: فقال: " اجلس "، قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: " اجلس "، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. وعن علي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع قريشاً. ثم قال: " لا يؤدي أحد عني ديني إلا علي ". وعن علي قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً من أهل بيته، إن كان الرهط منهم لآكلاً الجذعة، وإن كان لشارباً فرقاً، فقدّم إليهم رجل يعني شاة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال لعلي: " تقضي ديني وتنجز موعدي ". وعن علي قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل ". قال:

ففعلت، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي اجمع بني هاشم "، وهم يومئذ أربعون رجلاً، أو أربعون غير رجل. فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالطعام فوضعه بينهم، فأكلوا حتى شبعوا، وإن منهم ليأكل الجذعة بآدامها. ثم تناولوا القدح، فشربوا حتى رووا، وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر، يرون أنه أبو لهب. فقال الثالثة: " اصنع رجل شاة بصاع من طعام، واغد بقعب من لبن "، ففعلت، فقال: " اجمع بني هاشم "؛ فجمعتهم، فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالكلام، فقال: " أيكم يقضي ديني، ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟ " قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثانية، وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكلام الثالثة، قال: وإني يومئذ لأسوؤهم هيئة، إني يومئذ لأحمش الساقين، أعمش العينين، ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " أنت يا علي، أنت يا علي ". وعن علي قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين " فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما تؤمر به، سيعذبك ربك. " فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، وأمل لنا عساً من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ". فصنع لهم الطعام، وحضروا، فأكلوا وشبعوا، وبقي الطعام. قال: ثم تكلم

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وإني ربي أمرني أن أدعوكم، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ " فأحجم القوم عنها جميعاً، وإني لأحدثهم سناً، فقلت: أنا، يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: " هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ". فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع. وفي حديث بمعناه: فقال لهم: " يا بني عبد المطلب: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً ووصياً ومنجزاً لعدته وقاضياً لدينه، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، وهو يومئذ أصغرهم، فقال له: " اجلس ". فقدم إليهم الجذعة والفرق من اللبن فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضلة. فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول، ثم قال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً، ولا تكونوا أذناباً، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي ومنجز عداتي، وقاضي ديني؟ " فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: " اجلس ". فلما كان اليوم الثالث، أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب فبايعه بينهم فتفل في فيه فقال أبو لهب: بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه، ملأت فاه بصاقاً. وعن أبي رافع قال: كنت قاعداً بعدما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعباس: أيّدك الله، هل تعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: " يا بني عبد المطلب إنه لم يبعث الله نبياً إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً

وخليفة في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أهلي؟ ". فلم يقم منكم أحد؟ فقال: " يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومن قائمكم، أو ليكونن في غيركم، ثم لتندمنّ "، فقام علي من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم. عن ابن عمر قال: حين آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال: ما لي لم تؤاخ بيني وبين أحد من إخواني؟ فقال: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ". وعن أنس بن مالك قال: آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين المسلمين، فقال لعلي: " أنت أخي وأنا أخوك ". وآخى بين أبي بكر وعمر، وآخى بين المسلمين جميعاً. وعن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أقول كما قال أخي موسى: " ربّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري " " واجعل لي وزيراً من أهلي " علياً أخي " اشدد به أزري " " إلى آخر الآيات. وعن زيد بن أوفى قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده، فقال: " أين فلان؟ أين فلان؟ " فجعل ينظر في وجوه أصحابه، فذكر الحديث في المؤاخاة، وفيه: فقال علي: لقد ذهب روعي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخطك عليّ فلك العتبى والكرامة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي ". قال: وما أرث منك يا نبي الله؟ قال: " ما ورثت الأنبياء من قبلي ". قال: وما ورثت الأنبياء من قبلك؟ قال: " كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة

مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي ". ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إخواناً على سررٍ متقابلين " المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وعن ابن عباس قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي أنت مني وأنا منك، وأنت أخي وصاحبي ". وعن محدوج بن زيد الهذلي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما آخى بين المسلمين أخذ بيد علي فوضعها على صدره ثم قال: " يا علي، أنت أخي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، أما تعلم أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي، فأقام عن يمين العرش في ظله، فأكسى حلّة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبيك إبراهيم عليه السلام، فيقام عن يمين العرش، فيكسى حلى خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين والمرسلين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين، فيكسون حللاً خضراً من حلل الجنة، وأنا أخبرك يا علي أنه أول من يدعى من أمتي يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، يستتر به آدم وجميع من خلق الله عز وجل من الأنبياء والمرسلين، فيستظلون بظل لوائي، فتسير باللواء بين السماطين، الحسن بن علي عن يمينك، والحسين عن يسارك حتى تقف بيني وبين إبراهيم في ظل العرش فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، فينادي منادٍ من عند العرش: يا محمد، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك، وهو علي، يا علي، إنك تدعى إذا دعيت، وتحيّا إذا حييت وتكسى إذا كسيت ". وعن جعفر قال: سمعت أبا ذر وهو مستند إلى الكعبة، وهو يقول: أيها الناس، استووا أحدثكم مما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ يقول لعلي كلماتٍ، لو تكون لي إحداهن أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: " اللهم أعنه واستعن به! اللهم انصره وانتصر له، فإنه عبدك وأخو رسولك ".

وعن علي قال: طلبني النبي صلّى الله عليه وسلّم فوجدني في جدول نائماً، فقال: " قم، ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب " قال: فرآني كأني قد وجدت في نفسي من ذلك، فقال: " قم، فوالله لأرضينّك، أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن سنتي، وتبرئ عن ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة الجاهلية، وحوسب بما عمل في الإسلام ". وعن ابن عباس: أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الله يقول: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله إن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه. وعن أنس بن مالك قال: كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا علي بن أبي طالب أو سلمان الفارسي أو ثابت بن معاذ الأنصاري؛ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله، فلما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " وعلمنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعيت إليه نفسه، قلنا لسلمان: سل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحب الناس إليه؟ فلقيه فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مقته ووجد عليه. فلما كان بعد لقيه، فقال: " يا سلمان، يا أبا عبد الله ألا أحدثك عما كنت سألتني؟ " فقال: يا رسول الله، خشيت أن تكون قد مقتّني ووجدت عليّ، قال: " كلا يا سلمان، إن أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي، يقضي ديني ونجز موعدي علي بن أبي طالب ". قال الخطيب: في سنده مطير، وهو مجهول.

وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولا يحاجك فيهم أحد من قريش، اللهم إنك أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية ". وعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن علي: فإني سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه خصالاً، لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحبّ إلي مما طلعت عليه الشمس؛ إني كنت ذات يوم وأبو بكر وعبد الرحمن وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح في نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانتهينا إلى باب أم سلمة إذا نحن بعلي متكئ على نجف الباب فقلنا: أردنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن، قال: فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فثرنا حوله، واتكأ على علي، ثم ضرب يده على منكبيه، وقال: " اكس ابن أبي طالب، فإنك مخاصم فتخصم بسبع خصال، ليس لأحد بعدهن إلا فضلك: إنك أول المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية. وسقطت منه واحدة. وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله، قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام ". وعن عبد الله بن ثمامة قال: سمعت علياً يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب. وعن يعلى بن مرة الثقفي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخى بين الناس، فترك علياً في آخرهم، لا يرى أن له أخاً، فقال: يا رسول الله، آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: " ولم ترى تركتك؟ إنما تركتك

لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك "، قال: " فإن حاجّك أحد فقل: إني عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها أحد بعدك إلا كذاب ". قال زيد بن وهب: كنا ذات يوم عند علي، فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها بعدي إلا كذاب، فقال رجل من غطفان: والله لأقولن لكم كما قال هذا الكذاب، أنا عبد الله وأخو رسوله، قال: فصرع، فجعل يضطرب، فحمله أصحابه، فاتبعتم حتى انتهينا إلى دار عمارة، فقلت لرجل منهم، أخبرني عن صاحبكم فقال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله، فقال بعضهم: لا والله، ما كنا نعلم به بأساً حتى قال تلك الكلمة، فأصابه ما ترى، فلم يزل كذلك حتى مات. قال الحارث الهمداني: رأيت علياً جاء حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النّبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى. وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ". وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي أنت مني وأنا منك ". وعن جعفر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلقت أنا وهارون بن عمران ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة ". وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " الناس من شجر شتى، وأنا وأنت من شجرة واحدة "، ثم قرأ النّبي صلّى الله عليه وسلّم: "

وجناتٌ من أعنابٍ وزرعٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ " بالياء. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد، والين من الزبد، وأرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله منها، وخلق منها شيعتنا، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا، ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه ولاية علي بن أبي طالب ". وعن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعليّ فرعها، فطوبى لمن استمسك بأصلها، وأكل من فرعها ". وعن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، ثمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا إلا أكبّه الله على منخريه في النار "، ثم تلا: " قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ". زاد في حديث آخر: " وأشياعنا أوراقها ". وفي آخر: " يا علي، لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلّوا صلّوا حتى يكونوا كالأوتاد، ثم أبغضوك، لأكبّهم الله في النار ".

وعن ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الله الدّنيا بأربعين ألف عام، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي، فشقّ منه نصفاً فخلق منه نبيّكم، والنّصف الآخر علي بن أبي طالب ". وعن سلمان قال: سمعت حبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاًن يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء أنا وجزء علي ". وعن عبد الله بن عباس قال: أنام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً في فراشه ليلة انطلق إلى الغار، فجاء أبو بكر يطلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره علي أنه قد انطلق فاتبعه أبو بكر، وباتت قريش تنظر علياً، وجعلوا يرمونه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي، فقالوا: أين محمد؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: قد أنكرنا تضوّرك، كنا نرمي محمداً فلا يتضوّر، وأنت تضوّر، وفيه نزلت الآية: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ". وعن أبي رافع: أن علياً كان يجهز النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين كان بالغار ويأتيه بالطعام، واستأجر له ثلاث رواحل: للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر ودليلهم ابن أريقط، وخلّفه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فخرج إليه أهله، فخرج وأمره أن يؤدي عن أمانته، ووصايا من كان يوصي إليه، وما كان يؤتمن عليه من مال، فأدى عليّ أمانته كلها، وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج، وقال: " إن قريشاً لن يفقدوني ما رأوك ". فاضطجع على فراشه، وكانت قريش تنظر إلى فراش النّبي صلّى الله عليه وسلّم فيرون عليه رجلاً يظنونه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً فقالوا: لو خرج محمد خرج بعلي معه، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النّبي صلّى الله عليه وسلّم حين رأوا عليّاً، ولم يفقدوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم.

وأمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عليّاً أن يلحقه بالمدينة، فخرج عليّ في طلبه، بعدما أخرج إليه أهله، يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، فلما بلغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قدومه، قال: " ادعوا لي علياً "، قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآه النّبي صلّى الله عليه وسلّم اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فتفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم في يديه، ثم مسح بهما رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما علي حتى استشهد. وعن علي قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة في الهجرة أمرني أن أقيم بعده حتى أؤدي ودائع كانت عنده للناس، وإنما كان يسمى الأمين، فأقمت ثلاثاً، وكنت أظهر، ما تغيبت يوماً، ثم خرجت، فجعلت أتبع طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قدمت بني عمرو بن عوف، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقيم، فنزلت على كلثوم بن الهرم، وهنالك منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن علي أنه قال: قيل لي يوم بدر ولأبي بكر، قيل لأحدنا: معك جبريل، وقيل للآخر: معك ميكائيل وإسرافيل، ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل، ويكون في الصف. قال ابن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفع الرّاية إلى علي يوم بدر، وهو ابن عشرين. قال أبو جعفر محمد بن علي: نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي قال الحافظ: هذا مرسل وكنا ننفل النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذا الفقار يوم بدر، ثم وهبه لعلي بعد ذلك. وعن ابن عباس: أن راية المهاجرين كانت مع علي في المواقف كلها، يوم بدر ويوم أحد ويوم خيبر

ويوم الأحزاب ويوم فتح مكة، ولم تزل معه في المواقف كلها. وعن ابن عباس قال: لعلي أربع خصال: هو أول عربي وعجمي صلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله، وهو الذي أدخله قبره. قال الشعبي: رأى أبو بكر عليّاً فقال: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقربه قرابة، وأفضله دالة، وأعظمه غناءً عن نبيّه، فلينظر إلى هذا. فسمع علي قول أبي بكر، فقال: أما إنه إن قال ذلك إنه لأوّاه، وإنه لأرحم للأمة، وإنه لصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنه لأعظم الناس غناء عن نبيّه في ذات يده. وعن سعيد بن المسيب قال: كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد مرطاً أسود كان لعائشة، وراية الأنصار يقال لها: العقاب، وعلى ميمنته علي بن أبي طالب، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الساعدي، والزبير بن العوام على الرجال، ويقال: المقداد وحمزة بن عبد المطلب على القلب، واللواء مع مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار بن قصي، فقتل؛ فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً. ويقال: كانت له ثلاثة ألوية: لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير، ولواء إلى علي بن أبي طالب، والمنذر بن عمرو جميعاً من الأنصار. وكان علي بن أبي طالب يوم بدر معلماً بصوفة بيضاء.

وعن جابر بن سمرة قال: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: " ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا؟ علي بن أبي طالب ". قال معمر بن المثنى: كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة، فقتله علي بن أبي طالب، وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلمي: من الكامل لله أيّ مذبّبٍ عن حرمةٍ ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا جادت يداك له بعاجل طعنةٍ ... تركت طليحة للجبين مجدّلا وشددت شدّة باسلٍ فكشفتهم ... بالحقّ إذ يهوين أخول أخولا وعللت سيفك بالدّماء ولم تكن ... لتردّه حرّان حتى ينهلا قال أبو رافع: لما كان يوم أحد نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، فقتل هاشم بن أمية المخزومي وفرق جماعتهم، ثم نظر النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى جماعة من قريش فقال لعلي: " احمل عليهم "، فحمل عليهم، ففرق جماعتهم، وقتل فلاناً الجمحي، ثم نظر إلى نفر من قريش، فقال لعلي: " حمل عليهم "، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي، فقال له جبريل عليه السلام: إن هذه للمواساة، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنه مني وأنا منه "، فقال له جبريل: وأنا منكم يا رسول الله. وفي مقتل عمرو بن عبد ودّ قالوا: إن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب،

تلبسوا للقتال، وخرجوا علي خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقالوا: تهيؤوا للحرب، يا بني كنانة، فستعلمون من الفرسان اليوم. ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فقالوا: والله، إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً، فضربوا خيولهم فاقتحمت، فجالت في سبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا، فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم. وكان عمرو بن عبد فارس قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتثّ، واثبتته الجارحة، فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله، قال له علي: يا عمرو، قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خلتين، إلا قبلت منه إحداهما. فقال له علي: فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي في ذلك. فقال: فإني أدعوك إلى النزال. فقال له: يا بن أخي، لم؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك؛ فحمي عمرو، فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل، فجاء إلى علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيله منهزمة هاربة حتى اقتحمت من الخندق. وكان فيمن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب المخزومي، واسم أبي وهب جعدة، وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة؛ فخرج إليه الزبير بن العوام، فيضربه ضربة؛ فيشقه باثنتين، حتى فلّ في سيفه فلاًّ، فانصرف وهو يقول: إني امرؤ أحمي وأحتمي ... عن النّبي المصطفى الأمّي وخرج عمرو بن عبد، فنادى من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا لها يا نبيّ الله، فقال: " إنه عمرو، اجلس "، ونادى عمرو: ألا رجل؟ وهو

يؤنبهم ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلاً؟ فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال: " اجلس ". وفي رواية: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اجلس "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هل يبارزه أحد؟ " فقام علي فقال: دعني يا رسول الله، فإنما أنا بين حسنتين: إما أن أقتله فيدخل النار، وإما أن يقتلني فأدخل الجنة. قال: ثم نادى الثالثة، فقال: " ولقد بححت من النّدا ... ء بجمعكم هل من مبارز " " ووقفت إذ جبن المشجّع موقف القرن المناجز " " وكذاك إني لم أزل ... متسرّعاً قبل الهزاهز " " إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز " فقام علي فقال: يا رسول الله، أنا، فقال: " إنه عمرو "، فقال: إن كان عمرو!! فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمشى إليه علي حتى أتاه وهو يقول: لا تعجلنّ فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز ذو نيّةٍ وبصيرة ... والصدق منجى كلّ فائز إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال: أنا ابن عبد مناف، فقال: غيرك يا بن أخي من أعمامك، من هو أسنّ منك، فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك؛ فغضب؛ فنزل وسلّ سيفه

كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي كرّم الله وجهه مغضباً، واستقبله علي بدرقته، فضربه عمرو في الدّرقة فقدّها، وأثبت فيها السيف، وأصاب رأسه فشجه، فضربه علي عليه السلام على حبل العاتق، فسقط، وثار العجاج، وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التكبير، فعرف أن علياً قد قتله، فثمّ يقول علي عليه السّلام: من الكامل أعليّ تقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخبروا أصحابي اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمّمٌ في الرأس ليس بنابي آدى عميرٌ حين أخلص صقله ... صافي الحديدة يستفيض ثوابي وغدوت ألتمس القراع بمرهفٍ ... عضبٍ مع البتراء في أقرابي آلى ابن عبدٍ حين شدّ أليّةً ... وأليت فاستمعوا من الكذّاب ألاّ أصدّ ولا يهلّل فالتقى ... رجلان يضطربان كل ضراب فصددت حين تركته متجدّلاً ... كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنّني ... كنت المقطّر بزّني أثوابي عبد الحجارة من سفاهة عقله ... وعبد ربّ محمدٍ بصواب ثم أقبل علي نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووجهه يتهلل، فقال عمر بن الخطاب: هلاّ سلبته درعه؟ وإنه ليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسواده، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه، وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق.

قال سمرة بن جندب: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه الفأل الحسن، فسمع علياً وهو يقول: هذه خضرة، فقال: " يا لبيك، قد أخذنا فألنا من فيك، فاخرجوا بنا إلى خضرة "، قال: فخرجوا إلى خيبر، فما سلّ سيف إلاّ سيف علي بن أبي طالب. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله عليه ". قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، قال: فتشارفت لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها قال: " امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ". قال: فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عزّ وجلّ ". وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال يوم خيبر: " لأعطينّ هذه الرّاية رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله "، قال: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: " أين علي بن أبي طالب؟ " قالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: " فأرسلوا إليه ". فأتى به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: " انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم ".

وفي رواية: " فوالله، لأن يسلم على يديك رجل خير لك من أن يكون لك حمر النعم ". وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: كان علي قد تخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خيبر، وكان رمد العين، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! فخرج علي فلحق بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله صباحها، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله "، أو قال: " يحبّه الله ورسوله "، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه، فقالوا: هذا علي. وأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاية ففتح الله عليه. وفي حديث إياس بن سلمة عن أبيه: " لأعطين هذا اللواء رجلاً يحبه الله ورسوله، أو هو من أهل الجنة "، وكان علي أرمد، فدعاه، فبصق في عينيه، ودعا له، ثم أعطاه اللواء. الحديث. وفي حديث آخر عنه: فخرج مرحب يخطر بسيفه، فقال: من الرجز قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطلٌ مجرّب إذا الحروب أقيلت تلهّب ... أطعن أحياناً وحيناً أضرب فقال علي بن أبي طالب: أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السّندره

وقال في آخر: فاختلف هو وعلي ضربتين، فضربه علي على هامته حتى عضّ السيف منه بيض رأسه. وفي رواية: وعضّ السيف بالأضراس، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما تتامّ آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله. وفي حديث سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار ". قال سلمة: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: " خذ هذه الرّاية فامض بها حتى يفتح الله عليك ". قال: يقول سلمة: فخرج، والله، بها يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع اليهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال علي بن أبي طالب. قال: فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل التوراة على موسى، أو كما قال: فما رجع حتى فتح الله على يديه. وفي حديث بريدة الأسلمي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطى اللواء عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجبّنه أصحابه ويجبّنهم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين اللواء غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله،

ويحبّه الله ورسوله، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد، فتفل في عينه وأعطاه اللواء. الحديث. وفي حديث ابن عمر قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن اليهود قتلوا أخي، فقال: " لأدفعنّ الرّاية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فيفتح الله عليه؛ فيمكنك من قاتل أخيك "، فتطاول لها أبو بكر وعمر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إلى عليّ، فعقد له اللواء، فقال: يا رسول الله: إني أرمد كما ترى، وكان يومئذٍ أرمد، فتفل في عينيه، قال علي: ما رمدت بعد يومئذ، فمضى علي لذلك الوجه فما تتامّ لآخرنا حتى فتح لأولنا، فأخذ عليٌّ قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله. قال عمرو بن ميمون: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: إما أن تقوم معنا يا بن عباس، وإما أن تحلونا يا هؤلاء، قال: وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى قال: بل أقوم معكم، فابتدؤوا فتحدثوا، فلا أدري ما قالوا، فجاء وهو ينفض ثوبه، وهو يقول: أف تف، يقعون في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأبعثن رجلاً يحب الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً "، قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: " أين علي؟ " قالوا: هو في الرحى يطحن وما كان أحدكم ليطحن فدعاه، وهو أرمد ما يكاد أن يبصر، فنفث في عينه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حبي. وبعث أبا بكر بسور التوبة، وبعث علياً خلفه فأخذها منه، فقال أبو بكر: لعل الله ورسوله. فقال: " لا، ولكن لا يذهب بها رجل إلاّ رجلاً هو مني وأنا منه ". وقال لبني عمه: " أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " قال: وعلي معهم، فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة "، فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ

منهم فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: " أنت وليي في الدنيا والآخرة ". قال: ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن والحسين وعلياً وفاطمة عليهم السّلام، ومدّ عليهم ثوباً ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ". قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة، وشرى علي بنفسه، ولبس ثوب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ونام مكانه، فجعل المشركون يرمونه كما يرمون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم يحسبون أنّه نبي الله، قال: فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله؟ فقال علي: إنّ نبيّ الله قد ذهب نحو بئ ميمون، فأدركه، فدخل معه الغار. قال: وكان المشركون يرمون علياً وهو يتضور حتى أصبح فكشف عن رأسه، قال: فقالوا له: إنك للئيم، كنا نرمي صاحبك فلا يتضور وأنت تضور، قد استنكرنا ذلك. قال: وقد خرج بالناس في غزوة تبوك، فقال علي: أخرج معك؟ فقال: " لا ". قال: فبكى، قال: فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي؟ " قال: نعم. قال: " وإنك خليفتي في كل مؤمن ". قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي، وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه، ليس له طريق غيره. قال: وقال: " من كنت وليه فإن علياّ وليه ".

قال: وقال ابن عباس: وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فهل حدثنا بعد أنّه سخط عليهم؟ قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر حين قال: ائذن لي، فلأضرب عنقه، قال أبو موسى: يعني حاطباً: " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". وفي حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأدفعنّ الرّاية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فبعث إلى علي، فجاء وهو أرمد، فتفل في عينه، وأعطاه الراية، فما ردّ وجهه حتى فتح الله عليه، وما اشتكاها بعد. وعن أبي سعيد قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الراية فهزها، ثم قال: " من يأخذها بحقّها ". فجاء الزبير فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام رجل آخر فقال: أنا، فقال: " أمط ". ثم قام آخر فقال: أنا، فقال: " أمط "، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " والذي أكرم وجه محمد، لأعطينها رجلاً لا يفرّ بها، هاك يا علي "، فقبضها، ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر، وجاء بعجوتها وقديدها. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، وما يبالي الحر، فأتاني أصحابي، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئاً، فهل رأيته؟ فقلت: وما هو؟ قال: رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر، ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، فهل سمعت في ذلك شيئاً؟

فقلت: لا، ما سمعت فيه بشيء. فقالوا: سل لنا أباك عن ذلك، فإنه يسمر معه، فأتيته فسألته وأخبرته ما قال الناس. فقال: ما سمعت في ذلك شيئاً. قلت: فإنهم قد أمروني أن أسألك؛ فدخل على علي فسمر معه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تفقدوا منك شيئاً وسألوني عنه، فلم أدر ما هو؟ فقال علي: وما ذلك؟ فقال: يزعمون أنك تخرج عليهم في الحر الشديد عليك القباء المحشو الثخين لا تبالي بالحر، وتخرج عليهم في البرد الشديد عليك الثوبان الخفيفان لا تبالي البرد!! فقال: أو شهدت معنا خيبر؟ فقلت: بلى، قال: فما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعا أبو بكر فعقد له، وبعثه إلى القوم، فانطلق، ثم جاءه بالناس وقد هزموا؟ فقال: بلى. قال: ثم بعث إلى عمر فعقد له، ثم بعثه إلى القوم فانطلق، ولقي القوم فقاتلهم، ثم رجع وقد هزم؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: " لأعطين الراية اليوم رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، يفتح عليه غير فرار "، فدعاني، فأعطاني الراية، ثم قال: انطلق، فقلت: يا رسول الله: إني أرمد، والله ما أبصر، فتفل في عيني، ثم قال: " اللهم اكفه الحر والبرد "، فما وجدت بعد يومي ذاك برداً ولا حراً. وعن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية. قال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً من عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة، وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه. وحدث جابر بن عبد الله: أن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، وأنه جربوه بعد ذلك، فلم يحمله الأربعون رجلاً.

وحدث سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسب أباتراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله: تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبوة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، قال: فتطاولنا لها، قال: " ادعوا لي علياً "، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: " ندع أبناءنا وأبناءكم " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". وفي حديث آخر بمعناه: وقال: لما نزلت هذه الآية: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". ومن حديث عن عامر بن سعد، قال سعد: لعليٍّ ثلاث، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي، فأدخل علياً وفاطمة وابنيها تحت ثوبه، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي ". الحديث. وعن سعد بن أبي وقاص من حديث قال: قال سعد: أما والله، إني لأعرف علياً وما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ أشهد لقال لعلي يوم غدير

خم، ونحن قعود معه، فأخذ بضعه ثم قام به، ثم قال: " أيها الناس، من مولاكم؟ " قالوا: الله ورسوله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه ". الحديث. ومن حديث الحارث بن مالك قال: أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: هل سمعت لعلي منقبة؟ قال: شهدت له أربعاً، لأن تكون لي واحدتهن أحبّ إلي من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح عليه السلام: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثم قال لعلي: اتبع أبا بكر فخذها، فبلّغها ورد عليّ أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله: أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خيراً، لا، إنه ليس يبلّغ عني إلا أنا أو رجل مني "، أو قال: " من أهل بيتي ". قال: فكنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فنودي فينا ليلاً: ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآل علي، قال: فخرجنا نجر نعالنا، فلما أصبحنا أتى العباس النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، أخرجت أعمامك وأصحابك وأسكنت هذا الغلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا أمرت بإخراجكم ولا إسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به ". والثالثة: أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم بعث عمر وسعداً إلى خيبر، فخرج عمر وسعد، ورجع عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، في ثناء أخشى أن لا أحصي "، فدعا عليّاً، فقالوا: إنه أرمد، فجيء به يقاد، فقال له: " افتح عينيك "، قال: لا أستطيع، قال: فتفل في عينيه ريقه، دلكهما بإبهامه، وأعطاه الراية.

والرابعة: يوم غدير خم، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبلغ، ثم قال: " أيها الناس: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " ثلاث مرات، قالوا: بلى، قال: " ادن يا علي "، فرفع يده، ورفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده حتى نظرت إلى بياض إبطيه، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، حتى قالها ثلاث مرات. ومن حديث خيثمة بن عبد الرحمن قال: قلت لسعد بن أبي وقاص: ما خلفك عن علي، أشيء رأيته أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء رأيته أنا، إني قد سمعت له من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً، لو تكون واحدة لي منها أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ومن الدنيا وما فيها، وذكر غزوة تبوك ويوم خيبر، قال: ثم أعطاه الراية فمضى بها. قال: واتبعه الناس من خلفه، قال: فما تكامل الناس من خلفه حتى لقي مرحباً فاتقاه بالرمح فقتله، ثم مضى إلى الباب حتى أخذ بحلقة الباب ثم قال: انزلوا يا أعداء الله على حكم الله وحكم رسوله، وعلى كل بيضاء وصفراء، قال: فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجلّس علي الباب، فجعل علي يخرجهم على حكم الله وحكم رسوله، فبايعهم وهو آخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فخرج حيي بن أخطب. قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " برئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتني شيئاً "، قال: نعم، وكانت له سقاية في الجاهلية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما فعلت سقايتكم التي كانت لكم في الجاهلية؟ " قال: فقال: يا رسول الله أجلينا يوم النضير فاستهلكناها لما نزل بنا من الحاجة. قال: " فبرئت منك ذمة الله وذمة رسوله إن كذبتني ". قال: نعم، قال: فأتاه الملك فأخبره، فدعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " اذهب إلى جذع نخلة كذا وكذا، فإنه قد نقرها وجعل السقاية في جوفه ". قال: فاستخرجها، فجاء بها، قال: فلما جاء بها قال لعلي: " قم فاضرب عنقه "، قال: فقام إليه عليّ فضرب عنقه، وضرب عنق ابن أبي الحقيق وكان زوج صفية بنت حيي، وكان عروساً بها، قال: فأصابها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم خم، ورفع بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

وحدث أبو نجيح قال: لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه، فطف نطف بطوافك. قال: فلما فرغ أدخله في دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه. قال: أدخلتني دارك، وأقعدتني على سريرك، ثم وقعت فيه تشتمه؟ والله لأن أكون في إحدى خلاله الثلاث أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون قال لي ما قاله له حين رآه غزا تبوكاً: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي ". أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ليس بفرار ". أحب إلي أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. ولأن أكون كنت صهره على ابنته، ولي منها من الولد ماله، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد اليوم. ثم نفض رداءه، ثم خرج. وعن عمر بن الخطاب قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم، قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يحل لي فيه ما يحل لي، والراية يوم خيبر. وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي عليٌّ ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيتهن أحبّ إلي من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدت أبواب الناس إلا بابه. وعنه قال: لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من حمر النعم: تزوج فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولد الحسن والحسين سبطي

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسد الأبواب كلها إلا باب علي، ودفع إليه الراية يوم خيبر. وعن بريدة: أن نفراً من الأنصار قالوا لعلي: عندك فاطمة. فدخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما حاجة ابن أبي طالب؟ " قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: " مرحباً وأهلاً ". لم يزده عليها. فخرج على الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحباً وأهلاً. قالوا: يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إحداهما، قد أعطاك الأهل وأعطاك الرحب، فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال: " يا عليّ، إنه لابد للعرس من وليمة "، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهطٌ من الأنصار آصعاً من ذرة. فما كان ليلة البناء قال: يا علي: " لا تحدث شيئاً حتى تلقاني "، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه على علي، فقال: " اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في شملهما ". قال أبو الحسين: الشمل: الجماع. وعن علي أنه قال على منبر الكوفة: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته؛ فخطبتها، قال: " هل عندك شيء؟ " قلت: لا، قال: " فأين ردعك الحطميّة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ " قلت: عندي، قال: " فأعطها "، فأعطيتها، فزوجني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ كساء أو قطيفة فتحثّثنا. وفي رواية: فتحشحشنا، فقال: " مكانكما "، قلت: يا رسول الله، أنا أحبّ إليك أم هي؟

قال: " هي أحب إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها ". وعن أبي هريرة قال: لما خطب علي فاطمة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها فقال لها: " أيّ بينة، إن ابن عمك علياً قد خطبك، فماذا تقولين؟ " فبكت ثم قالت: كأنك يا أبه، إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: " والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء "؛ فقالت فاطمة: رضيت بما رضي الله لي ورسوله. فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه، ثم قال: " ياعليّ، اخطب لنفسك "، فقال علي: الحمد لله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زوّجني فاطمة ابنته على صداقٍ مبلغه أربع مئة درهم. فاسمعوا ما يقول واشهدوا، قالوا: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " أشهدكم أني قد زوجته ". وعن علي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث زوجه فاطمة دعا بماء فمجّه، ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه، وعوذه ب: " قل هو الله أحد " والمعوذتين، ثم دعا بفاطمة فقامت على استحياء، فقال: " لم آل أن زوجتك خير أهلي ". وعن معقل بن يسار قال: وضأت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: " هل لك في فاطمة نعودها؟ " فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليّ فقال: " أما إنه سيحمل ثقلهاغيرك، ويكون أجرها لك ". قال: فكأنه لم يكن عليّ شيء، حتى دخلنا على فاطمة، فقال: " كيف تجدينك؟ " قالت: والله لقد اشتد كربي، واشتدت فاقتي، وطال سقمي. وفي رواية في هذا الحديث قال: " أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ". وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت أم أيمن على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهي تبكي، فقال لها: " ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟ " قالت: بكيت يا رسول الله، لأني دخلت منزل رجل من الأنصار قد زوج ابنته رجلاً من الأنصار، فنثر على رأسها اللوز والسّكّر، وذكرت تزويجك فاطمة من

علي بن أبي طالب ولم تنثر عليها شيئاًن فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تبكي يا أم أيمن. فوالذي بعثني بالكرامة، واستخصني بالرسالة، ما أنا زوجته ولكن الله زوّجه، ما رضيت حتى رضي عليّ، وما رضيت فاطمة حتى رضي الله ربّ بالعالمين: يا أم أيمن، إن الله عز وجل لما أن زوّج فاطمة من علي أمر الملائكة المقربين أن يحدّقوا بالعرش، فيهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وأمر الجنان أن تزخرف فتزخرفت، وأمر الحور العين أن يتزيّنّ فتزينّن وكان الخاطب الله تعالى، وكان الملائكة الشهود، ثم أمر شجرة طوبى أن تنثر فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب مع الدر الأبيض مع الياقوت الأحمر مع الزبرجد الأخضر، فابتدر حور العين من الجنان يرفلن في الحلي والحلل يلتقطنه، ويقلن: هذا من نثار فاطمة بنت محمد، فهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ".

وفي حديث آخر بمعناه: عن عبد الله بن مسعود قالت أم سلمة: ولقد كانت فاطمة تفخر على النساء وتقول: إني أول من خطب عليها جبريل. وعن مسروق قال: لما قدم عبد الله بن مسعود الكوفة قلنا له: حدثنا حديثاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكر الجنة، ثم قال: سأحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم أزل أطلب الشهادة. الحديث. فلم أرزقها، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في غزوة تبوك، ونحن نسير معه، فقال: " إن الله لما أمرني أن أزوج فاطمة من علي، ففعلت، ثم قال لي جبريل: إن الله قد بنى جنة من لؤلؤ وقصب بين كل قصب إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذّرة بالذهب، وجعل سقوفها زبرجداً أخضراً، وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت، ثم جعل عليها غرفاً: لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ثم جعل فيها عيوناً تنبع من نواحيها، وحفّت بالأنهار، وجعل على الأنهار قباباً من درّ، قد شعبت بالسلاسل من الذهب، وحفّت بأنواع الشجر، وجعل في كل بيت مفرش، وجعل في كل قبة أريكة، من درّ بيضاء غشاوتها السندس والإستبرق، وفرش أرضها بالزعفران. وفتق المسك والعنبر، وجعل في كل قبة حوراء، والقبة لها مئة باب، على كل باب جاريتان وشجرتان، في كل قبة مفرش، مكتوب حول القباب آية الكرسي، فقلت: لجبريل: لمن بنى الله هذه الجنة؟ فقال: هذه جنة بناها الله سبحانه لعلي وفاطمة، تحفة أتحفهما الله تبارك وتعالى، وأقر عينك يا رسول الله ".

وعن علي الهلالي قال: جخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه، قال: فبكت حتى ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفه إليها، فقال: " حبيبتي فاطمة، ما الذي يبكيك؟ " قالت: أخشى الضيعة من بعدك، فقال: " لقد علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة، فاختار منها أباك، فبعثه برسالته، ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه، يا فاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم يعط أحداً قبلنا، ولا يعطي أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين، وأكرم النبيين على الله، وأحب المخلوقين إلى الله، وأنا أبوك، ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله، وهو حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك وعم بعلك، ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث شاء، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما، يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهديّ هذه الأمة، إذا صار الدنيا هرجاً مرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقر كبيراً، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً، يقوم بالدين في آخر الزمان، كما قمت به في أول الإيمان، ويملأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً، يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي، فإن الله أرحم بك وارأف عليك مني، وذلك لمكانك مني، وموضعك من قلبي، وزوّجك الله زوجك، وهو أشرف أهل بيتي حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعية، وأعدلهم بالسوية، وأبصرهم بالقضية، وقد سالت ربي عز وجل أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي ". قال علي: فما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوماً حتى ألحقها الله به صلّى الله عليه وسلّم. وعن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أمرت بتزويجك من السماء. وقتلت المشركين يوم بدر، وتقتل من بعدي على سنتي، وتبرئ ذمتي ".

وعن بريدة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قم بنا يا بريدة نعود فاطمة "، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها، ودمعت عيناها، فقال: " ما يبكيك يا بنية؟ " قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال: " أما والله، لما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة، أما ترضين أني زوجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماًن وأفضلهم حلماً، والله إن ابنيك لمن شباب أهل الجنة ". وعن أسماء بنت عميس قالت: لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تحدثي شيئاً حتى أجيء "، فجاء حتى قام على الباب، فقال: " ثمّ أخي؟ " فخرجت إليه أم أيمن فقالت: أخوك وزوّجته ابنتك؟! فدعا علياً ودعاها، فقامت وإنها لتعثر، ثم قال لها: " أي بنية، إن لم آل أن أزوّجك أحبّ أهلي ". قالت: ثم دعا بمخضب وهو تور من حجارة من ماء فدعا فيه، ثم أمر أن يصب عليه بعضه وعليها بعضه، فقالت أسماء: ثم قال لي: " أجئت مع ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تكرمينها؟ " قالت: فدعا لي. وعن أبي سعيد قال: لما أنكح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً فاطمة أصابها حصر شديد. قال: فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: " والله لقد أنكحتكيه سيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة من الصالحين ". وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة: " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ " قالت فاطمة: فأين مريم بنت عمران؟ قال لها: " أي بنية، تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، والذي بعثني بالحق، لقد زوجتك سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، فلا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ". وعن عمران بن حصين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " ألا تنطلق بنا نعود فاطمة؟ فإنها تشتكي "، قلت: بلى. قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها، فلسلم فاستأذن، فقال: " أدخل أنا ومن معي؟ " قالت: نعم، ومن معك

يا أبتاه، فوالله ما عليّ إلا عباءة. فقال لها: " اصنعي بها هكذا، واصنعي بها هكذا "، فعلمها كيف تستتر، فقالت: والله ما على رأسي خمار، قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه، قال: " اختمري بها "، ثم أذنت لهما، فدخلا، فقال: " كيف تجدينك يا بنية؟ " قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: " أما ترضين يا بنية أنك سيدة نساء العالمين؟ " قال: تقول: يا أبه، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ". وعن ابن عباس قال: لما زوج الني صلّى الله عليه وسلّم فاطمة من علي قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر زوجك؟ ". عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: حين نزلت: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " كان يجيء نبي الله صلّى الله عليه وسلّم إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: " الصلاة، رحمكم الله "، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ". قال أبو الحمراء: صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة أشهر، فكان إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول: " يرحمكم الله، " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ". قال ميمون الكردي: كنا عند ابن عباس فقال رجل: ليته حدثنا عن علي فسمعه ابن عباس فقال: أما

لأحدثنّك حقاً، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر بالأبواب الشارعة في المسجد فسدت، وترك باب علي، فقال: إنهم وجدوا من ذلك، فأرسل إليهم " أن بلغني أنكم وجدتم من سدي أبوابكم وتركي باب علي، وإني والله ما سددت من قبل نفسي، ولا تركت من قبل نفسي، إن أنا إلا عبد مأمور أمرت بشيء فقلت: " إن أتّبع إلا ما يوحى إلي ". وعن العلاء بن عرار قال: إني قلت لعبد الله بن عمر وهو في المسجد جالس: كيف تقول في هذين الرجلين علي وعثمان؟ فقال عبد الله: أما علي فلا تسأل عنه أحداً، وانظر إلى منزله من منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخرجنا من مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا علي، وأما عثمان فتلا: " يوم التقى الجمعان " فأذنب ذنباً عظيماً، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنباً من دون فقتلتموه. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: جاءنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب، فضربنا وقال: " أترقدون في المسجد؟ إنه لا يرقد فيه أحد "، فأجفلنا، وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، يا علي، إنك لتذودنّ عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضالّ عن الماء، بعصاً معك من عوسج، كأنّي أنظر إلى مقامك من حوضي ". وعن أبي سعيد الخدري أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك ". وعن أم سلمة قالت: خرج النّي صلّى الله عليه وسلّم من بيته حتى انتهى إلى صرح المسجد، فنادى بأعلى صوته: " إنه لا يحلّ المسجد لجنب ولا لحائض إلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه، وعلي وفاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلّم، ألا هل بينت لكم الأسماء أن تضلوا ".

وعن أبي رافع: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس، فقال: " يا أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوأا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلا هارون وذريته، ولا يحل لأحد أن يعرك النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلا عليٌّ وذريته ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غزوة تبوك خلّف علياً بالمدينة، فقال الناس: ملّه وكره صحبته، فتبع علي النّبي صلّى الله عليه وسلّم حتى لحقه في بعض الطريق، فقال: يا رسول الله خلّفتني بالمدينة مع النساء والذراري حتى قال الناس: ملّه وكره صحبته؟ فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبيّ بعدي ". وعن حكيم بن جبير قال: قلت لعلي بن الحسين: يا سيدي إن الشعبي حدث عن أبي جحيفة وهب الخير أن أباك صعد المنبر فقال: خير هذه الأمة بعد نبيها وأبو بكر وعمر، فقال: أين تذهب يا أبا حكيم؟ حدثني سعيد بن المسيب عن سعدٍ أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن المؤمن يهضم نفسه ". وعن عامر بن سعد قال: إني لمع أبي إذ تبعنا رجل في نفسه على علي بعض الشيء، فقال: يا أبا إسحاق، ما حديث يذكر الناس عن علي؟ قال: ما هو؟ قال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعليّ: أنت مني كهارون من موسى، ما تنكر أن يقول لعلي هذا وافضل من هذا؟ وعن سعد قال: قال لي معاوية: أتحب علياً؟ قال: قلت: وكيف لا أحبه؟ وقد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، ولقد

رأيته بارز يوم بدر، وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول: من الرجز بازل عامين حديثٌ سنّي ... سنحنح الليل كأنّي جني لمثل هذا ولدتني أمّي فما رجع حتى خضب سيفه دماً. وعن سعد بن أبي وقاص: أن عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا جاء ثنية الوداع، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد تبوك، وعليّ يبكي ويقول: يا رسول الله تخلّفني مع الخوالف؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ ". وعن سعد بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، سالم الله من سالمته، وعادى الله من عاديته ". وعن سويد بن غفلة قال: رأى عمر رجلاً يخاصم علياً، فقال له عمر: إني لأظنك من المنافقين، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي ". وفي رواية: أنه رأى رجلاً يشتم علياً كانت بينه وبينه خصومة. وعن عبد الله بن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر:

أما علي: فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النّبي صلّى الله عليه وسلّم بيده على منكب علي، فقال له: " يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً، وأول المسلمين إسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ". وعن ابن عباس عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سلمة: " يا أم سلمة، إن علياً لحمه من حلمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". وعنه قال: رأيت علياً أتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فاحتضنه من خلفه، فقال: بلغني أنك سميّت أبا بكر وعمر وضربت أمثالهما ولم تذكرني، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ". وعن عبد الله بن جعفر قال: لما قدمت ابنة حمزة المدينة اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قولوا ": فقال زيد: هي ابنة أخي وأنا أحق بها، وقال علي: ابنة عمي وأنا جئت بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي. قال: " خذها يا جعفر أنت أحقهم بها "؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لأقضينّ بينكم: أما أنت يا زيد فمولاي وأنا مولاك، وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ النّبوة ". وفي رواية: " إلا أنّه لا نبوة ". وعن قيس بن أبي حازم قال: سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني، قال: قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول علي، قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت

به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "، وكان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي في غزوة تبوك: " اخلفني في أهلي "، فقال علي: يا رسول الله، إني أكره أن يقول العرب: خذل ابن عمه، وتخلّف عنه، فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ "، قال: بلى، قال: " اخلفني ". وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، ولو كان لكنته ". وفي رواية: " إلا أنه ليس بعدي نبي، أو لا يكون بعدي نبي ". وعن يزيد بن أرقم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلا: " أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست نبي ". وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي أنت مني، وأنا منك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا يوحى إليك ". وعن أبي الفيل قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزاة تبوك استخلف علي بن أبي طالب على المدينة، فماج المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: كره قربه، وساء فيه

رأيه، فاشتد ذلك على علي، فقال: يا رسول الله، تخلفني مع النساء والصبيان؟ أنا عائذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، فقال: " رضي الله يا أبا الحسن برضائي عنك، فإن الله عنك راضٍ، إنما منزلك مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي "، فقال علي: رضيت، رضيت. وعن زيد بن أرقم قال: لما عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجيش العسرة قال لعلي: " إنه لابدّ من أن تقيم أو أقيم "، قال: فخلف علياً، وسار، فقال ناس: ما خلفه إلا لشيء يكرهه منه، فبلغ ذلك علياً، فاتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى انتهى إليه، فقال: " ما جاء بك يا علي؟ " فقال: يا رسول الله، إني سمعت أناساً يزعمون أنك خلفتني لشيء كرهته مني، قال: فتضاحك إليه وقال: " ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " فإنه كذلك ". وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي يوم غزوة تبوك: " أما ترضى أن يكون لك من الأجر مثل ما لي، ولك من المغنم مثل ما لي ". قال بريدة: غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتغير، فقال: " يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى من كنت مولاه ". وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليّ بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو وليّكم بعدي ". وعن بريدة قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا اجتمعتما فعليٌّ على الناس وإذا افترقتما فكل واحد

بينكما على حدة "، قال: فلقينا بني زيد من اليمن فقاتلناهم، وظهر المسلمون على الكافرين، فقتلوا المقاتل وسبوا الذرية، واصطفى عليّ جارية من الفيء، فكتب معي خالد يقع في علي، وأمرني أن أنال منه. قال: فلما أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأيت الكراهية في وجهه، فقلت: هذا مكان العائذ يا رسول الله، بعثتني مع رجل وأمرتني بطاعته، فبلغت ما أرسلني، قال: " يا بريدة: لا تقع في عليّ، عليٌّ مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ". وفي حديث آخر بمعناه: قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعليّ. قال: وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، وتكلمت فوقعت في علي حتى فرغت، ثم رفعت رأسي، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إليّ فقال: " يا بريدة، إن عليّاً وليكم بعدي، فأحب عليّاً فإنه يفعل ما يؤمر ". قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إليّ منه. قال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن عفلة، فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: " أنافقت بعدي يا بريدة؟ " وفي حديث آخر فقال: " يا بريدة، أتبغض علياً؟ " قال: قلت: نعم، قال: " فأحبّه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك ". وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشين وأمّر على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: " إذا كان قتال فعليٌّ على الناس ". قال: ففتح عليٌّ قصراً، فاتّخذ لنفسه جارية، فكتب معي خالد بن الوليد يشي به، فلما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الكتاب قال: " ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " قال: قلت: أعوذ بالله من غضب الله.

وعن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سريةً وأمّر عليهم علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الثالث، فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إن علياً فعل كذا وكذا، قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: " دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً، إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي ". وفي رواية: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والغضب يعرف في وجهه فقال: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي ". وعن وهب بن حمزة قال: سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة، فقلت: لئن رجعت ولقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنالنّ منه. قال: فرجعت، فلقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت علياً فنلت منه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تقولنّ هذا لعلي، فإن علياً وليكم بعدي ". وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب إلى اليمن قال: أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه فلما احتفر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.

قال: فلما فرغ علي وانصفق من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجّته قال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم ". قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنا قد ركبت، رأى أثر الراكب، فذمّ الذي أمّره ولامه، فقال: أما إنّ لله عليّ إن قدمت المدينة لأذكرنّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأخبرنّه ما لقينا من الغلظة والتّضييق. قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما رآني قعد معي ورحّب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل وقال: هذا سعد بن مالك، ابن الشهيد، قال: ائذن له فدخلت فحيّيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحيّاني وسلّم عليّ، وساءلني عن نفسي وعن أهلي فأحفى في المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتّضييق فانتبذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وجعلت أنا أعدّد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فخذي، وكنت منه قريباً، وقال: " سعد بن مالك ابن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله ". قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً ولا علانية. وعن عمرو مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأجفاني، فأظهرت لائمة علي بالمدينة حتى فشا ذلك، فدخلت المسجد مرجع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس،

فرماني ببصره حتى إذا جلست قال: والله، يا عمرو بن شأس، لقد آذيتني، فقلت: أعوذ بالله وبالإسلام أن أوذي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " بلى، من آذى مسلماً فقد آذاني، ومن آذى مسلماً فقد آذى الله عزّ وجلّ ". وفي حديث آخر: قلت: أعوذ بالله من أن أؤذيك، قال: " بلى، من آذى علياً فقد آذاني ". وعن عمرو بن شأس: سمع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من آذى علياً فقد آذاني ". وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من آذاك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلان معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: " ما لكم ومالي؟ من آذى علياً فقد آذاني ". وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الرّحبة قال: أنشد الله امرأ نشدة الإسلام سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير أخذ بيدي يقول: " ألست أولى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم واله من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، إلا قام، فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قوم فما فنوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا. وزاد في حديث آخر: " وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه ".

وعن زياد بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرّحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فإن هذا مولاه ". قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري. وعن حذيفة بن أسيد قال: لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات البطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن، فصلى تحتهن، ثم قام فقال: " أيها الناس: قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً، قال: " ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ " قالوا: بلى، نشهد بذلك، قال: " اللهم اشهد ". ثم قال: " أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". ثم قال: " أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثّقلين، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، الثّقل الأكبر كتاب الله، سببّ طرفه بيد الله عزّ وجلّ، وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ".

قال عطية العوفي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدثني عنك بحديث في شأن علي عليه السلام يوم غدير خم، فأنا أحب أن أسمعه منك فقال: إنكم معشرٌ فيكم ما فيكم، فقلت له: لي عليك مني بأس، قال: نعم، كنا الجحفة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي، فقال: " أيها الناس: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " فمن كنت مولا فعلي مولاه ". قال: فقلت له: هل قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟ " قال: إنما أخبرك كما سمعت. وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، فكسح لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تحت شجرتين، ونودي في الناس أن الصلاة جامعة، فدعا علياً وأخذ بيده فأقامه عن يمينه، فقال: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قال: " الست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلى، قال: " أليس أزواجي أمهاتكم؟ " قالوا: بلى، قال: " هذا وليي، وأنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "، فقال له عمر: هنيئاً لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن. وفي رواية: " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ". وعن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه فقال: " إن الصدقة لا تحلّ لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادّعى إلى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، والولد للفراش وللعاهر الحجر، ليس لوارث وصية، ألا قد سمعتموني ورأيتموني، فمن كذب

عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ألا إني فرطكم على الحوض، ومكاثرٌ بكم، فلا تسوّدوا وجهي، ألا وإني أستنقذ رجالاً، وليستنقذنّ بي قوم آخرون، ألا وإن الله وليّي، وأنا وليّ كل مؤمن، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ". وفي حديث سعد قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطريق مكة، وهو متوجّه إليها، فلما بلغ غدير خم الذي بخمّ وقف الناس، ثم ردّ من مضى، فلحقه منهم من تخلّف، فلما اجتمع الناس قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد "، ثم قال: " أيها الناس هل بلّغت؟ " قالوا: نعم، قال: " اللهم اشهد " ثلاثاً، " أيها الناس من وليّكم؟ " قالوا: الله ورسوله، ثلاثاً، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فأقامه فقال: " من كان الله ورسوله وليّه فإن هذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". قال عبد الله بن محمد بن عقيل: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده محمد بن الحنفية، فجاء رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله يا جابر، إلا أخبرتني ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال جابر: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج من خباء أو فسطاط، فقال لعلي بيده: " هلم هلم "، وثمّ ناسٌ من جهينة ومزينة وغفار، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". قال: فقال: نشدتك بالله، أكان ثمّ أبو بكر وعمر؟ قال: اللهم لا. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بضبع علي يوم الحديبية وهو يقول: "

هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله "، مد بها صوته. وعن جابر بن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل خم، فنحّى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشق على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تأخر الناس عنه، فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم، وهو متوسد على علي بن أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " يا أيها الناس، إني قد كرهت تخلفكم وتنحيكم عني حتى خيّل إلي أنه ليس شجرة أبغض إليّ من شجرة تليني "، ثم قال: " لكن عليّ بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، رضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً "، ثم رفع يديه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". وابتدر الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبكون ويتضرعون إليه، ويقولون: يا رسول الله إنما تنحينا كراهة أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله. فرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استغفر لنا جميعاً؛ ففعل، فقال لهم: " أبشروا، فوالذي نفسي بيده، ليدخلنّ الجنّة من أصحابي سبعون ألفاً بغير حساب، ومع كل ألف سبعون ألفاً ومن بعدهم مثلهم أضعافاً ". قال أبو بكر: يا رسول الله زدنا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في موضع رمل، فحفن بيديه من ذلك الرمل ملء كفيه، ثم قال: هكذا. قال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، ففعل مثل ذلك ثلاث مرات، فقال أبو بكر: زدنا يا رسول الله، فقال عمر: ومن يدخل النار بعد الذي سمعنا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد ثلاث حثيات من الرمل من الله؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " والذي نفسي بيده، ما تفي بهذا أمتي حتى توفي عدتهم من الأعراب ".

قال جعفر بن إبراهيم الجعفري: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت: يا جعفري، لا تكتب عنه، فإنه مال إلى بني أمية، وأخذ جوائزهم، فقلت: من هذه؟ قال: أختي رقية، خرفت، قال: خرفت أنت؛ كتمت فضائل آل محمد. وقد حدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ". وحدثني محمد بن المكندر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ". قال سهم بن حصين الأسدي: قدمت إلى مكة أنا وعبد الله بن علقمة، وكان عبد الله بن علقمة سبّابة لعلي دهراً. قال: فقلت له: هل لك في هذا يعني أبا سعيد الخدري يحدّث به عهداً؟ قال: نعم. فأتيناه فقال: هل سمعت لعلي رضوان الله عليه منقبة؟ قال: نعم، إذا حدثتك فسل عنها المهاجرين والأنصار وقريشاً: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام يوم غدير خم فأبلغ ثم قال: " يا أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: بلى، قالها ثلاث مرات. ثم قال: " ادن يا علي، فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه حتى نظرت إلى بياض آباطهما، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". ثلاث مرات. قال: فقال عبد الله بن علقمة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو سعيد: نعم، وأشار إلى أذنيه وصدره، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي. قال عبد الله بن شريك: فقدم علينا عبد الله بن علقمة وسهم بن حصين، فلما صلّينا الهجير قام عبد الله بن علقمة فقال: إني أتوب إلى الله وأستغفره من سبّ علي، ثلاث مرات.

وعن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم بيد علي بن أبي طالب فقال: " ألست وليّ المؤمنين؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: " اليوم أكملت لكم دينكم ". من صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل بالرسالة. وعن أبي فاختة قال: أقبل علي وعمر جالس في مجلسه، فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وتوسّع له في المجلس، فلما قام علي قال بعض القوم: يا أمير المؤمنين، إنك تصنع بعلي صنيعاً ما تصنعه بأحد من أصحاب محمد، قال عمر: وما رأيتني أصنع به؟ قال رأيتك كلما رأيته تضعضعت وتواضعت وأوسعت حتى يجلس. قال: وما يمنعني؟ والله إنه لمولاي ومولى كل مؤمن. وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: شهدنا الموسم في حجة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي حجة الوداع، فبلغنا مكاناً يقال له: غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمعنا: المهاجرون والأنصار، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسطنا، فقال: " أيها الناس بم تشهدون؟ " قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله. قال: " ثم مه؟ " قالوا: وأن محمداً عبده ورسوله. قال: " فمن وليكم؟ " قالوا: الله ورسوله مولانا، قال: " فمن وليكم؟ " ثم ضرب بيده إلى عضد علي فأقامه، فنزع عضده، فأخذ بذراعيه، فقال: " من يكن الله ورسوله مولياه فإن هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، اللهم من أحبه من الناس فكن له حبيباً، ومن أبغضه فكن له مبغضاً، اللهم إني لا أجد أحداً أستودعه في الأرض بعد العبدين الصالحين غيرك، فاقض فيه بالحسنى ".

قال بشر: قلت: من هذا العبدان الصالحان؟ قال: لا أدري. قال أبو سعيد الخدري: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً بغدير خم، فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه السلام عليه بهذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ". وقال أبو سعيد الخدري: نزلت هذه الآية: " يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك " على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي رحمه الله يقول في معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". يعني بذلك ولاء الإسلام، وذلك قول الله عز وجل: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم ". وأما قول عمر بن الخطاب لعلي: أصبحت مولى كل مؤمن، يقول: ولي كل مسلم. قال ابن الأعرابي: المولى: المالك وهو الله، والمولى: ابن العم، والمولى: المعتق، والمولى: المعتق، والمولى: الجار، والمولى: الشريك، والمولى: الحليف، والمولى: المحب، والمولى: اللّويّ، والمولى: الولي، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، معناه: من تولاني فليتولّ علياً.

قال ثعلب: وليس هو كما يقول الرافضة: إن علياً مولى الخلق ومالكهم، وكفرت الرافضة في هذا، لأنه يفسد من باب المعقول: لأنّا رأيناه يشتري ويبيع، فإذا كانت الأشياء ملكه فممن يشتري ويبيع؟ ولكنه من باب المحبة والطاعة. قال: ويدل على أن المولى والولي: المحب، ما روى إليّ شقيق عن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي وهو يقول: " الله وليّي وأنا وليّك، ومعادٍ من عاداك، ومسالمٌ من سالمك ". وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من آمن بي وصدقني فليتولّ علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله ". وعنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أوصّي من آمن بي وصدّقني بالولاية لعلي، فإنه من تولاه تولاني، ومن تولاني تولى الله، ومن أحبه أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أبغضه أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن، غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليّه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي ". قال: هذا حديث منكر. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليٌّ أقضى أمتي بكتاب الله، فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبّ علي عليه السلام ". وعن عبد الله قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله، أتاني ملك فقال: يا محمد، واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت: علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ".

وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أني حيا حياتي ويموت موتي فليتمسك بالقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، وقال: كن، أو كوني، وليتولّ علي بن أبي طالب بعدي ". وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بيمينه في جنة الخلد وفي رواية: في جنة الفردوس الأعلى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب ". وعن زيد بن أرقم قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: من أحب أن يحيا حياتي ويموتموتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربّي غرز قضبانها بيده، فليتولّ عليّاً، فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حب علي بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب ". طعن في هذا الحديث وفي رجاله. وعن ابن عباس قال: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، للنار جوازٍ؟ قال: " نعم ". قلت: وما هن قال: " حب علي بن أبي طالب ". طعن في هذا الحديث أيضاً. وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صنعت امرأة من الأنصار لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة أرغفة، وذبحت له دجاجة فطبختها، فقدمته بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أبي بكر وعمر فأتياه، ثم رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السماء، ثم قال: " اللهم سق إلينا رجلاً رابعاً محبّاً لك ولرسولك، تحبه اللهم أنت ورسولك، فيشركنا في طعامنا، وبارك لنا فيه "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم اجعله علي بن أبي طالب "، قال: فوالله ما كان بأوشك أن طلع علي بن أبي طالب، فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " الحمد لله الذي سرني بكم جميعاً، وجمعه وإياكم "، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " انظروا هل ترون بالباب أحداً؟ "

قال جابر: وكنت أنا وابن مسعود، فأمر بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأدخلنا عليه فجلسنا معه، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتلك الأرغفة فكسرها بيده، ثم غرّف عليها من تلك الدجاجة، ودعا بالبركة، فأكلنا جميعاً حتى تملأنا شبعاً، وبقيت فضلة لأهل البيت. قال: هاذ حديث غريب. والمشهور حديث انس وهو ما أسند إلى علي قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه، وكان أنس بن مالك يحجبه، فرفع النبي صلّى الله عليه وسلّم يده إلى الله، ثم قال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ". قال: فجاء علي فاستأذن، فقال له أنس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني على حاجة، فرجع، ثم دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، وإليّ ". فأكل معه، فلما أكل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج علي. قال أنس: ابتعت عليّاً فقلت: يا أبا حسن، استغفر لي، فإن لي إليك ذنباً، وإن عندي بشار، فأخبرته بما كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله واستغفر لي ورضي عني، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه. وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حجل مشوي بخبزه وصنابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام "، فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي. قال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة. قال أنس: فسمعت حركة بالباب، فخرجت فإذا علي بالباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على حاجة، فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب، فسلم عليّ، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته، فقال: " انظر من هذا؟ " فخرجت فإذا هو علي،

فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته، فقال: " ائذن له "، فدخل عليّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وإليّ، اللهم وإليّ ". وعن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير مشوي فقال: " اللهم أدخل عليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل معي ". قال أنس: فجاء عليٌّ فحجبته، ثم جاء ثانية فحجبته، ثم جاء ثالثة فحجبته؛ رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي، ثم جاء الرابعة فأذنت له، فلما رآه النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم وأنا أحبه، فأكل معه من الطير ". وعن أنس قال: أهدي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم طير، فقال: " اللهم ائتني برجل يحبّ؟ هـ الله، ويحبه رسولك ". قال أنس: فأتى عليّ فقرع الباب، فقلت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشغول، وكنت أحب ان يكون رجلاً من الأنصار، ثم إن عليّاً فعل مثل ذلك، ثم أتى الثالثة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس أدخله فقد عنيته "، فلما أقبل قال: " اللهم إليّ، اللهم إليّ ". قال عبد العزيز بن زياد: إن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب؛ فقال: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم طائر، فأمر به فطبخ وصنع، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي "، فجاء علي فرددته، ثم جاء ثانية فرددته، ثم جاء الثالثة فرددته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، إني قد دعوت ربي، وقد استجيب لي، فانظر من كان بالباب فأدخله ". فخرجت، فإذا أنا بعلي فأدخلته، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إني قد دعوت ربي أن يأتيني بأحب خلقه إليّ، وقد استجيب لي، فما حبسك؟ " قال: يا نبي الله حبست أربع مرات، كل ذلك يردّني أنس؛ قال: النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ما حملك على ذلك يا أنس؟ " قال: قلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي، إنه ليس أحد إلا وهو يحب قومه، وإن علياً جاء، فأحببت أن يصيب دعاؤك رجلاً من قومي.

قال: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم نبيّ الرحمة فسكت ولم يقل شيئاً. وفي حديث آخر بمعناه: لأني سمعت دعوتك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: الرجل يحب قومه. وفي حديث آخر عن أنس أيضاً: أهدي للنبي صلّى الله عليه وسلّم نحامات. وعن أنس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير "، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر وقال الحيري: عثمان فرده، ثم جاء علي، فأذن له. وعن أنس قال: كنت أنا وزيد بن أرقم نتناوب النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأتته أم أيمن بطير أهدي له من الليل، فلما أصبح أتته بفضله، فقال: " ما هذا؟ " قلت: فضل الطير الذي أكلت البارحة، فقال: " أما علمت أن كل صباح يأتي برزقه، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ويأكل معي من هذا الطير ". قال: فقلت: اللهم اجعله من الأنصار، قال: فنظرت فإذا عليّ قد أقبل فقلت له: إنما دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الساعة فوضع ثيابه، فسمعني أكلمه، فقال: " من هذا الذي تكلمه؟ " قلت: عليّ، فلما نظر إليه قال: " اللهم أحب خلقك إليك وإليّ ". وفي رواية عن أنس قال: أهدي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم طائر كان يعجبه أكله، فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " الحديث.

وعن عبد الله بن العباس قال: كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ دخل علي بن أبي طالب، فسلم فرد عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبشّ به، وقام إليه فاعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبّاً له مني، إن الله جعل ذرية كل نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ". وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن علمه ما عمل به، وعن مالهم ممّ اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت ". فقيل: يا رسول الله، ومن هم؟ فأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب. وعن عائشة قالت: ما خلق الله خلقاً كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من علي. وعن بريدة قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاطمة، ومن الرجال علي. قال جميع بن عمير: دخلت مع أمي على عائشة فقالت: أخبرتني كيف كان حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ؟ فقالت: عائشة: كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لقد رأيته يوماً أدخل تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً "، قالت: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولست من أهلك؟ قال: " إنك على خير إنك على خير ". وعن جميع عن عائشة قال: قلت لها: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: قالت: أما من الرجال فعلي. وأما من النساء ففاطمة.

وعن جميع بن عمير قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فقلت لها: يا أم المؤمنين: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، وايم الله، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً جديراً أن يقول ما يحب الله. وفي رواية: جديراً بقول الحق. قال معاوية بن ثعلبة: أتى رجل أبا ذر، وهو جالس في مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أبا ذر، ألا تخبرني بأحب الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: إي ورب الكعبة، إن أحبّهم إليّ أحبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو ذاك الشيخ، وأشار إلى علي، وهو يصلي أمامه. وعن زيد بن أرقم: دخلت على أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من الذين يسب فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: لا والله يا أمه، ما سمعت أحداً يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: بلى والله، إنهم يقولون: فعل الله بعلي ومن يحبه، وقد كان، والله، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبّه. وعن بريدة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أمرني الله تعالى بحب أربعة: وأخبرني أنه يحبهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم، إنك يا علي منهم ". قال أبو عبد الله الجدلي: دخلت على أم سلمة فقالت: يا أبا عبد الله، أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم وأنتم أحياء؟ قال: قلت: سبحان الله! وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسبّ علي ومن يحبه؟ قلت: بلى، قالت: أليس كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبه؟ وفي رواية قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من سبّ علياً فقد سبّني ".

وعن أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: من سبّ علياً وأحباءه فقد سب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأشهد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يحبّه. وعن جابر قال: دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ونحن في المسجد، وهو آخذ بيد علي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " ألستم زعمتم أنكم تحبونني؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ". وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا علي، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ". وعن سلمان الفارسي قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره، وسمعته يقول: " محبّك محبّي، ومحبّي محبّ الله، ومبغضك مبغضي، ومبغضي مبغض الله ". وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك تعيش على ملّتي، وتقتل على سنتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني ". وعن يعلى بن مرة الثقفي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ". طعن في بعض رواته. وفي حديث مرسل: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله تعالى عهد إليّ في علي عهداً، قلت: يا ربّ بيّنه لي، قال: " اسمع يا محمد "،

قال: " إن عليّاً راية الهدى بعدي، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ". وعن زر بن حنيش قال: سمعت علياً يقول: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليّ: ألا يحبّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وعن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " إن الله أخذ ميثاق المؤمنين على حبك، وأخذ ميثاق المنفقين على بغضك، فلو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، ولو نثرت الدنانير على المنافق ما أحبك، يا علي، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ". وعن أبي الطفيل قال: أخذ علي بيدي في هذا المكان، فقال: يا أبا الطفيل، لو أني ضربت أنف المؤمن بخشبة ما أبغضني أبداً، ولو أني أقمت المنافق ونثرت على رأسه ما أحبني أبداً، يا أبا الطفيل، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي، وأخذ ميثاق المنافقين ببغضي، فلا يبغضني مؤمن أبداً، ولا يحبني منافق أبداً. وعن عمران بن ميثم عن أبيه ميثم قال: شهدت علي بن أبي طالب وهو يجود بنفسه يقول: يا حسن، قال الحسن: لبيك يا أبتاه، قال: إن الله أخذ ميثاق أبيك، وميثاق كل مؤمن على بغض كل منافق وفاسق، وأخذ ميثاق كل فاسق ومنافق على بغض أبيك. وعن عبد اله بن حنطب قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " يا أيها الناس، قدموا قريشاً ولا تقدّموها، وتعلموا منها ولا تعلّموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من

غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم. يا أيها الناس، أوصيكم بحب ذي أقربها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب، فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عزّ وجلّ ". وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ". وفي حديث عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر ". وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من زعم أنه آمن بي وما جئت به وهو يبغض علياً، فهو كاذب ليس بمؤمن ". وعن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: " يا علي، إن الله زيّنك بزينة لم تتزيّن العباد بزينة أحبّ إلى الله منها: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فرضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، وأما الذين أحبوا وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقائك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة ". وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما رفع الله القطر عن بين إسرائيل بسوء رأيهم في أنبيائهم، وإن الله عزّ وجلّ يرفع القطر عن هذه الأمة ببغضهم علي بن أبي طالب ". وعن صلصال بن الدّلهمس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم في جماعة من أصحابه، فدخل علي بن أبي طالب، فقال له

النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك، ألا من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخل الجنة، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار ". وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي بن أبي طالب، ونصب لأهل بيتي، ومن قال: الإيمان كلام ". وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود وابن عباس قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية: " محمّدٌ رسول الله والذي معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السّجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه ". قال ابن عباس: ذلك أبو بكر، قال: " فاستغلظ فاستوى " عمر بن الخطاب، " على سوقه " عثمان بن عفان، " يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفّار " علي بن أبي طالب. كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببغضهم علي بن أبي طالب. وعن أبي سعيد الخدري قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليّاً والأنصار. وفي رواية أخرى عنه: إلاّ ببغضهم عليّاً. وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يبغض عليّاً إلا منافق أو فاسق أو صاحب دنيا ".

وعنه قال: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا ببغض عليّ. وعن جابر بن عبد الله قال: ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب. وعن جابر قال: كنا نعرف نفاق الرجل منا ببغضه علياً. وعن أبي الزبير قال: سئل جابر عن علي، فقال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم عليّاً. وعن عبادة بن الصامت قال: كنا ننوّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشده. وعن محبوب بن أبي الزناد قال: قالت الأنصار: إن كنا لنعرف الرجل إلى غير أبيه ببغضه علي بن أبي طالب. وعن أنس قال: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد ان يشهر عليّاً في مواطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهر علياً يوم خيبر فقال: " يا أيها الناس من أراد أن ينظر إلى آدم في خلقه، وإليّ في خلقي، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين، كأنما يتقلّع من صخر، أو يتحدّر من صببٍ، يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم ".

قال أنس بن مالك: فكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه توجه بوجهه تلقاه وأومأ بإصبعه: أي بني تحبه هذا الرجل المقبل؟ فإن قال الغلام: نعم قبّله، وإن قال: لا، خرق به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولتلحق أمك بأهلها، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي بن أبي طالب. قال: هذا حديث منكر. وعن ابن عباس قال: بينا نحن بفناء الكعبة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا، إذ خرج علينا مما يلي الركن اليماني شيء عظيم كأعظم ما يكون من الفيلة، قال: فتفل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعنت "، أو قال: " خزيت "، قال: فقال علي بن أبي طالب: ما هذا يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: " أو ما تعرفه يا علي؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا إبليس "؛ فوثب إليه، فقبص على ناصيته، وجذبه فأزاله عن موضعه، وقال: يا رسول الله أقتله؟ قال: " أو ما علمت أنه قد أجّل إلى الوقت المعلوم؟ " قال: فتركه من يده، فوقف ناحية، ثم قال: لي ولك يا بن أبي طالب، والله ما أبغضك أحدٌ إلا قد شاركت أبه فيه، اقرأ ما قال الله تعالى: " وشاركهم في الأموال والأولاد ". قال ابن عباس: ثم حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " لقد عرض لي في الصلاة، فأخذت بحلقة فخنقته، فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي، ولولا دعوة أخي لأريتكموه مربوطاً بالسارية تنظرون إليه ". وعن علي بن أبي طالب قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم عند الصفا، وهو مقبل على شخص في صورة الفيل، وهو يلعنه، فقلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: " هذا الشيطان الرجيم "، فقلت: والله

يا عدو اله لأقتلنك، ولأريحنّ الأمة منك، قال: ما هذا جزائي منك، قلت: وما جزاؤك مني يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قط إلا شاركت أباه في رحم أمه. وعن طاووس قال: قلت لعلي بن حسين بن علي: ما بال قريش لا تحب عليّاً؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار. وعن أبي برزة قال: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله عهد إليّ في علي عهداً، فقلت: يا رب بيّنه لي، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه أحبني، ومن أبغضه أبغضني، فبشره بذلك ". فجاء علي فبشرته، فقال: يا رسول الله أنا عبد الله وفي قبضته، فإن يعذبني فبذنبي، وإن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي. قال: قلت: " اللهم اجل قلبه، واجعل ربيعه الإيمان "، فقال الله: " قد فعلت به ذلك "، ثم إنه رفع إليّ أن سيخصه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحداً من أصحابي، فقلت: " يا رب أخي وصاحبي "، فقال: " إن هذا شيء قد سبق، إنه مبتلىً ومبتلى به ". وعن ابن عباس أنالنّبي صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى علي بن أبي طالب فقال: " أنت سيّد في الدّنيا سيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك من بعدي ". وعن علي قال: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي ذات يوم فقال: " من مات وهو يبغضك فهي ميتة جاهلية يحاسب بما عمل في الإسلام، ومن عاش بعدك وهو يحبك ختم اله له بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس وغربت حتى يد عليّ الحوض ". وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن فيك من عيسى مثلاً: أبغضته يهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى نزلوا بالمنزل الذي ليس به ". ألا وإنه يهلك فيّ اثنان: محب مطرٍ يقرظني ما ليس فيّ، ومبغض يحمله سبابي على

أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيّه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحقّ علكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم. وفي حديث آخر: وما أمرتكم به أو غيري من معصية الله فلا طاعة في معصية لأحد، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف، الطاعة في المعروف. وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ غالٍ، ومبغضٍ قالٍ. وعن علي قال: يهلك فيّ رجلان: محبٌ مفرط، وعدو مبغض، فمن استطاع منكم ألا يكون واحداً منهما فليفعل. وعن علي بن أبي طالب: ليحبّني أقوام، يدخلون بحبي الجنة، وليبغضني أقوام يدخلون ببغضي النار. وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله على مناخرهم في النار ". وعن عباية عن علي بن أبي طالب قال: أنا قسيم النار يوم القيامة: أقول خذي ذا وذري ذا. وفي حديث آخر: أقول: هذا لي، وهذا لك. قال ابو بكر بن عياش: قلت للأعمش: أنت تحدث عن موسى بن طريف عن عباية عن علي: أنا قسيم النار، قال: فقال: والله ما رويته إلا على جهة الاستهزاء، قال: قلت: حمله الناس عنك في الصحف، وتزعم أنك رويته على جهة الاستهزاء.

قال أبو معاوية: قلنا للأعمش: لا تحدث هذه الأحاديث، قال: تسألونني، فما أصنع؟ ربما سهوت، فإذا سألوني عن شيء من هذا سهوت فذكروني. قال: وكنا يوماً عنده فجاء رجل فسأله عن حديث قسيم النار، قال: فتنحنحت. قال: فقال الأعمش: هؤلاء المرجئة لا يدعونني أحدث بفضائل علي، أخرجوهم من المسجد حتى أحدثكم. قال بسّام الصّيرفي: قلت لجعفر: إن ناساً يزعمون أن عليّاً قسيم النار؛ فقال: أنا أكفر بهذا. قال سلام: كان موسى يرى رأي أهل الشام، وكان يتحدث بهذا يتعجب به، ويسمع به. قال موسى: وقد حدثني عباية بأعجب من هذا عن علي أنه قال: والله لأقتلن ثم لأبعثن، ثم لأقتلن وهي القتلة التي أموت فيها، فيضربني يهودي بأريحا يعني موضعاً بالشام بصخرة يقرع بها هامتي. قال أحمد بن حنبل، وقد سأله رجل عن قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " علي قسيم النار "، فقال: هذا حديث يضطرب طريقه عن الأعمش؛ ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق "، وقال الله عزّ وجلّ: " إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار "، فمن أبغض علياً فهو في الدرك الأسفل من النار. وعن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أوحى إليّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيّد المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اسكب لي ماءً أو وضوءاً "، ثم قام يصلي ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد المسلمين: عليّ ". وعن بريدة الأسلمي قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين، ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ. أنكر هذا الحديث، وقال: فيه مجاهيل. وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين ". وعن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، أنت سيّد شباب أهل الجنة ". وعن عائشة قالت: كنت قاعدة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل عليّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عائشة، هذا سيّد العرب "، قالت: فقلت: يا رسول الله ألست أنت سيّد العرب؟ قال: " أنا سيّد ولد آدم، وهذا سيّد العرب ". وعن عائشة قالت: أقبل علي بن أبي طالب يوماً فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا سيّد المسلمين "، فقلت: ألست سيّد المسلمين يا رسول الله؟ قال: " أنا خاتم النّبيّين ورسول ربّ العالمين ". وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رجل: يا رسول الله أنت سيّد العرب؟ قال: " لا، أنا سيّد ولد آدم، وعي سيّد العرب، وإنه لأول من ينفض الغبار عن رأسه يوم القيامة قبلي علي ". وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني عصى الله، ومن أطاع علياً أطاعني ومن عصى علياً عصاني ".

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني ". وعن عمار بن ياسر، وعن أبي أيوب قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " حقّ عليّ على المسلمين حقّ الوالد على ولده ". وعن أنس بن مالك قال: نظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب فقال: " أنا وهذا حجّة الله على خلقه ". وعن عبد الله بن الحارث قال: قلت لعلي بن أبي طالب: أخبرني بأفضل منزلتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: نعم، بينا أنا نائم عنده وهو يصلي، فلما فرغ من صلاته قال: " يا علي، ما سألت الله عزّ وجلّ من الخير إلاّ سألت لك مثله، وما استغفرت الله من الشرّ إلاّ استغفرت لك مثله ". وعن علي بن أبي طالب قال: مرضت مرّة مرضاً فعادني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليّ وأنا مضطجع، فأتى إلى جنبي، ثم سجّاني بثوبه، فلما رآني قد ضعفت قام إلى المسجد يصلي، فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني، ثم قال: " قم يا علي، فقد برأت "، فقمت فكأني ما اشتكيت قبل ذلك، فقال: " ما سألت ربي شيئاً إلا أعطاني، وما سألت شيئًا لي إلا سألت لك ". وعن علي قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّحر، وهو في مصلاه في بعض حجره، فقال: " يا عليّ، بتّ ليلتي هذه حيث ترى أصلي وأناجي ربي تعالى، فما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك مثله، وما سألت من شيء إلى أعطاني، إلا أنه قيل لي: إنه لا نبيّ بعدي ". وعن أسماء بنت عميس: أنها رمقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يزل يدعو لهما خاصة يعني عليّاً وفاطمة لا يشركهما بدعائه أحداً.

وعن علي قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان أجلاً فارفعني، وإن كان بلاء فصبّرني، قال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه فضربني برجله، فقال: " ما قلت؟ " فأعدت عليه، فقال: " اللهم عافه أو اشفه "، فما اشتكيت ذلك الوجع بعد. وعن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وغلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ". وعن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الصّدّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم ". وعن جابر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ثلاثة ما كفروا بالله قطّ: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون ". وعن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصلّ العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلّيت يا علي؟ " قال: لا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيّك فاردد عليه الشمس ". قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. وعن جابر قال: لما أن كان يوم الطائف خلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعلي، فناجاه طويلاً، وأبو بكر وعمر ينظران والناس، قال: ثم انصرف إلينا، فقال الناس: قد طالت مناجاتك اليوم يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه ".

وفي رواية: فأطال مناجاته، فرأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم ... الحديث. وعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صاحب سرّي عليّ بن أبي طالب ". وعن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص قال: دخل عليّ بن أبي طالب على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده ناس، فخرجوا يقولون: ما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نخرج فدخلوا، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " ما أنا أدخلته وأخرجتكم، ولكن الله أدخله وأخرجكم ". وعن سعيد بن جبير قال: ذكر عند ابن عباس عليّ بن أبي طالب فقال: إنكم تذكرون رجلاً كان يسمع وطء جبريل فوق بيته. وعن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له: الأسواف، ففرشت لرسول اله صلّى الله عليه وسلّم تحت صور لها مرشوش، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة "، قال: فلقد رأيته مطأطئاً رأسه من تحت الصّور، ثم يقول: " اللهم إن شئت جعلته عليّاً "، فجاء علي، ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة، وصنعتها، فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام فصلى وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا.

وعن سلمى قالت: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النخل، فقال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فسمعت حسّاً فإذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمرّ بحديقة فقال علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! قال: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، حتى مرّ بستّحدائق. وفي روايات أخر: بسبع حدائق كل ذلك يقول علي: يا رسول الله، ما أحسن هذه الحديقة! فيردّ عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " حديقتك في الجنة أحسن منها "، ثمّ وضع النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له علي: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: " ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك حتى أفارق الدنيا ". فقال علي: فما أصنع يا رسول الله؟ قال: " تصبر "، قال: فإن لم أستطع؟ قال: " تلقى جهداً "، قال: ويسلم لي ديني؟ قال: " ويسلم لك دينك ". وعن علي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يا علي، إن لك في الجنة كنزاً وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة ". قال داوود بن رشيد: حدثني أبي قال: كنت يوماً عند المهدي، فذكر علي بن أبي طالب، فقال المهدي: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إنك عبقريهم ". قال المهدي: أي سيّدهم. وعن عبد الله بن ظالم المازني قال: لقد خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة. قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: فغضب، فقام فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنة، فأشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم؟ قال:

قلت: وما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اثبت حراء فإنّك ليس عليك إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد ". قال: قلت: من هم؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزّبير وطلحة وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن مالك ". قال: وسكت قال: قلت: ومن العاشر؟ قال: " أنا ". وعن ابن عباس قال: سمعت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد علي يقول: " هذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أوّل من يكسى يوم القيامة إبراهيم بحلّته، ثم أنا بصفوتي، ثم علي بن أبي طالب يزفّ بيني وبين إبراهيم زفّاً إلى الجنة ". وعن أبي سعيد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كسا ناساً من أصحابه، ولم يكس علياً، فكأنه رأى في وجه علي، فقال: " يا علي، أما ترضى أن تكسى إذا كسيت وتعطى إذا أعطيت؟ ". وعن أبي رافع: أن علياً دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو مغضب، فشكا إليه بغض قريش له، وحسد الناس إياه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، أما ترضى أن أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ". وعن علي قال: شكوت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسد الناس لي، فقال: " يا علي، أما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرارينا خلف أزواجنا وأشياعنا من ورائنا؟ ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة "، فقام إليه عمه العباس بن عبد المطلب فقال: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " أما أنا فعلى البراق، وجهها كوجه الإنسان، وخدها

كخدّ الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجدتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة تتقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجّلة تضيء مرة وتنمي أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الحلق أذناها، ذنبها مثل ذنب البقرة، طويلة اليدين والرجلين، وأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجدّ في مسيرها تمرّ كالرّيح وهو مثل السّحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار، ودون البغل ". قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه ". قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وعمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، سيّد الشهداء على ناقتي ". قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: " وأخي عليّ على ناقة من نوق الجنة، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محمل من ياقوت أحمر، قضبانه من الدّرّ الأبيض، على رأسه تاج من نور، لذلك التّاج سبعون ركناً، ما من ركن إلاّ وفيه ياقوتة حمراء تضيء للراكب المحث، عليه حلتان خضراوان، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتقول الخلائق: ما هذا إلاّ نبيّ مرسل أو ملك مقرّب، فينادي منادٍ من بطنان العرش: ليس هذا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين، وإما المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ". وفي حديث آخر: " وأمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين في جنات النعيم ". وفي حديث آخر: " أمير المؤمنين وإمام التقين، وقائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات ربّ العالمين، أفلح من صدّقه، وخاب من كذّبه، ولو أنّ عابداً عبد الله بين الرّكن والمقام ألف عام وألف عام

حتى يكون كالشّنّ البالي لقي الله مبغضاً لآل محمد أكبّه الله على منخره في نار جهنم. وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى فقال: ما عسى أن تقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ". وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تؤتى يوم القيامة بناقة من نوق الجنة يا علي، فتركبها وركبتك مع ركبتي، وفخذك مع فخذي حتى تدخل الجنة ". وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ألا ترضى يا علي، إذا جمع الله الناس في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعى إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم ينجرّ مثعبٌ من الجنة إلى الحوض، حوض أعزب مما بين بصرى وصنعاء، وفيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وقدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ ثم أكسى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى يا علي فتشرب، ثم توضأ، ثم تكسى ثوبين أبيضين، فتقوم عن يميني معي فر أدعى لخير إلا دعيت ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أعطاني ربي عزّ وجلّ في علي خصالاً في الدنيا وخصالاً في الآخرة، أعطاني به في الدنيا أنه صاحب لوائي عند كل شديدة وكريهة، وأعطاني به في الدنيا أنه غامضي وغاسلي ودافني، وأعطاني به في الدنيا أنه لن يرجع بعدي كافراً، وأعطاني به في الآخرة أنه صاحب لواء الحمد يقدمني به، وأعطاني به في الآخرة أنه متكئي في طول الجسر يوم القيامة، وأعطاني به أنه عون لي على حمل مفاتيح الجنة ".

وعن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما خصلة منها: فإنه يقضي ديني، ويواري عورتي. وأما الثانية: فإنه الذائد عن حوضي. وأما الثالثة: فإنه متكئي في طريق الجسر يوم القيامة. وأما الرابعة: فإن لوائي معه يوم القيامة، وتحته آدم وما ولد. وأما الخامسة: فإني لا أخشى أن يكون زانياً بعد إحصان، ولا كافراً بعد إيمان ". وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنت وشيعتك في الجنة ". حدث أبو محمد القاسم بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، إذا كان يوم القيامة يخرج قوم من قبورهم، لباسهم النور على نجائب من نور، أزمّتها يواقيت حمر، تزفهم الملائكة إلى المحشر "، فقال علي: تبارك الله ما أكرم هؤلاء على الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا علي، هم أهل ولايتك وشيعتك ومحبوك، يحبونك بحبي، ويحبونني بحبّ الله، هم الفائزون يوم القيامة ". وعن علي قال: قال لي سلمان: قلّما طلعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه إلاّ ضرب بين كتفي، فقال: " يا سلمان هذا وحزبه المفلحون ". وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عن يمين العرش كراسي من نور، عليها أقوام تلألؤ وجوههم نورٌ، فقال أبو بكر: أنا منهم يا نبي الله؟ قال: " أنت على خير "، قال: فقال عمر: يا نبي الله أنا منهم. فقال مثل ذلك، " ولكنهم قوم تحابوا من أجلي وهم هذا وشيعته "، وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب.

وعن أم سلمة قالت: كانت ليلتي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندي، فغدت عليه فاطمة ومعها علي، فرفع غليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأسه، وقال: " أبشر يا علي: أنت وأصحابك في الجنة، أبشر يا علي: أنت وشيعتك في الجنة، إلا أنّ ممن يزعم أنه يحبك قوماً يرفضون الإسلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم يقولها ثلاثاً لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أنت أدركتهم فجاهدهم، فإنهم مشركون ". قال: يا رسول الله، فما العلامة فيهم؟ قال: " لا يحضرون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول ". وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ياعلي، أنت وشيعتك في الجنة، وإن قوماً لهم نبز، يقال لهم الرافضة، فإن لقيتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون "، فقال علي: ينتحلون حبّنا أهل البيت، وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر. وعن أبي الحمراء خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لما أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمداً رسول الله صفوتي من خلقي، أيدته بعلي ونصرته ". وعن أم عطية قالت: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً فيهم علي بن أبي طالب، قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو رافعاً يديه يقول: " اللهم لا تمتني حتى تريني علي بن أبي طالب ". وعن علي قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من يستقي لنا من الماء؟ " فأحجم الناس، فقام علي فاحتضن قربة، ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة، فانحدر فيها، فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل وإسرافيل: اهبطوا لنصر محمد وحزبه، ففصلوا من السماء، لهم لغط يذعر من سمعه، فلما جاؤوا بالبئر سلموا عليه من عند آخرهم إكراماً وتبجيلاً.

وعن سلمان الفارسي قال: كنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في مسجده في يوم مطير ذي سحائب ورياح، ونحن ملتفون حوله، فسمعنا صوتاً لا نرى شخصه وهوي قول: السلام عليك يا رسول الله، فردّ عليه السلام، وقال: " ردوا على أخيكم السلام "، قال: فرددنا عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أنت؟ " قال: أنا عرفطة بن شمراخ أحد بني نجاح، أتيتك يا رسول الله مسلماً، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بك يا عرفطة، اظهر لنا رحمك الله في صورتك "، قال سلمان: فظهر لنا شيخ أزب أشعر قد لبس وجهه شعراً غليظاً متكاثفاً قد واراه، وإذا عيناه مشقوقتان طولاً، وله فم في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وإذا له في موضع الأظفار من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرت جلودنا، ودنونا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال الشيخ: يا نبي الله ابعث معي من يدعو جماعة قومي إلى الإسلام، وأنا أرده إليك سالماً إن شاء الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه " أيكم يقوم معه فيبلغ الجنّ عني، وله عليّ الجنة؟ " فما قام أحد. وقال الثانية والثالثة فما قام أحد، فقال علي: أنا يا رسول الله، فالتفت النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الشيخ فقال: " وافني إلى الحرّة في هذه الليلة أبعث معك رجلاً يفصل بحكمي وينطق بلساني، ويبلغ الجنّ عني ". قال سلمان: فغاب الشيخ وأقمنا يوماً، فلما صلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من مسجده قال: " يا سلمان سر معي "، فخرجت معه وعلي بين يديه حتى أتيت الحرة، فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً، وحملني خلفه، وشدّ وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصب عيني، وقال: " يا سلمان، لا تفتحن عينيك حتى تسمع عليّاً يؤذن، ولا يرعك ما تسمع، فإنك آمن إن شاء الله "، ثم أوصى علياً بما أحبّ أن يوصيه، ثم قال: " سيروا ولا قوة إلا بالله ".

فثار البعير، ثم دفع سائراً يدف كدفيف النعام، وعلي يتلو القرآن، فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر أذن علي وأناخ البعير، وقال: انزل بان الفجر أقام عليٌّ الصلاة، وتقدم وصلى بنا أنا والشيخ، ولا أزال أسمع الحس حتى إذا سلم علي التفت فإذا خلق عظيم لا يسمعهم إلا الخطيب الصّيت الجهير، فأقام علي يسبح ربّه حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيباً، فخطبهم، واعترضه منهم مردة، فأقبل عليٌّ عليهم فقال: أبالحقّ تكذبون، وعن القرآن تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟ ثم رفع طرفه إلى السماء، فقال: بالكلمة العظمى والأسماء الحسنى والعزائم الكبرى، والحي القيوم محيي الموتى، وربّ الأرض والسماء، يا حرسة الجن ورصدة الشياطين خدام الله الشراهاليين ذوي الأرواح الطاهرة، اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، ب: " ألمص "، و" الذاريات "، و" كهيعص "، و" الطواسين "، و" يس "، و" ن والقلم وما يسطرون "، و" النجم إذا هوى "، و" الطور وكتاب مسطور في رقّ منشور والبيت المعمور "، والأقسام والأحكام وتواضع النجوم، لمّا أسرعتم الانحدار إلى المردة المتولعين المتكبرين الجاحدين لآيات ربّ العالمين.

قال سلمان: فحسست بالأرض من تحتي ترتعد، وسمعت في الهواء دوياً شديداً، ثم نزلت نار من السماء، صعق لها كل من رآها من الجن، وخرت على وجوهها مغشياً عليها، وخررت أنا على وجهي، ثم أفقت فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عتية المردة من الجن، فأقام الدخان طويلاً بالأرض. قال سلمان: فصاح بهم علي: ارفعوا رؤوسكم، فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى خطبيته، فقال: يا معشر الجن والشياطين والغيلان وبني شمراخ وآل نجاح، وسكان الآجام والرمال والأقفار وجميع شياطين البلدان: اعلموا أن الأرض قد ملئت عدلاً كما كانت مملوءة جوراً، هذا هو الحق. " فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنى تصرفون ". قال سلمان: فعجبت الجنّ لعلمه، وانقادوا مذعنين له، وقالوا: آمنا بالله وبرسوله وبرسول رسوله، لم تكذب وأنت الصادق المصدّق. قال سلمان: وانصرفنا في الليل على البعير الذي كنا عليه، وشدّ علي وسطي إلى وسطه، وقال: اعصب عينيك، واذكر الله في نفسك، وسرنا يدف بنا البعير دفيفاً، والشيخ الذي قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمامنا حتى قدمنا الحرة، وذلك قبل طلوع الفجر. فنزل علي، ونزلت، وسرّح البعير فمضى، ودخلنا المدينة فصلينا الغداة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما سلم رآنا فقال لعلي: " كيف رأيت القوم؟ " قال: أجابوا وأذعنوا، وقصّ عليه خبرهم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنهم لا يزالون لك هايبين إلى يوم القيامة ". حدث مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: كان علي بن أبي طالب حذراً في الحرب جداً، شديد الزوغان من قرنه، إذا حمل يحفظ جوانبه جميعاً من العدو، وإذا رجع من حملته يكون لظهره أشدّ تحفظاً منه لقدامه، ولا يكاد أحد يتمكن منه، فكانت درعه صدرة لا ظهر لها، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.

وعن رقبة بن مصقلة العبدي عن أبيه عن جده قال: أتى رجلان عمر بن الخطاب في ولايته يسألانه عن طلاق الأمة، فقام معتمداً يمشي بينهما حتى أتى حلقة في المسجد، وفيها رجل أصلع، فوقف عليه فقال: يا أصلع: ما قولك في طلاق الأمة؟ فرفع رأسه إليه، ثم أومأ إليه بإصبعيه، فقال عمر للرجلين: تطليقتان، فقال أحدهما: سبحان الله جئنا لنسألك وأنت أمير المؤمنين، فمشيت معنا حتى وقفت على الرجل فسألته فرضيت منه بأن أومأ إليك؟ فقال: أو تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، أشهد على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسمعته وهو يقول: " لو أن السماوات السبع وضعن في كفة ميزان، ووضع إيمان علي في كفة ميزان، لرجح بها إيمان عليّ ". وعن ربعي بن حراش قال: سمعت علياً عليه السلام يقولك وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّداً فارددهم علينا، فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه بالإيمان، يضرب أعناقكم وفي حديث بدر: رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم "، فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل، وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ". والله أعلم.

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف فحاصرهم سبع عشرة ليلة أو ثمان عشرة فلم يفتحها، ثم أوغل. علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في منتصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل. عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة انصرف إلى الطائف، فحاصرهم سبع عشرة ليلة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم أوغل غدوة، أو روحة، ثم نزل، ثم هجّر، فقال: " أيها الناس، إني لكم فرط، وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني، أو كنفسي فليضربنّ أعناق مقاتلتهم، وليسبينّ ذراريهم "، قال: فرأى الناس أنه أبو بكر وعمر، فأخذ بيد علي، فقال: " هذا ". وعن الراء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي من بمنزلة رأسي من يدي ". وعن حبشيّ بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو ". وعن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر على الموسم، وبعث معه بسورة براءة وأربع كلمات إلى الناس، فلحقه علي بن أبي طالب في الطريق فأخذ علي السورة والكلمات، فكان علي يبلغ، وأبو بكر على الموسم، فإذا قرأ السورة نادى: ألا لا يدخل الجنة إلا نفس

مسلمة، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان. ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد فأجله إلى مدته، حتى قال رجل: لولا أن يقطع الذي بيننا وبين ابن عمك من الحلف، فقال علي: لولا أن رسول الله أن أمرني أن لا أحدث شيئاً حتى آتيه لقتلتك. فلما رجع قال أبو بكر: مالي؟ هل نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، إلا خير ". قال: وماذا؟ قال: إن علياً لحق بي وأخذ مني السورة والكلمات، فقال: " أجل. لم يكن يبلّغها إلا أنا، أو رجل مني ". وفي حديث آخر عن أبي بكر رضي الله عنه: ثم قال لعلي: " الحقه، فردّ عليّ أبا بكر، وبلّغها أنت ". وفي آخره: " ولكن أمرت ألا يبلغه إلا أنا أو رجل مني ". وعن علي قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي: " أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم "، فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: " لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ". وعن علي عليه السلام حين بعثن ببراءة قال: يا نبي الله، إني لست باللّسن ولا بالخطيب، قال: " ما بدّ من أن أذهب بها، أو تذهب بها أنت "، قال: فإن كان لابد فأذهب بها أنا، قال: " فانطلق فإن الله عزّ وجلّ يثبّت لسانك، ويهدي قلبك "، قال: ثم وضع يده على فيه وقال: " انطلق فاقرأها على الناس ". وقال: " إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لواحد حتى تسمع كلام الآخر، فإنه أجدر أن تعلم لمن الحقّ ". وعن جميع بن عمير عن ابن عمر قال: كان في مسجد المدينة، فقلت له: حدثني عن علي، فأراني مسكنه بين مساكن

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أحدثك عن علي؟ قال: قلت: نعم، قال فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعث أبا بكر بالكتاب، ثم بعث علياً في أثره، فقال: ما لي يا علي؟ أنزل فيّ شيء؟ قال: لا قال: فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ شيء؟ قال: " لا ولكنه، إنما يؤدّي عني أنا أو رجل من أهل بيتي، وإن علياً رجل من أهل بيتي ". وعن ابن عباس قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب في بعض طرق المدينة، يده في يدي إذ قال لي: يا بن عباس، ما أحسب صاحبك إلا مظلوماً. فقلت: فردّ إليه ظلامته يا أمير المؤمنين، قال: فانتزع يده من يدي، وتقدّمني يهمهم، ثم وقف حتى لحقته، فقال لي: يا بن عباس، ما أحسب القوم إلا استصغروا صاحبك، قال: قلت: والله ما استصغره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أرسله، وأمره أن يأخذ براءةً من أبي بكر، فيقرؤها على الناس، فسكت. وعن عائشة قالت: رأيت أبا بكر الصديق يكثر النظر إلى وجه علي بن أبي طالب فقلت: يا أبه، إنك لتكثر النظر إلى علي بن أبي طالب فقال لي: يا بنيّة، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى وجه علي عبادة ". وعن يونس مولى الرشيد قال: كنت واقفاً على راس المأمون وعنده يحيى بن أكثم القاضي، فذكروا علياً وفضله، فقال المأمون: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: سمعت أبي يقول: سمعت جدي يقول: سمعت ابن عباس يقول: رجع عثمان إلى علي فسأله المصير إليه، فصار إليه، فجعل يحدّ النظر إليه، فقال له علي: مالك يا عثمان مالك تحدّ النظر إليّ؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " النظر إلى علي عبادة ". وروي عن عمران بن حصين وعن جابر بن عبد الله وعن أنس بن مالك وغيرهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " النظر إلى علي عبادة ".

وعن أبي ذرّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل علي فيكم أو قال: في هذه الأمة كمثل الكعبة المسوّرة، النظر إليها عبادة، والحج إليها فريضة ". قال أبو سليمان الخطابي: معناه والله أعلم أن النظر إلى وجهه يدعو إلى ذكر الله لما يتوهم فيه من نور الإسلام، يرى عليه من بهجة الإيمان، ولما يتبين فيه من أثر السجود وسيماء الخشوع، وبذلك نعته الله تعالى فيمن معه من صحابة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وهذه كما يروى لابن سيرين أنه دخل السوق، فلما نظر إليه وقد جهدته العبادة ونهكته سبحوا. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ذكر علي عبادة ". وعن سلمة قال: تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون ". وعن علي عليه السلام قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهو راكعون " فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا، إلا هذاك الراكع لعليّ أعطاني خاتمه. وعن أنس أنه قال: قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران فقال له العباس: أنا أشرف منك؛ أنا

عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه وساقي الحجيج، فقال شيبة: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فهما على ذلك يتشاجران حتى أشرف عليها علي، فقال له العباس: على رسلك يا بن أخ، فوقف علي عليه السلام، فقال له العباس: إن شيبة فاخرني، فزعم أنه أشرف مني، فقال: فما قلت له أنت يا عماه؟ قال: قلت له: أنا عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصي أبيه، وساقي الحجيج. أنا أشرف منك، فقال لشيبة: ماذا قلت له أنت يا شيبة؟ قال: قلت له: أنا أشرف منك: أنا أمين الله على بيته وخازنه، أفلا ائتمنك الله عليه كما ائتمنني؟ قال: فقال لهما: اجعلا لي معكما مفخراً. قالا: نعم. قال: فأنا أشرف منكما: أنا أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر، وجاهد. فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجثوا بين يديه، فأخبر كل واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بشيء، فانصرفوا عنه، فنزل عليه الوحي بعد أيام فيهم، فأرسل إليهم ثلاثتهم حتى أتوه، فقرأ عليهم: " أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر " إلى آخر العشر. قرأه أبو معمر. وعن ابن عباس في قوله تعالى: " الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرّاً وعلانية " قال: نزلت في علي بن أبي طالب: كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحداً، وبالنهار واحداً، وفي السرّ واحداً، وفي العلانية واحداً. وعن ابن عباس قال: لما نزلت: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " أنا المنذر، وعي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون ". وعن مجاهد في قوله عزّ وجلّ: " والّذي جاء بالصّدق وصدّق به " قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "

وصدّق به ": علي بن أبي طالب، وفي قوله تعالى: " إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قومٍ هادٍ " قال: " علي بن أبي طالب ". وعن أبي هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلا الله وحدي، لا شريك لي، ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعليّ. وذلك قوله في كتابه " هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين " عليّ وحده. وعن عبد الله أنه كان يقرأ " وكفى الله المؤمنين القتال " بعلي بن أبي طالب. وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي على بيّنة من ربه، وأنا الشاهد منه. وعن أبي سعيد الخدري في قوله: " ولتعرفنّهم في لحن القول " قال: ببغضهم علي بن أبي طالب. وعن أبي جعفر في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين " قال: مع علي بن أبي طالب. وعن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ: " إنّ الله أمرين أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحقّ على الله أن تعي "، فنزلت: " وتعيها أذنٌ واعيةٌ ". وعن ابن عباس في قوله عز وجل: " وصالح المؤمنين " قال: علي بن أبي طالب.

وعن حذيفة قال: دخلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " كيف انتم إذا اختصم السلطان والقرآن؟ " فقلنا: وأنى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: " إذا قالوا: القرآن مخلوق، برئ الله منهم، وأنا منهم بريء، وصالح المؤمنين ". قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " وصالح المؤمنين: علي بن أبي طالب ". وعن ابن عباس: " قل بفضل الله ": النبي صلّى الله عليه وسلّم " وبرحمته ": عليّ رضي الله عنه. وعن ابن عباس قال: ما نزل القرآن " يا أيّها الّذين آمنوا " إلا عليٌّ سيّدها وشريفها وأميرها، وما أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا قد عاتبه الله في القرآن ما خلا عليّ بن أبي طالب، فإنه لم يعاتبه في شيء منه. وفي حديث آخر: وما ذكر علياً إلا بخير. وعن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله مانزل في عليّ. وعنه قال: نزلت في عليّ ثلاث مئة آية. وعن انس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً في المسجد، وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل عليّ، فسلم ثم وقف ينظر مكاناً يجلس فيه، فنظر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى وجوه أصحابه أيّهم يوسع له، وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال: هاهنا يا أبا الحسن، فجلس بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم

أقل على أبي بكر فقال: " يا أبا بكر، إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل ". وعن شراحيل بن مرّة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: " أبشر يا علين حياتك وموتك معي ". وعن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا وهذا يعني: علياً نجيء يوم القيامة كهاتين "، وجمع بين أصبعيه السّبابتين. وعن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متورّكة الحسن والحسين، في يدها برمة للحسن وقال ابن حمدان: للحسين فيها سخين، حتى أتت بها النبي صلّى الله عليه وسلّم. فلما وضعتها قدامه قال لها: " أين أبو الحسن؟ " قالت: في البيت، فدعاه قال ابن حمدان: فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون قالت أم سلمة: وما سامني إليّ وقال ابن المقرئ: فدعاه فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم اتفقا وما أكل طعاماً قط وأنا عنده إلا سامنيه قبل ذلك اليوم تعني بسامني: دعاني إليه فلما فرغ التفّ عليهم وقال ابن حمدان: عليه بثوبه ثم قال: " اللهم، عاد من عاداهم ووال من والاهم ". وعن البراء بن عازب قال: جاء علي رضي الله عنه وقاطمة والحسن والحسين إلى باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال بردائه وطرحه عليهم ثم قال: " اللهم، هؤلاء عترتي ". وعن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبا هريرة يقول: جئت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وبين يديه تمر، فسلمت عليه فرد علي وناولني من التمر ملء كفه، فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر، فسلمت عليه، فردّ عليّ وضحك إليّ وناولني من التمر ملء كفه فعددته فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرحت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت:

يا رسول الله، جئتك وبين يديك تمر، فناولتني ملء كفك، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب، وبين يديه تمر، فناولني ملء كفه، فعددته ثلاثاً وسبعين تمرة فعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: " يا أبا هريرة، أوما علمت أن يدي ويد علي بن أبي طالب في العدل سواء؟ ". وعن حبشيّ بن جنادة قال: كنت جالساص عند أبي بكر فقال: من كانت له عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عدة فليقم، فقام رجل فقال: يا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعدني ثلاث حثيات من تمر، قال: فقال: أرسلوا إلى علي، فقال: يا أبا الحسن، إن هذا يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يحثي له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له، قال: فحثاها، فقال أبو بكر عدّوها فعدّوها، فوجدوه في كل حثية ستين تمرة لا تزيد واحدة على الأخرى، قال: فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الهجرة، ونحن خارجان من الغار نريد المدينة، " كفّي وكفّ علي في العدل سواء ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله طهر قوماً من الذنوب بالصّلعة في رؤوسهم، وإن علياً لأولهم ". وعن أبي الدرداء قال: لما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذ بن جبل إلى اليمن خطبهم، فإذا هم صلع كلهم، فقال: ما لي أراكم صلعاً كلكم؟ قالوا: خلقنا ربنا، قال: أفلا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالوا: وددنا، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ن الله تبارك وتعالى طهر قوماً من الذنوب فأصلع رؤوسهم، وإن علي بن أبي طالب أولهم ". وعن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مرحباً بسيد المسلمين، وإما المتقين "، فقيل لعلي: فأي شيء كان من شكرك؟ قال: حمدت الله على ما أتاني، وسألته الشكر على ما أولاني، وأن يزيدني فيما أعطاني.

وعن علي بن أبي طالب قال: جلست مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " يا أبا حسن، أيها أحبّ إليك: خمس مئة شاة ورعاتها أهبها لك، أو خمس كلمات أعلمكهن تدعو بهن؟ " فقلت له: بأبي أنت وأمي، أما من يريد الدنيا فيريد خمس مئة شاة ورعاتها، وأما من يريد الآخرة فيريد خمس كلمات، قال: فأيّها تريد؟ قلت الخمس كلمات، قال: " فقل: اللهم، اغفر لي ذنبي، وطيّب لي كسبي، ووسّع لي في خلقي، وقنّعني بما قسمت لي، ولا تذهب بنفسي إلى شيء قد صرفته عني ". وعن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " قد أتاكم أخي "، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: " والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة "، ثم قال: " إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة ". قال: ونزلت: " إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة " قال: فكان أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البريّة. وعن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي خير البرية ". وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " علي خير البشر، من أبى فقد كفر ". قال الخطيب: لم يرو هذا الحديث عن شريك بن عبد الله غير الحرّ بن سعيد، والمحفوظ عن شريك ما رواه أبو داود الدهان قال: سمعت شريك بن عبد الله يقول: " عليٌّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر ". وعن عطية العوفي قال: قلت لجابر: كيف كان منزلة علي فيكم؟ قال: كان خير البشر.

وعن جابر قال: عليّ خير البشر، لا يشك فيه إلا منافق. وعن جابر قال: سئل عن علي فقال: ذاك خير البرية، لا يبغضه إلا كافر. وعن عطية العوفي قال: دخلنا على جابر بن عبد الله الأنصاري، وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، قال: فقلنا له: أخبرنا عن عليّ، قال: فرفع حاجبيه بيديه ثم قال: ذاك من خير البشر. زاد في رواية: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً. وعن عطاء قال: سألت عائشة عن علي رضي الله عنهم، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر. وعن ابن عباس قال: بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جوعٌ، فأقام رجلاً من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، بلغني ما بك من الشدة، فأتيت رجلاً من اليهود، فاستقيت له سبعة عشر دلواً على سبع عشرة تمرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فعلت هذا حباً لله ورسوله؟ " قال: نعم، قال: " فأعد البلاء تجفافاً "، يعني: الصبر. وعن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار.

وفي رواية: وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفاً. وفي رواية: وإن صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار. وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته. وعن علي قال: لقد تزوجت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومالي فراش غير جلد كبش، ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار. ومالي خادم غيرها. وعن أبي سعيد الخدري قال: كان لعلي أحسبه قال: من النبي صلّى الله عليه وسلّم مدخل لم يكن لأحد من الناس، أو كما قال. وعن أبي البختريّ قال: قيل لعلي بن أبي طالب: حدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين، قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت. وعن علي قال: كنت إذا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعطاني، وإذا سكت ابتدأني. وقيل لعلي: مالك أكثر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً؟ فقال: إني كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكت ابتدأني. وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الجنة، وأنت بابها يا عليّ، كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها ".

وفي حديث آخر عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا دار الحكمة، وعليّ بابها ". وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة ". وعن حبيب بن النعمان قال: أتيت المدينة لأجاور بها، فسألت عن خير أهلها، فأشاروا إلى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: فأتيته، فسلمت عليه، فقال لي: أنت الأعرابي الذي سمعت من أنس بن مالك خمس عشر حديثاً؟ قلت: نعم، قال: فأملها علي قال: فأملتيها على ابنه وهو يسمع، فقلت: ألا تحدثني بحديث عن جدك أخبرك به أبوك؟ قال: يا أعرابي، تريد أن يبغضك الناس، وتنسب إلى الرفض؟ قال: قلت: لا، قال: حدثني أبي عن جدي، حدثني جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر سيدا أهل الجنة "، قال: فعجلت، فعرف الذي أردته، قال: وحدثني أبي عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أنا مدينة الحكم أو الحكمة وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ". وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، وهو آخذ بيد علي وهو يقول: " هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله يمدّ بها صوته أنا مدينة العلم، وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ". وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " شجرة أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرها، والشيعة ورقها. فهل يخرج من الطيّب إلا الطيّب؟ وأنا مدينة، عليٌّ بابها، فمن أرادها فليأت الباب ". وعن عبد الله قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فسئل عن علي فقال: " قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزءاً واحداً ".

وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " علي عيبة علمي ". وعن معاوية بن أبي سفيان قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يغرّ علياً بالعلم غرّاً. وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه: " ادعوا لي أخي "، فدعي له عثمان، فأعرض عنه ثم قال: " ادعوا لي أخي "، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب، وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، يفتح كل باب ألف باب. طعن في هذا الحديث قوم. وعن علي بن أبي طالب قال: كنت أدخل على رسول الله ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكت ابتدأني، وما نزلت آية إلا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي ألاّ أنسى شيئاً علمني إياه، فما نسيت من حرام ولا حلال، وأمرٍ ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده على صدري وقال: " اللهم، املأ قلبه علماً، وفهماً، وحكماً، ونوراً "، ثم قال لي: " أخبرني ربي عزّ وجلّ أنه قد استجاب لي فيك ". وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، اسكب لي وضوءاً "، ثم قام، فصلى ركعتين، ثم قال: " يا أنس، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين ". قال أنس: قلت: اللهم، اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي فقال: " من هذا يا أنس؟ " فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه، فقال: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً

ما صنعت بي قبل قال: " وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟ ". وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " أنت تغسلني، وتواريني في لحدي، وتبين لهم بعدي ". وفي رواية: " أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي ". وعن حذيفة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " جعلتك علماً فيما بيني وبين أمتي، فمن لم يتبعك فقد كفر ". قال: في هذا الحديث مجاهيل. وعن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استعملني على اليمن، فقلت له: يا رسول الله، إني شاب حدث السن، ولا علم لي بالقضاء، فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صدري مرتين أو قال: ثلاثاً وهو يقول: " اللهم، اهد قلبه، وثبّت لسانه "، فكأنما كل علم عندي، وحشي قلبي علماً وفقهاً، فما شككت في قضاءين اثنين. وعن علي قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن قاضياً، فقلت: " تبعثني إلى قوم وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري، وقال: ثبّتك الله وسدّدك، إذا جاءك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر، فإنه أجدر أن يبين لك القضاء ". قال: فما زلت قاضياً. وعن ابن عباس قال: بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علياً إلى اليمن فقال: " علمهم الشرائع، واقض بينهم "، قال: لا علم لي بالقضاء، قال: فدفع في صدره وقال: " اللهم، اهده القضاء "، فنهدهم عن الدّباء، والحنتم، والمزفت.

وعن علي قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: " قل: ربي الله ثم استقم ". قال: قلت: ربي الله، وما توفيقي إلا بالله، قال: " هنيئاً لك العلم أبا حسن، فقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً ". وعن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهدها إلى غيره. وعن بريدة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " لكل نبي وصيّ ووارث، وإن علياً وصيّي ووارثي ". وعن ابن عباس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا انقض كوكب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من انقضّ هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي "، فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي، قالوا: يا رسول الله، قد غويت في حبّ علي، فأنزل الله تعالى: " والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى " إلى قوله: " وهو بالأفق الأعلى ". أنكر هذا الحديث قوم. قال أبو إسحاق: قيل لقثم: بأي شيء ورث علي النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: كان أوّلنا به لحوقاً، وأشدّنا به لزوقاً، فقلت: فإيش معنى ورث علي؟ قال: لا أدري، إلا أن عيسى بن يونس حدث وذكر حديث مجالد بن سعيد: المراد بالميراث هاهنا: العلم، بدليل أن العباس أقرب منه قرابة، غير أن علياً كان ألزم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأقدم له صحابة. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيتها لما حضره الموت: " ادعوا لي حبيبي "، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي

حبيبي "، فدعوا له عمر. فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: " ادعوا لي حبيبي "، فقلت: ويلكم ادعوا لي علي بن أبي طالب، فوالله ما يريد غيره. فلما رآه افرد الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه. تفرد به مسلم. وعن جميع بن عمير أن أمه وخالتاه دخلتا على عائشة، فقالتا: يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي، قالت: أي شيء تسألن، عن رجل وضع يده من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موضعاً فسالت نفسه في يده، فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه فقال: إن أحب البقاع إلى الله مكان قبض فيه نبيّه، قالت: فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض. وعن أم سلمة أنها قالت: والذي تحلف به أم سلمة إن كان أقرب الناس عهداً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ، فقالت: لما كانت غداة قبض، فأرسل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أرى في حاجة بعثه لها. قالت: فجعل غداةً بعد غداة يقول: " جاء علي؟ " ثلاث مرات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس. فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ في بيت عائشة، قالت: فكنت آخر من خرج من البيت ثم جلست أدناهن من الباب، فأكبّ عليه علي، فكان آخر الناس به عهداً، وجعل يسارّه ويناجيه. قال: والمراد بالوصية أنه أمره أن يقضي عنه ديونه. فقد روي عن سلامة بن سهم التيمي قال: كنا في رحبة علي، والناس فيها حلق على مثل هذه السّبابة ففشا في الناس أن هذه وصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بلغه، فوثب مغضباً فقال: الله الله أن تفتروا على نبيكم ثلاث مرات أأسرّ إليّ شيئاً دونكم ثم أخرجها، فإذا فيها آية من كتاب الله أو شيء من الفقه وقال: يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط، ومبغض مفرط. وفي الحديث الصحيح ما روي عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجارحات فقد كذب، قال: فيها: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "

المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ". وعن عبد الله بن يحيى قال: سمعت علياً على المنبر يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، ولا ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت ما عهد إليّ، وإني لعلى بيّنة من ربي بيّنها لنبيّه عليه السلام، فبيّنها لي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً. وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: خطب علي بن أبي طالب في عامة فقال: أيها الناس، إن العلم يقبض قبضاً سريعاً، وإني أوشك أن تفقدوني، فسلوني، فلن تسلوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها، وفيم أنزلت، وإنكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدثكم. وفي حديث بمعناه: فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها. وعن علي قال: كان لي لسان سؤول، قلب عقول، وما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وبم نزلت، وعلى من نزلت. وإن الدنيا يعطيها الله من أحبّ، ومن أبغض، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلا من أحب. وعن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليلٍ نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.

وعن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم اقسم عليٌّ ألاّ يرتدي برداء إلا لجمعة، حتى يجعل القرآن في مصحف، ففعل، فأرسل إليه أبو بكر: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله، إلا أني أقسمت ألا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع. وفي حديث بمعناه قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله. قال محمد: فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال ابن عوف: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فم يعرفه. وعن ابن شبرمة قال: ما كان أحد يقول على المنبر: سلوني ما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب. وعن عمير بن عبد الملك قال: خطبنا علي على منبر الكوفة فقال: أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فبين الجنبين مني علم جمّ. وعن خالد بن عرعرة قال: أتيت الرحبة فإذا بنفر جلوس قريب من ثلاثين أو أربعين رجلاً، فقعدت فيهم، فخرج علينا عليّ، فما رأيته أنكر أحداً من القوم غيري فقال: ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه؟ وعن عبد الله بن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن. وعن عبد الله بن مسعود قال: ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطايا، قال: فقال له رجل: فأين أنت عن علي؟ قال: به بدأت، إني قرأت عليه. سأل ابن الكوا علياً عليه السلام: أيّ الخلق أشد، فقال أشد خلق ربك عشرة: الجبال الرواسي، والحديد تنحت به

الجبال، والنار تأكل الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يعني: يحمل الماء والريح تقلّ السحاب، والإنسان يغلب الريح، يبعثها بيده، ويذهب لحاجته، السكر يغلب الإنسان، والنوم يغلب السكر، والهمّ يغلب النوم، فأشد خلق ربك الهمّ. وعن ابن مسعود قال: قرأت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعين سورة، وختمتالقرآن على خير الناس بعده، فقيل له: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب. وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحداً أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب. وعنه قال: ما رأيت قرشياً قط أقرأ من علي بن أبي طالب، صلى بنا الفجر فقرأ بسورة، وترك آية. فلما ركع، ورفع رأسه من السجدتين ابتدأ بالآية التي تركها ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ سورة أخرى. وعن ابن عباس قال: خطبنا عمر على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: علي أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنّا لندع من قول أبيّ أشياء. إن أبيّاً سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي يقول: لا أدع ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد نزل بعد أبيّ كتاب. وفي رواية: وإنا لندع كثيراً من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أدعه لشيء، والله يقول: " ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها " وعن عطاء قال: كان عمر يقول: عليّ أقضانا للقضاء، وأبيّ أقرأنا للقرآن.

وعن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: أفرض أهل المدينة، وأقضاها علي بن أبي طالب. وعن الشعبي قال: ليس منهم أحد أقوى قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب. وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع عمر يقول لعلي وسأله عن شيء فأجابه، فقال له عمر: نعوذ بالله من أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن. وعن سعيد بن المسيّب قال: قال عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن؛ علي بن أبي طالب. وعن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب، فلما دخل الطواف استلم الحجر وقبّله، وقال: إني لأعلم أنّك حجر، لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك، قال: ثم مضى في الطواف، فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، إنه ليضرّ وينفع، فقال له عمر: بم قلت ذلك؟ قال: بكتاب الله، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قول الله عزذ وجلّ: " وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى " قال: لما خلق الله آدم عليه السلام مسح منكبه، فخرج ذرّيته مثل الذرّ، فعرّفهم بنفسه أنه الرّب، وأنهم العبيد، وأقرّوا بذلك على أنفسهم، وأخذ ميثاقهم بذلك، فكتبه في رقّ أبيض، قال: وكان هذا الركن الأسود يومئذ له لسان وشفتان وعينان، فقال له: افتح فاك، فألقمه ذلك الرقّ، وجعله في موضعه، وقال: تشهد لمن وافاك بالموافاة إلى يوم القيامة، قال: فقال عمر بن الخطاب: لا بقيت في قوم لست فيهم يا أبا حسن، أو قال: لا عشت في قوم لست فيهم أبا حسن.

وعن ابن عباس قال: قسّم علم الناس خمس أجزاء، فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء، وشاركهم عليّ في الجزء، فكان أعلم به منهم. وعن ابن عباس قال: إنا إذا ثبت لنا الشي عن علي لن نعدل به إلى غيره. وعنه أنه قال: إذا بلغنا شيء تكلم به علي من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلى غيره. وعن جسرة قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء فقالت: من يأمركم بصومه؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسّنّة. وعن عائشة قالت: علي أعلم الناس بالسّنّة. وعن عبيدة قال: صحبت عبد الله سنة ثم صحبت علياً، فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر على الأعرابي. وعن أبي سعيد قال: كان علي يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتقوا الله، وإياكم والحلف فإن الحلف ينفق السلعة، ويمحق البركة، وإن التاجر فاجر إلا من أخذ الحق، وأعطى الحق، والسلام عليكم. ثم يمكث الأيام ثم يأتي السوق فيقولون: قد جاء البوذشكب، فسأل سرّيته فقالت: يقولون: عظيم البطن، فقال: أسفله طعام، وأعلاه علم. وعن مسروق قال: شاممت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر، وعلي،

وعبد الله، وأبي الدرداء، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت. ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: إلى عليّ وعبد الله. وعن مسروق قال: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدارداء. فإذا التقوا ساءل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهم. وعن الشعبي أن عمرو بن مسعود وزيد بن ثابت كان يناظر بعضهم بعضاً، ويتعلم بعضهم من بعض، وكان علي وأبي وأبو موسى يأخذ بعضهم من بعض. وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال: قلت لعطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا والله، ما أعلمه. وعن عامر أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ما تقول في علي؟ قال: " قديمةٌ هجرته، حسن سمته، وحسنٌ بلاؤه، كريمٌ حسبه "، قال: يا رسول الله، إني لست عن ذلك أسأل، ولكنه خطب إليّ ابنتي فأحببت أن أعلم ما يبلغ ذلك من مسرّتك ومساءتك، قال: فقال: " إن فاطمة بضعة مني، فأحب ما سرّها، وأكره ما ساءها "، قال: والذي بعثك بالحق لا أنكح علياً ما دامت فاطمة حيّة. قال الشعبي: بينا أبو بكر جالس إذ طالع علي بن أبي طالب من بعيد. فلما رآه قال أبو بكر: من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربهم قرابة، وأفضلهم دالّة وأعظمهم غناء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلينظر إلى هذا الطالع.

قال معقل بن يسار المزني: سمعت أبا بكر الصديق يقول لعلي بن أبي طالب: عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن خيثمة قال: كان نفر عند سعد، قال: فذكروا علياً، فنالوا منه، فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينا نزلت: " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " فأرجو أن تكون رحمة سبقت لنا من الله. وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة أنه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون عليّ سبّ عليّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، قال: والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: في عليٍّ شيئاً، لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسبّه ما سببته أبداً. وعن عيسى بن طلحة قال: قلت لابن عباس: يا أبا عباس، صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم، قال: تسلني عن أبي بكر؟ كان والله في علمي تقياً، ندياً، الخير كلّه فيه، من رجل يصادى منه غرب، يعني: حدّة، تسألني عن عمر؟ كان والله في علمي تقياً، قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد، كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف، تسلني عن عثمان؟ كان والله في علمي صواماً، قواماً، ومن رجل يحب قومه. تسلني عن علي؟ كان والله في علمي عليماً، حكيماً، إن سمعته يقول شيئاً قط إلا أحسنته، من رجل يأتكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول هذه آخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس، أكنتم تعدّونه مجدوداً؟ قال: أنتم تقولون ذلك. وعن ابن عمر أنه بلغه أن رجلاً يذكر عليّ بن أبي طالب، فقال ابن عمر: ولم تفعل؟ فوربّ هذه البنيّة لقد سبقت له الحسنى من الله، ما لها من مردود.

وعن سعد بن عبيدة قال: قال رجل لابن عمر: ما تقول في علي؟ فإني أبغضه، قال: أبغضك الله، فإني أبغضك. وعن مولىً لحذيفة قال: كان حسين بن علي آخذاً بذراعي في أيام الوسم، قال: ورجل خلفنا يقول: اللهم، اغفر له ولأمه، فأطال ذلك، فترك ذراعي وأقبل عليه فقال: قد آذيتنا منذ اليوم، تستغفر لي ولأمي، وتترك أبي، وأبي خير مني ومن أمي؟ وعن أبي إسحاق قال: جاء ابن احور التميمي إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس، وأبخل الناس، وأعيا الناس، وأجبن الناس، فقال: ويلك وأنى أتاه اللؤم؟ ولكنا نتحدث أن لو كان لعلي بيت من تبن، وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن، وأنى أتاه العيّ؟ وإن كنا لنتحدث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من علي، ويلك وأنى أتاه الجبن؟ وما برز له رجل قط إلا صرعه. والله يا بن أحور لولا أن الحرب خدعة لضربت عنقك، اخرج فلا تقيمنّ في بلدي. قال عطاء: وإن كان يقاتله فإنه كان يعرف فضله. وعن يحيى بن زيد بن علي قال: قال عتبة بن أبي سفيان ليلة لمعاوية: يا أمير المؤمنين، بم يطلب عليّ هذا الأمر؟ فوالله ما كان من أهله، ولا آله، فقال معاوية: علي والله كما قال الشاعر: الطويل لئن كان إذ لا خاطباً فتعذّرت ... عليه وكانت عاتباً فتخطّت فما تركته رغبة عن حبالة ... ولكنها كانت لآخر خطّت قال جابر: كنّا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان، وقد جلس على سريره، واعتجر

بتاجه، واشتمل بساجه، وأومأ بعينيه يميناً وشمالاً، وقد تفرّشت جماهير قريش، وسادات العرب أسفل السرير من قحطان، ومعه رجلان على سريره: عقيل بن أبي طالب، والحسن بن علي، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يميناً وشمالاً فقالت: يا أمير المؤمنين، ما بتّ الليلة، أرقة، قال لها معاوية: أمن ألمٍ؟ قالت: لا، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي عليّ بن أبي طالب. صخر بن حرب ابن أميّة، وكان أميّة من قريش لبابها، فقالت في معاوية فأكثرت، وهو مقبل على عقيل والحسن، فقال معاوية: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من صلّى أربعاً قبل الهر، وأرباً بعدها حرّم على النّار أن تأكله أبداً، ثمّ قال لها: أفي علي تقولين: المطعم في الكربات، المفرّج للكربات مع ما سبق لعلي من العناصير السرية، والشيم الرّضية والشرف، فكان كالأسد الحادر، والربيع النائر، والفرات الزاخر، والقمر الزاهر: فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه، وأما الرّبيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه، وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه، فما تغطمطت عليه قماقم العرب السادة، من أول العرب عبد مناف، وهاشم، وعبّاس القماقم، والعباس صنو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه وعمه، أكرم به أباً وعمّاً، ولنعم ترجمان القرآن ولده، يعني: عبد الله بن عبّاس كهل الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، خيار خلق الله، وعترة نبيّه، خيار ابن أخيار، فقال عقيل بن أبي طالب: يا بنت أبي سفيان، لو أن لعلي بيتين: بيت من تبر، والآخر تبن بدأ بالتبر وهو الذهب، يا أبا يزيد، كيف لا أقول هذا في علي بن أبي طالب؟ وعلي من هامات قريش وذؤابتها، وسنام قائم عليها، وعليّ علامتها في شامخ؟ فقال له عقيل: وصلتك رحمّ يا أمير المؤمنين. وعن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: ألا تخبرني عن أبي بكر وعلي؟ فإن أبا بكر كان له السّن والسّابقة مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ستين سنة، وعلي ابن أربع وثلاثين سنة، ثم

إن الناس صاغية إلى علي، فقال: أي ابن أخ، كان والله له ما شاء من ضرس قاطع، أبسطه في النسب وقرابته من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومصاهرته، والسّابقة في الإسلام، والعلم بالقرآن، والفقه والسّنّة، والنّجدة في الحرب، والجود في الماعون، كان والله له ما شاء الله من ضرس قاطع. وحدّث سعيد عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وكانت ابنته تحت واقد بن عبد الله بن عمر: فدخل عبد الله بن عياش على ابنته، فقلت: يا أبا الحارث، ألا تخبرني عن عليّ بن أبي طالب؟ قال: أما والله يا ابن أخي إنّي به لخابر، قلت: وتقول ذاك ما هو؟ قال: كان رجلاً تلعابة، وكان إن شاء أن يقطع له ضرس قاطع قطع، قلت: وضرسه ذاك ما هو؟ قال: قراءة القرآن، وعلم بالقضاء، وبأسٌ، وجود، لا ينكس. قال الأسود بن قيس: فقلت له: ما تلعابة؟ قال: فيه مضاحكة. وعن أبي الطفيل قال: قال بعض أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لقد كان لعليّ بن أبي طالب من السّوابق ما لو أن سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً. قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه. قال البيهقي: وهذا لأن أمير المؤمنين عليّاً عاش بعد سائر الخلفاء حتى ظهر له مخالفون، وخرج عليه خارجون، فاحتاج من بقي من الصّحابة إلى رواية ما سمعوه في فضائله، وقرابته، ومناقبه، ومحاسنه ليردّوا بذلك عنه ما لا يليق به من القول والفعل، وهو أهل كلّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقّاً، وفي طلبه في وقته مستحقّاً، وهو كما

قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يزل عليّ بن أبي طالب مع الحقّ، والحقّ معه حيث كان. وعن جري بن كليب قال: رأيت عليّاً يأمر بالمتعة، قال: ورأيت عثمان بن عفّان ينهى عنها، فقلت لعليّ: إن بينكما لشرّ، فقال: ما بيننا إلاّ خير، ولكن خيرنا أتبعنا لهذا الدّين. وعن حذيفة قال: ذكرت الإمارة أو الخلافة عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " إن ولّيتموها أبا بكر وجدتموه ضعيفاً في بدنه، قويّاً في أمر الله، وإن ولّيتموها عمر وجدتموه قويّاً في أمر الله، قويّاً في بدنه، وإن ولّيتموها عليّاً وجدتموه هادياً مهدياً، يسلك بكم على الطريق المستقيم ". وعن علي قال: قيل: يا رسول الله، من نؤمّر بعدك؟ قال: " إن تؤمّروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدّنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر تجدوه قويّاً، أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الطريق المستقيم ". وعن عبد الله بن مسعود قال: كنّا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: فتنفّس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي "، قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: أبو بكر، قال: فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عمر، قال: فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس، قال: قلت: ما شأنك؟ قال: " نعيت إليّ نفسي يا بن مسعود "، قال: قلت: فاستخلف، قال: " من؟ " قلت: عليّ بن أبي طالب، قال: " أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة أجمعين أكتعين ".

طعنوا في مينا، أحد رواته. وعن أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: " إنّك لن تموت حتى تؤمّر، وتملأ غيظاً، وتوجد من بعدي صابراً ". وعن عمران بن حصين قال: مرض عليّ في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم فعاده النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعدناه معه، فقال: يا رسول الله، ما أرى عليّاً إلاّ لما به، فقال: " والذي نفسي بيده لا يموت حتى يملأ غيظاً، ويوجد من بعدي صابراً ". وفي حديث آخر: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً. وعن ابن عباس أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه خرج من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في وجعه الذي توفي فيه، فقال له الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أصبح بحمد الله بارئاً قال: فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب، فقال: أرأيتك فإنك والله بعد ثلاث عبد العصا، إني لأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيتوفى في مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله: فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا بذلك، وإن كان في غيرنا كلمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله إن سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده أبداً، والله لا أسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبداً. وفي حديث بمعناه: فقال له علي: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطناها، أترى الناس يعطوناها، والله لا أسألها إياه أبداً. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيّهما كان أصوب عندكم رأياً؟ فنقول: العباس فيأبى. ثم قال: لو أن علياً سأله عنها فأعطاه إياها فمنعه الناس كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق: فحدثت به ابن عيينة فقال: قال الشعبي: لو أن علياً سأله عنها كان خيراً له من ماله وولده.

وفي حديث آخر: فقال له العباس: إنك يا علي إنما تعظم بالهجرة، وكأني بك بعد ثلاث عبد العصا. وعن ابن عباس قال: أرسل العباس بن عبد المطلب إلى بني عبد المطلب، فجمعهم عنده، قال: وكان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها، فقال العباس: يا بن أخي، إني قد رأيت رأياً لم أحب أن أقطع فيه شيئاً حتى أستشيرك، فقال علي: وما هو؟ قال: ندخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فنسأله إلى من هذا الأمر من بعده؟ فإن كان فينا نسلّمه والله ما بقي منا في الأرض طارف، وإن كان في غيرنا لم نطلبها بعد أبداً، فقال علي: يا عم، وهو هذا الأمر إلا إليك؟ وهل من أحد ينازعكم في هذا الأمر؟ قال: فتفرقوا، ولم يدخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعن علي بن أبي طالب قال: لقيني العباس فقال: يا علي، انطلق بنا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن كان لنا من الأمر شيء، وإلا أوصى بنا الناس، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه فقال: " لعن الله اليهود، اتخذوا قبور الأنبياء مساجد "، ثم قالها الثالثة. فلما رأينا ما به خرجنا، ولم نسله عن شيء، قال: فسمعت علياً يقول: يا ليتني أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً. وعن الأقرع مؤذن عمر أن عمر مر على الأسقف، فقال: هل تجدون في شيء من كتبكم؟ قالوا: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: كيف تجدوني؟ قالوا: قرن من حديد، قال عمرك قرن من حديد؟ وماذا؟ قال: أمير شديد، قال عمر: الله أكبر والحمد لله، قال: والذي بعدي؟ قال رجل صالح، يؤثر أقرباءه، فقال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: والذي من بعده؟ فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن إمارته تكون في هراقة من الدماء، والسيف مسلول. وعن عامر الشعبي قال: قال العباس لعلي بن أبي طالب حين مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم: إني أكاد أعرف في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الموت، فانطلق بنا إليه لنسله: من يستخلف؟ فإن استخلف منا فذاك

وإلا أوصى بنا، قال: فقال علي للعباس: كلّمه فيها خفاء. فلما قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم قال العباس لعلي: ابسط يدك فلنبايعك، قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن علياً أطاع العباس في أحد الرأيين كان خيراً من حمر النّعم، قال عامر: لو أن العباس شهد بدراً ما فضّله أحد من الناس رأياً ولا عقلاً. وعن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن، قال: ادعوا لي علياً، وعثمان، وطلحة والزبير، وابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، فلم يكلم أحداً منهم غير علي وعثمان فقال: يا علي، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك حقك وقرابتك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصهرك، وما آتاك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم دعا عثمان فقال: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم أن يعرفوا لك صهرك من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسنّك وشرفك، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له فقال: صلّ بالناس، ثلاثاً، وليحلّ هؤلاء القوم، في بيت، فإذا اجتمعوا على رجلٍ، فمن خالف فاضربوا رقبته. فلما خرجوا من عنده قال: إن يولوها الأجيلح يسلك بهم الطريق، فقال له ابنه ابن عمر: فما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ قال: أكره أن أتحلها وحياً ميتاً. وعن ابن عمر قال: قال عرم لأصحاب الشورى: لله درهم إن ولّوها الأصلع، كيف يحملهم على الحق، وإن حملاً على عنقه بالسيف، قال: فقلت: أتعلم ذاك منه ولا تولّه؟ فقال: إن أستخلف فقد أستخلف من هو خير مني، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني صلّى الله عليه وسلّم. وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب حين وقف عمر لم يولّ أحداً يعني: قال: ألا تصنع كما صنع أبو بكر؟ قال: ويحك! لو كنت أنت غلاماً، وكان معك غلمان أتراب نشأتم حتى بلغتم رجالاً، أليس كان يعرف بعضكم بعضاً؟ قال: بلى، قال: فإني والله هؤلاء نشأنا جميعاً، فلا أعرف مكان أحد أخصّه بهذا الأمر، ولكني جاعلها بين نفر رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهم.

قال أبو محمد بن قتيبة في حديث عبد الرحمن بن عوف أنه كان في كلامه لأصحاب الشورى: يا هؤلاء إن عندي رأياً، وإن لكم نظراً، إنّ حابياً خيرٌ من زاهق، وإن جرعة شروب أنقع من عذبٍ موبٍ، وإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيّوب في الكلم، فلا تطيعوا الأعداء وإن قربوا، ولا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم، ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم، وتولتوا أعمالكم، لكلّ أجلٍ كتاب، ولكل بيت إمام، لأمره يقومون، وبنهيه يرعون، قلّدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل، مأمون الغيب على ما استكن، يقترع منكم، وكلكم منتهى، ويرتضي منكم وكلكم رضىً. فتكلم علي فقال: الحمد الله الذي اتخذ محمداً منا نبياً، وابتعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوة، ومعدن الحكمة، أمان لأهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حق، إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السّرى، لو عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً لجالدنا عليه حتى نموت، أو قال لنا قولاً لأنفذنا قوله على رغمنا، لن يسرع أحد قبلي إلى صلة رحم، ودعوة حق، والأمر إليك يا بن عوف على صدق اليقين، وجهد النصح. أستغفر الله لي ولكم. قوله: إن حابياً خيرٌ من زاهق الحابي من السهام هو الذي يزحف إلى الهدف، يقال: حبا يحبو، فإن أصاب الرقعة فهو خاسق وخازق ومفرطس، فإن جاوز الهدف، ووقع خلفه فهو زاهق، يقال: زهق السهم إذا تقدم، وأراد عبد الرحمن أن الحابي من السهام وإن كان ضعيفاً فقد أصاب الهدف، فهو خير من الزاهق الذي قد جاوزه بشدة مرّه وقوّته، ولم يصبه، وضرب السهمين مثلاً لواليين: أحدهما ينال الحق أو بعضه وهو ضعيف، والآخر يجوز الحق ويبعد منه وهو قوي. والشّروب من الماء هو الملح الذي لا يشربه الناس إلا عند الضرورة: والموبي: الضار، المدخل في الوباء، وهو المرض، والحرف مهموز فترك همزه ليقابل به الحرف الذي قبله، وهو أيضاً مثل لرجلين:

أحدهما أرفع وأضر، والآخر أدون وأنفع. وقوله: فإن الحيلة بالمنطق أبلغ من السيوب في الكلم، يريد أن القليل من القول من التلطف فيه أبلغ من الهذر وكثرة الكلام بغير رفق ولا تلطف. والسيوب ما سيّب وخلّي فساب أي ذهب، ومنه سمي الرجل السائب. وقوله: لا تفلّوا المدى بالاختلاف بينكم أي لا تفلوا حدّكم بالاختلاف، والمدى جمع مدية، وضرب المدى مثلاً، والفلول تكسّرٌ يصيب حدّها. وقوله: ولا تغمدوا السيوف من أعدائكم فتوتروا ثأركم أي توجدوه الوتر في أنفسكم، يقال: وترت فلاناً إذا أصبته بوتر، وأوترته أوجدته ذلك. والثأر: العدو، لأنه موضع الثأر. وقوله: وتولتوا أعمالكم أي تنقصوها، يريد أنه كانت لهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعمال في الجهاد، فإذا هم تركوه، واختلفوا نقصوها، وفيه لغتان: لاته يليته ليتاً إذا نقصه. قال تعالى: " لا يلتكم من أعمالكم شيئاً " وألت يألت، قال تعالى: " وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ " والحرف الذي في الحديث: تولت، كأنه من أوّلت يولت أو ألت يؤلت، عن كان مهموزاً. وقوله: بنهيه يرعون أي يكفون، ومنه الورع في الدين. وقوله: وقلدوا أمركم رحب الذراع فيما نزل أي واسع الذراع عند الشدائد، ويجود ويعطي، ويبسط يديه بالعطاء، ويفتح به باعه، مأمون الغيب على ما استكن أي قلدوه رجلاً مأمون غيبه فيما خفي عليكم، فلا يخونكم، ولا يبغيكم الغوائل يقترع منكم أي يختار، يقال: فلان قريع قومه أي المختار منهم للرئاسة، وقد اقترعت من الإبل فحلاً أي اخترته. وقول علي: لنا حق إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السّرى يريد: إن نمنعه نركب مركب الضيم والذل على مشقة، وإن تطاول ذلك به، وأصل هذا أن راكب البعير إذا ركبه بغير بحل ولا وطاء ركب عجزه، ولم يركب ظهره من أجل السنام، وذلك مركب صعب، يشقّ على راكبه لا سيما إذا تطاول به الركوب على تلك الحال، وهو يسري، أو يسير ليلاً، فإذا ركبه بالوطاء والرحل ركب الظهر، وذلك مركب يطمئن به، ولا يشق عليه، ويجوز أن يكون أراد بركوب أعجاز الإبل أن يكون ردفاً تابعاً، وأنه يصبر على ذلك، وإن تطاول به. ولما كان يوم الشورى قال علي بن أبي طالب: والله لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيهم ولا عربيهم ولا عجميهم ردّه، ولا يقول خلافه، ثم قال لعثمان بن عفان ولعبد الرحمن بن عوف وللزبير ولطلحة ولسعد وهم أصحاب الشورى وكلهم من قريش وقد كان قدم طلحة: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم أحد صلى لله قبلي؟ وصلى القبلتين؟ قالوا: اللهم، لا، قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد أخو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري، إذ آخى بين المؤمنين، فآخى بيني وبين نفسه، وجعلني منه بمنزلة هارون من موسى، إلا أني لست بنبيّ؟ قالوا: لا، قال: أنشدكم بالله، أفيكم مظهر غيري؟ إذ سد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبوابكم، وفتح بابي، وكنت معه في مساكنه ومسجده، فقام إليه عمه، فقال: يا رسول الله، غلقت أبوابنا، وفتحت باب علي، قال: نعم، الله أمر بفتح بابه وسدّ أبوابكم؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد أحبّ إلى الله وإلى رسوله مني، إذ دفع الراية إليّ يوم خيبر، فقال: " إلى من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، ويوم الطائر، إذ يقول: " ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي " فجئت فقال: " اللهم وإلى رسولك، اللهم وإلى رسولك "، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري حتى ... قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم من قتل مشركي قريش والعرب في الله وفي رسوله غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله أفيكم أحد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له في العلم، وأن يكون أذنه الواعية مثلما دعا لي؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه، وأبناءه أبناؤه، ونساءه نساؤه، غيري؟ قالوا: اللهم لا؛ قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يؤمن أحد من قرابته، غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيدة نساء عالمها؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد له ابنان مثل ابنيّ: الحسن والحسين، سيّديّ شباب أهل

الجنة، ما خلا النبيين، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة المزيّن بالجناحين مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد له مثل عمي أسد الله، وأسد رسوله، سيّد الشهداء حمزة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم الله، أفيكم أحد ولي غمض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد ولي غسل النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الملائكة، يقلبونه لي كيف أشاء، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى وضعه في حفرته، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: نشدتكم بالله، أفيكم أحد قضى عن رسول الله صأ بعده ديونه ومواعيده، غيري؟ قالوا: اللهم، لا، قال: وقد قال الله عزّ وجلّ: " وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين ". وفي حديث آخر بمعناه، قال أبو الطفيل: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت علياً يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفاراً، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذاً أسمع وأطيع، وإن عمر جعلني في خمسة نفر، أنا سادسهم، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه. كلما فيه شرع: سواء. وايم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك بردّ خصلة منها لفعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غيري؟ قالوا: اللهم، لا، وعددّ المناشدة، إلى آخر الحديث. قال: وفي هذا الحديث ما يدل على أنه موضوع، وهو قوله: وصلى القبلتين، وكل أصحاب الشورى قد صلى القبلتين. وقوله: أفيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة، وقد كان لعثمان مثلما له من هذه الفضيلة وزيادة.

قال عبد الله محمد بن مكرّم مختصر هذا التاريخ: قوله: فقد كان لعثمان مثل ما له من هذه الفضيلة وزيادة. فيه دليل على أنه ما كان لفاطمة عليها السلام عنده مزية على غيرها من بناته صلّى الله عليه وسلّم. قال الزهري: لما قتل عثمان: برز علي بن أبي طالب بالناس، فدعاهم إلى البيعة، فبايعه الناس، ولم يعدلوا به لا طلحة ولا غيره. وعن علقمة بن وقاص قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد ما قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم لا يحول بين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا. فقال: يا بن سميّة أتقصّ من جلدات جلدتهن ولا تقصّ من دم عثمان، قال: فتفرقوا يومئذٍ عن غير بيعة. قال إبراهيم بن رباح: يستحق علي الخلافة بخمسة أشياء: بالقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسبق إلى الإسلام، والزهد في الدنيا، والفقه في الدين، والنكاية في العدو، فلم تر هذه الخمسة الأشياء إلا في عليّ عليه السلام. قال عمرو بن دينار: كلم أهل المدينة ابن عباس أن يحجّ بهم، وعثمان محصور، فدخل عليه فاستأذنه، فقال: حجّ بهم، فحج بهم، ثم رجع وقد أصيب عثمان، فقال لعلي: إن قمت الآن بهذا الأمر ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة. وعن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان قال: قلت: فما لكم تسبوهن على المنابر؟ قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. خطب علي بن أبي طالب فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً،

ولكنه رأيٌ رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا، فمن شاء الله منهم أن يعذّب عذّب، ومن شاء أن يرحم رحم. وعن قيس بن عباد قال: كنا مع علي، فكان إذا شهد مشهداً، أو أشرف على أكمة، أو هبط وادياً قال: سبحان الله، صدق الله ورسوله، فقلت لرجل من بني يشكر: انطلق بنا إلى أمير المؤمنين حتى نسأله عن قوله: صدق الله ورسوله، قال: فانطلقنا إليه، فقلنا: يا أمير المؤمنين، رأيناك إذا شهدت مشهداًن أو هبطت وادياً، أو أشرفت على أكمة قلت: صدق الله ورسوله، فهل عهد إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً في ذلك؟ قال: فأعرض عنا، وألححنا عليه. فلما رأى ذلك قال: والله ما عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا على عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني ثم إني رايت أني أحقهم بهذا الأمر، فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا. وعن علي بن أبي طالب قال: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أرى أني أحق الناس بهذا الأمر، فاجتمع الناس على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثم إن أبا بكر حضر فكنت أرى أن لا يعدلها عني، فولى عمر، فسمعت وأطعت، ثم إن عمر أصيب، فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستةٍ أنا أحدهم، فولاها عثمان، فسمعت وأطعت، ثم إن عثمان قتل، فجاؤوني فبايعوني طائعين غير مكرهين. فوالله ما وجدت إلا السيف أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعن الحسن قال: لما قدم عليّ البصرة في إثر طلحة وأصحابه قام عبد الله بن الكوا وابن عباد فقالا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرك هذا، أوصية أوصاك بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ام عهد عهده إليك، أم رأي رأيته حين تفرقت الأمة، واختلفت كلمتها؟ فقال: ما أكون أول كاذب عليه وفي رواية: ولا والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه والله ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موت فجاءة، ولا قتل قتلاً زاد في رواية: ولو كان

عندي من النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا قال: ولقد مكث في مرضه كل ذلك يأيته المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيقول: مروا أبا بكر ليصلي بالناس، ولقد تركني وهو يرى مكاني، ولو عهد إلى شيئاً لقمت به، حتى عرضت في ذلك امرأة من نسائه فقالت: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قام مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس، فقال لها: إنكنّ صواحب يوسف. فلما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نظر المسلمون في أمرهم، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ولى أبا بكر أمر دينهم، فولّوه أمر دنياهم، فبايعه المسلمون، وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، فأشار بعمر، ولم يأل، فبايعه المسلمون وبايعته معهم، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني، وكنت سوطاً بين يديه في إقامة الحدود، فلو كانت محاباة عند حضور موته لجعلها في ولده، وكره أن ينتخب منا معشر قريش رجلاً فيوليه أمر الأمة، فلا يكون فيه إساءة لمن بعده إلا لحقت عمر في قبره، فاختار منا ستة، أنا فيهم، لنختار للأمة رجلاً منا. فلما اجتمعنا وثب عبد الرحمن فوهب لنا نصيبه منها، على أن نعطيه مواثيقنا على أن نختار من الخمسة رجلاً، فنوليه أمر الأمة، فأعطيناه مواثيقنا، فأخذ بيد عثمان فبايعه، ولقد عرض في نفسي ذلك. فلما نظرت في أمري فإذا عهدي قد سبق بيعتي، فبايعت وسلمت، فكنت أغزو إذا أغزاني، وآخذ إذا أعطاني. فلما قتل عثمان نظرت في أمري، فإذا الرّبقة التي كان لأبي بكر وعمر في عنقي قد انحلّت، وإذا العهد لعثمان قد وفيت به، وإذا أنا رجل من المسلمين ليس لأحد عندي دعوى، ولا طلبة، فوب فيها من ليس مثلي يعني: معاوية لا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحقّ بها منه، قالا: صدقت، فأخبرنا، عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير صاحباك في الهجرة، وصاحباك في بيعة الرضوان، وصاحباك في المشورة. قال: بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر خلعه لقاتلناه، ولو أن رجلاً ممن بايع عمر خلعه لقاتلناه.

وفي حديث آخر عنه بمعناه قال: فلما قبض الله نبيّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلّى الله عليه وسلّم لديننا، فكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين، وهو أمين الدين، فبايعنا أبا بكر، فكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم يقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطه، وذكر مثل ذلك عن عمر. قال الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو يذكر ما يجمع هذا الحديث من فضائل علي رضي الله عنه ومناقبه ومراتبه ومحاسنه وإلا لات صدقه، وقوة دينه، وصحة يقينه قال: ومن مختارها أنه لم يدع ذكر ما عرض له فيما أجرى إليه عبد الرحمن وإن كان يسيراً حتى قال: لقد عرض في نفسي عند ذلك وفي ذلك ما يوضح أنه ولو عرض له في أمر أبي بكر وعمر شيء، واختلف له في سرٍّ وعلانية بنيّة تصريح، أو نبّه عليه بتعريض كما فعل فيما عرض له عند فعل عبد الرحمن ما فعل. سئل جابر بن عبد الله عن قتال علي فقال: ما يشك في قتال علي إلا كافر. قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل وقل له: ما تذهب في الخلافة؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فقيل له: كأنك ذهبت إلى حديث سفينة، وإلى شيء آخر: رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يتسمّ بأمير المؤمنين، ثم لم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل، فعلمت أنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن له قبل ذلك. كان نقش خاتم عليّ: الملك لله وقيل: الله ولي علي وقيل: نعم القادر الله.

قال المدائني: لما دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد زنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا، فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، وعلى أن الخلافة لم تزين علياً بل عليٌّ زينها. قال السياري: حدثت بهذا الحديث بعض الشيعة، فقال لي: قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض. قال إبراهيم بن علي الطبري: صرت إلى أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فسألته عن خلافة علي رضي الله عنه: هل تثبت؟ فقال: ما سؤالك عن هذا؟! فقلت: إن الناس يزعمون أنك قلت: لا تثبت خلافته، فاستنكر ذلك وقال: أنا أقول ذلك؟! وأسبلت عيناه، ثم قال: يا هذا، قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل، فجاؤوا بجماعتهم، فقدموا أبا بكر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فشا الإسلام بعده فجاؤوا إلى عمر رضي الله عنه، فقدموه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم فتحت الفتوح، وفشا الإسلام، فصار المسلمون أضعاف هذه العدة مضاعفة، فقدموا عثمان رضي الله عنه، فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟! ثم زاد الإسلام وفشا، ثم قدموا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأقول: أخطأ القوم وأصبت؟!. وعن علي قال: إن القرية ليكون فيها الشّيعة فندفع بهم عنها ثم قال: أبيتم إلا أن أقولها، فوالله لعهدّ إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الأمة ستغدر بي.

وفي حديث: " أن الأمة ستغدر بك بعدي ". قال البيهقي: فإن صح هذا فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه في إمارته ثم قتله. وعن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر، زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مرّاً، تركه الحق، وماله من صديق. رحم الله عثمان، تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم، أدر الحق معه حيث دار. وعن أبي سعيد قال: كنا عند بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في نفر من المهاجرين والأنصار، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ألا أخبركم بخياركم؟ " قالوا: بلى، قال: " خياركم الموفون، المطيّبون إن الله يحب الحفيّ التقي ". قال: ومرّ علي بن أبي طالب فقال: " الحق مع ذا، الحق مع ذا ". قال أبو ثابت مولى أبي ذر: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي، وتذكر علياً، وقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة ". وعن مالك بن جعونة عن أم سلمة قالت: والله إن علياً على الحق قبل اليوم وبعد اليوم، عهداً معهوداً، وقضاء مقضياً، قلت: أنت سمعت من أم المؤمنين؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، ثلاث مرات، فسألت عنه فإذا هم يحسنون عليه الثناء. وعن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنه أول من

يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو معي في السماء الأعلى، وهو الفاروق بين الحق والباطل ". وعن أبي هريرة قال: بلغني أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر فتنة فقرّبها قال: فأتيته بالبقيع، وعنده أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير فقلت: يا رسول الله، بلغني أنك ذكرت فتنة، قال: " نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان، دينهما واحد، وصلاتهما واحدة، وحجّهما واحد؟ " قال: قال أبو بكر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الله أكبر. قال عمر: أدركها يا رسول الله؟ قال: " لا "، قال: الحمد لله، قال عثمان: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، وبك يبتلون "، قال علي: أدركها يا رسول الله؟ قال: " نعم، تقود الخيل بأزمّتها ". وعن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال خطبة خطبها في حجة الوداع: " لأقتلنّ العمالقة في كتيبة "، فقال له جبريل: أو علي، فقال: " أو علي بن أبي طالب ". وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد انقطع شسع نعله، فدفعها إلى عليّ يصلحها، ثم جلس، وجلسنا حوله، كأنما على رؤوسنا الطير، فقال: " إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "، فقال أبو بكر: أنا رسول الله؟ قال: " لا "، فقال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: " لا، ولكنه خاصف النعل "، قال: فأتينا علياً نبشّره بذلك، فكأنه لم يرفع به رأساً، كأنه قد سمعه قبل. وكان حزام بن زهير عند علي في الرحبة فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هل كان في النعل حديث؟ فقال: اللهم، إنك تعلم أنه مما كان يسرّه إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأشار بيده ورفعهما.

وعن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل ست مئة رجل، فسلكنا على الرّبذة، فنزلناها فقام غليه ابنه الحسن بن علي فبكى بين يديه، وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال علي: تكلم، ودع عنك أن تخنّ خنين الجارية، فقال حسن: إني كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير به عليك الآن، إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها، قد ضربت إليك أبساط الإبل حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل جحر الضبّ، فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع الدم؟! وعن مالك بن الحويرث قال: قام علي بن أبي طالب بالرّبذة فقال: من أحب أن يلحقنا فليلحقنا، ومن أحب أن يرجع فليرجع، مأذون له غير حرج، فقام الحسن بن علي فقال: يا أبه أو يا أمير المؤمنين لو كنت في جحر، وكان للعرب فيك حاجة لاستخرجوك من جحرك، فقال: الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء، ويعافي من يشاء مما يشاء، أما والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً لبطن أو ذنباً ورأساً، فوالله إن وجدت له إلا القتال، أو الكفر بالله، يحلف بالله عليه، اجلس يا بني ولا تخنّ خنين الجارية. وروي أن بني عبس قالت لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عماراً، قالوا: إن عماراً لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الحسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الأخيار، وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي. قال أبو شريح: كنا عند حذيفة بالمدائن، فأتاه الخبر أن عماراً والحسن بن علي قدما الكوفة، يستنفران الناس إلى أمير المؤمنين عليّ، فقال حذيفة: إن الحسن بن علي قدم يستنفر الناس إلى عدو الله وعدوكمن فمن أحب أن يلقى أمير المؤمنين حقاً حقاً فليأت علي بن أبي طالب.

ولما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلح يوم القيامة، قال: فتواقفنا حتى أتانا جرّ الحديد، ثم إن القوم نادوا: يا جمع، يا لثارات عثمان، قال: وابن الحنفيّة أمامنا ربوة، معه اللواء. قال: فنادى علي: يا بن الحنفية، ما يقولون؟ فأقبل علينا بعرض وجهه فقال: يا أمير المؤمنين، يثولون: يا لثارات عثمان، قال: فمدّ علي يديه وقال: اللهم أكبّ قتلة عثمان لوجوههم، قال: فقال: سحما فعل والله ذلك، كأنه يقول: إن القوم كانوا أولى بقتل عثمان من علي، ثم إن الزبير قال لأساودة كانوا معه: قال: ارموهم، ترشون، لا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال، قال: فما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع على الأرض وحملوا، قال: فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه، فقمص به الفرس، وعليه بحربةٍ، فانطلق به، قال: فالتفت مروان إلى أبا عثمان وهو معه، فقال: قد كفيتك أحد قتلة أبيك. قال أبو حزم المازني: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنك تقاتلني وفي رواية: تقاتل وأنت ظالم لي؛ قال: نعم، ولم أذكر إلا في موقفي هذا، ثم انصرف. وعن أبي بكرة قال: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ الحسن ابنه، فضمه إلى صدره ثم قال: إن لله، يا حسن، أيّ خير يرجى بعد هذا؟. وعن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، يا حسن، ليت أباك مات مذ عشرين سنة، قال له: يا أبه، قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني، إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.

قال رجل لشريك: خبرني عن قول علي للحسن يوم الجمل: ليت أباك مات قبل هذا بعشرين سنة، أقاله إلا وهو شاكّ في أمره، فقال له شريك: خبرني عن قول مريم " يا ليتني متّ قبل هذا " أقالته شاكةٌ في عفّتها؟ فسك الرجل. وعن حبّة قال: سمعت علياً يقول: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوّى بيننا وبني عدونا فليس منا. لما حبس يحيى بن خالد البرمكي كتب إلى الرشيد: إن كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، والموعد المحشر، والحكم الدّيّان، وقد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان: الوافر أما والله إن الظلم شؤمٌ ... وما زال المسيء هو الظّلوم إلى ديّان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم تنام ولم تنم عنك المنايا ... تنبّه للمنيّة يا نؤوم لأمرٍ ما تصرّمت الليالي ... لأمرٍ ما تحركت النجوم وعن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت، ولا سمعت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، قد أرخى طرفيها، كأن عينيه سراجاً سليط، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إليّ، وأنا في كثفٍ من الناس فقال: معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، وغضوا الأصات، وتجلببوا السكينة زاد في رواية: وأكملوا اللّؤم، واخفوا الجنن وأعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف في الأغماد، قبل السلّة، واطعنوا الوخز، ونافحوا بالظّبا،

وصلوا السيوف بالخطا، والنبال بالرماح، فإنكم بعين الله، ومع ابن عم نبيه صلّى الله عليه وسلّم عاودوا الكرّ واستحيوا من الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلى الموت سجحاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرّاق المطنّب فاضربوا ثبجه، فإن الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخرّ للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الدين " وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ". قوله: سراجاً سليط السليط: الزيت، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله: يحمشهم أي يغضبهم، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله: وغضوا الأصوات وفي رواية: وعنّوا الأصوات إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها، نهاهم عن اللّغط، والتعنية: الحبس، ومنه قيل للأسير: عانٍ، واللّؤم جمع لأمة على غير قياس، واللأمة: الدرع. والجنن الترسة، يقول: اجعلوها خفافاً. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد: سهلوا سلّها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك، لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف: أي حدّه. وقوله: وصلوا السيوف بالخطا يقول: إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله: والرماح بالنبل يريد: إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله: امشوا إلى الموت مشية سجحاً أو سجحاً أي سهلة، لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح، أي سهّل. ويقال: خدّ أسجح أي سهل. وقوله: عليكم الرّواق المطنّب يعني: رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشدّ به، وهذا مثل قول عائشة: ضرب الشيطان روقه ومدّ طنبه، وقوله: قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنكوص رجلاً، وهو مثل قوله تعالى: " وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم " إلى قوله " نكص على

عقبيه " أي رجع على عقبيه، وأراد على أنه قد قدم يداً ليثب إن رأى فرصة، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلاً، وقوله في رواية: والحظوا الشّزر هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول: الحظوهم شزراً، ولا تنظروا إليهم نظراً يبين لهم، فإن ذلك أهيب لكم في صدروهم. خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت: يا عبد الله بن شداد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك؟! قالت: فحدثني عن قصتهم قال: فإن علياً لما كاتب معاوية وحكّم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس، حتى نزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة، عتبوا عليه قالوا: انسلخت من قميصٍ ألبسك الله، واسمٍ سمّاك الله به، ثم انطلقت فحكّمت في دين الله الرجال، فلا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه ففارقوا أمره أذّن مؤذّن ألا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد قرأ القرآن. فلما امتلأت الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماماً عظيماً فوضعه علي بين يديه، وطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف، حدّث الناس، فناداه الناس: ما تسأل عنه! إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل " فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " إلى قوله: " يوفّق الله بينهما " الآية فأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم أعظم حقاً وحرمة من امرأة ورجل. ونقموا عليّ أني كاتبت معاوية، كتبت: علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بسم الله الرحمن الرحيم " قال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: " كيف تكتب؟ " فقال: باسمك اللهم، فكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اكتب محمد رسول الله "، فقال: لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك، فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله

قريشاً، يقول الله عزّ وجلّ في كتابه " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ". فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه، حتى توسطنا عسكرهم فقال عبد الله بن شداد: فقام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه " بل هم قومٌ خصمون " فردّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوا كتاب الله، فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنّه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه. وإن جاء بباطل لنبكّتنّه بباطله ولنردّنّه إلى صاحبه، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام. قالوا: كيف قلت يا بنعباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمه؟ قالوا: ثلاث خصال: قال: فما هنّ؟ قالوا: أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب، ولم يغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟. وأما الثانية فإنه حكّم الرجال في أمر الله، وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: " إن الحكم إلاّ لله " وأما الثالثة فإنه محا نفسه، وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال، قال: فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم، قال: قال: فإن الله قد صير حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره " يا أيّها الّذين آمنوا لا تقتلوا الصّيد وأنتم حرمٌ ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم " وقال في آية أخرى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفّق الله بينهما " أخرجت لكم من هذه؟

قالوا: نعم. وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم فاتكم كان يسبي عائشة، فإن قلتم: إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: " وأزواجه أمّهاتكم " فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين، فاخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين، قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. وأما قولكم: إنه محى اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون؛ إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الموادعة كتب: هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا: بل محو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم. قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوا حتى أدخلناهم على علي بالكوفة، فبعث علي إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فاعتلوا حين شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم فتوجهوا منها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن تسفكوا دماً حراماً، أو تقطعوا سبيلاً، أو تظلموا الأمة، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء " إنّ الله لا يحبّ الخائنين ". فقالت عائشة: يا بن شداد، فلم قتلهم؟ قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل، وسفكوا الدم، واستحلوا أهل الذمة، قالت: الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال: نعم، قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون: ذو الثديّة؟ قال: قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال: رأيته في مسجد بني فلان يصلي، ورأيته في مسجد فلان يصلي، قالت: فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله، قالت: نعم، صدق الله ورسوله، رحم الله علياً لئن كان من قوله إذا رأى شيئاً يعجبه قال: صدق الله ورسوله، قال: فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.

وعن علي قال: عهد إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وعنه قال: أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين. فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النّهروان، يعني الحرورية. وعن علي قال يوم النهروان: أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين. وعن عبد الله قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بيت زينب بنت جحش، وأتى بيت أم سلمة، فكان يومها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يلبث أن جاء علي، فدق الباب دقاً خفياً، فانتبه النبي صلّى الله عليه وسلّم للدقّ وأنكرته أم سلمة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قومي فافتحي له "، قالت: يا رسول الله، من هذا الذي من خطره ما نفتح له الباب؟ أتلقاه بمعاصمي، وقد نزلت فيّ آية من كتاب الله بالأمس! فقال لها كهيئة المغضب؛ " إن طاعة الرسول طاعة الله ومن عصى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد عصى الله، إن بالباب رجلاً ليس بعزق ولا غلق، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطء "، قالت: فقمت، وأنا أختال في مشيتي، وأنا أقول: بخ بخ، من ذا الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟ ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب، حتى إذا لم يسمع حساً ولا حركة وصرت في خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يا أم سلمة، أتعرفينه؟ " قالت: نعم يا رسول الله، هذا علي بن أبي طالب، قال: " صدقت، سيد أحبه، لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو عتبة بيتي، اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أن عبداً عبد الله ألف عام بعد

ألف عام وألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ". وعن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ قال: " مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر ". وعن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين، فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد صلّى الله عليه وسلّم وبمجيء ناقته تفضّلاً من الله، وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله، فقال: يا هذا إن الرّائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي: بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم، أهل الجمل: طلحة، والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم، يعني: معاوية وعمراً، وأما المارقون فهم أهل الطّرفاوات، وأهل السعيفات وأهل النخيلات، وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله. قال: وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " يا عمال، تقتلك الفئة الباغية، وأنت مذ إذ ذاك مع الحق، والحق معك، يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ركيّ ولن يخرجك من هدي، يا عمار، من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي عليه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار "، قلنا: يا هذا، حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله.

وعن عمار بن ياسر قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " يا علي، ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني ". وعن مازن العائذي قال: قال علي بن أبي طالب: ما وجدت من قتال القوم بداً، أو الكفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصفّين فقلنا: قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم جئت تقاتل المسلمين؟! قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين، والقاسطين، والمارقين. فقد قاتلت الناكثين، والقاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسبعات، بالطرفات، بالنهروانات، وما أدري أين هو. وعن علي عليه السلام قال: أنا فقأت عين الفتنة. وعن أبي صالح قال: قال علي لأبي موسى: يا أبا موسى، احكم عليّ ولو على حزّ عنقي. قال سفيان بن عيينة: سمعت غير واحدٍ من أصحابنا يقولون: إن علي بن أبي طالب لم ير بعد تحكيم الحكمين إلا وهو يقول: الرجز لقد عجزت عجزةً لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها واستمر وعن قيس بن عباد قال: قال علي: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة. قال زيد بن وهب: قدم على علي وفد من اليمن، فجمع الناس، وحضرته الصلاة، فنادى: الصلاة جامعة، فقام رجل من الوفد الذين قدموا، فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه، حتى فرغ من

خطبته ثم قام آخر، فتكلم، فخطب نحواً من خطبة صاحبه ثم قال في آخر كلامه: إن طاعة هذا طاعة للربّ تعالى، ومعصيته معصية للربّ تعالى يعني: علياً فقال له علي: كذبت، فما هزّه قول علي حين كذبه أن مضى في خطبته حتى فرغ، ثم قام الثالث فتكلم، وخطب نحواً من خطبة صاحبيه، غير أنه لم يذكر شيئاً من ذكر علي، ثم قام علي فحمد الله، وأثنى عليه، فأجاب الأول في خطبته حتى فرغ، ثم أجاب الثاني، ثم أجاب الثالث، ثم قال: كل خطبائكم قد أحسن إلا ما كان من كلام هذا الخطيب الثاني الذي زعم أن طاعتي طاعة للربّ تعالى، وأن معصيتي معصية للربّ تعالى، ولست كذلك، إنما ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي طاعته طاعة للربّ، ومعصيته معصية للربّ تعالى. وعن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس إلى علي بن أبي طالب من الشيعة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت هو؟ قال: من أنا؟ قالوا أنت هو، قال: ويلكم! من أنا؟! قالوا: أنت ربّنا، أنت ربّنا، قال: ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم جدلهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر، ائتني بحزم الحطب، فأحرقهم بالنار ثم قال: الرجز لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا قال أبو صالح السمان: رأيت علياً دخل بيت المال، فرأى فيه شيئاً فقال: ألا ارى هذا هاهنا، وبالناس إليه حاجة؟! فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فنكسن ونضح، فصلى فيه، أو قال فيه، يعني: نام. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا، يعني بالبصرة، حتى فارقنا عن دبة محشوة، وخميصة درابجرديّة.

وعن عنترة قال: دخلت على عليّ بالخورنق، وعليه شمل: قطيفة، وهو يرعد فيها فقتل: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك؟! فقال: إني والله ما أرزأكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتيّ اللتين أخرجتهما من بيتي، أو قال: من المدينة. وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه: أن علياً عليه السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم أتاه مال من أصبهان فقال: أغدوا إلى العطاء الرابع، إني لست لكم بخازن. قال: وقسم الحبال، فأخذها قوم، وردّها قوم. قال موسى بن طريف: دخل عليّ بيت المال، فأضرط به ثم قال: لا أمسي وفيك درهم، ثم أمر رجلاً من بني أسد، فقسمه حتى أمسى، فقيل: يا أمير المؤمنين، لو عوضته شيئاً، فقال: إن شاء الله ولكنه سحت. قال عنترة: أتيت علياً بالرّحبة يوم نيروز أو مهرجان؛ وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك رجل لا تليق شيئاً، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة، قال: وما هي؟ قال: انطلق فانظر ما هي، قال: فأدخله بيتاً فيه ناسية مملوءة آنية ذهب، وفضة مموّهة بالذهب. فلما رآها علي قال: ثكلتك أمك، لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة، ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصته ثم قال: لا تغريني، وغرّي غيري هذا جناي وخياره فيه، إذ كلّ جانٍ يده إلى فيه.

وعن عبد العزيز بن محمد عن أبيه أن علياً أتي بالمال، فأقعد بين يديه الوزان والنقاد، فكوم كومة من ذهب، وكومة من فضة، وقال: يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي وابيضّي، وغرّي غيري، هذا جناي وخياره فيه، وكل جانٍ يده إلى فيه. قال عبد الله بن أبي سفيان: أهدى إليّ دهقان من دهاقين السواد برداً، وإلى الحسن أو الحسين برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة، فرآه عليهما، فبعث إلي وإلى الحسين فقال: ما هذان البردان؟! قال: بعث إليّ وإلى الحسين دهقان من دهاقين السواد، قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال. وعن مجمّع أن علياً كان يكنس بيت المال، ثم يصلي فيه؛ رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وعن المسوّر قال: قدمت على علي بالكوفة، وهو يعطي الناس في بيت له بابان على غير كتاب، فقال: يا بن مخرمة، هذا جناي وخيارة فيه، إذ كلّ جان يده إلى فيه. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الناس يتراجعون عليك، قال: أوقد فعلوا؟ قلت: نعم، قال: فاكتبوهم، فكتبوا. قال عمرو بن يحيى: سمعت أبي يحدث عن أبيه عمرو قال: كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما عقدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي كان عليّ بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما قدم عمرو بن سلمة على عليّ أمره فليضعها في الرحبة، ويضع عليه أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الذي معك، فبعث إليها بزقّين من عسل، وزقّين من سمن. فلما أن خرج علي إلى

الصلاة عدّها فوجدها تنقص زقّين، فدعاه، فسأله عنهما، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسلني عنهما، فإنا نأتي بزقّين مكانهما، قال: عزمت عليك لتخبرنّي ما قصّتهما، قال: بعثت إلي أم كلثوم، فأرسلت بهما إليها قال: أمرتك أن تقسم فيء المسلمين بينهم. ثم بعث إلى أم كلثوم أن ردّي الزقّين، فأتى بهما مع ما نقص منهما، فبعث إلى التجار: فزمّوهما مملوءتين وناقصتين، فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم، ثم أمر بالزّقاق فقسمت بين المسلمين. حدث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طال يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدهقان، ثم أتى بيت المال، فقال: خذه، وأنشأ يقول: الرجز طوبى لمن كانت له قوصرّه ... يأكل منها كل يومٍ مرّه وفي نسخة: أفلح من كانت ... قال عبد الله بن زرير: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى، فقرب إلينا حريرة، فقلت: أصلحك الله، لو قربت إلينا من هذا البط يعني: فإن الله قد أكثر الخبز فقال: يا بن زرير، إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس. وعن سفيان قال: ما بنى عليّ آجرة على آجرّة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بجبوبه من المدينة في جراب. وعن مجمّع التيمي قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق، فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزاراً ما بعته.

وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصاً بثلاثة دراهم، وهو خليفة، وقطع كميّه من موضع الرّصغين، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه. وعن سعيد الرجّاني قال: اشترى علي قميصين سنبلاويين أنبجانيين بسبعة دراهم، فكسا قنبراً أحدهما. فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم. وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من العصر وعليه قطريّتان: إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، فريب منه، ومعه درّة له، يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ويقول لا تنقّحوا اللحم. قال زيد بن وهب الجهني: خرج علينا علي بن أبي طالب ذات يوم وعليه بردان، متّزر بأحدهما، مرتدٍ الآخر، قد أرخى جانب إزاره، ورفع جانباً، قد رفع إزاره بخرقة، فمر به أعرابي فقال: أيها الإنسان، البس من هذه الثياب، فإنك ميت أو مقتول، فقال: أيها الأعرابي، إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، وخيراً لي في صلاتي وسنّة للمؤمن. وعن زيد بن وهب قال: قدم على عليّ وفد من البصرة فيهم رجل من رؤوس الخوارج يقال له: الجعد بن

نعجة، فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا عليّ، اتق الله، فإنك ميت، وقد علمت سبيل المحسن والمسيء، ثم وعظه وعاتبه في لبوسه، فقال: ما لك وللبوسي؟! إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم. وعن أبي مطر قال: خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأنقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً، فمشيت خلفه، وهو بين يدي مؤتزرٌ بإزار، مرتدٍ برداء، ومعه الدّرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد، فقلت: أجل، رجل من البصرة، فقال: هذا عليّ أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار ابن أبي معيط، وهو سوق الإبل فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين تنفق السلعة، وتمحق البركة، ثم أتى صاحب التمر، فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مواليّ فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ فقال: لا، فقلت: هذا علي أمير المؤمنين، فصبّت تمره وأعطاها درهمها، قال: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم، ثم مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يرب كسبكم، ثم مرّ مجتازاً معه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافياً، ثم أتى دار فرات وهي سوق الكرابيس فأتى شيخاً، فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميصٍ بثلاثة دراهم. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثم أتى آخر. فلما عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرّصغين إلى الكفّين، يقول في لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتين فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك، أو شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقوله عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب، فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم، قال: أفلا أخذت منه درهمين؟! فأخذ أبوه درهماً، ثم جاء به إلى أمير المؤمنين وهو جالس مع المسلمين على باب الرّحبة، فقال: أمسك هذا الدرهم، فقال: ما شأن هذا الدرهم؟ فقال: ما كان قميصاً ثمن درهمين، فقال: باعني رضاي، وأخذ رضاه.

قال الشعبي: وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني، فأقبل به إلى شريح يخاصمه، قال: فجاء عليّ حتى جلس إلى حيث شريح، فقال له علي: يا شريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا كنتم وإياهم في طريق، فاضطروهم إلى مضايقه وصغّروا بهم، كما صغّر الله تعالى بهم من غير أن تطغوا، ثم قال عليّ: هذا الدرع درعي، لم أبع، ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ فضحك عليّ عليه السلام وقال: أصاب شريح، ما لي بيّنة، فقضى بها للنصراني، قال: فمشى خطاً ثم رجع، فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والدرع والله درعك يا أمير المؤمنين، ابتعت الجيش، وأنت منطلق إلى صفين، فخرجت من بعيرك الأورق، فقال: أما إذ أسلمت فهي لك، وحمله على فرس. قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع علي يوم النّهروان. حدث رجل من ثقيف أن علياً استعمله على عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم: لتستوف خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً، ثم قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إليّ، فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، وجده جالساً وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بطينة، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهراً، ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين، أتصنع هذا بالعراق؟! طعام العراق أكثر من ذلك، قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيصنع فيه من

غيره، فإنما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلا طيباً، وغني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم، إنهم قوم خدع، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك وعزلتك، فلا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا بتبغ لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو، قال: قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت، قال: وإن فعلت، قال: فذهبت، فتتبعت ما أمرني به، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته. جاء جعدة بن هبيرة إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين، يأتيك الرجلان، أنت أحب إلى أحدهما من نفسه أو قال: من أهله وماله والآخر لو يستطيع أني ذبحك لذبحك، فتقضي لهذا على هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: إن هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنما ذا شيء لله. حدث صالح بياع الأكسية عمن حدثه قال: رأيت علياً اشترى تمراً بدرهم، فحمله في ملحفته فقال: يا أمير المؤمنين، ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحلمه. وعن زاذان عن علي أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو وال، يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً " ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس. وعن صالح بن أبي الأسود عمن حدثه. أنه رأى علياً قد ركب حماراً، ودلّى رجليه إلى موضع واحد ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا.

وعن حسن بن صالح قال: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون: فلان، وقال قائلون: فلان، فقال عمر بن عبد العزيز: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. قال هشام بن حسان: بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أبا سعيد، ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرّت وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً، إن علياً كان سهماً لله، صائباً أعدائه، وكان في محلة العلم أشرفها، وأقربها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان رهبانيّ هذه الأمة، لم يكن لمال الله بالسّروقة، ولا في أمر الله بالنّؤومة، أعطى القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة، وأعلام بيّنة. ذاك علي بن أبي طالب، يا لكع. وعن يزيد بن أي زياد عن بنت سرّية لعلي بن أبي طالب عن أمها قالت: اغتسلت، فأقعدت. فلم أستطع أن أقوم، فأخبر بذلك علي بن أبي طالب، فجاء فوضع يده على رأسي، فلم تزل يده على رأسي يدعو. حتى قمت، فسمعته يقول: لا تغتسلي في الحشّ، ولا في مكان يبال فيه، ولا في قمراء. وعن عمار قال: حدث رجل علياً بحديث، فكذبه، فما قام حتى عمي. وعن زاذان أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: أدعو عليك إن كنت كذبت قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي. وعن أبي مكين قال: مررت أنا وخالي أبو أمين على دار في جبل حين من مراد، فقال: ترى هذه الدار؟ قلت: نعم، قال: فإن علياً مرّ عليها وهم يبنونها، فسقطت عليه قطعة فشجّته فدع الله أن لا يكمل بناؤها، قال: فما وضعت عليها لبنة، قال: فكنت تمر عليها لا تشبه الدور.

قال أبو بشير الشيباني: شهدت الجمل مع مولاي، فما رأيت يوماً قط أكثر ساعداً نادراً وقدماً نادرة من يومئذ، ولا مررت بدار الوليد قط إلا ذكرت يوم الجمل. قال: فحدثني الحكم بن عتيبة أن علياً دعا يوم الجمل، فقال: اللهم، خذ أيديهم وأقدامهم. قال المدائني: نظر علي بن أبي طالب إلى قوم ببابه، فقال لقنبر: يا قنبر، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: فقال: لا أرى فيهم سيماء الشيعة، قال: وما سيماء الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظما، عمش العيون من البكا. قال أبو أراكة: صلّيت مع عل بن أبي طالب صلاة الفجر. فلما سلّم انفتل عن يمينه ثم مكث كأنّ عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال: وحائط المسجد يومئذ أقصر مما هو الآن ثم قلب يده ثم قال: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً، شعثاً، غبراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجّداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم. فإذا أصبحوا، فذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبلّ ثيابهم، والله لكأنّ القوم باتوا غافلين ثم نهض، فما رئي بعد ذلك مفترّاً، يضحك، حتى قتله ابن ملجم عدو الله الفاسق. وعن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: طوبى لكل عبد نومة، عرف الناس، ولم يعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصابيح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مظلمة، يدخلهم في رحمته، ليس ألئك بالمذاييع البذر، ولا بالجفاة المرائين.

وعن علي بن أبي طالب أنه قال: تعلموا العلم، تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنه يأتي من بعدكم زمان ينكر فيه الحق تسعة أعشاره، وإنه لا ينجو منه إلا كل نومة منبتّ الداء، أولئك أئمة الهدى، ومصابيح العلم، ليسوا بالعجل، المذاييع البذر. ثم قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. ألا وإن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً. ألا من اشتاق إلى الآخرة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرّمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات. ألا إن لله عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وأهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا أيام العقبى لراحة طويلة، أما الليل فصافّون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى ربهم، ربّنا ربّنا، يطلبون فكاك رقابهم، وأما النهار فعلماء، حلماء بررة، أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض، وخولطوا، ولقد خالط القوم أمر عظيم. وعن ابن عباس قال: قال عمر لعلي: عظني يا أبا الحسن، قال: لا تجعل يقينك شكاً، ولا علمك جهلاً، ولا ظنك حقاً، واعلم أنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت فأمضيت، وقسمت فسوّيت، ولبست فأبليت، قال: صدقت يا أبا الحسن. خطب علي عليه السلام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم من طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصدّ عن الحق. ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.

وعن الأصبغ بن نباتة قال: صعد علي ذات يوم المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الموت فقال: يا عباد الله، الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم فالنّجاء النّجاء، والوجاء الوجاء، وراءكم طالب حثيث: القبر، فاحذروا ضغطته، وظلمته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة. ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول: أنا بيت الظلمة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود. ألا وإن رواء ذلك يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر في الكبير " وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديدٌ " ألا وإن وراء ذلك ما هو أشدّ منه: نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وحليها حديد، ثم قال: وإن وراء ذلك جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأجارنا وإياكم من العذاب الأليم. وعن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن الدنيا قد أدبرت، وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت، وأشرفت باطّلاع، وإن المضمار اليوم، وغداً السباق. ألا وإنكم في أيام أمل، من ورائه أجل، فمن قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خيب عمله. ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضرّه الباطل، ومن لم يستقم به الهدى حاربه الضلال، ألا وإنكم قد أمرتم بالظّعن، ودللتم على الزاد. ألا أيها الناس، إنما الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر. ألا إنّ " الشّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً والله واسعٌ عليمٌ " أيها الناس، أحسنوا في عمركم تحفظوا في عقبكم، فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا

يفكّ أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرّها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صديد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل. وعن ابن عباس قال: كتب إليّ علي بن أبي طالب بموعظة ما سررت بموعظةٍ سروري بها: أما بعد. فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما بالك من دنياك فلا تكن بها فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه أسفاً، وليكن سرورك على ما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وهمّك فيما بعد الموت. ذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلّى ملائكته، ومسجد أنبيائه، ومتجر أوليائه ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفرقها وشبهت بشرورها السرور، وببلائها غليه ترغيباً وترهيباً، فيا أيها الذام للدنيا، المعللّ نفسه، متى خدعتك الدنيا، أو متى استذمّت إليك، أبمصارع آبائك في البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى. كم مرضت ببدنك، وعللت بكفيك، تطلب له الشفاء، وتستوصف له الأطباء، لا يغني عنك دواؤك ولا ينفعك بكاؤك. وعن يحيى بن يعمر قال: قال علي بن أبي طالب: إن الأمر ينزل من السماء كقطر المطر، لكل نفس ما كتب الله لها من زيادة أو نقصان: في نفس، أو أهل، أو مال، فمن رأى نقصاً في أهله، أو نفسه، أو ماله ورأى لغيره غفيرة فلا يكونن ذلك له فتنة، فإن المسلم ما لم يغش جناءة يظهر تخشعاً لها إذا ذكرت، يغرى به لئام الناس، كالياسر الفالج، ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب

له المغنم، وتدفع عنه المغرم، فكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة بين إحدى الحسنيين. إذا ما دعا الله، فما عند الله خير له، وإما أن يرزقه الله مالاً، وإذا هو ذو أهل ومال، ومعه حسبه ودينه. الحرث حرثان: فحرث الدنيا: المال والبنون، وحرث الآخرة: الباقيات الصالحات، وقد يجمعهما الله لأقوام. قال سفيان: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي؟. وعن علي بن أبي طالب أنه قال: ذمتي رهينة، وأنا به زعيم، لا يهيج على التقوى زرع قوم، ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل، وإن أجهل الناس من لم يعرف قدره، وكفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره، وإن أبغض الناس إلى الله عزّ وجلّ رجل قمش علماً في أغمار من الناس غشّوه، أغار فيه بأغبار الفتنة، عمي عمّا في رتب الفتنة سماه أشباه الناس عالماً ويم يغن في العلم، ذكر فاستكثر ما قلّ منه، وما قل منه خير مما أكثر، حتى ارتوى من آجن، واستكثر من غير طائل، جلس للناس مغيثاً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشواً من رأيه، فهو من قطع المشتبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أخطأ أم أصاب، خبّاط جهالات، ركّاب عمايات، لا يعتذر مما لا يعلم ليسلم، ولا يعضّ على العلم بضرسٍ قاطع فيغنم، تبكي منه الدماء، وتصرخ منه المواريث، ويستحل بقضائه الفرج الحرام لا مليءٌ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما قرّظ به، أولئك الذين حقت عليهم النياحة أيام الدنيا.

قال: وهذا الفريق الذين وصفهم أمير المؤمنين في الجهالة الأراذل السّفلة قد كثروا في زماننا، وغلبوا على أهله، واستعلوا على علمائه، والربانيين فيه، وإلى الله المشتكى. وقد تظاهرت الأخبار عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا. وعن الحسن بن علي قال: قال لي أبي علي بن أبي طالب: أي بنيّ، لا تخلّفنّ وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلّفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما سعيت به، وإما رجل عمل فه بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك. وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك. وعن علي قال: كونوا في الناس كالنحلة في الطير، إنه ليس في الطير شيء إلا وهو يستضعفها، ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها، خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحبّ. وعن علي بن أبي طالب قال: التوفيق خير قائد، وحسن الخلق خير قرين، والعقل خير صاحب، والأدب خير ميراث، والوحشة أشد من العجب. وعن علي بن أبي طالب أنه قال: يا حملة القرآن، اعملوا به، فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقاً، فيباهي بعضهم بعضاً، حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله. وعن علي بن أبي طالب قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.

وعن علي قال: كلمات لو رحلتم فيهن المطي لأنضيتموهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرج عبدٌ إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا دينه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم وفي رواية: أن يقول: لا أعلم واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. وعن علي قال: ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يرخّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره. إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فقه فيه، ولا خير في قراءة لا تدبّر فيها. وعن علي قال: كونوا بقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، فإنه لن يقلّ عمل مع التقوى، وكيف يقلّ عمل يتقبّل؟. قال عكرمة: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن مسيرنا هذا إلى أهل الشام: بقضاء وقدر؟ فقال علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما قطعنا وادياً، ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر، فقال الشيخ: عند الله احتسبت عنائي، فقال علي: ولم يك أعظم الله أجركم في مسيرنا، وأنتم مصعدون، وفي منحدركم وأنتم منحدرون، وما كنتم في شيء من أموركم مكرهين، ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف يا أمير المؤمنين والقضاء والقدر ساقنا إليها؟ قال: ويحك! لعلك ظننته قضاء لازماً، وقدراً حاتماً، لو كان ذلك لسقط الوعد والوعيد، ولبطل الثواب والعقاب، ولا أتت لائمة من الله لمذنب، ولا محمدة من الله لمحسن، ولا كان المحسن أولى بثوب الإحسان من المذنب. ذلك مقال إخوان عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وهم قدريّة هذه الأمة ومجوسها، ولكن الله تعالى أمر بالخير تخيراً، ونهى عن الشر تحذيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يملك تعويضاً، ولا خلق السموات والأرض، وما

أرى فيهما من عجائب آياتهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، فما كان القضاء والقدر الذي كان فيه مسيرنا ومنصرفنا؟ قال: ذلك أمر الله وحكمته، ثم قرأ علي " وقضى ربّك ألا تعبدوا إلى إيّاه " فقام الشيخ تلقاء وجهه ثم قال: البسيط أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ... يوم النّشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما مكان ملتبساً ... جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا قال الحارث: جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: طريق مظلم لا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: بحر عميق لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن القدر، قال: أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أول ما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أيها السائل، ألست تسأل ربك العافية؟ قال: نعم، قال: فمن أي شيء تسأله العافية: أمن البلاء الذي ابتلاك به غيره؟ قال: من البلاء الذي ابتلاني به، قال: أيها السائل، تقول: لا حول ولا قوة إلا بمن؟ قال: إلا بإذنه العلي العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تعلمني مما علمك الله يا أمير المؤمنين. قال: إن تفسيرها: لا يقدر على طاعة الله، ولا يكون له قوة في معصية الله في الأمرين جميعاً إلا بالله. أيها السائل، ألك مع الله مشيئة، أو فوق الله مشيئة، أو دون الله مشيئة؟ فإن قلت: إن لك دون الله مشيئة فقد اكتفيت بها عن مشيئة الله، وإن زعمت أن لك فوق الله مشيئة فقد ادعيت أن قوتك ومشيئتك عاليتان على قوة الله ومشيئته، وإن زعمت أن لك مع اله مشيئة فقد ادعيت مع الله شركاً في مشيئته. أيها

السائل، إن الله يشج ويداوي، فمنه الداء، ومنه الدواء. أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم. قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثم قال علي: لو أن عندي رجلاً من القدرية لأخذت برقبته، ثم لا أزال أجأها حتى أقطعها، حتى أقطعها، فإنهم يهود هذه الأمة. قال الأحنف بن قيس: ما سمعت بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن من كلام أمير المؤمنين علي حيث يقول: إن للنكبات نهايات، لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أني ينام لها حتى تنقضي مدتها، فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها. قال الأحنف وفي مثله يقول القائل: البسيط الدّهر يحنق أحياناً فلا ديةٌ ... فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب حتى يفرّجها في حالٍ مدّتها ... فقد يزيد احتناقاً كلّ مضطرب ولأبي تمام: الطويل ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه جمعاً عليه نوائبا قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان؟ قال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. فالصبر منها على أربع شعب: على الشوق، والشفقة، والزهادة، والترقب: فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة، وموعظة العبرة، وسنة الأولين: فمن تبصّر في الفطنة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين.

ٍوالعدل منها على أربع شعب: غائص يعني: الفهم، وشرائع الحكم، وزهرة العلم، وروضة الحلم، فمن فهم فسّر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرّط أمره، وعاش في الناس جميلاً. والجهاد على أربع شعب: على أمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين: فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر رغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى ما عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب غضب الله له. قال: فقام إليه السائل فقبّل رأسه. قيل لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين، ما السخاء؟ قال: ما كان منه ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم. كتب علي إلى بعض عماله: أما بعد. فلا تطوّلن حجابك على رعيتك، فإن احتجاب الولاة على الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحقّ بالباطل، وإنما الوالي بشرٌ، لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب، فتحصّن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب، فإنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق، ففيم احتجابك من حقّ واجبٍ أن تعطيه، أو خلق كريم تسديه، وغما مبتلى بالمنع، فما أسرع كفّ الناس عن

مسألتك إذا يئسوا من بذلك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤنة فيه عليك، من شكاة مظلمةٍ، أو طلب إنصافٍ. فانتفع بما وصفت لك، واقتصر على حظك ورشدك، إن شاء الله. وعن علي عليه السلام قال: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف. قال علي: من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحبّ لهم ما يحبّ لنفسه. وعن علي بن أبي طالب قال: لا تؤاخ العاجز، فإنه يزين لك فعله، ويحب لو أن لك مثله، ويزين لك أسوأ خصاله، ومدخله عليك، ومخرجه من عندك شين وعار، ولا الأحمق فإنه يجهد نفسه لك، ولا ينفعك، وربما أراد أن ينفعك فيضرك، فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته، ولا الكذاب فإنه لا ينفعك معه عيش، ينقل حديثك، وينقل الحديث إليك وغن يحدّث بالصدق فما يصدّق. قال علي بن أبي طالب: إني لأستحي من الله أن يكون ذنبٌ أعظم من عفوي، أو جهلٌ أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلّة لا يسدّها جودي. وعن علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والتّعس في اللذة. قيل: وما التعس في اللذة؟ قال: لا ينال شهوةً حلالاً إلا جاءه ما ينغّصه إياه. جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فأطراه، وكان يبغضه، فقال له: إني ليس كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك.

وعن عل يكرم الله وجهه قال: حسب حسب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وديني دين النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن نال مني شيئاً فإنما يناله من النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعن عروة أن رجلاً وقع في علي بمحضر من عمر، فقال عمر: تعرف صاحب هذا القبر، محمد بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب ابن عبد المطلب. لا تذكر علياً إلا بخير، فإنك إن آذيته آذيت هذا في قبره. وفي رواية: فإنك إن أبغضته آذيت هذا في قبره. قال الشعبي: كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة. كتب معاوية إلى علي بن أبي طالب: يا أبا الحسن، إن لي فضائل كثيرة، وكان أبي سيداً في الجاهلية، وصرت ملكاً في الإسلام، وأنا صهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، فقال علي: أبا الفضائل يفخر عليّ ابن آكلة الأكباد؟ ثم قال: اكتب يا غلام: الوافر محمدٌ النبيّ أخي وصهري ... وحمزة سيّد الشهداء عمّي وجعفرٌ الذي يمسي ويضحي ... يطير مع الملائكة ابن أمّي وبنت محمدٍ سكني وعرسي ... مسوطٌ لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمدٍ ولداي منها ... فأيّكم له سهمٌ كسهمي؟ سبقتكم إلى الإسلام طرّاً ... صغيراً ما بلغت أوان حلمي فقال معاوية: أخفوا هذا الكتاب، لا يقرأه أهل الشام، فيميلون إلى ابن أبي طالب. قال جابر بن عبد الله: سمعت علياً ينشد ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمع: البسيط

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي ... معه ربيت وسبطاه هما ولدي جدّي وجدّ رسول الله منفردٌ ... وفاطم زوجتي لا قول ذي فند صدّقته وجميع الناس في بهمٍ ... من الضلالة والإشراك والنكد فالحمد لله شكراً لا شريك له ... البرّ بالعبد والباقي بلا أمد فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: " صدقت يا علي ". وقال علي بن أبي طالب: الوافر إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنّت ... وأرست في أماكنها الخطوب ولم ير لانكشاف الصبر وجهٌ ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يجيء به القريب المستجيب وكلّ الحادثات إذا تناهت ... فموصولٌ بها الفرج القريب قال الشعبي: قال علي بن أبي طالب لرجل وكره له صحبة رجلٍ؛ فقال له: الهزج لا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه فكم من جاهلٍ أردى ... حليماً حين آخاه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه وللشيء من الشيء ... مقاييسٌ وأشباه وللقلب على القلب ... دليلٌ حين يلقاه ومن شعر علي عليه السلام: مجزوء الكامل

كم فرحةٍ مطويةٍ ... لك بين أثناء النوائب ومسرّة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب حدّث أبو عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي بن أبي طالب على قبر فاطمة فأنشأ يقول: الطويل ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني ... بردّ الهموم الماضيات وكيل لكلّ اجتماعٍ من خليلين ... فرقةٌ وكلّ الذي قبل الممات قليل وإن افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلٌ على ألاّ يدوم خليل ستعرض عن ذكري وتنسى مودّتي ... ويحدث بعدي للخليل خليل إذا انقطعت يوماً من العيش مدّتي ... فإن عناء النائبات قليل وله: المتقارب لا تفش سرّك إلاّ إليك ... فإنّ لكلّ نصيحٍ نصيحا فإني رأيت غواة الرجال ... لا يتركون أديماً صحيحا وله: الوافر نقشنا ودّ إخوان الصفاء ... بأقلام الهباء على الهواء فكلّهم ذئابٌ في ثيابٍ ... حياتهم وفاةٌ للحياء وله: مجزوء الكامل الصّبر من كرم الطبيعه ... والمنّ مفسدة الصنيعه والحقّ أمنع جانباً ... من قلّة الجبل المنيعه والشرّ أسرع جريةً ... من جرية الماء السريعه

ترك التعاهد للصّدي ... ق يكون داعة القطيعه وله: الطويل إن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج وما كنت أرضى الجهل خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحوج ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرسٌ للجهل بالجهل مسرج فمن شاء تقويمي فإني مقوّمٌ ... ومن شاء تعويجي فإنّي معوج وعن أيوب السّختياني قال: من أحبّ أبا بكر فقد أقام الدّين، ومن أحبّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبّ عليّاً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد برئ من النفاق. قال سفيان الثوري: حبّ علي من العبادة، وأفضل العبادة ما كتم. قال يحيى بن آدم: ما أدركت أحداً بالكوفة إلاّ يفضل عليّاً، يبدأ به، وما استثنى أحداً غير سفيان الثوري. قال عبد الرزاق: قال معمر مرة وأنا مستقبله، وتبسّم، وليس معنا أحد، قلت: ما شأنك؟ قال: عجبت من أهل الكوفة، كأن الكوفة إنما بنيت على حبّ علي، ما كلمت أحداً منهم إلاّ وجدت المقتصد منهم الذي يفضل علياً على أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري، قال: فقلت لمعمر وأريت كأني أعظمت ذلك فقال معمر: وما ذاك؟ لو أن رجلاً قال: عليّ أفضل عندي منهما ما عنّفته إذا ذكر فضلهما، إذا قال: عندي، ولو أن رجلاً قال: عمر عندي أفضل من علي وأبي بكر ما عنّفته. قال عبد الرّزاق: فذكرت ذلك لوكيع بن

الجراح ونحن خاليان فاشتهاها أبو سفيان وضحك، وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحدّ، ولكنه أفضى إلى معمر ما لم يفض إلينا. وكنت أقول لسفيان: يا أبا عبد الله، أرأيت إن فضلنا عليّاً على أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك؟ فيسكت ساعة ثم يقول: أخشى أن يكون طعناً على أبي بكر وعمر، ولكنا نقف. قال عبد الرزاق: وأخبرنا ابن التيمي يعني: معتمراً قال: سمعت أبي يقول: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمئة منقبة، وشاركهم في مناقبهم. عثمان أحبّ إليّ منه. وعن سالم مولى أبي الحسين قال: كنت جالساً مع أبي الحسين زيد بن علي، ومعه ناس من قريش، ومن بني هاشم، وبني مخزوم، فتذاكروا أبا بكر وعمر، فكأنّ المخزوميين قدّموا أبا بكر وعمر، وزيد ساكت، لا يقول لهم شيئاً، ثم قاموا فتفرّقوا، فعادوا بالعشي إلى مجلسهم، فقال زيد بن علي: إني سمعت مقالتكم، وإني قلت في ذلك كلمات، فاسمعوهنّ ثم أنشد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم: الطويل ومن فضّل الأقوام يوماً برأيهم ... فإنّ عليّاً فضّلته المناقب وقول رسول الله والحقّ قوله ... وإن رغمت فيه الأنوف الكوذاب بأنّك مني يا عليّ معالناً ... كهارون من موسى أخٌ لي وصاحب دعاه ببدرٍ فاستجاب لأمره ... فبادر في ذات الإله يضارب فما زال يعلوهم به وكأنّه ... شهابٌ تثنّى بالتّوائم ثاقب أنشد القاسم بن يسار وأبو عبد الله بن الحميم: الطويل إذا ما ذكرنا من عليّ فضيلةً ... رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر يديروننا لا قدّس الله أمرهم ... على شتمه تبّاً لذلك من أمر إذا ما ذكرنا فضله فكأنما ... نجرّعهم منحه أمرّ من الصّبر وهل يشتم الصّدّيق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر

وقد سال الصّدّيق من آل هاشمٍ ... عليّ الهدى عند ارتداد ذوي الكفر فقال له إن مانعوك زكاتهم ... وما كان قد يعطونه سيّد البدر فحارب على ردّ الشريعة إنها ... شريعة ربّ الناس ذي العزّ والفخر فلا تنكروا تفضيل من كان هادياً ... فإن عليّاً خيركم يا بني فهر ويروى: حبركم وحرّكم. قال الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: إن تركتنا الذنوب والخطايا حتى نجتمع مع علي بن أبي طالب عليه السلام يوم القيامة فسيعلم الروافض من هو أشدّ حبّاً له: نحن أو هم. ومن شعر أبي حفص عمر بن عبد الله بن خليل: المتقارب يقولون لي لا تحبّ الوصيّ ... فقلت الثرى بفم الكاذب أحبّ النّبيّ وآل النّبيّ ... وأختصّ آل أبي طالب وأعطي الصحابة حقّ الولاء ... وأجري على السّنن الواجب فإن كان نصباً ولاء الجميع ... فإنّي كما زعموا ناصبي وإن كان رضاً ولاء الجميع ... فلا برح الرفض من جانبي وأنشد إسحاق بن خلف الشاعر: البسيط إني رضيت عليّاً قدوةً علماً ... كما رضيت عتيقاً صاحب الغار وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدّار إن كنت تعلم أني لا أحبّهم ... إلاّ لوجهك فأعتقني من النّار قال أبو إسحاق السّبيعي: حججت، وأنا غلام، فمررت بالمدينة، فرأيت الناس عنقاً واحداً، فاتّبعتهم، فأتوا

أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم فسمعتها وهي تقول: يا شبث بن ربعي، فأجابها رجل خلف حجاب: لبيك يا أمه، فقالت: أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناديكم؟ فقال: إنا نقول شيئاً، يريد: عرض هذه الحياة الدّنيا فقالت: سمعت رسول الله يقول: " من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني سبّه الله تعالى ". حدّث شيخ من بني هاشم قال: رأيت رجلاً بالشام قد اسودّ نصف وجهه، وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك، فقال: نعم، قد جعلت لله عليّ ألاّ يسألني أحد عن ذلك إلاّ أخبرته: كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب، كثير الذكر له بالمكروه، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آتٍ في منامي، فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي، وضرب شقّ وجهي، فأصبحت وشقّ وجهي أسود كما ترى. وعن علي بن أبي طالب قال: والله، ما ضللت ولا ضلّ بي، ولا نسيت الذي قيل لي، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، تبعني من تبعني، وتركني من تركني. وعن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت عليّاً، وقد وطئ الناس على عقبيه حتى أدموهما، وهو يقول: اللهم، إني قد مللتهم، وملّوني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني، قال: فما كان إلا ذلك اليوم حتى ضرب على رأسه. قال أبو صالح الحنفي: رأيت علي بن أبي طالب آخذاً بمصحف فوضعه على رأسه حتى غني لأرى فرقه يتقعقع، ثم قال: اللهم، إنهم منعوني ما فيه فأعطين ما فيه، ثم قال: اللهم، إني قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي، وخلقي، وأخلاقٍ لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني. اللهم، مث قلوبهم ميث الملح في الماء. قال إبراهيم: يعني أهل الكوفة.

قال زهير بن الأقمر الزّبيدي: خطبنا علي فقال: أنبئت بسراً قد اطلع اليمن وإني والله قد خشيت أن يدخل هؤلاء القوم عليكم وما بي إن يكونوا أولى بالحقّ منكم، ولن تطيعوني في الحقّ كما يطيعون إمامهم في الباطل ما ظهروا عليكم، ولكن بصلاحهم في أرضهم، وفسادكم في أرضكم، وطواعيتهم إمامهم، وعصيانكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم. استعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلى معاوية. فوالله، لو أني أمنت أحدكم على قدح لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم، قد كرهتهم وكرهوني، وسئمتهم وسئموني، اللهم، فأرحني منهم وأرحهم مني. قال: فما جمّع. وعن أنس بن مالك قال: مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النّبي صلّى الله عليه وسلّم فتحولت عن مجلسي، فجلس النّبي صلّى الله عليه وسلّم حيث كنت جالساً، وذكر كلاماً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظاً، ولن يموت إلا مقتولاً ". وعن أبي رافع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: " أنت تقتل على سنّتي ". وعن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليّاً يقول: لتخضبنّ هذه من هذه، قالوا: يا أمير المؤمنين، أخبرنا به، والله لنبيرنّ عترته،

قال: أنشد الله أن يقتل فيّ غير قاتلي، قالوا: استخلف عليا، قال: لا، أدعكم إلى ما ودعكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: فماذا تقول لربّك وفي حديث غيره: إذا لقيته وقد تركتنا هملاً؟ قال: أقول: اللهم، ربّ تركتني فيهم ما بدا لك، فلما قبضتين تركتك فيهم. فإن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم. حدث أبو سنان الدؤلي أنه عاد عليّاً في شكوى اشتكاها، قال: فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذا، فقال: ولكنني والله ما تخوّفت على نفسي منه لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصادق المصدوق يقول: " إنك ستضرب ضربه هاهنا وأشار إلى صدغه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود ". وفي حديث آخر بمعناه: كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود، نسبه إلى جده الأدنى. قال زيد بن وهب: قدم علي على قوم من البصرة من الخوارج، فيهم رجل يقال له: الجعد بن بعجة، فقال له: اتقّ الله يا علي، فإنك ميّت، فقال علي: بل مقتول: ضربةٌ على هذا تخضب هذه يعني: لحيته من رأسه عهد معهود، وقضاء مقضيّ " وقد خاب من افترى ". وعاتبه في لباسه فقال: ما لكم ولباسي؟ هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بين المسلم. وعن أبي الطّفيل أن عليّاً جمع الناس للبيعة، فجاء عبد الرحمن بن ملجم فردّه مرتين، ثم قال علي: ما يحبس أشقاها؛ فواله لخضبنّ هذه من هذا ثم تمثّل: الهزج اشدد حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيك ولا تجزع من القتل ... إذا حلّ بواديك

وعن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز فقال لي: لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، فقال علي: وايم الله، لقد أخبرني به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال أبو الأٍسود: فما رأيت كاليوم قطّ محارباً يخبر بهذا عن نفسه. وعن صهيب قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " من أشقى الأولين؟ " قال: عاقر الناقة، " قال: فمن أشقى الآخرين؟ " قال: لا علم لي يا رسول الله، قال: " الذي يضربك على هذه وأشار بيده إلى يافوخه يخضب هذه من هذه يعني: لحيته " فكان علي يقول: ألا يخرج الأشقى الذي يخضب هذه يعني: مفرق رأسه. وعن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل بدر قال: خرجت مع أبي عائداً لعلي من مرض أصابه ثقل منه، قال: فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم تك إلا أعراب جهينة تحمل لك المنية، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلّوا عليك، فقال علي: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إليّ ألا أموت حتى أؤمّر، ثم تخضب هذه يعني: لحيته من هذه يعني: هامته فقتل، وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين. قال سعيد بن المسيّب: رأيت عليّاً على المنبر، وهو يقول: لتخضبنّ هذه من هذه وأشار بيده إلى لحيته وجبينه فما يحبس أشقاها؟ قال: فقلت: لقد ادعى علي علم الغيب. فلما قتل علمت لأنه قد كان عهد إليه. وعن عائشة قالت: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم التزم عليّاً، وقبّله، ويقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد. وعن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، من بطن ينبع. فلما نزلها

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقام بها شهراً، فصالح بها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة، فوادعهم، فقال له علي بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء نفر من بني مدلج، يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم، فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض، فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تبك الدقعاء فيومئذٍ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلي: " يا أبا تراب "، لما عليه من التراب. فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال: " ألا أخبركما بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى، يا رسول الله، فقال: " أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده على رأسه حتى يبلّ منها هذه، ووضع يده على ليحته ". وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أشقى ثمود؟ " قالوا: عاقر الناقة، قال: " فمن أشقى هذه الأمة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " قاتلك يا علي ". وعن عمرو بن أبي جندب قال: مرّ بنا علي بصفين وليس معه أحد، فقال له سعيد: أما تخشى أن يغتالك عدو، فإني لا أرى معك أحداً؟ قال: إن لكل عبدٍ حفظة يحفظونه، لا يخرّ عليه حائط، أو يتردّى في بئر حتى إذا جاء القدر الذي قدّر له خلت عنه الحفظة، فأصابه ما شاء الله أن يصيبه. وعن أبي نصر قال: كنا جلوساً حول سيدنا الأشعث بن قيس إذ جاء رجل بيده عنزة، فلم نعرفه، وعرفه. قال: أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: تخرج هذه الساعة، وأنت رجل محارب؟! قال: إن عليّ من الله جنّة حصينة، إذا جاء القدر لم تغن شيئاً. إنه ليس من الناس أحد إلاّ وقد وكّل به ملك، ولا تريده دابة ولا شيء إلاّ قال: اتّقه، اتّقه، فإذا جاء القدر خلا عنه.

وعن يعلي بن مرّة قال: كان علي يخرج بالليل إلى المسجد ليصلي تطوعاً، وكان الناس يفعلون ذلك، حتى كان شبث الحروري، فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا علينا عقباً يحضر كل ليلة منا عشرة، فكنت في أول من حضر، فألقى درّته ثم قام يصلي. فلما فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: من أهل السماء؟ قال: فإنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضى في السماء، وإنّ عليّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عني، وإنه لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. دخل الحسن بن علي على معاوية فقال معاوية: أبوك الذي كان يقاتل أهل البصرة، فإذا كان آخر النهار مشى في طرقها! قال: علم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه. فقال معاوية: صدقت. وعن حكيم بن سعد أنه قيل لعلي: لو علمنا قاتلك لأبرنا عترته، فقال: مه، ذكم الظلم. النفس بالنفس، ولكن اصنعوا ما صنع فقال: النبي قتل، ثم أحرق بالنار. وعن معاوية بن جوين الحضرمي قال: عرض عليّ الخيل، فمرّ عليه ابن ملجم، فسأله عن اسمه أو قال: نسبه فانتمى إلى غير أبيه، فقال له: كذبت، حتى انتسبت إلى أبيه، فقال: صدقت. أما إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثني أن قاتلي شبه اليهود، هو يهودي، فامضه. قال عثمان بن المغيرة: لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن والحسين وابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم، يقول: يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ، إنما هي ليلة أو ليلتين، فأصيب من الليل. حدّث الحين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليّاً قال: خرج علي إلى الفجر، فأقبل الوز يصحن في وجهه، فطردوهن عنه، فقال:

ذروهنّ فإنهنّ نوائح، فضربه ابن ملجم، فقيل: يا أمير المؤمنين، خلّ بيننا وبين مراد، فلا نقوم لهم راعية أو راغبة أبداً، قال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أمت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص. وعن الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النّبّاح حين طلع الفجر يؤذن بالصلاة، وهو مضطجع، فتثاقل فعاد إليه ثانية، وهو كذلك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول: شدّ حيازيمك للموت ... فإنّ الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت ... إذا حلّ بواديكا فلما بلغ الباب الصغير شدّ عليه عبد الرّحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة. قال أبو عون الثقفي: كنت اقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وكان الحسن بن علي يقرأ عليه. قال أبو عبد الرّحمن: فاستعمل أمير المؤمنين عليٌّ رجلاً من بني تميم يقال له: حبيب بن مرّة على السّواد، وأمره أن يدخل الكوفة من بالسواد من المسلمين، فقلت للحسن بن علي: إن لي ابن عم في السواد يحب أن يقوم مكانه، فقال لي: تغدو غداً على كتابك وقد ختم، فغدوت من الغد فإذا الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، فقلت للغلام: أنفذ بي إلى القصر، فدخلت القصر، فإذا الحسن بن علي قاعد في مسجد في الحجرة، وإذا صوائح، فقال: ادن إلي يا أبا عبد الرّحمن، فجلست إلى جنبه، فقال لي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بنيّ، إنّي بتّ البارحة أوقظ أهلي، لأنها ليلة الجمعة، صبيحة بدر لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللّدد

قال: والأود: العوج، واللّدد: الخصومات، فقال لي: " ادع عليهم "، قال: قلت: اللهم أبدل لي بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ مني، فجاء ابن النّبّاح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان، فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطّاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه. قال أبو هشام: قال لي أبو أسامة: إني أغار عليه كما يغار الرجل على المرأة الحسناء، لا تحدّثن به ما دمت حيّاً. قال أبو أسامة في هذا الحديث ثلاثة عشر حديثاً: فيه أن الحسن بن علي قرأ علي أبي عبد الرحمن، وأن أبا عبد الرحمن سأل الحسن بن علي حاجة، وهو يقرأ عليه، وأن عليّاً كره أن يدخل المسلمون السواد، وأن الحسن شفع في أن ينزل رجل بالسواد من المسلمين وأن علي بن أبي طالب كان إذا كتب ختم كتابه، وأنه اتّخذ مسجداً في حجره، وأنه صيح عليه، فلم ينكره الحسن، وأنا علياً نام وهو جالس، فلم يتوضأ، وأنه قال: الأود: العوج، واللّدد: الخصومات، وأنه كان له مؤذّن يؤذنه بالصلاة، وأنه كان لباب داره طاق، وأنه قتل فيه. وعن الليث بن سعد: أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليّاً في صلاة الصبح على دهس، بسيفٍ كان سمّه بالسّمّ، ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً. وعن ابن الحنفية قال: دخل علينا ابن ملجم الحمام، وأنا وحسن جلوس في الحمام. فلما دخل كأنّهما اشمأزّا منه، وقالا: ما جرّأك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه منكما، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيراً قال ابن الحنفية: ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام، فقال علي: إنه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه، قتلتي " ولا تعتدوا إنّ الله لا يحبّ المعتدين ".

قال محمد بن سعد قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج: عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وهو من حمير، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكير التميمي، فاجتمعوا بمكة، وتعاهدوا، وتعاقدوا ليقتلنّ هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب، وقال البرك، أنا لكم بمعاوية، وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك، وتعاقدوا، وتواثقوا ألاّ ينكص رجل منهم على صاحبه الذي سمّى، ويتوجه إليه حتى يقتله، أو يموت دونه، فاّتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من بدر رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوماً نفراً من بني تيّم الرباب، فرأى امرأى منهم يقال لها قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان فأعجبته فخطبها، فقالت: لا أتزوجك حتى تشتفي لي فقال: لا تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فقالت: ثلاثة آلاف، وقتل علي بن أبي طالب، فقال: والله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ما يريد، ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وظلّ عبد الرحمن تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد يطلع الفجر، فقال له الأشعث، فضحك الصبح، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدّة التي يخرج منها علي. قال الحسن بن علي: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني بتّ الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من أمت من الأود واللّدد! فقال لي: " ادع عليهم "، فقلت: اللهم، أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني، ودخل ابن النّبّاح المؤذن على ذلك، فقال: الصلاة، فأخذت بيده فقام يمشي، ابن النّبّاح بين يديه، وأنا خلفه. فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس، الصلاة، الصلاة، كذلك كان يصنع في كل يوم يخرج، ومعه درّته يوقظ

الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف، وسمعت قائلاً يقول: لله الحكم يا علي، لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً، فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع علياً يقول: لا يفوتنّكم الرجل، وشدّ النسا عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم، فأدخل على عليّ فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش، فأنا وليّ دمي عفو أو قصاص، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين، فقالت أم كلثوم بنت علي: يا عدو الله، قتلت أمير المؤمنين؟ قال: ما قتلت إلا أباك، قالت: فوالله إني لأرجو ألاّ يكون على أمير المؤمنين بأس، قال: فلم تبكين إذاً؟ ثم قال: والله لقد سممته شهراً يعني: سيفه فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه، وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي، فقال: أي بني، انظر كيف أصبح أمير المؤمنين، فذهب، فنظر إليه ثم رجع، فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عيني دميع ورب الكعبة. قال: ونكب علي يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين، وغسله الحسن والحسين وعبد الله وجعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها قميص. قالوا: وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن. فلما مات علي ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم، فأخرجه من السجن ليقتله، فاجتمع النّاس وجاؤوا بالنّفط والبواري والنار، فقالوا: نحرقه، فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية: دعونا حتى نشفي أنفسنا منه، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه بمسمار محمّى، فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك بملمول ممضّ، وجعل يقرأ: " اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ " حتى أتى على آخر السورة كلها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه، فجزع فقيل له، قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك يا عدو الله، فلم

تجزع. فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟! فقال: ما ذاك من جزع، إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم جعلوه في قوصرّة وأحرقوه بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغير فلم يستأن به بلوغه. وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلاً أسمر، أبلج، شعره مع شحمة أذنه، في جبهته أثر السجود. وعن أبي تحيى قال: لما ضرب ابن ملجم علياً الضربة قال علي: افعلوا به كما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أني فعل برجل أراد قتله، فقال: اقتلوه ثم حرّقوه. ولما ضرب ابن ملجم علياً عليه السلام قال علي: فزت وربّ الكعبة. وعن شقيق بن سلمة قال: قيل لعلي بن أبي طالب: ألا تستخلف علينا؟ فقال: ما استخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولكن إن يرد الله بالناس خيراً استجمعهم بعدي علىخيرهم، كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم. وعن عقبة بن أبي الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم علياً دخل عليه السحن، وهو باك، فقال له: ما يبكيك يا بنيّ؟ قال: وما لي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من الدنيا؟ فقال: يا بني، احفظ أربعاً وأربعاً لا تضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا أبه؟ قال: إن أغنى الغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق. قال: قلت: يا أبه، هذه الأربع فأعطني الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة

الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرّب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه. فلما فرغ علي من وصيته قال: أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم لم يتكلم بشيء إلا: لا إله إلا الله حتى قبضه الله، رحمة الله ورضوانه عليه، وصلى عليه الحسن، وكبّر عليه أربعاً، ودفن في السّحر. قال هارون بن سعد: كان عند علي مسك أوصى أن يحتفظ به، وقال: فضل من حنوط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ون الحسن بن علي قال: دفنت أبي علي بن أبي طالب في حجرة أو قال: في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة. قال عبد الملك بن عمير: لما حفر خالد بن عبد الله أسا دار يزيد ابنه استخرجوا شيخاً مدفوناً، أبيض الرأس واللحية، فقال: أتحبّ أن أريك علي بن أبي طالب؟ فكشف لي فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس، طري فقال: يا غلام، عليّ بحطبٍ ونار، فقال الهيثم بن العريان: ليس يريد القوم منك هذا كله، قال: يا غلام، عليّ بقباطي، فلفّه فيها وحنّطه، وتركه مكانه، قال أبو زيد بن طريف: هذا الموضع بحذاء باب الوراقين، مما يلي قبلة المسجد بيت إسكاف، وما يكاد يقرّ في ذلك الموضع أحدٌ إلاّ انتقل عنه. وقيل: إنه لا يعلم أين موضع قبره، وقيل دفن بالكوفة عند قصر بالإمارة ليلاً، وعمّي دفنه. وقيل: دفن عند المسجد الجامع. ويقال: دفن في موضع القصر، ويقال في الرّحبة التي تنسب إليه. ويقال: في الكناسة. ويقال: إن الحسن والحسين وابن الحنفية

وعبد الله بن جعفر وعدّة من أهل بيتهم خرجوا به ليلاً، فدفن في ظاهر الكوفة، فعل به ذلك مخافة أن ينبشه الخوارج وغيرهم. جاء رجل إلى شريك فقال: أين قبر علي بن أبي طالب، فأعرض عنه، حتى سأله ثلاث مرات، فقال له: في الرابعة، نقله الحسن بن علي إلى المدينة. قال الخطيب: هذا لفظ حديث البغوي. وقال: قال عبد الملك: وكنت عند أبي نعيم فمرّ قوم على حمير، قلت: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون قبر علي بن أبي طالب، فالتفت إليّ أبو نعيم فقال: كذبوا، نقله الحسن بن علي إلى المدينة. قال محمد بن حبيب: أوّل من حوّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين عليّ. حوّله ابنه الحسن، وقيل حمله الحسن بعد صلحه مع معاوية فدفنه بالمدينة. قول غيره: حمله فدفنه بالثّويّة. ويقال: دفن بالبقيع مع فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وقال عيس بن داب: عمّي قبر علي. قال: وحدثني الحسن أنه صرّ في صندوق وأكثر عليه من الكافور، وحمل على بعير يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء، وهم يظنون أن في الصندوق مالاً. فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا، فدفنوا الصندوق بما فيه، ونحروا البعير، وأكلوه. وكان أبو جعفر الحضرمي مطيّن ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر علي بن أبي طالب، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة، وقال مطيّن: لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منزلي ومقيلي عنده أبداً. وعن ابن شهاب قال: قدمت دمشق، وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه فوجدته في قبة على

فرس، يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت عليه، وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ وقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم. قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يسمعنّ منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي. قال البيهقي: وروي عن الزهري إسنادي أصح من إسناد هذا الحديث أن ذلك كان في قتل الحسين. وتوفي علي وهو ابن سبع وخمسين سنة، وكان يوم قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن سبع وعشرين. وقيل: توفي وهو ابن ثمان وخمسين، وولي خمس سنين وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلي ابن سبع سنين. وأسلم علي وهو ابن سبع سنين. قال الشعبي: أقام علي بعد إسلامه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عشرين سنة، ومع أبي بكر وعمر ثلاث عشرة سنة، ومع عثمان اثنتي عشرة سنة، وولي خمس سنين. وأهل بيته يقولون: قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة، ويقولون: أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، قالوا: وشهد بدراً وهو ابن عشرين سنة، وشهد الفتح وهو ابن ثمان وعشرين. وكان عظيم البطن، عظيم اللحية، قد ملأت ما بين منكبيه، وكان أصلع رحمه الله. وقيل: إن بن ملجم قتله لستٍ بقين من رمضان سنة أربعين. قال عبد الله بن محمد بن عقيل: سمعت ابن الحنفية يقول: سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانون هذه لي خمس وستون سنة، وقد جاوزت سن أبي. قلت: وكم كانت سنّه يوم قتل؟ قال: ثلاث وستون سنة. قال محمد بن عمر: وهو الثّبت عندنا.

وأم علي عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأسلمت قديماً، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهي ربت النبي صلّى الله عليه وسلّم ويوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: " جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ "، وولدت لأبي طالب عقيلاً، وجعفر، وعلياً، وأم هانئ، واسمها فاختة، وحمامة. وكان عقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسنّ من علي بعشر سنين، وجعفر هو ذو الهجرتين، وذو الجناحين. وقال أبو جعفر: توفي علي وله خمس وستون سنة، وكان عليّ، وطلحة، والزبير في سن واحدة. قال سعيد بن جمهان عن سفينة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فقال لي: أمسك يعني: سفينة القائل لسعيد بن جمهان أمسك فذكر خلافة علي ستاً. كذا قال في هذا الحديث، ولمي بلغ في الخلافة ست سنين. وولد علي بمكة، في شعب بني هاشم، وقتل بالكوفة. قال الهيثم بن عمران: بايع لعلي أهل العراق، ومكة، والمدينة، واليمن. فمكث رحمه الله خمس سنين، وقتله ابن ملجم. ولما قتل بويع الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان بين مقتل عثمان إلى اصطلاح الحسن بن علي ومعاوية خمس سنين وثلاثة أشهر وسبع ليال. وكان لعليّ تسع عشرة سرّيّة. إنما كان كثرة تسرّي أمير المؤمنين طلباً للنسل، لتكثير العابدين. ولما قتل علي قام حسن بن علي خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد.

والله لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، وفيها رفع عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى، وفيها تيب على بني إسرائيل. والله ما سبقه أحد كان قبله، ولا لحقه أحد كان بعده، وإن كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليبعثه في السّرية، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. والله ما ترك صفراء ولا بيضاء، إلا ثماني مئة درهم، أو سبع مئة درهم أرصدها لخادم يشتريها. وعن المغيرة قال: لما جيء معاوية بنعي علي، وهو قائل مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم، والحلم، والفضل، والفقه، فقالت امرأته: أنت بالأمس تطعن في غيبته، وتسترجع اليوم عليه؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا فقدوا من علمه، وفضله وسوابقه. وكانت سودة بنت عمار تبكي علياً، وقالت: البسيط صلى الإله على جسمٍ تضمّنه ... قبرٌ فأصبح فيه الجود مدفونا قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا قال أبو عياض مولى عياض بن ربيعة الأسدي: أتيت علي بن أبي طالب، وأنا مملوك، فقلت: يا أمير المؤمنين، ابسط يدك أبايعك. فرفع رأسه إلي، فقال: ما أنت؟ قلت: مملوك، قال: لا، إذاً، قلت: يا أمير المؤمنين، إنما أقول: إني إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت نصحتك، قال: نعم، إذاً، قال: فبسط يده فبايعني. قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنه سيأتيكم رجل يدعوكم إلى سبّي، وإلى البراءة مني، فأما السبّ فإنه لكم نجاة، ولي زكاة، وأما البراءة فلا تبرّؤوا مني، فإني على الفطرة. وعن عمرو بن الأصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في دار عمرو بن حريث فقلت: إن ناساً يزعمون أن علياً يرجع قبل يوم القيامة! فضحك، وقال: سبحان الله، لو علمنا ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه.

علي بن طاهر بن جعفر بن عبد الله

وفي رواية عنه قال: قلت للحسن: إن هذه الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة! فقال: كذب، أولئك الكذابون. وفي حديث: والله ما هؤلاء بالشيعة. بويع لعلي بالخلافة سنة خمس وثلاثين، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين، وكان الذي عقد له عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، ولم يبايع خمسة له منهم: محمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمرو، وكانت الحرب بينه وبين معاوية خمس سنين وثلاث أشره واثنتي عشرة ليلة. علي بن طاهر بن جعفر بن عبد الله أبو الحسن القيسي السلمي النحوي حدث عن عبد العزيز بن أحمد الحافظ بسنده إلى جابر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يدع أحداً من أهله في يوم عيد إلا أخرجه. ولد سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وتوفي سنة خمس مئة، وكانت له حلقة في الجامع وقف فيها خزانة، فيها كتبه. علي بن طاهر بن محمد أبو الحسن القرشي المقدسي الصوفي أصله من شيراز. حدّث عن أبي العباس أحمد بن محمد بن زكريا النّسوي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا، وتنجحوا، فإن الله يقول: "

علي بن أبي طاهر

رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي "، ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم، فلا ترزقوا ولا تنجحوا، فإن الله يقول: " إن سخطي فيهم " ". علي بن أبي طاهر أبو الحسن القزويني حدّث عن محمود بن خالد بسنده إلى أنس بن مالك أنه تزوج بالمدينة، قال: بعث إليها أن تأتيه بالبصرة، قال: فأبت، فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد. فإن لكل عمل جزاء. والسلام عليك. وحدّث عن إسماعيل بن توبة بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " السّواك مطهرة للفم، مرضاة للربّ ". وحدّث عن العباس بن الوليد بسنده أن الزهري قال: تعلّم سنةٍ أفضل من عبادة مئتي سنة. علي بن عاصم بن أبي العاص ابن إسحاق بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص، أبو الحسن الأموي حدّث عن عامر بن سيار التميمي الخراساني بسنده إلى أبي أمامة أو واثلة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا كان يوم القيامة يجمع الله العلماء فيقول: إني لم أستودع قلوبكم الحكمة، وأنا أريد أن أعذّبكم، ثم يدخلهم الجنة ". وعلي بن عاصم دمشقي، قدم مصر سنة أربع وستين ومئتين.

علي بن أبي العاص بن الربيع

علي بن أبي العاص بن الربيع ابن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي قيل: إنه قتل يوم اليرموك. قال الزبير بن بكار: وكانت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى، فولدت له علياً، وأمامة، وكان علي مسترضعاً في بني غاضرة فافتصله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوه يومئذٍ مشرك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من شاركني في شيء فأنا أحقّ به، وأيّما كافر شارك مسلماً في شيء فهو أحقّ به منه ". وتوفي علي بن أبي العاص بن زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد ناهز الحلم. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أردفه على راحلته يوم الفتح. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحمل أمامة على عاتقه، ويضعها إذا سجد. وأم أبي العاص هالة بنت خويلد بن أسد أخت خديجة بينت خويلد لأبيها وأمها. وليس لعلي بن أبي العاص حديث. علي بن العباس بن أحمد بن العباس أبو الحسن الثغري النيسابوري حدّث بدمشق. روى عن أبي محمد الحسن بن علي بن المؤمّل بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " الدعاء مستجاب ما بين النداء والإقامة ".

علي بن العباس بن عبد الله بن جندل

علي بن العباس بن عبد الله بن جندل أبو الحسن القرشي القزويني حدّث عن أبي نصر أحمد بن محمد بن عبد الله بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: " يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ " " فأمّا الّذين ابيضّت وجوههم " فأهل السّنة والجماعة، " وأمّا الّذين اسودّت وجوههم " فأهل البدع والأهواء. وحدّث عن أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الهمذاني بجرجان قال: وجدت في بعض كتب أصحابنا سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي رحمه الله ينشد: الطويل صن النّفس واحملها على ما يزينها ... تعش سالماً والقول فيك جميل ولا تولينّ الناس إلا تجمّلاً ... نبا بك دهرٌ أو جفاك خليل وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ ... عسى نكبات الدهر عنك تحول فيغنى غنيّ النفس إن قلّ ماله ... ويغنى فقير النفس وهو ذليل ولا خير في ودّ امرئ متلوّنٍ ... إذا الرّيح مالت مال حيث تميل وما أكثر الإخوان حين تعدّهم ... ولكنّهم في النائبات قليل علي بن عبد الله بن أحمد ابن عبد الصمد بن هشام بن الغاز، أبو الحسن الجرشي الصيداوي حدّث عن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بسنده إلى ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " من كان ذا وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعةٍ، عسر أو يسرٍ أعين على إجازة السّراط يوم دحض الأقدام ".

علي بن عبد الله بن أحمد

علي بن عبد الله بن أحمد ابن أبي شعبة، أبو الحسن حدّث عن القاضي علي بن محمد بن كاس النّخعي بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". وحدّث عن محمد بن أحمد بن عبيد أبي سعيد بسنده إلى ابن عمر أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصلي بعد المغرب، ولا بعد الجمعة إلا في بيته. حدّث سنة ثلاث وستين وثلاث مئة. علي بن عبد الله بن بحر الكاتب رجل أديب. كان يكتب للأمير لؤلؤ أمير دمشق. قال يرثي أبا علي الحسين بن محمد بن الحسين بن النصيبي، وأنشدها أباه الشريف القاضي أبا عبد الله: الطويل أعزيك يا فرد المكارم والفضل ... وإن كان قد عزّاك مجدك من قبلي وما خفت أن تأسى وفضلك بارعٌ ... لأن الأسى لا يستقرّ مع الفضل ومنك تعلمت التعزّي وإنما ... أن اليوم أملي بعض ما كنت أستملي مضى ابنك محمود الطرائق لم يشن ... بعيبٍ ولم يأثم بقولٍ ولا فعل رأى أنه إن عاش ساواك في العلى ... فآثر أن تبقى فريداً بلا مثل على مثله في فضله يحسن الأسى ... ولكنكم يسليكم شرف الأصل ونحن على الحالات نعم أنّنا ... نموت ولكن نستريح إلى الجهل ولو فكّر الإنسان في الموت لم يكن ... مدى الدهر ملتذّاً بشربٍ ولا أكل تسلّ احتساباً عنه تغنم ثوابه ... وإلا ففي مرّ الحوادث ما يسلي لكم في رسول الله أحسن أسوةٍ ... فقد مات وهو المصطفى خيرة الرسل تأسّوا به إذ كنتم أهل بيته ... فلا خلق أولى بالتأسّي من الأهل

علي بن عبد الله بن جعفر

وإنّي لأدري إنكم أهل صفوةٍ ... تردّون كلّ الحادثات إلى العدل علي بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحسن القرشي الهاشمي كان علي بن عبد الله بن العباس، وعلي بن الحسين بن علي، وعلي بن عبد اله بن جعفر يقدمون على الوليد بن عبد الملك، فيقول الوليد للعباس ابنه: جالس عمومتك. قال الزبير بن بكار: فولد عبد الله بن جعفر: جعفر الأكبر، به كان يكنى، انقرض، وعوناً الأكبر انقرض، قتل بالطّفّ، وكان يجد به وجداً شديداً، وحزن عليه حزناً عرف فيه، حتى أقصر بعد. والعقب من ولد عبد الله بن جعفر لعلي، ومعاوية، وإسحاق وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر. وعن مصعب بن عبد الله قال: حمل علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أهل أبيات من قريش زمان الوليد بن عبد الملك في السّنيات البيض وكن سنيات اشتددن على أهل المدينة، فقال مساحق بن عبد الله بن مخرمة له: الطويل أبا حسن إني رأيتك واصلاً ... لهلكى قريشٍ حين غيّر حالها سعيت لهم سعي الكريم ابن جعفر ... أبيك وهل من غايةٍ لا تنالها فما أصبحت في ابني لؤيّ فقيرةٌ ... مدقعةٌ إلا وأنت ثمالها

علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بن سعيد

علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بن سعيد أبو الحسن الهمذاني الجبلي الصوفي بفتح الجيم والباء المخففة المعجمة بواحدة من همذان من الجبل، والهمذاني بفتح الميم والدال المعجمة. نزيل مكة. حدّث في ذي الحجة من سنة سبع وأربع مئة عن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: كنا نورثه على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعني: الجد. وحدث بسنده إلى أنس بن مالك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوّله خير أم آخره ". وحدّث عن أبي عبد الله محمد بن جابان عن أبي عمرو بن علوان الرحبي قال: كنت قبل أن أصحب جنيد بن محمد، وأعاشر الفقراء لي جارية، وكنت مشغوفاً بها، وأميل إليها جداً. فلما انتزعت من جميع ما كان لي من الدنيا بعت الجارية أيضاً، وأنفقت ثمنها على الفقراء، وكان لي بيت أخلو فيه للعبادة. فبينا أنا ذات يوم أصلي خامر قلبي هوى سامره بذكر الجارية التي كانت لي، حتى تولدت مني شهوة الرجل، فنظرت إلى ثيابي التي علي، وقد اسودّ جميع ما كان علي، فأخرجت يدي فإذا قد اسودّت، ونظرت إلى رجلي وسائر بدني فإذا هو قد اسودّ، فاستترت في البيت، ولم أخرج، فدخلت عليّ أمي، ونظرت إلى وجهي وثيابي ويدي ورجلي، قد اسودّ ذلك كله عليّ فقالت: يا أبا عمرو، إيش أصابك؟! فسكتّ، فعالجوا الثياب بالصابون وألوان

الغاسول، فلم تزدد إلا سواداً، ودخلت الحمام ودلّكوني بالأشنان وغير ذلك، فلم أزدد إلا سواداً، ثم انكشف عني السواد بعد ساعات من النهار بقدرة الله، ورجعت إلى لون البياض، وعادت ثيابي كما كانت بياضاً، فحمدت الله تعالى على جميل ستره، واستغفرت الله مما خامر سرّي. فلما كان بعد أيام دخل عليّ والدي، وبيده كتاب، وذكر أنه ورد علي من الجنيد بن محمد يستدعي قدومي عليه، فقال: يا بني، قم واخرج إلى حضرة أستاذك، فقد أكّد في كتابه خروجك إليه. قال: فانحدرت إلى بغداد، فساعة وافيتها قصدت الشيخ فدخلت عليه وهو يصلي، فسلمت عليه، ووقفت حتى سلّم من صلاته، فنظر إليّ شزراً، وقال بغضب: ما استحييت من الله جلّ ثناؤه كنت قائماً بين يديه، فسامرت نفسك شهوة استولت عليك برهة، فأخرجتك من بين يدي الله تعالى باللعن والطرد، ولولا أني دعوت الله تعالى لك، وتبت عنك بظهر الغيب للقيت الله وأنت بذلك الوصف، لا تفيق إلا بمودة من إذا أذنبت تاب وإذا مرضت عادك. قال ابن جهضم: ذكرت هذه الحكاية لبعض العلماء، فقال: هذا رفق من الله تعالى به وخيره له إذ لم يسوّد قلبه، وظهر السواد على يديه، وما من ذنب يرتكبه العبد يصرّ عليه إلا اسودّ القلب منه قبل سواد الجسم، لا يجلوه إلا التوبة النصوح، والعقوبة من الله تعالى فليست على قدر الذنب لكنها على قدر إرادة المعاقب وربما كانت في القلب، وهو إمراض القلوب، وربما كانت في الجسد، وربما تكون في الأموال والأهل والأولاد، وقد تكون مؤجلة في الآخرة. نعوذ بالله من سخطه وعقوباته، إلا أن الله جلّ ثناؤه يخوف عباده بمن يشار من عباد الأعلين، يجعلهم نكالاً للأدنين، ويخوف القوم من خلقه بالتنكيل ببعض الخصوص من عباده. حكمة له تعالى وحكم منه.

علي بن عبد الله بن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون

علي بن عبد الله بن أبي الهيجاء بن حمدان بن حمدون ابن الحارث بن لقمان بن راشد أبو الحسن الأمير التغلبي، والمعروف بسيف الدولة أصله من الجزيرة. قدم دمشق سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة، وملك حلب ثم توجّه منها إلى حمص، فلقيه عسكر الإخشيد محمد بن طغج بنجف أمير الشام ومصر مع غلامه كافور الإخشيدي الذي مدحه المتنبي، فكان الظفر لسيف الدولة، وجاء إلى دمشق، فنزل عليها فلم يفتحوا له، فرجع، وكان الإخشيد قد خرج من مصر إلى الشام، فالتقى هو وسيف الدولة بأرض قنّسرين، فلم يظفر أحد العسكرين بصاحبه، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة. فلما رجع الإخشيد إلى دمشق رجع سيف الدولة إلى حلب، ثم مات الإخشيد سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاث مئة، وسار كافور إلى مصر، فقصد سيف الدولة دمشق فملكها، وأقام بها، فذكر أنه كان يساير الشريف العقيقي بها فقال: ما تصلح هذه الغوطة إلا لرجل واحد، فقال له العقيقي: هي لأقوام كثير، فقال له سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين لينبرون منها، فأعلم العقيقي أهل دمشق بهذا القول، فكاتبوا كافوراً فجاءهم، وأخرجوا سيف الدولة من دمشق سنة خمس أو ستّ وثلاثين، ووليها كافور. ولد سيف الدولة سنة إحدى وثلاث ومئة. وقيل: سنة ثلاث وثلاث مئة. ذكر أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر فصلاً في ذكر ابن حمدان فقال: كان بنو حمدان ملوكاً وأمراء، أوجههم الصباحة، وألسنتهم الفصاحة، وأيديهم السماحة، وعقولهم الرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم، وكان غرة الزمان وعماد الإسلام، ومن به سداد الثغور، وسداد الأمور، وكان له وقائع في عصاة العرب، وغزوات مع طاغية الروم، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء. ويقال إنه ما اجتمع بباب أحد

من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه، من شيوخ الشعراء، ونجوم الدهر. فإن السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها. وكان أديباً شاعراً، ومحبّاً لجيد الشعر، شديد الاهتزاز لما يمدح به. قال أبو الحسن السلامي الشاعر: تصدّ ودارها صدد ... وتوعده ولا تعد وقد قتلته ظالمةً ... فلا عقلٌ ولا قود منها في مدحه: فوجهٌ كلّه قمرٌ ... وسائر جسمه أسد فأعجب بها سيف الدولة، واستحسن هذا البيت منها، وجعل يردد إنشاده، فدخل عليه الشيظمي الشاعر، فقال له: اسمع هذا البيت، وأنشده إياها، فقال له الشيظمي: احمد ربك فإنه جعلك من عجائب البحر. ومن شعر سيف الدولة في أخيه ناصر الدولة: الطويل وهبت لك العليا وقد كنت أهلها ... وقلت لهم بيني وبين أخي فرق وما كان بي عنها نكولٌ وإنّما ... تجاوزت عن حقي فتمّ لك الحقّ أما كنت ترضى أن أكون مصلّياً ... إذا كنت أرضى أن يكون لك السّبق ومما يستحسن من شعر سيف الدولة: الطويل وساقٍ صبيحٍ للصّبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض يطوف بكاسات العقار كأنجمٍ ... فمن بين منقضٍّ علينا ومنفضّ وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأفق دكناً والحواشي على الأرض يطرّزها قوس السّحاب بأصفرٍ ... على أحمرٍ في أخضرٍ إثر مبيضّ

علي بن عبد الله بن خالد

كأذيال خودٍ أقبلت في غلائلٍ ... مصبّغةٍ والبعض أقصر من بعض ومما ينسب إليه: المديد قد جرى في دمعه دمه ... فإلى كم أنت تظلمه ردّ عنه الطّرف منك فقد ... جرّحته منك أسهمه كيف يسطيع التجلّد من ... خطرات الوهم تؤلمه توفي كافور الإخشيدي وسيف الدولة أبو الحسن بن حمدان سنة ستّ وخمسين وثلاث مئة. وقيل: إنه توفي بحلب، وحمل في تابوت إلى ميّافارقين، ومات بالفالج. وقيل: مات بعسر البول. علي بن عبد الله بن خالد ابن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان أبو الحسن الأموي السفياني، المعوف بأبي العميطر بويع له بالخلافة بدمشق في ولاية الأمين في ذي الحجة سنة خمس وتسعين ومئة، وغلب على دمشق مدة. قال الهيثم بن مروان: سمعت أبا مسهر يقول: سمعت شيخاً من قريش أثق به يقول: سأل المهديّ ابن علاثة: لم رددت شهادة محمد بن إسحاق بن يسار؟ قال: لأنه كان لا يرى جمعة ولا جماعة، فسألت أبا مسهر حين خلا: من الرجل؛ فقال: أبو الحسن علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. وكان مع المهدي في تلك السفرة، فلقيت عبد الله بن يعقوب فقال: سمعته من أبي مسهر، فسألت أصحاب محمد بن إسحاق، فقالوا: كان يروي حديث علي بن أبي طالب: لا جمعة إلا في مصر مع إمام عادل. قال محمد بن عبد الرحمن الجرشي: كان علي بن عبد الله بن خالد، كنيته أبو الحسن، وكان يجالسنا، فكنا يوماً نتحدث إلى أن ذكرنا كنى البهائم، فقال لنا علي بن عبد الله: أي شيء كنية

الحرذون؟ فقلنا: ما ندري، فقال: كنيته أبو العميطر، قال: فلقبناه بذلك، فكان يغضب، فقال لنا شيخ من القدماء: ترون هذا اللقب سيخرجه إلى أمر عظيم. ولما خرج علي بن عبد الله بن خالد، وادعى الخلافة، وقاتل عليها وبويع له في سنة خمس وتسعين ومئة، قال يفتخر: أنا ابن العير والنفير، وأنا ابن شيخي صفين، أنا علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأمي نفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب. يعني شيخي صفين: علياً ومعاوية. وقد ولداه جميعاً. وكان أبو العميطر يسكن المزة، وكان له دار بمدينة دمشق في رحبة البصل، وخرج يوم خرج بالمزة، ودعا لنفسه بالخلافة وهو ابن تسعين سنة. وكان الوليد بن مسلم يقول غير مرة: لو لم يبق من سنة خمس وتسعين ومئة إلا يوم واحد لخرج السفياني، فخرج أبو العميطر في هذه السنة. قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل للهيثم بن خارجة: كيف كان مخرج السفياني بدمشق أيام ابن زبيدة بعد سليمان بن أبي جعفر؟ فوصفه بهيئة جميلة، واعتزال للشرّ قبل خروجه، ثم وصفه حين خرج بالظلم، فقال: أرادوه على الخروج مراراً فأبى، فحفر له خطاب الدمشقي المعروف بابن وجه الفلس، وأصحابه تحت بيته سرباً ثم دخّلوه في الليل، ونادوه: اخرج فقد آن لك، فقال: هذا شيطان، ثم أتوه في الليلة الثانية، فوقع في نفسه، ثم أتوه في الليلة الثالثة. فلما أصبح خرج، فقال أحمد بن حنبل: أفسدوه. قال عبد الحميد الميموني: ولى محمد بن زبيدة سليمان بن أبي جعفر حمص ودمشق، فوثب به الخطاب ابن وجه الفلس، فخلع سليمان بن أبي جعفر، وبايع لعلي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. قال ابن سراج: وجه الفلس هذا مولى الوليد بن عبد الملك وكان ابن الخطاب

خرج بصيدا من ساحل دمشق، فضبطها ودعا لنفسه في أيام أبي العميطر فاستأمن بعد ذلك إلى عبد الله بن طاهر، فحمله عبد الله بن طاهر إلى خراسان مع مكرز بن حفص العامري، وكان قد خرج أيضاً في ساحل دمشق، فماتا بخراسان. ولما ظهر السفياني بدمشق سنة خمس وتسعين ومئة ودعا إلى نفسه وطرد عنها سليمان بن أبي جعفر بعد حصره إياه بدمشق لم يفلت منهم إلا بعد اليأس فوجّه محمد المخلوع الحسن بن علي بن عيسى بن ماهان، فلم ينفذ إليه، ولكنه لما صار إلى الرقة أقام بها. وكان بدو أمر محمد بن صالح بن بيهس بن زميل بن عمرو بنهبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أن سليمان بن أبي جعفر ولي دمشق عقيب فتنة وعصبية كانت بين قيس واليمن، وكان علي بن عبد الله أبو العميطر من ولد يزيد بن معاوية، وكان بنو أمية يروون فيه الروايات، ويذكرون أن فيه علامات السفياني، وأن أموره لا تتم له إلا بكلب، وأنهم أنصاره، فمالوا إليهم وتوددوهم، وأيقنوا أنهم لا يتم لهم أمر مع محمد بن صالح، وأن تمام أمر السفياني إنما هو بسباء نساء قيس وسفك دمائهم، وفاندسوا إلى سليمان بن أبي جعفر، فقالوا له: إن هذا الفساد في عملك بسبب هذه الزواقيل، وأن رؤساءهم وصناديدهم ومن معهم من الضّباب وهم عشيرة ابن بيهس تجنبهم، واحتالوا له حتى أخذه واحتبسوه. فلما أشغلوه أحكموا أمرهم، واجتمعوا على أي العميطر فبايعوه، وبعثوا إلى زواقيلهم، فلم يشعر سليمان بن أبي جعفر وهو في قصر الحجاج خارج دمشق حتى أحاطت به الرجّالة، فحصروه، فبعث إلى ابن بيهس، وهو محبوس معه في القصر. فقال له: ما ترى ما يصنع أهل بلدك؟ قال: هذا الذي أراد القوم بتحميلهم إياك عليّ، والآن الذي أرى أن تخرج معي إلى حوران، فأخرج بك في البرية إلى الكوفة وأنشأ أبياتاً فحمله سليمان خيراً، وقال: لا تسامعت العرب أني هربت، وقال شعراً يجيب به محمد بن صالح، ثم خرج

سليمان بن أبي جعفر هارباً من دمشق، متوجهاً إلى العراق، وخرج معه ابن بيهس حتى أجازه ثنيّة العقاب، ولحقه الغوغاء والرّعاع فنهبوا مواخر عسكره، وانصرف ابن بيهس إلى حوران. قال هارون بن محمد العقيلي كان أبو العميطر يوماً يقرأ علينا في كتاب أنه يخرج من بني أبي سفيان رجل من دمشق أضل من بعير أهله. قال: فلما خرج أبو العميطر قال له مولى لنا: أما تذكر ما حدثتنا به؟ فقال له: يا بن الخبيثة، ما أحفظك لرواية السوء! قال الطفيل بن عبيد ة بن عبد الرحمن بن عبيدة: كنا بباب هارون الرشيد بمدينة الرقة، ومعنا أبو العميطر، فقال لي: إنه سيخرج عن قريب بمدينة دمشق رجل منا، وذلك بعد موت هارون الرشيد، يزعم أنه السفياني، وهو كذاب، قال: فما مرت الأيام والليالي حتى بلغني خروج أبي العميطر، فكتبت إليه أذكّره ما كان قال لي، فكان أول شيء بدأ به أن قصد قومي. قال أبو هشام عبد الصمد بن عبد الله: وجهني أبو قبظم محمد بن خريم إلى أبي العميطر حين ذكر أنه يريد الخروج فأتيته وهو في قرية قرحتاء، فقلت له: إن أخاك محمد بن خريم يقرئك السلام، ويقول لك: يا أبا الحسن، قد كبرت سنّك، وقد حملنا عنك علماً كثيراً، فلا تفسد نفسك، فلم يردّ عليّ جواباً، وكان في مجلسه محمد بن معيوف الكلمي، فوثب علي وقال: ارجع إلى صاحبك فقل له: علي بن عبد الله الخليفة، وقد استوسق أمره، وبايعه الناس، فادخل فيما دخلوا فيه، ودع عنك ما لا يعنيك، قال: فرجعت إلى محمد بن خريم، فأخبرته، فقال: إن لله وإنا إليه راجعون، ثم دعا غلاماً له فقال: ائتني بذلك القمطر، فأتاه بقمطر، ملئ كتباً فأخرجها ثم أمر بإحراقها، وكان كلها مما كتبه من أبي العميطر.

قال أبو عامر موسى بنعامر: كان الوليد بن مسلم يحدث أن السفياني إذا خرج فصعد منبر دمشق دعا بماء، فشرب على المنبر، قال أبو عامر: فرأيت أبا العميطر على المنبر، وقد دعا بماء، فقام إليه أبو مسهر بكوب فيه ماء فشرب. حدث شعيب مولى أبي أمية، وكان وكنيته أبو عبد الله: أن أبا سيحان شيخاً وربما قال في ولاية هشام بن عبد الملك: يا شعيب، كأنك بالرايات السود قد أقبلت، قلت: نعم، قال: وكأنك السفياني قد خرج عليهم، ثم قال لي: يا شعيب، إن رأيت خارجياً من آل أبي سفيان يدعو إلى نفسه، فلا يغرنّك ذلك، وإن رأيته قد جلس على منبر دمشق، فليس بشيء، حتى ترى الرايات الصفر من قبل المغرب، فإذا كان ذلك فهو أول مخرجه. ولما خرج أبو العميطر بدمشق بعصب اليمانية فخرج بنفسه إلى قرية الحرجلّة، فقلت من ظفر به من بني سليم ونهبها وأحرقها، ثم جعل يطلب من بمدينة دمشق من القيسية، فكان القرشيون وأصحابه من اليمن يمرون بالدار من دور دمشق فيقولون: ريح قيسي يشمّ من هاهنا فيضرمونها بالنار. ولما أخذ أبو العميطر المصّيصة قرية بناحية على باب دمشق دخل عليه بعض أصحابه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أخذنا المصيصة، فخرّ أبو العميطر ساجداً وهو يقول: الحمد لله الذي ملّكنا الثغر، توّهم أنهم قد أخذوا المصيصة التي عند طرسوس. قال عمرو بن عبد الله النصري: دخلت على أبي العميطر، فسلمت عليه بالخلافة، فردّ علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، حوانيت لي ورثتها من أبي أخذت من يدي، فقال: من قريش أنت؟ قلت: لا، قال: فمن مواليهم؟ قلت: لا، قال: ليس كل من قال حوانيتي يقبل منه، قال: ففزعت إلى أبي مسهر وهو يومئذ يلي القضاء فكتب له: يا أمير المؤمنين؛ بلغنا عن

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " لا قدست أمّة لا يقضى فيها بالحق، فيأخذ ضعيفها حقّه من قويّها، غير متعتع "، فأوصلنا إليه الكتاب، فقال: اذهبوا خذوا حوانيتكم، قال: فجئنا فكسرنا الأقفال عنها وأخذناها. وكان الركيني يأخذ البيعة على الناس لأبي العميطر في الأسواق، وكان يدور على منازل أهل دمشق، فمن خرج إليه أخذ عليه البيعة، ومن لم يخرج قال: يا غلام، سمّر بابه، وأشمت به جاره. قال شيبة بن الوليد: لما خرج أبو العميطر اتخذ حرساً على بابه وعلى سور مدينة دمشق، فكانوا ينادون بالليل والنهار، يا علي، يا مختار، يا من اختاره الجبّار على بني هاشم الأشرار. قال محمد بن قادم: كان أصحاب أبي العميطر يوم ادعى الخلافة يدور في أسواق مدينة دمشق، ويقول للناس: قوموا بايعوا مهدي الله. قال جرير بن زبر: أخذني أصحاب أبي العميطر، فأدخلوني إليه، فقالوا لي: بايع، فقلت: إني قد عاهدت الله ألا أقبض ديواناً من أيام هارون، فقال لي: ذاك ديوان أهل بيت اللعنة. قال يحيى بن قادم: كان أصحاب أبي العميطر يدورون على الناس، ويقولون: قوموا بايعوا الرضا من آل محمد يريدون: أبا العميطر فمروا بمحمد بن الوليد العبسي الخفاف، فقالوا له: قم فبايع الرضا من آل محمد، فقال لهم: الرضا من آل محمد من بني العباس وليس من بني حرب، فضربوه، وأفلت من أيديهم، فلم يزل مختفياً حتى دخل ابن بيهس دمشق.

علي بن عبد الله بن سيف

علي بن عبد الله بن سيف أبو الحسن المعروف بعلويّة المغني مولى بني أمية. كانجده سيف صغديّاً للوليد بن عثمان بن عفان، وقدم دمشق مع المأمون. قال أبو خشيشة محمد بن علي بن أمية بن عمرو: كنا مع المأمون بدمشق، فركب يريد جبل الثلج، فمر ببركة عظيمة من برك بني أمية، وعلى جوانبها أربع سروات، وكان الماء يدخلها سيحاً، ويخرج منها، فاستحسن المأمون الموضع، فدعا ببز ماورد ورطل نبيذ، وذكر بني أمية، فوضع منهم، وتنقّصهم وأخذ علوية العود واندفع يغني: الطويل أولئك قومي بعد عزّ وثروةٍ ... تفانوا فإلاّ أذرف العين أكمد فضرب المأمون الطعام برجله ووثب، وقال لعلوية: يا بن الفاعلة! لم يكن لك وقت تذكر فيه مواليك إلا في هذا الوقت؟! فقال: مولاكم زرياب عند مواليّ يركب في مئة غلام، وأنا عندكم أموت من الجوع! فغضب عليه عشرين يوماً، ثم رضي عنه. قال: وزرياب مولى المهدي صار إلى الشام، ثم صار إلى المغرب، إلى بني أمية هناك. قال علويّة: أمرني المأمون وأصحابي أن نغدو عليه بعد قرب، فلقيني عبد الله بن إسماعيل صاحب المراكب، فقال: يا أيها الرجل، الظالم، المتعدي، أما ترحم ولا ترقّ ولا تستحي من عريب، هي هائمة بك، وتحتلم عليك في كل ليلة ثلاث مرات، قال علوية: وكانت عريب أحسن الناس وجهاً، وأظرف الناس وأفتكهم وأحسن غناء مني ومن مخارق،

فقلت له: مرّ حتى أجيء معك، فحين دخلت قلت له: استوثق من الأبواب، فإني أعرف الناس بفضول الحجاب، فأمر بالأبواب فغلقت، ودخلت فإذا عريب جالسة على كرسي، بين يديها ثلاث قدور زجاج. فلما رأتني قامت إلي ثم قالت: ما تشتهي تأكل؟ قلت: قدراً من هذه القدور، فأفرغت قدراً منها بيني وبينها، فأكلنا، ثم قالت: يا أبا الحسن، أخرجت البارحة شعراً لأبي العتاهية فاخترت منه شعراً، قلت: ما هو؟ قالت: الطويل وإني لمشتاق إلى ظلّ صاحبٍ ... يروق ويصفو إن كدرت عليه عذيري من الإنسان لا إن جفوته ... صفا لي ولا إن كنت طوع يديه فصيرناه مجلسنا، فقالت: بقي علي فيه شيء فأصلحه، قلت: ما فيه شيء قالت: بلى، في موضع كذا، فقلت: أنت أعلم، فصححناه جميعاً، ثم جاء الحجّاب، فكسروا الباب فاستخرجت، فأدخلت على المأمون، فجعلت أرقص من أقصى الصحن وأصفق بيدي وأغني الصوت، فسمع، وسمعوا ما لم يعرفوه، فاستظرفوه، فقال المأمون ادن يا علوية، فدنوت، فقال: ردّ الصوت فردّدته سبع مرات، فقال: أنت الذي تشتاق إلى ظل صاحبٍ، يروق ويصفو إن كدرت عليه؟ فقلت: نعم، فقال: خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب بدلها، وسألني عن خبري، فأخبرته، فقال: قاتلها الله، فهي أجل أبزار من أبازير الدنيا. وقال علوية في مخارق: السريع أبو المهنا أبداً ذو غرام ... يموت من حبّ طعام الكرام قد وسم التطفيل في وجهه ... هذا حبيسٌ في سبيل الطعام

علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب

علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، أبو محمد ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو الفضل الهاشمي أمه زرعة بنت مشرح بن معدي كرب بن ربيعة الكندية. سكن الشراة من أعمال البلقاء، وقدم دمشق. حدث محمد عن أبيه عن ابن عباس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ. ولد علي بن عبد الله بن عباس سنة أربعين ليلة قتل علي بن أبي طالبن فسمي باسمه وكان أصغر ولد عبد الله سناً، وكان أجمل قرشي وأوسمه وأقرأه، وكان يقال له السّجّاد لعبادته وفضله وله عقب. وفي ولده الخلافة، والفضل بن عبد الله لا بقية له، وعبيد الله بن عبد الله لا بقية له. ولما ولد وسمّي باسم علي كنّي بكنيته أبو الحسن، فقال له عبد الملك بن مروان: لا والله لا أحتمل لك الاسم والكنية جميعاً، فغيّر أحدهما فغيّر كنيته فصيرها أبا محمد، وله يقول الشاعر: الرجز يا أيّها السائل عن عليّ ... تسأل عن بدرٍ لنا بدريّ عبنّكٌ في العيص أبطحيّ ... سنايله عزته مضيّ أغلب في العلياء هاشمي ... ولين الشيمة شمريّ ليس بفحّاشٍ ولا بذيّ مردّد في الحسب الزكيّ حل محل البيت زمزميّ ... قرم لنا مبارك عباسيّ

زمزمت يا بوركت من طويّ ... بوركت للساقي وللمسقي ولما ولد علي بن عبد الله ولد معه في تلك السنة لعبد الله بن جعفر غلام فسماه علياً، وكناه بأبي الحسن، فبلغ معاوية فوجه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته عن ابنيكما، وسمّياهما باسمي، وكنياهما بكنيتي، ولك واحد منكما ألف ألف درهم. فلما قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع إلى ذلك عبد الله بن جعفر فسمى ابن معاوية، وأخذ ألف ألف درهم، وأما عبد الله بن عباس، فإنه أبى ذلك، وقال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: ما من قوم يكون فيهم رجل صالح، فيموت، فيخلف فيهم مولود، فيسمونه باسمه إلا خلفهم الله بالحسنى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، فأتى الرسول معاوية، فأخبر بخبر ابن عباس، فردّ الرسول وقال: فانقل الكنية عن كنيته ولك خمس مئة ألف. فلما رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة قال: أما هذا فنعم، فكناه بأبي محمد. وقيل: إن علي بن عبد الله بن عباس لما قدم على عبد الملك بن مروان من عند أبيه قال له عبد الملك: ما اسمك؟ قال: علي، قال: أبو من؟ قال: أبو الحسن، قال: لا تجمعهما علي، حوّل كنيتك، ولك مئة ألف درهم، قال: أما وأبي حيّ فلا. فلما مات عبد الله بن عباس كناه عبد الملك أبا محمد. وعن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولعلي ابنه: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه، فأتيناه، وهو في حائط له. فلما رآنا قام إلينا، فقال: مرحباً بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أنشأ يحدثنا. فلما رآنا نكتب قال: لا تكتبوا، واحفظوه. كما كنا نحفظ، ولا تتخذوه قرآناً. وفي حديث آخر: فإذا هو في حائط له. فلما رآنا أخذ رداءه، فجاء، فقعد، فجعل يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد قال: كما نحمل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين، قال: فرآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل ينفض التراب عنه ويقول: " ويح عمار: ألا تحمل لبنة

كما يحمل أصحابك؟ " قال: إني أريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: " ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار "، قال: فجعل عمار يقول: أعوذ بالرحمن من الفتن. قال الزبير بن بكار: كان عبد الرحمن بن أبان بن عثمان من خيار المسلمين، وكان كثير الصلاة. رآه علي بن عبد الله بن عباس فأعجبه هديه ونسكه فقال: أنا أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحماً، وأولى بهذه الحال، فما زال علي مجتهداً حتى مات. وعن مصعب بن عثمان قال: كان عبد الرحمن بن أبان بن عثمان يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون، ويدهنون ثم يعرضون عليه، فيقول: أنتم أحرار لوجه الله، أستعين بكم على غمرات الموت، قال: فمات وهو نائم في مسجده بعد السّبحة. وكان علي بن عبد الله بن العباس يصلي في كل يوم ألف سجدة، يريد: خمس مئة ركعة. وكان آدم، جسيماً، له مسجد كبير في وجهه، وكانت له لحية طويلة، وكان يخضب بالوسمة، وكان يصلي كل يوم ألف ركعة. وعن ابن المبارك قال: كان لعلي بن عبد الله بن عباس خمس مئة أصل شجرة، فكان يصلي كل يوم إلى شجرة ركعتين. وعن ذر مولى آل العباس قال: كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن أرسل إلي بلوح من المروة أسجد عليه. وكان علي بن عبد الله بن عباس جميلاً، ويعجب الناس من طوله، فقال رجل سمعهم: يا سبحان الله: كيف يقص الناس، لقد أدركنا العباس بن عبد المطلب يطوف

بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض لطوله، فحدث بذلك علي بن عبد الله، فقال: كنت إلى منكب أبي، وكان أبي إلى منكب جدّي. وعن أبي المغيرة قال: إن كنا لنطلب الخف لعلي بن عبد الله بن العباس، فما نجده حتى نصنعه له صنعة، والنعل فما نجدها حتى نصنعها له صنعة، وإن كان ليغضب فيعرف ذلك فيه ثلاثاً، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. ويقال: إنه أوصى إلى ابنه سليمان، فقيل له: توصي إلى ابنك سليمان وتدع محمداً؟! قال: وإني أكره أن أدنسه بالوصاة. وكان علي يخضب بالسواد. قال ابن شهاب: سأل عبد الملك بن مروان علي بن عبد الله بن عباس عن هذه الآية " ما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ " فقال علي بن عبد الله: الحرج: الضيق. جعل الله الكفارات مخرجاً من ذلك. سمعت ابن عباس يقول ذلك. وكان علي بن عبد الله بن العباس إذا قدم مكة حاجاً أو معتمراً عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرامن وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلس علي بن عبد الله إعظاماً وإجلالاً وتبجيلاً. فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا، وإن مشى مشوا جميعاً حوله، وكان لا يرى لقريش في مسجد الحرام مجلس ذكرٍ يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم. وقال علي بن عبد الله بن عباس: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء. وقال: اصطناع المعروف قربة إلى الله، وحظ في قلوب العباد، وشكر باق. وقال سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى علي بن عبد الله بن العباس في حاجة، فقال: جئتك في حاجة

علي بن عبد الله بن العباس بن حميد بن العباس

لا تنكيك ولا ترزؤك، قال: فغضب علي بن عبد الله وقال: إذاً لا تقض لك حاجة. أمثلي يسأل حاجة، أو يؤتى في حاجة لا تنكيني، ولا ترزؤني؟!. قال سليمان بن علي الهاشمي: قلت لأبي: يا أبة، من أكفاؤنا؟ قال: أعداؤنا. وقال علي بن عبد الله بن العباس: الطويل وزهّدني في كلّ خيرٍ صنعته ... إلى الناس ما جوزيت من قلة الشكر توفي علي بن عبد الله بن العباس في سنة سبع عشرة، أو ثمان عشرة ومئة، في إمارة هشام، وهو ابن سبع وسبعين سنة، أو ثمان وسبعين سنة. مات بالشام وقيل: كان عمره تسعاً وسبعين سنة. علي بن عبد الله بن العباس بن حميد بن العباس أبو طالب الحمصي، المعروف بابن أبي السجيس، والد مسدد بن علي حدث عن أبي القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي بسنده إلى مالك بن يسار السكوني ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم ". زاد في رواية: " ولا تسلوه بظهورها ". علي بن عبد الله بن علي بن السقا البيروتي حدث ببيروت عن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بسنده إلى عبد الله بن سلام قال: كنا جلوساً على باب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: وددنا أن علمنا أي الأعمال أحب إلى الله تعالى، فعملناه فأنزل الله " سبّح لله ما في السّموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " إلى قوله " بنيانٌ مرصوصٌ " فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ علينا السورة من أولها

علي بن عبد الله بن عيسى بن محمد

إلى آخرها. قال أبو سلمة: وقرأها علينا عبد الله بن سلام من أولها إلى آخرها. قال يحيى بن كثير: وقرأها علينا أبو سلمة من أولها إلى آخرها. قال الأوزاعي: وقرأها عليّ يحيى من أولها إلى آخرها. قال الوليد، وقرأها علي الأوزاعي من أولها إلى آخرها. قال العباس: وقرأها عليّ أبي من أولها إلى آخرها. قال علي: وقرأها علينا العباس من أولها إلى آخرها. قال أبو العباس: وقرأها علينا علي السقا من أولها إلى آخرها. قال أبو نعيم: وقرأها علينا أبو العباس من أولها إلى آخرها. قال أبو الفتح وأبو منصور: وقرأها علينا أبو نعيم من أولها إلى آخرها. قال أبو بكر: وقرأها علينا الشيخان أبو الفتح وأبو منصور من أولها إلى آخرها. قال الحافظ: وقرأها علينا أبو بكر من أولها إلى آخرها. قال المصنف: وقرأها علينا الحافظ من أولها إلى آخرها. قال: وقرأها علينا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فقيه الشام من أولها إلى آخرها. وحدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى الأحنف بن قيس أنه دخل مسجد دمشق فإذا برجل يكثر الركوع والسجود، فقال: والله لا أبرح حتى أنظر على شفع انصرفت أم على وتر، فقال: إلا أكون أدري، قال: الله هو يدري. إني سمعت خليلي أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة "، قال الأحنف: قلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر، فتقاصرت إليّ نفسي مما وقع في نفسي عليه. علي بن عبد الله بن عيسى بن محمد ويقال: ابن بحر، أبو الحسن البغدادي حدث بدمشق عن الحسن بن عرفة بسنده إلى مرّة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " أنا وكافل اليتيم له أو لغيره إذا اتقى معي في الجنة هكذا "، وأشار بأصبعيه المسبّحة والوسطى.

علي بن عبد الله بن القاسم

علي بن عبد الله بن القاسم أبو الحسن الخياط المؤدب إمام مسجد السقطيين. حدث عن أبي عمر محمد بن العباس بن الوليد بن صالح بن عمر بن كوذك بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن لله ملائكة وهو الاكروبيون، من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة سبع مئة عام للطائر السريع في انحطاط. وفي رواية غيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مئة عام ". علي بن عبد الله بن محمد أبو الحسن بن الصباغ النيسابوري الواعظ نزيل أصبهان. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن أبي غانم محمد بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن زينة الأصبهاني بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ". وحدث عن أبي حفص عمر بن أحمد بن مسرور بسنده إلى قدامة بن عبد الله قال: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم على ناقة صهباء، يرمي الجمرة، لا ضرب، ولا طرد، ولا جلد، ولا إليك إليك.

علي بن عبد الله

علي بن عبد الله المعروف بابن المهزول القرمطي، أخو صاحب الخال خرج بالشام مع أخيه أحمد بن عبد الله، المعروف بصاحب الخال. وكانا ينتميان إلى الطالبيين ويشكّ في نسبهما، وكانت الرئاسة في أول خروجهما لعلي، فقتل بالشام، فقام أخوه أحمد مقامه إلى أن أخذ وقتل بمدينة السلام على الدكة في سنة إحدى وتسعين ومئتين، ويروى لهما أشعار يشك في صحتها، فمنها لعلي: المتقارب أنا ابن الفواطم من هاشم ... وخير سلالة ذا العالم وطئت الشآم برغم الأنام ... كوطء الحمام بني آدم ويروى له: الوافر تقاربت النجوم وحان أمرٌ ... قرانٌ قد دنا منه النذير فمريخ الذبائح مستهلٌّ ... قويّ ما لوقدته فتور وعيّوق الحروب له احمرارٌ ... وسعد الذابحين له بدور فبشّر رحبتي طوقٍ بيومٍ ... من الأيام ليس له نذير ورافقه الضلالة ليس يغني ... إذا ما جئتها بابٌ وسور وبغداد فليس بها اعتياص ... على امرئ وليس بها نكير أصبحها فأتركها هشيماً ... وأحوي ما حوته بها القصور وكان خروج علي المنافق في خلافة المكتفي بالله في سنة تسعين ومئتين، يزعم أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي، فعاث بالشام عيثاً قبيحاً، وقتل قتلاً ذريعاً، وأفسد إفساداً عظيماً، وتسمى بالخلافة وأخرب مدناً وقرى من بلاد الشام، وقتل طفج أمير الشام، وحاصر مدينة دمشق، ولم يصل إلى دخولها، وسارت إليه جيوش من

علي بن عبد الله

مصر، وكان يسمى صاحب الجمل، فهلك وقام مقامه أخل له في وجهه خال، يعرف به يقال له: صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل، وقبح السيرة، وكثرة القتل حتى تجاوز ما فعله أخوه، وقتل الأطفال ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج المكتفي بالله إلى الرقة وسيّر إليه الجيوش وكانت له وقائع، وزاد بأيامه على أيام أخيه حتى هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له: الدالية بناحية الرّحبة، فأخذ أسيراًن وأخذ معه ابن عم له يقال له: المدثر، كان قد رشّحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين، وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد، وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال، مشهرين بالبرانس، ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه، فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين بعد أن ضرب بالسياط، وكوي جبينه بالنار، وقطعت منه أربعة، ثم قتل، ونودي في الناس، فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر، وكان قد استباح القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام. وقيل: إنه كان أسر جريحاً، ومات، فقدم به بغداد مشهوراً، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت، طيف به ببغداد. وقيل: إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان. علي بن عبد الله أبو الحسن الجرجاني الصوفي سمع بدمشق. وروى عن علي بن يعقوب عن عبد الله بن المعتز لنفسه: السريع لو كانت الأرزاق مقسومةً ... بقدر ما يستوجب العبد لكان من يخدم مستخدماً ... وغاب نحسٌ وبدا سعد

علي بن عبد الرحمن بن محمد

واعتذر الدهر إلى أهله ... وانتعش السؤدد والمجد لكنها تجري على سمتها ... كما يريد الواحد الفرد علي بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل، أبو طالب بن أبي البركات ابن أبي الحسن بن أبي محمد الصوري المعروف ببهجة الملك ولد بصور بعد ستين وأربع مئة، وسكن دمشق، وكان من أعيان من فيها، وقبلت تهاديه. وكان كثير الصلاة والصوم، ذا صيانة وأمانة وكان كثير الدرس للقرآن. حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن الخلعي الفقيه بسنده إلى علي أنه قال لابن عباس: أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية؟ توفي أبو طالب بن أبي عقيل سنة سبع وثلاثين وخمس مئة. وحكى عنه عتيقه نوشتكين أنه سمعه يقول في مرض موته: إنه قرأ أربعة آلاف ختمة. علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة أبو الحسن المخزومي المصري المعروف بعلاّن سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن العوام بن عبّاد بن العوام بسنده إلى العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم ". توفي علي بن عبد الرحمن سنة اثنتين وسبعين ومئتين.

علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر

علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر أبو الحسن الأرمنازي، والد غيث بن علي الصوري الكاتب أصله من أرمناز قرية من نواحي أنطاكية له شعر مطبوع. وقدم دمشق في صغره. حدث عن عبد الرحمن بن محمد التككي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا نكاح إلا بوليّ ". قيل: يا رسول الله، من الوليّ؟ قال: " رجل من المسلمين ". ومن شعره: الطويل ألا إن خير الناس بعد محمدٍ ... وأصحابه والتابعين بإحسان أناسٌ أراد الله إحياء دينه ... بحفظ الذي يروي عن الأول الثاني أقاموا حدود الشرع شرع محمدٍ ... بما أوضحوه من دليلٍ وبرهان وساروا مسير الشمس في جمع علمه ... فأوطانهم أضحت لهم غير أوطان سلوا عن جميع الأهل والمال والهوى ... وما زخرفت دنياهم أيّ سلوان إذا عالمٌ علاي الحديث تسامعوا ... به جاءه القاصي من القوم والداني وجالت خيول العلم والفضل بينهم ... كأنهم منها بساحة ميدان ولد علي بن عبد السلام سنة ست وتسعين وثلاث مئة. وتوفي سنة ثمان وسبعين. علي بن عبد الغالب بن جعفر بن الحسن بن علي أبو الحسن بن أبي معاذ البغدادي الضراب. المعروف بابن القنّي حدث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن موسى القرشي بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن أبر البرذ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولي الأب ".

علي بن عبد الصمد بن عثمان

علي بن عبد الصمد بن عثمان ابن سلامة بن هلال، أبو الحسن العسقلاني يعرف بالمفيد. حدث بعسقلان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة عن أبي عبد الله بن محمد بن الفضل بن لطيف الفرا بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال: سبحان الله وبحمده مئة مرة حطت خطاياه، ولو كان مثل زبد البحر ". علي بن عبد الغفار بن حسن أبو الحسن المغربي القابسي المقرئ النجار سكن دمشق، وكان يقرئ القرآن في المسجد الجامع. حكى عن الشيخ أبي محمد بن عبد المعطي بن إسماعيل بن عتيق الناصري المقيم بمدينة قابس قال: بلغني عن حرز الله الخراط وكان ساكناً بنشتوى، مدينة من مدائن اليمن وكان رجلاً حاذقاً بالنحو والغة والقراءات السبع، فقرأ عليه القارئ يوماً في سورة الأنبياء " وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم " فقال له المقرئ: ارفع " مساكنكم " وتوهّم أنها فاعلة، فقال: المعنى: فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم ترجع معكم. قال الشيخ أبو محمد بن عبد المعطي: فلما بلغني ذلك شقّ علي، إذ كان مثل هذا الرجل على علمه وصلاحه وهم في هذا الحرف، وهو خطأ عظيم، وكان صديقاً له وبينهما مكاتبة، فعملت رسالة، وبينت له فيها وجه الصواب ومعاني الإعراب، وإن كان جائزاً ما قاله من غير القرآن وتصاريف الكلام، وكن القراءة سنّة، ومحجّة متبعة، وكتب إليه جماعة من أهل

علي بن عبد القادر بن بزيغ بن الحسن بن بزيغ

العلم في ذلك من سفاقس ومن المهدية، ومن مدائن إفريقية، إذ أهل العلم بالمغرب متيقظون لحفظ الشريعة وتصحيح القوانين، فمن سمعت منه منه كلمة خارجة عن قانون كتب إليه، أو قيل له، فإن قال: وهمت أو نسيت قبل ذلك منه، وإن ناظر عليها اجتمعت جماعة الفقهاء وحرر معه الكلام ولا يترك ورأيه. فلما وصل إلى المقرئ حرز الله ما كتب إليه به قال: ما انتفعت إلا برسالة الشيخ أبي محمد عبد المعطي الناصري، ورجع عن مقالته، واهتدى إلى الصواب. قال الشيخ عبد المعطي: وضمّنت في آخر الرسالة هذا المقطوع: الطويل توكّلت في أمري على الله وحده ... وفوّضت أمري كلّه لإلهي ولست كمن إن قال رأياً بقوله ... وباهى به ويا ويح كلّ مباهي أسائل عند المشكلات إذا اعترت ... أولي العلم عما هي لأعلم ما هي وأجتنب الدّعوى اجتناب امرئ له ... من العقل عن طرق الغواية ناهي تناهى لعمري في الجهالة كلّ من ... رأى أنه في علمه متناهي علي بن عبد القادر بن بزيغ بن الحسن بن بزيغ أبو الحسن الطرسوسي الصوفي الصّيمري سكن مسجد أبي صالح. حدث بأرزن عن أبي الفضل محمد بن أحمد بن محمد الجارودي الهروي بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كلّ نبيّ خاصّ من أصحابه، وإن خاصّتي من أصحابي أبو بكر وعمر ".

علي بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم

علي بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن إبراهيم ابن علي بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن خالد أبو الحسن الأزدي، ابن الصائغ حدث عن إسماعيل بن القاسم الحلبي بسنده إلى شقيق بن سلمة قال: رأيت علياً وعثمان توضّيا ثلاثاً، ويقولان: هكذا توضأ النبي صلّى الله عليه وسلّم. علي بن عبد الملك بن سليمان بن دهثم أبو الحسن بالطرسوسي الفقيه الأديب نزيل نيسابور. حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا مكتوبة ". وحدث عن أبي بكر محمد بن علي بن داود التميمي الكتاني الأذني بسنده إلى أنس قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر، فقيل له: هذا ابن خطل متعلقاً بالأستار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اقتلوه ". قال لوين: ما كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم ليظلم، إنما كن رجلاً أسلم ثم ارتد، فقال: " اقتلوه ". توفي سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.

علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن الحسن بن شواش

علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش أبو الحسن بن أبي الفضل بن أبي علي المعدّل أصلهم من أرتاح. وكان أميناً على المواريث ووقف الأشراف، وكان ذا مروءة، ثقة. لم يكن الحديث من صناعته. حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان أحدكم إماماً فليخفّف، فإنّ فيهم السقيم، والضعيف، والصبي، والشيخ. فإذا صلى وحده فليطل ما شاء ". توفي أبو الحسن سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة. علي بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الحرّ ويعرف بحيدرة ابن سليمان بن هزّان بن سليمان بن حبان بن وبرة أبو الحسين المرّيّ الأطرابلسي قاضي طرابلس. حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بسنده إلى عمران بن حصين عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من عزا البحر غزوة في سبيل الله والله أعلم بمن في سبيله فقد أدى إلى الله طاعته كلها، وطلب الجنة كلّ مطلب، وهرب من النار كلّ مهرب ". وحدث عن خيثمة أيضاً بسنده إلى قتادة في قوله: " وألقيت عليك محبّةً منّي " قال: حلاوة في عيني موسى، لم ينظر إليه خلق إلا أحبه.

علي بن عبد الوهاب بن علي

وصل الخبر إلى دمشق، من أطرابلس بأن قائداً من القواد وخادمين وصلوا إلى أطرابلس، وأخذوا رأس القاضي أبي الحسين بن حيدرة، ورجعوا إلى مصر في ذي الحجة سنة إحدى وأربع مئة. وكان سبب قتله أن الحاكم بعثه إلى مرتضى الدولة أبي نصر منصور بن لؤلؤ والي حلب نجدة له على أبي الهيجاء بن حمدان، فتسلم ابن حيدة اعزاز من بعض غلمان صاحب حلب، وكتب فيها إلى الحاكم فخبره بذلك ثم سلمها إلى صاحب حلب قبل أني أذن له الحاكم. علي بن عبد الوهاب بن علي أبو الحسن الأنصاري المقرئ الدمشقي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرفة فوقهم كما تراءون الكوكب الدّري العابر في الأفق من المشرق والمغرب ليفاضل ما بينهما ". قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين ". ولد سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثلاث وستين وأربع مئة. وكان ثقة، ولم يكن به يأس.

علي بن عبيد الله بن قدامة

علي بن عبيد الله بن قدامة أبو الحسن الملطي المؤدب حدث عن أبي يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي بسنده إلى عمر بن الخطاب عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: يصيح صائح يوم القيامة: أين الذين أكرموا الفقراء والمساكين في الدنيا؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، ويصيح صائح: أين الذين عادونا المرضى الفقراء والمساكين في الدنيا؟ فيجلسون على منابر من نور، يحدثون الله تعالى، والناس في الحساب ". علي بن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر أبو الحسن المعروف بابن الشيخ الصّيني أصلهم من الكوفة. حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة ". قال أبو ريحانة: لقد أمرضني ما حدثتنا، إني لأحبّ الجمال حتى إني لأجعله في نعلي وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده. الكبر من سفّه الحقّ وغمص النّاس أعمالهم ". توفي ابن الشيخ في رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مئة. ولم يكن الحديث من صنعته.

علي بن عبيد الله بن محمد بن إبراهيم

علي بن عبيد الله بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن الكسائي الهمذاني القاضي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي بكر أحمد بن عبدان الحافظ الشيرازي بسنده إلى أنس بن مالك أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " المرء مع من أحب ". وحدث عن أبي القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي بسنده إلى أنس أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يتمنّين أحدكم الموت لتمنيته ". توفي سنة خمس وأربعين وأربع مئة. علي بن عثمان بن محمد ابن سعيد بن عبد الله بن عثمان بن نفيل أبو محمد الحرّاني النّفيلي سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة الظهر كتب له بها عتق من النار ". علي بن عروة الدمشقي حدث عن المقبري عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأغنياء باتخاذ الغنم، وأمر الفقراء باتخاذ الدجاج، وقال: " عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله بهلاك القرى ".

علي بن عساكر بن سرور

وحدث عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من قاد أعمى أربعين خطوة وجبت له الجنة ". وثقه قوم، وكذبه قوم. علي بن عساكر بن سرور أبو الحسن المقدسي الخشاب الكيال حدث عن أبي عبد الله الحسن بن أحمد السلمي بسنده إلى ابن مسعود عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه ". وحدث عن نصر بن إبراهيم بن نصر بسنده إلى معاذ بن جبل عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر ". وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يزال صيام العبد معلقاً بين السماء والأرض حتى يؤدي زكاة ماله ". ولد أبو الحسن الخشاب سنة ثمان وخمسين وأربع مئة. ومات سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة، وقد بلغ خمساً وتسعين سنة، وهو صحيح الجسم والذهن. علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود ابن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الدارقطني البغدادي الحافظ أوحد وقته في الحفظ.

حدث عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بسنده إلى أبي زهير الثقفي قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالنّباه، أو بالنّباوة، من أرض الطائف فقال: " توشكون أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار "، فقال رجل من المسلمين: بم يا رسول الله؟ قال: " بالثناء الحسن، والثناء السيء، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض ". وحدث عن أبي القاسم البغوي بسنده إلى أبي هريرة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " بعثت من خير قرون بني آدم، قرناً فقرناً، حتى بعثت من القرن الذي كنت منه ". قال عبد الملك بن محمد: ولد الدارقطني في سنة ست وثلاث مئة، وقيل: سنة خمس وثلاث مئة وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق، والأمانة، والثقة، والعدالة، وقبول الشهادة، وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب، والاضطلاع بعلوم سوى علم الحديث، منها القراءات ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتاب السّنن الذي صنفه لا يقدر على جمع ما تضمّنه إلا من تقدمت معرفته بالاختلاف في الأحكام، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، وكان يحفظ عدة دواوين، وكان يحفظ ديوان السيد الحميري في جملة ما يحفظ من الشعر، فنسب إلى التشيع لذلك. قالالزهري: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجلس ينسخ جزءاً كان معه، وإسماعيل يملي، فقال بعض الحاضرين: لا يصحّ سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟ فقال: لا، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثاً، فعدّت

الأحاديث، فكانت كما قال، ثم قال أبو الحسن: الحديث الأول منها عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها، فتعجب الناس منه. قال أبو محمد رجاء بن محمد بن عيسى الأنصناوي المعدل: سألت أبا الحسن الدارقطني فقلت له: رأى الشيخ مثل نفسه؟ فقال لي: قال الله تعالى: " فلا تزكّوا أنفسكم " فقلت له: لم أرد هذا، وإنما أردت أن أعلمه لأقول: رأيت شيخاً لم ير مثله! فقال لي: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع فيّ فلا. قال القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وما رأيت حافظاً ورد بغداد إلا مضى إليه وسلم له، يعني: سلّم له التقدمة في الحفظ، وعلو المنزلة في العلم. قال القاضي أبو الطيب الطبري: حضرت أبا الحسن الدارقطني، وقد قرئت عليه الأحاديث التي جمعها في الوضوء من مسّ الذكر، فقال: لو كان أحمد بن حنبل حاضراً لاستفاد من هذه الأحاديث. قال حمزة بن محمد بن طاهر: كنت عند أبي الحسن الدارقطني، وهو قائم يتنفّل، فقرأ عليه أبو عبد الله ابن الكاتب حديثاً لعمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فقال أبو الحسن: سبحان الله، فأعاد الإسناد، وقال: عمرو بن سعيد، فتلا أبو الحسن: " يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا " فقال ابن الكاتب: عمرو بن شعيب. وقرئ في خط حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق في أبي الحسن الدارقطني: الطويل

علي بن عمر بن محمد بن الحسن

جعلناك فيما بيننا ورسولنا ... وسيطاً فلم تظلم ولم تتحوّب فأنت الذي لولاك لم يعلم الورى ... ولو جهدوا ما صادقٌ من مكذّب قال العتيقي: حضرت أبا الحسن الدارقطني، وقد جاءه أبو الحسين البيضاوي ببعض الغرباء، فسأله أن يقرأ له شيئاً، فامتنع، واعتل ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبا الحسن من حفظه مجلساً يزيد عدد أحاديثه على العشرة متون، جميعها: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة، فانصرف الرجل، ثم جاءه بعد وقد أهدى له شيئاً، فقرّبه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثاً، متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. توفي الشيخ أبو الحسن الدارقطني سنة خمس وثمانين وثلاث مئة، وقت خروج الحاج إلى مكة وقد بلغ ثمانين سنة. قال أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا: رأيت في المنام ليلة من ليالي شهر رمضان كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة، وما آل إليه أمره، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام. علي بن عمر بن محمد بن الحسن أبو الحسن البغدادي الحربي المعروف بابن القزويني الزاهد المقرئ الشافعي كانت له كرامات ظاهرة، وكلام على الخواطر. ودخل دمشق كما حدث أبو القاسم ابن دجلة الزاهد صاحب القزويني، قال: صليت خلف القزويني ليلة عشاء الآخرة، فسلم، وجلس حتى لم يبق أحد، ثم أخذ بيدي فأخرجني من الحربية وقال: بسم الله، فمشيت صحبته إلى أن انتهينا إلى موضع فيه عقدان فدخل أحدهما وإذا على يمينه

مسجد، وفيه قنديل، ورجل قائم يصلين فجلس حتى قضى صلاته، ثم سلّم كل واحد منهما على صاحبه، وتحادثا ساعة ثم قال له ذلك الرجل: كنت أسأل الله أن يجمع بيني وبينك فالحمد لله على ذلك، ثم ودّعه، ونهضت معه، فأخذ بيدي على السيرة الأولى، فلم أعقل بشيء إلا وأنا بعقد الحربيّة فسألته عن الموضع والرجل فكأنّه كره أن يجيبني، فكررت المسألة عليه فقال: ذلك الموضع دمشق، والمسجد على بابها، ولم يخبرني من الرجل. وحدث أبو الحسن القزويني في مسجده بالحربيّة عن أبي حفص عمر بن علي بن محمد بن الزيات الصيرفي بسنده إلى مالك بن الحويرث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا حضرت الصلاة، فليؤذّن أحدكم وليؤمّكم أكبركم ". وحدث عن يوسف بن عمر بسنده إلى بشر رحمه الله قال: قال عمر رضي الله عنه: كم من جارٍ متعلق بجاره يقول: يا ربّ، أغلق بابه دوني، ومنعني رفده. كان علي بن عمر من عباد الله الصالحين، يقرئ القرآن، ويروي الحديث، ولا يخرج من بيته إلا للصلاة، وكان وافر العقل، صحيح الرأي. ولد سنة ستين وثلاث مئة. ومن كراماته أن رجلاً أصابته جنابة من الليل ونسي أن يغتسل، فدخل إلى مسجد ابن القزويني ليصلي خلفه الصبح فقرأ " يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلاّ عابري سبيلٍ " وكان قبل ذلك قد قرأ غير هذه الآية فلم يفطن الرجل، فأعاد قراءتها، ففهم، فخرج ليغتسل، وعاد ابن القزويني إلى الموضع الذي انتهى إليه من القراءة. توفي ابن القزويني سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة.

علي بن عمرو بن سهل بن حبيب

علي بن عمرو بن سهل بن حبيب ابن خلاد بن حماد بن إبراهيم بن نزار بن حاتم أبو الحسن السلمي الحريري البغدادي ابن عم العباس بن مرداس سمع بدمشق. حدث سنة أربع وسبعين وثلاث مئة عن محمد بن أحمد بن عمارة بسنده إلى عبد الرحمن بن يعمر الدّيلي قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عرفات الحجّ، عرفات الحجّ، من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك، وأيام منى ثلاثة ". وحدث عن محمد بن رباح الكوفي بسنده إلى البراء قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حلة حمراء، مترجّلاً، فما رأيت أحداً كان أجمل منه. ولد بعد التسعين ومئتين. وكان ثقة مستوراً، جميل الأمر، حسن المذهب. وتوفي لسنة ثمانين وثلاث مئة فجأة، وهو يصلي. علي بن عياش بن مسلم أبو الحسن الألهاني الحمصي استقدمه المأمون دمشق لقضاء حمص. حدث عن شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من قال حين يسمع النداء: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلاّ حلّت له الشفاعة يوم القيامة ". ولد علي بن عياش سنة ثلاث وأربعين ومئة، ومات سنة تسع عشرة ومئتين. وقيل: سنة ثمان عشرة، وهو ابن ست وسبعين سنة.

علي بن عيسى بن داود بن الجراح

علي بن عيسى بن داود بن الجراح أبو الحسن البغدادي وزير المقتدر والقاهر. قدم دمشق مرتين. حدث في سنة سبع عشرة وثلاث مئة بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ". ومما أنشده علي بن عيسى ولا يعرف لمن الشعر: الهزج أبا موسى سقى ربع ... ك دانٍ مسبل القطر وزاد الله في عمر ... ك ما أفنيت من عمري مواعيدك ما أحيت ... سراب المهمه القفر فمن يومٍ إلى يومٍ ... ومن شهرٍ إلى شهر لعل الله أن يصن ... ع لي من حيث لا تدري فألقاك بلا شكرٍ ... وتلقاني بلا عذر ولا أرجوك للحالي ... ن لا العسر ولا اليسر كان علي بن عيسى صدوقاً، ديّناص، فاضلاً، عفيفاً في ولايته، محموداً في وزارته، كثير البرّ والمعروف، وقراءة القرآن والصلاة، والصيام، يحبّ أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويذاكرهم. وأصله من الفرس، وكان جده داود من دير قنّى، وكان من وجوه الكتاب، وكذلك أبوه عيسى، ولم يزل علي بن عيسى من حداثته معروفاً بالستر والصيانة والصلاح والديانة. قال أبو سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى: كنت مع علي بن عيسى لم نفي إلى مكة، فدخلنا في حرّ شديد، وقد كدنا نتلف،

فطاف علي بن عيسى، وسعى، وجاء، فألقى بنفسه، وهو كالميت من الحرّ والتعب، وقلق قلقاً شديداً وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج، فقلت له: سيدنا، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكني نفسي ضاقت عن ستر هذا القول، فاستروحت إلى المنى، قال: وخرجت من عنده، فرجعت إلى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة، وكثفت، فبرقت، ورعدت رعداً متصلاً شديداً، ثم جاءت بمطر وبرد، فبادرت إلى الغلمان، وقلت: اجمعوا، فجمعنا منه شيئاً كثيراً، وكان علي بن عيسى صائماً. فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب، فقلت له: أنت مقبل والنكبة زائلة وهذه علامات الإقبال فاشرب الثلج كما طلبت، وجئته إلى المسجد بأقداح مملوءة بأصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد، فأقبل يسقي ذلك من يقرب منه من المجاورين، ويستزيد، ونحن نأتيه بما عندنا، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس، فخبأت مقدار خمسة أرطال وقلت له: لم يبق شيء، فقال: الحمد لله، ليتني تمنيت المغفرة بدلاً من تمنّي الثلج، فلعلي كنت أجاب. فلما دخل البيت حلفت عليه أن يشرب منه، ولم أزل أداريه حتى شرب منه بقليل سويق وتقوت ليلته بباقيه. كن أبو بكر بن مجاهد يأتي كل جمعة إلى الوزير علي بن عيسى، فيجلسه في مرتبته، ويجلس بين يديه، يقرأ عليه، ويأمر الحاجب أن لا يأذن عليه لأحد في ذلك اليوم، ولو أنه من كان، وكان يسميه يا أستاذ، فسأله أبو بكر أن يكون موضع ذلك، يا سيدي. فلما كان في جمعة دخل الحاجب، فقال: بالباب جندي يريد الدخول، فانتهره، فخرج ورجع، فقال: إنه يقول: إنها حاجة مهمة ويكره الفوت، فيلحقنا من هذا ما نكره، فأمر بإحضاره، فدخل، فقال له: هيه، ما هذه الحاجة المهمة؟ فقال: أعلم الوزير أن لي ثلاثاً ما طعمت طعاماً لا من عوز، حتى لقد نتن فمي. فلما كان البارحة صليت ما كتب الله، ونمت فرأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وكأني قد وقفت عليه، وسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، هذا علي بن عيسى قد منع رزقي، وأتعبني في ملازمته والغدو والبكور إليه، فقال لي النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " امض إليه برسالتي فإنه يدفع إليك رزقك "،

فقال له علي بن عيسى: ما رأيت أغث فضلاً منك، فقال الجندي: بقي أيّد الله الوزير تمام الرؤيا، فقال له: هيه، قال: فقلت له: يا رسول الله، علي بن عيسى رجل فيه بأوٌ وكبر، ولا يجوز عليه شيء، وأنا أخشى يتهمني في هذا، فقال لي: " قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ". فسألت الله ثلاث حوائج، فقضى لك اثنتين، وبقيت واحدة. قال: فاندفع الوزير بالبكاء، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ثم قال: والله، لولا ما أتيت من هذا الحديث لاتّهمتك في قولك، لأنه ما علم بهذا إلا الله عزّ وجلّ، وأمر للجندي بألف دينار، وأطلق له أرزاقه موفرة، وأضعف ما كان يدفعه إليه، وصار من خواصّ أصحابه. ولما عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة، ونوى المجاورة وحج معه في تلك السنة الماذارائي وابن زنبور فقال لهما: اعزما على المجاورة، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على حرّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أقيم معك، قال ابن زنبور؛ وأخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم، قال: فكنت يوماً في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه في حاشية الطواف، وهو يصلي فإذا شيخ يسلم عليّ وقال: من هذا؟ قلت: علي بن عيسى، قال: إيش يعمل؟ قلت: يتعبد، فقال: ليس لله فيه شيء، قال ابن زنبور: فاستجهلته، وقلت في نفسي: يقول مثل هذا في رجل يعبد الله هذه العبادة؟! فما كان بعد أيام وأنا في الطّواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي، وقال: من هذا؟ فقلت: أليس أخبرتك من هو، علي بن عيسى، فقال كما قال الأول. فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قوله، فضحكت، فقال: ما هذا الضحك؟ فعرفته الصورة، قال: فترك

لقمته، وأطرق ساعة ثم قال: إن عاودك فسله، وقل: وماذا؟ قال: فلما كان بعد أيام رأيته فسألني عنه كما سأل، فقلت له: ثم ماذا؟ فقال: وجد مناه، لا بارك الله له فيه، قال: فأخبرته، فقال: ويحك! ما رأيت أعجب منك، وقد رأيت الخضر ثلاث مرات، ولم تعرفه؟! قال: فما كان إلا أيام قلائل حتى ورد حاجب الخليفة، ومعه خمس مئة راحلة، وكتاب الوزارة إلى علي بن عيسى، فما رئي بعد ذلك في المسجد. ركب علي بن عيسى في موكب عظيم، فجعل الغرباء يقولون: من هذا؟ من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق: إلى متى تقولون: من هذا؟ من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فابتلاه بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك، فرجع إلى منزله، واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها. قال أبو القاسم ابن الوزير علي بن عيسى: أنشدني أبي، وكان كثيراً يتمثل بهذا البيت المنسرح والله ما صان وجهه رجلٌ ... كافا لئيماً بسوء ما صنعا أنشد الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه: الطويل فمن كان عني سائلاً بشماتةٍ ... لما نابني أو شامتاً غير سائل فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرّةٍ ... صبوراً على أهوال تلك الزلازل حضر أبو الحسن عمر بن أبي عمر القاضي عند علي بن عيسى الوزير، فرأى ابن عيسى عليه ثوباً استحسنه، فأدخل يده فيه يستشفه، وقال: بكم اشترى القاضي هذا الثوب؟ فقال: بسبعين ديناراً، فقال الوزير: لكني لم ألبس ثوباً قط يزيد ثمنه على ما بين ستة دنانير إلى سبعة، فقال أبو الحسن القاضي: ذلك لأن الوزير يجمّل الثياب، ونحن نتجمّل بلبس الثياب.

علي بن غالب بن سلام

قال علي بن عيسى: كسبت سبع مئة ألف دينار، أخرجت منها في هذه الوجوه يعني: وجوه البرّ ست مئة ألف وثمانين ألفاً. كان للصولي على علي بن عيسى رسم في كل سنة، فكان يتردد في بعض السنين، والوزير مشتغل، فكرر المجيء دفعات ولم يتفق وصول، فكتب رقعة فيها: الطويل خلفت على دار ابن عيسى كأنني ... قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل إذا جئت أشكو طول فقرٍ وفاقةٍ ... يقولون لا تهلك أسىً وتجمّل ففاض دموع العين من طول ردّهم ... على النحر حتى بلّ دمعي محملي لقد طال تردادي وشوقي إليكم ... فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل؟ توفي علي بن عيسى الوزير سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. وقيل: سنة أربع وثلاثين. وكان مولده سنة خمس وأربعين ومئتين. علي بن غالب بن سلام أبو الحسن السكسكي البتلهي مولى بني حويّ. حدث سنة إحدى وتسعين مئتين في مسجد بيت لهيا عن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا تسل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ، فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك ".

علي بن غنائم بن عمر بن إبراهيم

علي بن غنائم بن عمر بن إبراهيم أبو الحسن الأنصاري الأوسي الخرقي المالكي البصري قدم دمشق مجتازاً إلى بغداد، وكان ديّناً، ثقة. حدث عن أبي عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفرا بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الوصال فقيل: إنك تواصل، قال: " إني لست مثلكم، إن أطعم وأسقى ". علي بن الفضل بن أحمد ابن محمد بن الحسن بن طاهر بن الفرات، أبو القاسم المقرئ إمام جامع دمشق. حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله ورسوله ". توفي سنة ست وأربعين وأربع مئة. علي بن الفضل الهاشمي اللهبيّ كان من أقران أبي سليمان الداراني، وكان يقول: كأن أبا سليمان دخل القلوب فشقها، فاطلع على ما فيه، ثم خرّج نصف ما فيها. علي بن الفضل الحضرمي روى الحافظ بسنده إلى علي بن الفضل الحضرمي عن محمد بن تمام البهراني بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: يا ويح لبيد حيث يقول: الكامل

علي بن قدامة مولى بني أمية

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلفٍ كجلد الأخرب قالت عائشة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عروة: رحم الله عائشة، كيف لو أدركت زماننا هذا؟ قال الزهري: رحم الله عروة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الزّبيدي: رحم الله الزهري، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال: محمد بن مهاجر: رحم الله الزّبيدي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عثمان: رحم الله محمد بن مهاجر، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عمرو: رحم الله أبي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال محمد بن تمام: رحم الله عمراً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال علي: رحم الله محمداً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال القاضي: رحم الله علياً، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال عبد العزيز: رحم الله القاضي، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الفقيه: رحم الله عبد العزيز، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال الحافظ: رحم الله الفقيه، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ قال أبو البركات: رحم الله الحافظ، كيف لو أدرك زماننا هذا؟ علي بن قدامة مولى بني أمية اجتاز بالشراة. وحكى عنه الحسين ابنه أنه قال: خرجت إلى الشام. فلما كنت بالشراة ودنا الليل إذا قصرّ، فهويت إليه، فإذا بين بابي القصر امرأة لم أر مثلها قط هيئةً وجمالاً، فسلّمت، فردّت ثم قالت: من أنت؟ قلت: رجل من بني أمية، من أهل الحجاز، فقالت: مرحباً بك، وحيّاك الله. انزل فأنت في أهلك، وقلت: ومن أنت عافاك الله؟ قالت: امرأة من قومك، فأمرت لي بمنزل وقرى، وبتّ في خير مبيت. فلما أصبحت أرسلت إليّ تقول: كيف مبيتك؟ قلت: خير مبيت، والله ما رأيت أكرم منك، ولا أشرف من فعالك، قالت: فإنّ لي إليك حاجةً: تمضي حتى تأتي ذلك الدير إلى دير أشارت إليه منيح فإن فيه ابن

علي بن كيسان الأطرابلسي

عمي، وهو زوجي، قد غلبت عليه نصرانية في ذلك الدير، فهجرني، ولزمها، فتنظر إليه وإليها، وتخبره عن مبيتك، وعما قلت لك، فقلت: أفعل ونعمى عين، فخرجت حتى انتهيت إلى الدير، فإذا أنا برجلٍ في فنائه كأجمل ما يكون من الرجال، فسلّمت فردّ، وسألني، فأخبرته من أنا، ومن أين أتيت، وأين بتّ، وما قالت لي المرأة، فقال: صدقت: أنا رجل من قومك، من آل الحارث بن الحكم ثم صاح: يا قصطا، فخرجت إليه نصرانية، عليها ثياب حبر، وزنانير، ما رأيت مثلها، فقال: هذه قسطا، وتلك أروى، وأنا الذي أقول: الطويل تبدّلت قسطا بعد أروى وحبّها ... كذاك لعمري الحبّ يذهب الحبّ علي بن كيسان الأطرابلسي حدث عن ابن أبي أويس بسنده إلى سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " صلاة أحدكم في بيته أفضل من خلوته في مسجدي هذا إلا المكتوبة ". علي بن محمد بن أحمد ابن محمد بن الخليل بن حماد بن سليمان، أبو الحسن الخشني البلاطي حدث عن عامر بن محمد بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من طلب باباً من العلم ليصلح به نفسه أو لمن بعده كتب الله له من الأجر مثل رمل عالج ". توفي أبو الحسن سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.

علي بن محمد بن أحمد بن إسماعيل

علي بن محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسين البحري الطبري سمع بدمشق. وحدث عن أبي محمد عبد الصمد بن عبد الله الدمشقي بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمعلق الدرّ والذهب واللؤلؤ في أعناق الخنازير ". علي بن محمد بن أحمد بن الحسين أبو الحسن القزويني سمع بدمشق. حدث عن محمد بن سهل بن أبي سعيد التنوخي بدمشق بسنده إلى ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فقال: أيها المنفرد بصلاتك، أعد صلاتك. علي بن محمد بن أحمد بن إدريس بان خثعم، أبو الحسن الهمذاني الرملي الأنماطي حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى أبي هريرة عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا كان يوم الخميس بعث الله عزّ وجلّ ملائكة معهم صحف من فضة، وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس صلاةً على النّبي صلّى الله عليه وسلّم ". وحدث عن أبي بكر محمد بن علي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن يقول: اللهم، ثبّت قلبي على دينك، فقال رجل: يا رسول الله، تخاف علينا وقد آمنا بك، وصدقنا بما جئت به؟! فقال: " إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلّبها "، وأشار الأعمش بأصبعيه.

علي بن محمد بن أحمد

توفي أبو الحسن علي بن محمد الرملي في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربع مئة، وولد سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة، عاش ثمانين سنة. علي بن محمد بن أحمد بن داود بن محمد بن الوليد أبو الحسن بن النّحوي الخطيب الشاهد، والد عبد المنعم بن النحوي حدث عن علي بن يعقوب بن إبراهيم بسنده إلى أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إني أمرت أن أقرئك القرآن "، قلت: يا رسول الله، وذكرني وسمّاني؟ قال: " نعم "، قال: فجعل أبيّ يبكي، ويضحك ثم قال: " بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا "، قال: قرأها بالتاء. مات أبو الحسن بن النحوي سنة أربع مئة. علي بن محمد بن أحمد أبو الحسن البلخي الحنيفي القاضي قدم دمشق حاجاً سنة أربع وعشرين وأربع مئة. حدث عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ". علي بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن البجلي البلوطي حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم بن مهدي البلوطي بسنده إلى سلمان قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله الأربعين حديثاً الذي ذكرت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من حفظها على أمتي دخل الجنة وحشره الله مع الأنبياء والعلماء ".

علي بن محمد بن إبراهيم

علي بن محمد بن إبراهيم ابن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن أبو الحسن الحنائي الزاهد المقرئ حدث عن عبد الوهاب بن الحسن بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " سمّوا أسقاطكم فإنهم من فرطكم ". وحدث عن أحمد بن الحسين بن طلاّب أبي الجهم المشغراني بسنده إلى هرماس بن زياد الباهلي قال: رأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب بنا يوم النحر على بعير. توفي أبو الحسن الحنائي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وقال: إن مولده سنة سبعين وثلاث مئة. علي بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يزيد أبو الحسن الحلبي القاضي الفقيه الشافعي حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى كعب بن عجرة قال: مرّ بي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أوقد تحت قدر لي، فقال: " أيؤذيك هوامّ رأسك؟ " قلت: نعم، قال: فدعا حجّاماً فحلقه ثم قال: " صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقائين ستة مساكين أو انسك شاة ". وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه دخل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعليه إزار يتقعقع، فقال: " من هذا؟ " قال: أنا عبد الله، قال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، فرفع إزاره ثم قال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، فرفع إزاره وقال: " إن كنت عبد الله فارفع إزارك "، حتى بلغ نصف الساقين، قال: فلم تزل إزرة عبد الله حتى مات.

علي بن محمد بن إسماعيل

وحدث عن أبي المعمر الحسين بن محمد الموصلي بسنده إلى أبي عبيدة قال: قالت امرأة لعيسى بن مريم: طوبى للبطن الذي حملك، وطوبى للثدي الذي أرضعك، فقال: طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم اتبعه. توفي القاضي أبو الحسن الحلبي سنة ست وتسعين وثلاث مئة. ويقال: إنه ولد سنة خمس وتسعين ومئتين. علي بن محمد بن إسماعيل العلوي حدث عن أبيه بسنده إلى علي بن أبي طالب وإلى العباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا بويع لخليفتين فاقبلوا الأخير منهما ". علي بن محمد بن إسماعيل أبو الحسن الطوسي الكارزي من قرية من قرى طوس. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن جماهر بن محمد بن أحمد بسنده إلى أبي جحيفة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم صلى إلى عنزة. وحدث عن المفضل بن محمد الجندي بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصور في البيت، وأن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أمر عمر بن الخطاب زمان الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة، فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخل البيت حتى محيت كل صورة فيه.

علي بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر

وحدث عن أبي الحسن راجح بن الحسين بسنده إلى عمر قال: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الفقر أمانة، فمن كتمه كان عبادة، ومن باح به فقد قلد إخوانه المسلمين ". توفي بمكة سنة اثنتين وستين وثلاث مئة. وحدث عن محمد بن الحسن بن قتيبة بسنده إلى يحيى بن معين قال: كلما طال الإسناد فهو أحسن للحديث. علي بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكي المقرئ الفقيه الشافعي قدم الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة وكان عالماً بالقراءات، رأساً فيها، لا يتقدمه أحد في معرفتها في وقته، بصيراً بالعربية والحساب، له حظ من الفقه على مذهب الشافعي. حدث عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق بن الحسن بن عبد الرزاق العجلي بسنده إلى أبي هريرة أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تجالسوا أولاد الملوك فإن لهم فتنة كفتنة العذارى ". علي بن محمد بن حاتم بن دينار بن عبيد أبو الحسين ويقال: أبو الحسن القومسي الحدّادي من أهل قرية حدّادة قرية بقرب بسطام على طريق خراسان مولى بن هاشم. عن أبي عبيد الصوفي أحمد بن زيرك بسنده إلى ابن عمر عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " مرد دانقٍ حرام يعدل عند الله سبعين حجة ". توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة.

علي بن محمد

علي بن محمد بن الحسن ابن محمد بن عمر بن سعد بن مالك بن يحيى بن عمرو بن يحيى بن الحارث أبو القاسم النّخعي الكوفي، المعروف بابن كاس وهو من ولد الأشتر ولي القضاء بدمشق، وحدث بها، وبغيرها. حدث عن الحسن بنعلي بن عفان بسنده إلى جرير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ". مات أبو القاسم النّخعي القاضي سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. وكان خرج من الكوفة قبل الثلاث مئة، وولي ولايات بالشام، وقدم بعد ذلك بغداد، وركب في سمارية، وأخرج حياً، فمات يوم عاشوراء. وكان مقدّماً في علم أبي حنيفة، وفي علم الفرائض. علي بن محمد ويقال: أحمد بن الحسن بن محمد ابن عبد العزيز، أبو الفتح البستي شاعر سائر الشعر. وبست مدينة بالمشرق، له أسلوب عجيب في التجنيس، وربما أفضى به إلى التكلف. قدم دمشق، ومات بها. كان أبو الفتح البستي الكاتب الشاعر أوحد عصره في الفضل والمروءة، طبّقت بلاغته في النثر والنظم، وسار شعره في البلاد، توفي بما وراء النهر سنة إحدى وأربع مئة. ومن كلام ابستي: بالممالحة تتم المصالحت. الانقباض طليعة الإعراض. إذا صح الاعتقاد بطل الانتقاد. المزح في الكلام كالملح في الطعام، ومن شعره: الكامل

الناس أكثرهم إذا فتّشتهم ... بعداء عن سنن التقيّة والهدى فاحذرهم ما اسطعت إن رواءهم ... شراً أحدّ من الأسنّة والمدى وإذا سلمت على امرئ فاشكر له ... ما كفّ عنك من الأذى فهو الندى ومن شعره: المتقارب إذا لم يفتني عقلٌ ودينٌ ... وصحة جسمٍ وأمنٌ وقوت فلا خلق أسوأ مني اختياراً ... إا ما أسيت لحظٍّ يفوت ومن شعره: الوافر أعلّل بالمنى نفسي لعلّي ... أروّح بالأماني الهمّ عني وأعلم أن وصلك لا يرجّى ... ولكن لا أقلّ من التمني ومن شعره: الكامل يا من له في كلّ شيءٍ رغبةٌ ... وعلى هواه كلّ شيءٍ شاهد إن كنت تعلم أن قلبك واحدٌ ... فليكفه أبداً حبيبٌ واحد ومن شعره: الطويل توقٌ معاداة الرجال فإنها ... مكدّرةٌ للصفو من كلّ مشرب ولا تستثر حزناً وإن كنت واثقاً ... بشدة ركنٍ أو بقوة منكب فلن يشرب السمّ الزّعاف أخو حجا ... مدلاًّ بترياقٍ لديه مجرّب ومن شعره: الطويل سرورك بالدنيا غرورٌ فر تكن ... بدنياك مسروراً فتصبح مغرورا ولا تأمن الأحداث واخش بياتها ... فكم نسفت دوراً وكم كسفت نورا وأخسر أهل الأرض من عاش غافلاً ... فلم يحي مشكوراً ولم يفن معذورا ومن شعره: المتقارب أخٌ لي جربته برهةً ... فندّمني طول تجريبه

علي بن محمد بن حفص بن عمر بن رستم

وهل كان يربح تجريبه ... وفلك التّكبّر تجري به وله: البسيط من شاء عيشاً رضياً يستفيد به ... في دينه ثم في دنياه إقبالا فلينظرنّ إلى من فوقه أدباً ... ولينظرنّ إلى من دونه مالا وله: السريع للمرء من شهوته أمرٌ ... مغرٍ ومن حكمته ناهي والحرّ من يهجر ما يشتهي ... صيانةً للعرض والجاه ومن أراد الفوز فليعتقد ... حقاً ويلبس ثوب أوّاه وليعرف الله بأفعاله ... وليعرف الأفعال بالله وله: الخفيف يا محبّ النجاة أصغ لقولي ... تلق خيراً وتنج من كلّ مقت كلّ وقتٍ لديك لله نعمى ... فلتكن شاكراً له كلّ وقت وله: السريع أفدي الذي نادمني ليله ... راحاً وقد صبّت أباريقه سألت ورداً فأبى خدّه ... ورمت راحاً فأبى ريقه كان لأبي الفتح البستي الشاعر رئاسة، وصحبة للسلطان، ثم طالت بعد ذلك عطلته، وخانه دهره، وخرج هارباً إلى دمشق، فتوفي بها مستتراً، وقيل: توفي ببخارى سنة إحدى وأربع مئة، وهو أشبه بالصواب. علي بن محمد بن حفص بن عمر بن رستم أبو الحسن الفارسي البعلبكي الإمام حدث عن العباس بن الوليد بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " كلّ مسكر خمر، وكل مسكر حرام ".

علي بن محمد بن خلف بن موسى

علي بن محمد بن خلف بن موسى أبو الحسن البغدادي الفقيه الشافعي الفرائضي سمع بدمشق. حدث بنيسابور عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الشافعي بسنده إلى ابن عمر أنه كان يجمع بين المغرب والعشاء. يجمع إذا غاب الشفق. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجمع بينهما إذا جدّ به المسير. قدم نيسابور سنة ثمان وأربع مئة. وكان حسن اللسان جيد النظر، من وجوه المناظرين. علي بن محمد بن دنهش أبو الحسن أصلهم من أهل الكتاب، أسلموا على يد الوليد بن عبد الملك. حدث عن أبي الجهم أحمد بن الحسين بن طلاّب بسنده إلى أبي ذر الغفاري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا ألا تكون بما في يديك أوثق منك بما بيد الله عزّ وجلّ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك ". علي بن محمد بن راهويه أبو الحسن القاضي بطرابلس حدث عن أبي بكر بن دريد بسنده إلى الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب: يا حنيف، من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخفّ به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه ".

علي بن محمد بن أبي سليمان

علي بن محمد بن أبي سليمان أيوب بن حجر أبو الطيب الرقي ثم الصوري حدث عن أحمد بن عيسى الخشاب بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولد سنة أربعين ومئتين. وكان ثقة. علي بن محمد بن صافي ابن شجاع بن محمد بن هارون أبو الحسن الربعي، المعروف بابن أبي الهول حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقت ذهبت ". توفي أبو الحسن سنة أربع وأربعين وأربع مئة بدمشق، وقيل: سنة ثلاث وأربعين. وكان كذاباّ. علي بن محمد بن طوق بن عبد الله أبو الحسن بن الفاخوري، المعروف بالطبراني الداراني حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي بسنده إلى ابن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تبادروا الإمام بالركوع حتى يركع، ولا في السجود حتى يسجد، ولا ترفعوا حتى يرفع. فإنما جعل الإمام ليؤتمّ به ". توفي بدمشق سنة خمس عشرة وأربع مئة، وكان بداريا، وكان عنده شيء كثير، ثم يحدث إلا بشيء يسير. وكان ثقة.

علي بن محمد بن عامر بن عمرو

علي بن محمد بن عامر بن عمرو أبو الحسن النهاوندي إمام جامع نهاوند. سمع بدمشق وغيرها. حدث عن أبي محمد سعد بن محمد البيروتي بسنده إلى أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة. أربعاً قبل الظهر واثنتان بعدها، واثنتان قبل العصر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان قبل الصبح ". علي بن محمد بن عبد الله أبو الحسن القزويني القاضي قدم دمشق سنة خمس وستين وثلاث مئة، وحدث بها وبمصر. حدث عن علي بن محمد بن مهروية وإسماعيل بن عبد الوهاب القزوينيّين بسندهما إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " " الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان ". علي بن محمد بن عبد الله بن مفلح أبو الحسن القزويني سمع بدمشق. حدث عن الحسين بن إسماعيل بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم. وحدث عن أبي علي محمد بن هارون الأنصاري بسنده إلى ابن عباس قال: النظر في وجه الإخوان المشتاقين ساعة أحب إلي من ألف ركعة من صلاة. وحدث عن أبي الحسين بن مهدي بسنده إلى سلم بن قتيبة قال: الدنيا العافية، والشباب الصحة، والمروءة الصبر على الرجال. وحدث عن أبي العباس محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاّد العتكي بسنده إلى شعبة قال: من كتبت عنه أربعة أحاديث فأنا عبده حتى أموت.

علي بن محمد بن عبد الله

وحدث عن أبي علي بمحمد بن هارون بن شعيب الدمشقي بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء قال: كان يقال: إذا تأكدت المعرفة سمجت الحشمة. وصل نعيه من نسا سنة سبع وثمانين وثلاث مئة. علي بن محمد بن عبد الله ابن إبراهيم بن أيوب بن ماسي أبو الحسن البغدادي قدم دمشق سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. حدث عن جده أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي بسنده إلى سمرة بن جندب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها، فإنها تطلع في قرني شيطان، وتغرب في قرني شيطان ". علي بن محمد بن عبد الله ابن مزاحم أبو الحسن الداراني المقرئ، صهر الأطروش المعروف بابن نجيلة الخراساني حدث عن القاضي أبي علي عبد الجبار بن عبد الله بن مهنا الخولاني بسنده إلى عائشة رحمة الله عليها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن للقبر لضغطة، لو كان أحد منها ناجياً لنجا سعد بن معاذ ". كان أبو الحسن شيخاً صالحاً. قال أبو حفص بن البري: كان أبو الحسن بن الخراساني يزورني من داريا، فإذا كان عندي قوم استأذن، وإذا لم يكن عندي إنسا انفتح له الباب، وطلع إلي. توفي سنة خمس عشرة وأربع مئة.

علي بن محمد بن عبيد الله

علي بن محمد بن عبيد الله ابن حمزة بن علي بن أحمد بن علي بن العباس بن سليمان ابن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو الحسن الهاشمي الصالحي الفقيه الشافعي سمع بدمشق. حدث بصور سنة ثمان وستين وأربع مئة عن الشيخ أبي محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع ". توفي سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، وكان قد نيف على الستين. علي بن محمد بن علي أبو الحسن الأزدي القطان المعروف بابن الخراساني حدث عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى زاهر قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد. فلا تأمنن تعجيل عقوبة الله، فإنما يعجل من يخاف الفوت. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحّاً. ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ". وحدث عن يونس بسنده إلى يحيى بن سعيد قال: كان أكثر دعاء سعيد بن المسيّب الذي كنت أسمع منه: اللهم سلّمن وسلّم مني. توفي أبو الحسن سنة عشرين وثلاث مئة.

علي بن محمد بن علي بن سوار

علي بن محمد بن علي بن سوار ابن عبد الله بن الحسين بن محمد أبو الحسن التميمي البزاز النيسابوري سكن دمشق، وحدث بها. روى عن أبي القاسم عبيد بن إسحاق بن سهل السّنجاري بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار "، وقال أبو القاسم: يا أبا يعلى، ما سمعنا هذا الحديث منك منذ عرفناك! فقال: ادخرته لهذا الوقت ثم قضى. علي بن محمد بن علي بن الأحنف أبو الحسن الخطيب البغدادي حدث بدمشق. روى عن القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الأسدي الأكفاني بسنده إلى عامر بن ربيعة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " يقول الله: الرحم الشجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ". علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله أبو الحسن القرشي البكري، المعروف بابن المصحح حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان الشاهد بسنده إلى عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ". قيل: يا رسول الله، وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ".

علي بن محمد بن علي بن الأزهر

توفي علي بن محمد بن المصحح سنة ثلاث وستين وأربع مئة. علي بن محمد بن علي بن الأزهر أبو الحسن العليمي المقرئ القطان، المعروف بالجدّي حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي بسنده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي قال: دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه فقلت: ما بك يا سيدي؟ فقال: حبّ من تعلم أورثني ما ترى، فقلت: ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما النظر المباح والثاني اللذة المحظورة. فأما النظر المباح فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فمنعني منها ما حدثني أبي عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من عشق، وكتم، وعفّ، وصبر غفر الله له، وأدخله الجنة ". وأنشدني له: الخفيف ما لهم أنكروا سواداً بخدّي ... هـ ولا ينكرون ورد الغصون إن يكن عيب خدّه بدّد الشّع ... ر فعيب العيون شعر الجفون ولد أبو الحسن العليمي سنة تسعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثمان وتسعين وأربع مئة. علي بن محمد بن علي بن محمد بن موسى أبو الحسن بن أبي بكر السّلمي الحداد حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن ميمون المجهر بسنده إلى أبي جمرة قال: كنت أدفع الزحام يعني: عن ابن عباس فاحتبست عنه أياماً فقال لي: ما حبسك؟ قلت: الحمى، فقال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " الحمى من فيح جهنم، فأبردوها عنكم بماء زمزم ".

علي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد

علي بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد أبو القاسم التيمي الكوفي، المعروف بابن الأذلاني حدث بدمشق وروى عن أبي زكريا يحيى بن محمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صلى ركعتين لا يراه إلا الله عزّ وجلّ والملائكة كانت له براءة من النار ". وحدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي بدمشق بسنده إلى ابن مسعود قال: أربع قد فرغ منهن: الخلق، والخلق، والرزق، والأجل. توفي أبو القاسم سنة سبعين وأربع مئة. علي بن محمد بن علي بن أحمد أبو القاسم بن أبي العلاء السلمي المصيصي الفقيه الشافعي سمع بدمشق وغيرها. حدث عن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي بسنده إلى أبي لبابة عن عبد المنذر الأنصاري قال: استسقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقال: " اللهم، اسقنا "، فقال أبو لبابة: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إن التمر في المرابد، قال: وما في السماء سحب نراه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم، اسقنا "، قالها ثلاثاً، وقال في الثالثة: " حتى يقوم أبو لبابة عرياناً يسدّ ثعلب مربده بإزاره ". قال: فاستهلت السماء، وأمطرت مطراً شديداً، وصلىبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فأطافت الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء لن

علي بن محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء

تقلع حتى تقوم عرياناً فتسدّ ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فقام أبو لبابة عرياناً فسدّ ثعلب مربده بإزاره فأقلعت السماء. مات الفقيه أبو القاسم سنة سبع وثمانين وأربع مئة بدمشق. وكان فقيهاً، فرضياً. وكان مولده بمصر. علي بن محمد بن علي بن الحسن بن أبي المضاء أبو الحسن بن أبي المضاء الفقيه الشافعي البعلبكي حدث سنة ست وعشرين وخمس مئة من القاضي أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد السلمي بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي العصر، والشمس مرتفعة حيّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي، فيأتيها، والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة على أربع أميال أو ثلاثة. توفي أبو الحسن بن أبي المضاء سنة خمس وثلاثين وخمس مئة ببعلبك. علي بن محمد بن علي بن عاصم أبو الحسن الجويني ثم النيسابوري شيخ شافعي، من أهل الفضل والأدب، فصيح، متوسع في الكلام نظماً ونثراً. قدم دمشق في شبيبته. حدث عن القاضي أبي القاسم إسماعيل بن الحسين بن علي الفرائضي، وهو السّنجبستي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " سمع الله لمن حمده " لم نزل قياماً حتى نرى النبي صلّى الله عليه وسلّم ساجداً.

علي بن محمد بن عيسى

ومن شعر علي بن محمد: الوافر صبت نحوي ومال في نمائه ... وروق شبيتي مني بمائه فلما أن كبرت وقلّ مالي ... تولّت واكتست أثواب تائه كذا من ودّ صاحبه لشيءٍ ... تولّى الودّ منه بانقضائه توفي بعد سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. علي بن محمد بن عيسى أبو الحسن الهروي الجكّاني وجكّان محلة على باب هراة. رحل إلى الشام. حدث عن أبي اليمان بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " والله، إني لأستغفر وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة ". وحدث عنه بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عجل بن السير في السفر يؤخّر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. توفي الجكّاني سنة اثنتين وتسعين ومئتين. علي بن محمد بن غالب أبو فراس العامري المعروف بمجد العرب شاعر بغدادي. قدم دمشق، وسمع بها. وأنشد من شعره في سنة تسع وأربعين وخمس مئة: المتقارب أمتعبٌ مارقٌ من جسمه ... بحمل السيوف وثقل الرماح علام تكلّفت حملاً لها ... وبين حقويك أمضى السلاح

علي بن محمد بن الفتح

ومن شعره: البسيط قالوا بوجه الذي أحببته كلفٌ ... فقلت بدرٌ وما يخلو من الكلف قالوا: فلا وصل قلت الآن أطمعني ... تفاؤلٌ باعتناق اللام والألف علي بن محمد بن الفتح ابن عبد الله البزاز السامري القلانسي حدث بدمشق عن عمر بن محمد بن عثمان البغراسي بسنده إلى أبي هند الداراني قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي فليلتمس له رباً سواي ". وحدث بدمشق عن أبي عمر بن موسى بن فضالة بسنده إلى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس في يوم شديد الحرّ، ورجل أعرابي قائم في الشمس حتى فرغ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما شأنك؟ " قال: نذرت أن لا أزال قائماً في الشمس حتى تفرغ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ليس هذا بنذر، إنما النذر الذي ما ابتغي به وجه الله عزّ وجلّ "، ثم أمر به فأجلس. علي بن محمد بن القاسم بن بلاغ أبو الحسن المقرئ إمام جامع دمشق. حدث عن أبي بكر محمد بن علي بن المراغي بسنده إلى أنس بن مالك قال: دخل علي النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم الجمعة وأنا أفيض عليّ شيئاً من الماء، فقال

لي: " يا أنس، غسلك للجمعة أم للجنابة؟ " فقلت: يا رسول الله، بل للجنابة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا أنس، عليك بالحبيك والفنيك والضاغطين والمثنين والميسين وأصول البراجم وأصول الشعر واثنى عشر نقباً، منها سبعة في وجهك ورأسك، واثنين منها في سفليك، وثلاث في صدرك وصرّتك، فوالذي بعثني بالحق نبياً لو اغتسلت بأربعة أنهار الدنيا: سيحان، وجيحان، والنيل، والفرات ثم لم تنقهم للقيت الله يوم القيامة وأنت جنب ". قال أنس: فقلت: يا رسول الله، وما الحبيك وما الفنيك وما الضاغطين وما المثنين وما الميسين وما أصول البراجم؟ فأومأ إلي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الحقني فلحقته، فأخذ بيدي، فأجلسني بين يديه وقال لي: " يا أنس أما الحبيك فلحيك الفوقاني، وأما الفنيك ففكّك السفلاني، وأما الضاغطين وهما المثنين فهما أصل أفخاذك، وأما الميسين فتفريش آذانك، وأما أصول البراجم فأصول أظافرك. فوالذي بعثني بالحق نبياً لتأتي الشعرة كالبعير المربوق حتى تقف بين يدي الله فتقول: إلهي وسيدي، خذ لي بحقي من هذا ". فعندها نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أني حلق الرجل رأسه وهو جنب، أو يقلم ظفراص، أو ينتف جناحاً، وهو جنب. أنكر هذا الحديث إنكاراً شديداً، وقال: لا أدري على من الحمل فيه: أعلى المراغي: أم على ابن بلاغ؛ وقال: غالب الظن أن الآفة فيه من المراغي، أحد رواته. وحدث عن أبي بكر أحمد بن الحسن بن أحمد بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين ".

علي بن محمد بن معيوف

وحدث عن أبي الدحداح أحمد بن محمد التميمي بسنده إلى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استوى على ناقة حمراء في غزوة تبوك ثم قال: " أيها الناس الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي الوسطى، ويد المعطى أسفل. أيها الناس، تعففوا عن مسائل الناس ولو بحزم الحطب، اللهم هل بلّغت، اللهم اشهد ". ثلاثاً. مات أبو الحسن بن بلاغ سنة سبع وسبعين وثلاث مئة. علي بن محمد بن معيوف أبو الحسن المعيوفي كان رجلاً صالحاً. جاور بمكة، وهو من أهل قرية عين ثرما. حدث عن عبد العزيز صاحب قلب طيب لا يقدر أن يسمع شيئاً إلا وجد وجداً عظيماً، تعود بركته على الحاضرين معه. توفي بعد سنة ست وتسعين وثلاث مئة. علي بن محمد بن يحيى بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو القاسم السلمي الحبيشي، المعروف بالسّميساطي صاحب دويرة الصوفية. حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى بريدة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطبنا فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام، عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، ويقومان، فنزل، فأخذهما، فوضعهما بين يديه ثم قال: " صدق الله ورسوله " إنّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ " رأيت هذين فلم أصبر ".

علي بن محمد بن يزيد العماني

ولد أبو القاسم السميساطي سنة سبع وسبعين وثلاث مئة. وقيل: سنة ثمان وسبعين. وقيل: سنة أربع وسبعين. والسميساطي بسينين مهملتين، وبعد الميم ياء. وكان متقدماً في الهندسة وعلم الهيئة، وكان قد اطلع على علوم الربعة وعلى أقاويل الأوائل. وكان لا يقول بشيء سوى بالإسلام والسنة. وكان يكذّب بأحكام المنجمين. وتوفي سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة. وقيل: سنة اثنتين وخمسين وهذا وهم ودفن في داره بباب الناطفيين، وكان قد وقفها على الفقراء الصوفية، ووقف علوها على الجامع، ووقف أكثر نعمته على وجوه البر. علي بن محمد بن يزيد العماني حدث بشاطئ عثمان بن أبي العاص عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أنس بن مالك أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من قرأ " قل هو الله أحدٌ " مئة مرة في خلاء لا يخبر بها أحداً غفر الله له ذنوب خمسين سنة إلا الدماء والأموال، وبنى له بكل مرة قصراً في الجنة، طوله فرسخ وعرضه فرسخ، ارتفاعه في السماء مئة بعده بعد أربعة آلاف مصراع من ذهب، في كل مصراع سرير من ياقوت، على كل سرير حجلة من حرير أحضر، في كل حجلة زوجة من

علي بن محمد الدمشقي

الحور العين، بين يدي كل زوجة منهن سبعون غلاماً وتسعون خادماً، يضيء وجه أحدهم كضوء الشمس والقمر ". قال أبو بكر: إذاً نستكثر من السرر والأزواج والخدم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الله أكثر وأطيب، الله أكثر وأطيب ". علي بن محمد الدمشقي قال: كان رجل يتتبع شيل القراطيس من الأرض فيقول: بسم الله، إكراماً لوجه الله عزّ وجلّ، فوجد في قرطاس أبيض مكتوباً: وأنت أكرم الله وجهك. علي بن محمد أبو الحسن أو أبو القاسم الكوفي الحافظ حدث عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إناء واحد. علي بن محمد أبو الحسن التّهامي الشاعر من أهل تهامة، خرج إلى الشام، وقدم دمشق، وكان حافظاً للقرآن وفتنته نفسه. طلب الخلافة، وخرج معه جماعة، وآزروه على أمره، ثم غدر به آل الجراح، وحملوه إلى مصر، فألقي في خزانة البنود إلى أن مات بها. وقيل بل: عفي عنه، وخلي سبيله، وقيل عنه إنه كان في الحبس يعلم جماعة من المسجونين القرآن. قال أبو علي الحسن بن نجم بن نبال الموصلي: بتّ مع أبي الحسن التهامي في خان بميافارقين، فلسعته عقرب في الليل، فسكت إلى الغداة. فلما انتشر الناس صاح وتألم، فقلت: مالك؟ فقال: لسعتني عقرب في الليل، قلت: فكيف أمسك إلى الآن؟! فقال: فعلت ذلك كيلا ينزعج الناس بي في نومهم، ويتنغصوا به. ومن شعره يمدح الشريف أبا عبد الله محمد بن الحسين النصيبي: الخفيف

حازك الذي حين أصبحت بدرا ... إن للبدر في التنقل عذرا ارحلي إن أردت أو فأقيمي ... أعظم الله للهوى فيّ أجرا لا تقولي لقاؤنا بعد عشرٍ ... لست ممن يعيش بعدك عشرا وسقام الجفون أمرض قلبي ... ليت أن الجفون تبرا فأبرا فإذا قابلت محمداً العي ... س فقبّل مناسم العيس شكرا من إذا شمت وجهه بعد عسرٍ ... قلب الله ذلك العسر يسرا فإذا قل نيله كان بحراً ... وإذا ضاق صدره كان برا وإذا فاض في نوالٍ وبأسٍ ... غرّق الخافقين نفعاً وضرّا يخبر البشر منه عن عتق أصلٍ ... إن في الصارم العتيق لأثرا صحة من ولادة عنونته ... بحروفٍ من النبوة تقرا فله رؤية تقود إليه ... طاعة العالمين طوعاً وقسرا هو بعض النبي والله قد صا ... غ جميع النبي والبعض طهرا وابن بنت النبي مشبهه علماً ... وحلماً واسماً وسراً وجهرا نسبٌ ليس فيه إلا نبيّ ... أو إمامٌ من الذنوب مبرّ ومن شعره يرثي ابنا له مات صغيراً: الكامل حكم المنية في البرية جار ... ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتى يرى خبراً من الأخبار طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأقدار ومكلّف الأيام ضدّ طباعها ... متطلبٌ في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفيرٍ هار والعيش نومٌ والمنية يقظةٌ ... والمرء بينهما خيالٌ سار والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... منقادةٌ بأزمّة المقدار

علي بن محمد أبو الحسن المؤذن

علي بن محمد أبو الحسن المؤذن حدث قال: كنت في مسجد باب الصغير أخدمه، وكان الغرباء يبيتون فيه، ويقولون: من عجائب الدنيا قيّم مسجد حسن الخلق، وكان جماعة من العاميين يقولون: إذا رأيت من هؤلاء الغرباء إنساناً لا يتبذل فأعلمنا به، فكنت إذا رأيت من يكون بهذه الصفة أعلمتهم به، فيدخلون عليه رفقاً. فجاء في بعض السنين رجل مستور لا يتبذل، ولا يخرج من المسجد، فأعلمتهم به، فعرضوا عليه شيئاً فأبى أن يقبله، وسمعني يوماً أقول: أشتهي أن أزور القدس لو أن لي من يحملني إلى الرملة، فقال لي: أنا أحملك. فلما صلينا العشاء الآخرة قال لي: أنت على النية؟ قلت: نعم، قال: بسم الله، فخرجت إلى السوق فأخذت عنب سماقي وجبن ستبري ووصّيت بالمسجد، وخرجت معه، فأخذ بي نحو الوطاء وقال: طأ موضع قدمي، ففعلت، فسرنا إلى أن انفجر الصبح، فغاب عني، فصحت به، فلم يجبني أحد، فأخذت أطبق عليه فأقول: هؤلاء الغرباء من حالهم، أخرجني من بلدي وذهب، وتركني، وفي ظني أني في بعض الضياع. فلما أكثرت الكلام فإذا رجل يقول: إيش أنت؟ فقلت: من أهل دمشق، وقصصت عليه قصتي فقال: يا هذا، تدري أين أنت؟ قلت: لا، قال: أنت في سرب الحمام تدّعي أنك البارحة خرجت من دمشق، أين ذهب عقلك؟ فقلت: يا هذا، معي علامة، فأخرجت ما كان معي من الطعام، فعلم أن ذلك لا يكون إلا بدمشق، فقال لي: هذا من أولياء الله، فزرت القدس، فإذا صاحبي فسلّم علي وقال: يا هذا، كم تشنع عليّ! ألم نقل: كنت أشتهي أن أصل إلى الرملة، قد وصلناك، ودفع لي صرّة اشتريت بها هدية، وكانت مباركة، حججت، وبقيتها بعد معي.

علي بن محمد أبو الحسن الحوطي

علي بن محمد أبو الحسن الحوطي حدث بصيدا سنة خمس وسبعين وثلاث مئة قال: روي لنا أن عصام بن المصطلق قال: دخلت الكوفة، فأتيت المسجد، فرأيت الحسين بن علي عليه السلام جالساً فيه، فأعجبني سمته ورؤاه، فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: أجل، فأثار مني الحسد ما كنت أجنّه له ولأبيه، فقلت: فيك وبأبيك وبالغت في سبهما، ولم أكنّ، فنظر إليّ نظر عاطف رؤوف، وقال: أمن أهل الشام أنت؟ فقلت: أجل، شنشنةٌ أعرفها من أخزم فتبيّن فيّ الندم على ما فرط مني إليه فقال: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم " انبسط إلينا في حوائجك لدينا تجدنا عند حسن ظنك بنا، فلم أبرح وعلى وجه الأرض أحبّ إلي منه ومن أبيه، وقلت: " الله أعلم حيث يجعل رسالته ". ثم أنشأت أقول: الطويل ألم تر أنّ الحلم زينٌ لأهله ... ولا سيما إن زان حلمك منصب سليل رسول الله يقتصّ هديه ... عليه خباء المكرمات مطنّب قريب من الحسنى بعيدٌ من الخنا ... صفوحٌ إذا استتبعته فهو معتب فقل لمسامي الشمس أنى تنالها ... تأمّل سناها وانظرن كيف تغرب علي بن محمد أبو الحسن الحمصي حدث عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي بسنده إلى أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أحدهما: يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله،

علي بن محمدان بن محمد

وائذن لي في أن أتكلم، فقال: " تكلم "، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت بمئة شاة وجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم، فأخبروني أن ما على ابني جلد مئة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله: أما غنمك وخادمك فيردّ إليك "، وجلد ابنه مئة، وغرّبه عاماً وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت، فرجمها. قال مالك: العسيف الأجير. علي بن محمدان بن محمد أبو الحسن القاضي البلخي قدم دمشق حاجاً. حدث في دمشق سنة أربع وعشرين وأربع مئة عن أبي بكر محمد بن الحسن المفسّر بسنده إلى أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من صام يوم عرفة غفر الله له سنة أمامه وسنة خلفه ". علي بن محمود بن إبراهيم بن ماحوّه أبوالحسن المروذي الصوفي سمع بدمشق وبغيرها. وحدث عن أبي الحسن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول اله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في فيه ثم ليستنشق ". كان جده ماحوّه مجوسياً. ولد سنة ست وستين وثلاث مئة. ومات سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.

علي بن مسلم البكري

علي بن مسلم البكري حدث عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ". علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح بن علي أبو الحسن بن أبي الفضل السلمي الفقيه الشافعي الفرضي له مصنفات في الفقه، والفرائض، والتفسير. وكان الغزاليّ يثني عليه ويصفه بالعلم، وقال: خلفت بالشام شاباً إن عاش كان له شأن، فكان كما تفرّس فيه رحمه الله. ودرّس في حلقته في الجامع مدة، ثم ولي المدرسة الأمينية سنة أربع عشرة وخمس مئة. وكان يظهر السنة، ويرد على من أنكر الحق. حدث عن أبي الحسن بن أبي الحدي بسنده إلى سعيد بن المسيب أن عمر كان يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عنه عمر. وحدث عن أبي نصر الحسين بن محمد بن طلاب الخطيب بسنده إلى أبي ذر قال: لقد تركنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً. ولد سنة خمسين. وقيل: سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة. مرض الفقيه أبو الحسن مرضة شديدة أيس منه، فدخل عليه بعض الفقهاء فأنشده: المنسرح يا ربّ لا تبقني إلى أمد ... أكون فيه كلاً على أحد خذ بيدي قبل أن أقول لمن ... أراه عند القيام خذ بيدي

علي بن المظفر بن علي

فاستحسن البيتين وكتبهما بخطه، وكرر قراءتهما فاستجيب له، فمات بعد أن أبلّ من تلك العلة بمدّة، من غير أن يمرض مرضاً يحتاج فيه إلى أحد، في سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة ساجداً في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح وكان قد صلى ورده تلك الليلة من قيام الليل، ودفن عند قبور الصحابة بمقبرة الباب الصغير رحمه الله. علي بن المظفر بن علي أبو الحسن المنبجي المعلم حدث عن أبي بكر الشبلي بسنده إلى علي بن أبي طالب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لي: " يا علي، إن الإسلام عريان، لباسه التقوى، ورياشه الهدى، وزينته الحياء، وعماده الورع، وملاكه العمل الصالح، وأساس الإسلام حبي وحبّ أهل بيتي. وحدث عن أبي القاسم عبدان بن حميد بن عبدان بسنده إلى أبي عثمان الأنصاري أن عثمان بن عفان دعا بوضوء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، وغسل قدميه ثلاثاً، ثم تبسم عثمان فقال: هكذا رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعل، ثم قال: " إذا غسل المؤمن كفيه تساقط ذنوبه من أطراف أنامل كفيه، وإذا غسل وجهه تساقط ذنوبه من أطراف لحيته، وإذا غسل يديه تساقط ذنوبه من أسفل مرفقيه، وإذا مسح برأسه تساقط ذنوبه من أطراف شعره، وإذا غسل قدميه تساقط ذنوبه من أسفل قدميه، وصارت الصلاة نافلة ". علي بن معبد بن نوح أبو الحسن البغدادي نزيل مصر. حدث عن زيد بن يحيى الدمشقي بسنده إلى ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ".

علي بن معضاد بن ماضي

وحدث عن علي بن الحسن بن شقيق بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟ " كان علي بن معبد تاجراً، توفي بمصر سنة تسع وخمسين ومئتين، وكان ثقة، صاحب سنّة، وكان أبوه والياً على طرابلس الغرب. علي بن معضاد بن ماضي أبو الحسن المقرئ الدباغ في الفراء كان حافظاً للقرآن، جيد القراءة. وكان طفيلياً. حدث عن القاضي أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد الخطيب بسنده إلى ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الاستنشاق: " ثنتين بالغتين أو ثلاثاً ". توفي أبو الحسن بن معضاد ويعرف بهروي سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. علي بن المغيرة أبو الحسن البغدادي المعروف بالأثرم قدم دمشق. حدث عن معمر بن المثنى بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ما فسّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من القرآن إلا آيات يسيرة قوله: " وتجعلون رزقكم " قال: " شكركم ". حدث علي بن المغيرة عن أبي عبيدة البصري قال: مرّ أبو عمرو بن العلاء بالبصرة فإذا أغلال مطروحة مكتوب عليها: لأبو فلان، فقال أبو عمرو: يا رب، يلحنون ويرزقون.

علي بن المقلد بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ

علي بن المقلّد بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ ابن نصر بن هاشم، أبو الحسن الأمير الكناني المعروف بسديد الملك، صاحب شيزر أديب فاضل. له شعر حسن سائر. ورد دمشق غير مرة، وأقام بطرابلس سنوات، وعمر حصن الجسر، ثم اشترى حصن شيزر من الروم. كن سديد الملك علي بن مقلد بن نصر بينه وبين ابن عمار مودة وكيدة، وكان بينهما تكاتب، وكان سبب ذلك أنه كان له مملوك أرمني يسمى رسلان، وكان زعيم عسكره، فبلغه عنه ما أنكره، فقال: اذهب عني، وأنت آمن مني على نفسك، فذهب إلى طرابلس، وقصد ابن عمار، فنفذ إلى سديد الملك وسأله في حرمه وماله، فأمر بإطلاقهم، وما اقتناه من دوابه. فلما خرج لحقه سديد الملك، فقال له الرسول: غدرت بعبدك، ورعيت في ماله، فقال: لا، ولكن كل أمر له حقيقة، حطّوا عن الجمال أحمالها، وعن البغال أثقالها، ففعلوا، فقال: أثبتوا كل ما معه ليعرف أخي قدر ما فعلته، فكان ما أخرج له من ذهب عين خمسة وعشرين ألف دينار في قدور نحاس، وكان له من الديباج والفضة ما يزيد على القيمة، فقال للرسول: أبلغ ابن عمار سلامي، وعرّفه بما ترى لئلا يقول رسلان أخذ بغير علم مولاي، ولو درى لم يمكني منه، فزاره سديد الملك في بعض السنين. فلما فارقه كتب إليه: البسيط أحبابنا لو لقيتم في مقامكم ... من الصّبابة ما لاقيت في ظعني لأصبح البحر من أنفاسكم نفساً ... كالبرّ من أدمعي ينشقّ بالسّفن قال أبو الحسن: ما عرفت أني أعمل الشعر حتى قلت: البسيط يجني ويعرف ما يجني فأنكره ... ويدّعي أن الحسنى فأعترف

وكم مقامٍ لما يرضيك قمت على ... جمر الغضا وهو عندي روضةٌ أنف وما بعثت رجائي فيك مستتراً ... إلا خشيت عليه حين ينكشف وله: السريع في كلّ ويم من تجنّيك لي ... تعنّت يعزب معناه إني لأرثي لك من طول ما ... تفكّر فيما تتجناه وكتب إلى سابق بن محمود بن نصر بن صالح صاحب حلب شفاعة في أبي نصر بن النحاس الكاتب الحلبي: الكامل إيهاً أبا نصرٍ يقيك بنفسه ... خلٌّ يجلّك أن يقيك بماله سل ما بقلبك عن ذخائر قلبه ... فلسان حالك مخبرٌ عن حاله كيف استسرّ ضياء فضلك كاملاً ... ما يستسرّ البدر عند كماله لا تجزعنّ إذا غربت فإنه ... ليلٌ دجا سيضيء من أذياله أتخاف من عزّ الملوك جنايةً ... وخصيمه فيها كريم خلاله حاشاه يسلب ما كسا إحسانه ... فكثير وجدك من قليل نواله ملكٌ يحب العدل في أحكامه ... إلا مع الراجي على أقواله لو تنصف الدنيا لكان ملوكها ... عماله والأرض من أعماله يا أيها الملك الذي آياته ... في المجد بين يمينه وشماله فيدٌ تشبّ النار في سطواته ... ويدٌ تصبّ الغيث من أفضاله ارجع لعبدك صافحاً عن جرمه ... فالملك مفتقرٌ إلى أمثاله عقم النساء فما يلدن نظيره ... في فضل صنعته وفضل مقاله دع رتبةً لم تلفه أهلاً لها ... وازدده في المعروف من أشغاله توفي الأمير أبو الحسن سنة تسع وسبعين وأربع مئة.

علي بن منصور بن قيس

علي بن منصور بن قيس ابن حجوان بن لأي بن مطيع بن حبيب بن كعب بن ثعلبة بن سعيد بن عوف ابن كعب بن جلاّن بن غنم بن غني الغنوي المعروف بعلي بن الغدير، شاعر فارس ويقال علي بن الغدير ابن مضرّس بدل منصور بن قيس مدح عبد الملك بن مروان. قال الأصمعي: قال عبد الملك بن مروان لعلي بن الغدير: أنت القائل؟: الطويل خلّوا قريشاً تقتتل إنّ ملكها ... لها وعليها بغيها واختصامها لشعر كان قاله حين اعتزل حاتم بن النعمان، فقال له علي: ما قلت أنت شر، قال: وما ذاك؟ قال: مررت برجل من قيس يتشحط في دمه، فقلت: ما على هذه الجاهل من قيس لمن كان الملك. وهذه أبيات منها: الطويل فمن مبلغٌ قيس بن عيلان كلها ... بما حاز منها أرض نجدٍ وشامها فلا تهلكنكم فتنةٌ كلّ أهلها ... كحيران في طخياء داج ظلامها وخلّوا قريشاً تقتتل إنّ ملكها ... لها وعليها برها وأثامها فإن وسعت أحلامها وسعت لها ... وإن عجزت لم تدم إلا كلامها وإن قريشاً مهلكٌ من أطاعها ... تنافس دنيا قد أحمّ انصرامها

علي بن موسى بن أبي بكر

علي بن موسى بن أبي بكر أبو المظفر الختّلي قدم دمشق. وحدث عن الأمير أبي أحمد خلف بن أحمد السجستاني بسنده إلى أنس بن مالك أن رجلاً مرّ بمجلسٍ في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسلّم، فردوا عليه. فلما جاوز قال أحدهم: إني لأبغض هذا، قالوا: مه، فوالله لننبّئنّه بهذا، انطلق يا فلان فأخبره بما قال له. قال: فانطلق فأخبره، قال: فانطلق الرجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كان وبالذي، قال الرجل: يا رسول الله، أرسل إليه فاسأله: لم يبغضني؟ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لم تبغضه؟ " قال: يا رسول الله، أنا جاره، فأنا به خابر، فما رأيته يصلي صلاة إلا هذه الصلاة التي يصليها البر والفاجر، فقال له الرجل: يا رسول الله، سله: هل أسأت لها وضوءاً، أو أخرتها عن وقتها؟ فقال: لا، ثم قال له: يا رسول الله، أنا له جار، وأنا به خابر، ما رأيته يطعم مسكيناً قط إلا هذه الزكاة التي يؤديها البر والفاجر، فقال: يا رسول الله، أنا له جار، وأان أنا به خابر ما رأيته يصوم يوماً قط إلا الشره الذي كان يصومه البر والفاجر، فقال الرجل: يا رسول الله، سله: هل رآني أفطرت يوماً لست فيه مريضاً ولا على سفر؟ فسأله عن ذلك، فقال: لا، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " قم، فإني لا أدري لعله خير منك ". علي بن موسى بن الحسين أبو الحسن بن السمسار حدث عن علي بن يعقوب بسنده إلى سفيان بن أبي زهير أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " من أمسك الكلب، فإنه ينقص من أجره كل يم قيراط إلا كلب صيد، أو كلب حرث، أو كلب ماشية ". كان ابن السمسار شيخاً فيه تشيع يتجاوز به إلى الرفض. وكان مولده سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة، وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.

علي بن مهدي بن المفرج بن عبد الله

علي بن مهدي بن المفرج بن عبد الله أبو الحسن الهلالي الطبيب سمع بدمشق وبغيرها، وقرأ شيئاً من الطب والهندسة، ولد سنة خمس وثمانين وأربع مئة. حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريدي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل المنافق مثل الشاة العابرة بين الغنمتين، إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع ". توفي أبو الحسن بن مهدي سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة. علي بن ميمون أبو الحسن البرقي العطار اجتاز بدمشق. وحدث عن خالد بن حبّان بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ". توفي سنة خمس وأربعين ومئتين، وكان ثقة. وقيل: توفي سنة ست وأربعين ومئتين. علي بن نجا بن أسد أبو الحسن المعروف بابن محمود المؤذن في مئذنة العروس من مآذن المسجد الجامع أقام يؤذن في الجامع ويقيم أكثر من خمسين سنة. وكان يكبر بين تكبيرتي الجنائز، ولو لم يفعل ذلك كان خيراً له. حدث عن أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد الأسفراييني بسنده إلى أبي هريرة أن سعداً قال: يا رسول الله، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: " نعم ".

علي بن هبة الله بن علي

توفي سنة سبع وأربعين وخمس مئة. علي بن هبة الله بن علي ابن جعفر بن علكان بن محمد بن خلف بن أبي خلف القاسم بن عيسى أبو نصر بن أبي القاسم العجلي، الأمير الحافظ البغدادي، المعروف بن ماكولا أصلهم من أهل جرباذقان، من نواحي أصبهان، وزر أبوه أبو القاسم للخليفة القائم بأمر الله. وولي عمه أبو عبد الله الحسين بن جعفر قضاء القضاة ببغداد، وقدم أبو نصر دمشق. ومولده سنة إحدى وعشرين وأربع مئة بقرية عكبرا، من سواد بغداد. فمن شعره: الطويل أقول لنفسي قد سلا كلّ واحدٍ ... ونفض أثواب الهوى عن مناكبه وحبّك ما يزداد إلا تجدداً ... فيا ليت شعري ذا الهوى من مناك به وله: الطويل ولما تواقفنا تباكت قلوبنا ... فممسك دمعٍ يوم ذاك كساكبه فيا كبدي الحرّى البسي ثوب حسرةٍ ... فراق الذي تهوينه قد كساك به كان لأبي نصر غلمان أحداث من الترك، قتلوه بجرجان سنة نيف وسبعين وأربع مئة. علي بن هشام بن فرخسروا أبو الحسين المروزي أحد قواد المأمون. قدم دمشق مع المأمون، وكان نديمه، ثم وجد عليه في بعض أموره، فقتله هو وأخاه الحسين بن هشام. وقيل الخليل بن هشام. وله شعر حسن فمنه: البسيط

يا موقد النار تذكيها فيخمدها ... قرّ الشتاء بأرياحٍ وأمطار قم فاصطل النار من قلبي مضرّمةً ... بالشوق تغن بها يا موقد النار ويا أخا الذّود قد طال الظّماء بها ... ما تعرف الريّ من جدبٍ وإقتار رد بالعطاش على عيني ومحجرها ... ترو العطاش بدمعٍ واكفٍ جار إن غاب شخصك عن عيني فلم تره ... فإن ذكرك مقرونٌ بإضمار وهذا ما قاله لما قال العباس بن الأحنف: البسيط يا قادح الزند قد أعيت مقادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقياس فسرق المعنى وقصّر عن إحسان عباس، وعبّر عن المعنى دون عبارته، وإن كان عند نفسه قد زاد عليه. لما غضبت مراد شاعرة علي بن هشام عليه وهجرته كتب إليها: الطويل فإن كان هذا منك حقاً فإنني ... مداوي الذي بيني وبينك بالصبر ومنصرفٌ عنك انصراف ابن حرّةٍ ... طوى ودّه والطيّ أتقى من الشر فكتبت إليه: إذا كنت في رقّي هوىً وتملّكٍ ... فلا بدّ من صبر على غصص الصبر وإغضاء أجفانٍ طوين على القذى ... وإذعان مملوكٍ على الذلّ والقسر فذلك خيرٌ من معاصاة مالكٍ ... وصبرٍ على الإعراض والصدّ والهجر وخرجت إليه. قتل علي بن هشام سنة سبع عشرة ومئتين بأذنة، من الثغور. قتله لسوء سيرته في ولايته الجبال. مرت جارية لعلي بن هشام بقصره بعدما قتل، فبكت وقالت: السريع يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشى لأطلالك أن تبلا

علي بن هشام الرقي

لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولّى قد كان لي فيك هوى مرّة ... غيّبه التّرب وما ملاّ قالت متيم لمراد: قولي أشعاراً ترثين بها مولاي حتى ألحنها ألحان النّوح، وأندبه بها، فقالت عدة أشعار في مراثيه، وباحت بها متيم، فمنها قولها: الخفيف عين جودي بعبرةٍ وعويل ... للرزيّات لا لعافي الطّلول لعليّ وأحمدٍ وحسينٍ ... ثم نصرٍ وقبله للخليل وصنعت فيها ميتم ألحاناً، لم تزال جواريها ونساء آل هاشم ينحن بها عليه. ولقد توفي بعض آل هشام فجاء أهله بنوائح فنحن عليه، فلم يبلغن ما أراد أهله، فقام جواري متيم فنحن بشرع مراد وألحان متيم في النوح، فاشتعل المأتم، واشتد البكاء والصراخ، وكانت ريق جارية إبراهيم بن المهدي حاضرة، فبكت ريق، ثم قالت: رضي الله عنك يا متيم. فقد كنت علماً في السرور، وأنت الآن علم في المصائب. علي بن هشام الرقي سمع بدمشق. حدث عن هشام بن خالد بسنده إلى أبي الدرداء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله ". علي بن يحيى بن رافع بن العافية أبو الحسن النابلسي المعروف بأبي الطيب المؤذن في مئذنة باب الفراديس حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريد ي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " سيحان، وجيحان، والفرات، والنيل كل من أنهار الجنة ". توفي أبو الطيب النابلسي سنة ست وأربعين وخمس مئة. كان سقط من المنارة، فبقي ثلاثة أيام، ومات يرحمه الله.

علي بن يحيى بن علي بن محمد بن أحمد بن عيسى

علي بن يحيى بن علي بن محمد بن أحمد بن عيسى ابن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العلوي الزيدي حدث عن أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أهل الجنة ليرون من في عليين كما يرون أهل الدنيا الكوكب في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم أبو الحسن أسلم يحيى بن أبي منصور على يد المأمون وخصّ به. وهم من فارس. وأبو الحسن أديب شاعر فاضل مفتنّ في علوم العرب والعجم، وكان جواداً مهرجاً، ونادم المتوكل، وعلت منزلته عنده ولم يزل مع الخلفاء، يكرمونه واحداً بعد واحد إلى أيام المعتمد، وتوفي في سنة خمس وسبعين ومئتين، وله أربع وسبعون سنة، ورثاه عبد الله بن المعتز، وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وهو وأهله وولده وأولادهم في البيت الخطير والأدب والشعر والفضل. وأبو الحسن هو القائل في نفسه: الطويل علي بن يحيى جامعٌ لمحاسنٍ ... من العم مشغوف بكسب المحامد فلو قيل هاتوا فيكم اليوم مثله ... لعزّ عليهم أن يجيئوا بواحد وله: الطويل سيعلم دهري إذ تنكّر أنني ... صبورٌ على نكرانه غير جازع وأني أسوس النفس في حال عسرها ... سياسة راضٍ بالمعيشة قانع كما كنت في حال اليسار أسوسها ... سياسة عفٍّ في الغنى متواضع وأمنعها الورد الذي لا يليق بي ... وإن كنت ظمآناً بعيد الشرائع قال علي بن يحيى المنجم: خرجنا مع المتوكل إلى دمشق، فلحقتنا ضيقة بسبب المؤن والنفقات التي كانت تلزمنا، فبعثت إلى بختيشوع، فاقترضت منه عشرين ألف درهم. فلما كان بعد يوم أو

علي بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم

يومين دخلت مع الجلساء إلى المتوكل فقال: يا علي، لك عندي ذنب وهو عظيم، قلت: يا سيدي، ما هو؟ فإني لا أعرف لي ذنباً ولا خيانة، قال: بلى، أضقت فاقترضت من بختيشوع عشرين ألف درهم، أفلا أعلمتني؟ قال: قلت: يا مولاي صلات أمير المؤمنين عندي متوافرة، وأرزاقه علي دارّة، واستحييت مع ما قد أنعم الله علينا به من هذا التفضل أن أسأله شيئاً، فقال: إياك أن تستحي من مسألتي، أو الطلب مني، وأن تعاود مثل هذا، ثم قال: مئة ألف درهم بغير صروف، فأحضرت عشر بدر فقال: خذها واتسع بها. علي بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمه امرأة من كلب من ولد زبان يقال لها الحضرميّة. قال عوانة: كان بالكوفة رجل من أهل البصرة يقال له عمر كسرى، وكان مولى لبني سالم، وكان يتعاطى علم الفرس وأمر كسرى، فسمي لذلك عمر كسرى. قال: فكان هذا عمر قاعداً عند أبي بالكوفة فمر به علي بن يزيد الناقص، فسلّم على أبي، ووقف عليه، فقال عمر كسرى لأبي بعد ما مضى: يا أبا الحكم، ما رأيت أحداً أشبه بصفة كسرى من هذا، فقال له أبي: فتعرفه؟ قال: لا، قال: هذا علي بن يزيد الناقص. وكان عمر كسرى هذا بالأهواز عند عاملها سعيد بن عبد الله الكوفي، فجعل عمر يحدث عن كسرى وعن نسائه، فقال له العامل: فكم أمهات المؤمنين اللاتي قبض النبي صلّى الله عليه وسلّم عنهن؟ قال: لا أدري، قال: أنت رجل من المسلمين تعرف نساء كسرى، ولا تعرف نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم؟! لا، والله، لا تخرج من الحبس حتى تأتيني بأسمائهن وأنسابهن وتعرفهن، قال: فحبسه حتى تعلم ذلك. وأم يزيد الناقص بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى، فمن هنالك أتى علياً شبهه.

علي بن يزيد بن أبي هلال

علي بن يزيد بن أبي هلال أبو عبد الملك ويقال أبو الحسن الألهاني من أهل دمشق. حدث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض العلم، قبل أن يرفع العلم "، ثم جمع بين أصبعيه: الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم قال: " فإن العالم والمتعلم كهاته من هاته شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس بعد ". وحدث عنه عن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يقول: " ما استفاد المسلم فائدة بعد تقوى الله عزّ وجلّ خير له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرّته، وإن أقسم عليها أبرّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ". ضعّفه قومه. علي بن يعقوب بن إبراهيم ابن شاكر بن زامل، أبو القاسم الهمداني، المعروف بابن أبي العقب، مولى بني معيوف أحد الثقات. حدث عن أبي زرعة بسنده إلى نمير الخزاعي أنه رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعداً في الصلاة واضعاً ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعاً أصبعه السّبابة، قد حناها شيئاً وهو يدعو. ومن شعره: الوافر أنست بوحدتي وقصدت ربّي ... فدام العزّ لي ونما السرور وأدّبني الزمان فما أبالي ... هجرت فلا أزار ولا أزور متى تقنع تعش ملكاً عزيزاً ... يذلّ لعزّك الملك الفخور

علي بن يعقوب بن عمرو

ولست بقائلٍ ما دمت حياً ... أسار الجند أم ركب الأمير توفي ابن أبي العقب سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. وكان ثقة، مأموناً، حافظاً، مشهوراً. وقيل: مات سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. علي بن يعقوب بن عمرو ابن يعقوب بن عيسى بن منصور، أبو الحسن الربعي قدم دمشق. وحدث عن زهير بن محمد بن قمير بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من أتى الغائط فليستتر، ومن لم يجد إلا كثيباً من رمل، فليجمعه وليستتر به، فإن الشيطان يتلاعب بمقعدة ابن آدم ". علي بن يعقوب بن يوسف بن عمران أبو الحسن القزويني البلاذري قدم دمشق سنة أربع وسبعين وثلاث مئة. وحدث بها عن أبي سعيد الحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي بسنده إلى أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل رجب بجمعة فقال: " أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله الأصم، تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب في الدعوات، وتفرج فيه الكربات لا تردّ فيه للمؤمن دعوة، فمن اكتسب فيه خيراً ضوعف له فيه أضعافاً مضاعفة " والله يضاعف لمن يشاء ". فعليكم بقيام ليله، وصيام نهاره، فمن صلّى في يوم فيه خمسين صلاة، يقرأ في كل ركعة ما تيسّر من القرآن أعطاه الله من الحسنات بعدد الشفع والوتر، وبعدد الشعر والوبر، ومن صام يوماً كتب له به صيام سنة، ومن خزن فيه لسانه لقنه الله حجته عند مساءلة منكر ونكير، ومن تصدّق فيه بصدقة كان بها فكاك رقبته من النار، ومن وصل فيه رحمه

علي بن يوسف بن عبد الله بن يوسف أبو الحسن الجويني

وصله الله في الدنيا والآخرة، ونصره على أعدائه أيام حياته، ومن عاد فيه مريضاً أمر الله كرام ملائكته بزيارته، والتسليم عليه، ومن صلّى فيه على جنازة فكأنما أحيا موءودة، ومن أطعم مؤمناً طعاماً أجلسه الله يوم القيامة على مائدة عليها إبراهيم ومحمد صلّى الله عليهما، ومن سقى شربة من ماء سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً كساه الله تعالى ألف حلّة من حلل الجنة، ومن أكرم يتيماً، ومسح يده على رأسه غفر الله بعدد كل شعر مستها يده، ومن استغفر الله عزّ وجلّ فيه مرة واحدة غفر الله عزّ وجلّ له، ومن سبّح الله تسبيحة أو هلّله تهليلة كتب عند الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، ومن ختم فيه القرآن مرّة واحدة ألبس هو ووالداه يوم القيامة كل واحد منهم تاجاً مكلّلاً باللؤلؤ والمرجان، وأمن من فزع يوم القيامة. هذا حديث منكر. علي بن يوسف بن عبد الله بن يوسف أبو الحسن الجويني أخو الشيخ أبي محمد، وعم الإمام أبي المعالي الجويني يعرف بشيخ الحجاز، قدم دمشق، وسمع بها. وحدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده عن بريدة أن رجلاً قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أفي الجنة خيل، فإن الخيل تعجبني، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك إن تشأ تركب الخيل تؤت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت "، فقال رجل آخر: يا رسول الله، أفي الجنة إبل؟ فإنه تعجبني الإبل فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إنك إن دخلت الجنة فإن فيها ما اشتهت نفسك، ولذت عينك ". ورد الخبر بوفاة أبي الحسن الجويني سنة ثلاث وستين وأربع مئة. علي الجرجرائي رجل من العباد. كان يكون بجبل لبنان. روي أن بشراً الحافي لقي علياً الجرجرائي بجبل لبنان على عين ماء. قال: فلما أبصرني قال: بذنبٍ مني لقيت اليوم

عمارة بن أحمر المازني

إنسياً، فعدوت خلفه، وقلت: أوصني، فالتفت إليّ وقال: أمستوصٍ أنت؟ عانق الفقر، وعاشر الصبر، وعاد الهوى، وعف الشهوات، واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه. على هذا طاب المسير إلى الله. عمارة بن أحمر المازني له صحبة، ووفادة على سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حدثت قتيلة بنة جميع المازنية بسندها إلى عمارة بن أحمر المازني قالت قتيلة: وأنا من ولده قال: كنت في إبل في الجاهلية أرعاها، فغارت علينا خيل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجمعت إبلي وركبت الفحل، فتفاج يبول فنزلت عنه، وركبت ناقة، فنجوت عليها، واستاقوا الإبل، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسلمت فردّها عليّ، ولم يكونوا اقتسموها. قال جوّاب بن عمارة: فأدركت أنا وأخي الناقة التي ركبها عمارة يومئذ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال الجراح: وسمعت بعض المازنيين يقول: الماء كانوا عليه عجلز فوق القريتين. عمارة بن بشر أظنه من أهل دمشق. حدث عن عب الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده إلى أوس بن أوس الثقفي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من غسل يوم الجمعة واغتسل، وغدا، واقترب ومشى ولم يركب، وأنصت ولم يلغ كتب الله له بكل خطوة عبادة سنة صيامها وقيامها ". وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من أمير إلا وله بطانتان من أهله: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً وهو من التي تغلب عليه منهما ".

عمارة بن تميم اللخمي

وحدث عن أبي بشر شيخٌ من أهل البصرة قال: كنت آتي معاذة العدوية، وأحف بها فأتيتها يوماً فقالت: يا أبا بشر، ألا أعجبك؟ شربت دواء للمشي فاشتد بطني، فنعت لي نبيذ الجر فائتني منه بقدح، فأتيتها بقدح نبيذ جر، فدعت بمائدتها، فوضعت القدح عليها، ثم قالت: اللهم، عن كنت تعلم أني سمعت عائشة تقول: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ينهى عن نبيذ الجر فاكفنيه بما شئت. قال: فانكفأ القدح، فأهرق بما فيه، وأذهب الله ما كان في بطنها. قال: وأبو بشر حاضر لذلك. روي عن عمارة بن بشر حديث في سنة مئتين. عمارة بن تميم اللّخمي ويقال: القتبي كان من عقلاء العرب، ووفد على عبد الملك مع الحجاج بن يوسف، وولاه فلسطين. قال المدائني: كان الحجاج رجلاً حسوداً لا تتم له صنيعة حتى يكدرها، أو يفسدها. فلما وجه عمارة بن تميم إلى ابن الأشعث، ومعه محمد بن الحجاج بالفتح، فحسده الحجاج. وعرف عمارة ذلك منه وكره منافرته. وكان عاقلاً فجعل يداريه ويقول: أنت أصلح الله الأمير ت أشرف العرب، من شرّفته شرف، ومن وضعته اتضع، وما من العرب أحد ينكر أن شرفه وسؤدده بك، وإنما كان الذي كان من الفتح بيمنك وبكرتك وتدبيرك ومشورتك، وليس أحدق أشكر للأيادي مني. فلما عزم الحجاج على الوفادة إلى عبد الملك أخرج معه عمارة بن تميم، فلم يزل عمارة يلطف الحجاج في مسيره، ويعظمه حتى قدموا على عبد الملك، فقامت الخطباء بين يدي عبد الملك في أمر الفتح، ثم قام عمارة، فقال: سل الحجاج عني يا أمير المؤمنين، وعن طاعتي وبلائي، فقال الحجاج: من بأسه يا أمير المؤمنين وغنائه ونجدته ومكيدته، أيمن الناس نقيبة، وأرفعهم تدبيراً وسياسة، وجعل

عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو

يقرظه ولا يتركه، فقال عمارة: أرضيت يا أمير المؤمنين، قال: نعم، ورضي الله عنك. قال عمارة: فلا رضي الله عن الحجاج ولا عافاه فهو والله الأخرق، السيء التدبير، الذي أفسد عليك العراق خرقه، وقلة عقله، وضعف رأيه، ولك والله يا أمير المؤمنين أمثالها إن لم تعزله، فقال الحجاج: مه يا عمارة، فقال: لا مه، لا مه، يا أمير المؤمنين كل امرأة له طالق وكل مملوك له حرّ إن سار تحت راية الحجاج أبداً. قال عبد الملك: ما عندنا أوسع لك. فلما انصرف عمارة إلى منزله أرسل إليه الحجاج أني قد علمت أنه لم يخرج هذا الكلام إلا لمعتبة فانصرف معنا ولك العتبى، فأرسل إليه عمارة: ما ظننت أن السخف يبلغ بك ما أرى، أتتوهم أني راجع معك بعد قولي لك عند أمير المؤمنين ما قلت؟ فولاه عبد الملك فلسطين. عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو ابن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو عبد الله الأنصاري النجاري له صحبة. شهد بدراً والعقبة وأحداً والخندق، والشاهد كلها. وكانت معه راية بني مالك بن النجار في غزاة الفتح. وروى عن سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثاً. وقيل إنه وفد على معاوية، ولم يصح ذلك. حدث زياد بن نعيم أن ابن حزم إما عمارة وإما عمرو قال: رآني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا متكئ على قبر فقال: " قم، لا تؤذ صاحب القبر أو يؤذيك ". وعن عمارة بن حزم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " أربع من جاء بهن مع إيمان كان مع المسلمين، ومن لم يأت بواحدة لم تنفعه الثلاثة "، قلت: لعمارة بن حزم: ما هن؟ قال: الصلاة والزكاة وصوم رمضان. وأم عمرو وعمارة خالدة بنت أنس بن سنان بن وهب بن لوذان، من بني ساعدة،

عمارة بن راشد بن مسلم

وكان عمارة بن حزم وأسعد بن زرارة وعون بن عفراء حين أسلموا يكسرون أصنام بني مالك بن النجار. وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين عمارة بن حزم ومحرز بن نضلة. وخرج مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة، فقتل يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة، وليس لعمارة عقب. وعن أم سلمة قالت: كانت الأنصار الذين يكثرون ألطاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وعمارة بن حزم، وأبو أيوب، وذلك لقرب جوارهم من سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان لا يمر يوم إلا ولبعضهم هدية تدور مع النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث دار، وجفنة سعد بن عبادة تدور حيث دار، لا يغبّها ليلة. ويقال: إن عمارة أدرك خلافة معاوية، ومات فيها وقد ذهب بصره. عمارة بن راشد بن مسلم ويقال: ابن راشد بن كنانة الليثي مولاهم من أهل دمشق. حدث عمارة بن راشد بن مسلم الكناني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن شرار أمتي الذي غذوا بالنعيم، ونبتت عليه أجسامهم ". وعن عمارة بن راشد عن الغاز بن ربيعة رفع الحديث قال: ليمسخن قوم، وهم على أريكتهم قردة وخنازير بشربهم الخمر، وضربهم بالبرابط، والقيان. وحدث عن عبد الأعلى السلمي عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يموت فيترك أصفر أو أبيض إلا كوي به ". وعن عمارة بن راشد الكناني من أهل دمشق عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل هل يمس أهل الجنة أزواجهم فقال: " نعم بذكر لا يمل، وفرج لا يخفى، وشهوة لا تنقطع ".

عمارة بن سلمان

وحدث عمارة بن راشد الطائي قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في حرسه، فأتي بمزودين من دنانير ودراهم، بعث بها صاحب بيت الضرب بدمشق، لينظر إليها، قال: وذلك كانوا يفعلون عند رأس كل سنة، فقال عبد الأعلى: يا أمير المؤمنين، لو أمرت به فصبّ على نطع، فتنظر إليه، فتحمد الله تعالى، قال: نعم، فأمر بنطع فبسط، ثم صبّ كل واحدٍ منهما على حدة، فنظر إليه القوم، ثم قال عبد الأعلى: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك حديثاً حدثنيه أبو أمامة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ قال أبو أمامة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما من عبد يموت فيترك أصفر أو أبيض إلا كوي به "، فقال عمر: اللهم، غفراً، إنما كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة إني لأحتسب من الله، لا يرزق عبد مؤمني مالاً فيؤدي زكاته أن يعذبه عليه. قال: وفي السماط عراك بن مالك، فوثب على ركبتيه، فاستقبل القوم فقال: يا أمير المؤمنين، بل ذلك لا شك، فرددها مرتين أو ثلاثاً مصدقاً لعمر بن عبد العزيز. هكذا وقع: الطائي. قال: وصوابه الكناني. عمارة بن سلمان قال عمارة: قام فينا عبد الله بن مسعود على درج كنيسة دمشق في يوم خميس، فقال: يا أيها الناس، عليكم بالعلم قبل أن يرفع، وإنّ من رفعه أن يقبض أصحابه. وإياكم والتبدّع والتنطّع، وعليكم بالعتيق، فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه خلف ظهورهم. عمارة بن صالح حكى عن مكحول أنه قال: يصنع المري من العصير حين يعصر؛ يقول: العصير حلاله.

عمارة بن عقيل أبو إسحاق العقيلي

عمارة بن عقيل أبو إسحاق العقيلي وفد على عبد الملك بن مروان. حدث عمارة قال: كنا نجلس عند الكعبة وعبد الملك بن مروان يجالسنا، من رجل عذب اللسان، لا يمل جليسه حديثه، فقال لي ذات يوم: يا أبا إسحاق، إنك إن عشت فسترى الأعناق إلي مادة، والآمال إلي سامية. ثم قام، فنهض من عندنا، فأقبلت على جلسائي فقلت: ألا تعجبون من هذا القرشي، يذهب بنفسه إلى معالي الأمور، وإلى أشياء لعله لا ينالها؟! قال: فلا والله ما ذهبت الأيام حتى قيل لي إنه قد أفضت الخلافة إليه، فذكرت قوله فتحمّلت إليه، فوافيت دمشق يوم جمعة، فدخت المقصورة، فإذا أنا وقد خرج علي من الخضراء فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، فبينما هو يخطب إذ نظر إلي ثم أعرض عني، فساءني ذلك، فنزل وصلى، ودخل الخضراء، فما جلست إلا هنيهة حتى خرج غلامه: أين عمارة العقيلي؟ قلت: هذا أنا ذا، قال: أجب أمير المؤمنين، فدخلت إليه، فسلمت عليه بالخلافة، فقال لي: أهلاً وسهلاً وناقة ورحلاً، كيف كنت بعدي؟ وكيف كنت في سفرك؟ وكيف من خلفت؟ لعلك أنكرت إعراضي عنك، فإن ذلك موضع لا يحتمل إلا ما صنعت، يا غلام، بوّئ له بيتاً معي في الدار، فأنزلني بيتاً، فكنت آكل معه وأسامره حتى مضت لي عشرون يوماً، فقال لي: يا أبا إسحاق، قد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وأمرنا لك بحملان وكسوة، فلعلك قد أحببت الإلمام بأهلك، ثم الإذن في ذلك إلينا، أتراني حققت أملك أبا إسحاق؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، وإنك لذاكر لذلك؟ قال: إي والله، وإن تمادى به عهد، قلت: يا أمير المؤمنين، أكان عندك فيما قلت عهدٌ أو بماذا؟ قال: بثلاث اجتمعن فيّ، منها إنصافي لجليسي في مجلسي، ومنها أني ما خيرت بين أمرين قط إلا اخترت أيسرهما، ومنها قلة المراء.

عمارة بن عمرو بن حزم بن زيد

عمارة بن عمرو بن حزم بن زيد ابن لوذان الأنصاري النجاري وفد على معاوية مع أخيه محمد بن عمرو. حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يوشك أن يأتي زمان يغربل فيه الناس غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا، فكانوا هكذا "، فشبّك أصابعه. قالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: " تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم ". حدث الجمحي أن عمارة بن حزم وأخاه قدما في وفد على معاوية. فلما أذن لهم قالا: إنا نحب أن ندخل عليه خالياً، نذكر له حاجتنا، فقيل له، فقال: نعم، فليأتيا في ساعة كذا وكذا، فدخل أكبرهما فقال: يا أمير المؤمنين، قد كبرت سنّك، ورقّ عظمك، واقترب أجلك، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك وكان معاوية يشتد عليه أن يقال: كبرت سنّك أن يشك في الخليفة أنه يزيد فقال معاوية: نعيت لأمير المؤمنين نفسه، وسألته عن خبيّ سرّه، وشككت أنه الخليفة بعده، أخرجوه. فلما خرج قال له أخوه: ما أردت بهذا، ما لهذا قدمت، قال معاوية: نبئوه يرجع إلى أهل المدينة فيقول: سألت أمير المؤمنين عن شيء يعنى به، فقال: أدخلوه، فدخل فقال: سألتني عن رجال قومي، فأعظمهم حلماً الحسن بن علي، وفتاهم عبد الله بن عامر، وأشدهم خباً هذا الضب يعني: ابن الزبير والخليفة بعدي يزيد، قال: وقال له أبو أيوب الأنصاري: اتق الله، ولا تستخلف يزيد، قال: امرؤ ناصح، وإنما أشرت برأيك، وإنما هم أبناؤهم فابني أحب إليّ من أبنائهم، ثم قال: يا أبا أيوب، أرأيت الفرس البلقاء التي كان من أمرها يوم كذا وكذا، من قتل صاحبها؟ قال: أنا قتلت صاحبها، وأنت وأبوك يومئذ بأيديكما لواء الكفر. قال معاوية: عمرك الله ما أردت بهذا.

عمارة بن نابت

وأم عمارة سالمة بن ت خنتم بن هشام بن خلف بن قوالة بن طريف، من بني ليث. وحدث عمارة بن حزم عن أبيّ بن كعب قال: بعثني النبي صلّى الله عليه وسلّم على صدقة بليّ وعذرة، فمررت برجل من بليّ، له ثلاثون بعيراً، فقلت: إن عليك في إبلك هذه ابنة مخاض، فقال: ذلك ما ليس فيه ظهر ولا لبن، وما قام في مالي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأخذ منه. قال: وإني لأكره أن أقرض الله شرّ مالي فخبّره، فقال أبيّ بن كعب: ما كنت لآخذ فوق ما عليك، وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأته، فأتاه فقال نحو ما قال لأبي فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " هذا ما عليك، فإن جئت فوقه قبلنا منك، فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، هذه ناقة عظيمة سمينة فمن يقبضها، فأمر من يقبضها ودعا له في ماله بالبركة. قال عمارة: فضرب الدهر من ضربانه، وولاّني مروان صدقة بلّي وعذرة في زمن معاوية، فمررت بهذا الرجل فصدقت ماله ثلاثي حقّة فيها فحلها، على ألف وخمس مئة بعير. قال ابن إسحاق: قلت لابن أبي بكر: ما فحلها؟ قال: ألا أن يكون في السنّة إذا بلغ صدقة الرجل ثلاثين حقة أخذ معها فحلها. قتل عمارة بن عمرو بالحرّة، وكانت الحرّة سنة ثلاث وستين. عمارة بن نابت ويقال: ثابت بن أبي حفصة أبو روح ويقال: أبو الحكم الأزدي البصري مولى العتيك قبيلة من الأزد حدث عن عكرمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر. وبه قالت: كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بردان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فيهما عرق، ثقلا عليه، قدم فلان يهودي ببزّ من الشام، قالت عائشة: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فبعث إليه فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بهما أو

عمارة القرشي البصري

يذهب بمالي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " كذب، قد علم أني من أتقاهم لله وأدّاهم للأمانة ". قال عمارة بن أبي حفصة: دخلت على عمر في مرضه، وعليه قميص قد اتسخ جيبه وتخرّق، فدخل مسلمة، فقال لأخته فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر: ناوليني قميصاً غير هذا حتى يلبسه أمير المؤمنين، فإن الناس يدخلون عليه، فقال عمر: دعها يا مسلمة، فما أصبح ولا أمسى لأمير المؤمنين ثوب غير الذي ترى عليه. قال علي بن عاصم: قال لي شعبة: عليك بعمارة بن أبي حفصة، فإنه غني لا يكذب، قال: فقلت: كم غني يكذب! توفي عمارة سنة اثنتين وثلاثين. عمارة القرشي البصري وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن أبي بردة قال: وفدنا إلى الوليد بن عبد الملك، وكان الذي يقبل في حوائجي عمر بن عبد العزيز. فلما قضيت حوائجي أتيته فودعته، وسلمت عليه، ثم مضيت، فذكرت حديثاً حدثني به أبي سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحببت أن أحدثه به، فرجعت إليه. فلما رآني قال: لقد ردّ الشيخ حاجة. فلما قربت منه قال: ما ردّك؟ أليس قد قضيت حوائجك؟ قال: قلت: بلى، ولكنّ حديثاً سمعته من أبي سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحببت أن أحدثك به، لما أوليتني، قال: وما هو؟ قال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان يوم القيامة مثّل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا لم نره، قال: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم، وكيف تعرفونه ولم تروه؟ قال: إنه لا شبه له، قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تبارك

عمار بن الحسين الدمشقي

وتعالى، فيخرون له سجّداً، ويبقى أقوام في ظهورهم مثل صياصي البقر، فيريدون السجود، فلا يستطيعون، فذلك قول الله عزّ وجلّ " يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السّجود فلا يستطيعون " ويقول الله عزّ وجلّ وتعالى: " عبادي، ارفعوا رؤوسكم، فقد جعلت فداء كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار "، فقال عمر بن عبد العزيز: الله الذي لا إله إلا هو لحدثك أبوك بهذا الحديث سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فحلفت له ثلاثة أيمان على ذلك، فقال عمر: ما سمعت من أهل التوحيد حديثاً هو أحبّ إليّ من هذا. وفي حديث آخر بمعناه: يجمع الله الأمم في صعيد واحد يوم القيامة، فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه مثّل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحمون النار، ثم يأتينا ربنا عزّ وجلّ ونحن على مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربّنا عزّ وجلّ، فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم، إنه لا عدل له، فيتجلّى لنا عزّ وجلّ ضاحكاً. الحديث. عمّار بن الحسين الدمشقي حدث عن إبراهيم بن هدبة عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا رأيتم صاحب بدعة فاكفهرّوا في وجهه، فإن الله يبغض كل مبتدع، ولا يجوز أحد منهم الصراط، ولكن يتهافتون في النار مثل الجراد والذبان ". عمار بن محمد بن الحسن أبو القاسم الداراني حدث في جامع دمشق عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي بسنده إلى البراء بن عازب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا أراد الله عزّ وجلّ بعبده خيراً علّمه هؤلاء الكلمات، ثم لم ينسهن إياه: اللهم،

عمار بن محمد بن مخلد بن جبير بن عبد الله

إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، اللهم، إني ضعيف، فقوّني، وذليل فأعزّني، وفقير فاغنني وارزقني. عمار بن محمد بن مخلد بن جبير بن عبد الله ابن إسماعيل بن سعد بن ربيعة بن كعب بن مرة، أبو ذر التميمي البغدادي سمع بدمشق وغيرها. حدث سنة ست وثمانين وثلاث مئة عن محمد بن هارون الحضرمي بسنده إلى ميمونة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: سكبت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضوءاً من الجنابة، فغسل يديه مرتين أو ثلاثاً، فأفرغ على فرجه، فغسل شماله، وضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفّيه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده. توفي أبو ذر في صفر سنة سبع وثمانين وثلاث مئة، وقيل سنة ثمان وثمانين. قال الخطيب: والأول أصح. عمار بن نصر أبو ياسر السعدي المروزي سمع بالشام وبغيرها. حدث عن بقية بن الوليد بسنده إلى أبي كبشة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه النظر إلى الأترج وإلى الحمام الأحمر. توفي أبو ياسر سنة تسع وعشرين ومئتين ببغداد.

عمار بن نصر بن ميسرة بن أبان السلمي ثم الظفري

عمار بن نصر بن ميسرة بن أبان السلمي ثم الظفري والد هشام بن عمار. حدث عن عباد بن كثير عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما أمطرت السماء، وأنبتت الأرض، وسنشو نشوّ من قبل المشرق يقولون: لا جهاد ولا ورباط، أولئك هم وقود النار، بل رباط يوم في سبيل الله خير من عتق ألف رقبة، ومن صدقة أهل الأرض جميعاً ". وحدث عن عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس بن مالك عن سلامة حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنها قالت: يا رسول الله، إنك تبشر الرجال بكل خير ولا تبشر النساء، قال: " أصويحباتك دسسنك لهذا؟ " قالت: أجل، هنّ أمرنني، قال: " أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راض أنّ لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله عزّ وجلّ؟ وإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء والأرض ما أخفي لها من قرّة أعين، فإذا وضعت لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمصّ من ثديها مصّة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصّة حسنة، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهم في سبيل الله عزّ وجلّ، سلامة، تدرين من أعني بهذا؟ هذا للمتقنعات، الصالحات، المطيعات لأزواجهن، اللواتي لا يكفرن العشير ".

عمار بن ياسر بن عامر

عمار بن ياسر بن عامر ابن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن الأكبر بن تامر بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو اليقظان العنسي، مولى بني مخزوم، صاحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قديم إسلامه، طويلة صحبته. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وقدم مع عمر الجابية. وأمه سمية بنت خباط، أمةٌ لبني مخزوم. شهد الجمل وصفين، وقتل يوم صفين مع علي بن أبي طالب. حدث عمار بن ياسر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من كان ذا وجهين في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة ". حدث محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت أبي عمار بن ياسر صلى بعد المغرب ست ركعات، فقلت: يا أبه، ما هذه الصلاة؟ فقال: رأيت حبيبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بعد المغرب ست ركعات ثم قال: من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر. وكان ياسر بن عامر قدم وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوّجه أبو حذيفة أمةً له يقال لها: سمية بنت خباط، فولدت له عماراً، فأعتقه أبو حذيفة، ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات،

وجاء الله بالإسلام، فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار وعبد الله يقال له حريث قتله بنو الدئل في الجاهلية، وخلف على سمية بعد ياسر الأزرق، وكان رومياً غلاماص للحارث بن كلدة الثقفي، وهو ممن خرج يوم الطائف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولدت سمية للأزرق سلمة بن الأزرق، وهو أخو عمار لأمه، ثم ادعى ولد سلمة وعمر وعقبة بني الأزرق أن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر من غسان، وأنه حليف لبني أمية، وشرفوا بمكة، وتزوج الأزرق، وولده في بني أمية، وكان له منهم أولاد. وكان بنو الأزرق في أول أمرهم يدّعون أنهم من بني تغلب ثم من بني عكبّ، فأفسدتهم خزاعة ودعوهم إلى اليمن، وزينوا لهم ذلك، وقالوا: أنتم لا يغسل عنكم ذكر الروم إلا أن تدّعوا أنكم من غسان، فانتموا إلى غسان بعد. قال ابن الكلبي: هو من عنس بن زيد بن مذحج، من السابقين الأولين، والمعذبين في الله، ذو الهجرتين، مختلف في هجرته إلى الحبشة، بدريّ، لم يشهد بدراً ابن مؤمنين غيره، وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فقتلها وهي سمية بنت سلم بن لحي. وكان آدم، طوالاً، أصلع، في مقدم رأسه شعرات، وفي مؤخره شعرات، مجدّع الأنف، سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم الطيّب الطيّب، ورحّب به وقال: ملئ إيماناً إلى مشاشه، وضرب خاصرته وقال: هذه خاصرة مؤمنة، وقال: من حقر عماراً حقره الله. شهد المشاهد كلها، بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة أميراً، وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن نيف وتسعين سنة. ومرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعمار وأبيه وأمه وهم يعذّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. ونزل فيه آيات من القرآن، فمن ذلك أن المشركين أخذوه وعذبوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم جاءه وذكر ذلك له فأنزل الله فيه " إلاً من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " الآية. وآخى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين حذيفة بن اليمان.

وقال عمار: كنت ترباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسنّه، لم يكن أقرب به سناً مني. قال عبد الله بن سلمة: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً، آدم، طوالاً، أخذ الحربة بيده، ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة، وقال أبو بكر: على الباطل. قال سليط بن سليط الحنفي: كنت مع علي بن أبي طالب، وأنا يومئذٍ حدث السن، ولحداثتي لا أعرف عماراً، فبينا أنا ذات يوم قاعد بالكناسة إذ خرج علينا رجل آدم، طوال، جعد الشعر، فيه حبشية، فسلّم ثم تأمّل الناس، قال: " ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون " ما أحسن أن يقول العبد: سبحان الله، عدد كلّ ما خلق، فقلت كما قال، ثم انصرف، فوصفت صفته، فقالوا: هذه صفة عمار، أو قالوا: هذا عمار. وكان عمار آدم، طوالاً، مضطرباً، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه. قال عمار بن ياسر: لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر. قال عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ قال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون. فكان إسلام عمار وصهيب بعد بضعة وثلاثين رجلاً.

قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وبلال، وخبّاب، وصهيب وعمار، وسمية أم عمار. وفي رواية: والمقداد، ولم يذكر خباب. فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله بعمّه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما الآخرون فأخذهم المشكرون فألبسهم أدارع الحديد، وصهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كلّ مبلغ، حتى جعل يسيل منهم الصديد، فأعطوهم ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه فأنطاع الأدم فيها الماء، فألقوهم فيها ثم حملوا بجوانبه إلا بلال. فلما كان العشيّ جاء أبو جهل، فجعل يشتم سمية ويرفث وفي رواية: فجاء أبو جهل عدو الله بحربته، فجعل يبوك بها في قبل سمية حتى قتلها، وكانت أول شهيدة قتلت في الإسلام إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عزّ وجلّ، فجعلوا في عنقه حبلاً، ثم أمروا صبيانهم فاشتدوا به بين أخشبي مكة، وجعل يقول: أحد أحد. قال شيبان: فقال القوم ما أرادوا منهم غير بلال. فلما أعياهم كتفوه، وجعلوا في عنقه حبلاً من ليف، وأعطوه غلمانهم، فجعلوا يجرونه بمكة، ويلعبون. فلما أعياهم وأملّهم تركوه، فقال عمار: كلنا قد قال ما أريد منه غير بلال هانت عليه نفسه في الله، ولكن الله تداركنا منه برحمة. قال عروة بن الزبير: كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجع عن دينه، والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست هم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.

قال عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقولن وكان أبو فكيه يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية " والّذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ". وعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار ولأبيه ولأمه وهم بمكة والمشركون يعذبونهم: " صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة ". وفي رواية أخرى: " اللهم، اغفر لآل ياسر وقد فعلت ". قال مسدّد: ولم يكن من المهاجرين أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر. قالوا: وهذا وهم من مسدّد، فإن أبوي أبي بكر كانا مسلمين: أبو قحافة وأم الخير. وعن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون عماراً بالنار، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمرّ به، فيمرّ يده على رأسه، ويقول: " يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية ". قال محمد بن كعب القرظي: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجرداً من سراويل، قال: فنظرت إلى ظهره فيه خيط كبير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة. وعن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرفتركوه، فقال

له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، ما وراءك؟ " قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم، فقال: " فكيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئناً بالإيمان قال: " إن عادوا فعد ". قال: فأنزل الله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذاك عمار بن ياسر " ولكن من شرح بالكفر صدراً " عبد الله بن أبي سرح. وعن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي عماراً، وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: " أخذك الكفار، فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم ". وعن قتادة: في قوله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذكر لنا أنها نزلت في عمار. أخذه بنو المغيرة، فغطوه في بئر ميمون حتى أمسى، فقالوا: أكفر بمحمد، وأشرك، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأنزل الله هذه الآية " ولكن من شرح بالكفر صدراً " يقول: من أتاه على خيار استحباباً له فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. قال ابن إسحاق: وبلغني أن عمار بن ياسر قال وهو يذكر بلال بن رباح وأمه حمامة وأصحابه، وما كانوا فيه من البلاء وعتاقة أبي بكر إياهم فقال: الطويل جزى الله خيراً عن بلالٍ وصحبه ... عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهل عشية همّا في بلالٍ بسوءةٍ ... ولم يحذروا ما يحذر المرء ذو العقل بتوحيده ربّ الأنام وقوله: ... شهدت بأنّ الله ربّي على مهل فإن يقتلوني يقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة القتل

فيا ربّ إبراهيم والعبد يونسٍ ... وموسى وعيسى نجّني ثم لا تمل لمن ظلّ يهوى الغيّ من آل غالبٍ ... على غير برٍّ كان منه ولا عدل وعن عكرمة " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم " قال: جاء آل شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفرٌ معهما سمّاهم أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، فأتى أبو طالب النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كلموه، فانزل الله عزّ وجلّ " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ " قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر مولى حذيفة بن الغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيحاً مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو وغيرهم. وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم " في عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر عن عكرمة. وعن ابن عباس في قوله: " أمن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجداً وقائماً " قال: نزلت في عمار بن ياسر. وعن مجاهد في قوله: " ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار " قال: يقول أبو جهل في النار: أين عمار، أين بلال؟.

وعن عكرمة في قوله: " أفمن يلقى في النّار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة " قال: نزلت في عمار بن ياسر وفي أبي جهل. وقال: في أبي جهل وعمار " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها ". وعن القاسم قال: أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن مسعود، وأول من بنى مسجداً يصلى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذّن للمسلمين بلال، وأول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وأول من رمى بسهم رمى به سعد بن أبي وقاص، وأول من قتل من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر بن الخطاب، وأول حيّ ألفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهينة، وأول حيّ أدوا الصدقات من قبل أنفسهم طائعين بنو عذرة بن سعد. وفي حديث غيره: وأول من تغنّى بالحجاز المصطلق أبو خزاعة، وإنما سمي المصطلق لحسن صوته. قال البراء: كان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو عبد الدار بن قصي، فقلت له: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: هو مكانه، وأصحابه على أثري، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر، فقال: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه؟ فقال: هم أولاء على أثري، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال، ثم أتانا بعده عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، ثم أتانا بعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

وأبو بكر معه. قال البراء: فلم يقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة حتى قرأت سوراً من المفصّل ثم خرجنا نتلقى العير فوجدناهم قد برزوا. وعن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار بن ياسر وسعد فيما نصيبه في يوم بدر، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء وجاء سعد برجلين. وعن عمار بن ياسر قال: قاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجن والإنس، قيل: وكيف قاتلت الجن والإنس؟! قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه ". فلما كنت على رأس البئر إذا رجل أسود كأنه مرس، فقال: والله لا تستقي منها اليوم ذنوباً واحداً، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت به وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هل أتاك على الماء من أحد؟ " قالت: نعم، فقصصت عليه القصة، فقال: " أتدري من هو؟ " قلت: لا، قال: " ذاك الشيطان ". وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء، رفقاء، وزراء وأعطيت أنا أربعة عشر، سبعة من قريش: علي، وحمزة، وحسن، وحسين، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقداد، وبلال ". وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة تساق إليهم الجنة: علي، وعمار، وسلمان ". وعن علي قال: استأذن عمار على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " الطيّب المطيّب، ائذن له ".

وعن هانئ بن هانئ قال: استأذن عمار على علي عليه السلام فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ". وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمار بن ياسر، قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً ". وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد: عبد الله بن مسعود ". قلت: ما هدي عمار؟ قال: " التقشف والتشمير ". وعن حذيفة قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: " إني لا أدري ما قدّر بقائي فيكم، فاقتدوا باللّذين من بعدي: يشير إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وعهد ابن أم عبد، يعني: عبد الله بن مسعود ". وعن عثمان بن أبي العاص قال: رجلان مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعاً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله يستعملك ويدنيك؟! فقال: أي بني، سأخبرك عن ذلك: قد كان يفعل ذلك، فوالله ما أدري أحباً كان ذلك منه أو تألفاً كان يتألّفني ولكن أشهد على رجلين فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن أم عبد وابن سمية. وفي حديث بمعناه: ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين. قال: صدقتم والله، لقد قتلناه.

وعن الحسن قال: قال عمرو بن العاص: إني لأرجو أن لا يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات يوم مات وهوي حب رجلاً فيدخله الله النار، قال: فقالوا: قد كنا نراه يحبك، وكان يستعملك، قال: فقال: الله أعلم أحبّني أم تألّفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلاً، قالوا: فمن ذلك الرجل؟ قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يم صفين، قال: قد والله قتلناه. وعن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد بن المغيرة في سرية قال: ومعه في السرية عمار بن ياسر إلى حيّ من قريش، أو من قيس حتى إذا دنوا من القوم جاءهم النذير فهربوا، وثبت رجل منهم كان قد أسلم وهو وأهل بيته، فقال لأهله: كونوا على رجل حتى آتيكم. قال: فانطلق حتى دخل في العسكر فدخل على عمار بن ياسر، فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وأهل بيتي فهل ذلك نافعي أم أذهب كما ذهب قومي؟ قال: فقال له عمار: أقم، فأنت آمن. قال: فرجع الرجل فأقام، وصبحهم خالد بن الوليد فوجد القوم قد أنذروا، وذهبوا، فأخذ الرج فقال له غمار: إنه ليس لك على الرجل سبيل، إني قد أمّنته، وقد أسلم، قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟! قال: نعم، أجير عليك، وأنت الأمير، إن الرجل قد أسلم، ولو شاء لذهب كما ذهب قومه، قال: فتنازعا في ذلك حتى قدما المدينة، فاجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر عمار للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان من أمر الرجل، فأجاز أمان عمار ونهى يومئذ أن يجير رجلٌ على أمير، فتنازع عمار وخالد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تشاتما، فقال خالد بن الوليد: أيشتمني هذا العبد عندك؟! أما والله لولاك ما شتمني. قال: فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: " كفّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عزّ وجلّ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله "، قال: وقام عمار فانطلق فاتّبعه خالد وأخذ بثوبه، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه. قال: وفيه نزلت: " يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم " يعني السرايا " فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول " حتى يكون الرسول هو الذي يقضي فيه " إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " حتى فرغ من الآية.

زاد في حديث آخر بمعناه: " ومن يعاد عماراً يعاده الله، ومن يسبّ عماراً يسبّه الله ". وعن أوس بنأوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه ". وعن مجاهد قال: رآهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملون الحجارة على عمار، وهو يبني المسجد فقال: " ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك فعل الأشقياء الأشرار ". وفي حديث بمعناه: " قاتله وسالبه في النار ". وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إن الله عزّ وجلّ قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنّا من أن يفتنّا، أرأيت عن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ". وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يعرض على ابن سمية أمران إلا اتبع الأرشد منهما ". فلما هاجت الفتنة، وقتل عثمان قلت: والله لأتبعنّه مع من أحببت، ومع من كرهت، فإذا أنا به مع علي مقبل. وفي حديث آخر بمعناه عنه قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إن الله أجار أهل الإسلام من الظلم ولم يجرهم من الفتن، فإن وقع فما تأمرني؟ قال: انظر عمار بن ياسر أين يكون فكن معه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار يزول مع الحق حيث يزول ". وعن بلال بن يحيى أن حذيفة أتى وهو ثقيل بالموت، فقيل له: إن هذا الرجل قد قتل لعثمان فما

تأمرنا؟ قال: أما إذا أبيتم فأجلسوني، فأسند إلى ظهر رجلٍ، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أبو اليقظان على الفطرة، ثلاث مرات، لن يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم ". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: انظروا عماراً، فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر. وعن علقمة قال: أتينا الشام فقلت: اللهم، ارزقني جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي الدرداء فقال: فمن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: أليس كان فيكم صاحب السواك والوساد يعني: عبد الله بن مسعود أوليس كان فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الشيطان يعني: عمار بن ياسر أوليس كان فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره: حذيفة، ثم قال: كيف كان عبد الله يقرأ " واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى "؟ قلت: " والذّكر والأنثى " قال: كاد هؤلاء أن يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: كم من ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه، منهم عمار بن ياسر. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبني المسجد، فإذا نقل الناس حجراً نقل عمار حجرين وإذا نقلوا لبنةً نقل عمار لبنتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية ".

قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا صفين، فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتل هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال. قال: أيّ رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فكنا نحمل لبنة وعمار يحمل لبنتين وأنت ترحض، أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل، فقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، فقال: اسكت، فوالله ما تزال ترحض في بولك، أنحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بيننا. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده جعل القوم يحملون وجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحمل هو وعمار، فجعل عمار يرتجز ويقول: نحن الملمون نبتني المساجدا وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المساجدا ". وقد كان عمار اشتكى قبل ذلك، فقال بعض القوم: ليموتنّ عمار اليوم، فسمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنفض لبنته وقال: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ". وعن الحين قال: لما قدم النّبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال: " ابنوا لنا مسجداً "، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " عرش كعرش موسى، ابنوه لنا بلبن "، فجعلوا يبنون ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعاطيهم اللّبن على صدره، ما دونه ثوب، وهو يقول: " اللهم، إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة "، فمرّ عمار بن ياسر، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفض التراب عن رأسه ويقول: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ". وقد روي أن ذلك في حفر الخندق، كما روي عن جابر بن عبد الله أن

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين لما أخذوا في حفر الخندق جعل عمار بن ياسر يحمل التراب والحجارة في الخندق، فيطرحه على شفيره، وكان ناقهاً من مرض، صائماً، فأدركه الغشي، فأتاه أبو بكر، فقال: اربع على نفسك يا عمار، فقد قتلت نفسك، وأنت ناقه من مرض، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول أبي بكر، فقام، فجعل يمسح التراب عن رأس عمار ومنكبه وهو يقول: " يزعمون أنك متّ، وأنك قد قتلت نفسك، كلا والله تقتلك الفئة الباغية ". وفي حديث آخر بمعناه: " ولا والله ما أنت بميت حتى تقتلك الفئة الباغية ". وعن عمار قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " آخر زادك من الدنيا ضياح لبن ". وقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتلك الفئة الباغية ". وعن مولاة لعمار بن ياسر قالت: اشتكى عمار شكوى ثقل منه، فغشي عله، فأفاق. ونحن نبكي حوله فقال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنّ آخر زادي من الدنيا مذقة لبن. وفي حديث آخر بمعناه: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلي أني مقتول بين فئتين من المؤمنين عظيمتين، تقتلني الباغية منهما. وعن زيد بن وهب أن عماراً قال لعثمان: حملت قريشاً على رقاب الناس عدواً فعدوا عليّ فضربوني،

فغضب عثمان ثم قال: ما لي ولقريش؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فضربوه، سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية، وقاتله في النار ". وعن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة وكانت تمرّض عماراً قالت: جاء معاوية إلى عمار يعوده. فلما خرج من عنده قال: اللهم، لا تجعل منيّته بأيدينا، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتل عماراً الفئة الباغية ". وعن حنظلة بن خويلد العنزي قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، وكل واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدهما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية "، فقال معاوية: لا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إني معكم، ولست أقاتل، إن أبي شكاني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه "، فأنا معكم، ولست أقاتل. وعن حذيفة: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الناكثة عن الحق ". وعن حارثة قال: قرئ علينا كتاب عمر: السلام عليكم، أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله قاضياً ووزيراً، وإنهما من نجباء أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وممن شهد بدراً، فاسمعوا لهم وأطيعوا، وقد آثرتكم بهما على نفسي.

وقال أبو وائل: إن عمر بعث إليهم عماراً وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، وجعلهم بينهم شاة: ربعاً لعبد الله، وربعاً لصاحبه، ونصفاً لعمار، لأنه على الصلاة وغيرها. وفي رواية أنه جعل لعمار شطرها وبطنها. وعن ابن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء ابن ياسر ستة آلاف. وعن عبد الله بن مسعود قال: بينا نحن يوم الجمعة في مسجد الكوفة، وعمار بن ياسر أمير على الكوفة لعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود على بيت المال إذ نظر عبد الله بن مسعود إلى الظل فرآه قدر الشراك، فقال: إن يصب صاحبكم سنّة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم يخرج الآن. قال: فوالله ما فرغ عبد الله بن مسعود من كلامه حتى خرج عمار بن ياسر يقول: الصلاة. قال أبو وائل: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز. فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن طول صلاة الرج وقصر خطبته مئنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، فإن من البيان سحراً ". وعن إبراهيم أن عماراً كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب " يس ". وعن زر بن حبيش أنه رأى عمار بن ياسر قرأ " إذا السّماء انشقّت " وهو على المنبر، فنزل: فسجد.

وعن زر قال: صلّى عمار صلاة فيها خفة، فذكر ذلك له فقال: إني بادرت الوسواس. وعنعبد الله بنعنمة قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد، فصلى، فأخف الصلاة. قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: أبا اليقظان، لقد خففت! قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئاً؟ قلت: لا، قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها ". وعن خلاس بن عمرو قال: شهدت عمار بن ياسر وسأله رجل عن الوتر، فقال: ترضى بما أصنع؟ قال: إن فيك لمقنعاً أما أنا فأوتر من أول الليل، فإن رزقت من آخر الليل شيئاً صليت شفعاً حتى أصبح. وعن طارق بن شهاب الأحمسي قال: غزت بنو عطارد ماء للبصرة وأمدّوا بعمار من الكوفة، فخرج قبل الوقعة، وقدم بعد الرقعة فقال: نحن شركاؤكم في الغنيمة، فقام رجل من بني عطارد فقال: أيها العبد المجدّع، تريد أن نقسم لك غنائمنا؟! وكانت أذنه أصيبت في سبيل الله، فقال: عيرتموني بأحبّ أذنيّ إليّ أو خير أذنيّ قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة. حدث عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرّون، أنا عمار بن ياسر، هلمّ إليّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذبن وهو يقاتل أشد القتال.

وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعوها حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم. وعن عبد الله بن سلمة قال: مرّ عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يرسس داره، فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال: أراك بنيت شديداً، وأمّلت بعيداً، وتموت قريباً. وعن الربيع بن عميلة قال: كنا مع عمار بن ياسر في المسجد، وعنده أعرابي، فذكروا المرض، فقال الأعرابي: ما مرضت قط، فقال عمار: ما أنت؟! أولست منا؟ إن المسلم يبتلى بالبلاء، فيكون كفارة خطاياه فتتحاتّ كما يتحاتّ ورق الشجر، وإن الكافر يبتلى، فيكون مثله كمثل البعير عقل، فلا يدري لم عقل، وأطلق فلا يدري لم أطلق. قال ابن أبي الهذيل: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتّاً بدرهم فاستزاد حبلاً فأبي فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة. وفي رواية: ثم حمله على عاتقه، فأدخله القصر.

قال يونس بن عبد الله الجرمي: أخبرني من نظر إلى عمار بن ياسر، وهو أمير الناس بالكوفة، فيأخذ نصيبه من اللحم الذي كان رزقه عمر فيحمله بيده. وعن عكرة أن عماراً أخذ سارقاً قد سرق عيبته فقال: أستر عليه لعل الله يستر علي. وفي رواية: أخذ سارقاً قد سرق عيبته فأرسله. وعن أبي البختريّ الطائي قال: قاول عمار رجلاً، فاستطال الرجل عليه، فقال عمار: أنا إذاً كمن لا يغتسل يوم الجمعة، فعاد الرجل فاستطال عليه، فقال له عمار: إن كنت كاذباً فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطّأ عقبك. وعن الحارث بن سويد قال: محل رجل بمولى لعمار عند عمر فقال: إن مولى لعمار يخاطر بالديوك فبلغ ذلك عماراً فشق عليه، فقال: اللهم، إن كان كاذباً فابسط له في الدنيا، واجعله موطّأ العقبين. وعن عمار بن ياسر قال: ثلاث من الإيمان، من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، تنفق وأنت تعلم أن الله سيخلف لك، وإنصاف الناس منك لا تلجئهم إلى قاض، وبذل السلام للعالم. وقال عمر لعمار بعد عزله عن الكوفة: أبا الله، ساءك حين عزلتك؟ قال: تالله ما فرحت حين استعملتني، ولقد ساءني حين عزلتني.

وعن عمار قال: ثلاثة لا يستخفّ بحقهم إلا منافق بيّنٌ نفاقه: الإمام المقسط، ومعلم الخير، وذو الشيبة في الإسلام. وعن موسى بن عقبة أن عمار بن ياسر كان يدعو فيقول: اللهم، اجعلني من عبادك الصالحين، وأعطني من صالح ما تعطي عبادك الصالحين، من الأمانة، والإيمان، والأجر، والعافية، والمال، والولد النافع غير الضار ولا المضر، ولا الضّال ولا المضلّ. وكان عمار بن ياسر يقول: كفى بالموت موعظة، وكفى باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلاً. وعن قيس بن عباد قال: قلت لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، أرأيت هذا الأمر الذي أتيتموه: برأيكم أو شيء عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم نعهده إلى الناس. قال ابن عمر: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار بن ياسر، وما أدري ما صنع. قال ابن عبس لحذيفة: إن أمي المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: الزموا عماراً، قال: إن عماراص لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً من الأخيار. وهو يعلم إن لزموا عماراً كانوا مع علي. وعن عمار بن ياسر قال: أمرت أن أقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين. وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: كان عمار بن ياسر قليل الكلام، طويل السكوت وفي رواية: طويل الحزن

والكآبة وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة. وعن عمار بن ياسر أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات: اللهم، لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من هذا الجبل، فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت، اللهم، لو أعلم أن أرضى لك عني أن ألقي بنفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو ألاّ تخيّبني وأنا أريد وجهك. وعن أبي وائل قال: دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود على عمار، وهو يستنفر الناس فقالا له: ما رأينا منك منذ أسلمت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر! فقال لهما: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلّة حلّة، وخرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة. وعن عمار بن ياسر قال: لقد سارت أمّنا مسيرها، وإنا لنعلم أنها زوجة نبيّنا في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها لنعلم: إياه نطيع أو إياها. سمع عمار بن ياسر رجلاً ينال من عائشة فلقال له: اسكت مقبوحاً منبوحاً، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة. وعن الشعبي قال: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب.

وعن ابن إسحاق أن عماراً قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقول في أبناء من قتلناه؟! قال: لا سبيل عليهم، قال: لو قلت غير ذلك خالفناك. وفي رواية: قال عمار لعلي يوم الجمل: ما تريد تصنع بهؤلاء. وذراريهم؟ قال: قال له علي: حتى ننظر لمن تصير عائشة، قال: فقال عمار: ونقسم عائشة؟! قال: فكيف نقسم هؤلاء؟ فقال له عمار: أما إنك لو أردت غير هذا ما تابعناك. وعن عمار بن ياسر إن علياً مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فوثب عليهم فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، ولولا أن تكون سبّة لضربت بها وجوهكم، فخرج عليه رجلان من الحمام متزلّقين زاد في رواية: مدهنين فقال: من أنتما؟ فقالا: من المهاجرين، فقال: بل من المفاخرين، إنما المهاجر عمار بن ياسر. قال بعض رواته: أحسب أن الرجلين ليسا من الصحابة، ولو كانا من الصحابة عرفهما، وإنما يعنيان من المهاجرين ممن جاء فقاتل معه. قال عبد الله بن سلمة: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء، فقال له رجل: أينشد عندكم الشعر وأنتم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم؟! فقال: إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، إنا لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لنا: قولوا لهم كما يقولون لكم، فإن كنا لنعلّمه الإماء بالمدينة. وعن عمار بن ياسر قال: قبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم.

وعن أبي التحيى قال: إني لفي الصف بصفين إذ مرّ علينا علي على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي الصفوف، فقام عمار بن ياسر فأخذ باللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فمضى ولم يردّ عليه شيئاً، ثم رجع علينا يسوّيها، فقام إليه فأخذ اللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مالك لا تكلّم؟ أيوم العتيق هو؟ قال: نعم، فأرسل اللجام وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه. وعن مسلم بن الأجدع الليثي وكان ممن شهد صفين قال: كان عمار يخرج بين الصفين، وقد أخرجت الرايات، فينادي حتى يسمعهم بأعلى صوته: روحوا إلى الجنة، قد تزينت الحور العين. وعن أبي عاصم قال: خرج عمرو بن يثربي وهو يقول: الرجز أنا لمن أنكرني ابن يثربيّ ... قاتل علباء وهند الجملي وابن صوحان على دين علي فبرز له عمار، وهو ابن ثلاث وتسعين عليه فروة مشدودة الوسط بشريطٍ، حمائل سيفه تسعة، فانتقضت ركبتاه، فجثا على ركبتيه، فأخذه أسيراً، فأتى به علياً عليه السلام، فقال: ابن يثربيّ، أدنّي منك، وهو يريد أن يثب عليه، فقال: لا ولكن أقتلك صبراً بالثلاثة الذي قتلتهم على ديني. وعن سلمة بن كهيل قال: قال عمار بن ياسر يوم صفين: الجنة تحت البارقة، يعني: الظمآن قد يرد الماء موروداً. اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق، وأنهم على

باطل، والله لقد قاتلت بهذه الراية ثلاث مرات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما هذه المرة بأبرهنّ ولا أتقاهنّ. وعن ابن البختري أن عمار بن ياسر يوم صفين جعل يقاتل، فلا يقتل، فيجيء إلى علي فيقول: يا أمير المؤمنين، أليس هذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: اذهب عنك؛ فقال ذلك مراراً، ثم أتي بلبن فشربه، فقال عمار: إن هذه لآخر شربة أشربها من الدنيا، أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن هذه آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. وحدث رجل من بني سعد قال: كنت واقفاً بصفين إلى جنب الأحنف، والأحنف إلى جنب عمار، فسمعت عماراً يقول: عهد إلي خليلي أن آخر زادي من الدنيا ضيحة لبن. فبينا نحن كذلك إذ سطع الغبار، وقالوا: جاء أهل الشام، جاء أهل الشام، وقامت السقاة يسقون الناس، فجاءته جارية، معها قدح، فناولته عماراً، فشرب ثم ناول عمار فضله الأحنف بن قيس ثم ناولني الأحنف وفي رواية: فإذا هو لبن فقلت: إن كان صاحبك صادقاً فخليق أن يقتل الآن، قال: فغشينا القوم، فتقدم عمار، فسمعته يقول: الجنة الجنة تحت الأسنّة، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، ثم كان آخر العهد. حدث ابن سعيد عن عمه قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار كان الرجلان يضطربان بسيفهما حتى يفترا، فيجلسا، حتى يتروّحا، فيعودا، وربما قال: فانتصف النهار وقد ضرب الناس كلهم، فليس أحد يتحرك، فيختلطون هكذا، وشبك بين أصابعه حتى إذا زالت الشمس إذا رجل قد برز بين الصفين، جسيم، على فرس جسيم، ضخم، على ضخم، ينادي، يا عباد الله بصوت موجع يا عباد الله، ورحوا إلى الجنة، ثلاث مرات، الجنة تحت ظلال الأسل، فثار الناس فإذا هو عمار بن ياسر فلم يلبث أن قتل رحمه الله.

وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلّ سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أضلّ أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية ". قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة، ثم اقترب فقاتل حتى قتل. وكان الذي قتل عمار بن ياسر أو غادية المزني، طعنه برمح، فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفّة، فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن تختصمان إلا في النار، فسمعهما منه معاوية. فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة. وقيل: إن عماراً قتل هو إحدى وتسعين سنة، وكان أقدم في الميلاد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أقبل إليه ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمر بن الحارث الخولاني، وشيك بن سلمة المرادي، فانتهوا إليه جميعاً وهو يقول: والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقّ، وأنتم على باطل، فحملوا عليه جميعاً، فقتلوه. وزعم بعضهم أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عماراً، وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان. ويقال: بل الذي قتله عمر بن الحارث الخولاني. وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بشّر قاتل ابن سمية بالنار، أو قاتل ابن سمية في النار ". وعن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان، يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن. فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرأس وبين الساقين، قال: فحملت عليه، فطعنته

في ركبته، قال: فوقع، فقتلته، فقيل: قتل عمار بن ياسر، وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن قاتله وسالبه في النار "، فقيل لعمرو بن العاص: هوذا أنت تقاتله، فقال: إنما قال: " قاتله وسالبه ". وعن كلثوم بن جبير قال: كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فقال: الإذن، هذا أبو غادية الجهني، فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل، عليه مقطّعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال، كأنه ليس من هذه الأمة. فلما أن قعد قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العقبة فقال: " يا أيها الناس، ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " فقلنا: نعم، فقال: " اللهم، اشهد "، ثم قال: " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "، قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعدّ عمار بن ياسر فينا حناناً. فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: ألا إن نعثلاً هذا لعثمان فتلفت فلو أجد عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله، قال: قلت: اللهم، إنك إن تشأ تمكني من عمار، فلما كان يوم صفين أقبل يسير أول الكتيبة رجلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة، فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربته، فإذا رأس عمار. قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالة عندي منه، إنه سمع من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما سمع ثم قتل عماراً. قال: واستسقى أبو غادية، فأتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأتي بماء في قدح، فشرب، فقال رجل على رأس الأمير قائم

بالنبطية: أي يد كفتاه يتورع من الشراب في زجاج، ولم يتورع من قتل عمار؟! ولما استحلم القتال بصفين، وكادوا يتفانون قال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم فيه خفة العبد يعني: عمار بن ياسر وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن، وآخرهن ليلة الهرير. فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ومعه اللواء يومئذٍ: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار، رحمك الله، إنك رجل تستخفّك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء زحفاً رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد، وإني إن خففت لم آمن الهلكة، فلم يزل به حتى حمل، فنهض عمار في كتبيته، فنهض إليه ذو الكلاع في كتبيته، فاقتتلوا فقتلا جميعاً، واستؤصلت الكتيبتان، وحمل على عمار حويّ السكسكي وأبو الغادية المزني، فقتلاه، فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف إلينا في كتيبته، ودلفنا إليه نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك فاضطربا بسيفيهما فقتل عمار السكسي ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه رجل من حمير فاضطربا بسيفيهما فقتل عمارٌ الحميري، وأثخنه الحميري، ونادى: من يبارز؟ فبرزت إليه، فاختلفنا ضربتين، وقد كانت يده ضعفت، فانتحى عليه بضربة أخرى، فسقط، فضربته بسيفي حتى برد، قال: ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان! قتلك الله، فقلت: اذهب إليك، فوالله ما أبالي من كنت، وتالله ما أعرفه يومئذٍ، فقال له محمد بن المنتشر: يا أبا الغادية، خصمك يوم القيامة مازندر يعني ضخماً فضحك.

وكان أبو الغادية شيخاً، كبيراً، جسيماً، أدلم، قال: فقال علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخ عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. لقد رأيت عماراً وما يذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة كان رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهينئاً لعمار بالجنة. ولقد قيل: إن عماراً مع الحق، والحق معه يدور، عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار. قال حبيب بن أبي ثابت: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل. وعن قيس بن أبي حازم قال: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم. وعن أشياخ شهدوا عماراً قال: لا تغسلوا عني دماً، ولا تحثوا علي تراباً، فإني مخاصم. وعن عاصم بن ضمرة أن علياً صلى على عمار، ولم يغسله. وعن أبي إسحاق أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً أو ستاً أو سبعاً. والشك في ذلك من أشعث، أحد رواته. ولما بلغ أهل الشام يوم صفين أن عمار بن ياسر قد قتل بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه، فعاد إليهم، فأخبرهم أنه قد قتل، فنادى أهل الشام أصحاب عليّ: إنكم

لستم بأولى بالصلاة على عمار بن ياسر منا. قال: فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً. وعن مجاهد قال: لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو: إنا لله وإنا إليه راجعون. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، قال: فقال معاوية: لا تزال تبول، ثم تمرّغ في مبالك، نحن قتلناه؟! إنما قتله الذي أخرجوه. وعن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أول شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا، والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون. فلما كان يوم صفين ذهبنا ننظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول. قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إليّ، فقلت عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتله الفئة الباغية "، فقلت: هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عينيّ مقتول، قال: فانطلق فأرينه، فذهبت به، فأوقفته عليه، فساعة رآه امتقع، ثم أعرض في شق وقال: إنما قتله الذي خرج به. ولما قتل عمار نادى المنادي: أين الشاكّ في قتال أهل الشام؟ قد قتل عمار. وقتل عمار وهو ابن نيف وتسعين سنة سنة سبعٍ وثلاثين بصفين، ودفن هناك. وكان لا يركب على سرج، وكان يركب راحلته من الكبر، وكان أبيض الرأس واللحية. فصلى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يغسّله. وكانت وقعة صفين بين علي ومعاوية. وقتل بينهما جماعة كثيرة، يقال: إنهم سبعون ألفاً في صفين، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. وكان عمار يقاتل في محفّة من فتق كان به.

عمران بن الحسن بن يوسف

رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل في منامه أنه أدخل الجنة، فإذا هو بقباب مضروبة، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وحوشب، وكانا قتلا مع معاوية، قال: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: وقد قتل بعضهم بعضاً! قالوا: نعم، إنهم لقوا الله، فوجدوه واسع المغفرة، قال: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً. عمران بن الحسن بن يوسف أبو الفرج الختّلي الخفاف حدث بدمشق عن أي بكر أحمد بن سليمان بنزبّان بن الحبّاب ويعرف بابن أبي هريرة بسنده إلى غنام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من صام ستاً بعد الفطر فكأنما صام الدهر أو سنة ". وحدث عن عبد الله بن ضوء بسنده إلى يوسف بن أسباط قال: التقى ملكان في الهواء، فقال أحدهما لصاحبه: من أين جئت؟ قال: بعثت لأهريق زيت العابد اشتهاه، فوضعه إلى جانبه ليأكل منه فكفأته، وقال الآخر: جئت من البحر، أخرجت لكافرٍ سمكة اشتهاها فأخرجتها ليأكل منها. توفي عمران الخفاف سنة أربع مئة.

عمران بن حطان بن لوذان بن الحارث بن سدوس

عمران بن حطان بن لوذان بن الحارث بن سدوس ويقال: عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو ابن الحارث بن سدوس. وفي نسبه اختلاف أبو سماك ويقال: أبو شهاب ويقال: أبو مقعس ويقال: أبو دلان السدوسي قدم دمشق مستخفياً من عبد الملك بن مروان، فنزل على روح بن زنباع. حدث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا نقضه. قال: فحدثتني ذفرة قالت: بينما أنا أطوف بالبيت مع أم المؤمنين إذ فطن بها، فقالت: أعطني ثوباً، فأعطيتها ثوباً، فقالت: فيه تصليب؟ قلت: نعم، فأبت أن تلبسه. كان عمران من قعد الخوارج، وهو شاعر مفلق، وطلبه الحجاج فأعجزه، ومن شعره: البسيط يا خمر، كيف يذوق الخفض معترفٌ ... بالموت والموت فيما بعده جلل كيف أواسيك والأحداث مقبلةٌ ... فيها لكلّ امرئ عن غيره شغل وخمر زوجته. وعمران وجماعة من الخوارج ينسبون إلى طائفة منهم يقال لهم الحرورية. وكان عمران أدرك جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصار في آخر أمره أن رأى رأي الخوارج، وكان سبب ذلك أن ابنة عمران رأيت رأي الخوارج، فزوجها ليردها عن ذلك، فصرفته إلى مذهبها، وقيل: إنه تزوج امرأة من الخوراج فغيّرته إلى رأي الخوارج، وكانت

من أجمل الناس وأحسنهم عقلاً، وكان عمران من أسمج الناس وأقبحهم وجهاً، فقالت له ذات يوم: إني نظرت في أمري وأمرك فإذا أنا وأنت في الجنة، قال: وكيف؟ فقالت: لأني أعطيت مثلك فصبرت، وأعطيت مثلي فشكرت، والصابر والشاكر في الجنة، فمات عنها عمران، فخطبها سويد بن منجوف، فأبت أن تتزوجه، وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبّله فشدت عليه فقطعته، وقالت: والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران، وما تزوجت حتى ماتت. وعن المبرّد قال: كانت خمرة امرأة عمران جميلة، وذكر مثل هذه الحكاية، فقال لها خجلاصك لا بل مثلي ومثلك كما قال الأحوص: البسيط إنّ الحسام وإن رثّت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهة قتلا فإياك والعودة إلى مثل ما قلت مرة أخرى. وقال عثمان البتّي قال: كان عمران بن حطان من أهل السنة، فقدم غلام من عمارن كأنه نصل فقلبه. قال الفرزدق: عمران بن حطان من أشعر الناس، قيل: ولم؟ قال: لأنه لو أراد أن يقول مثلما قلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله. قال محارب بن دثار: زاملت عمران بن حطان إلى مكة، فما ذاكرني شيئاً حتى انصرفنا. وعن قتادة قال: قال سعيد بن أبي الحسن: لوددت أني سمعت رجلاً يسمعني من شعر ابن حطان، فقلت: أنا، فأنشدته، فقال: ما هذا بشعر، قال الحسن: بلى، ولكن علّمه الشيطان. وقف عمران بن حطان على الفرزدق وهو ينشد فقال له: الخفيف

أيها المادح العباد ليعطى ... إنّ لله ما بأيدي العباد فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المهيمن العواد لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد فقال: الحمد لله الذي شغل عنا هذا ببدعته، ولولا ذلك للقينا منه عنتاً. ومن شعر عمران بن حطان: البسيط يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها ... إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حيناً فأحبسه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا فبلغ شعره عبد الملك بن مروان، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون والرصد، فلم تحمل عمران ارضٌ حتى أتى ورح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فسأله: ممن أنت؟ فقال: رجل من الأزد. قال: وكان روح يكون في سمر عبد الملك حين يذهب ليل ثم يجيء إلى منزله، فيجد عمران قائماً يصلي، فيدعوه فيحدثه. وكان عمران يحدث روحاً بأحسن ما يكون وأعجبه إعجاباً شديداً. فلما كان بعد سنة سمر روح عند عبد الملك فتذاكرا شعر عمران بن حطان. فلما انصرف روح دعاه كما كان يدعوه يحدثه، فأخبره بالشعر، فأنشد عمران بقية الشعر. فلما أتى روح عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللّذين قالهما ابن حطان في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال له عبد الملك: صفه لي، فوصفه، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان أو ما لي رأي، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم، فقال روح لعمران: إني حدثت أمير المؤمنين أنك أنشدتني القصيدة كلها، فسألني أن أصفك له، فوصفتك له، فقال: هذا ابن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: معاذ الله، لست به، وأنا لاقيه إذا شئت إن شاء الله، وأصبح من الغد هارباً، وكتب إلى روح رقعة فيها هذه الأبيات: البسيط يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ ظنّك من لخمٍ وغسان

حتى إذا خفته زايلت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطان قد كنت ضيفك حولاً ما تروّعني ... فيه طوارق من إنسٍ ولا جان حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما يوحش الناس من خوف ابن مروان فاعذر أخاك ابن زنباعٍ فإنّ له ... في الحادثات هناتٌ ذات ألوان يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ ... وإن لقيت معدّياً فعدناني لو كنت مستغفراً يوماً لطاغيةٍ ... كنت المقدّم في سريّ وإعلاني لكن أبت لي آياتٌ مفصّلةٌ ... عقد الولاية من طه وعمران ثم خرج حتى أتى الجزيرة، فنزل في ضيافة زفر بن الحارث، فسأله: ممن أنت؟ فقال: من الأوزاع، وكانت له فيهم خؤولة، فأقام فيهم حولاً، فقدم رجل ممن كان معه في ضيافة روح بن زنباع، فعرفه، فقال لزفر: هل تدري من هذا؟ قال: رجل من الأوزاع، قال: بل هو رجل من أزد شنوءة، وقد كان عند روح بن زنباع يعرف بذلك، فقاله له زفر: أزدي مرة وأوزاعي مرة؟! إن لك لقصة، فأعلمناها، فإن كنت طريداً آويناك، وإن كنت خائفاً أمّناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، فقال عمران: إن الله هو المغني، وهو المؤوي، إنما أنا ابن سبيل، ثم خرج من عنده هارباً، وكتب إليه: البسيط إن التي أصبحت يعيا بها زفرٌ ... أعيا عياها على روح بن زنباع أمسى يسائلني طوراً لأخبره ... والناس من بين مخدوعٍ وخدّاع حتى إذا انجذبت مني حبائله ... كفّ السؤال ولم يولع بإهلاعي فاكفف كما كفّ ورحٌ إنني رجلٌ ... إما صريحٌ وإما فقعة القاع ثم توجه نحو عمان فلقي بريداً للحجاج بن يوسف في طريقه، فقال له: أبلغ عني الحجاج هذين البيتين: الكامل

عمران بن خالد بن يزيد بن أبي جميل

أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ ... زبراء تنفر من صفير الصافر هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر قرعت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت مناظره كأمس الغابر ولحق بعمان، وفوجد بها أصحاباً له، وكان عقيد الشّراة، وله عندهم قدر عظيم، فصادف بعمان ما يريد. فأقام بها حياته. ومن شعر عمران: الوافر لقد زاد الحياة إليّ حبّاً ... بناتي أنهنّ من الضّعاف مخافة أن يذقن الفقر بعدي ... وأن يشربن كدراً بعد صاف وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كومٍ عجاف فلولاهنّ قد سوّيت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف عمران بن خالد بن يزيد بن أبي جميل أبو عمر القرشي ويقال: الطائي ويقال: إنه من موالي مالك عبد عوف النصري حدث عمران بن خالد الدمشقي مولى أم حبيبة عن إسماعيل بن عبد الله بن سماعة بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أينام أحدنا، وهو جنب؛ فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يغسل فرجه ويتوضأ. وحدث عن شهاب بن خراش بسنده إلى أبي رجاء العطاردي قال: أتيت المدينة فإذا الناس مجتمعون، وإذا في وسطهم رجل يقبّل رأس رجل، وهو يقول: أنا فداؤك، لولا أنت هلكنا، فقلت: من المقبّل، ومن المقبّل؟ قال: ذلك عمر بن الخطاب يقبّل رأس أبي بكر في قتال أهل الردة الذين منعوا الزكاة.

عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان

مات عمران سنة أربع وأربعين ومئتين. عمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني ولد على عند سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو سماه عمران، وأمه حمنة بنت جحش. وفد على معاوية. حدث عن أمه حمنة بنت جحش أنا استحيضت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إني استحضت حيضة منكرة شديدة، فقال لها: " احتشي كرسفاً "، قالت: إنه أشد من ذلك، إني أثجّ ثجّاً، قال: " تلحمي وتحيّضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلاً، وصلي وصومي ثلاثاً وعشرين، أو أربعاً وعشرين، وأخّري الظهر، وقدّمي العصر، واغتسلي لهما غسلاً واحداً، وأخّري المغرب، وقدّمي العشاء، واغتسلي لهما غسلاً. وهذا أحب الأمرين إليّ ". وفي حديث آخر: " إنما هو ركضة من ركضات الشيطان، فتحايضي ستة، أو سبعة أيام في علم الله ". الحديث وكان عمران بن طلحة قد لحق بمعاوية، فقال له معاوية: ارجع إلى علي فإنه يرد عليك مالك، فرجع عمران، فأتى الكوفة، فدخل على عليّ في المسجد، فقال له علي: مرحباً يا بن أخي، إني لم أقبض مالكم لآخذه. ولكني خفت عليه من السفهاء، فانطلق إلى عمك قرظة بن كعب فمره فليردّ عليك ما أخذنا من إلى أرضكم، أما والله إني لأرجو أن أكون أن وأبوك من الذين ذكرهم الله في كتابه وتلا هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم

عمران بن عصام أبو عمارة الضبعي

من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين " فقال الحارث الأعور: لا، والله، الله أعدل من أن يجمعنا وإياهم في الجنة. قال: فمن ذا يا أعور؟ أنا وأبوك؟! عمران بن عصام أبو عمارة الضبعي من أهل البصرة، ووفد على عبد الملك بن مروان. حدث عن عمران بن حصين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الشفع والوتر قال: " هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر ". وقال الحسن: العيد، وقال ابن عباس: الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة، وقال آخرون: الله الوتر، وخلقه الشفع. قال الحجاج بن يوسف يوماً لأهل ثقته من جلسائه: ما من أحد من بني أمية أشد نصباً لي من عمر بن عبد العزيز بن مروان، وليس يوم من الأيام إلا وأنا أتخوف أن تأتيني منه قارعة، فهل من رجل تدلوني عليه له لسان وشعر وجلد؟ قالوا: نعم، عمران بن عصام العنزي، قال: فدعاه، فأخلاه، ثم قال: اخرج بكتابي إلى أمير المؤمنين فاقدح في قلبه من ابنه شيئاً من الولاية، فقال له عمران: رسّ إلي أيها الأمير رسيساً، فقال له الحجاج: إن العوان لا تعلّم الخمرة، فخرج بكتاب الحجاج. فلما دخل على

عبد الملك، ودفع إليه الكتاب، وسأله عن الحجاج وأمير العراق اندفع يقول: الوافر أمير المؤمنين إليك أهدي ... على النّأي التحية والسّلاما أجبني عن بنيك يكن جوابي ... لهم أكرومة ولنا نظاما ولو أن الوليد أطاع فيه ... جعلت له الخلافة والذّماما شبيهك حول قبّته قريش ... به يستمطر الناس الغماما ومثلك في التقى لم يصب يوماً ... لدن خلع القلائد والتّماما قال: فكتب عبد الملك إلى عبد العزيز يسأله أن يجعل الولاية بعده للوليد، فكتب إليه عبد العزيز: إن رأيت ألاّ تعجل عليّ بالقطيعة، ولا يأتي عليّ الموت إلا وأنت لي واصل، فافعل، وذكر قرب الأجل. قال: فرقّ عبد الملك رقة شديدة لكتابه، ثم قال: لا يكون إلى الصلة أسرع منين وكفّ عن ذكر ذلك، وما لبث عبد العزيز إلا ستة أشهر حتى مات. وفي رواية: أن عبد العزيز لما أبى أن يجيب عبد الملك إلى ما أراد قال عبد الملك: اللهم، إنه قد قطعني فاقطعه. فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: إنه ردّ على أمير المؤمنين أمره فدع عليه، فاستجيب له، وقال عبد الملك لابنيه: هل قارفتما حراماً قط؟ قالا: لا والله، قال: الله أكبر، نلتماها إذاً ورب الكعبة. ولما كان زمان ابن الأشعث خرج عمران بن عصام مع ابن الأشعث على الحجاج، فأتى به الحجاج حين قتل ابن الأشعث فقتله سنة أربع أو خمس وثمانين فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فقال: قطع الله يد الحجاج، وأقتله وهو الذي يقول: الكامل وبعثت من ولد الأغرّ معتّبٌ ... صقراً يلوذ حمامه بالعوسج وإذا طبخت له بنار أنضجت ... وإذا طبخت بغيره لم تنضج

معتّب هو جد الحجاج. وكان عمران بن عصام، أحور، شريفاً، من بني هميم، بعثه الحجاج إلى عبد الملك بن مروان لحضه على توكيد بيعة الوليد وخلع أخيه عبد العزيز. واختصم سويد بن منجوف ومسمع في الرئاسة إلى عمران فجعل الرئاسة لسويد، فقال شاعر منهم: الطويل وحكّم عمران الهميمي قومكم ... وأخّر عن عقد الرئاسة مسمعا ولعمران: الكامل قبح الإله عدواةً لا تتقى ... وقرابة تدلى بها لا تنفع ولعمران يعاتب عامر بن مسمع: الوافر عذيري من أخٍ إن أدن شبراً ... يزدني في مباعدةٍ ذراعا أبت نفسي له إلا وصالاً ... وتأبى نفسه إلاّ انقطاعا كلانا جاهدٌ أدنوا وينأى ... كذلك ما استطعت وما استطاعا قال المثنى بن سعيد: أدركت عمران بن عصام الضبعي يختم القرآن في مسجد بني ضبيعة، في كل ثلاث يؤمهم. قال: ثم أمّهم قتادة نم بعده فجعل يختم في كل سبع، قال: ثم جعلها بعد ذلك عشراً. كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ادع الناس إلى البيعة، فمن أقر بالكفر فخلّ سبيله إلا رجل نصب رأيه أو شتم أمير المؤمنين، فدعا الناس إلى البيعة على ذلك حتى جاءت بنو ضبيعة، فقرأ عليهم الكتاب، فنهض عمران بن عصام فدعا به الحجاج فقال: اشهد على نفسك بالكفر، قال: ما كفرت مذ آمنت فقتله. وقيل: إنه لما أتى به الحجاج قال: عمران بن عصام؟ قال: نعم، قال: ألم أقدم العراق وأوفدتك إلى أمير المؤمنين، ولا يوفد مثلك؟ قال: بلى، قال: وزوجتك سيدة قومها ماوية بنت مسمع، ولم تك لها بأهل؟ قال: بلى، قال: فما حملك على الخروج مع

عمران بن أبي كثير الحجازي

عدو الله ابن الأشعث؟! قال: أخرجني باذان، قال: فأين كنت حجلة أهلك؟ قال: أخرجني باذان، قال: فأين كنت عن خرب البصرة؟ قال: أخرجني باذان؟ قال: فكشط رجل العمامة عن رأسه، فإذا محلوق، قال: ومحلوق أيضاً؟ لا أقالني الله إن أقلتك، فضربت عنقه. وقال خليفة: إن الحجاج قتله صبراً يوم وقعة الزاوية في محرم سنة اثنتين وثمانين. وقيل: إنه أتي به الحجاج أسيراً بدير الجماجم فقتله البصري. عمران بن أبي كثير الحجازي وفد على عبد الملك بن مروان. قال عمران بن أبي كثير: قدمت الشام فإذا قبيصة بن ذؤيب قد جاء برجل من أهل العراق، فأدخله على عبد الملك بن مروان، فحدثه عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن الخليفة لا يناشد "، قال: فأعطي وكسي وحبي، قال: فحكّ في نفسي شيء، فقدمت المدينة، فلقيت سعيد بن المسيّب، فحدثته، فضرب يده بيدي ثم قال: قاتل الله قبيصة! كيف باع دينه بدنيا فانية؟! والله ما من امرأة من خزاعة قعيدة في بيتها إلا وقد حفظت قول عمرو بن سالم الخزاعي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الرجز اللهم إني ناشدٌ محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا أفيناشد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يناشد الخليفة؟! قاتل الله قبيصة! كيف باع دينه بدنيا فانية؟!

كان عمرو بن سالم ركب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عندما كان من أمر خزاعة وبين بكر بالوتير، حتى قدم المدينة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبره الخبر، وقال أبياتاً. فلما قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنشده إياها: الرجز اللهم إني ناشدٌ محمداً ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ووالداً كنّا وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر رسول الله نصراً عتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجرّدا ... في فيلقٍ كالبحر يجر مزبدا إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكّدا وزعموا أن لست تدعوا أحدا ... فهم أذلّ وأقلّ عددا قد جعلوا لي بكداءٍ مرصدا ... هم بيّتونا بالوتير هجّدا فقتلونا ركّعاً وسجّدا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " نصرت يا عمرو بن سالم "، فما برح حتى مرت عنانة في السماء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب "، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس بالجهاد، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم.

عمران بن أبي مدرك

عمران بن أبي مدرك نزيل دمشق. قال عمران بن أبي مدرك: قال رجل للقاسم بن مخيمرة: متعني الله بك، قال: متعك الله بحمارك. عمران بن معروف السدوسي البصري ولي قضاء الأردن، واجتاز دمشق. حدث عن سليمان بن أرقم بسنده إلى عقيل بن أبي طالب أنه تزوج فقيل له: بالرّفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " على الخير والبركة، بارك الله لك، وبارك عليك ". وحدث عن أبي هلال الراسبي قال: سألت ابن سيرين عن كرى الأرض، فقال: قال رافع بن خديج: نهانا نبينا صلّى الله عليه وسلّم عن كرى الأرض. عمران بن موسى حدث عن مكحول. قال: قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " قيدوا العلم بالكتاب ". عمران بن موسى بن المهرجان أبو الحسن النيسابوري حدث بدمشق وبمصر. حدث عن محمد بن يحيى النيسابوري بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده منه ".

عمران بن موسى أبو موسى

وحدث عن محمد بن يحيى بسنده إلى ابن الزبير أنه خطب الناس فقال: حدثتني عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " لولا أن قومك حديث عهد بالكفر لأعدت البيت على بنائه ولجعلت لها بابين شرقياً وغربياً فقد أوسع الله من المال ". عمران بن موسى أبو موسى الطرسوسي حدث بدمشق عن عبد الملك بن سليمان بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطب على المنبر فقال: " من جاء منكم الجمعة فليغتسل ". عمر بن أحمد بن بشر بن السّري أبو بكر البغدادي المعروف بالسّنّي سمع بدمشق وبغيرها. وحدث عن نصر بن علي بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ". قال: وقال ابن عمر: إن ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة. وحدث عن العباس بن الوليد بن يزيد البيروتي بسنده إلى ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة برٍ أو تيسير أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام ". قدم أبو بكر السّنّي أصبهان سنة ست وتسعين ومئتين، وحدث بها.

عمر بن أحمد بن الحسين بن أحمد

عمر بن أحمد بن الحسين بن أحمد أبو حفص الهمداني الصوفي الوراق كان شيخاً صالحاً، يؤم في بعض المساجد. حدث عن أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بسنده إلى سيعد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من ظلم في الأرض شيئاً طوّقه من سبع أرضين، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ". عمر بن أحمد بن عثمان ابن أحمد بن محمد بن أيوب بن ازداد بن سراح بسين مهملة مفتوحة وحاء مهملة ابن عبد الرحمن أبو حفص البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين سمع بدمشق وبغيرها. وكان من الثقات المكثرين الجوالين. حدث في سنة أربع وسبعين وثلاث مئة عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بسنده إلى البراء بن عازب قال: أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل فشكا إليه الوحشة فقال: أكثر أن تقول: " سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، جللت السماوات والأرض بالعزة والجبروت "، فقالها ذلك الرجل فذهب عنه الوحشة. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " " ليسال أحدكم ربه عزّ وجلّ حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع ".

وحدث عن أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الدمشقي بسنده إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله ". ذكر أنه وجد مولده بخط أبيه أنه ولد سنة سبع وتسعين ومئتين، وسمع أول سماعه سنة ثمان وثلاث مئة. قال: وصنفت ثلاث مئة مصنف وثلاثين مصنفاً، أحدها التفسير الكبير ألف جزء، والمسند ألف وخمس مئة جزء، والتاريخ مئة وخمسون جزءاً، والزهد مئة جزء، وأول ما حدثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة، وكتبت بأربع مئة رطل حبر. وقال مرة: حسبت ما اشتريت به الحبر إلى هذا الوقت فكان سبع مئة درهم. قال الداودي: وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم. قال: ومكث بعد ذلك يكتب زماناً، وكان ثقة، مأموناً، وجمع وصنف ما لم يصنف أحد. وكان لحاناً، وكان لا يعرف من الفقه قليلاً ولا كثيراً، وكان إذا ذكر له مذهب الشافعي وغيره يقول: أنا محمدي المذهب. واجتمع يوماً مع أبي الحسن الدارقطني فلم ينبس بكلمةهيبةً وخوفاً أن يخطئ بحضرة أبي الحسن، وقال الدارقطني: ما أعمى قلب ابن شاهين حمل إليّ كتابه الذي صنفه في التفسير، وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطأ، فرأيته نقل تفسير أبي الجارود، وفرقه في الكتاب، وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر، وإنما هو عن أبي الجارود زياد بن المنذر. وذكر ابن البقال عنه أنه قال: رجعت من بعض سفري، فوجدت كتبي قد ذهبت، فكتبت من حفظي عشرين ألف حديث أو قال: ثلاثين ألف حديث استدراكاً مما ذهب. قال البرقاني: قال ابن شاهين: جميع ما خرجته وصنفته من حديثي لم أعارضه بالأصول يعني: ثقة بنفسه فيما نقله قال البرقاني: فلذلك لم أستكثر منه زهداً فيه. توفي أبو حفص عمر بن شاهين سنة خمس وثمانين وثلاث مئة، ودفعن عند قبر أحمد بن حنبل.

عمر بن أحمد بن لبيد البيروتي

عمر بن أحمد بن لبيد البيروتي إمام الجامع ببيروت المعروف بورد. حدث عن أبي النصر إسماعيل بن إبراهيم العجلي بسنده إلى طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما يرى الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدخر ولا أقصر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وذلك لما يرى من تنزّل رحمة الله، وتجاوزه في ذلك اليوم عن الذنوب العظام ". عمر بن إبراهيم بن سليمان أبو بكر البغدادي الحافظ يعرف بأبي الآذان حدث عن سليمان بن عبد الخالق بسنده إلى عمر قال: صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة العيد ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم. وحدث عن القاسم بن سعيد بن المسيب بن شريك بسنده إلى ابن عباس قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " من سئل عن علم نافع فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار ". وحدث عن إسماعيل بن حفص بن الحكم الآبلي بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المهاجر من هجر السوء، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ". أثنى أبو بكر الإسماعيلي على أبي الآذان جداً. قال، وطالت خصومة بينه وبين يهودي أو غيره فقال له: أدخل يدك في النار وأنا كذلك، فمن كان محقاً لم تحترق يده، فذكر أن يده لم تحترق، واحترقت يد اليهودي. توفي سنة تسعين ومئتين، وله ثلاث وستون سنة. وكان ثقة.

عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد

عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد ابن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين ين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو البركات بن أبي علي الحسيني الزيدي الكوفي النحوي ولد بالكوفة، وسمع بها، وقدم دمشق مع أبيه، وسمع بها. قال المصنف: وهو أورع علوي رأيته. حدث عن أبي الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد بن النّقّور بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ". وحدث عن أبي الفرج محمد بن أحمد بن علاّن الخازن بسنده إلى جرير بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحثنا على الصدقة، فأمسك الناس حتى رئي في وجهه الغضب، ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرّة، وأعطاها إياه، ثم تتابع الناس حتى رئي في وجهه السرور فقال صلّى الله عليه وسلّم: " من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجرهم شيء، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزراهم شيء ". قال المصنّف: سألت أبا البركات الزيدي عن مولده فقال: في سنة اثنتين وأربعين يعني: وأربع مئة بالكوفة، لم أسمع منه في مذهبه شيئاً، وقرأت عليه حديثاً فيه ذكر بعض السلف فترحم عليه. قال: وحدثني أبو علي بن الوزير أنه سأله عن مذهبه في الفتوى وكان مفتي الكوفة فقال: نفتي بمذهب أبي حنيفة ظاهراً وبمذهب زيد تديناً، قال: وحكى لي أبو طالب بن الهرّاس الدمشقي أنه صرح له بالقول بالقدر وخلق القرآن،

عمر بن بحر

فاستعظم أبو طالب ذلك منه، وقال: إن الأئمة على غير ذلك، فقال له: إن أهل الحق يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بأهله. توفي الزيدي عمر بالكوفة سنة تسع وثلاثين وخمس مئة. عمر بن بحر أبو حفص الأسدي الصوفي سمع بدمشق. حدث عن موسى بن عامر الدمشقي بسنده إلى زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " من تكن الدنيا نيته جعل الله فقره بين عينيه، وشتت الله عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه ويكف عليه ضيعته، وتأتيه الدنيا وهي راغمة ". قال أبو حفص: وسمعت أحمد بن الحواري يخبر عن عبد الله بن السري قال: قال ابن سيرين: إن لأعرف الذي حمل علي به الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس، فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلّت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون؟ وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى. قال عمر بن بحر: سمعت الجاحظ يقول، وقد تقاضى تلميذ له كتاباً وتقاضى للتلميذ أيضاً كتابه فرد الكتاب عليه ثم أنشأ الجاحظ يقول: الخفيف أيّها المستعير منّي كتاباً ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى لا تر ردّ ما أعرتك نفلاً ... وترى ردّ ما استعرتك فرضا كان أبو حفص من كبار مشايخ أصبهان، وصحب ذا النون المصري وغيره، وهو من المذكورين بالفتوّ والورع، وقدم أصبهان سنة ثمان وثمانين ومئتين.

عمر بن أبي بكر بن محمد

عمر بن أبي بكر بن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن المؤمّل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي بن غالب، أبو حفص العدوي الموصلي قاضي الأردن. حدث عن القاسم بن عبد الله العمري بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " صلاة في مسجدي هذا كألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصيام رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواها، وصلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها ". وحدث عن زكريا بن عيسى بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يخرج زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير. قال محمد بن علي بن أميّة: كنا بحضرة المأمون بدمشق فغنى علويّة: الطويل برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا ولكنهم لما رأوك سريعةً ... إليّ تواصوا بالنميمة واحتالوا وقد صرت أذناً للوشاة سميعةً ... ينالون من عرضي ولو شئت ما نالوا فقال المأمون لعلوية: لمن هذا الشعر؟ قال: للقاضي، قال: أيّ قاضٍ؟ قال: قاضي دمشق، فأقبل على أخيه المعتصم فقال له: يا أبا إسحاق، اعزله، قال: قد عزلته، قال: فليحضر الساعة، فأحضر شيخ خضيب ربعة من الرجال، فقال له المأمون: من تكون؟ فنسب نفسه، فقال: تقول الشعر؟ قال: قد كنت أقوله: قال: يا علوية، أنشده الشعر، فأنشده، فقال: هذا شعرك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ونساؤه طوالق وعبيده أحرار وماله في سبيل الله إن كان قال شعراً منذ ثلاثين سنة إلا في زهد أو معاتبة صديق، قال: يا أبا إسحاق، اعزله، فما كنت لأولّي الحكم بين المسلمين من يبدأ في هزله وجده بالبراءة من الإسلام، ثم قال: اسقوه فأتي بقدح فيه شراب فأخذه بيده وهي ترعد، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الله ما ذقته قط، قال: أفحرام

عمر بن بلال أبو حفص الأسدي

هو؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال المأمون: أولى لك، بها نجوت، ثم قال لعلوية: لا تقل: برئت من الإسلام ولكن قل: حرمت مناي منك إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا قال محمد بن الحسن المقرئ: هذا القاضي عمر بن أبي بكر المؤملي. قال المصنف: ومدّ المأمون المنى في هذا، وهو مقصور، ونحاة البصرة لا يجيزون ذلك في شعر ولا نثر إلا الأخفش فإنه يجيزه في الشعر. وأما قصر الممدود في الشعر فجاء عند جميع النحويين. ولو جعل مكان هذا: حرمت رجائي أو ما أشبهه لكان وجهاً صحيحاً لا يختلف في جوازه. وقد قيل: إن هذه القصة لعمرو بن أبي بكر أخي عمر هذا، قالوا: وهو الصواب. عمر بن بلال أبو حفص الأسدي من أصحاب عبد الملك بن مروان. كان عبد الملك بن مروان من أشد الناس حباً لامرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فغضبت على عبد الملك، وكان بينهما باب فحجبته، وأغلقت ذلك الباب، فشقّ على عبد الملك، فشكا إلى خاصته، فقال له عمر بن بلال: ما لي عندك إن رضيت؟ قال: حكمك، قال: فأتى عمر بن بلال بابها، فبكى، فخرجت إليه حاضنتها ومواليها وجواريها؛ فقلن: مالك؟ فقال: فزغت إلى عاتكة ورجوتها، فقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معاوية ومن يزيد بعده، فقلن: مالك؟ فقال: كان لي ابنان لم يكن لي غيرهما فقتل أحدهما صاحبه: فقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر، فقلت: أنا الوليّ، وقد عفوت، فقال: لا أعوّد الناس هذه العادة، فرجوت أن يحيي الله ابني بك، فدخلن عليها، فقالت: فما أصنع مع غضبي عليه؟ وما أظهرت له؟ فقلن: إذاً والله يقتل ابنه، فلم يزلن بها حتى دعت بثيابها، فلبستها، ثم خرجت من الباب، وأقبل

عمر بن جميل البيروتي

خديج الخادم، فقال: يا أمير المؤمنين، عاتكة قد أقبلت، فقال: ويلك! ما تقول؟ قال: قد والله طلعت، قال: فأقبلت، فسلمت، فلم يردّ، فقالت له: أما والله لولا عمر بن بلال ما جئت قط، ولا بدّ من أن تهب لي ابنه فإنه الوليّ، وقد عفا، قال: إني أكره أن أعوّد الناس هذه العادة، فقالت: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فقد عرفت مكانه من معاوية بن يزيد، ولم تزل حتى أخذت رجله فقبّلتها، فقال: هو لك، ولم يبرحا حتى اصطلحا. قال: ثم راح عمر بن بلال إلى عبد الملك فقال له: حاجتك؟ قال: مزرعة بعبيدها، وما فيها، وألف دينار، وفرائض لولدي، وأهل بيتي، وإلحاق عيالي، قال: ذلك لك. عمر بن جميل البيروتي حدث عن مرجّى بن الوليد بن مزيد قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: لو كان الأوزاعي في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لكان فيهم وسطاً، قال مرجى: فأخبرت بذلك أبي، فقال: بل هو عندي كان يكون من أكابرهم. قال: وقال أبي: ما رأينا قط أعبد لله عزّ وجلّ من الأوزاعي، ما أتى عليه وقت زوال قط في صيف ولا شتاء إلا وهو قائم يصلي. عمر بن الجنيد بن داود بن إدريس بن عيسى القاضي حدث بدمشق عن أحمد بن المقدام بسنده إلى أنس أن رجلاً سأل النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: " وما أعددت لها؟ " قال: لا، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: " فإنك مع من أحببت ". قال أنس فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنك مع من أحببت ". وفي رواية: قال أنس: " فأنا أحب الله ورسوله ".

عمر بن حبيب بن قليع المدني

عمر بن حبيب بن قليع المدني قال عمر بن حبيب: كنت جالساً عند سعيد بن المسيب يوماً، وقد ضاقت بي الأشياء، ورهقني دين، ما أدري أين أذهب، فجاءه رجل، فقال: يا أبا محمد، إني رأيت رؤيا، قال: ما هي؟ قال: رأيت كأني أحدث عبد الملك بن مروان، فأضجعته إلى الأرض ثم بطحته، فوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما أنت رأيتها، قال: بلى أنا رأيتها، قال: ألا أخبرك أو تخبرني، قال أبو الزبير: واهاً، وهو بعثني إليك، قال: لئن صدقت رؤياه قتله عبد الملك بن مروان وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة، قال: فرحلت إلى عبد الملك بالشام، فأخبرته بذلك عن سعيد بن المسيب، فبشره، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرته، وأمر لي بقضاء ديني، وأصبت منه خيراً. عمر بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن القاسم بن درستويه أبو القاسم الإمام حدث عن خيثمة بن سليمان بسنده إلى عمران بن الحصين قال: لما توفي ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إبراهيم بكا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودمعتا عيناه، فقالوا: يا رسول الله، تبكي! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إن شاء الله إلا ما يرضي ربنا، وإنا يا إبراهيم لمحزونون ". وحدث عنه بسنده إلى سعيد بن جبير في قوله عزّ وجلّ " إذ يقول أمثلهم طريقةً " قال: أوفاهم عقلاً.

عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان

عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان أبو حفص القاضي الحلبي ولي قضاء دمشق، وحدث بها وبغيرها. روى عن أبي طالب هاشم بن الوليد بسنده إلى عائشة أن صفية حاضت بعدما أفاضت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أحابستنا؟ " فقالت: ما شأنها؟ إنها قد أفاضت، قال: " فلا إذاً ". وحدث عن محمد بن سليمان لوين بسنده إلى عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج لحاجته. قال: فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار. قال: فأتيته بحجرين وروثة. قال: فأخذ الحجرين وردّ الروثة وقال: " إنها رجس ". وحدث سنة اثنتين وتسعين ومئتين عن محمد بن قدامة بن أعيّن المصيصي بسنده إلى ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي من الليل ركعتين ثم ينصرف فيستاك. توفي أبو حفص سنة ستة وثلاث مئة. وقيل: إنه عاش إلى سنة سبع. وكان ثقةً صدوقاً. عمر بن الحسين بن عبد الله أبو القاسم البغدادي الخرقي الفقيه الحنبلي صاحب الكتاب المختصر في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل قال أبو القاسم الخرقي: قال لي أبو الفضل ابن عبد السميع الهاشمي: جئنا يوماً إلى الفتح بن شخرف، فقال: اكتبوا رؤيا رأيتها البارحة، فقلنا: ما هي؟ قال: رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، حدثني، فقال: ما أحسن تواضع

عمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم

الأغنياء للفقراء. قال: قلت: زدني جعلت فداك يا أمير المؤمنين، قال فأراني كفه فإذا فيه أسطر تلوح: مخلع البسيط قد كنت ميتاً فصرت حياً ... وعن قليلٍ تعود ميتا فابن بدار للبقاء بيتاً ... ودع بدار الفناء بيتا توفي الخرقي سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، ودفن بدمشق. وكان خرج عن بغداد لما ظهر سبّ الصحابة رضي الله عنهم. عمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم أبو حفص الدوني الصوفي سكن صور. حدث عن الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء. ولد أبو حفص الدوني سنة أربع مئة، وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة. وكان شيخاً صالحاً يذهب مذهب سفيان الثوري. عمر بن حفص بن عمر البغدادي حدث عن عثمان بن أبي شيبة بسنده إلى زرّ بن حبيش قال: قال أبيّ بن كعب: قد علمت ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، هي الليلة التي أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ترقرق ليس لها شعاع.

عمر بن حفص

عمر بن حفص أبو حفص الخياط الدمشقي أحد المعمرين. حدث عن أبي الخطاب معروف الخياط قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني ". وحدث عمر بن حفص وكان له ستون ومئة سنة عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عليكم بالحناء، فإنه ينوّر رؤوسكم، ويطهّر قلوبكم، ويزيد في الجماع، وهو شاهد لي في القبر ". وبه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لو أن قدرياً أو مرجئاً مات فنبش بعد ثلاث لوجد إلى غير القبلة ". عمر بن حفص الدمشقي حدث عن خالد بن يزيد بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الذي قبض فيه، فرأيته يتساند إلى عليّ، فأردت أن أنحيه وأجلس مكانه، فقلت: يا أبا الحسن، ما أراك إلا تعبت في ليلتك هذه، فلو تنحيت فأعنتك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " دعه فهو أحق بمكانه منك، ادن مني يا حذيفة، من أطعم مسكيناً لله عزّ وجلّ دخل الجنة ". قال: قلت: يا رسول الله أكتم أم أتحدث به؟ قال: " بل تحدّث به ".

عمر بن حفص الدمشقي مولى قريش

عمر بن حفص الدمشقي مولى قريش قال عمر بن حفص: لما ظهر محمد شاور أبو جعفر شيخاً من أهل الشام ذا رأي، فقال: وجّه إلى البصرة أربعة آلاف من جند الشام، فلهي عنه، وقال: خرف الشيخ ثم أرسل إليه، فقال: قد ظهر إبراهيم بالبصرة، قال: فوجّه إليه جنداً من أهل الشام، قال: ويحك! ومن لي بهم؟ قال: اكتب إلى عاملك عليها يحمل إليك في كل يوم عشرة على البريد، قال: فكتب أبو جعفر بذلك إلى الشام. قال عمر بن حفص: فإني لأذكر أبي يعطي الجند حينئذ وأنا أمسك المصباح، وهو يعطيهم ليلاً، وأنا يومئذ غلام شاب. وهذا الشيخ الشامي هو جعفر بن حنظلة البهراني، شامي، وروي أن المنصور قال له: كيف خفت البصرة؟ قال: لأن محمداً ظهر بالمدينة، وليسوا بأهل حرب، بحسبهم أن يقيموا شأن أنفسهم، وأهل الكوفة تحت قدمك، وأهل الشام أعداء آل أبي طالب، فلم يبق إلا البصرة. عمر بن حمّاد أبو حفص حدث بدمشق عن عمر بن محمد المروزي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا مكتوبة ". عمر بن حمّاد أبو حفص الدمشقي كان في حرس عمر بن عبد العزيز. قال عمر بن حماد: سمعت عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين ونحن في حرسه يقول في دبر صلاته: اللهم، إنك لم تشهدني خلقي، ولم تؤامرني في نفسي، لكنك خلقتني لما شئت من

عمر بن حيان الدمشقي

ذلك، فإن كنت خلقتني في سابق علمك سعيداً فاستعملني في السعادة، وإن كنت خلقتني في سابق علمك شقياً فحولني من الشقاء إلى السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. اللهم، وإن لم أكن أهلاً تبلغني رحمتك فإن رحمتك أهلٌ أن تبلغني فبلغنيها برحمتك، إنك على كل شيء قدير. عمر بن حيّان الدمشقي حدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه سجد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اثنتي عشرة سجدة منهن في: " والنجم ". ورواه عمر بن حيّان بطريق آخر قال: سمعت مخبراً يخبر عن أمر الدرداء عن أبي الدرداء بنحوه. عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين الفاروق ضجيع سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه ووزيره قدم الشام غير مرة في الجاهلية، ودخل فيها دمشق، ودخل بها في الإسلام أيضاً لما قدم الجابية، وقدم الشام لفتح بيت المقدس، وقدمها أيضاً ثم رجع لما بلغه وقوع الطاعون بالشام. روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها ". وعن قيس قال: لما قدم عمر الشام أتي ببرذون فقيل له: اركب يا أمير المؤمنين، فيراك

عظماء أهل الأرض. قال: فقال: وإنكم لهنالك، إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى التيماء خلوا سبيلي. وعن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره وقال: أوه! لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّ بغيره يذلّكم الله عزّ وجلّ. قال طارق: لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء، وقد خلع خفّيه، وجعلهما تحت إبطيه، قالوا: له يا أمير المؤمنين، الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذه الحالة! قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّ بغيره. حدث جماعة قالوا: قال عمر: ضاعت مواريث الناس بالشام، أبدأ بها فأقسم المواريث، وأقيم لهم ما في نفسي ثم أرجع فأتقلب في البلاد، وأنبذ إليهم أمري، فأتى عمر الشام أربع مرات: مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين. قال أبو مخنف: توجه عمر إلى الشام سنة ست عشرة، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، فلما اشرف على غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى: " كم تركوا من جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ثم تمثل بقول النابغة الطويل

هما فتيا دهرٍ يكرّ عليهما ... نهارٌ وليلٌ يلحقان التواليا إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطةٍ ... أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا وقد روي أن عمر قدم دمشق في الجاهلية، وأسره بطريق بها، واستعمله، فقتله، وهرب. كما روى أسلم أن عمر بن الخطاب قال: خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية. فلما خرجنا نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم. فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد أخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع، فأتاني في الهاجرة وعليه سبنيّة قصب أرى سائر جسده منها ثم قال: لم أرك أخرجت شيئاً، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك عمر بلغت ما أرى، فقمت بالمجرفة، فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فواريته تحت التراب، وخرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصحبت، فانتهيت إلى دير، فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ فقلت: أضللت عن أصحابي، قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب من الطعام، واسترح، ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف، فصعّد فيّ البصر وخفّضه ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير، ويغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: أنت والله صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفاً فلا تكدّره، فقال: اكتب لي كتاباً في رقّ، وليس عليك فيه شيء، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرّك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت

عليه، فدعا بنفقة وبأثواب، فدفعها إلي وبأتان قد أوكفت، فقال: ألا تسمع؟ قلت: نعم، قال: اخرج عليها فإنها لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها حتى إذا بلغت مأمنك، فاضرب وجهها مدبرة، فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلى علفوها وسقوها حتى تصير إلي، فركبت، فلم أمرّ بقوم إلا علفوها وسقوها، حتى أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز، فضرب وجهها مدبرة ثم سرت معهم. فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب. فلما رآه عمر تعجب منه، فقال: أوف لي بشرطين فقال عمر: ليس لعمر، ولا لأبي عمر فيه شيء، ولكن عندك للمسلمين منفعة، فأنشأ عمر يحدث حديثه حتى أتى على آخره، فقال له عمر: إن أضفتم المسلمين، وهديتموهم الطريق، ومرّضتم المريض فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فوفى له بشرطه. قال الواقدي: قولهم: إن عمر دخل الشام في خلافته مرتين، ورجع الثالثة من سرغ لا يعرف عندنا، إنما قدم عمر الشام في خلافته، قدمه عام الجابية سنة ست عشرة حين صالح أهل بيت المقدس، وقسم الغنائم بالجابية، وجاء عام سرغ سنة سبع عشرة فرجع من سرغ من أجل الطاعون، لم يكن غيرها بين الرحلتين. وهم يقولون: دخل في الثالثة دمشق وحمص، وهذه الرحلة لا تعرف عندنا، وسنين عمر معروفة عام الجابية سنة ست عشرة، وسرغ سنة سبع عشرة، والرمادة سنة ثمان عشرة، فكل هذا معروف، ولم يدخل عمر في روايته دمشق ولا حمص في خلافته. وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام، وكان أبو جهل خاله. وشهد عمر بدراً، وهو أول من سمي أمير المؤمنين. لما توفي أبو بكر قال عمر: قيل لأبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكيف يقال لي: خليفة

خليفة رسول الله؟ هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذاً، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة. بويع له يوم مات أبو بكر رضي الله عنه ولاه أبو بكر الصديق الخلافة بعده، فتولاها في سنة ثلاث عشرة إلى أن طعن وكان عمر أمهق، طوالاً، أصلع، آدم، شديد الأدمة، أعسر يسر، وكان يخضب بالحناء والكتم، ووصفه ابنه فقال: كان أبيض، تعلوه حمرة، طوال أصلع أشيب. زاد غيره: في عارضيه خفة، سبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة، وكان إذا حزبه أمر فتلها، وكان أحول، عظيم الألواح، يسرع في مشيته. دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ الله به الدين، والمسلمون مختبئون. فلما أسلم كان إسلامه عزاً أعز الله به الإسلام، وظهر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم هاجر من مكة إلى المدينة، فكانت هجرته فتحاً، ولم يغب عن مشهدٍ شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قتال المشركين، وصحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحسن صحبته، وشهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، وقبض صلوات الله عليه وهو عنه راض، ثم ارتد الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوازر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منهاج نبيه، وضرب بسيفه مع من أقبل من أدبر، حتى أدخل الناس في الإسلام، طوعاً وكرهاً، ثم قبض الخليفة وهو عنه راض، وولي بعده بخير ما يلي أحد من الناس، مصر الله به الأمصار، وجبى به الأموال، ونفى به العدو، وأدخل على كل أهل بيت من المسلمين توسعةً في دينهم، وتوسعة في أرزاقهم، حتى ختم الله له الشهادة. وروي عن عمر أنه قال: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، واسلم في السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. وكان عبد الله بن عمر يقول: أسلم عمر وأنا ابن ست سنين. وقيل: ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان يأكل السمن واللبن. فلما أمحل الناس عام الرمادة حرّمهما على نفسه، وقال: والله لا أكلهما حتى يخصب الناس، وكان يأكل الزيت

حتى تغير لونه، وكان أروح، والأروح الذي تتدانى قدماه إذا مشى كأنه راكب، والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس، وكان كثّ اللحية جهير الصوت. قال زرّ بن حبيش: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب، وهو يمشي حافياً، شيخاً، أصلع، أعسر يسر، طوالاً، مشرفاً على الناس، كأنه على دابة، متلثماً ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا، ولا تهجروا، وليتّق أحدكم الأرنب يحذفها بالعصا، أو يرميها بالحجر فيأكلها لكن لتذك لكم الأسل: الرماح والنبل. قال عبيد بن عمير: كنت إذا رأيت عمر في قوم رأيته مشرفاً عليهم، يفوقهم بهذه، وأشار سفيان بيده فوضعها على شاربه. وكان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويجمع جراميزه، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره. وعن أم عبد الله بنت أبي خيثمة قالت: إنا لنرتحل إلى أرض الحشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة في بعض حاجته، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليّ، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وغلظة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قالت: قلت لعمر: والله لنخرجنّ في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اله لنا فرجاً، فقال عمرك صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها منه قط. قالت: فلما رجع ابن ربيعة من حاجته قلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت

عمر بن الخطاب، أتانا، ورقته وحزنه علينا، فقال عمر؟! فقلت: نعم، قال عامر: كأنك طمعت في إسلام عمر، قالت: نعم، فقال لها: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، بأساً منه، لما كان يرى من غلظته وجفاه بنا. وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أبو بأبي جهل بن هشام "، فكان أحبهما إلى الله تعالى عمر بن الخطاب. وفي رواية: " اللهم، أشدد الدين بأحب الرجلين إليك "، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فشدّ بعمر ". وعن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: " اللهم، اشدد دينك بأحبهما إليك "، فشدّ دينه بعمر بن الخطاب. ولما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أبا جهل عمرو بن هشام لن يسلم خصّ عمر بن الخطاب بدعائه، فأجيب فيه إلى تحقيق رجائه. وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ". وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر قال له ابن عباس: أبشر قد دعا لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ بك الدين، والمسلمون مختبئون بمكة. فلما أسلمت كان إسلامك عزّاً. وعن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أتعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلمن فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن. قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ: " إنّه لقول رسولٍ كريمٍ وما هو بقول شاعرٍ قليلاً ما تؤمنون " قال: فقلت: كاهن. قال: " ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكّرون

تنزيلٌ من ربّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين " إلى آخر السورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. وعن جابر بن عبد الله قال: كان أول إسلام عمر قال عمر: ضرب أختي المخاض ليلاً، فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل الحجر، وعليه تبان، قال: فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئاً لم أسمع مثله، فخرجت، فاتبعته، فقال: " من هذا؟ " قلت عمر: قال: " يا عمر، ما تدعني ليلاً ولا نهاراً؟! " قال: فخشيت أن يدعو علي، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: فقال: " يا عمر، أتسرّه؟ " قال: قلت: والذي بعثك بالحق لأعلننّه كما أعلنت الشرك. عن ابن عباس قال: سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، قال: فخرجت إلى المسجد، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسرع أبو جهل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسبّه، قال: فما رجع حمزة أخبر، قال: فرفع رداءه، وأخذ قوسه ثم خرج إلى المسجد، إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، قال: فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، قال: فنظر إليه فعرف الشرّ في وجهه، فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ قال فرفع القوس فضرب بها أخدعيه، فقطعه، فسالت الدماء، قال: فأصلحت ذلك قريش مخافة أن يكون بينهم قائدة، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختفٍ في دار أرقم بن أبي الأرقم المخزومي، قال: فانطلق حمزة مغضباً حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك، واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني، قال: قلت: ومن هذا؟ قال أختك وختنك، قال: فانطلقت، فوجدت الباب مغلقاً، وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت، فقلت: ما هذا الذي أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئاً، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى برأس ختني، فضربته ضرباً، فأدميته، فقامت إليّ أختي،

فأخذت برأسي، فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، قال: فاستحييته حين رأيت الدماء، فجلست، وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسّه إلا المطهرون، فإن كنت صادقاً فقم، فاغتسل، قال: فقمت، فاغتسلت، وجئت فجلست، فأخرجوا لي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت: أسماء طاهرة طيبة " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى تنزيلاً ممّن خلق الأرض والسّموات العلى الرّحمن على العرش استوى له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّر وأخفى " قال: قلت: بهذا جاء موسى " الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " فتعظمت في صدري، وقلت: من هذا فرّت قريش، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: " لله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " قال: فما في الأرض نسمة أحب إلي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: أين رسول الله؟ قالت: عليك عهد الله وميثاقه ألا تهيجه بشيء يكرهه، قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دارٍ عند الصفا، فأتيت الدار، وحمزة وأصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: وعمر بن الخطاب؟ افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما لكم؟ " قالوا: عمر بن الخطاب فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض، فقال: " ما أنت بمنتهٍ يا عمر "! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا، وإن حيينا؟ قال: " بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متّم وإن حييتم "، قال: فقلنا: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجنّ، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صأ يومئذ الفاروق، وفرق بين الحق والباطل.

وفي حديث آخر بمعناه قال: ثم خرجت، فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين يضرب إلا رأيته، قال: ثم ذهبت إلى خالي، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إلي، فقلت له: أعلمت أني صبوت؟ قال: فعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف الباب دوني، قال: قلت: ما هذا بشيء، قال: فذهبت إلى رجل من أشراف قريش، فقرعت عليه بابه، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فخرج، فقلت: أشعرت أني صبوت؟ قال: أفعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف دوني الباب. قال: قلت: ما هذا بشيء. قال: فقال لي رجل: أتحب أن تعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا كان الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل، فجلست إلى جنبه، وأصغيت إليه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: أو فعلت؟ قلت: نعم، قال: فرفع بأعلى صوته ثم قال: ابن الخطاب قد صبأ، وثار الناس علي فضربوني، فضربتهم، فقال رجل: ما هذه الجماعة؟ قالوا: هذه ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فقلت لأختي: يصيبني ما يصيب المسلمين، فأمهلت حتى إذا جاء الناس في الحجر فجئت إلى خالي، فقلت: اسمع، فقال: ما أسمع؟ قلت: جوادك ردٌّ عليك، قال: لا تفعل يا بن أختي، قال: قلت: بل هو ردٌّ عليك، فقال: ما شئت. قال: ما زلت أضرب الناس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام. وعن ابن عمر قال: اجتمعت قريش فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ فيرده عما عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن عمر بن الخطاب يأتيك، فكن منه على حذر. فلما أن صلى رسولالله صلّى الله عليه وسلّم صلاة المغرب قرع عمر بن الخطاب الباب، وقال: افتحي يا خديجة. فلما أن دنت قالت: من هذا؟ قال: عمر، قالت: يا نبيّ الله، هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين، وهم تسعة صيام، وخديجة عاشرتهم: ألا تشتفي يا رسول الله فضرب عنقه؟ قال: " لا "، ثم قال: " اللهم، أعزّ الدين بعمر بن الخطاب ". فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: " أقول أن

تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار والبعث بعد الموت "، فبايعه، وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل ثم تعشى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبات يصلي معه. فلما أصبح اشتمل على سيفه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلوه، والمهاجرون خلفه حتى وقف على قريش، وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فتفرقت حينئذ قريش عن مجالسها. وفي حديث آخر بمعناه ذكره ابن إسحاق قال: ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في دار في أصل الصفا، ولقيه النحّام وهو نعيم بن عبد أسد، أخو بني عدي بن كعب، وقد أسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر، أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفّه أحرم قريش، وسفّه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: لبئس الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، وأردت هلكة بني عدي بن كعب، أو تراك مفلتاً من بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمداً صلّى الله عليه وسلّم؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إن لأظنك قد صبأت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك. فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك ختنك قد أسلموا، وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال؟ وأيّهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك. فانطلق عمر حتى أتى أخته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السّعة فيقول: عندك فلان، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبّاب الأرتّ مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة، وقد أنزل الله عزّ وجلّ " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى ". وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم، أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم

عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر، فكانت. فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها، فإذا خبّاب بن الأرتّ عند أخت عمر يدرس عليها " طه " وتدرس عليه " إذا الشّمس كوّرت ". وكان المشركون يدعون المدارسة: الهينمة. فلما رأته أخته عرفت الشرّ في وجهه فخبأت الصحيفة، وزاغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته: ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً نتحدث به بيننا، فعذلها، وحلف ألا يخرج حتى يتبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر، وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر، فوطئه وطئاً شديداً وهو غضبان، فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها عمر بيده، فشجّها. فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر؟ أرأيت كل شيء بلغك عني مما تذكره من تركي آلهتك، وكفري باللات والعزى فهو حق. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فائتمر أمرك، واقض ما أنت قاض. فلما رأى ذلك عمر سقط في يده، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقاً من الله لا أمحوها حتى أردها إليك، ولا أرتبك فيها؟ فلما رأت ذلك أخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له قد لحقت، فقالت: إنك نجس، و" لا يمسّه إلاّ المطهّرون "، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، وأعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي، ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ، فقرأ: " طه " حتى بلغ إلى قوله " فتردّى " و" إذا الشّمس كوّرت " حتى بلغ " علمت نفسٌ ما أحضرت "، فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته وختنه: كيف الإسلام؟ قالا: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. وتخلع الأنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر. وخرج خباب، فكبّر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دعا لك أن يعزّ الله الإسلام بك، قال عمر: فدلّوني على المنزل الذي فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدلّه خبّاب عليه.

فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح. فلما رأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر متقلداً بالسيف أشفقوا منه. فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجل القوم قال: " افتحوا له، فإن كان الله يريد بعمر خيراً ابتع الإسلام، وصدّق الرسول، وغن كان يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم داخل البيت يوحى إليه، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سمع صوت عمر وليس عليه رداء حتى أخذ بمجمع قميص عمر وردائه، وقال له: " ما أراك منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة "، ثم قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة. قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: " اللهم، أخرج ما في صدره من غلّ وداء، وأبدله إيماناً، يقول ذلك ثلاثاً ". وعن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: " يا أيّها النّبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ". وفي رواية: تسعة وثلاثون رجلاً، وثلاث وعشرون امرأة. وروي عن عمر أنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا تسعة وثلاثون رجلاً، فكنت رابع أربعين رجلاً، فأظهر الله دينه، وأعزّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأعزّ الإسلام. وقيل: إن عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وقيل: بعد أربعين رجلاً وعشرة نسوة.

وفي حديث: أن عمر لما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد، استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وعن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أن أهل مكة أشد عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أبا جهل، فأتيته حتى وقفت على بابه فخرج إليّ، فرحب بي وقال: مرحباً وأهلاً يا بن أختي، ما جاء بك؟ قلت: جئت أخبرك أني قد أسلمت، فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جئت به. وعن ابن عمر قال: إني لمع أبي يوم أسلم غلامٌ أتبعه، أعقل ما يصنع حتى أتى جميل بن معمر الجمحي، وكان امرأ يذيع الحديث فقال: يا جميل: أعلمت أني اتبعت محمداً؟ فقام جميلٌ يجرّ رداءه من العجلة يطوف على أندية قريش ويقول: إن ابن الخطاب صبأ، وأبي يتبعه ويقول: كذب، ولكني أسلمت، فلم يصنعوا شيئاً، فصاح أبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقاموا إليه فجعلوا يضربونه، ويضربهم حتى قامت الشمس على رأسه، فجلس وقد أعيا، وهو يقول: أما والله لو قد بلغنا ثلاث مئة لقد أخرجناكم منها، أو أخرجتمونا. إلى أن جاء رجل عليه قومسي ورداء حبرة، فقال: ما هذا؟ قالوا: صبأ ابن الخطاب، فقال رجل: اختار لنفسه أمراً، ما لكم وله؟! أترون بني عدي تاركيكم وصاحبكم هكذا؟ فكأنما كسف بالناس يوماً، فقلت له بالمدينة: يا أبه، من الرجل الذي أتاك يوم أسلمت؟ قال: العاص بن وائل. وفي رواية أخرى أنه قال: صبأ عمر، فمه، أنا له جار، فتفرق الناس عنه. قال: فعجبت من عزة يومئذ. وقيل: إن إسلام عمر كان قبل خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أرض الحبشة. وقال عمر حين أسلم: البسيط الحمد لله ذي المنّ الذي وجبت ... له علينا أيادٍ ما لها غير

وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا ... صدق الحديث نبي عنده الخبر وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ... ربّي عشية قالوا قد صبا عمر وقد ندمت على ما كان من زللٍ ... بظلمها حين تتلى عنده السّور لما دعت ربّها ذا العرش جاهدة ... والدمع من عينها عجلان يبتدر أيقنت أنّ الذي تدعوه خالقها ... فكاد يسبقني من عبرةٍ درر فقلت أشهد أن الله خالقنا ... وأنّ أحمد فينا اليوم مشتهر نبي صدقٍ أتى بالحق من ثقةٍ ... وافي الأمانة ما في عوده خور وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم منا. وعن صهيب بن سان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به. وعن عكرمة قال: لم يزل الإسلام في استخفاء حتى أسلم عمر. فلما أسلم أخرجهم من البيوت، فلا يزال قد ضرب ذا وصرع ذا، وعازّوا الإسلام. وعن ابن عباس في قوله: " كزرعٍ أخرج شطأه " قال: أصل الزرع عبد المطلب. " أخرج شطأه " أخرج محمداً صلّى الله عليه وسلّم، " فآزره " بأبي بكر. " فاستغلظ " بعمر " فاستوى على سوقه " بعثمان " يعجب الزّرّاع " علي بن أبي طالب " ليغيظ بهم الكفّار ". وعن الحسن البصري في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: عمر بن الخطاب. وفي قوله: " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس " قال: عمر بن الخطاب "

كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها " قال: أبو جهل بن هشام. وعن علي قال: نزلت هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سررٍ متقابلين " في ثلاثة من بطون قريش: بني هاشم، وبني تيم بن مرّة، وبني عدي بن كعب. منهم أنا وأبو بكر وعمر. سئل الحسن عن قوله عزّ وجلّ: " من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه " قال: منهم أبو بكر وعمر. وعن ابن عباس: في قوله الله عزّ وجلّ " وشاورهم في الأمر " قال: أبو بكر وعمر. وعن ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: في قوله: " فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال صلّى الله عليه وسلّم: " من صالح المؤمنين: أبو بكر وعمر "، وقال سعيد بن جبير في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: نزلت في عمر بن الخطاب خاصة. وقال مقاتل: " صالح المؤمنين " أبو بكر وعمر وعلي. وعن زيد " فقد صغت قلوبكما " قال: قد مالت. وفي قوله: " وصالح المؤمنين " قال: الأنبياء.

وعن عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أعزاء منذ أسلم عمر. وعن عبد الله أن إسلام عمر كان عزّاً، وأن هجرته كانت فتحاً، أو نصراً، وإمارته كانت رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وإني لأحسب بين عيني عمر ملكاً يسدّده، وإني لأحسب الشيطان يفرقه. وإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر. وفي رواية: ما استطعنا أن نصلي في البيت ظاهرين حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلناهم حتى صلينا. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت ليلة أسري بي على العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق ". وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على ساق العرش. أو في ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ". وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: فحدثنا عن عمر قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق، يفرق بين الحق والباطل. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهم، أعزّ الإسلام بعمر ". وعن أبي عمروٍ ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلّى الله عليه وسلّم. وعن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق. فرق الله به بين الحق والباطل ". قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق،

وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر. كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة، ويثني عليها. وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب كان يدعى الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، وأعلن بالإسلام والناس يخفونه. وكان المسلمون يوم أسلم عمر تسعة وثلاثين رجلاً وامرأة بمكة، فكملهم عمر أربعين رجلاً. وعن ابن عباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلى مختفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، وطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام متمكناً، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم أنفه إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته فيلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما اتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه. وعن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر قال له رجل: أنت هاجرت قبل أم عمر، قال: فغضب، وقال: لا، بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة. وعن علي قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعمر يوم بدر لأحدهما: " معك جبريل "، وللآخر: " معك ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في الصف ". وعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما تقولون في هؤلاء

الأسرى؟ " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك قرّبهم، فضرّب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قطعتك رحمك. قال: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس، يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله فقال: " إن الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ " ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: " إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وغن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم " وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ربّ " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم ". أنتم عالة فلا ينفلتنّ منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق ". قال عبد الله: فقلت: يا رسول الله، الأشهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجار من السماء في ذلك اليوم حتى قال: " الأشهل بن بيضاء ". قال: فأنزل الله "

لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " إلى قوله: " ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة والله عزيزٌ حكيمٌ ". وعن عبد الله بن مسعود قال: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " وبذكر الحجاب: أمر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنك غلاب علينا وقال ابن سهل: رأيت علينا يا بن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا وقال ابن سهل: والوحي بين أبياتنا؟؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وبدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم، أيدّ الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر: كان أول الناس بايعه. وعن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما خرج إلى بني قريظة والنضير قال له عمر وأبو بكر: يا رسول الله، إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زيّاً حسناً من الدنيا، فانظر إلى الحلة التي أهداها لك سعد بن عبادة فالبسها، فلير اليوم المشركون عليك زيّاً حسناً. قال: " أقبل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن ضرب لي ربي لكما مثلاً: لقد ضرب لي أمثالكما في الملائكة كمثل جبريل وميكائيل، فأما ابن الخطاب فمثله في الملائكة كمثل جبريل إن الله لم يدمّ أمة قط إلا بجبريل، ومثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً "، ومثل ابن أبي قحافة في الملائكة كمثل ميكائيل إذ يستغفر لمن في الأرض، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ قال: ربّ " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ ". ولو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن شأنكما في المشورة شتى كمثل جبريل وميكائيل، ونوح وإبراهيم صلى الله عليهم أجمعين ". وعن أم سلمة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكلاهما مصيب. أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة، وكلٌّ مصيب، وذكر إبراهيم ونوحاً، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكلٌّ مصيب وذكر أبا بكر وعمر ".

وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما مثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء؟ أما مثلك أنت يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ كذبه قومه فصنعوا به ما صنعوا قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فأنّك غفورٌ رحيمٌ ". ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس والشدة والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أيدني بأربعة وزراء "، قلنا: من هؤلاء الأربعة وزراء يا رسول الله؟ قال: " اثنين في من أهل السماء، واثنين من أهل الأرض "، قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: " جبريل وميكائيل ". قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض أو من أهل الدنيا؟ قال: " أبو بكر وعمر ". وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر لأبي بكر وعمر: " مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لكلّ نبي وزيران من أهل السماء وأهل الأرض، ووزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر ". وعن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً فطلع أبو بكر وعمر، فقال: " الحمد لله الذي أيدني بكما ". وعن عبد العزيز بن عبد المطلب عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطلع أبو بكر وعمر فقال: هذان للسمع وللبصر. وفي رواية فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ". وعن نافع قال: قيل لعبد الله بن عمر: إنك قد أحسنت الثناء على عبد الله بن مسعود، فقال:

وما يمنعني من ذلك؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومن أبيّ بن كعب، ومن معاذ بن جبل ". قال: ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين " قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبو بكر وعمر، فهما أعلم وأفضل؟ قال: فقال: " إني لا غناء بي عنهما، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرأس ". وفي حديث بمعناه: " كيف أبعث هذين، وهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس؟ ". وفي رواية: " إنهما من الدين كالرأس من الجسد ". وعن ابن عباس قال: جاء جبريل إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أقر عمر السلام، وأخبره أن رضاه عزّ، وأن غضبه حكم. وفي رواية: " إن رضاه عدل، وغضبه عزّ. ورواه عقيل بن أبي طالب أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر بن الخطاب: " إن غضبك عزّ، ورضاك حكم ". وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب ". ضعّفوا أبا لقمان، من رواته. قالوا: كان يروي المنكرات عن الثقات. وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: " بينا رجل يسوق بقرة، فركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث "، فقال الناس:

سبحان الله بقرة تتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثمّ "، ثم قال: " وبينا رجلٌ في غنمه إذ عدل عليها الذئب، فأخذ شاة منها، فطلبه، فأدركه، فاستنقذها منه، فقال: هذا استنقذتها مني، فمن لها من السبع؟ يوم لا راعٍ لها غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " آمنت به أنا وأبو بكر وعمر "، وليسا في المجلس، فقال القوم: آمنا بما آمن به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته. فلما أذن له النّبي صلّى الله عليه وسلّم تبادرن للحجاب، فدخل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي. فلما سمعن صوتك تبادرن للحجاب ". فقال عمر: فأنت يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك، ثم أقبل عليهن فقال: أي عدوّات أنفسهن أتهبنني، ولا تهبن رسول الله قلن: نعم. أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إيهاً يا بن الخطاب، فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك ". وفي رواية: فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم عن عمر: " فوالله ما سلك عمر وادياً قط فسلكه الشيطان ". وعن عائشة أنه كان بينها وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ترضين أن يكون بيني وبينك عمر؟ " قالت: من عمر؟ قال: " عمر بن الخطاب "، قالت: لا والله، إني أفرق من عمر، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " الشيطان يفرقه ". وفي رواية فقال: " بمن ترضين أن يكون بيني وبينك؟ أترضين بأبي بكر؟ " قلت: لا، قال: " أترضين بعمر؟ فإن الشيطان يفرق من حسّ عمر ".

عن بريدة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض مغازيه. فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا نبي الله، إني كنت نذرت نذراً إذا ردّك الله عزّ وجلّ صالحاً أن أضرب بين يديك بالدّف، فقال لها: " إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ". فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدفّ ". وعن عائشة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان، فإذا حبشية تزفن والناس حولها، فقال: " يا عائشة، تعالي فانظري "، فوضعت خدي على منكبيه، فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه، فجعل يقول: " يا عائشة، ما شبعت؟ " فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، فلقد رأيته يراوح بين قدميه، فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت شياطين الإنس والجنّ فرّوا من عمر "، وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تلبث أن تصرع "، فصرعت فجاء الناس، فأخبروا بذلك. وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما في السماء ملك إلا ويوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق عن عمر ". وعن حفصة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه ". وعن ابن مسعود قال: لقي رجل من أصحاب محمد رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الجني:

عاودني، فعاوده فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريّعتيك ذريّعتي كلب، أفكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذا؟ قال: لا، والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثالثة، فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: فعاوده فصرعه، قال: هات علّمني، قال: هل تقرأ آية الكرسي؟ قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا أخرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل في القوم: يا عبد الرحمن، من ذلك الرجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم: هو عمر؟ فقال: من يكون هو إلا عمر؟ وفي حديث بمعناه قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها آية تقرأ في وسط شياطين إلا تفرقوا، ولا تقرأ في بيت فتدخل ذلك البيت. وعن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء، فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزراً بكساء يهنأ إبل الصدقة، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خرّ لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه. وعن زرّ قال: كان عبد الله يخطب ويقول: إني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده. وعن مجاهد قال: كنا نتحدث، أو نحدّث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما أصيب بثّت.

وعن عائشة قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنّبي صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينها فقلت لها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلنّ أو لألطخنّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت بها وجهها، فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم فوضع فخذه لها، وقال لسودة: " الطخي وجهها "، فلطخت وجهين فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم أيضاً، فمرّ عمر، فنادى: يا عبد الله، يا عبد الله، فظنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سيدخل، فقال: " قوما، فاغسلا وجوهكما ". قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه. وعن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي بمحامد ومدح، وإياك. قال: " هت ما حمدت به ربك "، قال: فجعلت أنشده. فجاء رجل آدم، فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين ". قال: فتكلم ساعة ثم خرج، قال: فجعلت أنشده، قال: ثم جاء فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين "، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال: فقلت: يا رسول الله، من هذا استنصتني له؟ قال: " هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل ". وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنه كان فيما خلا قبلكم أناس يحدّثون، فإن يك في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب " قال إسحاق أحد رواته: فقلت لأبي ضمرة: ما معنى يحدّثون؟ قال: يلقى على أفئدتهم العلم. وعن خفاف بن إيماء أنه كان يصلي الجمعة مع عبد الرحمن بن عوف، فإذا خطب عمر سمعته يقول: اشهد أنك معلّم، فتعجب عبد الرحمن بن أبي الزناد منه، فقلت: يا أبا محمد، لم تعجب منه؟ قال: إني سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما من

نبي إلا في أمته معلّم أو معلّمان. فإن يك في أمتي أحد فابن الخطاب. إن الحق على لسان عمر وقلبه ". قال الشعبي: ذكر عند علي قول عمر: قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموه، فقال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق بلسان عمر، وإن في القرآن لرأياً من رأي عمر. وعن كعب قال: قيل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئاً؟ قال: فانتهره، فقال: إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه. وعن الحسن في قوله: محدّثين، يريد: قوماً يصيبون إذا ظنوا، وإذا حدسوا. يقال: رجل محدّث. وإنما قيل له ذلك لأنه يصيب رأيه، ويصدق ظنه إذا توهم، فكأنه حدّث بشيء فقاله. ومنه قول علي رحمه الله في ابن عباس رحمه الله: إنه لينظر إلى الغيب من سترٍ رقيق. ووقع في بعض الأحاديث أن في كل أمة محدّثين أو مروّعين. والمروّع الذي ألقي في روعه الشيء، كأن الله عزّ وجلّ ألقاه فيه، فقاله. قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب ". والرّوع: النفس. يقال: وقع كذا في روعي أي في خلدي ونفسي. وكان عمر رحمه الله يقول الشيء، ويظن الشيء فيكون كما قال، وكما ظنّ، كقوله في سارية بن زنيم الدّؤلي، وكان ولاه جيشاً فوقع في قلب عمر أنه لقي العدو، وأن جبلاً بالقرب منه، فجعل عمر يناديه: يا سارية، الجبل الجبل، ووقع في قلب سارية ذلك، فاستند هو وأصحابه إلى الجبل، فقاتلوا العدو من جانب واحد. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر "، وقال: " إن السكينة تنطق على لسان عمر ". وروي في بعض الحديث أن الحدّث هو الذي تنطق الملائكة على لسانه.

وعن أبي ذرّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر، يقول به. وفي حديث آخر: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، أو قلبه ولسانه. وعن غضيف بن الحارث رجل من أيلة قال: مررت بعمر بن الخطاب فقال: نعم الغلام، فاتبعني رجل ممن كان عنده، فقال: يا بن أخي، ادع الله لي بخير، قال: وقلت: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: غفر الله لك، أنت أحق أن تدعو لي مني لك، قال: يا بن أخي، إني سمعت عمر بن الخطاب حين مررت به آنفاً يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به. وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله نقل الحق على قلب عمر وعلى لسانه وما نزل الناس أمر قط يقال فيه الرأي، وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بما قال فيه عمر. الصحيح أن آخره من قول ابن عمر، فإنه رواه جماعة ولم يذكروه. وعن واصل مولى ابن عيينة قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية، فأسلمت، فأتت عمر فقالت: قد كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، وقالت: ما وجدت اسماً سميتني به إلا اسم أمةٍ؟ فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، إني أتيت عمر فسألته أن يسميني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما علمت أن الله عزّ وجلّ عند لسان عمر وقلبه؟ وعن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن: بينما عمر بن الخطاب جالساً إذ مرّ رجل جميل، فقال له: لقد أخطأ

ظني، وإن هذا الرجل على دينه في الجاهلية، أول قد كان كاهناً في الجاهلية، عليّ الرجل، فدعي له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني، وإنك لعلى دينك في الجاهلية، أول قد كنت كاهنهم، قال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، فقال عمر: فإني أعزم عليهم إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فماذا أعجب ما جاءتك به جنّيّتك؟ قال: بينا أنا يوماً في السوق أعرف منه الفزع قالت: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من بعد إيناسها، ولحوقها بالقلاس وأحلاسها. قال عمر: صدق. بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل يذبح، فصرخ منه صارخ، لم أسمع صارخاً أشد صوتاً منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، وثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقلت: لا أبرح، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي. قال وهب السوائي: خطب الناس علي فقال: من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: لا، بل أبو بكر، ثم عمر. إن كنا لنظن أن السكينة لتنطق على لسان عمر. وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول ".

وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله عزّ وجلّ: " واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً، فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وقلت لأزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لتنتهنّ أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خياراً منكنّ " الآية. ونزلت: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ " إلى قوله: " ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ". فقلت: " فتبارك الله أحسن الخالقين ". وعن مجاهد قال: كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن. وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ". قال المصنف: وهذا بهذا اللفظ غريب. والمحفوظ: ما رواه بسنده إلى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ". وعن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني. وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة. وإنه لم يبعث نبياً قط إلا كان في أمته من يحدّث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ". قيل: يا رسول الله، كيف يحد؟ ّث؟ قال: " تتكلم الملائكة على لسانه ".

وعن ابن عمر أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عشية عرفة: " ناد في الناس لينصتوا ". فنادى في الناس أن أنصتوا واستمعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله قد تطوّل في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا على بركة الله "، وقال: " إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة، وباهاهم بعمر بن الخطاب خاصة ". وعن ابن عباس قال: قام رجل إلى أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خليفة رسول الله، من خير الناس؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: ولأي شيء قدمته على نفسك؟ قال: بخصال: لأن الله باهى به الملائكة ولم يباه بي، ولأن جبريل أقرأه السلام ولم يقرئني، وإن جبريل قال: يا رسول الله، اشدد الإسلام بعمر بن الخطاب، القول ما قال عمر، ولأن الله صدقه في آيتين من كتابه ولم يصدقني، قال: لتنتهنّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لينزلنّ الله فيكن كتاباً، فأنزل الله تعالى: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ " الآية. ولأن عمر قال: يا رسول الله، إنه يدخل البرّ والفاجر، فلو ضربت عليهن الحجاب، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " ولأن عمر قال: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تبارك وتعالى: " واتّخدوا من مقام إبراهيم مصلى ". فلما قبض أبو بكر قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، من خير الناس؟ قال: أبو بكر الصديق، فمن قال غيره فعليه ما على المفتري. وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً. فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن، ولا يبغضكم إلا منافق. أنتم خلائف نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي ". وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن لكل نبي خاصة من أمته، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر ".

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته، فإذا دنا أجله قبضه الله من التربة التي منها خلق، وفيها يدفن. وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة، وندفن جميعاً في بقعة واحدة ". قال أبو عاصم: ما نعلم فضيلة لأبي بكر وعمر أنبل من هذا الحديث، لأن طينتهما من طينة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه. وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع إليه منهم أحد بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسّمان إليه، ويتبسّم إليهما. وعن علي رضي الله عنه قال: أعطي كل نبي سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً، منهم أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. سئل علي بن أبي طالب عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما لفي الوفد السبعين إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع محمد صلّى الله عليه وسلّم وقد سألهم موسى فأعطيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، رضي الله عنهما ".

وعن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر معي، وأنا مع عمر، الحق بعدي مع عمر حيث كان ". وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " عمر مني وأنا من عمر، والحق بعدي مع عمر ". وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى لأرى الري يجري في أظفاري، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب "، فقال من حوله: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم ". وفي حديث بمعناه: " ففضلت فضلاً، فأخذ عمر بن الخطاب "، أوّلوا، قال: " هذا العلم أتاكه الله، حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة، فأخذها عمر بن الخطاب "، قال: " أصبتم ". وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثديين، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجرّه ". قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: " الدين ". وعن أنس قال: سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه يوماً: " من أصبح اليوم نائماً؟ " فقال عمر بن الخطاب: أنا. قال: " فمن تصدق اليوم؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " فقال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازة؟ " فقال عمر: أنا، فقال: " وجبت لك، وكتبت لك "، يعني: الجنة. وعن أبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم: " من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا. رأيت كأن ميزاناً دلّي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر بعمر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وعن عرفجة الأشجعي قال: صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ثم جلس، فقال: " وزن أصحابنا الليلة، فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ". وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وضعت في كفة الميزان، ووضعت الأمة في الكفة الأخرى، فرجحت بهم، ثم وضع أبو بكر مكاني، فرجح بهم، ثم وضع عمر مكانه، فرجح بهم، ثم رفع الميزان ". وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله تبارك وتعالى اختارني على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، واختار لي من أمتي أربعة قرون: القرن الأول والثاني والثالث تترا، والرابع فرادى ". وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كان جبريل يذاكرني فضل عمر، فقلت له: يا جبريل، ما بلغ من فضل عمر، قال: يا محمد، لو لبثت ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمرن وماذا له عند الله. قال لي جبريل: يا محمد، ليبكينّ الإسلام من بعد موتك على موت عمر ". وعن عمار قال: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، أتاني جبريل فقلت: يا جبريل، حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".

وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر: زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مرّاً، تركه الحق ما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار ". وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فطلع أبو بكر. ثم قال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنةط، فطلع عمر. وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عمر من أهل الجنة ". وعن معاذ بن جبل قال: أشهد أن عمر في الجنة، لأن ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو حق، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فذكرت غيرة عمر "، فقال عمر: يا رسول الله، أعليك أغار؟ وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " دخلت الجنة، فرفع لي قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب ". قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فما منعني أن أدخله إلا غيرتك يا أبا حفص "، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ وهل رفعني الله إلا بك، وهداني؟ وهل منّ الله عليّ إلا بك، قال: وبكى. قال أبو بكر: فقلت لحميد: في النوم أو في اليقظة؟ قال: لا، بل في اليقظة. وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم إذ رأيت الجنة، فإذا قصر مبني، إلى جنبه جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا؟ قالت: لعمر بن الخطاب ". قال: " فوليت مدبراً لعلمي بغيرته ". قال: وعمر جالس حين تحدث بهذا، فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟؟.

وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة، فرأيت قصراً من ذهب، أعجبني حسنه، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لعمر، فما منعني أن أدخله إلا ما علمت من غيرتك يا عمر "، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ". وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة، وأول من يصافحه الحق، وأول من يخط له في الجنة بعمله عمر رضي الله عنه ". وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه أهل الجنة يوم القيامة عمر بن الخطاب. وأول من يؤخذ بيده وينطلق به إلى الجنة عمر بن الخطاب ". وعن علي قال: إن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. فقلت: يا أمير المؤمنين، يدخلانها قبلك؟ قال: نعم، ويشبعان من ثمارها، وأنا موقوف، مهموم بالحساب، وإن أول من يتقدم إلى الربّ في الخصومة أنا ومعاوية. وعن عبيد بن عمير قال: بينما عمر يمرّ في الطريق إذا هو برجل يكلم امرأة، فعلاه بالدّرّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هي امرأتي، فقام عمر فانطلق، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فذكر ذلك له، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء، وإن شئت حدثتك

بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر ". وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، ومع النبي صلّى الله عليه وسلّم عود ينكت به في الأرض إذ استفتح رجل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس ". فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: " قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بأبي بكر الصديق، فأخبرته بما قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل فسلم ثم قعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض، فاستفتح آخر، فقال: " يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة ". فقمت، ففتحت له الباب فإذا أنا بعمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الباب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس قم فافتح الباب وبشّره بالجنة على بلوى تكون "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: المستعان بالله، وعلى الله التكلان، ثم دخل فسلم وقعد. وعن المختار بن فلفل عن أنس بن مال قال: جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل بستاناً، وجاء آتٍ، فدق الباب فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشره بالخلافة من بعدي "، قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ فقال: " أعلمه "، فإذا أبو بكر، فقلت: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب فقال: " يا أنس، قم فافتح الباب له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد أبي بكر "، قال: قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ قال: " أعلمه "، قال: فخرجت، فإذا عمر، فقلت له، أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آتٍ، فدق الباب، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول "، فخرجت، فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد عمر، وإنك مقتول، قال: فدخل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، والله، ما تغنيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك. قال: " هو ذلك يا عثمان ".

قال عبيد الله بن علي بن المديني: قلت لأبي في حديث أبي بهز عن ابن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس: كان في حائط، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة "، مثل حديث أبي موسى، فقال: كذب، هذا موضوع. وعن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر: " أنت معي في الجنة، ثالث ثلاثة من هذه الأمة ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ". وعن علي بن أبي طالب قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة، هو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا أحصيه يقول: " سيد أهل الجنة أبو بكر وعمر "، فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ فقلت: نعم، وأنت يا حسن فأشهد على أبيك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عمر من أهل الجنة. وعن علي قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال: " يا علي، هذا سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما، فما أخبرتهما حتى ماتا ". ولو كانا حيّين ما حدثت بهذا الحديث. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما ". قال سالم: يعني بقوله: أنعما: ارفعا. قال: وكان عطية أحد رواته يتشيّع.

وفي رواية: ما قوله: وأنعما؟ قال: وهنيئاً لهما. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فيضيء وجهه كأنه كوكب درّيّ، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". وفي حديث آخر عنه مثله: " فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر البدر لأهل الدنيا، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". قال: أتدرون: ما أنعما؟ قلنا: لا، قال: وحقّ لهما. وعن جابر بن عبد الله أن عمر قال لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك، لقد سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما طلعت الشمس على رجل خيرٍ من عمر ". وفي حديث آخر بمعناه: بدل يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا سيد المسلمين، وبدل قوله: " على رجلٍ خيرٍ من عمر: على أحد أفضل من عمر ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر خير الأولين وخير الآخرين، وخير أهل السماوات وخير أهل الأرضين إلا النبيين والمرسلين ". وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: " رسول الله "، قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: " إذا عدّ الصالحون فائت بأبي بكر "، قال: ثم من؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا عدّ المجاهدون فائت بعمر بن الخطاب "، ثم قال: " عمر معي

حيث حللت، وأنا مع عمر حيث حلّ، ومن أحب عمر فقد أحبني ومن أبغض عمر فقد أبغضني ". وعن الأصبغ بن نباتة قال: قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عثمان، فقلت: ثم من؟ قال: أنا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعينيّ هاتين، وإلا فعميتا، وسعته بأذنيّ هاتين وإلا فصمّتا يقول: " ما ولد في الإسلام مولود أزكى ولا أطهر ولا أفضل من أبي بكر ثم عمر ". وعن علي قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر ". قال المصنف: المحفوظ موقوف. وعن ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبه، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قال: فخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، قال: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: أبوك رجل من المسلمين. وعن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني أبي أنه صعد المنبر يعني علياً فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث أحب. وعن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت خبرتكم بالثالث. قال أبو جحيفة: دخلت على علي فقلت: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فقال: مهلاً يا أبا جحيفة، أولا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أبو بكر وعمر. ويحك

يا أبا جحيفة، لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن، ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع بغضي وحب أبي بكر وعمر في قلب مؤمن. وعن أبي إسحاق قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو على منبر الكوفة وهو يقول: خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وإن شئتم أخبرتكم بالثالث، قالوا: يا أبا إسحاق، أخير أو أفضل؟ قال: خير، خ ي ر، وتهجاها. وعن عبد خير قال: لما فرغنا من أهل النهر قام علي فقال: يا أيها الناس، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا أمورا يقضي الله فيها ما يشاء وفي حديث آخر بمعناه وقد كانت منا أشياء فإن يعفُ الله فبرحمته وإن يعذب فبذنوبنا وعن علي أنه قال وهو على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وإنا قد أحدثنا بعدهم أحداثا يقضي الله فيها ما أحب وفي رواية ما شاء وعن أبي هلال العتكي قال كنت جالسا إلى جنب منبر علي بن أبي طالب وهو يخطب الناس فسمعته يقول خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر فبدرته فقلت ثم أنت يا أمير المؤمنين الثالث فقال لا ولا الرابع وعن إسماعيل بن زياد قال سمعت شريكا يقول لقوم من الشيعة إنا ما علمنا بعلي حتى صعد المنبر فقال إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر والله ما سألناه عن ذلك يا جاهل أترانا كنا نقوم فنقول كذبت

وعن عمرو بن سفيان قال خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي هذا الخطيب الشحشح سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا بعدهم فتنة يصنع الله فيها ما شاء وعن ابن عمر قال كنا نتحدث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان وعن الحسن قال خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطاب امرأة فزُوِّج المغيرة ومُنع عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد ردوا خير هذه الأمة هذا مرسل وعن عمرو بن العاص قال بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذي السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك قال عائشة قلت لست أسألك عن أهلك قال فأبوها قلت ثم من قال ثم عمر زاد في حديث آخر بمعناه قال ثم عدَّد رجالاً وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم

كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله من حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة وعن أبي هريرة قال خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئا على علي بن أبي طالب فاستقبله أبو بكر وعمر فقال له يا علي أتحب هذين الشيخين قال نعم يا رسول الله قال أحبهما تدخل الجنة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت في السماء خيلا موقوفة مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر حوافرها من الزبرجد الأخضر آذانها من العقيان الأصفر ذوات أجنحة فقلت لمن هذه فقال جبريل هذه لمحبي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة وعن عبد الله قال يؤتى بأقوام يوم القيامة فيوقفون بين يدي الله تعالى فيؤمر بهم إلى النار فإذا هَمَّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار وهمَّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة ردوهم فيردونهم فيقفون بين يدي الله طويلا فيقول عبادي أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم واستوجبتم بها وقد روعتكم وقد وهبت ذنوبكم لحبكم أبا بكر وعمرو عن جابر قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض الأنصار إلا منافق ومن أبغضنا أهل البيت فهو منافق ومن أبغض أبا بكر وعمر فهو منافق

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ومن أحب يعني الصحابة جميعا فقد برئ من النفاق وعن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر قال ثم قال لها من بعد أبي بكر قالت عمر قال ثم قال لها مَن بعد عمر فسكتت وعن حذيفة قال كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمروعن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمروعن أبي قتادة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدواوعن سفينة قال لما بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء الخلفاء من بعدي وفي رواية أخرى عنه لما بنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء ولاة الأمر من بعدي

وعن ابن عمر قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال هكذا نُبعث يوم القيامة وعنه قال خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي بكر وعمر قال هكذا نموت وهكذا ندفن وهكذا ندخل الجنة وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر ثم تنشق عن أبي بكر وعمر ثم تنشق عن الحرمين مكة والمدينة ثم أبعث بينهما وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبعث يوم القيامة بين أبي بكر وعمر ثم أذهب إلى أهل بقيع الغرقد فيبعثون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى يأتوني فأبعث بين أهل الحرمين عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فيقال لأبي بكر قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله واردع من شئت بعلم الله ويقال لعمر قف عند الميزان فثقِّل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله ويكسى عثمان حلتين فيقال له البسهما فإني خلفتهما وادخرتهما حين أنشأت خلق السموات والأرض ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنة فيقال ذُدِ الناس عن الحوض فقال بعض أهل العلم لقد واسى الله بينهم في الفضل والكرامة وفي حديث آخر بمعناه فيعطى عثمان عصا من الشجرة ويُكسى علي بن أبي طالب حلتين

عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن عند الله رجالا مكتوبين بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرنا بهم قال أما إنك منهم وعمر منهم وعثمان منهم وعن سلمان الفارسي قال رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عمر بن الخطاب وهو يتبسم في وجهه ويقول بطل مؤمن سخي تقي حياطة الدين وملك الإسلام ونور الهدى ومنار التقى فطوبى لمن تبعك والويل لمن خذلك وعن عمرو بن العاص قال أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما أقرأكم عمر فاقترئوا وما أمركم به فائتمرواوعن أبي هريرة قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية القبطية ببيت حفصة ابنة عمر فوجدتها معه فعاتبته في ذلك قال فإنها علي حرام أن أمسها ثم قال يا حفصة ألا أبشرك قالت بلى بأبي أنت وأمي قال يلي هذا الأمر من بعدي أبو بكر ويليه من بعد أبي بكر أبوك اكتمي عليَّ هذا عن حذيفة قال ذكرت الإمارة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إن تولوا أبا بكرة تولوه أمينا مسلما قويا في أمر الله ضعيفا في أمر نفسه وإن تولوا عمر تولوه أمينا مسلما لا تأخذه في الله لومة لائم وإن تولوا عليا تولوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة وفي حديث بمعناه وإن وليتموها عليا يقِمكم على طريق مستقيم وعن عصمة بن مالك الخطمي قال قدم رجل من أهل البادية بإبل له فلقيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتراها منه فلقيه علي فقال ما أقدمك فقال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، فقال له علي: ارجع إليه، فقل له: يا رسول الله،

إن حدث بك حدث، فمن يقضيني مالي؟ فانظر ما يقول لك، فارجع إلي حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن يقضيني؟ قال: " أبو بكر "، فأعلم علياً، فقال: ارجع فسله: فإن حدث بأبي بكر فمن يقضيني؟ فسأله، فقال: " عمر "، فجاء، فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله: إذا مات عمر فمن يقضيني، فسأله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت ". وعن سمرة بن جندب أن رجلا قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت كأن دلوا دليت من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا - قال عفان وفيه ضعف ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شئ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رأيتني الليلة يا أبا بكر على قليب فنزعت منه ذنوبا أو ذنوبين ثم جئت يا أبا بكر فنزعت ذنوبا أو ذنوبين - وإنك لضعيف يرحمك الله ثم جاء عمر فنزع منها حتى استحالت غربا فعبِّرها يا أبا بكر قال ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال بذلك عبَّرها الملك وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال رأيت كأني أسقي غنما سوداً إذ خالطها غنم عُفر إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين - وفيهما ضعف قوي غفر الله تعالى له - إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غربا فأروى الوناس وصدر الناس فلم أر عبقرياً يفري فري عمر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوَّلتُ أن الغنم السود العرب وإذا العُفر إخوانكم من الأعاجم تضلع أكثر من الشرب حتى تمدد جنبه وأضلاعه اللسان ضلع

وروي عن الشافعي قال رؤيا الأنبياء حق وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي كان بلغه عمر في طول مدته وفي حديث ابن المقريء والعبقري الأجير وفي حديث آخر فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع ابن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن وفي حديث آخر فلم أر نزع رجل قط أفرى من نزعه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر والعبقري الشديد الجلد وضرب الناس بعطن أي أقاموا به كقولك ضرب بجرانه أي أقام والجران من كل حافر وخف وإنسان ما ولي الأرض من باطن عنقه إلى صدرهو عن عائشة أنها قالت قال أبو بكر ذات يوم والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إليَّ من عمر فلما خرج رجع فقال كيف حلفت أي بنية آنفاً قالت قلت والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر قال أعزّ علي والولد ألوط يعني ألزق وعن الحسن بن أبي الحسن قال لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه جمع الناس إليه فقال إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أطنني إلا لمآبي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدي ورد عليكم أمركم فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي فقاموا في ذلك وخلوا عنه فلم يستقم لهم فرجعوا إليه فقالوا رأيا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فلعلكم تختلفون قالوا لا قال فعليكم عهد الله على الرضا قالوا نعم قال فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان فقال أشر علي برجل ووالله إنك عندي لها لأهل وموضع فقال

عمر فقال اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق فقال اكتب عمر ثم خرج فلقيه خالد بن سعيد فسأله فأخبره فقال والله لا يزال بنو عبد مناف بشر ما بقيت فقال والله ما ألوتُ الله ودينه وعباده وإنه لأقوانا وقد كان أبو بكر قال لو كنت كتبت نفسك لكنت لها أهلا عن الشعبي قال بينما طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن جلوسا عند أبي بكر في مرضه عُوَّادا فقال أبو بكر ابعثوا إلي عمر فأتاه فدخل عليه فلما دخل أحست أنفسهم أنه خيرته لهم فتفرقوا عنه وخرجوا وتركوهما فجلسوا في المسجد وأرسلوا إلى علي ونفر معه فوجدوا عليا في حائط في الحوائط التي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصدق بها فتوافوا إليه فاجتمعوا وقالوا يا علي ويا فلان إن خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلف عمر وقد علم الناس أن إسلامنا كان قبل إسلام عمر وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه ولا سلطان له فادخلوا بنا عليه نسأله فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه ففعلوا فقال أبو بكر اجمعوا لي الناس أخبركم من اخترت لكم فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعه على المنبر فقام فيهم باختيار عمر لهم ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم فقالوا ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر فقال أقول استخلفت عليهم خير أهلك وعن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو شاكٍ فقال استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له! فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال أبو بكر أجلسوني فأجلسوه فقال هل تعرفني إلا بالله! فإني أقول لله إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك فقيل للزهري ما قوله خير أهلك قال خير أهل مكةوفي رواية استخلفت عليهم خيرهم وعن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال لما حضرت أبا الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده هذا

ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويتوب الفاجر إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك رأيي فيه وظني به وإن جار وبدل فالحق أردت ولا أعلم الغيب وما توفيقي إلا بالله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قال ولما أملى عهده هذا على عثمان أغمي على أبي بكر قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان عمر بن الخطاب فأفاق أبو بكر فقال لعثمان لعلك كتبت أحدا قال ظننتك لما بك وخشيت الفرقة فكتبت عمر بن الخطاب فقال يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال له أنا رسول من ورائي إليك يقولون قد علمت غلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضت إليه أمورنا والله سائل عنه فانظر ما أنت قائل له قال أجلسوني أبالله تخوفونني قد خاب من وطئ من أمركم وهما إذا سألني قلت استخلفت على أهلك خيرهم لهم فأبلغهم هذا عني قال المصنف وهذا هو المحفوظ وقد روي عن علي الرضا ببيعة عمر كما روي عن سيار قال لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام علي فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب قال فإنه عمر عن أنس بن مالك قال لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي طالب يقول المتفرسون في الناس أربعة امرأتان ورجلان فأما المرأة الأولى فصفراء ابنة شعيب لما تفرست في موسى قال الله في قصتها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين والرجل الأول الملك العزيز على عهد يوسف والقوم فيه من الزاهدين قال الله تعالى:

وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وأما المرأة الثانية فخديجة ابنة خويلد لما تفرست في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالت لعمها قد تنسمت روحي روح محمد بن عبد الله إنه نبي لهذه الأمة فزوجني منه وأما الرجل الآخر فأبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب فقلت له إن تجعلها في غيره فلن نرضى به فقال سررتني والله لأسرنك في نفسك بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له وما هو قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما هو فقلت قال لي يا علي لا تكتب جوازاً لمن يسب أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين قال أنس فلما أفضت الخلافة إلى عمر قال لي علي يا أنس إني طالعت مجاري العلم من الله عز وجل في الكون فلم يكن أن أرضى بغير ما جرى في سابق علم الله وإرادته خوفا من أن يكون مني اعتراض على الله عز وجل وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء قال الخطيب هذا حديث موضوع من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه وعن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا والمرأة التي رأت موسى فقالت يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب عن عاصم قال جمع أبو بكر الناس وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر فكانت آخر خطبة

خطب بها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس احذروا الدنيا ولا تثقوا بها فإنها غرارة وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها فبحب كل واحدة منهما يبغض الأخرى وإن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله فلا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة وأملككم لنفسه أشدكم في حال الشدة وأسلسكم في حال اللين وأعلمكم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه ولا يحزن لما لم ينزل به ولا يستحي من التعلم ولا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز لشئ منها حده بعدوان ولا تقصير يرصد لما هو آت عباده من الحذر والطاعة وهو عمر بن الخطاب ثم نزل فدخل فحمل الساخط إمارته الراضي بها على الدخول معهم توصلاوعن قيس بن أبي حازم قال خرج علينا عمر ومعه شديد مولى أبي بكر ومعه جريدة يجلس بها الناس فقال أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني قد رضيت لكم عمر فبايعوه عن قيس قال رأيت عمر بيده عسيب نخل وهو يجلس الناس يقول اسمعوا لقول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء مولى لأبي بكر - يقال له شديد - بصحيفة فقرأها على الناس فقال يقول أبو بكر اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فوالله ما ألوتكم قال قيس فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر وبويع لعمر يوم مات أبو بكر لثمان بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرةوبويع لعمر وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وقيل ابن ثلاث وأربعين سنة قال معروف بن خربوذ من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام عشرة نفر من عشرة بطون من هاشم وأمية ونوفل وأسد وعبد الدار وتيم ومخزوم وعدي وسهم وجمح فكان من بني عدي عمر بن الخطاب وكانت إليه السفارة إن وقعت حرب بين قريش وبين غيرهم بعثوه سفيرا وإن فاخرهم مفاخر بعثوه مفاخرا ورضوا به

عن عبد خير قال قام علي على المنبر فذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلكوعن أبي العالية في قوله اهدنا الصراط المستقيم قال هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحباه قال فذكرت ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح وعن عطاء قال من حجة الله على الناس استخلاف أبي بكر وعمر أن يقول قائل من يستطيع أن يعمل بعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن محمد بن المتوكل قال بلغني أن خاتم عمر نقشه كفى بالموت واعظا يا عمر عن ابن شهاب قال أول من حيا عمر بن الخطاب بيا أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمرحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء وكانت من المهاجرات الأول وكان عمر بن الخطاب إذا دخل السوق أتاها قال سألتها من أول من كتب عمر أمير المؤمنين فقالت كتب عمر أمير المؤمنين إلى عامله على العراقين أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن أمر الناس فبعث إليه بعدي بن حاتم طئ ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فاستقبلا عمرو بن العاص فقالا استأذن لنا

على أمير المؤمنين فقال أنتما والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون فدخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين فقال لتخرجن مما قلت أو لأفعلن قال يا أمير المؤمنين بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم استقبلاني فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت أنتها والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون وكان قبل ذلك يكتب من عمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرى الكتاب من عمر أمير المؤمنين من ذلك ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفرغ عمر رضي الله عنه من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثم قام خطيبا مكانه فقال إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي فلا والله لا يحضرني شئ من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني فألوا فيه من أهل الجزء والأمانة ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم قال الرجل فوالله ما زال عن ذلك حتى فارق الدنيا قال الشعبي لما ولي عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترقبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وعن سعيد بن المسيب قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد علمت أنكم تؤنسون مني شدة وغلظة وذاك أني كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت عبده وخادمه وجلوازه وكان كما قال الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه وإلا أقدمت على الناس لمكان أمره فلم أزل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض والحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم قمت ذلك المقام مع

أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من قد علمتم في كرمه ورغبته في لينه فكنت خادمه وجلوازه وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه إلا أن يقوم إلي فأكف فلم أزل على ذلك حتى توفله الله وهو عني راض والحمد على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم صار أمركم اليوم إلي وأنا أعلم أنه يقول قائل كان شديداً علينا والأمر إلى غيره فكيف به لما صار الأمر إليه فاعلموا أنكم لا تستنبئون عني أحدا قد عرفتموني وخبرتموني وقد عرفت بحمد الله من محمد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قد عرفت وما أصبحت نادما على شئ كنت أحب أن أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وقد سألته واعلموا أن شدتي التي كنتم ترونها ازدادت أضعافا إذ كان الأمر إلي على الظالم والمعتدي ولآخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم وإن بعد شدتي تلك واضع خدي إلى الأرض لأهل العفاف والكفاف إن كان بيني وبين نفر منكم شئ في أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحب منكم فينظر فيما بيني وبينه فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصحية فيما ولاني الله من أمركم ثم نزل رضوان الله عليه قال سعيد بن المسيب فوالله لقد وفى بما قال وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم والرفق بأهل الحق من كانوا وعن القاسم عن محمد قال قال عمر بن الخطاب ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيرده عنه القريب والبعيد إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا ولو علمت - إن علمت - أن أحدا من الناس أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أَلِيَه عن ابن عمر قال كان عمر إذا نهى الناس عن شئ جمع أهله وقال إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا وايم الله لا أوتى برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة لمكانه مني مرتين

زاد في حديث بمعناه فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء منكم فليتأخر وعن ابن عباس قال لما أن ولي عمر بن الخطاب قال له رجل لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك قال قال عمر وما ذلك قال يزعمون أنك فظ قال فقال عمر الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رُحما وملأ قلوبهم لي رُعبا اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن فكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن فقالوا يا عبد الرحمن لو كلمت أمير المؤمنين للناس فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فيمنعه أن يكلمه في حاجته هيبته حتى يرجع ولم يقض حاجته فدخل عليه فكلمه فقال يا أمير المؤمنين أَلِن للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك فقال لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين المخرج وقام يبكي يجر رداءه يقول عبد الرحمن بيده أف لهم بعدك قال الأصمعي كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى أخاف الأبكار في خدورهن فكلمه عبد الرحمن فالتفت عمر إلى عبد الرحمن فقال له يا عبد الرحمن إني لا أجد لهم إلا ذلك والله لو إنهم يعلمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي من عاتقي قال الأحنف بن قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما حج به واعتمر عليه من الظهر وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا رجل من المسلمين

وفي حديث بمعناه ووالله لا أدري أيحل ذلك أم لاعن سالم بن عبد الله قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته واجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستشر ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي أحدا له إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه فقال من هؤلاء قالت لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك فقال لو علمت من هم لسوَّدت وجوههم أنت بيني وبينهم أناشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتك من الملبس قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا خبز شعير نصب عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هينة دسماً حلوة نأكل منها ونطعم منها استطابة لها قال فأي بسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت كساء لنا ثخين كنا نرفعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء انبسطنا نصفه وتدثرنا نصفه قال يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر موضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجتمع معهما أبداقال ابن عمر ما زال عمر جواداً مجدا من لدن أن قام إلى أن قُبض

قال المدائني كتب عمرو إلى عمر بن الخطاب فشكا إليه ما يلقى من أهل مصر فوقع عمر في قصته كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك ورفع إلي عنك أنك تتكئ في مجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ فكتب إليه عمرو أفعل يا أمير المؤمنين وبلغني يا أمير المؤمنين أنك لا تنام بالليل ولا بالنهار إلا مُغلَبا فقال يا عمرو إذا نمت بالنهار ضيعت رعيتي وإذا نمت بالليل ضيعت أمر ربي حدث مولى لعثمان بن عفان قال بينا أنا مع عثمان في مال بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا بسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الجمر فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فنظرت فقلت أرى رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مُضي بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا فعاد إلينا فألقى نفسه وعن أبي بكر العبسي قال دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فجلس عثمان في الظل فقام عليٌّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر عليه بردتان سوداوان متزر واحدة قد وضع الأخرى على رأسه وهو يتفقد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها فقال علي لعثمان أما سمعت قول ابنة شعيب

في كتاب الله عز وجل يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأشار بيده إلى عمر فقال هذا القول الأمين قال أبو عبيدة ركض عمر فرسا على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانكشف فخذه من تحت القباء فأبصر رجل من أهل نجران شامة في فخذه فقال هذا الذي نجده في كتابنا يخرجنا من ديارنا قال الزهري فتح الله الشام كله على عمر والجزيرة ومصر والعراق كله إلا خراسان فعمر جنَّد الأجناد ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام واحد وقسم الفيء الذي أفاء الله عليه وعلى المسلمين ثم توفى الله عمر قال مالك ولي أبو بكر سنتين لم يكن فيهما مال إنما كانت جهادا كلها وولي عمر بن الخطاب عشر سنين ففتح الله على يديه الفتوح قال الأحنف بن قيس كنا بباب عمر بن الخطاب ننظر أن يؤذن لنا فخرجت جارية فقلنا سُرِّية أمير المؤمنين فسمعت فقالت ما أنا بسُرِّية أمير المؤمنين وما أحلّ له إني لمن مال الله قال فذكر ذلك لعمر فدخلنا عليه فأخبرناه بما قلنا وبما قالت فقال صدقت ما تحل لي وما هي بسُرّية وإنها لمن مال الله عز وجل وسأخبركم بما أستحل من هذا المال أستحل منه حلتين حُلة للشتاء وحلة للصيف وما يسعني لحجتي وعمرتي وقوتي وقوت أهل بيتي وسهمي مع المسلمين كسهم رجل لست بأرفعهم ولا بأوضعهم وعن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم أن لا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة ثم يشيعهم وإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أبشارهم ولا على أعراضهم ولا على أموالهم

ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إليَّ ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمِّروها فتفتنوها وفي رواية لا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تُجَمِّروها فتفتنوها وفي رواية ولا تجهلوها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها حدود الله زاد في حديث آخر وجوِّدوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شريككم انطلقوا عن أبي فراس قال شهدت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فقال يا أيها الناس إنه قد أتى علي زمان وأنا أرى أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده فيخيل إلي أن قوما قرءوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا ألا فأريدوا الله بأعمالكم ألا إنا إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا وإذ ينبئنا الله من أخباركم فقد انقطع الوحي وذهب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنما نعرفكم بما نقول لكم ألا من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم بينكم وبين ربكم ألا إني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سنتكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنَّكم منه فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين أرأيت إن بعثت عاملا من عمالك فأدّب رجلا من أهل رعيته فضربه إنك لمقصّه منه قال فقال نعم والذي نفس عمر بيده لأقصن منه ألا أقص وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيِّعوهم وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب لم ألك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم

لك دينك، ويحظى بالفضل حظك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيّنات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حظه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء، والسلام عليك. وعن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا. وعن عرزب الكندي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ستحدث بعدي أشياء، فأحبّها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر ". وعن إسماعيل بن زياد قال: مرّ علي بن أبي طالب عليه السلام على المساجد في شرخ رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا. وعن أبي وائل قال: قال عبد الله: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده. وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيّها؟ قال: بذات اللظى، فقال عمر بن الخطاب: أدرك أهلك فقد احترقوا. قال: فكان كما قال عمر رضي الله عنه. وعن ابن شهاب قال: كان رأي عمر كيقين غيره. وعن الحسن قال: إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدّث به انه كذب فهو عمر بن الخطاب.

وعن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة فيقول: احبس هذه. فيقول له: كل ما حدثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيّها ستة نفر: عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان كان قولهما لقوله تبعاً وعلي، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، فإذا قال علي قولاً، وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً. وعن عبد الله بن مسعود قال: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر بعلم الناس. فحدثت به إبراهيم فقال: قد قال عبد الله أجود من ذلك: إني لأحسب عمر حين مات قد ذهب بتسعة أعشار علم الناس. وفي حديث بمعناه قال سليمان: ليس هو هذا ولكنه العلم بالله عزّ وجلّ. وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم عام إلا شر من العام الذي مضى، قالوا: أليس يكون العام أخصب من العام؟ قال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء. ثم قال: وأظن عمر بن الخطاب يوم أصيب ذهب معه ثلث العلم. وعن عمرو بن ميمون قال: ذهب عمر بثلثي العلم. قال: فذكر لإبراهيم فقال: ذهب عمر بتسعة أعشار العلم. وعن حذيفة قال: إنما بقي للناس ثلاثة من قد علم ناسخ القرآن من منسوخه. قيل: من هو؟ قال: عمر بن الخطاب، أو رجل لا يجد من ذلك بداً، أو أحمق متكلف. قال محمد: ما أنا بواحد منهما، وأرجو ألا أكون الثالث.

وعن قبيصة بن جابر قال: ما رأيت أحداً أرأف برعيته ولا خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أقوم بحدود الله، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان رضي الله عنه. وعن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب البقرة في اثنتي عشرة سنة. فلما تعلمها نحر جزوراً. سمع ابن عمر سائلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فأخذ بيده، وانطلق به إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فقال: سألت عن هؤلاء، فهم هؤلاء. وعن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، أرغبنا في الآخرة. وعن معاوية قال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما عثمان فأصاب منها، وأصابت منه، وعالجها وعالجته، وأما نحن فتمرّغنا فيها ظهراً لبطن، فالله أعلم إلام نصير. وعن المسوّر بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع. قالت الشفاء بنت عبد الله ورأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نسّاك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلم سمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً. وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن يسرّك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع،

وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل تلحق بهم. قال الأحنف بن قيس: ما كذبت قط إلا مرة، قالوا: وكيف يا أبا بحر؟ قال: وفدنا إلى عمر بفتح عظيم. فلما دنونا من المدينة قال بعضنا لبعض: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صبوتنا، فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة كان أمثل. فلبسنا ثياب صبوتنا حتى إذا طعنا في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دنيا ورب الكعبة، قال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي، فعلمت أن ذلك ليس بموافق للقوم، فعدلت، فلبستها، وأدخلت ثياب صبوتي العيبة، وأشرجتها، وأغفلت طرف الرداء، ثم ركبت راحلتي فلحقت أصحابي. فلما دفعنا إلى عمر نبت عيناه عنهم، ووقعت عيناه علي، فأشار إلي بيده، فقال: أين أبدلتم؟ قلت: في مكان كذا وكذا، فقال: أرني يدك، فقام معنا إلى مناخ ركابنا، فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟ ألا تقصّدتم بها في المسير؟ ألا حللتم عنها، فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بما يسرّهم، فحانت منه التفاتة، فرأى عيبتي، فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: فما هذا الثوب؟ قلت: ردائي، قال: بكم ابتعته؟ فألغيت ثلثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه، ثم انصفق راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة، فخفق بها رأسه، فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني؟ قال: فانصرف الرجل، وهو متذمر. قال: علي الرجل، فألقى إليه المخفقة، فقال: امتثل، فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي، فاعلم ذلك، قال: أدعها لله، قال: فانصرف، ثم جاء فمشى حتى دخل منزله ونحن معه،

فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين وجلس، فقال: يا بن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة ظننا أنه من خير أهل الأرض. قال الحسن البصري: أتيت مجلساً في مسجدنا يعني جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما فتح الله عليهما من الإسلام، وحسن سيرتهما، فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي، فسمعته يقول: أخرجنا عمر بن الخطاب في سريّة إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا، واكتسبنا منه. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر، وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا، فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البزّة التي كان يعهدنا فيها، فسلم علينا، على رجل رجل، ويعانقه حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيب الطعم، طيب الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله. يا معشر المهاجرين والأنصار ليقبّلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به، فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إثره، فقال: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار، إلى زهد هذا الرجل، وإلى حلته؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا، قد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه، فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة، فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسابقين من المهاجرين

والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب ليّن يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكل ومن حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنتيه، أو ابنته حفصة، فإنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلموا علياً فقال علي: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه. قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة، وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائل أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل، وسيتبين لك ذلك، فدخلتا على أمير المؤمنين، فقربهما، وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتاذن أكلمك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضى لسبيله، إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، كذلك مضى أبو بكر على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتل الكذابين، وأدحض حجة المبطلين، بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضاء ربّ البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما، وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون عليك، وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك، ويغدى عليك بجفنة من الطعام، ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً، ثم قال: سألتك بالله: هل تعلمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبع من خبز برّ عشرة أيام، أو خمسة، أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالتا: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض، ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

وأمهات المؤمنين، ولكما على المؤمنين حقّ، وعليّ خاصةً، ولكن أتيتما ترغّباني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبس جبة من الصوف، فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة، وكان مسجّى في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة، أنت حدثتني أنك اسى له ذات ليلة، فوجد لينها، فرقد عليها، فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: يا حفصة، " اسى المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي؟ شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة، أما تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً، وباكياً، ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه. لا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر، حتى ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزل بذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ. وعن ثابت: أن عمر استسقى، فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه. قال: فجعل يقول: أشربها فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها. قالها ثلاثاً، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه. وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: وفدت إلى عمر بن الخطاب من العراق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أهديت لك هدية أحب أن تقبلها، فدعا بها، فأتيته بها، فأمرني ففتحت سلة من خبيص، فأكل منه، فأعجبته فقال: عزمت عليك إلا رزقت الجند من هذا سلة سلة، أو سلتين، فقلت: إن

النفقة تكثر فيه، فقال: اقبض عني سلالك فلا حاجة لي فيما لا يسع العامة، ثم أتي بقصعة من ثريد ولحم، فأكل وأكلت، ثم جعلت أهوي إلى القصعة أراها شحماً، فألوكها ساعة فأجدها عصباً، وعمر يأكل أكلاً شهياً، ثم أتي بعسّ من نبيذ، فشرب وسقاني، ثم قال: إننا ننحر كل يوم جزوراً، فيكون بطنها وأطايبها من غشيها من المسلمين وأهل الفاقة، ويكون العنق لأهل عمر، ثم نشرب عليه من هذا النبيذ فيقطعه في بطوننا. وفي حديث آخر عن ابن فرقد أنه لما أتاه بالخبيص جعل يخرج من الخبيص ألواناً: أصفر وأحمر وأخضر، فطفق عمر ينظر إليه ويقول: بخٍ بخٍ ما أحسن هذا! فقال: اردده في جونته التي أخرجته منها، ثم ارجع من حيث جئت. قال ابن فرقد: ما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تأكل؟ فقال عمر: إني آكل مما يأكل الناس، وألبس مما يلبس الناس، وأستبقي دنياي لآخرتي. قال الحسن قدم على عمر أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري. قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز ثلاث فربما وافقناه مأدوماً بسمن، وأحياناً بزيت، وأحياناً باللبن. وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: إني أرى تعزيركم وكراهيتكم طعامي، ولو شئت صلائق وصناب والصّلاء: الشّواء. والصّناب: الخردل. الصّلائق: الخبز الرقاق ولكني سمعت الله عزّ وجلّ عيّر قوماً بأمرٍ فعلوه، فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".

قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكلونه. قال: فكلمناه فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرضٌ العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يعشّي، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يعشّي، وإن طعامه يؤكل، فنكس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب يعني الشراب الحلال، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب، فاشرب يعني الشراب الحلال ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك. فإن كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإنّ تحفينكم للناس لا يحسّن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله مع ذلك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه. وعن الربيع بن زياد أنه وفد على عمر بن الخطاب فأعجبه هيئته، فشكا عمر وجعاً به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت، وكان متكئاً وبيده جريدة نخل، فاستوى جالساً، فضرب به رأس الربيع بن زياد وقال: ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا. كان عمر بن الخطاب يقول: والله ما نعبأ بلذاذة العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب، فينبذ لنا، حتى إذا صار

مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوماً فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ". دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، فقال: أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهى. وعن أبي نافع قال: قال لي أبو أحمد بن جحش ليلة بعد المغرب: أي بني، اذهب بي إلى عمر بن الخطاب فعرفت أنه يريد العشاء، فذهبت به، فاستأذن على عمر، فأذن له، فأجلسه عند رأسه، وجلست خلفهما، فدعا صاحب طعامه، فقال: أتبغي لأبي أحمد شيئاً يتعشى؟ فقال: لا والله، ما عندي شيء، قال: ولو رغيفين، فقال بأصبعه: لا والله، ولا رغيف، قال: فالشاة التي ذبحتم اليوم، بقي عندكم منها شيء؟ قال: لا، لقد أكلتموها، قال: فرأسها، ما فعل؟ قال: قد أكلوه. قال: فالجمجمة؟ قال: هو ذيك مطروحة. قال: فائتني بها، فأتي بالجمجمة قد أكل لحمها، وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء، قال: فجعل عمر يقشرها، فيناولها، فيلوكها، وهو شيخ كبير، ثم التفت إلي فقال: يا بني، إذا أردت أن تأتينا بمولاك فائتنا به قبل أن نتعشى، فإنا إذا تعشينا لم يكن عندنا شيء. قال عمر بن الخطاب يوماً: لقد خطر على قلبي شهوة الحيتان الطري، قال: فيرتحل يرفا راحلة له. فسار ليلتين إلى الجار مدبراً وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، فجاءه به. قال: ويعمد يرفا إلى الراحلة، فغسلها، فأتى عمر وقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر ثم قال:

نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذّبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك. وعن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً، وكان قد اشتكى شكوى، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها. قال أبو حازم: دخل عمر على حفصة ابنته، فقدمت إليه مرقداً بارداً وخبزاً، وصبت في المرق زيتاً، فقال: أدمان في إناء واحد؟ لا أذوق حتى ألقى الله. وعن عمر أنه قال: لا أحد يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والسمن. قال: فكان ربما أتي بالحفنة قد صنعت بزيت فيعتذر إلى القوم، فيقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ هذا الزيت. وعن ابن عمر قال: دخل علين عمر وهو على مائدة، فأوسع له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله ثم ضرب بيده، فلقم لقمة، ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه، فوجدته غالياً، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمناً، وأردت أن يزاد عيالي عظماً عظماً، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين فلن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك. قال: ما كنت لأفعل. قال الأحنف بن قيس: كنا نأكل عند عمر يوماً بلحم غريض، ويوماً بزيت، ويوماً بقديد.

قال قتادة: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف، مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق، ومعه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنّكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك. وعن أنس قال: رأيت بين كتفين عمر أربع رقاع في قميص له. وعن زيد بن وهب قال: رأيت بين كتفي عمر أربع عشرة رقعة بعضها من أدم. وعن الحسن أن عمر بن الخطاب خطب بالناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة. وفي آخر: بعضها من أدم. وعن ابن عباس قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت، وإزاره مرقوع بأدم. وقال أبو عثمان: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب. وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا فما ضرب فيه فسطاطاً، ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة، ويستظل تحته. وعن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على جمل أورق، تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه

قلنسوة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شعبتي رحله، بلا ركاب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشوة ليفاً، وهي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد دسم، وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوا له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصاً أو ثوباً، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل، ورقع، ولبسه فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فأتي ببرذون، فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه. فلما سار هنيهة قال: احبسوا، احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي، فأتي بجمله فركبه. قال علقمة بن عبد الله المري: أتي عمر بن الخطاب برذون، فقال: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطاة ولها هبّة، ولها جمال تركبه العجم، فقام فركبه. فلما سار هزّ منكبيه فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه. قال مجاهد: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، ثم جعل يتلهف، ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا من مال الله تعالى. دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى

دخل على عمر فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها ثم قال: أنشدك الله، أمنهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبرئ بعدك أحداً. وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في خد عمر بن الخطاب خيطان أسودان من البكاء. وعن جعفر بن زيد أن عمر خرج يعسّ بالمدينة ليلة، ومعه غلام له، وعبد الرحمن بن عوف، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه وهو قائم يصلي، فوقف يسمع لقراءته، فقرأ: " والطّور " حتى بلغ " إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ " فقال عمر: قسم وربّ الكعبة حق، امض لحاجتك، فاستسند إلى حائط، فمكث ملياً، فقال له عبد الرحمن: امض لحاجتك، فقال: ما أنا بفاعل الليلة إذ سمعت ما سمعت. قال: فرجع إلى منزله فمرض شهراً، يعوده الناس لا يدرون ما مرضه. وعن الحسن قال: كان عمر بن الخطاب يمرّ بالآية من ورده بالليل، فيسقط، حتى يعاد منها أياماً كثيرة، كما يعاد المريض. وعن عمر بن الخطاب أنه قال: من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون. وعن ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوّف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد. وعن أبي مسلم الأزدي أنه صلى مع عمر بن الخطاب أو حدثه من صلى مع عمر المغرب فمشى بها، أو

شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان. فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين. وعن ابن عباس قال: كان الحر بن قيس بن حصن من القراء الذين يدنيهم عمر وكان القراء أهل مجلس عمر شباباً كانوا أو شيوخاً فقدم عيينة بن حصن فقال للحر بن قيس: يا بن أخي، ألك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: والله يا عمر ما تعطينا لاجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فغضب عمر حتى همّ أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: " وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين. قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى. قال مزيدة بن قعنب الرهاوي: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه قوم، فقالوا له: إن لنا إماماً يصلي بنا العصر، فإذا صلى صلاته تغنى بأبيات، فقال عمر: قوموا بنا إليه، فاستخرجه عمر من منزله فقال: إنه بلغني أنك تقول أبياتاً إذا قضيت صلاتك، فأنشدنيها، فإن كانت حسنة قتلها معك، وإن كانت قبيحة نهيتك عنها، فقال الرجل: الرمل وفؤادي كلما نبّهته ... عاد في اللذات يبغي تعبي لا أراه الدهر إلا لاهياً ... في تماديه فقد برّح بي يا قرين السّوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللعب وشباب بان مني فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي ما أرجيّ بعده إلا الفنا ... ضيّق الشيب عليّ مطلبي نفس لا كنت ولا كان الهوى ... اتقي المولى وخافي وارهبي فقال عمر: نعم نفس لا كنت ولا كان الهوى وهو يبكي ويقول: اتقي الله وخافي وارهبي. ثم قال عمر: من كان منكم متغنياً فليغن هكذا.

قال طارق: قلت لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطير الحذر الذي كأن له بكل طريق شركاً. قال عبد الله بن عامر بن ربيعة. رأيت عمر بن الخطاب أخذ نبتة من الأرض فقال: يا ليتني هذه النبتة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسياً منسيّاً. حدث نجدة مولى عمر بن الخطاب عن عمر أنه كان في سوق المدينة يوماً، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرّ أسود عليه قربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك، فقال له أبو ذر، ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرّة؟ قال: لا، بل هذه أثقل من ذرّة. قال: فهل فهمت ما أنزل الله في سورة النساء؟: " إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةٌ يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ". كان بدو الأمر مثقال ذرّة، وكان عاقبته أجراً عظيماً. وعن مالك بن مغول أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل ان توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ ". وعن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبيني في التراب، أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عزّ وجلّ. نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس وكبّروا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى

على خالات لي من بني مخزوم، فيقبّضن لي القبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قميت نفسك يعني: عبت فقال: ويحك يا بن عوف إني خلوت، فحدثتني نفسي قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك، فأردت أن أعرّفها نفسها. قال عبد الرحمن بن حاطب: كنت مع عمر بن الخطاب بضجنان فقال: كنت أرعى للخطاب بهذا المكان، فكان فظاً غليظاً، فكنت أرعى أحياناً، وأحتطب أحياناً، فأصبحت أضرب الناس، ليس فوقي أحد إلا الله ربّ العالمين، ثم قال: البسيط لا شيء مما ترى يبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد زاد في آخر: لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجنّ فيما بينها برد أين الملوك التي كانت نواهلها ... من كلّ أوبٍ إليها راكبٌ يفد حوضاً هنالك موروداً بلا كذبٍ ... لابدّ من ورده يوماً كما وردوا قال جراد بن نشيط: كنت عند عمر بن الخطاب، فأتاه رجل مسمّن مخصب في العيش، فقال: يا أمير المؤمنين، هلكت وهلك عيالي زاد في رواية: فجعل عمر يصعّد فيه البصر ويصوبه ثم قال: يجيء أحدهم ينثّ كأنه حميت يقول: هلكت وهلك عيالي ثم قرب عمر يحدث عن نفسه، فقال: لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لهم، قد ألبستنا أمنا

نقيبة لنا، وزودتنا من الهبيد نمتر منها، فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقيبة إلى أختي، وخرجت أسعى عرياناً، فترجع أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فما خضناه. قال: ثم قال: أعطوه ربعة من نعم الصدقة، قال: فخرجت يتبعها ظئران لها، قال: فما حسدت أحداً ما حسدت ذلك الرجل ذلك اليوم. وعن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها. قال الحسن: خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير الؤمنين، فقال: لا، وأركب أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الوطيء، وتركب أنت على الموضع الخشن؟ ولكن اركب أنت على المكان الوطيء، وأركب أنا خلفك على المكان الخشن. فركب خلف الغلام، ودخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليهما. وعن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب نائماً في المسجد بالمدينة، فقال: هذا والله هو الملك الهنيء.

وعن عامر قال: إذا اختلف الناس في أمر فانظر كيف قضى فيه عمر، فإنه لم يكن يقضي في الأمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور. قال الشعبي: من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير. وعن عاصم قال: أخذ أبو عثمان النهدي عصاً كانت بيده، ثم رفعها، ثم قال: والذي لو شاء أن ينطق هذه العصا لنطقت، لو كان عمر ميزاناً ما كان يميط شعرة. قال أبو حريز الأزدي: كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور إلى أن جاءه ذات يوم بخصم، فقال: يا أمير المؤمنين، لقض بيننا قضاءً فصلاً كما يفصل الفخذ سائر الجزور، قال عمر: فما زال يردّدها علي حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: أما بعد، فإياي والهدايا، فإنها من الرّشى. كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله، فكان في آخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته شهواته عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عما تنهى عنه. قال عمر بن الخطاب: الوالي إذا طلب العافية ممن هو دونه أعطاه الله العافية ممن هو فوقه. كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء منزل يسكنه، فوقع في كتابه: ابن ما يسترك من الشمس، ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار قلعة.

وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو على مصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك. قال أسلم: قال عمر بن الخطاب: اجتمعوا لهذا الفيء حتى ننظر فيه، ثم قال لهم بعد: إني كنت أمرتكم أن تجتمعوا حتى ننظر فيه، وإني قرأت آيات من كتاب الله فاستغنت عزّ وجلّ بهن، قال الله تعالى: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرّسول " إلى قوله: " شديد العقاب " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ثم قرأ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم، ولأجعلنهم ببّاناً واحداً، يعني: باجاً واحداً. قال: فجاء ابن له، وهو يقسم يقال له عبد الرحمن بن لهيّة امرأة كانت لعمر فقال له: اكسني خاتماً، فقال له: الحق بأمك تسقيك شربة من سويق فوالله ما أعطاه شيئاً. قال عبد الرحمن بن عوف: بعث إلي عمر ظهراً، فأتيته. فلما دخلت الدار إذا نحيب شديد، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اعترى والله أمير المؤمنين اعتراء، فقلت: لا بأس أمير المؤمنين، قال: إنه لا بأس، قال: فوضع يديه على ركبتيه، فكان أول ما كلمني به أن قال: ما أعجبك، بكائي شديد، ثم أخذ بيدين فأدخلني بيتاً، فإذا حقيبات بعضها على بعض، فقال: هاهنا هان آل الخطاب على الله، والله لو كرمنا عليه لكان إلي صاحبي بين يدي فلاقاً مالي فيه أميراً أقتدي به. فلما رأيت ما حلّ به قلت: اقعد بنا

يا أمير المؤمنين نتفكر. قال: فقعدنا، فكسا أهل المدينة، وكسا المخفّين في سبيل الله، وكسا أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكسا من ذون ذلك، فأصاب المخفّين أربعة أربعة، وأصاب أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أربعة، وأصاب من دون ذلك اثنان اثنان، حتى وزعنا ذلك المال. وعن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً. فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، كنت مفتديّ؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، فقال: كأني شاهدٌ الناس حين تبايعوا، فقال: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك فإنه أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهماً، ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعة مئة ألف، فدفع إلي ثمانين ألفاً، وبعث البقية إلى سعد بن أبي وقاص فقال: اقسمه في الذي شهدوا الوقعة، ومن كان مات فابعثه إلى ورثته. وحدث أسلم قال: رأيت عبد الله بن الأرقم صاحب بيت مال المسلمين في زمن أبي بكر وعمر أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلية جلولاء، آنية من ذهب وورق، فانظر أن تفرغ لذلك يوماًن فترى فيه رأيك، فقال: إذا رأيتني فارغاً فآذني، فجاءه يوماً فقال: أراك اليوم فارغاً، فقال: أجل، فابسط لي نطعاً في الأشاء وهو النخل الذي لا يسقى فبسط له فيه نطعاًن ثم أتى بذلك المال فصب عليه، فدنا عمر حتى وقف عليه، وقال: اللهم، إنك ذكرت وقلت: " زيّن للنّاس حبذ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة " وقلت: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " وإنا لا نستطيع ألا نفرح بما زيّنت لنا، اللهم، فاجعلني أنفقه

في الحق، وأعذني من شرّه، قال: وأتى ابن له يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبتاه، هب لي خاتماً، فقال عمر: اذهب إلى أمك تسقيك سويقاً. بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية فوضعت بين يديه، وفي حجره أسماء بنت زيد بن الخطاب وكانت أحب إليه من نفسه، لما قتل أبوها باليمامة عطف عليهم فأخذت من الحلية خاتماً، فوضعته في يدها، وأقبل عليها يقبّلها، ويلتزمها. فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها، فرمى به في الحلية وقال: خذوها عني. قدم مل الروم على عمر بن الخطاب، فاستقرضت امرأة عمر بن الخطاب ديناراً فاشترت به عطراً، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم. فلما أتاها فرّغتهن وملأتهن جواهر، وقالت: اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب. فلما أتاها فرّغتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب فقال: ما هذا؟ فأخبرته الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين. وعن ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟ فقالت: نعم أهداها إلي أبو موسى الأشعري، فقال: أحضروه، وأتعبوه، قال: فأتي به قد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها، فلا حاجة لنا فيها. قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى اليمن. فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلاً سماناً فقال: لمن هذه؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر، بخٍ بخٍ، ابن أمير المؤمنين، فجئته أسعى، فقلت: مالك يا أمير المؤمنين قال: ما هذه الإبل؟ قلت: أنا اشتريتها، وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، أغد على رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.

قال عمرو بن العاص يوماً، وذكر عمر فترحم عليه ثم قال: ما رأيت أحداً بعد نبي الله وأبو بكر أخوف لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحق: على ولد أو والدٍ، ثم قال: إني لفي منزلي ضحى، في مصر إذ أتاني آتٍ فقال: قدم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمر غازيين، فقلت: أين نزلا؟ قال: في موضع كذا وكذا لأقصى مصر وقد كتب إلي عمر: إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتضعه بأمر لا تصنعه بغيره، فأفعل بك ما أنت أهله فأنا لا أستطيع أن أهدي لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فإني لعلى ما أنا فيه إذ قال قائل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكران، فقالا: أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسركنا، قال: فنهرهما وطردهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه، قال: يحضرني رأي، وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحدّ غضب علي عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن فيه إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه، فرحبت به وأردت أجلسه على صدر مجلسين فأبى علي وقال: إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألاّ أجد بداً، وإني لم أجد بداً من الدخول عليك، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداًن فأما الضرب فاصنع ما بدا لك. قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ. قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن بيت في الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان، حتى إذا تحينت كتابه إذا هو فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص، فعجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك علي، وخلاف عدين أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك واخترتك لجرأتك عني وإنفاد عهدي، فأراك تلوثت بما قد

تلوثت، فماأراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قتل: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عند في حق يجب به عليه. فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعثت به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبت إلى عمر كتاباً أعتذر فيه، وأخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن دار على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقال: أسلمه، فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه، وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مركبه، فقال: يا عبد الرحمن، فعلت وفعلت، السياط، فكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة، فما عليه أن تقيمه ثانية؟ فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره، فجعل عبد الرحمن يصيح: إني مريض وأنت قاتلي، فضربه الثانية الحدّ، وحبسه في مرض فمات. وفي حديث بمعناه: إنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله، فلبث شهراً صحيحاً، ثم أصابه قذة، فتحسّب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده. وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب يمشي ذات يوم في بعض أزقة المدينة إذا صبيّةٌ بين يده، تقوم مرة وتقع أخرى وفي رواية: تطيش هزالاً فقال: يا بؤسها: من لهذه؟ فقال ابن عمر: هذه إحدى بناتك يا أمير المؤمنين زاد في آخر قال: وأي بناتي هذه؟ قال: ابنتي قال: فما لها؟ قال: منعتها ما عندك، قال: أفعجزت إذ منعتها ما عندي أن تكسب عليها كما تكسب الأقوام على بناتهم؟ والله مالك عندي إلا مالرجل من المسلمين، وبيني وبينك كتاب الله. قال الحسن: فخصمه الله. وفي آخر فقال: إني والله ما أعول من ولدك، فاسع على ولدك أيها الرجل.

وعن عاصم بن عمر قال: أرسل إلي عمر يرفا، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر قال: فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان قط أحرم علي منه إذ وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله، ولست بزائدك، ولكني معينك بثمن مالي بالغابة، فاجدده فبعه، ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً فاستشركه، فاستنفعه وأنفق على أهلك. قال أسلم: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقف معها عمرن ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستقي بينهما بهماً فيه. وعن محمد بن سيرين أن صهراً لعمر بن الخطاب قدم على عمر فعرض عليه أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر فقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.

وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا عن الدجال أنه يسلّط على نفس يقتلها ثم يحييها، فيقول: ألست بربك؟ قال: فتقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى قتل أو مات. وعن حذيفة قال: لأن أعلم أن فيكم مئة مؤمن أحبّ إلي من حمر النّعم وسودها، فقال أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما تهاجرنا بيننا ولا تشاتمنا بيننا ولا تفرقنا. قال: هل فيكم من لا يخاف في الله لومة لائم ثم بكى ثم قال: ما أعلمه إلا عمر، فكيف أنتم لو قد فارقكم؟. وعن حذيفة قال: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت، أنا، كما قال، قال: إنك لجريء عليها أو عليه قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كموج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أو يفتح؟ قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا؛ أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا حذيفة أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقاً، فسأله فقال: الباب عمر. وعن قدامة بن مظعون أن عمر بن الخطاب أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته، وعثمان على راحلته، على ثنية الأثاية والعرج، فضعضعت راحلته راحلة عثمان، وقد مضت راحلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتني يا غلق الفتنة. فلما أسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب فقال: يغفر الله لك أبا السائب، ما هذا الاسم الذي سميتنيه؟ فقال: لا والله ما أنا الذي سميتكه، لكن سمّاكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا هو

أمام الركن يقدم القوم مررت بنا يوماً ونحن جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هذا غلق الفتنة وأشار بيده لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانيكم ". وفي حديث غيره: قفل الفتنة. مرّ عبد الله بن سلام بعبد الله بن عمر بن الخطاب وهو راقد في مشرقة، وفحركه برجله فقال: من هذا؟ قال: أنا عبد الله بن أمير المؤمنين عمر، قال: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقام عبد الله وقد تغير لونه حتى أتى والده عمر، فقال: يا أبه، أما سمعت ما قال ابن سلام لي؟ قال: وما قال لك يا بني؟ قال: قال لي: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة ومصاهرته رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقضاياه بين المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم حتى يعني يكون قفلاً لجهنم، قال: ثم قام وتقنّع بطيلسان له، وألقى الدرة على عاتقة فاستقبله عبد الله بن سلام، فقال له عمر: يا بن سلام، بلغني أنك قلت لابني: قم يا بن قفل جهنم، قال: نعم، قال عمر: وكيف علمت أني في جهنم، حتى أكون قفلاً لجهنم؟ قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم، ولكنك قفل جهنم، قال: وهل يكون أحد لا يكون في جهنم وهو قفل جهنم؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: إنه أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل عليه السلام أنه قال: يكون في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم رجل يقال له: عمر بن الخطاب، أحسن الناس ديناً، وأحسنهم يقيناً. ما دام بينهم الدين عالٍ، والدين فاشٍ واستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر يرق الدين، ويقل اليقين، وقلّ أعمار الصالحين، وافترق الناس على فرق من الأهواء، وفتحت أقفال جنهم، فيدخل في جهنم من الآدميين كثير. قال كعب وهو عند عمر: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: إنك مصراع الفتنة.

وعن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال يوماً وهو يذكر عمر فقال: إن مات عمر رقّ الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبقى بعد عمر. قال قائل: ولم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، أما هو فإن ولي والٍ بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك، ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه. وعن حذيفة أنه قال: ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشرّ فراسخ، إلا أن يطلع عليكم راكب من هاهنا فينعى لكم عمر. وعن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب وجّه جيشاً، ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينما عمر بن الخطاب يخطب جعل ينادي: يا ساري، الجبل، يا ساري، الجبل، ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا ساري، الجبل، ثلاثاً. فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك تصيح لذلك. ولما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونه من أشهر العجم، فقالوا: يا أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنّة: لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك، فقالوا: إذا كان ثنتا عشرة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية، بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا أمر لا يكون أبداً في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بوونه وألبيب ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى همّوا بالجلاء. فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث ببطاقة في داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد بعثت إليك

ببطاقة في داخل كتابي إليك، فألقها في النيل. فلما قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد. فإني كنت إنما تجري من قبلك فلا تجرن وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصلا للجلاء والخروج منها، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل. فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تعالى تلك السّنّة السوء عن أهل مصر إلى اليوم. وعن مالك بن موسى بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا الفيء حق، ثم نحن فيه بعد على منازلنا في كتاب الله وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الرجل وقومه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، وإن أخوف ما أخاف عليكم أحمر، محذف القفا يحم لنفسه بحكم وللناس بحكم، ويقسن لنفسه قسماً وللناس قسماً. والله لئن سلمت نفسي ليأتين الراعي وهو بجبل صنعاء حظه من فيء الله وهو في غنمه ". وعن الحسن قال: أتي عمر بسوار كسرى بن هرمز فوضع بين يديه فأخذه سراقة بن مالك، فوضعه في يديه فبلغ منكبيه، فقال عمر: الحمد لله، سوار كسرى في يد سراقة بن مالك الخزاعي بني مدلج، اللهم، قد علمت أن نبيك مذ كان يحب أن يصيب مالاً فينفقه في سبيلك، وعلى عبادك، فزويت ذلك عنه نظراً له واختياراً. اللهم، إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب أن يصيب مثل ذلك المال فينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظراً منك له واختياراً. اللهم، فلا يكن ذلك مكراً بي منك ثم تلا: " أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ ونبين ". وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال

حتى نقسمها؟ قال: لا أظلها تحت سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا يحرسونها. فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، فبكى عمر، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فوالله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح، فقال عمر: إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء. قال سلمة بن سعيد: أتي عمر بن الخطاب بمال، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين، لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمرٍ يحدث، فقال: كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني الله حجتها، ووقاني فتنتها، أعصي الله العام مخافة قابل، أعدّ لهم تقوى الله تعالى. قال الله تعالى: " ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وليكون فتنة على من يكون بعدي. وعن سعيد بن المسيب قال: انكسر بعي رمن مال الله فنحره عمر، وصنعه، ودعا عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال العباس بن عبد المطلب: يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا في كل يوم مثل هذا أصبنا منه، وتحدثنا عندك، فقال عمر، يهون عليك جوع امرأة بسلع؟ إنه كان لي صاحبان عملا عملاً، وسلكا طريقاً إن عملت مثل عملهما سلكت طريقهما، وإن عملت بغيره لم أسلك طريقهما. وعن أسلم: أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يعني: هنيّ على الحمى، فقال: يا هنيّ، اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني

ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وايم الله، إنهم ليرون أني ظلمتهم، وإنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً. وعن أبي هريرة قال: قدمت من البحرين، فسألني عمر عن الناس، فأخبرته. ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف. قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فائتني. فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف، قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس، قال: أطنب، قلت: لا أعلم إلا ذلك، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديواناً لهم، قال: فدوّن الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف، خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً، اثني عشر ألفاً. وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: السنة ثلاث مئة وستون يوماً، وإن حق الله عز وجل على عمر أن يكسح بيت المال في كل سنة يوماً عذراً إلى الله أني لم أدع فيه شيئاً. وفي حديث بمعناه: حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه. قال الحسن: فأخذ صفوها، وترك كدرها حتى ألحقه الله بصاحبيه.

نجز الجزء الثامن عشر من مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ويتلوه في الجزء التاسع عشر بقية ترجمة عمر بن الخطاب علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.

عن زهير بن حيّان وكان زهير يلقى ابن عبّاس ويسمع منه قال: قال ابن عبّاس: دعاني عمر بن الخطاب، فأتيته، فإذا بين يديه نطع، عليه الذهب منثور حثاً. قال: يقول ابن عبّاس: يا زهير، هل تدري ما حثا؟ قال: قلت: لا. قال التّبن. قال: هلمّ، فاقسم هذا بين قومك، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي بكر، فأعطيته، لخير أعطيته أم لشرّ؟ قال: فأكببت عليه أقسم وأزيّل. قال: فسمعت البكاء: فإذا صوت عمر يبكي، ويقول في بكائه: كلاّ، والذي نفسي بيده، ما حبسه عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي بكر إرادة الشّرّ لهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له. عن مخلد بن قيس العجليّ، عن أبيه، قال: لمّا قدم سيف كسرى ومنطقته وزبرجدته على عمر، فقال: إنّ أقواماً أدّوا هذا لذووا أمانة. فقال عليّ: إنك عففت فعفّت الرّعيّة. عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطّاب رأى في الظّهر وفي حديث أبي مصعب، عن أبيه، أنه قال

لعمر بن الخطاب: إن في الظّهر ناقةً عمياء، فقال عمر: ادفعها وقال أبو مصعب: يدفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها. قال: فقلت: وهي عمياء؟ قال: يقطرونها بالإبل. قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ فقال عمر بن الخطاب: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصّدقة؟ قال: قلت: من نعم الجزية. قال: فقال عمر: أردتم والله أكلها. فقلت: إنّ عليها وسم الجزية، فأمر بها عمر بن الخطاب فنحرت. قال: وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل في تلك الصّحاف منها، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون الذي يبعث إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقص كان في حظّ حفصة. قال: فجعل في تلك الصّاف من لحم تلك الجزور، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بما بقي من اللّحم فصنع، فدعا عليه المهاجرين والأنصار. عن عمران أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال، فاستقرضه، فربّما عسر، فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه، فليزمه، فيحتاج له عمر، وربّما خرج عطاؤه فقضاه. عن إبراهيم أن عمر بن الخطّاب كان يتّجر وهو خليفة. قال يحيى في حديثه: وجهّز عيراً إلى الشّام، فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف وقال الفضل: فبعث إلى رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالا جميعاً: يستقرضه أربعة آلاف درهم؛ فقال للرّسول: قل له: يأخذها من بيت المال ثم ليردّها. فلمّا جاءه الرسول فأخبره بما قال، شقّ ذلك عليه؛ فلقيه عمر، فقال: أنت القائل لنا: خذها من بيت المال؟ فإن متّ قبل أن يجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين، دعوها له، وأوخذ بها يوم القيامة؛ لا، ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح مثلك، فإن متّ أخذها قال يحيى: من ميراثي. وقال الفضل: من مالي.

عن مالك الدّار، قال: أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطّاب، فجاء رجل إلى قبر النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، استسق الله لأمّتك، فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وقال: " ائت عمر، فأقره السّلام وأخبره أنكم مسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس " فأتى الرّجل فأخبر عمر، فبكى عمر، ثم قال: يا ربّ، ما آلو إلاّ ما عجزت عنه. وعن خوّات بن جبير، قال: أصاب النّاس قحط شديد على عهد عمر، فخرج عمر بالنّاس، فصلّى بهم ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه فجعل اليمين على اليسار على اليمين، ثم بسط يده، فقال: اللهم إنّا نستغفرك ونستسقيك؛ فما برح مكانه حتى مطروا؛ فبيناهم كذلك إذا الأعراب قد قدموا، فأتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، بينا نحن في بوادينا في يوم كذا، في ساعة كذا، إذ أظلّنا غمام، فسمعنا فيها صوتاً: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص. وعن أبي السّائب بن يزيد، قال: ركب عمر بن الخطاب عام الرّمادة دابّةً، فراثت شعيراً، فرآها عمر، فقال: المسلمون يموتون هزلاً، وهذه الدّابة تأكل الشّعير! لا والله لا أركبها حتى يحيا النّاس. وعن يحيى بن سعيد، قال: اشترت امرأة عمر بن الخطاب لعمر فرق سمن بستّين درهماً، فقال عمر: ما هذا؟ فقالت امرأته: هو من مالي، ليس من نفقتك. فقال عمر: ماأنا بذائقه حتى يحيا النّاس.

وعن ابن عمر أن عمر لمّا كان عام الرّمادة، واشتد الجوع على أهل المدينة، قال: والله لا أتأدّم وكان رجلاً لا يوافقه الزّيت ولا الشّعير ولا التّمر، وكان يوافقه السّمن فقال: والله لا أتادّم بالسّمن حتى يفتح الله على المسلمين عامه هذا. قال: فشحب، وصحب بطنه، وضعف قوّته. قال: فاشترت ابنته له عكّة من سمن، فحلف بالله لا يأكل منها ولا يتأدّمها، فجعل إذا أكل خبز الشّعير والثّمر بغير أدم تقرقر بطنه؛ يقول هو في المجلس ويضع يده على بطنه: إن شئت فقرقر، وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على العامّة. حدّث نافع مولى الزّبير، قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله ابن حنتمة، لقد رأيته عام الرمّادة، وإنه ليحمل على ظهره جرابين، وعكّة زيت في يده، وإنه ليعتقب هو وأسلم؛ فلمّا رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً. قال: فأخذت أعقبه، فحملناه، حتى انتهينا إلى صرار، فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد. قال: وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويّاً كانوا يأكلونه، ورمّة العظام مسحوقةً كانوا يسفّونها؛ فرأيت عمر طرح رداءه، ثم اتّزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا. وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة، ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لمّا كان عام الرّمادة تحلّبت العرب من كلّ ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر بن

الخطّاب قد أمر رجالاً يقومون عليهم، ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم، فكان يزيد ابن أخت النّمر، وكان المسور بن مخرمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر، فيخبروه بكلّ ما كانوا فيه، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة، وكان الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثّنيّة، إلى راتج، إلى بني حارثة، إلى بني عبد الأشهل، إلى البقيع، إلى بني قرطبة، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة، هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلةً وقد تعشّى النّاس عنده: أحصوا من يتعشّى عندنا؛ فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون، والمرضى والصبيان؛ فأحصوهم، فوجدوهم أربعين ألفاً. ثم مكثنا ليالي فزاد النّاس، فأحصوا، فوجدوا من تعشى عنده عشرة آلاف، والأخرين خمسين ألفاً فما برحوا حتى أرسل الله السّماء. فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكّل كلّ قوم من هؤلاء النّفر بناحيتهم، يخرجونهم إلى البادية، ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باد يتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت، فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمّال في السّحر يعلمون الكركور حتى يصبحوا، ثم يطعمون المرضى منهم، ويعلمون العصايد؛ وكان عمر يأمر بالزّيت فيفار في القدور الكبار على النّار حتى يذهب حمتّه وحرّه، ثم يثرد الخبز، ثم يؤدم بذلك الزّيت؛ فكانت العرب يحمّون من الزّيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده، ولا بيت أحد من نسائه ذواقاً زمان الرّمادة إلاما يتعشّى مع النّاس حتى أحيا الله النّاس أوّل ما أحيا. حدث أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرّمادة لظننّا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين.

وعن بعض نساء عمر، قالت: ما قرب عمر امرأة زمن الرّمادة، حتى أحيا النّاس. عن قسامة بن زهير، قال: وقف أعرابيّ على عمر بن الخطّاب، فقال: من الرجز يا عمر الخيّر خير الجنه ... جهّز بنيّاتي وأكسهنّه أقسم بالله لتفعلنّه قال: فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابيّ؟ قال: أقسم أني سوف أمضينّه قال: فإن مضيت يكون ماذا ياأعرابيّ؟ قال: والله عن حالي لتسألنّه ... ثم تكون المسألات ثمّه والواقف المسؤول بينهنّه ... إمّا إلى نار وإمّا جنّه قال: فبكى عمر حتى اخضلّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام: أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره. عن المسور بن مخرجة الزّهري، قال: خرجنا حجّاجاً مع عمر بن الخطّاب، فنزلنا منزلاً بطريق مكة يقال له: الأبواء، فإذا نحن بشيخ على قارعة الطريق؛ فقال الشيخ: ياأيّها الرّكب، قفوا. فقال عمر: قفوا. فوقفنا؛ فقال عمر: قل يا شيخ. قال: أفيكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: أمسكوا لا يتكلمنّ أحد، ثم قال: أتعقل يا شيخ؟ قال: العقل ساقني إلى هاهنا. قال: توفي النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وقد توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم.

قال: فبكى حتى ظننّا أن نفسه ستخرج من بين جنبيه؛ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة من بعده؟ قال: أبو بكر. قال: نحيف بني تيم؟ قال: نعم. قال: أفيكم هو؟ قال: لا. قال: وقد توفّي؟ قال: نعم. قال فبكى حتى سمعنا لبكائه شحيجاً؟ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة بعده؟ فقال: عمر بن الخطّاب. قال: فأين كانوا عن أبيض بني أميّة؟ يريد عثمان بن عفّان فإنه كان ألين جانباً، وأقرب. قال: قد كان ذلك. قال: إن كانت صداقة عمر لأبي بكر لمسلمه إلى خير، أفيكم هو؟ قال: هو الذي يكلّمك منذ اليوم. قال: أغثني، فإني لم أجد مغيثاً. قال: ومن أنت بلّغك الغوث؟ قال: أنا أبو عقيل، أحد بني مليل، لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردهة بني جعل، دعاني إلى الإسلام، فآمنت به، وصدّقت بما جاء به، فسقاني شربةً من سويق شرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوّلها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت، وريّها إذا عطشت، وبردها إذا أصبحت، ثم تيمّمت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم لي، أصلّي في يومي وليلتي خمس صلوات، وأصوم شهراً وهو رمضان، وأذبح شاةً لعشر ذي الحجّة، أنسك بها؛ ذاك علمي، حتى ألفت بها السنّة فما أبقت لنا منها إلاّ شاةً واحدةً، كنّا ننتفع بدرّتها، فعسّها الذّيب البارحة الأولى، فأدركنا ذكاتها، فأكلنا وبلغناك ببعض. فأغثنا أغاثك الله. فقال عمر: بلّغك الغوث، بلّغك الغوث، أدركني على الماء. قال المسور بن مخرمة: فنزلنا المنزل، وأصبنا من فضل زادنا، وكأنّي أنظر إلى عمر متعباً على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته، لم يطعم طعاماً، ينتظر الشيخ ويرمقه. فلمّا رحل النّاس، دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وحلاّه له، وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى آله حتى أعود إليك إن شاء الله. قال المسور: فقضينا حجّنا، وانصرفنا، فلمّا نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء، فقال: هل أحسست الشيخ؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين، أتاني وهو موعوك، فمرض عندي ثلاثاً، فمات، ودفنته، وهذا قبره.

فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعداً بين خطاه حتى وقف على القبر، فصلّى عليه، ثم انضجع فاعتنقه، وبكى، حتى سمعنا لبكائه شحيجاً، ثم قال: كره الله له منتّكم، وسيق به، واختار له ما عنده إن شاء الله. ثم أمر بأهله فجعلوا معه؛ فلم يزل ينفق عليهم حتى قبض. عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، قال: خرجنا مع عمر بن الخطّاب إلى حرّة واقم، حتى إذا كنّا بصرار إذا نار، فقال: ياأسلم، إنّي لأرى ها هنا ركباً قصّر بهم اللّيل والبرد، انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى دنوها منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدور منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون؛ فقال عمر: السّلام عليكم يا أصحاب الضّوء وكره أن يقول: يا أصحاب النّار فقالت: وعليك السّلام. فقال: أدنو؟ فقالت؛ ادن بخير أو دع. قال: فدنا، وقال: ما لكم؟ قالت: قصّر بنا اللّيل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبّية يتضاغون؟ قال: الجوع. قال: فأيّ شيء في هذه القدور؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر. قال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولّى أمرنا ثم يغفل عنّا! قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدّقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وكبّة شحم؛ فقال: احمله عليّ. فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أمّ لك؟ فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدّقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذرّي عليّ وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر ثم يمرثها؛ فقال: ابغي شيئاً؛ فأتته بصحفة، فأفرغها فيها، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم. فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، كنت أولى بهذا الأمر من المؤمنين. فيقول: قولي خيراً، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله.

ثم تنحّى عنها ناحيةً، ثم استقبلها، فربض مربضاً؛ فقلت: لك شأن غير هذا؟ فلم يكلّمني، حتى رأيت الصّبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا. فقال: ياأسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألاّ أنصرف حتى أرى ما رأيت. عن جهم بن أبي جهم، قال: قدم خالد بن عرفطة العذريّ على عمر، فسأله عمّا وراءه، فقال: ياأمير المؤمنين، تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطئ أحد القادسيّة إلاّ عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة، وما من مولود يولد إلاّ ألحق على مئة وجريبين كل شهر ذكراً كان أو أنثى، وما يبلغ لنا ذكر إلاّ ألحق على خمسمئة أو ستّمئة، فإذا خرج هذا لأهل بيت، منهم من يأكل الطعام ومنهم من لا يأكل الطعام، فما ظنّك به؟ فإنه لينفقه فيما ينبغي ومالا ينبغي. قال عمر: فالله المستعان، إنّما هو حقّهم أعطوه، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه، فلا تحمدنّي عليه، فإنه لو كان من مال الخطّاب ما أعطيتموه، ولكني قد علمت أن فيه فضلاً ولا ينبغي أن أحبسه عنهم، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنماً فجعلها بسوادهم، ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها، فإني ويحك يا خالد بن عرفطة أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعدّ العطاء في زمانهم مالاً، فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه، فيتكئون عليه، فإن نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين، وذلك لما طوّقني الله من أمرهم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات غاشّاً لرعيّته لم يرح رائحة الجنّة ". وعن ابن عمر، قال: قدمت رفقة من التّجار، فنزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم اللّيلة من السّرق؟ فباتا يحرسانهم، ويصلّيان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبيّ، فتوجه نحوه، فقال لأمّه: اتّقي الله وأحسني إلى صبيّك؛ ثم عاد إلى مكانه، فسمع

بكاءه، فعاد إلى أمّه، فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه؛ فلّما كان في آخر اللّيل سمع بكاءه، فأتى أمّه، ويحك، إنّي لأراك أمّ سوء، مالي أرى ابنك لا يقرّ منذ اللّيلة؟ قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلّة، إنّي أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلاّ للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً. قال: ويحك، لا تعجليه. فصلى الفجر وما يستبين النّاس قراءته من غلبة البكاء، فلمّا سلّم قال: يا بؤساً لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين!. ثم أمر منادياً فنادى: ألا لا تجعلوا صبيانكم عن الفطام، فإنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. وكتب بذلك في الآفاق: إنّا نفرض لكّل مولود في الإسلام. قال الأحنف بن قيس: ما سمع النّاس بمثل عمر بن الخطّاب في باب الدّين والدّنيا، كان منوّر القلب، فطناً بجميع الأمور؛ بيناه يطوف ذات ليلة سمع امرأة تقول في الطّواف وهي تنشد: من الطويل فمنهنّ من تسقى بعذب مبرّد ... نقاخ، فتلكم عند ذلك قرّت ومنهنّ من تسقى بأخضر آجن ... أجاج، ولولا خشية الله فرّت ففطن عمر رحمه الله ما تشكو، فبعث إلى زوجها، فقال لرجل: استنكه فمه؛ فوجده متغيّر الفم، فخيّره بين خمسمئة درهم وجارية من الفيء، على أن يطلّقها؛ فاختار خمسمئة والجارية، فأعطاه، فطلّقها. عن الحسن، قال: قال عمر: لو مات جمل في عملي ضياعاً خشيت أن يسألني الله عنه. وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يد خل يده في دبرة البعير ويقول: إنّي لخائف أن أسأل عمّا بك!.

عن عوانه، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله بن عمر: أمّا بعد؛ فإنه من اتّقى الله وقاه ومن توكّل عليه كفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده؛ فلتكن التقوى عماد عملك، وجلاء قلبك؛ فإنه لا عمل لمن لا نيّة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. عن جعفر بن برقان، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه؛ أن حاسب نفسك في الرّخاء قبل حساب الشّدّة، فإنه من حاسب نفسه في الرّخاء قبل حساب الشّدّة عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغله هواه عاد مرجعه إلى النّدامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عمّا تنهى عنه. وعن مالك بن مغول أنه بلغه أن عمر بن الخّطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنّه أهون أو قال: أيسر لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهّروا للعرض الأكبر يوم " تعرضون لا تخفى منكم خافية ". عن هشام " بن عروة " عن أبيه، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في خطبته: أيّها النّاس، تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا أيس من الشيء استغنى عنه. عن الحسن، قال: أتى عمر بن الخطاب أعرابيّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رجل من أهل البادية، وإن لي أشغالاً، وإنّ لي وإنّ لي، فأوصني بأمر يكون لي ثقة وأبلغ به. فقال عمر: أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصّلاة، وتوتي الزّكاة المفروضة، وتحجّ وتعمر، وتسمع وتطيع، وعليك بالعلانية، وإيّاك والشّرّ، وعليك بكل شيء إذا ذكر ونشر لم تستحي منه ولم يفضحك، وإيّاك وكلّ شيء إذا ذكر ونشر استحييت وفضحك.

فقال: يا أمير المؤمنين، أعمل بهنّ، فإذا لقيت ربّي أقول: أمرني بهنّ عمر بن الخطّاب. فقال: خذهنّ، فإذا لقيت ربّك فقل له ما بدا لك. وعن مسروق، عن عمر، قال: حسب الرّجل د ينه، وأصله عقله، ومروءته خلقه؛ وإن الشّجاع ليقاتل عمّن لا يبالي أن لا يعرف، وإن الجبان ليفّر عن أبيه. وقال: لا تعرض لما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحتفظ من خليلك إلاّ الأمين، فإن الأمين ليس شيء يعدله، ولا أمين إلاّ من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فيحملك على الفجور، ولا تفش لأحد سرّك، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجلّ. وقال عمر: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرّجال، يقاتل الشجاع عن من لا يعرف، ويفرّ الجبان عن أبيه، والكرم الحسب، وحسب المرء دينه، وكرمه خلقه ولو كان فارسياً أو نبطياً. وقال: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: تبدؤه بالسّلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسماءه إليه. وثلاث من العيّ: أن يستبين لك من النّاس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تعيب على النّاس بالّذي تأتى، وأن تؤذي جليسك بما لا يعنيك. وقال عمر بن الخطاب: من كنتم سرّه كانت الخيرة في يديه، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير مدخلاً، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تكثر الحلف فيهينك الله، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصّدق اكتسبهم فإنّهم زين في الرّخاء وعدّة عند البلاء.

عن الأحنف بن قبس، قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أحنف من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخفّ به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه. وعن زيد بن عقبه، قال: قال عمر بن الخطاب: الرّجال ثلاثة، والنّساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة، هّينة ليّنة ودود ولود، تعين أهلها على الدّهر ولا تعين الدّهر على أهلها، وقلّ ما تجدها؛ والأخرى وعاء للولد، لا تزيد على ذلك شيئاً؛ وأخرى غلّ قمل يجعلها الله في عنق من يشاء، وينزعه إذا شاء. والرّجال ثلاثة: فرجل إذا أقبلت الأمور وتشبّهت، يأمر فيها أمره، ونزل عند رأيه؛ وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه، فيأتي ذوي الرّأي فينزل عند رأيهم؛ وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشداً، ولا يطيع مرشداً. عن أبي السفر، قال: رؤيء على عليّ برده كان يكثر لبسه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر لبس هذا؛ قال: إنه كسانيه خليلي، وصفييّ، وصديقي، وخاصّتي، عمر بن الخطاب؛ إن عمر ناصح الله فنصحه الله تعالى؛ ثم بكى. وقال عليّ بن أبي طالب: إ ن أبا بكر كان أوّاهاً منيباً، وإن عمر نصح الله فنصحه. وقال عليّ: إن عمر كان رشيد الأمر. قال سالم بن أبي الجعد: جاء أهل نجران بكتابهم إلى عليّ في أديم أحمر، فقالوا: ننشدك بكتابك بيمينك، وشفاعتك بلسانك، إلا ما رددتنا إلى أرضنا. فقال: إن عمر كان رشيد الأمر.

قال سالم: فلو كان طاعناً على عمر لكان ذلك اليوم. وعن عليّ، قال: لا أجد رجلاً يفضّلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حدّ المفتري. عن علقمة بن قيس، قال وضرب بيده على منبر الكوفة فقال: خطبنا عليّ على هذا المنبر، فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: ألا إنه بلغني أن ناساً يفضّلونني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدّمت في ذلك لعاقبت، ولكن أكره العقوبة قبل التّقدّم، من أتيت به بعد مقامي هذا قد قال شيئاً من ذلك فهو مفتر، عليه ماعلى المفتري، ثم قال: إنّ خير النّاس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر ثم عمر: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ماعسى أن يكون حبيبك يوماً ما. قال سعيد بن زيد لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأين هو؟ قال: في الجنّة. قال: توفي أبو بكر فأين هو؟ قال ذاك الأوّاه عند كل خير يبتغى. قال: توفي عمرفأين هو؟ قال: إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر. عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا ذكرالصّالحون فحيّ هلا بعمر؛ وايم الله، إني لأّحسب أن بين عينيه ملكاً يسدّده. وعن زيد بن وهب، قال: كنت في حلقة في المسجد، فيها أناس من القرّاء، فاختلف رجلان في قراءة آية، فبينما هما كذلك إذ دخل عبد الله بن مسعود من أبواب كندة، فقاما إليه يسألانه عنها، وقمت معهما أنظر ما يرجع إليهما. قال: فاحتبسناه في صحن المسجد، وهو قائم، فقالا: آية اختلفنا في قراءتها، فأحببنا أن نعلم موضعها. فقال لأحدهما: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها معقل بن مقرن المزني. ثم قال للآخر: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال:

أقرأنيها عمر بن الخطّاب. فلما ذكر عمر، بكى حتى نشج، وحتى رأيت في الحصى من دموعه أثراً، ثم قال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأفقهنا في دين الله، وأقرأنا لكتاب الله، فاقرأها كما أقرأكها عمر، فوالله لهي أبين من طريق السّيلحين، وبالله ما من أهل بيت لم يدخل حزن عمر يوم أصيب إلاّ أهل بيت سوء، كان عمر حصناً حصيناً يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه. وزاد في رواية: إن عمر كان حائطاً كثيفاً يدخله المسلمون ولا يخرجون منه، فمات عمر، فانثلم الحائط فهم يخرجون ولا يدخلون، ولو أن كلباً أحبّ عمر لأحببته، وما أحببت حبّي لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجّراح بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبّي لهؤلاء الثلاثة. وقال: لقد أحببت عمر حتى لقد خفت الله، ولو أني أعلم أن كلباً يحبّ عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادماً لعمر حتى أموت، ولقد وجد فقده كلّ شيء حتى العضاه، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإن سلطانه كان رحمةً. عن عمّار بن ياسر، قال: من فضّل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وطعن على أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال عليّ: لا يفضّلني أحد على أبي بكر وعمر إلاّ وقد أنكر حقّي وحقّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، في حديث عمرو بن العاص، أنه قال: إن ابن حنتمة بعجت له الدّنيا معاها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، ونقّت له مخّتها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منه شعابها، ودفعت في محافلها، فمصّ منها

مصّاً، وقمص منها قمصاً، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها، وما ابتلّت قدماه؛ ألا كذاك أيّها النّاس؟ قالوا: نعم، رحمه الله. ابن حنتمة: عمر بن الخطّاب، وأمّه حنتمة بنت هشام بن المغيرة، ابنة عّم أبي جهل بن هشام. وقوله: بعجت له الدّنيا معاها: مثل ضربه، أراد أنه كشفت له ما كان مخبوءاً عن غيره؛ والبعج: الشق والفتح. وألقت إليه أفلاذ كبدها: يعني كنوزها، وهم يكنّون عن المال بأفلاذ الكبد، وهي قطعها، ولذلك يقول عابرو الرؤّيا في الكبد إنه مال مدفون. والشّعاب: الأودية. والمحافل: المواضع التي تحتفل فيها الماء، أي تجتمع وتكثر. وقوله: فمصّ منها مصّاً: أي نال اليسير. وقمص قمصاً: أي نفر؛ يقال: دابّة بها قماص، بكسر القاف. وجانب غمرتها: أي كثرتها. ومشى ضحضاحها؛ وهو مارقّ من الماء على وجه الأرض، ومنه: " إن أبا طالب في ضحضاح من نار ". وما ابتلّت قدماه: يقول: لم يتعلّق منها بشيء. عن ابن عبّاس، قال: أكثروا ذكر عمر، فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل، وإذا ذكر العدل ذكر الله. وعن عائشة، قالت: زيّنوا مجالسكم بالصّلاة على النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذكر عمر بن الخطّاب. قال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة: صف لي عمر بن الخطّاب. فقال: كان عالماً برعيّته، عادلاً في نفسه، قليل الكبر،

قبولاً للعذر، سهل الحجاب، مفتوح الباب، يتحرّى الصّواب، بعيد من الإساءة، رفيق بالضعيف، غير صخّاب، كثير الصّمت، بعيد من العيب. عن عبد العزيز بن حفص الوالبيّ، قال: قلت للحسن: حبّ أبي بكر وعمر سنّة؟ قال: لا، فريضة. عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلاً جاءه، فقال: انعت لي أبا بكر وعمر. فقال ربيعة: ما أدري كيف أنعمتها لك، أمّا هما فقد سبقا من كان معهما، وأتعبا من كان بعدهما. قال المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: فضل النّاس عمر في أربع؛ في الأسرى إذ قال لرسول الله عليه وسلم: اضرب أعناقهم. فنزل " ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ". وقوله للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اضرب على أزواجك حجاباً. فقالت زينب: يا ابن الخطّاب، تغار علينا والوحي ينزل علينا في بيوتنا؟ فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ". وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أيدّ الإسلام بعمر بن الخطّاب ". وكان أول من بايع أبا بكر. عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: جاء بلال يريد أن يستأذن على عمر، فقلت: إنه نائم. فقال: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقلت: خير النّاس، إلاّ أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه. عن ابن أبي

حازم، عن أبيه، قال: سئل علي بن الحسن عن أبي بكر وعمر، ومنزلتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: كمنزلتهما اليوم، هما ضجيعاه. وعن مالك، قال: قال لي أمير المؤمنين هارون: يا مالك، كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، قربهما منه في حياته كقرب مضجعهما بعد وفاته. قال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك. عن عبد الله بن مصعب، قال: قال لي أمير المؤمنين: يا أبا بكر، ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: زنادقة، يا أمير المؤمنين. قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك، فكيف ذلك؟ قال: قلت: إنّما هم قوم أرادوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجدوا أحداً من الأمّة يتابعهم على ذلك فيه، فشتموا أصحابه؛ يا أمير المؤمنين ما أقبح با لرّجل أن يصحب صحابة السّوء! فكأنّهم قالوا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحب صحابة السّوء! فقال لي: ما أرى الأمر إلاّ كما قلت. كان مالك بن أنس، يقول: كان صالحو السّلف يعلّمون أولادهم حبّ أبي بكر وعمر، كما يعلّمون السّورة من القرآن. عن عقبة، قال: ما أدركت أحداً ممّن كنّ نأخذ منه كان يفضّل على أبي بكر وعمر أحداً بعد النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن سفيان الثّوري، قال: من فضّل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن محمد بن عبيد الطنافسي، عن أبيه، قال: أدركت النّاس وما يتكلّمون في أبي بكر ولا عمر، وما كان الكلام إلاّ في عليّ وعثمان. وعن مالك بن مغول، قال: إني لأرجو على حبّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما أرجو بالتّوحيد. وقال بعض علماء الشّام: إنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة، وإن عمر تمنّى أن يكون شعرةً في صدر أبي بكر. عن محمد بن عاصم الأصبهاني، قال: سمعت أبا أسامة يقول: تدرون من أبو بكر وعمر؟ أبو الإسلام وأمّه. فذكرت ذلك لأبي أيّوب سليمان الشاذوكيّ، فقال: صدق، هما ربيّا الإسلام. وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي: يا أبه، لو رأيت رجلاً يسبّ عمر، ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضرب عنقه. وعن جعفر بن محمد الصّادق، قال: أنا بريء ممّن ذكر أبا بكر وعمر إلاّ بخير. عن جابر بن عبد الله، قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم ليتناولون أبا بكر وعمر! فقال: أتعجبون من هذا؟ إنّما قطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر. وعن الأجلح، قال: سمعنا أنه ما شتم أبا بكر وعمر أحد إلاّ مات قتلاً أو فقراً. عن خلف بن تميم، قال: سمعت بشيراً، ويكنى أبا الخصيب، قال: كنت رجلاً تاجراً، وكنت موسراً،

وكنت أسكن مدائن كسرى، وذلك في زمن ابن هبيرة. قال: فأتاني أجيري يذكر أن في بعض الخانات رجلاً قد مات، وليس يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان، فدفعت إلى رجل مسجىً، وعلى بطنه لبنة، ومعه نفر من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله. فبعثت ليشترى الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأنا له لبناً، وجلسنا نسخّن لنغسله؛ فبينا نحن إذ وثب المّيت وثبةً، فبدرت اللّبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثّبور والنّار. قال: فتصدّع أصحابه عنه. قال: فدنوت حتى أخذت بعضده وهززته، ثم قلت: ما رأيت وما حالك؟ قال: صحبت مشيخةً من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم أوفي رأيهم، الشّك من أبي الخصيب في سبّ أبي بكر وعمر، والبراءة منهما. قال: قلت: استغفر الله ثم لا تعد. قال: فأجابني: وما ينفعني وقد انطلق بي إلى مدخلي من النّار فأريته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك فتحدّثهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك!. فما انقضت كلمته حتى مال ميتاً على حاله الأول. قال: فانتظرت حتى أتي بالكفن، فأخذته، وقمت، فقلت: لا كفّنته ولا غسّلته ولا صلّيت عليه، ثم انصرفت. فأخبرت بعد أن القوم الذين كانوا معه كانوا على رأيه، وتولّوا غسله ودفنه والصّلاة عليه. وقالوا: ما الذي أنكرتم من صاحبنا، إنّما كانت خطفة من الشّيطان تكلّم به على لسانه. قال خلف: قلت: يا أبا الخصيب، هذا الحديث الذي حدّثتني به تشهد به؟ قال: بصر عيني، وسمع أذني، وأنا أؤدّيه إلى النّاس. قال مالك بن أنس: من سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس له في الفيء حقّ، يقول الله عزّ وجلّ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " الآية. هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذين هاجروا معه، ثم قال: "

والذّين تبوّؤا الدّار والإيمان ". هؤلاء الأنصار، ثم قال: " والذّين جاؤوا من بعدهم " قال مالك: فاستثنى الله عزّ وجلّ، فقال: " يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالأيمان ". الفيء لهؤلاء الثلاثة، فمن سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس من هؤلاء الثلاثة، ولا حقّ له في الفيء. عن خليفة، قال: سنة ثلاث عشرة: فيها بويع عمر بن الخطاب. واسم أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وفيها: بعث عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي إلى العراق، فلقي جابان بين الحيرة والقادسية، ففضّ جمعه، وأسره وقتل ومردانشاه، ففدى جابان نفسه بغلامين وهو لا يعرف. قال: ثم سار إلى كسكر، فلقي نرسي، فهزمهم الله، ثم أغار على مسلحة بالس فانهزموا. قال خليفة: سنة أربع عشرة: فيها فتحت دمشق. قال ابن إسحق، وغيره: وفيها مصّرت البصرة.

قال خليفة: وفيها فتح الأبلّة. سنة خمس عشرة: قال: وحدّ ثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلّها عنوةً، ما خلا طبريّة، فإن أهلها صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة. وقال: وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك، وكتب لهم كتاباً. وقال ابن الكلبي: ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص، فسألوه الصّلح على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم وعلى أرض حمص، على مئة ألف دينار وسبعين ألف دينار. قال خليفة: وفيها وقعة اليرموك، وفي هذه السّنة بالعراق فتح نهر تيرى، ود ست ميسان، وقراها. وفيها: وقعة القادسية. وعلى المسلمين سعد بن مالك؛ وذكر أن فيها افتتحت المدائن. سنة ستّ عشرة: قال خليفة: وفي هذه السّنة افتتحت الأهواز، ثم كفروا. قال: وعن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وافتتح سائر أرض قنّسرين عنوة.

وعن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: خرج أهل إ يلياء إلى عمر فصالحوه على الجزية، وفتحوها. وقال عامر بن حفص: قدم أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة، فكتب إليه عمر، أن سر إلى كور الأهواز. فسار أبو موسى فأتى الأهواز فافتتحها يقال: عنوة، ويقال: صلحاً فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمئة ألف. قال خليفة: وفيها يعني سنة سبع عشرة وقعة جلولاء؛ وفي هذه السّنة كوّفت الكوفة. وقال ابن إسحاق: وفي سنة ثمان عشرة فتحت الرّها. قال خليفة: إن أبا موسى الأشعريّ افتتح الرّها وسميساط، وما والاهما عنوة. وكان أبو عبيدة بن الجرّاح وجّه عياض بن غنم الفهريّ إلى الجزيرة فوافق أبا موسى بعد فتح هذه المدن، فمضى ومعه أبو موسى فافتتحا حرّان ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوة. ويقال: وجّه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى قد افتتح الرّها وسميساط، فوجّه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حرّان فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين، فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحا، وما بينها عنوة. وقال: إن عمر وجّه عياضاً فافتتح الموصل، وذلك سنة ثمان عشرة. وفيها فتحت حلوان والماهات. وفيها فتح جند يسابور والسّوس صلحاً، صالحهم أبو موسى ثم رجع إلى الأهواز.

قال خليفة: سنة تسع عشرة: فيها فتحت قيساريّة، أميرها معاوية بن أبي سفيان وسعيد بن عامر بن جذيم. قال ابن إسحاق: سنة عشرين: فيها فتحت تكريت. وقال خليفة: سنة عشرين: فيها أمر مصر، وفيها: وقعة تستر. قال خليفة: سنة إحدى وعشرين: فيها وقعة نهاوند. وفيها: وقعة إصطخر. وفيها: فتحت الإسكندرية، فتحها عمرو بن العاص. قال خليفة: سنة اثنين وعشرين: قال أبو عبيدة: مضى حذ يفة بن اليمان بعد نهاوند إلى مدينة نهاوند، فصالحه دينار على ثمانمئة ألف درهم في كل سنة. وغزا حذيفة مدينة الدّينور، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت، ثم غزا حذيفة ماه سبذان، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسد فانتقضت. وفيها فتحت أذربيجان. وفيها: افتتح عمرو بن العاص أطرابلس. قال خليفة: سنة ثلاث وعشرين: فيها غزوة إصطخر الأولى. وفيها: قتل عمر بن الخطاب. عن سعيد بن المسيّب: أن عمر بن الخطّاب لّما نفر من أناخ بالأبطح، ثم كوّم كومةً من بطحاء، فألقى عليها طرف ردائه، ثم استلقى، ورفع يديه إلى السّماء، ثم قال: اللهم، كبرت

سنّي، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. فما انسلخ ذو الحجّة حتى طعن، فمات. عن جبير بن مطعم، قال: حججت مع عمر آخر حجّة حجّها، فبينما نحن واقفون معه على جبل عرفة، صرخ رجل فقال: يا خليفة؛ فقال رجل من لهب وهم حيّ من أزد شنؤة يعتافون مالك، قطع الله لهجتك وقال عقيل: لهاتك والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً. قال جبير: فوقعت بالرّجل اللهبيّ، فشتمته؛ حتى إذا كان الغد، وقف عمر وهو يرمي الجمار، فجاءت حصاة عائرة من الحصا الذي يرمي به النّاس، فوقعت في رأسه، ففصدت عرقاً من رأسه؛ فقال رجل: أشعر، وربّ الكعبة، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام. قال جبير: فذهبت ألتفت إلى الرّجل الذي قال ذلك، فإذا هو اللهبيّ الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال. وزاد في أخرى: قال: فوالله ما حجّ عمر بعدها. عن عائشة زوج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن عمر بن الخطّاب أذن لأزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحججن في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب. قالت: فلمّا ارتحل عمر من الحصبة آخر اللّيل، أقبل رجل يسير، فقال وأنا أسمع: أين كان مناخ أمير المؤمنين؟ قالت: فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله؛ فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنّى، فقال: من الطويل

عليك سلام من أمير وباركت ... يدالله في ذاك الأديم الممزّق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق فلمّا سمعت ذلك، قلت لبعض أهلي: اعلموا لي من هذا الرّجل. فانطلقوا إليه فلم يجدوه في مناخه، فقالت عائشة: والله إنّي لأحسبه من الجنّ؛ حتى إذا قتل عمر نحل النّاس هذه الأبيات شمّاخ بن ضرار الغطفانّي، ثم الثّعلبيّ، أو عمّ شمّاخ. وفي رواية: فأقبل رجل إلى عمر منتقب، فسلّم عليه، ثم قال: من الطويل جزى الله خيراً من إمام وباركت ... يد اله في ذاك الأديم الممزّق قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق وكنت تشوب الدّين بالحلم والتّقى ... وحكم صليب الرّأي غير مزوّق فمن يسع أويركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق وزير النبيّ حياته ووليّه ... كساه الإله جبّةً لم تخرّق من الفضل والإسلام والدّين والتّقى ... فبابك عن كلّ الفواحش مغلق أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض واهتزّ العضاه بأسؤق فما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفّي سبنتى أزرق العين مطرق تظّل الحصان البكر تبدي عويلها ... تنادي فويق الأيطل المتأرّق عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحد وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت أحد، فإنما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان "

عن أبي صالح، قال: قال كعب لعمر بن الخطّاب: أجدك في التّوراة كذا، وأجدك كذا، وأجدك تقتل شهيداً! فقال عمر بن الخطّاب: وأنّى لي بالشهادة، وأنا في جزيرة العرب؟. عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطّاب: حدّثني ياكعب عن جنّات عدن، فقال: نعم ياأمير المؤمنين، قصور في الجنّة لا يسكنها إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد أو حكم عدل. فقال عمر: أمّا النّبوّة فقد مضت لأهلها، وأمّا الصدّيقون فقد صدقت الله ورسوله، فأمّا حكم عدل فإنّي أرجو أن لا احكم بشيء إلاّ لم آل فيه عدلاً، وأمّا الشّهادة فأنّى لعمر الشّهادة. وعنه، قال: قال عمر بن الخطّاب رحمة الله عليه: لولا ثلاث لتمنّيت الموت؛ الجهاد في سبيل الله وأنا أرجوه، والسّجود لله عزّوجلّ، وأن أجالس أقواماً يلتقطون جيّد الكلام كما يلتقط القوم جيّد التّمر إذا وضع بين أيديهم. عن قيس بن أبي حازم، قال: خطب عمر بن الخطّاب النّاس ذات يوم على منبر المدينة، فقال في خطبته: إن في جنّات عدن قصراّ له خمسمئة باب، على كلّ باب خمسة آلاف من الحور العين، لا يدخله إلا نبيّ ثم نظر إلى قبر الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هنيئاً لك يا صاحب القبر ثم قال: أو صدّيق ثم التفت إلى قبر أبي بكر، فقال: هنيئاّ لك يا أبا بكر ثم قال: أو شهيد ثم أقبل على نفسه، فقال: وأنّى لك الشّهادة يا عمر ثم قال: إنّ الذي أخرجني من مكّة إلى هجرة المدينة لقادر أن يسوق إليّ الشّهادة. قال ابن مسعود: فساقها الله إليه على يد شرّ خلقه مجوسيّ، عبد، مملوك للمغيرة. عن عوف بن مالك الأشجعيّ: أنه رأى رؤيا زمان أبي بكر باليمن، فلمّا قدم قصّها على أبي بكر، وعمر يسمع، فقال: ما هذا؟. فلمّا ولّى دعاه فسأله، فقال: أولم تكذب بها؟ قال: لا، ولكنّي

استحييت من أبي بكر. فقصّها عليه، فقال: رأيت كأنّ عمر أطول النّاس، وهو يمشي فوقهم، فقلت: أنّى هذه؟ فقيل: إنه لا يخاف في الله لومة لائم، وإنّه أمير المؤمنين، وإنه يقتل شهيداً. فقال: وكيف لي بالشّهادة، وبيني وبين الرّوم رجال أهل الشّام وأهل العراق؟. قال: يتيحها الله من حيث شاء. عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، قال: ألّلهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. عن أنس بن مالك، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: رأيت كأنّي أخذت جوادّ كثيرة، فاضمحلّت حتّى بقيت جادّة واحدة فسلكتها، حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقه، إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومي إلى عمر: أن تعال؛ فقلت: " إنّا لله وإليه راجعون " مات والله أمير المؤمنين. فقلت: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعى له نفسه. عن معدان بن أبي طلحة اليعمري: أن عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة، وذكر نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر أبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرةً أو نقرتين، وإنّي لا أراه إلاّ لحضور أجلي؛ وإنّ أقواماً يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة الذين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، وقد علمت أن أقواماً سيطعنون في هذا الأمر بعدي أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلاّل، وإنّي لا أدع شيئاّ بعدي هو أهمّ إليّ من الكلالة، وما راجعت رسول الله عليه وسلم في شيء ما راجعت في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة، حتى

طعن بإصبعه في صدري، فقال: " أما يكفيك آية الصّيف الّتي في سورة النساء، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه ". ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، فإنّما بعثتم ليعلّموا النّاس د ينهم، وسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعدلوا عليهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم. ثم إنكم أيها النّاس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلاّ خبيثتين، هما البصل والثّوم، وقد كنت أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد أمر فأخذ بيده، فأخرج به البقيع، فمن كان أكلهما لا بدّ فليمتهما طبخاً. عن عامر بن أبي محمد، قال: قال عيينة بن حصن الفراريّ لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، احترس وأخرج العجم من المدينة، فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم في هذا الموضع ووضع يده في الموضع الذي طعنه أبو لؤلؤة فلّما طعن عمر، قال: ما فعل عيينة؟ قالوا بالهجم أو بالحاجر. فقال: إن هناك لرأياً. عن المسور بن مخرمة، قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام!. فقال عمر: الله! إنك لتجد عمري في التّوراة؟ قال: لا، ولكن أجد صفتك وحليتك. قال: وعمر لا يحسّ أجلاً ولا وجعاً؛ فلّما مضى ثلاثة طعنه أبو لؤلؤة، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلّمون عليه؛ قال: ودخل في النّاس كعب، فلّما نظر إليه عمر، قال: من الطويل فأوعدني كعب ثلاثاً يعدّها ... ولا شكّ أن القول ما قال لي كعب وما بي حذار الموت، إني لميت ... ولكن حذار الذّ نب يتبعه الذّنب

عن عمر بن ميمون، أن أبا لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة طعن عمر بخنجر له رأسان، وطعن معه اثني عشر رجلاً، فمات منهم ستّة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً، فلّما اغتّم فيه طعن نفسه فقتلهما. عن أبي رافع، قال: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الرّحى. قال: فكان المغيرة يستغله كلّ يوم أربعة دراهم. قال: فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، أن المغيرة قد أثقل عليّ، فكلّمه أن يخفّف عنّي. قال: فقال عمر: اتّق الله وأحسن إلى مولاك. قال: ومن نيّة عمر أن يلقى المغيرة فيكلّمه في التّخفيف عنه. قال: فغضب أبو لؤلؤة، وقال: يسع النّاس عدله كلّهم غيري؛ فغضب، وأضمر على قتله. قال: فصنع خنجراً له رأسان. قال: فشحذه. قال: وتحيّن عمر. وكان عمر لا يكبّر إذا أقيمت الصّلاة حتى يتكلّم: أقيمو صفوفكم. قال: فجاء فقام في الصّفّ بحذاه مقابل عمر في صلاة الغداة. قال: فلّما أقيمت الصّلاة تكلّم قال: أقيموا صفوفكم. قال: ثم كبّرفلّما كبّر وجأةً وجأةً. قال: ثم كبّر، فوجأةً وجأة على كتفه، ووجأةً مكاناً آخر، ووجأه في خاصرته. فسقط عمر، ووجأ ثلاثة عشر رجلاً معه، فأفلت منهم سبعة ومات منهم ستة، واحتمل عمر، فذهب به إلى أهله، وصاح النّاس حتى كادت الشمس أن تطلع، فنادى عبد الرحمن بن عوف: أيّها النّاس الصّلاة؛ ففزع النّاس إلى الصّلاة، فتقدم عبد الرحمن فصلّى بهم، وقرأ بأقصر سورتين من القرآن؛ فلّما انصرف توجه النّاس إلى عمر، فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه. قال: فأتي بنبيذ، فشربه، فخرج من جرحه؛ فلم يدر نبيذ هو أم دم. قال: فدعا بلبن، فأتي به، فخرج من جرحه؛ فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين. قال: إن يكن القتل بأساً فقد قتلت. قال: فتكّلم صهيب فرفع صوته: وأخاه، ثلاثاً؛ فقال: مه يا صهيب، يا أخي، أوما بلغك، أوما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن المعوّل عليه يعذّب في قبره "؟ فأقبل النّاس يثنون عليه: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، كنت وكنت؛ فيجيء قوم

فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم آخرون. فقال عمر: أما والله على ما تقولون لوددت أني خرجت منها كفافاً لا لي ولا علّي، وأن صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمت لي. فتكلّم ابن عبّاس وكان ابن عبّاس خلط بعمر فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا تخرج منها كفافاً، لقد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصحبته بخير ما صحبه صاحب، كنت له، وكنت، حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، وكان أبو بكر بعده فكنت تنفذ أمره، فكنت له وكنت، حتى قبض وهو عنك راض، ثم وليتها أنت فوليتها بخير ما وليها، وإن كنت وكنت. قال: فكأن عمر استراح إلى كلام ابن عبّاس، وقال: يا ابن عبّاس، عد في حد يثك. قال: فعاد فيه ابن عبّاس. قال: فقال عمر: أما والله على ما تقول لو أن طلاع الأرض ذهباً لافتد يت به من هول المطلع. فجعلها شورى في ستّة؛ عليّ، وعثمان بن عفّان، والزّبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص؛ وجعل عبد الله بن عمر معهم وليس منهم. قال: وأمر صهيباً أن يصلّي بالنّاس، وأجّلهم ثلاثاً. عن عمر بن ميمون: أنه رأى عمر بن الخطّاب قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، فقال: نخاف أن تكونا حمّلتما الأرض مالا تطيق. قالا: حمّلناهما أمراً هي له مطيقة، وما فيها كثير فضل. فقال: انظر أن يكونا حملّتما الأرض مالا تطيق. قالا: لا. فقال: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن بعدي إلى أحد. قال: فما أتت عليه إلا أربعة حتّى أصيب.

قال عمرو بن ميمون: وإني لقائم ما بيني وبينه إلاّ عبد الله بن عبّاس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصّفّين قام بينهما، فإذا رأى خللاً قال: استووا. حتى إذا لم يرى فيهم خللاً تقدّم فكبّر. قال: وربما قرأ بسورة يوسف أو بالنّحل في الرّكعة الأولى حتى يجتمع النّاس. قال: فما هو إلاّ أن كبّر، فسمعته يقول: قتلني الكلب، أو: أكلني الكلب؛ حين طعنه. قال: وطار العلج بسكّين ذي طرفين لا يمرّ على أحد يميناً وشمالاً إلاّ طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، فمات منهم تسعة؛ فلّما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برساً، فلّما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه؛ وأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه. فأمّا من يلي عمر رأى الذين رأيت، وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون ما الأمر، غير أنهم فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله: سبحان الله؛ فصلّى عبد الرّحمن بالنّاس صلاة خفيفة. فلّما انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني. قال: فجال ساعة، ثم قال: غلام المغيرة بن شعبة. فقال: الصّنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد كنت أمرت له بمعروف؛ ثم قال: الحمد الله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العبّاس أكثرهم رقيقاً فقال ابن العبّاس: أن شئت " فعلنا " قال: بعد ما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا إلى قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟؟؟؟! قال: فاحتمل إلى بيته. قال: فكأن النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. قال: فقائل يقول: نخاف عليه. وقائل يقول: لابأس. قال: فأتي بنبيذ فشرب منه فخرج من جرحه، ثم أتي بلبن، فشرب منه، فخرج من جرحه. قال: فعرفوا أنه ميّت. قال: فولجنا عليه، وجاء الناّس يثنون عليه. قال: وجاء رجل شاب فقال: أبشر ياأمير المؤمنين ببشرى الله، قد كان لك من صحبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم شهادة. فقال: يا ابن أخي، وددت أن ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي.

فلمّا أدبرالرّجل إذا إزاره يمسّ الأرض، فقال: ردّوا الغلام، يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك؛ يا عبد الله انظر ما عليّ من الديّن. فحسبوه فوجدوه ستّةً وثمانين ألفاً، أو نحو ذلك. فقال: إن وفى مال آل عمران فأدّه من أموالهم، وإلاّ فاسأل في بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم؛ اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإنّي اليوم لست للمؤمنين بأمير، فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. قال فسلّم ثم استأذن، فوجدوها تبكي؛ فقال لها: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: قد كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي. قال: فجاء؛ فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. فقال: ارفعاني؛ فأسنده إليه رجل، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، قد أذنت لك. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهّم إليّ من ذلك المضجع، فإذا أنا قبضت، فسلّم، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنّساء يسترنها فلمّا رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعةً، ثم استأذن الرّجال، فولجت داخلاً، ثم سمعنا بكاءها من الدّاخل، فقيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضً، سمّى علياً، وطلحة، وعثمان، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً. قال: وشهد عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التّعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به، أو لكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا من خيانة. ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله. وأوصيه بالمهاجرين الأوّلين أن يعلم لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، " الذين تبوّؤا الدّار والإيمان "

أن يقبل من محسنهم ويعفوا عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً بأنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدوّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضىً منهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام، أن يؤخذ منهم من حواشي أموالهم فيردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذ مّة رسوله أن يفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلاّ طاقتهم. قال: فلمّا توفي خرجنا به نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، فقال: يستأذن عمر. قالت: أدخلوه. فأدخل، فوضع هناك مع صاحبيه. فلمّا فرغ من دفنه، ورجعوا، اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزّبير: قد جعلت أمري إلى عليّ وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن؛ وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. قال: فخلا هؤلاء النّفر الثلاثة عليّ وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فقال: عبد الرحمن للآخرين: أيّكما يبرأ من هذا الأمر ويجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأمّة؟ قال: فأسكت الشّيخان عليّ وعثمان؛ فقال عبد الرحمن: اجعلوه إليّ، والله عليّ لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم. فخلا بعليّ فقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، والله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ ولئن أمّرت عليك لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ فقال: نعم. قال: ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك؛ فلمّا أخذ الميثاق قال لعثمان: ارفع يديك، فبايعه، ثم بايع له عليّ، ثم ولج أهل الدّار فبايعوه. عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت عمر يوم طعن، وعليه ثوب أصفر، فخرّ وهو يقول: " وكان أمر الله قدراً مقدوراً ".

عن المسور بن مخرمة، عن عمر ليلة طعن: أنه دخل معه هو وابن عبّاس، فلمّا أصبح بالصّلاة من الغد، أفزعوه، فقالوا: الصّلاة. ففزع، قال: نعم، ولاحظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، فصلّى والجرح يثعب دماً. وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان لأهل بدر مجلس من عمر لا يجلسه غيرهم. قال: وكان عليّ بن أبي طالب أوّلهم دخولاً آخرهم خروجاً، فلمّا طعن عمر، قال: عن ملأ منكم كان هذا؟ قال عليّ: ما كان عن ملأ منّا، ولوددنا أنه زيد من أعمارنا في عمرك. قال الزّبير بن بكار: وعمر بن الخطّاب مصّر الأمصار، ودوّن العطاء، ومناقبه كثيرة، وهو أوّل من أرّخ. عن كعب، قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبيّ يوحى إليه، فأوحى الله إلى النبيّ أن يقول له: اعهد عهدك، واكتب وصيّتك، فإنك ميت إلى ثلاثة أيّام؛ فأخبره النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فلمّا كان اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السّرير، ثم جأر إلى ربّه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم، وإذا اختلفت الأمور اتّبعت هواك، وكنت، فزدني في عمري حتى يكبر طفلي، وتربوا أمّتي؛ فأوحى الله إلى النّبيّ: إنه قد قال كذا وكذا، وقد صدق، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنةً، ففي ذلك ما يكبر طفله، وتربوا أمّته. فلمّا طعن عمر قال كعب: لئن سأل ربّه ليبقينّه الله. فأخبر بذلك عمر، فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.

عن ابن عبّاس، قال: دخلت على عمر حين طعن، فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصّر الله بك الأمصار، وأوسع بك الرّزق، وأظهر بك الحقّ. فقال عمر: قبلها أو بعدها؟ فقلت: بعدها وقبلها. قال: فوالله وددت أنّي أنجو منها كفافاً لا أوجر ولا أوزر. وعنه، قال: لمّا طعن عمر، قال: الآن لو أن لي الدّنيا وما فيها لافتديت بها من هول المطلع. فقلت له: لم؟ قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمات وهو عنك راض، ووليت المسلمين فعدلت فيهم. فقال: اعد عليّ الكلمات. وعنه، قال: كنت مع عليّ فسمعنا الصّيحة على عمر. قال: فقام وقمت معه حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه، فقال: ما هذا الصّوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطّبيب نبيذاً فخرج، وسقاه لبناً فخرج. فقال: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلاً فافعل، فقالت أمّ كلثوم: واعمراه. وكان معها نسوة فبكين معها، وارتجّ البيت بكاءً؛ فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع. فقال ابن عبّاس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلاّ مقدار ما قال الله: " وإن منكم إلاّ واردها " إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين؛ وأمين المؤمنين، وسيّد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسّويّة. فأعجبه قولي، فاستوى جالساً، فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عبّاس؟ قال: فكففت، فضرب على كتفي، فقال: أتشهد؟ قلت: نعم، أنا أشهد. عن عليّ بن زيد، قال: لمّا طعن عمر دخل عليه عليّ يعوده، فقعد عند رأسه، وجاء ابن عبّاس فأثنى عليه، فقال له عمر: أنت لي بهذا يا ابن عبّاس؟ فأومى إليه عليّ؛ أن قل: نعم. فقال

ابن عبّاس: نعم. فقال عمر: لا تغرّني أنت ولا أصحابك؛ يا عبد الله بن عمر، خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعلّ الله جلّ ذكره ينظر إليّ فيرحمني، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. وصلّى على عمر صهيب. عن أبي رافع: أن عمر بن الخطّاب كان مستنداً إلى ابن عبّاس، وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئاً، ولم أستخلف من بعدي أحداّ، وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لأتمنك النّاس، وقد فعل ذلك أبو بكر وأئّمة النّاس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيّئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الذين مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض؛ ثم قال عمر: لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به سالم مولى أبي حذ يفة، وأبو عبيدة بن الجّراح. عن الشّعبي، قال: دخل ابن عبّاس على عمر حين طعن، فقال: أبشر بالجنّة، أللهم، أسلمت حين كفر النّاس، وجاهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خذله النّاس، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً. فرفع رأسه إليه، فقال: كيف قلت؟ أعد عليّ. فأعاد عليه؛ ثم قال: أما والله، إن المغرور لمن غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشّمس من صفراء أو بيضاء لافتديت به من هول المطلع. عن ابن عمر، قال: دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: قلت: كلا. قالت: إنه فاعل؛ حلفت أن أكلّمه في ذلك، فخرجت في سفر أو قال: في غزاة فلم أكلّمه، فكنت في سفري كأنما أحمل بيميني جبلاً، حتى قدمت فدخلت عليه، فجعل يسائلني، فقلت له: إني سمعت النّاس يقولون مقالةً فآليت أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وقد علمت أنه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن قد ضيّع، فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي، فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه، فقال إنّ

الله يحفظ دينه، وأن لا أستخلف فإنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فما هو إلاّ أن ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر، فعلمت انه لا يعدل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً، وأنه غير مستخلف. وعنه، قال: حضرت أبي حين أصيب. قال: فأثنوا عليه خيراً، فقال: راهب وراغب. قالوا: ألا تستخلف؟ قال: أتحمّل أمركم حيّاً وميتاً، لوددت أن حظي منها الكفاف لا عليّ ولا لي. عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: نظر عمر إلى عليّ، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمر النّاس فلاتحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى عثمان، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمور المسلمين، فلا تحملن بني أمية أو قال: بني أبي معيط على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى سعد والزّبير، فقال: وأنتما فاتّقيا الله إن وليتما شيئاً من أمور المسلمين. عن عبد الله بن عمر، قال: دخل على عمر بن الخطّاب حين نزل به الموت عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير بن العوّام وسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنهم، وكان طلحة بن عبيد الله غائبا بأرضه بالشّراة، فنظر إليهم عمر ساعةً، ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقاً إلاّ أن يكون فيكم شيء، فإن شقاق فهو منكم، وإن الأمر إلى ستةّ، إلى عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير وطلحة وسعد؛ ثم قال: إن قومكم إنمّا يؤمّرون أحدكم أيّها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عثمان فلا تحملنّ بني أبي معيط على رقاب النّاس، وإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك على رقاب النّاس، وإن

كنت على شيء يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس، قوموا فتشاوروا وأمّروا أحدكم. فقاموا يتشاورون. قال عبد الله: فدعاني عثمان مرّة أو مّرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمّني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علماً منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله ما لقّل ما سمعته حرّك شفتيه بشيء قطّ إلاّ كان حقاً: فلّما أكثر عثمان دعاني، فقلت ألا تعقلون؟ تؤمّرون وأمير المؤمنين حيّ؟ فو الله لكأنّما أيقظت عمر من مرقد؛ فقال عمر: أمهلوا، فإن حد ث بي حدث فليصلّ للنّاس صهيب مولى بني جدعان ثلاث ليال، ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف النّاس وأمراء الأجناد فأمّروا أحدكم، فمن تأمّر عن غير مشورة فاضربوا عنقه. عن ابن عبّاس، قال: خدمت عمر بن الخطّاب، وكنت له هائباً ومعظماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفّس تنفّساً ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السّماء فتنفّس الصّعداء. قال: فتحاملت وتشددّت، وقلت والله لأسألنّه، فقلت والله ما أخرج هذا منك إلاّ همّ يا أمير المؤمنين. قال: همّ والله، همّ شديد، هذا الأمر لو أجد له موضعاً يعني الخلافة. ثم قال: لعلك تقول: إن صاحبك لها يعني علياً. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، ولكن رجل فيه دعابة. قال: فقلت: الزّبير؟ قال: وعقة لقس، يقاتل على الصّاع بالبقيع. قال: قلت: طلحة؟ قال: إن فيه لبأواً، وما أرى الله معطيه خيراً، وما برح ذلك فيه منذ أصيبت يده. قال: فقلت: سعد؟ قال: يحضر النّاس، ويقاتل، وليس بصاحب هذا الأمر.

قال: فقلت: وعبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم المرء ذكرت، ولكنه ضعيف. قال: وأخرت عثمان لكثرت صلاته، وكان أحب النّاس إلى قريش. قال: فقلت: فعثمان؟ قال: أوّه، أوّه، كلف بأقاربه؛ ثم قال: لو استعملته استعمل بني أمية أجمعين أكتعين، ويحمل بني معيط على رقاب النّاس، والله لو فعلت لفعل، والله لو فعل ذلك لسارت إليه العرب حتى تقتله، والله لو فعلت فعل، والله لو فعل لفعلوا، إن هذا الأمر لا يحمله إلاّ اللّين في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سرف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر: لا يطيق هذا الأمر إلاّ رجل لا يصانع ولا يضارع ولا يتّبعّ المطامع، ولا يطيق أمر الله إلاّ رجل لا يتكلّم بلسانه كلّه، لا ينتقص عزمه، ويحكم في الحقّ على حزبه. عن عثمان بن عفان، قال: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدّي بالأرض، لا أمّ لك في الثانية أو في الثّالثة ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي وويل أمّي أن لم يغفر الله لي؛ حتى فاظت نفسه. عن يحيى بن أبي راشد النّصريّ، قال: قال عمر بن الخطّاب لابنه: إذا حضرني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني، ويدك اليسرى على ذقني، فإذا أنا متّ فاغمضني، واقصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن كان لي عند الله خير أوسع لي فيها مدّ بصري، وإن كنت على غير ذلك ضيّقها عليّ حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرج معي امرأة، ولا تزكّوني بما ليس فيّ فإن الله هو أعلم، فإذا خرجتم فأسرعوا بي المشي، فإنه إن كان لي عند الله خير قدّمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك ألقيتم عن رقابكم شراً تحملونه.

عن أبي موسى، قال: لمّا أصيب عمر بن الخطّاب أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر، فقام بحياله وهو يبكي، فقال له عمر: على من تبكي؟ أعليّ تبكي؟ قال: إنّي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين، قال: والله لقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يبكى عليه يعذب ". قال: فذكرت ذلك لموسى بن طلحة، فقال: كانت عائشة تقول: إنّما أولئك اليهود. عن المقدام بن معدي كرب، قال: لمّا أصيب عمر دخلت عليه حفصة، فقالت: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويا صهر رسول الله عليه وسلم، ويا أمير المؤمنين. فقال عمر لابن عمر: أجلسني فلا صبرلي على ما أسمع؛ فأسنده إلى صدره، فقال لها: إنّي أحّرج عليك بما لي عليك من الحقّ أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأمّا عينك فلن أملكها، إنه ليس من ميّت يندب بما ليس فيه إلاّ الملائكة تمقته. عن أبي عمر، قال: كفّن عمر في ثلاثة أثواب، ثوبين غسيلين، وثوب كان يلبسه. وعن يحيى بن بكير، قال: ولي غسل عمر ابنه عبد الله بن عمر، وكفّنه في خمسة أثواب. وعن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطّاب غسّل، وكفّن، وصلّي عليه، وكان شهيداً. عن خليفة، قال: وصلّى على عمر صهيب بن سنان بين القبر والمنبر في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت

ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيام أو تسعة أيام وصلّى صهيب ثلاثاً، ثم أنزلها على ابن عفّان. عن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر: إن صهيباً صلّى على عمر، وكبّر عليه أربعاً. عن نافع أن ابن عمر، قال: صلّي على عمر في المسجد، وحمل عمر على سرير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل في قبره فيما بلغني عثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف. عن خالد بن أبي بكر، قال: كان عمر يصفّر لحيته، ويرجّل رأسه بالحنّاء، ودفن في بيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس أبي بكر عند كتفي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس عمر عند حقوي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن ابن عمر، قال: وضع عمر بن الخطّاب بين القبر والمنبر، فجاء عليّ بن أبي طالب حتى قام بين يدي الصّفوف، فقال: هو هذا ثلاث مرّات ثم قال: رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحد أحبّ إليّ من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المسجّى عليه ثوبه. عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: كنت عند عمر وهو مسجّى في ثوبه، قد قضى نحبه، فجاء عليّ فكشف الثّوب عن وجهه، ثم قال: رحمة الله عليك أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفته منك. عن أوفى بن حكيم، قال: لمّا كان اليوم الذي هلك فيه عمر خرج علينا عليّ مغتسلاً، فجلس، فأطرق ساعةً، ثم رفع رأسه فقال: لله درّ باكية عمر، قالت: واعمراه، قوّم الأود، وأبرأ العمد؛ واعمراه، مات نقيّ الثّوب، قليل العيب؛ واعمراه، ذهب بالسّنّة وأبقى الفتنة.

وزاد في أخرى: فقال عليّ: والله ما قالت ولكنّها قوّلت. عن سالم المرادي، قال: أخبرنا بعض أصحابنا، قال: جاء عبد الله بن سلاّم وقد صلّي على عمر، فقال: والله لئن كنتم سبقتموني بالصّلاة عليه لا تسبقوني بالثّناء عليه؛ فقام عند سريره فقال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جواداً بالحقّ بخيلاً بالباطل، ترضى حين الرّضى، وتغضب حين الغضب، عفيف الطّرف، طيّب الظّرف، لم تكن مدّاحاً ولا مغتاباً. ثم جلس. عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: لمّا مات عمر بن الخطّاب بكى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: لا يبعد الحقّ وأهله، اليوم نهي أمر الإسلام. عن حذيفة، قال: كان الإسلام في زمن عمر كالرّجل المقبل لا يزداد منك إلاّ قرباً، فلمّا أصيب كان كالرّجل المدبر لا يزداد منك إلاّ بعداً. عن أنس بن مالك، قال: إن أصحاب الشّورى اجتمعوا بعد قتل عمر تلك الثّلاثة الأيّام، فتنافسوا فيها، فقال أبو طلحة: ألا أراكم تنافسون فيها، لأنا كنت لأن تدافعوها أخوف منّي لأن تنافسوا فيها، فوالله ما أهل بيت من المسلمين إلاّ وقد دخل عليهم بموت عمر نقص في دينهم وذلّ في معيشتهم. عن الحسن، قال: إنّ أهل بيت لم يجدوا فقد عمر لهم أهل بيت سوء. عن محمد بن نويفع، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة، سنة ثلاث وعشرين.

عن محمد بن يزيد، قال: واستخلف عمر بن الخطّاب سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة لثمان بقين منه، وطعنه أبو لؤلؤة قين المغيرة بن شعبة في سنة ثلاث وعشرين في ذي الحجّة لستّ بقين منه، ثم مات، وصلّى عليه صهيب، وطعن غداة الأربعاء، وكانت ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيّام، ونحواً من ذلك، وكنيته أبو حفص. وهو عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ. وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي. عن ابن شهاب: أن عمر أخذ بلحيته، وقال: هذه يومي، لي أربع وخمسون، وإنّما أتاني الشّيب من قبل أخوالي بني المغيرة. فقتل عند ذلك. وعن سالم بن عبد الله: أن عمر قبض وهو ابن خمس وخمسين. وقيل: ست وخمسين، وقيل: سبع وخمسين، أو ثماني وخمسين، أو تسع وخمسين، أو ستّين. عن جرير، قال: كنت عند معاوية، فقال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستّين. وعن سعيد بن المسيّب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثاً وستّين. وقيل: مات وهو ابن خمس وستّين، أو ست وستّين.

عن أبي حفص الفلاّس، قال: كان رجلاً طوالاً، أصلع، آدم، أعسر يسر. عن معروف بن أبي معروف، قال: لمّا أصيب عمر سمع صوت: " من الطويل " ليبك على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد وأدبرت الدّنيا وأدبر خيرها ... وقد ملّها من كان يوقن بالوعد وعن محمد بن إسحاق، قال: لمّا أصيب عمر، سمع صوت الجنّ: من الرجز تبكيك نساء الجنّ تبكيك شجيّات ويخمشن وجوهاً كالدّنانير نقيّات ويلبسن ثياب السّود بعد القصبيّات عن الشّعبي: أن حسّان قال في النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: من المنسرح ثلاثة برّزوا بسبقهم ... نضّرهم ربّهم إذا نشروا فليس من مؤمن له بصر ... ينكر تفضيلهم إذا ذكروا عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا قال أبو الحسن المدائنيّ: وقالت عاتكة بنت زيد: من الخفيف عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّي على الإمام النّجيب فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتّلبيب عصمة النّاس والمعين على الد ... هر وغيث المنتاب والمحروب قل لأهل السّرور والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب

عن عبد الله بن عبّاس: أن العبّاس كان أخاً لعمر وكان يحبّه، فقال العبّاس: فسألت الله حولاً بعدما هلك عمر أن يريني عمر بن الخطاب قال: فرأيته بعد حول وهو يسلت العرق عن جبينه وينفضه، فقلت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ماشأنك؟ فقال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرش عمر ليهد لولا أني لقيت رؤوفاً رحيماً. عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن العاص قال: ماكان شيء أعلمه أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصراً، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر. فخرج من القصر عليه ملحفة، كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: خيراً، كاد عرشي يهوي لولا أنّي لقيت ربّاً غفوراً. قال: قلت: كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم؟ قلت: منذ ثنتا عشرة سنةً. قال: إنّما انفلتّ الآن من الحساب. وعن سالم بن عبد الله، قال: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في النّوم، فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت، ولولا رحمة ربّي لهلكت.

عمر بن خيران الجذامي

عمر بن خيران الجذاميّ حدّث عمر بن خيران الجذاميّ، وسليمان بن داود، قالا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبيدة بن عبد الرّحمن السّلميّ بأذربيجان: إنّه بلغني أنك تحلق الرّأس واللّحية، وإنه بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ جعل هذا الشّعر نسكاً، وسيجعله الظّالمون نكالاً " فإيّاي والمثلة: جزّ الرّأس واللّحية؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المثلة. عمر بن داود بن زاذان مولى عثمان بن عفّان، المعروف بعمر الوادي من أهل وادي القرى. أخذ الغناء عن أهل مكّة، وهو أستاذ حكم الوادي، وكان مهندساً. حدّث قال: بينما أنا أسير بين العرج والّسقيا إذ سمعت رجلاً يتغنّى ببيتين لم أسمع بمثلهما قطّ، وهما: من الطويل وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

قال: فكدت أسقط عن راحلتي طرباً؛ فسمتّ سمته، فإذا هو راعي غنم، فسألته إعادته، فقال: والله لو حضرني قرىً أقريك ما أعدته، ولكن أجعله قراك اللّيلة؛ فإني ربّما ترنّمت بهما وأنا غرثان فأشبع، وظمآن فأروى، ومستوحش فآنس، وكسلان فأنشط؛ فاستعدته إيّاهما فأعادهما حتى أخذتهما؛ فما كان زادي حتى وردت المدينة غيرهما. قال إسحاق: كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنّين عند الوليد بن يزيد، فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه، والاختصاص له. وبلغني أن حكم الوادي وغيره من مغنّي وادي القرى أخذوا عنه الغناء، وانتحلوا أكثر أغانيه. وعن علي بن محمد قال: كان مع الوليد يعني ابن يزيد حين قتل مالك بن أبي السّمح المغّني وعمر الوادي، فلّما تفرّق عن الوليد أصحابه، وحصر، قال مالك لعمر: اذهب بنا؛ فقال عمر: ليس هذا من الوفاء؛ ونحن لا يعرض لنا، لأنّا لسنا ممّن يقاتل؛ فقال مالك: ويلك، والله لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي وقبلك، فيوضع رأسه بين رأسينا؛ ويقال للنّاس: انظروا من كان معه في هذه الحال؛ فلا يعيبونه بشيء أشدّ من هذا؛ فهربا.

عمر بن داود بن سلمون

عمر بن داود بن سلمون ابن داود أبو حفص الأنطرطرسي، الأطرابلسيّ قدم دمشق وحدث عن أبي القاسم الحسين بن محمد بن داود، بسنده إلى عليّ بن أبي طالب، أنه قال: ما سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدّى أحداً غير سعد، فإنه قال: " ارم فداك أبي وأمي ". وعن أبي أحمد عمرو بن عثمان بن جعفر السّبيعيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم الجمعة ينزل الله تبارك وتعالى بين الأذان والإقامة، عليه رداء مكتوب عليه: إني أنا الله لا إله إلا أنا؛ يقف في قبلة كلّ مؤمن مقبلاً عليه، إلى أن يفرغ من صلاته، لا يسأل الله عبد تلك السّاعة شيئاً إلا أعطاه، فإذا سلّم الإمام من صلاته صعد السّماء ". وعن محمد بن عبيد الله الرّفاعي، بسنده إلى أسماء، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت ربّي يوم عرفة بعرفات على جمل أحمر، عليه إزاران، وهو يقول: قد سمحت، قد قبلت، قد غفرت، إلا المظالم؛ فإذا كانت ليلة المزدلفة لم يصعد إلى السّماء، حتى إذا وقفوا عند المشعر قال: حتى المظالم؛ ثم يصعد إلى السّماء، وينصرف النّاس إلى منى ". كتب هذين أبو بكر الخطيب عن أبي علي الأهوازي متعجباً من نكارتهما؛ وهما باطلان. قال أبو علي الأهوازي: سمعت عن عمر بن داود بن سلمون بطرابلس يقول: ختمت اثنتين وأربعين ألف ختمةً. وكان مولده سنة خمس وتسعين ومئتين، ومات سنة تسعين وثلاثمئة. قال: وسمعته يقول: تزّوجت بمئة امرأة، واشتريت ثلاثمئة جارية.

عمر بن الدرفس أبو حفص الغساني

عمر بن الدّرفس أبو حفص الغسّاني من أهل دمشق. وأدرك أيّام الوليد بن عبد الملك، ويقال: إن الدّرفس كان مولى لمعاوية بن أبي سفيان، فحمل علماً يسمّى الدّرفس فلقّب به. روى عن عبد الرحمن بن أبي قسيمة، عن واثلة بن الأسقع اللّيثيّ، قال: كنت في محرس يقال له: الصّفة، وهم عشرون رجلاً؛ فأصابنا جوع، وكنت أحدث أصحابي سنّاً فبعثوني إلى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشكو جوعهم؛ فالتفت في بيته فقال: " هل من شيء؟ " فقالوا: نعم، ها هنا كسرة أو كسر وشيء من لبن. قال: فأتي به ففتّ الكسر فتّاً دقيقاً، ثم صبّ عليه اللّبن، ثم جبله بيده حتى جبله كالثّريد، ثم قال: " يا واثلة ادع لي عشرةً من أصحابك، وخلّف عشرة " ففعلت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأس الثّريد، فقال: " كلوا بسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها، وإنها تمدّ ". قال: فرأيتهم يأكلون ويتخللّون أصابعه حتى تملّوا شبعاً؛ فلما انتهوا قال لهم: " انصرفوا إلى مكانكم وابعثوا أصحابكم " فانصرفوا؛ وقمت متعجّباً ممّا رأيت، فأقبل على العشرة فأمرهم بمثل الذي أمر به أصحابهم، وقال لهم مثل الذي قال لهم؛ فأكلوا منها حتى تملّوا شبعاً وحتى انتهوا وإن فيها لفضلاً. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: صالح، ما في حديثه إنكار.

عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة

عمر بن ذرّ بن عبد الله بن زرارة ابن معاوية بن عميرة بن منبه بن غالب بن وقش ابن قشم بن مرهبة بن دعام بن مالك ابن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم ابن خيران بن همدان بن مالك بن زيد ابن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك ابن زيد بن كهلان بن سباً أبو ذرّ الهمذانيّ المرهبيّ الكوفيّ روى عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: " ما يمنعك أن تزورنا أكثر ممّا تزورنا؟ " فنزلت " وما نتنّزل إلاّ بأمر ربّك ". وعن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " موت الغريب شهادة ". قال عمر بن ذرّ: خرجت وافداً إلى عمر بن العزيز في نفر من أهل الكوفة وكان معنا صاحب لنا يتكلّم في القدر، فسألنا عمر بن عبد العزيز عن حوائجنا، ثم ذكرنا له القدر، فقال: لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس؛ ثم قال: قد بيّن الله ذلك في كتابه " إنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم " فرجع صاحبنا ذلك عن القدر.

قال العجليّ: كان ثقةً بليغاً، إلا أنه كان يرى الإرجاء، وكان ليّن القول فيه. قال محمد بن يزيد: سمعت عميّ يقول: خرجت مع عمر بن ذرّ إلى مكة، فكان إذا لبّى لم يلب أحد من حسن صوته، فلّما أتى الحرم قال: مازلنا نهبط حفرةً ونصعد أكمة ونعلو شرفاً ويبدو لنا علم حتى أتيناك بها نقبةً أخفافها، دبرةً ظهورها، ذبلةً أسنامها؛ فليس أعظم المؤونة علينا إتعاب أبداننا ولا إنفاق ذات أيد ينا؛ ولكن أعظم المؤونة أن نرجع بالخسران يا خير من نزل النّازلون بفنائه. عن بشر بن موسى: وذكر دعاء عمر بن ذر: اللهم ارحم قوماً لم يزالوا منذ خلقتهم على مثل ما كانت السّحرة يوم رحمتهم. قال عمر بن ذرّ: كلّ حزن يبلى إلاّ حزن التّائب على ذنوبه. وقال: يا أهل معاصي الله لا تغتّروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه، فإنه قال: " فلّما اسفونا انتقمنا منهم ". وكان يقول: اللهم إنّا أطعناك في أحبّ الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلاّ أنت، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الشّرك؛ فاغفر لنا ما بينهما. وقال: أيّها النّاس: أجلوا مقام الله بالتّنزه عمّا لا يحلّ، فإن الله لا يؤمن مكره إذا عصي.

وقال: اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا اللّيل وسواده، فإن المغبون من غبن خير اللّيل والنّهار، والمحروم من حرم خيرها؛ إنّما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربّهم، ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم؛ فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنّما تحيا القلوب بذكر الله. كم من قائم لله في هذا اللّيل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته، وكم من نائم في هذا اللّيل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غداً؛ فاغتنموا ممرّ السّاعات واللّيالي والأيّام رحمكم الله. قال سفيان بن عيينة: كان بين عمر بن ذرّ وبين رجل يقال له: ابن عيّاش، شحناء، وكان يبلغ عمر بن ذرّ أن ابن عيّاش يتكلّم فيه. قال: فخرج عمر ذات يوم فلقي ابن عيّاش فوقف معه، فقال له: لاتغرق في شتمنا ودع للصّلح موضعاً، فإنّا لا نكافىء أحداً عصى الله تعالى فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه. قال ابن السّمّاك: كان ذرّ بن عمر بن ذرّ جالساً على بابه، فمات فجأةً؛ فقيل لعمر: أدرك ذرّاً فقد مات فجأةً، فخرج، فوقف عليه، فاسترجع، ودعا له، ثم قال: خذوا في غسل ذرّ وكفنه، فإذا فرغتم فأعلموني. فلمّا غسّلوه وكفّنوه أعلموه، فوقف عليه واسترجع ثم قال: يا ذرّ، لم تكن مريضاً فنسلاك، ثم قال: رحمك الله يا ذرّ، لقد شغلني البكاء لك عن البكاء عليك، والحزن لك عن الحزن عليك؛ ثم قال: اللهم، فإني أشهدك أني قد وهبت له ما قصّر فيه من حقّي فهب لي ما قصّر فيه من حقّك، فإنك أولى بالجود والكرم.

عمر بن زيد الحكمي

فلمّا دفن وقف على قبره ثمّ قال: رحمك الله يا ذرّ، خلوت وخلي بك، وانصرفنا عنك وتركناك، ولو أقمنا عندك ما نفعناك. مات سنة اثنتين وخمسين ومئة؛ وقيل: ثلاث وخمسين؛ وقيل: خمس وخمسين؛ وقيل: ستّ وخمسين؛ وقيل: سبع وخمسين ومئة. عمر بن زيد الحكميّ كان بدمشق عند مبايعة الضّحّاك بن قيس لابن الزّبير، وكان هوى عمر بن زيد مع الضّحّاك، فوثبت عليه كلب فضربوه وحرقوا ثيابه، وبقي حتى أدرك قتل الوليد بن يزيد. عمر بن سعد بن أبي وقّاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشيّ الزّهريّ أصله من المدينة، وسكن الكوفة، وكان مع أبيه بدومة وأذرح حين حكم الحكمان؛ وهو الذي حرّض أباه على حضورها، ثم إن سعداً ندم فأحرم بعمرة من بيت المقدس. روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعوة ذي النّون إذ دعاها وهو في بطن الحوت: " لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين " فإنه لم يدع بذلك مسلم إلاّ استجيب له ".

وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قتال المسلم كفر، وسبابه فسوق؛ ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام ". وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عجبت للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة احتسب وصبر؛ المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتى في اللّقمة يرفعها إلى فيه ". قال خليفة بن خيّاط: عمر بن سعد بن مالك؛ أمّه ماريّة بنت قيس بن معد يكرب بن الحارث بن السّمط بن امرىء القيس بن عمرو بن معاوية، من كندة، يكنى أبا حفص، قتله المختار بن أبي عبيد سنة خمس وستّين. قال العجليّ: عمر بن سعد بن أبي وقّاص، كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى النّاس عنه، وهو الذي قتل الحسين. وقال في موضع آخر: تابعيّ ثقة، وهو الذي قتل الحسين! قال يحيى بن معين: ولد عمر بن سعد عام مات عمر بن الخطّاب. عن مجمّع التّيميّ، قال: كانت لعمر بن سعد إلى أبيه حاجة؛ قال: فانطلق فوصل كلاماً ثمّ أتى سعداً فكلّمه به، فوصله بحاجته، فكلّمه بكلام لم يكن يسمعه منه قبل ذلك؛ فلمّا فرغ قال له سعد: أفرغت يا بنيّ من حاجتك؟ قال: نعم؛ قال: ما كنت أبعد من حاجتك منك الآن، ولا كنت فيك أزهد منّي الآن؛ إنّي سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها ".

وعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص: أن أباه حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتفرّقهم اشترى لهم ماشيةً، ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماء يقال له: قلها. قال: وكان سعد من أحدّ النّاس بصراً، فرأى ذات يوم شيئاً يزول، فقال لمن تبعه: ترون؟ قالوا: نرى شيئاً كالطّير؛ قال: أرى راكباً على بعير؛ ثم قال: رأى عمر بن سعد؛ ثم قال: اللهم إنّا نعوذ بك من شرّ ما جاء به؛ فسلّم عليه، ثم قال لأبيه: أرضيت أن تتبع أذناب هذه الماشية بين هذه الجبال وأصحابك يتنازعون في أمر الأمة؟ قال سعد بن أبي وقّاص: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سيكون بعدي فتن أو قال: أمور خير النّاس فيها الغنيّ الخفيّ التّقيّ " فإن استطعت يا بنيّ أن تكون كذلك فكن. فقال له عمر: أما عندك غير هذا؟ فقال: لا يا بنيّ. فوثب عمر ليركب، ولم يكن حطّ عن بعيره؛ فقال له سعد: أمهل حتى نغدّيك؛ قال: لا حاجة لي بغدائكم؛ قال سعد: فنحلب لك فنسقيك؛ فال: لا حاجة لي بشرابكم. ثم ركب فانصرف مكانه. قال أبو المنذر الكوفيّ: كان عمر بن سعد بن أبي وقّاص قد اتّخذ جعبةً وجعل فيها سياطاً، نحواً من خمسين سوطاً؛ فكتب على السّوط عشرة وعشرين وثلاثين إلى خمسمئة على هذا العمل؛ وكان لسعد بن أبي وقّاص غلام ربيب مثل ولده، فأمره عمر بشيء فعصاه، فضرب بيده إلى الجعبة فرفع بيده سوط مئة، فجلده مئة جلدة. فأقبل الغلام إلى سعد دمه يسيل على عينيه؛ فقال: مالك؟ فأخبره؛ فقال: اللهم اقتل عمر وأسل دمه على عينيه. قال: فمات الغلام؛ وقتل المختار عمر بن سعد.

قال عمر بن سعد للحسين: إن قوماً من السّفهاء يزعمون أنّي أقتلك؛ فقال حسين: ليسوا بسفهاء ولكنّهم حلماء؛ ثم قال: والله إنه ليقرّ بعيني أنك لا تأكل برّ العراق بعدي إلاّ قليلاً. عن عبد الله بن شريك، قال: أدركت أصحاب الأردية المعلمة، وأصحاب البرانس من أصحاب السّواري إذا مرّ بهم عمر بن سعد قالوا: هذا قاتل الحسين؛ وذلك قبل أن يقتله. قال عليّ لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنّار فتختار النّار! عن عقبة بن سمعان، قال: كان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسين أن عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى، وكان الدّيلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها؛ فكتب ابن زياد عهده على الرّيّ، فأمره بالخروج فخرج، فعسكر بالنّاس بحمّام أعين؛ فلمّا كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له: سر إلى الحسين، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك؛ فقال له سعد: إن رأيت أن تعفيني فافعل؛ فقال عبيد الله: نعم، على أن تردّ علينا عهدنا. قال: فلمّا قال له ذلك قال له عمر بن سعد: أمهلني اليوم أنظر. قال: فانصرف عمر فجعل يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه. قال: وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته فقال: أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربّك وتقطع رحمك، فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين.

فقال عمر بن سعد: فإني أفعل إن شاء الله. وعن عمّار بن عبد الله بن سنان الجهنيّ، عن أبيه، قال: دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسين، فقال لي: إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه. قال: فقلت له: أصاب الله بك، أرشدك الله، أجل فلا تفعل ولا تسر إليه. قال: فخرجت من عنده، فأتاني آت فقال: هذا عمر بن سعد يند ب النّاس إلى الحسين! قال: فأتيته، فإذا هو جالس يند ب النّاس إلى الحسين، فلّما رآني أعرض عنّي بوجهه. قال: فعرفت أنه قد عزم له على المسير إليه؛ فخرجت من عنده. قال: وأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال له: أصلحك الله، إنك وليتّني هذا العمل، وكتبت لي العهد، وسمع به النّاس؛ فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل، وتبعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف أهل الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه؛ فمسّمى له ناساً. فقال له ابن زياد: لا تعلّمني بأشراف أهل الكوفة، فلست أستأمرك فيما أريد أن أبعث؛ إن سرت بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا. قال: فلّما رآه قد لجّ قال: فإنّي سائر. قال: وأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين. قال أبو مخنف: حدّثني المجالد بن سعيد الهمداني والصّقعب بن زهير: أنهما التقيا مراراً ثلاثاً أو أربعاً حسين وعمر بن سعد. قال: فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: أمّا بعد؛ فإن الله قد أطفأ النّائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمّة؛ فهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن نسيّره إلى ثغر من الثّغور فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه؛ وفي هذا لكم رضىً وللأمّة صلاح.

قال: فلّما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت. قال: فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه نزل بأرضك وإلى جنبك؟ والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت وليّ العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك؛ والله لقد بلغني أن حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل. فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت، الرّأي رأيك. وعن حميد بن مسلم قال: ثم إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على حسين وأصحابه النّزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإن هم أبوا النّزول على حكمي فليقاتلهم، فإن فعل ذلك فاسمع له واطع، وإن هو أبى أن يقاتلهم فأنت أمير النّاس، وثب عليه فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلّما قدم به عليه قال له عمر: مالك ويلك لا قرّب الله دارك، قبّح الله ما قدمت به عليّ، والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه، أفسد ت علينا أمراً قد كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين، إن نفس أبيه لبين جنبيه. فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه؟ وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر. قال: لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك. قال: فدونك، وكن أنت على الرّجال. قال: فنهض إليه عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرّم.

قال ابن أبي خيثمة: سألت يحيى بن معين عن عمر بن سعد بن أبي وقّاص، فقال: كوفيّ. قلت: ثقة؟ قال: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟! وحدّث موسى بن عامر، أبو الأشعر؛ أن المختار قال ذات يوم وهو يحدّث جلساءه: لأقتلنّ غداً رجلاً عظيم القدمين، غائر العنين، مشرف الحاجبين، يسرّ قتله المؤمنين والملائكة المقرّبين. قال: وكان الهيثم بن الأسود النّخعيّ عند المختار حين سمع هذه المقالة، فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاصّ؛ فلّما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال: الق ابن سعد اللّيلة فخبّره بكذا وكذا، وقل له: خذ حذرك فإنه لا يريد غيرك. قال: فأتاه فاستخلاه، ثم خبّره الخبر؛ فقال له ابن سعد: جزى الله بالإخاء أباك خيراً، كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق؟ وكان المختار أولّ ما ظهر أحسن شيء سيرةً وتألّفاً للنّاس؛ وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على المختار لقرابته بعليّ؛ فكلّم عمر بن سعد عبد الله بن جعدة، وقال له: إني لا آمن هذا الرّجل - يعني المختار فخذ لي منه أماناً؛ ففعل، وقال: فأنا رأيت أمانه وقرأته. بسم الله الرّحمن الرّحيم؛ هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقّاص: إنّك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وأهل بيتك وولدك، ولا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم من النّاس فلا يعرض له إلاّ بخير؛ شهد السّائب بن مالك، وأحمر بن شميط، وعبد الله بن شداد، وعبد الله بن كامل؛ وجعل المختار على نفسه عهد الله وميثاقه ليفينّ لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلاّ أن يحدث حدثاً، شهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً.

قال: وكان أبو جعفر محمد بن عليّ يقول: أمّا أمان المختار لعمر بن سعد " إلاّ أن يحدث حدثاً " فإنه كان يريد به: إذا دخل الخلاء فأحدث. قال: فلّما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمّامه، ثم قال في نفسه: أنزل داري، فرجع، فعبر الرّوحاء ثم أتى داره غدوةً، وقد أتى حمّامه فأخبر مولىّ له بما كان من أمانه وبما أريد منه، فقال له مولاه: وأي حدث أعظم ممّا صنعت؟ إنك تركت رحلك وأهلك وأقبلت إلى ها هنا؛ ارجع إلى رحلك ولا تجعل للرّجل عليك سبيلاً. فرجع إلى منزله. وأتي المختار بانطلاقه، فقال: كلاّ، إن في عنقه سلسلةً ستردّه، لو جهد أن ينطلق ما استطاع. قال: وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة وأمره أن يأتيه به، فجاءه حتى دخل عليه، فقال: أجب. فقام عمر فعثر في جبّة له، ويضربه أبو عمرة بسيفه فقتله، وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي المختار؛ فقال المختارلابنه حفص بن عمر بن سعد وهو جالس عنده: أتعرف هذا الرأس؟ فاسترجع، وقال: نعم، ولا خير في العيش بعده؛ فأمر به فقتل، فإذا رأسه مع رأس أبيه. ثم إن المختار قال: هذا بحسين وهذا بعليّ بن حسين رحمهما الله، ولا سواء، والله لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامله. فقال حميدة بنت عمر بن سعد وهي تبكي أباها: من الكامل لو كان غير أخي قسيّ غرّه ... أو غير ذي يمن وغير الأعجم سخّى بنفسي ذاك شيئاً فاعلموا ... عنه وما البطريق مثل الألأم أعطى ابن سعد في الصّحيفة وابنه ... عهداً يلين له جناح الأرقم فلّما قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران النّاعطيّ وظبيان بن عمارة التّميمي حتى قدما بهما على محمد بن الحنيفة، وكتبت إلى ابن الحنّيفة في ذلك كتاباً.

عمر بن سعيد بن أحمد

قتل سنة ستّ وستين، وقيل: سنة سبع وستّين. وفي عمر بن سعد يقول أبو طلق عديّ بن حنظلة العائذي: من الطويل لقد قتل المختار لا درّ دره ... أبا حفص المأمول والسّيّد الغمرا فتى لم يكن كزاً بخيلاً ولم يكن ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها غمرا عمر بن سعيد بن أحمد ابن سعيد بن سنان أبو بكر الطّائيّ المنبجيّ سمع بدمشق. روى عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزّهري، بسنده إلى معاوية بن عبد الله ابن جعفر، عن أبيه، قال: رأيت عثمان بن عفّان توضّأ فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه ثلاثاُ ثلاثاً، ومسح برأسه واحدةً، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاُ؛ ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ. قال عنه أبو حاتم سنان البستي: وكان قد صام النّهار وقام اللّيل ثمانين سنة غازياً ومرابطاً. قال عمر بن سنان المنبجيّ: لمّا أقبل ذو النّون إلى منبج استقبله النّاس، فخرجت فيهم وأنا صبيّ، فوقفت على القنطرة، فلّما رأيته أقبل وحوله قوم من الصّوفية وعليهم المرقّعات ازدريته؛ فنظر إليءّ شزراً وقال: يا غلام، إن القلوب إذا بعدت عن الله مقتت القائمين بأمر الله؛ فأرعدت مكاني، فنظر إليءّ ورحمني، وقال: لن تراع يا غلام، رزقك الله علم الرّواية، وألهمك الدّراية والرّعاية.

عمر بن سعيد بن ابراهيم

وقال: خرجت في المغازي وأردت أمضي في السّريّة، فقمت لأنظر إلى نعال دابّتي، فرأيت فرد نعل قد وقع، وهو حاف؛ فطلبنا في الرّحل فلم نجد، وبعثنا إلى من نأنس به فلم نجد عندهم، فاغتممت غمّاً شديداً؛ فلمّا تحرّك النّاس ألجمنا وأسرجنا، فأخذت فرد رجله أو قال: يده حتى أقرأ عليه فإذا هو منعل! عمر بن سعيد بن ابراهيم ابن محمد بن سعيد بن سالم بن عبد الله بن يعطر أبو القاسم القرشي الدّانقيّ مات في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة. عمر بن سعيد بن جندب أبي عزيز بن النعمان الأزديّ من ساكني النّيبطن بدمشق. عمر بن سعيد بن سليمان أبو حفص القرشيّ الأعور روى عن سعيد بن بشير، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرأيتم الزّاني والسّارق وشارب الخمر، ما تقولون فيهم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: " هنّ فواحش وفيهنّ عقوبة؛ أو لا أنبّئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله " ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً " وعقوق الوالدين. وقال: "

عمر بن سعيد أبو حفص بن البري المتعبد

اشكر لي ولوالديك إليّ المصير " وكان متّكئاً فاحتفز فقال: " ألا وقول الزّور، ألا وقول الزّور " ثلاثاً. قال الخطيب: سكن في بغداد وحدّث بها. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه، قال: كتبت عنه وتركت حديثه، وذاك أني ذهبت إليه أنا وأبو خيثمة فأخرج إلينا كتاب سعيد بن بشير فإذا هي أحاديث سعيد بن أبي عروبة، فتركناه. مات في سنة خمس وعشرين ومئتين، في ذي القعدة لثلاث عشرة خلت منه وهو ابن نيّف وثمانين سنة. عمر بن سعيد أبو حفص بن البرّيّ المتعبّد قال أبو الفرج الموحّد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة بن البّريّ: كنت أوّل ما صحبت خالي عمر بن سعيد البرّي وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فرأى منكراً فأمر صاحبه برفق، وجفوت أنا على الرّجل؛ فلمّا انصرف الرّجل قال لي خالي: يا بنيّ إذا أمرت بمعروف ونهيت عن منكر فليكن برفق، فوالله لو علموا ما لهم في قلبي من الرّحمة لم يأتمروا لي؛ أأمنت من الله أن ينقل ما أنت فيه إليهم وينقل ما هم فيه إليك؟. قال ابن الأكفانيّ: في شوّال من سنة اثنتين وثلاثمئة توفي أبو حفص عمر بن البّريّ، وكان رجلاً صالحاً،

عمر بن سلمة بن الغمر

وكانت وفاته في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شوال، وكان عمره نحو سّت وتسعين سنةً وكان له مشهد عظيم. عمر بن سلمة بن الغمر أبو بكر السّكسكيّ البتلهيّ روى عن أبي عبد الله نوح السّكسكيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك فطلعت الشمس لضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت به فيما مضى، فأتاه جبريل، فقال: يا جبريل، ما لي أرى الشمس طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت به فيما مضى؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية اللّيثي مات اليوم بالمدينة. مات سنة خمس وعشرين وثلاثمئة. عمر بن أبي سلمة ويقال: اسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الرّحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشيّ الزّهريّ المدنيّ روى عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث كلّهنّ حقّ على المسلم: عيادة المريض، وشهود الجنائز، وتشميت العاطس إذا حمد الله ".

عمر بن سليمان بن عبد الملك

وعن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعن الله الرّاشي والمرتشي في الحكم ". قال ابن سعد: كان كثير الحديث، وليس يحتجّ بحديثه. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: هو عندي صالح صدوق في الأصل، ليس بذاك القويّ، يكتب حديثه ولا يحتجّ به، يخالف في بعض الشيء. قال خليفة: وقتل عبد الله بن عليّ عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ومئة. عمر بن سليمان بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم بن أبي العاص الأمويّ أمّه أمّ ولد. عمر بن سليمان من أهل دمشق. روى عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: لمّا فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر جعلت له مائدة فأكل متّكئاً وأطلى، وأصابته الشمس، ولبس الظّلّة.

عمر بن شريح الحضرمي

قال أحمد: فسألت آدم ما الظّلّة؟ قال: البرطلة؛ وأومأ بيده إلى رأسه. وعن عمر بن عريب، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في قوله: " وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم " قال: " هم الجنّ، ولن يخبل الشيطان الإنسان في داره فرس عتيق ". عمر بن شريح الحضرميّ ولي إمرة دمشق في أول خلافة بني العبّاس، من قبل عبد الله بن عليّ. حدث محمد بن سحيم الكنديّ، قال: سمعت أبي يقول: كنّا مع عبد الله بن عليّ بنهر أبي فطرس إذ خرج الآذن ومعنا وجوه أهل الشّام ثلاثون رجلاً، فدعا ابن زمل السّكسكيّ غلامه فقال: جئني بمرزبّة؛ فجاء بها، فوضع يمينه بين حجرين، وقال: اضرب وأنت حرّ؛ فضربه فكسر ساعده. قال: فأخرج إلينا من بني أميّة ثلاثين رجلاً، فقال: الأمير يأمركم بأن يقتل كلّ رجل منكم رجلاً منهم؛ فأخرج ابن زمل يده فإذا هي مكسورة، فقال عمر بن شريح الحضرميّ: أنا أحقّ من قتل أسير ابن عمّه؛ فقتل رجلين كذلك اليوم. فأعلم عبد الله بن عليّ بما كان منه، فخلع عليه وولاّه دمشق. عمر بن صالح بن أبي الزّاهريّة أبو حفص الأزديّ البصريّ الأوقص مولى الأزد سكن دمشق، وحدّث بها.

روى عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عبّاس يقول: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مئة رجل، أو أربع مئة أهل بيت من الأزد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مرحباً بالأزد أحسن النّاس وجوهاً، وأشجعهم قلوباً، وأطيبهم أفواهاً، وأعظمهم أمانةً؛ شعاركم يا مبرور ". وعن أبي جمرة، عن ابن عبّاس، قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل ستّة في الحرم، أو قال: خمسة الشكّ من أبي جمرة الحدأة والغراب والحيّة والعقرب والفأرة والكلب العقور. وعن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر بن الخطّاب: ادعوا لي عياضاً، فدعي له، فقال: حدّثنا حديث بني الصّبغاء؛ فقال: يا أمير المؤمنين، انتحيت حيّاً من أحياء العرب فأثريت فيهم من المال، فوثب عليّ بنو أم عشرة يريدون أخذ مالي، فناشدتهم الله والجوار، فأبوا عليّ إلا أخذه؛ فأنظرتهم حتى دخل شهر الله الأصمّ رجب وكانت الجاهليّة تعظّمه ويؤخّرون مظالمهم إليه، فيدعون على ظالمهم فيستجاب لهم، وكانوا يسمّونه شهر مضر فلمّا دخل رجب قلت: اللهم إني أدعو دعاءً جاهداً، على بني الصّبغاء فلا تبق منهم أحداً إلاّ واحداً، اكسر منه السّاق فذره قاعداً، أعمى إذا قيد عنّى القائدا. قال: فبينما هم في بئر لهم يحفرونها إذ انهارت بهم، فأخرجوا تسعةً موتى والعاشر قد ذهب بصره وانكسر ساقه. فقالوا: سبحان الله يا أمير المؤمنين ما أعجب هذا! ؛ قال: إن الله كان يستجيب لأهل الجاهليّة ليدفع بعضهم عن بعض، وإن الله جعل موعدكم السّاعة " والسّاعة أدهى وأمرّ ". قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث، وقال: هو بصريّ سكن دمشق ليس بقويّ، روى عن أبي جمرة نكرات.

عمر بن صالح بن عثمان

عمر بن صالح بن عثمان ابن عامر أبو حفص المرّيّ الجديانيّ روى عن أبي يعلى حمزة بن خراش الهاشمي، قال: كان لأبي بضعة عشر ولداً، وكنت أصغرهم. قال: فمرّ به عبد الله القشيريّ فسلّم عليه، فردّ عليه السّلام، فقال له: امسح يدك برأس ابني، فمسح بيده على رأسي ودعا بالبركة؛ فقال له أبي: أفد ابني؛ فقال القشيريّ: حدّثني أنس بن مالك قال: كنت أحجب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته يقول: " اللهم أطعمنا من طعام أهل الجنّة " فأتي بلحم طير مشويّ، فوضع بين يديه، فقال: " اللهم ائتنا بمن تحبّه ويحبّك ويحبّ نبيك ويحبّه نبيّك ". قال أنس: فخرجت فإذا عليّ رضي الله عنه بالباب؛ قال: فاستأذنني فلم آذن له، فدخل بغير إذني؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما الذي بطّأ بك يا عليّ؟ " قال: يا رسول الله جئت لأدخل فحجبني أنس؛ قال: " يا أنس لم حجبته؟ " قال: يا رسول الله، لمّا سمعت الدّعوة أحببت أن يجيء رجل من قومي فتكون له؛ فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يضرّ الرّجل محبّة قومه ما لم يبغض سواهم ". مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمئة. عمر بن طويع اليزنيّ أخو معاوية بن طويع من أهل داريّا. قال عبد الجبّار بن مهنّا الخولانيّ: معاوية بن طويع وعمر بن طويع اليزنيّان؛ من ساكني داريّا، وأولادهم بها إلى اليوم.

عمر بن عاصم بن محمد

عمر بن عاصم بن محمد ابن الوليد بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ العبشميّ من أهل دمشق، وكان من أجواد قريش. عن عليّ بن أبي حملة، قال: أدركت بدمشق رجلين يقصدان ويغشيان: عمر بن عاصم بن محمد بن الوليد ابن عتبة بن ربيعة، وعبد الرّحمن بن الحكم. وكان عبد الرّحمن قد ولي لمعاوية خراسان، فحمى لنفسه نفقة مئة سنة لكل ّيوم مئة دينار، فما ناله حتى غاله بعض عبيده؛ وكان يقول لطبّاخه: إن كان طعامي لا يطيب إلاّ أن يسحق الذّهب عليه فاسحقه عليه. وتغدّى يوماً عند عبد الملك، فقال له عبد الملك: كيف ترى طعامنا؟ فقال: إنه ابن نارين يا أمير المؤمنين. فدعا عبد الملك طبّاخه فسأله، فقال: تأخّرت عن الطّعام فبرد فسخّنته. عمر بن عبد الله بن جعفر أبو الفرج الرّقّي الصّوفيّ قدم دمشق سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وحدّث بها وبالرّقّة. روى عن أبي الحسن عليّ بن عمر بن أحمد الدّارقطنيّ الحافظ، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مؤمن: النّصيحة لله ولرسوله، ولكتابه، ولعامّة المسلمين ".

عمر بن عبد الله بن الحسن

عمر بن عبد الله بن الحسن ابن المنذر أبو حفص الأصبهانيّ حدّث ببعلبك. عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ذي الرّمحين واسمه عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ابن يقظة بن مرّة بن كعب أبو الخطّاب القرشيّ المخروميّ الشّاعر وكان اسم عبد الله بحيراً، فسّماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. شاعر مشهور مجيد، من أهل مكة، وفد على عبد الملك بن مروان، وعلى عمر بن عبد العزيز؛ أدرك عمر بن الخطّاب. قال الزّبير بن بكار: وأمّه مجد أمّ ولد يمانيّة، وكان لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة ابن يقال له: جوان، وفيه يقول عمر: من المتقارب جوان شهيدي على حبّها ... أليس بعدل عليها جوان عن عمر بن زيد، قال: دخل عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة على عبد الملك، فقال له عبد الملك: أيا فاسق! فقال: بئس تحّية ابن العمّ على شحط المزار وبعد الدّار؛ فقال: أيا أفسق الفاسقين، أو ليس قد علمت قريش أنك أطولها صبوةً وأبعدها توبةً؟ أولست القائل: من الوافر

ولولا أن تعنفني قريش ... مقال النّاصح الدّاني الشّفيق لقلت إذا التقينا: قبّليني ... ولو كنا على وضح الطّريق فخرج مغضباً، فيقال: إن عبد الملك أتبعه صلة فلم يقبلها. وسيره عمر بن عبد العزيز إلى دهلك. وكان يقال: من أراد رقة النسب والغزل فعليه بشعر عمر بن أبي ربيعة. وقد روى عنه أنه حلف إنه ما رأى فرجاً حراماً قط. وقيل: إنما دخل على عبد الملك بالحجاز. عن عوانة بن الحكم: قال عمر بن عبد العزيز: ويحك ياعديّ، من بالباب من الشعراء؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة؛ قال: أليس هو الذي يقول: من الخفيف ثم نبّهتها فهبّت كعاباً ... طفلةً ما تبين رجع الكلام ساعة ثم إنها بعد قالت: ... ويلتا قد عجلت يابن الكرام أعلى غير موعد جئت تسري ... تتخطّى إليّ روس النّيام ماتجشّمت ما تزين من الأم ... رولا جئت طارقاً لخصام فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه؛ لا يد خل - والله - علي أبداً. قال الزّبير بن بكار: كان عمر بن أبي ربيعة عفيفاً يصف ويقف، ويحوم ولا يريد. عن مسلم عن وهب مولى بني عامر بن لؤي، عن أبيه، قال: خرجت مع نوفل بن مساحق ويدي في يده، وهو يريد المسجد، فسلم على

سعيد بن المسّب، فردّ عليه، ثم قال: من أشعر صاحبنا أو صاحبكم؟ - يريد عبيد الله بن قيس الرّقيّات وعمر بن أبي ربيعة قال: حين يقولان ماذا؟ فإن صاحبنا قال في فنون الشّعر وصاحبكم قال في النّسيب؛ قال: حين يقول: من الطويل خليليّ ما بال المطايا كأنّما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص وقد أتعب الحادي سراهنّ وانتحى ... بهنّ فما يلوي عجول مقلص وقد قطعت أعناقهن صبابةً ... فأنفسها ممّا تكلّف شخص يزدّن بنا قرباً فيزداد شوقناً ... إذا زاد طول العهد والقرب ينقص فلّيقل صاحبكم بعد هذا ما شاء. فلما انقضى ما بينهما عقد سعيد بأصبعه، فاستغفر مئة مرة. عن عمر الرّكاء، قال: بينا ابن عبّاس في المسجد الحرام وعنده ابن الأزرق وناس من الخوارج يسائلونه إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين، حتى سلّم وجلس؛ فأقبل عليه ابن عبّاس فقال: أنشدنا، فأنشده: من الطويل أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر حتى أتى على آخرها؛ فأقبل عليه ابن الأزرق فقال: الله، يا ابن عبّاس، إنّا لنضرب إليك أكباد المطيّ من أقاصي الأرض لنسألك عن الحلال والحرام فتثاقل علينا ويأتيك مترف من مترفي قريش فينشدك:

رأت رجلاً أما إذا الشمّس عارضت ... فيخزى وأما بالعشيّ فيخسر فقال ابن عبّاس: ليس هكذا قال: فكيف قال؟ قال: قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر قال: ما أراك إلاّ قد حفظت البيت: قال: نعم، وإن شئت أنشدك القصيدة أنشدتكها. قال: فإني أشاء. فأنشده القصيدة حتى جاء على آخرها. ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد؛ فقال: من المتقارب تشطّ غداً دار جيراننا فقال ابن عبّاس: وللدّار بعد غد أبعد فقال: كذلك قلت أصلحك الله أسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي. عن العتبّي، عن أبيه، قال: ابتنى معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه ومعه ابنة قرظة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنّى: من الرمل من يساجلني يساجل ماجداً ... أخضر الجلدة في بيت العرب قال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر. قال: خلّوا له الطريق فليذهب. ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني: من الرمل بينما يذكرنني أبصرنني ... دون قيد الميل يعدو بي الأغرّ قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعمقد عرفناه، وهل يخفى القمر؟

قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة. خلّوا له الطّريق فليذهب. قال: ثم إذا بجماعة وإذا رجل منهم يسأل، فقال: رميت قبل أن أحلق؛ وحلقت قبل أن أرمي؛ لأشياء أشكلت عليهم من مناسك الحّج؛ فقال: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر. فالتفت إلى بنت قرظة فقال: هذا وأبيك الشّرف، هذا والله شرف الدّينا وشرف الآخرة. عن الهيثم: أن عبد الملك بن مروان بعث إلى عمر بن أبي ربيعة القرشيّ، وإلى جميل بن معمر العذريّ، وإلى كثيّر عزّة: وبعث إلى ناقة فأوقرها دراهم ودنانير، ثم قال: لينشدني كلّ واحد منكم ثلاثةً أبيات فأيّكم كان أغزل شعراً فله النّاقة وما عليها. فقال عمر بن أبي ربيعة: من الطويل فيا ليت أنيّ حين تدنو منّيتي ... شممت الذي بين عينيك والفم وليت طهوري كان ريقك كلّه ... وليت حنوطي من مشاشك والدّم وليت سليمى في المنام ضجيعتي ... لدى الجنّة الحمراء أو في جهنّم وقال جميل: أنا الذي أقول: من الطويل حلفت يميناً يا بثينة صادقاً ... فإن كنت فيها كاذباً فعميت حلفت لها بالبدن تدمى نحورها ... لقد شقيت نفسي بكم وعنيت ولو أن راقي الموت يرقى جنازتي ... بمنطقها في النّاطقين حييت وقال كثيّر: أنا الذي أقول: من الكامل بأبي وأمّي أنت من معشوقةً ... ظفر العدّو بها فغيّر حالها

ومشى إليّ ببين عزّةً نسوة ... جعل المليك خدودهنّ نعالها لو أن عزّةً خاصمت شمس الضّحى ... في الحسن عند موفّق لقضى لها فقال عبد الملك: خذ النّاقة وما عليها يا صاحب جهنّم. عن أبي بكر القرشيّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة جالساً بمنى في فناء مضربه إذ أقبلت امرأة برزة عليها أثر النّعمة، فسلّمت، فردّ عليها عمر السّلام، فقالت له: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قال: ها أنا هو، فما حاجتك؟ قالت: حيّاك الله وقرّبك، هل لك في محادثة أحسن النّاس وجهاً، وأتّمهنّ خلقاً، وأكملنّ أدباً، وأشرفهنّ حسباً؟ قال: هل لك في محادثة أحسن النّاس على شرط. قال: قولي. قالت: تمكّنني من عينيك حتى أشدّهما وأقودك، حتى إذا توسّطت الموضع الذي أريد حللت الشّدّ، ثم أفعل ذلك بك عند إخراجك حتى أنتهي بك إلى مضربك. قال: شأنك. ففعلت. قال عمر: فلّما انتهت بي إلى المضرب التي أرادت كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسيّ لم أر مثلها جمالاً وكمالاً، فسلّمت وجلست؛ فقالت: أنت عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: أنا عمر. قلت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك جعلني الله فداءك؟ قالت: ألست القائل: من الكامل قالت: وعيش أخي وحرمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج فخرجت خوف يمينها فتبسّمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج فتناولت رأسي لتعلم مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج فلثمت فاها آخذاً بقرونها ... شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج قم فاخرج. ثم قامت، وجاءت المرأة فشدّت عيني ثم أخرجتني حتى انتهت بي إلى مضربي، وانصرفت وتركتني؛ فحللت عيني وقد دخلني من الكآبة والحزن ما الله به أعلم.

وبتّ ليلتي، فلمّا أصبحت إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ قلت: شأنك: ففعلت مثل فعلها بالأمس حتى انتهت بي إلى الموضع، فلّما دخلت إذا بتلك الفتاة على كرسيّ، فقالت: إيهاً يافضّاح الحرائر؛ فقلت: بماذا جعلني الله فداءك أيضاً؟ قالت: بقولك: من الطويل وناهدة الثد يين قلت لها: اتّكي ... على الرّمل من جبّانة لم توسّد فقالت: على اسم الله، أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت مالم أعوّد فلمّا دنا الإصباح قالت: فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد قم فاخرج عنّي. فقمت فخرجت، ثم رددت، فقالت لي: لولا وشك الرّحيل وخوف الفوت، ومحبّتي لمناجاتك، والاستكثار من محادثتك لأقصيتك، هات الآن كلّمني وحدّثني وأنشدني. فكلّمت آد ب النّاس وأعلمهم بكل شيء، ثم نهضت، وأبطأت العجوز، وخلا البيت، فأخذت أنظر فإذا أنا بتور فيه خلوق فأدخلت يدي فيه ثم خبأتها في ردني، ثم جاءت العجوز فشدّت عيني، ونهضت بي تقودني حتى إذا صرت على باب المضرب أخرجت يدي فضربت بها على المضرب، ثم صرت إلى مضربي، فدعوت غلماني فقلت: أيّكم يقفني على باب مضرب عليه خلوق كأنّه أثر كفّ فهو حرّ وله خمسمئة درهم. فلم ألبث أن جاء بعضهم فقال: قم، فنهضت معه فإذا أنا بالكفّ طرّية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت عبد الملك بن مروان؛ فأخذت في أهبة الرّحيل. فلّما نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك، فقيل لها: هذا عمر بن أبي ربيعة؛ فساءها أمره، وقالت للعجوز التي كانت ترسلها إليه: قولي له: نشدتك الله والرّحم أن فضحتني، ويحك ما شأنك؟ وما الذي تريد؟ انصرف ولا تفضحني وتشيط بدمك. فصارت إليه العجوز فأدّ ت إليه ما قالت لها فاطمة؛ فقال: لست بمنصرف أو توجّه إليّ بقميصها الذي يلي جلدها: فأخبرتها ففعلت، ووجّهت إليه بقميص من ثيابها، فزاده ذلك شغفاً، ولم يزل يتبعهم لا يخالطهم،

حتى إذا صاروا على أميال من دمشق انصرف وقال في ذلك: من الكامل ضاق الغداة بحاجتي صدري ... ويئست بعد تقارب الأمر وذكرت فاطمة التي عّلقتها ... عرضاً فيا لحوادث الدّهر ممكورة ردع العبير بها ... جمّ العظام لطيفة الخصر وكأن فاها بعدما رقدت ... تجري عليه سلافة الخمر وبجيد آدم شادن خرق ... يرعى الرّياض ببلدة قفر لّما رأيت مطيّها حزقاً ... خفق الفؤاد وكنت ذا صبر وتبادرت عيناي بعدهم ... وانهلّ مدمعها على الصّدر ولقد عصيت ذوي أقاربها ... طرّاً وأهل الودّ والصّهر حتى إذا قالوا وما كذبوا ... أجننت أم بك داخل السّحر عن سلامة العجليّ، قال: كان عمر بن أبي ربيعة إذا هوي شيئاً قال فيه شعراً، ثم إذا توبع على إرادته استحال عنه وانتحى لغيره، فبينما هو ذات يوم يمشي مع صديق له يقال له: عمرو إذا هو بجارية تتهادى بين جواريها، عجيبة الحسن، أنيقة المنظر؛ فقال لصاحبه: ويحك، من هذه؟ امش فاجنح بنا نأخذ قرطاساً ونكتب إليها بأبيات. فمال إلى بقّال فأخذ منه قرطاساً وكتب إليها: من الخفيف بدت الشمّس في جوار تهادى ... مخطفات القدود معتجرات فتبسّمت ثم قلت لعمرو ... قد بدت في الحياة لي حسناتي هل سبيل إلى التي لا أبالي ... أن أموتن بعدها حسرات وبعث إليها بالرّقعة، فأجابته وقالت: من الخفيف قد أتاني الرّسول بالأبيات ... في كتاب قد خطّ بالتّرّهات

خانك الطّرف إذ نظرت وما ... طرفك عندي بصادق النّظرات عدعنّي فقد عرفت بغيري ... عهدك الخائن القليل الثّبات وأنشد له: من الكامل لبثوا ثلاث منى بمنزل قلعة ... وهم على غرض لعمرك ماهم متجاورين بغيردار إقامة ... لوقد أجدّ رحيلهم لم يندموا ولهنّ بالبيت العتيق لبانة ... والبيت يعرفهنّ لو يتكلّم لو كان حيّا قبلهنّ ظعائناً ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم لكنّه ممّا يطيف بركنه ... منهنّ صمّاء الصّدى مستعجم وكأنهنّ وقد صدرن عشيّةً ... بيض بأكناف الخيام منظّم وله: من المتقارب تقول وتظهر وجداً بنا ... ووجدي ولو أظهرت أوجد لممّا شقائي تعلّقتكم ... وقد كان لي عنكم مقعد سباني من بعد شيب القذا ... ل ريم له عنق أغيد وعين تصابي وتدعو الفتى ... لما غيره للفتى أرشد وله: من الطول نظرت إليها بالمحصّب من منى ... ولي نظر لولا التّحرّج عارم فقلت: أشمس أم مصابيح بيعة ... بدت لك يوم السّجف أم أنت حالم بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل ... أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ... عشيّة راحت وجهها والمعاصم معاصم لم تضرب على البهم بالضّحى ... عصاها ووجه لم تلحه السّمائم

نضار ترى فيه أساريع مائه ... صبيح تغاديه الأكفّ النّواعم وله: من الكامل يا عمّتي عرضت لبنتك فتنةّ ... فتعوّذي بالله من شرّ الفتن ياعمّتي رجل يطوف ببابكم ... في حلّة خضراء من عصب اليمن فعشقته من غير فاحشة له ... والعشق مالم يوت فاحشةً حسن قال ثعلب: وينشد: يا أمّتا. وبدل فعشقته: فهويته: وهو أحسن. وله: من البسيط سمعي وقلبي حليفاها على بصري ... فكيف أصبرعن سمعي وعن بصري لوشايعاني على أن لا أكلّمها ... إذاً لقضّيت من أوطارها وطري ردّ الفؤاد إليها بعث نسوتها ... ونظرة عرضت كانت من القدر وقول بكر: ألافاربع نسائلها ... وانظر فلابأس بالتّسليم والنّظر وقولها ودموع العين تسبقها ... لأختها: دين هذا القلب من عمر تفسير دين: ملك واستعبد. وله: من البسيط السّرّ يكتمه الإثنان بينهما ... وكلّ سرّ عدا الاثنين ينتشر والمرء مالم يراقب عند صبوته ... لمح العيون بسوء الظّنّ يشتهر وله: من الكامل قد كان أورق عود حبّك بالمنى ... وسقاه ماء رجائكم فترعرعا

حتى إذا هبّت بيأس ريحكم ... تركته من ورق المطامع أقرعا واليأس من بذل الأحبّة لم يزل ... بتخطّف الأرواح قدماً مولعا وله: من المتقارب ألا من لقلب معنّى خبل ... بدكر المحلّة أخت المحل تراءت لنا يوم فرع الأرا ... ك بين المساء وبين الأصل وقالت لجارتها هل رأي ... ت إذا عرض الرّجل فعل الرّجل فإن تبسّمه ضاحكاً ... أجدّ اشتياقا لقلب ذهلً كأن القرنفل والزنجبي ... ل وريح الخزامى وذوب العسل يعلّ به برد أنيابها ... إذا النّجم وسط السّماء اعتدل وله: من مجزوء الخفيف ذكر الشمس إذ بدت ... من خلال السّحائب أمّ عمرو إذ اقبلت ... بين حور كواعب بلوى الخيف من منى ... أو بذات التّناضب يوم أرخت مرجّلاً ... فوق خدّ وحاجب واستهلّت بواكف ... من دموع سواكب

ثم قالت لنسوة ... من لؤيّ بن غالب قمن نقض لحبّنا ... حاجةً أو نعاتب فتولّى نواعم ... مثقلات الحقائب وتأطّرن ساعةً ... في مناخ الرّكائب كالدّمى أو كبدن ... من نعاج ربائب قطف المشي آنس ... واضحات التّرائب فتناولت كفّها ... ثم مالت بجانب وأمالت بجيدها ... فاحماًذا ذوائب فانتجينا بسارما ... مجلساً ذا عجائب وله: من الخفيف فالتقينا فرحّبت حين سلّم ... ت وكفّت دمعاً من العين مارا ثم قالت عند العتاب: رأينا ... فيك عنّا تجلّداً وازورارا قلت: كلاّ، لاه ابن عمّك بل خف ... نا أموراً كنّا بها أغمارا فركبنا حالاً لنكذب عنّا ... قول من كان بالأكفّ أشارا فجعلنا الصّدود لمّا خشينا ... قالة النّاس بالهوى أستارا فلذاك الإعراض عنك وما ... آثر قلبي عليك أخرى اختيارا ليس كالعهد إذ عهدت ولكن ... أوقد النّاس بالنّميمة نارا ما نبالي إذا النّوى قرّبتكم ... فدنوتم من حلّ أومن سارا واللّيالي إذا نأيت طوال ... وأراها إذا دنوت قصارا أنشد ابن أبي عتيق سعيد بن المسيّب قول عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف

أيّها الرّاكب المجدّ ابتكارا ... قد مضى من تهامة الأوطارا إن يكن قلبك الغداة جليداً ... ففؤادي بالحبّ أمسى معارا ليت ذا الدّهر كان حتماً علينا ... كلّ يومين حجّةً واعتمارا فقال: لقد كلّف المسلمين شططاً. فقال: يا أبا محمد، في نفس الجمل شيء غير ما في نفس سائقه. قال مصعب: قدم عمر بن أبي ربيعة الكوفة فنزل على محمد بن الحجّاج بن يوسف، وكان لعبد الله بن هلال صاحب إبليس قينتان حاذقتان، فكان يأتيهما فيسمع منهما، فقال في ذلك: من الكامل يا أهل بابل ما نفست عليكم ... من عيشكم إلاّ ثلاث خلال ماء الفرات وطيب ليل بارد ... وسماع منشدتين لابن هلال قال ابن جريج: كنت مع معن بن زائدة باليمن، فحضر الحجّ فلم تحضرني نيّة. قال: فخطر ببالي قول عمر بن أبي ربيعة: من البسيط تالله قولي في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث باليمن إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أخذت بترك الحجّ من ثمن فدخلت على معن فأخبرته أني عزمت الحجّ؛ فقال لي: ما نزعك إليه ولم تكن تذكره؟ قلت له: ذكرت قول ابن أبي ربيعة؛ وأنشدته شعره، فجهّزني وانطلقت. وله من الخفيف

خبّرها بأنّني قد تزوّج ... ت فظلّت تكاتم الغيظ سرّا ثم قالت لأختها ولأخرى ... جزعاً: ليته قد تزوّج عشرا وأشارت إلى نساء لديها ... لاترى دونهنّ للسّرّ سترا ما لقلبي كأنه ليس منّي ... وعظامي إخال فيهنّ فترا من حديث نما إليّ فظيع ... خلت في القلب من تلظّيه جمرا قال هارون بن محمد: أنشدنا الزّبير لمجنون بني جعدة: من البسيط حبّذا راكب كنّا نسرّبه ... يهدي لنا من أراك الموسم القضبا قالت لجارتها يوماً تسائلها ... لمّا تعرّت وألقت عندها السّلبا: ناشدتك الله ألاّ قلت صادقةً ... أصادفت صفة المجنون أم كذبا قال: فقلت: أتراه سرقه من قول عمر بن أبي ربيعة: من الرمل ولقد قالت لجارات لها ... وتعرّت ذات يوم تبترد: أكما ينعتني تبصرنني ... عمركنّ الله أم لا يقتصد؟ فتضاحكن وقد قلن لها: ... حسن في كلّ عين من تودّ حسد منهنّ قد حمّلنه ... وقديماً كان في النّاس الحسد أنشد أبو الحسن عليّ بن سليمان الأخفش لعمر بن أبي ربيعة وقال: ما قيل في المساعدة أحسن منها: من الوافر وخلّ كنت عين النّصح منه ... إذا نظرت ومستمعاً سميعاً أراد قبيحةً فنهيت عنها ... وقلت له: أرى أمراً فظيعاً أردت رشاده جهدي فلمّا ... أبى وعصى أتيناه جميعاً

عن عوانة بن الحكم: أن عمر بن أبي ربيعة كان قد ترك الشّعر ورغب عنه، ونذر على نفسه لكلّ بيت يقوله هدي بدنة؛ فمكث بذلك حيناً ثم خرج ليلة يريد الطّواف بالبيت إذ نظر إلى امرأة ذات جمال تطوف وإذا رجل يتلوها، كلّما رفعت رجلها وضع رجله موضع رجلها، فجعل ينظر إلى ذلك من أمرهما؛ فلمّا فرغت المرأة من طوافها تبعها الرّجل هنيهةً ثم رجع، وفي قلب عمر ما فيه. فلمّا رآه عمر وثب إليه وقال: لتخبرنّي عن أمرك؛ قال: نعم، هذه المرأة التي رأيت ابنة عمّي، وأنا لها عاشق، وليس لي مال؛ فخطبتها إلى عمّي فرغب عنّي وسألني من المهر ما لا أقدر عليه؛ والّذي رأيت هو حظّي منها وما لي في الدّنيا أمنية غيرها، وإنّما ألقاها عند الطّواف وحظّي ما رأيت من فعلي. قال له عمر: ومن عمّك؟ قال: فلان بن فلان؛ قال: انطلق معي إليه؛ فانطلقا، فاستخرجه عمر فخرج مبادراً إليه فقال: ما حاجتك يا أبا الخطّاب؟ قال: تزوّج ابنتك فلانة من ابن أخيك فلان، وهذا المهر الذي تسأله مساق إليك من مالي. قال: فإني قد فعلت. قال عمر: أحبّ أن لا أبرح حتى يجتمعا. قال: وذلك أيضاً. قال: فلم يبرح حتى جمعهما، وأتى منزله فاستلقى على فراشه، فجعل النّوم لا يأخذه، وجعل جوفه يجيش بالشّعر؛ فأنكرت جاريته ذلك، فجعلت تسأله عن أمره، وتقول: ويحك، ما الذي دهاك؟ فلمّا أكثرت عليه جلس وأنشأ يقول: من الوافر تقول وليدتي لمّا رأتني ... طربت وكنت قد أقصرت حينا أراك اليوم قد أحدثت شوقاً ... وهاج لك البكا داءً دفينا بربّك هل رأيت لها رسولاً ... فشاقك، أم رأيت لها خد ينا؟ فقلت: شكا إليّ أخ محبّ ... كبعض زماننا إذ تعلمينا

فعدّ عليّ ما يلقى بهند ... فوافق بعض ما كنّا لقينا وذو القلب المصاب وإن تعنّى ... يهيّج حين يلقى العاشقينا وكم من خلّة أعرضت عنها ... لغير قلىً وكنت بها ضنينا رأيت صدودها فصدفت عنها ... ولو جنّ الفؤاد بها جنونا وفي غير هذه الرّواية إلاّ أنه متى قال بيت شعر أعتق رقبة، فذكر معناها، ثم قال: أستغفر الله وأتوب إليه. ثم دعا بثمانية من مماليكه فأعتقهم. عن صالح بن أسلم، قال: نظرت إلى امرأة مستترة بثوب وهي تطوف بالبيت، فنظر إليها عمر بن أبي ربيعة من وراء الثّوب، ثم قال: من الطويل ألمّا بذات الخال واستطلعا لنا ... على العهد باق ودّها أم تصرّما قال: فقلت له: امرأة مسلمة غافلة محرمة قد سيّرت فيها شعراً وهي لا تعلم! فقال: إني قد أنشدت من الشّعر ما بلغك؛ وربّ هذه البنّية ما حللت إزاري على فرج حرام قطّ. قال الضّحاك بن عثمان: إن عمر بن أبي ربيعة مرض واشتّد مرضه، فحزن عليه أخوه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة حزناًشديداً؛ فقال عمر: يا أخي كأنك تخاف عليّ قوافي الشّعر؟ قال: نعم. قال: أعتق ما أملك إن كان وطئ فرجاً حراماً قطّ. قال الحارث: الحمد لله، هوّنت عليّ. قال عبد الله بن عمر: فاز عمر بن أبي ربيعة بالدّنيا والآخرة؛ غزا البحر فاحترقت سفينته فاحترق فيها. وبلغني من وجه آخر: إن عمر بن أبي ربيعة عدا يوماً على فرس فهبّت ريح فاستتر بقفلة، فعصفت الرّيح، فخدشه غصن منها، فدمي منه، فمات من ذلك.

عمر بن عبد الله بن أبي سفيان

عمر بن عبد الله بن أبي سفيان ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب القرشيّ ذكر في تسمية من كان بدمشق وغوطتها من بني أميّة، وقال ابن أبي العجائز: وكان رجلاً شابّاً. عمر بن عبد الله بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ ولي الموسم في ولاية يزيد بن الوليد النّاقص سنة ستّ وعشرين ومئة. عمر بن عبد الله بن محمد أبو حفص الأصبهانيّ المؤدب قدم دمشق، وحدّث بداريّا، وأظنّه عمر بن عبد الله بن الحسن الذي حدّث ببعلبك، فالله أعلم. حدّث عن أبي عبد الله أحمد بن يعقوب الباسياريّ، بسنده إلى سهل بن عبد الله، قال: رفعت الدّنيا رأسها على عهد أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا لها: يا دنيا أيش فيك؟ قالت: فيّ حلال وشبهات ومكروه وحرام. فقالوا: لا حاجة لنا في شبهاتك ولا في مكروهاتك ولا حرامك من حاجة، هات الحلال. فأخذوا الحلال فأكلوه. ثم جاء القرن الثّاني فقالوا لها: با دنيّا، أيش فيك؟ فقالت: فيّ حلال وشبهات

عمر بن عبد الله الليثي

ومكروهات وحرام. فقالوا: لا حاجة لنا في شبهاتك ولا مكروهاتك ولا حرامك من حاجة، هات فقالت: قد سبقوكم. قالوا: هات الشّبهات؛ فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الثالث، فقالوا: يا دنيا ما معك؟ فقالت: معي حلال وشبهات ومكروه وحرام. فقالوا: ما لنا في شبهاتك ولا في مكروهاتك وحرامك من حاجة، هات الحلال. قالت قد سبقوكم. قالوا: فهات الشّبهات. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات المكروه. فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الرّابع، قالوا: يا دنيا أيش فيك؟ قالت: فيّ حلال وشبهات ومكروه وحرام. قالوا: ما لنا في شبهاتك ولا مكروهاتك وحرامك من حاجة؛ هات الحلال. قالت: قد سبقوكم. قالوا: هات الشّبهات. قالت: قد سبقوكم. قالوا: هات المكروه. قالت قد سبقوكم. قالوا: فهات الحرام. فأخذوه فأكلوه. ثم جاء القرن الخامس فقالوا: ما فيك؟ فقالت: في الحلال والشّبهات والمكروهات والحرام. قالوا: مالنا في شبهاتك ولامكروهات ولاحرامك من حاجة؛ هات الحلال. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات الشّبهاب. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات المكروه. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فهات الحرام. قالت: قد سبقوكم. قالوا: فما نصنع؟ قالت: خذوا السّيوف الحداد فاضربوا رقاب من معه الحرام. قال سهل: يادوست، فاليوم لانصل إلى الحرام إلاّ بالسيف، وقد كان قبل ذلك موجوداً! عمر بن عبد الله اللّيثي حدث، قال: كنت جالسا عند واثلة بن الأصقع. قال: فأتاه سائل، فأخذه كسرةً فجعل عليها فلساً، ثم قام حتى وضعها في يده. قال: فقلت له: يا أبا الأسقع، أما كان في أهلك من يكفيك هذا؟ قال: لا، وكنه من قام يمشي إلى مسكين بصدقة حطّت عنه بكل خطوة خطيئة، فإذا وضعها في يده حطّت عنه بكّل خطوّة عشر خطيئات.

عمر بن عبد الباقي بن علي

عمر بن عبد الباقي بن عليّ أبو حفص الموصليّ الوّراق سكن دمشق، وسمع بها. روى بصور سنة أربع وسبعين وأربعمئة، عن أبي محمد عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن عبدان الصفار، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسمح يسمح لك ". عمر بن عبد الحميد حكى عن عمر بن عبد العزيز، قال: أجازني عمر بن عبد العزيز بعشرة آلاف درهم. عمر بن عبد الحميد قال: سمعت أبا خليد يذكر عن مالك وكان أبو خليد يصحب مالكاً قال: قدم أبو جعفر المنصور المدينة فأتيته مسلماً عليه، فقال لي: يا مالك إني قد طلبت العلم سنوات قبل خلافتي، وإنّما العلم في هذا البطن يعني الحجاز وأنت رأس أهله. قال: وأمر لي بألف دينار. عمر بن عبد الرّحمن بن زيد ابن الخطّاب ابن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب القرشيّ العدويّ وفد على معاوية.

عمر بن عبد الرحمن بن عوف

قال: كان عمر يصاب بالمصيبة فيقول: أصبت بزيد بن الخطاب فصبرت. وأبصر قاتل أخيه زيد فقال له: ويحك، لقد قتلت لي أخاً ما هبت الصّبا إلاّ ذكرته. عن سعيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد، عن أبيه، عن جدّه، قال: كان يقال له: المصوّر، من حسنه وجماله، وكان قدم على معاوية بن أبي سفيان فأقام عنده أشهراً، ثم قام إليه يوماً فقال: ياأمير المؤمنين، أقض لي حاجتي. قال له معاوية: أقضي لك أنك أحسن الناس وجهاً، ثم قضى له حاجته، ووصله وأحسن جائزته. قال عمر بن عبد الرّحمن: قال عمر لقاتل زيد: غيّب عنّي وجهك. عمر بن عبد الرّحمن بن عوف ابن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب أبو حفص القرشيّ الزهريّ المدنيّ روى أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النّبي صّلى الله عليه وسلم يوم الفتح، والنّبي صّلى الله عليه وسلم قريب من المقام، فسلّم على النّبي صّلى الله عليه وسلم ثم قال: يا نّبي الله إني نذرت لئن فتح الله للنّبي صّلى الله عليه وسلم والمؤمنين مكّة لأصلّينّ في بيت المقدس، وإني وجت رجلاً من أهل الشام ها هنا في قريش مقبلاً ومدبراً. فقال النّبي صلى الله: " ها هنا فصلّ " فقال الرّجل قوله هذا ثلاث مرّات، كلّ ذلك يقول النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ها هنا فصلّ " ثم قالها الرّابعة مقالته هذه فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب فصلّ فيه، فوالّذي بعث محمداً بالحقّ لو صلّيت ها هنا لقضى عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس ". قال شاعر في عمر بن عبد الرّحمن: من الوافر

عمر بن عبد الرحمن بن محمد

فما عمر أبو حفص إذا ما ... تفاخرت القبائل بالقليل له كفّان كفّ ندىً وجود ... وكفّ ما تهلّل عن قتيل عن رجل من بني زهرة، قال: لمّا هلك عبد الرّحمن بن عوف بعث عثمان بن عفّان سهل بن حنيف يقسم ماله بين ولده، فأخذ بيد عمر بن عبد الرّحمن وكانت أمّه سهلة بنت عاصم بن عديّ فقال له: يا ابن أختي، أنت والله أحبّ القوم إليّ علانيةً غير سرّ، وذلك من قبل الأنصاريّات الّلاتي ولدنك؛ وإني أوصيك بوصيّة إن حفظتها فهي خير لك من مال أبيك، وإن تركتها لم ينفعك ما ترك أبوك لو كان لك. قال: ما ذاك؟ أوصني. قال: يا ابن أختي، اعلم أنه لا عيلة لمصلح ولا مال لخرق، واعلم أنّ الرّقيق ليسوا بمال وهم جمال، واعلم أن خير المال العقد وشرّ العقد النّضح، هي كانت أموالنا في الجاهليّة، حتى كان أحدنا سفيهاً بولده وخادمه؛ فأما إذ ركبتم الدّواب ولبستم الثياب فليست من أموالكم في شيء، فإن كنت لابدّ منها شيئاً فاتّخذ مزرعةً إن عالجتها نفعتك، وإن تركتها لم تضرّك. قال عمر بن عبد الرّحمن: فحفظت وصيّة خالي، فكانت خيراً لي ممّا ورثت من أبي. عمر بن عبد الرّحمن بن محمد ويقال: ابن عبد الرّحمن بن أحمد، أبو القاسم ويقال: أبو الفرج الطّرسوسيّ سكن درب القرشيّين. روى عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجيّ، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئاً نسأل هذا الرّجل. قالوا: سلوه عن الرّوح.

عمر بن عبد العزيز بن عبيد

فسألوه عن الرّوح، وبيد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جريدة ينكث بها الأرض، فنزلت " ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ". وهو غريب. عمر بن عبد العزيز بن عبيد أبو حفص السّبائيّ الطّرابلسيّ من أهل طرابلس المغرب، شاب صالح فقيه على مذهب مالك، كان يعرف شيئاً من الأدب، ويكتب بخطّ حسن؛ قدم دمشق من مكّة، وأقام بها مدّة، وحدّث بشيء يسير، ثم توجّه إلى العراق طالباً للعلم فتوفي ببغداد سنة تسع عشرة أو ثمان عشرة وخمسمئة فيما أظنّ. وقد جالسته غير مرّة، وسمعته ينشد شيئاً، ولم أحفظ عنه شيئاً. عمر بن عبد العزيز بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن مناف أبو حفص القرشيّ الأمويّ، أمير المؤمنين بويع له بالخلافة بعد سليمان بن عبد الملك. وأمّه أمّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب. روى عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: كان النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس يتحدّث يكثر أن يرفع بصره إلى السّماء.

قال عمر: زعمت المرأة الصّالحة خولة بنت حكيم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج محتضناً أحد ابني ابنته وهو يقول: " والله إنكم لتجبّنون وتبخّلون، وإنكم لمن ريحان الله عزّ وجلّ، وإن آخر وطأة وطئها الله بوجّ ". وعن أبي بكر بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحقّ به من غيره ". قال محمد بن سعد: في الطّبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة: عمر بن عبد العزيز. قالوا: ولد عمر سنة ثلاث وستّين، وهي السّنة التي ماتت فيها ميمونة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عمر بن عبد العزيز ثقةً مأموناً، له فقه وعلم وورعّ، وروى حديثا كثيرا، وكان إمام عدل رحمه الله ورضي عنه. قال ابن أبي حاتم: وكان استوهب من سهل بن سعد السّاعديّ قدحاً شرب فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوهبه له. عن اسماعيل بن عليّ الخطبيّ، قال: ورأيت صفته يعني عمر بن عبد العزيز في بعض الكتب، أنه كان رجلاً أبيض، رقيق الوجه، جميلاً، نحيف الجسم، حسن اللّحية، غائر العينين، بجبهته أثر نفحة حافر دابّة؛ فلذلك سمّي أشجّ بني أميّة، وكان قد وخطه الشّيب.

وعن ثروان مولى عمر بن عبد العزيز، قال: دخل عمر بن عبد العزيز إلى اصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فشجّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدّم ويقول: إن كنت أشجّ بين أميّة إنّك إذاً لسعيد. عن يعقوب، عن أبيه: أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدب بها، فكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، فكان يلزمه الصّلوات؛ فأبطأ يوماً عن الّصلاة فقال: ما حبسك؟ قال: كانت مرجّلتي تسكن شعري! فقال: بلغ منك حبّك تسكين شعرك أن تؤثره على الصّلاة؟ فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولاً فلم يكلّمه حتى حلق شعره. وكان عمر يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم، فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليّ بن أبي طالب، فأتاه عمر، فقام يصّلي، وأرز عمر فلم يبرح حتى سلّم من ركعتين، ثم أقبل على عمر بن عبد العزيز فقال: متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: فعرف عمر ما أراد؛ فقال: معذرة إلى الله وإليك، والله لا أعود. قال: فما سمع عمر بن عبد العزيز، بعد ذلك ذاكراً عليّاً إلاّ بخير. حدّث العتبيّ، قال: إن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز وحرصه على العلم ورغبته في الأدب، أن أباه ولي مصر وهو حديث السّنّ يشكّ في بلوغه، فأراد إخراجه معه؛ فقال: يا أبه، أو غير ذلك، لعلّه أن يكون أنفع لي ولك؛ ترحلّني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدّب بآدابهم.

فوجّهه إلى المدينة، فقعد مع مشايخ قريش وتجنّب شبابهم، وجاءته ألطاف أبيه من مصر فجعل يقسمها بينهم، فشهره أهل المدينة بعلمه وعقله مع حداثة سنّه؛ فحسده فتيان قريش فقعدوا إليه، فقالوا: كيف أصبحت يا أبا حفص؟ فقال: مهلاً، إيّاي وكلام المجعة؛ فشهرت منه بالمدينة حتى كتب بها إلى أبيه بمصر والمجعة: القليلة عقولهم، الضّعيفة آراؤهم ثم بعث إليه عبد الملك عند وفاة أبيه فخلطه بولده وقدّمه على كثير منهم، وزوّجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشّاعر: من الكامل بنت الخليفة، والخليفة جدّها ... أخت الخلائف، والخليفة زوجها فلم تكن امرأة تستحق هذا البيت إلى يومنا هذا غيرها. وكان الذين يعيبون عمر ممّن يحسده إلا بشيئين: إلاّ بالإفراط في النّعمة والاختيال في المشية؛ ولو كانوا يجدون ثالثاً لجعلوه معهما؛ وهو الأحنف: الكامل من عدّت هفواته، ولا تعدّ إلاّ من قلّة. فدخل يوماً على عبد الملك وهو يتجانف في مشيته، فقال له: يا عمر، مالك تمشي غير مشيتك؟ قال: إن بي جرحاً. قال: وفي أيّ حسدك؟ قال: بين الرّانفة والصّفن. قال عبد الملك لروح بن زنباع: أقسم بالله لو رجل من قومك سئل عن هذا لما أجاب هذا الجواب. الرّانفة: طرف الألية. والصّفن: جلد الخصية. قال جرير: من الرجز يترك أصفان الخصى جلاجلا قال خليفة: سنة سبع وثمانين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز.

وقال: سنة تسع وثمانين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز. وقال: سنة تسعين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز. وقال: سنة اثنيتين وتسعين أقام الحجّ عمر بن عبد العزيز أخبر من رأى عمر بن عبد العزيز واقفاً بعرفة وهو يقول: اللهم زد محسن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحساناً؛ اللهم راجع بمسيئهم إلى التّوبة؛ اللهم حطّ من أوزارهم برحمتك ويقول بيده هكذا؛ اللهم من كان صلاحه لأمّة محمد، وأهلك من كان هلاكه صلاحاً لأمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مالك: أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز فقالوا: إن أبانا توفي وترك مالاً عند عمنّا حميد الأمجيّ. قال: فأحضره عمر بن عبد العزيز. قال: فلّما دخل عليه قال: أنت حميد؟ قال: فقال: نعم. قال: فقال: أنت القائل: من المتقارب حميد الذي أمج داره ... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع أتاه المشيب على شربها ... فكان كريماً فلم ينزع قال: نعم. قال عمر بن عبد العزيز: ما أراني إلاّ سوف أحدّك. قال، ولم؟ قال: لأنك أقررت بشرب الخمر، وزعمت أنك لم تنزع عنها. قال: أيهات، أين يذهب بك؟ ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول: " والشّعراء يتّبعهم الغاوون ألم تر أنّهم في كلّ واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون "؟ قال: فقال عمر: أولى لك يا حميد، ماأراك إلاّ وقد أفلتّ، ويحك يا حميد كان أبوك رجلاً صالحاً وأنت رجل سوء! قال: أصلحك الله، وأيّنا يشبه أباه؟ كان أبوك رجل سوء وأنت رجل صالح.

قال: إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالاً عندك. قال: صدقوا. قال: فأحضره بخاتم أبيهم. قال: قال: إن أبا هؤلاء توفي مذ كذا وكذا وإني كنت أنفق عليهم من مالي، وهذا مالهم. فقال عمر: ماأجد أحداً أحقّ أيكون عنده منك. قال: فقال: أيعود إليّ وقد خرج منّي؟ قال أنس بن مالك: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة. عن العبّاس بن أبي راشد، عن أبيه، قال: نزل بنا عمر بن عبد العزيز، فلمّا رحل قال لي مولاي: اركب معي نشيّعه. قال: فركبت فمررنا بواد فإذا نحن بحيّة ميتة مطروحة على الطريق، فنزل عمر فنحّاها وواراها ثم ركب، فبينما نحن نسير إذا هاتف يهتف وهو يقول: يا خرقاء يا خرقاء. قال: فالتفتنا يميناً وشمالاً فلم نر أحداً. فقال له عمر: أسألك بالله أيّها الهاتف إن كنت مّمن تظهر إلاّ ظهرت، وإن كنت مّمن لا تظهر أخبرنا من الخرقاء؟ قال: الحيّة التي دفنتم في مكان كذا وكذا فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لها يوماً: " يا خرقاء تموتين بفلاة من الأرض يدفنك خير مؤمن من أهل الأرض يومئذ ". فقال له عمر: ومن أنت يرحمك الله؟ قال: أنا من التّسعة أو السّبعة شكّ التّرقفيّ الذين بايعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا المكان، أو قال: في هذا الوادي شكّ التّرقفيّ فقال له عمر: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: آلله، إني أنا سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدمعت عينا عمر، وانصرفنا. قال سفيان: سألت عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حين قدم علينا: كم أتى على عمر؟ قال: مات ولم يتّم أربعين سنةً؛ وذكر شيئاً من فضله.

قال: وقال مجاهد: أتيناه نعلّمه فما برحنا حتى تعلّمنا منه. وقال ميمون بن مهران: كانت العلماء عند عمر تلامذة. عن عبد الله بن كثير، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: ما كان بدو إنابتك؟ قال: أردت ضرب غلام لي فقال لي: يا عمر اذكر ليلةً صبيحتها يوم القيامة. وعن مالك: أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال: يا مزاحم، أتخشى أن نكون ممّن نفت المدينة؟ قال عبد العزيز بن يزيد الأيليّ: حجّ سليمان بن عبد الملك ومعه عمر بن عبد العزيز، فأصابهم ليلةً برقّ ورعد فكادت تنخلع أفئدتهم؛ فقال سليمان: يا أبا حفص، هل رأيت مثل هذه اللّيلة قطّ وسمعت بها؟ قال: يا أمير المؤمنين، هذا صوت رحمة الله، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله! قال عبد الرّحمن بن حسّان الكنانيّ: لمّا مرض سليمان بن عبد الملك المرض الذي توفي فيه، وكان مرضه بدابق، ومعه رجاء بن حيوة؛ فقال لرجاء بن حيوة: يا رجاء من لهذا الأمر من بعدي؟ أستخلف ابني؟ قال: ابنك غائب. قال: فالآخر؟ قال: ذاك صغير. قال: فمن ترى؟ قال: أرى أن تستخلف عمر بن عبد العزيز. قال: أتخوّف من بني عبد الملك ألاّ يرضوا. قال: فول عمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك، وتكتب كتاباً وتختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً عليها. قال: لقد رأيت، ائتني بقرطاس.

قال: فدعا بقرطاس فكتب فيه العهد لعمر بن عبد العزيز ومن بعده يزيد بن عبد الملك، ثم ختمه، ثم دفعه إلى رجاء، قال: اخرج إلى النّاس فمرهم فليبايعوا على ما في هذا الكتاب مختوماً. قال: فخرج إليهم رجاء فجمعهم، وقال: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب من بعده. قالوا: ومن فيه؟ قال: مختوم، لا تخبرون بمن فيه حتى يموت. قالوا: لا نبايع حتى نعلم من فيه. قال: فرجع رجاء إلى سليمان؛ انطلق إلى أصحاب الشّرط والحرس، وناد: الصّلاة جامعةً، ومر النّاس فليجتمعوا، ومرهم بالبيعة على ما في هذا الكتاب، فمن أبى أن يبايع منهم فاضرب عنقه. قال: ففعل، فبايعوا على ما فيه. قال رجاء: فلمّا خرجوا خرجت إلى منزلي، فبينا أنا أسير في الطريق إذ سمعت جلبة موكب، فالتفتّ فإذا هشام، فقال لي: يا رجاء، قد علمت موقعك منّا، وإن أمير المؤمنين قد صنع شيئاً لا أدري ما هو، وأنا أتخّوف أن يكون قد أزالها عنّي، فإن يكن عدلها عنّي فأعلمني ما دام في الأمر نفس، حتى أنظر في هذا الأمر قبل أن يموت. قال: قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه! لا يكون ذاك أبداً؛ فأدارني وألاصني، فأبيت عليه. قال: فانصرف. فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبةً خلفي فإذا عمر بن عبد العزيز، فقال لي: يا رجاء، إنه قد وقع في نفسي أمر كثير من هذا الرّجل، أتخوّف أن يكون قد جعلها إليّ، ولست أقوم بهذا الشّأن، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلّي أتخلّص منه ما دام حيّاً. قلت: سبحان الله، يستكتمني أمير المؤمنين أمراً أطلعك عليه! ؛ فأدارني وألاصني، فأبيت عليه.

قال رجاء: وثقل سليمان، وحجب النّاس عنه حتى مات؛ فلمّا مات أجلسته وأسندته وهيّأته، وخرجت إلى النّاس، فقالوا: كيف أصبح أمير المؤمنين؟ فقلت: إن أمير المؤمنين أصبح ساكناً؛ وقد أحبّ أن تسلّموا عليه، وتبايعوا على ما في هذا الكتاب، والكتاب بين يديه. قال: فأذنت للنّاس فدخلوا وأنا قائم عنده؛ فلمّا دنوا قلت: إن أميركم يأمركم بالوقوف؛ ثم أخذت الكتاب من عنده ثم تقدّمت إليهم فقلت: إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب. قال: فبايعوا، وبسطوا أيديهم؛ فلمّا بايعتهم على ما فيه أجمعين وفرغت من بيعتهم قلت لهم: آجركم الله في أمير المؤمنين. قالوا: فمن؟ فافتتح الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز، فلمّا نظرت بنو عبد الملك تغيّرت وجوههم، فلمّا قرؤوا من بعده يزيد بن عبد الملك كأنهم تراجعوا؛ فقالوا: أين عمر بن عبد العزيز؟ فطلبوه فلم يوجد في القوم. قال: فنظروا فإذا هو في مؤخر المسجد. قال: فأتوه، فسلّموا عليه بالخلافة، فعقر فلم يستطع النّهوض حتى أخذوا بضبعيه، فرقوا به المنبر، فلم يقدر على الصّعود حتى أصعدوه، فجلس طويلاً لايتكلّم، فلمّا رآهم رجاء جلوساً قال: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه؟ قال: فنهض القوم إليه فبايعوه رجلاً رجلاً. قال: فمدّ يده إليهم. قال: فصعد إليه هشام فلمّا مدّ يده إليه قال هشام: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " فقال عمر: نعم " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " حين صار يلي هذا الأمر أنا وأنت. قال: ثم قام عمر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيّها النّاس إنّي لست بقاض ولكنّي منفّذ، ولست بمبتدع ولكنّي متّبع، وإن حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوال. ثم نزل يمشي؛ فأتاه صاحب

المراكب، فقال: ما هذا؟ قال: مركب للخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، إيتوني بدابتّي. فأتوه بدابّته فركبها ثم خرج يسير، وخرجوا معه، فمالوا إلى طريق؛ قال: إلى أين؟ قالوا: إلى البيت الذي يهيّأ للخليفة. قال: لا حاجة لي فيه، انطلقوا بي إلى منزلي. قال رجاء: فأتى منزله، فنزل عن دابّته ثم دعا بداوة وقرطاس، وجعل يكتب بيده إلى العّمال في الأمصار، ويملّ على نفسه. قال رجاء: فلقد كنت أظنّ سيضعف، فلّما رأيت صنيعه في الكتاب علمت أنه سيقوى بهذا ونحوه. عن حماد العدويّ، قال: سمعت صوتاً عند وفاة سليمان بن عبد الملك، يقول: من الكامل اليوم حلّت واستقرّ قرارها ... على عمر المهديّ قام عمودها وعن محمد بن الضّحاك بن عثمان، عن أبيه، قال: لمّا انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان صفّوا له مراكب سليمان، فقال: من الطويل فلولا التّقى ثم النّهى خشية الرّدى ... لعاصيت في حبّ الصّبا كلّ زاجر قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى ... له صبوة أخرى اللّيالي الغوابر ثم قال: ما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله؛ قوموا إلى بغلتي. وعن سليمان بن داود الخولاني؛ أن رجلاً بايع عمر بن عبد العزيز، فمدّ يده إليه، ثم قال: بايعني بلا عهد ولا ميثاق؛ تطيعني ما أطعت الله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليك. فبايعه.

وعن عمر بن ذرّ، قال: قال مولى لعمر بن عبد العزيز له حين رجع من جنازة سليمان: ما لي أراك مغتّماً؟ فقال عمر: لمثل ما أنا فيه يغتّم؛ ليس أحد من أمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شرق ولا غرب إلاّ وأنا أريد أن أودّي إليه حقّه غير كاتب ولا طالبه منّي. وعن إبراهيم بن هشام بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز فسمعنا بكاء في داره، فسألنا عنه، فقالوا: خيّر أمير المؤمنين امرأته بين أن تقوم في منزلها على حالها وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النّساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها؛ فبكت فبكى جواريها لبكاءها. وحدّث بعض خاصّة عمر بن عبد العزيز بن مروان: أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاءً عالياً؛ فسئل عن البكاء، فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خيّر جواريه، فقال: إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكنّ، فمن أحبّ أن أعتقه عتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته، أم يكن منّي إليها شيء؛ فبكين إياساً منه. وعن مسعود بن بشر: أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة: تفرّغ لنا. فقال: قد جاء شغل شاغل، وعدلت عن طرق السّلامة، ذهب الفراغ فلا فراغ لنا إلى يوم القيامة. وعن سلام بن سليم، قال: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فكان أول خطبة خطبها؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلاّ فلا يقربنا؛ يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدّلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغتابنّ عندنا الرّعيّة، ولا يعترض فيما لا يعنيه. فانقشع عنه الشّعراء والخطباء، وثبت الفقهاء والزّهاد؛ وقالوا: ما يسعنا أن نفارق هذا الرّجل حتى يخالف فعله قوله.

قال سفيان بن عيينة: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعث إلى محمد بن كعب، وإلى رجاء بن حيوة، وإلى سالم بن عبد الله. قال: فحضروا؛ فقال لهم: قد ترون ما قد ابتليت به وما قد نزل بي، فما عندكم؟ فقال محمد بن كعب: يا أمير المؤمنين، اجعل النّاس أصنافاً ثلاثةً؛ اجعل الشّيخ أباً، والنّصف أخاً، والشّاب ولداً؛ فبّر أباك، وصل أخاك، وتعطّف على ولدك. وقال رجاء بن حيوة: ما تقول يا رجاء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ارض للنّاس ما ترضى لنفسك، وما كرهت أن يؤتى إليك فلا تأته إليهم، واعلم أنك لست أوّل خليفة يموت. وقال لسالم بن عبد الله: ما عندك يا سالم؟ قال: يا أمير المؤمنين، اجعل الأمر يوماً واحداً صرفته عن شهوات الدّنيا، آخر نظرك فيه الموت، فكأن قد. فقال عمر: لا حول ولاّ قوة إلاّ بالله. عن مغيرة، قال: كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم فيما يرفع إليه كم أمور النّاس، وكان علامة ما بينه وبينهم إذا أحبّ أن يقوموا قال: إذا شئتم. قال حنبل: رأيت أبا عبد الله أحمد فعل ذلك إذا أراد القيام قال: إذا شئتم. وعن السّريّ بن يحيى: أن عمر بن عبد العزيز حمد الله، ثم خنقته العبرة، ثم قال: أيّها النّاس؛ أصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم، وأصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم؛ والله إن عبداً ليس بينه وبين آدم أب إلاّ قد مات إنه لمعرق له في الموت. وعن عبد الله بن شوذب، قال: خطب عمر بن عبد العزيز، فقال: كم من عامر موثق عمّا قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرّحلة بأحسن ما يحضركم من النّقلة؛ بينا ابن آدم في الدّنيا ينافس فيها قرير العين قانعاً، إذ دعاه الله بقدره ورماه

بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصيّر لقوم آخرين مصانعه ومعناه، إن الدّنيا لاتسرّ بقدر ما تضرّ، تسرّ قليلاً وتحزن كثيراً. حدّث ابن لسعيد بن العاص، قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس؛ أما بعد؛ فإنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدىً، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم؛ فخاب وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنّة عرضها السّموات والأرض؛ ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلاّ من حذر اليوم وخافه، وباع نافذاً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان؛ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين، كذلك حتى يردّ إلى خير الوارثين؛ ثم إنكم في كلّ يوم تشيّعون غادياً ورائحاً إلى الله عزّ وجلّ، قد قضى نحبه حتى تغيبّوه في صدع من الأرض، في بطن صدع، غير موسّد ولا ممهّد، قد فارق الأحباب وباشر التّراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، غنيّ عمّا ترك، فقير إلى ما قدّم؛ فاتّقوا الله قبل انقضاء مراقبته ونزول الموت بكم؛ أما إني لأقول هذا وما أعلم أن عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا عندي، فأستغفر ال ثم رفع طرف رداءه على وجهه فبكى وأبكى من حوله. قال سفيان الثّوريّ: لمّا قام عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الشّام بكلمتين؛ من علم أن كلامه من عمله أقلّ منه إلاّ فيما ينفعه، ومن أكثر ذكر الموت اجتزأ من الدّنيا باليسير، والسّلام. قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النّوم، فقال لي: ادن يا عمر ثم قال لي: ادن يا عمر ثم قال لي ادن يا عمر حتى كدت أن أصيبه، ثم قال لي: يا عمر، إذا وليت فاعمل في ولايتك نحواً من عمل هذين وإذا كهلان قد اكتنفاه، قلت: من هذان؟ قال: هذا أبو بكر وهذا عمر.

عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: كان نقش خاتم أبي عمر بن عبد العزيز " لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له ". قال حمّاد: لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز بكى، فقال: يا أبا فلان، هل تخشى عليّ؟ فقال: كيف حبّك للدّرهم؟ قال: لا أحبّه. قال: لا تخف، فإن الله عزّ وجلّ سيعينك. عن الوليد بن يسار الخزاعيّ، قال: لمّا استخلف عمر بن عبد العزيز قال للحاجب: أدن منّي قريشاً ووجوه النّاس؛ ثم قال لهم: إن فدك كانت بيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يضعها حيث أراه الله، ثم وليها أبو بكر ففعل مثل ذلك، ثم وليها عمر ففعل مثل ذلك قال الأصمعي: وخفي عليّ ما قال في عثمان ثم إن مروان أقطعها فوهبها لمن لا يرثه من بني بنيه، فكنت أحدهم، ثم ولي الوليد فوهب لي نصيبه، ثم ولي سليمان فوهب لي نصيبه، ثم لم يكن من مالي شيء أردّ عليّ منها؛ ألا وإني قد رددتها موضعها. قال: فانقطعت ظهور النّاس، ويئسوا من المظالم. عن عبد الله بن المبارك، قال: قال عمر بن عبد العزيز لمزاحم وكان مزاحم مولاه، وكان فاضلاً قال: إن هؤلاء القوم يعني أهله أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذه، ولا لهم أن يعطوني، وإني قد هممت بردّها على أربابها. قال: فقال مزاحم: فكيف تصنع بولدك؟ قال: فجرت دموعه على وجنتيه، قال: فجعل يمسحها بأصبعه الوسطى، ويقول: أكلهم إلى الله. قال عبد الله: لتعرف أنه قد كان يجد بولده ما يجد القوم بأولادهم. قال عبد الله: وكأن مزاحم مع فضله لم يقنع بقوله، فخرج مزاحم فدخل على

عبد الملك بن عمر، فقال: إن أمير المؤمنين قد همّ بأمر لهو أضرّ عليك وعل ولد أبيك من كذا وكذا، إنه قد همّ بردّ السّهلة. قال عبد الله: وهي باليمامة، وهي أمرّ عظيمّ. قال وكان عيش ولده منها. قال عبد الملك: فماذا قلت له؟ قال كذا وكذا. قال: بئس لعمر الله وزير الخليفة أنت. قال: ثم قام ليدخل على عمر، وقد تبوّأ مقيله. قال: فاستأذن. قال: فقال له البوّاب: إنه قد تبوّأ مقيلة. قال: ما منه بدّ. قال: سبحان الله، ألا ترحموه، إنما هي ساعته. قال: فسمع عمر صوته، فقال: أعبد الملك؟ قال: نعم ادخل. قال: فدخل. قال: ما جاء بك؟ قال: إن مزاحماً أخبرني بكذا وكذا. قال: فما رأيك؟ فإني أريد أن أقوم به العشّية. قال: أرى أن تعجّله فما يؤمنك أن يحدث بك حدث، أو يحدث بقلبك حدث؟ قال: فرفع يديه فقال: الحمد لله الذي جعل من ذرّيّتي من يعينني على ديني. قال: ثم قام من ساعته، فجمع النّاس، وأمر بردّها. حدّث اللّيث، قال: فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز بدأ بلحمته وأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم وسمّى أموالهم مظالم، ففزعت بنو أميّة إلى فاطمة بنت مروان عمّته، فأرسلت إليه: إنه قد عنّاني أمر لا بدّ من لقائك فيه؛ فأتته ليلاً؛ فأنزلها عن دابّتها. فلمّا أخذت مجلسها قال: يا عمّة، أنت أولى بالكلام فتكلّمي لأن الحاجة لك. قالت: تكلّم يا أمير المؤمنين. قال: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمةّ ولم يبعثه عذاباً إلى النّاس كافّةً، ثم اختار له ما عنده فقبضه الله وترك لهم نهراً شربهم سواء، ثم قام أبو بكر فترك النّهر على حاله، ثم ولي عمر فعمل علي أمر صاحبه، ثم لم يزل النّهر يشتقّ منه يزيد ومروان وعبد الملك وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ، وقد يبس النّهر الأعظم، ولن يروي أصحاب النّهر الأعظم حتى يعود النّهر

إلى ما كان عليه. فقالت: حسبك، قد أردت كلامك ومذاكرتك، فأمّا إذا كانت مقالتك هذه فلست بذاكرة لك شيئاً أبداً؛ فرجعت إليهم فأبلغتهم كلامه. عن ميمون بن مهران، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز قال: لو أقمت فيكم خمسين عاماً ما استكملت العدل، وإني لأريد الأمر من أمر العامّة أن أعمل به فأخاف أن لا تحمله قلوبهم فأخرج معه طمعاً من طمع الدّنيا، فإن أنكرت قلوبهم هذا سكنت لهذا. قيل لطاوس: أخبرنا عن عمر بن عبد العزيز أهو المهديّ؟ قال: إنه لمهديّ وليس به، إذا كان المهديّ تيب على المسيء من إساءته، وزيد المحسن في إحسانه، سمح بالمال، شديد على العمّال، رحيم بالمساكين. قال عبّاد السمّاك: سمعت سفيان يقول: أئمة العدل خمسة، أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وعمر بن عبد العزيز. وعن سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، قال: والله لكأنّ عمر بن عبد العزيز كان صعد إلى السّماء فنظر ثم نزل إلى الأرض. قال طلحة أبو محمد: سمعت أشياخنا يذكرون، قالوا: واستخلف عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين، ومات سنة إحدى ومئة، وكان يكتب إلى عمّاله بثلاث خصال يدور فيهم؛ بإحياء سنّة أو إطفاء بدعة، أو قسم في مسكنة، أو ردّ مظلمة؛ وكان يكتب إليهم: إنّما هلك من كان قبلكم من الولاة أنهم كانوا يحبسون الخير حتى يشترى منهم، ويبذلون الشّرّ حتى يفتدى منهم. عن عمر بن أسيد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، قال: إنّما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفاً، ثلاثين شهراً، لا والله ما مات عمر حتى

جعل الرّجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون للفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله؛ قد أغنى عمر بن عبد العزيز النّاس. حدّث إبراهيم بن هشام بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال: كانت فاطمة بنت عبد الملك جارية تعجب عمر، فلمّا صار إلى ما صار إليه زيّنتها فاطمة وطيّبتها، وبعثت بها إلى عمر، وقالت: إني قد كنت أعلم أنها تعجبك، وقد وهبتها لك فتنال منها حاجتك؛ فلمّا دخلت عليه قال لها عمر: اجلسي يا جارية، فوالله ما شيء من الدّنيا كان أعجب إليّ منك أن أناله، حدّثيني بقصّتك، وما سببك؟ قالت: كنت جاريةً من البربر جنى أبي جناية فهرب من موسى بن نصير عامل عبد الملك على إفريقية، فأخذني موسى بن نصير، فبعثني إلى عبد الملك، فوهبني عبد الملك لفاطمة، فبعثت بي فاطمة إليك. فقال: كدنا والله نفتضح. فجهّزها وبعث بها إلى أهلها. عن عطاء، قال: دخلت على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، فقلت لها: يا بنت عبد الملك، أخبريني عن أمير المؤمنين. قالت: أفعل، ولو كان حيّاً ما فعلت. إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للنّاس، كان يقعد لهم يومه، فإن أمسى وعليه بقيّة من حوائج يومه وصله بليلته، إلى أن أمسى مساءً وقد فرغ من حوائج يومه، فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله، ثم قام فصلّى ركعتين، ثم أقعى واضعاً رأسه على يده تسايل دموعه على خدّه، يشهق الشّهقة فأقول: قد خرجت نفسه، أو تصدّعت كبده؛ فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصّبح، ثم أصبح صائماً. قالت: فدنوت منه فقلت: يا أمير المؤمنين، لشيء ما كان قبل اللّيلة مل كان منك؟ قال: أجل، فدعيني وشأني، وعليك بشأنك.

قالت: قلت له: إني أرجو أن أتّعظ. قال: إذن أخبرك. قال: إني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت هذه الأمّة صغيرها وكبيرها، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضّائع، والفقير المحتاج، والأسير المفقود، وأشباههم، في أقاصي البلاد وأطراف الأرض فعلمت أن الله سائلي عنهم، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجيجي فيهم، فخفت أن لا يثبت لي عند الله عذر ولا يقوم لي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّة، فخفت على نفسي خوفاً دمع له عيني، ووجل له قلبي؛ فأنا كلّما ازددت لهذا ذكراً ازددت منه وجلاً، وقد أخبرتك فاتّعظي الآن أو دعي. عن سليمان بن داود؛ أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه: أتحبّون أن أولّي كلّ رجل منكم جنداً، فينطلق تصلصل به جلاجل البريد؟ فقال له ابنه ابن الحارثيّة: لم تعرض علينا ما لست صانعه؟ فقال عمر: إني لأعلم أن بساطي هذا يصير إلى البلى، وإني لأكره أن تدنّسوه بخفافكم، فكيف أقلّدكم ديني تدنّسوه في كلّ جند؟! حدّث مالك: أن عمر بن عبد العزيز قام في النّاس وهو خليفة على المنبر يوم الجمعة، فقال: يا أيّها النّاس، إني أنساكم ها هنا وأذكركم في بلادكم، فمن أصابه مظلمة من عامله فلا آذن له عليّ، ومن لا فلا أرينّه؛ وإني والله لئن منعت نفسي وأهل بيتي هذا المال وضننت به عنكم إني إذاً لضنين؛ ولولا أن أنعش سنّةً أو أعمل بحقّ ما أحببت أن أعيش فواقاً. قال ابن عائشة: كتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه: أمّا بعد؛ فإن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالاً نرمّها به. فوقّع في كتابه: أمّا بعد؛ فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظّلم، فإنه مرمّتها، والسّلام.

عن ضمرة، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله: أمّا بعد؛ فإذا دعتك قدرتك على النّاس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك. عن الأوزاعيّ، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالةً لم يحفظها غيري وغير مكحول: أمّا بعد؛ فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير، ومن عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه. والسّلام. وعنه: أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أراد أن يعاقب رجلاً حبسه لثلاثة أيّام ثم عاقبه، كراهية أن يعجل في أول غضبه. وأسمعه رجل كلاماً، فقال له: أردت أن يستفزّني الشّيطان فأنال منك اليوم بما تناله أنت مني يوم القيامة! انصرف عنّي، عافاك الله ورحمك. قال مالك بن دينار: يقولون: مالك زاهد؛ أيّ زهد عند مالك وله جبّة وكساء؟! إنّما الزّاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدّنيا فاغرة فاها فتركها. عن مسلمة بن عبد الملك، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه، فإذا عليه قميص وسخ؛ فقلت لامرأته فاطمة: اغسلوا قميص أمير المؤمنين. فقالت: نفعل ذاك إن شاء الله. ثم عدت فإذا القميص على حاله! فقلت: يا فاطمة، ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين؟ فقالت: والله، ما له قميص غيره!! عن عمرو بن مهاجر، قال: كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين.

عن رجل من الأنصار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق: أن أخرج للنّاس أعطيتاهم. فكتب إليه عبد الحميد: إني قد أخرجت للنّاس أعطيتاهم وقد بقي في بيت المال مال. قال: فكتب إليه: انظر كلّ من أدان من غير سفه ولا سرف فاقض عنه. فكتب إليه: إني قد قضيت عنهم وبقي في بيت مال المسلمين مال. قال: فكتب إليه: أن انظر كلّ بكر ليس له مال، فشاء أن تزوّجه فزوّجه واصدق عنه. فكتب إليه: إني قد زوّجت كلّ من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية، فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنّا لا نريدهم لعام ولا لعامين. عن عمرو بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز كان يسرج عليه الشّمعة ما كان في حوائج المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأهم ثم أسرج عليه سراجه. وعن رباح بن عبيدة، قال: أخرج مسك من الخزائن، فوضع بين يدي عمر بن عبد العزيز، فأمسك أنفه مخافة أن يجد ريحه. قال: فقال له: رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما ضرّك إن وجدت ريحه؟ قال: وهل ينتفع من هذا إلا بريحه؟ قال الحكم بن عمر الرّعينيّ: شهدت عمر بن عبد العزيز، وجاءه صاحب الرّقيق فسأل أرزاقهم وكسوتهم وما يصلهم، فقال عمر: كم هم؟ قال: هم كذا وكذا ألفاً. فكتب إلى أمصار الشّام: أن ارفعوا إليّ كلّ أعمى في الدّيوان أو مقعد أو من به

الفالج أو من به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصّلاة. فرفعوا إليه؛ فأمر لكل أعمى بقائد، وأمر لكل اثنين من الزّمنى بخادم. قال: وفضل من الرّقيق، فكتب: أن ارفعوا إليّ كلّ يتيم ومن لا أحد له ممّن قد جرى على والده الدّيون. فأمر لكل خمسة بخادم يتوزّعونه بينهم بالسّويّة. وكتب أن يفرّقوهم جنداً جنداً. قال إسماعيل بن أبي حكيم: كان عمر بن عبد العزيز لا يدع النّظرة في المصحف كلّ يوم ولكن لا يكثر. عن الحكم بن عمر، قال: شهدت عمر يقول لحرّاسه: إن بي عنكم لغنى؛ كفى بالقدر حاجزاً، وبالأجل حارساً، ولا أطرحكم من مراتبكم ليجري لكم سنّةً بعدي، من أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء فليلحق بأهله. قال: كان لعمر بن عبد العزيز ثلاثمئة شرطيّ وثلاثمئة حرسيّ. عن عمرو بن مهاجر، قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفّاحاً، فقال: لو كان عندنا شيء من تفّاح؛ فإنه طيّب الرّيح، طيّب الطّعم. فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفّاحاً؛ فلّما جاء به الرّسول قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه؛ ارفعه يا غلام، وأقر فلاناً السّلام، وقل له: إن هدّيتك قد وقعت عندنا بحيث تحبّ. قال عمرو بن مهاجر: فقلت: يا أمير المؤمنين، ابن عمّك ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل الهدّية ولا يأكل الصدّقة. فقال: ويحك، إن الهدّية كانت للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديةً وهي اليوم لنا رشوة: عن ضمرة، قال: قال عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين بن عليّ بن أبي طالب: لا تقف على بابي ساعةً واحدةً إلاّ ساعةً تعلم أني جالس فيؤذن لك عليّ من ساعتك، فإني أستحي من الله أن يقف على بابي رجل من أهل بيت النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يؤذن له عليّ من ساعته.

حدّث جسر القصّاب، قال: كنت أجلب الغنم في خلافة عمر بن عبد العزيز، فمررت براع وفي غنمه نحوّ من ثلاثين ذ ئبا، فحسبتها كلاباً، ولم أكن رأيت ذئاب قبل ذ لك، فقلت: يا راعي، ما ترجو بهذه الكلاب كلّها، فقال: يا بنيّ إنّها ليست كلاباً، إنّما هذه ذئاب! فقلت: سبحان الله، ذئب في غنم لا يضرّها! فقال: يابنيّ إذا صلح الرّأس فليس على الجسد بأس. وكان ذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز. وعن موسى بن أعين الرّاعي وكان يرعى الغنم لمحمد بن أبي عيينة: قال: كانت الغنم والأسد والوحش ترعى في خلافة عمر بن عبد العزيز في موضع واحد، فعرض لشاة منها ذئب. قال: فقلت: إناّ لله، ما أرى الرّجل الصّالح إلاّ وقد هلك. قال: فحسبنا فوجدناه قد هلك في تلك اللّيلة. رواه غيره عن حمّاد، فقال: كنّا نرعى الشاء بكرمان. عن ميمون بن مهران: أن عمر بن عبد العزيز أتي بسلق وأقراص، فأكل ثم أضطجع على فراشه وغطّى وجهه بطرف ردائه وجعل يبكي ويقول: عبد بطيء بطين، يتباطأ ويتمنّى على الله منازل الصّالحين وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: قال لي رجاء بن حيوة: ما أكمل مروءة أبيك؛ سمرت عنده ذات ليلة، فعشيّ السّراج، فقال لي: ما ترى، السّراج قد عشي؟ قلت: بلى قال: وإلى جانبه وصيف راقد قال: قلت: ألا أنبّهه؟ قال: لا، دعه يرقد، قال: قلت: ألا أقوم أنا؟ قال: لا، ليس من مروءة الرّجل استخدام ضيفه. قال: فوضع رداءه ثم قام إلى بطّة زيت

معلّقة، فأخذها فأصلح السّراج، ثم ردّها في موضعها، ثم رجع؛ قال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز. وعن ميمون بن مهران، قال: كنت في سمر عمر بن عبد العزيز ذات ليلة، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما بقاؤك على ما أرى، أنت بالنّهار مشغول في حوائج النّاس، وباللّيل أنت معنا ها هنا، ثم الله أعلم بما تخلو به؟ قال: فعدل عن جوابي، ثم قال: إليك عنّي يا ميمون، فإني وجدت لقى الرّجال تلقيح لألبابهم. وعنه، قال: كنت باللّيل في سمر عمر بن عبد العزيز، فوعظ، ففطن لرجل قد أخذ بدمعته. قال: فسكت. فقلت: يا أمير المؤمنين عد لمنطقك لعلّ الله ينفع بك من سمعه ومن بلغه. فقال: يا ميمون، إن للكلام فتنةً، وإن الفعال أولى بالمؤمن من القول. عن عليّ بن الحسن، قال: كان لعمر بن عبد العزيز صديق، فأخبر أنه قد مات، فجاء إلى أهله يعزّيهم، فصرخوا في وجهه! فقال لهم عمر: مه، إن صاحبكم هذا لم يكن يرزقكم، وإن الذي يرزقكم حيّ لا يموت؛ إن صاحبكم هذا لم يسّد شيئاً من حفركم وإنّما سدّ حفرة نفسه، لكلّ امرئ منكم حفرةً لا بدّ والله أن يسدّها؛ إن الله جلّ ثناؤه لّما خلق الدّنيا حكم عليها بالخراب وعلى أهلها بالفناء، وما امتلأت دار حبرةً إلاّ امتلأت عبرةً، ولا اجتمعوا إلاّ تفرّقوا حتى يكون الله هو الذي يرث الأرض ومن عليها؛ فمن كان منكم باكياً فليبك على نفسه، فإن الذي صار إليه صاحبكم كلّكم يصير إليه غداً. عن عبد الله بن المبارك: أن عمر بن عبد العزيز عزّي على ابنه عبد الملك، فقال: إن الموت أمر قد كنّا

وطّنّا أنفسنا عليه فلّما وقع لم نستنكره. وعن عبد الله بن نافع، قال: ماتت أخت لعمر بن عبد العزيز. قال: فشهدها النّاس، فانصرفوا معه إلى منزله؛ فلّما صار إلى بابه أخذ بحلقة الباب ثم قال: انصرفوا أيّها النّاس مأجورين، أدّى الله الحقّ عنكم؛ فإنا أهل بيت لا نعزّى في أحد من النّساء إلاّ في اثنتين: أمّ لواجب حقّها، وما فرض الله من برّها؛ وامرأة للطف موضعها، وأنه لا يحلّ محلّها أحد. قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه: يا أبا فلان، لقد أرقت اللّيلة مفكراً. قال: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال: في القبر وساكنه؛ إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتاً تجول فيه الهوام، ويجري فيه الصّديد، ويخترقه الدّيدان، مع تغيّر الرّيح وبلى الأكفان؛ بعد حسن الهيئة وطيب الرّيح ونقاء الثّوب. قال: ثم شهق شهقةً خرّ مغشياً عليه. عن المغيرة بن حكيم، قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: يا مغيرة، إنه يكون في النّاس من هو أكثر صلاةً وصياماً من عمر، وما رأيت أحداً قطّ أشدّ فرقاً من ربّه من عمر؛ كان إذا صلّى العشاء قعد في مسجده ثم رفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه، ثم ينتبه فلا يزال رافعاً يديه يبكي تغلبه عينه. عن وهيب بن الورد، قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز لّما توفي جاء الفقهاء إلى امرأته يعزّونها به، فقالوا لها: جئناك لنعزّيك بعمر، فقد عمّت مصيبته الأمة، فأخبرينا يرحمك الله عن عمر، كيف كانت حاله في بيته فإن أعلم النّاس بالرّجل أهله. فقالت: والله ما كان عمر بأكثركم صلاةً ولا صياماً، ولكني والله ما رأيت عبداً لله

قطّ كان أشدّ خوفاً من عمر؛ والله إن كان ليكون في المكان الذي إليه ينتهي سرور الرّجل بأهله بيني وبينه لحاف فيخطر على قلبه الشيء من أمر الله فينتفض كما ينتفض طائر وقع في الماء، ثم يرتفع بكاءه، حتى أقول: والله لتخرجنّ نفسه التي بين جنبيه؛ فأطرح اللّحاف عني وعنه رحمةً له وأنا أقول: يا ليتنا كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد المشرقين؛ فوالله ما رأينا سروراً منذ دخلنا فيها. قال عليّ بن زيد: ما رأيت رجلين كأن النّار لم تخلق إلاّ لهما مثل الحسن وعمر بن عبد العزيز. قال أبو حاتم: لمّا مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب إليه، فقال: به داء ليس له دواء؛ غلب الخوف على قلبه. قال المبّرد: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل: من البسيط فما تزوّد ممّا كان يجمعه ... سوى حنوط غداة البين في خرق وغير نفجة أعواد تشبّ له ... وقلّ ذلك من زاد لمنطلق بأيّ ما بلد كانت منيّته ... إلاّ يسر طائعاً في قصدها يسق قال عليّ بن الحسن: كان عمر بن عبد العزيز في جنازة، فنظر إلى قوم في الجنازة قد تلثّموا من الغبار وعدلوا من الشّمس إلى الظّلّ، فنظر في وجوههم وبكى، وقال: من البسيط من كان حين تصيب الشّمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا ويألف الظلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثاً في قعر مظلمة غبراء موحشة ... يطيل في قعرها تحت الثّرى لبثا وفي رواية: من أصحّ ما روي لعمر بن عبد العزيز من الشعر هذه الأبيات فذكر البيتين الأولين وقال:

في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة ... يطيل تحت الثّرى في عنقها اللّبثا تجهّزي بجهاز تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى، لم تخلقي عبثا أنشد حرميّ بن الهيثم لعمر بن عبد العزيز: من الطويل ولا خير في عيش امرئ لم يكن له ... مع الله في دار القرار نصيب فإن تعجب الدّنيا أناساً فإنّها ... متاع قليل والزّوال قريب قال ابن المبارك: كان عمر بن عبد العزيز يقول: من الطويل تسرّ بما يبلى وتفرح بالمنى ... كما اغترّ باللّذات في النّوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والرّدى لك لازم وسعيك فيما سوف تكره غبّه ... كذلك في الدّنيا تعيش البهائم وزاد في رواية: أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النّوم حيران هائم فلو كنت يقظان الغداة لخرّقت ... مدامع عينيك الدّموع السّواجم قال وهيب بن الورد العابد: كان عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات: من الطويل يرى مستكيناً وهو للهو ماقت ... به عن حديث القوم ما هو شاغله وأزعجه علم عن الجهل كلّه ... وما عالم شيئاً كمن هو جاهله عبوس عن الجهّال حين يراهم ... فليس له منهم خدين يهازله تذكّر ما يبقى من العيش آجلاً ... فأشغله عن عاجل العيش آجله أنشد أبو يزيد المؤدّب لعمر بن عبد العزيز: من الوافر وغرّة مرّة من فعل غرّ ... وغرّة مرّتين فعال موق

وحسن الظّنّ عجز في أمور ... وسوء الظّنّ يأمر بالوثيق إذا لم تتّق الضّحضاح زلّت ... ولا تأيس من الأمر السّحيق فإن القرب يبعد بعد قرب ... ويدنو البعد بالقدر المسوق قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه: من الكامل إني لأمنح من يواصلني ... منّي صفاء ليس بالمذق فإذا أخ لك حال عن خلق ... داويت منه ذاك بالرّفق والمرء يصنع نفسه ومتى ... ما تبله ينزع إلى العرق حدّث الزّبير بن بكار، عن عمّه، قال: أدركت النّاس بالمدينة وهم يعزون لحناً ينسبونه إلى عمر بن عبد العزيز، ويغنّون لحناً ينسبونه إليه: من الطويل كأن قد شهدت النّاس يوم تقسّمت ... خلائقهم فاخترت منهنّ أربعا إعارة سمع كلّ مغتاب صاحب ... وتأبى لعيب النّاس إلاّ تتبّعا وأعجب من هذين أنك تدّعي الس ... سلامة من عيب الخليقة أجمعا وأنك لو حاولت فعل إساءة ... وكوفيت إحساناً جحدتهما معا قال أرطاة: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جعلت على طعامك أميناً لا تغتال، وحرساً إذا صلّيت لا تغتال، وتنحّ عن الطّاعون. قال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوماً دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي. عن مجاهد، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا مجاهد، ما يقول النّاس فيّ؟ قلت: يقولون: مسحور. قال: ما أنا بمسحور؛ ثم دعا غلاماً له، فقال له: ويحك، ما حملك على أن

تسقيني السّمّ؟ قال: ألف دينار أعطيتها، وعلى أن أعتق. قال: ها تها. فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد. حدّث اللّيث بن سعد: أنه بلغه أن مسلمة بن عبد الملك لمّا رأى عمر بن عبد العزيز اشتدّ وجعه، وظنّ أنه ميّت، قال: يا أمير المؤمنين، إنك قد تركت بنيك عالةً لاشيء لهم، ولابدّ لهم ممّا لابدّ لهم منه، فلو أوصيت بهم إليّ وإلى ضربائي من قومك فكفوك مؤونتهم. فقال: أجلسوني؛ فأجلسوه؛ فقال: أمّا ما ذكرت من فاقة ولدي وحاجتهم، فوالله ما منعتهم حقاً هو لهم، وما كنت لأعطيهم حقّ غيرهم، وأمّا ما ذكرت من استخلافك ونظرائك عليهم لتكفوني مؤونتهم فإن خليفتي عليهم الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصّالحين؛ ادعهم لي. قال: فدعوتهم وهم اثنا عشر، فاغرورقت عيناه، فقال: بأبي فتيةً تركتهم عالةً، وإنّما هم أحد رجلين: إمّا رجل يتّقي الله ويراقبه فسيرزقه الله؛ وإمّا رجل وقع في غير ذلك فلست أحب أن أكون قوّيته على خلاف أمر الله؛ وقد تركتكم بخير لن تلقوا أحداً من المسلمين ولا أهل الذّمّة إلاّ سيرى لكم حقاً. انصرفوا، عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم. عن محمد بن قيس، صاحب عمر بن عبد العزيز، قال: اشتكى عمر بن عبد العزيز حضرة هلال رجب سنة إحدى ومئة، فكانت شكايته عشرين يوماً، فأرسل إلى نصرانيّ يساومه بموضع قبره: فقال له النّصرانيّ: والله يا أمير المؤمنين إني لأتبرّك بقربك وبجوارك، فقد حلّلتك. فأبى ذلك عليه إلاّ أن يبيعه. فباعه إيّاه بثلاثين ديناراً، ثم دعا بالدّنانير فوضعها في يده. حدّث المغيرة بن حكيم، قال: قالت لي فاطمة بنة عبد الملك: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول:

اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة من نهار. قالت: فقلت له يوماً: يا أمير المؤمنين، ألاّ أخرج عنك عسى أن تغفو شيئاً فإنك لم تنم. قالت: فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه. قالت: فجعلت أسمعه يقول: " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين " مراراً، ثم أطرق، فلبث طويلاً لا يسمع له حسّ. فقلت لوصيف له كان يخدمه: ويحك، انظر. فلمّا دخل صاح. قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه على القبلة، ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه. عن عبيدة بن حسّان، قال: لمّا احتضر عمر بن عبد العزيز قال: اخرجوا عنّي فلا يبقى عندي أحد. قال: وكان عنده مسلمة بن عبد الملك. قال: فخرجوا، فقعد على الباب هو وفاطمة. قال: فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه إنس ولا جان. قال: ثم قال: " تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين ". قال: ثم هدأ الصّوت، فقال مسلمة لفاطمة: قد قبض صاحبك. فدخلوا فوجدوه قد قبض وغمض وسوّي. عن رجاء بن حيوة، قال: قال لي عمر بن عبد العزيز في مرضه: كن في من يغسلني ويكفّنني ويدخل قبري، فإذا وضعتموني في لحدي فحلّ العقدة، ثن انظر إلى وجهي؛ فإني قد دفنت ثلاثةً من الخلفاء كلّهم إذا أنا وضعته في لحده حللت العقدة ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو مسواد في غير القبلة. قال رجاء: فكنت فيمن غسل عمر وكفنه ودخل في قبره، فلمّا حللت العقدة نظرت إلى وجهه فإذا وجهه كالقراطيس في القبلة.

عن عبد العزيز بن أبي سلمة؛ أن عمر بن عبد العزيز لّما وضع عند قبره هبّت ريح فاشتدت، ثم هبّت حتى سقط منها صحيفة من أحسن كتاب، فقرؤوها فإذا فيها: بسم الله الرّحمن الرحيم، براءة من الله عزّ وجلّ لعمر بن عبد العزيز من النّار. فأدخلوها بين أكفان عمر ودفنوها معه. عن هشام، قال: لّما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن: مات خير النّاس. قال ابن وهب: سمعت مالكاً يحدّث أن صالح بن عليّ حين قدم الشّام سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز، فلم يجد أحداً يخبره حتى دلّ على راهب، فأتى فسأل عنه، فقال: قبر الصّدّيق تريدون؟ هو في تلك المزرعة. قال جرير حين مات عمر بن عبد العزيز: من البسيط ينعى النّعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا حملت أمراً عظيماً فاضطلعت به ... وسرت فيه بأمر الله يا عمرا الشّمس كاسفة ليست بطالعة ... تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا قال إسماعيل بن علي الخطبيّ: خلافة أبي حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وأمّه أمّ عاصم بنة عاصم بن عمر بن الخطاب: واستخلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله بدابق يوم الجمعة لعشر ليل خلون من صفر سنة تسع وتسعين، وكان استخلافه بعهد من سليمان بن عبد الملك إليه قبل وفاته، في مرضه الذي مات فيه. وقال ابن إسحاق: وتوفي في ستة أيام بقيت من رجب سنة إحدى ومئة بدير سمعان من أرض حمص على رأس سنتين وخمسة أشهر وأربعة عشر يوماً من متوفّى سليمان.

عمر بن عبد الكريم بن حفص

عمر بن عبد الكريم بن حفص ابن عمر أبو بكر الفزاريّ الشّاهد روى عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بسنده إلى عمرو بن الأسود: أن معاذاً لمّا بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، قال: أوصني بكلمة أعيش بها، قال: لا تشرك بالله شيئاً. قال: زدني. قال: حسن الخلق. قال: زدني. قال: " إذا عملت عشر سيئات فاعمل حسنةً تحذرهنّ بها ". فقال: رجل من الأنصار: أو من الحسنات أن أقول: لا إله إلاّ الله؟ قال: نعم: أحسن الحسنات؛ إنها تكتب عشر حسنات، وتمحو عشر سيّئات. وعنه، بسنده إلى جابر بن عبد الله: أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شاب في الإسلام شيبةً كانت له حسنة، ومن شاب في الإسلام شيبةً كانت له نوراً يوم القيامة ". وعنه، بسنده إلى أبي هريرة؛ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لكلّ أمّة مجوس، وإن هؤلاء القدريّة مجوس أمتّي؛ فإن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا ولا تصلّوا عليهم. عمر بن عبد الكريم بن سعدويه أبو الفتيان، ويقال: أبو حفص، بن أبي الحسن الرّوّاسيّ الدّهستانيّ الحافظ جاب الآفاق، وسمع فأكثر، وكتب فأكثر؛ وقدم دمشق فسمع بها، وحدّث بدمشق وصور، ثم رجع إلى بلده، وحدّث بخراسان، واستقدمه أبو بكر محمد بن منصور السّمعاني

إلى مرو فأدركه أجله بسرخس قبل وصوله إلى مرو. روى عن محمد بن علي بن الحسن بن حمدون، بسنده إلى أبي هريرة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلمّا أتى عليه قال له الملك: فأين تريد؟ قال: أزور أخاً لي في هذه القرية. قال: فهل له عليك من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبّك كما أحببته. وعن أبي الحسن محمد بن المظفّر بن معاذ الدّاودي ببوشنج، بسنده إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: من لم يقرّ بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربّه يستتاب، فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه. قال ابن ماكولا: أبو الفتيان عمر بن أبي الحسن عبد الكريم بن ممّت الدّهستانيّ، ورد بغداد وكتب الكثير، وسافر إلى الشام، وكتبت عنه وكتب عني شيئاً صالحاً، ووجدته ذكيّاً يصلح إن تشاغل. قال عبد الغافر في تذييله تاريخ نيسابور: وأبو الفتيان رجل فاضل مشهور من أصحاب الحديث، عارف بالطّرق، كتب الكثير، وطاف في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، وجمع الأبواب وصنّف، ودخل نيسابور مراراً، وسمع الحديث، وكان سريع الكتابة، كثير التّحصيل، وكان على سيرة السّلف متقلّلاً معيلاً؛ وخرج من نيسابور إلى طوس، وأنزله الإمام أبو حامد الغزاليّ عنده

عمر بن عبد الملك بن مروان

وأكرمه، وقرأ عليه الصّحيح ثم شرحه، فخرج إلى سرخس قاصداً إلى مرو فتوفي بسرخس رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسمئة. عمر بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ استخلفه عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف، أمير دمشق للوليد بن يزيد، على إمرة دمشق ليالي خرج يزيد بن الوليد. عن علي بن أبي حملة وابن شوذب، قالا: كتب عمر بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز كتاباً يغلظ فيه له، فكتب إليه عمر: إن أظلم منّي وأجور من ولّى عبد ثقيف العراق فحكم في دمائهم وأموالهم؛ إن أظلم منّي وأجور وأترك لعهد الله من ولّى قرّة مصر جلفاً جافياً؛ إن أظلم منّي وأجور وأترك لعهد الله من ولّى عثمان بن حيّان الحجاز، ينشد الأشعار على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنّما أمّك كانت تختلف إلى حوانيت حمص فاشتراها دينار بن دينار فبعث بها إلى أبيك فحملت، فبئس الجنين وبئس المولود، ثم وضعتك جبّاراً شقياً؛ لقد هممت أن أبعث إليك من يحلق جمّتك، فبئس الجّمة. قال المصنّف: كذا في الأصل، وأظنّ الذي كتب إلى عمر بن عبد العزيز، عمر بن الوليد بن عبد الملك.

عمر بن عبد الواحد بن قيس

عمر بن عبد الواحد بن قيس أبو حفص السّلميّ قرأ القرآن بحرف ابن عامر. روى عن الأوزاعيّ، عن الزّهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: أقبلت بمئة دينار أريد صرفها، فلقيت عمر بن الخطّاب ومعه طلحة بن عبيد الله، فقال: ما هذه؟ فأخبرته. فقال: قد أخذتها إلى أن يأتي غلامي من الغابة. فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تعطيه صرفها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الذّهب بالورق رباً إلاّ هاء وهاء، والحنطة بالحنطة رباً إلاّ هاء وهاء، والشّعير بالشّعير رباً إلاّ هاء وهاء، والتّمر بالتّمر رباً إلاّ هاء وهاء ". وعن يحيى بن الحارث الذّماريّ، عن أبي الأشعث الصّنعانيّ، عن أوس بن أوس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من غسل واغتسل، ثم ابتكر وغدا، ثم دنا من الإمام، وأنصت ولم يلغ كان له بكلّ خطوة يخطوها كأجر سنة صيامها وقيامها. قال ابن سعد: وكان ثقة. قال عبد الرّحمن بن إبراهيم: صدقة بن خالد، وشعيب بن إسحاق، وعمر بن عبد الواحد، مولدهم سنة ثمان عشر ومئة.

عمر بن عبيد الله بن خراسان

قال مروان بن محمد: نظرنا في كتاب أصحاب الأوزاعيّ فما رأيت أحداً أصحّ حديثاً عن الأوزاعيّ من عمر بن عبد الواحد. قال العجليّ: دمشقيّ ثقة. قال ابن مصفّى: مات عمر بن عبد الواحد سنة مئتين وهو ابن نيّف وثمانين وقيل: إحدى وثمانين. عمر بن عبيد الله بن خراسان أبو حفص أظنّه أطرابلسيّاً. حدّث عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت البزّاز، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكلّ شيء حصاد، وحصاد أمّتي ما بين السّتين إلى السّبعين. عمر بن عبيد الله بن معمر ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو حفص القرشيّ التّيميّ أحد وجوه قريش وكرمائها؛ كان جواداً ممدّحاً؛ وولي فتوحاً كثيرة، وولي البصرة لعبد الله بن الزّبير.

قدم دمشق وافداً على عبد الملك بن مروان، ومات بها. حدّث عن موسى بن حكيم، قال: كتب ابن عامر إلى عثمان بن عفّان كتباً، فقدمت عليه وقد نزل به أولئك، فعمدت إلى الكتب فخيّطتها في ثيابي، ثم لبست لباس المرأة؛ فلم أزل حتى دخلت عليه، فجلست بين يديه، فجعلت أفتق ثيابي وهو ينظر، فدفعتها إليه، فقرأها، ثم أشرف على المسجد فإذا طلحة جالس في المسجد، فقال: يا طلحة. قال: يا لبيّك. قال: نشدتك بالله عزّ وجلّ، هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يشتري قطعة فيزيدها في المسجد وله بها كذا وكذا " فاشتريتها من مالي؟ فقال طلحة: اللهم نعم. فقال: أنتم فيه آمنون وأنا خائف!. ثم قال: يا طلحة. قال: لبيّك. قال: نشدتك بالله عزّ وجلّ هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يشتري رومة يعني بئراً فيجعلها للمسلمين فله بها كذا وكذا " فاشتريتها من مالي؟ قال طلحة: اللهم نعم. فقال: يا طلحة. قال لبّيك. قال نشدتك بالله، هل تعلمني أنفقت في جيش العسرة على مئة؟ قال طلحة: اللهم نعم. ثم قال طلحة: اللهم لا أعلم عثمان إلاّ مظلوماً. قال عون الأزديّ: كان عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً على فارس، فكتب إلى ابن عمر يسأله عن الصّلاة؛ فكتب إليه ابن عمر: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خرج من أهله صلّى ركعتين حتى يرجع إليهم. قال الزّبير بن بكار: وولد عبيد الله بن معمر بن عثمان، عمر بن عبيد الله الجواد الذي قتل أبا فديك، وكان يقاوم قطريّ بن الفجاءة، وكان يلي الولايات العظام، وشهد مع عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب فتوح كابل شاه، وهو صاحب الثّغرة بات يقاتل عنها حتى أصبح.

حدّث أبو الغرّاف، قال: لّما توجّه عمر بن عبيد الله إلى أبي فديك الشّاري امتدحه العجّاج فقال من الرجز قد جبر الدّين الإله فجبر ... وعوّر الرّحمن من ولّى العور يعني أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد. وذاك أنه توجّه إلى أبي فديك فهزمه، فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان، فقال عبد الملك لعمر: أرأيتك لو كان بين عينيّ وتد أكنت تنزعه؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين. قال: فهذا أبو فديك وتد بين عينيّ. فقال: أعفني يا أمير المؤمنين. فلّما أبى عليه قال: ارفع إلينا ما جرى على يديك من خراج فارس. فأقرّ له بالخروج، فتلقاّه العجّاج وهو متوجّه إلى أبي فديك، فأنشده، فلّما قال: هذا أوان الجدّ إذ جدّ عمر ... وصرّح ابن معمر لمن ذمر قال عمر: لا قوّة إلاّ بالله. فلّما قال العجّاج: لا قدح إن لم تور ناراً بهجر ... ذات سناً يوقدها من افتخر قال عمر: توكلت على الله، ولن أدع جهداً. فلّما قال: شهادة فيها طهور من طهر فكان عمر تطيّر من ذلك، ثم قال: ما شاء الله. عن ابن عائشة، عن أبيه، قال: كان لرجل من قيس عيلان جارية وكان بها معجباً ولها مكرماً، فأصابته حاجة وجهد، فقالت له: لو بعتني، فإن نلت طائلاً عدت به عليك. فعرض الرجل لعمر بن عبيد الله بن معمر التّيميّ القرشيّ ليبيعها إيّاه،

عمر بن عطاء بن وهب الرعيني

فأعجبته، فأخذها بمئة ألف درهم، فلّما نهضت لتدخل أنشأت تقول: من الطويل هنيئاً لك المال الذي قد أصبته ... ولم يبق في كفيّ إلاّ نفكّري أقول لنفسي وهي في كرب عيشة: ... أقلّي فقد بان الحبيب أم اكثري إذا لم يكن للأمر عندك حيلةً ... ولم تجدي بدّاً من الصّبر فاصبري فأجابها مولاها: ولولا قعود الدّهر بي عنك لم يكن ... يفرّقنا شيء سوى الموت فاعذرني أؤوب بحزن من فراقك موجع ... أنا جي به قلباً طويل التّفكّر عليك سلام لا زيادة بيننا ... ولا وصل إلاّ أن يشاء ابن معمر قال اين معمر: خذ بيدها، فهي لك وثمنها. مات سنة اثنتين وثمانين. عمر بن عطاء بن وهب الرّعينيّ حكى عن مروان بن محمد الطّاطري، قال: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: ما رأيت مؤذناً قطّ إلاّ معتوهاً، وقد كان لنا شيخ يؤذن على باب الفراديس، لا يؤذن المؤذنون حتى يؤذن هو لمعرفته بالوقت، فأذن المغرب في يوم غيم ثم انقشع يعني الغيم؛ ثم مرّ بسعيد بن عبد العزيز، فقال: كيف يا أبا محمد؟ قال: فقال لنا سعيد: هذا من ذاك.

عمر بن عكرمة بن أبي جهل

عمر بن عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّ أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد اليرموك في خلافة عمر، واستشهد به، وقيل: يوم أجنادين. عن عبادة وخالد، قالا: أتي خالد بعدما أصبحوا بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه، وبعمر بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجوههم ويقطّر في حلوقهم الماء، ويقول: كلاّ، زعم ابن الحنتمة أنّا لا نستشهد؟. وقالا: وكان ممّن أصيب في الثلاثة آلاف الذين أصيبوا يوم اليرموك عكرمة وعمر بن عكرمة، وذكروا جماعة. عمر بن عليّ بن أحمد أبو حفص الزّنجانيّ الفقيه قدم دمشق وسمع بها روى عن القاضي أبي جعفر أحمد بن محمد السّمناني، بسنده إلى أبي يوسف، قال: سمعت أبا حنيفة يقول: إذا كلّمت القدريّ فإنّما هو حرّ، فإمّا أن يسكت وإمّا أن

عمر بن علي بن الحسن

يكفر، تقول له: هل علم الله سبحانه في سابق علمه أن هذه الأشياء تكون على ما هي عليه أم لا؟ فإن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ قال: لا، فقد كفر، وإن قال: نعم، قيل له: أفأراد أن تكون على ما هي؟؟؟؟؟؟ عليه أو على خلاف ما هي عليه؟ فإن قال: أراد أن تكون على ما هي عليه؛ فقد أقرّ بأنه أراد من المؤمن الإيمان ومن الكافر الكفر؛ وإن قال: أراد أن تكون على خلاف ما هي عليه؛ فقد جعل ربّه متمنّيناً متحسّراً، لأن من أراد أن لا يكون فكان، أو أراد يكون فلم يكن فهو متمنّ متحسّراً؛ ومن وصف ربّه بذلك فقد كفر. قال ابن ما كولا: قرئ عليه بصور، وصنّف كتاباً سماه " المعتمد "، وذكر لنا الشريف يعني أبا حسن الهاشمي أنه يدّعى أكثر ممّا هو، وكان يخطئ في كثير ممّا يسأل عنه. توفي سنة تسع وخمسين وأربعمئة، في ليلة الثلاثاء، ودفن يوم جمادى الأولى. عمر بن عليّ بن الحسن ابن محمد بن إبراهيم بن عبيد بن زهير بن مطيع بن جرير بن عطيّة ابن جابر بن عوف بن دينار بن مرثد بن عمرو بن عمير بن عمران بن عتيك بن النّضر ابن الأزد بن نبت بن مالك بن كهلان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح أبو حفص العتكيّ الأنطاكيّ الخطيب صاحب كتاب " المقبول ". قدم دمشق طالب علم سنة اثنتي عشرة وثلاثمئة، وقدم أيضاً مستنفراً لأهل أنطاكية سنة سبع وخمسين وثلاثمئة، وحدّث بها وبحمص.

عمر بن علي بن سليمان

روى عن أبي الطهر الحسن بن أحمد بن فيل، بسنده إلى رمثة، قال: أتيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي، فرأى التي في ظهره فقال له: دعني أعالج هذه فإني طبيب. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت رفيق، والله الطّبيب؛ من هذا معك؟ " قال: ابني. قال: " أما لا يجني عليك ولا تجنى عليه ". قال سفيان: " كلّ نفس بما كسبت رهينة ". عمر بن عليّ بن سليمان أبو حفص الدّينوريّ روى عن محمد بن عبد العزيز، أبي جعفر الدّينوريّ، بسنده إلى بسرة بنت صفوان: أن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مسّ فرجه فليتوضأ ". عمر بن عليّ بن أبي طالب ابن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ الهاشميّ العلويّ يعدّ في أهل المدينة. ووفد على الوليد بن عبد الملك يسأله أن يوليّه صدقة أبيه عليّ. روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته يوم القيامة ". وعنه، قال: نزلت هذه الآية على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته " إنّما وليكم الله ورسوله "

فخرج فدخل المسجد والنّاس يصلّون بين راكع وقائم، إذا سائل؛ فقال: " يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ " قال: لا، إلاّ الرّاكع لعليّ عليه السّلام أعطاني خاتمه. وعن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الرّجل الفقيه، إن احتيج إليه انتفع به، وإن استغني عنه أغنى نفسه ". قال خليفة بن خيّاط: عمر بن أبي طالب، أمّه الصّهباء ببنت عبّاد، من بني تغلب، سباها خالد بن الوليد في الرّدّة؛ توفي سنة سبع وستين، قتل مع مصعب أيّام المختار. حدّث المصعب بن عبد الله، قال: كان عمر آخر عليّ بن أبي طالب، وقدم مع أبان بن عثمان على الوليد بن عبد الملك يسأله أن يولّيه صدقة أبيه عليّ بن أبي طالب وكان يليها يومئذ ابن أخيه الحسن بن الحسن بن عليّ فعرض عليه الوليد الصّلة وقضاء الدّين، فقال: لا حاجة لي في ذلك، إنّما جئت في صدقة أبي، أنا أولى بها، فاكتب لي ولايتها. فكتب له الوليد وقعةً فيها أبيات ربيع بن أبي الحقيق اليهوديّ النّضريّ: من السريع إنّا إذا مالت دواعي الهوى ... وأنصت السّامع للقائل واصطرع القوم بألبابهم ... نقضي بحكم عادل فاصل لا نجعل الباطل حقاً ولا ... نلطّ دون الحقّ بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا ... فنخمل الدّهر مع الخامل ثم دفع الرّقعة إلى أبان، وقال: ادفعها إليه وأعلمه أني لا أدخل على ولد فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرهم. فانصرف عمر غضبان، ولم يقبل منه صلةً. قال العجليّ: تابعي ثقةً.

عمر بن علي الحلواني

عمر بن عليّ الحلوانيّ حدّث بدمشق عن ابن المقرئ، قال: كنّا عند ابن عيينة، فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، ألستم تزعمون أن النبّيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ماء زمزم لما شرب له "؟ قال: نعم. قال: فإني قد شربته لتحدّثني بمئتي حديث!. قال: اقعد؛ فحدّثه بها. قال: وسمعت ابن عيينة يقول: قال عمر بن الخطّاب: اللهم إني أشربه لظمأ يوم القيامة. عمر بن عليّ ويقال عمرو أبو حفص البغداديّ يعرف بنقيب الفقهاء. حدّث بدمشق عن أبي سعيد العدويّ، عن خراش، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تبارك وتعالى: كلّ عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم فإنه لي وأنا أجزي به. عمر بن عليّ الصيّرفيّ حدّث عن أبي عليّ الحسن بن حبيب الإمام بدمشق، قال: سمعت الرّبيع بن سليمان يقول: كان الشّافعيّ راكباً على حمار، فمرّ على سوق الحذّائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذّائين وأخذ السّوط فمسحه بكمّه وناوله إيّاه؛ فقال الشافعيّ لغلامه: ادفع تلك الدّنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الرّبيع: كانت سبعة دنانير أو تسعة دنانير.

عمر بن أبي عمر

عمر بن أبي عمر أبو محمد الكلاعيّ روى عن أبي الزّبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ترّبوا الكتاب فإن التّراب مبارك ". وعن مكحول، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال أنس: يا رسول الله، الحائض تقرّب إليّ الوضوء في الإناء، تدخل يدها فيه. قال: " نعم، لا بأس به، ليست حيضتها في يدها ". وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا كفّارة في حدّ ". قال أبو أحمد بن عديّ عنه: ليس بالمعروف، منكر الحديث عن الثّقات. عمر بن عيسى أبو أيّوب عمر بن الفرج أبو بكر الطّائيّ حدّث عن أنس بن السلم الخولاني، بسنده إلى الثّوري، قال: قيل لمحمد بن المنكدر: أيّ الأشياء أحبّ إليك؟ قال: الإفضاء إلى الإخوان.

عمر بن القاسم بن عبد الله

عمر بن القاسم بن عبد الله ابن خالد ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشيّ الأمويّ كان يسكن يلدان من إقليم باناس. عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان أبو حفص البغداديّ العطّار يعرف بابن الحدّاد سمع بدمشق سنة سبع وثمانين ومئتين، وسكن مصر. روى عن محمد بن أبي العوام الرّياحي، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم عرفة ينزل الرّبّ عزّ وجلّ إلى السّماء الدّنيا ليباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كلّ فجّ عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم؛ فما من يوم أكثر عتيقاً من النّاس من يوم عرفة ". وعنه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا أن أشقّ على أمّتي لأحببت أن لا أتخلّف خلف سريّة تخرج أو تغزو في سبيل الله؛ ولكن لا أجد سعةً فأحملهم، ولا يجدون سعةّ فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلّفوا بعدي أو يقعدوا بعدي، فلوددت أني أقاتل في سبيل الله وأقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل ". قال أبو بكر الخطيب: روى عنه عامّة المصريين، وكان ثقةً. مات في يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة ست وأربعين وثلاثمئة بمصر.

عمر بن محمد بن بجير

عمر بن محمد بن بجير ابن خازم بن راشد أبو حفص الهمذانيّ، البجيريّ، السّمرقنديّ، الحافظ صنّف المسند، وسمع بدمشق. روى عن موسى بن عامر، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس من بلد إلاّ سيطأه الدّجّال، إلاّ مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلاّ عليها الملائكة صافّين تحرسها، فينزل بالسّبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، يخرج إليه كلّ كافر ومنافق ". وعن العبّاس بن الوليد الخلاّل، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عزّوجلّ زادكم صلاةً إلى صلاتكم، هي خير من حمر النّعم، ألا وهي الرّكعتان قبل صلاة الفجر ". قال ابن ماكولا: من أئمة الخراسانيّين، سمع وحدّث، وصنّف كتباً، وخرّج على صحيح البخاري. توفي في ربيع الأول سنة خمس وأربعين وثلاثمئة، وحدّث ابن ابنه، وهو بيت جليل في الحديث. وقال: أحد أهل المعرفة بالأثر.

عمر بن محمد بن جعفر بن حفص

عمر بن محمد بن جعفر بن حفص أبو حفص المغازليّ، الأصبهانيّ، المعدّل سمع بدمشق. روى عن أبي الدّحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل الدمشقي، بسنده إلى عبد الله بن عبّاس: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للملوك على مولاه ثلاث خصال؛ لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ". قال أبو نعيم: سمع بالشّام والعراق وأصبهان. عمر بن محمد الحسين أبو القاسم الكرجيّ روى عن علي بن محمد بن يعقوب البردعيّ، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا مدينة العلم، وأبو بكر وعمر وعثمان سورها، وعليّ بابها؛ فمن أراد العلم فليأت الباب ". منكر جداً إسناداً ومتناً. عمر بن محمد بن حفص الدّمشقيّ عمر بن محمد بن الحكم ويقال: ابن عبد الحكم أبو حفص النّسائيّ سمع بدمشق وغيرها.

عمر بن محمد بن زيد

روى عن الحسن الكلبيّ، بسنده إلى عليّ، قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت الله عزّ وجلّ أن يقدّمك ثلاثاً فأبى عليّ إلاّ تقديم أبي بكر ". قال أبو بكر الخطيب: وكان صاحب أخبار وحكايات وأشعار. عمر بن محمد بن زيد ابن عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشيّ، العدويّ، العمريّ، المدنيّ نزيل عسقلان، وقدم دمشق. روى عن أبيه، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صار أهل الجنّة إلى الجنّة، وصار أهل النّار إلى النّار، أتي بالموت حتى يجعل بين الجنّة والنّار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنّة لاموت، يا أهل النّار لا موت؛ فيزداد أهل الجنّة فرحاً إلى فرحهم، وأهل النّار حزناً إلى حزنهم ". وبسنده، قال: كنّا نتحدّث في حجّة الوداع ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا، لا ندري ما حجّة الوداع: فحمد الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووحّده وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدّجّال فأطنب في ذكره، ثم قال: " ما بعث الله من نبيّ إلاّ قد أنذر أمّته؛ لقد أنذره نوح والنّبيّون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفي عنكم من شأنه فلا يخفى عليكم إنه أعور عين اليمنى كأنها عنبة طافية " ثم قال: " إن الله تبارك وتعالى حرّم عليكم دمائكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا؛ ألا هل بلّغت؟ " قالوا: نعم. قال: " اللهم اشهد " ثم قال: " ويلكم، أو ويحكم، انظروا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ".

عمر بن محمد بن زيد

قال ابن سعد: وأمّه أمّ ولد اسمها شعثاء. توفي بعد أخيه أبي بكر بن محمد بقليل ولم يعقب، وكان ثقةً قليل الحديث سنة خمسين ومئة. قال أبو بكر الخطيب: قدم بغداد. قال أبو عاصم: كان عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، من أفضل أهل زمانه، قدم إلى بغداد، وكان أكثر مقامه بالشام، فانجفل النّاس إليه، وقالوا: ابن عمر بن الخطّاب؛ ثم قدم الكوفة فأخذوا عنه، وكان له قدر وجلالة. قال العجليّ: مدنيّ ثقة. وقال أبو حاتم وهو ثقة صدوق. عمر بن محمد بن زيد حدّث بدمشق سنة ستّ عشرة وثلاثمئة. عمر بن محمد بن عبد الله ابن المهاجر النّصريّ، الشّعيثيّ روى عن مكحول أنه قال: ويحك يا غيلان، إني حدّثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيكون في أمّتي رجل يقال له: غيلان، هو أضرّ على أمّتي من إبليس "، فاتّق الله لا تكونه، إن الله عزّ وجلّ كتب ما هو خالق، وما الخلق عامل، ثم لم يكتب بعدهما غيرهما.

عمر بن محمد أبو القاسم البغدادي

عمر بن محمد أبو القاسم البغداديّ الصّوفيّ، المعروف بالمناخليّ سكن دمشق، وحكى بها. عمر بن أبي محمد بن عبد الله ابن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان، الأمويّ كان يسكن دير سابر من إقليم خولان. عمر بن مالك بن عتبة ابن نوفل ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة الزّهريّ ممّن أدرك حياة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق، وولي فتوح الجزيرة. عن خالد وعبادة، قالا: وقدم على أبي عبيدة كتاب عمر يعني بعد فتح دمشق بأن اصرف جند العراق إلى العراق وأمرهم بالحثّ إلى سعد بن مالك؛ فأمّر على جند العراق هاشم بن عتبة، وعلى مقدّمته القعقاع بن عمرو، وعلى مجنبتيه عمر بن مالك الزّهريّ وربعيّ بن عامر، وصرفوا بعد دمشق نحو سعد. ولمّا رجع هاشم بن عتبة عن جلولاء إلى المدائن، وقد اجتمعت جموع أهل

الجزيرة، فأمدوا هرقل على أهل حمص، وبعثوا جنداً إلى هيت، وكتب بذلك سعد إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن ابعث عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف في جند، وابعث على مقدمته الحارث بن يزيد العامريّ، وعلى مجنّبتيه ربعيّ بن عامر ومالك بن حبيب؛ فخرج عمر بن مالك في جنده سائراً نحو هيت، وقدّم الحارث بن يزيد حتى نزل على من بهيت، وقد خندقوا عليهم، فأقام عليهم محاصرهم حتى أعطوا الجزاء، فتركوهم حتى لحقوا بأرض قرقيسيا، وانسلّ أهل قرقيسيا، فخلّف عليهم الحارث بن يزيد، وصمد لقرقيسيا. وقال عمر بن مالك في ذلك: من الطويل قدمنا على هيت وهيت مقيمة ... بأبصارهم في الخندق المتطوّق قتلناهم فيما يليه فأحجموا ... وعاذوا به عيذ الدّم المترقرق تجاوب فيما حولهم هام قومهم ... فأنكر أصوات النّهوم المنقنق وهم في حصار لا يريمون قعره ... حذار التي ترميهم بالتّفرّق تركناهم والخوف حتى أقرّهم ... وسرنا إلى قرقيسيا بالمنطق جمعنا بها الفرقين فانتهوا ... إلى جزية بعد الدّما والتحرّق فلّما رأى عمر بن مالك امتناع القوم بخندقهم، واعتصامهم به، استطال ذلك فترك الأخبية على حالها وخلّف عليهم الحارث بن يزيد محاصرهم، وخرج في نصف النّاس يعارض الطّريق حتى يجيء قرقيسيا في غرّة، فأخذها عنوةً، فأجابوه إلى الجزاء، وكتب إلى الحارث بن يزيد: إن هم استجابوا فخلّ عنهم فليخرجوا، وإلاّ فخندق على خندقهم خندقاً أبوابه ممّا يليك، حتى رأى من رأيي؛ فسمحوا بالاستجابة، وانضمّ الجند إلى عمر والأعاجم إلى أهل بلادهم. وقال عمر في ذلك: من الطويل تطاولت أيّامي بهيت فلم أحم ... وسرت إلى قرقيسيا سير حازم فجئتهم في غرّة فاجتزيتها ... على غبن في أهلها بالصّوارم

عمر بن مبشر بن الوليد

فنادوا إلينا من بعيد بأننا ... نؤدّيّ إليكم خرجنا بالدّراهم فقلنا: هلمّوها وقرّوا بأرضكم ... وإيّاكم أن توتروا بالمحارم فأدّوا إلينا جزية عن أكفّهم ... وعدنا عليهم بالحلول العوازم وقال عمر أيضاً من الطويل ونحن جمعنا جمعهم في حفيرهم ... بهيت ولم نحفل لأهل الحفائر وسرنا على عمد نريد مدينة ... بقرقيسيا سير الكماة المساعر وجئناهم في دارهم بغتةً ضحىً ... فطاروا وخلّوا أهل تلك المحاجر فنادوا إلينا من بعيد بأنّنا ... ندين بدين الجزية المتواتر قبلنا ولم نردد عليهم حزاءهم ... وحطناهم بعد الجزا بالبواتر عمر بن مبشّر بن الوليد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص كان يسكن كسملين خارج باب السّلامة عمر بن المثنى الأشجعيّ الرّقيّ سمع ببيت المقدس، واجتاز بدمشق أو بأعمالها في طريقه. روى عن عطاء الخراسانيّ، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفر، فانطلق فتخلّف لحاجة، فقال: " هل من ماء " فأتيته بوضوء فتوضأ، ثم مسح على الخفّين، ولحق بالجيش فأمّهم.

عمر ويقال عمرو بن مروان

قال أبو عروبة الحرّانيّ: في الطبقة الثالثة من التابعين من أهل الجزيرة عمر بن المثنّى الرّقيّ، وأهل الرّقة يسمونه الرباب. عمر ويقال عمرو بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد الشمس أبو حفص الأمويّ حدّث إبراهيم بن نشيط، أن عمر بن عبد العزيز قال لعمر بن مروان: كيف أصبحت يا أبا حفص؟ أصلح الله منك ما كان فاسداً. بلغني أن عمر بن مروان كان له من الولد إبراهيم ومحمد والوليد وعبد الملك، كانوا بالمدينة من عمل مصر، ودخل الأندلس منهم عبد الملك بن عمر بن مروان. قال ابن يونس: لم يكن بمصر رجل من بني أميّة في أيامه أفضل منه، وكان خلفاء بني أميّة يكتبون إلى أمرائهم: أن لا يعصوا له أمراً. توفي سنة خمس عشرة ومئة، وولده بالأندلس اليوم.

عمر بن مروان الكلبي عمر بن مضرس بن عثمان الجهني

عمر بن مروان الكلبيّ عمر بن مضّرّس بن عثمان الجهني ويقال: عمرو أخو عثمان من أهل دمشق. عمر بن مضر بن عمر أبو حفص العبسيّ روى عن صالح عبد الله بن صالح، بسنده إلى أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشّعر حكمة ". قال ابن ماكولا: أما مضر: بضمّ الميم، وبالضاد المعجة، فهو عمر بن مضر الدّمشقيّ. عمر بن المغيرة أبو حفص البصريّ سكن المصيصة، ويعرف بمفني المساكين، وحدّث بدمشق وغيرها. روى عن أيوب السّختياني، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة، قالت: ما كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبوح به أنّ إيمانه كإيمان جبريل. وعن هشام بن حسان، بسنده إلى عائشة، قالت: مرن أزواجكنّ أن يغسلوا أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر به.

عمر بن المنتشر المرادي

قال ابن سعد: وكان عالماً فقيهاً، توفي بالمصّيصة في ثمان وسبعين ومئة في خلافة هارون أمير المؤمنين رضي الله عنه. عمر بن المنتشر المراديّ وفد على عبد الملك بن مروان. قال عمر بن المنتشر المرادي: وفدنا على عبد الملك بن مروان، فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من أمر وحلف عليه؛ فقال له عبد الملك: ما كنت حريّاً أن تفعل ولا تعتذر. ثم أقبل على أهل الشّام فقال: أيّكم يروي من اعتذار النابغة إلى النّعمان: من الطويل حلفت فلم أتراك لنفسك ريبةً ... وليس وراء الله مذهب فلم يجد فيهم من يرويه، فأقبل عليّ، فقال: أترويه؟ قلت: نعم. فأنشدته القصيدة كلّها، فقال: هذا أشعر العرب. عمر بن منخّل أبو الأسوار الدّربنديّ شيخ سمع الحديث ببغداد على كبر السّنّ، وقدم دمشق سنة بضع عشرة وخمسمئة، وروى بها شيئاً يسيراً.

عمر بن المورق أظنه مزنيا

عمر بن المورّق أظنّه مزنيّاً ويقال: يزيد بن عمر بن مورّق وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدّث عنه. حدّث، قال: كنت بالشّام وعمر بن عبد العزيز يعطي النّاس، فتقدّمت إليه، فقال لي: ممّن أنت؟ فقلت: من قريش. قال: من أيّ قريش؟ قلت: من بني هاشم. قال: من أيّ بني هاشم؟ فسكتّ. فقال: من أيّ بني هاشم؟ فقلت: مولى عليّ بن أبي طالب. قال: فوضع يده على صدره فقال: وأنا مولى عليّ بن أبي طالب؛ حدّثني عدّة أنهم سمعوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كنت مولاه فعليّ مولاه ". يا مزاحم، كم يعطى أمثاله؟ قال: مئة درهم أو مئتي درهم. قال: أعطه خمسين دينار لولاية عليّ. عمر بن موسى بن وجيه أبو حفص الوجيهيّ، الأنصاري من أهل دمشق، وقيل: إنه كوفيّ، وذلك وهم. روى عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأكل في السّوق دناءة ". وعن أبي الزّبير، عن جابر: أن بقرة أفلتت على خمر فشربت، فخافوا عليها، فسألوا النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " كلوها " أو قال: " لا بأس بأكلها ".

عمر بن نصر بن محمد الشيباني

قال عفير بن معدان الكلاعيّ: قد علينا عمر بن موسى حمص، فاجتمعنا إليه في المسجد، فجعل يقول: حدّثنا شيخكم الصّالح، حدّثنا شيخكم الصّالح؛ فلمّا أكثر قلت له: من شيخنا الصّالح هذا؟ سمّه لنا نعرفه؟ قال: خالد بن معدان. قلت له: في أيّ سنة لقيته؟ قال: لقيته سنة ثمان ومئة. قال: قلت: وأين لقيته؟ قال: لقيته في غزاة إرمينية. قال: فقلت له: اتّق الله يا شيخ ولا تكذب، مات خالد بن معدان سنة أربع ومئة، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين! وأزيدك أخرى: لم يغز إرمينية قط، كان يغزو الرّوم! قال أبو حاتم: متروك الحديث، كان يضع الحديث. قال ابن عديّ: هو في عداد من يضع الحديث متناً وإسناداً. عمر بن نصر بن محمد الشّيبانيّ روى عن علي بن الحسن بن معروف القصّاع، بسنده إلى ابن عبّاس؛ عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اسمح يسمح لك ". عمر بن نعيم العنسيّ ويقال القرشيّ معلّم بني يزيد بن معاوية، من أهل دمشق.

عمر بن الوليد بن سعيد بن هشام

روى عن أسامة بن سليمان، أن أبا ذرّ حدّثه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عزّ وجلّ يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب " قيل: يا رسول الله، وما الحجاب؟ قال: " تموت النّفس وهي مشركة ". عمر بن الوليد بن سعيد بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ كان يسكن ربض باب الجابية. عمر بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمّية أبو حفص الأمويّ أمّه كنديّة من ولد حجر بن عمرو، وكان يقال له: فحل بني مروان، وكان يركب معه من ولده ستّون لصلبه؛ ولاّه أبوه الوليد الموسم والغزو، واستعلمه على الأردنّ مدّة ولايته. حكى عن عمر عبد العزيز، قال: خرج عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة، وهو ناحل الجسم، فخطب كما كان يخطب، ثم قال: أيّها النّاس، من أحسن منكم فليحمد الله، ومن أساء فليستغفر الله، فإنه لابدّ لأقوام أن يعملوا أعمالاً وظّفها الله في رقابهم وكتبها عليهم. عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: لمّا دفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هدّةً

أو رجّةً فقال: ما هذه؟ فقيل: هذا مركب الخلافة يا أمير المؤمنين، قرّبت إليك لتركبها. فقال: ما لي ولها، نحّوها عنّي، قرّبوا إليّ بغلتي؛ فقربت إليه بغلته فركبها، فجاءه صاحب الشّرط يسير بين يديه بالحربة؛ فقال: تنحّ عنّي، ما لي ولك، إنّما أنا رجل من المسلمين. فسار وسار معه النّاس حتى دخلوا المسجد، فصعد المنبر واجتمع النّاس إليه، فقال: يا أيّها النّاس، إنّي قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي منّي فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإنّي قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. فصاح النّاس صيحةً واحدةً: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضيناك، فل أمرنا باليمن والبركة. فلمّا رأى الأصوات قد هدّت ورضي النّاس به جميعاً، حمد الله عزّ وجلّ وأثنى عليه وصلّى على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كلّ شيء، وليس من تقوى الله خلف؛ فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللّذّات؛ وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم أباً حيّاً لمعرق له في الموت، وإن هذه الأمة لا تختلف في ربّها عز ّو جلّ ولا في نبيّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في كتابها، إنّما اختلفوا في الدّينار والدّرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً ولا أمنع أحداً حقّاً. ثم رفع صوته حتى أسمع النّاس فقال: يا أيّها النّاس من أطاع الله فقد وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له؛ أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ثم نزل فدخل، فأمر بالسّتور فهتكت، والثّياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت، وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين. ثم ذهب يتبوّأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أي بنيّ، أقيل. قال: تقيل ولا تردّ المظالم؟ قال: أي بنيّ، قد سهرت البارحة في أمر عمّك سليمان، فإذا صلّيت الظّهر رددت المظالم. قال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظّهر؟ قال:

ادن منّي أي بنّي. فدنا منه فالتزمه وقبّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني. فخرج ولم يقل، وأمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها؛ فقام إليه رجل ذمّيّ من أهل حمص أبيض الرّأس واللّحية، فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله. قال: وما ذاك؟ قال: العبّاس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضي والعبّاس جالس فقال له: يا عبّاس ما تقول؟ قال: أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاًّ. فقال عمر: ما تقول يا ذمّيّ؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله عزّ وجلّ. فقال عمر: كتاب الله أحقّ أن يتّبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، قم فاردد عليه يا عبّاس ضيعته. فردّ عليه؛ فجعل لا يدع شيئاً ممّا كان في يديه وفي يد أهل بيته من المظالم إلاّ ردّها مظلمةً مظلمةً. فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه: إنك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم بغضاً وشناناً لمن بعدهم من أولادهم، قطعت ما أمر الله أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيت المال جوراً وعدواناً، فاتّق الله يا ابن العزيز وراقبه، إن شططت لم تطمئن على منبرك، خصصت أولي قرابتك بالظلم والجور، فو الذي خصّ محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما خصّه به لقد ازددت من الله عزّ وجلّ بعداً في ولايتك هذه؛ إن زعمت أنها عليك بلاء فأقصر بعض ميلك، واعلم أنك بعين جبّار وفي قبضته، ولن تترك على هذا، اللهم فسل سليمان بن عبد الملك عمّا صنع بأمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلمّا قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه، كتب إليه: بسم الله الرّحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد، السّلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين، أمّا بعد: فقد بلغني كتابك، وسأجيبك بنحو منه؛ أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمّك بنانة أمة للسّكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل في حوانيتها، ثم الله أعلم بما اشتراها دينار بن دينار من فيء المسلمين فأهداها لأبيك، فحملت بك، فبئس المحمول وبئس المولود، ثم نشأت فكنت جبّاراً عنيداً، تزعم أني من الظالمين أن حرمتك وأهل بيتك في

عمر بن هارون بن يزيد

الله عزّ وجلّ الذي هو حقّ القرابة والمساكين والأرامل؛ وإن أن أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعملك صبيّاً سفيهاً على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك، ولم تكن له في ذلك نيّة إلا حبّ لولده، فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصماؤكما يوم القيامة، وكيف ينجو أبوك من خصمائه؟ وإن أظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل الحجّاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدّماء الحرام ويأخذ المال الحرام. وإظلم منّي وأترك لعهد الله من استعمل قرّة بن شريك أعرابيّاً جافياً على مصر، وأذن له في المعازف واللهو والشّراب. وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لغاية البربريّة سهماً في خمس العرب. فرويداً يابن بنانة فلو التقت حلقتا البطان وردّ الفيء إلى أهله لتفرّغت لك ولأهل بيتك فوضعتكم على المحجّة البيضاء، فطالما تركتم الحقّ وأخذتم في بنيّات الطّريق؛ وما وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أكون رأيته؛ بيع رقبتك، وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإن لكّل فيك حقاً. والسّلام علينا، ولا ينال سلام الله الظّالمين. فلّما بلغت الخوارج سيرة عمر، وما ردّ من المظالم اجتمعوا فقالوا: ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرّجل. عمر بن هارون بن يزيد ابن جابر بن سلمة أبو حفص الثّقفيّ البلخيّ، مولاهم روى عن شعبه، بسنده إلى ابن عبّاس، أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الشّفعة في العبيد، وفي كلّ شيء ".

وعن ثور بن يزيد، بسنده إلى أبي سعيد، قال: مرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يسلخ شاةً، فرآه لا يحسن، فقال: " تباعد " قال فدحس النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين جلدها ولحمها فعلّمه، ثم مضى إلى الصّلاة، فصلّى ولم يمسّ ماءً. وعن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الرّجل الصّالح يأتي بالخير الصّالح، والرّجل السّوء يأتي بالخبر السّوء ". قال ابن سعد: قد كتب النّاس عنه كتاباً كبيراً وتركوا حديثه. وقال أبو عبد الله الحافظ: كان من أهل السّنّة، ومن الذّابّين عن أهلها، ورد نيسابور وكتب عنه جماعة من مشايخنا. وقال الخطيب: قدم بغداد وحدّث بها. وقال أبو رجاء: كان عمر بن هارون شديداً على المرجئة، وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم؛ وكان من أعلم النّاس بالقراءات وكان القّراء يقرؤون عليه، ويختلفون إليه في حروف القرآن. قال أبو حاتم: تكلّم فيه ابن المبارك فذهب حديثه. وقال يحيى بن معين: ليس هو ثقة. مات ببلخ يوم الجمعة أول من رمضان سنة أربع وتسعين ومئة، وهو ابن ستّ وستين، وكان يخضب. وفي رواية أنه توفي وهو ابن ثمانين سنة.

عمر بن هانئ الطائي

عمر بن هانئ الطّائي قدم دمشق مع عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس حين افتتحها، وحكى عنه نبشه لقبور بني أميّة، وإحراق من أحرق منهم. عمر بن هبيرة بن معيّة ابن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك ويقال: ابن حممة بدل مالك، بن سعد بن عديّ بن فزارة ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس عيلان أبو المثّنى الفزاريّ وأمّ عمر بسرة بنت حسّان بن شريك بن نعيم بن ثعلبة العدويّ، وكان أمير العراقين من قبل يزيد بن عبد الملك، فلّما ولي هشام بن عبد الملك عزله بخالد القسريّ، فأخذه خالد وسجنه مدّةً، ثم هرب من السّجن ولحق بهشام بدمشق، واستجار بمسلمة بن عبد الملك فأجاره، وأمنّه هشام. عن الشّعبيّ، قال: شهدت الحسن في جنازة وهو يحدّث عمر بن هبيرة، يقول: سمعت عبد الرّحمن بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من عبد استرعاه الله رعيّةً فلم يحطها بالنّصيحة إلاّحرّم الله عليه الجنّة ". وعن عبد الله بن بكر السّهميّ، قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: أرسل عمر بن هبيرة وهو على العراق إلى فقهاء من فقهاء البصرة وفقهاء من فقهاء الكوفة، وكان ممّن أتاه من أهل البصرة الحسن، ومن أهل الكوفة الشّعبيّ؛ فدخلوا عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يزيد يكتب إليّ في أمور أعمل

بها، فما تريان؟ فقال الشّعبيّ: أصلح الله الأمير، أنت مأمور والتّبعة على من أمرك. فأقبل على الحسن فقال: ما تقول؟ قال: قد قال هذا. قال: قل أنت. قال: اتّق الله يا عمر، فكأنك بملك قد أتاك فاستنزلك عن سريرك هذا، وأخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك؛ فإن الله ينجيك من يزيد وإن يزيد لا ينجيك من الله، فإيّاك أن تعرّض لله بالمعاصي، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصيةً الخالق. ثم قام، فاتّبعه الآذن فقال: أيّها الشّيخ، ما حملك على ما استقبلت به الأمير؟ قال: حملني عليه ما أخذ الله على العلماء من الميثاق في علمهم؛ ثم تلا " وإذ أخذ الله ميثاق الذّين أوتو الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه ". قال: فخرج عطاؤهم، وفضّل الحسن. قال ابن دريد: دخل الشّعبيّ على ابن هبيرة وبين يديه رجل يريد قتله، فقال له: أصلح الله الأمير، إنك على ردّ ما لم تفعل أقدر منك على ردّ ما فعلت. فقال: صدقت يا شعبيّ، ردّوه إلى محبسه. عن ابن عون، قال: أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه، فقال له: كيف تركت أهل مصرك؟ قال: تركتهم والظّلم فيهم فاش. قال ابن عون: كان محمد يرى أنها شهادة سئل عنها فكره أن يكتمها. عن ابن فضيل، قال: كان عمر بن هبيرة يقول: اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة، اللهم لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما قرب من أجلي. قال عبد الرّحمن بن يزيد: بينما أنا واقف على رأس ابن هبيرة وبين يديه سماطان من وجوه النّاس، إذ أقبل شاب لم

أر في مثل جماله وكماله حتى دنا من ابن هبيرة، فسلّم عليه بالإمرة، فقال: أصلح الله الأمير، امرؤ فدحته كربة وأوحشته كربة، ونأت به الدّار وحلّ به عظيم، خذله أخلاّؤه وشمت به أعداؤه، وأسلمه البعيد وجفاه القريب، فقمت مقاماً لا أرى فيه معوّلاً ولا جاذباً إلاّ الرّجاء لله تعالى، وحسن عائدة الأمير، وأنا أصلح الله الأمير ممّن لا تجهل أسرته، ولا تضيع حرمته، فإن رأى الأمير أصلحه الله أن يسدّ خلّتي ويجبر خصاصتي يفعل. فقال ابن هبيرة: ممّن الرّجل؟ قال: من الذين يقول لهم الشّاعر: من الطويل فزارة بيت العزّ والعزّ فيهم ... فزارة قيس حسب قيس فعالها لها العزّة القصوى مع الشّرف الذي ... بناه لقيس في القديم رجالها وهل أحد إن مدّ يوماً بكفّه ... إلى الشّمس في مجرى النّجوم ينالها لهيهات ما أعيا القرون التي مضت ... مآثر قيس واعتلاها فعالها فقال ابن هبيرة: إن هذا الأدب لحسن مع ما أرى من حداثة سنّك، فكم أتى لك من السّنّ؟ قال: تسع وعشرين سنة. فلحن الفتى وأطرق ابن هبيرة كالشّامت به، ثم قال: أولحّان أيضاً، مع جميل ما أتى عليه منطقك؟ شنته والله بأقبح العيب. قال: فأبصر الفتى ما وقع فيه فقال: إن الأمير أصلحه الله عظم في عيني، وملأت هيبته صدري، فنطق لساني بما لم يعرفه قلبي، فوالله ما أقالني الأمير عثرتي عندما كان من زلّتي. فقال ابن هبيرة: وما على أحدكم أن يتعلّم العربيّة فيقيم بها أوده، ويحضر بها سلطانه، ويزين بها مشهده، وينوء بها على خصمه؟ أو يرضى أحدكم أن يكون لسانه مثل لسان عبده وأكّاره؟ قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم، فإن كان سقط لسانك وإلاّ فاستعن ببعض ما أوصلناه إليك، ولا يستحي أحدكم من التّعلّم، فإنه لولا هذا الّلسان كان الإنسان كالبهيمة المهملة؛ قاتل الله الشّاعر حيث يقول: من الطويل

ألم ترى مفتاح الفؤاد لسانه ... إذا هو أبدى ما يقول من الفم وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلاّ صورة الّلحم والدّم قال سلم بن قتيلة: كنت عند ابن هبيرة الأكبر، فجرى الحديث حتى جرى ذكر العربيّة، فقال: والله ما استوى رجلان دينهما واحد وحسبهما واحد ومروءتهما واحدة، أحدهما يلحن والآخر لا يلحن؛ إن أفضلهما في الدّنيا والآخرة الذي لا يلحن. قلت: أصلح الله الأمير، هذا أفضل في الدّنيا لفضل فصاحته وعربيّته، أرأيت الآخرة ما باله أفضل فيها؟ قال: إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزله الله، وإن الذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه ويخرج منه ما هو فيه. قال: قلت: صدق الأمير وبرّ. قال عمر بن هبيرة: عليكم بمباكرة الغداء فإن في مباكرته ثلاث خصال؛ يطيّب النّكهة، ويطفئ المرّة، ويعين على المروءة. فقيل: وما يعين على المروءة؟ قال: لا تتوق نفسه إلى طعام غيره. عن ابن عائشة، قال: ألقى ابن هبيرة إلى مثجور بن غيلان بن خرشة الضّبّيّ فصّاً أزرق وقال له: اجعله على خاتمك فإنه حسن؛ يريد قول الشّاعر: من الطويل لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللّوم أزرق فأخذ الفصّ مثجور، فشدّه بسير، وردّه عليه؛ يريد قول سالم: من البسيط لا تأمننّ فزاريّاً خلوت به ... على قلوصك واشددها بأسيار

عن سليمان بن زياد، قال: كان عمر بن هبيرة والياً على العراق، ولاّه يزيد بن عبد الملك؛ فلمّا مات يزيد بن عبد الملك واستخلف هشام قال عمر بن هبيرة: يولّي هشام العراق أحد الرّجلين سعيد الحرشيّ أو خالد بن عبد الله القسريّ، فإن ولّى ابن النّصرانيّة خالداً فهو البلاء. فولّى هشام خالداً العراق، فدخل واسطاً وقد أوذن عمر بن هبيرة بالصّلاة، فهو يتهيّأ قد اعتمّ والمرآة في يده يسوّي عمّته إذ قيل: هذا خالد قد دخل. فقال عمر بن هبيرة: هكذا تقوم السّاعة، تأتي بغتةً. فقدم خالد فأخذ عمر بن هبيرة فقيّده وألبسه مدرعة صوف؛ فقال عمر: بئس ما سننت على أهل العراق، أما تخاف أن تؤخذ بمثل هذا؟. عن عبد الرّحمن بن جبلة عن أبيه قال: كنت مع عمر بن هبيرة في حبس خال بن عبد الله القسريّ، وكان عمر بن هبيرة قد ضربني قبل ذلك، فقال لي: يا جبلة إن الحفيظة تذهب الحقد، وقد أمرت مواليّ يحفرون، وهم منتهون إليّ اللّيلة، فهل لك في الخروج؟ فقلت: لا. قال: فأشر عليّ. فقلت: لا تخرجنّ في دار قوم. فقال: نعم. وكان قد أمر مواليه فاستأجروا داراً إلى جنب السّجن، واتّخذوا فيها ألف نعجة، فكان يحفرون باللّيل ثم يفرشونه في الدّار فتصبح الشّاء قد وطئته بأبوالها؛ فأفضوا بنقبهم إلى جبلة، فقال لهم: لست بصاحبكم. فأتوا عمر بن هبيرة فقام حتى دخل النّقب، وخرج منه. وكان جبلة أشار عليه أن يقدّم بين يديه رسولاً بكتابه إلى هشام بن عبد الملك. قال الأصمعيّ: فحدّثني يونس بن حبيب النّحوي، قال: قال لي أبو الفوارس الأعرج الباهليّ: وجّهني عمر بن هبيرة بكتابه إلى هشام، فقدمت غدوة، وقدم ابن هبيرة عشيّة، فمرّ ابن هبيرة في طريقه فسمع امرأةً من قيس تقول: لا والّذي ينجّي ابن هبيرة. فقال: يا غلام، أعطها ما معك وأعلمها أني قد نجوت. رجع: فلمّا فقد الحرس ابن هبيرة وجّه خالد في أثره سعيد بن عمرو الحرشيّ، وذاك أن ابن

عمر بن يحيى بن الحارث الذماري

هبيرة عزل سعيداً عن خراسان، فقدم به عليه واسطاًفحسبه وعذّبه، حتى قدم خالد فأكرمه. فلم يقدر سعيد أن يلحقه، فلم يزل في أثره حتى بلغ الشّام وقد قدم ابن هبيرة، واجتمع إليه قيس، فقال: أشيروا عليّ، من أستجير؟ فقيل له: أمّ حكيم بنت يحيى امرأة هشام. فقال: امرأةً! لو اغتسلت رضيت. فقالوا: عليك بأبي شاكر مسلمة مع ما بينك وبينه، فإنه لا يسلمك أبداً. قال: نعم. فتوجّه إليه ومعه القيسيّة؛ فلمّا رآهم مسلمة وسمع كلامهم انطلق إلى هشام فكلّمه فيه فأمّنه على أن يؤدّي كلّ ما اختانه. فأدّاه. قال خليفة: مات ابن هبيرة وهو ابن نيف وخمسين سنة. عمر بن يحيى بن الحارث الذّماريّ حدّث عن أبيه، بسنده إلى عمرو بن عنبسة السّلميّ، قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: من تابعك على هذا الأمر؟ قال: " حرّ وعبد ". قال: قلت: فأيّ الأعمال أفضل؟ قال: " الصّبر والسّماحة وحسن الخلق ". فقلت: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: " الفقه في دين الله، والعمل في طاعة الله، وحسن الظنّ بالله ". قلت: فأيّ المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ". قلت: فأيّ العمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: " إطعام الطّعام، وإفشاء السّلام، وطيب الكلام ". قلت: فأيّ الصّلاة أفضل؟ قال: " الصّلاة لوقتها، وطول القنوت، وحسن الرّكوع والسّجود ".

عمر بن يحيى بن زكريا

قلت: فأيّ الهجرة أفضل؟ قال: " أن تهجر ماكره الله ".قلت: فأيّ المجاهدين أفضل؟ قال: " من جاهد نفسه في طاعة الله، وهجر ما حرّم الله ". قلت: فأيّ ساعات اللّيل أفضل؟ قال: " جوف اللّيل الآخر، فإن الله يفتح فيه أبواب السّماء، ويطّلع فيه إلى خلقه، ويستجيب فيه الدّعاء ". قال البيهقيّ: ويشبه أن يكون سؤاله إيّاه عن الأعمال بعدما لحق بقومه ثم عاد بعد ظهور الإسلام ونزول شرائعه. والله التّوفيق. عمر بن يحيى بن زكريّا أبو حفص أظنه بعلبكّيّاً كتب عنه بعض أهل بعلبكّ. عمر بن يحيى الأسديّ حكى عن أحمد بن أبي الحواري، عن أبي صالح، قال: قال أبو إسحاق الفزاريّ: بينا أنا قاعد وإبراهيم بن أدهم وعليّ بن بكاّر ومخلد بن الحسين في مسجد المصيّصة، إذ دخل علينا رجل عليه أثر السّفر، فقال: أيّكم إبراهيم بن أدهم؟ فأشار إليه بعضنا؛ فقال: أكلّمك. فقام إبراهيم إلى سارية فكلّمه فقال: أنا غلامك، ومعي عشرة آلاف درهم وفرس وبغل. فقال إبراهيم: أنت حرّ وما معك لك، اخرج. ثم عاد إلينا كأنه لم يسمع شيئاً.

عمر بن يزيد بن عمير

عمر بن يزيد بن عمير أبو حفص الأسيّديّ التّميميّ، البصريّ أحد الفصحاء، ولي هو وأبوه من قبله شرطة البصرة للحجّاج بن يوسف، ووفد على هشام بن عبد الملك. قال أبو عمر يزيد عن عمير لبنيه: اعلموا أنه إن كان عند أحدكم مئة ألف لهو أعظم في عيون بني تميم منه لو قسمها فيهم، ولأن يقال لأحدكم: شحيح، وهو غنيّ خير من أن يقال له: سخيّ، وقد ذهب ماله؛ ولأن يقال لأحدكم: هو جبان، وهو حيّ خير من أن يقال: شجاع، وقد قتل؛ ويا بنيّ تعلّموا الرّدّ فوالله لهو أشدّ من الإعطاء. عن يونس، قال: أتى جرير عمر بن يزيد الأسيّديّ وهو على شرط البصرة طالب حاجة، فتقاعس عمر له فقال جرير: من الوافر أتنسى يوم مسكن إذ تنادي ... وقد أخطأت بالقدم الرّكابا نكحت إلى بني عدس بن زيد ... فقد برذت خيلهم العرابا فلو كان النّجيّ بعهد عوف ... تبرأ من أسيّد ثم تابا وكان عمر انهزم يوم مسكن يوم قاتل الحجّاج عبد الله بن الجارود فأراد أن يركب للهرب، فاعتاض عليه برذ ونه، فجعل يقول: من يعقلني عقله الله؛ فعيّره جرير بذلك. قال عمر بن يزيد الأسيّدي: دخلت على هشام وعنده خالد بن عبد الله القسريّ، يتكلم ويذكر اليمن، فأكثر في

ذلك؛ فصفقت تصيقة دوّي البهو منها، فقالت: ما رأيت كاليوم خطلاً! والله إن فتحت فتنةً في الإسلام إلاّ باليمن؛ لقد قتلوا أمير المؤمنين عثمان، وقد خرج ابن الأشعث على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وإن سيوفنا تقطر من دماء بني المهلّب. فلمّا نهضت تبعني رجل من بني مران حضر ذلك، فقال: يا أخا تميم، وريت بك زنادي، قد شهت مقالتك، واعلم أن أمير الؤمنين مولّيه العراق وأنها ليست لك بدار. فلمّا ولّي خالد استعمل على أحداث البصرة مالك بن المنذر، فكان لعمر مكرماً ولحوائجه قضّاء، إلى أن وجد عليه وكان مر لا يملك لسانه، فخرج من عنده وقد سأله حاجة فقضاه، فقال: كيف رأيت الفسّاء؟ سخرنا به منذ اليوم. فقال قائلون: إن مخلداً كتب أليه، فأخذه وشهد عليه ناس من بني تميم وغيرهم؛ فضربه مالك حتى قتله تحت السّياط. وعن عبيدة، قال: كان عمر بن يزيد الأسيّدي صديقاً للشّمردل بن شريك ومحسناً إليه، كثير البرّ به، والّرفق له؛ فأتاه نعية وهو بخراسان فقال يرثيه: من الكامل لبثت الصّباح وأسلمته ليلةً ... طالت كأن نجومها لا تبرح موصولة بجناح أخرى مثلها ... حتى يرى الدّوّ الفئام النّوّح عطّلن أيديهنّ ثم تفجّعت ... ليل التّمام بهنّ عبرى تصدح وحليلة رزئت وأخت وابنة ... كابدر تنظره عيون لمّح لا يبعد ابن يزيد سيّد قومه ... عند الحافظ وحاجة تستنجح حلمي الحقيقة لاتزال جياده ... تغدو مسوّمةً به وتروّح للحرب محتسب القتال مشمّر ... با لدرع مضطمر الحوامل شرمح ساد العراق وكان أوّل وافد ... تأتي الملوك به المهاري الطّلّح يعطي الغلاء بكلّ مجد يشتري ... إن المعالي بالمكارم أربح

عمر بن يزيد بن معاوية

عمر بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميّة القرشيّ، الأمويّ وأمّه أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر ابن كريز بن ربيعة بن عبد شمس. مات في مات أبيه من صاعقة أصابته، فقال عبد الله بن همّام السّلوليّ: من الحفيف عمر الخير يا شبيهه أبيه ... أنت لو عشت قد خلفت يزيدا سلّط الحتف في الغمام عليه ... فتلقّى الغمام روحاً سعيدا أيّها الرّاكبان من عبد شمس ... بلّغا الشّام أهلها والجنودا أن خير الفتيان أصبح في لح ... د وأمسى من الكرام فقيدا عمر بن يزيد القرشيّ من أهل صهيا عمر بن يزيد اللّخميّ كان ممّن أخذ مع ثابت بن نعيم الجذاميّ فأتى به مروان بن محمد بدير أيّوب، فقتله وقتل ناساً معه.

عمر بن يزيد النصري

عمر بن يزيد النّصريّ روى عن عمرو بن مهاجر، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هلكت أمّة قطّ إلاّ بالشّرك بالله عزّ وجلّ، وما أشركت أمّة حتى يكون بدوّ شركها التّكذيب بالقدر ". وعن أبي سلام، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ثلاثة لا يقبل منهم صرف ولا عدل؛ عاقّ ومنّان ومكذّب بقدر ". كان كاتب نمير بن أوس قاضي دمشق، وكان ثقةً فقيهاً. قال هشام بن عمار: كان ممّن يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل. عمر الدّمشقيّ حدّث عن واثلة بن الأسقع. عمر يعرف بعمردن مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أتينا عمر بن عبد العزيز فدفعنا إليه صكاكاً في حوائجنا، وكان فينا رجل من أهل دمشق يقال له: عمردن مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فدفع إليه صكّه: حاجة عمر مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلمّا قرأها عمر قال: أيكم مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأجابه عمر مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعاه، فقال له عمر: أنت مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال عمر:

عمر الراشدي

وعمر بن عبد العزيز مولى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارفع إلينا حاجتك. قال: يا أمير المؤمنين، أمّي عجوز كبيرة ليس لها خادم يكفيها. قال: قد أمرنا لها بخادم، فارفع إلينا حاجتك. قال: تأمر لي بنفقة. قال: قد أمرنا لك بثلاثين ديناراً، فارفع إلينا حاجتك. قال: كفاني يا أمير المؤمنين. قال: فتكلّم عمر بن عبد العزيز بكلمة لم أفهمها، فقلت لصاحب لنا: ما الّذي نطق به أمير المؤمنين؟ قال: قال: والله لو سألني إلى أن توارى بالحجاب ما منعته شيئاً سألنيه. قال مسلم: فكان ذلك لموقعه من النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عمر الرّاشديّ ولي إمرة دمشق في رجب سنة إحدى عشرة وثلاثمئة في أيّام المقتدر، بعد ولاية تكين الخاصة الثانية لها، فأقام بها شهوراً ثم عزل عنها، وولّي الرّملة، وبها مات سنة أربع عشرة وثلاثمئة. عمر بن السّرّاج من متصوّفة أهل دمشق، من أقران أحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعيّ. عمر المروزيّ عن ابن جهضم الهمذانيّ، قال: حدّثني عمر المروزيّ بأنطاكية وقد اجتمعنا جماعةً نريد دمشق، فقال لي: هؤلاء الجماعة يصلحون أن نصحبهم؟ فقلت: ما علمت إلاّ خيراً، فأيش أنكرت؟ فقال: اعلم أني خرجت من الموصل وحدي، فلمّا صرت على الطّريق صحبني رجل وقال: نصطحب

عمر المغربي

إلى حرّان. فقلت: نعم. فمشى ساعة، وقلت له: تقدّم أنت حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فمشى وتركني؛ ثم لقيني آخر فقال: إلى حرّان؟ فقلت: نعم. فقال: نصطحب، ومشينا يومنا، فلمّا كان من الغد قلت له: تقدّم حتى أبول؛ فأبطأت عليه، فتركني ومشى، ثم آخر وآخر حتى قربت من حرّان وأنا وحدي، فرأيت رجلاً أسود دميماً حقيراً جالساً على الطّريق، فلمّا رآني بشّ بي وقال: إلى حرّان؟ قلت: نعم. فمشينا ساعةً ثم قلت له: تقدّم فأنا ألحقك. فطرح نفسه على الطّريق، فلحقته وقلت له: شغلت قلبي بجلوسك تنتظرني، فما تطهّرت كما أريد. فجلس وقال: تطهّر كيف شئت. وأعطاني ما كان معه، فقلت له: تقدّم؛ وجلست وأبطأت ساعةً كبيرةً أختبره، ثم انضجعت، فرأى فقام وجاء إلى عندي وأخرج من وسطه زمّارة وجلس عند رأسي ونفخ فيها؛ فقلت: الحق المنزل. فقال: قد مشينا ساعةً ووجب حقّ بعضنا على بعض، ليس نفترق. وهو الذي بحذاك تراه، فلم يزل معنا إلى دمشق، وخرجنا إلى مصر وهو معنا، وخرجنا إلى الحجاز وهو معنا، أطيب الجماعة نفساً وأخفّهم روحاً، وأكثرهم خدمةً، وأرفقهم بأصحابه. عمر المغربيّ شيخ من أهل العلم والصلاح. مات في شهر رمضان من سنة سبع وثمانين وأربعمائة.

عمرو بن أحمد بن رشيد

عمرو بن أحمد بن رشيد أبو المذحجيّ الطّبرانيّ روى عن عبد الرّحمن بن القاسم بن الرّوّاس الدّمشقيّ، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع لا يشبعن من أربع، عين من نظر، وأرض من مطر، وأنثى من ذكر، وعالم من علم ". عمرو بن أحمد بن معاذ ويقال: عمرو بن معاذ العنسيّ الدّرانيّ حدّث عن أبي موسى عمران بن موسى الطّرسوسيّ بكتاب التّفسير لسنيد بن داود، بسنده إلى ابن عبّاس في قوله: " يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم " يعني بذلك أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الرّجل والمرأة، يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلّي العتمة أو يرقد، فإذا صلّى العتمة أو رقد منع من ذلك إلى مثلها من القابلة، فنسختها هذه الآية " أحلّ لكم ليلة الصّيام ". وعنه، بسنده إلى الحسن البصريّ، قال: من قرأ الآيات " فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون " إلى آخرها، لم يفته شيء كان في يومه وليلته، وأدرك ما فاته في يومه وليلته.

عمرو بن أحمد أبو زيد الجذوعي

عمرو بن أحمد أبو زيد الجذوعيّ العسكريّ روى عن أبي الطّيّب أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني، بسنده إلى العرس بن عميرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النّار ". عمرو بن الأحوص الجشميّ شهد هو وزوجه أم سليمان مع النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجّة الوداع، ورويا حديثاً عنه؛ وشهد عمرو اليرموك. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حجّة الوداع: " أيّ يوم هذا؟ " ثلاث مرّات، قالوا: يوم الحجّ الأكبر؛ قال: " فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلاّ على نفسه ولا يجني والد على ولده، ألا إن الشّيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن ستكون طاعة له في بعض ما تحتقرون من أعمالكم يرضى بها، ألا إن كلّ دم من دماء الجاهليّة موضوع، وأوّل ما أضع منها دم الحارث بن عبد المطّلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل ألا وكلّ رباً من ربا الجاهليّة موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا يا أمّتاه هل بلّغت؟ " قالوا: نعم. قال: " اللهم اشهد ". وقال: وقع الطّاعون ونحن باليرموك، فأتانا عمر بن الخطّاب، فدخل أصحاب الرّايات ولم يدخل من الطّاعون.

عمرو بن أسلم العابد

عمرو بن أسلم العابد من أهل طرسوس، سكن دمشق. روى عن سلم بن ميمون الخوّاص، بسنده إلى سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال سوق من الأسواق: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير: كتب الله له ألف حسنةً ". وحدّث، قال: مات عندنا بالثّغر رجل فدفن، فلّما كان اليوم الثالث أتى الحفّارين رجل فسألهم أن يحفروا إلى جنب الميت قبراً، فحفروا، فانهار قبر المدفون إلى القبر الذي يحفرون، فإذا اللّبن منصوب وليس في اللّحد شيء! فقال أحدهما لصاحبه: أليس هذا نحن حفرنا؟ قال له صاحبه: بلى. قال: فاليوم الثالث؟ قال: نعم. قال: ويحك، فما في اللّحد شيء، فأنا أعرف أخا الميت؛ فذهب إليه وجاء به، فقال: هذا القبر تعرفه؟ قال: نعم، هذا قبر أخي. قال: فأنزله إلى القبر المحفور فنظر إلى قبر أخيه فإذا ليس في اللّحد شيء، واللّبن منصوب على حاله! فذهب أخو الميت إلى وكيع بن الجرّاح وكان عندنا في تلك السّنة بالثّغر قال: فقال له: يا أبا سفيان إن أخي مات ودفنّاه، فحفروا إلى جنبه يوم الثالث قبراً فانهار القبر إلى قبره فاطّلعت في لحده فإذا اللّبن منصوب وليس القبر شيء! قال: فقال له وكيع: سمعنا في حديث " من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم، ويحشر يوم القيامة معهم ".

عمرو بن أسماء أبو مرثد الرحبي

عمرو بن أسماء أبو مرثد الرّحبيّ ويقال: عمرو بن مرثد بن أسماء وهو أصحّ، يأتي بعد. عمرو ويقال: عمير بن الأسود أبو عياض ويقال: أبو عبد الرّحمن، العنسيّ الحمصيّ قيل: إنه سكن داريّا، وهو ممّن أدرك الجاهلية. روى عن أبي الدّرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تأكل متكئاً ولا على غربال، ولا تتّخذن من المسجد مصلىً لا تصلّي إلاّ فيه، ولا تخطّى رقاب النّاس يوم الجمعة فيجعلك الله لهم يوم القيامة ". قال ابن سعد: وكان قليل الحديث، ثقةً. وقد كان معاوية ولاّه قضاء حمص، ثم استغناه فعزله. عن ضمرة بن حبيب بن صهيب؛ أن عمرو بن الأسود مرّ بعمر بن الخطّاب وهو سائر إلى الشّام، فدخل على عمر، فلّما خرج من عند عمر قال عمر: من أحبّ أن ينظر إلى هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود.

قال ابن مهنّا: وعمرو بن الأسود هذا عداده في التّابعين من الشّامييّن، ويقال: إنه كان بحمص، وإنّما صحّ عندنا أنه نزل داريّا وسكن بها فإن ولده عندنا بداريّا إلى اليوم، وقد يمكن أن يكون نزل حمص ثم انتقل عنها وصار إلى داريّا، وأعقبّ بها، والله أعلم. عن عمرو بن الأسود، أنه مرّ على مجلس بني معاوية، فسلّم عليهم، فردّوا عليه السّلام، وقالوا: لو جلست إلينا يا أبا عياض. قال: وقد اتّخذتم هذا مجلساً؟ قالوا: نعم، ينصرف الرّجل منّا من المسجد فيلقي ثيابه ثم يخرج فيجلس فيه حتى يعدّ له طعامه ثم يخرج إلى الصّلاة. قال عمرو: إذا قد اتّخذتموه مجلساً ولا بدّ من ذلك فأدّوا حقّه. قالوا: وما حقّه؟ قال: تقصرون من الطّرف، وتردّون السّلام فإن ردّه فريضة من طاعة الله وتركه من معصية الله، وترشدون الأعمى، وتهدون الضّال، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتعينون المظلوم، وتأخذون على يد الظّالم. قال العجليّ: شاميّ تابعيّ ثقة. كان يقول: مامن موتة أموتها أحبّ إليّ من أن أموت على أريكتي. قيل: يا أبا عبد الرّحمن، ولا شهادةً في سبيل الله؟ قال: وكيف لي أن أوتى بها صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؟ وكان إذا خرج إلى المسجد قبض بيمينه على شماله: فسئل عن ذلك فقال: مخافة أن تنافق يدي؛ يعني كيلا يخطر بها في مشيته فيعجب فيكون نفاقاً. وقال: لا ألبس مشهوراً أبداً، ولا أملأ جوفي من طعام بالنّهار أبداً حتى ألقاه. توفي وهو صائم.

عمرو بن أمية بن خويلد

عمرو بن أميّة بن خويلد ابن عبد الله بن إياس بن عبد ناشرة بن كعب بن جديّ بن ضمرة بن بكر أبو أميّة الضّمريّ، صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد معه مشاهد، وكان في غزاة تبوك، وتوجّه منها مع خالد بن الوليد إلى دومة الجندل، وبعثه خالد إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بأخذ أكيدر صاحب دومة تقدّم ذكر ذلك في ترجمة أكيدر وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سريّةً وحده، وأرسله إلى النّجاشيّ يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وحدّث عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مرّ عثمان بن عفّان أو عبد الرّحمن بن عوف بمرط فأستغلاه، فمرّ به على عمرو بن أميّة فاشتراه، فكساه امرأته سخيلة بنت عبيدة بن الحارث بن المطّلب؛ فمرّ به عثمان أو عبد الرّحمن بن عوف فقال: ما فعل المرط الذي ابتعت؟ قال عمرو: تصدّقت به على سخيلة بنت عبيدة؛ فقال: إن كل ما صنعت إلى أهلك صدقة؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذاك. فذكر ما قال عمرو لرسول الله عليه وسلم فقال: " صدق عمرو، كلّ ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم ". قال محمد بن سعد: وشهد عمرو بن أميّة بدراً وأحداً مع المشركين، ثم أسلم حين انصرف المشركون عن أحد، وكان رجلاً شجاعاً له إقدام. قال محمد بن عمر: فكان أول مشهد شهده عمرو بن أميّة مسلماً بئر معونة في صفر

على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة، فأسرته بنو عامر يومئذ، فقال له عامر بن الطّفيل: إنه قد كان على أمّي نسمة فأنت حرّ عنها؛ وجزّ ناصيته. وقدم المدينة فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل من قتل من أصحابه ببئر معونة، فقال رسول الله عليه وسلم: " أنت من بينهم؟ " يعني أفلتّ ولم تقتل كما قتلوا. ولمّا دنا عمرو من المدينة منصرفاً من بئر معونة لقي رجلين من بني كلاب فقاتلهما ثم قتلهما، وقد كان لهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمان، فوداهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهما القتيلان اللّذان خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني النّضير يستعينهم في ديتهما. قال: وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أميّة ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري سريّةً إلى مكّة، إلى أبي سفيان بن حرب، فعلم بمكانهما فطلبا فتواريا، وظفر عمرو بن أميّة في تواريه ذلك في الغار بناحية مكّة بعبيد الله بن مالك بن عبيد الله التّيميّ فقتله، وعمد إلى خبيب بن عديّ وهو مصلوب فأنزله عن خشبته، وقتل رجلاً من المشركين من بني الدّيل، أعور طويلاً؛ ثم قدم المدينة، فسرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدومه ودعا له بخير. وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى النّجاشيّ بكتابين كتب بهما إليه، في أحدهما أن يزوّجه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، وفي الآخر يسأله أن يحمل إليه من بقي عنده من أصحابه. فزوّجه النّجاشي أمّ حبيبة، وحمل إليه أصحابه في سفينتين. وكانت لعمرو بن أميّة دار بالمدينة عند الحكّاكين ويعني الخرّاطين ومات بالمدينة في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وقال ابن ماكولا: صحب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وشهد يوم بئر معونة ولم يفلت غيره، خلاّه عامر بن الطّفيل حين قال له: إنّي من مضر؛ وأنفذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس مرّات: مرّةً إلى النّجاشيّ

عمرو بن أمية بن عمرو

يدعوه إلى الإسلام، ومرّةً إلى النّجاشيّ يخطب له أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، ومرّةً يقدم بجعفر بن أبي طالب، ومرّةً إلى مسيلمة الكذّاب، ومرّةً ليقتل أبا سفيان بن حرب غيلة فحطّ خبيب بن عديّ عن خشبته. عن جعفر بن عمرو بن أميّة، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة نفر إلى أربعة وجوه، فبعث عمرو بن أميّة إلى النّجاشيّ، فلمّا أتى عمرو بن أميّة النّجاشيّ وجد لهم باباً صغيراً يدخلون منه مكبّرين، فلمّا رأى ذلك عمرو ولّى ظهره ودخل القهقرى. قال: فشقّ ذلك على الحبشة في مجلسهم عند النّجاشيّ حتى همّوا به، حتى قالوا للنّجاشيّ: إن هذا لم يدخل كما دخلنا. فقال له: ما منعك أن تدخل كما دخلوا؟ قال: إنّا لا نصنع هذا بنبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو صنعناه بأحد صنعناه به. قال: دعوه. قالوا للنّجاشيّ: إن هذا يزعم أن عيسى مملوك. قال: فقال: ما تقولون في عيسى؟ قال: كلمة الله وروحه. قال: ما استطاع عيسى أن يعدو ذلك. توفي في خلافة معاوية قبل السّتين. عمرو بن أميّة بن عمرو ابن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ وفد على هشام بن عبد الملك. ذكر أبو محمد عبد الله بن سعد القطربّليّ في كتاب " محاورات قريش " قال: قدم عمرو بن أميّة ابن عمرو بن سعيد على هشام فجفاه، فقال: من الوافر لعمرك للرّبيع أقلّ ديناً ... وأكثر صامتاً منّي مراراً وأفضل زائراً منّي مراراً ... وأجدر بالرّصافة أن يزارا

عمرو بن بحر بن محبوب

الرّبيع صاحب هشام، وكان الرّبيع كاتباً لهشام ثمّ استحجبه. ولم أجد ذكر عمرو بن أميّة هذا إلاّ من هذا الوجه. عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان البصريّ، المعروف بالجاحظ عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: دخلت على عمرو بن بحر الجاحظ، فقلت له: حدّثني بحديث، فقال: نا حجّاج بن محمد، نا حمّاد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة ". وعن أبي بكر بن أبي داود، قال: كنت بالبصرة فأتيت منزل الجاحظ عمرو بن بحر، فاستأذنت عليه، فاطّلع إليّ من خوخة، فقال: من هذا؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: ومتى عهدتني أقول بالحشويّة؟ فقلت: إنّي ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وبأبيك. فنزل ففتح لي وقال: ادخل، أيش تريد؟ فقلت: تحدّثني بحديث. فقال: اكتب؛ نا حجّاج، عن حمّاد، عن ثابت، عن أنس، أنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى على طنفسة. قلت: حديثاً آخر. فقال: ابن أبي داود لا يكذب. وروى عن أبي يوسف القاضي، قال: تغدّيت عند هارون الرّشيد، فسقطت من يدي لقمة فانتثر ما كان عليها من الطّعام؛ فقال: يا يعقوب خذ لقمتك، فإن المهديّ حدّثني عن أبيه المنصور، عن أبيه

محمد بن علي، عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولاداً كانوا صباحاً ". ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان، قال: واحتاج أصحابنا إلى التّسليم من عضّ البراغيث أيّام كنّا بدمشق، ودخلنا أنطاكية، فاحتالوا لبراغيثها بالأسرّة فلم ينتفعوا بذلك، لأن براغيثهم نوعان: الأبجل والبقّ. وقال أبو العنبس الصّيمريّ: وجدت عن الجاحظ أنه قال: سافرت مع الفتح يعني ابن خاقان إلى دمشق. قال أبو بكر الخطيب: أبو عثمان الجاحظ؛ المصنّف، الحسن الكلام، البديع التّصانيف، كان من أهل البصرة، وأحد شيوخ المعتزلة، وقدم بغداد فأقام بها مدّة، وقد أسند عنه أبو بكر بن أبي داود، وهو كنانيّ صليبة، وقيل: مولى، وكان تلميذ أبي إسحاق النظّام. وذكر يموت بن المزرّع: أن الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب مولى أبي القلمّس عمرو بن قلع لكناني ثم الفقيميّ، وكان جدّ الجاحظ أسود، وكان جمّالاً لعمرو بن قلع. قال يموت: والجاحظ خال أمّي. عن أبي بكر العمريّ، قال: سمعت الجاحظ يقول: نسيت كنيتي ثلاثة أيّام، فأتيت أهلي فقلت: بمن أكنّى؟ فقالوا: بأبي عثمان. حدّث الجاحظ سنة ثلاث وخمسين ومئتين، عن ثمامة بن أشرس، قال: شهدت رجلاً يوماً من الأيّام وقد قدّم خصماً له إلى بعض الولاه، فقال: أصلحك الله، ناصبيّ رافضيّ جهميّ مشبّه مجبّر قدريّ، يشتم الحجّاج بن الزّبير الذي

هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب! فقال له الوالي: ما أدري ممّ أتعجّب، من علمك بالأنساب أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال: أصلحك الله، ما خرجت من الكتّاب حتى تعلّمت هذا كلّه! قال عليّ بن القاسم الأديب الخوافي: حدّثني بعض إخواني: أنه دخل على عمرو بن الجاحظ، فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك؟ فقال له الجاحظ: سألتني عن الجملة فاسمعها منّي واحداً واحداً؛ حالي أن الوزير يتكلّم برأيي وينفذ أمري، ويواثر الخليفة الصّلات إليّ، وأكل من لحم الطّير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها؛ وأجلس على ألين الطّبريّ، وأتّكىء على هذا الرّيش، ثم أصبر حتى يأتي الله بالفرج! فقال له الرّجل: الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحبّ أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك بأمري، ويختلف إليّ، فهذا هو الفرج! قال محمد بن يزيد المبرّد: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى كرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر. وقال أبو سعيد الجنديسابوريّ: سمعت الجاحظ يصف اللّسان، قال: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبّر عن الضّمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يردّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعزّ يردّ الأحزان، ومعتذر يدفع الضّغينة، ومله يوثق الأسماع، وزارع يحدث المودّة، وحاصد يستأصل المودّة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحقّ الزّلفة، ومؤنس يذهب بالوحشة. وقال: قليل الموعظة مع نشاط الموعوظ خير من كثير وافق من الأسماع نبوةً ومن القلوب ملالةً. وقال: خمس يضنين؛ سراج لا يضيء، ورسول بطيء، وطعام ينتظر به، وإبريق يسيل، وبيت يكف.

قال المبّرد: رأيت الجاحظ يكتب شيئاً، فتبسّم. فقلت: ما يضحكك؟ فقال: إذا لم يكن القرطاس صافياً، والمداد نامياً، والعلم مواتياً، والقلب خالياً، فلا عليك أن تكون غائباً. وعن يموت بن المزرّع، قال: قال لنا عمرو بن بحر الجاحظ: ما غلبني قطّ إلاّ رجل وامرأة؛ فأمّا الرّجل، فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرق، فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللّحية، متّزر بمئزر، وبيده مشط يسقي به شقّةً ويمشطها بيده؛ فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى! فاستزريته. فقلت: أيّها الشّيخ، قد قلت فيك شعراً. قال: فترك المشط من يده، وقال: قل. فقلت: من الوافر كأنّك صعوة في أصل حشّ ... أصاب الحشّ طشّ بعد رشّ فقال لي: اسمع جواب ما قلت. فقلت: هات. قال: من الوافر كأنك كندر في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي وأمّا المرأة؛ فإني كنت مجتازاً في بعض الطّرقات، فإذا بامرأتين، وكنت راكباًعلى حمارة، فضرطت الحمارة؛ فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشّيخ تضرط! فغاظني قولها، فأعننت، ثم قلت لها: إنه ما حملتني أنثى إلاّ ضرطت. فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أمّ هذا منه تسعة أشهر في جهد جهيد. قال أبو بكر محمد بن إسحاق: قال لي إبراهيم بن محمود ونحن ببغداد: ألا تدخل على عمرو بن بحر الجاحظ؟ فقلت: ما لي له؟ قال: إنك إذا انصرفت إلى خراسان سألوك عنه، فلو دخلت عليه وسمعت كلامه. ثم لم يزل بي حتى دخلت عليه يوماً، فقدّم إلينا طبقاً عليه رطب،

فتناولت منه ثلاث رطبات، وأمسكت، ومرّ فيه إبراهيم، فأشرت إليه أن يمسك، فرمقني الجاحظ فقال لي: دعه يا فتى، فقد كان عندي في هذه الأيام بعض إخواني فقدّمت إليه الرّطب فامتنع، فحلفت عليه، فأبى إلاّ أن يبرّ قسمي بثلاثمئة رطبة. قال الجاحظ: رأيت جارية ببغداد في سوق النّخّاسين ينادى عليها، فدعوت بها، وجعلت أقلّبها، فقلت: ما أسمك؟ قالت: مكّة. قلت: الله أكبر، قد قرّب الله الحجّ؛ أتأذنين أن أقبّل الحجر الأسود؟ قالت: إليك عنّي، وألم تسمع الله تعالى يقول: " لم تكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس ". قال أبو العيناء: كان الجاحظ يأكل مع محمد بن عبد الملك الزّيّات، فجاؤوا بفالوذجة، فتولّع محمد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته ما رقّ من الجام، فأسرع في الأكل، فتنّظف ما بين يديه؛ فقال ابن الزّيات: تقشّعت سماؤك قبل سماء النّاس! فقال له الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقاً. وقال أبو العيناء: كنت عند ابن أبي داؤد بعد قتل ابن الزّيّات، فجيء بالجاحظ مقيداً وكان في أسبابه وناحيته وعند ابن أبي داؤد محمد بن منصور وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن أبي داؤد للجاحظ: ما تأويل هذه الآية " وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد "؟ فقال: تلاوتها تأويلها أعزّ الله القاضي. فقال: جيئوا بحدّاد. فقال: أعزّ الله القاضي ليفكّ عني أو ليزيدني؟ قال: بل ليفكّ عنك. قال: فجيء بالحدّاد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلاً؛ ففعل، فلطمه الجاحظ، فقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم

في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضّرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي داؤد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داؤد لمحمد بن منصور: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه. قال المبرد: حدّثني الجاحظ، قال: وقفت أنا وأبو حرب على قاصّ، فأردت الولوع به فقلت لمن حوله: إنه رجل صالح لا يحبّ الشّهرة فتفرّقوا عنه. فتفرّقوا عنه، فقال لي: الله حسيبك، إذا لم ير الصّياد طيراً كيف يمدّ شبكته؟ قال يموت بن المزرّع: سمعت خالي عمرو بن بحر الجاحظ يقول: أمليت على إنسان مرّةً: انا عمرو، فاستملى انا بشر، وكتب انا زيد. عن يحيى بن علي، قال: حدّثني أبي، قال: قلت للجاحظ: إني قرأت في فصل من كتابك المسمّى كتاب " البيان والتبيّن ": إن ممّا يستحسن من النّساء اللّحن في الكلام، واستشهدت ببيتي مالك بن أسماء يعني قوله: من الخفيف وحديث ألذّه هو ممّا ... ينعت النّاعتون يوزن وزناً منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ما كان لحناً قال: هو كذلك. قلت: أفما سمعت بخبر هند بنت أسماء بن خارجة مع الحجّاج حين لحنت في كلامها، فعاب ذلك عليها، فاحتجّت ببيتي أخيها؟ فقال لها: إن أخاك أراد أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير المعنى في الظّاهر لتستر معناه، وتورّي عنه، وتفهمه من أرادت بالتّعريض، كما قال الله تعالى: " ولتعرفنّهم في لحن القول " ولم يرد الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعةً ثم قال: لو سقط إليّ هذا الخبر لما قلت ما تقدّم. فقلت له:

فأصلحه. فقال: الآن، وقد سار الكتاب في الآفاق؟ هذا لا يصلح؛ أو نحو هذا من الكلام. أنشد أبو العيناء للجاحظ: من الوافر يطيب العيش أن تلقى حكيماً ... غذاه العلم والظّنّ المصيب فيكشف عنك حيرة كلّ جهل ... وفضل العلم يعرفه الأديب سقام الحرص ليس له شفاء ... وداء الجهل ليس له طبيب وأنشد المبرّد للجاحظ: من السريع إن حال لون الرّأس عن حاله ... ففي خضاب الرّأس مستمتع هب من له شيب له حيلة ... فما الذي يحتاله الأصلع قال إبراهيم بن رباح: أتاني جماعة من الشعراء فأنشدوني، وكلّ واحد منهم يدّعي أنه مدحني بهذه الأبيات، وأعطي كلّ واحد منهم عليها، وهي: من المتقارب بدا حين أثرى بإخوانه ... ففلّل عنهم شباة العدم وذكّره خصّة الله بالمكرما ... ت فمازج منه الحياء الكرم إذا همة قصرت عن يد ... تناولها بجزيل الهمم ولا ينكث الأرض عند السؤا ... ل ليقطع زوّاره عن نعم قال إبراهيم: فكان اللاحقيّ منهم، وأحسبها له؛ ثم آخر من جاءني الجاحظ، وأنا والي الأهواز، فأعطيته عليها مالاً؛ ثم كنت عند ابن أبي داؤد فدخل إلينا الجاحظ، فالتفت إليّ ابن أبي داؤد فقال: يا أبا إسحاق قد امتدحت بأشعار كثيرة ما سمعت شيئاً رفع قلبي وقبلته نفسي مثل أبيات مدحني بها أبو عثمان؛ ثم أنشدتها بحضرته: بدا حين أثرى بإخوانه.....

فقلت: جدّ أيّدك الله مقالاً. فقال: وعجبت من عمرو وسكوته، ولم أذكر من ذلك شيئاً. قال أبو سعيد البصريّ: قدمت على الجاحظ بعدما كبر سنّه، فقلت له: حدّثني. فقال: اكتب؛ الأمصار عشرة: الصّناعة بالبصرة، والفصاحة بالكوفة، والتّخنّث ببغداد، والغدر بالرّيّ، والجفاء بنيسابور، والحسد بهراة، والطّرمذة بسمرقند، والمروءة ببلخ، والبخل بمرو، والتّجارة بمصر. قال أبو العيناء: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلنا على الشيوخ ببغداد فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلويّ فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدّث بهذا بعدما مات. حدّث ابن أبي الذ يّال المحدّث بسرّ من رأى، قال: حضرت وليمةً حضرها الجاحظ، وحضرت صلاة الظّهر، فصلّينا وما صلّى الجاحظ، وحضرت صلاة العصر فصلّينا وما صلّى الجاحظ؛ فلمّا عزمنا على الانصراف قال الجاحظ لصاحب المنزل: إني ما صلّيت لمذهب أو لسبب أخبرك به. فقال له أو فقيل له: ما أظنّ أن لك مذهباً في الصّلاة إلاّ تركها. قال المبرّد: دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفّ مفلوج ولو نشر بالمناشير ما أحسّ به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه؛ والآفة في جميع هذا أني قد جزت التّسعين. ثم أنشدنا: من الوافر أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت أيّام الشّباب

عمرو بن بشر بن السرح

لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثّياب قال الصّوليّ: مات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومئتين. عمرو بن بشر بن السّرح أبو بشر العنسيّ من أهل دمشق. روى عن الوليد بن سليمان، بسنده إلى نعيم بن همّار الغطفانيّ، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله تعالى: ابن آدم لا تعجزّني من أربع ركعات في أوّل النّهار أكفك آخره ". وعن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدّرداء، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يحبّ القلب الحزين ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه ". قال عنه أبو حاتم: محلّه الصّدق، ما به بأس. وقال العقيليّ: منكر الحديث.

عمرو بن يزيد بن محمد

عمرو بن يزيد بن محمد ابن عبد الله ابن عمرو بن المؤمّل بن حبيب بن تميم بن عبد الله ابن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ أبو بكر القرشيّ المؤمليّ العدويّ قاضي دمشق للرّشيد والأمين، وهو أخو عمر بن أبي بكر. مات في الفتنة التي كانت بين المأمون ومحمد. عمرو بن أبي بكر بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان الأمويّ أمّه أم أبان بنت خالد بن عمرو بن عثمان بن عفّان. عمرو بن جامع بن عمرو ابن محمد بن حرب أبو الحسن الكوفيّ سكن دمشق، وحدّث بها. حدّث عن عمران بن موسى الطّرسوسيّ، عن أبي صالح كاتب اللّيث، عن يحيى بن أيّوب الخزاعيّ، قال: سمعت من يذكر أنه كان في زمن عمر بن الخطّاب شابّ متعبّد قد لزم المسجد، وكان عمر به معجباً، وكان له أب شيخ كبير، فكان إذا صلّى العتمة انصرف إلى أبيه، وكان طريقه على باب امرأة فافتنت به، فكانت تنصب نفسها له على طريقه؛ فمرّ بها ذات ليلة، فما زالت تغويه حتى تبعها، فلمّا أتى الباب دخلت، وذهب يدخل فذكر الله عزّ جلّ، وجلّي عنه، ومثلت هذه الآية على لسانه " إنّ الّذين اتقوا الله إذا مسّهم طائف من الشّيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ". قال: فخرّ الفتى مغشيّاً عليه؛ فدعت المرأة جاريةً لها فتعاونتا عليه فحملتاه إلى بابه، واحتبس على أبيه، فخرج أبوه يطلبه فإذا به على الباب مغشيّاً عليه، فدعا بعض أهله فحملوه فأدخلوه، فما أفاق حتى ذهب من اللّيل ما شاء الله عزّ وجلّ؛ فقال له أبوه: يا بنيّ مالك؟ قال: خير. قال: فإني أسألك. قال: فأخبر بالأمر. قال: أي بنيّ، وأيّ آية قرأت؟ فقرأ الآية التي كان قرأ، فخرّ مغشيّاً عليه، فحرّكوه فإذا هو ميّت؛ فغسّلوه وأخرجوه ودفنوه ليلاً. فلمّا أصبحوا رفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فجاء عمر إلى أبيه فعزّاه به، وقال: ألا آذنتني؟ قال: يا أمير المؤمنين، كان اللّيل. قال: فقال عمر: فاذهبوا بنا إلى قبره. قال: فأتى عمر ومن معه القبر. فقال عمر: يا فلان " ولمن خاف مقام ربّه جنّتان " فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربّي عزّ وجلّ في الجنّة. مرتين. قال أبو الحسين الرّازي: سكن دمشق بباب البريد، مات في شوال سنة ثلاثين وثلاثمئة. عمرو بن جزء الخولانيّ من ساكني داريّا، غزا مع بسر بن أبي أرطاة. قال: كنت مع أبي مسلم الخولانيّ بأرض الرّوم مع بسر بن أبي أرطاة، ونحن شاتون، فحرست ليلةً مطيرةً، فجئت وقد ابتلّت ثيابي، فإذا أبو مسلم وأصحابه قد أوقدوا ناراً

عمرو بن الجنيد بن عبد الرحمن المري عمرو بن الحارث بن عبد الله

عظيمةً، فلمّا رآني أقبل أبو مسلم يهرول إليّ فقال: وجبت وربّ الكعبة يقولها ثلاثاً استغفر لي يا بن أخي. ثم نزع ثيابي فجفّفها ثم ضمّني إليه حتى أدفأني. عمرو بن الجنيد بن عبد الرّحمن المرّيّ عمرو بن الحارث بن عبد الله العامريّ مولى بني عامر بن لؤيّ كان على خاتم عبد الملك بعد قبيصة بن ذؤيب، وقيل: كان كاتبه، وكان على خاتم الوليد بن عبد الملك. روى عن محمود بن الرّبيع، عن عبادة بن الصّامت: أن محموداً صلّى إلى جنبه يوماً، فسمعه يقرأ وراء الإمام، فسأله حين انصرف عن ذلك، فقال له: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمّنا يوماً، فانصرف إلينا وقد غلط في بعض القرآن، فقال: " هل قرأ معي أحد منكم؟ " قال " فقلنا: نعم. قال: " قد عجبت، قلت: من هذا الذي ينازعني القرآن، إذا قرأ الإمام فلا يقرأنّ أحد منكم معه إلاّ بأمّ القرآن ". روى عن عبد الله بن سالم، بسنده إلى أبي بحريّة الكنديّ: أنه أخبره عن عمر، أنه خرج على مجلس فيه عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب والزّبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقّاص وعبد الرّحمن بن عوف فقال: كلّكم يحدّث نفسه بالإمارة بعدي. قال: فسكتوا. فقال: كلّكم يحدّث نفسه بالإمارة بعدي. فقال الزّبير: نعم، كلّنا يحدّث نفسه بالإمارة بعدك ويراه لها أهلاً. قال: أفلا أحدّثكم عنكم؟ قال: فسكتوا. ثم قال: ألا أحدّثكم عنكم؟ فسكتوا. ثم قال: ألا أحدّثكم عنكم؟ قال الزّبير: فحدّثنا ولو سكتنا لحدّثتنا. فقال: أمّا أنت يا زبير فإنك

عمرو بن الحارث بن يعقوب

كافرالغضب مؤمن الرّضا، يوماً تكون شيطاناً ويوماً تكون إنساناً أفرأيت يوماً تكون شيطاناً من يكون الخليفة يومئذ؟ أمّا أنت يا طلحة فلقد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه عليك لعاتب. وأمّا أنت يا عبد الرّحمن فإنّك لما جاءك من خير لأهل. وأمّا أنت يا عليّ فإنك صاحب رياء وفيك دعابة. وإن منكم لرجلاً لو قسم إيمانه بين جند من الأجناد لأوسعهم، يريد عثمان بن عفّان. وأمّا أنت يا سعد فأنت صاحب مال. عمرو بن الحارث، مجهول العدالة، والمحفوظ عن عمر شهادته لهم بأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات وهو عنهم راض. عمرو بن الحارث بن يعقوب ابن عبد الله أبو أميّة الأنصاريّ، المصريّ الفقيه مولى قيس بن سعد بن عبادة وفد على يزيد بن الوليد ببيعة أهل مصر، في نفر من وجوههم، ثم خرج مع صالح بن علي الهاشميّ إلى الصّائفة فاجتاز بدمشق. روى عن ابن شهاب، بسنده إلى عائشة؛ أن أمّ حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتحت عبد الرّحمن بن عوف

استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذه ليست بالحيضة، ولكنّ هذا عرق فاغتسلي وصليّ ". قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب جحش حتى تعلو حمرة الدّم الماء. ولد سنة اثنتين أو إحدى وتسعين، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومئة، وكان أخطب النّاس وأرواه للشعر وأبلغه. وكان فقيهاً أديباً، وكان مؤدباً لولد صالح بن عليّ الهاشميّ، وكان ثقةً. عن اللّيث، قال: كان بين عمرو بن الحارث وبين أبيه الحارث بن يعقوب في الفضل كما بين السّماء والأرض، وكان بين الحارث وبين أبيه يعقوب كما بين السّماء والأرض؛ وكان يعقوب أفضل من الحارث، وكان الحارث أفضل من عمرو. وقال اللّيث: كنت أرى عمرو بن الحارث عليه أثواب بدينار، قميصه ورداؤه وإزاره، ثم لم تمض اللّيالي والأيّام حتى رأيته يجرّ الوشي والخزّ، فإنّا لله إليه راجعون. قال عمرو بن الحارث: الشّرف شرفان؛ شرف العلم وشرف السّلطان، وشرف العلم أشرفهما. قال أحمد بن حنبل: ليس فيهم يعني أهل مصر أصحّ حديثاً من اللّيث بن سعد، وعمرو بن الحارث يقاربه. توفي سنة سبع وأربعين ومئة، وقيل: ثمان وأربعين، وقيل: تسع وأربعين.

عمرو بن حازم بن عمرو بن عيسى بن موسى بن سعيد

عمرو بن حازم بن عمرو بن عيسى بن موسى بن سعيد ويقال: عمرو بن حازم بن عمرو بن حازم بن خالد بن عمرو أبو الجهم القرشيّ سمع منه في سنة ستّ وتسعين ومئتين. روى عن سليمان بن عبد الرّحمن، بسنده إلى أمّ سلمة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أحد يلبس ثوباً ليباهي به أو لينظر النّاس إليه، لم ينظر الله إليه حتى ينزعه ". وبه، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمنعنّ أحدكم هيبة النّاس أن يقول الحقّ إذا رآه أو سمعه ". عمرو بن حازم بن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النّجّار أبو الضّحّاك ويقال: أبو محمد الأنصاريّ النّجّاريّ له صحبة، شهد الخندق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله على نجران، وروى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. وقيل: إنه وفد على معاوية.

قال: رآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متكىء على قبر فقال: " لا توذ صاحب هذا القبر " أو قال: " لا تؤذه ". وعنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقعدوا على القبور ". قال محمد بن سعد: استعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، وأدرك بيعة معاوية ليزيد ابنه، ومات بعد ذلك. وقال أبو نعيم: أحد عمّال النّبيّ على اليمن، سكن المدينة، توفي في خلافة عمر بن الخطّاب، وقيل: بل توفي سنة أربع وخمسين؛ ويكنى أبا الضّحّاك؛ شهد الخندق هو وزيد بن ثابت، وكان أول مشهد شهده عمرو بن حزم. عن عبد الله بن لأبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقّه أهلها، ويعلّمهم السّنّة، ويأخذ صدقاتهم؛ فكتب لهم كتاباً وعهداً، وأمره فيه بأمره، فكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من الله ورسوله " يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ". عهد من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كلّه، " فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون "، وأمره أن يأخذ الحقّ كما أمره الله، وأن يبشّر النّاس بالخير ويأمرهم به،

ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه، وينهى النّاس فلا يمسّ أحد القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر النّاس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحقّ، ويشتدّ عليهم في الظّلم؛ فإن الله كره الظّلم ونهى عنه، وقال: " ألا لعنة الله على الظّالمين " ويبشّر النّاس بالجنّة وبعملها، وينذر النّاس النّار وعملها، ويتألّف النّاس حتى يفقهوا في الدّين، ويعلّم النّاس معالم الحجّ وسننه وفرائضه، وما أمره الله به في الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر والحجّ الأصغر: العمرة وينهى النّاس أن يصلّي الرّجل في الثوب الواحد صغيراً، إلاّ أن يكون واسعاً فليخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرّجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلىالسّماء، ولا يعقص شعر رأسه إذا عفا في قفاه، وينهى النّاس إذا كان بينهم هيج أن يدعوا بدعوى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسّيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر النّاس بإسباغ الوضوء، وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا برؤوسهم كما أمرهم الله؛ وأمره بالصّلاة لوقتها، وإتمام الرّكوع والخشوع، وأن يغلّس بالصّبح ويهجّر بالهجرة حين تميل الشّمس، وصلاة العصر والشّمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل اللّيل ولا يؤخّر حين تبدو النّجوم في السّماء، والعشاء أوّل اللّيل؛ وأمره بالسّعي إلى الجمعة إذا نودي لها، والغسل عند الرّواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين في الصّدقة من العقار فيما سقت العين، وفيما سقت السّماء العشر، وفيما سقى الغرب فنصف العشر. وفي كلّ عشر الإبل شاتان، وفي عشرين أربع؛ وفي أربعين من البقر بقرة، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، جذع أو جذعة؛ وفي كلّ أربعين من الغنم سائمةً وحدها شاة، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصّدقة، فمن زاد فهو خير له. وأنه من أسلم من يهوديّ أو نصرانيّ إسلاماً خالصاً من نفسه، فدان دين الإسلام فإنه

عمرو بن الحسن بن علي

من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم؛ ومن كان على نصرانيّته أو يهوديتّه فإنه لا يغيّر عنها، وعلى كلّ حالم ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد دينار واف أو عوضه من الثّياب، فمن أدّى ذلك فإن له ذمّة الله وذمّة رسوله؛ ومن منع ذلك فإنه عدّو لله ورسوله وللمؤمنين جميعاً. صلوات الله على محمد النّبيّ، والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته. توفي سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين. عمرو بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ الهاشميّ الحسنيّ خرج مع عمه الحسين بن علي إلى العراق، وكان فيمن قدم به دمشق مع علي بن الحسين. قال الزّبير بن بكار: فأما عمرو بن الحسن بن علي فولد محمداً وقد انقرض ولد عمرو بن الحسن بن علي، وكان رجلاً ناسكاً من أهل الصّلاح والدّين. عمرو بن حصين السّكسكي ويقال السّكونيّ من شجعاء أصحاب معاوية من فرسان أهل الشّام الذين شهدوا واقعة صفّين. عن تميم بن حذلم، قال: خرج حريث مولى معاوية يومئذ، وكان شديداً ذا بأس، فقال: أها هنا عليّ؟

عمرو بن حفص بن يزيد

هل لك يا علي في المبارزة؟ أقدم إذا شئت أبا حسن. فأقبل علي نحوه وهو يقول: من الرّجز أنا عليّ وابن عبد المطّلب ... نحن لعمر الله أولى بالكتب أهل اللّواء والمقام والحجب ... منّا النّبيّ المصطفى غير كذب نحن نصرناه على جلّ العرب ... يا أيها العبد الغرير المنتدب اثبت لنا يا أيّها الكلب الكلب ثم التقيا فبدأه عليّ فقتله. فلمّا قتل حريثاً نهد إليه عمرو ابن الحصين السّكسكيّ، فقال: يا أبا الحسن، هلّم إلي المبارزة. فشدّ على عليّ فأثنى عليه عليّ وهو يقول: من الرجز ما علّتي وأنا جلد صارم ... وعن يميني مذحج القماقم وعن يساري وائل الخضارم ... والقلب منّي مضر الجماجم أقسمت بالله العليّ العالم ... لا أنثني إلاّ بردّ الرّاغم فحمل عليه عمرو ليضربه بالسّيف، وبذره سعيد بن قيس فطعنه بالرّمح فدقّ صلبه. فقام عليّ بين الصّفّين فنادى: ويلك يا معاوية، ابرز إليّ، علام نضرب بعض النّاس ببعض؟ فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال له: ما ترى يا أبا عبد الله؟ فقال له عمرو: قد أنصفك الرّجل، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبّةً عليك وعلى عقبك ما بقي عربيّ. فقال له معاوية: يا بن العاص، أمثلي يخدع عن نفسه؟ والله ما بارز ابن أبي طالب رجلاً إلاّ سقى الأرض من دمه. عمرو بن حفص بن يزيد أبو محمد الثّقفيّ روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متى وجببت لك النّبوّة؟ قال: " فيما بين خلق آدم ونفخ الرّوح فيه ".

عمرو ويقال عمر بن حفص بن شليلة

قال المصنّف: لا أدري هذا وابن شليلة إلاّ واحداً، والله أعلم. عمرو ويقال عمر بن حفص بن شليلة أبو هشام الثّقفيّ الدّمشقيّ البزّاز مولى الحجّاج بن يوسف، ويعرف بابن زبر، وكانت داره بدمشق بناحية باب السّلامة. روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور من القرآن؛ في البقرة وآل عمران وطه ". قال: فالتمستها، فوجدت في البقرة آية الكرسيّ " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "، وفاتحة آل عمران " الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم "، وفي طه " وعنت الوجوه للحيّ القيّوم ". وعنه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متى وجبت لك النّبوّة؟ قال: " قيما بين خلق آدم ونفخ الرّوح فيه ". قال عنه أبو حاتم: دمشقيّ صدوق.

عمرو بن الحمق بن الكاهن

عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن ربيعة بن كعب الخزاعيّ له صحبة، سكن الكوفة ثم انتقل إلى مصر، وكان قد سيّره عثمان بن عفّان إلى دمشق. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من رجل أمّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً ". وروى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكون فتنة أسلم النّاس فيها أو خير النّاس فيها الجند الغربيّ " فلذلك قدمت عليكم مصر. قال العجليّ: لم يرو عمرو بن الحمق عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير حديثين: " إذا أراد الله بعبد خيراً عسله ". وفي حديث آخر: " من ائتمن على نفسه رجلاً فقتله ". قال المصنّف: كذا قال، وقد روينا له غيرهما. عن معمر، قال: بلغني أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالساً في أصحابه يوماً، فقال: " اللهم أنج أصحاب السّفينة " ثم مكث ساعةً فقال: " قد استمرّت " فلمّا دنوا من المدينة، قال: " قد جاؤوا يقودهم رجل صالح ".

قال: والذين كانوا في السّفينة الأشعريّون، والذي قادهم عمرو بن الحمق الخزاعيّ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أين جئتم؟ " قالوا: من زبيد. قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله في زبيد ". قالوا: وفي زمع. قال: " بارك الله في زبيد ". قالوا: وفي زمع يا رسول الله. قال في الثالثة: " وفي زمع ". وعن عمرو بن الحمق الخزاعيّ: أنه سقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اللهم أمتعه بشبابه " فمرّت به ثمانون سنة لم ير الشعرة البيضاء. وعن الأجلح بن عبد الله الكنديّ قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عمرو أتحبّ أن أريك آية الجنّة؟ " قال: نعم يا رسول الله؛ فمرّ على عليّ فقال: " هذا وقومه آية الجنّة ". فلمّا قتل عثمان وبايع النّاس عليّاً لزمه فكان معه حتى أصيب؛ ثم كتب معاوية في طلبه وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدّثني عمران بن سعيد البجليّ، عن رفاعة بن شدّاد البجليّ وكان مؤاخياً لعمرو بن الحمق أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتلي، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أن الجنّ والإنس تشترك في دمي؛ وقال لي: " يا عمرو إن أمنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى الله بوجه غادر ". قال رفاعة: فما أتمّ حديثه حتى رأيت أعنّة الخيل فودّعته، وواثبته حيّة فلسعته، وأدركوه فاحتزّوا رأسه فكان أول رأس أهدي في الإسلام. قتل سنة خمسين. وقيل: إحدى وخمسين.

عمرو بن حوي أبو حوي السكسكي

عمرو بن حويّ أبو حويّ السّكسكيّ من وجوه أهل دمشق وشجعانهم، كان ممدوحاً وله شعر، ذكره دعبل بن عليّ الخزاعيّ، وذكر أنه كان صديقاً له، وقال: كان جواداً شريفاً، ولي الرّيّ ثلاث سنين، فأنشد له دعبل فيما حكاه محمد بن داود بن الجرّاح: من الطويل هلمّ اسقينها لا عدمتك صاحباً ... ودونك صفو الرّاح إن كنت شاربا إذا أسرت نفس المدام نفوسنا ... جنينا من اللّذّات عنها الأطايبا أيا كوكباً لا يمسك اللّيل غيره ... بربّك لا تخبر علينا الكواكبا ويا قمر اللّيل المفرّق بيننا ... تأخّر عن الإفياء بالله جانبا ويا ليل لولا أن تشوبك غدرة ... بنا ما تبدّلنا بك الدّهر صاحبا دعوت حفاظاً باسمها طرف ناظري ... فكان لها عيناً عليّ مراقبا وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسّاني الدّمشقيّ يرثي عمرو بن حويّ السّكسكيّ. من الوافر فلو كان البكاء يردّ حقاً ... على قدر الرّزايا بالعباد لكان بكاك بعد أبي حويّ ... يقلّ ولو جرى بدم الفؤاد مضى وأقام ما دجت اللّيالي ... له مجد يجلّ عن النّفاد فإن يك غاب وجه أبي حويّ ... فأوجه عرفه غرّ بوادي عمرو بن الخبيب بن عمرو وجّهه أبو عبيدة بن الجرّاح من مرج الصّفّر بعد وقعة اليرموك إلى فحل.؟؟

عمر بن خير أبو خير الشعباني

عمر بن خير أبو خير الشّعبانيّ قال: كنت مع كعب الأحبار على جبل دير مرّان فأراني لمعةً حمراء سائلةً في الجبل، فقال: هاهنا قتل ابن آدم أخاه وهذا أثر دمه جعله الله آية للعالمين؛ وويل لأربع قرايات من قرى الغوطة، داريّا، وبيت الآبار، والمزّة وبيت لهيا؛ وليفنينّ أربع قبائل حتى لا يبقى لهنّ داعية؛ عكّ وسلامان وخشين وشعبان. عمرو بن الدّرفس والصحيح عمر تقدّم في باب عمر. عمرو بن الزّبير بن العوّام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ بن كلاب بن مرّة القرشيّ الأسديّ الزّبيري من الصّحابة، ولا أعرف له رواية، ووفد على معاوية ويزيد بن معاوية. عن مصعب بن ثابت، أن عبد الله بن الزّبير كانت بينه وبين أخيه عمرو بن الزّبير خصومة؛ فدخل عبد الله بن الزّبير على سعيد بن العاص، وعمرو بن الزّبير معه على السّرير، فقال سعيد

لعبد الله: هاهنا. فقال: لا، قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو سنّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الخصمين يقعدن بين يدي الحكم. قال الزّبير: وأمّا عمرو بن الزّبير فكان من أجمل أهل زمانه. قال محمد بن سعد: كتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن يوجّه إليه يعني عبد الله بن الزّبير جنداً، فسأل عمرو بن سعيد: من أعدى النّاس لعبد الله بن الزّبير؟ فقيل: أخوه عمرو بن الزّبير. فولاه شرطه بالمدينة؛ فضرب ناساً كثيراً من قريش والأنصار بالسّياط، وقال هؤلاء شيعة عبد الله بن الزّبير؛ وفرّ منه قوم كثير في نواحي المدينة، ثم وجّهه إلى عبد الله بن الزّبير في جيش من أهل الشّام ألف رجل وأمره بقتاله. فمضى عمرو بن الزّبير حتى قدم مكة فنزل بذي طوى، وأتى النّاس عمرو بن الزّبير يسلّمون عليه، وقال: جئت لأن يعطي عبد الله الطّاعة ليزيد ويبرّ قسمه، فإن أبى قاتلته. فقال له حنين بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنّه وفضله، تجعله في جامعة؟ ما أرى النّاس يدعونك وما تريد. قال: أرى أن أقاتل من حال دون ما خرجت له. ثم أقبل عمرو فنزل عند الصّفا، وجعل يرسل إلى أخيه ويرسل إليه أخوه، فيما قدم له. وكان عمرو يخرج فيصلّي بالنّاس وعسكره بذي طوى وابن الزّبير معه يشبك أصابعه في أصابعه ويكلّمه في الطّاعة ويلين له الكلام. فقال عبد الله بن الزّبير: ما بعد هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد وأنا أصلّي خلفك، ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشّام، فإني نظرت في ذلك فرأيته لا يحلّ لي أن أحل بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه. قال: لا، والله ما أقدر على ذلك. فهيّأ عبد الله بن صفوان قوماً كانوا معدّين مع ابن الزّبير من أهل السّراة وغيرهم،

فعقد لهم لواء، وخرج عبد الله بن صفوان من أسفل مكة من اللبط، فلم يشعر أنيس بن عمرو الأسلميّ وهو على عسكر عمرو بن الزّبير إلاّ بالقوم، فصاح بأصحابه وهم قريب على عدّة فتصافّوا، فقتل أنيس بن عمرو في المعركة؛ ووجّه عبد الله بن الزّبير مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف في جمع إلى عمرو بن الزّبير، فلقوه فتفرّق أصحابه عنه وانهزم عسكره من ذي طوى، وجاء عبيدة بن الزّبير إلى عمرو بن الزّبير فقال: أنا أجيرك من عبد الله. فجاء به إلى عبد الله أسيراً والدّم يقطر على قدميه؛ فقال: ما هذا الدّم؟ فقال: من الطويل لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما فقال: وتكلم أي عدو الله، المستحلّ لحرمة الله!. فقال عبيدة: إني قد أجرته فلا تخفر جواري. فقال: أنا أجير جوارك لهذا الظّالم الذي فعل ما فعل، فأما حقّ النّاس فإني أقتصّ لهم منه. فضربه بكل سوط ضرب به أحداً من الذين بالمدينة وغيرهم، إلاّ محمد بن المنذر بن الزّبير فإنه أبى أن يقتصّ، وعثمان بن عبد الله حكيم بن حزام فإنه أبى أيضاً. وأمر به فحبس في حبس زيد عارم مع عمرو بن الزّبير فأخذه فحبسه مع عمرو بن الزّبير، فسميّ ذلك الحبس بسجن عارم، وبنى لزيد عارم ذراعين في ذراعين وأدخله وأطبق عليه بالجصّ والآجرّ. وقال عبد الله بن الزّبير: من كان يطلب عمرو بن الزّبير بشيء فليأتنا نقصّه منه؛ فجعل الرّجل يأتي فيقول: نتف أشعاري. فيقول: انتف أشعاره. وجعل الآخر يقول: نتف حلمتي. فيقول: انتف حلمته. وجعل الرّجل يأتي فيقول: لهزني. فبقول: الهزه. وجعل الرّجل يقول: نتف لحيتي. فيقول: انتف لحيته.

عمرو بن زرارة بن قيس

وكان يقيمه كلّ يوم يدعو النّاس إلى القصاص منه سنةً؛ فقام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف فقال: جلدني مئة جلدة بالسّياط، وليس بوال، ولم آت قبيحاً، ولم أركب منكراً، ولم أخلع يداًمن طاعة. فأمر بعمرو أن يقام ودفع إلى مصعب سوطاً، وقال له عبد الله بن الزّبير: اضرب. فجلده مصعب مئة جلدة بيده. فتعكّر جسد عمرو فمات، فأمر به عبد الله فصلب. قال: ثم صحّ من بعد ذلك الضّرب، ثم مرّ به عبد الله بن الزّبيربعد أن أخرجه من السّجن جالساً بفناء المنزل الذي كان فيه، فقال أبا يكسوم، ألا أراك حيّاً؟. فأمر به فسحب إلى السّجن، فلم يبلغ حتى مات. فأمر به عبد الله فطرح في شعب الجيف، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بن الزّبير بعد. عمرو بن زرارة بن قيس ابن الحارث بن عداء بن الحارث بن عوف ويقال: ابن عمرو بن جشم بن كعب بن قيس بن سعد بن مالك بن النّخع بن عمرو النّخعيّ من أهل الكوفة، أدرك عصر النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ممّن سيّره عثمان بن عفّان من الكوفة إلى دمشق. عن سعيد بن عمرو بن زرارة عن أبيه، قال: كنت جالساً عند النّبيّ فتلا هذه الآية " إن المجرمين في ضلال وسعر " إلى قوله: " بقدر ". فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نزلت هذه الآية في ناس يكذّبون بقدر الله عزّ وجلّ ".

قال المصنّف: لا يحفظ لعمرو صحبة، وإنّما يقال: إن أباه زرارة له صحبة. قال محمد بن سعد: وفد إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد النّخع، وهم مئتا رجل، وكانوا آخر وفد قدموا من اليمن، فقدموا للنّصف من المحرم سنة إحدى عشرة من الهجرة، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث، ثم جاؤوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقرّين بالإسلام، وقد بايعوا معاذ بن جبل باليمن، فقال رجل منهم يقال له زرارة: يا رسول الله، إني رأيت في سفري هذا عجباً. قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما رأيت؟ " قال: رأيت أتاناً تركتها في الحيّ كأنها ولدت جدياً أسفع أحوى. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تركت أمةً لك مصرّةً على حمل؟ " قال: نعم يا رسول الله، تركت أمة لي قد حملت. قال: " فإنها قد ولدت غلاماً، وهو ابنك ". قال: يا رسول الله، فما باله أسفع أحوى؟ قال: " ادن منّي " فدنا منه، فقال له: " هل بك من مرض تكتمه؟ " قال: نعم، والذي بعثك بالحقّ ما علم به أحد، ولا اطّلع عليه غيرك. قال: " فهو ذاك ". قال: يا رسول الله، ورأيت النّعمان بن المنذر عليه قرطان ودملجان ومسكتان. قال: " ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيّه وبهجته ". قال: يا رسول الله، ورأيت عجوزاً شمطاء خرجت من الأرض. قال: " تلك بقيّة الدّنيا ". قال: ورأيت ناراً خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له عمرو، وهي تقول: لظى لظى، بصير وأعمى، أطعموني آكلكم أهلكم ومالكم. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك فتنة تكون في آخر الزّمان ". قال: يا رسول الله، وما الفتنة؟ قال: " يقتل النّاس إمامهم، ويشتجرون اشتجار أطباق الرّأس " وخالف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصابعه " يحسب المسيء فيها أنه محسن، ويكون دم المؤمن أحلّ من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن متّ أنت أدركها ابنك ". فقال: يا رسول الله، ادع الله أن لا أدركها. فقال

عمرو بن سبيع الرهاوي

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم لا يدركها ". فمات، وبقي ابنه عمرو بن زرارة، فكان أول خلق الله خلع عثمان بالكوفة وبايع عليّاً. عمرو بن سبيع الرّهاويّ وفد على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقد له لواء، وكان في جيش أسامة الذي خرج إلى البلقاء، وشهد مع معاوية صفّين. حدّث عمرو بن هزّان بن سعيد الرّهاويّ، عن أبيه، قال: وفد رجل منّا يقال له: عمرو بن سبيع إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعقد له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواءً، فقاتل بذلك اللّواء يوم صفّين مع معاوية؛ وقال في إتيانه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الطويل إليك رسول الله أعلمت نصّها ... تجوب الفيافي سملقاً بعد سملق على ذات ألواح أكلّفها السّرى ... تخبّ برحلي مرّةً ثم تعنق فما لك عندي راحة أو تلجلجي ... بباب النّبيّ الهاشميّ الموفّق عتقت إذاً من رحلة ثم رحلة ... وقطع دياميم وهمّ مؤرّق عمرو بن سعد بن الحارث ابن عبّاد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر له صحبة، وشهد مؤتة، واستشهد بها.

عمرو بن سعد الفدكي

عمرو بن سعد الفدكيّ مولى أمير المؤمنين عثمان بن عفّان. ذكر أبو زرعة الرّازي أنه دمشقيّ. روى عن نافع، قال: سأل عمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم، ويتوضّأ ". وعنه، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطّاب خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمرّ بثوب سيراء، فأقبل عمر يساومه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ماذا تريد إليه؟ " قال: أشتريه لك يا رسول الله، فتلبسه يوم عيد، وإذا قدم عليك الوفد. قال: " لا يلبس هذا في الدّنيا إلاّ من لاخلاق له في الآخرة ". قال عنه أبو زرعة: دمشقيّ ثقة. عمرو بن سعيد بن إبراهيم ابن طلحة بن عمرو بن مرّة الجهنيّ من أهل دمشق. عمرو بن سعيد أبي أحيحة ابن العاص بن أميّة بن عبد شمس أبو عتبة الأمويّ أخو خالد وأبان، لهم صحبة.

قدم دمشق مجاهداً، وقتل يوم أجنادين وأجنادين على قول سيف بعد اليرموك وفتح دمشق وحمص، فمن شهدها مّمن خرج أوّلاً فقد شهد الفتح وقيل: إنه قتل باليرموك. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل عمرو بن سعيد على خيبر ووادي القرى وتيماء وتبوك، وقبض النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يليها له. عن عبد الله بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: لمّا أسلم خالد بن سعيد وصنع به أبوه أحيحة ما صنع، فلم يرجع خالد عن دينه، ولزم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى خرج إلى الحبشة في الهجرة الثانية، غاظ ذلك أبا أحيحة وغمّه وقال: لأعتزلنّ في مالي لا أسمع شتم آبائي ولا عيب آلهتي، هو أحبّ إليّ من المقام مع هؤلاء الصّبأة. فاعتزل في ماله بالظّريبة نحو الطّائف، وكان ابنه عمرو بن سعيد على دينه، وكان يحبّه ويعجبه، فقال أبو أحيحة: من الطويل ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً ... إذا شبّ واشتدّت يداه وسلّحا أتترك أمر القوم فيه بلابل ... وتكشف غيظاً كان في الصدر موجحا قال: فلمّا خرج أبو أحيحة إلى ماله بالظّريبة أسلم عمرو بن سعيد، ولحق بأخيه خالد بن سعيد بأرض الحبشة. وعن أم خالد بنت خالد، قالت: قدم علينا عمّي عمرو بن سعيد أرض الحبشة بعد مقدم أبي بسنتين، فلم يزل هناك حتى حمل في السّفينتين مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدموا على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بخيبر سنة سبع من الهجرة، فشهد عمرو مع النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفتح وحنين والطّائف وتبوك؛ فلمّا خرج المسلمون إلى الشّام كان فيمن خرج، فقتل يوم أجنادين شهيداً في خلافة أبي بكر الصّدّيق في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وكان على النّاس يومئذ عمرو بن العاص.

قال الزّبير بن بكّار: وكان إسلام خالد متقدّماً، وأسلم أخوه عمرو وهاجرا جميعاً إلى أرض الحبشة، وكانا مّمن قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السّفينتين. ولعمرو وخالد يقول أبان بن سعيد أخوهما جميعاً: من الطويل ألا ليت ميتاً بالظّريبة شاهد ... لما يفتري في الدّين عمرو وخالد أطاعا بنا أمر النّساء فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكايد فأجابه عمرو بن سعيد، فقال: من الطويل أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة مقصر يقول إذا شكّت عليه أموره: ... ألا ليت ميتاً بالظّريبة ينشر فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله ... وأقبل على الحيّ الذي هو أفقر ثم أسلم أبان واستشهد بأجنادين. عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه: أن أعماماً له خالداً وعمراً بني سعيد رجعوا عن أعمالهم حين بلغتهم وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: ما أحد أحقّ بالعمل من عمّال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارجعوا إلى أعمالكم. قال بنو أبي أحيحة: لا نفعل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغيره. فخرجوا إلى الشّام فقتلوا جميعاً؛ وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء وخيبر. عن عبد الله بن قرط الثّماليّ وكان من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد نزل حمص وأقام بها قال: مررت يومئذ بعمرو بن سعيد ومعه رجال من المسلمين سبعة أو ثمانية، وهم بارزو أيديهم نحو العدوّ، ويقول: " يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم

الأدبار " حتى فرغ من الآية ولكن الجنّة نعم المصير، ولمن؟ هي والله لمن يشري نفسه لله، وقاتل في سبيل الله. ونادى: يا أهل الإسلام، أنا عمرو بن سعيد بن العاص، لا تفرّوا فإنّ الله يراكم، ومن رآه فارّاً عن نصر دينه مقته، فاستحيوا من ربّكم أن يراكم تطيعون أبغض خلقه إليه الشّيطان الرّجيم وتعصونه وهو أرحم الرّاحمين. قال عبد الله بن قرط: ودنا القوم من الرّوم فحملوا حملةً منكرة فرّقت بيني وبين أصحابي، فانتهيت إلى عمرو بن سعيد. قال: فقلت في نفسي: ما أنا بواجد اليوم في هذا العسكر رجلاً أقدم صحبة ولا أقرب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابةً من هذا الرّجل؛ فدنوت منه ومعي رمحي، وقد أحاطت به من العدوّ جماعةً، فحملت عليهم فأصرع منهم واحداً، ثم أقبلت إليه وأقف معه، ثم قلت له: يا ابن أبي أحيحة أتعرفني؟ قال: نعم، ألست أخا ثقيف؟ فقلت له: لم تبعد من الإخوان والجيران والحلفاء، أنا أخو ثمالة، أنا عبد الله بن قرط. قال: مرحباً بك، أنت أخي في الإسلام وأقرب نسباً، والله لئن استشهدت لأشفعنّ لك. قال: فنظرت فإذا هو مضروب على حاجبه بالسّيف، وإذا الدّماء قد ملأت عينيه، وإذا هو لا يستطيع أن يطرف ولا يستطيع أن يفتح عينيه من الدّم. قال: فقلت: أبشر بخير فإن الله معافيك من هذه الضّربة، ومنزل النّصر على المسلمين. قال: أمّا النّصر على أهل الإسلام فأنزله الله فعجّل، وأمّا أنا فجعل الله لي هذه الضّربة شهادةً وأهدى إليّ بأخرى مثلها، فوالله ما أحبّ أنها بعرض أبي قبيس، والله لولا أن قتلي يكسر بعض من ترى حولي لأقدمت على هذا العدوّ حتى ترى يا بن أخي أن ثواب الشّهادة عظيم، وأن الدّنيا دار لا نسلم فيها. قال عبد الله: فما كان بأسرع أن شدّت علينا منهم جماعة، فمشى إليهم بسيفه فضاربهم ساعةً

عمرو بن سعيد بن العاص

وانكشف الكفّار. قال: فشددنا عليهم فصرعنا منهم ثلاثة، وإذا نحن بصاحبنا صريع، وقد قتل وبه أكثر من ثلاثين ضربة ممّا رأوا من شدّة قتاله إيّاهم، فحنقوا عليه، فأخذوه يجزّعونه بأسيافهم. وقال معاذ بن جبل حين حصر القتال: يا أهل الإسلام، إن هذا اليوم له ما بعده، غضّوا أبصاركم وقدّموا أقدامكم على عدوّكم، ولا تفارقوا ذراريكم، ولا تزولوا عن مصافّكم، والعدوّ منهزمون، وسوقوهم سوقاً، ولا تشاغلوا عنهم بغنائمهم ولا بما في عسكرهم، إني أخاف أن يكون لهم عليكم عطفة إن أنتم تفرّقتم واشتغلتم بغنائمكم واطلبوهم حتى لا ترونّ لهم جمعاً ولا صفّاً. فمضى المسلمون على راياتهم وصفوفهم يقتلون ويأسرون، فقتلوا منهم في المعركة أكثر من ثلاثة آلاف، وقتلوا في عسكرهم نحواً من ألفين، فخرجوا على ذلك والجند يتبعهم حتى اقتحموا في فحل، وفحل على الهوتة تحتها الماء. قال: وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. عمرو بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس أبو أميّة الأموي المعروف بالأشدق وهو ابن ابن أخي المذكور آنفاً. ولاّه معاوية ويزيد المدينة، ثم إنه بعد ذلك طلب الخلافة، وزعم أن مروان جعله

وليّ عهده بعد عبد الملك ابنه، وغلب على دمشق، ثم قتله عبد الملك بعد أن أعطاه الأمان. يقال: إنه رأى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدّث قال: كنت عند عثمان فدعا بطهور، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من أمرىء مسلم تحضره صلاة متوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلاّ كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب ما لم يؤت كبيرةً، وذلك الدّهر كلّه ". أخرجه مسلم. وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن ". قال المصنّف: وهذا عندي مرسل. عن عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال: لمّا حضرت سعيد بن العاص الوفاة جمع بنيه فقال: أيّكم يكفل ديني؟ فسكتوا. فقال: ما لكم لا تكلّمون؟ فقال عمرو الأشدق وكان عظيم الشدّقين: وكم دينك يا أبه؟ قال: ثلاثون ألف دينار. قال: فيم استدنتها يا أبه؟ قال: في كريم سددت فاقته، وفي لئيم فديت عرضي منه. فقال عمرو: هي عليّ يا أبه. فقال سعيد: مضت خلّة وبقيت خلّتان. فقال عمرو: ما هما يا أبه؟ قال: بناتي لا تزوّجهن إلاّ من الأكفاء ولو بفلق الخبز الشّعير. فقال: وأفعل يا أبه. قال سعيد: مضت خلّتان وبقيت خلّة واحدة. فقال: وما هي يا أبه؟ فقال: إخواني، إن فقدوا وجهي فلا يفقدون معروفي. فقال عمرو: وأفعل يا أبه. فقال سعيد: أما والله ولئن قلت ذلك لقد عرفت ذلك في حماليق وجهك وأنت في مهدك.

ثم قال سعيد: ما شتمت رجلاً كنت رجلاً، ولا كلّفت من يرتجبيني أن يسألني؛ لهو أمنّ عليّ منّي عليه إذا قضيتها له إذ قصدني لحاجته. عن الزّبير بن بكّار، قال: وكان عمرو بن سعيد ولاّه معاوية المدينة، ثم ولاّه يزيد بن معاوية، وبعث عمرو بعثاً إلى ابن الزّبير بمكة؛ وقتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد بعد ذلك. وكان عمرو بن سعيد يدّعي أن مروان بن الحكم جعل إليه ولاية العهد بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان؛ فلّما شخص عبد الملك إلى حرب مصعب بن الزّبير خالف عليه عمرو وغلّق دمشق، فرجع إليه عبد الملك فأعطاه الأمان، ثم غدر به فقتله؛ فقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص في ذلك: من الطويل أعينيّ جودا بالدّموع على عمرو ... عشيّة تبتزّ الخلافة بالغدر كأن بني مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطّير اجتمعن على صقر غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل ... وأنتم ذوو قربى به وذوو صهر فرحنا وراح الشّامتون عشيّة ... كأن على أكتافنا فلق الصّخر وقال في ذلك سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: من الطويل دعوت ولم أملك أفهر بن مالك ... وهل تنفعنيّ إن هتفت بها فهر لعمرك لا أنسى وإن طال عهدها ... أحاديث عمرو إذ قضى نحبه عمرو وقال التّيميّ: من الطويل فلا تحسب السّلطان عاراً عقابها ... ولا ذلّة عند الحفائظ في الأصل فقد السّلطان عمراًو مصعباً ... قريعي قريش واللّذين هما مثلي عماد بني العاص الرّفيع عمادها ... وقرم بني العوّام آنية النّحل قال: كان يقال لمصعب بن الزّبير: آنية النّحل من كرمه؛ وكان مروان يلّقب بخيط باطل.

عمرو بن سعيد أبو سعيد الثقفي

قال الخليفة: وفيها يعني سنة سبعين خلع عمرو بن سعيد بن العاص عبد الملك بن مروان، وأخرج عبد الرّحمن بن أم الحكم عن دمشق وكان خليفة عبد الملك عليها؛ فسار إليه عبد الملك فاصطلحا على أن يكون عمرّو الخليفة من بعد عبد الملك، وعلى أن لعمرو مع كلّ عامل عاملاً، وفتح المدينة ودخل عليه عبد الملك، ثم غدر به فقتله. وقال له عبد الملك: أبا أميّة، لو أعلم أن تبقى وتصلح قرابتي لفديتك ولو بدم النّواظر، ولكنه قلّ ما اجتمع فحلان في إبل إلاّ أخرج أحدهما صاحبه، فأخذ السّيف وهو يقول: من البسيط يا عمرو إلاّ تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة: اسقوني عمرو بن سعيد أبو سعيد الثّقفيّ مولاهم، البصريّ وفد على الوليد بن يزيد. روى عن أبي زرعة بن عمرو، عن جرير بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتل عرف فرس بأصبعيه وهو يقول: " الخيل معقود بنواصيها الخير، الأجر والمغنم، إلى يوم القيامة ". قال عمرو بن سعيد الثّقفيّ: أوفدني يوسف بن عمر إلى الوليد، فلّما قدمت قال لي: كيف رأيت الفاسق؟ يعني الوليد ثم قال: إيّاك وأن يسمع هذا منك أحد. فقلت: حبيبة بنت عبد الرحمن بن جبير طالق إن سمعته أذني ما دمت حيّاً. فضحك.

عمرو بن سعيد أبو بكر الأوزاعي

قال ابن سعد: وكان ثقةً. وروى عن أنس، قال: ما رأيت بالعيال من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عمرو بن سعيد أبو بكر الأوزاعيّ روى عن أبي سلام الأسود، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ساء ته سيّئته وسرّته حسنته فهو مؤمن ". عمرو بن سفيان ويقال: عمرو بن عبد الله بن سفيان ويقال: سفيان بن عمرو ويقال: الحارث بن ظالم بن علس وهو: عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعيد ابن قائف بن الأوقص بن مرّة بن هلال ابن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان أبو الأعور السّلميّ يقال: له صحبة، ويقال: لا صحبة له. وشهد اليرموك أميراً على كردوس، وكان مع معاوية بصفّين، وكان على أهل الأردنّ وهم الميسرة.

روى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما أخاف على أمّتي شحّاً مطاعاً، وهوىّ متعباً، وإماماً ضالاً ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إيّاكم وأبواب السّلطان فإنه قد أصبح صعباً هبوطاً ". وعن إسحاق بن بشر القرشيّ، قال: قالوا: وانحطّ إلى أبي بكر رجال من بني سليم فيهم عمرو بن سفيان، وهو أبو الأعور، وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه فقال: إنّا قد جئناك من غير قحمة عد وّ ولا عدم من مال، فإن شئت أقمنا معك مرابطين، وإن شئت وجّهتنا إلى عدوّك من المشركين. فقال أبو بكر: لا، بل تجاهدون الكفّار وتواسون المسلمين. قالوا: فسار حتى قدم بمن معه على أبي عبيدة بن الجرّاح. قال: ونزل أيضاً أبو في الأعور السّلميّ يعني يوم اليرموك فقال: يا معشر قيس خذوا نصيبكم من الأجر والصّبر، فإن الصّبر في الدّنيا عز ومكرمة، وفي الآخرة رحمة وفضيلة؛ فاصبروا وصابروا. قال اللّيث بن سعد: ثم كانت غزوة عمّورية، أمير أهل مصر وهب بن عمير الجمحيّ، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. وعن يزيد بن عبيدة، قال: ثم غزا أبو الأعور السّلمي قبرس غزوتها الآخرة سنة ست وعشرين. وغزيت قبرس الثانية سنة سبع وعشرين، عليهم أبو الأعور السّلميّ. عن أبي عبد الرحمن؛ أن أبا الأعور السّلمي كان جالساً في مجلس فقال رجل: والله ما خلق الله شيئاً أحبّ

عمرو بن أبي سلمة أبو حفص الدمشقي

إليّ من الموت. فقال أبو الأعور السّلمي: لأن أكون مثلك أحبّ إليّ من حمر النّعم، ولكنّي والله أرجو أموت قبل أن أرى ثلثاً؛ أن أنصح فتردّ نصيحتي، وأرى الغير فلا أستطيع تغييره، وقبل الهرم. عمرو بن أبي سلمة أبو حفص الدّمشقيّ نزيل تنّيس. حدّث عن الأوزاعي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن اليهود والنّصارى لا تصبغ، فخالفوهم ". وعن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كلوا واشربوا وتصدّقوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ". وعنه، بسنده إلى عجرد بن مدرع التّميميّ: أنه نازع رجلاً عند أبيّ بن كعب، فقال: يال تميم. فقال أبيّ: أعضّك الله بأير أبيك. فقالوا: ما عهدناك يا أبا المنذر فحّاشاً. فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا من اعتزى بعزاء الجاهليّة أن نعضّه ولا نكني. وعن الأوزاعي، بسنده إلى ربيعة بن كعب الأسلميّ، قال: كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه بوضوئه وبحاجته، فكان يقوم من اللّيل فيقول: " سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده، سبحان ربّي وبحمده " الهويّ، ثم يقول: " سبحان ربّ العالمين، سبحان ربّ العالمين " الهويّ.

عمرو بن سليمان بن عبد الملك

قال أبو حفص: الهويّ: هويّ من اللّيل. قال ابن يونس: قدم مصر، وسكن تنّيس، وله بها بقيّة من ولده إلى الآن، ولهم ربع، وله جباب للماء مسبلة للنّاس والبهائم، وكان ثقةً. توفي بتنّيس سنة ثلاث عشرة ومئتين. وقال مرّة أخرى: سنة أربع عشرة ومئتين. قال نصر بن مرزوق المصريّ: سمعت عمرو بن أبي سلمة يقول: قلت للأوزاعيّ: منذ أربعة أيّام لم أسمع منك إلاّ ثلاثين حديثاً!. قال: وتستقلّ ثلاثين حديثاً في أربعة أيّام؟ لقد سار جابر بن عبد الله إلى مصر، واشترى راحلةً وركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد، وانصرف إلى المدينة؛ وأنت تستقلّ ثلاثين حديثاً في أربعة أيّام. الصّحيح أنه مات سنة أربع عشرة ومئتين. عمرو بن سليمان بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأمويّ وأمّه أمّ ولد. عمرو بن سليم الحضرميّ الحمصيّ يأتي ذكره في باب الكنى إن شاء الله، في ترجمة أبي عذبة.

عمرو بن سهيل بن عبد العزيز

عمرو بن سهيل بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ بعثه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عامل يزيد بن الوليد على العراق أميراً على البصرة. وبلغني أن عمرو بن سهيل قتله مروان بن محمد بن مروان. عمرو بن شراحيل أبو المغيرة العنسيّ الدّارانيّ وكان قدريّاً. روى عن بلال بن سعد، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول الله، أيّ أمتك خير؟ قال: " أنا وأقراني ". قال: ثم ماذا؟ قال: " ثم يأتون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويحلفون ولا يستحلفون، ويؤتمنون ولا يؤدّون ". قال أبو زرعة: أبو المغيرة، عمرو بن شراحيل، من الثّقات. عن عمرو بن شراحيل، قال: سيّرنا هشام بن عبد الملك إلى دهلك، فلم ننزل بها حتى مات هشام واستخلف

عمرو بن شعيب بن محمد

الوليد، فكلّم فينا فأبى، وقال: والله ما عمل هشام عملاً أرجى له عندي أن تناله المغفرة، من قتله القدريّة وتسييره إيّاهم. وكان الوالي علينا الحجّاج بن بشر بن فيروز بن الدّيلمي؛ فكان يقول: لا يعيش إلاّ ثمانية عشر شهراً حتى يقتل، ويكون قتله سبب هلاك أهل بيته. عمرو بن شعيب بن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم أبو عبد الله، ويقال: أبو إبراهيم، القرشيّ السّهميّ روى عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحضر الجمعة ثلاثة؛ فرجل حضرها بلغو فهو حظّه منها؛ ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه؛ ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفّارة له إلى التي تليها وزيادة ثلاثة أيّام، ذلكم بأن الله يقول: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ". وعن أبيه، عن جدّه، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في كم تقطع اليد؟ قال: " لا تقطع في ثمر معلّق، فإذا ضمّه الجرين قطعت في ثمن المجنّ، ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا آواها المراح قطعت في ثمن المجنّ ". وسئل عن ضوالّ الغنم، قال: " لك أو لأخيك أو للذّئب زاد عبد الله: خذها ".

وسئل عن ضوالّ الإبل، فقال: " معها الحذاء والسّقاء، دعها حتى يجدها ربّها ". وسئل عن اللّقطة، فقال: " ما كان في طريق مائيّ أو في قرية عامرة فعرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلاّ فلك، وما لم يكن في طريق مائي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الرّكاز الخمس ". وبه، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نتف الشّيب. وعن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: أن رجلاً وهب هبة فرجع فيها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا مثل الكلب الذي يأكل، حتى إذا شبع قاء ما في بطنه، ثم رجع إليه فأكله ". قال ابن أبي حاتم: سكن مكة، وكان يخرج إلى الطّائف إلى ضيعة له. عن رجاء بن أبي سلمة، قال: سمعت عمرو بن شعيب بمكة يقول: لا نفل بعد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال سليمان بن موسى: أشغلك أكل الزّبيب بالطّائف؛ حدّثنا مكحول، عن زيادة بن جارية اللّخميّ، عن حبيب بن مسلمة الفهريّ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل في البدأة الرّبع بعد الخمس، وفي الرّجعة الثّلث بعد الخمس. قال المصنّف: وليس في هذا الحديث حجّة على رد قول عمرو فإنه لم ينكر أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل،

عمرو بن شمر بن غزية

ويستدل عليه سليمان بهذا وهو يقّر بأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفّل؛ فلو كان في الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك بعده حجّةً عليه. عن الأوزاعيّ، قال: ما رأيت قرشيّاً أكمل من عمرو بن شعيب. قال خليفة: وفي سنة ثمان عشرة ومئة مات عمرو بن شعيب. وزاده غيره: بالطّائف. عمرو بن شمر بن غزيّة ممّن أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من قوّاد اليمن الذين شهدوا فتح دمشق. قال ابن ماكولا: أمّا غزيّة؛ بفتح الغين وكسر الزّاي، عمرو بن شمر بن غزيّة؛ من قوّاد اليمن، بقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان. عمرو ويقال: عمير بن شييم ويقال: شييم بن عمرو بن عبّاد بن بكر بن عامر بن أسامة بن مالك بن جشم ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، التّغلبيّ المعروف بالقطاميّ شاعر من فحول الشّعراء، وكان نصرانيّاً فأسلم، فقدم دمشق مادحاً للوليد بن عبد الملك، ويقال: لعمر بن عبد العزيز.

قال الدّارقطنيّ: سمّي القطاميّ بقوله: من الرجز يحطهنّ جانباً فجانباً ... حطّ القطاميّ قطاً قواربا والقطاميّ: اسم من أسماء الصّقر، وهو مشتق من القطم، وهو: القطع. قال أبو عمرو: أول ما حرّك من القطاميّ فرفع من ذكره أنه قدم في خلافة الوليد بن عبد الملك دمشق ليمدحه، فقيل له: إنه بخيل لا يعطي الشّعراء؛ وقيل: بل قدمها في خلفة عمر بن عبد العزيز، فقيل له: إن الشّعر لا ينفق عند هذا ولا يعطي عليه شيئاً، وهذا عبد الواحد بن سليمان فامتدحه؛ فمدحه بقصيدة التي أوّلها: من البسيط إنّا محيوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل فقال له: كم أمّلت من أمير المؤمنين؟. قال: أمّلت أن يعطيني ثلاثين ناقة، فقال: قد أمرت لك بخمسين ناقة وأن يوقر لك برّاً وتمراً وثياباً. ثم أمر بدفع ذلك إليه. قال الكلابيّ: قال عبد الملك بن مروان للأخطل: من أشعر النّاس؟ قال: أنا، ثم المغدف القناع، القبيح السّماع، الضّيق الذّراع؛ يعني القطاميّ. قال الأصمعي: سأل عمرو بن سعيد القرشيّ الأخطل: أيسرك أن لك شعراً بشعرك؟ قال: لا والله ما يسرني أنّ لي بمقولي مقولاً من مقاول العرب، غير أن رجلاً من قومي قد قال أبياتا حسدته عليها، وايم الله إنه لمغدف القناع، ضيّق الذّراع، قليل السّماع. قال: ومن هو؟ قال: القطاميّ. قال: وما الأبيات؟ قال: قوله: من البسيط

يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلة ... ولا الصّدور على الأعجاز تتّكل من كلّ سامية العينين تحسبها ... مجنونة أو ترى ما لا ترى الإبل حتى وردن ركيّات الغوير وقد ... كاد الملاء من الكتّان يشتعل يمشين معترضات والحصا رمض ... والرّيح ساكرة والظّل معتدل والعيش لا عيش إلا ما تقرّ به ... عين ولا حال إلاّ سوف ينتقل إن تصبحي من أبي عثمان منجحة ... فقد يهون على المستنجح العمل والنّاس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي، ولأمّ المخطئ الهبل قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل قال القاضي: لعمري إن هذه الأبيات لمن رصين الشعر وبليغه، وكلمة القطانيّ التي هذه الأبيات منها من أجود شعره. قال محمد بن سلام: وكان القطاميّ شاعراً فحلاً، رقيق الحواشي، حلو الشّعر، والأخطل أبعد منه ذكراً، وأمتن شعراً. وكان زفر بن الحارث أسره في حرب بينهم وبين تغلب، فمنّ عليه وأعطاه مئة من الأبل، وردّ عليه ماله، فقال القطاميّ في كلمة له: من البسيط من مبلغ زفر القيسيّ مدحته ... عن القطاميّ قولاً غير إفناد فلن أثيبك بالنّعماء مشتمة ... ولن أبدّل إحساناً بإفساد إنيّ وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلاّ ضربة الهادي مثن عليك بما أسلفت من حسن ... وقد تعرّض منّي مقتل بادي فإن هجوتك ما تّمت محافظتي ... وإن مدحت لقد أحسنت إصفادي إذ يعتريك رجال يسألون دمي ... ولو تعطيهم أبكيت عوّادي

وإذ يقولون: أرضيت العداة بنا ... لا، بل قدحت بزند غير صلاّد ولا كردّك مالي بعدما كربت ... تبدي الشّماتة أعدائي وحسّادي فإن قدرت علي يوم جزيت به ... والله يجعل أقواماً بمرصاد فلمّا بلغ زفر قوله قال: لا قدرت على ذلك اليوم. وقال يمدحه في أخرى: من الوافر ومن يكن استسلام إلى ثويّ ... فقد أحسنت يا زفر المتاعا أكفر بعد دفع الموت عنّي ... وبعد عطائك المئة الرّتاعا فلم أر منعمين أقلّ منّاً ... وأكرم عندما اصطنعوا اصطناعا من البيض الوجوه بني نفيل ... أبت أخلاقهم إلاّ اتّساعا بني القرم الذي علمت معدّ ... تفضّل فوقهم حسباً وباعا وهو يقول في كلمة أخرى: من البسيط إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت وإن طالت بك الطّيل والنّاس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي، ولأمّ المخطىء الهبل قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل أمّا قريش فلن تلقاهم أبداً ... إلاّ وهم خيرمن يحفى وينتعل قوم هم أمراء المؤمنين وهم ... رهط النّبيّ فما من بعده رسل وفيها يقول: وما هواي لتسليم على دمن ... بالغور غيّرهنّ الأعصر الأول فهنّ كالحلل الموشيّ ظاهرها ... أو كالكتاب الذي قد مسّه بلل كانت منازل بالغور منّا ما يجهمنا ... حتى تحلل دهر محيل حيل والعيش لا عيش إلاّ ما تقرّبه ... عين ولا حال إلاّ سوف ينتقل

عن محمد بن عبيد الله العتبيّ، قال: خرجت إلى المربد فإذا بأعرابيّ غزل، فملت إليه، فذكرت عنده النّساء، فتنفّس ثم قال: يا بن أخي، وإن من كلامهنّ لما يقوم مقام الماء فيسقي من الظّمأ. فقلت: يا أعرابيّ، صف لي نساءكم. فقال: نساء الحيّ تريد؟ قلت: نعم. فأنشأ يقول: من الكامل رجح ولسن من اللّواتي بالضّحى ... لذيولهنّ على الطّريق غبار وإذا خرجن يردن أهل مصيبة ... كان الخطا لسراعها الإستار يأنسن عند بعولهنّ إذا خلوا ... وإذا هم خرجوا فهنّ خفار قال العتبيّ: فرجعت إلى أبي فذكرت ذلك له. فقال: أتدري من أين أخذ الأعرابيّ قوله: وإن من كلامهنّ لما يقوم مقام الماء فيسقي من الظّمأ؟ قال: من قول القطاميّ: من البسيط يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه باد فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي قال الأصمعيّ: قال بلال بن أبي بردة لجلسائه ذات ليلة: خبّروني بسابق الشعراء والمصلّي والثّالث والرّابع. فسكتوا. ثم قالوا له: إن رأى الأمير أصلحه الله أن يخبرنا بذلك فعل. قال: سابق الشعراء قول المرقّش: من الطويل من يلق خيراً يحمد النّاس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائماً والمصلّي قول طرفة: من الطويل

عمرو بن صفوان بن أمية

ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد والثّالث قول النّابغة: من الطويل ولست بمستبق أخاً لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرّجال المهذّب؟ والرّابع قول القطاميّ: من البسيط قد يدرك المتأنيّ بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل عمرو بن صفوان بن أميّة ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب القرشيّ، الجمحيّ، المكّيّ سكن دمشق، وعرض عليه يزيد بن معاوية ولاية مكّة، فأبى. عمرو بن طراد بن عمرو ابن حاتم بن سقر أبو القاسم الأسديّ الخلاّد حدّث عن أبي بكر الميانجيّ، بسنده إلى عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الورس والزّعفران. قال شعبة: قلت لعبد الله: المحرم؟ قال: نعم. توفي في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وأربعمئة. وكان ثقةً مأموناً من أهل السّنّة.

عمرو بن الطفيل بن عمرو

عمرو بن الطّفيل بن عمرو ابن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ابن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن نصر بن الأزد الأزديّ، الدّوسيّ وهو عمرو بن ذي النّور، أرسله خالد بن الوليد عند توجّهه من العراق إلى الشّام بشيراً لأبي عبيدة ومن بالشّام من المسلمين بتوجّهه إليهم، فأتى أبا عبيدة بالجابية، فأخبره بذلك. قال أبو نعيم الحافظ: عمرو ذو النّور، وهو ابن الطّفيل الدّوسيّ، كان النّبيّ دعا له، واستشهد يوم اليرموك، وذو النّور هو أبوه الطّفيل بن عمرو، وابنه عمرو مختلف في صحبته. وقال عبد الله بن محمد بن ربيعة القداميّ في كتاب فتوح الشّام: وكان عمرو جليداً شديداً، أصابته يومئذ يعني يوم أجنادين طعنة، فكان المسلمون يرجون أن يبرأ منها، فمكث أربعة أيّام أو خمسة ثم إنها انتقضت عليه، فاستأذن خالداً وأبا عبيدة فأذنا له، فخرج إلى أهله، فمات عندهم. قال محمد بن سعد: ورجع الطّفيل بن عمرو إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان معه بالمدينة حتى قبض، فلمّا ارتدّت العرب خرج مع المسلمين فجاهد حتى فرغوا من طليحة، ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو بن الطّفيل، فقتل الطّفيل باليمامة شهيداً، وجرح ابنه عمرو بن

عمرو بن العاص بن وائل

الطّفيل وقطعت يده، ثم استبلّ وصحّت يده؛ فبينما هو عند عمر بن الخطّاب إذ أتي بطعام فتنحّى عنه؛ فقال عمر: مالك؟ لعلّك تنحّيت لمكان يدك؟ قال: أجل. قال: لا والله لا أذوقه حتى تسوطه بيدك، فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنّة غيرك. ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطّاب مع المسلمين فقتل شهيداً. عمرو بن العاص بن وائل ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد، القرشيّ، السّهميّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسلم طوعاً في الهدنة، وهاجر، واستعمله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذات السّلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، وبعثه إلى عمان، وأمرّه عمر في فتوح الشّام ثم ولاّه مصر، وولاّه إيّاها عثمان؛ روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. ودخل دمشق قبل الفتح برسالة من أبي بكر، وشهد فتح دمشق، وكان له بها دار عند سقيفة كرمس في جيرون، ودار في ناحية باب الجابية ما بين دار الشّعّارين وزقاق الهاشميّين، ودار تعرف ببني حجيجة في رحبة الزّبيب، ودار تعرف بالمارستان الأوّل عند عين الحمى. وشهد اليرموك أميراً على كردوس. حدّث، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهاراً غير سرّ يقول: " إنّ آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنّما وليّي الله وصالح المؤمنين ".

عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، قال: كنّا مع عمرو بن العاص في حجّ أو في عمرة، وإذا امرأة قد أخرجت يديها عليها حبائرها وخواتيمها، فوضعت يديها على هودجها، فعدل فدخل شعباً، فقال: كنّا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الشّعب فإذا غربان كثيرة، وإذا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرّجلين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخل الجنّة من النّساء إلاّ كقدر هذا الغراب في هذه الغربان ". قال محمد بن سعد: عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، ويكنى أبا عبد الله، وأمّه النّابغة بنت خزيمة من عنزة، قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صفر سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، فأسلموا. وقال ابن البرقيّ: وكانت وفاته بمصر بعد الفطر، صلّى عليه عبد الله بن عمرو سنة ثلاث وأربعين. وقال محمد بن عبد الله: وكان يوم توفي ابن تسعين سنة. عن أبي هريرة، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابنا العاصي مؤمنان؛ هشام وعمر ". قال ابن يونس: قدم مصر في الجاهلية للتّجارة، وشهد الفتح، وكان أمير العرب مدخلهم مصر، وولّي على مصر من سنة عشرين إلى مقتل عمر، وولي بعد عمر لعثمان بن عفّان حين انتقضت الإسكندرية، وولي أيضاً لمعاوية بن أبي سفيان من ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي بمصر ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين. وقال أبو نعيم الحافظ: كان يخضب بالسّواد، خرج إلى الحبشة، إلى النّجاشيّ، بعد الأحزاب، فأسلم عنده

بالحبشة، فأخذه أصحابه بالحبشة فغمّوه، فأفلت منهم مجرداً ليس عليه قشرة، فأظهر للنّجاشيّ إسلامه، فاسترجع من أصحابه جميع ماله وردّه عليه، فقدم هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة مهاجرين المدينة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقدّم خالد فبايع، ثم تقدّم هو فبايعه على أن يغفر له ما كان قبله، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الهجرة، والإسلام يجبّ ما قبله " ثم بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة ذات السّلاسل والياً لعلمه بالحرب والمكيدة؛ وكان يلي مصر من قبل عمر بن الخطّاب، وكان يسرد الصّوم ويباشر الحروب، وشهد الفتنة. توفي بمصر والياً عليها ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين، ودفن يوم الفطر، وصلّى عليه ابنه عبد الله قبل صلاة الفطر، له نحو من مئة سنة. كان أحد دهاة العرب. قال فيه النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسلم النّاس وآمن عمرو ". وقال: " ابنا العاص مؤمنان، عمرو وهشام ". وقال: " نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأمّ عبد الله ". حدّث عمرو بن العاص من فيه، قال: لمّا انصرفنا من الأحزاب عن الخندق جمعت رجالاً من قريش، فأتوا يرون رأيي ويسمعون منّي، فقلت لهم: والله إني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوّاً منكراً وإني قد رأيت رأياً فما ترون فيه؟ قالوا: وما ذاك الذي رأيت؟ قال: قلت: رأيت أن نلحق بالنّجاشيّ فنكون معه، فإن ظهر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قومنا كنّا عند النّجاشيّ، فإنّا أن نكون تحت يديه أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلم يأتنا منهم إلاّ خير. قالوا: هذا الرّأي. قلت: فاجمعوا له ما يهدى له وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه؛ فوالله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أميّه الضّمريّ وقد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه قال: فدخل عليه، ثم خرج من عنده. قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أميّة، ولو قد دخلت على النّجاشيّ فسألته إيّاه فأعطانيه،

فضربت عنقه؛ فإذا فعلت به ذلك رأت قريش أن قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع؛ فقال: مرحباً بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئاً؟ قلت: نعم، قد أهديت لك أدماً كثيراً؛ ثم قرّبته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيّها الملك، قد رأينا رجلاً خرج من عندك، وهو رسول رجل عدوّ لنا، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا. قال: فغضب، ثم مدّ يده فضرب بها أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره. قال: لو انشقّت الأرض لدخلت فيها فرقاً منه؛ ثم قلت: أيّها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه. فقال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى؟. قال: قلت: أيّها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو، أطعني واتّبعه، فإنه والله على الحقّ، وليظهرنّ على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلت: أتبايعني على الإسلام؟ قال: نعم. فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عمّا كان عليه، فكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامداً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إسلامي، فلقيت خالد بن الوليد وذلك قبيل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام الميسم، وإن الرّجل لنبيّ، أذهب والله أسلم، حتى متى؟ قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلاّ للإسلام. فقدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدّم من ذنبي. قال: ولا أذكر ماتأخّر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجبّ ما كان قبلها ". قال: فبايعت، ثم انصرفت.

وقال الزّبير: ثم بعث إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني أردت أن أوجّهك وجهاً، وأرغب لك رغبةً " فقال عمرو: أمّا المال فلا حاجة لي فيه، ووجّهني حيث شئت. فقال رسول الله عليه وسلم: " نعمّا بالمال الصّالح للرّجل الصّالح ". ووجّهه قبل الشّام، وأمره أن يدعو أخوال أبيه العاص من بليّ إلى الإسلام ويستنفرهم إلى الجهاد؛ فشخص عمرو إلى ذلك الوجه، ثم كتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمدّه؛ فأمدّه بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأميرهم أبو عبيدة بن الجّراح. فقال عمرو: إنّما أنتم أميركم. فقال له أبو عبيدة: تعلم يا عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إليّ أخالفك. فسلّم له أبو عبيدة، وصلّى خلفه. عن طلحة بن عبيد الله، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " إن عمرو بن العاص لرشيد الأمر ". وعن عليّ بن رباح، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: كان في المدينة فزع، فتفرّقوا، فنظرت إلى سالم مولى أبي حذيفة في المسجد، عليه سيف محتبياً به، فلّما نظرت إلى سالم دعوت بسيفي فاحتبيت به إلى جنبه؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيّها النّاس لا يكون فزعكم إلاّ إلى الله ورسوله، ما هذا؟ ألا فعلتم كما فعل هذان الرّجلان المؤمنان؟ ". عن علقمة بن رمثة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث عمرو بن العاص إلى البحرين، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سريّة وخرجنا معه، فنعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " قال: فتذاكرنا كلّ من اسمه عمرو. فنعس رسول الله صلى الله وسلم، فاستيقظ، فقال: " يرحم الله عمراً " ثم نعس الثّالثة فاستيقظ، فقال: " رحم الله عمراً ".قلنا: يا رسول الله، من عمرو هذا؟ قال: " عمرو بن العاص " قلنا: وما شأنه؟ قال: " كنت إذا ندبت النّاس

إلى الصّدقة جاء فأجزل منها، فأقول: أنّى لك هذا؟ فقال: من عند الله " قال: " وصدق عمرو إن له عند الله خيراً كثيراً ". عن عمرو بن العاص، قال: ما عدل بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبخالد بن الوليد في حربه منذ أسلمنا أحداً من أصحابه. عن إسماعيل بن قيس، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمراً على جيش ذات السّلاسل، إلى لخم وجذام. قال: وكان في أصحابه قلّة. فقال لهم عمرو: لا يوقدنّ أحد منكم ناراً. قال: فشقّ ذلك عليهم، فكلّموا أبا بكر يكلّم لهم عمراً، فكلّمه، فقال: لا يوقد أحد منكم ناراً إلاّ ألقيته فيها. فقاتل العدوّ فظهر عليهم، فاستباح عسكرهم؛ فقال له النّاس: ألا تتبعهم؟ فقال: لا، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين. فشكوه إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رجعوا، فقال: " صدقوا يا عمرو؟ " فقال له: إنه كان في أصحابي قلة فخشيت أن يرغب العدوّ في قتلهم، فلّما أظهرني الله عليهم قالوا: أنتبعهم؟ فقلت: أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين؛ فكأن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمد أمره؛ فقال عمرو عند ذلك: أيّ النّاس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: " لم؟ " قال: لأحبّ من تحبّ. فقال: " أحبّ النّاس إليّ عائشة " فقال: لست أسألك عن النّساء، إنّما أسألك عن الرّجال. فقال: " أبو بكر ". وعن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، أنه قال: لّما بعثني رسول الله صلى عليه وسلم عام ذات السّلاسل فاحتلمت في باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثم صلّيت بأصحابي صلاة الصّبح. قال: فلّما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرت ذلك له، فقال: " يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب؟ " قال: قلت: نعم يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إني احتملت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله: " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " فتيممّت ثم صلّيت. فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً.

قال الحسن: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّه، أليس رجلاً صالحاً؟ قال: بلى. قال: قد مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يحبّك، وهو استعملك. فقال: قد استعملني، فوالله ما أدري أحبّاً كان لي منه أو استعانةً بي؛ ولكن سأحدّثك برجلين مات وهو يحبّهما، عبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر. عن مولى لعمرو بن العاص، قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: أسلمت عند النّجاشيّ وبايعته على الإسلام، ثم قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأعلمته أني قدمت راغباً في الهجرة وفي ظهور الإسلام، وأنا أحبّ أن يرى أثري وغناي عن الإسلام وأهله فقد طال ما كنت عوناً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبّ ما كان قبله، وأنا باعثك في أناس أبعثهم إن شاء الله ". فلمّا كان بعد ذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانية نفر سمّاهم، فكنت أنا المبعوث إلى جيفر وعبد ابني الجلندى وكانا من الأزد، والملك منهما جيفر؛ وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معي إليهما كتاباً يدعوهما فيه إلى الإسلام، وكتب أبيّ بن كعب الكتاب وختمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت حتى قدمت عمان، فعمدت إلى عبد بن الجلندى وكان أحلم الرّجلين وأسهلهما خلقاً فقلت: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليك وإلى أخيك. فقال: أخي المقدّم عليّ بالسّنّ والملك، وأنا أوصلك إليه. فمكثت ببابه أيّاماً ثم وصلت إليه، فدفعت إليه الكتاب مختوماً، ففضّ خاتمه ثم قرأه إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه، وقال: يا عمرو أنت ابن سيّد قومك، فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ فقلت: مات ولم يؤمن بمحمد، ووددت أنه كان أسلم وصدّق به، وقد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام. قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً. قال: فسألني أين كان إسلامي؟ فقلت: عند النّجاشيّ، وقد أسلم. قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت: أقرّوه واتّبعوه. قال: والأساقفة والرّهبان تبعوه؟ قال: قلت: نعم. قال: فأبى أن يسلم، فأقمت أيّاماً ثم قلت: إني خارج غداً. فلمّا أيقن بخروجي أرسل إليّ فأجاب إلى الإسلام، فأسلم هو وأخوه، وصدّقا بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخلّيا بيني وبين

الصّدقة والحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني، فأخذت الصّدقة من أغنيائهم فرددتها على فقرائهم، وأخذت صدقات ثمارهم وما يجزوا به؛ فلم أزل مقيماً حتى بلغنا وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عمرو عن العاص، قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والياً على عمان، فأتيتها، فخرج إليّ أساقفتهم ورهبانهم فقالوا: من أنت؟ فقلت: عمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، رجل من قريش. قالوا: ومن بعثك؟ قلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: ومن هو؟ قلت: محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، وهو رجل منّا قد عرفناه وعرفنا نسبه، أمرنا بمكارم الأخلاق ونهانا عن مساوئها، وأمرنا أن نعبد الله وحده. قال: فصيّروا أمرهم إلى رجل منهم، فقال لي: هل به من علامة؟ قلت: نعم، لحماً متراكباً بين كتفيه يقال له: خاتم النّبوّة. فقال: فهل يأكل الصّدقة؟ قلت: لا. قال: فهل يقبل الهديّة؟ قلت: نعم، ويثيب عليها. قال: فكيف الحرب بينه وبين قومه؟ فقلت: سجالاً، مرّةً له ومرّةً عليه. قال: فأسلم وأسلموا. ثم قال لي: والله لئن كنت صدقتني لقد مات في هذه اللّيلة؛ أو: لقد أتى على أجله في هذه اللّيلة. قلت: ما تقول؟ قال: والله، لئن كنت صدقتني لقد صدقتك. قال: فمكثت أيّاماً فإذا راكب قد أناخ يسأل عن عمرو بن العاص؛ فقمت إليه مفزوعاً، فناولني كتاباً فإذا عنوانه: من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص. فأخذت الكتاب ففككته فإذا فيه: " بسم الله الرّحمن الرّحيم " من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو بن العاص: سلام عليك، أمّا بعد: فإن الله عزّ وجلّ بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شاء، وأحياه

ما شاء، ثم توفّاه حين شاء، وقد قال في كتابه الصّادق: " إنك ميّت وإنهم ميّتون " وإن المسلمين قلّدوني أمر هذه الأمّة عن غير إرادة منّي ولا محبّة، فأسأل الله العون والتوفيق. فإذا آتاك كتابي فلا تحلّنّ عقالاً عقله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعقلنّ عقالاً حلّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والسّلام. فبكيت بكاءً طويلاً، ثم خرجت عليهم فأعلمتهم، فبكوا وعزّوني. فقلت: هذا الذي ولينا من بعده، ما تجدونه في كتابكم؟ قال: يعمل بعمل صاحبه اليسير ثم يموت. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يليكم قرن الحديد، فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يقتل. قال: قلت: يقتل؟ قال: إي والله يقتل. قال: قلت: ومن ملأ أم من غيلة؟ قال: بل غيلة. فكانت أهون عليّ. قال: ثم ماذا؟ وانقطع من كتاب الشّيخ. عن اللّيث بن سعد، قال: نظر عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص يمشي، فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلاّ أميراً. عن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم، قال: خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفر من أصحابه، عليه قباء عليه صدأ الحديد وعمامةً سوداء وفي يده رمح وعلى ظهره ترس: فلمّا طلع عليه ضحك البطريق، وقال: ما كنت تصنع بحمل السّلاح إلينا؟ قال: خفت أن ألقى دونك فأكون قد فرّطت. فالتفت إلى أصحابه فقال بيده عقد الأنملة على إبهامه، ثم قال: مرحباً بك: وأجلسه معه على سريره، وحادثه، فأطال: ثم كلّمه بكلام كثير، وحاجّه عمروّ ودعاه إلى الإسلام. فلمّا سمع البطريق كلامه وبيانه وأداءه قال بالرّوميّة: يا معشر الرّوم، أطيعوني

اليوم واعصوني الدّهر، أمير القوم؛ ألا ترون أني كلّما كلّمته كلمةً أجابني عن نفسه؟ لا يقول: أشاور أصحابي، وأذكر لهم ما عرضت عليّ؛ وليس الرّأي إلاّ أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا، فتختلف العرب بينها، وينتهي أمرهم، ويعفون من قتالنا. فقال من حوله من الرّوم: ليس هذا برأي. وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجل من أصحابه يعرف كلام الرّوم، فألقى إلى عمرو ما قال الملك؛ ثم قال الملك: ألا تخبرني هل في أصحابك مثلك يلبس ثيابك ويؤدّي أداءك؟ فقال عمرو: أنا أكلّ أصحابي لساناً، وأدناهم أداء؛ وفي أصحابي من لو كلّمته لعرفت أني لست هناك. قال: فأنا أحبّ أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتّقدّم والأداء حتى أكلّمه. فقال عمرو: أفعل. وخرج عمرو من عنده، فقال البطريق لأصحابه: لأخالفنّكم، لئن دخل فرأيت منه ما يقول لأضربنّ عنقه. فلمّا خرج عمرو من الباب كبّر، وقال: لا أعود لمثل هذا أبداً. وأتى منزله، فاجتمع إليه أصحابه يسألونه، فخبّرهم خبره وخبر البطريق، فأعظم القوم ذلك، وحمدوا الله على ما رزق من السّلامة. وكتب عمرو بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: الحمد لله على إحسانه إلينا، وإيّاك والتّغرير بنفسك أو بأحد من المسلمين في هذا أو شبهه، وبحسب العلج منهم أن يكلّم في مكان سواء بينك وبينه، فتأمن غائلته، ويكون أكسر. فلمّا قرأ عمرو بن العاص كتاب عمر، ترحّم عليه، ثم قال: ليس الأب البرّ بولده بأبرّ من عمر بن الخطّاب برعيّته. عن موسى بن عمران بن مناح، قال: لمّا رأى عمرو بن العاص يوم اليرموك صاحب الرّاية ينكشف بها، أخذها، ثم جعل يتقدّم وهو يصيح: إليّ يا معاشر المسلمين؛ فجعل يطعن بها قدماً وهو يقول: اصنعوا كما أصنع؛ حتى إنه ليرفعها وكأن عليها ألسنة المطر من العلق.

قال خليفة: وفي هذه السّنة يعني سنة ست عشرة افتتحت حلب وأنطاكية ومنبج. وقال: إن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين فصالح أهل حلب وكتب لهم كتاباً. وقال: وولّى عمر عمرو بن العاص فلسطين والأردنّ، وكتب إليه عمر، فسار إلى مصر فافتتحها. وقال: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص أن سر إلى مصر، فسار، وبعث عمر الزّبير بن العوّام مدداً له، ومعه عمر بن وهب الجمحيّ وبسر بن أبي أرطاة وخارجة بن حذافة، حتى أتى باب اليون فامتنعوا، فافتتحها عنوة، وصالحه أهل الحصن. وكان الزّبير أوّل من ارتقى سور المدينة ثم اتّبعه النّاس بعد؛ فكلّم الزبير عمرو بن العاص أن يقسمها بين من افتتحها؛ فكتب عمرو إلى عمر فكتب عمر: أكلة وأكلات خير من أكلة، أقرّوها. عن أبي العالية، قال: سمعت عمرو بن العاص على المنبر يقول: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمّست، إلاّ أهل أنطابلس فإن لهم عهداً نوفي به.

قال يعقوب: ثم كان فتح الإسكندرية الأول، وأميرها عمرو بن العاص سنة ثنتين وعشرين؛ وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس الغرب سنة ثلاث وعشرين؛ ثم كان فتح الإسكندرية الأخيرة أميرها عمرو بن العاص سنة خمس وعشرين. قال عمرو بن العاص: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلىّ رجلاً أكلّمه ويكلّمني. فقلت: لا يخرج إليه غيري. فخرجت معي ترجمان ومعه ترجمان حتى وضع لنا منبران؛ فقال: ما أنتم؟ قلت: نحن العرب، ومن أهل الشّوك والقرظ، ونحن أهل بيت الله، كنّا أضيق النّاس أرضاً وشرّه عيشاً، نأكل الميتة والدّم، ويغير بعضنا على بعض، كنّا بشر عيش عاش به النّاس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً ولا أكثرنا مالاً، وقال: أنا رسول الله إليكم؛ يأمرنا بما لا نعرف وينهانا عمّا كنّا عليه آباؤنا، فشنفنا له وكذّبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدّقك ونؤمن بك ونتّبعك ونقاتل من قاتلك؛ فخرج إليهم، وخرجنا إليه، وقاتلناه فقتلنا وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلاّ جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش. فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، وقد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، وكنّا عليه حتى ظهرت فينا ملوك فجعلوا يعلمون فينا بأهوائهم ويتركون أمر رسولكم، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيّكم لم يقاتلكم أحد إلاّ غلبتموه، ولم يسارقكم أحد إلاّ ظهرتم عليه؛ فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا فتركتم أمر نبيّكم، وفعلتم بمثل الذي عملوا بأهوائهم، وخلّي بيننا وبينكم، لم تكونوا أكثر عدداً منّا ولا أشدّ منّا قوّةً. قال عمرو بن العاص: فما كلّمت رجلاً قطّ أذكى منه.

قال ربيعة بن لقيط: سمعت عمرو بن العاص وهو يصلّي باللّيل، وهو يبكي ويقول: أللهم إنك آتيت عمراً مالاً فإن كان أحبّ إليك إن تسلب عمراً ماله ولا تعذّبه بالنّار فاسلبه ماله؛ وإنك آتيت عمراً أولاداً فإن كان أحبّ إليك أن تثكل عمراً ولده ولا تعذّبه بالنّار فأثكله ولده؛ وإنك آتيت عمراً سلطاناً فإن كان أحبّ إليك أن تنتزع منه سلطانه ولا تعذّبه بالنّار فانزع منه سلطانه. عن الزّهريّ، قال: توفّى الله عمر، واستخلف عثمان، فنزع عمرو بن العاص عن مصر وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وعن عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله الزّبير، عن أشياخه: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمامها من عمرو بن العاص. قال: ومازال معتصماً بمكة ليس في شيء ممّا فيه النّاس، حتى كانت وقعة الجمل؛ فلّما حانت وقعة الجمل بعث إلى ابنيه عبد الله ومحمد ابني عمرو فقال لهما: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللّذين تردّاني ولكن أشيراً عليّ؛ إني رأيت العرب صاروا غارين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزّاري مكة، ولست أرضي بهذه المنزلة، فإلى أيّ الفريقين أعمد؟ فقال له عبد الله ابنه: إن كنت لا بدّ فاعلاً فإلى عليّ. فقال عمرو: ثكلتك أمّك، إني إن أتيت عليّاً قال لي: إنّما أنت رجل من المسلمين؛ وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره. فأتى معاوية. عن الوليد البلخيّ، قال: فلّما انتهى كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص استشار ابنيه عبد الله ومحمداً ابني عمرو فقال: إنه قد كانت مني في عثمان هنات لم أستقلّها بعد، وقد كان منّي نفسي حيث ظننت أنه مقتول ماقد أحتمله؛ وقد قدم جرير على معاوية فطلب البيعة لعلّي، وقد

كتب إليّ معاوية يسألني أن أقدم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض وهو عنك راض، والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب، فأقم في منزلك فلست مجعولاً خليفة، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة فانية. فقال محمد: يا أبه، أنت شيخ قريش وصاحب أمرها، وإن تصرّم هذا الأمر وأنت فيه خامل خملت، فالحق بجماعة أهل الشام والطلب بدم عثمان. فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي. فلّما جنّ عليه اللّيل أرق في فراشه ذلك، وجعل يتفكر فيما يريد، أي الأمرين يأتي؟ ثم أنشأ يقول: من الطويل تطاول ليلي للهموم الطّوارق ... وخوف التي تجلو وجوه العوائق وإن ابن هند سألني أن أزوره ... وتلك التي فيها عظام البوائق أتاه جرير من عليّ بخطّة ... أمرّت عليها العيش، ذات مضايق فوالله ما أدري وما كنت هكذا ... أكون ومهما أن أرى فهو سابقي أخادعه والخدع فيه دنيّة ... أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق أم اقعد في بيتي وفي ذاك راحة ... لشيخ يخاف الموت في كلّ شارق وقد قال عبد الله قولاً تعلّقت ... وإني لصلب الرّأي عند الحقائق فلّما أصبح عمرو دعا غلامه وردان فقال: ارحل يا وردان، حطّ يا وردان مرتين أو ثلاثاً فقال له وردان: خلطت يا أبا عبد الله، أما إنك إن شئت أنباتك بما في نفسك. قال: هات. قال: اعترضت الدّنيا والآخرة على قلبك فقلت: عليّ معه الآخرة، وفي الآخرة عوض من الدّنيا، ومعاوية معه الدّنيا بلا آخرة، وليس في الدّنيا عوض من الآخرة، فأنت متحّير بينهما. فقال له عمرو: قاتلك الله، يا وردان والله ما أخطأت، فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في منزلك؛ فإن ظهر أهل الدّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدّنيا لم يستغنوا عنك. فقال له عمرو: الآن حين شهرني النّاس بمسيري أقيم؟ فارتحل إلى معاوية.

عن عبد الله بن معقل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي، لا تتّخذهم غرضاً من بعدي؛ فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم؛ ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن الله يوشك أن يأخذه ". عن أبي هشام الرّماني، عن من حدّثه، قال: كتب عليّ بن أبي طالب عمرو بن العاص، فلّما أتى الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى ما كتب إليّ عليّ بن أبي طالب، فإمّا أن ترضني وإمّا أن ألحق به. فقال له معاوية: فما تريد؟ قال: أريد مصر مأكلةً. فجعلها له معاوية كما أراد. عن سويد عن غفلة، قال: إني لأمشي مع عليّ بشطّ الفرات، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلاً وأضلاّ، وإن هذه الأمّة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين؛ ضلاّ وضلّ من اتّبعهما. عن عمرو بن محمد، عن رجل، قال: دعا معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص، وهو متحزّم عليه ثيابه وسيفه، وحوله إخواته وأناس من قريش؛ يا عمرو، إن أهل الكوفة أكرهوا عليّاً على أبي موسى وهو لا يريده، ونحن بك راضون، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللّسان كليل المدية، وله بعد حظّ من دين؛ فإذا قال فدعه فليقل، ثم قل وأوجز واقطع المفصل، ولا تلقه بكلّ رأيك، واعلم أن خفيّ الرّأي زيادة في العقل؛ فإن خوّفك بأهل العراق فخوّفه بأهل الشّام، وإن خوّفك بعليّ فخوّفه بمعاوية، وإن خوّفك بمصر فخوّفه باليمن، وإن أتاك بالتفسير فأته بالحمل. قال له عمرو: يا أمير المؤمنين، أنت وعليّ رجلا قريش، ولم يقل في حربك ما رجوت ولم تأمن ما خفت؛ ذكرت أن لعبد الله ديناً، وصاحب الدّين منصور، وايم الله لأفنينّ علله ولأستخرجن خبيئه، ولكن إن جاءني بالإيمان والهجرة ومناقب عليّ فما عسيت أن أقول؟ فقال معاوية: قل ما ترى. فقال عمرو: فهل تدعني وما ترى؟ وخرج مغضباً، فقال لأصحابه: إنّما أراد معاوية أن يصغّر أبا موسى لأنه علم أني خادعه غداً،

فأحبّ أن يقول: لم يخدع أريباً؛ فقد كذّبته بالخلاف عليه. وقال في ذلك شعراً: من الوافر يشجّعني معاوية بن حرب ... كأنّي للحوادث مستكين وأني عن معاوية غنيّ ... بحمد الله والله المعين وهوّن أمر عبد الله عمرو ... وقال له على ما ذاك دين فقلت له ولم أردد عليه ... مقالته وللشّكوى أنين ترى أهل العراق يدبّ عنهم ... وعن حرماتهم رجل مهين فإن جهلوه لم يجهل عليّ ... وغبّ القول يحمله السّمين ولكن خطبه فيهم عظيم ... وفضل المرء فيهم مستبين فإن أظفر فلم أظفر بوغد ... وإن يظفر فقد قطع الوتين قال: فلمّا بلغ معاوية شعره غضب من ذلك، وقال: لولا مسيره كان لي فيه رأي. فقال عبد الرّحمن بن أم الحكم: أما والله إن أمثاله من قريش لكثير، ولكنك ألزمت نفسك الحاجة إليه، فألزمها الغنى عنه. فقال معاوية: فأجبه. فقال عبد الرّحمن: من الوافر ألا يا عمرو عمرو قبيل سهم ... أمن طبّ أصابك ذا الجنون؟ دع البغي الذي أصبحت فيه ... فإن البغي صاحبه لعين ألم تهرب بنفسك من عليّ ... بصفّين وأنت بها ضنين حذاراً أن تلاقيك المنايا ... وكل فتى سيدركه المنون ولسنا عاتبين عليك إلاّ ... لقولك: إنني لا أستكين عن عمرو بن الحكم، قال: لمّا التقى النّاس بدومة الجندل قال ابن عبّاس للأشعريّ: احذر عمراً فإنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي؛ فكن متدبّراً لكلامه.

فكان إذا التقيا يقول عمرو: إنك صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي وأنت أسنّ منّي فتكلّم ثم أتكلّم. وإنّما يريد عمرو أن يقدّم أبا موسى في الكلام ليخلع عليّاً، فاجتمعا على أمرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى، وقال أبو موسى: عبد الله بن عمرو. فقال عمرو: أخبرني عن رأيك. فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرّجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختاروا لأنفسهم من أحبّوا. قال عمرو: الرّأي ما رأيت. فأقبلا على النّاس وهم مجتمعون، فقال له عمرو: يا أبا موسى، أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع. فتكلّم أبو موسى: إنّ رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمّة. فقال عمرو: صدق وبرّ، ونعم النّاظر للإسلام وأهله، فتكلّم يا أبا موسى. فأتاه ابن عبّاس فخلا به فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه، فإنّي أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً ثم نزع عنه على ملأ من النّاس واجتماعهم. فقال الأشعريّ: لاتخشى ذلك، قد اجتمعنا واصطلحنا. فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، قد نظرنا في أمر هذه الأمّة فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نبتزّ أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضىً منها وتشاور، وقد اجتمعنا أنا وصاحبي على أمر واحد، على خلع عليّ ومعاوية، وتستقبل هذه الأمّة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولّون منهم من أحبّوا عليهم، وإنّي قد خلعت عليّاً ومعاوية، فولّوا أمركم من رأيتم. ثم تنحّى. وأقبل عمرو بن العاص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم، وخلع صاحبه، وإنّي أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه وليّ ابن عفّان والطّالب بدمه وأحقّ النّاس بمقامه. فقال سعد بن أبي وقّاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده. فقال أبو موسى: فما أصنع؟ جامعني على أمر ثم نزع عنه. فقال ابن عبّاس: لاذنب لك يا أبا موسى، الذّنب لغيرك، للّذي قدّمك في هذا المقام. فقال أبو موسى: رحمك الله، غدرني، فما أصنع؟

وقال أبو موسى لعمرو: إنّما مثلك كالكلب " إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ". فقال عمرو: إنّما مثلك مثل " الحمار يحمل أسفاراً ". فقال ابن عمر: إلام صيّرت هذه الأمّة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. وقال عبد الرّحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعريّ من قبل هذا كان خيراً له. وعن عبد الواحد بن أبي عوف، قال: لمّا صار الأمر في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو بن العاص ما عاش؛ ورأى عمرو أن الأمر كلّه قد صلح به وبتدبيره وعنائه وسعيه فيه، وظنّ أن معاوية سيزيده الشّام مع مصر، فلم يفعل معاوية؛ فتنكّر عمرو لمعاوية فاختلفا وتغالظا وتميّز النّاس وظنّوا أنه لا يجتمع أمرهما، فدخل بينهما معاوية بن خديج فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً، وشرط فيه شروطاً لمعاوية وعمرو خاصّة وللنّاس عامّة، وأن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وعلى أن على عمرو السّمع والطّاعة لمعاوية. وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهوداً؛ ثم مضى عمرو بن العاص على مصر والياً عليها وذلك في آخر سنة تسع وثلاثين، فوالله ما مكث بها إلاّ سنتين أو ثلاثاً حتى مات. عن عبد الله بن عمرو، قال وذكر معاوية: والله لأبي أقدم صحبةً، وكان أحبّ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن كرهنا الفرقة. وعن عبد الكريم بن راشد، أن عمر بن الخطّاب قال: يا أصحاب محمد تناصحوا، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك غلبكم عليها عمرو بن العاص ومعاوية. قال شعيب بن يعقوب: اجتمع معاوية وعمرو بن العاص، فقال معاوية: من النّاس؟ قال: أنا وأنت ومغيرة وزياد. قال: وكيف ذلك؟ فقال: أنت للتّأنّي، وأمّا أنا فللبديهة، وأما مغيرة

فللمعضلات، وأما زياد فللصّغير والكبير. قال له معاوية: أما ذانك فقد غابا، فهات قولك: أنا للبديهة؛ وأما أنا فللأناة، فهات بديهتك. قال: وتريد ذاك؟ قال: نعم. قال: فأخرج من عندك. فأمرهم فخرجوا حتى لم يبق في البيت غيرهما. قال: فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارّك. قال: فأدنى رأسه منه. قال: هذا من ذلك، ومن معنا في البيت حتى أسارّك؟ عن محمد بن سلاّم الجمحيّ، قال: كان عمر بن الخطّاب إذا رأى الرّجل يتلجلج في كلامه، قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. عن قبيصة بن جابر، قال: صحبت عمر بن الخطّاب فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل عن غير مسألة منه؛ وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلاً أثقل حلماً منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين أو قال: أنصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بالمكر لخرج من أبوابها كلّها. وعن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كان عمرو بن العاص يسرد الصّوم، وقلّ ما يصيب من العشاء، وأكثر ذلك كان يصيب من السّحر؛ فسمعته يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر ". وعن أبي عمران الفلسطينيّ، قال: بينما امرأة عمرو بن العاص تفلي رأسه إذ نادت جارية لها فأبطأت عنها، فقالت: يا زانية. فقال عمرو: رأيتها تزني؟ قالت: لا. قال: والله لتضربنّ لها يوم القيامة ثمانين سوطاً. فقالت لجاريتها وسألتها تعفو، فعفت عنها، فقالت: هل يجزيء عنّي؟ فقال لها: وما لها ألاّ تعفو وهي تحت يدك؟ فأعتقتها. فقالت: هل يجزيء عنّي ذلك؟ قال: فلعلّ.

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام في الوهط، فسبّه المغيرة؛ فقال عمرو بن العاص: يال هصيص، يسبّني المغيرة! فقال له عبد الله ابنه: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون " أدعوة القبائل وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها؟ فأعتق يعني عمرو بن العاص ثلاثين رقبة. وعن عمرو بن دينار، قال: كان عمرو بن العاص يقيم كروم الوهط بألف ألف خشبة، كلّ خشبة بدرهم. وعن المدائنيّ، قال: قال عمرو بن العاص: أربعة لا أملّهم أبداً؛ جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملتني، وامرأتي ما أحسنت عشرتي. عن ابن الأعرابيّ، قال: قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بنيّ، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم؛ يا بنيّ، زلّة الرّجل عظم يجبر؛ وزلّة اللّسان لا تبقي ولا تذر؛ يا بنيّ، استراح من لا عقل له. فأرسلها مثلاً. قال الأصمعيّ: قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين، لا تكوننّ لشيء من أمر رعيّتك أشدّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها، ولطغيان اللّئيم حتى تعمل في قمعه؛ واستوحش من الكريم الجائع ومن اللّئيم الشّبعان؛ فإن الكريم يصول إذا جاع، واللّئيم يصول إذا شبع. وقال الأصمعيّ: قال معاوية لعمرو بن العاص: ما البلاغة؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على

الإيجاز. قال: فمن أصبر النّاس؟ قال: من كان في رأيه رادّاً لهواه. قال: فمن أسخى النّاس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمن أشبع النّاس؟ قال: من ردّ جهله بحلمه. أنشد الحربيّ يعني إبراهيم بن إسحاق لعمرو بن العاص: من الطويل إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّه ... ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّما قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما قال هلال بن لاحق: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشرّ، ولكنه الذي يعرف خير الشّرّين؛ وليس الواصل الذي يصل من وصله، ولكنه الذي يصل من قطعه. عن عليّ بن عبد الله بن سفيان، قال: قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص: ما السّرور يا أبا عبد الله؟ قال: الغمرات ثم تنجلي. وقال عمرو بن العاص: نكح العجز التّواني فولد منه النّدامة. وقال: عجبت من الرّجل يفرّ من القدر وهو مواقعه، ومن الرّجل يرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه، ومن الرّجل يخرج الضّغن من نفس أخيه ويدع الضّغن في نفسه، وما تقدّمت على أمر فلمت نفسي على تقدّمي عليه، وما وضعت سرّي عند أحد فلمته على أن أفشاه، وكيف ألومه وقد ضقت به؟ وقال وهو في الموت: اللهم لا ذو قوّة فأنتصر، ولا ذو براءة فأعتذر، اللهم إنّي مقرّ يذنبي مستغفر. عن الحسن، قال: لمّا احتضر عمرو بن العاص نظر إلى صناديق، فقال: من يأخذها بما فيها؟

ياليته كان بعراً؛ ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره، فقال بنوه: ما هذا؟ فقال: ما ترون هذا يغني عنّي شيئاً. عن عوانة بن الحكم، قال: كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه! ؛ فلما نزل به قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبت، إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فصف لنا الموت وعقلك معك. فقال: يا بنيّ، الموت أجل من أن يوصف، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السّلاّء، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرة. حدّث محمد بن زياد: أن عمرو بن العاص حين حضره الموت، قال: اللهم إنك أمرتنا بأشياء فتركناها، ونهيتنا عن أشياء فأتيناها؛ ثم قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله ثم قبض عليها بيده اليمنى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم قبض عليها بيده اليسرى قال: فقبض وإن يداه لمقبوضتان. عن الحسن، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال: أيّ صاحب كنت لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق، تكرمنا، وتعطينا، وتفعل، وتفعل. قال: إنّما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، ها هو ذا قد نزل بي، فاغنوه عنّي. فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا: والله ما كنّا نحسبك تكلّم بالعوراء؛ يا أبا عبد الله، قد علمت أنّا لا نغني عنك من الموت شيئاً. فقال: أما والله لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عنّي من الموت شيئاً، ولكن والله لأن أكون لم أتّخذ منكم رجلاً قطّ

عمرو بن عامر السلمي

يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا؛ فيا ويح ابن أبي طالب إذ يقول: حرس امرءاً أجله. ثم قال عمرو: اللهم، لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلاّ تدركني منك برحمة أكن من الهالكين. وعن عبد الله بن عمرو: أنه حدّث أن أباه أوصاه، قال: يا بنيّ، إذا متّ فاغسلني غسلةً بالماء، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّانية بماء قراح، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم اغسلني الثّالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جفّفني في ثوب؛ ثم إذا ألبستني الثّياب فأزرّ عليّ فإني مخاصم؛ ثم إذا حملتني على السّرير فامش بي مشياً بين المشيتين، وكن خلف الجنازة فإن مقدّمها للملائكة وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر فسنّ عليّ التراب سنّاً؛ ثم قال: اللهم إنك أمرتنا فأطعنا، ونهيتنا فركبنا، فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلاّ أنت. ما زال يقولها حتى مات. توفي عمرو بن العاص يوم الفطر بمصر سنة ثلاث وأربعين وهو وال عليها. وقيل: سنة اثنتين وأربعين. وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثمان وخمسين. عمرو بن عامر السّلميّ شاعر، وفد على معاوية. ذكر جعفر بن شاذان، قال: وفد عمرو بن عامر السّلميّ على معاوية، فدخل وهو يرعش كبراً، فقال له

عمرو بن عبد الله بن رافع

معاوية: كيف تجدك يا عمرو؟ قال: أحببت النّساء وكنّ الشّقاء، وفقدت المطعم وكان المنعم، وثقلت على وجه الأرض، وقرب بعضي من بعض، فنومي سبات، وفهمي هنات، وسمعي تارات. قال: فهل قلت في ذلك شعراً؟ قال: نعم؛ فأنشد: من الطويل إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخلّفت في قرن فأنت غريب وما للعظام الباليات من البلى ... شفاء، ولا للرّكبتين طبيب وإنّ امرءاً قد سار تسعين حجّةً ... إلى منهل من ورده لقريب فقال له معاوية: فما تحبّ؟ قال: عشرة آلاف درهم أقضي بها ديني، وعشرة آلاف درهم أقسمها في أهلي، وعشرة آلاف درهم أنفقها في بقيّة عمري. فقال له معاوية: فصرفت لك بكل عشرة مئةً. وأطلق له ثلاثمئة ألف درهم؛ فقبضها ورحل. عمرو بن عبد الله بن رافع ابن عمرو الطّائيّ، الحجراويّ عمرو بن عبد الله بن أبي شعيرة ويقال: عمرو بن عبد الله بن عليّ بن أحمد بن ذي يحمد أبو إسحاق الهمدانيّ، السّبيعيّ، الكوفيّ رأى عليّاً وأسامة بن زيد والمغيرة بن شعبة، وغزا الرّوم في أيّام معاوية مع عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد، وقدم على معاوية.

روى عن البراء بن عازب، قال: صلّينا إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، ثم صرفنا إلى القبلة. قال سفيان: قيل للنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع بمن مضى من أصحابنا يعني: من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات؟ قال: فنزلت " وما كان الله ليضيع إيمانكم " يعني: صلاتكم. وعنه، قال: سمعت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أخذ مضجعه، قال: " اللهم إليك أسلمت نفسي، وإليك وجّهت وجهي، وإليك فوّضت أمري، وإليك ألجأت ظهري، رغبةً ورهبةً؛ لا ملجأ ولا منجى منك إلاّ إليك؛ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك أو: بنبيّك الذي أرسلت ". فإن مات مات على الفطرة. عن أبي بكر بن عيّاش، قال: سمعت أبا إسحاق يقول: سألني معاوية: كم كان عطاء أبيك؟ قال: قلت: ثلاثمئة. ففرض لي ثلاثمئة، وكذلك كانوا يفرضون في مثل عطاء أبيه. قال أبو بكر: فأدركت أبا إسحاق وقد بلغ عطاؤه ألف درهم من الزّيادة. وكان أبو إسحاق يقول: ولدت زمن عثمان رضي الله عنه. عن عبد الكريم، عن أبيه، قال: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعيّ، كوفيّ ثقة. قال أبو نعيم: قدم أصبهان في اجتيازه إلى خراسان، من كبار تابعي أهل الكوفة، روى عن أربعة وثلاثين نفساً من الصّحابة، وكان مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفّان

رضي الله عنه، ومات سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وعشرين ومئة وهو ابن تسعين سنة، وصلّى عليه الصّقر بن عبد الله عامل ابن هبيرة، كان يكابد اللّيل متهجّداً أربعين سنةً، فلمّا ضعف وبدن كان يصلّي قائماً فيقرأ في الرّكعة الواحدة بسورة البقرة وآل عمران وهو قائم. قال أبو إسحاق: قال أبي: فانظر إلى أمير المؤمنين. فإذا هو على المنبر شيخ أبيض الرّأس واللّحية، أجلح، ضخم البطن، ربعة، عليه إزار ورداء وليس عليه قميص، ولم يرفع يديه. قال: فقال رجل: يا أبا إسحاق، أقنت؟ قال: لا. وقال: غزوت في زمن زياد ستّاً أو سبع غزوات. وقال: ما أقلّت عيني غمضاً منذ أربعين سنة. عن الحسن بن ثابت، قال: سمعت الأعمش يعجب من حفظ أبي إسحاق لرجاله الذين يروي عنهم. قال أبو داود الطيالسي: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع هو بمجاهد؟ كان هو أحسن حديثاً من مجاهد ومن الحسن وابن سيرين. قال: وسمعت أبي يقول: أبو إسحاق السّبيعيّ ثقة، وأحفظ من أبي إسحاق الشّيبانيّ، ويشبّه بالزّهريّ في كثرة الرّواية، واتّساعه في الرّجال.

عمرو بن عبد الله بن صفوان

وعن عبد الله، قال: كان أبو إسحاق يحرّض الشّباب، يقول: ما أستطيع أن أستوي قائما حتى أعتمد على رجلين، وإذا اعتدلت قائماً قرأت بألف آية. وقال أبو إسحاق: قد كبرت وصغرت، ما أصوم إلاّ ثلاثة أيّام من الشّهر، والاثنين والخميس، والأشهر الحرم. قال أبو عبد الله بن حنبل: أبو إسحاق والأعمش رجلا أهل الكوفة. وقال يعقوب: أبو إسحاق رجل من التّابعين، وهو ممّن يعتمد النّاس عليه في الحديث، هو والأعمش، إلاّ أنهما وسفيان يدلّسون، والتّدليس أمر قديم. توفي سنة ستّ أو سبع وعشرين ومئة، وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومئة. عمرو بن عبد الله بن صفوان ابن عمرو النّصريّ والد أبي زرعة الحافظ حدّث عن أيوب بن سويد، بسنده إلى واثلة، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعتق مسلماً كان فكاكه من النّار بكلّ عضو عضواً ". وعن مروان بن محمد، بسنده إلى عمر بن الخطّاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ساءته سيئته وسرّته حسنته فهو مؤمن ". حكى أبو الفضل المقدسيّ، عن غيره؛ أن مولده سنة ثمان أو تسع وستين ومئة.

عمرو بن عبد الله ابن الوليد

قال أبو زرعة: وكنّا نختلف مع أبي إلى الوليد بن النّضر، ومحمد بن خالد بن حازم بالرّملة سنة إحدى عشرة ومئتين، والفريابيّ يومئذ باق. عمرو بن عبد الله ابن الوليد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأمويّ عمرو بن عبد الأعلى بن عمرو ابن عبد الأعلى بن مسهر أبو عثمان الغسّانيّ كان شيخاً أعور، مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمئة. عمرو بن عبد الرحمن دحيم ابن إبراهيم بن عمرو بن ميمون أبو الحسن القرشيّ حدّث عن محمد بن مصفّى، بسنده إلى أبي ذرّ، قال: قلت: يا رسول الله، أيّ المسلمين أسلم؟ قال: " من سلم النّاس من لسانه ويده ".

عمرو بن عبد الرحمن أبو زرعة

عمرو بن عبد الرحمن أبو زرعة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان أبو سعيد النّصريّ حدّث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى بلال بن سعد، عن أبيه، قال: قيل: يا رسول الله، ما للخليفة من بعدك؟ قال: " مثل الذي لي إذا عدل في الحكم، وقسط في القسط، ورحم ذا الرّحم بحقه، فمن فعل غير ذلك فليس منّي ولست منه ". وحدّث سنة ثلاث وتسعين ومئتين عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عامر بن ربيعة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا رأى أحدكم الجنازة، فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى تخلّفه أو توضع من قبل ". وكان عبد الله بن عمر إذا رآها تبعها إلى البقيع، فجلس قبل أن يؤتى بها، ثم يؤتى بها، قام حتى تخلف أو توضع. عمرو بن عبد العظيم بن عمرو ابن مهاجر بن دينار الدّمشقيّ، الأنصاريّ مولاهم قدم مصر. عمرو بن عبد عمرو الثّقفيّ وفد على يزيد بن معاوية. قال عوانة بن الحكم: لمّا هلك معاوية واستخلف يزيد ابنه، اجتمع النّاس على بابه، فدخل عليه أشراف النّاس ووجوههم، وفيهم عمرو بن عبد عمرو أحد بني الأشعر بن غاضرة بن حطيط، فلم يتهيّأ لأحد منهم تعزية تجمع تعزية بأبيه مع تهنئته بالخلافة، حتى قام عطاء بن

أبي صيفيّ الثّقفيّ ثم المالكيّ، فسلّم عليه تسليم الخلافة ثم قال: أصبحت يا أمير المؤمنين إماماً، ولديننا قواماً، رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله، قضى معاوية نحبه يغفر الله له ذنبه وأعطيت بعده الرّئاسة، وولّيت بعده السّياسة، فأورده الله موارد السّرور، ووفّقك بعده لصالح الأمور، فقد رزئت جليلاً ووليت جليلاً، فاحتسب عند الله أعظم الرّزيّة، واشكر الله على أفضل العطيّة، عاش سعيداً ومات فقيداً، وكنت المنتخب وباب العرب، فأحسن الله عطاءك ورزقك شكراً على ما أعطاك. ثم قال: من البسيط اصبر يزيد فما فارقت ذا كرم ... واشكر حباء الذي بالملك حاباكا فما رزي أحد في النّاس كلّهم ... كما رزيت ولا عقبى كعقبا كا أصبحت أنت أمير النّاس كلّهم ... فأنت ترعاهم والله يرعاكا وفي معاوية الباقي لنا خلف ... إذا نعيت، ولا يسمع بمنعاكا فعجب يزيد من حسن قوله، فقال له: ادن يا بن أبي صيفيّ؛ فأدناه حتى أقعده قريباً منه،، فقال له: هل تدري فيما تحالف الأحلاف من ثقيف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فأخبرني عن ذلك وعمرو بن عبد جالس فقال: لأخبرنّك عن ذلك بخبر صادق، إن رجلاً من بني غاضرة بن حطيط وكان بينه وبين رجل من بني مالك ملاحاة في بعض الأمر، فاستشرى فيه الأمر، فغضب له بنو مالك بأجمعها وبنو مالك إذ ذاك أكثر ثقيف عدداً فأسفقت بنو الأشعر أن يجتمع عليهم بنو مالك، وخافوا الهضمة والحيف والظّلم والضّعف، فظعنوا عنهم حتى نزلوا على بني عوف وابن قيس فحالفوهم على بني مالك ولم يحالف قوم قطّ قوماً إلاّ عن هضمة وضعف فيهم، وقلّة من عددهم. فغضب عمرو بن عبد عمرو من قوله، فقال: تالله سمعت كلام رجل أبعد رشداً وصوابا، والله لتنتهينّ يا بن أبي صيفيّ عمّا أسمع أو لأوردنّك شعاباً تجدنّها يباباً ر تنبت إلاّ سلعاً وصابا وقال ابن خالد: السّلع: المرّ، والصّاب: العلقم.

قال ابن أبي صيفيّ: إنك والله إن ترد شعابي تلقها مالكيّة مخصباً، تبهق مياهاً عذاباً، وتلف أهلها ميوساً صعاباً. فقال عمرو بن عبد عمرو: بل إن أردها ألقها قليلاً تراها، يابساً ثراها، متوحشاً قواها، ذليلاً حماها. فقال عطاء بن أبي صيفيّ: بل إن تردها والله تلقها نديّاً ثراها، طيّباً مرعاها، منيعاً حماها، مضراً تهلك منحاها. قال عمرو بن عبد عمرو: بل إن أردها ألقها الرّياح الزّعزع، والذّئاب الجوّع، بيداء بلقع، لا تدفع كفّاً بمدفع. قال ابن أبي صيفيّ: إن تردها تلقها والله طيّبة المرتع، آمنة المربع، ليّنة المهجع، تقطع مثلك يوم المجمع. فلّما سمع يزيد بن معاوية مقالتهما خشي أن يرتفع الأمر بينهما، فقال: سألتكما بالله لما كففتما ممّا أسمع منكما؛ ثم قال: والله إن سمعت كاليوم رجلين أمضى وأمضى. فقال عطاء بن أبي صيفيّ: أمّا الأصل يا أمير المؤمنين فأصلّ مؤتلف، وأمّا السّبيل فمختلف، كلّ بذلك مقرّ معترف. فقال يزيد: أنتم يا بني ثقيف معدن العزّ والشّرف، وما أشبه المؤتنف بالسّلف؛ فلم غلبكم إخوتكم من بني عامر على الطائف؟ قال: أمر الكبير وأطاع الصّغير، وبعد المهرب وعزّ المطلب، فدفعاً بالرّاح، وحساً بالرّماح؛ حتى جاءنا الإسلام، وسوغنا سيّد الأنام محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: صدقت، ومثلك فليجالس الملوك. فأصلح يزيد بينهما، فقاما على ذلك، وانصرفا عليه، من غير أن يقعا في قبيح، أو يقول واحد منهما لما يحتمل ولا يحتمل.

عمرو بن عبد الخولاني

عمرو بن عبد الخولانيّ خلف على أمّ مسلم، زوج أبي مسلم الخولانيّ بعده؛ وكان من العبّاد. قال عبد الجبّار بن محمد بن مهنّا الخولانيّ: سمعت من أدركت من شيوخنا يذكر أن أمّ مسلم سئلت، فقيل لها: أيّ الرّجلين أفضل؟ فقالت: أمّا أبو مسلم فإنه لم يكن يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه إيّاه، وأما عمرو بن عبد فإنه كان ينار عليه في محرابه، حتى أني كنت اختدم على ضوء نوره من غير مصباح. قال عبد الجبّار: وكان عمرو بن عبد من أفاضل المسلمين عند أهل زمانه، وتوفي بداريا ولم يعقب. وعن عمير بن هانئ، قال: قيل لأمّ مسلم امرأة أبي مسلم: تزّوجت بعد أبي مسلم، وقد كان يقال: المرأة لآخر أزواجها؟ فقالت: أفترون أن أبا مسلم كان أفضل من عمرو بن عبد؟ لقد رأيتني وإنه ليقوم من اللّيل إلى مصلاّه، فينوّر به حتى يملأ البيت نوره، فأتناول من البيت ما أردت، لا يزال على ذلك حتى يطلع الفجر، وربّما غزلت على ضوء نوره. عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة ابن عمر بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة ابن بهثة بن سليم بن منصور ابن عطرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار أبو نجيح السّلميّ، العجليّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من السّابقين اللأوّلين، كان يقال له: ربع الإسلام. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد اختلف في نسبه.

قال عمرو بن عبسة: صلّى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السّكون والسّكاسك، وعلى خولان العالية، وعلى الأملوك أملوك ردمان. عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة السّلميّ، قال: لقد رأيتني وإني لربع الإسلام. قال: قلت له: حدّثنا حدّيث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه انتقاص ولا وهم. قال: سمعته يقول: " من ولد له ثلاثة في الإسلام فقبضوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجّنة بفضل رحمته إيّاهم، ومن شاب شيبةً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدّو أصاب أو أخطأ كان له كعتق رقبة، ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضواً منها عضواً منه من النّار، ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنّة ثمانية أبواب يدخله الله من أيّ باب شاء ". قال سيف بن عمر في تسمية الأمراء يوم اليرموك: وعمرو بن عبسة على كردوس. قال خليفة: هو أخو أبي ذرّ لأمّه. قال محمد بن عمر: لمّا أسلم عمرو بن عبسة بمكة رجع إلى بلاد قومه بني سليم، وكان ينزل بصفنة وحاذة وهي من أرض بني سليم فلم يزل مقيماً هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك المدينة. عن حريز بن عثمان، أن حمص نزلها من بني سليم أربعمئة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو نجيح

السّلميّ، وهو من المهاجرين الأوّلين، شهد بدراً، وقال: أتيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعكاظ وليس معه إلاّ أبو بكر وبلال، فلقد رأيتني ربع الإسلام. عن عمرو بن عبسة، قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، وذلك أنها باطل، فلقيت رجلاً من أهل الكتاب، من أهل تيماء، فقلت: إني امرؤ ممّن يعبد الحجارة، فينزل الحي ليس معهم إله، فخرج الرّجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره، ويجعل أحسنها إلهاً يعبده، ثم لعلّه يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره إذا نزل منزلاً سواه، فرأيت أنه إله باطل لا ينفع ولا يضرّ، فدلنيّ على خير من هذا. فقال: يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها، فإذا رأيت ذلك فاتّبعه فإنه يأتي بأفضل الدّين. فلم تكن لي همّة منذ قال لي ذلك إلاّ مكة، فآتي فأسأل: هل حدث فيها حدث؟ فيقال: لا. ثم قدمت مرّةً فسألت، فقالوا: حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه، ويدعو إلى غيرها. فرجعت إلى أهلي فشددت راحلتي برحلها، ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزله بمكة، فسألت عنه فوجدته مستخفياً، ووجدت قريشاً عليه أشدّاء، تلطّفت له حتى دخلت عليه، فسألته، فقلت: أيّ شيء أنت؟ قال: " نبيّ " قلت: ومن أرسلك؟ قال: " الله " قلت: وبم أرسلك؟ قال: " بعبادة الله وحده لا شريك له، وبقن الدّماء، وبكسر الأوثان، وصلة الرّحم، وأمان السّبيل " فقلت: نعم ما أرسلت به، قد آمنت بك وصدّقتك، أتأمرني أمكث معك أو انصرف؟ قال: " ألا ترى كراهية النّاس ما جئت به؟ فلا تستطيع أن تمكث، كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجاً فاتبعني ". فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه، فقدمت المدينة، فقلت: يا نبيّ الله، أتعرفني؟ قال: " نعم، أنت السّلمي الذي أتيتني بمكة فسألتني عن كذا وكذا، فقلت لك كذا وكذا ".

فاغتنمت ذلك المجلس وعلمت أن لا يكون الدّهر أفرغ قلباً لي منه في ذلك المجلس، فقلت: يا نبيّ الله، أيّ الساعات أسمع؟ قال: " الثّلث الآخر، فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى تطلع الشّمس، فإذا رأيتها حمراء كأنها الحجفة فأقصر نعها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، فيصلّي لها الكفّار، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى يساوي الرّجل ظلّه، فأقصر عنها، فإنها حينئذ تسجر جهنّم، فإذا فاء الفيء فصل، فإن الصّلاة مشهودة مقبولة حتى تغرب الشّمس، فإذا رأيتها غربت حمراء كأنها الحجفة فأقصر ". ثم ذكر الوضوء، فقال: إذا توضأت فغسلت يديك ووجهك ورجليك، فإن جلست كان ذلك لك طهوراً، وإن قمت فصلّيت وذكرت ربّك بما هو أهله، انصرفت من صلاتك كهيئتك يوم ولدتك أمك من الخطايا ". عن أبي نجيح السّلميّ، قال: حاصرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر الطّائف، فسمعت نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رمى بسهم فبلغه درجة في الجنّة ". قال رجل: يا نبيّ الله، إن رميت فبلغت فلي درجة؟ قال: " نعم " قال: فرمى فبلغ. قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً. عمرو بن عبيد بن وهيب ابن أبي الشّعثاء مالك بن حريث بن جابر بن بحر وهو راعي الشّمس الأكبر بن يعمر بن عدّي ابن الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أبو الحكم الدّيليّ، المعروف بالحزين شاعر من أهل الحجاز ويقال: إنه الحزين بن سليمان ويكنى سليمان أبا الشّعثاء مولى لبني الدّيل.

قدم دمشق، وذكرها في شعره؛ كان هجاءً خبيث اللّسان قال في عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وكان أميراً على مصر: من البسيط الله يعلم أن قد جبت ذا يمن ... ثم العراقين لا يثنيني السّأم ثم الجزيرة أعلاها وأسفلها ... كذاك تسري على الأهوال بي القدم ثم المواسم قد أوطنتها زمناً ... وحيث تحلق عند الحيرة اللّمم قالوا دمشق ينبّيك الخبير بها ... ثم ائت مصر فثمّ النّائل الغمم لّما وقفت عليها في الجموع ضحىً ... وقد ترّضت الحجّاب والخدم حيّيته بسلام وهو مرتفق ... وضجّة القوم عند الباب تزدحم في كفّه خيرزان ريحها عبق ... من كفّ أروع في عرنينه شمم يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلاّ حين يبتسم ترى رؤوس بني مروان واستبشروا جذلاً ... وإن هم آنسوا إعراضه وجموا كلتا يديه ربيع غير ذي خلف ... بحر يفيض وهادي عارض هزم قال أبو الفرج: ومن النّاس من يقول: إن الحزين قال في عبد العزيز بن مروان، لذكره دمشق ومصر، والصّحيح إنها في عبد الله بن عبد الملك. قال محمد بن يحيى: وإنما سمّوا رعاة الشمس، لأن الشمس لم تكن تطلع في الجاهليّة عليهم ولا تغرب إلاّ وقدورهم تغلي للأضياف، فسمّوا لذلك رعاة الشمس؛ قال الحزين: من الطويل أنا ابن ربيع النّاس في كلّ شتوة ... وجدّاي راعي الشمس وابن عريب قال ابن ماكولا: أما حزين بفتح الحاء المهملة وكسر الزّاي التي تليها وآخره نون، فهو الحزين الشّاعر، من التّابعين.

عن عبد الله بن مصعب: أن الحزين مرّ بالعقيق في غداة باردة، فمرّ عبد الله بن جعفر عليه مقطّعات خزّ، فاستعار الحزين من رجل ثوباً، ثم قام إليه فقال: من المتقارب أقول له حين واجهته ... عليك السّلام أبا جعفر فقال: وعليك السّلام. فقال: فأنت المهذّب من غالب ... وفي البيت منها الذي يذكر قال: كذبت يا عدوّ الله، ذاك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: فهذي ثيابي قد أخلقت ... وقد عضّني زمن منكر قال: فلك ثيابي. فأعطاه ثيابه. عن مصعب بن عبد الله، قال: مرّ الحزين على جعفر بن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، وعليه أطمار؛ فقال له: يا بن أبي الشّعثاء إلى أين أصبحت غادياً؟ قال: أمتع الله بك، نزل عبد الله بن عبد الملك الحرّة يريد الحجّ، وقد كنت وفدت إليه بمصر فأحسن إليّ. قال: أفما وجدت شيئاً تلبسه غير هذه الثّياب؟ قال: استعرت أهل المدينة فلم يعرني أحد منهم شيئاً. قال: فدعا جعفر غلاماً له، فقال ائتني بجبّة وقميص ورداء؛ فجاءه به. فقال: البس وأبل وأخلق. فلمّا ولّى الحزين قال جلساء جعفر له: ما صنعت؟ يعمد إلى هذه الثياب التي كسوته فيبيعها ويفسد ثمنها؟ قال: ما أبالي إذا كافأته بثيابه ما صنع بها، مع إنه يصيب بها لذةً. فسمع الحزين قولهم، وما ردّ عليهم؛ ومضى حتى أتى عبد الله بن عبد الملك،

عمرو بن عتبة بن صخر بن حرب

فأحسن إليه وكساه. فلمّا أصبح الحزين أتى جعفراً ومعه القوم الذين لاموه بالأمس، فأنشده: من الطويل ومازال ينمي جعفر بن محمد ... إلى المجد حتى عبهلته عواذله وقلن له: هل من طريف وتالد ... من المال إلاّ أنت في الحقّ باذله يحاولنه عن شيمة قد علمنها ... وفي نفسه أمر كريم يحاوله ثم قال: بأبي أنت وأمّي، قد سمعت ما قالوا وما رددت عليهم. قال الزّبير: ولطلحة بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّدّيق يقول الحزين الدّيليّ: من المتقارب وإن تك يا طلح أعطيتني ... عذافرةً تستخفّ الضّفارا فما كان نفعك لي مرّةً ... ولا مرّتين ولكن مراراً أبوك الذي صدّق المصطفى ... وسار مع المصطفى حيث سارا وأمّك بيضاء تيميّةً ... إذا نسب النّاس كانت نضارا أم طلحة هذا: عائشة بنت طلحة بن عبيد الله. عمرو بن عتبة بن صخر بن حرب ابن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سفيان، القرشيّ، الأمويّ، العتبيّ كان من رجالات قريش، قدم على عمّه معاوية بن أبي سفيان، وسمع منه ومن جماعة من الصّحابة. وسكن البصرة؛ وفد على يزيد بن معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.

عن العتبيّ، عن أبيه، قال: لمّا قطع عبد الملك بن مروان عن آل أبي سفيان ما كان يجريه عليهم، لمّا غضب على خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل عليه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فقال: يا أمير المؤمنين، أدنى حقك متعب، وبعضه فادح لنا، ولنا مع حقّك حقّ عليك بإكرام سلفنا إيّاك، فضعنا منك حيث وضعتنا الرّحم، وانظر إلينا بحيث نظر إليك سلفنا. فقال عبد الملك: أمّا من استعصى عطيّتنا فسنعطيه، وأمّا من ظنّ أنه مستغن عنّا فسندعه في نفسه. وردّ عليه وعلى ولد أبيه ما كان يجريه عليهم وأقطعه قطيعةً. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهدّدني عبد الملك؟؟؟؟؟؟! يد الله فوق يده باسطة، وعطاؤه دونه مبذول، فأمّا عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مّما أخذ لها. عن العتبيّ، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: قدم محمد بن عمير بن عطارد البصرة، فاستزاره عمرو بن عتبة، فقال له محمد بن عمير: يا أبا سفيان، ما بال العرب يطيلون الكلام في حال ويقصّرونه في حال وخاصةً قريش؟ قال عمرو: يا هذا، بالجندل يرمى الجندل؛ إن كلامنا كلام يقلّ لفظه ويكثر معناه، ويكتفى بأولاه ويشتفى بأخراه، يتحدّر تحدّر الزّلال على الكبد الحرّى، ولقد نقصوا كما نقص غيرهم، بعد أقوام والله أدركتهم سهلت لهم ألفاظهم كما سهلت لهم أخلاقهم، وصاروا حديثاً حسناً، عاقبته في الآخرة أحسن؛ ولله درّ مادحهم حيث يقول: من الخفيف وضع الدّهر فيهم شفرتيه ... فمضى سالماً وأضحوا شعوبا شفرتان أدهشتا والله من كان قبلهم، فأذهبت أبدانهم وأبقت آثارهم؛ فيا موعوظاً بمن كان قبله وموعوظاً به هو آت بعده، اربح نفسك إذ خسرها غيرك؛ ثم أنشد: من الطويل إذا غاب رهط المرء غاب نصيره ... وأطرق وسط القوم وهو جليد وأكثر غضّ الطّرف دون عدوّه ... فأغضى وطرف العين منه حديد

عمرو بن عتبة بن عمارة بن يحيى

وإن امرءاً يأتي له الحول لا يرى ... من النّاس إلاّ الأبعدين وحيد عن العتبيّ، عن أبي خالد، عن أبيه، قال: قال أبي: وصيّتني إيّاك بما أوصاني به مولاك؛ كنت وصيفاً لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان، فأسلمني في المكتب، فلمّا حذقت وتأدّبت ألزمني خدمته، فقال لي يوماً: يا أبا يزيد. فالتفتّ يمنةً وشامةً أنظر من يعني. فقال: إيّاك أعني؛ إنّا معاشر قريش لا ندعو موالينا بأسمائهم، إنك أمس كنت لي. وأنت اليوم منّي، وإن النّاس لا ينسبون إلى آبائهم بولادتهم إيّاهم، ولكن ينسبون إليهم بحكم الله فيهم؛ ألا ترى لو أن رجلاً أولد امرأةً من غير حلّ لم يكن ولدها له ولداً؟ فلمّا كان المولود بحكم الله من أبيه كان المولى من أقاربه بحكم رسول الله، فاستدم النّعمة عليك بالشّكر عليها منك. عن سفيان بن عمرو بن عتبة، قال: لمّا بلغت خمس عشرة سنةً قال لي أبي: أي بنيّ، قد انقطعت عنك شرائع الصّبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه كله، ولا يغرّنّك من اغتّر بالله فيك فمدحك ما تعلم خلافه من نفسك، واعلم أنه يا بنيّ لا يقول أحد من الخير مالا يعلم إذا رضي إلاّ قال فيه مثله من الشّرّ ما ليس فيه إذا سخط؛ فاستأنس بالوحدة من جلساء السّوء تسلم من عواقبهم، ولا تنقل حسن ظنّي بك إلى غيره. قال سفيان: فما زال كلام أبي لي قبلةً أنتقل معها ولا أنتقل عنها؛ وما شيء أحمد مغبّةً من ناصح معروف نصحه. عمرو بن عتبة بن عمارة بن يحيى ابن عبد الحميد بن محمد بن عمرو بن عبد الله بن رافع بن عمرو أبو الحسن الطّائيّ الحجراويّ، من أهل قرية حجرا وكان عمرو من المعمّرين.

عمرو بن عثمان بن سعيد

حدّث بقرية حجرا إملاءً في المحرم سنة خمسين وثلاثمئة وزعم أن له مئة سنة وعشرين سنة عن عمّه أبي السّلم بن يحيى بن عبد الحميد الطّائيّ، بسنده إلى عمرو الطّائيّ: أنه قدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجلسه معه على البساط، وأسلم، وحسن إسلامه، ورجع إلى قومه فأسلموا. قال عمرو: سمعت منه كثيراً ولكن ذهب في الفتن. عمرو بن عثمان بن سعيد ابن كثير بن دينار أبو حفص الحمصيّ روى عن مروان بن محمد، بسنده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: مرّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغلام يسلخ شاةً، فقال له: " تنحّ حتى أريك، وإني لا أراك تحسن تسلخ ". قال: فأدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده بين الجلد واللّحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، وقال: " هكذا يا غلام فاسلخ " ثم انطلق، فصلّى بالنّاس ولم يتوضّأ؛ يعني لم يمسّ ماء. وعن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البركة مع أكابركم ". سئل أبو حاتم عنه: فقال: صدوق. مات سنة خمسين ومئتين.

عمرو بن عثمان بن عبد الله

عمرو بن عثمان بن عبد الله ابن موهب الكوفيّ، القرشيّ مولى آل طلحة بن عبيد الله، ويقال: مولى الحارث بن عامر التّيميّ. روى عن موسى بن طلحة، عن عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عثمان أمّ قومك، ومن أمّ القوم فليخفّف، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة؛ فإذا صلّيت لنفسك فصلّ كيف شئت ". سئل يحيى بن معين عنه، فقال: كوفيّ ثقة. عمرو بن عثمان عن عفّان ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ الأمويّ وفد على معاوية فأغزاه أرض الرّوم. روى عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ". عن يحيى بن حمزة: أن معاوية أغزا عمرو بن عثمان أرض الرّوم ففتح أنقرة. قال عنه العجليّ: مدنيّ، ثقة، من كبار التّابعين.

عمرو بن عثمان

عمرو بن عثمان بن هانئ المدنيّ مولى عثمان بن عفّان وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدّث عنه. روى عن عاصم بن عمر بن عثمان، عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعرفت في وجهه أن قد خفره شيء، فتوضّأ وما كلّم أحداً ثم خرج، فلصقت بالحجرات أسمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أستنصركم ". فما زاد عليهنّ حتى نزل. وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة، وهو خليفة، خطب النّاس قبل يوم الفطر بيوم وذلك يوم الجمعة فذكر الزّكاة فحضّ عليها، وقال: على كلّ إنسان صاع تمر، أو مدّان من حنطة. وقال: إنه لاصلاة لمن لا زكاة له؛ ثم قسمها يوم الفطر. قال: وكان يؤتى بالدّقيق والسّويق مدّين مدّين فيقبله. عمرو بن عثمان حدّث عن عمرو بن خالد، عن المهلهل بن الفضل، عن ثابت، عن أنس: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النّبوّة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ".

عمرو بن عاصم بن يحيى

عمرو بن عاصم بن يحيى ابن زكريّا أبو العبّاس الصّوريّ الإمام حدّث عن خالد بن عبد الرحمن، بسنده إلى الحارث: أن عليّ بن أبي طالب قال: من يشتري علماً بدرهم؟ قال الحارث: أنا؛ فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم، فجئت بها، فأملى عليّ حتى كتبت؛ ثم قال عليّ: يا أهل الكوفة، أعجزتم أن تكونوا كشطر رجل. وكان الحارث أعور. قال المصنّف: لا أرى عمرو بن عاصم أدرك خالداً بل بينهما رجل، والله أعلم. وعن وزير بن القاسم الجبيليّ بجبيل، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أنه حدّثهم، قال: عطش النّاس وهم بالحديبية حتى كادت أن تقطع أعناقهم من شدّة العطش، ففزعوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: هلكنا يا رسول الله، هلكنا. قال: " كلاّ، لن تهلكوا وأنا فيكم " ثم أدخل يده في تور كان بين يديه، فيه قريب من مدّ، ففرّج فيه أصابعه. قال جابر: فوالذي أكرمه بنبوّته لرأيت الماء يفور من بين أصابعه كالعيون التي تجري، فقال: " حيّ، بسم الله ". قال جابر: فشربنا وسقينا الرّكاب، ثم عمدنا إلى المزاد والقرب فملأناها حتى صدرنا، فتبسّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: " أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأني نبيّ الله ورسوله، لا يقولها عبد يصدق قلبه ولسانه إلا دخل الجنّة ". قال عطاء: فسأل عبد الله أبي عمّار، فقال: يا أبا عبد الله، كم كنت يومئذ؟ قال: أربع عشرة مئة، ولو شهد ذلك اليوم أهل منى لوسعهم وكفاهم. قال أبو سليمان ابن زبر: سألت عمرو بن عاصم بن يحيى الصّوريّ، فقال لي: ولدت سنة تسع وثلاثين ومئتين.

عمرو بن عثمان بن صالح

عمرو بن عثمان بن صالح ابن ميمون بن الأخضر بن الحارث ابن أخي عمرو بن عبسة السّلميّ عمرو بن أبي عمرو الحيرانيّ أظنه حمصيّاً. عمرو بن عيسى المصيصيّ روى عن هشام بن خالد، بسنده إلى ابن عبّاس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ينظر أحدكم إلى فرج زوجته ولا فرج جاريته إذا جامعها، فإن ذلك يورث العمى ". عمرو بن غيلان بن سلمة ويقال: عمرو بن عبد الله بن غيلان، الثّقفيّ قيل: إن له صحبة. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً واحداً، وعن عبد الله بن مسعود؛ وهو مولى أبي عبد ربّ الزّاهد من فوق. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أللهم من آمن بي وصدّقني، وعلم أن جئت به الحقّ من عندك فأقلّ ماله وحبّب به هو الحقّ، فأكثر ماله وولده وأطل عمره ". قال خليفة: ولي البصرة، وهو من ساكني الطائف.

عمرو بن قتيبة الصوري

عمرو بن قتيبة الصّوريّ روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن عمر، قال: كنت شاباً عزباً أبيت في المسجد، وكان الرّجل من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى الرؤيا أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بها، وعبّرها له. قال عبد الله: أللهم إن كان لي عندك خير فأرني رؤيا يعبّرها لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبد الله: ولن أعود. قال عبد الله: فرأيت ملكاً أتاني فعمد بي إلى النّار، فإذا فيها كفم البئر وكفرون البقر، وإذا عليها ملك؛ فلّما رآني صرفني عنها، وقال: لست من أهلها. فلّما ولّيت قال: نعم الرّجل إن أحيا اللّيل. قال عبد الله: فلّما أصبحت قصصتها على حفصة فقصّتها حفصة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن عبد الله بن عمر رجل صالح ". عمرو بن قيس قميئة بن ذريح ابن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل ابن قاسط بن هنب بن أفضى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويعرف بالضّائع.

شاعر جاهليّ، أقدم من امرئ القيس، ولقيه امرؤ القيس في آخر عمره فأخرجه معه إلى قيصر لمّا توجّه إليه، فمات معه، وسمّته العرب: عمراً الضّائع لموته في غربة، وفي غير أرب ولا مطلب، وهو الذي عناه امرؤ القيس بقوله: من الطويل بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا قال ابن ماكولا: هو أول من عمل شعراً في الخيال. قال أبو بكر محمد بن يحيى الصّولي: قال عمرو بن قميئة: من المتقارب نأتك أمامة إلاّ سؤالا ... وإلاّ خيالاً يوافي خيالا يوافي مع اللّيل مستوطناً ... ويأبى مع الصّبح إلاّ زيالا خيال يخيّل لي مثلها ... ولو قدرت لم تخيّل خيالا وقال الشّرقيّ بن قطاميّ: كان عمرو بن قميئة البكري من أعجب النّاس إلى مرثد بن قيس بن ثعلبة، وكان يجمع بينه وبين امرأته على طعامه، وكانت إصبع عمرو الوسطى والتي تليها ملصقتين، فخرج مرثد ذات يوم يضرب بالقداح فأرسلت امرأته إلى عمرو: إن عمّك يدعوك: فجاءت به من وراء البيوت؛ فلمّا دخل عليها لم يجد عمّه، وأنكر شأنها، فأرادته على نفسه، فقال: لقد جئت بأمر عظيم. فقالت: إمّا لتفعلنّ أو لأسوءنّك. فقال: للمساءة ما دعوتني! ثم قال: فخرج، وأمرت بجفنة وكفئت على أثر قدمه؛ فلمّا رجع مرثد وجدها متغضّبة، فقال: ما شأنك؟ قالت: رجل قريب القرابة منك جاءني يسومني نفسي. قال: من هو؟ قالت: أمّا أنا فلا أسمّيه، وهذا أثر قدمه. فعرف مرثد أثر عمرو

فأعرض عنه، وعرف عمرو من أين أتي، فقال في ذلك: من الطويل لعمرك ما نفسي بجدّ رشيدة ... تؤامرني سرّاً لأصرم مرثدا عظيم رماد القدر لا متعبّس ... ولا مؤيس منها إذا هو أخمدا فقد ظهرت منه بوائق جمّة ... وأفرغ في لومي مراراً وأصعدا على غير ذنب أن أكون جنيته ... سوى قول باغ جاهد فتجهّدا وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السّجستانيّ: سمعت مشيختنا قالوا: وعاش عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة تسعين سنة، وقال: من المنسرح يا لهف نفسي على الشباب ولم ... أفقد به إذ فقدته أمما قد كنت في ميعة أسرّ بها ... أمنع صحبي وأهبط العصما وأسحب الرّيط والبرود إلى ... أدنى تجاري وأنفض اللّمما وقال حين مضت له تسعون حجّة، وهي قصيدة: من الطويل كأني وقد جاوزت تسعين حجّة ... خلعت بها عنّي عذار لجامي رمتني بنات الدّهر من حيث لا أرى ... فما بال من يرمى وليس برام فلو أنّها نبل إذاً لاتّقيتها ... ولكنّما أرمى بغير سهام إذا ما رآني النّاس قالوا: ألم تكن ... حديثاً جديد البزّ غير كهام فأفنى وما أفني من الدّهر ليلةً ... ولم يغن ما أفنيت سلك نظام على الرّاحتين مرّةً وعلى العصا ... أنوء ثلاثاً بعدهنّ قيامي وأهلكني تأميل يوم وليلة ... وتأميل عام بعد ذاك وعام

عمرو بن قيس بن ثور

عمرو بن قيس بن ثور ابن مازن بن خيثمة أبو ثور السّكونيّ، الكنديّ، الحمصيّ وفد مع أبيه على معاوية بن أبي سفيان، وولي الصّائفة لعمر بن عبد العزيز، وقدم دمشق مكرهاً في جيش الطّلب بدم الوليد بن يزيد. حدّث عن عبد الله بن بشر المازنيّ، قال: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: " طوبى لمن طال عمره وحسن عمله " قال: يا رسول الله، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: " أن تفارق الدّنيا ولسانك رطب من ذكر الله تعالى ". وعن عديّ بن عديّ الكنديّ، قال: بينما أبو الدّرداء يوماً يسير شاذّاً، إذ لقيه رجلان شاذّان من الجيش، فقال: يا هذان، إنه لم يكن ثلاثة في مكان مثل هذا المكان إلاّ أمّروا عليهم أحدهم. فليؤمّرنّ أحدكم. فقالوا: أنت يا أبا الدّرداء أمير المؤمنين. قال: بل أنا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من والي ثلاثة إلاّ لقي الله مغلولاً يمينه إلى عنقه، فكّه عدله أو غلّه جوره ". قال محمد بن سعد: وكان صالح الحديث. روى عن جدّه مازن بن خيثمة، أن معاذ بن جبل بعثه يوم نزل بين السّكون والسّكاسك حتى أسلم النّاس، وافداً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عمرو بن قيس: قال لي الحجّاج: متى مولدك يا أبا ثور؟ قلت: تمام الحجّة سنة أربعين. قال: وهو مولدي.

عمرو بن كلب أو كليب اليحصبي

قال: فتوفي الحجّاج سنة خمس وتسعين، وتوفي عمرو بن قيس سنة أربعين ومئة. قال العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة. قال هشام بن عبد الملك: من سيّد أهل فلسطين؟ قالوا: رجاء بن حيوة. قال: من سيّد أهل الأردنّ؟ قالوا: عبادة بن نسيّ. قال: من سيّد أهل دمشق؟ قالوا: يحيى بن يحيى الغسّانيّ. قال: من سيّد أهل حمص؟ قالوا: عمرو بن قيس السّكونيّ. قال: من سيّد أهل الجزيرة؟ قالوا: عديّ بن عديّ. قال أبو مسهر: كلّهم من كندة غير يحيى بن يحيى الغسّانيّ. قال محمد بن عمر الواقديّ: إن عمراً كان من نسّاك أهل الشام وأفاضلهم. توفي عمرو بن قيس السّكونيّ، أبو ثور، سنة أربعين ومئة، وصلّى عليه جبريل بن يحيى البجليّ. عمرو بن كلب أو كليب اليحصبيّ مّمن أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، ووجّهه أبو عبيدة من مرج الصّفّر إلى فحل. عمرو بن محمد بن العبّاس ابن مروان أبو العبّاس الفزاريّ، المقرئ، المؤدّب روى عن محمد بن القاسم بن عبد الخالق المؤذّن، بسنده إلى أنس بن مالك: أن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة في عام الفتح وعلى رأسه مغفر، فقيل له: يا رسول الله، هذا ابن خطل متعلّق بأستار الكعبة. فقال: " اقتلوه ".

عمرو بن محمد بن عبد الله

وعن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج الخاصّ، فإذا كان ليلة المزدلفة فغر الله للتجار، فإذا كان يوم منى غفر الله للحمالين، فإذا كان عند جمرة العقبة غفر الله للسؤّال، ولا يشهد ذلك الموقف أحد إلاّ غفر الله له ". عمرو بن محمد بن عبد الله ابن سعيد بن العاص القرشيّ، الأمويّ، الكوفيّ وفد على هشام بن عبد الملك. قال عمرو بن محمد: بعثني أبي إلى هشام بن عبد الملك، فقال لي: إنك تأتي باب أمير المؤمنين، وهم بنو هاشم وبنو أميّة، فإيّاك أن تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدّنيء فيجترئ عليك. عمرو بن محمد بن عبد المطّلب ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّ من أهل دمشق، ووليها من قبل أبي جعفر المنصور. قال الزّبير: وكان له قدر وشرف، ولاّه أمير المؤمنين المنصور، أبو جعفر، دمشق وهو لأمّ ولد. عمرو بن محمد بن عذرة ويقال: غندة، أبو البركات السّلميّ الدّارانيّ، الفقيه المالكيّ توفي في شوال سنة ستين وأربعمئة.

عمرو بن محمد بن عمرو

عمرو بن محمد بن عمرو ابن ربيعة بن الغاز أبو حفص، الجرشيّ حدّث عن الوليد بن مسلم، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوم يقوم النّاس لرّب العالمين " قال: " يقوم وقال أبو عبد الله: يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ". ثقة. عمرو بن محمد بن يحيى بن سعيد أبو سعد الدّينوريّ، الورّاق، ورّاق محمد بن جرير قدم دمشق، وحدّث بها. حدّث عن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ بالكوفة، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ".هذا حديث غريب. توفي بدمشق يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة. قال عبد العزيز: حدّث عن محمد بن جرير الطبري بكتاب التّفسير وغيره، وحدّث عن غيره، ثقة مأمون. عمرو بن محرز ويقال: عمرو الأشجعيّ كان في الجيش الذي وجّهه يزيد بن معاوية من زيزاء إلى أهل الحرّة، مع مسلم بن عقبة، واستعمله مسلم على ميمنته.

عمرو بن محصن بن سراقة

حدّث عن بعض من يحدّث، أن جبريل قال: مامن الإنس أهل عشرة أبيات إلاّ قد قلبتهم فما وجدت فيهم أحداً أشدّ إنفاقاً للمال من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن جعفر: هو أول مولود ولد بحمص. قال محمد بن عايد: وفي سنة ستّ وسبعين غزا عمرو بن محرز الأشجعيّ على الصّائفة ففتح هرقلة. وقال الواقديّ: وكان مسلم بن عقبة خلّف على المدينة عمرو بن محرز الأشجعيّ ويقال: روح بن زنباع الجذاميّ وقدم عليهم الخبر بموت يزيد، فوثبوا على من كان عندهم من أهل الشام فأخرجوهم. عمرو بن محصن بن سراقة ابن عبد الأعلى بن سراقة الأزديّ شهد مع معاوية. ذكر يحيى بن حمزة: أن الذي قتل عمّار بن ياسر، عمرو بن محصن الأزديّ وعبادة بن أوفى النّميريّ، أشركا فيه، وكان عمرو فارساً، وكان عبادة راجلاً. عمرو بن مخلاة الكلبيّ شاعر، فارس، شهد مرج راهط، وقال في ذلك أشعاراً منها: من الطويل

ويوم ترى الرّايات فيه كأنّها ... حوائم طير مستدير وواقع مضى أربع بعد اللّقاء وأربع ... وبالمرج باق من دم القوم ناقع طعنّا زياداً في استه وهو مدبر ... وثوراً أصابته السّيوف القواطع ونحبى حبيشاً ملهب ذو غلالة ... وقد جذّ من يمنى يديه الأصابع وقد شهد الصّفّين عمرو بن محرز ... فضاق عليه المرج والمرج واسع أراد زياد بن عمرو بن معاوية العقيليّ، وثور بن معن بن يزيد السّلميّ، وعمرو بن محرز الأشجعيّ. وقال عمرو بن مخلاة الكلبيّ في حرب كانت بين كلب وقيس. وكانت زعيم كلب فيها حميد بن بحدل، فودى من أصيب من قيس: من الوافر خذوها يا بني ذبيان عقلاً ... على الأجياد واعتقدوا الخداما دراهم من بني مروان بيض ... ينجّمها لكم عاماً فعاما وأيقن أنه يوم طويل ... على قيس يذيقهم السّماما ورأى شخصاً على شرف بعيد ... فكبّر حين أبصره وقاما وأقبل يسأل البشرى إلينا ... فقال: رأيت إنساً أو نعاما وقال لخيله: سيري حميد ... فإنّ لكلّ ذي أجل حماما فما لاقيت من سمح وبدر ... ومرّة فاتركي حطباً حطاما بكلّ مقلّص عبل شواه ... يدقّ بهمز نابيه اللّجاما وكلّ طمرّة مرطى سبوح ... إذا ما شدّ فارسها الحزاما وقائلة على دهش وحزن ... وقد بلّت مدامعها اللّثاما كأنّ بني فزارة لم يكونوا ... ولم يرعوا بأرضهم الثّماما ولم أر حاضراً منهم بشاء ... ولا من يملك النّعم الرّكاما

عمرو بن مرثد

عمرو بن مرثد ويقال عمرو بن أسماء أبو أسماء الرّحبيّ من أهل دمشق. حدّث عن ثوبان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل دينار ينفقه الرّجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابّته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ". قال أبو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال: وأيّ رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عياله صغاراً وينفقهم الله به. وعنه: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرّجل إذا عاد أخاه المسلم كان في خراف الجنّة أو خرفة حتى يرجع ". قال ابن سميع: شهد أبو عثمان وأبو أسماء وأبو الأشعث فتح دمشق. قال عنه العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة. قال أبو سليمان ابن زبر: أبو أسماء الرّحبيّ من رحبة دمشق قرية من قراها بينها وبين دمشق ميل، عامرة.

المرسل إلى العباد كافّة، أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدّماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجّ البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنّة، ومن عصى فله النّار، فآمن يا عمرو يؤمّنك الله من هول جهنّم. فقلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنك رسول الله، آمنت بكلّ ما جئت به من حلال وحرام، وإن زعم ذلك كثير من الأقوام؛ ثم أنشدته أبياتاً قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنّم وكان أبي سادنه، فقمت إليه فكسرته ثم لحقت بالنّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا أقول: من الطويل شهدت بأن الله حقّ وأنني ... لآلهة الأحجار أوّل تارك وشمّرت عن ساقي الإزار مهاجراً ... أجوب إليك الوعث بعد الدكادك لأصحب خير النّاس نفساً ووالداً ... رسول مليك النّاس فوق الحبائك قال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مرحباً بك يا عمرو " فقلت: بأبي أنت وأمّي، ألا بعثت بي إلى قومي لعلّ الله أن يمنّ بي عليهم كما منّ بك عليّ؟. قال: فبعثني، فقال: " عليك بالرّفق والقول السّديد، ولاتكن فظّاً ولا متكبّراً ولا حسوداً ". قال: فأتيت قومي فقلت: يا بني رفاعة، بل يا معشر جهينة؛ إني رسول رسول الله إليكم، أدعوكم إلى الإسلام، وآمركم بحقن الدّماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله وحده، ورفض الأصنام، وبحجّ البيت، وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنّة، ومن عصى فله النّار: يا معشر جهينة، إن الله جعلكم خيار من أنتم منه، وبغّض إليكم في جاهليّتكم ما حبّب إلى غيركم من العرب، فإنهم كانوا يجمعون بين الأختين، والغزاة في الشّهر الحرام، ويخلف الرّجل على امرأة أبيه؛ فأجيبوا هذا النّبيّ المرسل من بني لؤيّ بن غالب تنالوا شرف الدّنيا وكرامة الآخرة.

عمرو بن مرداس

عمرو بن مرداس قدم دمشق، وسمع بلالاً. عمرو بن مرّة أبو طلحة ويقال: أبو مريم الجهنيّ ويقال: الأسديّ، والأزديّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم على معاوية، وكانت له بدمشق دار بناحية باب توما، ينسب إلى ابنه طلحة بن عمرو يعرف اليوم بدرب طلحة، وكان معاوية يسمّيه أسيد، وكان قوّالاً بالحقّ. قال عمرو بن مرّة الجهنيّ: جاء رجل إلى النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلاّ الله، وأنك رسول الله، وصلّيت الصّلوات الخمس، وأدّيت الزّكاة، وصمت رمضان وقمته، فمن أنا؟ قال: " أنت من الصّدّيقين والشّهداء ". عن أبي حسين، أن عمرو بن مرّة قال لمعاوية بن أبي سفيان: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مامن وال يغلق بابه عن ذي الحاجة والخّلة والمسكنة، إلاّ غلّق الله عزّ وجلّ أبواب السّماء عن خلّته وحاجته ومسكنته ". وزاد في آخر، قال: فجعل معاوية رجلاً على حوائج النّاس.

وروى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنتم من قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ ". قال ابن سعد: كان شيخاً كبيراً في عهد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: أسلم قديماً، وصحب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد معه المشاهد، وكان أول من ألحق قضاعة باليمن؛ فقال في ذلك بعض البلويّين: لا تهلكوا في لجّة عمرو يعني لجاجه وولده بدمشق. قال أبو سعيد: بدمشق داره ناحية باب توما، ولده بها، مات بالشام في خلافة عبد الملك. قال البغويّ: سكن مصر، وقدم دمشق على معاوية. وقال ابن مندة: سكن فلسطين. قال عمرو بن مرّة الجهنيّ: خرجنا حجّاجاً في الجاهلية في جماعة من قومي، فرأيت في المنام وأنا بمكة نوراً ساطعاً من الكعبة حتى أضاء لي جبل يثرب وأشعر جهينة، وسمعت صوتاً في النّور وهو يقول: انقشعت الظّلماء، وسطع الضّياء، وبعث خاتم الأنبياء؛ ثم أضاء لي إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن؛ وسمعت صوتاً في النّور وهو يقول: ظهر الإسلام، وكسرت الأصنام، ووصلت الأرحام. قال: فانتبهت فزعاً، فقلت لقومي: والله ليحدثنّ في هذا الحيّ من قريش حدث؛ وأخبرتهم بما رأيت. فلّما انتهينا إلى بلادنا جاء الخبر أن رجلاً يقال له أحمد قد بعث. قال: فخرجت حتى أتيته، وأخبرته بما رأيت، فقال: " يا عمرو بن مرّة، أنا النّبيّ

فأجابوني إلاّ رجلاً منهم قال: يا عمرو بن مرّة أمرّ الله عيشك أتأمرني برفض آلهتنا، وأن نفرّق جمعنا، وأن نخالف دين آبائنا الشّيم العلى إلى ما يدعونا إليه هذا القرشيّ من أهل تهامة؟ لاحباء ولا كرامة. ثم أنشأ الخبيث يقول: من الكامل إنّ ابن مرّة قد أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا إني لأحسب قوله ممّن وفعاله ... يوماً وإن طال الزّمان ذباحا ليسفّه الأشياخ ممّن قد مضى ... من رام لا أصاب فلاحا قال: فقال عمرو: الكاذب منّي ومنك أمرّ الله عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه أسنانه. قال: فوالله مامات حتى سقط فوه، وعمي، وخرف، وكان لا يجد طعم الطّعام؛ فخرج عمرو بمن أسلم من قومه حتى أتوا النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحيّاهم ورحبّ بهم، وكتب لهم كتاباً هذه نسخته: " بسم الله الرحمن الرّحيم " هذا كتاب من الله العزيز على لسان رسوله بحقّ صادق وكتاب ناطق، مع عمرو بن مرّة لجهينه بم زيد، أن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها؛ على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تؤدّوا الخمس وتصلّوا الخمس، وفي الغنيمة والصّريمة شاتان إذا اجتمعا، فإن فرّقتا فشاة شاة، ليس على أهل المثيرة صدقة، ولا على الواردة لبقة، والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب قيس بن شماس وفي ذلك يقول عمرو بن مرّة: من الطويل ألم تر أن الله أظهر دينه ... وبيّن برهان الران لعامر إلى خير من يمشي على الأرض كلّها ... وأفضلها عند اعتكار الضّرائر أطعنا رسول الله لّما تقطّعت ... بطون الأعادي بالظّبى والخناجر فنحن قبيل قد بني المجد حولنا ... إذا احتملت في الحرب هام الأكابر بنو الحرب نقريها بأيد طويلة ... وبيض تلالا في أكفّ الأعاور

عمرو بن مرة الحنفي

ترى حوله الأنصار يحيون سربهم ... بسمر العوالي والصّفيح البواتر إذا الحرب دارت عند كلّ عظيمة ... ودارت رحاها باللّيوث الهوامر تبلّج منه اللّون وازداد وجهه ... كمثل ضياء البدر بين البواهر قال معاوية يوماً لعمرو بن مرّة الجهنيّ: هل لك أن تقوم مقامً تقول: إن قضاعة من معدّ، وأطعمك مصر والعراق سنةً؟ قال: إذا شئت. فتقدّم معاوية إلى أصحابه أن يكونوا حول المنبر، وجاء عمرو بن مرّة يرفل في حلله حتى صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: من الرجز يا أيّها السّائل يوم المعجر ... حيث التقينا في العجاج الأكبر قضاعة بن مالك بن حمير ... النّسب المعروف غير المنكر فقال معاوية: مالك قطع الله لسانك؟ فقام إليه ابنه زهير فقال: يا أبه، ما كان عليك أن تشفع أمير المؤمنين ويطعمك مصر والعراق سنة! فأنشأ عمرو يقول: من الكامل يوماً أطعتك يا زهير كسوتني ... في النّاس ضاحيةً ثياب صغار أنبيع والدنا الذي ندعى له ... بأبي معاشر غائب متوار قحطان والدنا الذي نسمو به ... وأبو خزيمة خندف بن نزار قال خليفة: وفيها يعني سنة تسع وخمسين شتا عمرو بن مرّة بأرض الرّوم في البرّ، ولم يكن عامئذ بحر. عمرو بن مرّة الحنفيّ شاعر من أهل الحجاز، وفد على عبد الملك بن مروان، ويقال: على يزيد بن عبد الملك.

عن الهيثم عن عديّ، قال: كان بالمدينة أربعة فتيان، فاصطحبوا على المنادمة وصحيح الإخاء، يتقارضون الشّعر، ويتباينون العشق، منهم عمرو بن مرّة الحنفيّ، وصعب بن سفيان الحارثيّ، وزيد بن سعد التّميميّ، وسفيان بن الحارث النّوفليّ؛ وكانوا يغدون كلّ يوم إلى جوار لعمرو بن أبي ربيعة المخزوميّ للمذاكرة، فعلق كلّ واحد منهم واحدةً منهنّ وعلقته، حتى فشا أمرهم وبلغ ذلك عمر بن أبي ربيعة، فجمعهنّ عنهم؛ فاشتدّ لذلك وجدهم، ونحلت أجسامهم، وتغيّرت ألوانهم؛ فاجتمعوا يجيلون الرّأي بينهم، فقال بعضهم: ما الرّأي إلاّ الخروج إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نستعديه على الهوى، يصف كلّ واحد منّا ما يلقى في أبيات من الشّعر. فتجهزّوا وخرجوا حتى قدموا على عبد الملك بن مروان، فوافوه يوم قعد للمظالم، فدخلوا في جملة النّاس، فتقدّم عمرو بن مرّة الحنفيّ وكان أكبر القوم سنّاً فرفع إلى عبد الملك قصّته، وفيها هذه الأبيات: من الطويل تغيّر وجه الأرض إذ غيّب البدر ... وحالفني الهجران لاسلم الهجر على غير ذنب كان منّي عملته ... سوى أنّني نوّهت: أن غلب الصّبر وأن امرءاً يبدي تباريح قلبه ... إلى إلفه إذ شفّه الشّوق والذّكر حقيق بأن يصفو له الودّ والهوى ... ويصرف عنه العيب إذ صرح القدر فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... أتيناك كي تقضي إذا وضح الأمر فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل لقد وضحت فيك القضيّة يا عمرو ... وأنت حقيق أن يحلّ بك الهجر لأنك أظهرت الذي كان كاتماً ... ونوّهت بالحبّ الذي ضمن الصّدر فبحت به في النّاس حتى إذا بدا ... دقيق الهوى ناديت: أن غلب الصّبر فألاّ بكتمان الهوى متّ صابراً ... فتهلك محموداً وفي كفّك العذر فلست أرى إذ بحت بالحبّ والهوى ... جزاءك إلاّ أن يعاقبك البدر وتقدّم زيد بن سعد، فرفع قصّته، وفيها: من الطويل ومالكة للرّوح منّي تطلّعت ... بناب فؤادي نحوها بالتّبسّم

فلمّا رأت في القلب تصوير حبّها ... أشارت بأنفاس ولم تتكلّم فباح الهوى منها ومنّي صبابة ... بمكنون أسرار الضّمير المكتّم فأيقنت أن القلب قد قال: مرحبا ... وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيّم فأمسكت منها بالرّجاء وأمسكت ... بأردان قلب مستهام متيّم فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... إليك رحلنا في الحكومة فاحكم فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل سأحكم يا زيد بن سعد عليكما ... وأقضي بحقّ واجب غير مبهم ذكرت بأن القلب منك بكفّها ... وحبّك منها في الضّمير المكتّم فقد قاسمتك الحبّ منها فما أرى ... سبيلاً عليها في الحكومة فاعلم تمسّكت منها بالرّجاء وأمسكت ... بأردان روح القلب منك المتيّم فأخف هواها في فؤادك لا تبح ... به يا بن سعد في الأنام فتصرم فإنّ بكتمان الهوى يظفر الفتى ... بكلّ كعاب كالرّبيب المنعّم ورفع صعب بن سفيان قصّته، وفيها: من الطويل تذكّرت أيّام الرّضى منك في الهوى ... على المطل منكم بالعصارة والتعب وفعل كريم قد يجازى بمثله ... إذا نحن أجرينا الهوى غاية الحبّ وإحداثك الهجران من بعد صبوة ... على غير ما جرم جنيت ولا ذنب كأني على جمر الغضا من صدودكم ... يقلّبني جنباً لظهر على جنب فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... أتيناك كي تقضي لقلب على قلب فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل يحكّمني صعب وقد شفّه الهوى ... ولست أرى في الحكم جوراً على صعب لقد جارت الحوراء يا صعب في الهوى ... عليك وما أحدثت ذنباً سوى الحبّ علام وفيم الصّدّ منها وما أرى ... لها سبباً يدني إلى سبب العتب فإن هي لم تقبل عليك بودّها ... وتلقاك منها بالبشاشة والرّحب فحكمي عليها أن تجازى بفعلها ... كذلكم أقضي لقلب على قلب

عمرو بن مرة الكلبي

ورفع سفيان بن الحارث قصّته، وفيها أبيات حفظ منها: من الطويل تبّدت بأسباب المودّة والهوى ... فلمّا حوت قلبي نبت بصدود فلو شئت ياذا العرش حين خلقتني ... شقيّاً بمن أهواه غير سعيد عطفت عليّ القلب منها برأفة ... وإن كان أقسى من صفاً وحديد تعلّقت من رأس الرّجاء بشعرة ... وأمسكت من رأس الحبيب بجيد فإن يغلب النّاس الرّجاء ويعتلى ... عليه فما منّي الرّدى ببعيد فقل يا أمير المؤمنين فإنّما ... تحكم والأحكام ذات حدود فأجابه عبد الملك في ظهر قصّته: من الطويل أرى الجور منها ظاهر يا بن حارث ... وما رأيها فيما أتت بسديد أمن بعدما صادت فؤادك واحتوت ... عليه نبت وجه الهوى بصدود فلست أرى إلاّ تألّف قلبها ... بطول بكاء عندها وسهود فإن هي لم ترحم بكاءك والتوت ... عليك فما منك الرّدى ببعيد سأقضي عليها إذ تبيّن جورها ... بتركان حقّ أو بعطف ودود بأن تعقب الهجران بالوصل والرّضا ... على رغم واش في الهوى وحسود فحكمي عليها أن تقاد بقلبها ... لذي صبوة جارت عليه ودود وكتب عبد الملك بن مروان إلى عمر بن أبي ربيعة أن يخرجهنّ إليهم، وكتب إلى عامله أن يبتاعهنّ منه لهم، وأحسن جوائزهم، وصرفهم. عمرو بن مرّة الكلبيّ أحد بني مارية قدم على الوليد بن يزيد يخبره بتوجّه جيش يزيد بن الوليد إليه.

عمرو بن مسعدة بن سعيد

عمرو بن مسعدة بن سعيد ابن صول بن صول أبو الفضل الصّولي، وزير المأمون قدم معه دمشق، عن المأمون، وكان أبوه مسعدة مولى خالد بن عبد الله القسريّ أمير العراق، وكان كاتبه. حدّث عن المأمون، بسنده إلى ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علّقوا السّوط حيث أهل البيت، فإنه آدب لهم ". قال أبو الخطيب: هو أبو عمّ إبراهيم بن العبّاس بن محمد بن صول بن صول. بلغني أن عمرو بن مسعدة كان عنده فرس أدهم أغرّ، لم يملك أحد مثله، فبلغ المأمون خبره، وبلغ ذلك عمراً، فقاده إليه وكتب معه: من مجزوء الرمل يا إماماً لايداني ... هـ إذا عدّ إمام فضل النّاس كما يف ... ضل نقصناناً تمام قد بعثنا بجواد ... مثله ليس يرام فرس يزهى به لل ... حسن سرج ولجام دونه الخيل كما دو ... نك في الفضل الأنام والذي يصلح للمو ... لى على العبد حرام وذكر ابنه أبو محمد ابن عمرو بن مسعدة عنه: أنه لم يقل من الشعر إلاّ بيتاً واحداً، فإنه وقّع في ظهر رقعة لرجل: من البسيط أعزز عليّ بأمر أنت طالبه ... لم يمكن النّجح فيه وانقضى أمده

عمرو بن مسعود السلمي

قال إبراهيم بن محمد بن عرفة: ومات عمرو بن مسعدة في هذه السّنة بأذنه يعني سنة سبع عشرة ومئتين. قال: وكان لعمرو منزلان بمدينة السّلام، إحداهما بحضرة طاق الحرّاني: هو إبراهيم بن ذكوان ومنزل آخر فوق الجسر، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة. عمرو بن مسعود السّلميّ من أهل الطّائف. شاعر وفد على معاوية بن أبي سفيان. عن رجل من بني سليم، قال: كان عمرو بن مسعود رجل بني سليم، ثم أحدبني ذكوان، ينزل الطّائف، وكان صديقاً لأبي سفيان بن حرب وأخاً، وكان له مال وولد، فذهب ماله، وزوّج ولده؛ وإن الشّيخ عمّر حتى إذا استخلف معاوية أتاه بالخلّة التي كانت بينه وبين أبي سفيان، فأقام ببابه سنة وبعض أخرى لا يصل إليه، ثم إن معاوية ظهر للنّاس يوماً، فكتب إليه في رقعة: من البسيط يا أيّها الملك لنا ضجراً ... لو كان صخر بعرض الأرض ما ضجرا ما بال شيخك مخنوقاً بجرّته ... طال المطال به وهراً وقد كبرا ومرّ حول ونصف ما يرى طمعاً ... يدينه منك وهذا الموت قد حضرا قد جاء ترعد كفّاه بمحجنه ... لم يترك الدّهر من أولاده ذكرا قد بشّرته أموراً فاقتأرّلها ... وقد حنا ظهره دهر وقد غبرا نادى وكلكل هذا الدّهر يعركه ... قد كنت يا بن أبي سفيان معتصرا فاذكر أباك أبا سفيان إن لنا ... حقّاً عليه وقد ضيّعته عصرا

فلّما قرأ الكتاب دعا به، فقال: كيف أنت؟ وكيف عيالك؟ وحالك؟ فقال: ما تسأل يا أمير المؤمنين عمّن ذبلت بشرته، وقطعت ثمرته، فابيضّ الشّعر، وانحنى الظّهر، فقد كثر منّي ما منت أحبّ أن يقلّ، وصعب منّي ما كنت أحبّ أن يذلّ، فأجمت النّساء وكنّ الشقاء، وكرهت المطعم وكان المنعم، وقصر خطوي، وكثر سهوي، فسحلت مريرتي بالنّقض، وشقلت على وجه الأرض، وقرب بعضي من بعض، ودّل وكلّ، فقلّ انحياشه، وكثر ارتعاشه، وقلّ معاشه؛ فنومه سبات، وفهمه تارات، وليله هبات، كمثل قول عمّك: من البسيط أصبحت شيخا كبيرا هامةً لغد ... يرنو لدى جدثي أو لا فبعد غد أردى الزّمان حلوباتي وما جمعت ... يادهر قدني ممّا تبتغيه قد والله لو كان يا خير الخلائف ما ... لاقيت في أحد ذلّت ذرا أحد أو كان بالغرد الجوّال لانصدعت ... من دونه كبد المستعصم الغرد لّما رأى يا أمير المؤمنين به ... تقلّب الدّهر من جمع إلى بدد وأبصر الشّيخ في حلقومه نقعت ... منه الحشاشة بين الصّدر وفي قعد رام الرّحيل وفي كفّيه محجنه ... يوامر النّفس في ظعن وفي قعد إمّا جوار إذا ما غاب ضيّعها ... أو المقام بدار الهون والفند فأستمحت نفسه بالسّير مغترباً ... وإن تحرّم في تامورة الأسد فقلبه فرق وماؤه سرق ... ودمعه عسق من شدّة الكمد لنسوة رغب أولادها سغب ... كأفرخ زغب حلّوا على ضمد رام الرّحيل فداروا حول شيخهم ... يسترجعون له أن خاض في البلد ينعي أصيبية فقدان والدهم ... ووالد واضع كفّاً على كبد قالوا: أبانا إذا ما غبت كيف لنا ... بمثل والدنا في القرب والبعد قد كنت ترضعنا إن درّة نكأت ... عنّا وتكلؤنا بالّروح والجسد فغرغر الشيخ في عينيه عبرته ... أنفاسه من سخين الوجد في صعد وقال يودع صبياناً ونسوته ... أوصيكم باتقّاه الله يا ولدي فإن أعش فإياب من حلوبتكم ... أو مت فاعتصموا بالواحد الصّمد

قال: فبكى معاوية بكاءً شديداً، وأمر له بثلاثمئة ألف، وكسى، وعروض، وحمله فوافى الطّائف لعشرة أيام من دمشق. تفسير غريبه. قوله: ذبلت بشرته: أيّ قلّ وذهبت نضارتها، والبشرة ما يباشره البصر من ظاهر بدن الإنسان، والأدمة: باطن البدن؛ وفي ذبول البشرة وجه آخر وهو أن يكون كنايةً عن الفرج، يرد أنه قد ضعف واسترخى. قال سفيان بن عيينة في قوله عزّ وجلّ: " وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ":أراد بالجلود الفرج. وقوله: قطعت ثمرته؛ يريد ذهاب الزّرع وانقطاع النّسل، وهو ثمرة الإنسان؛ وهو يؤيد التّأويل الآخر في ذبول البشرة. وقوله: كثر منه ما يحبّ أن يقلّ؛ يريد آفات الكبر كالسّهو والغلط ونحوها، وكالبوال والدّنين وما أشبههما من العلل، وأمّا صعوبة ما كان يجب أن يذلّ؛ فإنه يريد بذلك ما يعرض للمشايخ من خشونة المفاصل، فيقلّ معه اللّين واللّدونة التي بها تكون مطاوعة للقبض والبسط والاعتماد. وقوله: سحلت مريرته بالنقض؛ فإن المريرة: الحبل المفتول. والسحيل، أن يفتل الغزل طاقةً واحدةً، يقال: خيط سحيل، فإذا فتل طاقين فهو مبرم. قال: زهير: من الطويل يميناً لنعم السّيّدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم وقال ابن هرمة: من الطويل أرى النّاس في سحيل فلاتكنله صاحباً حتى ترى الأمر مبرماً

وأما جعل الحبل وانتقاصه مثالاً لانحلال بدنه وانتقاص قواه. وقوله: أجم النّساء؛ أي ملّهنّ وعافهنّ كما يعاف الطّعام؛ ويقال: أجمت اللّحم، إذا أكثرت منه تعافه. وقوله: قلّ انحياشه؛ أي حركته ونصرته في الأمور، إلاّ أن الحركة الضروريّة بالارتعاش قد كثرت منه وغلبت عليه. والسّبات: نوم المريض والشّيخ المسنّ، وهو الغشية الخفيقة؛ يقال: سبت الرّجل فهو مسبوت؛ ويقال: إنه مأخوذ من السّبت وهو القطع، وذلك لأنه سريع الانقطاع؛ ويقال: إنّما سمّي آخر أيّام الجمعة سبتاً لانقطاع الأيّام عنه، وذلك أن أوّلها يوم الأحد؛ والسّبت أيضاً: السّير السّريع. قال الشاعر: من الطويل ومطويّة الأقراب أمّا نهارها ... فسبت وأمّا ليلها فذميل والخفات: ضعف الحسّ؛ يريد أنه لا يدرك الصّوت إلاّ كهيئته السّرار، والخفوت: خفض الصوت، ومنه المخافتة في الكلام. قال الله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ". وإنّما قيل للميّت: خافت، لانقطاع صوته؛ والخفات من خفت بمنزلة الصّمات من صمت، والسّكات من سكت. وقوله: وليله هبات؛ فإن الهبات من الهبت، وهو اللّين والاسترخاء، ويقال: في فلان هبتة أي ضعف عقل؛ وقد هبت السّحاب إذا أرخت عزاليها، وقال الشاعر: من البسيط سقيا مجلجلة ينهل وابلها ... من باكر مستهل الودق مهبوت كأنه يريد أن نومه باللّيل إنّما هو بقدر أن تسترخي أعضاؤه من غير أن يستغرق نوماً؛ ولو قيل: وليلة هبّات، من هبّ النّائم من نومه، كان جيداً؛ إلاّ أن الرّواية متّبعة.

عمرو بن معاذ العنسي الداراني عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي

عمرو بن معاذ العنسيّ الدّارانيّ عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيليّ ذكر الواقديّ أنه من جند دمشق، سمع معاوية بن أبي سفيان، وأمّره على الصّائفة. ويقال: إن عثمان بن عفّان ولاّه ارمينية. عن سعيد بن حنظلة: أن معاوية بن أبي سفيان أمّر عمرو بن معاوية العقيليّ على الصّائفة، فلّما قدم سأله عمّا بلغ الخمس، فأخبره، فقال: أين هو؟ فقال عمرو: تسألني عن الخمس وأرى رجلاً من المهاجرين يمشي على قدميه لا أحمله؟ فقال معاوية: لاجرم، لا تنالها منّي ما بقيت. فأنشأ يقول: من الطويل تهادى قريش في دمشق غنيمتي ... وأترك أصحابي فما بالعدل ولست أميراً أجمع المال تاجراً ... ولا أبتغي طول الإمارة بالبخل فإن يمسك الشّيخ الدّمشقيّ ماله ... فلست على مالي بمستغلق فقلي وعن أبي حسبة: أن معاوية بن عمرو العقيليّ كان وهو وال على الجيش ينزل فيواسي أصحابه في سوق السّبي والجزور والرّمك مشمّراً عن ساقيه.

عمرو بن معدي كرب بن عبد الله

عمرو بن معدي كرب بن عبد الله ابن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد بن ربيعة بن سلمة ابن مازن بن ربيعة بن منبّه، وهو زبيد الأكبر بن صعب بن سعد العشيرة ابن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو ثور الزّبيديّ له وفادة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شجاعاً من فرسان العرب المذكورين، روى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، روى عنه شراحيل بن القعقاع، وشهد اليرموك. عن شراحيل بن القعقاع، قال: قال عمرو بن معدي كرب: الحمد لله، لقد كنّا من قريب إذا حججنا قلنا: لبّيك اللهم، لبّيك تعظيماً إليك عذراً، هذي زبيد قد أتتك قسراً، يقطعن خبّاً وجبالاً وعراً، قد تركوا الأنداد خلواً صفراً، يقطعن من بين غضىً وسمراً، ونحن اليوم نقول كما علّمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لبّيك لبّيك، لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك ". وإن كنّا لنمنع النّاس أن يقفوا بعرفة وذاك في الجاهليّة وإن كان موقفهم ببطن محسّر عشيّة عرفة فرقاً من أن يخطفنا الجنّ؛ فقال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجيزوا بطن عرنة فإنّما هم إذا أسلموا إخوانكم ". عن أبي حذيفة إسحاق بن بشر القرشيّ، قال: وأمدّهم يعني أبا عبيدة بن الجرّاح بتسعة عشر رجلاً ممن شهد اليرموك، منهم عمرو بن معدي كرب، وذكر غيره، يعني يوم القادسيّة.

عن الهيثم بن عديّ، قال: قال ابن عبّاس: عمرو بن معدي كرب ذهبت عينه يوم اليرموك. قال ابن سعد: وكان عمرو فارس العرب. وقال محمد بن إسماعيل: كان بالمدينة، ثم كان بالعراق. قال أبو نعيم: له الوقائع المذكورة في الجاهليّة، وأدرك الإسلام، فقدم على النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلّمه التّلبية، وله في الإسلام بالقادسيّة بلاء حسن حين بعثه عمر إلى سعد بن أبي وقاص، وكتب إليه أن يصدر عن مشورته في الحرب. وكان لعمرو سيف يسمّيه الصّمصامة. عن ابن إسحاق، قال: وقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن معدي كرب في ناس من بني زبيد، فأسلم، وقد كان عمرو قال لقيس بن مكشوح المراديّ حين انتهى إليه أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا قيس، إنك سيّد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد، قد خرج بالحجاز، يقول إنه نبيّ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبيّاً كما يقول فلن يخفى علينا، وإذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه؛ فأبى عليه قيس ذلك وسفّه رأيه. فركب عمرو حتى قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وصدّق وآمن به؛ فلمّا بلغ ذلك قيساً أوعد عمراً، وتحطّم عليه، وقال: خالفني وترك رأيي. فقال عمرو في ذلك: من مجزوء الوافر أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمراً بادياً رشده أمرتك باتّقاء اللّ ... هـ والمعروف تتّعده

خرجت من المنى مثل ال ... حميّر غرّه وتده تمنّاني على فرس ... عليه جالساً أسده عليّ مفاضة كالنّه ... ي أخلص ماءه جدده تردّ الرّمح منثني الس ... سنان عوائراً قصده فلو لاقيتني للقي ... ت ليثاً فوقه لبده تلاقي شنبثاً ششن ال ... براثن ناشراً كتده يسامي القرن إن قرن ... تيّممه فيضطهده رفيقاً بافتراس القر ... ن يرميه فيفتضده فيدمغه فيحطمه ... فيأكله فيزدرده ظلوم الشّرك فيما أح ... رزت أنيابه ويده براثنه له وظب ... كثير حوله عدده فأقام عمرو في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك، فلمّا توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدّ عمرو بن معدي كرب، فقال حين ارتدّ: من الوافر وجدنا ملك فروة شرّ ملك ... حمار ساف منخره بثفر وكنت إذا رأيت أبا عمير ... ترى الحولاء من خبث وغدر وقد قيل: إن عمراً لم يأت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال عمرو بن معدي كرب: من الخفيف إنني بالنّبيّ موقنة نف ... سي وإن لم أر النّبيّ عيانا سيّد العالمين طرّاً وأدنا ... هم إلى الله حيث كان مكانا جاء بالناموس من لدن الل ... هـ وكان الأمين فيه المعانا حكمة بعد حكمة وضياء ... فاهتدينا بنورها من عمانا ورأينا السّبيل حين رأينا ... هـ جديداً بكرهنا ورضانا

وعبدنا الإله حقّاً وكنّا ... للجهلات نعبد الأوثانا وائتلفنا به وكنّا عدوّاً ... ورجعنا به معاً إخوانا فعليه السّلام والسّلم منّا ... حيث كنّا في البلاد وكانا إن نكن لم نر النّبيّ فإنّا ... قد تبعنا سبيله إيمانا وأسينا أن لا نكون رأينا ... هـ فقد أقرح الصّدور أسانا لو رأيت النّبيّ ما لمت نفسي ... فيه بالعون حين كان استعانا يوم أحد ولا غزاة حنين ... يوم ساقت هوازن غطفانا ويرى أن في زبيد صلاحاً ... وضراباً من دونه وطعاناً وتراني من دونه لا أبالي ... فيه وقع السّيوف والمرّانا لوقيت النّبيّ بالنّفس منّي ... ولعانقت دونه الأقرانا ويصلّي عليّ حيّاً شهيداً ... أو أروّي من النّجيع السّنانا عن نيار بن مكرم الأسلميّ، قال: شهدت القادسيّة، فنزلنا يوماً اشتدّ فيه القتال بيننا وبين الفرس، فرأيت رجلاً يفعل بالعدوّ يومئذ الأفاعيل. قلت: من هذا جزاه الله خيراً؟ قيل: عمرو بن معدي كرب. قال ابن إسحاق: فلمّا فتح الله للمسلمين يوم القادسيّة على عدوّهم، وأصابوا عسكرهم وما فيه، أقبل سعد على النّاس يقسم بينهم الأموال ويعطيهم على قدر ما قرؤوا من القرآن، فأراد التّقصير ببشر بن ربيعة الخثعميّ ويزيد بن جحفة التّميميّ، وكانوا أشدّ أهل العسكر، ولم يكونوا بلغوا في القرآن، فأبوا أن يأخذوا قسمته، إلاّ أن يفضّلهم على النّاس، فقال عمرو بن معدي كرب: من الوافر أمن ليلى تسرّى بعد هدء ... خيال هاج للقلب ادّكارا يذكّرني الشّباب وأمّ عمرو ... وشامات المرابع والدّيارا

وحيّا من بني صعب بن سعد ... سقوا الأرصاد والدّيم الغزارا ألا أبلغ أمير القوم سعداً ... فقد كذبت أليّته وجارا وحرّق نابه ظلماً وجهلاً ... عليّ فقد أتى ذمّاً وعارا هبلت لقد نسيت جلاد عمرو ... وأنت كخامع تلج الوجارا أطاعن دونك الأعداء شزراً ... وأغشى البيض والأسل الحرارا بباب القادسيّة مستميتاً ... كليث أريكة يأبى الفرارا أكرّ عليهم مهري وأحمي ... إذا كرهوا الحقائق والذّمارا جزاك الله في جنبي عقوقاً ... وبعد الموت زقّوماً ونارا فلمّا بلغه قوله أرسل إليه فأعطاه، وفضّله فأرضاه. قال أبو عبيدة: إن عمرو بن معدي كرب حمل يوم القادسيّة على مرزبان وهو يرى أنه رستم، فقتله، فقال في ذلك: من السريع ألم بسلمى قبل أن تظعنا ... إنّ لسلمى عندنا ديدنا قد علمت سلمى وأشياعها ... ما قطّر الفارس إلاّ أنا شككت بالرّمح حيازيمه ... فالخيل تعدو رهباً بيننا قال الشعبيّ: إن الأعاجم كانوا يومئذ يعني يوم القادسيّة مئة ألف وعشرين ألفاً، معهم ثلاثون فيلاً، مع كلّ فيل أربعة آلاف؛ فقال سعد بن أبي وقّاص لعمرو بن معدي كرب الزّبيدي ولقيس بن مكشوح المرادي ولطلحة بن خويلد الأسديّ: إنكم شواحطنا، فسيروا في النّاس فحرّضوهم. فقام عمرو بن معدي كرب فقال: أيّها النّاس، كونوا أشدّ حذراً إذا برز إلى أحدكم قرنه، فلا يكله إلى غيره، إن هؤلاء معشر الأعاجم إذا لقي أحدهم قرنه فهو تيس؛

فبينما هو يحرّضهم ويرتجز ويقول: من الرجز أنا أبو ثور وسيفي ذو النّون ... أضربهم ضرب غلام مجنون يال زبيد إنّهم يموتون إذ جاءته نشّابة أصابت قربوسه، فحمل على صاحبها، فأخذه أخذ الجارية، فوضعه بين الصّفّين، ثم احتزّ رأسه، وقال: اصنعوا هكذا! قال عمرو بن معدي كرب: كانت خيل المسلمين تنفر من الفيلة يوم القادسيّة، وخيل الفرس لا تنفر؛ فأمرت رجلاً فتّرس عنّي، ثم دنوت من الفيل فضربت خطمه، فقطعته، فنفر ونفرت الفيلة، فحطمت العسكر، وألحّ المسلمون عليهم حتى انهزموا. قال عنه العجليّ: كوفيّ، تابعيّ، ثقة. عن الشّعبيّ، عن رجل، قال: كنت في مجلس عمر بن الخطّاب، وعنده جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتذاكرون فضائل القرآن؛ فقال بعضهم: خواتيم سورة النّحل، وقال بعضهم: سورة " يس "، وقال عليّ بن أبي طالب: فأين أنتم عن فضيلة آية الكرسيّ، أما إنّها خمسون كلمة، في كلّ سبعون بركةً. وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جواباً، فقال: فأين أنتم عن " بسم الله الرّحمن الرّحيم "؟. فقال له عمر: حدّثنا يا أبا ثور. فقال: بينما أنا في الجاهليّة إذ أجهدني الجوع، فأقحمت فرسي البرّيّة فما أصبت إلاّ بيض النّعام، فبينما أنا أسير إذا أنا بشيخ عربيّ في خيمة وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة، ومعه غنيمات له؛ فقلت له: استأسر،

ثكلتك أمّك. فرفع رأسه إليّ، وقال: يا فتى، إن أردت قرىً فانزل، وإن أردت معونة أعنّاك. فقلت له: استأسر. فقال: من الطويل عرضنا عليك النّزل منّا تكرمّاً ... فلم ترعوني جهلاً كفعل الأشائم وجئت ببهتان وزور ودون ما ... تمنّيته بالبيض حزّ الحلاقم ووثب إليّ وثبةً وهو يقول: " بسم الله الرحمن الرحيم "، فكأني مثلت تحته. قال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ قلت: بل خلّ عنّي. ثم إن نفسي حدّثتني بالمعاودة، فقلت: استأسر، ثكلتك أمّك. فقال: من الوافر ببسم الله والرّحمن فزنا ... هنالك والرّحيم به قهرنا وما يغني جلادة ذي حفاظ ... إذا يوماً لمعركة برزنا ثم وثب إليّ وثبة فكأني مثلت تحته؛ فقال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ قلت: بل خلّ عنّي. فخلّى عنّي. فانطلقت غير بعيد ثم قلت في نفسي: يا عمرو، يقهرك مثل هذا الشّيخ! والله للموت خير لك من الحياة. فرجعت إليه، فقلت: استأسر، ثكلتك أمّك. فوثب إليّ وثبة وهو يقول: " بسم الله الرّحمن الرّحيم " فكأني مثلت تحته، فقال: أأقتلك أم أخلّي عنك؟ فقلت: بل خلّ عنّي. قال: هيهات! يا جارية ائتني بالمدية. فأتته بالمدية، فجزّ ناصيتي وكانت العرب إذا ظفرت برجل فجزّت ناصيته استعبدته فكنت معه أخدمه مدةً. ثم إنه قال لي: يا عمرو، أريد أن تركب معي إلى البرّيّة، فليس بي منك وجل، وإني ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم " لواثق. قال: فسرنا، حتى أتينا وادياً أشبا نشبا، مهولاً مغولاً؛ فنادى بأعلى صوته: " بسم الله الرّحمن الرّحيم " فلم يبق طير في وكره إلاّ طار؛ ثم أعاد الصّوت، فلم يبق

سبع في مربضه إلاّ هرب؛ ثم أعاد الصّوت، فإذا نحن بحبشيّ قد خرج علينا من الوادي كالنّخلة السّحوق. فقال لي: يا عمرو، إذا رأيتنا قد اتّحدنا فقل: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ". قال: فلّما رأيتهما قد اتّحدا، قلت: غلبه صاحبي باللاّت والعزّى؛ فلم يصنع الشّيخ شيئاً. فرجع إليّ، وقال: قد علمت أنك خالفت قولي. قلت: أجل، ولست بعائد. فقال: إذا رأيتنا قد اتّحدنا فقل: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ". قلت: أفعل. فلّما رأيتهما قد اتّحدا، قلت: غلبه صاحبي ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم ".قال: فاتّكأ عليه الشّيخ، فبعجه بسيفه، فانشقّ جوفه، فاستخرج منه شيئاً كهيئة القنديل الأسود، ثم قال: يا عمرو، هذا غشّه وغلّه؛ ثم قال: أتدري من تلك الجارية؟ قلت: لا. قال: تلك الفارغة بنت السّليل الجرهميّ، وكان أبو من خيار الجنّ، وهؤلاء أهلها وبنو عمّها، يغروني منهم كلّ عام رجل ينصرني الله عليه ب " بسم الله الرّحمن الرّحيم "؛ ثم قال: لقد رأيت ما كان منّي إلى الحبشيّ، وقد غلب عليّ الجوع، فائتني بشيء آكله. فأقحمت فرسي البريّة، فما أصبت إلاّ بيض النّعام؛ فأتيته فوجدته نائماً، وإذا تحت رأسه شيء كهيئة الخشبة؛ فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار؛ فضربت ساقيه ضربة أبنت السّاقين مع القدمين؛ فاستوى على فقار ظهره، وهو يقول: قاتلك الله ما أغدرك يا غدّار. قال عمر: ثم ماذا صنعت؟ قلت: فلم أزل أضربه بسيفه حتى قطّعته إرباً إرباً. قال: فوجم لذلك عمر ثم أنشأ يقول: من البسيط بالغدر نلت أخا الإسلام عن كثب ... ما إن سمعت كذا في سالف العرب والعجم تأنف ممّا جئته كرماً ... تبّاً لما جئته في السّيّد الأرب إنّي لأعجب أنّى نلت قتلته؟ ... أم كيف جازاك عند الذّنب؟ لم تتب؟ قرم عفا عنك مرّات وقد علقت ... بالجسم منك يداه موضع العطب

لو كنت آخذ في الإسلام ما فعلوا ... في الجاهليّة أهل الشّرك والصّلب إذا لنالتك من عدلي مشطّبة ... يدعى لذائقها بالويل والحرب قال: ثم ماذا كان من حال الجارية؟ قلت: ثم إني أتيت الجارية، فلمّا رأتني قالت: ما فعل الشّيخ؟ قلت: قتله الحبشيّ، قالت: كذبت، بل قتلته أنت بغدرك. ثم أنشأت تقول: من الخفيف عيني جودي للفارس المغوار ... ثم جودي بواكفات غزار لا تملّي البكاء إذ خانك الدّه ... ر بوافي حقيقة صبّار وتقيّ، وذي وقار، وحلم ... وعديل الفخار يوم الفخار لهف نفسي على بقائك عمرو ... أسلمتك الأعمار للأقدار ولعمري لو لم ترمه بغدر ... رمت ليثاً بصارم بتّار فأحفظني قولها، فاستللت سيفي، ودخلت الخيمة لأقتلها، فلم أر في الخيمة أحداً. فاستقت الماشية، وجئت إلى أهلي. عن صالح بن الوجيه، قال: في سنة إحدى وعشرين كانت وقيعة نهاوند، ولقي النّعمان بن عمرو مقرّن المشركين بنهاوند وهم يومئذ في جمع لا يوصف كثرةً وعدّةً وكراعاً، فاشتدّت الحرب بينهم حتى قتل النّعمان، ثم انهزم المشركون في آخر النّهار، وشهد عمرو بن معدي كرب نهاوند، فقاتل حتى كان الفتح، وأثبتته الجراح، فحمل، فمات بقرية من قرى نهاوند يقال لها روذة، فقالت امرأته الجعفيّة ترثيه: من الطويل لقد غادر الرّكبان حين تحمّلوا ... بروذة شخصاً لا جباناً ولا غمرا فقل لزبيد بل لمذحج كلّها ... رزئتم أبا ثور قريعكم عمرا وزاد في أخرى: فإن تجزعوا لا يغن ذلك بعده ... ولكن سلوا الرّحمن يعقبكم أجرا

عمرو بن المؤمل أبو الحارث العدوي

وحدّث من شهد موت عمرو بن معدي كرب، قال: وكانت مغازي العرب إذ ذاك إلى الرّيّ، فخرج حتى نزل روذة، ورقد، فلما أرادوا الرّحيل أيقظوه، فقام وقد مال شقّه، وذهب لسانه، فلم يلبث أن مات، فدفن بروذة. عمرو بن المؤمّل أبو الحارث العدويّ من أهل دمشق. روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر. قال أبو الحارث: أهل الثغر، أهل طرسوس على هذا القول اليوم. عمرو بن مهاجر بن دينار أبي مسلم أبو عبيد صاحب حرس عمر بن عبد العزيز، مولى الأنصار. روى عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة، أنها حدّثته: أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقتلوا أولادكم سرّاً، فإن الغيال يدرك الرّجل على ظهر فرسه ". يعني بالسّرّ: الجماع. وقال عمرو بن مهاجر: صلّيت خلف واثلة بن الأسقع على ستّين جنازة ماتوا من الطّاعون، فجعل الرّجال مّما يليه، والنّساء مّما يلي القبلة، وصفّهم صفّين، صفّاً للرّجال مّما يليه للنّساء بين يدي صف الرّجال، وقام وسطا، فكبّر أربع تكبيرات، ثم سلّم عن يمينه.

عمرو بن ميمون

قال ابن سعد: وكان عمرو بن المهاجر ثقة، له حديث كثير، ومات سنة تسع وثلاثين ومئة في خلافة أبي جعفر، وهو ابن أربع وسبعين سنة. وقال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: ثقة. وقال العجليّ: شاميّ، ثقة. عن محمد بن مهاجر: أن عمر بن عبد العزيز قال لأخيه عمرو بن مهاجر: لقد ولّيتك يا عمرو حين ولّيتك على غير قرابة بيني وبينك، ولا ولاء لي عليك؛ ولكنك رجل من الأنصار، وأنت امرؤ تحسن الصّلاة. قال عمر بن عبد العزيز: إنّما مثلي ومثل عمرو بن مهاجر كمثل رجل اتّخذ سهماً لا ريش له؛ والله لأريشنّه. مات سنة تسع وثلاثين ومئة. عمرو بن ميمون أبو عبد الله ويقال: أبو يحيى، الأوديّ، المذحجيّ من أهل اليمن. أدرك الجاهليّة والإسلام، ولم يلق النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم الشّام مع معاذ بن جبل، ثم سكن الكوفة. حدّث عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار يقال له يعفور، فقال: " يا معاذ، هل

تدري ما حقّ الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً؛ وحقّهم على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ". قال: فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشّر النّاس؟ قال: " لا تبشّرهم فيتّكلوا ". وعن ابن مسعود: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله " يوم تبدّل الأرض غير الأرض " قال: " أرض بيضاء كأنها فضّة، لم يعمل فيها خطيئة، ولم يسفك فيها دم ". قال عمرو بن ميمون: قدم معاذ بن جبل ونحن باليمن، فقال: يا أهل اليمن، أسلموا تسلموا، إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليكم. قال عمرو: فوقع له في قلبي حبّ، فلم أفارقه حتى مات، فلّما حضره الموت بكيت؛ فقال معاذ: ما يبكيك؟ قلت: أما إنه ليس عليك أبكي، إنّما أبكي على العلم الذي يذهب معك. فقال: إن العلم والإيمان ثابتين إلى يوم القيامة، العلم عند ابن مسعود وعبد الله بن سلام، فإنه عاشر عشرة في الجنّة، وسلمان الخير، وعويمر أبي الدّرداء. فلحقت بعبد الله بن مسعود، فذكر وقت الصّلاة، فذكرت ذلك لعبد الله بن مسعود، فأمرني بما أمره به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أصلّي لوقتها، وأجعل صلاتهم تسبيحاً؛ فذكرت له فضيلة الجماعة، فضرب على فخدي، وقال: ويحك، إن جمهور النّاس فارقوا الجماعة، إن الجماعة ما وافق طاعة الله عزّوجلّ. قال أبو نعيم: أدرك الجاهليّة، وأسلم في حيلة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد حجّ مئة حجّة وعمرة. عن عيسى بن حطان، قال: دخلت مسجد الكوفة، فإذا عمرو بن ميمون الأودّي جالس وعنده ناس، فقال له رجل: حدّثنا بأعجب شيء رأيته في الجاهليّة. قال: كنت في حرث لأهلي في باليمن، فرأيت قروداً كثيرة قد اجتمعت. قال: فرأيت قرداً وقردةً اضطجعا، ثم أدخلت القردة

عمرو بن ميمون بن مهران

يدها تحت عنق القرد، واعتنقا، ثم ناما؛ فجاء قرد فغمزها من تحت رأسها، فنظرت إليه، فأسلّت يدها من تحت رأس القرد، ثم انطلقت معه غير بعيد، فنكحا، وأنا أنظر، ثم رجعت إلى مضجعها، فذهبت تدخل يدها تحت عنق القرد كما كانت، فانتبه القرد، فقام إليها فشمّ دبرها، فاجتمعت القردة، فجعل يشير إليه وإليها، فتفرقت القردة، فلم ألبث أن جيء بذلك القرد بعينه أعرفه، فانطلقوا بها وبالقرد إلى موضع كثير الرّمل، فحفروا لها حفيرةً، فجعلوهما فيهما، ثم رجموهما حتى قتلوهما. والله لقد رأيت الرّجم قبل أن يبعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن مندة: هذا حديث غريب. قال عنه العجليّ: كوفيّ، تابعيّ، ثقة، جاهليّ. عن عمرو بن ميمون: أنه كان لا يتمنى الموت، حتى أرسل إليه يزيد بن أبي مسلم ولقي منه شدّةً، ولم يكد أن يدعه، ثم تركه بعد ذلك، قال: وكان يقول: اليوم أتمنّى الموت، اللهم ألحقني بالأبرار، ولا تلحقني مع الأشرار، واسقيني من خير الأنهار. مات سنة أربع وسبعين، وقيل: خمس وسبعين، وقيل: ست أو سبع، وقيل: أربع وثمانين، وهو وهم، والصواب أربع وسبعين. عمرو بن ميمون بن مهران أبو عبد الله بن أبي أيوب، الجزريّ، الفقيه وفد على عمر بن عبد العزيز يستعفي لأبيه عن العمل، فلم يعفه، وولاّه عمر البريد. روى عن سليمان بن يسار، عن عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أصاب ثوبه منيّ غسله، ثم يخرج إلى الصّلاة، وأنا أنظر إلى بقعه من أثر الغسل في ثوبه.

عمرو بن نصر بن الحجاج

وعن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يقرأ مع الإمام فصلاته خداج ". قال عمرو بن ميمون: أرسلني أبي إلى عمر بن عبد العزيز أستعيفه من الولاية. قال: فدخلت على عمر، وعنده شيخ؛ فقال عمر: هذا ابن الشّيخ الذي كنّا في حدّيثه آنفاً. قال: فسلم عليّ الشّيخ وأدناني إلى جنبه، فقال لي: كيف أنت يا بنيّ؟ وكيف أبوك؟ قلت: صالح، وهو يقرأ عليك السّلام. قال: كيف يقرأ عليّ السّلام ولم يعرفني ولم يرني؟ قال: قلت: إنه سألني وأوصاني أن أبلغ عنه السّلام. قال: فقال الشّيخ لعمر: شدّ بهذا، ولا تعف أباه. قال خليفة: نزل الرّقّة، مات سنة خمس وأربعين ومئة. وقال يحيى بن معين: كان جزريّاً، نزل بغداد. عن ميمون، قال: ما أحد من النّاس أحبّ إليّ من عمرو، ولأن يموت أحبّ إليّ من أن أراه على عمل. قال عنه يحيى بن معين: ثقة. مات سنة سبع وأربعين، والمحفوظ أنه مات سنة حمس وأربعين ومئة، وقيل: سنة ثماني وأربعين ومئة. عمرو بن نصر بن الحجّاج المعروف بابن عمرون روى عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بينما راع في غنمه، عدا عليه الذّئب وأخذ شاة، فطلبه، فالتفت إليه الذّئب فقال: من لها يوم السّبع؟ يوم ليس لها راع غيري؟ " فقال

عمرو بن واقد أبو حفص القرشي

النّاس: سبحان الله! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أومن بذلك، أنا وأبو بكر وعمر ". وعنه، بسنده إلى أنس بن مالك الأنصاريّ، قال: بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبطنا ثنيّةً، ورأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير وحده؛ فلمّا أسهلت به الطّريق ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؟؟ ؛ ثم سار ربوةً، ثم ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؛ ثم سار ربوةً، ثم ضحك وكبّر، فكبّرنا بتكبيره؛ ثم أدركته. فقال القوم: كبّرنا بتكبيرك يا رسول الله، لا ندري ممّ ضحكت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاد جبريل النّاقة، فلمّا أسهلت التفت إليّ فقال: أبشر وبشّر أمّتك، إنه من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنّة، وحرّم عليه النّار؛ فضحكت وكبّرت ". عمرو بن واقد أبو حفص القرشيّ مولى آل أبي سفيان محدّث، وشاعر. روى عن عمرو بن يزيد النّصري، عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " نضّر الله عبداً استمع كلامي ثم لم يزد فيه، ربّ حامل كلمة لمن هو أوعى لها منه، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب مؤمن: الإخلاص لله، والمناصحة لولاة الأمر، والاعتصام بجماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم ". وبه، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " أن ثلاثة نفر دخلوا في غار، فانطبق عليهم الجبل، فقال بعضهم لبعض: هذا بأعمالكم، فليقم كلّ امرئ منكم، فليدع الله بخير عمل عمله قطّ ". فقام أحدهم فقال: اللهم، إنك تعلم أنه كان لي أبوان كبيران، وكنت لا أغتبق حتى أغبقهما، وإني أتيت ليلةً بغبوقهما، فقمت على رؤوسهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أنبّههما من نومهما، وكرهت أن أنصرف حتى يفيقا، فلم أزل قائماً على رؤوسهما حتى نظرا إلى الفجر،

عمرو بن الوضاح صاحب الوضاحة

اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا؛ فانصدع الجبل حتى نظروا إلى الضّوء. ثم قام الآخر فقال: اللهم، إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عمّ. فكنت أحبّها حبّاً شديداً، وإني سمتها نفسها، فقالت: لا، إلاّ بمئة دينار، فجمعتها لها، فلمّا أمكنتني من نفسها قالت: لا يحلّ أن تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه. فقمت وتركتها؛ اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا. فانفرج الجبل حتى كادوا يخرجون. ثم قام الآخر، فقال: اللهم، إن كنت تعلم أنه كان لي أجراء كثير، وكان لا يبيت لأحد منهم عندي أجر، وأن أجيراً منهم ترك عندي أجرةً، وإني زرعته فأخصب، فاتّخذت منه عبيداً ومالاً كثيراً؛ فأتى بعد حين، فقال لي: يا عبد الله، أعطني أجري. قلت: هذا كلّه أجرك. قال: يا عبد الله، لا تتلاعب بي. قلت: ما أتلاعب بك. قال: فأخذه كلّه، ولم يترك لي منه قليلاً ولا كثيراً؛ اللهم إن كنت تعلم أن ذلك كذلك فافرج عنّا. فانفرج الجبل عنهم فخرجوا. قال البخاريّ: عمرو بن واقد مولى قريش الدّمشقيّ منكر الحديث. قال أبو مسهر: عمرو بن واقد يكذب من غير أن يتعمّد. وقال عنه النّسائي: دمشقيّ متروك الحديث. عمرو بن الوضّاح صاحب الوضّاحة وهو قائد من قوّاد بني أميّة، كان مروان بن محمد بعثه لقتال الذين خلعوه بدمشق في أيّام زامل بن عمرو السّكسكيّ الحرّانيّ.

عن شيخ من أهل قنّسرين: انه غزا في صائفة كان يقدمها عمرو بن الوضّاح في نحو من عشرين ألفاً، فوغل في داخل أرض الرّوم، فغنم وسبى سبياً كثيراً، وكنت فيمن غزا معه؛ فأقبل بتلك الغنائم يريد عقبة الرّكاب يتلقّى جماعة الصّائفة، فلمّا كان عقبة الرّكاب على مرحلة أو مرحلتين سمع منشداً ينشد: ألا من دلّ على بغلة كذا يتبعها إلفها برذون كذا، فدعا به عمرو، فقال: ما تقول: فأخبره بما ينشد. فقال: إنّما البغال تتبع إلفها من البراذين، ولا نعرف برذوناً يتبع البغال، فما أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن بعث بك؟ قال: فذهب ينسب فلجلج، وعرف أنه لجلج فقال: ليخلني الأمير، فأخلاه، فأخبره أنه عين للرّوم، وأنه خلّف أهل الرّساتيق والكور قد حشروا إلى عقبة الرّكاب ليأخذوا عليك بها، ويستنقذوا ما غنمت، ماذا لي إن نصحتك نصيحةً تغنم بها جماعتهم، وتجيزها بإذن الله لمن معك وما معك؟. قال: لك الأمان، وغير ذلك؟ قال: إن الذين حشروا إليها كرهاً، وقد أقاموا وأبطأت عليهم، فالرّأي لك أن يؤذّن مؤذّنك في هذه السّاعة أن يصبح النّاس على ظهر نفير ليقيما ثم تصبح غاديتهم يوماً أو يومين وتبلغهم ليوافوك عند إقبالك من العقبة؛ فإذا ذهب الخير إليهم بذلك وسرت يومك رحلوا عنها أو أكثرهم، عطفت عليهم فأخذتها بإذن الله، وقويت على من بقي منهم. قال الشيخ: نفعل ذلك. ثم عطفت راجعاً، فوافى الأمر على نحو مّما ذكر من رفض عامّتهم، وقلّة من ثبت عليها، فقاتلوه قتالاً شديداً، فنصره الله، وكان بيننا وبينهم شبه الملحمة، وأجاز بما كان سبا وغنم حتى لحقنا أرض الرّوم. قال الوليد: كان ذلك سنة أربع عشرة ومئة، وأمير الصّائفة معاوية بن هشام.

عمرو بن الوليد بن عقبة

عمرو بن الوليد بن عقبة ابن أبي معيط واسمه أبان بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الوليد القرشيّ، الأمويّ، المدنيّ، المعروف بأبي قطيفة وإنّما قيل له أبو قطيفة لكثرة شعر رأسه ولحيته، شبّه بالقطيفة. شاعر محسن، سيّره ابن الزّبير في جملة من سيّر من بني أميّة إلى دمشق. وأبو قطيفة هو الذي يقول: من الخفيف ليت شعري وأين منّي ليت ... أعلى العهد يلبنّ فبرام أم كعهدي البقيع أم غيرّته ... بعدي المعصرات والأيّام أقطع اللّيل كلّه باكتئاب ... وزفير فما أكاد أنام نحو قومي إذ فرّقت بيننا الدّا ... ر وجارت عن قصدها الأحلام خشية أن يصيبهم عنت الدّه ... ر وحرب يشيب فيها الغلام ولقد حان أن يكون لهذا الد ... دهر عنّا تباعد وانصرام وبقومي بدّلت لخماً وكلباً ... وجذاماً وأين منّي جذام إقر عنّي السّلام جئت قومي ... وقليل لهم لديّ السّلام وقال أيضاً أبو قطيفة: من الطويل أيا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... بقيع المصلّى أم كعهدي القرائن أم الدّور أكناف البلاط عوامر ... كما كنّ أم هل بالمدينة ساكن أحنّ إلى تلك البلاد صبابةً ... كأني أسير في السّلاسل راهن

عمرو بن الوليد

فما أخرجتنا رغبة عن بلادنا ... ولكنّه ما قدّر الله كائن لعل قريشاً أن تريع حلومها ... ويزجر بعد الشّؤم طير أيامن إذا برقت نحو الحجاز سحابة ... دعا الشّوق منّي برقها التيامن وقال أيضاً: من الطويل بكى أحد أن فارق النّوم أهله ... فكيف بذي وجد من القوم آلف من اجل أبي بكر جلت عن بلادها ... أميّة والأيّام عوج عواطف في شعر له كثير. وذكر في غير هذه الرّواية، أن ابن الزّبير لمّا بلغه شعر أبي قطيفة، قال: حنّ والله أبو قطيفة، وعليه السّلام ورحمة الله، من لقيه فليخبره أنه آمن فليرجع؛ فأخبر بذلك، فانكفأ إلى المدينة راجعاً، فلم يصل إليها حتى مات. عمرو بن الوليد من أهل دمشق. حدّث، أنه سأل سالم بن عبد الله عن الحجر حجر الكعبة، ما يقال فيه: حدّثني القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عبد الله بن الزّبير، عن عائشة أم المؤمنين، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيدها يوماً، فقال: " لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة، فأدخلت الحجر فيها، فإنه منها، ولكن قومك استحلّوا من بنيانه، ولجعلت لها بابين، وألصقتها بالأرض، فإن قومك إنّما رفعوا بابها لئلاّ يدخلها إلاّ من شاؤوا، ولأنفقت كنزها ". قال الأوزاعيّ: عمرو بن الوليد ثقة.

عمرو بن هاشم البيروتي

عمرو بن هاشم البيروتي حدّث، قال: سمعت الأوزاعي يحدّث عن حسان بن عطيّة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حلف على يمين فاستثنى ثم أتى بما حلف فلا كفّارة عليه ". وعن الهقل بن زياد، عن الأوزاعيّ، عن الزّهريّ، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّما الحمّى من فيح جهنّم، فأطفؤوها بالماء ". وعن إدريس بن زياد الألهانيّ، عن محمد بن زياد الألهانيّ، عن أبي أمامة: أنه كان يسلّم على كلّ من لقيه. قال: فما علمت أحداً يسبقه بالسّلام، إلاّ يهوديّاً مرّة اختبأ له خلف اسطوانة، فخرج، فسلّم عليه؛ فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهوديّ، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك رجلاً تكثر السّلام فعلمت أنه فضل، فأحببت أن آخذ به. فقال أبو أمامة: ويحك، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله جعل السّلام تحيّةً لأمّتنا وأماناً لأهل ذمّتنا ". قال ابن أبي حاتم: سألت عنه محمد بن مسلم فقال: كتبت عنه، كان قليل الحديث. قلت: ما حاله؟ قال: ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأوزاعيّ. عمرو بن محمد والد الأوزاعيّ عن محمد بن كثير، قال: سمعت الأوزاعيّ يوماً، وذكر أباه، فبكى بكاءً خفيفاً لم ينتبه له إلاّ من قرب منه

عمرو بن يحيى بن سعيد

وتأمّله، ثم دعا له، وجعل يترحّم عليه، ثم قال: حدّثني أبي، قال: كنّا أغيلمة أتراباً نلعب في ميدان الأوزاع بربض مدينة دمشق، فمّر بنا راكب مسرع، فاعترضه رجل، فسأله وأنا أسمع، فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة. قال: هل وراءك من خبر؟ قال: نعم، قتل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. عمرو بن يحيى بن سعيد ابن عمرو بن سعيد بن العاص بن أميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف أبو أميّة المكّيّ قدم دمشق على بعض بني أميّة. روى عن جدّه، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هلكت أمّتي على يدي غلمة من قريش " قال مروان وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئاً: فلعنة الله عليهم غلمةً. قال: أما والله لو أشاء أن أقول: بنو فلان وبنو فلان لفعلت. قال: فكنت أخرج أنا مع أبي وجدّي إلى مروان بعدما ملكوا، فإذا هم يبايعون الصّبيان ومنهم من بويع له وهو في خرقة. قال لنا: هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا أكبر؟ سمعت أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضاً قال عنه يحيى بن معين: صالح.

عمرو بن يحيى بن وهب بن أكيدر

عمرو بن يحيى بن وهب بن أكيدر من أهل دومة الجندل. روى عن أبيه، عن جدّه، قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي أكيدر، ولم يكن معه خاتمه، فختمه بظفره. عمرو بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بن حرب أمّه أم ولد. عمرو أبو عثمان البكاليّ لم ينسب، وقيل: ابن سيف له صحبة، ويقال: لا صحبة له. شهد اليرموك. وكان يؤمّ النّاس بدمشق. عن أبي تميمية الهجيمي، قال: أتيت الشّام فإذا أنا برجل مجتمع عليه، وإذا هو مجذوذ الأصابع. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أفقه من بقي على ظهر الأرض من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا عمرو البكاليّ. قال: قلت: فما شأن أصابعه؟ قالوا: أصيب يوم اليرموك. قال: وإذا هو يحدّث ويقول: يا أيّها النّاس، اعملوا وأبشروا، فإن فيكم ثلاثة أعمال ليس منهنّ عمل، إلاّ وهو يوجب لأهله الجنّة، قالوا: وما هنّ؟ قال: رجل يلقى في الفئة، فينصب نحره حتى يهراق دمه، فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟ قال: فيقولون: ربّنا، أنت أعلم. قال: يقول: أنا أعلم، ولكن أخبروني ما حمله على الذي صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، رجّيته شيئاً فرجاه، وخوّفته شيئاً فخافه.

عمرو الطائي

قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد أوجبت له مارجا، وأمّنته ممّا يخاف. قال: ورجل يقوم في اللّيلة الباردة من دفوة فراشه إلى الوضوء والصّلاة فيقول الله لملائكته: ما حمل عبدي على ما صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، أنت أعلم. قال: يقول: أنا أعلم، ولكن أخبروني ما حمله على ما صنع؟ قال: يقولون: ربّنا، رجّيته شيئاً فرجاه، خوّفته شيئاً فخافه. قال: قال: أشهدكم أني قد أوجبت له ما رجا، وأمّنته ممّا يخاف. قال: والقوم يكونون جميعاً، فيقرأ الرّجل عليهم القرآن؛ فيقول الله لملائكته: ما حمل عبادي هؤلاء على ما صنعوا؟ قال: يقولون: ربّنا، أنت رجّيتهم شيئاً فرجوه، وخوّفتهم شيئاً فخافوه. قال: فيقول: إني أشهدكم أني قد أوجبت لهم ما رجوا، وأمّنتهم ممّا خافوا. قال موسى الكوفيّ: وقفت على منزل عمرو البكاليّ وهو أخو نوف بحمص، وهما من حمير. قال ابن يونس: قدم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستّين. قال عنه العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة، من كبار التابعين. بلغني أن عمراً البكاليّ عاش إلى بعد وقعة راهط. عمرو الطّائيّ ذكر أن له وفاة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نزل دمشق.

عمرو الحضرمي مولاهم

عمرو الحضرميّ مولاهم والد حريث بن عمرو، قدم مع أبي عبيدة بن الجرّاح، وشهد صفّين مع معاوية. قال خليفة في تسمية من قتل مع معاوية بصفّين: عمرو بن الحضرميّ. عمرو السّرّاج الإسكاف وأظنّه عمر بن السّرّاج، الذي تقدم. حدّث، قال: مرّ بنا النّون بدمشق إلى المتوكل، وقد حمل على بغال البريد، فما كان بأسرع أن رجع؛ فسألته: بم تخلّصت منه؟ قال: دخلت إليه، فلّما رآني، استثبت لي أن قلت: يا من ليس في السّموات نظرات، ولا في البحار قطرات، ولا في ديباج الرّياح ولجات، ولا على الألسن من نطقات، ولا في القلوب خطرات، ولا في الجوانح حركات؛ إلاّ وهي عليك يا ربّ دالاّت، وبربوبيّتك معرّفات، التي أحدثت بها من في الأرض ومن في السّموات؛ أشغل قلبه عنّي. قال: فقال: يا أبا البيض، إنا أتعبناك، سل. قال: ردّني. قال: ردّوه. فدخل عليه عبد الله بن خاقان، فقال: يا أمير المؤمنين، آليت على نفسك إن رأيت ذا النّون لتقتلنّه، فلّما أن رأيته قمت إليه! قال: كان بين يديه أسود عايه سيف، على زاوية السّيف نار. فقال: همّ به حتى أهمّ بك!.

عملس بن عقيل بن علفة

عملّس بن عقيل بن علّفة ابن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرّة ابن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، المرّيّ شاعر، قدم مع أبيه على بعض خلفاء بني أميّة. عن ابن الأعرابيّ، قال: خرج عقيل بن علّفة المرّيّ إلى الشام، فحمل معه ابنته الجرباء، لأنه كان غيوراً، وخرج معه ابنه العملّس، فبيناهم يسيرون، قال عقيل: من الطويل قضت وطراً من دير سعد وطالما ... على عرض ناطحنه بالجماجم أجز يا عملّس. فقال: فأصبحن بالبيداء يحملن فتيةً ... نشاوى من الإدلاج ميل العمائم قال: أجيزي يا جرباء. فقالت: كأن الكرى سقّاهم صرخديّة ... عقاراً تمشّى في المطا والقوائم المطا: الظّهر. والصّرخديّة: الخمر. فلّما ذكرت ذلك لحقته غيرة، فقام إليها فضربها، فعحجز بينهما العملّس، فقال:

أتضرب صابينا وتعذل في الصّبا ... وما هنّ والفتيان إلاّ شقائق فأحال على العملّس يضربه، فبعد منه هنيّةً ورماه بسهم، فأقعد، ومضى إلى أهل الماء وقال: إن بعيراً لنا تركناه في المنزل، فمن أدركه منكم بماء فله نصيب من لحمه، ومن لا فلا: وإنّما أراد أن يسقى أبوه ماء، فشرعوا إليه بالماء فشرب وصلح، وأنشأ يقول: من الرجز إن بنيّ زمّلوني بالدّم ... من يلق أبطال الرّجال يكلم ومن يلق ذروته يقوّم ... شنشنة أعرفها من أخزم الشّنشنة: الطبيعة والخليقة. والذّروة: أعلى الشّيء. يكلم: يجرح. وبلغني من وجه آخر، أنه قال: قضت وطراً من دير هند ومن وجه آخر: من دير يحيى فمضى عملّس بأخته فأحياها، ومضى هارباً من أبيه إلى الشام، وذلك أنه آلى ليضربنّه بالسّيف. وأقام عقيل سنين، ثم اشتاق إلى ابنه، فأقبل يطلبه، فلّما وافى بعض مدن الشام فإذا هو بجنازة، فقال: ويحكم، من هذه؟ قالوا: عملّس بن عقيل بن علّفة. فأنشأ يرثيه: من الطويل لقد خبر القوم الشآمون غدوةً ... بموت فتىً في الحيّ غير ضئيل لتسر المنايا حيث شاءت فإنّها ... محللة بعد الفتى ابن عقيل فتىً كان مولاه يحلّ بربوةً ... فحلّ الموالي بعده بمسيل

عمير بن الحارث الدمشقي عمير بن الحباب بن جعدة

عمير بن الحارث الدّمشقيّ عمير بن الحباب بن جعدة ابن إياس بن حذافة بن محارب بن هلال بن فالج ابن ذكوان بن ثعلبه بن بهثة بن سليم بن منصور أبو المغلّس السّلمي الذّكوانيّ شاعر فارس، وفد على عبد الملك بن مروان، وكانت بينه وبين قبائل اليمن مغاورات وحروب وغارات. عن عمير بن الحباب السّلميّ، قال: أسرت أنا وثمانية معي في زمان بني أميّة، فأدخلنا على ملك الرّوم، فأمر بأصحابي فضربت رقابهم، ثم إني قرّبت لضرب عنقي فقام إليه بعض البطارقة، فلم يزل يقبّل رأسه ورجليه حتى وهبني له، فانطلق بي إلى منزله، فدعا ابنةً له جميلة وكان عمير بن الحباب رجلاً جميلاً نبيلاً فقال لي البطريق: هذه ابنتي، أزوّجك بها، وأقاسمك مالي، وقد رأيت منزلي من الملك، فادخل في ديني حتى أفعل بك هذا. فقلت: ما أترك ديني لزوجة ولا لدنيا. قال: فمكث أيّاماً يعرض عليّ ذلك، وآبى؛ فدعتني ابنته ذات ليلة إلى بستان لها، فقالت: ما يمنعك ممّا عرض عليك أبي؟ يزوجني منك، ويقاسمك ماله، وقد رأيت منزلته من الملك، وتدخل في دينه؟ فقلت: ما أترك ديني لامرأة ولا لشيء. قالت: فتحبّ المكث عندنا أو اللّحاق ببلادك؟ فقلت: الذّهاب إلى بلادي. قال: فأرتني نجماً في السّماء، قالت: سر على هذا النّجم باللّيل، واكمن بالنّهار، فإنه يلقيك إلى بلادك. ثم زوّدتني وانطلقت، فسرت ثلاث ليال، أسير في اللّيل وأكمن في النّهار.

قال: فبنيا أنا اليوم الرّابع مكمن، فإذا الخيل. قال: فقلت: طلبت. قال: فأشرعوا عليّ فإذا أنا بأصحابي المقتولين على دواب، معهم آخرون على دواب شهب. قال: فقالوا: عمير؟ فقلت: أو ليس قد قتلتم؟ قالوا: بلى، ولكن الله تعالى نشر الشّهداء وأذن لهم أن يشهدوا جنازة عمر بن عبد العزيز. قال: فقال لي بعض الذين معهم: ناولني يدك يا عمير. فناولته يدي؛ فأردفني، ثم سرنا يسيراً، ثم قذف بي قذفة وقعت قرب منزلي، من غير أن يكون لحقني شيء. قال أبو أحمد العسكري: فأما الحباب: الحاء غير معجمة، وتحت الباء نقطة واحدة، فمنهم عمير بن الحباب السّلميّ، أحد فرسان العرب المشهورين بالنّجدة، وله أخبار مع عبد الملك بن مروان، ولا رواية له، وابنه الحباب بن الحباب، كان مع مروان بن محمد يقاتل الخوارج. ذكر زياد بن يزيد عمير بن الحباب، عن أشياخ قومه، قال: أغار عمير بن الحباب على كلب، فلقي جمعاً لهم بالإكليل في ستمئة أو سبعمئة، فقتل منهم فأكثر، فقالت هند الجلاحيّة تحرّض كلباً: من الوافر ألاهل ثائر بدماء قوم ... أصابهم عمير بن الحباب وهل في عامر يوماً نكير ... وحيّي عبد ودّ أو جناب فإن لم يثأروا من قد أصابوا ... فكونوا أعبدا لبني كلاب أبعد بني الجلاح ومن تركتم ... بجانب كوكب تحت التّراب تطيب لغابر منكم حياة ... ألا لاعيش للحيّ المصاب فاجتمعوا، فلقيهم عمير، فأصاب منهم، ثم أغار فلقي جمعاً منهم بالجوف فقتلهم، وأغار عليهم بالسّماوة فقتل منهم مقتلةً عظيمةً، فقال عمير: من الوافر ألا يا هند هند بني جلاح ... سقيت الغيث من تلك السّحاب ألمّا تخبرني عنّا بأنّا ... نردّ الكبش أعضب في تباب

عمير بن ربيعة

ألا يا هند لو عاينت يوماً ... لقومك لا متنعت من الشّراب غداة ندوسهم بالخيل حتى ... أباد القتل حيّ بني كلاب ولو عطفت مواساة حميداً ... لغودر شلوه تحت التّراب يعني حميد بن بحدل الكلبيّ. قال أبو عبيدة: عمير بن الحباب: فارس سليم في الإسلام، قتل بني تغلب بالجزيرة، فقتلوه بعدما أثخن فيهم وقتل ساداتهم ورجالهم في خلافة عبد الملك بن مروان. وقال عبد الملك بن مروان يوماً: من أشجع النّاس؟ فقالوا: عمير بن الحباب. قال اللّيث: وفي سنة سبعين قتل عمير بن الحباب. وبلغني أن عمير بن الحباب قتله زياد بن هوبر التّغلبيّ يوم الثّرثار. عمير بن ربيعة مولى بني عبد شمس وقيل: إنه أوزاعيّ حدّث عن ابن مسعود: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تبادروا الإمام بالرّكوع حتى يركع، ولا بالسّجود حتى يسجد، ولا ترفعوا رؤوسكم حتى يرفع، فإنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ". وعنه: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإني أخاف أن يخبروكم بالصّدق فتكذّبوهم، أو يخبروكم الكذب فتصدّقوهم؛ عليكم بالقرآن، فإن فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ".

عمير بن سعد بن شهيد بن قيس

وعن كعب الأحبار: أنه كان يقول في مقبرة الفراديس: يبعث منها سبعون ألف شهيد، يشفعون في سبعين سبعين. يعني كلّ رجل منهم في سبعين. قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي العليا: عمير بن ربيعة. عمير بن سعد بن شهيد بن قيس ابن النعمان بن عمرو بن أميّة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدّث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث، وشهد فتح دمشق، ولي على دمشق وحمص في خلافة عمر بن الخطّاب. عن أبي طلحة الخولانيّ، قال: أتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين قال: وكان يقال له: نسيج وحده فقعدنا على دكّان عظيم في الدّار. قال: وفي الدّار حوض حجارة. قال: فقال: يا غلام، أورد الخيل. قال: فأوردها. قال: فأين الفلانة؟ قال: سمّى الفرس لأنها أنثى فقال: جربة، تقطر دماً. فقال: أوردها. فقال القوم: إذن تجرب الخيل. قال: فقال: أوردها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة " ألم تروا إلى البعير يكون بالصّحراء، فيصبح في كركرته أو مراقه نكتة من جرب لم يكن قبل ذلك، فمن أعدى الأوّل؟.

قال عمير بن سعد: فيّ أنزلت هذه الآية " ويقولون: هو أذن قل: أذن خير لكم " وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة، فيأتي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيسارّه، حتى كانوا يتنادون بعمير بن سعد، وكرهوا مجالسته، وقالوا: هو أذن؛ فأنزلت فيه. قال ابن سعد: وكان أبوه مّمن شهد بدراً، وهو سعد القارئ، وهو الذي يروي الكوفيّون أنه أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل سعد بالقادسيّة شهيداً، وصحب ابنه عمير بن سعد النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه عمر بن الخطّاب على حمص. وقال أبو نعيم الحافظ: وكان من زهّاد العمّال، ولي لعمر سنةً على حمص، ثم أشخصه، فقدم عليه بالمدينة، وجدّد عهده، فامتنع، وأبى أن يلي له، وكان عمر يقول: وددت أن لي رجلاً مثل عمير أستعين به على أعمال المسلمين. عن ابن شهاب، قال: ثم توفي سعيد بن عامر فأمّر مكانه عمير بن سعد الأنصاري، وكان على الشّام معاوية وعمير بن سعد حتى قتل عمر. وقال: واستخلف عثمان فجمع الشّام لمعاوية، ونزع عميراً. عن سليم بن عامر، قال: خطب معاوية على منبر حمص، وهو أمير عليها وعلى الشّام كلّها، فقال: والله ما علمت يا أهل حمص أن الله تبارك وتعالى يسعدكم بالأمراء الصّالحين، أوّل من ولي عليكم عياض بن غنم، وكان خيراً منّي؛ ثم ولي عليكم سعيد بن عامر بن حذيم، وكان خيراً منّي؛ ثم ولي عليكم عمير بن سعد، ولنعم العمير، وكان ثم هنا، فإذ قد وليتكم فستعلمون.

عن عمير بن سعد، أنه كان يقول وهو أمير على حمص، وهو من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا إن الإسلام حائط منيع، وباب وثيق؛ فحائط الإسلام العدل، وبابه الحقّ، فإذا فرض الحائط وحطم الباب استفتح الإسلام، فلا يزال منيعاً ما اشتدّ السّلطان، وليس شدّة السّلطان قتلاً بالسّيف ولا ضرباً بالسّوط، ولكن قضاءً بالحقّ وأخذاً بالعدل. عن عبد الرّحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر: ما كان من المسلمين رجل من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من أبيك. عن عبد الملك بن هارون، عن أبيه، عن جده، عن عمير بن سعد الأنصاري، قال: بعثه عمر بن الخطّاب عاملاً على حمص، فمكث حولاً لا يأتيه خبره، فقال عمر لكاتبه: اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلاّ قد خاننا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما حبست من فيء المسلمين، حين تنظر في كتابي هذا. قال: فأخذ عمير جرابه، فجعل فيه زاده، وقصعته، وعلّق إداوته، وأخذ عنزته، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة. قال: فقدم وقد شحب لونه، واغبرّ وجهه، وطالت شعرته؛ فدخل على عمر، وقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله. فقال عمر: ما شأنك؟ فقال عمير: ما ترى من شأني؟ ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي الدّنيا أجرّها بقرنيها؟ فقال: ما معك؟ فطن عمر أنه قد جاءه بمال. فقال: معي جرابي أجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد به عدوّاً إن عرض لي؛ فوالله ما الدّنيا إلاّ تبع لمتاعي. قال عمر: فجئت تمشي؟ قال: نعم. قال: أما كان لك أحد يتبرّع بدابّة تركبها؟ قال: ما فعلوا ولا سألتهم ذلك. فقال عمر: بئس المسلمون خرجت من عندهم. فقال عمير: اتّق الله يا عمر، قد نهاك الله عن الغيبة، وقد رأيتهم يصلّون صلاة الغداة. قال عمر: فأين بعثتك؟ وأيّ شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله. فقال عمير: لولا أني أخشى أن أغمّك

لما أخبرتك؛ بعثتني حتى أتيت البلد، فجمعت صلحاء أهلها فولّيتهم جباية فيئهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به. قال: ما جئتنا بشيء؟ قال: لا. قال: جدّدوا لعمير. قال: إن ذلك لشيء لا عملت لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت، بل لم أسلم؛ لقد قلت لنصرانيّ: أي أخزاك الله؛ فهذا ما عرّضتني يا عمر، وإن أشقى أيّامي يوم خلقت معك يا عمر. فاستأذنه، فأذن له، فرجع إلى منزله. قال: وبينه وبين المدينة أميال. فقال عمر حين انصرف عمير: ما أراه إلاّ قد خاننا؛ فبعث رجلاً يقال له: الحارث، وأعطاه مئة دينار، فقال: انطلق إلى عمير حتى تنزل كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإن رأيت حالاً شديداً فادفع إليه هذه المئة دينار. فانطلق الحارث فإذا هو بعمير يفلي قميصه إلى جنب الحائط، فسلّم عليه الرّجل، فقال له عمير: انزل، رحمك الله. فنزل، ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة. قال: فكيف تركت أمير المؤمنين؟ قال: صالحاً. قال: كيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين. قال: أليس يقيم الحدود؟ قال: بلى، ضرب ابناً له على فاحشة فمات من ضربه. فقال عمير: اللهم أعن عمر، فإني لا أعلمه إلاّ شديداً حبّه لك. قال: فنزل به ثلاثة أيّام وليس لهم إلاّ قرصة من شعير، كانوا يخصّونه بها ويطوون، حتى أتاهم الجهد. فقال له الحارث: هذه الدّنانير بعث بها أمير المؤمنين إليك فاستعن بها. قال: فصاح، وقال: لا حاجة لي فيها، ردّها. فقالت له امرأته: إن احتجت إليها، وإلاّ ضعها مواضعها. فقال عمير: والله ما لي شيء أجعلها فيه؛ فشقّت المرأة أسفل درعها، فأعطته خرقة، فجعلها فيها، ثم خرج يقسمها بين أبناء الشّهداء والفقراء ثم رجع؛ والرّسول يظنّ أنه يعطيه منها شيئاً. فقال عمير: أقرئ منّي أمير المؤمنين السّلام. فرجع الحارث إلى عمر. قال: ما رأيت؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين حالاً شديداً. قال: فما صنع بالدّنانير؟ قال: لا أدري. قال: فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي فلا تضعه من يدك حتى تقبل. فأقبل على

عمير بن سعد ويقال ابن سعد

عمر، فدخل عليه، فقال له عمر: ما صنعت بالدّنانير؟ قال: صنعت ما صنعت! وما سؤالك عنها؟ قال: أنشد عليك لتخبرني ما صنعت بها. قال: قدّمتها لنفسي. قال: رحمك الله. فأمر له بوسق من طعام وثوبين. قال: أمّا الطعام فلا حاجة لي فيه، فقد تركت في المنزل صاعين من شعير، إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرّزق ولم يأخذ الطعام وأما الثّوبان، فقال: إن أمّ فلان عارية. فأخذهما ورجع إلى منزله، فلم يلبث أن هلك رحمه الله فبلغ ذلك عمر فشقّ عليه، وترحّم عليه، فخرج يمشي ومعه المشّاؤون إلى بقيع الغرقد، فقال لأصحابه: ليتمنّ كلّ رجل منكم أمنيةً. فقال رجل: وددت يا أمير المؤمنين أن لي مالاً فأعتق لوجه الله كذا وكذا. وقال آخر: وددت لو أن عندي مالاً فأنفق في سبيل الله. وقال آخر: وددت لو أن لي قوةً فأمتح بدلو زمزم لحجّاج بيت الله. فقال عمر: وددت لو أن لي رجلاً مثل عمير بن سعد أستعين به على أعمال المسلمين. ةً فأمتح بدلو زمزم لحجّاج بيت الله. فقال عمر: وددت لو أن لي رجلاً مثل عمير بن سعد أستعين به على أعمال المسلمين. عمير بن سعد ويقال ابن سعد المازنيّ، البصريّ قدم على عمر بن عبد العزيز مع أبيه حين شكى إلى عمر فعزله عن ولاية عمان. عمير بن سيف الخولانيّ دمشقيّ.

عمير بن محمد بن أحمد

عمير بن محمد بن أحمد ابن محمد بن عمير بن أحمد بن سعيد ابن عمير بن محمد بن مسلم بن عبد الله أبو القاسم الجهنيّ حدّث عن أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن مروان القرشيّ، بسنده إلى ابن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرّجل على خطبة أخيه، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تلقّوا السلع ". توفي سنة أربع وعشرين وأربعمئة. عمير بن هانئ أبو الوليد العنسيّ من أهل داريّا. ولي الكوفة عن الحجّاج في أيّام عبد الملك، وولي جباية خراج دمشق في أيّام عمر بن عبد العزيز. روى عن جنادة بن أبي أميّة، عن عبادة بن الصّامت، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تعارّ من اللّيل، فقال حين يستيقظ: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولاحول ولا قوة إلاّ بالله؛ ودعا: ربّ اغفر لي؛ إلاّ غفر له أو قال: استجيب له فإن قام فتوضّأ ثم صلّى، إلاّ قبلت صلاته ".

عن عمير بن هانئ، قال: وجّهني عبد الملك بن مروان بكتب إلى الحجّاج بن يوسف وهو محاصر ابن الزّبير، وقد نصب على البيت أربعين منجنيقاً. قال: فرأيت عبد الله بن عمر إذا أقيمت الصّلاة مع الحجّاج صلّى معه، وإذا حضر عبد الله بن الزّبير المسجد الحرام صلّى معه. قال: فقلت: يا أبا عبد الرّحمن، تصلّي مع هؤلاء، وهذه أعمالهم؟ فقال لي: يا أخا أهل الشّام، صلّ معهم ما صلّوا، ولا تطع مخلوقاً في معصية الخالق. قال: فقلت له: ما قولك في أهل مكة؟ قال: ما أنا لهم بعاذر. قلت: فما تقول في أهل الشّام؟ قال: ما أنا لهم بحامد؛ كلاهما يقتتلون على الدّنيا، يتهافتون في النّار تهافت الذّباب في المرق. قال: قلت: فما قولك في هذه البيعة أخذ علينا ابن مروان؟ فقال عبد الله بن عمر: إنّا كنّا نبايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السّمع والطّاعة، وكان يلقّننا: " فيما استطعتم ". قال محمد بن إسماعيل البخاريّ: وزعم آل عمير أنه أدرك ثلاثين من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال العجليّ: شاميّ، تابعيّ، ثقة. حدّث عمير بن هانئ، قال: ولاّني الحجّاج بن يوسف الكوفة، فما بعث إليّ في إنسان أحدّه إلاّ حددته، وما بعث إليّ في إنسان أقتله إلاّ أرسلته؛ فبينما أنا على ذلك إذ بعث إليّ الجيش أسير بهم إلى أناس أقاتلهم، فقلت: ثكلتك أمّك عمير! كيف بك؟ فلم أزل أكاتبه حتى بعث إليّ أن انصرف. فقلت: والله لا أجتمع أنا وأنت في بلد أبداً؛ فجئت وتركته. عن ابن جابر، عن عمير بن هانئ: أنه كان يضحك، فأقول له: يا أبا الوليد، ما هذا؟ فيقول: بلغني أن أبا الدّرداء كان يقول: إني أستجمّ ببعض الباطل ليكون أنشط لي في الحقّ.

عمير بن يوسف بن موسى

عن عمرو بن شراحيل، قال: سمعت عمير بن هانئ يقول: تقول التّوبة للشّاب: مرحباً وأهلاً؛ وتقول للشّيخ: نقبلك على ما كان منك. قال عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر: قلت لعمير بن هانئ: أرى لسانك لا يفتر عن ذكر الله، فكم تسبّح في كلّ يوم؟ قال: مئة ألف إلاّ أن تخطيء الأصابع. عن عمران: أن عمير بن هانئ العنسيّ قتله الصّقر بن حبيب المرّيّ بداريّا. وقال هشام بن عمّار: قتل عمير بن هانئ سنة سبع وعشرين ومئة. عمير بن يوسف بن موسى ابن جوصا أبو حفص والد أبي الحسن أحمد بن عمير. وكان كثير المعروف، واسع البذل للفقراء. عن عمير بن جوصا، قال: كتب إليّ أحمد بن صاعد، قال: من عرف هذا الرّبّ الكريم أحبّه، ونافس في الشّكر والإخلاص. عن محمد بن الفيض الغسّاني، عن أبيه، قال: كنت واقفاً على دار بني نصر أطلب لوزاً مصلحاً إذ أقبل حبشيّ بن المؤذن إلى رجل من أهل قرية حلفبلتا معه لوز، فساومه به وأعطاه عطيّةً فلم يوجب، ثم انصرف

عنبسة بن سعيد بن العاص

عنه، إذ أقبل عمير بن جوصا، فوقف عليه فقال: بكم القفيز؟ قال: بكذا وكذا درهماً؛ فأعطاه عطيّة، فقال له الرّجل: يا أبا حفص، قد أعطاني حبشيّ بن المؤذن أكثر مّما أعطيتني بدرهم فلم أوجبه له. فقال: هو لك بما أعطاك؟ إذ أقبل حبشيّ بن المؤذن فقال له: قد زادك الله. قال: إني قد بعته من أبي حفص. قال: فالتفت حبشيّ إلى عمير فقال: يا بن اليهوديّة، تدخل عليّ في سومي؟ فقال له: ويلي عليك يا نبطيّ، يا ماصّ بظر أمّه، إنّما أبوك قسيس من أهل حوّارين نبطيّ، وأنا رجل من ولد هارون بن عمران عليه السّلام، دخلنا في الإسلام رغبة فيه فزدنا شرفاً على شرف، نحن موالي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فانصرف حبشيّ خازياً مّما أجابه. عن إسماعيل بن أسامة وكان شيخاً صالحاً قال: رئي عمير بن يوسف بن جوصا بعد وفاته في النّوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: ما رأيت منزولاً به أكرم من الله، عفى عن السّيّئات، وقبل الحسنات، وتضمّن التّبعات. والله تعالى أعلم. عنبسة بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو خالد ويقال: أبو أيّوب الأمويّ أخو عمرو بن سعيد الأشدق الذي غلب على دمشق في أيّام عبد الملك. وهو من أهل المدينة، كان مع أخيه بدمشق حين غلب عليها. وفد على عمر بن عبد العزيز.

حدّث عن أبي هريرة، قال: قدمت المدينة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، فتكلّم بعض ولد سعيد بن العاص، فقال: لاتسهم يا رسول الله. قال: هذا قاتل ابن قوقل. فقال سعيد بن العاص: يا عجباً لوبر قد تدلّى علينا من قدوم ضأن يعيّرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يديّ، ولم يهنّي على يديه. قال عنه يحيى بن معين: ثقة. ذكر عن عنبسة بن سعيد أنه قال: لمّا اجتمعت أهلي قلت: لأرسلنّ إلى سيّد قومي مروان فلأدعونّه؛ فأصلحت داري، وتجمّلت بالفرشة والسّتور والخدم والبزّة الظاهرة، وتكلّفت في ذلك، وصنعت طعاماً وذلك بعدما ملك ثم دعوت مروان، فأتاني هو وابناه عبد الملك وعبد العزيز، فجعل ينظر إلى ماهيّأت؛ وأتيت بالطّعام، فوضعته، فقال: فأدخل يده في الثّريد، هو وابنه، ثم أقبل عليّ ويده في الصّفحة يهيء لقمته، فقال: يا عنبسة، هل عليك من دين؟ قلت: نعم، إن عليّ لدنياً. قال: وكم؟ قلت: سبعون ألف درهم. فقبض يده، ورفعها من طعامي، وقال لابنيه: ارفعا أيديكما، حرم علينا طعامك، أما كنت تقدر أن تجعل بعض هذه الفضول التي أرى في بعض دينك؟ فهو كان أولى بك. ثم قام، ولم يأكل من طعامي شيئاً، فلو كان قضاها عنّي ما كان بأنفع لي من عظته. قلت في نفسي: هذا شيخي وسيّد قومي، صنع ما أرى استخفافاً بي وعظة لي؛ فعمدت إلى تلك الفضول ففرّقتها، وصمدت صمد ديني أقضيه، فما برح ذلك حتى قضى الله عنّي الدّين، وتأثّلت المال. وكان انقطاع عنبسة إلى الحجّاج بن يوسف.

عنبسة بن سعيد بن غنيم

قال عنبسة بن سعيد: ما شاحنت رجلاً، ولا جلس إليّ رجل إلاّ عرفت فضله حتى يقوم. عن أسماء بن عبيد، قال: دخل عنبسة بن سعيد على عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه قد كان من كان قبلك يعطونا عطايا منعتناها، وإن لي عيالاً وضيعة، وقد أحببت أن أتعاهد ضيعتي وما يصلح عيالي. فقال عمر بن عبد العزيز: أحبّكم إلينا من يعمل ذلك. فلّما ولّى قال: أبا خالد، أبا خالد. فأقبل؛ فقال: أكثر من ذكر الموت، فإنك لا تذكره وأنت في سعة من العيش إلاّ ضيّقه عليك، ولا تذكره وأنت في ضيق من العيش إلاّ وسّعه عليك. عنبسة بن سعيد بن غنيم أبو غنيم الكلاعيّ روى عن أنس بن مالك، قال: تمنّى رجل عند أبي هريرة الموت، قال: لاتتمنّ الموت حتى تثق بعمل. وعن أباه بن أبي عياش، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: " لتسألنّ يومئذ عن النّعيم " قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسّرها، قال: " الخصاف، والماء، وفلق الكسر ". قال العبّاس بن الوليد: الخصاف: خصف النّعلين. قال عنبسة بن سعيد الكلاعيّ: ما ابتدع رجلاً بدعةً إلاّ غلّ صدره عن المسلمين، اختلجت منه الأمانة.

عنبسة بن أبي سفيان صخر

قال الأوزاعيّ: صدق رحمه الله كنّا نتحدّث أنه ما ابتدع رجل بدعة إلاّ سلب ورعه. قال عنه أبو زرعة: أحاديثه منكرة. عنبسة بن أبي سفيان صخر ابن حرب بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عامر، ويقال: أبو عثمان ويقال: أبو الوليد أخو أمّ حبيبة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم دمشق، وذكر الواقديّ: أن معاوية استعمله على الصّائفة سنة اثنتين وأربعين، فبلغ مرج الشّحم، وولاّه الموسم بمكة. روى عن أمّ حبيبة زوج النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلّى أربعاً قبل الظّهر وأربعاً بعده وحببت له الجنّة ". ليس فيه ذكر النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعنها، عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلّى في يوم ثنتي عشرة ركعةً بنى الله له بيتاً في الجنّة ". وعنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنّة ".

عنبسة بن عبد الله بن محمد

قال أبو زرعة: في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي العليا: عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية. قال ابن مندة: أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تصلح له صحبة ولا رواية. قال أبو نعيم الحافظ: واتّفق متقدموا أئمتنا أنه من التّابعين. قال خليفة: وأقام الحجّ يعني سنة ست وأربعين عنبسة بن أبي سفيان بن حرب. وأقام الحجّ يعني سنة سبعون وأربعين عنبسة بن أبي سفيان، وولاّها يعني مكة عنبسة بن أبي سفيان، وكان إذا شخص إلى الطائف استخلف طارق بن المرقع. عن أبي أمامة، قال: مرض عنبسة بن أبي سفيان، فدخل عليه أناس يعودونه، وهو يبكي، قلنا: ما يبكيك يا أبا عثمان، فقد كانت لك سابقة، وقد سلف لك خير. قال: ومالي لا أبكي من هول المطلع، ومالي عمل أثق به. عنبسة بن عبد الله بن محمد ابن عنبسة أبو المجد الكفرطابيّ أجاز لأبي القاسم بن صابر أن يروي عنه كتاب " الغوامض " لعبد الغني، في سنة ثمانين وأربعمئة.

عنبسة بن عبد الملك بن مروان

عنبسة بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص الأمويّ أمّه أمّ ولد كانت له ضيعة من عمل عرقة. عنبسة الأصغر ن عتبة ابن عثمان بن أبي سفيان الأمويّ كانت عنده رملة بنت عبد الله بن خالد، أخت أبي العميطر. عنبسة بن عمر بن حرب ابن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأمويّ كان يسكن الصّفوانية من إقليم حرلان. عنبسة بن الفيض بن عنبسة ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمويّ كان يسكن قرية زملكان من إقليم بيت لهيا.

عنبسة بن أبي محمد بن عبد الله

عنبسة بن أبي محمد بن عبد الله ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كان يسكن ميدعا، قرية من قرى دمشق، وكانت لجده معاوية بن أبي سفيان. عنبر الأسود خادم بن عبد العزيز حدّث أبو سعيد هشام وكان من أهل الأدب قال: لمّا كنّا بالرّقّة زمان هارون الرّشيد، جاؤوا بعنبر الأسود خادم عمر بن عبد العزيز وقد جاوز المئة وكذا وكذا، وقد سقطت أسنانه فقالوا: يا عنبر، أخبرنا عن عمر بن عبد العزيز. فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرك بشيء رأيته، أو بشيء بلغني عنه؟ قال: لا، بل بشيء رأيته. قال: سخّنت له ليلةً ماءً، فقال: يا عنبر من أين لنا هذا الماء الحارّ، وليس لنا حطب؟ قال: استقرضت لك من حطب الحرس. قال هارون: وكان له حرس؟ قال: نعم، باللّيل والنّهار يمنعون أهل الذّمّة إذا جاؤوا لا يكفرون عنده. عنبة ويقال عقبة وهو وهم بن سهيل بن عمرو ابن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لويّ بن غالب القرشيّ، العامريّ أدرك النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع أبيه إلى الشّام، ومات في طاعون عمواس.

عوام بن سميع الزاهد القرنسي

وعنبة هو والد فاختة التي قدم بها من الشّام على عمر بعد وفاة أهلها، فقال عمر: زوّجوا الشّريد الشّريدة، فزوّجها عبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وكان قدم به من الشّام أيضاً. عن اللّيث بن سعد، قال: ثم كانت الوفاة، وطاعون عمواس، وغزوة عنبة بن سهيل من بني عامر بن لؤيّ سنة ثمان عشرة. وقال يعقوب: في سنة ثمان عشرة وهي سنة طاعون عمواس توفي سهيل بن عمرو، وعنبة بن سهيل، وأشراف النّاس. عوّام بن سميع الزّاهد القرنسيّ حدّث، قال: كنت جار سعيد بن عبد العزيز، ما بيني وبينه إلاّ حائط. قال: فسمعته يردّد " ألهاكم التّكاثر " إلى الصّباح ما قرأ غيرها. وقال عوام: كان سليمان الخوّاص يمرّ باللّحّام يأخذ منه لقطّة له، فمرّ به فإذا هو يكلّم امرأة. قال: تقول له نفسه: من أجل قطّة تمسك عن الكلام؟ فجاء إلى منزله، فأخرج القطّة، فطردها، ثم صار من الغد إلى اللّحّام فوعظه.

عوام ويقال عرام

عوّام ويقال عرّام ابن النذر بن زبيد ابن قيس بن حارثة بن لأم الطّائيّ، الشّاعر من المعمرين، بقي إلى أيّام عمر بن عبد العزيز. قال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السّجستانيّ: قالوا: وعاش عوّام أو عرّام بن المنذر بن زبيد بن قيس بن حارثة بن لأم، وأدخل على عمر بن عبد العزيز ليزمّن، أي يكتب في الزّمنى. قالوا: وكان عمّر في الجاهليّة دهراً طويلاً؛ فقال عمر: ما زمانتك هذه؟ فقال فيما زعم ابن الكلبيّ، قال: أخبرني رجل من بني قيس بن حارثة أنه قال لعمر بن عبد العزيز: من الطويل ووالله ما أدري أأدركت أمّة ... على عهد القرنين أم كنت أقدما متى تنزعا عنّي القميص تبيّنا ... جآجئ لم يكسين لحماً ولادما عوّام بن يزيد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم أمه أمّ ولد. عوبثان بن ثوبان المرّي من بادية الشّام. قال أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزبانيّ: أمّ العوبثان وأبرد

عوف بن إسماعيل بن عوف

وبريض: سلمى بنت كعب بن زهير بن أبي سلمى، وكان العوبثان من سادة بني مرّة وشعرائهم. وعلق العوبثان أمّ عمرو، مولاة من أهل جنفاء، لها زوج يقال له: أبو نعيم. فقال العوبثان: من الوافر أجدّك لاتلاقي أمّ عمرو ... على جنفاء ما اختلف اللّيالي يقول النّاس: كهل ربّ بيت ... وحبّك شى إحدى الموالى فليت أبا نعيم قد تولّى ... وصار العويثان أبا العيال فمات أبو نعيم، فتزوّجها العوبثان، وأولدها. عوف بن إسماعيل بن عوف ابن أبي عوف أبو سليمان حدّث عن محمد بن أحمد الواسطيّ الكاتب بدمشق، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرويه عن ربّه عزّ وجلّ: " إذا همّ العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها فهي عشر حسنات، إلى سبعمئة ضعف، وإن همّ بالسّيئة ولم يعملها لم أكتبها له، فإن عملها فهي سيئة واحدة ". عوف بن حطان بن شجرة التّجيبيّ قال ابن يونس: شهد الفتح بمصر، رأى بلالاً يؤذّن بالشّام، قديم.

عوف بن عبد الرحمن

عوف بن عبد الرحمن أبو عديّ الغسانيّ عوف بن مالك أبو عبد الرحمن ويقال: أبو محمد ويقال: أبو حمّاد ويقال: أبو عبد الله الأشجعيّ، الغطفانيّ. شهد الفتح، ويقال: كانت معه راية أشجع، وكانت داره بدمشق عند سوق الغزل العتيق. روى عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: خرجت مع من خرج مع يزيد بن حارثة من المسلمين في غزوة مؤته، فرافقني مدديّ من أهل اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين زورا، فسأله المدديّ طائفةً من جلده، فأعطاه إيّاه، فاتّخذه كهيئة الدّرق، ومضينا، فلقينا جموع الرّوم وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرّوميّ يغري بالمسلمين، وقعد له المدديّ خلف صخرة، فضرب الرّوميّ، فخرّ من فرسه، فقتله، فحاز فرسه وسلاحه؛ فلّنا فتح الله للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد، فأخذ منه السّلب. قال عوف: فأتيته، فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسّلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكنّي استكثرته. قلت: لتردّنّه إليه أو لأعرفنّكما عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأبى أن يرد عليه.

قال عوف: فاجتمعنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقصصت عليه قصّة المدديّ وما فعل خالد؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا خالد، ما حملك على ما صنعت؟ " قال: يا رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ردّ عليه ما أخذت منه ". فقلت: دونك يا خالد، ألم أقل لك؟ فقال رسول الله عليه وسلم: " وما ذاك؟ " فأخبرته، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " يا خالد، لا تردّه عليه؛ هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم، وعليهم كدره ". عن سويد بن غفلة، قال: كنّا مع عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين بالشّام، فأتاه نبطيّ مضروب مشجّج؛ فغضب غضباً شديداً، فقال لصهيب: من صاحب هذا؟ فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعيّ. فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين. فإني أخاف عليك بادرته. فجاء معه معاذ؛ فلّما انصرف عمر من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه. فقال له عمر: مالك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق امرأة مسلمة، فنخس الحمار ليصرعها، فلم تصرع؛ دفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها، ففعلت ما ترى. قال: ائتني بالمرأة لتصدّقك. فأتى عوف المرأة، فذكر الذي قاله عمر. قال أبوها وزوجها: ما أردت بهذا؟ فضحتنا. فقالت المرأة: والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين. فلّما اجتمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين. فأتيا فصدّقا عوف بن مالك بما قال. قال عمر لليهوديّ: والله ما على هذا عاهدناكم. فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن فعل هذا فلا ذمّة له. قال سويد بن غفلة: فإنه لأول مصلوب رأيته. قال محمد بن عمر: شهد عوف بن مالك خبير مسلماً، وكانت راية أشجع مع عوف بن مالك يوم فتح

مكة، وتحوّل عوف بن مالك إلى الشام في خلافة أبي بكر، فنزل حمص، وبقي إلى أول خلافة عبد الملك بن مروان، مات سنة ثلاث وسبعين. عن إسماعيل بن رافع، قال: غزا عوف مع يزيد بن معاوية بقسطنطينيّة. عن أبي مسلم الخولانيّ، قال: حدّثني الحبيب الأمين فأمّا هو إليّ فحبيب، وأمّا هو فأمين عوف بن مالك الأشجعيّ، قال: كنّا عند رسول الله عليه وسلم سبعة أو ثمانيةً أو تسعةً، قال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " يردّدها ثلاث مرّات، فقدّمنا أيدينا، فقلنا: يا رسول الله، قد بايعناك؛ فعلام نبايعك؟ فقال: " على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصّلوات الخمس " وأسرّ كلمة خفيفةً فقال: " ولا تسألوا النّاس شيئاً ". قال: فلقد رأيت ذلك النّفر يسقط سوطه، فما يسأل أحداً يناوله إيّاه. عن أنس، قال: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصحابه؛ بين سلمان وأبي الدّرداء، وآخى بين عوف بن مالك وصعب بن جثامة. حدّث عوف بن مالك، قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في خيمة من أدم، فتوضّأ وضوءاً مكيناً، فقلت: يا رسول الله، أأدخل؟ قال: " نعم ". قلت: كلّي؟ قال: " كلّك ". قال: " يا عوف، ستّاً بين يدي السّاعة " قلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: " موتي " قال: فوجمت لها، فقال: " قل: إحدى " قلت: إحدى. " والثانية: فتح بيت المقدس، والثالثة موتان فيكم مثل قعاص الغنم، والرّابعة إفاضة المال، حتى يعطى الرّجل مئة دينار فيظل يتسخّطها، وفتنة لا يبقى بيت من العرب إلاّ دخلته، وهدنة بينكم وبين بني الأصفر ثم يغدرون فيأتونكم في ثمانين غاية، تحت كلّ غاية اثنا عشر ألفاً ".

عن عوف بن مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جاءه فيء قسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظّاً، فدعينا، فكنت أدعى قبل عمّار بن ياسر، فدعيت وأعطاني حظّين، وكان لي أهل؛ ثم دعا بعدي عمّار بن ياسر فأعطاه حظّاً واحداً، فسخط حتى عرف ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجهه، ومن حضره، فبقيت فضلة من ذهب، فجعل النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعها بطرف عصاه، فتسقط، ثم يرفعها فتسقط، وهو يقول: " فكيف أنتم يوم يكثر لكم من هذا؟ " فلم يجبه أحد، فقال عمّار: وددنا لو كثر لنا فصبر من صبر، وفتن من فتن. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لعلّك تكون فيه شرّ مقتول ". عن عوف، قال: عّرس بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فترسّد كلّ إنسان منّا ذراع راحلته، فانتبهت بعض اللّيل فإذا أنا لا أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند راحلته، فأفزعني ذلك، فانطلقت ألتمس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا أنا بمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعريّ، وإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني؛ فبينا نحن كذلك إذ سمعنا هزيزاً بأعلى الوادي كهزيز الرّحى، فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال النّبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني اللّيلة آت من ربّي عزّ وجلّ فخيّرني بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنّة، فاخترت الشّفاعة " فقلت: أنشدك الله يا بني الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. قال: " فإنكم من أهل شفاعتي ". قال: فانطلقنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انتهينا إلى النّاس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني آت من ربّي عزّ وجلّ فخيّرني بين الشّفاعة وبين أن يدخل نصف أمّتي الجنّة، فاخترت الشّفاعة ". فقالوا: ننشدك الله والصّحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك. فلّما انضمّوا عليه، قال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أشهد من حضر أن شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله عزّ وجلّ شيئاً ". قال عوف بن مالك الأشجعيّ: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صّلى على جنازة، يقول: " اللهم اغفر له، وارحمه، واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقّه من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدّنس، وأبدله بداره داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النّار ".

عون بن إبراهيم بن الصلت الشامي

قال عوف بن مالك: فتمنّيت أن أكون الميّت لدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك الميّت. قال خليفة: وفي سنة ثلاث وسبعين مات عوف بن مالك الأشجعيّ من أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عون بن إبراهيم بن الصّلت الشّاميّ حدّث عن عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، مولى بني أميّة، بسنده إلى عائشة: عن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان قاعداً وحوله نفر من المهاجرين والأنصار، وهم كثير، إلى أن قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّما مثل أحدكم ومثل ماله ومثل أهله كمثل رجل له إخوة ثلاثة؛ فقال لأخيه الذي هو ماله حين حضرته الوفاة، ونزل به الموت: ما الذي عندك، فقد نزل بي ما ترى؟ فقال أخوه الذي هو ماله: مالك عندي غناء، ومالك عندي نفع، إلاّ ما دمت حيّاً، فخذ منّي الآن ما أردت، فإني إذا فارقتك سيذهب بي إلى مذهب غير مذهبك، وسيأخذني غيرك ". فالتفت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا أخوه الذي هو ماله، فأيّ أخ ترونه؟ " قالوا: ما نسمع طائلاً يا رسول الله. " ثم قال لأخيه الذي هو أهله وقد نزل به الموت: قد حضرني ما ترى، فما عندك؟ " قال: لك عندي أن أمرّضك، وأقوم عليك، وأعينك، فإذا متّ غسّلتك وحنّطتك وكفّنتك، وحملتك في الحاملين، ثم أرجع عنك فأثني عليك بخير عند من سألني عنك " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للّذي هو أهله: " أيّ أخ ترونه؟ " قالوا: ما نسمع طائلاً يا رسول الله. ثم قال لأخيه الذي هو عمله: ماذا لديك؟ قال: أشيّعك إلى قبرك، وأونس وحشتك، وأهب بهمّك، وأقعد في كفنك، وأتشوّل بخطاياك، فقال النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيّ أخ ترون هذا الذي هو عمله؟ " قالوا: خير أخ يا رسول الله. قال: " فإن الأمر هكذا ". قالت عائشة: فقام عبد الله بن كرز على رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أتأذن أن أقول على هذا شعراً؟ قال: " نعم ". قالت عائشة: فما بات إلاّ ليلته تلك حتى غدا عبد الله بن كرز، واجتمع المسلمون لما سمعوا من تمثيل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموت وما فيه.

قالت عائشة: فجاء ابن كرز على رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إيه يابن كرز " فقال: من الطويل إنّي ومالي والّذي قدّمت يدي ... كداع إليه صحبه ثم قائل لأصحابه إذ هم ثلاثة إخوة ... أعينوا على أمري الذي هو نازل فراق طويل غير ذي مثنويّة ... فماذا لديكم في الذي هو غائلي فقال امرؤ منهم: أنا الصّاحب الذي ... أطعتك فيما شئت قبل التّزايل فأمّا إذا جدّ الفراق فإنّني ... لما بيننا من خلّة غير واصل فخذ ما أردت الآن منّي فإنّني ... سيسلك بي في مهيل من مهايل وإن تبقني لا أبق فاستنفذنّني ... فعجّل صلاحي قبل حتف معاجل وقال امرؤ: قد كنت جدّاً أحبّه ... وأوثره من بينهم بالتّفاضل غنائي أنّي جاهد لك ناصح ... إذا جدّ الكرب غير مقاتل ولكنّني باك عليك ومعول ... ومثن بخير عند من هو سائلي وأتّبع الماشين أمشي مشيّعاً ... أعين برفق عقبة كلّ حامل إلى بيت مثواك الذي أنت مدخل ... وأرجع للأمر الذي هو شاغلي كأن لم يكن بيني وبينك خلّة ... ولا حسن ودّ مرّةً في التّباذل وذلك أهل المرء ذاك غناؤهم ... وليسوا ولو كانوا حراصاً بطائل وقال امرؤ منهم: أنا الأخ الذي ... إخالك مثلي عند جهد الزّلازل لدى القبر تلقاني هنالك قاعداً ... أجادل عنك في رجاع التّجادل وأقعد يوم الوزن في الكفّة التي ... تكون عليها جاهداً في التّثاقل فلا تنسني واعلم مكاني فإنّني ... عليك شفيق ناصح غير خاذل وذلك ما قدّمت من كلّ صالح ... تلاقيه إن أحسنت يوم التّواصل قالت عائشة: فما بقيت عند النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عين تطرف إلاّ دمعت. قالت: ثم كان ابن كرز يمّر على مجالس أصحاب النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيستنشدونه فينشدهم، فلا يبقى أحد من المهاجرين والأنصار إلاّ بكى.

عون بن الحسن بن عون أبو جعفر

عون بن الحسن بن عون أبو جعفر روى عن أبي علاثة أحمد بن أبي غسّان، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ألبسه الله نعمة فليكثر من الحمد لله؛ ومن كثرت همومه فليستغفر الله؛ ومن أبطأ عليه رزقه فليكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله؛ ومن نزل على قوم فلا يصوم إلا بإذنهم؛ ومن دخل دار قوم فليجلس حيث أمر، فإن القوم أعلم بعورة دارهم؛ وإنّ من الذّنب المسخوط به على صاحبه الجهد في الحسد، والكسل في العبادة، والضّنك في المعيشة ". عون بن حكيم مولى الزّبير بن العوّام من أصحاب الأوزاعيّ. كتب عن الأوزاعيّ، وحجّ معه، وكانت له دار بدمشق مّما يلي باب الجابية. قال: خرجت مع الأوزاعيّ إلى عين فاخته، إلى عبد الوهاب، قال: فصلّى بنا الظّهر. قال: فأدخل إصبعه بين منطقته وقبائه يذهب بها ويجيء. قال: فلمّا سلّم قلت للأوزاعيّ: يا أبا عمرو، ما رأيت أكثر عبثه بيده بمنطقته في الصّلاة؟ قال: الذي رآه شرّ منه. وحدّث عن الوليد بن سليمان، عن أبي السّائب، عن رجاء بن حيوة: أنه كتب إلى هشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين، بلغني أنه دخلك شيء من قبل غيلان وصالح؛ فأقسم بالله لقتلهما أفضل من قتل ألفين من التّرك والدّيلم. عون بن شمعلة المرّيّ له ذكر في عصبيّة أبي الهيذام المرّيّ. /

عون بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الله الهذلي أخو عبيد الله بن عبد الله الفقيه وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته. حدث عن ابن عمر قال: بينا نحن نصلي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من القائل كذا وكذا؟ فقال رجلٌ من القوم: أنا يا رسول الله، قال: عجبت لها لما فتحت لها أبواب السماء. قال ابن عمر: فما تركتن منذ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك. وحدث عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ سمع القوم وهم يقولون: أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيمانٌ بالله ورسوله، وجهادٌ في سبيل الله، وحج مبرور. ثم سمع نداءً في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنا أشهد، ولا يشهد بها أحدٌ إلا برئ من الشرك. كان عون بن عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن إخوة؛ فأما عبيد الله فكان من فقهاء أهل المدينة وخيارهم، وكان أعمى فمر عليه عبد الله بن عمرو بن عثمان وعمر بن عبد العزيز فلم يسلما عليه فأخبر بذلك فانشأ يقول: " من الطويل ".

لاتعجبا أن تؤتيا فتكلما ... فما حشي الأقوام شراً من الكبر ما تراب الأرض منه خلقتما ... وفيها المعد والمصير إلى الحشر وأما عون بن عبد الله فكان من آدب أهل المدينة وأفقهم، وكان مرجئاً ثم رجع عن ذلك وأنشأ يقول: " من الوافر " لأول ما تفارق غير شك ... ففارق ما يقول المرجئونا وقالوا مؤمنٌ من أهل جورٍ ... وليس المؤمنون بجائرينا وقالوا مؤمن ذمة حلالً ... وقد حرمت دماء المؤمنينا ثم خرج مع ابن الأشعث فهرب حيث هربوا، فأتى محمد بن مروان بنصيبين، فأمنه وألزمه ابنه، فقال له محمد: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: ألزمتني رجلاً إن قعدت عنه عتب، وإن أتيته حجب، وإن عاتبته صخب، وإن صاحبته غضب. فتركته ولزم عمر بن عبد العزيز وهو خليفة؛ وكانت له منه منزلة، وخرج جرير، فأقام بباب عمر بن عبد العزيز فطال مقامه فكتب إلى عبد الله: " من البسيط " يا أيها الفارس المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني بلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمشدود في قرن وأما عبد الرحمن بن عبد الله فهو الذي يقول: " من الوافر:

تأثل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير صدعت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليط فالتام الفطور تغلغل حيث لم يدخل شرابٌ ... ولا حزنٌ ولم يدخل سرور وقال: " من المتقارب " أبادر بالمال سهمانه ... وقول المعوق والرائث وأمنح نفسي الذي تشتهي ... وأوثر نفسي على الوارث قال أبو أسامة: وصل إلى عون بن عبد الله أكثر من عشرين ألف درهم " فتصدق بها " فقال له أصحابه: لو اعتقدت عقدة لولدك، فقال: أعتقدها لنفسي وأعتقد الله لولدي. قال أبو أسامة فلم يكن في المسعوديين أحدٌ أحسن من ولد عون بن عبد الله. كان عون يضع يده تحت لحيته، ثم يميلها إلى وجهه، ثم ينظر إليها، ثم يبكي ويقول: اللهم ارحم شيبتي. قال أبو هارون موسى: كان عون يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع. كتب عمر بن عبد العزيز إلى عون بن عبد الله يعزيه بابن له: أما بعد؛ فإن الناس أهل آخرة أسكنوا الدنيا، أموات أبناء أموات، إخوان أموات: فكيف يعزي ميت ميتاً عن ميت؟ بأخيه، بأبيه، بابنه! والسلام. قال: فكتب إليه عون: أما بعد فما أنزل الموت كنه منزلته من عد غداً من أجله؛ فكم من مستقبل يوماً لا يستكمله! وكم من مؤملٍ لغدٍ لا يدركه، إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.

قال عون بن عبد الله: إن من كان قبلنا كانوا يجعلون لدنياهم ما فضل عن آخرتهم، وإنكم اليوم، تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم. كان عون بن عبد الله يقول: اليوم المضمار وغداً السباق، وللسبقية الجنة وللغاية النار فبالعفو تنجون وبالرحمة تدخلون الجنة، وبالأعمال تقتسمون المنازل. قيل لعون بن عبد الله: ما أنفع أيام المؤمن له؟ قال: يوم يلقى ربه فيعلمه أنه عنه راضٍ؛ قالوا: إنما أردنا من أيام الدنيا، قال: إن من أنفع أيامه له في الدنيا ما ظن أنه لا يدرك آخره. قال عون بن عبد الله: الخير الذي لا شر فيه، الشكر مع العافية، والصبر عند المصيبة؛ فكم من منعمٍ عليه غير شاكر، ومبتلي غير صابر. قال محمد بن سوقة: مررت مع عون بن عبد الله بالكوفة على قصر الحجاج، فقلت: لو رأيت ما نزل بنا هاهنا زمن الحجاج! فقال: مررت كأنك لم تدع إلى ضرمسك؛ ارجع فاحمد الله واشكره، ألم تسمع إلى قوله: " مر كأن لم يدعنا إلى ضرمسة ". قال عون بن عبد الله: فواتح التقوى حسن النية، وخواتمها التوفيق؛ والعبد فيما بين ذلك بين هلكاتٍ وشبهاتٍ؛ ونفسٍ تحطب على شلوها، وعدو يكيد غير غافل ولا عاجز؛ ثم قرأ: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ".

كان عون بن عبد الله يقول: إن من أعظم الخير أن ترى ما أوتيت من الإسلام عظيماً عندما زوى عنك من الدنيا. وعن عون بن عبد الله قال: قرأ رجلٌ عنده هذه الآية: " ومن يتق الله له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب " فقال عون: والله إنه ليرزقنا من حيث لا نحتسب، ووالله إنه ليجعل لنا المخرج، وما بلغنا كل التقوى، وأنا أرجوا إن شاء الله أن يفعل بنا في الثالثة، كما فعل بنا في الاثنتين " ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ". قال عون بن عبد الله: اهتمام العبد بذنبه داعٍ إلى تركه، وندمه عليه مفتاح لتوبته، ولا يزال العبد يغتم بالذنب يصيبه، حتى يكون أنفع له من بعض حسناته. كان عون بن عبد الله أحياناً يلبس الخز وأحياناً يلبس الصوف والبت ونحوه، فقيل له في ذلك، فقال: ألبس الخز لئلا يتحي ذو الهيئة أن يجلس إلي، وألبس الصوف لئلا يهابني ضعفاء الناس أن يجلسوا إلي. قال عون بن عبد الله: إذا أزرى أحدكم على نفسه فلا يقولن: ما في خير، فإن فيه التوحيد، ولكن ليقل: قد خشيت أن يهلكني ما في من الشر. وما أحسب أحداً تفرغ لعيب الناس، إلا من غفلته عن نفسه؛ ولو اهتم لعيب نفسه ما تفرغ لعيب أحدٍ ولا لذمه. قال ثابت البناني: كان لعون بن عبد الله جاريةً يقال لها بشرة، وكانت تقرأ القرآن بألحان، فقال يوماً: يا بشرة اقرئي على إخواني، فكانت تقرأ بصوتٍ رجيع حزين، فرأيتهم يلقون العمائم عن رؤوسهم ويبكون، فقال لها يومئذ: يابشرة قد أعطيت بك ألف دينار لحسن

عويمر بن زيد بن قيس

صوتك، اذهبي فلا يملكك علي أحد، فأنت حرة لوجه الله. قال ثابت: فهي عجوز بالكوفة، لولا أن أشق عليها لبعثت إليها حتى تقدم علينا فتكون عندنا حتى تموت. قال ليث بن أبي سليم: لما مات عون بن عبد الله تركت مجالسة الناس زماناً حزناً عليه. وكان عون ثقة. عويمر بن زيد بن قيس ويقال ابن عامر، ويقال ابن عبد الله وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد بن قيس أبو الدرداء الأنصاري الخزرجي من أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم. شهد اليرموك، وكان قاضي أهله، وحضر حصار دمشق، وسكن حمص وانتقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى دمشق، وولي بها القضاء وكانت داره بباب البريد وفي نسبه اختلاف. بعث عبد الملك بن مروان إلى أم الدرداء فكانت عنده، فلما كانت ذات ليلة قام عبد الملك من الليل، فدعا خادمه فكأنه أبطأ عنه، فلعنه، فلما أصبح قالت له أم الدرداء: قد سمعتك الليلة لعنت خادماً، قال: إنه أبطأ عني، قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. وعن أبي الدرداء قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نفعل، أمرٌ قد فرغ منه أم شيءٌ نستأنفه؟ فقال: بل أمرٌ قد فرغ منه، قالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: كل امرئٍ مهيأٌ لما خلق له. وعن أبي الدرداء أنه كان إذا نزل به الضيف قال: أمقيم فنسرح أم ظاعنٌ فنعلف؟ فإن قال ظاعن

قال: لا أجد شيئاً خيراً من شيءٍ أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جاء ناس من الفقراء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر، يجاهدون ولا نجاهد ويحجون ويفعلون ولا نفعل. فقال: ألا أدلكم على ما إذا أخذتم به أدركتم أو جئتم بأفضل مما يأتون به؟ تكبرون الله أربعاً وثلاثين وتسبحون الله ثلاثاً وتحمدون الله ثلاثاً وثلاثين في دبر كل صلاة. وأم أبي الدرداء محبة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة، وكان أبو الدرداء أقنى، أشهل، يخضب بالصفرة، وكان تاجراً قبل أن بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم زاول العبادة والتجارة، وآثر العبادة وترك التجارة. وكان فقيهاص، عالماً، عابداً قارئاً أحد الأربعة الذين أوصى معاذ بن جبلٍ أصحابه أن يأخذوا العلم عنهم. فاته بدر ثم اجتهد في العبادة وقال: إن اصحابي سبقوني. آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين سلمان، وكان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً. وعن أبي الدرداء أنه قال: لا مدينة بعد عثمان، ولا رجاء بعد معاوية. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء، فأسلم، قال جبير بن نفير: كان أبو الدرداء يعبد صنماً في الجاهلية؛ وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فكسرا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك ويقول: ويحك هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك! فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء: أعدي لي في المغتسل ماء، فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلته فلبسها ثم ذهب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛

فقال: يا رسول الله هذا أبو الدرداء، وما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما جاء ليسلم، فإن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم. حدث سعيد بن عبد العزيز أن أبا الدرداء أسلم يوم بدرٍ، وشهد أحداً فأبلى يومئذ، وفرض لع عمر في أربع مئة، ألحقه بالبدريين. قال ابو الدرداء: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا تاجر، فأردت أن تجتمع الصلاة مع التجارة فلم تجتمعا، فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة؛ والذي نفس أبي الدرداء في يده. ماأحب أن لي حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كل يومٍ أربعين ديناراً أتصدق بها في سبيل الله. قيل له: لم يا أبا الدرداء؟ وما تكره من ذلك؟ قال: شدة الحساب. شهد أبو الدرداء أحداً وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد من على الجبل، فردهم وحده. وقيل: إنه لم يشهد أحداً. ولما هزم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس، فلما أظلهم المشركون من فوقهم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ليس لهم أن يغلبونا، فثاب إليه يومئذٍ ناس، وانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه؛ وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الفارس عويمر. وقال: حكيم أمتي عويمر. كان أبو الدرداء يرمي بنبله يوم الشعب حتى أنفذها، ثم جعل يدهده عليهم الصخر والحجارة فحانت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه نظرة، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الفارس عويمر! ثم حانت منه نظرة أخرى فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو الدرداء، فقال: نعم الرجل أبو الدرداء!.

وعن أنس قال: مات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال الشعبي: جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة نفرٍ من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد؛ ومجمع بن دارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير عثمان. وفي حديث آخر بمعناه، وكان ابن مسعود قد أخذ بضعاً وسبعين سورةً وتعلم بقية القرآن من مجمع. وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأرفق أمتي لأمتي عمر، وأصدق أمتي حياة عثمان، وأقضي أمتي علي بن أبي طالب، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل؛ يجيء يوم القيامة أمام العلماء برتوة وأقرأ أمتي أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت، وقد أوتي عمير عبادةً. يعني أبا الدرداء. وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق أرق أمتي وأرحمها، وعمر بن الخطاب خير أمتي وأعدلها، وعثمان بن عفان أحيا أمتي وأكرمها، وعلي بن أبي طالب ألب أمتي وأشجعها، وعبد الله بن مسعود أبر أمتي وآمنها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها.

وعن شداد بن أوس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أبو بكر أوزن أمتي اعدلها، وعلي بن أبي طالب ولي أمتي اوسمها، وعبد الله بن مسعود أمين أمتي وأوصلها، وأبو ذر الغفاري أزهد أمتي وأرأفها، وأبو الدرداء أعدل أمتي وأرحمها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها. قال أبو جعفر: ولا يتابع على هذا الحديث ولا نعرفه إلا به. وعن مكحول قال: كانت الصحابة يقولون فيما بينهم: أرحمنا بنا أبو بكر وأنطقنا بالحق عمر، وأميننا أبو عبيدة بن الجراح، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرأنا أبي بن كعب، ورجل عنده علم ابن مسعود وتبعهم عويمر بالعقل. وعن جبير بن نفير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل أمة حكيماً وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء. وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: أرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً فقال: اجمع لي بني هاشم في دار ... فذكر الحديث، وقال فيه: قال: فرفع يديه ورفعوا أيديهم، فلما قضى رغبته جعل يسأل من يليه بماذا دعوت؟ ثم الذي يليه، ثم الذي يليه وقد حضر ذلك أبو الدرداء، فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعاً يديه، وأقبل حتى حضر معهم الرغبة، فسأله: بم دعوت به يا عويمر؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك جنات الفردوس نزلا، وجنات عدن نفلا، في معافاة منك ورحمة، وخير وعافية، وعلمٍ لا ينسى. فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده مرة أو مرتين يقول: ذهبت بها يا عويمر. وعن محمد بن إسحاق قال: كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء، وأعلمنا بالحلال والحرام معاذ. وفي نسخة: يقولون: أتبعنا للعلم بالعمل.

وعن أبي جحيفة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، فجاء سلمان يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبتلة، قال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليس له حاجةً في الدنيا. فلما جاء أبو الدرداء رحب به وقرب إليه طعاماً، فقال له سليمان: أطعهم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك إلا ما طعمت، ما أنا بآكلٍ حتى تأكل؛ قال: فأكل معه وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان ثم قال: يا أبا الدرداء، إن لربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً، أعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وأت أهلك. فلما كان عند الصبح قال: قم الآن، فقاما فصليا ثم خرجا إلى الصلاة؛ فلما صلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام إليه أبو الرداء فأخبره بما قال سلمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما قال سلمان له. وعن أبي الدرداء قال: تضيفهم ضيف، فأبطأ أبو الدرداء حتى نام الضيف طاوياً، ونام الصبية جياعاً، فجاء والمرأة غضبى تلظى فقالت: لقد شققت علينا منذ الليلة! اقل: أنا؟ قالت: نعم، أبطأت علينا حتى بات ضيفنا طاوياً، وبات صبياننا جياعاً. قال: فغضب فقال: لا جرم والله لا أطعمه الليلة - والطعام موضوع بين يديه - فقالت أنا والله لا أطعمه حتى تطعمه. قال: فاستيقظ الضيف وقال ما بالكما؟ فقال له: ألا ترى إليهما تجني علي الذنوب؟ إني احتبست في كذا وكذا، فقال الضيف: وأنا والله لا أطعمه حتى تطعماه. قال: فلما رأيت الطعام موضوعاً ورأيت الضيف جائعاً، والصبية جياعاً قدمت والله يا رسول الله يدي فأكلت، وقدموا أيديهم فأكلوا، فبروا والله يا رسول الله وفجرت؛ قال: بل أنت كنت خيرهم وأبرهم. وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا فرطكم على الحوض فلألفين ما نوزعت في أحدٍ منكم فأقول: هذا مني، فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن لا يجعلني منهم. قال: إنك لست منهم.

وعن أبي الدرداء قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قل: ليكفرن قوم بعد إيمانهم. قال: نعم ولست منهم. وفي حديث بمعناه ومعنى ما تقدمه: فتوفى أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن. قال أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان وقبل أن تقع الفتن. قال رجلٌ لأبي الدرداء: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم، وأعظم لقماً إذا أكلتم؟ فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئاً، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فسأل أبا الدرداء عن ذلك؟ فقال أبو الدرداء: اللهم غفراً! وكل ما سمعناه منهم نأخذهم به! فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال لأبي الدرداء ما قال، فقال بثوبه وخنقه، وقاده إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ". قال أبو الدرداء: لو أنسيت آية لم أجد أحداً يذكرنيها إلا رجلاً ببرك الغماد رحلت إليه. وعن أبي الدرداء قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كذا قال رجلاً، وفي حديث: لتفقدن زملاً عظيماً من أمة محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الزمل في كلام العرب: بمعنى الحمل. ويقال ازدمل الحمل: أي احتمله يزيد أنه في كثرة ما جمعه من العلم وادخره منه كالحمل العظيم من المتاع المحزوم. وروي: زملاً عظيماً، قال: وهذا لا وجه له إنما الزمل الضعيف. ولما حضرت معاذاً الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن أوصنا. قال أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان من ابتغاهما - ثلاثاً قالها - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر

أبي الدرداء. وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: عاشر عشرة في الجنة. قال مرة بن شراحيل: كان عبد الله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه والذي بالشام والعراق يحتجان إلى الذي بالمدينة - يعني علي بن أبي طالب - ولا يحتاج إلى واحد منهما. قال أبو ذر لأبي الدرداء: ماحملت ورقاء، ولا أظلت خضراء، أعلم يا أبا الدرداء. قال مسروق: وجدت علم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وأبين وزيد، وأبي الدرداء، وعبد الله بن مسعود، ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى علي وعبد الله. وكان أبو الدرداء من العلماء والحكماء. قال القاسم بن محمد: كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلمز كان عبد الله بن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين. فيقال له: من العاقلان؟ فيقول: معاذ وأبو الدرداء. دخل أبو الدرداء مالاً له ومعه ناسٌ من أصحابه، فطافوا فيه، فلما خرجوا قالوا: ما رأينا كاليوم مالاً أحسن! قال: فإني أشهدكم أن ما خلفت خلف ظهري في سبيل الله، وأن ذلك إليى أمير المؤمنين يضعه حيث رأى. ثم أتى عمر فاستأذن في أن يأتي الشام فقال: لا آذن لك إلا أن تعمل؛ قال: فإني لا أعمل، قال فإني لا آذن لك، قال: فأنطلق فإعلم الناس سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصلي بهم؛ فأذن له، فكان الناس في الصيف يتفرقون في المغزي، فإذا كان الشتاء اجتمعوا في المشتى فصلى بهم أبو الدرداء. فخرج عمر إلى الشام وقد اجتمعوا في المشتى، فلما كان قريباً منهم أقام حتى أمسى،

فلما جنة الليل قال: يا يرفأ، انطلق إلى يزيد بن أبي سفيان، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً وحريراً من فيء المسلمين، فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية كراهيته ولم يحفظ أبو محمد لفظه - قال: فانطلقا حتى انتهيا إلى بابه، فقال: السلام عليكم، فقال: وعليكم السلام قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، وكور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا يبرح أحدٌ حتى أرجع إليكم. ثم خرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى عمرو بن العاص، أبصره، عنده سمار ومصباح، مفترشاً ديباجاً من فيء المسلمين فتسلم عليه، فيرد عليك، وتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت - فذكر جويرية مشقة ذلك على عمر، وذكر خلفه واعتذاره - قال: فانتهينا إلى بابه، فقال عمر: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ومن أنت؟ قال يرفأ: هذا من يسوؤك، هذا أمير المؤمنين. قال: ففتح الباب، فإذا سمار ومصباح، وإذا هو مفترش ديباجاً وحريراً، قال: با يرفأ، الباب الباب؛ ثم وضع الدرة بين أذنيه ضرباً، فجعل عمرو يحلف، ثم كور المتاع فوضعه في وسط البيت، ثم قال للقوم: لا تبرحوا حتى أعود إليكم. فخرجنا من عنده، فقال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أبي موسى، أبصره، عنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً من مال فيء المسلمين فتستأذن عليه فلا يأذن لك حتى يعلم من أنت، قال: فانطلقنا إليه وعنده سمارٌ ومصباح، مفترشاً صوفاً، فوضع الدرة بين أذنيه ضرباً وقال: أنت أيضاً يا أبا موسى! قال: يا أمير المؤمنين، هذا وقد رأيت ما صنع أصحابي، أما والله لقد أصبت مثل ما أصابوا، قال فما هذا؟ قال: زعم أهل البلد أنه

لا يصلح إلا هذا؛ فكور المتاع فوضعه في وسط البيت، وقال للقوم: لا يبرح منكم أحدٌ حتى أعود إليكم. فلما خرجنا من عنده قال: يا يرفأ، انطلق بنا إلى أخي لتبصر به ليس عنده سمار ولا مصباح، وليس لبابه غلق، مفترشاً بطحاء، متوسداً برذعة، عليه كساء رقيق قد أذلقه البرد، فتسلم عليه فيرد عليك السلام، وتستأذن فيأذن لك من قبل أن يعلم من أنت. فانطلقنا، حتى إذا قمنا على بابه قال: السلام عليكم، قال: وعليك السلام، قال: أدخل؟ قال: ادخل، فدفع الباب، فإذا ليس له غلق، فدخلنا إلى بيتٍ مظلم، فجعل عمر يلمسه حتى وقع عليه، فجس وساده فإذا برذعة، وجس فراشه فإذا بطحاء؛ وجس دثاره فإذا مساءٌ رقيق، فقال أبو الدرداء: من هذا؟ أمير المؤمنين؟ قال نعم، قال: أما والله لقد استبطأتك منذ العام، قال عمر رحمه الله: أو لم أوسع عليك؟ ألم أفعل بك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثاً حدثناه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا عمر؟ قال أي حديث؟ قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. قال: نعم، قال فماذا فعلنا بعده يا عمر؟ قال فما زالا يتجاوبان بالبكاء حتى أصبحا. قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن صامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء؛ فلما كان زمان عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعني يا أمير المؤمنين برجالٍ يعلمونهم. فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا. فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخٌ كبير - لأبي أيوب - وأما هذا فسقيم - لأبي بن كعب - فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوهٍ مختلفة، منهم من يلقن، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا طائفةً من

الناس، فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد وليخرج واحدٌ إلى دمشق والآخر إلى فلسطين. فقدموا حمص فكانوا بها، حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين. فأما معاذ فمات عام طاعون عمواس؛ وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها: وأما أب الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات. قال راشد بن سعد: بلغ عمر أن أبا الدرداء ابتنى كنيفاً بحمص، فكتب إليه: أما بعد يا عويمر، أما كانت لك كفايةً فيما بنت الروم عن تزيين الدنيا، وقد أذن الله بخرابها؟ فإذا أتاك كتابي هذا فانتقل من حمص إلى دمشق. قال سفيان: عاقبه بهذا. وكان عمر أمر أبا الدرداء على القضاء - يعني بدمشق - وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب. قال يحيى بن سعيد: استعمل أبو الدرداء على القضاء، فأصبح يهنئونه، فقال: أتهنئوني بالقضاء وقد جعلت على رأس مهواةٍ مزلتها أبعد من عدن أبين؟؟ ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبةً عنه وكراهية له؛ ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبةً فيه وحرصاً عليه. كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي أن هلم إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله؛ وقد بلغني أنك جعلت طبيباً

يداوي، فإن كنت تبرئ فنعم مالك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار. وكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه، نظر إليهما فقال: ارجعا إلى أعيدا علي قصتكما. وفي حديث بمعناه زيادة: وبلغني أنك اتخذت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد لا يزال من الله، والله منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب. كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام. كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: سلامٌ عليك أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده: وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله، بغضه إلى عباده. قال أبو الدرداء: إني لآمركم بالأمر وما أفعله، ولكن لعل الله أن يأجرني فيه. زاد في آخر معناه: وإن أبغض الناس (إلي أن) أظلمه الذي لا يستعين علي إلا بالله. وعن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر بعث إلى أبي الدرداء وابن مسعود وأبي مسعود فقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فحبسهم بالمدينة حتى مات.

قال المصنف: وهذا من عمر لم يكن على وجه الاتهام لهم، وإنما أراد إقلالهم للرواية لئلا يشتغل الناس بما يسمعونه منهم عن تعلم القرآن. وقد روي عن أبي الدرداء في تحرزه في الرواية أنه كان إذا حدث الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم إلا هكذا فشكله. وعن خالد بن معدان قال: قال أبو الدرداء: الدنيا ملعونة؛ ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أوى إليه؛ والعالم والمتعلم في الخير شريكان، وسائر الناس همجٌ لا خير فيهم. قال أبو الدرداء: لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصتٍ واعٍ، أو متكلمٍ عالم. وعن أبي الدرداء قال: مالي أرى علماءكم يذهبون وأرى جهالكم لا يتعلمون! تعلموا، فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس؛ مالي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم به وتباطؤون عما أمرتم به! وعن أبي الدرداء قال: لا تكون عالماً حتى تكون متعلماً ولا تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً. وعن بي الدرداء: إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت، فماذا عملت فيما علمت؟ وعن أبي الدرداء قال: ويل للذي لا يعلم مرةً، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.

قال عون بن عبد الله بن عتبة: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار. قالت أم الدرداء: وقد قيل لها: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء يا أم الدرداء؟ فقالت: التفكر، قالت: نظر يوماً إلى ثورين يخدان في الأرض، مستقلين بعملهما، إذ عنت أحدهما، فقام الآخر. فقال أبو الدرداء: في هذا تفكر، استقلا بعملهما واجتمعا، فلما عنت أحدهما قام الآخر، كذلك المتعاونان على ذكر الله عز وجل. كان أبو الدرداء يقول: من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ولهم بذلك أجر، ومن الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير وعليهم بذلك إصر؛ وتفكر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة. قيل لأبي الدرداء وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح يا أبا الدرداء في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم، فأخذ عوداً يابساً فحط ورقة ثم قال: إن قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله يحط الخطايا كما يحط ورق هذه الشجرة، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن، فإنهن الباقيات الصالحات، وهن من كنوز الجنة. فقال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث، لأهللن الله، ولأكبرن الله، ولأسبحن الله، حتى إذا رآني جاهلٌ حسب أني مجنون. قال مكحول: نزل سلمان بأبي الدرداء، فلما كان في ليلة الجمعة، تعشى أبو الدرداء وصلى ونام بثيابه، فقال سلمان لأم الدرداء: أنبهيه، قالت: إنه ليس ينزع ثيابه ليلة الجمعة. فأنبهه سلمان فقال: ألا تنزع ثيابك؟ قال: إني أريد أن أقوم أصلي ليلتي. قال: إن لعينك

عليك حقاً، ولجسدك عليك حقاً. فقام أبو الدرداء فقال: أحييتني أحياك الله، أحييتني أحياك الله، ثلاث مرات. وعن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أمامك عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون. فأحب أن أتخفف لتلك العقبة. وعن حدير الأسلمي أنه دخل على أبي الدرداء وتحته فراش جلد وسبنية صوف، وهو وجعٌ وقد عرق، فقال له حدير: ما يمنعك أن تكتسب فراشاً بورق وكساء خز وقطيفة خز مما يعطيك معاوية؟! فقال أبو الدرداء: إن لنا داراً لها نعمل، وإليها نظعن، وإن المخف فيها أفضل من المثقل. كتب أبو الدرداء إلى سلمان: يا أخي، بلغني أنك اشتريت خادماً، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يزال العبد يقول: لا يزال العبد من الله عز وجل وهو منه ما لم يخدم، فإذا خدم وجب عليه الحساب. وإن أم الدرداء سألتني خادماً وأنا يومئذ موسراً، فكرهت ذلك لما سمعته من الحساب، ويا أخي، من لي ولك بأن نوافي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة ولا نخاف حساباً! ويا أخي لا تغتر بصحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنا قد عشنا بعده دهراً طويلاً، والله أعلم بالذي أصبنا. قال محمد بن واسع: كتب أبو الدرداء إلى سلمان: من أبي الدرداء إلى سلمان، أما بعد يا أخي، اغتنم صحتك وفراغك من قبل أن ينزل بك من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده، يا أخي اغتنم دعوة المؤمن المبتلي، ويا أخي ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يقول: المسجد بيت كل تقي. وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة، والجواز على الصراط إلى رضوان الرب، ويا أخي أدن اليتيم منك، وامسح برأسه والطف به وأطعمه من طعامك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: وجاءه رجل يشكو إليه قسوة قلبه. قال: أدن اليتيم منك والطف به، وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك؛ ويا أخي إياك أن تجمع من الدنيا ما لاتؤدي شكره، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه، وماله بين يديه، كلما انكفأ به الصراط قال له ماله: امض فقد أديت حق الله في، ثم يجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه، كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ويلك، ألا أديت حق الله في! فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور ... الحديث. قال أبو البختري: بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدرٍ إذ سمع في القدر صوتاً، ثم ارتفع الصوت بتسبيح كهيئة صوت الصبي، ثم انكفأ القدر، ثم رجعت إلى مكانها ولم ينصب منها شيء، فجعل أبو الدرداء ينادي: يا سلمان انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك، فقال له سلمان: أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى. قال ميمون: مرض أبو الدرداء ففزع إلى نفقةٍ كانت عنده، فوجدها خمسة عشر درهماً فقال: ما كانت هذه مبقيةً مني شيئاً، إن كانت لمحرقة ما بين عانتي إلى ذقني. وعن مالك بن أنس أن أبا الدرداء قال: إني لبخيل، إن كان لي ثلاثة أثواب لا أقرض الله أحدها. كان أبو الدرداء يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب. قيل له: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل وادٍ مال. قالت أم الدرداء: بات أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خلقي فحسن

خلقي؛ حتى أصبح، فقلت له: يا أبا الدرداء ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق! فقال: يا أم الدرداء، يأتي العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله خلقه النار! وإن العبد المسلم ليغفر له وهو نائم. قالت: قلت: كيف ذلك يا أبا الدرداء؟ قال: يقوم أخوه من الليل فيتجهد، فيدعو الله عز وجل، فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجب له فيه. خرج أبو الدرداء إلى السوق ليتشري قميصاً، فلقي أبا ذر فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: بكم؟ قال: بعشرة دراهم، قال: فوضع يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه فلم أجد، فقلت: يا أبا ذر، لاتفعل، مر معي فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم؛ فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت، حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوءته، فقلت له: اتق الله ووار سوءتك، فقال: والله ما أجد ما أواري به سوءتي؛ فألقيت إليه الثوب ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قنيصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمةٌ على الطريق ابكي قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي فأبطأت على أهلي. فذهبت معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، فقالت: يا شيخ! أما إذ فعلت ما فعلت، فامش معي إلى أهلي فإني قد أبطأت وأخاف أن يضربوني؛ قال: فمشيت معها إلى مواليها، فدعوت، فخرج مولاها إلي فقال: ما عندك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمتكم أبطأت عنكم وأشفقت أن تضربوها فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها، قال: فأنا أشهدك أنها حرةً لوجه الله " عز وجل " للمشاك معها. قال: فقلت: أبو ذر أرشد مني حين كساني قميصاً وكسا مسكيناً قميصاً وأعتق رقبةً بعشرة دراهم. قال عوف بن مالك الأشجعي: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبةً من أدم، حولها غنم ربضٌ، تجتر

وتبغر العجوة، فقلت: لمن هذه؟ فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة قال: ياعوف بن مالك، هذا ما أعطانا الله سبحانه بالقرآن، فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لم تر عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عز وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر. وعن معاوية بن قرة قال: قال أبو الدرداء: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله؛ وإذا أحسنت حمدت الله، وإذا أسأت استغفرت الله. وعن أبي الدرداء أنه قال: لولا ثلاثٌ خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا؛ فقلت: وما هن؟ فقال: لولا وضع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار لحياتي؛ وظمأ الهواجر؛ ومقاعدة قومٍ ينتقون الكلام كما تنتقي الفاكهة، وتمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً، حاجزاً بينه وبين الحرام. إن الله تبارك اسمه قد بين للعباد الذي هو مصيرهم إليه، قال الله عز وجل: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه، ولا شيئاً من الخير أن تفعله. قال أبو الدرداء: لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم وما قيل بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله. قال أبو الدرداء: ثلاثٌ من ملاك أمرك يا بن آدم: لاتشك مصيبتك؛ وأن لا تحدث بوجعك؛ وأن لا تزكي نفسك بلسانك.

كان أبو الدرداء يقول: ما أهدى إلي أخ هدية أحب إلي من السلام، ولا بلغني خبرٌ أعجب إلي من موته. قيل لأبي الدرداء: ما تحب لصديقك؟ قال: يقل الله ماله وولده، ويعجل موته؛ قال: فما تحب لعدوك؟ قال: يكثر ماله وولده، ويطيل بقاؤه. قال أبو الدرداء: ثلاثٌ أحبهن ويكرههن الناس: الفقر، والمرض، والموت. وعن أبي ذر أو أبي الدرداء أنه قال: تولدون للموت وتعمرون للخراب، وتحرصون على ما يفنى، وتذرون ما يبقى ألا حبذا المكروهات الثلاث: الموت والمرض والفقر. قال أبو الدرداء: أحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي. حدث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال: إن نفراً من الجن تكونوا في صورة اإنس فأتوا رجلاً فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: الإبل، قالوا: أحببت الشقاء والعناء وطول البلاء تلحقك بالغربة وتبعدك من الأحبة. فارتحلوا من عنده فنزلوا بآخر فقالوا: أي شيئٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: العبيد، قالوا: عز مستفاد، وغيظٌ كالأوتاد، ومال وبعاد. فارتحلوا فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون ذلك؟ قال: أحب الغنم، قال: أكل آكل ورفدة سائل، لا تملك في الحرب، ولا تلحقك بالنهب، ولا تنجيك من الكرب. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الأصل، قالوا: ثلاث مئة وستون نخلة غنى الدهر، ومال الضح والريح. فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الحرث، قالوا: نصف العيش، حين

تحرث تجد وحين لا تحرث لا تجد. قال: فارتحلوا من عنده فنزلوا على آخر فقالوا: أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: كما أنتم أضيفكم، قال: فجاءهم بخبز فقالوا: قمح صالح؛ ثم جاءهم بلحم فقالوا: روحٌ يأكل روحاً! ماقل منه خير مما كثر. فجاءهم بتمرٍ ولبن، تمر النخلات ولبن البكرات، كلوا بسم الله؛ قال: فأكلوا، قالوا: أخبرنا ما أحدٌ شيء وما أحسن شيء وما أطيب شيء رائحة؟ قال: أما أحد شيء فضرصٌ جائع يقذف في معى ضائع؛ وأما أحسن شيء فغاديةٌ في إثر سارية، في أرضٍ رابية؛ وأما أطيب شيء رائحةٌ فريح زهر في إثر مطر؛ قالوا: فأخبرنا أي شيءٍ أحب إليك أن يكون لك؟ قال: أحب الموت، قالوا: لقد تمنيت شيئاً ما تمناه أحدٌ قبلك! قال: ولم؟ قال: إن كنت محسناً ضمن لي إحساني، وإن كنت مسيئاً كفاني إساءتي، وإن كنت غنياً فقبل فقري، وإن كنت فقيراً ضمن لي فقري. قالوا: أوصنا وزودنا؛ فأخرج إليهم قربة من لبن فقال: هذا زادكم، قالوا: أوصنا، قال: قولوا لا إله إلا الله، تكفيكم ما بين أيديكم وما خلفكم. فخرجوا من عنده وهم يحزمونه على الجن والإنس. قالوا إن الرجل الذي نزلوا عليه بأخرة عويمر أبو الدرداء. وعن أبي الدرداء قال: لاتزال نفس أحدكم شابة في حب الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم. أوجعت أبا الدرداء عينه حتى ذهبت، فقيل له: لو دعوت الله لها العافية، فقال: ما تفرغت بعد من دعائه في ذنوبي أن يغفر لي، فكيف أدعوه لعيني؟!. قال أبو الدرداء: من لم يكن غنياً عن الدنيا فلا دنيا له.

جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: أوصني، قال: اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشرفت نفسك على شيءٍ من الدنيا فانظر إلى ما تصير. وعن أبي الدرداء قال: اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أن البر لا يبلى وأن الإثم لا ينسى، واعلموا أن قليلاً يكفيكم خيرٌ من كثيرٍ يلهيكم. زاد في آخر: وإياك ودعوة المظلوم - فكنا نتحدث أن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء. وفي آخر: وإياك ودعوات المظلوم، فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شراراتٌ من نار. قال أبو الدرداء: من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه. وعن أبي الدرداء قال: ماتصدق مؤمن بصدقةٍ أحب إلى الله من موعظةٍ يعظ بها قوماً يقوم بعضهم وقد نفعه الله بها. كتب أبو الدرداء إلى رجلٍ من إخوانه خاف عليه حب ولده: أما بعد يا أخي، فإنك لست في شيءٍ من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، وسيكون له أهل بعدك، وإنما تجمع لمن لا يحمدك، ويصير إلى من لا يعذرك، وإنما تجمع لأحد رجلين: إما محسن فيسعد بما شقيت له؛ وإما مفسد فيشقى بما جمعت له؛ وليس واحدٌ منهما بأهلٍ أن تؤثره على نفسك، ولا تبرد له على ظهرك؛ فثق لمن مضى منهم برحمة الله ولمن بقي منهم برزق الله والسلام.

قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه: وغافلٌ بمفغولٍ عنه؛ وضاحكٌ بملء فيه ولا يدري أرضى اله أم أسخطه. وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه؛ وهول المطلع عند غمرات الموت؛ والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية، ثم لا أدري إلى الجنة أو إلى النار. قال أبو الدرداء: معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله؟ أعط أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحاً فتكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قبله، وكيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله؟ وعن أبي الدرداء قال: ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم، إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك، ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ يوم ولدتك أمك. وعن أبي الدرداء قال: ما من أحد إلا وفي غفلة نقصٍ عن علمه؛ وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادةٍ في مالٍ ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره، ثم لا يحزنه - ضل ضلاله - ما ينفع مالٌ يزيد وعمرٌ ينقص؟ كان أبو الدرداء يقول: لولا ثلاثٌ خلالٍ لصلح أمر الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه. وقال: ذروة الإيمان أربع خصال: الصبر في الحكم؛ والرضا بالقدر؛ والإخلاص بالتوكل؛ والاستسلام للرب جل ثناؤه.

وعن أبي الدرداء قال: يا أهل حمص، مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم وضيعتم ما وكلتم به؟ تعلموا قبل أن يرفع العلم. فإن ذهاب العلم ذهاب العلماء. زاد في رواية: لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالفرس: هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يقرؤون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محرروهم. لولا ثلاث لصلح الناس: شح مطاع؛ وهوى متبع؛ وإعجاب المرء بنفسه. من رزق قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنة فنعم الخير أوتيه، ولن يترك من الخير شيئاً، من يكثر الدعاء عند الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له. وعن أبي الدرداء قال: لايفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً. وفي آخر بمعناه: ثم ترجع إلى نفسك فتجدها أمقت عندك من سائر الناس، وإنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوهاً. قال حماد: فقلت لأيوب: أرأيت قوله: حتى ترى القرآن وجوهاً؟ قال فسكت هنيهة، قال: فقلت: لهو أن ترى له وجوهاً فتهاب الإقدام عليه؛ قال: نعم هو هذا، نعم هو هذا. وعن أبي الدرداء قال: يا رب مكرمٍ لنفسه وهو لها مهين، ويا رب شهوة ساعةٍ قد أورثت صاحبها حزناً طويلاً. زاد في آخره: ألا رب مبيضِ لثيابه وهو لدينه مدنس.

وعن أبي الدرداء قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر إليها معهم، عليهم حسابها ونحن منهت براء. وعن أبي الدرداء قال: الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنى أننا مثلهم عند الموت. وقال: ما أنصفنا إخواننا الأغنياء، يحبوننا في الله ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيته قال أحبك يا أبا الدرداء، فإذا احتجت إليه في شيء امتنع مني. وكان يقول: الحمد لله الذي جعل مفر الأغنياء إلينا عند الموت ولا نحب أن نفر إليهم عند الموت؛ إن أحدهم ليقول: يا ليتني صعلوك من صعاليك المهاجرين. يعني بالصعلوك الفقير. كان أبو الدرداء يقف على أبواب المدائن الخربة يقول: يا مدينة! أين أهلك؟ أين سكانك. أين أين ... ثم لا يخرج حتى يبكي ويبكي. وفي آخر: ثم يقول: ذهبوا وبقيت الأعمال. وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم! كيف يغبنون سهر الحمقى وصيامهم؟ فلمثقال ذرةٍ من مؤمنٍ صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم من أمثال الجبال عبادةً من المغترين. كان أبو الدرداء يقول: تعلموا الصمت كما يتعلم الكلام، فإن الصمت حكم عظيم. وكن إلى أن تسمع أحرص

منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيءٍ لا يعنيك، ولا تكن مضحاكاً من غير عجب، ولا مشاء إلى غير أرب. يعني إلى غير حاجة. وعن أبي الدرداء قال: من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر حلفه كثر إثمه، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه. وعن أبي الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك لعله يستجيب لك يوم ضرائك. كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن خالد: أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حببه إلى خلقه؛ وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بضه إلى خلقه. جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو في الموت فقال: يا أبا الدرداء، عظني بشيءٍ لعل الله أن ينفعني به، وأذكرك به؛ قال: إنك في أمةٍ مرحومة، أقم الصلاة المكتوبة، وأت الزكاة المفروضة، وصم رمضان، واجتنب الكبائر - أوقال المعاصي - وأبشر. فكان الرجل لم يرض بما قال، حتى رجع الكلمات عليه ثلاث مرات، فغضب السائل ثم قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والخدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " ثم خرج، فقال أبو الدرداء: أجلسوني، فأجلسوه فقال: ردوا علي الرجل، فقال: ويحك! كيف بك وقد حفر لك أربع أذرعً من الأرض، ثم غرقت في ذلك الخرق الذي رأيته! ثم جائك ملكان أسودان أزرقان، منكر ونكير يغنيانك ويسألانك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن ثبت فنعم ما أنت فيه، وإن كان غير ذلك فقد هلكت؛ ثم قمت على الأرض، ليس لك إلا موضع قدميك، وليس ثم ظل إلا العرش، فإن ظللت فنعم ما أنت! وإن أضحيت فقد هلكت، ثم عرضت جهنم، والذي نفسي بيده، إنها لتملأ ما بين الخافقين وإن الحشر لعليها، وإن الجنة من ورائها؛ فإن نجوت

منها فنعم ما أنت فيه! وإن وقعت فيها فقد هلكت. ثم حلف بالله الذي لا إله إلا هو إن هذا لهو الحق. كان أبو الدرداء يقول: كفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً وكفى بك آثماً أن لا تزال مخالفاً، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً في غير ذات الله عز وجل. كان أبو الدرداء يقول: رب شاطرٍ نعمة غيره؛ ومنعمٍ عليه لا يدري؛ ويا رب حامل فقهٍ غير فقيه. وكان يقول: من فقه المرء ممشاه ومجلسه ومدخله، قاتل الله الشاعر حيث يقول: من الطويل عن المرء لا تسل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي قال أبو الدرداء: من فقه الرجل رفقه في معيشته؛ ومن فقه المرء أن يعلم أمزداد هو أو منتقص؛ ومن فقه الرجل أن يتعاهد إيمانه وما يغير منه؛ ومن فقه المرء أن يعلم نزعات الشيطان أن تأتيه؛ ومن فقه المرء أن تسره حسنته وتسوءه سيئته. قال سالم بن أبي الجعد: صعد رجلٌ إلى أبي الدرداء وهو أمام غرفةٍ له، وهو يلتقط حبات حنطة، فلما رآه الرجل استحيا أن يصعد إليه فقال له: اصعد، إن من فقهك رفقك في المعيشة. وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من فقهك رفقك في معيشتك.

كان أبو الدرداء يقول: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، وتموتون قريباً. قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: يا أهل دمشق، اسمعوا قول أخٍ لكم ناصح: مالي أراكم تجمعون فلا تأكلون، وتبنون فلا تسكنون، وتأملون فلا تدركون؟! إن من كان قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأملوا بعيداً، فأصبح ما جمعوا بورا، وما أملوا غرورا، وأضحت مساكنهم قبورا. خرج أبو الدرداء من دمشق فنظر إلى الغوطة، وقد شقت أنهارها، وغرست شجراً وبنيت قصورا؛ فرجع إليهم فقال: يا أهل دمشق، يا أهل دمشق، فلما أقبلوا عليه، قال: ألا تستحيون؟ ثلاث مرات؛ تجمعون مالا تأكلون، وتأملون مالا تدركون، وتبنون مالا تسكنون! ألا إنه قد كان قبلكم قرون يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأصبح أملهم غرورا، واصبحت منازلهم قبورا؛ ألا إن عاداً ملأت ما بين عدن وعمان نعماً وأموالاً، فمن يشتري مني مال عادٍ بدرهمين؟ وعن أبي الدرداء قال: إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتخير الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه؛ وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا؛ من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفرٍ من طيرة. وعن أبي الدرداء قال: يا أهل دمشق لا يغرنكم ظرف الرجل ودهاؤه وفصاحته، وإن كان مع ذلك قائم الليل صائم النهار إذا رأيتهم فيه ثلاث خصال: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن يجد على الناس مما يأتي مثله؛ فإن ذلك علامة الجاهل. وإن قيل إنه ظريف، داهٍ، لبيب، فصيح، عاقل. ثم قال: ألا أنبئكم بعلامة العاقل؟ يتواضع لمن فوقه ولا يزري بمن دونه، ويمسك الفضل من منطقه، يخالق الناس بأخلاقهم، ويحتجز الإيمان فيما بينه وبين ربه جل وعز، وهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان. قال أبو الدرداء: الدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له.

ومن حديث عن أبي الدرداء أنه قال: ولو يشاء العالم منكم لازداد علماً إلى علمه؛ لقد خشيت أن تكونوا شباعاً من الطعام، جياعاً من العلم، اللهم إني أعوذ بك من أن أبقى في قومٍ إن ذكرت الله لم يعينوني، وإن نسيت لم يذكروني، وإن تركتم أحزنوني. وعن أبي الدرداء: أنه مر على رجلٍ قد أصاب ذنباً، فكانو يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليبٍ ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. قال أبو الدرداء: نعم صومعة الرجل المسلم بيته! يكف فيه نفسه وبصره وفرجه؛ وإياكم والمجالس في السوق، فإنها تلغي وتلهي. وعن أبي الدرداء قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ناقدت الناس ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: قلت: فما أصنع؟ قال هب عرضك ليوم فقرك. روي هذا الحديث مرفوعاً وروي موقوفاً. وفي رواية أن أبا الدرداء قال: من يتفقد يفقد، ومن لا يعد الصبر لفواعج الأمور يعجز؛ وإن قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك. قال: كيف أصنع. قال: أقرض من عرضك ليوم فقرك. قوله: من يتفقد يفقد. يقول: من يتأمل أحوال الناس وأخلاقهم يتعرفها. يفقد: أي يعدم أن يجد فيهم أحداً يرتضيه. وإن كانت الرواية: من يتفقد يفقد. فإنه يريد: من يتفقد أمور الناس يفقد، أي ينقطع عنهم وعن ملابستهم، فلا يوجد معهم. وقوله: إن قارضت الناس قارضوك، يريد: إن طعنت عليهم ونلت منهم بلسانك فعلوا مثل ذلك بك. وقوله: أقرض من عرضك ليوم فقرك: أراد من شتمك منهم فلا تشتمه،

ومن ذكرك بسوءٍ فلا تذكره، ودع ذلك قرضاً لك عليه ليوم الجزاء والقصاص. ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئاً فذاك الذي حرج وهلك. أراد أن الله قد وضع عنكم الضيق في الدين وفسح لكم فلا حرج إلا مما تنالون من أعراض المسلمين. قال أبو الدرداء لرجل: هب عرضك لله عز وجل، فمن سبك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله، وإذا أسأت فاستغفر الله. وعن أبي الدرداء قال: ما أمسيت ليلةً وأصبحت، لم يرمني الناس فيها بداهية إلا رأيتها نعمة من الله علي عظيمة. وعن أبي الدرداء أنه دخل المدينة فقال: مالي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان؟ والذي نفسي بيده، لو أن دب الغابة طعم طعم الإيمان لرأى عليه حلاوة الإيمان. وعن أبي الدرداء أنه قال: ما أمن أحدٌ على إيمانه إلا سلبه. وعن جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق، فأكثر من التعوذ منه، قال فقال له جبير: مالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟ قال دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن درينه في الساعة الواحدة فيخلع منه. قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له!

يا ليتني بدله، فقالت أم الدرداء: يا أبا الدرداء، مالك إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت هنيئاً له! يا ليتني بدله؟ قال وما تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي منافقاً! قلت وكيف ذلك؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر، لأنا لهذا بالموت أغبط مني بالبقاء في الصلاة والصيام. وعن أبي الدرداء قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع. قيل لأبي الدرداء: كل أصحابك قد قال الشعر غيرك، فأطرق طويلاً ثم قال: من الوافر يريد العبد أن يعطى مناه ... ويأبي الله إلا ما أرادا يقولوا: لقد أحسنت فزد، قال: لا، إنما قلت حين قلتم إن أصحابي كلهم قد قالوا، كرهت أن يعملوا عملاً لا أعمله، وليس الشعر من شأني. وعن أبي الدرداء أنه قال: إن أبغض الناس إلي أن أظلمه لمن لا يجد أحداً يستغيثه علي إلا الله عز وجل. كان لأبي الدرداء جملٌ يقال له دمون، فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطبق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة قال: يا دمون لا تخاصمني غداً عند ربي فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق. وعن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرس مر بالسبي، فجاء أبو الدرداء يبكي، فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ياجبير، بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة

إذ عصوا الله فلقوا ما قد ترى! ثم قال: ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه. قيل لأبي الدرداء: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " وإن زنى وإن سرق؟ قال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق. قال حكيم بن جابر: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه إذ مر بهم قس، فأعجبهم سمنه، فقالوا: اللهم العنه، ما أعظمه وما أسمنه! فكشف الثوب عن وجهه فقال من ذا الذي لعنتم آنفاً؟ قالوا: قساً مر بنا، فقال: لا تلعنوا أحداً فإنه لا ينبغي للعانٍ أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً. قالت أم الدرداء: كان أبو الدرداء إذا حدث حديثاً تبسم في حديثه، فقلت: إني أخشى أن يحمقك الناس، قال: ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حديثاً إلا تبسم في حديثه. وعن أبي الدرداء قال: إني لأدعو لناسٍ من إخواني وأنا ساجد أسميهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. وفي رواية: إني لأدعو وأنا ساجد لسبعين أخاً من إخواني. وقالت أم الدرداء: كان لأبي الدرداء ستون وثلاث مئة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك فقال: إنه ليس رجلٌ يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثله: أفلا أرغب لي الملائكة؟! حضر أبو الدرداء باب معاوية، فحجب عنه، فقال: اللهم غفراً، إنه من يحضر أبواب السلطان يقم ويقعد، وإنه من يجد باباً مغلقاً يجد إلى جنبه باباً فتحاً رحيباً إن

سأل أعطي وإن دعا أجيب، وإن أول نفاق المرء طعنه على إمامه. وفي رواية: وبغضهم كفر. ومن حديث آخر: إن سأل أعطي وإن استغفر غفر له؛ فكان رجالٌ من أهل الذمة استعانوا به على معاوية ليكلمه أن يخفف عنهم من الخراج، قالت: فلما لم يؤذن له قال: أنتم أظلم منه. قالوا: لم أصلحك الله؟ قال: لو شئتم أسلمتم فلم يكن له عليكم سبيل. قال حسان بن عطية: شكا أهل دمشق إلى أبي الدرداء قلة الثمر فقال: إنكم أطلتم حيطانها، وأكثرتم حراسها، فأتاها الويل من فوقها. قالت أم الدرداء: دخلت على أبي الدرداء، وهو غضبان فقلت له: ما أغضبك؟ قال: والله ما أعرف منهم من أمر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً غير أنهم يصلون جميعاً. وعن أبي الدرداء قال: إنا لنكشر في وجوه أقوامٍ ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتلعنهم. وعن أبي الدرداء أنه قال: لوددت أني كبش لأهلي، فمر عليهم ضيف، فأمروا على أوداجي، فأكلوا وأطعموا. نظر أبو الدرداء إلى رجلٍ في جنازةٍ وهو يقول: جنازة من هذا؟ فقال أبو الدرداء: هذا أنت، هذا أنت، يقول الله عز وجل: " إنك ميت وإنهم ميتون ". خرج أبو الدرداء إلى جنازة، فرأى أهل الميت يبكون عليه فقال: مساكين موتى غداً يبكون على ميت اليوم. قال أبو الدرداء: ماأكثر عبدٌ ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده.

قال أبو الدرداء: كفى بالموت واعظاً، وكفى بالدهر مفرقاً اليوم في الدور، وغداً في القبور. مر أبو الدرداء بين القبور فقال: بيوت، ما أسكن ظواهرك! وفي دواخلك الدواهي. قال أبو الدرداء: إن لكم في هاتين الدارين لعبرة، تزورونهم ولا يزورنكم، وتنتقلون إليهم ولا ينتقلون إليكم، يوشك أن يستفرغ هذه ما في هذه. قال معاوية بن قرة: اشتكى أبو الدرداء، فدخل عليه أصحابه فقالوا له: يا أبا الدرداء ما تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي، قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة، قالوا: أفلا ندعو لك طبيباً؟ قال: هو الذي أضجعني. مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، فكثر عليه العواد في منزله، فأخرجوه إلى كنيسة التصارى، فجهل الناس يعودونه أرسالاً، فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه، فتخطى الناس حتى جلس عند رأسه، فقال أبو إدريس: الله أكبر الله أكبر، فجعل يكبر، فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن نرضى به، ثم قال: ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه! ثم قضى. لما نزل بأبي الدرداء الموت دعا أم الدرداء، ضمها إليه وبكى وقال: يا أم الدرداء، قد ترين ما نزل بي من الموت، إنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه، فإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده؛ وإن تكن الأخرى، فوالله ما هو فيها بعده إلا كحلاب ناقة. ثم بكى وقال: يا أم الدرداء اعملي لمثل مصرعي هذا، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه ثم دعا ابنه بلالاً فقال: ويحك يا بلال! اعمل لساعة الموت، اعمل لمثل مصرع أبيك، واذكر به صرعتك وساعتك، فكأن قد. ثم قبض. قالت أم الدرداء: أغمي على أبي الدرداء فأفاق فإذا بلال ابنه عنده فقال: قم فاخرج عني، ثم قال: من

علان بن الحسين

يعمل لمضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟! " وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون " أتيتم. ثم أغمي عليه، فيلبث لبثةً ثم يفيق فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض. مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين؛ وقيل بسنة. قالوا: توفي سنة اثنتين وثلاثين؛ وقيل سنة إحدى وثلاثين بالشام؛ وله عقب بالشام. وقيل: سنة ثلاثٍ وثلاثين. وهو وهم. علان بن الحسين أبو الحسن الحداد من أصحاب أبي سليمان الداراني. قال علان: سألت أبا سليمان الدراراني: بأي شيءٍ يعرف الأبرار؟ فقال: تعرفهم بكتمان المصائب وصيانة الكرامات. وقال علان: خلا بي العدو في ليلةٍ من الليالي فقال: أنت تعبد الله وهو خلقك فمن خلق الله؟! فلم يزل بي على ذلك يجهدني أكثر الليل، فقلت: مالي سوى أبي سليمان الداراني، فقصدت منزله في الليل فلم يكن فيه، فقلت: هو في المقابر، فأتيتها فإذا هو يدور فيها، فلما بصر بي قال من غير أن أكلمه: علان! كأني بك وقد خلا بك العدو فقال لك: أن تعبد الله وهو خلقك، فمن خلق الله فشوش عليك، قل له: يا لعين، لا بد أن ينتهي هذا الأمر إلى واحد، فهو ذلك الواحد.

العلاء بن برد بن سنان

العلاء بن برد بن سنان من دمشق حدث عن أبيه قال: خرجت أنا ونافع فجزنا بمنزل رجلٍ من قريش، فاستسقى نافع، فأتي بنارجيلة مضببةٍ بضباب فضة، فأبى أن يشرب وقال: ائتونا بإناءٍ غير هذا، فإني سمعت أبا عبد الرحمن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شرب في إناء من ذهبٍ أو إناءٍ من فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم. وحدث عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل. وحدث عن علي بن غزية، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: مررت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد انصرف من صلاة الظهر، وعليه ثياب بيض، وهو يناجي دحية الكلبي فيما ظننت، وكان جبريل عليه السلام ولا أدري، فقال: جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، هذا ابن عباس، أما إنه لوم سلم علينا رددنا عليه، أما إنه شديد وضح الثياب، وليلبسن ذريته من بعده السواد، فلما عرج جبريل وانصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما معك أن تسلم إذ مررت آنفاً؟ قال: قلت: يا رسول الله، مررت بك وأنت تناجي دحية الكلبي، فكرهت أن أقطع نجواكما بردكما علي السلام. قال: لقد أتيت النظر، ذاك جبريل وليس أحد رآه غير نبي إلا ذهب بصره؛ وبصرك ذاهب، وهو مردود عليك يوم وفاتك. قال: فلما مات ابن عباس وأدرج في أكفانه، انقض طائر أبيض فأتى بين أكفانه، وطلب فلم يوجد، فقال عكرمة مولى ابن عباس: أحمقى أنتم! هذا بصره الذي وعده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرد عليه يوم وفاته. فلما أتوا به القبر، ووضع في لحده تلقي بكلمةٍ سمعها من كان على شفير القبر: " يا أيتها النفس المطمئنة، أرجعي إلى ربك راضية مرضية، فدخلي في عبادي، وادخلي جنتي ".

العلاء بن الحارث بن عبد الوارث

قال محمود بن خداش الطالقاني: لما أردت أن أحدث صرت إلى أحمد بن خليل فقلت له: يا أبا عبد الله، إن الناس سألوني أن أحدث فأنا موضع للتحديث: فقال لي: نعم، ولكن ائتني بمشايخك في رقعة حتى أنظر إليها. قال: فجئته بمشايخي، فأسقط منهم نيفاً وأربعين شيخاً، قال: فوضعت الرقعة في البيت، وصرت إلى يحيى بن معين، ومعي رقعةً غير تلك الرقعة، فضرب على النيف والأربعين الذين ضرب عليهم أحمد بن حنبل، فوضعت الرقعة في البيت وكتبت غيرها. وصرت إلى أبي خيثمة، فنظر فيها، فضرب على النيف والأربعين شيخاً الذين ضرب عليهم أحمد بن حنبل ويحيى، وسماهم، ومنهم علي بن عاصم، والعلاء بن برد بن سنان. قال أبو محمد: وجاءني ابن أحمد بن حنبل فقال لي: أخرج شيئاً أنظر فيه، فأخرجت له أجزاء، قال: لم لا تخرج عن علي بن عاصم؟ فقلت له: إن أباك نهاني أن أحدث عنه، فقال: إن أبي أمرني أن أدور على كل من نهاه عنه، فأقول له أن يحدث عنه. العلاء بن الحارث بن عبد الوارث أبو وهب، ويقال أبو الحارث الحضرمي حدث عن مكحول، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجهاد واجبٌ عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجراً، والصلاة واجب عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجراً، وإن عمل بالكبائر، والصلاة واجبةً على كل مسلم يموت براً كان أو فاجراً وإن عمل بالكبائر. وحدث العلاء، عن مكحول، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يحل لامرأةٍ تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، وما تصدقت من صدقةٍ من طعام البيت، فلزوجها شطره ولها شطره.

العلاء بن الحارث أبي حكيم يحيى

وحدث عن عبد الله بن دينار، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أشرك بالله فليس بمحصن. كان العلاء بن الحارث أحلم أصحاب مكحول وأقدمهم؛ وكان يفتي حتى خولط. ومات سنة ست وثلاثين ومئة، وهو ابن سبعين سنة. قال يحيى بن معين: العلاء بن الحارث الذي يروي عنه فرج بن فضالة هو ثقة، قيل له: العلاء بن الحارث في حديثه شيء؟ قال: لا ولكن كان يرى القدر. العلاء بن الحارث أبي حكيم يحيى سياف معاوية حدث حدث شفي بن ماتع الأصبحي قال: قدمت المدينة فدخلت المسجد، فإذا الناس قد اجتمعوا على رجل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فلما تفرق الناس دنوت منه فقلت: يا أبا هريرة، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بينك وبينه في أحد من الناس، فقال: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس بيني وبينه فيه أحد من الناس؛ ثم نشغ نشغةً فأفاق وهو يقول: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس بيني وبينه فيه أحد من الناس؛ ثم نشغ الثانية، فأفاق وهو يقول: أفعل لا؛ دثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس بيني وبينه فيه أحد من الناس؛ ثم نشغ الثالثة والرابعة، ثم أفاق وهو يقول: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في هذا البيت ليس معي فيه غيره، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا كان يوم القيامة ينزل الله إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمةٍ جاثية، فأول من

يدعي رجل جمع القرآن فيقول الله عز وجل له: عبدي، ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يارب، فيقول: ماذا عملت فيما علمتك؟ فيقول: يا رب! كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال: فلانٌ قارئ؛ فقد قيل ذلك، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء. ثم يؤتى بصاحب المال، فيقول الله عز وجل له: عبدي، ألم أنعم عليك؟ ألم أفضل عليك؟ ألم أوسع عليك؟ أو نحوه - فيقول: بلى يا رب فيقول: فماذا عملت فيما ايتك؟ فيقول: يا رب! كنت أصل الرحم، وأتصدق وأفعل وأفعل، فيقول الله له: كذبت. وتقول له الملائكة: كذبت، بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذاك، اذهب فليس لك اليوم عندنا شيء. ويدعى المقتول، فيقول الله له: عبدي، فيم قتلت؟ فيقول: يا رب فيك وفي سبيلك، فيقول الله له: كذبت. وقول الملائكة: كذبت بل أردت أن يقال: فلان جرئ، فقد قيل ذاك، اذهب فليس اليوم عندنا شيء. قال أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده على ركبتي ثم قال: يا أبا هريرة! أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة. قال أبو عثمان: فأخبرني العلاء بن أبي حكيم وكان سيافاً لمعاوية، أنه دخل عليه رجل - يعني على معاوية - فجدثه بهذا الحديث عن أبي هريرة. قال الوليد: فأخبرني عقبة أن شفيا هو الذي دخل على معاوية رحمه الله، فحدثه هذا الحديث؛ قال فبكى معاوية فاشتد بكاؤه، ثم أفاق وهو يقول: صدق الله ورسوله " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ".

العلاء بن أبي الزبير

العلاء بن أبي الزبير ويقال ابن الزبير الكلابي من فقهاء دمشق. حدث عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارساً، ثم رأيت غلبة المسلمين فارساً والروم، وظهورهم على الشام والعراق، وكل ذلك في خمس عشرة سنة. العلاء بن عاصم أبو السمراء الغساني قدم مع عبد الله بن طاهر دمشق وامتدحه. قال أبو السمراء: لما توجه عبد الله بن طاهر خارجاً من مصر خرجنا معه، حتى إذا كنا قريباً من دمشق، إذا نحن بأعرابي معرضٍ العسكر قد سأل عن الأمير فأرشد إلى ناحيته، وأنا وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي ربعي نسايره، وقد اعتور العسكر بغباره وارتفع، ونحن مع الأمير ليس فينا إلا أفره من الأمير دابةً وأحسن بزةً، فقصدنا الأعرابي وكان شيخاً فيه بقيةً حسنة، فلما رأيناه مقبلاً قلنا: هذا أعرابي يريد الأمير، فإن أتى مسلماً فردوا عليه بأجمعكم لتبلد في أمره، فلا يعرف الأمير من غيره؛ فأتى الأعرابي، ففعلنا به ذلك، فأشار بيده نحو ابن أبي ربعي، وأنشأ يقول: من الطويل أرى كاتباً زهو الكتابة بين ... عليه وتأديب العراق كريم وفيه علاماتٌ يشاهدن أنه ... بصيرٌ بتقسيط الخراج عليم ثم أومى نحو إسحاق بن إبراهيم فقال: من الطويل

ومظهر نسكٍ ما عليه ضميره ... يحب الهدايا بالرجال مكبر أظن به بخلاً وجبناً وشيمةً ... تدل عليه إنه لوزير ثم أشار إلي فقال: وأنت خليلٌ للأمير ومؤنسٌ ... يكون له بالقرب منك سرور إخالك للأشعار والعلم راوياً ... فأنت نديمٌ مرةً ووزير أظن بلا شك بأنك كاتبٌ ... بصيرٌ بأبواب الرشاء خبير ثم أشار نحو الأمير فقال: وهذا الأمير المرتجى سيب كفه ... فما إن له فيما علمت نظير عليه رداءٌ من وقارٍ وهيبةٍ ... ووجهٌ بإدراك النجاح بشير كريمٌ له في المكرمات سوابقٌ ... على كل من يزهو بهم ويطير ألا إنما عبد الاله بن طاهرٍ ... لنا والدٌ في دهرنا وأمير قال أبو السمراء: فضحك الأمير وأمر له بعشرة آلاف درهم، وأمره بلزومه وصحبته. قال أبو السمراء: كنت عند أبي العباس عبد الله بن طاهر، وليس غيري وأنا بالقرب منه بين يديه، ودخل أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم فاستدناه لمناجاته، واعتمد على سيفه وأصغى لمناجاته وحولت وجهي وأنا ثابتٌ مكاني، وطالت النجوى بينهما، واعترتني حيرةً فيما بين القعود على ما أنا عليه والقيام، وانقطعا عما كانا فيه ورجع إسحاق إلى موقفه ونظر أبو العباس فقال: يا أبا السمراء، قلت: لبيك، فأنشأ يقول: من البسيط إذا النجيان رسا عنك سرهما ... فانزح بسمعك تجهل ما يقولان ولا تحملهما ثقلاً لخوفهما ... على تناجيهما بالمجلس الداني

العلاء بن عبد الوهاب بن أحمد

قال أبو السمراء: فما رأيت أكرم منه ولا أرفق تأديباً! ترك مطالبتي في هفوتي لحق الأمراء فأدبني تأديب النظراء. ومن شعر أبي السمراْ: فإن تك الربع شفك وردها ... فعقباك منها أن يطول بك العمر وقيناك لو يعطى الهوى فيك والمنى ... لكان بنا الشكوى وكان لك الأجر العلاء بن عبد الوهاب بن أحمد ابن عبد الرحمن بن سعيد بن حزم بن غالب أبو الخطاب بن أبي المغيرة الأندلسي المري من المرية. قدم دمشق سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة. روى عن محمد بن الحسين بن بقاء المصري بسنده إلى حفص بن حميد قال: دخلت على داود الطائي أسأله عن مسألة - وكان كريماً - فقال: أرأيت المحارب لإذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟! إن العلم آلة العمل فإذا أفنى عمره في جمعه، فمتى يعمل؟!

العلاء بن كثير

العلاء بن كثير أبو سعيد، مولى بني أمية دمشقي. حدث عن مكحول، عن أبي الدرداء وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تنتظر النفساء أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة. وحدث عن مكحول، عن واثلة وأبي الدرداء وأبي أمامة قالوا سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وأجمروها في الجمع، واجعلوا على أبوابها المطاهر. وحدث عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بركة المرأة تبكيرها بالأنثى، أما سمعت الله عز وجل يقول: " يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور " فبدأ بالإناث قبل الذكور. وحدث عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ من أهل اليمن أكسف، أحول، أوقص، أحنف، أصم، أعسر، أرسح، أفحج، فقال: با رسول الله، أخبرني بما فرض الله علي، فلما أخبره قال: إني أعاهد الله أن لا أزيد على فريضته، قال: ولم ذلك؟ قال: لأنه خلقني فشوه خلقي فجعلني أكسف، أحول، أوقص، أحنف، أصم، أعسر، أرسح، أفحج. قال: ثم أدبر الرجل، فأتاه جبريل فقال: يا محمد أين العاتب؟ إنه عاتب رباً كريماً فأعتبه. قال: قل له: ألا يرضى أن يبعثه الله في صورة جبريل يوم القيامة؟ قال: فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الرجل فقال له: إنك عاتبت رباً كريماً فأعتبك، أفلا ترضى أن يبعثه الله في صورة جبريل يوم القيامة؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فإني أعاهد الله أن لا يقوى جسدي على شيء من مرضات الله عز وجل إلا عملته. كان العلاء بن كثير منكر الحديث.

العلاء بن اللجلاج

العلاء بن اللجلاج قيل: هو أخو خالد بن اللجلاج حدث عن أبيه قال: أسلمت وأنا ابن خمسين سنة. ومات اللجلاج وهو ابن عشرين ومئة سنة. قال: ما ملأت بطني منذ أسلمت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آكل حسبي وأشرب حسبي. وحدث عن ابن عمر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا أغبط أحداً يهون موتٍ بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال العباس بن محمد: سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر فقال: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه، أنه قال لبنيه: إذا أدخلتموني قبري فضعوني في اللحد وقولوا: باسم الله وعلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنوا علي التراب سناً، واقرؤوا عند رأسي أول البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن عمر يستحب ذلك. كان العلاء بن اللجلاج ثقة. العلاء بن المغيرة البندار كان من صحابة عمر بن عبد العزيز بن مروان، وبقي إلى أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك. حدث العلاء قال: كان الوليد زنديقاً، وكان رجلٌ من كلب من أهل الشام، يقول بمقالة الثنوية، فدخلت على الوليد يوماً وذلك الكلبي عنده، وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه عنه، وإذا

العلاء بن الوليد

ما يبدو منه حرير أخضر، فقال: يا علاء ادن، فدنوت، فرفع الحريرة فإذا في السفط صورة إنسان، وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنة، فجفنه يطرف كلأنه يتحرك، فقال: يا علاء هذا ماني لم يبعث الله نبيا " قبله ولا يبعث نبيا " بعده. فقلت: يا أمير المؤمنين! اتق الله ولا يغرنك هذا الذي ترى من دينك: فقال له الكلبي: يا أمير المؤمنين، قد قلت لك: إن العلاء لا يحتمل هذا الحديث. قال العلاء: ومكث أياماً، ثم جلست مع الوليد على بناءٍ كان بناه في عسكره يشرف منه، والكلبي عنده، وقد كان الوليد حمله على برذونٍ هملاجٍ أشقر من أفره ما سخر، فخرج على برذونه ذلك، فمضى في الصحراء حتى غاب في العسكر، فما نشعر إلا والأعراب قد جاؤوا به يحملونه، متفسخة عنقه ميتاً وبرذونه يقاد، حتى أسلموه؛ فبلغني ذلك، فخرجت متعمداً حتى أتيت أولئك الأعراب، وكانت لهم بالقرب أبيات في أرض البخراء، لا حجر فيها ولا مدر، فقلت لهم: كيف كانت قصة هذا الرجل؟ فقالوا: أقبل علينا على برذونٍ، فكأنه دهنٌ يسيل على صفاةٍ من فراهيته، فعجبنا لذلك! إذ انقض رجلٌ من السماء، عليه ثياب بيض، فأخذ بضبعيه فاحتمله ثم نكسه فضرب برأسه الأرض، فدق عنقه ثم غاب عن عيوننا، فاحتملناه فجئنا به. العلاء بن الوليد قال: رأيت عمر بن عبد العزيز صلى على جنازة، فجلس قبل أن توضع. وقال العلاء أيضاً: رأيت عمر بن عبد العزيز أكل بطيخاً عليه سكر، ثم توضأ وضوءه للصلاة.

عياش بن أبي ربيعة ذي الرمحين

عياش بن أبي ربيعة ذي الرمحين واسمه عمرو ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عبد الله المخزومي له صحبة، وهو الذي دعا له سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن هذه الأمة لا يزالون بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا. يعني مكة. وحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تجيء ريح بين يدي الساعة، تقبض روح كل مؤمن. وعن نافع قال: سمعت عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ولا أدري عمن حدث قال: يبعث الله ريحاً لينة بين يدي الساعة، فلا تدع أحداً في قلبه من الخير شيء إلا أمانته. كان عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب، فقدم عليه أخواه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام، فذكرا له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه؛ فرجع معهما، فأوثقاه رباطاً وحبساه بمكة، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو له. وأمه وأم عبد الله بن أبي ربيعة أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم؛ وهي أم الحارث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة. وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، وندم هشام على فراقه إياها. وكان عياش من مهاجرة الحبشة، هاجر إليها هو وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخربة بن جندل، فولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن عياش، ثم قدم عياش مكة فلم يزل بها حتى خرج أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الهجرة إلى المدينة، فخرج معهم، وصاحب عمر بن الخطاب، فلما نزل قباء قدم عليه أخواه لأمه، أبو جهل، والحارث ابنا هشام، فلم يزالا به حتى رداه إلى مكة، فأوثقاه وحبساه، ثم أفلت، فقدم المدينة فلم يزل بها إلى أن

قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج إلى الشام، فجاهد، ثم رجع إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات، ولم يبرح ابنه عبد الله من المدينة. وكان عياش من المستضعفين ممن يعذب في الله، ودعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القنوت: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة. وقيل: إنه مات بالشام في خلافة عمر. وعن عمر بن الخطاب قال: لما أجمعنا الهجرة اتعدت أنا وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن، وقدمنا المدينة، فكنا نقول: ما الله بقابلٍ من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله وآمنوا به، وصدقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم رجعوا عن الإسلام لبلاءٍ أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم فأنزل الله تعالى فيهم " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " إلى قوله " مثوى للمتكبرين ". قال عمر: فكتبتها بيدي كتاباً ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعد بها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقتل هشام شهيداً بأجنادين في ولاية أبي بكر. وقدم على عياش المدينة أخوة لأمه أبو جهل بن هشام فقالا له: إن أمك قد نذرت

أن لا يظلها ولا يمسرأسها دهن حتى تراك. وفي رواية: إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها، فقال عمر بن الخطاب: والله إن يريدانك إلا عن دينك، ولو قد وجدت أمك حر مكة لقد استظلت ولو قد آذاها القمل لقد امتشطت؛ فقال: إن لي بمكة مالاً لعلي آخذه، فقلت له: لك نصف مالي ولا ترجع إلى القوم، فأبى إلا الرجوع، فقلت له: خذ هذه الناقة ذلول ناجية، فالزم ظهرها فإن رابك القوم بشيء فانجه، فخرجوا حتى إذا أتوا قريباً من مكة قال أبو جهل: يا أخي لقد شق على بعيري فأعقبني على ناقتك فإنها أوطأ من بعيري، فنزل فلما وقعا إلى الأرض أوثقاه وربطاه ودخلا به مكة، فقالوا: هكذا يا أهل مكة فافعلوا بسفهائكم. ثم فتن فافتتن. وعن أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو في دبر كل صلاة: اللهم خلص الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من أيدي المشركين. قالوا: ولم يزل الوليد بن الوليد بن المغيرة على دين قومه، وخرج معهم إلى بدر فأسر يومئذ، أسره عبد الله بن جحش، ويقال سليط بن قيس المازني من الأنصار، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام ابنا الوليد بن المغيرة، فتمنع عبد الله بن جحش حتى افتكاه بأربعة آلاف، فجعل خالد يريد أن لا يبلغ ذلك، فقال هشام لخالد: إنه ليس بابن أمك، والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت. ويقال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبى أن يفديه إلا بشكة أبيه الوليد بن المغيرة، فأبى ذلك خالد وطاع به هشام لأنه أخوه لأبيه وأمه؛ وكانت الشكة درعاً فضفاضة وسيفاً وبيضةً، فأقيم ذلك مئة دينار، فطاعا به وسلماه. فلما قبض ذلك خرجا بالوليد حتى بلغا به ذا الحليفة، فأفلت منهما، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، فقال له خالد: هلا كان هذا قبل أن تفتدى وتخرج مأثرة أبينا فاتبعت محمداً إذ كان هذا رأيك! فقال: ما كنت لأسلم حتى

أفتدي بمثل ما افتدى به قومي ولا تقول قريش إنما اتبع محمداً فراراً من الفداء. ثم خرجا به إلى مكة وهو آمن لهما فحبساه بمكة مع نفر من بني مخزوم كانوا أقدم إسلاماً منه عياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وكانا من مهاجرة الحبشة، فدعا لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بدر، ودعا بعد بدرٍ للوليد بن الوليد معهما، فدعا ثلاث سنين لهؤلاء الثلاثة جميعاً، ثم أفلت الوليد بن الوليد من الوثاق، فقدم المدينة، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام فقال: تركتهما في ضيقٍ وشدة، وهما في وثاق، رجل أحدهما مع رجل صاحبه. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انطلق حتى تنزل بمكة على القين فإنه قد أسلم، تغيب عنده واطلب الوصول إلى عياشٍ وسلمة فأخبرهما أنك رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن تأمرهما أن ينطلقا حتى يخرجا. قال الوليد: ففعلت ذلك، فخرجا وخرجت معهما، فكنت أسوق بهما مخافةً من الطلب والفتنة حتى انتهينا إلى ظهر حرة المدينة. وعن الزهري قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحارث، ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير: سلمٌ أنتم ما آمنتم بالله ورسوله، وأن الله وحده لا شريك له، بعث موسى بآياته، وخلق عيسى بكلماته، قالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى: الله ثالث ثلاثة عيسى ابن الله. وبعث بالكتاب مع عياش بن أبي ربيعة المخزومي وقال: إذا جئت أرضهم فلا تدخل ليلاً حتى تصبح، ثم تطهر فأحسن طهورك، وصل ركعتين، وسل الله النجاح والقبول، واستعذ بالله، وخذ كتابي بيمينك، وادفعه بيمينك في أيمانهم، فإنهم قابلون، واقرأ عليهم: " لم يكن الدين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين " فإذا فرغت منها فقل: آمن محمد وأنا أول المؤمنين، فلن تأتيك حجة إلا دحضت، ولا كتاب زخرف إلا ذهب نوره، وهم قارئون عليك، فإذا رطنوا فقل ترجموا وقل حسبي الله " آمنت بما أنزل الله من كتابٍ، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير " فإذا أسلموا فسلهم قضبهم الثلاثة

عياض بن عمرو الأشعري

التي إذا حضروا بها سجدوا وهي من الأثل، قضيب ملمع ببياضٍ وصفرة، وقضيب ذو عجر كأنه خيزران، والأسود البهيم، كأنه من ساسم، ثم أخرجها فحرقها بسوقهم. قال عياش: فخرجت أفعل ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا دخلت، إذاالناس قد لبسوا زينتهم، قال: فمررت لأنظر إليهم، حتى انتهت إلى ستورٍ عظام على أبواب دورٍ ثلاثة، فكشفت الستر، فأدخل الباب الأوسط، فانتهت إلى قومٍ في قاعة الدار، فقلت: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعلت ما أمرني، فقبلوا، وكان كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بن هشام بشراب، فنظر غليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه، فنظر إليه عياش فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعاً وما ذاقوه. عياض بن عمرو الأشعري يقال إن له صحبة، وشهد اليرموك. عن عامر قال: مر عياض الأشعري في يوم عيد فقال: مالي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة! وفي حديث آخر: مالي لا أراهم يقلسون كما كنا نفعل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!. سئل هشيم عن التقليس: الضرب ابلدفء؟ فقال: نعم. وعن عياض الأشعري قال: لما نزلت " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " أومى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي موسى فقال: هم قوم هذا.

عياض بن غطيف الحمصي

وروى عياض الأشعري عن عمر أنه كان يرزق الإماء والخيل. قال عياض الأشعري: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض - وليس عياض هذا الذي حدث - قال: وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال: فكتبنا إليه أنه قد جاش غلينا الموت، واستمددناه؛ فكتب إلينا: إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على من هو أعز نصراً وأحضر جنداً، الله تبارك وتعالى فاستنصروه، فإن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نصر يوم بدرٍ في أقل من عدتكم، فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. قال: فقاتلناهم وهزمناهم، وقتلناهم أربعة فراسخ، قال: وأصبنا أموالاً. قال: فتشاوروا فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل رأسٍ عشرة؛ قال: وقال أبو عبيدة: من يراهني؟ فقال له شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه، فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرسٍ عري. عياض بن غطيف الحمصي حدث عياض قال: دخلنا على أبي عبيدة في مرضه الذي مات فيه وعنده امرأته تجيفة ووجهه مما يلي الحائط فقلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: بات بأجر، فالتفت إلينا فقال: مابت بأجر، فساءنا ذلك وسكتنا، فقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قلت: ما سرنا ذلك فنسألك عنه، قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أنفق نفقةً فاضلة في سبيل الله

عياض بن غنم بن زهير

فبسبع مئة ضعف ومن أتفق على نفسه وأهله أو ماز أذى عن طريق، أو تصدق فبعشر أمثالها، والصوم جنةٌ ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله ببلاءٍ في جسده فهو له حطة. عياض بن غنم بن زهير ابن أبي شداد بن ربيعة بن هلال، أبو سعد ويقال له أبو سعيد الفهري له صحبة وشهد بدراً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهاجر الهجرتين وشهد فتوح الشام وكان أميراً باليرموك على بعض الكراديس. روى عياض بن غنم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تأكلوا حمر الإنسية. وعن عياض بن غنم أنه رأى نبطاً يشمسون في الجزية، فقال لصاحبهم: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا. روى جماعة قالوا: جلد عياض بن غنم صاحب دارا حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه ثم قال لعياض: ألم تسمع بقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس.؟ فقال عياض بن غنم: يا هشام، قد سمعنا ورأينا ما رأيت، أو لم تسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول: من أراد أن ينصح لذي سلطان بأمرٍ فلا ينكر له علانية، ولكن

ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له. وإنك يا هشام لأنت الجرئ إذ تجترئ على سلطان الله، هلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله عز وجل!. روى شهر بن حوشب، عن عياض بن غنم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن مات فإلى النار، فإن تاب قبل الله منه، فإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن مات فإلى النار فإن تاب قبل الله منه، فإن شربها الثالثة والرابعة فإن حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال، قيل: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار. هذا حديث غريب منقطع، وشهر لم يسمع من عياض. وشهد عياض بن غنم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يعقب، وكان رجلاً صالحاً سمحاً، وكان بالشام مع أبي عبيدة بن الجراح، فلما حضرت أبا عبيدة الوفاة ولى عياض بن غنم الذي كان يليه. قال عمر بن الخطاب: من استخلف أبو عبيدة على عمله؟ قالوا: عياض بن غنم فأقره وكتب إليه: إني قد وليتك ما كان أبو عبيدة يليه، فاعمل بالذي يحق الله عليك. ورزق عمر عياض بن غنم حين ولاه جند حمص كل يومٍ ديناراً وشاةً ومدين، ولم يزل عياض والياً لعمر على حمص حتى مات، ومات وماله مال، ولا عليه دين لأحد. وقيل: كان عياض ابن امرأة أبي عبيدة بن الجراح. وحضر عياض فتح المدائن مع سعد بن أبي وقاص، وفتح بعد ذلك فتوحاً كثيرة ببلاد الشام ونواحي الجزيرة، وكان عياض يوم اليرموك على كردوس، ومن شعره: من الكامل

من مبلغ الأقوام أن جموعنا ... حوت الجزيرة يوم ذات زحام جمعوا الجزيرة والغياث فنفسوا ... عمن بحمص غيابة القدام إن الأعزة والمكارم معشرٌ ... فضوا الجزيرة عن فراخ الهام غلبوا الملوك على الجزيرة فانتهوا ... عن غزو من يأوي بلاد الشام قال ابن إسحاق: وفي سنة تسع عشرة كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص، أن ابعث جنداً إلى الجزيرة وأمر عليهم أحد الثلاثة: خالد بن عرفطة، أو هشام بن عتبة، أو عياض بن غنم؛ فلما انتهى إلى سعد كتاب عمر قال: ما أخر أمير المؤمنين عياضاً إلا أن له فيه هوى أن أوليه، وأنا موليه. فبعثه وبعث معه أبا موسى وابنه عمر بن سعد - وهو غلامٌ حدث السن، ليس له من الأمر شيء - وعثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي، في سنة تسع عشرة؛ فخرج عياض إلى الجزيرة، فنزل بجنده على الرها فصالحه أهلها على الجزية وصالحت حران حين صالحت الرها، ثم بعث أبا موسى إلى نصيبين ووجه عمر بن سعد إلى رأس العين في خيل ردءاً للناس، وسار بنفسه في بقية الناس إلى دارا فافتتحها، وافتتح أبو موسى نصيبين، وذلك في سنة تسع عشرة؛ ثم وجه عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان

عندها شيء من قتال، أصيب فيها صفوان بن المعطل شهيداً، ثم صالح عثمان بن أبي العاص أهلها على الجزية، على أهل كل بيت دينار. ولما وجه أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة يقال إنه وجه خالد بن الوليد إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد افتتح الرها وسمياط، فوجه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حران، فصالحا أهلها، ومضى خالدٌ إلى نصبين فافتتحها ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحاً وما بينهما عنوةً. وحدث شيخٌ من أهل الجزيرة: أن عياض بن غنم ولي صلح هذه المدن وغيرها من الجزيرة، وكتب لهم كتاباً هو اليوم عندهم باسم عياض، ثم عزل وتولى حبيب بن مسلمة الفهري. ولما توفي أبو عبيدة واستخلف على عمله عياض بن غنم، واقره عمر على ذلك، كتب إليه كتاباً طويلاً يأمره فيه وينهاه، وكان عياض رجلاً سمحاً، وكان يعطي ما يملك لا يعدوه إلى غيره، لربما جاءه غلامه فيقول: ليس عندنا ما تتغدون به، فيقول: خذ هذا الثوب فبعه الساعة فاشتر به دقيقاً، فيقال له: سبحان الله! أفلا تقترض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غدٍ ولا تبيع ثوبك! فيقول: والله لأن أدخل يدي في جحر أفعى فتنال مني ما نالت أحب إلي من أن أطمع نفسي في هذا الذي تقول. فلا يزال يدافع الشيء بالشيء حتى يأتي وقت رزقه فيأخذه فيتوسع فيه؛ فمن أدركه حين يأخذ رزقه غنم، ومن تركه أياماً لم يجد عنده درهماً. فكلم عمر بن الخطاب في عياض أشد الكلام وقيل له: إنه رجلٌ يبذر المال لا يمسك في يده شيئاً، وإنما عزلت خالد بن الوليد لأنه كان يعطي الناس دونك! فقال عمر: إن سماح عياض في ذات يده حتى لا يبقى منه شيئاً، فإذا بلغ مال الله لم يعط منه شيئاً، مع أني لم أكن لأعزل أميراً أمره أبو عبيدة بن الجراح. وأبي إلا توليته. فرأى من عياض كل ما يحب.

وكان افتتاح الجزيرة والرها وحران على يديه سنة ثمان عشرة، وصالحهم وكتب بينهم كتاباً، ووضع الخراج على الأرض فكان ينظر إلى الأرض وما تحمل فيضع عليها، ومنها أرض عشر لا يجاوز به غيره، وأبطأ بالخراج عن وقته، فكتب إليه عمر بن الخطاب: إنك قد أبطأت بالخراج عن وقته، وقد عرفت موقع الخراج من المسلمين، وأنه قوةٌ لهم على عدوهم، ولفقيرهم وضعيفهم، وقد عرفت الموضع الذي أنا به ومن معي من المسلمين، إنما هو كرش منثور، فاجدد في أخذ الخراج في غير خرقٍ ولا وهنٍ عنهم. فلما جاءه كتاب عمرأخذهم بالخراج أشد الأخذ، حتى أقامهم في الشمس ونال منهم، ثم جمع الخراج في أيام، فحمله إلى عمر رضي الله عنه. ولما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته ومعروفه، فلقيهم بالبشر وأبر لهم وأكرمهم، فأقاموا أياماً، ثم كلموه في الصلة وأخبروه بما تكلفوا من السفر إليه رجاء معروفه، فأعطى كل رجلس منهم عشرة دنانير، وكانوا خمسة، فردوها وتسخطوا ونالوا منه، فقال: أي بني عم، والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم، ولكن ما خلصت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وبيع مالا غنى بي عنه، فاعذروني؛ قالوا: ما عذرك الله، إنك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله. قال: فتأمروني أسرق مال الله! فوالله لأن اشق بالمنشار، وأبرى كما يبرى السفن أحب إلي من أن أخون فلساً، أو أتعدى وأحمل على مسلمٍ ظلماً أو على معاهد! قالوا: قد عذرناك في ذات يدك ومقدرتك، فولنا أعمالاً من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك، ونصيب مما يصيبون من المنفعة، فأنت تعرف حالنا وأنا ليس نعدو ما جعلت لنا؛ قال: إني لاإعرفكم بالفضل والخير، ولكن يبلغ عمر بن الخطاب أني وليت

نفراً من قومي فيلومني في ذلك، ولست أحتمل أن يلومني قي قليلٍ ولا كثير؛ قالوا: فقد ولاك أبو عبيدة بن الجراح وأنت منه في القرابة بحيث أنت، فأنفذ ذلك عمر، ولو وليتنا فبلغ عمر أنفذه؛ فقال عياض: إني لست عند عمر بن الخطاب كأبي عبيدة، وإنما أنفذ عمر عهدي على عملٍ لقول أبي عبيدة في، وقد كنت مستوراً عند أبي عبيدة فقال في، ولو علم مني ما أعلم من نفسي ما ذكر ذلك عني. فانصرف القوم لائمين لعياض بن غنم. ومات عياض وماله مالٌ ولا عليه دين لأحد. حدث جماعة قالوا: كان عمر إذا بعث عماله يشترط عليهم ألا يتخذوا على المجالس التي يجلسون فيها للناس باباً، ولايركبوا البراذين، ولا يلبسوا الرقاق ولا يأكلوا النقي، ولا يغيبوا عن صلاة الجماعة، ولا يطعموا فيهم السغاة. فمر يوماً من طريقٍ من طرق المدينة، وفي ناحيته رجلٌ يسأل، فقال: أبشر يا عمر بالنار! قال: ولم ذاك؟ قال: تستعمل العمال وتعهد إليهم عهدك، ثم ترى أن ذلك قد أجزأك! كلا والله إنك لمأخوذ إذا لم تتعاهدهم. قال: وما ذاك؟ قال: عياض بن غنم يلبس اللين ويفعل ويفعل، فقال: لساعي؟ قال: بل مؤدي الذي عليه، فبعث إلى محمد بن مسلمة، أن الحق بعياض بن غنم فأتني به كما تجده؛ فانتهى إلى بابه، وإذا عليه بواب فقال له: قل لعياض: على الباب رجلٌ يريد أن يلقاك، قال: ما تقول؟ قال: قل له ما أقول. فذهب كالمتعجب، فأخبره، فعرض عياض أنه أمر حدث، فخرج فإذا محمد فرحب به وقال له: ادخل. فإذا عليه قميص رقيق لين، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن لا يفارق سوادي سوادك حتى أذهب بك لما أجدك؛ ونظر في أمره فوجد الأمر كما حدثه السائل. فلما قدم به على عمر وأخبره دعا بدراعةٍ وكيساً وحذاءً وعصا وقال: أخرجوه من ثيابه؛ فأخرج منها، وألبسه ذلك وقال: انطلق بهذه الغنم فأحسن رعيتها وسقيها والقيام

عياض بن مسلم الكاتب

عليها، واشرب من ألبانها واجتزمن أصوافها وارفق بها، فإن فضل شيء فاردده علينا. فلما مضى رده، قال: أفهمت؟ قال: نعم، والموت أهون من هذا! قال: ولم كذبت؟ ولكن ترك الفخر أهون من هذا؛ ثم قال له: هل تدري لم سمي أبوك غنماً؟ إنه كان راعي غنم، فأنت خيرٌ من أبيك، ففعل به ذلك مرتين ثم قال: أفرأيت إن رددتك أتراه يكون فيك خير؟ قال: نعم والله يا أمير المؤمنين، فلا يبلغنك عني شيء بعد هذا. فرده فلم يبلغه عنه شيء إلا ما أحب حتى مات؛ وقال عمر: ما استخلفه أبو عبيدة إلا وهو صالح. ومات عياض بن غنم بالشام سنة عشرين وهو ابن ستين سنة وفي هذه السنة مات بلال مؤذن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدمشق. وقيل: مات عياض سنة ثلاثين وهو وهم. عياض بن مسلم الكاتب كان كاتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك، حبسه هشام بن عبد الملك، فضربه وألبسه المسوح، فلم يزل محبوساص حتى مات هشام؛ ولما ثقل هشام وصار في حد لا ترجى لمن كان في مثله الحياة، فرهقته عشية وظنوا أنه قد مات، فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان أن احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد إلى شيء. وأفاق هشام من غشيته، فطلوا من الخزان شيئاً فمنعوهم فقال هشام: أرانا كنا خزاناً للوليد. ومات هشام من ساعته، فخرج عياض من الحبس، فختم على الأبواب والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن فكفنه غالب مولى هشام، ولم يجدوا قمقماً يسخن فيه الماء حتى استعاروه، فقال الناس: إن في هذا لعبرةٌ لمن اعتبر.

عيسى بن إبراهيم

عيسى بن إبراهيم أبو نوح الكاتب كان من كتاب المتوكل الذين قدموا معه دمشق. قيل إنه كان على المطبخ والحرس، وكان يكتب للفتح بن ياقان، وامتدحه البحتري وهو عليل فأنشده من قصيدة: من البسيط إذا اعتللت ذممنا العيش وهو ندٍ ... طلق الجوانب ضافٍ ظله رغد لو أنا أنفسنا اسطاعت وقيت بها ... حتى تكون بنا الشكوى التي تجد فقال له أبو نوح: يا أبا عبادة، مانسمع شيئاً حسناً حتى نراك، وقد أمر لك الأمير - يعني الفتح - بمئتي دينار، وقد أضفت إليها مئة لأني لست مثله. فأخذها وانصرف. ومن شعر البحتري في أبي نوح: من الكامل وأخٍ لبست العيش أخضر ناضراً ... بكريم عشرته وفضل إخائه ما أكثر الآمال عندي والمنى ... إلا دفاع الله عن حوبائه! وعلى أبي نوح لباس محبةٍ ... تعطيه محض الود من أعدائه تنبي طلاقة بشره عن جوده ... فتكاد تلقى النجح قبل لقائه وضياء وجهٍ لو تأمله امرؤ ... صادي الجوانح لارتوى من مائه ضرب أحمد بن إسرائيل وأبو نوح بن إبراهيم على باب العامة بالسياط، كل واحدٍ خمس مئة، وحملا إلى منزل محمد بن علي السرخسي فمات أحمد بن إسرائيل في الطريق، ومات عيسى بن إبراهيم في دار الرخسي. وكان سبب ذلك أنهما كلما صالح بن وصيف بحضرة المعتز كلاماً أوحشه، فلما قتل المعتز وبويع المهتدي وصار صالح حاجبه فعل بها ذاك، وقيل: كان ذلك سنة خمسٍ وخمسين ومئتين.

عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه بن جهور

عيسى بن إبراهيم بن عبد ربه بن جهور أبو القاسم القيسي الأندلسي الإشبيلي قدم دمشق سنة خمسٍ وخمس مئة، راجعاً من العراق. حدث عن أبي علي بن محمد بن أحمد الغساني بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن. عيسى بن إدريس بن عيسى أبو موسى البغدادي حدث بدمشق. روى عن محمد بن عبد الله المخزومي بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: توفي عيسى بن إدريس سنة ست وثلاث مئة، وكان صدوقاً. عيسى بن أزهر أبو القاسم يعرف ببلبل حدث بدمشق سنة سبعس وثمانين ومئتين عن عبد الرزاق بن همام بسنده إلى ابن عباس قال: مشيت وعمر بن الخطاب في بعض أزقة المدينة فقال لي: يا بن عباس أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم. فقلت: والله ما استصغره الله إذ اختاره لسورة يراه

عيسى بن أيوب

يقرؤها على أهل المدينة، فقال لي: الصواب تقول، والله لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لعلي بن أبي طالب: من أحلك أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة مدلاً. قال المصنف: هذا إسنادٌ معروف ومتن منكر، وبلبل هذا غير مشهور، ورجال الإسناد سواء مشاهير، وعبد الرزاق يتشيع. عيسى بن أيوب أبو هاشم القيني الأزدي حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أهل الدرجات العلا من الجنة ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر لمنهم، وأنعما. يقول: وحق لهما. وحدث عيسى بن أيوب قال: قول: التصفيح للنساء؛ أن تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى. وكان لعيسى بن أيوب زهدٌ وورعٌ وفضل.

عيسى بن جعفر

عيسى بن جعفر أبو موسى البغدادي، الوراق حدث عن أبي بدر شجاع بن الوليد بسنده إلى أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه فتشتمل الإبل كلها جرباً! قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فمن أعدى الأول؟ ثم قال: لا عدوي ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفسٍ فخلق حياتها ومصيباتها ورزقها. حدث عن قبيصة بن عقبة بسنده إلى عثمان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. كان أبو موسى من أفاضل الناس وشجعان المجاهدين، مع ورعٍ وعقلٍ ومعرفة، وحديثٍ كثيرٍ عالٍ، وصدقٍ وفصل. توفي أبو موسى سنة اثنتين وسبعين ومئتين. عيسى بن أبي الخير حماد بن عبد الله التيناتي أحد الصالحين. سأل بعض الفقراء عيسى بن أبي الخير في جامع دمشق فقال: احك لنا حكايتك مع والدك حين طلبت منه الخبز؛ فقال: كنت صبياً فطلبت من والدي الخبز فقالك أيما أحب إليك، أعطيك الخبز وتكون عند السبع، أو تكون عندي بلا خبز؟ فقلت في نفسي: هو

عيسى بن خذا بنده بن أبي عيسى

والدي ولا يطيب قلبه أن يتركني مع السبع، فقلت: أعطني الخبز واحبسني حيث شئت، فأعطاني الخبز، فلما أكلت قال: قم، فقلت: ترى يحملني إلى السبع؟! فقمت معه، فدخل الغابة وأنا خلفه، فإذا بسبعين، فلما بصرا به قاما، فقال لي اجلس، فجلست ومضى هو، وربض السبعان، فكنت أرجف من الخوف، ثم سكنت وقلت: لو أراد أبي أمراً لكانا قد فعلا، ثم خطر لي أنه وكلهما بحفظي، فبقيت إلى قريب المغرب هناك، فلما صار قرب العشي جاء والدي، فلما بصرا به قاما، فاخذ بيدي وأخرجني وخرج كل واحدٍ منهما إلى جانب. عيسى بن خذا بنده بن أبي عيسى واسم أبي عيسى عبد الله، أبو موسى الأذري حدث عن صالح بن حكيم التمار بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لتنتقضن عرى الإسلام عروةً عروة، فكلما انقضت عروةٌ نشبت بأخرى، وأولهم نقضاً الحكم، وآخرهم الصلاة. توفي قبل سنة ثلاث مئة. عيسى بن خالد أبو عبد الله القرشي اليماني حدث عن أيوب بن عتبة اليماني، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد بن عمير، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة، وقذف المحصنة، والفرار من

عيسى بن سنان

الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والألحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً. وكان عيسى بن خالد ثقة، محله الصدق. عيسى بن سنان أبو سنان الحنفي القسملي الفلسطيني يعرف بصاحب عمر بن عبد العزيز حدث قال: دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال: ألا أبشرك؟ حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا مات ولد العبد قال الله عز وجل للملائكة قبضتم ولد عبدي؟ قالوا نعم، قال: فما قال؟ قالوا: استرجع وحمدك، قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. وحدث عن الضحاك بن عرزب، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء. وحدث عن علي بن شداد قال: سمعت عبادة بن الصامت يقول: عادني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفرٍ من أصحابه فقال: هل تدرون من الشهداء من أمتي؟ مرتين أو ثلاثاً - فسكتوا، فقال عبادة: أجيبوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: القتل في سبيل الله شهيد، والمبطون شهيد، والنفساء شهيد، يجرها ولدها بسرره إلى الجنة.

قال أبو سنان: كنت في نفرٍ عند عمر بن عبد العزيز، فأتى بطعامٍ من هذه الحبوب، ثم أتى بطبق من تمر فقال للجاري: من أين هذا التمر؟ فذهبت الجارية إلى فاطمة فسألتها من أين هذا التمر؟ قالت بعث إلينا من أرضنا بالمدينة، فإن شئت فكل وإن شئت فدع. فسألوا جاريته قالوا: ما طعامه؟ قالت: نحو ما ترون. قال أبو سنان: بعث معي عمارة بن نسي إلى عمر بسلتين من رطب، أول ما جاء الرطب، فأتيته بهما فقال: على ما جئت بهما؟ قلت على دواب البريد، قال: فاذهب فبعهما، فذهبت فبعتهما بثلاثة عشر درهماً، فاشتراهما مني رجلٌ من بني مروان، فأهدهما إلى عمر، فلما أتي بهما قال: يا أبا سنان كأنهما السلتان اللتان أتينا بهما! قال: نعم، قال: فوضع إحداهما بين أيدينا فأكلنا منها وبعث بالأخرى إلى امرأته وألقى ثمنها في بيت المال. 29 - عيسى بن الشيخ بن السليل بن ضبيس من بني جاس بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة أبو موسى الشيباني الذهلي المتغلب على إمرة دمشق في أيام المهتدي بالله وأول أيام المعتمد، إلى أن وجه المعتمد أماجور التركي أميراً على دمشق فانهزم عيسى إلى بلاد أرمينية، واستولى أماجور على البلد في سنة سبعٍ وخمسين ومئتين. قال عيسى بن شيخ: قال المأمون: دخول الحمام بالغدوات دخول الملوك، ودخوله وقت الظهر دخول التجار، ودخوله بعد العصر دخول السفل، ودخوله في السحر دخول العيارين والطرارين.

عيسى بن طلحة بن عبيد الله

وكان عيسى قد ولاه بغا الكبير فلسطين والأردن سنة اثنتين وخمسين ومئتين؛ وفي سنة خمسٍ وخمسين ومئتين؛ وفي سنة خمسس وخمسين ومئتين أظهر عيسى الخلاف وأخذ مال الشام. قصد بعض الظرفاء عيسى بن الشيخ بآمد فأنشده: من الوافر رأيتك في المنام خلعت خزاً ... علي بنفسجاً وقضيت ديني فعجل لي فداك أبي وأمي ... مقالاً في المنام رأته عيني فقال: يا غلام اعرض كل ما في الخزائن من الخز، فعرضه فوجد فيه سبعين شقةً بنفسجية، فدفعها إليه وقال: كم ديناك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فدفع إليه عشرة آلاف قضى بها دينه، وعشرة آلاف درهم أخرى عدةً له، ثم قال لا تعاود ترى مناماً آخر. عيسى بن طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة بن كعب أبو محمد القرشي التيمي المدني كان من حلماء قريش، ووفد على معاوية. حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: وقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى للناس يسألونه، فجاء رجلٌ فقال: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: اذبح ولا حرج. وجاءه رجلٌ آخر فقال: يا رسول الله، لم أشعر فنخرت قبل أن أرمي. فقال: ارم ولا حرج. قال: فما سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج. قال يحيى بن طلحة: حدثني عمي عيسى بن طلحة قال: كنت معه في سفر فصليت بعد ما صلى هو، فلم يزد على ركعتين، فقال له رجلٌ من قريش: يا أبا محمد! مالي أراك تركت ابن أخيك يصلي ولم تصل أنت إلا ركعتين؟ قال:

إني سايرت ابن عمر بين مكة والمدينة فلم يكن يزد على ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، وقال: أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، وما أنا بمانع أحداً يستزيد من خيرٍ أراده. وفي حديثٍ آخر بمعناه: فقال له: مالك لا تطوع؟ فقال: إنما أصنع كما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع. قال عيسى بن طلحة: كنت أكون مع ابن عمر في السفر، فيرى بني أخيه يتطوعون في السفر فلا يعيب ذلك عليهم. وعيسى ويحيى ابنا طلحة أمهما سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة، وأخواهما لأمهما المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة. وكان عيسى ثقةٌ كثير الحديث. قال مصعب بن عثمان: قيل لعيسى بن طلحة: ما الحلم؟ قالك الذل. وكان صديقاً لعروة بن الزبير، خاصاً به، فلما قدم عروة من الشام وقد أصيب بابنه محمد وبرجله نزل قصر بالعقيق؛ فجاءه الناس يسلمون عليه ويعزونه، وكان فيمن جاءه عيسى بن طلحة، فقال عروة لأحد بنيه: يا بني اكشف لعمك عن رجل أبيك ليراها، فقال له عيسى: إنا والله يا أبا عبد الله، ما كنا نعدك للصراع ولا للسباق، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا نحتاج إليه، عقلك وفضلك وعلمك؛ فقال عروة: ما عزاني أحد عن رجلي بمثل ما عزيتني به. دخل رجلٌ إلى عيسى بن طلحة بن عبيد الله فتحدث عنده وأنشده قوله: من الطويل يقولون لو عزيت قلبك لا رعوى ... فقلت وهل للعاشقين قلوب عدمت فؤادي كيف عذبه الهوى ... أما لفؤادي من هواه نصيب

عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير

ثم قال: أجدت والله! ثم قام يجر رداءه حتى بلغ الحجرة ثم رجع حتى عاد لمجلسه طرباً وقال: أحسنت والله، فضحك عيسى ومن بحضرته من طربه. قال عبد الله بن مسلم بن جندب: طرقني عيسى بن طلحة بن عبيد الله في الليل، فأشرفت عليه فقلت: ما حاجتك؟ قال: إن جارية ابن حمران غنتني لك: من الطويل تعالوا أعينوني على الليل إنه ... على كل هين لا تنام طويل وقد جئتك أعينك على طول الليل، فقلت: أدى الله عنك الحق، أبطأت عني حتىأتى الله عز وجل بالفرج. عيسى بن عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير أبو موسى بن أبي عون الأنصاري النعماني حدث عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ربما يضع يده على لحيته في الصلاة من غير عبث. وحدث عيسى بن عبد الله عن جويبر بن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، عن البراء بن عازب قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس هو على وضوء، فتمت للقوم وأعاد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال البيهقي: وهذا غير قوي. وحدث عن نافع، عن ابن عمر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم. وحدث عن عبد اله بن العلاء بن زبرن عن مسلم بن مشكم، عن أبي ثعلبة الخشنى قال: كان الناس إذا نزلوا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن تفرقكمفي هذه الأودية من الشيطان. فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى لو بسط ثوب لوسعهم.

عيسى بن عبد الله بن سليمان العسقلاني

عيسى بن عبد الله بن سليمان العسقلاني سمع بدمشق. حدث عن أبي عبد الله بن سليمان بسنده إلى الزبير بن العوام قال: سخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنفسنا عن أولادنا، قال: من مات له ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار. وحدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: البركة مع أكابركم. عيسى بن عبيد الجبلي قال عيسى بن عبيد: سمعت أبا كريمة الكلبي - وكان من عباد أهل الشام يقول: ابن آدم، ليس لما بقي من عمرك في الدنيا ثمن. وسمعته يقول: عند الصباح يحمد القوم السرى، وعند الممات يحمد القوم التقى. عيسى بن أبي عطاء الشامي الكاتب وذكر أن مروان بن محمد استعمله على خراج مصر. قال عيسى بن أبي عطاء: سمعت عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر وهو يقول: لقد علمت أن الله قد وظف

عيسى بن علي بن عبد الله

أعمالاً في رقاب أقوامٍ لا بد لهم أن يعملوها - وقال بيده في عنقه - ألا فمن ألم بذنبٍ فليستغفر الله، وإياكم والإصرار فإن الهلكة في الإصرار. قال عيسى: وكان عمر بن عبد العزيز ربما أعطى المال من يستألف على الإسلام. عيسى بن علي بن عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو العباس ويقال: أبو موسى الهاشمي اخو محمد وداود وعبد الصمد وسليمان قدم دمشق. حدث عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يمن الخيل في شقرها. وفي رواية: ميامن الخيل في شقرها. وحدث عن أبيه، عن جده قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما جلس للصلاة استن. كان عيسى بن علي من أهل السلامة والعافية، وكان لأم ولد، ولم يل لأهل بيته عملاً حتى توفي في خلافة المهدي؛ وولد سنة ثلاثٍ وثمانين، وستين ومئة وله ثمانون سنة. وقيل: ولد سنة إحدى وثمانين وتوفي سنة أربعٍ وستين ومئة، وأمه بربية اسمها لبابة. وقيل: توفي سنة ستين ومئة. قال الرشيد لابنه: كان أبو العباس عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت.

عيسى بن محمد بن إسحاق

قال جعفر بن سليمان: سمعت عيسى بن علي يقول في مرضةٍ مرضها، وعاده الناس بمدينة السلام: إن في قصري الساعة لألف محمومة. 36 - عيسى بن أبي عبسى بن بزاز بن مجير أبو موسى القابسي الفقيه المالكي الحافظ حدث عن أبي طالب محمد بن علي بن الفتح بسنده إلى أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وحدث عن أبي القاسم علي بن الحسن بن محمد بن أبي عثمان الدقاق بسنده إلى مالك بن أنس عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: إنما سمي رمضان لأن الذنوب ترمض فيه، وإنما سمي شوال لأنه يشول الذنوب كما تشول الناقة ذنبها. قال: وقال ابن عباس: يوم الفطر يوم الجوائز. وبزاز: بزاي مشددة قبل الألف وزاي بعدها. توفي بمصر سنة سبعٍ وأربعين وأربع مئة، وكان قدم دمشق طالباً للعلم، وحدث بها. عيسى بن محمد بن إسحاق ويقال ابن محمد بن عيسى، أبو عمير الرملي، يعرف بابن النحاس حدث عن ضمرة بسنده إلى أبي ثعلبة الخشني، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل ما ردت عليك قوسك. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه، وطيبته لإحلاله بطيبٍ لا يشبه طيبكم هذا.

عيسى بن محمد بن حبيب

قال أبو عمير ثقة، رضى، من عباد المسلمين. كان يطلب العلم وعلى ظهره خريقة قدر ذارع؛ ومات أبو عمير سنة ست وخمسين ومئتين. عيسى بن محمد بن حبيب أبو عبد الله الأندلسي قدم دمشق وحدث بها وغيرها. حدث عن أبي عبد الله بن أحمد بن حماد زغبة قال: سمعت عبد الغني بن أبي عقيل يقول: سمعت المفضل بن فضالة القتباني - وكان قاضياً لأهل مصر - يقول: من أراد أن يأكل من بوش مصر فليأكل من بوشها بالغداة ومن ناطفها القند بالعشي. قال أبو عامر العبدري الحافظ: أراه أراد ببوش مصر أخلاطها من تلك الموالح والكوافخ؛ والبوش الجماعة من الناس، وبوش القوم كثروا وخلطوا. وحدث عن أبي بكر أحمد بن هارون بن هانئ بن المتوكل بسنده إلى محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه قال: وصف لي رجلٌ من العباد باليمن، وذكر من فضله، فارتحلت حتى قدمت عليه بالجند، فإذا رجلٌ كما وصف لي أو فوق ذلك، وإذا به راكعاً وساجداً! فقلت: رحمك الله من أجلك ارتحلت، فانفتل عن صلاته وكتب بإصبعه على الأرض: من الكامل

عيسى بن محمد بن السمط

منع السلام من الكلام لأنه ... خبث الردى ومواضع الآفات ثم قام إلى الصلاة فلم يزد عليه شيئاً. عيسى بن محمد بن السمط أبو محمد الشاهد حدث عن أبي زيد محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي الفقيه بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لاتدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، فيصيبكم مثل ما أصابهم. وروي من طريقٍ آخر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحاب الحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين الحديث. عيسى بن محمد بن الطيب بن علي أبو طالب البغدادي الباقلاني سمع بدمشق. حدث عن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالمخلص بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل شيء زكاة، وزكاة الدار بيت الضيافة.

عيسى بن محمد بن عبد الله بن الشهريج

عيسى بن محمد بن عبد الله بن الشهريج أبو موسى مولى بني هاشم، البغدادي حدث بدمشق، وروى عن الحسين بن إبراهيم البابي بسنده عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي ونصرته بعلي. وحدث عنه أيضاً بالسند أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر، واليمين أحق بالزينة. عيسى بن مريم روح الله وكلمته، وعبده ورسوله صلى الله على نبينا محمدٍ وعليه وسلم كان يأوي إلى الربوة خوفاً من الكفار وقد تقدم ذلك في فضل الربوة. عن ابن عباس: في قوله عز وجل: " وبراً بوالديه " قال: كان لايعصيهما. " ولم يكن جباراً " لم يكن قتال النفس التي حرم الله " عصيا " لم يكن عاصياً لربه " وسلام عليه " يعني حين سلم الله عليه " يوم ولد ويم يموت ويم يبعث حياً " قال: لما وهب الله لزكريا يحيى بلغ ثلاث سنين بشر الله مريم بعيسى، فبينا هي في المحراب إذ قالت الملائكة - وهو

جبريل وحده -: " يامريم إن الله اصطفاك وطهرك " من الفاحشة " واصطفاك " يعني اختارك " على نساء العالمين " عالم أمتها " يا مريم اقنتي لربك " يعني صلي لربك، يقول: اذكري لربك في الصلاة بطول القيام، فكانت تقوم حتى ورمت قدماها " واسجدي واركعي مع الراكعين " يعني مع المصلين مع قراء بيت المقدس، يقول الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " يعني بالخبر الغيب في قصة زكريا ويحيى ومريم " وما كنت لديهم " يعني عندهم " إذ يلقون أقلامهم " في كفالة مريم ثم قال: يا محمد - يخبر بقسة عيسى - " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيه عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا " يعني مكيناً عند الله في الدنيا من المقربين في الآخرة " ويكلم الناس في المهد " يعني في الخرق في محرابه " وكهلاً " ويكلمهم كهلاً إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء " ومن الصالحين " يعني من المرسلين. وعن ابن عباس في قوله: " واذكر في الكتاب مريم " يقول: قص ذكريا على اليهود والنصارى ومشركي العرب " إذ انتبذتم " خرجت " من أهلها مكاناً شرقياً قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي الشرق، " فاتخذت من دونهم حجاباً " وذلك أن الله عز وجل لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ويبشرها بعيسى، وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرقت وجعلت بينها وبين قومها حجاباً، يعني جبلاً، فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس " فأرسلنا إليها روحنا " يعني جبريل عليه السلام " فتمثل لها بشراً سوياً " في صورة الآدامين، سوياً: يعني معتدلاً شاباً، أبيض الوجه جعداً قططاً، حين اخضر شاربه، فلما نظرت إليه بين يديها " قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً " وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ونشأ معها يقال له يوسف من بني إسرائيل، وكان من خدم بيت المقدس، فخافت أن يكون الشيطان استزله، فمن ثم قالت: " أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً "

يعني إن كنت تخاف الله " قال " جبريل وتبسم: " إنما أنا رسول الله لأهب لك غلاماً زكياً " يعني لله مطيعاً من غير بشر " قالت أنى يكون لي غلام " أو ولد " ولم يمسني بشر " يعني زوجاً، لأن الأنثى تحمل من الذكر " ولم أك بغياً " أي مومسة " قال " جبريل " كذلك " يعني هكذا " قال ربك هو علي هين " يعني خلقه من غير بشر وهو من غيرزوج، وهو يخلق مايشاء " ولنجعله آية للناس " قال: يعني عبرة للناس. قال ابن عباس: والناس هاهنا للمؤمنين خاصة " ورحمة منا " لمن صدق بأنه رسول الله " وكان أمراً مقضيا " يعني كائناً أن يكون من غير بشر " ويعلمه الكتاب " يعني يخط الكتاب بيده " والحكمة " يعني الحلال والحرام " ويعلمه الكتاب والحكمة " والسنة " والتوراة والانجيل، ورسولاً إلى بني إسرائيل " وأجعل على يديه الآيات والعجائب " فحملته " قال ابن عباس: فدنا جبريل عليه السلام فنفخ في جيبها، فدخلت النفخة جوفها، فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ووضعته كما تضع النساء. قال أبي بن كعب: كان روح عيسى بن مريم عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم عليه السلام، فأرسله الله إلىمريم في صورة بشر " فتمثل لها بشراً سوياً " إلى قوله: " فحملته " قال: حملت الذي خاطبها، وهو روح عيسى، قال: ودخل من فيها. قال أبي بن كعب في قوله عز وجل: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم " إلى قوله: " أفتهلكنا بما فعل المبطلون " قال: جمعهم فجعلهم أرواحاً ثم صورهم واستنطقهم

فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق " وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا " إلى قوله: " المبطلون " قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع، ويشهد عليكم أبوكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري، فلا تشركوا بي شيئاً، فإني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليهم كتابي؛ قالوا: نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك. فأقروا يومئذٍ بالطاعة، ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغني والفقير والحسن الصورة ودون ذلك فقال: رب! لو سويت بين عبادك، قال: إني أحب أن أشكر؛ ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج، عليهم النور وخصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة، وهو قوله: " وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً " وهو الذي يقول: " فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطره الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله " وكان روح عيسى في تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق، فأرسل ذلك الروح إلى مريم، قال: " فأرسلنا إليها روحنا " إلى قوله: " وكان أمراً مقضياً " قال: " فحملته " حملت الذي خاطبها وهو روح عيسى. قال: فسأله مقاتل بن حيان: من أين دخل الروح؟ فذكر عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه دخل من فيها. وعن مجاهد قال: كانت مريم عليها السلام تقول: كان عيسى إذا كان عندي أحد يتحدث معي سبح في بطني، وإذا خلوت فلم يكن عندي أحد حدثته وحدثني وهو في بطني. وعن الحسن قال: بلغني أنها حملته لسبعٍ أو لتسعٍ ساعات ووضعته من يومها. وقيل حملته تسعة أشهر كما تحمل النساء، فالله أعلم أنى ذلك كان.

قال الشعبي: كتب قيصر إلى عمر أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرةً ليست بخليقة لشيء من الخير، تخرج مثل آذان الحمير، ثم تقق عن مثل اللؤلؤ ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تينع وتنضج فتكون كأطيب فالوذخٍ أكل، ثم تتشقق فتنتثر فتكون عصمةً للمقيم وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة. فكتب إليه عمر: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم، إن رسلك قد صدقتك، هذه الشجرة عندنا هي الشجرة التي أبتها الله تعالى على مريم عليها السلام حين نفست بعيسى ابنها، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله فإن " مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون، الحق من ربك فلا تكن من الممترين ". قال: وبلغني أن من آدم إلى مولد المسيح عليه السلام خمسة آلاف وخمس مئة سنة ومن الطوفان إلى مولده ثلاثة آلاف ومئتان وأربع وأربعون سنة، ومن إبراهيم إلى مولده ألفان وسبع مئة وثلاث عشرة، ومنملك داود إلى مولده ألف وتسع وخمسون سنة، وولد في خمسةٍ وعشرين يوماً من كانون الأول، ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسع مئة وثلاث وثلاثون سنة. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من بني آدم من مولودٍ إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها. ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم " إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ".

وعن أبي هريرة قال: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل ابن آدم يطعن الشيطان بإصبعه في جنبه حين يولد إلا عيسى بن مريم فإنه ذهب ليطعن فطعن في الحجاب. قال وهب بن منبه: لما ولد عيسى بن مريم أتت الشياطين إبليس - لعنهم الله - فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها، فقال: هذا حادثٌ حدث، مكانكم، وطار حتى جاب خافقي الأرض فلم ير شيئاً ولم يجد شيئاً، ثم جاب البحار فلم يقدر على شيء، ثم طاف أيضاً فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار، وإذا الملائكة قد حفت حوله، فرجع إليهم فقال: إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا. فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة. وعن عكرمة بن خالد المخزومي قال: لما ولد عيسى بن مريم لم يبق شيء يعبد من دون الله إلا خر لوجهه ففزعت لذلك الشياطين واجتمعوا إلى إبليس فأخبروه، فركب، فإذا بعيسى في مهده، فأراده، فحال الله بينه وبينه وملائكته، فقال له إبليس: أتعرفني؟ قال: نعم أنت إبليس، قال: صدقت، قال: أما إني ما جئتك تصديقاً بك، ولكن رحمتك ورجمت أمك لما قالت بنو إسرائيل فيها، فلو أمرت أمك فجعلتك على شاهقةٍ من الجبل ثم طرحتك فإن ربك وملائكته لم يكن ليسلمك ولا ليكسرك، فقال عيسى: يا قديم الغي! إنما أفعل ما يأمرني ربي، وإني أريد أن أعرف كرامتي عند الله عز وجل. قال وهب بن منبه: سألني ابن عباس عن عيسى بن مريم وميلاده، وعن لقيه إبليس بعقبة بين المقدس، وعن نعت الإسلام، وعن صفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإنجيل فقلت: نعم، إن إبليس عدو الله اتخذ مجلساً على اللجة الخضراء، ثم بث شياطينه في ولد آدم فقال: انطلقوا فأتوني بأحداث الدنيا، فأتوه بجماعتهم لست ساعات مضين من النهار، فقال: أخبروني عما كنت وجهتكم؟ فقالوا: سيدنا، قد كانت الأصنام بغيتنا ورجاء ضلالة ابن آدم، فلم يبق صنم إلا أصبح منكوساً قد انحدرت حدقتاه على وجنتيه، فساء ظننا وأسقط في أيدينا. فأتوه لست ساعاتٍ مضين من النهار، فقال لهم إبليس: على رسلكم، أعلم علم ما أتيتوني، وكان ذلك

ليلة ولد عيسى بن مريم في ثلاث عشرة ليلة مضين من ذي القعدة، فخرت الأصنام كلها سجداً وتنكس كل صنمٍ كان يعبد من دون الله تعالى ما بين المشرق والمغرب، فانطلق إبليس وطار، فغاب عنهم مقدار ثلاث ساعات من النهار، فانصرف إليهم عوده على بدئه فقال: إني لم أدع مشارق الأرض ومغاربها ولا برها ولا بحرها، ولا سهلها ولا جبلها إلا أيتيه، فوجدت ذلك المولود ولد لغير بشر، فأتيته من بين يديه لأضع يدي عليه فإذا الملائكة دونه كأنهم بنيان مرصوص، من تخوم الثرى إلى أعنان السماء، فأتيته من فوقه فإذا الملاسكة مناكبها ثابتةٌ في السماء وأرجلها تحت الأرض الصفلى فلم أصل إلى ما أردت به ولأضلن به أكثر ممن تبعه. فلما بلغ عيسى ثلاثين سنة، وبعثه الله رسولاً إلى بني إسرائيل، مصدقاً لما بين يديه من التوراة ومبشراً برسولٍ يأتي من بعده اسمه أحمد، واتخذ الآيات والعجائب، من إحياء الموتى وخلق الطير، وإبراء الأكمه والأبرص. لقيه إبليس خالياً عند عقبة بيت المقدس، فقال الخبيث في نفسه: أنتهزن اليوم فرصتي من عيسى، فقال له إبليس: أنت عيسى بن مريم؟ قال نعم، قال: أنت الذي تكونت من غير أبٍ؟ إنك لعظيم الخطر! قال: بل العظمة للذي كونني؛ قال: أنت عيسى بن مريم الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تبرئ الأكمه والأبرص وتشفي المريض؟ قال: بل العظمة للذي بإذنه أشفيهم، وإذا شاء أمرضني؛ قال: أنت عيسى بن مريم الذي يحي الموتى؟ إنك لعظيم الخطر! قال: بل العظمة للذي بإذنه احييهم، ولا بد أن سوف يميتني؛ قال: أنت عيسى بن مريم الذي بلغ من عظمتك أنك تمشي على الماء؟ قال: بل العظمة للذي بإذنه مشيت، وإذا شاء أغرقني؛ قال: أنت عيسى بن مريم الذي يبلغ من عظمتك أنك تعلو السماوات فتدبر فيها الأمر، ما أعرف لله نداً غيرك ولا مثلاً إلا أنت! فارتعد عيسى من الفرق، فخر مغشياً عليه ودعا الله على إبليس دعوةً، فخرج يتدأدأ، ما يملك من نفسه شيئاً حتى بلغ الخافق الأقصى، فنهض بالقوة التي جعلت فيه فسد على عيسى العقبة من قبل أن يزول عيسى من مكانه، فقال له: ألم أقل لك إنك إله عظيم وليس لله شبه غيرك، ولكنك لا تعرف نفسك، فهلم

فأمر الشياطين بالعبادة لك، فإنهم لم يعترفوا لبشرٍ كان قبلك، فإذا رأى بنو آدم أنهم قد عبدوك عبدوك بعبادتهم، فتكون أنت الإله في الأرض والإله الذي تصفه إلهاً في السماء. فخر عيسى مغشياً عليه، فبعث الله عز وجل إليه ثلاثة أملاك: جبريل ومياكئيل وإسرافيل، فنفحه ميكائيل نفحة فخرج يتدأدأ ما يملك من نفسه شيئاً حتى بلغ الخافق الأقصى حصيداً محترقاً، ثم مثل له إسرافيل فنفحه نفحة بجناحه، فخرج يتدأدأ ما يملك من نفسه شيئاً حتى مر بعيسى على العقبة وهو يقول: يا ويله! لقد اقيت منك يابن العذراء تعباً! ثم مثل له جبريل فنفحه نفحةص فخرج يتدأدأ ما يملك من نفسه شيئاً، حتى وقع في العين الحامية فتخلص منها بعد ثلاثة أيام حتى رجع إلى مجلسه. وعن مجاهد في قوله " وجعلني مباركاً " قال: نفاعاً للناس، وقال: مباركاً، معلماً للخير. وعن جابر " وجعلني مباركاً أين ما كنت " لعيسى بن مريم قال: معلماً ومؤدباً وحناناً، قال: ورحمةً وزكاةً، وطاهراً من الذنوب. وعن يزيد بن أبي حبيب في قوله " وكهلاً " قال: الكهل منتهى الحلم. وقال مجاهد: الكهل، الحليم. وعن ابن عباس في قوله " وبرا بوالدتي " فلا أعقها. فعلموا أنه خلق في غير بشر " ولم يجعلني جباراً شقيا " يعني متعظماً سفاكاً للدم " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً " يقول الله تعالى " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون " يعني يشكون - يقوله لليهود - ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ ما يبلغ الناس.

قال عبد الله بن عباس: ما تكلم عيسى إلا بالآيات حتى بلغ ما يبلغ الصبيان. وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن الله تعالى أطلق لسان عيسى مرة أخرى في صباه، فتكلم ثلاث مرات حتى بلغ ما يبلغ الصبيان فيتكلمون فتكلم، فحمد الله أيضاً بتحميدٍ لم تسمع الآذان بمثله، حيث أنطقه طفلاً فقال: اللهم أنت القرب في علوك، المتعالي في دنوك، الرفيع على كل شيءٍ من خلقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحارت البصار دون النظر إليك، أنت الذي عشيت الأبصار دونك وشمخ بك العلياء في النور، وتشعشع بك البناء الرفيع في المتباعد، أنت الذي جليت الظلم بنورك، أنت الذي أشرقت بضوء نورك دلادج الظلام وتلألأت تعظيماً أركان العرش نوراً، فلم يبلغ أحدٌ بصفته صفتك، فتباركت اللهم خالق الخلق بعزتك، مقدر الأمور بحكمتك، مبتدئ الخلق بعظمتك. ثم أمسك الله لسانه حتى بلغ. وعن ابن عمر قال: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعيسى أخي، ولكن رسول الله. قال: بينما أنا نائم أراني أطوف بالكعبة فإذا رجلٌ آدم سبط الشعر، بين الرجلين، ينظف رأسه ماءٌ - أو يهراق رأسه - فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مريم، فذهبت التفت، فإذا رجلٌ أحمر جسيم، جعد الرأس، أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبةٌ طافية، فقلتك من هذا؟ قالوا: هذا الدجال - وفي رواية: هذا المسيح الدجال - أقرب الناس به شبهاً، رجلٌ من خزاعة يقال له ابن قطن. قالوا: وهو من بني المصطلق، هلك في الجاهلية. وعن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليلة أسري بي رأيت إبراهيم وهو يشبهني، ورأيت موسى جعداً آدم، طويلاً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً أحمر ربعةً سبطاً، كأن رأسه يقطر الدهن. وفي رواية: جعداً أحمر عريض الصدر.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصف لأصحابه ليلة اسري به إبراهيم وموسى وعيسى وقال: أما إبراهيم فلم أر أشبه بصاحبكم منه - أو قال: أنا أشبه ولده به - وأما موسى فرجل آدم طوال جعد أقنى، كأنه من رجال شنوة. وأما عيسى فرجل أحمر، بين القصير والطويل، سبط الشعر، كثير خيلان الوجه، كأنه خرج من ديماس - يعني الحمام - تخال رأسه يقطر ماء، وما به ماء، أشبه من رأيت به عروة بن مسعود. قال: وأتيت بإناءين في أحدهما خمر وفي الآخر لبن، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن، فشربت منه، فقيل لي: هديت إلى الفطرة - أو اصبت الفطرة - أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك. وفي حديث بمعناه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إني ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس فعرض علي عيسى بن مريم ... الحديث. وعن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجلٌ مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصرتين، فيدق الصليب، ويقتل الخمزير، ويضع الجزية، وعطل الملل، ويقاتل على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غيرالإسلام، ويهلك في زمانه مسيح الضلالة، الدجال الكذاب، وتقع الأمنة في الأرض، حتى يرتع الأسد من الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان والصبيان بالحيات، لا يضر بعضهم بعضاً؛ حتى يمكث في الأرض ما شاء الله، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون، ويدفنونه. قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويهلك في زمانه الملل كلها، صريح البيان عن أن اليهود والنصارى

والمجوس وسائر المشركين ذوو مللٍ مختلفة، وليسوا أهل ملةٍ واحدة وإن جمعهم الكفر وأنه لا توارث بين أحدٍ منهم، وبين من هو على غير ملته لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يتوارث أهل ملتين شتى. وكان أبو جنيفة وأصحابه يرون الكفر كله ملة واحدة ويوقعون التوارث بينهم، وإليه يذهب أصحاب الشفعي. ومن حديث آخر: وأنا وعيسى أخوان، لأنه بشر بي وليس بيني وبينه نبي. قالوا: والديماس محبس. وعن أبي حازم قال: كنت أرى أبا هريرة يأتي الكتاب فيقول للمعلم: مر غلمانك فلينصتوا وليفقهوا ما أقول لهم، فيقول: يا معشر الغلمان، أيكم أدرك عيسى بن مريم فإنه شاب أحمر، حسن الوجه، فليقرا عليه مني السلام. قال عبد الله عن عمرو بن العاص: كان عيسى بن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان، فكان يقول لأهدهم: تريد أن أخبرك ما خبأت لك أملك؟ فيقول: نعم، فيقول: خبأت لك كذا وكذا. فيذهب الغلام منهم إلى أمه، فيقول لها: أطعميني ما خبأت لي، فتقول: وأي شيءٍ خبأت لك؟ فيقول كذا وكذا فتقول له: من أخبرك؟ فيقول: عيسى بن مريم، فقالوا: والله إن تركتم هؤلاء الصبيان مع ابن مريم ليفسنهم، فجمعوهم في بيت، وأغلقوا عليهم، فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاءهم في بيت، فسأل عنهم فقال: ما هؤلاء؟ كأن هؤلاء الصبيان! قالوا: لا، إنما هم قردة وخنازير، قال: اللهم اجعلهم قردة وخنازير. فكانوا كذلك. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن عيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه، فقال له المعلم: اكتب بسم الله، فقال لع عيسى: وما باسم؟ قال المعلم: لا أدري، قال عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناؤه،

والميم ملكه، والله لا إله إلا هو، الرحمن رحمان الدنيا واخرة، والرحيم رحيم الآخرة ... الحديث. وعن ابن عباس: أن عيسى بن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً، حتى إذا بلغ ما يبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، قال: فأكثر اليهود فيه وفي أمه من قول الزور، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه، فلما فطم أكل الطعام وشرب الشراب حتى بلغ سبع سنين، فكانت اليهود تسميه ابن البغية، فذلك قول الله تعالى: " وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً " فلما بلغ سبع سنين أسلمته أمه للكتاب عند رجلٍ من الكتبيين يعلمه كما يعلم الغلمان، فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى علمه قبل أن يعلمه إياه، فعلمه أبا جاد، فقال عيسى: ما أبجد؟ قال المعلم: لا أدري، فقال عيسى: فكيف تعلمني مالا تدري؟ فقال المعلم: إذاً فعلمني، فقال له عيسى: فقم من مجلسكن فقام فجلس عيسى مجلسه، فقال: سلنين فقال المعلم: فماذا أبجد؟ فقال عيسى: الألف آلاء الله، باء بهاء الله، جيم بهجة الله وجماله - زاد في غيره: دال الله الدائم - فعجب المعلم من ذلك، فكان أول من فسر أبجد عيسى بن مريم. قال: وسأل عثمان بن عفان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ماتفسير ابجد؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعلموا تفسير ابجد، فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالمس جهل تفسيره! فقيل يا رسول الله وما أبجد؟ فقال: أما الألف آلاء الله، حرفٌ من أسماءه؛ وأما الباء فبهجة الله وجلال الله؛ وأما الجيم فمجد الله، وأما الدال فدين الله؛ وأما هوز، فالهاء الهاوية، فويل لمن هوى فيها، وأما الواو فويل لأهل النار، وأما الزاي فالزاوية، فنعوذ بالله مما في الزاوية، يعني زوايا جهنم؛ وأما حطي، فالحاء حطوط خطايا المستغفرين في ليلة القدر، وما نزل به جبريل مع الملائكة إلىمطلع الفجر، وأما الطاء فطوبى لهم وحسن مآب، وهي شجرة غرسها الله بيده، وإن أغصانها لترى من وراء سور

الجنة، نبتت بالحي والحلل، والثمار متدلية على أفواههم، فطوبى لهم وحسن مآب، وأما الياء فيد الله فوق خلقه سبحانه وتعالى عما يشركون؛ وأما كلمن، فالكاف كلام الله، لاتبديل لكلماته " ولن تجد من دونه ملتحدا " وأما اللام فإلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة، والتحية والسلام، وتلاوم أهل النار بينهم، وأما الميم فملك الله الذي لا يزول، ودوام الله الذي لا يفنى، وأما نون فنون " والقلم وما يسطرون " فالقلم قلمٌ من نور وكتابٌ من نور، في لوحٍ محفوظ يشهده المقربون، وكفى بالله شهيدا؛ يعني الجزاء بالجزاء وكما تدين تدان، والله لا يريد ظلماً للعباد؛ وأما قريشات، يعني قرشهم يجمعهم يوم القيامة يقضي بينهم وهم لا يظلمون. قال ابن عباس: فكان عيسى يري العجائب في صباه إلهاماً من الله تعالى، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر فذلك قوله عز وجل: " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " فسئل ابن عباس: ألا كان آيتان وهما اثنان؟ فقال: إنما قال آية لأن عيسى من أمه ولم يكن من أبٍ لم يشاركها في عيسى أحد، فصار آيةٌ واحدة " وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعين " قال: يعني أرض مصر. قال وهب: ولما بلغ عيسى ثلاث عشرة سنة أمره الله تعالى أن يرجع من مصر إلى بيت إيلياء، فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار، حتى جاء بهما إلى إيلياء وأقامهما حتى أحدث الله تعالى له الإنجيل، وعلمه التوراة، وأعطاه إحياء الموتى، وإبراء الأسقام، والعلم بالغيوب بما يدخرون في بيوتهم؛ وتحدث الناس بقدومه، وفزعوا لما كان يأتي من

العجائب، وجعلوا منه، فدعاهم إلى الله، ففشا فيهم أمره. وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وأن الجنة حقٌ، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل. زاد في آخر: وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها. سئل الأوزاعي عن رجلٍ قال لامرأته: أنت طالقٌ ثلاثاً بتةً أن لم أكن من أهل الجنة؟ فقال الأوزاعي: لا يفرق بينه وبين امرأته؛ حدثني عمير بن هانئ، عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبده ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، أدخله الله الجنة على ما كان منه فلا يفرق بينهما بالشك لما جاء من هذا الحديث. وفي رواية: أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء. وعن يعلى بن شداد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليخرجن الله بشفاعة عيسى بن مريم من جهنم مثل أهل الجنة. أنزلت التوراة على موسى صلى الله على نبينا محمدٍ وعليه وسلم في ست ليالي خلون من شهر رمضان؛ ونزل الزبور على داود صلى الله على نبينا محمدٍ وعليه وسلم في اثنتي عشرة خلت من شهر رمضان، وذلك بعد التوراة بأربع مئة سنة واثنتين وثمانين سنة؛ وأنزل الإنجيل على عيسى بن مريم صلى الله على نبينا محمدٍ وعليه وسلم في ثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام وخمسين عاماً؛ وأنزل القرآن على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أربعٍ وعشرين من شهر رمضان. وعن أبي هريرة قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم: يا عيسى خذ في أمري ولا تهن، واسمع وأطع، يا بن الطاهرة البكر البتول، إنك من غير فحل، وأنا خلقتك آية للعالمين، إياي فاعبد،

وعلي فتوكل، خذ الكتاب بقوة، فسر لأهل السريانية السريانية، بلغ بين يديك أني أنا الحي القائم الذي لا أزول، صدقوا النبي الأمي العربي، صاحب الجمل والتاج - وهي العمامة - والمدرعة والنعلين والهراوة - وهو القضيب - الأنجل العينين، الصلت الجبين، الواضح الخدين، الجعد الرأس، الكث اللحية المقرون الحاجبين، الأقنى الأنف، المفلج الثنايا البادي العنفقة، الذي كأن عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه، له شعيراتٌ من لبته إلى سرته يجري كالقضيب، ليس على بطنه ولا على صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا التفت التفت جميعاً، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر وينحدر من صبب، عرقه في وجهه كاللؤلؤة، ريح المسك ينفح منه، لم ير قبله ولا بعده - يعني مثله - الحسن القامة، الطيب الريح، نكاح النساء، ذا النسل القليل إنما نسله من مباركة، لها بيتٌ - يعني في الجنة - من قصب، لانصب فيه ولا صخب؛ تكفله يا عيسى في آخر الزمان، كما كفل زكريا امك، له منها فرحان مستشهدان وله عندي منزلة ليس لأحد من البشر، كلامه القرآن ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه. قال عيسى: يا رب! وما طوبى؟ قال: غرس شجرة أنا غرستها بيدي، فهي الجنان كلها، أصلها من رضوان وماؤه من تسنيم، وبردها برد الكافور وطعمها طعم الزنجبيل، وريحها ريح المسك، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً. قال عيسى: يا رب اسقني منها، قال: حرامٌ على النبيين أن يشربوا منها حتى يشرب ذاك النبي، وحرامٌ على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب أمة ذاك النبي. قال: يا عيسى أرفعك إلي، قال: يا رب! ولم ترفعني؟ قال: أرفعك ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب، ولتعينهم على قتال اللعين الدجال، أهبطك في وقت صلاة، ثم لا تصل بهم لأنهم أمةٌ مرحومة، ولا نبي بعد نبيهم. وروي أن عيسى بن مريم قال: رب أنبئني عن هذه الأمة المرحومة؟ قال: أمة أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هم علماء حلماء، كأنهم انبياء، يرضون مني بالقليل من العطاء، وأرضى منهم باليسير من العمل، وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله، ياعيسى هم أكثر سكان أهل الجنة لأنها لم تذل ألسن قومٍ قط بلا إله إلا الله، كما ذلت ألسنتهم، ولم تذل رقاب قومٍ قط بالسجود كما ذلت رقابهم.

وعن عبد الله بن عوسجة قال: أوحى الله إلى عيسى بن مريم؛ أنزلني من نفسك كهمك، واجعلني ذخراً لك في معادك، وتقرب إلي بالنوافل أحبك، ولا تول غيري فأخذلك، اصبر على البلاء، وارضى بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى، وكن مني قريباً، وأحي ذكري بلسانك، ولتكن مودتي في صدره يقظ من ساعات الغفلة، واحكم لي لطف الفطنة، وكن لي راغباً راهباً، وأمت قلبك من الخشية لي، وراع الليل بحق مسرتي واظم نهارك ليوم الري عندي، نافس في الخيرات جهدك، واعرف بالخير حيث توجهت - تفسيره: يقول: ولتعرف بالخير - وقم في الخلائق بنصيحتي، واحكم في عبادي بعدك، فقد أنزلت عليك شفاء وساوس الصدر من مرض النسيان وجلاء الأبصار من غشا الكلال؛ ولا تكن حلساً كأنك مقبوض وأنت حيتنفس؛ ياعيسى بن مريم ما أمنتني خليقةٌ إلا خشعت، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأشهدك أنها آمنةٌ من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي؛ يا عيسى بن مريم البكر البتول، ابك على نفسك ايام الحياة بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا، وترك اللذات لأهلها وارتفعت رغبته فيما عند إلهه، وكن في ذلك تلين الكلام، وتفشي السلام وكن يقظانا إذا نامت عيون الأنام حذار ما هو آتٍ من أمر المعاد، وزلازل شدائد الأهوال قبل أن لا ينفع أهلٌ ولا مال، واكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطالون، وكن في ذلك صابراً محتسباً، فطوبى لك إن نالك ما وعدت الصابرين، زج من الدنيا بالله، يوم بيوم، وذق مذاقه، ما هرب منك أين طعمه؟ وما لم يأتك كيف لذته؟ فزج من الدنيا بالبلغة، وليكفك منها الخشن الخشب، قد رأيت إلى ما تصير؛ اعمل على حساب، فإنك مسؤول؛ لو رات عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك، وزهقت نفسك.

زاد في آخر: اشتياقاً إليهم. كان عيسى يصلي على رأس الجبل، فأتاه إبليس فقال: أنت الذي يزعم أن كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر؟ قال: نعم، قال: ألق نفسك من الجبل وقد قدر علي، قال: يالعين! الله يختبر العباد، ليس العباد يختبرون الله عز وجل. وفي حديثٍ بمعناه: قال: أما علمت أن الله تعالى قال: لا يجربني عبدي فإني أفعل ما شئت. صلى عيسى بن مريم ببيت المقدس فانصرف، فلما كان ببعض العقبة عرض له إبليس فاحتبسه، فجعل يعرض عليه ويكلمه ويقول له: إنه لا ينبغي لك أن تكون عبداً؛ فأكثر عليه وجعل عيسى يحرص على أن يتخلص منه، فجعل لا يتخلص منه، فقال له فيما يقول: لا ينبغي لك يا عيسى أن تكون عبداً؛ فاستغاث عيسى بربه فأقبل جبريل وميكائيل، فلما رآهما إبليس كف، فلما استقرا معه العقبة اكتنفا عيسى، وضرب جبريل إبليس بجناحه فقذفه في بطن الوادي، قال: فعاد إبليس معه وعلم أنهما لم يؤمرا بغير ذلك، فقال لعيسى: قد أخبرتك أنه لاينبغي لك أن تكون عبداً، إن غضبك ليس غضب عبد، وقد رأيت ما لقيت منك حين غضبت، ولكن أدعوك إلى أمرٍ هو لك، آمر الشياطين فليطيعوك، فإذا رأى الإنس أن الشياطين قد أطاعوك عبدوك، أما إني لا أقول أن تكون إلهاً ليس معك إله، ولكن الله يكون إلهاً في السماء وتكون أنت إلهاً في الأرض، فلما سمع عيسى ذلك منه استغاث بربه وصرخ صرخةق شديدة، فإذا إسرافيل قد هبط فنظر إليه جبريل وميكائيل فكف إبليس، فلما استقر معهم ضرب إسرافيل إبليس بجناحه فصك به عين الشمس، ثم ضربه ضربة اخرى فأقبل إبليس يهوي، ومر بعيسى وهو مكانه فقال: يا عيسى لقد لقيت منك اليوم تعباً شديداً، فرمى به في عين الشمس، وجره سبعة أملاك عند العين الحامية؛ قال: فغطوه، فجعل كلما خرج غطوه في تلك الحمأة. قال: والله ما عاد إليه بعد.

قال أبو حذيفة: واجتمع إليه شياطينه فقالوا: سيدنا قد لقيت تعباً! قال: إن هذا عبد معصوم ليس لي عليه من سبيل، وسأضل به بشراً كثيراً وأبث فيهم أهواء مختلفة، وأجعلهم شيعاً، ويجعلون وأمه إلهين من دون الله. وأنزل الله فيما أيد به عبده عيسى وعصمه من إبليس قرآناً ناطقاً يذكر نعمته على عيسى فقال: " يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس " يعني إذ قويتك بروح القدس يعني جبريل " تكلم الناس في المهد وكهلاً، وإذ علمتك الكتاب " يعني الانجيل والتوراة " والحكمة " " وإذ كففت بني إسرائيل عنك " الآية كلها، وإذ جعلت المساكين لك بطانةً وصحابةً وأعواناً ترضى بهم، وصحابةً وأعواناً يرضون بك هادياً وقائداً إلى الجنة، فذلك فاعلم خلقان عظيمان، من لقيني بهما فقد لقيني بأزكى الخلائق وأرضاها عندي، وسيقول لك بنو إسرائيل: صمنا فلم يقبل صيامنا، وصلينا فلم يقبل صلاتنا، وتصدقنا فلم يقبل صدقاتنا، وبكينا بمثل حنين الجمال فلم يرحم بكاءنا؛ فقل لهم: ولم ذاك؟ وما الذي يمنعني؟ أن ذات يدي قلت؟ أوليس خزائن السموات والأرض بيدي أنفق منها كيف أشاء؟ أو أن البخل يعتريني؟ أو لست اجود من سئل وأوسع من أعطى؟ وأن رحمتي ضاقت؟ وإنما يتراحم المتراحمون بفضل رحمتي. ولولا أن هؤلاء القوم يا عيسى بن مريم غذوا أنفسهم بالحكمة التي نورت في قلوبهم، فاستأثروا به الدنيا أثرةً على الآخرة لعرفوا من أين أتوا، وإذاً لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى الأعداء لهم، وكيف أقبل صيامهم وهم يتقوون عليه بالأطعمة الحرام؟ وكيف أقبل صدقاتهم وهم يغصبون الناس عليها فيأخذونها من غير حلها؟! يا عيسى، إنما أجزي عليها أهلها؛ وكيف أرحم بكاءهم وأيديهم تقطر من دماء الأنبياء؟! ازددت عليهم غضباً، يا عيسى، وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض أنه من عبدك

وعبد أمك وقال فيكما بقولي أن أجعلهم جيرانك في الدار، ورفقاءك في المنازل، وشركاءك في الكرامة؛ وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض أنه من اتخذك وأمك إلهين من دون الله أن أجعلهم في الدرك الأسفل من النار؛ وقضيت يوم خلقت السماوات والأرض أني مسبب هذا الأمر على يدي محمد، وأختم به الأنبياء والرسل، ومولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، وليس بفظ ولا غليظ، ولا سخابٍ في الأسواق، ولا متزينٍ بالفحش، ولا قوال بالخنا، أسدده لكل أمرٍ جميل، وأهب له كل خلقٍ كريم، أجعل التقوى ضميره، والحكمة معقوله، والوفاء طبيعته، والعدل سيرته؛ والحق شريعته، والإسلام ملته، واسمه أحمد، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأغني به بعد العايلة، وأرفع به بعد الضعة، أهدي به وأفتح به من ىذانٍ صم، وقلوبٍ وأهواء مختلفةٍ متفرقة، أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، إخلاصاً لا سمي وتصديقاً لما جاءت به الرسل، ألهمهم التسبيح والتهليل والتقديس في مساجدهم ومجالسهم وبيوتهم ومتقلبهم ومثواهم، يصلون لي قياماً وقعوداص وركعاص وسجداً، ويقاتلون في سبيلي صفوفاص وزحوفاً، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم، وقربانهم في بطونهم، رهبانٌ بالليل، ليوثٌ بالنهار، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم. قال وهب بن منبه: كان دعاء بن مريم الذي يدعو به للمرضى والزمن والعميان والمجانين: اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض، لا جبار فيهما غيرك، وأنت ملك من السماء وملك من في الأرض، لا ملك فيهما غيرك، قدرتك في الأرض كقدرتك في السماء، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء، أسألك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم إنك على كل شيءٍ قدير. قال وهب: هذا للفزع والمجنون، يقرأ عليه ويكتب له ويسقي ماءه إن شاء الله.

كان عيسى بن مريم إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتن يقرأ في الأولى " تبارك الذي بيده الملك " وفق الثانية " تنزيل " السجدة، فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم! يا حي! يا دائم! يا فرد! يا وتر! يا أحد! يا صمد! قال البيهقي: ليس هذا بالقوي. وعن هلال بن خباب قال: سألت بنو إسرائيل عيسى بن مريم عليه السلام فقالوا: يا روح الله وكلمته، إن سام بن نوح دفن هاهنا قريباً، فادع الله أن يبعثه، قال: فهتف نبي الله فلم ير شيئاً فقال: أتتعنتوني!؟ فقالوا: ما نتعنتك، لقد دفن ها هنا قريباً، فهتف نبي الله فخرج أشمط، قالوا: يا نبي الله! إنه مات وهو شاب، فما هذا البياض؟ فسأله فقال: ظننت أنها الصيحة ففزعت، قالوا: دعه يكن فينا، قال: كيف يكون فيكم وقد نفد رزقه!. وحدث جماعة عن عبر عيسى وقصته، وما كان من الآيات والعجائب، وزاد بعضهم عن بعض قالوا: إن أول من أحيا عيسى بن مريم من الموتى حين قال لهم " إني أخلق من الطين " بإذن الله " وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " فتعاظم ذلك عند الكفار والمنافقين فأنكروه، وازداد المؤمنون بذلك إيماناً؛ فكانت اليهود تجتمع إليه في ذلك ويستهزئون به ويقولون له: يا عيسى، ما أكل فلان البارحة وما ادخر في بيته لغدٍ؟ فيخبرهم، فيسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم، وكان عيسى ليس له قرار ولا موضع يعرف، إنما هو سائح في الأرض فمر ذات يوم بامرأةٍ قاعدةٍ عند قبرٍ وهي تبكي فقال لها: ما لك أيتها المرأة؟ فقالت: ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذافت من الموت، ولا أبرح من موضعي أو يبعثها الله لي فأنظر إليها أو أحشر معها من موضعي، لو يحييها الله لي فأنظر إليها، فقال عيسى: إن نظرت إليها أراجعةٌ أنت؟ قالت: نعم،

قال: فصلى عيسى ركعتين ثم جاء فجلس عند القبر، فنادى يا فلانة، قومي بإذن الرحمن فاخرجي، قال: فتحرك القبر، ثم نادى الثانية، فانصدع القبر بإذن الله، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى: ما بطأ بك عني؟ قالت: لما جاءتني الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة الثانية فرجع إلي روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها صيحة القيامة! فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت يا أمتاه! ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أمتاه، اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا، يا روح الله وكلمته يسأل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن يهون علي كرب الموت، قال: فدعا ربه، فقبضها إليه، فاستوت عليها الأرض. فبلغ ذلك اليهود، فازدادوا عليه غضباً، وكان ملك منهم في ناحيةٍ منهم في مدينةٍ يقال لها نصيبين جباراً عاتياً، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة. قال: فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون، فقال لأصحابه: ألا رجلٌ منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول: إن عيسى عبد الله ورسوله. قال: فقام رجلٌ من الحواريين يقال له يعقوب فقال: أنا يا روح الله وكلمته؛ قال: فاذهب فأنت أول من يبر أمتي. فقام آخر يقال له توصار قال له: أنا معه، قال: وأنت معه؛ ومشيا، فقام شمعون فقال: يا روح الله وكلمته! أكون ثالثهم؟ فأذن لي بأن أنال منك إن اضطررت إلى ذلك، قال: نعم. قال: فانطلقوا، حتى إذا كانوا قريباً من المدينة فقال لهما شمعون: ادخلا المدينة فبلغا ما أمرتما وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما احتلت لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة، وقد تحدث الناس بأمر عيسى وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه، فنادى أحدهما - وهو الأول - ألا إن عيسى عبد الله ورسوله؛ فوثبوا إليهما: من القائل إن عيسى عبد الله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال: ما قلت شيئاً؛ فقال الآخر: قد قلت وأنا أقوله: إن

عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيرٌ لكم. فانطلقوا به إلى ملكهم - وكان جباراً طاغياً - فقال له: ويلك! ما تقول؟ قال: أقول إن عيسى عبد اللهورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه؛ قال: كذبت؛ فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان، ثم قال له: تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا! فقال: لا أفعل، فقال الملك: إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك وسمرت عينيك، فقال: افعل ما أنت فاعل. قال: ففعل به ذلك، فألقاه على مزبلةٍ في وسط مدينتهم. قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: كونوا كحواريي عيسى بن مريم، رفعوا على الخشب وسمروا بالمسامير وطبخوا في القدور، وقطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم فكان ذلك البلاء والقتل في طاعة الله أحب إليهم من الحياة في معصية الله. قال الرواة: إن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس، فسلم، فلما نظروا إليه أنكروه، فقال لهم: ماقال هذا المسكين؟ قالوا: يزعم أن عيسى عبد الله ورسوله، فقال شمعون: أيها الملك أتأذن لي فأدنوا منه فأسأله؟ قال: نعم، فقال له شمعون: أيها المبتلى! ما تقول؟ قال: أقول: إن عيسى عبد الله ورسوله، قال: فما آيته نعرفه؟ قال: يبرء الأكمة والأبرص والسقيم، قال: هذا يفعله الأطباء فهل غيره؟ قال: نعم، يخبركم بما تأكلون وما تدخرون، قال: هذا يعرفه المهنة فهل غير هذا؟ قال: نعم، يخلق من الطين كهيئة الطير، قال: هذا قد تفعله السحرة، يكون أخذه منهم. قال: فجعل يتعجب الملك منه وسؤاله، فقال: هل غير هذا؟ قال: نعم، يحيي الموتى، قال: أيها الملك! إنه ذكر أمراً عظيماً! وما أظن خلقاً يقدر على ذلك إلا بإذن الله، ولا يقضي الله ذلك على يدي ساحرٍ كذاب، فإن لم يكن عيسى رسولاً فلا يقدر على ذلك، وما فعل الله ذلك بأحد إلا بإبراهيم حين سأله " رب أرني كيف تحيي الموتى " ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن! فقال الله: " أو لم تؤمن قال بلى ". ذكر الحسن أن عيسى بن مريم ومعه ناسٌ من الحواريين، فأتوا على ذهبٍ كثير موضوع، فقال عيسى النجاء النجاء! إنما هي النار. ثم مضى ومضى أصحابه، وتخلف منهم ثلاثة،

فقال رجلان منهم لصاحبهما: إنا لا نستطيع هذا الذهب إلا أن نحمله على شيء فخذ من هذا الذهب فاشتر لنا به طعاماً واشتر لنا ظهراً نحمل عليه من هذا الذهب. فانطلق لما أمراه به، فأتى الشيطان للرجلين فقال لهما: إذا أتاكما فاقتلاه واقسما المال نصفين، فلما أحكم أمرهما انطلق إلى الآخر فقال: إنك لن تطيق هذين، فاجعل في الطعام سما فأطعمهما واذهب بالمال وحدك. فابتاع من المدينة سما، فجعله في طعامهما؛ فلما أناهما وثبا عليه فقتلاه، ثم قربا الطعام فأكلا منه فماتا. فانطلق عيسى إلى حاجته ثم رجع، فإذا هو بهم قد موتوا عند الذهب فقال: انظروا إلى هؤلاء! ثم حدثهم حديثهم، ثم قال لأصحابه: النجاء النجاء! فإنما هي النار. وعن بن عباس قال: لما بعث الله عيسى وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه، فخرج هو امه يسيحون في الأرض، فنزلوا في قرية على رجلٍ فأضافهم فأحسن إليهم، وكان للمدينة ملكٌ جبارٌ معتدٍ، فجاء ذلك الرجل يوماً وقد وقع عليه هم وحزن، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقال لها: ما شأن زوجك أراه حزيناً؟ فقالت: ل تلسيني، قالت: أخبرني لعل الله يفرج كربه، قالت: فإن لنا ملكاً يجعل على كل رجلس منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر، فإن لم يفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليومن يريد أن يصنع له فيه، وليس الآن عندنا سهة، قالت: فقولي له فلا يهتم، فإني آمر ابني فيدعو له، فيلقى ذلك، فقالت مريم لعيسى في ذلك، فقال عيسى: يا أمه! إني إن فعلت كان في ذلك شر! قالت: لا تبالي فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا، فقال عيسى: فقولي له إذا اقترب ذلك فاملاٌ قدورك وخوابيك ما ثم أعلمني، فلما ملأهن أعلمه، فدعا الله، فتحول ما في القدور لحماً ومرقاً وخبزاً، وما في الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط، فلما جاءه الملك أكل منه، فلما شرب الخمر سأل: من أين لك هذا الخمر؟ قال: هو من أرض كذا وكذا، قال الملك: فإن خمري أوتى به من تلك الأرض، ليس هو مثل هذا! قال: هو من أرضٍ أخرى: فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال: أنا أخبرك، عندي غلامٌ لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً، فقال له الملك - وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام - وكان أحب الخلق إليه - فقال: إن رجلاً دعا الله فجعل الماء خمراً ليستجابن له حتى يحيي ابني؛ فدعا عيسى فكلمه وسأله أن يدعو الله أن يحيي ابنه، فقال

عيسى: لا تفعل إنه إن عاش كان شرا! قال الملك: ليس أبالي، أليس أراه؟ فلا أبالي ما كان؛ قال عيسى: فإن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء، قال الملك: نعم. فدعا الله الغلام، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه. فاقتتلوا. وذهب عيسى وأمه، وصحبهما يهودي، وكان مع اليهودي رغيفان ومع عيسى رغيف، فقال له عيسى تشاركني؟ قال اليهودي: نعم. فلما رأى أنه ليس مع عيسى إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهودي يريد ان يأكل الرغيف أكل لقمة، قال له عيسى: ما تصنع؟ فيقول له: لا شيء، فيطرحها، حتى فرغ من الرغيف كله، فلما أصبحا قال له عيسى: هلم طعامك، فجاء برغيف فقال له عيسى: أين الرغيف الآخر؟ قال: ما كان معي إلا واحد، فسكت عنه؛ وانطلقوا فمروا براعي غنم، فنادى عيسى: يا صاحب الغنم، أجزرنا شاةً من غنمك، قال: نعم، أرسل صاحبك يأخذها، فأرسل عيسى اليهودي، فجاء بالشاة فذبحوها وشووها، ثم قال اليهودي: كل ولا تكسر عظماً؛ فاكلا، فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد، ثم ضربها بعصاه وقال: قومي بإذن الله. فقامت الشاة تثغو، فقال: يا صاحب الغنم، خذ شاتك، فقال له الراعي: من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم. قال: أنت الساحر! وفر منه. قال عيسى لليهودي: بالذي أحيا هذه الشاة بعدها أكلناها، كم كان معك من رغيف؟ قال: فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد؛ فمر بصاحب بقر، فقال له: يا صاحب البقر، أجزرنا من بقرك هذه عجلاً، فقال: ابعث صاحبك يأخذخ. فقال: انطلق يا يهودي فجئ به. فانطلق فجاء به فذبحوه وشووه. وصاحب البقر ينظر، فقال له عيسى: كل ولا تكسر عظماً فلما فرغوا قذف العظام في الجلد ثم ضربه بعصاه وقال، قم بإذن الله؛ فقام، له خوار، فقال: يا صاحب البقر، خذ عجلك، قال: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم. قال: أنت الساحر! ثم فر منه. قال اليهودي: يا عيسى أحييته بعدما أكلناه! قال: يا يهودي، فبالذي أحيا هذه الشاة بعدها أكلناها، والعجل بعدما أكلناه كم كان معك من رغيف؟ قال: فحلف ما كان معه إلا رغيف

واحد؛ فانطلقا حتى نزلا قريةً، فنزل اليهودي في أعلاها وعيسى في أسفلها، وأخذ اليهودي عصاً مثل عصا عيسى وقال: أنا الآن أحيي الموتى. وكان ملك تلك القرية مريضاً شديد المرض. فانطلق اليهودي ينادي من يبغي طبيباً؟ حتى أتى ملك تلك المدين، فأخبر بوجعه فقال: أدخلوني عليه فأنا أبرئه، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه. فقيل له: إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك، ليس من طبيب يداويه ولا يغني دواؤه شيئاً إلا أمر به فصلب، فقال: أدخلوني عليه فإني سأبرئه؛ فأدخل عليه، برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات! فجعل يضربه وهو ميت ويقول: قم بإذن الله، فأذخ ليصلب فبلغ عيسى، فأقبل عليه وقد رفع علي الخشبة فقال: أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي؟ قالوا: نعم، فأحيا عيسى الملك، فقام وأنزل اليهودي، فقال: يا عيسى! أنت أعظم الناس علي منةً! والله لا أفارقك أبداً. فخرجوا فمروا بثلاث لبنات، فدعا الله عز وجل عيسى فصيرهن من ذهب، قال: يا يهودي لبنةٌ لي ولبنةٌ لك ولبنةٌ لمن أكل الرغيف؛ قال: أنا أكلت الرغيف. وعن ابن عباس أن عيسى بن مريم قال للحواريين: صوموا ثلاثين يوماً، ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه. فصاموا، فلما قضوا ثلاثين يوماً قالوا لعيسى: يا معلم الخير، إنه لو عملنا لأحد وقضينا عمله أطعمنا طعاماً، وإنا قد صمنا الذي أمرتنا به، فادع الله أن ينزل علينا مائدةً من السماء، فنزلت الملائكة بمائدةٍ يحملونها، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة، فأكل من آخر الناس كما أكل منها أولهم. وفي حديثٍ آخر: فأنزلها الله عليهم، فكان ينزل عليهم كل يوم تلك المائدة من ثمار الجنة، فيأكلون من ضروب شتى، فكان يقعد منا أناس يلطخون ثيابنا، فلو بنينا لها بناءً حتى نرفعها؛ فبنوا لها بناءً، فلما فعلوا ذلك أنزلها الله عليهم ذلك اليوم، فجاء أشرافهم وأصحاب الثياب، فارتفعوا على غيرهم، فأكلوا ذلك منها ثم رفعها الله عنهم حين بدلوا أمر الله عز وجل.

وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت المائدة من السماء خبز ولحم، وأمروا أن لا يخبؤوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادخروا وخبؤوا، فمسخوا قردةً وخنازير. وعن سلمان أنه قال في المائدة التي أنزلها الله على عيسى قال: لما سأل الحواريون عيسى - وذلك أنهم حين سألوه - قالوا: تريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا للذي رأينا من العجائب، ونكون عليها من الشاهدين. قال: فقام عيسى فألقى عنه الصوف ولبس جبة من شعر ولحافاً من شعر، ثم وضع يمينه على شماله وصف قدميه، وألصق كعب قدميه مع الآخر، وسى بين إبهاميه، وطأطأ رأسه خاشعاً لله عز وجل، فأرسل عينيه بالبكاء حتى سالت الدموع على لحيته وصدره وهو يدعو الله ويتضرع، ثم قال: " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا " يعني تكون لنا عظة " وآية منك " يقول: علامة بيننا وبينك " وارزقنا " عليها طعاماً نأكله وارزقنا " وأنت خير الرازقين " فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة من فوقها وأخرى من تحتها، توهي منقضة في الهواء والناس ينظرون إليها! فأوحى الله تعالى: يا عيسى هذه المائدة، فمن كفر بعد ذلك " منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ". فبلغ عيسى قومه فقالوا: نعم، فقال الله: يا عيسى إن كفروا أخذتهم بالشرط. ونزلت المائدة وعيسى يبكي ويقول: إلهي اجعل رحمةً ولا تجعلها عذاباً! كم أسألك من العجائب " فتعطني، إلهي، أعوذ بك أن يكون نزولها عذاباً ورجزاً، وأسألك أن تجعلها عافيةً وسلامةً، ولا تجعلها مثلة ولا فتنة. فما زال " يدعو ويتضرع حتى استقرت بين يدي عيسى، والناس حوله " يجدون ريح " طيبها، لم يجدوا ريحاً قط أطيب منها، فخر عيسى ساجداً، وسجد الحواريون معه.

وبلغ ذلك اليهود. فأقبلوا مغمومين مكروبين، فنظروا إلى أمرٍ معجب، فإذا سفرة مغطاة بمنديل، فرفع عيسى راسه واستوى قاعداً، فقال: لننظر من كان خيرنا وأوثقنا بنفسه، وأحسننا عملاً عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر إليها ونأكل منها ونحمد الله عليها؛ فقال الحواريون: أنت أولانا وأحقنا يا روح الله! فقام عيسى فتوضأ وضوءاً حسناً وصلى صلاة حسنة، ودعا دعاءً كثيراً وبكى بكاءً طويلاً، ثم جلس عند السفرة ثم قال: بسم الله خير الرازقين وكشف المنديل، فإذا سمكة مشوية وليس عليها فلوس ولا فيها شوك، يسيل السمن منها سيلاناً وقد نذد حولها من ألوان البقول إلا الكراث، وخل عند رأسها وملح عند ذنبها، وخمسة أرغفة على كل رغيف زيتون وخمس رمانات وتميرات، فقال شمعون وهو رأس الحواريين: يا روح الله وكلمته! أمن طعام الدنيا أو من طعتم الآخرة؟ فقال عيسى: ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا! فقال: لا وإله بني إسرائيل ما أردت بما سألتك عنه سوءاً، فقال عيسى: نزلت وما عليها من السماء، وليس شيء منها من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، وهي مما ابتدعه الله بالقدرة البالغة، فقال: كن فكان، فقال: كلوا مما سألتم واذكروا اسم الله عليه واحمدوا إلهكم واشكروه يزدكم، فإنه القادر على ما يشاء إذا يشاء، فقال الحواريون: يا روح الله! كن أنت أول من يأكل منها ثم نأكل منها، فقال عيسى: معاذ الله، بل يأكل منها الذي سألها وطلبها. وفرق الحواريون أن يكون " نزولها سخطة ومثلة، فلم يأكلو منها، فدعا عيسى لها أهل الفاقة والزمانة من العميان والمجذمين والمجانين والمخبلين، وهذا الضرب من أنواع البلاء من الناس، فقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم، وآية من ربكم، فليكن مهناها لكم وبلاؤها لغيركم " فأكلوا، فصدر عن تلك السمكة والطعام " ألف وثلاث مئة من بين رجل وامرأة شباعاً " يتجشؤون من بين فقيرٍ جائع، وزمنٍ ناقهٍ رغيب، ثم نظر عيسى إلى السفرة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء، ثم رفعت إلى السماء وهم ينظرون

إليها صاعدة، وينظرون إلى ظلها حتى توارت، فاستغنى كل فقير أكل منها حتى مات، وبرأ كل مبتلى يومئذٍ فلم يزل صحيحاً غنياً حتى مات، وندم الحواريون وندم سائر الناس ندامةً شابت حواجبهم وأشفار أعينهم، فكانت إذا نزلت بعد ذلك أقبلوا إليها من كل مكان يسعون، يزاحم بعضهم بعضاً، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والصغار والكبار، وكل صغير ضعيف ومريض، يركب بعضهم بعضاً، حتى جعلها عيسى نوائب فيما بينهم، ثم كانت تنزل غباً، تنزل يوماً ولا تنزل يوماً، كناقة ثمود، ترعى يوماً وترد يوماً فلبثوا بذلك أربعين صباحاً، فلا تزال موضوعة يؤكل منها، فإذا فاء الفيء ارتفعت صاعدةُ في السماء؛ ثم أوحى الله إلى عيسى: أن اجعل مائدتي ورزقي لليتامى والزمنى والفقراء دون الأغنياء، فتعاظم ذلك عند الأغنياء، وأذاعوا القبيح وارتابوا وشكوا فيها، ووقعت الفتنة في قلوب المرتابين حتى قال قائلهم: يا روح الله وكلمته! إن المائدة بحق أنها تنزل من عند ربنا؟ فقال: عيسى ويلك هلطتم! العذاب نازلٌ بكم إلا أن يعفو الله ويرحمكم. فأوحى الله إلى عيسى أني آخذهم بالشرط الذي اشترطت، إني معذب منهم من كفر بعد نزولها بعذاب " لا أعذبه أحداً من العالمين " فقال عيسى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " وخبرهم بنزول العذاب عليهم، فمسخ الله منهم ثلاثةً وثلاثين رجلاً خنازير، وأصبحوا يأكلون العذرة في الحشوش ويتبعون الزبل في الطرق، وكانوا باتوا أول الليل على فرشهم مع نسائهم آمنين في دورهم، في أحسن صورةٍ وأوسع رزق فأصبحوا خنازير، وأصبح الناس - من بقي - خائفين من عقوبة الله، وعيسى يبكي ويتضرع وأهلوهم يبكون معه عليهم. وجاءت الخنازير تسعى إلى عيسى حين أبصرته، فطفقوا وعيسى يدعوهم: يا فلان يا فلان، فيقول برأسه: نعم، فيقول: ألم أنذركم عقوبة الله؟ فيقولون برؤوسهم: أي نعم، وأحذركم وأخوفكم عذابه! وكأني كنت انظر إليكم في غير صوركم؛ وذلك قوله تعالى: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " وأنزل الله على

نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات " ثم إن عيسى سأل ربه أن يميتهم، فأماتهم بعد ثلاثة أيام؛ فما رأى أحدٌ من الناس لهم جيفةٌ في الأرض لأن العقوبة إذا نزلت من الله استأصلت، فنعوذ بالله من غضبه. قالوا: وكان ذلك بين إيلياء وبين أرض الروم. وفي رواية: فأكلوا، فصدر عنها سبعة آلاف شباعاً - وفي رواية اثنا هشر ألفاً - فكانت المائدة تنزل عليهم أربعين صباحاً، فعمد قومٌ منهم فخبنوا منه، فقال لهم الحواريون: لا تفعلوا فإنكم إن فعلتم عذبتم. وكان قومٌ منهم مداهنين فقال: دعوهم وما الذي يتخوفون عليهم، إنكاراً لما قالوا لهم، فقال الذين جهلوا: ما سمعتهم بساحرٍ يخرج في آخر الزمان يزرع من يومه ويحصد من يومه، ويطعم الناس من يومه فغضب الحواريون وغيروا عليهم، وسكت المداهنون؛ فانطلق الحواريون إلى عيسى فأخبروه بذلك، فأوحى الله إلى عيسى أني آخذهم بشرطي. فاعتزل عيسى والحواريون عن عسكرهم، فلما كان عند وجه الصبح بعث الله عز وجل جبريل عليه السلام فصاح عليهم صيحةً فزعوا فحولوا عن صورهم خنازير، فلما أصبحوا نادى منادي عيسى بالرحيل، وكان يرتحل بفلس، فلم يخرج من عسكر القوم، فأقام عيسى حتى أسفر، فنظر الناس إليهم فقالوا: يا عجباً خنازير لها أذناب يسمع لها وحاوح! فلما رأى ذلك عيسى بكى بكاءً شديداً. قال: فجعلوا يومون برؤوسهم إلى عيسى أن ادع ربك، وعيسى يدعوهم بأسمائهم ويقول: ألم أنهكم؟ فيومون برؤوسهم أن نعم، فمضى عيسى عليه السلام، فأوحى الله عز وجل إليه أن يقيم بمكانه ثلاثة أيام، فأقام عيسى، فاجتمع الناس ينظرون إليهم، ثم ارتحل عنهم، فأخذت الخنازير على إثر عيسى، فأوحى الله إلى الأرض أن خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم على المحجة أربعة أيام، ينظر الناس إليهم ثم أماتهم بعد سبعة أيام، ثم أوحى الله إلى الأرض أن اخسفي بهم، فخسفت بهم فطهر الله الأرض من خسيفتهم، فانكسرت اليهود أعداء الله، فقطعت

السنتهم عن عيسى بن مريم فذلك قول الله عز وجل: " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " فأما الخنازير على لسان عيسى، وأما القردة فهم أهل أيلة الذين اعتدوا في السبت وهم على لسان داود. وفي حديثٍ آخر بمعناه: عندما قال لهم: ليس شيء مما ترون عليها من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة، هي وما عليها شيء ابتدعه الله تعالى بالقدرة الغالبة، إنما قال كن فكان، فكلوا مما سألتم واحمدوا عليه ربكم يمدكم ويردكم فإنه القادر البديع لما يشاء، إذا شاء يقول له كن فيكون. قالوا: يا روح الله وكلمته! إن أريتنا اليوم آية من هذه السمكة، فقال عيسى: يا سمكة أحيي بإذن الله! فاضطربت السمكة طرية تدور عيناها، لها بصيص تلمظ بفيها كما يتلمظ السبع، وعاد عليها فلوسها، ففزع القوم! فقال عيسى: ما لكم تسألون الشيء فإذا أعطيتموه كرهتموه! ما أخوفني أن يعبدوا هذه السمكة! قال: عودي كما كنت بإذن الله. قال: فعادت مشويةً في حالها. قال: كن يا روح الله أول من يأكل ثم نأكل بعد، قال عيسى: معاذ الله بل يأكل من طلبها وسألها ... الحديث. وعن عبد الرحمن بن زيد قال: كان وزير لعيسى ركب يوماً فأخذه السبع فأكله، فقال عيسى: أي رب! وزيري في ينك وعوني على بني إسرائيل وخليفتي فيهم، سلطت عليه كلبك فأكله، قال: نعم، كانت له عندي منزلةٌ رفيعة لم أجد عمله يبلغها فابتليته بذلك لأبلغه تلك المنزلة. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مر ثلاثة نفرٍ على عيسى بن مريم فقال: يموت أحد هؤلاء اليوم إن شاء الله؛ فراحوا عليه بالعشي عليهم حزم الحطب، فقال لهم: ألقوا، فألقوا، فإذا حيةٌ سوداء في حزمة الذي قال يموت إن شاء الله، فقال: ما عملت اليوم؟ قال: ما علمت شيئاً! قال لتخبرني،

قال: ما عملت شيئاً إلا أنه كانت معي فدرةً من خبز كانت بيدي، فمر علي مسكين، فأعطيته بعضها، فقال: بهذه منعت. أو قال: نجوت. وعن بكر بن عبد الله المزني قال: فقد الحواريون نبيهم، فانطلقوا يطلبونه، فإذا هو قد انطلق نحو البحر، وإذا هو يمشي على الماء، فقال له رجل منهم: يا نبي الله! أجيء إليك؟ قال: نعم، فذهب يرفع رجلاً ويضع أخرى فإذا هو في الماء، فقال له عيسى: ناولني يدك يا قصير اليقين، فلو أن لابن آدم من اليقين قدر ذرةٍ لمشى على الماء. وعن فضيل بن عياض قال: قيل لعيسى بن مريم: يا عيسى بأي شيء تمشي على الماء؟ قال: بالإيمان واليقين، قالوا: فإنا آمنا كما آمنت، وأيقنا كما أيقنت، قال: فامشوا إذاً، قال: فمشوا معه، فجاء الموج فغرقوا، فقال لهم عيسى: مالكم، قالوا: خفنا الموج، قال: ألا خفتم رب الموج! قال: فأخرجهم ثم ضرب بيده الأرض فقبض بها ثم بسطها فإذا في إحدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر أو حصى، فقال: أيهما أحلى في قلوبكم؟ قالوا: هذا الذهب قال فإنهما عندي سواء. وعن ابن عباس قال: خرج عيسى بن مريم يستسقي بالناس، فأوحى الله عز وجل إليه: لا يستسقي معك خطاء. فأخبرهم بذلك فقال: من كان من أهل الخطايا فليعتزل، فاعتزل الناس كلهم إلا رجلاً مصاباً بعينه اليمنى، فقال له عيسى: مالك لا تعتزل؟ قال: يا روح الله! ما عصيت الله طرفة عين، ولقد التفت فنظرت بعيني هذه إلى قدم امرأةٍ من غير أن كنت أردت النظر إليها فقلعتها، ولو كنت نظرت إليها باليسرى لقلعتها. قال: فبكى عيسى حتى ابتلت لحيته بدموعه، ثم قال: فادع فأنت أحق بالدعاء مني، فإني معصومٌ بالوحي، وأنت لم تعصم ولم تعص. فتقدم الرجل فرفع يديه وقال: اللهم إنك خلقتنا وقد علمت ما نعمل من قبل أن تخلقنا، فلم يمنعك ذلك ألا تخلقنا، فكما خلقتنا وتكلفت

بأرزاقنا فأرسل السماء علينا مدرارا. فو الذي نفس عيسى بيده ما خرجت الكلمة تامةٌ من فيه حتى أرخت السماء عزاليها، وسقي الحاضر والباد. وفي رواية: فقال له عيسى: ادع وأنا أؤمن. فدعا وأمن عيسى، فسقاهم الله. وفي رواية: قال بل ادع أنت وأؤمن أنا. فدعا عيسى صلى الله على نبينا وعليه، وأمن الرجل، فما رجعوا حتى كادوا أن يدركهم الغرق. قال الشعبي: كان عيسى بن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح، ويقول: لا ينبغي لابن مريم أن تذكر عنده الساعة فيسكت. وكان عيسى إذا سمع الموعظة صرخ صراخ الثكلى. قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: كيف أصبحت يا روح الله؟ قال أصبحت وربي من فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، لا أملك ما أرجو، ولا أطيق دفع ما أكره، فأي فقيرٍ أفقر مني. وعن جعفر بن برقان أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما أرجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهناً بعمل، فلا فقير أفقر مني! اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تسلط علي من لا يرحمني. وعن يونس بن عبيد قال: كان عيسى بن مريم يقول: لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا.

وقال الفضل: قال عيسى: فكرت في الخلق، فوجدت من لم يخلق أغبط عندي ممن خلق. وقوله عز وجل: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات " قال: ذاك عيسى بن مريم كان يأكل من غزل أمه. وكان عيسى بن مريم عليه السلام يأكل الشجر ويلبس الشعر، ويبيت حيث أمسى، لم يكن له ولد فيموت، ولا بيت يخرب ولا يخبأ غداءلٌ لعشاء، ولا عشاء لغداء؛ وكان يقول: كل يومٍ يجيء معه رزقه. وعن سعيد بن عبد العزيز أن عيسى نظر إلى إبليس فقال: هذا آثر كون الدنيا، إليها خرج وإياها سأل، لا أشركه في شيءٍ منها ولا حجراً أضعه تحت رأسي فلا أكشر فيها ضاحكاً حتى أخرج منها. وعن الحسن قال: إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة، قال: وإن الفرارين بذنوبهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى بن مريم. قال: وقال الحسن: إن عيسى بن مريم مر به إبليس يوماً وهو متوسد حجراً وقد وجد لذة النوم، فقال له إبليس: يا عيسى، أليس تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا؟ فهذا الحجر من عرض الدنيا، فقام عيسى غضبان، ثم أخذ الحجر فرمى به فقال: هذا لك مع الدنيا يا إبليس! فلعمري إن الدنيا مزرعةً لك، وإن أهلها لك عمال. قال الحسن: كان عيسى يمشي على الماء، فقال له الحواريون: يا روح الله إنك لتمشي على الماء! قال: نعم، ذلك باليقين بالله، قالوا: إنا بالله لموقنون، قال لهم عيسى: تقولون لو عرض لكم في الطريق در وحجر أيما كنتم تأخذون؟ قالوا: الدر، قال: لا والله حتى يكون الدر والياقوت مثل الحجارة عندكم سواء.

وقال الحسن: إن عيسى بن مريم أصابه الحر وهو صائم حتى اشتد به، فقالوا: يا روح الله وكلمته! لو بنينا لك بيتاً تسكنه ويكنك من الحر والبرد، قال: لا حاجة لي به فألحوا عليه، فأذن لهم فبنوا عريشاً، فلما دخله فنظر إليه قال: سبحان الله! أعادي أنا!؟ إنما أردت بيتاً إذا جلست أصاب رأسي سقفه، وإذا اضطجعت أصاب جنبي حائطه، ولا حاجة لي بهذا. فلم يسكن بعدها ظل بيتٍ حتى رفع. قال: وقال الحسن: فوالله لو لم يعذبنا الله إلا بحبنا الدنيا لعذبنا، لأن الله يقول: أحببت شيئاً أبغضه ولقول الله تعالى: " تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ". وحدث مكحول عن كعب أن عيسى بن مريم كان يأكل الشعير ويمشي على رجليه، ولا يركب الدواب ولا يسكن البيوت ولا يصطحب السراج، ولا يلبس الكراسف - يعني القطن - ولم يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيءٍ قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يقرب رأسه ولحيته غسولٌ قط، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئاً قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداءٍ قط ولا لعشاء قط، ولا اشتهى شيئاً من شهوات الدنيا؛ وكان يجالس الضعفاء والمنى والمساكين. وكان إذا قرب إليه طعام على شيءٍ وضعه على الأرض، ولم يأكل مع الطعام إداماً قط؛ وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول: هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير. قيل لعيسى بن مريم: تزوج، قال: وما أصنع بالتزويج؟ قالوا: تلد لك الأولاد، قال: الأولاد إن عاشوا أفتنوا، وإن ماتوا أحزنوا. وعن ثابت البناني قال: قيل لعيسى بن مريم: لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك، قال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني عنه.

أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى لو رأت عيناك ما أعددت لعبادي الصالحين لذاب قلبك، وزهقت نفسك اشتياقاً إليه. قال مالك بن دينار: قالوا لعيسى بن مريم: يا روح الله! ألا نبني لك بيتاً؟ قال: ابنوه على شاطئ البحر، قالوا: إذن يجيء الماء فيذهب به! قال: أين تريدون؟ تبنون لي على القنطرة؟. قيل لعيسى: لو اتخذت بيتاً، قال: يكفينا خلقان من كان قبلنا. قال ميسرة: ما بنى عيسى بيتاً، فقيل له: ألا تبني؟ فقال: لا أترك بعدي شيئاً من الدنيا أذكر به. وعن أبي سلمان قال: بينما عيسى يمشي في يومٍ صائف، وقد مشه الحر والشمس والعطش، فجلس في ظل خيمة، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال: يا عبد الله، قم من ظلنا، فقام عيسى فجلس في الشمس وقال: ليس أنت الذي أقمتني، إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً. دخل عيسى بن مريم ذات يوم خربةً فمطرت السماء، فنظر إلى ثعلب قد أقبل مستذفراً بذنبه حتى دخل جحره فقال: الحمد لله الذي جعل لكل شيءٍ مأوى إلا عيسى بن مريم لا مأوى له، فإذا هو بصوت: يا بن مريم، ادخل الفج، فدخل الفج فإذا هو برجلٍ قائمٍ يصلي، فأقام عنده ثمانية عشر يوماً ينتظره لينفتل من صلاته فيكلمه، فلما انفتل قال له: يا عبد الله! ما الذي أذنبت؟ فأقبل العابد على البكاء وقال: يا روح الله، أذنبت ذنباً عظيماً، قال: وما هو؟ قال: قلت يوماً لشيءٍ كان: يا ليته لم يكن. قال المعتمر بن سليمان التيمي: خرج عيسى على أصحابه وعليه جبةٌ من صوف وكساءٌ وتبان حافياً باكياً شعثاً،

مصفر اللون من الجوع، يابس الشفتين من العطش فقال: السلام عليكم يا بني إسرائيل، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله، ولا عجب ولا فخر، أتدرون أين بيتي؟ قالوا: أين بيتك يا روح الله؟ قال: بيتي المساجد، وطيبي الماء، وإدامي الجوع، وسراجي القمر بالليل، وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس، وريحاني بقول الأرض، ولباسي الصوف وشعاري خوف رب العزة، وجلسائي الزمنى والمساكين، أصبح وليس لي شيء، وأمسي وليس لي شيء، وأنا طيب النفس، غني مكثر، فمن أغنى مني وأربح!؟. قال محمد بن سباع النميري: بينما عيسى بن مريم يسيح في بعض بلاد الشام إذ اشتد به المطر والرعد والبرق، فجعل يطلب شيئاً يلجأ إليه، فرفعت له خيمةٌ من بعيد، فأتاها، فإذا فيها امرأة! فحاد عنها، فإذا هو بكهفٍ في جبل، فأتاه فإذا في الكهف أسد، فوضع يده عليه ثم قال: إلهي! جعلت لكل شيءٍ مأوى، ولم تجعل لي مأوى، فأجابه الجليل تعالى: مأواك عندي في مشتقر من رحمتي لأزوجنك يوم القيامة مئة حوراء خلقاء بيدي، ولأطعمن في عرسك أربعة آلاف عام، يومٌ منها كعمر الدنيا، وآمرن منادياً ينادري: أين الزهاد في دار الدنيا زوروا عرس الزاهد عيسى بن مريم. وعن أبي رافع قال: رفع عيسى بن مريم وعليه مدرعة وخفا راعٍ، وخذافةٌ يخذف بها الطير. وفي رواية: ما ترك عيسى بن مريم حين رفع إلا مدرعة صوف، وخفي راعٍ، وقذافةٌ يقذف بها الطير. وعن سفيان بن عيينة قال: قال عيسى بن مريم: يا معشر الحواريين، كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم الدنيا. وعن مالك بن دينار قال: قال عيسى بن مريم: معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس تورثان الصبر على المشقة، وتباعدان من زهرة الدنيا، وفي رواية: وتبعدان العبد من راحة الدنيا.

وعن ابن عمر قال: قال عيسى بن مريم: يا معشر الحواريين، كلوا الخبز الشعير، واشربوا ماء القراح، واخرجوا من الدنيا سالمين آمنين، لحق ما أقول لكم: إن حلاوة الدنيا مارة الآخرة، وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين؛ لحق ما أقول لكم: إن شركم عالمٌ يؤثر هواه على علمه يود أن الناس كلهم مثله، ما أحب إلى عبيد الدنيا أن يجدوا معذرة وأبعدهم منها لو كانوا يعلمون!. وعن أب يهريرة قال: كان عيسى بن مريم يقول لأصحابه: اتخذوا المساجد مساكن والبيوت منازل، وكلوا من بقل البرية، وانجوا من الدنيا بسلام، واشربوا من الماء القراح. كان عيسى بن مريم يقول: يا بني إسرائيل، عليكم بالماء القراح والبقل البري، والخبز الشعير، وإياكم وخبز البر، فإنكم لن تقوموا بشكره. قال أنس بن مالك: كان طعام عيسى القاقلى حتى رفع؛ ولم يأكل عيسى عليه السلام شيئاً غيرته النار حتى رفع. كان عيسى بن مريم يقول: يا بني إسرائيل، اتخذوا مساجد الله بيوتاً، واتخذوا بيوتكم كمنازل الأضياف، مالكم في العالم من منزل، إن أنتم إلا عابري سبيل. وعن عتبة بن يزيد قال: قال عيسى بن مريم: ابن آدم الضعيف، اتق الله حيثما كنت، وكل كسرتك من حلال، واتخذ المسجد بيتاً، وكن في الدنيا ضيفاً، وعود نفسك البكاء، وقلبك التفكير، وجسدك الصبر، ولا تهتم برزق غدٍ، فإنها خطيئةٌ تكتب عليك. قال وهيب المكي: بلغني أن عيسى بن مريم قال: يا معشر الحواريين أنى كتبت لكم الدنيا فلا

تنعشوها، فإنه لا خير في دارٍ قد عصي الله فيها، ولا خير في دارٍ لا تدرك الآخرة إلا بتركها؛ فاعبروها ولا تعمروها، واعلموا أن أصل كل خطيئةٍ حب الدنيا، ورب شهوةٍ أورثت أهلها حزناً طويلاً. وعن وهيب قال: قال عيسى بن مريم: أربع لا تجتمع في أحدٍ من الناس إلا يعجب: الصمت، وهو أول العبادة؛ والتواضع لله؛ والزهادة في الدنيا؛ وقلة الشيء. وعن سفيان الثوري قال: قال المسيح: إنما تطلب الدنيا لتبر، فتركها أبر! روي أن ملكاً من الملوك بدمشق يقال له: هداد بن هداد صنع طعاماً ودعا إليه الناس، وكان فيمن دعا عيسى وحواريه، فقال المسيح لحواريه: لا تذهبوا. وخرج بهم فأتى بهم شاطئ بردى فأخرجوا كسراً لهم، فجعلوا يبلونها في الماء ويأكلون، فقال المسيح: يا معشر الحواريين! عجباً للملوك وما أوتوا في هذه الدنيا، وما يصنع بهم يوم القيامة! يا معشر الحواريين! إن الله قد بطح لكم الدنيا على وجهها، وأجلسكم على ظهرها، فليس يشارككم فيها إلا الشياطين والملوك، فأما الشياطين فاستعينوا عليهم بالصوم والصلاة، وأما الملوك فدعوهم والدنيا يدعوكم والآخرة. كان عيسى يقول لأصحابه: بحق أقول لكم: إن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وبالنظرة تزرع الشهوة في القلب، وكفى بها خطيئة. كان عيسى يقول: حب الدنيا أصل كل خطيئة والمال فيه داء كبير، قالوا: وما داؤه؟ قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء، قالوا: فإن سلم؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله. وعن شعيب بن صالح قال: قال عيسى بن مريم: ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث: شغلٍ

لا ينفك عناه؛ وفقرٍ لا يدرك منتهاه. الدنيا طالبةٌ ومطلوبةٌ؛ فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنق. وعن زرعة بن إبراهيم قال: قال المسيح: بحق أقول: كما لا يستطيع أحدكم أن يبني على موج البحر داراً، كذاكم الدنيا، فلا تتخذوها قراراً. وعن سفيان الثوري قال: قال عيسى بن مريم: لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن، كما لايستقيم الماء والنار في إناء. قال ابن شوذب: مر عيسى صلوات الله عليه على نبينا وعليه وسلم بقومٍ يبكون على ذنوبهم فقال لهم: ارتكوها يغفر لكم. وعن أبي عبد الله الصوفي قال: قال عيسى بن مريم: طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً حتى تقتله. قال عيسى: إن الشيطان مع الدنيا، ومكره مع المال، وتزيينه عند الهوى، واتمكانه عند الشهوات. وعن سفيان الثوري قال: قال المسيح: كن وسطاً وامش جانباً. وعن يزيد بن ميسرة قال: قال عيسى بن مريم: بحق أقول لكم: كما تواضعون، كذلك ترفعون، وكما ترحمون كذلك ترحمون، وكما تقضون من حوائج الناس، كذلك يقضي الله من حوائجكم.

وعن خيثمة قال: كان عيسى بن مريم إذا صنع الطعام فدعا القراء قام عليهم ثم قال: هكذا فافعلوا بالقراء. وعن ابن شابور قال: قال عيسى عليه السلام: طوبى لمن ترك شهوةٌ حاضرة لموعودٍ لم يره. وعن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى بن مريم: طوبى لمن خزن لسانه ووسعه بيته، وبكى على خطيئته. وعن خيثمة قال: مرت بعيسى امرأة فقالت: طوبى لحجرٍ حملك، ولثديٍ رضعت منه! فقال: بل طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به. وعن بشر بن صالح قال: قال عيسى بن مريم: طوبى لعينٍ نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى غير إثم. وعن مالك بن دينار قال: كان عيسى يقول: إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تصنعون فيهما. وكان يقول: اعملوا، الليل لما خلق له، واعملوا، النهار لما خلق له. وعن خالد الربعي قال: نبئت أن عيسى عليه السلام قال لأصحابه: أرأيتم لو مررتم على رجلٍ وهو نائم، وقد كشفت الريح عنه ثوبه؟ قالوا: كنا نرده عليه، قال: بل تكشفون ما بقي، قالوا: سبحان الله! نرده عليه، قال: بل تكشفون ما بقي، قال: مثل ضربه للقوم، يسمعون عن الرجل بالسيئة، فيزيدون عليه ويذكرون أكثر منها.

وعن الشعبي قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك إنما ذاك مكافأةٌ بالمعروف، ولكن الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك. قال يزيد بن المهلب: من البسيط خير الخليلين من أغضى لصاحبه ... ولو أراد انتصاراً منه لانتصرا فإن قدرت فكن للعفو مغتنماً ... فإنما يحمد العافي إذا قدرا واللؤم أن تبخس الأكفاء حقهم ... بالجاه إن زاد أو بالمال إن كثرا ولا تقولن لي دنيا أصول بها ... فإنما لك منها حسن ما ذكرا وعن المبارك قال: بلغني أن عيسى بن مريم عليه السلام مر بقومٍ فشتموه، فقال خيراً، ومر بآخرين فشتموه وزادوا، فزادهم خيراً، فقال رجلٌ من الحواريين: كلما زادوا شراً زدتهم خيراً! كأنك تغريهم بنفسك، قال عيسى: كل إنسان يعطي ما عنده. قال مالك بن أنس: مر بعيسى بن مريم خنزير فقال: مر بسلام، فقالوا له: يا روح الله! لهذا الخنزير تقول؟ قال: أكره أن أعود لساني الشر. قال مالك بن دينار: مر عيسى بن مريم والحواريين على جيفة كلب، فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا! فقال عيسى: ما أشد بياض أسنانه! يعظهم ينهاهم عن الغيبة. قال عيسى بن مريم: دع الناس فليكونوا منك في راحة، ولتكن نفسك منهم في شغل، دعهم فلا تلتمس محامدهم ولا تكتسب مذامهم، وعليك بما وكلت به. وعن مالك بن دينار قال: قال عيسى بن مريم من حديث: الأيام ثلاثة: فيوم مضى وعظمت به؛ ويومك الذي أنت فيه لك منه زادك؛ وغداً لا تدري ما لك فيه.

وعن سفيان قال: قالوا لعيسى بن مريم: دلنا على عملٍ ندخل به الجنة؟ قال: لا تنطقوا أبداً، قالوا: لا نستطيع ذلك! قال: فلا تنطقوا إلا بخير. وعن عيسى بن مريم أنه قال: لقد دخلت أعمال العباد عند الله في ثلاثة أحرف الذين يرجون بها الخير: في المنطق؛ والصمت؛ والنظر؛ فما كان من منطقٍ ليس فيه ذكر فهو لغو؛ وما كان من صمتٍ ليس فيه تفكير فهو سهو، وما كان من نظرٍ ليس فيه عبرةٌ فهو غفاة. فطوبى لمن كان منطقه ذكراً، وصمته تفكيراً، ونظره عبراً؛ وملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وأمن الناس من شره. يا بن آدم، كن وديعاً يحبك الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، ولا تؤذي جارك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإنه يميت القلب. وعن عبد العزيز بن حصين قال: بلغني أن عيسى بن مريم عليه السلام قال: من ساء خلقه عذب نفسه، ومن كثر كذبه ذهب جماله، ومن لاحى الرجال سقطت كرامته - وفي رواية: سقطت مروءته - ومن كثر همه سقم بدنه. قال عيسى بن مريم عليه السلام: خذوا الحق من أهل الباطل، ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق؛ كونوا منتقدي الكلام، لكيما لا يجوز عليكم الزيوف. وعن زكريا بن عدي قال: قال عيسى عليه السلام: يا معشر الحواريين، ارضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة الدنيا.

وفي ذلك يقول الشاعر: من البسيط أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون فاستغن باللله عن دنيا الملوك كما اس ... تغنى الملوك بدنياهم عن الدين وعن عمرو بن قيس قال: قال عيسى بن مريم: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم وإن كانت لينة، فإن القلب القاسي بعيدٌ من الله، ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في ذنوب الناس كهيئة الأرباب، وانظروا في ذنوب أنفسكم كهيئة العبيد؛ فإنما الناس اثنان: مبتلى ومعافى، فاحمدوه على العافية، وارحموا المبتلى. وعن إبراهيم التيمي قال: قال عيسى لأصحابه: بحق أقول لكم: إنه من طلب الفردوس فخبز الشعير له والنوم في المزابل مع الكلاب كثير. وعن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى بن مريم: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأنافر من الوحش والحمير، فإنها تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد، والله يرزقها. اتقوا فضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجز. وعن أنس بن مالك: أن عيسى بن مريم كان يقول: لا يطيق عبدٌ أن يكون له ربان إن أرضى أحدهما أسخط الآخر، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر، وكذلك لا يطيق عبد أن يكون خادماً للدنيا، يعمل عمل الآخرة؛ بحق أقول لكم، لا تهتموا بما لا تأكلون ولا

ما تشربون فإن الله عز وجل لم يخلق نفساً أعظم من رزقها، ولا جسداً أعظم من كسوته، فاعتبروا. وعن مالك بن دينار قال: قال عيسى بن مريم: لو أن ابن آدم عمل بأعمال البر كلها وحب في الله ليس، وبغض في الله ليس، ما أغنى ذلك عنه شيئاً. قال المقبري: كان عيسى عليه السلام يقول: يا بن آدم، إذا عملت الحسنة فاله عنها، فإنها عند من لا يضيعها. ثم تلا هذه الآية: " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينيك. وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: جاء رجلٌ إلى عيسى بن مريم فقال: يا معلم الخير! علمني شيئاً تعلمه وأجهله، ينفعني ولا يضرك. قال: وما هو؟ قال: كيف يكون العبد لله تقياً؟ قال: بيسيرٍ من الأمر؛ تحب الله حقاً من قلبك، وتعمل لله بكدحك وقوتك ما استطعت، وترحم بني جنسك رحمتك نفسك. فقال: يا معلم الخير! من بنو جنسي؟ فقال: ولد آدم كلهم، وما تحب أن لا تؤتاه فلا تأته إلى غيرك وأنت تقي لله حقاً. كان عيسى بن مريم يقول: من كان يظن أن حرصاً يزيد في رزقه فليزد في طوله أو في عرضه أو في عدد بنانه أو ليغير لونه! ألا فإن الله خلق الخلق، فمضى الخلق لما خلق، ثم قسم الرزق فمضى الرزق لما قسم، فليست الدنيا بمعطيةٍ أحداً شيئاً ليس له، ولا بمانعةٍ أحداً شيئاً هو له، فعلسكم بعبادة ربكم فإنكم خلقتم لها. وعن فضيل قال: قال عيسى بن مريم: يا معشر الحواريين، إن ابن آدم خلق في الدنيا في أربع منازل، هو في ثلاث منهن بالله واثق، حسن ظنه فيهن بربه، وهو في الرابع سيئ ظنه

بربه، يخاف خذلان الله إياه؛ أما المنزلة الأولى فإنه خلق في بطن أمه خلقاً من بعد خلق، في ظلماتٍ ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، ينزل الله عليه رزقه في جوف ظلمة البطن فإذا خرج من البطن وقع في اللبن، لا يخطو إليه بقدم، ولا يتناوله بيد، ولا ينهض إليه بقوة، ولا يأخذه بحرفةٍ يكره عليه إكراهاً ويؤجر ايجاراً، حتى ينبت عليه عظمه ولحمه ودمه، فإذا ارتفع عن اللبن وقع في المنزلة الثالثة في الطعام من أبويه يكسبان عليه من حلالٍ أو حرام، فإن مات أبواه عن عير شيء تركاه عطف عليه الناس، هذا يطعمه وهذا يسقيه وهذا يؤويه؛ فإذا وقع في المنزلة الرابعة، فاشتد واستوى واجتمع وكان رجلاً، خشي أن لا يرزقه الله، فوثب على الناس يخون أماناتهم ويسرق أمتعاتهم، ويذبحهم على أموالهم مخافة خذلان الله إياه. كان عيسى عليه السلام يقول: إن الذي يصلي ويصوم ولا يترك الخطايا مكتوبٌ في الملكوت كذاباً. قال الحواريون لعيسى بن مريم: مال الخالص من العمل؟ قال: مالا تحب أن يحمدك الناس عليه، قال: فما النصوح لله؟ قال: أن تبدأ بحق الله قبل حقوق الناس، وإن عرض لك أمران، أحدهما لله عز وجل، وألاخر للدنيا، بدأت بحق الله تبارك وتعالى. وفي غيره: من المخلص لله؟ قال: الذي يعمل ... الحديث، وفي آخره: وإذا عرض له أمران، أمر الدنيا وأمر الآخرة، بدأ بأمر الآخرة ثم تفرغ لأمر الدنيا بعد. وقال عيسى: العمل الصالح الذي لا تحب أن يحمك الناس عليه. وقال عيسى علسه السلام: لا يجد أحدٌ حقيقة الإيمان حتى لا يحب أن يحمد على طاعة الله عز وجل. وعن هلال بن يساف قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام: إذا كان يوم يصوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه ويخرج إلى الناس حتى كأنه ليس بصائم، وإذا أعطى بيمينه فليخفه من شماله، وإذا صلى أحدكم فليدل ستر بابه - يعني يرخيه - فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق.

وعن ابن حلبس قال: قال عيسى بن مريم: من أحسن فليرج الثواب، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء، ومن أخذ عزاً بغير حق أورثه الله ذلاً بحق، ومن أخذ مالاً بظلم أورثه الله فقراً بغير ظلم. قال سعيد المقبري: سأل رجلٌ عيسى بن مريم: أي الناس أفضل؟ فأخذ قبضتين من تراب فقال: أي هاتين أفضل؟ الناس خلقوا من تراب، فأكرمهم أتقاهم. وعن وهيب بن الورد قال: قال يحيى لعيسى عليهما السلام: يا روح الله، ما أشد خلق الله؟ قال: غضب الله، قال: فأخبرني بشيءٍ أتقي به غضب الله؟ قال: لا تغضب. وعن عمار بن سعد قال: لقي يحيى بن زكريا عيسى بن مريم، فقال يحيى لعيسى: يا روح الله وكلمته حدثني، فقال عيسى: بل أنت فحدثني أنت خيرٌ مني جعلك الله سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين، فقال له يحيى: أنت خيرٌ مني أنت روح الله وكلمته، تصعد مع الروح فحدثني بم يبعد من غضب الله؟ قال له عيسى: لا تغضب، قال: يا روح الله ما يبدي الغضب ويثنيه أو يعيده؟ قال: التعزز والفخر والحمية والعظمة، قال: يا روح الله! هؤلاء شدادٌ كلهن، فكيف لي بهن؟ قال: سكن الروح واكظم الغيظ، ثم قال له: وإياك واللهو غبسخط الله عليك، وإياك والزنى فإنه من غضب الرب، قال: يا روح الله! ما يبدي الزنى ويعيده أو يثنيه؟ قال: النظر والشهوة وأتباعهما، لا تكن حديد النظر إلى ما ليس لك، فإنه لن يزني فرجك ما حفظت عينيك، فإن استطعت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحل لك، ولن تستطيع ذلك إلا بالله. وعن عمران بن سليمان قال: بلغني أن عيسى قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس، فإنكم لا تدركون ما تطلبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تنالون

ما تحبون إلا بالصبر على نا تكرهون؛ طوبى لمن كان بصره في قلبه، ولم يكن قلبه في بصره. وعن عثمان بن الأسود قال: قال عيسى بن مريم: أي رب! أي عبادك أخشى؟ قال: أعلمهم بي. وعن مالك بن مغول قال: بلغنا أن عيسى بن مريم قال: يا معشر الحواريين، تحببوا إلى الله ببغضكم أهل المعاصي، وتقربوا إليه بما يباعدكم منهم، والتمسوا رضاه بسخطهم. قال: لا أدري بأيتهن بدأ، قالوا: يا روح الله فمن نجالس؟ قال: جالسوا من تذكركم بالله رؤيته، ومن يزيد في عملكم منطقه، ومن يرغبكم في الآخرة عمله. وعن معتمر بن سلمان قال: قال عيسى بن مريم: كانت الدنيا قبل أن أكون فيها، وهي كائنةٌ بعدي، وإنما لي فيها أيامٌ معدودة، فإذا لم أسعد في أيامي فمتى أسعد؟! وعن يزيد بن ميسرة قال: قال الحواريون للمسيح: يا مسيح الله! انظر إلى مسجد الله ما أحسنه! قال: آمين آمين، بحق أقول لكم: لا يترك الله من هذا المسجد حجراً قائماً على حجر إلا أهلكه بذنوب أهله، إن الله لا يصنع بالذهب ولا بالفضة ولا بهذه الأحجار التي تعجبكم شيئاً، إن أحب إلى الله منها القلوب الصالحة، وبها يعمر الله الأرض وبها يخرب الله الأرض إذا كانت على غير ذلك. قال مالك بن مغول: بلغنا أن عيسى مر بخربة فقال: يا خربة الخربين - أو قال: يا خربة خربت - أين أهلك؟ فأجابه منها شيء فقال: يا روح الله! بادوا فاجتهد. أو قال: فإن أمر الله جد، فجد. وعن ابن عباد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مر عيسى على مدينة خربة فأعجبه البنيان فقال: أي رب! مر هذه المدينة أن تجيبني، فأوحى الله إلى المدينة: أيتها المدينة الخربة جاوبي عيسى. قال: فنادت

الملائكة: عيسى حبيبي وما تريد مني؟ قال: ما فعل أشجارك؟ وما فعل أنهارك؟ وما فعل قصورك؟ وأين سكانك؟ قالت: حبيبي جاء وعد ربك الحق فيبست أشجاري ويبست أنهاري، وخربت قصوري، ومات سكاني؛ قال: فأين أموالهم؟ قالت: جمعوها من الحلال والحرام، موضوعة في بطني، لله ميراث السموات والأرض. قال: فنادى عيسى: تعجبت من ثلاثة أناس: طالب الدنيا والموت يطلبه؛ وباني القصور والقبر منزله؛ ومن يضحك ملء فيه والنار أمامه. ابن آدم لا بالكثير تسبع ولا بالقليل تقنع! تجمع مالك لمن لا يحمدك! وتقدم على رب لا يعذرك، إنما أنت عبد بطنك وشهوتك، وإنما يملأ بطنك إذا دخلت قبرك؛ وأنت يا بن آدم ترى حسد مالك في ميزان غيرك. وعن إبراهيم التيمي قال: قال عيسى: يا معشر الحواريين اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب الرجل حيث كنزه. وعن عطارد - وكان بكى حتى ترح - قال: قال عيسى بن مريم: إلى متى تصفون الطريق إلى الدالجين وأنتم مقيمون مع المتحرين؟ إنما يبتغى من العلم القليل ومن العمل الكثير. وعن عبد العزيز بن ظبيان وغيره قال: قال المسيح: من تعلم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماء. كان عيسى بن مريم يقول: لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ولا يعمر بك النادي. ولمحمد بن يسير في هذا المعنى: من الرجز ليس بعلمٍ ما يعي القمطر ... لا خير فيما لا يعيه الصدر وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل فقال: يا معشر الحواريين لا تحدثوا بالحكمة غير

أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم؛ والأمور ثلاثةٌ: بينٌ رشده فاتبعوه، وأمرٌ تبين لكم غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف عليكم غيه فردوا علمه إلى عز وجل. وعن أبي فروة أن عيسى بن مريم كان يقول: لا تمنع العلم من أهله فتأثم، ولا تنشره عن غير أهله فتجهل، وكن طبيباً رفيقاً يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع. وفي رواية: إن منعت الحكمة أهلها جهلت، وإن أتحتها غير أهلها جهلت؛ كن كالطبيب المداوي إن رأى موضعاً للدواء وإلا أمسك. وعن عكرمة قال: قال عيسى: لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير، فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئاً، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة خيرٌ من اللؤلؤ ومن لا يريدها شر من الخنزير. وعن عمران الكوفي قال: قال عيسى بن مريم للحواريين: لا تأخذوا ممن تعلمون من الأجر إلا مثل الذي أعطيتموني، ويا ملح الأرض لا تفسدوا، فإن كل شيءٍ إذا فسد فإنما يداوى بالملح، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الضحك من غير عجب، والصبحة من غير سهر. قيل لعيسى بن مريم: يا روح الله! من أشد الناس فتنةٌ؟ قال: زلة العالم، إذا زل العالم زل بزلته عالمٌ كثير. وعن سفيان بن عيينة قال: قال المسيح: ويلكم يا علماء السوء، لا تكونوا كالمنخل، يخرج منه الدقيق الطيب فيمر ويمسك النخالة، وكذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم؛ ويحكم! إن الذي يخوض النهر لا بد أن يصيب ثوبه الماء، وإن جهد أن لا يصيبه؛ كذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا.

وعنه قال: قال عيسى عليه السلام: يا علماء السوء، جعلتم الدنيا على رؤسكم والآخرة تحت أقدامكم ... الحديث. وعن وهب بن منبه أن عيسى بن مريم عليه السلام قال: ويلكم يا عبيد الدنيا! ماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها! كذلك لا يغني عن العالم كثرة علمه إذا لم يعمل به. ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل؟ وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم؟ فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم لباس الصوف منكسين رؤوسهم إلى الأرض يطرفون من تحت حواجبهم كما ترمق الذئاب، قولهم مخالفٌ فعلهم، من يجتني من الشوك العنب؟ ومن الحنظل التين؟ كذلك لا يثمر قول العالم الكذاب إلا زوراً، وإن البعير إذا لم يوثقه صاحبه في البرية نزع إلى وطنه وأصله، وإن العلم إذا لم يعمل به صاحبه خرج من صدره وخلا منه وعطله، وإن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب، كذلك لا يصلح الإيمان إلا بالعلم والعمل، ويلكم يا عبيد الدنيا؟ إن لكل شيءٍ علامةٌ يعرف بها وتشهد له أو عليه، وإن للدين ثلاث علاماتٍ يعرف بهن: الإيمان، والعلم، والعمل. وعنه قال: قال عيسى عليه السلام: يا علماء السوء، جلستم على أبواب الجنة، فلا أنتم تدخلون الجنة، ولا تدعون المساكين يدخلونها؟ إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه. وعن عيسى المرادي قال: قال عيسى عليه السلام: إن كنتم أصحابي وإخواني فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس، فإنكم لم تفعلوا فلستم لي بإخوان، إني إنما أعلمكم لتعلموا لا لتعجبوا، إنكم لا تبلغون ما تأملون إلا بصبركم على ما تكرهون، ولا تنالون ما تريدون إلا بترككم ما تشتهون؛ إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصر عينه، ما أبعد ما فات، وما أدنى ما هو آت؟ ويل لصاحب الدنيا؟ كيف يموت وتتركه؟ ويثق بها وتغره؟ ويأمنها وتمكر به؟ ويل للمغترين؟ قد أزفهم ما يكرهون، وجاءهم ما يوعدون وفارقوا ما يجنون في طول

الليل والنهار؛ فويلٌ لمن كانت الدنيا همه، والخطايا عمله، كيف يقتضي غداٌ بربه؟ ولا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم وإن كانت لينة، فإن القلب القاسي بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون؛ لا تنظروا في ذنوب الناس كهيئة الأرباب، وانظروا في ذنوبكم كهيئة العبيد، إنما الناس رجلان: معافى ومبتلى، فاحمدوا الله على العافية وارحموا أهل البلاء؛ متى نزل الماء على جبل، ألا يلين له؟ ومذ متى درسون الحكمة ولا تلين لها قلوبكم؟ بقدر ما تواشعون كذلك ترحمون، وبقدر ما تحرثون كذلك تحصدون، علماء السوء مثلهم كمثل شجرة الدفلى تعجب من نظر إليها وتقتل من يأكلها، كلامكم شفاء يبرئ الداء وأعمالكم داءٌ لا يبرئه شفاء! جعلتم العلم تحت أدامكم مثل عبيد السوء؛ بحق أقول لكم: وكيف أرجو أن تنتفعوا بما أقول وأنتم الحكمة تخرج من أفواهكم ولا تدخل آذانكم، وإنما بينهما أربع أصابع، ولا تعيها قلوبكم، فلا أحرار كرام، ولا عبيد أتقياء. ومن كلام عيسى بن مريم: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويلكم علماء السوء! الأجر تأخذون، والعمل تضيعون! يوشك رب العمل أن يطلب عمله، ويوشك أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه؛ الله نهاكم عن الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة؛ كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له، فليس يرضى شيئاً أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من دنياه عنده آثر من آخرته، وهو في الدنيا أفضل رغبةٌ؟ كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى الآخرة وهو مقبلٌ على دنياه، وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخزنه ولا يطلبه ليعمل به؟! قال عبد الله بن المبارك: قال عيسى بن مريم: يوشك أن يفضي بالصابر البلاء إلى الرضا، وبالفاجر الرخاء إلى البلاء.

وعنه قال: سيأتي على الناس زمان يفضي بالصابر فيه الصبر إلى البلاء ويفضي بالفاجر الفجور إلى الرخاء. وعن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل، زعمتم أن موسى نهاكم عن الزنى وصدقتم، وأنا أنهاكم عنه وأحدثكم أن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت، لا يحرقه، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه، ومثل القادح بالخشبة، إلا يكسرها فإنه يعجزها ويضعفها. قال عيسى عليه السلام لرجل: كن لربك كالحمام الألوف لأهله تذبح فراخه ولا يطير عنهم. وعن وهب بن منبه قال: قال الحواريون لعيسى: من أولياء الله الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى أجل الآخرة حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إياها فواتاً، وفرحهم بما أصابوا منها حزناً، فما عارضهم من نائلها رفضوه وما عارضهم من رفعتها أمر الحق وضعوه؛ خلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها فرحين، وباعوها فكانوا ببيعها رابحين، ونظروا إلى أهلها ضرعى قد خلت فيهم المثلات، فأحبوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة؛ يحبون الله، ويحبون ذكره، ويستضيئون بنوره؛ لهم خيرٌ عجيب، وعندهم الخبر العجيب؛ بهم قام الكتاب، وبه - يعني - قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب، وبه علموا؛ ليسوا يرون نائلاً مع ما نالوا، ولا أمماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يجدون.

وعن مكحول قال: التقى يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، فضحك عيسى في وجه يحيى وصافحه، فقال له يحيى: يا بن خالتي! مالي أراك ضاحكاً كأنك قد أمنت؟ فقال له عيسى: يا بن خالتي! مالي أراك عابساً كأنك قد يئست؟ قال: فأوحى الله إليهما أن أحبكما إلي أبشكما بصاحبه. وعن شهر بن حوشب قال: بينما عيسى جالس مع بني إسرائيل إذ أقبل طير منظوم الجناحين بالدر والياقوت كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يدرج بين أيديهم، فقال عيسى: دعوه لا تنفروه، فإنما بعث إليكم، فحول مسلاخه، فخرج أحمر أقرع كأقبح ما يكون، ثم أتى بركةٌ فتلوث في حمأتها فخرج أسود، ثم استقبل جرية الماء فاغتسل، ثم عاد إلى مسلاخه ولبسه، فعاد إليه حسنه وجماله، فقال عيسى: إنما بعث هذا إليكم، مثل هذا المؤمن إذا وقع في الذنوب والخطايا، ذهب عنه حسنه وجماله، فإذا تاب وراجع عاد عليه حسنه وجماله. بينما عيسى جالس وشيخ يعمل بمسحاته يثير بها الأرض فقال عيسى: اللهم انزع منه الأمل، فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعةٌ، فقال عيسى: اللهم اردد إليه الأمل، فقام فجعل يعمل، فقال له عيسى: مالك بينما أنت تعمل ألقيت مسحاتك واضطجعن ساعةٌ، ثم إنك قمت بعد تعمل؟ فقال الشيخ: بينا أنا أعمل إذ قالت لي نفسي: إلى متى تعمل وأنت شيخٌ كبير؟ فألقيت المسحاة واضطجعت، قم قالت لي نفسي: والله ما بذلك من عيش ما بقيت، فقمت إلى مسحاتي. قال إبراهيم التيمي: لقي عيسى بن مريم رجلاً فقال: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: من يعولك؟ قال أخي، فقال: أخوك أعبد منك. وعن وهب بن منبه قال: كان عيسى واقفاً على قبر ومعه الحواريون وصاحبه يدلي فيه، وذكروا القبر ووحشته وظلمته وضيقه، فقال عيسى: كنتم في أضيق منه في أرحام أمهاتكم فإذا أحب الله أن يوسع وسع.

وعن عيسى عليه السلام أنه قال: يا معشر الحواريين، ادعوا الله أن يهون علي هذه السكرة - يعني الموت - ثم قال: لقد خفت الموت خوفاً وقفني، مخافتي من الموت على الموت. وعن عبد الجبار بن عبيد الله بن سليمان قال: أقبل عيسى بن مريم على أصحابه ليلة رفع فقال لهم: لا تأكلوا بكتاب الله عز وجل، فإنكم لم تفعلوا أقعدكم الله على منابر، الحجر منها خيرٌ من الدنيا وما فيها. قال عبد الجبار: وهي المقاعد التي ذكر الله في القرآن " في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر " ورفع عليه السلام. وعن الحسن قال: لم يكن نبي كانت العجائب في زمانه أكثر من عيسى بن مريم إلى أن رفعه الله، ومن بعده في أصحابه، وكان من سبب رفعه أن ملكاً جباراً - وكان ملك بني إسرائيل - وهو الذي يقال له داود بن بوذا هو الذي بعث في طلبه ليقتله، وكان الله أنزل عليه الإنجيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة ورفع وهو ابن أربعٍ وثلاثين سنة من ميلاده، وكان في نبوته عشرين سنة، فأحدث الله له الإنجيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فأوحى الله إليه " إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " يعني ومخلصك من اليهود فلا يصلون إلى قتلك. قال وهب: قال كعب: متوفيك، أي مذيقك الموت ثم أرفعك. قال وهب: فأماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه الله ورفعه. وقال ابن عباس: " إني متوفيك ورافعك " يعني رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان. وعن الحسن: " إني متوفيك " قال: متوفيك من الأرض.

وعن وهب بن منبه أن عيسى بن مريم لما أعلمه الله عز وجل أنه خارجٌ من الدنيا جزع من الموت وشق عليه، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاماً وقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام يخدمهم، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم بيده ويوضئهم ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه وقال: ألا من رد علي الليلة شيئاً مما أصنع فليس مني ولا أنا منه؛ فأقروه، حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام، وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أني خيركم فلا يتعاظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنت بكم عليها فتدعون الله وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي. فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاءٌ، ثم يوقظهم ويقول: سبحان الله! أما تصبرون لي ليلةً واحدةً تعينوني فيها! قالوا: والله ما ندري ما لنا، لقد كنا نسمر فنكثر السمر، وما نطيق الليلة سمراً ولا نريد دعاءً إلا حيل بيننا وبينه، فقال: يذهب بالراعي ويتفرق الغنم، وجعل يأتي بكلامٍ نحو هذا يبغي به نفسه، فقال: الحق أقول لكم: ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك - ثلاث مرات - وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني. فخرجوا فتفرقوا. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما اجتمعت اليهود على أخي عيسى بن مريم ليقتلوه بزعمهم أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن أدرك عبدي، فهبط جبريل فإذا هو بسطرٍ في جناح جبريل فيه مكتوب لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، قال: يا عيسى قل، قال: وما أقول يا جبريل؟ قال قل: اللهم إني أسألك باسمك الواحد الأحد، أدعوك اللهم باسمك الصمد، أدعوك اللهم باسمك العظيم الوتر، الذي ملأ الأركان كلها إلا فرجت عني ما أمسيت فيه وأصبحت فيه؛ فدعا بها عيسى، فأوحى الله إلى جبريل أن ارفع إلي عبدي. ثم التفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أصحابه فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، ادعوا بهؤلاء الكلمات، والذي بعثني بالحق نبياً، ما دعا قومٌ قط إلا اهتز له العرش والسماوات السبع، والأرضون السبع.

وعن عاشئة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر فقال: هل سمعت دعاءً علمنيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: وما هو؟ قال: كان عيسى بن مريم يعلم أصحابه: يا فارج الهم وكاشف الغم! مجيب دعوة المضطرين! رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما! ارحمنا رحمةً تغنينا بها عن رحمة من سواك. أو كما قال. وعن وهب أنه كان إذا قدم مكة تعلق بأستار الكعبة، فدعا بهذه الدعوات؛ وذكر وهب أنه دعاء عيسى عليه السلام وقت رفعه الله إليه، وهو دعاءٌ مستجاب: اللهم أنت القريب في علوك، المتعالي في دنوك، الرفيع على كل شيءٍ من خلقك، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك وحسرت الأبصار دون النظر إليك وغشيت دونك، وسبح بها الفلق في النور، أنت الذي جليت الظلم بنورك، فتباركت اللهم خالق الخلق بقدرتك، ومقدر الأمور بحكمتك، مبتدع الخلق بعظمتك، القاضي في كل شيء بعلمك، أنت الذي خلقت سبعاً في الهواء بكلماتك مستويات الطباق مذعنات لطاعتك، سما بهن العلو بسلطانك فأجبن وهن دخانٌ من خوفك، فأتين طائعاتٍ بأمرك، فيهن الملائكة يسبحونك ويقدسونك، وجعلت فيهن نوراً يجلو الظلام، وضياءً أضوأ الشمس، وجعلت فيهن مصابيح يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ورجوماً للشياطين؛ فتباركت اللهم في مفطور سماواتك، وفيما دحوت من أرضك، دحوتها على الماء فأذللت لها الماء المتظاهر، فذل لطاعتك وأذعن لأمرك، وخضع لقوتك أمواج البحار ففجرت فيها بعد البحار الأنهار، وبعد الأنهار العيون الغزار والينابيع، ثم أخرجت منها الأشجار والثمار، ثم جعلت على ظهرها الجبال أوتادا، فأطاعتك أطوادها، فتباركت اللهم صفتك، فمن يبلغ صفة قدرتك! ومن ينعت نعتك! تنزل الغيث وتثني السحاب، وتفك الرقاب وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين، ل إلع إلا أنت، إنما يخشاك من عبادك العلماء الأكياس، أشهد أنك لست بإله استحدثناك، ولا رب يبيد ذكره، ولا كان لك شركاء يقضون معك فتدعوهم ويدعونك، ولا أعانك أحدٌ على خلقك فنشك فيك، أشهد أنك أحدٌ صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ولم يتخذ صاحبةً ولا ولدا، اجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً. قال وهب: فلما تم الدعاء رفعه الله إليه. قال وهب: وهو للشقيقة من هذا الموضع: أشهد أنك لست بإلهٍ استحدثناك ... إلى آخرها.

وعن الفراء في قوله عز وجل: " ومكروا ومكر الله " معنى هذه الآية: أن عيسى غاب عن خالته زماناً فأتاها، فقام رأس الجالوت اليهودي، فضرب على عيسى حتى اجتمعوا على باب داره فكسروا الباب ودخل رأس الجالوت ليأخذ عيسى فطمس الله عينيه عن عيسى، ثم خرج إلى أصحابه فقال: لم أره، ومعه سيفٌ مسلول، فقالوا: إنه أنت عيسى. ألقى الله شبه عيسى عليه، فأخذوه فقتلوه وصلبوه، فقال جل جلاله: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " ألقى شبهه عليه، ثم قال عز وجل: " ومكروا ومكر الله ". وعن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجلاً من عينٍ في البيت، ورأسه يقطر ماء؛ قال: فقال: إن منكم من سيكفر اثنتي عشرة مرة من بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً فقال: أنا، فقال عيسى: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا، فقال: اجلس، ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا، فقال: نعم أنت ذاك. فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنةٍ في البيت إلى السماء، وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتقرقوا ثلاث فرق؛ قالت فرقة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء اليعقوبية؛ وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه إليه وهم النسطورية؛ وقالت فرقة: كان عبد الله ورسوله ما شاء الله ثم رفعه اله إليه، وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة " يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في

زمان عيسى، والطائفة التي آمنت في زمان عيسى " فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " في إظهار محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دينهم على دين الكفار فأصبحوا ظاهرين. وعن ابن عباس قال: لما فرغ عيسى من وصيته واستخلف ضمعون وقتلت اليهود بوذا وقالوا هو عيسى يقول الله تعالى: " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ... وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً ". فأما اليهود والنصارى فيقولون قد قتلوه؛ وأما الحواريون فعلموا أنه لم يقتل، وأنكروا قول النصارى واليهود، وخلص الله عيسى انزل اله سحابة من السماء، سحابةٌ لاستقلال عيسى، فوضع عيسى على السحابة، فلزمته أمه وبكت، فقالت السحابة: دعيه فإن الله يرفعه إلى السماء، ثم يشرف على أهل الأرض عند أوان الساعة، ثم يهبط إلى الأرض فيكون فيهم ما شاء الله، ويبدل الله به الأرض أمناً وعدلاً. فكفت عنه مريم تنظر إليه وتشير بإصبعها إليه، ثم ألقى إليها بردائه فقال: هذا علامةٌ ما بيني وبينك يوم القيامة. وقال ابن عباس: إن عيسى لما حمل على السحابة وودع أمه والحواريين ثم أصعدت به السحابة، فذهبت أمه لتتناول رجله فقال: لا تفعلي يا أمه؟ وألقى عمامته إلى شمعون، وأمه تمس السحاب حتى فاتها السحاب، وأخذ شمعون العمامة فجعلها في عنقه وهم ينظرون إلى عيسى ويشيرون بأيديهم حتى توارى عنهم. وعن مجاهد: أن اليهود لما أرادوا عيسى وطلبوه ليقتلوه، فألجؤوه إلى غارٍ في الجبل، ومعه أمه والحواريون، فعهد إليهم عهده وقال: إني مرفوع. وأنزلت الغمامة حتى حملت عيسى، واليهود يحرسونه، فانصدع الجبل وارتفعت السحابة بعيسى، ثم دخلوا الغار فأخذوا الذي دل على عيسى فعدوا عليه فصلبوه، وأخذوا أصحاب عيسى فحبسوهم وعذبوهم؛ فبلغ ذلك

صاحب الروم، وكان اليهود تحت يديه، فقيل له: إنه كان في مملكتك رجلٌ عدا عليه بنو إسرائيل فصلبوه، وهم يعذبون أصحابه، وكان يخبرهم أنه رسول الله قد أراهم العجائب، وأحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأسقام، وخلق لهم من الطين كهيئة الطير. فبعث ملك الروم إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن دين عيسى فأخبروه، فبايعهم على دينه، واستنزل الذي صلب فغيبه، وأخذ خشبه الذي كان صلب عليها فأكرمها وطيبها، وعدا على اليهود فقتل منهم مقتلةٌ عظيمة، فمن هنالك يعظم النصارى الصلبان، ومن هنالك صار جل أهل النصرانية بالروم، وملك الحواريون بعد ذلك وذلت اليهود وظهرت النصرانية، وملك يحيى بن زكريا وشمعون والحواريون ومن بايعهم. وكان يقال لشمعون: صخرة الإيمان، وكان رجلاً بكاءً إذا جلس مجلساً فإنما هو باك وجلساؤه يبكون، وكان يحيى بن زكريا رجلاً صحاكاً بساماً، إذا جلس لم يزل ضاحكاً وأصحابه يضحكون فقال لهم يوماً شمعون: سبحان الله يا بن زكريا؟ ما أكثر ضحكك في الحق والباطل! فقال يحيى: سبحان الله يا شمعون! ما أكثر بكاءك في الحق والباطل! لقد عنيت نفسك وعنيت جلساءك! قال: فجاء من الله أن أحب سيرة الرجلين إلى سيرة يحيى بن زكريا. وعن وهب بن منبه أن عيسى لما رفع اجتمعت بنو إسرائيل من آمن منهم بعيسى فقالوا: ننظر في أمرنا؛ فانطلق إبليس فدعا عفاريته، فاجتمعوا إليه فأخبرهم بالذي يريد بنو إسرائيل فقال: إنا وجدنا منهم فرصة، قال: فاختار عفريتين فأمرهما بما يريد، ثم انطلقوا حتى دخلوا على بني إسرائيل في مجمعهم الذي اجتمعوا فيه، فأمر صاحبيه فجلس كل واحدٍ منهما ناحية، وجلس إبليس ناحية، فلما فرغ بنو إسرائيل من بعض ما هم فيه قام أحد صاحبيه بهيئة حسنة في هيئة عبادهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله قد أكرمكم واختاركم على خلقه بأن نزل من السماء، فكان بين أظهركم ما شاء أن يكون، ثم عاد إلى سماواته، فاشكروه بما صنع إليكم. ثم جلس، فقام الآخر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها المتكلم! لا أعلم متكلماً يتكلم بكلامٍ أحسن من كلامك! ولا أرفق ولا أوفق ولا أقرب من كل خير! غير أنك زعمت أن عيسى هو الله وأنه نزل من السماء بين أظهرنا، وإن الله لا يزول من مكانه ولكن

عيسى هو ابنه، فأهبطه إلينا وأكرمنا به، ثم جلس، فقام إبليس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها المتكلمان! لا عهد لنا بمتكلمين أقرب من كل خير وأبعد من كل شر منكما إلا ما زعم الأول أن الله هبط إلينا، وإن الله لا يهبط من سماواته؛ وما ذكر الآخر أن عيسى هو ابن الله، وإن الله ليس له ولد، ولكن الله إله السماوات ومن فيهن، وعيسى إله الأرض ومن فيهن. قال: فتفرقت من ذلك العباد والصالحون، فاختلفوا. قال ابن عابس: اختلفوا على هذا القول بعد إحدى وثمانين سنة. وفي حديثٍ آخر بمعناه: أن عيسى صعد وهم ينظرون إليه، حتى إذا بلغ من الكو خرج من الكو لا يستوسع الكو ولا يستصغر على عيسى في بدنه؛ قال: وهم ينظرون إليه حتى توارى عنهم ... الحدي. وعن الأصبغ بن نباتة قال: قال علي: غ، خليلي حدثني أن أضرب لسبع عشرة مضى من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى وأموت لاثنتين وعشرين تمضي من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى عليه السلام. وعن أبي زرعة أن عيسى بن مرسم عليه السلام رفع من طور زيتا، بعث الله عز وجل ريحاً فخفقت به حتى هرول، ثم رفع الله عز وجل إلى السماء. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي قبض فيه قال: يا فاطمة يابنتي أحني علي. فأحنت عليه فناجاها ساعةٌ ثم انكشفت عنه وهي تبكي، وعائشة حاضرة، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بساعة: أحني علي. فأحنت عليه، فناجاها ساعة ثم انكشفت عنه تضحك، فقالت عائشة: يا بنت رسول الله! أخبريني ماذا ناجك أبوك؟ قالت:

أوشكت، رأيته ناجاني على حال سر، ثم ظننت أني أخبر بسره وهو حي! فشق ذلك على عائشة أن يكون سر دونها؛ فلما قبضه الله عز وجل إليه قالت عائشة لفاطمة: ألا تخبريني ذلك الخبر؟ قالت: أما الآن فنعم، ناجاني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل عامٍ مرة، وأنه عارضه القرآن العام مرتين، وأنه أخبره أنه لم يكن نبي بعد نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله، وأنه أخبرني أن عيسى عاش عشرين ومئة سنة ولا أراني إلا ذاهب. وهو على رأس الستين، فأبكاني ذلك، وقال: يا بنية، إنه ليس من نساء المؤمنين أعظم رزية منك، فلا تكوني أدنى من امرأةٍ صبراً. ثم ناجاني في المرة الأخرى فأخبرني أني أول أهله لحوقاً به، وقال: إنك سيدة نساء أهل الجنة. وفي روايةٍ أخرى بمثله أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة رضوان الله عليها من حديثٍ بمعناه، وأنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر أخيه الذي كان قبله، عاش عيسى مئة وخمساً وعشرين سنة، وهذه اثنتان وستون سنة. ومات في نصف السنة. قال: هكذا وقع، والصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر وإنما أراد به مدة مقامه في أمته. وعن فاطمة بنت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن عيسى بن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة. وفي حديثٍ عن فاطمة عليها السلام بمعناه قالت: دعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن الله لم يبعث نبياً إلا وقد عمر الذي بعده نصف عمره وإن عيسى لبث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذه توفي لي عشرين سنة، ولا أراني إلا ميت في مرضي هذا ... الحديث. وعن سعيد بن المسيب قال: رفع عيسى وهو ابن ثلاثٍ وثلاثين سنة، ومات معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.

وعن سلمان قال: الفترة ما بين عيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ست مئة سنة. وعن أنس بن مالك قال: بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ رأينا برداً ويداً، فقلنا: يا رسول الله! ما هذا البرد الذي رأينا واليد؟ قال: قد رأيتموه؟ قلنا: نعم، قال: ذاك عيسى بن مريم سلم علي. وعن أنس بن مالك قال: كنت أطوف مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حول الكعبة إذ رأيته صافح شيئاً ولا نراه! قلنا: يا رسول الله! رأيناك صافحت شيئاً ولا يراه أحد! قال: ذاك أخي عيسى بن مريم انتظرته حتى قضى طوافه فسلمت عليه. وعن ابن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري عن ابن عباس قال: لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجلٌ قط، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها؟ ثم طفق يحدثنا، فلما قام تلاومنا ألا نكون سألناه عنها فقلت أنا لها إذا راح غداً، فلما راح الغد قلت: يا بن عباس ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجلٌ قط، ولا تدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها، فقلت: أخبرني عنها وعن اللائي قرأت قبلها؟ قال: نعم، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لقريش، يا معشر قريش! إنه ليس أحدٌ يصد دون الله فيه خير، وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى بن مريم وما تقول في محمد. فقالوا: يا محمد! ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً، فلئن كنت صادقاً فإن آلهتهم لكما يقولون. قال فأنزل الله عز وجل: " ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون " قال: قلت: وما يصدون؟ قال: يضجون " وإنه لعلم للساعة " قال: وهو خروج عيسى بن مريم قبل القيامة.

وعن الحسن بن صالح قال: لما قيل لعيسى " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " تزايلت مفاصله. ولما قال لقمان لابنه: " يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله " تفطر فمات. وعن أبي هريرة قال: تلقى عيسى حجته ولقاه الله في قوله: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ". قال أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلقاه الله عز وجل " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا إن عيسى بن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول، ألا إنه خليفتي في أمتي من بعدي، ألا إنه يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها، ألا فمن أدركه منكم فليقرأ عليه السلام. زاد في رواية: ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد. وفي آخر: ولتصلحن ذات البين. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليهبطن الله عز وجل عيسى بن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، فليسلكن فج الروحاء حاجاً أو معتمراً وليقفن على فبري، فليسلمن علي، ولأردن عليه.

وفي رواية: ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأحبيبنه. وفي رواية: فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب وتكون الدعوة واحدة فأقرئوه السلام من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلما حضرته الوفاة قال أقرئوه مني السلام. زاد في آخر: وتجمع له الصلاة. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ينزل ابن مريم إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويرجع السلم، وتتخذ السيوف مناجل، وتذهب حمة كل ذات حمة، وتنزل السماء رزقها، وتخرج الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان فلا يضره، فتراعي الغنم الذئب فلا يضرها، ويراعي الأسد البقر فلا يضرها. وفي رواية حتى يقتل الخنزير والقردة، ويكسر الصليب، وتكون السجدة لله رب العالمين. وعن سمرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الدجال خارج، وإنه أعور عين الشمال عليها ظفرة غليظة وإنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحي الموتى، ويقول للناس: إني ربكم. فمن قال أنت ربي فقد افتتن، ومن قال ربي الله، حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنة الدجال، ولا فتنة عليه ولا عذاب، فيمكث في الأرض ما شاء الله، ثم ينزل عيسى بن مريم من قبل المغرب مصدقاً لمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعل ملته فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة. وعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه، وإن يخرج بعدي فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها،

ولها يومئذ سبعة أبواب، على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، حتى يأتي الشام مدينة بفلسطين بباب لد - وف يرواية: يأتي فلسطين باب لد - فينزل عيسى فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إماماً عدلاً وحكماً مقسطاً. وعن زيد بن أسلم قال: يهبط المسيح عيسى بن مريم إماماً مقسطاً وحكماً عدلاً، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها وتنبر قريشٌ الإمارة، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء، حتى يتدفق من جوانبه كلها، وتعود الأرض كفاثور الورق، وترفع العداوة والبغضاء والشحناء، وتنزع من كل ذي حمةٍ حمتها، فيومئذ يطأ الصبي على رأس الحية فلا تضره وتفر الجارية الأسد كما تفر جري الكلب الصغير، ويقوم الفرس بعشرين درهماً، وتقوم البقرة بكذا وكذا، كأنه يرفع ثمنها. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف بكم إذا نزل بكم ابن مريم فأمكم - أو قال: إمامكم منكم. وعن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعضٍ أمراء. فتكرمة الله لهذه الأمة. وفي رواية: أنتم أحق، بعضكم أمراء بعض، أمر أكرم الله به هذه الأمة. وعن عبد الله أن المسيح بن مريم خارجٌ قبل يوم القيامة وليستغن به الناس عمن سواه.

وعن أبي هريرة قال: والذي نفسي بيده لينزلن عيسى بن مريم عدلاً في الأرض مقسطاً؛ وإني لأرجو أن لا أموت حتى ألقاه، ويمسح عن وجهي، وأحدثه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيصدقني. وعن أبي هريرة قال: ينزل عيسى بن مريم إماماً مقسطاً وحكماً عدلاً، يكسر الصليب ويقتل الخنزير، وتضع الحرب أوزارها وتنبر قريشٌ في الإمارة، وتضع كل ذات حملٍ حملها حتى إن الرجل ليضع قدمه على رأس الحية فما تضره، وحتى إن الذئب ليكون في الغنم ككلبها، وحتى إن السبع ليكون في الخيل كراعيها وحتى إن الصبي ليدخل يده في الذئب فما يضره، وحتى إن الملأ ليأكلون التفاحة، وحتى إن العصابة ليأكلون من العنبة، ثم يقولون: يا ليت إخواننا أدركوا هذا العيش. وعن أبي الأشعث الصنعاني قال: سمعت أبا هريرة يقول: يهبط المسيح عيسى بن مريم، فيصلي الصوات، ويجمع الجمع، ويزيد في الحلال قلت: يا أبا هريرة! ما أراه يزيد إلا في النساء. فضحك وقال: كأني به تجد به رواحله ببطن الروحاء حاجاً أو معتمراً، فمن لقيه منكم فليقل إن أخاك أبا هريرة يقرئك السلام. قال أبو الأشعث: ثم نظر إلي فقال: قد أشفقت أني لا أموت حتى أدركه. وعن عبد الله بن مسعود قال: لما كان ليلة أسري برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا الساعة متى هي؟ فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم، وسألوا موسى فلم يكن عنده منها علم، فردوا الحديث إلى عيسى فقال: عهد الله إلي فيما دون وجبتها، فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل - فذكر من خروج الدجال - ما ما يعيط ما قبله، فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ

ينسلون، لا يمرون بماءٍ إلا شربوه، ولا شيءٍ إلا أفسدوه فيجأرون إلي، وأدعو الله فيميتهم، فتجيف الأرض من ريحهم، فيجأرون إلي، فأدعو الله، فيرسل السماء بالماء فتحملهم فتقذف أجسادهم في البحر ثم تنسف الجبال، وتمد الأرض مد الأديم؛ فعهد الله إلي أنه إذا كان ذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها ليلاً أم نهاراً! قال العوام: فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى ثم قرأ: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون، ةاقترب الوعد الحق ". وعن ابن عباس أنه قال: أول من يتبعه سبعون ألفاً من اليهود عليهم السيجان - وهي الألبسة من صوف أخضر، يعني به الطيالبسة - ومعه سحرة اليهود يعملون العجائب ويرونها للناس فيضلونهم بها وهو أعور ممسوح العين اليمنى، يسلطه الله على رجلٍ من هذه الأمة فيقتله، ثم يضربه فيحييه، ثم لا يصل إلى قتله ولا يسلط على غيره، ويكون آية خروجه تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهاوناً بالدماء، وضيعوا الحكم، وأكلوا الربا، وشيدوا البناء، وشربوا الخمر، واتخذوا القيان، ولبسوا الحرير وأظهروا بزة آلا فرعون، ونقضوا العهد وتفقهوا لغير الدين، وزينوا المساجد، وخربوا القلوب، وقطعوا الأرحام، وكثرت القراء، وقلت الفهاء وعطلت الحدو، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، فتكافأ الرجال بالرجال والنساء بالنساء، بعث الله عليهم الدجال فتسلط عليهم، حتى ينتقم منهم، وينحاز المؤمنون إلى بيت المقدس. قال ابن عباس: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فعند

ذلك ينزل أخي عيسى بن مريم من المساء على جبل أفيق إماماً هادياً وحكماً عدلاً، عليه برنس له، مربوع الخلق أصلب، سبط الشعر، بيده حربة، يقتل الدجال، فإذا اقتل الدجال تضع الحرب أوزارها وكان السلم، فبلقى الرجل الأسد فلا يهيجه، ويأخذ الحية فلا تضره وتنبت الأرض كنباتها على عهد آدم، ويؤمن به أهل الأرض، ويكون الناس أهل ملةٍ واحدة. وعن عبد الله بن همرو أنه سأل أحد الرجلين فقال: أنت عبد الله بن عمرو؟ قال: نعم، قال: أنت الذي تزعم أن الساعة تقوم إلى مئة سنة؟ قال سبحان الله! وأنا أقول ذلك! قال: ومن يعلم قيام الساعة إلا الله! إنكم يا أهل العراق لتروون أشياء ليست كذلك، وإنما قلت: ما كانت رأس مئةٍ للخلق - يعني منذ خلقت الدنيا - إلا كان عند رأس المئة، قال: ثم يوشك أن يخرج ابن حمل الضان، قال: قلت: وما ابن حمل الضان؟ قال: رومي، أحد أبويه شيطان، يسير إلى المسلمين في خمس مئة ألف براً، وخمسة مئة ألف بحراً حتى ينزل بين عكا وصور ثم يقول: يا أهل السفن! اخرجوا منها. ثم أمر بها فأحرقت. قال: ثم يقول لهم: لا قسطنطينية لكم ولا لا رومية حتى يفصل بيننا وبين المغرب. قال: فيستمد أهل الإسلام بعضهم بعضاً حتى تمدهم عدن أبين على قلصانهم، قال فيجتمعون فيقتتلون؛ قال: فيكاتبهم النصارى الذين بالشام ويخبرونهم بعورات المسلمين، فيقول المسلمون: الحقوا، فكلكم لنا عدو حتى يقضي الله بيننا وبينكم. فيقتتلون شهراً لا يكل لهم سلاح ولا لكم، ويقذف الصبر عليكم وعليهم.

قال: وبلغنا - والله أعلم - أنه إذا كان رأس الشهر قال ربكم: اليوم أسل سيفي فأنتقم من أعدائي وأنصر أوليائي. قال: فيقتتلون مقتلة ما أرى مثلها قط، حتى ما تسير الخيل إلا على الخيل وما يسير الرجل إلا على الرجل وما يجدون خلقاً لله يحول بينهم وبين القسطنطينية ولا رومية، فيقول أميرهم يومئذ: لا غلول اليوم، من أخذ شيئاً فهو له. فيأخذون ما خف عليهم ويذبحون ما ثقل عليهم؛ فبينما هم كذلك إذ جاءهم أن الدجال قد خلفكم في ذراريكم، قال: فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون؛ قال: وتصيب الناس مجاعةٌ شديدة حتى إن الرجل ليحرق وتر قوسه فيأكله، وحتى إن الرجل ليحرق حجفته فيأكلها، حتى إن الرجل ليكلم أخاه فما يسمعه الصوت من الجهد؛ قال: فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتاً من السماء: أبشروا فقد أتاكم الغوث. فيقولون: نزل عيسى بن مريم. قال: فيستبشرون ويستبشر بهم ويقولون: صل يا روح الله! فيقول: إن الله أكرم هذه الأمة ولا ينبغي لأحدٍ أن يؤمهم إلا منهم. قال: فيصلي أمير المؤمنين بالناس، قال: فأمير الناس يومئذٍ معاوية بن أبي سفيان؟ قال: لا، فيصلي عيسى خلفه، قال: فإذا انصرف عيسى دعا بحربته، فأتى الدجال فقال: رويدك يا دجال يا كذاب! قال: فإذا رأى عيسى عرف صوته ذاب كما يذوب الرصاص إذا أصابته النار، وكما تذوب الألية إذا أصابتها الشمس. قال: ولولا أنه يقول رويداً لذاب حتى لا يبقى منه شيء، قال: فيحمل عليه عيسى فيطعن بحربته بين ثدييه فيقتله. قال: وتفرق جنده تحت الحجارة والشجر، قال: وعامة جنده اليهود والمنافقون، فينادي الحجر يا روح الله هذا تحتي كافر فاقتله؛ قال: فيأمر عيسى بالصليب فيكسر وبالخنزير فيقتل، وتضع الحرب أوزارها حتى إن الذئب ليربض إلى جنبه.... ما يغمز بها، وحتى إن الصبيان ليلعبون بالحيات ما تنهشهم، ويملأ الأرض عدلاً؛ فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتاً، قال: فتحت يأجوج ومأجوج، وهو كما قال الله عز وجل " وهم من كل حدبٍ ينسلون " فيفسدون الأرض كلها، حتى إن أوائلهم لتأتي النهر العجاج

فيشربونه كله، وإن آخرهم ليقول: قد كان ها هنا نهر، ويحاصون عيسى ومن معه ببيت المقدس ويقول: ما نعلم في الأرض - يعني أحداً - إلا قد أنخناه، هلموا نرمي من في السماء، فيرمون حتى ترجع إليهم سهامهم في نصولها الدم للبلاء، فيقولون: ما بقي في الأرض ولا في السماء، فيقول المؤمنون: يا روح الله! نموت من النتن! فيدعو الله، فيبعث وابلاً من المطر فجعله سيلاً، فيقذفهم كلهم في البحر؛ قال: ثم يسمعون صوتاً فيقال: مه! قيل: غزا البيت الحصين، قال: فيبعثون جيشاً فيجدون أوائل ذلك الجيش. ويقبض عيسى بن مريم، ووليه المسلمون وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه وحفروا له ودفنوه؛ فيرجع أوائل الجيش والمسلمون ينفضون أيديهم من تراب قبره، فلا يلبثون بعد ذلك إلا يسيراً حتى يبعث الله الريح اليمانية، قال: قلنا: وما الريح اليمانية؟ قال: ريح من قبل اليمن، ليس على الأرض مؤمن يجد نسيمها إلا قبضت روحه، قال: ويسري على القرآن في ليلةٍ واحدة، ولا يترك في صدور بني آدم ولا في بيوتهم منه شيء إلا رفعه الله، قال: فيبقى الناس ليس فيهم نبي، وليس فيهم قرآن وليس فيهم مؤمن. قال عبد الله بن عمرو: فعندهم أخفي علينا قيام الساعة، فلا يدري كم يتركون، كذلك تكون الصيحة. قال: ولم تكن صيحةٌ قط إلا بغضبٍ من الله على أهل الأرض، قال: فقال الله تعالى: " ما ينظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " قال: فلا أدري كم يتركون كذلك. وعن مجمع بن جارية قال: ذكر عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدجال فقال: يقتله عيسى بن مريم بباب لد. زاد في رواية: أو إلى جانب لد.

وعن عبد الله بن عباس أنه قال: لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى بن مريم على ذروة أفيق، بيده حربة يقتل الدجال. وعن جابر بن عبد الله في قوله: " ليظهره على الدين كله " قال: خروج عيسى بن مريم. وعن ابن أبي نجيج عن مجاهد في قوله " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " قال: إذا نزل عيسى بن مريم لم يكن في الأرض دينٌ إلا الإسلام، فذلك قوله: " ليظهره على الدين كله ". وعن مجاهد في قوله: " حتى تضع الحرب أوزارها " يعني حتى ينزل عيسى بن مريم، فيسلم كل يهودي وكل نصراني، وكل صاحب ملة، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جراباً، وتذهب العداوة من الأشياء كلها وذلك ظهور الإسلام على الدين كله. وفي رواية: فيطمئن كل شيء ولا يكون عداوة بين اثنين. وعن ابن عباس في قوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " قال خروج عيسى بن مريم. وفي رواية: قال: قبل موت عيسى. وعن مجاهد قال: ليس من أهل الكتاب أحدٌ يموت حتى يشهد أن عيسى رسول الله. قال: وإن وقع من فوق البيت؟ قال: وإن وقع من فوق البيت.

وعن الحسن البصري في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " قال: لا يموت أحدٌ منهم حتى يؤمن بعيسى بن مريم. قال شهر بن حوشب: كنت مستخفياً من الحجاج بن يوسف، فجعل لي الأمان، فخرجت فمررت به ذات يوم وهو يقسم جروزاً له في أصحابه، فقال لي: يا شهر! فلعلك تكره لباس هذه الجروز؟ قلت: ما أهكرهها أصلح الله الأمير، فكساني منها شقة فارتديت بها، فلما قفيت أتاني نداء: يا شهر! فقلت في نفسي: ها ها، فانصرفت إليه فقال: يا شهر، إني أقرأ القرآن فآتي منه على آي، فلا تزال حرارةٌ في قلبي ألا أكون علمتها، قلت: وما هي؟ قال: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " قال: قلت: ذاك في اليهود، لا يقبض ملك الموت روح أحدهم حتى يجيئه ملك ومعه شعلةٌ من نار جهنم فيضرب وجهه ودبره فيقول له: أتقر أن عيسى عبد الله ورسوله؟ فلا يزال به حتى يقر به؛ فإذا أقر به قبض ملك الموت روحه، ففيهم نزلت هذه الآية. وروى الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدباراً، ولا الناس إلا شحا؛ ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم. قالوا: تفرد بهذا الحديث الشافعي، ولا نعلم حدث به غيره، ولا عنه إلا يونس بن عبد الأعلى، وهو حديثٌ غريب الإسناد، مشهور المتن إلا قوله: ولا مهدي إلا عيسى بن مريم. فما قاله أحدٌ غيره، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح إسناداً، وفيها بيان كونه من عترة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال أبو الحسن علي بن عبد الله الواسطي: رأيت محمد بن إدريس الشافعي في المنام، فسمعته يقول: كذب علي يونس في ديث الجندي، حديث الحسن عن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المهدي. قال الشافعي: ما هذا من حديثي ولا حدثت به، كذب علي يونس. وعن مجاهد قال: المهدي عيسى بن مريم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمراً أو ليثنينهما. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إني أرى أن أعيش من بعدك، أفتأذن لي أن أدفن إلى جنبك؟ فقال: وأنى لك بذلك الموضع! ما فيه إلا موضع قبري وقبر أبي بكر وقبر عمر، وقبر عيسى بن مريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن عبد الله بن سلام قال: وجدت في الكتب أن عيسى بن مريم يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القبر وقد بقي في البيت موضع قبر. وعنه قال: نظرت في التوراة صفه محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعيسى بن مريم عليه السلام يدفن معه. قال أبو مودود: وقد بقي من البيت موضع قبر. وعنه قال: ليدفنن عيسى بن مريم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيته. قال البخاري: هذا لا يصح عندي ولا يتابع عليه.

عيسى بن المساور البغدادي الجوهري

عيسى بن المساور البغدادي الجوهري سمع بدمشق وحدث عن نعيم بن سالم بن قنبر خادم علي بن أبي طالب قال: قال لي أنس بن مالك: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمس وجهه النار. قال: وحدثنا نعيم بن سالم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طوبى لمن رآني وآمن بي، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني. توفي عيسى بن مساور سنة أربعٍ وأربعين ومئتين، وقيل: خمسٍ وأربعين عيسى بن معبد بن الفضل أبو منصور الموصلي التاجر قدم دمشق قدمتين للتجارة. حدث عن أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا ذكر هاذم اللذات. قالوا: يا رسول الله! وما هذم اللذات؟ قال: الموت. توفي بالموصل سنة ثمانٍ وخمسين وخمس مئة. عيسى بن موسى بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أبو موسى الهاشمي جعله السفاح ولي عهده بعد المنصور، فلما ولي المنصور أخره وجعله ولي عهده بعد ابنه المهدي. وكان جليلاً في أهل بيته. ولد سنة ثلاثٍ ومئة - وقيل سنة أربع - وشهد حرب محمد وإبراهيم وهو ابن ثلاثٍ وأربعين سنة، وكان قتلهما على يديه؛ ولما قتلا شرع المنصور في تأخير عيسى وتقديم ابنه المهدي عليه في ولاية العهد في سنة سبعٍ وأربعين ومئة.

وجرى بين المنصور وبين عيسى بن موسى في ذلك خطوب ومكاتبات وامتناع من عيسى، ثم أجابه إلى ذلك، فقدم المهدي في ولاية العهد عليه، وأقر عيسى بذلك وأشهد على نفسه به، فبايع الناس على ذلك، وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في امر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك، وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس على ذلك بيعة مجددة للمهدي، ثم لعيسى من بعده. وقال المنصور يومئذ: " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " فلما أفضى الأمر إلى المهدي طلب عيسى بن موسى بخلع نفسه من ولاية العهد البتة، وتسليمه لموسى بن المهدي، وألح عليه في ذلك إلحاحاً شديداً، وبذل له مالاً عظيماً وخطراً جسيماً، وجرت في ذلك خطوب إلى أن أحضره من الكوفة إلى بغداد، وتقرر الأمر أن يخلع نفسه ويسلم الأمر لموسى بن المهدي ويدفع إليه عشرة آلاف ألف درهم، ويقال عشرين ألف ألف درهم، ويقطعه مع ذلك قطائع كثيرة وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيماناً في أهله وماله، فأحضر له المهدي من القضاة والفقهاء من أفتاه في ذلك وعوضه المهدي من ذلك وأرضاه فيما يلزمه من الحنث في ماله ورقيقه وسائر أملاكه، فقبل ذلك ورضي به وخلع نفسه في هشية الأربعاء لأربعٍ بقين من المحرم سنة ستين ومئة في قصر الرصافة، وبايع للمهدي ولموسى بن المهدي، وحضر الخواص، فبايعوا في القصر للمهدي. ثم خرج المهدي إلى جامع الرصافة، واجتمع الناس في المسجد فصعد المهدي المنبر وصعد بعده موسى ابنه، فكان دونه، ثم صعد عيسى بن موسى فكان على أول مرقاةٍ من المنبر، فقام المهدي فحمد الله وأثنى عليه وأخبر بما اجتمع عليه أهل بيته وشيعته في ذلك، وأن موسى عاملٌ فيهم بكتبا الله وأحسن السيرة وأعفاها ... في كلامٍ تكلم به، وجلس موسى دونه في جانب المنبر لكي لا يستر وجهه ولا يحول بينه وبين من يصعد إليه ليبايعه ويمسح على يده، وقام عيسى مكانه على أول مرقاة، فقرئ كتاب الخلع، وخروج عيسى مما كان إليه من ولاية العهد، وتحليل الناس جميعاً مما كان له من البيعة في رقابهم، وأن ذلك كان منه وهو طائع غير مكره، فأقر عيسى بذلك كله، وأشهد به على نفسه وصعد إلى المهدي فبايعه ومسح على يده ثم بايع موسى ومسح على يده ثم انصرف؛ ووفى المهدي

لعيسى بن موسى بما ضمن له من الأموال والقطائع وأرضاه، وكتب بذلك كتاباً، وشهد فيه خلقٌ من الأشراف والوجوه والكبراء وغيرهم، عدتهم أربع مئة وخمسة وعشرون رجلاً. ورجع عيسى بعد ذلك إلى الكوفة، فلم يزل مقيماً بها في غير ولاية حتى توفي بها سنة سبعٍ وستين ومئة وهو ابن خمسٍ وستين سنة وكانت مدة عيسى في ولاية العهد من أوله إلى آخره ثلاثاً وعشرين سنة. وقيل إن عيسى كان لقب في ولاية العهد بالمرتضى. لما هم أبو جعفر المنصور بالبيعة للمهدي دخل عليه الحسن بن قحطبة فقال: يا أمير المؤمنين! ما تنتظر بالفتى المقتبل المبارك؟ جدد له البيعة فما أحدٌ يمتنع ممن وراء هذا الباب، ومن أبى لهذا سيفي. وبلغ الخبر عيسى بن موسى فقال: والله لئن ظفرت به لاشرب البارد. وبلغ الحسن بن قحطبة الخبر والمنصور، فدخل الحسن بن قحطبة على المنصور وعنده عيسى بن موسى فتمثل المنصور قول جرير: من الكامل زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامةٍ ما مربع فتمثل الحسن بن قحطبة بقول جرير: من الوافر إذا اجتمعوا علي فخل عنهم ... وعن بازٍ يصك حبا ريات ومربع: رجلٌ من بني جعفر بن كلاب، كان يروي شعر جرير فنذر الفرزدق دمه، فقال جرير هذا الشعر فيه. قدم هارون الكوفة فعزل شريكاً عن القضاء. وكان موسى بن عيسى والياً على الكوفة، فقال موسى لشريك: ما صنع أمير المؤمنين بأحدٍ ما صنع بك، عزلك عن القضاء، فقال له شريك: هم أمراء المؤمنين يعزلون القضاة، ويخلعون ولاة العهد ولا يعاب ذلك عليهم. قال موسى: ما ظننت أنه مجنون هكذا لا يبالي ما تكلم به. وكان أبوه عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر فخلعه بمالٍ أعطاه إياه.

قال أبو بكر بن عياش: رأيت الخطابية مروا بنا بالكناسة في أزر وأردية، محرمين بالحج وهم يقولون: لبيك جعفر، فخرج إليهم عيسى فانهزموا إلى موضع دار رزق فقتلهم، فقيل: يا أبا الخطاب! ألا ترى السلاح قد عمل فينا! قال: بدا لله أن يستشهدكم، وقد كان أبو الخطاب قال لهم: إن السلاح لا يعمل فيكم. جاءت ارمأة يوماً إلى شريك من ولد جرير بن عبد الله البجلي، صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مجلس الحكم فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي، امرأة من ولد جرير بن عبد الله، فزادت في الكلام فقال: إيهاً عنك الآن، من ظلمك؟ قالت: الأمير عيسى بن موسى، كان لي بستان على شاطئ الفرات لي فيه نخلٌ ورثته عن آبائي، وقاسمت إخوتي وبنيت بيني وبينه حائطاً وجعلت فيه رجلاً فارسياً في بيت يحفظ لي النخل ويقوم بشأني، فاشترى الأمير عيسى بن موسى من إخوتي جميعاً وساومني وأرغبني فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة بعث بخمس مئة فاعل فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من نخلى شيئاً، واختلط بنخل إخوتي. ثم قال: يا غلام، طينة فختم لها خاتماً ثم قال امضي به إلى بابه حتى يحضر معك. فجاءت المرأة بالطينة فأخذها الحاجب ودخل على عيسى فقال له: أعدي شريك عليك. قال: ادع لي صاحب الشرطة، فدعا به فقال: امض إلى شريك فقل له: يا سبحان الله! ما رأيت أعجب من أمرك! امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها علي! فقال: إن رأى الأمير أن يعفيني فليفعل، فقال: امض ويلك! فخرج فأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغير ذلك من آلة الحبس، فلما جاء وقف بين يدي شريك فأدى الرسالة، فقال لحاجبه؛ خذ بيده فضعه في الحبس، قال: قد عرفت أنك تفعل بي هذا فقدمت ما يصلحني إلى الحبس. وبلغ عيسى بن موسى ذلك فوجه بحاجبه إليه فقال: هذا من ذاك رسول، أي شيءٍ عليه؟ فلما أدى الرسالة ألحقه بصاحبه فحبس؛ فلما صلى الأمير العصر بعث إلى إسحاق بن

الصباح الأشعثي، وإلى حماعةٍ من وجوه الكوفة من أصدقاء شريك فقال: امضوا إليه فأبلغوه السلام وأعلموه أنه قد استخف بي وأني لست كالعامة. فمضوا وهو جالس في مسجده بعد العصر، فدخلوا إليه فأبلغوه الرسالة، فلما انقضى كلامهم قال لهم: مالي لا أراكم جئتم في غيره من الناس؛ من ها هنا من فتيان الحي!؟ فابتدروه، فقال: ليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من هؤلاء فيذهب به إلى الحبس لا ينام والله إلا فيه. قالوا: أجاد أنت؟! قال: حقاً، حتى لا تعودوا تحملون رسالة ظالم. فحبسهم، فركب عيسى بن موسى في الليل إلى باب الحبس، ففتح الباب وأخذهم جميعاً، فلما كان الغد جلس شريك للقضاء فجاء السجان فأخبره، فدعا بالقمطر فختمها ووجه بها إلى منزله وقال لغلامه: الحقني بثقلي إلى بغداد، والله ما طلبنا هذا الأمر منهم ولكن أكرهونا عليه، ولقد ضمنوا لنا الإعزاز فيه إذا تقلدنا لهم. ومضى نحو قنطرة الكوفة يريد بغداد، وبلغ عيسى بن موسى الخبر، فركب في موكبه فلحقه وجعل يناشده الله ويقول: يا أبا عبد الله! تثبت انظر، إخوانك تحبسهم! دع أعواني، قال: نعم لأنهم مشوا لك في أمرٍ لم يجب عليهم فيه، ولست ببارحٍ أو يردوا جميعاً إلى الحبس وإلا مضيت من فوري إلى أمير المؤمنين، فاستعفيته مما قلدني. فأمر بردهم جميعاً إلى الحبس وهو واقفٌ مكانه حتى جاءه السجان فقال: قد رجعوا إلى الحبس، فقال لأعوانه: خذوا بلجامه فردوه بين يدي إلى مجلس الحكم. فمروا به بين يديه حتى أدخل المسجد، وجلس مجلس القضاء ثم قال: الجريرية المتظلمة من هذا. فجاءت فقال: هذا خصمك قد حضر، فلما جلس معها بين يديه قال: يخرج أولئك من الحبس قبل كل شيء. ثم قال: ما تقول فيما تدعيه هذه؟ قال: صدقت. قال: ترد جميع ما أخذ منها إليها وتبني حائطها في أسرع وقت كما هدم. قال: أفعل. قال: بقي لك

عيسى بن موسى

شيء؟ قال: تقول المرأة: نعم وبيت الفارسي ومتاعه. قال: وبيت الفارسي ومتاعه. فقال شريك: أبقي لك شيء تدعينه؟ قالت: لا، وجزاك الله خيراً. قال: قومي، وزيرها، ثم وثب من مجلسه، فأخذ بيد عيسى بن موسى فأجلسه في مجلسه ثم قال: السلام عليك أيها الأمير، تأمر بشيء؟ قال: بأي شيء آمر! وضحك. قال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى وابن شبرمة: أسألكما عن الرجل فتخبراني عنه بخير، فإذا بلوناه واستعملناه لم نجده كذلك! قالا: لو سألت عنه أيها الأمير في ذلك الوقت غيرنا لأخبرك بمثل ما أخبرناك، ولكنها الدنيا تعرض لهم فيتغيرون. قال: صدقتما. ولد لعيسى بن موسى ابنة، واغتم عليها وامتنع من الطعام، فبلغ ذلك بهلولاً، فجاء إلى الحجاب فسألهم الإذن عليه فأبوا، فقال بعضهم لبعض: دعوه لعله أن يكلم الأمير بكلامٍ يسليه، قال: فأذنوا له فدخل، فلما رآه الأمير عيسى بن موسى أطرق، قال: فقال له: بلغني أنك ولد ابنة فاغتمت، أيما خيرٌ لك ابنةٌ عاقلة أو ابنٌ مجنونٌ مثلي؟ قال: ابنةٌ عاقلة؛ قال: فسلا ودعا بالطعام ووهب له. توفي عيسى بن موسى سنة سبعٍ وستين ومئة بالكوفة وأشهد الناس على وفاته روح بن حاتم - وهو واليها - القاضي وجماعةٌ، وصلى عليه وهو ابن خمسٍ وستين سنة. وقيل: نات سنة ثمان وستين. عيسى بن موسى أبو محمد، ويقال أبو موسى أخو سليمان بن موسى القرشي من أهل دمشق. حدث عن إسماعيل بن عبيد الله أن قيس بن الحارث المذحجي دخل هو والصنابحي على عبادة بن الصامت في مرضه

عيسى بن موسى القرشي

الذي قبض فيه فقال عبادة حين نظر إلى الصنابحي: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما صعد إلى السماء فهو يعمل بما رأى فلينظر إلى هذا. ثم قال: مرحباً بأبي عبد الله! والله لئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استشهدت لأشهد لك، ولئن قدرت لأنفعنك. ثم قال: أقعدوني، فأقعد، ثم قال: أما إني سأحدثكم حديثاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو علمت أن أقوم من مضجعي هذا لم أحدثكموه - مع أنه قد كان يعمل - إني أحدثكم بحديث، فليحدث الحاضر منكم الغائب: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مات لا يشرك بي شيئاً فقد حرم الله عليه النار. عيسى بن موسى القرشي دمشقي، غير المذكور آنفاً. حدث عن عطاء الخراساني، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله جميلٌ يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده. الكبر من سفه الحق وغنص الناس. عيسى بن يزيد أبو عبد الرحمن الأنطرطوسي، الأعرج من أهل أنطرطوس، من مدينة من نواحي أطرابلس من ساحل دمشق. حدث عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سلمان الفارسي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصلاة كيل ووزن، فمن أوفى وفي له، ومن نقص فقد علمتم ما أنزل في المطففين.

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق

عيسى بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله أبو عمرون، ويقال أبو محمد السبيعي من الكوفة. سكن الشام وقدم دمشق. حدث عن الأعمش، عن يزيد بن وهب، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لا يرحم الناس لا يرحمه الله. وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية ويثيب عليها. وفي حديث آخر: ولا يأكل الصدقة. وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت؛ والثيب تصيب من أمرها ما لم تدع إلى سخطه، فإن دعت إلى سخطه وكان أولياؤها يدعون إلى الرضا رفع ذلك إلى السلطان. وحدث عن أخيه عن الأعمش عن ابن وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عودوا المريض، وأجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تصرموا المسلمين. وحدث عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً. فقالت الأولى: زوجي لحم جملٍ غث على رأس جبل، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى. قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره اذكر عجره وبجره.

قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق. قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سامة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف، ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي عيا ياء - أو غيا ياء - طبا قاء، كل داءٍ له داء، سجك أو فلك أو جمع كلا لك. قالت الثامنة: زوجي الريح ريح زرنب، والمس مس أرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.

قالت العاشرة: زوجي مالك، فما مالك، مالكٌ خير من ذلك، له إبلٌ كثيرات المبارك، قليلات المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حلي أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائسٍ ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح. أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فياح؛ ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعة كمسل شطبةٍ، يشبعه ذراع الجفرة؛ بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها وغيظ جارتها؛ جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا

تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا. قالت: خرج أبو زرعٍ والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطيا، وأراح علي نعماً ثريا، وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً وقال: كلي أم زرع وميري أهلك فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع. قالت عائشة: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرع. توفي عيسى بن يونس بالحدث سنة إحدى وتسعين ومئة. وقيل سنة إحدى وثمانين. وقيل توفي سنة ثمانٍ وثمانين ومئة وكان ثقة. كان عيسى بن يونس سنة في الغزو وسنة في الحج، وكان قدم إلى بغداد في شيءٍ من أمر الحصون، فأمر له بمال، فأبى أن يقبل. حدث محمد بن المنذر الكندي - وكان جاراً لعبد الله بن إدريس - قال: حج الرشيد ومعه الأمين والمأمون، فدخل الكوفة، فقال لأبي يوسف: قل للمحدثين يأتونا يحدثونا. فلم يتخلف عنه من شيوخ الكوفة إلا اثنان: عبد الله بن

إدريس وعيسى بن يونس، فركب الأمين والمأمون إلى عبد الله بن إدريس فحدثهما بمئة حديث، فقال المأمون لعبد الله: يا عم! أتأذن لي أن أعيدها عليك من حفظي؟ قال: افعل، فأعادها كما سمعها، وكان أبو إدريس من أهل الحفظ يقول: لولا أني أخشى أن ينفلت مني القرآن ما دونت العلم، فعجب عبد الله بن إدريس من حفظ المأمون! وقال المأمون: يا عم، إلى جانب مسجدك دار، إن أذنت لنا اشترناها ووسعنا بها المسجد؟ فقال: ما بي إلى هذا حاجة، قد أجزأ من كان قبلي، وهو يجزيني. فنظر إلى قرحٍ في ذراع الشيخ فقال: إن معنا متطببين وأدوية، أفتأذن أن يجيئك من يعالجك؟ قال: لا، قد ظهر بي مثل هذا وبرأ. فأمر له بمالٍ جائزة، فأبى أن يقبله. وصار إلى عيسى بن يونس، فحدثهما، فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها، فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفاً فقال عيسى: لا ولا إهليلجة، ولا شربة ماءٍ على حديث سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهباً إلى السقف! فانصرفنا من عنده. قال جعفر بن يحيى بن خالد: ما رأينا في القراء مثل عيسى بن يونس! أرسلنا إليه فأتانا بالرقة، فاعتل قبل أن يرجع، فقلت له: يا أبا عمرو! قد أمر لك بعشرة آلاف، فقال: هيه فقلت: هي خمسون ألفاً، قال: لا حاجة لي فيها. فقلت: ولم؟ أما والله لأهنئنكها، هي والله مئة ألف. قال: لا والله، لا يتحدث أهل العلم أني أكلت للسنة ثمناً، ألا كان هذا قبل أن ترسلوا إلي! فأما على الحديث فلا ولا شربة ماء ولا إهليلجة. قيل: إن عيسى بن يونس غزا خمساً وأربعين غزوة، وحج خمساً وأربعين حجة، وتوفي سنة سبعٍ وثمانين. وكان ثقةً، ثبتاً.

عيلان بن زفر بن جبر

عيلان بن زفر بن جبر ابن مروان بن سيف بن يزيد بن شريح بن شقيق أبو الهذام المازني الفقيه، الشافعي، أخو محمد بن زفر عيلان: بالعين المهملة. حدث عن أبي الحسن أحمد بن محمود بن مقاتل الهروي قال: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: رأيت في يومٍ واحد بأرض اليمن ثلاث أعجوبات، رأيت حجاماً أعمى مقعداً يعبر الرؤيا؛ ورأيت رجلاً مذبوحاً من قفاه من أذنه إلى أذنه وقد دووي وبرأ، وهو يجيء ويذهب ويذهب، ورأيت حبة تحمل على بعير. شريح بن شقيق ممن على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي أبو الهيدام سنة ثمانٍ وعشرين وثلاث مئة. عيينة بن عائشة بن عمرو ابن الشري بن علاثة بن الحارث امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن إلياس بن مضر بن نزار صحابي شهد غزوة مؤتة. حدث عن خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحرب خدعة.

أسماء النساء على حرف العين المهملة

أسماء النساء على حرف العين المهملة عاتكة بنت عبد الله بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان وهي مولاة زجلة من فوق. قال سعيد بن عبد العزيز: كانت عاتكة بنت عبد الله بن يزيد، فرآها لبست لبسة رجل، فطلقها. قال الزبير بن بكار: رأت عاتكة في المنام قائلاً يقول: من الكامل إن الشباب وعيشنا اللذ الذي ... كنا به زمناً نسر ونجذل ذهبت بشاشته وأصبح ذكره ... حزناً يغل به القؤاد وينهل قال: فأول الناس ذلك من رؤيا عاتكة زوال ملك بني أمية، فكان كما أؤلوا.

عاتكة بنت يزيد بن معاوية

عاتكة بنت يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية، أم البنين الأموية زوج عبد الملك بن مروان، وأم يزيد بن عبد الملك. وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز. وإلى عاتكة تنسب أرض عاتكة، خارج باب الجابية، وكان لها بها قصر، وبها مات عبد الملك بن مروان. لما أراد عبد الملك الخروج إلى مصعب بن الزبير ناشت به ارمأته عاتكة بنت يزيد وبكت، فبكى جواريها معها؛ فجلس ثم قال: قاتل الله ابن أبي جمعة حين يقول. إذا ما أراد الغزو لم تثن همه ... حصان عليها نظك در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه ... بكت فبكى مما عراها قطينها ثم مضى. قال محمد بن حبيب: كانت عاتكة بنت يزيد تضع خمارها بين يدي اثني عشر خليفةً كلهم لها محرم: أبوها يزيد بن معاوية، وأخوها معاوية بن يويد، وجدها معاوية بن أبي سفيان، وزوجها عبد الملك بن مروان، وأبو زوجها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام، وابن ابنها الويد بن يزيد، وابنا ابن زوجها يزيد بن الوليد، وابراهيم بن الوليد المخلوع. قال عبد الملك بن مروان لعاتكة بنت يزيد: لو أشهدت بمالك لولدك، قالت: أدخل علي ثقةٌ من ثقات موالي حتى أشهدهم، فوجه إليها بعددٍ منهم، ووجه معهم روح بن زنباع، فأبلغها روح الرسالى فقالت: يا روح، بني في غنى عن مالي بأبيهم وموضعهم من الخلافة، ولكني أشهدكم أني قد أوقفت جميع مالي على آل أبي سفيان، فهم إلى ذلك أحوج لتغير حالهم. فخرج روح وقد تغير

عائشة بنت طلحة بن عبيد الله

لونه، فقال له عبد الملك: ما لك؟ قال: وجهتني إلة معاوية جالس في أثوابه! وأخبره الخبر. قال ابن جندب: استأذنت ابنة يزيد بن معاوية عبد الملك بن مروان في الحج، فأذن لها وقال: ارفعي حوائجك واستظهري، فإن عائشة بنت طلحة تحج، وإن أقمت كان أحب إلي، فأبت، فرفعت حوائجها وتهيأت، فجهزها، فلما كانت بين مكة والمدينة أقبل ركبٌ في جماعة فضعضعها وفرق جماعتها، فقالوا: عائشة بنت طلحة، فإذا ذلك مع جاريةٍ من جواريها، ثم جاء ركبٌ في موكبٍ مثله، فقال: ما شطتها، ثم جاء موكبٌ أظم من ذلك في ثلاث مئة راحلة، فقالت عاتكة: ما عند الله خيرٌ وأبقى. قالوا: إن عاتكة بقيت حتى أدركت قتل ابن ابنها الوليد بن يزيد بن عبد الملك. عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة أم عمران التيميية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق امرأة جليلة تحدث الناس عنها بقدرها وأدبها، ووفدت على عبد الملك بن مروان وعلى هشام بن عبد الملك. حدثت عن عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم قالت: جاءت الأنصار بصبي لهم إلى النبي صلى الله عليى وسلم فقلت - أو قيل -: هنيئاً له يا رسول الله! لم يعمل شراٌ قط ولم يدركم، عصفورٌ من عصافير الجنة. قال: أو غير ذلك إن الله

خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم. لما وفدت عائشة بنت طلحة على عبد الملك وأرادت الحج حملها احشامها على ستين بغلاً من بغال الملوك، فقال عروة بن الزبير: يا عيش يا ذات البغال الستين ... أكل عامٍ هكذا تحجين تزوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي. قال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليى وسلم. فقالت: والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة. قال أنس بن مالك: دخلت على عائشة بنت طلحة في حاجة، فقلت: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أفلا قلت لي فألبس ثيابي! من أحسن الناس في زمانها. قال إسحاق بن طلحة دخلت على أم المؤمنين وعندها عائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك. قال: فجعلت أمها تسبها وتقول: أنت خير مني! قال: فقالت عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم: ألا أقضي بينكما؟ قالتا: بلى، قالت: فإن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليى وسلم فقال له: يا أبا بكر! أنت عتيق الله من النار. فمن يومئذٍ سمي عتيقاً. قالت: ودخل طلحة بن عبيد الله عليه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه. حدثت عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فدخل

عليها زوجها هنالك وهو صائم، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ فقالت: نعم. قالت عائشة بنت طلحة: سافرت إلى مكة في العمرة، فلقيت عائشة أم المؤمنين فقالت لي: مالي أراك شعثة سيئة الهيئة! قالت: أسقطت سقطاً - أو ولدت ولداً - ولم أغتسل بعد. قالت: اغتسلي وادهني وتطيبي، فإنه قد حل لك كل شيء إلا زوجك. حدث ابن عياش أن عائشة بنت طلحة كانت عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها، ثم هلك، فتزوجها مصعب بن الزبير فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر حيث وجهه عبد الملك من الشام إلى أبي فديك، وأمره أن ينتخب من أهل الكوفة ستة آلاف ومن أهل البصرة ستة آلاف فبنى بها في الحيرة. قال ابن عياش: فحدثني من شهد عرسه تلك الليلة أنه مهدت له فرش لم أر مثلها، سبعة أذرع في عرض أربعة أذرع. قال: فانصرف تلك الليلة عن سبع مراتٍ. قال: فلقيته مولاةٌ لها حيث أصبح فقالت له: أبا حفص فديتك كملت في كل شيءٍ حتى في هذا! فلما مات ناحت عليه قائمة ولم تنح على أحدٍ منهم قائمة غيره. وكانت العرب إذا ناحت المرأة على زوجها قائمة علموا أنها لا تتزوج بعده. فقيل لها: يا عائشة! والله ما صنعت هذا بأحدٍ من أزواجك! فقالت: إنه كان فيه خلالً ثلاث، لم تكن في واحدٍ منهم: كان سيد بني تيم، وكان أقرب القوم، وأردت أن لا أتزوج بعده أبداً. قال: فعلم أنها كانت تؤثره على غيره. قال إسحاق: دخلت على عائشة بنت طلحة، وكانت لا تحتجب من الرجال، تجلس وتأذن كما يأذن الرجل، فلقد رأيتني دخلت عليها وهي متكئة، ولو أن بعيراً أنيخ وراءها مارئي.

قال أبن إسحاق: فتزوجها مصعب بن الزبير على مئة ألف دينار. ثم تزوجها ابن عمها عمر بن عبيد الله، فأصدقها مئة ألف دينار. حد الشعبي: دخلت المسجد باكراً فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالساً والناس عنده، فجلست، وذهبت لأنصرف فقال: ادن، فدنوت فقال: إذا قمت فاتبعني، فجلست مليا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، وتبعته، فلما طعن في الدار التفت إلي فقال: ادخل، ومضى نحو حجره، وتبعته، فالفت إلي فقال: ادخل، فدخلت فدخل صفته، فدخلت معه فإذا حجلة، وإنها لأول حجلةٍ رأيتها لأمير، فقمت ودخل الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف ولا الجلوس، فإذا جاريةً قد جاءت فقالت: يا شعبي؛ يأمرك الأمير أن تجلس، فجلست على وسادة، ورفع سجف الحجلة، فإذا أجمل الناس! فلم أر زوجاً قط أجمل منهما! مصعب وعائشة بنت طلحة، فقال: يا شعبي أتعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة. قال: لا، ولكن هذه ليلى، ثم أنشأ يقول: من الطويل وما زلت في ليلى لدن طرشاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن وأحمل في ليلى لقومٍ ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن إذا شئت يا شعبي، قال: فقمت، ثم رحنا إلى المسجد، فإذا مصعب جالس على سرير، فسلمت فقال: ادن، فدنوت، ثم قال: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلى فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟ قلت: لا والله، قال: أتدري لم أخلناك؟ قلت: لا، قال لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي

فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً. قال: فما انصرف أحد يومئذٍ بما انصرفت به، عشرة آلاف درهم ومثل كارة القصار ثياباً، ونظر إلى عائشة!. وفي رواية: فقالت عائشة: ينصرف هكذا وقد رآني! فأمر لي بحق مليء وثياب. وفي رواية: ثو قال: يا شعبي إنها اشتهت علي حديثك فحادثها، فخرج وتركها، فجعلت أنشدها وتنشدني، وأحدثها وتحدثني حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح: من الطويل ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فقد هلكت لبنى فما أنت صانع قال: فلقد رأيتها وفي يدها غراب تنتف ريشه، وتضربه بقضيبٍ وتقول له: يا مشؤوم!. وجه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية - وكانت من أعقل النساء - فأتته فقال لها: يا عزة! قد عزمت على تزويج عائشة بنت طلحة، وأنا أحب أن تصيري إليها متأملة لخلقةٍ مؤدية لخبرها إلى. فقالت: يا جارية، علي بمنقلي، فلبسته ثم صارت إلى منزل عائشة، فلما دخلت عليها قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطت لنا؟ قالت: جئت في حاجة، قالت: إذاً تقضى، قالت: ارمي عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت، ثم قالت لها: أعوذك بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك، ثم رجعت إلى مصعب فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيت وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان، وإن هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى، وخدان أسيلان وفم كفم الرمانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدر فيه حقا عاجٍ، تحت ذلك

بطن أقب، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان كدعص الرمل، وفخذان لفاوان، وساقان رياوان، غير أني رأيت في رجليها كبراً، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة. فلما تزوجها مصعب ودخل بها دعت عائشة عزة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها غنتهن ومصعب قائم في دهليز الدار: من المتقارب وثغر أغر شتيت النبات ... لذيذ المقبل والمبتسم وما ذقته غير ظني به ... وبالظن يحكم فينا الحكم فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزة، لكنا والله ذقناه فوجدناه كما ذكرت. كان مصعب بن الزبير - وهو على العراق - كذيراً ما يولع بقصيدة جميل بن معمر العذري، وبهذا البيت خاصة: من البسيط ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر يوم جلتها أم منظور فقال مصعب: أفلا تجلين عائشة بنت طلحة علي كما جليتها؟ قالت: هيهات! هي بين يديك في كل ساعة وفي كل وقت، قال: فإنها من أشكس خلق الله خلقاً، فتصلحين بيني وبينها، لقد بلغ من شكاستها أني بعثت إليها أترضاها وبعثت إليها بأربع مئة ألف درهم فردتها علي وشتمت الرسول. فدخلت عليها أم منظور ثم قالت: مثلك في شرفك وقدرك في نفسك، ينسب إليك هذا الخلق وهذا الفعال الذي لا يشبهك! تحوجين زوجك إلى هذا! فسكتت عائشة فلم ترد عليها؛ وقالت أم منظور لمصعب: قد كلمتها لك فسكتت، ورضاها صمتها. ودخل مصعب، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه، فكسر الباب ودخل، فتنازعا، فضربها وضربته، فأصلحت بينهما أم منظور، فقال مصعب لعائشة: هذه أربع مئة ألف قد حضرت، وإلى أيام يأتينا مثلها ندفعها إليك، فأمرت عائشة بدفع

الأربع مئة ألف المعجلة إلى أم منظور. قال ابن وداع الوراق: مر بلبل المجنون يوماً فجلس إلي ونظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه فمر به أبيات فيها: من الطويل ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل فقال لي: أتعرف من تمثل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه فهجرته، فبلغ ذلك منه وانفتق عليه فتق بالبصرة فثار إليه، فرتقه ورجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنئة بظفره لسره ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال لها: مرحباً بالغضبان العاتب وأنشد: ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل فقالت: والله لولا التهنئة لطال الإعراض. ثم أهوت إليه فعانقته فقال: معذرة من سهك الحديد، فقالت: أوذنب ذاك؟ لهو أطيب من ريح المسك. ثم قالت: أفلح الوجه وعلا العقب وليهنك الظفر! يا جواري أرخين الستور وانصرفن. فخلوا لشأنهما. قال ابن وداع: فكتبت هذا ولم ألبث أن مر بنا علام الطاهري، فأقبل علي فقال: من الطويل بحق الهوى إن كنت ممن يحيه ... تحب غلام الطاهري المقرطقا

عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية

فإن قلت لي لا كنت كالشاه خيبة ... وإن قلت إيهاً كنت عندي الموفقا وقام يسرع السعي خلفه ثم نادى: الشاه بن ميكال الشاه بن ميكال! فأثبت البيتين، ولم أعرف آخر خبره. كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى بن سعيد، يخطب عليه عائشة بنت طلحة، ففعل، فقالت ليحيى: ما أنزل أبان أيلة؟ قال: أراد رخص سعرها وأراد العزلة، فقالت: اكتب إليه عني: من الطويل حللت محل الضب لا أنت ضائر ... عدواً ولا مستنفع بك نافع عبدة بنت أحمد بن عطية العنسية أخت أبي سليمان الداراني من المتعبدات. قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: إني لأمرض، فأعرف الذنب الذي أمرض به، أصابني مرض لم أعرف له سبباً! قال: فدخلت علي أختي فقلت لها: دعوت الله أن يسلط علي المرض؟ قالت: نعم. قال: لو لم أجد إلا أن أعترض على الحمار لم أدع الحج. قال أحمد: فخرج إلى الحج. زاد في آخر: فخرجت فما زلت عليلاً.

عبدة بنت عبد الله بن يزيد

قال أبو سليمان: وصفت لأختي عبدة قنطرةٌ من قناطر جهنم، فأقامت يوماً وليلةً في صحبة واحدة ما سكتت، ثم انقطع عنها بعد، فكلما ذكرت لها صاحت صيحةً واحدة ثم سكتت. قلت: من أي شيءٍ كان صياحها؟ قال مثلت نفسها على القنطرة وهي تكفأ بها. عبدة بنت عبد الله بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان بن حرب، زوج هشام بن عبد الملك وعبدة هي المذبوحة، ذبحت أيام عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس. ولها يقول عمرو بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص حين أخذت أمها أم موسى بنت عمرو بن سعيد درع عبدة بنت عبد الله: من السريع يا عبد لا تأسي على بعدها ... فالبعد خير لك من قربها لا بارك الرحمن في عمتي ... ما أبعد الإيمان من قلبها كانت عبدة بنت عبد الله عند هشام بن عبد الملك، وكانت من أجمل النساء، فدخل عليها يوماً وعليها ثيابٌ سودٌ رقاق، من هذه التي يلبسها النصارى يو عيدهم، فملأته سروراً حين نظر إليها، ثم تأملها فقطب، فقطبت فقالت: مالك يا أمير المؤمنين! أكرهت هذه؟ ألبس غيرها؟ قال: لا، ولكن رأيت هذه الشامة التي على كشحك من فوق الثياب، وبك تذبح النساء - وكانت بها شامةٌ في ذلك الموضع - أما إنهم سينزلونك عن بغلةٍ شهباء وردة - يعني بني العباس - ثم يذبحونك ذبحاً. قوله: تذبح بك النساء. يعني إذا كانت دولةٌ لأهلك ذبحوا بك من نساء القوم الذين ذبحوك. فأخذها عبد الله بن علي بن عيد الله بن العباس، فكان معها من الجوهر مالا يدرى ما هو، ومعها درع يواقيت وجوهر منسوحٌ بالذهب، فأخذ ما كان معها وخلى سبيلها. فقالت في الظلمة: أي دابةٍ تحتي؟ قيل لها: لظلمة الليل - فقالت:

نجوت. قال: فأقبلوا على عبد الله بن علي فقالوا: ما صنعت أدنى ما يكون، يبعث أبو جعفر إليها فتخبره بما أخذت منها فيأخذه منك، اقتلها. فبعث في إثرها وأضاء الصبح، فإذا إليها فتخبره بما أخذت منها فيأخذه منك، اقتلها. فبعث في إثرها وأضاء الصبح، فإذا تحتها بغلةً شهباء وردة؛ فلحقها الرسول فقالت: مه؟ قال: أمرنا بقتلك، قالت: هذا أهون علي. فنزلت فشدت درعها من تحت قدميها وكميها على أطراف أصابعها وخمارها، فما رئي من جسدها شيء. والذي لحقها مولى لآل العباس. قال ابن عائشة: فرأيت من يدخل دورنا يطلب اليواقيت للمهدي ليتم به تلك الدرع التي أخذت منها. وإنما كانت بدناً تغطي المرأة إذا قعدت. ولما دخلت البصرة الزنج دخلوا دار جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فجاؤوا إلى بنته آمنة وهي عجوز كبيرة قد بلغت تسعين سنة، فلما رأتهم قالت: اذهبوا بي إليه، فإنه ابن خال جدتي أم الحسن بنت جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي. قالوا: بك أمرنا. فقتلوها. قال أحمد بن إبراهيم: كانت عبدة ابنة عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية عند يزيد بن عبد الملك، ثم خلف عليها هشام، وكانت من أحب الناس إليه، وكانت حولاء جميلةٌ، فقبض عليها عبد الله بن علي بحمص ودفعها إلى الكابلي وقال له: اذهب بها فاذبحها. فلما ضرب بيده إليها أنشأت تقول متمثلةً بشعر خال الفرزدق: من الوافر إذا جر الزمان على أناسٍ ... كلاكله أناخ بآخرينا

عتبة المدنية

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا فقال لها: يا خبيثة! أتدرين لم أقتلك؟ قالت: لا، قال: إنما أقتلك بامرأة زيد بن علي. فذهب بها الكابلي فذبحها بخربةٍ بحمص. فيقال إن السفياني يخرج ثائراً بها. قال أبو القاسم: هكذا أنشدنا هذين البيتين في هذا الخبر، والذي أنشده أبو بكر بن السراج عن المرد: من الوافر فإن نغلب فغلابون قدماً ... وإن نغلب فغير مغلبينا وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا عتبة المدنية كان لها في الغناء ذكر. لما ولي الوليد بن يزيد الخلافة أمر بأن تخرج إليه فأخرجت، فلما قدمت دعا بها وجمع ندماءه والمغنيين، فلما رأت كثرة من حضر ممن يغني قالت: يا أمير المؤمنين! قد دعوت بي فاسمع ما عندي، فإن أعجبك فاصرف هؤلاء واستمتع بما سمعته مني، وإن لم يعجبك فاصرفني وأقبل عليهم. فقال لها: هاتي فقد أنصفت في القول فقالت: من الطويل يقولون من طول اعتلالك بالقذى ... أجدك ما تلقى لعينيك شافيا بلى إن بالجزع الذي ينبت الغضى ... لعيني لو لاقيته لمداويا وأقبلن من أقصى الخيام يعدنني ... بقية ما أبقين نصلاً يمانيا يعدن مريضاً هن هيجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا

عريب المأمونية

تجمعن شتى من ثلاث وأربعٍ ... وواحدةٍ حتى كملن ثمانيا فقال لها: أحسنت، ما نريد مزيداً عليك! وصرف المغنين واقتصر عليها يومئذ. عريب المأمونية قيل: إنها ابنة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي. لما انتهت دولة البرامكة سرقت صغيرة وبيعت، واشتراها الأمين، ثم اشتراها المأمون. وكانت شاعرةٌ مجيدة، ومغنية محسنة. وقدمت دمشق مع المأمون. قال حماد بن إسحاق: قال أبي: ما رأيت امرأة قط أحسن وجهاً وأدباً وغناء وصوتاً وشعراً ولعباً بالشطرنج والنرد من عريب! وما تشاء أن تجد خصلةٌ حسنة ظريفة بارعة في امرأة إلا وجدتها فيها. قال علي بن يحيى المنجم: خرجت من حضرة المعتمد فصرت إلى عريب، فلما قربت من دارها أصابني مطر بل ثيابي فأمرت بأخذ ثيابي عني وأتتني بخلعةٍ فلبستها وأحضرنا الطعام فأكلنا، ودعت بالنبيذ، وأخرجت جواريها ثم سألتني عن خبر الخليفة في أمس ذلك اليوم وشربه، وأي شيءٍ كان صوته، وعلى من كان، فأخبرتها أن بناناً غناه: من مجزوء الوافر وذي كلفٍ بكى جزعاً ... وسفر القوم منطلق به قلقٌ يململه ... وكان وما به قلق

جوارحه على خطرٍ ... بنار الشوق تحترق جفون حشوها الأرق ... تجافى ثم تنطبق فأمرت بإحضار بنانٍ فحضر، وقدم إليه طعام، فأكل وشرب، وأتي بعود، فلما شرب اقترحت عليه الصوت فغناه، فأخذت دواةٌ ودرجاً وكتبت من مجزوء الوافر أجاب الوابل الغدق ... وصاح النرجس الغرق فهات الكأس مترعةٌ ... كأن حبابها حدق تكاد لنور بهجته ... حواشي الكأس تحترق فقد غنى بنان لنا ... " جفون حشوها الأرق " فعدل بنان بلحن الصوت إلى شعرها، وغنانا فيه بقية يومنا. كتبت عريب إلى محمد بن حامد الذي كانت تحبه تستزيره، فكتب إليها: إني أخاف على نفسي من المأمون فكتبت إليه: من المتقارب إذا كنت تحذر ما تحذر ... وتزعم أنك لاتجسر فمالي أقيم على صبوتي ... ويوم لقائك لا يقدر فكتب إليها محمد بن حامد يعاتبها على شيء بلغه عنها، فاعتذرت إليه فلم يقبل عذرها فكتبت إليه: من المتقارب تبينت عذري فما تعذر ... وأبليت جسمي وما تشعر ألفت السرور وخليتني ... ودمعي من العين ما يفتر فقبل عذرها وصار إليها. دخلت بعض جواري المتوكل على عريب فقالت لها: تعالي ويحك قبلي هذا الموضع مني، فإنك ستجدين ريح الجنة منه، وأومأت إلى سالفتها، ففعلت وقالت: ما السبب في هذا؟ فقالت: قبلني الساعة صالح المنذري في هذا الموضع.

كان المعتصم يطرق عريباً كثيراً، فشغل أياماً عنها، وكانت تتعشق فتى، فأحضرته ذات يوم، وقعدت تسقيه وتشرب معه وتغنيه، إذ أقبل المعتصم، فأدخلته بعض المجالس، ووافى المعتصم فرأى من الآلة والزي ما أنكره! وقال لها: عريب! ما هذا؟ قالت: جفاني أمير المؤمنين هذه الأيام واشتد شوقي إليه، وعيل صبري فمثلت مجلس أمير المؤمنين إذا طرقني وأحضرت من الآلة ما كنت أحضره إذا زارني وأكرمني، ونصبت له شرابه بين يديه كما كنت أفعل، وجعلت شرابي بين يدي كأسي؛ فهذه حالي إلى أن دخل أمير المؤمنين، فصح فألي. فقعد المعتصم وشرب وفرح وسكر، فلما انصرف أخرجت الفتى، فما زالا في أمرهما إلى الصبح. قال عبد الله بن المعتز: وقعت إلي رقاعٌ لعريب، مكاتبات منثورة ومنظومة، فقرأت رقعةٌ منها إلى المأمون وقد خرج إلى فم الصلح، لزفاف بوران: من السريع انعم تخطتك صروف الردى ... بقرب بوران مدى الدهر درة خدرٍ لم يزل نجمها ... بنجم مأمون العلا يجري حتى استقر الملك في حجرها ... بورك في ذلك من حجر يا سيدي لا تنس عهدي فما ... أطلب شيئاً غير ما تدري قال عبد الله: فذكرت ذلك لعجوزٍ من جواري بوران، فعرفت القصة وقالت: إن المأمون قرأ الرقعة على بوران فقال: أفهمت معنى الزانية؟ قالت: نعم، فبالله يا سيدي إلا سررتني بالكتاب بحملها إليك. فحملت إليه. لما توفى محمد بن حامد الذي كانت عريب تحبه صار جعفر بن حامد إلى منزله لينظر

إلى تركته، فأخرج إليه سفط مختوم، وإذا فيه رقاع عريب، فجعل بتصفحها ويضحك فأخذت رقعةٌ فإذا فيها شعر لها: من المجتث ويلي عليك ومنكا ... أوقعت في القلب شكا زعمت أني خؤون ... جوراً علي وإفكا ولم يكن ذاك مني ... إلا مجوناً وفتكا إن كان ما قلت حقاً ... أو كنت حاولت تركا فأبدل الله قلبي ... بفتكه الحب نسكا دخلت عريب إلى المتوكل وقد نهض من علةٍ أصابته، وعاد إلى عاداته واصطحب، فغنت: من البسيط شكراً لأنعم من عافاك من سقم ... كنت المعافى من الآلام والسقم عادت بنورك للأيام بهجتها ... واهتز نبت رياض الجود والكرم ما قام للدين بعد المصطفى ملكٌ ... أغف منك ولا أرعى على الذمم فعمر الله فينا جعفراً ونفى ... بنور سنته عنا دحى الظلم فطرب وشرب وأجلسها إلى جنبه، ولم تزل تغنيه إياه ويشرب عليه حتى سكر. ودخلت عليه قبل نهوضه من العلة والحمى تعتاده، فقال لها: أنت مشغولةٌ عني بالقصف وأنا عليل! فقالت هذا الشعر: من الطويل أتوني فقالوا بالخليفة علةٌ ... فقلت ونار الشوق توقد في صدري ألا ليت بي حمى الخليفة جعفرٍ ... فكانت بي الحمى وكان له أجري كفى حزناً أن قيل حم فلم أمت ... من الحزن إني بعد هذا لذو صبر جعلت فداءٌ للخليفة جعفرٍ ... وذاك قليلٌ للخليفة من شكر

فلما عوفي قالت: من الطويل حمدنا الذي عافى الخليفة جعفراً ... على رغم أشايخ الصلالة والمفر وما كان إلا مثل بدرٍ أصابه ... كوفٌ قليلٌ ثم أجلى عن البدر سلامته للدين عز وقوةٌ ... وعلته للدين قاصمة الظهر مرضت فأمرضت البرية كلها ... وأظلمت الأبصار من شدة الذعر فلما استبان الناس منك إفاقةٌ ... أفاقوا وكانوا كالقيام على الجمر سلامة جنيانا سلامة جعفرٍ ... فدام معافى سالماُ آخر الدهر إمام يعم الناس بالعدل والتقى ... قريباً من التقوى بعيداً من الوزر كانت عريب تعشق صالحاً المنذري، وتزوجته سراً، فوجه به المتوكل في حاجةٍ له إلى مكانٍ بعيد، فعملت فيه شعراً وصاغته لحناً وهو: من مجزوء الكامل أما الحبيب فقد مضى ... بالرغم مني لا الرضا أخطأت في تركي لمن ... لم ألق منه عوضا لبعده عن ناظري ... صرت بعيشي غرضا وغنته بين يدي المتوكل، فاستعاده مراراً وجواريه يتغامزون ويضحكن، ففطنت، فأصغت إليهن سراً من المتوكل وقالت: يا سحاقات! هذا خيرٌ من عملكن. مرضت قبيحة فقال المتوكل لعريب: قولي في علة قبيحة شيئاً، وغني فيه، وليكن قولك الشعر على لساني يذكر ولعي بها. فقالت: من البسيط بثت قبيحة في قلبي لها حرقا ... وبدلت مقلتي من نومها أرقا ما ذاك إلا لشكواها فقد عطفت ... قلبي على كل شاكٍ بعدها شفقا كأنها زهرةٌ بيضاءٌ قد ذبلت ... أو نرجسٌ مس مسكاً طيباً عبقا إني لأرحم من حبي لها سلمت ... من كل حادثةٍ يا قوم من عشقا

عزة بنت حميل بن حفص

وغنت فيه، فاستحسنه المتوكل وأمر أن تدخل إلى قبيحة فتنشدها الشعر وتغنيها به، فقالت لها قبيحة: فأجيبيه عني، فقالت: من البسيط يا سيدي أنت حقاً سمتني الأرقا ... وأنت علمت قلبي الوجد والحرقا لولاك لم أتالم علة أبداً ... لكن على كبدي أسرفت فاحترقا إذا شكوت إليه الوجد كذبني ... وإن شكا قال قلبي خيفةً صدقا وخرجت إليه فأنشدته الشعر وغنت فيه. ولها في المستعين أشعار كثيرة. ولدت عريب سنة إحدى وثمانين ومئة، وتوفيت سنة سبعٍ وسبعين ومئتين بسر من رأى ولها ست وتسعون سنة. عزة بنت حميل بن حفص ويقال بنت حميد بن وقاص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار وفي نسبها اختلاف أم عمرو الضمرية، صاحبة كثير وفدت على عبد الملك. وحميل: بضم الحاء المحملة وفتح الميم. دخلت عزة على عبد الملك بن مروان - وهو لا يعرفها - ترفع مظلمة لها، فلما سمع كلامها تعجب منه! فقال له بعض جلسائه: هذه عزة كثير، فقال عبد الملك: إن أردت أن أرد عليك مظلمتك فأنشديني ما قال فيك كثير، فاستحيت وقالت: والله ما أعرف كثيراً، لكني سمعتهم يحكون عنه أنه قال في: من الطويل

قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطولٌ معنى غريمها فقال عبد الملك: ليس عن هذا أسألك، ولكن أنشديني من قوله: من الطويل وقد زعمت أني تغيرت بعدها ... ومن ذا الذي ياعز لا يتغير تغير جسمي والخليفة كالذي ... عهدت ولم يخبر بسرك مخبر قالت: قد سمعت هذا ولكني سمعت الناس يحكون عنه أنه قال في: من الطويل كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت صفوحٌ فما تلقاك إلا ملولة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت فقضى حاجتها ورد مظمتها وقال: ادخلوها على الجواري يأخذن من أدبها. وعن أن البنين ابنة عياض بن الحسن الأسلمية قالت: سارت علينا عزة في جماعةٍ من قومها فنزلت على بئر ابن يربوع الجهنية، فسمعنا بها فاجتمع جماعةٌ من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حميراء حلوة لطيفة، فتضاءلنها، ومعنا نسوةٌ كلهن لهن الفضل عليها في الجمال والخلق إلى أن تحدثت عزة، فإذا هي أبرع الخلق وأحلاه حديثاً! فما فارقناها إلا ولها الفضل في أعيننا، وما نرى أن امرأة تفوقها حسناً وجمالاً وحلاوة. قال أبو عبيدة: دخل كثير على عبد الملك بن مروان، وكان كثير دميماً، فلما نظر إليه عبد الملك قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. فقال كثير: من الوافر

ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وتحت ثيابه أسدٌ يزيز ويعجبك الطرير فتختبره ... فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لها بزين ... ولكن زينها كرم وخير فقد عظم البعير بغير لب ... فلم يستغن بالعظم البعير يصرفه الصبي بكل وجه ... ويحمله على الخسف الجرير شرار الأسد أكثرها زئيراً ... وخبرتها اللواتي لا تزيز بغاث الطير أكثرها فراخاً ... ولأم الصقر مقلاةٌ نزور فقال له عبد الملك: إن كنا أسأنا لك اللقاء فلسنا نسيء لك الثواب، فاذكر حاجتك، فقال: تزوجني عزة. فأحضر أهلها وأمرهم بتزويجه إياها، فقالوا: هذه امرأة بالغ، فعرض عليها التزويج به، فقالت: بعد ما شهرني في العرب وشبب بي فأكثر ذكري، ما إلى هذا سبيل. فقال فإذ أبيت هذا وكرهته فاكشفي وجهك. فثقل ذلك عليها، ثم فعلت ومضت مكشوفة الوجه إلى بعض حجر عبد الملك، فدخلت الحجرة ونظرت إلى كثير مغضبة، فقال بعض من حضرها جنت جنت. فأنشأ كثير يقول: من الطويل أصاب الردى من كان لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت فهن لأولى بالجنون وبالخنا ... وبالسيئات ماحيين وحيت ولما رأت من حولها نقص الحيا ... رمتني بباقي وصلها ثم ولت فصدت كذات البو تتبع سقرها ... فلما قضت يأساً من البر حنت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملولةٌ ... لدينا ولا مقلية إن تقلت فحلفت أن لا تكلم كثيراً سنةٌ، فلما انصرفت من الحج بصرت بكثير وهو على جمله يخفق نعاساً، فضربت رجله بيدها وقالت: كيف أنت ياجمل؟ فأنشأ كثير يقول: من البسيط حيتك عزة يوم البين وانصرفت ... فحي ويحك من حياك ياجمل لو كنت حييتها مازلت ذا مقةٍ ... عندي وما مسك الإدلاج والعمل ليت التحية كانت لي فأبدلها ... مكان ياجملٌ حييت يا رجل فحن من جزعٍ إذ قلت ذاك له ... ورام تكليمها لو تنطق الإبل دخلت عزة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فقالت لها: يا عزة ما قول كثير: من الطويل قضى كل ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها ما كان هذا الدين؟ قالت: كنت وعدته ثم إني خرجت منها، فقالت: أنجزيها له وعلي إثمها. أرادت عزة أن تعرف ما لها عند كثير، فتنكرت له ومرت به متعرضة، فاتبعها وكلمها فقالت له: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا الفداء لك لو أن عزة أمةً لي لوهبتها لك، قالت: ويحك! لاتفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة ومحض المحبة على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك. وبعد فأين قولك: من الطويل إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول

فقال كثير: بأبي أنت، أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول. ثم قال: من البسيط هل وصل عزة إلا وصل غانيةٍ ... في وصل غانيةٍ من وصلها بدل قالت: فهل لك في المجالسة؟ فقال: كيف لي بذلك؟ فقالت: فكيف بما قلت في عزة وسيرته لها؟ فقال: أقلبه فيتحول إليك ويصير لك. قال: فسفرت عن وجهها وقالت: أغدراً وتنكاثاً يافاسق! وإنك لهاهنا يا عدو الله؟ قال: فبهت وأبلس ولم ينطلق، وتحير وخجل. ثم إنها عرفت أمرها ونكثه وغدره بها، وأعلمته سوء فعاله وقلة حفاظه، ونقضه العهد والميثاق ثم قالت: قاتل الله جميلاً حيث يقول: من الطويل لحا الله من لاينفع الود عنده ... ومن حبله إن صد غير متين ومن هو ذو وجهن ليس بدائمٍ ... على العهد حلافٌ بكل يمين فأنشأ كثير يقول بانخزالٍ وحصرٍ وانكسار يعتذر إليها ويتنصل متمثلاً بقول جميل - ويقال بل سرقه من جميل ونحله إلى نفسه فقال: من الطويل ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من المذعف القاضي وسم الذرارح فمت ولم تعلم علي خيانةٌ ... ألا رب باغي الربح ليس برابح فلا تحمليها واجعليها جنايةٌ ... تروحت منها في مياحة مائح أبوء بذنبي إنني قد ظلمتها ... وإني بباقي سرها غير بائح قال الزبير بن بكار: بينما كثير ينشد الناس وقد حشدوا له إذ مرت به عزة ومعها زوجها، فقال لها زوجها: والله لتسبنه أو لأسوءنك، فقربت منه تسبه فأنشأ يقول: من الطويل يكلفها الخنزير سبي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلت هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزة من أعراضنا ما استحلت

عفراء بنت عقال بن مهاصر العذرية

فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ... ولا شامتٍ إن نعل عزة زلت أصاب الردى من كان يهوى لك الردى ... وجن اللواتي قلن عزة جنت بلغ كثيراً أن عزة مريضةً بمصر وأنها تشتاقه، فخرج يريدها، فلما صار ببعض الطريق إذا غراب بانةٍ ينتف ريشه، فتطير من ذلك، فبينا هو يسير لقي رجلاً عائفاً زاجراً، فأخبره بما صد له وما رأى في طريقه فقال له: لقد ماتت هذه المرأة أو استبدلت بديلاً. فقدم مصر فوجد الناس منصرفين من جنازتها فأنشأ يقول: فما أعيف النهدي لا در درة ... وأعلمه بالزجر لا عز ناصره رأيت غراباً واقعاً بين بانةٍ ... ينتف أعلى ريشه ويطايره فأما غرابٌفاغترابٌ من النوى ... وبانٌ فبينٌ من حبيبٍ تعاشره عفراء بنت عقال بن مهاصر العذرية صاحبة عروة بن حزام بن مهاصر وابنة عمه قدمت الشام ونزلت البلقاء، وكانت بنواحي بصرى، وهي شاعرة. مر ركب بوادي القرى يريدون البلقاء، فوجدوا جنازةٌ، فسألوا: من الميت؟ فقالوا: عروة بن حزام، فقال بعضهم لبعض: لنأتين عفراء بما يسوؤها. فساروا حتى مروا بمنزلها ليلاً، فصاح صائح بأعلى صوته: من الطويل ألا أيها القصر المغفل أهله ... إليكم نعينا عروةً بن حزام فسمعت عفراء الصوت ففهمته ونادت بهم: من الطويل

ألا أيها الركب المخبون ويحكم ... أحقاً نعيتم عروة بن حزام فقال بعضهم: نعم قد دفناه بارضٍ بعيدةٍ ... مقيم بها في سبسبٍ وإكام فقالت: فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا ... بأن قد نعيتم بدر كل ظلام نعيتم فتى يسقى الغمام بوجهه ... إذا هي أمست غير ذات غمام فلا نفع الفتيان بعدك لذةٌ ... ولا مالقوا من صحةٍ وسلام ولا لبس الطيقان بعدك لابسٌ ... ولا جممت بعد الحبيب جمام وقل للحبالى لا يرجين غائباً ... ولا فرحاتٍ بعده بغلام ثم أقبلت على زوجها فقالت: يا هناه! إنه قد كان من أمر ذلك الرجل ما بلغك، والله ما كان إلا على الحسن الجميل، وقد بلغني أنه مات قبل أن يصل إلى أهله، فإن رأيت أن تأذن لي فأخرج في نسوةٍ من قومه فنندبه ونبكي عليه فعلت. فإذن لها، فخرجت تنوح بهذه الأبيات حتى ماتت. وعن ابن أبي الزناد قال: قال عمر بن الخطاب: لو أدركت عفراء وعروة جمعت بينهما. قال معاذ بن يحيى الصنعاني: خرجت من مكة إلى صنعاء، فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس مراحل رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم، فقلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد أن ننظر إلى قبر عفراء وعروة، فنزلت عن محملي وركبت حماري واتصلت بهم، فانتهيت إلى

عمارة أخت الغريض

قبرين متلاصقين، قد خرج من هذا القبر ساق شجرة، ومن هذا القبر ساق شجرة، حتى إذا صارا على قامةٍ التفا، فكان الناس يقولون تآلفا في الحياة وفي الموت. قال إسحاق: فقلت لمعاذ: أترى أي ضربٍ هو من الشجرة؟ فقال: لا أدري، ولقد سألت أهل القرية عنه فقالوا لا تعرف هذا الشجر ببلادنا. عمارة أخت الغريض كانت عمارة من أحسن الناس وجهاً وغناءً. واشتراها عبد الله بن جعفر من العبلات مولياتها، وكتمها من زوجته، وكان يجد بها وجداً شديداً، ثم أهداها إلى يزيد بن معاوية. وفيها يقول بعض فتيان المدينة: من الخفيف لو تمنيت فانتهيت لكانت ... غاية النفس في المنى عماره بأبي وجهك الجميل الذي يز ... داد حسناً وبهجة ونضاره وكان عبد الله بن جعفر اشتراها بثلاثين ألف درهم، ووقعت منه أحسن موقع، ثم وفد إلى معاوية ومعه سائب خاثر وغيره، فلما ورد عليه سر به وأنس بمكانه؛ وكان يسمر معه، فبينا معاوية ليلة خرج من بعض دور حرمه إذ سمع غناءٌ من نحو دار يزيد ابنه، فسعى نحوه حتى قرب منه، فإذا سائب خاثر يغنيه: من الرمل بينما ينعتني أبصرنني ... دون قيد الميل يعدو بي الأغر قالت الكبرى أتعرفن الفتى ... قالت الوسطى نعم هذا عمر قالت الصغرى وقد تيمتها ... قد عرفناه وهل يخفى القمر فما فرغ من الصوت حتى طرب معاوية فضرب برجله الأرض وبعث إلى ابن جعفر

فأحضره فقال له: يا هذا ما جلبت علي بوفادتك بغلمانك المغنين؟! ثم دخل إلى يزيد، فلما رآه غلمانه أسرعوا إليه فأعلموه فتناوم، ومضى معاوية، فلما كان الغد بعث إلى يزيد أن مكان القوم لم يخف علي عندك، فلا تعاودن ذلك. فلم يعاود ومضى إلى عبد الله بن جعفر ليلةٌ، فسأله إخراجهم إليه، ففعل وغنوه، وخرجت عمارة فغنته، فشعف بها، وهم بطلبها منه، ثم أمسك خوفاً من أبيه، وكراهية أن يرده ابن جعفر، ولم تزل في نفسه حتى ولي الخلافة، فوفد إليه سائب خاثر فأقام عنده أياماً؛ ثم ذكر له يزيد أمرها وما في نفسه منها فقال له: إن عبد الله من قد علمت، وهو بعيد المرام، ولست أقدم عليه، ولا مثلي يجسر على مخاطبته في مثل هذا، ولكن عليك ببديح، فدعا به وأبثه سره، وسأله السعي له في ذلك، فلما قدم عليه عبد الله بن جعفر صار إليه بديح فقال له: إنك قد جنيت على نفسك جناية أنت فيها بين حالين: من مفارقة لذةٍ لك وحالٍ تؤثؤها، أو سقوط الجاه وخيبة الوفادة، وعداوة الخليفة. قال له: ويحك! وفيم ذلك؟ فأخبره بالقصة. فقال له: أخرجت أحسن الناس وجهاً وغناءً، إلى شابٌ مترف غزل فهويها، وذهبت بعقله كل مذهب، فكتم ما يلقى خوفاً من أبيه طول هذه المدة! فاختر الجارية أو رأيه؛ قال: فما الرأي عندك؟ قال: الرأي عندي أن تدعني أمضي إليه فأخبره أني قد أشرت عليه أن تهديها له، كأنك لم تعلم بذات نفسه، وتبعث بها إليه ابتداء فيكون ذلك أجمل من ن تجشمه مسألة وشكوى بث، وتتسلى عنها، فإن لك من الجواري عوضاً، فقال ابن جعفر: لا والله مالي منها عوض، وإن فراقها لفراق السرور ما بقيت، ولكن أفعل. فدخل بديح إلى يزيد مبادراً وبشره بالقصة. فلما كان الليل بعث ابن جعفر بها إليه وقد زينها وحلاها وبعث بها مع قيمة جواريه، وأمرها أن تقول له: هذه الجارية كنت ملكتها، وهي رضى لك، ورأيت أن أوثرك بها، فبارك الله لك زسرك. فلما وصلت إليه عظم قدرك ابن جعفر عنده ووهب لبديح ألفي دينار، وقضى حوائج ابن جعفر لوفادته وزاده مئة ألف درهم.

عمرة بنت النعمان بن بشير

عمرة بنت النعمان بن بشير ابن سعد الأنصارية امرأة شاعرةٌ. كان الحارث بن خالد خطب في مقدمه دمشق عمرة بنت النعمان الأنصارية فقالت: من المتقارب كهول دمشق وشبانها ... أحب إلي من الجالية لهم ذفر كصنان التيو ... س أعيا على المسك والغالية فقال الحارث: من الخفيف ساكنات العقيق أشهى إلى النف ... س من السكانات دور دمشق يتضوعن إن تطيبن بالمس ... ك صناناً كأنه ريح مرق ورواهما بعض علماء قريش للمهاجر بن خالد وقال: لنساء من الحجون إلى الحث ... مة في مقعرات ليلٍ وشؤق الحجون: مقبرة أهل مكة وجاه بيت أبي موسى. والحثمة: صخرات مشرفات في ربع عمر بن الخطاب. وقيل: إن هذا الشعر لأختها حميدة بنت النعمان. وقيل: إنه لأمها ليلى بنت هانئ بن الأسود الكندية. وتزوجها المختار بن أبي عبيد الثقفي، وهي التي قتلها مصعب بن الزبير.

قال صالح بن الوجيه: كانت عند المختار امرأتان: إحداهما أم ثابت بنت سمرة بن جندب، والأخرى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري فعرضهما مصعبٌ على البراءة من المختار، فأما بنت سمرة فبرئت منه فخلاها، وأما الأنصارية فقتلها. وكان مصعب بعث إليهما فقال لهما: ما تقولان في المختار؟ فقالت أم ثابت: ما عسيب أن أقول فيه إلا ما تقولون فيه أنت، فقالوا لها: اذهبي. وأما عمرة فقالت: رحمة الله عليه إن كان عبداً من عباد الله الصالحين. فرفعها مصعبٌ إلى السجن وكتب فيها إلى عبد الله بن الزبير، إنها تزعم أنه نبي. فكتب إليه: أن أخرجها فاقتلها. فأخرجها بين الحيرة والكوفة بعد العتمة، فضربها مطر ثلاث ضرباتٍ بالسيف - ومطر تابع لآل فهر من بني عبد الله بن ثعلبة، كان يكون مع الشرط - فقالت: يا أبتاه! يا أهلاه! يا عشيرتاه! فسمع به بعض الأنصار وهو أبان بن النعمان بن بشير، فأتاه فلطمه فقال: يا بن الزانيات! قدعت نفسها قطع الله يمينك. فلزمه فتى رفعه إلى مصعب، فقال: إن أمي مسلمة، وادعى شهادة بني ثعل فلم يشهد له أحد. فقال مصعب: خلوا سبيل الفتي فإنه رأى أمراً فظيعاً. فقال عمر بن أبي ربيعة القرشي في قتل مصعب عمرة بنت النعمان بن بشير: من الخفيف إن من أعجب العجائب عندي ... قتل بيضاء حرةٍ عطبول قتلت هكذا على غير جرمٍ ... إن لله درها من قتيل كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول

حدث محمد بن يوسف أن مصعباً لقي عبد الله بن عمر، فسلم عليه فقال له: أنا ابن أخيك مصعب، فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلافٍ من أهل القبلة في غداةٍ واحدة! عش ما استطعت. فقال مصعب: إنهم كانوا كفرةٌ سحرة، فقال ابن عمر: والله لو قتلت عدتهم غنماً من تراث أبيك لكان ذلك سرفاً. فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك: من الطويل أتى راكبٌ بالأمر ذي النبأ العجب ... بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب بقتل فتاةٍ ذات ذل ستيرةٍ ... مهذبة الأخلاق والخيم والنسب مطهرة من نسل قرمٍ مطهر ... من المؤثرين الخير في سالف الحقب خليل النبي المصطفى ونصيره ... وصاحبه في الحرب والنكب والكرب أتاني بأن الملحدين توافقوا ... على قتلها لا جنبوا القتل والسلب فلا هنأت آل الزبير معيشةً ... وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب كأنهم إذ أبرزوها وقطعت ... بأسيافهم فازوا بمملكة العرب ألم يعجب الأقوام من قتل حرةٍ ... من المحصنات الدين محمودة الأدب من الغافلات المؤمنات بريئةٍ ... من الذم والبهتان والشك والكذب قتلت بنت النعمان سنة سبع وستين. وقيل: إن مصعباً قتلها بغير أمر أخيه، فكتب إليه يعنفه على ذلك. أسماء الرجال على

حرف الغين المعجمة

حرف الغين المعجمة غازي بن لحسن بن أحمد أبو الفضل الحارثي حدث عن أبي القاسم عبد الله بن محمد الخراساني بسنده إلى سبرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حجة الوداع عن المتعة. عبد الله بن محمد هو تمام بن محمد الرازي دلسه علي بن محمد الحنائي وأخطأ في نسبته إلى خراسان، فإن الري ليست من خراسان. الغاز بن ربيعة بن عمرو ابن عوف الجرشي ثم الحميري حدث عن أبيه ربيعة قال: قال يوماً لأهل دمشق: يا أهل دمشق ليكونن فيكم الخسف والقذف والمسخ. قالوا: ما يقول ربيعة؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف. قالوا: فيم يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: باتخازهم القينات، وشربهم. زاد في رواية: وشربهم الخمور. غازي بن محمد أبو الحسن الوشاء حدث بدمشق إملاء عن سعيد بن عبد العزيز بن مروان الحلبي بسنده إلى أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله عز وجل: إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي.

غالب بن أحمد بن المسلم

غالب بن أحمد بن المسلم أبو نصر الأذمي المصبح كان خيراً صحيح الاعتقاد مواظباً على صلاة الجماعة. حدث عن أبي الفضل بن الفرات بسنده إلى عمرو قال: خطب علي فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، استخلف أبو بكر فقام واستقام، ثم قام عمر فقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه؛ ثم إن قوماً طلبوا الدنيا، يعفو الله عمن يشاء ويعذب من يشاء. توفي غالب سنة سبع وأربعين وخمس مئة بدمشق. غالب بن شعوذ ويقال: ابن عبد الله بن شعوذ الأزدي من دمشق، يقال مولى قريش. حدث عن أبي هريرة قال: شيعنا أبا هريرة من دمشق إلى الكسوة، فلما أردنا فراقه قال: إن لكل جائزةً وفائدة، وإني أوصيكم بما أوصاني به خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وسبحة الضحى في الحضر والسفر، وأن لا أنام إلا على وتر. غالب بن غزوان الثقفي من دمشق. حدث عن صدقة بن يزيد الخراساني، عمن حدثه قال: لما أتى ذو القرنين العراق استنكر قلبه! فبعث إلى تراب الشام، فأتى به، فجلس عليه، فرجع إليه ما كان يعرف من نفسه.

غرير بن علي أو القاسم البغدادي

غرير بن علي أو القاسم البغدادي حكى عن جحظة قال: سلمت على بعض الرؤساء - وكان مبخلاً - فلما أردت الانصراف قال: ياأبا الحسن أيش تقول في قطائف بائتة - ولم يكن له بذلك عادة - فقلت ما آبي ذلك، فأحضرني جاماً فيه قطائف قد خمت، فأوجعت فيها وصادفت مني مسغبة، وهو ينظر إلي شزراً، فقال لي: يا أبا الحسن إن القطائف إذا كان بجوز أتخمتك، وإذا كانت بلوز أبشمتك. قلت: هذا إذا كانت قطائف، وأما إذا كانت مصوصاً فلا. وعملت من وقتي أبياتاً: من الطويل دعاني صديقلٌ لي لأكل قطائفٍ ... فأمعنت فيها آمناً غير خائف فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه ... ترفق قليلاً فهي إحدى المتالف فقلت له ما إن سمعت بميتٍ ... يناح عليه يا قتيل القطائف غزوان اجتاز بدمشق. حدث أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجلٌ مقعد، فسأله عن أمره فقال: سأحدثك حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بنبوك إلى نخلة فقال: هذه قبلتنا. ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا غلامٌ أسعى حتى صرت بينه وبينها فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره. قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا.

غضبان بن القبعثري

غضبان بن القبعثري دخل الغضبان على الحجاج بن يوسف - وكان من علماء العرب - فجالسه وحادثه، فنظر إليه الحجاج مبتسماً فقال له: من الطويل سموك غضباناً وسنك ضاحك ... لقد غلطوا إذ لم يسموك ضاحكاً فقال: أصلح الله الأمير، كان لي جد يسمى الغضبان فسميت باسمه، وليس كل اسم يشاكل صاحبه. ولو كانت الأسماء تقسم على الأحساب إذاً ما نالت الأنذال منها شيئاً، فهل ترى اسمي تشاكل لحسبي؟ فقال الحجاج: أخبرني عن أمهات الأولاد؟ فقال هن بمنزل الأضلاع إن سويته انكسر، وإن تركته انتفعت بهن. وفيهن جوهر لا يصلح إلا على المداراة، فمن داراهن انتفع بهن، وقرت عينه، ومن ماراهن كدرن عيشه ونغصن عليه حياته. قال: فأخبرني عن العاقل والجاهل؟ قال: العاقل الذي لا يتكلم هدراً، ولا ينظر شزراً، ولا يضمر غدراً؛ والجاهل المهذار في كلامه، الضنين بسلامه، التائه على غلامه، المجتهد في أقسامه، المتكلم في طعامه، قال: فمن أكرم الناس؟ قال: أعطاهم للمئين، وأطعمهم للسمين. قال: فمن ألأم الناس؟ قال: المعطي على الهوان، المعين على الإخوان، البذول للأيمان، المنان على الإحسان. بعث الحجاج بن يوسف الغضبان بن البعثري ليأتيه بخبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وهو بكرمان، وبعث عليه عيناً وكان كذلك يفعل فلما انتهى الغضبان إلى عبد الرحمن قال له: ما وراءك؟ قال: شر، تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك. فانصرف الغضبان فنزل رملة كرمان، وهي أرض شديدة الرمضاء، فبينا هو كذلك إذ ورد عليه أعرابي من بني بكر بن وائل على فرسٍ يقود ناقة، فقال: السلام عليك، قال الغضبان: السلام كثير وهي كلمةٌ مقولة. قال الأعرابي: ما اسمك؟ قال: آخذ، قال: أفتعطني؟ قال: لاأحب أن يكون لي اسمان. قال: فمن أين أقبلت؟ قال: من الذلول، قال: وأين تريد؟ قال أمشي في مناكبها، قال: من عرض اليوم؟ قال: المتقون، قال: فمن سبق؟

قال: الفائزون، قال: فمن غلب؟ قال: حزب الله، قال: فمن حزب الله؟ قال: هم الغالبون، قال: فعجب الأعرابي من منطقه، وقال له: أتقرض؟ قال: إنما تقرض الفأرة، قال: أفتسمع؟ قال: إنما تسمع القينة، قال: أفتنشد؟ قال: إنما تنشد الضالة، قال: أفتقول؟ قال: إنما يقول المرء، قال: أفتكلم؟ قال: كل متكلم، قال: أفتنطق؟ قال: إنما ينطق كلام الله، قال: أفتسمع؟ قال: حدثني أسمع، قال: أفتسجع؟ قال: إنما تسجع الحمامة، قال الأعرابي: تالله ما رأيت كاليوم قط، قال: بلى ولكنك نسيت، قال الأعرابي: فكيف أقول؟ قال: لاأدري، قال الأعرابي: فكيف ترى فرسي هذا؟ قال الغضبان: هو خيرٌ من آخر شر منه، وآخر خيرٌ منه أفره منه، قال الأعرابي: إني قد علمت ذاك، قال: لو علمت لم تسألني، قال: إنك لمنكر، قال الغضبان: إنك لمعروف، قال: ليس ذاك أريد، قال: فما تريد؟ قال: أردت إنك لعاقل، قال: أفتعقل بعيرك هذا؟ قال الأعرابي: أفتأذن لي فأدخل عليك؟ قال الغضبان: وراءك أوسع لك، قال الأعرابي: قد أحرقتني الشمس، قال: الساعة يفيء عليك الفيء، قال الأعرابي: م الرمضاء قد آذتني، قال: بل على قدميك، قال: قد أوجعتني الحر، قال الغضبان: مالي عليه سلطان، قال الأعرابي: إني لا أريد طعامك ولا شرابك، قال: لاتعرض بهما فوالله لا تذوقهما، قال الأعرابي: سبحان الله! قال: من قبل أن تطلع رأسك، قال الأعرابي: أما عندك إلا ما أرى؟ قال: بلى هرواتان أضرب بهما رأسك، قال الأعرابي: الله! قال: ما ظلمك أحد. فلما رأى ذلك الأعرابي قال: إني لأظنك مجنوناً، قال الغضبان: اللهم اجعلني ممن يرغب إليك، قال إني لأظنك حروريا، قال: اللهم اجعلني ممن يتحرى الخير. ثم قال له الغضبان: أهذا بعيرك يا أعرابي؟ قال: نعم فما شأنه؟ قال: أرى فيه داء، فهل أنت بائعه ومشترٍ ما هو شر منه؟ فولى الأعرابي وهو يقول: والله إنك لبذخ أحمق. فلما قدم الضبان على الحجاج قال: كيف تركت أرض كرمان؟ قال: أصلح الله

الأمير، ماؤها وشل، وتمرها دقل، ولصها بطل، والجيش فيها ضعاف، إن كثروا بها جاعوا. وإن قلوا بها ضاعوا، فقال له الحجاج: أما إنك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت: تغد بالحجاج قبل أن يتعشى بك! قال الغضبان: أما إنها تنفع من قيلت له، ولم تضر من قيلت فيه، قال الحجاج: اذهبوا به إلى السجن. فلما ذهب به مكث فيه، حتى إذا بنى الحجاج خضراء واسط أعجبته مالم يعجبه بناء قط، فقال لمن حوله: كيف ترون قبتي هذه؟ قالوا: أصلح اله الأمير، مابنى ملك قط مثلها، ولا نعلم للعرب مأثرة أفضل منها، قال الحجاج: أما إن لها عيباً، وسأبعث إلى من يخبرني به. فبعث إلى الغضبان، فأقبل يرسف في قيده، فلما دخل عليه سلم، فقال الحجاج: كيف ترى قبتي هذه؟ فقال: بنيت في غير بلدك، لغير ولك، لا يسكنها وارثك، ولا يدوم لك بقاؤها، كما لم يدم هالكٌ. ولم يبق فانٍ. وأما هي فكأن لم تكن. قال: صجقت، ردوه إلى السجن فإنه صاحب الكلمة التي بلغتني عنه، قال: أصلح الله الأمير، ماضرب من قيلت فيه ولا نفعت من قيلت له، قال: أتارك تنجو مني؟ لأقطعن يديك ورجليك ولأكوين عينيك، قال: ما يخاف وعيدك البريء، ولا ينقطع منك رجاء المسيء، قال: لأقتلنك إن شاء الله، قال: بغير نس؟ والعفو أقرب للقتوى. قال له الحجاج: إنك لسمين! قال: لمكان القيد والرتعة ومن يكن جاز الأمير يسمن. قال الحجاج: ردوه إلى السجن. قال: أصلح الله الأمير قد أثقني الحديد، فما أطيق المشي، قال: احملوه لعنه الله! فلما حملته الرجال على عواتقها قال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " قال: جروه أخزاه اله! فقال: " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " فقال الحجاج: ويحكم ارتكوه، فقد غلبني بحجته.

غضور ويقال غضور بن عتيق

أمر الحجاج بإحضار الغضبان، وقال الحجاج: زعموا أنه لم يكذب قط، واليوم يكذب. فلما دخل عليه قال: قد سمنت يا غضبان! قال: أصلح الله الأمير، القيد والرتعة، والخفض والدغة، وقلة التعتعة، ومن يكن ضيف الأمير يسمن، قال: أتحبني يا غذبان؟ قال: أصلح الله الأمير، أو فرقٌ خيرٌ من محبتي! قال: لأحملنك على الأدهم، قال: مثل الأمير حمل على الأدهم والكميت والأشقر، قال: إنه حديد، قال: لأن يكون حديداً خيرٌ من أن يكون بليداً. غضور ويقال غضور بن عتيق الكلبي الناجي من بني ناجية. حدث عن مكحول أن أبا الدرداء قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ياعويمر يا أبا الدرداء، كيف بك إذا قيل لك يوم القيامة: علمت أم جهلت؟ فإن قلت علمت قيل لك: فماذا عملت فيما تعلمت، وإن قلت جهلت قيل لك: فماذا عذرك فيما جهلت، ألا تعلمت. الغضور بن عتيق: بالضم. وذكر عن الغضور قال: سمعت مكحولاً يحدث عن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: احضروا موتاكم بخير.

غضيف بن الحارث بن زنيم

غضيف بن الحارث بن زنيم أبو أسماء اسكوني اليماني، ويقال الثمالي، ويقال الكندي مختلفٌ في صحبته أدرك زمان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم دمشق. قال غضيف: كنت صبياً أرمي نخل الأنصار، فأتوا بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمسح برأسي فقال: كل ما يسقط ولا ترمي نخلهم. وعن غضيف أو الحارث بن غضيف السكوني قال: ما نسيت من الأشياء فإني لم أنس أني رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. وعن غضيف بن الحارث أنه مر بعمر بن الخطاب قال: نعم الفتى غضيف. فلقيت أبا ذر بعد ذلك فقال: أي أخي استغفر لي، قال: أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنت أحق أن تستغفر لي، قال: إني سمعت عمر يقول: نعم الفتى غضيف. وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله ضرب الحق على سان عمر وقلبه. وفي رواية: وضع الحق على لسان عمر يقول به. وفي حديثٍ مختصر أن الله جعل السكينة على لسان عمر وقلبه يقول بهما. قال عبد الله بن أبي قيس: خرجت مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فلما أتينا دمشق قال غضيف: لو انطلقنا إلى أبي الدرداء فسلمنا عليه. قال فأتيناه فسلمنا عليه فقال لغضيف: أين تريد؟ قال: بيت المقدس، قال أبو الدرداء: هذا مسجد فصل فيه، فقال: إني قد تجهزت وحملت عيالي، فقال أبو الدرداء: إن كنت لا بد فاعلاً فلا تزد على صلاة يومٍ وليلة، والق

أبا ذر فقل له: إن أحاك أبا الدرداء يقول لك: اتق الله وخف الناس، قال: فلما أتينا بيت المقدس ألفينا أبا ذر قائماً يصلي، وإذا قيامه قريبٌ من رطوعه، وركوعه قريبٌ من سجوده. قال فجلسنا، فلما فرغ من صلاته سلمنا عليه وقلنا له: إن أخاك أبا الدرداء يقرئك السلام ويقول لك: اتق الله وخف الناس، فقال: يرحم الله أبا الدرداء، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد جالسنا فقد جاس، وما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن لا أخاف في الله لومة لائم. وعن غضيف بن الحارث قال: لقد كساني أبي ثوبين بأربعة دراهم، فلقد رأيتني لمن أكسى أبناء الصحابة ثوباً. كان خالد بن يزيد إذا غاب أو مرض أمر غضيف بن الحارث أن يصلي للناس فإذا سمع به الجند حضروا، فهي جمعة ليست بخرساء يسمع أقصى أهل المسجد موعظته يقول: أيها الناس! هل تدرون أي رهان رهانكم؟ ألا إنها ليست برهان الذهب والفضة، ولو كانت ذهباً وفضةٌ لأحبتم أن لا تعلق بلذاتها رقابكم، قال الله عز وجل: " كل نفسٍ بما كسبت رهينة " أنتم أناسٌ سفر، من جاءته دوابه ارتحل، غير أن الإياب في ذلك إلى الله. بعث عبد الملك بن مروان إلى غضيف بن الحارث فقال: يا أبا أسماء، إنا قد جمعنا الناس على أمرين، قال: وما هما؟ قار رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، قال: أما إنهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيءٍ منهما، قال: ولم؟ قال: لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما أحدث قوم بدعةٌ إلا رفع مثلها من السنة. فتمسك بسنة خيرٌ من إحداث بدعة.

غمر بن يزيد بن عبد الملك

قال أسد بن وداعة: لما حضر غضيف بن الحارث الموت - زاد في رواية: حين اشتد سوقه - حضر إخوته، فقال: هل فيكم من يقرأ سورة " يس " فقال رجلٌ من القوم: نعم، فقال: اقرأورتل، وأنصتوا. فقرأ ورتل وأسمع القوم، فلما بلغ " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيءٍ وإليه ترجعون " فخرجت نفسه. قال أسد بن وداعة: فمن حضره منكم الموت فشدد عليه الموت، فليقرأ " يس " فإنه يخفف عليه الموت. غمر بن يزيد بن عبد الملك ابن مروان الأموي أحد الأجواد الممدحين من بني أمية. وهو غمر بفتح الغين المعجمة. وعن ابن أبي فروة قال: كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة: من الكامل ودع لبابة قبل أن تتحلا ... فاسأل فإن قليله أن تسألا قال ائتمر ما شئت غير مخالفٍ ... فيما هويت فإننا لن نعجلا لسنا نبالي حين تقضي حاجةٌ ... من يأت أوطان المطي مغفلا نجزي أيادي كنت تبذلها لنا ... حق علينا واجبٌ أن يفعلا فامكث لعمرك ليلة وتأنها ... فعسى الذي بخلت به أن تبذلا

غنائم بن أحمد بن الخضر

حتى إذا ما الليل جن ظلامه ... ونطرت غفلة كاشحٍ أن يغفلا واستكح النوم الذين تخافهم ... ورمى الكرى بوابهم فاستبذلا خرجت تأطر في الثياب كأنها ... أيم يسيب على كثيب أهيلا رحبت لما أقبلت فتهللت ... لتحيتي لما رأتني مقبلا فجلا القناع سحابة مشهورة ... غراء تعشي الطرف أن يتأملا فظللت أرقيها بما لو عاقلٌ ... يرقى به ما اسطاع أن يتزيلا تدنو فأطمع ثم تمنع بذلها ... نفس أبت للجود أن تتبخلا فأمر غلامه فحملني على بغلةٍ كانت تحته، فلما أردت الانصراف أراد الغلام أن يأخذ مني البغلة فقلت: لا أعطيكما، هو أشرف من أن يحملني عليها ثم ينزعه مني، فقال لغلامه: دعه يا بني، ذهبت لبابه ببغلة مولاك. قتل عبد الله بن عبد الله بن عباس الغمر بن يزيد سنة اثنتين وثلاثين ومئة بنهر أبي فطرس. غنائم بن أحمد بن الخضر أبو القاسم الطائي حدث عن عبيد بن إبراهيم المهندس بسنده إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبا بكر الصديق دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى، تلعبان وتضربان بدفين، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثوبه، فانتهرها أبو بكر فكشف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وجهه فقال: دعها يا أبا بكر، فإنها أيام عيد.

غنائم بن أحمد بن عبيد الله

غنائم بن أحمد بن عبيد الله أبو القاسم الخياط المعروف ببنان حدث عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده إلى عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نبيذ الجر. قال غنائم: شبك بيدي أبو محمد بن أبي نصر، وذكر تشبيك شيوخه إلى أبي هريرة قال: شبك بيدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خلق الله آدم يوم الجمعة، والأرض يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، وامكروه يوم الثثاء، والنور يوم الأربعاء، والبحار يوم الخميس. غنائم بن أحمد بن مسلم بن الخضر أبو السرايا السلمي المعروف بابن أبي الوبر حدث غنائم بن أحمد سنة إحدى وثمانين وأربع مئة عن أبي الحسن رشأ بن نظيف بسنده إلى عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر. وفي رواية أخرى أنها قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، ومن فتنة النار، أعوذ بك من عذاب القبر ومن قتنة القبر، وأعوذ بك من المسيح الدجال، ومن الكسل والهرم والمأثم والمغرم، ومن شر فتنة الغنى والفقر، اللهم اغسلني من الخطايا بماء الثلج والبرد، اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. توفي أبو السرايا سنة ثلاثٍ وثمانين وأربع مئة. وكان شيخاً ديناً، كثير الصلاة بالليل والنهار، ضرير البصر. ولد سنة إحدى وأربع مئة.

غوث بن أحمد بن حبان

غوث بن أحمد بن حبان أبو عمرو الطائي العكاوي حدث عن إبراهيم بن معاوية القيسراني، عن سفيان، عن أبي هارون قال: كنا إذا أتينا أبا سعيدٍ الخدري قال: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لنا: الناس لكم تبع، وسيأتيكم أقوامٌ من أقطار الأرض بتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً. غوث بن سليمان بن زياد ابن ربيعة بن نعيم بن ربيعة بن عمرو أبو يحيى الحضرمي الصوراني قاضي مصر. قدم دمشق مع صالح بن علي غازياً. حدث غوث بن سليمان بن زياد عن أبيه قال: دخلنا على عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي في يوم جمعة، فدعا بطست فقال لجاريته: استري بيني وبين القوم. فبال فيها وتوضأ ثم قال: إني لم أجد منتحى إلا منتحى إلى القبلة، وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يبولن أحدكم وهو مستقبل القبلة. ولي القضاء ثلاث مرات، ولم يكن بالفقيه، لكنه كان أعلم الناس بمعاني القضاء وسياسته. وكان هيوباً. قال أبو رجاء: قدمت ارمأة من الريف في محفة، وغوث قاضي مصر، فوافت غوث بن سليمان عند السراجين رائحاً إلى المسجد، فشكت إليه أمرها وأخبرته بحاجتها، فنزل عن رابته في بعض حوانيت السراحين، ولم يبلغ المسجد، وكتب لها بحاجتها وركب إلى المسجد، فانصرفت المرأة وهي تقول: أصابت امك حين سمتك غوثاً، أنت غوثٌ عند اسمك!.

غياث بن جميل

قال غوث بن سليمان: بعث إلي أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور، فحملت إليه فقال لي: يا غوث إن صاخبتكم الحميرية خاصمتني إليك في شروطها، قلت: أفيرضى أمير المؤمنين أن يحكمني عليه؟ قال: نعم، قلت: فالحكم له شروط، فيحملها أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قلت: يأمرها أمير المؤمنين فتوكل وكيلاً وتشهد على وكالته خادمين حرين يعدلهما أمير المؤمنين على نفسه. ففعل، فوكلت خادماً وبعثت معه بكتاب صداقها، وشهد الخادمان على توكيلها، فقلت له: تمت الوكالة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يساوي الخصم في مجلسه فليفعل، فانحط عن فرشه وجلس مع الخصم، ودفع إلي الوكيل كتاب الصداق، فقرأته عليه، فقلت: أيقر أمير المؤمنين بما فيه؟ قال: نعم، قلت أرى في الكتاب شروطاً مؤكدة بها تم الناح بيتكما، أرأيت يا أمير المؤمنين لو أنك خطبت إليها ولم تشترط لها هذا الشرط أكانت تزوجك؟ قال: لا، قلت فبهذا الشرط تم النكاح، وأنت أحق من وفى لها بشرطها، قال: قد علمت إذ أجلستني هذا المجلس أنك ستحكم علي، قلت: أعظم جائزتي وأطلق سبيلي يا أمير المؤمنين، قال: بل جائزتك على من قضيت له، وأمر لي بجائزة وخلعة، وأمرني أن أحكم بين أهل الكوفة، فقلت: يا أمير المؤمنين! ليس البلد بلدي ولا معرفة لي بأهله، قال: لا بد من ذلك، قلت: يا أمير المؤمنين فأنا أحكم بينهم، فإذا أنا ناديت: من له حاجةٌ بخصومة، ولم يأت أحد تأذن لي بالرجوع إلى بلدي؟ قال: نعم. قال غوث: فجلست فحكمت بينهم، ثم انقطع الخصوم فناديت بالخصوم، فلم يأت أحد؛ فرحلت من وقتي إلى مصر. وفي رواية: فقال لي أبو جعفر: أقم هاهنا، فقلت: البلد ليس بلدي وليس لي معرفةٌ بأهله، فإن رأيت أن تعفيني، فأعفاني. توفي غوث بن سليمان سنة ثمانٍ وستين ومئة. غياث بن جميل أبو الخضر المقبري قال غياث: حفرت في مقابر باب توما وأنا سبي - وكان من أبناء ثمانين سنة أو دونها - قال: فلما وصلت إلى اللحد رأيت مثل النطع، فكشفت فإذا فخذ

غياث بن غوث

عظيمة! فهالني ما رأيت - وكنت أحفر بين يدي شيخٍ مقبري مسن، وكان أطروشاً - فقلت له: ما هذا؟ وأوقفته على الحال، فقال: يا بني هذا من الصحابة ممن كان مع خالد بن الوليد لأن كان لباسهم الفراء. وكان الحفر من نحو القبلة من المقابر، عند السور في باب توما. غياث بن غوث ويقال: ابن غويث بن الصلت بن طارقة بن سيحان - وأطار في نسبه. أبو مالك التغلبي النصراني، المعروف بالأخطل الشاعر قدم دمشق غير مرة على غير واحدٍ من الخلفاء. خطله قول كعب بن جعيل لع: إنك لأخطل يا غلام، وقيل: سمي لخطل لسانه، وقيل: لطول أذنيه، وقيل: سمي الأخطل ببيتٍ قاله. ويلقب دوبل بن حمار، ويعرف بذي الصليب. قال أبو الحسين بن فارس: الدوبل: حمارٌ صغير، مجتمع الخلق، وبه لقب الأخطل. وكان مقدماً عند خلفاء بني أمية وولاتهم، لمدحه لهم ولانقطاعه إليهم، ومدح يزيد بن معاوية في أيام أبيه، وهجا الأنصار بسببه؛ وعمر عمرأً طويلاً. وكان أبو عمرو بن العلاء وينس النحوي يقدمانه على جرير والفرزدق في الشعر؛ واحتج له يونس في ذلك بجماعةٍ من علماء أهل البصرة؛ وكان حماد الراوية يقدمه أيضاً عليهما. وقيل: إن الأخطل لما ترعض لكعب بن جعيل الشاعر أقبل إليه فقال أبو الأخطل لكعب: إنه غلامٌ خطل. فسمى لذلك الأخطل. قال إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل: خرجت مع أبي إلى الشام، فخرجت إلى دمشق أنظر إلى بنائها، فإذا كنيسة، وإذا الأخطل في ناحيتها، فلما رآني أنكرني، فسأل عني فأخبر، فقال: يا فتى! إن لك موضعاً

وشرفاً. وإن الأشقف قد حبسني، فأنا أحب أن تأتيه وتكلمه في إطلاقي. قال: قلت نعم، فذهبت إلى الأسقف، فانتسبت له وكلمته وطلبت إليه تخليته، فقال: مهلاً أعيذك بالله أن تكلم في مثل هذا. فإن لك موضعاً وشرفاً! وهذا ظالمٌ يشتم أعراض الناس فيهجوهم. فلم أزل به حتى قام معي فدخل عليه الكنيسة، فجعل يوعده ويرفع عليه العصا والأخطل يتضرع إليه وهو يقول له: أتعود؟ أتعود؟ فيقول: لا. قال إسحاق: فقلت له: يا أبا مالك تهابك الملوك ويكرمك الخلفاء، وذكرك في الناس! وعظم أمره، فقال: إنه الدين إنه الدين. أنشد الأخطل قصيدته التي يقول فيها: من الكامل وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال فقال له هشام بن عبد الملك: هنيئاً لك أبا مالك الإسلام - أو قال: أسلمت - قال: ما زلت مسلماً - يقول: في ديني. وقال لعبد الملك: من البسيط شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا مثل الناس بينه وبين بيت جرير: من الوافر ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح وقال الأخطل في قصيدة: من البسيط حشدٌ على الحق عن قول الخنا خرسٌ ... وإن ألمت بهم مكروهةٌ صيروا بني أمية إني ناصحٌ لكم ... فلا يبيتن فيكم آمناً زفر

فإن مشهده كفرٌ وغائلةٌ ... وما تغيب من أخلاقه دعر إن العداوة تلقاها وإن قدمت ... كالغر يكمن أحياناً وينتشر بني أمية قد ناضلت دونكم ... أبناء قومٍ آووا وهم نصروا أفحمت عنكم بني النجار قد علمت ... عليا معد وكانوا طالما هذروا وقيس عيلان حتى أقبلوا رقصاً ... فما بغوك جهاراً بعد ما كفروا ضجوا من الحرب إذ عضت غواربهم ... وقيس غيلان من أخلاقها الضجر قال عبد الملك بن مروان للخطل: من أشعر الناس؟ قال: أنا، ثم المغدف القناع القبيح السماع، الضيق الذراع. يعني القطامي. قال أبو عمر بن العلاء: قلت لجرير: أخبرني ما عندكم في الشعراء؟ قال: أما أنا فمدينة الشعر، والفرزدق يروم مني مالا ينال، وابن النصرانية أرمانا للفرائص وأمدحنا للملوك وأقلنا اجتزاء بالقليل، وأوضفنا للخمر والحمر - قال أبو عمرو: والحمر النساء البيض، والحمرة عند العرب البياض - فقلت: ذو الرمة؟ قال: ليس بشيء، أبعار ظباء ونقط عروس. قال: وقيل للفرزدق: من أشعر الناس؟ فقال: كفاك بي إذا افتخرت؛ وبابن المراغة إذا هجا، وبابن النصرانية إذا امتدح. قال بعض الرواة: ذهب كثير بالنسيب، وذهب جريرٌ بالهجاء، وذهب الأخطل بالمديح، وذهب الفرزدق بالفخار.

قال الشعبي: كان الأخطل ينشد عبد الملك شعره، فأنشده عروضه من أشعار العرب، فغممته ولا أشعر، فجلس لي يوماً على باب عبد الملك، فلما مررت قام إلي فقال: يا هذا إني آخذ من وعاءٍ واحد، وإنك تأخذ من أوعية شتى. قال: فكففت عنه. وفي رواية قال له: يا شعبي! ارفق بي فإنك تغرف من آنية شتى وأنا أغرف من إناء واحد. كتب عبد الملك إلى الحجاج أنه لم تبق علي لذةٌ من لذات الدنيا إلا وقد بلغتها، إلا محادثة الرجال، فوجه إلى بعامر الشعبي مكرماً. فأمره الحجاج بالتجهز، ثم خرج. فقال: قدمت على أمير المؤمنين فوافيت بابه، فلقيت حرسياً فقلت له: استأذن لي على أمير المؤمنين، فقال الحرسي: من تكون؟ قال: قلت عامر الشعبي، فدخل وما أبطأ حتى خرج فقال: ادخل، فدخلت فإذا عبد الملك في صحن الدار على الكرسي، في يده خيزرانة وبين يديه شيخٌ جالسٌ لا أعرفه، فسلمت فرد علي وقال: كيف حالك؟ قلت: بخير، ثم أومي إلي فجلست، ثم أقبل على الشيخ فقال: ويحك! من أشعر الناس؟ قال: الذي بينك وبين الحائط. قال الشعبي: فأظلم علي ما بين السماء والأرض! قت: من هذا يا أمير المؤمنين؟! أشعر منه شاب كان عندنا قصير الباع يقول: من البسيط قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل والناس من يلق خيراً قائلون له ... ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل فقال عبد الملك: أحسن والله! من يقوله؟ قلت: القطامي، قال: لله أبوه! وإذا الشيخ الأخطل قال: يا شعبي إن لك فنوناً تفتن فيها، وإنما لي فن واحد وهو الشعر، فإن رأيت

أن لا تعترض علي فيه، ولا تكلفني أن أحمل قومك على كاهل، وأجعلهم عرضاً للعرب فافعل. قال الشعبي: قلت لا أعود لك في مساءة. ثم أقبل عليه عبد الملك فقال: ويلك! من أشعر الناس؟ فقال: قد أعلمتك مرة. فوالله ما صبرت أن قلت: أشعر منه يا أمير المؤمنين الذي قدمه عمر؛ خرج عمر يوماً على أسد وغطفان فقال: من الذي يقول: من الوافر أتيتك عارياً خلقاً ثيابي ... على خوفٍ تظن بي الظنون قالوا: النابغة، قال عمر: هذا أشعر الشعراء. فلما كان الغد خرج فقال: من الذي يقول: من الطويل ولست بمتبقٍ أخاً لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب فقالوا: النابغة، فقال: هذا والله أشعر الشعراء. فغضب الأخطل فقال: يا شعبي! ماأسرع ما رجعت! فقلت: ما أعود لك في مساءة. ثم أقبل عليه فقال: من أشعر النساء قال: ليلى الأخيلية. فما صبرت أن قلت: أشعر النساء من قدمها عمر، قال: ومن هي؟ قلت: خنساء، قال عمر: ومن الذي يقول: من الطويل وقائلةٍ والنفس تقدم خطوها ... لتدركه يا لهف نفسي على عمر ألا ثكلت أم الذين عدوا به ... إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر فقالوا: هذه خنساء، فقال عمر: هذه أشعر النساء. فقال عبد الملك صدق أمير المؤمنين. دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فاستنشده، فقال: قد يبس حلقي فمن يسقيني؟ قال: اسقوه ماء، قال: شراب الحمار وهو عندنا كثير، قال: فاسقوه

لبناً، قال: عن اللبن فطمت، قال: فاسقوه عسلاً، قال: شراب المريض وأنا صحيح! قال: فتريد ماذا؟ قال خمراً يا أمير المؤمنين، قال: وعهدتني أسقي الخمر لا أم لك!؟ لولا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت! وخرج فلقي فراشاً كان لعبد الملك فقال: ويحك إن أمير المؤمنين استنشدني وقد صحل صوتي، فاسقني شربة خمر، فسقاه شربة خمر، فسقاه رطلاً فقال اعدله بآخر، فصقاه آخر فقال: تركتهما يعتركان في بطني، اسقني ثالثاً، فسقاه ثالثاً، فقال: تركت اثنين على واحد، عدل ميلهما برابع، فسقاه رابعاً. فدخل على عبد الملك فأنشده: من البسيط خف القطين فراحوا منك أو بكروا فقال عبد الملك: لا، بل منك؛ وتطير عبد الملك من قوله، فعاد فقال: فراحو اليوم أو بكروا وأنشده حت بلغ: شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا فقال عبد الملك: خذ بيده يا غلام، فأخرجه ثم ألق عليه من الخلع ما يغمره، ثم ناد أن لكل قومٍ شاعراً وأن شاعر بني أمية الأخطل. فمر به جرير فقال: كيف تركت خنازير أمك؟ قال: كثيراً، وإن أتيتنا قرناك منها، فكيف تركت أعيار أمك؟ قال: كثيراً، وإن أتيتنا حملناك على بعضها. دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أخطل، صف لي السكر، قال: أوله لذة وآخره صداع، وبين ذلك ساعةٌ لا أصف لك مبلغها، فقال له: ما مبلغها؟ فقال: لملك يا أمير المؤمنين أهون علي من شسع نعلي، فقال عبد الملك: صف لي، فأنشأ يقول: من الطويل إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجاتٍ لهن هدير

خرجت أجر الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير فقال عبد الملك: يا أخطل! قل من شرها - وهذه صفتها - أن تسخو نفسه بترك لذتها إلا من أحب أن يبتغي إلى ذي العرش سبيلا. كان عبد الرحمن بن حسان ويزيد بن معاوية يتناقلان، فاستعلاه ابن حسان، فقال يزيد لكع بن جعيل التغلبي: أجبه عني واهجه، فقال: والله ما تلتقي شفتاي بهجاء الأنصار، ولكن أدلك على الشاعر الفاجر الماهر، فتى منا يقال له غياث بن الغوث، نصراني. وكان كعب سماه الأخطل. قال محمد بن سيرين: دخل أناس من الأنصار فيهم النعمان بن بشير على معاوية، فلما صاروا بين الشماطين حسروا عمائمهم عن رؤوسهم، قال: وما ذلك؟ قال: هذا النصراني الذي قال: من الكامل ذهب قريش بالسماحة والندى ... واللؤم تحت عمائم الأنصار قال: لكم لسانه - يعني الأخطل. وقيل: إن يزيد قال له: اهجهم، فقال: كيف أصنع بمكانهم؟ أخاف على نفسي! قال: لك ذمة أمير المؤمنين وذمتي. فذلك حين يقول: ذهبت قريشٌ بالسماحة والندى فجاء النعمان إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين! بلغ منا أمير ما بلغ منا مثله في جاهليةٍ ولا إسلام، قال: ومن بلغ ذلك منكم؟ قال: غلامٌ نصراني من بني تغلب،

قال: ما حاجتك؟ قال: ذلك لك - وكان النعمان ذا منزلةٍ من معاوية، كان معاوية يقول: يا معشر الأنصار تستبطئوني وما صحبني منكم إلا النعمان، وقد رأيتم ما صنعت به. ولاه الكوفة وأكرمه - فأخبر الأخطل فطار إلى يزيد. فدخل يزيد على أبيه معاوية فقال: يا أمير المؤمنين هجوني وذكروك، فجعلت له ذمتك على أن يرد عني، فقال معاوية للنعمان: لا سبيل إلى ذمة أبي خالد، فذلك حين يقول الأخطل من أبيات: من الطويل أبا خالدٍ دافعت عني عظيمةٌ ... وأدركت لحمي قبل أن يتبددا وأطفأت عني نار نعمان بعدما ... أغذ لأمرٍ فاجرٍ وتجردا ولما رأى النعمان دوني ابن حرةٍ ... طوى الكشح إذ لم يستطعني وعردا قال الأخطل: ما رأيت أعجب من قصتي وقصة جرير، هجوته بأجود هجاء يكون، وهجاني بأرذل شعر، فنفق فصار علماً! قلت فيه: من البسيط مازال فينا رباط الخيل معلمة ... وفي كليبٍ رباط الذل والعار النازلين بدار الهون مذ خلقوا ... والماكثين على رغمٍ وإصغار قومٌ إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار وهجاني جرير بأن قال: من الكامل والتغلبي إذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثال فانظر كم بين الشعرين!.

قال ابن بشير المدني: وفدت إلى بعض ملوك بني أمية، فمررت بقريةٍ فإذا رجلٌ مرنح بالشراب، قائم يبول فسألته عن الطريق فقال: أمامك. ثم لحقني فقال: انزل، فنزلت فقال: ادن وعليك الحانة، فدخلت فأحضر سفرة واستل سلة فأخرج منها رغفاً ووذراً من لحم، فقال: أصب فأصبت، ثم صقاني خمراً، فإذا أبو مالك! ثم قال لي: كيف علمك بالشعر؟ قلت: قد زويت، فأنشدني قصيدته: من الكامل صرمت حبالك زينب ورعوم فلما انتهى إلى قوله: حتى إذا أخذ الزجاج أكفنا ... نفحت فأدرك ريحها المزكوم قال: ألست تزعم أنك تبصر الشعر؟ قلت: بلى، قال: فكيف لم تشقق بطنك فضلاً عن ثوبك عند هذا البيت! قال: قلت قد فعلت عند البيت الذي سرقت هذا منه، قال: وما هو؟ قلت: بيت الأعشى: من الكامل من خمر عانة قد أتى لختامها ... حولٌ تفض غمامة المزكوم قال: أنت تبصر الشعر، فلما صرت إلى سليمان سمرت معه بهذا أول بدأتي.

غيث بن علي بن عبد السلام

قال المصنف: وللأعشى في هذا المعنى بيتٌ أبلغ من هذا في كلمةٍ أخرى وهو: من الوافر من اللاتي حملن على الروايا ... كريح المسك تستل الزكاما واستلال الزكام أبلغ من فضه، لأن استلاله نزعه وإخراجه، وفضه نشره وتفريقه وكسره، كفض الخاتم، وفي فضه مع هذا إزالته وتنحيته كما يزول الختام عند فضة، فيفارق ما كان حالاً فيه ولازماً له؛ وفي قول الأخطل: "..فأدرك ريحها المزكوم " من البلاغة أنه إنما يقويه إدراك المشموم بحلول الزكام به وغلبته إياه، فإذا أدرك ريح الخمر التي كان الزكام حائلاً بينه وبينها عند نفحتها، فإنما ذلك لزوال الزكام المانع الحائل بينه وبين إدراكها، وقد تدرك الرائحة بعد خفة الزكام وزوال بعضه وإن لم يزل بكليته، فمن هاهنا كان الفض والاستلال أبلغ وأبين في المعنى. غيث بن علي بن عبد السلام ابن محمد بن جعفر أبو الفرج بن أبي الحسن الصوري المعروف بابن الأرمنازي الكاتب خطيب صور، قدم دمشق وكان ثقة ثبتاً. حدث بدمشق سنة سبعٍ وخمس مئة عن أبي القاسم رمضان بن علي بن عبد الساتر بن أحمد بن رمضان بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء، وأتى المسجد ولم يلغ ولم يجهل كانت هذه كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى. والصلاة تكفر ما بينها وبين صاحبتها. ولد أبو الفرج غيث سنة ثلاثٍ وأربعين مئة، وتوفي سنة تسعٍ وخمس مئة.

غيلان بن أنس

غيلان بن أنس أبو زيد الكلبي، مولاهم من أهل دمشق. حدث عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: إن اسم الله الأعظم لفي سورٍ من القرآن، البقرة وآل عمران وطه. قال أبو حفص عمرو: فنظرت أنا في السور الثلاثة فرأيت فيها شيئاً ليس في القرآن مثله، آية الكرسي: " الله لا إله هو الحي القيوم " وفي آل عمران " الله لا إله هو الحي القيوم " وفي طه: " وعنت الوجوه للحي القيوم ". وفي رواية عن أبي أمامة يرفعه قال: اسم الله الأعظم إذا دعي به أجاب، في ثلاث سور: في البقرة وآل عمران وطه. وحدث الأوزاعي عن غيلان أنه رأى عمر بن عبد العزيز يرفع يديه مع كل تكبيرةٍ مع الجنازة. وعن غيلان بن أنس قال: ما ازداد عبدٌ فهماً إلا ازداد قصداً، وما قلد الله عبداً قلادةً خيراً من سكينة. غيلان بن سلمة بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمو بن سعد بن عوف الثقفي له صحبة، وكان بدمشق حين توفي عبد الملك بن مروان. حدث غيلان بن سلمة أن نافعاً كان عبداً لغيلان بن سلمة ففر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، وغيلان مشرك، ثم أسلم غيلان، فرد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولاءه.

وعن غيلان بن سلمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من آمن بي وصدقني، وعلم أن ما جئت به الحق من عندك فأقلل ماله وولده، وحبب إليه لقاءك، ومن لم يؤمن بي ولم يدصقني، ولم يعلم أن ما جئت به الحق من عندك فأكثر ماله وولده، وأطل عمره. وعن غيلان بن سلمة الثقفي قال: خرجنا مع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرأينا منه عجباً، مررنا بأرض فيها أشاء متفرق، فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا غيلان، ائت هاتين الاشاءتين فمر إحداهما تنضم إلى صاحبتها حتى أستتر بهما فأتوضأ. قال: فانطلقت فقمت بينهما فقلت: إن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر إحداكما أن تنضم إلى صاحبتها. قال: فمادت إحداهما ثم انقلعت تخد في الأرض حتى انضمت إلى صاحبتها فنزل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوضأ خلفهما ثم ركب؛ وعادت تخد في الأرض إلى موضعهما. قال: ثم نزلنا معه منزلاً، فأقبل امرأة بابن لها كأنه الدينار، فقالت: يا نبي الله؟ ما كان في الحي غلامٌ أحب إلي بابني هذا، فأصابته الموتة، فأنا أتمنى موته، فادع الله له يا نبي الله؟ قال: فأدناه نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: باسم الله، أنا رسول الله اخرج عدو الله - ثلاثاً - قال: اذهبي بابنك، لن تري بأساً إن شاء الله. قال: ثم مضينا فنزلنا منزلاً، فجاء رجلٌ فقال: يا نبي الله؟ إنه كان لي حائطٌ منه عيشي وعيش عيالي، ولي فيه ناضحان فاغتلما ومنعاني أنفسهما وحائطي وما فيه، ولا يقدر أحدٌ على الدنو منهما. قال: فنهض نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه حتى أتى الحائط فقال لصاحبه: افتح، فقال: با نبي الله أمرهما أعظم من ذلك؟ قال: فافتح. فلما حرك الباب بالمفتاح، أقبلا لهما جلبةٌ كحفيف الريح، فلما أفرج الباب فنظر إلى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بركا ثم سجدا؟؟! فأخذ نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رؤوسهما ثم دفعهما إلى صاحبهما فقال: استعملهما وأحسن علفهما. فقال القوم: يا نبي الله! تسجد لك البهائم! فما لله عندنا بك أحسن من هذا، أجرتنا من الضلالة، واستنقذتنا من الهلكة، أفلا تأذن لنا بالسجود لك؟ قال: كيف كنتم صانعين بأخيكم إذا مات؟ أتسجدون لقبره؟ قالوا: يا نبي الله نتبع أمرك. فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن السجود ليس إلا للحي الذي

لا يموت، لو كنت آمر أحداً بالسجود من هذه الأمة لأمرت المرأة بالسجود لبعلها. قال: ثم رجعنا؛ فجاءت المرأة أم الغلام فقالت: يا نبي الله! والذي بعثك بالحق، ما زال من غلمان الحي؛ وجاءت بسمنٍ ولبنٍ وجزر، فرد عليها السمن والجزر وأمرهم بشرب اللبن. ولما مات عبد الملك قال الوليد ابنه: انهضوا على اسم الله فبايعوا. فبايع له أعلام الناس، ثم جهز أباه، فبينما هو في دفنه إذ أقبل غيلان بن سلمة؛ والناس لا يدرون يعزونه قبل أو يهنئونه! فقال: أصبحت يا أمير المؤمنين رزئت خير الآباء وسميت خير الأسماء، وأعطيت أفضل الأشياء، فعزم اله لك في الرزية على الصبر، وأثابك في ذلك نوافل الأجر، وأعانك في حسن ثوابه إياك على الشكر، وقضى لعبد الملك خير القضية، وأنزله المنزلة الرضية، وأعانك على أمر الرعية. فقال له الوليد: من أنت؟ قال: من ثقيف. قال: في كم أنت؟ قال: في مئة دينار. فأمر به أن يلحق بالشرف، فكان أول من قضى له حاجةٌ حين استخلف. قال المصنف: ولا أراه بقي إلى أيام الوليد، فإنه مات في خلافة عمر بن الخطاب، ولعله ابن غيلان بن سلمة، وغيلان أسلم وتحته عشرة نسوة، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يختار منهن أربعاً. وعن ابن عمر قال: طلق غيلان بن سلمة نساءه، وقسم ماله بين بنيه في خلافة عمر، فبلغ ذلك عمر فقال له: أطلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك؟ قال: نعم، قال: والله إني لأرى الشيطان فيما يسترق السمع بموتك فألقاه في نفسك، فلعلك لا تمكث إلا قليلاً، وأيم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لأورثتم منك إذا مت، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما رجم قبر أبي رغال. أبو رغال: أبو ثقيف. قال: فراجع نساءه، ورجع في ماله. قال نافع: فلم يمكث إلا سبعاً حتى مات. وكان غيلان شاعراً، وفد على كسرى، وسأله أن يبني له حصناً بالطائف، فبنى له حصناً بالطائف، ثم جاء الإسلام، فأسلم غيلان وعنده عشر نسوة - زاد في رواية: وأسلمن معه - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اختر منهن أربعاً وفارق بقيتهن. فقال: قد كن ولا يعلمن

أيتهن آثر عندي وسيعلمن اليوم ذلك. فاختار منهن أربعاً، وجعل يقول لمن أراد منهن: أقبلي، ومن لم يرد يقول لها: أدبري حتى اختار منهن أربعة وفارق بقيتهن. وعن عكرمة: في قوله عز وجل: " وثيابك فطهر " قال: لا تلبسها على غدرةٍ ولا فجرة ثم تمثل بشعر غيلان: من الطويل فإني بحمد الله لا ثوب فاجرٍ ... لبست ولا من غدرة أتقنع دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم سلمة وهم محاصر والطائف وعندها مخنث يقال له هيت يقول لأن سلمة: إذا فتحتم الطائف فقولي لأخيك يأخذ بادية بنت غيلان بن سلمة - وكانت أشهر نساء ثقيف جمالاً وهيئة - فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنك لتفطن لهذا! لا يدخلن عليكم. وعن أبي جعدة قال: قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية - ومانت امرأة عثمان بن مظعون وهي الخولاء: يا رسول الله إذا فتح الله عليك الطائف فأعطني حلي بادية بنت غيلان، قال: وإن لم يكن أذن لي فيها يا خولة. فأتت عمر بن الخطاب مسرعةٌ فأخبرته. وكان المسلمون يظنون أنهم يفتحونها، قد فتح مكة وظفروا بحنين في وجههم ذاك. فجاء عمر بن الخطاب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شيء أخبرتنيه خويلة؟ قال: نعم، رأيت كأني أريد جلب مياهٍ وهي تعتاص علي، فظننت أني لا أنال منهم شيئاً في وجهي هذا. قال: أفلا تأذن في الناس بالرحيل؟ قال: بلى.

غيلان بن عقبة بن مسعود

توفي غيلان في آخر خلافة عمر، سنة ثلاثٍ وعشرين. غيلان بن عقبة بن مسعود ابن حارثة بن عمرو بن ربيعة أبو الحارث العدوي، المعروف بذي الرمة الشاعر المشهور. وفي نسبه اختلاف. قيل: إنه لقب بذي الرمة لأنه أتى مية صاحبته وعلى كتفه قطعة حبل، وهي الرمة فاستسقاها فقالت: اشرب يا ذا الرمة فلقب به. وقيل: لقب بذلك لقوله: من مشكور الجز أشعث باقي رمة التقليد وقيل: كان يصيبه الفزع في صغره، فكانت له تميمةٌ تعلق عليه بحبل، فلقب ذا الرمة. وأمه ظبية - بالظاء المعجمة - من بني أسد. وفد على الويد بن عبد الملك. حدث عن ابن عباسٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن من الشعر حكمة. وحدث عن ابن عباس في قوله عز وجل " والبحر المسجور " قال: الفارغ، خرجت أمةٌ تستقي، فرجعت فقالت: إن الحوض مسجور. يعني فارغاً. قال ابن سيار: ليس لذي الرمة غير هذين الحديثين. دخل الفرزدق على الويد بن عبد الملك أو غيره فقال له: من أشعر الناس؟ قال: أنا، قال: أفتعلم أحداً أشعر منك؟ قال: لا، إلا أن غلاماً من بني عدي بن كعب يركب أعجاز الإبل، ينعت الفلوات. ثم أتاه جرير فسأله، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه ذو الرمة فقال له: ويحك! أنت أشعر الناس! قال: لا ولكن غلامٌ من بني عقيل يقال له مزاحم، يسكن الروضات، يقول وحشياً من الشعر، لا تقدر على أن تقول مثله.

قال عيسى بن عمر: كان ذو الرمة يملي علي شعراً وأنا أكتب الشعر، إذ قال لي: يا غلام أصلح هذا الحرف، فقلت له: أصلحك الله وإنك لتكتب! فقال: نعم، قدم علينا حضري لكم فعلمنا الخط على الرمل. قال ذو الرمة لعيسى بن عمر: اكتب شعري، فالكتاب أعجب إلي من الحفظ، إن الأعرابي ينسى الكلمة قد شهرت في طلبها ليلةٌ فيضع في موضعها كلمةٌ في وزنها ثم ينشده الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاماً بكلام. حكى الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قدم ذو الرمة البصرة فأتيته أعتذر لأني لم أهد إليه شيئاً، فقال: لا تعتذر، أنا وأنت نأخذ ولا نعطي أحداً شيئاً. وكان ذو الرمة طفيلياً يأتي العرسات. كان الشافعي يقول ليس يقدم أهل البادية على ذي الرمة أحداً. قال الشافعي: لقي رجلٌ من أهل اليمن فقال اليماني: من أشعر الناس؟ فقال: ذو الرمة، قال له: فأين ارمؤ القيس؟ - يجميه بذلك لأنه يماني - فقال: لو أن امرأ القيس كلف أن ينشد شعر ذي الرمة ما أحسنه. كان ذو الرمة بسوق المربد وقد عارضه رجلٌ يهزأ به، فقال له: يا أعرابي أتشهد بما لم تر؟ قال: نعم، قال: بماذا؟ قال: أشهد بأن أباك ناك أمك. كان أبو عمرو بن العلاء يقول: شعر ذي الرمة نقط العروس، تضمحل عن قليل، وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح البعر.

قال رؤبة بن العجاج لبلال: علام تعطي ذا الرمة؟ فوالله ما يمدحك إلا بمقطعاتنا هذه يعمد إليها فيوصلها ثم يمدحك بها. فقال بلال: والله لو لم أعطه إلا على تأليفها لأعطيته. دخل ذو الرمة على بلال بن أبي بردة - وكان بلال راويةً فصيحاً أديباً - فأنشد بلالٌ أبيات حاتم طيئ: من الطويل لحا الله صعلوكاً مناه وهمه ... من الدهر أن يلقى لبوساً ومطعما يرى الخمس تعذيباً وإن نال شبعة ... يبت قلبه من قلة الهم مبهما فقال ذو الرمة: يرى الخمص تعذيباً، وإنما الخمس للإبل، وإنما هو خمص البطون. فحسده بلال - وكان محكاً - أنشنديهما رواة طيئ، فرد عليه ذو الرمة فضحك، ودخل أبو عمرو بن العلاء فقال له بلال: كيف تنشدها - وعرف أبو عمرو الذي به - فقال: كلا الوجهين، فقال: أتأخذون عن ذي الرمة؟ قال: إنه لفصيح، وإنا لنأخذ عنه بتمريض. وخرجا من عنده، فقال ذو الرمة لأبي عمرو: والله لولا أني أعلمك حطبت في حبله وقلت في هواه، لهجوتك هجاءٌ لا يقعد إليك اثنان!. قال ذو الرمة يوماً: لقد قلت أبياتاً إن لها لعروضاً، وإن لها لمراداً ومعنى بعيداً، قال له الفرزدق: وما هيه؟ قال: قلت: من الطويل أحين أعاذت بي تميم نساءها ... وجردت تجريد اليماني من الغمد ومد بضبعي الرباب ومالكٌ ... وعمرو وشالت من ورائي بنو سعد ومن آل يربوع زهاءٌ كأنه ... زها الليل محمودٌ النكاية والرفد

فقال له الفرزدق: لا تعودن فيها فأنا أحق بها منك، قال: والله لا أعود فيها أبداً ولا أنشدها إلا لك. فهي قصيدة الفرزدق التي يقول فيها: من الطويل وكنا إذا القيسي نب عتوده ... ضربناه فوق الأنثيين على الكرد الأنثيين: الأذنين، والكرد: العنق. اجتمع ذو الرمة ورؤبة عند بلال بن أبي بردة وهو أمير البصرة، وكان رؤبة يثبت القدر، وكان ذو الرمة قدرياً، فقال لهما بلال: تناظرا في القدر، فقال رؤبة: والله ما افتحص طائر أحوصاً ولا تقرمص سبعٌ قرموصاً إلا بقضاءٍ من الله وقدر. فقال ذو الرمة: والله ما قدر الله للذئب على أكل حلوبة غيائل عالةٍ ضرائك ذوي حاجة. فقال رؤبة: أفبقدرته أكلها؟ هذا كذب على الذئب! فقال ذو الرمة: الكذب على الذئب أهون من الكذب علر رب الذئب. قال العلاء بن أسلم أشند ذو الرمة شعراً: من الطويل وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ماتفعل الخمر فقال له العدوي الشاعر: قل فعولين بالألباب، فقال له ذو الرمة لو سبحت كان خيراً لك.

قال الصولي: كان العدوي مثبتاً للقدر، فأراد أن الله جعل العينين كذا، وفر ذو الرمة من هذا لينصر مذهبه. قال الأصمعي: قلت ليونس: ما أراد ذو الرمة بقوله: من الطويل وليلٍ كجلباب العروس ادرعته ... بأربعةٍ والشخص في العين واحد فقال يونس: ما أحسب الجن تقع على ماوقع عليه ذو الرمة وفطن له؛ قوله: كجلباب العروس، يقول: ليل طويل كقميص العروس في الطول، لأن العروس تجر أذيالها: اردعته: أي لبسته: بأربعة: يعني نفسه وناقته وسيفه وظله؛ والشخص في العين واحد: يقول والأنسان واحد. قال أبو بكر بن عياش: كنت إذ أنا شاب إذا أصابتني مصيبة تصبرت، وكان ذلك يبرئ بدني جميعاً، حتى رأيت بالناسة أعرابياً ينشد وقد اجتمع الناس عليه وهو يقول: من الطويل خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل لعل انحدار الدمع يعقب راحةٌ ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل فسألت عنه؟ فقيل: هذا ذو الرمة، فأصابني بعد ذلك مصيبات، فكنت أبكي فأجد له راحة. ذكر ذو الرمة في مجلسٍ فيه عدةٌ من الأعراب، فقال عصمة بن مالك - شيخٌ من بني جاسئ بن فزارة، كان قد بلغ عشرين ومئة -: إياي فاسألوا عنه، كان من أظرف الناس، كان آدم، خفيف العارضين، حسن المضحك، حلو المنطق؛ وكان إذا أنشد بربر وجش صوته، فإذا راجعك لم تسأم حديثه وكلامه، وكان له إخوة يقولون الشعر منهم

مسعود وجرفاس - وهو أوفى - وهشام، كانوا يقولون القصيدة فيرد ففيها الأبيات فيغلب عليها فتذهب له، فجمعني وإياهم مربع، فأتاني يوماً فقال لي: ياعصمة! إن ميا منقرية، وبنو منقر أخبث الحي، أقوفه لأثر، وأبصره في نظر، وأعلمه بشر؛ فهل عندك من ناقةٍ نزداد عليها ميا؟ قلت: عندي الجؤذر، بنت يمانية، قال: علي بها، فركبناها وخرجنا حتى نشرف على بيوت الحي، فإذا هم خلوف، وإذا بيت مي خلو، فعرف النساء ذا الرمة حين طلعنا عليهن، فتقوض النساء إلى بيت مي، وجئنا حتى أنخنا، ثم دنونا فسلمنا وقعدنا نتحدث، وإذا مي جايةٌ أملود، واردة الشعر، صفراء فيها عسن، وعليها سب أصفر وطاقٌ أخضر، فتحدثن مليا ثم قلن له: أنشدنا ياذا الرمة، قال: أنشدهن ياعصمة، فأنشدهن قوله: من الطويل نظرت إلى أظعان مي كأنها ... ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه فأوشلت العينان والصدر كاتم ... بمغرورق نمت عليه سواكبه بكا وامقٍ خاف الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومعاتبه

فقالت ظريفة ممن حضر: لكن الآن فلتجل، فنظر إليها مي، ثم مضيت فيها إلى قوله: إذا سرحت من حب مي س ... وارحٌ عن القلب ابته جميعاً عوازبه فقالت الظريفة: قتلتهقتلك الله، فقالت مي: ما أصحه وهنيئاً له! فتنفس ذو الرمة تنفساً كاد حره يطير شعر وجهه. ومضيت حتى انتهت إلى قوله: وقد خلفت بالله مية ما الذي ... أقول لها إلا الذي أنا كاذبه إذاً فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدو أحاربه فقالت الظريفة قتلته قتلك الله، فالتفتت إليه مي فقالت: خف عواقب الله. ثم مضت فيها حتى انتهت إلى قوله: إذا راجعتك القول مية أو بدا ... لك الوجه منها أو نضا الدرع سالبه فيا لك من خد آسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلل جادبه فقالت الظريفة: ها هي ذه قد راجعتك القول، وبدا لك وجهها، فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مي فقالت: قاتلك الله! ما أنكر ما تجيئين به! قال عصمة: فتحدثنا ساعة ثم قالت الظريفة للنساء: إن لهذين شأناً، فقمن بنا. فقمن وقمت معهن؛ فجلست في بيتٍ أراهما منه فسمعتهما قالت له: كذبت والله. ووالله ما أدري ما قال لها وما أكذبته فيه، فلبث قليلاً ثم جاءني ومعه قارورةٌ فيها دهن وقلائد، فقال: هذا دهن طيب أتحفتنا به مي، وهذه قلائد الجؤذر، ولا والله لا أقلدهن بعيراً أبداً، وشدهن بذؤابة سيفه، وانصرفنا؛ فكان يختلف إليها حتى تقضي الربيع، ودعا الناس المصيف، فأتاني فقال: يا عصمة قد رحلت مي، ولم يبق إلا الآثار والنظر في الديار، فاذهب بنا ننظر في ديارهم، ونقفو آثارها. فخرجنا حتى أتينا منزلها فوقف ينظر ثم قال: من الطويل

ألا فاسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر قال عصمة: فما ملك عينيه، فقلت: مه، فانتبه وقال: إني لجلد، وإن: ان مني ما ترى. قال: رأيت أحداً كان أشد منه صبابة يومئذ، ولا أحسن عزاء وصبراً! ثم انصرفنا، وكان آخر العهد به. قال غيلان بن الحكم: وفد علينا ذو الرمة ونحن بكناسة الكوفة، فأنشدنا حائيته إلى أن بلغ قوله: من الطويل إذا غير اليأس المحبين لم يكد ... رسيس الهوى من حب مية يبرح فقال له ابن شبرمة: أراه قد برح، فقلت: بم؟ قال: لم أجد رسيس الهوى. فرجعت بحديثهم إلى أبي الحكم البختري بن المختار فقال: أخطأ ابن شبرمة حين رد عليه، وأخطأ ذو الرمة حيث قبل منه، إنما هذا كقول الله عز وجل: " إذا أخرج يده لم يكد يراها " أي لم يرها ولم يكد. كان ذو الرمة يشبب بمي بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري، وكانت كنزة أمة مولدة لآل قيس بن عاصم، وهي أم سهم بن بردة الذي قتله سنان بن مخيس القشيري أيام محمد بن سليمان، فقالت كنزة: من الطويل: على وجه مي مسحةٌ من ملاحةٍ ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا

ونحلتها ذا الرمة، فامتعض من ذلك وحلف بجهد أيمانه، ما قالهما وقال: بالله كيف أقوله وقد قطعت دهري وأفنيت شبابي أشبب بها وأمدحها، ثم أقول هذا! ثم اطلع على أن كنزة قالتهما ونحلتهما إياه. قال أبو المهلهل الحدثي: ارتحلت إلى الرمال في طلب مي، صاحبة غيلان ذي الرمة، فما زلت أطلب موضع بيتها حتى أرشدت إلى البيت، فإذا خيمةٌ كبيرة، على بابها عجوز هتماء فسلمت عليها وقلت: أين منزل مي؟ قالت: مي ذي الرمة؟ قلت: نعم، قالت: أنا مي، فعجبت منها ثم قلت لها: العجب من ذي الرمة وكثرة ما قاله فيك! ولست أرى من المشاهد التي وصفك بها شيئاً! فقالت: لا تعجب يا هذا منه، فإني سأقوم بعذره عندك، ثم قالت: يا فلانة! فخرجت جاريةٌ ناهد، عليها برقع، فقالت أسفري، فسفرت، فتحيرت لجمالها وبراعتها وفصاحتها! فقالت لي: غلق ذو الرمة بي وأنا في سنها، فقلت: عذره الله ورحمه، أنشدني مما قال فيك؛ فجعلت تنشدني وأنا أكتب أياماً، ثم ارتحلت عنها. وكان ذو الرمة أيضاً يشبب بخرقاء من بني عامر، تحل فلجة، ويمر بها الحاج، فتقعد لهم وتحادثهم وتهاديهم، وتقول: أنا منسك من مناسك الحج. ثم كانت تجلس معها فاطمة ابنتها، فحدثني من رآها قال: لم تكن فاطمة مثلها. وإنما قالت: أنا منسك من مناسك الحج، لقول ذي الرمة: من الوافر تمام الحج أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللثام

قال الأصمعي: كان تشبيب ذي الرمة بخرقاء أنه مر في بعض أسفاره ببعض البوادي، فإذا خرقاء خارجةٌ من خباء، فنظر إليها فوقعت في قلبه، فخرق إداوته، ودنا منها يستطعم بذلك كلامها، فقال لها: إني رجلٌ على سفر، وقد تخرقت إداوتي فأصلحيها لي، فقالت: إني لا أحسن العمل وإني لخرقاء. وفيها يقول: من البسيط أأن توسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مجوم تعتادني زفراتٌ حين أذكرها ... تكاد تنفض منهن الحيازيم أنشد ذو الرمة خرقاء قصيدته التي يقول فيها: أحبك حبا خالطته نصاحةٌ ... وما كل ذي ود من الناس ناصح فقال خرقاء: ومتى يكون محب غير ناصح؟ قال: إذا آثرت ما أهوى من قربك على ما تهوين من بعدك، واتخذتك برداً، علي منه جماله وستره وحصانته ونعمته، وعليك منه ابتداء إلى أعطافه وسجى أطرافه، فهناك نظرت لنفسي عليك، فأديت حق النصيحة إليها لا إليك. وأنشد: من الطويل وأهوى لك الحسنى وأنت مسيئةٌ ... ونيلك ممنوعٌ ومثواك نازح قالت خرقاء: والله ما ادري أي تفسير أحسن، السالف من نثرك، أم الرادف من نظمك؟ فقال ذو الرمة: لأحسن من هذا وهذاك نظرةٌ ... لعينيك فيها منك آسٍ وجارح فقالت له: ومن ذا يغالبك في محاورة؟ فقال:

يغالبني من مهجتي في إساره ... يشاكها طوراً وطوراً يسامح ومن لم أزل أبغي السلو ولم يزل ... يتيمني منه مراضٌ صحائح وأصدف عن سقيا ثناياه آيساً ... فيعطفني منه بروقٌ لوامح مضاحك غر لو تبسمن في الدجى ... تجلى جبين من سنا الفجر واضح يقر بعيني قربها وكذابها ... ألا كل ما قرت به العين صالح ثم قطع المحاورة والاقتضاب وأنشد حتى استكمل قصيدته. مر رجلٌ في بادية بني عذرة فإذا فتاةٌ كأحسن ما يكون، فنظر إليها، فقالت له عجوز: ما تنظر إلى هذا الغزال النجدي ولا حظٌ لك فيه! فقالت الجارية: دعيه يا أمتاه، يكون كما قال ذو الرمة: من الطويل وإن لم يكن إلا تعلل ساعةٍ ... قليلاً فإني نافعً لي قليلها قال أبو سلمة الكلابي: سمعت أبي يقول: لما فرغ ذو الرمة من قصيدته التي هي: من البسيط ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفريةٍ سرب تبدى له إبليس فأخذ حجزته ثم قال له: لا تظن أنك منها في ئيء، ما شركتني فيها بحرف، وأنا قلتها كلها. دخل ذو الرمة الكوفة، فبينا هو يسير في شوارعها على نجيب له إذ رأى جارية سوداء واقفة على باب الدار، فاستحسنها ووقعت بقلبه، فدنا منها وقال: يا جارية اسقيني ماء، فسقته، فأراد أن يمازحها ويستدعي كلامها، فقال: يا جارية ما أحر ماءك! فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حر مائي فبرده، فقال لها: وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى، قالت: من الطويل

فأنت الذي شبهت عنزاً بقفرة ... لها ذنب فوق استها أم سالم جعلت لها قرنين فوق جبينها ... ووطبين مسودين مثل المحاجم وساقين إن يستمسكا منك يتركا ... بحاذك يا غيلان مثل المياسم " أيا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ... وبين النقا أانت أم أم سالم " فقال: نشدتك بالله إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا لأحد. ونزل عن راحلته، فدفعها إليها وذهب ليمضي، فدفعتها إليه وضمنت له ألا تذكر لأحد ما جرى. كانت وليمة عدي على مائدةٍ عليها إسحاق بن سويد وذو الرمة، فاستسقى ذو الرمة، فسقى نبيذاً، واستسقى إسحاق بن سويد فسقى ماء، فقال ذو الرمة: من البسيط أما النبيذ فلا يذعرك شاربه ... واحفظ ثيابك ممن يشرب الماء مشمرين على أنصاف سوقهم ... هم اللصوص وقد يدعون قراء فقال إسحاق بن سويد: من البسيط أما النبيذ فقد يزري بشاربه ... ولا ترى أحداً يزري به الماء الماء فيه حياة الناس كلهم ... وفي النبيذ إذا عاقرته الداء ثم قال لي الرمة: زد حتى نزيد قال ذو الرمة: بلغت نصف عمر الهرم، أنا ابن أربعين سنة. ولم يبق ذو الرمة بعد ذلك إلا قليلاً. ومات وهو شاب.

قال مسعود أخو ذي الرمة: كنا بالبدو، فحضرت ذا الرمة الوفاة فقال: احملوني إلى الماء يصل علي أهل الإسلام، فحملناه على باب، فأغفى إغفاءةٌ ثم انتبه فنقر الباب فقال: مسعود! قلت لبيك، قال: هذا والله الحق المبين لا حين أقول: من الطويل عشية مالي حيلةٌ غير أنني ... بلقط الحصى والخط في الدار مولع كأن سناناً فارسيا أصابني ... على كبدي بل لوعة الحب أوجع دخل رجلٌ على ذي الرمة وهو يجود بنفسه فقال كيف تجدك يا غيلان؟ قال: أجدني أجد مالا أجد أيام أزعم أني أجد فأقول: من الطويل كأني غداة البين يا مي مدنف ... يجود بنفسٍ قد أتاها حمامها زاد في آخر، بمعناه ثم قال: اللهم إني لا قوي فأنتصر، ولا برئ فأعتذر، ولكن لا إله إلا أنت. ثم مات. قال الأصمعي: مات ذو الرمة عطشاناً، وأتى بالماء وبه رمق فلم ينتفع به، فكان آخر ما تكلم به قوله: من البسيط يا مخرج الروم من نفسي إذا احتضرت ... وفارج الكرب رحزحني عن النار بلغ ذو الرمة أربعين سنة، وتوفي وهو خارجٌ إلى هشام بن عبد الملك، فدهن بحزوى، وهي الرملة التي كان يذكرها في شعره.

غيلان بن أبي غيلان

غيلان بن أبي غيلان وهو غيلان بن يونس، ويقال ابن مسلم أبو مروان القدري مولى عثمان بن عفان. قال الشعبي: دخل غيلان على عمر بن عبد العزيز، فرآه أصفر الوجه، فقال له عمر: يا أبا مروان! مالي أراك أصفر الوجه؟ قال: يا أمير المؤمنين أمراض وأحزان، قال: لتصدقني، قال غيلان: ذقت - يا أمير المؤمنين - حلو الدنيا فوجدته مرا فأسهرت لذلك ليلى وأظمأت له نهاري، وكل ذلك حقير في جنب ثواب الله عز وجل وعقابه؛ فقال رجلٌ ممن كان في المجلس: ما سمعت بأبلغ من هذا الكلام ولا أنفع منه لسامعه، فأنى أوتيت هذا العلم؟ قال غيلان: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تركنا العمل بما علمنا، ولو أنا عملنا بما تكلمنا أورثنا سقماً لا تقوم له أبداننا. صلب غيلان بالشام، ويعرف بغيلان القدري، ويروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذمة. روى عن عبادة بن الصمت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في امتي رجلان: أحدهما باليمن يقال له وهب، يهب الله له الحكمة، والآخر بالشام يقال له غيلان، وهو أشد على أمتي فتنة من الشيطان. قال الشعبي: كنت جالساً عند مكحول ومعه غيلان إذ أقبل شيخٌ من أهل البصرة، فجلس إلى مكحول فسلم عليه، ثم قال له مكحول: كيف سمعت الحسن يقول في أنه كذا وكذا، فأخبره بشيء لم أحفظه، ثم أقبل عليه يسأله عن شيء من كلام الحسن، فقال له غيلان: يا أبا عبد الله أقبل علي ودع هذا عنك. قال: فغضب مكحول - وكان شديد الغضب - ثم قال له: ويلك يا غيلان! إنه قد بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سيكون في امتي رجلٌ يقال له غيلان، هو أضر عليها من إبليس. فإياك أن تكون أنت هو. ثم قام وتركه. قال يحيى بن مسلم: أتيت بيت المقدس للصلاة فيه فلقيت رجلاً فقال: هل لك في إخوان لك؟ قلت:

نعم، قال فبت الليلة فإذا أصبحت لقيتك، فلما أصبح لقيني قال: هل رأيت الليلة في منامك شيئاً؟ قلت: لا، إلا خيراً، قال: فصنع بي ذلك ثلاث ليال، ثم قال: انطلق، فانطلقت معه حتى أدخلني سرباً فيه غيلان والحارث الكذاب في أصحاب له، ورجل يقول لغيلان: يا أبا مروان ما فعلت الصحيفة التي كنا نقرؤها بالأمس؟ قال: عرج بها إلى السماء، فأحكمت ثم أهبطت. فقلت: إنا لله! ما كنت أني أبقى حتى أسمع بهذا في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خالد بن اللجلاج لغيلان: ويحك يا غيلان! ألم تكن زفاناً؟ ويلك يا غيلان! ألم تكن قبطيا وأسلمت! ألم أجدك في شيبتك وأنت ترامي النساء بالتفاح في شهر رمضان ثم صرت حارساً تخدم امرأة حارث الكذاب وتزعم أنها أم المؤمنين ثم تحولت من ذلك فصرت قدريا أو زنديقاً؟ زاد في رواية: ما أراك تخرج من هوى إلا دخلت في شر منه. قال الأوزاعي: أول من نطق بالقدر رجلٌ من أهل العراق يقال له: سوسن، وكان نصرانيا فأسلم، ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد. قال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: لقيت غيلان القدري فقلت له: من كان أشد الناس عليك كلاماً؟ فقال: كان أشد الناس علي كلاماً عمر ين العزيز كأنه يلقن من السماء، ولقد كنت أطلب له مسائل أعنته فيها، فبينما أنا ذات يوم أظفر به فاليوم، قال: فدخلت عليه فقلت: يا أمير المؤمنين! هذه الدراهم البيض، فيها كتاب الله، يقلبها اليهودي والنصراني والحائض والجنب، فإن رأيت أن تأمر بمحوها، فقال لي: أردت أن تحتج علينا الأمم إن غيرنا توحيد ربنا واسم نبينا، قال: فبهت فلم أدر ما أرد عليه.

قال علي: صليت المغرب، ثم ركعت بعد المغرب، فمر بي عمرو بن مهاجر صاحب حرس عمر بن العزيز فقال: أئت المنزل حتى أخبرك بما كان من أمر صديقك - يعني غيلان - فأتيته في منله فقال: بعث أمير المؤمنين اليوم إلى غيلان، فدخل عليه فقال: يا غيلان أكان فيما قضى الله وقدر أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: أكان فيما قضى الله وقدر أن يخلق آدم؟ قال: في أشياء سأل عنها، كل ذلك يقول: نعم. وأنا خلف عمر أشير لغيلان إلى خلقى أنه الذبح: فلما أراد أن يوقم قال: يا غيلان والله ما أظن ذباب بيني وبينك إلا بقدر. قيل لعمر بن عبد العزيز: إن غيلان يقول في القدر، فمر به غيلان، فقال: ما تقول في القدر؟ فتعوذ فتلا هذه الآية " هل أتى على الإنسان حين من الدهر " إلى قوله: " إما شاكراً وإما كفوراً " فقال عمر: إن الكلام فيه عريضٌ طويل، ما تقول في العلم أنافذٌ هو؟ قال: نعم، قال: أما والله لو لم تقلها لضربت عنقك. زاد في آخر: قال عمر: تم السورة ويحك! أما تسمع الله يقول: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " ويحك يا غيلان! أما تعلم أن الله " جاعلٌ في الأرض خليفة " إلى " العليم الحكيم " فقال غيلان: يا أمير المؤمنين لقد جئتك جاهلاً فعلمتني وصالاً فهديتني، قال: اخرج ولا يبلغني أنك تكلم بشيءٍ من هذا. وفي حديثٍ آخر: أن عمر بلغه أن غيلان وفلاناً تكلما في القدر فأرسل إليهما فقال: ما الأمر الذي تنطقان فيه؟ قالا: تقول يا أمير المؤمنين ما قال الله، قال: وما قال الله؟ قالا: يوقل: " هل أتى الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، إنا هديناه

السبيل إما شاكراً وإما كفوراً " فقال: اقرأا، اقرأا حتى بلغا " إن هذه تذكرة، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً، وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " إلى آخر السورة، قال: كيف ترى يابن الأتانة تأخذ بالفروع وتدع الأصول!؟ قال: ثم بلغه أنهما قد أسرفا، فأرسل إليهما وهو مغضب شديد الغضب؛ قال عمرو بن مهاجر: فقام عمر وكنت خلفه واقفاً حتى دخلا عليه وأنا مستقبلهما فقال لهما: ألم يكن في سابق علم الله حين أمر إبليس بالسجود أنه لا يسجد؟ قال: فأومأت إليهما إيماء برأسي أن قولا نعم - قال: لولا مكاني يومئذ لسطا بها - قال: فقالا: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أو لم يكن في سابق علم الله حين نهى لآدم عن أكل الشجرة أن لا يأكلا منها أنهما يأكلان منها؟ قال: فأومأت إليهما أيضاً برأسي أن قولا نعم، فقالا: نعم، قال: فأمر بإخراجهما، وأمر بالكتاب إلى الأجناد بخلاف ما يقولون، فلم يلبث إلا قليلاً حتى مرض عمر فلم ينفذ ذلك الكتاب. زاد في رواية: أن غيلان قال: كنت أعمى فبصرتني وأصم فأسمعتني وضالاً فهديتني، فقال: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً وإلا فاصلبه. وفي رواية: إن كان صادقاً فارفعه وفقه، وإن كان كاذباً فلا تمته إلا مقطوع اليدين والرجلين مصلوباً. قال: فأمسك عن الكلام في القدر، فولاه عمر بن عبد العزيز دار الضرب بدمشق، فلما مات عمر بن العزيز وأفضت الخلافة إلى هشام، تكلم في القدر فبعث إليه هشام فقطع يده، فمر به رجلٌ والذباب على يده فقال له: يا غيلان! هذا قضاء وقدر، قال: كذبت لعمر الله، ما هذا قضاءٌ ولا قدر، فبعث إليه هشام فصلبه. زاد في أخرى: فقلت له: يا غيلان! هذه دعوة عمر بن العزيز قد أدركنك. قال عمر بن العزيز لغيلان: بلغني أنك تكلم في القدر، فقال: يكذبون علي يا أمير المؤمنين، قال: اقرأ علي سورة يس، فقرأ " يس والقرآن الحكيم " إلى قوله " فهم لا يبصرون " فقال غيلان: لكأني لم أقرأها قبل اليوم، أشهدك يا أمير المؤمنين أني

تائب مما كنت أقول في القدر، فقال عمر: اللهم إن كان صادقاً فثبته، وإن كان كاذباً فاجعله آية للعالمين. وفي رواية: وإن كان كاذباً فلا تمته حتى تذيقه حر السيف، أو حد السيف، فلما مات عمر واستخلف يزيد بن عبد الملك قال الزهري: فدخلت عليه وغيلان قاعدٌ بين يديه فقال: مد يدك، فمدها فضربها بالسيف فقطعها ثم قال: مد رجلك، فضربها بالسيف فقطعها، ثم صلبه. فذكرت دعوة عمر بن العزيز. قال: المحفوظ أن الذي صلبه هشام بن عبد الملك. قال غيلان لربيعة بن عبد الرحمن: أنشدك الله، أترى الله يحب أن يعصى؟ فقال ربيعة: أنشدك الله أترى الله يعصى قسراً؟ فكأن ربيعة ألقم غيلان حجراً. قال حسان بن عطية لغيلان القدري: والله لئن كنت أعطيت لساناً لم نعطه إنا لنعرف باطل ما تأتي به. قال الأوزاعي: قدم علينا غيلان القدري في خلافة هشام بن عبد الملك، فتكلم غيلان - وكان رجلاً مفوهاً - فلما فرغ من كلامه قال لحسان: ما تقول فيما سمعت من كلامي؟ فقال له حسان: يا غيلان إن يكن لساني كل عن جوابك فإن قلبي ينكر ما تقول. جاء رجلٌ إلى مكحول من أصحابه فقال: يا أبا عبد الله، ألا أعجبك، إني عدت اليوم رجلاً من إخوانك، فقال: من هو؟ فقال: لا عليك، قال: أسألك، قال: هو غيلان، فقال مكحول: إن دعاك غيلان فلا تجبه وإن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تمش في جنازته. زاد في رواية: لهو أضر على هذه الأمة من المرفقين، قال مروان: فقلت للوليد:

وما المرفقين؟ قال: هم ولاة السوء يؤتى أحدهم في الشيء الذي لا يجب عليه فيه حد، والرجل يجب عليه الحد، فيجوزوا بهذا الحدود وأكثر منها. وفي حديثٍ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: هم نصارى هذه الأمة ومجوسها. كان مكحول يقول: بئس الخليفة كان غيلان لمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته من بعده. وقال مكحول: حسيب غيلان الله، لقد ترك هذه الأمة في لججٍ مثل لجج البحار. وكان مكحول يقول: ويحك يا غيلان! لا تموت إلا مقتولاً. وعن عبد الله بن أبي زكريا لقي غيلان في بعض سقائف دمشق فعدل عنه، فقالوا: يا أبا يحيى! ما حملك على هذا؟ فقال: لا يظلني وإياه سقفٌ إلا سقف المسجد، لقد ترك هذا الجند في أمواجٍ كأمواج البحر؛ وكان مالكٌ يقول: كان عدةٌ من أهل الفضل والصلاح أضلهم غيلان. وسئل مالك عن تزويج القدري فقال: " ولعبدٌ مؤمنٌ خير من مشرك ". قال محمد بن كثير: كان على عهد هشام رجلٌ يقال له غيلان القدري، فشكاه الناس إلى هشام، فبعث إليه هشام وأحضره، فقال له: قد كثر كلام الناس فيك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، ادع من شئت فيجادلني، فإن أدركت علي سبباً فقد أمكنتك من علاوتي - يعني رأسه - قال هشام: قد أنصفت. فبعث هشام إلى الأوزاعي، فلما حضر قال له هشام: يا أبا عمرو!

ناظر لنا هذا القدري. فقال له الأوزاعي: اختر إن شئت ثلاث كلمات، وإن شئت أربع كلمات، وإن شئت واحدة، فقال القدري: بل ثلاث كلمات، فقال الأوزاعي للقدري: أخبرني عن الله عز وجل، هل يعلم أنه قضى على ما نهى؟ فقال القدري: ليس عندي في هذا شيء، فقال الأوزاعي: هذه أشد علي من الأولى. ما عندي في هذا شيء؛ فقال له الأوزاعي: هذه اثنتان يا أمير المؤمنين؛ فقال الأوزاعي للقدري: أخبرني عن الله عز وجل أنه أعان على ما حرم؟ فقال القدري؟ فقال القدري: هذه أشد علي من الأولى والثانية، ما عندي في هذا شيء، فقال الأوزاعي: يا أمير المؤمنين، هذه ثلاث كلمات. فأمر به هشام فضربت عنقه. قال هشام للأوزاعي: فسر لنا هذه الثلاث كلمات، قال: نعم يا أمير المؤمنين، أما تعلم أن الله قضى على ما نهى؟ نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه بأكلها فأكلها. ثم قال الأوزاعي: أما تعلم أن الله حال دون ما أمر؟ أمر إبليس بالسجود لآدم، ثم حال بينه وبين السجود. ثم قال الأوزاعي: أما تعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى أعان على ما حرم؟ حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أعان عليه بالاضطرار إليه. فقال هشام: أخبرني عن الواحدة، ما كنت تقول له؟ قال كنت أقول له: مشيئتك مع مشيئة الله، أو مشيئتك دون مشيئة الله؟ ما كنت تقول له؟ قال كنت أقول له: مشيئتك مع مشيئة الله، أو مشيئتك دون مشيئة الله؟ فأيهما أجابني فيه حل فيه ضرب عنقه - زاد في آخر: إن قال مع مشيئة الله صير نفسه شريكاً لله، وإن قال دون مشيئة الله فقد انفرد بالربوبية. فقال هشام: لا أحياني الله بعد العلماء ساعة واحدة - قال: فأخبرني عن الأربع ما هي؟ قال: كنت أقول له: أخبرني عن الله عز وجل، خلقك حيث خلقك كما شاء أو كما شئت؟ فإنه كان يقول: كما شاء؛ ثم أقول له: أخبرني عن الله عز وجل، يتوفاك إذا شاء أو إذا شئت؟ فإنه كان يقول: إذا شاء، ثم كنت أقول له: أخبرني عن الله عز وجل، يرزقك إذا شاء أو إذا شئت؟ فإنه كان يقول: إذا شاء؛ ثم كنت أقول به: أخبرني عن الله عز وجل إذا توفاك إلى أين تصير حيث شئت أو حيث شاء؟ فإنه كان

يقول: ثم قال الأوزاعي: يا أمير المؤمنين من لم يمكنه أن يحسن خلقه، ولا يزيد في رزقه ولا يؤخر أجله ولا يصير نفسه حيث شاء، فأي شيء في يديه من المشيءة يا أمير المؤمنين؟! قال: صدقت يا أبا عمرو. ثم قال له الأوزاعي: يا أمير المؤمنين! إن القدرية ما رضوا بقول الله عز وجل، ولا بقول الأنبياء، ولا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول الملائكة، ولا بقول أخيهم إبليس. فأما قول الله عز وجل: " فاجتباه ربه فجعله من الصالحين " وأما قول الملائكة: " لا علم لنا إلا ما علمتنا " وأما قول الأنبياء فما قال شعيب: " وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت " وقال إبراهيم: " لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين " وقول نوح: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " وأما قول أهل الجنة فإنهم قالوا: " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن أهدانا الله " وأما قول أهل النار: " لو هدانا الله لهديناكم " وأما قول أخيهم إبليس: " رب بما أغويتني ". قال أبو جعفر الخطمي: بلغ عمر بن عبد العزيز كلام غيلان القدري، فأرسل إليه فدعاه فقال له: ما الذي بلغني عنك تكلم في القدر؟ قال: يكذب علي يا أمير المؤمنين، ويقال علي ما لم أقل. قال: فما تقول في العلم ويلك! أنت مخصومٌ، إن أقررت بالعلم خصمت، وإن جحدت العلم كفرت؛ ويلك! أقر بالعلم تخصم خيرٌ من أن تجحد فتلعن، ووالله لو علمت أنك تقول الذي بلغني عنك لربت عنقك، أتقرأ " يس والقرآن الحكيم " قال: نعم،

قال: اقرأ، فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، يس والقرآن الحكيم، إلى أن بلغ " لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " قال له: قف، كيف ترى؟ قال: كأني لم أقرأ هذه الآية قط، قال: زد، قال: " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون " قال: قف، من جعل الأغلال في أعناقهم؟ قال: لا أدري، قال: ويلك! الله والله، قال: زد، قال: " وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً " قال: قف، ويلك! من جعل السد من بين أيديهم؟ قال: لا أدري، قال: ويلك! الله والله، زد ويلك " وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ وأجرٍ كريم " قف، كيف ترى؟ قال: كأني والله لم أقرأ هذه السورة قط، فإني أعاهد الله أني لا أعود في شيءٍ من كلامي أبداً. فانطلق، فلما ولى، قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان أعطاني بلسانه ومحنته في قلبه فأذقه حر السيف. فلم يتكلم في خلافة عمر وتكلم في خلافة يزيد بن عبد الملك، فلما مات يزيد أرسل إليه هشام: ألست كنت عاهدت الله لعمر أنك لا تكلم في شيءٍ من كلامك قال: أقلني يا أمير المؤمنين، قال: لا أقالني الله إن أنا أقلتك يا عدو الله! أتقرأ فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، فقرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين "، قال: قف يا عدو الله، على ما تستعين الله، على أمرٍ بيدك أم على أمرٍ بيده؟ من هاهنا انطلقوا به فاضربوا عنقه واصلبوه، قال: يا أمير المؤمنين على ما تضرب عنقي على غير حجة؟ قال: ويلك! وتكون الحجة المرجح من كتاب الله تنطق عليك بالحق، قال: يا أمير المؤمنين أبرز إلي رجلاً من خاصتك أناظره، فإن أدرك علي أمكنته من علاوتي فليضربها، وإن أنا أدركت عليه فاتبعني به. قال هشام: من لهذا القدري؟ قالوا: الأوزاعي. فأرسل إليه وكان بالساحل فلما قدم عليه قال له: يا قدري! إن شئت ألقيت عليك ثلاثاً، وإن شئت أربعاً وإن شئت واحدة ... الحديث.

حدث عبد الله بن مسلم عن أبيه قال: كنت في السوق بالبصرة فرأيت شيخاً لا أعرفه يذكر القدر ويظهره ويدعو إليه، فقلت له: يا شيخ، لا تظهر هذا فإني كنت بالشام فرأيت رجلاً أظهر هذا، فأخذه أمير المؤمنين هشام فقطع يديه ورجليه وقتله وصلبه. قال: فسكت، فسألت عنه؟ فقيل لي هذا عمرو بن عبيد. كتب رجاء بن حيوة إلى هشام بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين بلغني أنك دخل عليك شيءٌ من قتل غيلان وصالح، وأقسم بالله لك يا أمير المؤمنين أن قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم والترك. بلغ نمير بن أوس قاضي دمشق أنه وقر في صدر هشامٍ من قتله غيلان شيء، فكتب إليه نمير: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن قتل غيلان من فتوح الله عز وجل العظام على هذه الأمة. قال إبراهيم بن أبي عبلة: كنت عند عبادة بن نسي، فأتاه آتٍ فقال: إن أمير المؤمنين - يعني هشاماً - قد قطع يدي غيلان ورجليه ولسانه وصلبه، فقال: حقاً ما تقول؟ قال: نعم. فقال: أصاب - والله - فيه السنة والقضية، ولأكتبن إلى أمير المؤمنين فلا حسنن له ما صنع.

أسماء النساء على حرف الغين المعجمة

أسماء النساء على حرف الغين المعجمة غريبة ابنة عبد الله الحلبية حدثت عن علي بن بشرى الشرابي بسندها إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من كتابٍ يلقى بمضيعةٍ من الأرض فيه اسم من أسماء الله عز وجل إلا بعث الله إليه سبعين ألف ملك يحفونه بأجنحتهم ويقدسونه حتى يبعث الله إليه ولياً من أوليائه، فيرفعه من الأرض. ومن رفع كتاباً من الأرض فيه اسمٌ من أسماء الله عز وجل رفع الله اسمه في عليين، وخفف عن والديه العذاب وإن كانا مشركين. أسماء الرجال على

حرف الفاء

حرف الفاء فارس بن الحسن بن منصور أبو الهيجاء بن البلخي النبهاني حدث عن القاضي أبي الحسن عبد العزيز بن محمد بسنده إلى بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وإن حقا على الله أن تعي. ونزلت: " وتعيها أذن واعية " قال: أذن عقلت عن الله عز وجل. توفي فارس بن البلخي سنة خمسٍ وخمسين وأربع مئة. فارس بن منصور بن عبد الله أبو شجاع البزار حدث عن الحسين بن إسماعيل بسنده إلى أبي هارون العبدي قال: كنا إذا جئنا إلى أبي سعيد الخدري قال: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلنا: وما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال لأصحابه: الناس لكم تبع، وسيأتيكم ناسٌ من أقطار الأرض يتفقهون، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيراً وعلموهم مما علمكم الله. وحدث عنه أيضاً بسنده إلى أبي سعيد قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجنين فقال: كلوه إن شئتم، ذكاته ذكاة أمه.

الفتح بن الحسين بن أحمد بن سعدان

الفتح بن الحسين بن أحمد بن سعدان أبو نصر الفارقي حدث عن أبي الحسن علي بن يحيى بن زكار الفارقي اللغوي قال: كان عرض لشيخنا أبي الحسن حاجةٌ في بعض قرى ميا فارقين، فأرسل إلى بعض أصدقائه يستعير منه دابة يركبها، فأنفذ له دابة بلا سرج، فاستعار سرجاً من صديقٍ آخر ومضى لحاجته، فلما عاد أرسل بالدابة إلى صاحبها ومعها رقعةٌ فيها هذه الأبيات: من الوافر بعثت إليك في أمرٍ مهم ... أردت فما أردت به رواجه فجدت ببعضه ومنعت بعضاً ... ومن حقٌ المقصر أن يواجه جزاك الله عني نصف خير ... فإنك قد مننت بنصف حاجه الفتح بن خاقان بن عرطوج أبو محمد التركي قدم دمشق معادل المتوكل على جمازة، ونزل بالمزة، فلما رحل المتوكل عن دمشق ولاها الفتح بن خاقان، فاستخلف بعده كلباتكين التركي. وكان أديباً ظريفاً، له شعر حسن، وكان من السماحة في الغاية، وكان على خاتم المتوكل، وقتل معه. دخل المعتصم يوماً إلى خاقان يعوده، فرأى الفتح ابنه وهو صبي لم يثغر، فمازحه ثم

قال: أيما أحسن، داري أم داركم؟ فقال الفتح: يا سيدي دارنها إذا كنت فيها أحسن. فقال المعتصم لا أبرح حتى أنثر عليه مئة ألف درهم. ففعل ذلك. قال الفتح بن خاقان: غضب علي المعتصم ثم رضي عني وقال: ارفع حوائجك لتقضي، فقلت: يا أمير المؤمنين ليس شيء من عرض الدنيا وإن جل يفي برضى أمير المؤمنين وإن قل. فأمر فحشي فمي جوهراً. ومن شعر الفتح بن خاقان: من الرمل بني الحب على الجور فلو ... أنصف المعشوق فيه لسمج ليس يستملح في وصف الهوى ... عاشقٌ يحسن تأليف الحجج قال أبو العباس المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ، والفتح بن خاقان، وإسماعيل إسحاق القاضي؛ فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع في يده كتاب قرأه من أوله إلى آخره، أي كتاب كان. وأما الفتح فكان يحمل الكتاب في حقه، فإذا قام بين يدي المتوكل ليبول أو ليصلي أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه. وأما إسماعيل بن إسحاق فإني ما دخلت عليه قط إلا وفي يده كتابٌ ينظر فيه، أو يقلب الكتب لطلب كتابٍ ينظر فيه. قال البحتري: كان أول ما مدحت به الفتح بن خاقان: من الطويل هب الدار ردت رجع ما أنت قائله فأنشدته إياها في سنة ثلاثٍ وثلاثين بعد أن أقمت شهراً لا أصل إلى إنشاده، وهو مع ذلك يجري علي ويصلني، ثم جلس جلوساً عاماً وحضرت وحدي، فأنشدته فرأيته يتبسم عند

كل بيتٍ جيد فعلمت أنه يعلم الشعر، وكان ذلك أعجب إلى من جميع ما وصلني به، وكان أول ما اهتز له حين بلغت قولي: وقد قلت للمعلمي إلى المجد طرفه ... دع المجد فالفتح بن خاقان شاغله أطل بنعماه فمن ذا يطاوله ... وعم بجدواه فمن ذا يساجله أمنت به الدهر الذي كنت أتقي ... ونلت به القدر الذي كنت آمله ولما حضرنا سدة الإذن أخرت ... رجالٌ عن الباب الذي أنا داخله فأفضيت من قربٍ إلى ذي مهابةٍ ... أقابل بدر الأفق حين أقابله فسلمت واعتاقت جناني هيبةً ... تنازعني القول الذي أنا قائله فلما تأملت الطلاقة وانثنى ... إلى ببشرٍ أنستني مخايله ذنوت فقبلت الثرى من يد امرئٍ ... جميلٍ محياه سباط أنامله صفت مثلما تصفو المدام خلاله ... ورقت كما رق النسيم شمائله فلما فرغت سره ما سمع، وأمر لي بخمسة آلاف درهم وقال: أمير المؤمنين يخرج إلى المصلى الفطر ويخطب، فاعمل شعراً تنشده إياه إذا رجع. فلما جاء الفطر وركب ورجع أوصلني إليه، فدخلت فأنشدته: من الطويل فلما بلغت قولي: وحال عليك الحول بالفطر مقبلاً ... فباليمن والإقبال قابلك الفطر لعمري لئن زرت المصلى بجحفلٍ ... يرفرف في أثناء راياته النصر عليك ثياب المصطفى ووقاره ... وأنت به أولى إذا حصحص الأمر

ولما صعدت المنبر اهتز واكتسى ... ضياء وإشراقاً كما سطع الفجر بهرت قلوب السامعين بخطبةٍ ... هي الزهر المبثوث واللؤلؤ النثر فما ترك المنصور نصرك عندها ... ولا خانك السجاد فيها ولا الحبر جزيت جزاء المحسنين عن الهدى ... وتمت لك النعمى وطال لك العمر فقال المتوكل للفتح: هذا شاعرك! فجعل يصفني له، فعلمت أنه في صلتي إلى أن أمر لي بعشرة آلاف درهم، فأخذتها من وقتي وخصصت بالفتح حتى كنت أشفع الناس إليه، ثم صيرني بعد في جلساء المتوكل. قال البحتري: كنت أمدح المتوكل بمثل مدائحي في الفتح بن خاقان مقوماً لفظي عبر مرسلٍ نفسي، فقال لي الفتح - وكان قوي الأدب حسن المعرفة بالشعر - ليس بك حاجةٌ في مدد أمير المؤمنين إلى مثل هذا، لين كلامك حتى يفهم عنك، فإنه يلذ ما يفهم. فعلمت أنه نصحني، فمدحته بأشعاري الني منها: من الخفيف لي حبيبٌ قد لج في الهجر جداً ... وأعاذ الصدود منه وأبدا ومنها قولي: من مجزوء الكامل لم لا ترق لذل عبدك ... وخضوعه فتفي بوعدك ومنها قولي: من مجزوء الكامل عن أي ثغرٍ تبتسم ... وبأي طرفٍ تحتكم فحظيت عنده وقربت من قلبه، وتوفرت علي صلاته.

قال البحتري: قال لي المتوكل: قل في شعراً وفي الفتح، فإني أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي، ولا يفقدني فيذل، فقل في هذا المعنى، فقلت: من الخفيف سيدي أنت كيف أخلفت وعدي ... وتثاقلت عن وفاء بعهدي لا أرتني الأيام فقدك يا فت ... ح ولا عرفتك ما عشت فقدي أعظم الرزء أن تقدم قبلي ... ومن الرزء أن تؤخر بعدي حسداً أن تكون إلفاً لغيري ... إذ تفردت بالهوى فيك وحدي فقتلا معاً وكنت حاضراً فربحت هذه الضربة - وأومأ إلى ضربةٍ في ظهره - فقال: أحسنت با بحتري! وجئت بما في نفسي لما أنشدته من أمر الفتح. وأمر لي بألف دينار. قال البحتري: كنت عملت هذه الأبيات في غلامٍ لي، كنت أكلف به، فلما أمرني المتوكل بما أمر تنحيت فقلت الأبيات وأريته عملتها في وقتي وما غيرت فيها إلا لفظة واحدة، فإني كنت قلت: لا أرتني الأيام فقدك ما عشت فجعلته يافتح. قال علي بن الجهم: إني عند المتوكل يوماً، والفتح جالس إذ قيل له: فلان النخاس بالباب، فأذن له، فدخل ومعه وصيفة، فقال له المتوكل: ما صناعة هذه؟ قال ترقأ بألحان، فقال الفتح: اقرئي لنا خمس آيات، فاندفعت تقول: من السريع قد جاء نصر الله والفتح ... وشق عنا الظلمة الصبح خدين ملكٍ ورجا دولةٍ ... وهمه الإشفاق والنصح الليث إلا أنه ماجدٌ ... والغيث إلا أنه سمح

وكل بابٍ للندى مغلقٌ ... فإنما مفتاحه الفتح قال: فوالله لقد دخل أمير المؤمنين من السرور ما قام إلى الفتح فوقع عليه يقبله، ووثب الفتح يقبل رجله! وأمر أمير المؤمنين بشرائها، وأمر لها بجائزةٍ وكسوة، وبعث بها إلى الفتح، فكانت أحظى جواريه عنده، فلما قتل الفتح رثته بهذه الأبيات: من المنسرح قد قلت للموت حين نازله ... والموت مقدامةٌ على البهم لو قد تبينت ما فعلت إذاً ... قرعت سنا عليه من ندم فاذهب بمن شئت إذ ذهبت به ... ما بعد الفتح للموت من ألم ولم تزل تبكي وتنوح عليه حتى ماتت. قال المبرد: سمع الفتح ينشد قبل أن يقتل بساعات: من الطويل وقد يقتل الغتمي مولاه غيلةٌ ... وقد ينبح الكلب الفتى وهو غافل

الفتح بن شخرف بن داود بن مزاحم

الفتح بن شخرف بن داود بن مزاحم أبو نصر الكشي الصوفي قدم دمشق. حدث عن محمد بن يزيد بن سنان بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل ما يوجد في آخر أمتي درهم من حلال، أو أخ يوثق به. وحدث عن محمد بن خلف العسقلاني قال: سمعت محمد بن يوسف الفريابي يقول: لقد بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يولد لهم صبية فنبتت لهم رباعية. وحدث عن نصر بن الصباح بسنده إلى أبي جعفر قال: أكل علي بن أبي طالب يوماً تمر دقل، ثم شرب عليه ماء، ثم ضرب بيده بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثم تمثل: من الطويل إنك مهما تعطل نفسك سؤلها ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا قال الفتح بن شخرف: كنت في جامع دمشق والقاسم الجوعي، وأبو تراب النخشبي وأحمد ابن أبي الحواري جلوساً، فحدث أبو تراب، أنه رأى شابا في البادية فقال له: من أين زاد؟ قال: فأخرج مصحفاً فإذا فيه مكتوب " كهيعص " فقلت له: ما هذا؟ فقال: كاف من كافٍ وهاء من هادٍ فيحتاج مع هذا إلى زاد. وكان الفتح بن شخرف أحد العباد السياحين.

حدث الفتح بن شخرف قال: حدثني أبو بكر بن زنجويه بسنده إلى سفيان الثوري أنه قال لوهيب بن الورد وهو ينظر إلى الكعبة: ورب هذه البنية إني لأحب الموت، فقال له وهيب: ولم يا أبا عبد اللله؟ قال: فقال سفيان: يا أبا أمية! تستقبلك أمورٌ عظام، تستقبلك أمورٌ عظام. قال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل فتح بن شخرف. قال فتح بن شخرف: رأيت رب العزة تعالى في النوم فقال لي: يا فتح، احذر لا آخذك على غرة. قال: فتهت في الجبال سبع سنين. قال فتح بن شخرف: كنت بأنطاكية، وبها جبل يقال له المطل، فنويت أن أصعد عليه، ولا أزال حتى أختم القرآن - أو أتعلم القرآن - فحملتني عيني فنمت، فبينا أنا نائم إذا أنا بشخصين، فقلت للذي يقرب مني من أنت يا هذا؟ فقال لي: من ولد آم، قلت: كلنا من ولد آدم، قلت: فمن الذي وراءك؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: قلت له: أنت قريب منه ولا تسأله! قال: أخشى أن يقول الناس أني رافضي، قال: قلت دعني أقرب منه، فيقولوا أني رافضي. فتنحى من مكانه وقعدت فيه فقلت: يا أمير المؤمنين، كلمة خير شيء؟ فقال لي: نعم صدقة المؤمن بلا تكلفٍ ولا ملل. قلت: زدني يا أمير المؤمنين، قال: تواضع الغني للفقير رجاء ثواب الله. قلت: زدني يا أمير المؤمنين، قال: وأحسن من ذلك ترفع الفقير على الغني ثقة بالله. قلت: زدني يا أمير المؤمنين، فبسط كفه، فإذا فيها مكتوب: من مخلع البسيط. وكنت ميتاً فصرت حيا ... وعن قليلٍ تعود ميتا أعيا بدار الفناء بيتٌ ... فابن بدار البقاء بيتا ثم انتهت.

قال فتح بن شخرف: من إعجابي بكل شيء جيد: عندي قلمٌ كتبت به أربعين سنة، كنت أكتب به بالنهار وأكتب به بالليل، وكانت دارنا واسعة، فكنت أكتب في القمر حتى يرتفع، وأقعد على سلم في دارنا أرتقي عليه مرقاة مرقاة، حتى ينتهي السلم، فإذا تشعث رأس القلم قططته، وهو عندي. فأخرج إلي أنبوبة صفراء، وأخرج القلم منها فأرانيه. قال أبو محمد الجريري: غسلنا الفتح بن شخرف، فرأينا على فخذه مكتوباً: لا إله إلا الله، فتوهمناه مكتوباً، فإذا عرقٌ داخل الجلد. وفي رواية: غسلت الفتح بن شخرف فقلبته عن يمينه، فإذا على فخذه الأيمن مكتوبٌ خلقة: لله. كتابة بينة. وكان فتح بن شخرف رجلاً زاهداً لم يأكل الخبز ثلاثين سنة. توفي الفتح بن شخرف سنة ثلاث وسبعين ومئتين ببغداد، وصلي عليه ثلاث وثلاثون مرة، أقل قوم كانوا يصلون عليه كانوا يعدون خمسة وعشرين ألفاً، إلى ثلاثين ألفاً.

الفتح بن عبد الله

الفتح بن عبد الله أبو علي التميمي حدث عن عبد الوهاب بن عبد الله الوكيل بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد اليمين على طالب الحق. فديك بن سلمان ويقال: ابن سليمان بن عيسى أبو عيسى العقيلي القيسراني حدث فديك بن سلمان عن الأوزاعي بسنده إلى صالح بن بشير بن فديك، قال: جاء فديك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنهم يزعمون أن من لم يهاجر هلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا فديك، أقم الصلاة، وآت الزكاة، واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت. قال: وأظنه قال: تكن مهاجراً. وزاد في حديثٍ آخر: وحج البيت، وصم شهر رمضان. كان سفيان يقول: الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص. قال أحمد: سألت الفريابي عنه، قلت: سمعته من سفيان؟ قال: لم أسمعه منه، وهو كان رأيه. وسألت الفريابي عن قول الأوزاعي قال: سمعته يقول: الإيمان قولٌ وعمل، ولم أسمع: يزيد وينقص. وفديك يخبركم عنه؛ فأتينا فديك بن سليمان فقلنا له: حدثنا، فقال: قدم علينا رجلٌ من دمشق، يزعم أن بدمشق رجلاً يقول: إن الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص. فخرجنا من قيسارية نحو من عشرين رجلاً يزعم أن الإيمان قولٌ وعمل، يزيد ولا ينقص؟ فقال لنا أبو عمرو: من زعم أن الإيمان قولٌ وعمل، يزيد ولا ينقص، فاحذروه فإنه مبتدع. وقال الأوزاعي: الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص.

فرات بن مسلم ويقال ابن سالم

فرات بن مسلم ويقال ابن سالم الجزري مولى بني عقيل، والد نوفل بن فرات وفد على عمر بن عبد العزيز. قال فرات بن مسلم: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً، فطلب له، فلم يوجد فركب وركبنا معه، وتلقاه غلمانٌ من الديارنة بأطباقٍ فيها تفاح، فوقف على طبقٍ منها، فتناول تفاحةٌ فشمها وأعادها في الطبق ثم قال: ادخلوا ديركم، لا أعلم بعثتم إلى أحدٍ من أصحابي بشيء. قال: فحركت بغلتي فلحقته فقلت: ألم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر يقبلون الهدية؟ قال: إنها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمر هدية، وللعمال بعدهم رشوة. قال فرات بن مسلم: كنت أعرض على عمر بن العزيز كتبي في كل جمعةٍ مرة، فعرضتها عليه فأخذ منها قرطاساً نقيا قدر أربع أصابع أو شبر، فكتب فيه حاجة له، فقلت: غفل أمير المؤمنين. فبعث إلي من الغد: جئني بكتبك، قال: فبعثني في حاجة، فلما جئت قال لي: ما آن لنا أن ننظر فيها، قلت: إنما نظرت فيها أمس، قال: اذهب حتى أبعث إليك؛ فلما فتحت كتبي وجدت فيها قرطاساً قدر القرطاس الذي أخذه. دخل الفرات بم سالم على عمر بن العزيز فقال له عمر: ممن أنت؟ قال: من بني عقيل، قال: من أنفسهم أو من مواليهم؟ قال: لا بل من مواليهم، قال: فلا تقل من بني عقيل، فإنما بنو الرجل ما ولد، ولكن قل: من عقيل. وكان أبو نوفل ثقة.

فراس الشعباني

فراس الشعباني أحسبه دمشقيا. كان فراس الشعباني مع غزاةٍ بالقسطنطينية في زمان معاوية. قال فراس: وعلينا يزيد بن شجرة، فبينا نحن عنده إذ مر بنا أبو سعد الخير صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له يزيد: يا أبا سعد! أنت الذي يقول إنه لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن، فقال أبو سعد: أنا الذي أقول: الجنب إذا توضأ وضوءه للصلاة، لابأس أن يقرأ الآية والآيتين، وايم الله إنكم لتصنعون ما هو أشد عليكم من ذلك، قال: وما هو؟ قال: تأكلون ما مسته النار ثم تصلون ولا توضؤون، وأنا سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: توضؤوا مما مست النار وغلت به المراجل. زاد في غيره: والقدور. 97 - فرج بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم النصيبي الصوفي الأعمش ويعرف بفريج حدث عن سليمان بن محمد بن إدريس بسنده إلى أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال: قلت يا رسول الله! ما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: وأبيك لو طعنت في فخذها أجزاك. وعن فريج قال: سمعت أبا جعفر المصيصي يقول: سمعت سهل بن عبد الله يقول: احفظوا الواد على البياض، فما أحد ترك الظاهر إلا خرج إلى الزندقة. قال فرج النصيبي بسنده إلى أبي محمد الجريري قال: سمعت قائلاً يقول في المنام: إن الله لا يعبأ بصاحب رواية ولا حكاية، إنما يعبأ بصاحب قلبٍ ودارية.

الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم

قال الفرج بن إبراهيم: أنسدنا عبد الله بن عصام قال: أنشدني بعض أصحابنا: من الطويل أخوك الذي لا ينقض الدهر عهده ... ولا عند صرف الدهر يزور جانبه وليس الذي يلقاك بالود والصفا ... وإن غبت عنه تتبعك عقاربه فخذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه ... ولاتك في كل الأمور تجانبه إذا كنت في كل الأمور معاتباً ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه إذا أنت لم تشرب مرراً على القذى ... ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه الفرج بن فضالة بن النعمان بن نعيم أبو فضالة التنوخي الحمصي وقيل إنه دمشقي. حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أغلف لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالغالية ثم يحرم. وحدث فرج بن فضالة، عن العلاء بن الحارث، عن محكول قال: مرض معاذ بن جبل، فأتاه أصحابه يعودونه، فقال: أجلسوني، فأجلسوه فقال: كلمةٌ سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: من كان آخر كلامه عند الموت لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدمت ما كان قبلها من الذنوب والخطايا، فلقنوها موتاكم. فقيل: يا أبا عبد الرحمن! فكيف هي للأحياء؟ قال: هي أهدم وأهدم. وحدث عن لقمان بن عامرٍ عن أبي أمامة قال: حججت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا لعلكم أن لا تروني بعد عامي هذا - ثلاث مرات - فقام إليه رجلٌ طوال أشعث كأنه من أزد شنوءة فقال: يا رسول الله! فما الذي نفعل؟ قال: اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، وأدوا زكاتكم، طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم.

فروة بن عامر ويقال ابن عمرو

ولد الفرج بن فضالة في خلافة الوليد بن عبد الملك في غزاة مسلمة الطوانة، فجاء الخبر بولادته في يوم فتح الطوانة؛ فأعلم أبوه مسلمة خبر ولادته، فقال له مسلمة: ما سميته؟ قال: سميته الفرج لما فرج عنا في هذا اليوم بالفتح، فقال مسلمة لفضالة: أصبت. وكان أصاب المسلمين في الإقامة على الطوانة شدة شديدة، وذلك في سنة ثمانٍ وثمانين. وتوفي فرج سنة ست وسبعين ومئة - وقيل سنة سبعٍ وسبعين - وكان على بيت مال بغداد ز وكان ضعيفاً - وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة. أقبل المنصور يوماً راكباً والفرج بن فضالة جالسٌ عند باب الذهب، فقام الناس. فدخل من الباب، ولم يقم له الفرج، فاستشاط غضباً ودعا به، فقال: ما منعك من القيام حين رأيتني؟ قال: خفت أن يسألني الله عنه لم فعلت، ويسألك لم رضيت؟ وقد كرهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فبكى المنصور، وقربه وقضى حوائجه. فروة بن عامر ويقال ابن عمرو ابن النافرة الجذامي أسل عل عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد في أيامه. وكان يكون بالبلقاء بعمان ومعان من نواحي دمشق.

كان فروة بن عمرو عاملاً للروم على عمان من أرض البلقاء أو على معان، فأسلم وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه، وبعث به مع رجلٍ من قومه يقال له مسعود بن سعد، وبعث إليه ببغلةٍ بيضاء، وفرسٍ وحمارٍ وأثواب لين، وقباء سندس مخرصٍ بالذهب. فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فروة بن عمرو، أما بعد، فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به، وخبر عما قبلكم، وأتانا بإسلامك، وأن الله هداك بهداه إن أصلحت وأطعمت الله ورسوله، وأقمت الصلاة وأتيت الزكاة. وأمر بلالاً فأعطى رسوله مسعود بن سعد اثنتي عشرة أوقية ونشا. قال: وبلغ ملك الروم إسلام فروة، فدعاه فقال له: ارجع عن دينك نملكك، قال: لا أفارق دين محمد، وإنك تعلم أن عيسى قد بشر به ولكن تضن بملكك. فحبسه ثم أخرجه، فقتله وصلبه. ولما حبس قال في محبسه: من الكامل طرقت سليمى موهناً أصحابي ... والروم بين الباب والقروان صد الخيال وساءه ما قد رأى ... وهممت أن أغفي وقد أبكاني لا تكحلن العين بعدي إثمداً ... سلمى ولا تدنن للإيمان ولقد علمت أبا كبيشة أنني ... وسط الأعزة لا يحس لساني فلئن هلكت لتفقدن أخاكم ... ولئن أصبت لتعرفن مكاني زلقد عرفت بكل ما جمع الفتى ... من رأيه وبنجدةٍ وبيان

فروة بن مجاهد اللخمي الفلسطيني

فلما أجمعوا على صلبه على ماءٍ يقال له عفرى من فلسطين، فلما رفع على خشبته قال: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها ... على ماءٍ عفرى فوق إحدى الرواحل على ناقةٍ لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل فلما قدموه ليقتلوه قال: بلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي ومقامي ويروى: أعظمي وبناني. فروة بن مجاهد اللخمي الفلسطيني مولى لخم حدث فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ الجهني قال: غزوت مع أبي الصائفة في زمن عبد الملك بن مروان، وعلينا عبد الله بن عبد الملك فنزلنا على حصن سنان فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق، فقام أبي في الناس فقال: أيها الناس إني غزوت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة كذا وكذا، فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منادياً فنادى في الناس، أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له. وحدث فروة عن عقبة بن عامر الجهني قال: كنت أمشي ذات يومٍ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عقبة بن عامر، صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. ثم قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ياعقبة بن عامر، أمسك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك.

فريج بن أحمد بن محمد

وكان فروة بن مجاهد يقول إذا حدثنا بهذا الحديث: ألا رب من لايملك لسانه، ولا يبكي على خطيئته، ولا يسعه بيته. وحدث فروة بن مجاهد أن طاغية الروم لما دعاه وأصحابه إلى قتال برجان، ووعدهم تخلية سبيلهم إن نصرتم عليهم فأجبناه إلى ذلك. قال لي أصحابي: وكيف تقاتلهم بلا دعوة إلى الإسلام؟ فقال: لا يجيبنا الطاغية، ولكني سأرفق، فقلت للطاغية: إن رأيت أن تأذن لنا فنقيم الصلاة ونجمعها معشر المسلمين بين الصفين، ثم قولوا أنتم جاءنا مددنا من العرب، فتكون صلاتنا بين الصفين مصدقاً لما قلتم من ذلك. فأجابنا إلى ذلك وأقمنا الصلاة، فصلينا وقاتلناهم فنصرنا الله عليهم وخلى سبيلنا. وفي آخر حديث غيره: ولم ير أهل العلم في ذلك الزمان بما صنعوا بأساً. قال: وكانوا لا يشكون في أن فروة من الأبدال، مستجاب الدعاء. فريج بن أحمد بن محمد أبو عبد الله القرشي حدث عن أبي القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسافر المرأى سفر ثلاثة أيامٍ فصاعداً إلا مع زوجها أو ابنها أو ذي محرم. زاد في روايةٍ أخرى: أو أخيها.

فضالة بن أبي سعيد المهري المصري

فضالة بن أبي سعيد المهري المصري قال: سمعت عمر بن عبد العزيز على منبر دمشق يقول: يا أهل الشام! قد بلغني عنكم أحاديث، ما أ، ابالراجي لخيركم ولا بالآمن من شركم، وقد مللتموني ومللتكم، فأراخني الله منكم وأراخكم مني. فما علاه حتى مات. فضالة بن شريك بن سلمان بن خويلد ابن سلمة بن عامر موقد النار ابن الحربش بن نمير الأسدي كان مخضرماً، أدرك الجاهلية والإسلام. وكان شاعراً فاتكاً صعلوكاً. وفد على يزيد بن معاوية ومدحه، ومن شعره في نساء بني حرب: من الوافر رمى الحدثان نسوة آل حربٍ ... بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سودا أى فضالة بن شريك عبد الله بن الزبير فقال له: قد نفدت نفقتي ونقبت راحلتي فاحملني، فقال له: أحضر راحلتك، فأحضرها، فقال له: أقبل بها أدبر بها، ففعل، فقال: ارفعها بسبت، واخصفها بهلب، وأنجد بها يبرد خفها، وسر عليها البردين تصح. فقال ابن فضالة: إنما أتيتك مستحملاً ولم أتك مستوصفاً، لعن الله ناقة حملتني

إليك. فقال ابن، الزبير: إن وراكبها - يريد نعم وراكبها - فانصرف ابن فضالة وهو يقول: من الوافر أقول لغلمتي شدوا ركابي ... أفارق بطن مكة في سواد فما لي حين أقطع ذات عرقٍ ... إلى ابن الكاهلية من معاد سيبعد بيننا نص المطايا ... وتعليق الأداوي والمزاد وكل معبدٍ قد أعلمته ... مناسمهن طلاع النجاد أرى الحاجات عند أبي خبيبٍ ... نكدن ولا أمية بالبلاد من الأعياص أو من آل حربٍ ... أغر كغرة الفرس الجواد الكاهلية: إحدى جدات ابن الزبير، فقال: علم أنها ألأم أمهاتي فسبني بها. وأبو خبيب: عبد الله بن الزبير، كان يكنى أبا خبيب وأبا بكر. مر فضالة بن شريك بعاصم بن عمر بن الخطاب وهو متبد بناحية المدينة، فنزل به، فلم يقره شيئاً ولم يبعث إليه ولا إلى أًحابه بشيء، وقد عرفوه مكانهم، فارتحلوا عنه

فضالة بن عبيد بن نافذ

والتفت فضالة إلى مولى لعاصم فقال: قل له أم والله لأطوقنك طوقاً لا يبلى. فقال يهجوه: من الطويل ألا أيها الباغي القرى لست واجداً ... قراك إذا ما بت في دار عاصم إذا جئته تبغي القرى بات نائماً ... بطيناً وأمسى ضيفه غير طاعم فدع عاصماً أف لأفعال عاصمٍ ... إذا حصل الأقوام أهل المكارم فتى من قريشٍ لا يجود لسائلٍ ... ويحسب أن البخل ضربة لازم ولولا يد الفاروق قلدت عاصماً ... مطوقة يحدى بها في المواسم فليتك من جرم بن ربان أو بني ... فقيمٍ أو النوكي أبان بن دارم أناس إذا ما الضيف حل بيوتهم ... غدا جائعاً غيمان ليس بغانم فلما بلغت أبياته عاصماً استعدى عليه عمرو بن سعيد بن العاص وهو بالمدينة فعاذ فضالة بن شريك بيزيد بن معاوية، وعرفه ذنبه وما تخوف منه، فأعاده وكتب إلى عاصم يخبره أن فضالة أتاه مستجيراً به، وأنه يجب أن يهبه له ولا يذكر لمعاوية شيئاً من أمره، ويضمن له أن لا يعود لهجائه. فقبل ذلك عاصم، وشفع يزيد بن معاوية، وامتدح فضالة يزيد بأبيات. فضالة بن عبيد بن نافذ ابن قيس بن صهيب بن الأصرم أبو محمد الأنصاري من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين بايعوه تحت الشجرة ولاه معاوية على الغزاة، وولاه قضاء دمشق، وكان خليفة معاوية على دمشق إذا غاب عنها.

حدث فضالة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مات على مرتبةٍ من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة. قال حيوة بن شريح: رباط حج ونحو ذلك. وعن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاث هن الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر، وإن أسأت لم يغفر؛ وجارٌ إن رأى خيراً دفنه، وإن رأى شراً أشاعه؛ وامرأة إن حضرتك آذتك، وإن غبت خانتك. زاد في حديث موقوف: خانتك في مالك ونفسها. وشهد فضالة بن عبيد أحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج إلى الشام ولم يزل فيها حتى مات هنا:. وشهد فتح مصر، وولي بها القضاء والبحر لمعاوية، وتوفي بدمشق سنة ثلاثٍ وخمسين ويقال: إن بها ولده اليوم، وقد كان غزا المغرب مع رويفع بن ثابت. قال عبد الله بن المكرم مختار هذا الكتاب: هذا رويفع بن ثابت جدي أنتسب إليه، رحمه الله. ويقال: مات سنة ثلاثٍ وخمسين. ويقال سنة سبعٍ وخمسين. وقيل سنة تسع وخمسين. قال فضالة بن عبيد: لما كان الذي قدم فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قباء لقيناه نفر من صرطه ونحن غلمان نحتطب، فأرسلنا إلى أهلنا وقال: قولوا قد جاء صاحبكم الذي تنتظرون. قال: فخرجنا إلى أهلنا فأخبرناهم، وأقبل القوم.

زاد في غيره بمعناه: وكان يومئذٍ ابن ست سنين. ومات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن سبع عشرة سنة. والذي ذكر من أنه شهد أحداً والخندق هو الصواب. وشهد فضالة بيعة الضوان وكان أصغر من شهدها. وقال معاوية - حين هلك فضالة بن عبيد وهو يحمل نعشه - لابنه عبد الله بن معاوية: تعال اعقبني فإنك لن تحمل مثله أبداً. وروى جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة. قال القاسم أبو عبد الرحمن: غزونا مع فضالة بن عبيد، ولم يغز فضالة في البر غيرها، فبينا نحن نسير أو نسرع في السير وهو أمير الجيش - وكانت الولاة إذ ذاك يستمعون ممن استرعاهم الله عليه - فقال قائل: أيها الأمير، إن الناس قد تقطعوا، قف حتى يلحقونك. فوقف في مرجٍ عليه قلعة، فيها حصن، فمنا الواقف ومنا النازل إذا نحن برجل ذي شوارب أحمر بين أظهرنا فأتينا به فضالة فقلنا: إن هذا هبط من الحصن بلا عهدٍ ولا عقد، فسأله فضالة ما شأنه؟ فقال: إني البارحة أكلت الخنزير وشربت الخمر فبينا أنا نائم أتاني رجلان، فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان لا تفضل إحداهما على الأخرى فقالتا: أسلم؛ فأنا مسلم. فما كانت كلمته أسرع من أن رمينا بالزبر، فأقبل يهوي حين أصابه فدق عنقه، فقال فضالة: الله أكبر! عمل قليلاً وأجر كثيراً، صلوا على صاحبكم، فصلينا عليه ودفناه. قال القاسم: هذا شيء أنا رأيته. سأل رجلٌ فضالة بن عبيد أن يكتبه في أصحابه حين ولي، فلم يجبه، فقال له الرجل: أتمنعني ذلك وقد انقطعت إليك ورغبت في قربك؟! فقال فضالة: امحوه من

عمل الله واكتبوه في عمال فضالة. فأنكر الرجل ذلك، فقال فضالة: هو على ذلك، تدعون وتحشرون يوم القيامة مع من كنتم تعملون. حدث أبو مكينة قال: قال فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذ هذا المصحف، فأمسك علي ولا ترد علي ألفاً ولا واواً فإنه سيكون قوم لا يسقطون ألفاً ولا واواً. ثم رفع فضالة يديه فقال: اللهم لا تجعلنا منهم. كان أبو الدرداء يقضي على أهل دمشق، ولما احتضر أتاه معاوية عائداً له فقال: من ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: فضالة بن عبيد. فلما توفي أبو الدرداء قال معاوية لفضالة: إني قد وليتك القضاء، فاستعفى منه، فقال له معاوية: والله ما حابيتك بها، ولكني استترت بك من النار، فاستتر منها ما استطعت. ولما خرج معاوية إلى صفين استخلف فضالة بن عبيد على دمشق. وقعت لرجلٍ مئة دينار فعرفها فقال: من وجدها فله عشرون ديناراً، فأقبل الذي وجدها فقال: هذا مالك فأعطني الذي جعلت لي، فقال صاحب المال: كان مالي عشرين ومئة دينار، فاختصما إلى فضالة، فقال فضالة لصاحب المال: أليس طان مالك عشرين ومئة دينارٍ كما تذكر؟ قال: بلى، فقال للرجل الذي وجد المال: أليس الذي وجدت مئة؟ قال: بلى، قال: فاحبس هذا المال ولا تدفعه إليه، فليس بماله، حتى يجيء صاحبه. كان فضالة بن عبيد إذا أتاه أصحابه قال: تدارسوا وأسندوا وزيدوا، زادكم الله خيراً وأحبكم وأحب من يحبكم، ردوا علينا المسائل فإن أجر آخرها كأجر أولها، واخلطوا حديثكم بالاستغفار. كان فضالة بن عبيد يقول: لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبةٍ من خردل أحب

فضائل بن الحسن بن الفتح

إلي من الدنيا وما فيها، لأن الله يقول: " إنما يتقبل الله من المتقين ". قال ابن محيريز: صحبت فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: أوصني رحمك الله، فقال: احفظ عني ثلاث خلال ينفعك الله بهن: إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل. كتب معاوية إلى فضالة بن عبيد يخطب ابنته على ابنه يزيد؛ فكتب إليه: أما بعد فقد جاءني كتابك تخطب ابنتي على ابنك يزيد، وإني كتبت إليك ببيتي شعر فاعرفهما وتدبرهما: فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفدٌ من ما يعد كثير ولكنها نفسٌ علي كريمةٌ ... عيوفٌ لأصهار الئام قذور فضائل بن الحسن بن الفتح أبو القاسم بن أبي محمد الأنصاري الكتاني كان يخرج إلى القرى ويقايض الكتان بالغزل. حدث بجامع دمشق عن سهل بن بشر بسنده إلى ابن عمر قال: مسى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصلاة العشاء حتى ملا المصلي واستيقظ المستيقظ ونام النائمون وهجد المتهجدون ثم خرج فقال: لولا أن أشق على أمتي أمرتهم أن يصلوا هذا الوقت. أو هذه الصلاة، أو نحوها. توفي فضائل سنة خمسٍ وخمسين وخمس مئة.

الفضل بن جعفر بن الفضل بن محمد

الفضل بن جعفر بن الفضل بن محمد ابن أحمد بن إبراهيم أبو العباس الجوزجاني المقرئ حدث عن محمد بن علي بن عبد الله السلمي بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر المسلمين، أطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين. الفضل بن جعفر بن محمد ابن أبي عاصم أحمد بن حماد بن صبيح بن زياد أبو القاسم التميمي المؤذن الطرائفي كان عبداً صالحاً. حدث عن أبي شيبة داود بن إبراهيم بن زوربه بسنده إلى أبي هريرة قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراشي والمرتشي في الحكم. توفي الفضل بن جعفر سنة ثلاثٍ وسبعين وثلاث مئة. الفضل بن دلهم الواسطي القصاب حدث عن ابن سيرين عن معقل بن يسار أن رجلاً من الأنصار تزوج امرأة سقط شعرها، فسئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلعن الواصلة والموصولة. وحدث عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر، جلد مئة ونفي سنة، والثيب بالثيب، جلد مئة والرجم.

الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد

قال فضل بن دلهم: كنا نتعلم المروءة في عسكر هشام بن عبد الملك كما بتعلم الانسان القرآن. قيل: إنه شاعرٌ معتزلي، وحديثه صالح. وقيل: إنه في القلب من أحاديثه شيء. الفضل بن سهل بن بشر بن أحمد ابن سعيد أبو المعالي بن أبي الفرج الإسفراييني الواعظ المعروف بالأثير ولد بتنيس ونشأ بدمشق ورحل عنها إلى حلب، ووعظ بها، وكان يعرف ببغداد بالأثير الحلبي، وكان له خط حسن وكان يتطفل بالري. حدث عن الشيخ أبي الفرج سهل بن بشر بن أحمد الإسفراييني بسنده إلى أنس بن مالك - وفي كل شيخ يقول: وعدهن في يدي - قال أنس: عدهن في يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عدهن في يدي جبريل قال: عدهن في يدي ميكائيل قال: عدهن في يدي إسرافيل قال: عدهن في يدي رب العالمين جل جلاله قال لي: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك جميدٌ مجيد؛ اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد؛ اللهم ارحم محمداً وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد؛ اللهم تحنن على محمدٍ وعلى آل محمد كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد؛ ولد أبو الفرج سنة إحدى وستين وأربع مئة، ومات ببغداد.

الفضل بن سهل بن محمد بن أحمد

الفضل بن سهل بن محمد بن أحمد أبو العباس المروزي الصفار حدث بدمشق وروى عن أبي عمرو لاحق بن الحسين بن عمران بن أبي الورد الأندلسي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطلبوا العلم يوم الاثنين فإنه ييسر لطالبه. الفضل بن صالح بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم أظنة أبو العباس الهاشمي ولي إمرة دمشق في خلافة المنصور. حدث عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سيكون بعدي فتن يصطلم فيها العرب، اللسان فيها أشد من السيف، قتلاها جميعاً في النار. ولد الفضل سنة اثنتين وعشرين ومئة. ولي الفضل دمشق سنة تسعٍ وأربعين تسع سنين. وهو الذي عمل الأبواب للمسجد والقبة التي في الصحن وتعرف بقبة المال. وتوفي الفضل سنة اثنتين وسبعين ومئة. الفضل بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله ويقال أبو العباس ويقال أبو محمد الهاشمي ابن عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورديفه قدم الشام مجاهداً فهلك به. واختلف في الوقت والموضع الذي أصيب به، فقيل: إنه قتل بمرج الصفر، وقيل بأجنادين، وقيل باليرموك. والأظهر أنه مات في طاعون عمواس.

حدث الفضل بن عباس - وكان رديف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انه قال في عشية عرفة وغداة جميع الناس حين دفعوا: عليكم السكينة. وهو كاف ناقته حتى دخل محسراً - وهو من منى قال: عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة. وقال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر حتى رمى الجمرة. زاد في غيره: والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير بيده كما يخذف الإنسان. حدث الفضل بن عباس قال: جاءني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موعوكاً قد عصب رأسه فقال: خذ بيدي. فأخذت بيده، فأقبل حتى جلس على المنبر ثم قال: ناد في الناس. فصحت في الناس، فاجتمعوا إليه، فقال: أما بعد أيها الناس، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، ألا فإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقل رجلٌ إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ حقاً إن كان له، أو حللني فلقيت الله تعالى وأنا طيب النفس، وقد أرى أن هذا غير مغنٍ عني حتى أقوم فيكم مراراً. قال الفضل: ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، فعاد لمقالته الأولى وغيرها، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال أما إنا لا نكذب قائلاً ولا نستحلفه علي يمين، فبم كانت لك عندي؟ فقال: يا رسول الله، تذكر يوم مر بك المسكين فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم. فقال: أعطه يا فضل. فأمر به فجلس، ثم قال: يا أيها الناس، من كان عنده شيء فليؤده، ولا يقل رجل: فضوح الدنيا، فإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة. فقالم رجل فقال: يا رسول الله، عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله، قال: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجاً. قال: خذها منه يافضل. ثم قال: أيها الناس، من خشي من نفسه شيئاً فليقم أدع له. فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، غني لكذاب، وإني لفاحش، وإني لنؤوم. فقال: اللهم ارزقه صدقاً وأذهب عنه النوم إذا أراد. ثم قام آخر فقال: والله يا رسول الله، إني لكذاب، وإني لمنافق وما من شيءٍ من الأشياء إلا قد جئته. فقام عمر بن

الخطاب فقال: فضحت نفسك أيها الرجل. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن الخطاب، فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً، وصير أمره إلى خير. فقال عمر كلمة فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: عمر معي وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان. وعن الفضل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الصلاة مثنى، وتشهد مستقبلاً في كل ركعتين، وتشرع وتخشع وتمسكن ثم تقنع يديك - يقول ترفعهما - إلى ربك مستقبلاً بطونهما وجهك وتقول: يا رب! يا رب! يا رب! من لم يفعل ذلك فهي خداج. وفي رواية: صلاة الليل مثنى مثنى. وشهد الفضل غسل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر الصديق يوم أجنادين ويقال: يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة. ويقال يوم اليرموك في خلافة عمر سنة خمس عشرة، وقيل مات في طاعون عمواس، وعمواس قريةً من قرى الشام، وقيل إنما هي غرب سوس. وقيل: مات سنة ثمان عشرة. وكان غزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وحنيناً؛ وثبت يومئذٍ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ولى الناس مهزمين فيمن ثبت معه من أهل بيته وأصحابه، وشهد معه حجة الوداع وأردفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان فيمن غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتولى دفنه. وكان أسن ولد العباس وأمه أم الفضل، واسمها لبابة بنت الحارث بن حزن، وكانت أم الفضل أول امرأةٍ أسلمت بمكة بعد خديجة رضي الله عنهما. قال الهيثم بن عدي: توفي الفضل بن العباس سنة ثمانٍ وعشرين قبل أبيه بأربع سنين.

وقيل: توفي قبل أبيه بست عشرة سنة. وقبل: توفي وهو ابن إحدى وعشرين سنة. وعن علي عليه السلام قال: أردف - يعني - النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفضل - يعني - يوم النحر، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر، ومنى كلها منحر واستفتته جاريةٌ شابةٌ من خثعم فقالت: إن أبي شيخٌ كبير قد أفند، وقد أدركته فريضة الله عز وجل في الحج، فيجزئ أن احج عنه؟ فقال: حجي عن أبيك. ولوى عنق الفضل، فقال له العباس: لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما. وعن ابن عباس قال: كان الفضل أكبر مني فكان يردفني وأكون بين يديه. قال: كان ابن عباس في سفره إلى الشام يطعم طعامه، ويأمر فيتصدق بفضلته، وإذا سار تعجل على فرسه حتى يسبق ثقله ورفقاءه، ثم لا يزال يصلي حتى يلحقوا به، وهو مطولٌ لفرسه، وفرسه ترعى وعنانه في يده؛ وكان يجدد الوضوء لكل صلاةٍ مكتوبة، وينام من أول الليل، ثم يقوم فيصلي إلى وقت الرحيل. وإذا مر بركبٍ من المسلمين سلم عليهم. فأتاه مولى له وقد نال الناس الطاعون فقال: بأبي أنت وأمي لو انتقلت إلى مكان كذا وكذا، فقال: والله ما أخاف أن أسبق أجلي ولا أحاذر أن يغلط بي، وإن ملك الموت لبصيرٌ بأهل كل بلد. نفق فرسٌ لرجلٍ مع الفضل بن عباس في رفقته، فأعطاه فرساً كان يجنب له، فعاتبه بعض المتنصحين إليه فقال: أبتبخيلي تتنصح إلي!؟ إنه كفى لؤماً أن يمنع الفضل ويترك المواساة، والله ما رأيت الله حمد في كتابه إلا المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ولم يترك الفضل ولداً ذكراً ولم يولد إلا أم كلثوم.

الفضل بن العباس بن عتبة

الفضل بن العباس بن عتبة ابن أبي لهب واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، واسمه شيبة بن هاشم ابن عبد مناف الهاشمي اللهبي المكي شاعر مشهور وفد على معاوية بن أبي سفيان، وعلى عبد الملك بن مروان. قال معاوية يوماً وعنده عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، والفضل بن عباس بن أبي لهب: إن بابي لكم مفتوح، وإن خير يلكم لممنوح فلا تقطعوا خيري عنكم، ولا بابي دونكم، فقد نظرت في أمري وأمركم، فرأيت أمراً مختلفاً، إنكم ترون أنكم أحق بهذا الأمر مني وأنا أحق به منكم، فإذا أعيتكم بعض حقوقكم قلتم أعطانا أقل من حقنا، وقصر بنا دون منزلتنا فصرت كأني مسلوب، والمسلوب لا حق له، فبئس المنزلى نزلت بها منك، ونعم المنزلة نزلتم بها مني. قال له عبد الله بن عباس: ما هاهنا مسلوب غيرنا، إذ كان الحق حقنا دون الناس، ووالله ما منحتنا شيئاً حتى سألناك، ولا فتحت لنا باباً حتى قرعناه، ولئن قطعت خيرك عنا إن الله عز وجل لأرحم بنا منك، ولئن غلقت بابك عنا لنكرمن أنفسنا عنك، والله ما سألنا قط عن خلة، ولا أحفينا فس مسألة، وإن من ضعة الدين وعظيم الفتنة في المسلمين قرعنا بابك وطلبنا ما في يدك؛ فأما هذا الفيء فليس لك منه إلا ما لرجلٍ من المسلمين، ولنا في كتاب الله حقان: حق الفيء وحق الخمس، فالفيء ما جتبي، والخمس ما غلب عليه؛ فعلى أي الوجوه جرى منك أخذناه وحمدنا الله عليه، ثم لم يخرجك الله منخيرٍ جرى على يديك، ولولا حقنا في هذا المال لم نأتك. فقال معاوية: كفاك كفاك. وخرج القوم فأنشأ الفضل بن العباس بن أبي لهب يقول: من الوافر ألا أبلغ معاوية بن صخرٍ ... فإن المرء يعلم ما يقول لنا حقان حق الخمس جارٍ ... وحق الفيء جاء به الرسول فكل عطيةٍ وصلت إلينا ... وإن سحبت لطالبها الذيول

أتيح له ابن عباس مجيباً ... فلم يدر ابن هندٍ ما يقول فأدركه الحياء فصد عنه ... وخطبهما إذا ذكرا جليل وأم الفضل أمية بنت العباس بن عبد المطلب، وهي لأم ولد سوداء ولذلك يقول الفضل: من الرمل كل حي صيغةٌ من تبرهم ... وبنو عبد منافٍ من ذهب إنما عبد منافٍ جوهرٌ ... زين الجوهر عبد المطلب فأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب قصدوا قومي وساروا سيرةً ... كلفوا من سارها جهد التعب قال محمد الكلبي: لم يكن أحدٌ من بني هاشم أكثر غشياناُ لمعاوية من عبد الله بن العباس؛ فوفد إليه مرةٌ معنده وفود العرب فأقعده على يمينه ثم أقبل عليه فقال: نشدتك بالله يا بن عباس أن لو وليتمونا أتيتم إلينا ما أتينا إليكم من الترحيب والتقريب، وعطائكم الجزيل وإكرامكم عن القليل، وصبرتم على ما صبرنا عليه منكم؟ إني لا آتي إليكم معروفاً إلا صغرتموه؛ أعطيكم العطية فيها قضاء حقوقكم فتأخذونها متكارهين عليها، يقولون: قد نقص حقنا وليس هذا تأميلنا. فإني آمل بعد ألف ألف أعطيها الرجل منكم، ثم أكون أسر بإعطائها منه بأخذها، والله لقد انخدعت لكم في مالي وذللت لكم في عرضي، أرى انخداعي تكرماً وذلي

حلماً، ولو وليتمونا رضينا منكم بالإنصاف، ثم لا نسألكم أموالكم لعلنا بحالنا وحالكم ويمون أبغض الأمور إلينا أحبها إليكم؛ قل يا بن عباس. فقال ابن عباس: ولو ولينا منكم مثل الذي وليتم منا اخترنا المواساة، ثم لم يعش الحي بشتم الميت، ولم ينبش الميت بعداوة الحي، ولأعطينا كل ذي حق حقه؛ فأما إعطاؤكم الرجل منا ألف ألف فلستم بأجود منا أكفا، ولا أسخى منا نفساً، ولا أصون لأعراض المروءة وأهداف الكرم، ونحن أعطى في الحق منكم على الباطل، وأغضى على التقوى منكم على الهوى، فأما رضاكم منا بالكفاف، فلو رضيتم به منا لم نرضى لأنفسنا بذلك والكفاف رضى من لا حق له، فلو رضيتم به منا اليوم فأقبلتمونا عليه أمس، فلا تستعجلونا، ولا تلفظونا حتى تذوقونا. فقال الفضل: من الطويل وقال ابن خربٍ قولة أمويةً ... يريد بما قد قال تفنيش هاشم أجب يا بن عباسٍ تراكم لو أنكم ... ملكتم رقاب الأكرمين الأكارم أتيتم إلينا ما أتينا إليكم ... من الكف عنكم واجتباء الدراهم فقال ابن عباسٍ مقالاً أمضه ... ولم يك عن رد الجواب بنائم نعم لو وليناكم عدلنا عليكم ... ولم تشتكوا منا انتهاك المحارم ولم يعتمد للحي والميت غمةٌ ... يحدثها الركبان أهل المواسم ولم نعطكم إلا الحقوق التي لكم ... وليس الذي يعطي الحقوق بظالم وما ألف ألفٍ تستميل ابن جعفرٍ ... بها يا بن حربٍ عند خز الغلاصم وأصبح يرمي من رماكم ببغضه ... عدو المعادي سالماً للمسالم فأعظم بما أعطاك من نصح جيبه ... ومن أمر عيبٍ ليس فيه بنادم

خرج علي بن عبد الله بن العباس بالفضل اللهبي إلى عبد الملك بن مروان بالشام، فخرج عبد الملك بن مروان يوماً راكباً على نجيب، ومعه حادٍ يحدو به، وعلي بن عبد الله على يساره على نجيبٍ له ومعه بغلةٌ تجنب، فحدا حادي عبد الملك به: من مشطور الرجز يا أيها البكر الذي أراكا عليك سهل الأرض في ممشاكا ويحك هل تعلم من علاكا إن ابن مروان على ذراكا خليفة الله الذي امتطاكا لم يعل بكراً مثل ما علاكا فعارضه الفضل اللهبي، فحدا بعلي بن عبد الله بن عباس فقال: من مشطور الرجز يا أيها السائل عن علي سألت عن بدرٍ لنا بدري أغلب في العلياء غلابي ولين الشيمة هاشمي جاء على بكرٍ له مهري فنظر عبد الملك إلى علي فقال: هذا مجنون آل أبي لهب؟ قال: نعم. فلما أعطى قريشاً مر به اسمه فحرمه وقال: يعطيه علي. لقي الأحوص الشاعر الأنصاري الفضل بن العباس بن أبي لهب، فأنشده الأحوص من شعره، فقال له الفضل: إنك لشاعر، ولكنك لا تحسن تؤبد، فقال الأحوص: بلى والله إني لأحسن أؤبد حين أقول وقال: من البسيط

م ذات خبلٍ يراه الناس كلهم ... وسط الجحيم فلا يخفى على أحد ترى حبال جميع الناس من شعرٍ ... وحبلها وسط أهل النار من مسد فقال الفضل بن العباس يجيبه: من البسيط ماذا تريد إلى شتمي ومنقصتي ... لما تعير من حمالة الحطب غراء سائلةٍ في المجد غرتها ... كانت سلالة شيخٍ ثاقب النسب أفي ثلاثة رهطٍ أنت رابعهم ... عيرتني واسطاً جرثومة العرب فلا هدى الله قوماً أنت سيدهم ... في جلدةٍ بين أصل الثيل والذنب قال الفرزدق أتيت الفضل بن العباس اللهبي وهو يميح بدلوٍ من زمزم وهو يقول: من الرمل وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إلى عقد الكرب ورسول الله جدي جده ... وعلينا كان تنزيل الكتب قال: قلت من يساجلك فرجلي في كذا من أمه. قال: أتعرفني لا أم لك؟ قال: قلت: وكيف لا وقد فرغ الله في أبويك سورةً من كتابه! فقال جل وعز " تبت يدا أبي لهب " قال: فضحك وقال: أنت الفرزدق؟ قلت: نعم. قال: قد علمت أن أحداً لا يحسن هذا غيرك. ومعنى قوله فرغ: أي ليس في السورة غير ذكر أبي لهبٍ وذكر امرأته. قال المصنف: وقد الطف الفرزدق فيما خاطب به الفضل، لأنه لما لم يمكنه مساجلته وقد فخر بنسبه من هاشم وقرباه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي بما يخصه ويقل من عزته.

الفضل بن العباس

الفضل بن العباس أبو بكر الرازي الصائغ الحافظ المعروف بفضلك قدم دمشق طالباً للحديث. وحدث عن محمد بن مهران بسنده إلى عمر. بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخل الجنة من أتى ذات محرم. توفي الفضل بن العباس فضلك الحافظ سنة سبعين ومئتين. وكان ثقةً، ثبتا، حافظاً، إمام عصره في معروفة الحديث. الفضل بن عبد الله بن مخلد ابن ربيعة أبو نعيم الجرجاني المخلدي التميمي القاضي حدث عن محمود بن خداش بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: صليت العصر مع عثمان بن عفان أمير المؤمنين، فرأى خياطاً في ناحية المسجد، فأمر بإخراجه، فقيل له: يا أمير المؤمنين! إنه يكنس المسجد ويغلق الباب ويرش أحياناً! فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقو: جنبوا صناعكم مساجدكم. وحدث عن أبي مروان الدمشقي بسنده إلى عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من وقر صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام. وحدث عن العباس بن الوليد الخلال قال: سمعت محمد بن القاسم بن سميع يقول: سألت أبا حنيفة في مسجد الحرام عن شرب النبيذ فقال لي: عليك بأشده فإنك لن تقوم لشكره. توفي الفضل بن عبد الله سنة ثلاثٍ وتسعين ومئتين.

الفضل بن عمر بن أحمد

الفضل بن عمر بن أحمد ويقال: فضل الله أبو طاهر النسوي المعروف أبوه بلبل قدم مع أبيه دمشق. حدث بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذننا إذا كان يوم المرأة منا بعدما نزلت " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إلك من تشاء ". قالت معازة: فقلت: كيف كنت تقولين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استأذنك؟ قلت: أقول: إن كان ذلك إلي لم أوثر أحداً على نفسي. الفضل بن قدامة بن عبيد ابن محمد بن عبيد بن عبد الله بن عبدة بن الحارث بن إياس بن عوف ويقال: اسمه المفضل بن قدامة بن عبيد الله وفي نسبه اختلاف أبو النجم العجلي الراجز وفد على سليمان وهشام ابني عبد املك وكان مقدماً عند جماعةٍ من أهل العلم على العجاج، ولم يكن أبو النجم كغيره من الرجاز الذين لم يحسنوا أن يقصدوا، لأنه يقصد فيجيد. قال معاوية يوماً لجلسائه: أي أبيات العرب في الضيافة أحسن؟ فأكثروا، فقال: قاتل الله أبا النجم حيث يقول: من الطويل لقد علمت عرسي قلانة أنني ... طويلٌ سنا ناري بعيدٌ خمودها إذا حل ضيفي بالفلاة فلم أجد ... سوى مثبت الأطناب شب وقودها

وبقي إلى أيام هشام بن عبد الملك. وكان الأصمعي يغمز عليه وهو القائل: من مشطور الرجز والمرء كالحالم في المنام يقول إني مدرك أمامي في قابلٍ ما فاتني في العام والمرء يدنيه من الحمام مر الليالي السود والأيام إن الفتى يصبح للأسقام كالغرض المنصوب للسهام أخطأ رامٍ وأصاب رام قال هشام للشعراء: صفوا لي إلابلاً فقيظوهن وأوردوهن وأصدروهن حتى كأني أنظر إليهن. قال أبو النجم: فذهب بي الروي حتى قلت: وصارت الشمس كعين الأحول فغضب هشام وقال: أخرجوا هؤلاء، لا يدخلن هذا علي. وكان بالرصافة أحدهما يغدي والآخر يعشي، فكنت أتغدى عند أحدهما وأتعشى عند الآخر، وأبيت في المسجد، فأمسى هشام ذات ليلةٍ لقس النفس، فقال لحاجبه ربيع: ابغني رجلاً غريباً يحدثني، فخرج فأخرجني من المسجد، فأدخلني عليه، فقال لأبي النجم: ألم يكن أمرنا بإخراحك عن هذه القرية، فمن آواك ومن أم مثواك؟ فقلت: أما الغداء فمن عند فلان، والعشاء من عند فلان، والمبيت من حيث

أخرجت. فقال: ما مالك وولدك؟ قلت: أما المال فلا مال، وأما الأهل فالنتان. قال: هل زوجتهما؟ قلت: إحداهما، قال: فما أوصيتهما؟ قال: مالاً يجديه علي أمير المؤمنين. قال: هاته، قال: من مشطور الرجز أوصيت من برة قلباً حرا بالكلب خيراً والحماة شرا لا تسأمي خنقا لها وجرا والحي عميهم بشر طرا وإن حبوك ذهباً ودرا حتى يروا حلو الحياة مرا فضحك حتى استلقى وقال: يا أبا النجمك! ما هذه وصية يعقوب لبنيه! قلت: يا أمير المؤمنين، ولا أنا مثل يعقوب. قال: فما زدتها؟ قلت: بلى، قال: هاته. قلت: من مشطور الرجز سبي الحماة وابهتي عليها فإن دنت فازدلفي إليها وإقرعي بالود مرفقيها وظاهري النذر به عليها لاتخبري الدهر به ابنتيها قال: فما فعلت أختها؟ قال: درجت بين أبيات الحي ونفعتنا، قال: هل قلت فيها شيئاً قلت: نعم، قال: هاته، قلت: من مشطور السريع كأن ظلامة أخت شيبان يتيمةٌ والدها حيان

الرأس قمل كله وصئبان وليس في الرجلين إلا خيطان فهي التي يذعر منها الشيطان فقال هشام لخصي على رأسه: يا بديح، ما فعلت دنانير فلانة؟ قال: ها هي يا أمير المؤمنين، قال: ادفعها إلى أبي النجم يجعلها في رجلي ظلامة. دخل أبو النجم على هشام بن عبد الملك فقال له: كيف رابك يا أبا النجم في النساء؟ قال: ما لهن عندي خير، ما أنظر إليهن إلا شزراً، وما ينظرن إلي إلا خزراً، فما ظنك يا أمير المؤمنين؟ قال: ظني بنفسي، قال: لا علم لك يا أبا النجم. ثم أرسل إلى جوارٍ له فسألهن عما ظن أبو النجم، فقلن: يا أمير المؤمنين، وما علم هذا! ثم أقبلن على أبي النجم فقلن: يا أعرابي، أتقول هذا لأمير المؤمنين، وليس منا امرأة تصلي إلا بغسلٍ منه؟! قال هشام: يا أبا النجم، دونك هذه الجارية - لواحدةٍ منهن - فأخذ بيدها ثم أمره أن يغدو عليه بخبرها. فغدا عليه ولم يصنع شيئاً، فلما رآه قال: ما صنعت يا أبا النجم؟ قال: ما صنعت شيئاً ولقد قلت في ذلك شعراً. قال: وما هو؟ قال: قلت: نظرت فأعجبها الذي في درعها ... من حسنه ونظرت في سربالها فرأت لها كفلاً ينوء بخصرها ... وعثاً روادفه وأخثم ناتيا ضيقاً يعض بكل عردٍ ناله ... كالقعب أو ضرعٍ يرى متجافيا ورأيت منتشر العجان مقبضاً ... رخواً حمائله وجلداً باليا

أدني له الركب الحليق كأنما ... أدني إليه عقارباً وأفاعيا إن الندامة والسدامة فاعلمن ... لو قد صبرتك للمواسي خاليا ما بال رأسك من ورائي خالفاً ... أحسبت أن حر الفناة ورائيا فاذهب فإنك ميتٌ لا ترتجى ... أبد الأبيد ولو عمرت لياليا أنت الغرور إذا خبرت وربما ... كان الغرور لمن رجاه شافيا كان أبو عمرو بن العلاء يقول: أشعر أرجوزةٍ قالتها العرب قول أبي النجم: الحمد لله الوهوب المجزل ... أعطى فلم يبخل ولم يبخل قال: ولم أر أسير منها، لم أر عربياً إلا وهو ينشدها أو بعضها. ذوك رؤبة بالأراجيز فقال وقد ذكر أبو النجم قصيدته تلك: لعنها الله - يعني هذه اللامية لاستجادته إياها وغصبه منها وحسده عليها. قال أبو سليم العلاء: قلت لرؤبة: كيف رجز أبي النجم عندكم؟ قال: لاميته تلك عليها لعنة الله. فإذا هي قد غاظته وبلغت منه. وكان أبو النجم ربما قصد فأجاد، ولم يكن كغيره من الرجاز الذين لم يحسنوا أن يقصدوا، وكان صاحب فخر وبذخ. اجتمع الشعراء عند سليمان بن عبد الملك فأمرهم أن يقول كل رجلٍ منهم قصيدةٌ يذكر

الفضل بن محمد بن عبد الله

فيها مآثر قومه ولا يكذب: ثم جعل لمن برز منهم جاريةٌ مولدة. فأنشدوه وأنشد أبو النجم حتى أتى على قوله: من الكامل عدوا كمن ربع الجيوش لصلبه ... عشرون وهو يعد في الأحياء قال: أشهد إن كنت صادقاً إنك لصاحب الجارية. فقال أبو النجم: سل الملأ عن ذلك يا أمير المؤمنين. فقال الفرزدق: أما أنا فأعرف منه ستة عشر، ومن ولد ولده أربعةٌ كلهم قد ربع. فقال سليمان ولد ولده هم ولده، ادفع إليه الجارية. الفضل بن محمد بن عبد الله ابن الحارث بن سليمان أبو العباس الباهلي الأنطاكي العطار الأحدب حدث عن محمد بن هشام بسنده إلى ابن عمر نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القزع. وحدث عن كثير الحذاء بسنده إلى سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نكاح إلا بولي، وإذا أنكح المرأة وليان فالأول أحق بالنكاح. توفي سنة سبعٍ وثلاث مئة. وحدث عن أبي عقيل يحيى بن حبيب بسنده إلى ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من آتاه الله وجهاً حسناً واسماً حسناً، وجعله في موضعٍ غير شائنٍ له فهو من صفوة الله عز وجل. ثم أنشأ ابن عباسٍ يقول: من الخفيف

الفضل بن محمد

أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه خرجه الدارقطني وغيره وقالوا: هو كذاب. الفضل بن محمد بن المسيب ابن موسى بن زهير بن يزيد بن كيسان بن باذان أبو محمد الشعراني البيهقي من رسناق نيسابور. سمع بدمشق. حدث عن أبي صالح بسنده إلى أبي الدرداء قال: سمعت أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما سمعته يكنيه قبلها ولا بعدها - يقول: إن الله قال: يا عيسى بن مريم إني باعث بعدك أمةٌ إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا. ولا حلم ولا علم. قال: يا رب! وكيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم؟! قال: أعطيهم من حلمي وعلمي. توفي سنة ثمانين ومئتين. وكان ثقة، مأموناً. وقيل: توفي سنة اثنتين وثمانين ومئتين. الفضل بن محمد أبو المعالي الهروي، الفقيه قدم دمشق. وحدث عن أبي الحسن محمد بن يحيى بسنده إلى أبي الصلت الهروي قال: كنت مع علي بن موسى الرضا، فدخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء أو أشهب - قال أبو الصلت: الشك مني - وقد عدوا في طلبه فتعلقوا بلجامه وفيهم ياسين بن النصر، قالوا: يا بن رسول الله، بحق أبائك الطاهرين، حدثنا بحديثٍ سمعته من أبيك؛ فأخرج

الفضل بن مروان

رأسه من العمارية فقال: حدثني أبي الرجل الصالح موسى بن جعفر، حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي علي بن الحسين، حدثني أبي الحسين بن علي. حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سمعت جبريل يقول: قال الله عز وجل: أنا الله الذي لا إله إلا أنا، يا عبادي فمن جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن عذابي. وفي رواية عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يقول الله: لا إله إلا الله حصني، فمن دخله أمن عذابي. الفضل بن مروان أبو العباس البرذاني، الوزير ولي الوزراة للمعتصم، وقدم معه دمشق ومع المتوكل، وكان كاتباً للسيدة أم المتوكل. قال الفضل بن مروان: مضيت مع المعتصم إلى علي بن عاصم ليسمع منه، فقال علي بن عاصم: حدثنا عمرو بن عبيد - وكان قدريا - فقلت: يا أبا الحسن! إذا كان قدريا فلم تروي عنه؟ فالتفت علي إلى المعتصم فقال: ألا ترى كاتبك هذا يشغب علينا - وكان ذلك في إمارة المعتصم قبل أن يلي الخلافة. وفي رواية: فقال له المعتصم: يا أبا الحسن أما يروى أن القدرية مجوس هذه الأمة؟ قال: بلى، قال: فلم تروي عنه؟ قال: لأنه نقةٌ في الحديث صدوق. قال: فإن كان المجوسي ثقة، فما تقول؟ أتروي عنه؟ فقال له علي: أنت شغاب يا أبا إسحاق.

قال الفضل بن مروان: لما دخل إبراهيم بن المهدي على المأمون وقد ظفر به، كلمه إبراهيم بكلامٍ كان سعيد بن العاص كلم به معاوية بن أبي سفيان في سخطةٍ سخطها عليه واستعطفه، وكان المأمون يحفظ الكلام، فقال له المأمون: هيهات يا إبارهيم! هذا كلامٌ سبقك به فحل بني العاصي بن أمية وقارحهم سعيد بن العاص، وخاطب به معاوية. فقال له إبراهيم: فكان مه يا أمير المؤمنين؟ وأنت أيضاً إن غفرت فقد سبقك فحل بني خرب وقارحهم إلى العفو، فلا تكن حالي في ذلك عندك أبعد من حال سعيد عند معاوية، فإنك أشرف منه، وأنا أشرف من سعيد، وأنا أقرب إليك من سعيدٍ إلى معاوية؛ وإن أعظم الهجنة أن تسبق أمية هاشماً إلى مكرمة. فقال: صدقت يا عم وقد عفوت عنك. قال الفضل بن مروان: علمان نظرت فيهما وأنعمت النظر فلم أرهما يصحان: النجوم والسحر. كان الفضل متصلاً برجل من العمال يكتب له - وكان حسن الخط - ثم صار مع كاتبٍ للمعتصم يقال له يحيى الجرمقاني، وكان الفضل بن مروان يخط بين يديه، فلما مات الجرمقاني صار الفضل في موضعه وكان يكتب للفضل علي بن حسان الأنباري، فلم يزل كذلك حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها والفضل كاتبه، ثم خرج منها إلى معسكر المأمون، ثم خرج معه إلى مصر، فاحتوى على أموال مصر، ثم قدم الفضل قبل موت المأمون بغداد ينفذ أمور المعتصم ويكتب على لسانه ما أحب حتى قدم المعتصم خليفة، فصار الفضل صاحب الخلافة، وصارت الدواوين كلها تحت يديه وكنز الأموال. وقدم أبو إسحاق حين دخل بغداد يأمره بإعطاء المغني والملهي، فلا ينفذ الفضل ذلك، فثقل على أبي إسحاق. وكان إبراهيم المعروف بالهفتي مضحكاً، فأمر له المعتصم بمال، وتقدم إلى الفضل بن مروان بإعطائه، فلم يعطه الفضل شيئاً مما أمر له به المعتصم. فبينا الهفتي يوماً عند المعتصم بعدما بنيت داره التي ببغداد، واتخذ له فيها بستان، قام المعتصم يتمشى في البستان ينظر إليه، وإلى ما فيه من أنواع الرياحين ومعه الهفتي، وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن تفضي إليه الخلافة فيقول له فيما يداعبه: والله لا تفلح أبداً - وكان الهفتي رجلاً مربوعاً

والمعتصم رجلاً معرقاً خفيف اللحم، فجعل المعتصم يسبق الهفتي في المشي، فإذا تقدمه ولم ير الهتفي معه التفت إليه فقال: مالك لا تمشي! يستعجله المعتصم ليلحق به، فلما كثر ذلك من المعتصم على الهفتي قال له الهفتي مداعباً له: كنت أراني أماشي خليفة ولم أكن أراني أماشي فيجاً! والله لا أفلحت. فضحك المعتصم وقال: ويلك وهل بقي من الفلاح شيء لم أدركه؟ أبعد الخلافة تقول لي هذا؟! فقال الهفتي: أتحسب أنك قد أفلحت الآن؟ إنما لك من الخلافة الاسم، ما يجاوز أمرك أذنيك، وإنما الخليفة الفضل بن مروان الذي يأمر فينفذ أمره من ساعته. فقال المعتصم وأي أمرٍ لا ينفذ لي؟! فقال الهفتي: أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين فما أعطيت مما أمرت به منذ ذاك حبة. قال: فاحتجنها المعتصم على الفضل حتى أوقع به. فلما كان سنة تسع عشرة ومئتين - وقيل سنة عشرين ومئتين - خرج المعتصم يريد القاطول، ويريد البناء بسامراء، فصرفه كثرة زيادة دجلة، فلم يقدر على الحركة؛ فانصرف إلى بغداد إلى بغداد إلى الشماسية. ثم خرج بعد، فلما صار بالقاطول غضب بن مروان وأهل بيته، وأمرهم برفع ما جرى على أيديهم، وأخذ الفضل وهو مغضوبٌ عليه في عمل حسابه، فلما فرغ الحساب لم يناظر وأمر بحبسه وأن يحمل إلى منزله ببغداد، وحبس أصحابه، وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات فنفى الفضل إلى قريةٍ في طريق الموصل يقال لها السن، لم يزل بها مقيماً. فذكر أن المعتصم لما استوزر الفضل بن مروان حل من قلبه المحل الذي لم يكن أحدٌ يطمع في ملاحظته فضلاً عن منازعته، ولا في الاعتراض في أمره ونهيه؛ فكانت هذه صفته حتى حملته الدالة وحركته الحرمة على خلافه في بعض ما كان يأمر به، ومنعه ما كان يحتاج إليه من الأموال في مهم أموره.

وذكر عن ابن أبي دواد قال: كنت أحضر المعتصم وكثيراً أسمعه يقول للفضل: احمل إلي كذا وكذا، فيقول: ما عندي، فيقول: احتلها من وجه، فيقول: من أين أحتالها؟ ومن يعطيني هذا القدر من المال؟ وعند من أجده؟ فكان ذلك يسوؤه، وأعرفه في وجهه، فلما كثر هذا من فعله ركبت إليه يوماً فقلت له مستلياً به: يا أبا العباس إن الناس يدخلون بيني وبينك بما أكره وتكره، وعلى ذلك فما أدع نصيحتك، وأداء ما يجب علي في الحق لك، وأراك كثيراً مما ترد على أمير المؤمنين أجوبةً غليظة تمرضه وتقدح في قلبه، والسلطان لا يحمل هذا لابنه، لا سيما إذا كثر ذلك وغلظ. قال: وما ذاك يا أبا عبد الله؟ قلت: أسمعه كثيراً ما يقول لك: نحتاج إلى كذا وكذا من المال، فنصرفه في وجه كذا وكذا، فتقول: من يعطيني هذا؟ وهذا ما لايحتمله الخلفاء. قال: فما أصنع إذا طلب مني ما ليس عندي؟ قلت: تصنع أن تقول: نحتال في ذلك بحيلة، فتدفع عنك إلى أن يتهيأ، وتحمل إليه بعض ما يطلب وتسوفه بالباقي. قال: نعم أفعل وأصير إلى ما أشرت به. قال: فلكأني كنت أغريه بالمنع؛ فكان إذا عاود مثل ذلك من القول عاد إلى ما يكره من الجواب. قال: فلما كثر ذلك عليه دخل يوماً عليه وبين يديه حزمة نرجسٍ غض، فأخذها المعتصم فهزها ثم قال: حياك الله يا أبا العباس؛ فأخذها الفضل بيمينه، وسل المعتصم خاتمه من إصبع يساره وقال له بكلامٍ خفي: أعطني خاتمي، فانتزعه من يده ووضعه في يد ابن عبد الملك. خرج الفضل بن مروان يوماً فرأى مكتوباً على حائط داره: من الطويل تفرعنت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل ثلاثة أملاكٍ مضوا لسبيلهم ... أبادهم التنكيل والحبس والقتل وإنك قد أصبحت في الناس لعنةً ... ستودي كما أودى الثلاثة من قبل وإنما عنى الفضل بن يحيى بن خالد، والفضل بن سهل، والفضل بن الربيع. فإنهم درجوا قبل الفضل بن مروان.

فضيل بن عياض بن مسعود

وفي الفضل بن مروان يقول محمد بن عبد الله العروضي وكنيته أبو بكر من حضرموت: من البسيط لا تغبطن أخا دنيا بمقدرةٍ ... فيها وإن كان ذا عز وسلطان يكفيك من حادثات الدهر ما صنعت ... حوادث الدهر بالفضل بن مروان إن الليالي لم تحسن إلى أحدٍ ... إلا أساءت إليه بعد إحسان العيش حلوٌ ولكن لا بقاء له ... جميع ما الناس فيه زائل فاني توفي الفضل بن مروان سنة خمسٍ ومئتين بسر من رأى. فضيل بن عياض بن مسعود ابن بشر أبو علي التميمي ثم اليربوعي الخراساني المروزي الزاهر قدم الشام. حدث عن أبي علي بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه. وحدث عن الأعمش بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وأشهد أنه مما كان يشر إلي: لتخضبن هذه من هذه. وأشار إلى لحيته ورأسه. قال الفضيل: بينما أنا ذات يوم جالس إذ قال رجلٌ من أصحابي: ألا تأتي فلاناً فقد لزم بيته وحفر قبراً؟ قلت: كيف عقله؟ قال: قيل سديد طباعٍ. فأحببت أن آتيه، فأتيته فجلست

إليه أتأمله، فسيق إلي قلبي أنه كل ما قيل فيه أنه الحق وأكثر من الخوف - يعني قال: فلم أرده أن قلت بعد السلام عليه: إن الناس قد قالوا خبرك، فانظر أي رجلٍ تكون. قال: ثم خرجت من عنده فلقيني بعد كم شاء الله في بلاد الشام يوم جمعة، فبصر بي ولم أره، فقبض علي ثم قال: أبا علي! لقد أتعبتنا؛ قال فضيل: فرجعت باللائمة على نفسي فقلت: أيها العالم أتيت أخاً لك فألقيت إليه كلمةٌ فأتعبته، فأنت كنت أحق بالدؤوب والتعب أيها العالم. ولد الفضل بخراسان بكورة أبيورد، وقيل ولد بسمرقند. وقدم الكوفة وهو كبير، فسمع الحديث، ثم تعبد وانتقل إلى مكة. وكان ثقةٌ، ثبتا، فاضلاً، عابداً، ورعاً، كثير الحديث. ونهر عياض الذي على نصف فرسخٍ من مرو منسوب إلى أبيه. وكان أحد العلماء والزهاد والفتيان. تفتى في أول أمره. وكان شريك بن عبد الله القاضي وسفيان الثوري، وإسرائيل، وفضيل بن عياض، وغيرهم من فقهاء الكوفة ولدوا بخراسان. كان يضرب على آبائهم البعوث، فيتسرى بعضهم وتزوج بعضهم، فلما قفلوا جاء بهم آباؤهم إلى الكوفة. قال الفضيل: ولدت بسمرقند - وكان من أهل نسا - ورأيت بها عشرة آلاف جوزةٍ بدرهم. وكان فضيل شاطراً يقطع الطريق في مفازةٍ بين أبيورد ومرو. فربما كان ينتمي إلى أبيورد. وقيل: كان يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس. وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تالياً يتلو: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " فقال: يا رب قد آن. فرجع، فآواه الليل إلى خربةٍ فإذا فيها رفقة

سابلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا. فتاب الفضل وآمنهم، وجاور الحرم حتى مات. وقيل إنه قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقومٌ من المسلمين هاهنا يخافونني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام. وقيل: إنه خرج ليلةٌ ليقطع الطريق فإذا هو بقافلةٍ قد انتهت إليه ليلاً، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى القرية فإن أمامنا رجلاً يقطع الطريق يقال له الفضيل. فسمع الفضيل، فأرعد وقال: يا قوم أنا الفضيل جوزوا، والله لاجتهدن أن لا أعصي الله أبداً. فرجع وترك ما كان عليه. وقيل: إنه خرج عشية يريد مقطعه، فإذا بقومٍ حمارة معهم ملح، فسمع بعضهم يوقل مروا لا يفجأنا فضيل فيأخذ ما معنا. فسمع ذلك فضيل فاغتم وتفكر وقال: يخافني هذا الخلق الخوف العظيم! فتقدم إليهم وسلم عليهم وقال لهم وهم لا يعرفونه: تكونون الليلة عندي وانتم آمنون من الفضيل. فاستبشروا وفرحوا وذهبوا معه فأنزلهم وخرج يرتاد لهم علفاً فرجع إليهم فسمع قارئاً يقرأ " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق " فصاح الفضيل ومزق ثيابه على نفسه وقال: بلى والله قد آن: فكان هذا مبتدأ توبته. قال الفضيل: إذا أحب الله عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه. وقال الفضيل: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي لا أحاسب بها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه.

وقال الفضيل: لو حلفت أني مراءٍ أحب إلي من أن أحلف أني لست بمراء. وقال: ترك العمل لأجل الناس هو الرياء، والعمل لأجل الناس هو الشرك. وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً إلا يوم مات ابنه علي! فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب أمراً فأحببت ذلك. وقال ابن مبارك: إذا مات الفضيل ارتفع الحزن. وقال الفضيل: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي. وكان عبد الله بن المبارك يقول: رأيت أعبد الناس، ورأيت أورع الناس، ورأيت أعلم الناس، ورأيت أفقه الناس؛ فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبي رواد، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أعلم الناس فسفيان الثوري، وأما أفقه الناس فأبو حنيفة. ثم قال: ما رأيت في الفقه مثله. قال ابن المبارك: ما بقي على ظهر الأرض عندي أفضل من الفضيل بن عياض. قال إبراهيم بن سعيد: قال لي المأمون: يا إبراهيم، قال لي الرشيد: ما رأيت عيناي مثل فضيل بن عياض! قال لي وقد دخلت عليه: يا أمير المؤمنين، فرغ قلبك للحزن والخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن معاصي الله ويباعداك من النار.

قال شريك بن عبد الله: لم تزل لكل قومٍ حجة في أهل زمانهم، وإن فضيل بن عياض حجةٌ لأهل زمانه؛ فقام فتى من المجلس، فلما توارى قال الهيثم بن جميل: إن عاش هذا الفتى يكون حجة لأهل زمانه. قيل: من هذا الفتى؟ قيل: أحمد بن حنبل. قال إبراهيم بن الأشعث: رأيت سفيان بن عيينة يقبل يد الفضيل بن عياض مرتين. قال عبد الله بن المبارك: إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه. فالفضيل ممن نفعه علمه. وكان الفضيل بن عياض يقول: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال. فقال له علي: يا أبه! إن الحلال عزيز. قال الفضيل: يا بني، وإن قليله عند الله كثير. قال ابن المبارك: إذا نظرت إلى فضيل بن عياض جدد لي الحزن ومقت نفسي. ثم بكى. قال عبد الله بن المبارك لأبي مريم القاضي: ما بقي في الحجاز أحدٌ من الأبدال إلا فضيل بن عياض وعلي ابنه، وعلي يقدم على أبيه في الخوف. وما بقي أحدٌ في بلاد الشام إلا يوسف بن أسباط وأبو معاوية الأسود، وما بقي أحدٌ بخراسان إلا شيخٌ حائك يقال له معدان. قاليحيى بن أيوب: دخلت مع زافر بن سليمان على الفضيل بن عياض بالكوفة فإذا الفضيل وشيخ معه؛ قال: فدخل زافر وأقعدني على الباب، قال زافر: فجعل الفضيل ينظر إلى ثم قال: يا أبا سليمان هؤلاء أصحاب الدنيا ليس شيء أحب إليهم من قرب الإسناد، ألا أخبرك بإسناد لا يشك فيه: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عن الله عز وجل " ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شداد " الآية.. فأنا وأنت يا أبا سليمان من الناس. قال: ثم غشي

عليه وعلى الشيخ، وجعل زافر ينظر إليهما، قال: تحرك الفضيل فخرج زافر وخرجت معه والشيخ مغشي عليه. قال إبراهيم بن الأشعث: ما رأيت أحداً كان الله عز وجل في صدره أعظم من الفضيل بن عياض؛ كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده، أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من بحضرته؛ وكان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله يعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره - يعني الفضيل. قال إبراهيم بن الأشعث: كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ ويذكر ويبكي لكأنه مودع أصحابه ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس، فلكأنه بين الموتى جلس، من الحزن والبكاء حتى يقوم ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها. وكان فضيل يقول: لأن أكون هذا التراب أو هذا الحائط أحب إلي من أن أكون في سلخ أفضل أهل الأرض اليوم؛ وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذاً لطاش عقلي. ولو أن أهل السماء والأرض طلبوا أن يكونوا تراباً فسفعوا كانوا قد أعطوا عظيماً. ولو أن جميع أهل الأرض من جن وإنس، والطير الذي في الهواء، والوحش الذي في البر، والحيتان التي في البحر، علموا الذي يصيرون إليه، ثم حزنوا لذلك وبكوا كان موضع ذلك؛ فأنت تخاف الموت أو تعرف الموت؛ لو أخبرتني أنك تخاف الموت ما قبلت منك، لو خفت الموت ما نفعك طعام ولا شراب ولا شيء من الدنيا. قال سهل بن راهويه: قلت لسفيان بن عيينة: أما ترى إلى الفضيل بن عياض، ما تكاد تجف له دمعة! قال سفيان: كان يقال: إذا فرح القلب نديت العينان؛ ثم تنفس سفيان نفساً منكراً.

سئل الفضيل بن عياض عن قوله عز وجل " سلامٌ علسكم بما صبرتم "؟ قال: بما احتملتم من المكاره وصبرتم عن اللذات في الدنيا. قال الفضيل بن عياض: دانقٌ حلالٌ أفضل من عبادة سبعين سنة، وقال: من عرف ما يدخل جوفه كتب عند الله صديقا؛ انظر عند من تفطر با مسكين. قال بشر بن الحارث: عشرةٌ ممن كانوا يأكلون الحلال لا يدخلون بطونهم إلا حلالاً ولو استفوا التراب والرماد. قلت: من هم يا أبا نصر؟ قال: سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وسليمان الخواص، وعلي بن فضيل، ويوسف بن أسباط، وأبو معاوية نجيح الخادم. وحذيفة بن قتادة المرعشي، وداود الطائي، ووهيب بن ورد، وفضيل بن عياض. قال الفضيل بن عياض: مكثت في جامع الكوفة ثلاثة أيام لم أطعم طعاماً ولم أشرب شراباً، فلما كان اليوم الرابع هرني الجوع، فبينا أنا جالس إذ دخل علي في باب المسجد رجلٌ مجنون وبيده حجرٌ كبير، وفي عنقه غل ثقيل، والصبيان من ورائه، فجعل يجول في المسجد حتى إذا حاذاني جعل يتفرس في، فخفت على نفسي منه، فقلت: إلهي وسيدي! أجعتني وسلطت علي من يقتلني! فالتفت إلي وقال: من الطويل محل بيان الصبر فيك غريزة ... فيا ليت شعري هل لصبرك من أجر قال فضيل: فزال عني جوعي وطار عني هلعي وقلت: يا سيدي لولا الرجاء لم أصبر، قال: وأين مستقر الرجاء منك؟ قلت: بحيث مستقر همم العارفين، قال: أحسنت يا فضيل، إنها لقلوبٌ الهموم عمرانها، والأحزان أوطانها، عرفته فاستأنست به، وارتحلت

إليه، فعقولهم صحيحة، وقلوبهم ثابتة، وأرواحهم بالملكوت الأعلى معلقة. ثم ولى وأنشأ يقول: من الطويل فهام ولي الله في القفر سائحاً ... وحطت على سير القدوم رواحله فعاد لخيرٍ قد جرى في ضميره ... تذوب به أعضاؤه ومفاصله قال الفضيل: لقد بقيت عشرة أيامٍ لم أطعم طعاماً ولم أشرب شراباً وجداً لكلامه. قال عبيد الله بن عمر: دخلت أنا ويحيى بن سليم إلى الفضيل نعوده، فقال الفضيل وجعل يضرب بيده على رأسه: يا فضيل، خلقك وأفرغ علسك نعمه ظاهرة وباطنة، وحرسك بعينه، وصرف وجوه الناس إليك وكنت تشتغل عنه! من أنت وما أنت؟ ثم شهق شهقة وسقط، وغطي بثوبه، وجعل ينتفض وهو لا يعقل، وتركناه. وقال الفضيل بن عياض ليلةٌ: يا رب! أجعتني وأجعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي، ولي ثلاثة أيامٍ ما أكلت ولا أكل عيالي، ولي ثلاث ليال ما استصبحت، فبما بلغت عندك حتى تفعل بي هذا؟ وإنما تفعل هذا يا رب بأوليائك، أفتراني أنا منهم؟ إلهي! إن فعلت بي مثل هذا يوماً آخر علمت أني منك على بال. فلما كان اليوم الرابع إذا داق يدق الباب، فقال: من هذا؟ فقال: أنا رسول ابن المبارك، وإذا معه صرة دنانير وكتاب يذكر فيه أنه لم يحج هذه السنة، وقد وجهت بكذا وكذا. قال: فجعل فضيل يبكي ويقول: قد علمت أني أشقى من ذلك أن أكون عند الله بمنزلة أوليائه. قال الفضيل بن عياض: إن الله يزوي الدنيا عن وليه ويمررها عليه مرة بالعري ومرة بالجوع ومرة بالحاجة، كما تفعل الوالدة الشفيقة بولدها مرة صبراً ومرة حضضاً، وإنما تريد بذلك ما هو خير له.

وفي حديثٍ آخر بمعناه عن بشر بن الحارث: فبأي يدٍ لي عندك حتى فعلت بي هذا؟ ثم بكى حتى رحمته فقلت له: يا أبا علي! ما هذا البكاء؟ فقال لي: يا أبا نصر، بلغني أن الصراط مسيره خمسة عشر ألف عام خمسة آلاف صعود، وخمسة آلاف نزول، وخمسة آلاف مستوى، أدق من الشعر وأحد من السيف على متن جهنم، لا يجوزها إلا كل ضامرٍ مهزولٍ من خشية الله. قال: فبلغني في بعض الروايات أن إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ذكروا أهل الجنة: هل بقي أحد على الصراط بعد خمسة وعشرين ألف عام؟ فقال: بقي رجلٌ يحبو، قبلغ ذلك الحسن البصري فقال: يا ليتني أنا ذلك الرجل. فأنا يا أبا نصر لا أهدأ من البكاء أبداً. قال بشر بن الحراث: كنت بمكة مع الفضيل بن عياض، فجلس معنا إلى نصف الليل، ثم قام يطوف إلى الصبح فقلت: يا أبا علي! ألا تنام؟ قال: ويحك! وهل أحدٌ سمع بذكر النار تطيب نفسه أن ينام؟! قال إسحاق بن إبراهيم: ما رأيت أحداً كان أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل! كانت قرائته حزينة شهية بطيئة مترسلة، كأنه يخاطب إنساناً، وكان إذا مر بآيةٍ فيها ذكر الجنة تردد فيها وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعداً يلقى له حصير في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلاً ثم يقوم، فإذا غلبه ألنوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام. ويقال: أشد العبادة ما تكون هكذا. وكان صحيح الحديث، صدوق الللسان، شديد الهيبة للحديث إذا حدث؛ وكان يثقل عليه الحديث جداً، ربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدراهم كان أحب إلي من أن تطلب مني الأحاديث. وسمعته يقول: لو طلبت مني الدنانير كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث، فقلت له: لو حدثتني أحاديث فرائد ليست عندي كان أحب إلي من

أن تهب لي عددها دنانير. قال: إنك مفتون، أم والله لو عملت بما سمعت لكان لك في ذلك شغلٌ عما لم تسمع. ثم قال: سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك، كلما أخذت اللقمة رميت بها خلف ظهرك متى تشبع؟ كان ابن المبارك يعظم الفضيل وأبا بكر بن عياش، ولو كانا على غير تفضيل أبي بكر وعمر لم يعظمهما. وقال بشر بن الحارث: قال الفضيل بن عياض: بلغني أن الله قد حجر التوبة عن كل صاحب بدعة، وشر أهل البدع المبغضون لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم التفت إلي فقال: اجعل أوثق عملك عند الله عز وجل حبك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنك لو قدمت الموقف بمثل تراب الأرض ذنوباً غفرها الله لك، ولو جئت الموقف وفي قلبك مقياس ذرة بغضاً لهم لما نفعك مع ذلك عمل. قال الفضيل بن عياض: إذا علم الله في رجلٍ أنه مبغضٌ لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له وإن قل عمله. وقال: إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة، فإن الله لا ينظر إليه، وعلامة النفاق أن يوقم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة. وقال الفضيل: ليس لأحد أن يقعد مع من شاء، لأن الله عز وجل يقول: " وإذا رأيت الذين يخوضون في أياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره " " إنكم إذاً مثلهم " وليس له أن ينظر إلى من يشاء، لأن الله عز وجل يقول " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " وليس له أن يقول مالا يعلم أو يستمع إلى ما يشاء أو يهوى ما يشاء لأن الله

تعالى يقول: " ولا تقف نا ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ". وعن الفضيل قال: لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليه اللعنة. وقال: علامة البلاء أن يكون خدن الرجل صاحب بدعة. وقال: طوبى لمن مات على الإسلام والسنة. ثم بكى على ومانٍ يأتي تظهر فيه البدعة، فإذا كان ذلك فلتكثر من قول ما شاء الله. وقال: من قال ما شاء الله فقد سلم لأمر الله. وقال: من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة. قال مليح بن وكيع: سمعتهم يقولون: خرجنا من مكة في طلب فضيل بن عياض إلى رأس الجبل فقرأنا القرآن، فإذا هو قد خرج علينا من شعبٍ لم نره، فقال لنا: أخرجتموني من منزلي ومنعتموني الصلاة والطواف، أما إنكم لو أطعتم الله ثم شئتم أن تزول الجبال معكم زالت. ثم دق الجبل بيده فرأينا الجبال أو الجبل قد اهتزت وتحركت. وقال الفضيل: أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد وبعد الشهادة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض: صدق الحديث وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاءٌ بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين. قال معاذ: قلت: يا أبا علي، من الثقة والفضل لم أتكلم به. قال معاذ: وكانت سبعاً فنسيت واحدة.

قال بشر بن الحارث: قال لي الفضيل: يا بشر، الرضا عن الله أكبر من الزهد في الدنيا، قلت: يا أبا علي! كيف ذلك؟ قال: يكون العطاء والمنع في قلبك بمنزلةٍ واحدة. سأل رجلٌ الفضيل فقال له: يا أبا علي، علمني الرضا. قال له الفضيل: يا بن أخي ارض عن الله، فرضاك عن الله يهب لك الرضا. توفي للرشيد ابن فكتب إليه الفضيل: أما بعد يا أمير المؤمنين فإن استطعت أن يكون شكرك له حين أخذه منك أفضل من شكرك له حين وهبه لك؛ يا أمير المؤمنين إنه جل ثناؤه لما وهبه لك أخذ هبته، ولو بقي لم تسلم من فتنته، أرأيت جزعك عليه، وتلهفك على فراقه؟ أرضيت الدنيا لنفسك فترضاها لابنك؟ أما هو فقد خلص من الطدر، وبقيت أنت في الخطر. رأى فضيل بن عياض رجلاً يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غيرالله. قال عبد الصمد بن يزيد: سمعت فضيل بن عياض يقول - وشكى إليه أهل المدينة القحط فقال: مدبراً غيرالله تريدون. نظر الفضيل بن عياض إلى رجلٍ يشكو إلى رجلٍ حاله فقال: يا هذا! تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك!. قال الشري: سمعت فضيلاً يقول عن ابنةٍ له توجعت كفها فعادها فقال لها: يا بنية، كيف كفك هذه؟ فقالت له: يا أبه قد بسط لي من ثوابها مالا أؤدي شكره عليه أبداً. فتعجب من حسن يقينها، قال الفضيل: فأنا عندها قاعد إذ أتاني ابن لي له ثلاث سنين، فقبلته وضممته إلى صدري، فقالت لي: يا أبه، سألتك بالله أتحبه؟ فقلت: إي والله يا بنية إني لأحبه، فقالت: يا سوأتاه! لك من الله يا أبه، إني ظننت أنك لا تحب مع الله غير الله، فقلت لها: أي بنية أفلا تحبون الأولاد؟ فقالت: المحبة للخالق والرحمة للأولاد.

فلطم الفضيل في رأسه وقال: يا رب! هذه ابنتي هيمتني في حبها وحب أخيها. وعزتك لا أحببت معك أحداً حتى ألقاك. سأل رجلٌ فضيل بن عياض: متى يبلغ الرجل غاية حب الله؟ قال: إذا كان عطاؤه إياك ومنعه سواء. قال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله عنهما. قال محمد بن أبي تميلة: خيبة لك إن كنت ترى أنك تعرفه وأنت تعمل لغيره. قال فضيل بن عياض لرجل: لأعلمنك كلمة هي خيرٌ لك من الدنيا وما فيها: والله لئن علم الله منك إخراج الأدميين من قلبك حتى لا يبقى في قلبك مكانٌ لغيره لم تسأله شيئاً إلا أعطاك. قال الفضيل بن عياض: ليتني أموت وأنا مخلط، أخاف أن أموت وأنا مراءٍ، يدعى بي يوم القيامة على رؤوس الخلائق، يا فضيل خذ أجرك ممن عملت له. كان الفضيل يقول: والله ما أدري ما أنا، كذاب أنا؟ مراء أنا؟ ما أدري ما أنا. قال الفضيل: ما دخل علي أحدٌ إلا خفت أن أتصنع له أو يتصنع لي. قال الفضيل: خير العمل أخفاه، أمنعه من الشيطان وأبعده من الرياء. اجتمع فضيل بن عياض بسفيان الثوري، فتذاكرا، فرق أو بكى سفيان، فقال سفيان لفضيل: يا أبا علي، إني لأرجو أن يكون هذا المجلس علينا رحمةٌ وبركةٌ، فقال له الفضيل: لكني يا أبا عبد الله أخاف أن لا يكون هذا المجلس جلسنا مجلساً قط هو أضر علينا

منه. قال: ولم يا أبا علي؟ قال: ألست تخلصت إلي أحسن حديثك فحدثني به، وتخلصت أنا إلى أحسن حخديثي فحدثتك به، فتزينت لي وتزينت لك؟ فبكى سفيان أشد من البكاء الأول، ثم قال: أحييتني أحياك الله. كان الفضيل يقول: لأن آكل الدنيا بطبلٍ ومزمار أحب إلي من أن آكلها بدين. كان الفضيل يقول: إنما يهابك هذا الخلق على قدر هيبتك لله عز وجل. وقال: إنما يطيع الله كل إنسانٍ على قدر منزلته منه. قال الفيض بن إسحاق: قال الفضيل بن عياض: تزينت لهم بالصوف، فلما ترهم يرفعون بك رأساً تزينت لهم بالقرآن، فلما لم ترهم يرفعون بك رأساً تزينت لهم بشيءٍ بعد شيء. كل ذلك إنما هو لحب الدنيا. قال: وقال لي الفضيل: لو قيل لك يا مرائي غضبت وشق عليك، وعسى ما قيل حق، تزينت للدنيا وتصنعت لها، وقصرت ثيابك، وحسنت سمتك وكففت أذاك حتى يقولوا: أبو يزيد عابدٌ ما أحسن سمته، وأحسن جواره، وأكف أذاه! فيكرمونك ويفطرونك ويهدون إليك ... مثل الدرهم الستوق لا يعرفه كل أحد، فإذا قشروا قشروا عن نحاس، ويحك! ما تدري في أي الأصناف تدعى غداً أفي المرائين أم في غير ذلك؟ ثم قال: اتق الله لاتكن مرائياً وأنت لا تشعر. قال الفضيل: إن خفت الله لم يضرك أحد، وإن خفت غير الله لم ينفعك أحد.

سئل الفضيل بن عياض عن شيءٍ فقال: من خاف الله خاف منه كل شيء، ومن خاف غير الله خاف من كل شيء. قيل للفضيل: يا أبا علي، ما الخلاص مما نحن فيه؟ فقال له: أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا، قال: فمن عصى الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا، قال: هو الخلاص إن أردت. قال الفضيل: من أحسن فيما بقي غفر له ما مضى وما بقي، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. ثم بكى الفضيل فقال: أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن فيما بقي. قال الفضيل: بلغني أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا علموا، وإذا عملوا شغلوا، وإذا شغلوا فقدوا، وإذا فقدوا طلبوا، وإذا طلبوا هربوا. قال الفضيل بن عياض: طوبى لمن استوحش من الناس وكان الله أنسه. وقال: اطلب العلم لنفسك، وانظر إلى من تسلمه يا مسكين، فإن الله يسألك عنه. وقد قيل لإبراهيم بن أدهم: من أبن أقبلت يا أبا إسحاق؟ قال: من أنس الرحمن، قيل له: فأين تريد؟ قال: إلى أنس الرحمن. وكان الفضيل يقول: رحم الله عبداً أجمل ذكره وبكى على خطيئته قبل أن يرتهن بعمله. وقال الفضيل بن عياض: كامل المروءة من بر والديه، وأصلح ماله، وأنفق من ماله، وحسن خلقه، وأكرم إخوانه ولزم بيته. قال الفضيل: أخلاق الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.

وقال فضيل: إذا خالطت فلا تخالط إلا حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى الخير ولا تخالط سيئ الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى الشر. وقال: إذا رأيت الأسد فلا يهولك، وإذا رأيت ابن آدم فخذ ثوبك ثم فر، ثم فر. وقال: من خالط الناس لا ينجو من إحدى اثنتين: إما أن يخوض معهم إذا خاضوا في الباطل، أو يسكت إن رأى منكراً أو يسمع من جليسه شيئاً فيأثم فيه. قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل وهو يقرأ " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم " فجعل يردد هذه الآية ويقول: إنك بلوت أخبارنا هتكت أستارنا، إنك بلوت أخبارنا فضحتنا. وقال الفضيل: ما أجد لذة ولا راحة، ولا قرة إلا حين أخلو في بيتي بربي، فإذا سمعت النداء قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون كراهية أن ألقى الناس فيشغلوني عن ربي تبارك وتعالى. وقال: كفى بالله محبا، وبالقرآن مؤنساً، وبالموت واعظاً، وكفى بخشية الله علماً، والاغترار بالله جهلاً. وفي آخر: اتخذ الله صاحباً ودع الناس جانباً. وقال: تفكروا واعملوا من قبل أن تندموا، ولا تفتروا بالدنيا، فإن صحيحها يسقم وجديدها يبلى، ونعيمها يفنى، وشبابها يهرم؛ ألا إن الناس قد تاهوا بين الدراهم والدنانير، وليس لامرئ خيرٌ مما نوى وقدم.

وقال: إن أردت أن تستريح فلا تبالي من أكل الدنيا. وقال: رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر شوقه إلى الجنة. وقل: جعل الش ركله في البيت. وجعل مفتاحه حب الدنيا؛ وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الزهد في الدنيا. وقال: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالاً لا أحاسب عليها لكنت أقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه. وقال: من عمل بما علم استغنى عما لا يعلم، ومن عمل بما علم وفقه الله لما لا يعلم. وقال: من ساء خلقه شان دينه وحسبه ومروءته. قال: وكان يقال: من خا الله كل لسانه. وقال: أكذب الناس العائد في ذنبه؛ وأجهل الناس المدل بحسناته؛ وأعلم الناس بالله أخوفهم منه. وقال: لن يكمل عبدٌ حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه. وقال: خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام، وكثرة الأكل. وفي رواية: كثرة النوم، زكثرة الأكل. وقال: فرحك بالدنيا للدنيا يذهب بحلاوة العبادة، وهمك بالدنيا يذهب بالعبادة كلها. وقال: حزن الدنيا للدنيا يذهب بهم الآخرة. وقال: إن من الشقاء طول الأمل، وإن من السعادة قصر الأمل. وقال: خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب وجمود العين، وقلة الحياء والرغبة في الدنيا، وطول الأمل.

وقال: تكلمت فيما لا يعنيك فشغلك عما يعنيك، ولو شغلك ما يعنيك تركت ما لايعنيك. وقال: إنما أمس مثل، واليوم عمل، وغداً أمل. وذكر عند الفضيل مجالسة العلماء فقال إن في مجالسة بعضهم لفتنة، إذا كان العالم مفنوناً بالدنيا راغباً فيها، حريصاً عليها، فإن في مجالسته فتنة تزيد الجاهل جهلاً وتفتن العالم، وتزيد الفاجر فجوراً، وتفسد قلب المؤمن. وقال الفضيل: من عامل الله بالصدق ورثه الحكمة. وقال: إن الله يحب العالم المتواضع ويبغض العالم الجبار، من تواضع لله ورثه الحكمة. قال شعيب بن حرب: بينا أنا أطوف إذ لكزني رجلٌ بمرفقه، فالفت فإذا أنا بالفضيل بن عياض فقال: يا أبا صالح، فقلت لبيك يا ابا علي، فقال: إن كنت تظن أنه قد شهد الموسم شر مني ومنك فبئس ما ظننت. وقال الفصيل لسفيان: إن كنت ترى أن أحداً في هذا المسجد دونك فقد بليت ببلاء. وقال له: لئن كنت تحب أن يكون الناس مثلك فما أديت النصيحة لربك، كيف وأنت تحب أن يكونوا دونك!؟ وقال الفضيل: من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب. وسئل الفضيل عن التواضع فقال: تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله. قال الفضيل: أوحى الله إلى الجبال أني مكلم على واحدٍ منكم نبياً، فتطاولت الجبال وتواضع طور سيناء، فكلم الله عليه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام لتواضعه.

وقال الفضيل: ما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته، إذاً لطاش عقلي. قال رجلٌ للفضيل: كيف أمسيت يا أبا علي وكيف؛الك؟ فقال: عن أي حالي تسألني، عن حال الدنيا أو عن حال الآخرة؟ فإن كنت تسألني عن حال الدنيا فإنها قد مالت بنا وذهبت كل مذهب، وإن كنت تسألني عن حال الآخرة فكيف ترى حال من كثرت ذنوبه، وضعف عمله وفني عمره، ولم يتزود لمعاده، ولم يتأهب للموت ولم يتيسر له. قال إسحاق بن إبراهيم الطبري: وقفت مع الفضيل بن عياض بعرفات، فلم أسمع من دعائه شيئاً إلا أنه زضع يده اليمنى على خده واضعاً رأسه يبكي بكاءً خفياً، فلم يزل كذلك حتى أفاض الإمام، فرفع رأسه إلى السماء فقال: واسوءتاه - والله - منك وإن غفرت! ثلاث مرات. قال الفضيل: والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً. قال الفضيل: إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه. وفي رواية: إذا أراد الله أن يحب العبد سلط عليه من يظلمه. وقال: لا يكون العبد من المتقين حتى يأمنه عدوه. وقال الفضيل: إذا لم يستح القلب من الله عز وجل سقط عن القلب مكارم الأخلاق. وقال: بلغني أن الله عز وجل يحاسب العبد يوم القيامة بحضرة من يعرفه ليكون أشد لفضيحته.

وقال: من رأى من أخٍ له منكراً فضحك في وجهه فقد خانه. وقال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. وقال: ما حج، ولا رباطٌ، ولا جهادٌ أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في عمر شديد. قال: سجن المؤمن، وليس أحدٌ أشد غماً ممن سجن لسانه. وقال: المؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل. وقال الفضيل: إذا قيل لك: أتخاف الله؟ فاسكت، فإنك إن قلت: لا، جئت بأمرٍ عظيم، وإن قلت: نعم، فالخائف لا يكون على ما أنت عليه. وقال: المؤمن يحاسب نفسه، ويعلم أن له موقفاً بين يدي الله تعالى، والمنافق يغفل عن نفسه، فرحم الله عبداً نظر لنفسه قبل نزول ملك الموت به. قال الفضيل: يا مسكين تهلك! إنك مسيء وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وأنت بخيل وترى أنك سخي، وأنت أحمق وترى أنك عاقل، وأجلك قصير واملك طويل. قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: هيه، وتريد أن تسكن الجنة! وتريد أن تجاور الله في داره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين! وتريد أن تقف المواقف مع الأنبياء، مع نوحٍ وإبراهيم ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين يا أحمق! بأي عملٍ، بأي شهوةٍ تركتها لله؟ بأي غيظٍ كظمته لله؟ وبأي رحم قاطعٍ وصلتها؟ وبأي قريبٍ باعدته في الله؟ بأي بعيد قربته في الله؟ بأي حبيبٍ رأيته يعمل بما يكره الله فأبغضته في الله؟ بأي بغيضٍ رأيته يعمل بما يحب الله فأحببته في الله؟ ولكن بعفوه ورحمته نرجوه، بإساءتنا لا تقول أحسنا، ولكن تقول: أسأنا وبئس ما صنعنا.

وقال الفضيل: إذا أحب الله عز وجل عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبداً أوسع عليه دنياه. قال رجلٌ للفضيل: أوصني، قال: أعز أمر الله حيث كنت يعزك الله. وكان يقول: حرها شديد، وقعرها بعيد، وشرابها الصديد وأنكالها الحديد. وكان يقول: صبر قليل ونعيمٌ طويل، وعجلة قليلة وندامةٌ طويلة. وقال: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وطلب الدنيا بعمل الآخرة من كثرة الذنوب. وقال: بقدر ما يصغر الذنب عندك كذلك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك كذلك يصغر عند الله. وقال الفضيل: دعاك الله إلى دار السلام وقد آثرت في دنياك المقام! وحذرك عدوك الشيكان وأنت تخالفه طول الزمان! وأمرك بخلاف هواك، وأنت معانقة صباحك ومساءك! فهل الحمق إلا ما أنت فيه؟! قال محرز بن عون: أتيت فضيل بن عياض بمكة، فسلمت عليه فقال لي: يا محرز، وأنت أيضاً مع أصحاب الحديث؟ ما فعل القرآن؟ والله لو نزل حرفٌ باليمن لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمع كلام ربنا. والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيمٌ على ما يحب الله، خيرٌ لك من أن تطوف بالبيت وأنت مقيمٌ على ما يكره الله. وقال الفضيل: من أوتي علماً لا يزداد فيه خوفاً وحزناً وبكاءً خليقٌ أن لا يكون أوتي علماً ينفعه، ثم قرأ: " أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون ".

وقال: لا يزال العالم جاهلاً بما علم حتى يعمل به، فإذا عمل به كان عالماً. وقال: إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، ولا يقبله إذا كان له خالصاً إلا على السنة. قيل للفضيل بن عياض: ألا تحدثنا تؤجر؟ قال: على أي شيءٍ أوجر؟ على شيءٍ تتفكهون به في المجالس؟. وقال: من عرف الله حق المعرفة فهو بعيدٌ من الضلالة، ومن عرف اإخلاص فهو بعيدٌ من الرياء، ومن أنزل الموت حق المنزلة فلا يغفل عن الموت. وكان يقول: لا إله إلا الله، ما أقرب الأجل وما أبعد الأمل!. وقال: أفضل الجهاد المواظبة على الصلوات، وأكبر الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة. قال: وقال بعضهم: أفضل الجهاد مجاهدة النفس، أن تجاهد نفسك عن الحرام. وعما نهى الله عز وجل عنه، وعن هواك. وقال الفضيل: لو أني أعلم أن أحدهم يطلب هذا العلم لله تعالى لكان الواجب علي أن آتيه في منزله حتى أحدثه. قال أبو روح حاتم بن يوسف: أتيت الفضيل فقلت: يا أبا علي، معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ عليك؟ فقرأت، فإذا هو ستة، فقال لي: أف! قم يا بني، تعلم الصدق ثم اكتب الحديث. وقال الفضيل: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان. قال فيض بن إسحاق: كنت عند الفضيل بن عياض فجاء رجلٌ فسأله حاجةٌ، فألح بالسؤال عليه، فقلت:

لا تؤذي الشيخ، فزجرني الفضيل وصاح علي وقال لي: يا فيض، أما علمت أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم؟ فاحذروا أن تملوا النعم فتحول نقماً؛ ألا تحمد ربك أن جعلك موضعاً تسأل ولم يجعلك موضعاً تسأل!. قال أبو نصر بشر بن الحادث: كتب أبو رجاء الذي كان بمكة إلى فضيل يستقرض دراهم، قال أبو نصر: بعث مسكينٌ إلى مسكين. قال: ولم يكن عند فضيل إلا بعير له يعمل عليه، فأمر ابنه أن يبيعه ثم يبعث إلى أبي رجاء بنصف ثمنه ويأتيه بالنصف الآخر. قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول وقد سأله رجلٌ فقال: يا أبا علي، أحب أن تصف لي كيف كان ... في المؤاخاة؟ فقال الفضيل: هيهات! كالمتعجب، دعني. وأين المؤاخاة. ثم قال الفضيل: إن كان الرجل ليحفظ ولد أخيه من بعد موته يتعاهدهم أربعين خمسين سنة عمره كله، يأتي أهله فيقوم على بابه فيقول: هل لكم من حاجة؟ تريدون شيئاً؟ عندكم دقيق؟ عندكم سويق؟ عندكم زيت؟ عندكم حطب؟ عندكم كذا؟ حتى يسألهم عن الكسوة، فيقولون: نعم. فيقول: أروني. فإن كان عندهم وإلا اشترى لهم. وربما اشترى لهم الخادم بخمس مئة درهم فيقول: خذوا هذه تخدمكم. وأحدهم اليوم تطلب إليه الحاجة فما يقضيها، ويغضب حتى كأنه أذنب إليه ذنباً. ويعادي ويقاطع، فإذا هو قضاها أفسدها بمن أو تطاول. وأنت لو طلبت منك عشرة دراهم لشق عليك، نعم والله، ودرهم لو طلب منك لشق عليك. وقال الفضيل: يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد علي أمران إلا أخذت بأحداهما، فدع ما يريبك إلى مالا يريبك.

قال عبيده بن عبد الرحيم المروزي: كنت عند فضيل بن عياض وعنده عبد الله بن المبارك فقال: إن أهلك وعيالك قد أصبحوا مجهودين محتاجين إلى هذا المال فاتق الله وخذ من هؤلاء القوم - يعني الخلفاء - فزجره عبد الله بن المبارك ثم أنشأ يقول: من مجزوء الرمل خذ من الجاورس والأ ... رز والخبز الشعير واجعلن ذاك حلالاً ... تنج من حر السعير وانأ ما استطعت هداك ال ... له عن دار الأمير لا تزرها واجتنبها ... إنها شر مزور توهن الدين وتدني ... ك من الحوب الكبير ولما تترك من دي ... نك في تلك الأمور هو أجدى لك من ما ... لٍ وسلكانٍ يسير منه بالدون فأبصر ... واذكرن يوم المصير قبل أن تسقط يا مع ... رور في حفرة بير واطلب الرزق إلى ذي ال ... عرش والرب الغفور وارض يا ويحك من دن ... ياك بالقوت اليسير إنها دار بلاءٍ ... وزوالٍ وغرور كم ترى قد صرعت قب ... لك أصحاب القصور وذوي الهيبة في المجل ... س والجمع الكثير أخرجوا كرهاً وما كا ... ن لديهم من نكير كم ببطن الأرض ثاوٍ ... من شريفٍ ووزير وصغير الشأن عبدٍ ... خامل الذكر حقير

لو تصفحت وجوه ال ... قوم في يومٍ نضير لم تميزهم ولم تع ... رف غنياً من فقير خمدوا فالقوم صرعى ... تحت أطباق الصخور فاستووا عند مليكٍ ... بمساويهم خبير فاحذر الصرعة يا وي ... حك من دهرٍ عثور أين فرعون وهاما ... ن ونمروذ النسور أو ما تخشاه أن ير ... ميك بالموت المبير أو ما تحذر من يم ... مٍ عبوسٍ قمطرير إقمطر الشر فيه ... بالعذاب الزمهرير قال: فغشي على الفضيل ورده ولم يأخذه. قال أبو حفص أحمد بن الفضل البخاري: كنت عند الفضيل بن عياض فجاءه هارون أمير المؤمنين يزوره ومعه أبو قتادة، فقال أبو قتادة: رحمك الله، الخليفة على الباب، فقال فضيل: ليس له أن يزورنا، لنا أن نزوره! ثم قال: إن أمير المؤمنين على الباب، فقال: يا أبا قتادة، ليس له أن يزورنا، لنا أن نزوره، فارجع فلا آذن لكم. قال: فرجع هارون أمير المؤمنين. قال الرشيد هارون لسفيان: أحب أن أرى الفضيل فقال له: أذهب بك إليه؛ فاستأذن سفيان على فضيل فقال: من هذا؟ فقال: سفيان، فقال: ادخل، قال: ومن معي؟ قال: ومن معك. فلما دخلواعليه قال سفيان له: يا أبا علي، هذا أمير المؤمنين، فقال: وإنك لهو يا جميل الوجه! أنت الذي ليس بين الله وبين خلقه أحد غيرك؟! أنت الذي يسأل يوم القيامة كل إنسانٍ عن نفسه وتسأل أنت عن هذه الأمة؟ فبكى هارون. وفي حديثٍ بمعناه: فدخل فإذا فضيل مستقبلٌ القبلة بوجهه فقال: يا أبا علي! هذا

هارون أمير المؤمنين قد دخل عليك! فمكث طويلاً لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه، ثم رفع فضيل رأسه إلى هارون فقال له: يا حسن الوجه، ما أحسن وجهك! لقد قلدت أمراً عظيماً، حدثني عبيد المكتب، عن مجاهد في قوله: " وتقطعت بهم الأسباب " قال: الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، وأومى بيده إليهم. قالوا: فبكى هارون وخرج من عنده وحمل إليه تلك الليلة مئة ألف فأبى أن يقبلها. قال الفضل بن الربيع: حج أمير المؤمنين هارون، فبينا أنا ليلةٌ نائمٌ بمكة إذ سمعت قرع الباب فقلت: من هذا؟ قال: أجب أمير المؤمنين؛ فخرجت مسرعاً فقلت: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلي أتيتك، قال: ويحك إنه قد حك في نفسي شيء، فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: ها هنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلي أتيتك، فقال خذ لما جئنا له رحمك الله، فحادثه ساعةٌ ثم قال: أعليك دين؟ قال: نعم فقال: يا عباسي اقض دينه. ثم انصرفنا فقال: ما أغنى صاحبك شيئاً، فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: ها هنا عبد الرزاق بن همام، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلي أتيتك، فقال: خذ لما جئناك رحمك الله، فحادثه ساعةٌ ثم قال: أعليك دين؟ قال: نعم قال: يا عباسي اقض دينه. ثم انصرفنا فقال: ما أغنى صاحبك شيئاً، انظر لي رجلاً، فقلت: ها هنا الفضيل بن عياض، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلي، يتلو آية يرددها، فقال لي: اقرع، فقرعت فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فقال: مالي ولأمير المؤمنين! فقلت: سبحان الله! أو ما عليك طاعة؟ أو ليس قد روي عن

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس للمؤمن أن يذل نفسه؟ قال: فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاويةٍ من زوايا الغرفة. قال: فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت يد هارون إليه، فبكى وقال: أوه من كف ما أليهنا إن نجت غداً من عذاب الله! قال: قلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلامٍ تقي من قلبٍ تقي، فقال له: خذ لما جئنا له رحمك الله، فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد اللهن، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علي، فعد الخلافة بلاءً يا أمير المؤمنين وعددتها أنت وأصحابك نعمةً. فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله عز وجل فصم عن الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت. وقال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم عندك أخاً، وصغيرهم عندك ولداً، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك. وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت؛ ثم إني لأقول لك هذا وإني أخاف عليك أشد الخوف يوم القيامة، يوم تزل الأقدام. فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء من يأمرك بمثل هذا؟ قال: فبكى هارون بكاءً شديداً حتى غشي عليه؛ فقلت: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا بن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا! ثم أفاق فقال: رحمك الله زدني. فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكي إليه فكتب إليه عمر: يا أخي، اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإن ذلك يطرد بك إلى الرب نائماً ويقظاناً، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد ومنقطع الرجاء. فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له: ما أقدمك؟ قال خلعت قلبي بكتابك، لا وليت ولاية حتى ألقى الله. فبكى هارون بكاءً

شديداً ثم قال: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أمرني على إمارة، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عباس، يا عم النبي، نفسٌ تنجيها خيرٌ لك من إمارة لا تحصيها، إن الإمارة حسرةٌ وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميراً فافعل. فبكى هارون بكاءً شديداً ثم قال له: زدني رحمك اله. فقال: يا حسن الوجه! أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة؟ فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، إساك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لرعيتك، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة. فبكى هارون بكاءً شديداً حتى غشي عليه. ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم. دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. فقال: إنما أعني من دين العباد. فقال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده، وأن أطيع أمره. فقال: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق " فقال له: هذه ألف دينار، خذها فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله! أنا أدلك على النجاة وتكافئني يمثل هذا! سلمك الله ووفقك. ثم صمت فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قال لي هارون: يا عباسي إذا دللتني على رجلٍ فدلني على مثل هذا، هذا أزهد المسلمين اليوم. زاد في رواية: فدخلت عليه ارمأة من نسائه فقالت: يا هذا! ترى سوء ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال تفرجنا له. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قومٍ كان لهم بعيرٌ يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه. فلما سمع هارون الكلام قال: أدخل فعسى أن يقبل المال: فدخلنا، فلما علم به الفضيل خرج فجلس على ترابٍ في السطح وجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلم يجبه. فبينما نحن كذلك إذ

خرجت جاريةٌ سوداء فقالت: يا هذا آذيت الشيخ منذ الليلة؛ فانصرف رحمك الله. قال فانصرفنا. قال: وقال الفضيل: تقرأ في وترك: " نخلع ونترك من يفجرك " ثم تعدو إلى الفاجر فتعامله! قال: وقال الفضيل: لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم، ولكن انظر من طريق الرحمة. يعني السلطان. وقال فضيل: لا تجعل الرجال أوصياءك، كيف تلومهم أن يضيعوا وصيتك؟ وأنت قد ضيعتها في حياتك! وأنت بعدها تصير إلى بيت الدود، وبيت الوحشة، وبيت الظلمة، ويكون زائرك فيه منكر ونكير، فقبرك روضةٌ من رياض الجنة. أو حفرةٌ منحفر النار. ثم بكى وقال: أعاذنا الله وإياكم من النار. وقال: حسناتك من عدوك أكثر منها من صديقك. قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: لأن صديقك إذا ذكرت بين يديه قال: عافاه الله. وعدوك إذا ذكرت بين يديه يغتابك الليل والنهار، وإنما يدفع المسكين حسناته إليك، فلا ترض حتى إذا ذكر بين يديك تقول اللهم الهلكة، لا بل ادع الله له: اللهم أصلحه، اللهم راجع به، فيكون الله يعطيك أجر ما دعوت له. قال فضيل: آفة العلم النسيان، وآفة القراء العجب والغيبة، وأشد الناس عذاباً يوم القيامة الساعي والنمام، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم. وتذهب بالنعم. قلنا: يا أبا علي، هذا الحديث الذي جاء " إن عليها فتناً كمبارك الإبل "؟ قال: لا، ولكنه هو الرجل يكون عليه من الله نعمة، لا يكون به إلى خلقٍ من خلق الله حاجة، فإذا دخل

على هؤلاء ورأى ما قد بسط لهم استصغر ما هو فيه، فمن ثم تذهب النعمة أو تزول النعمة. وقال فضيل: ليس الآمر الناهي الذي يدخل عليهم يأمرهم وينهاهم ثم يدعونه بعد إلى طعامهم وشرابهم فيجيبهم، إنما الآمر الناهي الذي اعتزلهم ولم يدخل عليهم، فهو الآمر الناهي. قال الفضيل: لم يتزين العباد بشيءٍ أفضل من الصدق، والله عز وجل سائلٌ الصادقين عن صدقهم، فكيف بالكذابين المساكين؟! وقال: لم ينبل من نبل بالحج، ولا بالجهاد، ولا بالصوم، ولا بالصلاة، إنما نبل عندنا من كان يعقل أيشٍ يدخل جوفه. يعني الرغيفين من حله. وقال الفضيل: المؤمن ينظر بنور الله، الناس منه في راحة، وهو بركةٌ على من جلس إليه لا يغتاب أحداً، كريم الخلق، لين الجانب؛ والمنافق عياب خياب، خشن الجانب، خشن الكلام، إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى زلةً كشفها، غضب الله عليه، ومأواه جهنم، لأن الله قال: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ". وقال: إن الفاحشة تشيع في الذين آمنوا، حتى إذا بلغت الصالحين كانوا لها خزاناً. وقال: رحم الله عبداً كسب طيباً وأنفق قصداً، وقدم فضلاً ليوم فقره وفاقته، رحم الله من ترحم على أصحاب رسول الله، فإنما نحسن هذا كله بحبك أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الفضيل: من أراد الآخرة أضر بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة، ألا فأضروا في الدنيا فإنها دار فناء، واعملوا لدار البقاء.

وقال: ليكن شغلك في نفسك ولا يكن شغلك في غيرك، فمن كان شغله في غيره فقد مكر به. وقال: المؤمن في الدتيا مغموم يتزود ليوم معاده، قليل فرحه. ثم بكى. وقال: وإياكم والعجب فإنه يمحو العمل؛ ومن رمى محصناً أحبط الله عمله؛ ومن قال في رجلٍ مالا يعلم كتب عند الله كذاباً، ومن كتب عند الله كذاباً فقد هلك. وقال: من علم الله منه أن يحب أن يصلح بين الناس، أصلح الله الذي بينه وبينه وغفر له ذنبه، وأصلح له أهله وولده؛ ومن أحب أن يفسد بين الناس أفسد الله عليه معيشته. وكان الفضيل يقول: هل ترك الموت للمؤمن فرحاً؟ وإنما المؤمن يصبح مغموماً ويمسي مغموماً، وإنما دهره الهرب بدينه إلى الله عز وجل. وكان يقول: خلقٌ كثير من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا يقبل الله منهم ذلك. وذلك لأنهم يريدون به غير الله، وقد يكون الرجل الواحد يأمر العباد فيقبلون منه، فينجي الله به العباد والبلاد. وكان يقول: طوبى لمن نظر في مطعمه ومشربه وجعله من حله، وبكى على خطيئته. وكان يقول: عليكم بالشكر فإنه قل قومٌ كانت عليهم من الله نعمة فزالت عنهم إلا لم تعد إليهم أبداً. وكان يقول: من ازداد علماً فليزدد شكراً، إن المنافق كلما ازداد علماً ازداد عمى. وقال: إن لله عباداً لا يرفع لهم إلى الله عمل، وهم أصحاب الرياء الذين يكون حبهم في غير الله، إن أعطوا رضوا، وإن منعوا سخطوا، فمن كان كذلك وريه الله العمى. وقال الفضيل: اجعلوا دينكم بمنزلة صاحب الجوز، إن أحدكم يشتري الجوز فيحركه، فما كان من

جيد جعله في كمه، وما كان من رديء رده؛ وكذلك الحكمة، من تكلم بحكمة فاقبل منه، ومن تكلم بسوى ذلك فدعه. وقال الفضيل: لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام. قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: متى صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتى صيرتها في الإمام، فإصلاح الإمام إصلاح العباد والبلاد، قيل: وكيف ذلك يا أبا علي؟ فسر لنا هذا، قال: أما إصلاح البلاد فإذا أمن الناس ظلم الإمام عمروا الخراب، فتزكو الأرض، وأما العباد فينظر إلى قومٍ من أهل الجهل، يقول: قد شغلهم طلب المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلم القرآن وغيره، فيجمعهم في دار، خمسين خمسين، أقل أو أكثر، يقول لرجل: لك ما يصلحك وعلم هؤلاء أمر دينهم. وانظر ما أخرج الله من فيهم مما يزكي الأرض فرجه عليهم. فقال: كذا صلاح البلاد والعباد. قال رباح الكوفي: إن ابن المبارك قبل جبهته في جبهته في عذا الحديث فقال: يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك؟ وقال الفضيل: ما لكم وللملوك؟ ما أعظم منتهم عليكم أن قد تركوا لكم طريق الآخرة! فاركبوا طريق الآخرة، ولكن لا ترضون، تعيبونهم بالدنيا ثم تزحمونهم على الدنيا! ما ينبغي لعالم أن يرضى بهذا لنفسه. وقال الفضيل: إنما ينبغي للدنيا أن تتلاعب بالجاهل لا بالعالم. وقالوا له: لو كلمت هارون في أمر الرعية فإنه يحبك. قال: لست هناك؛ فكرر القول عليه فقال: لو كنت داخلاً عليه يوماً ما كلمته إلا في علماء السوء، أقول: يا أمير المؤمنين، إنه لا بد للناس من راعٍ. ولا بد للراعي من عالم يشاوره، ولا بد له من قاضٍ ينظر في أحكام المسلمين، وإذا كان لا بد من هذين الرجلين فلا يأتك عالمٌ ولا قاضٍ إلا على حمار بإكافٍ خلفه أغبر، فبالحري أن

يؤدوا إلى الراعي والرعية النصيحة؛ يا أمير المؤمنين، متى يطمع العلماء والقضاة أن يؤدوا إليك النصيحة ومركب أحدهم بكذا وكذا؟ فإذا حملتهم على حمرٍ بأكف، فبالحري أن يؤدوا إليك النصيحة. وقال الفضيل: لو تعلمون ما أعلم لم يهبكم طعامٌ ولا شراب. مات ولد بعض العلماء بمكة، فأتاه جماعةٌ من العلماء يعزونه فلم يتعز، فأتاه الفضيل فقال: يا هذا، ما ترى في رجلٍ كان في سجن هو وولده. فأخرج ولده من السجن، فأولى به أن يفرح أو يحزن؟ فقال الرجل: أولى به أن يفرح، قال: فإنك كنت أنت وابنك في سجن وأخرج ابنك من السجن. فقال: تعزيت والله. قال الفضيل: أتيت في منامي فقيل لي: يا فضيل اذكر الله، فإنه ما من أحد يوم القيامة إلا ود أنه زيد في صحيفته مثقال حبةٍ من خردلٍ من بر، ولو كان داود عليه السلام. احتبس على الفضيل بن عياض وله فقال: سدي! أطلقه عني. فما بال، فقال في الثانية: وعزتك لو قطعتني إرباً إرباً ما ازددت لك إلا حبا. فما بال، فقال في الثالثة: بحبي لك إلا ما أطلقته عني. فما برحنا حتى بال. قال فضيل بمكة: لا تؤذوني ما خرجت إليكم حتى ثلاثٍ وستين مرة أو نحواً من ستين مرة. وذلك قبل الظهر. ومما أنشد فضيل بن عياض: من الرجز ياأيها الذاهب في غيه ... محصول ما تطلبه القوت والأمر قدامك مستعظمٌ ... قد جل أمر بدؤه الموت

قال رجلٌ من أهل مكة: كنا جلوساً مع الفضيل فقلنا: يا أبا علي كم سنك؟ فقال: من المتقارب بلغت الثمانين أو جزتها ... فماذا أؤمل أو أنتظر أتت لي ثمانون من مولدي ... ودون الثمانين ما يعتبر علتني السنون فأبلينني......................... ثم نهض، فلما ولى التفت وقال: ........................ فدق العظام وكل البصر قال القاضي: ولدت سنة ستين ومئة. وأنشدنا: من البسيط عقد الثمانين عقد ليس يبلغه ... إلا المؤخر للأخبار والعبر ومن شعر الفضيل بن عياض: من البسيط إنا لنفرح بالأيام ندفعها ... وكل يومٍ مضى نقصٌ من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ... فإنما الربح والخسران في العمل توفي الفضيل بن عياض سنة ست وثمانين ومئة. وقيل سبع وثمانين بمكة. قال بعض المكيين: رأيت سعيد بن سالم القداح في النوم فقلت: من أفضل من في هذه المقبرة؟ فقال: صاحب هذا القبر، قلت: بم فضلكم؟ قال: إنه ابتلى فصبر، قلت: ما فعل فضيل بن عياض؟ قال: هيهات! كسي حلة لا تقوم لها الدنيا بحواشيها.

فقيم بن الحارث

فقيم بن الحارث شهد صفين مع معاوية بن أبي سفيان. كانت راية بجيلة في أحمس مع أبي شداد بصفين، واسمه قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار. فقالت بجيلة: خذ رايتنا اليوم. فقال لهم: غيري خيرٌ لكم مني. فقالوا: ما نريد غيرك، فقال: والله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب. وعلى رأس معاوية رجلٌ قائمٌ معه ترسٌ مذهب يستره من الشمس - قالوا: اصنع ما شءت. فأخذها ثم زحف نحوهم وهو يقول: من مشطور الرجز إن عليا ذو أناةٍ صارم جلدٌ إذا ما تحضر العرائم لما رأى ما يفعل الأشائم قام لدى ذروته الأكارم الأشيبان مالك وهاشم ثم زحف فجعل يقاتل حتى انتهى إلى صاحب الترس، وكان في خيلٍ عظيمة، فاقتتل الناس هناك قتالاً شديداً، وكان صاحب الخيل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فشد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس، فعرض له رومي لمعاوية فضرب قدم أبي شداد فقطعها.

وضربه أبو شداد فقتله، وأشرعت إليه الأسنة فقتل فأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي فجعل يقاتل ويقول: من مشطور الرجز لا يبعد الله أبا شداد حيث أجاب دعوة المنادي وشد بالسيف على الأعادي نعم الفتى قد كان في الطراد وفي طعان الخيل والجلاد وقاتل حتى قتل، فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقتل، فأخذها عفيف بن إياس الأحمسي، فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس، وقتل حازم بن أبي حازم الأحمسي أخو قيس بن أبي حازم وقتل نعيم بن شهيد بن الثعلبية فأتى ابن عمه فقيم بن الحارث إلى معاوية - وكان مع معاوية - فقال: إن هذا القتيل ابن عمي، فهبه لي أدفنه، فقال: لا تدفنهم فإنه ليسوا لذلك بأهل، فوالله ما قدرنا على دفن عثمان إلا سراً. فقال: لتأذنن لي في دفنه أو لألحقنهم ولأدعنك. فقال له معاوية: ترى أشياخ العرب لا نواريهم وأنت تسألني دفن ابن عمك! دفنه إن شئت أو فدعه. فأتاه فدفنه.

فليح بن العوراء المكي

فليح بن العوراء المكي مولى بني مخزوم قال إبراهيم بن المهدي: كتب إلي جعفر بن يحيى وأنا عامل الرشيد على جند دمشق: قد قدم علينا فليح بن العوراء فأفسد علينا بأهزاجه وخفيفه كل غناءٍ سمعناه قبله، وأنا محتال لك في تحصيله عندك لتستمتع به كما استمتعنا. فلم ألبث أن ورد علي فليح بكتاب الرشيد يأمر له بثلاثة آلاف دينار، فورد علي منه رجلٌ ذكرني لقاؤه الناس، فأخبرني أنه قد ناهز المئة سنة، فأقام عندي ثلاث سنين، فأخذ عنه جواري كل ما كان معه من الغناء، وانتشر بعض أغانيه بدمشق. قال يوسف: ثم قدم علينا شاب من المغنين مع علي بن زيد بن الفرج الحراني عند مقدم عنبسة بن إسحاق فسطاط مصر يقال له موفق، فغناني من غناء فليح: من السريع يا قرة العين اقبلي عذري ... ضاق بهجراتكم صدري لو هلك الهجر استراح الهوى ... ما لقي الوصل من الهجر فلم أر بين ما غناه وبين ما سمعت في دار أبي إسحاق فرقاً، فسألته: من أين أخذه؟ فقال: أخذته بدمشق. فعلمت أنه مما أخذه أهل دمشق عن فليح بن العوراء. فهد بن سليمان بن يحيى أبو محمد الكوفي النحاس سمع بدمشق. حدث عن أبي مسهر بسنده إلى أن سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس.

فهد بن موسى بن أبي رباح

وحدث عن قطبة بن العلاء الغنوي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذئبان ضاربان في حظيرةٍ وثيقة، يأكلان ويفرسان بأسرع فيها من حب الشرف وحب المال في دين المسلم. توفي فهد بمصر سنة خمسٍ وسبعين ومئتين. وكان ثقةٌ ثبتا. فهد بن موسى بن أبي رباح أبو الخير الأزدي الإسكندري قاضي الإسكندرية. قدم دمشق. حدث بدمشق عن عبد الله بن عبد الحكم بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يضر أحدكم بقليلٍ من ماله يروح أم بكثير إذا أشهد. وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من عمل عمل قوم لوط فارجموه وارجعوا من يفعل به. توفي فهد سنة سبعين ومئتين. فياض بن عبد الله الدمشقي روى عن سعيد بن عمرو بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الولاء، وعن هبته.

فياض بن عمرو

فياض بن عمرو كاتب يحيى بن حمزة، القاضي. حدث عن الزهري مرسلاً عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أتى الجمعة فليغتسل. ووجد في كتاب فياض بن عمرو عن صدقة بن عبد الله بسنده إلى أب يهريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله يقول: إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة. فياض بن القاسم بن الحريش ابن خرب بن الحريش، أبو علي حدث عن شعيب بن عمرو بسنده إلى النزال قال: قال أبو مسعود: أغمي على حذيفة أول الليل ثم أفاق فقال: أي الليل هذا يا أبا مسعود؟ فقلت: السحر الأكبر الأعلى. فقال: عائذ بالله من جهنم - يقول ذلك مرتين أوثلاثاً - ابتاعوا لي ثوبين ولا تغالوا فيهما فإن صاحبكم إن يرض عنه يكس خيراً منهما ولا يسلبهما سلباً سريعاً. وحدث سنة ثلاثين وثلاث مئة عن أبي محمد شعيب بن عمرو بسنده إلى عبد الله قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس ملأ الله بطونهم وقبورهم ناراً. توفي سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة. فيروز أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو الضحاك الديلمي وفد على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قتل الأسود الكذاب. ووفد على معاوية. قال فيروز: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله إنا أصحاب كروم وأعناب، وقد

نزل تحريم الخمر، فماذا نصنع بها؟ فقال: تتخذونه زبيباً. قال: فنصنع بالزبيب ماذا يا رسول الله؟ قال: تنقعونه على غدائكم وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غدائكم. قال: قلت: يا رسول الله أفلا نتركه حتى يشتد؟ قال: فلا تجعلوه في الدنان. وفي رواية: فلا تجعلوه في القلال ولا في الدباء. واجعلوه في الشنان، فإنه إن تأخر عن عصره صار خلاً. قال: قلت يا رسول الله، نحن ممن قد علمت، ونحن بين ظهراني من قد علمت، فمن ولينا؟ قال: الله ورسوله. قال: قلت حسبنا يا رسول الله. حدث عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال: قدمنا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برأس الأسود العنسي الكذاب، فقلنا: يا رسول الله، قد علمت من نحن، فإلى من نحن؟ قال: إلى الله ورسوله ... الحديث مر فيروز بن الديلمي يريد الشام إلى معاوية، فلم يدخل على عائشة، فلما أقبل من الشام دخل عليها، فقالت: يا بن الديلمي! ما منعك أن تمر بي، أرهبة معاوية؟ لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يدخل الكذاب وقاتله مدخلاً واحداً. ما أذنت لك. وكان باليمن من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيروز بن الديلمي - وهو من الأبناء - فانتسبوا إلى بني ضبة وقالوا: أصابنا سبيٌ في الجاهلية. وقيل: إن فيروز من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن، فنفوا الحبشة عنها وغلبوا عليها. وفيروز هو الذي قتل الأسود بن كعب العنسي الذي كان تنبأ باليمن، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي. وبعضهم يقول: فيروز الحميري، وهما واحد. وقيل له الحميري لنزوله في حمير، ومخالفته إياهم. وتوفي فيروز زمن عثمان بن عفان. وعن ابن الديلمي أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنا منك بعيد، ونشرب شراباً من قمح، فقال: أيسكر؟ قلت: نعم. قال: لا تشربوا مسكراً. فأعاد ثلاثاً قال: كل مسكرٍ حرام.

وهو فيروز بن يسع بن سعد بن ذي حباب بن مسعود. وفد مع معذ بن جبل على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قتل الأسود العنسي المتنبئ. وقدم برأسه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل على أبي بكر. وقيل في مقتل العنسي أن داذويه وقيساً وفيروز دخلوا عليه، فحطم فيروز عنقه فقتله. ويقال قتله قيس بن مكشوح. حدث النعمان بن برزج قال: خرج الأسود الكذاب، وكان رجلاً من بني عنس ثم من بني صعب. وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق وللآخر شقيق، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمر الناس، فسار الأسود حتى أخذ ذمار، وكان باذان إذ ذاك مريضاً بصنعاء، فجاءه الرسول فقال له بالفارسية كلاماً وأجابه ومات، فجاء الأسود شيطانه في عصارٍ من الريح وهو على قصر ذمار، فأخبره بموت باذان. فنادى الأسود في قومه فقال: يا يحابر - ويحابر فخذٌ من مراد - إن سحيقاً قد أجار ذمار وأباح لكم صنعاء، فاركبوا واعجلو. فسار الأسود ومن معه من عنس وبني عامر ومراد وحمير حتى نزلوا بهم المقرانة، فخرج عليهم الأساور عليهم ذاذويه، وكان قد استخلفه باذان - وكان دادويه ابن أخت باذان - فكره إمارة داذويه الذين كانوا مع وهرز ومع المرزبان؛ فلما سمع ذلك دادويه منهم صرف فرسه فرجع إلى صنعاء قبل أن يلقاهم، وانصرف جميع قومه واتبعهم الأسود ومن معه، والقرية يومئذ بأبوابها فأوثقوا بينهم وبينه الأبواب، ونزل الأسود ومن معه على باب قصر النوبة فقال الأسود: إن الأرض أرضي وأرض آبائي فاخرجوا منها والحقوا بأرضكم وأنتم آمنون

شهراً على أن تعطوني السلاح. فصالحوه على ذلك، فخرج منهم إلى المضمار من خرج، وارتحل منهم من ارتحل؛ كل أهل رستاق وحدهم وبقيتهم متجهزون. ودخل الأسود ومن معه إلى القرية. فاستنكح المرزبانة ارمأة باذان، فأرسلت إلى داذويه وفيروز وخرزاذ بن برزج واسمه عبد الحميد، وإلى جرجست بن الديلمي فقالت: فرشتموني هذا الشيطان فأتمروا به وأنا أكفيكموه. وكان قيس بن عبد يغوث قال للأسود: قد عرفت الذي بيني وبين أهل هذه القرية وأنا أتخوفهم. فاستأذنه أن ينزل خارجاً عن القرية، فأذن له فنزل هو وقومه تحت نقم، وكان يتخوف قتل الأسود وداذويه وأصحابه، وكان لا يستطيع رجلٌ منهم أن يكلم صاحبه لأن سحيقاً كان يبلغ ذلك الأسود فيخبرهم الأسود بذلك. وكان الأسود يخرج كل يوم إلى الجبانة فيجلس فيها ويخط عليه خطاً فيأتيه رجلٌ فيقول: السلام عليك يا رسول الله، وكان الأسود يقول لقيس إن سحيقاً يقول: لتنزعن قبة قيسٍ العليا أو ليفعلن بك أمراً يرى. فيقول قيس: أيها الملك، ما كنت لأفعل. فجاء قيس إلى داذويه وأصحابه ثلاث مرات يقول لهم: ألا تقتلون هذا الشيطان! فلا يردون عليه شيئاً تخوفاً أن يبلغ ذلك الأسود، وكانوا يظنونه غدراً من قيس وكان الأسود إذا غضب على رجلٍ حرقه بالنار. فجاء قيس إلى فيروز - وهو أصغر القوم - فذكر ذلك له فقال له فيروز: إن كنت صادقاً فأتنا الليلة. فجاءهم من الليل، فاجتمع داذويه وفيروز وجرجست ومعهم قيس، وكان على باب الأسود ألف رجلٍ يحرسونه وهو في بيوت باذان، وكان بيوت باذان في مؤخر المسجد اليوم، وكان موضع المسجد حائطاً لباذان، فأرسلت إليهم المرزبانة أني أكفيكموه. فجعلت تسقيه خمر ضلع، فكلما قال: شوبوه صبت عليه من خمر ثات حتى سكر،

فدخل في فراش باذان - وكان من ريش - فانقلب عليه الفراش، وجعل داذويه وأصحابه ينضحون الجدر بالخل ويحفرونه من نحو بيوت أهل برزج ويحفرونه بحديدة حتى فتحوا الجدر قريباً منه، فلما فتحوا قالوا لقيس: أنت خامنا ونحن نتخوف غدرك، فوالله لا ترثنا الحياة إن قدر علينا ولكنه يدخل منا رجلان ورجلان عندك. فدخل داذويه وجرجست ووقف فيروز وخرزاذ مع قيس، فجعلت المرأة تشير إليه أنه في الفراش فلم يرزقا قتله فخرجا إلى أصحابهما، فقال لهما فيروز: ما فعلتما؟ قالا: لم يوافقنا الأمر. قال: امكثا عند قيس. ودخل فيروز الديلمي وابن برزج، فأشارت إليهما المرأة أنه في الفراش، فتناول فيروز برأسه ولحيته فقصر عنقه فدقها، وطعنه ابن برزج بالخنجر فشقه من ترقوته إلى عانته، ثم احتز رأسه وخرجوا، وأخرجوا المرأة معهم وما أحبوا من متاع البيت إلى غمدان. قال النعمان: وحملت أمي على عنقي حتى أدخلتها معهم وما أحبوا قصر غمدان. فاستحرزوا فأصبحوا قد سدوه عليهم، فتناول قيس رأس الأسود فرمى به من رأس القصر إلى الحرس الذين كانوا على بابه؛ وصرخ القوم: المضمار المضمار! فظنوا أن الرأس جاء من المضمار، فلما رمى قيس بالرأس أخذ فيروز برجله ليرمي به من رأس القصر، فاحتضنه دادويه من ورائه فمنعه وقال: خون خون. وأغار صحابة الأسود إلى المضمار، فقاتلهم الذين كانوا بالمضمار بالحجارة حتى أدخلوهم القرية؛ فلما أدخلوهم القرية عقدوا اللواء، وكان الذي عقده سعيد بن بالويه، وقتل هو وأصحابه صحابة الأسود حتى خاضت الخيل إلى ثننها، وخرج فيروز وأصحابه فلقي منهم أربعين رجلاً من رؤوسهم فأدخلوا القلمس، فاستوثقوا منهم وقالوا: لا تبرحوا أبداً حتى يرد كل شيءٍ أخذ من صنعاء من صغيرٍ أو كبيرٍ أو متاع، وإلا ضربنا أعناقكم. فجعلوا لهم أن يفعلوا، وجزوا نواصيهم. قال: فارتهنوها كل ناصية رجل بما كان في قومه. وكانوا يردون القدر يجدونها بعد السنة:

ولم يكن الأسود مكث بصنعاء إلا خمس ليال، فقتل في الليلة الخامسة؛ فلما فرغ من الأسود وأصحابه، وتفرق من كان معه قال قيس لداذويه وفيروز وهو يريد أن يغدر بهما: اذهبا بنا نتحرق بثات حتى يأتينا بيان أمر هذا الرجل - يعني سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان لقيس امرأة بثات وهي بنت حمزة بن كاربن، فخرجا معه حتى دخلوا ثات، فنزل داذويه وفيروز في بيت باذان الذي بثات، وهو في مسجد أهل ثات اليوم. وكان قيس يرسل إليهما بالطعام والشراب وهو ينظر كيف يغدر بهما، وكان فيروز في حجر داذويه، وكان قيس قد حذق بكلام الفارسية، فأشرف قيس إلى داذويه وفيروز من بيته، ولم يكن بين منزلهما وبيت قيس إلا السكة، فقال لداذوية بالفارسية: يا أبا سعيد، هل لك في غداءٍ حميري؟ فقال داذويه: وما هو؟ نان كرمه وسنبدام كندره وماهية تازه. قال: نعم. قال: فإن كان ذلك من حاجتك فارتفع إلي. فلما قام إليه داذويه منعه فيروز فقال داذويه: إنك صبي أحمق، وما يهمني منهم. وكان داذويه إذا أخذ سيفه لم يبال لو لقي ألف رجل؛ وكان قيس قد خبأ له في مؤخر البيت اثني عشر رجلاً، وقال لهم: لا تخرجوا إليه أبداً حتى تعلموا أنه قد وضع سيفه. فجاء داذويه وأبى فيروز أن يأتيه، فجعل يحمل عليه الخمر حتى صرعه الخمر، فقال: يا أبا سعيد! ضع هذا السيف لا يعيثك، وضع رأسك حتى تفيق. فعلق سيفه فوق رأسه واضطجع، فخرج عليه القوم الذين خبأ قيس بأسيافهم، فكلما أراد أن يأخذ سيفه صرع حتى قتلوه. وأشرف على فيروز فقال: أترهبني يا بن الديلمي؟ فقال: أما وهذا السيف معي فلا. وخرج بفرسه يقوده. وأرسل بسرجه مع وليدته تلقاه به إلى الماء في مشغلها. فقال: أين تريد بفرسك؟ قال: أريد أن أسقيه. فأسرج فرسه ثم جعل يخب إلى جنبه. وأرسل قيس إلى بني صعب أن عندي قاتل أخيكم إن أردتموه. فجاء منهم ستون فارساً وقد خرج فيروز يخب خبب فرسه. وأخبر ذو رغين بن عبد كلال أن فيروز محصور بثات. فأرسل مئة فارس

لينصروه. وأخذ فيروز نحو جنان يريد إلى أخته. فأبصر خيل ذي رعين مقبلة، والعنسيون خلفه، فلما أبصر هؤلاء هؤلاء وقد كانتا رجلاه تقطعتا، فلما أبصرهم ركب فرسه فرمى به إلى الذين بين بديه وهو يظن أنهم يقاتلونه فقالوا: إنما أرسلنا ذو رعين للنصرك، فوقف معهم، فلما أبصرهم العنسيون رجعوا. وسار فيروز حتى نزل عند أخته. فلما توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبو بكر أبان بن سعيد القرشي إلى اليمن فكلمه فيروز في دم داذويه فقال: إن قيساً قتل عمي غدراً على غدائه، وقد كان دخل في الإسلام وشارك في قتل الطذاب. فأرسل أبان إلى قيس يعلى بن أمية إلى ثات - وكان يعلى من صحابة أبان - فقال أبان ليعلى: اذهب إلى قيس فقل: أجب أبان بن سعيد، فإن تردد عليك فاضربه بسيفك. فقدم عليه يعلى على بغلة والبغال لا ترى باليمن يومئذ، وعند قيسٍ الدنيا مما أخذ من الأموال التي للناس. فقال له يعلى: أجب الأمير أبان بن سعيد وانظر إلى هذا السي، فقال: ومن أنت؟ قال: أنا يعلى بن أمية، ثم من بني حنظلة من بني تميم. فقال له قيس: أنت ابن عمي فأخبرني لم أرسل إلي؟ وأرغبه، فقال: إن ابن الديلمي كلم فيك أنك قتلت عمه رجلاً مسلماً غدراً على غائك. فقال قيس: ما كان مسلماً لا هو ولا أنا، وكنت طالب ذحل قد قتل أمي وقتل عمي عبيده، وقتل أخي الأسود؛ ولكن أدخلني على حين غفلةٍ من أهل صنعاء واجعلني على بغلتك فأتنقب عليها، واركب أنت على راحلتي واكشف عن وجهك حتى تدخلني على الأمير فتمكني منه أربع كلمات وقد خلاك ذم. فدخل به حين اشتد حر النهار وغفل الناس، والناس يومئذ قليل، فدخل على أبان فقال: أجئت بالرجل؟ فقال: نعم، جئتك بسيد أهل اليمن، فقال أبان لقيس: أقتلت رجلاً قد دخل في الإسلام وشارك في دم الكذاب؟! فقال: قد قدرت أيها الأمير فاسمع مني: أما الإسلام فلم يسلم لا هو ولا أنا، وكنت رجلاً طالب ذحل، وأما فرس باذان الأعصم، وسيف ابن الصباح الوجيه فأهديه لك، وأما الإسلام فتقبل مني أبايعك عليه، وأم أختي كبسة فأزوجك معشوقة من المعشوقات؛ وأما يميني هذه فهي لك بكل حدثٍ يحدثه إنسانٌ من مذحج. قال: قد قبلنا منك؛ فأمر أبان المؤذن أن يؤذن بالصلاة، وذاك قبل نصف النهار، ففزع الناس وقالوا: إن هذا لحدث! فبلغ فيروز أنه

قد نادى، فعجب فقال: ما بال هذا!؟ فقالوا: إنه قد أتى بقيس؛ فخرج فيروز فلبس سلاحه وتوشح بسيفه؛ فخرج أبان يقاود قيساً، فقال قيس لفيروز: كيف أنت يا أبا عبد الرحمن ألك حاجة إلى الأمير؟ فقال فيروز: نعم، حاجتي أن أضرب عنقك! فصلى أبان بالناس صلاةٌ خفيفةٌ ثم خطب فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وضع كل دمٍ كان في الجاهلية، فمن أحدث في الإسلام حدثاً أخذناه به. ثم جلس فقال: يا بن الديلمي! تعال خاصم صاحبك؛ فاختصما فقال أبان: هذا دم قد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تتكلم فيه. فقال أبان لقيس: الحق بأمير المؤمنين - يعني عمر بن الخطاب - وأنا أكتب لك أني قد قضيت بينكما، فإني أرى قوماً ليسوا بتاركيك. فكتب إلى عمر أن يروزاً وقيساً اختصما عندي في دم داذويه، فأقام قيس البينة أنه كان في الداهلية، فقضيت بينهما. وخرج قيس فاتبعه فيروز حتى خاصمه عند عمر في دم داذويه، فأخرج قيس كتاب أبان إلى عمر، فقال عمر: قد تولى أبان ب هذا وإثمه، والله أعلم بما قضى، ولو يرد مثل هذا يا بن الديلمي لم يجز بين الناس قضاء. فقال فيروز: فإني قد بعت نفسي وهاجرت. فال عمر: أعزم عليك إلا رجعت إلى ايمن، فإنها لا تصلح إلا بك، فإنك في هجرة. قال: فسمع عمر قيساً يحدث رجلاً من قريش أنه هو الذي قتل الكذاب، فدخل فيروز وقيس يكلم القرشي، فقال: بلى قتله هذا الليث. ثم قال عمر لفيروز: كيف قتلت الكذاب؟ قال: الله قتله يا أمير المؤمنين. قال: نعم ولكن أخبرني. فقص عليه القصة، ورجع فيروز إلى اليمن. كتب عمر بن الخطاب إليى فيروز الديلمي: أما بعد، فقد بلغني أنه شغلك أكل النبات بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله، فاغز في سبيل الله. فقدم فيروز فاستأذن على عمر، فأذن له، فزاحمه قومٌ من قريش، فرفع فيروز يده فلطم أنف القرشي فدخل القرشي على عمر مستدمى فقال له عمر: من بك؟ قال: فيروز وهو على الباب. فأذن لفيروز بالدخول، فدخل، فقال: ما هذا يا فيروز؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنا كنا حديث عهد بملك، وإنك كتبت إلي ولم تكتب إليه،

الفيض بن الخصر بن أحمد

وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له، فأراد أن يدخل في إذني قبلي، فكان مني ما قد أخبرك. قال عمر: القصاص، قال فيروز: لا بد؟ قال: لا بد. قال: فجثا فيروز على ركبتيه، وقام الفتى ليقتص منه، فقال له عمر: على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيءٍ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات غداة وهو يقول: قتل الظليمة الأسود العنسي الكذاب، قتله العبد الصالح فيروز الديلمي. أفتراك مقتصاً منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال الفتى: قد عوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا. فقال فيروز لعمر: أفترى هذا مخرجي مما صنعت، إقراري له وعفوه غير مستكره؟ قال: نعم. قال فيروز: فأشهدك أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفاً من ماي هبةٌ له، قال: عفوت مأجوراً يا أخا قريش وأخذ مالاً. توفي فيروز الديلمي سنة ثلاثٍ وخمسين. الفيض بن الخصر بن أحمد ويقال الفيض بن محمد أبو الحارث التميمي الطرسوسي الأولاسي أحد الزهاد المشهورين، من قدماء المشايخ وجلتهم. قال أبو الحارث الأولاسي: كنت في بعض مساجد دمسق جالساً، فدخل فقير عليه خلقان رثة، فركع وجلس، فدنوت منه وسلمت عليه، وكان معي قطيعة فذهبت فاشتريت بها عنباً وطرحته في زاوية المسجد فقلت له عند المغرب: تأكل من هذا العنب؟ فقال: دعه الساعة. فما زال يركع إلى عشاء الآخرة فلما صلى عشاء الآخرة قلت له: تأكل من هذا العنب؟ قال: وتحب ذلك؟ قلت: نعم. فأكل حبات ثم قال: أين تريد؟ قلت: الرملة. فقال: وتحب لأن نكون جميعاً؟ قلت: نعم. قال: فما زال عامة الليل يركع، ثم التفت إلي وقال: قم إن شئت. فقمت معه، وخرجنا من دمشق، وسرنا ساعة، وإذا بسرجٍ وبيوت، ونحن نسير بين أحمال تين، فقلت لبعض من يسير معنا: أيشٍ هذه السرج والبيوت؟ فقال: أيش حالك هذه الرملة! فالتفت أطلب صاحبي فلم أره.

قال الزعفراني: قلت لأبي الحارث الأولاسي: أنا أعرفك أمير الحرب بنصيبين، فأيش الذي أخرجك إلى الله؟ قال: غدوت في آخر الليل إلى الحمام وكان على باب داري، فإذا أنا بأنين في القامين، فعدلت فإذا برجلٍ عليل، مطروح في الزبل عريان، فقلت له: لك حاجة؟ فقال لي: أريد يزال ما علي من وسخ، وثوب نظيف، ورائحة طيبة، وطعام طيب. فقلت: هات يدك؛ فأدخلته معي الحمام فنظفته وتقلدت أنا خدمته، وأخرجته إلى ثوبٍ من ثيابي، وأحضرت طعاماً طيباً، وطيبته وقلت: لك من حاجة؟ فقال لي: جبرك الله. ومات، فكفنته ودفنته، فلما كان العصر خرجت إلى الله في عباءة. قال أبو الحارث: رأيت في منامي كأني واقفٌ بين يدي الله، فقال لي: يا عبدي سل حاجتك. فقلت: يا رب! تعلم حاجتي. فقال: أنا أعلم. وكيف لا أعلم وأنا كونتها وكمنتها في صدرك؟! ولكن أحب أن أسأل، والمسارعة في اتباع محبتي منك أولى بك من التعلق بمحبتك، أسرع وأسبق منك إلى أن بدأت تركيبها في قلبك من قبل أن تعقلها، وأطلقت لسانك بمسألتها عندي. اجمع بين مرادي من الأمور كلها وبين مرادك مني. فإن يكن مخالفاً لمرادي فإنك لن تزال في دهرك منقطعاً عني، فابتغ عندي محابي من الأمور وإن خالف منك المحبة. أجهد بدنك، واحذر الخلاف في اتباع الهوى بحب دارٍ أبغضتها وحذرتكها وأخرج قلبك منها، وكن فيها حذراً، فإن متاعها قليل، والعيش فيها قصير، وتقرب إلي ببغضها وبغض أهلها، وكن متحرزاً منها ومن أهلها، وقف بين يدي مقام من أسقط نفسه وحيلته وتعلق بمالكه. قال أبو الحارث: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم كأنه معرض عني فقلت: ما أعرضك عني؟ بأبي وأمي، فقد فهمت عنك ما أمرتني ولكن أخاف أن أكون قد حرمت التوفيق. فقال: لا ولكن ليس ثم داعية يحركك لطلب، ولا رهبة تقلقك لهرب، فأنت بين الآمال الكاذبة متردد حيران قد

أطلت الأمل وسوفت العمل. قلت: فمن الآن فأوصني، فقال: عليك بالقلة، ووان شخصك، وكن جلساً من أحلاس بيتك، فقد أمسى وأصبح كثيرٌ من الناس في أمرٍ مريج، وإنك إن تتبع أهواءهم وتلتمس رضاهم يضلك عن سبيل ربك، وهو الخسران المبين. قال أبو الحارث الأولاسي: رأيت في المنام كأني في صحراء، بين جبال، وكأن منادياً ينادي: الباب الباب الباب - من وراء تلك الجبال - أيها الناس! هلموا وأسرعوا فإنا نريد غلق الباب. والناس فيما هم فيه من الشغل والضجة ما يشعرون بالنداء إلا نفرٌ يسير، خيل ورجالة، فجعلوا يسعون ويركضون نحو النداء. وقبض الله تعالى لي فرساً عربياً فركبته، وجعل يجري بي أشد جري وأنا اتخوف أن أسقط منه، حتى أتى بي على وحلة، فخفت أن يقف بي في تلك الوحلة، فجعل لا يزداد إلا شدة الجري في ذلك الوحل حتى خرج منه، ثم إنه أتى بي إلى عقبة صعبة. فخفت أن يقوم فرسي، فما أزداد إلا سرعة، حتى علا بي رأس العقبة، وأشرفت على المنادي وكأنه جالسٌ على رأس العقبة، عليه ثياب بياض، منكس الرأس، وهو يقرأ: " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون " وجعل ينكث الأرض كأنه حزين، فقلت: يا هذا، مالي أراك حزيناً؟ فقال: أما ترى ما في الأرض؟ فاطلعت، فرأيت سواداً متراكباً وضجة شديدة، فقلت: ما هذا السواد وما هذه الضجة؟ فقال: أما السواد فهي الفتن، وأما الضجة فالهرج المرج، قلت: رحمك الله فالمخرج من ذلك؟ قال: أربعة: لسانك ويديك وبطنك وفرجك؛ فأما لسانك فتمسكه عن الكلام إلا من ثلاثة: ذكر دائم، ورد سلام، أو حاجة لا بد منها؛ فأما يديك، فتمسكها عما ليس لك فيه حق، وتحذر المعاونة بهما؛ وأما بطنك فلا يدخله إلا الحلال! وكذلك فرجك، فإن لم تجد فالقلة القلة، كل الدون والبس الدون. وأربعٌ ألا خذ بهن: الحزم في زمانك، لا تقل لأحد اذهب، ولا قم، ولا كل، ولا لاتأكل، ولا اعمل، ولا لاتعمل، ولا هذا حلال، ولا هذا حرام. قلت: أما الصمت فإني أجهد نفسي فيه، وأما الناس فأعاهد الله على أن

لا أقول شيئاً من ذلك إلا أكون ناسياً؛ وأما القلة من المطعم واللباس فإنه يصعب علي، وأرجو أن يعين الله تعالى عليه. فجعل يقول: يصعب علي! أفلا يصعب عليك طول القيام بين يدي الله وعسر الحساب؟! أم والله لو اتقيت لصدقت، ولو صدقت لأتقيت، ولو اتقيت لخفت، ولو خفت لحذرت، ولو حذرت لجانبت. القلة القلة، الخفة الخفة، الصمت الصمت، الهرب الهرب، النجاء النجاء، الوحاء الوحاء، الباب الباب، لجوا فيه قبل أن يغلق دونكم، فتحل بكم الندامة. قال أبو الحارث: من استغل بما لم يكن فكان، فأنه من لم يزل ولا يزال. قال أبو الحارث: كتب إلي بعض إخواني: أيش تشتهي من هذه الدنيا؟ فقلت: أشتهي وجهاً مصفراً، وخداً مغفراً، ودمعاً مقطراً وطمراً مشمراً، وعيشاً مكدراً، وقلباً منوراً كالقنديل يزهر، وقوتاً مقتراً. قال: فكتب إلي: يا أخي ما أحسن ما اشتهيت من هذه الدنيا! ولكن ما أحسن الليل على الساجد! والاتصال بالماجد! والزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الناهد. ثم قال: يا أخي احفظ الله في خفي كل نظرة، وفتش كل لقمة، وزن كل خطوة، وانتخب الأحوال، وأحب كل أخٍ صحيح المودة، ثم قال: يا أخي، من عرف الله عاش، ومن أحب الدنيا طاش، والأحمق يغدو ويروح في لاش، والعاقل لذنوبه فتاش. قال أبو الحارث: دخلت مسجد طرسوس، فرأيت فتيين يتكلمان في علم الأنفة وسوء أدب الخلق،

وحسن صنيع الله تعالى إليهم، ويذمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما؛ فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي قد تحدثنا في العلم، فتعال نعامل الله به. فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على أن لا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت وأنا معكما، فقالا: فخرجنا من طرسوس وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله تعالى. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي وقام العلم بين عيني إن مت على ما انا عليه مت ميتة الجاهلية. فتركت صاحبي بالكام سنة ورجعت إلى طرسوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي، وأقام صاحبي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة، دخلت المسجد فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه فقال: يا أبا الحارث خنت الله تعالى في عهدك ولم تف به، أما إنك لو صبرت معنا أعطيت ثلاثة أحوال. وقد أعطينا. قلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض. والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسالك عن مسألة: فظهر لي وقال: سل وأوجز، فقلت له: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث، بعد الخيانة لا تقبل الأمانة فكوى قلبي بكيه. لا يخرج من قلبي حتى ألقى الله عز وجل. قال أبو الحارث: رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس وعلى يمينه جماعة وعلى يساره جماعة، وعليهم ثياب لطاف. فقال لطائفةٍ منهم: قولوا، فقالوا وغنوا، فاستفزني طيبه حتى تيممت أن أطرح نفسي من السطح، ثم قال: ارقصوا، فرقصوا أطيب ما يكون، ثم قال لي: يا أبا الحارث، ما أصيب شيئاً أدخل به عليكم إلا هذا.

وقال أبو الحارث: مكثت ثلاثين سنة ما يسمع لساني إلا من سري، ثم تغيرت الحال، فمكثت ثلاثين سنة لا يسمع سري إلا من ربي. وقال أبو الحارث: رأيت إبليس له جمة شعر، وعلى حلقه شعر مثل شعر الكلب، فأقبلت عليه أتملقه وأقول له: ويحك! من أنا في هذا الخلق؟ خلني وربي لا تعترض فيما بيني وبين ربي، فقال: هيهات هيهات، كيف أخليك، وفيك وفي أبيك هلكت! لا، أو تهلكوا معلي، فأخذت برأٍه فجعلته على حجر، وأخذت بحلقه أخنقه ثم قلت: كيف أقدر على قتله وقد أخره الله إلى يوم القيامة، ولكن أرفق به، فجعلت أتملقه وهو يأبى، فقلت له: دلني على ما ينفعني، فقال: أدلك على السكر الطبرزذ بالرانج، وتمر برني والأزاذ بالزبد، وأدلك على الجبن الرطب، والمعقود والبط، والحملان، والجواذابات، وأدلك على الدراهم والدنانير أن تكثر منها. فقلت له: يا ملعون! أنا أسألك تدلني على شيءٍ ينفعني في أمر آخرتي تدلني على الدنيا! وما أصنع أنا بهذا وما حاجتي إليه؟ فقال: من ها هنا صار رأسي وخلقي في يدك تقلبه كيف شئت وتلعب به. قلت: قد أفدتني علماً لا جرم إني لأرجو أن لا أنال منها شيئاً إلا ما لاغناء بي عنه. فقال: إن تركتك فاصعد العقبة. قلت: فأين الله عز وجل؟ قال: في السماء وهو الذي سلطني عليك، فبه قويت عليك وعلى غيرك، وأما أنت فأستعين الله عليك بولد جنسك الذي زينت في أعينهم ما قبح في هينك، فأجابوني إليه، فبهم أستعين عليك فيأتونك من مأمنك. توفي أبو الحارث الأولاسي الفيض بطرسوس، سنة سبعٍ وتسعين ومئتين.

الفيض بن محمد الثقفي

الفيض بن محمد الثقفي عن ابن شهاب في رجلٍ حلفه السلطان بالسلطان، فسأله عن أمرٍ يخاف فيه على نفسه القتل، فيحلف ما فعل، وقد فعل ذلك الأمر؟ قال: يجوز عليه الطلاق، قد قضى عمر بن عبد العزيز في الفيض بن محمد الثقفي في امرأته ابنة النعمان بن بشير، فرق بينهما عمر حين حلف الفيض لابن المهلب وهو يعذبه ليؤدين إليه المال إلى أجلٍ قد سماه، فلم يؤده إليه. قال عمر: ما أنا براجعها إليك بعد أن طلقتها. ثم أتى يزيد بن عبد الملك في ذلك، فحكم فيه بحكم عمر بن عبد العزيز. الفيض بن محمد بن الفياض الغساني قال الفيض: رأيت يحيى بن حمزة الحضرمي وهو جالسٌ في مجلس القضاء عند الدرج، درج المسجد، وهو يكتب محضراً، ومنادٍ على الدرج ينادي على متاع: عشرين ودانق، عشرين ودانق، فاشتغل، قلت: يحيى! فكتب: عشرين ودانق عشرين ودانق، في سطرين، ثم استفاق، فقام إليه فأخذ بأذنيه، فجعل يعركهما ويقول له: عشرين ودانق عشرين ودانق وذاك يضج ثم خلاه. قال: فما ينبغي لأحدٍ أن يحدث إنساناً وهو يكتيب، فيدهشه عن كتابه فيغلط.

أسماء النساء على حرف الفاء

أسماء النساء على حرف الفاء فاختة بنت عنبة بن سهيل ابن عمرو بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشية العامرية كانت مع جدها سهيل بن عمرو بالشام، فلما هلك أهلها بالشام رجعت إلى المدينة؛ وكان الحارث بن هشام ترك ابنه عبد الرحمن بن الحارث فحمل ذلك عمر بن الخطاب، وهما صغيران، فترحم على أبويهما وأجلسهما على فخذيه وقال: زوجوا الشريد الشريدة، عسى الله أن ينشر منهما. ففعلوا وولي تزويجهما عمر بن الخطاب، وسماهما عمر بن الخطاب الشريدين، وأقطعهما عمر بالمدينة خطة فأوسعهما لهما، فقيل له: أكثرت لهما يا أمير المؤمنين، فقال عسى الله أن ينشر منهما. ونشر الله منهما ولداً كثيراً رجالاً ونساء. وعنبة: بعين مهملة مكسورة، ونون مفتوحة، وباء بواحدة. فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو ابن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، القرشية زوج معاوية بن أبي سفيان غزت معه قبرس في خلافة عثمان بن عفان سنة خمسٍ وعشرين في البحر. قال عبد الله بن محمد: راود معاوية ابنة قرظة فنخرت نخرة شهوةٍ، ثم وضعت يدها على وجهها، فقال: لا سوأة عليك، والله لخيركن النخارات الشخارات.

فاطمة بنت الحسن

قال عمر بن شبة: كان الأحنف بن قيس عند معاوية، ليس عنده غيره فغنت جاريةٌ من جواري معاوية في جانب الدار، فأقبل على الأحنف فقال: يا أبا بحر، لا ترم حتى أعود إليك، إني لأطلب خلوة هذه فما أكاد أقدر على ذلك. ثم قام في إثرها، فكأنما كانت لابنة قرظة امرأة معاوية عينٌ على معاوية، فأقبلت به ملببته فقلت لها: أكرمي أسراكم. قالت: اسكت يا قواد! وكان معاوية يحب ابنة قرظة امرأته حبا شجيجاً، فجرى بينهما وبين يزيد كلامٌ، فأغلظ لها يزيد، فوثبت عن مجلسها مغضبة كأنها رمحٌ هز أسفله فاضطرب أعلاه فأتبعها معاوية بصره، ثم التفت إلى ابنه فقال: يا بني إنه ليس لأبيك صبرٌ عما ترى، فأحسن حمل رأسك. فاطمة بنت الحسن أم أحمد العجلية قالت أم أحمد: كان بالثغر رجلٌ من تناء البلد من المجاهدين، فلقوا في بعض الغزوات العدو، فكانت على المسلمين هزيمة، وكان تحته فرسٌ يضن به، فحركه للمضي، فوقف، فقال: يا مبارك بسم الله، فالتفت إليه الفرس فقال: أنت تسلم علفي إلى السواس يأخذونه ولا يطعموني منه إلا القليل، فقال: لك علي عهد الله إن أعلفتك الشعير إلا في حجري. فحركه فجرى به وسلم. فكان الناس يجيئون إليه وهو يعلف الفرس في حجره، فيسمعون منه هذه الحكاية. فبلغ خبره ملك الروم فقال: بلدٌ يكون فيه مثل هذا الرجل لا يقدر عليه. فأنفذ إليه بعض من تنصر من المسلمين، فجاء إليه وأراه عبادةٌ وصلاةٌ وصياماً واجتماعاً فنفق عليه، فما تمكن منه قال: قد اشتهينا نخرج نمشي في الصحراء، فلم يصدق بذلك صاحب الفرس، فخرجا جميعاً، فلم يزل يستجره إلى أن وصلوا إلى قبةٍ على أصل قناة

فاطمة بنت الحسين بن علي

البلد، وإذا يعلجٍ قد خرج معه بغل، فأراد أن يكتف الرجل، فعلم أنها حيلة، فرفع طرفه إلى السماء وقال: يا رب! بك خدعني. فخرج سبعان إليهما، فأخذاهما ورجع الرجل سالماً. فاطمة بنت الحسين بن علي ابن أبي طالب كانت فيمن قدم بها دمشق بعد قتل أبيها، ثم خرجت إلى المدينة. حدثت فاطمة أنها سمعت ابن عباسٍ يقول: نهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نديم النظر إلى المجذومين وقال: لا تديموا النظر إليهم. زاد في حديثٍ آخر: وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح. وحدثت فاطمة عن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد قال: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج قال: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. قالوا: وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنما عاشت فاطمة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشهراً. وعن فاطمة بنت الحسين عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل بني أم عصبةٌ ينتمون إلا ولد فاكمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم. قال الليث: أبى الحسين بن علي أن يستأسر، فقاتلوه وقتلوه وقتلوا ابنه وأصحابه الذين قاتلوا معه في الطف وانطلق بعلي بن حسين وفاطمة بنت حسين وسكينة بنت حسين إلى

عبيد الله بن زياد، وعلي يومئذ غلام قد بلغ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره لئلا ترى رأس أبيها وذوي قرابتها، وعلي بن الحسين في غل، فوضع رأسه فضرب على ثنيتي الحسين وقال: من الطويل نفلق هاماً من أناسٍ أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال علي بن الحسين: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير " فثقل على يزيد أن تمثل ببيت شعر وتلا علي آية من كتاب الله، فقال يزيد: بل " بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " فقال: أما والله لو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغلولين لأحب أن يحلنا من الغل. قال: صدقت. فحلوهم من الغل. قال: ولو وقفنا بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعد لأحب أن يقربنا، قال: صدقت فقربوهم. فجعلت فاطمة وسكينة تتطاولان لتريا رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه ليستر عنهما رأس أبيهما. ثم أمر بهم فجهزوا وأصلح إليهم وأخرجوا إلى المدينة. كان الحسن ين الحسن خطب إلى عمه الحسين بن علي، فقال له الحسين: يا بن أخي، قد انتظرت هذا منك، انطلق معي. فأدخله منزله، وأخرج إليه بنتيه فاطمة وسكينة فقال: اختر، فاختار فاطمة، فزوجه إياها، فكان يقال: إن امرأتين سكينة مرذولتهما لمنقطعة الحسن. فلما حضرت الحسن الوفاة قال لفاطمة: إنك امرأة مرغوب فيك، فكأني بع اله بن عمرو بن عثمان إذا خرج بجنازتي قد جاء على فرسٍ مرجلاً جمته لابساً حلته، يسير في جانبٍ من الناس يتعرض لك، فانكحي من شئت سواه، فإني لا أدع من الدنيا ورائي هما غيرك. قالت: آمن من ذلك. وأثلجته بالإيمان من العتق والصدقة لا تتزوجه. ومات الحسن بن الحسن، وخرج بجنازته فوافه عبد الله بن

عمرو في الحال التي وصف الحسن. وكان يقال لعبد الله بن عمرو المطرف من حسنه، فنظر إلى فاطمة حاسراً تضرب وجهها، فأرسل إليها: إن لنا في وجهك حاجة فرافقي به. فاسترخت يداها - وعرف ذلك فيها - وخمرت وجهها. فلما حلت أرسل إليها يخطبها، فقالت: كيف بيمين التي حلفت بها؟ فأرسل إليها لك مكان كل مملوك مملوكان، ومكان كل شيءٍ شيئان فعوضها من يمينها فنكحته وولد محمداً الديباج، والقاسم، ورقية، ومحمد هو الذي قال جميل: إني لأراه يخطر على الصفا فأغار على بثينة من أجله. وكان عبد الله بن الحسن وهو أكبر ولدها يقول: ما أبغضت بغض عبد الله بن عمرو أحداً، وما أحببت حب ابنه محمدٍ أخي أحداً. وكان يقول: لقد زوجت عبد الله بن عمرو وما في الدنيا أبغض إلي منه. وكأن فاطمة أرسلت إلى ابنها عبد الله بن الحسن وهو في سويقة أن اقدم زوجني. فقدم على حمار، فزوجها طاعةٌ لها وبرأيها. وكان عمر بن عبد العزيز على المدينة، ففرق عمر من الوليد بن عبد الملك أن يخطبها بغير إذنه، فكتب إليه يستأذنه فيها، وخطبها عبد الله بن عمرو، فتزوجها وقدم على عمر الكتاب بالإذن فيها وقد بنى بها عبد اله بن عمرو. قال أبو اليقظان: نظرت فاطمة بنت الحسين إلى جنازة زوجها الحسن بن الحسن ثم غطت وجهها وقال: من الطويل وكانوا ثم أمسوا رزيةً ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ولما مات الحسن بن الحسن اعتكفت فاطمة بنت الحسين امرأته على قبره سنةً، ضربت على قبره فسطاطاً، وكانت فيه، فلما مضت السنة قلعوا الفسطاط ودخلت المدينة، فسمعوا صوتاً من جانب البقيع: هل وجدوا ما فقدوا؟ فسمع من الجانب الآخر: بل يئسوا فانقلبوا. ولما حلت للأزواج خطبها الرجال، فقالت: على ابن عمي ألف ألف دين، فلست

أتزوج إلا على ألف ألف أقضي بها دينه. فخطبها ابن عمرو بن عثمان، فاستكثر الصداق، فشاور عمر بن عبد العزيز فقال: ابنة الحسين وابنة فاطمة، انتهزها. فتزوجها على ألف ألف وبعث إليها بالصداق كاملاً، فقضت دينها ودخل بها. خطب الحسن بن الحسن إلى المسور بن مخرمة ابنته، وكانت فاطمة بنت الحسين تحته، فقال: يا بن رسول الله، لو خطبت إلي على شسع نعلك لزوجتك، ولكن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما فاطمة شجنةٌ مني يرضيني ما أرضاها ويسخطني ما أسخطها. فأنا أعلم أنها لو كانت حية فتزوجت على ابنتها لأسخطها ذلك، فما كنت لأسخط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما زوجت فاطمة بنت الحسين ابنتها من عبد الله بن عمرو بن عثمان هشام بن عبد الملك دخلت عليه هي وسكينة فقال هشام لفاطمة: صفي لنا يا بنة حسين ولدك من ابن عمك، وصفي لنا ولدك من ابن عمنا. قال: فبدأت بولد الحسن فقالت: أما عبد الله فسيدنا وشريفنا والمطاع فينا، وأما الحسن فلساننا ومدرهنا، وأما إبراهيم فأشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شمائلاً وتطلعاً ولوناً. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى تقلع، فلا يكاد عقباه تقعان بالأرض. وأما اللذان من ابن عمكم فإن محمداً جمالنا الذي نباهي به، والقاسم عارضتنا التي نمتنع بها، وأشبه الناس بأبي العاص بن أمية عارضة ونفساً. فقال: والله لقد أحسنت صفاتهم يا بنت حسين. ثم وثب، فجبذت سكينة بنت الحسين بردائه وقالت: والله يا أحول لقد أصبحت تهكم بنا، أما والله ما أبرزنا لك إلا يوم الطف. قال: أنت امرأةٌ كثيرة الشر. وكانت فاطمة بنت الحسين أعطت ولدها من حسن بن حسن مورثها من حسن بن حسن، وأعطت ولدها من عبد الله بن عمرو مورثها من عبد الله بن عمرو، فوجد ولدها

من حسن بن حسن في أنفسهم من ذلك، لأن ما ورثت من عبد الله بن عمرو أكثر. فقالت: يا بني، إني كرهت أن يرى أحدكم شيئاً من مال أبيه بيد أخيه فيجد في نفسه، فلذلك فعلت ذلك. قال محمد بن عبد الله بن عمرو: جمعنا أمنا فاطمة بنت الحسين فقالت: يا بني، إنه والله ما نال أحدٌ من أهل السفه بسفههم، ولا أدركوا ما أدركوه من لذاتهم إلا وقد أدركه أهل المروءات بمروءاتهم، فاستتروا بجميل ستر الله. وكانت فاطمة بنت حسين تسبح بخيوطٍ معقود فيها. قال يحيى بن أبي يعلى: لما قدم المال - يعني غلة الكتيبة من حمير وكانت خمس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أبي بكر بن حزم فقسمه على بني هاشم، أصاب كل إنسانٍ خمسين ديناراً قال: فدعتني فاطمة بنت حسين فقالت: اكتب، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من فاطمة بنت حسين، سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأصلح الله أمير المؤمنين وأعانه على ما ولاه. وعصم له دينه، فإن أمير المؤمنين كتب إلى أبي بكر بن حزم أن يقسم فينا مالاً من الكتيبة ويتحرى بذلك ما كان يصنع من كان قبله من الأثمة الراشدين المهديين: فقد بلغنا ذلك وقسم فينا فوصل الله أمير المؤمنين، وجزاه من والٍ خير ما جزى أحداً من الولاة. فقد كانت أصابتنا جفوةٌ، واحتجنا إلى أن يعمل فينا بالحق، فأقسم لك بالله يا أمير المؤمنين، لقد اختدم من آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان لا خادم له. واكتسى من كان عارياً، واستنفق من كان لا يجد ما يستنفق. وبعثت إليه رسولاً، فقدم عليه، فقرأ كتابها، وإنه ليحمد الله ويشكره. وأمر له

فاطمة ست العجم

بعشرة دنانير، وبعث إلى فاطمة بخمس مئة دينار وقال: استعيني بها على ما يعروك. وكتب إليها كتاباً يذكر فضلها وفضل أهل بيتها، ويذكر ما أوجب الله لهم من الحق، ووصل إليها ذلك المال. روى جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين قال: لما قتل الحسين عليه السلام جاء غرابٌ فوقع في دمه وتمرغ، ثم طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي - وهي الصغرى - ونعب، فرفعت رأسها إليه ونظرت إليه وبكت بكاءً شديداً وأنشأت تقول: من مجزوء الكامل نعب الغراب فقلت من ... تنعاه ويلك يا غراب قال الإمام فقلت من ... قال الموفق للصواب قلت الحسين فقال لي ... حقاً لقد سكن التراب إن الحسين بكر بلا ... بين الأسنة والضراب فابكي الحين بعبرةٍ ... ترضي الإله مع الثواب ثم استقل به الجنا ... ح فلم يطق رد الجواب فبكت مما حل بي ... بعد الوصي المستجاب قال علي بن الحسين: فنعته لإهل المدينة فقالوا: قد جاءتنا بسحر عبد المطلب. فما كان بأسرع من أن جاءهم الخبر بقتل الحسين عليه السلام. قالوا: إسناد هذه الحكاية لا يثبت. وقد ذكر أنها كانت مع عيال الحسين بكربلاء. والله أعلم. فاطمة ست العجم بنت سهل بن بشر بن أحمد الإسفراييني المعروفة بالعالمة الصغيرة كانت تعظ النساء في بعض المساجد، وفي الأعزية. وكان ابن مغيث زوج أختها، فطلقها وتزوج بفاطمة قبل انقضاء عدة أختها، فأتت

فاطمة بنت عبد الله

إلى القاضي أبي المفضل بن عساكر تسأله عن قصتها فقال لها: مذهب الشافعي جواز نكاح الأخت في عدة الأخت. فقالت: أنا شافعية وأقامت على نكاحه ومضت معه إلى مصر فماتت هناك. فاطمة بنت عبد الله بن مطيع ابن الأسود بن حارثة بن نضلة بن عوف القرشية العدوية زوج الوليد بن عبد الملك بن مروان لما أهديت فاطمة إلى الوليد، وكان الوليد مطلاقاً قالت له: يا أمير المؤمنين، أكرياؤنا يريدون الشخوص فنحبسهم أو يذهبون؟ فقال: قاتل الله بنت المنافق ما أظرفها! ثم طلقها بعد ذلك. وإنما نسب الوليد أباها إلى النفاق لأنه شهد الحرة مع أهل المدينة ثم لحق بابن الزبير! فقاتل معه حتى قتل بمكة مع ابن الزبير وه القائل: من مشطور الرجز أنا الذي فررت يوم الحره والشيخ لا يفر غير مره لأجزين كرة بفره فاطمة بنت عبد الله زوج أبي الحسين زيد بن عبد الله البلوطي حدثت عن أبي إسحاق إبراهيم بن حاتم التستري البلوطي قالت: سمعته يقول: طويت ستين يوماً.

فاطمة بنت عبد العزيز

فاطمة بنت عبد العزيز أبي الحسن القاضي ابن عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم القزويني أم العز روت عن أبي الحسين أحمد بن علي الجوهري الموصلي بسنده إلى أنس بن مالك قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعاذ بالباب فقال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة فقال معاذ: يا رسول الله! ألا أخبر الناس؟ قال: لا، دعهم فلينافوا في الأعمال، فإني أخاف أن يتكلوا عليها. فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية زوج عمر بن عبد العزيز وولدت له إسحاق ويعقوب ابني عمر. ثم خلف عليها سليمان الأعور بن داود بن مروان؛ فقال الناس: هذا الخلف الأعور. قال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز: قد زوجك أمير المؤمني فاطمة بنت عبد الملك، فقال: وصلك الله يا أمير المؤمنين فقد كفيت المسألة وأجزلت العطية. فأعجب به. فقال بعض ولد عبد الملك: هذا كلام تعلمه فأداه؛ فدخل على عبد الملك فقال: يا عمر كيف نفقتك؟ قال: بين البينين، قال: وما هما؟ قال: قول الله: " والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك فواما " فقال عبد الملك: من علمه هذا؟! قال عمارة بن غزية: حضرت عرس عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك، فكانوا يسرجون القناديل بالغالية مكان الزيت.

وقال: لما بنى عمر بها أسرج في تلك الليلة في مسارجها الغالية. وكان على قبتها مكتوباً: من الكامل بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخلائف والخليفة بعلها قال خليد بن عجلان: كان عند فاطمة بنت عبد الملك جوهر، فقال لها عمر: من أين صار إليك هذا؟ قالت: أعطانيه أمير المؤمنين. قال: إما أن ترديه إلى بيت المال، وإما أن تأذني في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت. قالت: لا، بل أختارك على أضعافه لو كان لي. فوضعته في بيت المال، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قال لها: إن شئت رددته عليك أو قيمته، قالت: لا أريده، طبت به نفساً في حياته وأرجع فيه بعد موته! لا حاجة لي فيه. فقسمه يزيد بين أهله وولده. كان عمر بن عبد العزيز عند سليمان بن عبد الملك بمنزله، وكان سليمان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل، فما أجد أحداً يفقه عني! فقال له عمر بن عبد العزيز يوماً: ألا تدفع حق هذه المرأة إليها؟ قال: وأي امرأة؟ قال: فاطمة بنت عبد الملك، فقال سليمان: أو ما علمت وصية أمير المؤمنين عبد الملك؟ قم يا فلان فأتني بكتاب أمير المؤمنين - وكان كتب أنه ليس للبنات شيء - فقال له عمر: إلى المصحف أرسلته؟! فقال ابن لسليمان عنده: ما يزال رجالٌ يعيبون كتب الخلفاء وأمرهم حتى تضرب وجوههم. فقال عمر: إذا كان هذا الأمر إليك وإلى ضربائك كان ما يدخل على العامة من ضرر ذلك أشد مما يدخل على ذلك الرجل من ضرب وجهه. فغضب عند ذلك سليمان، فسب ابنه ذلك وقال: تستقبل أبا حفصٍ بهذا! فقال عمر: إن كان عجل علينا فقد استوفينا. وهذا الابن أيوب بن سليمان. دخل عمر بن عبد العزيز على فاطمة ارمأته في كنيسةٍ بالشام، فطرح عليها خلق

ساجٍ عليه، ثم ضرب على فخذها فقال: يا فاطمة، لنحن ليالي دابق أنعم منا اليوم. فذكرها ما كانت نسيت من عيشها: فضربت يده ضربةً فيها عنف تنحيها عنها وقالت: لعمري لأنت اليوم أقدر منك يومئذ. فأكسعته - أي عبس وتحزن من ذلك - فقام يريد آخر الكنيسة وهو يقول بصوتٍ حزين: يا فاطمة " إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يومٍ عظيم " فبكت فاطمة وقالت: اللهم أعذه من النار. وعن المغيرة بن عبد العزيز كان قد ضجر على جاريةٍ من جواريها في مرضه الذي هلك فيه، فكان لا يراها إلا انتهرها وقال: أخرجوها. فلما كان يوم.... ونزلنا بعض الشام، قال: دخلت علينا فانتهرها ثم قال: اخرجوا عني. ثم شخص ببصره إلى كوةٍ في القيطون فقال: مرحباً وأهلاً! والله إني لأرى وجوهاً ما هي بوجه إنسٍ ولا جن، فارتبعوا عني. وقال: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ". قالت: فخرجنا فمكثنا مليا، ثم قال مسلمة لي: يا أخته! قد طال مكثنا عن أمير المؤمنين. قالت: فدخلنا عليه فإذا هو مسجى بثوبه كأنما حرفه أهله جميعاً وقد استقبل به القبلة. والله ما كان على القبلة. قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعةً من نهار. فلما كان اليوم الذي قبض فيه، خرجت من عنده فجلست في بيتٍ آخر بيني وبينه باب وهو في قبةٍ له، فسمعته يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في

فاطمة بنت علي بن الحسين

الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ثم هدأ، فجعلت لا أسمع له حركة ولا كلاماً فقلت لوصيفٍ كان يخدمه: ويحك! انظر أمير المؤمنين أنائم هو؟ فلما دخل عليه صاح، فوثبت فدخلت عليه فإذا هو ميت قد استقبل القبلة وأغمض نفسه فوضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه. فاطمة بنت علي بن الحسين ابن جدا، أم أبيها بنت أبي الحسن العكبري قدمت دمشق في طلب ابنٍ لها كان يخدم العسكرية في سياسة الدواب: وسمع عليها سنة ست وعشرين وخمس مئة. حدثت عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن المسلمة بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: ويل للعرب من شر قد اقترب! فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، المتمسك فيهم يومئذٍ على دينه كالقابض على خبط الشوك أو جمر الغضا. فاطمة بنت علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، الهاشمية أمها أم ولدٍ، قدم بها دمشق في عيال الحسين - بعد قتله - على يزيد. قال موسى الجهني: دخلت على فاطمة بنت علي، فقال لها رفيقي أبو مهلٍ: كم لك؟ قالت: ست

وثمانون سنة. قال: ما سمعت من أبيك شيئاً؟ قالت: حدثتني أسماء بنت عميس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي. وفي رواية: إلا أنه لا نبي بعدي. قال عروة بن عبد الله بن قشير: دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب فرأيت في عنقها خرزة، ورأيت في يديها مسكتين وهي عجوز كبيرة فقلت لها: ما هذا؟ فقالت: إنه يكره للمرأة أن تتشبه بالرجال. ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب دفع إلى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أوحى إليه فجلله بثوبه، فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس - يقول غابت - قال: فلما سري عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع رأسه فقال: صليت يا علي العصر؟ قال: لا، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم ردها على علي. قالت أسماء: فوالله لنظرت إليها بيضاء على هذا الجبل حتى صلى، فرأيتها طلعت حتى صارت في وسط المسجد. قالت فاطمة بنت علي بن أبي طالب: شكوت إلى محمد بن علي كثرة السهر والفكر فقال: اجعلي سهرك وفكرك في ذكر الموت. قالت: ففعلت فذهب علي السهر والفكر. قال عيسى بن عثمان: كنت عند فاطمة بنت علي. فجاء رجلٌ يثني على أبيها عندها. فأخذت رماداً سفت في وجهه. قال الطبري: في سنة سبع عشرة ومئة ماتت فاطمة ابنة علي وسكينة ابنة الحسين بن علي عليه السلام.

فاطمة بنت مجلي

فاطمة بنت مجلي امرأة صالحة. قالت ستيت الداراني رأيت فاطمة بنت مجلي بعد ما ماتت في النوم، وإذا عليها ثيابٌ حرير وأسورةٌ من ذهب. قالت: فقلت لها: من أين لك هذا؟ فقالت: أما تقرئين القرآن؟ قلت: بلى، قالت: أما تقرئين فيه: " يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير "؟ قالت: فقلت لها: فأختك كيف حالها؟ فقالت: أختي أرفع حالاً مني، قالت: قلت: بماذا؟ قالت: بصبرها على زوجها. قال: وكانت فاطمة هذه تقاربني من النساء، وكانت قد بانت من الدنيا وزهدت فيها، فكانت تصوم النهار وتقوم الليل، وتتقلل من كل شيء وتكثر الصدقة والصة للأرحام، وغير ذلك من المعروف حتى ماتت رحمها الله. وبقيت أختها بعدها. فاطمة بنت مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية، أخت عبد الملك قال نوفل بن الفرات: كانت بنو أمية ينزلون فلانة بنت مروان على أبواب القصور، فلما ولي عمر بن عبد العزيز قال: لا يلي إنزالها أحد غيري. فأدخلوها على دابتها إلى باب قبته، فأنزلها. ثم طبق لها وسادتين إحداهما على الأخرى براً، ثم أنشأ بمازحها - ولم يكن من شأنها المزاح - قال: أما رأيت الحرس الذي على الباب؟ قالت: بلى، فربما رأيتهم عند من هو خيرٌ منك! فلما رأى الغضب لا يتحلل عنها أخذ في الجد وترك المزاح فقال: يا عمة، إن

فاطمة بنت الوليد بن المغيرة

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبض فترك الناس على نهر مورود. فولى ذلك النهر بعده رجل، فلم يستنقص منه شيئاً - وفي رواية: فلم يستخص منه بشيء - ثم ولي ذلك النهر بعد ذلك الرجل رجل آخر فلم يستنقص منه شيئاً، ثم ولي ذلك النهر يعد ذلك الرجل رجل آخر، فكرى منه ساقية، ثم لم يزل الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابساً ليس فيه قطرة؛ وايم الله، لئن أبقاني الله لأسكرن تلك السواقي حتى أعبده إلى مجراه الأول. قالت: فلا يسبوا عندك إذاً، قال: ومن يسبهم؟! إنما يرفع إلي الرجل مظلمته فأردها عليهم. فاطمة بنت الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت خالد بن الوليد كانت مع زوجها الحارث بن هشام يوم أحد، قبل أن تسلم، ثم أسلمت ولها صحبة، وخرجت مع زوجها الحارث بن هشام، واستشارها خالدٌ في بعض أمره فأشارت عليه، فقام فقبل رأسها وكانت بنت الوليد بالشام تلبس الثياب من الجباب الخز، ثم تتزر، فقيل لها: أما يغنيك هذا عن الإزار؟! قالت: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالإزار. ولما كان يوم الفتح أسلمت فاطمة بنت الويد وأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعته. قال محمد بن عمر: في سنة عشرين تزوج عمر بن الخطاب بنت الوليد بن المغيرة أم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

فسيلة بنت واثلة بن الأسقع

فسيلة بنت واثلة بن الأسقع حدث فسيلة أنها سمعت أباها يقول: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم. وفي رواية: قال: يا رسول الله، الرجل يجب قومه، أعصبي هو؟ قال: لا. قلت: فمن العبي يا رسول الله؟ قال: الذي يعين قومه على الظلم. والله أعلم. تم الجزء العشرون من ختصر تاريخ دمشق ويتلوه إن شاء الله عز وجل حرف القاف قابيل بن آدم علقه عبد الله محمد بن المكرم أبي الحسن الأنصاري الكاتب، عفا الله عنه وفرغ منه في ليلة الأحد الثاني والعشرين من المحرم المبارك سنة أربعٍ وتسعين وست مئة والحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل /

حرف القاف

أسماء الرجال على حرف القاف قابيل ويقال قابين ويقال له قاين وهو قابيل بن آدم أبي البشر الذي قتل أخاه. قيل أنه كان يسكن قينية خارج باب الجابية، وإنه قتل أخاه في جبل قاسيون عند مغارة الدم. قال أبو بكر الخطيب: قاين - بياء منقوطة باثنتين من تحتها - هو قاين بن آدم أبي البشر المعروف بقابيل، قاتل أخيه هابيل. وقد ذكر الله قصتهما في كتابه، فقال: " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " الآيات كلها إلى آخر القصة. عن محمد بن إسحاق قال: كان اكبر ولد آدم قابيل وتؤمه. عن عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيدة الله بن أبي المهاجر قال: كان قابيل في قينية وكان صاحب زرع. عن أنس ين مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أوحى الله إلى آدم: أي آدم، حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموت، قال: وما يحدث علي يا رب؟ قال ما لا يدرى، وهو الموت، قال: وما الموت، قال:

سوف تذوق، قال من أستخلف في أهلي؟ قال: أعرض ذلك على السماوات والأرض والجبال. فعرض على السماوات، فأبت، وعرض على الأرض، فأبت، وعرض على الجبال، فأبت وقبله ابنه، قاتل أخيه. فخرج آدم من أرض الهند حاجاً، فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده. وجرى حتى قدم مكة، فاستقبلته الملائكة بالبطحاء، فقالوا: السلام عليك يا آدم، بر حجك، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام - قال أنس: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والبيت يومئذ ياقوتة جوفاء لها بابان، من يطوف يرى من في جوف البيت، ومن في جوف البيت يرى من يطوف " - فقضى آدم نسكه، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم، قضيت نسكك؟ قال نعم يا رب، قال: فسل حاجتك تعط. قال: حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي. قال: أما ذنبك، يا آدم، فقد غفرناه حين وقعت بذنبك، وأما ذنب ولدك فقد عرفني، وآمن بي، وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه ". عن سعيد بن المسيب: أن الله أمر آدم أن يفرق في النكاح من كل بطن هذا لتلك، وتلك لها حتى كان أمر هابيل وقابيل. عن ابن عباس وكعب وعبد الله ابن سلام قالوا: ولدت حواء مع قابين جاريةً يقال لها لوذا أجمل بنات آدم، وولدت مع هابيل جارية يقال لها إقليميا، فخطبا إلى أبيهما، فقال: أنكحك يا هابيل لوذا، وقال لقابين: - ويقال قابيل، والله أعلم - زوجتك إقليميا، فقال قابين: ما أرضى بهذا، أختي أجمل، فقال آدم، إن الله أمرني أن أفرق بينكما في النكاح، فإن كنت لا ترضى فقربا قرباناً، فقربانكما سيقضي بينكما، قال: وكيف يقضي بيننا؟ قال: من يقبل قربانه فهي له. قال آدم لجبريل: يا جبريل، أليس تاب الله علي؟ قال: بلى، قال، فما لي لا أسمع خفق أجنحة الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ قال: فانطلق جبريل إلى الله، وذلك بغيته، فقالت الملائكة: يا رب، ما فعل عبدك الذي خلقته بيدك، وأمرتنا بالسجود

له، وأسكنته الجنة؟ قال: إنه عصاني، فأخرجته من الجنة. فاشتاقت الملائكة إلى آدم، فقال جبريل: يا رب، إن آدم اشتاق الملائكة، فقال الله: يا جبريل، إن الملائكة قد اشتاقت إلى آدم كما اشتاق آدم إليهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذلك الأرواح تتعارف ". قال الله: يا جبريل، انطلق بالبيت المعمور، فاهبط به إلى الأرض، وضعه في حرمي، وقل لآدم يحجه، ويوافي ملائكتي هناك. فجاء جبريل وهما يختصمان: قابين وهابيل، فأخبر آدم، فقال لهما آدم: قربا القربان. قال: وكان قابين صاحب زراعة، وهابيل صاحب غنم، فقرب هابيل كبشاً، وكان قائد عنمه يقال له: رذين، وهو الكبش الذي فدى الله به إسحاق. وقرب قابين من زوان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ حرثه. وفي رواية: جاء أحدهما بخير ماله، وجاء الآخر بشر ماله، فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما وهو هابيل، وتركت قربان الآخر، فحسده، فقال: " لأقتلنك ". وأما قوله: " إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك " فقيول:: " تبوأ بأثم قتلي وإثمك ". وأما قوله تعالى: " فبعث الله غراباً يبحث في الأرض "؛ فإنه قتل غراب غراباً، فجعل يحثو عليه، فقال ابن آدم الذي قتل أخاه حين رآه: " يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين ". وقيل: إن هابيل قرب مع الكبش زبداً ولبناً، فكانت النار تجيء من السماء ناراً بيضاء، فإذا أراد الله أن يقبل قرباناً عبد جاءت النار حتى أحاطت بالقربان وصاحبه، فتشم صاحب القربان، ثم تعدل إلى القربان، فتأكله، وإذا لم يتقبل الله قربان العبد جاءت النار حتى أحاطت بالقربان، فشمته، ثم عدلت عنه، فلم تأكله. قال قابين: قبل قربانك، ولم يتقبل قرباني، لأقتلنك أو تعتزل أختي وتدعها، قال: لا أفعل، " إنما يتقبل الله من المتقين "؛ يعني الذين يتقون سفك الدماء الحرام. قال: فجاءا إلى أبيهما،

فأخبراه، فقال لهما: إن الله قد فصل بينكما، فلا تشغلاني، ودعاني حتى أنطلق، فأقضي نسكي؛ فإن ربي أمرني أن أوافي الملائكة هناك، وقد زوجتكما. فمضى آدم. فقال قابين: لا أمشي في الناس، وتقول أخوتي: إن هابيل خير منك، فأراد قتله. فخاطبه أخوه يوماً إلى أن ذهب أكثر ذلك اليوم فقال: اتق الله يا أخي لا تقتلني، فقد علمت ما نزل بآدم حين عصى ربه، إنك أن قتلتني ألقى الله عليك الوحشة والمذلة، وصرت طريداً لا ترى شيئاً إلا راعك، ولا تسمع صوناً إلا خفت. فأبى إلا قتله، فقال له أخوه: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك؛ إني أخاف الله رب العالمين. إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك " يعني تستوجب بإثمي، وإثمك الذي عملت، " فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ". يقول الله جل وعز: " فطوعت له نفسه قتل أخيه، فقتله فأصبح من الخاسرين "، فلما انصرف آدم سأل عن ولده، ثم سأل عن هابيل وقابيل، فقالوا: قتل هابيل قابيل، قال لعنة الله. فأوحى الله إليه: إني قد لعنته. عن ابن مسعود أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاث هن أصل كل خطيئة، فاتقوهن، واحذروهن، وثلاث إذا ذكرن فامسكوا: إياكم والكبر؛ فإن إبليس إنما منعه الكبر أن يسجد لآدم عليه السلام، وإياكم والحرص؛ فإن آدم إنما حمله الحرص على أن أكل من الشجرة، وإياكم والحسد، فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسداً، فهن أصل كل خطيئة، فاتقوهن واحذروهن. والثلاث: إذا ذكر القدر فامسكوا، وإذا ذكر النجوم فامسكوا، وإذا ذكر أصحابي فامسكوا ". عن ابن عباس قال: الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء إسحاق ابنه، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟، فذبحه. قال: وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه، كان مخزوناً حتى فدى به إسحاق، وكان ابن آدم الآخر قرب حرثاً فلم يتقبل منه.

عن محمد بن علي بن حسين أنه سئل عن ابن آدم القاتل؟ فقال: جعل مع عين الشمس. عن بهز بن حكيم أنه قال: إن قابين عاش حتى ولد له الأولاد، ثم أهلكه الله - عز وجل - بعد ذلك، وإن آدم نفى ولده عن ولده، وأمر ولده بمفارقتهم، وترك خلطتهم، فالله أعلم. عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل ". عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشقى الناس رجلان: عاقر الناقة ناقة ثمود، وابن آدم الذي قتل أخاه؛ ما يسفك على الأرض دم إلا لحقه منه شيء، لأنه أول من سن القتل ". عن عبد الله بن عمرو أن ابن آدم الذي قتل أخاه يقاسم أهل النار نصف عذاب جهنم قسمةً صحاحاً. عن ابن عباس: أن فيهما نزلت: " من أجل ذلك " يعني من أجل قابيل وهابيل، " كتبنا على بني إسرائيل " في التوراة " أنه من قتل نفساً " محرمة " بغير نفس " لم تستوجب قتلاً من قود، ولا ارتداد، ولا زنى بعد إحصان " فكأنما قتل الناس جميعاً "، أي لا عقاب له إلا النار، بمنزلة من قتل الناس جميعاً " ومن أحياها "، فعفا عن القاتل، أو فداه " فكأنما أحيا الناس جميعاً "، ليس له ثواب إلا الجنة.

عن علي في قوله: " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس "، قال: إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه. عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من هجر أخاه سنةً لقي الله بخطيئة قابيل بن آدم، لا يفكه شيئ دون ولوج النار ". عن أبي أيوب اليماني أن رجلاً من قومه يقال له عبد الله ركب في البحر في نفر من قومه، فأظلم عليهم البحر ثلاثاً، ثم انجلت تلك الظلمة وهم فيها، فإذا قرية على البحر، فخرج يستقي الماء، فإذا القرية، وإذا أبواب مغلقة، فجعل يهتف، فلم يجبه أحد حتى طلع عليه فارسان، تحت كل فارس منهما قطيفة بيضاء، فقالا له: يا عبد الله مالك، وما أنت، وما أمرك؟ فأخبرهما خبره، وما أصابهم في الظلمة في البحر، وإني خرجت أطلب الماء، فناديت في هذه القرية، فلم يجبني احد ورأيت أبواباً مغلقة. قالا لي: يا عبد الله انطلق في هذه، فإنها تنتهي إلى بركة، فاستق منها، ولا يهولنك منها ما ترى. فمضيت في السكة حتى انتهيت إلى بركة فيها ماء، فإذا رجل معلق بين السماء والأرض، ولا أرى ما عليه، وهو يتناول الماء فلا يناله. فلما رآني هتف بي، وقال يا عبد الله اسقني. قال فغرفت بالقدح ماءً، فذهبت أناوله، قال: فقبضت يدي، قال: قلت: يا عبد الله، غرفت بالقدح لأسقيك، فقبضت يدي، فاخبرني من أنت؟ قال: أنا قابيل بن آدم، وأنا أول من سفك دماً في الأرض. قال: وقد كنت سألت الفارسين عن البيوت التي تتجلجل فيها الريح، وهي مغلقة الأبواب، قالا: فيها أرواح المؤمنين.

القاسم بن إسماعيل بن عرباض

قال عبد الله بن مسلم الدينوري: في حديث كعب أن عمر قال: لأي ابني آدم كان النسل؟ قال: ليس لواحد منهما نسل؛ أما المقتول فدرج، وأما القاتل فهلك نسله في الطوفان. قال: والناس من بني نوح، ونوح من بني شيث بن آدم. القاسم بن إسماعيل بن عرباض أبو محمد روي عن أبي بكر محمد بن تمام الحمصي بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يكون قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم ". وروي عن أبي صالح القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني بسنده إلى أبي هريرة: أنهم خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مغازيه، فأرملوا، فجاءه أناس يسألونه في نحر إبلهم، فأذن لهم، فجاءه عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، إبلهم تحملهم، وتبلغهم عدوهم، وترجعهم! بل ادع يا رسول الله بعيرات الزاد، فادع فيها بالبركة، قال: أجل. فدعا بعيرات الزاء فجاء الناس بما بقي معهم فخلطه بيده فدعا فيه بالبركة. ثم دعاهم بأوعيتهم، فملؤوا كل وعاء، ففضل فضل كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأني عبده ورسوله، من لقي الله بهما غير شاك دخل الجنة ".

القاسم بن الحسن بن محمد بن يزيد

القاسم بن الحسن بن محمد بن يزيد أبو محمد الهمذاني الصائغ قدم دمشق سنة اثنتين وأربعين ومائتين. حدث عن روح بن عبادة بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال - أو قال: من الناس - ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ". قال الخطيب: مات القاسم بن الحسن بن يزيد الصائغ سنة اثنتين وسبعين ومائتين في الجانب الشرقي في شارع باب خراسان - وقال ابن قانع: مات بمصر - وكان ثقةً. القاسم بن سعيد بن شريح ابن عذرة - يعرف بالتجوبي - التجيبي مولاهم المصري. كان أحد الخطباء والبلغاء من أهل مصر، وله فيهم ذكر. ووفد على مروان بن محمد فأعجبه، فجعله يجيب الخطباء في الآفاق. ولولده بقيةً. قال ابن ماكولا: أما التجوبي - أوله تاء معجمة باثنين من فوقها وبعدها جيم وبعد الواو باء معجمة بواحدة ثم ياء - فهو: معاوية بن سعيد بن شريح بن عذرة مولى بني فهم من تجيب، مصري. كان هو وأخوه القاسم يكتبان في ديوان الجند بمصر.

القاسم بن سلام

القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي الفقيه القاضي الأديب المشهور. صاحب التصانيف المشهورة، والعلوم المذكورة. قدم دمشق طالب علم. روي عن سفيان بن عيينة بسنده إلى عمار بن ياسر: أنه توضأ، فخلل لحيته، فقيل له: أتفعل هذا؟ فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله. وروي عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي ريحانة، عن سفينة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل بالصاع، ويطهره المد. وفي رواية: يتطهر بالمد. قال محمد بن سعد: القاسم بن سلام، يكنى أبو عبيد، وهو من أبناء أهل خراسان. كان مؤدياً صاحب نحو وعربية، وطلب الحديث والفقه. ولي قضاء طرطوس أيام ثابت بن نصر بن مالك ولم يزل معه ومع ولده. وقدم بغداد ففسر بها " غريب الحديث " وصنف كتباً، وسمع الناس منه. وحج، فتوفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين. عن أبي بكر الخطيب قال: أبو عبيد القاسم بن سلام التركي، مولى الأزد، وصاحب الكتب المصنفة منها: " غريب الحديث " و" غريب المصنف " و" كتاب الأموال "، و" كتاب القراءات "، و" كتاب الأمثال "، و" الناسخ والمنسوخ "، وغير ذلك. وكان أحد الأئمة في الدين، وعلماً من أعلام المسلمين. ولد أبو عبيد بهراة. وكان أبوه سلام عبداً لبعض أهل هراة، وكان يتولى الأزد.

قال عبد الله بن طاهر: كان للناس أربعة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والقاسم بن معن في زمانه، وأبو عبيد القاسم بن سلام في زمانه. رثى عبد الله بن طاهر أبا عبيد، فقال: " من البسيط " يا طالب العلم قد أودى بن سلام ... قد كان فارس علم غير محجام أودى الذي كان فينا ربع أربعة ... لم يلف مثلهم إسناد أحكام خير البرية عبد الله عالمها ... وعامر ولنعم التلو يا عام هما أنافا بعلم في زمانهما ... والقاسمان ابن معن وابن سلام قال هلال بن العلاء الرقي: من الله على هذه الأمة بأربعة لولاهم لهلك الناس: من الله عليهم بالشافعي حين بين المجمل من المفسر، والخاص من العام، والنسخ من المنسوخ، ولولاه لهلك الناس، ومن الله عليهم بأحمد بن حنبل حتى صبر في المحنة والضرب، فنظر غيره إليه فصبر، ولم يقولوا بخلق القرآن، ولولاه لهلك الناس، ومن الله عليهم بيحيى بن معين حتى بين الضعفاء من الثقات، ولولاه لهلك الناس، ومن الله عليهم بأبي عبيد حتى فسر غريب حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولولاه لهلك الناس. قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أبو عبيد أوسعنا علماً وأكثرنا أدباً، وأجمعنا جمعاً، إنا نحتاج إلى أبي عبيد وأبو عبيد لا يحتاج إلينا.

قال إسحاق بن راهوية: الحق يجب لله - عز وجل - أبو عبيد القاسم بن سلام أفقه مني، وأعلم مني. قال حمدان بن سهل: سألت يحيى بن معين عن الكتبة عن أبي عبيد والسماع منه، فقال: مثلي يسأل عن أبي عبيد؟! أبو عبيد يسأل عن الناس. لقد كنت عند الأصمعي يوماً إذ أقبل أبو عبيد، فشق إليه بصره حتى اقترب منه، ثم قال: أترون هذا المقبل؟ قالوا: نعم، قال: لن تضيع الدنيا - أو لن يضيع الناس - ما حيي هذا المقبل. قال أحمد بن حنبل: أبو عبيد القاسم بن سلام ممن يزداد عندنا كل يوم خيراً. قال إبراهيم الحربي: أدركت ثلاثةً لن ترى مثلهم أبداً، تعجز النساء أن يلدن مثلهم: رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام، ما مثلته إلا بجبل نفخ فيه روح، ورأيت بشر بن الحارث، فما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلاً، ورأيت أحمد بن محمد بن حنبل، فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين من كل صنف يقول ما يشاء، ويمسك ما يشاء. روى أبو عبيد القاسم بن سلام عن حجاج بسنده عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ خلل لحيته.

وروي عن يحيى بن سعيد بسنده إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: رأت عائشة عبد الرحمن يتوضأ، فقالت: يا عبد الرحمن، أسبع الوضوء، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للأعقاب من النار ". قال أبو العباس ثعلب: لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجباً. قال الخطيب: بلغنا أنه: كان إذا ألف كتاباً أهداه إلى عبد الله بن طاهر، فيحمل إليه مالاً خطيراً استحساناً لذلك، وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد، والرواة عنه مشهورون ثقات، ذوو ذكر ونبل. وقد سبق إلى جميع مصنفاته؛ فمن ذلك " الغريب المصنف " وهو من أجل كتبه في اللغة، فإنه احتذى فيه كتاب النضر بن شميل المازني الذي يسميه " كتاب الصفات " وبدأ فيه بخلق الإنسان، ثم بخلق الفرس، ثم بالإبل، فذكر صنفاً بعد صنف حتى أتى على جميع ذلك. وهو أكبر من كتاب أبي عبيد وأجود. ومنها كتابه " الأمثال "، وقد سبقه إلى ذلك جميع البصريين والكوفيين: الأصمعي، وأبو زيد، وأبو عبيدة، والنضر بن شميل، والمفضل الضبي، وابن الأعرابي؛ إلا أنه جمع روايتهم في كتابه، فبوبه أبواباً، وأحسن تأليفه. وكتاب " غريب الحديث "، أول من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والنضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد. وعمل أبو عدنان النحوي البصري كتاباً في غريب الحديث، وذكر فيه الأسانيد، وصنفه على أبواب السنن والفقه إلا أنه ليس بالكبير؛ فجمع أبو عبيدة عامة ما في كتبهم، وفسره، وذكر الأسانيد.

وصنف المسند على حدته وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين على حدته، وأجاد تصنيفه، فرغب فيه أهل الحديث والفقه واللغة لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه. وكذلك كتابه في " معاني القرآن "، وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش. وصنف من الكوفيين: الكسائي، ثم الفراء؛ فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء. وروى النصف منه ومات قبل أن يسمع باقيه، وأكثره غير مروي عنه. وأما كتبه في الفقه، فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي، فتقلد أكثر ذلك، وأتى بشواهده، وجمعه من حديثه ورواياته، واحتج فيها باللغة والنحو، فحسنها بذلك. وله في القرآن كتاب جيد، ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله. وكتابه " في الأموال " من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده. قال أبو الحسن محمد بن جعفر بن هارون التميمي النحوي: كان طاهر بن الحسين حين مضى إلى خراسان نزل بمرو، وطلب رجلاً يحدثه ليلةً، فقيل ما هاهنا إلا رجل مؤدب؛ فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه، فقال له: من المظالم تركك أنت بهذا البلد؛ فدفع إليه ألف دينار، وقال له: أنا متوجه إلى خراسان إلى حول، وليس أحب اصطحابك شفقاً عليك، فأنفق هذه إلى أن أعود إليك، فألف أبو عبيد " غريب المصنف "، إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان، فحمله معه إلى سر من رأى. وكان أبو عبيد ديناً ورعاً جواداً. قال الفسطاطي: كان أبو عبيد مع ابن طاهر، فوجه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة شهرين،

فأنفذ أبا عبيد إليه، فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره، فلا آخذ ما فيه علي نقص، فلما عاد إلى طاهر وصله بثلاثين ألف دينار بدل ما وصله أبو دلف، فقال له: أيها الأمير، قد قبلتها، ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها، وقد رأيت أن أشتري بها سلاحاً وخيلاً، وأوجه بها إلى الثغر، ليكون الثواب متوافراً على الأمير. ففعل. قال أبو عبيد: كنت في تصنيف هذا الكتاب - يعني غريب الحديث - أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة. وأحدكم يجيئني، فيقيم عندي أربعة أشهر، " أو " خمسة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير. وأول من سمع هذا الكتاب من أبي عبيد يحيى بن معين. واستحسنه أحمد بن حنبل، وقال: جزاه الله خيراً، وكتبه. وكان طاهر بن عبد الله ببغداد، فطمع في أن يسمع من أبي عبيد، وطمع أن يأتيه في منزله، فلم يفعل أبو عبيد حتى كان هذا يأتيه. فقدم علي بن المديني، وعباس العنبري، فأراد أن يسمعا " غريب الحديث "، فكان يحمل كل يوم كتابه، ويأتيهما في منزلهما، فيحدثهما فيه. قال أبو عبيد القاسم ابن سلام: لأهل العربية لغةً، ولأهل الحديث لغةً، ولغة أهل العربية أقيس، ولا نجد بداً من اتباع لغة أهل الحديث من أجل السماع.

قال أبو عمرو بن الطوسي: قال لي أبي: غدوت إلى أبي عبيد ذات يوم، فاستقبلني يعقوب بن السكيت، فقال: إلى أين؟ فقلت: إلى أبي عبيد، فقال: أنت أعلم منه. قال: فمضيت إلى أبي عبيد، فحدثته بالقصة، فقال لي: الرجل غضبان، فقال: قلت: من أي شيء؟ قال: جاءني منذ أيام. فقال لي: اقرأ علي " غريب المنصف "، فقلت: لا، ولكن تجيء مع العامة، فغضب. قال أبو بكر بن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل ثلاثاً؛ فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويضع الكتب ثلثه. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد، فقدمت، فإذا هو قد مات، فشكوت ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي، فقال: مهما سبقت به فلا تسبقن بتقوى الله عز وجل، وقال: ما دققت على محدث بابه قط لقول الله - عز وجل -: " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم ". وقال: إن من شكر العلم أن تقعد مع كل قوم، فيذكرون شيئاً لا تحسنه، فتتعلم منهم، ثم تقعد بعد ذلك في موضع آخر، فيذكرون ذلك الشيء الذي تعلمته، فتقول: والله ما كان عندي شيء حتى سمعت فلاناً يقول كذا وكذا، فتعلمته. فإذا فعلت ذلك فقد شكرت العلم. قال موسى بن نجيح السلمي: جاء رجل إلى أبي عبيد القاسم بن سلام، فسأله عن الربابة، فقال: هو الذي

يتدلى دوين السحاب. وأنشده بيتاً لعبد الرحمن بن حسان: " من المتقارب " كأن الرباب دوين السحاب ... نعام تعلق بالأرجل فقال: لم أرد هذا، قال: فالرباب اسم امرأة؛ وأنشده: " من الكامل " إن الذي قسم الملاحة بيننا ... وكسا وجوه الغانيات جمالا وهب الملاحة للرباب وزادها ... في الوجه من بعد الملاحة خالا فقال: لم أرد هذا، فقال: عساك أردت قول الشاعر: " من الهزج " رباب ربة البيت ... تصب الخل في الزيت لها سبع دجاجات ... وديك حسن الصوت فقال: هذا أردت. فقال له: من أين أنت؟ فقال: من البصرة، فقال على أي شيء جئت، على الظهر أم على الماء، قال؟ في الماء، قال: كم أعطيت؟ قال: أربعة دراهم، قال: فاسترجع منه ما أعطيته، وقل له: لم تحمل شيئاً! قال أبو عبيد: مثل الألفاظ الشريفة والمعاني الطريفة مثل القلائد اللائحة في الترائب الواضحة، وقال: إني لأتبين في عقل الرجل أن يدع الشمس، ويمشي في الظل. مات أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين بمكة - وقيل قبل ذلك - وقد بلغ سبعاً وستين سنةً.

القاسم بن شمر

القاسم بن شمر أبو سفيان خرج من دمشق سائحاً، وسكن الجبال مدة فراراً بدينه. روى أبو سفيان بن شمر سنة سبع وتسعين ومائة أنه بلغه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من فر بدينه شبراً فقد وجبت له الجنة، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة كان معي، ومع عيسى في الجنة هكذا - وبسط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفه - فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الفرارون بدينهم؟ اتبعوا عيسى بن مريم، فإنه كان يفر بدينه من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة ". القاسم بن صفوان بن إسحاق ويقال: ابن صفوان بن عوانة - أبو بكر - ويقال: أبو سعيد - البرذعي حدث عن أبي حاتم الرازي بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يعطي الدنيا من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب ". القاسم بن عبد الله بن إبراهيم ابن سلمة بن الهذيل بن عبد الرحمن بن موسى بن عمران بن عبد الرحمن أبو العباس الكلاعي روى عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى بريدة قال: دخلت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد، فسمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت

القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله

الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد سأل الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى ". وروى عن يونس بن عبد الأعلى بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " والذي نفسي بيده لروحةً في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ". توفي أبو العباس الكلاعي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود أبو عبد الرحمن الهذلي الكوفي القاضي قدم دمشق مجتازاً، إلى بيت المقدس. روى عن أبيه، عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه سيلي أمركم من بعدي رجال يطفئون السنة، ويحدثون بدعةً، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ". قال ابن مسعود: يا رسول الله، كيف بي إن أدركتهم؟ قال: " ليس - يا بن أم عبد - طاعةً لمن عصى الله "، قالها ثلاث مرات. عن القاسم قال: قال عبد الله: أربع قد فرغ منهن: الخلق، والخلق، والرزق، والأجل. عن محارب بن دثار قال: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود إلى بيت المقدس، ففضلنا بثلاث: بكثرة الصلاة، وطول الصمت، وسخاء النفس.

قال ابن سعد: القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي، ولي قضاء الكوفة في ولاية خالد بن عبد الله القسري. وكان ثقةً كثير الحديث. وقال العجلي: كان لا يأخذ على القضاء أجراً. ثقة كثير الحديث. قال سفيان: قلت لمعسر: من أشد توقياً في الحديث؟ فقال: ما رأيت أحداً أشد توقياً في الحديث من القاسم بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار. وقال: ما رأيت أثبت من عمرو بن دينار والقاسم بن عبد الرحمن. عن الأعمش قال: كنت أجلس إلى القاسم بن عبد الرحمن وهو على القضاء. عن المسعودي، عن القاسم. أنه كان يكره الأخذ على أربع: على قراءة القرآن، والآذان، والقضاء، والمقاسم. قال الأعمش: قال لي القاسم بن عبد الرحمن: لو جئت فجلست إلي، قال: فجاء، فجلس إليه، فأخذ عليه الأعمش في قضائه. عن مزاحم بن زفر أنه أخبره قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز، فسألني: من على قضائكم؟ قلت: القاسم بن عبد الرحمن. قال: كيف علمه؟ قلت عالم فيما فهم، قال: فمن أعلم أهل الكوفة؟ قلت أتقاهم.

القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن

قال خليفة: في آخر ولاية خالد - يعني خالد بن عبد الله القسري - مات القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. وذكر خليفة أن عزل خالد كان في سنة عشرين ومائة. القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن خالد بن يزيد بن معاوية وهو القاسم بن أبي القاسم. من فقهاء أهل دمشق قال القاسم أبو عبد الرحمن - يرفع الحديث إلى عقبة بن عامر - عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام ". وحدث عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تدنو الشمس يوم القيامة على قيد ميل، ويزاد في حرها كذا وكذا، تغلي منه الهوام كما تغلي القدر على الأثافي، يعرقون منها على قدر خطاياهم، منهم من يبلغ إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ساقيه، ومنهم من يبلغ إلى وسطه، ومنهم من يلجمه العرق ". وعن أبي أمامة. عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من المؤمنين من يدخل بشفاعته الجنة مثل ربيعة ومضر ".

قال ابن سعد في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام: القاسم بن عبد الرحمن، ويكنى أبا عبد الرحمن، مولى جويرية بنت أبي سفيان بن حرب - وقيل: مولى معاوية - مات سنة اثنتي عشرة ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك، وله حديث كثير. في بعض حديث الشاميين أنه أدرك أربعين بدرياً. قال عبد الرحمن بن يزيد: ما رأيت خيراً منه؛ وذكر عنه أشياء في غزوة مسلمة. وثقة يحيى والعجلي. وقال إبراهيم بن يعقوب السعدي: كان القاسم جيداً فاضلاً، أدرك أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار. عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: قدم علينا سلمان الفارسي بدمشق. أنكره أحمد بن حنبل، وقال: كيف يكون له هذا اللقاء، وهو مولى لخالد بن يزيد بن معاوية. فذكر لأحمد حديث القاسم أبي عبد الرحمن قال: رأيت الناس مجتمعين على شيخ، فقلت: من هذا؟ قالوا: سهل بن الحنظلية. فسكت أحمد، ولم يرده كما رد لقاء القاسم سلمان. عن إبراهيم أبي الحصين قال: كان القاسم من فقهاء دمشق. وذكر لأحمد بن حنبل حديث عن القاسم الشامي، عن أبي أمامة: " إن الدباغ طهور " فأنكره، وحمل على القاسم. قال يعقوب بن شيبة: القاسم أبو عبد الرحمن كان من أصحاب أبي لأمامة، وقد أختلف الناس فيه؛ فمنهم من يضعف روايته، ومنهم من يوثقه.

القاسم بن عبد الرحمن بن عضاه الأشعري

قال إبراهيم بن موسى الفراء الرازي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، قال: فعرضت عليه أحاديث من أحاديث القاسم عن أبي أمامة، فأنكرها، وجعل يقول: " القاسم عن أبي أمامة، القاسم عن أبي أمامة ". قال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة اثنتي عشرة ومائة - فيها توفي القاسم أبو عبد الرحمن. ويقال: مات القاسم سنة ثمان عشرة. القاسم بن عبد الرحمن بن عضاه الأشعري دمشقي. بعثه سليمان بن عبد الملك إلى قتيبة بن مسلم أمير خراسان في وفد، وغزا مع قتيبة فرغانة. القاسم بن عبد الغني بن جمعة أبو حذيفة الهاشمي روى عن عتبة بن حماد أبي خليد بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد فرغ الله إلى كل عبد من خلقه من خمس خصال قبل أن يخلقه: أثره، وعمله، وأجله، ورزقه، ومضجعه ". قال أبو خليد: وجدت مصداق هذا الحديث في كتاب الله المنزل، في الأثر: " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين "، وفي العمل: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً "، وفي الأجل: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "، وفي الرزق: "

القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب

نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات "، وفي المضجع: " لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ". القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب السلولي مولاهم كان مع أبيه بدمشق، وخرج إلى مصر، وولي إمرتها خلافةً عن أبيه في خلافة هشام، ثم أقره هشام عليها حين خرج أبوه إلى إفريقية أميراً عليها. القاسم بن عثمان أبو عبد الملك العبدي الجوعي الزاهد روى عن عبد الله بن نافع المدني بسنده عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". قال أبو عبد الرحمن السلمي: قاسم بن عثمان الجوعي من جلة المشايخ. قال أبو بكر بن أبي داود: كان يقدم في الفضل على ابن أبي الحواري. وقال أبو جعفر الحداد: دخلت دمشق، فوقفت على قاسم الجوعي وهو يتكلم، وهو شيخ الدمشقيين، فسمعته يتكلم في الإيثار، فدخل عليه رجل من خارج الحلقة حتى جاء إلى القاسم وفي

رأسه عمامة، فأخذها، وجعل يلفها على رأسه، وقاسم يدير له رأسه حتى أخذها، ولم يكلمه القاسم، ولا أحد من أصحابه، ولم يقطع كلامه. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: دخلت دمشق على كتبة الحديث، فمررت بحلقة قاسم الجوعي، فرأيت نفراً جلوساًحوله، وهو يتكلم عليهم، فهالني منظرهم، فتقدمت إليهم، فسمعته يقول: اغتنموا من أهل زمانكم خمساً، منها: إن حضرتم لم تعرفوا، وإن غبتم لم تفقدوا، وإن شهدتم لم تشاوروا، وإن قلتم شيئاً لم يقبل قولكم، وإن عملتم شيئاً لم تعطوا به. وأوصيكم بخمس أيضاً: إن ظلمتم لم تظلموا، وإن مدحتم لم تفرحوا، وإن ذممتم لم تجزعو، وإن كذبتم فلا تغضبوا، وإن خانوكم فلا تخونوا. قال: فجعلت هذا فائدتي من دمشق. قدم يحيى بن أكثم مع المأمون إلى دمشق سنة ست عشرة ومائتين، فبعث إلى أحمد بن أبي الحواري، فسمع منه، وجالسه، واستعذبه، وخلع عليه ثياباً سرية، وقلنسوةً وشيئاً من قلانسه طويلة، ودفع إليه خمسة آلاف درهم، وقال: يا أبا الحسن، فرق هذه حيث ترى. فدخل بها المسجد، وصلى صلوات بالقلنسوة، وأقامت عليها أياماً، فقال بعض جلساء قاسم لقاسم: يا معلم، هذا أحمد بن أبي الحواري، أخذ دراهمه، ولبس قلنسوته. فالتفت قاسم، فنظر إليه، فقال: أخذ دراهم اللصوص، ولبس قلانس اللصوص! وكان قاسم إذا راح إلى المسجد في وقت الزوال يدخل من باب الفراديس، ويأخذ في الأسطوان الغربي حتى يصير إلى المصعد، ثم يأخذ قبلةً حتى يدخل من أقصى الأبواب إلى مجلسه. فلما كان من الغد، من يوم نظره إلى أحمد، دخل من باب الفراديس حتى وافى باب القبة، ثم مر حتى مر بأحمد وهو جالس يتشهد في ركوعه، والقلنسوة على رأسه، فلما حاذى به رفع يده فلطم القلنسوة، فالتفت أحمد بن أبي الحواري، فنظر إليه فسلم، ثم التفت إلى ابنه إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، خذ القلنسوة، وامض بها إلى البيت. فقال له من رآه: يا أبا الحسن، ما رأيت ما فعل بك هذا الرجل؟! فقال: رحمه الله!

قال سعيد بن عبد العزيز الحلبي: سمعت قاسم الجوعي، وقال له رجل: ادع لي، فإن السلطان يطلبني وأنا مظلوم، قال: ما أخدعك، أنا ما أدعو لنفسي، أنا أعرف أيش تحت ثيابي! قال ابن سيد حمدويه: كان أستاذي قاسم الجوعي عند باب الساعات في الجامع، قال: من يمضي بكتابي إلى بعض إخواني إلى صور؟ فقلت: أنا يا أستاذ. فأخذت الكتاب، ودعا لي، ثم سرت إلى صور، فدفعت الكتاب إلى الشيخ، ثم قدم لي شيئاً، فأكلت. وكانت ليلة مقمرة، وكنت أشرف على البحر، فإذا برجل قد دخل على الشيخ، فسلم عليه وقال له: هذا كتاب قاسم الجوعي، يقرأ عليك فيه السلام. فلما صليت الغداة ناولني الشيخ الكتاب، فقلت له: يا سيدي، من كان ذلك الرجل الذي دخل عليك البارحة، وسلم عليك، وسلمت أنت عليه؟ فقال: الخضر - عليه السلام - فأخذ الكتاب، فزاد فيه شيئاً. ثم قدمت على أستاذي قاسم الجوعي، فقال لي: إيش الذي منعك أن تمضي بكتابي؟ فقلت له: قد مضيت، وهذا جواب الكتاب، فقرأه، ثم قال لي: أبشر، فإن الشيخ قد كتب إلي يوصيني بك، ويقول: إن هذا الغلام قد رأى أخانا الخضر - عليه السلام - فقلت: هذا ببركتك. ودعا لي. قال القاسم بن عثمان الجوعي: التوبة رد المظالم، وترك المعاصي، وطلب الحلال، وأداء الفرائض. وقال: رأس الأعمال كلها الرضى عن الله، والورع عماد الدين، والجوع مخ العبادة، والحصن الحصين ضبط اللسان. ومن شكر الله حشر من ميدان الزيادة، ومن تم عمله عرف المصائب. وقال: السلامة كلها في اعتزال الناس، والفرح كله في الخلوة بالله - عز وجل. وقال: من أصلح فيما بقي من عمره غفر له ما مضى، وما بقي، ومن أفسد فيما بقي من عمره أخذ بما مضى، وما بقي. وقال: إن لله عباداً قصدوا الله بهمهم، وأفردوه بطاعتهم، واكتفوا به في توكلهم،

ورضوا به عوضاً من كل ما خطر على قلوبهم من أمر الدنيا؛ فليس لهم حبيب غيره، ولا قرة عين إلا فيما قرب إليه. وقال: الاعتبار بالنطق، والذكر باللسان، والفكر بالقلوب، والمراقبة أصل الحذر، والحياء جامع لكل خير. وقال: رأيت في الطواف حول البيت رجلاً، فتقربت منه، فإذا هو لا يزيد على قوله: اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض. فقلت له: مالك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال: أحدثك: كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى، غزونا أرض العدو، فاستأسرونا كلنا، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا. فنظرت إلى السماء، فإذا سبعة أبواب مفتحةً، عليها سبع جوار من الحور العين، على كل باب جارية، فقدم رجل منا، فضربت عنقه، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض، حتى ضربت أعناق ستة، وبقيت أنا، وبقي باب وجارية، فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله، فوهبني له، فسمعتها تقول: أي شيء فاتك يا محروم؟! وأغلقت الباب. وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني. قال قاسم بن عثمان: أراه أفضلهم؛ لأنه رأى ما لم يروا، وترك يعمل على الشوق. ومن شعره: " مخلع البسيط " اصبر على كسرة وملح ... فالصبر مفتاح كل زين واقنع فإن القنوع عز ... لا خير في شهوة بدين قال أبو الحسن محمد بن الفيض: قام أبو بكر بن عتاب في مجلس قاسم بن عثمان الجوعي، وكان غلامً جميلاً حسن الوجه، وكان صفوان بن صالح جالساً، وسليمان بن عبد الرحمن جالس عند باب المئذنة وغيرهم، فقال: يا قوم، هذا قاسم، يا أبا عبد الملك، ويا أبا أيوب، دخلت إليه البيت، فجذبني، وقبلني، وأراد أن يفعل بي كذا، وكذا حتى انفلت منه.

القاسم بن عبي

قال أبو الحسن بن الفيض: وكنت حينئذ صغيراً في المجلس، فوثب إليه رجال، فضربوه، وعنفوه في ذلك، وضربه أبوه، وعنفه في ذلك. قال أبو الحسن: كان القاسم أورع من ذلك، وإنما أراد أن يوقع عليه بذلك أمراً. توفي القاسم بن عثمان سنة ثمان وأربعين ومائتين. القاسم بن عبي حكى عن أحمد بن السري الأنطاكي قال: كان بالبصرة شاب متعبد، وكانت عمة له تقوم بأمره. فأبطأت عليه مرة، فمكث ثلاثة أيام يصوم، ولا يفطر على شيء. فلما كان بعد ثلاث قال: يا رب، رفعت رزقي! فألقي إليه من زاوية المسجد مزود ملئ سويقاً، فقيل له: هاك يا قليل الصبر! القاسم بن عمر بن معاوية الربعي حدث عن عقبة بن علقمة بسنده إلى أبي ذر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجل خاتماً من ذهب، فقرع يده بالعصا، فأخذ الرجل الخاتم، فألقاه، ثم أقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أين خاتمك؟ " فقال: ألقيته يا رسول الله، قال: " أظننا قد أوجعناك وأغرمناك ". القاسم بن عيسى بن إبراهيم ابن عيسى بن يحيى العصار روى عن محمد بن هاشم البعلبكي بسنده إلى عطاء: أنه سأل عائشة: هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: لم يرخص لهن في ذلك في شدة، ولا رخاء.

القاسم بن عيسى بن إدريس

قال عبد الغني وأبو نصر بن ماكولا: العصار بالعين المهملة. القاسم بن عيسى بن إدريس ابن معقل بن سيار بن شمخ بن سيار بن عبد العزى بن دلف ابن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب أبو دلف العجلي ولي دمشق في أيام المعتصم. وكان من الأجواد الممدحين. تولى محاربة الخرمية فأفناهم. وكان شاعراً أديباً وبطلاً شجاعاً. ذكر محمد بن داود بن الجراح البغدادي: أن المعتصم بالله كان قد غضب على أبي دلف، واعتزم على قبض ماله، فاحتال له عبد الله بن طاهر حتى ولي دمشق، ونحاه عن الجبل حتى سكن أمره. فهجا أبو السري أحمد بن يزيد الشاعر ابنه عجل بن أبي دلف، فقال: " من البسيط " يا عجل أنت غراب البين والصرد ... في الشؤم منك لحاك الواحد الصمد أنت البسوس التي أفنت بناقتها ... بكراً وتغلب حتى أقفر البلد قد كان شؤمك نحى قاسماً فمضى ... إلى دمشق ودمع العين يطرد لولا المهذب عبد الله ما رفعت ... يوماً إلى قاسم كأس المدام يد

يريد عبد الله بن طاهر. قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن أبيه: كنت في مجلس الرشيد، إذ دخل عليه غلام أمرد له ذؤابة، فسلم بالخلافة، فقال الرشيد: لا سلم الله على الآخر، أفسدت علينا بالجبل، يا غلام، قال: فأنا أصلحه يا أمير المؤمنين، قال: وكيف تصلحه؟ قال: أفسدته يا أمير المؤمنين وأنت علي، وأعجز عن إصلاحه وأنت معي؟ فأمر الرشيد، فخلع عليه، وعقد له على الجبل. فلما خرج الغلام قلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا أبو دلف العجلي. قال إبراهيم: فسمعت الرشيد وقد ولى الغلام خارجاً من عنده يقول: إني أرى غلاماً يرمي من وراء همة بعيدة! قال المأمون يوماً وهو مقطب لأبي دلف: أنت الذي يقول فيك الشاعر: إنما الدنيا أبو دلف ... عند مغزاه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره فقال: يا أمير المؤمنين، شهادة زور، وقول غرور، وملق معتف، وطالب عرف، وأصدق منه ابن أخت لي حيث يقول: " من الطويل " دعيني أجوب الأرض ألتمس الغنى ... فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم فضحك المأمون وسكن غضبه. وأبو دلف القائل: " مجزوء الكامل " طلب المعاش مفرق ... بين الأحبة والوطن ومصير جلد الرجا ... ل إلى الضراعة والوهن

قال إبراهيم بن الحسن بن سهل: كنا في موكب المأمون، فترجل له أبو دلف، فقال له المأمون: ما أخرك عنا؟ فقال: علة عرضت لي، فقال: شفاك الله وعافاك، اركب، فوثب من الأرض على الفرس، فقال له المأمون: ما هذه وثبة عليل؟! فقال: بدعاء أمير المؤمنين شفيت. قال عيسى بن عبد العزيز الحارثي: خرجت رفقةً إلى مكة فيها القاسم بن عيسى، فلما تجاوزت الكوفة حضرت الأعراب، وكثرت تريد اغتيال الرفقة، فتسرع قوم إليهم، فزجهم أبو دلف، وقال: مالكم ولهذا! ثم اتصل بأصحابه، فعبأ عسكره ميمنة وميسرة وقلباً. فلما سمع الأعراب أن أبا دلف حاضر انهزموا من غير حرب. ثم مضى بالناس حتى حج، فلما رجعوا أخبرت القافلة بأن الأعراب قد احتشدوا احتشاداً عظيماً، وهم قاصدون القافلة. وكان في القافلة رجل أديب شاعر في ناحبة طاهر بن الحسين وآله، فكتب إلى أبي دلف بهذا الشعر: " من الوافر " جرت بدموعها العين الذروف ... وظل من البكاء له حليف بلاد تنوفة ومحل قفر ... وبعد أحبة ونوى قذوف نبادر أول القطرات نرجو ... بذلك أن تخطانا الحتوف أبا دلف وأنت عميد بكر ... وحيث العز والشرف المنيف تلاف عصابةً هلكت فما إن ... بها إلا تداركها خفوف فلما قرأ أبو دلف الأبيات أجاب عنها بغير إطالة فكر، ولا روية، فقال: رجال لا تهولهم المنايا ... ولا يشجيهم الأمر المخوف وطعن بالقنا الخطي حتى ... تحل بمن أخافكم الحتوف

ونصر الله عصمتنا جميعاً ... وبالرحمن ينتصر اللهيف قال ابن النطاح في أبي دلف: " من الكامل " وإذا بدا لك قاسم يوم الوغى ... يختال خلت أمامه قنديلا وإذا تلذذ بالعمود ولينه ... خلت العمود بكفه منديلا وإذا تناول صخرة ليرضها ... عادت كثيباً في يديه مهيلا قال أبو بكر الصولي: تذاكرنا يوماً عند المبرد الحظوظ وأرزاق الناس من حيث لا يحتسبون، قال: هذا يقع كثيراً، فمنه قول ابن أبي فنن في أبيات عملها لمعنى أراده: " من البسيط " مالي ومالك قد كلفتني شططاً ... حمل السلاح وقول الدارعين قف أمن رجال المنايا خلتني رجلاً ... أمسي وأصبح مشتاقاً إلى التلف تمشي المنون إلى غيري فأكرهها ... فكيف أسعى إليها بارز الكتف أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أو أن قلبي في جنب أبي دلف فبلغ هذا الشعر أبا دلف فوجه بأربعة آلاف درهم جاءته على غفلة. قال العتابي: كنا على باب أبي دلف خلق كثير من الشعراء يعدنا بأمواله من الكرج وأعمالها، فلما أتته الأموال أمر بصبها على الأنطاع، وأجلسنا حوله، ثم تقلد سيفه وخرج علينا، فسلم

علينا فقمنا إليه، فأقسم علينا بالجلوس، فجلسنا، ثم اتكأ على قائم سيفه، ثم أنشأ يقول: " من الطويل " ألا أيها الزوار لا يد عندكم ... أياديكم عندي أجل وأكبر وإن كنتم أفردتموني للرجا ... فشكري لكم من شكركم لي أكثر كفاني من مال دلاص وسابح ... وأبيض مت صافي الحديد ومغفر ثم أمر بنهب تلك الأموال، فأخذ كل واحد منا على قدر طاقته. عن إدريس بن معقل قال: اجتمع على باب أبي دلف جماعة من الشعراء، فمدحوه، وتعذر عليهم الوصول إليه، وحجبهم حياء لضيقة نزلت به، فأرسل إليهم خادماً له، يعتذر إليهم، ويقول: انصرفوا في هذه السنة، وعودوا في القابلة، فإني أضعف لكم العطية، وأبلغكم الأمنية. فكتبوا إليه: " من الخفيف " أيهذا العزيز قد مسنا الده ... ر بضر وأهلنا أشتات وأبونا شيخ كبير فقير ... ولدينا بضاعة مزجاة قل طلابها فبارت علينا ... وبضاعاتنا بها الترهات فاغتنم شكرنا وأوف لنا الكي ... ل وصدق فإننا أموات فلما وصل إليه الشعر ضحك وقال: علي بهم. فلما دخلوا قال: أبيتم إلا " أن " تضربوا

وجهي بسورة يوسف! والله إني لمضيق، ولكني أقول كما قال الشاعر: " من الوافر " لقد خبرت أن عليك ديناً ... فزد في رقم دينك واقض ديني يا غلام، اقترض لي عشرين ألفاً بأربعين ألفاً، وفرقها فيهم. قال أحمد بن محمد بن الفضل الأهوازي: أنشد بكر بن النطاح أبا دلف: " من المتقارب " مثال أبي دلف أمة ... وخلق أبي دلف عسكر وإن المنايا إلى الدارعين ... بعيني أبي دلف تنظر فأمر له بعشرة آلاف درهم، فمضى فاشترى بها بستاناً بنهر الأبلة، ثم عاد من قابل، فأنشده: " من الطويل " بك ابتعت في نهر الأبلة جنةً ... عليها قصير بالرخام مشيد إلى لزقها أخت لها يعرضونها ... وعندك مال للهبات عتيد فقال أبو دلف: بكم الأخرى؟ قال: بعشرة آلاف، قال: ادفعوها إليه. ثم قال له: لا تجئني قابل، فتقول: بلزقها أخرى! فإنك تعلم أن لزق كل أخرى أخرى متصلة إلى ما لا نهاية. قال بعضهم: دخل بعض الشعراء على أبي دلف القاسم بن عيسى، فأنشده: " من الطويل " أبا دلف إن المكارم لم تزل ... مغلغلةً تشكو إلى الله غلها فبشرها منه بميلاد قاسم ... فأرسل جبريلاً إليها فحلها فأمر له بمال، فقال الخازن: ما هذا في بيت المال، فأمر له بضعفه، فقال الخازن:

ما يحضر، فأمر له بضعفه. فلما حمل المال مع الشاعر أنشأ أبو دلف يقول: " من الوافر " أتعجب أن رأيت عي ديناً ... وأن ذهب الطريف مع التلاد ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في اقتصادي وما وجبت علي زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على جواد حدث سماعة بن سعيد قال: أتى جعيفران أبا دلف يستأذن عليه، وعنده أحمد بن يوسف، فقال الحاجب: جعيفران الموسوس بالباب، فقال أبو دلف: ما لنا وللمجانين؟! فقال له أحمد بن يوسف: أدخله. فلما دخل قال: " من السريع " يا بن أعز الناس مفقودا ... وأكرم الأمة موجودا لما سألت الناس عن واحد ... أصبح في الأمة محمودا قالوا جميعاً إنه قاسم ... أشبه آباء له صيدا قال: أحسنت والله؛ يا غلام، اكسه، وادفع إليه مائة درهم، فقال: مره - أعزك الله - أن يدفع إلي منها خمسةً، ويحفظ الباقي لي، قال: ولم؟ قال: لئلا تسرق مني ويشتغل قلبي بحفظها، قال: يا غلام، ادفع إليه كلما جاء خمسة دراهم إلى أن يفرق بيننا الموت. قال: فبكى جعيفران. فقال له أحمد بن يوسف: ما يبكيك؟ فقال: " على البسيط " يموت هذا الذي تراه ... وكل شيء له نفاذ لو كان شيء له خلود ... عمر ذا المفضل الجواد قال أبو عبد الرحمن التوزي: استهدى المعتصم من أبي دلف كلباً كان عنده، فجعل في عنقه قلادة كيمخت أخضر وكتب عليها: " من المنسرح "

أوصيك خيراً به فإن له ... خلائقاً لا أزال أحمدها يدل ضيفي علي في ظلم الليل ... إذا النار نام موقدها كان أبو دلف يشتو بالعراق، ويصيف بالجبال، فقال في ذلك: " من المتقارب " إني امرؤ كسروي الفعال ... أصيف الجبال وأشتو العراقا وألبس للحرب أثوابها ... وأعتنق الدارعين اعتناقا فاختار بفضل رأيه وحزمه، وصحة قريحته أن يصيف في الجبال ليسلم من هوام العراق وذبابه، وغلظ هوائه، وسخونة مائه. ويشتو بالعراق ليسلم من زمهرير الجبال وأنديتها وثلوجها ورياحها، ولأن العراق في فصل الخريف والشتاء أفضل منه في الربيع والصيف. قال أبو هفان: كان لأبي دلف العجلي جارية تسمى جنان، وكان يتعشقها، وكان لفرط فتونه وظرفه يسميها صديقتي، فمن قوله فيها: " من الوافر " أحبك يا جنان وأنت مني ... مكان الروح من جسد الجبان ولو أني أقول مكان روحي ... خشيت عليك بادرة الزمان لإقدامي إذا ما الخيل كرت ... وهاب كماتها حر الطعان ثم ماتت، فرثاها بمراث حسان. قال أبو دلف: " من الخفيف " عاقني عن وداعك الأشغال ... وهموم أتت علي طوال حيث لا تدفع عن الضيم بالسي ... ف وما للحروب فيه مجال ومقام العزيز في بلد الذل ... ل إذا أمكن الرحيل محال فعليك السلام يا ظبية الكر ... خ أقمتم وحان مني ارتحال

أنشد علي بن القاسم النحوي لأبي دلف في اللحية الطويلة: " من الكامل " لا تفخرن بلحية ... كثرت منابتها طويلة يهوي بها عصف الريا ... ح كأنها ذنب الفتيلة قال سعيد بن حميد: كان ابن أبي دؤاد قد اصطنع أبا دلف واختلسه بحيلة، واختلسه من يد الإفشين، وقد دعا بالسيف ليقتله، فكان أبو دلف يصير إليه كل يوم ليشكره، وكان ابن أبي دؤاد يقول به، ويصفه. فقال له المعتصم: إن أبا دلف حسن الغناء، جيد الضرب بالعود، فقال: يا أمير المؤمنين، القاسم في شجاعته وبيته في العرب يفعل هذا؟؟؟! قال: نعم، وما هو هذا؟ هو أدب زائد فيه. فكأن ابن أبي دؤاد عجب من ذاك، فأحب المعتصم أن يسمعه ابن أبي دؤاد، فقال له: يا قاسم غنني، فقال: والله ما أستطيع ذلك، وأنا أنظر إلى أمير المؤمنين هيبة له وإجلالاً، فقال: لابد من ذلك. وأجلس من وراء ستارة، فكان ذلك أسهل عليه، فضربت ستارة، وجلس أبو دلف خلفها يغني. ووجه المعتصم إلى ابن أبي دؤاد، فحضر، واستدناه وجعل أبو دلف يغني، وأحمد يسمع، ولا يدري من يغني. فقال له المعتصم: كيف تسمع هذا الغناء يا أبا عبد الله؟ قال: أمير المؤمنين أعلم مني، ولكني أسمع حسناً. فغمز المعتصم غلاماً، فهتك الستارة، وإذا أبو دلف. فلما رأى المعتصم، وابن أبي دؤاد وثب قائماً، وأقبل على ابن أبي دؤاد فقال: إني أجبرت على هذا، فقال: لولا دربتك في هذا من أين كنت تأتي بمثل هذا؟! هبك أجبرت على أن تغني من أجبرك على أن تحسن؟! مات القاسم بن عيسى أبو دلف العجلي ببغداد في سنة خمس وعشرين ومائتين.

القاسم بن الليث بن مسرور

قال دلف بن أبي دلف: رأيت كأن آتياً أتى بعد موت أبي، فقال: أجب الأمير، فقمت معه، فأدخلني داراً وحشة، وعرة سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجاً فيها، ثم أدخلني غرفة، فإذا في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد، وإذا أبي عريان واضعاً رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت: نعم، أصلح الله الأمير. فأنشأ يقول: " من الخفيف " أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم ... ما لقينا في البرزخ الخناق قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا ... فارحموا وحشتي وما قد ألاقي أفهمت؟ قلت: نعم. ثم أنشأ يقول: " من الوافر " فلو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ... فنسأل بعده عن كل شيء انصرف. قال: فانتبهت القاسم بن الليث بن مسرور ابن الليث بن مالك بن عبيد الله - ويقال: ابن عبيد - أبو صالح العتابي الرسعني من أهل رأس العين من أرض الجزيرة. سكن بتنيس. روى عن المعافى بن سليمان بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى " قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: " من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ".

القاسم بن محمد بن أبي سفيان الثقفي

عن القاسم بن الليث أبي صالح الرسعني بسنده إلى عبد الله بن جعفر قال: لما توفي أبو طالب خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف ماشياً على قدميه. قال: فدعاهم إلى الإسلام، قال: فلم يجيبوه. قال: فانصرف، فأتى ظل شجرة، فصلى ركعتين، ثم قال: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس " يا " أرحم الراحمين، أنت أرحم بي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يجبهني؟ أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن غضباناً علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ". وروى عن المعافى بن سليمان بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لعن الله الخمر وساقيها وشاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وآكل ثمنها ". كان أبو صالح الرسعني ثقة. مات سنة أربع وثلاثمائة. القاسم بن محمد بن أبي سفيان الثقفي من أهل دمشق. حدث عن معاوية أنه أراهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فمر بها حتى بلغ القفا، ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي منه بدأ.

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق

وسمع أسماء بنت أبي بكر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يخرج من ثقيف كذاب ومبير ". قال الحافظ: وعندي أن الذي روى عن معاوية غير الذي روى عن أسماء. والله أعلم. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن القرشي التيمي المدني وفد على سليمان بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز. عن القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالت: طيبت رسول الله صلى اله عليه وسلم لحرمه حين أحرم وكله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت عن القاسم عن عائشة قالت: كانوا يتخوفون أن تحيض صفية. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحابستنا هي "؟ فقيل: إنما قد أفاضت يوم النحر، قال: " فلا إذاً ".

عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل من جنابته، فيأخذ جفنة لشق رأسه الأيمن، ثم يأخذ جفنة لشق رأسه الأيسر. قال عمر بن عبد العزيز لسليمان بن عبد الملك: اكتب إلى القاسم بن محمد يقدم عليك، ففعل، فلما قدم عليه عرض بأبيه، وشتمه، وبلغ به، فخرج مغضباً، فركب رواحله ورجع. فلما استخلف عمر بن عبد العزيز بعث إليه، فبلغه المائتين، وأجازه، وأحسن إليه. فهلك في ولاية يزيد بن عبد الملك. كان القاسم بن محمد من خيار التابعين، حمل عنه العلم. وأمه أم ولد يقال لها: سودة. ذهب بصره وهو ابن سبعين - أو اثنتين وسبعين - وكان ثقة، عالماً، فقيهاً، إماماً كثير الحديث، ورعاً وكان من أفضل أهل زمانه. قتل أبوه بعد عثمان وبقي يتيماً في حجر عائشة. عن محمد بن خالد بن الزبيرقال: كنت عند عبد الله بن الزبير، فاستأذن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فقال عبد الله بن الزبير: أوليس عهده بي قريباً. قال: فقال القاسم: إني أردت أن أكلمه بحاجة لي، قال: ائذن له. فلما دخل عليه، قال له ابن الزبير: مهيم؟ قال: مات فلان، وكنا نقول: إنه مولى عائشة، فقال: لا، ليس مولى لكم، هو مولى بني جندع. فولى القاسم، فلما ولى نظر إليه عبد الله بن الزبير، وقال: ما رأيت أبا بكر ولد ولداً أشبه به من هذا الفتى. عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، - هلم جرا - إلى أن ماتت يرحمها الله، وكنت ملازماً لها مع ترهاتي. وكنت أجالس البحر بن عباس. وقد جلست مع أبي هريرة، وابن عمر، فأكثرت، فكان هناك - يعني ابن عمر - ورع، وعلم جم، ووقوف عما لا علم له به.

عن محمد بن علي قال: قال لي سعيد بن المسيب: إذا أردت أن تنكح فاخبرني، فإني عالم بأنساب قريش. قال: فنكحت بنت القاسم بن محمد، ولم أجده، فبلغه ذلك، فقال: جاد ما وضع الحسيني نفسه. قال ابن أبي عتيق للقاسم يوماً: يا بن قاتل عثمان، فقال له سعيد بن المسيب: أتقول هذا؟ فوالله إن القاسم لخيركم، وإن أباه محمد لخيركم، فهو خيركم وابن خيركم. قال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن. وعن أبي الزناد أن سبعة نفر من أهل المدينة مشيخة نظراء، إذا اختلفوا أخذ بقول أكبرهم وأفضلهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بي زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار: قال يحيى بن سعيد فقهاء أهل المدينة عشرة قلت ليحيى: عدهم قال: سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيعة بن ذؤيب وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان بن عفان عن مالك بن أنس قال: ذكر فضل القاسم بن محمد وابنه، وهو قاعد، فقال الرجل: كيف لا يكون ذلك وهو ابن أبي بكر الصديق؟ فقال القاسم: فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد جعل في رواية من قول مالك.

عن عبيد الله بن موهب قال: سمعت القاسم بن محمد سأله رجل عن مسائل، فلما قام الرجل قال له القاسم بن محمد: لا تذهبن فتقول: إن القاسم قال: هذا هو الحق، إني لا أقول لك هو الحق، ولكن إذا اضطررت إليه عملت به. وقال: إنكم تسألوننا عما لا نعلم، والله لو علمنا ما كتمناه، ولا استحللنا كتمانه. عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم يقول: ما نعلم كل ما نسأل عنه، ولأن يعيش الرجل جاهلاً بعد أن يعرف حق الله عليه خير من أن بقول مالا يعلم. قال مالك: أتى القاسم أميراً من أمراء المدينة، فسأله عن شيء، فقال القاسم: إن من إكرام المرء نفسه ألا يقول إلا ما أحاط به علمه. وقال مالك: إن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم الخلافة. قال: وكان القاسم قليل الحديث قليل الفتيا. وما حدث القاسم مائة حديث. قال ابن عون: كان القاسم بن محمد، وابن سيرين، ورجاء بن حيوة يحدثون بالحديث على حروفه، وكان الحسن، وإبراهيم، والشعبي يحدثون بالمعاني. وقال: لقيت ثالثة كأنهم اجتمعوا، فتواصوا: ابن سيرين بالبصرة، ورجاء بالشام، والقاسم بن محمد بالمدينة. قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - وسمع رجلاً يقول: ما أجرأ فلان على الله! فقال القاسم: ابن آدم أهون وأضعف ممن يكون جريئاً على الله، ولكن قل: ما أقل معرفته بالله.

ونظر القاسم بن محمد إلى رجل يسأل يوم عرفة بعرفة. قال: فقال له القاسم بن محمد: ويحك يا سائل! أتسأل في هذا اليوم غير الله، عز وجل. وقال: كنا عند القاسم بن محمد جلوساً، فقيل له: كان بين قتادة وبين أبي بكر كلام في الولدان، قال: فتكلم ربيعة - وكان رجلاً له منطق - فلما فرغ ربيعة قال القاسم: إذا انتهى الله إلى شيء فانتهوا عنده. عن عكرمة بن عمارة قال: سمعت القاسم بن محمد وسأله رجل: ما يقطع الصلاة؟ الله دون كل شيء. عن سفيان قال: اجتمعوا إلى القاسم بن محمد في صدقة قسمها. قال: وهو يصلي، فجعلوا يتكلمون. فقال ابنه: إنكم اجتمعتم إلى رجل، والله، ما نال منها درهماً، ولا دانقاً. قال: فأوجز القاسم، ثم قال: قل يا بني، فيما علمت. قال سفيان: صدق ابنه، ولكنه أراد تأديبه في المنطق وحفظه. أرسل عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي إلى القاسم بن محمد بخمسمائة دينار، فأبى أن يقبلها. عن مالك بن أنس قال: لقي عمر بن عبد العزيز القاسم بن محمد، وعمر قادم من مكة قد اعتمر، والقاسم خارج من المدينة قريباً منها، يريد العمرة، فقال له عمر: إن معنا فضلاً من ظهر وأزواد، فلو صرفنا ذلك إليك، فقال: إني لا آخذ من أحد شيئاً. عن أيوب قال: رأيت على القاسم بن محمد قلنسوة من خز أخضر، ورداء سابرياً له علم ملون مصبوغ بشيء من زعفران. ويدع مائة ألف يتلجلج في نفسه منها شيء.

عن عبد الله بن العلاء بن زبر قال: دخلت على القاسم بن محمد وهو في قبة معصفرة، وتحته فراش معصفر، ومرافق حمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هذا مما أردت أن أسألك عنه، فقال: لا بأس بما امتهن منه. قال القاسم بن محمد: قد جعل الله في الصديق البار عوضاً من الرحم المدبرة. وقال: إن من أعظم الذنب أن يستخف المرء بذنبه. عن أبي عمر الباهلي قال: جاء بنو مروان إلى عمر، فقالوا: إنك قصرت بنا عما كان يصنعه بنا من قبلك، وعاتبوه، فقال: إن عدتم إلى هذا المجلس لأشدن ركابي، ثم لأقدمن المدينة، ولأجعلنها - أو أصيرها - شورى، أنا إني أعرف صاحبها الأعمش - يعني القاسم بن محمد. عن سليمان بن عبد الرحمن أنه كان مع القاسم في شكواه حين أقام بقديد، فقال: ائتني بقرطاس ودواة أكتب وصيتي، قال: فجئت به، فأخذت أكتب، فقال لي: أي شيء تكتب ولم أملي عليك بشيء؟ قلت: التشهد، قال: لقد شقينا إن لم نكن تشهدنا إلا اليوم! بعده، اكتب أسفل من هذا: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به القاسم بن محمد إن حدث به حدث في شكواه هذه أن كذا في كذا - حتى فرغ من حاجته. عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد أنه نهى عن موته أن يتبع بنار، ولا يقولون خيراً ولا شراً. ثم قال: اتل هذه الآية: " ألم ترى إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبينا ".

القاسم بن محمد بن عبد الملك

عن عمر بن حسين قال: سهدت موت القاسم، ومات بقديد، فدفن بالمشلل، وبين ذلك نحو من ثلاثة أميال، ووضع ابنه السرير على كاهله، ومشى حتى بلغ المشلل. عن رجاء بن جميل الأيلي قال: توفي القاسم بن محمد في ولاية يزيد بن عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز سنة إحدى - أو اثنتين - ومائة قال خليفة بن خياط: مات القاسم بن محمد بن أبي بكر في آخر السنة - يعني سنة سبع ومائة. وقيل غير ذلك في وفاته. القاسم بن محمد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي كان مع مروان بن محمد يوم انهزم بالزاب، فقتل يومئذ. القاسم بن محمد بن أبي عقيل الثقفي عن القاسم بن محمد الثقفي قال: جاءت أسماء بنت أبي بكر مع جوار لها، وقد ذهب بصرها، فقالت أين الحجاج؟ قلنا: ليس هنا، قالت: فمروه فليأمر لنا بهذه العظام، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهي عن المثلة، قلنا: إذا جاء قلنا له، قالت: فإذا جاء فأخبروه أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن في ثقيف كذاباً ومبيراً ".

القاسم بن مخيمرة

قال خليفة بن خياط: كان القاسم بن محمد عليها - يعني البصرة - حتى مات هشام، فأقره الوليد بن يزيد حتى قتل. القاسم بن مخيمرة أبو عروة الهمداني الكوفي كان معلماً بالكوفة، ثم سكن دمشق. روى عن شريح بن هانىء قال: أتيت عائشة فسألتها عن المسح على الخفين، فقالت: ائت علي بن أبي طالب - أو: ائت علياً - فإنه أعلمهم بوضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنه كان يسافر معه، قال: فأتيته، فقال: يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر. عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي وحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد عبد الله بن مسعود، فعلمه التشهد في الصلاة، وقال: " قل التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. إذا فعلت هذا، أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ". قال عبد الوهاب بن محمد: استسقى القاسم بن مخيمرة من بعض السائقين الذين يسقون في مسجد دمشق، قال: فلما شرب قال للذي سقاه: جزاك الله خيراً، قال القاسم: الذي أعطيناه خير من الذي أخذنا منه.

عن يزيد بن أبي مريم أن أبا عروة القاسم بن مخيمرة كان يتوضأ من النهر الذي يخرج من الباب الصغير. قال يحيى بن معين: القاسم بن مخيمرة كوفي ذهب إلى الشام، ولم نسمع أنه سمع من أحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال خليفة: القاسم بن مخيمرة مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة، همداني. قال ابن سعد: وكان ثقة وله أحاديث. قال محمد بن إسماعيل البخاري: القاسم بن مخيمرة، عن عبد الله بن عكيم قال: حدثنا مشيخة لنا من جهينة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إليهم ألا ينتفعوا من الميتة بشيء. عن الأوزاعي قال: كان القاسم بن مخيمرة يقدم علينا هاهنا، فإذا أراد أن يرجع استأذن الوالي، فقيل له: أرأيت إن لم يأذن لك؟ قال: إذاً أقيم. ثم قرأ: " وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ". عن منصور بن نافع قال: كان القاسم بن مخيمرة يأمرنا بجهازه للغزو، ثم يقول: لا تماسكوا في جهازنا؛ فإن النفقة في سبيل الله مضاعفة.

عن القاسم بن مخيمرة قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فقضى عني سبعين ديناراً، وحملني على بغلة، وفرض لي في خمسين قال: قلت: أغنيتني عن التجارة. قال: فسألني عن حديث، فقلت: هنني يا أمير المؤمنين - كأنه كره أن يحدثه على هذا الوجه. عن علي بن أبي حملة قال: ذكر الوليد بن هشام القاسم بن مخيمرة لعمر بن عبد العزيز، فأرسل إليه، فدخل عليه، فقال: سل حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، قد علمت ما يقال في المسألة، قال: ليس أنا ذاك، إنما أنا قاسم، سل حاجتك؟ قال: تلحقني في العطاء، قال: قد ألحقناك في خمسين، فسل حاجتك؟ قال: تقضي عني ديني، قال: قد قضينا عنك دينك، فسل حاجتك؟ قال: تحملني على دابة، قال: قد حملناك على دابة، فسل حاجتك؟ قال تلحق بناتي في العيال، قال فد ألحقنا بناتك في العيال. فسل حاجتك؟ قال: قد ألحقتني في العطاء، وقضيت الدين، وحملت على الدابة، وألحقت البنات في العيال فأي شيء بقي؟ قال: قد أمرنا لك بخادم، فخذها من عند أخيك الوليد بن هشام. عن الأوزاعي قال: كان للقاسم بن مخيمرة شريك، كان إذا ربح قاسم شريكه، ثم يقعد في بيته لا يخرج حتى يأكله، وكان يقول: إذا أغلقت بابي فما لي هم خلف بابي. عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال القاسم بن مخيمرة: ما اجتمع على مائدتي لونان من طعام واحد، ولا أغلقت بابي ولي خلفه من هم. عن ابن جابر قال: قال القاسم: لقد بورك لي في الخبز والزيتون أكتفي بهما.

القاسم بن المساور البغدادي الجوهري

وكان إذا وقعت عنده الزيوف كسرها، ولم يبعها. عن الشعبي، عن القاسم بن مخيمرة أنه كان يدعو بالموت، فلما حضره الموت قال لأم ولده: كنت أدعو بالموت فلما نزل بي كرهته. مات القاسم بن مخيمرة في زمن عمر بن عبد العزيز، سنة مائة، أو إحدى ومائة. القاسم بن المساور البغدادي الجوهري روى عن أبيه بسنده، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة ". القاسم بن موسى بن الحسن ابن موسى الأشيب أبو محمد البغدادي قدم دمشق في سنة ثمانين ومائتين. حدث عن مجزأة بن سفيان البناني بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بشر المشائين في ظلم الليل إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ". توفي أبو محمد الأشيب البغدادي سنة اثنتين وثلاثمائة وكان له تسعون سنة. القاسم بن هاشم بن سعيد ابن سعد ين عبد الله بن سيف بن حبي أبو محمد البغدادي السمسار روى عن عمر بن عمرو بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوماً في سبيل الله كان بينه وبين الناس كما بين السماء والأرض ".

القاسم بن هزان الخولاني الداراني

وروى عن علي بن عياش الحمصي بسنده إلى أنس بن مالك قال: وضأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته بشهر، فمسح على الخفين. مات القاسم بن هاشم السمسار سنة تسع وخمسين ومائتين. كان صدوقاً. القاسم بن هزان الخولاني الداراني قال القاسم بن هزان: حدثني الزهري: أن ابن عمر قرأ في المسجد: " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ". قالوا: وإنا لنؤاخذ بما توسوس به أنفسنا؟ ونشج عند ذلك حنى أسمعها ابن عباس وهو في ناحية المسجد. قال الزهري: فحدثني سعيد بن مرجانة أنه حضر ابن عمر فعل ذلك، فقام إليه ابن عباس، فسأله عما حضر من ذلك، فقال: يغفر الله لابن عمر، لقد وجد المسلمون من هاتين الآيتين ما وجد، فشكوه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذلك قال ربكم "، قالوا آمنا وسمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فقالوها أياماً، فأنزل الله - عز وجل: " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون " الآية. ثم قال تعالى: " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت " من العمل " وعليها ما اكتسبت " من العمل. سمع القاسم بن هزان الزهري يقول: لا ترض الناس قول عالم لا يعمل ولا قول عامل لا يعلم؛ فإن أعطاك ذلك فاجتهد رأيك، وناصح الله في أمره مؤثراً له على هواك. قال عبد الجبار بن مهنا: والقاسم بن هزان هو الذي بنى المسجد بخولان - يعني بداريا - وما أعلمه أعقب بها عقباً.

القاسم بن يزيد بن عوانة

قال أبو حاتم: القاسم بن هزان شيخ محله الصدق. القاسم بن يزيد بن عوانة ويقال: ابن أبي عوانة أبو صفوان الكلابي العامري البصري سكن دمشق. روى عن يحيى بن كثير بسنده عن عائشة قالت: ما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سحابة قط إلا امتقع لونه حتى تقشع، أو جاء المطر. وروى عن حسان بن سياه بسنده عن ابن عمر قال؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سئل عن علم فكتمه جيء به - وفي رواية: جاء - يوم القيامة قد ألجم بلجام من نار ". توفي أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة الكلابي سنة سبع وعشرين ومائتين. قال أبو إسماعيل الترمذي: لا بأس به، رأيته يفهم الحديث. القاسم بن يزيد العامري حدث عن شيخ، عن وهب بن منبه قال: لا يكمل عقل امرئ حتى تكمل فيه عشر خصال: يكون الكبر منه مأمون، والرشد منه مأمول، ونصيبه من الدنيا القوت، وفضل مال مبذول، لا يسأم طوال الدهر من طلب الفقه، ولا يتبرم من طلب الحوائج قبله، يستكثر قليل المعروف من غيره،

القاسم الجوعي الكبير

ويستقبل كثير المعروف من نفسه، التواضع أحب إليه من الرفعة، والذل أحب إليه من العز، والعاشرة ما العاشرة! هي التي شاد بها مجده، وارتفع بها ذكره، ورقي بها في معالي الدرجات من الدارين جميعاً؛ يرى أن جميع الناس خيراً منه، وأنه شرهم. القاسم الجوعي الكبير قال قاسم الجوعي الكبير: شبع الأولياء بالمحبة عن الجوع، فقدوا لذاذة الطعام والشراب والشهوات، ولذاذات الدنيا، لأنهم تلذذوا بلذة ليس فوقها لذة قطعتهم عن كل اللذات. وإنما سميت قاسم الجوعي لأن الله تعالى قواني على الجوع، فكنت أبقى شهراً لا آكل ولا أشرب، ولو تركوني لزدت وكنت أقول: اللهم، أنت فعلت ذلك فأتمه بمنك. وقال: قليل العمل مع المعرفة خير من كثير العمل بلا معرفة. قباث بن أشيم الليثي له صحبة. شهد اليرموك، وكان أميراً على كردوس. وسكن حمص. عن قباث بن أشيم الليثي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى ". قال ابن سعد: قباث بن الأشيم بن عامر بن الملوح بن يعمر - وهو الشداخ - بن عوف بن كعب بن

عامر بن ليث. شهد بدراً مع المشركين، وكان له فيها ذكر، ثم أسلم بعد ذلك، وشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض المشاهد، وكان على مجنبة أبي عبيدة يوم اليرموك. قال أحمد بن محمد بن عيسى في تسمية من نزل حمص من مضر: قباث بن أشيم الليثي، كناني، عاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، فقال له عبد الملك: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: رسول الله أكبرمني، وأنا أسن منه، ولد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلاً أعقله. قال أبو نضر الحافظ: قباث: بقاف مضمومة، وباء معجمة بواحدة مخففة وآخره ثاء معجمة بثلاث، قباث بن أشيم. وقال بعضهم: قباث بن رستم. وهو وهم. وهو في خط الصوري: قباث بفتح القاف. وقال أبو أحمد العسكري: قباث: القاف مفتوحة وتحت الباء نقطة، وثاء منقوطة بثلاث. عن محمد بن عمر الواقدي قال: وقالوا: وكان قباث بن أشيم الكناني يقول: شهدت مع المشركين بدراً، فإني أنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة ما معنا من الخيل والرجال، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء! وصاحبني رجل، فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا. فقلت لصاحبي: أبك نهوض؟ قال: لا والله ما هو بي. قال: وعقر، وترفعت، فلقد

صبحت غيقة قبل الشمس، كنت هادياً بالطريق، ولم أسلك المحاج، وخفت من الطلب، فتنكبت عنها، فلقيني رجل من قومي بغيقة، فقال: ما وراءك؟ قلت: لا شيء، قتلنا، وأسرنا، وانهزمنا! فهل عندك من حملان؟ قال: فحملني على بعير، وزودني زاد حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة، وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت أنه يقدم ينعي قريشاً بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت، وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم، وهم يلعنون الخزاعي، ويقولون: ما جاءنا بخير! فمكثت بمكة. فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد، وقد وقع في قلبي الإسلام، فقدمت المدينة، فسألت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه، فأتيته وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت، فقال: " يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر: ما رأيت هذا الأمر فر منه إلا النساء؟ " فقلت أشهد أنك رسول الله، وأن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط، وما ترمرمت به إلا شيئاً حدثت به نفسي، فلولا أنك نبي ما أطلعك الله عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علي الإسلام، فأسلمت. عن أبي سعيد قال: قال قباث: كنت في الوفد بفتح اليرموك، وقد أصبنا خيراً ونفلاً كثيراً، فمر بنا الدليل على ماء رجل قد كنت أتبعه في الجاهلية حين أدركت، وآنست من نفسي، لأصيب منه، وكنت دللت عليه - فذكر خبر ذلك الرجل وقد رد إلى أرذل العمر.

قبصة بن جابر بن وهب

قبصة بن جابر بن وهب ابن مالك بن عميرة بن حذار بن مرة بن الحارث بن سعد ابن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو العلاء الأسدي الكوفي شهد خطبة عمر بالجابية، ثم وفد على معاوية بن أبي سفيان بعد ذلك، وكان أخا معاوية من الرضاعة، أرضعت أمه معاوية. عن قبيصة بن جابر قال: خطبنا عمر بباب الجابية، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن ". قال قبصة بن جابر: قدمت على معاوية، فرفعت إليه حوائجي، فقضاها، قلت: لم تترك لي حاجة إلا قضيتها إلا واحدة، فأصدرها مصدرها، قال: وما هي؟ قلت: من ترى لهذا الأمر بعدك؟ قال: وفيم أنت من ذاك؟ قال: ولم يا أمير المؤمنين؟! والله إني لقريب القرابة، واد الصدر، عظيم الشرف، قال: فوالى بين أربعة من بني مناف، ثم قال: أما كرمة قريش فسعيد بن العاص، وأما فتاها حياء وعلماً وسخاء فابن عامر، وأما الحسن بن علي فسيد كريم، وأما القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله مروان بن الحكم، وأما عبد الله بن عمر فرجل نفسه، وأما الذي يرد ورد الجدي، ثم يروغ رواغ الثعلب فعبد الله بن الزبير. أدرك قبيصة بن جابر إمرة عبد الملك، وكان من أصحاب علي. يعد في الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة، وكان ثقة، ومات قبل الجماجم

قال أبو نصر الحافظ: حذار: أوله حاء مهملة، وبعدها ذال معجمة مفتوحة. قال قبيصة بن جابر: كنت محرماً، فرأيت ظبياً، فرميته، فأصبت حشاه - يعني أصل قرنه - فمات، فوقع في نفسي من ذلك الشيء، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله، فوجدت إلى جنبه رجل أبيض رقيق الوجه، وإذا هو عبد الرحمن بن عوف، فسألت عمر، فالتفت إلى عبد الرحمن، فقال: ترى شاة تكفيه؟ قال: نعم، فأمرني أن أذبح شاة، فلما قمنا من عنده قال صاحب لي: إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل، فسمع عمر بعض كلامه، فعلاه بالدرة ضرباً، ثم أقبل علي ليضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني لم أقل شيئاً، إنما هو قاله. قال: فتركني. ثم قال: أردت أن تقتل الحرام، وتتعدى الفتيا؟! ويفسدها ذلك السيء. ثم قال: إياك وعثرة الشباب. وقال قبيصة: ألا أخبركم عمن صحبت، صحبت عمر بن الخطاب، فما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله، ولا أحسن مدارسة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أحداً أعطى لجزيل عن غير مسألة منه، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت أحداً أنصع طرقاً - أو أتم " طرقاً - منه، وصحبت معاوية، فما رأيت أحداً أكثر حلماً، ولا أبعد أناة منه، وصحبت زياداً، فما رأيت أحداً أكرم جليساً منه، ولا أخصب رفيقاً منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها أبواب لا يخرج من كل باب منها إلا بالمكر، لخرج من أبوابها كلها. اختار أهل الكوفة قبيصة بن جابر وافداً إلى عثمان، وكان من فصحاء أهل الكوفة، مات في ولاية مصعب بن الزبير العراق.

قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة

عن قبيصة بن جابر قال: أتى علي بزنادقة فقتلتهم، ثم حفر لهم حفرتين، فقال قبيصة شعراً: " من الوافر " لترم بي الحوادث حيث شاءت ... إذا لم ترم بي في الحفرتين قال يعقوب بن سفيان في تسمية أمراء الجمل من أصحاب علي: وعلى خيول يني أسد قبيصة بن جابر. قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة أبو سعيد - ويقال: أبو إسحاق - الخزاعي الفقيه أصله من المدينة، وكان على الخاتم والبريد لعبد الملك بن مروان. سكن دمشق، وكانت داره بباب البريد موضع دار الحكم. عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها. قال خليفة بن خياط: قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن قميم بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة - وهو لحي - بن حارثة بن عمرو بن عامر، يكنى أبا إسحاق، من خزاعة. مات سنة ست وثمانين - وقال في موضع آخر: سنة ثمان وثمانين. قال الحافظ بن عساكر: كذا نسبه خليفة، إلا أنه قال: قميم بدل قمير، والصواب بالراء.

ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة، وقال: له دار بالمدينة في التمارين، في زقاق النقاشين، وكان تحول إلى الشام، فكان آثر الناس عند عبد الملك بن مروان، وكان على خاتم عبد الملك، وكان البريد إليه، فكان يقرأ الكتب إذا وردت ثم يدخلها على عبد الملك، فيخبره بما فيها، وكانت لأبيه صحبة. وكان قبيصة ثقة مأموناً كثير الحديث. عن ابن ذكوان قال: كان عبد الملك بن مروان رابع أربعة من الفقه أوالنسك؛ فذكر سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان. عن إسماعيل بن عبيد الله قال: دخلت على أم الدرداء وعندها قبيصة بن ذؤيب، فقلت له: يا أبا سعيد. عن سعيد بن عبد العزيز قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبيصة بن ذؤيب ليدعو له وهو غلام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا رجل " - قال سعيد: يريد أنه ذهب أهله ولم يبق إلا هو. كان قبيصة بن ذؤيب معلم كتاب، وكان أعور، ذهبت عينه يوم الحرة، وليس مولده محفوظاً، والمحفوظ أنه ولد عام فتح مكة. قال الشعبي: قبيصة بن ذؤيب أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. وقال مكحول: ما رأيت أحداً أعلم من قبيصة بن ذؤيب. توفي قبيصة بن ذؤيب سنة ست وثمانين، وقيل سنة سبع، وقيل سنة ثمان، وقيل سنة تسع وثمانين.

قبيصة بن ضبيعة بن حرملة

قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي الكوفي من وجوه الشيعة. قدم به دمشق مع حجر بن عدي، وقتل معه بعذراء. عن قبيصة بن ضبيعة، عن حذيفة بن اليمان قال: " لو لم تذنبوا - أو تخطئوا - لجاء الله بقوم يذنبون ويخطئون يغفر لهم يوم القيامة ". عن أبي إسحاق قال: وجد زياد في طلب أصحاب حجر، فأخذوا يهربون منه، ويأخذ من قدر عليه منهم. فبعث إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب الشرطة، وهو شداد بن الهيثم، فدعا قبيصة قومه، وأخذ سيفه، فأتاه ربعي بن خراش بن جحش العبسي، ورجال من قومه ليسوا بالكثير، فأراد أن يقاتل، فقال له صاحب الشرطة: أنت آمن على دمك ومالك، فلم تقتل نفسك؟ فقال له أصحابه: قد أومنت، فعلام تقتل نفسك، وتقتلنا معك؟ قال: ويحكم! إن هذا الدعي، ابن العاهرة، والله لئن وقعت في يده لا أفلت منه أبداً أو يقتلني. قالوا: كلا. فوضع يده في أيديهم، فأقبلوا به إلى زياد، فلما دخلوا عليه قال زياد: وحي عبس يعزرني على الدين! أما والله لأجعلن لك شاغلاً عن تلقيح الفتن، والتوثب على الأمراء، قال: إني لم آتك إلا على الأمان، قال: انطلقوا به إلى السجن. قال أبو مخنف: وجاء وائل بن حجر، وكثير بن شهاب فأخرجا القوم عشية - يعني حجراً

قبيصة العبسي

وأصحابه - وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة، فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر ابن ضبيعة العبسي إلى داره في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات، فقال لوائل بن حجر وكثير: ائذنوا لي فأوصي أهلي، فأذنا له، فلما دنا منهن، وهن يبكين، سكت عنهن ساعة، ثم قال: اسكتن، فسكتن، فقال: اتقين الله، واصبرن، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين: إما الشهادة، فهي السعادة، وإما الانصراف إليكن في عافية. وإن الذي كان يرزقكن، ويكفيني مونتكن هو الله، وهو حي لا يموت؛ أرجو أن لا يضيعكن، وأن يحفظني فيكن. ثم انصرف. فمر بقومه، وجعل قومه يدعون الله له بالعافية. فقال: إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي. يقول حيث لا ينصرونني. وكان رجا أن يتخلصوه. قال خليفة: سنة إحدى وخمسين - فيها - قتل معاوية حجر بن عدي ومن معه. قبيصة العبسي أحد بني رواحة. رسول معاوية إلى بن أبي طالب إلى المدينة. عن محمد وطلحة قالا: حتى إذا كان في الثالث من الأشهر من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس، ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة، فدفع إليه طوماراً مختوماً عنوانه: " من معاوية إلى علي "، فقال له: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار، ثم أوصاه بما يقول. وسرح رسول علي معه. فخرجا، فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته؛ فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره، وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرقوا إلى منازلهم، وقد علموا أن معاوية معترض. ومضى الرسول حتى دخل على علي، فدفع إليه الطومار، ففض خاتمه، فلم يجد في جوفه كتاباً، فقال الرسول: ما وراءك؟ قال: آمن

قتادة بن النعمان بن زيد

أنا؟ قال: نعم، إن الرسل آمنة لا تقتل؛ قال: ورائي أني تركت قوماً لا يرضون إلا بالقود، قال: ممن؟ قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق، فقال: أمني يطلبون دم عثمان، ألست موتوراً كترة عثمان؟ اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمراً أصابه. اخرج! قال: وأنا آمن، قال وأنت آمن. فخرج العبسي، وصاحت السبائية، وقالوا: هذا الكلب وافد الكلاب، اقتلوه! فنادى: يا آل مضر، يا آل قيس، الخيل والنبل، إني أحلف بالله ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي، فانظروكم الفحولة والركاب، وتغاووا عليه، ومنعته مضر، وجعلةا يقولون له اسكت، ويقول: والله لا يفلح هؤلاء أبداً، ولقد أتاهم ما يوعدون. فبقال له: اسكت، فيقول: لقد حل بهم ما يحذرون. انتهت والله أعمالهم، وذهبت ريحهم. فوالله ما أمسوا من يومهم ذلك حتى عرف الذل فيهم. قتادة بن النعمان بن زيد ابن عامر بن سواد بن ظفر واسمه كعب بن الخزرج بن عمر وهو النبيت بن مالك بن الأوس أبو عبد الله - ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو عمر الأنصاري الظفري شهد بدراً مع الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم البلقاء من أعمال دمشق غازياً مع أسامة بن زيد حين وجهه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته، وخرج مع عمر بن الخطاب إلى الشام في خرجته التي رجع فيها من سرغ، وكان على مقدمته. عن ابن خباب: أن أبا سعيد الخدري قدم من سفر، فقدم إليه أهله لحماً من لحوم الأضاحي، فقال: ما أنا بآكله. فانطلق إلى أخيه لأمه، وكان بدرياً، قتادة بن النعمان، فسأله

عن ذلك، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر نقضاً لما كانوا نهوا عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام. عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق؛ بشير وبشير، رجلاً منافقاً، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا؛ فإذا سمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث، فقال: " من الكامل " أو كلما قال الرجال قصيدة ... أضموا وقالوا ابن الأبيرق قالها وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام. وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير. وكان الرجل إذا كان له يسار، فقدمت ضافطة ابتاع الرجل منها، فخص به نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير. فقدمت ضافطة من الشام، فابتاع عمي حملاً من الدرمك، فجعله في مشربه له، وفي المشربة سلاح له: درعان، وسيفاه، وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتى عمي رفاعة، فقال يا بن أخ تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني الأبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو الأبيرق قالوا: ونحن نسأل

في الدار والله، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل - رجل منا له صلاح وإسلام - فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه! وقال: أنا أسرق! والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فوالله ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها. فقال لي عمي: يا بن أخي، لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فقلت: يا رسول الله، أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سأنظر في ذلك. فلما سمع ذلك بنو ابيرق أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا بيت إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة عن غير بينة، ولا ثبت. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته، فقال: " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة، على غير ثبت، ولا بينة "! قال فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا بن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته ما قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن ننزل القرآن: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما " بني أبيرق " واستغفر الله " أي مما قلت لقتادة " إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " أي بني أبيرق " إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً. ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً "؛ أي لو أنهم استغفروا الله غفر لهم " ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً. ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً

وإثماً مبيناً "، قولهم للبيد " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك "، يعني أسيراً وأصحابه " وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً. لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاه مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ". فلما نزل القرآن أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح - قال: يا بن أخي، هو في سبيل الله، قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً. فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، فأنزل الله - عز وجل - فيه: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ". فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمته في الأبطح، ثم قالت: أهديت إلي شعر حسان، ما كنت تأتيني بخير. قال خليفة: أم قتادة بن النعمان أنيسة بنت أبي حارثة - ويقال: أنيسة بنت قيس بن مالك من بني النجار، وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه. وقال محمد بن سعد: أمه انيسة بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار من الخوارج. وقد شهد قتادة بن النعمان العقبة مع السبعين من الأنصار.

وكان قتادة من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدراً واحداً، وشهد أيضاً الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني ظفر في غزوة الفتح. عن قتادة بن النعمان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء ". عن قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنه، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لا فدعا به، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وروي أن ذلك كان يوم أحد: قال قتادة: أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوس، فدفعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقى السهام بوجهي كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميلت رأسي لأقي وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا رمي أرميه، فكان آخرها سهماً ندرت منه حدقتي على خدي، وافترق الجمع، فأخذت حدقتي بكفي، فسعيت بها في كفي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كفي دمعت عيناه، فقال: " اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه، وأحدهما نظراً ". وفي رواية: فقلت: أي رسول الله، إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردها، فأبصرت، وعادت كما كانت، ولم تضرب عليه ساعة من ليل، ولا نهار. فكان يقول بعد أن أسن: هي أقوى عيني. وكانت أحسنهما.

عن قتادة بن النعمان قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت معه الصلاة، وآسيته بنفسي. ففعلت، فلما دخلت المسجد برقت السماء، فرآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا قتادة، ما هاج عليك؟ " فقلت: أردت - بأبي وأمي أنت - أن أؤنسك، قال: " خذ هذا العرجون، فتخصر به؛ فإنك إذا خرجت أضاء لك عشراً أمامك، وعشراً خلفك ". ثم قال: " إذا دخلت بيتك فضرب به مثل الحجر الأخشن في أستار البيت، فإن ذلك الشيطان ". قال: فخرجت، فأضاء لي، ثم ضربت مثل الحجر الأخشن حتى خرج من بيتي. عن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيراً إلا أتاه "، قال: وتقللها أبو هريرة بيده، قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: والله لو جئت أبا سعيد، فسألته عن هذه الساعة، أن يكن عنده منها علم، فأتيته فأجده يقوم عراجين، فقلت: يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم؟ قال: هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركة؛ كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبها، ويتخصر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها. فرأى بصاقاً في قبلة المسجد، وفي يده عرجون من تلك العراجين؟، فحكه وقال: " إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه؛ فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد مبصقاً ففي ثوبه أو نعله ". قال: ثم هاجت السماء من تلك الليلة، فلما خرج النبي لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان، فقال: " ما السرى يا قتادة "؟ قال: علمت يا رسول الله أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها، قال: " فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك ". فلما انصرف أعطاه العرجون وقال: " خذ

قتير حاجب معاوية

هذا، فسيضيء لك أمامك عشراً، وخلفك عشراً، فإذا دخلت البيت، ورأيت سواداً في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم، فإنه الشيطان ". قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قال: قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فهل عندك منها علم؟ فقال: سألنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها، فقال: " إني قد كنت أعلمتها، ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ". قال: ثم خرجت من عنده، فدخلت على عبد الله بن سلام. عن عمر بن قتادة بن النعمان قال: لما احمر الرطب انطلق قتادة، فصنع لحائطه مفتاحاً - وكان له قبل ذلك مفتاح - فجاء به إلى أخيه المهاجري، فقال له: إن الرطب مفتاح، وهذا المفتاح لك، ومعي مفتاح. قال: وكان قتادة إذا خرج اتبعته بنية له، فإذا فتح الباب لاذت منه حتى تدخل، فتجمع، فإذا رآها نهاها نهياً كأنها ليست منه، ثم انطلق إلى المهاجري، فقال له: إن بنية لي ربما دخلت، فجمعت، أتحلل لنا ذلك؟ قال المهاجري: نعم. قال ابن عياش في تسمية العميان من الأشراف: قتادة بن النعمان. مات قتادة سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، وهو يمومئذ ابن خمس وستين سنة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري. قتير حاجب معاوية عن قتير حاجب معاوية قال: كان أبو ذر يغلظ لمعاوية. قال: فأرسل إلى عبادة بن الصامت، وإلى أبي الدرداء، وإلى عمرو بن العاص، وإلى أم حرام، فأجلسهم، وقال: كلموه،. فأرسل

قتير

إليه، فجاء، فكلموه، فقال لعبادة بن الصامت: أما أنت، يا أبا الوليد فلك علي الفضل والسابقة، وقد كنت أرغب بك عن هذا الموطن، وأما أنت يا أبا الدرداء، فلقد كادت وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسبق إسلامك، ثم أسلمت، فكنت من صالحي المؤمنين، وأما أنت يا عمرو بن العاص فقد أسلمنا، وجاهدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت أضل من جمل أهلك، وأما أنت، يا أم خرام فإنما أنت امرأة عقلك عقل امرأة، ورأيك رأي امرأة، فما أنت وهذا؟! فقال عبادة: لا جرم، لا جلست مثل هذا المجلس. قال علي بن هبة الله الحافظ: قتير - بضم القاف وفتح التاء المعجمة باثنتين من فوقها، ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها وآخره راء - قتير مولى معاية. ذكره ابن أبي حاتم في كتابه إلا أنه سماه قنبراً بالباء والنون. قتير أظنه مولى لعمر بن العاص، شهد معه دومة الجندل حين حكم هو وأبو موسى. قحدم بن أبي قحدم النضر ابن معبد أو ابن أبي قحدم سليمان بن ذكوان - الأزدي الجرمي البصري وفد على هشام بن عبد الملك رسولاً من يوسف بن عمر أمير العراق. روى عن أبيه بسنده إلى قرة المزني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتملأن الأرض جوراً وظلماً، فإذا ملئت جوراً وظلماً يبعث الله رجلاً مني اسمه

قحطبة بن شبيب بن خالد

اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا تمنع السماء شيئاً من قطرها، ولا الأرض شيئاً من نباتها، يمكث فيكم سبعاً - يعني التسع سنين ". قحطبة بن شبيب بن خالد ابن معدان بن شمس بن قيس بن أكلت بن سعد بن عمرو بن غنم بن مالك بن سعد بن نبهان ابن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء واسم قحطبة: زياد، وقحطبة لقب له - أبو عبد الحميد الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس وقوادهم. وفد على محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إلى الحميمة. وقحطبة من أهل قرية شيرنخشير من قرى مرو. حدث عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شيء في الميزان أثقل من خلق حسن ". قال أحمد بن سيار: في أسماء النقباء الاثني عشر وكلهم من مرو: سبعة من العرب، وخمسة من الموالي، فأما السبعة من العرب، منهم أبو عبد الحميد قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان بن شمس بن قيس بن كلب بن سعد بن عمرو - وهو الصامت - بن تميم بن مالك بن سيف بن سودان الطائي. وقال غيره في نسبه: سنبس بدل شمس، وهو الصواب.

قدامة بن حماطة الضبي الكوفي

عن رجل من طيء عن أبيه قال: إني لواقف مع قحطبة وأخيه، وهم يقاتلون ابن هبيرة، قال: فمر بهم رجل، فقال له بعضهم: ممن الرجل؟ قال: من طيء والحمد لله. قال: يقول قحطبة: ما يسر هذا أن يكون قريشياً. قال بيهس بن حبيب: أصاب قحطبة طعنة في وجهه، فوقع في الفرات، فهلك، ولا نعلم به ولا يعلمون - يعني سنة اثنتين وثلاثين ومائة. قدامة بن حماطة الضبي الكوفي عن قدامة بن حماطة قال: كنت قاعداً عند عمر بن عبد العزيز، فدخل علينا أبو بردة بن أبي موسى، فحدث عن عمر بن عبد العزيز أنه سمع أباه يحدث، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة جيء باليهودي والنصراني، فقيل: يامسلم، هذا فداؤك من النار ". فقال عمر بن عبد العزيز لأبي بردة: الله الذي لا ". فقال عمر بن عبد العزيز لأبي بردة: الله الذي لا إله إلا هو لأنت سمعت أباك يحدث هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: الله الذي لا إله إلا هو لحدثنيه أبي أنه سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرأيت عمر بن عبد العزيز خر لله شكراً ثلاث سجدات. قرتع التغلبي شاعر وفد على بعض خلفاء بني أمية. قال أبو عبيدة: كان الذي هاج بين كعب بن جعيل، وهو من بني عوف بن مالك بن بكر بن حبيب، وبين القرتع، وهو أحد بني أوس بن تغلب، أن بعض خلفاء بني أمية سأل القرتع عن شرف تغلب وبيتهم فيمن هما؟ فقال: في بني الأوس بن تغلب. فقال:

قرة بن شريك بن مرثد

الخليفة: تقول هذا وكعب حاضر؟ فقال: نعم. فجاء كعب، فسأله عن قوله، فقال كعب: من بني الأوس؟! وقال: " من الطويل " لعمرك ما السفاح منك ابن خالد ... وما أنت من أبناء عمرو بن جيجل السفاح من بني خالد بن بكر ثم من بني أسامة بن مالك بن بكر، وهو عمرو بن جيجل. فأجابه القرتع فقال: " من الطويل " فخرت بقوم لم يكن لك فخرهم ... وإنك من أفعالهم لبمعزل قرة بن شريك بن مرثد ابن حزام بن الحارث بن حبيش بن سفيان بن عبد الله بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان القيسي القنسريني من أمراء بني أمية، ولاه الوليد بن عبد الملك مصر، وكان سيء السيرة. عن قرة بن شريك أنه سأل ابن المسيب عن الرجل ينكح عبده وليدته، ثم يريد أن يفرق بينهما؟ قال: ليس له أن يفرق بينهما. قال أبو سعيد بن يونس: قدم قرة بن شريك مصر في شهر ربيع الأول من سنة تسعين، فأقام والياً عليها سبع سنين، وتوفي سنة ست وتسعين. أمره الوليد ببناء جامع الفسطاط والزيادة فيه، وابتدأ ببنائه سنةاثنتين وتسعين، وجعل على بنائه يحيى بن حنظلة مولى قريش، فأقام في بنائه سنتين. وقيل: إن الناس كانوا يجمعون الجمعة في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه. وقيل: أن قرة بن شريك كان إذا انصرف الصناع من بناء المسجد دخل المسجد، ودعا بالخمر والطبل والمزمار، فشرب، ويقول: لنا الليل، ولهم النهار. وكان قرة بن شريك

من أظلم خلق الله، وهمت الإباضية بقتله، والفتك به، وتبايعوا على ذلك، فبلغه ذلك فقتلهم. قال أبو نصر الحافظ: هدم: بكسر الهاء وسكون الدال. عن عبد الملك بن شوذب قال: قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك بالشام، والحجاج بن يوسف بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان المري يالحجاز، وقرة بن شريك العبسي بمصر، امتلأت، والله، الأرض جوراً. وفي سنة تسعين نزع عبد الله بن عبد الملك من مصر، وأمر قرة بن شريك فكتب رجل من قريش إلى الوليد بن عبد الملك: " من الخفيف " عجباً ما عجبت حين أتانا ... أن قد أمرت قرة بن شريك وعزلت الفتى المبارك عنا ... ثم فيلت فيه رأي أبيك عن جويرية بن أسماء قال: خرج الوليد وهو مشعان الرأس يقول: هلك الحجاج وقرة بن شريك! - يتفجع عليهما. قال ابن قتيبة: يريد أنه منتفش الشعر. يقال: رجل مشعان الرأس، وشعر مشعان، إذا كان منتفشاً.

قريش بن الحسين بن روشك

قريش بن الحسين بن روشك أبو صالح الجوني حدث عن تمام بن محمد بن عبد الله الرازي بسنده عن أنس بن مالك قال: أقامني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على يمينه - يعني في الصلاة. قريش بن هشام بن عبد الملك ابن مروان أمه أم ولد. حضر الصائفة مع البطال. قزعة بن يحيى ويقال ابن الأسود أبو الغادية مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال: مولى عبد الملك بن مروان، ويقال بل هو من بني الحريش. من أهل العراق. عن قزعة، عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس "، وقال: " لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم "، ونهى عن صوم يومين، وعن صلاتين: عن صوم يوم النحر، ويوم الفطر، وعن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. عن قزعة، عن ابن عمر قال: ودعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك:.

قسام بن إبراهيم بن محمد بن القاسم

وفي رواية قال: كنت عند عبد الله بن عمر، فأردت الانصراف، فقال: مكانك حتى أودعك كما ودعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ بيدي فصافحني، ثم قال: وفي رواية: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يودع رجلاً قال: " أستودع الله دينك وأمانتك، وخواتيم عملك ". عن قزعة: أنه أهدى إلى ابن عمر ثياباً هروية، فلما خرج مشى معه. قال العجلي: قزعة بن يحيى مولى زياد. بصري، تابعي، ثقة. وقال ابن خراش: قزعة العقيلي مولى زياد بن أبيه. صدوق. قال عبد الملك بن عمير: وكان رجلاً يسبق الحاج في سلطان معاوية. قسام بن إبراهيم بن محمد بن القاسم أبو بكر الهمذاني حدث عن عبد العزيز الكتاني بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آكل اللحم يحسن الوجه، ويحسن الخلق ".

قسطنطين بن عبد الله

قسطنطين بن عبد الله أبو الحسن الرومي، مولى المعتمد على الله روى عن إسحاق بن الضيف بسنده عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ". وروى عن عثمان بن أبي شيبة بسنده إلى علي: قال رسول الله: " البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي "، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قسيم بن هشام بن محمد ابن هشام بن ملاس بن قسيم أبو القاسم النميري حدث عن جده محمد بن هشام بن ملاس قال: سمعت علي بن بشر الكوفي يقول: توفي كدام أبو مسعر بن كدام، فغسل وكفن وأدخل في لحده، فاختلج، فقالوا: حي. فحل من أكفانه بعد خروجه من القبر، فولد له بعد ذلك ابنه مسعر بن كدام. توفي قسيم بن هشام سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. قسيم مولى معاوية ويقال: مولى عمر بن عبيد الله القرشي روى سعيد بن عبد العزيز، عن قسيم قال: كان ملك هذه المدينة - يعني دمشق - له ابنه، فتزوجها ابن أخيه، فطلقها، فأفتاه يحيى بن زكريا أنها لا تحل لك حتى تنكح حتى تنكح زوجاً غيرك. فقالت لها أمها: إذا كنت بين

قصير ويقال قيصر

يدي الملك، فقال: حاجتك؟ فقولي رأس يحيى بن زكريا. فقالت له ذلك، فأعظمه، فقال جلساؤه: أمض لها ما جعلت لها. فأتي يحيى بن زكريا وهو قائم يصلي في جيرون، فقطع رأسه، ثم ذهبت البنت تحمله في طبق، حتى إذا بلغت إلى موضع " الفسقية " خسف بها، فخرجت أمها، فقيل لها: أدركي بنتك، فجاءت ولم يبقى إلا رأسها، فقطعوا رأسها، وأخزى الله ذلك الملك. قصير ويقال قيصر من تابعي أهل دمشق. ويقال من أهل مصر. حدث عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته حيث توجهت به، فسئل: أسنة هي؟ قال: سنة. قالوا: سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فتبسم، وقال: سمعتها. قال أبو حاتم: قيصر من أهل مصر، لا بأس به. قال أبو سعيد بن يونس: قيصر من أبي غزية، مولى تجيب، وينسب إلى ولاء معاوية بن حديج. قضاعي بن عامر ويقال: ابن عمرو العذري ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستعمله على بني أسد، وشهد فتح دمشق. وكان أحد الشهود في كتاب صلحها. روى ابن سعد من طرق قالوا: وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى بني أسد. سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فلا تقربن مياه طيء،

فطبة بن عامر

وأرضهم، فإنه لا تحل لكم مياههم، ولا يلجن أرضهم إلا من أولجوا وذمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بريئة مما عصاه، وليقم قضاعي بن عمرو ". وكتب خالد بن سعيد. وقضاعي بن عمرو من بني عذرة، وكان عاملاً عليهم. عن ابن سراقة أن خالد بن الوليد كتب لأهل دمشق: هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق؛ إني آمنتهم على دمائهم، وأموالهم، وكنائسهم. شهد عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وقضاعي بن عامر، وكتب سنة ثلاث عشرة. فطبة بن عامر ويقال: ابن قتادة، ويقال قتادة بن قطبة العذري له صحبة. شهد غزوة مؤتة، وكان على ميمنة عسكر المسلمين. عن ابن إسحاق قال: وقد كان قطبة بن قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين قد حمل على مالك بن زافلة قائد المستعربة، فقتله، فقال في قتله: " من المتقارب " طعنت ابن زافلة الإراشي ... برمح مضى فيه ثم انحطم ضبت على خده ضربة ... فمال كما مال غصن السلم وسقنا نساء بني عمه ... غداة رقوقين سوق النعم

قطن

قطن بن صالح من أهل دمشق. روى عن ابن جريج وغيره، بسنده، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ". وروى عن إبراهيم بن أدهم بسنده إلى أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يعذب الموحدين على قدر - وفي رواية: بقدر - نقصان إيمانهم، ويردهم - وفي رواية: ثم يردهم - إلى الجنة خلوداً دائمين - وفي رواية: دائماً - ". وروى عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة ". قال أبو الفضل المقدسي في كتاب " تكملة الكامل في معرفة الضعفاء ": قطن بن صالح الدمشقي، روى عن شعبة بن الحجاج أحاديث مناكير. قطن روى أنهم كانوا عند معاوية بن أبي سفيان، فأفطروا في يوم غيم، ثم بدت لهم الشمس على الجبال، فقال معاوية: لا نبالي، نقضي يوماً آخر.

قطن مولى آل الوليد بن عبد الملك

قطن مولى آل الوليد بن عبد الملك كان مع يزيد بن الوليد حين دعا إلى بيعته، وكان من ذوي الرأي من موالي بني أمية. قال خليفة: في تسمية عمال يزيد بن الوليد: خاتم الخلافة: عبد الرحمن بن جميل الكلبي، ويقال قطن مولاه. قال ابن عياش: وكان يزيد بن الوليد يأذن عليه قطن مولاه. قعدان بن عمر شاعر كان بدمشق حين قدمها أحمد بن طولون سنة تسع وستين ومائتين بخلع أبي أحمد الموفق، ومن قوله في ذلك: طال الهدى بابن طولون الأمير كما ... يزهو به الذين عن دين وإسلام قاد الجيوش من الفسطاط يقدمها ... منه على الهول ماض غير محجام في جحفل للمنابا في مقانبه ... مكامن بين رايات وأعلام تسمو به من بني سام غطارفة ... بيض وسود أسود من بني حام حاط الخلافة والدنيا خليفتنا ... بضارم من سيف الله صمصام يا أيها الناس هبوا ناصرين له ... مع الأمير بدهم الخيل في اللام ليست صلاة مصليكم بجائزة ... ولا الصيام مقبول لصيام حتى يرى السيد المأمون ذبكم ... عن الإمام بأطراف القنا الدامي

قعقاع بن أبرهة الكلاعي

قعقاع بن أبرهة الكلاعي شهد صفين مع معاوية، وكان أحد الأمراء يومئذ، وقتل ذلك اليوم. قعقاع بن خليد بن جزء ابن الحارث بن زهير بن جذيمة العبسي شاعر فارس، من وجوه رجالات دولة بني أمية. كانت له بدمشق قطيعة. وذكر أنه كان كاتباً للوليد بن عبد الملك. عن العتبي قال: كتب مسلمة بن عبد الملك وهو بالقسطنطينية إلى أبيه: " من الطويل " أرقت وصحراء الطوانة منزلي ... لبرق تلالا نحو عمرة يلمح أداور أمراً لم يكن ليطيقه ... من القوم إلا القلبي الصمحمح فكتب القعقاع بن خليد العبسي إلى عبد الملك: " من الطويل " أبلغ أمير المؤمنين بأننا ... سوى ما يقول القلبي الصمحمح

قعقاع بن شور السدوسي الذهلي

أكلنا لحوم الخيل رطباً ويابساً ... وأكبادنا من أكلنا الخيل تقرح ونحسبها حول الطوانة طلعاً ... وليس لها حول الطوانة مسرح فليت الفزاري الذي غش نفسه ... وغش أمير المؤمنين يشرح وكان أصابتهم مجاعة حتى أكلوا الخيل، فكتم ذلك مسلمة عبد الملك. وكتب مع رجل من بني فزارة، فذلك معنى قوله: " فليت الفزاري الذي غش نفسه ". قال القاضي: القلبي: الذي يعرف تقلب الأمور، ويتدبرها ويتصفحها، فيعلم مجاريها؛ يقال رجل قلبي حول، وتقليبه، واعتباره، وندبره. ويقال أيضاً: حول قلب كما قال الشاعر: " من الخفيف " حول قلب معن مفن ... كل داء له لديه دواء وقوله: " الصمحمح " أراد به وصفه بالشدة والقوة. وبين أهل العلم بكلام العرب اختلاف في معنى الصمحمح من جهة اللغة، وفي وزنه من الفعل على الطريقة القياسية. قعقاع بن شور السدوسي الذهلي وفد على معاوية. عن القحذمي قال: دخل القعقاع بن شور إلى معاوية والمجلس غاص، فقام رجل عن مجلسه وأجلسه فيه، وأمر معاوية للقعقاع بمائة ألف. فقال للذي قام عن مجلسه: ضمها إليك، ففعل.

القعقاع بن عمرو التميمي

فلما خرجا قال القعقاع: مالك، اقبضه! فقال القعقاع: هو لك بقيامك عن مجلسك، فقال الرجل: " من الوافر " وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاعجليس ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس شور: بفتح الشين المعجمة. القعقاع بن عمرو التميمي يقال: إن له صحبة. وكان أحد فرسان العرب الموصوفين، وشعرائهم العروفين. شهد اليرموك، وفتح دمشق، وشهد لأكثر وقائع أهل العراق مع الفرس، وكانت له في ذلك مواقف مشكورة. عن عمرو بن محمد بإسناده قال: ولما بلغ غسان خروج خالد على سوى وانتسافها، وغارته على مصيخ بهراء وانتسافها اجتمعوا بمرج راهط. وبلغ ذلك خالداً وقد خلف ثغور الروم وجنودها مما يلي العراق، فصار بينهم وبين اليرموك صمد لهم، فخرج من سوى بعدما رجع إليها بسبي بهراء، فنزل الرمانتين - علمين على الطريق - ثم نزل الكثب، ثم سار إلى دمشق فنزل مرج الصفر، فلقي عليه غسان، وعليه الحارث بن الأيهم، وأفلت جبلة، وانتسف عسكرهم، وعيالاتهم. وبعث إلى أبي بكر بالأخماس مع بلال بن الحارث المزني. ثم خرج منالمرج حتى نزل قناة بصرى، فكانت أول مدينة افتتحت بالشام على يد خالد فيمن

معه من جنود العراق، ثم خرج منها، فوافى المسلمين بالواقوصة، فنازلهم بها في تسعة آلاف. وقال القعقاع بن عمرو في مسير خالد من سوى إلى الواقوصة قصيدة أولها: " من الطويل " قطعنا أماليس البلاد بخيلنا ... نريد سوى من آبدات قراقر وكان القعقاع بن عمرو على كردوس من كراديس أهل العراق يوم اليرموك، وقال في يوم اليرموك: " من الوافر " ألم ترنا على اليرموك فزنا ... كما فزنا بأيام العراق فتحنا قبلها بصرى وكانت ... محرمة الجناب لدى البعاق وعذراء المدائن قد فتحنا ... ومرج الصفرين على العتاق فضضنا جمعهم لما استحالوا ... على الواقوص بالبتر الرقاق قتلنا الروم حتى ما تساوي ... على اليرموك ثفروق الوراق وقال يوم دمشق: " من الطويل " أقمنا على داري سليمان أشهراً ... نجالد روماً قد حموا بالصوارم فضضنا بها الباب العراقي عنوة ... فدان لنا مستسلماً كل قائم أقول وقد دارت رحانا بدارهم ... أقيموا بها حز الذرى بالغلاصم

قعنب بن ضمرة

فلما رأوا بابي دمشقيجوزهم ... وتدمر عضوا منهم بالأباهم وقال القعقاع بن عمرو في حمص الآخرة: " من الكامل " يدعون قعقاع لكل كريهة ... فيجيب قعقاع دعاء الهاتف سرنا إلى حمص نريد عدوها ... سير المحامي من وراء اللاهف حتى إذا قلنا دنونا منهم ... ضرب الإله وجوههم بصوارف وكتب عمر إلى سعد: أي فارس أيام القادسية كان أفرس، وأي راجل كان أرجل، وأي راكب كان أثبت؟ فكتب إليه: لم أرى فارساً مثل القعقاع بن عمرو؛ حمل في يوم ثلاثين حملة ويقتل في كل حملة كمياً. قعنب بن ضمرة وهو قعنب بن أم صاحب الفزاري شاعر. قدم على الوليد بن عبد الملك. ومن قوله فيه: " من المتقارب: أتيت الوليد فألفيته ... كما قد علمت عيياً بخيلا قنان بن دارم بن أفلت بن ناشب بن هدم بن عوذ بن غالب بن قطيعة ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار العبسي له صحبة. وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق. قالوا: وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة رهط من بني عبس، فكانوا من المهاجرين الأولين،

قواد مولى سليمان بن عبد الملك

منهم: ميسرة بن مسروق، والحارث بن الربيع - وهو الكامل - وقنان بن دارم، وبشر بن الحارث بن عبادة، وهدم بن سعدة، وسباع بن زيد، وأبو الحصن بن لقمان، وعبد الله بن مالك، وفروة بن الحصين بن فضالة، فأسلموا، فدعا لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخير، وقال: " ابغوني رجلاً يعشركم أعقد لكم لواء "، فدخل طلحة بن عبيد الله، فعقد لهم لواء، وجعل شعارهم: يا عشرة. عن عروة بن أذينة الليثي قال: بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأن عيراً لقريش أقبلت من الشام، فبعث بني عبس في سرية، وعقد لهم لواء، فقالوا: يا رسول الله، كيف نقسم غنيمة إن أصبناها ونحن تسعة؟ قال: " أنا عاشركم " وجعلت الولاة اللواء الأعظم لواء الجماعة، والإمام لبني عبس، ليست لهم راية. عن محرز بن أسيد قال: ثم أن أبا عبيدة أمر خالد بن الوليد، فسار حتى مر ببعلبك، وأرض البقاع، فغلب على البقاع، وأقبل قبل بعلبك حتى نزل عليها، فخرج إليه منهم رجال، فأرسل إليهم فرساناً من المسلمين نحواً من خمسين، أرسل ملحان بن زياد الطائي، وقنان بن دارم العبسي، فحملوا عليهم حتى أقحموهم الحصن، فلما رأوا ذلك بعثوا في طلب الصلح، فأعطاهم ذلك أبو عبيدة، وكتب لهم كتاباً. قواد مولى سليمان بن عبد الملك حكى عن عمر بن عبد العزيز قال: إن أول ما استنكرنا من عمر بن عبد العزيز أنه انفتل من جنازة سليمان بن عبد الملك وقد عمدت إلى دابة من دواب سليمان، فقدمتها إليه، فقال: ما هذه يا قواد؟ قال: دابة من دواب سليمان، فقال: نحها يا قواد: أدن دابتي. ثم أتى المنزل، فإذا البسط قد بسطت، وإذا الفرش قد نجدت فأمر بذلك كله فكشط. ثم دعا بطنفسته فجلس عليها، ودعا بماء فتوضأ، فقال: من أين هذا الماء؟ قالوا: ماء استقاه الأقباط في السحر، مالي ولاستقاء الأقباط! ثم قال: يا قواد، انظر كل دابة استقادها

قوام بن زيد بن عيسى

سليمان فادفعها إلى كعب بن حامد يبيعها، ويجعل ثمنها في بيت المال، وكل دابة كانت له قبل ذلك فادفعها إلى ابنه يقسمها على ورثة أبيه. وقال ابن سميع: قواد - بالواو والتشديد - وروي عنه: فوار - بالفاء والراء قوام بن زيد بن عيسى ابن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي نافع ابن أحمد ابن رافع بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو فرج المري الفقيه الشافعي ذكر الحافظ ابن عساكر رواية أخرى في نسبه، وقال: وكان شيخاً ثقة. وروى من طريقه عن جابر بن عبد الله قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: " هم سواء " ولد أبو الفرج سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. وتوفي سنة تسع وخمسمائة. قال الحافظ: وحضرت دفنه والصلاة علبه مع أبي. قيس بن بسر السندي ابن عبد الله بن سعيد بن يسر بن عبد الواحد ابن عبد الله، أبو نصر النصري ويقال الرعيني روى عن أبي علب العجمي الأحول بسنده، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نظر إلى وجه عالم نظرة، ففرح به خلق الله - تبارك الله وتعالى - من تلك النظرة والفرح ملكاً يستغفر الله لصاحبه إلى يوم القيامة ".

قيس بن ثور بن مازن

قال أبو نصر بن ماكولا في باب بسر - بضم الباء، وبالسين المهملة: قيس بن بسرالسندي. قيس بن ثور بن مازن ابن خيثمة أبو بكر الكندي السكوني من تابعي أهل حمص. أدرك عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن قيس بن ثور أنه قال: هاجرنا على عهد أبي بكر الصديق، فلما قدمنا المدينة نزلنا بالحرة، فخرج إلينا أبو بكر يتلقانا، وهو مخضوب الرأس واللحية بحناء أو كتم أو بهما جميعاً. عن عمرو بن قيس الكندي قال: خرجت مع والدي إلى حوارين لنبايع يزيد بن معاوية، إذ أقبل شيخ، فابتدره الناس، فكنت فيمن ابتدره، فسمعته يقول: " إن من أشراط الساعة أن يسود كل قوم منافقوهم، وإن من أشراط الساعة أن يخزن الفعل، وينشر القول، وإن من أشراط الساعة أن تقرأ المثناة على رؤوس الملأ لا يكون فيهم من يغيرها ". فقال رجل: وما المثناة؟ قال: كل كتاب على غير كتاب الله. قال الرجل: أرأيت ما حدثنا به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فارووه، واحفظوا، ولا تكتبوا إلا القرآن؛ فإنه عنه تسألون،

قيس بن الحارث

وبه تجازون، وكفى به علماً لمن كان يعقل عن الله. فقلت: من هذا الشيخ؟ فقالوا: عبد الله بن عمر بن العاص. قال أبو سعيد بن يونس: قيس بن ثور بن مازن بن خيثمة السكوني. شهد فتح مصر، ثم انتقل إلى حمص فسكنها، وهو والد عمرو بن قيس. قيس بن الحارث ويقال: ابن حارثة الكندي ويقال: الغامدي من أهل حمص. شهد صلاة معاوية، وعمر بن عبد العزيز، وولي القضاء في خلافته. روى عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، عن أبي الدرداء قال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أميركم هذا - يعني معاوية. قال: فقيل لقيس: فأين كانت صلاته من صلاة عمر بن عبد العزيز؟ قال: لا إخالها إلا مثلها. عن عمر بن عبد العزيز، عن قيس بن الحارث أنه أخبره، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رحم الله حارس الحرس ". عن قيس بن الحارث الكندي، عن أبي عبد الله الصنابحي، عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات لا يشرك بالله شيئاً فإن النار محرمة عليه ". قال العجلي: قيس بن الحارث المذحجي شامي تابعي ثقة.

قيس بن الحجاج بن خولي الحميري

قيس بن الحجاج بن خولي الحميري ويقال: الكلاعي السفلي المصري قيل: إنه صنعاني؛ من صنعاء دمشق. والصحيح أنه مصري. روى عن حنش بن عبد الله السبائي، عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو ردفه: " يا غلام، إني محدثك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جفت الأقلام، ورفعت الصحف، والذي نفسي بيده لو أرادت الأمة أن تنفعك ما تنفعك إلا بشيء قد كتب الله لك، ولو أرادت أن يضروك ما ضرتك إلا بشيء قد كتبه الله لك ". عن عبد الأعلى بن الحجاج، عن أخيه قيس بن الحجاج: في قول الله تعالى: " فاصبر صبرا جميلاً ". قال: يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري من هو. عن قيس بن الحجاج؟ قال: قال شيطاني: دخلت فيك وأنا مثل الجزور، وأنا فيك اليوم مثل العصفور، قال: قلت: ولم ذاك؟ قال: تذيبني بكتاب الله. قيس بن حفص أبو محمد البصري نزيل مصر. كان حاجباً لبكار بن قتيبة. قدم دمشق مع بكار بن قتيبة لما اسطحبه أحمد بن طولون إليها لخلع أبي أحمد الموفق.

قيس بن حمزة بن مالك

قال أبو سعيد بن يونس: فيس بن حفص حاجب بكار بن قتيبة القاضي. توفي سنة إحدى وثمانين ومائتين. قيس بن حمزة بن مالك لأبيه حمزة بن مالك وفادة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وولى معاوية قيساً هذا شرطته. وكان من وجوه أهل الشام، ثم عزله. ذكر ذلك خليفة وغيره. وذكر خليفة في تسمية عمال معاوية على الشامات الأردن: قيس بن حمزة الهمذاني قيس بن ذريح بن سنة ابن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي ابن كنانة - يقال: قيس بن ذريح بن الحباب بن سنة - لأبو يزيد الليثي شاعر معروف. قيل: أنه كان أخا الحسين بن علي من الرضاعة، وكان يسكن بادية الحجاز، وهو الذي كان يشبب بأم عمر لبنى بنت الحباب الكعبية، ثم أنه تزوجها، وأقامت معه مدة، فأمره أبواه بطلاقها، فطلقها كارهاً، وتزوجت بعده، ثم زاد تهيامه بها حتى كاد عقله أن يذهب، وكثر ذكره لها في شعره، وتتبعه لهذا حتى شكاه أبوها إلى معاوية، فأهدر دمه. ثم ارتحل إلى معاوية، فدخل إلى يزيد وشكا ما به إليه، وامتدحه، فرق له، وقال: سل ما شئت، إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتم عليه أن يطلقها، فعلت، فقال: لا أريد ذلك، ولكن أحب أن أقيم بحيث تقيم من البلاد، أعرف أخبارها، وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي. قال: لو سألت هذا من غير أن ترحل

إلينا فيه لما وجب أن تمنعه، فأقم حيث شئت. واخذ كتاب أبيه بأن يقيم حيث لا يعترض عليه أحد، وأزال ما كان كتب به في إهدار دمه، فقدم إلى بلده. قال أبو نصر الحافظ: ذريح - بفتح الذال المعجمة وكسر الراء -: قيس بن ذريح الكناني، أخو بني ليث أبو بكر بن كنانة. شاعر مشهور العشق. قال عيسى بن أبي جهمة الليثي: كان قيس بن ذريح رجل منا، وكان ظريفاً شاعراً، وكان يكون في مكة وذويها من قديد وسرف وحول مكة في بواديها كلها. قال: وكان خطب لبنى، وهي امرأة من خزامى، ثم من بني كعب بن عمرو، وكان مسكنها قريباً من مسكنه، فتزوجها، وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية القصوى من الكرامة، ثم وقع الشر بين أم قيس، وبين لبنى، وأبغضتها أمه لما ترى من كلفه بها، فناشدته في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه أن يكلمه في طلاقها، ففعل، فأبى على أبيه، فقالت أمه لأبيه: لا جمعني وإياك سقف أبداً أو يطلق قيس لبنى، فحلف ذريح - وكان قيس به براً - ألا يكلمه أبداً، ولا يشهد له محياً ولا مماتاً، أو يطلقها. فخرج في يوم حار، فقال: لا أستظل أو تطلق لبنى، فطلقها. فقال: أما إنه آخر عهدك بي. ولما طلقها اشتد عليه، وجهد، وضمن، فلما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل متى هم خارجون؟ فقالوا غداً، فقال: " من الطويل " وإني لمف دمع عيني بالبكا ... حذار الذي لما يكن وهو كائن

وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن فما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفي إلا أن ما حان حائن وندم على طلاقها ندماً شديداً، وجعل يأتي منزلها، ويبكي فيه، فلامه أبوه وأهل بيته، فقال: " من الوافر " أمس تراب أرضك يا لبنى ... ولولا أنت لم أمس ترابا وقال في ذلك أيضاً في إتيان منزلها: " من الكامل " كيف السلو ولا أزال أرى لها ... ربعاً كحاشية اليماني المخلق ربعأ لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس إذا طلعت رخيم المنطق قد كنت أعهدها به في غرة ... والعيش صاف والعدى لم تنطق حتى إذا نطقوا وآذن فيهم ... داعي الشتات برحلة وتفرق خلت الديار فزرتها فكأنني ... ذو جنة من سمها لم يعرق ومن أتم ما قاله في لبنى وأشهره وصاح غراب البين وانشقت العصا ... ببين كما شق الأديم الصوانع فلما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصلد الشقوق الصوادع كأنك بدع لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع فما من حبيب دائم لحبيبه ... ولا صاحب إلا به الدهر فاجع

فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع وأعجل بالإشفاق حتى يشفني ... مخافة شعب الدار والشمل جامع قال أيوب بن عباية: خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة له، فاشتراها زوج لبنى، وهو لا يعرفه، فقال له: انطلق معي أعطك الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب فإذا لبنى قد استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، وخرج الرجل في أثره بالثمن ليدفعه إليه، فقال له قيس: لا تركب لي والله مطيتي أبداً، قال: وأنت قيس بن ذريح؟ قال: نعم، قال: هذه لبنى قد رأيتها، تقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها - وظن القرشي أن له في قلبها موضعاً، وأنها لا تفعل - فقال له قيس: أفعل. فدخل القرشي عليها، فخيرها، فاختارت قيساً، فطلقها، وأقام قيس ينتظر انقضاء العدة - وفي رواية: عدتها - ليتزوجها، وماتت في العدة. وفي خبر آخر أن ابن أبي عتيق رأى قيساً، فسأله عن حاله، فقص عليه قصته، قال: انطلق إلى المنزل، فانطلق معه، فأقام ليلته عنده يحدثه بأمره وعشقه، وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب، فأتى عبد الله بن جعفر، فقال: جعلني الله فداك، اركب معي في حاجة لي، فركب، واستنهض معه ثلاثة، أو أربعة من قريش، فمضى بهم، لا يدرون ما يريد حتى أتى باب زوج لبنى، فاستأذن عليه، فخرج، فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم؟ قالوا: حاجة لابن أبي عتيق، استعان بنا عليك فيها، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز، فقالوا لابن أبي عتيق: أخبره بحاجتك؟ فقال: اشهدوا أن امرأته لبنى طالق ثلاثاً، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه، ثم قال: لهذا جئت بنا؟ قبحك الله، وقبح رأيك! فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج أخرى خير من أن يموت مسلم. فقال عبد الله بن جعفر: أما إذ فعل ما أفعل

فاشهدوا أن له عندي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله ى أبرح حتى ينقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها حتى انقضت عدتها، فأتى قيس أباها، فسأله أن ينكحه إياها، فأبى عليه، فمشى إليه قوم من أهلها، وسألوه، وقالوا: قد علمت ما لكل واحد منهما ففي قلب صاحبه، فزوجه إياها، فمكثا عمراً من دهرهما بأنعم عيش. قال أحمد بن هود: أمرت لبنى لها، فاشترى لها أربع غربان، فلما رأتهن بكت، وصرخت، وكتفتهن، وجعلت تضربهن بالسوط حتى متن جميعاً، وجعلت تقول بأعلى صوتها: " من الوافر " لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب فقال غداً تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ود واقتراب فقلت نعيت ويحك من غراب ... أكل الدهر سعيك في تباب لقد أولعت لا لقيت خيراً ... بتفريق المحب عن الحباب فدخل زوجها، فرآها على تلك الحال، فقال: ما دعاك إلى ما أرى؟ قالت: دعاني ابن عمي وحبيبي قيس، أمرهن بالوقوع، فلم يقعن، حيث يقول: " من الطويل " ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع فآليت ألا أظفر بغراب إلا قتلته. قال: فغضب وقال: لقد هممت بتخلية سبيلك! فقالت: لوددت أنك فعلت وأني عمياء، فوالله ما تزوجتك رغبة فيك، ولقد كنت آليت ألا أتزوج بعد قيس أبداً، ولكن غلبني أبي على أمري. أنشد إبراهيم بن أحمد بن أحمد الشيباني لقيس بن ذريح: " من الطويل " وددت من الشوق الذي بي أنني ... أعار جناحي طائر فأطير فما في نعيم بعد فقدك لذة ... ولا في سرور لست فيه سرور وإن امرأ في بلدة نصف نفسه ... ونصف بأخرى إنه لصبور

تفرقت جثماني أسير ببلدة ... وقلبي بأخرى غير تلك أسير ألا يا غراب البين ويحك نبني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير فإن أنت لم تخبر بشيء علمته ... فلا طرت إلا والجناح كسير ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور وله: " من الطويل " تكذبني بالود لبنى وليتها ... تحمل مني مثله وتذوق ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... ورب الهدايا المشعرات صديق تتوق إليك النفس ثم أردها ... حياء مثلي بالحياء حقيق ولم أر أياماً كأيامنا التي ... مررن علينا والزمان أنيق وإني وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الردى لشفيق وحدثني يا قلب أنك صابر ... على الصد من لبنى فسوف تذوق فمت كمداً، أو عش سقيما فإنما ... تكلفني ما لا أراك تطيق أريد سلواً عنكم فيردني ... عليك من النفس الشعاع فريق وقد شهدت نفسي بأنك غادة ... رداح وأن الوجه منك عتيق وأنك قسمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق

قيس بن سعد بن عبادة

وأكتم أسرار الهوى وأميتها ... إذا باح مزاح بهن بروق صبوحي إذا ما ذرت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق أطعت وشاة لم يكن لي فيهم ... خليل ولا حان علي شفيق فإن تسألاني عن لبينى فإنني ... بها مغرم صب الفؤاد مشوق سعى الدهر والواشون بيني وبينها ... فقطع حبل الوصل وهو وثيق وله: " من الطويل " تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد قيس بن سعد بن عبادة ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج أبو عبد الله - ويقال: أبو عبد الملك - الخزرجي الساعدي له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان صاحب لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض غزواته، وخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منه بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وقدم على معاوية دمشق.

عن ابن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرت بهما جنازة، فقاما، فقيل: إنما هو من أهل الأرض، فقالا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرت به جنازة فقام، فقيل إنما هي جنازة يهودي، فقال: " أليست نفساً؟ ". عن قيس بن سعد قال: أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن نصوم عاشوراء قيل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان لم يأمرنا، ولم ينهنا، ونحن نفعله. وقال: أتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعنا له ماء، فاغتسل، ثم أتيناه بملحفة ورسية، فالتحف بها، فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه. قال ابن عيينة: قدم قيس بن سعد على معاوية ليبايعه كما بايع أصحابه، فقال معاوية: وأنت يا قيس تلجم عني مع من ألجم!؟ أما والله لقد كنت أحب ألا يأتي هذا اليوم إلا وقد أصابك ظفر من أظفاري موجع! فقال له قيس: وأنا والله قد كنت كارهاً أن أقوم في هذا المقام، فأحيك بهذه التحية! قال: فقال له معاوية: ولم، وهل أنت إلا حبر من أحبار يهود؟ فقال له قيس: وأنت يا معاوية كنت صنماً من أصنام الجاهلية، دخلت في الإسلام كارهاً، وخرجت منه طائعاً. قال: فقال معاوية: اللهم غفراً مد يدك. قال: فقال له قيس: إن شئت زدت وزدت. أم قيس بن سعد بن عبادة فكيهة بنت عبيد بن دليم بن الحارثة. ولم يزل قيس مع علي حتى قتل علي، فرجع قيس إلى المدينة، فلم يزل بها حتى توفي في آخر خلافة

معاوية بن أبي سفيان. وكان قد أتى الشام والكوفة، وولي مصر لعلي بن أبي طالب، وكان قد شهد فتح مصر واختط بها. وكان من دهاة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكرامهم، وأسخيائهم، وله أخ يسمى سعيد بن سعد. حضر مع علي بن أبي طالب حرب الخوارج والنهروان، ووقعة صفين، وكان مع الحسن بن علي على مقدمته في المدائن، ثم لما صلح الحسن معاوية وبايعه دخل قيس في الصلح، وتابع الجماعة، ورجع إلى المدينة فتوفي بها. قال الخطيب: قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة - بالحاء المهملة المفتوحة - وقيل: دليم بن حارثة بن خزيم بن أبي خزيمة - بالخاء المعجمة المرفوعة -. كان قيس بن يعد رجل ضخماً جسيماً صغير الرأس، له لحية. قال: وكان إذا ركب الحمار خطت رجلاه في الأرض - وفي رواية إلى الأرض. عن يريم بن أسعد الخارفي قال: رأيت قيس بن سعد - وكان خدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين - مسح على خفيه. عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أراد الحج، فرجل أحد شقي رأسه، فقام غلام، فقلد هديه، فنظر قيس، وقد رجل أحد شقي رأسه، فإذا هديه قد قلد، فأهل بالحج ولم يرجل شقه الآخر. عن عاصم بن عمر بت قتادة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل قيس بن سعد بن عبادة على الصدقة.

قالوا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها المهاجرون والأنصار، وهم ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر، إلى حي من جهينة، فأصابهم جوع شديد، فأمر أبو عبيدة بالزاد فجمع حتى إن كانوا ليقتسموه التمرة، فقيل لجابر: فما يغني ثلث تمرة؟ قال: لقد وجدوا فقدها. قال: ولم يك حمولة، إنما كانوا على أقداهم، وأباعر يحملون عليها زادهم. فأكلوا الخبط، وهو يومئذ ذو مشرة - يعني أنه رخص لين الأطراف قبل أن يغلظ - حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضه. فمكثنا على ذلك حتى قال قائلهم: لو لقينا عدواً ما كان بنا حركة إليه، لما بالناس من الجهد، فقال قيس بن سعد: من يشتري مني تمراً بجزر، يوفيني الجزر هاهنا، وأوفيه التمر بالمدينة؟ فجعل عمر يقول واعجباه لهذا الغلام لا مال له، يدان في مال غيره! فوجد رجلاً من جهينة، فقال قيس بن سعد: بعني جزراً وأوفيك سقة من تمر بالمدينة. قال الجهني: والله ما أعرفك، ومن أنت؟ قال قيس " أنا يس بن سعد بن عبادة بن دليم، قال الجهنب: ما أعرفني بنسبك! أما إن بيني وبين سعد خلة، سيد أهل يثرب. فابتاع منه خمس جزائر، كل جزور بوسقن من تمر، يشترط عليه البدوي تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم، قال: يقول قيس: نعم، فقال الجهني: فأشهد لي، فأشهد له نفراً من الأنصار، معهم نفراً من المهاجرين، قال قيس: أشهد من تحب. فكان فيمن استشهد عمر بن الخطاب، فقال عمر: لا أشهد أبداً! هذا يدان ولا مال له؛ إنما المال لأبيه. قال الجهني: والله ما كان سعد ليخني بابنه في سقة من تمر، وأرى وجهاً حسناً، وفعالاً شريفاً. فكان بين عمر وقيس كلام حتى أغلظ له قيس الكلام، وأخذ قيس الجزر فنحرها لهم في

مواطن ثلاثة، كل يوم جزوراً؛ فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره، وقال: تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك؟! عن رافع بن خديج قال: أقبل عبيدة بن الجراح ومعه عمر بن الخطاب، فقال: عزمت عليك ألا تنحر، أتريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك؟! فقال قيس: أبا عبيدة، أترى أبا ثابت وهو يقضي دين الناس، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة ولا يقضي عنه سقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله! فكاد أبو عبيدة أن يلين له، ويتركه حتى جعل عمر يقول: اعزم عليه، فعزم عليه، فأبى عليه أن ينحر، فبقيت جزوران معه - حتى وجد القوم الحوت، ورمى به البحر إليهم - فقدم بهما قيس المدينة ظهراً، يتعاقبون عليها. وبلغ سعد ما كان أصاب القوم من المجاعة، فقال: إن يك قيس كما أعرف فيوف ينحر للقوم. فلما قدم قيس لقيه سعد، فقال: ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابتهم؟ قال: نحرت، قال: أصبت، انحر، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال: أصبت، انحر، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم نحرت، قال: أصبت، انحر، قال: ثم ماذا؟ قال: نهيت، قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة بن الجراح أميري، قال: ولم؟ قال: زعم أنه لا مال لي وإنما المال لأبيك، فقلت: أبي يقضي عن الأباعد، ويحمل الكل، ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا بي. قال: فلك أربعة حوائط. قال: وكتب له بذلك كتاباً. قال: وأتى بالكتاب إلى أبا عبيدة فشهد فيه، وإلى عمر فأبى أن يشهد، وأدنى حائط منها يجد خمسين وسقاً. وقدم البدوي مع قيس، فأوفاه سقته، وحماه وكساه. فبلغ النبي فعل قيس، فقال: " أنه في بيت جود ".

عن جويرية بن أسماء قال: كان قيس بن سعد يستدين ويطعمهم، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أحلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً بأصحابه، فقام سعد بن عبادة خلفه، فقال: من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطاب يبخلان علي ابني! عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثهم في بعث غليه قيس بن سعد بن عبادة، فجهدوا، فنحر لهم تسع ركائب. ومروا بالبحر فوجدوه قد ألقى دابة حوتاً عظيماً. فمكثوا عليه ثلاثة أيام يأكلون منه، ويغترفون شحمه في قربهم، فلما قدموا ذكروا الحوت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه ". عن موسى بن عقبة قال: وقفت على قيس بن سعد عجوز، فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال قيس: ما أحسن هذه الكناية! املؤوا بيتها خبزاً، ولحماً، وسمناً، وتمراً. عن يحيى بن سعيد قال: كان قيس بن سعد بن عبادة يطعم الناس في أسفاره مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت لقيس بن سعد صحفة يدار بها حيث دار. قال: وكان إذا نفذ ما معه تدين، وكان ينادي في كل يوم: هلموا إلى اللحم والثريد. عن محمد بن سلام قال: كان قيس بن سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي حمداً ومجداً، فإنه لا مجد إلا بفعال، ةلا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه. عن عروة قال: باع قيس بن سعد مالاً من معاوية بتسعين ألفاً، فأمر منادياً نادى في المدينة: من

أراد القرض فليأت منزل سعد؛ فأقرض أربعين أو خمسين، وأجاز بالباقي، وكتب على من أقرضه صكاً. فمرض مرضاً قل عواده، فقال لزوجته: قريبة بنت أبي قحافة - أخت أبي بكر -: يا قريبة، لم ترين قل عوادي؟ قالت: للذي لك عليهم من الدين. فأرسل إلى كل رجل بصكه. قال سفيان: أقرض قيس بن سعد رجلاً ثلاثين ألفاً، فجاء يقضيه، فقال له قيس: إنا قوم إذا أعطينا شيئاً لم نرجع فيه. قال قيس بن سعد: تمنيت أن أكون في حال رجل رأيته؛ أقبلنا من الشام، فإذا نحن بخباء، فقلنا: لو نزلنا هاهنا، فإذا امرأة في الخباء، فلم نلبث أن جاء رجل بذود له، فقال لامرأته: من هؤلاء؟ قالت: قوم نزلوا بك، فجاء بناقة، فضرب عرقوبيها، ثم قال: دونكم، وقال: يا هؤلاء، انحروها. قال: فنحرناها، فأصبنا من أطايبها. فلما كان من الغد جاءنا بأخرى، فضرب عرقوبيها، وقال: يا هؤلاء، انحروها. قال: فنحرناها، فقلنا اللحم عندنا كما هو! قال: إنا لا نطعم أضيافنا الغاب. قال: فقلت لأصحابي: إن هذا الرجل إن أقمنا عنده لم يبق عنده بعير، فارتحلوا بنا. وقلت لقيمي: اجمع ما عندك، قال: ليس إلا أربعمائة درهم، قلت: هاتها، وهات كسوتي. فجمعناه، فقلت: بادروه، فدفعنا إلى امرأته، ثم سرنا، فلم نلبث أن رأينا شخصاً، فقلت: ما هذا؟ قالوا: لا ندري! فدنا، فإذا رجل على فرس يجر رمحه، فإذا صاحبنا، فقلت: واسوأتاه! استقل والله ما أعطيناه. قال: فدنا، فقال: دونكم متاعكم، فخذوه، فقلت: والله ما كان إلا ما رأيت، ولقد جمعنا ما كان عندنا، قال: إني والله لم أذهب حيث تذهبون، فخذوه، قلنا: فلا نأخذه، قال: والله لأميلن عليكم برمحي ما بقي منكم رجل أو تأخذونه، قال: فأخذناه، فولى وقال: إنا لا نبيع القرى.

امترى ثلاثة في الأجواد، فقال رجل: أسخى الناس عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وقال آخر: أسخى الناس في عصرنا هذا قيس بن سعد بن عبادة، وقال الثالث: أسخى الناس عرابة الأوسي. فتلاحوا، وأفرطوا، وكثر ضجيجهم في ذلك بفناء الكعبة، فقال لهم رجل: قد أكثرتم فلا عليكم يمضي كل واحد إلى صاحبه يسأله حتى ننظر ما يعطيه، ونحكم على العيان. فقام صاحب عبد الله بن جعفر، فصادفه وقد وضع رجله في غرز راحلته يريد ضيعة له، فقال له: يا ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: قل ما تشاء، قال: ابن سبيل، ومنقطع به. قال: فأخرج رجله من الغرز وقال: ضع رجلك واستو على الناقة، وخذ ما في الحقيبة، ولا تحد عن السف فأنه من سيوف علي بن أبي طالب، وامض لشأنك. قال: فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف خز، وفيها أربعة آلاف دينار، وأعظمها وأجلها خطراً السيف. ومضى صاحب قيس بن سعد بن عبادة، فلم يصادفه، وعاد، فقالت له الجارية: هو نائم، فما حاجتك إليه، قال: ابن سبيل، ومنقطع به، قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال في هذا اليوم غيره، وصر إلى معاطن الإبل، إلى مولانا بغلامينا، فخذ راحلة مرحلة، وما يصلحها، وعبداً، وامض لشأنك. فقيل: إن قيساً انتبه من رقدته، فخبرته المولاة بما صنعت، فأعتقها، وقال لها: ألا أنبهتني فكنت أزيده من عروض ما في منزلنا، فلعل ما أعطيته لم يقع بحيث أراد. ومضى صاحب عرابة الأوسي إليه، فألفاه وقد خرج من منزله يريد الصلاة، وهو متوكئ على عبدين، وقد كف بصره، فقال: يا عرابة، قال: قل ما تشاء؟ قال: ابن سبيل، ومنقطع به، قال: فخلى على العبدين، ثم صفق بيده اليمنى على اليسرى، ثم قال: أوه أوه، والله ما أصبحت، ولا ما أمسي، وقد تركت الحقوق لعرابة من مال، ولكن خذهما - يعني العبدين - قال: ما كنت بالذي أفعل، أقص جناحيك! قال: إن لم

تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده. قال: فأخذهما وجاء بهما. قال: فحكم الناس على ابن جعفر: قد جاد بمال عظيم، وأن ذلك ليس بمستنكر له إلا أن السيف أجلها، وأن قيساً أحد الأجواد؛ حكم مملوكه في ماله بغير علمه، واستحسانه ما فعله، وعتقه لها، وما تكلم به. وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي؛ لأنه جهد من مقل. عن معبد بن خالد قال: كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعاً إصبعه للسبحة - يعني يدعو. عن قيس بن سعد قال: لولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المكر والخديعة في النار "، لكنت من أمكر هذه الأمة. عن ابن شهاب قال: وكان يعدون دهاة العرب حين ثارت الفتنة خمسة رهط، يقال لهم: ذوو رأي العرب في مكيدتهم: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وقيس بن سعد، والمغيرة بن شعبة. ومن المهاجرين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان قيس، وابن بديل مع علي - عليه السلام - وكان المغيرة معتزلاً بالطائف حتى حكم الحكمان واجتمعوا بأذرح. عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان كان قد شق عليهما وعلى أهل الشام ما يصنع قيس بن سعد من مناصحة علي، وما ضيق على أهل الشام، فلا يحمل إليهم

طعام. فكان عمرو بن العاص ومعاوية جاهدين أن يخرجا قيساً من مصر، ويغلبا عليها، وكان قيس قد امتنع منهما بالمكيدة والدهاء، فمكرا بعلي في أمره، فكتب معاوية كتاباً في قيس إليه يذكر فيه ما أتى إلى عثمان من الأمر العظيم، وأنه على السمع والطاعة. ثم نادى معاوية: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في السلاح، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أهل الشام إن الله ينصر خليفته المظلوم، ويخذل عدوه. أبشروا، هذا قيس بن سعد، ناب العرب قد أبصر الأمر، وعرفه على نفسه، ورجع إلى ما عليه من السمع والطاعة، والطلب بدم خليفتكم. وكتب إلي بذلك كتاباً - وأمر بالكتاب فقرى - وقد أمر بحمل الطعام إليكم، فادعوا الله لقيس بن سعد، وارفعوا أيديكم، وابتهلوا له في الدعاء بالبقاء والصلاح. فعجوا، وعج معاوية وعمرو، ورفعوا أيديهم ساعة، ثم افترقوا، فأخذ معاوية بيد عمرو بن العاص، فقال: تحين خروج العيون اليوم إلى علي؛ يسير الخبر إليه سبعاً، أو ثمانياً، يكون أول من يعزل قيس بن سعد، فكل من ولي يكون أهون علينا من قيس، فتحينوا خبر علي؛ فلما ورد عليه الخبر كان أول من حمله إليه محمد بن أبي بكر، فأخبره بما صنع، ورفده الأشتر، ونالا من قيس، وقال: ألا استعملت رجلاً له حق، فجعل علي لا يقبل هذا القول على قيس بن سعد، ويقول: إن قيساً فيسر وشرف في جاهلية وإسلام، وقيس رجل العرب. فيأبى محمد بن أبي بكر أن يقصر عنه، فعزله علي. عن يحيى بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة قال: قدم قيس بن سعد المدينة، فأرسلت إليه أم سلمى تلومه وتقول: فارقت صاحبك، قال: أنا لم أفارقه طائعاً هو عزلني. فأرست إليه: إني سأكتب إلى علي في أمرك. وراح قيس إليها، فأخبرها الخبر، فكتبت إلى علي تخبره بنصيحة قيس وأبيه في القديم والحديث، وتلومه على ما صنع، فكتب علي إلى قيس يعزم عليه إلا لحق به، قال: والله ما أخرج إليه إلا استحياء، وإني لأعلم أنه مقتول؛ معه جند سوء لا نية لهم. فقدم على علي فأكرمه وحباه.

وأخبره قيس بخبره، وما كان يعمل بمصر، فعرف علي أن قيساً كان يداري أمراً عظيماً من المكيدة التي قصر عنها رأي غيره، وأطاع علي قيساً في الأمر كله، وجعله على شرطة الخميس الذين كانوا يبايعون للموت. فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم، والأسود بن أبي البختري يتغيظ عليهما، وأنبهما أشد التأنيب وقال: أمددتما علياً بقيس بن سعد، برأيه ومكيدته؟ والله لو أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان أغيظ لي بإخراج قيس بن سعد إليه! وكان قيس بن سعد لما قدم المدينة تآمر فيه الأسود بن أبي البختري، ومروان بن الحكم أن يبيتاه فيمن معهما، وبلغ ذلك قيساً، فقال: والله إن هذا لقبيح؛ أن أفارق علياً وإن عزلني، والله لألحقن به. وكان قيس بن سعد بن عبادة مع علي بن أبي طالب في مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات علي. فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبى قيس بن سعد أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم؟ إن شئتم جالدت بكم أبداً حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أماناً. فقالوا: خذ لنا. فأخذ لهم: أن لهم كذا وكذا، ولا يعاقبون بشيء، وأنا رجل منهم، وأبى أن يأخذ لنفسه خاصة شيئاً. فلما ارتحل نحو المدينة ومعه أصحابه جعل ينحر كل يوم جزوراً حتى بلغ صراراً. عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال: دخل قيس بن سعد بن عبادة مع رهط من الأنصار على معاوية، فقال لهم معاوية: يا مشر الأنصار، بم تطلبون ما قبلي؟ فوالله لقد كنتم قليلاً معي كثيراً علي، ولفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم، ولهجوتموني بأشد من وخز الأشافي، حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله قلتم: ارع فينا وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هيهات، يأبى الحقين العذرة!

فقال قيس بن يعد: نطلب ما قبلك بالإسلام الكافي به، لا بما يمت به إليك الأحزاب. وأما عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك، وأما هجاؤنا إياك فقول يزول باطله، ويثبت حقه، وأما استقامة الأمر عليك فعلى كره كان منا، وأما فلنا حدك يوم صفين فإنا كنا مع رجل نرى طاعته لله طاعة، وأما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنا فمن آمن به رعاها بعده، وأما قولك: " يأبى الحقين العذرة " فليس دون الله يد تحجرك، فشأنك يا معاوية! فقال معاوية: سوءة ارفعوا حوائجكم. عن رجل من ولد الحارث بن الصمة يكنى أبا عثمان أن ملك الروم أرسل إلى معاوية أن ابعث إلي بسراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما نظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك. قال: فقام، فتنحى، فجاء بها، فألقاها إلى معاوية، فقال: يرحمك الله، وما أردت إلى هذا؟ ألا ذهبت إلى بيتك فبعثت بها؟! فقال قيس: " من الطويل " أردت بها أن يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود وألا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادي نمته ثمود وإني من الحي اليماني لسيد ... وما الناس إلا سيد ومسود فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم ... شديد وخلقي في الرجال شديد قال: فأمر معاوية بأطول رجل في الجيش، فوضعها على أنفه، قال: فوقعت في الأرض، قال: فدعا له بسراويل، فلما جاء بها قال له قيس: نح عنك ثيابك هذه، فقال معاوية: " من البسيط " أما قريش فأقوام مسرولة ... واليثربيون أصحاب التبابين فقال قيس: " من البسيط " تلك اليهود التي يعني ببلدتنا ... كما قريش هم أقل السياخين

قيس بن عباد

وجاء من طريق آخر أن قيصر كتب إلى معاوية إني قد وجهت إليك رجلين: أحدهما أقوى رجل ببلادي، والآخر أطول رجل في أرضي، فأخرج إليهما ممن في سلطانك من يقاوم كل واحد منهما، فإن غلب صاحباك حملت إليك من المال وأسارى المسلمين كذا وكذا، وإن غلب صاحباي هادنتني ثلاث سنين. قيس بن عباد أبو عبد الله الضبعي القيسي البصري عن قيس بن عباد قال: بينما أنا بالمدينة في المسجد في الصف المقدم قائم أصلي، فجبذني رجل من خلفي، فنحاني، وقام مقامي. فوالله ما عقلت صلاتي. فلما انصرف فإذا هو أبي بن كعب، فقال: يا فتى لا يسوءك الله، إن هذا عهد من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا أن نليه. ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقدة ورب الكعبة، ورب الكعبة ثلاثاً. ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا. قلت: من تعني بهذا؟ قال: الأمراء. عن قيس بن عباد قال: سمعت عمر يقول: من سمع حديثاً فأداه كما سمع فقد سلم. وقال: قدمت المدينة ألتمس العلم والشرف فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران، وهو واضع يده على منكب رجل، وله غدائر، قال: قلت: من هذا؟ قالوا علي، وعمر واضع يده على منكب علي. عن النضر بن عبد الله أن قيس بن عباد وفد إلى معاوية، فكساه ريطة من رياط مصر، فرأيتها عليه قد شق علمها.

قال خليفة بن خياط في الطبقة الأولى من طبقات أهل البصرة: ومن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة، ثم من بني ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل: قيس بن عباد. عن النضر بن عبد الله أن قيس بن عباد كان يركب الخيل، ويرتبطها. وكانت له فرس عربية، فكلما نتجت مهراً، فأدرك حمل عليه في سبيل الله. وكان إمامهم، فإذا صلى الغداة لم يزل يذكر الله حتى يرى السقائين قد مروا بالماء مخافة أن يصير أجاجاً، أو يصير غوراً، وحتى يرى الشمس قد طلعت من مطلعها مخافة أن تطلع من مغربها. وإذا كان بين الرجلين من الحي كلام فرأى أن أحدهما ظالم لم يمنعه شرفه ولا نسبه أن يأتيه، فيكلمه، ويوبخه، ويأمره أن يرجع إلى الحق، ويقلع عن الظلم. قدم قيس بن عباد المدينة في خلافة عمر، وكان ثقة قليل الحديث. وروي أن رجلاً أخذ بلجام فرسه، فجعل يذكره، ويسبه. فلما بلغ إلى منزله قال: خل عن لجام الدابة، يغفر الله لي ولك. عن عبد الله بن قيس بن عباد، عن أبيه أنه أوصى قال: كفنوني في بردتي عصب، وجللوا سريري بكسائي الأبيض الذي كنت أصلي فيه، فإذا أضعجتموني في حفرتي فجوبوا ما يلي جسدي من الكفن حتى تفضوا بي إلى الأرض - يعني يشق عنه من الكفن ما يلي الأرض. عباد: بضم العين وتخفيف الباء.

قيس بن عباية بن عبيد

قيس بن عباية بن عبيد ابن الحارث بن عبيد الخولاني من خولان قضاعة. سكن الشام بداريا. قال عبد الجبار بن محمد: قيس بن عباية بن عبيد بن الحارث بن عبيد. من خولان قضاعة، حليف بني حارثة بن الحارث. من الأوس. شهد بدراً وهو حدث السن، وشهد فتوج الشام مع أبي عبيدة بن الجراح وهو كهل يستشيره أبو عبيدة في أموره. قال عبد الرحمن بن إبراهيم: هو قيس بن عباية، أبو محمد البدري. توفي في إمارة معاوية بن أبي سفيان. ومن ولد قيس بن عباية، جماعة بداريا إلى يومنا هذا. قيس بن أبي حازم عبد عوف ابن الحارث ويقال: عوف بن عبد الحارث أبو عبد الله البجلي الأحمسي من أهل الكوفة. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره - وقيل: إنه رآه - ولأبيه صحبة. وكان مع خالد بن الوليد حين توجه إلى العراق، وشهد فتح بصرى واليرموك. وقدم دمشق، وشهد وفاة معاوية. عن قيس أبي حازم، عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرحم الله من لا يرحم الناس ". قال قيس بن أبي حازم: كنت صبياً فأخذ أبي بيدي، فذهب إلى المسجد، فخرج رجل، فصعد المنبر،

فحمد الله وأثنى عليه، ونزل. فقلت لوالدي: من هذا؟ قال: هذا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأنا إذ ذاك ابن سبع سنين، أو تسع. قال الخطيب: لا تثبت رؤية قيس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن قيس بن أبي حازم قال: وقال: أمنا خالد بن الوليد باليرموك في ثوب واحد، قد خالف بين طرفيه، وخلفه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: دخلنا على معاوية في مرضه الذي مات فيه، وكأن ذراعيه سعفتان محترقتان، فقال: إنكم تقلبون: فتى حولاً قلباً، وأي فتى أهل البيت إن نجا غداً من النار! قال: وأخرج معاوية ذراعيه كأنهما عسيبا نخل، ثم قال: ما الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا، والله لوددت أني لا أعيش فيكم ثلاثاً حتى ألحق بالله. قالوا: يا أمير المؤمنين، إلى رحمة الله، وإلى رضوانه، قال: إلى ما شاء الله، فقد علم الله أني لم آل، وما أراد الله أن يغير غير. عن أبي نصر بن ماكولا قال: وفي اليمن: أحمس بن الغوث بن أنمار بن عمرو بن الغوث بن زيد بن كهلان. منهم: أبو حازم، وهو: عوف بن عبد الحارثبن عوف بن حشيش بن هلال بن الحارث بن رزاح. كان شريفاً. وابنه: قيس بن أبي حازم. وقال: وأما حشيش - بحاء مهملة - في بجيلة حشيش بن هلال بن الحارث بن

قيس بن عمرو

رزاح. ومن ولده: أبو حازم البجلي، واسمه: عبد عوف - ويقال: عوف - بن الحارث بن عوف بن حشيش. له صحبة. وابنه قيس بن أبي حازم. قال الخطيب: وكان قد نزل الكوفة، وحضر حرب الخوارج بالنهروان مع علي بن أبي طالب، وكان عثمانياً. عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر في مرضه، وأسماء بنت عميس تروحه، فكأني أنظر إلى وشم في ذراعها، قال: يا أبا حازم، قد أخرت لك فرسيك. قال: وكان وعدني ووعد أبي فرساً. وقال: دخلت على أبي بكر الصديق مع أبي، فقال: من هذا؟ فقال: ابني، فقال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قال: قيس بن أبي حازم كوفي جليل، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة إلا قيس بن أبي حازم. مات قيس بن أبي حازم البجلي في آخر ولاية سليمان بن عبد الملك، وذكروا أن وفاته كانت سنة ثمان وتسعين. قيس بن عمرو أبي صعصعة بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ويقال: ابن مبذول بن مازن بن صعصعة بن هوازن حليف بني النجار. له صحبة. شهد بدراً والعقبة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم شهد اليرموك أميراً على كردوس.

عن قيس ابن أبي صعصعة أنه قال: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال: " في خمسة عشر "، قال: فإني أجدني أقوى من ذلك، قال: " ففي كل جمعة "، قال: فإني أجدني أقوى من ذلك، قال: فسكت لذلك وهو مغضب عليه، ثم رجع، تقرأفي خمس عشرة ليلة. ثم قال: يا ليتني قيلت فريضة رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن سعد: أمه ثبيتة بنت عاصم بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. وكان لقيس من الولد: الفاكه، وأم الحارث؛ وأمهما: أمامة بنت معاذ بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن غنم بن كعب بن سلمة بن الخزرج. وليس لقيس اليوم عقب. وشهد قيس بن أبي صعصعة العقبة مع السبعين من الأنصار - في رواية موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبي معشر، ومحمد بن عمر - وشهد قيس أيضاً بدراً واحداً. عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل قيس بن أبي صعصعة يوم بدر على المشاة - يعني الساقة. عن عقبة بن حميري قال: أشهد أني سمعت أبا بكر الصديق يقول: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بشر من شهد بدراً بالجنة ".

قيس بن عمرو بن مالك

قيس بن عمرو بن مالك ابن حزن بن الحارث بن خديج بن معاوية ابن خديج بن الحماس بن ربيعة بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عمرو بن علة بن جلد ابن مالك بن أدد الحارثي، المعروف بالنجاشي شاعر مشهور وفد على معاوية. قال أبو الحسن المدائني: ضرب علي بن أبي طالب النجاشي في شرب الخمر، فأتى معاوية يستأمنه، فشاور معاوية مروان، فقال: لا تفعل، قال: إذاً يقول في شعراً فتكون أنت أول من ترويه! يا غلام، نادى بأمانه. قال: فأذن له، وكان أعوراً قصيراً، فلما رآه معاوية استصغره، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الرجال ليست بجزر فتستسمن، وإنما المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، ثم خرج يقول: " من الطويل " ألم يأتي أهل المشرقين نصيحتي ... وأني نصيح لا يبيت على عتب هلكتم وكان الشر آخر عهدكم ... لئن لم تدارككم حلوم بني حرب قال أحمد بن يحيى ثعلب: وقال بعض أصحابنا: استعدى تميم بن مقبل عمر بن الخطاب على النجاشي، فقال: يا أمير المؤمنين، هجاني، فأعدني عليه. قال: يا نجاشي، ما قلت؟ قال: يا أمير المؤمنين، قلت ما لا أرى أن علي فيه إثماً؛ قلت: " من الطويل " قبيلة لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل فقال عمر: ليتني من هؤلاء! قال: ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوراد عن كل منهل

قيس بن مشجر

قال عمر: وما على هؤلاء متى وردوا؟ قال: هل غبر هذا؟ قال: وما سمي العجلان إلا لقوله خذ ... القعب فاحلب أيها العبد فاعجل قال عمر: خير القوم أنفعهم لأهله. قال تميم: سله عن قوله: إذا الله عادى أهل لؤم وذلة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل أولئك أولاد الهجين وأسرة ال ... لئيم ورهط العاجز المتذلل تعاف الكلاب الضاريات لحومهم ... وتأكل من كعب عوف ونهشل فقال عمر: أما هذا فلا أعذرك عليه فحبسه وضربه قال الحسن بن بشر الآدمي: خديج بن عمرو بن مالك بن حزن بن الحارث بن خديج بن معاوية بن خديج بن الحماس بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد. شاعر. وهو أخو النجاشي - وهو قيس بن عمرو - وكان محسناً، وهو القائل يرثي أخاه النجاشي: " من الطويل " من كان يبكي هالكاً فعلى فتى ... ثوى بلوى لحج وآبت رواحله فتى لا يطيع الزاجرين عن الندى ... وترجع بالعصيان عنه رواحله قيس بن مشجر ويقال: ابن المشجر اليعمري أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد غزوة مؤتة، وقال في ذلك شعراً منه: " من الطويل "

قيس بن موسى

وجاشت إلي النفس من نحو جعفر ... بمؤته إذ لا ينفع النابل النبل وما صعهم قوم كرام أعزة ... مهاجرة لا مشركون ولا عزل قيس بن موسى أبو عبد الرحمن الأعمى من فقهاء أهل دمشق، وأهل الفتوى بها. قال أبو عبد الرحمن قيس الأعمى: دعاني الوليد بن مروان - وهو أمير على دمشق - فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما يفرق - أو قال: ما الفرق - بين: " اختاري "، و" أمرك بيدك "؟ فقلت: إن الرجل إذا قال: أمرك بيدك فقد ملكها الأمر، وإذا قال: اختاري فهي في ملكه بعد. قال: لقد قلت قولاً! قيس بن هانئ العبسي ويقال: العنسي قال علي بن محمد: ثم دعا - يعني يزيد بن الوليد، بعد قتل الوليد - الناي إلى تجديد البيعة له، فكان أول من بايعه: الأفقم بن يزيد بن هشام، وبايعه قيس بن هانئ العبسي، وقال: يا أمير المؤمنين، اتق الله، ودم على ما أنت عليه، فما قام مقامك أحد من أهل بيتك. وإن قالوا: عمر بن عبد العزيز، فأنت أخذتها بحبل صالح، وإن عمر أخذها بحبل سوء.

قيس بن هبيرة المكشوح

فبلغ مروان بن محمد قوله، فقال: ماله، قاتله الله! ذمنا جميعاً، وذم عمر! فلما ولي مروان بعث رجلاً، وقال: إذا دخلت مسجد دمشق فانظر قيس بن هانئ، فإنه طالما صلى فيه، فاقتله. فانطلق الرجل، فدخل مسجد دمشق، فرأى قيساً يصلي، فقتله. قيس بن هبيرة المكشوح ابن عبد يغوث بن الغزيل بن سلمة بن بدا ابن عامر بن عوثبان بن زاهر بن مراد، أبو حسان المرادي أحد شجعان العرب. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يره. وهو ممن أعان على قتل الأسود الكذاب. وشهد اليرموك، وأصيبت عينه به. عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: كان عمرو بن معدي كرب قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا قيس، أنت سيد قومك اليوم. وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد، قد خرج بالحجاز يقول: إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه، فإن كان نبياً كما يقول فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه، اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فإنه إن يسبق إليه رجل من قومك سادنا، وترأس علينا، وكنا له أذناباً. فأبى عليه قيس، وسفه رأيه؛ فركب عمرو بن معدي كرب في عشرة من قومه حتى قدم المدينة، فأسلم، ثم انصرف إلى بلاده. فلما بلغ قيس بن مكشوح خروج عمر أوعد عمراً، وتحطم عليه، وقال: خالفتني، وتركت رأيي، فقال عمرو في ذلك شعراً: " من الوافر " أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمراً بادياً رشده أمرتك باتقاء الل ... هـ والمعروف تأتفده

خرجت من المنى مثل ال ... حمير عاره وتده وجعل عمرو يقول: لقد خبرتك يا قيس أنك تكون ذنابى تابعاً لفروة بن مسيك، وجعل فروة يطلب قيس بن مكشوح كل الطلب، حتى هرب من بلاده، وأسلم بعد ذلك. قال الدارقطني: الغزيل بتشديد الياء، وخففها ابن ماكولا. قال أبو عبيدة الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني: كان قيس بن المكشوح سيد قومه، وهو ابن أخت عمرو بن معدي كرب. وهو القائل لعمر بن معدي كرب - وكانا متباغضين: " من الوافر " كلا أبوي من عم وخال ... كما ابنئته للمجد نام ولو لاقيتني لاقيت قرناً ... وودعت الحبائب بالسلام لعلك مودعي ببني زبيد ... وما جمعت من نوكى لئام عن ابن إسحاق قال: وكان الأسود بن كعب العنسي قد ظهر باليمن، وتنبأ بصنعاء، وتكلم الكذب. فكان سبب قتل الأسود بن كعب أنه كانت عنده امرأة من بني غطيف سباها، وهي عمرة بنت عبد يغوث بن المكشوح، وامرأة من الأبناء ممن استبى، ويقال لها: بهرانة ابنة الديلم أخت فيروز بن الديلم، وكان فيروز يخل عليه إذا شاء لمكان أخته، وكان قيس يدخل عليه إذا شاء لمكان أخته، وكانا نديمين له. فلما قدم قيس على الأسود لقي فيروز، فأخبره الخبر، وأطمعه في قتله؛ وذلك أن قيساً سمع المهاجر بن أبي أمية يخبرهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للمسلمين: " إنكم ستقتلون الأسود "، فطمع قيس في قتله، وقد قتل

أخاه عمر بن عبد يغوث، ودخل معهما رجل من الأبناء في ذلك يقال له: داذاويه، فاجتمعوا على ذلك من قتله، وأفضى قيس ذلك إلى أخته، فقال لها: قد عرفت عداوته لقومه، وما قدر ركبهم به، والرجل مقتول لا شك فيه، فإن استطعت أن يكون بنا فافعلي، فندرك ثأرنا، وتكون مأثرة لنا، فتحيني لنا غرته إذا سكر. فطاوعته على ذلك وقال فيروز لصاحبته مثل ذلك؛ فقال: قد علمت ما قد ركب هذا الرجل من قومك، وما يريد بهم، وقد كان يريد أن يجليهم من اليمن، فتحيني لنا غرته إذا سكر عندك؛ فإنه مقتول، فليكن ذلك بنا، فندك ثأرنا، وتكون مأثرة لنا. فطاوعته على ذلك. وكان مقتله في بيت الفارسية، وذلك أنها أمرت، فجعل في شراب له البنج، فلما غلب على عقله بعثت إلى أخيها أن شأنك وما تريد، فإن الرجل مغلوب. وأقبلوا ثلاثتهم: قيس، وفيروز، وداذويه حتى أنتهوا إلى الباب، فقالوا: أينا يكفي الباب لا يدخل علينا أحد؟ فقال داذويه: أنا أكفيكم الباب، فكان أشد ثغورهم. فلما دخلا على الرجل قال فيروز لقيس: إن شئت أن تجثم على صدره، وأضربه، وإن شئت أن أجثم على صدره وتضربه. قال قيس: اجثم أنت على صدره، واضبطه أكفك قتله. فجثم فيروز على صدره، وضبطه، وضربه قيس بسيفه، فقتله، واحتز رأسه، فبعث به إلى المهاجر بن أبي أمية. فلما أتاه مقتل الأسود أقبل حتى دخل صنعاء، فقال قيس بن عبد يغوث المرادي حين قتل الأسود العنسي: " من الرجز " ضربته بالسيف ضرب الأسفان ... ضرب امرئ لم يخشى عقبى العدوان من زبر شيطان ولا سلطان ... فمات لا يبكيه منا إنسان نشوان لا يعقل وهو يقظان ... ضل نبي مات وهو سكران ثم تنازع هؤلاء النفر الثلاثة في قتله، فقال قيس: أنا قتلت الرجل واحتززت رأسه، وقال فيروز: أنا ضبطته لك، ولولا ذلك لم تصل إلى قتله، وقال داذويه: أنا كفيتكم ألا يدخل عليكم أحد، وكان أشد ثغوركم، ولولا ذلك لم تقدروا على قتله.

والتمس قيس أن يغتالهما، فصنع لهما طعاماً، ثم دعاهما واحداً واحداً، فقتل داذويه ونذر فيروز فخرج، وكان في ذلك بينهما أمر تعاظم فيه الشر حتى أصلح بينهما المهاجر بحمالة، فقال قيس في ذلك: " من الكامل " زعم ابن حمراء القصاص بأنه ... قتل ابن كعب نائماً نشوانا كلا وذي البيت الذي حجت له ... شعث المفارق تمسح الأركانا لأنا النا الذي نبهته فقتلته ... ولقد تكبد قائماً يقظانا فعلوته بالسيف لا متهيباً ... مما يكون غداً ولا ما كانا فانصاع شيطان لكعب هارباً ... عنه وأدبرممعناً شيطانا قال ابن سعد: كتب أبو يكر إلى المهاجر بن أبي أمية أن يبعث إليه بقيس بن مكشوح في وثاق. فقال: قتلت الرجل الصالح داذويه! وهم بقتله، فكلمه قيس، وحلف أنه لم يفعل، وقال: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استبقني لحرمك؛ فإن عندي بصراً بالحرب ومكيدة للعدو، فاستبقاه أبو بكر، وبعثه إلى العراق، وأمر ألا يولى شيئاً، وأن يستشار في الحرب. وكان عمر يقول: لولا ما كان من عفو أبي بكر عنك - يعني عن قتله داذوي - لقتلتك بداذوي، فيقول قيس: يا أمير المؤمنين، قد والله أشعرتني، ما سمع هذا منك أحد إلا اجترأ علي، وأنا بريء من مقتله. فكان عمر بعد يكف عن ذكره، ويأمر إذا بعثه في الجيوش أن يشاور، ولا يجعل إليه عقد أمر، ويقول: إن له علماً بالحرب، وهو غير مأمون.

قالوا: إن أبا بكر أوصى أبا عبيدة بقيس بن هبيرة بن مكشوح المرادي، وقال: إنه قد صحبك رجل عظيم الشرف، فارس من فرسان العرب، لا أظن له حسنة، ولا عظيم نية في الجهاد، وليس في المسلمين غناء عن رأيه ومشورته وبأسه في الحرب، فأدنه، وألطفه، وأره أنك عنه غير مستغن؛ فإنك مستخرج بذلك نصيحته وجهده وجده على عدوك. ودعا أبو بكر قيس بن هبيرة بعدما مضى أبو عبيدة، فقال: إني قد بعثتك مع أبي عبيدة الأمين، الذي إن ظلم لم يظلم، وإذا أسيء إليه غفر، وإذا قطع وصل. رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين؛ فلا تعصه؛ فإنه لن يأمرك إلا بخير. وقد أمرته أن يسمع منك، فلا تأمره إلا بتقوى الله. وقد كنا نسمع أنك سائس حرب، وذلك في زمان الشرك والجاهلية الجهلاء، ليس فيها إلا الإثم والكفر، فاجعل بأسك اليوم في الإسلام على من كفر بالله، وعبد غيره، فقد جعل الله لك فيه الأجر العظيم، والعز للمؤمنين. قال: فقال له قيس: إن بقيت وبقيت لك فسيبلغك من حيطتي على المسلم، وجهادي المشرك ما يسرك ويرضيك. فقال أبو بكر: مثلك فعل هذا! فلما بلغه مبارزة البطريكين بالجابية، وقتله إياهما قال: صدق قيس ووفى. وأمد أبو عبيدة بن الجراح أهل القادسية بتسعة عشر رجلاً ممن شهد اليرموك، منهم: عمرو بم معدي كرب الزبيدي، وطليحة بن خويلد الأسدي، وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري، والأشعث بن قيس الكندي، وقيس بن مكشوح المرادي. عن أبي كبران الحسن بن عقبة: أن قيس بن المكشوح قال مقدمه من الشام مع هاشم، وقام فيمن يليه، فقال: يا معشر العرب، إن الله تعالى قد من عليكم بالإسلام، وأكرمكم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأصبحتم بنعمة الله إخواناً، دعوتكم واحدة، وأمركم واحد بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد، ويخطف بعضكم بعض اختطاف الذئاب. فانصروا الله ينصركم، وتنجزوا من الله فتح فارس، فإن إخوانكم من أهل الشام قد أنجز الله لهم فتح الشام، وانثيال القصور الحمر، والحصون الحمر.

قيس الهلالي

قال خليفة العصفري في تسمية من قتل مع علي بصفين: قيس بن مكشوح المرادي. وكانت صفين سنة سبع وثلاثين. قيس الهلالي له شعر في حرب أبي الهيذام. قال قيس الهلالي في يوم داريا: " من الوافر " كأنا يوم داريا أسود ... تدافع عن مساكنها أسودا تركنا أهل داريا رميماً ... حطاماً في منازلهم همودا قتلنا فيهم حتى رثينا ... لهم ورأيت جمعهم شريدا إذا غضب الإله على أناس ... دعا قيساً فصيرهم خمودا وذلك أن قيساً غير شك ... من الصوان بل خلقت حديدا قيظى بن قيس بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن مجدعة بن حارثة ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو - وهو النبيت - بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم أجنادين. أسماء الرجال على حرف الكاف كابس بن ربيعة بن مالك السامي البصري كان يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. استقدمه معاوية بن أبي سفيان، فنظر إليه. قال عباد بن منصور: كان رجل منا يقال له: كابس بن ربيعة يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال قوم من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما رأينا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشبه منه، إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أحد حسناً منه - يعني أرق منه رقة حسن.

كافور أبو المسك الإخشيدي

قال أبو نصر بن ماكولا: حسم - بحاء وسين مهملتين -: حسم بن الحارث بن سامة بن لؤي. من ولده: كابس بن ربيعة بن مالك بن عدي بن الأسود بن حسم بن ربيعة. كافور أبو المسك الإخشيدي صاحب مصر. ولي إمرة دمشق بعد سيده الإخشيدي محمد بن طغج بن جف. وكانت وفاة الإخشيد في سنة أربع - ويقال خمس - وثلاثين وثلاثمائة بدمشق، فلما مات أقعد ابناه مكان أبيهما، وكان المدبر لأمرهما كافور. ثم سار كافور إلى مصر، فقتل غلبون المغربي المتغلب عليها، وملكها. وقصد سيف الدولة بدمشق، فملكها. ثم إن أهل دمشق خافوا من حيف سيف الدولة، فكاتبوا كافوراً، فجاء إلى دمشق، فملكها سنة خمس - وقيل سنة ست - وثلاثين وثلاثمائة، فأقام بها يسيراً، ثم ولي بدر الإخشيدي، ويعرف ببدير، ورجع كافور إلى مصر. كان مجلس كافور الإخشيدي غاصاً بالناس، فدخل إليه رجل، وقال في دعائه: أدام الله أيام سيدنا - بكسر الميم من الأيام - وفطن لذلك جماعة من الحاضرين أحدهم صاحب المجلس حتى شاع ذلك، فقام من أوسط الناس رجل، فأنشأ يقول: " من البسيط " لا غزو إن لحن الداعي لسيدنا ... أو غص من دهش بالبريق أو حصر فمثل هيبته حالت جلالتها ... بين الأديب وبين القول بالحصر وإن يكن خفض الأيام عن غلط ... في موضع النصب لا عن قلة البصر فقد تفاءلت من هذا لسيدنا ... والفأل مأثوره عن سيد البشر فإن أيامه خفض بلا نصب ... وإن أوقاته صفو بلا كدر

كافور بن عبد الله

قال أبو محمد الكتاني: وفيها - يعني سنة ست وخمسين وثلاثمائة - توفي كافور الإخشيدي. قال أبو نصر عبيد الله بن سعيد الوائلي السجستاني الحافظ: وجدت على قبر الأمير أبي المسك الإخشيدي - رحمه الله - بيتين، وهما: " من البسيط " ما بال قبرك يا كافور منفرداً ... بالصحصح المرت بعد العسكر اللجب تدوس قبرك أفناء الرجال وقد ... كانت أسود الثرى تخشاك في الكثب كافور بن عبد الله أبو الحسن الحبشي الخصي الليثي الصوري روى عنه الحافظ بن عساكر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أحدكم مرآة أخيه، فإذا رأى به شيئاً فليمطه عنه ". وروى عنه بسنده إلى جبير بن مطعم، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في المغرب ب " الطور ". قال الحافظ: أنشدنا أبا الحسن كافور، وذكر أنهما له: " من الكامل " ضيعت أيامي ببست وهمتي ... تأبى المقام بها على الخسران وإذا الفتى في البؤس أنفق عمره ... فمن الكفيل له بعمر ثان توفي كافور سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ببغداد.

كالب بن يوفنا بن بارص

كالب بن يوفنا بن بارص ابن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام ورد مع موسى - علبه السلام - أرض كنعان من البلقاء مننواحي دمشق، وهو الذي قام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع بن نون، ويقال بل القائم بعد يوشع فنحاس بن العازر. عن ابن إسحاق قال: لما نشأت النواشيء من ذراريهم - يعني الذين أبو قتال الجبارين مع موسى - وهلك آباؤهم، وانقضت الأربعون سنة التي تتيهوا فيها سار بهم موسى - عليه السلام - ومعه يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنا. فلما انتهوا إلى أرض كنعان، وبها بلعم بن باعور المعروف، وكان قد آتاه الله علماً، وكان فيما أوتي من العلم اسم الله الأعظم - فيما يذكرون - الذي إذا دعي الله أجاب، وإذا سئل به أعطى. عن وهب بن منبه قال: إن يوشع بن نون لما حضرته الوفاة استخلف على بني إسرائيل كالب بن يوفنا، ولم تكن لكالب نبوة، ولكنه كان رجلاً صالحاً، وكانت بنو إسرائيل منقادة له، فوليهم زماناً يقيم فيهم من طاعة الله ما كان يقيم يوشع بن نون، والناس لا يختلفون عليه يعترفون له بالفضل، وذلك مما كان الله - عز وجل - أكرمه حتى قبضه الله على منهاج يوشع. كامل بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن سلامة بن الحسين بن محمد بن يزيد ابن أبي جميل، أبو تمام المقرئ الضرير قرأ القرآن بحرف ابن عامر.

كامل بن ديسم بن مجاهد

قال الحافظ بن عساكر: قرأت عليه القآن العظيم. وكان خيراً ثقة، كثير الدرس للقرآن، مواظباً على صلاة الليل. وحج مرتين، توفي في الثانية منهما محرماً قيل قضاء نسكه في السابع من ذي الحجة سنة أربعين وخمسمائة، ودفن بمكة. ومات بعلة البطن غريباً، فحصلت له الشهادة من وجهينز كامل بن ديسم بن مجاهد ابن عروة بن تغلب بن محمود، أبو الحسن النصري الفقيه العسقلاني، المعروف بالمقدسي قدم دمشق مرتين: في سنة أربع وثمانين، وسنة خمس وثمانين وأربعمائة. روى عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن الترجمان بسنده إلى أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هذه خديجة قد أتتك، ومعها إناء فيه إدام - أو طعام أو شراب - فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. قال الحافظ بن عساكر: حدثني أبو الحسين بن كامل: أن أباه قتلته الفرنج - خذلهم الله - يوم دخلوا بيت المقدس، وهو يصلي. وكان دخولهم بيت المقدس في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. كامل بن علي بن سلم ابن علي أبو الثمام السنبسي الهيتي الأعور كان مقامه بشيزر يعلم بها أولاده الأمير أبي سلامة بن منقذ. وكان قد تأدب بالعراق، وكان له شعر جيد. وقدم دمشق. وكان ينسخ بالأجرة.

روى عن أبيه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أكرم شاب شيخاً لكبر سنه إلا قيض الله من يكرمه عند كبر سنه ". أنشد أبو الثمام لنفسه: " من البسيط " نبئت عيسى له في العلم معرفة ... وفطنة بلغات العجم والعرب فهات قل لي ما حجر وما حجر ... وما الحجى والحجى يا بارع الأدب الحجر: المنع. وحجر: الثوب أيضاً بالفتح، ويقال بالكسر. وحجر: اسم رجل. والحجى، بكسر الحاء -: العقل، والحجى - بفتح الحاء - واحدتها حجاة، وهي القبيبة تكون على وجه الماء من وقع المطر، ومثل الحجاة: الجعدبة والكعدبة. وما حجين وساهور وما سمر ... والفخت والهالة الشوهاء في الشهب حجين: اسم من أسماء القمر، وكذلك الساهور، والسمر: ضوء القمر، ومنه اشتقاق السمرة. والفخت الظل منه. ويقال: الفخت ضوءه أيضاً. والهالة: الدارة التي تكون حول القمر. والشوهاء: الحسنة هاهنا. والشوهاء أيضاً: القبيحة. والشوهاء: المرأة الشديدة الإصابة بالعين. والشهب: النجوم. وما السكاك وما لوح وجونته ... يوح وما الضح ذات النجر واللهب السكاك واللوح: وهو الهواء البعيد من الأرض. والجونة: الشمس. والنجر: الحر وما براح إذا أذكت وديقتها ... وما ذكاء وراح البارح الحصب براح أيضاً من أسماء الشمس، وهي مبنية على الكسر. وأذكت: أوقدت.

كامل بن محمد بن عبد الله

والوديقة: شدة الحر. وذكاء أيضاً من أسماء الشمس. والراح: اليوم الشديد الريح. والبارح: الريح الحارة. والحصب: الذي يرمي بالحصباء. وابنا سمير وما إل وما يلل ... وما الشغا في خلال الظلم والشنب ابنا سمير: الليل والنهار. والإل: الربوبية والقدرة. والإل: العهد. والإل: القرابة، واليلل: إقبال الأسنان على باطن الفم؛ يقال منه: قد يللت، فأنا أيل يللا. والشغا: هو أن تختلف نبتة الأسنان، فلا تتسق. والظلم - ساكن اللام - ماء الأسنان. والشنب: برد الأسنان، وعذوبة مذاقها. كامل بن محمد بن عبد الله ابن هارون بن محمد بن موسى، أبو البركات القرشي الصوري روى عن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن طلحة الصيداوي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مشى لأخيه المسلم في حاجته كتب الله له بكل خطوة سبعين حسنة، ومحا عنه بكل خطوة سبعين سيئة منذ يبتدئ في الحاجة إلى أن تقضى، فإن قضيت الحاجة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فإن مات قبل ذلك دخل الجنة ". كامل بن المخارق الصوفي من ساكني دمشق. كان من أحسن الناس وجهاً، وكان قد لزم منزله وأقبل على العبادة، وكان لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، فإذا خرج يريد المسجد وقف له الناس، ورموه بأبصارهم ينظرون إليه.

كامل بن مكرم أبو العلاء

كامل بن مكرم أبو العلاء حدث عن محمد بن مروان البيروتي بسنده إلى كعب بن محمد القرظي في قوله: " فلنحيينه حياة طيبة "، قال: القناعة. كتائب بن علي بن حمزة ابن الخضر بن أحمد بن سليمان، أبو البركات السلمي المعروف بابن المقصص قال الحافظ بن عساكر: رأيته مرات ولم أسمع منه شيئاً، وسمع منه أبو محمد بن صابر، وابنه، وذكر أنه سأله عن مولده، فقال: ولدت في النصف من ربيع الأول في سنة أربع وأربعين وأربعمائة بدمشق. وكان قد صنف رسالة ذكر فيها بعض الخلفاء، وجماعة من الأئمة بسوء، فحملت إلى الرحبة، فوقف عليها فقيه من أهل الرحبة، فحملها إلى والي الرحبة، وأوقفه على ما فيها، فكتب إلى طغتكين أتابك والي دمشق، فعرفه ذلك، فقبض على ملكه، ونفاه عن دمشق. كثير بن الحارث أبو أمين الحميري عن كثير بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية: أنه سمع علي بن أبي طالب يذكر أنه أمر فاطمة تستخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، أنه قد شق علي الرحى، وأرته أثراً في يدها من أثر الرحى، فسألته أن يخدمها خادماً، فقال: " ألا أعلمك خيراً من ذلك - أو قال: خيراً من الدنيا وما فيها - إذا أويت إلى فراشك فكبري أربع وثلاثين تكبيرة، وثلاثاً وثلاثين تحميدة، وثلاث وثلاثين تسبيحة، فذلك خير لك من الدنيا وما فيها ". فقالعلي: ما تركتها منذ سمعتها. فقيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.

كثير بن زيد

وروى عن القاسم أنه حدثه، عن فضالة بن عبيد أنه سمعه يقول: الإسلام ثلاثة أبيات: سفلى، وعلى، وغرفة؛ فالسفلى الإسلام، والعلى النوافل، والغرفة الجهاد. قال أبو زرعة: قلت - يعني لعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم -: فكثير بن الحارث؟ قال: ما أعرفه، قلت: فتدفعه؟ قال: لا يدفع. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن ماكولا في باب أمين - بضم الهمزة -: أبو أمين كثير بن الحارث البهراني. كثير بن زيد أبو محمد المدني الأسلمي، ثم السهمي سهم أسلم. مولاهم. روى عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لهي أشد على الشيطان من الحديد " - يعني السبابة.

وروى عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدرين عن أبيه، عن جده، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه ". سئل أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء، فقال: لا أعلم فيه حديثاً يثبت، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح، وربيح ليس بمعروف. قال كثير بن زيد: قدمت خناصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز، فرأيته يرزق المؤذنين من بيت المال. قال خليفة بن خياط في الطبقة السابعة من أهل المدينة: كثير بن زيد يكنى أبا محمد، مولى لبني سهم من أسلم، يقال له: ابن صافنة، وهي أمه. توفي آخر زمن أبي جعفر. حدث مالك أن عمر بن عبد العزيز قال ذات ليلة، ومعه مزاحم، ورجل يقال له: ابن صافنة قال: فدخلت عليه، فإذا بمائدة عليها صحفة مخمرة بمنديل، وعمر قائم يركع، قال: فركع ركعتين، ثم أقبل، فجلس، فاجتبذ المائدة بيده، ثم قال لي: كل، أين عيشنا اليوم من عيشنا إذ كنا بمصر؟ قال: فقلت: لا شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لقد رأيتني وكنا لو صافني أهل قرية لوجدتما يعمهم. ثم قال: أين عيشنا هذا من عيشنا بالمدينة؟! ثم استبكى. قال: فنادى مزاحم: أن قم، قال: فقمت، قال: فأخبرني من الغد أته إذا أصابه مثل هذا لم يعد إلى طعامه.

كثير بن زيد بن محمد

سئل أبو زرعة عن كثير بن زيد، فقال: هو صدوق، وفيه لين. وسئل أبو حاتم عنه فقال: صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه. كثير بن زيد بن محمد ابن سلامة أبو الطيب الغساني اللاذقي روى عن الحسين بن السميدع الأنطاكي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر ". كثير بن شهاب بن الحصين ذي الغصة - ويقال: الحصين ذو الغصة - بن يزيد بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب بن مذحج أبو عبد الرحمن الحارثي المذحجي يقال: إن له صحبة، ولا يصح. وفد على معاوية حين أتى بحجر بن عدي. وكان قد ولي الري في أيام معاوية، وهو الذي تولى فتح قزوين، وقيل: تولى فتحها البراء بن عازب. قدم أصبهان مع أبي موسى الأشعري. قال كثير بن شهاب في الرجل الذي لطم الرجل فقالوا: يا رسول الله، ولاة يكونون علينا، لا نسألك عن طاعة من اتقى وأصلح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسمعوا وأطيعوا ". عن كثير بن شهاب قال: سألنا عمر عن الجبن، فقال: سموا عليه وكلوا.

وعن حمزة الزيات قال: كتب عمر إلى كثير بن شهاب: مر من قبلك فليأكل الخبز الفطير بالجبن، فإنه أبقى في البطن. قال أبو مخنف عمن ذكره: وكتب - يعني زياداً -: شهادة الشهود - يعنيالذين شهدوا على حجر وأصحابه - في صحيفة، ثم دفعها إلى وائل بن حجر الحضرمي، وكثير بن شهاب الحارثي، وبعثهما عليهم وأمرهما أن يخرجاهم. وجاء وائل بن حجر، وكثير بن شهاب، فأخرجا القوم عشية، قال: فمضوا بهم حتى انتهوا إلى الغريين، فلحقهم شريح بن هانئ معه كتاب، فقال لكثير: بلغ كتابي هذا أمير المؤمنين، فقال: ما فيه؟ فقال: لا تسألني، ما فيه حاجتي. فأبى كثير، وقال: ما أحب أن آتي أمير المؤمنين بكتاب لا أدري ما فيه، وعسى لا يوافقه، فأتى به وائل بن حجر، فقبل منه، ثم مضوا حتى انتهوا إلى مرج عذراء، وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلاً. قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة: كثير بن شهاب بن الحصين ذي الغصة، سمي بذلك لغصة كانت في حلقه، ابن يزيد بن شداد بن قنان بن سلمة بن وهب بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن كعب بن مذحج. وكان أبوه شهاب بن الحصين قتل قاتل أبيه الحصين يوم الردة. وكان كثير بن شهاب سيد مذحج الكوفة، وكان بخيلاً، وكان قليل الحديث. قال العجلي: كثير بن شهاب كوفي تابعي ثقة.

كثير بن الصلت بن معدي كرب

كثير بن الصلت بن معدي كرب ابن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد بن الحارث الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة أبو عبد الله الكندي المدني قيل: إنه أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهو أخو زييد بن الصلت. وكان كاتباً لعبد الملك بن مروان على الرسائل. عن ابن عمر: أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلاً فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً، وأن مطيع بن الأسود كان اسمه العاص، فسماه مطيعاً. وعن نافع: أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلاً فسماه عمر بن الخطاب كثيراً. عن كثير بن الصلت، عن زيد بن ثابت قال: أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ". عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة "، فقال عمر: لما أنزلت أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: اكتبنيها؟ فكأنه كره ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لو يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.

كثير بن عبد الله

قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة: زييد بن الصلت، وأخوه كثير بن الصلت، بن معدي كرب بن وليعة بن شرحبيل بن حجر القرد بن الحارث الولادة بن عمرو بن معاوية بن كندة، وهو كندي بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وإنما سمي الحارث الولادة لكثرة ولده، وسمي حجر القرد، والقرد في لغتهم الندي الجواد. والحارث الولادة هو أخو حجر بن عمرو آكل المرار. والملوك الأربعة: مخوس، ومشرح، وجمد، وأبضعة بنو معدي كرب بن وليعة بن شرحبيل، وهم عمومة زييد وكثير ابني الصلت، وكانوا وفدوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأشعث بن قيس، فأسلموا، ورجعوا إلى بلادهم، ثم ارتدوا فقتلوا يوم النجير. وإنما سموا ملوكاً لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكه بما فيه. وهاجر كثير، وزييد، وعبد الرحمن بنو الصلت إلى المدينة فسكنوها، وحالفوا بني جمح بن عمرو من قريش، فلم يزل ديوانهم ودعوتهم معهم حتى زمن المهدي أمير المؤمنين، فأخرجهم من بني جمح، وأدخلهم في حلفاء العباس بن عبد المطلب. ولد كثير بن الصلت في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان له شرف وحال جميلة في نفسه، وله دار بالمدينة كبيرة. ومن ولد كثير بن الصلت: محمد بن عبد الله بن كثير. قال العجيلي: كثير بن الصت مدني تابعي ثقة. كثير بن عبد الله - ويقال: كثير بن فروة - بن خثيم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور أبو محمد السلمي المعروف بأبي العاج ولقب بذلك لطول ثناياه. كان من أهل الشام. استخلفه عدي بن أرطاة على

كثير بن عبيد بن نمير

واسط. وولاه يوسف بن عمر البصرة في أيام هشام بن عبد الملك. وولي كثير هذا الشرطة بدمشق من قبل عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي إذ كان أمير دمشق للوليد بن يزيد. كثير بن عبيد بن نمير أبو الحسن المذحجي الحمصي المقرئ الحذاء إمام جامع حمص. كان ثقة. روى عن بقية بن الوليد بسنده إلى عون بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل قتيلاً فله سلبه ". وعن بقية بسنده إلى ثوبان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه رأى ناساً على دوابهم في جنازة، فقال: " ألا تستحيون؟! الملائكة يمشون على أقدامهم وأنتم ركبان! " عن أبي بكر بن أبي داود أن كثير بن عبيد أم بأهل حمص ستين سنة، فما سها في صلاة قطز قال أبو سليمان الربعي: سنة سبع وأربعين ومائتين - فيها مات كثير بن عبيد الحذاء. وروي أنه حدث بحمص سنة خمس وخمسين ومائتين - فالله أعلم.

كثير بن قيس

كثير بن قيس ويقال: قيس بن كثير الحمصي عن كثير بن قيس قال: جاء رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء بدمشق يسأله عن حديث بلغه يحدث به أبو الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له أبو الدرداء: ما جاء بك تجارة؟ قال: لا، قال: ولا جئت طالب حاجة؟ قال: لا، قال: وما جئت تطلب إلا هذا الحديث؟ قال: لا، قال: فابشر - إن كنت صادقاً - فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من رجل يخرج من بيته يطلب علماً إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يطلب، وإلا سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في البحر، ولفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، لإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم ". قال ابن سميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام: كثير بن قيس، أمره ضعيف، لم يثبته أبو سعيد - يعني دحيماً. ذكره أبو زرعة في الطبقة التي تلي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي العليا. كثير بن كثير - ويقال: ابن أبي كثير - أبو كامل الجرشي مولى هشام بن الغاز. قال كثير بن كثير الجرشي: اشترى هشام بن الغاز جارية رومية، فوجد معها نفقة قد خبأتها في عقاص رأسها، فسأل مكحولاً وأنا معه، فقال له: إني أصبت مع هذه الجارية نفقة، فما رأيك

كثير بن مرة

فيها؟ فقال مكحول: أما الغزاة فقد انقضت، والناس قد افترقوا، والفيء قد قسم، فلا أرى لها وجهاً أفضل من أن تصدق بها على المساكين. قال أبو كامل: صليت خلف مكحول على بساط، وخلفه يزيد بن يزيد بن جابر، فكلما سجد مكحول رفع يزيد بن يزيد البساط، فسجد على الأرض، فلما سلم مكحول قال ليزيد: إنك إمام يقتدى بك، فلا تعد لمثل هذا. كثير بن مرة أبو شجرة - ويقال: أبو القاسم - الحضرمي الحمصي أدرك سبعين من أهل بدر. وحضر الجابية من قرى دمشق. عن كثير بن مرة الحضرمي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تبنى بيعة في الإسلام، ولا يجدد ما خرب منها ". وروى عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ساعة السبحة حين تزول الشمس عن كبد السماء، وهي صلاة المخبتين، وأفضلهما في شدة الحر ". قال كثير بن مرة - وكان يرمي بالفقه - لمعاذ بن جبل:

من المؤمنون؟ قال معاذ: أمبرسم والكعبة؟ إن كنت لأظنك أفقه مما أنت! هم الذين أسلموا وصاموا، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. قال ابن سعد: كثير بن مرة الحضرمي يكنى أبا شجرة. كان ثقة. قال ابن يونس: قدم على عبد العزيز بن مروان. عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى كثير بن مرة - وكان يسمي الجند المقدم - أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أحاديثهم، إلا حديث بن هريرة. قال أبو زرعة: قلت لدحيم: فمن يكون معهم في طبقتهم من أصحابنا؟ - يعني جبير بن نفير، وأبا إدريس الخولاني - فقال: كثير بن مرة. فذاكرته: سنه، ومناظرة أبي الدرداء إياه في القراءة خلف الإمام، وقول عوف بن مالك فيه: أرجو أن تكون يا كثير رجلاً صالحاً، فرآه معهما في طبقة. عن كثير بن مرة الحمصي قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، فمررت بعوف بن مالك الأشجي، وهو باسط رجليه، قال: فضم رجله - وفي رواية: رجليه - ثم قال: يا كثير بن مرة، أتدري لم بسطت رجلي؟ بسطتهما رجاء أن يجيء رجل صالح فأجلسه، وإني أرجو أن تكون رجل صالحاً. وقال: لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء

كثير بن ميسرة

فيمقتوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تحدث به غير أهله فتجهل، إن عليك في علمك حقاً كما أن عليك في مالك حقاً. وقال: رأيت منامي كأني دخلت درجة عليا من الجنة، فجعلت أطوف فيها، وأتعجب منها. وإذا أنا بنساء من نساء المسجد في ناحية منها، فذهبت حتى سلمت عليهن، ثم قلت: بم بلغتن هذه الدرجة؟ قلن بسجدات وكسيرات. أدرك كثير بن مرة وفاة عبد الملك. كثير بن ميسرة مصري. وفد على عمر بن عبد العزيز. قال الليث: حسبت أن عمرو بن الحارث حدثني: أن كثير بن مرة قدم على عمر بن عبد العزيز بعد قفل القسطنطينية، فقال عمر: يا بن ميسرة، هل كنت ترجو قفلاً من القسطنطينية قبل افتتاحها؟ فقال: ما كنت أرجو ذلك إلا بمكانك رجاء أن تكلم سليمان في أن يأذن لنا، قال: هيهات! يرحم الله أبا أيوب، لقد كان حسم ذكر ذلك من الناس، فلا يقدر أحد على أن يكلمه فيه إلا بتقريب فتحها، وإني لأذكر أنها حلقة كان الله أبهما على مدينة الكفر، فأكون أنا أفكها، ثم ذكرت الذي أخاف أن يكون وصل إليهم من الجهد فرأيت أن آذن لهم. فقيل لعمر: إن أهل القسطنطينية أصابه مجرب شديد، قال: فأي الأمور خير للجرب؟ قال: زيت الزيتون مطبوخ بالدفلى. فأمر برواية كبيرة فطبخت، ثم حملت إليها. قيل أن كثير بن مرة سمع عمر بن الخطاب. قال الحافظ: ويبعد أن يكون من سمه عمر بن الخطاب يغزو في زمن عمر بن عبد العزيز.

كثير بن هراسة الكلابي البصري

كثير بن هراسة الكلابي البصري كان من صحابة عبد الملك بن مروان. وله مع الحجاج خبر طويل. قال كثير بن هراسة لابنه: أي بني، إن من الناس ناساً ينقصونك إن زدتهم، وتهون عليهم إذا خاصمتهم، وليس لرضاهم موضع تعرفه، ولا لسخطهم موضع تنكره؛ ف إذا رأيت أولئك بأعيانهم فأبذل لهم وجه المودة، وامنعهم موضع الخلصة يكن ما بذلت لهم من المودة دافعاً لشرهم، وما منعتهم من موضع الخلصة قاطعاً لحرمتهم. كثير بن هشام أبو سهل الكلابي الرقي نزيل بغداد. نسبه أهل بعض العلم إلى دمشق، لأنه كان يجهز إليها. روى عن جعفر بن برقان بسنده إلى أنس بن مالك قال: خدمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشر سنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه، أو ضيعته فلامني؛ فإن لامني أحد من أهله إلا قال: " دعوه، فلو قدر - أو قال: لو قضي - أن يكون كان ". وروى عن جعفر بن برقان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نكاحين: أن تزوج المرأة على عمتها، ولا على خالتها ". وروى عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة ". قال ابن عمار: كثير بن هشام دمشقي سمسار، كان يكون ببغداد. وقال في موضع آخر: كان يجهز إلى دمشق سمساراً، وإلى الرقة، وإلى ذي الناحية، وهو ثقة. قال محمد بن سعد: كثير بن هشام، ويكنى أبا سهل، وهو صاحب جعفر بن برقان، نزل بغداد، باب الكرخ في السور، وكان يجهز على التجار إلى الرقة وغيرها من الجزيرة والشام. وكان ثقة صدوقاً. ثم خرج إلى الحسن بن سهل، وهو بفم الصلح، فمات هناك في شعبان سنة سبع ومائتين. قال العجلي: كثير بن هشام الكلابي. ثقة صدوق، يتوكل للتجار، يحترف. وقال يحيى بن معين: ثقة، نحن أول من كتب عنه.

كثير بن يسار

كثير بن يسار أبو الفضل الطفاوي البصري روى عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: أتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر وريان، فقال: " أنى لكم؟ " فقال: عندنا تمر بعل، فبعنا صاعين بصاع، فقال: " ردوه على صاحبكم، فبيعوه بسعر التمر ". وروى عن أبي صفوان - شيخ من أهل مكة - عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرج علي خراج في عنقي، فتخوفت منه، فأخبرت به عائشة، فقلت: سلي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فسألته، فقال: " ضعي يدك عليه، ثم قولي - ثلاث مرات -: بسم الله، اللهم أذهب عني شر ما أجد بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك، بسم الله ". قالت: ففعلت، فانخمص. قال كثير أبو الفضل: شهدت الوليد بن عبد الملك بدمشق صلى الجمعة والشمس على الشرف، ثم صلى العصر. وروى عن الحسن قال: كان راية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوداء. قال أبو نصر الحافظ: أما يسار - أوله ياء معجمة باثنين من تحتها، وسين مهملة - كثير بن يسار، أبو الفضل البصري.

كثير الصنعاني اليماني

كثير الصنعاني اليماني وفد على عبد الملك بن مروان. عن كثير الصنعاني قال: كنت مع الضحاك بن فيروز الديلمي يوم رد عبد الملك على عروة سيف الزبير، قال: فخرجا به إلي، فسمعت الضحاك يعتذر إليه، قال: وسمعت عروة يقول له: " من البسيط " لا تأمن الموت في حل ولا حرم ... إن المنايا بجنبي كل إنسان واسلك طريقك هوناً غير مكترث ... فسوف يأتيك ما يمني لك الماني الخير والسر مجموعان في قرن ... بكل ذلك يأتيك الجديدان ولا تقولن لشيء سوف أفعله ... لعل فيه غداً يأتي بتبيان

كثير بن عبد الرحمن بن الأسود

كثير بن عبد الرحمن بن الأسود ابن عامر بن عويمر بن مخلد بن سبيع بن جعثمة ابن سعد بن مليح بن عمرو بن عامر بن لحي بن قعمة بن إلياس ابن مضر، أبو صخر الخزاعي الشاعر الحجازي، المعروف بابن أبي جمعة وهو كثير عزة وفد على عبد الملك بن مروان، وروى عنه خطبة له. ووفد على عمر بن عبد العزيز، وغيره من خلفاء بني أمية، وكان من فحول الشعراء. قال محمد بن سلام: كثير بن عبد الرحمن الخزاعي، وهو ابن أبي جمعة، وكنيته أبو صخر، وهو عند أهل الحجاز أشعر من كل من قدمناه عليه. وقال: سمعت يونس النحوي يقول: كان ابن إسحاق يقول: كثير أشعر أهل الإسلام. ورأيت ابن أبي حفصة يعجبه مذهبه في المديح جداً، يقول: كان يستقصي المديح. وكان فيه مع جودة شعر خطل وعجب، وكانت له منزلة عند قريش وقدر. قال عبد الغني بن سعيد: وكثير - بضم الكاف وتشديد الياء المعجمة - كثير بن عبد الرحمن، وهو ابن أبي جمعة، ويكنى أبا صخر. مات هو وعكرمة في يوم واحد، يقال: سنة خمس ومائة. عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: لقي الفرزدق كثيراً بقارعة البلاط وأنا معه، فقال: أنت يا أبا صخر أنسب العرب حين تقول: " من الطويل "

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل فقال له كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر العرب حين تقول: " من الطويل " ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وأن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا - قال: وهذان البيتان لجميل، سرق أحدهما كثير، والآخر الفرزدق - فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، هل كانت أمك ترد البصرة؟ قال: لا، ولكن كان أبي يردها. قال طلحة بن عبد الله: والذي نفسي بيده لعجبت من كثير، ومن جوابه، وما رأيت أحداً قط أحمق منه؛ رأيتني وقد دخلت عليه، ومعي جماعة من قريش، وكان عليلاً، فقلنا: كيف تجدك يا أبا صخر؟ قال: بخير، سمعتم الناس يقولون شيئاً؟ - وكان يتشيع - فقلنا: نعم، يقولون أنك، الدجال، قال: والله لئن قلت ذلك، إني لأجد ضعفاً في عيني هذه منذ أيام عن سليمان بن فليح قال: استنشدني يوماًَ أمير المؤمنين هارون الرشيد لكثير، فأنشدته نسيب قصيدة له، ثم وقفت، فقال لي: مالك؟ فقلت: إنه قد مدح بني مروان يا لأمير المؤمنين، فقال: أمضه، فمضيت في مديحها حتى فرغت، ثم استزادني، فزدته شباب قصيدة أخرى، فلم انتهيت إلى المديح وقفت، فقال لي: مالك؟ فقلت: إنه قد مدح بني مروان يا أمير المؤمنين، فقال: أمضه، فمضيت في مديحها حتى أنشدته قصائد له، فجعل يعجب من شعره، فقال له يحيى بن خالد: ما مدحكم به ابن أبي حفصة أجود من هذا حين يقول: " من البسيط " نور الخلافة في المهدي تعرفه ... وذلك النور في موسى وهارون

فقال له أمير المؤمنين الرشيد: دع هذا الكلام عنك يا أبا علي، فو الله لا نمدح بمثل شعر كثير حتى يحاك لنا بمثل طراز هشام. قال أبو عبد الله الجمحي: وكان لكثير في التشبيب نصيب وافر، وجميل مقدم عليه في النسيب. وله من فنون الشعر ما ليس لجميل. وكن جميل صادق الصبابة والعشق، وكان كثير يقول، ولم يكن عاشقاً، وكان راوية جميل، وهو الذي يقول: " من البسيط " ألمم بعز إن الركب منطلق ... وإن نأتك ولم يلمم بها خرق قامت تراءى لنا والعين ساجية ... كأن إنسانها في لجة غرق ثم استدار على أرجاء مقلتها ... مبادراً خلسات الطرف يستبق كأنه حين ما المأقيان به ... در تحلل من أسلاكه نسق قال: وسمعت الناس يستحسنون من قوله ويقدمونه: " من الطويل " أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل وقدم كثير على عبد الملك بن مروان الشام، فأنشده والأخطل عنده، فقال عبد الملك: كيف ترى يا أبا مالك؟ قال: أرى شعراً حجازياً مقروراً لوقد ضغطه برد الشام لاضمحل. وأخبرني أبان بن عثمان البجلي قال: دخل كثير على عبد الملك، فأنشده مدحته التي يقول فيها: " من الطويل "

على ابن أبي العاص دلاص حصينة ... أجاد المسدي سردها وأذالها فقال له عبد الملك: أفلا قلت كما قال الأعشى لقيس بن معدي كرب: " من الكامل " وإذا تجيء كتيبة ملمومة ... شهباء يخشى الذائدون نهالها كنت المقدم غير لابس جنة ... بالسيف تضرب معلماً أبطالها فقال: ياأمير المؤمنين، وصفه بالخرق، ووصفتك بالحزم. عن رجل من بني عامر بن لؤي قال: حدثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل أيهما أصدق عشقاً، ولم يكونوا يعرفونه بوجهه، ففضلوا جميلاً على عشقه، فقلت لهم: ظلمتم كثيراً، كيف يكون جميل أصدق عشقاً من كثير، وإنما أتاه عن بثينة بعض ما يكره، فقال: " من الطويل " رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وبالغر من أنيابها بالقوادح والقوادح ما يصيبها ويعيبها. وكثير أتاه عن عزة ما يكره، فقال: " من الطويل "

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت فما انصرفوا إلا على تفضيلي. عن العتبي قال: كان عبد الملك بن مروان يحب النظر إلى كثير، إذ دخل عليه آذنه يوماً فقال: يا أمير المؤمنين، هذا كثير بالباب، فاستبشر عبد الملك وقال: أدخله يا غلام. فدخل كثير، وكان دميماً حقيراً تزدريه العين، فسلم بالخلافة، فقال عبد الملك: " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه! "، فقال كثير: مهلاً يا أمير المؤمنين. فإنما الرجل بأصغريه - قال القاضي: العرب تقول: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. وهو مثل سائر - بلسانه وقلبه، فإن نطق نطق ببيان، وإن قاتل قاتل بجنان. وأنا الذي أقول يا أمير المؤمنين: " من الوافر " وجربت الأمور وجربتني ... فقد أبدت عريكتي الأمور وما يخفى الرجال علي أني ... بهم لأخو مثاقبة خبير ترى الرجل النحيف فتزدريه ... وفي أثوابه أسد مزير ويعجبك الطرير فتبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير وما عظم الرجال لهم بزين ... ولكن زينها كرم وخير بغاث الطير أطولها جسوماً ... ولم تطل البزاة ولا الصقور ويروى: بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الصقر مقلاة نزور وفي بغاث الطير لغتان: بغاث وبغاث - بالفتح والضم فخطأ عند أهل

العلم باللغة، وقد أجاز بعضهم الضم، والمقلات: التي لا يعيش لها ولد، والقلت - بفتح اللام - الهلاك. قال أبو عبد الله الجمحي: أخبرني عثمان بن عبد الرحمن قال: أنشد كثير بن عبد الملك حين أزمع بالمسير إلى مصعب: " من الطويل " إذا ما أراد الغزو لم تثن همه ... كعاب عليها نظم در يزينها نهته، فلم تر النهي عاقة ... بكت وبكى مما شجاها قطينها فقال عبد الملك: والله لكأنه شهد عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وهي امرأته أم يزيد بن عبد الملك. عن حماد الراوية قال: قدمت المدينة، فدخلت المسجد، فكان أول من دفعت إليه كثير عزة، فقلت: يا أبا صخر، ما عندك من بضاعتي؟ قال: عندي ما عند الأحوص ونصيب، قلت: وما عندهما؟ قال: هما أحق بإخبارك، قلت: إنا لم نحث المطي نحوكم شهراً إلا لطلب ما عندكم ليبقى لكم، وقل من يفعل ذلك، قال: أفلا أخبرك ما دعاني إلى ترك الشعر؟ لما كان هذا الرجل والياً - يعني عمر بن عبد العزيز - قلت: بلى، قال: إني شخصت أنا وأحوص ونصيب، وكل واحد منهما يدل بسابقة له عند عبد العزيز بن مروان، وإخاء لعمر، وكل واحد منا ينظر في عطفيه، لا شك أنه يشرك في الخلافة، فلما رفعت لنا أعلام خناصرة - وهي منزل عمر - لقينا مسلمة بن عبد الملك، وهو يومئذ فتى العرب، وقبل ذلك ما بلغتنا الأخبار بأنه لا خير لنا عنده، فجعلنا نكذب، ويغلب الطمع اليأس، فلما لقينا مسلمة سلمنا عليه، فرد علينا، ثم قال: أما بلغكم أن إمامكم لا يقبل الشعر؟! فقلنا له: ما وضح لنا خبر حتى انتهينا إليك يا بن الخليفة، ووجمنا له وجمة

عرفها في وجوهنا، فقال: إن يك ذو دين بني مروان، نخشيتم حرمانه، فإن صاحب دنياها قد بقي لكم عنده ما تحبون، فما ألبث حتى انصرف، وأمنحكم، وآتي ما أنتم أهله. فلما رجع كانت رحالنا عنده، وأكرم منزلنا، وأقمنا عنده أربعة أشهر، يطلب الإذن لنا هو وغيره، فلم يؤذن لنا، إلى أن قلت في جمعة من تلك الجمع: لو أني دنوت من عمر، فسمعت كلامه، فتحفظته كان ذلك رأياً، ففعلت. فكان مما حفظته من قوله يومئذ: لكل سفر زاد لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة التقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله له من عذابه وثوابه، فترغبوا، أو ترهبوا، ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم؛ فأنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يمسي بعد إصباحه، ولا يصبح بعد إمسائه، وربما كانت له بين ذلك خطرات المنايا؛ وإنما يطمئن من وثق بالنجاة من عذاب الله، وأهوال يوم القيامة، فأما من لا يداوي من الدنيا كلماً إلا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يطمئن؟! أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي، فتخسر صفقتي، وتبدو مسكنتي في يوم لا ينفع فيه إلا الحق والصدق. ثم بكى حتى ظننا أنه قاض نحبه، وارتج المسجد وما حوله بالبكاء والعويل. فانصرفت إلى صاحبي، فقلت: خذا شرخاً من الشعر غير ما كنا نقول لعمر وآبائه، فإن الرجل آخري وليس بدنياوي. إلى أن استأذن لي مسلمة في يوم جمعة، بعدما أذن للعامة، فلما دخلنا سلمت، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، طال الثواء، وقلت الفائدة، وتحدث بجفائك إيانا وفود العرب، فقال: يا كثير، " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " إلى آخر الآية، أفمن واحد من هؤلاء أنت؟ فقلت: ابن سبيل منقطع به، قال: أولست ضيف أبي سعيد؟ قلت: بلى، قال: ما أرى من كان ضيف أبي سعيد منقطع به! قلت: أيأذن لي أمير المؤمنين في الإنشاد؟ قال: نعم، أنشد، ولا تقولن إلا حقاً، فأنشدته: " من الطويل "

وليتم فلم نشتم علياً ولم نخف ... برياً ولم نقبل إشارة مجرم وصدقت بالفعل المقال مع الذي ... أتيت فأمسى راضياً كل مسلم ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه ... من الأود البادي ثقاف المقوم وقد لبست تسعى إليك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بكف المعصم وتومض أحياناً بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظم فأعرضت عنها مشمئزاً كأنما ... سقتك مدوفاً من سمام وعلقم وقد كنت من أجبالها في ممنع ... ومن بحرها في مزبد الموج مفعم وما زلت تواقاً إلى كل غاية ... بلغت بها أعلى البناء المقدم فلما أتاك الملك عفواً ولم يكن ... لطالب دنيا بعده من تكلم تركت الذي يفنى وإن كان مونقاً ... وآثرت ما يبقى برأي مصم وأضررت بالفاني وشمرت للذي ... أمامك في يوم من الشر مظلم ومالك إذ كنت الخليفة مانع ... سوى الله من مال رغيب ولا دم سما لك هم في الفؤاد مؤرق ... بلغت به أعلى المعالي بسلم فما بين الشرق الأرض والغرب كلها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم يقول أمير المؤمنين ظلمنتني ... بأخذك ديناري ولا أخذ درهمي ولا بسط كف لامرئ غير مجرم ... ولا السفك منه ظالماً ملء محجم ولو يستطيع المسلمون لقسموا ... لك الشطر من أعمارهم غير ندم فعشت به ما حج لله راكب ... مغذ مطيف بالمقام وزمزم فاربح بها من صفقة لمبايع ... وأعظم بها أعظم بها ثم أعظم

فأقبل علي، فقال لي: يا كثير، إنك تسأل عما قلت! ثم تقدم الأحوص، فاستأذنه في الإنشاد، فقال: قل، ولا تقولن إلا حقاً، ثم تقدم نصيب، فاستأذنه في الإنشاد، فأبى أن يأذن له، وأمره بالغزو إلى دابق، فخرج محموماً، وأمر لي وللأحوص بثلاثمائة درهم لكل واحد منا، ولنصيب بخمسين ومائة درهم، وقال للأحوص حين أنشد: إنك قال محمد بن سلام: وقدم كثير على يزيد بن عبد الملك وقد مدحه بقصائد جياد مشهورة، فأعجب بهن يزيد، وقال له: احتكم. قال: وقد جعلت ذاك إلي؟ قال نعم: قال: مائة ألف، قال: ويحك! مائة ألف؟! قال: أعلى جود أمير المؤمنين أبقي أم على بيت المال؟ قال: ما بي استكثارها، ولكن أكره أن يقول الناس: أعطى شاعراً مائة ألف، ولكن فيها عروض؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. فكان يحضر سمر بن زيد، ويدخل عليه، فقال له ليلة: يا أمير المؤمنين، ما يعني الشماخ بن ضرار بقوله: " من الوافر " إذا عرقت مغابنها وجادت ... بدرتها قرى حجن قتين فسكت عنه يزيد، فقال: بصبصن إذ حدين، ثم أعاد: بصبصن إذ حدين، فقال يزيد: وما على أمير المؤمنين - لا أم لك - ألا يعرف هذا؟ هو القراد أشبه الدواب بك - وكان كثير قصيراً، متقارب الخلق - فحجب عن يزيد، فلم يصل إليه، فكلم مسلمة بن عبد الملك يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين، مدحك، قال: بكم مدحنا؟ قال: بسبع قصائد، قال: فله سبعمائة دينار والله لا أزيده عليها.

قال الزبير بن بكار: وكان كثير شيعياً حربياً، يزعم أن الأرواح تتناسخ، ويحتج بقول الله - عز وجل - " في أي صورة ما شاء ركبك "، ويقول: ألا ترى أنه محوله في صورة بعد صورة. وكان كثير ينشد علي بن عبد الله بن جعفر لنفسه في محمد بن علي بن أبي طالب: " من الوافر " أقر الله عيني إذ دعاني ... أمين الله يلطف في السؤال وأثنى في هواي علي خيراً ... وساءل عن بني وكيف حالي وكيف ذكرت شأن أبي خبيب ... وزلة نعله عند النضال هو المهدي خبرناه كعب ... أخو الأخبار في الحقب الخوالي فقال له علي بن عبد الله: يا أبا صخر: ما يثني عليك في هواك خيراً إلا من كان على مثل رأيك، فقال: أجل، بأبي أنت. قال: وكان كثير خشبياً يرى الرجعة. وأبو خبيب الذي ذكر كثير عبد الله بن الزبير، كان يكنى بأبي بكر، وخبيب ابنه وأسن ولده، وكان من العباد، وكان من هجا عبد الله بن الزبير كناه بابنه خبيب، وكان كثير سيء الرأي في عبد الله بن الزبير ينال منه.

عن مصعب بن عبد الله قال: بعثت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله إلى كثير عزة، فجاءها، فقالت له: ما الذي يدعوك إلى ما تقول من الشعر في عزة وليست على ما تصف من الحسن والجمال، فلو شئت صرفت ذلك إلى غيرها، ممن هو أولى به، أنا وأمثالي، فأنا أشرف وأفضل من عزة، وإنما أرادت أن تخبره، وتبلوه، فقال: " من الطويل " صحا قلبه ياعز أو كاد يذهل ... وأضحى يريد الصرم أو يتبدل وكيف يريد الصرم من هو وامق ... لعزة لا قال ولا متبدل إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول سنوليك عرفاً إن أردت وصالنا ... ونحن لتيك الحاجبية أوصل وحدثها الواشون أني هجرتها ... فحملها غيظاً علي المحمل فقالت عائشة: والله لقد سميتني لك خلة، وما أنا لك بخلة، وعرضت علي وصلك، وما أردت ذلك، فألا قلت كما قال جميل، فهو والله أشعر منك حيث يقول: يا رب عارضة علينا وصلها ... بالجد تخلطه بقول الهازل فأحببتها بالقول بعد تستر ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي لو كان في قلبي بقدر قلامة ... فضل وصلتك أو أتتك رسائلي فقال: والله ما أنكرت فضل جميل ولا أنا إلا حسنة من حسناته. واستحيا. قال كثير: " من الكامل "

بأبي وأمي أنت من معشوقة ... طبن العدو لها فغير حالها ومشى إلي بعيب عزة نسوة ... جعل الإله خدودهن نعالا الله يعلم لو جمعن ومثلت ... لاخترت قبل تأمل تمثالها ولو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها قال المبرد: قال لي الجاحظ: أتعرف مثل قول إسماعيل بن القاسم: " من الطويل " ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب فقلت: قول كثير، ومنه أخذ: " من الطويل " فقلت لها ياعزة كل مصيبة ... إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت قال أبو العباس المبرد: ويروى أن عبد الملك بن مروان لما سمع هذا قال: لو قاله في صفة الحرب كان فيه أشعر الناس. عن ابن الكلبي قال: مرت عزة بكثير متنكرة لا يعرفها، تميس في مشيتها، يكاد خصرها ينبتر، فاستوقفها ليكلمها، فقالت: وهل تركت عزة لأحد فيك بقية، فقال: والله لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك، فسفرت، فقالت: يا عدو نفسه، إنك لها هنا. فندم على ما فرط من قوله، وأنشأ يقول: " من الطويل "

ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من الزحف القاضي دماء الذرارح فمت ولم تعلم علي خيانة ... ألا رب باغي الربح ليس برابح أبوء بذنبي إنني قد ظلمتها ... وإني بباقي سرها غير بائح فلا تحمليها واجعليها خيانة ... تروحت منها في مناحة نائح حكى يحيى بن سعيد الأموي أن امرأة لقيت كثير عزة، وكان قليلاً دميماً، فقالت: من أنت؟ قال: كثير عزة، قالت: " تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ". قال: مه رحمك الله، فإني أنا الذي أقول: " من الطويل " فإن أك معروف العظام فإنني ... إذا ما وزنت القوم بالقوم وازن قالت: وكيف تكون بالقوم وازناً وأنت لا تعرف إلا بعزة، قال: والله لئن قلت ذاك، لقد رفع الله بها قدري، وزين بها شعري، وإنها لكما قلت: " من الطويل " وما روضة بالحزن ظاهرة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

من الخفرات البيض لم تلق شقوة ... وبالحسب المكنون صاف فخارها فإن برزت كانت لعينك قرة ... وإن غبت عنها لم يعممك عارها قالت: أرأيت حين تذكر طيبها، فلو أن زنجية استجمرت بالمندل الرطب لطاب ريحها، ألا قلت كما قال امرؤ القيس: " من الطويل " خليلي مرا بي على أم جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب ألم تر أني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وإن لم تطيب قال: الحق والله خير ما قيل، هو والله أنعت مني لصاحبته. قال محمد بن سلام: كان لكثير بن عبد الرحمن صاحب عزة غلام تاجر يأتي الشام بمتاع يبيعه، وأرسلت عزة امرأة تطلب لها ثياباً، فدفعت إلى غلام كثير وهي لا تعرفه، فابتاعت منه حاجتها، ولم تدفع إليه الثمن، فكان يختلف إليها مقتضياً، فأنشد ذات يوم قول مولاه: " من الطويل " أرى كل ذي دين يوفي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها فقالت له المرأة التي ابتاعت منه الثياب: فهذه والله دار عزة، ولها ابتعت منك الثياب، قال: والله فأنا غلام كثير، فأشهد الله أن الثياب لها، وأني لا آخذ من ثمنها شيئاً. فبلغ ذلك كثيراً فقال: وأنا أشهد الله أنه حر، وأن ما بقي معه من مال فله.

أنشد محمد بن علي الهاشمي لكثير عزة: " من الطويل " فما أحدث النأي الذي كان بيننا ... سلواً ولا طول اجتماع تقاليا وما زادني الواشون إلا صبابة ... ولا كثرة الناهين إلا تماديا وأنشد أبو جعفر العدوي لكثير عزة: " من البسيط " لو قاس من قد مضى وجدي بوجدهم ... لم يبلغوا من عشير العشر معشارا وصالكم جنة فيها كرامتها ... وهجركم يعدل الغسلين والنارا قال ابن قتيبة: قال كثير: " من المتقارب " بآية أني إذا ما ذكرت ... عرفت خلائق مني ثلاثا عفافاً ومجداً إذا ما الرجال ... تبالوا خلائقهم واحتراثا حدث إسحاق بن جعفر أبو يحيى قال: قيل لكثير عزة: ما بقي من شعرك؟ فقال: ماتت عزة فما أطرب، وذهب الشباب فما أعجب، ومات ابن ليلى فما أرغب - يعني عبد العزيز بن مروان - وإنما الشعر بهذه الخلال. قال عمر بن عبد العزيز: إني لأعرف صلاح بني هاشم وفسادهم بحب كثير؛ من أحبه منهم فهو فاسد، ومن أبغضه منهم فهو صالح؛ لأنه كان خشبياً يرى الرجعة. مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد - يعني سنة خمس ومائة - فأجفلت قريش في جنازة كثير، ولم يوجد لعكرمة من يحمله.

كدام بن حيان العنزي

كدام بن حيان العنزي من تابعي أهل الكوفة. كان من الشيعة الذين أخذوا مع حجر بن عدي، وقدم بهم على معاوية إلى عذراء، فقتل كدام مع حجر. كريب بن أبرهة بن الصباح ابن مرثد بن ينكف بن نيف بن معدي كرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح - واسمه الحارث - بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن حمير بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ، أبو رشدين - ويقال: أبو راشد - الأصبحي يقال: إن له صحبة. قدم دمشق وافداً على معاوية، وعلى عبد الملك بن مروان. عن ثوبان بن شهر قال: سمعت كريب بن أبرهة وكان جالساً مع عبد الملك في سطح بدير المران - وذكر الكبر - فقال كريب: سمعت أبا ريحانة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يدخل شيء من الكبر الجنة ". فقال قائل: يا رسول الله، إني أحب أن أتجمل بعلاق سوطي، وشسع نعلي، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ذلك ليس بالكبر، إن الله جميل يحب الجمال، إنما الكبر من سفه الحق، وغمص الناس بعيبه ". قال يحيى بن عبد الحميد العامري: قدم الشام: ذو الكلاع، وحوشب، وبحير بن ريسان، وبنو أبرهة بن الصباح: كريب بن أبرهة، والصباح بن أبرهة، وأخ لهم ثالث.

قال عبد العزيز بن مروان لكريب بن أبرهة بن الصباح: يا كريب، أشهدت خطبة عمر بن الخطاب بالجابية؟ قال: حضرتها وأنا غلام في إزار أسمع خطبته، ولا أدري ما يقول. عن أبي ولعة شيخ من عك قال: قدم علينا كريب من مصر يريد معاوية، فزرناه. قال أبو سعيد بن يونس: كريب بن أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن معدي كرب الأصبحي، يكنى أبا رشدين. أمه كبشة بن عيدان بن ربيعة بن عيدان الحضرمي. شهد فتح مصر، واختلط بجيزة فسطاط مصر، وأدركت قصره بالجيزة قائماً بحاله معروف مشهور حتى هدمه ذكاء الأعور - أمير كان على مصر - ونقل عمده وطوبه فابتنى به القيسارية الجديدة المعروفة بقيسارية ذكاء، يباع فيها البزر. وقد ولي لعبد العزيز بن مروان رابطة الإسكندرية، وكان شريفاً بمصر في أيامه. توفي كريب بن أبرهة سنة خمس وسبعين. عن يعقوب بن عبد الله قال: دخلنا مصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فرأيت كريب بن أبرهة يخرج من عند عبد العزيز، فيمشي تحت ركابه خمسمائة من حمير. عن سليم بن عتر قال: لقينا كريب بن أبرهة راكباً، وراءه غلام له، فقال: سمعت أبا الدرداء يقول: لا يزال العبد يزداد من الله بعداً كلما مشي خلفه. قال ابن بكير: مات كريب أظنه سنة ثمان وسبعين.

كريب بن الصباح الحميري

قال العجلي: كريب بن أبرهة تابعي ثقة، وكان من كبار التابعين. كريب بن الصباح الحميري شهد صفين مع معاوية، وقتل يومئذ. وكان موصوفاً من شدة البأس. كريب بن أبي مسلم أبو رشيدين مولى ابن عباس الهاشمي المكي بعثته أم الفضل والدة ابن عباس إلى معاوية رسولاً. قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، فقدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ فقلت: نعم أنا رأيته ليلة الجمعة، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً، وسلها عن الركعتين بعد العصر وقل: إنا أخبرنا أنك تصليهما، وقد بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عنهما قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليهما - قال كريب: فدخلت عليها، وبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة. فخرجت إليهم، فأخبرتهم بقولها،

كريم بن عفيف بن عبد الله

فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، أما حين صلاهما، فأنه صلى العصر ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فصلاهما، فأسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه، فقولي له تقول أم سلمة: يا رسول الله، إني سمعتك تنهى عن الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، قالت: ففعلت، فأشار بيده، فاستأخرت عنه. قال: " يا ابنة أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر؛ إنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان ". قال محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة: كريب مولى عبد الله بن عباس، يكنى أبا رشدين. وكان ثقة حسن الحديث. قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: كريب أحب إليك أو عكرمة؟ فقال: كلاهما ثقة. عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان يسمي عبيدة بأسماء العرب: عكرمة، ومسمع، وكريب، وأنه قال لهم: تزوجوا؛ فإن العبد إذا زنى نزع منه نور الإيمان، رد إليه بعد أو أمسكه. عن موسى بن عقبة قال: وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس؛ فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا، فينسخها ويبعث بها. مات كريب مولى ابن عباس سنة ثمان وتسعين. كريم بن عفيف بن عبد الله ابن كعب الخثعمي الكوفي تابعي، ممن حمل مع حجر بن عدي إلى عذراء، فكلم شمر بن عبد الله القحافي معاوية فيه، فوهبه له، وحبسه مدة، ثم أطلقه، فسكن الموصل، مات بها قبل معاوية بشهر.

كعب بن جعيل بن قمير

كعب بن جعيل بن قمير ابن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل التغلبي الشاعر سائر القول، مشهور الشعر. وفد على معاوية. وله مدائح في عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وغيره. وبقي حتى وفد على الوليد بن عبد الملك، ومدحه. ذكره ابن سلام في الطبقة الثالثة من الشعراء الإسلاميين، وقال: شاعر مفلق قديم الإسلام، أقدم من الأخطل والقطامي، ولقد لحقا به، وكانا معه، وهو الذي يقول: " من الطويل " وأبيض جني عليه سموطه ... من الإنس في قصر منيف غواربه تدليته سقط الندى بعد هجعه ... فبت أمنيه المنى وأخالبه بما ينزل الأروى من الشعف الطلى ... وما لو يسني حية لان جوانبه ندمت على شتم العشيرة بعدما ... مضى واستتبت للرواة مذاهبه فأصبحت لا أستطيع دفعاً لما مضى ... كما لا يرد الدر في الضرع حالبه

معاوي انصف تغلب بنة وائل ... من الناس أو دعها وحياً تضاربه قليل على باب الأمير لباثتي إذا رابني باب الأمير وحاجبه ولما تداروا في تراث محمد ... سمت بابن هند في قريش مضاربه قال مصعب بن عبد الله: زعموا أن معاوية قال لكعب بن جعيل بعد موت عبد الرحمن: ليس للشاعر عهد، قد كان عبد الرحمن - يعني ابن خالد - لك صديقاً، فلما مات نسيته، فقال: ما فعلت، ولقد قلت فيه بعد موته: " من الوافر " ألا تبكي وما ظلمت قريش ... بإعوال البكاء على فتاها ولو سئلت دمشق وبعلبك ... وحمص من أباح لكم حماها فسيف الله أدخلها المنايا ... وهدم حصنها وحوى قراها وأنزلها معاوية بن حرب ... وكانت أرضه أرضاً سواها فلم يزل معاوية متقياً لكعب بن جعيل مكرماً له حتى مات. عن الأصمعي قال: كان أبو جهمة الأسدي قد خص بني تغلب جميعاً بالهجاء، فقال كعب بن جعيل: " من الوافر " بنا كثرت بنو أسد فتخشى ... لكثرتها ولا عز القليل قبيلة تردد في معد ... خدودهم أذل من السبيل تمنى أن تكون أخا قريش ... شحيج البغل يأذن للصهيل

كعب بن حامد

وقال: " من الطويل " إذا احمر بأس الناس ألفيت شرهم ... بني أسد، إني بما قلت عارف أغاروا علينا يسرقون رحالنا ... وليس لنا في مرج صفين قائف قال كعب بن جعيل: إني قد هجوت نفسي ببيتين، وضمزت عليهما، فمن أصابهما فهو الشاعر؛ فقال الأخطل: " من المتقارب " سميت كعباً بشر العظام ... وكان أبوك يسمى الجعل وكان محلك من وائل ... محل القراد من است الجمل فقال: هما هذان. وجعيل: بالجيم وفتح العين وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها. كعب بن حامد ويقال: حامز بالزاي - بن سلمة ابن جابر بن شراحيل بن ربيعة ذي الأربعة العنسي الداراني كان على شرطة عبد الملك بن مروان، وقيل: على شرطة الوليد وسليمان ابني عبد الملك، فلما ولي عمر بن عبد العزيز عزله، فلما ملي يزيد بن عبد الملك أعاده، وأقره هشام ثلاث عشرة سنة، ثم بعثه إلى أرمينية أميراً بعد قتل الجراح بن عبد الله الحكمي. وقيل أنه كان على شرطة عمر بن عبد العزيز.

كعب بن خريم بن جندب

قال يحيى بن حمزة: حدثني عمرو بن مهاجر أن كعب بن حامد - يعني عمر - بسارق قد قطعت يده، أخذ في فسطاط قد أخرج عامة المتاع، فوضعه في خرج، ثم وضعه على دابته، ودابته مربوطة بوتد الفسطاط، فسال كعباً: كيف أخذه، فأخبره، فضربه دون المائة ضرباً وجيعاً، ثم قال: يا عمرو، خذه إليك، فأخذته، فأومأ إلي أن ألبسه جلداً. قال: ثم سألني عنه بعد ليلتين: ما فعل الرجل الذي ضربنا؟ فقلت: عندي يا أمير المؤمنين، قال: هل أكل؟ قلت: نعم، قال: فألبسته جلداً؟ قلت نعم، قال: فإذا كان في ثلث الليل فسرحه. كعب بن خريم بن جندب أبو حارثة المري روى عن يعلى بن بشر الخفاجي، عن نابغة بن جعدة قال: أنشدت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا عن يمينه: " من الطويل " نحلي بأرطال اللجين سيوفنا ... ونعلو بها يوم الهياج السنورا علونا العباد عفة وتكرماً ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إلى أين لا أم لك؟ " قال: قلت: إلى الجنة يا رسول الله، قال: " أجل إن شاء الله يا أبا ليلى ". ثم أنشدته: " من الطويل " ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجدت، لا يفضض الله فاك ". قال: فلقد رأيته بعد عشرين ومائة سنة وأن لأسنانه أشراً كأنه البرد.

كعب بن عبد الله

قال أبو نصر الحافظ: حارثة بحاء مهملة وبعد الراء ثاء معجمة بثلاث، وخريم: أوله خاء معجمة مضمومة ثم راء مفتوحة: أبو حارثة كعب بن خريم المري الدمشقي. كان أبو حارثة شيخاً صادقاً صدوقاًز كعب بن عبد الله ويقال: ابن مالك القيسي المعروف بالمخبل عن رباح بن قطيب بن زيد الأسدي قال: كانت عند رجل من بني قيس يقال له: كعب بنت عم له، وكانت أحب الناس إليه، فخلا بها ذات يوم، فنظر إليها وهي واضعة ثيابها، فقال، يا أم عمر، هل ترين أن الله خلق أحسن منك؟ قالت: نعم، أختي ميلاء هي أحسن مني، قال: فإني أحب أن أنظر إليها، فقالت: إن علمت بك لم تخرج، ولكن كن من وراء الستر. ففعل. وأرسلت إليها، وجاءتها، فلما نظر إليها عشقها، وانتظرها حتى روحت إلى أهلها، فعارضها، فشكا إليها حبها، فقالت: والله يا بن عم ما وجدت من شيء إلا وقد وقع لك في قلبي أكثر منه. وعادت مرة أخرى، فأتتهما أم عمر وهما لا يعلمان فرأتهما جالسين، فمضت إلى إخوتها، وكانوا سبعة، فقالت: إما أن تزوجوا ميلاء كعباً، وإما أن تكفوني أمرها. وبلغه الخبر ووقوف إخوتها على ذلك، فرمى بنفسه نحو الشام حياء منهم. وكان منزله منزل أهل الحجاز فلم يدر أهله، ولا بنو عمه أين ذهب، فقال كعب: " من الطويل " أفي كل يوم أنت من لاعج الهوى ... إلى الشم من أعلام ميلاء ناظر بعمشاء من طول البكاء كأنها ... بها خزر أو طرفها متخازر

تمنى المنى حتى إذا ملت المنى ... جرى واكف من دمعها متبادر كما ارفض سلك بعدما ضم ضمة ... بخيط الفتيل اللؤلؤ المتناثر قال: فرواه عنه رجل من أهل الشام، ثم خرج ذلك الشامي يريد مكة، فاجتاز بأم عمرو وأختها ميلاء، وقد ضل الطريق، فذكر - لما نادت: يا ميلاء - شعر كعب، فتمثل به، فعرفت أم عمرو الشعر، فقالت: يا عبد الله، من أين أقبلت؟ قال: من الشام، قالت: وممن سمعت هذا الشعر؟ قال: من رجل من أهل الشام، قالت: أوتدري ما اسمه؟ قال: سمعت أنه كعب، قالت: فأقسمنا عليك ألا تبرح حتى يسمع إخوتنا قولك، فنحسن إليك نحن وهم، فقد أنعمت علينا، فقال: أفعل، وإني لأروي له شعر آخر، فما أدري أتعرفانه أم لا، فقالت: نسألك بالله إلا أسمعتناه، قال: سمعته يقول: " من الطويل " خليلي قد رمت الأمور وقستها ... بنفسي وبالفتيان كل زمان ولم أخف شراً للصديق، ولم أجد ... خلياً ولا ذا البث يستويان من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليان لو شاءا لقد قضياني خليلي أما أم عمر وفمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني بلينا بهجران ولم أر مثلنا ... من الناس إنسانين يهتجران أشد مصافاة وأبعد من قلى ... وأعضى لواش حين يكتنفان تحدث طرفانا بما في صدورنا ... إذا استعجمت بالمنطق الشفتان فو الله ما أدري أكل ذوي الهوى ... على ما بنا أم نحن مبتليان فلا تعجبا مما بي اليوم من هوى ... فبي كل يوم مثل ما تريان خليلي عن أي الذي كان بيننا ... من الوصل أم ماضي الهوى تسلان وكنا كريمي معشر خط بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان

كعب بن عجرة

فما زادنا بعد المدى نقض مرة ... ولا رجعا من علمنا ببيان سلاه بأم العمر من هي إذ بدا ... به سقم جم وطول ضمان خليلي لا والله مالي بالذي ... تريدان من هجر الحبيب يدان ولا لي بالشر اعتلاء إذا نأت ... كما أنتما بالشر معتليان قال: ونزل الرجل، ووضع رحله حتى جاء إخوتها، فأخبرتهم الخبر، وكانوا مهتمين بكعب، وكان ابن عمهم وأشعرهم وأظرفهم. فأكرموا الرجل، وحملوه على راحلة، ودلوه على الطرق. وطلبوا كعباً فأقبلوا به، حتى إذا كانوا في ناحية مال أهلهم إذا الناس اجتمعوا عند البيوت. وقد كان كعب ترك بنياً له صغيراً، فوجهوه في ناحية المال، فقال كعب: ويحك يا غليم! من أبوك؟ قال: رجل يقال له كعب، قال وعلى أي شيء قد اجتمع الناس؟ - وأحس قلبه بشر - قال: قد اجتمعوا على خالتي ميلاء، قال: وما قصتها؟ قال: ماتت. فزفر زفرة مات منها مكانه، فدفن حذاء قبرها. وروى الحافظ الخبر من طيق آخر فيه: المخبل، وهو كعب بن مالك، وقيل: كعب بن عبد الله، من بني لأي بن شأس بن أنف الناقةز كعب بن عجرة أبو محمد، وبقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو إسحاق الأنصاري السالمي المديني من بلي. حليف قوقل ابن عوف بن الخزرج. من أهل بيعة الرضوان بالحديبية. وشهد غزوة دومة الجندل، ثم قدم الشام مرة اخرى.

عن كعب بن عجرة قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية، ونحن محرومون، وقد حصره المشركون، وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " أتؤذيك هوام رأسك؟ " قلت: نعم. فأمره أن يحلق، قال: ونزلت هذه الآية: " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ". ومن طريق آخر عن كعب بن عجرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به وهو بالحديبية، وهو محرم، يوقد تحت قدر والقمل يتهاتف على وجهه، قال: " احلق رأسك، وأطعم فرقاً بين ستة مساكين - والفرق ثلاثة آصع - أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة - وفي رواية: أو اذبح شاة ". قال واثلة بن الأسقع: حتى إذا بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد إلى أكيدر الكندي بدومة الجندل خرج كعب بن عجرة في جيش خالد وخرجت معه، فأصبنا فيئاً كثيراً، فقسمه خالد بيننا، فأصابني ست قلائص. لم يجد محمد بن سعد كاتب الواقدي نسبه في " كتاب الأنصار "، وقال محمد بن هشام الكلبي: هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سويد بن مري بن أراشة بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن فران بن بلي بن

إلحاف بن قضاعة. واختلف فيه، فقيل: هو حليف لبني قوقل من بني عوف بن الخزرج. وقال محمد بن عمر الواقدي: هو من أنفسهم، ليس بحليف، تأخر إسلامه، ثم أسلم، وشهد المشاهدز قال أبو نصر بن ماكولا: وأما سواد - بضم السين وتخفيف الواو - فهو: سواد بن مري بن أراشة من ولده كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سواد. وكان كعب بن عجرة قد استأخر إسلامه، وكان له صنم في بيته يكرمه، ويمسحه من الغبار، ويضع عليه ثوباً. وكان يكلم في الإسلام فيأباه. وكان عبادة بن الصامت له خليلاً. فقعد له يوماً يرصده، فلما خرج من بيته دخل عبادة ومعه قدوم، وزوجته عند أهلها، فجعل يفلذه فلذة فلذة وهو يقول: " ألا كل ما يدعى مع الله باطلاً " ثم خرج وأغلق الباب، فرجع كعب إلى بيته، فنظر إلى الصنم قد كسر، فقال: هذا عمل عبادة! فخرج مغضباً وهو يريد أن يشاتم عبادة، إلى أن فكر في نفسه، فقال: ما عند هذا الصنم من طائل، لو كان عنده طائل حيث جعله جذاذاً لامتنع. ومضى حتى دق على عبادة، فأشفق عبادة أن يقع به، فدخل عليه، فقال: قد رأيت أن لو كان عنده طائل ماتركك تصنع به ما رأيت؛ وأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. قال: ثم شهب كعب بعد ذلك المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فرأيته متغيراً، قال: قلت: بأبي أنت، مالي أراك متغيراً؟ قال: " ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث "، قال: فذهبت،

فإذا يهودي يسقي إبلاً له، فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمراً، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " من أين لك يا كعب؟ " فأخبرته، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتحبني يا كعب "؟ قلت: بأبي أنت، نعم، قال: " إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادته، وإنه سيصيبك بلاء، فأعد له ". قال: ففقده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " ما فعل كعب؟ " قالوا مريض، فخرج يمشي حتى دخل عليه، فقال له: " أبشر يا كعب "، فقالت أمه: هنيئاً لك الجنة يا كعب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هذه المتألية على الله؟ " قال: هي أمي يا رسول الله، قال: " ما يدريك يا أم كعباً، لعل كعباً قال ما لا ينفعه، أو منع ما لا يغنيه ". عن ثابت بن عبيد قال: بعثني أبي إلى كعب بن عجرة، فأتيت رجلاً أقطع. فأتيت أبي، فقلت: بعثتني إلى رجل أقطع! فقال: إن يده قد دخلت الجنة، وسيتبعها ما بقي من جسده إن شاء الله. عن الحسن قال: رحلت إلى كعب بن عجرة من البصرة إلى الكوفة، فقلت: ما كان فداؤك حين أصابك الأذى؟ قال: شاة. عن مولى كعب بن عجرة قال: أشهد لرأيت أربعة، أو خمسة، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبسون المعصفر المشبع، منهم كعب بن عجرة. سنة إحدى وخمسين، أو اثنتين وخمسين مات كعب بن عجرة، وهو يومئذ ابن خمس وسبعين سنة، وقيل: ابن سبع وسبعين سنة، وقد انقرض عقبه.

كعب بن عمير الغفاري

كعب بن عمير الغفاري وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذات أطلاح من أرض البلقاء. عن الزهري قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلاً، حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام، فوجدوا جمعاً من جمعهم كثير، فدعوهم إلى ال فوجدوا جمعاً من جمعهم كثير، فدعوهم إلى الإسلام، فلو يستجيبوا لهم، ورشقوهم بالنبل، فلما رأى ذلك أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا، فأفلت منهم رجل جريح في القتلى، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم بالبعث إليهم، فبلغه أنهم قد ساروا آخر، فتركهم. قال محمد بن سعد: سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح - وهي من وراء وادي القرى - في شهر ربيع الأول سنة ثمان من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كعب بن ماتع بن هيتوع - ويقال: هلسوع - بن ذي هجري بن ميتم بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد - ويقال: كعب بن ماتع بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن حمير بن فطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ أبو إسحاق الحميري من آل ذي رغين - ويقال: من ذي الكلاع - ثم من بني ميتم المعروف بكعب

الأحبار. من مسلمة أهل الكتاب. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم في خلافة أبي لكر، ويقال: في خلافة عمر. قدم الشام، وسكن حمص. روى عن عمر بن الخطاب قال: أسر إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " إن أخوف من أخاف على أمتي أئمة مضلين ". قال كعب: فقلت: والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم. قال أبو أحمد العسكري: كعب الحبر هو ابن ماتع، ويقال بكسر الحاء، وفتحها أكثر. قال علي بن هبة الله: وأما ميتم - بفتح الميم وسكون الياء وبعدها تاء مفتوحة معجمة باثنتين من فوقها - في نسب حمير: ميتم بن سعد بطن في ذي الكلاع رهط كعب الأحبار بن ماتع بن هيسوع بن ذي هجران بن سمي. عن أبي إدريس الخولاني قال: كان أبو مسلم الجليلي معلم كعب الحبر، وكان يلزمه إبطاءه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وبعثني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال كعب: وخرجت حتى أتيت ذا قرنات، فقال لي: أين تأخذ ياكعب؟ فقلت: أريد هذا النبي، فقال: والله لئن كان نبياً إنه الآن لتحت التراب. فخرجت، فإذا أنا براكب، فقلت: الخبر، فقال: مات محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب. قال أبو مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز يقول: أسلم كعب على يدي أبي بكر. قال أبو نعيم: كعب بن ماتع الحبر، أبو إسحاق، أدرك عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يره. كان إسلامه في خلافة عمر.

وذلك أنه مر برجل من أصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقرأ هذه الآية: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها، أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت، وكان أمر الله مفعولا ". قال: فأسلم كعب، ثم قدم على عمر بن الخطاب، ثم استأذنه بعد في غزو الروم، فأذن له. قالوا: ووقع الطاعون بعد بالشام، ومصر، والعراق، واستعز بالشام، ومات فيه الناس الذين هم الناس، في المحرم، وصفر. وارتفع عن الناس، وكتبو بذلك إلى عمر - ما خلا الشام - فخرج حتى إذا كان منها قريباً بلغه أنه أشد ما كان، فقال: - وقال الصحابة - قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا عليكم "، فرجع، حتى ارتفع عنها، وكتبوا إليه بذلك، وبما في أيديهم من المواريث، فجمع الناس في سنة سبع عشرة في جمادى الأولى، فاستشارهم في البلدان، فقال: إني قد بدا لي أن أطوف على المسلمين في بلدانهم، ولأنظر في آثارهم فأشيروا علي. وكعب الأحبار في القوم، وفي تلك السنة أسلم في إمارة عمر. عن سعيد بن المسيب قال: قال العباس رضي الله عنه لكعب: ما منعك أن تسلم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر حتى أسلمت الآن على عهد عمر - رضي الله عنه - فقال كعب: إن أبي كتب لي كتاباً من التوراة، ودفعه إلي، وقال: اعمل بهذا، وختم على سائر كتبه، وأخذ علي بحق الوالد على ولده ألا أفض الخاتم. فلما كان الآن ورأيت الإسلام يظهر، ولم أر بأساً قالت لي نفسي: لعل أباك غيب عنك علماً كتمك، فلو قرأته، فضضت للخاتم، فقرأته، فوجدت فيه صفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته، فجئت الآن مسلماً. فوالى العباس. وقد قيل إنه أسلم في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على يدي علي، وتأخرت هجرته إلى زمن عمر.

عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: لما قدم علي اليمن خطب بها، وبلغ كعب الأخبار قيامه بخطبته فأقبل على راحلته في حلة ومعه حبر من أحبار يهود حتى استمعا له، فوافقاه وهو يقول: أن من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار. فقال كعب: صدق، فقال علي: ومنهم من لا يبصر بالليل، ولا يبصر بالنهار، فقال كعب: صدق. ومن يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة. فقال كعب: صدق. فقال الحبر: وكيف تصدقه؟! قال: أما قوله: من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار فهو المؤمن بالكتاب الأول، ولا يؤمن بالكتاب الآخر. وأما قوله: منهم من لا يبصر بالليل، ولا يبصر بالنهار، فهو الذي لا يؤمن بالكتاب الأول ولا الآخر. وأما قوله من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة فهو ما يقبل الله من الصدقات، قال: وهو مثل رأيته بين. قالوا: وجاء كعباص سائلاً فأعطاه حلته - ومضى الحبر مغضباً. ومثلت بين يدي كعب امرأة تقول: من يبادل راحلة براحلة؟ فقال كعب: وزيادة حلة؟ قالت: نعم. فأخذ كعب وأعطى، وركب الراحلة، ولبس الحلة، وأسرع المسير حتى لحق الحبر وهو يقول: من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة! قال كعب الأحبار: لما قدم علي اليمن لقيته، فقلت: أخبرني عن صفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يخبرني عنه، وجعلت أتبسم، فقال: مم تتبسم؟ فقال: مما يوافق ما عندنا في صفته، فقلت: ما يحل وما يحرم؟ فأخبرني، فقلت: هو عندنا كما وصفت. وصدقت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآمنت به، ودعوت من قبلنا من أحبارنا، وأخرجت إليهم سفراً فقلت: هذا كان أبي يختمه علي ويقول: لا تفتحه حتى تسمع بنبي يخرج بيثرب. قال: فأقمت باليمن على إسلامي حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتوفي أبو بكر فقدمت في خلافة عمر بن الخطاب، ويا ليت أني كنت تقدمت في الهجرة!

عن كعب قال: يلومني أحبار بني إسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله أولاً ثم جمعهم، فأدخلهم الجنة جميعاً. ثم تلا هذه الآية: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه " حتى بلغ " جنات عدن يدخلونها ". قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات "، وزعم أن هؤلاء الأصناف الثلاثة نحن أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزعم أن قوله: " جنات عدن يدخلونها " في هؤلاء الأصناف الثلاثة، وأن كعباً قال: هم أمة محمد هؤلاء الأصناف الثلاثة. فأنا أقيم على اليهودية، وأدع هذا الدين!؟ عن أبي المتوكل الناجي قال: أتى حبر من أحبار اليهود إلى كعب، فقال: تركت دين موسى، وتبعت دين محمد؟ قال: أنا على دين موسى وتبعت دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ولم ذاك؟ قال: إني وجدت أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسمون يوم القيامة ثلاثة أثلاث: ثلثاً يدخلون الجنة بغير حساب، وثلثاً يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون الجنة، وثلثاً يقول الله لملائكته: قلبوا عبادي ما كانوا يعملون، فيقلبوهم، فيقولون: يا ربنا، نرى ذنوباً كثيرة، وخطايا عظيمة. ثم يقول ذلك ثلاث مرات. ثم يقول: قلبوا ألسنتهم فانظروا ما كانوا يقولون، فيقلبون ألسنتهم، فيقولون: يا ربنا، نراهم كانوا يخلصون لك، لا يشركون بك شيئاً، فيقول: اشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لهم فيما أخلصوا، ولم يشركوا بي شيئاً. فقال له الحبر: فإن كنت صادقاً ما كسوت رب العالمين؟ - وذكر الحكاية إلى أن قال: - قال: فقال له الحبر: صدقت، وأسلم. قال كعب الحبر: لولا كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت لجعلني اليهود كلباً نباحاً، أو حماراً

نهاقاً من سحرهم، فأدعوا بهن أسلم من سحرهم: " أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، أعوذ بوجه الله العظيم الجليل، الذي لا يخفر جاره، والذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر السامة والعامة، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شرما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ، وبرأ، ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ". حدث كعب أن عمر قال له: يا كعب، خوفنا. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أليس فيكم كتاب الله - تبارك وتعالى - وحكمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بلى، ولكن خوفنا، قال: قلت: يا أمير المؤمنين اعمل عمل رجل واحد، لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبياً لازدريت بعملك مما ترى. قال: فأطرق عمر ملياً، ثم أفاق، وقال: زدنا يا كعب، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو فتح قدر منخر ثور من جهنم بالمشرق، ورجل بالمغرب لغى دماغه حتى يسيل من شدة حرها. قال: فأطرق عمر، ثم أفاق، فقال: زدنا ياكعب، فقلت: يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر زفرة ما يبقى ملك مقرب، ولا نبي مصطفى إلا خر جاثياً لركبتيه، حتى أن إبراهيم خليل الله - تبارك وتعالى - ليخر جاثياً لركبتيه، ويقول: يا رب، لا أسألك إلا نفسي. قال: فأطرق عمر ملياً، ثم أفاق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أليس هذا في كتاب الله - تبارك وتعالى؟ قال: أين؟ قلت: " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " الآية. كان كعب عند عمر بن الخطاب، فتباعد في مجلسه، فأنكر ذلك عليه، فقال كعب: يا أمير المؤمنين، إن في حكمة لقمان ووصيته لابنه: " يا بني، إذا جلست إلى ذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل، فلعله يأتيه من عو آثر عنده منك، فتنحى عنه، فيكون ذلك نقصاً عليك ". كان كعب عند عمر بن الخطاب، فتباعد في مجلسه، فأنكر ذلك عليه، فقال كعب: يا أمير المؤمنين، إن في حكمة لقمان ووصيته لابنه: " يا بني، إذا جلست إلى ذي سلطان فليكن بينك وبينه مقعد رجل، فلعله يأتيه من هو آثر عنده منك، فتنحى عنه، فيكون ذلك نقصاً عليك ". لما قتل ابن الزبير وجد الحجاج صندوقا في خزانة، عليه أقفال حديد، ففتحت،

وتعجب الحجاج من ذلك، وقال: أرى في هذه الأشياء، فإذا صندوق آخر عليه الأقفال، ففتحت، فإذا سفط فيه درج، ففتحته، فإذا فيه صحيفة فيها: إذا كان الحديث حلفاً، والمقيت إلفاً، وكان الولد غيظاً، والشتاء قيظاً، وغاض الكرام غيضاً، وفاض الئام فيضاً فاعبر عبرتي جبل وعر خير من ملك بني النضر، حدثني بذلك كعب الحبر. عن ابن أبي ذئب قال: استلقى عبد الله بن الزبير يوماً فرأى طائراً في جو السماء، فقال: حدثني بن كعب أنه لا يصعد طير يطير في السماء أكثر من اثني عشر ميلاً. قال: وما أصبت في سلطاني شيئاً إلا قد أخبرني به كعب قبل أن أليه. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: قال معاوية: ألا إن أبا الدرداء أحد الحكماء، ألا إن عمر بن العاص أحد الحكماء، ألا إن كعب الأحبار أحد العلماء، إن كان عنده لعلم كالثمار، وإن كنا فيه لمفرطين. وسمع حميد بن عبد الرحمن معاوية يحدث رهطاً من قريش، وهو بالمدينة، فذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يتحدثون عن الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. عن روح بن زنباع قال: شهدت كعباً جاء إلى معاوية، فقام على باب الفسطاط، فناداه: يا معاوية، يا معاوية، يا معاوية، فخرج إليه، فأخذ بيده، فانطلقا جميعاً. فقلت: لأمر ما جاء كعب يدعو معاوية! فاتبعت أثرهما، فلما كنت قريباً منهما حيث أسمع كلامهما ولا أحب أن يرياني سمعت كعباً يقول: يا معاوية، والذي نفسي بيده إن في كتاب الله المنزل: محمد أحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أبو بكر الصديق - رحمه الله - عمر الفاروق، عثمان الأمين. فالله الله يا معاوية في أمر هذه الأمة. ثم ناداه الثانية: إن في كتاب الله المنزل، ثم عاد الثالثة.

كان كعب يقص، فقال عبد الحمن بن عوف: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يقص إلا أمير أو مأمور، أو محتال "، فأتي كعب، فقيل له: ثكلتك أمك، هذ عبد الرحمن يقول كذا وكذا، فترك القصص. ثم إن معاوية أمره بالقصص، فاستحل ذلك بعد. قال عبد الله بن سلام لكعب، أو كعب لعبد الله بن سلام: ما يذهب العلم من صدور الرجال بعد إذ حفظوه؟ قال: الطمع وكثرة السؤال، والطلب إلى الناس الحوائج. عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركن الحديث أولأجعلنك بأرض قردة. عن أبي عبيدة قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، فقال: إن كعباً يقرأ عليك السلام، ويبشركم أن هذه الآية نزلت في أهل الكتاب: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ". قال ابن مسعود: وعليه السلام، إذا أنت أتيته فاخبر أنها نزلت وهو يهودي. عن قتادة أن كعباً قال: إن السماء تدور على قطب كقطب الرحى. فبلغ ذلك حديفة، فقال: كذب كعب! " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ". عن كعب قال: لأن أبكي من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهباً، وما من عينين بكتا

كعب بن مالك بن أبي كعب

من خشية الله في دار الدنيا إلا كان حقاً على الله - عز وجل - أن يضحكهما في الآخرة. عن همام قال: دخلنا على كعب وهو مريض، فقلنا له: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ قال: أجدني جسداً مرتهناً بعملي، فإن بعثني الله من مرقدي بعثني ولا ذنب لي، وإن قبضني قبضني ولا ذنب لي. عن أبي فوزة حدير السلمي قال: خرج بعث الصائفة، فاكتتب فيه كعب، فخرج البعث، وهو مريض، فقال: لأن أموت بحرستا أحب إلي من أن أموت بدمشق، ولأن أموت بدومة أحب إلي من أن أموت بحرستا، هكذا قدماً في سبيل الله - جل وعز - قال: فمضى، فلما كان بفج معلولاً قلت: أخبرني، قال: شغلتني نفسي. حتى إذا كان بحمص توفي بها، فدفناه هنالك بين زيتونات أرض حمص. ومضى البعث، فلم يقفل حتى جاء عثمان. مات كعب الأحبار سنة اثنتين وثلاثين. وقيل أن كعباً مات سنة أربع وثلاثين بذات الجوز من درب الحدث. كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ابن سعد بن علي بن أسد ابن سارذة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاعره. روى عن النبي أحاديث صالحة، وشهد العقبة واحداًز قدم على معاوية بعد مقتل عثمان بن عفان.

قال كعب بن مالك: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار ". وعن كعب بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أرواح الشهداء في طير خضر تحلق من ثمر، أو شجر، الجنة ". لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير، وكانوا عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة، واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه، فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن عثمان، أقتل ظالماً فنقول بقولك، أو قتل مظلوماً فتقول بقولنا، ونكلك إلى الشبهة، والعجب من يقيننا وشكك! وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته لنعرف، ثم قال: " من الطويل " كف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل وقال لمن في داره لا تقاتلوا ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل فكيف رأيت الله صب عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل وكيف رأيت الخير أدبر عنهم ... وولى كإدبار النعام الجوافل فقال لهم علي: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان وأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا

تعذرنا به، فقال علي: أيرد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة، ولا حجة واضحة؟ اخرجوا، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم: لكم الكفاية أو الولاية، فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النعمان بن بشير حمص، ثم نقله إلى الكوفة بعدز قال محمد بن سعد: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن مالك بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وهو شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة بن عبيد، من بني سلمة. شهد كعب العقبة في قولهم جميعاً. قال محمد بن عمر: وقد سمعت أن كعب بن مالك كان يكنى أبا عبد الله، وكان قد شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد كعب بن مالك أحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خلا تبوك، فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن أبي حاتم: كان من أهل الصفة، وكان ذهب بصره في خلافة معاوية، ومات وهو ابن سبع وسبعين، وذلك سنة خمسين. قال ابن الكلبي: شهد بدراً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو نعيم: شهد المشاهد كلها إلا بدراً، وتبوك. آخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين طلحة بن عبيد الله.

عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بنت البراء بن معرور، فقالت يا أبا عبد الرحمن، إن لقيت ابني فلاناً فاقرأ عليه مني السلام، فقال: غفر الله لك يا أم بشر، نحن أشغل من ذلك، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أرواح المؤمنين في طير خضر تعلق بشجرالجنة؟ " قال: بلى، قالت: فهو ذاك. عن عبد الرحمن بن كعب قال: كنت قائد أبي كعب حين ذهب البصرة، وكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الآذان بها فصلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة قال: فمكث حيناً على ذلك، لا يسمع الآذان إلى الجمعة إلا صلى عليه، واستغفر له. فقلت له: يا أبه، مالك إذا سمعت الآذان بالجمعة صليت على أبي أمامة أسعد بن زرارة! قال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة في بقيع يقال له: بقيع الخضمات، قال: وكم كنتم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. عن ابن إسحاق قال: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين طلحة بن عبيد الله وبين كعب بن مالك أخي بني سلمة. وعن عروة بن الزبير: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين الزبير والعوام، وكعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقود راحلته بزمامها، ولو كان كعب مات يومئذ لورثه الزبير، فأنزل الله - عز وجل -: " وأولو الأرحام ببعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".

عن ابن شهاب قال: غبي خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد على الناس كلهم إلا على ستة نفر: الزبير بن العوامن وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وأبي دجانة، وسهل بن حنيف. قال كعب بن مالك: لما انكشف الناس يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبشرت به المؤمنين حياً سوياً. قال كعب: وأنا في الشعب، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعباً بلأمته، وكانت صفراء - أو بعضها - فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته ولبسها كعب، وقاتل كعب يومئذ قتالاً شديداً حتى جرح سبعة عشر جرحاً. عن أبي بشير المازني قال: لما صاح الشيطان أزب العقبة: إن محمد قد قتل، لما أراد الله من ذلك، سقط في أيدي المسلمين، وتفرقوا في كل وجه، وأصعدوا في الجبل، فكان أول من بشرهم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سالماً كعب بن مالك. قال كعب: فجعلت أصيح ويشير إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإصبعه على فيه أن اسكت! عن أبي المخارق محفوظ بن المسور: أن أبا سفيان بن حرب أقبل يوم أحد، فقال: يا معشر الأنصار، خلوا بيننا وبين إخواننا من قريش، فإنكم إن فعلتم رحلنا عنكم. فكاد ذلك يكسر في أذرع القوم، فقال

كعب بن مالك الأنصاري يحرض الأنصار، وبعث بقصيدته هذه إلى أبي سفيان: " من الطويل " أبلغ أبا سفيان أن أضالنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع فلا ترغبن في حربنا أن تكيدنا ... وألب وجمع كل ما أنت جامع ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه الملا منا الذين تبايعوا أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع وسعد أباه الساعدي ومنذر ... لأنفك إن حاولت ذلك جادع وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع وأيضاً فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السم ناقع وفاء بهن والسالمي بن صامت ... بمندوحة عما تحاول يافع أبو هيثم أيضاً جدير بمثلها ... وفي بما أعطى من العهد خانع وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ... ضروح بما يأتي من الأمر مانع وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن أحموقة الرأي نازع ونحن نجوم من يغبك منهم ... عليك بنحس من دجى الليل طالع

فهؤلاء الناس ذكرهم كعب بن مالك في قصيدته النقباء: البراء هو ابن معرور، وابن عمرو هو عبد الله والد جابر، وأسعد هو أبو أمامة، ورافع هو ابن مالك ابن عجلان، وسعد هو ابن عبادة، ومنذر هو ابن عمرو، وابن الربيع هو سعد بن الربيع، وابن رواحة هو عبد الله، والسالمي بن صامت هو عبادة، وأبو هيثم هو ابن التيهان، وسعد العمري هو ابن خيثمة، وابن حضير هو أسيد، وهم اثنا عشر نقيباً من الأنصار. قال كعب بن مالك في غزوة بدر الموعد: " من الطويل " وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد ... لموعده صدقاً وما كان وافيا فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... رجعت ذميماً وافتقدت المواليا تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمراً أبا جهل تركناه ثاويا عصيتم رسول الله، أف لدينكم ... وأمركم السيء الذي كان غاويا وإني ولو عنفتموني لقائل ... فدى لرسول الله إهلي وماليا أطعنا فلم نعدل سواه بغيره ... شهاباً لنا في ظامة الليل هاديا عن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لكعب بن مالك: " مانسي ربك، وما كان ربك بسياً، بيتاً قلته " قال: ما هو؟ قال: " أنشده يا أبا بكر "، فقال: " من الكامل " زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب

عن مسور بن عبد الملك قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكعب بن مالك وهو يقول: " من الطويل " تجلدنا عن جذمنا كل قحمة ... مدربة فيها القوانس تلمع قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عن ديننا يا كعب " عن محمد بن سيرين: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كعب بن مالك على جمل قد سبق له حتى بلغ رأس المورك، فقال: " أين هو؟ " فجاء خلفه، فقال: " هيه "، فأنشده، فقال " " لهو أشد عليهم من وقع النبل ". وقال: كان شعراء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك. عن عبد الرحمن بن غبد الله بن كعب بن مالك: أن كعب بن مالك حين أنزل الله في الشعر ما أنزل أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما تنظمونهم بالنبل ". قال محمد بن سيرين: كان ثلاثة من الأنصار يهاجون عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسان بت ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. فأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم، وأما عبد الله بن

رواحة فكان يعيرهم بالكفر، وترددهم فيه، وأما كعب فكان يذكر الحرب فيقول: فعلنا، ونفعل، ويتهددهم. عن عبد الوارث قال: كان شعبة يحقرني أبداً إذا ذكرت شيئاً. قال: فحدث يوماً عن ابن عون، عن ابن سيرين أن كعب بن مالك قال: " من الوافر " قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبرثم أجممنا السيوفا نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا وننتزع العروش عروش وج ... ونترك داركم منكم خلوفا فلست لحاصن إن لم نزركم ... بساحة داركم منا ألوفا قال: فقال شعبة: وننتزع العروس عروس وج فقلت له: يا أبا بسطام، وأي عروس ثمة؟ فقال: ويلك، ما هي؟؟؟؟! قلت: العروش، قال الله - عز وجل -: " فهي خاوية على عروشها "! فكان بعد ذلك يهابني ويجلني. عن محمد بن سيرين قال: أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب بن مالك: نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا

عن ابن عباس: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا "؛ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. عن عبد الله بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك: لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غيرها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفتفي غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها؛ إنما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش حين جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى وأيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة؛ وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً. فجلا للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له مالم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظل، فتجهز إليها رسول الله، والمؤمنون معه، وطفقت أغدي لكي أتجهز

معه، فارجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، ثم رجعت ولم أقض شيئاً؛ فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا، ونفارط الغزو، وههمت أن أرتحل فأدركهم، وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطفت فيهم يحزنني ألا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجل ممن عذر الله. ولم يذكرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلغ تبوكاً، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب بن مالك؟ " قال رجل من بني سلمة: حسيه يا رسول الله برداه، والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيراً. فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه قافلاً في تبوك حضرني بثي، فطفقت أتفكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه عذراً، أستعين على ذلك كل رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانيتهم، ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله حتى جئت. فلا سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: " تعال "، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: " ما خلفك؟ ألم تكن قد استمر ظهرك؟ "

قال: فقلت: يا رسول الله، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق، تجد علي فيه، إني لأرجو قرة عيني عفاً من الله، والله ما كان لي عذر، ووالله ما كنت قط أفرغ مني، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقض الله فيك ". فقمت، وبادرت رجالاً من بني سلمة، فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر به المخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك. قال: والله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكذب نفسي. قال ثم قلت لهم: هل لقي عذا معي أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: فقلت لهم: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قالك فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، لي فيها أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين ما تخلف عنه. فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحبي فاستكنا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم، وأجلدهم؛ فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه، فأقول في نفسي: حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي

نظر إلي، فإذا التفت نحةه أعرض. حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي. فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، قال: فعدت ونشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول من يدلني على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء، فدفع إلي كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جافاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال: فقرأتها، فقلت حين قرأتها: وهذ أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت له: يا رسول الله، إن هلالاً شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه، قال: " لا، ولكن لا يقربنك "، قالت: فإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما يزال يبكي لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أدري ما يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استأذنته، وأنا رجل شاب، قال: فلبثنا بعد ذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسين ليلة حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاو الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على

الحال التي ذكر الله منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخرجت ساجداً، وعرف أنه قد جاء فرج، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب مبشرونا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرساً وسعى ساع من أسلم، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة، يقولون لي: ليهنئك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني. وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره - قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة - قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يبرق وجهه من السرور: " أبشر يخسر يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "، قال: قلت: من عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطهة قمر، حتى يعرف ذلك منه. قال: فلما جلست بين يديه قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسك بعض مالك، فهو خير لك "، قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. قال: فقلت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني

لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه. لت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه. عن كعب بن مالك قال: لما نزلت توبتي قبلت يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال كعب بن مالك في بعض أشعاره: " من البسيط " إن يسلم المرء من قتل ومن هرم ... وملي العيش أبلاه الجديدان

كعب بن معدان الأزدي

مات كعب سنة خمسين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: مات سنة أربعين، وقيل: قبلها. كعب بن معدان الأزدي ثم الأشقري والأشاقر: قيلة من الأزد. أصله من عمان، وسكن خراسان. وكان أحد الشعراء الخطباء الشجعان، وله في حرب الأزارقة مع الملهب آثار. ووفد على عبد الملك بن مروان قال أحمد بن سيار: كعب بن معدان الشقري، وهو من التابعين، وهو أبو فيروز بن كعب. رجل شريف، منزلهم فيما بين النهرين: نهر الرزيق، ونهر ماجان. قال أبو نصر الحافظ: الأشقري: بالقاف. عن المدائني قال: لما افتتح المهلب خراسان، ونفى عنها الخوارج، وتفرقت الأزارقة كتب الحجاج إلى ملهب أن اكتب إلي بخبر الوقعة، واشرح لي القصة حتى كأني شاهدها. فلما قرأ المهلب كتابه وجه إليه بكعب الأشقري، فلما قدم عليه أنشده قصيدته وهي ستون بيتاً يقتص فيها خبر الأزارقة، ولا يخرم شيئاً حتى وفاه الخبر، فقال له الحجاج: أخطيب أنت أم شاعر؟ قال: كل ذاك - أعز الله الأمير - فقال له الحجاج: أخبرني عن بني المهلب؟ فقال: المغيرة سيدهم، وكفاك بزيد فارساً، وما لقي الأبطال مثل حبيب، وما يستحي شجاع أن يفر عن مدرك، وعبد الملك موت ناقع، وحسبك بالمفضل في النجدة، وأسمحهم قبيصة، ومحمد فليث غاب.

فقال له الحجاج: ما أراك فضلت عليهم واحداً منهم، فأخبرني عن جملتهم، ومن أفضلهم؟ قال: هم - أعز الله الأمير - كالحلقة، لا يدرى أين طرفها، فقال: إن خبر حربكم - كان بلغني - عظيماً، أفكذلك كان؟ قال: أعز الله الأمير، كان السماع بها دون العيان. قال: أخبرني كيف رضى المهلب عن بنيه، ورضى بنيه عنه؟ فقال: أعز الله الأمير، شفقة الوالد، وبر الولد، قال: أخبرني كيف فاتكم قطري؟ قال: كدناه في منزله فتحول عنه، وتوهم أنه قد كادنا بذلك، قال: فهلا اتبعتموه؟ فقال: إن الكلب إذا أجحر عقر. فأطرق الحجاج ملياً، ثم قال له: أكنت تهيأت لهذا الكلام؟ فقال: لا يعلم الغيب إلا الله، قال الحجاج: لقد كان المهلب أعلم بك مني إذ أرسلك إلي! قال محمد بن يزيد والعتبي: أفد المهلب بن أبي صفرة كعب بن معدان الأشقري ومعه مرة بن التليد الأزذي إلى الحجاج بخبر وقعة كانت له مع الأزارقة، فلما قدما عليه، ودخلا داره بدر كعب بن معدان فأنشد الحجاج قوله: " من البسيط " يا حفص إن عداني عنكم السفر ... وقد سهرت فآذى عيني السهر علقت يا كعب بعد الشيب غانية ... والشيب فيه عن الأهواء مزدجر أممسك أنت عنها بالذي عهدت ... أم حبلها إذا نأتك اليوم منبتر ذكرت خوداً بأعلى الطف منزلها ... في غرفة دونها الأبواب والحجر وقد تركت بشط الزابيين لها ... داراً بها يسعد البادون والحضر

كلثوم بن زياد

واخترت داراً بها حي أسر بهم ... ما زال فيهم لمن تختاره خير أبا سعيد إني سرت منتجعاً ... أرجو نوالك لما مسني الضرر لما نبت بي بلادي سرت منتجعاً ... وطالب الخير مرتاد ومنتظر لولا المهلب ما زرنا بلادهم ... ما دامت الأرض فيها الماء والشجر وما من الناس من حي علمتهم ... إلا يرى فيهم من سيبكم أثر أحييتهم بسجال من يديك كما ... تحيا البلاد إذا ما جادها المطر إني لأرجو إذا ما فاقة نزلت ... فضلاً من الله في كفيك يبتدر وهي قصيدة طويلة. وقال كعب الأشقري في قتيبة بن مسلم: " من البسيط " لا يدرك الناس ما قدمت من حسن ... ولا يفوتك مما قدموا شرف عن المدائني: أن يزيد بن المهلب جبس كعباً لهجاء بلغه عنه، ودس إليه ابن أخ له، فقتله بعمان، لأنه هرب من خراسان إليها، وكان بين كعب وبين أخيه مهاجاة، وقيل إن زياد بن المهلب هو الذي دس إليه في فتنة يزيد بن المهلب. كلثوم بن زياد أبو عمرو المحاربي الداراني مولى سليمان بن حبيب. ولي القضاء بدمشق بعد سليمان بن حبيب.

كلثوم بن عياض بن وحوح

عن سليمان بن حبيب المحاربي، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث من كان في واحدة منهم كان ضامناً على الله: من خرج في سبيل الله كان ضامناً على الله إن توفاه أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله فبما نال من أجر وغنيمة، ورجل كان في المسجد، فهو ضامن على الله إن توفاه أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله فبما نال من أجر وغنيمة. ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله ". وعن الأوزاعي وكلثوم بن زياد قالا: أن أبا كثير قال: سمعت أبو هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنب ". عن كلثوم بن زياد قال: سألت الزهري عن رجل تزوج أمة ثم اشتراها على أي شيء تكون عنده؟ قال: سرية. قال عبد الجبار بن محمد بن مهنا: كلثوم بن زياد، وكان كاتباً لسليمان بن حبيب المحاربي. وكان فاضلاً خياراً ضعفه النسائي؛ وقال ابن عدي: ليس له من الحديث إلا اليسير، وذكره أبو زرعة في نفر ثقات. كلثوم بن عياض بن وحوح ابن قيس بن الأعور بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري ولي دمشق لهشام بن عبد الملك، ثم ولي غزو المغرب، فقتل هناك.

عن الهيثم بن عمران قال: سمعت كلثوم بن عياض القشيري، وهو على منبر دمشق ليلي هشام وهو يقول: من آثر الله آثره الله، فرحم الله عبداً استعان بنعمته على طاعته، ولم يستعن بنعمته على معصيته؛ فإنه لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو مزاد صنفاً من النعيم لا يكون يعرفه، ولا يأتي على صاحب العذاب ساعة إلا وهو مستنكر لشيء من العذاب لم يكن يعرفه. وقال: سمعت كلثوم بن عياض القشيري أمير دمشق، في آخر خلافة هشام بن عبد الملك يخطب يوم الجمعة هذه الخطبة: الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ة ومن يعصهما فقد غوى. أسأل الله ربنا ورب كل شيء يجعلنا وإياكم ممن يطيعه ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله. أوصيكم بتقوى الله، وإيثار طاعته، فأنه من آثر الله آثره الله، ومن عمل بأمر الله أرشده الله، ومن ترك ذلك لم يضرر إلا نفسه، ولم ينقص إلا حظه، ووجد الله غنياً حميداً. اتقوا الله، وصية الله في الأولين والآخرين من عباده، وأحق الوصايا أن يحافظ عليها، وينتفع بها وصية الله. قال الله - تبارك وتعالى -: " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً ". من أراد يدرك آخر ما رغب الله فيه، وينجو من أسوأ ما خوف الله منه، فليتق الله في السر والعلانية، فإن الله جعل العاقبة للمتقين، وليسمع وليطع، فإن الله يقول: " وإن تطيعوه تهتدوا ". وليذكر الله كثيراً، فإن الله جعل للذاكرين الله مغفرة وأجراً عظيماً. أسعد الناس بقضاء الله في الأمور كلها المؤمن؛ إن قضى الله فيما يوافق هواه حمد الله وشكر، فاستوجب على الله ما يجزي الصابرين. إن الله لم يدع لأحد عليه حجة؛ بين كل شيء على الخير، ويسره، وبين الشر وحذره. فلو أن أدناكم علماً أتى بما عنده أمة من الناس كفاراً، كثيراً عددهم، شديداً بأسهم، شديداً كفرهم، فأمرهم بما يعلم مما يحب الله، ونهاهم عما يعلم مما يكره الله، فأطاعوه دخلوا الجنة. أبصر

امرؤ والبصر ينفعه، وعقل، والعقل ينفعه؛ فإن الله يقول في آي تترى من القرآن: " أفلا يبصرون "، " أفلا يعقلون "، " فأنى تؤفكون ". تفكر امرؤ لما خلق له، الفراغ أم العمل؟ الشقاء أم السعادة؟ الجنة أم النار؟ قال الله - تبارك وتعالى -: " إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً " اللهم صل على محمد عبدك ونبيك، اللهم أعظم برهانه، وشرف بنيانه، واجعله أعظم عبادك عليك حقاً، وأقربهم منك مجلساً، وأكثرهم يوم يلقاك تابعة. والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. قال أبو سعيد بن يونس: كلثوم بن عياض القشيري عامل هشام على إفريقية. وكان مقتله في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ومائة. وذكر أبو جعفر الطبري أنه قتل سنة اثنتين وعشرين. وقال الليث بن سعد: وفي سنة أربع وعشرين ومائة قتل أمير إفريقية. ومثله من طريق خليفة، وقال: وافترقت الصفرية فرقتين فرقة عليها خالد بن حميد، وفرقة عليها سالم أبو يوسف الأزدي، فسار إليهم كلثوم بن عياض، واجتمعا جميعاً، فلقيه كلثوم بن عياض على واد من أودية طنجة، فقتل كلثوم، ومحمد بن عبيد الله الأزدي، ويزيد بن سعيد بن عمرو الحرشي، وحبيب بن أبي عبيدة. واستباحوا عسكر كلثوم، وسبوا الذرية، وانهزم بلج بن بشر ابن عم كلثوم بالناس، فاتبعهم أبو يوسف، وخالد بن حميد، وفي ساقة بلج بن بشر حسان بن عتاهية، فلما غشوه قاتلهم، وصبر لهم، وقتلهم

كلياتكين التركي

وهزمهم، وقتل أبو يوسف، وناس كثير من الصفرية. وضت الصفرية على هزيمتها، ومضى بلج وأصحابه، فنزلوا الحصن. كلياتكين التركي ولي أمر دمشق في أيام المتوكل خلافة للفتح بن خاقان. عن أبي عبيدة أحمد بن عبد الله بن ذكوان: أن جعفر المتوكل لما نزل دمشق في قصره بداريا، وهم بالرحيل عنها - وكان مقامه بها من يوم وردها إلى أن خرج عنها ثمانية وأربعين يوماً - عقد للفتح بن خاقان على دمشق يوم الأحد لخمس ليال بقين من سهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين ومائتين، وعزل عنها صالح العباسي، وولى الفتح بن خاقان دمشق كلياتكين. كليب بن عيسى بن أبي حجير الثقفي روى عن زجلة مولاة عاتكة بنت يزيد بن معاوية قالت: سمعت سالماً - أو نافعاً - يحدث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ". وقال: سمعت زجلة مولاة معاوية قالت: أدركت يتامى كن في حجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إحداهن تسمى كويسة، قالت: فخرجت معهن إلى بيت رجل، وقد هلك، لأعزي أهله، فلما أخرجت الجنازة وضعت رجلي أخرج من عتبة الباب، فأخذتني حتى أدخلتني البيت - قالت: ولم تكن تتبع الجنازة امرأة إلا أن تكون نفساء أو مبطونة، تخرج معها امرأة من ثقاتها حتى يضعوها في المصلى،

كميت بن زيد بن خنيس

تدخل يدها تنظر هل خرج شيء، فلا يزال القوم جلوساً أو قياماً، حتى إذا توارت المرأة قالوا للإمام: كبر. كميت بن زيد بن خنيس ابن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع - ويقال: ابن زيد بن حبيش بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع - بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو المستهل الأسدي الشاعر من أهل الكوفة. وفد على يزيد وهشام ابني الملك. قال الكميت بن زيد الشاعر: حدثني الطرماح الشاعر قال: لقيت نابغة بني جعدة الشاعر فقلت له: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: " من الطويل " بلغنا السماء مجداً وسؤدداً ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال: فرأيت وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تغير، وبدا الغضب فيه، فقال لي: " إلى أين يا أبا ليلى؟ " فقلت: إلى الجنة يا رسول الله، فقال: " إلى الجنة - إن شاء الله ". عن الكميت بن زيد الأسدي قال: قال مذكور مولى زينب بنت جحش، عن زينب بنت حجش قالت: خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستشيره، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أين هي ممن يعلمها كتاب ربها، وسنة نبيها؟ " قالت: ومن هو يا رسول الله؟ قال: " زيد بن حارثة ". قال: فغضبت حمنة غضباً شديداً، فقالت:

يا رسول الله، أتزوج ابنة عمك مولاك؟ قالت: وجاءتني، فأعلمتني، فغضبت أشد من غضبها، وقلت أشد من قولها؛ فأنزل الله - عز وجل -: " وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة " الآية. قالت: فأرسلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني أستغفر الله، وأطيع الله ورسوله، افعل يا رسول الله ما رأيت، فزوجني زيداً، فكنت أرزأ عليه، فشكاني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " امسك عليك زوجك واتق الله "، فقال: يا رسول الله، أنا أطلقها، قالت، فطلقني، فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دخل على بيتي، وأنا مكشوفة الشعر، فعلمت أنه أمر من السماء، فقلت: يا رسول الله، بلا خطبة، ولا إشهاد؟ فقال: " الله المزوج، وجبريل الشاهد ". قال حبيش بن الكميت بن المستهل بن الكميت بن زيد: وفد الكميت على يزيد بن عبد الملك، فدخل إليه يوماً وقد اشتريت له سلامة القس، فأدخلت إليه والكميت حاضر، فقال له: يا أبا المستهل، هذه جارية تباع، أفترى أن نبتاعها؟ قال: أي والله يا أمير المؤمنين، ولا أرى لها مثلاً في الدنيا، فلا تفوتنك، قال: فصفها لي في شعر حتى أقبل رأيك، فقال الكميت: " من الخفيف " هي شمس النهار في الحسن إلا ... أنها فضلت بفتك الطراف غضة بضة رخيم لعوب ... وعثة المتن شختة الأطراف زانها دلها وثغر نقي ... وحديث مرتل غبر جاف خلقت فوق منية المتمني ... فاقبل النصح يا بن عبد مناف فضحك يزيد، وقال: قد قبلنا نصحك يا أبا المستهل، وأمر له بجائزة سنية.

عن أبي نصر الحافظ قال: وأما ذؤيبة - بالذال المعجمة - فهو: الكميت بن زيد بن الأخنس بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث بن عامر بن ذؤيبة بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان الشاعر المشهور. عن العتابي قال: كان في الكميتعشر خصال لم تكن في الشاعر: كان خطيب أسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وثبت الجنان. وكان كاتباً حسن الخط، وكان نسابة، وكان جدلاً، وكان أول من ناظر في التشيع، وكان رامياً لم يكن في أسد أرمى منه بنبل، وكان فارساً، وكان شجاعاً، وكان سخياً ديناً. قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم؛ حببهم إلى الناس، وأبقى لهم ذكراً، وأخرج فضائلهم، ولولاه لما عرف الناس قبائل نزار من غيرها، ولا فضائلها. عن الزيادي قال: كان عم الكميت رئيس قومه، فقال له يوماً: يا كميت، لم لا تقول الشعر؟ ثم أخذه، فأدخله ماء كان لهم، وقال: لا أخرجنك منه أو تقول الشعر. فمت به قبرة، فأنشأ متمثلاً يقول: " رجز " يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري

فقال له عمه: إنما حلفت أنك تقول شعراً، وقد قلته، فاخرج! فقال: والله لا خرجت من الماء أو أقول شعراً لنفسي. فما رام عن الماء حتى قال قصيدته المشهورة، وهي أول شعره، ثم غدا على عمه، فقال له: اجمع لي العشيرة ليسمعوا قولي، فجمع له العشيرة، ثم قام، فأنشد: " من الطويل " طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب ثم قال له عمه: ثم ماذا؟ فقال: ولم تلهني دار ولا ربع منزل ... ولم يتطربني بنان مخضب فقال له عمه: ثم ماذا؟ فقال: ولا أنا ممن يزجر الطير همه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب ولا السانحات البارحات عشية ... أمر سليم القرن أم مر أعضب فقال له عمه: فأي شيء؟ فقال: ولكن إلى أهل الفضائل والنهى ... وخير بني حواء والخير يطلب فقال له عمه: من ويلك!؟ فقال: إلى النفر البيض الذين بحبهم ... إلى الله فيما نابني أتقرب

فقال له عمه: ثكلتك أمك، من هم؟ فقال: بني هاشم رهط النبي فإنني ... لهم وبهم أرضى مراراً وأغضب قال: فأمسك عمه حتى أتى على القصيدة إلى آخرها، فقال عمه لقومه: ليهنكم النعمتين؛ إن فيكم شاعراً ومع ذلك إنه طاهر الولادة. قال الكميت: رأيت، وأنا مختف، فيما يرى النائم، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي: " مم خوفك؟ " قلت: يا رسول الله، من بني أمية، قال: " ألست القائل: حياتك كانت مجدنا.. "؟ قلت: بلى، وأنا القائل أيضاً: " فبوركت مولوداً.. " وأنا القائل أيضاً: ألم ترني من حب آل محمد ... أروح وأغدو خائفاً أترقب قال: " اظهر، فإن الله قد آمنك في الدنيا والآخرة ". وقال في قوله: فطائفة قد أكفرتني بحبكم ... وطائفة قالت مسيء ومذنب التي أكفرتني: التيم، والتي قالت مسيء: بنو حرام. عن المدائني قال: قال الكميت لمحمد بن علي: إني قد قلت أبياتاً، إن أظهرتها خشيت على نفسي، وإن أخفيتها خشيت على ديني، قال: هاتها. فأنشده هذه الأبيات: " من الوافر "

نفى عن عينيك الأرق الهجوعا ... وهم يمتري منه الموعا فاستدار علي بن الحسين إلى القبلة، ثم رفع يديه وقال: اللهم اغفر لكميت - ثلاث مرات. قال الجاحظ ما فتح لشيعة الحجاج إلا كميت بقوله: فإن هي لم تصلح لحي سواهم ... فإن ذوي القربى أحق وأوجب يقولون لم يورث ولولا تراثه ... لقد شركت فيه بكيل وأرحب وقال: هذا وضع نكد يصغي إليه كل أحد، ولو كان شعره في المكانة مثل حجاجه لكان منقطع القرين، وكان يقول، ما رأيت شيئاً من البرودة أشد من قوله في مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فبوركت مولوداً وبوركت ناشئاً ... وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب وبورك قبر أنت فيه وبوركت ... به وله أهل لذلك يثرب لو مدحوا بها سائر الناس لما كان مرضياً، فكيف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ عن ابن شبرمة قال: قلت للكميت الأسدي الشاعر: إنك قد قلت في بني هاشم فأحسنت، وقد قلت في بني أمية أفضل مما قلت في بني هاشم؟ قال: إني إذا قلت أحببت أن أحسن. حدثنا عبد الله بن إسحاق بن سلام قال: أتى كميت باب مخلد بن يزيد بن الملهب يمدحه، فصادف على بابه أربعين شاعراً، فقال للآذن: استأذن لي على الأمير، فاستأذن له عليه، فأذن له، فقال: كم رأيت

بالباب من شاعر؟ قال: أربعين شاعراً، قال: فأنت جالب التمر إلى هجر، قال: إنهم جلبوا دقلاً وجلبت أزاذاً، قال: فهات أزاذك، فأنشده: " من الكامل " هلا سألت منازلاً بالأبرق ... درست وكيف سؤال من لم ينطق لعبت بها ريحان ريح عجاجة ... بالسافيات من التراب المعبق والهيف رائحة لها بنتاجها ... طفل العشي بذي حناتم سرق الحناتم: جرار خضر شبه الغيم بها، والهيف: الريح الحارة. والحب فيه حلاوة ومرارة ... سائل بذلك من تطعم أوذق حتى بلغ إلى قوله: بشرت نفسي إذ رأيتك بالغنى ... ووثقت حين سمعت قولك لي ثق فأمر بالخلع عليه، فخلع عليه حتى استغاث، فقال: أتاك الغوث، ارفعوا عنه. قال أبو عبيدة: خرج الكميت إلى أبان عبد الله البجلي، وهو على خراسان، فأدخله في سماره، وكان في الكميت حسد؛ فبينا هو ليلة يسمر معه، فأغفى البجلي، وتناظر القوم في الجود، فرفع أحدهم صوته، فقال: مات والله الجود يوم مات الفياض. وانتبه أبان بصوته، فقال: فيم كنتم؟ فقال الكميت: زعم النضر، والمغيرة، والنعمان، والبحتري، وابن عياض، قال: زعموا ماذا؟ يا أبا المستهل، فقال: " من الخفيف " إن جود الأنام مات جميعاً ... يوم راحوا بطلحة الفياض كذبوا والذي يلبي له الرك ... ب سراعاً بالمفضيات العراض

لا يموت الندى ولا الجود ما عا ... ش أبانا غياث ذي الأنفاض فإذا ما دعا الإله أباناً ... أذن الجود بعده بانقراض قال: سلني، قال: لكل بيت عشرة آلاف، قال: لك ذلك. فأمر له بخمسين ألفاً. قال المبرد: وقف الكميت على الفرزدق وهو صبي، والفرزدق ينشد. فلم فرغ قال له: يا غلام، أيسرك أني أبوك؟ فقال الكميت: أما أبي فلا أبغي به بدلاً، ولكن يسرني أن تكون أمي. فحصر الفرزدق، وقال: ما مر بي مثلها! عن محمد بن سهل قال: أتى الفرزدق وجرير الكميت يتنافران إليه، فجعل الكميت يخلو بجرير، فيقول له: أتفاخر الفرزدق؟ ألك مثل أبي الفرزدق نهشل؟ ألك مثل حاجب بن زرارة؟ ألك مثل لقيط بن معبد؟ ألك كذا، ألك كذا؟ ويخلو بالفرزدق، فيقول له: ألم تعرف ما في بني يربوع من الشرف؟ هل في بني تميم كلها مثل عيينة بن الحارث، أين مثل فرسانها؟ أين مثل وقفاتها؟ فجعل يكسر هذا مرة، وهذا مرة، ويعد شرف هذا وشرف هذا حتى افترقا على ذلك. فجعلا يتوعدانه، فبلغه ذلك، فقال: " من الوافر " سأقضي بين كلب بني كليب ... وبين القين قين بني عقال بأن الكلب مطمعه خبيث ... وان القين يعمل في سفال فما بقيا علي تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال

عن أبان بن تغلب قال: قال لي الكميت وأنا أحادثه: يا أبان، لا تخبر الناس فقراً؛ وإن مت هزلاً؛ فإن الفقير تريكة من الترائك، لا يعبأ بها، ولا يلتفت إليها. وأنشدني قوله: " من الطويل " وما أنت يا كلب إلا تريكة ... كما تركت في دمنة خلق النعل قال أبو أيوب سليمان بن أيوب: قيل للكميت: لم لم ترث أخاك؟ قال: إن مرثيته لا ترد مرزيته. قال ثور بن يزيد الشامي: رأيت الكميت بن زيد في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، قال: بماذا؟ قال: نصب لي كرسياً، وأجلسني عليه، وأمرت بإنشاد " طربت.. "، فلم بلغت إلى قولي: حنانيك رب الناس من أن يغرني ... كما غرهم شرب الحياة المنضب قال: صدقت يا كميت، إنه ما غرك ما غرهم، فقد غفرت لك بصدقك في صفوتي من بريتي، وخيرتي من خليقتي، وجعلت لك بكل منشد أنشد بيتاً من مدك آل محمد رتبة أرفعها لك في الآخرة إلى يوم القيامة. قال الحافظ بن عساكر: بلغني أن مبلغ شعر الكميت خمسة آلاف ومئتان وتسعة وثمانون بيتاً، وأنه ولد أيام قتل الحسين بن علي سنة ستين، ومات في سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد.

كميل بن زياد بن نهيك

كميل بن زياد بن نهيك ابن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع بن مذحج النخعي الصهباني الكوفي قدم دمشق في خلافة عثمان، في حملة المبشرين. عن كميل، عن أبي هريرة قال: كنت أمشي مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض حيطان المدينة، فقال: " يا أبا هريرة "، فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: " إن المكثرين هم الأقلون، إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا - وأومأ عن يمينه، وعن يساره - وقليل ما هم ". ثم قال: " يا أبا هريرة، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ " قلت بلى يا رسول الله، قال: " تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ من الله إلا إليه ". ثم قال: " يا أبا هريرة، هل تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به ". قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة: كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع، من مذحج. شهد مع علي صفين. وكان شريفاً مطاعاً في قومه، فلما فدم الحجاج بن يوسف الكوفة دعا به، فقتله. وكان ثقة قليل الحديث. قال علي بن محمد بن أبي سيف المدائني: وفيهم - يعني أهل الكوفة - من العباد: أويس القرني، وعمرو بن عتبة بن فرقد، ويزيد بن معاوية النخعي، وربيع بن خثيم، وهمام بن الحارث، ومعضد الشيباني، وجندب بن عبد الله، وكميل بن زياد النخعي.

عن كميل بن زياد النخعي قال: خرجت مع علي بن أبي طالب، فلما أشرف على الجبان التفت إلى المقبرة، فقال: يا أهل القبور، يا أهل البلاء، يا أهل الوحشة، ما الخبر عندكم فإن الخبر عندنا: قد قسمت الأموال، وأيتمت الأولاد، واستبدل بالأزواج. فهذا الخبر عندنا فما الخبر عندكم؟ ثم التفت إلي، فقال: يا كميل، لو أذن لهم في الجواب لقالوا: إن خير الزاد التقوى، ثم بكى، وقال لي: يا كميل، القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر. وعنه قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة، فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان، فلما أصحر تنفس صعداء، ثم قال لي: يا كميل بن زياد، إن هذه القلوب أوعية، وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عني ما أقول لك؛ الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجوا إلى ركن وثيق. يا كميل بن زياد، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل بن زياد، صحبة العلم دين يدان بها، تكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. ومنفعة المال تزول بزواله. العلم حاكم، والمال محكوم عليه، يا كميل، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، عيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. وإن هاهنا - وأشار إلى صدره - لعلماً جماً. عن الأعمش قال: دخل الهيثم بن الأسود النخعي على الحجاج، فقال له: ما فعل كميل بن زياد؟ قال: شيخ كبير مطروح في البيت، قال: بلغني أنه فارق الجماجم، قال: ذاك شيخ كبير خرف. فدعا كميلاً، فقال له: أنت صاحب عثمان؟ قال: ما صنعت بعثمان؟ لطمني، فأقادني، فعفوت. فأمر بقتله.

كنانة بن بشر بن سلمان

عن محمد بن عبد الرحمن قال: منع الحجاج النخع أعطياتهم وعيالهم حتى يأتوه بكميل بن زياد، فلما رأى ذلك كميل أقبل إلى قومه، فقال: أبلغوني الحجاج، فأبلغوه، فقال الحجاج: يا أهل الشام، أتعرفون هذا؟ هذا كميل بن زياد الذي قال لثمان: أقدني من نفسك، فقال كميل، فعرف حقي، فقلت: أما إذا أقدتني فهو لك هبة، فمن أحسن قولا، ً أنا أو عثمان؟ فذكر الحجاج علي بن أبي طالب، فصلى عليه كميل، فقال الحجاج: والله لأبعثن إليك إنساناً أشد بغضاً لعلي من حبك له. فبعث إلى أدهم القيسي من أهل حمص، فضرب عنق كميل بن زياد. وفي سنة اثنتين وثمانين قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي - وقيل سنة أربع وثمانين -. وثقة يحيى بن معين والعجلي والخطيب. وقال الخطيب: هو من رؤساء الشيعة. كنانة بن بشر بن سلمان - ويقال: ابن بشر بن عتاب - التجيبي الأيداعي أحد من سار إلى حصر عثمان بن عفان، وممن تولى قتله. وقيل أنه كان في الرهن التي أخذها معاوية من أهل مصر، وسجنهم بلد، وقيل: بدمشق، وقيل: إنه قتل يوم الدار، وقيل: إنه قتل قبل دخول جيش معاوية مصر. عن يزيد بن أبي حبيب قال: ولما رأى معاوية أنه لا يستطيع دخول الفسطاط كتب إلى محمد بن أبي حذيفة: إنا لا نريد قتال أحد من المسلمين، إنما جئنا لنسأل القود بعثمان، أو ادفعوا إلينا قاتله: ابن

عديس، وكنانة بن بشر، وهما رأس القوم. وأمر معاوية عمراً بأن يكتب إلى ابن أبي حذيفة بمثل ذلك، فكتب عمرو، فكتب محمد بن أبي حذيفة: إني لم أكن لأقيد بعثمان جدياً أرطب السرة. وأمر بصحيفة أخرى فطويت. ليس في جوفها شيء، وكتب عنوانها: من محمد بن أبي حذيفة إلى عمرو بن العاص، فلما فضها عمر لم يرى فيها شيئاً، فقال له معاوية: ما كتب إليك ابن أبي حذيفة؟ قال: نعم، إني لست شيئاً، سيعلم أينا يدحض في بول أمه. فقال معاوية لابن أبي حذيفة: اجعلوا بيننا وبينكم رهناً منا ومنكم، لا يكون بيننا وبينكم حرب حتى يستخلف الله، ويجمع الأمة على من يشاء. فقال ابن أبي حذيفة: فإني أرضى بذلك على أني أستخلف على جندي وانطلق مع الرهن وكان ذلك منه جبناً، فقال معاوية عند ذلك - واغتنم قول ابن أبي حذيفة -: فمن تستخلف؟ قال: أستخلف أمية بن شييم، قال معاوية: نعم. فانطلق ابن أبي حذيفة مع معاوية حتى دخل بهم الشام، ففرقهم نصفين، فسجن ابن أبي حذيفة ومن معه في سجن دمشق، وسجن ابن عديس ومن والنصف الثاني في سجن بعلبك. قال: فبينا معاوية في مسيره ذلك جاءه بريد، فأخبر أن قيس بن عدي اللخمي، ثم الراشدي صاحب مصر قد أغار في خيل حتى بلغ فلسطين، ثم جاءه آخر، فأخبره أن محمد بن أبي حذيفة قد خرج من السجن، ثم جاءه آخر، فأخبره أن ابن عديس وأصحابه قد خرجوا من السجن، فكان رأس القوم بعد ابن أبي حذيفة عبد الرحمن بن عديس، وكنانة بن بشر. ثم جاءه بريد آخر، فأخبره أن ابن هرقل قد نزل الدرب. ثم جاءه بريد آخر، فأخبره أن علي بن أبي طالب قد شارف، جاءته خمسة برد في ليلة واحدة. فأرسل معاوية إلى عمرو بن العاص: ما ترى في خمسة أمور شتى في ليلة واحدة، ما منها أمر إلا يهد المرء ذا القوى؟! فقال: وما هن؟ فأخبره الخبر، فقال: أما قيس بن عدي فإنما هو سارق، ولن يضر أحداً، وأما بن عديس وأصحابه فإنهم قد خرجوا من سجن الناس إلى سجن الله؛ فإنهم لن يعجزوا الله، وابعث إلى أبي راشد صاحب فلسطين يبعث بمن خرج منهم إلى أرضه. فبعث أبو راشد عمرو بن عبد الله الخثعمي في طلب الرهن، قال: فخرجت نبطية من أنباط فلسطين تطلب حماراً، فاتبعت الحمار حتى وصل إلى عار، فرأت محمد بن حذيفة وأصحابه

كنجور بن عيسى

في الغار - وكانوا يسيرون الليل، ويكمنون النهار - فدلت النبطية عليهم عمرو بن العاص. فزعم من زعم أن محمد بن حذيفة وكنانة بن بشر عرض عليهما أن يستبقيا فكرها ذلك، فقتلوا. وذكر أبو مخنف أن كنانة قتله جيش معاوية الذي أنفذه لافتتاح مصر. وذكر أبو عمر محمد بن يوسف المصري قال: كان قتل كنانة بن بشر في ذي الحجة سنة ست وثلاثين. عن الزهري قال: قتل عثمان عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان أسود على كنانة بن بشر، فقتله كنجور بن عيسى أبو محمد الفرغاني حدث عن أبي إسماعيل بن محمد بن قيراط العذري بسنده إلى أمامة الباهلي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه تلا هذه الآية: " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين "، قال: " أتدرون أين هي؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " هي بالشام، بأرض يقال لها الغوطة، مدينة يقال لها دمشق ". كنيز بن عبد الله أبو علي الخادم الفقيه الشافعي مولى المنتصر بالله بن جعفر المتوكل على الله.

كوثر بن الأسود

كان من أهل بغداد، ثم خرج إلى مصر، وأقام بها مدة، وسكن دمشق، ومات بها. حدث عن الربيع بن سليمان بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تجاوز عن أمتي: الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ". قال كنيز الخادم: كنت للمنتصر بالله، فلما مات خرجت إلى مصر، فكنت أجلس في حلقة محمد بن عبد الله بن الحكم، وأناظرهم على مذهب الشافعي - رحمه الله - وأحتج عنه. وكان هؤلاء مالكيين، فكنت أقيم قيامتهم، وأكشف عيوبهم، فلما تبين لهم أنهم لا يقوون لي سعوا بي إلى أحمد بن طولون، فأمر بحبسي في موضع قذر، فبقيت في ذلك الموضع القذر محبوساً سبع سنين حتى مات أحمد بن طولون، وخلي عن المحبوسين، فخرجت من الحبس، وذهبت إلى الإسكندرية، فبقست بها سبع سنين. ثم خرجت من الإسكندرية وجئت إلى دمشق. كنيز: بضم الكاف وفتح النون تليها الياء معجمة باثنتين من تحتها وبعدها الزاي. كوثر بن الأسود ويقال: كوثر بن عبيد، القنوي كان على شرطة مروان بن محمد، وكان معه حين هزم سليمان بن هشام، وغلب على دمشق. وقيل: هما اثنان: ابن الأسود غير ابن عبيد، والصحيح أنهما واحد.

كوثر بن حكيم بن أبان

كوثر بن حكيم بن أبان ابن عبد الله بن عباس أبو مخلد الهمداني الكوفي ثم الحلبي حدث عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا بن أم عبد، هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال: " لا تجهز على جريحها، ولا تقتل أسيرها، ولا تطلب هاربها، ولا تقسم فيئها ". وقال: غزونا مع مسلمة بن هشام، فلما كان أول يوم من شهر رمضان قام في الناس فقال: إن أمبر المؤمنين يقول: من صام رمضان في السفر فال صيام له. فقام أمية بن يزيد بن أبي عثمان القرشي، فقال: أصلح الله الأمير، إن مكحولاً كان إماماً من أئمة المسلمين، وكان يقول: من أفطر في السفر ففي عذر وسعه، ومن صام فهو أفضل، وما صمتم شهر رمضان في شهر أحب إلى الله من الشهر الذي فرضه فيه. فدع الناس، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر. فقال: صدق أبو عبد الله، من شاء صام، ومن شاء أفطر. قالوا: كوثر بن حكيم منكر الحديث، لا يسوى شيئاً، وضعفوه. كوثر النميري شاعر فارس، له ذكر في حرب أبي العميطر. ومن شعره: " من السريع " لو لم يكن مع هاشم عاجل عاجل ... لكان في الآجل خير كثير فكيف والأمران من عاجل ... وآجل عندهم مستنير

كهيل بن حرملة النميري

كهيل بن حرملة النميري من أهل دمشق. كانت له دار بدمشق عند الباب الشرقي، عن يمين الداخل. عن كهيل بن حرملة قال: أقبل أبو هريرة إلى دمشق، فنزل على أبي كلثم الدوسي، قال: فجلس في المسجد في غربيه، قال: فتذاكرنا الصلاة الوسطى، فاختلفنا، فقال أبو هريرة: اختلفنا فيها كما اختلفتم، ونحن بفناء بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة، فقال: أنا أعلم ذلك، وكان جريئاً عليه، فاستأذن على رسول الله، ثم خرج، فأخبرنا أنها صلاة العصر. وروى عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تكفير كل لحاء ركعتان ". عن كهيل الأزدي - وكانت له صحبة - قال: أصيب الناس في يوم أحد، وكثر فيهم الجراحات، فأتى رجل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن الناس قد كثر فيهم الجراحات، قال: " انطلق، فقم على الطريق، فلا يمر بك جريح إلا قلت بسم الله، ثم تفلت بجرحه، وقلت: بسم الله شفاء الحي الحميد من كل حد حديد، أو حجر تليد، اللهم اشف، إنه لا شافي ألا أنت ". قال كهيل: فإنه لا يقيح ولا يدمى. قال أبو مسهر: كهيل من نمر الأسد، لا من نمر بن قاسط.

كلاب بن أمية

كلاب بن أمية أبو هارون الليثي عن كلاب بن أمية قال: قدم علينا واثلة بن الأسقع، فنزل دار أم خالد بنت هاشم، فأتيناه نسلم عليه، فقال له بعضنا: حدثنا - رحمك الله - بحديث سمعته من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليس فيه زيادة، ولا نقصان، قال: فغضب حتى عرفنا الغضب في وجهه، ثم قال: إن مصحف أحدكم ليكون عند رأسه، فينظر فيه كل يوم، وهو يزيد وينقص، تسألوننا أن نحدثكم بحديث قد أتى له كذا وكذا، لا زيادة، ولا نقصان؟! قال: فلما سري عنه الغضب قال: شهدت نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأتاه نفر من بني سليم، فقالوا: يا رسول الله، إن صاحبنا لنا قد أوجب، فقال: " مروه فليعتق رقبة يفك الله بكل عضو منها عضو منه من النار ". عن الحسن قال: بغث زياد كلاب بن أمية الليثي على الأبلة، فمر به عثمان بن أبي العاص، فقال: يا أبا هارون، ما يجلسك هنا. قال: بعثني هذا على الأبلة، فقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: " إن داود كان يوقظ أهله ساعة من الليل، يقول: يا آل داود، قوموا، فصلوا،؛ فإن هذه الساعة يستجاب فيها الدعاء إلا لساحر أو عشار ". قال: فدعا بسفينة فركبها، ثم رجع إلى زياد، فقال، ابعث على عملك من شئت.

كلاب

كلاب خرج إلى الشام مجاهداً، وكان في جيش يزيد بن أبي سفيان. كيسان له صحبة. عن كيسان أنه كان يتجر في الخمر، في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما حرمت الخمر نهاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل من الشام ومعه خمر في زقاق يريد به التجارة، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، لقد جئت بشراب جيد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها قد حرمت بعدك يا كيسان "، قال: فأذهب، فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله: " إنها قد حرمت وحرم ثمنها "، قال: فانطلق كيسان إلى الزقاق، فأخذ بأرجلها، ثم أهراقها جميعاً. ولكيسان هذا حديث آخر في نزول عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيه اختلاف؛ قيل: إن راوي حديث نزول عيسى آخر. ذكر كيسان فيمن نزل حمص من أصحاب رسول الله من قريش، وولده بدمشق. وقيل: توفي بحمص.

كيسان أبو حريز

كيسان أبو حريز مولى معاوية بن أبي سفيان القرشي عن كيسان مولى معاوية قال: خطب معاوية الناس، فقال: يا أيها الناس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تسع وأنا أنهي عنهن: النوح، والشعر، والتبرج، والتصاوير، وجلود السباع، والغناء، والذهب، والحرير، والحديد. أسماء الرجال على حرف اللام لبطة بن همام الفرزدق ابن غالب بن صعصعة بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع ابن دارم، أبو غالب التميمي البصري بعثه أبوه إلى هشام بن عبد الملك. حدث عن أبيه أنه كان بالمدينة، فإذا قوم على باب، فقلت: من ذا؟ قالوا: أبو سعيد الخدري ننظره. قال: فجلست حتى أذن للقوم، فدخلوا، ودخلت معهم. قال: فجلست وسط الحلقة، فقلنا: يا أبا سعيد، إن قبلنا قوماً يصلون صلاة لا يصليها أحد، ويقرؤون قراءة لا يقرؤها أحد. قال: وكان متكئاً، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن قبل المشرق قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم ". وروى عن أبيه قال: حججت، فمررت بذات عرق، فإذا بها قباب منصوبة، فقلت: ماهذه؟ قالوا:

الحسين بن علي. فدخلت عليه، فقال: ما الخبر، ما وراءك؟ قال: قلت: القلوب معك، والسيوف مع بني أمية. وفي رواية أخرى: فنزلت عن راحلتي، وكان بيني وبينه معرفة، فأخذت بزمام راحلته، قال: ما وراءك؟ قلت: أنت أحب الناس إلى الناس، والسيوف مع بني أمية، والقضاء في السماء. قال: فشهدت الموسم مع الناس، فلما كان يوم الصدر، وتقلع الناس، فإذا فسطاط، فقلت: لمن هذا يا فسطاط؟ فقالوا: لعبد الله بن عمرو، فأتيته، فإذا أغيلمة سود قصار يلعبون، قلت: يا غلمان، أين أبوكم؟ قالوا: في هذا الفسطاط يتوضأ. فخرج كأنه قد توضأ، فقلت: ما تقول في هذا الرجل الذي خرج؟ - يعني الحسين - قال: ليس يحيك فيه السلاح، قال: قلت: ألست القائل لفلان كذا وكذا؟ فسبني، قال: قلت: ما مثله إلا مثل موسى حين خرج هارباً من آل فرعون! قال الفرزدق: فلما كنت على ماء لنا يقال له تعشار، إذا رفقة من أهل الكوفة، قلت: ما الخبر؟ قالوا: قتل الحسين - عليه السلام. لا يحيك فيه السلاح: أي لا يضره السلاح مع ما قد سبق له، ليس أنه لا يقتل. قال محمد بن سلام بن عبيد الله: حدثني أبو يحيى قال: قال الفرزدق لابنه لبطة وهو محبوس: اشخص إلى هشام. ومدحه بقصيدة، وقال لابنه: استعن بالقيسية، ولا يمنعك منهم هجائي لهم؛ فإنهم سيغضبون لك. وقال: " من الطويل " أنقتل فيكم أن قتلنا عدوكم ... على دينكم والحرب باد قتامها فغير أمير المؤمنين فإنها ... يمانية حمقاء أنت هشامها

لبيب بن عبد الله

فأعانته القيسية، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إذا ما كان في مضر ناب، أو شاعر، أو سيد وثب عليه خالد " فحبسه ". قال الحافظ: بلغني أن لبطة بن الفرزدق قتل مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو شيخ كبير، وذلك في خلافة المنصور سنة خمس وأربعين ومائة. لبيب بن عبد الله أبو الحسن الأطرابلسي مولى القاضي أبي بكر بن حيدرة. روى عن مولاه القاضي أبي بكر عبد الله بن الحسين بن محمد بن حيدرة بسنده إلى أنس بن مالك قال: أول خطبة خطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: " يا أيها الناس، إن الله قد اختار لكم الإسلام ديناً، فأحسنوا صحبة الإسلام بالسخاء، وحسن الخلق، ألا إن السخاء شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم سخياً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده الله الجنة. ألا إن اللؤم شجرة في النار، وأغصانها في الدنيا، فمن كان منكم لئيماً لا يزال متعلقاً بغصن من أغصانها حتى يورده الله النار ". ثم قال مرتين: " السخاء في الله، السخاء في الله ".

لبيد بن حميد بن لبيد

لبيد بن حميد بن لبيد أبو الوقاد البقال حدث عن أبي بكر عبد الله بن عبد الرحمن الداراني بسنده إلى عائشة قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون عند موته حتى سالت دموعه على وجهه. لبيد ين عطارد بن حاجب - واسمه يزيد، ويكنى أبا عكرشة - بن زرارة ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مر بن طابخة التميمي من وجوه أهل الكوفة وأشرافهم. وفد على يزيد بن معاوية، وله قصة مع عمر بن زيد بن العوام. لجلاج أبو خالد بن اللجلاج الزهري - مولى لبني زهرة - ويقال: العامري له صحبة. وفرق أبو الحسن بن سميع بين لجلاج أبي خالد، ولجلاج أبي العلاء، وجمعهما يحيى بن معين. قال لجلاج أبو خالد: بينما نحن في السوق إذ مرت امرأة تحمل صبياً، فثار الناس، وثرت معهم، فانتهيت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول لها: " من أبو هذا؟ " فسكتت، فقال: " من أبو

هذا؟ " فسكتت، فقال شاب بحذائها: يا رسول الله، إنها حديثة السن، حديثة عهد بخزية، وإنها لن تخبرك، وأنا أبوه، يا رسول الله، فالتفت إلى من عنده كأنه يسألهم عنه، فقالوا ما علمنا إلا خيراً، ونحو ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحصنت "؟ قال: نعم، فأمر برجمه، فذهبنا، فحفرناله حتى أمكنا، ورميناه بالحجارة حتى هدأ، ثم رجعنا إلى مجالسنا. فبينما نحن كذلك إذا شيخ يسأل عن الفتى، فقمنا إليه، فأخذنا بتلابيبه، فجئنا به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، إن هذا جاء سأل عن الخبيث! فقال: " مه، لهو أطيب عند الله ريحاً من المسك "! قال فذهبنا، فأعناه على غسله وحنوطه وتكفينه، وحفرنا له - ولا أدري أذكر الصلاة أم لا. عن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه قال: أسلمت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا ابن خمسين سنة - ومات اللجلاج وهو ابن عشرين ومائة سنة - قال: ما ملأت بطني من طعام منذ أسلمت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ آكل حسبي، وأشرب حسبي. عن ابن اللجلاج قال: خرجت مع أبي إلى المصلى في سوم عيد، فخرج وهو يرفع صوته بالتكبير، فقلت: اخفض صوتك يا أبتاه، فإن الناس ينظرون إليك! قال: وقد بقيت حتى صرت في قوم أظهر سنة فيرمقوني في أبصارهم، وينكرونها؟ اللهم لا تردني إلى أهلي حتى تقبضني إليك. قال: فما رجع إلى منزله حتى مات. وكان قد أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني، إذا أنا مت فالحد لي، فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله، وعلى سنة رسول الله. ثم سن علي التراب سناً، ثم أقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة، وخاتمتها؛ فإني سمعت ابن عمر يقول ذلك.

لقيط بن عبد القيس بن بجرة

لقيط بن عبد القيس بن بجرة الفزاري حليف بني ظفر. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، وكان أميراً على بعض الكراديس. لمازة بن زبار أبو لبيد الجهضمي البصري وفد على يزيد بن معاوية. روى عن عروة بن أبي الجعد البارقي قال: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جلب من الغنم، فأعجبه نحوها. قال عروة: فأعطاني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديناراً، قال: " أي عروة، ائت ذاك الجلب، فابتع لنا منه شاة بدينار ". قال: فأتيت الجلب. فساومت صاحبها، فاشتريت شاتين بدينار، ثم جئت بهما أقودهما، أو أسوقهما. قال: فلقيني رجل في الطريق، فساومني بهما، فبعت إحداهما بدينار، ثم جئت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشاة والدينار. قال: وأخبرته الخبر. قال: فدعا لي في صفقة يميني بالبركة. قال: فإن كنت لأبيع الرقيق بالكناسة، فتبلغ الجارية عشرة آلاف أو أكثر، فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفاً. عن أبي لبيد قال: شهدت كابل مع ابن سمرة، فأصاب الناس غنماً، فانتبهوا، فقال: أيها الناس، من

انتهب من هذه الغنم نهبة فليؤدها، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من انتهب فليس منا ". عن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل في زمن الحجاج، والحكم بن أيوب أمير البصرة، قال: فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك، فسألناه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله؟ فأتيناه، وهو في قصره في الزاوية، فسألناه، فقلنا: يا أبا حمزة، أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراهن؟ قال: نعم، والله لقد راهن على فرس يقال لها سبحة، فسبق الناس، فابتش لذلك، وأعجبه. وعنه قال: وفدنا على يزيد، قال: فبينا هو نازل في الصحراء، فجعل الناس يقولون: هو الآن قاعد على الخمر يشربها، فهاجت ريح شديدة، فألقت بناءه، فإذا هو قد نشر المصحف بين يديه وهو يقرأ. قال ممد بن سعد: أبو لبيد، واسمه لمازة بن زبار الأزدي ثم الجهضمي. كان ثقة، وله أحاديث. عن حماد بن زيد قال: رأيت أبا لبيد يصفر لحيته، وكانت لحيته تبلغ سرته، وقد قاتل علياً يوم الجمل. وعن الزبير بن الخريت: قيل لأبي لبيد: أتحب علياً؟ قال: كيف أحب رجلاً قتل من قومي حين كانت الشمس من هاهنا إلى أن صارت من هاهنا ألفين وخمسمائة. وفي رواية: ستة آلاف. وقيل أنه كان يشتم علي بن أبي طالب.

لوط بن هاران

لوط بن هاران ويقال: ابن أهرن - بن تارخ - وهاران هو أخو إبراهيم خليل الله - بن تارخ - وتارخ هو آزر - بن ناحور بن ساروع بن أرعو بن فالغ بن غابر بن شالغ بن أرفشخد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن خنوخ - وهو إدريس، وهو يارد - بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مقام إبراهيم ببرزة، على ما قيل. عن جابر قال: أول من قاتل في سبيل الله إبراهيم خليل الرحمن حيث أسر لوط، واستأسرته الروم، فغزا إبراهيم حتى استنقذه من الروم. عن ابن عباس قال: كل الأنبياء من ذرية يعقوب إلا عشرة: محمد، وإسماعيل، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، وهود، وشعيب، وصالح، ونوح. وأول من هاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عثمان بن عفان كما هاجر لوط إلى إبراهيم. عن أنس قال: أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان، فاحتبس على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبره، فجعل يخرج يتوكف عنه الأخبار؛ فقدمت امرأة من قريش، فقالت له: يا أبا القاسم، قد رأيت ختنك متوجهاً في سفره، وامرأته على حمار من هذه الدبابة، وهو يسوق بها، يمشي خلفها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صحبهما الله، إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

عن ابن عباس قال: أرسل إبراهيم إلى الأرض المقدسة، ولوط إلى المؤتفكات. وكانت قرى لوط أربع مدائن: سدوم، واموراء، وعاموراء، وصبويراء. وكان في كل قرية مائة ألف مقاتل، فجميعهم أربعمائة ألف، وكانت أعظم مدائنهم سدوم، وكان لوط يسكنها، وهي المؤتكفات، وهي من بلاد الشام، ومن فلسطين مسيرة يوم وليلة. وكان الله قد أمهل قزم لوط، فخرقوا حجاب الإسلام، وانتهكوا المحارم، واتوا الفاحشة الكبرى، فكان إبراهيم يركب على حماره حتى يأتي مدائن قوم لوط، فينصحهم، فيأبون أن يقبلوا، فكان بعد ذلك يجيء على حماره، فينظر إلى سدوم، فيقول: يا سدوم، أي يوم لك من الله! سدوم، إنما أنهاكم ألا تتعرضوا لعقوبة الله، حتى بلغ الكتاب أجله، فبعث الله جبريل في نفر من الملائكة، قال: فهبطوا في صورة الرجال حتى انتهوا إلى إبراهيم، وهو في زرع له يثير الأرض، كما بلغ الماء في مسكنه من الأرض، ركز مسحاته في الأرض، فصلى خلفها ركعتين. قال: فنظرت الملائكة إلى إبراهيم، فقالوا: لو كان الله - عز وجل - ينبغي أن يتخذ خليلاً لاتخذ هذا العبد خليلاً، ولا يعلمون أن الله قد اتخذه خليلاً. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم جاءني الداعي لأجبت ". عن ابن عباس قال: لما سمعت الفسق بأضياف لوط جاؤوا إلى باب لوط، فاغلق الباب دونهم، ثم اطلع عليهم، فقال: " هؤلاء بناتي "، يعرض عليهم بناته بالنكاح والتزويج، ولم يعرضها عليهم للفاحشة، وكانوا كفاراً وبناته مسلمات، فلما رأى البلاء، وخاف الفضيحة عرض عليهم التزويج - وكان في سنتهم ألا يتزوجوا إلا امرأة واحدة، فلما خطبوا إلى لوط فلم

يزوجهم تزوجوا - فقالوا: " لقد علمت ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد "، وكان اسم ابنتيه إحداهما رعوثا، والأخرى رميثا - ويقال: زبوثا ورعوثا، فالله أعلم. وكان الذي حملهم على إتيان الرجال دون النساء أنه كانت لهم ثمار في منازلهم، وحوائطهم، وثمار خارجة على ظهر الطريق، وانهم أصابهم قحط، وقلة من الثمار، فقال بعضهم لبعض: إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل لكان فيها لكم عيش، قالوا: بأي شيء نمنعها؟ قال: اجعلوا سنتكم من أخذتم في بلادكم غريباً سنتكم فيه أن تنكحوه، وأغرموه أربعة دراهم؛ فغن الناس يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك، فذلك الذي حملهم على ما ارتكبوا من الحدث العظيم، الذي لم يسبقهم إليه أحد من العالمين. وقال في آية أخرى: " أتأتون الذكران من العالمين " - يعني الغرباء، وقالوا فيما عاتبوا لوطاً: " أولم ننهك عن العالمين "؟ أي ألم ننهك عن الغرباء حتى تفعل بهم الفاحشة؟ فعند ذلك قال: " هؤلاء بناتي " دعاهم إلى الحلال، فأبوا، " فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد "؟ أي: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقيل: كان بدء عمل قوم لوط أن إبليس جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي، أجمل صبي رآه الناس، فدعاهم إلى نفسه، فنكحوه، ثم جروا على ذلك، فلم يتناهوا، ولم يردهم قوله، ولم يقبلوا شيئاً مما عرض عليهم من أمر بناته، فكسروا الباب، ودخلوا عليه، قال: وتحول جبريل في صورته - وله صورتان، إذا كان في الأرض كان في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وإذا كان في السماء كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وله جناحان أخضران موشحان بالدر والياقوت - قال: فتحول في صورته التي يكون فيها في السماء، قال: ثم قال: يا لوط، لا تخف، نحن الملائكة، لن يصلوا إليك، وأمرنا بعذابهم، فقال لوط: يا جبريل، الآن فعذبهم، وهو شديد الأسف عليهم. قال جبريل، يا لوط " موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب "؟ " فأسر بأهلك بقطع من الليل

واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد ". ووثب القوم، فتعلقوا بهم، فطمس جبريل بجناحيه وجوههم، فشدخت وجوههم، وتناثرت أحداقهم بالأرض، فذلك قوله: " ولقد راودوه عن ضيفه، فطمسنا أعينهم "، فعند ذلك قالوا: يا لوط، معك رجال سحروا أعيننا، فأوعدوه، قال: فخرجوا من عنده عمي لا يهتدون الطريق، فلما كان عند وجه الصبح جاءهم العذاب. عن ابن عباس قال: لما بشر إبراهيم بقول الله: " فلما ذهب عن إبراهيم الروع، وجاءته البشرى - بإسحاق - يجادلنا في قوم لوط "، وإنما كان جداله أنه قال: يا جبريل، أين تريدون، وغلى من بعثتم؟ قالوا إلى قوم لوط، وقد أمرنا بعذابهم، فقال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن تعذبونهم؟ قال جبريل: لا، قال: إن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذبونهم؟ فقال جبريل: لا، قال: فإن كان فيهم ثمانون مؤمن تعذبونهم؟ قال جبريل: لا، حتى انتهى العدد إلى واحد مؤمن، قال جبريل: لا. فخاف إبراهيم على لوط، فقال: " إن فيها لوطاً " ليدفع به عنهم، فقالوا: " نحن نعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين "، يعني من الباقين الذين أهلكوا ولم ينجوا، إنما أنجى لوطاً، وغبرت امرأته مع الغابرين فأهلكت. قيل أنها صعدت ظهر بيتها، فلوحت بثوب لها فأتاها الفسقة يهرعون إليها سراعاً، فقالوا: هل عندك شيء؟ قال: نعم والله، لقد نزل بنا أضياف ما رأينا قط أحسن وجوهاً منهم، ولا أطيب منهم ريحاً. وفي قوله: " فخانتهما "، قال: لم يكن زنى، ولكن امرأة نوح كانت تخبر أنه مجنون، وامرأة لوط تخبر بالضيف إذا نزل.

وعن الضحاك قال: إنما كانت خيانة امرأة وامرأة لوط النميمية. عن حذيفة قال: إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال. عن جعفر بن محمد بن علي قال: جاءته امرأتان قد قرأتا القرآن فقالتا: هل تجد غشيان المرأة المرأة محرماً في كتاب الله؟ فقال لها: نعم؛ هن اللواتي كن على عهد تبع، وهن صواحب الرس - وكل نهر وبئر رس. عن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل سنن قوم لوط قد فقدت إلا ثلاثاً: جر نعال السيف، وخضب الأظفار، وكشف عن العورة. وضرب بيده على فخذه ". عن أبي أمامة الباهلي قال: كان في قوم لوط عشر خصال يعرفون بها: لعب الحمام، ورمي البندق، والمكاء، والخذف في الأنداء، وتبسيط الشعر، وفرقعة العلك، وإسبال الأزرار، وحبس الأقبية، وإتيان الرجال، والمنادمة على الشرابز عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا؛ وتزيدها أمتي بخلة: إتيان الرجال بعضهم بعضاً، ورميهم بالجلاهق والخذف، ولعبهم بالحمام، وضرب الدفوف، وشرب الخمور،

وقص اللحية، وطول الشارب، والصفير، والتصفيق، ولباس الحرير. وتزيدها أمتي بخلة: إتيان النساء بعضهم بعضاً ". عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية: " وتأتون في ناديكم المنكر " ما المنكر الذي كانوا يأتون في ناديهم؟ قال: " كانوا يخذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم ". عن معاوية بن قرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: " ما أحسن ما أثنى عليك ربك " ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين "، فما كانت قوتك، وما كانت أمانتك؟ قال: أما قوتي فإني بعثت إلى مدائن لوط، وهي أربع مدائن، وفي كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماء أصوات الدجاج، ونباح الكلاب، ثم هويت بهن، فقلبتهن. وأما أمانتي فلم أؤمر بشيء فعدوته إلى غيره ". قيل لمجاهد: يا أبا الحجاج، هل بقي من قوم لوط أحد؟ قال: لا، إلا رجل بقي أربعين يوماً، تاجراً كان بمكة، فجاءه حجر ليصيبه في الحرم، فقام إليه ملائكة الحرم، فقالوا للحجر: ارجع من حيث جئت؛ فإن الرجل في حرم الله. فخرج الحجر، فوقف خارجاً من الحرم أربعين يوماً بين السماء والأرض حتى قضى الرجل تجارته، فلما خرج أصابه الحجر خارجاً من الحرم، يقول الله: " وما هي من الظالمين ببعيد "، يعني من ظالمي هذه الأمة ببعيد. عن أبي سعيد قال: من عمل ذاك من عمل قوم لوط إنما كانوا ثلاثين رجلاً ونيفاً لا يبلغون أربعين،

لؤلؤ بن عبد الله أبو الحسن

فأهلكهم الله جميعاً. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو لتعمنكم العقوبة جميعاً ". عن الزهري قال: أن لوطاً لم يزل مع إبراهيم حتى قبضه الله إليه. لؤلؤ بن عبد الله أبو الحسن الخادم كان لزبيدة، ويقال: بل كان لهارون الرشيد فوهبه لليث بن سعد، وقدم مع الليث دمشق لما رجع من بغداد إلى مصر. قال: كنت غلاماً لزبيدة، وإني يوم أتى بالليث يستفتيه كنت واقفاً على رأس ستي زبيدة خلف الستارة، فسأله هارون الرشيد: حلفت إن لي جنتين؟ فاستحلفه الليث ثلاثاً أنه يخاف الله؟ فحلف له، فقال له الليث: قال الله - عز وجل -: " ولمن خاف مقام ربه جنتان "، قال: فأقطعه قطائع بمصر كثيرة. وقال: جرى بين هارون الرشيد وبين ابنة عمه زبيدة مناظرة وملاحاة في شيء من الأشياء، فقال هارون في عرض كلامه لها: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، ثم ندم واغتما جميعاً بهذه اليمين، ونزل بهما مصيبة لموضع ابنة عمه منه، فجمع الفقهاء وسألهم عن هذه اليمين، فلم يجدوا منها مخرجاً، ثم كتب إلى سائر البلدان من عمله أن تحمل إليه الفقهاء من بلدانهم، فلما اجتمعوا جلس لهم، وأدخلوا عليه، وكنت واقفاً بين يديه لأمر إن حدث يأمرني بما شاء فيه، فسألهم عن يمينه، وكنت المعبر عنه، وهل له منها مخلص، فأجابه الفقهاء بأجوبة مختلفة، وكان فيهم الليث بن سعد فيمن أشخص من مصر. فذكر تفصيل الخبر، وكيف جعل هارون الرشيد في حل من يمينه.

لؤلؤ بن عبد الله أبو محمد

لؤلؤ بن عبد الله أبو محمد الخصي، مولى أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون المصري روى عن أحمد بن طولون بسنده عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، ومعه الحسن بن علي، وهو يقول: " إن ابني هذا لسيد، وإن الله سيصلح على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وروى عن المزني قال: دخلت على الشافعي في اليوم الذي مات فيه، فقلت: كيف أصبحت، يا أبا عبد الله؟ قال: فرفع إلي رأسه، فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وبكأس المنية شارباً وبسوء أفعالي ملاقياً، وعلى الله وارداً، فلا أدري روحي إلى جنة تصير فأهنيها، أو إلى نار تصير فأعزيها. ثم بكى، وأنشأ يقول: " من الطويل " ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما فلولاك لم يغوى بإبليس عابد ... وكيف وقد أغوى صفيك آدما مات أبو محمد لؤلؤ الخادم سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. لؤلؤ بن عبد الله القيصري أبو محمد القيصري مولى المقتدر بالله روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد النصيبي الصوفي - بالموصل - بسنده إلى معاوية بن حيدة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " مبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة ".

لؤلؤ بن عبد الله البشراوي

قال الحافظ: هذا حديث منكر. وحدث عن عبد الله بن محمد بن الحسين بن جمعة بسنده إلى عبد الله بن حوالة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستجدون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن " قال عبد الله: فقمت، فقلت: خر لي يا رسول الله، فقال: " عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام ". قال الحافظ: المشهور عندنا عبد الله بن الحسين بن محمد بن جمعة، فإن كان هذا عمه، وإلا فهو آخر. قال الخطيب: سألت البرقاني عن لؤلؤ القيصري، فقال: كان خادماً، حضر مجلس أصحاب الحديث، فعلقت عنه أحاديث. قلت: كيف حاله؟ قال: لا أخبره. قال الخطيب: لم أسمع أحداً من شيوخنا يذكره إلا بالجميل. لؤلؤ بن عبد الله البشراوي أبو محمد البشراوي، ويقال: البشاري أمير دمشق في أيام الحاكم. قدم لؤلؤ البشراوي والياً على دمشق، ولقب منتجب الدولة، يوم الأحد لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعمائة، وعزل يوم عيد الأضحى، وولي أبو المطاع ذو القرنين بن حمدان، فكان ما أقام والياً ستة أشهر وثلاثة أيام.

الليث بن تميم الفارسي

وأرسل الأمير ذو القرنين إلى الأمير لؤلؤ يقول له: إن كنت في الطاعة فتركب إلى القصر وتخدم، وإن كنت عاصياً فاخرج عن البلد. فظن لؤلؤ أنهم يريدونه يجيء إلى القصر حتى يؤخذ رأسه، فرد لؤلؤ جواب الرسالة إلى ابن حمدان يقول: أنا في الطاعة غير أني ما أدخل في القصر، وأخروني ثلاثة أيام حتى أسير عن البلد، فركب ابن حمدان إليه، ولقيه ابن لؤلؤ وأصحابه، ولم يزل القتال بينهم إلى بعد العتمة، وألقي القبض على ابن لؤلؤ، وسير إلى بعلبك. وفي سنة اثنتين وأربعمائة ورد من بعلبك ابن الأمير ذي القرنين ومعه رأس لؤلؤ البشاري. الليث بن تميم الفارسي من أهل ساحل دمشق، من غزاة البحور. كان من المشيخة الذين رووا صلح قبرس، وغزا القسطنطينية مع عمر بن هبيرة. ليث بن أبي رقية الثقفي مولاهم ويقال: مولى أم الحكم بنت أبي سفيان، وكانت متزوجة في ثقيف، وكان كاتب سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز. قال ابن ماكولا: رقية - بضم الراء وفتح القاف والياء المشددة المعجمة باثنتين من تحتها. قال خليفة في تسمية عمال سليمان: كاتب الرسائل ليث بن أبي رقية مولى أم الحكم بنت أبي سفيان ثم ذكره خليفة في عمال عمر بن عبد العزيز.

الليث بن سعد بن عبد الرحمن

الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث الفهمي المصري الفقيه روى عن الزهري، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". وروى الليث عن يزيد بن أبي حبيب بسنده عن معاذ بن جبل: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ - وفي رواية: قبل أن تزيغ - الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها العشاء، فإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء، فصلاها مع المغرب. خرج الليث إلى العراق سنة إحدى وستين، وقدم دمشق، فجالس سعيد بن عبد العزيز. قال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل مصر: الليث بن سعد، مولى لقيس، يكنى أبا الحارث. مات يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شعبان سنة خمس وستين ومائة. وكان قد استقل بالفتوى في زمانه بمصر. ولد سنة ثلاث - أو أربع - وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك، وكان ثقة كثير الحديث صحيحه، وكان سرياً من الرجال، نبيلاً سخياً، له ضيافة. وقال خليفة: مات سنة خمس وسبعين ومائة.

قال أبو صالح كاتب الليث: سمعت الليث يقول: أنا أكبر من أبي لهيعة بسنتين، ومات عمر بن عبد العزيز ولي سبع سنين. قال ابن زغبة: سمعت الليث بن سعد يقول: نحن من أهل أصبهان، فاستوصوا بهم خيراً. وقال لأصحاب الحديث: تعلموا الحلم قبل العلم. قال يحيى بن بكير: سعد أبو الليث بن سعد مولى لقريش، وإنما افترض أبوه سعد، وجده، والليث في فهم، كان ديوانه فيهم، فنسب إلى فهم، وأصلهم من أصبهان. قال الليث: حججت سنة ثلاث عشرة وأنا عشرين سنة. قال الليث: حججت أنا وابن لهيعة، فلما صرت بمكة رأيت نافعاً، فأقعدته في دكان علاف، قال: فمر بي ابن لهيعة، فقال: من هذا الذي رأيته معك؟ قلت: مولى لنا. فلما قدمنا مصر قلت: حدثني نافع، فوثب إلي ابن لهيعة، فقال: يا سبحان الله! فقلت: ألم ترى الأسود معي في دكان العلاف بمكة؟ فقال لي: نعم، فقلت: ذاك نافع. فحج قابل فوجده قد توفي. وقدم الأعرج يريد الإسكندرية، فرآه ابن لهيعة، فأخذه، فأخذه، فما زال عنده يحدثه حتى اكترى له سفينة وأحدره إلى الإسكندرية، فخرج إلى الإسكندرية، فقعد يحدث، فقال: حدثني الأعرج، عن أبي هريرة. فقلت: الأعرج، متى رأيته؟! قال: إن أردته، هو بالإسكندرية، فخرج الليث إلى الإسكندرية، فوجده قد مات، فذكر أنه صلى عليه.

قال الليث بن سعد: كنا بمكة سنة ثلاث عشرة " ومائة " وعلى الموسم سليمان بن هشام، وبها: ابن شهاب، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعمرو بن شعيب، وقتادة بن دعامة، وعكرمة بن خالد، وأيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية، فكسفت الشمس بعد العصر، فقاموا قياماً يدعون في المسجد، فسألت أيوب بن موسى، فقلت: ما يمنعهم أن يصلوا صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي صلاها في الكسوف؟ فقال أيوب بن موسى: نهى " رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عن الصلاة بعد العصر، والنهي يقطع الأمر. قال الليث: كتبت من علم ابن شهاب علماً كثيراً، وطلبت ركوب البريد إليه إلى الرصافة، فخفت ألا يكون ذلك لله، فتركت ذاك. وقال: دخلت على نافع، فسألني، فقلت: أنا رجل من أهل مصر، قال: ممن؟ قلت: من قيس، فقال لي: ابن كم؟ قلت: ابن عشرين سنة، قال: أما لحيتك فلحية " ابن " أربعين! قال عمر بن خالد الحراني: قلت لليث: يا أبا الحارث، بلغني أنك أخذت بركاب الزهري؟ قال: للعلم، فأما غير ذلك فلا والله، ما أخذت بركاب والدي الذي ولدني. قال عبد العزيز بن محمد: رأيت الليث بن سعد عند ربيعة يناظرهم في المسائل، وقد فرفر أهل الحلقة.

قال شرحبيل بن حميد بن يزيد مولى شرحبيل بن حسنة: أدركت الناس أيام هشام، وكان الليث بن سعد حديث السن، وكان بمصر: عبيد الله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وابن هبيرة وغيرهم من أهل مصر، ومن يقدم علينا من فقهاء المدينة وإنهم ليعرفون لليث فضله، وورعه، وحسن إسلامه على حداثه سنه. قال ابن بكير: ورأيت من رأيت فلم أر مثل الليث، وما رأيت أحداً أكمل من الليث بن سعد، كان فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الشعر والحديث، حسن المذاكرة - وما زال يذكر خصالاً جميلة ويعقد بيده حتى عقد عشرة - لم أر مثله. قال شعيب بن الليث: قيل لليث: أمتع الله بك، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: أوكلما في صدري في كتبي؟ لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب! عن يعقوب بن داود وزير المهدي قال: قال لي أمير المؤمنين لما قدم الليث بن سعد العراق: الزم هذا الشيخ؛ فقد ثبت عند أمير المؤمنين أنه لم يبق أحد أعلم بما حمل منه. قال يحيى بن معين: هذه رسالة مالك بن أنس إلى الليث بن سعد: حدثنا عبد الله بن صالح - فذكرها وذكر فيها: - وأنت في أمانتك، وفضلك، ومنزلتك من أهل بلدك، وحاجة من قبلك إليك، واعتمادهم على ما جاءهم منك - وذكرها. قال ابن بكير: الليث أفقه من مالك، ولكن كانت الحظوة لمالك.

وقال: أخبرت عن سعيد بن أيوب قال: لو أن مالكاً والليث اجتمعا لكان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالكاً فيمن يزيد - قال: وهو يضرب يده على الأخرى، يرينا ذلك ابن بكير. قال ابن وهب: لولا مالك والليث لضل الناس، ولولا مالك بن أنس والليث بن سعد لهلكت، كنت أظن أن كل ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل به. قال الشافعي: الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس. قال سعد بن أبي مريم: قال يحيى بن معين: الليث عندي أرفع من محمد بن إسحاق، قلت له: فالليث أو مالك؟ قال لي: مالك. وقال أبو عبد الله: ما في هؤلاء المصريين أثبت من الليث بن سعد، لا عمرو بن الحارث، ولا أحد. وقد كان عمرو بن الحارث عندي، ثم رأيت له أشياء مناكيرز وقال: ليث بن سعد كثير العلم، صحيح الحديث. قال أحمد بن صالح: - وذكر الليث بن سعد فقال: - إمام قد أوجب الله علينا حقه. قال زيد بن الحباب: رأيت الليث بن سعد عند معاوية بن صالح نائماً في ناحية المسجد، ومعاوية يحدث، فلما فرغ معاوية من الحديث قال الليث لغلامه: انظر ما حدث معاوية فاكتب لي، فكتبه له، وذهب به.

قال الليث بن سعد: لما ودعت أبا جعفر ببيت المقدس قال: أعجبني ما رأيت من شدة عقلك، والحمد لله الذي جعل في رعيتي مثلك. وكان يقول: لا تخبروا بهذا ما دمت حياً. قال عثمان ابن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم الليث بن سعد، فحدثهم بفضائل عثمان، فكفوا عن ذلك. مكان أهل حمص ينتقصون علياً حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائله، فكفوا عن ذلك. قال الليث: قال لي أبو جعفر: تلي لي مصر؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين، إني أضعف عن ذلك، وإني رجل من المالي. فقال: ما بك من ضعف معي، ولكن ضعف نيتك في العمل لي عن ذلك. تريد قوة أقوى مني ومن عملي؟ فأما إذا أبيت فدلني على رجل أقلده أمر مصر، قلت: عثمان بن الحكم الجذامي، رجل له صلاح وعشيرة. قال: فبلغه ذلك فعاهد الله ألا يكلم الليث بن سعد. قال قتيبة بن سعيد: قفلنا مع الليث بن سعد من الإسكندرية، وكان معه ثلاث سفائن سفينة فيها مطبخه، وسفينة فيها عياله، وسفينة فيها أضيافه. وكان إذا حضرته الصلاة يخرج إلى الشط، فيصلي، وكان ابنه شعيب إمامه. فخرجنا لصلاة المغرب، فقال: أين شعيب؟ فقالوا: حم، فقام الليث، فأذن، وأقام، ثم تقدم، فقرأ: " والشمس وضحاها "، فقرأ: " فلا تخاف عقباها "، وكذلك في مصاحف أهل المدينة، يقولون: هو

غلط من الكاتب عند أهل العراق - ويجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ويسلم تسليمة تلقاء وجهه. قال أشهب بن عبد العزيز: كان الليث له كل يوم أربعة مجالس فيها، أما أولها فيجلس ليأتيه السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان الليث يغشاه السلطان، فإذا أنكر من القاضي أمراً، أو من السلطان كتب إلى أمير المؤمنين، فيأتيه القرار، ويجلس لأصحاب الحديث. وكان يقول: نحوا أصحاب الحوانيت؛ فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم، ويجلس للمسائل؛ يغشاه الناس، فيسألونه ويجلس لحوائج الناس؛ لا يسأله أحد من الناس فيرده، كبرت حاجته أو صغرت. قال: وكان يطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل، وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز بالسكر. قال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة، لا يتغدى، ولا يتعشى إلا مع الناس، وكان لا يأكل إلا بلحم، إلا أن يمرض. قال يحيى بن إسحاق السيلحيني: جاءت امرأة بسكرجة إلى الليث بن سعد، فطلبت منه فيها عسلاً - أحسبه قال لمريض - قال: فأمر من يحمل معها زقاً من عسل، فجعلت المرأة تأبى، قال: وجعل

الليث يأبى إلا أن يحمل معها زقاً من عسل، قال: نعطيك على قدرنا - أو على ما عندنا. قال شعيب بن الليث: خرجت مع أبي حاجاً، فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطب. قال: فجعل على الطبق ألف دينار ورده إليه. عن أبي صالح قال: كنا على باب مالك فامتنع عن الحديث، فقلنا: ما يشبه هذا صاحبنا! قال: فسمع مالك كلامنا، فأدخلنا عليه، فقال: من صاحبكم؟ قلنا: الليث. فقال مالك: تشبهوننا برجل كتبنا إليه في قليل عصفر نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ إلينا ما صبغنا به ثياب صبياننا، وصبيان جيراننا، وبعنا الفضلة بألف دينار. قال ابن وهب: كتب مالك إلى الليث بن سعد: إني أريد أن أدخل ابنتي على زوجها، فأحب أن تبعث إلي بشيء من عصفر. فبعث إليه الليث بثلاثين حملاً عصفراً، فصبغ لابنته، وباع بخمسمائة دينار، وبقي عنده فضلة. قال محمد بن صالح الأشج: سئل قتيبة بن سعيد: من أخرج لكم هذه الأحاديث من عند الليث؟ فقال: شيخ كان يقال له زيد بن الحباب. وقدم منصور بن عمار على الليث بن سعد فوصله بألف دينار، واحترق بيت عبد الله بن لهيعة فوصله بألف دينار، ووصل مالك بن أنس بألف دينار. قال: وكساني قميص سندس، فهو عندي.

قال أسد بن موسى: كان عبد الله بن علي يطلب بني أمية، فيقتلهم، فلما دخلت مصر دخلت في هيئة رثة، فدخلت على الليث بن سعد، فلما فرغت من مجلسه خرجت، فتبعني خادم له في دهليزه، فقال: اجلس حتى أخرج إليك، فجلست، فلما خرج إلي، وأنا وحدي، دفع إلي صرة فيها مائة دينار، فقال: يقول لك مولاي: أصلح بهذه النفقة بعض أمرك، ولم من شعثك. وكان في حوزتي هميان فيه ألف دينار، فأخرجت الهميان، فقلت: أنا عنها في غنى استأذن لي على الشيخ، فاستأذن لي، فدخلت، فأخبرته بنسبي؛ واعتذرت إليه من ردها، وأخبرته بما معي. فقال: هذه صلة، وليست بصدقة، فقلت: أكره أن أعود نفسي عادة وأنا في غنى، فقال: ادفعها إلى بعض أصحاب الحديث ممن تراه مستحقاً لها. فلم يزل بي حتى أخذتها ففرقتها على جماعة. قال سعيد الآدم: مررت بالليث بن سعد، فتنحنح لي، فرجعت إليه، فقال لي: يا سعيد، خذ هذا القنداق فاكتب لي فيه من يلزم المسجد ممن لا بضاعة له، ولا غلة. قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا أبا الحارث. وأخذت منه القنادق، ثم صرت إلى المنزل، فلنا صليت أوقدت السراج، وكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قلت: فلان بن فلان. قال: فبينا أنا على ذلك إذ أتاني آت، فقال: هاالله يا سعيد، تأتي إلى قوم عاملوا الله سراً، فتكشفهم لآدمي؟ مات الليث، ومات شعيب بن الليث، أليس مرجعهم إلى الله الذي عاملوه! قال: فقمت، ولم أكتب شيئاً. فلما أصبحت أتيت الليث بن سعد، فلما رآني تهلل وجهه، فناولته القنادق، فنشره، فأصاب

ليث بن سليمان بن سعد الخشني

فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ذهب ينشره، فقلت: ما فيه غير ما كتبت. فقال لي: يا سعيد، وما الخبر؟ فأخبرته بصدق عما كان، فصاح صيحة فاجتمع عليه الناس من الخلق، فقالوا: يا أبا الحارث، إلا خيراً! فقال: ليس إلا خيراً. ثم أقبل علي، فقال: يا سعيد، بينتها، وحرمتها، صدقت، مات الليث، أليس مرجعهم إلى الله!؟ قال شعيب بن الليث: يستغل أبي في السنة ما بين عشرين ألف دينار إلى خمسة وعشرين ألف دينار، تأتي عليه السنة وعليه دين. حدثني خالد بن عبد السلام الصدفي قال: جالست الليث بن سعد، وشهدت جنازته وأنا مع أبي، فما رأيت جنازة قط بعدها أعظم منها، ورأيت الناس كلهم في جنازته عليهم الحزن، والناس يعزي بعضهم بعضاً ويبكون، فقلت لأبي: يا أبه، كأن كل واحد من الناس صاحب الجنازة! فقال لي: يا بني، كان عالماً كريماً حسن العقل كثير الإفضال، يا بني، لا يرى مثله أبداً! قال ابن بكير: ولد الليث بن سعد سنة أربع وتسعين، وتوفي يوم النصف من شعبان يوم الجمعة سنة خمس وسبعين ومائة، وصلى عليه موسى بن عيسى الهاشمي، ودفن بعد الجمعة. ليث بن سليمان بن سعد الخشني قال خليفة في تسمية عمال يزيد بن الوليد: كاتب الرسائل: ليث بن سليمان بن سعد.

ليث الليثي

ليث الليثي من ندامى الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال فيه الوليد حين سقط من على فرس فاندقت عنقه: " من الهزج " عجبت اليوم من ليث ... لقرب الدار والبعد فلا يبعد! وكيف البع ... د إلا المكث في اللحد أسماء الرجال على حرف الميم محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفرج الشنبودي المقرئ قال عبد الرحمن بن عبد الله: كنت أجلس إلى الشنبودي ببغداد، وأسمع منه تفسير القرآن، وكان من أعلم الناس به. قال الخطيب: سمعت أبا الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي يذكر أبا الفرج الشنبودي، فعظم أمره، ووصف علمه بالقراءات، وحفظه للتفسير، وقال: سمعته يقول: أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن. قال أبو الفرج الشنبودي: أنشدنا أبو عبد الله نفطويه: " من البسيط " وكم ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر وكم خلوت بمن أهوى، فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر

محمد بن أحمد بن إسحاق

أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في فساد منهم وطر كذلك الحب لا إتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر ولد الشنبودي في سنة ثلاثمائة، ومات في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن إسحاق ابن إبراهيم بن يزيد أبو عمرو النيسابوري، المعروف بأبي عمرو الصغير رفيق أبي علي النيسابوري في الرحلة. كان كبيرا في العلوم والعدالة. وإنما لقب بالصغير لأنهما كانا أبوي عمرو لا يزايلان مجلس أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وهو أصغرهما، فكان أبو بكر يقول: أبو عمرو الصغير، فيثني عليه. توفي سنة ثنتين وخمسين وثلاثمائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس أبو الحسين البغدادي الواعظ الصوفي، المعروف بابن سمعون روى عن أبي بكر أحمد بن سليمان الكندي بسنده عن عائشة قالت: من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال قائماً فلا تصدقه، ما بال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً منذ أنزل عليه الفرقان. قال أبو عبد الرحمن السلمي في " تاريخ الصوفية ": أبو الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الذي هو لسان الوقت، والمعبر عن الأحوال بألطف بيان مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء.

قال الخطيب: كان واحد دهره، وفرد عصره في الكلام على علم الخواطر والإشارات، ولسان الوعظ. دون الناس حكمه، وجمعوا كلامه. وكان من بعض شيوخنا إذا حدث عنه قال: حدثنا الشيخ الجليل المنطق بالحكمة أبو الحسين بن سمعون. قال ابن ماكولا: سمعون - بسين مهملة - وقال الأزجي: قال لي ابن سمعون: إسماعيل جدي كسر اسمه، فقيل سمعون. قال أبو بكر الأصبهاني - وكان خادم الشبلي: كنت بين يدي الشبلي في الجامع يوم الجمعة، فدخل أبو الحسين بن سمعون، وهو صبي، وعلى رأسه قلنسوة بشفاشك مطلس بفوطة، فجاز علينا وما سلم، فنظر الشبلي إلى ظهره وقال: يا أبا بكر، تدري إيش لله في هذا الفتى من الذخائر؟! كان ابن سمعون في أول عمره ينسخ بالأجرة ويعود بأجرة نسخه على نفسه وعلى أمه، وكان كثير البر لها. فجلس يوماً ينسخ، وهي جالسة بقربه، فقال لها: أحب أن أحج، قالت له: يا ولدي، كيف يمكنك الحج وما معك نفقة، ولا لي ما أنفقه، إنما عيشنا من أجرة هذا النسخ. وغلب عليها النوم، فنامت، وانتبهت بعد ساعة، وقالت بل ولدي حج، فقال لها: منعت قبل النوم وأذنت بعده! قالت: رأيت الساعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: دعيه يحج، فإن الخير له في حجه في الآخرة والأولى. ففرح، وباع من دفاتره ما له قيمة، ودفع إليها من ثمنها نفقة لها، وخرج مع الحجاج. وأخذ العرب الحجاج، وأخذوه في الجملة. قال ابن سمعون: فبقيت عريان، ووجدت مع رجل عباءة كانت على عدل، فقلت له: هب لي هذه

العباءة أستر نفسي بها، فقال: خذها. فجعلت نصفها على كتفي، ونصفها على وسطي. وكان عليها مكتوب: يا رب سلم وبلغ برحمتك، يا أرحم الراحمين. وكنت إذا غلب علي الجوع، ووجدت قوماً يأكلون وقفت أنظر إليهم، فيدفعون لي الكسرة، فأقتنع بها ذلك اليوم. ووصلت إلى مكة، فغسلت العباءة، وأحرمت بها، وسألت أحد بني شيب أن يدخلني البيت، وعرفته فقري، فأدخلني بعد خروج الناس، وغلق الباب، فقلت: اللهم إنك بعلمك غني عن إعلامي بحالي، اللهم ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال الناس. فسمعت قائلاً يقول من ورائي: اللهم إنه ما يحسن أن يدعوك، اللهم ارزقه عيشاً بلا معيشة. فالتفت، فلم أر أحداً، فقلت هذا الخضر، أو أحد الملائكة. فأعدت القول، فأعاد الدعاء، فأعدت، فأعاد ثلاث مرات. وعدت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرم جارية من جواريه، وأراد إخراجها من الدار، فكره ذلك إشفاقاً عليها، فقال: اطلبوا رجلاً مستوراً يصلح أن يزوج هذه الجارية، فقال: من حضر: وصل ابن سمعون من الحج، وهو يصلح لها، فاستصوب الخليفة قوله، وتقدم بإحضاره وحضور الشهود، فأحضروا، وزوج الجارية، ونقل معها من المال والثياب والجواهر ما يحمل الملوك. فكان ابن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ، فيقول: أيها الناس، خرجت حاجاً، فكان من حالي كذا وكذا، ويشرح حاله جميعها، وها أنا اليوم علي من الثياب ما ترون. قال الحسن بن محمد الخلال: قال لي أبو الحسين بن سمعون: ما اسمك؟ فقلت: حسن، فقال: قد أعطاك الله الاسم، فسله أن يعطيك المعنى. وقال ابن سمعون: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة. قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت محمد بن أحمد بن سمعون - وكان سئل عن الرضا: الرضا بالحق، والرضا عنه، والرضا له فقال -: الرضا به مدبراً مختاراً، والرضا عنه قاسماً ومعطياً، والرضا له إلهاً ورباً.

وسأله رجل عن التصوف؟ فقال: إن له اسماً وحقيقة، فعن أيهما تسأل؟ فقال: عنهما جميعاً. فقال: أما اسمه فنسيان الدنيا، ونسيان أهلها، وأما حقيقته فالمداراة مع الخلق، واحتمال الأذى منهم من جهة الحق. قال أبو بكر محمد بن محمد الطاهري: سمعت أبا الحسين ين سمعون يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاصداً بيت المقدس، وحمل في صحبته تمراً صيحانياً، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب، فأقبل عليها باللائمة، وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطب!؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانياً، فلم يأكل منه شيئاً. ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمراً على حالته الأولى، فأكل منه. قال أبو طاهر محمد بن علي العلاف: حضرت أبا الحسين بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ، وهو جالس على كرسيه يتكلم. وكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي، فغشيه النعاس، ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح، ورفع رأسه، فقال له أبو الحسين: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومك؟ قال: نعم، قال أبو الحسين: لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج، وتنقطع عما كنت فيه. حكى دجى مولى الطائع لله قال: أمرني الطائع لله بأن أوجه إلى ابن سمعون، فأحضره دار الخلافة، ورأيت الطائع على صفة من الغضب، وكان يتقى في تلك الحال؛ لأنه كان ذا حدة، فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله، فلما حضر أعلمت الطائع حضوره فجلس مجلسه، وأذن له في الدخول، فدخل، وسلم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وعظه، فأول ما ابتدأ به أن

محمد بن أحمد بن إسماعيل بن علي

قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - وذكر خبراً وأحاديث بعده - ثم قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وذكر عنه خبراً. ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع، وسمع شهيقه، وابتل منديل بين يديه بدموعه، فأمسك ابن سمعون حينئذ. ودفع إلي الطائع درجاً فيه طيب وغيره، فدفعته إليه، فانصرف. وعدت إلى حضرة الطائع، فقلت: يا مولاي، رأيتك على صفة من شدة الغضب على ابن سمعون، ثم انتقلت عن تلك الصفة عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رفع إلي عنه أنه ينتقص علي بن أبي طالب، فأحببت أن أتيقن ذلك لأقابله عليه إن صح ذلك منه، فلما حضر بين يدي افتتح كلامه بذكر علي بن أبي طالب والصلاة عليه، فعلمت أنه وفق لما تزول به الظنة، ويبرئ ساحته عندي، ولعله كوشف بذلك. توفي أبو الحسين بن سمعون سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن إسماعيل بن علي ويقال: ابن إسماعيل بن محمد - أبو عبد الله - ويقال: أبو بكر - البرزي المقرئ الصوفي روى عن أبي سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه إبصارهم وهو مؤمن ". توفي أبو عبد الله البرزي سنة خمس عشرة وأربعمائة. محمد بن أحمد بن أيوب ابن الصلت أبو الحسن البغدادي المقرئ، المعروف بابن شنبوذ أحد القراء المشهورين.

حدث عن خطاب بن سعد الدمشقي بسنده عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن الله أذن لأهل الجنة بالتجارة لتبايعوا بينهم العطر والبز ". وأخطأ الراوي فقلب اسمه واسم أبيه في الإسناد. روى ابن شنبوذ عن محمد بن رزيق المديني بسنده عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: " الصلاة في جوف الليل " قال: فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: " شهر الله الذي تدعونه المحرم ". ورد ابن شنبوذ نيسابور سنة خمس وتسعين ومائتين، فأقام بها مدة، ثم خرج إلى مرو، وعاد إلى نيسابور، ثم انصرف إلى بغداد فامتحن بها، ثم مات بها. قال أبو نعيم الحافظ: قدم أصبهان سنة ثلاث وثلاثمائة. قال الخطبي في " كتاب التاريخ ": واشتهر ببغداد أمر رجل يعرف بابن شنبوذ، يقرئ الناس، ويقرأ في المحراب بحروف يخالف فيها المصحف، مما يروى عن عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وغيرهما مما كان يقرأ به قبل جمع المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان، ويتبع الشواذ فيقرأ بها، ويجادل حتى عظم أمره وفحش، وأنكره الناس، فوجه السلطان، فقبض عليه في يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. وحمل إلى دار الوزير محمد بن علي - بحضرتهم، فأقام على ما ذكر عنه، ونصره، واستنزله الوزير عن ذلك، فأبى أن ينزل عنه، أو يرجع عما يقرأ به من هذه الشواذ المنكرة التي تزيد على المصحف، وتخالفه. فأنكر ذلك جميع من حضر المجلس، وأشاروا بعقوبته، ومعاملته بما يضطره إلى

محمد بن أحمد بن بشر

الرجوع، فأمر بتجريده، وضربه بالدرة على قفاه، فضرب نحو العشر ضرباً شديداً، فلم يصبر، واستغاث، وأذعن بالرجوع والتوبة، فخلي عنه، وأعيدت عليه ثيابه، واستتيب، وكتب عليه كتاب بتوبته، وأخذ فيه خطه بالتوبة. مات ابن شنبوذ في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن بشر أبو سعيد الهمذاني قدم دمشق، وسكن القباب. حدث عن عبدان الجوالقي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ". خرج أبو سعيد إلى الرملة فمات بها. محمد بن أحمد بن بكير ابن سعيد أبو بكر التنوخي الخياط إمام مسجد أبي صالح. روى - من طريق قلب فيه اسمه - عن الوهاب الكلابي بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر. توفي أبو بكر محمد بن بكير سنة ست وثلاثين وأربعمائة.

محمد بن أحمد بن تغلب

محمد بن أحمد بن تغلب ابن إبراهيم أبو عبد الله التاجر كان أبوه من أهل آمد، وولد وهو ببغداد. وقدم دمشق غير مرة، ومضى إلى مصر. قال الحافظ ابن عساكر: كتبت عنه شيئاً يسيراً. محمد بن أحمد بن أبي جحوش أبو جحوش الخريمي المري خطيب جامع دمشق. حدث عن أبي حامد أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل الجلودي، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان الناس يعودون داود، ويظنون أن به مرضاً، وما به إلا شدة الخوف من الله ". وحدث عن عمر بن إسحاق النيسابوري بسنده إلى البراء قال: قال رسول الله: " زينوا القرآن بأصواتكم ". ذكر عبد الوهاب الميداني أن محمد بن أحمد بن أبي جحوش كان من أهل العلم والستر والبيوتات والأقدار. والخريمي: بضم الخاء وبالراء.

محمد بن أحمد بن جعفر

محمد بن أحمد بن جعفر ابن محمد بن الحسن بن مهران بن أبي جميلة أبو العلاء الذهلي الكوفي، نزيل مصر يعرف بالوكيعي. روى عن هشام بن عمار بسنده عن القاسم بن محمد قال: أشهد على عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للأمة تطليقتان، ولها قرء وحيضتان، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ". قال أبو سعيد بن يونس - بعد أن ساق اسمه ونسبه -: ولد بالكوفة سنة أربع ومائتين. قدم مصر قديماً تاجراً، وكان ثقة ثبتاً. توفي بمصر يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاثمائة، وصلى عليه أبو عبيد علي بن الحسين القاضي. وكان قد عمي قبل وفاته بيسير، وما رأيته أنا إلا وهو أعمى. محمد بن أحمد بن جعفر أبو أحمد الحربي حدث عن جعفر بن أحمد بن عاصم الأنصاري بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة. من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".

محمد بن أحمد بن جعفر

محمد بن أحمد بن جعفر أبو الحسن اليزدي حدث عن محمد بن جعفر بن هشام بن ملاس بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال ربكم: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ". محمد بن أحمد بن الحسن أبو حاتم السجستاني الحافظ قدم دمشق سنة سبع وأربعين وثلاثمائة طالب علم. حدث عن الحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة ". محمد بن أحمد بن الحسن أبو الحسين الغزي الكرجي نزل بيت المقدس. انتقى عليه عبد الغني سعيد الحافظ. حدث عن أبي الليث محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن هشام بن الغاز بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الحريق فكبروا، فإن التكبير يطفئه ".

محمد بن أحمد بن حماد

محمد بن أحمد بن حماد ابن سعيد بن مسلم أبو بشر الأنصاري الوراق الحافظ، المعروف بالدولابي من أهل الري. طاف في طلب الحديث، وقدم دمشق. حدث عن أحمد بن أبي سريج الرازي بسنده عن ابن عباس أن النبي كتب إلى حبر تيماء فسلم عليه. وروى عن بندار بسنده إلى ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " أو أثارة من علم "، قال: " الخط ". وحدث عن أبي بكر بن أخت حسين الجعفي بسنده إلى جابر بن سليم قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياك وإسبال الإزار فإنها مخيلة، وأن الله لا يحب المخيلة ". ولد أبو بشر الدولابي سنة أربع وعشرين ومائتين. قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخ الغرباء ": محمد بن احمد بن حماد بن سعد الدولابي مولى الأنصار الوراق، يكنى أبا بشر، قدم مصر نحو سنة ستين ومائتين، وكان يورق على شيوخ مصر في ذلك الزمان، وكان من أهل صنعة الحديث، حسن التصنيف، وله بالحديث معرفة، وكان يضعف. توفي وهو قاصد إلى الحج بين مكة والمدينة بالعرج سنة عشر وثلاثمائة، وقيل: توفي بذي الحليفة.

محمد بن أحمد بن أبي حماد

محمد بن أحمد بن أبي حماد أبو بكر الإسكندراني حدث عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صافح أخاه المسلم ليس في صدر أحدهما على صاحبه إحنة لم تتفرق أيديهما حتى يغفر الله لهما ما مضى من ذنوبهما، ومن نظر إلى أخيه المسلم نظرة ليس في قلبه عليه إحنة لم يرفع طرفه حتى يغفر الله له ما مضى من ذنبه ". محمد بن أحمد بن حمدان ابن عيسى أبو الطيب المروروذي ثم الرسعني الوراق سكن رأس العين - مدينة بالجزيرة. روى عن محمد بن أحمد بن محمد بن مطر بن العلاء بسنده عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبنا، فيقول: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة فليغتسل، وليتنظف ". قال ابن عدي: أبو الطيب الوراق المروروذي، يضع الحديث، ويلزق أحاديث قوم لم يرهم. محمد بن أحمد بن خالد ابن زيد، أبو عبد الله المصري، المعروف بالأعدالي قدم دمشق، وسكن مسجد الزيتونة.

محمد بن أحمد بن داود بن سيار

روى عن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في " كتاب السنن " بسنده إلى جابر بن عبد الله. أن جبريل أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمه مواقيت الصلاة. توفي أبو عبد الله الأعدالي المصري بمدينة دمشق سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن داود بن سيار ابن أبي عتاب، أبو بكر البغدادي المؤدب قدم دمشق. روى عن محمد بن يحيى بن فياض الزماني بسنده إلى عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل عائشة إلى امرأة، فقالت: ما رأيت طائلاً، فقال: " لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت " منه " ذوائبك "، فقلت: ما دونك سر، ومن يستطيع أن يكتمك؟! روى عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كسا ولياً لله ثوباً كساه الله من خضر الجنة، ومن أطعمه على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة ". وروى عن أبي عمرو حاتم بن بكر الضبي بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عيد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن

محمد بن أحمد بن راشد

أعطيتها عن غير مسألة أعنت بها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ". ذكر الدارقطني أن أبا بكر البغدادي لا بأس به. محمد بن أحمد بن راشد ابن معدان بن عبد الرحيم أبو بكر الثقفي مولاهم أصبهاني. حدث عن يحي بن حكيم المقوم بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المرء مع من احب ". وروى عن أبي السائب سلم بن جنادة بسنده إلى عائشة قالت: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تزوجوا النساء؛ فإن هن يأتين بالمال ". قال أبو نعيم: محمد بن أحمد راشد بن معدان بن عبد الرحيم، مولى ثقيف، أبو يكر، محدث ابن محدث. توفي بكرمان سنة تسعة وثلاثمائة. كثير الحديث والتصانيف. محمد بن أحمد بن رزقان بكسر الراء وبعدها زاي ساكنة - أبو بكر المصيصي حدث عن علي بن عاصم بسنده إلى سفينة مولى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوضئه المد من الماء، ويغسله الصاع من الجنابة.

محمد بن أحمد بن سعيد

محمد بن أحمد بن سعيد أبو عبد الله الواسطي، المعروف بابن كساء حدث عن هشام بن خالد بسنده إلى كيسان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ". محمد بن أحمد بن سعيد ابن الفضل، أبو بكر البغدادي الكاتب صاحب شعر مستحسن، ونثر في الكتابة حسن. قدم دمشق. يقول في استهداء مداد وأقلام وكاغد: وأنا أستمد من معونته مداداً كلون الشباب، أو سويداء دائم الاكتئاب؛ فإن الدواة قد شابت ذوائبها، وتبسم قاطبها، وضحكت مستديرة، وأضاءت مستنيرة: " من البسيط " أشكو إليك مشيباً لاح بارقه ... في فرع دهماء تجري بالأساطير وأقلام تقلم أظفار الخطوب، وتؤذن بدرك المطلوب، تهزأ بالسمر الطوال، وتستكن في جريها الأرزاق والآجال: " من المتقارب " بها يدرك المرء آماله ... ويسمو إلى درجات العلى تروق العيون بأزهارها ... وتخبر عن مضمرات الحشا وبياضاً مصقولاً، يتكافأ عرضاً وطولاً، نقياً كعرضه الوافر، وقدحه الفائز الظافر، يرتاح القلب بإشراقه، ويبتهج عند وجوده ولحاقه: " من الطويل " صحائف لو شئنا لقلنا صفائح ... فما بينها إلا أغر صقيل

محمد بن أحمد بن سليمان

وله من قصيدة يمدح بها الأفضل بن بدر أمير الجيوش: " من الكامل " ملك يجير على الزمان وصرفه ... ويقيم مائل كل خطب معضل وإذا الوفود تزاحموا بفنائه ... برقت أسرة وجهه المتهلل يعطي الجزيل من النوال تبرعاً ... وينيل مسؤولاً وإن لم يسأل قد بخل الأنواء جود يمينه ... وأعاد حاتم في ملابس جرول يا سيد الأمراء جودك قادني ... وإليك من أرض العراق ترحلي وقد التقت حلق البطان وليس لي ... عن جود كفك في الورى من معدل جرول: الحطيئة الشاعر، وكان بخيلاً. محمد بن أحمد بن سليمان أبو العباس الهروي الفقيه فقيه محدث، كثير المصنفات، خرج من أصبهان سنة ست وثمانين ومائتين، ومات ببروجرد سنة اثنتين وتسعين ومائتين. روى عن موسى بن عامر بسنده إلى ابن عمر: " أن رجلاً زوج ابنته بكراً، فكرهت، فرد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكاحه. محمد بن أحمد بن سليمان أبو النضر الشرمغولي النسوي روى عن أبي الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي بسنده إلى معاذ بن جبل أنه قال:: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: " أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله ".

محمد بن أحمد بن سعد

قال أبو مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله البجلي: ودعت أبا النضر الشرمغولي فأنشدني: " من الكامل " شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناي حتى يؤذنا بذهاب لم يبلغا المعشار من حقيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب محمد بن أحمد بن سعد أبو عبد الله البركاني القاضي المالكي حدث عن عبد الله بن محمد الزهري بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كان الدين بالثريا لناله رجال من أبناء فارس ". وروى عن بندار محمد بن بشار بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب " قال البركاني القاضي: الإيمان شجرة، والكفر شجرة، ولكل واحدة أغصان، وأغصان الإيمان السنة، وأغصان الكفر البدعة. قال أبو عبد الله بن مروان: ثم صرف - يعني عمر بن الجنيد - سنة ست وثلاثمائة، وولي مكانه محمد بن أحمد البركاني. وقدم البركاني، فأقام قاضياً، ثم شخص معزولاً للنصف من المحرم سنة عشر وثلاثمائة.

محمد بن أحمد بن سهل بن عقيل

قال أبو سليمان بن زبر: سنة عشر وثلاثمائة - فيها توفي أبو عبد الله محمد أحمد البركاني القاضي بالبصرة. محمد بن أحمد بن سهل بن عقيل أبو بكر البغدادي الأصباغي، صاحب الموارث سكن دمشق. روى عن محمد بن يحيى بن المنذر بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قلت: يا رسول الله، من أبر؟ قال: " أمك "، قلت: ثم من؟ قال: " أمك "، قلت: ثم من؟ قال: " ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب ". قال الخطيب: ما علمت من أمره إلا خيراً. محمد بن أحمد بن سهل بن نصر أبو بكر الرملي، المعروف بابن النابلسي روى عن عمر بن محمد بن سليمان العطار بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة، وذلك أنهم يزورون الله - عز وجل - في كل جمعة، فيقول لهم: تمنوا علي ما شئتم، فيلتفتون إلى العلماء، فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا علي كذا وكذا. قال: فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا ".

محمد بن أحمد بن سيد حمدويه

قال محمد بن الأكفاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وستين وثلاثمائة - توفي العبد الصالح الزاهد أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل بن نصر الرملي المعروف بابن النابلسي. وكان يرى قتال المغارب وبغضهم أنه واجب، وكان قد هرب من الرملة إلى دمشق، فقبض عليه الوالي بها أبو محمود الكتامي صاحب العزيز بن تميم، وجعله في قفص خشب، وحمله إلى مصر، فأشهدوه على قوله في بغض المغاربة ومحاربتهم فاعترف بذلك، فسلخ، وحشي جلده تبناً، وصلب. محمد بن أحمد بن سيد حمدويه أبو بكر التميمي صاحب الكرامات المشهورة. صحب قاسماً الجوعي. روى عن قاسم الجوعي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، وإن منبري لعلى حوضي ". وروى عن شعيب بن عمرو بسنده إلى أبي قتادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين فبل أن يجلس ". قال ابن سيد حمدويه " كنت أمشي في اليوم أربعين ميلاً وأختم ختمة، فلما كان في بعض الأيام تعبت تعباً شديداً، وغلب علي الجوع، وضعفت، فأتيت في البرية على موضع فيه ماء طيب من عين تنبع، فجلست عنده واسترحت، وقلت في نفسي: لو كان مع الماء شيء من طعام نأكله، ونشرب معه شيئاً من هذا الماء. فمع هذا الخاطر في نفسي إذا جارية سوداء واقفة على

رأسي، فقالت: مولاي، فقلت: ما شأنك؟ فقالت: إن لي مولى قد أرسلني إليك بهدية، فقال: إن قبله فأنت حرة لوجه الله، يا مولاي، فما تعتقني؟ فقلت: ضعيه مكانه واذهبي لشأنك، قال: فبصرت فإذا هو فرنيتان معهما بيض مسلوق. قال: فتركته بحاله ومضيت لم أرزأ منه شيئاً - قال الراوي: كأنه جزع من سرعة الإجابة. وقال: مضت لي أيام لم أشرب فيها ماء، وكنت إذ ذاك في المسجد الجامع في الليل، فاحتجت إلى الطهارة، فأتيت باب المسجد لأخرج، فوجدته مغلقاً، فرجعت إلى المقصورة، فجلست فيها، وأنا عطشان، ومحتاج إلى الطهارة، فبكيت، وقلت: يا سيدي، قد علمت حاجتي إلى الطهارة، وما يشق علي من تركها. قال: فظهرت لي كف من الحائط فيها كوز، فقالت: خذ فاشرب، فقلت: الطهارة أغلب علي، فقالت: خذ، فاشرب، وتوضأ. قال: فأخذت الكوز، وخرجت إلى صحن المسجد، فتوضأت للصلاة، وفضلت في أسفل الكوز فضلة من ماء، فشربتها، فأقمت بعدها ثمانين يوما لا أحتاج إلى شرب الماء. وقال: خرجت حاجاً، فصرنا إلى مغار، وأصابنا شتاء، فجمعت ناراً أصطلي عليها والقوم، فإذا برجل قائم، فقال لي: يا غلام، سر، فسرت وراءه. وأخذنا المطر حتى انتهينا إلى رابية، أو نحو ذلك، فقال: قد طلع الفجر فصل، فصليت به. ثم لاحت برقة على جدار، فقال: هذه المدينة، ادخلها وانتظر أصحابك، فدخلت، فأقمت أربعة عشر يوماً إلى أن قدم أصحابي. قال أبو أحمد عبد الله بن محمد المفسر: أقام أبو بكر محمد بن سيد حمدويه خمسين سنة ما استند، ولا مد رجله بين يدي الله هيبة له. عن عمر بن البري: أن المعلم بن سيد حمدويه أضاف به قوم، فقال لرجل من أصحابه: جئني بشواء ورقاق، فقدمه إليهم، فقالوا: يا أبا بكر، ما هذا من طعامنا، فقال: إيش طعامكم؟ قالوا: البقل، فأمر من يجيئهم ببقل، فأكلوا، وأكل هو الشواء والخبز، وقاموا هم يصلون بالليل، ونام المعلم على طهره، وصلى بهم صلاة الغداة وهو على طهارة العتمة، وقال لهم:

محمد بن أحمد بن الضحاك

تخرجون بنا نتفرج؟! فأخذ رداءه، فألقاه على الماء، وصلى عليه، ودفع إلي الرداء، ولم يصبه ماء، ثم قال: هذا عمل الشواء فأين عمل البقل؟ جاء رجل إلى المعلم ابن سيد حمدويه الدمشقي، فقال له: يا أبا بكر، بلغني عنك أن الخضر - عليه السلام - كثير الزيارة لك، فإن رأيت أن تريني إياه، فلعل الله أن ينفعني برؤيته، فقال المعلم: أفعل ذلك، فلما جاء الخضر إلى عند المعلم قال له المعلم ما قال له الرجل، فقال له الخضر: قل له يجلس في جامع دمشق عند خزانة الزيت، فأنا ألقاه - إن شاء الله - ثم جاء الرجل إلى المعلم، فأخبره بما قال له الخضر، فجاء الرجل، فجلس في الجامع عند خزانة الزيت، فلم ير لذلك أثراً، ثم جاء إلى ابن سيد حمدويه، فقال له: يا معلم، ما جاءني الخضر كما وعدتني! فقال له المعلم: الخضر قد جاء إلى عندي، وقال لي: أنه رآك جالساً عند خزانة الزيت في الجامع، وجلس عندك، وسل عليك، فقلت له: قم يا هذا إلى موضع غيره، ما وجدت في الجامع موضعاً غير هذا تجلس فيه! ما كنت بالذي أسلم على رجل يتكبر على الفقراء. فقال الرجل: يا معلم، قد كان هذا الحديث كله، وما أعود إلى مثل هذا. قال المعلم: ليس إلى هذا سبيل. توفي المعلم ابن سيد حمدويه سنة ثلاثمائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن الضحاك ابن الفرج، أبو بكر الجدلي جديلة قيس. إمام جامع دمشق. روى عن هشام بن عمار بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة.. " الحديث.

محمد بن أحمد بن طالب

محمد بن أحمد بن طالب أبو الحسن البغدادي قال: أنشدني أبو علي " بن " الأعرابي لنفسه: " من الخفيف " كنت دهراً أعلل النفس بالوع ... د وأخلوا مستأنساً بالأماني فمضى الواعدون واقتطعتنا ... عن فضول المنى صروف الزمان قال الخطيب: محمد بن أحمد بن طالب، أبو الحسن الأخباري. سكن الشام. بلغني أنه توفي بعد سنة سبعين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن الطيب أبو الحسين البغدادي قدم دمشق. حدث عن أبي سعد الحسن بن علي بن أحمد التستري بسنده إلى مالك بن أنس قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بستان، وأهدي له طائر مشوي، فقال: " اللهم ائتني بأحب الخلق إليك "، فجاءه علي بن أبي طالب، فقلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشغول، فرجع، ثم جاء بعد ساعة، ودق الباب، ورددته مثل ذلك. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أنس، افتح له، فطالما رددته "! فقلت: يا رسول الله، كنت أطمع أن يكون رجلاً من الأنصار، فدخل علي بن أبي طالب، فأكل معه من الطير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً: " المرء يحب قومه ".

محمد بن أحمد بن عبادة

محمد بن أحمد بن عبادة أبو سعيد البروتي كتب عنه بعض أهل دمشق. محمد بن أحمد بن عبد الله أبو الحسن قدم دمشق حاجاً. حدث عن صالح بن علي النوفلي بسنده إلى الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟: " من جاءه الموت وهو يطلب العلم يحيي به الإسلام لم يكن بينه وبين الأنبياء إلا درجة ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحمة الله على خلفائي "، قالوا: ومن خلفائك يا رسول الله؟ قال: " الذين يحيون سنتي، ويعلمونها للناس ". محمد بن أحمد بن عبد الله البغدادي ابن نصر بن بجير - بضم الباء وفتح الجيم - بن عبد الله بن صالح بن أسامة أبو طاهر الذهلي البغدادي القاضي نزيل مصر. أحد الثقات المكثرين. ولي قضاء دمشق، وبغداد، وواسط، ومصر. واستخلف على قضاء دمشق. روى عن محمد بن عثمان بن سويد الذارع بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد: "

التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". وروى عن أبي مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي بسنده إلى أبي طلحة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ". قال عبد الغني بن سعيد: قرأت على القاضي أبي الطاهر " كتاب العلم " ليوسف بن يعقوب. وكان من مذهبه - رحمه الله - إذا قرئ له الحديث فانتهت القراءة يقرر الحديث، فيقول: كما قرئ عليك، فقلت له لما فرغت من القراءة: كما قرئ عليك، فقال: نعم إلا اللحنة بعد اللحنة. فقلت: أيها القاضي سمعته معرباً؟ قال: لا، قلت: هذه بهذه! قال إسماعيل بن علي الخطبي: صرف الحسين بن عمر بن محمد القاضي عن قضاء مدينة المنصور وولي مكانه أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير. وكان أبو طاهر يشهد ببغداد عند قاضي القضاة عمر بن محمد، وله تقدم عنده وخاصية به، ثم ولاه القضاء بواسط، فأقام بها مدة طويلة يلي القضاء بين أهلها إلى أن توفي عمر بن محمد وهو على ذلك، وأقام بعده مدة على ولايته، ثم عزله بجكم عند دخوله إلى واسط، ونكبه. وصار إلى بغداد، فأقام في منزله، ثم ولي قضاء المدينة وأعمالها ببغداد ونواحيها. وكان حسن السيرة جميل الأمر.

محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي

واستقضى المتقي لله على مدينة المنصور في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة أبا طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، وله أبوة في القضاء، سديد المذهب، متوسط الفقه على مذهب مالك. وكان له مجلس يجتمع إليه المخالفون، ويتناظرون بحضرته، وكان يتوسط بينهم، ويكلمهم كلاماً سديداً، ويجري معهم فيما يجرون فيه على مذهب محمود وطريقة حسنة. ثم صرف أبو طاهر بعد أربعة أشهر من هذه السنة في شوال، ثم استقضى المستكفي أبا طاهر على الشرقية في صفر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، فكانت ولايته أقل من خمسة اشهر. توفي القاضي الذهلي سنة سبع وستين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي ابن محمد أبو زيد المروزي الفقيه الشافعي الزاهد قدم دمشق، وحدث بها وبغيرها بكتاب " الصحيح " للبخاري. روى عن محمد بن يوسف الفربري بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان ". قال أبو عبد الله الحافظ: محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الفقيه الزاهد، أبو زيد المروزي. كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس لمذهب الشافعي، وأحسنهم نظراً، وأزهدهم في الدنيا. قدم نيسابور غير مرة، أولها للتفقه قبل الخروج إلى العراق وبعده لتوجهه إلى غزو الروم، وقدمها الكرة الخامسة متوجهاً إلى الحج في شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وأقام بمكة

محمد بن أحمد بن عبد الباقي

سبع سنين، ثم انصرف أيضاً. وحدث بمكة وببغداد بالجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري عن الفربري، وهي أجل الروايات لجلالة أبي زيد. قال أبو زيد المروزي: لما عزمت على الرجوع إلى خراسان من مكة تقسم قلبي بذلك، وكنت أقول: متى يمكنني هذا؟ والمسافة بعيدة، والمشقة لا أحتملها؛ فقد طعنت في السن! فرأيت في المنام كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعد في المسجد الحرام، وعن يمينه شاب، فقلت: يا رسول الله، قد عزمتعلى الرجوع إلى خراسان، والمسافة بعيدة، فالتفت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشاب بجنبه، فقال: " يا روح الله، تصحبه إلى وطنه؟ " قال أبو زيد: فرأيت انه جبريل - عليه السلام -، فانصرفت إلى مرو، فلم أحس بشيء من مشقة السفر. ولد أبو زيد النيسابوري سنة إحدى وثلاثمائة، وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن عبد الباقي ابن منصور أبو بكر البغدادي الدقاق المعروف بابن الخاضبة اجتاز بدمشق، وكتب الحديث الكثير بخط حسن صحيح، وكان مفيد بغداد في زمانه، وكان رجلاً صالحاً حسن الأخلاق متواضعاً. حدث عن الخطيب البغدادي. محمد بن أحمد بن عبد الخالق أبو زرعة روى عن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي بسنده حكاية عن الشافعي: أنه كان في مجلس مالك بن أنس، وهو غلام، فجاء رجل إلى مالك، فاستفتاه، فقال: إني حلفت بالطلاق الثلاث إن هذا البلبل لا يهدأ من الصياح. قال: فقال له مالك: قد حنثت. فمضى الرجل. فلتفت الشافعي إلى بعض أصحاب مالك، فقال: إن هذه الفتيا خطأ. فأخبر مالك بذلك. قال: وكان مالك مهيب المجلس، لا يجسر أحد أن

محمد بن أحمد بن عبد الرحمن

يراده، وكان ربما جاء صاحب الشرطة، فيقف على رأسه إذا جلس في مجلسه. قال: فقالوا لمالك: إن هذا الغلام الشافعي يزعم أن هذه فتيا إغفال أو خطأ، فقال له مالك: من أين قلت هذا؟ فقال له الشافعي: أليس أنت الذي رويت لنا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية فاطمة بنت قيس أنها قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا جهم ومعاوية خطباني، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أبا جهم فلا يضع عصاه على عاتقه "، وإنما أراد الأغلب من ذلك. قال: فعرف مالك محل الشافعي ومقداره. قال الشافعي: فلما أردت أن أخرج المدينة جئت إلى مالك، فودعته، فقال لي مالك حين فارقته: يا غلام، اتق الله، ولا تطفئ هذا النور الذي أعطاكه الله بالمعاصي. يعني بالنور: العلم، وهو قول الله - عز وجل -: " ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ". محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي المقرئ روى عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة بسنده إلى النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي ذات يوم طيب نفس ومزاج، فقلنا له: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي. وروى عن أبي بكر أحمد بن صالح بن محمد الفارسي بسنده إلى بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن جبريل أتاني ليلة النصف من شعبان، قال: قم، فصل، وارفع رأسك ويديك إلى السماء. قال: فقلت: يا جبريل، ما هذه الليلة؟ قال: يا محمد، تفتح فيها أبواب السماء، وأبواب الرحمة ثلاثمائة باب، فيغفر لجميع من لا يشرك بالله شيئاً غير

محمد بن أحمد بن عبد الواحد

مشاحن، أو غاش، أو مدمن خمر، أو مصر على زنى، فإن هؤلاء لا يغفر لهم حتى يتوبوا. فأما مدمن الخمر، فإنه يترك له باب من أبواب الرحمة مفتوحاً حتى يتوب، فإذا تاب غفر الله له، وأما المشاحن فإنه يترك له باب من أبواب الرحمة حتى يكلم صاحبه، فإذا كلمه غفر له ". قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، فإن لم يكلمه حتى يمضي عنه النصف؟ قال: لو مكث إلى أن يتغرغر بها في صدره فهو مفتوح، فإن تاب قبل منه ". فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بقيع الغرقد، فبينا هو ساجد، قال: - وهو يقول في سجوده -: " أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جل ثناؤك، لا أبلغ الثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ". فنزل جبريل - عليه السلام - في ربع الليل، فقال: يا محمد، ارفع رأسك إلى السماء، فرفع رأسه، فإذا أبواب الرحمة مفتوحة على كل باب ملك ينادي: طوبى لمن تعبد في هذه الليلة، وعلى الباب الآخر ملك ينادي: طوبى لمن سجد في هذه الليلة، وعلى الباب الثالث ملك ينادي: طوبى لمن ركع في هذه الليلة، وعلى الباب الرابع ملك ينادي: طوبى لمن دعا ربه في هذه الليلة، وعلى الباب الخامس ملك ينادي: طوبى لمن ناجى ربه في هذه الليلة.. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا جبريل، إلى متى أبواب الرحمة مفتوحة "؟ قال: من أول الليل إلى صلاة الفجر. توفي أبو الحسين الملطي بعسقلان سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، وكان كثير العلم كثير التصنيف في الفقه، وكان يتفقه للشافعي، وكان يقول الشعر ويسره ويعجب به. محمد بن أحمد بن عبد الواحد ابن عبدوس بن جرير - ويقال: بن جرير بن عبدوس ويقال: ابن عبد القدوس - أبو عبد الملك الربعي التغلبي الصوري المعروف بابن عبدوس روى عن هشام بن عمار بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة شعير من الإيمان، ثم

محمد بن أحمد بن عبد الواحد

يقول: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ثم يقول: وعزتي لا أجعل من آمن بي ساعة من ليل أو من نهار كمن لم يؤمن بي ". وروى عن هشام بن عمار بسنده عن عقبة بن عامر قال: جئت وأصحاب لي حتى حللنا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أصحابي: ترعى إبلنا حتى ننطلق ونقتبس من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ففعلت ذلك أياماً، ثم إني ذكرت في نفسي، فقلت: لعلي مغبون، يسمع أصحابي مالم أسمع، ويتعلمون مالم أتعلم من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فحضرت يوماً، فسمعت رجلاً يقول: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضأ وضوءاً كاملاً، ثم قام إلى صلاته كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ". فعجبت لذلك، فقال عمر بن الخطاب: فكيف لو سمعت الكلام كله كنت أشد عجباً؟ فقلت: أردد علي جعلني الله فداك؟ فقال: إن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات لا يشرك بالله شيئاً فتح الله له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء، ولها ثمانية أبواب "، فخرج علينا نبي الله، فجلست مستقبله، فصرف وجهه عني حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما كانت الرابعة قلت: بأبي وأمي، لم تصرف وجهك عني؟ فأقبل إلي فقال: " أواحد أحب إليك أو اثنا عشر؟ " - مرتين أو ثلاثاً - فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي. محمد بن أحمد بن عبد الواحد ابن صالح بن سعيد بن الحسن بن علي بن جعفر بن عبد الله أبو المغيث الأموي مولاهم الصفار روى عن بكار بن قتيبة بسنده إلى جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ". توفي أبو المغيث النحاس سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.

محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض

محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض أبو سعيد العثماني الزاهد روى عن هشام بن عمار بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ". مات أبو سعيد بن فياض سنة عشر وثلاثمائة، وهو ابن نيف وتسعين سنة. قال الدارقطني: ليس به بأس. محمد بن أحمد بن عثمان ابن الوليد بن الحكم بن سليمان أبو بكر بن أبي الحديد السلمي المعدل روى عن أبي الدحداح بسنده إلى عبد الله بن عمر، يبلغ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها ". قال عبد العزيز بن أحمد: توفي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بابن أبي الحديد في شوال سنة خمس وأربعمائة، وحضرت داره، وأنا أعرفه، وكان ثقة مأموناً. وذكر أن مولده سنة تسع وثلاثمائة.

محمد بن أحمد بن عثمان بن محمد

محمد بن أحمد بن عثمان بن محمد أبو الفرج الزملكاني الإمام من أهل قرية زملكا. حدث عن ابن الوهاب بن الحسن بن الوليد بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله بعثني هدى ورحمة للعاملين، وأمرني أن أمحق المعازف والمزامير، والخمور والأوثان التي كانت في الجاهلية. وأقسم ربي بعزته لا يشرب عبد من عباده الخمر في الدنيا إلا سقيته مثلها من جهنم، معذب بعد أو مغفور له، واقسم ربي بعزته لا يدعها عبد من عبادي حرجاً إلا سقيته إياها من حظيرة القدس ". قال عبد العزيز بن أحمد: توفي أبو بكر محمد بن أحمد الزملكاني سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. كتب الكثير. محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج ابن الأزهر بن إبراهيم أبو طالب الصيرفي الأزهري البغدادي أخو أبي القاسم الأزهري. قدم دمشق. روى عن محمد بن المظفر الحافظ بسنده إلى جابر قال:

محمد بن أحمد بن عرفجة

نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأكل الرجل بشماله، وأن يحتبي في ثوب واحد، وأن يشتمل الصماء. وروى عن أبي الحسن علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزل علي آيات لم ير مثلها: " قل أعوذ برب الناس " - إلى آخر السورة، و" قل أعوذ برب الفلق " - إلى آخر السورة ". قال الخطيب: محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر المعروف بابن السوادي. كتبنا عنه. وكان صدوقاً، وتوفي بواسط سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وكنت إذ ذاك بمكة. وسألته عن مولده، فقال: سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن عرفجة ابن عثمان بن سعيد أبو بكر القرشي الكريزي الدمشقي روى عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد بسنده إلى السهل بن سعد الساعدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " عن العبد ليعمل عمل أهل الجنة - فيما يرى الناس - وإنه لمن أهل النار، وإنه ليعمل عمل أهل النار - فيما يرى الناس - وإنه لمن أهل الجنة ".

محمد بن أحمد بن علي

محمد بن أحمد بن علي ابن محمد بن إبراهيم بن يزيد بن حاتم أبو يعقوب البغدادي النحوي اجتاز بدمشق. توفي بمصر سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. وكان ثقة. محمد بن أحمد بن علي بن محمد أبو الحسن البغدادي الواعظ يعرف بصاحب الجلاء. حدث بدمشق سنة ثمان وستين وثلاثمائة عن أبي القاسم البغوي، عن أحمد بن إبراهيم الموصلي قال: ركب المأمون إلى الشماسية، فنظر إلى الناس، وعظمهم، وعن يمينه يحيى بن أكثم القاضي، فالتفت إليه، فقال: أما ترى ما نرى؟! ثم روى بسنده عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخلق عيال الله، فاحبهم إليه أنفعهم لعياله ". ذكره الخطيب فيمن لم يحفظ اسم جده.

محمد بن أحمد بن علي

محمد بن أحمد بن علي بن الحسين أبو مسلم البغدادي الكاتب حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثاً غفر ذنوبه ولو كانت عدد رمل عالج، وغثاء البحر، وعدد نوم السماء ". قال أبو بكرالخطيب: محمد بن أحمد بن علي بن الحسين، أبو مسلم، كاتب الوزير أبي الفضل بن حنزابة. نزل مصر. قال لي محمد بن علي الصوري: كان بعض أصول أبي محمد عن البغوي وغيره جياداً. وكان من أهل العلم والمعرفة بالحديث، ولم بكن بمصر بعد عبد الغني بن سعيد أفهم منه. سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فيها توفي أبو مسلم الكاتب البغدادي بمصر، وكان آخر من يفتي من أصحاب ابن منيع. محمد بن أحمد بن علي أبو عبد الله بن أبي سعد القزويني المقرئ نزيل مصر. روى عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأذنان من الرأس ".

محمد بن أحمد بن علي أبي القاسم

قال أبو عبد الله بن الحطاب: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي القزويني المقرئ. كان من المذكورين بالقراءات ورواياتها بمصر. عندي عنه مشيخة لهشام بن عمار الدمشقي، رواها لنا سنة أربعين وأربعمائة. قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة ورد الخبر من مصر بوفاة القزويني. محمد بن أحمد بن علي أبي القاسم أبو بكر الطوسي الصوفي المقرئ إمام صخرة بيت المقدس. روى عن أبي حفص عمر بن أحمد بن محمد الخطيب بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أثكل ثلاثة من صلبه، فاحتسبهم على الله - وفي رواية: في سبيل الله - وجبت له الجنة ". قتل أبو بكر الطوسي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة حين دخل الفرنجة بيت المقدس. محمد بن أحمد بن علي الهروي أبو عبد الله المجاشعي الهروي الأديب قدم دمشق. وكان مواظباً على سماع الحديث. وكان كرامياً.

محمد بن أحمد بن عمارة

أنشد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي المجاشعي لنفسه: " من البسيط " أحسن بربك ظناً إنه أبداً ... يكفي المهم إذا ما عن أو نابا كم قد تكشر لي عن نابه زمن ... ففل بالفضل منه ذلك النابا لا تيأس لباب سد في طلب ... فالله يفتح بعد الباب أبوابا محمد بن أحمد بن عمارة أبو الحسن العطار روى عن المسيب بن واضح بسنده إلى ابن عباس قال: حمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أغليمة بني عبد المطلب: واحداً خلفه، وواحداً بين يديه. وحدث عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي بسنده إلى سليمان بن يسار قال: تفرق الناس على أبي هريرة، فقال له قائل من أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول ما يقضى فيه يوم القيامة ثلاث: رجل استشهد، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، قاتلت ليقال: هو جريء، فقد قيل ذلك. ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك، وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: هو عالم، فقد قيل، وقرأت ليقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل أوسع الله عليه، وأعطاه من أنواع المال كله، فأتى به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من شيء يجب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل ذلك. ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي النار ". مات أبو الحسن العطار سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة - وفي رواية: سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة - وهو ابن ست وتسعين سنة

محمد بن أحمد بن عمران

محمد بن أحمد بن عمران ابن موسى بن هارون بن دينار أبو بكر الحشمي البغدادي المطرز روى عن أحمد بن عمرو بن جابر أبي بكر الرملي بسنده إلى أبي العشراء، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، ليس الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: " بل لو طعنت في فخذها لكان ذكاة ". قال الأزهري: كان هذا الشيخ زمناً ينزل في التستريين. قال أبو القاسم التنوخي: سمعت من الحشمي في دكانه بباب الشعير في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد ابن سليمان أبو بكر الرملي الداجوني المقرئ المكفوف روى عن أبي بكر أحمد بن محمد بن عثمان الرازي بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ".

محمد بن أحمد بن عياض

وكان الداجوني مقرئاً جليلاً حافظاً ثقة. قدم الداجوني بغداد، وقصد حلقة ابن مجاهد، فرفعه ابن مجاهد، وقال لأصحابه: هذا الداجوني اقرؤوا عليه. محمد بن أحمد بن عياض أبي غسان بن عبد الملك أبي طيبة بن نصير أبو علاثة الجنبي مولاهم المصري حدث عن أحمد بن سعيد الهمذاني بسنده إلى أنس بن مالك قال: عق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حسن وحسين بكبشين. قال الدارقطيني: أبو طيبة عبد الملك بن نصير، مولى جنب، من مذحج. عداده في المصريين. كان مفرض أهل مصر، وفي ولده أيضاً علم بالفرائض. ومن ولده: أبو علاثة المفرض محمد بن أحمد بن عياض بت أبي طيبة. قال ابن قديد: أقبح ما أتى أهل هذا المسجد شهادتهم على القطاس حتى باعوه، وعلى أبي علاثة حتى قتلوه. قال أبو سعيد بن يونس: توفي أبو علاثة سنة إحدى وتسعين ومائتين، شهد عليه بزور، فضرب، فمات من ذلك الضرب في الحبس.

محمد بن أحمد بن عيسى

محمد بن أحمد بن عيسى أبو بكر القمي حدث - بصيدا - عن أبي العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني ". محمد بن أحمد بن عيسى السعدي ابن عبد الله بن عبد الوهاب أبو الفضل السعدي البغدادي الفقيه الشافعي القاضي روى عن موسى بن محمد بن جعفر بن عرفة السمسار أبي القاسم بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من هم بحسنة كتبت له حسنة، ومن عملها كتبت له عشراً، أو هم بسيئة لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ". قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحطاب: كان أبو الفضل السعدي البغدادي من المرضيين، يملي بمصر ويحدث. وقد كان أبوه مالكي المذهب، فأما هو فمن تلامذة أبي حامد الأسفراييني شافعي. وسمعت أنا عليه كثيراً. توفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.

محمد بن أحمد بن الفضل

محمد بن أحمد بن الفضل أبو المضاء الصيداوي حدث عن بن المعافى الصيداوي بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أن الله تسع وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من حفظها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر ". محمد بن أحمد بن القاسم أبو منصور الأصبهاني المقرئ المقيم بآمد. قدم دمشق حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن محمويه بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أن الله لا يذهب بالعلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً، أو إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". محمد بن أحمد بن لبيد أبو عبد الله السلاماتي البيروتي الحطاب روى عن عمر بن هشام البيروتي بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف إلى يمين فاستثنى، ثم أتى ما خلف فلا كفارة عليه ". توفي أبو عبد الله محمد بن أحمد المعروف بورد سنة نيف وثمانين ومائتين.

محمد بن أحمد بن محمد بن مطر

محمد بن أحمد بن محمد بن مطر ابن العلاء بن أبي الشعثاء - ويقال: ابن أبي الأشعث - أبو بكر الفزاري الفذائي، يعرف بابن الخراط حدث بقرية فذايا عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى مدلوك أبي سفيان قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع مولاي، فأسلمت، فمسح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسي - قال الراوي: فرأيت أثر ما مسح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسود، وسائره أبيض. وعن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى علي قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب قائماً. مات أبو بكر الفذائي بعد الثمانين ومائتين. محمد بن أحمد بن محمد بن أبان ابن سلم أبو العباس السلمي الرقي الضراب روى عن الهيثم بن مروان بسنده إلى أبي طلحة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تدخل الملائكة بيتاً في كلب، ولا صورة تماثيل ". محمد بن أحمد بن محمد البعلبكي ابن أبي خنبش أبو بكر البعلبكي القاضي حدث عن موسى بن عيسى الحمصي بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا

محمد بن أحمد بن محمد بن الصلت

عبد الله، هذا خير، وللجنة ثمانية أبواب؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ". قال أبو بكر الصديق: ما على أحد - وفي رواية: ما على الذي - يدعى من تلك الأبواب من ضرورة! هل يدعى منها كل أحد، يا رسول الله؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ". وروى عن يحيى بن أيوب بن بادى بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإحصان إحصانان: إحصان النكاح، وإحصان العفاف، فمن قرأها " والمحصنات " - بكسر الصاد - فهن العفائف، ومن قرأها " والمحصنات " فهن المتزوجات ". وحدث عن إبراهيم بن عرق بسنده إلى أبي الدرداء، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كتب أحدكم إلى أناس فليبدأ بنفسه، وإذا كتب فليترب كتابه؛ فإنه أنجح ". خنبش: أوله خاء معجمة مفتوحة بعدها نون ساكنة وباء مفتوحة معجمة بواحدة، وآخره شين معجمة. محمد بن أحمد بن محمد بن الصلت أبو الحسن البغدادي الصفار حدث عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن غالب بسنده إلى مالك بن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال العبد: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان موالياً من الزحف ".

محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم

محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم ابن محمد بن رواحة بن محمد بن النعمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو النعمان بن بشير بن سعد - أبو عبد الله الأنصاري الصرفندي حدث عن أبي عمرو موسى بن عيسى بن المنذر الحمصي بسنده إلى عامر بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة؛ أما الليل فطويل، وأما النهار فقصير ". قال أبو الحسين الرازي في " تسمية من كتب عنه بدمشق من الغرباء ": أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد، كان من أهل صرفند؛ حصن بين صور وصيدا على الساحل، وكان كثيراً ما يقدم دمشق، ثم يخرج عنها. محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو ابن زيد بن عبد الله بن يزيد بن تميم بن حجر أبو بكر السلمي مولى نصر بن الحجاج إمام مسجد سوق الشيخ. حدث عن إسماعيل بن محمد بن قيراط بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياك يا حميراء وأكل الطين، فإنه يعظم البطن، ويعين على القتل ". وحدث عن زيد بن أحمد بن يزيد السلمي بسنده إلى مالك قال: وجدت في بعض الكتب: يؤتى براعي السوء يوم القيامة، فيقال: يا راعي السوء شربت اللبن، وأكلت اللحم، ولبست الصوف، ولم تجبر الكسير، ولم ترعها في مراعيها، اليوم أنتقم لها منك.

محمد بن أحمد بن محمد بن شيبان

توفي أبو بكر السلمي بدمشق سنة ست وعشرين وثلاثمائةز محمد بن أحمد بن محمد بن شيبان أبو جعفر الخلال الرملي روى عن مقدام بن داود بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ". محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى ابن مفرج أبو عبد الله - وقيل: أبو بكر - الأندلسي القرطبي القاضي مولى عبد الرحمن بن الحكم الأموي، ويقال: مولى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. روى عن أبي أحمد منصور بن أحمد الهروي بسنده إلى بعض الحكماء: خرجت وأنا أريد الرباط حتى إذا كنت بعريش مصر - أو دون العريش - إذا أنا بمظلة، وإذا برجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وإذا هو يقول: اللهم غني أحمدك حمداً يوافي محامد خلقك إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً. فقلت: والله لأسألنه أعلمه أم إلهاما؟ قال: فدنوت منه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء، أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به، فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده عليها، أم على أي فضيلة من فضائله تشكره عليها؟ قال: أليس ترى ما قد صنع بي؟ وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي ما ازددت له إلا حباً، وما ازددت له إلا شكراً. وإن لي إليك حاجة؛ فتى كان يتعاهدني

لوقت صلاتي، ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر هل تحسه لي؟ قال؟ فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله. قال: فخرجت في طلبه حتى إذا كنت بين كثبان من رمال إذا أنا بسبع قد افترس الغلام، فأكله. قال: فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون. فأتيته، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء، أتخبرني؟ قال: إن كان عندي منه شيء أخبرتك، قلت: أنت أكرم على الله منزلة أم أيوب؟ قال: بل أيوب أكرم على الله مني وأعظم عنده منزلة مني، قلت: أليس ابتلاه الله فصبر حتى استوحش منه من كان يأنس به، وصار غرضاً لمار الطريق؟ قال: بلى، فقلت: إن ابنك الذي أخبرتني بقصته ما أخبرتني، إني خرجت في طلبه حتى إذا كنت بين كثبان من رمال إذا بسبع قد افترس الغلام، فأكله. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا. قال: ثم شق شهقة فمات. قال: فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، من يعينني على غسله وكفنه وحفر قبره ودفنه؟! قال: فبينا أنا كذلك إذا أنا بركب يريدون الرباط، قال: فأشرت إليهم، فأقبلوا إلي، فقالوا: ما أنت وهذا؟ فأخبرتهم الذي كان من أمره، فغسلناه بماء البحر، وكفناه بأثواب كنت معهم، ووليت الصلاة عليه بينهم، ودفناه في مظلته، ومضى القوم إلى رباطهم. قال: وبت في مظلته تلك الليلة أنساً به، فلما مضى من الليل مثل ما بقي إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء، عليه ثياب خضر. فقلت: ألست صاحبي؟ قال: بلى، قلت: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قال: إني وردت مع الصابرين إلى درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء. ذكر أبو الوليد بن الفرضي أن أبا عبد الله رحل إلى المشرق في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وقدم الأندلس من رحلته سنة خمس وأربعين، واتصل بأمير المؤمنين المستنصر، وكانت له منه مكانة خاصة، وأف له عدة دواوين، واستقضاه. وكان حافظاً للحديث عالماً به، بصيراً بالرجال، صحيح النقل، جيد الكتاب على كثرة ما جمع. سألته عن مولده؟ فقال لي: ولدت سنة

محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو

خمس عشرة وثلاثمائة في أولها. وتوفي ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة. شهدت جنازته. قال أبو عبد الله الحميدي صاحب " تاريخ الأندلس ": صنف كتباً في فقه الحديث، وفي فقه التابعين، منها: " فقه الحسن البصري "، في سبع مجلدات، و" فقه الزهري "، في أجزاء كثيرة. وجمع " مسند حديث قاسم بن أصبغ " للحكم المستنصر. محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو أبو الحسن البغدادي - وقيل: الواسطي - البزاز نزيل مدينة جونيه وإمامها وخطيبها. وجونية من ناحية أطرابلس، من أعمال دمشق. حدث عن أبي بكر السراج بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ". محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ابن عبد الله أبو بكر المفيد الجرجرائي روى أبو بكر الخطيب عن أبي نعيم الحافظ أنه بغدادي الأصل سكن جرجرايا. ووصفه بالحفظ. وقال محمد بن أحمد بن شعيب الروياني: لم أر أحفظ من أبي بكر المفيد.

وقال الخطيب: سافر الكثير، وكتب عن الغرباء، وروى مناكير، وعن مشايخ مجهولين. روى بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الموت كفارة لكل مسلم ". قال عبد العزيز بن علي الوراق: سئل أبو بكر المفيد وأنا حاضر عن سماعه من أبي العباس أحمد بن هبد الرحمن السقطي صاحب يزيد بن هارون، فذكر أنه سمع منه سنة خمس وتسعين ومائتين. قال: وكان سني في ذلك الوقت إحدى عشرة سنة، ومولدي سنة أربع وثمانين ومائتين، وكان سن السقطي وقت سماعي منه مائة سنة وخمس سنين. وحكي عنه أنه قال: قال الخطيب: وكان شيخنا أبو بكر البرقاني قد أخرج في مسنده الصحيح عن المفيد حديثاً واحداً، فكان كلما قرئ عليه اعتذر من روايته عنه، وذكر أن ذلك الحديث لم يقع إليه إلا من جهته، فأخرجه عنه. وسألته عنه؟ فقال: ليس بحجة. وقال: رحلت إلى المفيد، فكتبت عنه " الموطأ "، فلما رجعت إلى بغداد قال لي أبو بكر بن أبي سعد: أخلف الله عليك نفقتك، فدفعته إلى بعض الناس، وأخذت بدله بياضاً. توفي المفيد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وكان مولده ببغداد، ووفاته بجرجرايا.

محمد بن أحمد بن خلف

محمد بن أحمد بن خلف أبو الحسين الرقي، المعروف بابن أبي المعتمر ويعرف بابن الفحام. سكن دمشق، وقرأ القرآن على أبي القاسم زيد بن أبي بلال الكوفي. كان خيراً فاضلاً زاهداً متقشفاً، يقول بالفقر وصحبة الفقراء. روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني - بالكوفة - بسنده إلى جبير بن مطعم قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخيف من منى، فقال: " نضر الله عبداً سمع مقالتي، فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمع؛ فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل، والنصيحة لأولي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تجوز من ورائهم ". وروى عن أبي هاشم محمد بن أحمد بن سنان - بالموصل - بسنده إلى أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ما منتهى العلم الذي إذا علمته العبد كان عالماً؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمور دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ". وروى عن عمر بن محمد الحداد بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا بقي ثلث الليل ينزل الله - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأشفه؟ حتى ينفجر الصبح ". توفي أبو الحسين بن أبي المعتمر الرقي المقرئ سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.

محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد

محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن عبد الرحمن بن يحيى بن جميع أبو الحسين الغساني الصيداوي كان واسع الرحلة كثير السماع. حدث عن يعقوب بن عبد الرحمن - ببغداد - بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ علي من سورة النساء؟ " قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: " إني أشتهي أن أسمعه من غيري ". فقرأته عليه حتى انتهيت إلى قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً "، فسالت عيناه، فسكت. قال عبد الغني بن سعيد في باب " جميع " بالضم: وشيخ لقيته بصيدا كتبت عنه، يكنى أبا الحسين بن جميع. قال سكن بن محمد بن جميع: صام أبي وله ثمان عشرة سنة إلى أن توفي. وتوفي سنة اثنتين وأربعمائة، وقيل: سنة ثلاث وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد الأنباري ابن علي بن محمد بن النعمان أبو الفتح الأنباري المعروف بابن النحوي نزيل الرملة.

محمد بن أحمد بن محمد السلمي

روى عن أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي بسنده إلى عائشة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أرهقوا القبلة " - معناه: ادنوا منها. وبسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحله القسم " وأن منكم ألا واردها " ". محمد بن أحمد بن محمد السلمي ابن عبد الله بن هلال بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب أبو بكر السلمي، المعروف بابن الجنبي الاطروش المقرئ قال أبو علي الأهوازي: مات الشيخ الصالح الفاضل المقرئ السلمي المعروف بالجنبي سنة سبع وأربعمائة، وصلى عليه الشريف القاضي أبو عبد الله الحسيني. وذكر عبد العزيز الكتاني وفاته سنة ثمان وأربعمائة، وقال: انتهت إليه الرئاسة في قراءة بن عامر، وقرأ عليه جماعة من أصحاب الأخفش. محمد بن أحمد بن محمد بن منصور أبو جعفر البيع، ويعرف بالعتيق الروياني الطبري ولد برويان سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وحمل إلى طرسوس وهو ابن سبع

محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم

سنين فنشأ بها. ولم يزل بها حتى غلبت الروم على البلد، فانتقل عنه إلى دمشق. ثم ورد بغداد فسكنها حتى مات بها سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم أبو أسامة الهروي المقرئ نزيل مكة. روى عن أبي علي الحسن بن منير بن محمد التنوخي - بدمشق - بسنده إلى بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أخرج رجلاً شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطاناً ". محمد بن أحمد بن محمد الأنصاري ابن موسى بن جعفر بن سليمان بن أحمد بن عبد الواحد بن جعفر بن جابر بن عبد الله الأنصاري أبو الحسين روى عن محمد بن بشار النهاوندي بسنده إلى معاذ بن جبل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي بن أبي طالب: " ألا أنبئك بشر الناس؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " من أكل وحده، ومنع رفده، وسافر وحده، وضرب عبده ". ثم قال: " يا علي، ألا أنبئك بأشر من هذا؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " من يخشى شره، ولا يرجى خيره ". ثم قال: " يا علي، ألا أنبئك بأشر من هذا؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " من باع آخرته بدنيا غيره ". ثم قال: " يا علي، ألا أنبئك بأشر من هذا؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " من أكل الدنيا بالدين ".

محمد بن أحمد بن محمد البزار

قال الحافظ: كذا كان في الأصل، والصواب " بشر " في الواضع كلها، وإسناد هذا الحديث مضطرب. قال أبو الحسين الأنصاري: دخلت على المرشدي في بلد يقال لها جرموز، فقلت: أنشدني أيها الشيخ من قيلك - وكان عليه ثوب رث - فأنشدني: " من الطويل " تعيرني قومي على الملبس الدون ... وما أنا فيما قد لبست بمجنون إذا كنت مولى للقناعة مالكاً ... فإن ملوك الأرض كلهم دوني محمد بن أحمد بن محمد البزار ابن علي بن جعفر بن سعيد أبو الفرج العين زربي البزار يعرف بابن الغاثوري. روى عن أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ستر عورة فكأنما أحيا موؤدة من قبرها ". توفي ابن الغاثوري سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو أبو بكر - ويقال: أبو عبد الله - البجلي، يعرف بابن القماح روى عن يوسف بن القاسم الميانجي بسنده إلى علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع: حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله،

محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر

بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر ". توفي ابن القماح سنة سبع وثلاثين وأربع مائة. محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو سعيد الأصبهاني الفقيه الواعظ، المعروف بابن ملة قدم دمشق سنة أربع وعشرين وأربعمائة. روى عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب المري - بدمشق - بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد من حبه إياه، ورجلان تحابا في الله تعالى، " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله "، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها لا تشعر شماله بما صنعت يمينه ". وحدث عن الحسين بن علي بن يعقوب الخطابي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً لقي الله - عز وجل - فقيهاً عالماً ". وبسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه، ورجل علم علماً فانتفع به من سمعه منه دونه ".

محمد بن أحمد بن محمد بن موسى

ولأبي سعيد الأصبهاني شعر حسن. ومما انشد لنفسه: " من البسيط " القبر منزلنا، واللحد مأوانا ... إذا المنايا وريب الدهر نادانا يا عامراً لخراب الدهر بستانا ... هلا جعلت خراب الدهر عمرانا بنيت قصرك من حرص ومن أمل ... والقبر تملؤه ظلماً وعدوانا محمد بن أحمد بن محمد بن موسى ابن عمرو بن ليث أبو عبد الله الشيرازي الصوفي، المعروف بالنذير قال الخطيب: قدم بغداد، وأقام بهامدة يتكلم على الناس بلسان الوعظ، ويشير إلى طريقة الزهد، ويلبس المرقعة، ويظهر عزوف النفس عن طلب الدنيا، فافتتن الناس به لما رأوا من حسن طريقته. وكان يحضر مجلس وعظه خلق لا يحصون. وعمر مسجداً كان خراباً بالشونيزية، فسكنه، وسكن فيه معه جماعة من الفقراء. وحصل له ببغداد مال كثير، ونزع المرقعة، ولبس الثياب الناعمة الفاخرة، وجرت له أقاصيص، وصار له تبع وأصحاب. ثم أظهر أنه يريد الغزو، فحشد الناس إليه، وصار معه من أتباعه عسكر كبير، ونزل بظاهر البلد من أعلاه، وكان يضرب له بالطبل في أوقات الصلوات. قال الشيرازي: اعتقادي اعتقاد أحمد بن حنبل، ومذهبي مذهب الشافعي، وأنشد لنفسه: " مجزوء الكامل " حكم التدين قد عفا ... فعلى المودات العفا ولقد تكدر ما صفا ... والقلب صلد كالصفا

محمد بن أحمد بن محمد الصواف

يا من تلا صحف الجفا ... لم تتل حرفاً في الوفا ما هكذا سن النبي ... ي الهاشمي المصطفى مات النذير أبو عبد الله الشيرازي بتبريز سنة تسع وثلاثين وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد الصواف ابن عبد الرحمن أبو الفتح المصري الصواف روى عن أبي الحسن علي بن محمد بن إسحاق بن يزيد الحلبي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسحروا، فإن في السحور بركة ". قال الخطيب: محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، أبو الفتح المصري. قدم بغداد قبل سنة أربعمائة، فأقام بها، وكتب عن عامة شيوخها حديثاً كثيراً، واحترقت كتبه دفعات. سألت أبا الفتح عن مولده، فقال: في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. ومات سنة أربعين وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد البغدادي ابن أحمد بن حسنون أبو الحسين بن النرسي البغدادي سمع أبو الحسين الكلابي بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة ". قال: يا نبي الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: " إني أخاف أن يتكلوا ".

محمد بن أحمد بن محمد بن ورقاء

مات أبو الحسين النرسي سنة ست وخمسين وأربعمائة. قال الخطيب: كان صدوقاً من أهل القرآن حسن الاعتقاد. وسألته عن مولده؟ فقال: في سنة سبع وستين وثلاثمائة. حسنون: بعد الحاء المهملة سين مهملة ونون محمد بن أحمد بن محمد بن ورقاء أبو عثمان الأصبهاني الصوفي حدث عن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر بسنده إلى أسامة بن زيد لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها من المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون، إلا أصحاب النار، فقد أمر بهم إلى النار، واطلعت في النار فإذا عامة من يدخلها من النساء ". وحدث عن أبي عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفسي بيده إن في الجنة لباب يسمى باب الريان لينادى عليه يوم القيامة: أين الصائمون؟ هلموا إلى باب الريان، لا يدخل معهم أحد غيرهم ". ولد أبو عثمان بن ورقاء بأصبهان سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وتوفي سنة خمس وستين وأربعمائة.

محمد بن أحمد بن محمد أبو البركات

محمد بن أحمد بن محمد أبو البركات ابن قفرجل البغدادي البزار روى عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بسنده إلى أبي هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". ولد أبو البركات بن قفرجل سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وتوفي سنة خمس وستين وأربعمائة. وكان ثقة. محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو طاهر بن أبي الصقر اللخمي الأنباري الخطيب روى عن أبي عبد الله محمد بن الحسين بن يوسف الأصبهاني الصنعاني بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير في الصلاة. أنشد أبو طاهر لنفسه: " من الهزج " حبيب خص بالكرم ... إمام الحسن في الأمم بوجه نور جوهره ... يريك البدر في الظلم مهذبة خلائقه ... سما بالأصل والشيم حلفت على الوداد له ... برب البيت والحرم لأنت أعز من بصري ... علي وكل ذي رحم فقال لك الوفا أبداً ... ولو لم تأت بالقسم توفي أبو طاهر سنة ست وسبعين وأربعمائة. وكان مولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة.

محمد بن أحمد بن محمد البغدادي

محمد بن أحمد بن محمد البغدادي ابن أحمد بن محمد بن منصور أبو غالب بن أبي الحسن العتيقي البغدادي حدث عن الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب بسنده قال: قام وكيع لسفيان، فأنكر عليه قيامه إليه، فقال: أتنكر علي قيامي إليك، وأنت حدثتني عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم ". قال: فأخذ سفيان بيده، فأقعده إلى جانبه. توفي أبو غالب بصور سنة ستين وأربعمائة، وكان قد نيف على الستين. محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي ابن عبد الله بن يونس بن حبيب بن إسماعيل أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي السرقسطي المقرئ قدم دمشق. وفي بها سنة تسع وسبعين وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد القصاع ابن أحمد بن يحيى أبو عبد الله المخزومي القصاع المعروف بابن اللباد، ويعرف بابن عروس أيضاً قال الحافظ بن عساكر: كتبت عنه. وكان شيخاً مستوراً ملازماً للجامع. روى عن جده أبي محمد الحسن بن علي بن عبد الصمد اللباد المقرئ بسنده إلى أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار؛ فأما أول ثلاثة

محمد بن أحمد بن المثنى

يدخلون الجنة فالشهيد، وعبد مملوك أحسن عباد ربه، ونصح لسيده، وعفيف متعفف ذو عيال. وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط، وذو ثروة من مال لا يعطي حق ماله، وفقير فجور ". ذكر أبو عبد الله أن مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتوفي سنة ست وعشرين وخمسمائة، وحضر الحافظ ابن عساكر دفنه والصلاة عليه. محمد بن أحمد بن المثنى وهو ابن أحمد بن إبراهيم أبو بكر حدث عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين ". فقال رجل: تركتنا نتنافس في الآذان، فقال: " إن من بعدكم زمان سفلتهم مؤذنوهم ". محمد بن أحمد بن محمويه أبو بكر العسكري روى عن أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي بسنده إلى أبي عثمان الصنعاني قال: كنا مع أبي الدرداء بمسلحة ببرزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة، ففتح الله لنا ما دون النهر، وحاصرنا عانات، وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا، فقال: ألا أعينكم على رباطكم؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، صائم لا يفطر، وقائم لا يفطر ".

محمد بن أحمد بن المرزبان المرزباني

محمد بن أحمد بن المرزبان المرزباني قاضي دمشق، ولي القضاء بها بعد أبي زرعة محمد بن عثمان بن زرعة من قبل جعفر المقتدر. توفي سنة أربع وثلاثمائة بدمشق. محمد بن أحمد بن المعلى بن يزيد أبو شبيب الأسدي روى عن أبيه بسنده عن علي بن أبي حملة: أنه لما ولي عمر بن عبد العزيز قال نصارى دمشق: يا أمير المؤمنين، قد علمت حال كنيستنا؛ إنها قد صارت إلى ما ترى. فعوضهم كنيسة من كنائس دمشق لم تكن في صلحهم، يقال لها: كنيسة توما. محمد بن أحمد بن نصر البغدادي روى عن أبي بكر المروزي بسنده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ". محمد بن أحمد بن الوليد أبو بكر البغدادي الكرابيسي حدث عن إسحاق بن سعيد بن أركون الدمشقي بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم عن علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفلتهم فقد هلكوا.

محمد بن أحمد بن الوليد بن هشام

محمد بن أحمد بن الوليد بن هشام أبو بكر القرشي مولاهم يعرف بابن أبي هشام القنبيطي وإنما سمي القنبيطي لأن جده الوليد بن هشام لما خرج مع أبي العميطر استكتبه فلما قتل الوليد جعل رأسه على أصل قنبيطة. روى عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام ". وروى عن أحمد بن إبراهيم بن هشام بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اخرج فناد في الناس: إنه من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وجبت له الجنة "، قال: فلقيني عمر بن الخطاب، فأخبرته بما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ارجع، فإني أخاف أن يتكل الناس، ولا يعملون. قال: فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته بما قال لي عمر، فقال: " أحسن بن الخطاب، أحسن بن الخطاب ". قال أبو الحسين الرازي في تسمية من سمع منه بدمشق: ابن أبي هشام القنبيطي. شيخ جليل من أهل دمشق. مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة. وذكر بن زبر وفاته سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. محمد بن أحمد بن هارون ابن موسى بن عبدان، أبو نصر بن الجندي الغساني إمام جامع دمشق، وخليفة القاضي بها.

محمد بن أحمد بن هاشم

روى عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نهى عن الواصلة والمستوصلة. الجندي: بضم الجيم وسكون النون. توفي أبو نصر ابن الجندي سنة سبع عشرة وأربعمائة. وذكر أن مولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائةز محمد بن أحمد بن هاشم أبو الحسن البيروتي روى خبراً عن الجنيد محمد بن أحمد بن الهيثم ابن صالح بن عبد الله بن الحصين، أبو الحسن التميمي ذكره أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي في " كتاب الألقاب "، فقال: فروجة محمد بن صالح الحافظ. كذا قال: ابن صالح، نسبه إلى جد أبيه. روى عن أبي الشريف إبراهيم بن سليمان بسنده إلى جابر بن عبد الله في قوله تعالى: " واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم "، قال: في أعين المشركين يوم بدر. وروى عن محمد بن سليمان بن هارون بسنده إلى علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام ".

محمد بن أحمد بن الهيثم التميمي

قال الخطيب: محمد بن أحمد بن الهيثم بن صالح بن عبد الله بن الحصين بن علقمة بن لبيد بن نعيم بن عطارد بن حاجب بن زرارة، أبو الحسن التميمي المصري. يلقب فروجة. كان ثقة حافظاً. محمد بن أحمد بن الهيثم التميمي أبو بكر البلخي الروذباري المقرئ سكن غزنة من إقليم الهند، وأقرأ بها القرآن. وكان عالماً بالقراءات. روى عن أبي علي الأهوازي بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشرف أمتي حملة القرآن وقوام الليل ". محمد بن أحمد بن يحيى الدمشقي ابن أحمد بن يزيد بن الحكم، أبو بكر الحجوري الدمشقي حدث عن أبي بكر محمد بن سعيد الرازي بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما شئت أن أرى جبريل متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: يا واحد، يا ماجد، لا تزل عني نعمة أنعمت بها علي، إلا رأيته ". محمد بن أحمد بن يحيى البغدادي أبو عبد الله البغدادي روى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قال العبد يا رب، يا رب، قال الله: لبيك عبدي، سل حاجتك ".

محمد بن أحمد بن يحيى بن حيي

محمد بن أحمد بن يحيى بن حيي أبو عبد الله العثماني الديباجي المقدسي الواعظ الفقيه كان يناظر في مسائل الخلاف، ويفتي على مذهب الشافعي، وله حرمة عند الخليفة، وعند العامة لتصوفه وتعففه، ولزومه مسجده. وحج دفعات، وجاور، وتولى عمارة الحرم. سمع منه الحافظ بن عساكر، وقال: لم أر في زماني مثله. جمع الزهد والورع والعلم والعمل بالعلم والمروءة وحسن الخلق. ذكر أن مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة ببيروت توفي سنة سبع وعشرين وخمسمائة. روى عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن محمد الطبري بسنده إلى أنس قال: إني لا ألو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بنا. فكان أني إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود مكث حتى يقول القائل: قد نسي. محمد بن أحمد بن يزيد ابن وركشين أبو عبد الله البلخي، مولى بني هشام يعرف بالزر حدث عن يحيى بن أكثم بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثروا ذكر هاذم اللذات ". حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " للمرأة ستران: القبر والزوج ".قال: فأيهما أفضل؟ قال: " القبر ".

محمد بن أحمد بن يعقوب

محمد بن أحمد بن يعقوب ابن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الفضل الهاشمي روى عن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا بسنده إلى عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحج. وبسنده عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم. وروى عن أبي القاسم عامر بن خريم الدمشقي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبة " قال الخطيب: محمد بن أحمد بن يعقوب بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو الفضل الهاشمي، من أهل المصيصة. ولي القضاء بدسكرة الملك في طريق خراسان، وورد بغداد. وكان سيء الحال في الحديث. محمد بن أحمد بن يوسف ابن يعقوب بن بريد، أبو بكر الطائي الكوفي الخزاز حدث عن محمد بن معاذ بن المستهل، دران البصري، بسنده إلى عبادة بن الصامت قال:

محمد بن أحمد أبو عبد الله

بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. وروى عن أحمد بن خليد بن يزيد بن عبد الله الكندي بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان يوم القيامة دعا الله بعبد من عبيده، فيقعد بين يديه، فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله ". توفي أبو بكر بن بريد الكوفي الخزاز بدمشق سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. محمد بن أحمد أبو عبد الله الواسطي الكاتب ولي إمرة دمشق نيابة عن أبي الجيش خمارويه بن أحمد. حدث عن عاصم بن علي بسنده إلى ابن مسعود أنه كان يخط المعوذتين من المصاحف، ويقول: إنما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعوذ بهما، ولم يكن عبد الله يقرؤهما. بلغني أن محمد بن أحمد الواسطي هرب من دمشق بعد وقعة الطواحين إلى أنطاكية، فأقام بها مديدة، ومات كمداً حين كان الظفر لأبي الجيش بن طولون، وكانت وقعة الطواحين بظاهر الرملة سنة إحدى وسبعين ومائتين. محمد بن أحمد أبو الحسن البغدادي الناقد سكن أطرابلس. إن لم يكن صاحب الجلاء فهو غيره.

محمد بن أحمد أبو الفرج الغساني

محمد بن أحمد أبو الفرج الغساني المعروف بالوأواء الشاعر له شعر حسن مطبوع. ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب " يتيمة الدهر " فقال: من حسنات الشام، وجد صاغة الكلام. ومن عجيب شأنه ما أخبرني به أبو بكر الخوارزمي قال: كان الوأواء منادياً في دار البطيخ بدمشق، ينادي على الفواكه، وما زال يشعر حتى جاد شعره، وسار كلامه، ووقع منه ما يروق، ويشوق، ويفوق حتى يعلو العيوق. أنشد أبو الفرج الملقب بالوأواء الدمشقي لنفسه: " من المتقارب " زمان الربيع زمان أنيق ... وعيش الخلاعة عيش رقيق وقد جمع الوقت حاليهما ... فمن ذا يفيق ومن يستفيق ويوم ستارته غيمة ... وقد طرزت رفرفيه البروق تظل به الشمس محجوبة ... كأن اصطباحك فيع غبوق عقدنا من الند دخانه ... ومن شرر الراح فيه حريق سجدنا لصلبان منثورة ... وقد نصرتنا لديه الرحيق فذا أصفر وجل خائف ... وذا أحمر وكذاك العشيق أدر يا غلام كؤوس المدام ... وإلا فيكفيك لحظ وريق

محمد بن أحمد أبو عبد الله

وقال: " من المتقارب " ترشفت من شفتيه العقارا ... وقبلت من خده جلنارا وشاهدت منه كثيباً مهيلاً ... وغصناً رطيباً وبدراً ونارا وأبصرت من وجهه في الظلام ... بكل مكان بليل نهارا وقال: " من البسيط " يا سادتي هذه روحي تودعكم ... إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع قد كنت أطمع في روح الحياة لها ... فالآن مذ غبتم لم يبق لي طمع لا عذب الله روحي بالبقاء فما ... أظنها بعدكم بالعيش تنتفع وله في الشمعة: وهيفاء من ندماء الملو ... ك صفراء كالعاشق المدنف تكيد الزمان كما كادها ... فتفنى وتفنيه في موقف وقال: رب ليل أمد من نفس العا ... شق طولاً قطعته بانتحاب ونهاراً ألذ من نظر المع ... شوق بدلته ببؤس عتاب محمد بن أحمد أبو عبد الله الرزاز حكى عن أبي محمد الشريف الكوفي خبراً في البركة.

محمد بن أحمد الجلاب

محمد بن أحمد الجلاب أنشده أبو صالح بن جميع الصيداوي أبياتاً في القناعة منها: " مجزوء الكامل " طوبى لمن رزق القناعه ... وأفاد معرفة وطاعه ونفى مضلات الهوى ... عنه وصلى في جماعه محمد بن أحمد أبو بكر الهروي الخفاف حدث عن أبي عبد الرحمن السلمي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أخاف على أمتي إلا ضعف اليقين ". محمد بن أحمد أبو مظفر التميمي المروروذي الفقيه الشافعي الواعظ قدم دمشق، وحدث بها وبغيرها، وعاد إلى بلده. حدث عن أبي عبد الله محمد بن محمد بن حازم الحازمي بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فقال: " أكرموا أصحابي، ثم الذي يليهم، ثم الذي يليهم. ثم يظهر الكذب حتى يشهد الرجل، ولا يستشهد، ويحلف الرجل، ولا يستحلف، فمن أحب بحبحة الجنة فليلزم الجماعة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". كان أبو المظفر هذا حياً إلى بعد الخمسين وأربعمائة.

محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني

محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني ابن إسحاق أبو طاهر الأصبهاني المحتسب المعروف بالثغري حدث عن أبي علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بسنده إلى علي بن أبي طالب أنه خطب الناس يوماً، فقال في خطبته: وأعجب ما في الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة، وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن، وأن أصابته مصيبة قصمه الجزع، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء، وإن أجهده الجوع فند به الضعف؛ فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد. فقام إليه رجل ممن كان شهد معه الجمل، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن القدر؟ فقال: بحر عميق فلا تلجه. قال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن القدر؟ قال: بيت مظلم فلا تدخله، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن القدر؟ قال: سر الله فلا تتكلفه، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن القدر؟ قال: أما إذا أبيت فإنه أمر من أمرين، لا جبر ولا تفويض. توفي أبو طاهر الثغري سنة أربع وستين وثلاثمائة. محمد بن إبراهيم بن محمد السوسي ابن يعقوب أبو بكر السوسي شيخ الصوفية بدمشق. سمع أبو بكر السوسي بدمشق سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة يقول: ما عقدت لنفسي قط على دينار ولا درهم، ولا اغتسلت من مباشرة حلال ولا حرام قط. فقلت: أكنت تحتلم في المنام؟ قال: كان ذلك قبل دخولي في طريق الجد ثم زال عني.

محمد بن إبراهيم بن أحمد الشراك

توفي أبو بكر محمد بن إبراهيم السوسي سنة ست وثمانين وثلاثمائة. محمد بن إبراهيم بن أحمد الشراك أبو بكر الإمام المؤدب، المعروف بالشراك روى عن أبي سليمان بن زبر بسنده إلى أنس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " خذوا زينتكم عند كل مسجد "، قال: " صلوا في نعالكم ". محمد بن إبراهيم بن إسحاق ابن إبراهيم بن صالح بن زياد، أبو بكر العقيلي الأصبهاني حدث عن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم بسنده إلى ابن عباس قال: احتجتم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم. محمد بن إبراهيم بن أسد أبو بكر الأسدي الصوري، المعروف بالقنوي حدث عن يزيد بن عياض بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما عبد الله بشيء أفضل من الفقه في الدين. والفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد، وعماد هذا الدين الفقه ". ثم قال أبو هريرة: لأن أقعد ساعة في الفقه أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح.

محمد بن إبراهيم بن إسماعيل

محمد بن إبراهيم بن إسماعيل ابن عزرة أبو طلحة الضبي حدث عن أبي سعيد محمد بن أحمد بن فياض بسنده إلى أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصف سدرة المنتهى، فقال: " يسير الراكب في ظل الفنن مائة سنة - أو يستظل في الفنن مائة راكب - فيها فراش من ذهب، كأن ثمرها القلال. قرئ على ابن عزرة الضبي سنة خمس وستين وثلاثمائة. محمد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبد الله الكردي النشابي المقرئ كتب عنه ابن عساكر وقال: كان خيراً مستوراً. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده إلى عبد الله بن بسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تغالوا بالشاء، فإنما هي سقيا وليدك، إذا حلبتموها فلا تجهدوها، ودعوا داعية اللبن - أو داعي اللبن ". توفي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. محمد بن إبراهيم بن الحارث ابن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو عبد الله القرشي التيمي المدني وفد علي عمر بن عبد العزيز.

روى عن جابر وأنس قالا: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو على الجراد: " اللهم اقتل كباره، وأهلك صغاره، وأفسد بيضه، وأهلك دابره، وخذ بأفواهه عن معايشنا، وارزقنا إنك سميع الدعاء ". فقال رجل: يا رسول الله، تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الجراد نثرة حوت في البحر " - قال الراوي: فحدثني من رأى الحوت ينثره. سمع علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ". قال محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة: محمد بن إبراهيم الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وأمه حفصة بنت أبي يحيى - واسمه عمرو - وكان من قدماء موالي بني تيم، ولهم عدد بالمدينة، ثم انتموا إليهم حديثاً من الزمان. فولد محمد بن إبراهيم موسى بن محمد، وكان فقيهاً محدثاً، وإبراهيم وإسحاق، وأمهم: أم عيسى بنت عمران بن أبي يحيى. قال محمد بن عمر: وكان محمد بن إبراهيم يكنى أبا عبد الله، وكان جده الحارث بن خالد من المهاجرين الأولين. توفي محمد بن إبراهيم سنة عشرين ومائة بالمدينة في آخر خلافة هشام بن عبد الملك. وكان محمد بن إبراهيم ثقة كثير الحديث.

محمد بن إبراهيم بن الحسين

قال محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: رأيت سعد بن أبي وقاص وابن عمر يأخذان برمانة المنبر، ثم ينصرفان. وقال: كنت أرى عبد الله بن عمر يخرج إذا زالت الشمس، فيصلي اثنتي عشرة ركعة قبل الظهر. قال: فجئت يوماً، فسألني: من أنت؟ فانتسبت له، فقال: كان جدك من مهاجرة أرض الحبش - وفي رواية أخرى: من مهاجرة الحبشة - فأثنى القوم علي خيراً، فنهاهم. توفي محمد بن إبراهيم التيمي سنة عشرين ومائة. وقال القاسم بن سلام: سنة تسع عشرة ومائة، وقال خليفة: سنة إحدى وعشرين ومائة. وثقه: العجلي، ويحيى، وأبو حاتم، وابن خراش. محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن عبد الله بن عبد الرحمن أبو العباس الحنائي أصله من حلب. وهو والد أبي الحسن، وأبي إسحاق، وأبي القاسم. محمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندراني أبو عبد الله الإسكندراني الفقيه المالكي، يعرف بابن الواز مصنف على مذهب مالك بن أنس. قدم دمشق مع أحمد بن طولون سنة تسع وستين ومائتين لما قدمها لخلع الموفق. ذكره أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي الحافظ في " تسمية الفقهاء من أصحاب مالك " فقال: محمد بن إبراهيم بن المواز، أبو عبد الله. كان بالإسكندرية. تفقه بابن الماجشون، وابن عبد الحكم، واعتمد على أصبغ، وهو أجل من محمد بن عبد الله بن الحكم.

محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي

توفي ابن المواز بدمشق سنة تسع وستين ومائتين. محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي ابن عبد الله بن ميمون ين مهران أبو عبد الله الرازي حدث عن محمد بن مهران الحمال بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوم يقوم الناس لرب العالمين "، مقدار نصف يوم، يكون ذلك اليوم على المؤمنين كتدلي الشمس للغروب ". وحدث عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه، وطعامه وشرابه. فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله ". قال الخطيب: محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله، أبو عبد الله الطيالسي الرازي. كان جوالاً، وعمر عمراً طويلاً - ونقل قول من قال: تكلموا فيه، وأفسد حاله بمرة - وقال: سألت أبا حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ بنيسابور عن محمد بن إبراهيم بن زياد، فقال: سمعت أبا أحمد الحافظ ذكره، فقال: لو أنه اقتصر على سماعه لكان له فيه مقنع، لكنه حدث عن شيوخ لم يدركهم. قال الدارقطيني: دجال. يضع الأحاديث. كان محمد بن إبراهيم حياً سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة.

محمد بن إبراهيم بن سعيد

محمد بن إبراهيم بن سعيد ابن عبد الرحمن بن موسى - ويقال: ابن موسى بن عبد الرحمن - أبو عبد الله العبدي البوشنجي أحد الأئمة الفقهاء الحفاظ العلماء. حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكير بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، أو تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنها تؤدي إلى شطره ". وبسنده عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ". قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزار: محمد بن إبراهيم البوشنجي، أبو عبد الله العبدي. كان فقيه البدن، فصيح اللسان. وقال أبو عبد الله الحافظ: شيخ أهل الحديث في عصره. حدث عن بعض الفقهاء من أصحاب داود بن علي أنهم حضروا مجلس داود بن علي يوماً ببغداد، ودخل عليه المجلس رجل جلس آخر الناس، ثم إنه كان كلم داود بن علي في بعض ما كان يتكلم به، فتعجب داود من حسن كلامه، فقال: لعلك عبد الله البوشنجي؟ قال: نعم. فقام داود بنفسه إليه، وأخذ بيده حنى أجلسه إلى جنبه، وقال لأصحابه: قد حضركم من يفيد، ولا يستفيد.

قال أبو زكريا العنبري: شهدت جنازة الحسين بن محمد القباني سنة تسع وثمانين ومائتين، فقدم أبو عبد الله للصلاة عليه، فصلى عليه، فلما أراد أن ينصرف قدمت دابته، وأخذ أبو عمر الخفاف بلجامه، وأبو بكر محمد بن إسحاق بركابه، وأبو بكر الجارودي، وإبراهيم بن أبي طالب يسويان عليه ثيابه. فمضى ولم يكلم واحداً منهم. وقال: قال لي أبو عبد الله البوشنجي في شيء سألني عنه: أحسنت. ثم التفت إلى أبي، فقال: يا أبا عبد الله، قد قلت لابنك: أحسنت، ولو قلت هذا لأبي عبيد لفرح به. سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن مسألة، وكان يشيع جنازة أبي عبد الله البوشنجي، فقال: لا أفتي حتى يواريه لحده. وقال أبو محمد عمرو محمد بن أحمد الضرير الفقيه: حضرت أبا عبد الله البوشنجي بمرو، وقد وصف له حالي، وما أتقلب فيه من العلوم. فقال: أسألك عن مسألة؟ فقلت: مثل الشيخ لا يسأل مثلي! فقال: صدقت، أنا روباس الناس من الشاش إلى مصر. ثم قال لي: أتدري ما الروباس؟ قلت: لا، قال: هي الآلة التي بها بين جيد الفضة وخبيثها. قال أبو عبد الله البوشنجي: من أراد العلم والفقه بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله. كان أبو عبد الله البوشنجي من الكرم بحيث لا يوصف، وكان يقدم لسنانيره من كل طعام يأكله، فبات ليلة، ثم ذكر السنانير، فقال لخادمه: أطعمتم اليوم سنانيرنا من طعامنا؟ فقال: لا، فأمر بالليل حتى طبخ من ذلك الطعام، وأطعم السنانير.

محمد بن إبراهيم بن سهل

توفي أبو عبد الله البوشنجي سنة إحدى وتسعين ومائتين، وصلى عليه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة. محمد بن إبراهيم بن سهل ابن حية بن يحيى بن صالح أبو بكر البزاز كان يسكن عقبة الصوف. روى عن أبي معاوية عبيد الله بن محمد القري المؤدب بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عج حجر إلى الله - عز وجل - فقال: إلهي وسيدي، عبدتك منذ كذا وكذا سنة، ثم جعلتني في أس كنيف؟ فقال: أما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة "؟ عن علي بن هبة الله قال: حية: أوله حاء مهملة وبعده ياء مشددة معجمة باثنتين من تحتها: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن سهل بن يحيى بن صالح بن حية البزاز الدمشقي. محمد بن إبراهيم بن أبي عامر أبو عامر الصوري النحوي روى عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جنازة رجل من الأنصار، فسمعته يقول: " اللهم صل عليه، واغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله ومنقلبه، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله بداره داراً خيراً من

محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي

داره، وأهلاً خيراً من أهله، وقه فتنة القبر، وعذاب النار ". قال عوف: فلقد رأيتني في مقامي ذلك أتمنى أن أكون أنا الميت مكان ذلك الأنصاري لما رأيت من صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي ابن يعقوب بن زوزان أبو بكر الحارثي الأنطاكي حدث عن الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني الدمشقي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ". وروى عن الحسين بن إسحاق بسنده إلى ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نضر الله امرأ سمع مقالتي هذه فوعاها، وحفظها، وعقلها، فرب حامل فقه ليس بفقيه ". قال ابن ماكولا: زوزان - بزايين، الأولى منهما مضمومة. محمد بن إبراهيم بن عبد الله الأسترباذي أبو محمد بن بندار بن سهل بن إسحاق بن سعيد بن عبد الواحد أبو زرعة الأسترباذي المؤذن المعلم، المعروف باليمني حدث عن أبي العباس محمد بن إسحاق السراج بسنده أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

محمد بن إبراهيم الطوسي

قال: " إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي "، قال: أفرأيت إن دخل على بيتي، وبسط يده ليقتلني؟ قال: " كن كابن آدم ". عرف أبو زرعة باليمني لأنه سكن اليمن مدة. ومات بأستراياذ. محمد بن إبراهيم الطوسي ابن عبد الله بن عمر أبو همام الطوسي الحافظ روى عن أبي علي محمد بن سعيد الحراني بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب إلى جذع، فلما وضع المنبر حن إليه الجذع، فاتاه، فمسحه، فسكن. محمد بن إبراهيم بن عبد الحميد أبو بكر الحلواني ولي قضاء بلخ. روى عن محمد بن إسماعيل بن عياش بسنده إلى أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رأيت رجالاً تقرض جلودهم بمقاريض من نار، قلت: ما شأن هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يتزينون إلى ما لا يحل لهم. ورأيت جباً خبيث الريح، فيه صياح، قلت: ما هذا؟ قال: هن نساء يتزين إلى ما لا يحل لهن، ورأيت قوماً اغتسلوا في ماء الحياة، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ".

محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن

وروى عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يا بن عوف، وإنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفاً، فاقرض الله يطلق لك قدميك ". وروى عن محمد بن جعفر الفيدي بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتتلوا بعدي ". سكن أبو بكر الحلواني بغداد، وكان ثقة. محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عبد الملك بن مروان أبو عبد الله القرشي روى عن زكريا بن يحيى السجزي بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، وعبد الحلة، وعبد الخميصة، تعس ونكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد مغبر قدمه في سبيل الله، مشعث رأسه، وإذا كانت الساقة كان فيهم، وإذا كان الحرس كان فيهم، إن شفع لم يشفع، وإن استأذن لم يؤذن له، طوبى له، ثم طوبى له ". توفي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وكان ثقة مأموناً جواداً، انتقى عليه أبو عبد الله محمد بن منده فوائده ثلاثين جزءاً.

محمد بن إبراهيم بن عبدويه

محمد بن إبراهيم بن عبدويه ابن سدوس بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي العبدوي النيسابوري المعروف بكثرة السماع، والرحلة في طلب الحديث، والتصنيف، وإفادة الناس في الحضر والسفر. كان يستملي علي أبي بكر بن خزيمة. توفي شهيداً بالكوفة سنة القرمطي، أصابته جراحة، فمات بها سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. محمد بن إبراهيم بن علي ابن عاصم بن زاذان أبو بكر المعروف بابن المقرئ الأصبهاني أحد المكثرين الرحالين، والمحدثين المشهورين. جمع معجم أسماء شيوخه في أربعة أجزاء، وخرج الفوائد في أربعة عشر جزءاً. وكان مكثراً ثقة. روى عن محمد بن نصير بن أبان المدني بسنده إلى عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام وهو جنب، ولا يمس ماء. وروى عن ابن منيع بسنده إلى عبد الله بن مسعود، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ". حكى عن أحمد بن الحسن الصوفي قال: سمعت هارون بن معروف يقول: رأيت فيما يرى النائم كأن قائلاً يقول لي: من شغله الحديث عن القرآن عذب. قال أبو سلامة: قيل للصاحب " إسماعيل بن عباد ": إنك رجل معتزلي، وأبو بكر بن المقرئ رجل صاحب حديث، وتحبه أنت، لماذا؟! فقال: لمسألتين اثنتين: كان أبو بكر بن المقرئ

محمد بن إبراهيم بن العلاء

صديق والدي، وقيل: مودة الآباء قرابة الأبناء. ولمسألة أخرى: إني كنت نائماً فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: أنت نائم وولي من أولياء الله على بابك! فانتبهت، ودعوت الباب، وقلت: من بالباب؟ قال: أبو بكر بن المقرئ بالباب. توفي أبو بكر بن المقرئ بأصبهان سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة، وله ست وتسعون سنة. محمد بن إبراهيم بن العلاء أبو عبد الله الزاهد السائح من أهل غوطة دمشق. حدث عن سعيد بن مسلمة إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتاكم كريم قوم فاكرموه ". حدث عن محمد بن الحجاج اللخمي بسنده إلى ابن العباس قال: هجت امرأة من بني حطمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هجاء لها، قال: فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتد عليه ذلك، فقال: " من لي بها؟ " فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله، وكانت تمارة تبيع التمر، قال: فأتاها، فقال لها: عندك تمر؟ فقالت: نعم، فأرته تمراً، فقال: أردت أجود من هذا، قال: فدخلت لتريه، قال: فدخل خلفها، ونظر يميناً وشمالاً، فلم ير إلا خواناً، قال: فعلا به رأسها حتى دمغها به، قال: ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، كفيتكها، قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لا ينتطح فيها عنزان "، فأرسلها مثلاً.

محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد

وحدث عن أحمد بن محمد - ابن أخي سوار القاضي - بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الجنة لتتزين من الحول إلى الحول في شهر رمضان، وإن الحور لتتزين من الحول إلى الحول في شهر رمضان، فإذا دخل شهر رمضان قالت الجنة: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبدك سكاناً، ويقلن الحور العين: اللهم اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك أزواجاً ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صان نفسه في شهر رمضان، لم يشرب فيه مسكراً، ولم يقف فيه مؤمناً ببهتان، ولم يعمل به خطيئة زوجه الله - تبارك وتعالى - في كل ليلة مائة حورية، وبنى له قصراً في الجنة من لؤلؤ وياقوت، وزبرجد، لو أن الدنيا كلها جعلت في ذلك القصر لكانت منه كمربط عنز في الدنيا. ومن شرب فيه مسكراً، أو قفا فيه مؤمناً ببهتان أو عمل به خطيئة أحبط الله عمله سنة؛ فاتقوا شهر رمضان، فإنه شهر الله جعل الله لكم أحد عشر شهراً تأكلون وتشربون وتتلذذون، وجعل لنفسه شهر رمضان، فاتقوا شهر رمضان، فإنه شهر الله - عز وجل ". قال أبو أحمد بن عدي: محمد بن إبراهيم الشامي منكر الحديث، وعامة أحاديثه غير محفوظة. وقال الداقطيني: كذاب. محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أمير دمشق من قبل المهدي والرشيد. وولي مكة وإمرة الموسم غير مرة.

روى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خطب حمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم يقول: " أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أصدق الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة ". ثم يرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة حتى كأنه منذر جيش، ثم يقول: " صبحتكم، أو مستكم "، ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين - وفرق بين أصابعه الوسطى والتي تليها، وبين الإبهام - صبحتكم أو مستكم، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي، أو علي، ألا وإني ولي المؤمنين ". وبسنده إلى علي: أنه دعا بماء، فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الخطيب: محمد بن إبراهيم المعروف بالإمام. كان يلي إمارة الحج، والمسير بالناس إلى مكة، وإقامة المناسك في خلافة المنصور عدة سنين. وتوفي ببغداد في خلافة الرشيد سنة خمس وثمانين ومائة، وكان الرشيد إذ ذاك قد شخص عن بغداد إلى الرقة، فصلى على محمد بن إبراهيم ابنه محمد بن هارون الأمين، وهو ولي العهد، ودفن بالمقبرة المعروفة بالعباسية بباب الميدان. ولد سنة اثنتين وعشرين ومائة. وتوفي سنة خمس وثمانين ومائة.

محمد بن إبراهيم بن محمد بن رواحة

قال همام بن مسلم: كنت بمكة مع سفيان والأوزاعي، فمرض سفيان، فاتاه محمد بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن العباس أميرهم، فلما قيل له: هذا محمد بن إبراهيم قام فدخل الكنيف، فما زال فيه حنى استحييت من طول ما قعد. ثم خرج، فجاء، فقال: السلام عليكم، كيف أنتم، وطرح نفسه، ومحمد جالس، فحول وجهه إلى الحائط، فما كلمه حتى خرج من عنده، فلما كان من الغد بعث إليه يقرئه السلام، ويقول: كيف نجدك!؟ لولا أعلم أنه ليس بمكة أبغض إليك مني لأتيتك. قال العنبري لمحمد بن إبراهيم: " من الرمل " اقض عني يا بن عم المصطفى ... أنا بالله من الدين وبك من غريم فاحش يقدر لي ... أشره الوجه لعرضي منتهك أنا والظل وهو ثالثنا ... أين ما زالت من الأرض سلك محمد بن إبراهيم بن محمد بن رواحة ابن محمد بن النعمان بن بشير أبو معن الأنصاري الصرفندي. من أهل حمص. صرفند من أعمال صور. رأى أنس بن مالك. محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد أبو الفتح الجحدري الطرسوسي الغازي البزاز المعروف بابن البصري. من أهل طرسوس. قدم دمشق.

محمد بن إبراهيم بن محمد الأسدي

حدث عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي بسنده إلى زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب عن ليلة القدر، فحلف لا يستثني: إنها ليلة سبع وعشرين، قلت: بم تقول أبا المنذر؟ قال: بالآية، وبالعلامة التي قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس وليس شعاع ". وحدث عن عبد الله بن السري بسنده إلى سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الآذان من الرأس ". قدم أبو الفتح بغداد. واستوطن بأخرة بيت المقدس، وبها مات سنة سبع - أو ثمان - وأربعمائة. وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة عشر، وأربعمائة. محمد بن إبراهيم بن محمد الأسدي ابن عبد الله بن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم أبو الحسن الأسدي حدث عن سعد بن محمد البيروتي بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي: " لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً ". توفي أبو الحسن سنة اثنتين وستين وأربعمائة. لم يكن الحديث من شأنه، ولكن أبوه سمعه. محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ابن علي بن بندار بن عباد بن أيمن أبو عبد الله بن أبي إسحاق الدينوري المؤدب

محمد بن إبراهيم بن مخلد

روى عن محمد بن علي أبي عبد الله بن سلوان المازني بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح وخدوش ". وسئل قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: " خمسون درهماً، أو شأنها من الذهب ". ولد أبو عبد الله الدينوري المؤدب سنة أربع وعشرين وأربعمائة، وتوفي سنة سبع وثمانين وأربعمائة. محمد بن إبراهيم بن مخلد الأنصاري الجبيلي روى عن وزير بن القاسم بسنده إلى عبد العزيز قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام أول يوم من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، ومن صام ثمانية عشر يوماً غفر الله لما تقدم به من ذنب، وقيل له: استأنف العمل، وبدل الله سيئاته حسنات، ومن زاد زاده الله - عز وجل - وفي رجب حمل الله نوحاً في السفينة، وصام، وأمر من معه، فصاموا، فجرت بهم السفينة ستة أشهر، واستوت بهم على الجودي يوم عاشوراء، وذلك لعشر مضين من المحرم، فصام نوح ومن معه من الطير والوحش شكراً لله - عز وجل ". محمد بن إبراهيم بن مسلم أبو أمية البغدادي، المعروف بالطرسوسي سكن طرسوس، وقدم دمشق.

حدث عن يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري بسنده إلى عقبة بن عامر الجهني قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فاسترقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان منها على ليلة، فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قيد رمح قال: " ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر؟ " فقال: يا رسول الله ذهب بي النوم، فذهب بي الذي ذهب بك. فانتقل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك المنزل غير بعيد، ثم صلى، ثم هذب بقية يومه وليلته، فأصبح بتبوك، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: " يا أيها الناس، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامى ندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبراً، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما وقر في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جثى جهنم، والكبر كي من النار، والشعر من " مزامير " إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع، والأمر إلى

الآخرة، وملاك العمل خواتمه، وشر الرواية رواية الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يصبر يضعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله. اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي - قالها ثلاثاً - أستغفر الله لي ولكم. قال الخطيب بسنده: محمد بن إبراهيم بن مسلم، يكنى أبا أمية. بغدادي أقام بطرسوس. يقال: إنه من أهل سجستان. كان من أهل الرحلة فهماً في الحديث، وكان حسن الحديث. توفي بطرسوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وقال: أبو أمية محمد بن إبراهيم رجل رفيع القدر جداً، كان إماماً في الحديث، مقدماً في زمانه. ثقة. أنشد عبد الله بن جابر الطرسوسي لأبي أمية الطرسوسي: " من البسيط " في كل يوم أرى بيضاء قد طلعت ... كأنما طلعت في ناظر البصر لئن قطعتك بالمقراض عن بصري ... لما قطعتك عن همي وعن فكري قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: محمد بن إبراهيم الطرسوسي صدوق كثير الوهم.

محمد بن إبراهيم بن مسلم بن البطال

محمد بن إبراهيم بن مسلم بن البطال أبو عبد الله اليماني الصعدي نزيل المصيصة. قدم دمشق حاجاً. وقدم بغداد. وهو من صعدة اليمن. حدث عن إسحاق بن وهب العلاف الواسطي بسنده إلى ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عموا بالسلام، وعموا بالتشميت ". وبإسناده قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه: " السلام عليكم ورحمة الله "، وعن يساره: " السلام عليكم ورحمة الله ". وحدث عن محمد بن يحيى الأزدي بإسناده إلى بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة ". ثم سمعته يقول: " من أنظر معسراً كان له بكل يوم مثله صدقة ". قال: فقلت: يا رسول الله، سمعتك تقول كذا، ثم سمعتك تقول كذا!؟ قال: " إذا أقرضته ثم تركته في أجله فله في كل يوم صدقة، فإذا حل ثم تركته فله بكل يوم مثله صدقة ". قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن إبراهيم بن البطال، يكنى أبا عبد الله، من أهل صعدة من اليمن. قدم علينا مصر قدمتين. كان آخر قدمتيه سنة عشر وثلاثمائة، ثم صار إلى الثغر، فتوفي هناك.

محمد بن إبراهيم بن المسيب

محمد بن إبراهيم بن المسيب روى عن إسحاق بن نجيح بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ما يسقط من المائدة عاش في سعة، وعوفي من المحن في ولده، وفي جاره وجار جاره ودويرات جاره ". محمد بن إبراهيم الهاشمي القرشي إمام جامع دمشق. روى عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن العباس قال: قال علي بن أبي طالب: يا رسول الله، القرآن يتفلت من صدري! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، وينفع من علمته، ويثبت ما تعلمت في صدرك؟ " قال: بلى، قال: " فصل ليلة الجمعة أربع ركعات، تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب، و" يس "، وفي الثانية بفاتحة الكتاب، و" حم الدخان "، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب و" تنزيل السجدة "، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب و" تنزيل المفصل "، فإذا فرغت من التشهد فأحمد الله، وصل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستغفر للمؤمنين، وقل: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف مالا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني. اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام، أسألك بالله يا رحمن؛ بجلالك، ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، فارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، وأسألك أن تنور بكتابك بصري، وتطلق به لساني، وتفرج به عن قلبي، وتشرح به صدري، وتشغل به بدني، وتقوني على ذلك، وتعينني عليه؛ فإنه لا يعين على الخير، ولا يوفق له إلا أنت، تفعل ذلك ثلاث جمع - أو خمس، أو سبع - تجب بإذن الله، وما أخطأ مؤمن ". فأتى علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بسبع جمع، فأخبره بحفظه للقرآن والأحاديث، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مؤمن ورب الكعبة! علم أبا حسن، علم، علم ".

محمد بن إبراهيم أبو حمزة

محمد بن إبراهيم أبو حمزة البغدادي الصوفي قال أبو حمزة الصوفي: كنت مع منصور بن جمهور الصوفي، فنظر إلى غلام يعرض للبيع، فوقف، فنظر إليه، ثم التفت إلي، فقال: ما أعلم أحداً اشترى هذا إلا متعرضاً لمحن الله - عزوجل - فإما أن يعصمه، وإما أن يفتنه؛ فإن عصمه اتسع للناس القول فيه بما لا يعلمون، وان هو فتنه طال في القيامة حسابه، وفي النار عذابه. ثم رفع يديه، فقال: اللهم اعصمنا فيما بقي من أعمارنا، ولا تؤاخذنا بما قد علمت من أفعالنا، وهب لنا عقوبة نظرنا. ثم بكى. وقال: خرجت من بلاد الروم، فوقفت على راهب، فقلت: هل عندك من خبر من قد مضى؟ فقال: نعم، " فريق في الجنة وفريق في السعير ". قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو حمزة البغدادي البزاز، واسمه محمد بن إبراهيم، من أقران سري السقطي، أو أقدم منه، كان يتكلم ببغداد في مسجد الرصافة قبل كلامه في مسجد المدينة، وأبو حمزة كان يذكر أنه من أصحاب حسن المسوحي، وكان يسميه: أستاذي، وكان هو أستاذ الجنيد، وكان عالماً بالقراءات خصوصاً بقراءة أبي عمرو، وكان قد تكلم في شيء من علوم الإرادات في المسجد الجامع، فسقط عن كرسيه، واعتل، ودفن في الجمعة الثانية. وكان سافر مع أبي تراب. وهو أستاذ جميع البغداديين في هذه العلوم، ولما مات غسله قاسم بن أبي علي المنصوري الصوفي.

قال أبو القاسم القشيري: ومنهم أبو حمزة البغدادي. مات قبل الجنيد، وكان من أقرانه، وكان عالماً بالقراءات فقيهاً، وكان من أولاد عيسى بن أبان. وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل: ما تقول فيها يا صوفي؟ قيل: كان يتكلم في مجلسه يوم الجمعة، فتغير عليه الحال، فسقط عن كرسيه، ومات في الجمعة الثانية. مات سنة تسع وثمانين ومائتين. قال أبو حمزة: من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه، ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحواله، وأفعاله، وأقواله. وقال: من رزق ثلاثة أشياء فقد نجا " من الآفات ": بطن خال مع قلب قانع، وفقر دائم معه زهد حاضر، وصبر كامل معه ذكر دائم. وحكى بعضهم عن أبي حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي أستاذ الجنيد أنه ولد له مولود في ليلة مطيرة، وما كان في منزله شيء، واشتد المطر، وكانت داره على الطريق. قال: وأخذ السيل يدخل داره، وكان معه في الدار صبي يخدمه، فقام هو والصبي، فأخذ صرتين، فكانا ينقلان الماء إلى الطريق حتى أصبحوا، فلما أصبحوا احتالت المرأة درهمين، وقالت لأبي حمزة: اشتر لنا بها شيئاً، فخرج أبو حمزة والصبي معه، فإذا بجارية صغيرة تبكي، قال: فقال لها أبو حمزة: مالك؟ قالت: لي مولى شرير، وقد دفع إلي قارورة، فانكسرت، وهلك الزيت، فأخاف أن يضربني، قال: فأخذ بيدها، وذهب فاشترى لها قارورة، وأخذ فيها زيتاً، فقالت الجارية: تجيء معي إلى عند مولاي، وتشفع إليه ألا يضربني بتأخري عنه. قال: فذهب أبو حمزة معها إلى مولاها، وتشفع فيها، ثم رجع إلى المسجد، وقعد في الشمس، فقال له الغلام: أيش عملت في يوم مثل هذا، أو قصة مثل هذه؟ فقال له: اسكت فقعدا إلى العصر، ثم قال له الصبي: قم بنا نعود إلى المنزل، وكانت داره في زقاق لا ينفذ، فجاؤوا

والزقاق كله من أوله إلى آخره حمالون قعود، معهم كل ما يحتاجون إليه في الشتاء، ومعهم رجل معه رقعة فيها مكتوب: أخبرنا أيها الشيخ، أن البارحة ولد لك مولود، فحملنا إليك ما حضر، فتفضل بقبوله. ومع الرجل كيس فيه خمسمائة درهم، فأخذه، ثم التفت إلى الغلام، وقال: إذا عاملت فعامل من هذه معاملته! قال أبو حمزة الصوفي: إني لأستحيي من الله تعالى أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل؛ لئلا يكون سعيي على الشبع زاداً أتزوده. وقال: سافرت سفرة على التوكل، فبينا أنا أسير ذات ليلة، والنوم في عيني إذ وقعت في بئر، فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها، فجلست فيها، فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: نجوز ونترك هذه في طريق السابلة والمارة؟ فقال الآخر: فما نصنع؟ قال: نطمها! فبدرت نفسي أن تقول: أنا فيها، فنوديت: تتوكل علينا، وتشكو بلاءنا إلى سوانا؟! فسكت. فمضيا، ثم رجعا، ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطوها به، فقالت لي نفسي: أمنت طمها، ولكن جعلت مسجوناً فيها. فمكثت يومي وليلتي، فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي، ولا أراه: تمسك بي شديداً. فمددت يدي، فوقعت على شيء خشن، فتمسكت به، فعلاها، وطرحني، فتأملت فوق الأرض، فإذا هو سبع، فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق مثله، فهتف بي هاتف: يا أبا حمزة، استنقذناك من البلاء، وكفيناك ما تخاف بما تخاف. قال جعفر بن محمد الخلدي: خرج طائفة من مشايخ الصوفية يستقبلون أبا محمد الصوفي في قدومه من مكة، فإذا به قد شحب لونه، فقال له الجريري: يا سيدي، هل تتغير الأسرار إذا تغيرت الصفات؟ قال: معاذ الله! لو تغيرت الأسرار لتغير الصفات لهلك العالم، ولكنه ساكن

الأسرار فحماها، وأعرض عن الصفات فلاشاها. ثم تركنا وولى وهو يقول: " مجزوء الرجز " كما ترى صيرني ... قطع قفار الدمن شردني عن وطني ... كأنني لم أكن إذا تغيبت بدا ... وإن بدا غيبني يقول لا تشهد ما ... يشهد أو تشهدني وقال: علامة الصوفي الصادق أن يفتقر بعد الغنى، ويذل بعد العز، ويخفى بعد الشهرة، وعلامة الصوفي الكاذب أن يستغني بعد الفقر، ويعز بعد الذل، ويشتهر بعد الخفاء. قال أبو عثمان المغربي: كان أبو حمزة وجماعة أصحابنا يمشون إلى موضع من المواضع، فبلغوا ذلك الموضع، فإذا الباب مغلق، فقال أبو حمزة لأصحابه: ليتقدم كل واحد منكم إلى هذا الباب، ويظهر صدقه وإخلاصه، فينفتح عليه الباب من غير معالجة أحد. فتقدم كل واحد من القوم، فلم ينفتح على أحد. فتقدم أبو حمزة من الباب وقال: بكذبي إلا فتحت، ففتح عليه الباب، فدخلوا ذلك الموضعز قال الخلدي: كان لأبي حمزة مهر قد رباه، وكان يحب الغزو، وكان يركب المهر ويخرج عليه، وهو يدعي التوكل، فقيل له: يا أبا حمزة، أنت قد علمنا كيف تعمل، فالدابة، إيش كنت تعمل في أمرها؟ قال: كان إذا رحل العسكر تبقى تلك الفضلات من الدواب، ومن الناس، تدور، فتأكل.

محمد بن إبراهيم أبو بكر الصوري

قال أبو عبد الله الرملي: تكلم أبو حمزة في جامع طرسوس، فقبلوا. فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع، فزعق أبو حمزة، وقال: لبيك لبيك! فنسبوه إلى الزندقة، وقالوا: حلولي زنديق، فشهدوا، وأخرج، وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع؛ هذا فرس الزنديق. فرفع رأسه إلى السماء، وقال: من الخفيف " لك من قلبي المكان المصون ... كل عتب علي فيك يهون ومن أقواله: من ذاق حلاوة عمل صبر على تجرع مرارة صرفه، ومن صفت فكرته استلذ ذوقه، واستوحش ممن يشغله. وسئل: هل يتفرغ المحب إلى شيء سمى محبوبه؟ فقال: لا، لأنه بلاء دائم، وسرور منقطع، وأوجاع متصلة لا يعرفها إلا من باشرها. وأنشد: " من الطويل " يقاسي المقاسي شجوه دون غيره ... وكل بلاء عند لاقيه أوجع قال أبو سعيد الزيادي: كان أبو حمزة أستاذ البغداديين، وهو أول من تكلم ببغداد في هذه المذاهب من صفاء الذكر، وجمع الهمة، والمحبة والشوق والقرب والأنس؛ لم يسبقه إلى الكلام هذا على رؤوس الناس ببغداد أحد، وما زال مقبولاً حسن المنزلة عند الناس إلى أن توفي. وتوفي سنة تسع وستين ومائتين، ودفن بباب الكوفة. وروى الخطيب من طريق آخر أنه توفي سنة تسع وثمانين ومائتين. محمد بن إبراهيم أبو بكر الصوري روى عن أبي نعيم الحلبي بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قعد إلى قينة يستمع منها صب الله في أذنيه الانك يوم القيامة ".

محمد بن إبراهيم أبو الفضل

محمد بن إبراهيم أبو الفضل الدينوري المقرئ سكن صيدا، وأقرأ بها القرآن. روى عن علي بن أبي طالب أنه قال: اجتنب من الرجال أربعة: من إذا حدثك كذب، وإذا حدثته كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك اتهمك، وإن أنعمت عليه كفرك، وإن أنعم عليك امتن عليك. محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الحصري البانياسي سكن صور، وحدث بها سنة عشرين وأربعمائة. توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. محمد بن إدريس بن إبراهيم أبو الحسن الأصبهاني قدم دمشق. روى عن أحمد بن محمد البزاز بإسناده: أن الحسين بن علي بن أبي طالب دفع ذات يوم إلى سائل عشرة آلاف درهم، فقالت له جارية له يقال لها فضة: والله لقد أسرفت يا بن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقال لها: يا فضة! وأنشأ يقول: " من الطويل " إذا جمعت مالاً يداي ولم أنل ... فلا انبسطت كفي ولا نهضت رجلي أريني بخيلاً نال خلداً ببخله ... وهاتي أريني باذلاً مات من هزل على الله إخلاف الذي أتلفت يدي ... فلا مهلكي بذلي ولا مخلدي بخلي

محمد بن إدريس بن الحجاج

محمد بن إدريس بن الحجاج ابن أبي حمادة أبو بكر الأنطاكي قدم دمشق سنة إحدى وثمانين ومائتين. حدث عن أبي تقي هشام بن عبد الملك اليزني بسنده إلى ابن عمر قال: بعثنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فلقينا العدو، فحاص الناس حيصة، فانهزمنا، فقلنا نهرب في الأرض، ولا نأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حياء مما صنعنا. قال: فلقينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، نحن الفرارون! قال: " لا، بل أنتم الكرارون، وأنا فيتكم ". وحدث عن يعقوب بن سعد بسنده إلى جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثمن الكلب والسنور. محمد بن إدريس بن العباس ابن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو عبد الله المطلبي الشافعي المكي إمام عصره، وفريد دهره. اجتاز دمشق، أو بساحلها حين ذهب إلى مصر. روى عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم - وفي رواية: من صلاة الفذ - وحده بخمسة وعشرين جزءاً ". وروى عن محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي بسنده إلى عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تخالط الصدقة مالاً إلا أهلكته ".

عن الشافعي قال: كنت مع محمد بن الحسن بالرقة، فمرضت مرضه، فعادني العواد، فلما نقهت من مرضي مددت يدي إلى كتب عند رأسي، فوقع في يدي " كتاب الصلاة " لمالك، فنظرت في باب الكسوف، ثم خرجت إلى المسجد فإذا محمد بن الحسن جالس، فقلت له: جئت أناظرك في الكسوف، فقال: قد عرفت قولنا فيه، فقلت: جئت أناظرك على النظر والخبر، فقال: هات، قلت: أشترط ألا تحتد علي، ولا تقلق - وكان محمد رجلاً قلقاً حديداً - فقال: أما ألا أحتد فلا أشترط ذلك، ولكن لا يضرك ذلك عندي. فناظرته، فلما ضاغطته، فكأنه وجد من ذاك، فقلت: هذا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، وزيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس؛ واجتمع علي وعليه الناس، فقال: وهل زدتني على أن جئتني بصبي وامرأة؟! فقلت: لو غيري جالسك! وقمت عنه بالغضب! فرفع الخبر إلى هارون أمير المؤمنين، فقال: قد علمت أن الله لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشياً قلباً يرد عليهم ما هم فيه من الضلالة. ثم رجعت إلى بيتي، فقلت لغلامي: اشدد على رواحلك، واجعل الليل حملاً. فقدمت مصر. وهذه الحكاية تدل على أن الشافعي دخل مصر مرتين: إحدى المرتين على طريق الشام، فإن فيها أنه دخلها أيام هارون الرشيد، وتوفي هارون سنة ثلاث وتسعين ومائة. ودخلته الثانية مصر سنة تسع وتسعين ومائة، فأقام بها إلى أن مات، وأظنه في هذه الثانية ذهب إليها من مكة؛ فإن الحميدي صحبه. قال محمد بن إدريس الشافعي بمكة: سلوني ما شئتم أجبكم من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقيل له: أصلحك الله، ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ قال: نعم. بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".

وعن سفيان بن عيينة بسنده إلى حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ". وبسنده عن عمر بن الخطاب أنه أمر المحرم بقتل الزنبور. زاد البيهقي وغيره في نسب الشافعي المتقدم في بداية الترجمة: ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وروى بسنده أن هذا النسب بعينه قرئ في مصر في مقابر بني عبد الحكم في حجر منقور على قبر الشافعي، وزاد فيه: ابن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن. قال الخطيب بعد أن ساق نسب الشافعي: وقد ولده هاشم بن عبد مناف ثلاث مرار: أم السائب: الشفاء بنت الأرقم بن هاشم بن عبد مناف. أسر السائب يوم بدر كافراً، وكان يشبه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأم الشفاء بنت الأرقم: خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وأم عبيد بن عبد يزيد: العجلة بنت عجلان بن البياع بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وأم عبد يزيد: الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي. كان يقال لعبد يزيد: محض لا قذى فيه. وأم هاشم بن المطلب: خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم. وأم هاشم والمطلب وعبد شمس بن عبد مناف: عاتكة بنت مرة السلمية: وأم شافع أم ولد.

قال الخطيب: وسمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري يقول: شافع بن السائب الذي ينسب إليه الشافعي قد لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مترعرع، وأسلم أبوه السائب يوم بدر؛ فإنه كان صاحب راية بني هاشم، فأسر، وفدى نفسه، ثم أسلم، فقيل له: لم لم تسلم قبل أن تفتدى؟ فقال: ما كنت أحرم المؤمنين طمعاً لهم في. وقال بعض أهل العلم بالنسب: وقد وصف الشافعي أنه شقيق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نسبه، وشريكه في حسبه، لم تنل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طهارة في مولده، وفضيلة في آبائه إلا وهو قسيمه فيها إلى أن افترقا من عبد مناف، فزوج المطلب ابنه هاشماً الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف، فولدت له عبد يزيد جد الشافعي. وكان يقال لعبد يزيد المحض لا قذى فيه، فقد ولد الشافعي الهاشمان: هاشم بن المطلب، وهاشم بن عبد مناف. والشافعي بن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابن عمته؛ لأن المطلب عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأما أم الشافعي فهي أزدية، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأزد جرثومة العرب ". ولد الشافعي بغزة من بلاد الشام - وقيل باليمن - ونشأ بمكة، وكتب العلم بها وبمدينة رسول الله، وقدم بغداد مرتين، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته. وكتاب الشافعي الذي يسمى القديم، هو الذي عند البغداديين خاصة عنه. كان يونس بن عبد الأعلى يقول لا أعلم هاشمياً ولدته هاشمية إلا علي بن أبي طالب ثم الشافعي فأم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم وأم الشافعي فاطمة بنت عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب وهي التي حملت الشافعي إلى اليمن وأدبته. قال الراوي: كذا روي عن يونس بن عبد الأعلى، وأغفل الحسن والحسين، وعقيلاً وجعفراً؛ فإن أماهما هاشميتان: فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمة بنت أسد.

قال بن عبد الحكم: لم حملت أم الشافعي به رأت كان المشتري خر من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية. فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر البلدان. روي عن الشافعي أنه قال: ولدت بغزة سنة خمسين - يعني ومائة - وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين. ولم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور وأكتب فيها. قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، وأقام عندنا أشهراً ثم خرج. وكان يخضب بالحناء وكان خفيف العارضين. قال أبو إبراهيم المزني: ما رأيت وجهاً أحسن من وجه الشافعي، ولا رأيت لحية أحسن من لحيته، وكان ربما قبض عليها فلا تفضل عن قبضته.

وقال الشافعي: كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر. قال: وكنت أصيب من عشرة تسعة. وقال: ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، فقالت: الحق بأهلك، فتكون مثلهم، فإني أخاف أن تغلب على نسبك. فجهزتني إلى مكة، فقدمتها، وأنا يومئذ ابن عشر، أو شبيهاً بذلك، فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم، فيقول لي: لا تشتغل بهذا، وأقبل على ما ينفعك. فجعلت لذتي في هذا العلم وطلبه حتى رزقني الله منه ما رزق. وقال: كنت يتيماً في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام. فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، وكنت أجالس العلماء، وأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فآخذه، فأكتب فيه الحديث - أو المسألة - وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة. فقدم علينا والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن أصحبه، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتحمل به، فرهنت دارها على ستة عشر ديناراً، ودفعتها إلي، فتحملت بها مع والي اليمن؛ فلما وصلنا سالمين استعملني على عمل، فحمدت فيه، فزادني عملاً آخر، فحمدت فيه، ودخل العمال مكة، فأحسنوا علي الثناء، وأكثروا من المدح، فلما قدمت مكة لقيت ابن أبي يحيى، فسلمت عليه، فقال لي: تصنعون كذا، أو تفعلون كذا؟! فتركته، ولقيت سفيان بن عيينة، فسلمت عليه، فسلم علي، وقال لي: قد بلغنا خبر

ولايتك، وحسن ما انتشر عنك، فأحمد الله، وتمسك بالعلم يرفعك الله به، وينفعك، فكان كلام سفيان أبلغ في مما كلمني به أبي يحيى. قال: ثم وليت نجران، وكان بها قوم من بني الحارث، وموالي ثقيف، فرفع إلي الناس مظالم كثيرة، فجمعتهم، وقلت لهم: اختاروا لي سبعة منكم، من عدلوه كان عدلاً مرضياً، ومن جرحوه كان مجروحاً قصياً. فاختاروا لي منهم سبعة، فجلست، وأجلست السبعة بالقرب مني، فكلما شهد عندي شاهد بعثت إلى السبعة، فإن عدلوه كان عدلاً، وإن جرحوه كان مجروحاً، فلم أزل أفعل ذلك حتى أتيت على جميع من تظلم إلي، فكنت أكتب وأسجل. قال: فنظروا إلى حكم جار، فقالوا: أي شيء يعمل؟ إن هذه الأمور التي تحكم علينا فيها ليست لنا، إنما هي في أيدينا لمنصور بن المهدي. فكتبت في أسفل الكتاب: وأقر فلان بن فلان الذي وقع عليه الحكم في هذا الكتاب أن الذي حكمت به عليه ليس له، وإنما هو لمنصور بن المهدي في يديه، ومنصور بن المهدي على حجته ما قام. فلما نظروا إلى ذلك خرجوا إلى مكة، ورفعوا، ولم يزالوا يرفعون علي حتى حملت إلى العراق، فقيل لي: الزم الباب، فقلت: إلى من أجلس، إلى من أختلف؟ وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة عند هارون، فجالسته حتى عرفت قوله، ووقعت منه موقعاً، فلما عرفت ذلك كان إذا قام هو ناظرت أصحابه، واحتججت عليه، فقال لي ذات يوم: بلغني يا محمد أنك تخالفنا في الغصب، فقلت: إنما هو من طريق المناظرة، فقال لي: لقد بلغني غير هذا، أفتناظرني؟ قلت: إني أجللك عن المناظرة، قال: لا، فافعل. فلما رأيت ذلك قلت له: هات، ما تقول في رجل اغتصب من رجل ساجة، فبنى عليها بنياناً، فأنفق عليه ألف دينار، فجاء صاحب الساجة، فأتى بشاهدين عدلين أنها ساجته، وأن هذا الرجل غصبه عليها؟ قلت أقول لصاحب الساجة: ترضى بأن تأخذ القيمة؟ فإن رضي دفعت إليه قيمتها، وإن أبى قلعت البنيان من الساجة، ودفعتها إليه. قال: أفليس قد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ضرر، ولا إضرار "؟ قلت له:

من أدخل عليه الضرر؟ إنما هو أدخل الضرر على نفسه. فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبرسيم، فخاط به بطنه، فجاء صاحب الخيط، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذا الخيط خيطه، وأنه اغتصبه عليه أكنت تنزع الخيط من بطن هذا، فتدفعه إليه؟ فقلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. ثم قال لي أصحابه: قد تركت قولك، فقلت لهم: لا تعجلوا! فال: فما تقول في رجل اغتصب من رجل لوحاً، فأدخله في سفينته، ثم لجج البحر، فأقام صاحب اللوح البينة بشاهدين عدلين أن هذا اللوح لوحه، وأنه غصبه إياه؟ أكنت تنزع اللوح من السفينة، وتدفعه إلى الرجل المحق؟! قلت: لا، قال: الله أكبر، تركت قولك. وقال لأصحابه: تركت قولك. فقلت لهم: مهلاً، لا تعجلوا، ثم قلت له: ما تقول أنت لو كانت الساجة ساجة لم يغصب عليها أحداً، فأراد أن يهدم البنيان الذي أنفق عليه ألف دينار، كان ذلك له مباحاً؟ قال: نعم، قلت: أرأيت لو كان الخيط خيط نفسه، ثم أراد أن ينزعه، أكان له نزع ذلك؟ قال: لا، قالت له: رحمك الله، فلم تقيس على مباح محرماً؟ قال: فكيف تصنع بصاحب اللوح؟ قلت آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه، مرسى لا يكون عليه وعلى أصحابه فيه هلكه، ثم أنزع اللوح وأدفعه إلى صاحبه، وأقول لصاحب السفينة: أصلح سفينتك. ثم قلت له: ولكن، ما تقول أنت في رجل اغتصب رجلاً من الزنج جارية، فأولدها أولاداً كلهم قد قرأ القرآن، وخطب على الناس، وقضى بين المسلمين، ثم جاء صاحب الجارية، فأقام البينة بشاهدين عدلين أن هذه الجارية جاريته، وأنه غصبه عليها، وأولدها هؤلاء الأولاد كلهم، بم كنت تحكم بذلك كله؟ قال: كنت أجعلهم رقيقاً له، وأرد الجارية عليه. قلت له: أنشدك الله، أيما أعظم ضرراً أن تجعل أولاده هؤلاء رقيقاً، أم تنزع البنيان من الساجة؟! قال: فبقي ولم يرد علي جواباً. ثم إنه بعد ذلك عرف حقي وموضعي، وقال بفضلي. وقال الشافعي: مر بي رجل من بني عمي من الزبيريين، فقال: يا أبا عبد الله، عز علي ألا يكون

مع هذه اللغة، وهذه الفصاحة، والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك، قال: فقلت: ومن بقي يقصد إليه؟ فقال لي: هذا مالك بن أنس، قال: فوقع في قلبي، فعمدت إلى " الموطأ "، فاستعرته من رجل بمكة، فحفظته في تسع ليل ظاهراً، ثم دخلت إلى مالي مكة، فأخذت كتابه إلى والي المدينة، وإلى مالك بن أنس. قال: فقدمت المدينة، وأبلغت الكتاب إلى الوالي. فلما أن قرأه قال: والله يا فتى، أن أمشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافياً راجلاً أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فإني لست أرى الذل حتى أقف على بابه، فقلت: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير أن يوجه إليه ليحضر، فقال، هيهات، ليتني إذا ركبت أنا معك، ومن معي، وأصابنا من تراب العقيق نلنا حاجتنا. قال: فواعدته العصر، وركبنا جميعاً، فوالله لقد كان كما قال. فتقدم رجل، فقرع الباب، فخرجت إلينا جارية سوداء، فقال لها الأمير: قولي لمولاك: إني بالباب. فدخلت، فأبطأت، ثم خرجت، فقالت: إن مولاي يقرئك السلام، ويقول: أن كانت مسألة فادفعها لي في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس، فانصرف. فقال لها: قولي له: معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة. قال: فدخلت ثم خرجت، وفي يدها كرسي، فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ طوال مسنون اللحية. فجلس، فدفع الوالي الكتاب، فقرأه، حتى إذا بلغ إلى مكان: هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه، وتفعل، وتصنع، رمى بالكتاب من يده، ثم قال: يا سبحان الله، أوصار علم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخذ بالوسائل؟! قال: فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه. فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، إني رجل مطلبي، ومن حالي، ومن قصتي. فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة، وكان لمالك فراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد، فقال لي: يا محمد، اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن من الشأن، ثم قال، نعم، وكرامة، إذا كان غداً تجيء، ويجيء من يقرأ لك الموطأ. قال: فقلت: إني أقوم بالقراءة. قال: فغدوت عليه، وابتدأت أن أقرأه ظاهراً والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكاً وأريد أن أقطع القراءة أعجبه حسن قراءتي وإعرابي يقول لي: بالله يا فتى زد، حتى

قرأته في أيام يسيرة، ثم أقمت بالمدينة حتى توفي مالك بن أنس، ثم خرجت إلى اليمن، وأقمت بها، وارتفع لي بها شأن الشأن. وكتب والي هارون الرشيد: إن هاهنا سبعة من العلوية قد تحركوا، فإني أخاف أن يخرجوا، وهاهنا رجل من ولد شافع بن المطلب لا أمر لي معه ولا نهي، فكتب إليه هارون الرشيد: أن أحمل هؤلاء، وأحمل الشافعي معهم، فاقترنت معهم، فلما أن قدمنا على هارون، وعنده محمد بن الحسن، دعا هارون بالنطع والسيف يضرب رقاب العلوية، فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته ولسانه، فإنه رجل لسن. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، فإنك الداعي وأنا المجيب الدعاء إنك القادر على ما تريد مني، ولست القادر على ما أريد منك، يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين: أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده أيما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه، قال: قلت: فذاك أنت، يا أمير المؤمنين، فقال لي: كيف ذلك؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، ونحن بنو المطلب، تروننا إخوانكم، وولد علي يروننا عبيدهم، قال: فسري ما كان به، واستوى جالساً، وقال: يا بن إدريس، كيف علمك بالقرآن؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، عن أي علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته، ووعيته بين جنبي، وعرفت وقفه وابتداءه، وعدد مكيه ومدنيه، وكوفيه وبصريه، وقد عرفت ناسخه ومنسوخه، وليليه ونهاريه، ووحشيه وأنسيه، وسهليه وجبليه، وما خوطب به العام يراد به الخاص، وما خوطب به الخاص يراد به العام. فقال لي: والله يا ابن إدريس، لقد ادعيت " علماً "، فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البري والبحري، والسهلي والجبلي، وما تجب معرفته. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ فقلت: غني لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام، ونسبي ونسب أمير المؤمنين، فقال: والله لقد ادعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها أمير المؤمنين؟ قال: فذكرت موعظة لطاوس اليماني، فوعظته بها، فبكى، ثم أمر لي بخمسين ألفاً، وحملت على فرس، وركبت بين يديه، وخرجت فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفاً على حجبة أمير المؤمنين وبوابيه، وجئت إلى منزلي، فوجهت إلى كاتب محمد بن الحسن بمائة دينار، وقلت له: اجمع لي الوراقين الليلة على كتب محمد بن الحسن، وانسخها لي، ووجه بها إلي. فكتبت لي في ليلة، ووجه بها إلي.

وكان موضع يجتمع فيه القضاة والأشراف ووجوه الناس على باب هارون يجلسون فيه إلى أن يؤذن لهم. فاجتمعنا في ذلك المكان، وفي جماعة من بني هاشم وقريش والأنصار - قال: والخلق يعظمون محمد بن الحسن لقربه من أمير المؤمنين، وتمكنه منه - فاندفع يعرض بي، ويذم أهل المدينة، فقال: من أهل المدينة؟ وأيش يحسنون - أهل المدينة؟ - والله لقد وضعت كتاباً على أهل المدينة كلها، لا يخالفني فيه أحد، ولو علمت أن أحد يخالفني في كتابي هذا، تبلغني إليه الرواحل لصرت إليه حتى أرد عليه. قال الشافعي: فقلت في نفسي: إن أنا سكت نكست رؤوس من هاهنا من بني هاشم وقريش، وإن أنا رددت عليه أسخطت علي السلطان. ثم إني استخرت الله تعالى في الرد عليه، فتقدمت إليه، فقلت له: أصلحك الله، طعنك على أهل المدينة، وذمك لأهل المدينة؛ إن كنت أردت رجلاً واحداً، وهو مالك بن أنس فألا ذكرت ذلك الرجل بعينه، ولم تطعن وتذم أهل حرم الله وحرم رسوله، وكلهم على خلاف ما ادعيته؟ وأما كتابك الذي ذكرت أنك وضعته على أهل المدينة فكتابك من " بسم الله الرحمن الرحيم " خطأ إلى آخره. فاصفر محمد بن الحسن ولم يحر جواباً. وكتب أصحاب الأخبار إلى هارون بما كان، فضحك وقال: ماذا ينكر لرجل من ولد المطلب أن يقطع مثل محمد بن الحسن؟ قال: فعارضني رجل في المجلس من أصحابه، فقال لي: ما تقول في رجل دخل إلى منزل رجل، فرأى بطة، فرماها، ففقأ عينها، ماذا يجب عليه؟ قال: قلت: ينظر إلى قيمتها وهي صحيحة، وقيمتها وقد ذهبت عينها فيقوم ما بين القيمتين، ولكن ما تقول أنت وصاحبك في محرم نظر إلى فرج امرأة..قال: ولم يكن لمحمد حذاقة في المناسك، فصاح به محمد: ألم أقل لك لا تسأله! ثم إنا دخلنا على هارون، فلما استوينا بين يديه قال لي: يا أبا عبد الله، تسأل أو أسألك؟ قلت: ذاك إليك، فقال: خبرني عن صلاة الخوف، أواجبة هي؟ فقلت: نعم، فقال: ولم؟ فقلت: لقول الله: " وإذا كنت فيهم، فأقمت لهم الصلاة.. " الآية. قال: ما تنكر من قائل قال لك: إنما أمر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو فيهم،

فلما زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم تلك الصلاة. قلت: وكذلك قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذ من أموالهم صدقة.. " الآية فلما أن زال عنهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زالت عنهم الصدقة؟ قال: لا، قلت: وما الفرق بينهما، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأمور فيهما جميعاً؟ فسكت. فقال: يا أهل المدينة، ما أجرأكم على كتاب الله - عز وجل -! فقلت: أجرؤنا على كتاب الله من يخالفه، فقال لي: الله يقول: " وأشهدوا ذوي عدل منكم "، فقلتم أنتم نقضي باليمين مع الشاهد. فقلت: لكنا نقول بما قال الله، ونقضي بما قضى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنك أنت خالفت قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأين؟ قلت: في قصة حويصة ومحيصة وعبد الرحمن حين قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قضية القتيل: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لم نشهد، ولم نعاين، قال: فتحلف لكم يهود "، فلم نكلوا عن اليمين رد اليمين على اليهود. قال: فقال: إنما كان ذلك استفهاماً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، استفهم من اليهود. فقال هارون: ثكلتك أمك يا بن الحسن، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفهم من اليهود!؟ نطع وسيف! قال: فلما رأيت الجد من هارون قلت: يا أمير المؤمنين، إن الخصمين إذا اجتمعا تكلم كل واحد منهما بما لا يعتقده ليقطع به صاحبه، وما أرى محمداً أراد بهذا نقصاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسريت عنه. ثم ركبنا، وخرجنا من الدار، فقال لي: يا أبا عبد الله، فعلتها؟ قال: قلت: فكيف رأيتها بعد ذلك؟ قال الشافعي: حدثنا إسماعيل بن قسطنطين، قال: قرأت على شبل، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير

أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر عباس أنه قرأ على أبي، وقال ابن عباس: وقرأ أبي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشافعي: وقرأت على إسماعيل بن قسطنطين، وكان يقول: القران اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من " قرأت "، ولو أخذ من " قرأت " كان كل ما قرئ قرآناً، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل، يهمز قرأت، ولا يهمز القران. وقال الشافعي: حفظت " القرآن " وأنا ابن سبع سنين، وحفظت " الموطأ " وأنا ابن عشر سنين. قال أبو عبيد: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين ديناراً، وقد كان دفع إليه قبل هذا خمسين درهماً، وقال: إن اشتهيت العلم فالزم. ثم دفع إليه هذه الدنانير، ولزمه الشافعي. وقال الشافعي: كتبت عن محمد بن الحسن وقر بعير. وسمع وهو يقول لمحمد بن الحسن - وقدم إليه الدنانير بعد الخمسين درهماً، وقال له: لا تحتشم، فقال: - ما أنت عندي في موضع أحتشمك. وجرى ذكر الشراب، فقال الشافعي: الحمد لله، لو علمت أن الماء البارد يضر مروءتي في ديني لما شربت إلا الماء الحار حتى ألقى الله، ولو كنت عندي ممن أحتشمك ما قبلت برك.

وقال: أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين ديناراً، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسالة حديثاً - يعني: رداً عليه. ويروى عن الشافعي أنه قال: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين، أحدهما " دساها ". قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأت على الشافعي أسعار هذيل حفظاً، ثم قال لي: لا تخبر بهذا أهل الحديث؛ فإنهم لا يحتملون هذا. قال مصعب: وكان الشافعي يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح، ولا ينامان. قال وكان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشع وأيام الناس والأدب ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه في الفقه أنه كان يوماً يسير على دابة، وخافه كاتب لأبي، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي بسوطه، ثم قال له: مثلك " يذهب " بمروءته في مثل هذا؟! أين أنت من الفقه؟! فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا، فلزم مالك بن أنس. قال الشافعي: رأيت علي بن أبي طالب في النوم، فسلم علي، وصافحني، وخلع خاتمه، فجعله في إصبعي. وكان لي عم، ففسرها لي، فقال لي: أما مصافحتك لعلي فأمان من العذاب، وأما خلع خاتمه، فجعله في إصبعك فسيبلغ اسمك ما بلغ اسم علي في الشرق والغرب.

قال الربيع بن سليمان: والله لقد فشا ذكر الشافعي في الناس بالعلم كما فشا ذكر علي بن أبي طالب. وقال: لو وزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجح بهم، ولو كان في بني إسرائيل احتاجوا إليه. قال أبو عبد الله الزبيري: جاءني رجل من أهل البصرة، يقال له: أبو محمد القرشي من أهل الستر والصلاح فقال لي: يا أبا عبد الله، أخبرك رؤيا تسر به؟ فقلت: هات، فقال لي: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، وعنده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - إذ جاءه أربعة نفر، فقربهم، فتعجبت من تقريبه لهم. فسألت من بحضرته عن النفر، فقال لي: هذا مالك، وأحمد، وإسحاق، والشافعي. فرأيت كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد مالك وأجلسه بجنب أبي بكر الصديق، وأخذ بيد أحمد فأجلسه بجنب عمر، وأخذ بيد إسحاق فأجلسه بجنب عثمان، وأخذ بيد الشافعي وأجلسه بجنب علي. قال أبو عبد الله الزبيري: فسألت بعض العلماء بالتعبير عن ذلك؟ فقال لي: أجلس مالك بجنب أبي بكر، كأن منزلة مالك في العلماء كمنزلة أبي بكر في الصحابة، ومنزلة أحمد في الفقهاء كمنزلة عمر في صلابته؛ لأنه لم يتكلم في القرآن إلا بحق، ومنزلة إسحاق في العلماء كمنزلة عثمان في الصحابة؛ لقي عثمان الفتن والمحن، كذلك لقي إسحاق في بلده من أهل الإرجاء بما فارق به بلده. ومنزلة الشافعي في العلماء كمنزلة علي في الصحابة؛ فإنه كان أعلمهم، وأفضلهم، وأقضاهم. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقضاكم علي "، كذلك الشافعي كان أعلم العلماء في الفقه والقضاء. قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ، فأعقبني صب الدم سنة.

قال عمرو بن العباس: قيل لعبد الرحمن بن مهدي: إن الشافعي لا يورث المرتد. فقال عبد الرحمن: إن الشافعي شاب معهم، لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يتوارث أهل ملتين ". قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت قط رجلاً أعقل، ولا أروع، ولا أفصح من الشافعي. وقال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله. وقال: ناظرت الشافعي يوماًُ في مسالة، ثم افترقنا. ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال لي: يا أبا موسى، لا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟ قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملاً، وقد بقيت خصلة، هو أن أسقيه من النبيذ ما يغلب على الرجل الجيد الشراب. قال: فحدثني ثابت الخادم وقد دعا به، فأعطاه رطلاً، فقال: اشرب يا محمد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما شربته قط. قال: عزمت لتشربن. فشربه. ثم والى عليه بالأرطال حتى سقاه عشرين رطلاً، فما تغير، ولا زال عن حجته. قال الشافعي: حضرت مالك بن أنس، وأنا أسمع منه الحديث، ولي دون الأربع عشرة سنة.

فجاءه رجل، فوقف عليه، ثم قال له: إني رجل أبيع القماري، فبعت قمرياً على هذا، فرده إلي، فقال: ماله صوت، فحلفت بالطلاق أنه لا يسكت. فقال: أوسكت؟ قلت: نعم، قال: أنت حانث. قال الشافعي: فتبعته، فقلت له: يا رجل كيف حلفت؟ قال: حلفت بما سمعت، قال: فقلت له: صياحه أكثر أم سكوته؟ فقال: صياحه، فقلت: مر، فإن امرأتك لك حلال، قال: فماذا أصنع، وقد أفتاني مالك بما أفتى؟ فقال: عد إليه، فقل له: إن في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي لي حلال، وأومئ إلي، ودعني وإياه. فرجع ورجعت، وجلست فيما بين الناس. فقال له: إني رأيت أن تنظر في يميني، قال: أليس قد أفتيناك بأنك حانث؟! فقال: في مجلسك من أفتاني بأن امرأتي هي حلال لي، قال: أفي مجلسي؟ قال: نعم، قال: ومن هو؟! فأومأ إلي. فقال لي مالك: أنت أفتيته بذلك؟ قلت: نعم، قال: ولماذا أفتيته بذلك؟ فقلت له: سمعتك تروي عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة بنت قيس: " إذا حللت فآذنيني ". فلما حلت قالت له: قد خطبني معاوية، وأبو جهم، فقال: " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه "، وعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبا جهم يضع عصاه عن عاتقه ويتصرف في أموره فإنما نسب إلى ضرب النساء فذكر أنه لا يضع عصاه على عاتقه، وحمله على الأغلب من أمره، وإني سألته وقلت: سكونه أكثر أم صياحه؟ فقال: صياحه، فأفتيته بذلك. قال: فتبسم مالك، وقال: القول قولك. قال سفيان بن عيينة للشافعي: يا أبا عبد الله، ما معنى قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقروا الطير في مكانها ".

فقال له: يا أبا محمد، كان الرجل من العرب إذا أراد سفراً أخذ معه طيراً، فإن أخذا لطير ذات اليمين مضى في سفره، وإن أخذ ذات الشمال رجع. وكان ابن عيينة قبل أن يسمع من الشافعي إذا سئل أجاب على صيد الليل. قال: فرجع سفيان إلى تأويل الشافعي. عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مجلس ابن عيينة والشافعي حاضر، فحدث ابن عيينة بسنده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به رجل في بعض الليل، وهو مع امرأته صفية، فقال: " تعال، هذه امرأتي صفية! " فقال: سبحان الله يا رسول الله! قال: " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ". فقال ابن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله؟ قال: إن كان القوم اتهموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا بتهمتهم إياه كفاراً، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدب من بعده، فقال: إذا كنتم هكذا ففعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء، لا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهم، وهو أمين الله في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه. وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا يسأل عنها التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا. قال عبد الله بن الزبير الحميدي: قال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله. أفت الناس، أن لك والله أن تفتي. وهو ابن دون عشرين سنة. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.

قال أحمد بن محمد الشافعي: كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس، وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح، وبعد عطاء لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وبعد ابن جريج لمسلم بن خالد الزنجي، وبعد مسلم لسعيد بن سالم القداح، وبعد سعيد لمحمد بن إدريس الشافعي، وهو شاب. قال الشافعي: لأن يلقى الله المرء بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء. وذلك أنه رأى قوماً يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: في كتاب الله: المشيئة له دون خلقه، والمشيئة إرادة الله، يقول الله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله "، فأعلم - عز وجل - خلقه أن المشيئة له، وكان يثبت القدر. وكان الشافعي بعد أن ناظر حفصاً الفرد يكره الكلام، وكان يقول: لأن يفتي العالم، فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم، فيقال: زنديق، وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله. وقال ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم - يعني أهل الإرجاء - بآية أحج من قوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ". قال إسماعيل بن يحيى المزني: أنشدني الشافعي من قيله: " من الطويل " شهدت بأن الله لا شيء غيره ... وأشهد أن البعث حق وأخلص

وأن عرى الإيمان قول مبين ... وفعل زكي قد يزيد وينقص وأن أبا بكر خليفة ربه ... وكان أبو حفص على الخير يحرص وأشهد ربي أن عثمان فاضل ... وأن علياً فضله متخصص أئمة قوم يقتدى بهداهم ... لحا الله من إياهم يتنقص قال الربيع بن سليمان: لما كلم الشافعي حفص الفرد، فقال حفص: القرآن مخلوق، فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم. وقال: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله، فحنث، فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة، لأنه مخلوق، وذلك غير مخلوق. عن علي بن سهل الرملي قال: سألت الشافعي عن القرآن، فقال لي: كلام الله غير مخلوق. قلت: فمن قال بالمخلوق، فما هو عندك؟ قال لي: كافر. وقال: ما لقيت أحداً منهم - يعني من أستاذيه - إلا قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول في قول الله تعالى: " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "؛ علمنا بذلك أن قوماً غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ترون ربكم يوم القيامة كما ترون الشمس، لا تضامون في رؤيتها ".

وأنشدوا للشافعي: " من المتقارب " ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. وقال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز. قال الحسن بن محمد الزعفراني: قال الشافعي: إذا حضر الرافضي الوقعة وغنموا لم يعط من الفيء شيئاً؛ لأن الله ذكر آية الفيء، ثم قال فيها: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنل ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم "، فمن لم يقل بهذا لم يستحق. قال الربيع: خرجنا من الشافعي من مكة نريد منى، فلم ينزل وادياً، ولم ينزل شعباً إلا وهو يقول: " من الكامل " يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رافضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي قال عمارة بن زيد المدني: كنت صديقاً لمحمد بن الحسن، فدخلت معه إلى الرشيد، فسأله عن أحواله، فقال: في خير يا أمير المؤمنين، ثم تسارا، فسمعت محمد بن الحسن يقول: إن محمد بن إدريس الشافعي يزعم أنه للخلافة أهل. قال فغضب الرشيد، وقال: علي به. فأتي به، فأتي به حتى وقف بين يدي الرشيد، فكره الرشيد أن يعجل عليه من غير امتحان، فقال له: هيه؟ قال: وما هيه يا أمير المؤمنين، أنت الداعي، وأنا المدعو. وأنت السائل وأنا المجيب. قال: فكيف علمك بكتاب الله؟ فإنه أولى أن يبتدأ به؟ قال: جمعه الله في صدري، وجعل جنبي دفتيه. قال: فكيف علمك به؟ قال: أي علم تريد، يا أمير المؤمنين، أعلم تأويله، أم علم تنزيله؟ أم مكيه أم مدنيه؟ أم ليليه، أم نهاريه؟ أم سفريه، أم حضريه؟ أم هجريه، أم عربيه..فقال: له الرشيد: لقد ادعيت من علوم القرآن أمراً عظيماً، فكيف علمك في الأحكام؟ قال: أفي الفتاوى، أم في الطلاق، أم في القضايا، أم في الأشربة، أم في المحاربات، أم في الديات؟ قال: فكيف علمك بالطب؟ قال: أعرف منه ما قالت الروم وبابل وبقراط، فقال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: أعرف منه القطب الدائر والمائي والنهاري..قال: فكيف علمك بالشعر؟ قال: أعرف الشاذ منه، وما نبه للمكارم. قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال: أعرف أنساب الكرام، وفيها نسب أمير المؤمنين ونسبي. فقال له الرشيد: لقد ادعيت من العلوم أمراً عظيماً تطول به المحنة، فعظ أمير المؤمنين موعظة تبين له فيها كل ما ذكرت. قال: نعم، يا أمير المؤمنين؛ على رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصح، وإلقاء رداء الكبر عن منكبيك؟ قال: لك ذلك. قال: فجثا الشافعي على ركبتيه ثم نادى: يا ذا الرجل، إنه من أطال عنان الأمن في العزة طوى عذر الحذر في المهلة، ومن لم يعدل على طريق النجاة كان بجانب قلة الاكتراث بالمرجع إلى الله مقيماً، ومن أحسن الظن كان في أمنة المحذور في مثل نسج العنكبوت، لا يأمن عليها نفسه. فبكى الرشيد بكاء شديداً حتى بل منديلاً كان بين يديه، فقال له خاصة من يقوم على رأسه: اسكت، فقد أبكيت عيني أمير المومنين! فالتفت إليهم، فقال: يا عبيد

الرجعة، والذين باعوا أنفسهم من محبوب الدنيا، أما رأيتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم بالإمارة؟ أما ترون كيف فضح مستورهم، وأمطر بواكر الهوان عليهم بتبديل سرورهم؟ فأصبحوا بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم في روح بين حصاد النعم، ومدارج المثلات. فقال له الرشيد: قدك، قد سللت علينا لسانك، وهو أمضى سيفيك! قال: هو لك إن قبلت لا عليك. قال: فهل من حاجة خاصة بعد العامة؟ قال: بعد بذل مكنون النصيحة، وتجريد الموعظة؟! أتأمرني أن أسود وجه موعظتي بالمسألة؟ والتفت الرشيد إلى محمد بن الحسن، فقال: ناظره بين يدي حتى أكون فاصلاً بينكما، فإن اختلفتما في فرع رجعتما إلى الأصل. قال: فالتفت محمد بن الحسن، فقال: يا شافعي، ما تقول في رجل تزوج بامرأة، ودخل بها، وتزوج بالثانية، ولم يدخل بها، وتزوج بالثالثة، ودخل بها، وتزوج بالرابعة ولم يدخل بها. أصاب الثانية أم الأولى، وأصاب الثالثة عمة الرابعة. فقال الشافعي: ينزل عن الثانية والرابعة من غير أن يلزمه شيء، ويتمسك بالأولى والثالثة. قال: ما حجتك؟ قال الشافعي: أما الثانية فإن الله - عز وجل - يقول: " فإن لم تكونوا دخلتم بهن، فلا جناح عليكم ". وأما الرابعة فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها أو خالتها. ما تقول أنت يا محمد؟ كيف استقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة يوم النحر وكبر؟ قال: فتعتع محمد بن الحسن. فقال الشافعي: يسألني عن الأحكام فأجيبه، وأسأله عن سنة من سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إليها الصادر والوارد فلا يجيبني، أفمن الإنصاف هذا؟ فتبسم الرشيد، وأمر للشافعي بعشرة آلاف دينار، فخرج الشافعي، ففرقه على باب داره، وانصرف مكرماً قال الأصمعي: رأيت أمير المؤمنين المأمون سنة أربع عشرة ومائتين يقول: لقد خص الله تعالى محمد بن إدريس الشافعي بالورع والعلم والفصاحة والأدب والصلاح والديانة، لقد سمعت أبي هارون يتوسل إلى الله به والشافعي حي يرزق.

عن أبي ثور قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له " كتاب الرسالة ". قال عبد الرحمن بن مهدي: لما نظرت في " كتاب الرسالة " لمحمد بن إدريس أذهلني؛ لأنني رأيت كلام رجل عاقل فقيه ناصح، وإني لأكثر الدعاء له. وقال يحيى بن سعيد القطان مثل قول عبد الرحمن بن مهدي. عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا قريشاً؛ فإن عالمها يملأ الأرض علماً. اللهم إنك أذقت أولها عذاباً - أو وبالاً - فأذق آخرها نوالاً ". عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اللهم اهد قريشاً؛ فإن عالمها يملأ طباق الأرض علماً، اللهم كما أذقتهم عذاباً فأذقهم نوالاً - دعا بها ثلاث مرات:. قال عبد الملك بن محمد: في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن عالمها يملأ الأرض علماً، ويملأ طباق الأرض "، علامة بينة للمميز أن المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمة من قريش، قد ظهر علمه، وانتشر في البلاد، وكتبوا تآليفه كما تكتب المصاحف، واستظهروا أقواله، وهذه صفة لا نعلمها قد أحاطت إلا بالشافعي، إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن

بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر فإنه لم يبلغ مبلغاً يقع تأويل هذه الرواية عليه، إذ كان لكل واحد منهم نتف وقطع من العلم، ومسألات، وليس في كل بلد من بلاد المسلمين مدرس ومفت ومصنف يصنف على مذهب قرشي إلا على مذهبه، فعلم أنه بعينه لا غيره، وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مر الأيام حسناً وبياناً. قال أبو حسان الزيادي: كنت في دهليز محمد بن الحسن يوماً، وقد ركب محمد، فجاء الشافعي، قال: فلما نظر محمد إلى الشافعي ثنى رجله فنزل، ثم قال لغلامه: اذهب فاعتذر. قال: فقال له الشافعي: لنا وقت غير ذا. قال فأخذ بيده، فدخلا الدار. قال أبو حسان: فاختار مجالسته للشافعي على مرتبته في الدار. قال الشافعي: كان محمد بن الحسن يقرأ علي جزءاً، فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقاً. فقالوا له: إذا جاء هذا الحجازي قرأت عليه جزءاً، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقاً!؟ فقال: اسكتوا، إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد. قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعال حتى أريك رجلاً لم ترى عيناك مثله. فأراني الشافعي. وذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألته عن أشياء، فرأيته رجلاً فصيحاً حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد كان أوتي فهماً في القراءات. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يصف الشافعي، فيطنب في وصفه، وقد كتب أبي عنه حديثاً صالحاً، وكتب من كتبه بخطه بعد موته أحاديث عدة مما سمعه من الشافعي - رحمه الله. قال محمد بن الفضل البزاز: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، ونزلت في مكان واحد معه - أو في الدار، يعني بمكة -

وخرج أبو عبد الله باكراً، وخرجت أنا بعده. فلما صليت الصبح درت المسجد، فجئت مجلس سفيان بن عيينة، فكنت أدور مجلساً مجلساً طلباً لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جمة. فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل، فقلت: يا أبا عبد الله، تركت ابن عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما الله به عليم! فقال لي: اسكت، فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، أو في فهمك. وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة؛ ما رأيت أحداً أفقه في دين الله من هذا الفتى القرشي. قلت: من هذا؟! قال: محمد بن إدريس الشافعي. وقال: ما رأيت مثل محمد بن إدريس الشافعي، ولا ترى، إني لأدعو الله له في سجودي أكثر مما أدعو الله لأبوي. كان الفقهاء أطباء، والمحدثون صيادلة، فجاء محمد بن إدريس الشافعي طبيباً صيدلانياً. قال أبو ثور: ما رأينا مثل الشافعي، ولا أرى مثل نفسه. سأله رجل عن الرياء ما هو؟ فقال له مسرعاً: الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختبار النفوس فأحبطت الأعمال. وقال: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس الشافعي في علمه، وفصاحته، ومعرفته، وثباته - وفي رواية: وبيانه - وتمكنه فقد كذب. كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه. قال محمد بن عبد الله بن الحكم: ما أحد ممن خالفنا - يعني خالف مالكاً - أحب إلي من الشافعي. وقال: ما رأينا مثل الشافعي؛ كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه، فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم

يقفوا عليها، فيقومون وهم يتعجبون منه. ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون، فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والدراية، ويجيء أصحاب الأدب فيقرؤن عليه الشعر، فيفسره. ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها، وغريبها، ومعانيها. وكان من أضبط الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين. وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله. قال عبد الله بن محمد البلوي: جلسنا ذات يوم نتذاكر الزهاد والعباد والعلماء، وما بلغ من فصاحتهم وزهدهم وعلمهم. فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا عمر بن بنانة، فقال: فيم تتحاورون؟ قلنا: نتذاكر الزهاد والعباد وفصاحتهم، فقال عمر: والله ما رأيت رجل قط أورع، ولا أخشع، ولا أفصح، ولا أصبح، ولا أسمح، ولا أعلم، ولا أكرم، ولا أجمل ولا أنبل ولا أفضل من محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - خرجت أنا وهو، والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث بن لبيد قد صحب صالحاً المري، وكان من الخاشعين المتقين الزاهدين. وكان حسن الصوت بالقرآن، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم " هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين. فإن كان لكم كيد فكيدون. ويل يومئذ للمكذبين ". قال: فرأيت الشافعي قد اضطرب وتغير لونه، وبكى بكاء شديداً حتى لصق بالأرض. قال: فأبكاني والله قلقه، وشدة خوفه الله - عز وجل - ثم لم يلبث أن قال: إلهي، أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعلام الغافلين. إلهي، خشعت لك قلوب العارفين. وولهت بك همم المشتاقين، فهب لي من جودك، وجللني بسترك، واعف عني بكرم وجهك يا كريم. عن أبي بكر بن الجنيد قال: حج بشر المريسي، فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شاباً من قريش بمكة، ما أخاف على مذهبنا إلا منه - يعني الشافعي.

وعن الحسن بن الزعفراني قال: حج بشر المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم، فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلاً ما رأيت مثله سائلاً، ولا مجيباً - يعني الشافعي - فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد، فاجتمع إليه ناس، وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوماً، فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم يوماً قد قدم؟؟؟! فقال: إنه قد تغير عما كان عليه. قال الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم قالوا: شرنا وابن شرنا. عن أبي هريرة قال: لا أعلمه إلا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ". قال أحمد بن حنبل: إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب. فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي. قال الحسن بن محمد الزعفراني: قدم علينا الشافعي واجتمعنا إليه، فقال: التمسوا من يقرأ لكم. فلم يجترئ أحد يقرأ عليه غيري، وكنت أحدث القوم سناً، ما كان في وجهي شعرة، وإني لأتعجب اليوم من انطلاق لساني بين يدي الشافعي، وأتعجب من جسارتي يومئذ. فقرأت عليه الكتب كلها إلا كتابين، فإنه قرأهما علينا: " كتاب المناسك " و" كتاب الصلاة ". ولقد كتبنا كتب الشافعي يوم كتبناها، وقرأناها عليه، وإنا لنحسب أنا في اللعب.

عن أبي ثور قال: لما ورد الشافعي بغداد جاءني حسين الكرابيسي، وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم لنا نسخر به. فقمت، وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول: قال الله، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أظلم علينا البيت، وتركنا بدعتنا، واتبعناه. قال أبو الفضل الزجاج: لما قدم الشافعي إلى بغداد، وكان في الجامع إما نيف وأربعون، أو خمسون، حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة، ويقول لهم: قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره. قال حرملة بن يحيى: عن الشافعي قال: سميت بالعراق ناصر الحديث - وفي رواية: ببغداد. قال الحميدي: كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا. قال أحمد بن حنبل: قدم علينا نعيم بن حماد، وحثنا على طلب المسند، فلما قدم الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء. وقال: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معاني حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قدم الشافعي، فبينها لهم. كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي. وقال: لقد كان يذب عن الآثار - رحمه الله.

وقال: هذا الذي ترون كله، أو عامته، من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي، وأستغفر له - وفي رواية: منذ أربعين سنة. وقال: ستة أدعوا لهم سحراً أحدهم الشافعي. قال عبد الله أحمد بن حنبل: قلت لأبي. يا أبه، أي رجل كان الشافعي؛ فإني سمعتك تكثر الدعاء له؟! فقال لي: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر، هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟ وقال: ما أحد يمس بيده محبرة إلا وللشافعي في عنقه منة. وقال: كلام الشافعي في اللغة حجة. وقال: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه. قال أبو تراب حميد بن أحمد البصري: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله، لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه.

قال إسحاق بن راهويه: كان أحمد بن حنبل مشغوفاً بالشافعي، وبعلمه وفقهه، ووالله ما وضع أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيئاً إلا في موضعه. قال الحسن بن محمد: كنا نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد ستة أنفس: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا - ورجل آخر سماه - وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك. قال: قال لي أحمد بن حنبل: إذا رأيت أبا عبد الله الشافعي قد خلا فاعلمني. قال: وكان يجيئه ارتفاع النهار، فيبقى معه. قال الشافعي: وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم علي مصر. قال صالح بن أحمد بن حنبل: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى ين معين، فقال له: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته!؟ فقال: يا أبا زكريا، لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك! قال محمد بن ماجة القزويني: جاء يحيى بن معين يوماً إلى أحمد بن حنبل، فبينا هو عنده إذ مر على بغلته، فوثب أحمد، فسلم عليه، وتبعه، فأبطأ، ويحيى جالس، فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا؟! فقال أحمد: دع هذا عنك، إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة! قال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحمد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكاً وأبا حنيفة - إلا والشافعي أكثر اتباعاً، وأقل خطأ منه.

كان الشافعي من معادن الفقه، وجهابذة الألفاظ، ونقاد المعاني، ومن كلامه: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية، وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصلة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني، لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء، لا تزيد، ولا تنقص؛ أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة مواتية من صورة صاحبهتا. وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصها وعامها، وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون لهواً بهرجاً، وساقطاً مدحرجاً. سئل أبو ثور، فقيل: أيما أفقه، الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود. قال هلال بن العلاء الرقي: من الله تعالى على الناس بأربعة من زمانهم: بالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيدة، ويحيى بن معين؛ فأما الشافعي فبفقه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبا عبيدة ففسر لهم غريب الحديث، لولا ذلك لاقتحم الناس في الخطأ، وأما يحيى بن معين فنفى الكذب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين الصادق من الكاذب، وأما أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماماً في القرآن، لولا ذلك لكفر الناس. قال داود بن علي الأصبهاني: اجتمع للشافعي - رحمه الله - من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. فأول ذلك: شرف نسبه ومنصبه، وأنه من رهط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنها: صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع، ومنها: سخاوة النفس، ومنها: معرفته بصحة الحديث وسقمه، ومنها:

معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها: حفظه لكتاب الله، وحفظه لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعرفته بسير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبسير خلفائه، ومنها: كشفه لتمويه مخاليفه، ومنها: تأليفه الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة مثل: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة. ومثل: سليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، والحسين القلاس وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وحرملة بن يحيى التجيبي، والربيع بن سليمان المرادي، وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود، والحارث بن سريج النقال، وأحمد بن خالد الخلال، والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. ولم يتفق لأحد من العلماء والفقهاء من الأصحاب ما اتفق له، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين. قال البهيقي: إنما عدد داود بن علي من أصحاب الشافعي جماعة يسيرة وقد عد أبو الحسن الدارقطني من روى عنه أحاديثه، وأخباره وكلامه زيادة على مائة مع قصور سنة عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما تكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنة الستين أو السبعين، والشافعي لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين. قال أحمد بن علي الجرجاني: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي. قال الزعفراني: كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقلت له: يا أبا زكريا، ما تقول في الشافعي؟ فقال: دعنا، لو كان الكذب له مطلقاً لكانت مروءته تمنعه أن يكذب. وفد ذكر توثيقه في أكثر من خبر عن يحيى بن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأبي داود، وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثاً فيه خطأ.

قال يونس بن عبد الأعلى: كنت أولاً أجالس أصحاب التفسير، فكان الشافعي إذا أخذ في التفسير فكأنه شهد التنزيل. قال أبو حسان الزيادي: لما رأيت إكرام الشافعي، وإصغاءه إلى ما نقول، وانتزاعه من القرآن المعاني، والعبارة عن المعاني أنست به، فكنت أسأله عن معاني القرآن، فما رأيت أحداً أقدر على معاني القرآن والعبارة عن المعاني، والاستشهاد على ذلك من قول الشعر، أو اللغة منه. قال المزني، أو الربيع: كنا عند الشافعي بين الظهر والعصر إذ جاء شيخ عليه جبة صوف، وعمامة صوف، وإزار صوف، وفي يده عكازة. قال: فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، واستوى جالساً. وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟ فقال: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ قال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: من أين قلت: اتفاق الأمة من كتاب الله أم من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فقال: من كتاب الله، قال: فتدبر الشافعي ساعة، فقال للشافعي - وفي رواية: فقال: يا شيخ - قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها، فإن جئت بالحجة من كتاب الله في الاتفاق وإلا تب إلى الله - عز وجل - قال: فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن. قال: فخرج إلينا في اليوم الثالث، في ذلك الوقت - يعني بين الظهر والعصر - وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام، فجلس، فلم يكن بأسرع أن جاء الشيخ، فسلم وجلس، فقال: حاجتي! فقال الشافعي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله - عز وجل -: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم "، لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو مرضي. فقال: صدقت.

قال الشافعي: فلما ذهب الرجل قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه. وقال: لما أردت إملاء " تصنيف أحكام القرآن " قرأت القرآن مائة مرة. قال هارون بن سعيد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي، قدم علينا مصر، فقالوا: قدم رجل من قريش، فجئناه وهو يصلي، فما رأيت أحسن صلاة، ولا وجهاً منه، فلما قضى صلاته تكلم، فما رأينا أحسن كلام منه، فأفتتنا به. قال البويطي: قلت للشافعي: إنك تتعبنا في تأليف الكتب وتصنيفها، والناس لا يلتفتون إليك ولا إلى تصنيفك! فقال لي: إن هذا هو الحق، والحق لا يضيع. وقال الشافعي: ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ؛ لأن الله تعالى يقول: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ". فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب أو السنة فقد رجعت عنه. وقال: وددت أن كل علم تعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني. وقال محمد بن مسلم بن وارة الرازي: سألت أحمد بن حنبل، قلت، ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه لتفتح لي الآثار: رأي مالك، أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولاً أجلهم أن أذكر ذاك، وقال: عليك بالشافعي، فإنه أكثرهم صواباً، أو أتبعهم للآثار. قلت لأحمد: فما ترى في كتب الشافعي؛ التي عند العراقيين أحب إليك، أو التي عندهم بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي وضعها بمصر؛ فإنه وضع هذه الكتب بالعراق ولم يحكم، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذاك ثم. فلما سمع ذلك من أحمد بن حنبل، وكنت قبل ذلك قد عزمت على الرجوع إلى البلد، وتحدث بذلك الناس، ثم تركت ذاك وعزمت على الرجوع إلى مصر.

قال إسحاق بن راهويه: كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل حاجتين فوجه إلي بكتاب " الرسالة ". وتزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي وتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي. قال المزني: كتبت " كتاب الرسالة " منذ زيادة على أربعين سنة، وأنا أقرؤه، وأنظر فيه، ويقرأ علي، ما من مرة قرأت، أو قرئ علي إلا استفدت منه شيئاً لم أكن أحسنه. قال أبو الحسن الشافعي: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم، فقلت: يا رسول الله، بم جزي محمد بن إدريس الشافعي حين يقول في ذكر الصلاة عليك في " كتاب الرسالة ": وصلى الله على محمد كلما ذكره ذاكر، وغفل عن ذكره غافل. قال: " جزي أنه لا يوقف للحساب يوم القيامة ". قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي في المنام، قلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا في الفردوس الأعلى، فقلت: بماذا؟ قال: بكتاب صنعته وسميته بكتاب الرسالة. وقد نوه أحمد بن حنبل باتباع الشافعي للسنة، وقال: صاحب حديث لا يستغني عن كتب الشافعي. وقال علي بن المديني: عليكم بكتب الشافعي. قال أبو زرعة: سمعت كتب الشافعي من الربيع أيام يحيى بن عبد الله بن بكير سنة ثمان وعشرين ومائتين، وعندما عزمت على سماع كتب الشافعي بعت ثوبين رقيقين كنت حملتهما لأقطعهما لنفسي، فبعتهما وأعطيت الوراق. قال الجاحظ: نظرت في كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا فلم أر أحسن تأليفاً من المطلبي؛ كأن فاه نظم دراً إلى در.

وسئل محمد بن إسحاق بن خزيمة: هل تعرف سنة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا. قال الربيع بن سليمان - وذكر الشافعي، فقال: لو رأيتموه لقلتم: إن هذه ليست كتبه، كان والله لسانه أكبر من كتبه. وقال يونس بن عبد الأعلى: ما كان الشافعي إلا ساحراً، ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله. كانت ألفاظ الشافعي كأنها سكر. قال عبد الملك بن هشام النحوي: طالت مجالستنا محمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة قط، ولا كلمة غيرها أحسن منها. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي عربي النفس، عربي اللسان. وقال: كلما ذكرت ما أكل التراب من لسان الشافعي هانت علي الدنيا. وقال سمعت عبد الملك بن هشام النحوي يقول: الشافعي ممن تأخذ عنه اللغة. وقيل لمحمد بن عبد الله بن الحكم: يا أبا عبد الله، كان الشافعي حجة في اللغة؟ فقال: إن كان أحد من أهل العلم حجة في شيء فالشافعي حجة في كل شيء. وقال المبرد: رحم الله الشافعي، كان من أشعر الناس، وآدب الناس، وأفصح الناس، وأعرفهم بالقراءات. وكان الشافعي يقول: تعلموا العربية؛ فإنها تثبت العقل، وتزيد في المروءة. وقال: إعراب القرآن أحب إلي من بعض حروفه. وقرأ رجل على الشافعي، فلحن، فقال الشافعي: أضرستني.

قال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: قلت لعمي: يا عماه، على من قرأت شعر هذيل؟ قال: على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس. وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمي مصعب، فسألته: عمن أخذتها؟ فقال: أخذتها من محمد بن إدريس الشافعي حفظاً. قال أحمد بن صالح: قال لي الشافعي: يا أبا جعفر، تعبد من قبل أن ترأس؛ فإنك إن ترأست لا تقدر أن تتعبد. قال: وكان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صنج أو جرس من حسن صوته. قال بحر بن نصر: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا: بعضنا - وفي رواية: بعض - لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي نقرأ القرآن. فإذا أتيناه استفتح بالقرآن حتى تتساقط الناس بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القرآن، من حسن صوته. قال محمد بن عبد الله بن الحكم: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعي رحمته. وقال: لو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك. وقال هارون بن سعيد الأيلي: لو أن الشافعي ناظر على هذه العمود التي من حجارة أنها من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.

وقال الشافعي: ناظرت بعض أهل العراق، فلما فرغت قال: زلفت يا قرشي. قال بعض أهل العربية: يعني قربت من أفهامهم، بفصاحته. وسئل الشافعي عن مسألة، فأعجب بنفسه، فأنشأ يقول: " من المتقارب " إذا المشكلات تصدينني ... كشفت حقائقها بالنظر ولست بإمعة في الرجال ... أسائل هذا وذا ما الخبر ولكنني مدرة الأصغرين ... فتاح خير وفراج شر وكان سئل عن رجل في فيه تمرة، فحلف بالطلاق أنه لا يبلعها، ولا يرمي بها، فقال له الشافعي: يبلع نصفها، ويرمي بنصفها حتى لا يكون بالعاً لها كلها، ولا يلفظ بها كلها. عن أبي ثور قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت بشر المريسي في القرعة، فقال: القرعة قمار. فذكرت ما دار بيني وبينه لأبي البختري، وكان قاضياً، فقال: ائتني بآخر يشهد معك حتى أضرب عنقه. قال: وسمعت الشافعي يقول: قلت لبشر المريسي: ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار، هل للكبار

أن يقتلوا دون الأصاغر؟ فقال: لا، فقلت: قتل الحسن بن علي ابن ملجم، ولعلي أولاد صغار، فقال: أخطأ الحسن بن علي، فقلت له: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟! قال: وهجرته يومئذ. وقال: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته، واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد، ودافع الحجة إلا سقط من عيني. وما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس. وقال: ما ناظرت أحداً إلا على النصيحة. قال أحمد بن حنبل: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله. وقال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده، وخير خصلة كانت فيه لم يكن يشتهي الكلام، وإنما همته الفقه. قال أحمد بن حنبل: قال محمد بن إدريس الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا؛ فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه كوفياً كان أو بصرياً، أو شامياً. وفي رواية أخرى: قال لنا الشافعي: إذا صح عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه. قال أبو بكر البيهقي: وإنما أراد حديث أهل العراق - والله أعلم - ليأخذ بما صح عندهم من أحاديث أهل العراق كما أخذ بما صح عنده من أحاديث أهل الحجاز. قال الشافعي: كلما قلت، فكان عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى، فلا تقلدوني.

قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي - وروى حديثاً - فقال له رجل: تأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً صحيحا ًفلم آخذ به فأشهدكم والجماعة أن عقلي قد ذهب - وأشار بيده إلى رؤوسهم. وقال في رواية أخرى: أفي الكنيسة أنا، أوترى على وسطي زناراً؟ نعم، أقول به، وكل ما بلغني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت به. وقال: إذا وجدتم سنة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي فخذوا بالسنة ودعوا قولي، فإني أقول بها. عن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي قال: جلس محمد بن إدريس الشافعي يوماً في خيمة، فجاءه عالم حدث، فسأله عن مسألة، فأجابه فيها، ثم سأله عن أخرى، فقال له: أخطأت يا أبا عبد الله، فأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه ثم قال له: أخطأت يا بن أخي ما في كتابك، فأما الحق فلا؟ قال إسماعيل المزني: قال الشافعي: الرجل من أحرز دينه، وضن به. قال إسماعيل: ورأيت الشافعي يضن بدينه. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام.

قال حين الكرابيسي: بت مع الشافعي، فكان يصلي نحو ثلث الليل، وما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ بالله منه، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المؤمنين؛ فكأنما جمع له الرجاء والرهبة معاً. قال الخطيب: قد كان الشافعي بأخرة يديم التلاوة، ويدرج القراءة. وروى بسنده عن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان في شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة، وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وقال: كان الشافعي يختم القرآن ستين مرة. قيل: في صلاة رمضان؟ قال: نعم. وقال: كان الشافعي لا يصلي مع الناس التراويح، لكنه كان يصلي في بيته، ويختم في رمضان ستين ختمة ليس منها سورة إلا في صلاة، وكان يختم في سائر السنة ثلاثين ختمة في كل شهر. وقال: سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ عشرين سنة - وفي رواية: ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة، ثم أدخلت يدي فتقيأته؛ لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة. وقال: قال لي الشافعي: يا ربيع، عليك بالزهد؛ فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.

قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقاً، ولا كاذباً. قال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصره، فرجع، ولم يدخل، فقال له الخادم: ادخل، فقال: لا يحل افتراش هذا؟! فقام الخادم متبسماً حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه، فقال: هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمناً منه. فتبسم الخادم، وسكت. قال السجستاني: وحدثني أبو ثور قال: أراد الشافعي الخروج إلى مكة، ومعه مال، فقلت له: - وقلما كان يمسك الشي من سماحته - ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لك ولولدك من بعدك. فخرج، ثم قدم علينا، فسألته عن ذلك المال، ما فعل به؟ فقال: ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأصلها، أكثرها قد وقفت عليه، ولكن بنيت بمنى مضرباً يكون لأصحابنا إذا حجوا، ينزلون فيه. عن الربيع بن سليمان قال: قال لنا الشافعي: دهمني في هذه الأيام أمر أمضني وآلمني، ولم يطلع عليه غير الله، فلما كان البارحة أتاني آت في منامي، فقال: يا محمد بن إدريس، قل اللهم إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني، ولا أتقي إلا ما وفيتني، اللهم فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية. فلما أن أصبحت أعدت ذلك، فلما أن ترجل النهار أعطاني الله طلبتي، وسهل لي الخلاص مما كنت فيه. فعليكم بهذه الدعوات، فلا تغفلوا عنها.

وقال عبد الله بن عبد الحكم الشافعي: إن عزمت أن تسكن البلد - يعني مصر - فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزز به. فقال الشافعي: يا أبا محمد، من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد ولدت بغزة، وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً قط. وقال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي، فقال لي: يا ربيع، أعطه أربعة دنانير، واعذرني عنده. قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: أنست بالفقر حتى صرت لا أستوحش منه. قال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط. قال المزني: سمعت الشافعي يقول: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا، والآخرة بعد، إلا يلحقهما بدعة. وكنت يوماً مع الشافعي، فخرجنا الأكوام فمر بهدف، وإذا رجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حس الرمي، فأصاب بأسهم، فقال له الشافعي: أحسنت، وبرك عليه، ثم قال لي: أمعك شيء؟ فقلت: معي ثلاثة دنانير، قال: أعطه إياها، واعذرني عنده إذ لم يحضرني غيرها.

قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي راكباً حماراً، فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين، فأخذ السوط، ومسحه بكمه، وناوله إياه. فقال الشافعي لغلامه: ادفع تلك الدنانير التي معك إلى هذا الفتى. قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو سبعة. وقال: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين ديناراً، فقال: كم أعطيتها؟ قلت: ستة دنانير. فصعد داره، وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً. قال: وكان الشافعي به هذه البواسير، وكانت له لبدة محشوة بحلبة، فكان يقعد عليها، فإذا ركب أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلف حماره، فبينا هو يمر إلى منزله ناوله إنسان رقعة فيها: إنني رجل بقال أبيع البقل، ورأس مالي درهم، وقد تزوجت امرأة، وأريد أن أدخل بها، وليس إلا ذلك الدرهم! تعينني بشيء؟ فقال لي: يا ربيع، أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده. قال: قلت: أصلحك الله، إن هذا تكفيه عشرة دراهم! قال: ويحك يا ربيع! وما يصنع بثلاثين ديناراً؟ أفي كذا، أم في كذا - يعد ما يصنع في جهازه - أعطه ثلاثين ديناراً، واعذرني عنده. وقال: ولدت لنا شاة في زمان ليس فيه لبأ، فأمرت بلباها، فعمل، ثم تركته حتى برد واستحكم، فصفيته، وجعلته في جام، ولففته في منديل ديبقي، وختمته، وأنفذته إلى الشافعي لأتحفه به، فأعجبه، فقبله، ورد علي الجام، وفيه مائة دينار عيناً.

قال إبراهيم بن محمد: باع الشافعي ضيعة له بعشرة آلاف درهم، فصبه على نطع بمنى، فكل من أتاه حثى له - من الأشراف وأهل العلم، وأهل الأدب - بكفه، حتى بقي شيء يسير على النطع، فأتاه أعرابي من بني سدوس، فقال له: يا فتى، لي عندك يد، فكافئني عليها، قال له: وما تلك اليد يا عم؟ قال: حضرت هذا الموسم وأنت مع عمومتك، وهم يشترون الأضحية، فضربت يدك إلى درة شاة، فقلت: يا عم، اشتر لي هذه. فقلت للرجل: أحسن إلى الفتى، فأحسن إليك بقولي. فقال الشافعي: إن هذه ليد جليلة، خذ النطع وما عليها. قال الحميدي: قدم الشافعي من اليمن، ومعه عشرون ألف دينار، فضرب خيمته خارجاً من مكة، فما قام حتى فرقها كلها. قال إبراهيم بن برانه - وكان جليساً للشافعي: دخلت مع الشافعي حماماً، فخرجت قبله. وكان الشافعي طوالاً جسيماً نبيلاً، وكان إبراهيم طوالاً جسيماً. فليس إبراهيم ثياب الشافعي، ولبس الشافعي ثياب إبراهيم، والشافعي لا يعلم أنها ثياب إبراهيم، وإبراهيم لا يعلم أنها ثياب الشافعي. فانصرف الشافعي إلى منزله، فنظر، فإذا هي لإبراهيم، فأمر بها، فطويت، وبخرت، وجعلت في منديل. ونظر إبراهيم، فطواها، وبخرها وجعلها في منديل. ثم راحا جميعاً، فجعل الشافعي ينظر إلى إبراهيم ويتبسم إليه وجعل إبراهيم نظر إلى الشافعي ويتبسم إليه. فلما صليت العصر قال إبراهيم: أصلحك الله، هذه ثيابك، فقال الشافعي: وهذه ثيابك، والله لا يعود إلي منها شيء، ولا يلبسها غيرك. فأخذهما إبراهيم جميعاً. قال محمد بن عبد الحكم المصري: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا

لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه، وتتغدى. قال أبو جعفر أحمد بن الحسن المعدل: أنشدت للشافعي: " من البسيط " يا لهف نفسي على مال أفرقه ... على المقلين من أهل المروءات إن اعتذرت إلى من جاء يسألني ... ما لست أملكه إحدى المصيبات قال الربيع بن سليمان: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له. وقال: كان أصحاب مالك يفخرون، فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معماً، والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاثمائة معمم سوى من شذ عني. وقال: اشتريت للشافعي طيباً بدينار، فقال لي: ممن اشتريت؟ فقلت: من ذاك الأشقر الأزرق، فقال: أشقر أزرق! رده، رده، وقال: ما جاءني خير قط من أشقر. قال حرملة بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: احذر الأعور، والأحول، والأعرج، والأحدب، والأشقر، والكوسج، وكل من به عاهة في بدنه، وكل ناقص الخلق فاحذره؛ فإنه صاحب التواء ومعاملة عسرة، وقال الشافعي مرة أخرى: فإنهم أصحاب خب.

قال أبو محمد بن أبي حاتم: يعني إذا كان ولادهم بهذه الحالة، فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل وكان في الأصل صحيح التركيب لم تضر مخالطته. قال الربيع: كنت عند الشافعي، أنا والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا، فقال لي: أنت تموت في الحديث، وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله، وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد. قال الربيع: فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيداً إلى أنصاف ساقيه، مغلولة - يعني يديه - إلى عنقه. وقال الربيع: كنت في الحلقة إذ جاءه - يعني الشافعي - رجل، فسأله عن مسألة، فقال له الشافعي: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء. وقال: جاز أخي في صحن المسجد، فقال لي الشافعي: يا ربيع، أتريد أخاك؟ - ولم يكن رآه قط - قلت: نعم، أيدك الله، قال: هو ذاك! قال: فكان أخي. قال ابن أخي ابن وهب: ما قدم علينا بلدنا فقيه ولا محدث أكثر حفظاً للحكايات والأسمار من الشافعي. قال المزني: سمعت الشافعي يقول: من لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكون بينك وبينه معرفة ولا صداقة. وقال: تعلموا العلم ممن هو أعلم منكم، وعلموا من أنتم أعلم منه؛ فإذا فعلتم ذلك علمتم ما جهلتم، وحفظتم ما علمتم.

وقال: أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق. قال الأصمعي: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: العاقل يسأل عما يعلم، وعما لا يعلم، فيثبت فيما يعلم، ولا يتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعليم، ويأنف من التعلم. وقال: إن لكل رأي ثمرة، ولكل تدبير عافية، وكل مشورة اختياراً، وعلى قدر درجات الصواب تكون العافية والسلامة، وعلى قدر طبقات الخطأ يكون الفوت والندامة. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من قرأ القرآن عظمت قيمته، ومن تفقه نبل أمره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن تعلم اللغة رق طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. وقال: قلت للشافعي: من الوغد من الرجال؟ فقال لي: الذي يرى الفضل نقصاً، والعلم جهلاً. وقال: خرج علينا الشافعي ذات يوم، ونحن مجتمعون، فقال لنا: اعلموا - رحمكم الله - إن هذا العلم يند كما تند الإبل؛ فاجعلوا الكتب له حماة، والأقلام عليه رعاة. وقال: العلم كثير، والحكماء قليل، وإنما يراد من العلم الحكمة، " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ".

وقال: أحسن الاحتجاج ما أشرقت معانيه، وأحكمت مبانيه، وابتهجت له قلوب سامعيه. وقال: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. قال داود بن علي: قال الشافعي: حياة الأرض بالديم، وحياة النفوس بالهمم، وحياة القلوب بالحكم. قال محمد بن يحيى بن حسان: سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين، وعلم الدنيا؛ فالعلم الذي للدين فهو الفقه، والعلم الذي للدنيا فهو الطب. قال يونس بن عبد الأعلى: قال لنا الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاحك فالزمه. قال المسيب بن واضح: سمعت الشافعي يوصي شاباً من أصحابه يقول له: الزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم، فإنما أكثر من يندم إذا هو نطق، وقل من يندم إذا سكت، واعلم بأن الرجوع عن الصمت إلى الكلام أحسن من الرجوع عن الكلام إلى الصمت، والعطية بعد المنع أحسن من المنع بعد العطية. قال أبو ثور إبراهيم بن خالد: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: ضياع الجاهل قلة عقله، وضياع العالم أن يكون بلا إخوان؛ وأضيع من هؤلاء أن يؤاخي الإنسان من لا عقل له.

وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: آلات الرئاسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة. وقال: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثر الناس فضلاً من لا يرى فضله. قال الربيع: وسمعت الشافعي يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان. وقال: كتب الشافعي إلى رجل من أهل الحلقة يهنئه بولد رزقه ذكر: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فبارك الله لك في الفارس المستفاد، وجعله طيباً من الأولاد، وحسن وجهه، وجمل صورته، وأسعد جده، وبلغك أملك به. فقر عيناً يا أخي، واشدد به عضداً، وازدد به ولداً. قال محمد بن عيسى الزاهد: مات لعبد الرحمن بن مهدي ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي، فكتب إليه: أما بعد، فعز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك، واعلم أن أمض المصائب فقد سرور مع حرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا على اكتساب وزر؟ فأقول: " من البسيط " إني معزيك لا أني على طمع ... من الخلود ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد صاحبه ... ولا المعزي ولو عاشا إلى حين قال: فكانوا يتهادونها بينهم بالبصرة.

قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي ينشد: " من الطويل " إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفني عليه يغيب غفلنا لعمر الله حتى تراكمت ... علينا ذنوب بعدهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب وقال المزني: أنشدنا الشافعي لنفسه: " من السريع " لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافيه قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: " من الهزج " إذا القوت تأتى ل ... ك والصحة والأمن فأصبحت أخا حزن ... فلا فارقك الحزن أنشد ابن جوصا بدمشق للشافعي: " من الوافر " أمنت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتاً ... ففي إحيائه عرض مصون إذا طمع يحل بقلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون عن المزني قال: أخذ الشافعي بيدي ثم أنشدني: " من الطويل " أحب من الإخوان كل مواتي ... وكل غضيض الطرف عن عثراتي يوافقني في كل خير أريده ... ويحفظني حياً وبعد مماتي ومن لي بهذا؟ ليتني قد أصبته ... فقاسمته مالي من الحسنات تصفحت إخواني فكان جميعهم ... على كثرة الإخوان غير ثقات

قال عباس الأزرق: دخلت على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - فذكر قصة، وقال: - فقال الشافعي: " من الكامل " إن الذي رزق اليسار فلم يصب ... حمداً ولا أجر لغير موفق فالجد بدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق وإذا سمعت بأن كل مجدودأً حوى ... عوداً فأثمر في يديه فصدق وإذا سمعت بأن محروماً أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى بعيش ضيق ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق أنشد يونس بن عبد الأعلى للشافعي: " مجزوء الكامل " ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك قال أبو العباس الأبيودري: خرج الشافعي محمد بن إدريس إلى اليمن إلى ابن عم له، فبره ببر غير طائل، فكتب إليه الشافعي: " من الطويل " أتاني بر منك في غير كنهه ... كأنك عن بري يداك تحيد لسانك عش بالنوال ولا أرى ... يمينك إذا جاد اللسان تجود تفرق عنك الأقربون لشأنهم ... وأشفقت أن تبقى وأنت وحيد وأصبحت بين الحمد والذم واقفاً ... فيا ليت شعري أي ذاك تريد

قال إبراهيم بن خالد: رأيت في منامي ليلة الجمعة قائلاً يقول: يكون في يوم الاثنين فزع عظيم، وفتنة صماء غير أن الله تعالى عن محمد بن إدريس الشافعي راض، وله محب. فأعدت ذلك على الشافعي، فقال لي: رؤيا نسأل الله خيرها، ونعوذ به من شرها وضرها. قال: فلما كان يوم الاثنين رأينا من الفزع والفتن أكثر مما قال لنا القائل في المنام. قال أبو بكر الديلي إمام مسجد الرملة: كنت بمدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً بالروضة، فإذا أنا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه، فقلت: يا رسول الله، في نفسي حاجة أسألها، قال: قلت، فقلت: يا رسول الله، أحب أن أنتحل أحد المذاهب، فقال لي: مذهب الشافعي - مرتين - فقالوا له فقالوا له في ذلك، فقال: ما اخترته، بل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختاره. قال الحسين بن محمد بن داود أبو علي الدينوري بأسد أباذ: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفارسين معه، فسألت عنهما، فقيل: هذا أبو بكر، وهذا عمر، فتقدمت إليه، فقلت: يا رسول الله، إني أذهب مذهب الشافعي، فقال لي بيده: واستمسك به، فإنه العروة الوثقى. قال محمد بن نصر الترمذي: كتب الحديث تسعاً وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك من قوله، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي. فبينما أنا قاعد في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا، قلت: أكتب رأي مالك؟ قال: ما وافق حديثي، قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي، وقال: ليس هذا بالرأي، هذا رد على من خالف سنتي. فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي.

قال أحمد بن الحسن الترمذي: كنت في الروضة، فأغفيت، فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل، فقلت: يا رسول الله، قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف، ونفض يده! فقلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده، وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي: قال: بأبي ابن عمي، أحيا سنتي. وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أما ترى ما في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في أي شيء؟ قلت: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي. فقال: أما أبو حنيفة فما أدري من هو، وأما مالك فقد كتب العلم، وأما الشافعي فمنني وإلي. قال المزني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال: من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي؛ فإنه مني وأنا منه. قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: كنا نسمع أن من مارس البز، وتفقه بمذهب الشافعي، وقرأ لعاصم فقد كمل ظرفه. قال الربيع: سمعت الشافعي يقول - في قصة ذكرها -: " من الطويل " لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامه والقفر فوالله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري قيل: فسيق والله إليهما جميعاً.

عن محمد بن عبد بن عبد الحكم قال: بلغ الشافعي أن أشهب بن عبد العزيز يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي؛ فإنك إن أبقيته اندرس مذهب مالك. قال: فتعجب من ذلك: وأنشد: " من الطويل " تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ... تجهز لأخرى مثلها فكان قد قال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحداً لقي من السقم ما لقي الشافعي؛ فدخلت عليه، فقال لي: أبا موسى، اقرأ علي ما بعد العشرين والمائة من " آل عمران "، وأخف القراءة، ولا تثقل. فقرأت عليه، فلما أردت القيام قال: لا تغفل عني فإني مكروب. قال يونس: عنى الشافعي بقراءتي ما بعد العشرين والمائة ما لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، أو نحوه. قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: أوصى الشافعي إلى أبي: فرأيت في آخر وصيته: ومحمد بن إدريس يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على محمد عبد ورسوله، وأن يرحمه، فإنه فقير إلى رحمته، وأن يجيره من النار، فإن الله غني عن عذابه، وأن يخلفه في جميع ما خلفه بأفضل ما خلف به أحداً من المؤمنين، وأن يكفيهم فقده، ويجبر مصيبتهم، والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته. وكتب في شعبان سنة ثلاث ومائتين.

قال إسماعيل بن يحيى المزني: دخلت على محمد بن إدريس الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت؟ قال؛ فرفع رأسه، فقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقاً، ولسوء فعلي - وفي رواية: عملي - ملاقياً، وعلى الله وارداً، ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو - في رواية: أم - إلى الناس فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول: " من الطويل " إليك إله الخلق أرفع رغبتي ... وإن كنت يا ذا المن والجود مجرما فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منة وتكرما فلولاك ما يقوى بإبليس عابد ... فكيف وقد أغوى صفيك آدما فإن تعف عني تعف عن متمرد ... ظلوم غشوم ما يزايل مأثما وإن تنتقم مني فلست بآيس ... ولو أدخلت نفسي بجرمي جهنما فجرمي عظيم من قديم وحادث ... وعفوك يا ذا العفو أعلى وأجسما قال الربيع بن سليمان المرادي: دخلت على الشافعي وهو مريض، فسألني عن أصحابنا، فقلت: إنهم يتكلمون. فقال لي الشافعي: ما ناظرت أحداً قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب - يعني كتبه - على ألا ينسب إلي منه شيء. قال هذا الكلام يوم الأحد، ومات هو يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة ورأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين.

وسئل الربيع عن سن الشافعي، فقال: نيف وخمسون سنة. ومن طريق آخر عن الربيع: مات الشافعي سنة أربع ومائتين، وهو ابن أربع وخمس سنة. قال عبد الله بن عدي الحافظ: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر على لوحين حجارة، أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه نسبته إلى إبراهيم الخليل: هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه يحيا، وعليه مات، وعليه يبعث حياً إن - شاء الله - وتوفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين. قال الربيع: كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير، فوقف علينا أعرابي، فسلم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا: توفي - رضي الله عنه - فبكى بكاء شديداً وقال: رحمه الله، وغفر له، فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة، ويسد على خصمه واضح المحجة، ويغسل من العار وجوهاً مسودة، ويوسع بالرأي أبواباً منسدة. قال أحمد بن حنبل: رأيت الشافعي أبا عبد الله بن إدريس في المنام، فقلت له: يا أخي، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني، وزوجني، وقال لي: هذه بما لم تزه بما أرضيتك، ولم تتكبر فيما أعطيتك.

قال الربيع بن سليمان: رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام، فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب. قال أبو عبد الله الهروي الحافظ: رأيت قبر أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ووقفت عليه، وهو بالقرب من قبور آل عبد الله بن عبد الحكم، وترحمت عليه، وأحسبه رأيته قبراً لاطئاً بالأرض، ودفوف حول صغار. أنشد أبو الغنائم الحسن بن علي بن حماد لبعض الأعراب وقد عبر بقبر الشافعي: " من السريع " راحت وفود الأرض عن قبره ... فارغة الأيدي ملاء القلوب قد علمت ما رزئت، إنما ... يعرف فقد الشمس بعد الغروب أظلمت الآفاق من بعده ... وعريت من كل حسن وطيب قال عثمان بن خرزاذ الأنطاكي: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن الخلائق قد حشروا، وكأن الله قد برز لفصل الفضاء، وكان منادياً ينادي من بطنان العرش: ألا أدخلوا الجنة أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله. فقلت لملك إلى جنبي: من هؤلاء آباء عبد الله؟ فقال: أما أولهم فسفيان الثوري، وأما ثانيهم فمالك بن أنس، وأما ثالثهم فمحمد بن إدريس الشافعي، وأما رابعهم فأحمد بن حنبل، أئمة أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سيق بهم إلى الجنة. قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي يرثي أبا عبد الله الشافعي: " من الطويل " ألم تر آثار ابن إدريس بعده ... دلائلها في المشكلات لوامع

معالم يفنى الدهر وهي خوالد ... وتنخفض الأعلام وهي فوارع مناهج فيها للهدى متصرف ... موارد فيها للرشاد شرائع ظواهرها حكم ومستبطناتها ... لما حكم التفريق فيه جوامع لرأي ابن إدريس ابن عم محمد ... ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع إذا المفظعات المشكلات تشابهت ... سما منه نور في دجاهن لامع أبى الله إلا رفعه وعلوه ... وليس لما يعليه ذو العرش واضع توخى الهدى واستنقذته يد التقى ... من الزيع إن الزيع للمرء صارع ولاذ بآثار الرسول فحكمه ... لحكم رسول الله في الناس تابع وعول في أحكامه وقضائه ... على ما قضى في الوحي والحق ناصع بطيء عن الرأي المخوف التباسه ... إليه إذا لم يخش لبساً يسارع جرت لبحور العلم أمداد فكره ... لها مدد في العالمين يتابع وأنشأ له منشيه من خير معدن ... خلائق هن الباهرات البوارع تسربل بالتقوى وليداً وناشئاً ... وخص بلب الكهل مذ هو يافع وهذب حتى لم تشر بفضيلة ... إذا التمست إلا إليه الأصابع فمن يك علم الشافعي إمامه ... فمرتعه في باحة العلم واسع سلام على قبر تضمن جسمه ... وجادت عليه المدجنات الهوامع لئن فجعتنا الحادثات بشخصه ... لهن لما حكمن فيه فواجع فأحكامه فينا بدور زواهر ... وآثاره فينا نجوم طوالع

قال الحافظ ابن عساكر: قد جمع الناس في فضائل الشافعي - رحمه الله - فأكثروا، وفضله - رحمه الله - أكثر مما جعلوا وسطروا. ولأبي الحسين الرازي - والد تمام - أخباره، ولأبي بكر البيهقي في فضله مجلد ضخم، ولأبي الحسن الآبري مجلد ضخم. ولا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرنا، فلذلك اقتصدنا، واقتصرنا، والله يتغمده برضوانه، ويجمع بيننا وبينه في مستقر جنانه. /

محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الرازي مولى تميم بن حنظلة الغطفاني الحنظلي. قدم دمشق طالباً للعلم. حدثنا أبو حاتم الرازي عن داود بن عبد الله، بسنده إلى أبي ذر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول: يا ابن آدم! إن لقيتني بملء الأرض ذنوباً، لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بملء الأرض مغفرة ". وروى عن عمرو بن الربيع، بسنده إلى أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا نفحات الله عز وجل، فإن لله تبارك وتعالى نفحات يصيب بها من يشاء من عباده. وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤامن روعاتكم ". وعن داود، بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير نساء العالم مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة، وفاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".

وروى عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس بين شعبها الأربع، فقد وجب الغسل ". وروى عن محمد بن عمار بسنده، عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله. ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ". حدث عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنتين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي حتى ما زاد على ألف فرسخ تركته. قال: وسمعت أبي يقول: بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر، وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعت نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئاً بعد شيء، حتى بقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي. ورجعت إلى بيت خال، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد، وغدا علي رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني، فانصرفت جائعاً. فلما كان الغد غدا علي فقال: مر بنا إلى المشايخ. فقلت: أنا ضعيف لا يمكني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما. فقال لي رفيقي: معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكراء. فخرجنا من البصرة، وقبضت منه النصف دينار. أجمعوا على توثيقه، ووصفوه بالإتقان والتثبت والحفظ.

وقال: سمعت أبي يقول: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به، فله علي درهم يتصدق به. وقد حضر على أبي الوليد خلق من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه. وإنما كان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب علي حديثاً. قال أبو حاتم: قال لي أبو زرعة: ترفع يديك في القنوت؟ قلت: لا. فقلت له: فترفع أنت؟ قال: نعم. فقلت: ما حجتك؟ قال: حديث ابن مسعود. قلت: رواه ليث بن أبي سليم. قال: حديث أبي هريرة. قلت: رواه ابن لهيعة. قال: حديث ابن عباس. قلت: رواه عوف. قال: فما حجتك في تركه؟ قلت: حديث أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء. فسكت. وحدث ابن أبي حاتم الرازي قال: سمعت أبي يقول: اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وذاكر بأحسن ما تحفظ. وأنشد: من الطويل تفكرت في الدنيا فأبصرت رشدها ... وذللت بالتقوى من الله خدها أسأت بها ظناً فأخلفت وعدها ... وأصبحت مولاها وقد كنت عبدها مات أبو حاتم الرازي سنة سبع وسبعين ومئتين، وقال ابن يونس: سنة خمس وسبعين ومئتين.

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن صالح أبو بكر العقيلي الأصبهاني الفابزاني حدث عن محمد بن سلم، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه لينادي المنادي يوم القيامة: أين فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فيقوموا فيصفوا صفوف القيامة. ألا من أطعمكم أكلة أو سقاكم شربة أو كساكم خلقاً أو جديداً، فخذوا بيده، فأدخلوه الجنة. فلا يزال صاحبه قد تعلق بصاحبه وهو يقول: يا رب العالمين هذا أرواني، ويقول الآخر: هذا كساني. فلا يبقى من فقراء أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صغير ولا كبير إلا أدخلهم الله الجنة ". وعن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم، أولئك الخواضون في رحمة الله عز وجل ". توفي محمد بن إسحاق بن إبراهيم العقيلي سنة ثلاث وثمانين ومئتين. محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن مهران أبو بكر الضرير البغدادي الصفار شيخ ثقة، أصله من الشام.

أنبأنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصفار، عن محمد بن صالح بسنده إلى ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: " سلني " قلت: مرافقتك في الجنة. قال: " أو غير ذلك؟ " قال: فقلت: هو ذاك. قال: " فأعني على نفسك بكثرة السجود ". رواه أبو داود والنسائي عن هشام. محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي المعروف بأخي العريف روى عن أبي بكر محمد بن عمر الجعابي بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أفتى بغير علم، لعنته ملائكة السماء والأرض ". محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن مسروق العذري، والد أبي قصي روى عن معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شهد جنازة فحمل بأربع زوايا السرير، ومشى أمامها، وجلس حتى يدفن، كتب له قيراطان من أجر، أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ".

محمد بن إسحاق بن جعفر - ويقال ابن إسحاق - بن محمد أبو بكر الصغاني ثم البغدادي الحافظ من ثقات الرحالين وأعيان الجوالين، أصله من خراسان، وسكن بغداد. روى عن روح بن عبادة، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تخلط بسراً بتمر، أو زبيباً بتمر، أو زبيباً ببسر. وقال: " من شربه منكم فليشرب كل واحد منه فرداً: تمراً فرداً، أو بسراً فرداً، أو زبيباً فرداً ". رواه مسلم عن أبي بكر الصغاني. وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أضحى أو فطر إلى المصلى، فصلى، ثم انصرف، فقام فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة فقال: " يا أيها الناس تصدقوا " ثم انصرف فمر على النساء فقال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني أراكن أكثر أمل النار " فقلن: وبم ذاك يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير ". رواه مسلم عن محمد بن إسحاق. وعن عفان بسنده إلى أبي هريرة أن أعرابياً جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا أنا عملته دخلت الجنة. قال: " تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان " قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً أبداً،

ولا أنقص منه. فلما ولى، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ". رواه مسلم عنه. مات أبو بكر محمد بن إسحاق الصغاني سنة سبعين ومئتين. محمد بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي الطلحي حدث عن بشر بن مرحوم، بسنده إلى أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أمتي أمة مرحومة، جعل عذابها بأيديها في الدنيا ". محمد بن إسحاق بن عمرو بن عمر بن عمران أبو الحسن القرشي المؤذن، المعروف بابن الحريص ختن هشام بن عمار. حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الصبر العسل ". ثم قال: " يا معاوية بن حيدة! إن استطعت أن تلقى الله - عز وجل - وأنت تحسن الظن به فافعل، فإن الله عند ظن عبده به ". توفي محمد بن إسحاق بن الحريص سنة ثمان وثمانين.

محمد بن إسحاق بن محمد بن أحمد ابن إسحاق بن عبد الرحمن بن يزيد بن موسى أبو جعفر الحلبي والد القاضي أبي الحسن علي بن محمد. حدث عن الخريمي، بسنده إلى أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا معه الفجر، فلما قضى صلاته قال: " ها هنا فلان؟ " قلنا: لا، قال: " ففلان شاهد؟ " قلنا: نعم، قال: " إنه لا صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الغذاة والعشاء الآخرة، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما، ولو حبواً " ثم قال: " الصف الأول على صف الملائكة، وصلاة الرجلين أفضل من صلاة الرجل وحده، وصلاة الثلاثة أفضل من صلاة الرجلين، وما أكثرت فهو أحب إلى الله ". وحدث عن أبيه، بسنده إلى قتادة قال: سمع عمر بن الخطاب رجلاً يتبع القصص، فقال له: أتحسن سورة يوسف؟ قال: نعم. قال: اقرأها. فقرأ حتى بلغ " نحن نقص عليك أحسن القصص.. "، فقال عمر: أفتريد أحسن من أحسن القصص؟! توفي أبو جعفر محمد بن إسحاق سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده - واسمه إبراهيم بن الوليد - بن سنده بن بطة بن استدار أبو عبد الله العبدي الحافظ أحد المكثرين والمحدثين الجوالين، قدم دمشق.

حدث عن عبد الله بن يعقوب المعدل، بسنده إلى عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الله الله في أصحابي! لا تتخذوهم غرضاً من بعدي. فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم. ومن آذاهم، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ". وعن أحمد بن علي المقرئ، بسنده، إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسي صلاة أو نام عنها، فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ". وعن سهل بن السري، بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى رجلاً شعث الرأس فقال: " ما لهذا ما يسكن به شعره؟! ". كان أبو عبد الله محمد بن إسحاق ديناً ثقة صالحاً كثير الحفظ، كتب على ألف شيخ، وثقة كثيرون. وقال بعضهم إن له في معرفة الصحابة أوهاماً وإنه اختلط في آخر عمره. توفي أبو عبد الله بن منده سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وقيل ست وتسعين. محمد بن إسحاق بن هاشم بن يعقوب بن رافع أبو عبد الله الهاشمي الرافعي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعرف باليتيم. حدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة أو ثمانية أو سبعة، قال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " وكنا حديث عهد ببيعة، قلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: "

ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " قلنا: ألسنا قد بايعناك يا رسول الله؟ فقال: " ألا تبايعون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟: " قال: فبسطنا أيدينا، فبايعناه، فقال قائل منا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: " على أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وأن تسمعوا وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئاً ". فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه، فلا يسأل أحداً يناوله إياه! محمد بن إسحاق بن يزيد أبو عبد الله البغدادي المعروف بالصيني قدم دمشق. حدث عن شجاع بن الوليد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً في الدنيا ". وعن نصر بن حماد، بسنده إلى ابن عباس قال: وقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قتلى بدر فقال: " جزاكم الله عني من عصابة شراً، فقد خونتموني أميناً، وكذبتموني صادقاً " ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام، فقال: " هذا أعتى على الله عز وجل من فرعون؛ إن فرعون لما أيقن بالهلكة وحد الله، وإن هذا لما أيقن بالموت دعا باللات والعزى ". سئل أبو عون بن عمرو بن عون عن محمد بن إسحاق الصيني فقال: هو كذاب. محمد بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم أبو بكر دمشقي.

حدث عن عبد الله بن جعفر، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة ". وعن محمد بن حمدان البلخي بسنده إلى يحيى بن أبي كثير قال: ولد الزنا لا يكتب الحديث. محمد بن إسحاق أبو عبد الله الرملي روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي ". محمد بن إسحاق أبو جعفر الزوزني القارئ قدم دمشق حاجاً. حدث عن محمد بن علي بسنده إلى أنس بن مالك قال: من صام يوماً تطوعاً، فلو أعطي ملء الأرض ذهباً، ما وفي أجره يوم الحساب. قال ابن عساكر: كذا ذكر هذا الحديث موقوفاً، وقد وقع لي مرفوعاً بعلو.

محمد بن إسحاق المصري حدث عن جده قال: قال ذو النون: كل محب ذليل، وكل خائف هارب، وكل راج طالب، وكل عاص مستوحش، وكل مطيع مستأنس. مات محمد بن إسحاق المصري سنة أربع وأربعين وخمس مئة. محمد بن أسد أبو عبد الله الإسفراييني الحوشي حدث عن مران بن معاوية، بسنده إلى طارق بن الأشيم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دونه، حرم الله ماله ودمه، وحسابه على الله ". محمد بن أسد بن هلال بن إبراهيم أبو طاهر الرقي الأشناني إمام جامع الرقة. حدث عن عبد الله بن قثم، بسنده إلى جرير، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول الأرضين خراباً يسراها ثم يمناها ".

محمد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن سعيد أبو بكر الكشي الجوهري اجتاز بدمشق أو بأعمالها عند توجهه إلى مصر. أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن أحمد الكجي الجوهري، عن إسماعيل بن الحسين، بسنده إلى عبد الله بن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما كبر الحاج من تكبيرة، ولا هلل من تهليلة، إلا بشر بها تبشيرة ". محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المعروف بابن علية ولي القضاء بدمشق. حدث عن يحيى بن السكن، بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان - زاد في رواية - ومن سأل الناس ليثري ماله، فإنما هو رضف من النار فيلهبه، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر ". وثقه النسائي، وقال الدارقطني: لا بأس به. لم يزل محمد بن إسماعيل قاضياً بدمشق حتى توفي سنة أربع وستين ومئتين.

محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي البخاري الإمام صاحب الصحيح والتاريخ. سمع بدمشق. حدث الإمام البخاري عن مكي بن إبراهيم بسنده إلى سلمة أنه أخبره قال: خرجت من المدينة ذاهباً نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة، لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف، قلت: ويحك ما بك؟ قال: أخذت لقاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة. فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها: يا صاحباه، يا صاحباه! ثم اندفعت حتى ألقاهم، وقد أخذوها، فجعلت أرميهم وأقول: أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا، فأقبلت بها أسوقها، فلقيني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم أن يشربوا سقيهم، فابعث في أثرهم. فقال: " يا ابن الأكوع، ملكت، فأسجح، إن القوم يقرون في قومهم ". قال أحمد بن سعدان البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه البخاري، وبردزبه مجوسي مات عليها. والمغيرة بن بردزبه أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو

أبو جد عبد الله بن محمد المسندي. وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجعفي. والبخاري قيل له جعفي لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندي، ويمان جعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق. وعبد الله قيل له مسندي لأنه كان يطلب المسند من حداثته. قال بكر بن منير: بردزبه هو بالبخارية. وبالعربية الزراع. قال أبو عمرو المستنير: سألت أبا عبد الله بن محمد بن إسماعيل: متى ولدت؟ فأخرج لي خط أبيه: ولد محمد بن إسماعيل يوم الجمعة، بعد الجمعة، لثلاث عشرة ليلة مضت من شوال، سنة أربع وتسعين ومئة. قال الحسن بن الحسين البزاز: رأيت محمد بن إسماعيل بن إبراهيم شيخاً نحيف الجسم، ليس بالطويل، ولا بالقصير. حدث محمد بن الفضل البلخي قال: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل البخاري في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل، فقال لها: يا هذه، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك، أو لكثرة دعائك، قال: فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره. حدث محمد بن أبي حاتم الوراق النحوي قال: قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال: ألهمت حفظ الحديث، وأنا في الكتاب. قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو اقل. ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي

وغيره، وقال يوماً فيما يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له: يا أبا فلان، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، إن كان عندك. فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، فقال: صدقت. فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة. فلما طعنت في ست عشرة، حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء. ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة. فلما حججت، رجع أخي، وتخلفت بها في طلب الحديث. فلما طعنت في ثمان عشرة، جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى. وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة. وقال: كل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة. إلا أني كرهت تطويل الكتاب. وقال البخاري أيضاً: كتبت على ألف نفر من العلماء وزيادة، ولم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل، ولم أكتب قمن يقول: الإيمان قولي. سمع حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل يختلف معنا إلى مشايخ البصرة، وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام. فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما معناك فيما تصنع؟ فقال لنا بعد ستة عشر يوماً: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها على ظهر القلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدراً وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.

وقال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي. وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري - وفي رواية - أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعرف به من محمد بن إسماعيل البخاري. وسمع عدة مشايخ يحكون: أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس، إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين. فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الآخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم. ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم. ثم انتدب رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع، إلى تمام العشرة، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه. فلما علم البخاري أنهم

قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكر محمد بن إسماعيل يقول: الكبش النطاح. قال أبو حامد أحمد بن حمدون: سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله! وحدث أبو عيسى الترمذي قال: لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وحدث محمد بن أبي حاتم الوراق قال: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد، إلا في القيظ أحياناً، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري ناراً بيده، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها، ثم يضع رأسه. وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم. فقلت: إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني! قال: أنت شاب، فلا أحب أن أفسد عليك نومك. قال محمد بن إسماعيل البخاري: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

وقال: صنفت كتابي الصحاح ست عشرة سنة، خرجته من ست مئة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله تعالى. حدث محمد بن أبي حاتم وراق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: لو نشر بعض أستاذي هؤلاء، لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ، ولا عرفوه. ثم قال: صنفته ثلاث مرات. وقال أيضاً: دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى بالقوم. ثم قام للتطوع، فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته، رفع ذيل قميصه فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً، وقد تورم من ذلك جسده، وكان آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم: كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما أبرك؟! فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها. قال محمد بن منصور: كنا في مجلس بي عبد الله محمد بن إسماعيل، فرفع إنسان من لحيته قذاة، فطرحها على الأرض. قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس، فلما غفل الناس رأيته مد يده، فرفع القذاة من الأرض، فأدخلها في كمه. فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض.

حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد أبو حفص، فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية، فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون، فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا - يعني الذين طلبوا أول مرة - ودفع إليهم بربح خمسة آلاف درهم، وقال: لا أحب أن أنقض نيتي. وقال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً. وثقه علماء الحجاز والعراق والشام وخراسان وسائر الأمصار وأقروا له بالفضل. حدث إسحاق بن أحمد بن خلف قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما تصاغرت إلي نفسي إلا عند علي بن المديني. قال إسحاق: وسمعت أحمد بن عبد السلام يقول: ذكرنا قول محمد بن إسماعيل هذا لعلي بن المديني فقال: دعوا هذا فإن محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه. وقال يحيى بن جعفر: لو قدرت أن أزيد - يعني من عمري - في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل ذهاب العلم. قال محمد بن يوسف بن عاصم: رأيت لمحمد بن إسماعيل ثلاث مستملين ببغداد، وكان اجتمعوا في مجلسه زيادة على عشرين ألف رجل.

قال محمد بن جابر: سمعت محمد بن يحيى لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور قال: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه. قال: فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه، حتى ظهر الخلل في مجالس محمد بن يحيى، فحسده بعد ذلك، وتكلم فيه. وقال مسلم بن الحجاج: لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل؛ استقبلوه مرحلتين وثلاث مراحل! وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً، فليستقبله، فإني أستقبله. فاستقبله محمد بن يحيى وعامة من أهل نيسابور، فدخل البلد، فنزل دار البخاريين. قال: فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه، وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان. قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل، حتى امتلأ الدار والسطوح. قال: فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا. قال: فوقع بين الناس اختلاف؛ فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل. فوقع بينهم اختلاف، حتى تواثب بعضهم إلى بعض. فاجتمع أهل الدار، فأخرجوا الناس من الدار. قال أبو حامد الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى فسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث.. ومر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ " قل هو الله أحد " فما أتى على هذا شهر، حتى قال محمد بن يحيى: ألا من يختلف إلى مجلسه لا يختلف إلينا، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم في اللفظ. ونهيناه فلم

ينته. ولا تقربوه، ومن يقربه فلا يقربنا. فأقام محمد بن إسماعيل ههنا مدة، وخرج إلى بخارى. وحدث أبو عمرو أحمد بن نصر النيسابوري المعروف بالخفاف، ببخارى، قال: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول. واحكي له عني. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل، فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله، ههنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال لي: يا أبا عمرو، احفظ ما أقول، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة. إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة. حدث أبو سعيد بكر بن منير قال: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي، والي بخارى، إلى محمد بن إسماعيل أن أحمل إلي كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس. فإن كنت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضرني في مسجدي أو في داري. وإن لم يعجبك هذا، فأنت سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لم أكتم العلم، لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار ". قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا.

قال عبد القدوس بن عبد الجبار المرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك، قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم. قال: فسمعته ليلة من الليالي، وقد فرغ من صلاة الليل، يدعو، ويقول في دعائه: اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك. قال: فما تم شهر حتى قبضه الله تعالى. وقبره بخرتنك. توفي محمد بن إسماعيل البخاري ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومئتين. محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر أبو عبد الله الفارسي حدث عن أبي هاشم وريزة بن محمد بسنده إلى عمر بن الخطاب، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام الخل ". كان أبو عبد الله الفارسي ثقة فاضلاً. ولد سنة ثمان أو تسع وأربعين ومئتين، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن إسماعيل بن زياد أبو عبد الله - ويقال أبو بكر - البغدادي الدولابي حدث محمد بن إسماعيل الدولابي، عن أبي مسهر بسنده إلى أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قال: " سمع الله لمن حمده " قال: " ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، كلنا لك عبد. لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". كان الدولابي ثقة، وتوفي سنة أربع وسبعين ومئتين.

محمد بن إسماعيل بن علي أبو علي الأيلي حدث بدمشق سنة ست وعشرين وثلاث مئة، عن إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى أنس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنة عمران، وخديجة بنة خويلد، وفاطمة بنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآسيا امرأة فرعون ". محمد بن إسماعيل بن القاسم بن إبراهيم بن طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسني المدني الرسي قدم دمشق في صحبة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون حين توجه للقاء جيش ابن أبي الساج، فالتقيا بثنية العقاب من أرض دمشق. حدث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل قال: لما تراءى الجيشان أمر بإلقاء حصير الصلاة، فألقيت، ونزلت معه، فصلى ركعتين، فلما استتمهما أدخل يده في خفه، فأخرج منه خط ابن أبي الساج الذي حلف فيه بوكيد الأيمان أنه لا يحاربه، فقال: اللهم إني رضيت بما أعطانيه من الأيمان بك، ووثقت بكفايتك إياي غدره بحلفه. واجترأ على الحنث بما أكده لي اغتراراً بحلمك عنه، فأدلني عليه. فرأيت ميمنة خمارويه قد انهزمت، وتبعتها ميسرته، فحمل في شرذمة يسيرة على جيش أبي الساج، وهو في غاية من الوفور، فانهزموا بأسرهم. فوقف على نشز، وأطفت ومن حضر به. فاستأمنت إلينا عدة كبيرة. فقلت له: أيها الأمير، إن مقامنا مع هذه الجماعة خطر، فأمرني بالمسير بهم إلى مستقر سواء، فسرت معهم، وأنا على

رقبة مطمع فيه، أو كيد له. فبلغوا نهراً احتاجوا إلى عبوره، فرأيتهم قد خلعوا الخفاف، وحطوا الرحال، وسلكوا سلوك المطمئنين، فأنست إليهم. قال سعيد بن يونس: محمد بن إسماعيل بن القاسم، مديني، كان يسكن الرس، قرية نحو المدينة. قدم مصر قديماً روى عن أبيه عن جده حديثاً في فضل حضور موائد آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان كريماً سخياً، وكانت له بمصر منزلة عند السلطان والعامة. توفي بمصر سنة خمس عشرة وثلاث مئة. محمد بن إسماعيل بن القاسم بن الحسن أبو عبد الله الحداد البانياسي حدث عن أصل كتاب أحمد بن بكر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد في الصلاة، ما دام ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ". محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى بن يزيد بن دينار أبو حصين التميمي والد أبي الدحداح. حدث أبو حصين محمد بن إسماعيل التميمي، عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبي بهما جميعاً: " لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً ".

وحدث عن أبيه أيضاً بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة.. " فذكر الحديث. توفي أبو الحصن محمد بن إسماعيل الدمشقي سنة تسع ومئتين. محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام أبو بكر الخشني، مولاهم، المعروف بابن البصال المعدل أصلهم من خراسان، وكان خليفة القاضي أبي محمد بن زبر على قضاء دمشق. حدث أبو بكر المعروف بابن البصال عن أبي الوليد محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة من خير، ما سقى كافراً منها شربة ". كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن سلام الخشني ويعرف بابن البصال، شيخ جليل معدل، وكان أبوه محدثاً. مات في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة. محمد بن إسماعيل بن محمد أبو عبد الله البخاري قدم دمشق لزيارة القدس وسماع الحديث. حدث عن أبي بكر أحمد بن علي، بسنده إلى سعد بن ابي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومئة باللسان، وألف وخمس مئة في الميزان، وإذا أوى إلى

فراشه كبر أربعاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مئة باللسان وألف في الميزان قال: ثم قال: وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمس مئة سيئة؟! ". قال الحافظ ابن عساكر: ذكر لي عن هذا البخاري عجائب ببغداد من الفسوق والكذب، وأنه غير اسمه وكنيته، وتكنى بمحمد بن إسماعيل تشبهاً بالبخاري. هلك ببغداد في البيمارستان، وكان قد حد في الشراب. محمد بن إسماعيل بن مهران بن عبد الله أبو بكر النيسابوري المعروف بالإسماعيلي أحد الثقات الرحالين. حدث عن علي بن ميمون العطار، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل مسكر على كل مؤمن حرام ". وحدث عن سوار بن عبد الله العنبري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولغ الكلب في الإناء، غسل سبع مرات، أولهن - أو أولاهن - بالتراب. وإذا ولغ الهر غسل مرة ". توفي أبو بكر الإسماعيلي سنة خمس وتسعين ومئتين.

محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل السلمي الترمذي حدث عن الحسن بن سوار، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يتوارث أهل ملتين، المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ". وعن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى العباس بن عبد المطلب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب: الجبهة وكفاه وركبتاه وقدماه ". وعن محمد بن عبد الله الأنصاري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن إسماعيل بن يوسف كان فهماً متقناً مشهوراً بمذهب السنة، روى عنه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي في صحيحهما. وقال الدارقطني: أبو إسماعيل الترمذي ثقة صدوق، تكلم فيه أبو حاتم. توفي أبو إسماعيل الترمذي سنة ثمانين ومئتين.

محمد بن إسماعيل أبو بكر المرثدي القاضي ولي قضاء دمشق نيابة عن عبد الله بن محمد بن الخصيب تسعة اشهر حتى مات الخصيبي. وكان محموداً على ما قيل. ثم ولي قضاء صيدا حتى توفي سنة تسع وأربعين وثلاث مئة. محمد بن إسماعيل أبو بكر الفرغاني أحد مشايخ الصوفية، من أستاذي أبي بكر الدقي، وكان من مجتهدي أهل التصوف في العبادة وخلو اليد من العلوم. حدث محمد بن إسماعيل الفرغاني قال: سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: دخلت مسجد طرطوس، فرأيت فتيين جلوساً يتكلمان في علم الألفة، وسوء أدب الخلق، وحسن صنيع الله تعالى إليهم، وندمان نفوسهما فيما يجب لله تعالى عليهما. فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد تحدثنا في العلم، فتعال حتى نعامل الله تعالى به، فيكون لعلمنا فائدة ومنفعة. فعزما على ألا يتناولا شيئاً مسته أيدي بني آدم، ولا ما للخليقة فيه صنع. قال أبو الحارث: فقلت: وأنا معكما. فقالا: إن شئت. فخرجنا من طرطوس، وجئنا إلى جبل لكام، فأقمنا فيه ما شاء الله. قال أبو الحارث: أما أنا فضعفت نفسي، وقام العلم بين عيني؛ لئن مت على ما أنت عليه، مت ميتة جاهلية. فتركت صاحبي، ورجعت إلى طرطوس، ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي. وأقام صاحباي باللكام سنة، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد، فإذا أنا بأحد الفتيين جالساً في المسجد، فسلمت عليه، فقال: يا أبا الحارث، خنت الله تعالى في عهدك، ولم تف به! أما إنك لو صبرت

معنا، أعطيت ثلاثة أحوال، وقد أعطينا. فقلت: وما الثلاثة؟ قال: طي الأرض، والمشي على الماء، والحجبة إذا أردنا. واحتجب عني عقيب كلامه. فقلت: بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة. فظهر لي وقال: سل يا أبا الحارث، وأوجز. فقلت: كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال: هيهات يا أبا الحارث! بعد الخيانة لا تقبل الأمانة. فكوى قلبي بكية لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله، جل وعز. قال أحمد بن علي الرستمي: كان أبو بكر الفرغاني من أجل الصوفية، وكان من رسمه أنه يسيح، وكان معه كوز ضيق الرأس، فيه قميص نظيف رقيق. فإذا اشتهى دخول مدينة، تنظف، وتطهر، وأخرج ذلك القميص فلبسه. وكان يسافر بمفتاح منقوش، فإذا دخل المدينة، عمد إلى مسجد يصلي، فطرح المفتاح بين يديه. فكل من يراه، توهم أنه تاجر قد ترك بعض الخانات. فلا يفطن له إلا الخلصان من أولياء الله عز وجل. فدخل مصر مرة على هذا الزي، فعرف بها، واجتمع إليه الصوفية. فكان يوماً يتكلم عليهم، إذ عرض له خاطر السفر، فقام من مجلسه، وخرج معه نحو سبعين رجلاً من الصوفية فمشى في يومه فراسخ، لا يعرج إلى أحد، فيقطع من كان خلفه، وبقي منهم قليل، فالتفت إليهم فقال: كأني بكم وقد جعتم وعطشتم. فقالوا: نعم. فعدل إلى دير فيه صومعة لراهب، فلما دخلوا، أشرف الراهب على أصحابه فناداهم فقال: أطعموا رهبان المسلمين، فإن بهم قلة صبر على الجوع. فغضب من ذلك غضباً شديداً، ورفع رأسه إليه وقال: أيها الكافر، هل لك إلى خطة يتبين فيها الصابر من الجازع. قال: وما ذاك؟ قال: تنزل من صومعتك فتتناول من الطعام ما أحببت، ثم تدخل معي بيتاً، ونغلق علينا الباب، ويدلى إلينا من الماء قدر ما يتطهر به فأول من يظهر جزعه، ويستغيث من جوعه، ويستفتح الباب، يدخل في دين صاحبه كائناً من كان، على أني لم أذق من ثلاث ذواقاً. قال الراهب:

محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب

لك ذلك. فنزل من صومعته، فأكل ما أحب، وشرب، ثم دخل مع أبي بكر بيتاً، وغلق الباب عليهما، والصوفية والرهبان يرصدونهما لا يسمعون لهما بحس أربعين يوماً. فلما كان في اليوم الحادي والأربعين سمعوا خشخشة الباب وقد تعلق بحده، ففتحوا الباب، فإذا الراهب قد تلف جوعاً وعطشاً، وإذا هو يستغيث بهم إشارة، فسقوه، واتخذوا له حريرة، فصبوها في حلقه، وأبو بكر الفرغاني ينظر ليهم. فلما رجعت إليه نفسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ففرح أبو بكر، وجعل يتكلم على من في الدير من النصارى، حتى أسلموا عن آخرهم، وقدم بغداد، ومعه الراهب ومن أسلم من أولئك النصارى. حدث أبو بكر الدقي قال: كان أبو بكر الفرغاني يأكل المنبوذ إلى أن ضعفت قوته. قال: فقال لنا: كنت جالساً يوماً بين الظهر والعصر، والناس يتنفلون، وليس يمكنني الصلاة قائماً، فأبكاني ذلك بكاءً شديداً أسفاً على الصلاة. ثم حملتني عيني، فإذا شخصان دخلا علي، فقال أحدهما لصاحبه: إن أبا بكر يبكي على الصلاة. فقال الآخر لي: يا أبا بكر لم تبكي؟ فقلت: أسفاً على الصلاة. قال: لا تبك فإن هذا الأمر ليس على هذا أسس. فقلت: يرحمك الله، فعلى ماذا أسس؟ فقال: على من أين؟ ولمن؟ يعني الورع. مات أبو بكر الفرغاني سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن الأشعث بن قيس بن معد يكرب ابن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية أبو القاسم الكندي الكوفي وأمه أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر.

حدث عن عائشة أنها قالت: بينا أنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ استأذن رجل من اليهود، فأذن له، فقال: السام عليك. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك " قالت: فهممت أن أتكلم. قالت: ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وعليك " قالت: ثم دخل الثالثة فقال: السام عليكم، قالت: قلت: بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير، تحيون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يحيه به الله! قالت: فنظر إلي فقال: " إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولاً فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيئاً، ولزمهم إلى يوم القيامة. إنهم لا يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين ". قال يزيد بن سويد: أذن معاوية للأحنف، وكان يبدأ بإذنه، ثم دخل محمد بن الأشعث، فجلس بين معاوية والأحنف. فقال معاوية: إنا لم نأذن له قبلك فتكون دونه، وقد فعلت فعال من أحس من نفسه ذلاً، إنا كما نملك أموركم، نملك إذنكم، فأريدوا منا ما نريد منكم، فإنه أبقى لكم. قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل المدينة: محمد بن الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي بن عفير. وأمه أم فروة بنت أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم.

قال يحيى بن معين: أربعة محمد أبو القاسم: محمد بن الحنفية، ومحمد بن طلحة، ومحمد بن حاطب، ومحمد بن الأشعث. وقال إبراهيم: كان محمد بن الحنفية يكنى أبا القاسم، وكان محمد بن الأشعث يكنى أبا القاسم، وكان يدخل على عائشة فكانت تكنيه به. حدث سليمان بن يسار: أن محمد بن الأشعث أخبره أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت، وأن محمد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن الخطاب، وقال له: من يرثها؟ فقال له عمر: يرثها أهل دينها. ثم إنه سأل عثمان بن عفان عن ذلك، فقال له عثمان بن عفان: أتراني نسيت ما قال لك عمر؟! ثم قال: يرثها أهل دينها. قتل محمد بن الأشعث سنة سبع وستين. قال الزبير بن بكار في تسمية ولد علي بن أبي طالب: عبيد الله بن علي، قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي حين غلب المختار على الكوفة، فلم ير عند المختار ما يحب.. فخرج من عنده فقدم البصرة، فجمع جماعة، فبعث إليه مصعب بن الزبير من فرق جماعته، وأعطاه الأمان، فأتاه عبيد الله، فأكرمه مصعب، فلم يزل عبيد الله مقيماً عنده، حتى خرج مصعب بن الزبير إلى المختار، فقدم بين يديه محمد بن الأشعث، فضم عبيد الله إليه، فكان مع محمد في مقدمة مصعب، فبيته أصحاب المختار، فقتلوا محمداً، وقتلوا عبيد الله تحت الليل. فلما قتل المختار، قال مصعب للأحنف بن قيس: يا أبا بحر، إنه ليتنغص علي هذا الفتح أن لم يكن عبيد الله بن علي ومحمد بن الأشعث حيين فيسرا به. أما إنه قتل عبيد الله شيعة أبيه، وهم يعرفونه. وكان قتلهما في سنة سبع وستين.

محمد بن أشعث بن يحيى

محمد بن أشعث بن يحيى الخزاعي الخراساني أحد قواد بني هاشم. ولاه المنصور دمشق بعد صالح بن علي، وكان ممن حضر حصار دمشق في أول سلطان بني هاشم. قال خليفة بن خياط: وفيها - يعني سنة ثلاث وأربعين ومئة - وجه محمد بن الأشعث، وهو على مصر، أبا الأحوص العبدي في ستة آلاف إلى إفريقية، فنزل برقة، فلقي أبا الخطاب الإباضي قريباً من برقة، فهزم أبو الأحوص، ورجع إلى برقة، ومضى أبو الخطاب إلى طرابلس، فلقيه محمد بن الأشعث بلبدة، فقتل أبو الخطاب، ودخل ابن الأشعث القيروان. ذكر الواقدي أن محمد بن الأشعث هذا مات بآمد مجتازاً سنة تسع وأربعين ومئة أو بعدها. وذكر الطبري أنه مات سنة تسع وأربعين ومئة. محمد بن أصبغ أبو بكر المصري قاضي دمشق خلافة عن القاضي أبي القاسم عبد الله بن محمد قاضي القضاة الملقب بالعزيز. قدم دمشق سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة.

محمد بن أمية بن عبد الملك

محمد بن أمية بن عبد الملك أبو عبد الرحمن القرشي الأسيدي حدث عن عباس بن الوليد بن صبح، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئاً، كان حقاً على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده " فقلنا: يا رسول الله، ألا نخبر بها الناس فليستبشروا بها؟ قال: " إن في الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله. ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ". محمد بن إياس بن عمرو ابن المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي المؤملي سكن دمشق، له ذكر. حدث ابن شهاب قال: كانت أم حبيب بنت قيس بن عمرو بن المؤمل ذات ميسم وجمال، فتزوجها محمد بن عمرو بن العاص ابن خالها، ففارقها. فخطبها غير واحد، فقالت: لا أنكح إلا المحمدين. فخطبها محمد بن أبي حذيفة بن عتبة، فتزوجته، فقتل عنها، فخطبها محمد بن أبي بكر الصديق، فتزوجته، فقتل عنها، فنكحت محمد بن جعفر بن أبي طالب، فمات عنها، فقدم عليها ابن عمها محمد بن إياس بن عمرو بن المؤمل، وكان بدمشق، فخطبها، فنكحته، فخرج بها إلى دمشق، فماتت عنده.

محمد بن أيوب بن إسحاق

محمد بن أيوب بن إسحاق ابن عيسى بن إبراهيم بن يوسف بن تميم بن بحير أبو بكر الرافقي قدم دمشق حاجاً سنة عشرين وثلاث مئة. وحدث بها عن أبي العباس محمد بن علي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره وتأخير سحوره. وتسحروا، فإنه الغداء المبارك ". محمد بن أيوب بن حبيب بن يحيى أبو الحسين - ويقال أبو عبد الله - المعروف بالصموت، الرقي نزيل مصر. حدث عن هلال بن العلاء، بسنده إلى عمران بن الحصين قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطرف عمامتي من ورائي فقال: " يا عمران، إن الله يحب الإنفاق، ويبغض الإقتار. أنفق، وأطعم، ولا تصر صراً، فيعسر عليك الطلب، واعلم أن الله يحب النظر النافذ عند الشبهات، والعقل الكامل عند نزول الشهوات، ويحب السماحة، ولو على تمرات، ويحب الشجاعة، ولو على قتل حية أو عقرب ". محمد بن أيوب بن الحسن أبو بكر من أهل داريا.

محمد بن أيوب بن مشكان

حدث عن الحسن بن علي بن خلف الصيدناني، بسنده إلى أني بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الملائكة قالوا: ربنا خلقتنا، وخلقت بني دم، فجعلتهم يأكلون الطعام، ويشربون الشراب، ويلبسون الثياب، ويأتون النساء، ويركبون الدواب، وينامون، ويستريحون، ولم تجعل لنا من ذلك شيئاً، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة. فقال عز وجل: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: كن، فكان ". محمد بن أيوب بن مشكان أبو عبد الله النيسابوري حدث بدمشق، وببيت المقدس. روى عن المستحر بن الصلت، بسنده إلى حبيب بن مسلمة قال: نفل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثلث بادئاً، والربع راجعين. أو قال: الربع بادئاً والثلث راجعين. محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس أبو بكر الجبلاني دمشقي. حدث عن أبيه، عن بسر بن أرطاة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".

محمد بن أيوب الجسراني

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا بأس به، هو صالح الحديث، وليس بمشهور. محمد بن أيوب الجسراني قال الحافظ ابن عساكر: أظنه من أهل جسرين، قرية بالغوطة. حدث محمد بن أيوب الجسراني عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى ابن مسعود، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط، فيكبو مرة، ويمشي مرة، وتسفعه النار مرة. فإذا جاوزها، التفت إليها فقال: الحمد لله الذي نجاني منك، لقد أعطاني شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: يا رب، أدنني منها أستظل بظلها. فيقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، لعلي إن أعطيتك تسألني غيرها.. " وذكر الحديث، كذا فيه لم يزد عليه. محمد بن بركات بن محمد أبو عبد الله المقدسي، الدهان المفصص سكن دمشق. روى عن عبد الله بن الحسن التنيسي، بسنده إلى ابن عباس قال: استدبرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجد، فرأيت بياض إبطيه. قال الحافظ ابن عساكر: كان أبو عبد الله شيخاً مستوراً، مواظباً على صلاة الجماعة. توفي بعد العشرين وخمس مئة.

محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم

محمد بن بركة بن الحكم بن إبراهيم ابن الفرداج أبو بكر الحافظ الحميري اليحصبي القنسريني، المعروف ببرداغس سكن حلب، ثم قدم دمشق. وحدث بها عن أحمد بن محمد بن أبي رجاء، بسنده إلى أم الدرداء قالت: دخل علي أبو الدرداء مغضباً، فقلت: ما لك؟ فقال: ما أعرف مع الناس شيئاً مما كنا فيه على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذه الصلاة في جماعة. وحدث عن أبي داود، بسنده إلى عامر بن ربيعة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " العجماء جرحها جبار ". قال ابن ماكولا: محمد بن بركة بن الفرداج القنسريني، يعرف ببرداغس، كان حافظاً. وضعفه الدارقطني. توفي محمد بن بركة برداغس سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. محمد بن بزال أبو عبد الله القائد المعروف بقائد الجيوش مختار الدولة ولي إمرة دمشق بعد أبي المطاع بن حمدان في أيام الملقب بالحاكم، قدمها لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربع مئة، وسار عنها معزولاً سلخ المحرم من سنة ست وأربع مئة، فكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية عشر يوماً.

محمد بن بشر بن موسى بن مران

محمد بن بشر بن موسى بن مران أبو بكر القراطيسي أصله من أنطاكية، وسكن دمشق. حدث أبو بكر الأنطاكي القراطيسي، عن الحسن بن عرفة، بسنده إلى ابن عمر أنه كان يكره الاشتراط في الحج، ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ سمع أبو بكر سنة عشرين وثلاث مئة. محمد بن بشر بن يوسف بن إبراهيم بن حميد بن نافع أبو الحسن القرشي القزاز، يعرف بابن ماموية مولى عثمان بن عفان، من سكان المربعة، قرأ القرآن بحرف ابن عامر. حدث محمد بن بشر مولى عثمان بن عفان، عن هشام بن خالد، بسنده إلى ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما خلق الله عز وجل جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها: تكلمي. فقالت: قد افلح المؤمنون - زاد في رواية - ثم قالت: أنا حرام على كل بخيل ومراء ". وحدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في صلاة الصبح من يوم الجمعة " ألم. تنزيل " السجدة، و" هل أتى على الإنسان ".

محمد بن بشر الأسدي الحريري الكوفي

سئل الدارقطني عن محمد بن بشر، ابن ماموية القزاز، بدمشق فقال: صالح. توفي محمد بن بشر القزاز بدمشق سنة إحدى وثلاث مئة. محمد بن بشر الأسدي الحريري الكوفي حدث عن زنبور، بسنده إلى عائشة قالت: مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرنا أن نصب عليه ماءً من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن. فوضعناه في مخضب لحفصة، ثم شتا عليه الماء، حتى أشار بيده أن كفوا. قالت: قم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، فسدوا هذه الشوارع كلها في المسجد إلا خوخة أبي بكر، فإنه ليس امرؤ أمن علينا في إخائه وذات يده من ابن أبي قحافة ". مات محمد بن بشر الحريري سنة سبع وعشرين ومئتين. محمد بن بكار وفد على هشام. وحدث عن الزهري، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما ترك عبد لله أمراً، لا يتركه إلا له، إلا عوضه الله ما هو خير له في دينه ودنياه ". محمد بن بكار بن بلال أبو عبد الله العاملي قاضي دمشق.

محمد بن بكار بن يزيد بن بكار

حدث محمد بن بكار، عن سعيد بن بشر، بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليمض في صلاته ". وعنه أيضاً، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الملك في قريش، ولهم عليكم حق، ولكم عليهم مثله، ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا. وعاهدوا فوفوا. فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". وعنه أيضاً، بسنده إلى سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل نبي حوضاً يتباهون به أنهم أكثر واردة. وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ". وثقوه. قال الحسن بن محمد بن بكار: توفي أبي أبو عبد الله محمد بن بكار بن بلال العاملي في سنة ست عشرة ومئتين، وكان مولده في سنة اثنتين وأربعين ومئة، فكانت وفاته وهو ابن أربع وسبعين سنة. محمد بن بكار بن يزيد بن بكار ابن يزيد بن المرزبان بن مران بن أوس بن وداعة بن ضمام بن سكسك أبو الحسن السكسكي من أهل بيت لهيا، وكان قاضيها.

محمد بن بكران بن أحمد بن عبد الله

حدث أبو الحسن السكسكي عن العباس بن الوليد، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يزال بدمشق عصابة يقاتلون على الحق، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون ". وحدث عن محمد بن إسماعيل، بسنده إلى عائشة قالت: " سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل طلق امرأته، فتزوجت زوجاً غيره، فدخل بها، ثم طلقها قبل أن يواقعها، أتحل لزوجها الأول؟ قال: " لا، حتى يذوق عسليتها، وتذوق عسليته ". توفي أبو الحسن محمد بن بكار بن يزيد السكسكي سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن بكران بن أحمد بن عبد الله أبو بكر الطرسوسي نزيل الرملة. حدث عن أبي سهل محمد بن مران الطرزي، بسنده إلى أم سلمة قالت: أنشأ - تعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الخندق، وهو يعاطيهم اللبن، وقد اغبر شعر صدره، وهو يقول: من الرجز اللهم إن الخير خير الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب إغاثة اللهفان ".

محمد بن بكر بن إلياس بن بيان

قال علي بن محمد الحنائي: أبو بكر الطرسوسي الشيخ النبيل، كان من عباد الله الصالحين. محمد بن بكر بن إلياس بن بيان أبو جعفر الخوارزمي الحافظ، المعروف بمحمد بن أبي علي ختن أبي الأذان عمر بن إبراهيم. حدث بدمشق عن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا وضع العشاء، وحضرت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء ". قال أبو نعيم: محمد بن بكر بن إلياس صاحب غرائب، كثير الحديث. محمد بن بكير بن واصل بن مالك ابن قيس بن جابر بن ربيعة أبو الحسين الحضرمي البغدادي حدث عن عبد الرحمن بن زيد، بسنده إلى أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ". قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن محمد بن بكير الحضرمي فقال: صدوق عندي، يغلط أحياناً.

محمد بن بوري بن طغتكين

وقال أبو نعيم الحافظ: محمد بن بكير بن واصل، قدم أصبهان سنة ست عشرة ومئتين، وتوفي بعد العشرين، وهو صاحب غرائب. وثقه محمد بن غالب، ويعقوب بن شيبة. محمد بن بوري بن طغتكين أبو المظفر، المعروف بجمال الدين كان أبوه قد ولاه بعلبك في حياته، فأقام واليها سنين، ثم ولي أمر دمشق في شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة. وكان ضعيف السيرة، ولم تطل مدته، فمات في ثامن شعبان سنة أربع وثلاثين. محمد بن بيان بن محمد أبو عبد الله الكازروني الفقيه الشافعي قدم دمشق حاجاً. حدث عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: جمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت آخر من أتاه، ونحن أربعون رجلاً، فقال: " إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم. فمن أدرك ذلك، فليتق الله عز وجل، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، وليصل الرحم. ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ".

محمد بن تمام اللخمي

محمد بن تمام اللخمي من أهل دمشق حدث عن منبه بسنده إلى فضالة بن عبيد وتميم الداري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ عشر آيات في ليلة، كتب من المصلين، ولم يكتب من الغافلين. ومن قرأ خمسين آية، كتب من الحافظين. ومن قرأ مئة آية، كتب من القانتين. ومن قرأ ثلاث مئة آية، لم يحاجه القرآن في تلك الليلة، ويقول ربك عز وجل: لقد نصب عبدي في. ومن قرأ ألف آية، كان له قنطار؛ القيراط منه خير من الدنيا وما فيها. فإذا كان يوم القيامة قيل له: اقرأ وارقه. فكلما قرأ آية، صعد درجة، حتى ينتهي إلى ما معه، ويقول الله عز وجل له: اقبض بيمينك على الخلد، وشمالك على النعيم ". مات محمد بن تمام بعد الستين ومئتين. محمد بن تمام بن صالح أبو بكر النهراني، الحمصي ثم السلماني من أهل سلمية. حدث عن المسيب بن واضح، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المجاهد في سبيل الله كالقانت الصائم الذي لا يفتر، حتى يرجع إلى أهله بما رجع من أجر أو غنيمة، أو يتوفاه فيدخله الجنة ". وحدث عن عمرو بن عثمان، بسنده إلى ابن عباس وأبي هريرة قالا: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شريطة الشيطان. يعني التي لا تقطع أوداجها. توفي أبو بكر محمد بن تمام سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.

محمد بن توبة

محمد بن توبة أبو بكر الطرسوسي الزاهد سكن دمشق. حدث محمد بن توبة، عن روح، عن عمر بن سعيد قال: أهدى عبد الله بن عامر بن كريز إلى عائشة هدية، فظنت أنه عبد الله بن عمرو، فردتها، وقالت: يتتبع الكتب، وقد قال الله عز وجل: " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم "، فقيل لها: إنه عبد الله بن عامر، فقبلتها. محمد بن ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس ابن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ولد على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنكه بريقه، وكانت له بدمشق دار، على ما قيل. قال ابن منده: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، ولد في زمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تصح له صحبة. حدث محمد بن ثابت بن قيس: أن أباه ثابتاً فارق أمه جميلة، وهي حاملة بمحمد، فلما وضعت، حلفت ألا تلبنه من لبنها، فجاء به ثابت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خرقة، فأخبره بالقصة. فقال: أدنه مني. قال: فأدنيته منه. فبزق في فيه، وسماه محمداً، وحنكه بتمرة عجوة، وقال: اذهب به فإن الله عز وجل رازقه.

وحدث عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه دخل عليه فقال: " اكشف الباس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس " ثم أخذ تراباً من بطحان، فجعله في قدح ماء، ثم صبه عليه. وأخبر قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة، قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحفر لنفسه حفرة، وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ، فقاتل حتى قتل، رحمه الله، يوم اليمامة شهيداً سنة اثنتي عشرة. وذلك في خلافة أبي بكر. ذكر أبو الحسين الرازي، بأسانيده عن شيوخه الدمشقيين: أن الدار المعروفة بدار البراد الكبيرة، كانت دار ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الصحابي، ثم كانت لعبد الله ومحمد ابني ثابت بن قيس بن شماس. وهي حبس كان عبد الله ومحمد ابني ثابت حبساها على أولادهما. ومن ولدهما في الغوطة في قرية يقال لها عربيل. وفي هذا نظر؛ فإن ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر قبل فتح دمشق، بلا خلاف بين أهل السيرة، فكيف تكون له بدمشق دار؟ ولعل الدار كانت لابنيه. والله أعلم. وقد روي أن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس كان غازياً بالشام، وأرسله يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة قبل الحرة. قال خليفة بن خياط: محمد بن ثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وأمه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول. قتل هو وأخواه يحيى وعبد الله بنو ثابت يوم الحرة.

محمد بن جابر بن حماد

محمد بن جابر بن حماد أبو عبد الله المروزي الفقيه الحافظ حدث عن كثير بن محمد التميمي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من آتاه الله وجهاً حسناً، واسماً حسناً، وجعله في موضع فير شائن له، فهو من صفوة الله في خلقه ". قال ابن عباس: قال الشاعر: أنت شرط النبي إذ قال يوماً ... اطلبوا الخير من حسان الوجوه قال أبو عبد الله محمد بن جابر: رأيت من لا يحصى كثرة من الأئمة المقتدى بهم يرفعون أيديهم إذا كبروا لافتتاح الصلاة حذو مناكبكم، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم من الركوع. فإن قال قائل: فإن مالك بن أنس لم يكن يرفع يديه إلا عند الافتتاح، وهو أحد أعلامكم الذين تقتدون بهم، قيل له: صدقت، هو من كبار من يقتدى به، ويحتج به، وهو أهل لذلك، رحمة الله عليه، ولكنك لست من العلماء بقوله: حدثنا حرملة بن عبد الله التجيبي، أنبأنا عبد الله بن وهب قال: رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع. قال أبو عبد الله: فذكرت ذلك لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو ناب أصحاب مالك بمصر والعالم بقوله وما مات مالك عليه، فقال: هذا قول مالك وفعله الذي مات عليه، وهو السنة، وأنا عليه، وكان حرملة على هذا. مات أبو عبد الله الحافظ سنة سبع وسبعين ومئتين، وهو في حد الكهولة. محمد بن جبير بن مطعم بن عدي ابن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو سعيد القرشي ثم النوفلي من أهل مكة، وفد دمشق على معاوية وعلى عبد الملك بن مروان.

حدث محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالطور في المغرب. وكان يحدث: أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب معاوية، فقام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث - وفي رواية: بأحاديث - ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك جهالكم. فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن هذا الأمر في قريش. لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ". حدث محمد بن سعد قال: في الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ويكنى أبا سعيد. توفي بالمدينة زمن عمر بن عبد العزيز. قال إبراهيم بن الحارث التيمي: قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان، وكان من علماء قريش، فقال له عبد الملك: يا أبا سعيد، ألم نكن - يعني بني عبد شمس - وأنتم - يعني بني نوفل - في حلف الفضول؟ قال: أنت أعلم يا أمير المؤمنين. قال: لتخبرني بالحق من ذلك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام. روي عن محمد بن جبير بن مطعم أنه احتسب بعلمه، وجعله في بيت، وأغلق عليه باباً، ودفع المفتاح إلى مولاة له، وقال لها: من جاءك يطلب منك مما في هذا البيت شيئاً، فادفعي إليه المفتاح. ولا تذهبي من الكتب شيئاً.

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب

قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: وكان محمد بن جبير وأخوه نافع بن جبير ينزلان دار أبيهما بالمدينة. وتوفي محمد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان محمد ثقة قليل الحديث. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري الإمام، صاحب التصانيف المشهورة، قرأ القرآن العظيم على العباس بن الوليد ببيروت. حدث محمد بن جرير الطبري، عن أحمد بن منيع، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لضباعة: " حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني ". وحدث عن بشر بن دحية، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ختم له عند موته بلا إله إلا الله، دخل الجنة ". وحدث عن أبي زرعة الرازي، بسنده إلى ابن عباس قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل مكشوفة فخذه، فقال له: " غط فخذك. فإن فخذ الرجل من العورة ". قال أبو بكر الخطيب: استوطن الطبري بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته. وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد

من أهل عصره. وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين من الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم. وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في التفسير، لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه تهذيب الآثار، لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه. وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه. ذكر أبو محمد عبد اللطيف بن أحمد بن جعفر الفرغاني: أن مولد الطبري بآمل سنة أربع وعشرين ومئتين. حدث أبو علي هارون بن عبد العزيز: أن أبا جعفر لما دخل بغداد، وكانت معه بضاعة يتقوت منها، فسرقت، فأفضت به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه. فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان؟ قال له: نعم. فمضى الرجل، فأحكم له أمره، وعاد إليه، فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه. فلما رآه عبيد الله قربه ورفع مجلسه، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أوقات طلبه العلم والصلوات والأكل والشرب والراحة في حينها، وسأل إسلافه رزق شهر ليصلح به حاله. ففعل ذلك به، وأدخل في حجرة التأديب، فأجلس فيها. وكان قد فرش له. وخرج إليه الصبي، وهو أبو يحيى، فلما جلس، بين يديه كتبه، فأخذ الخادم اللوح، ودخلوا مستبشرين؛ فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير، فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء، وما هذا لي بحق، وما آخذ غير ما شورطت عليه. فعرف الجواري الوزير ذلك، فأدخله إليه، وقال له: يا أبا جعفر، سررت أمهات الأولاد في ولدهن، فبررنك، فغممتهن بردك ذلك! فقال له: ما أريد غير ما وافقتني عليه. وهؤلاء عبيد، والعبيد لا يملكون شيئاً. فعظم ذلك في نفسه. وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء

من المأكول فيقبله اتباعاً للسنة ويكافئه لعظم مروءته أضعافاً، وربما يجحف به. فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته. وروى الخطيب أيضاً من طريقه: أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة. وأنه قيل: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً. وأنه قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير. كتب المراغي إلى الفرغاني يقول: لما تقلد الخاقاني الوزارة، وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع من قبوله، فعرض عليه القضاء، فامتنع، فعرض عليه المظالم، فأبى، فعاتبه بعض أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. فطمعوا في قبوله المظالم، فباكروه، ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم، وقال: كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه، ولامهم. قال: فانصرفنا من عنده خجلين. وقال أبو علي الطوماري: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح. فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده، فلم يدخله، وأنا معه، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلاً، ثم انصرف، فقلت له:

يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك، وجئت تسمع قراءة هذا؟! قال: يا أبا علي دع هذا عنك. ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يحسن يقرأ هذه القراءة. أو كما قال. وقال محمد بن علي بن محمد بن سهل، المعروف بابن الإمام، صاحب محمد بن جرير الطبري: سمعت أبا جعفر محمد بن جرير الطبري الفقيه، وهو يكلم المعروف بابن صالح الأعلم، وجرى ذكر علي بن أبي طالب، فجرى خطاب، فقال له محمد بن جرير: من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدىً، أيش هو؟ قال: مبتدع. فقال له الطبري إنكاراً عليه: مبتدع، مبتدع! هذا يقتل، من قال إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدىً يقتل يقتل! حدث عثمان بن أحمد الدينوري قال: حضرت مجلس محمد بن جرير الطبري، وحضر الوزير الفضل بن جعفر بن الفرات، وكان سبقه رجل للقراءة، فالتفت إليه محمد بن جرير فقال: ما لك لا تقرأ؟ فأشار الرجل إلى الوزير. فقال له: إذا كانت لك النوبة، فلا تكترث لدجلة ولا الفرات! أنشد محمد بن جرير الطبري: من الوافر إذا أعسرت لم يعلم رفيقي ... وأستغني فيستغني صديقي حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي ولو أني سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق وأنشد أيضاً: من الكامل خلقان لا أرضى طريقهما ... بطر الغنى ومذلة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطراً ... وإذا افتقرت فته على الدهر قال أحمد بن كامل القاضي: توفي أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال، سنة عشر وثلاث مئة، ودفن وقد أضحى النهار من يوم الاثنين غد ذلك

محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى

اليوم، في داره برحبة يعقوب، ولم يغير سيبه، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيراً. وأخبرني أن مولده في آخر سنة أربع - أو أول سنة خمس - وعشرين ومئتين. وكان أسمر إلى الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيح اللسان. ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه من لا يحصيهم عدداً إلا الله، وصلي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة: من الخفيف حدث مفظع وخطب جليل ... دق عن مثله اصطبار الصبور قام ناعي العلوم أجمع لما ... قام ناعي محمد بن جرير فهوت أنجم لها زاهرات ... مؤذنات رسومها بالدثور وغدا روضها الأنيق هشيماً ... ثم عادت سهولها كالوعور يا أبا جعفر مضيت حميداً ... غير وان في الجد والتشمير بين أجر على اجتهادك موفو ... ر وسعي إلى التقى مشكور مستحقاً به الخلود لدى جن ... نة عدن في غبطة وسرور محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى أبو جعفر النسوي الرامراني الفقيه أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال: محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى النسوي أبو جعفر الفقيه، من أهل الرامران، وهي قرية على أقل من فرسخ من مدينة نسا. وكان أبو جعفر من الفقهاء الثقات المعدلين. وكان حسن الحديث، صحيح الأصول. توفي سنة ستين وثلاث مئة. محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان ابن علي بن صالح أبو الفرج، يعرف بابن صاحب المصلى، البغدادي حدث محمد بن جعفر البغدادي، عن إبراهيم بن مروان المرواني، بسنده إلى أم كرز قالت:

محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد

سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة فقال: " عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة ". ضعفه أبو بكر الخطيب وغيره، لكثرة أوهامه وسوء ضبطه. محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد أبو بكر البغدادي، الحافظ المفيد، يلقب غندراً رحال جماع. حدث محمد بن جعفر غندر الحافظ، عن الحسن بن شبيب المعمري، بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالمضمضة والاستنشاق. حدث أبو عبد الله الحافظ قال: محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد المفيد أبو بكر البغدادي الملقب بغندر. وكان يحفظ سؤالات شيوخه، ويعرف رسوم هذا العلم. أقام بنيسابور سنين، وكان يفيدنا، وخرج لي أفراد الخراسانيين من حديثي. ثم إنه خرج إلى مرو، وبقي بها. سمع ببغداد وبالجزيرة وبالشام، ثم دخل البصرة والأهواز وخوزستان وأصبهان والجبال ودخل خراسان وما وراء النهر إلى الترك، وعلى طريق بلخ إلى سجستان، وكتب من الحديث ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة. ثم استدعي إلى الحضرة ببخارى، ليحدث بها، من مرو، فتوفي رحمه الله في المفازة سنة سبعين وثلاث مئة. محمد بن جعفر بن خالد الدمشقي صنف كتاباً في فتوح الشام.

محمد بن جعفر بن عبيد الله

محمد بن جعفر بن عبيد الله ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي كان مع بني العباس الذين خرجوا من الحميمة إلى الكوفة في أول أمر بني العباس. له ذكر. وكان المنصور معجباً به، وكان كريماً يسأله حوائج الناس، فيقضيها له. محمد بن جعفر بن عبيد الله بن صالح أبو عبد الله الحميري الكلاعي الحمصي حدث عن أبي سهل محمد بن هارون الطرزي، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً ". وحدث عن أبي علي يونس بن أحمد، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده ". محمد بن جعفر بن علي بن محمد بن جعفر بن جبارة أبو جعفر الجوهري حدث عن أبي القاسم عبد الجبار بن أحمد بن محمد السمرقندي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "

محمد بن جعفر المتوكل بن محمد

من عزى أخاه المؤمن في مصيبته، كساه الله حلة خضراء يحبر بها " قيل: يا رسول الله، ما " يحبر بها "؟ قال: " يغبط بها ". محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو أحمد الناصر لدين الله، المعروف بالموفق قدم دمشق مع أبيه جعفر المتوكل. قال الموفق: صدق المأمون حيث يقول: الفلك أدق من أن يبقى على حال. فانتهزوا أوقات فرص الزمان من السرور، واعتقدوا المنن في أعناق الرجال، فتكونوا قد جمعتم الأمرين: أخذ الحظ من السرور قبل فوته، وبقيتم لأنفسكم الذكر الجميل، ولأعقابكم الصنائع المحمودة، فإن السرور في الدنيا لمع، والعوارض بالغموم والمكروه لا تعدم فيها، وليس تدوم لا على السراء ولا على الضراء. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن جعفر المتوكل على الله بن محمد المعتصم بالله، يكنى أبا أحمد، ولقبه الموفق بالله. كان أخوه المعتمد قد عقد له ولاية العهد بعد ابنه جعفر، فمات الموفق قبل موت المعتمد بسنة وأشهر. ويقال إن اسمه كان طلحة. حدث عبد الله الألوسي قال: لما صار جيش الدعي بالبصرة إلى النعمانية، طرحت رقعة في دار الناصر مختومة، فجاؤوا بها إلى الموفق فقال: فيها عقرب لا شك. ففتحوها، فإذا فيها: من الوافر أرى ناراً تأجج من بعيد ... لها في كل ناحية شعاع

محمد بن جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد

وقد نامت بنو العباس عنها ... وأضحت وهي غافلة رتاع كما نامت أمية ثم هبت ... لتدفع حين ليس لها دفاع فأمر الموفق ساعته بالارتحال إلى البصرة. قال إسماعيل بن علي: كان المعتمد على الله عقد العهد بعده لابنه جعفر، وسماه المفوض إلى الله، وعقد العهد بعد ابنه جعفر لأخيه أبي أحمد، وسماه الموفق بالله. وكان هذا العقد يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة إحدى وستين ومئتين. وكان جعفر يومئذ صغيراً، فشرط في العهد: إن حدث به حدث الموت، ولم يبلغ جعفر ويكمل الأمر، أن يكون الأمر لأبي أحمد أولاً، ثم لجعفر من بعده. فلم يزل أمر أبي أحمد يقوى ويزيد، حتى صار الجيش كله تحت يده، والأمر كله إليه، وكان قتل صاحب الزنج بالبصرة على يديه، فملك الأمر، وأحبه الناس، وأطاعوه. وتسمى بعد قتل البصري الخارجي بالناصر لدين الله مضافاً إلى الموفق بالله، فكان يخطب له على المنابر بلقبين يقال: اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد الموفق بالله ولي عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين. وفي رواية: ولما غلب الموفق على الأمر حظر على المعتمد، واحتاط عليه وعلى ولده، وجمعهم في موضع واحد، ووكل بهم، وأجرى الأمور في مجاريها، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي ليلة الخميس لثمان بقين من صفر سنة ثمان وسبعين ومئتين في القصر المعروف بالحسني، على شاطئ دجلة، ودفن في الرصافة ليلاً، وله من السن يومئذ تسع وأربعون سنة تنقص شهراً وأياماً. وأمه أم ولد. محمد بن جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو عيسى بن المتوكل الهاشمي قدم مع أبيه دمشق.

كتب أبو محمد عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر بخطه: أنه لما عزم المعتمد على الخروج إلى الشام، والموفق إذ ذاك يحارب الخائن بالبصرة، والدنيا مضطربة، أشار عليه أبو عيسى بن المتوكل أخوه ألا يفعل، وحرص به، فأبى عليه. فقال أبو عيسى، وعمل فيه لحناً: من المتقارب أقول له عند توداعه ... وكل بعبرته مبلس لئن قعدت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس وقال، وقد أمر بالركوب لينحدر من سر من رأى: من مجزوء الخفيف سيكون الذي قضي ... سخط العبد أو رضي ليس هذا بدائم ... كل هذا سينقضي ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس الوراق: أن أبا عيسى بن المتوكل وعبد الله وحمزة ابني المعتز حملوا من سر من رأى، فأدخلوا بغداد يوم الجمعة مستهل شعبان سنة تسع وسبعين ومئتين. حدث عبد الله بن عبد الملك المعروف بالهدادي الشاعر قال: كان السبب في قتل أبي عيسى بن المتوكل أن أبا عيسى كاتب أبا الجيش في أمر ضيعته، وكان النهيكي وكيله في ضياعه بدمشق، فتخلف عن أبي عيسى من مالها ستة عشر ألف دينار، فاستأذن أبا القاسم بن سليمان في مكاتبة أبي الجيش، ليستعين به على النهيكي، واستأذن المعتضد، وهو إذ ذاك ولي العهد، فأذن لأبي عيسى في مكاتبة أبي الجيش، فاتصلت بهذا السبب بينهما المكاتبة، وأهدى إلى أبي الجيش هدايا لها قيمة. فلما علم النهيكي بمكاتبته أبا الجيش، خاف أبا الجيش على نفسه، وكتب إلى السلطان: إن أردتم دولتكم وخلافتكم، فاستوثقوا من أبي عيسى بن المتوكل، فإنه قد كاتب أبا الجيش، وقد مال إليه أهل مصر جميعاً. فوجه المعتضد جنى الصغير، فأقام بسر من رأى شهرين قبل أن يحدث على أبي عيسى ما حدث، فلما أن أفضت الخلافة إلى المعتضد، وجه إلى جنى أن يحمل أبا عيسى إليه، فوجه بإنسان من المستأمنة، يعرف بالشعراني في حمل

محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر

أبي عيسى إلى بغداد، وتقدموا إليه في قتله في الطريق، وأن يحمل رأسه إليهم. قال الهدادي: وكنت قاعداً بين يدي أبي عيسى بعد صلاة الغداة، ودخل الغلمان فقالوا: جنى بالباب. فقال لي: الحجرة. فقمت. وأذن له، فدخل إليه فقال: لأي شيء قصدتني، وما تريد؟ قال: تركب معي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، نبايع لأمير المؤمنين المعتضد. فقال له: إني قد أمرت بإصلاح حراقة، وقد فرشت، وقد كتبت استأذن في الانحدار إلى أمير المؤمنين، فإن كنت أمرت بشيء فأعلمني، فحلف له أنه ما أمر فيه بشيء، وإنما يريد منه أن يبايع. فركب، وكان آخر العهد به. فلما كان في بعض الطريق، قال له: اعدل إلى دار الموفق، فقال له: أليس حلفت أنك إنما قصدت لأن أبايع في دار إسحاق؟ قال له جنى: يا سيدي، اعذرني، فإني عبد مأمور. ومضى به إلى دار سيما صاحب الشرطة بسر من رأى، ثم سلم إلى المستأمن البصري الشعراني، فقتله بالبردان؛ غرقه وأخذ رأسه. وقبل ذلك دلي في الماء، وقد ثقل بالحديد، ثم أخرج، وهم يظنون أنه قد قضى، فوجدوا به رمقاً، فردوه، فلما قضى، أخرجوه، وأخذ رأسه، ورمي ببدنه في الماء، وكان في إصبعه خاتم ياقوت فأخذه منه الشعراني. وكانت بيعة المعتضد في رجب سنة تسع وسبعين ومئتين. محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر أبو بكر الخرائطي السامري من أهل سامراء، صاحب المصنفات، قدم دمشق. حدث أبو بكر الخرائطي، عن علي بن حرب، بسنده إلى أبي حميد الساعدي: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً يقال له ابن اللتبية على الصدقة. فلما جاء، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، فحمد الله، ثم قال: " ما بال من يستعمل على بعض العمل من أعمالنا، فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا

محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس بن قسيم

أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أمه أو بيت أبيه، فينظر أيهدى له أم لا! والذي نفسي بيده، لا يؤتى أحد منكم بشيء، إلا جاء به يوم القيامة على عنقه؛ إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر " ثم رفع يديه وقال ثلاثاً: " اللهم هل بلغت ". قال ابن ماكولا: أما الخرائطي: أوله خاء معجمة وبعد الألف ياء معجمة باثنتين من تحتها، فهو أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السامري، صنف الكثير، وحدث، وكان من الأعيان الثقات. توفي أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس بن قسيم أبو العباس النميري، مولاهم حدث عن أبي جعفر محمد بن عمرو السوسي، بسنده إلى عبد الله قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن شباب، فقلنا: يا رسول الله، ألا نستخصي؟ فنهانا. ثم رخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله: " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ". كتب أبو الحسين الرازي بخطه، في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس بن قسيم النميري، وكانوا أهل بيت علم، كان أبوه محدثاً، وجده محدثاً، وعم أبيه، وابن عم أبيه، وجماعة من أهل بيته، روي عنهم العلم، وابن عم له كتبت أنا عنه يقال له قسيم. مات أبو العباس في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة.

محمد بن جعفر بن محمد بن أبي كريمة

محمد بن جعفر بن محمد بن أبي كريمة أبو علي - ويقال: أبو بكر - الصيداوي حدث عن أبي جعفر محمد بن سيف العطار، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا قدم أحدكم من سفر، فليقدم معه هدية، ولو يلقي في مخلاته حجراً ". محمد بن جعفر بن عبد الكريم بن بديل أبو الفضل الخزاعي الجرجاني المقرئ قرأ القرآن. وحدث عن أبي الحسن أحمد بن محمد، بسنده إلى محمد بن الحسن الشيباني قال: صلى بنا أبو حنيفة في شهر رمضان، وقرأ حروفاً اختارها لنفسه من الحروف التي قرأهن الصحابة والتابعون؛ قرأ أبو حنيفة: " ملك يوم الدين " على مثال فعل، ونصب اليوم، جعله مفعولاً، وقرأ في سورة الأنعام " لا تنفع نفس " بالتاء والرفع. قال أبو الفضل: ولست أعرف الرفع مع التاء. وقرأ في سورة يوسف " قد شغفها حباً " بالعين. وقرأ في سورة يس " فأعشيناهم " بالعين غير معجمة، وقرأ في سورة الفلق " من شر ما خلق " بالتنوين، وذكر حروفاً كثيرة سوى هذه. وحدث عن أبي العباس الحسن بن سعيد البصري، بسنده إلى الشافعي قال: كتب حكيم إلى حكيم: يا أخي قد أوتيت علماً، فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب، فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.

محمد بن جعفر بن يحيى بن رزين

قال أبو بكر الخطيب: كان أبو الفضل الخزاعي شديد العناية بعلم القرآن، ورأيت له مصنفاً تشتمل أسانيد القراءات المذكورة فيه على عدة من الأجزاء قد عظمت. واستنكرته، حتى ذكر لي بعض من يعتني بعلوم القراءات أنه كان يخلط تخليطاً قبيحاً، ولم يكن على ما يرويه مأموناً. مات أبو الفضل بآمد، سنة ثمان وأربع مئة، ودفن بها. محمد بن جعفر بن يحيى بن رزين أبو بكر العقيلي العطار الحمصي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اثنان فما فوقهما جماعة ". وحدث عن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، بسنده إلى أبي كبشة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خياركم خياركم لأهله ". قال الدارقطني: محمد بن جعفر أبو بكر العطار ليس به بأس.

محمد قيل ابن جعفر

محمد قيل ابن جعفر أبو جعفر المدني المعروف بابن عائشة ذكر أبو الفرج الاصفهاني: أنه لم يكن يعرف له أب. وكان يزعم ن اسم أبيه جعفر. وأمه عائشة مولاة لكثير بن الصلت الكندي حليف قريش، وقيل إنها مولاة لآل طالب بن أبي وداعة السهمي. قدم ابن عائشة على الوليد بن يزيد. قال الفرزدق: حضرت الوليد، وعنده ندماؤه، وقد اصبح، فقال لابن عائشة يغني بشعر ابن الزبعرى: من الرمل ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل فقتلنا الصيد من ساداتهم ... وعدلنا مثل بدر فاعتدل فقال ابن عائشة: لا أغني هذا يا أمير المؤمنين. فقال: غنه، وإلا جرعت لهواتك الأمرين! قال: فغناه، فقال: أحسنت والله. أنا على دين ابن الزبعرى يوم قال هذا الشعر. قال الحافظ بن عساكر: بلغني أن ابن عائشة لما انصرف من عند الوليد بن يزيد، نزل بذي خشب، فلحقه طرب، فغنى على قصر ذي خشب، ومشى على الشرفات، فسقط، فمات.

محمد بن جعفر

محمد بن جعفر أبو جعفر بن أبي الحسين السمناني حدث عن عبد الله بن يزيد المقرئ، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قدر الله المقادير، قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ". وحدث عن أبي توبة الربيع بن نافع، بسنده لى أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها، ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة، أهلها يحفون بها، كالعروس تهدى إلى كريمها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضاً، وريحهم تسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان، ما يطرفون تعجباً، حتى يدخلوا الجنة، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ". قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي الحسين هو محمد بن جعفر السمناني، سمع عمر بن حفص بن غياث. روى عنه البخاري في غزوة خيبر. محمد بن جعفر حدث عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، بسنده إلى أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأدخل في الصلاة، وأريد أن أطول، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في الصلاة ".

محمد بن الجنيد

محمد بن الجنيد أبو عبد الله النيسابوري ثم الأسفرائيني الزاهد حدث عن عبد الله بن يوسف التنيسي، بسنده إلى أبي خلاد، وكان من الصحابة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم الرجل المؤمن قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يلقى الحكمة ". وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى عبد الله بن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: " اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض. ولك الحمد، أنت قيام السموات والأرض. ولك الحمد، أنت رب السموات والأرض ومن فيهم. أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت. إلهي لا إله إلا أنت ". قال أبو عوانة: كان محمد بن الجنيد من الزهاد. كتب إلى بعض الأمراء: أكرمك الله وأسعدك.. فغضب الأمير، ورمى بكتابه، وقال: لا يخاطب السلطان بهذا. فكتب إليه: أطال الله بقاءك، ثم أطال الله بقاءك. ولو أكرمك وأسعدك، لكان خيراً لك. فإن عاقبة ما أنت فيه ليست بمحمودة. محمد بن الجهم الشامي ولي دمشق في أيام المعتصم.

محمد بن حاتم بن زنجويه

محمد بن حاتم بن زنجويه أبو بكر البخاري الفقيه الفرائضي حدث عن عتيق بن عبد الرحمن الأسدي، بسنده إلى أبي رافع، عن العباس بن عبد المطلب: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عم، ألا أصلك، ألا أحبوك، ألا أنفعك؟ " قال: بلى يا رسول الله. قال: " فصل أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة، فقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة قبل أن تركع، ثم اركع، فقلها عشراً، ثم ارفع، فقلها عشراً، ثم اسجد، فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاث مئة في أربع ركعات. فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج، غفرها الله لك، قلت: يا رسول الله، من يستطيع أن يقولها في كل يوم؟! فقال: " قلها في كل جمعة، فإن لم تستطع، ففي كل شهر، حتى قال: قلها في سنة ". قال الحافظ: كذا قال: عن العباس. وإنما هو من رواية أبي رافع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن أبي القاسم زكريا بن يحيى، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أخوف ما أخاف على أمتي طول الأمل واتباع الهوى. فإن طول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى، يصد عن الحق. وإن الدنيا مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحد منهما بنين، فكونوا بني آخرة، ولا تكونوا بني الدنيا. اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. فرحم الله من تكلم بخير، أو سكت، فسلم. وبروا القرابة، كانت مقبلة أو مدبرة ". توفي أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري بدمشق سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.

محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن

محمد بن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن أبو الحسن الطائي الطوسي الفقيه الصوفي حدث عن سهل بن بشر، وأبي نصر الطريثيثي، بسندهما إلى عبد الله بن عمر قال: كان من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك ". محمد بن الحارث الجبيلي من أهل جبيل حدث عن صفوان بن صالح، بسنده إلى ابن عباس: في قول الله تعالى " واذكر ربك إذا نسيت " قال: إذا نسيت الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت. قال: هي لرسول الله خاصة. وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه. وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى المقدام بن معديكرب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاث مرات، إن الله يوصيكم بآبائكم مرتين، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب ". محمد بن حامد بن السري أبو الحسين البغدادي المروزي، يعرف بخال السني حدث عن نصر بن علي، بسنده إلى علي بن شيبان قال: صلينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة، ورجل يصلي فرداً خلف الصف، فوقف عليه

محمد بن حامد بن عبد الله

نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى قضى صلاته، ثم قال: " استقبل صلاتك، لأنه لا صلاة لمن صلى خلف الصف ". قال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وسبعين ومئتين - مات أبو الحسين محمد بن حامد بن السري المروزي خال السني. محمد بن حامد بن عبد الله ويقال: ابن حامد بن أحمد أبو عبد الله اليحياوي القرشي من أهل دمشق. حدث عن نصر بن علي الجهضمي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلمتان قالهما فرعون: " ما علمت لكم من إله غيري " إلى قوله " أنا ربكم الأعلى " كان بينهما أربعون عاماً، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ". وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى سعد قال: قلت يا رسول الله، من خيار أمتك؟ قال: " أنا وأقراني " قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " القرن الثاني " قال: قلنا: ثم ماذا؟ قال: " القرن الثالث " قلنا: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يكون قوم يشهدون، ولا يستشهدون، ويحلفون، ولا يستحلفون، ويؤتمنون، ولا يؤدون ". وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عصابتان من أمتي أجارهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى بن مريم ".

محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد

قال أبو سليمان الربعي: توفي أبو عبد الله محمد بن حامد بن عبد الله القرشي اليحياوي في جمادى الآخرة، يعني: سنة ست عشرة وثلاث مئة. محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد ابن سعيد بن شهيد - ويقال: ابن معبد بن هدبة بن مرة - بن سعد بن يزيد بن مرة ابن يزيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو حاتم التميمي البستي أحد الأئمة الرحالين والمصنفين المحسنين. حدث عن محمد بن عبيد بن فياض، بسنده إلى معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما العمل كالوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله. وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله ". قال عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ في كتاب سمرقند: كان أبو حاتم البستي على قضاء سمرقند مدة طويلة. وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار والمشهورين في الأمصار والأقطار، عالماً بالطب والنجوم وفنون العلوم. ألف المسند الصحيح، والتاريخ، والضعفاء، والكتب الكثيرة في كل فن، وفقه الناس بسمرقند. وبنى بها الأمير المظفر بن أحمد بن نصر بن أحمد بن سامان صفة لأهل العلم، خصوصاً لأهل الحديث. ثم تحول أبو حاتم من سمرقند إلى بست، ومات بها. وثقه أبو بكر الخطيب، وعبد الغني بن سعيد، والحاكم، وابن ماكولا وغيرهم.

محمد بن حبيب بن أبي حبيب

قال أبو حاتم بن حبان: ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من أسبيجاب إلى الإسكندرية. قال الحاكم: أبو حاتم كبير في العلوم، وكان يحسد بفضله وتقدمه. قال الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان البستي؛ قلت له: رأيته؟ قال: وكيف لم أره؟! نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله عز وجل، فأخرجناه من سجستان. مات أبو حاتم محمد بن حبان البستي سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. قال البيهقي: ودفن بقرب داره التي هي اليوم مدرسة لأصحابه، ومسكن الغرباء الذين يقيمون بها من أهل الحديث والمتفقهة منهم، وله جرايات يستنفقونها دارة، وفيها خزانة كتبه في يدي وصي سلمها إليه ليبذلها لمن يريد نسخ شيء منها، من غير أن يخرجها منها. شكر الله له عنايته في تصنيفها، وأحسن مثوبته على جميل نيته في أمرها، بفضله ورأفته. محمد بن حبيب بن أبي حبيب من أهل دمشق. حدث عن أبيه قال: شهدت خالد بن عبد الله القسري خطب الناس بواسط يوم أضحى، فقال: ضحوا، تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم؛ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً. ثم نزل فذبحه.

محمد بن الحجاج بن أبي قتلة

محمد بن الحجاج بن أبي قتلة الخولاني الداراني حدث عن الزهري قال: خرجت أنا ومكحول نريد دابق، فلما كنا بحمص قال: فإن بها أبا أمامة الباهلي، لو أتيناه أحدثنا به عهداً، ونظرنا إليه. فأتينا منزله، فاستدعينا عليه، فخرج علينا شيخ قد سقط حاجباه على عينيه، فلما تكلم، فإذا هو في كلامه أجلد منه في مرآته، قال: إن موقفكم هذا من حجة الله عليكم يوم القيامة.. وذكر الحديث إلى آخره. وحدث محمد بن أبي قتلة أن رجلاً كتب إلى ابن عمر يسأله عن العلم، فكتب إليه ابن عمر: إنك كتبت تسألني عن العلم، والعلم أكثر من أن أكتب به إليك، ولكن إن استطعت أن تلقى الله، وأنت خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم - يعني - فافعل. وحدث عن عبد الرحمن بن أبي هلال المصري، عن أبي هريرة قال: ويل للعرب من هرج قد اقترب. الأجيجة وما الأجيجة؟ الويل الطويل في الأجيجة. ويل للعرب من بعد الخمس والعشرين والمئة من القتل الذريع والموت السريع والجوع الفظيع. ويسلط عليهم البلاء بذنوبها، فتكفر صدورها، وتهتك ستورها، ويغير سرورها؛ فبذنوبها تنزع أوتادها، وتقطع أطنابها، ويتحير قرارها. ويل لقريش من زنديقها، يحدث أحداثاً تهتك ستورها، وتنتزع هيبتها، وتهدم عليها جذورها، حتى تقوم النائحات الباكيات، فباكية تبكي على دنياها، وباكية تبكي من ذلها بعد عزها، وباكية تبكي من استحلال فروجها، وباكية تبكي شوقاً إلى قبورها، وباكية تبكي من جوع أولادها، وباكية تبكي من انقلاب جنودها عليها.

محمد بن الحجاج بن يوسف بن الحكم

قال ابن سميع: في الطبقة الخامسة محمد بن الحجاج بن أبي قتلة الخولاني. وقال أبو نصر علي بن هبة الله: وأما قتلة بتاء معجمة باثنتين من فوقها: محمد بن أبي قتلة ... ومحمد بن الحجاج بن أبي قتلة الخولاني. قال الحافظ ابن عساكر: كذا فرق بينهما. وهما واحد. محمد بن الحجاج بن يوسف بن الحكم أبو كعب الثقفي حدث أبان بن عياش قال: لما بنى الحجاج واسطاً، ووضعت الحرب أوزارها، كتب إلى أنس بن مالك، فشخص وشخصنا معه. فانتهينا إليه، والناس معه حيث يسمعون الصوت. فنادى الحاجب أنس بن مالك، فأمر بنا فأنزلنا. ثم عدنا إليه من الغد، وهو على مثل تلك الحال، فنادى الحاجب أنس بن مالك، قال: فدنا، حتى صار معه على فراشه. قال أبان: وقمت حيث أسمع الكلام. قال: فدعا بالخيل على أنسابها: القرح والثني والربع والجذع، عليها الغلمان، عليهم ثياب الحرير مختلفة ألوانها، ثم قال: أيها الشيخ، ارفع رأسك، انظر ماذا أعطينا بعد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هل رأيت مع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك الخيل؟ قال: قال أنس: وبم هذه الخيل؟! رأيت مع محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلاً عدوها ورواحها في سبيل الله! إنما هذه الخيل ثلاثة: فما كان منها في سبيل الله، ففيها من الأجر كذا

وكذا، حتى أرواثها في موازين أهلها. وما كان للعجلة فهي في سبيل الله. وشرها وأخبثها ما كان للفخر ولكذا ولكذا. قال الحجاج: لقد عبتني فما تركت شيئاً، ولولا خدمتك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتاب أمير المؤمنين فيك كان لي ولك شأن. قال: قال أنس: أيهات أيهات، إني لما غلظت أرنبتي، وأنكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوتي، علمني كلمات لن يضرني معهن عتو جبار ولا عنوته، مع تيسير الحوائج ولقائي المؤمنين بالمحبة. قال: فلما سمع ذلك الحجاج، قال: يا عماه لو علمتنيهن. قال: لست لذاك بأهل. قال: فلما رأى أنه لا يظفر بالكلمات، دس إليه ابنيه محمداً وأبان ومعهما مئتا ألف درهم، وقال لهما: ألطفا الشيخ، عسى أن تظفرا بالكلمات. وإن أنفدتما فاستمدا. قال: فمات وماتا قبل أن يظفروا بالكلمات. قال: فلما كان قبل أن يهلك بثلاث قال: يا أحيم عبد القيس، خدمتنا فأحسنت خدمتنا، رأيناك - أو رأيتك - حريصاً على طلب العلم. دونك هذه الكلمات، ولا تضع السلعة إلا في موضعها. فذكر أبان ما أعطاه الله مما أعطى أنساً: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني، بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الأرض ورب السماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء. بسم الله افتتحت، وعلى الله توكلت، الله الله ربي، لا أشرك به أحداً. أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك. عز جارك - وفي الروايات الأخرى: وجل ثناؤك - ولا إله إلا أنت. اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم. اللهم إني أستجيرك من جميع كل شيء خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي: بسم الله الرحمن الرحيم " قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد " من خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي. تقرأ في هذه الست " قل هو الله أحد " إلى آخر السورة.

قال أنس بن مالك: أتيت الحجاج، أتعرض لمعروفه، فإذا محمد بن الحجاج يقع في علي، فأطنب في سبه، فقلت: لا تفعل، ثم ذكر حديثاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضائل علي، يقول في آخره: " يا أنس، إن الرجل قد يحب قومه، إن الرجل قد يحب قومه، إن الرجل قد يحب قومه ". حدث بلال بن جرير بن عطية في خبر طويل: أن الحجاج بن يوسف أوفد ابنه محمداً مع الشاعر جرير إلى عبد الملك بن مران ليدخله عليه، ويشفع له عنده، فقبل شفاعته فيه، بعد لأي، وسمع شعره، وأجازه. حدث محمد بن عمرو الثقفي قال: لما مات محمد بن الحجاج، جزع عليه جزعاً شديداً، فقال: إذا غسلتموه، فآذنوني به. فأعلموه به. فدخل البيت، فنظر إليه، فقال: من الكامل الآن لما كنت أكمل من مشى ... وافتر نابك عن شباب القارح وتكاملت فيك المروءة كلها ... وأعنت ذلك بالفعال الصالح؟! فقيل له: اتق الله، واسترجع. فقال: إنا لله، وإنا إليه راجعون. وقرأ: " الذين إذا أصابتهم مصيبة " الآية. وأتاه موت محمد بن يوسف، وكان بينهما جمعة، فقال: من الطويل حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك إذا ما لقيت الله ربي مسلماً ... فإن نجاة النفس فيما هنالك وجلس للمعزين يعزونه، ووضع بين يديه مرآة، وولى الناس ظهره، وقعد في مجلسه، فكان ينظر ما يصنعون. فدخل الفرزدق، فلما نظر إلى فعل الحجاج تبسم. فلما رأى الحجاج ذلك منه، قال: أتضحك، وقد هلك المحمدان؟! فأنشأ الفرزدق يقول:

محمد بن الحجاج بن يوسف القرشي

من الطويل لئن جزع الحجاج، ما من مصيبة ... تكون لمحزون أجل وأوجعا من المصطفى، والمصطفى من خيارهم ... جناحيه لما فارقاه فودعا أخ، كان أغنى أيمن الأرض كلها ... وأغنى ابنه أمر العراقين أجمعا جناحا عقاب، فارقاه كلاهما ... ولو قطعا من غيره، لتضعضعا سميا نبي الله، سماهما به ... أب لم يكن عند النوائب أخضعا وقال الفرزدق أيضاً: من الكامل إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد فلكان قد خلت المنابر منهما ... أخذ المنون عليهما بالمرصد محمد بن الحجاج بن يوسف القرشي من هل دمشق. حدث عن يونس بن ميسرة بن حلبس، بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن ". محمد بن أبي حذيفة هشيم ويقال: هشام ويقال: مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو القاسم القرشي العبشمي ولد بأرض الحبشة، وكان أبوه حذيفة من السابقين الأولين. وأمه سهلة بنت سهيل، فقتل أبو حذيفة يوم اليمامة، وكان محمد في حجر أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فرباه، فأحسن تربيته. ومحمد هو الذي ألب أهل مصر على قتل عثمان، وغلب على

أمرها. فأخذه معاوية في الرهن، وحمله إلى دمشق - ويقال: إلى فلسطين - يسجنه بها، فهرب، فأدرك، فقتل. قال محمد بن سعد في الطبقة الأولى من أهل بدر: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، واسمه هشيم، وأمه أم صفوان، واسمها فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني. وكان لأبي حذيفة من الولد: محمد، وأمه سهلة بنت سهيل بن عمرو، من بني عامر بن لؤي، وهو الذي وثب بعثمان بن عفان، وأعان عليه، وحرض أهل مصر، حتى ساروا إليه. وكان أبو حذيفة من مهاجرة الحبشة في الهجرتين جميعاً، ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، وولدت له هناك بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة. حدث خليفة بن خياط قال: في تسمية عمال علي في مصر: ولى محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مصر، ثم عزله، وولى قيس بن سعد بن عبادة، ثم عزله، وولى الأشتر مالك بن الحارث النخعي، فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر، فقتل بها، وغلب عمرو بن العاص على مصر. حدث عبد الملك بن مليل السليحي - وهم إلى قضاعة - قال: كنت مع عقبة بن عامر جالساً قريباً من المنبر يوم الجمعة، فخرج محمد بن أبي حذيفة، فاستوى على المنبر، فخطب الناس، ثم قرأ عليهم سورة من القرآن - وكان من أقرأ الناس - فقال عقبة بن عامر: صدق الله ورسوله؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليقرأن القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية " فسمعها ابن أبي حذيفة فقال: والله لئن كنت صادقاً - وإنك ما علمت لكذوب - إنك منهم.

محمد بن حرب

قال محمد بن أبي حذيفة، فيما حكاه أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة النميري له: من البسيط من كان من قتله عثمان معتذراً ... فلست منه طوال الدهر أعتذر لا بأس بالقتل عن قتل ومظلمة ... ولا انتصارك منه حين تنتصر ألقى الإمام كذئب الشاء ينهشها ... لا تسلم الشاء فيها الذئب والنمر قال يزيد بن حبيب: كان رجال من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون ن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقتل في جبل الجليل والقطران من أصحابي - أو من أمتي - ناس " فكان أولئك النفر الذين قتلوا مع محمد بن أبي حذيفة وأصحابه بجبل الجليل والقطران. قال محمد بن إسماعيل البخاري: قتل محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي بمصر بعد عثمان. وذكر أبو عمر محمد بن يوسف المصري: أن قتله كان في ذي الحجة من سنة ست وثلاثين. محمد بن حرب أبو عبد الله الخولاني الحمصي، المعروف بالأبرش حدث عن الزبيدي، بسنده إلى عائشة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل مصيبة تصيب المسلم، يكفر الله عنه بها، حتى الشوكة يشاكها ".

محمد بن حسان أبو مروان الأسدي

قال محمد بن سعد في الطبقة السادسة من أهل الشام: محمد بن حرب الأبرش الخولاني، ويكنى أبا عبد الله، وقد ولي قضاء دمشق. وثقه أهل العلم. وتوفي سنة أربع وتسعين ومئة. محمد بن حسان أبو مروان الأسدي والد مروان بن محمد الطاطري روى عنه ابنه أنه قال: رأيت في أيام زامل رأس عمير بن هانئ العبسي، وقد أدخل به محمولاً على رمح، فقلت: ويلك - لحامله - لو تدري رأس من تحمل! قال أبو زرعة: وأيام زامل هي بعد موت يزيد بن الوليد في سنة سبع وعشرين ومئتين. محمد بن حسان أبو عبيد الغساني البسري الزاهد من أهل قرية بسر من حوران، صاحب كرامات. حدث عن سعيد بن منصور المكي، بسنده إلى عمرو بن دينار قال: رأيت جابر بن عبد الله، وبيده السيف والمصحف، وهو يقول: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نضرب بهذا من خالف ما في هذا.

قال أبو عبد الله بن الجلاء: لقيت ست مئة شيخ، ما رأيت فيهم مثل أربعة: ذا النون المصري، وأبا تراب، وأبا عبيد البسري، وأبي. قال بعض إخوان أبي عبيد أن أبا عبيد البسري - رحمه الله - قال: سألت الله عز وجل ثلاث حوائج، فقضى لي اثنتين، ومنعني الثالثة: سألته أن يذهب عني شهوة الطعام، فما أبالي أكلت أم لا. وسألته أن يذهب عني شهوة النوم، فما أبالي نمت أم لا. وسألته أن يذهب عني شهوة النساء فما فعل. قيل: فما معنى ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى قد قضى في مبدأ خلقه أن يكون، فشيء قدره وقضاه، فلا راد لقضائه. حدث أبو زرعة الحاجب قال: حدثني أبو عبيد البسري قال: رأيت في منامي كأن القيامة قامت، فقمت من قبري، فأتيت بدابة، فركبتها، ثم عرج بي إلى السماء، فإذا فيها جنة، فأردت أنزل، فقيل لي: ليس هذا مكانك، فعرج بي إلى سماء سماء؛ كل سماء فيها جنة، حتى صرت إلى أعلى عليين، فنزلت في أعلى عليين. ثم أردت القعود، فقيل لي: أتقعد قبل أن ترى ربك، تبارك وتعالى؟ فقلت: لا. فقمت، فساروا بي، فإذا أنا بالله عز وجل، قدامه آدم يحاسبه، فلما رني آدم، خلسني بعينه خلسة مستغيث، فقلت: يا رب قد فلجت الحجة على الشيخ، فعفوك. فسمعت الله يقول: قم يا آدم، قد عفونا عنك. وكان الشيخ أبو أحمد بكر - رحمه الله - حاضراً، وهو يسمعني، فكأني استعظمت الحال لأبي عبيد. فقال لي الشيخ ومن حضر: القدر والفضل يرجع إلى آدم، إذ أبو عبيد من ولده.

قال أبو القاسم القشيري: وكان أبو عبيد البسري إذا كان أول شهر رمضان، يدخل بيتاً، ويقول لامرأته: طيني علي الباب وألقي إلي كل ليلة من الكوة رغيفاً. فإذا كان يوم العيد، فتح الباب ودخلت امرأته البيت، فإذا بثلاثين رغيفاً في زاوية البيت، فلا أكل، ولا شرب ولا نام، ولا فاتته ركعة من الصلاة. عن ابن أبي عبيد البسري قال: رأيت - يعني أباه - في بعض الليالي، قد اضطرب، وبكى بكاء كثيراً، ولم نكن نجترئ عليه إذا أصابه سبب، وهو بين يدي ربه، أن نكلمه. فلما أصبحنا، قلت له: يا أبه، رأيت الليلة منك شيئاً لم أكن أراه فيما مضى. فقال: وما هو؟ قلت: رأيتك، وقد بكيت، وأكثرت البكاء، واضطربت اضطراباً كثيراً. فقال: يا بني، لا تلمني؛ كنت واقفاً بين يدي الله عز وجل، أصلي، وأنعس، ثم انتبه، فأرجع إلى القراءة، فأنعس، فأصابني ذلك مراراً، فلم أعلم إلا بإنسان قد أخذ بعضدي، ثم قال لي: انظر بين يدي من أنت قائم! واستفرغ علي من البكاء ما رأيت. حدث أبو عبيد البسري قال: رأيت في منامي كأن منادياً ينادي: يا أبا عبيد قم - رحمك الله - إلى الصلاة، فذهب بي النوم. فناداني مرة أخرى، فذهب بي النوم، فانتبهت، ويده على رأسي، وهو يقول: قم يا حبيبي، فقد رحمك الله. ورأيت كأن القيامة قد قامت، وقد اجتمع الناس، وإذا المنادي ينادي: يا أيها الناس، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا، فليقم إلى الغداء. فقام ناس من الناس واحد بعد واحد، ثم نوديت: يا أبا عبيد، قم. فقمت، وقد وضعت الموائد. فقلت لنفسي: ما يسرني أني ثم.

قال بخيت بن أبي عبيد البسري: كان والدي أبو عبيد في المحرس الغربي بعكا في ليلة النصف من شعبان، في الطاقة الغربية من الرواق القبلي، وأنا في الرواق الشامي في طاقة، أنظر إلى البحر. فبينا أنا أنظر إلى البحر، إذا بشخص يمشي على الماء، ثم بعد الماء مشى على الهواء، حتى جاء إلى والدي أبي عبيد، فدخل في طاقته التي هو فيها ينظر إلى البحر، فجلس معه ملياً يتحادثان. ثم قام والدي، فودعه. ورجع الرجل من حيث جاء، يمشي في الهواء. فقمت إلى والدي، فقلت له: يا أبه، من هذا الذي كان عندك يمشي على الماء، ثم من بعد الماء على الهواء؟ فقال: يا بني، وهل رأيته؟ قلت: نعم، يا أبه. قال: الحمد لله رب العالمين الذي سرني بك، وبنظرك له. يا بني، هذا أبو العباس الخضر عليه السلام. يا بني، نحن في الدنيا سبعة؛ ستة يجيئون إلى أبيك، وأبوك ما يمضي إلى واحد منهم. وحدث عن أبيه: أنه غزا سنة من السنين، فخرج في السرية، فمات المهر الذي كان تحته، وهو في السرية، فقال: يا رب، أعرنا إياه، حتى نرجع إلى بسرى، يعني قريته. قال: فإذا المهر قائم. قال: فلما غزا، ورجع إلى بسرى، قال: يا بني، خذ السرج عن المهر. فقلت: هو عرق، وإن أخذنا، داخله الريح. فقال: يا بني، هو عارية. فلما أخذت السرج، وقع المهر ميتاً. حدث أبو زرعة قال: كان أبو عبيد البسري جالساً بعرفة، وإلى جانبه ابنه، فقال له: يهنك الفارس. فقال له: يا أبه، وأي فارس؟ فقال: ولد لك الساعة غلام. فلما صرنا إلى بسر، وجدت زوجتي قد ولدت غلاماً في يوم عرفة!

حدث أبو بكر الهلالي قال: كان لأبي عبيد ولد صغير يخرج مع صبيان القرية في الشتاء، يتحطبون من يابس الكروم والتين وغير ذلك. ففي بعض الأيام راح بجرزة حطب، ومعه تين أخضر، فقالت له والدته: يا ولدي، من أين لك تين أخضر في هذا الشتاء؟ فقال: قلت لرفقتي من الصبيان: تحبون أطعمكم تيناً أخضر؟ فقالوا: نعم. فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين، ثم دعوت بالدعاء الذي دعا به والدي البارحة، وسألت الله أن يطعمنا من تينة كنا عندها تيناً أخضر، فأطعمت لوقتها، فأكلنا منها، وحملنا. ووالده يسمع مقالته لأمه. فقال أبو عبيد لوالدته: أعظم الله أجرك فيه! فقالت: بالله إن فعلت! فإذا بالصبي ميت. فأخذوا في جهازه، وواروه في حفرته. فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أن يدعو به على القرية فتهلك. حدث أبو زرعة الجنبي قال: كان أبو عبيد البسري يوماً على جرجر يدرس قمحاً له، وبينه وبين الحج ثلاثة أيام. إذ أتاه رجلان فقالا له: يا أبا عبيد، تنشط للحج؟ فقال: لا. ثم التفت إلي وقال: شيخك على هذا أقدر منهما، يعني نفسه. قال ابن أبي حسان: جاء ابن لأبي عبيد البسري إلى أبيه، فقال له: يا أبه، إني خرجت بجرار فيها سمن، فوقعت، فتكسرت، وذهب رأس مالي. فقال له أبوه: يا بني اجعل رأس مالك رأس مال أبيك، فوالله ما لأبيك رأس مال في الدنيا والآخرة غير الله.

محمد بن حسان

قال أبو عبيد البسري: النعم طرد، فمن أحب النعم فقد رضي بالطرد. والبلاء قربة، فمن ساءه البلاء، فقد أحب ترك القربة والتقرب إلى الله عز وجل. وقال بخيت بن أبي عبيد البسري: رأيت ملك الموت في النوم، وهو يقول: قل لأبيك يصلي علي، حتى أرفق به عند قبض روحه. قال: فحدثت أبي بما رأيت، فقال: يا بني لأنا بملك الموت آنس مني بأمك. محمد بن حسان قال الحافظ ابن عساكر: أظنه غير أبي عبيد البسري. قال محمد بن حسان: بينا أنا أدور في جبل لبنان، إذ خرج علي رجل شاب، قد أحرقته الشموس والرياح، وعليه طمر رث، وقد سقط شعر رأسه على حاجبيه. فلما نظر إلي، ولى هارباً مستوحشاً، فقلت: يا أخي، كلمة موعظة، فلعل الله أن ينفعني بها. قال: فالتفت إلي، وهو فار، فقال: يا أخي احذره، فإنه غيور. وأشار إلي: الله لا يحب أن يرى في قلب عبده سواه. محمد بن الحسن بن أحمد بن الصباح بن عبد الحميد أبو بكر المعروف بابن أبي الذبال الثقفي الأصبهاني الجواربي الزاهد سكن دمشق في جوار ابن سيد حمدويه. وكان إمام مسجد الصاغة بدمشق.

حدث عن أبي عبد الله محمد بن إسحاق الشعار، بسنده إلى عبد الله بن عباس، أنه سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الجنة لتنجد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان؛ فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش، يقال لها المثيرة، تصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه. فتزين الحور العين، ويقفن بين شرف الجنة، فينادين: هل من خاطب إلى الله، فيزوجه؟ ثم يقلن: يا رضوان، ما هذه الليلة؟ فيجيبهم بالتلبية فيقول: يا خيرات حسان، هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنان للصائمين، قال: ويقول الله: يا رضوان، افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد. يا جبريل اهبط إلى الأرض، فصفد مردة الشيطان، وغلهم بالأغلال، ثم اقذف بهم في لجج البحار، حتى لا تفسدوا على أمة حبيبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صيامهم. قال: يقول الله في كل ليلة من شهر رمضان ثلاث مرات: هل من سائل، فأعطيه سؤله؟ هل من تائب، فأتوب عليه؟ هل من مستغفر، فأغفر له؟ من يقرض المليء غير المعدم الوفي غير الظلوم؟ قال: والله في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار فإذا كان ليلة الجمعة، أعتق في كل ساعة منها ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا العذاب. فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان، أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أول الشهر إلى آخره. فإذا كان ليلة القدر، يأمر الله جبريل فيهبط في كبكبة من الملائكة إلى الأرض، ومعه لواء أخضر، فيركزه على ظهر الكعبة، وله ست مئة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة، فيجاوزان المشرق والمغرب، ويبعث جبريل الملائكة في هذه الأمة، فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر. فإذا طلع الفجر، نادى جبريل: يا معشر الملائكة: الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبريل: ما صنع الله في

محمد بن الحسن بن أحمد بن عمر

حوائج المؤمنين من أمة أحمد؟ فيقول: إن الله نظر إليهم، وعفا عنهم، وغفر لهم إلا أربعة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هؤلاء الأربعة؟ فقال: رجل مدمن الخمر، وعاق والديه، وقاطع رحم، ومشاحن. قيل: يا رسول الله، وما المشاحن؟ قال: هو المصارم. فإذا كان ليلة الفطر، سميت تلك الليلة ليلة الجائزة. فإذا كان غداة الفطر، يبعث الله الملائكة في كل البلاد، فيهبطون إلى الأرض، ويقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس، فيقولون: يا أمة أحمد، اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر العظيم. فإذا برزوا في مصلاهم، يقول الله للملائكة: يا ملائكتي، ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: تقول الملائكة: إلهنا وسيدنا، جزاؤه أن توفيه أجره. قال: فيقول: فإني أشهدكم، ملائكتي، أني جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي سلوني، فوعزتي وجلالي، لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم. وعزتي لأسترن عليكم عثرتكم ما راقبتموني، وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود. انصرفوا مغفوراً لكم، قد أرضيتموني، ورضيت عنكم. قال: فتفرح الملائكة، وتستبشر بما يعطي الله هذه الأمة، إذا أفطروا، لصيامهم شهر رمضان ". وحدث عن الحسن بن سهل العسكري، بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العدة دين. ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل لمن وعد ثم أخلف. قالها ثلاثاً ". توفي أبو بكر الجواربي في طريق مكة وهو راجع من الحج. محمد بن الحسن بن أحمد بن عمر أبو عبد الله الرحبي القاضي

محمد بن الحسن بن إسماعيل

حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، بسنده إلى ابن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان " قيل: يا رسول الله إن كان شيئاً يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ". محمد بن الحسن بن إسماعيل ابن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس أبو العباس الهاشمي حدث عن جده إسماعيل بن عبد الصمد، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للمملوك على مولاه ثلاث خصال: لا يعجله عن صلاته، ولا يقيمه عن طعامه، ويبيعه إذا استباعه ". قال أحمد بن محمد الرشيدي: سمعت أبا العباس محمد بن الحسن يقول: ولدت سنة ثمانين ومئتين، ومات عبد الصمد بن علي سنة خمس ومئتين. محمد بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله الدمشقي الأديب، المعروف بالنظامي شاعر. أنشد من قصيدة له: من الطويل فإن غرم العذال يوم لقائنا ... وما لهم عندي وعندك من ثار

محمد بن الحسن بن الحسين بن علي

وشنوا على أسماعنا وتكاثروا ... وقل جنودي عند ذاك وأنصاري لقيناهم من ناظريك ومهجتي ... وأدمعنا بالسيف والسيل والنار محمد بن الحسن بن الحسين بن علي ابن عبد الله بن عباس بن علي أبو الفضل السلمي المعير الموازيني أخو أبي الحسن الأصغر. حدث عن أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، بسنده إلى أبي سلمة قال: قلت لعائشة: أكنت تغتسلين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد؟ قالت: نعم. سئل أبو الفضل الموازيني عن مولده فقال: بدمشق في النصف من ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة. وذكر ابن أخيه محمد بن حمزة أن أبا الفضل توفي يوم الاثنين العشرين من رجب سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، ودفن من الغد بباب الصغير. محمد بن الحسن بن الخليل أبو عبد الله السنوي حدث عن إبراهيم بن يوسف الصيرفي، بسنده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نكاح إلا بولي. والسلطان ولي من لا ولي له ". وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى سهل بن سعد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ".

محمد بن الحسن بن داود

محمد بن الحسن بن داود أبو الحسين ولي قضاء دمشق خلافة لأبي عمران موسى بن القاسم بن موسى الأشيب إلى أن توفي سنة ثلاثين وثلاث مئة. محمد بن الحسن بن ذكوان أبو المضاء البعلبكي حدث عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده إلى أبي عثمان النهدي أن إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأل الله عز وجل خيراً، فأصبح، وقد ابيض ثلثا شعره. قال: وكان أول شيب كان. قال: فساءه ذلك، فأوحى الله إليه أنه عبرة في الدنيا، ونور في الآخرة. محمد بن الحسن بن صقلاب حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس؛ بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن رجلاً لم عمل خيراً قط. فقال لأهله: إذا أنا مت، فأحرقوني، فاذروا نصفي في البر، ونصفي في البحر. فوالله لئن وجدني الله عز وجل ليعذبني أشد عذاب عذبه أحد قط! فلما مات، فعلوا ذلك. قال: فأمر الله البر، فجمع ما فيه، وأمر البحر، فجمع ما فيه، ثم خلقه خلقاً سوياً، ثم قال: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك أي رب، فغفر الله له ".

محمد بن الحسن بن طريف

محمد بن الحسن بن طريف ويقال: محمد بن طريف أبو بكر بن أبي عتاب الأعين حدث عن سعيد بن أبي مريم، بسنده إلى جابر بن عبد الله، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس. فمن فعل ذلك، فالنار النار ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن أبي عتاب، أبو بكر الأعين، واسم أبي عتاب الحسن، كذلك أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي قال: سمعت أبا بكر الجوزقي يقول: أنبأنا مكي بن عبدان قال: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: أبو بكر بن أبي عتاب محمد بن الحسن بن طريف الأعين، وهكذا قال عبد الرحمن بن أبي حاتم. وقيل: إن اسم أبي عتاب طريف. كذلك اخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر قال: أنبأنا أحمد بن إبراهيم البزار قال: نبأنا عبد الله بن محمد البغوي قال: أبو بكر الأعين محمد بن طريف. قال الخطيب: هكذا قال محمد بن عبد الله الحضرمي الكوفي، ومحمد بن إسحاق السراج النيسابوري. وحدث الخطيب أيضاً بإسناده قال: سئل يحيى بن معين عن أبي بكر الأعين فقال: ليس هو من أصحاب الحديث. قال الخطيب: عنى بذلك أنه لم يكن من الحفاظ لعلله، والنقاد لطرقه مثل علي بن المديني ونحوه. فأما الصدق والضبط لما سمعه، فلم يكن مدفوعاً عنه. مات أبو بكر الأعين ببغداد سنة أربعين ومئتين.

محمد بن الحسن بن علي التميمي

محمد بن الحسن بن علي التميمي حدث عن إسماعيل بن محمد بن قيراط، بسنده إلى الحارث الغامدي قال: قلت لأبي: يا أبه، ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء قوم قد اجتمعوا على صابئ لهم. قال: فتشوفوا، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به، يردون عليه، ويؤذونه، حتى ارتفع النهار، وانصدع عنه الناس. وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تبكي، تحمل قدحاً ومنديلاً، فتناوله منها، فشرب، فتوضأ، ثم رفع رأسه إليها فقال: " يا بنية، خمري عليك نحرك، ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً ". قلنا: من هذه؟ قالوا: هذه زينب ابنته. محمد بن الحسن بن علي البزاز ابن محمد بن عيسى بن يقطين أبو جعفر اليقطيني البغدادي البزاز حدث عن أبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن يزيد، بسنده إلى ابن عباس قال: كان أول ما أنزل الله تعالى على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة " اقرأ ". وروى عن معاذ بن العباس، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ " قل هو الله أحد " مئة مرة، غفر الله له خطيئته خمسين عاماً، ما اجتنب خصالاً أربعاً: الدماء والأموال والفروج والأشربة ". نقل الخطيب عن أبي طالب عمر بن إبراهيم الفقيه قوله: توفي اليقطيني في يوم الأربعاء، ودفن يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر، سنة سبع وستين وثلاث مئة.

محمد بن الحسن بن علي أبو طاهر

محمد بن الحسن بن علي أبو طاهر الأنطاكي المقرئ حدث عن عتيق بن عبد الرحمن، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تسحروا، فإن في السحور بركة ". وروى عن أبي عمران القدسي، بسنده إلى أبي عمر حفص بن سليمان قال: إنه لم يخالف عاصماً في شيء من قراءته إلا في حرف في الروم: " الله الذي خلقكم من ضعف " بضم الضاد، وذكره عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو عمرو عثمان بن سعيد، وذكر أبا طاهر المقرئ: أحسبه توفي قبل سنة ثمان وثلاث مئة بيسير. محمد بن الحسن بن علي القاضي بن محمد بن يحيى أبو عبد الله المصري الدقاق القاضي سمع بدمشق، وانتقى عليه أبو الحسن الدارقطني. قال إبراهيم بن سعيد الحبال: سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة؛ أبو عبد الله محمد بن الحسن بن يحيى الدقاق في صفر، والد جعفر. يعني: مات.

محمد بن الحسن بن علي بن يوسف

محمد بن الحسن بن علي بن يوسف أبو عبد الله الخولاني الأندلسي البلغي قدم دمشق. روى عن أبي القاسم خلف بن إبراهيم بن محمد الطليطلي، بسنده إلى قتادة قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كان يمد صوته مداً ". قال الحافظ ابن عساكر: قرأت بخط أبي عبد الله البلغي: ولد سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة بمدينة بلغي في الأندلس. محمد بن الحسن بن علي الملحي ابن أحمد بن جعفر بن أحمد أبو طاهر الحلبي البزاز، المعروف بابن الملحي حدث عن أبي الحسن رشأ بن نظيف، بسنده إلى حذيفة قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، إني جنب. قال: " المؤمن لا ينجس ". ذكر أبو القاسم النسيب: أن مولد أبي طاهر في ربيع الأول سنة عشرين وأربع مئة. وقال أبو محمد بن الأكفاني: سنة ثمانين وأربع مئة، فيها توفي أبو طاهر محمد بن الحسن بن علي الحلبي المعروف

محمد بن الحسن بن عون الوحيدي القيسي

بابن الملحي في العشرين من شهر ربيع الآخر، بدمشق زاد أبو محمد بن صابر: أنه دفن في مقابر باب الفراديس، وأنه ثقة. محمد بن الحسن بن عون الوحيدي القيسي حدث عن عبد الله بن يزيد البكري، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ". وحدث عن مران بن معاوية الفزاري، بسنده إلى قيس بن حازم قال: سمعت علي بن بي طالب على منبر الكوفة وهو يقول: ألا لعن الله الأفجرين من قريش: بني أمية وبني مغيرة. أما بنو المغيرة، فقد أهلكهم الله بالسيف يوم بدر، وأما بنو أمية فهيهات هيهات أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو كان الملك من وراء الجبال، لنقبوا إليه حتى يصلوا إليه. محمد بن الحسن بن الفضل بن العباس أبو يعلى البصري الصوفي من الرحالين. حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم السلمي، بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "

محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه

إذا ضرب أحدكم، فليجتنب الوجه، ولا يقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته ". وثقه الخطيب وقال: سألت أبا يعلى عن مولده، فقال: في سنة ثمان وستين وثلاث مئة. وكان قدومه علينا في سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وخرج في ذلك الوقت إلى الشام، وغاب عنا خبره. وكان شيخاً مليحاً ظريفاً من أهل الفضل والأدب حسن الشعر. ومن مليح قوله: من الخفيف يا أبا القاسم الذي قسم الرح ... من من راحتيه رزق الأنام أنا في الشعر مثل مولاي في الجو ... د حليفا مكارم ونظام وإذا ما وصلتني فأمير ال ... جود أعطى المنى أمير الكلام محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه أبو الحسن القرشي حدث عن محمد بن أيوب بن مشكان، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة من كنوز البر: إخفاء الصدقة، وكتمان الشكوى، وكتمان المصيبة. يقول الله عز وجل: " إذا ابتليت عبدي بلاء، فصبر، ولم يشكني إلى عواده، أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه. وإن أرسلته، أرسلته ولا ذنب له، وإن توفيته، فإلى رحمتي ".

محمد بن الحسن بن القاسم

محمد بن الحسن بن القاسم ابن عبد الرحمن بن إبراهيم أبو زرعة بن دحيم من أهل بيت حديث. روى عن عمه عبد الرحمن، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم الساعة، حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانك ". قال أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري: توفي أبو زرعة محمد بن الحسن بن دحيم في ذي الحجة من سنة أربع وستين وثلاث مئة. محمد بن الحسن بن قتيبة بن زيادة بن الطفيل أبو العباس اللخمي العسقلاني شيخ عسقلان. قدم دمشق قديماً. حدث عن عبد الوهاب بن عبد الرحيم، من أهل غوطة دمشق، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل قسم بينكم أخلاقكم، كما تقسم بينكم أرزاقكم. وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب. والذي نفس محمد بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه. قلنا: يا رسول الله، ما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه، ولا يكتسب عبد مالاً من حرام، فينفق منه، فيبارك

محمد بن الحسن بن محمد بن زياد

له فيه، ولا يتصدق منه، فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن. إن الله عز وجل لا يمحو الخبيث بالخبيث ". وحدث عن أبي عمير بن النحاس، بسنده إلى أبي سلمة قال: رؤي عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس وهو يبكي، فقلت: يا أبا الوليد، ما يبكيك؟ قال: من هذا أرانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رأى مالكاً يقلب الجمر كالقطف. وثقه الدارقطني وغيره. محمد بن الحسن بن محمد بن زياد ابن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر المقرئ البغدادي المعروف بالنقاش حدث عن عدد من شيوخه، بإسنادهم إلى عائشة قالت: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن يدعون من دونه إلا أثناً ". وحدث عن أبي الجهم عمرو بن خازم القرشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " شفاء عرق النسا ألية شاة أعرابية؛ تذاب ثم تقسم ثلاثة أجزاء، يشربه ثلاثة أيام على الريق، كل يوم جزء ". حدث أبو بكر النقاش، عن أبي غالب ابن بنت معاوية بن عمرو، بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت الله9 ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه ".

محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن

وحدث عن يحيى بن محمد بن صاعد بحديث إبراهيم والحسن والحسين، فأنكرهما عليه أبو الحسن علي بن عمر الحافظ لما فيهما من وضع وتركيب وتدليس. قال أبو بكر الخطيب: وأقل مما شرح في هذين الحديثين تسقط به عدالة المحدث، ويترك الاحتجاج به. وقال الخطيب أيضاً: محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن عفر بن سند أبو بكر المقرئ النقاش. نسبه أبو حفص بن شاهين، وهو موصلي الأصل، ويقال إنه مولى أبي دجانة سماك بن خرشة الأنصاري. وكان عالماً بحروف القرآن، حافظاً للتفسير، صنف فيه كتاباً سماه شفاء الصدور، وله تصانيف في القراءات وغيرها من العلوم. وكان سافر الكثير شرقاً وغرباً.. قال الخطيب وفي حديثه مناكير بأسانيد مشهورة. توفي محمد بن الحسن النقاش في سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة. محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن ابن القاسم بن درستويه أبو عبد الله حدث عن أبي علي الحسن، بسنده إلى معاذ بن جبل قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه. قال أبو محمد الكتاني: توفي شيخنا أبو عبد الله محمد بن الحسن بن درستويه في المحرم سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة.

محمد بن الحسن بن محمد أبو الفتح

محمد بن الحسن بن محمد أبو الفتح ابن أبي علي الاسدآباذي الصوفي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الحلبي البزار المعروف بابن المنيقير، بسنده إلى بريدة قال: لما زوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة عليها السلام، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا بد للعرس من وليمة " ثم أمر بكبش، فجمعهم عليه. وروى عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة، فمر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، فقال: " يا غلام، هل من لبن؟ " فقلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: " فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ " قال: فأتيته، فمسح ضرعها، فنزل اللبن، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: " اقلص " فقلص. فتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول. قال: فمسح يده على رأسي فقال: " يرحمك الله إنك لغليم معلم ". كتب أبو الفرج بخطه: سألت أبا الفتح عن مولده فقال: في سنة أربع مئة. قال غيث: سكن صور، وكتبت عنه، وكان ثقة ديناً، من أهل الستر، مقبلاً على شأنه، رحمه الله. وحدث ولده حمزة: أنه خرج من صور طالباً للقدس، فأقام بالرملة مدة يسيرة، وتوفي بها في دويرة الفقراء في سنة سبع وستين وأربع مئة.

محمد بن الحسن بن منصور

محمد بن الحسن بن منصور أبو عبد الله الموصلي المعروف بابن الأقفاصي، الشاعر النقاش الضرير قدم دمشق، وامتدح بها جماعة من المتقدمين. قال المصنف: كتبت عنه شيئاً من شعره، وكنت قد رأيته ببغداد في رحلتي الأولى، وقدمها ممتدحاً لابن صدقة، وزير الخليفة المسترشد بالله. أنشد أبو عبد الله بن الأقفاصي، لنفسه: من مجزوء الكامل أحبابنا لا تهجروا ... فتهاجر الأحباب هجر وصلوا، ففي طي الوصا ... ل للوعتي طي ونشر أبديتم ما كنت من ... وجد بكم أبداً أسر وأعدتم بصدودكم ... بيض المدامع وهي حمر وحياتكم، وكفى بها ... لمتيم قسماً يبر ما عاينت عيناي بع ... د فراقكم شيئاً يسر وهي طويلة. وأنشد لنفسه أيضاً: من الكامل لولا مغازلة الغزال الأكحل ... ما بعت عز نباهتي بتذلل ووصلت حبل صبابة بكآبة ... قطعت رجائي من ديار الموصل فترحلت روحي ولم أشعر بها ... في إثر ذاك الشادن المترحل قمر تكامل حسنه وجماله ... فتجملي في حبه لم يجمل حلت مباسمه عقود تجلدي ... فيه، وعقد وصاله لم يحلل وثنت معاطفه قضيب أراكة ... ورنت لواحظه بمقلة مطف

محمد بن الحسن بن الوليد بن موسى

فللحظه وللفظه في مهجتي ... عضب يفصل مفصلاً عن مفصل ولى فأولى كل قلب ترحة ... وسرى بقلبي في الركاب الأول فتهللت وجداً سحائب أدمعي ... كندى شجاع الدولة المتهلل وأنشد لنفسه في البراغيث: من البسيط ما للبراغيث أشباه تقاس بها ... إلا أفاع بقيعان الفلا رقش ورب ليل طويل بت ساهره ... حتى الصباح وعقلي طائر دهش فلو رأيت انفرادي في الظلام وما ... فيهن إلا ظلوم واثب هرش حسبتني ملكاً للروم أوقعه ... صرف الزمان بأرض أهلها حبش فأنكروا منه لوناً غير لونهم ... فكلما مكنوا من لحمه نهشوا انظر إلى مقلتي من طول ما سهرت ... منهن كيف اعترى أجفانها العمش محمد بن الحسن بن الوليد بن موسى ابن سعيد بن راشد بن يزيد بن قندس بن عبد الله أبو العباس الكلابي أخو تبوك وعبد الوهاب. روى عن أبي صالح القاسم بن الليث الرسعني، بسنده إلى أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتق صفية، وجعل ذلك لها صداقاً.

محمد بن الحسن الخشني

كتب أبو الحسين الميداني بخطه: أنبأنا أبو العباس محمد بن الحسن بن الوليد بن موسى الكلابي في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة بحديث ذكره. محمد بن الحسن الخشني حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله: " يوم يكشف عن ساق " قال: " عن نور عظيم يخرون له سجداً ". محمد بن الحسن أبو الحارث الرملي حدث عن صفوان بن صالح الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قول الله عز وجل: " كل يوم هو في شأن ": " من شأنه يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويجيب داعياً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين ". محمد بن الحسن بن معية الحسني شاعر سكن أطرابلس. أنشد لنفسه ارتجالاً في صديق له ركب البحر إلى الإسكندرية من أطرابلس: من الخفيف قربوا للنوى القوارب كيما ... يقتلوني ببينهم والفراق شرعوا في دمي بتشديد شرع ... تركوني من شدها في وثاق

محمد بن الحسن أبو الحسن

ليتهم حين ودعوني وساروا ... رحموا عبرتي وطول اشتياقي هذه وقعة الفراق فهل ... أحيا ليوم يكون فيه التلاقي؟ محمد بن الحسن أبو الحسن الكفرطابي الأديب كتب أبو الفرج غيث بن علي بخطه: أبو الحسن الدمشقي المعروف بابن الكفرطابي، من أهل الأدب، مليح الشعر، حسن الحفظ، ذو مروءة. حدثني هو، وحدثني جماعة عنه أنه أنفق في المعاشرة على الأصدقاء وفي الصلات والكسى والمركوب أكثر من خمسة آلاف دينار كان خلفها له أبوه. وكان أحد الشهود زمن القاضي الزيدي، ثم ترك ذلك فيما بعد. اجتمعت به بدمشق، وذاكرته من شعره شيئاً لا بأس به، ورأيت رأيه - على ما ظهر لي منه - رأي الفلاسفة والميل إليهم. أنشدني محمد بن الحسن لنفسه: من الكامل أظننتني من سلوة أنساك ... أعصي الهوى وأطيع فيك عداك لا تحسبي قلبي يقلبه الهوى ... أبداً، ولا يصفي هوىً لسواك غادرتني حيران أذرف دمعتي ... وأعالج الزفرات من ذكراك قد بث سلطان الفراق جيوشه ... في مهجتي، وأظن فيه هلاكي إن صح عزمك في الفراق فإنني ... يوم الفراق أعد من قتلاك وكتب أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن صابر بخطه، أنشدنا أبو الحسن لنفسه: من الطويل ودوح نزلناه فمد ستائراً ... وناب عن القينات فيه حمام مددنا شراع اللهو في كل روضة ... وطنب فيه للسرور خيام عجبت له أنى تشيب غصونه ... أوان شباب والزمان غلام

محمد بن الحسن أبو عبد الله القرشي

وأيامنا بالنيربين كأنها ... إذا ما ذكرنا طيبهن منام وقد سالمتني في الزمان صروفه ... وبيني وبين الحادثات ذمام وعيش نعمنا فيه صاف من القذى ... وأعين ريب الدهر عنه نيام ذكر أبو محمد بن الأكفاني: أن أبا الحسن الكفرطابي الشاعر كانت وفاته بدمشق سنة ثمان وتسعين وأربع مئة. محمد بن الحسن أبو عبد الله القرشي المعروف بابن السمين له قصائد مدح ببعضها أبا الحسن علي بن طاهر بن جعفر السلمي النحوي، ورثى ببعضها تلميذاً له اسمه أبو الحسن علي بن جعفر بن مسادة الأديب، منها: من الكامل قصرت خطا أملي وأخفق مطلبي ... وبعدت عما رمت بعد تقرب بفراق من فارقت عيشي بعده ... وفقدت في طول المسرة مذهبي قد كنت أحذر يومه فرأيته ... والقلب في يد طائر ذي مخلب ومضوا به حملاً على أعواده ... فكأنه ملك مشى في موكب وأتوا به جدثاً فغيب شخصه ... من بعد أن قد كان غير مغيب لو كان وحي الله ناجاني به ... لظللت بين مصدق ومكذب

محمد بن الحسين بن أحمد بن بكر بن محمد

محمد بن الحسين بن أحمد بن بكر بن محمد أبو علي الطبراني ثم البانياسي حدث عن عمه أبي أحمد عبد الله بن بكر بن محمد، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى أربعين يوماً صلاة الفجر وعشاء الآخرة في جماعة، أعطاه الله براءتين؛ براءة من النار وبراءة من النفاق ". محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو منصور الجعبري الكوفي القاضي الخطيب الأمين قدم دمشق في صحبة والده، وأقام بها مدة، وتولى بها القضاء والخطابة، نيابة عن الشريف أحمد الزيدي. ثم خرج بعد ذلك إلى أطرابلس، فأقام بها، وبلغه أن أهله وابنه أبا القاسم قد توجهوا إلى أطرابلس، فخرج لتلقيهم، فأدركه أجله بحصن المنيطرة، فمات في آخر سنة ثمان وستين وأربع مئة. محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم بن عبد الله أبو الحسن الآبري ثم السجستاني محدث مشهور. روى عن أبي عروبة الحسين بن أبي معشر الحراني، بسنده إلى جابر قال: " لا ألوم أحداً ينتمي عند خصلتين؛ عند إجرائه فرسه، وعند قتاله. وذلك أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجرى فرسه، فسبق، فقال: " إنه لبحر "، ورأيته يوماً ضرب بسيفه في سبيل الله، فقال: " خذها، وأنا ابن العواتك " انتمى إلى جداته من بني سليم.

محمد بن الحسين بن الحسن النيسابوري

محمد بن الحسين بن الحسن النيسابوري أبو بكر بن أبي علي النيسابوري روى أبو بكر بن أبي علي البردعي، عن أبي هريرة، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر ". محمد بن الحسين بن أبي الدرداء روى عن إبراهيم بن عبد الحميد الجرشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". محمد بن الحسين بن سعيد بن أبان أبو جعفر الهمذاني حدث عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تعلموا ما شئتم، فإن الله لن ينفعكم به، حتى تعملوا ". روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى علي بن عمر الحافظ قال: سألت أبا محمد بن غلام الزهري وأبا بكر بن زهر المنقري، عن محمد بن الحسين الهمذاني فقال: ليس هو بالمرضي. قال المصنف: ورأيت له أحاديث منكرة المتن.

محمد بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم

محمد بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم ابن علي بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله العلوي الحسيني النصيبي ولي القضاء والصلاة والخطابة والنقابة بدمشق في أيام المتلقب بالحاكم. وكان عفيفاً طاهراً حافظاً لكتاب الله أديباً شاعراً. وكان له ديوان شعر، فمما قاله في الزهد: من السريع في الشيب ما ألهاه عن نومه ... وعن سرور الغد أو يومه يكفيك ما أبليت من جدة ... فاعمل لأمر أنت من سومه عصيت لوامك عند الصبا ... والشيب ما يعصيه في لومه؟ قال عبد العزيز الكتاني: توفي القاضي الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسين الحسيني النصيبي في جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربع مئة. محمد بن الحسين بن علي بن أبي هشام أبو بكر روى عن أبي بكر الميانجي، بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي قال: مسح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين، وأمر بالمسح على الخفين.

محمد بن الحسين بن علي الترجمان

محمد بن الحسين بن علي الترجمان ابن محمد بن هارون بن الترجمان أبو الحسين القري الصوفي شيخ أهل التصوف بالشام. روى عن عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، بإسناده إلى أبي هريرة قال: مر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يسوق بدنة، فقال: " اركبها " فقال: إنها بدنة. قال في الثالثة أو الرابعة: " ويحك اركبها ". وروى عن أبي بكر محمد بن أحمد الجندري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر. ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ". توفي الشيخ أبو الحسين محمد بن الحسن بن الترجمان بمصر يوم السبت الثامن عشر من جمادى الأولى، سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، ودفن بالقرافة عند قبر ذي النون المصري. وكان عمره خمساً وتسعين سنة على ما قيل. محمد بن الحسين بن علي المروزي بن الحسين أبو عبد الله المروزي المقرئ حدث عن أبي الفتح أحمد بن عبيد الله بن ودعان الموصلي، بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اغتسل يوم الجمعة، فأحسن غسله، ولبس من صالح ثيابه، ومس من طيب بيته، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها ".

محمد بن الحسين بن علي البتلهي بن عبد الأعلى بن سيف

قال أبو محمد الكتاني: سنة أربع وستين وأربع مئة، فيها توفي أبو عبد الله محمد بن الحسين المروزي المقرئ. محمد بن الحسين بن علي البتلهي بن عبد الأعلى بن سيف أبو عبد الله البتلهي قاضي بيت لهيا. سئل عن مولده فقال: في سنة أربعين وأربع مئة في بيت لهيا. وتوفي. محمد بن الحسين بن عمر بن حفص أبو بكر القرشي مولاهم، المعروف بابن مزاريب من ساكني قنطرة سنان. حدث عن أبي علي إسماعيل بن محمد العذري، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ضرب أحدكم خادمه، فذكر الله، فارفعوا أيديكم ". كتب أبو بكر بن إبراهيم السكسكي الفقيه قاضي بعلبك بخطه: توفي أبو بكر بن مزاريب، رحمه الله، لخمس عشرة ليلة مضت من شوال سنة ثلاث وخمسين وثلاث مئة. محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن أحمد أبو خازم بن الفراء البغدادي قدم دمشق، وحدث بها.

محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر

روى عنه الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عمير الليثي قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة. قال الخطيب: غريب لم أكتبه إلا بهذا الإسناد. حدث أبو خازم محمد بن الحسين، عن أبي عمر محمد بن العباس، بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء ". قال أبو بكر الخطيب: رأيت له أصولاً سماعه فيها صحيح، ثم بلغنا عنه أنه خلط في التحديث بمصر، واشترى من الوراقين صحفاً، فروى منها. وكان يذهب إلى الاعتزال. وقال: مات أبو خازم بتنيس في يوم الخميس السابع عشر من المحرم في سنة ثلاثين وأربع مئة ودفن بدمياط. محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر أبو الفتح الشيباني البغدادي العطار المعروف بقطيط حدث عن محمد بن النضر بن محمد النخاس، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر أبو الفتح الشيباني العطار، يعرف بقطيط، أحد

محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد

من تغرب وسافر الكثير.. واكن شيخاً ظريفاً، مليح المحاضرة، يسلك طريق التصوف. وسمعته يقول: ولدت ببغداد في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة. وقال أيضاً: توفي أبو الفتح قطيط بالأهواز في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة. محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد أبو يعلى بن الفراء الفقيه الحنبلي أخو أبي خازم. قال المصنف: بلغني أن البساسيري لما غلب على بغداد، ولاه القضاء تقرباً إلى العامة، فدخل على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وهو في اعتقال البساسيري، فاستأذنه في النيابة عنه، فأذن له، فقضى حينئذ. حدث أبو يعلى بن الفراء، عن أبي الحسن علي بن عمر الحربي، بسنده إلى أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صدقة حتى يرجع ". وثقه الخطيب، وقال: سألته عن مولده فقال: ولدت لسبع وعشرين، أو ثمان وعشرين، ليلة خلت من المحرم، سنة ثمانين وثلاث مئة. وحدثني أبو القاسم الأزهري قال: كان أبو الحسين المحاملي يقول: ما تحاضرنا أحد من الحنابلة أعقل من أبي يعلى بن الفراء.

محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم

مات القاضي أبو يعلى بن الفراء في ليلة الاثنين التاسع عشر من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مئة، ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم ابن الحسين بن عبد الرحمن أبو طاهر بن أبي القاسم الحنائي من أهل بيت حديث وعدالة واشتهار بمذهب السنة، وكان ثقة. حدث عن أبي علي بن أحمد وأبي الحسين محمد، بإسنادهما إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر ". ذكر أبو طاهر بن الحنائي أن مولده سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وذكر أخوه أبو الحسين أن مولده في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة. كتب أبو محمد بن صابر بخطه: توفي شيخنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد الحنائي، رحمه الله، الثالث من جمادى الآخرة سنة عشر وخمس مئة، ودفن في مقابر باب الصغير من يومه. ثقة في روايته، خلف بنتين. محمد بن الحسين بن موسى بن إسحاق أبو التريك السعدي أصله من حمص، وسكن أطرابلس. حدث عن أبي عتبة أحمد بن الفرج، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

محمد بن الحسين الفارسي

من صام يوماً في سبيل الله عز وجل، جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق، كل خندق كما بين سبع سماوات وسبع أرضين ". وحدث في المسجد الحرام بمكة، عن أحمد بن ميمون بن الحكم، بإسناده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل " قاله ثلاث مرات. قال ابن جميع: حدثنا أبو التريك محمد بن الحسن بن موسى بن إسحاق الأطرابلسي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة بحديث ذكره. محمد بن الحسين الفارسي روى عن محمد بن جعفر بن ملاس، بسنده، عن أنس. أنه ذكر الدجال، قال: يخرج معه - يعني - سبعون ألفاً من يهودية أصبهان، عليهم الطيالسة. محمد بن حصن بن خالد بن سعيد بن قيس أبو عبد الله الألوسي البغدادي حدث بدمشق، عن أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الصواف البصري، بسنده إلى جابر بن عبد الله فذكر حديث مواقيت الصلاة، بطوله.

محمد بن حفص بن عمر البعلبكي

حدثنا محمد بن حصن الطرسوسي، عن علي بن الحسن الدرهمي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". محمد بن حفص بن عمر البعلبكي ابن عبد الله بن عمر بن رستم بن سنان أبو صالح الفارسي البعلبكي حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، بسنده إلى عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ". وحدث عن محمد بن عوف، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم اليوم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك. وسيأتي على الناس زمان من عمل منهم عشر ما أمر به نجا ". محمد بن حفص أبي مكرم أبو الحسين حدث عن حماد بن بسطام، بسنده إلى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على عثمان بن مظعون، ومعه صبي له صغير يلثمه، فقال: " أتحبه يا عثمان؟ " قال: إي والله يا رسول الله إني لأحبه. قال: " أفلا أزيدك له حباً؟ " قال: بلى. فداك أبي وأمي. قال: " إنه من ترضى صغيراً له من نسله حتى يرضى، ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى ".

محمد بن حماد الطهراني

محمد بن حماد الطهراني روي عنه أنه قال: أشخصني هشام بن عبد الملك من أرض الحجاز إلى أرض الشام، فاجتزت بالبلقاء، فوجدت بها حبلاً أسود مكتوباً عليه ما لم أدر ما هو، فدخلت إلى عمان، فسألت عمن يقرأ ما على القبور والجبال، فأرشدت إلى شيخ قد كبرت سنه، فلما خرج إلي حدثته بما شاهدت، وأردفته معي على راحلتي، حتى انتهينا إلى الموضع، فلما أن قرأ ما عليه قال: ما أعجب ما عليه! أمعك شيء تنقله إليه؟ فأخرجت ما كان معي، فقال لي: عليك، مكتوب بالعبراني: باسمك اللهم. جاء الحق من ربك بلسان عربي مبين، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله. وكتب موسى بن عمران بيده. قال المضنف: هذا حديث منكر، وإسناده مظلم. محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد بن زياد أبو بكر بن أبي حاتم النيسابوري البيلي من الرحالين. روى عن يزيد بن عبد الصمد، بإسناده إلى أبي الدرداء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خلق الله آدم عليه السلام، فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذريته بيضاً كأنهم اللبن، ثم ضرب كتفه اليسرى، فخرج ذريته سوداً كأنهم الحمم. قال: هؤلاء في الجنة، ولا أبالي، وهؤلاء في النار، ولا أبالي ". قال الحسن بن أحمد المخلدي: توفي أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد بن زياد، رحمه الله، ليلة الأربعاء في وقت عشاء الآخرة، لست عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الآخر، سنة عشرين

محمد بن حمد بن عبد الله

وثلاث مئة ودفن يوم الأربعاء، وصلى عليه أبو القاسم المذكر. وذكر الحاكم أنه مات وهو ابن سبع وثمانين سنة. محمد بن حمد بن عبد الله أبو نصر الأصبهاني الوزان المعروف بالكبريتي وبالفواكهي قال المصنف: كتبت عنه بأصبهان، وذكر لي أنه قدم دمشق، وكان لا بأس به. روى سنة سبع وخمسين وأربع مئة عن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، بسنده إلى جابر قال: قلت: يا رسول الله، مم أضرب يتيمي؟ قال: " مما كنت ضارباً منه ولدك، غير واق مالك بماله، ولا متأثل من ماله مالاً ". محمد بن حمزة بن عبد الله ابن سليمان بن أبي كريمة أبو الحسن الصيداوي حدث عن جده بإسناده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار.. " فذكر الحديث بطوله. محمد بن حمزة بن محمد بن حمزة ابن محمد ويقال: ابن المغلس - بن قعنب أبو عبد الله - ويقال: أبو الحسين - التميمي الدارمي الحراني القطان دمشقي.

محمد بن حمزة بن موسى

حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب الفرغاني، بسنده إلى جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والعمامة. قال عبد العزيز الكتاني: توفي شيخنا أبو عبد الله محمد بن حمزة الحراني القطان يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة خمس عشرة وأربع مئة.. وكان ثقة، ويذهب إلى التشيع. محمد بن حمزة بن موسى أبو عبد الله الشيباني المعروف بابن الغسال المعدل ولي القضاء بدمشق نيابة. محمد بن أبي حمزة بن محمد ابن منصور بن القاسم بن عبدان أبو بكر إمام مسجد باب الجابية. قرأ القرآن بحرف ابن عامر، وقرئ عليه. محمد بن حميد بن محمد بن سليمان ابن معاوية ابن عبيد الله - ويقال: ابن معاوية - ابن خالد أبو الطيب بن الحوراني الكلابي حدث عن أبي بدر عباد بن الوليد، بسنده إلى عمران بن الحصين: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رجم امرأة، ثم صلى عليها. مات ابن الحوراني سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة.

محمد بن حميد

محمد بن حميد بن معيوف بن بكر بن أحمد ابن معيوف بن يحيى بن معيوف أبو بكر الهمذاني من أهل بيت سوا. روى عن أبي بكر محمد بن علي بن أحمد، بسنده إلى جابر بن عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له تور من حجارة. وروى عن المضاء بن مقاتل، بسنده إلى أبي هريرة قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم الجمعة إلا بيوم قبله أو بيوم بعده. محمد بن حميد قال محمد بن حميد الدمشقي: عوتب رجل في التزويج فقال: مكابدة العفة أهون من سؤال الرجال ما في أيديهم. قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن حميد من أهل دمشق من قدماء مشايخ الشام وعظمائهم. كان أستاذ أبي حمزة الصوفي. محمد بن حويت بن أحمد بن أبي حكيم أبو عبد الرحمن بن أبي سليمان القرشي

محمد بن حيان بن محمد بن نصر

روى عن أبيه بإسناده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يكتب إلى بعض العجم كتاباً فقيل له: إنه لا يكون كتاب إلا بخاتم، فاتخذ خاتماً من فضة، فصه منه، ونقش عليه: محمد رسول الله فلبس الخاتم حياته. فلما توفي لبسه أبو بكر حياته، فلما توفي أبو بكر، لبسه عمر، فلما توفي عمر، لبسه عثمان، فسقط منه في بئر بالمدينة، فطلب، فلم يقدر عليه. محمد بن حيان بن محمد بن نصر ابن محمد بن قائد أبو البركات البغدادي الأديب قدم دمشق، وروى بها كتاب الحماسة لأبي تمام في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربع مئة. محمد بن أبي حيي الأذرعي حدث عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم، أو ذات ليلة، لابن عباس: حدثني بحديث يعجبني، فقال: حدثني خريم بن الفاتك الأسدي قال: خرجت في بغاء إبل لي، فأصبتها بأبرق العزاف، فعقلتها، وتوسدت ذراع بعير منها وذلك حدثان خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وروى خبر إسلامه بعد أن سمع هاتفاً من الجن يعلمه ببعثة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال المصنف: هذا حديث غريب. وقد تقدم في ترجمة خريم بن فاتك.

محمد بن خازم بن عبد الله بن ماهان

محمد بن خازم بن عبد الله بن ماهان أبو عبد الله البغوي حدث عن إبراهيم بن إسماعيل، بسنده إلى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ". محمد بن خالد بن أمة أبو جعفر الهاشمي حدث عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الندم توبة ". وروى عن محمد بن سعيد بن المغيرة الشيباني، عن عبد الملك بن عمير قال: لما دخل معاوية الكوفة، صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: أيها الناس! إني والله ما قاتلتكم على الصوم والصلاة، وإني لأعلم أنكم تصومون وتصلون وتزكون، ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم. أما بعد ذلكم، فإنه لم تختلف أمة بعد نبيها، إلا غلب باطلها على حقها، إلا ما كان من هذه الأمة، فإن حقها غلب باطلها. ألا وإن كل دم أصيب في هذه الفتنة تحت قدمي. ألا وإن الناس لا يصلحها إلا ثلاث: خروج العطاء عند محله، وإقفال الجيوش عند إبان قفلها، وانتياب العدو في بلادهم؛ فإنكم إن لم تنتابوهم في بلادهم ينتابوكم في بلادكم. والمستعان الله على أهل كل بلد؛ إن جهد أهله حربوا، وإن حرموا فتنوا. فقوموا فبايعوا. فبايعه الناس. فمر به شيخ فقال:

أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه. فقال: لا شرط لك. فقال: لا بيعة لك. فلما خاف معاوية أن يفسد عليه الناس قال: اجلس. فتركه، حتى إذا رأى أنه قد عقل، قال: أيها الشيخ! لا خير في أمر لا يعمل فيه بكتاب الله وسنة نبيه، فبايع أيها الشيخ، فبايعه. فقام حتى مر بهمدان، فبايعت فأتاه رجل، فقال: والله إني لأبايعك وإني لك لكاره. فقال معاوية: بايع؛ فإن الله قد جعل في الكره خيراً كثيراً. فبايع. وأقبل يبايع همدان، فمر به رجل منهم آخر، فقال: أعوذ بالله من شرك يا معاوية. فقال له معاوية: تعوذ بالله من شر نفسك، فشر نفسك أذم لك من شر نفسي. ثم تقدم رجل آخر فقال: أبايعك على سيرة أبي بكر وعمر بن الخطاب. فكف معاوية يده، ثم قال: وأين رجال ابن الخطاب؟! بايع على دهماء جامعة. فبايعه الرجل. وأقبل يبايع حتى فرغ من بقية الناس كلهم. وروى عن المغيرة بن عمر، بسنده، إلى العلاء بن سعد، وكان ممن بايع يوم الفتح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لجلسائه: " هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: وما تسمع يا رسول الله؟ قال: " أطت السماء، وحق لها أن تئط، ليس منها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد ". ثم قرأ " وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون ". قال ابن أبي حاتم: محمد بن خالد الدمشقي.. سألت أبي عنه، قال: كان يكذب. سمعت منه حديثاً ...

محمد بن خالد بن العباس بن زمل

محمد بن خالد بن العباس بن زمل أبو عبد الله السكسكي البتلهي روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بقيام الليل، فإنها دأب الصالحين قبلكم، وتوبة إلى الله، ومرضاة للرب، ومطردة للداء عن الجسد ". وروى عن بقية بن الوليد، بسنده إلى عرباض بن سارية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال الله عز وجل: إذا قبضت من عبدي كريمتيه، وهو بهما ضنين، لم أرض له ثواباً دون الجنة، إذا حمدني عليهما ". وثقوه. محمد بن خالد بن عبد الله ابن يزيد بن أسد بن كرز القسري غلب على الكوفة، ودعا إلى بني العباس حين ظهروا، ثم أمر على المدينة للمنصور أيام خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن. قال يعقوب بن سفيان: في هذه السنة، يعني سنة إحدى وأربعين ومئة، عزل زياد بن عبيد الله عن المدينة ومكة، واستعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري، فقدمها في رجب. وقال الحارث بن إسحاق: استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد زياد، وأمره بالجد في طلب محمد،

يعني ابن عبد الله بن الحسن، وبسط يده في النفقة في طلبه، فأغذ السير، حتى قدم المدينة هلال رجب سنة إحدى وأربعين ومئة، ولم يعلم به أهل المدينة حتى جاء رسوله من الشقرة وهي بين الأعوص والطرف، على ليلتين من المدينة. فوجد في بيت المال سبعين ألف دينار، وألف ألف درهم، فاستغرق ذلك، ورفع في محاسبته أموالاً كثيرة في طلب محمد، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه، فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف المدينة وأعراضها، فأمر محمد بن خالد أهل الديوان أن يتجاعلوا لمن يخرج، فتجاعلوا، وخرج إلى الأعراض لكشفها عن محمد، وأمر القسري أهل المدينة، فلزموا بيوتهم سبعة، وطافت رسله والجند بيوت الناس يكشفونها، لا يحسون شيئاً. وكتب القسري لأعوانه صكاكاً يتعززون بها لئلا يعرض لهم أحد. فلما استبطأه أبو جعفر، ورأى ما استغرق من الأموال، عزله. حدث محمد بن خالد القسري قال: لما خرج محمد بن عبد الله بالمدينة، وأنا في حبس ابن حيان، أطلقني، فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر، قلت: هذه دعوة حق. والله لأبلين الله فيها. فقلت: يا أمير المؤمنين! إنك قد خرجت بهذا البلد. والله لو وقف على نقب من أنقابه، مات أهله جوعاً وعطشاً. فانهض معي، فإنما هي عشر، حتى أضربه بمئة ألف سيف. فأبى علي. قال: فإني لعنده يوماً إذ قال: ما وجدنا من حر المتاع شيئاً أجود من شيء وجدناه عند ابن أبي فروة ختن أبي الخصيب، وكان انتقبه. قال: قلت: لا أراك قد أبصرت حر المتاع! قال: فكتبت إلى أبي جعفر، فأخبرته بقلة من معه. قال: فعطف علي فحبسني، حتى أطلقني عيسى بن موسى بعد قتله محمداً ودخوله المدينة.

محمد بن خالد بن الوليد بن المغيرة

حدث يعقوب قال: وفيها - يعني سنة أربع وأربعين ومئة - عزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عن المدينة وولي مكانه رياح بن عثمان المري، وأمر بحبس محمد بن خالد وكاتبه وعماله واستخراج ما قبلهم من الأموال. محمد بن خالد بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي ذكر أنه خرج مع مسلمة بن عبد الملك من دمشق غازياً إلى القسطنطينية، وأنه جعل أميراً بعد مسلمة، إن استشهد. قال عبد الله بن سعيد بن قيس الهمداني: قام - يعني عبد الملك - خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: قد أمرت عليكم مسلمة بن عبد الملك، فاسمعوا له، وأطيعوا أمره، ترشدوا، وتوفقوا. فإن استشهد، فالأمير من بعده محمد بن خالد بن الوليد المخزومي، فإن استشهد، فالأمير من بعده محمد بن عبد العزيز ... محمد بن خالد بن يحيى بن محمد ابن يحيى بن حمزة أبو علي الحضرمي البتلهي قاضي بيت لهيا. حدث عن جده لأمه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، بسنده إلى أبي هريرة قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاءه رجل، فقال: يا رسول الله! هلكت! قال: " ويحك! وما شأنك؟ " قال: وقعت على أهلي، في رمضان يعني، قال: " أعتق

محمد بن خالد بن يزيد أبو بكر

رقبة " قال: لا أجد. قال: " فصم شهرين متتابعين " قال: لا أطيقه. قال: " فأطعم ستين مسكيناً " وذكر الحديث، ثم قال في آخره: ما بين ظهري المدينة أحوج إليه مني. قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى بدت أنيابه، ثم قال: " خذه، واستغفر ربك ". كتب أبو الحسين الرازي بخطه: أبو علي محمد بن خالد بن يحيى بن حمزة الحضرمي. من أهل بيت لهيا. وكان على قضاء بيت لهيا، مات سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. وقال أبو سليمان الربعي: وفي ذي الحجة - يعني من سنة أربع وعشرين وثلاث مئة - توفي أبو علي محمد بن خالد بن يحيى بن حمزة. قال المصنف: وأظن أن هذا أصح. محمد بن خالد بن يزيد أبو بكر الشيباني القلوصي الرازي القاضي سمع بدمشق، وسكن نيسابور. حدث عن يحيى بن أبي الخطيب، بسنده إلى عطاء بن يزيد، أنه حدثه، أن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قيل: يا رسول الله! أي الناس أفضل؟ قال: " من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله "، قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: " مؤمن في شعب من الشعاب، يتقي الله، ويدع الناس من شره ". وثقه ابن أبي حاتم.

محمد بن خالد

محمد بن خالد حدث محمد بن خالد الدمشقي عن مران بن محمد، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من عمله، وأجله، وأثره، ومضجعه، ورزقه. لا يتعداهن عبد ". محمد بن خالد الفزاري الدمشقي قرابة مطر بن العلاء. حدث عنه، بإسناده إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفر بالله العظيم، جل وعز، عشرة من هذه الأمة: الغال، والساحر، والديوث، وناكح المرأة في دبرها، وشارب الخمر، ومانع الزكاة، ومن وجد سعة ومات ولم يحج، والساعي في الفتن، وبائع السلاح أهل الحرب، ومن نكح ذات محرم منه ". محمد بن أبي خالد أبو جعفر القزويني الصوفي حدث بدمشق - سنة سبع وأربعين ومئتين - عن عبد الرزاق، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال، كتب له صيام سنة ".

محمد بن خداش الأذرعي

محمد بن خداش الأذرعي من أهل أذرعات. حدث عن مسلمة بن عبد الله القيسراني، بسنده إلى الوليد بن عبادة، أن عبادة لما حضرته الوفاة، قال له عبد الرحمن بن عبادة: أوصني. قال: أجلسوني، نعم، يا بني. اتق الله، ولن تتقي الله حتى تؤمن بالله، ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " القدر على هذا. من مات على غير هذا دخل النار ". محمد بن خراشة حدث عن عروة بن محمد السعدي، عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من أشراط الساعة إخراب العامر، وإعمار الخراب، وأن يكون الغزو فداء، وأن يتمرس الرجل بأمانته تمرس البعير بالشجرة ". وروى عنه أيضاً: أن رجلاً من الأنصار أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أريد أن أتزوج امرأة، فادع

محمد بن خريم بن محمد

لي. فأعرض عنه، ثلاث مرات كل ذلك يقول. ثم التفت غليه فقال: " لو دعا لك إسرافيل وجبريل وميكائيل وحملة العرش وأنا فيهم، ما تزوجت إلا المرأة التي كتبت لك ". ذكره ابن سميع في الطبقة الرابعة، وقيد خراشة بالضم. وضبطه أبو بكر الخطيب وابن ماكولا بالكسر. محمد بن خريم بن محمد ابن عبد الملك بن مران أبو بكر العقيلي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم. مات محمد بن خريم بن محمد بن عبد الملك العقيلي أبو بكر سنة ست عشرة وثلاث مئة. محمد بن خريم أبو قهطم المري من فقهاء أهل دمشق وأهل الفتوى بها. قال أبو هشام عبد الصمد بن عبد الله: وجهني أبو قهطم محمد بن خريم إلى أبي العميطر حين ذكر أنه يريد الخروج.

محمد بن خزيمة بن مخلد بن محمد

فأتيته وهو في قرية قرحتا، فقلت: إن أخاك محمد بن خريم يقرئك السلام، ويقول لك: يا أبا الحسن، قد كبرت سنك، وقد حملنا عنك علماً كثيراً، فلا تفسد نفسك. فلم يرد علي جواباً. وكان في مجلسه محمد بن معيوف الكلبي، فوثب علي وقال: ارجع إلى صاحبك، فقل له: علي بن عبد الله الخليفة، وقد استوثق أمره، وبايعه الناس، فادخل فيما دخلوا فيه، ودع عنك ما لا يعنيك. قال: فرجعت إلى محمد بن خريم، فأخبرته، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم دعا غلاماً له فقال: ائتني بذلك القمطر، فأتاه بقمطر ملئ كتباً، فأخرجها ثم أمر بإحراقها. وكان كلها مما كتبه عن أبي العميطر. محمد بن خزيمة بن مخلد بن محمد ابن موسى أبو بكر حدث عن ابن أبي السري، بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل علي بن أبي طالب، ومعه شيء مغطى دفعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو لبن، فجرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أداره علينا، ثم أقبل على علي فقال: " جزاك الله خيراً. أما إن العبد إذا قال لأخيه المسلم جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الدعاء ". محمد بن خشنام بن بشر بن العنبر أبو عبد الله بن أبي محمد النيسابوري حدث عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، بسنده إلى أبي جحيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآني في المنام، فقد رآني، فإن الشيطان لا يتشبه بي ".

محمد بن الخضر بن الحسن بن القاسم

محمد بن الخضر بن الحسن بن القاسم أبو اليمن التنوخي المعري يعرف بابن مهزول الشاعر المعروف بالسابق قدم دمشق. أنشد أبو اليمن محمد بن الخضر بن الحسن التنوخي لنفسه: من الوافر حلمت عن السفيه فزاد بغياً ... وعاد، فكفه سفهي عليه وفعل الخير من شيمي، ولكن ... أتيت الشر مدفوعاً إليه وأنشد لنفسه أيضاً: من الكامل ولقد عصيت عواذلي وأطعته ... رشأ يقتل عاشقيه ولا يدي إن تلق شوك اللوم فيه مسامعي ... فبما جنت من ورد وجنته يدي قال ابن الملحي: وكان فخر المعالي وزير تاج الدولة صرف همته إلى عمارة الجامع وأعطى عمالته لأبي علي بن أبي سواد، وجعل السابق عليه مشاهرة، توقف فيها أبو علي، فكتب السابق إلى فخر المعالي: من السريع المسجد الجامع في جلق ... إليك بعد الله يستعدي صار السوادي له عاملاً ... وكان لا يصلح للبد نهاره لا كان مستهتراًيلعب بالشطرنج والنرد وليله يشربها قهوة ... صفراء أو حمراء كالورد بالكاس والطاس ولا يرعوي ... مع البغايا ومع المرد

محمد بن الخضر بن عمر أبو الحسين

وهي تلحق أربعين بيتاً يصف فيها آكل مال الجامع والمساجد ويتفنن في الفحش. فصرف أبو علي عن الجامع، وصار أبو علي عند فخر المعالي كما ذكره السابق. محمد بن الخضر بن عمر أبو الحسين الحمصي القاضي الفرضي ولي القضاء بدمشق نيابة عن أبي عبد الله محمد بن الحسين بن النصيبي. حدث عن أبي طاهر محمد بن عبد العزيز الإسكندراني، بسنده إلى عبادة بن الصامت أنه سأل نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أفضل؟ قال له: " الإيمان بالله وتصديق به، وجهاد في سبيله، وحج مبرور. وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ولين الكلام وحسن الخلق. وأهون عليك من ذلك ألا تتهم الله في شيء قضاه عليك ". قال أبو محمد بن الأكفاني: توفي أبو الحسين محمد بن الخضر الفارض يوم السبت لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربع مئة. محمد بن خفيف بن أسفكشاذ أبو عبد الله الضبي الشيرازي الصوفي شيخ بلاد فارس في وقته، وواحد أهل طريقته في عصره. قدم دمشق. حدث عن التريكاني محمد بن أحمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قلب الشيخ شاب في حب اثنتين؛ طول الأمل، وحب المال ".

سمع أبو عبد الله بن خفيف يقول: دخلت دمشق، فقصدت الفقراء، وسلمت عليهم، وأحضر طعام، فمددت يدي معهم، وكان علي صوف مصري وعمامة كحلي، كان قد فتح علي قبل دخولي إلى دمشق بأيام، فتوهم واحد منهم أن معي معلوماً ولي يسار، فقال لي: ألا تستحي من الله؟ تأكل خبز الفقراء وأنت غني! قال: فقلت: ما علمت أن للفقراء خبزاً، ولو علمت ما أكلت. ثم أمسكت يدي. فسمع الدقي، فاستخف بالرجل استخفافاً شديداً، ثم عرفني إليهم، فجاء الرجل معتذراً، فقلت: يا أخي، إن خبز الفقراء لا مالك له، وإنما هو لمن يأكل، لأن الفقير لا يملك. قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن خفيف بن أسفكشاذ الضبي أبو عبد الله المقيم بشيراز كانت أمه نيسابورية، هو اليوم شيخ المشايخ، وتاريخ الزمان. لم يبق للقوم أقدم منه سناً، ولا أتم حالاً ووقتاً. صحب رويماً والجريري وأبا العباس بن عطاء، ولقي الحسين بن منصور. وهو اعلم المشايخ بعلوم الظاهر، متمسكاً بعلوم الشريعة من الكتاب والسنة، وهو فقيه على مذهب الإمام الشافعي.. وقال أبو نعيم الحافظ: ومنهم أبو عبد الله بن خفيف الحنيف الظريف، له الفصول في الأصول، والتحقق والتثبت في الوصول. لقي الأكابر والأعلام، صحب رويماً وأبا العباس بن عطاء وطاهر المقدسي وأبا عمر الدمشقي، وكان شيخ الوقت حالاً وعلماً. توفي سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة.

وقال أبو المظفر بن القشيري: أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي صحب رويماً والجريري وابن عطاء وغيرهم. مات سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة شيخ الشيوخ وواحد وقته. قال ابن خفيف: الإرادة استدامة الكد، وترك الراحة. وقال: ليس شيء أضر بالمريد من مسامحة النفس في قبول الرخص وقبول التأويلات. وسئل عن القرب فقال: قربك منه بملازمة الموافقات، وقربك منه بدوام التوفيق. سمع أبو عبد الله يقول: كنت في ابتدائي بقيت أربعين شهراً أفطر كل ليلة بكف باقلى. فمضيت يوماً، واقتصدت، فخرج من عرقي شبيه ماء اللحم، وغشي علي، فتحير الفصاد، وقال: ما رأيت جسداً بلا دم إلا هذا! وسمع أيضاً يقول: كنت في حال حداثتي استقبلني بعض الفقراء، فرأى في أثر الضر والجوع، فأدخلني داره، وقدم إلي لحماً طبخ بالكشك، واللحم متغير، فكنت آكل الثريد، وأتجنب اللحم لتغيره. ولقمني لقمة فأكلتها بجهد، ثم لقمني ثانية، فبلغته مشقة، فرأى ذلك مني؛ وخجل، وخجلت لأجله. فخرجت وانزعجت في الحال للسفر، فأرسلت إلى والدتي من يحمل إلي مرقعتي، فلم تعارض الوالدة، ورضيت بخروجي. فارتحلت من القادسية مع أحياء العرب، ولم نجد شيئاً، واضطررنا إلى أن اشترينا منهم كلباً بدنانير، وشووه، وأعطوني قطعة من لحمه. فلما أردت أكله، فكرت في حالي، فوقع لي أنه عقوبة خجل ذلك الفقير فتبت في نفسي، وسكت. ودلونا على الطريق، فمضيت، وحججت. ثم رجعت معتذراً إلى الفقير.

قال أبو الحسن علي الديلمي: سمعت الشيخ - يعني - ابن خفيف يقول: كنت في البادية، فأصابني السموم، ولم يكن معي ماء ولا زاد، فطرحت نفسي، ونمت كالسكران قال: فانتبهت، وإذا عند رأسي قطعة تمر، وركوتي ملأى ماء، ففرحت، وتوهمت أنها آية ظهرت لي، فكنت أستقل بها حتى دخلت المدينة. ففي بعض الأيام كنت جالساً عند القبر، فإذا ببدويين دخلا المسجد، فقصدا القبر، فقال أحدهما للآخر: هذا صاحبنا، فجاءا وسلما علي، وقالا: رأيناك في موضع كذا وكذا، وقد ضربك السموم، فحركناك فلم تنتبه، فتركنا عندك الماء والتمر. قال: فقلت في نفسي: ما اصطدنا شيئاً، وخاب ظننا. فكان يمزح إذا حكى هذه الحكاية، ويقول: هذه كانت من آياتي! روى أبو القاسم بن القشيري بإسناده أن أبا عبد الله بن خفيف قال: دخلت بغداد قاصداً إلى الحج، وفي رأسي نخوة الصوفية، ولم آكل الخبز أربعين يوماً.. ولم أشرب إلى زبالة، وكنت على طهارتي. فرأيت ظبياً على رأس البئر، وهو يشرب، وكنت عطشان، فلما دنوت من البئر، ولى الظبي، وإذا الماء في أسفله، فمشيت، فقلت: يا سيدي، ما لي محل هذا الظبي؟! فسمعت من خلفي: جربناك فلم تصبر! ارجع وخذ الماء. فرجعت وإذا البئر ملأى ماء، فملأت ركوتي، وكنت أشرب منه وأتطهر إلى المدينة ولم ينفد. ولما استقيت، سمعت هاتفاً يقول: إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت جئت مع الركوة! فلما رجعت من الحج دخلت الجامع، فلما وقع بصر الجنيد علي قال: لو صبرت لنبع الماء من تحت رجلك، لو صبرت صبر ساعة، صبر ساعة! قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي: نظر أبو عبد الله بن خفيف يوماً إلى أبي مكتوم وجماعة من أصحابه يكتبون شيئاً،

فقال: ما هذا؟ فقالوا: اشتغلوا بتعلم شيء، ولا يغرنكم كلام الصوفية فإني كنت أخبئ محبرتي في جيب مرقعتي، والكاغد في حجزة سراويلي، وكنت أذهب خفياً إلى أهل العلم، فإذا علموا بي خاصموني، وقالوا: لا يفلح. ثم احتاجوا إلي بعد ذلك. قال ابن خفيف وهو يعظ أصحابه: كنت في بدايتي ربما كنت أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف مرة " قل هو الله أحد " وربما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كله، وربما كنت أصلي من الغداة إلى العصر ألف ركعة. قال بعض المشايخ: كان بالشيخ قديماً وجع الخاصرة، فكان إذا أخذه أقعده عن الحركة، فكان إذا أقيمت الصلاة، يحمل على الظهر إلى المسجد ليصلي. فقيل له في ذلك: لو خففت على نفسك لكان لك سعة في العلم. فقال: إذا سمعتم حي على الصلاة ولا تروني في الصف، فاطلبوني في المقابر! قال أبو أحمد الصغير: أمرني أبو عبد الله بن خفيف أن أقدم إليه كل ليلة عشر حبات زبيب لإفطاره. فليلة أشفقت عليه، فحملت خمس عشرة حبة، فنظر إلي وقال: من أمرك بهذا؟ فأكل عشر حبات، وترك الباقي. وقال أبو أحمد الكبير: كان أبو عبد الله إذا أراد أن يخرج إلى صلاة الجمعة يقول لي: هات ما عندنا، فأحمل ما قد فتح من الذهب والفضة وغيره، فيفرقه كله، ثم يخرج إلى صلاة الجمعة. وكان كل سنة في أوان يخرج جميع ما عنده من الثياب حتى لا يبقي لنفسه ما يخرج به إلى برا.

قال أبو أحمد الصغير: كنت أخدم الشيخ، وليس معي في داره أحد، ولا يتقدم إليه أحد غيري، أو من أقدمه. فأصبحت يوماً، وصليت الصبح في الغلس، وجلست على الباب أقرأ في المصحف، وقد أخرجت رأسي من الباب أستضيء بالغلس، قال: فجاء أبو أحمد الكاغدي البيضاوي، وقال: أيها الشيخ، أريد الخروج، فادع لي. فدعا له. ومضى خطوات، فدعاه الشيخ، فرجع إليه، وناوله أرغفة حارة، وقال: كل هذا في الطريق. قال أبو أحمد: فتحيرت، وعلمت أنه لا يدخل إليه إلا من أدخلته، فعدوت وراء الكاغدي وقلت: أرني هذا الخبز، فأراني، فإذا هو رقاق حار! فمما أدركني من الوسواس لم أصبر، فلما كان العصر قلت: أيها الشيخ، ذاك الخبز من أين؟ قال: فقال: لا تكن صبياً أحمق! ذاك جاء به إنسان. فهبته أن أستزيده وسكت. حدث أبو نصر الطرسوسي قال: مات لأبي عبد الله بن خفيف ابن يقال به عبد السلام، فما بقي بشيراز من الخاص والعام والجند والأمراء أحد إلا حضروا جنازته، فلم يجسر أحد أن يعزيه لما كان في نفوسهم أن مثله لا يعزى. سمع أبو عبد الله يقول: كنت بالبصرة في جماعة من أصحابنا، فوقف علينا صاحب مرقعة أعور، فقال: من منكم ابن خفيف؟ فأشاروا إلي. فقال: تأذن لي أن أسألك مسألة؟ فقلت: لا. قال: ولم؟ فقلت: لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسره، وأيسره ألا تسألني، ولا أحتاج أجيبك. فقال: لا بد. فقلت: هذا غير ذاك. فقل الآن ما شئت.

محمد بن خلف بن طارق الداري

قال أبو عبد الله بن خفيف: حقيقة القناعة ترك الشرف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود. وقال أيضاً: القناعة الاكتفاء بالبلغة. وقال: سألت الله أن ألقاه، ولا يكون لي شيء، ولا لأحد علي شيء، ولا يكون على بدني من اللحم شيء. فمات - رحمه الله - وهو كذلك. مات ابن خفيف ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة وصلى عليه كثير من الأفاضل. واجتمع في جنازته خلق كثيرون فيهم اليهود والنصارى والمجوس، ومشى حولها فرسان الديلم والأتراك والحاشية بالعصي والدبابيس يمنعون الناس عنه وعن السرير. وقيل: كان له من العمر مئة وأربع سنين. محمد بن خلف بن طارق الداري حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد، بسنده إلى أنس قال: قيل: يا رسول الله، متى ندع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم: الملك في صغاركم، والعلم في رذالكم، والفاحشة في خياركم " وفي نسخة أخرى " في كباركم ". قال عبد الجبار: محمد بن خلف بن طارق. ولده بداريا إلى اليوم.

محمد بن الخليل بن حماد بن سليمان

قال أحمد بن عمير بن جوصا: حدثنا محمد بن خلف بن طارق الداري ببيروت، سنة تسع وأربعين، حدثنا أبو عامر الليثي بحديث ذكره. محمد بن الخليل بن حماد بن سليمان أبو عبد الله الخشني البلاطي حدث عن إسماعيل بن عياش، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام، حتى يقرأ " ألم. تنزيل " السجدة، و" تبارك الذي بيده الملك ". وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس فيما دون ثلاثين من البقر صدقة، فإذا بلغت ثلاثين، ففيها تبيع جذع أو جذعة. وفي كل أربعين من البقرة بقرة مسنة، وما زاد فعلى حساب ذلك ". ذكره أبو حاتم، وعده النسائي في شيوخه وقال: دمشقي لا بأس به. قال أبو نصر بن ماكولا: أما الخشني أوله خاء معجمة بعدها شين معجمة مفتوحة ثم نون: محمد بن الخليل الخشني..

محمد بن الخليل أبو بكر المقرئ

محمد بن الخليل أبو بكر المقرئ الأخفش الصغير حدث بعض أصحابه أنه كان يحفظ ثلاثين ألف بيت شعر شاهد في كتاب الله عز وجل. أنشد أبو بكر محمد بن الخليل المقرئ: من الكامل وجبت علي زكاة ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا فإذا ملكت فجد، فإن لم تستطع ... فاحرص بجهدك في الورى أن تنفعا قال حسن بن الحسن الهاشمي الدمشقي: إن الأخفش الصغير قديم الموت - فيما أحسبه - مات بعد سنة ستين وثلاث مئة. وكان له ابن نبيل عالم باللغة والعربية. محمد بن داود بن سالم أبو عمرو مولى عثمان بن عفان حدث عن يزيد بن هارون، بسنده إلى معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله، أين تأمرني؟ فقال: " ها هنا " ونحا بيده نحو الشام، ثم قال: " إنكم محشورون رجالاً وركباناً، وتخرون على وجوهكم ". وحدث عن يزيد، بسنده إلى واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك - وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم - فقال: من أنت؟ قال: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ. قال: يرحم الله سعداً؛ كان سعد من أعظم الناس وأطولهم. ثم قال:

محمد بن داود بن سليمان

بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً إلى أكيدر دومة، فبعث إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبة من ديباج منسوجة فيها الذهب، فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل الناس يمسحونها وينظرون إليها، فقال: " أتعجبون من هذه الجبة؟ " قالوا: يا رسول الله ما رأينا ثوباً قط هو أحسن منه. قال: " فوالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منه ". محمد بن داود بن سليمان أبو عبد الله المعروف بالساقي حدث عن مران الطاطري بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استبرأ صفية بحيضة. محمد بن داود بن سليمان أبو العباس البغدادي حدث بدمشق عن مصعب بن عبد الله الزبيري، بسنده إلى أنس أن رجلاً كان يصلي بأصحابه، فيقرأ مع كل سورة " قل هو الله أحد " قال: فشكاه قومه، أو أصحابه، إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحملك على ذلك؟ قال: إني أحبها، قال: حبها الذي أدخلك الجنة. محمد بن داود بن سليمان أبو بكر النيسابوري الزاهد الصوفي.

حدث عن محمد بن المعافى الصيداوي وعبد الله بن محمد بن سلم، بسندهما إلى بسر بن أرطاة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا، ومن عذاب القبر ". قال أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن داود بن سليمان النيسابوري أبو بكر المعروف بابن الفتح أقام ببغداد مدة طويلة، وكان جليساً لجعفر الخلدي والمرتعش ويحيى العلوي وطبقتهم. كتب الحديث الكثير، ودخل الشام. مات بنيسابور سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن داود بن سليمان بن جعفر أبو بكر الزاهد النيسابوري، قدم بغداد قبل سنة ثلاث مئة وأقام بها.. وكان ثقة فهماً، صنف أبواباً وشيوخاً.. ورجع آخر عمره إلى نيسابور، فتوفي بها. وثقه الحاكم والدارقطني وغيرهما. سمع أبو بكر بن داود الزاهد يقول: كنت بالبصرة أيام القحط، فلم آكل في أربعين يوماً إلا رغيفاً واحداً. فكنت إذا جعت قرأت سورة يس على نية الشبع، فكفاني الله الجوع. قال أبو منصور بن عبد الله بن محمد الحافظ النيسابوري: توفي أبو بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد يوم الجمعة لعشر بقين من ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة، وكان من المقبولين بالحجاز ومصر والشام والعراقين وبلاد خراسان.

محمد بن داود بن صبيح

محمد بن داود بن صبيح حدث عن محمد بن عيسى، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله، سمعت فلاناً - يثني خيراً ويذكر خيراً - زعم أنك أعطيته دينارين. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكن فلان قد أعطيته من عشرة إلى مئة فما يقول ذلك ولا يثني به. والله إن أحدهم ليخرج بمسلته من عندي متأبطها، فما هي له إلا نار " قال عمر: يا رسول الله، فلم تعطيه إياها وهي له نار؟ قال: " فما أصنع؟ يأبون إلا يسألوني، وأنا أكره، فأعطيهم، ويأبى الله لي البخل ". محمد بن داود بن عبد الرحمن بن زياد بن بنوس أبو السري الفارسي البعلبكي حدث ببعلبك سنة عشرين وثلاث مئة عن حميد بن محمد بن النضير، بسنده إلى ابن عباس قال: بينما هو ذات يوم قاعد، إذ أتاه رجل، فوقف عليه، فقال له: يا بن عباس، سمعت العجب من كعب الحبر. وكان ابن عباس متكئاً، فاحتفز ثم قال: وما ذاك؟ قال: زعم أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران، فيقذفان في النار ... الحديث بطوله. محمد بن داود أبو الخير الرحبي دمشقي.

محمد بن داود أبو بكر الدينوري

حدث عن الهيثم بن حميد، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من فاتته صلاة العصر في جماعة، فكأنما وتر أهله وماله ". محمد بن داود أبو بكر الدينوري الصوفي المعروف بالدقي سكن الشام، وقرأ القرآن. ذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه عمر فوق مئة سنة، وقال: كان من أجل مشايخ وقته وأحسنهم مالاً وأقدمهم صحبة للمشايخ. صحب أبا عبد الله بن الجلاء وأبا بكر الزقاق الكبير. مات بعد الخمسين وثلاث مئة. حدث محمد بن داود الدقي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن الجلاء يقول: كنت بذي الحليفة، وأنا أريد الحج، والناس يحرمون، فرأيت شاباً قد صب عليه الماء يريد الإحرام، وأنا أنظر إليه، فقال: يا رب، أريد أن أقول: لبيك اللهم، فأخشى أن تجيبني: لا لبيك ولا سعديك! وبقي يردد هذا القول مراراً كثيرة، وأنا أتسمع عليه. فلما أكثر، قلت له: ليس لك بد من الإحرام. فقال: يا شيخ أخشى إن قلت: لبيك أجابني بلا لبيك ولا سعديك، فقلت له: أحسن ظنك، وقل معي: لبيك اللهم لبيك، فقال: لبيك اللهم، وطولها، وخرجت نفسه مع قوله اللهم، وسقط ميتاً. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن داود أبو بكر الصوفي، يعرف بالدقي، وهو دينوري الأصل، أقام ببغداد مدة، ثم انتقل إلى دمشق فسكنها، وكان من كبار شيوخ الصوفية، له عندهم قدر كبير،

ومحل خطير. وكان أحد حفاظ القراءات؛ قرأ على أبي بكر بن مجاهد، وسمع منه محمد بن جعفر الخرائطي. قال أبو بكر الدقي: المعدة موضع يجمع الأطعمة، فإذا طرحت فيها الحلال، صدرت بالأعمال الصالحة. وإذا طرحت فيها الشبهة اشتبه عليك الطريق إلى الله. فإذا طرحت فيها التبعات كان بينك وبين أمر الله حجاب. وقال: سألت الزقاق أبا بكر: لمن أصحب؟ فقال: لمن تسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ. ثم سألته مرة أخرى: لمن أصحب؟ فقال: من يعلم منك ما يعلمه الله منك فتأمنه على ذلك. وسمع يقول: كنت إذا فتح لي بشيء لا أبيته لغد، ومهما فتح لي من النهار، أخرجه قبل الليل. فدفع إلي ذات يوم ثلاثة دراهم بالعشي، فقلت: أخرجه إذا أصبحنا، فجعلته في وسطي، ونمت فرأيت في المنام كأني قد حشرت، وفي وسطي ثلاثة دنانير، فاغتممت، وجعلت أحلها وأتعجب من ذلك. فقال لي قائل: هذه الثلاثة دراهم التي ادخرتها، فانتبهت فزعاً، فقمت، ودفعتها للوقت إلى الفقراء. وروى أبو المظفر بن القشيري بإسناده إليه أنه قال: كنت بالبادية، فوافيت قبيلة من قبائل العرب، فأضافني رجل منهم، فرأيت غلاماً أسود مقيداً هناك، ورأيت جمالاً ماتت بفناء البيت. فقال لي الغلام: أنت الليلة

محمد بن أبي داود الأزدي

ضيف، وأنت على مولاي كريم، فتشفع لي، فإنه لا يردك. فقلت لصحاب البيت: لا آكل طعامك حتى تخلي هذا العبد. فقال: هذا الغلام قد أفقرني وأتلف مالي! فقلت: فما فعل؟ فقال: له صوت طيب، وكنت أعيش من ظهر هذه الجمال، فحملها أحمالاً ثقيلة، وحدا لها حتى قطعت مسيرة ثلاثة أيام في يوم، فلما حط عنها ماتت كلها! ولكن قد وهبته لك، وحل عنه القيد. فلما أصبحنا، أحببت أن أسمع صوته، فسألته ذلك، فأمر الغلام أن يحدو على جمل كان على بئر هناك يستقي عليه. فحدا، فهام الجمل على وجهه،، وقطع حباله. ولم أظن أني سمعت صوتاً أطيب منه. ووقعت لوجهي حتى أشار عليه السكوت. قال علي بن عبد الله الصوفي: سمعت الدقي وقد سئل عن سوء أدب الفقراء مع الله في أحوالهم فقال: انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم. وقال محمد بن زكريا النسوي: مات أبو بكر الدقي بدمشق سنة تسع وخمسين وثلاث مئة. وقال أبو الحسين الميداني: توفي أبو بكر محمد بن داود الدينوري المعروف بالدقي لسبع خلون من جمادى الأولى سنة ستين وثلاث مئة. محمد بن أبي داود الأزدي قال أحمد بن أبي الحواري: محمد بن أبي داود الأزدي من الثقات.

محمد بن أبي الدرداء

محمد بن أبي الدرداء قال المصنف: عندي أن هذا محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، إلا أن البخاري فرق بينهما في تاريخه. ولم يذكر ابن أبي حاتم إلا محمد بن سليمان وحده. محمد بن دلويه بن منصور أبو بكر النيسابوري الفقيه الزاهد رحل وسمع واجتاز بدمشق أو بساحلها في رحلته. قال علي بن الحسن الداربجردي: أبو بكر بن دلويه بن منصور عندي ثقة، يستأهل السماع منه. وكتب أبو عمر المستملي بخطه: مات محمد بن دلويه بن منصور الفقيه يوم الثلاثاء بعد الظهر لعشرين ليلة خلت من صفر سنة خمس وستين ومئتين. محمد بن دينار العرقي من أهل عرقة من أعمال دمشق. روى عن هشيم، بسنده إلى أنس بن مالك قال: بينا أنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: " هل تدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ " قلت: لا. قال: " إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة

من علي بن أبي طالب. انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وبعددهم من الأنصار " فانطلقت، فدعوتهم. فلما أخذوا المقاعد، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، كرمهم بنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم إن الله جعل المصاهرة نسباً لا حقاً، وأمراً مفترضاً، وشج به الأرحام، وألزمها الأنام، فقال تبارك وتعالى: " وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً " فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب؛ " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " ثم إن ربي أمرني أن أزوج فاطمة من علي بن أبي طالب، فأشهدكم أني قد زوجته إياها على أربع مئة مثقال فضة، إن رضي بذلك علي " - وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بعثه في حاجة - ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بطبق فيه بسر، فوعه بين أيدينا، وقال: " انتهبوا " فبينا نحن ننتهب إذ أقبل علي، فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه وقال: " يا علي، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، وقد زوجتكها على أربع مئة مثقال فضة، إن رضيت " فقال علي: رضيت يا رسول الله. ثم خر لله ساجداً. فلما رفع رأسه، قال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله فيكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما الكثير الطيب ". قال أنس: فوالله لقد أخرج منهما الكثير الطيب. قال المصنف: غريب لا أعلمه يروى إلا بهذا الإسناد. قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتاب تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: محمد بن دينار من الساحل ... والراوي عنه فيه جهالة.

محمد بن ذكوان

محمد بن ذكوان من أهل دمشق. روى عن مسلمة بن هشام بن عبد الملك القرشي، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب قال: جاء قوم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله إنا نتنبذ النبيذ، ونشربه على غدائنا وعشائنا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتبذوا. وكل مسكر حرام ". قالوا: يا رسول الله إنا نكسره بالماء. فقال: " حرام ما أسكر كثيره ". قال المصنف: كذا في الأصل، والصواب سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك، فإنه هو الذي يروي عن الأوزاعي. فأما أبوه مسلمة بن هشام، فهو قديم لم يدركه محمد بن ذكوان. وروى عن عراك بن خالد، بسنده إلى ابن عباس قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان قال: " الحمد لله! دفن البنات من المكرمات ". محمد بن راشد أبو يحيى ويقال أبو عبد الله الخزاعي المكحولي من أهل دمشق، سكن البصرة. حدث عن عمران القصير، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الملائكة تصلي على العبد ما دام في مصلاه، لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ".

وحدث عن سليمان بن موسى، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا ينبغي لأحد له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا وعنده وصيته ". وعنه أيضاً بسنده إلى جد عمرو بن شعيب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم. قال البخاري: محمد بن راشد الخزاعي الشامي.. ما رأيت رجلاً في الحديث أورع منه. كنيته أبو يحيى، كناه عارم. وقال أبو عبد الله المقدمي: محمد بن راشد صاحب مكحول يكنى أبا عبد الله. وقال أبو بكر الخطيب: محمد بن راشد أبو يحيى الخزاعي الشامي من أهل دمشق، يعرف بالمكحولي.. وكان قد انتقل إلى البصرة فنزلها، وقدم بغداد وحدث بها. وثقه عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وعبد الرزاق ويحيى بن معين وغيرهم. وقيل إنه كان شيعياً واتهم بالقدر. حدث سليمان بن أحمد الواسطي قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: سمعتك تحدث عن رجل أصحابنا يكرهون الحديث

محمد بن رافع الغزنوي

عنه قال: من هو؟ قلت: محمد بن راشد الدمشقي. قال: ولم؟ قلت: كان قدرياً. فغضب وقال: ما يضره؟!. وحدث إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: محمد بن راشد كان مشتملاً على غير بدعة، وكان فيما سمعت متحرياً للصدق في حديثه. قال محمد بن العلاء بن زهير: مات محمد بن راشد بعد سنة ستين ومئة. محمد بن رافع الغزنوي قدم دمشق. وحدث بها عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حلف عند منبري هذا من عبد ولا أمة يميناً آثمة، ولو على سواك رطب، إلا وجبت له النار ". محمد بن رائق أبو بكر قدم دمشق في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وثلاث مئة، وذكر أن التقي لله ولاه إمرة دمشق، وأخرج عنها بدر بن عبد الله الإخشيدي المعروف ببدير، وأقام بها أشهراً من سنة ثمان وعشرين، ثم توجه إلى مصر، واستخلف على دمشق محمد بن يزداد الشهرزوري،

محمد بن رجاء السختياني

فلقي محمد بن طغج الإخشيد صاحب مصر، فهزمه الإخشيد، ورجع ابن رائق إلى دمشق، وبقي أميراً عليها باقي سنة ثمان وعشرين وأشهراً من سنة تسع وعشرين، ثم خرج إلى بغداد، واستخلف الشهرزوري. وقتل محمد بن رائق بالموصل سنة ثلاثين. فلما بلغ قتله الإخشيد جاء من الرملة إلى دمشق، فاستأمن إليه محمد بن يزداد، فاستخلفه على دمشق. قال المصنف: ذكر ذلك كله أبو الحسين الرازي فيما قرأت في كتابه. وبلغني أن ابن رائق قتله بنو حمدان بالموصل. محمد بن رجاء السختياني حدث عن منبه بن عثمان الدمشقي، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد يتوجه الرجلان إلى المسجد وينصرف أحدهما وصلاته أفضل من الآخر إذا كان أفضلهما عقلاً، وينصرف الآخر وصلاته لا تعدل مثقال ذرة ". محمد بن رزق الله بن عبيد الله أبو بكر - ويقال: أبو الحسن - المعروف بأبي عمرو الأسود المنيني المقرئ إمام قرية منين. حدث عن أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة، بسنده إلى عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وانتجى عثمان ليلة فيما بين المغرب والعشاء في منزله - وهو يقول: "

محمد بن رزين بن يحيى بن سحيم

يا عثمان، إن الله قمصك قميصاً، فأرادك الناس المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني ". قال أبو محمد الصوفي: قال لي شيخنا أبو بكر محمد بن رزق الله: كان أبي قد سمعني كتباً كثيرة، وكتب حمل جمل كتباً ولكن احترق، ولم يبق إلا ما وجد فيه سماعي مع الناس. قال الصوفي: وكان يكتب خطاً حسناً ويحفظ القرآن بأحرف حفظاً حسناً، رحمه الله، وكان يذكر أن مولده سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة. قال علي بن محمد الحنائي: توفي شيخنا أبو بكر محمد بن رزق الله المعروف بابن أبي عمرو الأسود يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربع مئة. محمد بن رزين بن يحيى بن سحيم أبو عبد الله البعلبكي قدم بغداد، وحدث بها. روى عن موسى بن محمد المقدسي، بسنده إلى مجاهد في قوله: " ويخلق ما لا تعلمون " قال: السوس في الثياب. محمد بن رواحة بن محمد بن النعمان ابن بشير أبو معن الأنصاري الصرفندي حدث بدمشق سنة ست وستين ومئتين.

محمد بن روح الجزري الرسعني القاضي

محمد بن روح الجزري الرسعني القاضي قاضي رأس العين. حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد، بسنده إلى هشام بن الغاز قال: قدمت أنا وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر على أبي جعفر المنصور وافدين. محمد بن روضة الجمحي أحد الشعراء والفرسان الذين شهدوا صفين مع معاوية وقتلوا يومئذ. قال جابر - يعني الجعفي -: خرج إليه - يعني الأشتر - محمد بن روضة الجمحي وهو يقول: من الرجز يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن ... يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن أورث قلبي قتله طول الحزن ... أضربكم وإن زعم أبو حسن فشد عليه الأشتر وهو يقول: من الرجز لا يبعدن غيركم إنسانا ... ولا يسلي عنكم الأحزانا في أبيات له، فضربه الأشتر، فقتله. محمد بن زاهر بن حرب بن شداد أبو جعفر ابن أخي أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي سكن دمشق. حدث أن يحيى بن يمان قال: سمعت الثوري يقول: أبغض ما يكون إلي إذا رأيتهم قياماً يضلون! قال: ورأى سفيان على رجل قلنسوة سوداء، وذكر له أمر الحج فقال: وضعك هذا يعدل حجة!

محمد بن الزبير التميمي الحنظلي البصري

وحدث عن أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى سفيان أيضاً أنه قال: إني لأعرف حب الرجل للدنيا بتسليمه على أهل الدنيا. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سألت أبي عنه فقال: كان بدمشق. توفي هناك، وأنا صليت عليه، وكان من أقراني، ولم يكن به بأس. محمد بن الزبير التميمي الحنظلي البصري روى عن الحسن، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين ". وفي رواية: " لا نذر في غضب ". حدث محمد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا أنا بشيخ قد التقت ترقوتاه من الكبر، فقلت له: يا شيخ، من أدركت؟ قال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: فما غزوت؟ قال: اليرموك. قلت: حدثني بشيء سمعته، قال: خرجت مع فتية من عك والأشعريين حجاجاً، فأصبنا بيض نعام، وقد أحرمنا، فلما قضينا نسكنا، وقد في أنفسنا منه شيء، فذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فأدبر وقال: اتبعوني حتى أنتهي إلى حجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب في حجرة منها، فأجابته امرأة فقال: أثم أبو حسن؟ قالت: لا، هو في المقثأة. فأدبر وقال: اتبعوني، حتى انتهى إليه، فإذا معه غلامان أسودان، وهو يسوي التراب بيده، فقال: مرحباً يا أمير المؤمنين. قال: إن هؤلاء فتية من عك والأشعريين أصابوا بيض نعام وهم محرمون. قال: ألا أرسلت إلي؟ قال: إني

أحق بإتيانك. قال: يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض، فما نتج منها أهدوه. قال عمر: فإن الإبل تخدج، قال علي: والبيض يمرق، فلما أدبر قال عمر: اللهم لا تنزلن شديدة إلا وأبو الحسن جنبي. قال محمد بن الزبير الحنظلي: دخلت على عمر بن عبد العزيز ليلة وهو يتعشى كسراً وزيتاً. قال: فقال: ادن فكل. قال: بئس طعام المقرور. قال: فأنشدني من الوافر إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجئ بزاد بخبز أو بلحم أو بتمر ... أو الشيء الملفف في البجاد وأنشدنا بيتاً ثالثاً قافيته: ليأكل رأس لقمان بن عاد قال: قلت: يا أمير المؤمنين، ما كنت أرى هذا البيت فيها. قال: بلى هو فيها. قال عبيد الله بن محمد القرشي التيمي: وصدر هذا البيت: تراه ينقل البطحاء شهراً ... ليأكل رأس لقمان بن عاد قال البخاري: محمد بن الزبير الحنظلي فيه نظر، حديثه في البصريين.

محمد بن الزبير

وقال أبو عبد الرحمن النسائي: محمد بن الزبير الحنظلي بصري ضعيف. محمد بن الزبير أبو بشر القرشي، مولى آل أبي معيط الحراني إمام مسجد حران، وكان يؤدب ولد هشام بن عبد الملك. حدث عن حجاج الرقي، بسنده إلى ابن عباس قال: كان مما ينزل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحي بالليل، وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: " ما تنسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ". وحدث عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل لرجل أن ينظر إلى سوأة أخيه ". قال ابن عدي: وهذا الحديث ليس يرويه إلا محمد بن الزبير هذا. حدث البخاري قال: محمد بن الزبير إمام مسجد حران ... لا يتابع في حديثه. ضعفه ابن عدي وأبو حاتم وأبو زرعة. محمد بن زرعة بن روح الرعيني حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي عبد الله الأشعري أنه قال: نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يصلي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده، فقال: " لو مات هذا على هذه الحال، مات على غير ملة محمد " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا

محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق

صلى أحدكم، فليتم ركوعه، ولا ينقر في سجوده، فإنما مثل ذلك مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين، وكمثل الديك ينقر في الدم، فماذا يغنيان عنه؟! ". قال أحمد العجلي: محمد بن زرعة الرعيني دمشقي ثقة. مات محمد بن زرعة الرعيني سنة ست عشرة ومئتين. محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق أبو منصور البلدي المقرئ قدم دمشق، وحدث بها، وكان يقرئ بطرسوس. حدث محمد بن زريق بن إسماعيل، عن أبي يعلى أحمد بن علي الموصلي، بسنده إلى ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". قال أبو نصر بن ماكولا: أما زريق بتقديم الزاي على الراء: محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق أبو بكر المقرئ البلدي. سكن دمشق وحدث بها. محمد بن أبي الزعيزعة واسمه سالم مولى بني أمية من أهل أذرعات. حدث عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال علي كذباً، ليضل به الناس بغير علم، فإنه بين عيني جهنم يوم القيامة ".

محمد بن زفر بن خير

قال الراوي: وهو حديث غريب. وحدث عن عطاء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البلاء موكل بالقول ". وحدث عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تصافحوا، فإن المصافحة تذهب بالشحناء، وتهادوا، فإن الهدية تذهب الغل ". وفي رواية: " تذهب بالسخيمة ". ضعفه ابن سميع وابن عدي وأبو نعيم الحافظ. وقال البخاري: محمد بن أبي الزعيزعة منكر الحديث جداً. محمد بن زفر بن خير ويقال: جبر أو جبير - بن مران بن سيف بن يزيد بن سريج بن شقيق بن عامر أبو بكر الأزدي المازني الفقيه أخو أبو الهيدام عيلان بن زفر. حدث عن عبد الرحمن بن جبير، بسنده إلى النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ".

محمد بن زكريا أبو عبد البعلبكي

كتب أبو الحسين الرازي بخطه: أبو بكر محمد بن زفر مات في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن زكريا أبو عبد البعلبكي روى عن العباس بن وليد بن مزيد البيروتي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هلكت أمة قط حتى تشرك بالله، وما أشركت أمة بالله حتى يكون أول شركها التكذيب بالقدر ". محمد بن زهير بن محمد أبو الحسن الكلابي الفقيه، المعروف بابن الزعق روى عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني، بسنده إلى سعد بن عبادة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يسقي عن أمه الماء. محمد بن زيادة اللخمي من أهل فلسطين. روى محمد بن عائذ بإسناده أن عبد الكبير بن عبد الحميد غزا الصائفة سنة أربع وستين ومئة في خلافة المهدي بأربعين ألفاً من أهل الشام والجزيرة والموصل، فكان على أهل فلسطين محمد بن زيادة اللخمي، وعلى أهل الأردن عاصم بن محمد.. إلى آخر الحديث.

محمد بن زياد بن زبار

محمد بن زياد بن زبار أبو عبد الله الكلبي الدمشقي روى عن الشرقي بن قطامي، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوفوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ". وعن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أهدي إلي كراع لقبلته، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت ". وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من استنجى من الريح فليس منا ". قال الحسن بن عبد الله بن سعيد: وأما زبار، أول الاسم زاي، وبعدها باء مشددة، وآخره راء، فمنهم محمد بن زياد بن زبار الكلبي، أخباري صاحب نسب، روى عن شرقي بن قطامي ولم يسمع منه. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أتينا محمد بن زياد بن زبار ببغداد، وكان شاعراً، فقعدنا في دهليزه ننتظره، فجاءنا، وذكر أنه قد ضجر، فلما نظرنا إلى قده علمنا أنه ليس من البابة، فذهبنا ولم نرجع إليه. قال: وذكر أبي عن إسحاق الكوسج قال: محمد بن زياد لا أحد. وروى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى أبي علي صالح بن محمد قال: ومحمد بن زياد بن زبار قال يحيى بن معين: لا شيء. قال أبو علي: وكان يكون ببغداد يروي الشعر وأيام الناس، ليس بذاك.

محمد بن زيد بن عبد الله

محمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي وفد على هشام بن عبد الملك. حدث عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان ". وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما الحلف حنث أو ندم ". حدث علي بن محمد قال: أتى هشاماً محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، فقال: ما لك عندي شيء. ثم قال: إياك أن يغرك أحد فيقول: لم يعرفك أمير المؤمنين! إني قد عرفتك، أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلا تقيمن، فتنفق ما معك، فليس لك عندي صلة، فالحق بأهلك! قال خليفة بن خياط: في الطبقة الرابعة من أهل المدينة محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل. وأمه أم حكيم بنت عبيد الله بن عمر بن الخطاب. وثقه أبو زرعة.

محمد بن أبي الساج

محمد بن أبي الساج أحد الأمراء الذين كانوا ببغداد. قدم دمشق لمحاربة أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، فالتقوا عند ثنية العقاب، فظفر خمارويه بعسكره، وهرب ابن أبي الساج، وأتبعه جيش إلى الفرات. محمد بن أبي سدرة الحلبي حدث محمد بن أبي سدرة قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز ليلة، وهو يتلوى من بطنه. فقال: ما لك يا أمير المؤمنين؟ قال: عدس أكلته فأوذيت منه. قال: ثم قال: بطني بطني ملوث في الذنوب. وقال: إن عمر بن عبد العزيز كان يدعو في الموقف: اللهم متعني بالإسلام والسنة، وبارك لي فيهما. قال ابن ماكولا: أما سدرة، بكسر السين المهملة: محمد بن أبي سدرة، سمع عمر بن عبد العزيز. محمد بن السري أبو الحسن الرازي حدث بدمشق عن محمد بن أحمد بن عبد الصمد، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".

محمد بن أبي السري البغدادي القطان

محمد بن أبي السري البغدادي القطان سمع بدمشق. وحدث عن يونس بن عبد الأعلى، بسنده إلى السري بن يحيى قال: كتب وهب بن منبه إلى مكحول: إنك قد أصبت بما ظهر من علم الإسلام عند الناس محبة وشرفاً، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، واعلم أن إحدى المحبتين سوف تمنعك الأخرى. حدث محمد بن أبي السري قال: قال لي هشام بن الكلبي: حفظت ما لم يحفظ أحد، ونسيت ما لم ينس أحد: كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتاً، وحلفت لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن! فحفظته في ثلاثة أيام. ونظرت يوماً في المرآة، فقبضت على لحيتي، لآخذ ما دون القبضة، فأخذت ما فوق القبضة! محمد بن سعدون بن مرجى بن سعدون ابن مرجى أبو عامر القرشي العبدري الميورقي الأندلسي الحافظ قال المصنف: كان فقيهاً على مذهب داود بن علي الظاهري، وكان أحفظ شيخ لقيته، وذكر لي أنه دخل دمشق في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء وغيره، ولم يسمع منهم، وسمع من أبي الحسن بن طاهر النحوي بدمشق. ثم سكن بغداد، وسمع بها.. كتبت عنه. حدث أبو عامر العبدري، عن أبي عبد الله مالك بن أحمد البانياسي، بسنده إلى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دبر كل صلاة: " لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".

محمد بن سعد بن عبد الله

حكى المصنف عنه ما يدل على سوء أدبه وقلة احترامه للأئمة، مما دعاه إلى هجره، ثم قال: وكان سيء الاعتقاد؛ يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها، بلغني أنه قال يوماً في سوق باب الأزج: " يوم يكشف عن ساق " فضرب على ساقه وقال: ساق كساقي هذه! وبلغني عنه أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله: " ليس كمثله شيء " أي في الإلهية، فأما في الصورة، فهو مثلي ومثلك، فقد قال الله تعالى: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء " أي في الحرمة، لا في الصورة. وسألته يوماً عن مذهبه في أحاديث الصفات، فقال: اختلف الناس في ذلك؛ فمنهم من تأولها، ومنهم من أمسك عن تأولها، ومنهم من اعتقد ظاهرها. ومذهبي أحد هؤلاء الثلاثة مذاهب. وكان يفتي على مذهب داود. توفي أبو عامر سنة أربع وعشرين وخمس مئة، ودفن بباب الأزج، وكنت إذ ذاك ببغداد ولم أشهده. محمد بن سعد بن عبد الله ابن الحسن بن محمد بن علي ابن سعد بن نصر بن عصام بن علكوم بن حبيب بن سويد بن عوف ابن ياسرة بن سواد بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار أبو عبد الله البغدادي

محمد بن سد بن منيع

قال المصنف: قدم دمشق مراراً، وكان قارئاً للقرآن بالحروف السبعة لغوياً من كتاب العراق. اجتمعت به، وتذاكرنا أشياء، وكان حسن المحاضرة، ولم أكتب عنه شيئاً. أنشد أبو عبد الله من نظمه: من السريع أفدي الذي وكى حبه ... بطول إعلال وإمراض ولست أدري بعد ذا كله ... أساخط مولاي أم راضي وقرأت بخطه: من السريع رأيت ظبياً حسناً وجهه ... أبدعه الرحمن إنشاء فقيل لي: هل تشتهي وصله ... قلت: نعم والله إن شاء حدث ابن أخيه أبو النجم أنه توفي في رابع المحرم من سنة ستين وخمس مئة بحلب. محمد بن سد بن منيع أبو عبد الله، كاتب الواقدي سمع بدمشق، وصنف كتاب الطبقات، فأحسن تصنيفه، وأكثر فائدته، وأتى فيه بما لم يوجد في غيره، وروى فيه عن الكبار والصغار. حدث عن أنس بن عياض، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عباد الله! انظروا كيف يصرف الله عني شتمهم ولعنهم " - يعني قريشاً - قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " يسبون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد ". قال ابن أبي حاتم: محمد بن سعد صاحب الواقدي كاتبه، مات سنة ثلاثين ومئتين.. سألت أبي عنه، فقال: صدوق.

محمد بن سعد الشاشي

وقال أبو بكر الخطيب: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله مولى بني هاشم، وهو كاتب الواقدي.. كان من أهل الفضل والعلم، وصنف كتاباً كبيراً في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن.. وروى أن مصعباً الزبيري روى عنه حديثاً ليحيى بن معين فكذبه. قال الخطيب: ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعباً الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثاً من المناكير التي يرويها الواقدي، فنسبه إلى الكذب. توفي محمد بن سعد ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة، سنة ثلاثين ومئتين، ودفن في مقبرة باب الشام، وهو ابن اثنتين وستين سنة. محمد بن سعد الشاشي روى عن أحمد بن داود وعبدوس بن ديزويه، بإسنادهما إلى سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أوفيها سوق؟ قال: نعم؛ أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم ... " وذكر الحديث بطوله. محمد بن سعد أبو المنذر العامري شاعر محسن.

قال أبو المنذر محمد بن سعد العامري يمدح دمشق من قصيدة له تقع في اثنين وثمانين بيتاً: من المنسرح يا بلداً طاب منه مورده ... بين المغاني وطاب مصدره تاهت دمشق، وتاه ساكنها ... مفتخراً حين عز مفخره انظر، تأمل، أراق عينك ما ... راق عيون العباد منظره فالأرض كالخود زان جوهرها ال ... حلي وزان الحلي جوهره والماء ماء الحياة من بردى ... يصعد تياره ويحدره والغوطتان اللتان ما لهما ... قدر ولا مبلغ نقدره بدائع الله جل فاطرها ... يبدع ما شاء ويفطره تيك الفراديس لا كفاء لها ... طاب ثناها وطاب محضره مدينة المكرمات معقلها ... ورد الندى داره ومصدره عزت وجلت وجل ساكنها ... وعز أفعاله ومتجره والمسجد الجامع المنيف بها ... يشهرها بالتقى وتشهره تبارك الله كيف دبره ... بانيه واختطه مدبره كل خفي فمنه نعلمه ... وكل علم ففيه نأثره فالعلم والفقه منه أثمنه ... والنسك والدين منه أيسره إياك لا تنكرن فضيلته ... لم تر شيئاً إن كنت لم تره واستوسق المجد في دمشق على ... ما ضمه فرعه وعنصره عشائر أصبحت على سنن ال ... حق معالحق لا تغيره أهل الرياسات ليس يجحد ما ... قلت لبيب وليس ينكره أثني بما قدموا، وأنشره، ... إلي من صالح وأشكره سر حيث شئت تلق لي مثلاً ... فيهم وبيتاً بهم أسيره

محمد بن سعيد بن أحمد

محمد بن سعيد بن أحمد أبو زرعة القرشي، المعروف بابن التمار روى عن علي بن عمرو بن عبد الله، بسنده إلى عبد الله بن بسر المازني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير ". وبه قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تناول أمراً بمعصيتي كان ذلك أفوت لما رجا وأقرب لمجيء ما اتقى ". محمد بن سعيد بن حسان بن قيس ويقال: ابن أبي قيس ويقال: محمد بن حسان، ويقال: ابن أبي حسان أبو عبد الرحمن - وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو قيس - الأسدي ويقال: مولى بني هاشم الأزدي، ويقال: الدمشقي، ويقال: ابن الطبري المصلوب من أصحاب مكحول. حدث محمد بن سعيد، عن عبادة بن نسي، عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من اغتسل، وغسل رأسه يوم الجمعة، ثم راح وابتكر، ثم دنا وأنصت واستمع، كان له بعدد كل خطوة كأجر قيام سنة وصيام سنة ". حدث محمد بن أبي قيس عن سليمان بن موسى، بسنده إلى أبي رزين العقيلي قال: قال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأشربن أنا وأنت من لبن لم يتغير لونه ". قلت: كيف يحيي الله الموتى؟ قال: " أما مررت بأرض مجدبة، ثم مررت بها مخصبة، ثم مررت بها

مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ " قلت: بلى. قال: " كذلك النشور " قال: قلت: كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: " ليس أحد من هذه الأمة - أو قال: من أمتي - عمل حسنة، وعلم أنها حسنة، وأن الله جازيه بها خيراً، أو عمل سيئة، وعلم أنها سيئة، وأن الله جازيه بها سوءاً أو يغفرها، إلا مؤمن ". قال البخاري: محمد بن سعيد الشامي - ويقال: ابن أبي قيس، ويقال: ابن الطبري، ويقال: ابن حسان - أبو عبد الرحمن. وقال محمد بن عمرو بن موسى العقيلي: محمد بن سعيد المصلوب، يغيرون اسمه إذا حدثوا عنه؛ فمروان الفزاري يقول: محمد بن حسان، ومحمد بن أبي قيس، ويقول: محمد بن أبي زينب، ومحمد بن سليمان: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس، وبعضهم يقول: عن أبي عبد الرحمن الشامي، ولا يسميه، ويقولون: محمد بن حسان الطبري، وربما قالوا: عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم، وغير ذلك على معنى التعبد لله، وينسبونه إلى جده، ويكنون منه الجد حتى يتسع الأمر جداً في هذا. قال مسلم: أبو عبد الرحمن محمد بن سعيد - ويقال: ابن حسان، ويقال: ابن أبي قيس - متروك الحديث يقال: صلب في الزندقة. جرحه كثيرون، وروي عنه أنه قال: إذا كان الكلام حسناً، لم أبال أن أجعل له إسناداً.

محمد بن سعيد بن الحسن

قال أبو مسهر: وقتله - يعني محمد المصلوب - أبو جعفر في الزندقة، وقيل: إنه صلبه لوضعه الحديث على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. محمد بن سعيد بن الحسن أبو الحسن الفارقي، المعروف بابن المحور أملى في شرح قصة رفعها أمير المؤمنين القائم بأمر الله، لما اعتقل بحديثة عانة، لتعلق على الكعبة، ولم تحط عنها حتى ورد الخبر بخروجه وعوده إلى بغداد. عنوانها: إلى الله العظيم من المسكين عبدك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنك العالم بالسرائر، والمحيط بمكنون الضمائر. اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي. هذا عبد من عبيدك قد كفر بنعمتك وما شكرها، وألغى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك، حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدواً. اللهم قل الناصر، واعتز الظالم، وأنت المطلع العالم، والمنتصف الحاكم. بك يعتز عليه، وإليك يهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز برب العالمين. اللهم إنا حاكمناه إليك. وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، فاحكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين، وأظهر اللهم قدرتك فيه، وأرنا فيه ما نرتجيه، فقد أخذته العزة بالإثم. اللهم فاسلبه عزه، وملكنا بقدرتك ناصيته، يا أرحم الراحمين. وصل يا رب على محمد خاتم النبيين، وسلم، وكرم.

محمد بن سعيد بن راشد

محمد بن سعيد بن راشد أبو عبد الله حدث عن أبي مسهر الغساني، بسنده إلى مكحول قال: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد من الأشعريين، فقال لهم: " أمنكم وحرة؟ " قالوا: نعم يا رسول الله. قال: " فإن الله أدخلها الجنة ببرها أمها وهي كافرة - الجنة؛ أغير على حيها في الجاهلية، فتركوها وأمها، فحملتها على ظهرها، وجعلت تسير بها، فإذا اشتد عليها الحر، جعلتها في حجرها، وحنت عليها، فلم تزل كذلك حتى استنقذتها من العدا ". محمد بن سعيد بن عبد الملك الأموي ابن مران بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي له ذكر. وكان له عقب من بنيه؛ الأصبغ والوليد وهشام بنو محمد، كانوا بالأندلس. محمد بن سعيد بن عبد الملك السلمي ابن عبد الله بن يزيد بن تميم أبو جعفر بن أبي قفيز السلمي حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يقول: أحب عبادة عبدي إلي النصيحة ". وحدث عن معروف الخياط قال: كنت في مجلس واثلة بن الأسقع، إذ أتاه رجل يشهد على شراء بضاعة اشتراها، فأشهده ومن معه، ثم ولى الرجل. فقال واثلة لبعض جلسائه: ردوا علي المشتري، فلما رجع قال له واثلة: خذ مالك، فإنه دلس عليك. فرجع الرجل، فأخذ ماله. فقال

محمد بن سعيد بن عبدان بن سهلان

رجل للبائع: تدري من أفسد عليك؟ فقال: من هو؟ فقال: واثلة. فرجع الرجل، فجاء حتى وقف على واثلة، فقال له: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثلك يسعى؟! فرفع رأسه، فنظر إليه، فقال له: كذبت؛ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل لرجل مسلم، يطلع على دلسة على رجل منكم إلا أخبره بها، وأطلعه طلعها ". قال ابن ماكولا: أما قفيز؛ أوله قاف وآخره زاي، محمد بن سعيد بن أبي قفيز. محمد بن سعيد بن عبدان بن سهلان ابن مهران - وسعيد يكنى أبا عثمان - أبو الفرج الفارسي ثم البغدادي نزيل طبرية، قدم دمشق. وحدث بها عن محمد بن يحيى بن الحسن البزاز، بسنده إلى أبي بكرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أنا فرطكم على الحوض ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سعيد بن عبدان بن سهلان بن مهران أبو الفرج البغدادي ترك الشام، وسكن طبرية، وحدث بدمشق وبمصر.. وذكر أبو الفتح بن مسرور البلخي أنه سمع منه

محمد بن سعيد بن عبيد الله

في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة. قال: وسألته عن مولده، فقال: ولدت ببغداد، في ذي الحجة من سنة سبع وثمانين ومئتين. قال أبو الفتح: وكان ثقة. محمد بن سعيد بن عبيد الله ابن أحمد بن محمد بن سعيد بن أبي مريم أبو العباس القرشي، المعروف بابن فطيس حدث عن جعفر بن محمد بن مسعدة، بسنده إلى علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المغبون لا محمود ولا مأجور ". محمد بن سعيد بن عقبة المرادي الطبراني مولى بني الحارث بن كعب من كبار أمراء دمشق في ولاية الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن سعيد بن عقبة المرادي، مولى لبني الحارث بن كعب من مراد كان عامل مصر على الخراج.. توفي يوم الأحد، لعشر من جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمسين ومئة، وكان موته في عذاب مطر مولى أبي جعفر، وكان على الخراج يعني مطراً. محمد بن سعيد بن عمرو أبي مسعود ابن خريم بن أبي يحيى أبو يحيى الخريمي المري روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة ".

محمد بن سعيد بن الفضل

قال أبو نصر بن ماكولا: أما الخريمي، بضم الخاء والراء، فهو محمد بن سعيد بن عمرو بن خريم، أبو يحيى الخريمي الدمشقي. قال أبو سليمان بن أبي محمد: وفي المحرم - يعني من سنة ست وثلاث مئة - توفي أبو يحيى محمد بن سعيد بن أبي مسعود الخريمي. محمد بن سعيد بن الفضل أبو الفضل القرشي المقرئ من أهل دمشق. حدث عن الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن عبد الله بن الحارث أنه خرج في جنازة فيها ابن عباس، فصلى عليها، فانصرف رجل من القوم لحاجة، فضرب ابن عباس منكبي قال: أتدري بكم انصرف هذا؟ قلت: لا أدري. قال: انصرف بقيراط. فقلت: يا بن عباس، وما القيراط؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى على جنازة، فانصرف قبل أن يفرغ منها، كان له قيراط، فإن انتظر حتى يفرغ منها، كان له قيراطان، والقيراط مثل أحد في ميزانه يوم القيامة " ثم قال: أتعجب من قولي مثل أحد؟ حق لعظمة ربنا أن يكون قيراطه مثل أحد، ويومه كألف سنة.

محمد بن سعيد بن محمد

قال ابن أبي حاتم: محمد بن سعيد بن الفضل القرشي ابن المقرئ أبو الفضل دمشقي، ذكره أبي.. حدثنا محمود بن إبراهيم بن سميع قال: سمعت سليمان بن شرحبيل حين مات محمد بن سعيد بن الفضل يقول: قد مات رجل ممن سمع العلم، أو قال: رجل من أهل العلم. محمد بن سعيد بن محمد يقال: محمد بن جعفر بن سعيد أبو بكر الترخمي الحمصي الحافظ حدث عن الحسن بن علي، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: أتى رجل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، متى أكون محسناً؟ قال: " إذا أثنى عليك جيرانك أنك محسن، فأنت محسن " قال: فمتى أكون مسيئاً؟ قال: " إذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء فأنت مسيء ". وحدث عن عبد الرحمن بن الأعلم، بسنده إلى زيد بن ثابت، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه خطب فقال: " الصدقة نصف صاع حنطة، أو صاع تمر ". قال أبو نصر بن ماكولا: أما الترخمي، أوله تاء معجمة باثنتين من فوقها، وبعد الراء خاء معجمة: سعيد بن محمد الترخمي، وابنه محمد بن سعيد، حمصيان، قيل: هم بطن من يحصب بن مالك.

محمد بن سعيد بن هناد

محمد بن سعيد بن هناد أبو غانم الخزاعي البوسنجي سكن بغداد. حدث عن هشام بن عمار والحكم بن هشام العقيلي، بإسنادهما إلى أبي خلاد - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم رجلاً مؤمناً قد أعطي زهداً في الدنيا وقلة منطق، فاقتربوا منه، فإنه يلقى الحكمة ". وحدث عن يحيى بن خلف بن الربيع الطرسوسي قال: جاء رجل إلى مالك بن أنس، وأنا شاهد، فقال له: يا أبا عبد الله، ما تقول في رجل يقول: القرآن مخلوق؟ قال: كافر زنديق، خذوه فاقتلوه! قال: إنما أحكي لك كلاماً سمعته! قال: لم أسمعه من أحد، إنما سمعته منك. كتب أبو نصر القشيري، بسنده إلى أبي غانم قال: محمد بن سعيد البوسنجي، ورد نيسابور، فاستوطنها حتى مات بنيسابور سنة سبع وستين ومئتين. وذكر أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الهروي أنه مات سنة تسع وستين. محمد بن سعيد بن ياسين أبو بكر الكلاعي الحمصي روى عن الحسين بن محمد بن إبراهيم، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غمر على أخيه في الإسلام ".

محمد بن سعيد العوذي

محمد بن سعيد العوذي ولي إمرة البصرة للحجاج في أيام الوليد بن عبد الملك، له ذكر. قال خليفة في تسمية عمال الوليد والحجاج على البصرة: الحكم بن أيوب في ولاية الوليد، ثم عزله، وولى طلحة بن سعيد الجهني من أهل دمشق، ثم عزله، وولى محمد بن سعيد العوذي من أهل دمشق. محمد بن سعيد الخادم مولى سليمان بن عبد الملك، حكى عهد سليمان ببيعة عمر بن عبد العزيز. قال: كان أبي من أكرم موالي سليمان عليه. قال: أصاب سليمان ذات الجنب وهو بدابق، فدخل عليه رجاء بن حيوة الكندي وأنا معه، فكتب العهد لعمر بن عبد العزيز فقال: أي أمير المؤمنين، ألم تعلم أن أباك حين جعل العهد لأخيك الوليد ولك أخذ عليكما أن تجعلا الخلافة لرجل من ولد عاتكة؟ قال: صدقت. اكتب: يزيد من بعده. فكتب وفرغ، ودخل الناس فقال: إني عهدت عهداً، وجعلته في يد رجاء بن حيوة، فاسمعوا وأطيعوا لمن جعلت له ذلك من بعدي. ثم دخل عليه رجاء من الغد وبعده، فإذا الرجل في السوق عند انتصاف النهار من يوم الجمعة، فغمضاه وسجيا عليه وخرجا. فقال رجاء: يا معشر المسلمين، اجلسوا حتى أعلمكم عهد خليفتكم. فحمد الله وأثنى عليه، ففض الكتاب فقال:

محمد بن سعيد

بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله سليمان أمير المؤمنين إلى أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سلام عليكم. فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإني استخلفت عليكم من بعدي عمر بن عبد العزيز، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا لهما وأطيعوا وأحسنوا مؤازرتهما، فإني لم آلكم ونفسي نصيحة. والسلام عليكم ورحمة الله. وعمر جالس، فأتاه رجاء وخالد بن الريان صاحب الحرس، فقالا: قم يا أمير المؤمنين، فتلكأ، فاحتمله الحرس، حتى أجلسوه على المنبر، فقال: " عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ثم خطب. فلما فرغ أخذ خالد بن الريان يشترط عليهم أن يسمعوا ويطيعوا، ليس في ذلك عتق ولا طلاق، ثم يصعد كل رجل حتى يصافح عمر. فما كلم غير هشام، فقال له عمر: عليك عهد الله وميثاقه لتسمعن ولتطيعن. قال: نعم، وأكون عند ما يحب أمير المؤمنين. محمد بن سعيد حدث عن خالد بن يزيد الدمشقي أبي الهيثم، بسنده إلى أبي جعفر محمد بن علي أن العرب كانت تلبي بتلبية مختلفة في الجاهلية - وروى تلبية كل قبيلة وقال: - وكانت تلبية قريش: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. محمد بن السفر بن السري أبو بكر الختلي الخراساني قدم دمشق سنة خمس عشرة وثلاث مئة. وحدث بها عن عمار بن الحسن، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله عبداً أصلح من لسانه ".

محمد بن سفيان بن المنذر

وبإسناده عن أنس قال: قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله، ما لك أفصحنا لساناً وأبيننا بياناً؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن العربية اندرست، فجاءني بها جبريل عليه السلام غضة طرية كما شق على لسان إسماعيل عليه السلام ". محمد بن سفيان بن المنذر أبو المنذر الرملي روى عن صفوان بن صالح، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله: " وكان تحته كنز لهما " قال: " ذهب وفضة ". محمد بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية أبو بكر، ويقال: أبو عمران الثقفي من أهل دمشق. روى عن يوسف بن الحكم أن سع بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يرد هوان قريش أهانه الله ". وروى أن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي حدثه عن بلال أنه قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الناس يتجرون، ويبتغون معايشهم، ويمكثون في بيوتهم، ولا نستطيع أن نفعل ذلك! فقال: " ألا ترضى يا بلال؟! المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ".

محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس

وروى أنه سمع أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: " رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صلى في ثوب علي وعليه، وفيه كان ما كان. محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس ابن محمد بن المرتضى بن محمد بن الهيثم بن عثمان أبو المكارم الغنوي، الفقيه الفرضي القاضي روى عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده إلى أبي سعيد وأبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ينادي مناد - يعني في أهل الجنة - إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا، فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبداً؛ قول الله عز وجل " ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ". قال محمد بن الأكفاني: كان مولد القاضي أبي المكارم بن حيوس في سنة أربع مئة. قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيوس، بياء معجمة باثنتين من تحتها، فهو أبو المكارم محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس الغنوي الدمشقي، فرضي.. كتبت عنه بدمشق. قال أبو محمد بن الأكفاني: سنة ست وستين وأربع مئة، فيها توفي القاضي أبو المكارم محمد بن سلطان بن حيوس الفرائضي، رحمه الله، في يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر.

محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس

محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس أبو الفتيان الشاعر أخو المذكور آنفاً، أحد شعراء الشاميين المحسنين وفحولهم المجيدين، له ديوان كبير ومدح جماعة من الفحول. روى عن خاله القاضي أبي نصر بن الجندي، بسنده إلى علي بن طلق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يستحي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أدبارهن ". قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيوس بياء معجمة باثنتين من تحتها: القاضي أبو المكارم وأخوه الأمير أبو الفتيان محمد شاعر مجيد لم أدرك بالشام أشعر منه. كتب أبو الفرج غيث بن علي بخطه: ذكر لي الشريف النسيب أن مولد أبي الفتيان في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة بدمشق، وقرأته بخطه أيضاً. قال: وذكر لي - يعني أبا تراب علي بن الحسين الربعي - عن أبي الفتيان أنه مات وقد بلغ التسعين، وأنه قال: كنت في سنة أربع مئة وحدودها غلاماً مشتداً أقاتل مع صالح، أو نحواً من هذا الكلام. قال أبو الفتيان من قصيدة طويلة له يمدح بها أمير الجيوش الدزبري: من البسيط إن لم أقل فيك ما يردي العدا كمداً ... فلا بلغت مدى أسعى له أبدا وكيف أصبح في الإحسان مقتصداً ... وما وجدتك فيه قط مقتصدا لأوردنك بالنعمى التي غمرت ... من المحامد بحراً قط ما وردا فاسحب ذيول برود لا فناء لها ... منسوجة من مديح يسبق البردا لا زلت زينة دنيانا ولا برحت ... أيام ملكك أعياداً لنا جددا

محمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن ذكوان

ولا خلت منك أوطان بك اعتصمت ... لولاك ما استوطنت روح بها جسدا فلا بلغت مدى يعلو الملوك به ... إلا أجد لك الجد السعيد مدى وله: من الطويل أسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا بأقوام إذا حفظوا خانوا سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالنوم لي فيه أجفان وهل جردت أسياف برق دياركم ... فكانت لها إلا جفوني أجفان قال أبو محمد بن الأكفاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة - توفي أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس، وكان شاعراً مجيداً. محمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن ذكوان أبو طاهر البعلبكي المؤدب سكن صيدا، وقرأ القرآن الكريم على هارون بن موسى الأخفش. روى عن أبي الحسن أحمد بن نصر، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة بحمله على عنقه ". قال حمزة بن عبد الله بن الحسين الأديب: ومولد أبي طاهر سنة أربع وستين، ومات سنة ستين ومئة. وذكر عبد الباقي بن الحسن بن السقاء المقرئ قال: لم يكن أبو طاهر في نفسه أخذ القرآن من أحد، فلما كان

محمد بن سليمان بن بلال

قبل موته بيسير احتاج إلى تعليم الصبيان، فكان يعلم بباب الجامع بصيدا، فقرأت عليه، وختمت القرآن، بعد مداراتي له، ولولا ما لحقه من الإقلال، لكان على الامتناع من الأخذ. وذكر الحسن بن جميع أنه مات سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. محمد بن سليمان بن بلال ابن أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس أبو سليمان الأنصاري من أهل دمشق. روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس أنه أوصى رجلاً فقال: لا تتكلم بما لا يعنيك، فإن ذلك فضل، ولست آمن فيه عليك من الوزر. ودع الكلام في كثير مما يعنيك حتى تجد له موضعاً؛ فرب متكلم في غير موضعه قد عنت. لا تمارين حليماً ولا سفيهاً؛ فإن الحليم يغلبك، وإن السفيه يؤذيك. واذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب إذا تواريت عنه. ودعه مما يحب أن يدعك منه، فإن ذلك العدل. واعمل عمل امرئ يعلم أن مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام. وروى عن أمه عن جدتها قالت: قالوا: يا رسول الله، هل يضر الغبط؟ قال: " نعم كما يضر الشجرة الخبط ".

محمد بن سليمان بن الحر بن سليمان

قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أبو سليمان.. سألت أبي عنه فقال: ما بحديثه بأس. محمد بن سليمان بن الحر بن سليمان ابن هزان بن سليمان بن حيان بن حيدرة أبو علي الأطرابلسي أخو خيثمة. روى عن أبي سليم إسماعيل بن حصن، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أغاث ملهوفاً، أعانه، غفر الله له ثلاثاً وسبعين مغفرة؛ واحدة في الدنيا، واثنتين وسبعين في الدرجات العلى من الجنة. ومن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، كتب الله له بها أربعين ألف ألف حسنة ". محمد بن سليمان بن الحسين بن سليمان ابن بلال بن أبي الدرداء عويمر أبو علي الأنصاري الصرفندي، المعروف بالجوعي روى عن عبد السلام بن عتيق، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " البركة من الأكابر ".

محمد بن سليمان بن داود البصري

وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة وكثرة المال ". قال ابن عدي: وأبو علي الجوعي هذا شيخ صالح من ولد أبي الدرداء ولم أكتب هذا الحديث إلا عنه: " البركة مع الأكابر " ورأيت في حاشية الأصل أن الجوعي كان يتصوف فلقب بالجوعي. محمد بن سليمان بن داود البصري أبو جعفر المنقري البصري قدم دمشق، وحدث بها. روى عن محمد بن كثير العبدي، بسنده إلى أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ". محمد بن سليمان بن داود الشاهد أبو عمر اللباد الشاهد روى عن أبي الطيب طاهر بن علي الطبراني، بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير الكفن الحلة، وخير الضحية الكبش الأقرن ".

محمد بن سليمان بن أبي داود

محمد بن سليمان بن أبي داود واسم أبي داود سالم أبو عبد الله المعروف بالبومة الحراني مولى محمد بن مروان بن الحكم. روى عن حفص بن غيلان، بإسناده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " قال الله عز وجل: عباد لي يلبسون للناس مسوك الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، ولسنتهم أحلى من العسل، يختلون الناس بدينهم؛ أبي يغترون، أم علي يجترئون؟! فبي أقسمت لألبسنهم فتنة تذر الحكيم فيها جيران ". قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني.. سألت أبي عنه فقال: منكر الحديث. روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى أبي فروة يزيد بن محمد بن يزيد الرهاوي قال: لقيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ببغداد، فقال لي فيما يقول: ما فعل الرجل الذي عندكم بحران، الجوهري عنده علم؟ فقلت له: ما أعرف بحران جوهرياً يكتب عنه! فقال: بلى، صاحب أبي معبد حفص بن غيلان. قلت: ما أعرفه. قال: يغفر الله لك له نبز، قلت له: لعلك تريد البومة. قال: إياه أعني، اكتب عنه، فإنه ثقة. وروى بإسناده إلى أبي غروبة الحسين بن محمد الحراني قال: محمد بن سليمان بن أبي داود أبو عبد الله، كان يلقب بالبومة. حدثني محمد بن يحيى بن كثير أنه مات سنة ثلاث عشرة ومئتين. وقال أبو غروبة في ترجمة أبيه سليمان بن أبي داود: وأبو داود اسمه سالم مولى محمد بن مروان، وكنيته أبو أيوب. كان ينزل حران، وبها عقبه وسالم أبو داود، ذكروا أنه شهد جنازة ابن عباس بالطائف.

محمد بن سليمان بن أبي ضمرة

محمد بن سليمان بن أبي ضمرة أبو ضمرة بن أبي جميلة السلمي النصري الحمصي حدث عن عبد الله بن أبي قيس عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال لي جبريل: يا محمد، ما غضب ربك عز وجل على أحد غضبه على فرعون إذ قال: " ما علمت لكم من إله غيري " وإذ " حشر فنادى فقال: أنا ربكم الأعلى " فلما أدركه الغرق استغاث، وأقبلت أحشو فاه مخافة أن تدركه الرحمة ". قال البخاري: محمد بن سليمان أبو ضمرة النصري، إن لم يكن محمد بن أبي جميلة، فلا أدري. قال المصنف: وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين ابن أبي جميلة، وما صنع شيئاً. وقال ابن ماكولا: وأما النصري أوله نون.. محمد بن سليمان أبو ضمرة النصري الحمصي عن عبد الله بن أبي قيس - وقيل هو ابن أبي جميلة - روى عنه يحيى بن صالح الوحاظي. قال أبو زرعة: محمد بن سليمان شيخ من شيوخ أهل حمص قديم. أخبرني محمد بن بكار بن بلال أنه كان عاملاً لأبي جعفر أمير المؤمنين على مصر، واستعمله المهدي بعد، وهو محدث.

محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي

قال عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: مات محمد بن سليمان الضمري سنة ثمانين ومئة، قبل إسماعيل بن عياش بسنة. محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي كان مع عبد الله بن علي حين دخل دمشق. قال محمد بن سليمان النوفلي: كنت مع عبد الله بن علي أول ما دخل دمشق، فدخلها بالسيف ثلاث ساعات من النهار، وجعل مسجد جامعها سبعين يوماً اصطبلاً لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية، فنبش قبر معاوية، فلم يجد فيه إلا خيطاً أسود مثل الهباء، ونبش قبر عبد الملك بن مروان، فوجد فيه جمجمته، وكان يوجد في القبر العضو بعد العضو، غير هشام بن عبد الملك، فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وهو ميت، وصلبه أياماً، ثم أمر به، فأحرق بالنار، ودق رماده، ونخل، وذري في الريح. ثم تتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فطلبهم، فأخذ منهم اثنين وتسعين نفساً، لم يفلت منهم إلا صبي صغير يرضع، أو من هرب إلى الأندلس، فلم يقدر عليه، فقتلهم على نهر بالرملة، وجمعهم، وبسط عليهم الأنطاع، وجعل فوق الأنطاع موائد عليها الطعام، وجلس يأكل ويأكلون فوقهم، وهم يتحركون من تحت الأنطاع، واستصفى كل شيء كان لهم من الضياع والدور والعقار. وكان السبب فيما عمل بجثة هشام بن عبد الملك أنه لما تحدث الناس أن الخلافة تصير إلى ولد العباس، كتب هشام إلى عامله على المدينة أن يشخص محمد بن علي بن عبد الله بن عباس إلى حضرته إلى دمشق، فأشخصه، وأمره بلزوم الباب، فاشترى محمد بن علي بها جارية، فجاءت بابن، فأنكر محمد الابن، فاختصما إلى هشام بن عبد الملك، فأمر قاضيه أن يحكم بينهما، فاستحلفه، فحلف أنه ليس بابنه، وفرق بينهما.

محمد بن سليمان بن عبد الله

ثم إن محمد بن علي لما أن بلغ الصبي سبع سنين دس إليه من سرقه، فأتاه به، فقتله، فاستعدت أمه عليه إلى هشام، فحلف أنه ما قتله، ولا دس إليه من قتله، ولا يعلم له قاتلاً. ثم إن هشاماً أمر أصحاب الأبواب أن يتجسسوا في الغوطة هل عندهم من ذلك خبر؟ فجاءه رجل من أهل المزة، فذكر أنه كان يسقي أرضاً له بالليل، وأنه رأى رجلاً راكباً على فرس، وقد أردف خلفه آخر، ومعه آخر يمشي، فقتلوا واحداً منهم، ودفنوه، ولم يعلموا بي، وقد علمت على الموضع الذي فيه القتيل، وتتبعت أثرهم حتى دخلوا المدينة، وعرفت الدار التي دخلوها. فقال هشام: لله درك، فرجت عنا! ثم وجه معه بأقوام إلى الدار التي ذكر، فإذا دار محمد بن علي، فأحضره، وسأله، فأنكر، فوجه، فنبش الصبي، ووضع بين يديه مقتولاً، فقال هشام: لولا أن الأب لا يقاد بالابن لأقدتك به. ثم أمر به فضرب سبع مئة سوط، ونفاه إلى الحميمة. فكان الذي حمل عبد الله بن علي على أن عمل بجثة هشام ما عمل بأخيه محمد بن علي. ثم دفع عبد الله امرأة هشام إلى قوم من الخراسانية، حتى مروا بها إلى البرية ماشية حافية حاسرة، فما زالوا يزنون بها، ثم قتلوها، وهي عبدة بنة عبد الله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال. محمد بن سليمان بن عبد الله روى عن أبي الحسن محمد بن نوح الجنديسابوري، بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوتروا يا أهل القرآن، إن الله وتر يحب الوتر " فقال أعرابي: ما تقول يا رسول الله؟ قال: " ليست لك ولا لأصحابك ".

محمد بن سليمان بن عبد الملك

محمد بن سليمان بن عبد الملك ابن مران ابن الحكم بن أبي العاص بقي إلى ولاية عمه الوليد بن يزيد. محمد بن سليمان بن علي ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي ولد بالحميمة من أرض البلقاء، وكان ذا جلالة، وولي الكوفة والبصرة للمنصور، ثم البصرة للمهدي مرتين، ووليها للهادي وللرشيد. حدث عن أبيه عن جده الأكبر - يعني ابن عباس - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " امسح رأس اليتيم هكذا إلى مقدم رأسه، ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه ". قال خليفة: وفيها - يعني سنة اثنتين وعشرين ومئة - ولد محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي بالحميمة من أرض الشام. قال البخاري: محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن جده، في مسح رأس الصبي، منقطع سمع منه صالح الناجي. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أخو جعفر وإسحاق؛ كان عظيم أهله، وجليل رهطه، وولي إمارة البصرة في عهد المهدي، ثم قدم بغداد على الرشيد لما أفضت الخلافة إليه.

قال خليفة: وفيها - يعني سنة ست وأربعين ومئة - ولى أبو جعفر سالم بن قتيبة البصرة يسيراً، ثم عزله، وولى محمد بن سليمان وعزله، وفيها عزل عيسى بن موسى عن الكوفة، ووليها محمد بن سليمان بن علي. وقال: أقر أبو جعفر - يعني على الكوفة - موسى بن عيسى بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم عزله، وولى محمد بن سليمان بن علي سنة تسع وأربعين ومئة، فوليها ثمان سنين ثم عزله.. قال: وفيها - يعني سنة ستين - عزل المهدي عبد الملك بن أيوب عن البصرة، وولاها محمد بن سليمان، ثم عزل محمد بن سليمان عن البصرة يعني سنة خمس وستين ومئة، وولاها صالح بن داود، ومات المهدي وعليها روح بن حاتم، فعزله موسى وولى محمد بن سليمان حتى مات. قال يعقوب: وفيها - يعني سنة ست وأربعين ومئة - ولي محمد بن سليمان البصرة، فطلب كل من كان مع إبراهيم، فقتلهم، وهدم منازلهم، وعقر نخلهم، قال يعقوب: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين - عزل محمد بن سليمان عن البصرة، وولي عليها محمد بن أبي العباس، وفيها - يعني سنة اثنتين وخمسين - توجه أبو جعفر حاجاً بغتة، فقدم الكوفة، ولم يعلم به ابن سليمان وهو والي الكوفة!

حدث مقاتل بن صالح الخراساني صاحب الحميدي قال: دخلت على حماد بن سلمة، فإذا ليس في البيت إلا حصير، وهو جالس عليه، ومصحف يقرأ فيه، وجراب فيه علمه، ومطهرة يتوضأ فيها. فبينا أنا عنده جالس ذ دق داق الباب، فقال: يا صبية، اخرجي فانظري من هذا؟ قالت: هذا رسول محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده. فدخل، فسلم وناوله كتابه، فقال: اقرأه. فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة. أما بعد، فصبحه الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. وقعت مسألة، فائتنا نسألك عنها. قال: يا صبية هلمي الدواة. ثم قال لي: اقلب الكتاب واكتب: أما بعد، وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته. إنا أدركنا العلماء، وهم لا يأتون أحداً، فإن وقعت مسألة، فائتنا، فسلنا عما بدا لك. وإن أتيتني، فلا تأتيني إلا وحدك، ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي، والسلام. فبينا أنا عنده إذ دق داق الباب، فقال: يا صبية اخرجي فانظري من هذا؟ قالت: هذا محمد بن سليمان. قال: قولي له يدخل وحده، فدخل، فسلم، ثم جلس بين يديه، ثم ابتدأ فقال: ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعباً؟! فقال حماد: سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء، وإذا أراد أن يكنز به الكنوز هاب من كل شيء ". فقال: ما تقول - يرحمك الله - في رجل له ابنان، وهو عن أحدهما أرضى، فأراد أن يجعل له في حياته ثلثي ماله؟ قال: لا يفعل رحمك الله، فإني سمعت ثابتاً البناني يقول: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله إذا أراد أن يعذب عبده بماله، وفقه عند مرضه لوصية جائرة " قال: فحاجة إليك. قال: هات إن لم تكن رزية في دين. قال: أربعين ألف درهم تأخذها

تستعين بها على ما أنت عليه. قال: ارددها على من ظلمته بها. قال: والله ما أعطيك إلا ما ورثته. قال: لا حاجة لي فيها، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. قال: فغير هذا. قال: هات ما لم تكن رزية في دين. قال: تأخذها تقسمها. قال: فلعلي إن عدلت في قسمها أن يقول بعض من لم يرزق منها: إنه لم يعدل في قسمتها، فيأثم، ازوها عني زوى الله عنك أوزارك. قال محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي: كان لمحمد بن سليمان الهاشمي مولى يقال له منصور، له منه منزلة، وكان موسراً، وكان ظلوماً شديد التعدي على الناس، فاغتصب منصور هذا رجلاً من بني سليم أرضاً على حد أرض له، وكان بين الأرضين حائط، فقلع الحائط وخلطهما، فجاء السلمي إلى حماد بن زيد، وكان يجالسه، ويسمع العلم منه، فاشتكى ذلك غليه، وسألته معونته على حقه، فقال له حماد: إذا وقفت على صحة ذلك، فعلت. فأتاه برجلين ثقتين عنده، فصدقا قول السلمي، وكان حماد لا يزال يسمع من يشتكي منصوراً هذا ويتظلم منه كثيراً، فقال حماد للسلمي: اكتب إلى الأمير - يعني محمد بن سليمان - قصة تصف فيها ظلامتك، وتستظهر بمعرفتي، ففعل، وتلطف في رفعها، فلما قرأها محمد بعث إلى حماد يستدعيه، فأتاه، فحادثه قليلاً، ثم دفع القصة إليه، فقرأها، فقال: ما عندك فيما ذكر هذا الرجل؟ فقال: هو حق وصدق، قد غصبه مولاك هذا أرضه، ولا أزال أسمع كثيراً من الناس ينسبونه إلى التعدي والظلم، وأمسك. فعاد محمد إلى محادثته ملياً. ثم نهض حماد فانصرف، فبعث محمد إلى منصور، فأتى به، فقال له: لولا أن لحماد بن زيد في أمر سبباً لضربت عنقك. ثم أمر به، فأثقل حديداً، وطرح في السجن حياة محمد بن سليمان كلها إلى أن مات، فأطلق بعد موته. قال موسى بن داود: دخل محمد بن سليمان بن علي المسجد الحرام، فرأى أصحاب الحديث يمشون خلف

رجل من المحدثين ملازمين له. فالتفت إلى من معه، فقال: لأن يطأ هؤلاء عقبي كان أحب إلي من الخلافة. قال سعيد بن عامر: كان والي البصرة محمد بن سليمان، فكان كلما صعد المنبر أمر بالعدل والإحسان، فاجتمع قوم من نساك أهل البصرة فقالوا: ما ترون ما نحن فيه من هذا الظلم الجائر، وما يأمر به؟! فأجمعوا على أن ليس له إلا أبو سعيد الضبعي. فلما كان يوم الجمعة احترشوا أبا سعيد الضبعي، فكان يصلي ولا يتكلم حتى يحرك. فلما تكلم محمد بن سليمان حركوه فقالوا له: يا أبا سعيد، محمد بن سليمان يتكلم على المنبر يأمر بالعدل والإحسان! فقام، فقال: يا محمد بن سليمان، إن الله يقول في كتابه: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " يا محمد بن سليمان، إنه ليس بينك وبين أن تتمنى أن لم تخلق إلا أن يدخل ملك الموت من باب بيتك. قال: فخنقت محمد بن سليمان العبرة، فلم يقدر أن يتكلم. فقام جعفر بن سليمان إلى جنب المنبر فتكلم عنه. قال: فأحبه النساك حين خنقته العبرة، وقالوا: مؤمن مذنب. حدث إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: ولما بويع الرشيد بالخلافة، قدم عليه محمد بن سليمان وافداً، فأكرمه، وأعظمه، وبره، وصنع به ما لم يصنع بأحد؛ زاده فيما كان يتولاه من أعمال البصرة كور دجلة والأعمال المفردة والبحرين والفرض وعمان واليمامة وكور الأهواز وكور فارس، ولم يجمع هذا لأحد غيره. فلما أراد الخروج، شيعه الرشيد إلى كلواذى.

قال يعقوب بن جعفر: دخلت مع أبي على عمي محمد، وبين يديه صبي، وهو يمسح رأسه بيده من مقدمه إلى مؤخره. ثم أقبل على أبي فقال: هكذا يفعل بالولد إذا كان أبوه في الأحياء. فقال له أبي: إنهم والله يتمنون موتي وموتك، حتى يرثوني، ويرثوك. فقال عمي: فبلغهم الله ذلك - ثلاثاً - أما سمعت قول الشاعر: من البسيط أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها والنفس تحرص الدنيا وقد علمت ... أن السلامة منها ترك ما فيها حدث الحسين بن محمد بن سلام مولى آل سليمان بن علي قال: لما احتضر محمد بن سليمان بن علي، كان رأسه في حجر أخيه جعفر بن سليمان، فقال جعفر: وا انقطاع ظهراه! فقال محمد: وا انقطاع ظهر من يلقى الحساب غداً! والله ليت أمك لم تلدني، وليتني كنت حمالاً، وأني لم أكن فيما كنت فيه! وحدث محمد بن سهل قال: وقف جعفر بن سليمان على قبر أخيه محمد لما دفن، فقال: اللهم إنا نخافك عليه، ونرجوك له. فحقق رجاءنا، وآمن خوفنا، إنك على كل شيء قدير. مات محمد بن سليمان سنة ثلاث وسبعين ومئة. روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى ابن عرفة قال: ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين - يعني ومئة - ففيها توفي محمد بن سليمان، وسنه إحدى وخمسون سنة وخمسة أشهر. وأمر الرشيد بقبض أموال محمد بن سليمان، فأخذ له ودائع وأموالاً من منزله كانت نيفاً وخمسين ألف ألف درهم.

محمد بن سليمان بن أبي كريمة

محمد بن سليمان بن أبي كريمة البيروتي روى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لكل قلب وسواس، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب، نطق به اللسان، وأخذ به العبد، وإذا لم يفتق القلب، ولم ينطق به اللسان، فلا حرج ". قال ابن أبي حاتم: محمد بن سليمان بن أبي كريمة، سألت أبي عنه فقال: ضعيف الحديث. محمد بن سليمان بن مهران أبو بكر النيسابوري روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما أحسن الله خلق رجل ولا خلقه فتطعمه النار ". محمد بن سليمان بن هشام ابن عبد الملك بن مران بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأموي قتل مع أبيه سليمان بن هشام في أيام السفاح. محمد بن سليمان بن هشام بن عمرو الوراق المعروف بابن بنت مطر قدم دمشق، وحدث بها.

روى عن أبي أسامة حماد بن أسامة، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لزوال الدنيا أيسر علي - وفي رواية: على الله - من قتل مؤمن ". وعن وكيع، بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نام حتى نفخ، ثم قام، فصلى. وعن أبي معاوية الضرير، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسلاخ، وهو يسلخ شاة، وهو ينفخ فيها، فقال: " ليس منا من غشنا " ودحس بين جلدها ولحمها، ولم يمس ماء. وعن وكيع، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي إلى السماء، فصرت إلى السماء الرابعة، فسقط في حجري تفاحة، فأخذتها بيدي، فانفلقت، فخرج منها حوراء تقهقه، فقلت لها: تكلمي، لمن أنت؟ قالت: للمقتول الشهيد عثمان بن عفان ". قال الخطيب: هذا الحديث منكر بهذا الإسناد، وكل رجاله ثقات سوى محمد بن سليمان بن هشام، والحمل فيه عليه والله أعلم.

محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب

قال أبو أحمد بن عدي: محمد بن سليمان بن هشام بن عمرو، ابن بنت مطر الوراق يوصل الحديث، ويسرقه، ويكنى أبا جعفر ضعيف. قال محمد بن العباس: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع أن محمد بن بن سليمان، ابن بنت مطر الخزاز توفي بالكرخ سنة خمس وستين ومئتين. محمد بن سليمان بن يوسف بن يعقوب أبو بكر الربعي البندار روى عن أحمد بن غانم الأزدي، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لبس الحرير في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا، لم يشربها في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة، لم يشرب بها في الآخرة " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة ". قال أبو محمد الكتاني: رأيت على ظهر كتاب عتيق بخط أبي نصر بن الجبان: توفي أبو بكر محمد بن سليمان الربعي البندار يوم الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة سنة أربع وسبعين. قال:.. وكان ثقة. محمد بن سليمان أبو بكر الداراني المعروف بالقبي روى عن إبراهيم بن دحيم، بسنده إلى عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس، ولكن يقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ".

محمد بن سماعة

محمد بن سماعة أبو الأصبغ القرشي الرملي مولى سليمان بن عبد الملك. ذكر العقيلي أنه دمشقي، فلعل أصله من دمشق وسكن الرملة. روى عن عبد الرزاق، بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بين العبد والكفر - أو قال: والشرك - ترك الصلاة ". قال أبو بشر الدولابي: أبو الأصبغ محمد بن سماعة الرملي، بلغني أنه مات سنة ثمان وثلاثين ومئتين، وقد بلغ نيفاً وستين سنة. محمد بن سنان بن سرج بن إبراهيم أبو جعفر التنوخي الشيرزي القاضي قرأ القرآن بحرف شيبة بن نصاح، وسمع بدمشق. روى عن هوبر بن معاذ الكلبي، بسنده إلى نافع قال: خرجت مع طاوس إلى رافع بن خديج، فسأله طاوس عن كراء الأرض، فقال: كنا نعطي الأرض بالنصف والثلث على ما في الربيع وعلى ما في الفصيل، فنهانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك. فلما انصرف، ضرب طاوس على يدي فقال: إن كانت لك أرض فأكرها.

محمد بن سنان بن عبد الله

وعن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من أيام العمل فيهن أفضل من عشر ذي الحجة " قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله إلا من عقر جواده وأهريق دمه ". وعن عيسى بن سليمان بسنده إلى أنس قال: قرأ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مالك يوم الدين " وقرأ أبو بكر وعمر. قال عبد الغني بن سعيد: محمد بن سنان بن سرج الشيرزي.. ذكره في باب سرج بالجيم. كتب أبو الحسن علي بن المهذب بخطه: وفيها - يعني سنة ثلاث وتسعين ومئتين - توفي محمد بن سنان الشيرزي، وهو ابن إحدى وثمانين سنة، وكان مسنداً. محمد بن سنان بن عبد الله ابن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي قتل بأعمال دمشق، بقرب عذراء في عسكر أهل حمص الذين توجهوا للطلب بدم الوليد بن يزيد. ويقال: إن المقتول عبد الله بن سنان.

محمد بن سويد بن كلثوم

محمد بن سويد بن كلثوم ابن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشي أمير دمشق من قبل سليمان بن عبد الملك. روى عن الضحاك بن قيس بنحو حديث أبي أمامة في الصلاة على الميت فقال: السنة في الصلاة على الجنائز أن تقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم تكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة. وروى عن حذيفة بن اليمان أنه قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العتمة، فذكر الحديث، قال: ثم كبر وركع، فسمعته يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم " ويردد شفتيه، وأظنه يقول: " وبحمدك " فمكث في ركوعه قريباً من قيامه، ثم رفع رأسه، ثم كبر، فسجد، فسمعته يقول في سجوده: " سبحان ربي الأعلى " ويردد شفتيه، وأظنه يقول: " وبحمده ". وعنه قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العتمة، فصليت معه، فأقامني عن يمينه، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم استفتح البقرة، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا آية خوف إلا استعاذ، ولا مثل إلا فكر، حتى ختمها. قال ابن أبي حاتم: محمد بن سويد القهري أمير دمشق، روى عن الضحاك بن قيس الفهري، روى عنه ابن شهاب الزهري. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: ماتت أمه وهو يرتكض في بطنها، فبقر بطنها وأخرج حياً، وولي دمشق.

محمد بن سهل بن أبي حثمة

قال محمد بن عمر الواقدي: وفيها - يعني سنة ست وتسعين - أمر محمد بن سويد القهري على دمشق وأرضها، ونزع عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. وقال الزهري: حدثني محمد بن سويد، وكان على الطائف في زمان عمر بن عبد العزيز. محمد بن سهل بن أبي حثمة واسمه عبد الله، ويقال: عامر - بن ساعدة بن عامر بن عدي بن عدي بن جشم بن مجدعة ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن أوس أبو عفير الأنصاري الحارثي الأوسي روى عن محيصة بن مسعود الأنصاري أنه كان له غلام حجام، يقال له: نافع أبو ظبية، فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن خراجه، فقال: " لا تقربه " فردد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " اعلف به الناضج، اجعلوه في كرشه ". وعن رافع بن خديج قال: كان بالرحال بن عثمويه من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير فيما يرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء عجب. فخرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً، والرحال معنا جالس في نفر، فقال: " أحد هؤلاء النفر في النار ". قال رافع: فنظرت في القوم، فإذا بأبي هريرة الدوسي وأبي أروى الدوسي، والطفيل بن عمرو الدوسي، ورحال بن عثمويه، فجعلت أنظر، وأتعجب، وأقول: من هذا الشقي؟! فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرحال بن عثمويه، فقيل: افتتن، هو الذي شهد

محمد بن سهل بن عثمان بن سعيد

لمسيلمة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أشركه في أمر من بعده، فقال: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو حق. وسمع الرحال يقول: كبشان انتطحا، فأحبهما إلينا كبشنا. قال المصنف: كذا كان في الأصل في المواضع لها. والصواب ابن عنفرة، والرجال بالجيم، ويقال بالحاء، وهو لقب، واسمه نهار. قال ابن سعد: وأبو عفير، واسمه محمد بن سهل بن أبي حثمة - واسمه عبد الله - بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث من الأوس، وأمه تحيا بنت البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث، فولد محمد بن سهيل عفيراً وجعفراً والبراء.. تابعي ثقة. محمد بن سهل بن عثمان بن سعيد أبو بكر القنسريني التنوخي القطان، المعروف ببكير قدم دمشق، وحدث بها. روى عن عبد الرحمن بن معدان اللاذقي، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أسكر كثيره، فقليله حرام ". محمد بن سهل بن عسكر بن عمارة ابن دويد - ويقال: ابن عسكر - بن حسنون أبو بكر التميمي، مولاهم، البخاري روى عن علي بن عياش، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الفضيلة والوسيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا وجبت له شفاعتي يوم القيامة ". وعن يسرة بن صفوان، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ". حدث محمد بن سهل بن عسكر قال: كنت أمشي في طريق مكة، إذ سمعت رجلاً مغربياً على بغل، وبين يديه مناد ينادي: من أصاب همياناً له ألف دينار، قال: وإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثة خلقان يقول للمغربي: أيش علامة الهميان؟ فقال: كذا وكذا، وفيه بضائع لقوم، وأنا أعطي من مالي ألف دينار. فقال الفقير: من يقرأ الكتابة؟ قال ابن عسكر، فقلت: أنا أقرأ. قال: اعدلوا بنا ناحية من الطريق، فعدلنا، فأخرج الهميان، فجعل المغربي يقول: حبتين لفلانة ابنة فلان مئة دينار، وحبة لفلان بمئة دينار، وجعل يعد، فإذا هو كما قال. فحل المغربي هميانه وقال: خذ ألف دينار الذي وعدت على وجادة الهميان. فقال الأعرج: لو كان قيمة الهميان الذي أعطيتك عندي بعرتين، ما كنت تراه، فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته؟! وقام، ومضى، ولم يأخذ شيئاً. وقال: أتيت سلم الخواص، فقال لي: بت عندي. قال: فبت عنده، قال: فجمع بقل البرية والشعير، وطبخه، ثم وضعه بين يدي. قال: ثم رأيته يوم الثاني يقاد إلى الجمعة. قلت: أما كنت بصيراً؟ قال: بلى، ولكني أخاف إن أرى منكراً ألا أغيره. قال: وكان سلم يكسب في اليوم قيراطاً يتصدق به، وقيراطاً ينفق على عياله، وقيراطاً يشتري به الخوص. وثقوه، وقالوا: توفي سنة إحدى وخمسين ومئتين.

محمد بن سهل بن عبد الله

محمد بن سهل بن عبد الله أبو بكر المعروف بأبي تراب الطوسي روى عن إسحاق بن إبراهيم بن يحيى، بسنده إلى علي أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغريق شهيد، والحريق شهيد، والغريب شهيد، والملدوغ شهيد، والمبطون شهيد، ومن يقع عليه البيت، فهو شهيد، ومن يقع فوق البيت، فيندق رجله أو عنقه، فيموت، فهو شهيد، ومن تقع عليه الصخرة، فهو شهيد، والغيرى على زوجها كالمجاهد في سبيل الله، فلها أجر شهيد، ومن قتل دون ماله، فهو شهيد، ومن قتل دون نفسه، فهو شهيد، ومن قتل دون أخيه، فهو شهيد، ومن قتل دون جاره، فهو شهيد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فهو شهيد ". وروى عن محمد بن المغيرة الحراني، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخلن رجل على امرأة، ولا يسافر معها، إلا ومعها ذو محرم ". محمد بن سلامة بن جعفر بن علي ابن حكمون بن إبراهيم بن محمد بن مسلم أبو عبد الله القضاعي الفقيه الشافعي قاضي مصر الذي ألف كتاب الشهاب، قدم دمشق. روى عن أبي الحسن أحمد بن عبد العزيز البغدادي، بسنده إلى كعب بن عجرة قال: وقف علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديبية قال: ورأسي يتهافت قملاً، فقال: أيؤذيك هوامه؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: فأمرني أن أحلق رأسي، ثم دعاني، فقرأ علي هذه الآية، وفي نزلت هذه الآية " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه، ففدية

محمد بن سلامة بن أبي زرعة

من صيام أو صدقة أو نسك " فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صم ثلاثة أيام، أو صدق بفرق بين ستة، وانسك ما شئت ". قال أبو نصر بن ماكولا: القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون القضاعي المصري؛ كان فقيهاً على مذهب الشافعي متفنناً في عدة علوم، وصنف، وحدث.. ولم أر بمصر من يجري مجراه. وقال غيث بن علي: أبو عبد الله القضاعي القاضي مصري.. وله تصانيف منها كتاب مختصر نحو من خمس كراريس من ابتداء الخليقة إلى زمانه، سماه كتاب الإنباء على الأنباء وتواريخ الخلفاء، وكتاب الشهاب، وكتاب جمع فيه أخبار الشافعي - رحمه الله - ومناقبه. أنشد أبو شجاع فارس بن الحسين لنفسه في كتاب الشهاب: من البسيط إن الشهاب شهاب يستضاء به ... في العلم والحلم والآداب والحكم سقى القضاعي غيث كلما لمعت ... هذي المصابيح في الأوراق والظلم مات محمد بن سلامة القضاعي القاضي سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة. محمد بن سلامة بن أبي زرعة ويقال: المعلى بن سلامة أبو زرعة الكناني الدمشقي الشاعر ذكره أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة في تسمية الشعراء، وذكر أنه دمشقي محسن، وهو والديك شاعرا الشام، وقال ابن أبي طاهر: اسمه المعلى، وأنشد من شعره قوله في أبي الجهم أحمد بن سيف: من المتقارب

أيا سلم أخت بني راسب ... أقلي عتابي أو عاتبي فلست بصارف صرف الزمان ... ولا غالب القدر الغالب وإن يكو صرف من الدهر جب ... سنامي وأسرع في غاربي فلم ينسني ذاك بذلي التلاد ... للضيف والجار والصاحب ولكن أبو الجهم إن جئته ... لهيفاً، حجبت عن الحاجب وإن جئته عائذاً هارباً ... إليه، دفعت إلى الطالب وإن جئته راغباً مادحاً ... رجعت بجائزة الخائب وليس بذي موعد صادق ... ويبخل بالموعد الكاذب فيا لك من منظر شاحب ... هناك ومن خلق شاجب ولست أرى راغباً في سواك ... فتى ليس في المجد بالراغب ولمحمد بن سلامة: من المتقارب إذا كنت في بلد راحلاً ... وحل الشتاء حلول الغريم فلا تذكر الرزق حتى ترى ... من الصحو يوماً نقي الأديم فكم غدوة في هبوب الجنوب ... تردي الوجوه ببرد صميم وكم زلقة في حواشي الطريق ... ترد الثياب بخزي عظيم إذا ما رأيت سحاب الشتاء ... تغشت فؤادي سحاب الهموم أظل نهاري مقاسي الهموم ... حبيس الغموم أسير الغيوم وله: من الخفيف كيف يخفى نحول من ليس يخفى ... هل ترى لي إلا لساناً وطرفا إن عيني رمت فؤادي بنار ... سوف أطفأ وحرها ليس يطفا كيف أبقى والشوق يزداد ضعفاً ... كل يوم والنفس تزداد ضعفا فسقى الله كأس كل سرور ... من سقاني كأس المنية صرفا

محمد بن سلامة أبو بكر البعلبكي

محمد بن سلامة أبو بكر البعلبكي روى عن ابن أبي غيلان، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يجزي ولد والداً، إلا أن يجده مملوكاً، فيشتريه، ويعتقه. ومن كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً ". محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرة مولى الأنصار البصري الفقيه حدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو آمن بي عشرة من اليهود، ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ". وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". قال أيوب: أما محمد بن سيرين، فكان يراد على القضاء، فيفر إلى الشام مرة، ويفر إلى اليمامة مرة. وكان إذا قدم البصرة كان كالمستخفي حتى يخرج. قال عباد بن عباد: قدم ابن سيرين دمشق، فأقام أربع سنين لا يعرف بها. وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان الزيادي أن ابن سيرين ولد سنة إحدى وثلاثين في خلافة عثمان.

قال خليفة بن خياط: في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة محمد بن سيرين مولى أنس بن مالك. أمه امرأة من المدينة، يكنى أبا بكر، مات سنة عشر ومئة بعد الحسن - يقال - بمئة يوم. صلى عليه النضر بن عمرو المقرائي. وقال محمد بن سعد: محمد بن سيرين يكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك. وكان ثقة مأموناً عالياً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم ورعاً، وكان به صمم. روى ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نسي، فأكل أو شرب، فليتم صومه ". وعنه أيضاً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من استقاء فعليه القضاء ". قال أبو نصر البخاري: محمد بن أبي عمرة، واسمه سيرين، أبو بكر، قال الواقدي: وكان سيرين من سبي عين التمر، مولى أنس بن مالك، وهو الأنصاري البصري أخو أنس وخالد ويحيى ومعبد وحفصة. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن سيرين أبو بكر البصري، مولى أنس بن مالك.. كان أحد الفقهاء من أهل البصرة والمذكورين بالورع في وقته.

قال سعيد بن عامر: كان سيرين أبو محمد قيناً حداداً. وروى أبو بكر بإسناده قال: كان سيرين أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد.. وكان خالد بن الوليد وجد بها أربعين غلاماً مختفين فأنكرهم فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس، فكان سيرين منهم، فكاتبه أنس، فعتق في الكتاب. قال عبيد الله بن أبي بكر بن أني بن مالك: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفاً، وعلى غلامين يعملان عنده. روي عن أيوب عن ابن سيرين: أنه كتب في وصيته: هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة، وأوصى أن الأنصار إخواننا في الدين وموالينا. وذلك أنه بلغه أن ناساً من أهله أرادوا أن يدعوا في العرب، فلذلك قال هذا القول. سمع أحمد بن حنبل يقول: إنما العلم خزائن، إنما العلم خزائن، يقسم الله لمن أحب، لو كان يخص بالعلم أحداً، لكان أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى. كان عطاء بن أبي رباح حبشياً، وكان يزيد بن أبي حبيب نوبياً أسود، وكان الحسن البصري مولى الأنصار، وكان محمد بن سيرين مولى الأنصار. حدث بكار بن محمد عن أبيه قال: إن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة، طيبها ثلاث من أزواج

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدرياً، منهم أبي بن كعب، وهم يؤمنون. وقال بكار بن محمد: ولد لمحمد بن سيرين ثلاثون ولداً من امرأة واحدة، لم يبق منهم غير عبد الله. روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى محمد بن سيرين قال: حج بنا أبو الوليد، ونحن سبعة ولد سيرين، فمر بنا على المدينة، فلما دخلنا على زيد بن ثابت قيل له: هؤلاء بنو سيرين. قال: فقال زيد: هذان لأم، وهذان لأم، وهذان لأم، وهذا لأم. قال: فما أخطأ. وكان معبد أخا محمد لأمه. حدث يوسف بن عطية الصفار قال: رأيت محمد بن سيرين، وكان قصيراً، عظيم البطن، له وفرة، يفرق شعره، كثير المزاح، كثير الضحك، يخضب بالحناء، وافر اللحية. قال الفضيل بن عياض: قلت لهشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: عشرين ومئة. قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين. قال أحمد بن عبد الله العجلي: ومحمد بن سيرين يكنى أبا بكر، بصري تابعي ثقة. وهو من أروى الناس عن شريح وعبيدة وإنما تأدب بالكوفيين أصحاب عبد الله. زاد آخرون: وأخوه معبد بن سيرين بصري تابعي ثقة. وأخوهم أنس بن سيرين بصري تابعي ثقة، وأختهم حفصة بنت سيرين أم الهديل بصرية تابعية ثقة، سمعت من أم عطية. قال عاصم: أتيت ابن سيرين بكتاب فقلت: انظر فيه. فقلت: يبيت عندك؟ فأبى. كأنه كان يكره أن يكون عنده كتاب.

قال علي بن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب وأبو سلمة والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وطاووس، وكان همام بن منبه يشبه حديثه بحديثهم إلا أحرفاً. وثقه أحمد بن حنبل وابن أبي حاتم وسوار بن عبد الله ويونس وابن عون وغيرهم كثير. قال أحمد بن حنبل: محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يقدم عليه أحد. وقال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئاً، كأنه يحذر شيئاً، وقال: كان محمد يحدث بالحديث على حروفه. وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: محمد بن سيرين ويحيى بن سيرين ومعبد بن سيرين وأنس بن سيرين وحفصة بنت سيرين، هؤلاء الإخوة كلهم ثقات. وقال مالك بن أنس: ما بالعراق أحد أقدمه على أيوب ومحمد بن سيرين في زمانهما. وقال عمرو بن مرة: إني لأغبط أهل البصرة بذينك الشيخين: الحسن ومحمد. وقال مورق العجلي: ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من ابن سيرين. وقال البتي: ما رأيت بهذه النقرة - يعني البصرة - أحداً أعلم بقضاء من ابن سيرين.

قال عوف: كان محمد حسن العلم بالتجارة، حسن العلم بالقضاء، حسن العلم بالفرائض. قال ابن عون: كان بصر محمد بالعلم كبصر التاجر الأريب بتجارته. حدث سليمان بن حرب، بسنده إلى محمد بن سيرين قال: رحم الله شريحاً، كان يدني مجلسي. قال سليمان: كان أصم، يعني محمداً. وكان عامر الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم، يعني محمد بن سيرين. حدث الأشعث عن محمد قال: كان إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان. قال ابن شبرمة: دخلت على محمد بن سيرين بواسط، فلم أر أجبن عن فتيا على رؤيا منه. وقال عاصم الأحول: كان محمد بن سيرين إذا سئل عن الشيء قال: ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه. فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك. فيقول: لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكن أخاف أن أرى اليوم رأياً، وأرى غداً غيره، فلا بد حينئذ أتبع الناس في بيوتهم. وقال: لم يكن ابن سيرين يترك أحداً يمشي معه يسأله عن شيء.

قال أبو قلابة: وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين؟ يركب مثل حد السنان. روي عن بعض أهل محمد بن سيرين أنه قال: ما رابه شيء إلا تركه، منذ نشأ. يعني محمداً. قال رجاء بن أبي سلمة: وصف يونس بن عبيد الحسن وابن سيرين، قال: أما الحسن، فلم أر رجلاً أقرب قولاً من فعل منه. وأما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما. قال بكر بن عبد الله المزني: من سره أن ينظر إلى أورع من أدركنا في زماننا، فلينظر إلى ابن سيرين، فإنه كان يدع الحلال تأثماً. حدث ميمون بن مهران قال: قدمت الكوفة، وأنا أريد أن أشتري البز، فأتيت محمد بن سيرين، وهو يومئذ بالكوفة، فساومته، فجعل إذا باعني صنفاً من أصناف البز قال: هل رضيت؟ فأقول: نعم. فيعيد ذلك علي ثلاث مرات، ثم يدعو رجلين، فيشهدهما على بيعنا، ثم يقولك انقل متاعك. وكان لا يبيع بهذه الدراهم الحجاجية، فلما رأيت ورعه، ما تركت شيئاً من حاجتي أجده عنده إلا اشتريته حتى لفائف البز. قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أن يفتي في شيء ما ترون به بأساً. قال: وكان يتجر، فإذا ارتاب بشيء في تجارته تركه، حتى ترك التجارة.

قال: وقال محمد بن سيرين: ما أتيت امرأة في نوم ولا يقظة إلا أم عبد الله، يعني زوجته. قال: وقال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام، فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها. حدث عبد الرحمن بن فروخ القطان قال: كان ابن سيرين يذكر أوزانه، لكي لا تنقص إذا احتكت. قال ابن عون: كان محمد من أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزراء على نفسه. حدث حسين المعلم قال: كان محمد بن سيرين يتحدث، فيضحك، فإذا جاء الحديث، خسع. قال الأشعث: أنا أصفهما لكم - يعني الحسن وابن سيرين - كنا ندخل على الحسن، فإنما هو النار، وأمر الآخرة والموت. وكنا ندخل على ابن سيرين، فكان يمزح ويضحك ويتحدث، فإذا أردته على شيء من أمر دينه، كنت إلى أن تنال السماء أقرب منك إلى ما تريد. حدثت أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت: كنا نزولاً مع محمد بن سيرين في الدار. فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار. روى ابن سعد بإسناده إلى أنس بن سيرين قال: كانت لمحمد سبعة أوراد؛ فكان إذا فاته شيء من الليل قرأه بالنهار. وإلى خالد الحذاء قال: كان محمد بن سيرين يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فإذا وافق صومه اليوم الذي يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان صامه.

وإلى قرة بن خالد قال: رأيت محمد يكنس مسجده بثوبه. روى الخطيب بإسناده إلى الصقر بن حبيب قال: مر ابن سيرين برواس، قد أخرج رأساً من التنور، فغشي عليه! وإلى ابن عوانة قال: رأيت ابن سيرين مر في أصحاب السكر، فجعل لا يمر بقوم، إلا سبحوا، وذكروا الله عز وجل. وإلى أبي بكر صاحب القواريري قال: جاء رجل إلى محمد بن سيرين، فادعى عليه درهمين، فأبى أن يعطيه، فقال له: تحلف؟ قال: نعم. قال: فقيل له: يا أبا بكر، تحلف على درهمين؟! قال: لا أطعمه حراماً، وأنا أعلم. قال ابن عون: جاء قوم إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل. قال: لا أحل ما حرم الله! حدث طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين، وقد اشتكيت، فقال: كأني أراك شاكياً. قال: قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب، فاستوصفه. ثم قال: اذهب إلى فلان، فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله، أراني قد اغتبته!

قال محمد بن سيرين: التقي عن الخطائين مشغول، وإن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس. وقال أيضاً: ما حسدت أحداً قط على شيء؛ إن كان من أهل النار، فكيف أحسده على شيء من الدنيا ومصيره إلى النار؟! وإن كان من أهل الجنة، فكيف أحسد رجلاً من أهلها أوجب الله له رضوانه؟! قال ابن عون: كلموا محمد بن سيرين في رجل يحدثه فقال: لو كان رجل من الزنج وعبد الله بن محمد هذا، كانوا عندي سواء. وقال أيضاً: كان ابن سيرين يكره إذا اشترى شيئاً أن يستوضع من ثمنه بعد البيع، ويقول: هذا من المسألة. روى ابن سعد، بإسناده إلى حفصة بنت سيرين أنها قالت: كانت أم محمد امرأة حجازية، وكان يعجبها الصبغ، وكان محمد إذا اشترى لها ثوباً اشترى ألين ما يجد، لا ينظر في بقائه، فإذا كان كل يوم عيد، صبغ لها ثيابها. قالت: وما رأيته رافعاً صوته عليها قط. وكان إذا كلمها كلمها كالمصغي إليها بالشيء. وبسنده إلى ابن عون: أن محمداً كان إذا كان عند أمه، ورآه رجل لا يعرفه، ظن أن به مرضاً، من خفضه كلامه عندها. قال ابن عون: كان محمد يكون عند المصيبة كما كان قبل ذلك؛ يتحدث، ويضحك، إلا يوم ماتت حفصة، فإنه جعل يكشر، وأنت تعرف في وجهه. وكان محمد يعزي عند المصيبة: أعظم الله أجركم، وأعقبكم من مصيبتكم عقبى نافعة لآخرتكم ودنياكم.

قال أيوب: كان ابن سيرين إذا اخبر بموت أحد من إخوانه كأنه سقط منه عضو من أعضائه وركن من أركانه، أو نحو ذلك. وقال زهير: كان ابن سيرين، إذا ذكر عنده الموت، مات كل عضو منه على حياله، أو على حدته. حدث عبد الله بن محمد بن سيرين قال: سألت ابن عون عن القدر فقال: سألت جدك محمداً عن القدر، فقال: " لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ". وحدث صالح المري قال: دخل رجل على ابن سيرين، وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر، فتكلم فيه، فقال محمد بن سيرين: إما أن تقوم، وإما أن أقوم. روي عن يونس بن عبيد أنه قال: تكلم الحسن احتساباً، وسكت محمد احتساباً. حدث ضمرة عن رجاء قال: كان الحسن يجيء إلى السلطان، ويعيبهم. وكان ابن سيرين لا يجيء إلى السلطان، ولا يعيبهم. حدث ابن عون عن محمد أنه كان إذا تلى هذه الآية " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين " قال: اللهم محصنا، ولا تجعلنا كافرين.

قال محمد بن سيرين: إذا أراد الله بعبد خيراً، جعل له واعظاً من قلبه - وفي رواية: من نفسه - يأمره وينهاه. وقال: كان يقال: لا تكرم صديقك فيما يشق عليه. قال: وكان يقال: أكرم ولدك، وأحسن أدبه. حدث عمارة بن مهران قال: قال إسماعيل المعولي لمحمد بن سيرين، وأنا شاهد: تأمرنا بالصلاة في جماعة، ولا تصلي في جماعة؟! قال: فقال: ما كل أمري أحمده. قال قرة بن خالد: سأل رجل محمد بن سيرين عن حديث، وقد أراد أن يقوم، فقال: من الرجز إنك إن كلفتني ما لم أطق ... ساءك ما سرك مني من خلق قال أيوب: رأيت الحسن في النوم مقيداً، ورأيت ابن سيرين مقيداً في النوم. قال أحمد بن علي: روي في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عبر القيد في النوم ثباتاً في الدين. حدث عبد ربه القصاب قال: واعدت محمد بن سيرين أن أشتري له أضاحي، فنسيت موعده بشغل، ثم ذكرت بعد، فأتيته قريباً من نصف النهار، وإذا محمد ينتظرني، فسلمت عليه، فرفع رأسه، فقال: أما إنه قد نقبل أهون ديناً منك، فقلت: شغلت، وعنفني أصحابي في المجيء إليك، وقالوا: قد ذهب، ولم يقعد إلى الساعة. فقال: لو لم تجئ حتى تغرب الشمس، ما قمت من مقعدي هذا، إلا إلى صلاة أو حاجة لا بد منها. قال عبد الله بن عون:

ما أتينا محمداً في يوم عيد قط إلا أطعمنا خبيصاً أو فالوذقاً. وكان لا يخرج يوم الفطر حتى يأمر بزكاة رمضان، فتطيب، ويرسل بها إلى المسجد الجامع، ثم يخرج إلى العيد. حدث حبيب بن الشهيد قال: دخلت على محمد بن سيرين في يوم حار، فوجد في وجهي التعب، فقال: يا جارية، هاتي لحبيب غداء، هاتي، هاتي، هاتي حتى قال ذلك مراراً. قلت: لا أريده. قال: هاتي. فلما جاءت به، قلت: لا أريده. قال: كل لقمة، وأنت بالخيار. فلما أكلت لقمة، نشطت، فأكلت. قال يزيد النحوي: دخلت على ابن سيرين بيته، وهو جالس في الأرض، فألقى لي وسادة، فقلت: أرضى لنفسي ما رضيت لنفسك. قال: إني لأرضى لك في بيتي ما أرضاه لنفسي، فاجلس حيث تجلس، ولا تجلس مقابل باب أو شيء يكرهون أن تستقبله. حدث جرير بن حازم قال: قلت بيت شعر، فمررت بمسجد الجهاضم، فقالوا: ما أراك إلا قد أحدثت، فتوضأ، فذعرت من قولهم، فأتيت محمد بن سيرين، وهو قائم في مسجده في بيته، وقد رفع يديه ليكبر، فلما رآني قال: حاجتك؟ فأخبرته، فقال: أفلا رددت عليهم: أما سمعتم قول القائل: من المتقارب ديار لرملة إذا عيشنا ... بها عيشة الأنعم الأفضل وإذ ودها فارغ للصدي ... ق لم يتغير، ولم يشغل

وإذ هي كالغصن في حائر ... من الماء طال ولم يعضل كأن الثلوج وماء السحاب ... والقرقفية بالفلفل يعل به برد أنيابها ... قبيل الصباح ولم ينجل ثم قال: الله أكبر، ودخل في الصلاة. حدث أحمد بن أبي الحواري، عن عبد الله بن السري قال: قال محمد بن سيرين: إني لأعرف الذي حمل علي الدين ما هو؛ قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس! فحدثت به أبا سليمان، فقال لي: يا أحمد، قلت ذنوبهم، فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك، فليس ندري من أين نؤتى. حدث المدائني قال: كان سبب حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتاً بأربعين ألف درهم، فوجد في زق منه فأرة، فقال: الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله. وكان يقول: عيرت رجلاً بشيء من ثلاثين سنة، أحسبني عوقبت به. وكانوا يرون أنه عير رجلاً بالفقر، فابتلي به. حدث ابن سعد قال: سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين الذي ركب محمد بن سيرين حين حبس له، فقال: كان اشترى طعاماً بربعين ألف درهم، فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه، فتركه أو تصدق به، وبقي المال عليه، فحبس به، حبسته امرأة. وكان الذي حبسه مالك بن المنذر. وقال ابن سعد: أخبرنا بكار بن محمد، قال: حدثني أبي أن محمد بن سيرين كان باع من أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي جارية، فرجعت إلى محمد، فشكت أنها تعذبها،

فأخذها محمد، وكان قد أنفق ثمنها. فهي التي حبسته. وهي التي تزوجها سلم بن زياد، وأخرجها إلى خراسان، وكان أبوها يلقب كركرة. حدث عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: لما حبس ابن سيرين في السجن، قال له السجان: إذا كان الليل، فاذهب إلى أهلك، فإذا أصبحت فتعال. فقال ابن سيرين: لا والله، لا أعينك على خيانة السلطان. قال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأساً. حدث ابن عون قال: لما توجه محمد بن سيرين إلى ابن هبيرة، دعا بوصيته، فنظر فيها، فلما أتى على ذكر دينع بكى! حدث ضمرة عن ابن شوذب قال: جاء رجل يسأل الحسن عن رؤيا، فقال: أخطأ قريباً، ذاك ابن سيرين الذي يعر الرؤيا كأنه من آل يعقوب. حدث معمر قال: جاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: رأيت كأن حمامة التقمت لؤلؤة، فخرجت منها مثل الذي دخلت، ثم جاءت حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت منها أحسن مما دخلت، ثم جاء حمامة أخرى، فالتقمت لؤلؤة، فخرجت أنقص مما دخلت. فقال ابن سيرين: أما التي خرجت مثل الذي دخلت فهو قتادة، وأما التي خرجت أحسن مما دخلت. فهو الحسن بن أبي الحسن، بسمع الحديث فيزينه بمنطقه، وأما التي خرجت أنقص مما دخلت، فهو ابن سيرين يزيد وينقص!

حدث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن سلم، وهو رجل من أهل مرو قال: كنت أجالس ابن سيرين، فتركت مجالسته، وجالست قوماً من الإباضية، فرأيت فيما يرى النائم كأني مع قوم يحملون جنازة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيت ابن سيرين، فذكرت له ذلك، فقال: ما لك جالست أقواماً يريدون أن يدفنوا ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال هشام بن حسان: قص رجل على ابن سيرين قال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء. فقال له: اتق الله، فإنك لم تر شيئاً. فقال له الرجل: سبحان الله، أقص عليك الرؤيا، وتقول: لم تر شيئاً؟! فقال له ابن سيرين: إنه من كذب، فليس علي من كذبه شيء. إن كنت رأيت هذا، فستلد امرأتك، وتموت، ويبقى ولدها. فلما خرج قال الرجل: والله ما رأيت هذه الرؤيا. قال: وقد عبرها. قال هشام: فما لبث الرجل غير قليل حتى ولدت امرأته غلاماً، وماتت، وبقي الغلام. قال: وجاء رجل إلى ابن سيرين، فقال: إني رأيت كأني، وجارية لي سوداء، نأكل في قصعة من صدر سمكة. قال: فقال له ابن سيرين: يخف عليك أن تهيئ لي طعاماً وتدعوني إلى منزلك؟ قال: نعم. قال: فهيأ له طعاماً، ودعاه، فلما وضعت المائدة، إذا جارية له سوداء ممتشطة. قال: فقال له ابن سيرين: هل أصبت من جاريتك هذه شيئاً؟ قال: لا. قال: فإذا وضعت القصعة، فخذ بيدها، فأدخلها المخدع. فأخذ بيدها، فأدخلها المخدع، فصاح: يا أبا بكر، رجل والله! قال ابن سيرين: هذا الذي كان يشاركك في أهلك. قال مغيرة بن حفص: سئل ابن سيرين، فقال: رأيت كأن الجوزاء تقدمت الثريا. فقال: هذا لحسن يموت، فبكى، ثم أتبعه، وهو أرفع مني.

قال ابن عون: كان محمد بن سيرين إذا اشتكى، لم يكد يشكو ذلك إلى أحد. قال: وربما اطلع على الشيء. أخبر ابن عون عن محمد بن سيرين: أنه أوصى: ذكر ما أوصى به، أو هذا ما أوصى به محمد بن أبي عمرة بنيه وأهل بيته أن " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " وأوصاهم بما أوصى به " إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " وأوصاهم ألا يرغبوا أن يكونوا موالي الأنصار وإخوانهم في الدين، وأن العفة والصدق خير وأتقى من الزناء والكذب، وإن حدث به حدث في مرضي هذا قبل أن أغير وصيتي هذه ... ثم ذكر حاجته. روي عن ابن شوذب وعن هشام ومنصور وغيرهم أن محمد بن سيرين مات بعد الحسن بمئة يوم. قال هشام بن حسان: ومات محمد لثمان ليال خلون من شوال، سحراً، سنة عشر ومئة، ليلة الجمعة. روى محمد بن سعد عن بكار بن محمد قال: توفي محمد بن سيرين وقد بلغ نيفاً وثمانين سنة.

محمد بن شافعي بن محمد بن طاهر

حدث الحجاج بن دينار عن الحكم بن حجل، وكان صديقاً لمحمد بن سيرين، فلما مات محمد بن سيرين حزن عليه حتى جعل يعاد كما يعاد المريض، قال: فحدث بعد قال: رأيت أخي محمد بن سيرين في المنام في حال كذا وكذا، فقلت: أي أخي قد أراك في حال تسرني، فما صنع الحسن؟ قال: رفع فوقي بسبعين درجة. قلت: ولم ذاك، وقد كنا نرى أنك أفضل منه؟ قال: ذاك بطول حزنه. حدثت حفصة بنة راشد قالت: كان مران المخملي لي جاراً، وكان ناصباً مجتهداً، قالت: فمات، فوجدت عليه وجداً شديداً، فرأيته فيما يرى النائم، فقلت: أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ قال: أدخلني الجنة. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى أصحاب اليمين. قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم رفعت إلى المقربين. قلت: فمن رأيت ثم من إخوانك؟ قال: رأيت ثم الحسن ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه. وقال حماد، وكان من خيار الناس، وكان مؤذن سكة الموالي، قال: اشتكيت شكاة، فأغمي علي، فأريت كأني أدخلت الجنة، فسألت عن الحسن بن أبي الحسن، فقيل لي: هيهات، ذلك يسجد على شجر الجنة. قال: وسألت عن ابن سيرين، فقيل لي فيه قولاً حسناً مما قيل في الحسن. محمد بن شافعي بن محمد بن طاهر أبو بكر النيسابوري المعروف بالصنوبري الفقيه قدم دمشق، وأقام بها مدة، وحدث بها بكتاب السنن لابن ماجه. روى عن محمد بن الحسين بن أحمد المقومي، بإسناده إلى سعد قال: لقد رد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له، لاختصينا.

محمد بن شباب بن نهار بن سليمان

محمد بن شباب بن نهار بن سليمان ابن داود بن الفيض أبو بكر السلمي الجلاب حدث عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. محمد بن شريح بن ميمون المهري مصري، قدم دمشق في وفد أهل مصر الذين قدموا لبيعة يزيد بن الوليد الناقص. له ذكر في تاريخ ابن يونس. قال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد: محمد بن شريح بن ميمون المهري، قتله حوثرة بن سهيل سنة ثمان وعشرين ومئة. محمد بن شعيب بن شابور القرشي مولاهم جده شابور كان مولى الوليد بن عبد الملك، كانت له بدمشق دار بباب توما عند الشلاحة، وكان محمد أحد الأئمة الثقات. قرأ القرآن بحرف ابن عامر. روى عن عيسى بن عبد الله، بسنده إلى جابر بن عبد الله، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " خللوا لحاكم، وقصوا أظافيركم، فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر ". حدث خليفة بن خياط قال: في الطبقة الخامسة من أهل الشامات محمد بن شعيب بن شابور. وحدث البخاري قال: محمد بن شعيب بن شابور، مولى بني أمية قرشي شامي.

قال عبد الغني بن سعيد: محمد بن شعيب بن سابور، بسين غير معجمة. كذا قال، ووهم فيه. قال ابن ماكولا: أما شابور، بشين معجمة: محمد بن شعيب بن شابور بن شامي، يروي عن الأوزاعي.. قال يعقوب بن سفيان: سمعت عبد الرحمن بن إبراهيم يقول: مولد ابن شعيب سنة ست عشرة ومئة. روى ابن أبي حاتم، بسنده إلى مروان بن محمد قال: كان محمد بن شعيب يفتي في مجلس الأوزاعي، وهو الرابع من العشرة الذين كانوا أعلم الناس بالأوزاعي وبحديثه وفتياه. روى ابن المبارك، عن محمد بن شعيب بن شابور فقال: أخبرنا الثقة من أهل العلم: محمد بن شعيب كان يسكن بيروت. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: محمد بن شعيب ما أرى به بأساً، وكان رجلاً عاقلاً. وسألته مرة أخرى فقال: ما علمت إلا خيراً. قال يحيى بن معين: محمد بن شعيب كان مرجئاً، وليس به في الحديث بأس. وثقه أبو حاتم وابن عدي وغيرهما.

محمد بن شقيق بن ضبارة

توفي أبو عبد الله محمد بن شعيب بن شابور القرشي سنة مئتين، وقيل: سنة تسع وتسعين ومئة، وقيل: سنة ثمان وتسعين ومئة، وقيل: سنة ست أو سبع وتسعين ومئة، ببيروت من ساحل دمشق. محمد بن شقيق بن ضبارة ابن مسعود بن حميد بن نصير بن الشماخ بن ضبارة بن فهيرة بن شقيق أبو الأسد اللخمي المؤدب ذكره أبو الحسين الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق، وكان من أهل اللغة والنحو، مات سنة ست وعشرين وثلاث مئة. محمد بن الشماخ حدث عن أحمد بن أبي الحواري قال: بت عند أبي سليمان الداراني، فسمعته في ليلة وهو يقول: وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي، لأطالبنك بعفوك، ولئن أمرت بي إلى النار، لأخبرنهم أني كنت أحبك. محمد بن شهريار النيسابوري حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعان باطلاً ليدحض حقاً، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله. ومن ولى ولياً من المسلمين شيئاً من أمور المسلمين، وهو يعلم أن في المسلمين من هو خير للمسلمين منه، وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد خان الله ورسوله، وخان جماعة المسلمين. ومن ولي شيئاً من أمور المؤمنين، لم ينظر في شيء من أموره حتى يقوم

محمد بن شيبة بن الوليد

بأمورهم، ويقضي حوائجهم. ومن أكل درهماً من رباً فهو كإثم ستة وثلاثين زنية. ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ". محمد بن شيبة بن الوليد ابن سعيد بن خالد بن يزيد بن تميم بن مالك أبو عبد الله من أهل الراهب. وتميم بن مالك جده قتل مع عثمان بن عفان يوم الدار. حدث محمد بن شيبة الراهبي، عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة ". وروى عن أحمد بن أبي الحواري بإسناده إلى صالح بن عبد الجليل قال: ذهب المطيعون لله بلذيذ العيش في الدنيا والآخرة؛ يقول الله لهم يوم القيامة: رضيتم بي في الدنيا بدلاً من خلقي، فلكم اليوم عندي حبوتي وكرامتي، وآثرتموني في الدنيا على شهواتكم، فعندي اليوم فباشروها، فوعزتي ما خلقت الجنان إلا من أجلكم. محمد بن صالح بن بيهس ابن نفيل بن عمرو بن هبيرة بن زفر بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي المتغلب على دمشق أيام أبي العميطر، والمقاوم له، من وجوه قيس وشجعانهم وشعرائهم. كتب إليه المأمون بولاية دمشق، فلم يزل عليها حتى قدم عبد الله بن طاهر والياً على الشام ومصر.

قال خليفة: وفيها - يعني سنة أربع وثمانين ومئة - وجه هارون بن صالح بن بيهس الكلابي إلى غصة ملك الروم في الفداء. روى النضر بن يحيى في خبر طويل أن أبا العميطر كتب إلى محمد بن صالح بن بيهس الكلابي كتاباً يعجب فيه لتخلفه عن بيعة أمير المؤمنين، ويتوعده إن تأخر ليبعثن إليه ما لا قبل له به من الزحوف. فلم يجبه محمد بن صالح بن بيهس على كتابه، وأقبل أبو العميطر على طلب القيسية، فكتبوا إلى محمد بن صالح، فأقبل إليهم في ثلاث مئة فارس من الضباب ومواليه، واتصل الخبر بأبي العميطر، فوجه إليه يزيد بن هشام في اثني عشر ألفاً، فقوي ابن بيهس واشتدت شوكته، وتوهن أمر أبي العميطر السفياني، فجعل ابن بيهس يغير كل يوم على ناحية فيقتل ويأسر. ثم كتب أبو العميطر إلى السواحل والبقاع، وبعلبك وحمص، فأتاه خلق عظيم، وعقد للقاسم ابنه على الجيش ومعه المعتمر بن موسى، واجتمع إلى ابن بيهس أصحابه، وأكثرهم من الضباب، فالتقى الجيشان بين الشبعا وقرحتا فاقتتلوا قتالاً طويلاً شديداً، وقتل القاسم. ثم إن المعتمر بن موسى كمن لابن بيهس - وكان قد اعتل - قرب قرحتا، وحاربه، فانهزم المعتمر وأصحابه، وغنم أصحاب ابن بيهس غنيمة كثيرة، فضعف أمر أبي العميطر. ثم اشتدت العلة بابن بيهس، فانصرف إلى حوران، وأوصى أصحابه أن يبايعوا مسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، ففعلوا. وأدنى مسلمة القيسية، ولبس الثياب الحمر، وجعل أعلامه حمراء.. وخرج ابن بيهس من العلة، فجمع جماعة وأقبل يريد دمشق، فخرج مسلمة للقائه ومعه القيسية فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالاً شديداً، وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وقد ساء ظنه بقيس، فهابت القيسية على أنفسها، فغدرت بمسلمة وأعانت ابن بيهس حتى دخل دمشق يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة، وفر منها مسلمة وابن أبي العميطر، وأقام ابن بيهس أميراً بدمشق إلى أن قدم

محمد بن صالح بن سهل

عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان ومئتين، وخرج إلى مصر، ورجع إلى دمشق سنة عشر ومئتين، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق، ومات بها، ولم يرجع إلى دمشق. قال عبد الله بن عوف: كان يقال: يسود السيد من قيس بالفروسية، ويسود السيد من ربيعة بالجود، ويسود السيد من تميم بالحلم. وروي عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم أذل قيساً، فإن ذلهم عز الإسلام، وعزهم ذل الإسلام ". محمد بن صالح بن سهل أبو عبد الله الترمذي روى عن هشام بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة، كفارات لما بينهما " قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: " الغسل من الجنابة، فإن تحت كل شعرة جنابة ". وعنه، بسنده إلى أبي أمامة قال: كنا لا ندع الركعتين قبل المغرب في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. محمد بن صالح بن عبد الرحمن أبو بكر البغدادي الأنماطي المعروف بكيلجة حدث عن أبي الجماهر، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ".

محمد بن صالح بن عبد الرحمن التميمي

وعن العباس بن عثمان المعلم، بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتنور في كل شهر، ويقلم أظفاره في كل خمس عشرة. قال جعفر بن محمد بن كزال: كان يحيى بن معين يلقب أصحابه، فلقب محمد بن إبراهيم بمربع، ولقب عبيد بن حاتم بالعجل، ولقب صالح بن محمد بجزرة، ولقب الحسين بن إبراهيم، بشخصة، ولقب محمد بن صالح بكيلجة، ولقب علي بن عبد الصمد بعلان ما غمه، وهؤلاء كلهم من كبار أصحابه وحفاظ الحديث. روى أبو بكر الخطيب بإسناده أن محمد بن صالح بغدادي ثقة صدوق. وقال: وهو محمد بلا شك. وقد كان محمد بن مخلد الدوري يسميه أيضاً أحمد في بعض رواياته عنه. مات محمد بن صالح كيلجة بمكة سنة إحدى وسبعين ومئتين. محمد بن صالح بن عبد الرحمن التميمي ابن حماد بن سالم المعروف بابن أبي عصمة أبو العباس التميمي جار هشام بن عمار. روى عنه، بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر، فأعطى الأعرابي وقال: " الأيمن فالأيمن ".

محمد بن صالح بن محمد

قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن صالح بن عبد الرحمن بن أبي عصمة يكنى أبا العباس دمشقي، قدم مصر ينة أربه وثلاث مئة، وكتبنا عنه. محمد بن صالح بن محمد ابن سعد بن نزار بن عمرو بن ثعلبة أبو عبد الله القحطاني المعافري الأندلسي الفقيه المالكي روى عن أبي يزن الحميري، بسنده إلى أبي زرعة بن سيف بن ذي يزن قال: كتب إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتاباً، هذا نسخته، فذكرها، وفيها: " ومن يكن على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يغير عنها، وعليه الجزية، على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار، أو قيمته من المغافر " لم يزد على هذا. توفي محمد بن صالح بن محمد بن سعد، ببخارى، في رجب من سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة. محمد بن صالح بن معاوية أبي عبيد الله بن عبد الله بن يسار الأشعري أخو معاوية بن صالح. حدث عن أبيه قال: قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى عامله بخراسان نصر بن سيار: أما بعد فقد نجم قبلك رجل من الدهرية من الزنادقة، يقال له الجهم بن صفوان، فإن ظفرت به، فاقتله وإلا فادسس إليه الرجال غيلة ليقتلوه.

محمد بن صالح أبو نصر

محمد بن صالح أبو نصر العسقلاني الأديب روى عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله مكحول، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح لا يهم بظلم أحد، غفر له ما اجترم ". محمد بن صالح ويقال صبح بن يوسف ابن عبد ربه أبو الحسين الصيداوي ثم الطالقاني أصله من الطالقان. قدم دمشق سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. حدث عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله، بسنده إلى عائشة أنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليؤمنكم أحسنكم وجهاً، فإنه أحرى أن يكون أحسنكم خلقاً ". قال المصنف: وقع في الأصل ابن صالح والصواب ابن صبح. محمد بن صبيح بن رجاء أبو طالب الثقفي روى عن محمد بن عبد الله بن سليمان، بسنده إلى علي عليه السلام أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طرقه هو وفاطمة عليهما السلام. قال: ألا تصلون؟ قلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله عز وجل، فإذا شاء يبعثها بعثنا. فانصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قلت ذلك. فسمعته يقول، وهو مدبر: " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ".

محمد بن صخر

محمد بن صخر أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أخو معاوية بن أبي سفيان، وفد على أخيه معاوية. له ذكر. قال عبد الله بن ثعلبة: جاء يزيد بن معاوية في مرض معاوية، فوجد عمه محمد بن أبي سفيان قاعداً على الباب لم يؤذن له، فأخذ بيده، فأدخله. قال: فاطلع في وجه معاوية، وقد أغمي عليه، فقال: من المنسرح لو أن حياً يفوت فات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل الحول القلب الأريب وهل ... يدفع وقت المنية الحيل قال: ففتح معاوية عينيه، وقال: أي شيء تقول يا يزيد؟ قال: خيراً يا أمير المؤمنين، أنا مقبل على عمي أحدثه. قال: فقال معاوية: نعم لو أن حياً يفوت فات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل الحول القلب الأريب وهل ... يدفع وقت المنية الحيل إن أخوف ما أخاف على شيء عملته في أمرك! شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً يقلم أظفاره وأخذ من شعره، فجمعت ذلك فهو عندي، فإذا أنا مت، فاحش به فمي وأنفي، فإن نفع شيء، نفع. محمد بن صهيب أخو موسى بن صهيب.

محمد بن الضحاك بن قيس التميمي

قال محمد بن شعيب: أخبرني محمد بن صهيب أنه سأل بعض علماء أهل الجزيرة بإرمينية عن قول الله عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فأخبره عن بعض علماء الجزيرة أنه كان يقول: هذه خاصة ولم يعمم، كقوله: " ويوم يحشرهم جميعاً " " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم؟ " قال: فهذه خاصة. وقد قال جميعاً: قال ابن شعيب: فلقيت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فسألته عن قول الله: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وأخبرته بقول ابن صهيب عن الجزري، فقال: هو كذلك؛ إن الله ربما ذكر الواحد وهو لجميع الناس، وربما ذكر الناس، وهو واحد؛ يقول الله عز وجل: " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم " وإنما قال لهم ذلك رجل واحد. وقال: " يا أيها الناس ما غرك بربك الكريم " فهذا لجميع الناس، وإنما قال: يا أيها الإنسان. محمد بن الضحاك بن قيس التميمي وهو محمد بن الأحنف ذكر عبد الله بن سعيد بن قيس الهمذاني أنه كان بدمشق، وخرج منها غازياً مع مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية، وجعل أميراً على بني تميم. روى الأصمعي عن أبيه قال: قيل لابن الأحنف بن قيس: ما يمنعك أن تكون كأبيك؟ قال: وأيكم كان؟ قيسوني بأبنائكم!

محمد بن الضحاك بن قيس القهري

محمد بن الضحاك بن قيس القهري وهو عبد الرحمن بن الضحاك قال المصنف: يدعى بالاسمين، أو كان يكنى بأبي محمد، فيحذف بعض كنيته، ويقال: محمد. فقد رويت له قصتان من وجهين، يسمى في كلتيهما، من وجهين، عبد الرحمن ومحمداً، فالله أعلم. ثم روى خبر حوار جرى بينه وبين هشام بن عبد الملك، كان قدمه في ترجمة عبد الرحمن بن الضحاك في باب العين. محمد بن طاهر بن علي أبو يعلى الأصبهاني رحال، سمع بدمشق وغيرها. روى عن أبي حية، بسنده إلى الثوري أنه قال: اصحب من شئت، ثم استغضبه، ثم دس إليه من يسأله عنك. وعن حمزة بن سعيد البصري أنه قال: لما حدث أبو مسلم الكجي أول يوم حدث، قال لابنه: كم حصل عندنا من أثمان غلاتنا؟ قال: ثلاث مئة دينار. قال: ففرقها على أصحاب الحديث والفقراء شكراً. إن أباك اليوم شهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبلت شهادته. توفي أبو يعلى الأصبهاني في غرة ذي الحجة سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.

محمد بن طاهر بن علي بن أحمد

محمد بن طاهر بن علي بن أحمد أبو الفضل المقدسي الحافظ، المعروف بابن القيسراني طاف في طلب الحديث، وسمع بالشام وغيرها، وكانت له مصنفات كثيرة، إلا أنه كان كثير الوهم، وله شعر حسن، مع أنه كان لا يحسن النحو، وصنف كتاباً في المختلف والمؤتلف فيما اتفق لفظه واختلف أصله. قال محمد بن طاهر المقدسي: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، ومرة بمكة، وذلك أني كنت أمشي حافياً في حر الهواجر بهما، فلحقني ذلك. وما ركبت قط دابة في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري إلى أن استوطنت البلاد، وما سألت في حال الطلب أحداً، وكنت أعيش على ما بي من غير مسألة، والله ينفعنا به ويجعله خالصاً لوجهه. أنشد أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه: من الطويل إلى كم أمني النفس بالقرب واللقا ... بيوم إلى يوم وعشر إلى عشر وحتام لا أحظى بوصل أحبتي ... وأشكو إليهم ما لقيت من الهجر فلو كان قلبي من حديد أذابه ... فراقكم أو كان من أصلب الصخر ولما رأيت البين يزداد والنوى ... تمثلت بيتاً قيل في سالف الدهر متى يستريح القلب والقلب متعب ... ببين على بين وهجر على هجر كتب أبو المعمر الأنصاري بخطه: مات أبو الفضل المقدسي يوم الجمعة خامس عشر من ربيع الأول سنة سبع وخمس مئة، وكان حافظاً متقناً، ودفن في المقبرة العتيقة بالجانب الغربي.

محمد بن طاهر بن علي بن عيسى

محمد بن طاهر بن علي بن عيسى أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي الداني النحوي قدم دمشق سنة أربع وخمس مئة، وأقام بها مدة، وكان يقرئ النحو، وكان شديد الوسواس في الوضوء. قال المصنف: بلغني أنه كان لا يستعمل من ماء ثورة ما يخرج من تحت الربوة لأجل السقاية التي بالربوة، وخرج إلى بغداد، فأقام بها إلى أن مات، وبلغني أنه كان يبقى الأيام لا يصلي لأنه لم يكن يتهيأ له الوضوء على الوجه الذي يريده، فقد رأيته، وأنا صغير، ولم أسمع منه شيئاً. توفي أبو عبد الله النحوي سنة تسع عشرة وخمس مئة. محمد بن طغج بن جف أبو بكر الفرغاني المعروف بالإخشيد ولي دمشق في خلافة المقتدر سنة ثمان عشرة وثلاث مئة. وولي مصر من قبل القاهر في شهر رمضان سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة، فكانت ولايته على دمشق اثنين وثلاثين يوماً، دعي له بها، ولم يدخلها هذه المرة. ثم وليها مرة أخرى من قبل الراضي في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة ودخلها. قال ابن ماكولا: أما جف بضم الجيم، فهو الإخشيد محمد بن طغج بن جف الفرغاني أمير مصر. روى عن عمه ...

محمد بن طلحة بن محمد

قال المصنف: وقرأت في كتاب عتيق جف بفتح الجيم، ومعنى الإخشيد بلسان أهل فرغانة ملك الملوك. ذكر أبو محمد الفرغاني أن محمد بن طغج توفي في ذي الحجة من سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة، وسنه يوم توفي ستون سنة وستة أشهر، ومولده في رجب سنة ثمان وستين ومئتين بمدينة السلام، وأنه مات بدمشق، وحمل تابوته إلى بيت المقدس، فدفن بها. محمد بن طلحة بن محمد أبو سعيد النيسابوري الجنابذي التاجر رحل وسمع الحديث بدمشق وببغداد. ولد سنة اثنتين وأربع مئة، وتوفي سنة ست وسبعين وأربع مئة. محمد بن أبي طيفور أبو عبد الله الجرجاني صنف جزءاً يشتمل على فضل دمشق، وصحة هوائها، وعذوبة مائها، يحض به المتوكل على الخروج إليها، حين عزم على قصدها. وذكر أنه أقام بدمشق سنين. محمد بن عائذ بن عبد الرحمن بن عبيد الله ويقال: ابن عائذ بن أحمد، ويقال: ابن عائذ بن سعيد أبو عبد الله القرشي الكاتب صاحب المصنفات، ألف المغازي والفتوح والصوائف وغيرها. ولي خراج الغوطة في أيام المأمون.

روى عن الهيثم بن حميد بسنده إلى أبي أمامة أن رجلاً استأذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السياحة فقال: " إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ". وعنه، بسنده إلى يزيد بن مزيد قال: ذكر الدجال في مجلس فيه أبو الدرداء، فقال نوف البكالي: لغير الدجال أخوف مني من الدجال. فقال: وما هو؟ فقال نوف: أخاف أن أسلب إيماني ولا أشعر. فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا بن الكندية، وهل في الأرض مئة يتخوفون ما تتخوف؟! ثكلتك أمك يا بن الكندية، وهل في الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟ ثم قال: وثلاثون؟ ثم قال: عشرون، ثم قال: عشرة، ثم قال: خمسة، ثم قال: ثلاثة.. كل ذلك يقول: ثكلتك أمك. ثم قال أبو الدرداء: والذي نفسي بيده ما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه، أو انتزع منه بعقده، والذي نفسي بيده ما الإيمان إلا كالقميص يتقمصه مرة، ويضعه أخرى. حدث أبو داود قال: سمعت رجلاً من أهل دمشق من حملة العلم يحدث محمود بن خالد أن مولد ابن عائذ سنة خمسين ومئة. وثقوه، وذكره أبو زرعة في أهل الفتوى بدمشق، وقال: سألت أبا يحيى بن معين، يعني عن محمد بن عائذ، تراه موضعاً للأخذ عنه؟ قال: نعم. قلت: وهو يعمل على الخراج؟ قال: نعم. مات محمد بن عائذ القرشي الكاتب في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة أربع وثلاثين.

محمد بن أبي عائشة

محمد بن أبي عائشة ويقال ابن عبد الرحمن بن أبي عائشة مولى بني أمية مدني، خرج مع بني أمية حين أخرجهم ابن الزبير من المدينة، فسكن دمشق. روى عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ومن شر فتنة المحيا والممات ". وعنه أيضاً قال: قال أبو الدرداء: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدثور بالأجور؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يتصدقون بها، وليس لنا ما نتصدق به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن، أدركت من سبقك، ولم يلحقك أحد من بعدك، إلا من عمل بمثل عملك؟ " قلت: بلى يا رسول الله. قال: " تسبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتكبره ثلاثاً وثلاثين. وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ". روى الأحوص بن المفضل عن أبيه قال: محمد بن أبي عائشة انتقل من البصرة إلى الشام. قال ابن أبي حاتم: محمد بن أبي عائشة مولى لبني أمية، شامي، روى عن أبي هريرة، روى عنه حسان بن عطية وأبو قلابة الجرمي. سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه فقال: ليس به بأس.

محمد بن العباس بن الحسن

حدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع محمد بن أبي عائشة يقول: كان يقال: لا تكن ذا وجهين وذا لسانين، تظهر للناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر. وروى ابن جابر عن ابن أبي عائشة قال: إذا أراد المتكلم بكلامه غير الله، زل عن قلوب جلسائه، كما يزل الماء عن الصفا. وثقوه. محمد بن العباس بن الحسن أبو النمر الغساني الخشاب حدث عن حاجب بن ركين الفرغاني، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اختتن إبراهيم، وهو ابن عشرين ومئة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ". محمد بن العباس بن الفرج الدمشقي القطان روى عن محمد بن المبارك الصوري، بسنده إلى أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنتم والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه.

محمد بن العباس بن الفضل

محمد بن العباس بن الفضل أبو بكر، المعروف بابن البردعي، الأطرابلسي روى عن سعيد بن عمرو السكوني، بسنده إلى سليمان بن أكيمة الليثي قال: أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، إنا نسمع منك الحديث، ولا تقدر على تأديته كما سمعناه منك! قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم تحلوا حراماً، ولم تحرموا حلالاً، وأصبتم المعنى، فلا بأس ". محمد بن العباس بن محمد ابن عبيد الله بن زياد بن عبد الرحمن بن شبيب بن دبيس ويقال: ابن عبيد الله بن عبد الرحمن بن زياد بن شبيب بن دبيس أبو جعفر المروزي يسكن بغداد. قدم دمشق سنة اثنتين وثمانين ومئتين. وحدث بها عن الوليد بن شجاع، بسنده إلى أم سلمة قالت: قيل: يا رسول الله، ألا تخطب ابنة حمزة؟ قال: " إن حمزة أخي من الرضاعة ". محمد بن العباس بن محمد بن عمرو بن الحارث الجمحي القاضي أصله من البصرة، ولي قضاء دمشق بعد التسعين والمئتين. حدث أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر قال: بلغني عن القاضي الجمحي أنه كان من الديانة والفضل على حال. وكان إذا جاءه

سلطان أو أحد في معناه، دخل إلى موضع في الدار، فإذا استقر بهم المجلس، خرج إليهم. فجاء يوماً من الأيام إما ابن كيغلغ وإما تكين، أحد هؤلاء، وأبو زنبور الوزير، فدخلا، فلما استقر بهم المجلس، خرج إليهما، فقال له أبو زنبور: للأمير حكومة، ويشتهي أن تقضي له على اختلاف الفقهاء، ولا تخرج عن الاختلاف، فغمض القاضي عينيه وقال: والله لا أفتحهما وهو جالس - يعني الأمير - فقام وهو مغمض عينيه، يعني - والله أعلم - أراد ألا يفتحهما على من يطلب ظلماً. وبلغني أن أبا الحسن محمد بن علي بن الشيخ الماذرائي الكاتب، كتب إلى محمد بن العباس بن محمد الجمحي القاضي رسالة يعاتبه على ولاية القضاء، ويذكر فيها أن قدره أكبر منها. وضمنها أبياتاً. قال أبو عبد الله بن مروان: ثم ولي - يعني بعد أبي زرعة محمد بن عثمان قاضي دمشق - محمد بن العباس الجمحي على قضاء دمشق، فأقام بها على خلافته إلى أن قدم الجمحي وصار المري إلى طبرية خلافة الجمحي، وخرج محمد بن العباس في المراكب، ثم رجع إلى دمشق، ثم نفذ إلى طرطوس، فحضر الفداء، ثم رجع في سنة ست وتسعين ومئتين ونفذ إلى صور لإغزاء المراكب غزاة المنصور، فكانت غزاة النصر المذكورة على يديه. ثم نفذ إلى الرملة، واد إلى دمشق، وكان خليفته على دمشق عبد الله بن محمد القزويني، وقبله عبد الله بن الشاهد الفرغاني في آخر أيامه، وعاد إلى دمشق، فأقام بها أربعين ليلة، ثم توفي ليلة الأحد لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومئتين، فأقام البلد لا قاضي فيه مدة. ثم تقلد القضاء محمد بن عثمان وهو أبو زرعة، يعني دفعة أخرى.

محمد بن العباس بن معن

محمد بن العباس بن معن أبو طاهر الكرجي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان، بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تبارك وتعالى بنى الفردوس بيده، وحظرها عن كل مشرك وعن كل مدمن الخمر سكير ". محمد بن العباس بن الوليد أبو سعيد المري الخياط سكن جرجان. وحدث بها عن هشام بن عمار، بسنده إلى المقدام بن معديكرب الكندي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كسب رجل كسباً أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه، فهو صدقة ". وعنه أيضاً، بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرزق يطلب العبد كما يطلبه أجله ". وعنه، بسنده إلى جد عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق لله صدقة تطوعاً أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين، فيكون لوالديه أجرها، وله مثل أجورهما، بعد أن لا ينقص من أجورهما شيئاً ".

محمد بن العباس بن الوليد بن محمد

قال حمزة بن يوسف: محمد بن العباس بن الوليد الدمشقي الخياط، نزل جرجان، ومات بها بعد التسعين ومئتين. محمد بن العباس بن الوليد بن محمد ابن عمر بن الدرفس أبو عبد الرحمن الغساني الشيخ الصالح. حدث عن كثير بن عبيد، بسنده إلى أم مبشر امرأة أبي معروف قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنتزاور يا رسول الله؟ إذا متنا، يزور بعضنا بعضاً؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون النسم طيراً يعلق شجرة، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت في جثتها ". وعن محمد بن الوليد بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتلى عائشة في أهلها قبل أن يدخل بها. وعن هشام بن عمار، بسنده إلى عائشة قالت: قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله أمرنا أن نكثر الصلاة عليك في الليلة الغراء واليوم الأزهر، وأحب ما صلينا عليك كما تحب. قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وارحم محمداً وآل محمد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. إنك حميد مجيد، وأما السلام فقد عرفتم كيف هو ".

محمد بن العباس بن الوليد بن صالح

وثقوه. وقال ابن زبر: وفي هذه السنة - يعني سنة ثلاث وثلاث مئة - توفي محمد بن العباس بن الدرفس المحدث بدمشق. محمد بن العباس بن الوليد بن صالح ابن عمر بن كوذك أبو عمر العبسي مولى القعقاع بن خليد العبسي، ويقال: القرشي حدث سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة عن أبي بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الرواس، بسنده إلى الصعب بن جثامة الليثي: أنه أهدى لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماراً وحشياً، وهو بالأبواء، فرده عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بوجهه، قال: " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ". حدث أبو الحسين الميداني قال: توفي أبو عمر محمد بن العباس بن كوذك يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. محمد بن العباس بن يحيى ابن العباس بن عبد الله بن سعيد بن العباس بن عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن عبد الله أبو الحسين الحلبي مولى هشام بن عبد الملك قدم الأندلس على أمير المؤمنين المستنصر بالله الأموي، وكان يجري عليه النزل مع الأضياف، وكان عنده إسناد الشام.

محمد بن العباس بن يونس

قال المصنف: كتبت عنه أجزاء من حديثه وأخباره، وكان قد كف بصره، وكان أديباً حسن الأخلاق.. وتوفي - رحمه الله - سنة ست وسبعين وثلاث مئة، ودفن في مقبرة باب ليهود. محمد بن العباس بن يونس أبو بكر المحاربي، المعروف بابن زلزل يقال إن جدهم كان قسيساً بجوبر. حدث عن جعفر بن محمد، بسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار إقامة، فإن جار البادية يتحول ". مات أبو بكر المحاربي سنة إحدى وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن العباس أبو بكر الصيدلاني العطار حدث بدمشق عن محمد بن خالد المعروف بابن أمة، بسنده إلى ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبة ". محمد بن العباس الهيتي أحد الصالحين، له ذكر.

محمد بن عبد الله بن أحمد بن خالد

حدث الحسن بن حبيب عن أبيه قال: دعانا محمد بن عباس الهيتي، وكان من الصالحين، وكان عنده جماعة فيهم أحمد بن عبد الرزاق، فقدم إلينا خبيص، فأخذ أحمد لقمة من القصعة، فناولني إياها، وقال لي: اجعلها أنت بيدك في فمي، ففعلت، فقال لي: أتدري لم فعلت هذا؟ إنه يروى في الحديث: " من لقم أخاه المسلم لقمة حلوة، وقاه الله مرارة يوم القيامة " فأحببت أن تلقمني إياها، حتى يوقيك الله مرارة يوم القيامة. محمد بن عبد الله بن أحمد بن خالد أبو بكر السامري الفقيه الحافظ حدث عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، بإسناده إلى جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم، كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء. وأبو بكر وعمر منهم وأنعما ". قال المصنف: وهذا حديث غريب بهذا الإسناد. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن أحمد بن خالد السامري يسكن بلاد الشام.. روى عنه تمام بن محمد الرازي، وذكر أنه كان حافظاً. محمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ ابن ربيعة بن سليمان بن خالد بن عبد الرحمن بن زبر أبو سليمان بن أبي محمد الربعي الحافظ رحل في طلب الحديث، وصنف، وروى.

حدث عن عبد الله بن محمد البغوي، بسنده إلى أسامة بن شريك قال: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءت الأعراب من كل مكان، فقالوا: يا رسول الله، أعلينا حرج في كذا أو كذا؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عباد الله، وضع الحرج إلا من اقتضى امرأ مسلماً ظلماً، فذلك هلك، أو حرج وهلك " قالوا: يا رسول الله، أفنتداوى؟ قال: " نعم، يا عباد الله، إن الله لم ينزل داء - أو يضع داء - إلا أنزل له شفاء، غيرداء واحد: الهرم " قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي الإنسان، أو المسلم؟ قال: " الخلق الحسن ". قال علي بن هبة الله: أما زبر، بفتح الزاي وسكون الراء: أبو سليمان محمد بن عبد الله، دمشقي ثقة حافظ نبيل ... قال ابن الجبان: سمعت أبا سليمان محمد بن عبد الله بن زبر - رحمه الله - يقول: رأيت في السنة التي كتبت فيها العلم في المنام، كأني في مسجد، وأنا في حلقة، فيها اثنان وثلاثون رجلاً، وأنا أقول: هذا آدم، وهذا شيث، وهذا إدريس.. حتى عددت تسعة وعشرين نبياً. ثم قلت: كل هؤلاء أنبياء إلا أنا، وهذا الذي عن يميني وعن يساري، وهما الحسن والحسين، ورأيت بعد ذلك وقد جئت إلى باب عظيم مغلق، ففتح لي، فخرجت منه إلى نور عظيم، وبلد فسيح، ورجل قائم، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقصدت النور، فنوديت منه، يا محمد بن زبر. فوقفت، وقلت: أنت السلام ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وانتبهت، وخيل إلي في النوم أن القائم جبريل عليه السلام. قال أبو سليمان بن زبر: كان الطحاوي قد نظر في أشياء كثيرة من تصنيفي، وباتت عنده، وتصفحها، فأعجبته، وقال لي: يا أبا سليمان، أنتم الصيادلة ونحن الأطباء.

محمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخطاب

قالوا: مات أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر الربعي الحافظ يوم السبت، وأخرج كالغد لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاث مئة. محمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخطاب أبو عبد الله الحراني الملطي قاضي حمص. رحل وسمع. حدث عن أبي طالب محمد بن أحمد بن أبي معشر، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". محمد بن عبد الله بن أحمد الجوهري أبو بكر البغدادي الجوهري قدم دمشق وسمع بها. وروى بها عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي، بسنده إلى الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أنت باركت لأمتي في صحابتي، فلا تسلبهم البركة. وباركت لأصحابي في أبي بكر، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تنشر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره. اللهم، وأعز عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر

محمد بن عبد الله بن أحمد

لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعيداً، ووقر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين وال، صار والتابعين بإحسان ". قال أحمد بن محمد العتيقي: أبو بكر الجوهري كان شيخاً ثقة صالحاً، ينزل دار كعب، ويؤم بالناس في مسجد أبي القاسم بن حبابة. ويقال إنه مستجاب الدعوة منذ أربعين سنة. ولم يكن عنده غير جزء واحد عن خيثمة حسب. محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي ابن راشد بن شعيب بن الوليد أبو عبد الله القاضي قدم من مصر، وولي قضاء دمشق نيابة عن أبيه عبد الله قاضي مصر.. ووردها يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة وكان شاباً. محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفرج بن أبي طالب المتعبد، المعروف بابن المعلم الذي بنى كهف جبريل في جبل قاسيون. حدث عن علي بن الحسن بن طعان، بسنده إلى جد موسى بن جعفر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين ". وعن أبي العباس البردعي، بسنده إلى السري بن المغلس السقطي قال: كنت في مسجدي ذات يوم وحدي، بعدما صليت العصر، وكنت قد وضعت ماء لأبرده لإفطاري في كوة المسجد، فغلب علي النوم، فرأيت كأن جماعة من الحور العين قد دخلن المسجد، وهن يسفقن أيديهن، فقلت لواحدة منهم: لمن أنت؟ قالت:

محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عمير

لثابت البناني، وقلت للأخرى: وأنت؟ قالت: لعبد الواحد، وقلت للأخرى: وأنت؟ فقالت: لعتبة، وقلت للأخرى، فقالت: لفرقد. حتى بقيت واحدة. فقلت: لمن أنت؟ فقالت: أنا لمن لا يبرد الماء لإفطاره! فقلت لها: إن كنت صادقة، فاكسري الكوز. فقلبت الكوز، ووقع من الكوة، وانتبهت بكسر الكوز من منامي. روى أبو محمد بن الأكفاني عن أبي محمد الكتاني قال: توفي شيخنا أبو الفرج بن المعلم صاحب الكهف، وكان شيخاً صالحاً عابداً مجاب الدعوة، لتسع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وربع مئة. وقيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة إحدى عشرة. وقبره بالكهف، على رأسه بلاطة مذكور فيها اسمه. محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عمير أبو العباس الكناني اليافوني من أهل يافا. سمع بدمشق. روى عن صفوان بن صالح، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، أو شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن يكون أعم لأمتي. ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح، لعجلت دعوتي؛ إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح، قيل له: يا أبا إسحاق، سل، تعطه. قال: أما والله لا تعجلتها قبل نزغات الشيطان. اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً وأحسن، فاغفر له، وأدخله الجنة ".

محمد بن عبد بن إبراهيم بن ثابت

وعن أبي عبد الله محمد بن مخلد المقدسي، بسنده إلى عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله عز وجل " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات " فأين الناس حينئذ؟ فقال: " لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي. قال: إذاً الناس على جسر جهنم ". محمد بن عبد بن إبراهيم بن ثابت أبو بكر العنبري الأشناني البغدادي كان غير ثقة. روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، فقال: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام ويقول: حبيبي، إني كسوت حسن يوسف من نور الكرسي، وكسوت حسن وجهك من نور عرشي، وما خلقت خلقاً احسن منك يا محمد ". ورواه من طريقين آخرين. وعن أبي خيثمة، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صافح المؤمن المؤمن، نزلت عليهما مئة رحمة؛ تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما خلقاً ". ورواه بإسناد آخر. وعن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليلة ولد أبو بكر الصديق تباشرت الملائكة، واطلع الله إلى جنة عدن، فقال: وعزتي وجلالتي لا أدخلها إلا من أحب هذا المولود الذي ولد الليلة ".

محمد بن عبد الله بن الأزرق

وعن يحيى بن معين، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من جمع مالاً من مأثم، فوصل به رحماً، أو تصدق به، أو جاهد في سبيل الله، جمع جمعاً، فقذف به في جهنم ". ورواه بغير هذا الإسناد. قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت أبو بكر الأشناني حدث أحاديث باطلة، وكان كذاباً، يضع الحديث. وقال الدارقطني: محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت الأشناني كذاب دجال. محمد بن عبد الله بن الأزرق روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا ينبغي لرجل، يمشي إليه أخوه، يطلبه قرضاً، هو عنده، يعلم أنه يرده إليه، فيرده، حتى يقرضه ". محمد بن عبد الله بن بكار ابن عبد الملك بن الوليد بن بسر بن أبي أرطاة أبو بكر - ويقال: أبو عبد الله القرشي البسري حدث عن مروان بن محمد الطاطري، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليم وسلم يقول: " من رأى مبتلى، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به هذا، وفضلني عليه وعلى كثير ممن خلق تفضيلاً، عافاه الله من ذلك البلاء كائناً ما كان ".

محمد بن عبد الله بن بكار السلمي

وعن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن لله تسعة وتسعين اسماً، مئة إلا واحداً، لأنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة ". وعنه بإسناده إلى عائشة قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى ما يسر به قال: " الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " وإذا رأى شيئاً مما يكره قال: " الحمد لله على كل حال ". مات محمد بن عبد الله بن بكار سنة اثنتين وثلاثين ومئتين، وصلى عليه مالك بن طوق. محمد بن عبد الله بن بكار السلمي أبو بكر - ويعرف بأبي هريرة - السلمي حدث سنة ست وتسعين ومئتين، عن ابن مصفى، بسنده إلى بريدة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف بالأمانة، فليس منا ". محمد بن عبد الله بن بندار ابن عبد الله بن محمد بن كاكا أبو عبد الله المرندي قدم دمشق حاجاً سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة. وحدث بها عن علي بن أحمد بن مهدي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من طلب الشهادة صادقاً أعطيها، وإن لم تنله ".

محمد بن عبد الله بن بلال

محمد بن عبد الله بن بلال أبو جعفر الجوهري المقرئ حدث عن شعيب بن عمرو، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً " قال: قلت: يا رسول الله، أعينه مظلوماً، فكيف أعينه ظالماً؟ قال: " ترده إلى الحق، فذلك عون له ". محمد بن عبد الله بن جبلة ابن الرواد أبو بكر المصري البغدادي ثم الطرطوسي قدم دمشق. وحدث بها عن حفص بن عمر بن الصباح الرقي، بسنده إلى جرير بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أول الأرض خراباً يسراها ثم يمناها ". وعن عثمان بن خرزاد، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القرآن لا فقر بعده ". قال عبد العزيز بن أحمد الكتاني: محمد بن عبد الله بن جبلة كان شيخاً فيه نظر. محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي ابن عبد الله بن الجنيد أبو الحسين الرازي والد تمام بن محمد، يعرف بالري بابن الرستاقي. كان أحد المكثرين الثقات.

محمد بن عبد الله بن أبي الحسن بن الحسن

روى عن أبي عبد الله محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، بسنده إلى جابر بن سمرة قال: من حدثك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب على المنبر جالساً، فكذبه، فأنا شهدته كان يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم، فيخطب خطبة أخرى. قيل له: فكيف كانت خطبته؟ قال: كلام يعظ به الناس، ويقرأ آيات من كتاب الله، ثم ينزل. وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً، بنحو " والشمس وضحاها " و" والسماء والطارق " إلا صلاة الغداة. قال: وصلاة الظهر، كان بلال يؤذن حين تدحض الشمس، فإن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقام، وإلا مكث حتى يخرج. والعصر نحو ما تصلون، والمغرب نحو ما تصلون، والعشاء الآخرة، يؤخرها عن صلاتكم قليلاً. وعن أبي عاصم محمد بن إسحاق الرازي، بسنده إلى مسلم النحات قال: خرجت من مسجد البصرة، فإذا شيخ متوكئ على عصا، فقلت: من هذا؟ فقال: أنس بن مالك. فقلت: ما الواصلة والمستوصلة؟ فقال: هي التي تزني في شبابها، ثم تصلها بالقيادة إذا كبرت. حدث تمام بن محمد بن عبد الله الرازي أن والده أبا الحسين محمد بن عبد الله توفي في سنة سبع وأربعين وثلاث مئة. قال عبد العزيز: وكان ثقة نبيلاً مصنفاً. محمد بن عبد الله بن أبي الحسن بن الحسن أبو عبد الله الأصبهاني الديلمي الصوفي قدم دمشق، وحدث بها، بدار أبي بكر السميساطي.

محمد بن عبد الله بن الحسين

حدث عن أحمد بن إبراهيم بن فراس، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على رجل من الأنصار، وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعه، فإن الحياء من الإيمان ". محمد بن عبد الله بن الحسين ابن إسحاق بن إبراهيم بن زكريا بن أيوب بن يحيى أبو بكر - ويقال: أبو الحسن - النحوي الشاعر، المعروف بابن الدوري روى عن أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي، بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سددوا وقاربوا وأبشروا، فإن أحدكم لن ينجيه عمله " قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ". وعن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي، بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تسأل الإمارة، فإن من سألها، وكل إليها، ومن ابتلي بها، ولم يسألها، أعين عليها ". قال عبد العزيز الكتاني: توفي شيخنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين الدوري في سنة إحدى وعشرين وأربع مئة، كتب شيئاً كثيراً بخط حسن ومعرفة..

محمد بن عبد الله بن الحسين

محمد بن عبد الله بن الحسين ابن محمد بن جمعة حدث عن سعيد بن منصور، بسنده إلى أنس بن مالك قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة، فمررت بصبيان، فجلست إليهم، فلما استبطأني، خرج، فمر بالصبيان، فسلم عليهم. محمد بن عبد الله بن الحسين الحمصي ابن هارون بن يحيى أبو بكر الحمصي المقرئ الزاهد، يلقب أبوه بالجرمي نزيل دمشق. روى عن محمد بن عبد الله بن أحمد بن زبر، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تحاب رجلان في الله، إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه ". روى عبد العزيز الكتاني بإسناده توفي أبو بكر محمد بن الجرمي بن الحسين المقرئ في صفر سنة ست وثلاثين وأربع مئة. وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري، رحمه الله. محمد بن عبد الله بن حفص الرازي نزل دمشق.

محمد بن عبد الله بن حماد

وحدث عن أبي نعيم عبد الرحمن بن قريش، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد على رؤوس الأولين والآخرين: ألا من كان خادماً للمسلمين في دار الدنيا فليقم، وليمض على الصراط من غير خوف، وليدخل الجنة، وليس عليه حساب ولا عذاب ". محمد بن عبد الله بن حماد وهو أبو مالك ابن مالك بن بسطام بن درهم أبو مالك الأشجعي الحرستاني روى عن أبيه، بسنده إلى عبد الرحمن بن عبيد بن نفيع أنه كان في مسجد الكوفة ينتظر ركوع الضحى وممتع النهار، قال: فبينا هو جالس، إذ أجفل الناس في ناحية المسجد، قال: فأجفلت فيمن أجفل، فإذا برجل جاث على ركبتيه، عليه إزار له وملاءة، وهو يقول: أنا المصعب بن سعد بن أبي وقاص. سمعت أبي يأثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: " أربع من كن فيه فهو مؤمن، فمن جاء بثلاث، وكتم واحدة فقد كفر؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأنه مبعوث من بعد الموت، وإيمان بالقدر خيره وشره. من جاء بثلاث وكتم واحدة فقد كفر ". كتب الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه في قرى دمشق: أبو مالك محمد بن عبد الله بن حماد بن مالك بن بسطام الأشجعي، من أهل قرية حرستا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.

محمد بن عبد الله بن أبي ذر

محمد بن عبد الله بن أبي ذر ويقال: عبد الله بن محمد بن أبي ذر - السوسي حدث عن أنس بن سلم أبي عقيل، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رجل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البرية. قال: " ذاك أبي إبراهيم عليه السلام ". محمد بن عبد الله بن زكريا بن يحيى ويلقب يحيى حيويه أبو الحسن النيسابوري نزيل مصر، سمع بدمشق ومصر وغيرها.. وذكر أبو نصر الوائلي أنه ثقة ثبت شافعي المذهب، وكان قد نظر في الفرائض، وضعف فيها. حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن أعين، بسنده إلى أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو وقول الزور ". وعن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءاً مثل ذلك ". قال أبو نصر بن ماكولا: أما حيويه، بياء قبل الواو معجمة باثنتين من تحتها: أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه.. كان ثقة نبيلاً.

محمد بن عبد الله بن زنجويه

حدث أبو الحسن أحمد بن محمد بن مرزوق قال: توفي أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري ليلة الاثنين، ودفن يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رجب، يعني سنة ست وستين وثلاث مئة. وقال غيره: لخمس عشرة ليلة خلت منه. محمد بن عبد الله بن زنجويه حدث عن محمد بن عبد الرحمن الجعفي، بسنده إلى ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فارق الروح الجسد، وهو بريء من ثلاث، دخل الجنة: الكبر والغلول والدين ". محمد بن عبد الله بن سليمان ويقال: ابن عبد الله بن محمد بن سليمان - بن محمد بن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي. يلقب زبراً من أهل دمشق. ولاه هارون الرشيد مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثلاث وسبعين ومئة. له ذكر. محمد بن عبد الله بن سليمان أبو عبد الله الخراساني الزاهد حدث عن موسى بن إبراهيم المروزي، بسنده إلى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمل الأبرار من الرجال الخياطة، وعمل الأبرار من النساء المغزل ".

محمد بن عبد الله بن سليمان المسفر

وحدث سنة اثنتين وأربعين ومئتين عن عبد الله بن يحيى، بسنده إلى ابن عمر قال: لما طعن عمر، فأمر بالشورى، فقال: ما عسى أن يقولوا في علي؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا علي يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل ". محمد بن عبد الله بن سليمان المسفر أبو سليمان السعدي المفسر صنف كتاباً في التفسير، منها كتاب مجتنى التفسير، جمع فيه الصغير والكبير، والقليل مما أمكنه والكثير، ومنها الجامع الصغير في مختصر علم التفسير، ومختصر آخر لقبه بالمهذب.. وكان شافعي الفروع أشعري الأصول كثير الاتباع للسنة حسن الكلام على التفسير. أنشد أبو سليمان الدمشقي السعدي المفسر لابن طباطبا العلوي الأصبهاني: من الطويل حسود مريض القلب يخفي أنينه ... ويضحي كئيب البال عندي حزينه يلوم على أن رحت في العلم طالباً ... أجمع من عند الرواة فنونه وأنظم أبكار الكلام وعونه ... وأحفظ مما أستفيد عيونه إذا ما رأى الراؤون نطقي وصمته ... رأوا حركاتي قد قهرن سكونه ويزعم أن العلم لا يجلب الغنى ... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه فيما لائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه محمد بن عبد الله بن عبد الله أبي دجانة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان أبو زرعة النصري

محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن مسهر

حدث عن إبراهيم بن عبد الرحمن، بسنده إلى جندب البجلي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى الغداة، فهو في جوار الله " قال: وضرب على فخذي فقال: " فاتق الله لا يطلبك بشيء من ذمته ". محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن مسهر أبو عبد الرحمن الغساني روى عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم، بسنده إلى عمر بن هانئ قال: أتيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أرشدني أرشدك الله، فإني رجل من أهل الشام، وإني جئت في وفد الحجاج. قال: ما أنا لكم بحامد. ثم قلت: فأصحابنا الذين حاربونا؟ قال: ما أنا لهم بعاذر، أنتم قوم تتهافتون في النار تهافت الذبان في المرق. قال: قلت: أرأيت أصلحك الله؟ قال: مه، إني رأيت مولى لشيطان. قلت: اسمع مني: قال: ألك رحل؟ قلت: نعم. قال: فارحل رحلك. وعن أبي الجماهر محمد بن عثمان، بسنده إلى ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ". وعنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجل نسي، فأكل وهو صائم، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتم صومك، فإن الله أطعمك وسقاك ". ذكر عمرو بن دحيم أن أبا عبد الرحمن ولد سنة ثمانين ومئة، ومات يوم الجمعة بدمشق لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين ومئتين.

محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين

محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين أبو عبد الله المصري صاحب الشافعي. روى عن أنس بن عياض، بسنده إلى بسرة بنت صفوان - وكانت صحبت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا مس أحدكم ذكره، فلا يصلين حتى يتوضأ ". قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مصري.. روى عن أبي، وكتبت عنه، وهو صدوق ثقة، أحد فقهاء مصر، من أصحاب مالك. قال أبو سعيد بن يونس: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، يكنى أبا عبد الله.. توفي يوم الأربعاء للنصف من ذي القعدة سنة ثمان وستين ومئتين، وصلى عليه بكار بن قتيبة. وكان مولده سنة اثنتين وثمانين ومئة، وكان المفتي بمصر في أيامه. قال أبو إسحاق الشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء من الشافعيين: ومنهم أبو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري.. صحب الشافعي، وتفقه به، وحمل في المحنة إلى بغداد، إلى ابن أبي دؤاد، ولم يجب إلى ما طلب منه، ورد إلى مصر، وانتهت إليه الرئاسة بمصر، ومات في سنة نيف وستين ومئتين. قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ما كنيتك؟ فقلت: أبو جعفر، فقال: جاع، ففر! فكناني أبا عبد الله.

وقال: كنت أتردد إلى الشافعي، فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي، فقالوا: يا أبا محمد، إن محمداً ينقطع إلى هذا الرجل، ويتردد إليه، فيرى الناس أن هذا رغبة عن مذهب أصحابه. فجعل أبي يلاطفهم فيقول: هو حدث، وهو يحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك. ويقول في السر: يا بني الزم هذا الرجل، فإنه عسى أن تخرج يوماً من هذا البلد، فتقول: ابن القاسم، فيقال لك: من ابن القاسم؟ وقال: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء يأتينا المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء، فربماجئته، فإذا قعدت معه على الغداء، قال: يا جارية اضربي لنا فالوذج. فلا تزال المائدة بين يديه حتى نفرغ منه ونتغدى. قال أبو بكر محمد بن إسحاق: سمعت سعد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: كان الشافعي ربما جاء راكباً إلى الباب، فيقول: ادع لي محمداً، فأدعوه، فيذهب معه إلى منزله، فيبقى عنده، ويقيل عنده. قال أبو بكر: وهم أربعة إخوة: عبد الحكم وعبد الرحمن ومحمد وسعد، وكان محمد أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك بن أنس وأحفظهم، سمعته يقول: كنت أتعجب ممن يقول في المسائل: لا أدري. قال أبو بكر: أما الإسناد، فلم يكن يحفظه، وكان أعبدهم وأكثرهم اجتهاداً وصلاة سعد بن عبد الله. وكان محمد من أصحاب الشافعي، وممن يتعلم منه، فوقعت وحشة بينه وبين يوسف بن يحيى البويطي في مرض الشافعي الذي توفي فيه. فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع قال: لما مرض الشافعي مرضه الذي توفي فيه جاء محمد بن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، وقال ابن عبد الحكم: أنا أحق به منك. فجاء الحميدي، وكان في تلك الأيام بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، فليس أحد من أصحابي أعلم منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت! فقال له الحميدي: كذبت أنت

وكذب أبوك وكذبت أمك. وغضب ابن عبد الحكم، فترك مجلس الشافعي، وتقدم فجلس في الطاق الثالث، وترك طاقاً بين مجلس الشافعي ومجلسه. وجلس البويطي في مجلس الشافعي في الطاق الذي كان يجلس، وهو الطاق الذي كان يجلس فيه الربيع أيامنا، إلا أن الشافعي - رحمه الله - كان يجلس مستقبل القبلة، وكان الربيع يجلس مستدبر القبلة. وقال: وقال لي ابن عبد الحكم: كان الحميدي معي في الدار نحواً من سنة، وأعطاني كتاب ابن عيينة، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع. قال عبد الرحمن بن عيسى المعروف بابن القابلة: سمعت المزني يقول: كنا نأتي الشافعي، فنسمع منه، فنجلس على باب داره، فيأتي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، فيصعد إليه، فيطيل المكث، وربما تغدى معه، ثم نزل، فيقرأ علينا الشافعي، فإذا فرغ من قراءته، قرب إلى محمد دابته، فركبها، وأتبعه الشافعي بصره، فإذا غاب شخصه قال: وددت أن لي ولداً مثله وعلي ألف دينار دين لا أجد لها قضاء. قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال لي أبي: يا بني، كان مالك بن أنس يشبه بالسلف الماضين. وإني لأرجو أن تكون له خلفاً. فالزم العلم تسد في الدنيا والآخرة. وثقه كثيرون، وعده النسائي في فقهاء أهل مصر. حدث أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي قال: رأيت رجلاً من أهل مصر، وهو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يصلي الضحى، فكان كلما صلى ركعتين سجد سجدتين. فسأله من سأله ممن يأنس به عن السجدتين اللتين يسجدهما بين كل ركعتين، ماذا تريد بهما؟ قال: شكراً لله على ما نعم به علي من صلاة الركعتين.

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبيد الله

حدث أبو الليث بن الأعلى قال: سألنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن تقرأ عليه كتب الشافعي، فأجابنا إلى ذلك على أن تكون قراءتنا في منزله. قال: فجئنا. فابتدأنا بالقراءة عليه. وكان رجل ممن يتفقه بقول المدنيين - يقال له محمد بن المعيد - عنده مجلس. قال: فجاء فوجدنا، ونحن نقرأ عليه، فقال لنا: روحوا، فإن لنا مجلساً، وأي شيء يصنع بهذه الكتب؟! قال: فقلت له أنا، ومحمد يسمع: ليس يمنعك أنت من هذه الكتب إلا أنك لا تحسن تقرأ فيها. فقال: أنا لا أحسن أن أقرأها؟ أنا أقرأ كتب عبد الملك بن الماجثون، ولا حسن أن أقرأ بكتب الشافعي؟! قال: وكان محمد متكئاً، فجلس إنكاراً لقوله، فقال: يا عبد الله، والله ما عبد الملك بن الماجثون عند محمد بن إدريس الشافعي إلا بمنزلة الفطيم عند الكبير! قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال الشافعي: يا محمد، لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه أن ينسى. قال محمد: وذلك أني سمعت من الشافعي حكاية، فحكيتها عنه، فنميت إليه، فأنكرها، فاغتم أبي لذلك غماً شديداً، وكنا بجنبه، فمضيت، فوقفته على الكلمة، فذكرها، فقال لي: لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان. روى أبو سليمان بن زبر، عن الطحاوي قال: سنة ثمان وستين ومئتين، فيها مات محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، في ذي القعدة، وصلى عليه بكار بن قتيبة، وهو ابن ست وثمانين سنة. وقيل: مات سنة تسع وستين ومئتين. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبيد الله أبو بكر الأسدي الحلبي، المعروف بالأسير، أخو الإمام قدم دمشق.

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن

وحدث بها عن جده، بسنده إلى أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبطية مما هدى دحية الكلبي، قال: فكسوتها امرأتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما لم لا تلبس القبطية؟ " قلت: يا رسول الله، إني كسوتها امرأتي. قال: " فأمرها أن تجعل تحتها غلالة، فإني أخشى أن تصف عظامها ". محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ويقال: ابن عبد الرحيم، ويقال: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الواحد - أبو الأصيد الأزدي الإمام روى عن أبي عمرو أحمد بن محمد بن العمطريق بسنده إلى أبي سلمة قال: رأيت أبا هريرة يسجد في " إذا السماء انشقت " فذكرت ذلك له. فقال: لو لم أر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسجد فيها لم أسجد. محمد بن عبد الله العجائز الأزدي ابن عبد الرحمن بن علي بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد بن حميد ابن صهيب بن طليب بن النجيب بن علقمة بن الصبر أبو الحسن بن أبي العجائز الأزدي من أنفسهم، ويقال: من مواليهم. روى عن محمد بن أبي نصر، بسنده إلى جد بهز بن حكيم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبس رجلاً في تهمة ساعة من نهار، ثم خلى عنه.

محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن أبي أيوب

قال أبو محمد بن الأكفاني: سنة سبع وستين وأربع مئة، فيها توفي أبو الحسين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي أبي العجائز الخطيب على ما بلغني.. وكان قد انتقل إلى بيروت، فتوفي بها، رحمه الله. محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن أبي أيوب أبو عبد الرحمن البيروتي، المعروف بمكحول الحافظ روى عن أبي الحسين أحمد بن سليمان الرهاوي، بسنده إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر خديجة ببيت من قصب؟ قال: نعم. بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. قال أبو سليمان بن زبر: سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة توفي أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول، يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة. وقيل: مات سنة عشرين وثلاث مئة. محمد بن عبد الله بن عبد القاري من القارة من حلفاء بني زهرة من أهل المدينة، وفد على عمر بن عبد العزيز. قال عبد الرحمن بن عبد القاري: رآني عمر بن عبد العزيز، وأنا أمشي إلى جنب أبي، فقال: لا تمش إلى جنب أبيك، إنما ينبغي لك أن تمشي وراءه. قال أبي: إني أتوكأ على يده. قال: فهاه.

محمد بن عبد الله بن عبيد الله

قال المصنف: كذا نسبه إلى جد أبيه. قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن عبد القاري، وهو جد يعقوب بن عبد الرحمن المديني الإسكندراني. محمد بن عبد الله بن عبيد الله ابن أحمد بن باكويه أبو عبد الله الشيرازي الصوفي سمع بدمشق. روى عن علي بن محمد الحضرمي البصري، بسنده إلى أبي هريرة، رفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس ". وحدث عن أبي أحمد الصغير أنه قال: سألت أبا عبد الله بن خفيف: فقير يجوع ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام، يخرج، ويسأل مقدار كفايته، أيش يقال فيه؟ قال: مكد. كلوا واسكتوا، فلو دخل فقير من هذا الباب، لفضحكم كلكم. قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي الحاكم بهراة: سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ورد الخبر بوفاة أبي عبد الله بن باكويه، وأبي إسحاق الأرموي الحافظ وأحمد الأصبهاني الحافظ بنيسابور.

محمد بن عبد الله بن علي

محمد بن عبد الله بن علي ابن عياض بن أحمد بن أبي عقيل أبو الحسن القاضي الصوري قدم دمشق مع أبيه. حدث عن أبي مسعود صالح بن أحمد، بسنده إلى أبي قتادة السلمي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس ". توفي محمد بن عبد الله القاضي سنة أربع وستين وأربع مئة، وقيل: سنة خمس وستين. محمد بن عبد الله بن عمار بن سوادة أبو جعفر الموصلي روى عن الحجاج بن فرافصة، بسنده إلى سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف، إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك " لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم " ". وعن المعافى بن عمران، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل البدع شر الخلق والخليقة ".

محمد بن عبد الله بن عمرو

وعن عفيف بن سالم، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبذا المتخللون من أمتي ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن عمار بن سوادة أبو جعفر المخرمي نزيل الموصل كان أحد أهل الفضل والمتحققين بالعلم، حسن الظن، كثير الحديث.. وكان تاجراً، قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ وذاكرهم وحدثهم. وروى الخطيب بإسناده أن ابن عمار قال: ولدت سنة اثنتين وستين ومئة. ونقل أنهم وثقوه. روى غير واحد، قالوا: انحدر محمد بن عبد الله بن عمار إلى سر من رأى في شكاية الزبيري القاضي بالموصل، وكثر الناس عليه في الحديث جداً، فبلغ الخليفة أمره، فقال: أي شيء أقدم هذا الرجل؟ قالوا: يتظلم من الزبيري القاضي بالموصل. فقال: اعزلوه له. توفي محمد بن عبد الله القاضي سنة اثنتين وأربعين ومئتين. محمد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الله القرشي الأموي، المعروف بالديباج سمي بذلك لحسن وجهه. وهو من أهل المدينة، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي. قدم الشام غير مرة على خلفاء بني أمية.

روى عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تديموا النظر إلى المجذمين ". حدث مصعب بن عثمان الزبيري قال: كان محمد الذي يقال له الديباج، وهو ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، يفد على أمراء بني أمية، فإذا انصرف، مر بابن عمه سعيد بن خالد بن عمرو، بالفدين، فأقام عنده بعض المقام، فعوتب محمد على ذلك، فقال: إنه يصلني كلما مررت به بألف دينار، وهي تقع مني موقعاً. قال يحيى بن معين في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم: عبد الله بن حسن بن حسن، وأخوه حسن بن حسن بن حسن، وأخوهما لأمهما محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. وقال محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه فاطمة بنت حسين بن علي بن أبي طالب. كان يقال لمحمد الديباج لجماله. وكان أبوه عبد الله بن عمرو يدعى المطرف لجماله. قال محمد بن عمر: كان محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أصغر ولد فاطمة بنت حسين، وكان إخوته من أمه يخافون عليه ويحبونه، وكان مائلاً إليهم لا يفارقهم. وكان فيمن أخذ مع إخوته بني حسن بن حسن، فوافوا بهم أبا جعفر المنصور بالربذة، فضربه من بينهم مئة سوط، وحبسه معهم بالهاشمية، فمات في حبسه. وكان كثير الحديث عالماً.

قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الله بن عمرو بن عثمان: ومحمد بن عبد الله، كان يقال له الديباج من حسن وجهه، مات أو قتل في حبس أمير المؤمنين المنصور في أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، والقاسم ورقية ابني عبد الله بن عمرو، وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وإخوتهم لأمهم عبد الله والحسن وإبراهيم بنو حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب. قال البخاري: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عبد الله القرشي، مدني. قال لي إبراهيم بن المنذر: نا محمد بن معين قال: أخذ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان في سنة خمس وأربعين، وزعموا أنه قتله ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، وهو أخوه لأمه. ضعفوه في رواية الحديث. قال البخاري: كنية محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عبد الله القرشي المدني الأموي، كناه يحيى بن سليم. لا يكاد يتابع في حديثه. قال أبو بكر أحمد بن علي: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الله القرشي ثم الأموي، من أهل مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يعرف بالديباج لحسن وجهه، وهو أخو القاسم بن عبد الله.. قيل إنه قدم على المنصور ببغداد، وليس يثبت ذلك عندي. وروى بإسناده إلى عبد الله بن موسى قال: كان عبد الله بن الحسن يقول: أبغضت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أيام ولد بغضاً ما أبغضته أحداً قط. ثم كبر وتربى، فأحببته حباً ما أحببته أحداً قط.

روى ابن سعد بإسناده إلى داود بن عبد الرحمن العطار قال: رأيت عبد الله بن حسن بن حسن أتى أخاه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فوجده نائماً فأكب عليه، فقبله، ثم انصرف، ولم يوقظه! وبإسناده إلى أبي السائب قال: احتجت إلى لقحة، فكتبت إلى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أسأله أن يبعث إلي بلقحة، فإني لعلى بابي، فإذا بزجر إبل، وإذا فيها عبد يزجر بها، فقلت له: يا هذا، ليس ها هنا الطريق. فقال: أردت أبا السائب. فقلت: فأنا أبو السائب، فدفع إلي كتاب محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فإذا فيه: أتاني كتابك تطلب لقحة، وقد جمعت ما كان بحضرتنا منها، وهي تسع عشرة لقحة، وبعثت فيها بعبد راع، وهن بدن وهو حر إن رجع مما بعثت به شيء في مالي أبداً. قال: فبعت منهن بثلاث مئة دينار سوى ما احتبست لحاجتي. وبإسناده إلى أبي وجزة السعدي قال يمدح محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: من الوافر وجدنا المحض أبيض من قريش ... فتى بين الخليقة والرسول أتاك المجد من هنا وهنا ... وكنت له بمعتلج السيول فما للمجد دونك من مبيت ... وما للمجد دونك من مقيل ولا ممضى وراءك تبتغيه ... وما هو قابل بك من بديل

فدى لك من يصد الحق عنه ... ومن ترضي أخاه بالقليل فلولا أنت ما حملت ركابي ... مؤثلة وما حمدت رحيلي قال عبد الرحمن بن أبي الموال: جد رياح بن عثمان في طلبهما يعني محمداُ وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن، ولم يدهن، واشتد في ذلك كل الشدة، حتى خافا، وجعلا يتنقلان من موضع إلى موضع، واغتم أبو جعفر بتغيبهما، فكتب إلى رياح بن عثمان أن يأخذ أباهما عبد الله بن حسن وإخوته حسن بن حسن وداود بن حسن وإبراهيم بن حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو أخوهم لأمهم فاطمة بنت حسين، في عدة منهم.. قال عبد الرحمن بن أبي الموال: وسجنت مع عبد الله بن حسن وأهل بيته، ووافى أبو جعفر الربذة منصرفاً من الحج، فسأل عبد الله بن حسن أبا جعفر أن يأذن له في الدخول عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يزل حتى فارق الدنيا. قال: ثم دعاني أبو جعفر من بينهم، فأدخلت عليه، وعنده عيسى بن علي، فلما رآني عيسى، قال: نعم هو هو يا أمير المؤمنين، وإن أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم، فدنوت، فسلمت، فقال أبو جعفر: لا سلم الله عليك ابن الفاسقين ابني الفاسق، الكذاب بن الكذاب. قلت: يا أمير المؤمنين، هل ينفعني الصدق عندك؟ قال: وما ذاك؟ قال: قلت امرأته طالق، وعلي وعلي إن كنت أعرف مكانهما، قال: فلم يقبل ذاك مني، وقال: السياط. فأتي بالسياط، وأقمت بين العقابين، فضربني أربع مئة سوط، فما عقلت بها حتى رفع عني. ثم وصل إلى أصحابي على تلك الحال. ثم بعث إلى الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكانت ابنته تحت إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فلما أدخل عليه، قال: أخبرني عن الكذابين

ما فعلا، وأين هما؟ قال: والله يا أمير المؤمنين ما لي بهما علم. قال: لتخبرني. قال: لقد قلت لك، وتالله إني لصادق. ولقد كنت أعلم علمهما قبل اليوم، فأما اليوم، فلا والله ما لي بهما علم. قال: جردوه، فجرد، فضربه مئة سوط، وعليه جامعة حديد في عنقه، فلما فرغ من ضربه، أخرج فألبس قميصاً له قوهياً على الضرب، فأتي به غلينا، فوالله ما قدر على نزع القميص من لصوقه بالدم، حتى حلب عليه شاة، ثم انتزع القميص، ودووي. فقال أبو جعفر: أحدروهم إلى العراق. فقدم بنا إلى الهاشمية، فحبسنا بها، فكان أول من مات عبد الله بن حسن في الحبس، فجاء السجان، فقال: ليخرج أقربكم منه فليصل عليه، فخرج أخوه حسن بن حسن بن علي، فصلى عليه. ثم مات حسن بن حسن بعده، فأخرج محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فصلى عليه، ثم مات محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأخذ رأسه، فبعث به مع جماعة من الشيعة إلى خراسان، فطافوا به في كور خراسان وجعلوا يحلفون بالله إن هذا رأس محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يوهمون الناس أن هذا رأس محمد بن عبد الله بن حسن الذي كانوا يجدون في الرواية خروجه على أبي جعفر. قال عبد الرحمن بن أبي الموال: وكان معنا في الحبس علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وهو أبو حسين بن علي صاحب خبرهم، وكان من أفضل أهل زمانه عبادة ونسكاً وورعاً، لم يأكل لأحد من أهل بيته طعاماً، تمرة فما فوقها، من القطائع التي أقطعهم أبو العباس وأبو جعفر، ولا يتوضأ من تلك العيون، ولا يشرب من مائها. وكانت تحته بنت عمه زينب بنت عبد الله بن حسن، وكانت متعبدة، فكان يقال: ليس بالمدينة زوج أعبد منهما، يعنون علي بن حسن وامرأته زينب بنت عبد الله بن حسن، وكان السجان بالهاشمية يحبه ويكرمه ويلطفه، لما يرى من اجتهاده وعبادته، فأتاه بمخدة، فقال: ضع رأسك عليها، توطأ بها، فأعطاها أباه حسن بن حسن بن حسن، فقال له أبوه: يا بني عمك عبد الله بن حسن أحق بها، فبعث بها إليه. فقال له عبد الله بن

محمد بن عبد الله بن عمير بن عبد السلام

حسن: يا أخي أخونا هذا البائس الذي ابتلي بسببنا وصار إلى ما صار إليه من الضرب أحق بها، يعني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فأرسل بها إليه، وقال: إنك رجل أحق أن تكون هذه المخدة تحت رأسك، فأخذها، فكانت تحت رأسه. وروى البخاري بإسناده إلى محمد بن معن قال: أخذ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان سنة خمس وأربعين - يعني ومئة - وزعموا أنه قتله ليلة جاءه خروج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة، وبعث برأسه إلى خراسان. محمد بن عبد الله بن عمير بن عبد السلام أبو جعفر الرملي روى عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما خلق الله الرحم، قامت، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: أما ترضين أن أقطع من قطعك، وأصل من وصلك؟ قالت: بلى. قال: فذلك بك " ثم تلى: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله، فأصمهم، وأعمى أبصارهم ". محمد بن عبد الله بن علاثة ابن علقمة بن مالك بن عمرو بن عويمر بن ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو اليسير العقيلي الجزري الحراني القاضي دخل دمشق، وسمع بها.

روى عن خصيف بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينفعهم من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة من العلماء، وفضل العالم على العابد سبعين درجة، الله أعلم بما بين كل درجتين ". قال خليفة بن خياط في الطبقة الرابعة من أهل الجزيرة: محمد بن عبد الله بن علاثة ولي القضاء للمهدي. وقال ابن سعد: محمد بن عبد الله بن علاثة الكلابي، ويكنى أبا اليسير، وكان ثقة، إن شاء الله، وكان من أهل حران، فقدم بغداد، فولاه المهدي القضاء بعسكر المهدي، ثم ولى عافية بن يزيد الأودي أيضاً القضاء معه. فأخبرني علي بن الجعد قال: رأيتهما جميعاً يقضيان في المسجد الجامع بالرصافة، هذا في أدناه، وهذا في أقصاه، وكان عافية أكثرهما دخولاً على المهدي. قال البخاري: محمد بن عبد الله بن علاثة، ويقال محمد بن علاثة القاضي.. هو أبو اليسير، في حفظه نظر. قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن علاثة بن علقمة بن مالك بن عمرو بن عويمر بن ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو اليسير العقيلي، من أهل حران، وهو أخو سليمان وزياد.

وقال: استقضى المهدي محمد بن عبد الله بن علاثة الكلابي، وعافية بن يزيد جميعاً على الجانب الشرقي من مدينة السلام. وكان زياد بن عبد الله بن علاثة يخلف أخاه على القضاء بعسكر المهدي. قال الخطيب: وكان محمد بن عبد الله بن علاثة صديقاً لسفيان الثوري، فلما ولي القضاء، أنكر عليه سفيان ذلك. فأخبرني علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر، حدثني عبد الباقي بن قانع قال: حدثني بعض شيوخنا قال: استأذن ابن علاثة على سفيان الثوري، بعد أن ولي القضاء، فدخل عمار بن محمد، ابن أخت سفيان، يستأذن له على سفيان، فلم يأذن له، وكان سفيان يعجن كسباً للشاة، فلم يزل به عمار حتى أذن له، فدخل ابن علاثة، فلم يحول سفيان وجهه إليه، ثم قال: يا بن علاثة، ألهذا كتبت العلم؟! لو اشتريت صبراً بدرهم - يعني سميكات - ثم درت في سكك الكوفة، لكان خيراً من هذا. وروى الخطيب بإسناده إلى علي بن سراج قال: محمد بن عبد الله بن علاثة، يقال له: قاضي الجن، وذلك أن بئراً كانت بين حران وحصن مسلمة، فكان من يشرب منها خبطته الجن. قال: فوقف عليها، فقال: أيها الجن، إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس، فلهم النهار، ولكم الليل. قال: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء. مات محمد بن عبد الله بن علاثة سنة ثمان وستين ومئة.

محمد بن عبد الله بن فرن

محمد بن عبد الله بن فرن أبو عبد الله الفرغاني الوراق، المعروف بأخي أزغل سكن دمشق. وحدث بها عن علي بن حرب، بسنده إلى أبي طليق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عمرة في رمضان تعدل حجة ". قال ابن ماكولا: وأما فرن، بفتح الفاء وسكون الراء، فهو محمد بن عبد الله بن فرن، يعرف بأخي أزغل، كان بدمشق بعد الثلاث مئة. قال ابن زبر: وفي ذي القعدة - يعني من سنة ثلاثين وثلاث مئة - توفي أبو عبد الله محمد بن فرن الفرغاني أخو أزغل. محمد بن عبد الله بن القاسم أبو الحسن البغدادي سمع بدمشق. روى عن علي بن يعقوب، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلم الله موسى ببيت لحم ".

محمد بن عبد الله بن لبيد الأسدي

محمد بن عبد الله بن لبيد الأسدي ويقال: الأسلمي قاضي دمشق في خلافة مروان بن محمد. ثم عزل، وولي القضاء بعده كلثوم بن زياد ثالثة، ثم عزل وولي ابن لبيد ثانية في دولة بني العباس، فهلك أيام السفاح، وولي سالم بن عبد الله. ويقال: إن ابن لبيد عزل بعد سالم. وكان ابن لبيد من حملة القرآن، وممن يحضر دراسته في جامع دمشق. قال أبو زرعة في ذكر قضاء دمشق: محمد بن عبد الله بن لبيد الأسدي. محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف ويقال: عبد الله بن محمد - أبو جراب القرشي قدم الشام غازياً. روى عن غطاء في الصبي والمعتوه يقتلان قتيلاً، أنهما لا يرثانه، لأنهما قاتلان. قال الزبير بن بكار: فولد أمية الأصغر بن عبد شمس الحارث، فولد الحارث بن أمية عبد الله، وولد عبد الله بن الحارث علياً والوليد ومحمداً. ومن ولد عبد الله بن الحارث أبو جراب، قتله داود بن علي، وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس. وأمه رملة بنت العلاء بن طارق بن المرقع من كنانة.

محمد بن عبد الله أبي العباس السفاح

قال ابن ماكولا: أبو جراب عبد الله بن محمد القرشي، سمع غطاء، روى عنه إسحاق بن سعيد. قاله مسلم. محمد بن عبد الله أبي العباس السفاح ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ولد بأرض البلقاء، من أعمال دمشق، وخرج مع أبيه السفاح منها إلى الكوفة، وولاه عمه المنصور البصرة، وكان غير محمود الطريقة. قال خليفة: ولى أبو جعفر - يعني المنصور - سلم بن قتيبة - يعني البصرة - فولي شهرين ثم عزله - يعني سنة ست وأربعين ومئة - وولى محمد بن أبي العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فلقبه أهل البصرة أبا الدبس، ثم شخص محمد بن أبي العباس عن البصرة فيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - واستخلف عقبة بن سلم الهنائي. وقال يعقوب: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - عزل محمد بن سليمان عن البصرة، وولي عليها محمد بن أبي العباس. وقال أبو جعفر الطبري: وفيها - يعني سنة سبع وأربعين ومئة - ولى أبو جعفر محمد بن أبي العباس ابن أخيه البصرة، فاستعفى منها، فأعفاه، فانصرف عنها إلى مدينة السلام، فمات.

محمد بن عبد الله بن محمد

وقال: وذكر علي بن محمد قال: حدثني أبي قال: وجه أبو جعفر مع محمد بن أبي العباس بالزنادقة والمجان، فكان فيهم حماد عجرد، فأقاموا معه بالبصرة يظهر منهم المجون. وإنما أراد بذلك أن يبغضه إلى الناس، فأظهر محمد أنه يعشق زينب بنت سليمان بن علي، فكان يركب إلى المربد فيتصدى لها، يطمع أن تكون في بعض المناظر تنظر إليه، فقال محمد لحماد: قل لي فيها شعراً، فقال أبياتاً يقول فيها: من السريع يا ساكن المربد قد هجت لي ... شوقاً فما أنفك بالمربد قال: فحدثني أبي قال: كان المنصور نازلاً على أبي سنتين، فعرفت الخصيب المتطيب لكثرة إتيانه إياه، وكان الخصيب يظهر النصرانية، وهو زنديق معطل، لا يبالي من قتل، فأرسل إليه المنصور رسولاً يأمره أن يتوخى قتل محمد بن أبي العباس، فاتخذ سماً قاتلاً، ثم انتظر علة تحدث بمحمد. فوجد حرارة، فقال له الخصيب: خذ شربة دواء، فقال: هيئها لي، فهيأها، وجعل فيها ذلك السم، ثم سقاه إياها، فمات منها. فكتبت بذلك أم محمد بن أبي العباس إلى المنصور، تعلمه أن الخصيب قتل ابنها، فكتب المنصور يأمر بحمله إليه. فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطاً ضرباً خفيفاً، وحبسه أياماً، ثم وهب له ثلاث مئة درهم، وخلاه. ذكر أحمد بن كامل بن حنف قال: سنة تسع وأربعين ومئة، فيها مات محمد بن أبي العباس السفاح ببغداد. وكان قدم مع أمه أم سلمة من البصرة. محمد بن عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة عند موت أبيه بالحجاز، وقدم دمشق في خلافته، ومضى إلى بيت المقدس.

قال يحيى بن حمزة: صليت خلف المهدي المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: حدثني أبي عن جدي عن أبيه عبد الله بن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر بسم الله الرحمن الرحيم. فقلت: يا أمير المؤمنين، نأثره عنك؟ قال: نعم. قال يعقوب: وفي سنة ثلاث وستين ومئة أقام الحج للناس علي بن المهدي، وأتى المهدي بيت المقدس، فصلى فيه. وفي هذه السنة دخل دمشق. قال أبو بكر الطيب: محمد أمير المؤمنين المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا عبد الله. وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. ولد بإيذج في سنة سبع وعشرين ومئة. واستخلف يوم مات المنصور بمكة، وقام بأمر بيعته الربيع بن يونس، وأتاه بالخبر منارة البربري مولاه يوم الثلاثاء لست عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، والمهدي إذ ذاك ببغداد، فأقام بعد قدوم منارة يومين لم يظهر الخبر، ثم خطب الناس يوم الخميس، ونعى لهم المنصور، وبويع بيعة العامة. وذلك في سنة ثمان وخمسين ومئة. روي عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المهدي من ولد العباس عمي ".

روى الخطيب البغدادي، بإسناده إلى عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي ". وعن ابن عباس قال: منا ثلاثة؛ منا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي. وعن كعب أنه قال: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم، غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن. قال يعقوب: سنة ثلاث وخمسين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. وقال: وفي سنة ستين ومئة حج بالناس المهدي محمد بن عبد الله. وتوفي سنة ثلاث وستين. قال خليفة: بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أمه أم موسى بنت منصور امرأة من حمير، في أول سنة تسع وخمسين ومئة. ومات أمير المؤمنين المهدي لثمان بقين من المحرم - يعني سنة تسع وستين - بالحمى، فصلى عليه ابنه هارون بن المهدي، وهو ابن ثمان وأربعين. قال: ورأيت في نسخة: سمعت من ابن عمران: ولد بالحميمة من أرض الشام سنة إحدى وعشرين ومئة. ويقال: مات وهو

ابن ثلاث وأربعين. قال: وقال عبد العزيز: ابن إحدى وأربعين. وكانت ولايته عشر سنين وشهراً ونصف. قال أبو حسان الزيادي: سنة ثمان وخمسين ومئة، بها بويع المهدي محمد بن عبد الله بن محمد.. بويع يوم مات أبو جعفر بمكة وكان مولده سنة سبع وعشرين ومئة. وكان طويلاً أسمر جعداً، بعينه اليمنى نكتة بياض. وقال يعقوب: وبايع الناس المهدي محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أمير المؤمنين وولي عهدهم من بعد أبيه أبي جعفر، بمكة، يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، من سنة سبع وأربعين ومئة. وفيها - يعني سنة إحدى وخمسين ومئة - جدد أبو جعفر البيعة لنفسه وابنه المهدي ولعيسى بن موسى بعد المهدي على أهل بيته بمحضر منه في مجلسه، وذلك يوم جمعة عمهم بالإذن. روى الخطيب بإسناده إلى المعاذي قال: لما جدد المهدي البيعة لنفسه بعد وفاة المنصور، كان أول من هنأه بالخلافة، وعزاه، أبو دلامة، فقال: من المتقارب عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى، وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة، ويسوءها ... ما أنكرت، ويسرها ما تعرف فيسوءها موت الخليفة محرماً ... ويسرها أن قام هذا الأرأف ما إن رأيت كما رأيت ولا أرى ... شعراً أرجله وآخر ينتف هلك الخليفة يا لأمة أحمد ... وأتاكم من بعده من يخلف أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف

قال: فأمر المهدي بالنداء بالرصافة: إن الصلاة جامعة، وخطب، فنعى المنصور، وقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع، واغرورقت عيناه فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بكى عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيماً، وقلدت جسيماً، وعند الله احتسبت أمير المؤمنين، وبه - عز وجل - أستعين على خلافة المسلمين. قال الأصمعي: كان نقش خاتم المهدي الله ثقة محمد وبه يؤمن. وقال بعض أهل العلم: كان نقش خاتمه القوة لله. روى الخطيب بإسناده إلى أبي العباس المنصوري قال: لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور، أخذ في رد المظالم، وإخراج ما في الخزائن، ففرقه، حتى أكثر من ذلك، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مئة درهم، لكل رجل ستةآلاف درهم في السنة، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة آلاف درهم، وزاد بعضهم، وأمر ببناء مسجد الرصافة، وحاط حائطها، وخندق خندقها. وذلك كله في السنة التي قدم فيها مدينة السلام. وبسنده إلى الربيع أنه قال: مات المنصور، وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليفة قط قبله: مئة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم. فلما صارت الخلافة إلى المهدي، قسم ذلك وأنفقه. وقال الربيع: نظرنا في نفقة المنصور، فإذا هو ينفق في كل سنة ألفي درهم مما يجيء من مال الشراة. وبسنده إلى أبي عمرو الشغافي قال: صلينا مع المهدي المغري، ومعنا العوفي - يعني الحسين بن الحسن بن عطية - وكان

على مظالم المهدي، فلما انصرف المهدي من المغرب، جاء العوفي، حتى قعد في قبلته، فقام يتنفل، فجذب ثوبه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شيء أولى بك من النافلة. قال: وما ذاك؟ قال: سلام مولاك - قال: وهو قائم على رأسه - أوطأ قوماً الخيل، وغصبهم على ضيعتهم، وقد صح ذلك عندي، تأمر بردها، وتبعث من يخرجهم. فقال المهدي: يصح إن شاء الله. فقال العوفي: لا، إلا الساعة! فقال المهدي: فلان القائد، اذهب الساعة إلى موضع كذا وكذا، فأخرج من فيها، وسلم الضيعة إلى فلان. قال: فما أصبحوا، حتى ردت الضيعة على صاحبها. وروى أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق قال: دخل محمد بن طلحة بن مصرف على المهدي في حاجة. قال: فجلس مع الناس أمام القصر والمهدي في بهو له قاعد مع أصحابه. قال: فجاء المطر. قال: فقام محمد بن طلحة على رجليه، فقال: يا أمير المؤمنين، أمن العدل هذا، أن تكون في الكن، ونحن في المطر؟! قال: فقال المهدي: من هذا؟ فقالوا: هذا محمد بن طلحة بن مصرف رجل فيه غفلة. قال: فقال المهدي: ها هنا يا عم، ها هنا يا عم اقعد. فجعل يدنو. قال: والمهدي يقول له: ها هنا يا عم. قال: حتى جاء محمد بن طلحة فوقف بجنب المهدي قال: فقال له: ها هنا يا عم. فقال له محمد بن طلحة: إنما أردت أن أستكن من المطر. فقال المهدي: أدركت، فحاجتك؟ قال: فسأل حاجته، فقال له المهدي: لم لا تقول لأخيك سفيان الثوري؟ قال: خشيت أن تكون له الحجة علي. قال: فقال له المهدي: كيف تكون له الحجة عليك؟ قال: يقول: قد عملوا بما علموا، فجاءهم ما لا يعلمون، فاحتاجوا إلي. قال: فقال له: فقل لنا أنت. قال: نعم، تقوم المحتسبات ببيتك، فترد على كل ذي حق حقه. قال: وغير هذا؟ قال: نعم، تأمر بالصلاة جامعة، واصعد المنبر، فاسأل الناس أن

يسوغوك ما في يديك، ثم تستقبل فيهم العدل الآن. فقال: مقبول منك يا عم. قال: فانصرف. فقال المهدي لجلسائه: هذا الذي قلتم إنه ما يعقل؟! قال صالح المري: دخلت على المهدي ها هنا بالرصافة، فلما مثلت بين يديه، قلت: يا أمير المؤمنين، احمل لله ما أكلمك به اليوم، فإن أولى الناس بالله - عز وجل - أحملهم لغلظة النصيحة فيه، وجدير بمن له قرابة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرث أخلاقه، ويأتم بهديه، وقد ورثك الله من فهم العلم وإنارة الحجة ميراثاً قطع به عذرك، فمهما ادعيت من حجة، أو ركبت من شبهة لم يصح له برهان من الله - عز وجل -، حل بك من سخط الله - عز وجل - بقدر ما تجاهلته من العلم، أو أقدمت عليه من شبهة الباطل. واعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصم من خالفه في أمته يبتزها أحكامها. ومن كان محمد خصمه، كان الله - عز وجل - خصمه. فأعد لمخاصمة الله عز وجل ولمخاصمة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حججاً تضمن لك النجاة، أو استسلم للهلكة. واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله - عز وجل - قربة، وأن أثبت الناس قدماً يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمثلك لا يكابر بتجريد المعصية، ولكن تمثل له الإساءة إحساناً، ويشهد له عليها خونة العلماء، وبهذه الحبالة تصيدت الدنيا نظراءك. فأحسن الحيل، فقد أحسنت إليك الأداء. قال: فبكى المهدي. قال أبو همام: فأخبرني بعض الكتاب أنه رأى هذا الكلام مكتوباً في دواوين المهدي. حدث الواقدي قال: دخلت يوماً على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره، وكتب عني أشياء حدثته بها. ثم نهض وقال: كن بمكانك حتى أعود إليك، فدخل إلى دور الحرم، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً، فلما جلس، قلت: يا أمير المؤمنين، خرجت على خلاف الحال التي دخلت

عليها! فقال: نعم، دخلت على الخيزران، فوثبت علي، ومدت يدها إلي، وخرقت ثوبي، وقالت: يا قشاش، وأي خبر رأيت منك؟! وإنها اشتريتها من نخاس، ورأت مني ما رأت، وعقدت لابنيها ولاية العهد، ويحك وأنا قشاش؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام " وقال: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " وقال: " خلقت المرأة من ضلع أعوج، إن قومته كسرته " وحدثته في هذا الباب بما حضرني. فسكن غضبه، وأسفر وجهه، وأمر لي بألفي دينار، وقال: أصلح بهذه من حالك. وانصرفت. فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران، فقال: تقرأ عليك ستي السلام، وتقول لك: يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين، فأحسن الله جزاءك، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير، بعثت بها إليك، لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين؛ ووجهت إلي بأثواب. قال محمد بن جعفر الخرائطي نا عمران بن موسى أو غيره قال: أهدر المهدي دم رجل من أهل الكوفة، كان سعى في فساد الدولة، وبذل لمن ذل عليه مئة ألف درهم، فاستخفى الرجل حيناً، ثم خرج إلى مدينة السلام، فكان كالمستخفي، فإنه لفي بعض طرقات المدينة إذ بصر به رجل قد كان عرف حاله، فأهوى إلى مجامع ثوبه وصاح: هذا فلان طلبة أمير المؤمنين، فبينما الرجل على تلك الحال، إذ سمع وقع حوافر الدواب، فالتفت، فإذا بموكب كثير الغاشية، فقال: من هذا؟ فقالوا: معن بن زائدة. قال: وما يكنى؟ قالوا: يكنى بأبي الوليد، فلما حاذاه،

قال: يا أبا الوليد، خائف فأجره، وميت فأحيه. فوقف معن في موكبه، وسأل عن حاله، فقال صاحبه: هذا طلبة أمير المؤمنين، قد جعل لمن جاء به مئة ألف درهم. قال: فاعلم أمير المؤمنين أني قد أجرته. وقال لبعض غلمانه: انزل عن دابتك، واركب أخانا. فركب، وانطلق به إلى منزله، ومضى الرجل إلى باب المهدي، فإذا سلام الأبرش يريد الدخول عليه، فقص عليه القصة، فدخل سلام المهدي، فأخبره. فقال: يحضر معن، فجاءته الرسل، فركب، وأوصى به حاشيته، ومن ببابه من مواليه، قال: لا يخلص إليه، وفيكم عين تطرف، فإن رامه أحد فموتوا دونه. ودخل معن على المهدي يسلم، فلم يرد عليه، وقال: يا معن، وتجير علي أيضاً؟! قال: نعم. قال: ونعم أيضاً؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قتلت في طاعتكم وعن دولتكم أربعة آلاف مصل في يوم واحد، ولا يجار لي رجل واحد استجار بي؟! فأطرق المهدي طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: قد أجرنا من أجرت. قال: يا أمير المؤمنين، إن الرجل ضعيف الحال. قال: قد أمرنا له بثلاثين ألف درهم. قال: إن جنايته عظيمة، وصلات الخلفاء على حسب جناية الرعية. قال: قد أمرنا له بمئة ألف درهم. قال: أهنأ المعروف أعجله. قال: يتقدمه ما أمرنا له به. فانصرف معن، وقد سبقه المال، فأحضر الرجل، وقال: ادع الله لأمير المؤمنين، فقد حقن دمك، وأجزل صلتك. وأصلح نيتك فيما تستقبل. روى أبو بكر الخطيب، بإسناده إلى الضحاك قال: قدم المهدي علينا البصرة، فخرج يصلي العصر، فقام إليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين، مر المؤذن لا يقيم حتى أتوضأ. فضحك المهدي وقال للمؤذن: لا تقم حتى يتوضأ الأعرابي. قال الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمر بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته، فقال: " إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه

وسلموا تسليماً " آثره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها من بين الرسل، واختصكم بها من بين الأمم، فقابلوا نعمة الله بالشكر. وقال المهدي أمير المؤمنين: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب إلى ما نحب من تذكيري يداً سلفت مني إليه، أبعها أختها، وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل. حدث المدائني قال: دخل على المهدي رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن المنصور شتمني، وقذف أبي، فإما أمرتني أن أحلله، وإما عوضتني فاستغفرت له. قال: ولم شتمك؟ قال: شتمت عدوه بحضرته فغضب. قال: ومن عدوه الذي غضب لشتمه؟ قال: إبراهيم بن عبد الله بن حسن. قال: إن إبراهيم أمس به رحماً وأوجب عليه حقاً، فإن كان شتمك كما زعمت، فعن رحمه ذب، وعن عرضه دفع، وما أساء من انتصر لابن عمه. قال: إنه كان عدواً له. قال: فلم ينتصر للعداوة، إنما انتصر للرحم. فأسكت الرجل فلما ذهب ليتولى، قال: لعلك أردت أمراً، فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى! قال: نعم. فتبسم، ثم أمر له بخمسة آلاف درهم. روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى العتابي قال: دخل أبو دلامة على المهدي، فطلب كلباً، فأعطاه، ثم قائده، فأعطاه، ثم دابة، ثم جارية تطبخ الصيد، فأعطاه ذلك، فقال: من يعولها؟ أقطعني ضيعة أعيش فيها

وعيالي. قال: قد أقطعك أمير المؤمنين مئة جريب من العامر، ومئة جريب من الغامر. قال: وما الغامر؟ قال: الخراب الذي لا ينبت. فقال أبو دلامة: قد أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريب من الغامر من أرض بني أسد. قال: فهل بقيت لك من حاجة؟ قال: نعم، تأذن لي أن أقبل يدك. قال: ما إلى ذلك سبيل. قال: والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقداً منها! روى الخطيب بإسناده أن الربيع قال: فتح المنصور يوماً خزانة مما قبض من خزائن مروان بن محمد، فأحصى فيها اثني عشر ألف عدل خز فأخرج منها ثوباً، وقال: يا ربيع، اقطع من هذا الثوب جبتين: لي واحدة، ولمحمد واحدة، فقلت: لا يجيء منه هذا. قال: اقطع لي منه جبة وقلنسوة. وبخل بثوب آخر يخرجه للمهدي. فلما أفضت الخلافة إلى المهدي، أمر بتلك الخزانة بعينها، ففرقت على الموالي والغلمان والخدم. حدث الزبير بن بكار قال: حدثني شيخ من أهل المدينة قال: لما دق أمير المؤمنين المهدي المقصورة، وجلس لأشراف قريش، فأجازهم، وكساهم، وكان فيمن وصل عبد الأعلى بن عبيد الله بن محمد بن صفوان، فأجازه، وكساه. وتظلم إليه عبد الأعلى من زفر بن عاصم فيما له عنده من الأرزاق، فأمر زفر بدفع ذلك إليه. فقال له عبد الأعلى: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجعلني فداك، فقد وصلت الرحم، ورددت الظلامة، وعندي بنت عم أحب الناس إلي، غدوت اليوم وأنا مغاضب لها، فإن رأيت أن تجعل للصلح بيني وبينها موضعاً، فافعل. فأعطاه ألف دينار وخمسين ثوباً، وقال: هذا يصلح ما بينك وبينها؟ قال: نعم جعلني الله فداك. فقال له أمير المؤمنين المهدي: والله لو قلت: لا، ما زلت أزيدك إلى الليل. قال عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله: دخل أبي وأصحابه على المهدي بالمدينة، فدخل عليه المغيرة بن عبد الرحمن

المخزومي وأبو السائب والعثماني وابن أخت الأحوص، فقال لهم: أنشدوني، فأنشده عبد العزيز الماجشون: من الطويل وللناس بدر في السماء يرونه ... وأنت لنا بدر على الأرض مقمر فبالله يا بدر السماء وضوءه ... تراك تكافي عشر ما لك أضمر وما البدر إلا دون وجهك في الدجى ... يغيب، فتبدو حين غاب فتقمر وما نظرت عيني إلى البدر طالعاً ... وأنت تمشى في الثياب فتسحر وأنشده ابن أخت الأحوص: من البسيط قالت كلابة: من هذا؟ فقلت لها: ... هذا الذي أنت من أعدائه زعموا إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بكيت وحتى شفني السقم وأنشده المغيرة بن عبد الرحمن: من الطويل رمى البين من قلبي السواد فأوجعا ... وصاح فصيح بالرحيل، فأسمعا وغرد حادي البين وانشقت العصا ... وأصبحت مسلوب الفؤاد مفجعا كفى حزناً من حادث الدهر أنني ... أرى البين لا أسطيع للبين مدفعا وقد كنت قبل البين بالبين جاهلاً ... فيا لك بين ما أمر وأفظعا وأنشده أبو السائب: من الطويل أصيخا لداعي حب ليلى فيمما ... صدور المطايا نحوها فتسمعا خليلي إن ليلى أقامت فإنني ... مقيم وإن بانت فبينا بنا معا وإن أثبتت ليلى بربع غدوها ... فعيذا لنا بالله أن تتزعزعا قال: والله لأغنينكم. فأجاز أربعة بعشرة آلاف دينار، عشرة آلاف دينار.

وروى أيضاً عن أبيه قال: سألني المهدي أمير المؤمنين: يا ماجشون، ماذا قلت حين فقد أصحابك؟ - يعني الفقهاء - قال: قلت: من البسيط أيا باك على أحبابه جزعاً ... قد كنت أحذر ذا من قبل أن يقعا إن الزمان رأى إلف السرور بنا ... فدب بالهجر فيما بيننا وسعى ما كان والله شؤم الدهر يتركني ... حتى يجرعني من غيظه جرعا فليصنع الدهر بي ما شاء مجتهداً ... فلا زيادة شيء فوق ما صنعا فقال: والله لأغنينك، فأجازه بعشرة آلاف دينار، فقدم بها المدينة، فأكلها ابنه في السخاء والكرم. روى أبو بكر الحافظ بإسناده إلى فائقة بنت عبد الله أم عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قالت: أنا يوماً عند المهدي أمير المؤمنين، وكان قد خرج متنزهاً إلى الأنبار إذ دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب، فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد، وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي: هذا كتاب أمير المؤمنين المهدي، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه الرقعة. فأخذها المهدي وضحك، وقال: صدق؛ هذا خطي، وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا: أمير المؤمنين أعلى عيناً في ذلك. قال: خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت، هاج علينا ضباب شديد، وفقدت أصحابي، حتى ما رأيت منهم أحداً، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك، فذكرت دعاء سمعته من أبي يحكيه عن أبيه عن جده عن ابن عباس، رفعه، قال: من قال إذا أصبح

وإذا أمسى: بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله، وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء. فلما قلتها رفه لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد ناراً بين يديه، فقلت: أيها الأعرابي، هل من ضيافة؟ قال: انزل، فنزلت، فقال لزوجته: هاتي ذاك الشعير، فأتت به، فقال: اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له: اسقني ماء، فأتاني بسقاء فيه مذقة من لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة، ما شربت قط شيئاً إلا هي أطيب منه. قال: وأعطاني حلساً له، فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة، ما نمت نومة أطيب منها وألذ. ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة، فذبحها، وإذا امرأته تقول له: ويحك قتلت نفسك وصبيتك إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها، فبأي شيء نعيش؟! قال: فقلت: لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها، ثم طرحتها على النار، فأكلتها. ثم قلت: هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة جراب وأخذت عوداً من الرماد الذي كان بين يديه، فكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء، ويسأل عن الربيع، فيدفعها إليه. فإذا في الرقعة خمس مئة ألف درهم. فقال: والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمس مئة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهماً واحداً، ولو لم يكن في بيت المال غيرها. احملوها معه. فما كان إلا قليلاً حتى كثرت إبله وشاؤه. وصار منزلاً من المنازل ينزله الناس، ممن أراد الحج من الأنبار إلى مكة. وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي. وروى بإسناده إلى إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: وخرج المهدي يوماً إلى الصيد، فانقطع عن خاصته، فدفع إلى أعرابي، وهو يريد

البول، فقال: يا أعرابي احفظ علي فرسي حتى أنزل، فسعى نحوه وأخذ بركابه، فنزل المهدي، ودفع الفرس إليه، فأقبل الأعرابي على السرج، يقلع حليته، وفطن المهدي، وقد أخذ حاجته، فقدم إليه فرسه. وجاءت الخيل نحوه، وأحاطت به، ونذر بها الأعرابي، فولى هارباً، فأمر برده، فقال - وخاف أن يكون قد غمز به، فقال -: خذوا ما أخذنا منكم، ودعونا نذهب إلى خزي الله وناره. فقال المهدي، وصاح به: تعال لا بأس عليك. فقال: ما تشاء، جعلني الله فداء فرسك؟ فضحك من حضره، وقالوا: ويلك، هل رأيت إنساناً قد قال هذا؟! قال: فما أقول؟ قالوا: قل جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين. قال: وهذا أمير المؤمنين؟ قالوا: نعم. قال: والله لئن أرضاه هذا مني، ما يرضيني ذاك فيه، ولكن جعل الله جبريل وميكائيل فداءه وجعلني فداءهما. فضحك المهدي، واستطابه، وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأخذها، وانصرف. وبالإسناد نفسه قال: وبلغني أن المهدي لما فرغ من بناء عيسى باذ، ركب في جماعة، يسير، لينظر، فدخله مفاجأة، وأخرج من كان هناك من الناس، وبقي رجلان تخفيا عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما، وهو دهش ما يعقل، فقال: من أنت؟ قال: أنا أنا أنا. قال: ويلك، من أنت؟ قال: لا أدري. قال: ألك حاجة؟ قال: لا، لا. قال: أخرجوه، أخرج الله نفسه! فدفع في قفاه، فلما خرج، قال لغلام له: اتبعه من حيث لا يعلم، فسل عن أمره ومهنته، فإني إخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه. ثم رأى الآخر، فاستنطقه، فأجابه بقلب جريء ولسان بسيط. فقال: من أنت؟ فقال: رجل من أبناء رجال دعوتك. قال: ما جاء بك إلى ها هنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، فأتمتع بالنظر، وأكثر الدعاء لأمير المؤمنين بطول المدة، وتمام النعمة، ونماء العز والسلامة. قال: أفلك حاجة؟ قال: نعم؛ خطبت ابنة عمي، فردني أبوها، وقال:

لا مال لك، والناس يرغبون في الأموال. وأنا بها مشغوف، ولها وامق. قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم. قال: جعلني الله فداءك يا أمير المؤمنين، قد وصلت، فأجزلت الصلة، ومننت، فأعظمت المنة، فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيامك خيراً من أولها، وأمتعك بما أنعم به، وأمتع رعيتك بك. فأمر أن يعجل له في صلته، ووجه بعض خاصته معه، وقال: سل عن مهنته، فإني إخاله كاتباً. فرجع الرسولان معاً، فقال الأول: وجدت الأول حائكاً، وقال الآخر: وجدت الرجل كاتباً. فقال المهدي: لم يخف علي مخاطبة الكاتب والحائك. قال الأصمعي: حدثني حسن الوصيف الحاجب حاجب المهدي قال: كنا بزبالة، إذا أعرابي يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك، إني عاشق. قال: وكان يحب ذكر العشاق والعشق. فدعا الأعرابي، فلما دخل عليه، قال: سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو مياس. قال: يا أبا مياس، من عشيقتك؟ قال: ابنة عمي، وقد أبى أن يزوجنيها. قال: لعله أكثر منك مالاً. قال: لا، بل أنا أكثر منه مالاً. قال: فما القصة؟ قال: أدن مني رأسك. فجعل المهدي يضحك، وأصغى إليه رأسه، فقال: إني هجين. قال: ليس يضرك ذاك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن، يا غلام، علي بعمه. قال: فأتي به، فإذا أشبه خلق الله بأبي مياس، كأنهما باقلاة فلقت، فقال المهدي: ما لك لا تزوج أبا مياس، وله هذا اللسان والأدب، وقرابته منك قرابته؟ قال: إنه هجين. قال: فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجين، فليس هذا مما ينقصه، زوجها منه، فقد أصدقتها عنه عشرة آلاف درهم. قال: قد فعلت. فأمر له بعشرين ألف درهم. فخرج أبو مياس، وهو يقول: من الكامل ابتعت ظبية بالغلاء وإنما ... يعطي الغلاء بمثلها أمثالي وتركت أسواق القباح لأهلهاإن القباح وإن رخصن غوال

قال المفضل بن محمد الضبي: كنت يوماً جالساً على باب منزلي، أحتاج إلى درهم، وعلي دين عشرة آلاف درهم، إذ جاءني رسول المهدي، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: وما بغية أمير المؤمنين؟ لعل ساعياً سعى بي إليه! ثم دخلت منزلي، ولبست ثيابي، وصرت إليه، فلما مثلت بين يديه، سلمت عليه، فقال: وعليك السلام، وأومأ لي بالجلوس. فجلست. فلما سكن جأشي، قال لي: يا مفضل، ما أفخر بيت قالته العرب؟ فأرتج علي ساعة، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، بيت الخنساء، فاستوى جالساً، وكان متكئاً، ثم قال: أي بيت؟ قلت: قولها: من البسيط وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار فقال: قد قلت له، وأبى علي! وأومأ إلى إسحاق بن بزيع. قلت: الصواب مع أمير المؤمنين. ثم قال: يا مفضل، حدثني. فحدثته حتى انتصف النهار. وقال: يا مفضل، كيف حالك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، كيف يكون حال من عليه عشرة آلاف درهم، وليس معه درهم؟! فقال: يا إسحاق، أعطه عشرة آلاف درهم قضاءً لدينه، وعشرة آلاف درهم يستعين بها على دهره، وعشرة آلاف درهم يصلح بها من شأنه. روى أبو بكر الخطيب بإسناده إلى يونس بن عبد الله الخياط قال: دخل ابن الخياط المكي على أمير المؤمنين المهدي، وقد مدحه، فأمر له بخمسين ألف درهم. فلما قبضها، فرقها على الناس، وقال: من الطويل أخذت بكفي كفه أبتغي الغنى ... ولم أدر الجود من كفه يعدي فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى ... أفدت، وأعداني فبددت ما عندي

فنمي إلى المهدي، فأعطاه بدل كل درهم ديناراً. وروى بإسناده إلى محمد بن زياد قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة، فأنشده: من الطويل صحا بعد جهل واستراحت عواذله قال: فقال: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت، فأنشدته: من الطويل كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله فلا نحن نخشى أن يخيب مسيرنا ... إليك، ولكن أهنأ الخير عاجله قال: فتبسم، وقال: عجلوها له. فحملت إلي من وقتها. وروى الخطيب بإسناده إلى جماعة قال: خرج المؤمل بن أميل المحاربي إلى المهدي، وهو أمير على الري، ممتدحاً له، فأمر له بعشرين ألف درهم، ورفع الخبر إلى المنصور، قال: فلما اتصل به قربي من العراق، أنفذ لي قاعداً على جسر النهروان يستقري القوافل، فلما مررت به قال: من أنت؟

قلت: المؤمل بن أميل مادح الأمير المهدي وشاعره. قال: إياك طلبت. فأخذ بيدي، فأدخلني على المنصور، وهو بقصر الذهب، فقال لي: أتيت غلاماً عراً، فخدعته؟! قال: بل أتيت غلاماً كريماً، فخدعته، فانخدع. قال: فأنشدني ما قلت فيه. فأنشدته: من الوافر هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير تشابه ذا وذا، فهما إذا ما ... أنارا يشكلان على البصير فهذا في الظلام سراج نار ... وهذا بالنهار سراج نور ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير وبالملك العزيز، فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير ونقص الشهر يخمد ذا، وهذا ... منير عند نقصان الشهور فيا بن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور لقد فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعور لقد سبق الملوك أبوك حتى ... بقوا من بين كاب أو حسير وجئت وراءه تجري خبيباً ... وما بك حين تجري من فتور فقال الناس ما هذان إلا ... كما بين الفتيل إلى النقير فإن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير وإن بلغ الصغير مدىً كبيراً ... فقد خلق الصغير من الكبير فقال: ما أحسن ما قلت، ولكن لا يساوي ما أخذت. يا ربيع حط ثقله، وخذ منه ستة عشر ألفاً، وخله والبقية. قال: فحط الربيع ثقلي، وأخذ مني ستة عشر ألفاً، فما

بقيت معي إلا نفيقة يسيرة، لأني كنت اشتريت لأهلي طرائف من طرائف الري، فشخصت، وآليت ألا أدخل بغداد، وللمنصور بها ولاية! فلما مات المنصور، واستخلف المهدين قدمت بغداد، فألفيت رجلاً، يقال له: ابن ثوبان، قد نصبه المهدي للمظالم، فكتبت قصة أشرح فيها ما جرى علي، فرفعها ابن ثوبان إلى المهدي، فلما قرأها، ضحك، حتى استلقى، ثم قال: هذه مظلمة أنا بها عارف. ردوا عليه ماله الأول، وضموا إليه عشرين ألفاً. روى الزبير بن بكار عن بعض أصحابه قال: كان المهدي مستهتراً بالخيزران لا يكاد أن يفارقها في مجلس يلهو به، فجلس يوماً مع ندمائه، فاشتاق إليها، فكتب إليها بهذه الأبيات: من الخفيف نحن في أطيب السرور ولكن ... ليس إلا بكم يطيب السرور عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور فأغذوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح، فطيروا فأجابته الخيزران بهذه الأبيات: قد أتانا الذي قد ذكرت من ال ... شوق فكدنا وما فعلنا نطير ليت أن الرياح كن يؤد ... ين إليكم بما يجن الضمير لم أزل صبة فإن كنت بعدي ... في سرور فطاب ذاك السرور وقال عمر بن شبة: كانت للمهدي جارية يحبها حباً شديداً، وكانت شديدة الغيرة عليه في سائر

جواريه، فتعتاص عليه وتؤذيه، فقال فيها: من الوافر أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود أراح الله من بدني فؤادي ... وعجل لي إلى دار الخلود أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي وقال: أهدت جارية للمهدي إليه تفاحة مطيبة، فأخذها المهدي، وأنشأ يقول: من السريع تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد والله إن أدري أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد قال علي بن يقطين: خرجنا مع المهدي، فقال لنا يوماً: إني داخل ذاك البهو، فنائم فيه، فلا يوقظني أحد، حتى أستيقظ. قال: فنام، ونمنا، فما أنبهنا إلا بكاؤه، فقمنا فزعين، فقلنا: ما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني الساعة آت في منامي، والله لو كان في مئة ألف شيخ لعرفته، فأخذ بعضادتي الباب وهو يقول: من الطويل كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وأوحش منه ركبه ومنازله وصار عميد القوم من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله

حدث محمد بن إدريس الشافعي أنه أخبر أن المهدي لما فرغ من بنيان قصر بناه، تحول إليه هو وحشمه، فبينا هو ذات ليلة نائم، إذ سمع صوتاً من زاوية القصر، وهو يهتف: من الطويل كأني بهذا القصر قد باد أهله ... وقد درست أعلامه ومنازله قال: فأجابه المهدي، وكان ذكياً: كذاك أمور الناس يبلى جديدها ... وكل فتىً يوماً ستبلى فعائله فأجابه الهاتف وهو يقول: تزود من الدنيا فإنك ميت ... وإنك مسؤول، فما أنت قائله؟ فأجابه المهدي وهو يقول: أقول بأن الله حق شهدته ... فذلك قول ليس تحصى فضائله فأجابه الهاتف وهو يقول: تزود من الدنيا فإنك راحل ... وقد أزف الأمر الذي بك نازله فأجابه المهدي وهو يقول: متى ذاك خبرني، هديت، فإنني ... سأفعل ما قد قلت لي وأعاجله فأجابه الهاتف وهو يقول: تلبث ثلاثاً بعد عشرين ليلة ... إلى منتهى شهر وما أنت كامله قال: فقالت ريطة سرية المهدي: فوالله ما لبث إلا تسعة وعشرين يوماً حتى فارق الدنيا، رحمه الله.

حدث بعض أهل العلم قال: كان آخر ما تكلم به محمد بن عبد الله، وهو المهدي الحمد لله يحيي ويميت، وهو حي لا يموت. قال أبو معشر السندي: استخلف محمد بن عبد الله المهدي يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، سنة ثمان وخمسين ومئة. قال: وتوفي لأربع عشرة مضت من المحرم، سنة تسع وستين ومئة. وقال أبو معشر في رواية أخرى: توفي محمد بن عبد الله، وهو المهدي، في المحرم سنة تسع وستين ومئة، فكانت خلافته عشر سنين وخمسة وأربعين ليلة. وقال ابن أبي السري: كانت خلافته عشر سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً، ومات بماسبذان، وكان خروجه إلى قرية يقال لها الرذ، بها قبره، ومات وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وصلى عليه ابن هارون. وكان طويلاً أسمر معتدل الخلق جعد الشعر، بعينه اليمنى نكتة بياض، رحمه الله، ومبلغ سنه على حساب مولده اثنتان وأربعون سنة وسبعة أشهر وأيام. وقال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة تسع وستين ومئة - خرج المهدي إلى ماسبذان، في المحرم، فتوفي بها، ليلة الخميس، لثمان بقين من المحرم، وبويع ابنه موسى بن محمد الهادي.

محمد بن عبد الله بن محمد

محمد بن عبد الله بن محمد ابن عثمان بن حماد بن سليمان بن الحسن بن أبان بن النعمان بن بشير الأنصاري روى عن عبد القدوس بن عبد السلام، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد ". محمد بن عبد الله بن محمد الحمصي ابن أعين أبو بكر الطائي الحمصي قدم دمشق، وسمع بها. روى عن عمر بن مضر العبسي، بسنده إلى قتادة عن أنس أنه قال له: أي شيء تعرف من حالنا يشبه حال أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا إله إلا الله، وقد خرجتم بها! وثقوه. محمد بن عبد الله بن محمد الرهاوي ابن عبد الملك بن أيوب بن هلال بن كعب بن العرس بن عميرة أبو عبد الله الكندي الرهاوي، المعروف بالمنجم سكن دمشق. وحدث بها عن أحمد بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عباداً اختصهم بحوائج الناس، يهرع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله ".

محمد بن عبد الله بن محمد القرشي

كتب أبو الحسين الرازي بخطه في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد، وكان من أهل الرها، سكن دمشق، ويعرف بالمنجم، مات سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. محمد بن عبد الله بن محمد القرشي ابن إبراهيم بن ثابت بن يزيد بن أيمن أبو بكر القرشي، مولاهم، المعروف بابن شلحويه روى عن أبي النضر إسماعيل بن عبيد الله البجلي بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً.. " الحديث. قال أبو سليمان بن زبر: وفي جمادى الآخرة - يعني من سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة - توفي أبو بكر بن شلحويه. محمد بن عبد الله بن محمد التيمي ابن معاذ بن عبد الحميد بن حريث بن أبي حريث أبو بكر التيمي، مولى أبي بكر الصديق روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً، فقدر أن ينصره، فلم ينصره ". كتب الرازي في تسمية من كتب عنه بدمشق: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد.. مات في رجب سنة أربع وثلاثين وثلاث مئة.

محمد بن عبد الله بن محمد القرطبي

محمد بن عبد الله بن محمد القرطبي ابن عبد البر بن عبد الأعلى ابن سالم بن عبد الله بن محمد بن سالم بن عيلان بن أبي مرزوق أبو عبد الله التجيبي القرطبي من علماء الأندلس، رحل إلى المشرق مرتين، وأدركه أجله في رحلته الثانية في طرابلس الشام، فمات بها. روى عن عبيد الله بن يحيى أبي مروان الأندلسي بإسناده إلى عائشة قالت: كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحرمه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. وعنه أيضاً بإسناده إليها قالت: كنت أرجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حائض. قال أبو نصر الحميدي في تاريخ الأندلس: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد البر أبو عبد الله من العلماء المذكورين والحفاظ المؤرخين، ألف في القضاة والفقهاء بقرطبة والأندلس كتباً، رحل إلى المشرق، ثم انصرف إلى الأندلس فكانت له وجاهة عند الخاصة والعامة بالعلم والزهد، ورحل رحلة ثانية في آخر عمره، فحج، وتوفي بأطرابلس الشام سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة. محمد بن عبد الله بن محمد بن الخصيب ولي قضاء دمشق، نيابة عن أبيه عبد الله بن محمد، وكان أبوه يلي القضاء عليها من قبل المطيع لله أبي القاسم الفضل بن جعفر.

محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح

قال المصنف: كذا قال ابن الأكفاني. وبلغني من وجه آخر أن محمد بن عبد الله هذا، كان يقضي بمصر، خليفة لأبيه في حياته، وأبوه يحضر معه، إلى أن مات في يوم الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الأول من سنة ثمان وأربعين وثلاث مئة، بعد وفاة أبيه عبد الله بن محمد بخمسة وأربعين يوماً. محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح ابن عمر بن حفص بن عمر ابن مصعب بن الزبير بن سعد بن مشمت بن عمرو بن كعب بن عباد بن النزال ابن مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ابن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ويقال: مصعب بن الزبير بن سعد بن كعب بن عباد - أبو بكر التميمي الأبهري الفقيه المالكي سكن بغداد، وقدم دمشق قديماً. وحدث بها عن أبي بكر محمد بن خزيم بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. وعن أبي الدحداح أحمد بن محمد التميمي، بسنده إلى أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب ". قال الخطيب: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح أبو بكر الفقيه المالكي الأبهري، سكن بغداد، وحدث بها، وله تصانيف في شرح مذهب مالك بن أنس، والاحتجاج له، والرد على من

محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني

خالفه، وكان إمام أصحابه في وقته.. ذكره محمد بن أبي الفوارس فقال: كان ثقة أميناً مشهوراً، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب مالك. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء من أصحاب مالك: ومنهم أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري التميمي، من نفسهم، تفقه ببغداد، وجمع بين القراءات وعلو الإسناد والفقه الجيد، وشرح مختصر عبد الله بن عبد الحكم، وانتشر عنه مذهب مالك في البلاد، ومولده قبل السبعين ومئتين، ومات سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. روى أبو بكر أحمد بن علي بإسناده أن أبا بكر الأبهري توفي في يوم السبت لسبع خلون من شوال سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. ودفن من يومه، وصلى عليه أبو حفص بن الآجري، ومولده سنة تسع وثمانين ومئتين، وإليه انتهت الرئاسة في مذهب مالك. محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني ابن عبيد الله بن همام أبو المفضل الشيباني الكوفي الحافظ قدم دمشق. وحدث بها عن محمد بن عبد الله الطائي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذا لسانين في الدنيا، جعل الله له لسانين في النار ". وعن عبد الله بن محمد البغوي، بسنده إلى صخر الغامدي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اللهم بارك لأمتي في بكورها ".

محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الدبس

وعن أبي جعفر أحمد بن محمد الضبعي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ذرعه القيء في شهر رمضان، فلا يفطر، ومن تقيأ عامداً فقد أفطر ". وعن محمد بن عبد الحي بن سويد الحربي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي، ثم قال: الحمد لله، لكانت الحمد لله أفضل من ذلك كله ". قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله أبو المفضل الشيباني الكوفي، نزل بغداد، وحدث بها، وكان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه، بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه، فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته. وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة، ويملي في مسجد الشرقية. توفي أبو المفضل في شهر ربيع الآخر من سنة سبع وثمانين وثلاث مئة. محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الدبس أبو عبد الله خلف أباه على القضاء بدمشق عقيب مضيه إلى مصر لما استدعي منها، وكان صبياً حينئذ. ثم ولي القضاء بها بعد موت أبيه. كتب عبد المنعم بن علي بن النحوي بخطه: سار القاضي أبو محمد بن أبي الدبس إلى الحضرة بسجل ورد إليه في يوم السبت لتسع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، واستخلف ابنه محمداً على القضاء بدمشق وهو صبي له ثمانية عشرة سنة، ورجع ودخل دمشق يوم الأربعاء لليلتين

محمد بن عبد الله بن محمد الطرسوسي

خلتا من المحرم سنة خمس وتسعين، وقدم القاضي أبو عبد الله بن أبي الدبس من مصر والياً للقضاء بدمشق بعد موت أبيه يوم الأحد لثمان عشرة ليلة خلت من شعبان سنة ست وتسعين. قال القاسم: كان أبي يقول فيه: " ابن أبي الدبي بالسين المهملة، ويحكي ذلك عن أبي محمد بن الأكفاني، وكان عمي - رحمه الله - يقول: ابن أبي الدبش بالشين المعجمة، فالله أعلم. وسمعت أبا عبد الله بن أبي الصقر يقولك كان بدمشق قوم يرفون ببني أبي الدبش بالشين المعجمة يسكنون بباب الشرقي. محمد بن عبد الله بن محمد الطرسوسي ابن يحيى بن إبراهيم أبو الفرج السلمي الطرسوسي سكن بانياس. روى عن أبي بكر محمد بن عيسى بن عبد الكريم، بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من التمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس. ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس ". محمد بن عبد الله بن محمد الزوزني أبو جعفر الزوزني القاضي قدم دمشق حاجاً.

محمد بن عبد الله بن محمد

وحدث بها عن زاهر بن أحمد بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " روحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ". محمد بن عبد الله بن محمد ابن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن نصر بن جيجون بن خاقان ويقال: محمد بن أبي نصر - المروروذي الصوفي حدث بجامع دمشق عن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد التميمي بسنده إلى ابن عمر قال: غدونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات، فمنا الملبي، ومنا المكبر. قال أبو محمد الكتاني: وفيها - يعني سنة ثلاث وستين وأربع مئة - توفي أبو بكر محمد بن أبي نصر المروذي الصوفي في يوم السبت الخامس من رجب. محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي بن عبد الله أبو بكر بن العربي الأندلسي الإشبيلي قدم دمشق، وسمع بها، وحدث بها. ولما عاد إلى بلده، صنف كتاباً في شرح جامع أبي عيسى سماه عارضة الأحوذي في شرح كتاب الترمذي.

محمد بن عبد الله بن مخلد

محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسين الأصبهاني روى عن قتيبة بن سعيد، بسنده إلى عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جامعها، فلم ينزل، فاغتسلا. وعن بشار أبي بشر بسنده إلى ابن أبي أوفى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ابنه إبراهيم: " لو عاش لكان نبياً ". وعن داود بن رشيد بسنده إلى عبيد بن جريج أنه رأى ابن عمر يخضب بالصفرة، ويخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخضب بها. قال أبو نعيم الحافظ: محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسين، خال محمد بن عبد الله بن رستة، يعرف بصاحب الشافعي، وراق الربيع بن سليمان. توفي قبل التسعين ومئتين. وقال ابن يونس: محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني، يكنى أبا الحسين، قدم مصر، وحدث بها، وكانت وفاته في رجب سنة اثنتين وسبعين ومئتين. محمد بن عبد الله بن المستورد أبو بكر البغدادي الحافظ، المعروف بأبي سيار رحال، سمع بدمشق. روى عن محمد بن عبد الله بن نمير، بسنده إلى علي قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر وعمر. وقد كانت من أشياء، فإن يعف الله، فبرحمته، وإن يعذب، فبذنوبنا.

محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله

وعن محمد بن مخلد بن يزيد، بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الليل ساعة، لا يسأل الله فيها عبد مسلم خيراً، إلا أعطاه، وذلك كل ليلة ". قال أبو نصر بن ماكولا: أما سيار، أوله سين مهملة، ثم ياء معجمة باثنتين من تحتها، وآخره راء، فهو أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد، أحد الحفاظ. حدث أبو بكر الخطيب بسنده إلى أبي العباس محمد بن إسحاق الثقفي السراج وذكر أبا سيار فقال: ثقة مأمون. قال الخطيب: قال لي أبو نعيم الحافظ: قدم أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد البغدادي أصبهان، فقال إبراهيم بن أورمة: ما قدم عليكم مثل أبي سيار. وحدث بإسناده إلى محمد بن مخلد العطار قال: ومات أبو سيار سنة ثنتين وستين في شوال. محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب أبو عبد الله الزهري، ابن أخي ابن شهاب حدث عن أبيه وعمه.. وكان مع عمه الزهري بالشام. روى عن عمه ابن شهاب بسنده إلى ابن عمر قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وعثمان يمشون أمام الجنازة.

وعنه عن سالم قال: سمعت أبا هريرة يقولك سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً، ثم يصبح، وقد ستره ربه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه! فيبيت يستره ربه، ويكشف ستر الله عنه ". وكان زعموا يقول إذا خطب: " كل ما هو آت قريب، لا بعد لما يأتي، لا يعجل الله لعجلة أحد، ولا يخاف لأمر الناس، ما شاء الله لا ما شاء الناس، يريد الناس أمراً، ويريد الله أمراً، ما شاء الله كان، ولو كره الناس. لا مبعد لما قرب الله، ولا مقرب لما بعد الله، لا يكون شيء إلا بإذن الله ". وكان يأمر عند الرقاد وخلف الصلاة بأربع وثلاثين تكبيرة، وثلاث وثلاثين تسبيحة، وثلاث وثلاثين تحميدة، فتلك مئة. وزعم سالم بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك لابنته فاطمة. وروى عن امرأته أم الحجاج بنة محمد بن مسلم قالت: كان أبي يأكل بكفه كلها، فقلت له: لو أكلت بثلاث أصابع. قال: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل بكفه كلها. قال الزبير بن بكار: وابن أخي ابن شهاب محمد بن عبد الله بن مسلم - يعني ابن عبد الله الأصغر بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة - روى الحديث عن عمه محمد بن مسلم. وقال محمد بن عمر: سألت محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري، كيف سمعت هذا الحديث من عمك؟ فقال: كنت معه حيث أمره هشام بن عبد الملك أن يكتب له حديثه، وأجلس له

محمد بن عبد الله بن المسلم

كتاباً، يملي عليهم الزهري، ويكتبون. فكنت أحضر ذلك، فربما عرضت لي الحاجة، فأقوم فيها، فيمسك عمي عن الإملاء، حتى أعود إلى مكاني. وكان محمد يكنى أبا عبد الله، قتله غلمانه بأمر ابنه في أمواله بناحية شغب وبدا. وكان ابنه سفيهاً شاطراً، قتله للميراث، وذلك في آخر خلافة أبي جعفر، ثم وثب غلمانه عليه بعد سنتين فقتلوه أيضاً، وليس له عقب. وكان محمد كثير الحديث صالحاً. روى ابن أبي حاتم بإسناده أن أحمد بن حنبل سئل عن ابن أبي الزهري، فقال: لا بأس به. وأن يحيى بن معين سئل عنه، فقال: ليس بذاك القوي، وقال مرة أخرى: صالح. قال: وقيل لأبي: ما حال ابن أخي الزهري؟ فقال: ليس بقوي، يكتب حديثه. قال محمد بن عمر: وابن أخي الزهري رواية عن عمه، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة. محمد بن عبد الله بن المسلم ابن علي بن الحسن بن علي بن أبي سراقة أبو المجد الهمذاني تولى عمالة أوقاف الجامع مدة، وتولى عمالة المواريث الحشرية والجزية بدمشق. ومات ليلة السبت السابع والعشرين من شعبان سنة ستين وخمس مئة، ودفن بعد صلاة الظهر في جبل قاسيون، بظاهر دمشق، في مقبرة الكهف.

محمد بن عبد الله بن معاذ

محمد بن عبد الله بن معاذ أبو بكر روى عن بكار بن قتيبة، بسنده إلى علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر يوم بدر: " مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل. وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، ويكون في الصف ". محمد بن عبد الله بن مكرز أبو بكر القرشي حدث، بصيدا، في سنة اثنتين وستين وثلاث مئة، عن أحمد بن عمير بن جوصا، بسنده إلى ابن عمر قال: انطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعه عمر بن الخطاب، في نفر من أصحابه، قبل ابن صائد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان، عند أظهر بني مغالة، وهو يومئذ قد راهق الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده على صدره.. فذكر الحديث. محمد بن عبد الله بن منصور أبو إسماعيل الشيباني العسكري، المعروف بابن البطيخي الفقيه من أصحاب أبي حنيفة. روى عن سليمان ابن بنت شرحبيل، بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن تسألها ثم تعطها، توكل إليها، وإن تجعل عليها، تعن عليها، وإذا حلفت على يمين، فرأيت خيراً منها، فأت الذي هو خير، ثم كفر عن يمينك. وإنه لا نذر في يمين ولا قطيعة رحم، ولا فيما لا تملك ".

محمد بن عبد الله بن مهاجر

روى أبو بكر الخطيب بإسناده أن أبا إسماعيل البطيخي مات في سنة ثلاث وثمانين ومئتين. محمد بن عبد الله بن مهاجر أبو عبد الله الشعيثي النصري، ويقال: العقيلي من أهل دمشق. روى عن العباس بن عبد الرحمن، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها ". قال خليفة بن خياط: في الطبقة الرابعة من أهل الشامات: محمد بن عبد الله شعيثي دمشقي. قال ابن أبي حاتم: محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي العقيلي أبو عبد الله الدمشقي روى عن الحارث بن بدل، وله صحبة، ومكحول وأبيه ... قال أبو زرعة الدمشقي في تسمية الأصاغر من أصحاب واثلة بن الأسقع: ومحمد بن عبد الله الشعيثي، قالوا إنه أدركه ولا نعلم له حديثاً. قال أبو بكر الخطيب: محمد بن عبد الله بن المهاجر النصري، يعرف بالشعيثي من أهل دمشق حدث عن أبيه ... وكان ممن قدم بغداد، وحدث بها.

قال أبو نصر علي بن هبة الله: الشعيثي بثاء معجمة بثلاث فهو محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي. وقال في باب النصري بالنون والصاد المهملة: محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعيثي النصري، وروى بسنده إلى ابن أبي نصر قال: قلت لمحمد بن عبد الله: متى لقيت الحارث بن بدل؟ قال: في زمن عبد الملك بن مروان، قلت: وابن كم أنت يومئذ؟ قال: ابن عشرين سنة. قلت: وابن كم كان الحارث بن بدل يومئذ؟ قال: ابن ثمانين سنة. قلت: وكم لقيت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أربعة. روى أبو بكر الخطيب بسنده إلى معاذ بن معاذ قال: لقيت محمد بن عبد الله الشعيثي، وكان أبو جعفر قد ولاه بيت المال، وقال: إنه كان ولينا في زمن بني أمية، فأحسن الولاية. قال معاذ: وكان معه ابن له، لقي مكحولاً. قال ابن أبي حاتم حدثني أبي قال: سألت دحيماً عن الشعيثي فقال: كان ثقة، وكان قديماً، يروي عن مكحول. وروي عن أبي حاتم الرازي أنه سئل عن محمد بن عبد الله الشعيثي فقال: يكتب حديثه ولا يحتج به. قال أبو سليمان بن زبر: وفيها - يعني سنة خمس وخمسين ومئة - مات محمد بن عبد الله الشعيثي.

محمد بن عبد الله بن ميمون

محمد بن عبد الله بن ميمون أبو الحواري أخو أحمد الزاهد. روى عن أخيه قال: قال علي بن الفضيل لأبيه: يا أبت، ما أحلى كلام أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: يا بني، وتدري لم حلا؟ قال: لا. قال: لأنهم أرادوا به الله عز وجل. وعنه قال: تعبد رجل من بني إسرائيل في غيضة في جزيرة في البحر أربع مئة سنة، فطال شعره، حتى كان إذا مر في الغيضة تعلق بأغصانها بعض شعره. فبينا هو ذات يوم يدور، إذ مر بشجرة فيها وكر طير، فنقل موضع مصلاه إلى قريب منها. قال: فنودي؛ أنست بغيري؟! وعزتي لأحطنك مما كنت فيه درجتين! محمد بن عبد الله بن نمران الذماري روى عن أبي عمرو العنسي بسنده إلى ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمعه يقول: " من حافظ على الأذان سنة، وجبت له الجنة ". وعن زيد بن أبي أنيسة بسنده إلى جابر قال: رفع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل طعن رجلاً على فخذه بقرن، فقال الذي طعنت فخذه: أقدني يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " داوها، واستأن حتى ننظر إلى ما تصير " فقال الرجل: يا رسول الله أقدني منه، فقال له مثل ذلك، فقال الرجل: أقدني يا رسول الله، فأقاده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيبست رجل الذي استقاده، وبرئ الذي استقيد منه. فأبطل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ديتها. ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان والدارقطني.

محمد بن عبد الله بن نمير

محمد بن عبد الله بن نمير ابن خرشة بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن مالك بن حطيط ابن جشم بن قسي - وهو ثقيف - الثقفي الطائفي، المعروف بالنميري شاعر غزل، كان يشبب بزينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف، فلما ولي الحجاج الحجاز هرب النميري إلى عبد الملك بن مروان، فاستجار به، وقد ذكر بصرى في شعره فقال: من الوافر أهاجتك الظعائن يوم بانوا ... بذي الزي الجميل من الأثاث تؤمل أن تلاقي أهل بصرى ... فيا لك من لقاء مستراث كأن على الحدائج يوم بانوا ... نعاجاً ترتعي بقل البراث حدث أبو سلمة الغفاري قال: هرب النميري من الحجاج إلى عبد الملك، واستجار به. فقال له عبد الملك: ما قلت في زينب؟ فأنشده، فلما انتهى إلى قوله: من الطويل فلما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات

قال له عبد الملك: وما كان ركبك يا نميري؟ قال: أربعة أحمرة كنت أجلب عليها القطران، وثلاثة أحمرة صحبتي تحمل البعر. فضحك عبد الملك، حتى استغرب، وقال: لقد عظمت أمرك وأمر ركبك. وكتب إلى الحجاج أن لا سبيل له عليه. فلما أتاه الكتاب، وضعه، ولم يقرأه. ثم أقبل على يزيد بن أبي مسلم، وقال: أنا بريء من بيعة أمير المؤمنين، لئن لم ينشدني ما قال في زينب لآتين على نفسه، ولئن أنشدني لأعفون عنه، وهو إذا أنشدني آمن. فقال له يزيد: ويلك! أنشده، فأنشده: من الطويل تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات قال: فقال: كذبت، والله ما كانت تتعطر إذا خرجت من منزلها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله: ولما رأت ركب النميري راعها ... وكن من أن يلقينه حذرات فقال له: حق لها أن ترتاع، لأنها من نسوة خفرات. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله: مررن بفخ رائحات عشية ... يلبين للرحمن معتمرات فقال: صدقت، لقد كانت صوامة حجاجة ما علمتها. ثم أنشده حتى بلغ إلى قوله: يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات قال له: صدقت، هكذا كانت تفعل، وهكذا تفعل المرأة الحرة الصالحة المسلمة. ثم قال له: ويحك! إني أرى ارتياعك ارتياع مريب، وقولك قول بريء، وقد امتثلت فيك أمر أمير المؤمنين. ولم يعرض له.

روى إبراهيم بن محمد: أن سعيد بن المسيب مر ببعض أزقة مكة، فسمع الأخضر الحربي يتغنى في دار العاص بن وائل: تضوع مسكاً بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة خفرات ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات فضرب سعيد برجله الأرض، وقال: هذا - والله - يلتذ بسماعه. ثم قال: من الطويل وليست كأخرى وسعت جيب درعها ... وأبدت بنان الكف بالجمرات وغلت فتات المسك وحفاً مرجلاً ... على مثل بدر لاح في الظلمات فقامت تراءى يوم جمع فأفتنت ... برؤيتها من راح من عرفات فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب. قال الزبير بن بكار: وقال محمد بن عبد الله النميري أيضاً: تهادين ما بين المحصب من منىً ... وأقبلن لا شعثاً ولا غبرات خرجن إلى البيت العتيق لعمرة ... نواجب في سجف ومختمرات فلم تر عيني مثل سرب رأيته ... خرجن من التنعيم معتجرات مررن بفخ ثم رحن عشية ... يلبين للرحمن معتمرات

ومما قاله محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي: من الطويل أمن أن نأت دار الأحبة تجزع ... وكل هوىً لا بد يوماً مودع لقد لبث القلب البعيد ذهوله ... من البين قبل البين حيناً يروع فقلت لقلبي: كيف إذ شطت النوى ... وعلقت ما علقت منهن تصنع؟ وبانت بذاك القلب شمس لقيتها ... بمكة بين المشعرين تطوع فما برح المسعى لدن أن مشت به ... إلى الحول ريا المسك فيه تضوع وإن يكو أمسى اليوم في الجسم حبها ... سريعاً جواه فهو في النفس أسرع تمسك بحبل الود لا تقطعنه ... وشر حبال الود ما يتقطع وحافظ على سر الأمين فلا يضع ... لديك، وماذا بعد سرك تمنع؟! ومما قاله أيضاً: من الطويل أمن رسم دار عهدها متقادم ... غراماً وجهداً دمع عينيك ساجم؟ فحتى متى لله درك فاستفقتهيم بذكراها كأنك حالم؟ نأت بعد إسعاف بليلى ديارها ... وقلبي لليلى في المودة لائم وكنا، ولكن الليالي دولة، ... كلانا قرير العين، بالعيش ناعم فتبدي صدوداً ظاهراً وخيانة ... وفي السر ود بيننا وتكاتم ويعصمنا من كل سوء وريبةوفاحشة والحمد لله عاصم ومن شعره قوله: خليلي عوجا نقض أسباب حاجة ... ونشك الذي قد شفنا ونسائل وأم بريه هم قلبي لو أنها ... تلين لود أو تجود بنائل بذلت لها ودي وضنت بودها ... وكم من مسول وده غير باذل وعلقتها يوم المعرف إنني ... كذاك مشوق بالحسان العقائل

محمد بن عبد الله بن ياسر

وقلت لها عند الجمار، فأعرضت: ... صلي حبلنا يا زين أهل المنازل تشوب بياضاً ناصعاً وصباحة ... بمعتدل فعم من الخلق كامل أسيلة مجرى الدمع صاف جبينها ... هضيم حشاها، جيدها غير عاطل تروق على النسوان حيث لقيتها ... إذا خرجت في حفلة أو مباذل محمد بن عبد الله بن ياسر أبو عبد الله روى عن محمد بن بكار، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر وعمر: " والله إني لأحبكما كما يحب الله إياكما، إن الملائكة لتحبكما كحب الله لكما، أحب الله من أحبكما، وصل الله من وصلكما، قطع الله من قطعكما، أبغض الله من أبغضكما في دنياكما وآخرتكما ". محمد بن عبد الله العامري من أهل دمشق. روى عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر ". ثم قرأ: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ".

محمد بن عبد الله

محمد بن عبد الله أبو عبد الله البجي من أهل بج حوران، قرية كانت على باب دمشق. قال: سمعت الأوزاعي يقول: يجتنب - أو يترك - من أقاويل أهل العراق خمس، ومن أقاويل أهل الحجاز خمس؛ يترك من قول أهل العراق شرب النبيذ المسكر، والأكل في الفجر في شهر رمضان، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، وتأخير العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله، والفرار يوم الزحف. ومن أقاويل أهل الحجاز استماع الملاهي، والجمع بين الصلاتين من غير عذر، والمتعة بالنساء، والدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يداً بيد، والخامسة إتيان النساء في أدبارهن. محمد بن عبد الله قاضي أذرعات مدينة من نواحي دمشق. روى عن خالد بن يزيد، بسنده إلى فاطمة قالت: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر، ثم صعد المنبر، وثار الناس إليه.. فذكر حديث الجساسة بطوله. محمد بن عبد الله الكاتب المعروف بابن عبدكان صاحب الرسائل المعروفة، من كتاب الدولة الطولونية. كان أول أمره أنه ولي البريد بجندي دمشق وحمص، ثم صار كاتب أبي الجيش خمارويه بن أحمد.

محمد بن عبد الله النهرديري

محمد بن عبد الله النهرديري روى عن محمد بن المعافى الصيداوي، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا كان في الصلاة رفع يديه. محمد بن عبد الله الفرغاني أبو عبد الله الفرغاني من شيوخ الصوفية. قال: حدثني أبو جعفر الحداد قال: كنت في طريق مكة، فجلست أستريح، فإذا إلى جانبي عصفور على حجر، فلم يبرح، ولم يستوحش فجعلت أبصر إليه؛ يجيء الذباب، فيضرب منقاره، ويرم حواليه، فيفتح فاه، فيدخل الذباب فيه! فرأيت هذا منه مراراً، فقمت غليه، فإذا هو أعمى، والذباب الذي يجيء إليه رزقه. قال أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني: رأيت أبا عبد الله الفرغاني يحمل الخبز والأدم للفقراء، وهو شيخ من مشايخ الدمشقيين. محمد بن عبد الله أبو بكر النيسابوري المقرئ الحاجبي قدم دمشق.

محمد بن عبد الله أبو بكر السنجاري

وحدث بها عن أبي علي محمد بن عبد الرحمن بن علي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة " ثم يقول: اقرؤوا " فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ". محمد بن عبد الله أبو بكر السنجاري روى عن حمزة بن محمد الشاشي، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه ". سئل أبو بكر السنجاري عن مولده فقال: لي تسع وخمسون سنة، ولدت سنة ثلاث وأربع مئة. محمد بن عبد الأعلى بن محمد ابن عبد الأعلى بن عبد الرحمن بن يزيد بن ثابت بن أبي مريم بن أبي عطاء أبو هاشم الأنصاري مولى سهيل بن الحنظلية، المعروف بابن عليل. إمام جامع دمشق. حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر الدعاء بهؤلاء الكلمات: " اللهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر ".

محمد بن عبد الباقي بن جعفر بن مجالد

وعنه بسنده إلى سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة.. وذكر الحديث بطوله. قال أبو سليمان بن زبر: في ربيع الآخر - يعني من سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة - توفي أبو هاشم ابن عليل الإمام. محمد بن عبد الباقي بن جعفر بن مجالد أبو منصور الثقفي الكوفي روى عن الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن، بسنده إلى أبي الأحوص عن أبيه قال: يا رسول الله مررت برجل، فلم يضيفنين ولم يقرني، ثم مر بي، فأجزيه أم أقريه؟ فقال: " بل اقره ". محمد بن عبد الباقي بن محمد بن موسى أبو الحسن بن القاطوع التنوخي أصله من قنسرين كان يقدم دمشق، وله صدقات جارية على أهل القرآن والمستورين وأوقاف كثيرة. روى عن عبد الرحمن بن بي نصر، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

محمد بن عبد الباقي بن محمد

لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ". حدث في منزله بدمشق بحديث، في ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وأربع مئة. محمد بن عبد الباقي بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة ابن الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر بن أبي طاهر الأنصاري السلمي البغدادي البابشامي النصري البزاز المعدل، المعروف بقاضي البيمارستان كان دخل دمشق عند اجتيازه إلى مصر، وكان يعرف الفقه على مذهب أحمد والفرائض والحساب والهندسة، وينظر في وقوف البيمارستان العضدي، ويشهد عند القضاة. روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار ". وعن أبي محمد الجوهري، بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها.

محمد بن عبد الحميد

قال المصنف: سألت أبا بكر عن مولده، فقال: في صفر سنة اثنتين وأربعين.. وأخبرنا أبو سعد بن السمعاني أنه توفي يوم الأربعاء الرابع، أو الخامس من رجب، سنة خمس وثلاثين وخمس مئة. محمد بن عبد الحميد أبو جعفر الفرغاني العسكري الكفيف الضرير سكن لؤلؤة محلة خارج باب الجابية، وكان يلقب زريقاً. روى عن محمد بن إسماعيل بن البحتري بسنده إلى علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس: وهو يرخص في متعة النساء: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية. وعن أحمد بن بديل، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التائب من الذنب كما لا ذنب له، والمستغفر من الذنب، وهو مقيم عليه، كالمستهزئ بربه، ومن آذى مسلماً كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل ". قال أبو سليمان بن زبر: سنة سبع عشرة وثلاث مئة، في شهر ربيع الأول توفي محمد بن عبد الحميد، زريق المعلم.

محمد بن عبد الرحمن بن أحمد

محمد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن محمد بن إسحاق بن إسماعيل بن منصور بن معاوية بن عفيف أبو جعفر المري المقرئ حدث بدمشق عن أحمد بن محمد بن يحيى بسنده إلى عبد الله أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه التلبية: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ". محمد بن عبد الرحمن بن أحمد النسوي أبو عمرو النسوي القاضي روى عن علي بن موسى بن السمسار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل عليه، فقال: " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ " قال: قلت: بلى. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تفعل، ولكن صم وأفطر، وقم وارقد، فإن لعينيك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإنه عسى أن يطول بك عمر، وإن حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن بكل حسنة عشر أمثالها، فإذا ذلك الدهر كله ". قال: فشددت، يعني فشدد علي. قال: قلت: أطيق غير ذلك. قال: " فصم صوم نبي الله داود " قلت: كيف صوم نبي الله داود؟ قال: " تصوم يوماً، وتفطر يوماً ". أنشد أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن لنفسه: من الخفيف اتخذ طاعة الإله سبيلا ... تجد الفوز بالجنان وتنجو واترك الإثم والفواحش طراً ... يؤتك الله ما تروم وترجو

محمد بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم

محمد بن عبد الرحمن دحيم بن إبراهيم ابن عمرو بن ميمون المعروف بالراقود أنشد في أبيه لرجل من ولد أبي عبيد الله الأشعري: من البسيط قالت مقالاً أبانت فيه لي غضبا: ... إخال رأي بني العباس قد عزبا فقلت: من حادث جاء الزمان به؟ ... قالت: دحيم تولى الحكم، يا عجبا! ضاع القضاء، وضاع الآمرون به ... وأصبح الدهر منه الوجه منقلبا قالت أمية: هذا وقت دولتنا ... ردت إلينا، وإن الأمر قد قربا منا القضاة على الأمصار قد علمت ... عليا معد بأنا لم نقل كذبا فلست مستوجباً حكماً تقلده، ... أبا سعيد، ولم تستوجب النسبا قال المصنف: أبو سعيد هو عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وكان جده ميمون من موالي عثمان بن عفان، وكان دحيم شديد الميل إلى بني أمية، فعرض به هذا الشاعر - وهو من أهل طبرية - حين ولي القضاء بها وبسائر مدن فلسطين والأردن، ليعزله الخليفة عن القضاء. /

محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث ابن نافع بن عبد الله أبو بكر الربعي العجلي إمام جامع دمشق. حدث عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ألفين ما نوزعت أحداً منكم على الحوض فأقول: هذا من أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك " قال أبو الدرداء: يا نبي الله ادع الله أن لا يجعلني منهم، قال: " لست منهم ". وحدث عن أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر، بسنده إلى عمر بن الخطاب، أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغسل من الجنابة واتسقت الأحاديث على هذا سواء فيفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه بيده اليسرى فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء، ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً ويستنشق ويمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، حتى إذا بلغ رأسه لم يمسحه وأفرغ عليه الماء؛ فهكذا كان غسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ذكر أو ذكر. توفي محمد بن عبد الرحمن سنة ست وستين ومئتين.

محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن علي

محمد بن عبد الرحمن بن الحسن بن علي أبو بكر الجعفي الكوفي ابن ابن أخي حسين بن علي الجعفي سكن دمشق. حدث بدمشق عن أبي أسامة، بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أدرك عمر وهو يحلف بأبيه فلما سمعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مهلاً فإن الله قد نهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من حلف فليحلف بالله أو ليسكت ". وحدث عن حسين، بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لن يلج النار من شهد بدراً والحديبية ". توفي ابن أخي حسين بدمشق سنة ستين ومئتين. محمد بن عبد الرحمن بن زمل حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فلينثره فإن كان كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". محمد بن عبد الرحمن بن زياد أبو جعفر الأصبهاني الأرزناني الحافظ حدث عن أبي ميمون أيوب بن محمد بن أبي سليمان بسنده إلى ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة ".

محمد بن عبد الرحمن بن السندي

توفي أبو جعفر سنة اثنين وعشرين وثلاث مئة، وقيل: سنة سبع عشرة وثلاث مئة وهو ابن نيفٍ وستين سنة. محمد بن عبد الرحمن بن السندي ابن موسى أبو بكر الهمذاني الطرائفي قال أبو بكر: حضرت بدمشق عند ابن جوصا فجعلت أتملقه فقلت: أيها الشيخ مثلك مثل ما قال كثير عزة: من الخفيف وإذا الدر زان حسن وجوهٍ ... كان للدر حسن وجهك زينا وتزيدين أطيب الطيب طيباً ... أن لمستيه أين مثلك أينا فقال: هون عليك؛ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لا يغر المدح من عرف نفسه. قال وسمعته يقول: وأي عقوبةٍ على أهل الجهل أشد من موت أهل العلم؟ محمد بن عبد الرحمن بن سهل ابن مخلد أبو عبد الله الأصبهاني الغزال سمع بدمشق. وحدث عن محمد بن موسى بن النعمان، بسنده إلى أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سرح رأسه ولحيته بالمشط في كل ليلةٍ عوفي من أنواع البلاء وزيد في عمره " أنكر هذا الحديث. توفي أبو عبد الله الغزال سنة تسع وستين وثلاث مئة.

محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله

محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة الأنصاري المدني وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته. حدث عن محمد بن عمرو بن الحسين، عن جابر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفرٍ فرأى رجلاً عليه زحام قد ظلل عليه فقال: " ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال: " ليس من البر أن تصوموا في السفر ". وحدث عن عمرة، عن عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخفف الركعتين اللتين قبل الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيها بأم القرآن أو بفاتحة الكتاب؟ توفي محمد بن عبد الرحمن من بني مالك بن النجار سنة أربع وعشرين ومئة، وأمه هند بنت زيد بن عامر بن أبي الراهب. وكان محمد ثقةً. محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله ابن يحيى بن يونس الطائي الداراني المعروف بابن الخلال حدث عن أبي الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة القرشي، بسنده إلى عائشة قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون عند موته حتى سالت دموعه على وجهه. وحدث عنه بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني تارك فيكم الثقلين ألا وأحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من

محمد بن عبد الرحمن بن عثمان

السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". قال أبو سعيد: فما حفظ ذلك ابن مرجانة. وحدث عن أبي الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: كنا لا نقصر السبال إلا في حج أو عمرة. توفي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن سنة ست عشرة وأربع مئة، وكف بصره في آخر عمره، وكان ثقةً مأموناً نبيلاً. محمد بن عبد الرحمن بن عثمان ابن سعيد أبو بكر المؤذن حدث عن أبي العباس عبد الله بن عتاب الزفتي، بسنده إلى بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين ". محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التميمي ابن القاسم بن حبيب بن أبان أبو الحسين بن أبي محمد بن أبي نصر التميمي المعدل حدث عن القاضي أبي بكر يوسف الميانجي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ". قال شعبة: لم يمنعني أن أسأل قتادة، سمعه من أنس إلا أن يفسده علي. توفي أبو الحسين سنة ست وأربعين وأربع مئة.

محمد بن عبد الرحمن بن عمرو

محمد بن عبد الرحمن بن عمرو ابن يحمد الأوزاعي حدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله فيه حاجة ". قال ابن الأوزاعي: وسمعت أبي يقول: ما من امرئٍ يشاور من هو دونه في النبل والرأي تواضعاً لله عز وجل واستكانة إلا عزم الله له الرشد، قال: فربما رأيته يشاور الخادم الذي يخدمه. سئل ابن الأوزاعي عن الخشوع فقال: الحزن. وحدث عن أبيه قال: يا بني لو كنا نقبل من الناس كل ما يعرضون علينا لأوشك بنا أن نهون عليهم. كان ابن الأوزاعي من أعبد خلق الله. محمد بن عبد الرحمن أبي زرعة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان النصري الدمشقي حدث عن هشام بن خالد، بسنده إلى معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحنٍ ". ومن مستجاد شعره: من الخفيف لا ملوم مستقصىً أنت في البر ... ر ولكن مستعطفٌ مستزاد قد يهز الهندي وهو حسامٌ ... ويحث الجواد وهو جواد

محمد بن عبد الله بن عمرو

محمد بن عبد الله بن عمرو ابن عبد الرحمن ويقال: عبد الرحيم أبو بكر الرحبي الحمصي القاضي حدث عن أبي بكر محمد بن جعفر بن زريق الحمصي، بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله ". حدث سنة ثماني وستين وثلاث مئة. محمد بن عبد الرحمن بن محمد الصيداوي ابن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله ابن سليمان بن أبي كريمة أبو عبد الله الصيداوي حدث بصيدا سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، عن أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بسنده إلى ابن عباس، قال: دخل عمر بن الخطاب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على حصيرٍ قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله، لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا: فقال: " ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، والذي نفسي بيده ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائفٍ فاستظل تحت شجرةٍ ساعةً من نهارٍ ثم راح وتركها ". محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن طلحة أبو العلاء بن أبي محمد الصيداوي حدث بصور سنة أربع وثمانين وأربع مئة، عن القاضي أبي مسعود صالح بن أحمد بن القاسم بن يوسف الميانجي، بسنده إلى أبي هند الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: قال الله عز وجل: " من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليلتمس له رباً سواي ". ولد أبو العلاء الصيداوي سنة اثنتي عشرة وأربع مئة.

محمد بن عبد الرحمن بن أبي نزار

محمد بن عبد الرحمن بن أبي نزار أبو عبيد الله الرافقي القاضي قدم دمشق. وحدث عن محمد بن أحمد بن الجنيد، بسنده إلى ابن عباس قال: فرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين. محمد بن عبد الرحمن بن هشام ابن يحيى ابن هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو خالد المخزومي المكي القاضي المعروف بالأوقص قدم الشام غازياً. حدث عن ابن جريح بن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل من مصلاه. وحدث عن خالد بن سلمة قال: لما كان يوم الفتح جاء هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكشف ثوبه عن ظهره، ثم وضع يده على خاتم النبوة؛ قال: فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده فأجاله فأقعده بين يديه، ثم ضرب في صدره ثلاثاً ثم قال: " اللهم أذهب عنه الغل والحسد ثلاثاً " فكان الأوقص يقول: نحن أقل أصحابنا حسداً. قال الأوقص المخزومي: خرجت مع الرشيد إلى الغزو فنزلنا في ظل قصرٍ بالشام فأشرفت جاريةٌ فقالت:

هل فيكم من أهل مكة أحد؟ فسكتنا فقالت: هل فيكم من بني مخزوم أحد؟ قال: فقلت للغلام: قل لها: ما حاجتك؟ قالت: ما فعل محمد بن عبد الرحمن الأوقص؟ قال: فقلت لها: حي في عافية، من أين تعرفينه؟ قالت: كنت لابنة عمه فباعتني، فقلت لها: أي بنات عمه؟ قالت: فاخته كيف هي؟ قلت سالمةٌ؛ وسألت عن ولدها النساء والرجال فقلت له: سلها من أبوها وأمها؟ فأخبرته وعرفتها؛ ثم تنفست الصعداء وأنشدت: من البسيط من كان ذا شجنٍ بالشام يحبسه ... فإن في غيرها أمسى لي الشجن وإن ذا القصر حقاً ما به شجنٌ ... لكن بمكة أمسى الأهل والوطن فدعوت مولىً لي فقلت: اذهب إلى صاحب هذا القصر فأعلمه بموضعي واشتر لي منه هذه الجارية، فذهب فأعلمه فقال: أنا أصير إليه، فإذا هو شاب من بني أمية، فأتى إلي وسلم علي، وقال: لم أعلم بموضعك، وذكر الجارية، فأخبرته بالذي كان منها، فذهب إلى منزله وقال: لا آخذ لها ثمناً. قال: ثم مضيت بها إلى مكة فأقامت عندنا حيناً. كان الأوقص قصيراً دميماً قبيحاً، وكانت أمه عاقلةً فقالت له: يا بني إنك خلقت خلقةً لا تصلح فيها لمعاشرة الفتيان، فعليك بالدين فإنه يتم النقيصة ويرفع الخسيسة؛ فنفعني الله بقولها، فتعلمت الفقه فصرت قاضياً. كان الأوقص عنقه داخلاً في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زجان فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قومٍ إلا كنت المضحوك منه، المسخور به، فعليك بطلب العلم فإنه يرفعك؛ فطلب العلم فولي قضاء مكة عشرين سنةً؛ فكان الخصم إذا جلس بين يديه يرعد حتى يقوم.

محمد بن عبد الرحمن بن يونس

وأتاه الدارمي في شيءٍ فتحامل عليه، فبينا الأوقص يوماً في المسجد الحرام ينادي ربه، ويقول: يا رب أعتق رقبتي من النار؛ فقال له الدارمي: أو لك رقبةٌ تعتق لا والله ما جعل الله لك وله الحمد من عتقٍ ولا رقبةٍ فقال له الأوقص: من أنت؟ قال: أنا الدارمي قتلتني وجرت علي؛ قال: لا تقول ذلك ائتني أحكم لك. وتوفي الأوقص القاضي سنة تسع وستين ومئة. محمد بن عبد الرحمن بن يونس أبو العباس الرقي قدم دمشق. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عباس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من لا حياء له فلا غيبة له ". ولد أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج الرقي سنة مئتين، ومات سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين. محمد بن عبد الرحمن القرشي حدث عن واثلة بن الأسقع، قال: كنت من أصحاب الصفة، وكان رجلٌ من الأنصار لا يزال يأتيني فيأخذ بيدي ويد صاحبٍ لي إلى منزله، وإنه احتبس عنا ليلةً من الليالي لم يأتنا، فقلت لصاحبي: إن أصبحنا غداً صياماً هلكنا، ولكن انطلق بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسى نصيب عنده طعاماً، فأتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكونا إليه حاجتنا إلى الطعام، وأعلمناه أن صاحبنا

محمد بن عبد الرحمن السلمي

الأنصاري الذي كان يأتينا كل ليلةٍ لم يأتنا؛ فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى نسائه امرأةً امرأةً كل ذلك تقول: والله ما أمسى عندنا طعامٌ يا رسول الله. قال: فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه إلى السماء، فقال: " اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك، وإنا إليك راغبون ". فما ضم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه إلا ورجلٌ من الأنصار معه قصعةٌ عظيمةٌ فيها ثريدٌ ولحمٌ؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا فضل الله قد أتاكم وأنا أرجو أن يكون الله قد أوجب لكم رحمته ". محمد بن عبد الرحمن السلمي كان ببيروت حدث عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: " الغداء يا بلال " فقال: إني صائم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نأكل أرزاقنا، وفضل رزق بلالٍ في الجنة، شعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده ". محمد بن عبد الرحمن الحرشي قال: كان علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وكنيته أبو الحسن يجالسنا، فكنا يوماً نتحدث إلى أن ذكرنا كنى البهائم، فقلا لنا علي بن عبد الله: أي شيءٍ كنية الحرذون؟ فقلنا: ما ندري؛ فقال: كنيته أبو العميطر؛ قال: فلقبناه بذلك، فكان يغضب؛ فقال لنا شيخ من القدماء: ترون هذا اللقب سيخرجه إلى أمرٍ عظيم.

محمد بن عبد الرحمن السلمي البيروتي

محمد بن عبد الرحمن السلمي البيروتي كان من أهل الفضل. قال: كان للأوزاعي ابن يقال له: محمد، وكان من أعبد خلق الله؛ قال: فحدثني أنه رأى أباه يوماً مسروراً فبعث فاشترى رقبةً فأعتقها، فقلت له: يا أبه إني رأيت منك في هذا اليوم شيئاً ما عهدته فيما مضى فقال: ما هو إلا خير والحمد لله؛ فأعدت عليه السؤال وألححت عليه، وهو لا يزيدني على جوابه الأول، إلى أن قلت له: أقسمت عليك بالله لما سررتني بسرورك؛ فقال: أنا أخبرك ولا تخبر به أحداً ما دمت في الدنيا، فقلت: نعم فقال: رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني قد انتهيت إلى باب الجنة، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر فعالجوا بابها وكأنه قد زال فردوه إلى مكانه ثم زال أيضاً فعالجوه ليردوه فأقبل علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عبد الرحمن ألا تعيننا على هذا الباب؟ " فقلت: بلى يا رسول الله فأعنتهم عليه فاستوى. محمد بن عبد الرحمن أبو الحسين القاضي الجوهري حدث عن أبي سعيد بن علي بن عمر البغدادي الفقيه، بسنده إلى عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأراد أن يكلمه بشيءٍ يخفيه من عائشة، وعائشة تصلي فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عائشة عليك بالكوامل " وكلمة أخرى؛ فلما انصرفت عائشة سألته عن ذلك فقال لها: " قولي اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، أسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ أو عملٍ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأستعيذك مما استعاذ منه عبدك ورسولك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسألك ما قضيت لي من أمرٍ أن تجعل عاقبته رشداً " الكلمة الأخرى: الجوامع.

محمد بن عبد الرحمن أبو بكر النهاوندي

محمد بن عبد الرحمن أبو بكر النهاوندي سمع بدمشق حدث عن أبي عبد الله لحسين بن محمد الحلبي، بسنده إلى أبي صالح عبد الله بن صالح الصوفي، قال: رؤي بعض أصحاب الحديث في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي؛ فقيل له: بأي شيءٍ؟ فقال: بصلاتي في كتبي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. محمد بن عبد الرحيم أبو عبد الله التريكي المعروف بحمش النيسابوري الزاهد المطوعي حدث عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سليمان يقول: مر موسى عليه السلام على رجلٍ في متعبدٍ له، قم مر بعد ذلك وقد مزقت السباع لحمه، فرأسٌ ملقى، وفخذٌ ملقى وكبد ملقى فقال موسى: يا رب، عبدك كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه: يا موسى إنه سألني درجةً لم يبلغها بعمله فابتليته بهذا لأبلغه تلك الدرجة. وحدث عنه قال: سمعت أبا سليمان يقول: قال موسى: يا رب خر لي؛ قال: يا موسى لو لم أخلقك لكان خيراً لك؛ قال: يا رب قد خلقتني فخر لي؟ فقال: يا موسى لو أمتك صبياً لكان خيراً لك؛ قال: يا رب فلم تمتني صبياً فخر لي؛ قال: يا موسى لعلك تكبر فأرحمك. توفي حمش التريكي سنة خمس وسبعين ومئتين.

محمد بن عبد الرحيم البغدادي

محمد بن عبد الرحيم البغدادي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: ذكرت مصر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " السوداء تربتها، المنتنة أرضها، الحلفاء نباتها، القبط أهلها، من دخل فيها وسكن فيها وأكل من آنيتها وغسل رأسه بطينها، ألبسه الله الذل والهوان، وأذهب عنه الغيرة؛ وإن كان ولا بد من السكنى فيها، فعليكم بجبلٍ يقال له المقطم فإنه مقدس، أو بقريةٍ يقال لها: الإسكندرية فإنها أحد العروسين يوم القيامة. قال: هذا حديث منكر. محمد بن عبد الرزاق بن عبد الله ابن أبي حصين بن الحسن بن عمرو أبو البيان بن أبي غانم المعري سكن دمشق حدث عن أبيه أبي غانم، بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان حب المال وطول العمر ". ولد محمد بن عبد الرزاق سنة أربع وستين وأربع مئة بمعرة النعمان. محمد بن عبد الرزاق بن محمد أبو الفضل الهاشمي الشاهد حدث عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: " خياركم أحاسنكم أخلاقاً ".

محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن

محمد بن عبد السلام بن عبد الرحمن ابن عبيد بن سعدان أبو عبد الله بن عمرو قال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرأ القرآن في سبع ولا تزد على ذلك ". توفي أبو عبد الله يوم عرفة سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة. محمد بن عبد الصمد الدويلي الدمشقي حدث عن أبي أسلم الحمصي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: " لا تحملوا دينكم عن مسالمة أهل الكتاب فإنهم قد ضلوا وأضلوا من كان قبلكم ضلالاً مبيناً ". محمد بن عبد الصمد بن أبي الجراح ويقال: ابن الجراح المصيصي المقرئ حدث عن محمد بن الوزير الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن نكاح اليمين. محمد بن عبد الصمد بن محمد ابن لاو ويقال: لاوي أبو عبد الله الزرافي الأطرابلسي مولى المقتدر بالله حدث عن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، بسنده إلى ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم. قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس وإن كانت خالته، إنما تزوجها حلالاً.

محمد بن عبد العزيز بن حسنون

وحدث عنه بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لم يسبقها عمل ولم تبق معها سيئةً ". محمد بن عبد العزيز بن حسنون أبو طاهر الإسكندراني الفقيه الشافعي حدث عن صالح بن شعيب البصري، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل ليبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يخفف عنه كل ذنبٍ ". توفي أبو طاهر الإسكندري سنة تسع وخمسين وثلاث مئة. محمد بن عبد العزيز بن عبد الملك أبو بكر العثماني حدث عن عبد الرحمن بن سهيل العقيلي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ غفر الله له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبدٍ البحر ". محمد بن عبد العزيز بن موسى أبو الفتح بن أبي القاسم البغدادي المقرئ، المعروف أبوه ببدهن حدث عن جحظة البرمكي النديم، عن أبي عبد الله المسمعي، قال: رأيت دلامة بن عمار بالبصرة واقفاً بمقبرة المربد فوقفت أنظر إليه، فلما رآني أنشأ

محمد بن عبد العزيز أبو الفرج

يقول: من مجزوء الرمل بغتات الدهر تأتي ... ك بما غيب عنكا والذي لا بد منه ... دائباً سيقرب منكا كل من تبصره لا ... بد أن يسكن ضنكا فشغل قلبي ما سمعته، فلما رآني كالواجد مما قال أنشأ يقول: من الطويل تعيش معافى دائماً ألف حجةٍ ... وتكفى صروف الحادثات سليما ثم ولى وهو يقول: أولا تغضب. قال: وأنشدني جحظة البرمكي النديم، قال: أنشدني ابن المعتز لنفسه: من الطويل وما زلت مذ شدت يدي عقد مئزري ... غنائي لغيري وافتقاري على نفسي ودل علي الخير جودي وعفتي ... كما ذل إشراق الصباح على الشمس محمد بن عبد العزيز أبو الفرج الجرجاني، الصوفي حدث عن أبي صادق الدلال، بسنده إلى عقبة بن عامر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيمٌ على معصيته فإنما ذلك استدراجٌ؛ ثم نزع بهذه الآية " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيءٍ " الآيتين.

محمد بن عبد القادر

محمد بن عبد القادر حدث عن إبراهيم بن يعقوب، بسنده إلى عبد الله، قال: الشمس والقمر وجوههما إلى السماء وأقفاهما إلى الأرض تضيئان في السماء كما تضيئان في الأرض. محمد بن عبد الكريم بن أحمد ابن عبد الكريم بن علي بن سعد أبو بكر الكازروني، الصوفي حدث عن عمه الخطيب الإمام أبي نصر محمود بن أحمد بن عبد الكريم، بسنده إلى زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من فطر صائماً كتب الله له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر الصائم شيءٌ، ومن جهز غازياً في سبيل الله أو خلفه في أهله كتب الله له مثل أجر الغازي من غير أن ينتقص من أجر الغازي شيءٌ ". محمد بن عبد الكريم بن سليمان أبو الحسين المصيصي، القاضي الجوهري قاضي الرملة حدث بدمشق سنة ثلاث وستين وثلاث مئة؛ وحدث عن أبي سعيد الحسن بن علي بن عمر، بسنده إلى عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات وهو يعلم أن الله حق دخل الجنة ".

محمد بن عبد المتكبر بن الحسن

محمد بن عبد المتكبر بن الحسن ابن عبد الودود ابن عبد المتكبر بن هارون بن محمد بن عبيد الله بن المهتدي أبو جعفر الهاشمي الخطيب قاضي البصرة. حدث عن أبي القاسم بن البزي، بسنده إلى سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " غدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها، وموضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ". ولد أبو جعفر سنة ثلاثٍ وستين وأربع مئة، وتوفي سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمس مئة. محمد بن عبد المجيد أبو جعفر التميمي البغدادي المفلوج حدث عن عبد الرحمن بن مهدي، بسنده إلى العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى صيام شهر رمضان وهو يقول: " هلموا إلى الغداء المبارك ". محمد بن عبد الملك بن أبان ابن أبي حمزة أبو جعفر بن الزيات الوزير كان قد اتصل بالمعتصم وخص به فرفع من قدره ووسمه بالوزارة، وكذلك الواثق

بالله استوزره والمتوكل، وكان ابن الزيات أديباً فاضلاً بليغاً عالماً بالنحو واللغة؛ ولما قدم أبو عثمان المازني بغداد في أيام المعتصم كان أصحابه وجلساؤه يخوضون في علم النحو فإذا اختلفوا فيما يقع فيه شك يقول لهم المازني: ابعثوا إلى هذا الفتى الكاتب، يعني محمد بن عبد الملك، فاسألوه وأعرفوا جوابه فيفعلون، فيصدر الجواب من قبله بالصواب الذي يرتضيه المازني ويقفهم عليه. سأل محمد بن عبد الملك الزيات أبا دلف القاسم بن عيسى العجلي عرض رقعةٍ على الحسن بن سهل، فعرضها عليه، فقال له الحسن: نحن في شغل عن هذا فقال له أبو دلف: مثلك لا يشتغل عن محمد بن عبد الملك؛ فقال لخازنه: احمل مع أبي دلف إليه عشرين ألف درهم فلما وصلت إلى محمد كتب إليه: من البسيط أعطيتني يا ولي الحمد مبتدئاً ... عطيةً كافأت جهدي ولم ترني ما شمت برقك حتى نلت ريقه ... كأنما كنت بالجدوى تبادرني فعرضها أبو دلف على الحسن بن سهل فقال: يا غلام احمل إلى محمد خمسة آلاف دينار. وعن أبي حفص الكرماني من كتاب عمرو بن مسعدة: أنه كتب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: أما بعد: فإنك ممن إذا غرس سقى، وإذا أسس بنى ليستتم بناء أسه ويجتني ثمر غرسه، وبناؤك في ودي قد وهى وشارف الدروس، وغرسك عندي قد عطش وأشفى على اليبوس، فتدارك بناء ما أسست وغرس ما زرعت. فحدث أبو عبد الرحمن العطوي بذلك، فقال في هذا المعنى أبياتاً يمدح بها محمد بن عمران بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك: من الكامل إن البرامكة الكرام تعلموا ... فعل الكرام فعلموه الناسا كانوا إذا غرسوا سقوا وإذا بنوا ... لم يهدموا لبنائهم أساسا

وإذا هم صنعوا الصنائع في الورى ... جعلوا لها طول البقاء لباسا فعلام تسقيني وأنت سقيتني ... كأس المودة من جفائك كاسا آنستني متفضلاً أفلا ترى ... أن القطيعة توحش الإيناسا؟ ومن بارع مديح البحتري قوله يصف بلاغة محمد بن عبد الملك: من الخفيف في نظامٍ من البلاغة ما شك ... ك امرؤٌ أنه نظام فريد ومعانٍ لو فصلتها القوافي ... هجنت شعر جرولٍ ولبيد حزن مستعمل الكلام اختياراً ... وتجنن ظلمة التعقيد وركبن اللفظ القريب فأدرك ... ن به غاية المراد البعيد وأرى الخلق مجمعين على فض ... لك من بين سيدٍ ومسود عرف العالمون فضلك بالعل ... م وقال الجهال بالتقليد صارم العزم حاضر الحزم ساري ال ... فكر ثبت المقام صلب العود دق فهماً وجل حلماً فأرضى ال ... لة فينا والواثق بن الرشيد لا يميل الهوى به حيث يمضي ال ... أمر بين المقلي والمودود سؤددٌ يصطفى ونيلٌ يرجى ... وثناءٌ يحيى ومالٌ يودي قد تلقيت كل يومٍ جديدٍ ... يا أبا جعفرٍ بمجدٍ جديد وإذا استطرفت سيادة قومٍ ... بنت بالسؤدد الطريف التليد كان لمحمد بن عبد الملك دابةٌ أشهب أحم لم ير مثله في الفراهة والوطاء والحسن، فذكر المعتصم يوماً الدواب فقال: أشتهى دابةً في نهاية الوطاء تصلح للسرايا؛ فقال له أحمد بن خالد حيلويه: قد عرفته لك يا أمير المؤمنين على أن لا تعلم صاحبه أني ذكرته قال: لك ستر ذلك؛ قال: عند كاتبك محمد بن عبد الملك دابةً لم ير مثله؛ فوجه المعتصم فأخذه من محمد فقال فيه أبياتاً: من الكامل

قالوا جزعت فقلت إن مصيبتي ... حلت رزيتها وضاق المذهب كيف العزاء وقد مضى لسبيله ... عنا فودعنا الأحم الأشهب دب الوشاة فباعدوك وربما ... بعد الفتى وهو الحبيب الأقرب لله يوم غدوت عني ظاعناً ... وسلبت قربك أي علقٍ أسلب نفسي مقسمةٌ أمام فريقها ... وغدا لطيتها فريقٌ يجنب منها: وكأن سرجك فوق متن غمامةٍ ... وكأنما تحت الغمامة كوكب ورأى علي بك الصديق مهابةً ... وغدا العدو وصدره يتلهب أنساك لا برحت إذاً منسيةً ... نفسي ولا زالت بمثلك تنكب أضمرت منك اليأس حين رأيتني ... وقوى حبالك من قواي تقضب ورجعت حين رجعت عنك بحسرةٍ ... لله ما صنع الأصم الأشيب فليعلمن أن لا تزال عداوةٌ ... مني مربضةٌ وثارٌ أطلب في أبيات تغالى فيها والأصم الأشيب: أحمد بن خالد حيلويه. قال مصنف الأصل: وهذه الحكاية أظهرت من خلائقه المستعجمعة الكاشفة لما كان فيه من الآداب المستحسنة، وما الذي بلغ من قدر دابةٍ حتى يضن بها عن المعتصم؟ وهو الخليفة المبرز في فضله وجوده وشرفه وشرف خلائقه وقد استكتبه ونوله وشرفه وخوله، أو ما كان قمناً أن يبتدئ بقمد الدابة إليه عند علمه برغبته فيها ويغتبط بقبوله إياها، ويرى ذلك من المآثر التي يغتبط بها ويفتخر بحيازتها؟ ولكن " أي الرجال المهذب ". ومن شعر محمد بن عبد الملك ويروى لغيره: من الرجز قام بعلمي وقعد ... ظبيٌ نفى عنه الجلد

يا صاحب الظرف الذي ... أرق عيني ورقد واعطشي إلى فمٍ ... يمج خمراً من برد إن قسم الرزق فحس ... بي بك من كل أحد ولإبراهيم بن العباس في محمد بن عبد الملك الزيات: من الطويل أبا جعفر خف نبوةً بعد دولةٍ ... وقصر قليلاً من مدى غلوائكا فإن يك هذا اليوم يوماً حويته ... فإن رجائي في غدٍ كرجائكا قال يحيى بن أكثم القاضي: كنت مع المتوكل فقال له الواثق: في قلبي من قتل أحمد بن نصر الخزاعي شيءٌ؛ فقال له الزيات: قتلني الله وأحرقني بالنار إن قتلته إلا كافراً، وقال ابن أبي دواد: ضربني الله بالفالج إن قتلته إلا كافراً، وقال ثمامة: قتلني الله إن لم يكن قتلته إلا كافراً؛ فقال المتوكل: فأنا أحرقت الزيات بالنار، وأما ابن أبي دواد فضربه الله بالفالج فمات من ذلك، وأما ثمامة فإنه قتلته خزاعة بدم صاحبهم أحمد بن نصر، وجعل المتوكل يتعجب من ذلك. قال أحمد الأحول: لما قبض على محمد بن عبد الملك الزيات تلطفت في الوصول إليه، فرأيته في حديدٍ ثقيلٍ فقلت: أعزز علي بما أرى فقال: من الرمل سل ديار الحي ما غيرها ... وعفاها ومحا منظرها وبي الدنيا إذا ما انقلبت ... صيرت معروفها منكرها إنما الدنيا كظل زائلٍ ... نحمد الله كذا قدرها لما حصل ابن الزيات في التنور الذي مات فيه كتب هذه الأبيات بفحمة: من مجزوء الرمل

محمد بن عبد الملك بن الحسين

من له عهدٌ بنومٍ ... يرشد الصب إليه رحم الله رحيماً ... دل عيني عليه سهرت عيني ونامت ... عين من هنت عليه وفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أخذ المتوكل محمد ابن عبد الملك الزيات، وكان ابن أبي دواد أغراه به، فقبض عليه، وطالبه بالأموال، وكان محمد صنع تنوراً من الحديد فيه مسامير إلى داخله ليعذب به من كان في حبسه من المطالبين فأدخله المتوكل فيه وعذب حتى مات. محمد بن عبد الملك بن الحسين ابن عبوديه أبو منصور ويقال: أبو عبد الله الأصفهاني المقرئ العطار قدم الشام. وحدث سنة سبع وستين وأربع مئة عن الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " وفي رواية " ولا يشتمه " بدل " ولا يسلمه " وحدث عن أبيه بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء قال: إني لأحب أن أرى الرجل من أهل مودتي في كل يومٍ مرتين. محمد بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم ابن أبي العاص بن أمية الأموي أمه أم ولد، كان يسكن الأردن، وغلب عليه حين قتل الوليد بن زيد، ثم بايع ليزيد بن الوليد، وكان محمد ناسكاً.

محمد بن عبد المنعم بن محمد

حدث عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به الفقهاء فهو في النار ". وحدث محمد بن عبد الملك قال: سمع عبد الله بن مسعود أعرابياً يبادر بالصلاة فأتاه ابن مسعود فقرأ بأم الكتاب ثم قال: نحج بيت ربنا ونقضي الدين، وهن يهوين بنا بخطوات يهوين؛ قال ابن مسعود: " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ". قال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك عن المغيرة بن شعبة، أنه سمع عثمان بن عفان يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب العالم ". يقال عن أبي مسهر: يقال: إنه ابن عبد الملك بن مروان. قتل بنهر أبي فطرس سنة اثنتين وثلاثين ومئة. محمد بن عبد المنعم بن محمد أبو الحسن المخرمي حدث عن أبي القاسم المظفر بن حاجب بن أركين الفرغاني، بسنده إلى أبي أمامة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأذنان من الرأس ". توفي أبو الحسن المخرمي سنة خمس عشرة وأربع مئة.

محمد بن عبد الواحد بن عبود

محمد بن عبد الواحد بن عبود أخو أحمد بن عبد الواحد إن كان محفوظاً. حدث عن الوليد بن الوليد القلانسي، بسنده إلى ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسبق بين الخيل فيدفع ما ضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع، ويدفع ما لم يضمر منها من الثنية إلى مسجد بني زريق. محمد بن عبد الواحد بن قيس أبو بكر الأفطس السلمي أخو عمر بن عبد الواحد. حدث عن أبيه، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لامرئٍ ما احتسب، وعليه ما اكتسب، والمرء مع من أحب، ومن مات على ذنابى الطريق فهو من أهله ". محمد بن عبد الواحد بن محمد المكي ابن عبد الله ابن محمد بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام أبو البركات القريشي، الأسدي، الزبيري، المكي سمع بدمشق، وولد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة، ودخل الأندلس، وحدث بها عن جماعة.

قال أبو البركات: حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال: كت من جلاس تميم بن أبي تميم، وممن يخف عليه جداً، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جاريةً رائعة فائقة الغناء، فلما وصلت إليه دعا جلساءه فكنت فيهم، ومدت الستارة وأمرها بالغناء فغنت: من الكامل وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برقٌ تألق موهناً لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنعٌ أركانه فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظراً إليه وصده سجانه فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت: من الطويل سيسليك عما فات دولة مفضلٍ ... أوائله محمودةٌ وأواخره ثنى الله عطيفه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً ثم غنت: من البسيط أستودع الله في بغداد لي قمراً ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه فاشتد طرب تميم وأفرط جداً ثم قال لها: تمني، فلك مناك؛ فقالت: أتمنى عافية الأمير وسعادته. فقال: والله لا بد لك أن تتمني؛ فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال لها: نعم؛ فقالت: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد قال: فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس، وقام وقمنا. قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه وقال: ارجع فالأمير يدعوك؛ فرجعت فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ فقلت: نعم فقال: لا بد من الوفاء لها وما

محمد بن عبد الواحد بن محمد الكسائي

أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هنالك فاصرفها؟ فقمت وتأهبت وأصحبها جاريةً سله سوداء تعاد لها وتخدمها، وصرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وصلنا القادسية أتتني السوداء فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية؛ فأخبرتها فسمعت صوتها تغني: من مجزوء الكامل لما وردنا القادسي ... ية حيث مجتمع الرفاق وشممت من أرض الحجا ... ز نسيم أنفاس العراق أيقنت لي ولمن أحب ... ب بجمع شملٍ واتفاق وضحكت من فرح اللقا ... ء كما بكيت من الفراق فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله، أعيدي بالله؛ فما سمع لها كلمة، ثم نزلنا الياسرية وبينها وبين بغداد خمسة أميال في بساتين متصلة، ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد؛ فلما كان قرب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورةً فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست بحاضرة؛ فقلت: وأين هي؟ قالت: فما أدري؛ فلم أحس لها أثراً بعد؛ ودخلت بغداد وقضيت حوائجي وانصرفت إلى تميم، فأخبرته خبرها، فعظم ذلك عليه واغتم له وما زال واجماً عليها. محمد بن عبد الواحد بن محمد الكسائي أبو الحسام الطبري الكسائي قدم دمشق. وحدث عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد الأسدي الطبري، بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح وهمه التقوى ثم أصاب فيما بين ذلك ذنباً غفر الله له ".

محمد بن عبد الواحد بن محمد الدارمي

محمد بن عبد الواحد بن محمد الدارمي ابن عمر الميمون أبو الفرج الدارمي الفقيه الشافعي. ولد سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة، وتوفي بدمشق سنة تسع وأربعين وأربع مئة. كان فقيهاً حاسباً شاعراً متأدباً ما رؤي أفصح منه لهجةً. فمن شعره: من المنسرح أعراض قلبي غدت معرفةً ... فاجتمعت في الحبيب أعراضي لا بد منه ومن هواه ولو ... قرضني سيدي بمقراض توده مهجتي فإن تلفت ... توده في التراب أبعاضي محمد بن عبد الواحد بن مزاحم أبو الفضل الصوري، القاضي أنشد بأطرابلس شعراً لخطيب دمياط في سنة أربع وستين وأربع مئة: من مجزوء الرمل جعلت تنظر ستي ... في ثيابي يوم عيد وتناديني بشجوٍ: ... يا خليعاً في جديد لا تغالطني فما ... تصلح إلا للصدود محمد بن عبد الوهاب بن أبي ذر أبو عمر، البغدادي القاضي الضرير حدث عن إبراهيم بن شريك الكوفي، بسنده إلى أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل الصلاة الخمس كمثل نهرٍ على باب أحدكم يغتسل منه في كل يوم خمس مرات، فماذا يبقى من درنه؟ ".

محمد بن عبد الوهاب

محمد بن عبد الوهاب بن هشام ابن الغاز ابن ربيعة الحرشي حدث عن أبيه، بسنده إلى ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان ذا وصلةٍ لأخيه المسلم إلى ذي سلطانٍ لمنفعة بر أو تيسر عسيرٍ أعين على إجازة السراط يوم دحض الأقدام ". محمد بن عبد الوهاب حدث عن محمد بن حمير عن النجيب بن السري قال: كان يقال: لا يبيت الرجل مع المرد في البيت. وحدث عن عتبة بن الوليد، بسنده عن المشيخة: أنهم كانوا يكرهون أن يحدوا النظر إلى الغلام الجميل الوجه. محمد بن عبدك أبو جعفر الرازي حدث بأطرابلس. وروى عن يحيى بن إسماعيل الواسطي، بسنده إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: بينا أنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حيرٍ لأبي طالب، أشرف علينا أبو طالب فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عم ألا تنزل، فتصلي معنا " فقال: يا بن أخي إني لأعلم أنك على الحق ولكني أكره أن أسجد فيعلو استي، ولكن انزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك؛

محمد بن عبده بن عبد الله

فنزل فصلى على يساري؛ فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته التفت إلى جعفر بن أبي طالب فقال: " أما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك ". محمد بن عبده بن عبد الله ابن زيد أبو بكر المصيصي حدث عن عصام، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوماً من رمضان فسلم من ثلاثٍ ضمنت له الجنة " فقال أبو عبيدة بن الجراح: يا رسول الله أعلى ما فيه سوى الثلاثة؟ قال: " على ما فيه سوى الثلاثة: لسانه وبطنه وفرجه ". وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عمه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله عليهم الرزق وكانوا في كنف الله عز وجل ". حدث في سنة ثمانٍ وثمانين ومئتين. محمد بن عبود وهو أحمد بن عبد الواحد بن عبود أخطأ فيه بعض الرواة. حدث عن محمد بن كثير المصيصي بسنده إلى بلال بن سعد قال: واحزنا على أني لا أحزن.

محمد بن عبيد الله بن أحمد

محمد بن عبيد الله بن أحمد ابن أبي عمرو أبو الحسن ويقال أبو بكر المنيني المعروف أبوه بأبي عمرو الأسود حدث بقرية منين عن أبي طاهر محمد بن عبد العزيز بن حسنون الإسكندراني، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نودي للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء " قال الرقاشي: والله ما كذبت على أنس ولا كذب أنس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. محمد بن عبيد الله بن الأشعث الدمشقي كان من خيار عباد الله؛ نظر يوماً إلى غلامٍ جميلٍ فغشي عليه واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه، فكان لا يقوم عليهما زمناً طويلاً، فكنا نعوده ونسأله عن حاله ولا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه، وكان الناس يتحدثون بحديث نظره، فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائداً فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته، فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد إلى حالته، فسأله الغلام يوماً المصير معه إلى منزله فأبى أن يفعل، وكلمني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى فقلت: وما تكره من ذلك؟ فقال: لست بمعصومٍ من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنةً في وقت خلوةٍ أو عند ظفرٍ بفرصةٍ فيجري بيني وبينه معصيةٌ فيحتجب الله عني يوم تظهر فيه الأسرار ويكشف فيه عن ساقٍ فأكون من الخاسرين.

محمد بن عبيد الله بن الفضل

محمد بن عبيد الله بن الفضل المعروف بابن الفضيل أبو الحسين الكلاعي، الحمصي حدث بحمص عن محمد بن مصفى، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار والصلاة نور والصوم جنته من النار ". توفي أبو الحسين بن الفضيل سنة تسع وثلاث مئة. محمد بن عبيد الله بن محمد الجمحي ابن عبد الكريم بن أهيب بن عمارة بن عبد الرحمن أبو سلمة بن أبي حكيم القرشي الجمحي حدث عن أبي أمية، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شرب الخمر من الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب ". وحدث عنه بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزق في ثوبه وذلك بعضه ببعض. وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من مات مريضاً مات شهيداً ". توفي أبو سلمة سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة. محمد بن عبيد الله بن محمد القري ابن الحكم أبو الحسين ويقال: أبو معد بن أبي معاوية القري حدث عن أبي الفضل العباس بن الفضل بن جعفر الدباح بسنده إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وددت أني لقيت إخواني " فقلنا: يا رسول الله لسنا إخوانك؟ قال: " أنتم

محمد بن عبيد الله بن محمد الشيرازي

أصحابي، وإخواني قوم يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني فأحبوك بحبك إياي فأحبهم أحبهم الله ". وحدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عج حجرٌ إلى الله عز وجل فقال: إلهي وسيدي عبدتك منذ كذا وكذا سنةً ثم جعلتني في أس كنيفٍ فقال: أما ترضى أن عدلت بك عن مجالس القضاة ". قال أبو معد محمد بن عبيد الله المؤدب بدمشق: صليت خلف أبي إبراهيم المزني بمصر فسمعته يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. محمد بن عبيد الله بن محمد الشيرازي ابن عبيد الله ابن جعفر بن أحمد بن خرجوش أبو الفرج الشيرازي، المعروف بالخرجوشي قدم دمشق. حدث عن أبي العباس الحسن بن سعيد المطوعي بسنده إلى أبي سعيد أن ماعز بن مالك أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني أصبحت فاحشةً؛ فردده مراراً، فسأل قومه: " أبه بأسٌ؟ " قيل: ما به بأسٌ، فأمرنا فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد فلم نحفر ولم نوثقه، فرميناه بجندل وخزف فسعى وابتدرنا خلفه فأتى الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد حتى سكت. وحدث عنه أيضاً، بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه. توفي الخرجوشي سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، وكان شيخاً صالحاً ديناً ثقةً.

محمد بن عبيد الله بن مروان

محمد بن عبيد الله بن مروان ابن محمد بن هشام بن محمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن مروان بن الحكم أبو النضر السليماني الضرير قدم دمشق. حدث عن أبيه، قال: دخلت على المأمون وهو يأكل جبناً وجوزاً، فقلت: يا أمير المؤمنين تأكل هذا وهما داءان فقال: اسكت، حدثني أبي الرشيد، عن أبيه المهدي، عن جده المنصور، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجبن داء والجوز دواءٌ فإذا اجتمعا صارا شفاءين ". محمد بن عبيد الله أبو جعفر البغدادي المعروف بأخي كاجويه خوارزمي الأصل، وهو ختن أبي الآذان الحافظ. سمع بدمشق. وحدث عن أبي زرعة الدمشقي، بسنده إلى أنس، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصحب الملائكة رفقةً فيها جرسٌ ولا بيتاً فيه جرس ". محمد بن عبيد الله الكفرسوسي حدث عن هشام بن خالد، بسنده إلى عبد الله بن حسين، عن أبيه عن جده، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

محمد بن عبيد الله أبو نصر بن الخشني

أربعٌ من سعادة المرء: أن تكون زوجته موافقةً وأولاده وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده ". محمد بن عبيد الله أبو نصر بن الخشني شاعرٌ، من شعره: من الكامل أفدي مودعتي وقد خلط الأسى ... عند النوى منها التشاجي بالشجا لما رأت إبلي تشد رحالها ... في حال توديعي وطرفي مسرجا جعلت بلؤلؤ ثغرها بلور را ... حتها علي بعضها فيروزجا وأعاد عناب الأنامل لطمها ... بلحاً وورد الوجنتين بنفسجا محمد بن عبيد ويقال ابن عامر أبي الجهم بن حذيفة بن غانم بن عامر القرشي، العدوي من أهل المدينة. وفد على يزيد بن معاوية ورجع إلى المدينة فخرج مع أهل الحرة، وقتل معهم في حياة أبيه غانم سنة ثلاث وستين. حدث عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: " يا حارث كيف أصبحت؟ " قال: أصبحت مؤمناً حقاً؛ قال: " انظر ما تقول، إن لكل حق حقيقة " قال: ألست قد عزفت الدنيا

عن نفسي وأظمأت نهاري وأسهرت ليلي وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً. وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، ولكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، يعني يصيحون؟ قال: " يا حارث عرفت فالزم " ثلاث مرات. وكان معقل بن سنان ومحمد بن أبي الجهم في قصر العرصة فأرسل إليهما مسلم انزلا بأمان: فنزلا فأمر بقتلهما فقال محمد بن أبي الجهم: ناولني سيفي ولا ذمة لي عندكم؛ وكان مروان عمل فيه، فقال له مسلم: أنت الذي وفدت على أمير المؤمنين فوصل رحمك وأحسن جائزتك ثم رجعت إلى المدينة تشهد عليه بشرب الخمر؟ والله لا تشهد بعدها شهادة زورٍ أبداً؛ وأمر بقتله، فجزع وجعل يشق جبةً عليه فقال له معقل بن سنان: ما هذا الجزع؟ قال: لو كنت بلغت من السن ما بلغت لم أجزع ولكني شاب حديث السن؛ فقتل وأمر برأسه فوضع بين يدي أبيه قال له: تعرفه؟ قال: نعم، هذا ابن سيد فتيان قريش، ويقال: أمر بالرأس فوضع بين يدي أخيه لأمه موسى بن طلحة، أمهما خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة؛ فقال: هذا رأس سيد فتيان العرب؛ ولمحمد بن أبي الجهم يقول بعض التميميين: من الطويل نحن ولدنا من قريشٍ خيارها ... أبا الحارث المطعام وابن أبي الجهم أبو الحارث: يعني عبد الله بن أبي ربيعة، وهو أبو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وأم عبد الله أسماء بنت مخرمة من بني نهشل؛ فلما قتل محمد بن أبي الجهم قال أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص وعنده بنت أبي الجهم بن حذيفة: أيها الأمير إن الميت عورة الحي، وقد عرفت الصهر بيني وبينه فائذن لي في دفنه، فأذن له. وكان مسرف بن عقبة بعدما أوقع بأهل المدينة يوم الحرة في إمرة يزيد بن

معاوية وأنهبها ثلاثاً أتي بقومٍ من أهل المدينة فكان أول من قدم إليه محمد بن أبي الجهم فقال له: تبايع أمير المؤمنين يزيد على أنك عبدٌ قن، إن شاء أعتقك وإن شاء استرقك فقال: بل أبايع علي أني ابن عم كريمٌ حر؛ فقال: اضربوا عنقه. وعن ابن شهاب قال: قال أبو الجهم ليلة أتي بممد بن أبي جهم يحمل حين قتله مسرف: لا والله ما وترت قط قبل الليلة وعنده آل سعيد ويزيد بن عبيد الله بن شيبة بن ربيعة يشهدون محمداً وكان أمية بن عمرو بن سعيد عنده سعدى بنت أبي جهم أخت حميد لأمه فسأل مسرف بن عقبة أن يعطيه محمداً فيجنه فأعطاه إياه فجاءه به فقال أبو الجهم: إنكم يا بني أمية تظنون أن دمي في بني مرة، لا والله ما دمي هناك، وما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال القائل: من الطويل ونحن لأفراسٍ أبوهن واحدٌ ... عتاقٌ جيادٌ ليس فيهن محمر وما لكم فضلٌ علينا بعده سوى ... أنكم قلتم لنا: نحن أكثر ولستم بأقران العديد لأننا ... صغارٌ وقد يربو الصغير فيكبر قال وحميد بن أبي جهم أخو محمد أيضاً. وعن أيوب بن بشير أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج في سفرٍ من أسفاره فلما قرة بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ما الذي رأيت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إن ذلك ليس من سفركم هذا " قالوا: فما هو يا رسول الله؟ قال: " يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي ". قال المدائني: لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة وابن الزبير جالسٌ يسمع: من مجزوء الكامل

محمد بن عبيد بن سعد

قتل الخيار بنو الخيا ... ر ذوو المهابة والسماح والصائمون القائمو ... ن التائبون أولو الصلاح المهتدون المتقو ... ن السائقون إلى الفلاح ماذا بواقم والبقي ... ع من الجحاجح والصباح وبقاع يثرب ويحه ... ن من النوادب والصياح فقال ابن الزبير لأصحابه: يا هؤلاء قد قتل أصحابكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وكان محمد بن أبي الجهم ممن قتل بالحرة قتل صبراً وكانت الحرة سنة ثلاث وستين؛ وقتل يومئذٍ من حملة القرآن سبع مئة محمد بن عبيد بن سعد أبو سعد الجمحي حدث عن أبي مسهر، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لم أر للمتحابين مثل النكاح ". محمد بن عبيد بن أبي عامر المكي قال: لقيت غيلان بدمشق مع نفرٍ من قريش فسألوني أن أكلمه، فقلت له: اجعل لي عهد الله وميثاقه أن لا تغضب ولا تجحد ولا تكتم؛ فقال: ذلك لك، فقلت: نشدتك بالله، هل في السموات والأرض شيءٌ قط وخيرٌ أو شر لم يشأه الله، ولم يعلمه حتى كان؟ قال غيلان: اللهم لا؛ قلت: فعلم الله بالعباد كان قبل أو أعمالهم؟ قال غيلان: بل علمه كان قبل أعمالهم؛ قلت: فمن أين كان علمه بهم؟ من دارٍ كانوا فيها قبله، جبلهم في تلك الدار غيره وأخبره الذي جبلهم في الدار عنهم غيره؟ أم دارٍ هو جبلهم فيها وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي؟ قال غيلان: بل من دار جبلهم هو فيها، وخلق لهم

محمد بن عبيد بن وردان أبو عمرو

القلوب التي يهوون بها المعاصي؛ قلت: فهل كان الله يحب أن يطيعه جميع خلقه؟ قال غيلان: نعم؛ قال: انظر ما تقول؛ قال: هل معها غيرها؟ قلت: نعم، فهل كان إبليس يحب أن يعصي الله جميع خلقه؟ قال: فلما عرف الذي أردت سكت فلم يرد علي شيئاً. محمد بن عبيد بن وردان أبو عمرو حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عياض بن حمار المجاشعي حديثاً مختصراً رواه غيره كاملاً، هو عن عياض أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم في خطبته: " ألا وإن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا، كل مالٍ نحلته عبدي حلالٌ وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ثم إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وابتلي بك وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرأه نائماً يقظاناً، وإن الله أمرني أن أحرق قريشاً، فقلت: يا رب، إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزةً؛ فقال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسة أمثاله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك؛ وأهل الجنة ثلاثةٌ: ذو سلطان مقسطٌ متصدق موفق، ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجلٌ فقيرٌ عفيف متصدقٌ؛ وأهل النار خمسةٌ: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعٌ أو تبعاء يحيى لا يبتغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل والكذب والشنظير الفحاش ".

محمد بن أبي عتاب المؤذن

محمد بن أبي عتاب المؤذن حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عبد الله بن أبي مطرف، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تخطى الحرمتين فخطوا أوسطه بالسيف ". محمد بن عتبة أبي خليد بن حماد الحكمي حدث عن أحمد بن خالد بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خمسٌ لا جناح على أحدٍ في قتلهن وهو محرمٌ: الفأرة والحدأة والعقرب والكلب العقور ". محمد بن عتيق أبي بكر بن محمد ابن أبي نصر هبة الله بن علي بن مالك أبو عبد الله التميمي، القيرواني، المتكلم الأشعري، المعروف بابن أبي كدية قدم دمشق مجتازاً إلى العراق. قتل سنة ثمانين وأربع مئة. أنشد أبو عبد الله لأبي العلاء المعري الأعمى: من الطويل ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً ... وحق لسكان البسيطة أن يبكوا تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاجٌ ولكن لا يعاد لنا السبك فرد عليه أبو عبد الله محمد الطائي البجائي المتكلم فقال: من الطويل

محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة

كذبت وبيت الله حلفة صادقٍ ... سيسبكنا بعد الثوى من له الملك ونرجع أجساماً صحاحاً سليمةً ... تعارف في الفردوس ما بيننا شك توفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة خارج الكرخ، بالجانب الغربي، رحمه الله. محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة ابن أبي زرعة بن إبراهيم أبو زرعة الثقفي مولاهم قاضي دمشق ومصر كان عفيفاً حسن المذهب شديد التوقف عن إنفاذ الحكم وكان جد جده إبراهيم يهودياً فأسلم. قال أبو زرعة القاضي: عرض يحيى بن خالد القضاء على عبد الله بن وهب المصري فكتب إليه: إني لم أكتب العلم أريد أن أحشر به في زمرة القضاة، ولكني كتبت العلم أريد أن أحشر به في زمرة العلماء. لما اتصل الخبر بأبي أحمد الموفق أن أحمد بن طولون خلعه بدمشق، أمر الموفق بلعن أحمد بن طولون على المنابر بالعراق، فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون أمر بلعن الموفق على المنابر بالشام ومصر، فكان أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي الدمشقي ممن خلع الموفق ولعنه، فوقف قائماً عند المنبر بدمشق يوم الجمعة حين خطب الإمام ولعن الموفق؛ فقال أبو زرعة محمد بن عثمان: نحن أهل الشام، نحن أصحاب صفين، وقد كان فينا من حضر الجمل، ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق يريد أبا أحمد كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه لعنه الله. ولما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق من الحرب الذي كان بينه وبين أبي الحسن بن طولون بعد موت أحمد بن طولون سنة إحدى وسبعين ومئتين، قال لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي: انظر من انتهى إليك ممن كان يبغض دولتنا من أهل دمشق فليحمل إلى الحضرة؛ فحمل يزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبو

زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وأبو زرعة محمد بن عثمان القاضي، حتى صاروا بهم إلى أنطاكية مقيدين محمولين إلى بغداد، فبينا أحمد بن الموفق وهو المعتضد يسير يوماً إذ نظر إلى محامل الشاميين، وهم المحمولون يزيد بن عبد الصمد وأصحابه فالتفت إلى أبي عبد الله الواسطي فقال: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أهل دمشق؛ فقال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فأذكرني بهم. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فلما نزل أحمد بن الموفق أحضر أبا عبد الله الواسطي وأحضرنا بعد أن فكت قيودنا، فأوقفنا بين يديه ونحن مذعورون، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق يعني أبا أحمد من هذا الأمر كنزعي لخاتمي من إصبعي؟ قال: فربت ألسنتنا في أفواهنا حتى خيل لنا أننا مقتولون. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: أما أنا فأبلست، وأما يزيد بن عبد الصمد فخرس، وكان تمتاماً؛ وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سناً فتكلم فقال: أصلح الله الأمير؛ فالتفت إليه أبو عبد الله الواسطي فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك سناً؛ ثم عطف إلينا فقال: ماذا عندكم؟ فقلنا: هذا رجل متكلم يتكلم عنا؛ فقال: تكلم؛ فقال: أصلح الله الأمير، والله ما فينا هاشمي صريح ولا قرشي صحيح ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا يعني قهرنا وروى أحاديث كثيرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السمع والطاعة في المنشط والمكره، ثم روى أحاديث في العفو والإحسان، وكان هو المتكلم بالكلمة التي كنا نطالب بجرتها؛ قال: أصلح الله الأمير إني أشهدك أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار ومالي علي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحدٌ قال هذه الكلمة، ووراءنا حرمٌ وعيال، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة؛ فالتفت المعتضد إلى الواسطي فقال: يا أبا عبد الله أطلقهم لا كثر الله في الناس مثلهم. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فأطلقنا قال: فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن حرزاد في

ترهة أنطاكية وطينها وحماماتها، وسبق أبو زرعة محمد بن عثمان إلى حمص، ورحلنا نحن من أنطاكية نريد حمص، فهو خارجٌ من بلد ونحن نازلون حتى ورد دمشق قبلنا بأيام كثيرة. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فنعينا على أبي زرعة محمد بن عثمان ونعي عليه أهل دمشق فوضعوا عليه كتاباً وذكروا له مثالب وأن أباه كان مجنوناً، وقد كان خرج إلى مصر إلى أبي الجيش يخبره بالسلامة، فدفع أبو الجيش إليه كتاب أهل دمشق بمثالبه؛ فقال: أعز الله الأمير، ما هذا الكتاب بصحيحٍ عن أهل بلدي وإنه لمختلق؛ وذكر دمشق وأهلها بجميل فكتب له بولاية القضاء على دمشق، ورجع أبو زرعة محمد بن عثمان إلى دمشق ووضع يده يشتفي من كل من تكلم فيه من شيوخهم حتى أفضى به الأمر إلى شيخين يعرف أحدهما بابن إياد والآخر بابن نجيح وكانا يلبسان الطويلة فمدا في خضراء دمشق وضربا بالدرة. قال أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي: لما حملنا ابن سليمان إلى العراق قال لي الوزير: ألست من أهل الشام؟ ما ذنبك؟ قلت: ذنبي ما قال أيوب السختياني؛ قال: وما قال أيوب؟ قلت: قال: من أحب أبا بكر الصديق فقد أقام الدين، ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان بن عفان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد برئ من النفاق؛ قال: فأعجبه ذلك. توفي أبو زرعة محمد بن عثمان سنة اثنتين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وثلاث مئة. وقيل: سنة إحدى وثلاث مئة. وكان حافظاً للحديث وهو من موالي بني أمية وكان يرمي بالنصب.

محمد بن عثمان بن الحسن

محمد بن عثمان بن الحسن ابن عبد الله أبو الحسين النصيبي القاضي حدث عن أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يزيد بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق الصدوق: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً أو قال: أربعين ليلةً ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح؛ قال: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيكون من أهلها ". توفي أبو الحسين النصيبي سنة ست وأربع مئة. محمد بن عثمان بن حماد ويقال: ابن حملة الأنصاري الكفرسوسي حدث عن أبي سليم إسماعيل بن حصن بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خيرٌ وكفر عن يمينك ". وحدث عن عبد الوارث بن الحسن بن عمرو القرشي، بسنده إلى ابن عمر قال: أقبل قومٌ من اليهود إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا له: يا أبا بكر صف لنا صاحبك؛ فقال: معاشر يهود لقد كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار كأصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإن خنصري لفي خنصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديدٌ، وهذا علي بن أبي طالب، فأتوا علياً فقالوا: يا أبا الحسن صف لنا ابن عمك؛

محمد بن عثمان بن خراش

فقال علي عليه السلام: لم يكن حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطويل الذاهب طولاً ولا بالقصير المتردد، كان فوق الربعة، أبيض اللون مشرب الحمرة، جعداً، ليس بالقطط، يفرق شعرته إلى أذنه؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلت الجبين، واضح الخدين، أدعج العينين، دقيق المسربة، براق الثنايا، أقنى الأنف، عنقه إبريق فضة، كأن الذهب يجري في تراقيه؛ وكان لحبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعراتٌ من لبته إلى صرته كأنهن قضيب مسكٍ أسود، لم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهن، بين كتفيه كدارة القمر ليلة البدر، مكتوبٌ بالنور سطران، السطر الأعلى: لا إله إلا الله، وفي السطر الأسفل: محمد رسول الله؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما يتقلع من صخرٍ، وإذا انحدر كأنما ينحدر من صببٍ، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا على الناس، وإذا تكلم نصت له الناس، وإذا خطب بكى الناس؛ وكان حبيبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرحم الناس بالناس، كان لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج الكريم؛ وكان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشجع الناس قلباً وأنداه كفاً، وأصبحه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأكرمه حسباً، لم يكن مثله ولا مثل أهل بيته في الأولين والآخرين؛ كان لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، ووسادته الأدم محشوةً بليف النخل، سريره أم غيلان مزمل بالشريط؛ كان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامتان إحداهما تدعى السحاب، والأخرى العقاب، وكان سيفه ذو الفقار، ورايته الغبراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، حماره يعفور، فرسه مرتجز، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواؤه الحمد، إدامه اللبن، قدره الدباء، تحيته السلام؛ يا أهل الكتاب: كنا حبيبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقل البعير ويعلف الناضح ويحلب الشاة ويرقع الثوب ويخصف النعل. محمد بن عثمان بن خراش أبو بكر الأذرعي حدث عن أحمد بن عتبة القيسراني، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أرعب صاحب بدعةٍ ملأ الله قلبه يمناً وإيماناً، ومن انتهر صاحب بدعةٍ أمنه

محمد بن عثمان بن سعيد بن مسلم

الله من الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعةٍ رفعه الله في الجنة درجةً، ومن لان له إذا لقيه تبشبشاً فقد استخف بما أنزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وحدث عن أبي عبيد محمد بن حسان، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الجنة نهرٌ يقال له: الريان، عليه مدينةٌ من مرجانٍ، لها سبعون ألف بابٍ من ذهبٍ وفضةٍ لحامل القرآن ". قال محمد بن عثمان: سمعت العباس بن الوليد يذكر قال: تسقم فتفنى، ثم تموت فتنسى، ثم تقبر فتبلى، ثم تنشر فتحيا، ثم تبعث فتسعى، ثم تحضر فتدعى، ثم توقف فتجزى بما قدمت فأمضيت من موبقات سيئاتك، ومثقلات شهواتك، ومقلقلات فعلاتك. محمد بن عثمان بن سعيد بن مسلم أبو العباس الصيداوي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دخل المسجد لشيءٍ فهو حظه ". محمد بن عثمان بن سعيد بن هاشم ابن مرثد الطبراني حدث عن أحمد بن إبراهيم بن عبد الوهاب الشيباني، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الوضوء ولا الحج ولا العمرة " قيل: فما يكفرها يا رسول الله؟ قال: " الهوم في طلب المعيشة ".

محمد بن عثمان بن عبد الحميد

محمد بن عثمان بن عبد الحميد أبو النمر الصيداوي الضرير حدث عن العباس بن الوليد، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان ذا وصلةٍ لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة بر أو تيسير عسيرٍ أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام ". محمد بن عثمان بن معبد أبو بكر الطائي الصيداوي حدث بمكة عن المفضل بن محمد الجندي، عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: سألت أبي قلت: يا أبه أي العلم أطلب؟ قال: يا بني أما الشعر فيضع الرفيع ويرفع الخسيس، وأما النحو فإذا بلغ صاحبه الغاية صار مؤدباً، وأما الفرائض فإذا بلغ صاحبها فيها غايةً كنا معلماً، وأما الحديث فتأتي بركته وخيره عند فناء العمر، وأما الفقه فللشاب وللشيخ وهو سيد العلم. محمد بن عثمان أبو عبد الرحمن التنوخي المعروف بأبي الجماهر من أهل كفرسوسية حدث عن سليمان بن بلال، بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به ". وحدث عن سعيد بن بشير، بسنده إلى أبي طلحة: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صبح خيبر تلا هذه الآية: " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ".

محمد بن عثمان العقبي

ولد أبو الجماهر سنة إحدى وأربعين ومئة وقيل: سنة أربعين ومئة؛ وكان ثقةً وتوفي سنة أربع وعشرين ومئتين، وكان يقول: تكاملت النعم، وضعف الشكر والعمل. محمد بن عثمان العقبي حدث عن يزيد بن عبد الصمد، بسنده إلى سعيد بن عمارة أنه قال لابنه: أظهر اليأس فإنه غنىً وإياك والطمع فإنه فقرٌ حاضرٌ. محمد بن عدي بن الفضل أبو صالح السمرقندي حدث عن أبي الحسين أحمد بن محمد بن الأزهر التنيسي، بسنده إلى عائشة قالت: طيبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأضحى بعدما رمى جمرة العقبة. توفي أبو صالح السمرقندي سنة أربع وأربعين وأربع مئة. محمد بن عروة بن الزبير ابن العوام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي الزبيري قدم مع أبيه على الوليد بن عبد الملك فسقط من سطحٍ فمات. حدث عن عبد الله بن الزبير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما سمى الله البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط ". وحدث عن أبيه، عن بلال، قال: قالت سودة رحمة الله عليها: يا رسول الله مات فلان فاستراح؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما استراح من غفر له ". وكان محمد بن عروة جميلاً بارع الجمال.

وكان عبد الله بن الزبير قد باع ماله بالغابة التي تعرف بالسقاية من معاوية بمئة ألف درهم وقسمها في بني أسد وتميم فاشترى مجاح لعروة من ثمنه بألوف دنانير وأعطاه عروة؛ وفي مجاح يقول محمد بن عروة بن الزبير: من الخفيف لعن الله بطن لقفٍ مسيلاً ... ومجاحاً فلا أحب مجاحا لقيت ناقتي به وبلقفٍ ... بلداً مجدباً وأرضاً شحاحا قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد بن عروة فدخل محمد بن عروة دار الدواب فضربته دابة فخر ميتاً، ووقعت في رجل عروة الأكلة ولم يدع تلك الليلة ورده فقال له الوليد: اقطعها، قال: لا، فترقت إلى ساقه فقال له الوليد: اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك؛ فقطعت بالمنشار وهو شيخ كبير فلم يمسكه أحد فقال: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ". ولما سقط محمد في اسطبل الدواب وضربته بقوائمها حتى قتلته أتى عروة رجلٌ يعزيه فقال له عروة: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها؛ فقال: لا، بل أعزيك بمحمد؛ فقال: وما له؟ فأخبره الخبر فقال: من الطويل وكنت إذا الأيام أحدثن نكبةً ... أقول: شوىً ما لم يصبن صميمي اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناء فأيمنك، إن كنت أخذت لقد أبقيت وإن كنت ابتليت لقد أعفيت؛ فلما قدم المدينة نزل قصره بالعقيق فأتاه ابن المنكدر فقال: كيف كنت؟ فقال: " لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ".

محمد بن عصمة بن حمزة

وقيل: إن عروة لما أصيب برجله وبابنه قال: اللهم إنهم كانوا سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستةً وركن أربعاً فأخذت واحدةً وأبقيت ثلاثاً، الحديث. وقيل: إنه لما مات ولده كان الماجشون مع عروة بالشام فكره أصحاب عروة وغلمانه أن يخبروه خبره، فذهبوا إلى الماجشون فأخبروه، فجاء من ليلته فاستأذن على عروة فوجده يصلي فأذن له في مصلاه، فقال له: هذه الساعة؟ قال: نعم، طال علي الثواء وذكرت الموت وزهدت في كثيرٍ مما كنت أطلب وخطر ببالي ذكر من مضى من القرون قبلي فجعل الماجشون يذكر فناء الناس وما مضى ويزهد في الدنيا ويذكر بالآخرة حتى أوجس عروة فقال: قل ما تريد، فإنما قام من عندي محمد آنفاً؛ فمضى في قصته ولم يذكر شيئاً ففطن عروة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، واحتسبت محمداً عند الله فعزاه الماجشون عليه وأخبره بموته. محمد بن عصمة بن حمزة أبو المطلع السعدي، الجوزجاني الخراساني حدث عن الجمائي، بسنده إلى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يؤمر به إلى النار ". وحدث سنة إحدى وأربعين ومئتين، بسنده عن أبي المطلع موسى بن ميمون السعدي، أن الحسن بن الحسن قال: كان حي من الأنصار لهم دعوةٌ سابقةٌ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مات منهم ميتٌ جاءت سحابةٌ وأمطرت قبره، فمات مولىً لهم، فقال المسلمون: لننظرن اليوم إلى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مولى القوم من أنفسهم " فلما دفن جاءت سحابةٌ فأمطرت قبره.

محمد بن عطية بن عروة السعدي

وحدث عن بسام بن الفصل البغدادي، بسنده إلى جفشيش الكندي قال: قلت: يا رسول الله، أنت رجل منا؟ قال: " بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ". وحدث عن عمرو بن محمد بن عمرو بن ربيعة بن الغاز الحرشي، بسنده إلى ربيعة بن الحارث، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا ركع في الصلاة قال: " اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري ولجمي ودمي وعصبي وعظمي ومخي وما استطعت وما استقل به قدمي لله رب العالمين، فإذا رفع رأسه قال: " سمع الله لمن حمده " وقال: " ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وما شئت من شيءٍ بعد " فإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله رب العالمين ". قال محمد بن عصمة: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواءٌ للداء الذي لا دواء له، الذي أعيت الأطباء أن يداووه: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، وقال الشافعي: لولا قصب السكر ما أقمت في بلادكم يعني مصر. محمد بن عطية بن عروة السعدي من بني سعد بن بكر يقال: إن له صحبة، والصحيح: إن لأبيه عطية صحبة، وهو من أهل البلقاء. قال محمد بن عطية: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أناسٍ من بني سعد بن بكر، وكنت أصغر القوم فخلفوني في رحالهم ثم أتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقضوا حوائجهم فقال: " هل بقي منكم أحد؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، غلامٌ منا خلفناه في رحالنا؛ فأمرهم أن يدعوني

محمد بن عقبة بن علقمة بن خديج

فقالوا: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتيته فلما دنوت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أعناك الله فلا تسأل الناس شيئاً فإن اليد العليا هي المنطية واليد السفلى هي المنطاة وإن مال الله مسول ومنطى " فكلمني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغتنا. وحدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا استشاط الشيطان تسلط الشيطان ". قال أبو وائل القاضي: كنا عند عروة بن محمد بن عروة إذا دخل عليه رجلٌ فكلمه بشيء فأغضبه، فلما قام رجع إلينا وقد توضأ قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الغضب من الشيطان خلق من النار، والنار إنما يطفئها الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ". قال عروة بن محمد: لما استعملت على اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن؟ قلت: نعم، قال: فإذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك وإلى الأرض أسفل منك ثم أعظم خالقهما. محمد بن عقبة بن علقمة بن خديج أبو عبد الله المعافري البيروتي حدث عن أبيه، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال حين أراد أن ينفر من منى: " نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر " يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وبني كنانة تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يكون بينهم وبينهم شيءٌ حتى يسلموا إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن أبيه، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سها أحدكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ".

محمد بن عقيل بن أحمد بن بندار

محمد بن عقيل بن أحمد بن بندار ويقال: ابن أحمد بن إبراهيم بن بندار أبو عبد الله الخراساني، المعروف بابن الكريدي دمشقي. حدث عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان السلمي، بسنده إلى ابن عباس، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل عرقاً أتاه المؤذن فوضعه، وقام إلى الصلاة ولم يمس ماءً. محمد بن عقيل بن زيد بن الحسن ابن الحسين أبو بكر الشهرزوري الواعظ سكن دمشق. حدث عن القاضي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن سلمة الفارقي، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ". وحدث عن أبي عبد الله يحيى بن عبد الله المعروف بابن كرز، بسنده إلى أبي ذر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله تبارك وتعالى، قال: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً " فذكر الحديث. توفي محمد بن عقيل سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة وكان ثقةً حسن المذهب.

محمد الأصغر بن عقيل بن أبي طالب

حكى المؤرخ عن أبيه أبي محمد الحسن بن هبة الله أنه زار يوماً قبر بلال رضي الله عنه فوجد امرأةً أعجمية تبكي عند قبره فسئلت عن سبب بكائها، فقالت: قبر من هذا الذي إلى جنب بلال؟ فقال: هذا قبر أبي بكر الشهرزوري، وهذا قبر أبيه أبي إسحاق، فقالت: كنت زرت قبر بلالٍ مرةً ثم خرجت إلى المدينة فجاورت بها، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم وهو يقول لي: " زرت قبر بلالٍ وما زرت جاره " فرجعت من المدينة لزيارته. محمد الأصغر بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي العقيلي كان مع ابن عمه الحسين بن علي حين توجه إلى العراق، فلما قتل الحسين وأهل بيته استصغر محمد بن عقيل فلم يقتل، وقدم به دمشق فيمن أقدم من أهل بيته. حدث عن أبيه عقيل بن أبي طالب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ". وحدث عن أبيه قال: نازعت علياً وجعفر بن أبي طالب في شيءٍ، فقلت: والله ما أنتما بأحب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني، إن قرابتنا لواحدةٌ، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي ". وعقيل بضم العين.

محمد بن عقيل بن محمد

محمد بن عقيل بن محمد ابن عبد المنعم بن هاشم بن ريش أبو عبد الله القرشي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى صالح بن مسمار، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للحارث بن مالك: " كيف أنت يا حارث؟ أو: ما أنت يا حارث؟ " قال: مؤمن يا رسول الله؛ قال: " مؤمن حقاً؟ " قال: مؤمن حقاً؛ قال: " فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة ذلك؟ " قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي عز وجل، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أسمع عواء أهل النار؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مؤمنٌ، نور الله قلبه ". وعقيل بفتح العين. توفي أبو عبد الله محمد بن عقيل سنة سبع وستين وأربع مئة، وكان ثقةً. محمد بن عكاشة بن محصن أبو عبد الله الكرماني حدث عن عبد الرزاق، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن ما في بطن المرأة غلاماً خرج عالماً غازياً، ذكي القلب شجاعاً سخياً، وإن يكن ما في بطنها جاريةً حسن خلقها، وعظم عجيزتها، وحظيت عند زوجها " قال: هذا حديث منكر.

وقال أبو زرعة: كنا محمد بن عكاشة كذاباً. قال محمد بن عكاشة: إن أصول السنة وما اجتمع عليه أهل السنة والجماعة مثل سفيان بن عيينة، ووكيع، وعد جماعة من العلماء، وهو الرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والصبر على حكمه، والأمر بما أمر الله، والنهي عما نهى الله، وإخلاص العمل لله، والإيمان بالقدر خيره وشره، وترك المراء والخصومات في الدين، والمسح على الخفين، والجهاد مع كل خليفةٍ، وصلاة الجمعة مع كل بر وفاجرٍ، والصلاة على من مات من أهل القبلة، والإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيهم من عدلٍ أو جور، ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، ولا ينزل أحداً من أهل القبلة جنةً ولا ناراً، ولا يكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عملوا بالكبائر، والكف عن مساوئ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وعمر. قال محمد بن عكاشة: وأخبرنا معاوية بن حماد عن الزهري قال: من اغتسل ليلة الجمعة، وصلى ركعتين يقرأ فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، ثم نام رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامه. قال محمد بن عكاشة: دمت عليه نحواً من سنتين طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فأعرض عليه هذه الأصول. قال محمد بن عكاشة: فأتت علي ليلةٌ باردةٌ اغتسلت طمعاً أن أرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فصليت ركعتين وقرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، فلما أخذت مضجعي أصابتني جنابةٌ فقمت الثانية فاغتسلت وصليت ركعتين قرأت فيهما " قل هو الله أحد " ألف مرة، فلما فرغت منهما قريباً من السحر استندت إلى الحائط، ووجهي إلى

القبلة فدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النعت والصفة وعليه بردان مثل هذه البرود اليمانية قد تأزر بواحدةٍ وتردى بالأخرى، فجاء فاستوى على رجله اليسرى وأقام اليمنى. قال محمد بن عكاشة: فأردت أن أقول: حياك الله، فبدأني فقال: " حياك الله يا محمد " وكنت أحب أن أرى رباعيته مكسورةً، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظرت إلى رباعيته المكسورة، قفلت: يا رسول الله إن الفقهاء قد خلطوا علي وعندي أصناف من السنة، فأعرضهن عليك؟ قال: نعم؛ قلت: الرضى بقضاء الله والتسليم لأمره، وذكر الأصول التي عددها في أول الحديث. قال محمد بن عكاشة: فلما ذكرت أفضل الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر وعمر وقفت عند علي وعثمان كأني تهيبت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أفضل عثمان على علي، فقلت في نفسي: علي ابن عمه، وعثمان ختنه، فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنه قد علم ما أردت، ثم قال: " عثمان ثم علي " ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذه السنة فشد يدك بها ". وضم أصابعه. قال محمد: عرضت عليه هذه الأصول ثلاث ليالٍ كل ليلة أقف عند علي وعثمان فتبسم عند وقوفي كأنه قد علم ثم يقول: " عثمان ثم علي تمسك بها ". قال محمد بن عكاشة: أعرض عليه هذه الأصول وعيناه تهملان، فلما أن قلت: الكف عن مساوئ أصحابك، فانتحب حتى علا صوته. قال ابن عكاشة: وجدت حلاوةً في فمي وقلبي فمكثت ثمانية أيام لا آكل طعاماً حتى ضعفت عن صلاة الفريضة، فلما أكلت ذهبت تلك الحلاوة من فمي. قال سعيد بن عمرو البرذعي: قلت لأبي زرعة: محمد بن عكاشة الكرماني: فحرك رأسه وقال: قد رأيته، وكتبت عنه وكان كذاباً؛ قلت: كتبت عنه الرؤيا التي كان يحكيها؟ قال: نعم كتبت عنه فزعم أنه عرض على شبابة: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقال به، وعلى أبي نعيم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فقال به، كذاب لا يحسن أن يكذب أيضاً، قلت: أين رأيته؟ قال: قدم علينا ها هنا مع محمد بن رافع النيسابوري، وكان رفيقه وكنت أراه، له سمتٌ؛ فسألت محمد بن رافع عنه فكره أن يقول فيه شيئاً، وقال: لا يخفى

عليك أمره إذا فاتحته؛ فأتيته فقلت: إن رأيت أن تفيدني شيئاً؛ فوقع عليه الرعدة، ثم كاد أن يصعق، وأقبل بطنه يضطرب، وهالني أمره، ثم أفاق فابتدأ على أثر الصعقة فكان أول من ابتدأ به أن كذب على الله وعلى رسوله وعلى علي بن أبي طالب وعلى ابن عباس؛ قلت: كيف كذب عليهم؟ قال أول ما أملاه علي أن قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك أن ابن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أن جبريل أخبره أن الله تبارك وتعالى قال: من لم يؤمن بالقدر فليس مني؛ أو نحو هذا من الكلام. قال أبو عبد الله الحافظ: ومن الكذابين جماعةٌ وضعوا الحديث حسبةً كما زعموا يدعون الناس إلى فضائل الأعمال مثل أبي عصمة ومحمد بن عكاشة. قيل لمحمد بن عكاشة الكرماني: إن قوماً عندنا يرفعون أيديهم من الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع؛ فقال: حدثنا فلان عن فلان عن أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رفع يديه للركوع فلا صلاة له ". قال سهل بن السري الحافظ: قد وضع أحمد بن عبد الله الجويباري، ومحمد بن عكاشة الكرماني، ومحمد بن تميم الفارياني على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من عشرة آلاف حديث. وكان محمد بن عكاشة من أحسن الناس نغمةً في القرآن، وكان إذا قرأ وبكى يسمع خفقان قلبه؛ قيل: إنه شهد الجمعة فقرأ الإمام على المنبر آيةً فصعق فمات؛ وقيل: إنه كان حياً إلى سنة خمس وعشرين ومئتين.

محمد بن علي بن أحمد بن رستم

محمد بن علي بن أحمد بن رستم أبو بكر الماذرائي، الكاتب وزر لأبي الجيش خمارويه بن أحمد وقدم معه دمشق. حدث عن أبي عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة " قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: " وإن زنى وإن سرق " ثلاث مرات. وكان أبو بكر الماذرائي شيخاً جليلاً عظيم الماه والجاه والمحل؛ حدث عن نفسه قال: كتبت لخمارويه بن أحمد بن طولون وأنا حدثٌ فركبتني الأشغال وقطعني ترادف الأعمال عن تصفح أحوال المعطلين وتفقدهم؛ وكان ببابي شيخ من مشيخة الكتاب قد طالت عطلته وأغفلت أمره فرأيت في منامي أبي يقول لي: ويحك أما تستحي من الله عز وجل أن تتشاغل بلذاتك وأعمالك والناس يتلفون ببابك ضراً؟ هذا فلان من شيوخ الكتاب أفضى أمره إلى أن تقطع سراويله فما يمكنه أن يشتري بدله، وهو كالميت جوعاً وأنت لا تنظر في أمره، أحب أن لا تغفل أمره؛ فانتبهت مذعوراً اعتقدت الإحسان إلى الشيخ، ونمت وأصبحت وأنسيت أمر الشيخ، فركبت إلى دار خمارويه فأنا أسير إذ تراءى لي الرجل على دويبةٍ ضعيفةٍ ثم أومى إلي الرجل فانكشف فخذه فإذا هو لابس خفاً بلا سراويل، فحين رأيته ذكرت المنام، وقامت قيامتي، فاستدعيته وقلت: يا هذا ما حل لك أن تركت إذكاري بأمرك، أما كان في الدنيا من يوصل لك رقعةً، أو يخاطبني فيك؟ قد قلدتك الناحية الفلانية، وأجريت عليك في كل شهر مئتي دينار، وأطلعت لك من خزانتي ألف دينار صلةً ومعونةً على الخروج إليها، وأمرت لك من الثياب والحملان بكذا وكذا، فاقتض ذلك واخرج الساعة، فإن حسن أثرك في تصرفك

محمد بن علي بن أحمد الملطي

زدتك، وفعلت بك وصنعت؛ وضممت إليه غلاماً يتنجز له ذلك كله؛ ثم سرت؛ فما انقضى اليوم حتى فعل به جميع ما أمرت به. ولد أبو بكر سنة سبع وخمسين ومئتين وتوفي بمصر سنة خمس وأربعين وثلاث مئة. محمد بن علي بن أحمد الملطي ابن أبي فروة أبو الحسين الملطي المقرئ حدث عن عبيد الله بن الحسين، بسنده إلى أبي بردة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بولي ". قال علي بن محمد الحنائي: ظهر في الجامع من يقول باللفظ في القرآن، والتلاوة غير المتلو، فقال لي أبو الحسين الملطي يوماً: يقدر إنسان أن يضيف شعر امرئ القيس إلى نفسه؟ قلت: لا، قال: أليس إذا أنشده إنسان قلنا: شعر امرئ القيس؟ فكذلك القرآن ممن سمعناه قلنا: كلام الله، ولا يجوز أن يضيفه إنسان إلى نفسه. توفي أبو الحسين سنة أربع وأربع مئة. محمد بن علي بن أحمد بن موسى ابن عبد الله أبو عبد الله السمرقندي قدم دمشق حدث عن أبي علي عبد الله بن عبد الرحمن النيازكي، بسنده إلى أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من مسلم يصوم فيقول عند إفطاره: يا عظيم يا عظيم أنت إلهي لا إله لي غيرك، اغفر لي الذنب العظيم فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم، إلا خرج من ذنوبه كيوم

محمد بن علي بن أحمد بن المبارك

ولدته أمه " وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علموها عقبكم فإنها كلمةٌ يحبها الله ورسوله، ويصلح بها أمر الدنيا والآخرة ". في إسناده مجاهيل. محمد بن علي بن أحمد بن المبارك أبو عبد الله البزاز حدث عن إسماعيل بن عبد الرحمن النيسابوري، بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: كل يوم ألف يوم ويم عرفة عشرة آلاف يوم؛ قال: يعني في الفضل. ولد أبو عبد الله البزاز سنة خمس وعشرين وتوفي سنة خمس وثمانين وأربع مئة. محمد بن علي بن أحمد أبو بكر الطوسي، الخطيب حدث عن أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الحنائي، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء فقال: " أيها الناس، كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذي نشيع من الأموات سفرٌ، عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم قد أمنا كل حائجةٍ، ونسينا كل موعظة؛ طوبى لمن شغلته عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مالٍ اكتسبه من حلالٍ من غير معصيةٍ، ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة واتبع السنة ولم يعدها إلى بدعةٍ، فأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، طوبى لمن حسنت سريرته وطهرت خليقته ".

محمد بن علي بن أحمد الشاهد

محمد بن علي بن أحمد الشاهد أبو عبد الله ابن الشرابي، الشاهد حدث عن أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى " ونفخ في الصور " قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو قرن ينفخ فيه " قال معمر: وكان قتادة يقول: هي الصور ويقرؤها " ونفخ في الصور " يعني صور الناس. توفي أبو عبد الله سنة خمس وعشرين وخمس مئة. محمد بن علي بن إبراهيم بن يوسف أبو الحسن الثقيفي البصري الواعظ قدم دمشق وحدث عن أبي بكر محمد بن عدي بن زحر المنقري، بسنده إلى صهيب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ". محمد بن علي بن إبراهيم بن أحمد أبو طالب البغدادي، المعروف بابن البيضاوي قدم دمشق وحدث عن أبي القاسم طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد بسنده إلى بشير بن عمرو قال: دخلت على سهل بن حنيف وهو شديد المرض فسألته: هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر

يذكر في الخوارج شيئاً؟ قال: سل أخبرك بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أزيدك ولا أنقصك؛ سمعته يقول: " إنه سيأتي قومٌ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية " قال: وقال: " المدينة حرمٌ " قال: فقلت له: هل وقت شيئاً؟ قال: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أزيدك عليه. وحدث عن محمد بن المظفر، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المتبايعان كل واحدٍ منهم بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار ". توفي أبو طالب سنة ست وأربعين وأربع مئة. محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي الفقيه الأديب، المعروف بالقفال حدث عن عمر بن محمد السمرقندي، بسنده إلى ابن عمر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لولا المنابر لاحترقت أهل القرى ". وحدث عن عمر بن محمد بسنده إلى عبد الله بن أبي مريم عن أبيه، قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له: إني ولد لي الليلة جارية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم " فكان يكنى بأبي مريم. قال أبو بكر الشاشي: دخلت على أبي بكر بن خزيمة عن ورودي نيسابور وأنا غلامٌ أيفع، فتكلمت بين يديه في مسألة فقال لي: يا بني علي من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث، فقال: على من درس؟ فقلت: على ابن سريج، فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتبٍ مستعارةٍ؟ فقال بعض من حضر: أبو الليث هذا مهجور بالشاش، قال: البلد للحنابلة، فقال أبو بكر: وهل كان ابن حنبل إلا غلام من غلمان الشافعي.

محمد بن علي بن إسماعيل الأبلي

وأنشد أبو بكر الفقيه قال: أنشدني أبو بكر الدريدي لنفسه في صفة الأترج: من المنسرح جسم لجينٍ قميصه ذهبٌ ... مركبٌ في بديع تركيب فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب ومن شعر أبي بكر القفال الشاشي: من المتقارب أوسع رحلي على من نزل ... وزادي مباحٌ على من أكل نقدم حاضر ما عندنا ... وإن لم يكن غير خبزٍ وخل فأما الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لا أبل كان أبو بكر الشاشي إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين، وأعلمهم بالأصول وأكثرهم رحلةً في طلب الحديث. توفي سنة خمس وستين وثلاث مئة وقيل غير ذلك. محمد بن علي بن إسماعيل الأبلي ابن الفضل أبو عبد الله الأبلي سمع بدمشق حدث عن أحمد بن المعلى بن يزيد الأسدي، بسنده إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صلى الله عليه قال: " إن من الشعر حكمة ". توفي أبو عبد الله الأبلي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة.

محمد بن علي بن أمية بن عمرو

محمد بن علي بن أمية بن عمرو ويقال: ابن أبي أمية أبو جعفر الشاعر، الملقب بأبي حشيشة قدم دمشق مع المأمون. قال أبو حشيشة: كنا قدام أمير المؤمنين بدمشق فغنى علويه: من الطويل برئت من الإسلام إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا لكنهم لما رأوك سريعةً ... إلي تواصلوا بالنميمة واحتالوا فقالوا يا علويه: لمن هذا الشعر؟ قال لقاضي دمشق قال: يا أبا إسحاق اعزله؛ فقال: عزلته، قال: فيحضر الساعة؛ فأحضر شيخٌ مخضوبٌ قصيرٌ، فقال له المأمون: من تكون؟ قال: فلان بن فلان الفلاني، قال: تقول الشعر؟ قال: كنت أقوله، فقال: يا علويه أنشده الشعر فأنشده، فقال: هذا الشعر لك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ونساؤه طوالق وكلما يملك في سبيل الله إن كان قال شعراً من ثلاثين سنة إلا في زهدٍ ومعاتبة صديقٍ، فقال: يا أبا إسحاق اعزله فما كنت أولي رقاب المسلمين من يبدأ في هزله بالبراءة من الإسلام، ثم قال: اسقوه؛ فأتي بقدحٍ فيه شراب، فأخذه وهو يرتعد، فقال: يا أمير المؤمنين ما ذقته قط، قال: فلعله يريد غيره؟ قال: لم أذق منه شيئاً قط؛ قال: فحرام هو؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أولى لك، بها نجوت، اخرج؛ ثم قال: يا علويه لا تقل: برئت من الإسلام، ولكن قل: حرمت مناي منك إن كان ذا الذي ... أتاك به الواشون عني كما قالوا

محمد بن علي بن جعفر

كان أبو حشيشة أديباً ظريفاً حسن المعرفة بصنعة الغناء وكتب إلى ابن يزداد رقعةً يستعينه: من الطويل أعزز علي بأن تكون كما أرى ... حسن الشمائل فاتر الأجفان حسن الوصال لكل من واصلته ... متحزباً لمسرة الإخوان وأخص منك وقد عرفت محبتي ... بالصد والإعراض والهجران وإذا شكوتك لم أجد لي مسعداً ... ورميت فيما قلت بالبهتان محمد بن علي بن جعفر أبو بكر الكتاني، البغدادي الصوفي قال أبو بكر الكتاني: كنت أنا وأبو سعيد الخراز وعباس بن المهتدي وآخر لم يذكره، نسير بالشام على ساحل البحر إذا شابٌ سيمشي معه محبرةٌ ظننا أنه من أصحاب الحديث، فتثاقلنا به، فقال له أبو سعيد: يا فتى على أي طريق تسير؟ فقال: ليس أعرف إلا طريقين: طريق الخاصة وطريق العامة؛ فأما طريق العامة فهذا الذي أنتم عليه، وأما طريق الخاصة فبسم الله؛ وتقدم إلى البحر، ومشى على الماء، فلم نزل نراه حتى غاب عن أبصارنا. قال محمد بن علي الكتاني: إن لله تعالى ريحاً تسمى الصيحة، مخزونة تحت العرش، تهب عند الأسحار، تحمل الأنين والاستغفار إلى الملك الجبار.

قال الكتاني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام وهو شعث غبر، وعليه جبة صوفٍ قصيرة إلى أنصاف ساقيه دنسة، محلول الأزرار، كثير شعر الرأس، حاسر، حافي القدمين؛ فساءني منظره ذلك لأنني لم أره قط على تلك الحال، فاغتممت لذلك غماً شديداً، وقد كان أبو حمزة محمد بن إبراهيم حدثني مرة أن منامات أصحابنا لا يعبرها غيرهم لأنها على حسب أحوالهم ومقاماتهم، فقصدت أبا حمزة وقصصت عليه رؤياي وغمي بها؛ فقال: لا يغمك ما رأيت، تراءى لك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة واعظٍ منذرٍ فقال: هكذا كن، وبي فاقتد، وعلى هذا فالقني؛ فسرى عني ذلك. وكان يقال: إن الكتاني ختم في الطواف اثنتي عشرة ألف ختمة. قال الكتاني: كنت في ابتداء أمري أطوف فيجيء أبو سعيد الخراز فيقوم على طرف المطاف فإذا علم أني قد فرغت من طوافي أخذني إلى جانب ويعطيني شيئاً، وكنت أكره ذلك وأحب أن أطوي، فقال لي يوماً: أراك تكره هذا، قلت: نعم، قال لي: اسكت لو ابتليت بطعامٍ مسلحي، أيش كنت تعمل؟ سئل محمد بن علي الكتاني عن التوبة فقال: التبعد من المذمومات كلها إلى الممدوحات كلها، ثم المكابدات، ثم المجاهدات، ثم الثبات، ثم الرشاد، ثم تدرك من الله الولاية وحسن المعونة. كان الكتاني يقول: العاجز من عجز عن سياسة نفسه. وقال: من يدخل هذه المفازة يحتاج إلى أربعة أشياء: حالٍ يحميه، وعلمٍِ يسوسه، وورعٍ يحجزه، وذكرٍ يؤنسه. وكان الكتاني يقول إني لأعرف من اشتكت عينه فاعتقد فيما بينه وبين الله عز وجل

أن لا يرجع إلى شيءٍ من مصالح نفسه أو تبرأ عينه، فأغفى غفوةً فهتف به هاتفٌ: يا هذا لو عقدت هذا العقد على أهل النار لأخرج من في النار؛ فلما انتبه كأن عينه صحيحة، وليس به بأسٌ. وكان يقول: كن في الدنيا ببدنك وفي الآخرة بقلبك. قال الكتاني: صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلاً، فوهبت له شيئاً ليزول ما في قلبي فلم يزل، فحملته إلى بيتي وقلت له: ضع رجلك على خدي، فأبى، فقلت: لا بد، ففعل، واعتقدت أن لا يرفع رجله من خدي حتى يرفع الله من قلبي ما كنت أجده، فلما زال عن قلبي ما كنت أجده قلت له: ارفع رجلك الآن. قال أبو بكر الكتاني: سألت ابن الفرجي فقلت: إن لله صفوةً وإن لله خيرةً، فمتى يعرف العبد أنه من صفوة الله ومن خيرة الله؟ فقال: كيف وقعت ها هنا؟ قلت: جرى على لساني؛ قال: إذا خلع الراحة، وأعطى المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة، وصار المدح والذم عنده سواء. كان الكتاني يقول: التصوف خلق من زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في التصوف. كان الكتاني يقول: من حكم المريد أن تكون فيه ثلاثة أشياء: نومه غلبة وأكله فاقة وكلامه ضرورة.

وكان يقول: لولا أن ذكره فرضٌ علي لم أذكره إجلالاً له؛ مثلي يذكره ولم يغسل فمه بألف توبة متقبلة عز ذكره. سئل محمد بن علي الكتاني: أيش الفائدة في مذاكرة الحكايات؟ فقال: الحكايات جند من جنود الله يقوى بها أبدان المريدين، فقيل له: هل لهذا من شاهد؟ قال: نعم، قال الله عز وجل: " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ". كان أبو بكر الكتاني يقول: إذا صح الافتقار إلى الله عز وجل صح الغنى لأنهما حالات لا يتم أحدهما إلا بصاحبه. وكان يقول: الغافلون يعيشون في حلم الله، والعارفون يعيشون في لطف الله، والصادقون يعيشون في قرب الله عز وجل. وكان يقول: أنزهك عما وحدك به الموحدون. وكان الكتاني يقول: روعةٌ عند انتباهٍ من غفلةٍ، وانقطاعٌ عن حظ النفسانية، وارتعادٌ من خوف قطيعةٍ أفضل من عبادة الثقلين. نظر الكتاني إلى شيخٍ أبيض الرأس واللحية يسأل، فقال: هذا رجلٌ أضاع حق الله سبحانه وتعالى في صغره فضيعه الله تعالى في كبره. وقال الكتاني: الشهوة زمام إبليس فمن أخذ بزمامه كان عبده. قال أبو بكر الكتاني: كنت في طريف مكة فإذا أنا بهميان ملء دنانير فهممت أن أحمله لأفرقه بمكة على الفقراء فهتف بي هاتف: إن أخذته سلبناك فقرك.

محمد بن علي بن الحسن بن علي

قال الكتاني: رأيت بعض الصوفية تقدم إلى الكعبة فقال: يا رب ما أدري ما يقول هؤلاء يعني الطائفين انظر ما في هذه الرقعة، قال: فطارت الرقعة في الهواء وغابت توفي الكتاني سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة. وكان يقول: قسمت الدنيا على البلوى وقسمت الجنة على التقوى. محمد بن علي بن الحسن بن علي ابن حرب أبو الحسن، ويقال: أبو الفضل الرقي قاضي طبرية حدث عن عقبة بن مكرم، بسنده إلى حكيم عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم موفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله عز وجل ". قال: المحفوظ أنتم خيرها. وحدث عن أيوب بن محمد الوراق، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه ". ولد أبو الفضل محمد بن علي سنة ثنتين وثلاثين ومئتين، ومات سنة أربع عشرة وثلاث مئة. محمد بن علي بن الحسن بن وهيب أبو بكر العطوفي حدث سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة عن محمد بن نصر الصائغ، بسنده إلى زيد بن ثابت، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة ".

محمد بن علي بن الحسن أبو بكر

محمد بن علي بن الحسن أبو بكر الشرابي الرماني البغدادي قدم دمشق. حدث عن إبراهيم بن هاشم البغوي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكذب الناس الصباغون والصواغون ". توفي أبو بكر الرماني سنة اثنين وخمسين وثلاث مئة. محمد بن علي بن الحسن بن أحمد أبو بكر التنيسي المعروف بالنقاش سمع بدمشق. حدث عن أبي بكر أحمد بن محمد بن سلام، بسنده إلى عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يؤتى بالقاضي يوم القيامة فيلقى من الهول قبل الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة ". توفي أبو بكر النقاش سنة تسع وستين وثلاث مئة وعمره سبع وثمانون سنة. محمد بن علي بن الحسن البعلبكي ابن أبي المضاء أبو المضاء البعلبكي المعروف بالشيخ الدين حدث عن ابن عمه القاضي أبي علي الحسين بن علي بن محمد بن أبي المضاء، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله: وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق خلقي، لا أجمع على عبدي خوفين

محمد بن علي بن الحسين بن علي

ولا أجمع لعبدي أمنين فمن خافني في الدنيا آمنته اليوم، ومن أمنني في الدنيا أخفته اليوم ". ولد أبو المضاء بدمشق سنة خمس وعشرين وأربع مئة وتوفي سنة تسع وخمس مئة. محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب الباقر أبو جعفر الهاشمي، باقر العلم أوفده عمر بن عبد العزيز عليه حين ولي الخلافة يستشيره في بعض أموره. حدث عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثاً، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير؛ يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك. لما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى الفقهاء فقربهم، وكانوا أخص الناس به؛ بعث إلى محمد بن علي بن حسين أبي جعفر، وبعث إلى غيره؛ فلما قدم أبو جعفر محمد على عمر وأراد الانصراف إلى المدينة، بينا هو جالس في الناس ينتظرون الدخول على عمر أقبل ابن حاجب عمر وكان أبوه مريضاً فقال: أين أبو جعفر ليدخل؟ فأشفق محمد بن علي أن يقوم فلا يكون هو الذي دعي به، فنادى ثلاث مرات، قال: لم يحضر يا أمير المؤمنين قال: بلى، قد حضر، حدثني بذلك الغلام؛ قال: فقد ناديته ثلاث مرات؛ قال: كيف قلت؟ قال: قلت: أين أبو جعفر؛ قال: ويحك اخرج فقل؛ أين محمد بن علي؛ فخرج فقام فدخل فحدثه ساعةً وقال: إني أريد الوداع يا أمير المؤمنين، قال عمر: فأوصني يا أبا جعفر، قال: أوصيك بتقوى الله واتخذ الكبير أباً والصغير ولداً والرجل أخاً؛ فقال:

رحمك الله جمعت لنا والله ما إن أخذنا به وأعاننا الله عليه استقام لنا الخير إن شاء الله؛ ثم خرج. فلما انصرف إلى رحله أرسل إليه عمر: إني أريد أن آتيك فاجلس في إزارٍ ورداءٍ؛ فبعث إليه: لا بل آتيك؛ فأقسم عليه عمر، فأتاه عمر فالتزمه، فوضع صدره وأقبل يبكي، ثم جلس بين يديه ثم قام وليس لأبي جعفرٍ حاجةٌ سأله إياها إلا قضاها له وانصرف، فلم يلتقيا حتى ماتا جميعاً رحمهما الله. وكان يقال لمحمد بن علي: باقر العلم؛ وله يقول القرظي: من السريع يا باقر العلم لأهل التقى ... وخير من لبى على الأجبل قال أبو الزبير: كنا عند جابر بن عبد الله وقد كف بصره وعلت سنه، فدخل عليه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي صغيرٌ، فسلم على جابرٍ وجلس، فقال لابنه محمد: قم إلى عمك فسلم عليه وقبل رأسه؛ ففعل الصبي ذلك؛ فقال جابر: من هذا؟ فقال علي: ابني؛ فضمه إليه وبكى وقال: يا محمد إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ عليك السلام؛ فقال له صحبه: وما ذاك أصلحك الله؟ فقال: كنت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل عليه الحسين بن علي فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه ثم قال: " يولد لابني هذا ابنٌ يقال له علي زاد في حديث آخر عنه وهو سيد العابدين، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: ليقم سيد العابدين فيقوم هو، ويولد له محمد إذا رأيته يا جابر فاقرأ عليه السلام مني زاد في حديث آخر عنه واعلم أن المهدي من ولده، واعلم يا جابر أن بقاءك بعده قليلٌ " فما لبث جابرٌ بعد ذلك اليوم إلا بضعة عشر يوماً حتى توفي. وكان نقش خاتم محمد بن علي: القوة لله جميعاً. حدث عمر بن علي وجعفر بن محمد قالا: كان محمد بن علي إذا حدث بالحديث ومعنا الألواح فذهبنا نكتب أبى أن يحدث؛

وقال: لا تكتبوا، فإنا لم نكتب احفظوا بقلوبكم؛ فكنا إذا قمنا من عنده تراجعنا حديثه الفقه. قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحدٍ أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم. دخل هشام بن عبد الملك بن مروان المسجد الحرام متوكئاً على مولاه سالم فنظر إلى محمد بن علي بن الحسين، وقد أحدق الناس به حتى خلا الطواف فقال: من هذا؟ فقيل له: محمد بن علي بن الحسين وفي آخر بمعناه فقال: هذا المفتون به أهل العراق؟ قال: نعم فأرسل إليه فقال: أخبرني عن يوم القيامة ما يأكل الناس فيه وما يشربون؟ فقال محمد بن علي للرسول: قل له: يحشرون على مثل قرصة النقي فيها أنهارٌ تفجر؛ فأبلغ ذلك هشاماً فرأى هشام أن قد ظفر به فقال: قل له: ما أشغلهم يومئذ عن الأكل والشرب؛ فأبلغه الرسول فقال محمد بن علي: قل له: هم والله في النار أشغل، وما شغلهم عن أن قالوا: " أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله " قال: وظهر عليه محمد بن علي. وعن سلمة بن كهيل: في قوله: " لآياتٍ للمتوسمين " قال: كان أبو جعفر منهم. قال عبد الله بن يحيى البزار: رأيت على أبي جعفر محمد بن علي إزاراً أصفر، وكان يصلي كل يومٍ وليلة خمسين ركعةً بالمكتوبة.

قال قيس بن النعمان: خرجت يوماً إلى بعض مقابر المدينة فإذا بصبي عند قبرٍ يبكي بكاءً شديداً، وإن وجهه ليلقي شعاعاً من نور، فقلت: أيها الصبي ما الذي عقلت له من الحزن حتى أفردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلاء وأنت بغو الحداثة مشغولٌ عن اختلاف الأزمان وحنين الأحزان؟ فرفع رأسه وطأطأه وأطرق ساعةً لا يحير جواباً ثم قال: من البسيط إن الصبي صبي العقل لا صغرٌ ... أزرى بذي العقل فينا لا ولا كبر ثم قال لي: يا هذا خلي الذرع من الفكر، سليم الأحشاء من الحرقة، أمنت تقارب الأجل بطول الأمل إن الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلى تذكر قول الله عز وجل " فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " فقلت: بأبي أنت، من أنت؟ فإني لأسمع كلاماً حسناً، فقال: إن من شقاوة أهل البلى قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء، أن محمد بن علي بن الحسين بن علي وهذا قبر أبي فأي أنسٍ آنس من قربه وأي وحشةٍ تكون معه؛ ثم أنشأ يقول: من الكامل ما غاض دمعي عند نازلةٍ ... إلا جعلتك للبكا سببا إني أجل ثرىً حللت به ... من أن أرى بسواك مكتئبا فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الدموع ففاض فانسكبا قال قيس: فانصرفت وما تركت زيارة القبور مذ ذاك. قال المدائني: بينا محمد بن علي في فناء الكعبة أتاه أعرابي فقال له: هل رأيت الله حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله، ثم رفع رأسه إليه فقال: ما كنت لأعبد شيئاً لم أره؛ فقال: وكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، معروفٌ بالآيات منعوثٌ بالعلامات،

لا يجور في قضيته، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه، " ليس كمثله شيء " ذلك الله لا إله إلا هو؛ فقال الأعرابي: الله أعلم حيث يجعل رسالته. قال محمد بن علي: اذكروا من عظمة الله جل وعلا ما شئتم ولا تذكرون منه شيئاً وهو أعظم منه، واذكروا من النار ما شئتم ولا تذكرون منها شيئاً إلا وهي أشد منه، واذكروا الجنة ما شئتم ولا تذكرون منها شيئأً إلا وهي أفضل منه. قال عروة بن عبد الله: سألت أبا جعفر محمد بن علي: ما قولك في حلية السيف؟ قال: لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه؛ قلت: وتقول: الصديق؟ قال: فوثب وثبةً استقبل القبلة ثم قال: نعم الصديق نعم الصديق، ثلاثاً، فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة. وعن عروة، عن أبي جعفر، قال: كانت قائمة سيف أمير المؤمنين عمر فضية؛ قلت: أمير المؤمنين؟ قال: نعم. وعن محمد بن علي، قال: أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أحسن ما يكون من القول. قال جابر: قلت لمحمد بن علي: أكان منكم أحدٌ أهل البيت يزعم أن ذنباً من الذنوب شركٌ؟ قال: لا، قلت: أكان منكم أهل البيت أحدٌ يقر بالرجعة؟ قال: لا، قلت: أكان منكم أحد أهل البيت يسب أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما؟ قال: لا، فأحبهما وتولهما واستغفر لهما زاد في آخر وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما وفي آخر تولاهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدىً.

وفي آخر عن أبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد قال: أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمدٍ يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما. وكانت أم جعفر بن محمد أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وعن سالم بن أبي حفصة وكان من رؤوس من يبغض أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال: دخلت علي أبي جعفر وهو مريض فقال وأداره قال ذلك من أجلي: اللهم إني أتولى أبا بكرٍ وعمر وأحبهما، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وعن جابر قال: قال لي محمد بن علي: بلغني أن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ويزعمون أني آمرهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله عز وجل لغافلون عنهما. قال جابر الجعفي: قال لي أبو جعفر محمد بن علي لما ودعته: أبلغ أهل الكوفة أني بريءٌ ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قال حكيم بن جبير: سألت أبا جعفر عمن ينتقص أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: أولئك المراق. وعن جعفر بن محمد قال: قال لي أبي: يا بني، إن سب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر، فلا تصل خلف من يقع فيهما.

قال كثير النواء: قلت لأبي جعفر: أخبرني عن أبي بكر وعمر أظلما من حقكم شيئاً أو ذهبا به؟ قال: لا ومنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ما ظلمانا من حقنا ما يزن حبة خردلٍ؛ قال: قلت: أفأتولاهما؟ قال: نعم يا كثير تولهما في الدنيا والآخرة؛ قال: وجعل يصك عنق نفسه ويقول: ما أصابك فتعتقني؛ ثم قال: برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبنان فإنهما كذبا علينا أهل البيت؛ زاد في آخر؛ قال: كان علي بالكوفة خمس سنين فما قال لهما إلا خيراً، ولا قال لهما أبي إلا خيراً، ولا أقول إلا خيراً. وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقد جهل السنة. وعن أبي جعفر قال: إن هذه الآية نزلت في علي وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم " ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سررٍ متقابلين ". وعن أبي حنيفة، عن محمد بن علي، قال: أتيته فسلمت عليه، فقعدت إليه فقال: لا تقعد إلينا يا أخا العراق فإنكم قد نهيتم عن القعود إلينا؛ قال: فقعدت فقلت: يرحمك الله، هل شهد علي موت عمر؟ فقال: سبحان الله، أو ليس القائل: ما أحدٌ من الناس ألقى الله عز وجل بمثل علمه أحب إلي من هذا المسجى عليه ثوبه، ثم زوجه ابنته فلولا أنه رآه لها أهلاً أكان يزوجها إياه؟ وتدرون من كانت لا أبا لك اليوم؟ كانت أشرف نساء العالمين، كان جدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوها علي كرم الله وجهه ذو الشرف والمنقبة في الإسلام، وأمها فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنها، وأخواها حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله عنهما، وجدتها خديجة رضي الله عنها؛ قلت: فإن قوماً عندنا يزعمون أنك تتبرأ منهما، وتنتقصهما فلو كتبت إليهم كتاباً بالانتفاء من ذلك؛ قال: أنت أقرب إلي منهم أمرتك أن لا تجلس إلي فلم تطعني فكيف يطيعني أولئك؟.

قال عبد الملك بن أبي سليمان: قلت لمحمد بن علي: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " قال: هم أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: قلت: فإنهم يقولون هو علي؛ قال: علي منهم. قال بسام: سألت أبا جعفر عن الصلاة خلف بني أمية، فقال: صل خلفهم فإنا نصلي خلفهم، قال: قلت: يا أبا جعفر إن ناساً يزعمون أن هذا منك تقيةً، قال: قد كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان يبتدران الصف وإن كان الحسين ليسبه وهو على المنبر حتى ينزل، أفتقيةٌ هذه؟ وعن أبي جعفر قال: شيعتنا ثلاثة أصناف: صنفٌ يأكلون الناس بنا، وصنفٌ كالزجاج تهشم، وصنفٌ كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جودةً. وعن أبي جعفر محمد بن علي، قال: يزعمون أني أنا المهدي، وأني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون، ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم من بابٍ لخالفهم القدر حتى يأتي به من بابٍ آخر. وعن سكينة بنت حنظلة وكانت بقباء تحت ابن عم لها توفي عنها قالت: دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي فسلم، ثم قال: كيف أصبحت يا بنت حنظلة؟ فقلت: بخير، جعلك الله بخير، فقال: أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرابتي من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحقي في الإسلام، وشرفي في العرب؛ فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أنت رجل يؤخذ منك ويروى عنك، تخطبني في عدتي؟ فقال: ما فعلت، إنما أخبرتك بمنزلتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، وتأيمت من أبي سلمة بن عبد الأسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكرها منزلته من الله عز وجل حتى أثر الحصير في كفه من شدة ما كان يعتمد عليه، فما كانت تلك خطبةً.

قال جرير بن يزيد: قلت لمحمد بن علي بن حسين: عظني؛ قال: يا جرير اجعل الدنيا مالاً أصبته في منامك ثم انتبهت وليس معك منه شيء. جاء رجلٌ إلى محمد بن علي فقال: أوصني؛ قال: هيئ جهازك وقدم زادك وارفض نفسك. قال أبو جعفر: ما استوى رجلان في حسبٍ ودينٍ قط إلا كان أفضلهما عند الله آدبهما؛ قلت: قد علمت فضله عند الناس وفي النادي والمجالس فما فضله عند الله جل جلاله؟ قال: بقراءته القرآن من حيث أنزل ودعائه الله عز وجل من حيث لا يلحن، وذلك أن الرجل ليلحن فلا يصعد إلى الله عز وجل. قال أبو جعفر محمد بن علي: أوصاني أبي قال: لا تصحبن خمسةً ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريقٍ، قال: قلت: من هؤلاء الخمسة؟ قال: لا تصحبن فاسقاً فإنه بائعك بأكلةٍ فما دونها، قلت: يا أبه وما دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، قلت: يا أبه ومن الثاني؟ قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه؛ قلت: يا أبه ومن الثالث؟ قال: لا تصحبن كذاباً فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد؛ قلت: يا أبه ومن الرابع؟ قال: لا تصحبن أحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك؛ قلت: يا أبه ومن الخامس؟ قال: لا تصحبن قاطع رحمٍ فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع. قال الوصافي: كنا يوماً عند أبي جعفر محمد بن علي، فقال لنا: يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو قال في كيسه يأخذ حاجته؟ قلنا: لا؛ قال: ما أنتم بإخوان. قال أبو جعفر محمد بن علي: ما من عبادةٍ أفضل من عفة بطنٍ أو فرجٍ، وما من شيءٍ أحب إلى الله من أن

محمد بن علي بن الحسين البلخي الحافظ

يسأل، وما يدفع القضاء إلا الدعاء، وإن أسرع الخير ثواباً البر، وإن أسرع الشر عقوبةً البغي، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر للناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه. كان أبو جعفر يتعوذ من النبطي إذا استعرب ومن العربي إذا استنبط، فقيل له: كيف يستنبط العربي؟ قال: يأخذ بأخلاقهم ويتأدب بآدابهم. اشتكى بعض ولد محمد بن علي فجزع عليه جزعاً شديداً، ثم خبر بموته فسري عنه، فقيل له في ذلك، فقال: ندعو الله تبارك وتعالى فيما نحب، فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما أحب. توفي محمد بن علي وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة؛ وتوفي سنة ثلاث عشرة ومئة، وقيل: سنة أربع عشرة ومئة، وقيل: توفي وهو ابن ثلاث وسبعين سنةً؛ وفيه اختلافٌ؛ وقيل: توفي سنة ست عشرة وقيل: سنة سبع عشرة وقيل: ثمان عشرة وقيل: توفي سنة أربع وعشرين ومئة في زمن هشام بن عبد الملك وهو ابن ثمان وخمسين سنة. محمد بن علي بن الحسين البلخي الحافظ رحل وسمع حدث عن أبي بكر محمد بن المعافى، بسنده إلى يحيى بن كثير قال: أربعة لا يلامون على الضجر ويحتمل عنهم ضيق الصدر: الشيخ الفاني، والمريض حتى يبرأ، والمسافر حتى يؤوب، والصائم حتى يفطر.

محمد بن علي بن الحسين أبو علي

محمد بن علي بن الحسين أبو علي الإسفرايني، الحافظ الواعظ، المعروف بابن السقاء حدث عن أبي رافع أسامة بن علي بن سعيد البزاري بسنده إلى أنس بن مالك خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطنٍ أكثركم علي صلاةً في الدنيا، من صلى علي في يوم لجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مئة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله بذلك ملكاً يدخله في قبره كما يدخل عليكم الهدايا، يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي ". وحدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد الله، بسنده إلى علي بن بكار قال: شكى رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثرة عياله فقال له إبراهيم: يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوله إلى منزلي. توفي أبو علي الحافظ الإسفرايني بإسفراين سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة. محمد بن علي بن الحسين بن الحسن ابن القاسم ابن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الحسن بن أبي إسماعيل الحسني، الهاشمي الهمذاني الصوفي حدث عن عبد الرحمن بن عمر البجلي بسنده إلى عبد الله بن سعد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنكم قد أصبحتم في زمانٍ كثيرٍ فقهاؤه قليلٍ خطباؤه، كثير من يعطي قليل من يسأل، العمل فيه خيرٌ من العلم، وسيأتي زمانٌ كثيرٌ خطباؤه قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ من يسأل قليلٌ من يعطي، العلم فيه خير من العمل ".

وحديث رواية كل منهم يقول: أخذ فلان بأذني، قال: أخذ فلان بأذني إلى الشريف أبي الحسن محمد بن علي العلوي السني، قال: أخذ بأذني أستاذي الحضري، فقلت له: أيها الشيخ لي عليك حقوق منها؛ أني علوي، وأني غريب، وأني من تلامذتك وأني سني، وسمعت أنك تدعو الله باسم مستجابٍ لك؛ فعلمني أدعو الله في أوقات حاجاتي؛ فأخذ بأذني وقال لي: كل حلالاً وادع الله بأي اسمٍ شئت يستجاب لك، قال كل من الرواة: أخذ فلان بأذني، قال لي: كل حلالاً وادع الله بأي اسمٍ شئت يستجاب لك. قال محمد بن علي بن الحسين: سمعت الحسين بن سليمان يقول بسنده إلى يحيى بن معاذ قال: إن قال لي ربي: ما غرك بي أقول: يا رب برك بي. قال أبو الحسن محمد بن علي: سمعت أيوب بن محمد الزاهد يقول: الدنيا معبر فاتخذوها معتبر. دخل الشريف دويرة الرملة ولم يتعرف إليهم، وكان يقوم بخدمتهم أياماً، حتى دخل يوماً إنسانٌ من الجبل فقبل رأسه، وقال: أيها الشريف؛ فقال عباس الشاعر: من هذا؟ فقال: هذا شريف أهل الجبل ابن أبي إسماعيل الحسيني، وليس بهمذان ونواحيها أغنى منهم، وكان يخدم في البروزة؛ فقام عباس الشاعر وقبل رجله، وقال: إن كنت أحسنت إلى نفسك فلم تحسن إلينا؛ فقال: الساعة يرجع إلي رأس الأمر؛ فأخذ ركوته وخرج من الرملة إلى مصر. ومن شعر أبي الحسن العلوي لنفسه: من الطويل أشار إليه الستر حتى كأنه ... مع السر في قلبي ممازج أسراري وما عجبي أبي بأني قائم ... أتيه على نفسي بمكنون إضماري قال أبو الحسن العلوي: كنت ليلةً عند جعفر الخلدي، وكنت أمرت في بيتي أن يعلق طيرٌ في التنور وكان

محمد بن علي بن الحسين بن أحمد

قلبي معه فقال لي جعفر: أقم عندنا الليلة فتعللت بشيءٍ ورجعت إلى منزلي، فأخرج الطير من التنور ووضع بين يدي، فدخل كلبٌ من الباب وحمل الطير عند تغافل الحاضرين فأتي بالجوذاب الذي تحته فتعلق به ذيل الجارية فانصب؛ فلما أصبحت دخلت على جعفر فحين وقع بصره علي قال: من لم يحفظ قلوب المشايخ سلط عليه كلب يؤذيه. توفي محمد بن علي بن الحسين ببلخ سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وتسعين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل: توفي سنة خمس وتسعين وثلاث مئة؛ وحكي عنه أنه كان يجازف في الرواية في آخر عمره. محمد بن علي بن الحسين بن أحمد ابن إسماعيل ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين العلوي، المعروف بأخي محسن ويعرف بالشريف العابد كان زاهداً، وكان يقول: القرآن هو ما أجمع عليه المسلمون وهو ما بين الدفتين غير مغيرٍ ولا مبدل. وقال: أحق ما أخذ بإسناد القرآن عن الشيوخ إلى أن ينتهي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي الشريف محمد أخو محسن سنة ثمانٍ وتسعين وثلاث مئة. محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو عبد الله الأسدي الكوفي، المعروف بابن الخائط قدم دمشق سنة ستين وأربع مئة. وحدث بها عن الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسيني، بسنده إلى أبي خالد، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذٌ

محمد بن علي بن حمزة بن صابح

بشعره، قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخذ بشعره قال: " من آذى شعرةً مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ". محمد بن علي بن حمزة بن صابح أبو بكر الأنطاكي، ويعرف بأبي هريرة حدث عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي، بسنده إلى عبد الله بن عباس، قال: إن أباه بعثه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجةٍ فوجده جالساً مع أصحابه في المسجد، فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى قام فركع، حتى إذا انصرف من المسجد انصرف إلى منزله، فدخل ثم توضأ فتوضأت، ثم ركع فأقبلت فقمت إلى ركنه الأيسر فأدارني حتى أقامني إلى ركنه الأيمن، فركع ثم ركع ركعتي الفجر ثم خرج إلى الصلاة. توفي أبو هريرة الأنطاكي سنة ثلاثٍ وعشرين وثلاث مئة. محمد بن علي بن حميد بن العباس ابن محمد بن هاشم أبو بكر الكفرطابي حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، بسنده إلى السائب بن يزيد: أن شريح الحضرمي ذكر عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ذاك رجل لا يتوسد القرآن ".

محمد بن علي بن خلف

محمد بن علي بن خلف ابن عبد الواحد أبو عمرو ويقال: أبو بكر الصرار الأطروش أخو الحسن بن علي حدث عن عبد الوهاب أبو محمد بن قبرة، بسنده إلى عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعثرةٌ في كد حلالٍ على عيلٍ محجوبٍ أفضل عند الله من ضربٍ بسيفٍ حولاً كاملاً لا يجف دماً مع إمامٍ عادلٍ ". وحدث عن أحمد بن أبي الحواري، بسنده إلى بلال، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوي مناكبنا في الصلاة. قال علي بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي العقب: أنشدني أبو عمرو محمد بن علي بن خلف الصرار: من الرجز ألا ألا كل جديدٍ بالي ... وكل شيءٍ وإلى زوال تعجبني حالي وأي حال ... تبقى على الأيام والليالي يا صاح أين الأمم الخوالي ... إن شفاء العي في السؤال أين رجالٌ وبنو رجال ... كانوا أناساً مرةً أمثالي ذوي فعالٍ وذوي مقال ... يا ليتني أعلم ما مآلي يموت أحبابي ولا أبالي ... سقياً لتلك الأعظم البوالي يا عجباً مني لما اشتغالي ... والموت لا يخطر لي ببال ونبله مشرعةٌ حيالي محمد بن علي بن الخضر ابن سليمان بن سعيد أبو عبد الله بن أبي الحسن السلمي حدث عن أبيه، بسنده إلى الحسن بن أبي الحسن البصري قال: جف القلم وقضي القضاء وتم القدر، بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل، وسعادة من علم واتقى وشقاء من ظلم واعتدى، وبالولاية من الله للمؤمنين وبالتبرئة من الله للمشركين.

محمد بن علي بن داود

محمد بن علي بن داود أبو بكر البغدادي، الحافظ، المعروف بابن أخت غزال حدث عن عفان، بسنده إلى أبي مالكٍ الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الطهور شطر الإيمان ". توفي ابن أخت غزال سنة أربع وستين ومئتين. محمد بن علي بن سهل بن مصلح أبو الحسن النيسابوري، المعروف بالماسرجسي الفقيه الشافعي حدث عن أبي الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب القاضي بدمشق، بسنده إلى سعيد بن سفيان القاري قال: أتيت علي بن أبي طالب في منزله، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير " وهذا أول حريرٍ رأيته على أحدٍ من المسلمين. توفي أبو الحسن الماسرجسي سنة أربع وثمانين وثلاث مئة. محمد بن علي بن الشاه بن جناح أبو الحسن التميمي المروروذي حدث عن أبي الفضل محمد بن عبد الله بن أحمد القصار، بسنده إلى شعيب عن أبيه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله عز وجل يحب الفضل في كل شيء حتى في الصلاة ".

محمد بن علي بن أبي طالب

محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله الهاشمي، المعروف بابن الحنفية وفد على معاوية وعلي عبد الملك بن مروان. قال محمد بن الحنفية: قدمت على معاوية بن أبي سفيان فسألني عن العمرى فقلت: جعلها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن أعطيها، قال: تقولون ذلك؟ قلت: نعم؛ قال: فإني أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أعمر عمرى فهي له يرثها من عقبه من يرثه ". وحدث محمد بن الحنفية، عن علي، قال: كنت رجلاً مذاءً فكرهت أن أسأله يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: " منه الوضوء ". قال أبو عاصم: صرع محمد بن علي مروان يوم الجمل وجلس على صدر مروان، فلما وفد محمد علي عبد الملك قال له: أتذكر يوم جلست على صدر مروان؟ قال: عفواً يا أمير المؤمنين؛ قال: أم والله ما ذكرت ذلك وأنا أريد أن أكافئك به ولكن أردت أن تعلم أني قد علمت. وأم محمد بن علي: خولة بنت جعفر بن مسلمة بن قيس بن ثعلبة بن يربوع بن فلان بن حنيفة؛ وسمته الشيعة المهدي، فقال كثير: من الوافر

هو المهدي أخبرناه كعبٌ ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي فقيل لكثير: لقيت كعب الأحبار؟ قال: لا؛ قيل: فلم قلت: أخبرناه كعبٌ؟ قال: بالوهم. وقال كثير أيضاً: من الوافر ألا إن الأئمة من قريشٍ ... ولاة الحق أربعةٌ سواء علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبطٌ سبط إيمانٍ وبر ... وسبط غيبته كربلاء وسبطٌ لا تراه العين حتى ... يقود الخيل يقدمها لواء تغيب لا يرى عنهم زماناً ... برضوى عنده عسلٌ وماء وكانت شيعة محمد بن علي يزعمون أنه لم يمت؛ وله يقول السيد: من الوافر ألا قل للوصي فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل المقاما أضر بمعشرٍ والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما وعادوا فيك أهل الأرض طراً ... مقامك عنهم ستين عاما وما ذاق ابن خولة طعم موتٍ ... ولا وارت له أرضٌ عظاما لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكراما وإن له به لمقيل صدقٍ ... وأنديةً تحدته كراما هدانا الله إذا حرتم لأمرٍ ... به وعليه نلتمس التماما تمام مودة المهدي حتى ... تروا راياتنا تترى نظاما وقال السيد في ذلك أيضاً: من الكامل

يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى ... وبنا إليه من الصبابة أولق حتى متى وإلى متى وكم المدا ... يا بن الوصي وأنت حي ترزق وكانت أم محمد بن علي من سبي اليمامة، وولد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكان عبد الله بن الحسن يذكر أن أبا بكرٍ أعطى علياً أم محمد بن الحنفية. قالت أسماء بنت أبي بكر: رأيت أم محمد بن الحنفية سنديةً سوداء، وكانت أمةً لبني حنيفة ولم تك منهم وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم علي أنفسهم. قال ابن الحنفية: كانت رخصةً لعلي، قال: يا رسول الله: إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم " فكنى محمد بن الحنفية أبا القاسم وسماه باسمه؛ وقيل: كانت كنيته أبو عبد الله. وروى محمد بن علي عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهو رخصة لك دون الناس ". وروى أيضاً عن أبيه علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيولد لك ولدٌ قد نحلته اسمي وكنيتي ". وقع بين علي وطلحة كلامٌ، فقال له طلحة: لا كجرأتك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سميت باسمه وكنيت بكنيته وقد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمعهما أحد من أمته بعده؛ فقال علي: إن الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلاناً وفلاناً لنفرٍ من قريش؛ قال: فجاؤوا فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي ولا يحل لأحدٍ من أمتي بعده ". قال محمد بن الحنفية: الحسن والحسين خيرٌ مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما.

وفي آخر غيره: ولقد علما أنه كان يستخليني دونهما، وإني صاحب البغلة الشهباء. قال إبراهيم بن الجنيد الختلي: لا يعلم أحد السند عن علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية. كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتوعده ويحلف له ليحملن إليه مئة ألفٍ في البر ومئة ألفٍ في البحر أو يؤدي إليه الجزية؛ فسقط في روعه، فكتب إلى الحجاج: أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدده وتوعده ثم أعلمني ما يرد عليك؛ فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتابٍ شديدٍ يتهدده ويتوعده فيه بالقتل، فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله تعالى ثلاث مئة وستين لحظةً إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله إلي نظرةً يمنعني بها منك؛ فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم: ما خرج هذا منك ولا أنت كتبت به، ما خرج إلا من بيت نبوة. سأل رجل ابن عمر في مسألة فقال له: سل محمد بن الحنفية ثم أخبرني ما يقول؛ فسأله عنها فأخبره فقال ابن عمر: أهل بيتٍ مفهمون. قال عبد الواحد بن أيمن: بعثني أبي إلى محمد بن علي فرأيته مكحول العينين، فجئت فقلت لأبي: بعثتني إلى رجل كذا وكذا وقعت فيه فقال: يا بني ذاك خير الناس. وقع بين الحسين بن علي وبين محمد بن الحنفية كلامٌ جلس كل واحد منهما عن صاحبه، فكتب إليه محمد بن الحنفية: أبي وأبوك علي بن أبي طالب، وأمي امرأةٌ من بني حنيفة لا ينكر شرفها في قومها، ولكن أمك فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت أحق بالفضل مني فصر إلي حتى ترضاني؛ فلبس الحسين رداءه ونعله فصار إليه فترضاه.

قال الرزهي: قال رجل لمحمد بن الحنفية: ما بال أبيك كان يرمي بك في مرامٍ لا يرمي فيها الحسن والحسين؟ فقال لأنهما كانا خديه وكنت يده، فكان يتوقى بيده عن خديه. وكان محمد بن علي يمشط رأس أمه ويذوبها يعني من الذؤابة. وفي حديث: كان يغلف رأس أمه ويمشطها وينومها. وعن محمد بن الحنفية، قال: ليس بالحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله من أمره فرجاً، أو قال: مخرجاً. سأل رجل محمد بن الحنفية فقال له: أجد غماً لا أعرف له سبباً، وقد ضاق قلبي؟ فقال محمد: غم لم تعرف له سبباً، عقوبة ذنبٍ لم تفعله فقال الرجل: فما معنى ذلك؟ فقال: المعنى في ذلك أن القلب يهم بالمعصية فلا تساعده الجوارح فيعاقب بالغم دون الجوارح. قال محمد بن الحنفية: من كرمت نفسه عليه لم يكن للدنيا عنده قدر. قيل لابن الحنفية: من أعظم الناس قدراً؟ قال: من لم ير الدنيا كلها لنفسه خطراً. قال محمد بن الحنفية: إن الله جعل الجنة ثمناً لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها. قال ابن الحنفية: من أحب رجلاً لله أثابه الله ثواب من أحب رجلاً من أهل الجنة، وإن كان الذي أحبه من أهل النار، لأنه أحبه على خصلةٍ حسنةٍ رآها منه؛ ومن أبغض رجلاً لله

أثابه الله ثواب من أبغض رجلاً من أهل النار، وإن كان الذي أبغضه من أهل الجنة، لأنه أبغضه على خصلةٍ سيئةٍ رآها منه. قيل لمحمد بن علي بن الحنفية: إن رجلاً من قريش يقع فيك؛ قال: بحسبي من نعم الله عز وجل على أن نجى غيري مني ولم ينجني من غيري. قال محمد بن الحنفية: أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوها فتحول نقماً، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخراً وأورث ذكراً وأوجب أجراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين. قال محمد بن الحنفية: الكمال في ثلاث؛ الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تقعير المعيشة. لما جاء نعي معاوية بن أبي سفيان إلى المدينة كان بها يومئذ الحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وابن الزبير، وكان ابن عباس بمكة، فخرج الحسين وابن الزبير إلى مكة وأقام ابن الحنفية بالمدينة حتى سمع بدنو جيش مسرفٍ أيام الحرة، فرحل إلى مكة فأقام مع ابن عباس؛ فلما جاء نعي يزيد بن معاوية وبايع ابن الزبير لنفسه ودعا الناس إليه دعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة له فأبيا يبايعان له، وقالا: حتى تجتمع لك البلاد ويأتسق لك الناس؛ فأقاما على ذلك مرةً يكاشرهما ومرةً يلين لهما؛ ثم غلط عليهما فوقع منهم كلامٌ وشر؛ فلم يزل الأمر يغلط حتى خافا منه خوفاً شديداً؛ ومعهما النساء والذرية؛ فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم، وقصد محمد بن الحنفية فأظهر شتمه وعيبه وأمره وبني هاشم أن يلزموا شعبهم بمكة، وجعل عليهم الرقباء وقال: فما تقول؟ والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار فخافوا على أنفسهم. قال أبو عامر: فرأيت محمد بن الحنفية محبوساً في زمزم والناس يمتنعون من الدخول عليه، فقلت: لأدخلن عليه، فدخلت فقلت: ما بالك وهذا الرجل؟ قال: دعاني إلى

البيعة فقلت: إنما أنا من المسلمين فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم، فلم يرض بهذا مني فاذهب إلى ابن عباس فأقره عني السلام وقل: يقول لك ابن عمك: ما ترى؟ قال أبو عامر: فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر، فقال: من أنت؟ فقلت: أنصاري؛ فقال: رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا فقلت: لا تخف، أنا ممن لك كله؛ قال: هات؛ فأخبرته بقول ابن الحنفية فقال: قل له: لا تعطه ولا نعمة عين إلا ما قلت ولا تزده عليه؛ فرجعت إلى ابن الحنفية فأبلغتها؛ قال ابن عباس: فهم ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة، وبلغ ذلك المختار فثقل عليه قدومه فقال: إن في المهدي علامة، يقدم بلدكم هذا فيضربه رجلٌ في السوق ضربةً بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام يعني خاف أن يجرب فيه فيموت، فقيل له: لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنتم فيه؛ فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة فقدم عليهم فقال: إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم وأخبرهم بما هم فيه من الخوف فقطع المختار بعثاً إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم وقال له: سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضداً، وانقد لما أمروك به؛ وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شغراً ولا ظفراً؛ وقال: يا شرط والله لقد أكرمكم الله بهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمرٍ، وسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث: اعجلوا فما أراكم تدركونهم؛ فقال الناس: لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمان مئة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرةً سمعها ابن الزبير فهرب ودخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله. قال عطية: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دورٍ قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد حتى تقوم الساعة؛ فأخرناه

عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو رجل فأسرع في الحطب يريد الخروج فأدمى ساقيه؛ وأقبل أصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهم في المسجد نهارنا ونهارهم لا ننصرف إلا إلى صلاةٍ حتى أصبحنا، وقدم أبو عبد الله الخيل في الناس، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية: ذرونا نرح الناس من ابن الزبير؛ فقالا: هذا بلدٌ حرمه الله ما أحله لأحدٍ إلا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعةً ما أحله لأحدٍ قبله ولا يحله لأحدٍ بعده فامنعونا وأجيرونا؛ قال: فتحملوا وإن منادياً لينادي في الجبل: ما غنمت سريةٌ بعد نبيها ما غنمت هذه السرية؛ إن السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا؛ فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا بها ما شاء الله أن يقيموا ثم خرجوا إلى الطائف فأقاموا ما أقاموا؛ وتوفي عبد الله بن عباس بالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بن الحنفية، وبقينا مع ابن الحنفية فلما كان الحج وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في أصحابه ووافى محمد بن الحنفية من الطائف في أصحابه فوقف بعرفة ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في أصحابه من الخوارج فوقف ناحيةً وحجت بنو أمية على لواء، فوقفوا بعرفة فيمن معهم. قالوا: وحج عامئذٍ محمد بن الحنفية في الخشبية معه وهم أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى. قال محمد بن جبير بن مطعم: قال: خفت الفتنة فمشيت إليهم جميعاً فجئت محمد بن علي في الشعب فقلت: يا أبا القاسم اتق الله فإنا في مشعرٍ حرام وبلدٍ حرام والناس وفد الله إلى هذا البيت، فلا تفسد عليهم حجهم؛ فقال: والله ما أريد ذلك وما أحول بين أحدٍ وبين هذا البيت، ولا نوى أحدٌ من الحاج من قتلٍ، ولكني رجلٌ أدفع عن نفسي من ابن الزبير وما يريد مني، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان، ولكن ائت ابن الزبير فكلمه وعليك بنجدة فكلمه. قال: فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية فقال: أنا رجلٌ قد اجتمع علي وبايعني الناس، وهؤلاء أهل خلافٍ؛ فقلت: إن خيراً لك الكف؛ فقال: أفعل.

ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده فقلت: استأذن لي على صاحبك فأذن لي فدخلت فعظمت عليه، وكلمته بما كلمت به الرجلين، فقال: أما أن أبتدئ أحداً بقتالٍ فلا، ولكن من بدأنا بقتالٍ قاتلناه؛ قلت: فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك. ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحوٍ مما كلمت به القوم فقالوا: نحن على لوائنا لا نقاتل أحداً إلا أن يقاتلنا فلم أر في تلك الألوية أسكن ولا أسلم دفعةً من أصحاب ابن الحنفية. قال محمد بن جبير: وقفت تلك العشية إلى جنب محمد بن الحنفية، فلما غابت الشمس التفت إلي فقال: يا أبا سعيد ادفع فدفع ودفعت معه؛ فكان أول من دفع. لما فتن عبد الله بن الزبير أرسل إلى من كان بحضرته من بني هاشم فجمعهم في شعب أبي طالب وأراد أن يحرقهم بالنار ذلك ناساً من أهل الكوفة فخرجوا ينصرونهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق إلى ابن الحنفية سمعوا هاتفاً يقول: من الرجز يا أيها الركب إلى المهدي ... على عناجيج من المطي أعناقها كالقضب الخطي ... لتنصروا عاقبة النبي محمداً خير بني علي فدخلوا على محمد بن الحنفية فأخبروه بما سمعوا من الهاتف فقال: ذلك بعض مسلمي الجن. لما قدم المختار مكة كان أشد الناس على ابن الزبير وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لابن الحنفية ثم ظلمه إياه، وجعل يذكر ابن الحنفية وورعه وحاله، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له، وأنه كتب له كتاباً فهو لا يعدوه إلى غيره، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمد بن

الحنفية فيبايعونه له سراً؛ فسئل قومٌ ممن بايعه في أمره وقالوا: أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية، وابن الحنفية بمكة ليس منا ببعيد ولا مستتر، فلو شخص منا قوم إليه فسألوه عما جاءنا به هذا الرجل فإن كان صادقاً نصرناه وأعناه على أمره؛ فشخص منهم قوم فلقوا ابن الحنفية بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه؛ فقال: نحن حيث ترون محبسون، وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمنٍ بغير حق، ولوددت أن الله انتصر لنا ممن شاء من خلقه فاحذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم؛ فانصرفوا على هذا، وكتب المختار كتاباً على لسان محمد بن الحنفية إلى إبراهيم بن الأشتر وجاء فاستأذن عليه، وقيل: المختار أمين آل محمد ورسولهم فأذن له وحياه ورحب به وأجلسه معه على فراشه، فتكلم المختار وكان مفوهاً فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت وقد كتب إليك المهدي كتاباً وهؤلاء الشهود عليه، فقال يزيد بن أنس الأسدي وأحمر بن سميط البجلي وعبد الله بن كامل وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة: نشهد أن هذا كتابه، قد شهدناه حين دفعه إليه؛ فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال: أنا أول من يجيب قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك فقل ما بدا لك وادع إلى ما شئت. ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فيدع ذلك في صدور الناس؛ وورد الخبر على ابن الزبير فشكر لمحمد بن الحنفية وجعل أمر المختار يغلط كل يوم ويكثر تبعه وجعل يتتبع قتلة الحسين ومن أعان عليه فيقتلهم، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفاً إلى عبيد الله بن زياد فقتله، وبعث برأسه إلى المختار فجعله المختار في جونةٍ وبعث به إلى محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسائر بني هاشم. فلما رأى علي بن الحسين رأس عبيد الله ترحم على الحسين وقال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغذى وأتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى، ولم يبق من بني هاشم أحد إلا قام بخطبةٍ في الثناء على المختار والدعاء له وجميل القول فيه. وكان ابن الحنفية يكره أمر المختار وما يبلغه عنه، ولا يحب كثيراً مما يأتي به؛ وكان ابن عباس يقول: أصاب بثأرنا ووصلنا فكان يظهر الجميل فيه للعامة؛ فلما اتسق الأمر للمختار كتب: لمحمد بن علي من المختار بن أبي عبيد الطالب بثأر آل محمد، أما

بعد: فإن الله لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم، وإن الله قد أهلك الفسقة وأتباع الفسقة، وقد بقيت بقايا فأرجو أن يلحق الله آخرهم بأولهم. قال سعيد بن الحسن: قال محمد بن الحنفية: رحم الله من كف يده ولسانه، وجلس في بيته فإن ذنوب بني أمية أسرع إليهم من سيوف المسلمين. قال وردان: كنت في العصابة الذين انتدبوا إلى محمد بن علي بن الحنفية وكان ابن الزبير يمنعه أن يدخل مكة حتى يبايعه، وأراد الشام فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه، فأبى، فسرنا معه ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه، فجمعنا يوماً فقسم فينا شيئاً وهو يسير، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: الحقوا برحالكم واتقوا الله، وعليكم بما تعرفون ودعوا ما تنكرون، وعليكم بخاصة أنفسكم ودعوا أمر العامة واستقروا على أمرنا كما استقرت السماء والأرض، فإن أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضاحية. وقال محمد بن الحنفية: ترون أمرنا؟ لهو أبين من هذه الشمس، سفلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم. قال الأسود بن قيس: لقيت بخراسان رجلاً من عنزة قال: ألا أعرض عليك خطبة ابن الحنفية؟ قلت: بلى؛ قال: انتهيت إليه وهو في رهطٍ يحدثهم قلت: السلام عليك يا مهدي؛ قال: وعليك السلام؛ قلت: إن لي إليك حاجةً؛ قال: أسر هي أم علانية؟ قلت: بل سر؛ فحدث القوم ساعة ثم قام فقمت معه، ودخلت معه بيته؛ قال: قل بحاجتك؛ فحمدت الله، وأثنيت عليه، وشهدت أن لا إله إلا الله، وشهدت أن محمداً رسول الله، ثم قلت: أما بعد: فوالله ما كنتم أقرب قريشٍ إلينا قرابةً فنحبكم على قرابتكم ولكن كنتم أقرب قريشٍ إلى نبينا قرابةً، فلذلك أحببناكم على قرابتكم من نبينا، فما زال بنا حبكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات، وشردنا في البلاد وأؤذينا حتى لقد هممت أن أذهب في الأرض

قفراً فأعبد الله حتى ألقاه، لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، ولقد هممت أن أخرج مع قومٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةً على أمرائنا، فيخرجون ويقاتلون ونغنم يعني الخوارج وقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء فأحببت أن أشافهك الكلام فلا أسأل عنك أحداً، وكنت أوثق الناس في نفسي وأحبه إلى أن أقتدي به، فأرى برأيك وكيف المخرج، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. قال: فحمد الله محمد بن علي وأثنى عليه وتشهد فقال: أما بعد، فإياكم وهذه الأحاديث فإنها عيبٌ عليكم، وعليكم بكتاب الله فإنه هدي أولكم وبه هدي آخركم، ولعمري لئن أوذيتم لقد أوذي من كان خيراً منكم، أما قيلك: لقد هممت أن أذهب في الأرض قفراً فأعبد الله حتى ألقاه وأجتنب أمور الناس لولا أن يخفى علي أمر آل محمد، فلا تفعل فإن تلك البدعة الرهبانية، ولعمري لأمر آل محمدٍ أبين من طلوع هذه الشمس؛ وأما قيلك: لقد هممت أن أخرج مع أقوامٍ شهادتنا وشهادتهم واحدةٌ على أمرائنا فيخرجون ويقاتلون ونغنم: فلا تفعل، لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم بتقيتهم يعني بني أمية ولا تقاتل معهم. قال: قلت: وما تقيتهم؟ قال: تحضرهم وجهك عند دعوتهم، فيدفع الله بذلك عنك من دمك وذنبك، وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به منهم؛ قال: قلت: أرأيت إن أطاف بي قتال ليس منه بد؟ قال: تبايع بإحدى يديك الأخرى لله وتقاتل لله، فإن الله سيدخل أقواماً بسرائرهم الجنة، وسيدخل أقواماً بسرائرهم النار، وإني أذكرك الله أن تبلغ عني ما لم تسمع مني، أو أن تقول عني ما لم أقل؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وعن أبي الطفيل: أن محمد بن الحنفية قال له: الزم هذا المكان وكن حمامةً من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا إذا جاء فليس به خفاء، كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء، وما يدريك

إن قال لك الناس: تأتي من المشرق، ويأتي الله بها من المغرب، وما يدريك إن قال لك الناس: تأتي من المغرب، ويأتي الله بها من المشرق، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس. قال ابن الحنفية: سمعت أبا هريرة يقول: لا حرج إلا في دم امرئٍ مسلم؛ قال: فقيل لابن الحنفية: تطعن على أبيك؟ قال: إني لست أطعن على أبي، بايعه أولو الأمر فنكث ناكثٌ فقالته ومرق مارقٌ فقاتله، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد. وفي حديث: إنا أهل بيتٍ لا نبتز هذه الأمة أمرها ولا نأتيها من غير وجهها، وإن علياً قد كان يرى أنه له، ولكنه لم يقاتل حتى جرت له بيعةٌ. وعن محمد بن علي، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوها حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله " فقال رجلٌ لمحمد: إنك لتزري على أبيك فقال: لست أزري على أبي، إن أبي بايعه أهل الأمر فنكث ناكثٌ فقاتله ومرق مارقٌ فقاتله، ولست كأبي، ليست لي بيعةٌ في أعناق الناس فأقاتل، وقد كان قيل له: ألا تخرج؟ وفي حديث: قال ابن الحنفية: لو أن الناس بايعوني إلا رجلٌ لم يشتد سلطاني إلا به ما قتلته. وعن ابن الحنفية قال: رحم الله امرءاً أغنى نفسه وكف يده وأمسك لسانه وجلس في بيته، له ما احتسب وهو مع من أحب، ألا إن الأعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين، ألا إن لأهل الحق دولةً يأتي بها الله إذا شاء، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الأعلى، ومن يمت فما عند الله خيرٌ وأبقى.

قال المنهال بن عمرو: جاء رجل إلى محمد بن الحنفية فسلم عليه، فرد عليه السلام فقال: كيف أنت؟ فحرك يده، فقال: كيف أنتم؟ أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن؟ إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون؛ كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وإن هؤلاء يذبحون أبنائنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا، فزعمت العرب أن لها فضلاً على العجم، فقالت العجم: وما ذاك؟ قالوا: كان محمد عربياً، قالوا: صدقتم؛ قالوا: وزعمت قريش أن لها فضلاً على العرب؛ فقالت العرب: وبم ذلك؟ قالوا: كان محمد قرشياً؛ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس. ولما قتل المختار بن أبي عبيد في سنة ثمانٍ وستين ودخلت سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمد بن الحنفية: إن أمير المؤمنين يقول لك: إني غير تاركك أبداً حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته، وأجمع أهل العراقين علي فبايع وإلا فهو الحرب بيني وبينك إن امتنعت؛ فقال ابن الحنفية لعروة: ما أسرع أخاك على قطع الرحم والاستخفاف بالحق وأغفله عن تعجيل عقوبة الله، ما يشك أخوك في الخلود، وإلا فقد كان أحمد للمختار وهديه مني، والله ما بعثت المختار داعياً ولا ناصراً، والمختار كان أشد انقطاعاً منه إلينا، فإن كان كذاباً فطال ما قربه على كذبه، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به، وما عندي خلافٌ؛ ولو كان خلافٌ ما أقمت في جواره ولخرجت إلى من يدعوني، فأبيت ذلك عليه؛ ولكن ها هنا والله لأخيك قرنٌ يطلب ما يطلب أخوك، كلاهما يقاتلان على الدماء عبد الملك بن مروان؛ والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك، وإني لأحسب أن جوار عبد الملك خيرٌ لي من جوار أخيك، ولقد كتب لي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه؛ قال عروة: فما يمنعك من ذلك؟ قال: أستخير الله، وذلك أحب إلى صاحبك؛ قال: أذكر ذلك له؛ فقال بعض أصحاب محمد بن الحنفية: والله ما أطعتنا لضربنا عنقه؛ فقال ابن الحنفية: وعلام أضرب عنقه؟ جاءنا برسالةٍ من أخيه وجاورنا فجرى بيننا

وبينه كلامٌ فرددناه إلى أخيه؛ والذي قلتم غدرٌ وليس في الغدر خيرٌ، لو فعلت الذي يقولون لكان القتال بمكة، وأنتم تعلمون أن رأيي: لو اجتمع الناس كلهم علي إلا إنسانٌ واحدٌ لما قاتلته؛ فانصرف عروة فأخبر ابن الزبير بكل ما قال له محمد بن الحنفية، وقال: والله ما أرى أن تعرض له، دعه فليخرج عنك ويغيب وجهه فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه، وابن الحنفية لا يبايعه أبداً حتى يجتمع الناس عليه، فإن صار إليه كفاكه؛ إما حبسه وإما قتله فتكون أنت قد برئت من ذلك. وفي حديث: أنه لما اجتمع الناس على عبد الملك وبايع ابن عمر قال ابن عمر لابن الحنفية: ما بقي شيء فبايع؛ فكتب ابن الحنفية إلى عبد الملك: بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من محمد بن علي، أما بعد: فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم، فلما أفضى هذا الأمر إليك وبايعك الناس كنت كرجلٍ منهم أدخل في صالح ما دخلوا فيه، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك، وبعثت إليك ببيعتي ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب أن تؤمنا وتعطينا ميثاقاً على الوفاء، فإن الغدر لا خير فيه، فإن أبيت فإن أرض الله واسعةٌ. فلما قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب وروح بن زنباع: ما لك عليه سبيل، ولو أراد فتقاً لقدر عليه ولقد سلم وبايع فنرى أن تكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له ولأصحابه ففعل، وكتب إليه: إنك عندنا محمودٌ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحماً من ابن الزبير فلك العهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله أن لا تهاج ولا أحدٌ من أصحابك بشيء تكرهه، ارجع إلى بلدك واذهب حيث شئت ولست أدع صلتك وعونك ما حييت؛ وكتب إلى الحجاج يأمره بحسن جواره وإكرامه؛ فرجع ابن الحنفية إلى المدينة. خرج الحجاج بن يوسف ومحمد بن الحنفية من عند عبد الملك بن مروان فقال الحجاج لمحمد بن الحنفية: بلغني أن أباك كان إذا فرغ من القنوت يقول كلاماً حسناً

أحببت أن أعرفه فنحفظه؛ قال: لا؛ قال: سبحان الله ما أوحش لقاءكم وأفظع لفظكم وأشد خنزوانتكم ما تعدون الناس إلا عبيداً، ولقد خضتم الفتنة خوضاً، وفللتم المهاجرين والأنصار؛ فنظر إليه ابن الحنفية وأنكر لفظه فوقف، وسار الحجاج ورجع ابن الحنفية إلى باب عبد الملك فقال للآذن: استأذن لي؛ فقال: ألم تكن عنده وخرجت آنفاً، فما ردك وقد ارتفع أمير المؤمنين؟ قال: لست أبرح حتى ألقاه؛ فكره لآذن غضب الخليفة فأعلمه فقال: لقد رده أمرٌ، ائذن له؛ فلما دخل عليه تحلحل عن مجلسه كما كان يفعل؛ فقال: يا أمير المؤمنين هذا الحجاج أسمعني كلاماً تكمشت له وذكر أبي بكلامٍ تقمعت له وما أحرت حرفاً؛ قال: فما قال لك حتى أعمل على حسبه؟ قال: وكأنما تفقأ في وجهه الرمان، فخبره عما سأله عنه؛ فقال لصاحب شرطه: علي بالحجاج الساعة؛ فأتاه حين خلع ثيابه فحمله حملاً عنيفاً، وانصرف ابن الحنفية، فجاء الحجاج فوقفه بالباب طويلاً، ثم أذن له، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له عبد الملك: من الرجز لا أنعم الله بعمرٍو عيناً ... تحية السخط إذا التقينا يا لكع وهراوة النفار، ما أنت ومحمد بن الحنفية؟ قال: يا أمير المؤمنين ما كان إلا خيرٌ قال: كذبت والله لهو أصدق منك وأبر، ذكرته وذكرت أباه فوالله ما بين لابتيها أفضل من أبيه؛ ما جرى بينك وبينه؟ قال: سألته يا أمير المؤمنين عن شيءٍ بلغني أن أباه كان يقوله بعد القنوت، فقال: لا أعرفه، فعلمت أن ذلك مقتاً منه لنا ولدولتنا فأجبته بالذي بلغك؛ قال له عبد الملك: أسأت ولؤمت، والله لولا أبوه وابن عمه كنا حبارى ضلالاً، وما أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله وهم، وما أعزنا بما ترى إلا رحمهم وريحهم الطيبة، والله لا كلمتك كلمةً أبداً أو تجيئني بالرضى منه، وتسل سخيمته. قال: فمضى الحجاج من فوره فألفاه وهو يتغدى مع أصحابه، فاستأذن فأبى أن يأذن له، فقال بعض أصحابه: إنه أتى برسالةٍ من أمير المؤمنين؛ فأذن له، فقال: إن أمير المؤمنين أرسلني أن أستل سخيمتك وأقسم أن لا يكلمني أبداً حتى آتيه برضاك، وأنا

أحب برحمك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا عفوت عما كان وغفرت ذنباً إن كان؛ قال: قد فعلت على شريطةٍ فتفعلها؟ قال: نعم، قال: على صرم الدهر ثم انصرف الحجاج ودخل على عبد الملك فقال: ما صنعت؟ قال: قد جئت برضاه وسللت سخيمته وأجاب إلى ما أحب وهو أهل ذاك؛ قال: فأي شيءٍ آخر ما كان بينك وبينه؟ قال: رضي علي شريطة صرم الدهر فقال: شنشنةٌ أعرفها من أخزم، انصرف. فلما كان من الغد دخل ابن الحنفية على عبد الملك فقال له: أتاك الحجاج؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: فرضيت وأجبته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: ثم مال إليه فقال: هل تحفظ ما سألك عنه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، وما منعني أن أبثه إياه إلا مقتي له فإنه من بقية ثمود فضحك عبد الملك، ثم دعا بدواةٍ وقرطاس وكتب بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، كان أمير المؤمنين رضي الله عنه إذا فرغ من وتره رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرني ما منعتني، وإن منعتني لم ينفعني ما أعطيتني، فكاك الرقاب فك رقبتي من النار، رب ما أنا إن تقصد قصدي بغضبٍ منك يدوم علي، فوعزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي ولا ينقص من خزائنك غناي، ولا يزيد فيها فقري، يا من هو هكذا اسمع دعائي وأجب ندائي وأقلني عثرتي وارحم غربتي ووحشتي ووحدتي في قبري، هاأنذا يا رب برمتي، ويأخذ بتلابيبه ثم يركع؛ فقال عبد الملك: حسنٌ والله، رضي الله عنه. توفي محمد بن الحنفية سنة ثمانين بين الشام والمدينة. قال أبو حمزة: قضينا نسكنا حتى قتل ابن الزبير ورجعنا إلى المدينة مع محمد فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.

محمد بن علي بن طرخان

وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين وسنه خمسٌ وستون سنةً؛ وقيل: سنة اثنتين وثمانين؛ وقيل: سنة ثلاث وثمانين؛ وقيل: سنة اثنتين وتسعين أو ثلاث. محمد بن علي بن طرخان ابن عبد الله بن جباش أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله البلخي ثم البيكندي حدث عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مئةً إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، إنه وترٌ يحب الوتر ". وحدث عن محمد بن الجليل الخشني البلائطي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تبارك وتعالى ليدخل الجنة بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله ما ينفع به المسكين ثلاثةً: صاحب البيت الآمر به والزوجة والخادم الذي يناول المسكين ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي لم ينس خادمنا ". وحدث عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن عنبسة، عن الهيثم بن عدي، قال: عدنا مريضاً من القراء بالكوفة أنا وأبو حنيفة وأبو بكر النهشلي، وكان منزله قاصياً فقال بعضنا لبعضٍ: إذا جلستم فعرضوا بالغداء؛ فلما دخلنا عليه قال بعضنا: " ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع " فرفع المريض رأسه وقال: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج " قال أبو حنيفة: قوموا فليس عند صاحبنا خير جباش أوله جيم مفتوحة وباء معجمة بواحدة مشددة وآخره شين.

محمد بن علي بن طلحة

محمد بن علي بن طلحة أبو مسلم الأصبهاني حدث ببيت المقدس عن أبي بكر محمد بن الحارث، بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال: أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه: " قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين ". محمد بن علي بن عبد الله الهاشمي ابن عباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو عبد الله الهاشمي، أبو الخلائف من بني العباس ولد بالحميمة من أرض الشراة من ناحية البلقاء، وقدم دمشق وشهد بدير مران عرساً لبعض بني أمية مع أخيه عيسى بن علي. حدث عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمةٍ، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي ". وحدث عن أبيه عن جده قال: أكل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرقاً ثم صلى ولم يتوضأ ولم يمس ماءً. وحدث عن أبيه عن جده أنه رقد عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول: " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " فقرأ هؤلاء

الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هذه الآيات، ثم أوتر بثلاثٍ قال: فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: " اللهم اجعل في قلبي نوراً، واجعل في لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل في خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعظم لي نوراً ". وفي آخر بمعناه: ثم أقام بلال الصلاة فصلى. توفي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس سنة أربع وعشرين ومئة؛ وقيل: توفي سنة خمسٍ وعشرين ومئة، وهو ابن ستين سنة وقيل: توفي سنة ست وعشرين. وكان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية أوصى إليه ودفع إليه كتبه، فكان محمد بن علي وصي أبي هاشم، وقال له أبو هاشم: إن هذا الأمر إنما هو في ولدك؛ فكانت الشيعة الذين يأتون أبا هاشم ويختلفون إليه قد صاروا بعد ذلك إلى محمد بن علي. وكان أبو هاشم عالماً قد سمع وقرأ الكتب وكان محمد بن علي من أجمل الناس وأمده قامةً، وكن النساء يستشرفن له، وكان رأسه مع منكب علي بن عبد الله، وكان رأس علي بن عبد الله مع منكب أبيه عبد الله، وكان رأس عبد الله مع منكب أبيه العباس. أوصى علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب إلى ابنه سليمان؛ فقيل له: توصي إلى سليمان وتدع محمداً؟ فقال: أكره أن أدنسه بالوصاة. قال محمد بن علي: لو أن هذا الموت أعد لأعدائنا دوننا لحق علينا أن نرحمهم. وكان ابتداء دعاة بني العباس إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وتسميتهم إياه بالإمام ومكاتبتهم له وطاعتهم لأمره، وكان ابتداء ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين، ولم يزل الأمر يقوى في ذلك ويزيد إلى أن توفي سنة أربع وعشرين ومئة وقد انتشرت دعوته وكثرت شيعته، وأوصى إلى ابنه إبراهيم بن محمد.

محمد بن علي بن عبد الله النصيبي

كان قومٌ من أهل خراسان يختلفون إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية فمرض مرضه الذي مات فيه، فقال له القوم من أهل خراسان: من تأمرنا نأتي بعدك؟ قال: هذا، وهو عنده؛ قالوا: ومن هذا؟ قال: هذا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ قالوا: وما لنا ولهذا؟ قال: لا أعلم أحداً أعلم منه، ولا خيراً منه؛ فاختلفوا إليه. قال عيسى بن علي: فذاك سببنا بخراسان. وقيل: توفي محمد بن علي سنة ثمان عشرة، وهو وهمٌ. محمد بن علي بن عبد الله النصيبي ابن سهل بن طالب أبو عبد الله النصيبي المؤدب حدث عن أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي، بسنده إلى أبي جمعة، قال: تغدينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقلنا: يا رسول الله أحدٌ خيرٌ منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؛ قال: " نعم، قومٌ يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ". توفي أبو عبد الله محمد بن علي سنة سبع وعشرين وأربع مئة. محمد بن علي بن عبد الله الصوري ابن محمد أبو عبد الله الصوري، الحافظ ولد سنة ست أو سبعٍ وسبعين وثلاث مئة. وحدث عن محمد بن أحمد بن جميع بسنده إلى المغيرة بن شعبة، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انصرف من الصلاة قال: " لا إله إلا الله، وحده

محمد بن علي بن عمرو

لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". توفي ببغداد سنة إحدى وأربعين وأربع مئة. وكان حافظاً؛ وسئل هل كان يذاكر بمئتي ألف حديث؟ فأشار إلى أنه لا يستبعد عليه ذلك. وكان فكهاً مليحاً حسن الحديث، كأنه شعلة نارٍ بلسانٍ كالحسام القاطع؛ وكان دقيق الخط صحيح النقل؛ كان يكتب في وجه ورقةٍ من أثمان الكاغد الخراساني ثمانين سطراً. ومن شعره لنفسه: من الخفيف قل لمن أنكر الحديث وأضحى ... عاتباً أهله ومن يدعيه أبعلمٍ تقول هذا؟ أبن لي ... أم بجهلٍ فالجهل خلق السفيه أيعاب الذين هم حفظوا الد ... دين من الترهات والتمويه وإلى قولهم وما قد رووه ... راجعٌ كل عالمٍ وفقيه محمد بن علي بن عمرو أبو عبد الله المقرئ حدث عن أبي إسحاق لإبراهيم بن محمد بن أبي سهل المروروذي، بسنده إلى علقمة، قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما الأعمال بالنية وإنما لامرءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها وإلى امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".

محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم

محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله المروزي، الحافظ حدث عن أبي زرعة، بسنده إلى ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مكتوب في التوراة: من سره أن تطول أيام حياته ويزاد في عمره فليصل رحمه ". محمد بن علي بن محمد بن الحسين ابن الفياض أبو عبد الله البغدادي الكاتب حدث بدمشق سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئة. حدث عن أحمد بن علي الخراز بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الآخرة خمس تكبيرات ". محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو الخطاب البغدادي، المعروف بالجبلي الشاعر حدث عن أبي الحسين عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم الناس ما في صلاة الغداة والعتمة لأتوهما ولو حبواً ". كان محمد بن علي أبو الخطاب الجبلي من أهل الأدب، حسن الشعر، فصيح القول، مليح النظم، وكان رافضياً شديد الترفض. والجبلي باؤه مشددة مضمومة، ومن شعره: من الطويل

محمد بن علي بن محمد

أخالف ما أهوى لمرضاة ما تهوى ... وأشكر في حبيك ما يوجب الشكوى ولولا حلول السحر طرفك لم يكن ... يخيل لي مر الغرام به حلوا متى تتقي عدوان حبك سلوتي ... إذا كان من قلبي علي له العدوى بأي عزاء أحتمي منك بعدما ... تتبعت بالألحاظ آثاره محوا ولم تخل لي من عبرةٍ فيك مدمعاً ... ومن حيرةٍ فكراً ومن زفرةٍ عضوا أبن لي إذا ما كنت من أكؤس الهوى ... بلحظك لا أصحو فما لي لا أروى محمد بن علي بن محمد أبو بكر الفزاري، الغداني الخراط الإمام قال: بلغني عن بعض إخوان أحمد بن حنبل رآه في النوم فقال: يا أحمد، ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال لي: يا أحمد صبرت على الضرب أن قلت ولم تتغير: إن كلامي منزلٌ غير مخلوق، وعزتي لأسمعنك كلامي إلى يوم القيامة؛ فأنا أسمع كلام ربي عز وجل. محمد بن علي بن حيون أبو عبد الله الأزدي الرقي قدم دمشق وسمع بها. وحدث عن أبي نصر محمد بن عبد الجليل الهروي الصوفي، بسنده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لله في السماء جنداً وفي الأرض جنداً، فجنده في السماء الملائكة، وجنده في الأرض أهل خراسان ". قال: هذا حديثٌ غريبٌ شاذ، وفي إسناده مجهولون.

محمد بن علي بن محمد بن علي

محمد بن علي بن محمد بن علي ابن بويه أبو طاهر البخاري الزراد قدم دمشق حاجاً سنة إحدى وعشرين وأربع مئة. وحدث عن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن يوسف البصري الفرائضي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة الكنهل والهنهل والجعدن وذا الحلية، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: " أما الكنهل النباش، والهنهل النمام، والجعدن الذي لا يشبع، وذو الحلية المخنث ". وحدث عن أبيه، بسنده إلى خضر قال: ما رأيت أحدب إلا وهو خفيف الروح، وما رأيت أعمى أو أحول إلا وهو ثقيل الروح. محمد بن علي بن محمد بن أحمد أبو الفتح التميمي الكوفي حدث عن أبيه، بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اسق الماء على الماء في اليوم الصائف تنتثر ذنوبك كما ينتثر الورق من الشجر في الريح العاصف ". وبإسناده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يقول الله تعالى: ما من عبد سلبته كريمتيه فصبر إيماناً واحتساباً، ما كان له عندي ثوابٌ إلا الجنة ".

محمد بن علي بن محمد بن صالح

محمد بن علي بن محمد بن صالح ابن عبد الله أبو عبد الله السلمي المقرئ المطرز كان أديباً وصنف مقدمةً في النحو. حدث عن أبي القاسم تمام بن محمد الرازي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". توفي أبو عبد الله المطرز سنة ست وخمسين وأربع مئة. محمد بن علي بن محمد الجمحي ابن عمر بن رجاء بن عمرو بن أبي العيس أبو العيس الجمحي، الأطرابلسي القاضي حدث بأطرابلس عن أبي العباس منير بن أحمد بن الحسن بن علي بن منير الخلال، بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً حتى انتهى إلى بساطة قوم فتنحيت منه فبال قائماً ثم قال لي: " ادن " فدنوت منه حتى كنت عند رجليه فتوضأ ومسح على خفيه. ورد الخبر بوفاة أبي العيس سنة ستين وأربع مئة وكان سنياً. محمد بن علي بن محمد بن جناب أبو عبد الله المعروف بابن الدرزي الشاعر الصوري شاعر مكثر، من شعره: من مجزوء الكامل

محمد بن علي بن محمد بن علي

صب جفاه حبيبه ... وحلا له تعذيبه فالنار تضرم في الجوا ... نح والسقام يذيبه حتى بكاه لما دها ... هـ بعيده وقريبه وتوامروا في طبه ... كيما يخف لهيبه فأتى الطبيب وما دروا ... أن الحبيب طبيبه محمد بن علي بن محمد بن علي ابن أحمد أبو عبد الله بن أبي القاسم بن أبي العلاء المعدل حدث سنة خمسٍ وخمس مئة عن أبي بكر الخطيب، بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ". وحدث عنه بسنده إلى أبي بكر بن خلاد، قال: قلت ليحيى بن سعيد القطان: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصماني أحب إلى من أن يكون خصمي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب؟. ولد أبو عبد الله بن أبي القاسم سنة خمسٍ وأربعين وأربع مئة؛ وتوفي سنة ست عشرة وخمس مئة. محمد بن علي بن محمد بن أحمد ابن نزار أبو عبد الله التنوخي الحلبي، المعروف بابن العظيمي قدم دمشق ومدح بها جماعةً وسمع شيئاً من الحديث. فمن شعره من قصيدة: من البسيط

محمد بن علي بن المسلم

يلقى العدى بجنانٍ ليس يرعبه ... خوض الحمام ومتنٍ ليس ينقصم فالبيض تبسم والأوداج باكيةً ... والخيل ترقص والأبطال تلتطم والنقع غيمٌ ووقع المرهفات به ... لمع البوارق والغيث الملت دم وله: من البسيط صبابةٌ من حلال الماء تكفيني ... وبلغةٌ من قوام العيش تكفيني ولست آسى على الدنيا ول ذهبت ... إذا علمت بأني سالم الدين ولد أبو عبد الله العظيمي سنة ثلاثٍ وثمانين وأربع مئة. محمد بن علي بن المسلم أبو عبد الله البزاز، المعروف بابن الحمامي الفقيه حدث سنة ثمان وثمانين وأربع مئة عن أبي عبد الله الحسين بن عبد الله الفقيه الأرموي المعروف بالشويخ، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ". محمد بن علي بن ميمون أبو الغنائم بن النرسي، الكوفي الحافظ المعروف بأبي حدث بسنده إلى ابن مسعود أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمال أفضل؟ قال: " الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله ". وحدث عن محمد بن علي بن عبد الرحمن، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: يا رسول الله، والله إني لأخاف في نفسي وولدي وأهلي ومالي؛ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل كلما أصبحت وإذا أمسيت: بسم الله علي

محمد بن علي بن النعمان

ديني ونفسي وولدي وأهلي ومالي " قال: فقالهن الرجل ثم أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما صنعت فيما كنت تجد؟ " قال: والذي بعثك بالحق لقد ذهب ما كنت أجد. ولد أبو الغنائم سنة أربعٍ وعشرين وأربع مئة، وكان شيخاً ثقةً مأموناً، فهماً للحديث، عارفاً بما يحدث، كثير تلاوة القرآن؛ وعاش ستاً وثمانين سنة، ومتعه الله بجوارحه إلى حين وفاته، وتوفي سنة عشرٍ وخمس مئة. محمد بن علي بن النعمان أبو الحسن البزاز حدث بأطرابلس عن أحمد بن يونس حديثاً في سنده من تصنيف الأصل إلي نافع وكل شيخٍ يقول: حدثني فلان وأطعمني وسقاني، قال نافع: عن عبد الله بن عمر وأطعمني وسقاني، قال: كنت في دار عائشة وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاضراً فيها فأكلت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تميراتٍ أتى بها رجلٌ من الأنصار إذ أقبلني بوجهه وقال: " يا عبد الله عليك بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، واترك الكذب، أو لا تقول الكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وعليك بحسن الخلق فإن حسن الخلق من أخلاق أهل الجنة، وإن سوء الخلق من أخلاق أهل النار ". محمد بن علي بن يحيى بن سلوان أبو عبد الله المازني، المعروف بابن القماح حدث سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة عن أبي القاسم الفضل بن جعفر التميمي المؤذن، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: لما خلق الله العقل قال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل

محمد بن علي بن يوسف بن جميل

فأقبل، ثم قال له: اقعد فقعد، فقال: ما خلقت خلقاً هو خيرٌ منك، بك آخذ وبك أعطي، وبك أعرف، وإياك أعاقب، لك الثواب وعليك العقاب ". توفي أبو عبد الله المازني سنة سبع وأربعين وأربع مئة، وكان مولده سنة اثنتين وستين وثلاث مئة. محمد بن علي بن يوسف بن جميل أبو عبد الله الطرسوسي القاضي المعروف بابن السناط إمام جامع دمشق. حدث عن عبد الرحمن بن عثمان، بسنده إلى عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرءٍ مسلمٍ لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان " قيل: يا رسول الله وإن كان يسيراً؟ قال: " وإن كان سواكاً من أراك ". توفي القاضي أبو عبد الله سنة ست وخمسين وأربع مئة. محمد بن علي أبو حبيب الكوفي القيسراني الدمشقي العب الصالح حدث بدمشق عن سعيد بن مسلمة بن هشام، بسنده إلى أبي مالك الأشجعي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ". محمد بن علي أبو الصياح الصوفي قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي: قلت لمحمد بن علي الدمشقي وكان سيد الصوفية، وقد رأيت معه غلاماً جميلاً

محمد بن علي الدمشقي

زماناً طويلاً ثم فارقه: لم هجرت ذلك الفتى الذي كان معك، وقد كنت له مواصلاً وإليه مائلاً؟ قال: والله لقد فارقته على غير قلى ولا ملالٍ مني له، قلت: فلم فعلت ذلك؟ قال: رأيت قلبي يدعوني إلى أمرٍ إذا أنا خلوت به سقطت من عين الله عز وجل فتركته تنزيهاً لله عز وجل ثم لنفسي، وإني لأرجو من الله عز وجل يعقبني بمفارقتي له ما أعقب الصالحين عن محارمه عند صدق الوفاء بأحسن الجزاء. قال أبو حمزة: كنت مع أبي الصياح، وكان من خيار عباد الله، فنظر إلى غلامٍ فقال: سبحان الله، سبحان من أمات هذه القلوب عن طاعته وأحياها عند النظر إلى معصيته، ما أدري بأي لسانٍ أعوذ ولا بأي قلبٍ أشكو سرعة طرفي إلى النظر للحرام، أو هجومه على طلب الآثام، حتى كأني به لا أطالب، وبنظره لا أحاسب وتالله لو غفر الله لي هذه النظرة لاستحييت منه أن أكون قد اطلع عليه مني فيها؛ ثم بكى. محمد بن علي الدمشقي إن لم يكن ابن خلف فهو غيره. حدث عن إبراهيم بن يعقوب، بسنده أن يحيى بن زكريا قال: يا حوباه، إني رأيت كأن القيامة قامت وكأن الجبار جل ثناؤها وضع كرسيه لفصل القضاء فخررت ميتاً؛ يا حوباه، هذا إنما رآه روحي فكيف لو عاينته معاينةً روي أن رجلاً قام بهذا الكلام في مدينةٍ من مدائن خراسان، فصعق جماعة فماتوا.

محمد بن علي أبو بكر الدمشقي

محمد بن علي أبو بكر الدمشقي حدث عن أبي خليفة، بسنده إلى أنس، قال: أمر بلال أن يشفع الآذان ويوتر الإقامة. توفي أبو بكر الدمشقي ببخارى سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة. محمد بن علي أبو غالب ابن أبي الحسن المكبر البغدادي حدث عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن المسلمة، بسنده إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تكون بين يدي الساعة فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوامٌ دينهم بعرضٍ من الدنيا ". توفي أبو غالب المكبر سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة، وله خمس وتسعون سنة. محمد بن عمارة بن أحمد ابن أبي الخطاب يحيى ابن عمرو بن عمارة الليثي حدث عن محمد بن أحمد بن إبراهيم، بسنده إلى كعب، قال: بطرسوس من قبور الأنبياء عشرةٌ، وبالمصيصة خمسةٌ، وهي التي يغزوها الروم في آخر الزمان، فيمرون بها فيقولون: إذا رجعنا من بلاد الشام أخذنا هؤلاء أخذاً،

محمد بن عمران بن عتبة

فيرجعون وقد تحلقت بين السماء والأرض؛ وبالثغور وأنطاكية قبر حبيب النجار، وبحمص ثلاثون قبراً، وبدمشق خمس مئة قبر، وببلاد الأردن مثل ذلك. محمد بن عمران بن عتبة حدث بدمشق عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، بسنده إلى ابن عباس، قال: كان رجلٌ من أزد شنؤة يسمى ضماداً وكان راقياً، فقدم مكة فسمع أهلها يسمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مجنوناً؛ فقال: إني رجلٌ أرقي وأدوي، فإن أحببت داويتك فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله " قال ضماد: أعد علي؛ فأعاد عليه فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة والسحرة والشعراء والبلغاء فما سمعت مثل هذا الكلام قط، هات يدك أبايعك؛ فبايعه على الإسلام، فقال: وعلى قومي؛ فقال: " وعلى قومك " فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك سريةً فمروا على تلك البلاد، فقال أميرهم: هل أصبتم شيئاً؟ قالوا: نعم إداوةٌ قال: ردوها فإن هؤلاء قوم ضمادٍ. محمد بن عمر بن أحمد ابن جعفر أبو الفتح التميمي، اليبرودي حدث عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان القرشي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعجل رمضان بصيام يومٍ إذ يؤمن، إلا رجلٌ كان يصوم صوماً فأتى ذلك عليه. وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لله على كل مسلمٍ من كل سبعة أيام يوماً يغسل كل شيء منه، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن كان له ".

محمد بن عمر بن إسماعيل

محمد بن عمر بن إسماعيل أبو بكر الدولابي، العسكري الأشج حدث عن أبي اليمان الحكم بن نافع، بسنده إلى أبي هريرة، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كفى أحدكم مملوكه صنعة طعامه، وكفاه خبزه ومؤونته وقربه إليه فليجلسه فليأكل معه، أو ليأخذ أكله فليروغها وأشار بيده فليضعها في يده، وليقل: كل هذه ". ومما أنشده ابن الدولابي: من الرجز كل امرئٍ يوماً سيقضي نحبه ... إن كره الموت وإن أحبه ما الحر إلا من يواسي صحبه ... ولا الفتى إلا المطيع ربه محمد بن عمر بن عبد الله ابن رستم بن سنان أبو صالح الفارسي، البعلبكي المعلم حدث عن محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ يس في ليلةٍ التماس وجه الله عز وجل غفر له ". وحدث عن عثمان بن حرزاد، بسنده إلى عبد الله، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ". قال المصنف: هذا الرجل هو محمد بن حفص بن عمر بن عبد الله بن عمر بن رستم الذي تقدم، انقلب نسبه على ابن المقرئ.

محمد بن عمر بن عبد العزيز

محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم القرشي الأموي قال مقاتل: رأيت قوماً من العباد قد أتوا محمد بن عمر بن عبد العزيز فسألوه عن عمل أبيه، فقال: ما أذكر أني رأيته ولكني أدخل على أمي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان فأسألها عن هذا إن شاء الله عز وجل؛ فدخل عليها فقال: يا أمه، ما صنع أبي فإن الناس قد لجوا علي في ذلك؟ فقالت فاطمة بنت عبد الملك: يا بني لا تريد أن تعلم؛ قال لها: فإنهم لا يدعوني حتى أخبرهم؛ قالت: نعم، قل لهم: إن أبي كان من أعظم قريشٍ، وأفرههم مركباً، وألينهم ثوباً، وأطيبهم طعاماً، قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي الخلافة لبس الكرابيس والصوف، وربما أدهن بزيت القلة، تعني زيت الماء، ولا رفع ثوباً يدخره ولا اتخذ أمةً منذ يوم ولي إلى يوم مات؛ فهذه كانت حاله. محمد بن عمر بن عفان بن عثمان ابن حمدان بن زريق أبو الحسن البغدادي الدوري حدث عن محمد بن خريم، بسنده إلى ثوبان، قال: خرجت أمشي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثمان عشرة خلت من شهر رمضان، فلما كنا بالبقيع نظر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل يحتجم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وحدث عن السلم يعني ابن معاذ، بسنده إلى ابن عباس، قال: لما وضع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لحده جعل بينه وبين اللحد قطيفةً كانت له بيضاء بعلبكية ".

محمد بن عمر بن علي

وحدث عن أحمد بن زياد بن أستاد، عن الربيع بن سليمان، قال: اشتريت للشافعي رحمه الله بدينار طيباً، فقال لي: ممن اشتريت؟ فقلت: من الرجل العطار الذي قبالة الميضأة؛ قال: من؟ قلت: الأشقر الأزرق؟ قال: أشقر أزرق؟ قلت: نعم؛ قال: اذهب فرده. سمع من محمد بن عمر بن عفان في سنة ست وخمسين وثلاث مئة. محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب بن عبد المطلب أبو عبد الله القرشي الهاشمي حدث عن عمه محمد بن الحنفية، عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تكون لأصحابي زلةٌ يغفرها الله لهم لسابقتهم معي ". وحدث عن أبيه عن جده، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا علي، ثلاثةٌ لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً ". وحدث عن أبيه، عن جده علي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه، إن الله بعثني بالحنيفية السمحة دين إبراهيم "، ثم قرأ " وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ " فقال لي أبي: يا بني ما حرج؟ قلت: لا أدري؛ قال: الضيق. وحدث عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يأتي على الناس زمانٌ يكون المؤمن فيه أذل من شاته ". وحدث محمد بن عمر بن علي، عن علي، قال: بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: أكون في أمرك كالسكة المحماة، قال: " بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ".

محمد بن عمر بن لحسان

قال جويرية بن أسماء: قلت لشرحبيل بن سعد: رأيت علياً؟ قال: نعم؛ قلت: رأيت أحداً يشبهه؟ قال: لا؛ قلت: الناس يقولون: إن محمد بن عمر بن علي يشبهه؛ قال: هامة علي كانت مثل محمد. محمد بن عمر بن لحسان أبو بكر الدينوري الطرائفي إمام جامع صور. حدث عن أبي علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح ". توفي أبو بكر سنة سبع وأربعين وأربع مئة. محمد بن عمر بن محمد بن سلم ابن البراء بن سبرة بن سيار أبو بكر بن الجعابي، الحافظ البغدادي حدث عن محمد بن طاهر بن الحسن بن البختري، بسنده إلى سمرة بن جندب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم ثم يجعلهم أسداً لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيئكم ". كان أبو بكر بن الجعابي من الحفاظ؛ حكي أنه دخل الرقة، قال: وكان لي ثم قمطرين كتباً فأنفذت غلامي إلى الرجل الذي كتبي عنده، فرجع الغلام مغموماً

فقال: ضاعت الكتب، فقلت: يا بني لا تغم فإن فيها مئتي ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا إسناداً ولا متناً. وكان يزيد على الحفاظ بحفظ المقطوع والمرسل، والحكايات والأخبار. وكان إماماً في المعرفة بعلل الحديث، وثقات الرجال من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم وأنسابهم وكناهم ومواليدهم وأوقات وفاتهم ومذاهبهم، وما يطعن به على كل واحد وما يوصف به من السداد. أنشد أبو بكر الجعابي القاضي: من الخفيف وإذا جدت للصديق بوعدٍ ... فصل الوعد بالفعال الجميل ليس في وعد ذي السماحة مطلٌ ... إنما المطل في وعاد البخيل كان أبو بكر الجعابي قد صحب قوماً من المتكلمين فسقط عند كثيرٍ من أهل الحديث، وأمر قبل موته أن تحرق دفاتره بالنار، فأنكر ذلك عليه واستقبح من فعله. وتوفي في سنة خمسٍ وخمسين وثلاث مئة، ودفن بمقابر قريش. وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح مع جنازته، وكان قد خلط في الحديث وربما ترك الدين والصلاة. حدث الثقة ممن كان يعاشره: أنه كان نائماً فكتب على رجله كتابةً؛ قال: فكنت أراه إلى ثلاثة أيام لم يمسه ماءٌ؛ فنعوذ بالله من الخذلان.

محمد بن عمر بن محمد الكرجي

محمد بن عمر بن محمد الكرجي ابن أبي عقيل أبو بكر الكرجي الواعظ حدث سنة سبعٍ وسبعين وأربع مئة عن أبي الحسين بن علي بن الترجمان؛ بسنده إلى أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من رفع نفسه في الدنيا قمعه الله يوم القيامة، ومن تواضع لله في الدنيا بعث الله إليه ملكاً يوم القيامة فانتشطه من بين الجمع، فقال: أيها العبد الصالح يقول الله عز وجل: إلي إلي فإنك ممن " لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ". ولد الكرجي سنة أربع وأربع مئة وقيل سنة خمس وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة. محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ". وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.

وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه. وولد سنة ثلاثين ومئة. وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك. كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي. ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ. قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.

قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى. سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها. قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،

يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته. قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل. فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله. ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة

مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل

يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى

السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟. رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع

المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة. قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛

ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟. قال الواقدي: ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه

محمد بن عمر التميمي

ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم. قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة. قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه. وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه. محمد بن عمر التميمي أهديت إلى عبد الملك جاريةٌ وعنده محمد بن عمر التميمي، وكان له بصرٌ بالرقيق فقال له عبد الملك: كيف تراها؟ فقال: من الوافر أرى وجهاً سيقتلني سقاماً ... ففرج كربة الرجل السقيم وهبها لي فداك أبي وأمي ... فمثلك جاد بالأمر العظيم فأجابه عبد الملك: من الوافر لبئس المستشار أخو تميمٍ ... وبئس الحي حي بني تميم أأقطع لذتي وتقر عيناً ... لقد لججت في أمر جسيم

محمد بن عمر أبو عبد الله

محمد بن عمر أبو عبد الله الحمصي الأنماطي حدث عن أبي عبد الله الحسين بن خالويه، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما جبل ولي لله عز وجل إلا على السخاء وحسن الخلق ". محمد بن عمرو بن حزم ابن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عبد بن غنم بن مالك بن النجار أبو عبد الملك، ويقال: أبو سليمان، ويقال: أبو القاسم النجاري الأنصاري المدني ولد في حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشرٍ من الهجرة، وهو كناه أبا عبد الملك، ووفد على معاوية هو وأخوه عمارة. حدث عن أبيه، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من عاد مريضاً لا يزال يخوض في الرحمة حتى إذا قعد عنده استنقع بها، وإذا قام من عنده لا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج، ومن عزى أخاه المؤمن بمصيبةٍ كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة ". خرج محمد بن عمرو وأخوه عمارة فقدما على معاوية فرآهما ذات يوم فقال: متى قدمتما؟ قالا: منذ كذا وكذا؛ قال: أفلا تلقياني بحاجتكما؟ قالا: وددنا؛ قال: فميعادكما غداً بالغداة؛ فلما أصبحا جعل محمد يتهيأ للغدو ويقول عمارة: اذكر كذا واذكر كذا؛ قال: فحضرا الباب وأذن لهما ومعاوية جالسٌ على كرسي فتشهد محمد ثم قال: أما بعد، فإنه والله ما في الأرض اليوم نفسٌ هي أعز علي من نفسك سوى نفسي، وما في

الأرض اليوم نفسٌ هي أحب إلي رشداً من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد بن معاوية أصبح غنياً إلا عن كل خيرٍ، أصبح واسط الحسب في قريش، وأصبح غنياً في المال، وإن الله سائلٌ كل راعٍ عن رعيته، وإنك مسؤولٌ عن رعيتك فانظر عباد الله من تولي أمرهم، ثم استغفر، ولقد رأيت معاوية أخذه بهرٌ وإنا لفي يوم شاتٍ، ثم تنفس، ثم تشهد، ثم قال: أما بعد، فإنك امرؤٌ ناصحٌ وإنما قلت برأيك، والله ما كان عليك إلا ذلك، وإنما بقي ابني وأبناؤهم، فابني أحق من أبنائهم، ارتفعا راشدين. فلما خرجا أقبل عمارة على أخيه فقال: فما ضربنا أكباد الإبل من المدينة إلا لهذا؟ أفي يزيد بن معاوية؟ ما كنت تستقبله بشيءٍ أشد مما استقبلته به؛ فلما أكثر عليه قال: حسبك، أكل هذا ليظنك أنك ستعطى؟ قال: فتركنا كذا وكذا لا يلتفت إلينا، ثم أرسل إلينا: ارفعا حوائجكما؛ قال: فرفعنا حوائجنا وأعطانا ما شاء لنا وزادنا. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استعمل عمرو بن حزم على نجران اليمن فولد له هنالك على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشرٍ من الهجرة غلامٌ فأسماه محمداً، وكناه أبا سليمان، وكتب بذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكتب إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن " سمه محمداً وكنه أبا عبد الملك " ففعل. قال: وليس يولد من أهل هذا البيت مولود فيسمى محمداً إلا كني أبا عبد الملك. وقيل: إنه كانت كنيته أبا القاسم فزار أخواله في بني ساعدة فقالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من تسمى باسمي فلا يكن بكنيتي " قال: فغيرت كنيتي وتكنيت بأبي عبد الملك. قتل محمد بن عمرو بن حزم يوم الحرة سنة ثلاث وستين.

قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: إن عمر بن الخطاب جمع كل غلامٍ اسمه اسم نبي فأدخلهم الدار ليغير أسماءهم، فجاء آباؤهم فأقاموا البينة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى عامتهم، فخلى عنهم؛ قال: وكان أبي فيهم. قال حبيب مولى أسد بن الأخنس: بعثني عثمان بن عفان إلى محمد بن عمرو بن حزم: أنا نرمى من قبلك بالليل، فقال: ما نرميه ولكن الله يرميه؛ فأخبرت عثمان فقال: كذب لو رماني الله عز وجل ما أخطأني. كان محمد بن عمرو قد أكثر أيام الحرة القتل في أهل الشام، وكان يحمل على الكردوس منهم فيفض جمعتهم، وكان فارساً، فقال قائلٌ من أهل الشام: قد أحرقنا هذا ونحن نخشى أن ينجو على فرسه، فاحملوا عليه حملةً واحدةً فإنه لا يفلت من بعضكم، فإنا نرى رجلاً ذا بصيرةٍ وشجاعة؛ فحملوا عليه حتى نظموه في الرماح ولقد مال ميتاً، ورجل من أهل الشام قد اعتنقه حتى وقعا جميعاً. فلما قتل محمد بن عمرو انهزم الناس في كل وجهٍ حتى دخلوا المدينة، فجالت خيلهم فيها ينهبون ويقتلون. وصلى محمد بن عمرو يوم الحرة وجراحه تثعب دماً، وما قتل إلا نظماً بالرماح، وكان رافعاً صوته يقول: يا معشر الأنصار اصدقوهم الضرب فإنهم قوم يقاتلون على طمع الدنيا وأنتم تقاتلون على الآخرة؛ ثم جعل يحمل على الكتيبة فيفضها حتى قتل. وجعل الفاسق مسرف بن عقبة يطوف على فرسٍ له في القتلى ومعه مروان بن الحكم فمر على محمد بن عمرو بن حزم وهو على وجهه، واضعاً جبهته في الأرض، فقال: والله لئن كنت على جبهتك بعد الممات لطال ما افترشتها حياً؛ فقال مسرف: والله ما أرى هؤلاء إلا أهل

محمد بن عمرو بن الحسن

الجنة لا يسمع هذا منك أهل الشام فتكركرهم عن الطاعة؛ قال مروان: إنهم بدلوا وغيروا. قال محمد بن عمارة: قدمت الشام في تجارةٍ فقال لي رجلٌ: من أنت؟ قلت: رجلٌ من أهل المدينة، قال: خبيثة قلت: سبحان الله، يسميها رسول الله صلى الله عله وسلم طيبة وتقول أنت: خبيثة؛ قال: إن لي ولها لشأناً، لما خرج الناس إلى قتال الحرة مع مسلم رأيت في منامي أني أقتل رجلاً يقال له: محمد، أدخل بقتلي إياه النار، فجعلت جعالةً أن لا أخرج فلم يقبل مني ذلك، فخرجت فلم أطعن برمح ولم أرم بسهمٍ حتى انفض الأمر فإني لفي القتلى إذ مررت برجلٍ وبه رمقٌ فقال لي: تنح أيها الكلب؛ قلت: نحن عندكم بعد بمنزلة الكلاب فأسفت فقتلته ونسيت رؤياي، ثم ذكرتها فجئت برجلٍ من أهل المدينة فجعل يتصفح القتلى ويقول: هذا فلان، وهذا فلان، وجعلت أحيد به عن صاحبي، فنظر فرآه فقال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " لا يدخل قاتل هذا الجنة والله أبداً، قلت: ومن هذا؟ قال: هذا محمد بن عمرو بن حزم، سماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمداً، وكناه أبا عبد الملك؛ فأتيت أهله فعرضت عليهم أن يقتلوني به فأبوا، فقلت: هذه ديته فخذوها فأبوا. وكانت الحرة سنة ثلاث وستين. محمد بن عمرو بن الحسن ابن علي بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي العلوي من أهل المدينة. قيل: إنه شهد كربلاء مع عم أبيه الحسين عليه السلام، فإن كان شهدها فقد أتى به

محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص

يزيد بن معاوية مع من أتى به من أهل بيته، والمحفوظ أن أباه عمرو بن الحسن هو الذي كان بكربلاء ولم يكن محمد ولد إذ ذاك. حدث محمد بن عمرو بن الحسن بن علي أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلٌ قد ظلل عليه، فسأل عنه فقالوا: هذا صائم؛ قال: " ليس البر أن تصوموا في السفر ". وقال محمد بن عمرو: لما قدم الحجاج بن يوسف كان يؤخر الصلاة فسألنا جابر بن عبد الله عن وقت الصلاة فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي الظهر بالهجير أو حين تزول الشمس، ويصلي العصر والشمس مرتفعةٌ، ويصلى المغرب حين تغرب الشمس، ويصلي العشاء ويؤخر أحياناً، إذا اجتمع الناس عجل وإذا تأخر أخر، وكان يصلي الصبح بغلسٍ. قال محمد بن عمرو بن الحسن: كنا مع الحسين بن علي بنهر كربلاء، ونظر إلى شمر بن ذي الجوشن وكان أبرص، فقال: الله أكبر، الله أكبر، صدق الله ورسوله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني أنظر إلى كلبٍ أبقع يلغ في دم أهل بيتي ". وأم محمد بن عمرو رملة بنت عقيل بن أبي طالب وقد انقرض ولد عمرو بن الحسن بن علي ودرجوا، ولم يبق منهم أحد. وكان محمد بن عمرو ثقةً. محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي وأبوه عمرو الأشدق الذي قتله عبد الملك بدمشق، كان مع أبيه حين قتل، ثم قدم الشام غازياً.

محمد بن عمرو بن سليمان بن عمرو

حدث محمد بن عمرو بن سعيد: أن بني سعيد العاص كان لهم غلامٌ فأعتقه كلهم إلا رجلٌ واحد فذهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعتقه، فكان العبد يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرجل يقال له: رافع أبو البهي. قدم محمد بن عمرو بن سعيد الشام غازياً فأتى عمته ابنة سعيد بن العاص، وهي عند خالد بن يزيد بن معاوية، فدخل خالد فرآه فقال: ما يقدم علينا قادمٌ من الحجاز إلا من أهل المدينة على النواضح، فنكحوا أمك وسلبوك ملكك وفرغوك لطلب الحديث وقراءة الكتب وطلب ما لا يقدر عليه، يعني الكيمياء. محمد بن عمرو بن سليمان بن عمرو ابن حفص بن شليلة أبو الحسن الثقفي حدث عن أبي بكر محمد بن عبد الله بن بكار، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تزال عصابةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة ". محمد بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم ابن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي، السهمي من أبناء الصحابة. قدم مع أبيه دمشق بعدما قتل عثمان وشهد صفين، وله شعرٌ في شهوده صفين.

عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن خراج مصر وأقره على الجند والصلاة، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فتشاغبا، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان: أن عمراً قد كسر الخراج، وكتب عمرو بن العاص إلى عثمان: أن عبد الله بن سعد قد كسر على مكيدة الحرب، فعزل عثمان عمراً عن الجند والصلاة وولى ذلك عبد الله بن سعد مع الخراج فانصرف عمرو مغضباً، فقدم المدينة فجعل يطعن على عثمان ويعيبه، ودخل عليه يوماً وعليه جبةٌ له يمانية محشوة بقطنٍ، فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال: حشوها عمرو؛ فقال: لم أرد هذا يا بن النابغة، ما أسرع ما قمل جربان جبتك وإنما عهدك بالعمل عام أول، تطعن علي وتأتيني بوجهٍ وتذهب عني بآخر؛ فقال عمرو: إن كثيراً مما ينقل الناس إلى ولاتهم باطل؛ فقال عثمان: قد استعملتك على ظلعك؛ فقال عمرو: قد كنت عاملاً لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راضٍ؛ فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقنٌ عليه فجعل يؤلب عليه الناس ويحرضهم، فلما حصر عثمان الحصر الأول خرج عمرو من المدينة حتى انتهى إلى أرضٍ له بفلسطين يقال لها: السبع، فنزل في قصرٍ يقال له: العجلان، فلما أتاه قتل عثمان قال: أنا عبد الله إذا أحك قرحةً نكأتها، يعني: أني قتلته بتحريضي عليه وأنا بالسبع، وقال: أتربص أياماً وأنظر ما يصنع الناس؛ فبلغه أن علياً قد بويع له فاشتد ذلك عليه، ثم بلغه أن عائشة وطلحة والزبير ساروا إلى الجمل فقال: أستأني وأنظر ما يصنعون؛ فلم يشهد الجمل ولا شيئاً من أمره، فلما أتاه الخبر بقتل طلحة والزبير أرتج عليه الأمر، فقال له قائل: إن معاوية لا يريد أن يبايع لعلي فلو قاربت معاوية، فقال: ارحل يا وردان؛ فدعا ابنيه عبد الله ومحمداً فقال: ما تريان؟ فقال عبد الله: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راضٍ، وتوفي أبو بكر وهو عنك راضٍ، وتوفي عمر وهو عنك راضٍ، إني أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه؛ فقال: حط يا وردان؛ وقال ابنه محمد: أنت نابٌ من أنياب العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوتٌ ولا ذكرٌ؛ فقال: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خيرٌ لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي هو أنبه لي في دنياي وشر لي في آخرتي، وإن علياً قد بويع له وهو يدل

بسابقته، وهو غير مشركي في شيءٍ من أمره، ارحل يا وردان؛ ثم خرج ومعه ابناه حتى قدم على معاوية فبايعه على الطلب بدم عثمان، وكتبا بينهما كتاباً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تعاهد عليه معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ببيت المقدس من بعد قتل عثمان بن عفان، وحمل كل واحد منهما صاحبه الأمانة؛ إن بيننا عهد الله على التناصر والتخالص والتناصح في أمر الله والإسلام ولا يخذل أحدنا صاحبه بشيءٍ، ولا يتخذ من دونه وليجةً، ولا يحول بيننا ولدٌ ولا والدٌ أبداً ما حيينا فيما استطعنا، فإذا فتحت مصر فإن عمراً على أرضها وإمارته التي أمره عليها أمير المؤمنين، وبيننا التناصح والتوازر والتعاون على ما نابنا من الأمور، ومعاوية أميرٌ على عمرٍو في الناس وفي عامة الأمر حتى يجمع الله الأمة، فإذا اجتمعت الأمة فإنهما يدخلان في أحسن أمرها على أحسن الذي بينهما في أمر الله، والذي بينهما من الشرط في هذه الصحيفة؛ وكنت وردان سنة ثمان وثلاثين. قال: وبلغ ذلك علياً فقام فخطب أهل الكوفة فقال: أما بعد، فإنه قد بلغني أن عمرو بن العاص، الأبتر بن الأبتر بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه فالعضد والله الشلاء عمرٌو ونصرته. وبينا عمرو بن العاص جالسٌ ومعه ابناه عبد الله ومحمد إذ مر به راكبٌ فقالوا: من أين؟ فقال: من المدينة؛ فقال عمرو: ما اسمك؟ قال: حصيرة؛ قال عمرو: حصر الرجل أو قتل، فما الخبر؟ قال: تركت الرجل محصوراً، فقال عمرو: يقتل، ثم مكثوا أياماً فمر بهم راكبٌ فقالوا: من أين؟ قال: من المدينة؛ قال عمرو: ما اسمك؟ قال: حرب؛ قال عمرو: تكون حرب، فما الخبر؟ قال: قتل عثمان وبويع علي؛ فقال عمرو: أنا أبو عبد الله يكون حربٌ، من حك فيها قرحةً نكأها، رحم الله عثمان وغفر له؛ فقال سلمة بن ونباع الجذامي: يا معشر قريش، إنه

محمد بن عمرو بن مسعدة

قد كان بينكم وبين العرب بابٌ فاتخذوا باباً إذا كسر الباب؛ فقال عمرو: ذاك الذي نريد، ولا يصلح الباب إلا يشافي يخرج الحق من حفرة الباطل، ويكون الناس في العدل سواء، ثم ارتحل داخلاً إلى الشام ومعه ابناه يبكي كما تبكي المرأة، ويقول: واعثماناه، أنعى الحياء والدين؛ حتى قدم دمشق وكان قد سقط إليه من الذي يكون علمٌ، فعمل عليه. وشهد محمد بن عمرو بن العاص صفين، وكان أهل الشام يوم صفين خمسة وثلاثين ألفاً، وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ومئة ألف، وأبلى محمد بن عمرو ذلك اليوم وقال في ذلك شعراً. محمد بن عمرو بن مسعدة ويقال: ابن مسلمة أبو الحارث البيروتي، ويعرف بابن فروة حدث بدمشق عن محمد بن عقبة، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صيام بعد النصف من شعبان حتى يدخل رمضان ". سمع منه في سنة خمس وتسعين ومئتين. محمد بن عمرو بن نصر بن الحجاج أبو بكر المعروف بابن عمرون القرشي دمشقي. حدث في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين ومئتين، عن أبيه عمرو بن نصر، بسنده إلى أنس بن مالك الأنصاري قال: بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبطنا ثنية ورأوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير وحده، فلما أسهلت به الطريق ضحك وكبر فكبرنا،

محمد بن عمرو بن يونس بن عمران

ثم سار ربوةً ثم ضحك وكبر فكبرنا لتكبيره، ثم سار ربةً ثم ضحك وكبر فكبرنا لتكبيره، ثم أدركته فقال القوم: كبرنا لتكبيرك يا رسول الله ولا ندري مما ضحكت؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قاد الناقة جبريل فلما أسهلت التفت إلي فقال: أبشر وبشر أمتك بأنه من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وقد حرم الله عليه النار، فضحكت وكبرت ". وحدث عن أبيه، بإسناده إلى أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " بينما رجلٌ يسوق بقرةً قد حمل عليها التفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكن خلقت للحرث؛ فقال الناس: سبحان الله " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر ". محمد بن عمرو بن يونس بن عمران ابن دينار أبو جعفر الكوفي التغلبي النميري المعروف بالسوسي قدم دمشق. حدث عن عبد الله بن نمير بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ". وحدث عن وكيع، بسنده إلى ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". توفي بطريق مكة سنة تسعٍ وخمسين ومئتين، وكان يذهب إلى الرفض، ومات ساجداً وقد استوفى مئة سنة. حدث أبو علي محمد بن محمد بن الأشعث: أنه كان معه وقال له: انظر أترى الهلال؟ قال: فنظرت فرأيته وكان هلال

محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب

المحرم، فقلت له: قد رأيته فقال لي: استوفيت مئة سنةً؛ ثم نزل فقال: وضئني لصلاة المغرب، فوضأته لها ودخل فيها، فسجد سجدةً فطال علي أمره فيها فوجدته ميتاً. محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب واسمه زيد بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم أبو عمير، ويقال: أبو عمر الدارمي التميمي الكوفي كان سيد أهل الكوفة، وأجود مضر، وصاحب ريع تميم وهمدان، وكان مع علي عليه السلام بصفين، واستعمله على تميم الكوفة، ووفد على عبد الملك بن مروان، وأقام بالشام إلى أن مات كراهيةً لولاية الحجاج. حدث محمد بن عمير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في ملأ من أصحابه فأتاه جبريل فنكث في ظهره، قال: " فذهب بي إلى شجرةٍ فيها مثل وكري الطير فقعد في أحدهما وقعد في الأخرى فنشأت بنا حتى ملأت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، ثم دلي بسببٍ فهبط النور، فوقع جبريل مغشياً عليه كأنه حلسٌ، فعرفت فضل خشيته على خشيتي، فأوحي إلي: أنبياً عبداً أو نبياً ملكاً؟ وإلى الجنة ما أنت " زاد في حديث: " فأومى إلي جبريل أن تواضع؛ فقلت: نبياً عبداً "؛ وفي رواية: " فأومى إلي جبريل وهو مضجع، بل نبي عبدٌ ". وفي روايةٍ: أن محمد بن عمير حدث عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما أسري بي كنت أنا في شجرةٍ وجبريل في شجرةٍ فغشينا من أمر الله بعض ما غشينا فخر جبريل مغشياً عليه، وثبت على أمري، فعرفت فضل إيمان جبريل عليه السلام على إيماني ". قال أبو نعيم: محمد بن عمير يعد في الصحابة رضي الله عنهم، ولا تصح له صحبة.

لما فرغ الحجاج بن يوسف من دير الجماجم وفد على عبد الملك بن مروان ومعه أشراف أهل الكوفة والبصرة فأدخلهم على عبد الملك، فبينما هم عنده يوماً إذ تذاكروا البلد؛ فقال محمد بن عمير بن عطارد: أصلح الله أمير المؤمنين نحن أوسع منهم بريةً، وأسرع منهم في السرية، وأكثر منهم نقداً وقنداً، وعاجاً وساجاً، ويأتينا ماؤنا عفواً صفواً، ولا يناله غيرنا إلا بقائد وسائق وناعق؛ فقال الحجاج: أصلح الله أمير المؤمنين، إن لي بالبلدين خبراً وقد أوطنتهما جميعاً؛ قال له: قل وأنت عندنا مصدق؛ فقال: أما البصرة فعجوزٌ شمطاء وفراء غراء، أوتيت من كل زينةٍ، وأما الكوفة فشابةٌ حسنةٌ جميلةٌ لا حلي لها ولا زينة؛ فقال عبد الملك: فضلت الكوفة على البصرة. قال عبد الملك بن مروان لمحمد بن عطارد التميمي: يا محمد احفظ عني هذه الأبيات واعمل بهن؛ قال: هاتها يا أمير المؤمنين؛ قال: من الطويل إذا أنت جاريت السفيه كما جرى ... فأنت سفيهٌ مثله غير ذي حلم إذا أمن الجهال حلمك مرةً ... فعرضك للجهال غنمٌ من الغنم فلا تعترض عرض السفيه وداره ... بحلمٍ فإن أعتى عليك فبالصرم وعض عليه الحلم والجهل والقه ... بمرتبةٍ بين العداوة والسلم فيرجوك تاراتٍ ويخشاك تارةً ... ويأخذ فيما بين ذلك بالحزم فإن لم تجد بداً من الجهل فاستعن ... عليه بجهالٍ وذاك من العزم وفي محمد بن عمير يقول بعض الشعراء: من الكامل علمت معدٌ والقبائل كلها ... أن الجواد محمد بن عطارد

محمد بن عمير بن هشام

محمد بن عمير بن هشام أبو بكر الرازي الحافظ المعروف بالقماطري حدث عن محمد بن خالد الإفريقي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". محمد بن عوف بن أحمد ابن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسن المزني حدث بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل: هذا ابن خطل متعلقٌ بأستار الكعبة فقال: " اقتلوه ". محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر الطائي، الحمصي الحافظ قدم دمشق سنة سبع عشرة ومئتين

محمد بن العلاء بن كريب

حدث عن أبي المغيرة، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سهى أحدكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ". وحدث عن أبيه، بسنده إلى الهدار وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للعباس بن الوليد ورأى إسرافه في خبز السميد وغيره: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما شبع من خبز بر حتى فارق الدنيا. قال محمد بن عوف بن سفيان: كنت ألعب في الكنيسة بالأكرة وأنا حدثٌ فدخلت الكرة إلى المسجد حتى وقعت بالقرب من المعافى بن عمران فدخلت لآخذها فقال لي: يا فتى، ابن من أنت؟ فقلت: أنا ابن عوف قال: ابن سفيان؟ قلت: نعم؛ فقال: أما إن أباك كان من إخواننا وكان ممن يكتب معنا الحديث والعلم، والذي كان يشبهك أن تتبع ما كان عليه والدك؛ فصرت إلى أمي فأخبرتها، فقالت: صدق يا بني، هو صديقٌ لأبيك؛ فألبستني ثوباً من ثيابه وإزاراً من أزره، ثم جئت إلى المعافى بن عمران ومعي محبرة وورق، فقال لي: اكتب، حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد ربه بن سليمان، قال: كتبت لي أم الدرداء في لوحي مما تعلمني: اطلبوا العلم صغاراً تعلموا به كباراً، فإن لكل حاصدٍ ما زرع، خيراً كان أم شراً؛ فكان أول حديثٍ سمعته. توفي محمد بن عوف سنة تسعٍ وستين ومئة، وقيل: سنة اثنتين. محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، الهمداني الكوفي حدث عن ابن أبي زائدة، بسنده إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحايينه؛ وفي حديث آخر: على كل أحواله.

محمد بن عيسى بن أحمد

وحدث عن أبي معاوية، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور ". قال أبو نصر بن ماكولا: خمر بفتح الخاء والميم هو خمر بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان، هم رهط أبي كريب محمد بن العلاء. قال أبو العباس بن سعد: ظهر لأبي كريب بالكوفة ثلاث مئة ألف حديث. قال صالح بن محمد جزرة: علت السوسة مرةً رأس أبي كريب، قال: فجيء بالطبيب فقال: ينبغي أن يغلف رأسه بالفالوذج؛ ففعلوا؛ قال: فتناوله من رأسه ووضعه في فيه وقال: بطني أحوج إلى هذا من رأسي. توفي أبو كريب محمد بن العلاء سنة ثمانٍ وأربعين ومئتين؛ وأوصى أن تدفن كتبه معه فدفنت؛ وكان ثقةً. وقيل: توفي سنة سبعٍ وأربعين. محمد بن عيسى بن أحمد ابن عبد الله أبو عمر القزويني الحافظ حدث عن محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا بويع للخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ". وحدث عن إدريس بن جعفر العطار، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".

محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق

حدث في سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق أبو عبد الله التميمي البغدادي، المعروف بابن العلاف حدث في سنة ثلاثٍ وأربعين وثلاث مئة عن أبي بكر أحمد بن عبيد الله الزبيبي، بسنده إلى أم سلمة قالت: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يوماً، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف. توفي محمد بن عيسى العلاف سنة أربعٍ وأربعين وثلاث مئة. محمد بن عيسى بن عبد الكريم ابن جيش بن طماح بن مطر أبو بكر التميمي الطرسوسي المعروف ببكر الخرار حدث عن أبي الطيب أحمد بن عبيد الله الدارمي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لأمتي في بكورها ". حدث بكر الخرار سنة تسعٍ وخمسين وثلاث مئة. محمد بن عيسى بن القاسم ابن سميع أبو سفيان القرشي، مولى معاوية بن أبي سفيان حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمةً ".

محمد بن عيسى بن محمد

وحدث عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا شهدوا بها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا فقد حرم علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عز وجل ". وحدث عن زيد بن واقد، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين ". توفي محمد بن عيسى بن سميع سنة أربعٍ ومئتين، وقيل: سنة ست ومئتين؛ وكان مولده سنة أربع عشرة ومئة، وتوفي وهو ابن ثنتين وتسعين سنة. محمد بن عيسى بن محمد ابن بقاء أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي الثغري البلغي المقرئ أحد حفاظ القرآن المجودين، كان شيخاً فاضلاً، حافظاً للحكايات، قليل التكلف في الناس. خرج الناس إلى المصلى للاستسقاء فأنشد قصيدةً على المنبر أولها: من البسيط أستغفر الله من ذنبي وإن كبرا ... وأستقل له شكري وإن كثرا ولد في شعبان سنة أربعٍ وخمسين وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة.

محمد بن عيسى بن يزيد

محمد بن عيسى بن يزيد أبو بكر الطرسوسي التميمي، ثم السعدي حدث عن أبي توبة الربيع بن نافع، بسنده إلى أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه، اقرؤوا الزهراوين سورة البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طيرٍ صواف يحاجان عن صاحبهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرةٌ، ولا تستطيعها البطلة " قيل: البطلة السحرة. توفي أبو بكر الطرسوسي ببلخ سنة ست وسبعين ومئتين. محمد بن عيسى أبو جعفر البغدادي النقاش مولى عمر بن عبد العزيز حدث بدمشق عن ابن أبي علاج الموصلي، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يغضب فإذا غضب سبحت الملائكة لغضبه، فإذا اطلع إلى الأرض فنظر إلى الولدان يقرؤون القرآن تملأ رضىً ". محمد بن عيسى أبو بكر الأقريطشي حدث بدمشق عن محمد بن القاسم المالكي، بسنده إلى بعض الصالحين قال: من الطويل ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ... لقد حذرتناها لعمري خطوبها وما نحسب الساعات تبلغ آنه ... على أنها فينا سريعٌ دبيبها

محمد بن غزوان الدمشقي

كأني برهطٍ يحملون جنازتي ... إلى حفرةٍ يحثى علي كثيبها فكم لي من مسترجعٍ متوجعٍ ... وباكيةٍ يعلو علي نحيبها وإني لممن يكره الموت والبلى ... ويعجبني روح الحياة وطيبها فحتى متى حتى متى وإلى متى ... يدوم طلوع الشمس لي وغروبها فيا هادم اللذات ما منك مهربٌ ... تحاذر نفسي منك ما سيصيبها رأيت المنايا قسمت بين أنفسٍ ... ونفسي سيأتي بعدهن نصيبها محمد بن غزوان الدمشقي حدث عن علي بن محمد عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى ست ركعات بعد المغرب غفر له بها ذنوب خمسين سنة ". جرحوه وقالوا: لا يحل الاحتجاج به. محمد بن الغمر بن عثمان أبو بكر الطائي من ساكني بيت أرانس من قرى الغوطة. حدث عن محمد بن جعفر الراموزي، بسنده قال: قام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين صف الرجال والنساء فقال: " يا معشر النساء إذا سمعتن هذا الحبشي يؤذن ويقيم يعني بلالاً فقلن كما يقول، فإن الله يكتب لكن بكل كلمةٍ مئة ألف حسنة، ويرفع لكن ألف درجة، ويحط عنكن ألف سيئة " قال: فقلن: يا رسول الله هذا للنساء فما للرجال؟ قال: " للرجال ضعفان ". وحدث عن محمد بن إسحاق بن يزيد الضبي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسبح الناس معه

محمد بن الفتح أبو الحسن الصيداوي

طويلاً، ثم كبر فكبر الناس فقالوا: يا رسول الله مم سبحت؟ فقال: " لقد تضايق على هذا الرجل قبره حتى فرج الله عنه ". توفي أبو بكر سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. محمد بن الفتح أبو الحسن الصيداوي حدث عن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي البختري، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة ". محمد بن فتوح أبي نصر ابن عبد الله بن فتوح بن حميد أبو عبد الله الحميدي الأندلسي الحافظ قيل: إنه داودي المذهب إلا أنه لم يكن يتظاهر بذلك. حدث بدمشق عن كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية، بسندها إلى علي كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ستكون علي رواة يروون الحديث فاعرضوا القرآن فإن وافقت القرآن فخذوها وإلا فدعوها ". وحدث عن أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، بسنده إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري: أنه وجه إلى بيت أبي غالب تمام بن غالب أيام غلبته على مرسية، وأبو غالب ساكنٌ

بها ألف دينارٍ أندلسية على أن يزيد في ترجمة كتابٍ جمعه في اللغة مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد فرد الدنانير، وأبى ذلك وقال: لو بذل لي الدنيا على ذلك ما فعلت، ولا استجزت الكذب فإني لم أجمعه له خاصة، ولكن لكل طالبٍ عامة؛ فاعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها واعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها. وحدث الحميدي عن أبي الوليد الحسين بن محمد الكاتب قال: حضرت عند عمي وعنده أبو عمر القصطلي وأبو عبد الله المعيطي فغنى المعيطي: من مخلع البسيط مروع فيك كل يومٍ ... محتملٌ فيك كل لوم يا غايتي في المنى وسولي ... ملكت رقي بغير سوم فأعجبنا بهذين البيتين: فقال أبو عمر: أنا أضيف إليهما ثالثاً، وقال: تركت قلبي بغير صبرٍ ... فيك وعيني بغير نوم قال: فسررنا بقوله، وقلنا: لا تتم القطعة إلا به. ولد الحميدي قبل العشرين وأربع مئة، وتوفي سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة. وكان محققاً متبحراً في علم الأدب والعربية والشعر والرسائل، وله التصانيف الكثيرة منها: تجريد الصحيحين والجمع بينهما، وتاريخ الأندلس، وله شعرٌ حسنٌ. وأوصى إلى مظفر ابن رئيس الرؤساء أن يدفنه عند بشر الحافي فخالف وصيته، فرآه مظفر بعد مدة في النوم يعاتبه على مخالفة وصيته فنقل سنة إحدى وتسعين وأربع مئة ودفن عند قبر بشر الحافي، وكان كفنه جديداً وبدنه طرياً تفوح منه رائحة الطيب، ووقف كتبه على أهل العلم.

محمد بن فراس أبو عبد الله العطار

ومن شعر الحميدي: من الوافر طريق الزهد أفضل ما طريق ... وتقوى الله بادية الحقوق فشق بالله يكفك واستعنه ... يعنك وذر بنيات الطريق ولا يغررك من يدعى صديقاً ... فما في الأرض أعوز من صديق سألنا عن حقيقته قديماً ... فقيل: سألت عن بيض الأنوق وأنشد محمد بن أبي نصر لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ بالأندلس: من الوافر أقمنا ساعةً ثم افترقنا ... وما يغني المشوق وقوف ساعه كأن الشمل لم يك ذا اجتماعٍ ... إذا ما شتت الدهر اجتماعه محمد بن فراس أبو عبد الله العطار قال: كان الوليد بن عتبة يقرأ علينا في مسجد باب الجابية مصنفات الوليد بن مسلم، وكان رجلٌ يجيء وقد فاته ثلث المجلس، ربع المجلس، أو أقل أو أكثر، فكان الشيخ يعيده عليه؛ فلما كثر ذلك على الوليد بن عتبة منه قال له: يا هذا أي شيء بليت بك، الله محمودٌ لئن لم تجئ مع الناس من أول المجلس لا أعدت عليك شيئاً؛ قال: يا أبا العباس، أنا رجلٌ معيل، ولي دكان في بيت لهيا، فإن لم أشتر لها حويجاتها من

محمد بن الفرج بن الضحاك

غدوة، ثم أغلق وأجيء أعدو، وإلا خشيت أن يفوتني معاشي؛ فقال له الوليد بن عتبة: لا أراك ها هنا مرةً أخرى؛ فكان الوليد بن عتبة يقرأ علينا المجلس ويأخذ الكتاب ويمر إلى بيت لهيا حتى يقرأ عليه المجلس في دكانه. محمد بن الفرج بن الضحاك أبو عبد الله الفردي إمام الجامع بدمشق المحدثة. حدث سنة إحدى وخمسين ومئتين عن خالد بن عمرو بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص، بسنده إلى المغيرة بن شعبة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حدث بحديثٍ وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ". محمد بن الفرج بن يعقوب أبو بكر الرشيدي المعروف بابن الأطروش من أهل رشيد من مصر. سمع بدمشق. وحدث بمعرة النعمان سنة سبع عشرة وأربع مئة، عن أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان البزاز العكبري، بسنده إلى عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدٌ فقولوا: عبد الله ورسوله ".

محمد بن فضالة بن الصقر

محمد بن فضالة بن الصقر ابن فضالة بن سالم ابن حميد اللخمي أبو الحسن ويقال: إنه من موالي يزيد بن معاوية من حفرة النهر فتبنى جدهم العباس بن سالم فادعوا أنه ابن أخيه. حدث في سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة عن محمود بن خالد، بسنده إلى أبي الهديل الربعي قال: لقيت أبا داود الربعي فسلمت عليه وأخذ بيدي وقال: تدري لم أخذت بيدك؟ قلت: أرجو أن لا تكون أخذت بها إلا لمودةٍ في الله عز وجل؛ قال: أجل، إن ذلك كذلك، ولكن أخذت بيدك كما أخذ بيدي البراء بن عازب وقال لي كما قلت لك فقلت له كما قلت لي، فقال: أجل ولكن أخذ بيدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " ما من مؤمنين يلتقيان فيأخذ كل واحدٍ منهما بيد أخيه لا يأخذها إلا لمودةٍ في الله عز وجل فتفترق أيديهما حتى يغفر لهما ". وحدث بدمشق عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع ثمرة أرضه فأصابه جائحةٌ فلا يأخذ من أخيه شيئاً، علام يأكل أحدكم مال أخيه المسلم؟ ". وحدث بها عنه، بسنده إلى رافع بن خديج، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أنا أكثر الأنصار أرضاً، قال: " ازرع " قلت: هي أكبر من ذلك، قال: " فبور ". توفي أبو الحسن بن فضالة سنة خمس عشرة وثلاث مئة.

محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري

محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري حدث عن أبيه فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال العبد آمناً من عذاب الله ما استغفر الله ". محمد بن فضاء أبو أحمد الدمشقي حدث عن موسى بن سعيد الراسبي، عن الشعبي، قال: بينا شريحٌ سفي مجلس قضائه إذ أقبل فتىً وشيخ يختصمان إليه، قال: فكلما تكلم الشيخ بكلمةٍ أفلج عليه الفتى في حجته فأغاظ ذلك شريحاً فقال للفتى: اسكت فقال: لا والله يا قاضي مالك أن تسكتني؛ قال: لأنك فتى وهذا شيخ؛ قال: يا قاضي وما تنقم على قوم أثنى الله عليهم في القرآن، فقال: " إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم " وقال عز وجل: " سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم " " وإذ قال موسى لفتاه " لولا أنه فتى صدقٍ ما صحبه موسى، قال: يا فتى أنت قاضٍ؟ تعال اقعد اقض قال: لا والله، ما لي ذلك دون أن أطعم قصتك وأستوفي منتك؛ قال: ثم استنطقه فإذا بفتىً كامل العقل وضيء الوجه، قال: يقول شريح في نفسه: لوددت لو أن لهذا الفتى أختاً فأتزوجها؛ قال: لو تمنيت الجنة كان أفضل؛ قال: لقد أقبلت يوماً من جنازةٍ مظهراً فأصابني الحر ورأيت سقيفةً فقلت: لو عدلت إلى هذه السقيفة فاستظللت واستسقيت ماءً، فلما صرت إلى السقيفة إذا باب دارٍ وإذا امرأةٌ نصفٌ قاعدةٌ خلفها جاريةٌ شابةٌ رودٌ، عليها ذؤابةٌ قد تسترت بها، قال: قلت: اسقوني ماءً، قالت: يا عبد الله أي الشراب أعجب

إليك، النبيذ أم اللبن أم الماء؟ قلت: أي ذلك تيسر عليكم، قالت: اسقوا الرجل لبناً فإني إخاله أعرابياً، قال: فلما أن شربت وحمدت الله قلت لها: من الجارية خلفك؟ قالت: ابنتي، قال: قلت: ومن هي؟ قالت: زينب بنت حدير؛ قلت: ممن؟ قالت: من نساء تميم؛ قلت: من أيها؟ قالت: من بني حنظلة، ثم من بني طهية؛ قلت: لها: أفارغةٌ أم مشغولةٌ؟ قالت: لا بل فارغة؛ قلت: تزوجينها؟ قالت: نعم إن كنت كفؤاً لها؛ قلت: فمن يلي أمرها؟ قالت: عمها؛ قال: فانصرفت إلى منزلي فامتنعت من القائلة فأرسلت إلى إخواني من القراء الأشراف مسروق بن الأجدع أمية ألك حاجة؟ قلت: إليك عمدت؛ قال: فيم ذلك؟ قال: جئت خاطباً؛ قال: من؟ قلت: زينب بنت حدير؛ قال: ما بها عنك رغبةٌ ولا تقصير؛ فحمدت الله وصليت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكرت حاجتي؛ فحمد الله عز وجل وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وزوجني؛ فوالله ما بلغت منزلي حتى ندمت، قلت: ما صنعت تزوجت امرأةً من بني طهية من حي جفاةٍ فأردت أن أفارقها، ثم قلت: سقطتين في يوم واحد لا، ولكني أجمعها إلي فإن رأيت الذي أحب وإلا كنت قادراً؛ فأرسلت إليها بصداقها وكرامتها فزفت إلي مع نساءٍ أترابٍ لها، فلما أن صارت بالباب قالت: السلام عليكم ورحمة الله؛ وأقبلن النساء ينخسنها ويقلن لها: هذا منك جفاء؛ قالت: سبحان الله، السلام والبركة فيه، فلما أن توسطت البيت قالت: يا قاضي، موضع مسجد البيت؟ فإن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يقوم فيصلي ركعتين وتصلي خلفه ركعتين ويسألان الله خير ليلتهما تلك، ويتعوذان بالله من شرها؛ قال: قلت: خيرٌ ورب الكعبة؛ فقمت أصلي فإذا هي خلفي تصلي، فلما أن سلمت وثبت وثبةً فإذا هي في قبتها وسط فراشها قاعدةٌ؛ قال: ودخلت إليها فوضعت يدي على ناصيتها ودعوت لها بالبركة، قالت: نعم فبارك الله لك ولنا معك؛ قال: فأردت ما يريد الرجل؛ فقالت لي: هيه هيه على رسلك على حاجتك ما قدرت، الحمد لله أحمده وأستعينه

وصلى الله على محمدٍ، أما بعد؛ فإني امرأةٌ غريبةٌ لم أنشأ معك، وما سرت مسيراً أشد علي من هذا المسير وذلك أني لا أعرف أخلاقك، فأخبرني بأخلاقك التي تحب أكن معها، وأخلاقك التي تكره أزدجر عنها، أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولك؛ قال: فاستطرت فرحاً، ثم قلت: أما بعد؛ قدمت خير مقدمٍ على أهل دارٍ زوجك سيد رجالهم، وأنت إن شاء الله سيدة نسائهم، أنا أحب من الأخلاق كذا وكذا وأكره من الأخلاق كذا؛ قالت: حدثني عن أختانك أتحب أن يزوروك؟ قلت لها: إني رجلٌ قاضٍ ما أحب أن يكثروا فيملوني، ولا يطيلوا فيهجروني؛ قالت: وفقك الله؛ قال: فبت بأنعم ليلةٍ باتها عروسٌ، ثم الليلة الأخرى أنعم منها، فليس من ليلةٍ إلا وأنا أنعم من صاحبتها، حتى إذا كان بعد سبعٍ قالت لأنها: يا أمتاه انصرفي إلى منزلك ولا تأتيني إلى حولٍ قابلٍ في هذا الأوان، ولا تتركيني من الهدايا؛ قال: فكان الرسول يجيء بالأطباق الملاء ويأخذ الفارغ شبه الطير الخاطف، حتى إذا كان رأس الحول أتتها أمها وقد ولدت غلاماً وكان شريح رجلاً غيوراً فإذا بامرأة تأمر وتنهى في بيته فقال: يا زينب من هذه المرأة؟ قالت له: هذه ختنتك فلانة أمي؛ قال شريح: سبحان الله قد آن لك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية كيف ترى زوجتك؟ قلت: بالخير؛ قالت: يا أبا أمية إن الرجال لم يبتوا بشيءٍ مثل الخرقة الورهاء، ولا تكون المرأة عند زوجها بأسوأ حالٍ منها في حاليه: إذا حظيت عند زوجها أو ولدت له غلاماً، فإن رابك من أهلك ريبٌ فالسوط؛ قال لها: قد كفيت الرياضة وأحسنت الأدب، أنا أشهد أنها ابنتك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية، أخوها بالباب يطلب الإذن عليها، تأذن له؟ قال: إي والله، فليدخل؛ فلما دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ قال: وإنك لهو؟ قال: نعم؛ قال: أما إني لو تمنيت الجنة كان أفضل، تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ؟ قال: أذكره؛ قال: فإني تمنيت أن تكون أختٌ لك عندي؛ قال: يا قاضي فإن الذي أعطاك مناك قادرٌ أن يعطيكها في الآخرة؛ ثم إنه ضم الصبي ونحله ذهباً؛ ثم قال: أرشد الله أمركم ووفقكم لحظكم، ومضى. أمي؛ قال شريح: سبحان الله قد آن لك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية كيف ترى زوجتك؟ قلت: بالخير؛ قالت: يا أبا أمية إن الرجال لم يبتوا بشيءٍ مثل الخرقة الورهاء، ولا تكون المرأة عند زوجها بأسوأ حالٍ منها في حاليه: إذا حظيت عند زوجها أو ولدت له غلاماً، فإن رابك من أهلك ريبٌ فالسوط؛ قال لها: قد كفيت الرياضة وأحسنت الأدب، أنا أشهد أنها ابنتك؛ قالت العجوز: يا أبا أمية، أخوها بالباب يطلب الإذن عليها، تأذن له؟ قال: إي والله، فليدخل؛ فلما دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ قال: وإنك لهو؟ قال: نعم؛ قال: أما إني لو تمنيت الجنة كان أفضل، تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ؟ قال: أذكره؛ قال: فإني تمنيت أن تكون أختٌ لك عندي؛ قال: يا قاضي فإن الذي أعطاك مناك قادرٌ أن يعطيكها في الآخرة؛ ثم إنه ضم الصبي ونحله ذهباً؛ ثم قال: أرشد الله أمركم ووفقكم لحظكم، ومضى. قال شريح: فلبثت معي عشرين سنةً وما بكتت عليها في تلك السنين إلا يوماً واحداً كنت لها

محمد بن الفضل بن محمد بن المنصور

ظالماً أيضاً؛ قالوا: وكيف؟ قال: كنت إمام قومي وصليت ركعتي الفجر وسمعت الإقامة فبادرت فأبصرت عقرباً فكرهت أن أضربها فتنضح علي منها فاكفيت عليها الإناء ثم قلت لها: يا زينب لا تعجلي بتحريك الإناء حتى أقبل؛ فأقبلت فإذا هي تلوى؛ قلت: مالك؟ قالت: ضربتني العقرب؛ قال: أولم أنهك؟ هكذا من خالف؟ لي في هذا عظةً وعبرةً؛ قال: فلو رأيتني يا شعبي وأنا أمغث إصبعها بالماء والملح وأقرأ عليها بفاتحة الكتاب والمعوذتين، وكان لي جارٌ من كندة يقال له: ميسرة بن عدي لا يزال يقرع مريةً له، وذلك حيث يقول: من الطويل رأيت رجالاً يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم أضرب زينبا محمد بن الفضل بن محمد بن المنصور كان مع عبد الله بن طاهر حين توجه من دمشق وافتتح مصر وسوغه المأمون خراجها سنةً، فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها، فقبل أن ينزل أتاه معلى الطائي، وقد أعلموه بما صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز وكان عليه واجداً فوقف بين يديه وقال: أصلح الله الأمير، أنا معلى الطائي، ما كان منك من جفاءٍ وغلظةٍ فلا يغلظ على قلبك ولا يستخفنك ما قد بلغك، أنا الذي أقول: من البسيط يا أعظم الناس عفواً عند مقدرةٍ ... وأظلم الناس عند الجود للمال لو يصبح النيل يجري ماؤه ذهباً ... لما أشرت إلى خزنٍ بمثقال تعنى بما فيه رق الحمد تملكه ... وليس شيءٌ أعاض الحمد بالمال تفك باليسر كف العسر من زمنٍ ... إذا استطال على قومٍ بإقلال لم تخل كفك من جودٍ لمختبطٍ ... أو مرهفٍ فاتكٍ في رأس قتال

محمد بن الفضل الصوفي الدمشقي

وما بثثت رعيل الخيل في بلدٍ ... إلا عصفن بأرزاقٍ وآجال هل من سبيلٍ إلى إذنٍ فقد ظمئت ... نفسي إليك فما تروى على حال إن كنت منك على بالٍ منيت به ... فإن شكرك من حمدي على بال ما زلت مقتضياً لولا مجاهرةٌ ... من ألسنٍ خضن في صبري بأقوال فضحك عبد الله بن طاهر وسر بما كان منه، وقال: يا أبا القاسم إنا لله أقرضني عشرة آلاف دينار؛ فما أمسيت أملكها، فدفعها إليه. محمد بن الفضل الصوفي الدمشقي قال سليمان بن داود اليحصبي: رأيت محمد بن الفضل الدمشقي، وكان من نبلاء الصوفية ورؤسائهم، فضرب ابنه صغيراً، فقمت لأتخلصه منه فقال: إليك عني، فإني أحب أن أبلغ من عقوبته اليوم أمراً أرضي الله به؛ فقلت: وما قصته؟ قال: رأيته يضحك إلى غلامٍ من أقرانه؛ قلت: وما أنكرت من ذلك؟ صبي ضحك إلى تربه؛ فقال: إني أكره أن أجريه على معاصي الله، فيأتي اليوم صغيرةً ويركب غداً كبيرةً، وإنما الحدث على ما ينشؤ عليه من الخير والشر، فإن زجر عن الشر في صغره تحاماه في كبره، وإن هو ترك عليه تمادى في غيه، ولم يشك إلا أنه الأمر الذي ندب إليه. محمد بن الفضل الجرجرائي الوزير استوزره المتوكل، وغضب عليه، فقبضه وصير مكانه عبد الله بن يحيى بن خاقان، وتوفي سنة خمسين ومئتين، ومن شعره: من الطويل

محمد بن الفيرزان الصوفي

تعجل إذا ما كان أمنٌ وغبطةٌ ... وأبط إذا ما استعرض الخوف والهرج ولا تيأسن من فرصةٍ أن تنالها ... لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجو وتأخر إسحاق الموصلي عن محمد بن الفصل، وقد وعده الحضور فقال: من الكامل خل أتى ذنباً إلي وإنني ... لشريكه في الذنب إن لم أغفر فمحا بإحسانٍ إساءة فعله ... وأزال بالمعروف قبح المنكر قد كان يا إسحاق صبري فيك ذا ... حسناً وأحسن منه إذ لم أصبر مذ لم ألاقك في السرور ثلاثةٌ ... فكأنها كانت ثلاثة أشهر وكان المتوكل يسمي ابن الفضل: المضبب، كانت أسنانه منقطعة فكان يشدها، وكان محمد بن الفضل متمكناً عند المعتصم جريئاً عليه؛ وتقلد محمد بن الفضل الوزارة بعد ابن الزيات، وفيه يقول عصابة الجرجرائي: من السريع محمد بن الفضل لا قدست ... روحٌ له من كاتبٍ حائك وابن خصيبٍ تربت كفه ... فليس بالبر ولا الناسك كلاهما والله يخزيهما ... أكفر للنعمة من بابك ولدعبل في محمد بن الفضل: من الطويل محمد يا ابن الفضل نقصك ذاهبٌ ... بما كان من فضل أبيك من الفضل رأيتك غفلاً من سماحٍ وسؤددٍ ... وقد لاح رسم الجهل فيك مع البخل محمد بن الفيرزان الصوفي نظر محمد بن الفيرزان إلى رجلٍ من أصحاب الحديث، بين يديه محبرةٌ وهو ينظر في دفترٍ يلاحظ غلاماً جميلاً ويضحك أحياناً في وجهه، فقال له: يا فتى كتبت

محمد بن الفيض بن محمد بن الفيض

الحديث؟ قال: نعم كتبت منه كثيراً ووعيت منه علماً جماً؛ قال: أما تحفظ في تكرار النظر شيئاً؟ قال: لا؛ قال: سبحان الله نسيت ما يجب عليك أن تذكره، وضيعت ما ينبغي لك أن تحفظه، هل تحفظ ما سأل عنه جرير البجلي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نظرة الفجاءة؟ قال: فأمرني أن أصرف بصري عنه، وفي بعض الحديث أنه قال: " الأولى لك والأخرى عليك " قال: صدقت، قال: أفما لك في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوةٌ، وفي قوله لك قدوةٌ؟ إني لك من الناصحين، وعليك من المشفقين، إن كنت تحب أن تنظر إلى الحور الحسان وتسكن القصور والخيام، وتطوف عليك الغلمان والولدان، فاحفظ طرفك عن نظرٍ لا تأمن عاقبة ضرره عليك في معادك. محمد بن الفيض بن محمد بن الفيض أبو الحسن ويقال: أبو الفيض الغساني حدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، بسنده إلى جابر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ". وحدث عن هشام بن خالد الأزرق، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز قال: إن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار، فقال هشام للزهري: لا تعد لمثلها تدان؛ فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثنا سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يلسع المؤمن من جحرٍ مرتين ". ولد محمد بن الفياض سنة تسع عشرة ومئتين، وتوفي سنة خمس عشرة وثلاث مئة.

محمد بن القاسم بن عبد الخالق

محمد بن القاسم بن عبد الخالق ابن يزيد بن نبهان أبو حفص الكندي المؤذن الحصيب حدث عن أبي عبد الله محمد بن عقبة البيروتي، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن عمر تصدق على رجلٍ بفرسٍ ثم وجده بعد ذلك يباع في السوق، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ترتد في صدقتك ". محمد بن القاسم بن فضالة أبو بكر الصوفي الحبيشي أنشدني صحبه قبل أن يمتحن، قال: بلغني أن رجلاً كتب إلى صديق له يذمه: من المتقارب ولما رأيتك لا فاتكأ ... قوياً ولا أنت بالزاهد وليس عدوك بالمتقي ... وليس صديقك بالحامد دخلت بك السوق سوق العبي ... د وناديت: هل فيك من زائد على رجلٍ مفسدٍ للصدي ... ق كفورٍ لنعمائه جاحد فما جاءني رجلٌ واحدٌ ... يزيد على درهمٍ واحد سوى رجلٍ زادني درهماً ... وآلى بأن ليس بالزائد فبعتك منه بلا شاهدٍ ... مخافة ردك بالشاهد وأبت إلى منزلي رابحاً ... وحل البلاء على الناقد محمد بن القاسم بن المظفر ابن عبد الله أبو بكر بن أبي أحمد بن الشهرزوري الإربلي ثم الموصلي حدث بدمشق سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزني الزاني وهو حين يزني مؤمن، ولا يسرق السارق وهو حين يسرق مؤمن،

محمد بن القاسم بن معروف

ولا يشرب الخمر وهو حين يشربها مؤمن، ولا ينتهب نهبةً ذات شرف يرفع المؤمنون إليه فيها أبصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن ". ولد أبو بكر سنة أربعٍ وخمسين وأربع مئة، وقيل: سنة ثلاث وخمسين، وتوفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة. محمد بن القاسم بن معروف ابن حبيب بن أبان بن إسماعيل أبو علي عم أبي محمد بن أبي نصر حدث عن أحمد بن علي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ". وحدث عن علي بن بكر، بسنده إلى عبد الله بن السائب، أنه قال وهو عند حمزة بن عبد المطلب: من الوافر ألا يا حمز للشرف النواء ... وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... يضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشربٍ ... قديراً من طبيخٍ أو شواء ذكر أنه ولد سنة ثلاثٍ وثمانين ومئتين، وتوفي سنة سبعٍ أو تسعٍ وأربعين وثلاث مئة. محمد بن القاسم الصوفي أنشد محمد بن القاسم الصوفي: من الكامل منها تعلم طيفها العتبا ... فأتى الكرى غضبان عن غضبى ألقت عداوة وصل يقظته ... بين الكرى وجفونه حربا فإذا تنبه كان في ألمٍ ... وإذا غفا لم يعدم الكربا وكأن ذا قلبين ما سلمت ... قمنٌ يصح وقد حوى قلبا

محمد بن قبيصة بن عبد الله

محمد بن قبيصة بن عبد الله ابن موسى أبو بكر النيسابوري ثم الإسفراييني حدث عن بشر العبدي، قال: ذهبت مع أبي إلى وليمةٍ فيها غالب القطان، فوضع الخوان فأمسكوا أيديهم فقال: ما لكم؟ فقالوا: حتى يجيء، فقال غالب: حدثتني كريمة بنت هشام الطائية، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكرموا الخبز " قال: " ومن كرامته أن لا ينتظر الأدم ". وحدث عن الحسن بن عبد الرحمن، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقل ما يوجد في أمتي آخر الزمان درهمٌ حلالٌ أو أخٌ يوثق به ". محمد بن قطن الأذني الصوفي حدث عن معلى الرفاء، بسنده إلى واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بكاء الصبي إلى سنتين: لا إله إلا الله، ثم بعد ذلك استغفارٌ لأبويه، فما عمل من حسنة فلأبويه، وما عمل من سيئةٍ فلا عليه ولا أبويه ". وحكى عن الشافعي، عن فضل، عن سفيان، قال: قال داود عليه السلام: إلهي كن لابني سليمان من بعدي كما كنت لي؛ فأوحى الله إليه: يا داود قل لابنك سليمان: يكون لي حتى أكون له كما كنت لك. وحكى عنه قال: دخل سفيان على فضيل بن عياض رحمهم الله يعوده فقال: يا أبا محمد، أي نعمةٍ في المرض لولا العواد؟ فقال سفيان: وأي شيءٍ تكره من العواد؟ قال: الشكية. وحدث محمد بن قطن، وابن أبي الحواري حاضرٌ، عن الشافعي، قال: قال الفضيل: كم ممن يطوف بهذا البيت وبعيدٌ منه أعظم أجراً منه.

محمد بن قيس أبو عثمان

محمد بن قيس أبو عثمان ويقال: أبو أيوب، ويقال: أبو إبراهيم المدني كان مع عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة بالشام، وهو قاص عمر بن عبد العزيز. حدث عن أبي صرمة، عن أبي أيوب، أنه قال حين حضرته الوفاة: قد كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم ". قال محمد بن قيس: خرج علينا يوماً مزاحمٌ فقال: لقد احتاج أهل أمير المؤمنين إلى نفقةٍ ولا أدري من أين آخذها، ولا أدري ممن أستلفها؛ قال: قلت: لولا قلة ما عندي لعرضته عليك؛ قال: وكم عندك؟ قلت: خمسة دنانير؛ قال: إن فيها لبلاغاً، فأعطني، فدفعها إليه، ثم أتاه مال من أرض عمر باليمن، فمر علي مزاحم مسروراً، قال: جاءنا مالٌ من أرضٍ لنا نقضك منه الآن تلك الخمسة دنانير، فدخل ثم خرج وإحدى يديه على رأسه يقول: أعظم الله أجر أمير المؤمنين قلنا: أجل، أعظم الله أجر أمير المؤمنين وما ذاك؟ قال: أمر بالمال الذي جاء من أرضه أن يدخل بيت المال؛ فلا أدري كيف تمحل لي في الخمسة حتى قضاني. محمد بن كامل العماني حدث عن أبان العطار، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: صافحت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أر خزاً ولا قزاً كان ألين من كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال

محمد بن كامل

ثابت: أنا صافحت أنس بن مالك، وقال كل شيخٍ: أنا صافحت فلاناً إلى آخر إسناده. والعماني بفتح العين وتشديد الميم؛ عاش محمد بن كامل مئةً وعشرين سنةً، ومات سنة إحدى وتسعين ومئتين. محمد بن كامل قال محمد بن كامل: جئت إلى عراك بن خالد وهو جالسٌ في مسجدٍ أيام ابن محرز فقلت: يا أبا الضحاك، طاب الموت فقال: يا بن أخي لا تفعل، الساعة تعيشها تستغفر الله خيرٌ لك من موت الدهر. محمد بن كامل بن ديسم بن مجاهد أبو الحسين النضري المقدسي حدث ببيت المقدس سنة سبعٍ وستين وأربع مئة عن أبي الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن علي بن الترجمان، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلى أحدكم على جنازةٍ ولم يمش معها فليقم لها حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع ". توفي أبو الحسين بن كامل سنة ستٍ وثلاثين وخمس مئة. محمد بن كثير أبو إسماعيل الخولاني الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز، وقال: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة فذكر الدنيا فذمها فقال: والله لقد حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن

محمد بن كثير بن أبي عطاء

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها ثم قال: وعزتي إلا أنزلتك إلا في شرار خلقي ". محمد بن كثير بن أبي عطاء أبو يوسف المصيصي صنعاني الأصل، سكن المصيصة. حدث عن الأوزاعي، بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المؤمن ". وحدث عنه، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجافوا عن زلة السخي فإنه إذا عثر أخذ الرحمن بيده ". ثم أنشد محمد بن كثير لنفسه، من الخفيف كن سخياً ولا تبال ابن من كن ... ت فما الناس غير أهل السخاء لن ينال البخيل مجداً ولو نا ... ل بيافوخه نجوم السماء وحدث عن الأوزاعي، قال: كان عندنا ببيروت صيادٌ يخرج يوم الجمعة يصطاد النينان ولا ينتظر الجمعة؛ قال: فخرج يوماً فخسف به وببغلته فلم يبق منها إلا أذناها وذنبها. قال ابن كثير: رأيت ذلك المكان كأنه شيءٌ حول.

محمد بن كرام بن عراق بن حزابة

ضعفه قومٌ وقالوا: ليس بالقوي، كثير الخطأ، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره؛ وقيل: إنه كان ثقةً. قال محمد بن كثير: دخل علي الأوزاعي وأنا عليلٌ فقال لي: رفع الله جنبك، وغفر ذنبك، وفرغك لعبادة ربك. توفي محمد بن كثير سنة ست عشرة ومئتين، وقيل: سنة سبع عشرة ومئتين. محمد بن كرام بن عراق بن حزابة ابن البراء أبو عبد الله السجستاني، شيخ الطائفة المعروفة بالكرامية حدث عن مالك بن سليمان الهروي، بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكرٍ خمرٌ، وكل مسكرٍ حرامٌ ". قال الخطيب: لا يثبت عن مالك هذا الحديث. وكرام بفتح الكاف وتشديد الراء. وتوفي محمد بن كرام سنة خمس وخمسين ومئتين. قال أبو العباس محمد بن إسحاق السراج: شهدت محمد بن إسماعيل البخاري ودفع إليه كتابٌ من محمد بن كرام يسأله عن أحاديث منها: سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإيمان لا يزيد ولا ينقص " ومعمر عن الزهري عن سالم عن أبيه مثله؛ فكتب محمد بن إسماعيل على ظهر كتابه: من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل. دخل أبو عبد الله بن كرام المقدس وتكلم فجاءه رجلٌ غريبٌ بعدما سمع أهل

محمد بن كعب بن حيان بن سليم

المقدس منه حديثاً كثيراً، فسأله عن الإيمان فأمسك عن الجواب، ثلاث مرات، فقال: هذا أمرٌ عظيمٌ يسألك إنسانٌ عن مسألة ثلاث مرات، فتشاغل عنه ما تقول في الإيمان؟ فأجابه وقال: الإيمان قولٌ؛ فلما سمعوا ذلك منه حرقوا الكتب التي كتبوا عنه، ونفاه والي الرملة إلى زغر، ومات بها. وقيل: إنه توفي ببيت المقدس، ودفن في مقابر الأنبياء صلوات الله عليهم، وتوفي وأصحابه ببيت المقدس نحو عشرين ألفاً؛ وكان لأصحاب ابن كرام رباطٌ ببيت المقدس، وكان بذلك الرباط جماعةٌ من أصحابه مظهرين النسك، وكان ببيت المقدس رجلٌ يقال له: هجام، يحبهم ويحسن ظنه بهم، فنهاه الفقيه أبو الفتح نصر بن أبي وهم عن إحسانه الظن بهم؛ فقال: إنما لي منهم ما ظهر لي؛ فلما كان بعد ذلك رأى هجام في المنام كأنه اجتاز برباطهم ورأى كأن حائطه كله نبات النرجس فاستحسنه فمد يده ليتناول منه شيئاً فوجد أصوله في العذرة، فقص رؤياه على الفقيه نصر؛ فقال: هذا تصديق ما قلت لك: إن ظاهرهم حسنٌ وباطنهم خبيثٌ. محمد بن كعب بن حيان بن سليم ابن أسد أبو حمزة؛ وقيل: أبو عبد الله القرظي ولد على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل المدينة؛ قدم على عمر بن عبد العزيز في خلافته. قال محمد بن كعب: سمعت زيد بن أرقم قال: لما قال عبد الله بن أبي ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله؛ وقال: لئن رجعنا إلى المدينة؛ قال: فسمعته فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك

له، قال: فلامني ناسٌ من الأنصار، وجاء هو فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت؛ قال: فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بلغني فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الله عز وجل قد صدقك وعذرك " فنزلت هذه الآية: " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ". قال محمد بن كعب: عهدت عمر بن عبد العزيز وهو أميرٌ علينا بالمدينة، وهو شاب ممتلئ الجسم حسن البضعة، فلما استخلف أرسل إلي وأنا بخراسان، فأتيته بخناصرة، فدخلت عليه فرأيته قد تغير حاله ونحل جسمه، فجعلت لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي من قبل يا بن كعب قال: قلت: لعجبي؛ قال: وما أعجبك؟ قلت: لما حال من لونك، ونحل من جسمك، وبقي من شعرك؛ فقال: كيف لو رأيتني يا بن كعب بعد ثالثةٍ في قبري حيث تقع حدقتاي على وجهي، ويسيل منخراي وفمي صديداً ودوداً؟ كنت لي أشد نكرةً، أعد علي الحديث الذي كنت حدثتنيه عن ابن عباس؛ قال: قلت: حدثنا ابن عباس رفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لكل شيءٍ شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة، وإنما تجالسون بالأمانة فلا تصلوا خلف النائم والمتحدث، واقتلوا الخبيث العقرب، وإن كنتم في صلاتكم؛ ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذن أخيه فكأنما نظر في النار، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عز وجل أوثق منه بما في يديه؛ ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من يبغض الناس ويبغضونه؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من لا يقيل عثرةً، ولا يقبل معذرةً، ولا يغفر ذنباً؛ أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره؛ إن عيسى بن مريم قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظالموا،

ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل إنما الأمر ثلاثة: أمرٌ بينٌ رشده فاتبعوه، وأمرٌ بينٌ غيه فاجتنبوه، وأمرٌ اختلف فيه فردوه إلى الله عز وجل ". كان كعب أبوه من سبي قريظة الذي حكم فيهم سعد بن معاذ. وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في أحد الكاهنين رجلٌ يدرس القرآن دراسةً لا يدرسها أحدٌ غيره " قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي؛ والكاهنان: قريظة والنضير؛ وفي رواية: " رجلٌ أعلم الناس بكتاب الله " وفي أخرى: " أعلم بتأويل القرآن من القرظي ". وكان محمد بن كعب ثقةً صالحاً، عالماً بالقرآن. قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد: يا بني لولا أني أعرفك صغيراً طيباً وكبيراً طيباً لظننت أنك أذنبت ذنباً موبقاً لما أراك تصنع بنفسك بالليل والنهار، قال: يا أمتها، وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، فقال: اذهب لا أغفر لك، مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمورٍ حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي. وقال محمد بن كعب: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح ب " إذا زلزلت " و" القارعة " لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلي من أن أهذ القرآن ليلتي هذاً؛ أو قال: أنثره نثراً. رجع محمد بن كعب إلى منزله من الجمعة، فلما كان ببعض الطريق جلس هو وأصحابه فقال لهم: ما تمنون أن تفطروا عليه؟ قالوا كلهم: طبيخ؛ قال: تعالوا ندعو الله عز وجل أن يرزقنا طبيخاً؛ قال: فدعوا الله عز وجل، فإذا خلفهم مثل رأس الجزور يفور، فأكلوا.

قال محمد بن كعب: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً زهده في الدنيا، وفقهه في الدين، وبصره عيوبه؛ ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة؛ زاد في آخر: ثم التفت الفضيل إلينا فقال: ربما قال الرجل: لا إله إلا الله، فأخشى عليه النار، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يغتاب بين يديه رجلٌ فيعجبه فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها، إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه ويقول له: اتق الله. أصاب محمد بن كعب مالاً فقيل له: ادخر لولدك من بعدك؛ قال: لا ولكن أدخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي. كان محمد بن كعب يقول: الدنيا دار فناء ومنزل قلعةٍ، رغبت عنها السعداء وانتزعت من أيدي الأشقياء، فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها، وأزهد الناس فيها أسعد الناس بها، هي المقوية لمن أطاعها، المهلكة لمن اتبعها، الخائنة لمن انقاد لها، علمها جهلٌ، وغناها فقرٌ، وزيادتها نقصانٌ، وأيامها دولٌ. كان محمد بن كعب يقول: اللهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملك، فأعطنا من أنفسنا ما يرضيك عنا، حتى نأخذ رضى نفسك من أنفسنا، إنك على كل شيءٍ قدير. جاء رجل ٌ إلى محمد بن كعب فقال له: ما تقول في التوبة؟ قال: ما أحسنها؛ قال: أفرأيت إن أعطيت الله عهداً أن لا أعصيه أبداً؛ فقال له محمد: فمن حينئذٍ أعظم جرماً منك تألى على الله أن لا ينفذ فيك أمره قعد الفضل الرقاشي إلى محمد بن كعب فذاكره شيئاً من القدر فقال له محمد: تشهد، فلما بلغ: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، رفع محمد عصاً معه فضرب بها رأسه وقال: قم؛ فلما قام فذهب قال: لا يرجع هذا عن رأيه أبداً. قال محمد بن كعب: إذا رأيتموني أنطق في القدر فغلوني فإني مجنون، فوالذي نفسي بيده ما أنزلت هؤلاء

الآيات إلا فيهم، ثم قرأ: " إن المجرمين في ضلالٍ وسعر " إلى آخر الآية. قال أبو صخر حميد بن زياد: قلت لمحمد بن كعب القرظي يوماً: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما كان من رأيهم وإنما أريد الفتن؟ فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم؛ قلت: في أي موضعٍ أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ فقال: سبحان الله ألا تقرأ قوله: " والسابقون الأولون " إلى آخر الآية، فأوجب الله عز وجل لجميع أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشرطه عليهم؟ قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك؛ قال أبو صخر: فوالله لكأني لم أقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب. سئل محمد بن كعب: ما علامة الخذلان؟ قال: إن يستقبح الرجل ما كان يستحسن، ويستحسن ما كان قبيحاً. دخل محمد بن كعب على عمر بن عبد العزيز حين استخلف فقال له عمر يا عم عظني؛ قال: يا بن أخي فيك كيس وفيك حمقٌ، وفيك جرأةٌ وفيك جبنٌ، وفيك حلمٌ وفيك جهلٌ، فداو بعض ما فيك ببعضٍ فإذا صحبت فاصحب من الإخوان زاد في رواية: من كان ذا نيةٍ في الخير يكفيك مؤونة نفسك ويعينك عل نفسك، ولا تصحبن من الإخوان من قدر منزلتك عنده على قدر حاجته إليك، فإذا انقطعت أسباب حوائجه فيك انقطعت أسباب مودته عنك، وإذا غرست غرساً فلا تبغين غرسك أن تحسن تربيته.

قال محمد بن كعب: قال لي عمر بن عبد العزيز: صف لي العدل: قلت: بخٍ بخٍ سألت عن أمرٍ جسيمٍ؛ كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً، ولمثل منهم أخاً، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر أجسامهم، ولا تضربن بغضبك أحداً سوطاً واحداً فيعدي فتكون من العادين. قال سفيان بن عيينة: دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز يوم ولي فقال: يا أمير المؤمنين إنما الدنيا سوقٌ من الأسواق فمنها خرج الناس بما ربحوا منها لآخرتهم، وخرجوا منها بما يضرهم، فكم من قومٍ غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم، وخرجوا من الدنيا مرملين لم يأخذوا من أمر الدنيا والآخرة، فاقتسم ما لهم من لم يحمدهم، وصاروا إلى من لم يعذرهم، فانظر للذي يجب أن يكون معك إذا قدمت، فابتغ به البدل حيث يجوز البدل، ولا تذهبن إلى سلعةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازها عنك؛ يا أمير المؤمنين افتح الأبواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم. كان لمحمد بن كعب جلساء كانوا من أعلم الناس بتفسير القرآن، وكانوا مجتمعين في مسجد الربذة فأصابتهم زلزلةٌ فسقط عليهم المسجد فماتوا جميعاً تحته. قيل لمحمد بن كعب: ألا نعد لك حروفاً من حروف الرفع والإضجاع تتكلم بها؟ قال: أرأيتم ما أعلمتكم به أتفهمونه؟ قالوا: بلى؛ قال: فما أصنه بها؟ وقيل لمحمد بن كعب: إنك لتلحن في كلامك ولست تعرب في قراءتك؟ قال: إنما سأل موسى عليه السلام أن يحلل عقدةً من لسانه حتى يفهموا قوله. توفي محمد بن كعب سنة ثمانٍ ومئة؛ وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة ومئة، وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنةً، وقيل: توفي سنة عشرين ومئة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومئة.

محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق

محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق أبو أحمد النيسابوري الحاكم الكرابيسي الحافظ قدم دمشق وولي القضاء في مدنٍ كثيرة. حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي، بسنده إلى أبي هريرة قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث: لا أترك صلاة الضحى في حضرٍ ولا سفرٍ، وصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، ولا أنام إلا على وترٍ. وحدث عن أبي العباس عبد الله بن عتاب الخزاعي، بسنده إلى عبد الله بن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تمنعوا النساء خطاهن من المساجد ". توفي أبو أحمد سنة ثمانٍ وسبعين وثلاث مئة، وهو ابن ثلاثٍ وتسعين سنة. محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحسن أبو عبد الله الطوسي المقرئ حدث عن أبي علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى يطلع في العيدين إلى الأرض فابرزوا من المنازل تلحقكم الرحمة ". محمد بن محمد بن رجاء بن السندي أبو بكر الحنظلي الإسفراييني حدث عن صفوان بن صالح الدمشقي، بسنده إلى زيد بن أسلم، قال: رأيت ابن عمر يصلي محلولٌ أزراره، فسألته عن ذلك فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله.

محمد بن محمد بن زكريا البلخي

توفي أبو بكر بن رجاء سنة ست وثمانين ومئتين، وكان ثبتاً ديناً. محمد بن محمد بن زكريا البلخي أبو نصر البلخي قدم دمشق غازياً. وحدث عن محمد بن جعفر أبي جعفر الكرابيسي البلخي، بسنده إلى أبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتقوا اللاعنين " قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: " الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم ". وحدث عنه بسنده إلى سعيد بن جبير، قال: إن لأعجب ممن يصلي معي ولا يسألني عن شيءٍ، لأن أحدثكم أحب إلي من أن أدخله معي القبر. محمد بن محمد بن زكريا أبو غانم النجدي ويقال اليمامي الأضاخي حدث عن المقدام بن داود، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: " ويخلق ما لا تعلمون قال: " البراذين ".

محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث

محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث ابن عبد الرحمن أبو بكر الأزدي الباغندي الحافظ الواسطي البغدادي حدث عن شيبان بن فروخ، بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عاد مريضاً يقول: " أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً ". كان الباغندي يخلط ويدلس. توفي محمد بن محمد الباغندي سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة، وقيل: سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة. محمد بن محمد بن طاهر أبو بكر البغدادي التاجر حدث عن أبي الحسن محمد بن عبد الواحد، بسنده إلى رجل من هذيل، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذا الشعر جزلٌ من كلام العرب به يعطى السائل، وبه يكظم الغيظ، وبه يؤتي القوم في ناديهم ". ولد أبو بكر سنة خمس عشرة وأربع مئة، وتوفي سنة اثنتين وستين وأربع مئة، وكان حسن الطريقة حافظاً لكتاب الله عز وجل.

محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي

محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي ابن النفاخ بن بدر ويقال: محمد بن محمد بن بدر بن سليمان بن النفاخ أبو الحسن؛ ويقال: أبو العباس الباهلي من أهل سامراء، ويعرف بالبغدادي. حدث عن أحمد بن إبراهيم الدورقي؛ بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى عليه مئةٌ من المسلمين غفر له ". توفي ابن نفاخ سنة أربع عشرة وثلاث مئة. محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي ابن حمزة بن جميل أبو جعفر البغدادي نزيل سمرقند سمع بدمشق. حدث عن أبي زرعة، وروى أبو زرعة بإسناده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتلوا الحيات وذا الطفيتين فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل ". توفي أبو جعفر سنة ست وأربعين وثلاث مئة؛ وكان ثبتاً صحيح السماع.

محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني

محمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني أبي عمر ابن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب أبو عمر السلمي الأصبهاني قدم دمشق. وحدث عن القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الخريبي، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل يشرف على أهل الجنة كأنه كوكبٌ دري، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما ". محمد بن محمد بن عبد الحميد ابن خالد ابن إسحاق بن إبراهيم بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن آدم بن هشام أبو علي الفزاري، المعروف بابن آدم القاضي المعدل مولى يزيد بن عمر بن هبيرة. حدث بدمشق عن أبي الحسن محمد بن حامد، بسنده إلى أبي ذر، أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أي الأعمال أفضل؟ قال: " إيمانٌ بالله، وجهادٌ في سبيله " قال: فأي الرقاب أفضل؟ قال: " أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها " قال: أرأيت إن لم أفعل؟ قال: " تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق " قال: أرأيت إن ضعفت؟ قال: " تدع الناس من الشر فإنها صدقةٌ تصدق بها على نفسك ". توفي أبو علي بن آدم سنة سبعٍ وخمسين وثلاث مئة.

محمد بن محمد بن عبد الرحيم

محمد بن محمد بن عبد الرحيم ابن محمد بن أبي ربيعة أبو أحمد القيسراني حدث عن عمر بن الفتح بن عبد الله البزار الفقيه. بسنده إلى معاذ بن رفاعة بن رافع بن خديج، أن جبريل سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أهل بدرٍ عندكم؟ فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيارنا " فقال جبريل: كذلك من شهد بدراً من الملائكة هم خيار الملائكة. وحدث أبو أحمد سنة خمسٍ وسبعين وثلاث مئة عن محمد بن جعفر بن محمد الخرائطي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجاء يوم القيامة بصحفٍ مختمةٍ فتنصب بين يدي الله تبارك وتعالى فيقول للملائكة: اقبلوا هذا، وألقوا هذا؛ فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيراً؛ فيقول وهو أعلم: إن هذا كان لغير وجهي، ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما ابتغي به وجهي. قال أبو أحمد القيسراني: لقيت عبد العزيز بن قنبرة بباب الرحمة، فقال لي: أنت اليوم في دعوتي؛ ففرحت بذلك فدار المسجد فلقط بقلاً بعرقه وجاء بي إلى البيت فقال: نق البقل؛ وأخذ قدراً مكسورةً وتركها على النار وصب الماء والبقل، فلما نضج قال: كل، فإني صائم؛ وقال لي: هذا بقل المسجد وملح من المعدن جئت به مباحٌ، وقدرٌ مسكورةٌ وجدتها على المزبلة قد رماها أصحابها، وهذا حلالٌ ما فيه خلطً، وهذا الزيت في الكوز من السوق ما أدري كيف هو فإن شئت كل بزيتٍ، وإن شئت. فلا؛ قلت ما آكله إلا وحده.

محمد بن محمد بن عبد الله الموصلي

محمد بن محمد بن عبد الله الموصلي ابن القاسم بن المظفر بن علي أبو حامد بن أبي الفضل بن أبي محمد بن الشهرزوري الموصلي تفقه ببغداد وتولى القضاء بدمشق نيابةً عن أبيه، وولي قضاء حلب وأعمالها، والموصل وأعمالها. ومن شعره في مدح دمشق وأهلها: من المتقارب سقى ربعك العارض المغدق ... وصوب الحيا أيها الجوسق ولا زال فيك عليل النسيم ... بعرف خزامى الحمى يعبق ولا برحتك شموس الجنوب ... من كل زاويةٍ تشرق سكناك حيناً وغض الشباب ... بماء الصبا نضرٌ مورق ونحن جميعاً لدى بركةٍ ... يروق لنا ماؤها البريق كأن أنابيبها باللجي ... ن من كل ناحيةٍ تدفق وفوارة ثأرها في السما ... ء فهي على نيله تقلق ترد على السحب ما كان جا ... د على الأرض صيبها المغدق مدحتك لا أنني أستطي ... ع بشكرك بين الورى أنطق وها أنا معترفٌ بالقصو ... ر مع أنني شاعرٌ مفلق فيا أهل جلق حياكم ... وجادكم العارض المبرق فلولا لطافتكم لم تكن تطيب وتعذب لي جلق إذا خفق البرق من نحوكم ... يبيت فؤادي له يخفق إذا ما الغريب ثوى بينكم ... فكلٌ له راحمٌ مشفقٌ وإن قال أعداؤكم عيبكم ... ملال الصديق فما صدقوا ترى أي وقتٍ دعيتم إلى ... لقاء العدو فلم تعنقوا؟

محمد بن محمد بن عمر بن أحمد

وأي مكانٍ حللتم به ... فلم يمسي من نشركم يعبق كأنكم لسوى المكرما ... ت والضرب بالسيف لم تخلقوا إذا كنت عاشقكم لا ألا ... م فيكم فمثلكم يعشق نعمت بقربكم برهةً ... وجفن النوى راقدٌ مطبق وظلت فلا عضني فيكم ... نحيبٌ ولا أملي يخفق إلى أن قضى بالفراق الزما ... ن وقد كنت من جوره أفرق كسوتك دمعي طليق القيا ... د وقلبي بينكم موثق فلا تحسبوا أن طول البعا ... د من رق وجدي بكم يعتق فإني عن عهدكم لا أحو ... ل وخير المدام الذي يعتق محمد بن محمد بن عمر بن أحمد ابن خشيش أبو أحمد البغدادي حدث عن يزداد بن عبد الرحمن الكاتب، بسنده إلى ابن عمر، قال: ذكر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ذهبٍ، فجعل يعني فصه مما يلي كفه، فاتخذ الناس خواتيم، فطرحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " لا ألبسه ". كان ثقةً. محمد بن محمد بن عمرو أبو نصر النيسابوري القاضي، ويعرف بالبنص حدث عن محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، بسنده إلى عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أوحى إلي: أي هؤلاء نزلت فهي دار هجرتك؛ المدينة أو البحرين أو قنسرين ". ومن شعر أبي نصر: من الكامل

سقطت نفوس بني الكرام فأصبحوا ... يتطلبون مكاسب الأنذال وأقل ما طلب الزمان مساءتي ... إلا صبرت وإن أضر بحالي نفسي تراودني وتأبى همتي ... أن أستفيد غنى بذل سؤالي دخل القاضي أبو نصر البنص مجلس الأمير سيف الدولة، فطرح من كمه كيساً فارغاً ودرجاً فيه شعرٌ، واستأذن الأمير في قراءته، فأذن له، فلما فرغ من إنشاءه ضحك الأمير وأمر له بألف درهمٍ صحاحٍ، فجعلت في كيسه الذي جاء معه، وكانت الأبيات: من الطويل حباؤك معتادٌ وأمرك نافذٌ ... وعبدك محتاجٌ إلى ألف درهم ولم أحظ من إنشاد شعري بطائلٍ ... ولم أعط رزقاً مثل شهر المحرم أروح وأغدو بين عسرٍ وعلةٍ ... ودينٍ وإفلاسٍ وقلبٍ مقسم تباعد مني ما توهمت قربه ... فلم يبق مني الهم إلا توهمي أسأل عن أمري فأبقى لحيرتي ... وطول اكتئابي باهتاً مطبقاً فمي لئن قلت: أنشدت الأمير قصيدةً ... كوشي رياضٍ جادها صوب مرزم فأطلق أرزاقي وأسنى عطيتي ... وجاد بأفضالٍ علي وأنعم كذبت وإن أصدق تكذب مقالتي ... جميع البرايا من فصيحٍ وأعجم ومن يلتمس يوماً بفضل خصامه ... مغالبة الإجماع يغلب ويخصم لئن لم تجد لي عاجلاً غير آجلٍ ... بألفٍ صحاحٍ لم تشب بمثلم رجعت إلى بيتي وصفرت لحيتي ... وسميت نفسي لوردكن بن رستم وجئت بسكينٍ وخرجٍ وخنجرٍ ... وترسٍ وزوبينٍ وقوسٍ وأسهم وأعصب رأسي بعد ذاك بخرقةٍ ... وأحضر يوم العرض في زي ديلمي فتفرض لي في كل شهرين بدرةً ... لشدة بأسي في الوغى وتقدمي فآخذها حتى إذا ما بعثت بي ... مقدمةً في ماقطٍ يوم صيلمي هربت على وجهي فراراً من العدى ... ولم آمن الجهال غب تعجمي

ولم يرني الله الجليل محله ... أساعد إنساناً على قتل مسلم ومن شاهد الأبطال في حومة الوغى ... وكان ضعيف القلب لم يتقدم ومن يلتمس روح الحياة وطيبها ... وأحضر للهيجاء لم يتهجم ولم يك موسى سيئ الرأي ساقطاً ... وقد فر خوفاً من توعد مجرم ورامت يهودٌ قتل عيسى بن مريمٍ ... ففر حذار القتل عيسى بن مريم وخاف رسول الله يوماً بمكةٍ ... فسافر يبغي مغنماً تبع مغنم فمن أنا حتى لا أفر وإنما ... أفر كما فروا حذاراً على دمي تغلغل في الأكراد للحين بجكمٌ ... فما أخطأت أرماحهم بطن بجكم ألام على أني فررت ولا أرى ... قتيلاً وإن لم أخل من مترحم وللحرب أقوامٌ يلذونها كما ... يلذ بحسن الوعد قلب المتيم فدعهم بضرب الهام بالسيف ينعموا ... ودعني لنشر العلم في الناس أنعم وما كل ذي ملكٍ يقاتل وحده ... فما لك للأعداء وحدك فاعلم خصصت بإقدامٍ وبأسٍ وسطوةٍ ... تبين بها للناظر المتوسم وفتيان صدقٍ لا يبالون من لقوا ... فقاتل بهم من شئت تغلب وتسلم وما لي منكم غير أني أودكم ... وأدنو إليكم بالدعاء وأنتمي وأشكو من الأيام صولة حادثٍ ... لجوجٍ ملحٍ دائم اللزمبرم وأغلظ في الشكوى لكيما ترق لي ... وأحلف إن كذبتني في تظلمي وحق رسول الله والعترة التي ... تحب فتنجي من عذاب جهنم لقد صمت أياماً وما صمت طائعاً ... ولكنني صومت تصويم معدم ولم يجر لي بالصوم في الدهر عادةٌ ... سوى ذلك الشهر الشريف المعظم فصلني بألفٍ رابحٍ غير واثبٍ ... أصلك بشكرٍ واضحٍ غير مبهم وها ذاك كيسي فارغاً قد حملته ... لتملأه فاملأه يا خير منعم

محمد بن محمد بن عمير بن محمد

محمد بن محمد بن عمير بن محمد ابن مسلم بن عبد الله أبو بكر الجهني مولاهم ولاؤهم لبني طلحة، وبنو طلحة من ولد عمرو بن مرة الجهني الصحابي. حدث عن محمد بن أحمد بن سيد حمدونة؛ بسنده إلى أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر والنضير على حمارٍ بإكافٍ مخطومٍ بحبل ليفٍ، قال أنس: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أيها الناس دعوا الدنيا، ثلاث مرات ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فإنما يأخذ حتفه وهو لا يشعر ". محمد بن محمد بن عيسى بن محمد أبو الفضل الإسفراييني قدم دمشق. وحدث عن أحمد بن محمد بن الحسين الشيرازي، بسنده إلى علي بن أبي طالب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كلمة الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها ". محمد بن محمد بن القاسم الدمشقي أبي حذيفة بن عبد الغني أبو علي الدمشقي حدث عن أبي علي أحمد بن محمد بن أبي الحناجر، بسنده إلى عبد الله، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فزاد أو نقص فقيل له: أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: " لو حدث لأنبأتكم، هل أنا إلا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون، فأيكم زاد في صلاته أو نقص فليتحر الصواب، وليتم وليسجد سجدتي السهو ".

محمد بن محمد بن أسد

وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ ". توفي محمد بن محمد بن أبي حذيفة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة. محمد بن محمد بن أسد أبو الحسن الخشاب حدث عن عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أصل كل داءٍ البردة " وقع في هذا المكان: البرد؛ قال: والصواب: البردة، يعني التخمة، بزيادة هاء. محمد بن محمد بن محمد بن الحسين ابن علي أبو الموفق النيسابوري حدث في مسجد النيرب. عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن عمران، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الراسخون في العلم؟ قال: " من صدق حديثه، وبر في يمينه، وعف بطنه وظهره، فذلك الراسخون في العلم ". أخبر بوفاة أبي الموفق في سنة تسعٍ وعشرين وأربع مئة، وكان ببغداد قد ادعى أنه هاشمي، وطلبه النقيب فهرب منه. محمد بن محمد بن محمد بن أحمد ابن منصور أبو الغنائم البصري المقرئ، المعروف بابن الغراء حدث عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله الكلبي الزاهد، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قد فرغ الله إلى كل عبدٍ من خمسٍ: من أثره وعمله ورزقه وأجله ومضجعه ".

محمد بن محمد بن محمد الصوفي

توفي أبو الغنائم بن الغراء سنة اثنتين وستين وأربع مئة. محمد بن محمد بن محمد الصوفي ابن عبد الرحمن أبو عبد الله بن أبي نصر الطالقاني الصوفي حدث بدمشق سنة تسعٍ وخمسين وأربع مئة عن أبي عبد الرحمن السلمي، بسنده إلى أبي الحسين النوري، قال: رأيت غلاماً جميلاً ببغداد فنظرت إليه، ثم أردت أن أردد النظر فقلت له: تلبسون النعال الصرارة وتمشون في الطرقات؟ قال: أحسنت أتجمش بالعلم؛ ثم أنشأ يقول: من الطويل تأمل بعين الحق إن كنت ناظراً ... إلى صفةٍ فيها بدائع فاطر ولا تعط حظ النفس منها لما بها ... وكن ناظراً بالحق قدرة قادر توفي أبو عبد الله سنة ستٍ وستين وأربع مئة، وقيل: سنة ثلاثٍ وستين. محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الطوسي المعروف بالغزالي، الفقيه الشافعي كان إماماً في الفقه مذهباً وخلافاً، وفي أصول الديانات والفقه، وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد، وخرج إلى الشام زائراً للبيت المقدس، وقدم دمشق سنة تسعٍ

وثمانين وأربع مئة، ودرس فتطوش، ثم ترك التدريس والمناظرة واشتغل بالعبادة، وكان حجة الإسلام والمسلمين، وإمام أئمة الدين، لم تر العيون مثله لساناً وبياناً ونطقاً وخاطراً وذكاءً؛ وقد نيسابور واختلف إلى درس إمام الحرمين، وجد واجتهد حتى بذ الأقران وصار واحد أقرانه في أيام إمام الحرمين، وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف؛ وكان الإمام مع علو درجته لا يصفي نظره إلى الغزالي ستراً لإنافته عليه في سرعة العبارة، وقوة الطبع، ولا يطيب له تصديه للتصانيف، وإن كان منتسباً إليه كما لا يخفى من طباع البشر، لكنه يظهر التبجح به والاعتداد بمكانه ظاهراً خلاف ما يضمر، وبقي كذلك إلى انقضاء أيام الإمام فخرج من نيسابور وصار إلى المعسكر وحل من مجلس نظام الملك محل القبول، وأقبل عليه، وكانت تلك الحضرة محل رحال العلماء، ووقعت للغزالي اتفاقاتٌ حسنةٌ من الاحتكاك بالأئمة، وملاقاة الخصوم اللد، ومناظرة الفحول؛ فظهر اسمه في الآفاق ورسم له بالمصير إلى النظامية للتدريس بها، وصار بعد إمامة خراسان إمام العراق، ثم نظر في علم الأصول وصنف فيها تصانيف، وحرر المذهب والخلاف، وصنف فيهما تصانيف وعلت درجته وحشمته في بغداد حتى كان يغلب حشمه الأكابر والأمراء ودار الخلافة، فانقلب الأمر من وجهٍ آخر وظهر عليه بعده ذلك طريق التزهد والتأله، فترك الحشمة، وطرح ما نال من الدرجة، فخرج عما كان فيه، وحج ودخل الشام، وأقام في تلك الديار قريب عشر سنين يزور المشاهد المعظمة؛ وأخذ في التصانيف التي لم يسبق إليها، مثل إحياء علوم الدين، والأربعين وغيرها من التصانيف التي من تأملها علم محل الرجل من فنون العلم؛ وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق، فانقلب شيطان الرعونة وطلب الرئاسة إلى سكون النفس وكرم الأخلاق ووقف الأوقات على هداية الخلق ودعائهم إلى ما يعنيهم من أمر الآخرة وتبغيض الدنيا، ثم عاد إلى وطنه لازماً بيته، مشتغلاً بالتفكر، ملازماً للوقت حتى انتهت نوبة الوزارة إلى فخر الدولة جمال الشهداء وقد تحقق مكان الغزالي وفضله، فحضره وسمع كلامه وتبرك به واستدعى منه أن يبقي أنفاسه وفوائده عقيمةً لا استفادة منها ولا اقتباس من

محمد بن محمد بن مرزوق البعلبكي

أنوارها، وألح عليه إلى أن أجاب إلى الخروج، وحمل إلى نيسابور، وسئل عن كيفية الرجوع إلى نيسابور فقال: ما كنت أجوز أن أقف عن منفعة الطالبين بالإفادة؛ ثم ترك ذلك وعاد إلى بيته واتخذ في جواره مدرسةً لطلبة العلم وخانقاه للصوفية، وكان قد وزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتدريس بحيث لا يخلو لحظةً من لحظاته ولحظات من معه عن فائدةٍ إلى أن نقله الله عز وجل إلى كريم جواره بعد مقاساة أنواع من القصد والمناوأة من الخصوم، والسعي به إلى الملوك، وكفى به الله وحفظه، وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله؛ وتوفي سنة خمسٍ وخمس مئة، ودفن بظاهر قصبة طابران بمدينة طوس. محمد بن محمد بن مرزوق البعلبكي حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي بكرة أنه دخل المسجد والناس ركوعٌ، فركع دب راكعاً حتى دخل الصف؛ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " زادك الله حرصاً ولا تعد ". وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " تفضل صلاة الرجل في جماعةٍ على صلاته خمساً وعشرين درجة ". محمد بن محمد بن مكي بن يوسف أبو أحمد الجرجاني القاضي حدث عن علي بن محمد الصائغ، بسنده إلى أنس قال: جاء علي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه ناقةٌ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذه الناقة؟ " قال: حملني عليها عثمان؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا علي اتق الدنيا فإن من كثر

محمد بن محمد بن يحيى بن محمد

شيئه كثر شغله، ومن كثر شغله اشتد حرصه، ومن اشتد حرصه كثر همه ونسي ربه، فما ظنك يا علي بمن نسي ربه ". هذا حديثٌ منكرٌ. وحدث عن أبي الحسن محمد بن إسماعيل المروزي، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا دعوتم لأحدٍ من اليهود والنصارى فقولوا: أكثر الله مالك وولدك ". ومن شعره: من الطويل إذا المرء لم يحسن مع الناس عشرةً ... وكان بجهلٍ منه بالمال معجباً ولم تره يقضي الحقوق فإنه ... حقيقٌ بأن يقلى وأن يتجنبا ومن شعره أيضاً: من الوافر مضى زمنٌ وكان الناس فيه ... كراماً لا يخالطهم خسيس فقد دفع الكرام إلى زمانٍ ... أخس رجالهم فيه رئيس تعطلت المكارم يا خليلي ... وصار الناس ليس لهم نفوس محمد بن محمد بن يحيى بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو علي السلمي الحبيشي الأديب، أخو أبي القاسم السميساطي حدث عن أبي علي الحسن بن عبد الله الكندي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: ما كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام حتى يقرأ " ألم " السجدة و" تبارك الذي بيده الملك ".

محمد بن محمد بن يعقوب بن إسماعيل

ومن شعره: من السريع فضيلة الإنسان في نفسه ... وفعله الصادر عن حسه وإنما الغبطة أو ضدها ... بعد حلول المرء في رمسه توفي أبو علي السلمي بدمشق سنة سبع عشرة وأربع مئة. محمد بن محمد بن يعقوب بن إسماعيل ابن الحجاج بن الجراح أبو الحسين النيسابوري الحجاجي الحافظ المقرئ أحد علماء أهل نيسابور وثقاتهم. حدث عن الحسن بن حبيب بن عبد الملك، بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معشر الفقراء ألا أبشركم أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسة مئة عام ". وحدث عن محمد بن إسحاق السراج، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال عمر: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجمناه بعده، وذكر الحديث. زاد في آخر معناه: فيقول قائلٌ: حدان في كتاب الله؛ فقد رأيتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجم ورجمنا بعده، الحديث. وكان أبو الحسين من الصالحين المجتهدين في العبادة. قال محمد بن عبد الله الحافظ: صحبت أبا الحسين نيفاً وعشرين سنة بالليل والنهار، فما أعلم أني علمت أن الملك كتب عليه خطيئةً. توفي أبو الحسين الحجاجي سنة ثمانٍ وستين وثلاث مئة.

محمد بن مارح بن محمد بن جيش

محمد بن مارح بن محمد بن جيش أبو عبد الله المقدسي الفقيه قدم دمشق، وأنشد لابن أبي السخباء الأديب: من الكامل ومهفهفٍ عبث السقام بطرفه ... وسرى فخيم في معاقد خصره يعطيك منطقه قلائد لفظه ... فتكون أثمن من قلائد نحره مزقت أثواب الظلام بنحره ... ثم انثنيت أحوكهن بشعره محمد بن ما شاء الله أبو الحسن المقرئ الضرير حدث بدمشق، قال: سئل أبو بكر بن الأنباري عن رجلٍ شكر رجلاً في نعمةٍ أنعم بها عليه؛ فقال: إن الله عز وجل يحب من العبد إذا أوتي نعمةً أن يشكرها، لأن الله عز وجل قال: " واشكوا لي ولا تكفرون " وأنشد: من الطويل فلو كان يستغني عن الشكر منعمٌ ... لعزة مجدٍ أو علو مكان لما أمر الله العباد بشكره ... فقال: اشكروا لي أيها الثقلان محمد بن مانك أبو عبد الله السجستاني أحد الصوفية الصالحين، سكن أنطاكية، وقدم دمشق قال أبو عبد الله بن مانك: ركبت في البحر من يافا ومعي رفيقٌ لي فلما سار بنا المركب هدأت الريح

وطلبوا مرسىً، وكان إلى جانبي شابٌ حسن الوجه فخرج إلى الساحل فدخل بين أشجارٍ هناك ثم رجع إلى المركب، فلما غابت الشمس قال لي ولصاحبي: إني ميتٌ الساعة، ولي إليكما حاجةٌ، إذا أنا مت فكفنوني بما في الرزمة، وهذه الثياب التي علي ومخلاتي، إذا دخلتم صور فأول من يلقاكم فيقول لكم: هاتم الأمانة فادفعوها إليه؛ فلما صلينا المغرب حركنا الرجل فإذا هو قد مات، فحملناه إلى الشط وأخذنا في غسله، ففتحت الرزمة التي فيها الكفن، فإذا فيها ثوبان أخضران مكتوبان بالذهب، وثوبٌ أبيض فيه صرةٌ فيها شيءٌ كأنه الكافور ورائحته رائحة المسك، فغسلناه وكفناه في ذلك الكفن، وحنطناه بما في الصرة من الطيب، وصلينا عليه، ودفناه رحمه الله؛ فلما صرنا إلى صور استقبلنا غلامٌ أمردٌ حسن الوجه عليه ثوبٌ شربٌ على رأسه منديلٌ دبيقي، فسلم علينا، وقال: هاتم الأمانة؛ فقلنا: نعم، ولكن تدخل معنا إلى هذا المسجد نسألك عن مسألةٍ؛ قال: نعم؛ فدخل معنا، فقلنا له: أخبرنا من الميت، ومن أنت، ومن أين كان له ذلك الكفن؟ فقال: أما الميت فكان من البدلاء الأربعين، وأنا بديله، وأما الكفن فإنه جاءه به الخضر عليه السلام، وعرفه بأنه ميتٌ؛ ثم لبس الثياب التي كانت معنا، ودفع إلينا الكسوة التي كانت عليه؛ فقال: بيعوها وتصدقوا بثمنها إن لم تحتاجوا إليه؛ فأخذناها ودخلنا إلى صور، فدفعنا السراويل وفيه التكة إلى المنادي نبيعه، فلم نشعر إلا والمنادي قد جاء ومعه جماعةٌ فأخذونا إلى دارٍ كبيرةٍ، وإذا شيخٌ يبكي وصراخ النساء في الدار، فسألنا الشيخ عن السراويل والتكة، فحدثناه الحديث فخر لله ساجداً؛ وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي مثله، ثم صاح بأمه وحدثناها الحديث، فقال لها الشيخ: احمدي الله الذي رزقنا مثله؛ فلما كان بعد سنتين كنت واقفاً بعرفات فإذا أنا بشابٍ حسن الوجه عليه مطرف خز، فسلم علي وقال: أنا صاحب الأمانة الصوري؛ ثم ودعني وقال: لولا أن أصحابي ينتظروني لأقمت معك؛ ثم مضى فإذا أنا بشيخٍ خلفي من أهل المغرب كنت اعرفه يحج كل سنةٍ؛ فقال لي: من أين تعرف هذا الشاب؟ فقلت: هذا يقال: إنه من الأربعين؛ فقال لي: هو اليوم من العشرة وبه يغاث العباد.

محمد بن المبارك بن يعلى

سئل أبو عبد الله بن مانك عن المراقبة فقال: إذا كنت فاعلاً فانظر نظر الله إليك، وإذا كنت قائلاً فانظر سمع الله إليك، وإذا كنت شاكياً فانظر علم الله فيك؛ قال الله تعالى: " إنني معكما أسمع وأرى " وقال: " يعلم ما في أنفسكم فاحذروه " وكان يقول: الرجال ثلاثةٌ: رجلٌ شغل بمعاشه عن معاده فهذا هالكٌ، ورجلٌ شغل بمعاده عن معاشه فهذا فائزٌ، ورجلٌ اشتغل بهما فهذا مخاطرٌ مرةً له ومرةً عليه. حج أبو عبد الله هذا سنة تسعٍ وأربعين وثلاث مئة. محمد بن المبارك بن يعلى أبو عبد الله القرشي الصوري سكن دمشق حدث عن يحيى بن حمزة، بسنده إلى قزعة، قال: شيعت ابن عمر فقال: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". وحدث بسنده إلى عبد الله بن بدر الجهني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم يوماً: " هذا يوم عاشوراء فصوموه " فقام رجل من بني عمرو بن عوف فقال: يا نبي الله إني تركت قومي منهم صائمٌ ومنهم مفطرٌ؛ فقال: " اذهب إليهم فمن كان مفطراً فليتم صومه ". ولد محمد بن المبارك سنة ثلاثٍ وخمسين ومئة، وتوفي سنة خمس عشرة ومئتين.

قال محمد بن المبارك: اعمل لله فإنه أنفع لك من العمل لنفسك، فإذا عملت لله فاعمل للدار التي تحتاج إلى نزولها غداً عند الله عز وجل. سئل محمد بن المبارك: ما علامة المحبة لله؟ فقال: المراقبة للمحبوب، والتحري لمرضاته؛ ثم قال: من أعطي من المحبة شيئاً فلم يعط من الخشية مثله فهو مخدوعً. قال محمد بن المبارك: لكل شيءٍ ثمرةٌ، وثمرة المعرفة الإقبال على الله عز وجل. قال محمد بن المبارك: بينا أنا أجول في جبال بيت المقدس، إذا أنا بشخصٍ منحدرٍ من جبلٍ، فتأملته فإذا هو امرأةٌ، وعليها مدرعةٌ من صوف وخمارٌ من صوفٍ، فلما دنت مني سلمت علي فرددت عليها السلام؛ فقالت: يا هذا من أين أقبلت؟ قلت لها: غريبٌ قالت: يا سبحان الله، وتجد مع سيدك وحشة الغربة، وهو مؤنس الغرباء ومحث الفقراء؟ قال: فبكيت؛ فقالت: يا هذا مم بكاؤك؟ ما أسرع ما وجدت طعم الدواء؟ قلت: أولا يبكي العليل إذا وجد طعم العافية؟ قالت: لا؛ قلت: ولم ذاك؟ قالت: إنه ما وجد القلب خادماً هو أحب إليه من البكاء، ولا وجد البكاء خادماً هو أحب إليه من الشهيق والزفير في البكاء؛ فقلت لها: عظيني؛ فأنشأت تقول: من مخلع البسيط دنياك غرارةٌ فذرها ... فإنها مركبٌ جموح دون بلوغ الجهول منها ... منيته نفسه تطوح لا ترد الشر واجتنبه ... فإنه فاحشٌ قبيح والخير خيرٌ فدم عليه ... فإنه واسعٌ فسيح فقلت لها: زيدي في الموعظة؛ فقالت: سبحان الله، ما كان في موعظتنا من الفائدة ما يغنيك؟ فقلت لها: لا غناء عن طلب الزوائد؛ فقالت: يجب أن تحب ربك شوقاً إلى لقائه، فإن له يوماً يتجلى فيه لأوليائه.

محمد بن المبارك أبو عبد الله الصوري

محمد بن المبارك أبو عبد الله الصوري حدث بدمشق عن الفضل بن سعيد الأزرق؛ قال: أتيت راهباً في جبل الأسود فناديته فأشرف علي فقلت له: يا راهب؛ بأي شيء تستخرج الأحزان؟ قال: بطول الانفراد، وتذكر الذنوب، وأخبرك أني ما رأيت شيئاً أجلب لدواعي الحزن من أوكارها من الوحدة؛ قال: فقلت له: وما ترى في المكتسب؟ قال: ذاك زاد المتقين؛ قال: قلت: إنما أعني الطلب؛ قال: وأنا أيضاً أعني الطلب؛ قال: قلت: الرجل يلزم سوقاً من الأسواق ويكتسب الشيء يعود به على نفسه؛ قال: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال: قلت: من أمر الدنيا، قال: ذلك شيء قد كفيه الصديقون، وهل ينبغي للمتقي أن يتشاغل عن الله عز وجل بشيءٍ؟. قال الفضل: فلقيت رشد بن سعد فحدثته حديث الراهب، فقال: صدق، قرأت في كتب الحكمة: لا ينبغي للصديق أن يكون صاحب حانوتٍ. قال محمد بن المبارك: حدثني علي بن محمد النصري قال: انتهيت إلى راهبٍ في صومعته فناديته: يا راهب متى ترحل الدنيا من القلب؟ فصاح صيحةً خر مغشياً عليه، فارتقبته حتى أحسست إفاقته فقلت: يا راهب أجبني؛ قال: وسألتني عن شيء؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قال: قلت لك: متى ترحل الدنيا عن القلب؟ فصاح صيحة أكبر من ذلك، وغشي عليه أكثر من تلك، فلما أفاق قلت له: يا راهب أنا منذ اليوم منتظرك؛ قال: يا هذا وسألتني عن شيءٍ؟ قلت: نعم؛ قال: وما هو؟ قلت: متى ترحل الدنيا من القلب؟ قال: يا هذا والله لا ترحل الدنيا أبداً من القلب، والعين تنظر إلى أهلها، والأذن تسمع كلامهم، وهو والله ما أقول لك، حتى يأوي مريد الله إلى أكناف الجبال وبطون الغيران مع الوحش، يرد مواردها ويرعى مراعيها، لا يرى أن النعمة على أحدٍ أسبغ منها عليه، وكيف وأنى له بالنجاة والتخلص وقد بقيت بين يديه عقبةٌ صعودٌ كدودٌ؟ قال: قلت: وما هي؟ قال: إبليس متصدياً على باب الله يريد أن يقطع ظهره بالغلبة حتى يقف من الله مواقف العابدين.

قال محمد بن المبارك: حدثني إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا راهب ونحن بعبادان وكان من الشام، فنزل دير ابن أبي كبشة فذكر لي من حسن كلامه ما شوقني إلى لقائه، فأتيته وحوله أناسٌ، وهو يقول: إن لله عباداً سمت بهم هممهم نحو عظيم الذخائر، فاحتقروا ما دون ذلك من الأخطار والتمسوا من فضل سيدهم توفيقاً يبلغهم، فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريبٍ أن تأخذوا ببعض هيئتهم فإنهم قومٌ ملأت الآخرة قلوبهم، فلم تجد الدنيا فيها مكيداً؛ فالحزن بثهم، والدموع راحتهم، والإشفاق سبيلهم، وحسن الظن بالله قربانهم، يحزنون لطول المكث في الدنيا، إذا فرح أهلها فهم مسجونون، وإلى الآخرة متطلعون؛ قال: فما سمعت موعظةً كانت أخف لقلبي منها. حدث محمد بن المبارك، بسنده إلى عبد الواحد بن زيد، قال: نزلنا على راهبٍ بعبادان فأحسن قرانا، فلما هدأت العيون وثب فأخرج مصباحاً فعلقه تجاه القبلة، ثم قام يبكي وينادي: سيدي لك ترهب المترهبون، وإليك أخلص المبتهلون، رهبةً منك ورجاءً لعفوك فيا إله الحق ارحم دعاء المستصرخين، واعف عن جرائم الغافلين، وزد في إحسان المنيبين يوم الوفود عليك، رحمتك يا كريم؛ فلم يزل كذلك حتى أصبح. وحدث محمد بن المبارك، بسنده إلى يزيد الحميري، قال: ما لقيني حسان الزاهد قط إلا قال لي: يا يزيد احذر لا تطفئ المصباح من بيتك فيدخل عليك اللصوص فيحزنوك؛ قلت ليزيد: ما أراد بذلك حسان؟ قال: أراد أن لا تخل قلبك من ذكر الله فيدخل عليك الشيطان فيفسد عليك أمر دينك.

محمد بن المتوكل أبي السري

محمد بن المتوكل أبي السري ابن عبد الرحمن بن حسان أبو عبد الله العسقلاني، مولى بني هاشم حدث عن سفيان بن عيينة بسنده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائضٌ ثم يقرأ القرآن. قال محمد بن أبي السري: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت يا رسول الله، استغفر لي؛ فقلت: يا رسول الله، إن ابن عيينة حدثنا عن أبي الزبير عن جابر، أنك ما سئلت شيئاً قط فقلت: لا؛ فتبسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستغفر لي. قال محمد بن المتوكل العسقلاني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقلت له: يا رسول الله: إن سفيان بن عيينة حدثني عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنك كنت ترفع يديك إذا افتتحت الصلاة، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع؛ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق سفيان، صدق الزهري، صدق سالم، صدق ابن عمر، هكذا كنت أصلي ". قال محمد بن أبي السري: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فدنوت منه، فقلت: يا نبي الله، كيف تقرأ هذا الحرف " والعنهم لعناً كبيراً " فسكت عني، فقلت يا رسول الله، حدثنا ابن عيينة عن ابن المنكدر، عن جابر، أنك ما سئلت شيئاً قط فقلت: لا؛ قال: " والعنهم لعناً كبيراً كبيراً " وفي حديثٍ آخر بمعناه قال: كثيراً كثيراً كثيراً. توفي محمد بن المتوكل سنة ثمانٍ وثلاثين ومئتين.

محمد بن المحسن بن الحسين بن الحسن

محمد بن المحسن بن الحسين بن الحسن ابن عبد الرحمن بن مروان أبو عبد الله الأزدي الأذني نزيل مصر. حدث عن أبي الحارث أحمد بن محمد بن عمارة بن أحمد بن أبي الخطاب، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ " قلت: بلى يا رسول الله؛ قال: " فلا تفعل، نم وقم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وبحسبك أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ، فإن بكل حسنةٍ عشر أمثالها فإذا ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي " فقلت: يا رسول الله إني أجد قوةً؛ قال: " فصم صيام نبي الله داود، ولا تزد عليه " قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟ قال: " نصف الدهر ". محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق ابن محمد بن عثمان بن أحمد أبو الحسن ابن الزعفراني الجلاب الفقيه الشافعي حدث عن أبي طاهر جعفر بن محمد بن الفضل القرشي، بسنده إلى عبد الله، قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل يفتح أبواب السماء الدنيا ثم يبسط يده؛ ألا عبدٌ يسألني فأعطيه، فلا يزال كذلك حتى يسطع الفجر ". ولد أبو الحسن بن مرزوق سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة سبع عشرة وخمس مئة.

محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص

محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أخو عبد الملك. له غزواتٌ كثيرة كان محمد بن مروان قوياً في بدنه، شديد البأس؛ فكان عبد الملك يحسده على ذلك وعلى أشياء كان يراها منه، وكان يدابره ويساتره حتى قتل مصعب بن الزبير وانتظمت له الأمور فجعل يبدي الشيء بعد الشيء ما في نفسه، ويقابله بما يكره من القول ويبلغه عنه أكثر من ذلك؛ فلما رأى محمد ما أظهر له عبد الملك تهيأ للرحيل إلى أرمينية، وأصلح شأنه وجهازه ورحلت إبله حتى إذا استقلت للمسير دخل على عبد الملك مودعاً؛ فلما خاطبه قال عبد الملك: وما السبب في ذلك؟ وما الذي بعثك عليه؟ فأنشأ يقول: من الوافر وإنك لا ترى طرداً لحر ... كإلصاقٍ به بعض الهوان فلو كنا بمنزلةٍ جميعاً ... حرنت وأنت مضطرب العنان فقال له عبد الملك: أقسمت عليك إلا ما أقمت، فوالله لا رأيت مكروهاً بعدها، فأقام. توفي محمد بن مروان سنة إحدى ومئة. محمد بن مروان بن عثمان أبو عبد الله القرشي البيروتي حدث عن أبي مسهر، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابغوا لي الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ". وحدث عنه، بسنده إلى عبد الله بن حوالة الأزدي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: " ستجندون أجناداً، فجندٌ بالشام، وجندٌ باليمن، وجندٌ بالعراق " فقال: خر لي يا رسول الله؛ قال: " عليكم بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره، فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله ".

محمد بن مروان الدمشقي

وحدث عنه، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: ويل ديان من في الأرض من ديان من في السماء يوم يلقونه، إلا من أم العدل وقضى بالحق ولم يقض على هوىً، ولا على قرابةٍ، ولا على رغبٍ، ولا على رهبٍ، وجعل كتاب الله مرآةً بين عينيه. توفي سنة ثلاثٍ وسبعين ومئتين. محمد بن مروان الدمشقي كان محمد بن مروان الدمشقي ينشد: من الوافر لمحبرةٌ تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق ورزمة كاغدٍ في البيت عندي ... أحب إلي من عدل الدقيق ولطمة عالمٍ في الخد مني ... ألذ إلي من شرب الرحيق محمد بن مسروق بن معدان ابن المرزبان بن النعمان ابن زيد بن شرحبيل بن يزيد بن امرئ القيس بن عمرو بن حجر آكل المرار أبو عبد الرحمن الكندي الكوفي قاضي مصر، كان على مذهب أبي حنيفة. حدث محمد بن مسروق عن إسحاق بن الفرات الكندي، بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرد اليمين على طالب الحق. خوصم هاشم بن خديج إلى محمد بن مسروق، فقال له ابن مسروق: إنما أنت من

السكون ولست من الملوك؛ فقال هاشم: ليس لهذا حضرنا، والله لا حضرت لك مجلساً أبداً، ومن تظلم إليك مني فأعده علي واقض له في مالي بما يدعيه. وكان محمد بن مسروق متكبراً شدد في الحكم وأعدى على العمال، وأنصف منهم؛ ولما قدم مصر اتخذ قوماً من أهلها للشهادة، وسمهم بها، وأوقف سائر الناس، فوثبوا به ووثب بهم، وشتموه وشتمهم، وكانت منه هناتٌ إلى أشرافهم، إلى هاشم بن خديج وحوي بن حوي وغيرهما، وأرسل إليه الأمير عبد الله بن المسيب فأمره بحضور مجلسه، فقال لرسوله: لو كنت تقدمت إليه في هذا لفعلت به وفعلت كذا وكذا، فانقطع ذلك عن القضاة بعده ولحق جماعة البلد منه استخفافٌ، وعزل عن القضاء سنة خمسٍ وثمانين ومئة. قال الحارث بن مسكر: كان ها هنا قاضٍ يذل الجبارين فما فضحه إلا ابنه، يعني محمد بن مسروق، وذلك أن محمداً كان لا يتعلق بشيءٍ حتى قدم ابنه فكان يأتي إلى من عنده مالٌ من الودائع فيقول: أعطنيه؛ حتى أتجر فيه وآخذ الفضل؛ قال: فتلف على يديه شيءٌ كثيرٌ. قالوا: وكانت أموال اليتامى والأوقاف ترد إلى بيت المال منذ زمن المنصور إلى أيام الرشيد؛ فلما ولي محمد بن مسروق تحامل على أهل مصر فأساؤوا عليه النبأ والذكر، وأشاعوا عنه أنه عزم على حمل ما في بيت المال من هذه الأموال إلى هارون، وقام أبو إسحاق الحوفي فنادى في المسجد الجامع ودعا على محمد بن مسروق، فأحضره ابن مسروق وناله بمكروهٍ فزاد مقت أهل مصر لابن مسروق. ولما أكثر أهل المسجد في ذم محمد بن مسروق وقف على باب المنصورة ونادى بأعلى صوته: أين أصحاب الأكسية العسلية؟ أين بنو البغايا؟ لم لا يتكلم متكلمهم بما شاء حتى نرى ونسمع؟ فما تكلم أحدٌ بكلمةٍ. وكان محمد بن مسروق يروح إلى الجمعة من دار أبي عون بالموقف ماشياً إلى المسجد. خوصم وكيل السيدة إلى محمد بن مسروق فأمر بإحضاره فجلس مع خصمه متربعاً، فأمر به محمد بن مسروق فبطح وضرب عشراً.

محمد بن مسعدة البزاز الدمشقي

محمد بن مسعدة البزاز الدمشقي حدث عن محمد بن شعيب بن سابور، بسنده إلى عبد الله بن عمر، قال: صلينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الخوف، طائفةٌ منا خلفه وطائفةٌ مواجهة العدو، فصلى بإحدى الطائفتين ركعةً ثم انصرفوا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعةً، ثم صلى كل واحدٍ من الطائفتين ركعةً. وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: أهللت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرةٍ في حجة الوداع. محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي ابن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن مالك بن الأوس، ويقال: ابن مسلمة بن سلمة بن خالد أبو عبد الرحمن؛ ويقال: أبو سعيد؛ ويقال: أبو عبد الله الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً وأحداً وغيرهما، واستخلفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المدينة في بعض غزواته، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان على مقدمته يومئذٍ، وكان مقامه بالمدينة فاعتزل الفتنة، فلم يدخل فيها، وقدم دمشق وشهد وفاة أبي الدرداء. حدث المسور بن مخرمة، قال: استشار عمر بن الخطاب في إملاص المرأة يعني الحامل تضرب بطنها فتسقط، فقام المغيرة بن شعبة فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى فيه بغرة عبدٍ أو أمةٍ، فقال عمر: ائتني بمن يعهد معك؛ قال عبد الرحمن: فشهد معه محمد بن مسلمة.

وفي روايةٍ: استفتى عمر بن الخطاب أناساً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في امرأةٍ ضربت فألقت جنينها؛ الحديث. وفي روايةٍ: قضى فيه بالغرة عبدٍ أو وليدةٍ؛ وفي روايةٍ: فأنفذه عمر؛ وفي روايةٍ: أن عمر سأل الناس: أيكم سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في السقط؟ فقلا المغيرة؛ الحديث. حدث محمد بن مسلمة قال: مررت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعٌ يده على يد رجلٍ؛ وفي روايةٍ " على الصفا واضعاً خده على خد رجلٍ، فذهبت إليه، فقال: " يا محمد ما منعك أن تسلم؟ " فقلت: يا رسول الله، رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئاً لم تفعله مع أحدٍ من الناس، فكرهت أن أقطع عليك حديثك، فمن كان يا رسول الله؟ قال: " كان جبريل، وقد قال لي: هذا محمد بن مسلمة لم يسلم، أما إنه لو سلم رددنا عليه السلام " قال: فما قال لك يا رسول الله: قال: " لم يزل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه يأمرني فأورثه ". حدث رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء أنه مرض فكان يمرضه محمد بن مسلمة، فكثر عواد أبي الدرداء فحول إلى كنيسةٍ فأغمي على أبي الدرداء، فقام الناس عنه وقام محمد بن مسلمة حتى بقي في أهله، فجعلوا يبكون عليه، فأفاق أبو الدرداء، فقال: لا يكون من أمري شيءٌ إلا أشهدتموه محمد بن مسلمة، ثم بعث إليه فأتاه فقال: أسندني صدرك؛ قال: فأسنده، ثم قال: افتحوا الأبواب، قال: وعليها كثرة الناس، فدخلوا على أبي الدرداء فأقبل محمد بن مسلمة يجلسهم، فقال أبو الدرداء: إنه لم يكن يمنعني أن أحدثكم إلا أن تسترسلوا أني أبشركم أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. وأم محمد بن مسلمة أم سهيم خليدة بنت أبي عبيد بن وهب بن لوذان بن ساعدة وكان آدم طوالاً معتدلاً أصلع، توفي سنة اثنتين وأربعين، أو ثلاثٍ وأربعين، أو

ست وأربعين، وهو يومئذٍ ابن تسعٍ وسبعين سنة وقيل: قتل. وأسلم محمد بن مسلمة بالمدينة على يدي مصعب بن عمير قبل إسلام أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ، وآخى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين محمد بن مسلمة وأبي عبيدة بن الجراح، وقيل: آخى بينه وبين سعد بن أبي وقاص، وشهد المشاهد كلها ما خلا تبوكاً، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلفه على المدينة حين خرج إلى تبوك، وكان محمد فيمن قتل كعب بن الأشرف، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى القرظاء وهي من بني أبي بكر بن كلاب، سريةً في ثلاثين راكباً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه، فسلم وغنم، وبعثه أيضاً إلى ذي القصة سريةً في عشرة نفرٍ. حدث جابر بن عبد الله أن محمداً وأبا عبس بن جبير وعباد بن بشر قتلوا كعب بن الأشرف؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نظر إليهم: " أفلحت الوجوه ". وعن أبي بردة، قال: مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا محمد بن مسلمة ستكون فرقةٌ وفتنةٌ واختلافٌ فاكسر سيفك، واقطع وترك، واجلس في بيتك " ففعلت الذي أمرني به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن حذيفة، قال: إني لأعرف رجلاً لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروبٌ وإذا هو محمد بن مسلمة فسألناه فقال: لا يشتمل علي شيءٌ من أمصارهم حتى ينجلي الأمر عما انجلى؛ قالوا: ومات حذيفة بعد عثمان بأربعين يوماً.

وشهد محمد بن مسلمة فتح مصر، وكان فيمن طلع للحصن مع الزبير بن العوام، وأحيط بمصر، ورجع إلى المدينة وقدم مصر مرةً أخرى رسولاً من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص في المقاسمة لما قاسم عمر العمال ما في أيدي العمال، وكان محمد بن مسلمة أوسياً، وقال عروة: كان أشهلياً. حدث المقداد قال: لما تصافينا للقتال جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت راية مصعب بن عمير، فلما قتل أصحاب اللواء هزم المشركون الهزيمة الأولى وأغار المسلمون على عسكرهم، فانتهبوا، ثم كروا على المسلمين فأتوا من خلفهم فتفرق الناس، ونادى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحاب الألوية فأخذ اللواء مصعب بن عمير، ثم قتل وأخذ راية الخزرج سعد بن عبادة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائمٌ تحتها وأصحابه محدقون به، ودفع لواء المهاجرين إلى أبي الدوم العبدري آخر النهار؛ ونظرت إلى لواء الأوس مع أسيد بن حضير فناوشهم ساعةً واقتتلوا على الاختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم: يا للعزى يا لهبل، فأوجعوا فينا قتلاً ذريعاً، ونالوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما نالوا، لا والذي بعثه بالحق إن رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زال شبراً واحداً، إنه لقي وجه العدو يثوب إليه طائفةٌ من أصحابه مرةً ويتفرق عنه مرةً، فربما رأيته قائماً يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا، وثبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو في عصابةٍ صبروا معه، أربعة عشر رجلاً، سبعةٌ من المهاجرين وسبعةٌ من الأنصار؛ أبو بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام؛ ومن الأنصار الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وأسيد بن الحضير، وسعد بن معاذ، ويقال: ثبت سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير وسعد بن معاذ. قال جابر بن عبد الله: خرج مرحب بن الحارث اليهودي من حصنهم، وهو يقول: من الرجز قد علمت خيبر أني مرحب ... شاك السلاح بطلٌ مجرب

أطعن أحياناً وحيناً أضرب ... إذا الليوث أقبلت تلهب وأحجمت عن صولة المجرب ... كان حماي الحمى لا تقرب هل من مبارز؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لهذا؟ " قال محمد بن مسلمة: أنا يا رسول الله، أنا الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس، فقال: " قم إليه، اللهم أعنه " فلما دنا أحدهما من صاحبه عرضت بينهما شجرةٌ عظيمةٌ عمريةٌ من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع بسيفه ما دونه، حتى برز كل واحدٍ منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فننٌ، ثم حمل مرحبٌ على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته، فضربه محمد حتى قتله. ولما رأت اليهود ما لقي أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القتل يوم أحدٍ والبلاء شمتوا بهم، فأما بنو النضير فأظهروا العداوة لله ولرسوله، وأما قريظة فتمسكوا بالحلف على غش أنفسهم وعداوةٍ لله ولرسوله، فركب كعب بن الأشرف في ستين راكباً من بني النضير إلى قريشٍ من مكة، فقال لهم أبو سفيان: ما جاء بكم؟ قال كعب: أتيناك لنحالفك على قتلا هذا الرجل، وعلى عداوته؛ قال أبو سفيان: مرحباً بكم وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة هذا الرجل وقتاله؛ قال له كعب: فأخرج ستين رجلاً من بطون قريش كلها وأنتم فيهم يا أبا سفيان فلندخل نحن وأنتم بين أستار الكعبة فلنلصق أكبادنا بها ثم لنحلف بالله جميعاً أن لا يخذل بعضنا بعضاً، ولتكون كلمتنا واحدةً على هذا الرجل وأصحابه ما بقي منا ومنهم رجلٌ؛ ففعلوا ذلك وتحالفوا؛ فرجع كعبٌ على قتال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة فواعده أبو سفيان أن يأتيه العام المقبل، فلما قدم كعبٌ وأصحابه إلى المدينة نزل جبريل عليه السلام على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره بخبر كعبٍ وأبي سفيان والذي صنعوا، وأمر جبريل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل كعبٍ، فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عبد الأشهل وهم حي من الأنصار من الأوس حلفاء النضير، فقال: " يا معشر بني

عبد الأشهل ألا ترون إلى حليفكم ما صنع " قالوا: وما صنع يا رسول الله؟ فأخبرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فقال: " اكفونيه يا بني عبد الأشهل، فإن الله عز وجل قد أمرني بقتله فاقتلوه " قالوا: يا رسول الله نفعل ونطيع أمرك، فإن فيهم أخاه من الرضاعة ومولاه في الحلف دوننا محمد بن مسلمة وهو لهم غير متهم؛ ففعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، فانطلق خمسة رهطٍ: ثلاثةٌ من بني عبد الأشهل أحدهم عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ، ومن بني حارثة بن الحارث رجلان محمد بن مسلمة وأبو عبس بن جبر، قالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلننل منك عند الرجل؛ فأذن لهم، فانطلقوا ليلاً وقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصلاة فأتوا كعباً وقد أخذ مضجعه فنادوه: يا أبا الأشرف، فسمع كعبٌ الصوت فوثب وأخذت امرأته بجانب ثوبه فقالت: إني لأرى حمرة الدم من هذا الصوت قبل أن يكون، إنه لصوتٌ مريبٌ؛ وأمر محمد بن مسلمة أصحابه فاختبأوا، فضرب كعبٌ يد امرأته فأرسلته، وقال لها: لو دعي ابن حرةٍ لطعنةٍ بليلٍ أجاب؛ فأشرف فنظر فقال: من هذا؟ فقال: أخوك محمد بن مسلمة؛ قال لامرأته: لا تخافي هو أخي محمد بن مسلمة فقال كعب ورحب به: ما حاجتك يا أخي؟ قال: أخذنا هذا الرجل بالصدقة ولا نجد ما نأكل فجئت لتقرضني وسقاً من تمرٍ وأرهنك به رهناً إلى أن يدرك ثمرنا؛ فضحك كعبٌ وقال: أم والله إن كنت لأعلم أن أمرك وأمر أصحابه سيصير إلى ما أرى، وما كنت أحب أن أراه، ولقد كنت تعلم يا محمد أنك كنت من أكرم أهل البلد علي وأحبهم إلي، ولقد كان الذي كان من أمرك وما على الأرض شيءٌ كنت أمنعكه، فأما إذ فعلت الذي فعلت فلست مصيباً عندي خيراً أبداً، ما دمت على الذي أنت عليه، ولقد علمت أنك لن تصيب من هذا الرجل أبداً إلا شراً فأتني برهنٍ وثيقٍ؛ قال: فخذ من أي تمرٍ شئت؛ قال: عندي عجوةٌ يغيب فيها الضرس؛ قال: أي الرهن تريد يا أبا الأشرف؟ قال: تأتيني بامرأتك قال: لم أكن لأرهنك امرأتي وأنت أشب أهل المدينة وأحسنهم وجهاً وأطيبهم ريحاً وأكرمهم حسباً، فتدركني الغيرة، ولكن غير هذا؛ قال: فارهني ابنك قال محمد: إني لأستحيي أن أعير بذلك، أني رهنت ابني بوسقٍ من تمر، ولكن أرهنك درعي الفلانية؛ قال: أين هي؟ قال: هي هذه انزل فخذها؛ فنزل؛ وكان محمد قال لأصحابه: لا يأتي منكم أحدٌ حتى أؤذنه؛ فنزل كعب

فاعتنقه محمد وقال: لا إله إلا الله؛ فأقبلوا يسعون بأسيافهم، ومحمدٌ آخذٌ شعره فضربوه بأسيافهم فقتلوه، فصاح عدو الله عند أول ضربةٍ صيحةً فسمعتها امرأته فصاحت فأسمعت اليهود فتصايح اليهود وأخطأ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل عمرو بن معاذ فقطعوها؛ فألقى إليهم السيف وقال: لا أحبسكم أقرؤوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام؛ قالوا: لا والله لننطلقن جميعاً أو لنموتن جميعاً؛ فاحتملوا صاحبهم فأسرعوا به فاجتمع اليهود إلى امرأة كعبٍ فأخبرتهم حيث توجهوا، وطلبهم أعداء الله وأخطأوا الطريق، وانطلق أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوت وهو يصلي فكبر، وعلم أن أصحابه قد أفلحوا وأنجحوا، فأتوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه الخبر. الطريق، وانطلق أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصوت وهو يصلي فكبر، وعلم أن أصحابه قد أفلحوا وأنجحوا، فأتوا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبروه الخبر. وفي آخر بمعناه: أنه نزل وتحث معهم ساعةً ثم قالوا: هل لك يا بن الأشرف إلى أن تماشينا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ فقال: إن شئتم؛ فخرجوا يتماشون ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأس كعبٍ ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيب عطرٍ قط، ثم مشى ساعةً وعاد لمثلها حتى اطمأن كعبٌ، ثم مشى ساعةً فعاد لمثلها أبو نائلة فأخذ بفودي رأسه ثم قال: اضربوا عدو الله؛ فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً؛ قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولاً في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً فأخذته وقد صاح عدو الله كعبٌ صيحةً لم يبق حولنا حصنٌ إلا أوقدت عليه نارٌ، فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت غايته، ووقع عدو الله؛ الحديث. قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين البصري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدراً ومحمد بن مسلمة جالسٌ شيخٌ كبيرٌ فقال: يا مروان أيغدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندك، والله ما قتلناه إلا بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله لا يؤويني وإياك سقف بيتٍ إلا المسجد، وأما أنت يا بن يامين فلله علي إن أفلت،

فلا قدرت عليك وفي يدي سيفٌ إلا ضربت به رأسك؛ فكان ابن يامين لا ينزل من بني قريظة حتى يبعث رسولاً ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعه نزل فقضى حاجته ثم صدر، وإلا لم ينزل؛ فبينا محمد بن مسلمة في جنازةٍ وابن يامين في البقيع فرأى محمد نعشاً عليه جرائد رطبةٌ لامرأةٍ، جاء فحله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ما تصنع؟ نحن نكفيك؛ فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدةً جريدةً حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحاً، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: والله لو قدرت على السيف لضربتك به. وعن محمد بن مسلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاثاً. وعن أبي حدر الأسلمي، قال: قدمت المدينة في خلافة عمر بن الخطاب فأردت الحج، فلما أتيت ملل قلت: اللهم قيض لي رجلاً من أصحاب نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صالحاً، كان نبيك يحبه وكان يحب نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا أنا بغلامٍ أسود على حمارٍ يقود ناقةً خلفها شيخٌ على حمارة، فقلت للأسود: يا غلام، من هذا الشيخ؟ قال: محمد بن مسلمة الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فرافقت خير رفيقٍ ونازلت خير نزيلٍ. وعن موسى بن أبي عيسى، قال: أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ فقال: أراك والله كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عدلاً في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف؛ فقال عمر: هاه؛ فقال: لو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف؛ فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قومٍ إذا ملت عدلوني.

وعن محمد بن مسلمة، قال: توجهت إلى المسجد فرأيت رجلاً من قريش عليه حلةٌ، قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين؛ قال: فجاوزت فرأيت رجلاً من قريش عليه حلة فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين، قال: فدخل المسجد فرفع صوته بالتكبير فقال: الله أكبر، صدق الله ورسوله، الله أكبر صدق الله ورسوله، قال: فسمع عمر صوته فبعث إليه أن ائتني؛ فقال: حتى أصلي ركعتين؛ قال: فرد عليه الرسول يعزم عليه لما جاء؛ فقال محمد بن مسلمة: وأنا أعزم على نفسي أن لا آتيه حتى أصلي ركعتين؛ ودخل في الصلاة، وجاء عمر فقعد إلى جنبه، فلما قضى صلاته قال: شيءٌ أردت أن تخبرني عنه؛ قال: أو غير ذلك تسألني، فإن شئت أن أخبرك أخبرتك وإلا لم أخبرك؛ قال: وذاك أخبرني عن رفعك صوتك في مصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتكبير، وقولك: صدق الله ورسوله ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين أقبلت أريد المسجد فاستقبلني فلان بن فلان القرشي، عليه حلة قلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين، فجاوزت فاستقبلني فلان بن فلان الأنصاري عليه حلة دون الحلتين فقلت: من كساك هذه؟ قال: أمير المؤمنين؛ إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنكم سترون بعدي أثرةً " وإني لم أكن أحب أن يكون على يديك يا أمير المؤمنين؛ قال: فبكى عمر، ثم قال: أستغفر الله، والله لا أعود؛ فما رؤي بعد ذلك اليوم فضل رجلاً من قريش على رجلٍ من الأنصار. بعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة إلى عمرو بن العاص وكتب إليه: أما بعد، فإنكم معاشر العمال قعدتم على عيون الأموال فجنيتم الحرام، وأكلتم الحرام، وأوكيتم الحرام، وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك، فأحضره مالك والسلام؛ فلما قدم محمد بن مسلمة أهدى إليه عمرو بن العاص هديةً فردها، فغضب عمرٌو وقال: يا محمد رددت هديتي فقد أهديت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمي من ذات السلاسل فقبل؛ فقال له

محمد: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل بالوحي ما شاء ويمنع ما شاء، ولو كانت هدية الأخ لأخيه لقبلتها ولكنها هدية إمام شر من خلفها؛ فقال عمرو: قبح الله يوماً صرت فيه لعمر بن الخطاب والياً، والله لقد رأيت العاص بن وائل يلبس الديباج المزرر بالذهب وإن الخطاب ليحمل الحطب بمكة على حماره؛ فقال له محمد بن مسلمة: أبوه وأبوك في النار، وعمر خيرٌ منك ولولا اليوم الذي أصبحت تذم لألفيت معتقلاً عنزاً يسوؤك غزرها ويسوؤك بكؤها؛ فقال عمرو: هي فلتة المغضب وهي عندك أمانة؛ ثم أحضره ماله فقاسمه. بلغ عمر بن الخطاب أن سعداً اتخذ قصراً وجعل عليه باباً وقال: انقطع الصويت؛ فأرسل عمر محمد بن مسلمة، وكان عمر إذا أحب أن يؤتى بالأمر كما يريد بعثه، فقال له: إيت سعداً فأحرق عليه بابه؛ فقدم الكوفة، فلما أتى الباب أخرج زنده فاستورى ناراً ثم أحرق الباب فأتي سعدٌ فأخبره به ووصفت له صفته، فعرفه، فخرج إليه سعد فقال محمد: إنه بلغ أمير المؤمنين عنك أنك قلت: انقطع الصويت؛ فحلف سعدٌ بالله أنه ما قال ذلك، فقال محمد: نقصد الذي أمرنا ونؤدي عنك ما تقول؛ ثم ركب راحلته، فلما كان ببطن الرمة أصابه من الخمص والجوع ما الله به أعلم، فأبصر غنماً فأرسل غلامه بعمامته فقال: اذهب فابتغ بها شاةً؛ فجاء الغلام بشاةٍ وهو يصلي، فأراد ذبحها فأشار إليه أن يكف؛ فلما قضى صلاته قال: اذهب فإن كانت مملوكةً مسنمة فاردد الشاة وخذ العمامة، وإن كانت حرةً فاردد الشاة؛ فذهب فإذا هي مملوكة، فرد الشاة وأخذ العمامة، وأخذ بخطام راحلته أو زمامها لا يمر ببقلةٍ إلا حطمها حتى آواه الليل إلى قومٍ فأتوه بخبزٍ ولبنٍ وقالوا: لو كان عندنا شيءٌ أفضل من هذا أتيناك به؛ فقال: بسم الله كل حلالٍ أذهب السغب خيرٌ من مأكل السوء؛ حتى قدم المدينة، فبدأ بأهله

فابترد من الماء ثم راح، فلما أبصره عمر قال: لولا حسن الظن بك ما رأينا أنك أديت؛ فذكر أنه أسرع السير، وقال: قد فعلت وهو يعتذر ويحلف بالله ما قال ذلك؛ فقال عمر: فهل أمر لك بشيءٍ؟ قال: قد رأيت مكاناً أن يأمر لي؛ قال ابن عيينة: أبى أن يأخذ منه؛ قال عمر: إن أرض الله العراق أرض رفيقةٌ وإن أهل المدينة يموتون حولي من الجوع، فخشيت إن أمر لك فتكون لك النار دون الجار؛ أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يشبع المؤمن دون جاره " أو قال: " الرجل دون جاره ". وفي آخر بمعناه: فقال: هلا قبلت من سعد؟ فقال: لو أردت ذلك كتبت لي به وأذنت لي فيه؛ فقال عمر: إن أكمل الرجال رأياً من إذا لم يكن عنده عهدٌ من صاحبه أن يعمل بالحزم أو يقول به ولا يتكل عليه؛ وأخبره بيمين سعد وقوله فصدق سعداً وقال: هو أصدق ممن روى عنه وممن أبلغني. قال جابر بن عبد الله: بعثنا عثمان بن عفان في خمسين راكباً أميرنا محمد بن مسلمة الأنصاري فتكلم الذين جاؤوا من مصر، فاستقبلنا رجلٌ منهم في يده مصحف متقدٌ سيفاً تذرف عيناه فقال: ها إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا على ما في هذا فقال محمد بن مسلمة: اسكت فنحن ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، أو قبل أن تولد. قال محمد بن مسلمة: أعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفاً فقال: " يا محمد بن مسلمة جاهد بهذا السيف في سبيل الله حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين يقتتلان فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منيةٌ قاضية أو يدٌ خاطئة " فلما قتل عثمان وكان من أمر الناس ما كان خرج إلى صخرةٍ في فنائه فضرب الصخرة بسيفه حتى كسره.

محمد بن مسلمة بن عبد الملك

وفي حديثٍ بمعناه: وكان محمد بن مسلمة يقال له: حارس نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: فاتخذ سيفاً من عود قد نحته وصيره في الجفن معلقاً في البيت؛ وقال: إنما علقته أهيب به ذاعراً. وعن حذيفة، قال: ما من أحدٍ إلا أنا أخاف عليه الفتنة إلا ما كان من محمد بن مسلمة، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تضره الفتنة ". وعن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المصلون؟ قال: " تخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يدٌ خاطئة ". وعن الحسن أن علياً بعث إلى محمد بن مسلمة فجيء به فقال: ما خلفك عن هذا الأمر؟ قال: دفع إلي ابن عمك يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيفاً فقال: " قاتل به ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضاً فاعمد به إلى صخرةٍ فاضربه بها، ثم الزمن بيتك حتى تأتيك منية قاضيةً أو يدٌ خاطئة " قال: خلوا عنه. وعن جابر بن عبد الله، قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام فبلغ رجلاً شقياً من أهل الأردن صنيع محمد بن مسلمة جلوسه عن علي ومعاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله؛ قال: وأرسل معاوية إلى كعبٍ؛ ما تقول في محمد بن مسلمة؟ يعني كعب بن مالك. محمد بن مسلمة بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم القرشي الأموي كان من أجمل الناس وأشجعهم، وشهد مع مروان بن محمد يوم التقى مع عبد الله بن

محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام

علي بن عبد الله بن عباس، وكان صديقاً له فأمنه عبد الله، فلحق به، فلما رأى فعل أهل خراسان في أهل الشام حميت نفسه فقال: من المتقارب ذل الحياة وخزي الممات ... فكلا أراه شراباً وبيلاً فإن كان لا بد إحداهما ... فسيراً إلى الموت سيراً جميلاً ثم لحق بمروان فقاتل معه حتى قتل؛ وقيل: محمد بن مسلمة لم يقتل يومئذٍ. محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة أبو هشام المخزومي المدني الفقيه حدث عن عمه، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سمعت جبريل يقول: قال الله عز وجل: هذا دينٌ ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق ". وحدث محمد بن مسلمة عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القزع. وقيل لمحمد بن مسلمة: ما أراني فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة؟ فقال: إنه دجال من الدجاجلة؛ قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ". قال محمد بن مسلمة المدني: كنت في غم وضر شديدٍ فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام عند الباب الذي يلي القبر، رافعاً

محمد بن المسلم بن الحسن بن بلال

يديه يقول: " يا من فلق البحر لموسى، بما فلقت به البحر لموسى نجني بما نجيت به موسى ". قال محمد: ورأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرةً أخرى في المنام وهو يقول: " يا رب بمن أستغيث إذا لم أستغث بك فتغيثني، يا رب إلى من أتضرع إذا لم أتضرع إليك فترحمني، يا رب من أدعو إذا لم أدعوك فتستجيب لي ". محمد بن المسلم بن الحسن بن بلال ابن الحسن بن عبد الله بن محمد أبو طاهر الأزدي المعدل حدث سنة إحدى وتسعين وأربع مئة عن أبي القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي، بسنده إلى أسامة بن شريك، قال: قلنا: يا رسول الله، ما خير ما أعطي العبد؟ قال: " الخلق الحسن ". ولد أبو طاهر بن بلال سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مئة. محمد بن مسلم بن السمط ابن محمد بن السمط بن عياض بن زيد بن زادان بن مجربة أبو بكر القرشي مولاهم المعروف بابن الدلاء المعدل حدث عن محمد بن جعفر بن ملاس، بسنده إلى أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى بعض أهله قنع رأسه وغمض عينيه وقال للتي تكون تحته: " عليك بالسكينة والوقار ". توفي أبو بكر سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة.

محمد بن مسلم بن عبيد الله

محمد بن مسلم بن عبيد الله ابن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة أبو بكر القرشي الزهري أحد الأعلام من أئمة الإسلام، قدم دمشق غير مرة. حدث الزهري عن أنس بن مالك، قال: سقط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرسٍ فجحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى قاعداً، فصلينا قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين ". قال ابن أبي ذئب: كان ابن شهاب قد ضاقت حاله ورهقه دينٌ، فخرج إلى الشام زمن عبد الملك بن مروان، فجالس قبيصة بن ذؤيب. قال ابن شهاب: فبينا نحن مع قبيصة ذات ليلةٍ نسمر إذ جاء رسول عبد الملك فقال: أجب أمير المؤمنين، فذهب إليه ثم رجع، فقال: من منكم يحفظ قضاء عمر في أمهات الأولاد؟ قلت: أنا؛ فأدخلني على عبد الملك بن مروان فسلمت عليه، فقال: من أنت؟ فانتسبت له؛ قال: إن كان أبوك لنعاراً في الفتن؛ قلت: يا أمير المؤمنين، عفا الله عما

سلف؛ قال: اجلس؛ قال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم؛ قال: اقرأ من سورة كذا، ومن سورة كذا؛ فقرأت فقال لي: أتفرض؟ قلت: نعم، قال: ما تقول في امرأةٍ تركت زوجها وأبويها؟ قلت: لزوجها النصف، ولأمها السدس، ولأبيها ما بقي؛ قال: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، إنما لزوجها النصف ولأمها ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال، ولأبيها ما بقي؛ قال: فإن الفريضة على حالها وهو رجل ترك زوجته وأبويه؛ فقلت: لزوجته الربع ولأمه الربع ولأبيه ما بقي؛ قال: فقال لي: أصبت الفرض وأخطأت اللفظ، ليس هكذا الفرض، لزوجته الربع ولأمه ثلث ما بقي وهو الربع من رأس المال، وللأب ما بقي؛ ثم قال: هات حديثك؛ قلت: حدثني سعيد بن المسيب: أن فتىً من الأنصار كان لزم عمر بن الخطاب، وكان به معجباً وأنه فقده، فقال: ما لي لا أرى فلاناً؛ فأرسل إليه فجاءه، فإذا هو بذ الهيئة، قال: ما لي أراك هكذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن أخوي خيروني بين أمي وبين ميراثي من أبي، فاخترت أمي، ولم أكن لأخرجها على رؤوس الناس، فأخذتها بجميع ميراثي من أبي؛ قال: فخرج عمر مغضباً حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، أيها الناس، فأي امرئٍ وطئ امرأةً فولدت منه، فله أن يستمتع منها ما عاش، فإذا مات فهي حرةٌ؛ فقال عبد الملك: هكذا حدثني سعيد بن المسيب؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، اقض ديني؛ قال: قد قضى الله دينك؛ قلت: ويفرض لي أمير المؤمنين؛ قال: لا والله ما نجمعهما لأحدٍ؛ قال: فخرجت فتجهزت حتى قدمت المدينة، فجئت سعيد بن المسيب في المسجد، فجئت لأسلم عليه، فدفع في صدري وقال: انصرف؛ وأبى أن يسلم علي، فخشيت أن يتكلم بشيء يعيبني به فيرويه من حضره. فتنحيت ناحيةً إلى أن قام فصلى أربع ركعاتٍ وانصرف، ومعه ناسٌ من أصحابه، فلما خلا وبقي وحده قلت: ما ذنبي؟ أنا ابن أخيك، واعتذرت إليه، وما يكلمني، حتى بلغ منزله، واستفتح ففتح له فأدخل رجله ثم التفت إلي فقال: أنت الذي ذهبت بحديثي إلى بني مروان؟.

وفي حديثٍ بمعناه: فذكر أن عمر بن الخطاب أمر بأمهات الأولاد أن يقمن في أموال أبنائهن بقيمة عدل، ثم يعتقن فمكث بذلك صدراً من خلافته، ثم توفي رجلٌ من قريش، كان له ابنٌ من أم ولد، قد كان عمر يعجب بذلك الغلام، فمر ذلك الغلام على عمر في المسجد بعد وفاة أبيه بليالٍ، فقال له عمر: ما فعلت يا بن أخي في أمك؟ قال: فعلت خيراً، خيروني بين أن يسترقوا أمي أو يخرجوني من ميراثي من أبي، فكان ميراثي من أبي أهون علي من أن تسترق أمي؛ فقال عمر: أولست إنما أمرت في ذلك بقيمة عدلٍ؟ ما أرى رأياً ولا آمر بأمرٍ إلا قلتم فيه؟ ثم قام إلى المنبر فاجتمع الناس إليه، حتى إذا رضي من جماعتهم، قال: أيها الناس، إني كنت قد أمرت في أمهات الأولاد بأمرٍ قد علمتموه، ثم حدث لي رأيٌ غير ذلك، فأيما امرئٍ كانت عنده أم ولد يملكها بيمينه ما عاش، فإذا مات فهي حرةٌ لا سبيل لأحدٍ عليها؛ الحديث. وفي آخره؛ قال: افرض لي فإني منقطعٌ من الديوان؛ قال: إن بلدك لبلدٌ ما فرضنا فيها لأحدٍ منذ كان هذا الأمر، ثم نظر إلى قبيصة فكأنه أومأ إليه: أن افرض له؛ فقال: قد فرض لك أمير المؤمنين؛ قال: فقلت: وصلةٌ يا أمير المؤمنين تصلنا بها، ولقد خرجت من أهلي وإن فيهم لحاجةً ما يعلمها إلا الله، ولقد عمت الحاجة أهل البلد؛ قال: قد وصلك أمير المؤمنين؛ قلت: يا أمير المؤمنين وخادمٌ يخدمنا، فإني تركت أهلي وما لهم خادمٌ إلا أختي، إنها الآن تخبز لهم وتعجن وتطحن لهم؛ قال: وقد أخدمك أمير المؤمنين؛ الحديث. قال الزهري: أتيت عبد الملك بن مروان فاستأذنت عليه، فلم يؤذن لي، فدخل الحاجب فقال: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلاً شاباً أحمر زعم أنه من قريش؛ قال: صفه؛ فوصفه؛ قال: لا أعرفه إلا أن يكون من ولد مسلم بن شهاب؛ فدخل عليه فقال: هو من بني مسلم؛ فدخلت عليه فقال: من أنت؟ فانتسبت له، وقلت: إن أبي هلك وترك

عيالاً صبية، وكان رجلاً مئناثاً لم يترك مالاً؛ فقال عبد الملك: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم؛ قال: بإعرابه وما ينبغي فيه من وجوهه وعلله؟ قلت: نعم؛ قال: إنما فوق ذلك فضلٌ، إنما يعايا ويلغز به؛ قال: أفعلمت الفرائض؟ قلت: نعم؛ قال: الصلب والجد واختلافهما؟ قلت: أرجو أن أكون قد فعلت؛ قال: وكم دين أبيك؟ قلت: كذا وكذا؛ قال: قد قضى الله دين أبيك؛ وأمر لي بجائزةٍ ورزقٍ يجري وشراء دارٍ قطيعةً بالمدينة؛ وقال: اذهب فاطلب العلم، ولا تشاغل عنه بشيءٍ، فإني أرى لك عيناً حافظةً وقلباً ذكياً، وأت الأنصار من منازلهم؛ قال الزهري: وكنت أخذت العلم عنهم بالمدينة، فلما خرجت إليهم إذا علمٌ جم، فاتبعتهم حتى ذكرت لي امرأةٌ نحو قباء تروي رؤيا فأتيتها، فقلت: أخبريني برؤياك؛ فقالت: كان لي ولدان واحد حين حبا، وآخر يتبعه، وهلك أبوهما وترك لي ماهناً وداجناً ونخلاتٍ، فكان الداجن نشرب لبنها ونأكل ثمر النخلات فإني لبين النائمة واليقظانة، ولنا جديٌ، فرأيت كأن ابني الأكبر قد جاء إلى شفرةٍ لنا فأحدها، وقال: يا أمه قد أضرت بنا وحبست اللبن عنا، فأخذ الشفرة وقام إلى ولد الداجن فذبحه بتلك الشفرة، ثم نصب قدراً لنا، ثم قطعه ووضعه فيها، ثم قام إلى أخيه فذبحه بتلك الشفرة، وانتبهت مذعورةً، فإذا ابني الأكبر قد جاء فقال: يا أمه أين اللبن؟ فقلت: شربه ولد هذه الداجن؛ فقال: ما لنا في هذا من شيءٍ؛ وقام إلى الشفرة فأحدها ثم أمرها على حلق ولد الداجن، ثم نصب القدر؛ قالت: فلم أكلمه حتى قمت إلى ابني الصغير فاحتضنته وأتيت به بعض بيوت الجيران، فخبأته عندهم ثم أقبلت مغتمةً لما رأيت، ثم صعد على بعض تلك النخلات، فأنزل رطباً، وقال: يا أمه كلي؛ قلت: لا أريد، ثم مضى، وأتى القدر؛ فإني لمنكبةٌ على بلسنٍ عندي إذ ذهب بي النوم، فإذا أنا بآتٍ قد أتاني، فقال: مالك مغتمةً؟ فقلت: لكذا ولكذا؛ فنادى: يا رؤيا؛ فجاءت امرأةٌ شابةٌ، حسنة الوجه، طيبة الريح؛ فقال: ما أردت من هذه المرأة الصالحة؟ قالت: ما أردت منها شيئاً؛ فنادى: يا أحلام، فأقبلت امرأةٌ دونها في السن

واللباس والطيب؛ فقال: ما أردت من هذه المرأة الصالحة؟ قالت: ما أردت منها شيئاً؛ فنادى: يا أصغاث؛ فأقبلت امرأةٌ سوداء الخلقة، وسخة الثياب، دونها، فقال: ما أردت من هذه المرأة؟ قالت: رأيتها صالحةً فأردت أن أغمها ثم انتبهت فإذا ابني قد أقبل فقال: يا أمه أين أخي؟ قلت: لا أدري حبا إلى بعض الجيران، فذهب يمشي لهو أهدى إلى موضعه حتى أخذه، وجاء به يقبله، ثم قعد فأكل وأكلت معه. الماهن: الخادم؛ والداجن: الشاة من شياه البيوت تعلف؛ وقوله: بلسن، البلسن: بعض ما يكون في رحل القوم من المتاع الذي يتكأ عليه، وهو اسمٌ أعجميٌ؛ وقد استعمل بمعنى ما يعلى عليه من كرسي أو ما أشبهه. قال ابن شهاب: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه، فوجدته في قبةٍ على فرشٍ تفوت القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت وجلست، فقال: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم؛ قال: هلم؛ فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة، وحول وجهه، فأحنى علي، فقال: ما كان؟ قال: فقلت: لم يرفع حجرٌ في بيت المقدس إلا وجد تحته دمٌ فقال: لم يبق أحدٌ يعلم هذا غيري وغيرك؛ قال: فلا يسمعن منك؛ قال: فما تحدثت به حتى توفي. ولد الزهري سنة ثمانٍ وخمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة خمسين. قال سفيان: رأيت الزهري أحمر الرأس واللحية، وفي حمرتها انكفاءٌ، كأنه يجعل فيه كتماً، وكان رجلاً أعيمش، وعليه جميمةٌ. وقال غيره: كان قصيراً قليل اللحية، له شعيراتٌ طوال، خفيف العارضين.

قال ابن شهاب: كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله، حتى كنت أستقي له الماء المالح، وإن كان ليسأل الجارية: من بالباب؟ فتقول: غلامك الأعمش، تظنني غلاماً له. ولما أخذ ابن شهاب ما عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من العلم، ورأى أنه قد نفضه، فلم يبق عنده من العلم شيئاً إلا حواه واستغنى عنه، انقطع عنه، فقال عبيد الله فيه: من الطويل إذا شئت أن تلقى خليلاً مصافحاً ... لقيت وإخوان الثقات قليل قال صالح بن كيسان: كنت أطلب العلم أنا والزهري، قال: تعال نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن أصحابه، فكتب، ولم أكتب، فأنجح وضيعت. كان الزهري ينصرف من عند عروة أو الأعرج، أو بعض العلماء وقد سمع منهم، فيقول لجاريةٍ له، فيها لكنةٌ: حدثنا عروة، حدثنا الأعرج، حدثنا فلان، فإذا أكثر عليها قالت: والله ما أدري ما تقول؛ فيقول: اسكتي لكاع، فإني لست أريدك، إنما أريد نفسي. كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئاً قط فنسيته؛ وكان يكره أكل التفاح وسؤر الفأر؛ ويقول: إنه ينسي؛ قال: وكان يشرب العسل؛ ويقول: إنه يذكر. وكان يقول: ما أكلت تفاحاً ولا أصبت شيئاً فيه خل مذ عالجت الحفظ. كتب عبد الملك بن مروان إلى أهل المدينة يعاتبهم، فوصل في كتابه ذلك

طومارين، فقرئ الكتاب على الناس عند المنبر، فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب جلساؤه، فقال لهم سعيد: ما كان في كتابهم؟ ليت أنا وجدنا من يعرف لنا ما فيه؛ فجعل الرجل من جلسائه يقول: فيه كذا، ويقول الآخر: فيه كذا؛ فكأن سعيداً لم يشتف فيما سأل عنه، فبان ذلك لابن شهاب، فقال: أتحب أن تسمع كل ما فيه؟ قال: نعم؛ قال: فأمسك، فهذه عليه هذا كأنما كان في يده يقرؤه حتى أتى عليه كله. قال مالك بن أنس: حدثني الزهري بحديثٍ طويلٍ فلم أحفظه، فتلقاني على حمارٍ، فأخذت بلجامه فسألته عن الحديث؛ فقال: أليس قد حدثتكم به؟ قلنا: بلى؛ قال مالك: فأردت أن أستخرجه، قلت: أما كنت تكتب؟ قال: لا؛ قلت: أما كنت تستعيد؟ قال: لا؛ وفي حديث، قال: ما استعدت حديثاً قط؛ وفي حديث آخر؛ قال: فجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، يقول: فذيك الطوال وتلك المغازي. قال مالك بن أنس: حدث الزهري بمئة حديثٍ ثم التفت إلي فقال: كم حفظت يا مالك؟ قلت: أربعين حديثاً؛ قال: فوضع يده على جبهته ثم قال: إنا لله كيف نقص الحفظ. قال ابن شهاب: لقيني سالم كاتب هشام بن عبد الملك فقال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن تكتب لولده حديثك؛ قال: فقلت له: لو سألتني عن حديثين أتبع أحدهما الآخر ما قدرت على ذلك، ولكن ابعث إلي كاتباً أو كاتبين فإنه قل يومٌ لا يأتيني قومٌ يسألوني عما لم أسأل عنه بالأمس؛ فبعث إلي كاتبين فاختلفا إلي سنةً على دينها؛ قال: ثم لقيني فقال: يا أبا بكر

ما أرانا إلا قد أنفضناك قال: قلت: كلا، إنما كنت في عزازٍ من الأرض، الآن هبطت بطون الأودية. سأل هشام بن عبد الملك الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتبٍ، فأملى عليه أربع مئة حديث، ثم خرج الزهري من عند هشام، قال: أين أنتم يا أصحاب الحديث؟ فحدثهم بتلك الأربع مئة الحديث، ثم أقام شهراً أو نحوه، ثم قال للزهري: إن ذلك الكتاب الذي أمليت علينا قد ضاع؛ قال: فلا عليك ادع بكاتبٍ، فحدثه بالأربع مئة الحديث، ثم قابل هشامٌ بالكتاب الأول فإذا هو لا يغادر حرفاً واحداً. كان الزهري لا يترك أحداً يكتب بين يديه، فأكرهه هشام بن عبد الملك، فأملى على بنيه؛ فلما خرج من عنده دخل المسجد، فاستند إلى عمودٍ من عمده، ثم نادى: يا طلبة الحديث، قال: فلما اجتمعوا إليه، قال: إني كنت منعتكم أمراً بذلته لأمير المؤمنين آنفاً، هلم فاكتبوا، قال: فكتب عنه الناس من يومئذ، وزاد في آخر بمعناه: قال: فسمعهم يقولون: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أهل الشام، ما لي أرى أحاديثكم ليست لها أزمةٌ ولا خطم؟ قال الوليد بن مسلم وقبض يده وقال: تمسك أصحابنا بالأسانيد من يومئذٍ. وفي آخر مختصراً: قال الزهري: كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء، فرأيت أن لا أمنعه مسلماً. وقال مالك: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب، قال سفيان: كان الزهري أعلم أهل المدينة؛ قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحداً آمن في الحديث من ابن شهاب، وما رأيت

أحداً الدينار والدرهم أهون عليه من ابن شهاب؛ وما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر. قال الليث بن سعد: ما رأيت عالماً قط أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علماً منه؛ ولو سمعت من ابن شهاب بحيثٍ في الترغيب قلت: لا يحسن إلا هذا، فإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه ثم يتلوه بدعاءٍ جامعٍ، يقول: اللهم إني أسألك من كل خيرٍ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة؛ قال الليث: وكان ابن شهاب من أسخى من رأيت؛ كان يعطي كل من جاء وسأله، حتى إذا لم يبق معه شيءٌ يستسلف من عبيده، فيقول لأحدهم: يا فلان أسلفني كما تعرف، وأضعف إلي كما تعلم؛ فيسلفونه، ولا يرى بذلك بأساً؛ وربما جاءه السائل ولا يجد ما يعطيه فيتغير عند ذلك وجهه، ويقول للسائل: أبشر فسوف يأتي الله بخيرٍ؛ فقيض الله لابن شهابٍ على قدر صبره واحتماله إما رجلاً يهدي له ما يسعهم، وإما رجلاً يبيعه بنظرةٍ، وكان يطعم الناس بالثريد في الخصب وغيره، ويسقيهم العسل؛ وكان ابن شهاب يسمر على العسل كما يسمر أصحاب الشراب على شرابهم؛ وفي حديثٍ آخر: كما يسمر أهل الخمر، ويقول: اسقونا وحدثونا؛ فإذا رأى بعض أصحابه قد نعس قال له: ما أنت من سمار قريش الذين قال الله تبارك وتعالى " سامراً تهجرون " وكانت له قبةٌ معصفرة، وعليه ملحفةٌ معصفرة، وتحته محبسٌ معصفرٌ؛ قال: وسمعته يبكي على العلم بلسانه، فيقول: يذهب العلم وكثيرٌ ممن كان يعمل به.

وعن سعد قال: ما أرى أحداً جمع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما جمع ابن شهاب. قال أبو بكر بن أبي مريم: قلت لمكحول: من أعلم الناس؟ قال: ابن شهاب؛ قلت: ثم من؟ قال: ابن شهاب؛ قلت: ثم من؟ قال: ابن شهاب. قال مالك بن أنس: كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحدٌ من العلماء حتى يخرج الزهري. قال مالك: أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عنهم، ويقدم ابن شهاب وهو دونهم في السن فيزدحم الناس عليه. وعن الزهري قال: ثلاثٌ إذا كن في القاضي فليس بقاضٍ؛ إذا كره اللوائم، وأحب المحامد، وكره العزل. كان يزيد بن عبد الملك جعل الزهري قاضياً مع سليمان بن حبيب. أجاب الزهري بعض خلفاء بني مروان في الخنثى؛ فقال الشاعر عند قضائه بذلك: من الكامل ومهمةٍ أعيا القضاة عياؤها ... تذر الحليم يشك شك الجاهل عجلت قبل حنيذها بشوائها ... وأبنت مفظعها بحكمٍ فاصل فتركتها بعد العماية سنةً ... للمقتدين وللإمام العادل

وقيل: إن بني غفار بن حرام بن عوف بن معمر البلويين اقتتلوا هم وبنو عائذ الله الجذاميون، فقتل رجلٌ من بني عائذ الله بين الصفين يقال له: جرهاس، لم يدر من أصابه، فتدافعه الفريقان؛ كل يقول للآخر: أنتم قتلتموه؛ فاختصموا فيه إلى سلطانٍ بعد سلطانٍ، فلم تمض لأحدٍ من السلاطين فيه قضيةٌ؛ ثم خرجوا إلى أمير المؤمنين في الموسم فألفوا عنده ابن شهاب؛ فقال لابن شهاب: يا أبا بكر، انظر في أمرهم فقد رددت أمرهم إليك؛ فلما رجع ابن شهاب إلى منزله أتوه؛ فقال: يا أبا العائذ هلم البينة على قتيلكم؛ فلم يجدوا بينةً؛ فقال: يا بني غفار أنفلوا أنفسكم؛ فلم يجدوا من ينفلهم؛ فقال: هلم يا أبا العائذ قسامةً تقسم على دم صاحبكم؛ فأبوا؛ قال: هلم يا بني غفار قسامة تقسم على براءتكم؛ فأبوا؛ قال: أين ولي هذا القتيل؟ قيل: هو ذا؛ قال ابن شهاب: اذهب فقد قضينا لك بديةٍ مسلمةٍ، وجعلنا نصفها في بلعائذ، ونصفها على بني غفار؛ فانصرف الفريقان ورضيا؛ وقيل فيه هذا الشعر، وزاده فيه أبياتاً. وعن ابن شهاب قال: إن هذا العلم أدب الله الذي أدب به نبيه عليه الصلاة والسلام، وأدب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته، أمانة الله إلى رسوله ليؤديه على ما أدي إليه، فمن سمع علماً فليجعله أمامه حجةً فيما بينه وبين الله. قال الليث: جئت ابن شهاب يوماً بشيء من الرأي، فقبض وجهه؛ وقال: الرأي كالكاره له ثم جئته بعد ذلك يوماً آخر بأحاديث من السنن فتهلل وجهه وقال: إذا جئتني فاتني بمثل هذا.

وعن الزهري قال: الاعتصام بالسنة نجاةٌ. وعن الزهري قال: أمروا أحاديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جاءت. وعن الزهري قال: أعيى الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسخه من منسوخه. قال جعفر بن ربيعة: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقهاً وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب؛ وأما أغزرهم حديثاً فعروة بن الزبير؛ ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحراً إلا فجرته؛ قال عراك: وأعلمهم عندي جميعاً ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعاً على علمه. قال سفيان: قيل للزهري: لو أنك سكنت المدينة، ورحت إلى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبره، تعلم الناس منك؛ فقال: إنه ليس ينبغي أن أفعل حتى أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة؛ قال سفيان: ومن كان مثل الزهري. قال سفيان: بلغني عن الزهري كلامٌ حسنٌ؛ أنه قال: ليس الزهد بتقشف الشعر وتفل الريح وخشونة الملبس والمطعم، ولكن الزهد ظلف النفس عن محبوب الشهوات.

قال الزهري: إنما يذهب العلم النسيان، وترك المذاكرة. وعن عبد الله بن عمر قال: كنت أرى الزهري يعطى الكتاب فلا يقرؤه ولا يقرأ عليه، فيقال له: نروي هذا عنك؟ فيقول: نعم. وعن الزهري قال: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيبٌ. قال نافع بن مالك عم مالك بن أنس: قلت للزهري: أما بلغك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من طلب شيئاً من هذا العلم الذي يراد به وجه الله يطلب به شيئاً من عرض الدنيا دخل النار "؟ فقال الزهري: لا، ما بلغني هذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: كل حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغك؟ قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: عسى؛ قلت: فهذا في النصف الذي لم يبلغك. قال الحسن بن عمارة: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث، فألفيته على باب داره، فقلت: إن رأيت أن تحدثني؛ فقال: أما علمت أني تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني، وإما أن أحدثك؛ فقال: حدثني؛ فقلت: حدثني الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، قال: سمعت علياً يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني بأربعين حديثاً. وفي آخر بمعناه: فقال: حدثنا الحكم بن عتيبة في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " فقال: ما آتى الله عالماً علماً إلا أخذ عليه ميثاق أن لا يكتمه؛ قال: فحدث الزهري.

ومن حديثٍ، عن مكحول، عن الزهري: أي رجلٍ هو، لولا أنه أفسد نفسه بصحبة الملوك. قال عمر بن رديح: كنت أمشي مع ابن شهاب الزهري، فرآني عمرو بن عبيد، فلقيني بعد فقال: مالك ولمنديل الأمراء؛ يعني ابن شهاب. دخل سليمان بن يسار على هشام، فقال له: يا سليمان من الذي تولى كبره منهم؟ فقال له: عبد الله بن أبي بن سلول؛ فقال له: كذبت، هو علي بن أبي طالب فقال له: أنا أكذب، لا أبا لك فوالله لو ناداني منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت. حدثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله، وعلقمة بن وقاص، كلهم عن عائشة رضوان الله عليها، أن الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي؛ فلم يزل القوم يغرون به؛ فقال له هشام: ارحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك؛ فقال له ابن شهاب: ولم ذلك؟ أنا أغتصبك على نفسي، أو أنت اغتصبتني على نفسي؟ فخل عني؛ فقال له: لا ولكنك استدنت ألفي ألف؛ فقال: قد علمت وأبوك قبلك أني ما استدنت هذا المال عليك ولا على أبيك؛ فقال هشام: إنا إن نهيج الشيخ يهتم الشيخ؛ فأمر فقضى عنه من دينه ألف ألف؛ فأخبر بذلك؛ فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده. ونزل ابن شهاب بماءٍ من المياه، فالتمس سلفاً فلم يجد، فأمر براحلته فنحرت، ودعا إليها أهل الماء، فمر به عمه، فدعاه إلى الغداء، فقال له: يا بن أخي إن مروءة سنةٍ يذهبه بذل الوجه ساعةً؛ فقال له: يا عم انزل فاطعم، وإلا فامض راشداً.

قال: ونزل ابن شهاب بماءٍ من المياه فشكى إليه أهل الماء: أن لنا ثمان عشرة امرأةً عمرنةً؛ يعني: لهن أعمار ليس لهن خادمٌ؛ فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفاً، وأخدم كل واحدةٍ منهن خادماً بألفٍ. وعن سعيد بن عبد العزيز: أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار، ثم قال هشام للزهري: لا تعد إلى مثلها تدان؛ فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يلدغ المؤمن في حجرٍ مرتين ". لقي الزهري يزيد بن محمد بن مروان، وهو يطوف بالبيت، وكان استقرض منه مالاً، فأداه إلا شيئاً؛ فقال: يا أبا عثمان قد استحيينا من حبس حقك، فإن رأيت أن تأمر قهرمانك أن يكف عنا حتى ييسر الله علينا؛ قال: يا بن شهاب، كم تبقى عليك؟ قال: خمسة عشر ألفاً؛ قال: اذهب فإنها لك، والله إنها لقليلٌ من الإخاء في الله عز وجل. قيل للزهري: إن الناس لا يعيبون عليك إلا كثرة الدين؛ قال: وكم ديني؟ إنما ديني عشرون ألف دينار، وأنا ملي المحيا والممات لي خمسة أعينٍ، كل عينٍ منها ثمن أربعين ألف دينار؛ وليس يرثني إلا ابن ابني هذا، وما أبالي أن لا يرث عني شيئاً؛ قال: وكان ابن ابنه فاسقاً. قال مالك بن أنس: كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الأموال، قل له مولى له، وهو

يعظه: قد رأيت ما مر عليك من الضيق والشدة، فانظر كيف تكون وأمسك عليك مالك؛ فقال له ابن شهاب: ويحك إني لم أر الكريم تحكمه التجارب؛ وفي رواية: إني لم أر السخي تنفعه أو تحكمه التجارب. قال محمد بن إدريس الشافعي: إن رجاء بن حيوة عاتب ابن شهاب في الإسراف وكان يدان؛ فقال: لا آمن أن يحبس هؤلاء القوم أيديهم عنك فتكون قد حملت على أمانتك؛ فوعده أن يقصر، فمر بعد ذلك وقد وضع الطعام ونصبت موائد العسل؛ فوقف به رجاء فقال: يا أبا بكر، هذا الذي افترقنا عليه فقال له ابن شهاب: انزل، فإن السخي لا تؤدبه التجارب؛ وفي روايةٍ: إن الجواد لا تبخله التجارب. وأنسد الحسين بن أبي عبد الله الكاتب في هذا المعنى: من البسيط له سحائب جودٍ في أنامله ... أمطارها الفضة البيضاء والذهب يقول في العسر إن أيسرت ثانيةً ... أقصرت عن بعض ما أعطي وما أهب حتى إذا عاد أيام اليسار له ... رأيت أمواله في الناس تنتهب قال الشافعي: مر رجلٌ من التجار بالزهري وهو في قريته، والرجل يريد الحج، فابتاع منه براً بأربع مئة دينار، إلى أن يرجع من حجه؛ قال: فلم يبرح الرجل حتى فرقه، فعرف الزهري في وجه الرجل بعض ما كره، فلما رجع من حجه مر به فقضاه ذلك، وأمر له بثلاثين دينار لينفقها في سفره؛ فقال له الزهري: كأني رأيتك يومئذٍ ساء ظنك فقال: أجل؛ فقال الزهري: والله لو لم أفعل ذلك إلا للتجارة؛ أعطي القليل فأعطى الكثير. قال عقيل بن خالد: كان الزهري يخرج إلى الأعراب يفقههم ويعظهم؛ قال عقيل: فجاءه أعرابي وقد

محمد بن مسلم بن عثمان

نفد ما في يده، فمد الزهري يده إلى عمامتي فأخذها فأعطاها الرجل؛ وقال: يا عقيل، أعطيك خيراً منها. قال زياد بن سعد للزهري: إن حديثك ليعجبني، ولكن ليست معي نفقةٌ فأتبعك؛ قال: اتبعني أحدثك وأنفق عليك. قال ابن عيينة: جلست إلى الزهري فأنشده رجلٌ مديحه فأعطاه قميصه فقيل: أتعطي على كلام الشيطان؟ فقال: من ابتغى الخير، اتقى الشر. قال حماد بن زيد: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من أحاديثكم، فإن الأذن مجاجةٌ، وإن للنفس حمضةً. قال الزهري: ما طلب الناس شيئاً خيراً من المروءة، ومن المروءة ترك صحبة من لا خير فيه، ولا يستفاد منه عقلٌ، فتركه خيرٌ من كلامه. توفي الزهري سنة ثلاثٍ وعشرين ومئة، وقيل: سنة أربعٍ وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً؛ وقيل: سنة خمسٍ وعشرين ومئة. محمد بن مسلم بن عثمان ابن عبد الله ويعرف: بابن وارة، أبو عبد الله الرازي أحد الحفاظ الرحالين.

حدث عن محمد بن موسى بن أعين، بسنده إلى أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن وليدتي زنت؛ فقال: " اجلدها " قال: فإن عادت؟ قال: " فعد " قال: فإن عادت؟ قال: " فعد " قال: فإن عادت؟ قال: " فبعها ولو بضفيرٍ " في الرابعة. وحدث عن أبي هاشم بن أبي خداش، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه صلى المكتوبة في ردعةٍ على حمارٍ. وحدث عن محمد بن سعيد بن سابق، بسنده إلى بلال، قال: حثثت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للخروج إلى صلاة الغداة، فوجدته يشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرجنا، فأقيمت الصلاة. قال الخطيب: هذا حديثٌ غريبٌ، وفيه إرسالٌ، لأنه من رواية معاوية بن قرة، عن بلال؛ ومعاوية لم يلق بلالاً. قال أبو جعفر الطحاوي: ثلاثةٌ من علماء الزمان بالحديث اتفقوا بالري لم يكن في الأرض في وقتهم أمثالهم، فذكر أبا زرعة، ومحمد بن مسلم بن وارة، وأبا حاتم الرازي؛ وكان محمد بن مسلم ثقةً صاحب حديثٍ. قال رجل لأبي زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة أن تسألني عن حديثٍ له علةٌ، فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة فتسأله عنه، ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه، فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافاً في علته فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقةً، فاعلم حقيقة هذا العلم، قال: ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم عليه؛ فقال: أشهد أن هذا العلم إلهامٌ. توفي ابن وارة بالري سنة خمسٍ وستين ومئتين؛ وقيل: سنة سبعين ومئتين.

محمد بن المسيب بن إسحاق

محمد بن المسيب بن إسحاق ابن عبد الله ابن إسماعيل بن أبي أويس ويقال: ابن إسحاق بن إدريس أبو عبد الله النيسابوري ثم الأرغياني الزاهد حدث عن إسحاق بن شاهين، بسنده إلى أبي هارون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري، فيقول: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قلنا: وما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيأتونكم قومٌ من أطراف الأرضين، يسألونكم عن الدين، فإذا جاؤوكم فأوسعوا لهم، واستوصوا بهم خيراً وعلموهم ". وحدث عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، بسنده إلى أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أراد الله رحمة أمةٍ من عباده قبض نبيها، فجعله لها فرطاً وسلفاً بين يديها، وإذا أراد هلكة أمةٍ عذبها ونبيها حي، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره ". توفي محمد بن المسيب سنة خمس عشرة وثلاث مئة، وهو ابن اثنتين وتسعين سنةً؛ وكان يقول: ولدت سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين. محمد بن مصعب بن صدقة أبو عبد الله وقيل: أبو الحسن القرقساني من أهل قرقيسيا. حدث عن إسرائيل، بسنده إلى أنس بن مالك، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى ليدخل العبد الجنة بالأكلة والشربة، يحمد الله عليها ".

محمد بن مصعب أبو الحارث الدمشقي

وحدث عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه، قال: لما مرض أبي أتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتفل عليه من قرنه إلى قدمه ثلاث مرات يراقه إلى جسده. حدث محمد بن مصعب، عن أبي الأشهب، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع السلاح في الفتنة. توفي محمد بن مصعب القرقساني سنة ثمانٍ ومئتين. محمد بن مصعب أبو الحارث الدمشقي حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شقوة ابن آدم، سوء الخلق ". وحدث محمد بن مصعب الدمشقي، عن أبي عمير لنحاس عيسى بن محمد، بسنده إلى أنس، قال: أتى رجلٌ بقاتل وليه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعف عنه " فأبى، قال: خذ أرشاً " فأبى، قال: " فاذهب فاقتله، فأنت مثله " قال: فخلى سبيله؛ قال: فرؤي يجر نسعته ذاهباً إلى أهله؛ قال: كأنه قد كان أوثقه. قال ابن شوذب عن عبد الله بن القاسم: فليس لأحدٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اذهب فاقتله فإنك مثله.

محمد بن مصفى بن بهلول

محمد بن مصفى بن بهلول أبو عبد الله القرشي الحمصي قدم دمشق. حدث عن محمد بن حرب، بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة زمن الفتح وعلى رأسه المغفر. وحدث عنه بسنده إلى ابن عمر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس من البر الصيام في السفر ". توفي محمد بن المصفى بمكة في الموسم سنة ستٍ وأربعين ومئتين. قال محمد بن عوف: رأيت محمد بن المصفى في النوم وكان مات بمكة فقلت: أبا عبد الله أليس قد مت؟ إلى ما صرت؟ قال: إلى خيرٍ، ونحن مع ذلك نرى ربنا كل يومٍ مرتين؛ فقلت: يا أبا عبد الله، صاحب سنةٍ في الدنيا، وصاحب سنةٍ في الآخرة قال: فتبسم إلي. محمد بن مطرف ويقال: ابن طريق ومطرف أصح، ابن داود بن مطرف بن عبد الله بن سارية أبو غسان المدني، نزيل عسقلان، من موالي عمر بن الخطاب؛ ويقال: الليثي حدث عن زيد بن أسلم، بسنده إلى عائشة، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " طهور كل أديمٍ دباغه ".

محمد بن مظفر بن موسى

وحدث عن أبي حازم، بسنده عن سهل بن سعد، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن العبد ليعمل فيما بين الناس بعمل أهل الجنة، وإنه لمن النار؛ وإن العبد ليعمل فيما بين الناس بعمل أهل النار وإنه لمن أهل الجنة؛ وإنما الأعمال بالخواتيم ". وكان محمد بن مطرف ثقةً. محمد بن مظفر بن موسى ابن عيسى بن محمد بن عبد الله أبو الحسين الحافظ البغدادي البزاز سمع بدمشق وغيرها. حدث عن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قل ماله، وكثر عياله، وحسنت صلاته، ولم يغتب المسلمين، جاء يوم القيامة وهو معي كهاتين ". وحدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن محمد بن مروان بن عبد الملك الدمشقي، بسنده إلى عروة بن مضرس الطائي، قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، جئت من جبل طيئٍ، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فهل لي من حجةٍ؟ والله ما تركت جبلاً إلا وقفت عليه؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدرك معنا هذه الصلاة، صلاة الغداة، وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد قضى تفثه وتم حجه ". ولد أبو الحسين بن مظفر سنة ستٍ وثمانين ومئتين. سئل الدارقطني عن محمد بن المظفر، فقال: ثقةٌ مأمون؛ فقيل: إنه يميل للتشيع؛ فقال: قليلاً مقدار ما لا يضر إن شاء الله؛ وكان فيه تشيعٌ ظاهرٌ.

محمد بن المظفر أبو غانم الأزدي

محمد بن المظفر أبو غانم الأزدي الفقيه الأديب قدم دمشق سنة إحدى وستين وثلاث مئة، وحدث عن أبي بكر بن دريد؛ قال أبو بكر: أنشدنا الحسن بن الخضر عن أبيه: من البسيط لا تشرهن فإن الذل في الشره ... والعز في الحلم لا في الطيش والسفه وقل لمغتبطٍ بالتيه من حمقٍ ... لو كنت تعلم ما في التيه لم تته التيه مفسدةٌ للدين، منقصةٌ ... للعقل، مهبطةٌ للعرض فانتبه محمد بن معاذ بن عبد الحميد ابن حريث بن أبي حريث القرشي مولاهم، أخو عبد الله من أهل دمشق. حدث عن سعيد بن بشير بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أعمل عملاً أسره فيطلع عليه فيعجبني ذلك؛ فقال: " لك في ذلك أجران، أجر السر وأجر العلانية ". وحدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأيت أن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعه بصري فإذا هو نورٌ ساطعٌ عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام ". توفي محمد بن معاذ سنة خمس عشرة ومئتين.

محمد بن المعافى بن أحمد بن محمد

محمد بن المعافى بن أحمد بن محمد ابن بشير بن أبي كريمة أبو عبد الله الصيداوي، ويقال: البيروتي حدث بصيدا سنة عشرٍ وثلاث مئة، عن عمرو بن عثمان، بسنده إلى ثوبان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحل لمسلمٍ أن ينظر في بيت رجلٍ إلا بإذنه، فإن نظر فقد دخل؛ ولا يؤم قوماً فيخص نفسه بدعاءٍ دونهم، فإن فعل فقد خانهم؛ ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقنٌ ". قال محمد بن المعافى: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل. قال أبو حاتم: لم يطعم محمد بن المعافى ثمانية عشر سنةً من طيبات الدنيا شيئاً غير الحسو عند إفطاره. محمد بن معبدٍ أظنه بصرياً. قدم الشام أيام عمر بن عبد العزيز، وحدث عنه، أنه أرسل بأسارى من أسارى الروم، ففادى بهم أسارى من أسارى المسلمين، قال: فكنت إذا دخلت على ملك الروم ودخلت عليه عظماء الروم خرجت؛ قال: فدخلت يوماً فإذا هو جالسٌ في الأرض مكتئباً حزيناً؛ فقلت: ما شأن الملك؟ فقال: وما تدري ما حدث؟ قلت: وما حدث؟ قال: مات الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز؛ ثم قال ملك الروم: إني لأحسب أنه لو كان أحدٌ يحيي الموتى بعد عيسى بن مريم لأحياهم عمر بن عبد العزيز؛ ثم قال: إني لست أعجب من الراهب إن أغلق بابه ورفض الدنيا، وترهب وتعبد، ولكن أتعجب ممن كانت الدنيا تحت قدمه فرفضها ثم ترهب.

محمد بن معمر أبو بكر الهلالي

محمد بن معمر أبو بكر الهلالي من أهل طبرية. قال: كنت بحوران وأنا صبي مريد الحسن رحمه الله فكانت المسألة تعرض في قلبي وأحب كشفها وعلمها فيقع في نفسي جوابها فأثق به، وأسير إلى دمشق فألقى موسى الحضرمي وغيره من الشيوخ، فأسأل من اتفق منهم عن المسألة فيجيبوني بما خطر لي، فأحمد الله تعالى على حسن الهداية، وأرجع إلى موضعي؛ فوقع في نفسي مسألة عالية، وغاب عني علمها؛ فقلت: ما يعلم هذه المسألة إلا الخضر عليه وسلم، ثم فتح الله سبحانه علي بعلمها، فلم أشعر بعد ذلك إلا والباب يدق؛ فقلت: من؟ فقال: الذي أردت، وقد غفلت بما فتح الله عليك وحدث أبو بكر، قال: رجل قسا قلبه وفقد حاله، فاحترق لذلك، والتمس زوال هذا البلاء عنه، بالخلوة والاجتهاد؛ فما زاده ذلك إلا قساوةً؛ فكان يوماً خالياً في علو هذا المحرس محرس الحوارية بعكا، وهو محترق القلب، فرأى رقعةً مطروحةً، فأخذها وإذا فيها مكتوبٌ: صلاح القلوب في ستة أشياء؛ فالصلاح في الجوع الدائم، وسهر الليل، وقراءة القرآن، والزهد في الدنيا، والاستعداد للموت قبل نزوله، والسادس على الطيف وهو أن تريد ما يريد؛ وفسادها في إرادة العزة، ومخافة الذل، ومحبة الغنى، وخوف الفقر؛ فانتفع بالرقعة وتأدب بها، ورجع إليه حاله؛ وكان هذا الرجل لا يقرأ، ففتح الله تعالى عليه بقراءة ما فيها؛ فسئل أبو بكر عن صاحب هذه القصة قال: أنا هو.

محمد بن معن بن نضلة بن عمرو

محمد بن معن بن نضلة بن عمرو ويقال: ابن معن بن محمد بن نضلة بن عمرو أبو عبد الله الغفاري المدني وفد على عبد الملك بن مروان. حدث عن أبيه معن بن نضلة أن نضلة لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمران ومعه شوائل له، فحلب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إناءٍ، فشرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم شرب من إناءٍ واحدٍ، ثم قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق إن كنت لأشرب سبعةً فما أشبع وما أمتلئ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المؤمن يشرب في معىً واحدٍ، وإن الكافر يشرب في سبعة أمعاءٍ ". وبه، قال: إن رجلاً من بني غفار أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما اسمك؟ " قال: مهان قال: " أنت مكرم ". وإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على البراء بن عازب بن معرورٍ بعدما قدم المدينة، فقال: " اللهم صل على البراء بن معرور، ولا تحجبه عنك يوم القيامة، وأدخله الجنة، وقد فعلت ". وحدث عن جده، قال: لما طال مقامنا عند عبد الملك بن مروان، خرجت عشيةً، فإذا أنا براهبٍ في صومعته، فدنوت منه، فقلت: منذ كم أنت ها هنا؟ قال: ما عقلت إلا ها هنا؛ قلت: وهل نزلت منها قط؟ قال: لا، إلا مرةً؛ قلت: من أنزلك؟ قال: عبد الملك بن مروان سألني: من يكون بعدي؟ فقلت: يلي رجلان من ولدك؛ قال: ثم من؟ قلت: لا أدري؛ قال: لتقولن؛ فقلت: يلي رجلٌ وبه أثرٌ وبه أثر يحبه أهل السماء وأهل الأرض؛ فقال عبد الملك: لولا ما أعطيتك من الأمان لضربت عنقك.

محمد بن المغيرة المخزومي

محمد بن المغيرة المخزومي من أهل المدينة. حدث بدمشق سنة عشرين ومئتين، عن عبد الله بن نافع، بسنده عن ابن عمر قال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين جاءه شيءٌ لم يبدأ بأول منهم، يعني المحررين. محمد بن مكرم الدمشقي حدث عن يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: دعاني المأمون فدخلت عليه، والمجلس غاص بأهله، فمددت عيني فإذا بين الخليفة والوزير فرجةٌ، فتخطيت الناس، فجلست بين الوزير والخليفة، فلما استقر بي المجلس قلت: يا أمير المؤمنين، حدثني نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ضاق المجلس بأهله فبين كل سيدين مجلس عالمٍ ". أنكر هذا الحديث؛ قالوا: ومالك لم يبق إلى زمن المأمون محمد بن مكي بن عثمان ابن عبد الله أبو الحسين الأزدي المصري قدم دمشق وحدث بها. روى عن أبي القاسم الميمون بن حمزة بن الحسين العلوي، بسنده إلى أبي هريرة، أنه قال: سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السماء انشقت " و" اقرأ باسم ربك ".

محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام

ولد سنة أربعٍ وثمانين وثلاث مئة، وتوفي محمد بن مكي سنة إحدى وستين وأربع مئة. محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام أبو زيد القرشي الأسدي قدم على عبد الملك بن مروان بعد مقتل عبد الله بن الزبير يطلب في ماله، وكان قبض مع ما قبض من أموال ابن الزبير، فأمر له بالكتاب في رده، وذكر ابن الزبير في الكتاب فقال: ما أصل، عن الكذاب فقال محمد: ليس مثلي يحمل شتم عمه؛ فأمر عبد الملك بمحو ذلك عنه. ولما دخل محمد بن المنذر على عبد الملك قال له يحيى بن الحكم: من صاحب يوم كذا؟ قال: أنا؛ فقال: من صاحب وقعة كذا؟ قال: أنا؛ قال: من صاحب وقعة كذا؟ قال: أنا؛ حتى عدد وقعاتٍ كل ذلك يقول محمد بن المنذر: أنا؛ قال يحيى: يا أمير المؤمنين، هذا الذي فعل بنا الأفاعيل؛ فقال محمد لعبد الملك: ردوا علي سيفي، وخذوا أمانكم، فلا حاجة لي به؛ قال عبد الملك: لا نفعل. وكان محمد بن المنذر يعدل بكثيرٍ من أعمامه أعيان بني الزبير مروءةً وشجاعةً ولساناً وجلداً. وكان محمد بن المنذر مع عبد الله بن الزبير بعد مقتل أبيه المنذر،

وكان من فرسانه المعدودين. وكان ابن الزبير بعد قتل مصعب يقول: إن يك مصعب قتل فهذا محمد بن المنذر. وكان عبد الله بن الزبير قد جعل محمد بن المنذر على قتال من جاء من المأزمين، وجعل حمزة بن عبد الله على قتال من جاء من المسعى، وجعل هاشم بن عبد الله على قتال من جاء من الردم، فقال في ذلك بعض أصحاب عبد الله بن الزبير: من الطويل جعلنا سداد المأزمين محمداً ... وحمزة للمسعى، وللردم هاشم حدث مصعب بن عثمان قال: كان زبيب الضبابي في نفرٍ من الضباب قد دفعوا إلى المدينة، فحبسوا في السجن حتى رثت حالهم، ثم أرسلوا، فخرجوا يسألون في الناس، حتى مروا بمحمد بن المنذر جالساً ببقيع الزبير، فقال: لا تسألوا أحداً؛ وأمر لهم بظهرٍ وكسوةٍ ورحالٍ ونفقةٍ، وكفاهم كل مؤونة حتى إنهم ليعطون السياط لرواحلهم؛ فقال زبيب الضبابي: من الطويل ألا أيها الناعي الندى ووراثة الن ... نبي وفتواه، عليك ابن الزبير عليك فتىً إن يصبح المجد غالياً ... يقم بالذي يغلوبه ثم يشتري قرى في حياض المجد حتى إذا ارتوى ... أمال الندى كالجدول المتفجر طوى البعد عنا حين حلت رحالنا ... بعوج الهوادي كالأهلة ضمر فذاك فتىً إن تأته تنل الغنى ... وإن تك أعمى يجل عنك فتبصر حراجيج يدنين الفتى من صديقه ... فأبنا كأنا عصبةٌ لم تؤسر

محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان

ويروى هذا: فراح الندى يهتز بين ثيابه ... ورحنا كأنا عصبةٌ لم تؤسر ركب سليمان بن عبد الملك وهو خليفةٌ، ومعه محمد بن المنذر وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بينهما، فجاء المطلب بن عبد الله على بغلةٍ ليدخل بين سليمان ومحمد بن المنذر، فيتوسط هو وسليمان، فضرب محمد بن المنذر وجه بغلة المطلب، فانقدعت؛ فقال المطلب: ألا ترى يا أمير المؤمنين ما يفعل بقية الفتنة ووضر السيف؟ فقال محمد: فتنةٌ كنت فيها تابعاً غير متبوعٍ، ذنباً غير رأسٍ؛ فقال المطلب: أنا ابن بنت الحكم؛ قال محمد: أدنأهن منكحاً، وأكثرهن مهراً، وأهونهن على أهلها؛ فالتفت سليمان إلى عمر فقال: ألا ترى محمداً يمدحنا بذمنا ويذمنا بمدحنا، فكل ذلك يجوز له عندنا. وكان محمد بن المنذر من سورات الناس، وأحكمهم، وأشرفهم، وكان إذا مر في الطريق أطفئت النيران تعظيماً له؛ يقولون: هذا محمد بن المنذر لا تدخنوا عليه؛ قال: وانقطع يوماً قبال نعله، فقال لرجله هكذا، فنزع الآخر ومضى، فتركهما ولم يعرج عليهما. وغاظه رجلٌ من آل خالد بن الزبير، فالتفت إليه فقال: ما قل سفهاء قومٍ قط إلا ذلوا. محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان ابن رجاء بن عبد الله بن العباس بن مرداس أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو جعفر السلمي الهروي، المعروف بشكر محدثٌ مشهورٌ، صاحب رحلةٍ وتصانيف.

محمد بن منصور بن محمد أبو النجيب

حدث عن محمد بن سفيان المصيصي، بسنده إلى جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعاطى السيف مسلولاً. حدث محمد بن المنذر الهروي، بسنده إلى سليمان بن موسى، قال: لقيت بشر الحافي ومعه شبابٌ، فقلت: من هؤلاء الشباب؟ فأشار إلي بيده، يريد أنهم أصحاب دعة؛ قال: فقلت له: سمعت قول الشاعر في مثلهم؟ فقال: وما قال؟ قلت: قال الشاعر: من الخفيف حال عما عهدت ريب الزمان ... واستحالت مودة الخلان واستوى الناس في الخديعة والمك ... ر فكل لشانه أثنان قل لمن يبتغي السلامة والصح ... حة: عش واحداً بلا إخوان ولعمري لئن بلوت أصح الن ... ناس وداً وجدت ذا ألوان وجه بر إذا لقيت وإن غب ... ت فوجهٌ يعض بالإنسان غير أني إذا ذكرت رجالاً ... غالهم بالمنون ريب الزمان كدت أقضي الحياة وجداً عليهم ... واشتياقاً وفاضت العينان قال بشر: من هؤلاء الذين مدحهم في آخر شعره؟ قلت: أصحاب البقيع، أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: صدقت؛ ثم شال يده من يدي، ثم مضى؛ فقال لي الشباب: ما حملك على هذا؟ قال: قلت لهم: الشيخ في ذات نفسه أحب إلي من سروركم. قال: وشكر، بفتح الشين المعجمة، وتشديد الكاف، والراء غير معجمةٍ، وتفسيره بالعربية: سكر. محمد بن منصور بن محمد أبو النجيب المراغي سمع بدمشق سنة ثمانٍ وثلاثين وأربع مئة.

محمد بن منصور بن نصر بن إبراهيم

حدث عن أبي جعفر مسلم بن علي بن الحسن العلوي، بسنده إلى أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " غلب درهمٌ مئة ألف درهمٍ؛ رجلٌ كان له مالٌ كثير فتصدق منه بمئة ألف درهمٍ، ورجلٌ كان له درهمان فتصدق بأحدهما ". محمد بن منصور بن نصر بن إبراهيم ويقال: ابن نصر بن منصور أبو بكر الأسواري، يعرف بابن أبي عيسى حدث عن أبي عقيل الخولاني، بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الملائكة صلت علي وعلى علي سبع سنين قبل أن يسلم بشرٌ ". وحدث عن محمد بن الفرج الهمداني، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا المنبر، يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ". محمد بن منصور الهاشمي الدمشقي حدث عن ابن بنت منيع البغوي؛ قال: أنشدني علي بن الجعد: من الطويل إذا ما ذكرنا من علي فضيلةً ... رمونا بها جهلاً بسب أبي بكر وهل يشتم الصديق من كان مؤمناً ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر

محمد بن المنكدر بن عبد الله

محمد بن المنكدر بن عبد الله ابن الهدير ابن محرز بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بنمرة أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر التيمي المدني حدث عن جابر، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، قال: " إذا هم أحدكم بالأمر، وأراد الأمر فليصل ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت نتعلم هذا الأمر تسمية بغيته خيراً لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي، وبارك لي فيه، وإن كنت تعلمه شراً لي مثل ذلك فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ". وحدث هو وجماعةٌ من أمثاله: خرجوا إلى الوليد، وكان أرسل إليهم يستفتيهم في شيءٍ، فكانوا يجمعون بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس. وكان الوليد بن يزيد استقدم محمد بن المنكدر الشام مع جماعةٍ من فقهاء المدينة يستفتيه في طلاق زوجته أم سلمة. قال صدقة بن عبد الله: جئت إلى محمد بن المنكدر وأنا مغضب، فقلت له: أنت أحللت للوليد بن يزيد أم سلمة؟ قال: أنا ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حدثني جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا طلاق لما لا تملك، ولا عتق لما لا تملك ".

كان المنكدر خال عائشة، فشكى إليها الحاجة، فقالت له: أول شيءٍ يأتيني أبعث به إليك؛ فجاءتها عشرة آلاف درهمٍ فبعثت بها إليه، فاشترى المنكدر جاريةً من العشرة آلاف، فولدت له محمداً وأخويه. وكان ابن المنكدر من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، وكان سفيان يقول: لم ندرك أحداً أجدر أن يقبل الناس منه إذا قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من محمد بن المنكدر؛ وكان ابن المنكدر هو الغاية في الإتقان والحفظ والزهد، وهو حجةٌ. قال سفيان: تعبد ابن المنكدر وهو غلام، وكانوا أهل بيت عبادةٍ. قال ابن بكير: محمد، وأبو بكر، وعمر، بنو المنكدر لا يدري أيهم أفضل قالت أم محمد بن المنكدر: يا بني، لو نمت، فقد طال سهرك فقال لها: يا أمه إني لأرى الليل قد أقبل فيهولني سواده، فأصبح ولم تنقض منه نهمتي بعد قال إبراهيم: رأيت محمد بن المنكدر يصلي في مقدم المسجد، فإذا انصرف مشى قليلاً ثم استقبل القبلة فمد يديه ودعا، ثم يمشي ثم ينحرف عن القبلة ويشهر يديه ويدعو؛ قال: كان يفعل ذلك حتى يخرج من المسجد فعل المودع. وكان ابن المنكدر ربما قام الليل يصلي، ويقول: كم من عين الآن ساهرةٍ في رزقي؛ وكان له جارٌ مبتلى، قال: فكان يرفع صوته من الليل يصيح، فكان محمد يرفع صوته بالحمد؛ فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة. كان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه ولحيته من دموعه، ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعاً مسته الدموع. وقال محمد: قال الله عز وجل: " نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة " قال: تأكله النار

حتى تبلغ فؤاده وهو حي؛ قال: وما لأهل النار راحةٌ غير العويل والبكاء. قال عباد المنقري: قرأت على محمد بن المنكدر آخر الزمر، فبكى الشيخ بكاءً غير متباكٍ؛ ثم قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر الزمر وهو على المنبر، فتحول المنبر من تحته مرتين. كان محمد بن المنكدر يجلس مع أصحابه، وكان يصيبه صماتٌ، فكان يقوم ويضع خده على قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يرجع، فعوتب في ذلك فقال: إنه يصيبني خطرةٌ، فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان يأتي موضعاً من المسجد في السحر، يتمرغ فيه، ويضطجع، فقيل له في ذلك، فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الموضع؛ أراه قال: في النوم. قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنةً حتى استقامت. وكان محمد بن المنكدر يستقرض ويحج؛ فقيل: أتستقرض وتحج؟ قال: نعم، أرجو قضاءها. وكان يحج كل سنةٍ، ويحج معه عددٌ من أصحابه؛ فبينا هو يوماً في منزلٍ من منازل مكة إذ قال لغلامٍ له: اذهب فاشتر لنا كذا؛ فقال الغلام: ما أصبح عندنا درهمٌ فما فوقه؛ قال: اذهب فإن الله يأتي به؛ قال: من أين؟ قال: سبحان الله؛ ثم رفع صوته بالتلبية، وكذا أصحابه الذين معه؛ وكان إبراهيم بن هشام قد حج تلك السنة، فسمع أصواتهم، فقال: ما هؤلاء؟ فقيل له: محمد بن المنكدر وأصحابه حجوا، ومحمد يحتمل مؤونتهم ويحملهم فقال: ما بد من أن يعان محمدٌ على هذا الذي يصنع؛ فبعث إليه بأربعة آلاف درهم من ساعته، فدفعها محمد إلى غلامه، وقال له: ألم أقل لك: اشتر لنا ما أمرتك فإن الله يأتي بهذا؟ وقد أتانا الله بما ترى.

قيل لمحمد بن المنكدر: أي الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل له: أي الدنيا أحب إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان. وكان إذا حج أخرج نساءه وصبيانه في الحج؛ فقيل: لم ذلك؟ فقال: أعرضهم لله عز وجل. وكان يحج وعليه دين، فقيل له في ذلك، فقال: هو أقضى للدين؛ يعني إذا حججت قضى الله عني ديني. وقال محمد بن المنكدر: لم يبق من لذة الدنيا إلا قضاء حوائج الإخوان. قال محمد بن المنكدر: لذة الدنيا قضاء حوائج الإخوان، وإدخال السرور على الناس، والتنفيس عن المكروب. بعث محمد بن المنكدر إلى صفوان بن سليم أربعين ديناراً ثم قال لبنيه: يا بني ما ظنكم برجلٍ فرغ صفوان لعبادة ربه كان محمد بن المنكدر قد ضاق، فبينا صفوان بن سليم يصلي في المسجد ينتظر الليل، أتاه آتٍ، فوضع على نعله خمسين ديناراً، فأخذها وحمد الله، وانصرف صفوان إلى بيته؛ فقال لمولاته سلامة: إن أخي محمداً أمسى مضيقاً، اذهبي إليه بهذه الدنانير، فإنه يكفينا أن نأخذ منها خمسةً أو أربعةً فقالت: الساعة؟ قال: نعم، إنك تجدينه الساعة في محرابه يسأل الله، يقول: ائتني بها من حيث شئت، وكيف شئت، وأنى شئت، فخرجت بستةٍ وأربعين ديناراً، أو بخمسةٍ وأربعين، فأتته بها، فوقفت تسمع، فإذا هو يقول: اللهم ائتني بها من حيث شئت وأنى شئت وكيف شئت من ساعتي هذه، يا إلهي؛ قالت: فدققت الباب عليه، فدفعتها إليه، فحمد الله على ذلك. قدم رجلٌ بمالٍ المدينة، فقال: دلوني على رجلٍ من قريش أعطيه هذا المال؛ فدلوه

على عمر بن المنكدر، فأعطاه، فأبى أن يقبله؛ فقال: هذا أبى، فمن بعده؟ فدلوه على أبي بكر بن المنكدر، فأعطاه فأبى أن يقبل؛ قال: فمن بعدهما؟ قالوا: محمد بن المنكدر؛ قال: فأتاه فأبى أن يقبل؛ فقال الرجل: يا أهل المدينة إن استطعتم أن يلدكم كلكم المنكدر فافعلوا. قال محمد بن المنكدر: بات أخي عمر يصلي الليل، وبت أغمز قدمي أمي، فما يسرني أن ليلتي ليلته. قال: ودخل أعرابي المدينة فرأى حال بني المنكدر، وموقفهم من الناس، وفضلهم، ثم خرج فسأله رجلٌ: كيف تركت أهل المدينة؟ قال: بخيرٍ، وإن استطعت أن تكون من آل المنكدر فكن. وكان محمد بن المنكدر يضع خده على الأرض، ثم يقول لأمه: يا أمه قومي ضعي قدمك على خدي. قال ابن المنكدر: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم، ويستخفون بك. قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن المنكدر: أي الخصال أوضع للمرء؟ قال: كثرة كلامه، وإذاعته أسراره، وثقته بكل أحدٍ. تبع محمد بن المنكدر جنازة رجلٍ كان يسفه بالمدينة، فعوتب في ذلك، وقيل له: أمثلك يحضر جنازة مثل هذا؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن يراني أرى رحمته عجزت عن أحدٍ من خلقه. قيل لمحمد بن المنكدر: أتصلي على فلان وكان لا يدع لله محرماً إلا انتهكه؟ فقال: إني لأستحيي من الله أني أرى أن رحمته لا تسع فلاناً. خرج قومٌ غزاةً، وخرج معهم محمد بن المنكدر، وكانت صائفةً؛ فبينا هم يسيرون في الساقة قال رجل منهم: أشتهي جنباً طرياً فقال محمد بن المنكدر: استطعموا الله يطعمكم، فإنه القادر؛ فدعا القوم فلم يسيروا إلا قليلاً حتى وجدوا مكتلاً مخيطاً، كأنما أتي

به من السيالة أو الروحاء، فإذا هو جبنٌ رطبٌ فقال بعض القوم: لو كان عسلاً؛ فقال محمد: إن الذي أطعمكم جبناً ها هنا قادرٌ على أن يطعمكم عسلاً، فاستطعموا؛ فدعا القوم، فساروا قليلاً فوجدوا فاقرة عسلٍ على الطرق؛ فنزلوا فأكلوا. استودع محمد بن المنكدر وديعةً، فاحتاج إليها، فأنفقها، فجاء صاحبها يطلبها، فقام فتوضأ وصلى، ثم دعا فقال: يا ساد الهواء بالسماء، ويا كابس الأرض على الماء، ويا واحد قبل كل أحدٍ كان، ويا واحد بعد كل أحدٍ يكون، أد عني أمانتي؛ فسمع قائلاً يقول: خذ هذه فأد بها عن أمانتك، واقصر في الخطبة فإنك لن تراني. أودع رجلٌ محمد بن المنكدر خمس مئة دينارٍ، فاستفقها محمد بن المنكدر، فقدم الرجل فجعل ابن المنكدر يدعو ويقول: اللهم إنك تعلم أن فلاناً أودعني خمس مئة دينارٍ، فاستنفقتها، وقد قدم وليست عندي، اللهم فاقضها عني ولا تفضحني؛ فسمع عامر بن عبد الله بن الزبير دعاءه، فصر خمس مئة دينارٍ، ووضعها بين يدي محمد بن المنكدر وهو مشغولٌ بالصلاة والدعاء لا يشعر، فانصرف محمد من صلاته، فرآها فأخذها؛ قال عامر: فخشيت أن يفتتن، فأخبرته بها وأخبرته بما خفت عليه من الفتنة. قال ابن المنكدر لأبي حازم: ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بخيرٍ وما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط؛ فقال أبو حازم: لا تظن أن ذلك من قبلك، ولكن انظر إلى الذي من قبله فاشكره. قال ابن زيد: كان المرهب الخبيث يتبدا لابن المنكدر فيما بينه وبين المنبر في المسجد، ويرعبه، فأصبح ذات يوم فأتى إلى أبي فقال: يا أبا أسامة، ألا أخبرك خبراً؛ إني رأيت الخبيث أتاني في النوم، فقاتلني فقاتلته، ثم إني أخذت بشعفةٍ في رأسه، فشقها الله بشقتين،

فرميت شقةً ها هنا وشقةً ها هنا، فأرجو أن يكون الله قد أعانني عليه؛ قال: فما رآه ابن المنكدر بعد ذلك. وقال محمد بن المنكدر: يا رب، أرني كيف الدنيا عندك حتى أعرفها؛ قال: فأتي في منامه، فقيل له: ابن المنكدر سألت الله أن يريك الدنيا كيف هي عنده، فإن هذا شيءٌ لا يكون أبداً. قال ابن المنكدر: أمحلنا بالمدينة إمحالاً شديداً، وتوالت سنون؛ قال محمد: فإني لفي المسجد بعد شطر الليل وليس في السماء سحابةٌ، وأنا في مقدم المسجد، فدخل أمامي متقنعٌ برداءٍ عليه، فأسمعته يلح في الدعاء، إلى أن سمعته يقول: أقسمت عليك أي رب قسماً، ويردده؛ قال: فما زال يردد هذا القسم: أقسم عليك أي رب من ساعتي هذه؛ قال: فوالله إن مشينا حتى رأيت السحاب يتألف، وما رأينا قبل ذلك في السماء قزعةً ولا شيئاً، ثم مطرت فسحت، فكانت السماء عزالي وأودع مطرٍ رأيته قط، فأسمعه يقول: أي رب لا هدم فيه ولا غرق ولا ملأ فيه ولا محق؛ قال: ثم سلم الإمام من الصبح، وتقنع الرجل منصرفاً، وتبعته حتى جاء زقاق اللبادين، فدخل في مسربةٍ له، فلما أصبحت سألت عنه، قالوا: هذا زياد النجار، هذا رجلٌ ليس له فراشٌ، إنما هو يكابد الليل صلاةً ودعاءً وهو من الدعائين، وكل عملٍ عمله أخفاه جهده؛ قال محمد بن المنكدر: فذكرت قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رب ذي طمرين خفي، لو أقسم على الله لأبره " قال محمد: فزارني بعد ذلك وخالني، فكره بعض ما ذكرت له، وقال: اطو هذا يا أبا عبد الله، فإنما جزاؤه عند الذي عملناه له؛ قال محمد بن المنكدر: فما ذكرته بعد أن نهاني باسمه؛ وقلت: رجل كذا، ليرغب راغبٌ في الدعاء ويعلم أن في الناس صالحين. وفي آخر بمعناه: وانصرف حتى أتى دار أنسٍ فدخل موضعاً، فأخرج مفتاحاً، ففتح ثم دخل؛ قال: ورجعت، فلما سبحت أتيته فإذا أنا أسمع نجراً في بيته، فسلمت، ثم قلت: أدخل؟ قال: ادخل؛ فإذا هو ينجر أقداحاً يعملها؛ فقلت: كيف أصبحت أصلحك

الله؟ فاستشهرها وأعظمها مني، فلما رأيت ذلك قلت: إني قد سمعت أقسامك البارحة على الله يا أخي، هل لك في نفقةٍ تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك، لا تذكرني لأحدٍ ولا تذكر هذا لأحدٍ حتى أموت، ولا تأتني يا بن المنكدر، فإنك إن تأتني شهرتني للناس؛ فقلت: إني أحب أن ألقاك؛ قال: القني في المسجد؛ وكان فارسياً، فما ذكر ذلك ابن المنكدر لأحدٍ حتى مات الرجل؛ قال: ثم انتقل من تلك الدار فلم ير ولم يدر أين ذهب، فقال أهل تلك الدار: الله بيننا وبين ابن المنكدر، أخرج عنا الرجل الصالح. قال محمد بن المنكدر: إن الله تعالى ليصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وداره، حتى يصل إلى الدويرات حوله، ما يزالون في حفظٍ من الله؛ وفي روايةٍ: ما يزالون في ستر الله وحفظه. قال ابن المنكدر: لو أن رجلاً صام الدهر لا يفطر، وقام الليل لا يفتر، وتصدق بماله، وجاهد في سبيل الله، واجتنب محارم الله، غير أنه يؤتى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق، في ذلك الجمع الأعظم بين يدي رب العالمين، فيقال: إن هذا عظم في عينيه ما صغر الله، وصغر في عينيه ما عظم الله، كيف ترى تكون حاله؟ فمن منا ليس هكذا الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا. قال ابن المنكدر: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل. اجتمعوا حول ابن المنكدر وهو يصلي، وكان رجلاً عابداً، فانصرف إليهم، فقال: قد أتعبتم الواعظين، إلى متى تساقون سوق البهائم قال ابن المنكدر: نعم العون على تقوى الله الغنى.

وعن محمد بن المنكدر: أنه جزع عند الموت، فقيل له: لم تجزع؟ قال: أخشى آيةً من كتاب الله، قال الله عز وجل: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " وإني أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب. وذكرت هذه الحكاية عن أحد أخوي محمد، أبي بكر أو عمر، وأنه قال: ما أبكي أن أكون أتيت شيئاً ركبته من معاصي الله عز وجل اجتراءً على الله سبحانه، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئاً أحسبه هيناً وهو عند الله عظيمٌ؛ قال: وبكى الآخر عند الموت، فقيل له مثل ذلك، فقال: إني سمعت الله عز وجل يقول لقومٍ: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " وأنا أنتظر ما ترون، والله ما أدري ما يبدو لي. جاء صفوان إلى محمد بن المنكدر، وهو في الموت، فقال: يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت فما زال يهون عليه وينجلي عنه، حتى لكأن في وجهه المصابيح؛ ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك؛ ثم قضى. توفي محمد بن المنكدر في خلافة مروان بن محمد، قالوا: سنة ثمانٍ وعشرين؛ وقيل: سنة ثلاثين ومئة؛ وقيل: سنة إحدى وثلاثين ومئة؛ وقيل: سنة ست وثلاثين ومئة. قال المنكدر بن محمد بن المنكدر: رأيت في منامي كأني دخلت مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا الناس مجتمعون على رجلٍ في الروضة، فقلت: من هذا؟ فقيل: رجلٌ قدم من الآخرة يخبر الناس عن موتاهم؛ فإذا الرجل صفوان بن سليم، والناس يسألونه وهو يخبرهم؛ وفي آخر: فأراني أهاب أن أسأله عن أبي لأني ما أدري ما يخبرني، فقال: أما ها هنا أحدٌ يسألني عن محمد بن المنكدر؟ وطفق الناس يقولون: هذا ابنه، هذا ابنه؛ ففرجت الناس فقلت: أخبرنا رحمك الله؛ قال: أعطاه الله من الجنة كذا، وأعطاه كذا، وأعطاه، وأرضاه، وأسكنه منازل في الجنة وبوأه، ولا طعن عليه ولا موت.

محمد بن منير بن محمد بن عنبسة

محمد بن منير بن محمد بن عنبسة ابن منير بن عبد الملك أبو جعفر المصري، مولى قريش حدث عن يونس بن عبد الأعلى، بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج عليهم يوماً، وفي وجهه البشر، فقال: " إن جبريل جاءني فقال لي: أبشرك يا محمد بما أعطاك الله عز وجل من أمتك، وما أعطى أمتك منك؛ من صلى عليك منهم صلاةً صلى الله عليه، ومن سلم عليك سلم الله عليه ". توفي أبو جعفر سنة تسعٍ وعشرين وثلاث مئة. محمد بن موسى بن حبشون أبو بكر المراغي ثم الطرسوسي، أمير الساحل حدث عن أبي نصر فتح بن أفلح، بسنده إلى جابر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رأيت على باب الجنة مكتوب: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، علي أخو رسول الله صلى الله عليهما ". وحدث عن محمد بن حصن بن خالد الألوشي، بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدقوا فإن في الصدقة فكاكاً من النار " وفي روايةٍ: " فكاكم من النار ". سمع سنة اثنتين وستين وثلاث مئة. محمد بن موسى بن عبد الله أبو عبد الله البلاساغوني، الترك، الحنفي، يعرف باللامشي القاضي حدث عن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني، بسنده إلى زيد بن ثابت، قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين يديه كاتبٌ يكتب، فسمعته يقول: "

محمد بن موسى بن فضالة

ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمالي ". ولي قضاء دمشق، وكان غالياً في مذهب أبي حنيفة، وهو الذي رتب الإقامة في جامع دمشق مثنى مثنى. كان أبو الحسن بن قبيس الفقيه يسيء الثناء على اللامشي القاضي ويذكر أنه كان يقول: لو كانت لي ولايةٌ لأخذت من أصحاب الشافعي الجزية وكان مبغضاً لأصحاب مالك أيضاً ولم تكن سيرته في القضاء محمودةٌ. توفي سنة ست وخمس مئة. محمد بن موسى بن فضالة ابن إبراهيم بن فضالة بن كثير بن عبد الله أبو عمر القرشي، مولى عبد العزيز بن مروان بن الحكم حدث عن أبي قصي إسماعيل بن محمد بن إسحاق الأصم، بسنده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيها الناس، إن لله سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر زاد في آخر: فاربعوا في رياض الجنة، قلنا: أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر اغدوا وروحوا في ذكر الله، وذكروه بأنفسكم، من كان يحب يعلم كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله تبارك وتعالى عنده، فإن الله ينزل العبد حيث أنزله من نفسه ". توفي أبو عمر سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.

محمد بن موسى بن محمد

محمد بن موسى بن محمد أبو عبد الله بن الفحام حدث سنة ست وعشرين وأربع مئة، عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر، بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صلى علي مرةً واحدةً كتب الله له بها عشر حسناتٍ ". وفي روايةٍ: " من صلى علي واحدةً يصلي الله عليه عشراً ". محمد بن موسى بن هارون أبو بكر العسكري حدث عن محمد بن عبد الأعلى بن محمد بن عبد الأعلى، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثةٌ لا تقبل لهم صلاةٌ؛ رجلٌ يؤم قوماً وهم له كارهون، ورجلٌ أتى الصلاة دبارا والدبار الذي يأتيها بعد الوقت ورجلٌ تعبد محررا ". محمد بن موسى أبو موسى مولى بني هاشم، البغدادي سمع منه أبو بكر الصولي سنة ثمانٍ وسبعين ومئتين. قال محمد بن موسى مولى بني المنتصر: كنت عند أحمد بن المدبر بدمشق، فقدم عليه عبد السلام ديك الجن، فأقام ببابه أياماً لا يصل إليه فكتب إليه رقعةً فيها من أبيات: من البسيط إني ببابك لا ود يقربني ... ولا نسيبي يعلو بي ولا نسبي

محمد بن أبي موسى

إن كان عرفك مذخوراً لذي حسبٍ ... فاشدد يديك على حر أخي حسب أو كان نيلك مذخوراً لذي نسبٍ ... فاضمم يديك فإني لست للعرب إني امرؤٌ نجدي في ذروتي شرفٍ ... لقيصرٍ ولكسرى مجتدي وأبي فإن تجد تجد النعما وتحظ بها ... وإن تضق لا يضق في الأرض مطلبي منها: ما شدة الحرص من شأني ولا طلبي ... ولا المكاسب من همي ولا أربي لكن نوائب تأتيني وحادثةٌ ... والدهر يطرق بالأحداث والنوب وليس يعرف لي قدري ولا حسبي ... إلا امرؤ كان ذا قدرٍ وذا حسب واعلم بأنك ما أسديت من حسنٍ ... عندي أبا حسنٍ أنقى من الذهب فلما قرأها فعده عني بما يحب، وأدخله إلي؛ وكتب في رقعةٍ: من السريع ما عندنا شيءٌ فنعطيه ... ولا يفي بالشكر شكريه فإن رضي بالشعر من شعره ... عارضت في حسنٍ قوافيه وإن يكن تقنعه دعوةٌ ... دعوت ربي أن يعافيه وإن رضي ميسور ما عندنا ... أمرت نجحا أن يغنيه قال: فأوصلتها إليه؛ فلما قرأها، قال: والله لأجعلن أمه حقاً؛ قال: فوعدته بما يحب، وأدخلته إلى أحمد، فأقام عنده، ووصله، وأحسن إليه. محمد بن أبي موسى حدث عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي موسى الأشعري، قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبيذ جر ينش، فقال: " اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ".

محمد بن المؤمل بن أحمد بن الحارث

وفي رواية: له نشيشٌ، فقال: " اضرب بهذا الحائط، وقال: إنما يشرب هذا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ". محمد بن المؤمل بن أحمد بن الحارث ابن عمرو ابن عبد الله بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن المؤمل أبو جعفر العدوي المؤملي سمع بدمشق وغيرها. حدث في مسجد الحرام وكان من كبار العقلاء عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن علية، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سجد في " إذا السماء انشقت " و" اقرأ باسم ربك " أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن أحمد بن محمد بن زرقان، بسنده إلى الحسين بن سعيد بن حسين الواسطي، قال: كنت عند الحسن جالساً فأتاه رجلٌ فقال: أخبرني عن الله عز وجل، يرى في الدنيا؟ قال: لا؛ قال: فيرى في الآخرة؟ قال: نعم؛ قال: فمن أين افترقا؟ قال: لأن الدنيا فانيةً فانٍ ما فيها، والآخرة باقيةٌ باقٍ ما فيها، فمحالٌ أن يرى الباقي بالفاني، فإذا كان يوم القيامة خلقت لهم أعين باقية فينظرون إلى الباقي بالباقي. توفي أبو جعفر العدوي سنة تسع وثلاث مئة بمكة، وكان ثقةً عالماً بالنحو واسع الرواية.

محمد بن مهاجر بن دينار

محمد بن مهاجر بن دينار ابن أبي مسلم الأنصاري مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، أخو عمرو بن مهاجر صاحب حرس عمر بن عبد العزيز. حدث عن عقيل بن شبيب، عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارثٌ وهمام، وأقبحها حربٌ ومرة ". وبه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها؛ أو قال: أكفالها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار ". وبه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عليكم بكل كميتٍ أغر محجلٍ، أو أدهم أغر محجلٍ ". وحدث عن أبيه، عن أسماء بنت يزيد، قالت: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا في جواري أتراب، فقال: " إياكم وكفر المنعمين " وكنت أجرأهن عليه مسألةً، فقلت: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال: " لعل إحداكن أن تطول أيمتها عند أبويها، ثم يرزقها الله ولداً، ثم تغضب الغضبة فتكفرها، فتقول: والله ما رأيت منك خيراً قط ". وحدث عن أبي سعيد خادم الحسن، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله قد باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في

محمد بن مهران بن أحمد بن محمد

أمته من يحدث، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فهو عمر " قيل: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: " تتكلم الملائكة على لسانه ". وحدث عن سليمان بن موسى، عن كريب، عن أسامة بن زيد، قال: سمعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر الجنة يوماً فقال: " ألا مشمر لها، هي ورب الكعبة ريحانةٌ تهتز ونورٌ يتلألأ، ونهرٌ مطردٌ، وزوجة لا تموت، في حبورٍ ونعيمٍ ومقام أبدٍ ". وفي حديث آخر: " ألا هل مشمر للجنة، فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نورٌ يتلألأ، وريحانةٌ تهتز، ونهرٌ مطردٌ، وقصرٌ مشيدٌ، وفاكهةٌ نضيجةٌ كثيرةٌ، وحللٌ كثيرةٌ، وزوجة حسناء جميلةٌ، في مقام أبدٍ، في حبرةٍ ونظرةٍ ونعمةٍ، في دارٍ عاليةٍ سليمةٍ بهيةٍ " قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله، قال: " قولوا: إن شاء الله " قال: ثم ذكر الجهاد وحض عليه. مات محمد بن مهاجر سنة سبعين ومئة؛ وكان ثقةً متقناً. محمد بن مهران بن أحمد بن محمد ابن مهران أبو عبد الله الجوني، يعرف بشيخ الإسلام قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة. روى عن أبي بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور، بسنده إلى ابن عمر قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ يعظ أخاه في الحياء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء من الإيمان ". وحدث عن أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات ".

محمد بن ميمون

محمد بن ميمون ويقال: ميمون بن عياش بن الحارث الغطفاني التغلبي، جد أحمد بن أبي الحواري حدث أحمد بن أبي الحواري، عن أبيه، عن جده أنه رأى موضع أركان قبة مسجد دمشق، وقد بلغت الماء. محمد بن نجيح أبو جعفر أحد الزهاد قال أبو جعفر: كنت أماشي بعض عباد أهل البصرة، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الشام؛ قال: فأقرئ عباد أهل الشام مني السلام، وأعلمهم، أو قال: قل لهم: اعلموا أن عمال الرحمن لو لم تكن لهم الجنة داراً، كانوا في الدنيا أحرارا. محمد بن نصر بن أحمد أبو طاهر الغرابيلي الموصلي قدم دمشق حاجاً وحدث عن أبي الحسن محمد بن علي بن سليمان بن نخشل، الشيخ الصالح بالموصل، بسنده إلى أبي أمامة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها، ويقال له يوم القيامة: اقرأ وارقه بكل آيةٍ درجةً حتى ينجز ما معه من القرآن، ثم يقال له: اقبض، فيقبض بيده، ثم يقال له: اقبض، فيقبض، ثم يقال له: هل يدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم ".

محمد بن نصر بن إبراهيم

محمد بن نصر بن إبراهيم أبو علي السجزي الصوفي المعروف بالكيال حدث بدمشق روى عن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان النوقاتي؛ بسنده إلى نافع أبي هرمز، قال: أكريت ابن سيرين إلى مكة، فأتاني نفرٌ فأكريتهم، فقال: قد اكتريتم؟ قالوا: نعم؛ قال: فدعا لهم، بارك الله لكم؛ ثم قال لهم: لي إليكم حاجتان؛ قالوا: وما هما يا أبا بكر؟ قال: أكون مؤذنكم ولا أكون إمامكم، وسفرتي توضع أول سفركم. محمد بن نصر بن صغير بن خالد أبو عبد الله القيسراني شاعرٌ مكثرٌ، وتولى إدارة الساعات التي على باب الجامع، وسكن فيها مدةً؛ فمن شعره: من مجزوء الرمل من لقلبٍ بألف الفكرا ... ولعينٍ ما تذوق كرى ولصب بالغرام قضى ... ما قضى من وصلكم وطرا ويح قلبي من هوى قمرٍ ... أنكرت عيني له القمرا حالفت أجفانه سنةٌ ... قتلت عشاقه سهرا ومن شعره في أبي الحسين: من الكامل أشجى سيوف الهند أم عيناك ... وجنى جني الورد أم خداك يا ربة المغنى الذي غادرته ... قفراً وصيرت الحشا مغناك

محمد بن نصر بن عبد الرحمن

جودي بمأمول النوال فإنني ... أصبحت مفتقراً إلى جدواك وأراك يغشاني خيالك في الكرى ... أترى خيالي في الكرى يغشاك حجبوك أم حجبو الحياة فإنني ... ميتٌ أرى حياً غداة أراك ولقد رميت فما أصابت أسهمي ... ورميتني فأصابني سهماك وعلقت في أشراككم فاصطدتني ... وتعطلت عن صيدكم أشراكي وأعرت جمي من جفونك سقمها ... فتحمكت في مهجتي عيناك ولقد مللت قياد قلبي طائعاً ... وفتكت فيه بلحظك الفتاك إني أحلا عن موارد لم تزل ... مبذولة السقيا لعود أراك ردي الوصال على قتيل صبابةٍ ... ما كان يسلم نفسه لولاك سيعود منك إذا تراكمت المنى ... بأبي الحسين لعله يلقاك بفتىً يجير المستجير إذا عرى ... إذ كان لا يحمي اللهيف حماك يلقى المعبس من صروف زمانه ... بطلاقة المتهلل الضحاك يتصرف العافون في أمواله ... قبل السؤال تصرف الملاك ولد أبو عبد الله سنة ثمانٍ وسبعين وأربع مئة بعكا، ونشأ بقيسارية، وتوفي سنة ثمانٍ وأربعين وخمس مئة. محمد بن نصر بن عبد الرحمن أبو جعفر الهمداني، يعرف بمموس القطان سمع بدمشق وغيرها. حدث عن عبد الله بن ذكوان، بسنده إلى ابن عباس، قال: لما عزي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بابنته رقية امرأة عثمان بن عفان، قال: " الحمد لله، دفن البنات من المكرمات ".

محمد بن نصر أبو عبد الله

وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبوا علي من سبع قربٍ من آبارٍ شتى، حتى أخرج إلى الناس وأعهد إليهم " قال: فخرج عاصباً رأسه، حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله " فلم يلقنها إلا أبو بكر، فبكى، وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، أفضل الناس عندي في الصحبة وذات اليد ابن أبي قحافة، انظروا هذه الأبواب الشوارع من المسجد فسدوها، إلا ما كان من باب أبي بكر، فإني رأيت عليه نوراً ". قال المصنف: في هذا الحديث وهمٌ فظيعٌ؛ فإن معاوية لم يرو هذا الحديث، وإنما رواه أيوب بن النعمان أحد بني معاوية مرسلاً، فظن الطبراني أن: أحد بني معاوية؛ حدثني معاوية؛ فغير حدثني بسمعت، ونسب معاوية إلى أبي سفيان والصواب فيه ما روي عن أيوب بن بشير بن النعمان بن أكال الأنصاري، أحد بني معاوية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صبوا علي من سبع قربٍ من آبارٍ شتى حتى أخرج إلى الناس وأعهد إليهم " فخرج إليهم عاصباً رأسه، حتى ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر قتلى أحد فصلى عليهم فأكثر الصلاة، ثم قال: " يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون وإن الأنصار على حالها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله " الحديث. محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي الفقيه أحد الأئمة المشهورين والمصنفين. سمع بدمشق وغيرها.

حدث عن عبد الأعلى بن حماد الزينبي، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأول رجلٍ ذكرٍ ". ولد محمد بن نصر المروزي سنة اثنتين ومئتين ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل إلى سائر الأمصار في طلب العلم؛ وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، ولو لم يصنف إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس، فكيف وقد صنف كتباً سواه؟ قال أبو محمد الثقفي: سمعت جدي يقول: جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول المدة يتكلم في غير العلم، إلا أني حضرته يوماً، وقيل له عن ابنه إسماعيل، وما كان يتعاطاه: لو وعظته أو زبرته؛ فرفع رأسه وقال: أنا لا أفسد مروءتي بصلاحه. قال أبو بكر أحمد بن إسحاق: ما رأيت أحسن صلاةً من أبي عبد الله، فلقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه ولم يتحرك. قالوا: وكان يضع ذقنه على صدره فينصب كأنه خشبةٌ منصوبةٌ، وكان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه، وكان من أحسن الناس خلقاً، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء. كان إسماعيل بن أحمد والي خراسان يصل محمد بن نصر في كل سنةٍ بأربعة آلاف درهمٍ، ويصله أخوه إسحاق بن أحمد بأربعة آلاف درهم، ويصله أهل سمرقند بأربعة آلاف درهمٍ، فكان ينفقها من السنة إلى السنة، من غير أن يكون له عيال؛ فقيل له: لعل هؤلاء الذين يصلونك يبدو لهم، فلو جمعت من هذا لنائبةٍ؟ فقال: يا سبحان الله، أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنةً، فكان قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرين درهماً فترى إن ذهب هذا لا يبقى ذاك؟

محمد بن نصر الدمشقي

قال محمد بن نصر: خرجت من مصر ومعي جاريةٌ لي، فركبت البحر أريد مكة، فغرقت، فذهب مني ألفا جزءٍ، وصرت إلى جزيرةٍ أنا وجاريتي، فما رأينا فيها أحداً، وأخذني العطش، فلم أقدر على الماء، وأجهدت، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلماً للموت، فإذا رجلٌ قد جاءني، ومعه كوزٌ فقال: هاه، فأخذت فشربت، وسقيت الجارية، ثم مضى، فما أدري من أين جاء ولا إلى أين ذهب قال الأمير بن إسماعيل بن أحمد: كنت بسمرقند، فجلست يوماً للمظالم، وأخي إسحاق إلى جنبي، إذ دخل محمد بن نصر فقمت له إجلالاً لعلمه، فلما خرج عاتبني أخي إسحاق وقال: أنت والي خراسان، يدخل عليك رجلٌ من رعيتك، فتقوم له فبهذا ذهاب السياسة؛ فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب بذلك، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، كأني واقفٌ مع أخي إسحاق، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضدي فقال لي: " يا إسماعيل ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك لمحمد بن نصر " ثم التفت إلى إسحاق فقال: " ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه لمحمد بن نصر ". توفي محمد بن نصر سنة أربعٍ وتسعين ومئتين، وقيل: سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة؛ وهو وهمٌ. محمد بن نصر الدمشقي قال: سمعت أبا إسحاق الرملي، يقول: كان عندنا رجلٌ يشير إلى الحقائق ويلحقه الوجد مع كل لحظةٍ ولفظةٍ، ثم غلب على عقله وخولط، فجعل يدور في المقابر ويدخل المدينة فيأخذ القوت ويخرج هارباً بين المقابر ويردد: من مخلع البسيط قد ضل عقلي وذاب جسمي ... وصنت عهدي وخنت عهدك لو قلت للنار: عذبيه ... إذ ابتلاني، أخفرت وعدك لصرت في قعرها أنادي: ... إياك أبغي، إياك وحدك

محمد بن نصر ويقال ابن نصير

محمد بن نصر ويقال ابن نصير أبو صادق الطبري سمع بدمشق. وحدث بصيدا عن محمد بن سعيد التستري، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وصمتها إقرارها ". محمد بن نصر أبو طاهر الأسبيجاني الخطيب قدم دمشق حاجاً. وحدث بها في سنة تسعٍ وثلاثين وأربع مئة، عن أبي نصر أحمد شاه المروزي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها رحماؤها، ألا وإن الله تعالى ليغفر للعالم أربعين ذنباً قبل أن يغفر للجاهل ذنباً واحداً، ألا وإن العلم يجيء يوم القيامة كأن نوره آضا شيءٍ، مشى فيه ما بين المشرق والمغرب ". محمد بن أبي نصر أبو بكر المروذي الصوفي سكن دمشق. وحدث في جامعها سنة إحدى وستين وأربع مئة، عن أبي نصر عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب، بسنده إلى الجنيد، قال: وسئل الخليل بن أحمد عن التزهد، فقال: لا تطلب المفقود حتى تتفقد الموجود. وبه، قال: الجلوس مع الأضداد حمى الروح.

محمد بن النضر بن مر بن الحر

وبه، قال: وسئل عن الفتوة، فقال: استعمال كل خلقٍ سني، والتبري من كل خلق دني، وأن تعمل ولا ترى أنك عملت. محمد بن النضر بن مر بن الحر أبو الحسن الربعي المقرئ، المعروف بابن الأخرم الدمشقي كان الإقراء صنعته مع جلالة قدره، وواسع ما يحفظه من التفسير ومعاني القراءات، إلى ما كان يعلمه من العربية في وجوه القراءات، وكان يذاكر بذلك من يذاكره، ويبتدئ بما خطر له منه من حضره، وإن لم يسأله عن شيء منه رغبةً في تعليم العلم، مع حسن خلقه، وتواضعه، وانبساطه، وإعانته من يقرأ عليه بالإشارات بيده وفيه، مرةً إلى الضم، ومرةً إلى الفتح، ومرةً إلى الكسر، ومرةً إلى الإدغام، ومرةً إلى الإظهار، بإشاراتٍ عرفت منه. وتوفي سنة إحدى وأربعين، أو سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة، وكان اليوم الذي مات فيه صائفاً، وصعدت غمامةً على جنازته من المصلى إلى قبره، وكانت له رحمه الله شبه الآية. محمد بن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري حدث عن أبيه، أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ " فقال: لا؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فارجعه ". ومحمد بن النعمان مدني تابعي ثقةٌ.

محمد بن النعمان بن بشير السقطي

محمد بن النعمان بن بشير السقطي أبو عبد الله السقطي أصله من نيسابور، وسكن بيت المقدس. حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عبد الله بن محصن، أن له عمةً دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض الحاجة، فقضت حاجتها، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أذات زوجٍ أنت؟ " قالت: نعم؛ فقال: " كيف أنت له؟ " فقالت: ما ألوه إلا ما عجزت عنه؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبصري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك ". توفي السقطي سنة ثمانٍ وستين ومئتين. محمد بن النعمان بن نصير ويقال: نصر ابن النعمان بن يحيى بن مالك أبو بكر العنسي إمام جامع صور. حدث في سنة سبعٍ وأربعين وثلاث مئة، بسنده إلى داود بن عجلان، قال: طفت مع أبي عقالٍ في مطرٍ، فلما فرغنا من طوافنا قال: ائتنفوا العمل، فإني طفت مع أنس بن مالك في مطرٍ، فلما فرغنا من طوافنا، قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتنفوا العمل فقد غفر لكم ". حدث أبو بكر هذا بصور في سنة ثلاثٍ وخمسين وثلاث مئة.

محمد بن أبي نعيم بن علي

وحدث عن أبي عبد الملك الحراني، بسنده، أن عمر بن الخطاب قال: ويلٌ لديان من في الأرض من ديان من في السماء، إلا من أم العدل، وقضى بالحق، ولم يقض على رغبٍ ولا رهبٍ ولا قرابةٍ، وجعل كتاب الله مرآةً بين عينيه. محمد بن أبي نعيم بن علي ابن منصور أبو عبد الله النسوي الشافعي المقرئ، المعروف بالبويطي حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، بسنده إلى عائشة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مثل الماهر بالقرآن مثل السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأه وهو عليه شاق ويتعاهده له أجران ". توفي أبو عبد الله محمد بن أبي نعيم سنة تسعين وأربع مئة، وذكر أنه ولد في سنة أربع وتسعين وثلاث مئة بنسا. محمد بن نوح بن عبد الله ويقال: ابن أحمد أبو الحسن الجنديسابوري حدث عن أبي الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف، وإن فيهم الكبير، وإن فيهم السقيم، وإذا صلى وحده فليطل ما شاء ".

محمد بن النوشجان أبو جعفر البغدادي

سئل الدارقطني عن محمد بن نوح، فقال: هو ثقةٌ مأمون، وكان أسوأ خلقاً من أن يكون غير ثقةٍ. توفي في سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. محمد بن النوشجان أبو جعفر البغدادي المعروف بالسويدي لقب بذلك لأنه رحل إلى سويد بن عبد العزيز قاضي بعلبك، فسمع منه. حدث عن أبي الربيع سليمان بن عتبة الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يدخل الجنة عاق ولا مؤمن بسحرٍ ولا مدمن خمرٍ ولا مكذبٌ بقدر ". وحدث عن الدراوردي، بسنده إلى أبي واقد الليثي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأزواجه في حجة الوداع: " هذه ثم الزموا ظهور الحصر ". محمد بن وارد أبو خلاد الحميري الفلسطيني كان أقرأ بالباب من بلاد الترك. قال معاذ بن رفاعة السلامي: كنت مع أبي خلاد بالباب، فكنا ندرس معه القرآن جميعاً، ثم لا نسجد حتى يمكن الركوع، قال: وكنا نقرأ عليه بعد فراغنا من الدراسة رجلاً رجلاً، ثم لا نسجد حتى يمكن الركوع، قال: من قرأ منكم بسجدةٍ فليقرأها؛ فنقرأهن، ثم يسجد بنا جميعاً سجدةً واحدةً.

محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس

محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس ابن عايد بن خارجة بن زياد بن شمس، من ولد عمرو بن نصر بن الأزد أبو عبد الله؛ ويقال: أبو بكر الأزدي البصري قال محمد بن واسع: قدمت مكة فلقيت بها أخي سالم بن عبد الله، فحدثني عن أبيه، عن جده، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قديرٌ؛ كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة " قال: فقدمت خراسان فلقيت قتيبة بن مسلم، فقلت: إني أتيتك بهديةٍ، فكان يركب في موكبه فيأتي السوق، فيقولها، ثم يرجع. قال عبد الواحد بن زيد: خرجت أنا، ومحمد بن واسع، ومالك بن دينار، نؤم بيت المقدس، فلما كنا بين الرصافة وحمص سمعنا منادياً ينادي بين تلك الرمال: يا محفوظ، يا مستور، اعقل في ستر من أنت، فإن كنت لا تعقل فاحذر الدنيا، وإن كنت لا تحسن أن تحذرها فاجعلها شوكةً، وانظر أين تضع رجلك. وكان أبو عبد الله أحد المعدودين في العبادة ممن يستنصر به ويرجى مشهده، وكان غزا مع قتيبة بن مسلم، فأصابتهم شدةٌ حتى خافوا الهلاك، فقال قتيبة: انظروا محمد بن واسع؛ فطلب فوجدوه في صحراء، قائماً على ركبتيه يدعو ويشير بأصبعه، فأخبر قتيبة بذلك، فقال قتيبة: احملوا على القوم، فإن الله لا يضيع جيشاً فيهم محمد؛ فقال بعض رؤساء العسكر: إنا لم نر عند هذا الرجل الذي طلبت كثير قوةٍ، إنما كان يدعو ويشير بأصبعه؛ فقال: لأصبعه الذي أشار أحب إلي من ألف فارسٍ.

قال أبو جعفر جبير: رأى رجلٌ من أهل البصرة كأن منادياً ينادي من السماء: خير رجلٍ بالبصرة محمد بن واسع. قال صالح المري: قال لي مالك بن دينار: اغد علي يا صالح إلى الجبان، فإني قد وعدت نفراً من إخواني بأبي جهير مسعود الضرير، نسلم عليه؛ قال صالح المري: وكان أبو جهيرٍ هذا رجلاً قد انقطع إلى زاويةٍ يتعبد فيها، ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم جمعة وقت الصلاة، ثم يرجع من ساعته؛ قال: فغدوت لموعد مالك، وإذا معه محمد بن واسع وثابت البناني وحبيب، فلما رأيتهم قلت: هذا يوم سرورٍ؛ فانطلقنا نريد أبا جهير، فكان مالك إذا مر بموضعٍ نظيفٍ قال: يا ثابت صل ها هنا لعله أن يشهد لك غداً؛ فكان ثابت يصلي، ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى موضعه، فسألنا عنه فقالوا: الآن يخرج إلى الصلاة؛ فخرج رجلٌ إن شئت قلت: قد نشر من قبره، فوثب رجلٌ فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد، فأذن ثم أمهل يسيراً، ثم دخل المسجد فصلى ما شاء الله، ثم أقام الصلاة، فصلينا معه، فلما قضى صلاته جلس كهيئة المهموم، فتوافر القوم في السلام عليه، فتقدم محمد بن واسع فسلم عليه، فرد عليه والسلام، فقال: من أنت؟ لا أعرف صوتك؛ قال: أنا من أهل البصرة؛ قال: ما اسمك، يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن واسع؛ قال: مرحباً وأهلاً، أنت الذي يقول هؤلاء القوم وأومى بيده إلى البصرة: إنك أفضلهم؟ لله أنت إن قمت بشكر ذلك، اجلس؛ فجلس؛ فقام ثابت البناني، فسلم عليه فرد عليه السلام، وقال: من أنت، يرحمك الله؟ قال: أنا ثابت البناني قال: مرحباً بك يا ثابت، أنت الذي يزعم أهل هذه القرية أنك من أطولهم صلاةً؟ اجلس، ولقد كنت أتمناك على ربي؛ فقام إليه حبيب أبو محمد، فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال: من أنت، يرحمك الله؟ قال: أنا حبيب أبو محمد؛ فقال: مرحباً بك يا أبا محمد، أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئاً إلا أعطاك؟ فهلا سألته أن يخفي لك ذلك؟ اجلس يرحمك الله؛ وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه؛ فقام إليه مالك بن دينار،

فسلم عليه، فرد عليه؛ وقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا مالك بن دينار؛ قال: بخٍ بخٍ، أبو يحيى، إن كنت كما يقولون أنت الذي يزعم هؤلاء القوم أنك أزهدهم؟ اجلس، فالآن تمت أمنيتي على ربي في عاجل الدنيا؛ قال صالح: فقمت إليه لأسلم عليه؛ وأقبل على القوم، فقال: انظروا كيف تكونون غداً بين يدي الله في مجمع القيامة؛ قال: فسلمت عليه، فرد علي؛ فقال: من أنت يرحمك الله؟ قلت: أنا صالح المري؛ قال: أنت الفتى القارئ، أنت أبو بشر؟ قلت: نعم؛ قال: اقرأ يا صالح، فلقد كنت أحب أن أسمع قراءتك؛ قال صالح: فحضرني والله ما كنت قد فقدته، فابتدأت فقرأت، فما استتممت الاستعاذة حتى خر مغشياً عليه، ثم أفاق إفاقةً فقال: عد في قراءتك يا صالح، فإني لم أقطع نفسي منها؛ قال صالح: ورأيت شيئاً عجباً لم أره من أحدٍ من المتعبدين؛ كان إذا سمع القرآن فتح فاه؛ قال: فعدت فقرأت: " " وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً " فصاح صيحةً، ثم انكب لوجهه، وانكشف بعض جسده، فجعل يخور كما يخور الثور، ثم هدأ، فدنونا منه ننظر فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبةٌ؛ فخرجنا فسألنا: هل له أحدٌ؟ قالوا: عجوزٌ تخدمه تأتيه الأيام؛ فبعثنا إليها فجاءت فقالت: ما له؟ قلنا: قرئ عليه القرآن فمات قالت: حق له، من ذا الذي قرأ عليه؟ لعله صالح القارئ؟ قلنا: نعم، وما يدريك من صالح؟ قالت: لا أعرفه غير أني كثيراً ما كنت أسمعه يقول: إن قرأ علي صالح قتلني قلنا: هو الذي قرأ عليه؛ قالت: هو الذي قتل حبيبي؛ فهيأناه ودفناه، رحمه الله. كان محمد بن واسع إذا صلى المغرب يلتزق بالقبلة يصلي؛ فحدث خياطٌ قريبٌ منه قال: كان يقول في دعائه: أستغفرك من كل مقام سوءٍ، ومقعد سوءٍ، ومدخل سوءٍ، ومخرج سوءٍ، وعمل سوءٍ، وقول سوءٍ، ونبز سوءٍ، أستغفرك منه فاغفر لي، وأتوب إليك منه فتب علي، وألقي إليك بالسلام قبل أن يكون لزاماً. قال مالك بن دينار: القراء ثلاثةٌ، قارئٌ للدنيا، وقارئٌ للرحمن عز وجل، وقارئٌ للملوك وأبناء الملوك؛ وإن محمد بن واسع من قراء الرحمن.

حدث جليس لوهب بن منبه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى النائم، فقلت له: يا رسول الله أين الأبدال من أمتك؟ فأوحى بيده قبل الشام؛ فقلت: يا رسول الله: أما بالعراق منهم أحد؟ قال: " بلى، محمد بن واسع ". قال مطر: لا نزال بخيرٍ ما بقي لنا أشياخنا مالك وثابت وابن واسع. قال عبد الواحد بن زيد: كنت جالساً مع ثابت ومالك وأبان وحوشب وفرقد، فذكروا العذاب وما يخافون من قربه ونزوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل محمد بن واسع، فقال بعضهم لبعض: ما ذام هذا بين أظهركم فإنا نرجوه. قال جعفر بن سليمان: كنت إذا أحسست من قلبي قسوةً أتيت محمد بن واسع، فنظرت إليه نظرةً؛ قال: فكنت إذا رأيت وجهه رأيت وجه ثكلى؛ وسمعته يقول: أخوك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه. قيل لمحمد بن واسع: لم لا تجلس متكئاً؟ قال: تلك جلسة الآمنين وقيل لمحمد: إنك ترضى بالدون فقال: إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا. قال رجلٌ لمحمد بن واسع: إني لأحبك لله؛ قال: أحبك الذي أحببتني له، اللهم إني أعوذ بك أن أحب لك وأنت لي مبغضٌ. قال أبو الطيب موسى بن سيار: صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة، فكان يصلي الليل أجمع في المحمل جالساً يومئ برأسه إيماءً؛ وكان يأمر الخادم يكون خلفه، ويرفع صوته حتى لا يفطن له؛ وكان ربما عرس من الليل، فينزل فيصلي، فإذا أصبح أيقظ أصحابه رجلاً رجلاً، يجيء إليه فيقول: الصلاة الصلاة، فإذا قاموا قال لنا: إن كان الماء قريباً فتوضؤوا، وإن كان الماء فيه بعدٌ وفي الماء الذي معكم قلةٌ فتيمموا، وأبقوا هذا للشفه.

وكان محمد بن واسع يصوم الدهر ويخفي ذلك. مر محمد بن واسع بقومٍ فقالوا: إن هذا أزهد من في الدنيا؛ فقال محمد لهم: وما قدر الدنيا حتى يحمد من زهد فيها. قال محمد بن واسع: كل يومٍ منا إلى الموت منقلة؛ وسمع قوماً يقولون: مات فلان وترك الدنيا؛ قال: لقد أعظم هؤلاء الدنيا وما ترك. أريد محمد بن واسع على القضاء، فأبى، فعاتبته امرأته، فقالت: لك عيالٌ وأنت محتاجٌ؛ قال: ما دمت ترينني أصبر على الخل والبقل فلا تطمعي في هذا مني. قال رجل لمحمد بن واسع: أوصني؛ قال: أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة؛ فقال الرجل: وكيف أكون ملكاً؟ قال: أزهد في الدنيا. قال مالك بن دينار: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافاً، فيقنع به؛ قال محمد بن واسع: أغبط من ذلك عندي من يصبح جائعاً ويمسي جائعاً وهو عن الله راضٍ. قال ابن شوذب: قسم أميرٌ من أمراء البصرة على قراء أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار، فقبل، فأتى محمد بن واسع فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان؟ قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي؛ فقالوا: يا أبا بكر اشترى بها رقاباً فأعتقهم؛ فقال له محمد: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان عليه قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا؛ قال: أترى أي شيءٍ دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالكٌ حمارٌ حمارٌ، إنما يتعبد الله مثل محمد بن واسع.

قال محمد بن واسع: إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله تبارك وتعالى أقبل الله إليه بقلوب المؤمنين. وقال محمد بن واسع: يكفي من الدعاء الورع اليسير، كما يكفي القدر من الملح. دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم بخراسان، وعليه جبة صوفٍ، فقال له قتيبة: ما يدعوك إلى لبس هذه؟ فسكت؛ فقال قتيبة: أكلمك فلا تجيبني؟ فقال: أكره أن أقول: زهداً؛ فأزكي نفسي أو: فقراً؛ فأشكو ربي. وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال: قريباً أجلي، بعيداً أملي، سيئاً عملي. قال محمد بن واسع: ليس أحدٌ أفضل من أحدٍ إلا بالعاقبة، ولو اكن للذنوب ريحٌ ما جلس إلينا أحدٌ. قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت موفوراً بالنعم، ورب يتحبب إلينا بالنعم، وهو عنا غني ونتبغض إليه بالمعاصي ونحن إليه فقراء. كان بين ابن محمد بن واسع وبين رجلٍ شيءٌ، فشكاه إلى أبيه، فأرسل محمد إلى ابنه فقال له: وأي بني أنت؟ والله ما اشتريت أمك إلا بثلاث مئة درهم وما أبوك فلا كثر الله في المسلمين مثله. قال سعيد ابن عامر: ونحن نقول: كثر الله في المسلمين مثله. قال محمد بن واسع: ما بقي من لذة الدنيا إلا الصلاة في الجماعة ولقاء الإخوان. قال محمد بن واسع: لم يبق من العيش إلا ثلاث خصالٍ؛ مجالسة رجلٍ عاقلٍ تصيب في مجالسته خيراً، إن زغت عن الطريق قومك؛ وكفافٌ من المعيشة ليس لله عليك فيه تبعةٌ، ولا لأحدٍ عليك فيه منةٌ؛ وصلاة جماعةٍ تكفي سهوها وتستوجب فضلها.

وقال محمد: إن من الناس ناساً غرهم الستر وفتننهم الثناء، فإن قدرت أن لا يغلب جهل غيرك بك علمك بنفسك فافعل. قال واصل مولى أبي عيينة: كنت مع محمد بن واسع بمرو، فأتاه عطاء بن مسلم ومعه ابنه عثمان؛ فقال عطاء لمحمد: أي عملٍ في الدنيا أفضل؟ قال: صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان إذا اصطحبوا على البر والتقوى فحينئذٍ يذهب الله بالخلاف من بينهم، ولا خير في صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان، إذا كانوا عبيد بطونهم، لأنهم إذا كانوا كذلك ثبط بعضهم بعضاً عن الآخرة. قال عطاء: يا أبا عبد الله بينا أنا قائمٌ أصلي وأنا غلامٌ إذ أتاني رجلٌ على فرسٍ؛ فقال: يا غلام، عليك بالبر والتقوى فإن البر والتقى يهديان إلى الإيمان، وإياك والكذب والفجور، فإن الكذب والفجور يهديان إلى النار؛ ثم قال: يا بن أخي اصحب أولياء الله فإن أولياء الله هم الألباء العقلاء الحذرون المسارعون في رضوان الله المراقبون الله، فإذا رأيت أهل هذه الصفة فاقرب منهم، فهم أولياء الله؛ فقلت: كيف أعرف أهل النفاق والكذب والفجور؟ قال: أولئك قومٌ إذا رأيتهم يأباهم قلبك، ولا يقبلهم عقلك، إذا سمعت كلامهم سمعت كلاماً خلو الإرادة، ولا منفعة له، وإياك أن تصحب أهل الخلاف؛ قلت: ومن أهل الخلاف؟ قال: المفارقون للسنة والكتاب؛ أولئك عبيد أهوائهم، تراهم مصطحبين وقلوبهم تلعن بعضهم بعضاً، فاحذر هؤلاء واجتنبهم، وعليك بالصلاة، وانته عن محارم الله، وتقرب إلى الله بالنوافل، فإنك إذا كنت كذلك كنت شاكراً عالماً غنياً؛ ثم التفت فلم أر شيئاً. مر محمد بن واسع بعثمان البتي فقال: إن هذا يقول فيه أهل البصرة منذ أربعين سنة: إنه خيرهم، وما وقر في قلبه من ذلك شيءٌ.

قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدنانير والدراهم. كتب محمد بن واسع إلى رجلٍ من إخوانه: سلامٌ عليك، أما بعد؛ فإن استطعت أن تبيت حين تبيت وأنت نقي الكف من الدم الحرام، خميص البطن من الطعام الحرام، خفيف الظهر من المال الحرام، فافعل؛ فإن فعلت فلا سبيل عليك، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحق، والسلام عليك. قال عبد العزيز بن أبي رواد: رأيت في يد محمد بن واسع قرحةً؛ قال: فكأنه رأى ما شق علي منها؛ فقال: أتدري ماذا لله علي في هذه القرحة من نعمة؟ مئة شكرٍ قال: إذ لم يجعلها على حدقتي، ولا على طرف لساني ولا على طرف ذكري؛ فهانت علي قرحته. فقد محمد بن واسع رجلاً من أصحابه ثم لقيه فكأنه ذهب يعتذر، فقال له محمد: لا عليك مني كان الاكتفاء إذا كانت القلوب بنعمةٍ. وكان محمد بن واسع عليةٌ، إذا كان الليل دخل ثم أغلقها عليه. قال محمد بن واسع: أربعةٌ من الشقاء؛ طول الأمل، وقسوة القلب، وجمود العين، والبخل. وقال: ليس لملولٍ صديقٌ، ولا لحاسدٍ راحةٌ، وإياك والإشارة على المعجب برأيه، فإنه لا يقبل. رؤي محمد بن واسع يبيع حماراً له بسوق مرو؛ فقال له رجلٌ: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه. قال الربيع: رأيت محمد بن واسع بهراة يماكس بقالاً؛ فقال: ترك المكاس غبنٌ، ومن رضي بالغبن فقد ضيع ماله.

شتم عمر بن يزيد الأسيدي محمد بن واسع، وهو ساكتٌ لا يرد عليه شيئاً؛ فلما سكت قال له: يا مغرور، توشك أن تندم. أراد ابن هبيرة محمد بن واسع على القضاء، فقال: لتجلسن أو لأضربنك مئة سوطٍ؛ فقال: إن تفعل فمسلطٌ، وذليل الدنيا خيرٌ من ذليل الآخرة. قال محمد بن واسع: لقم الغضب وسف التراب خيرٌ من الدنو من السلطان. وأراده بعض الأمراء على بعض الأمر فأبى، فقال له: إنك لأحمقٌ فقال محمد: ما زلت يقال لي هذا مذ أنا صغيرٌ. استعمل بعض الأمراء بالبصرة عبد الله بن محمد بن واسع على الشرطة، فأتاه محمد بن واسع؛ فقيل له: محمدٌ بالباب فقال القوم: ظنوا به؛ فقال بعضهم: جاء يشكر الأمير على استعمال ابنه؛ فقال: لا ولكنه جاء يطلب لابنه الإعفاء؛ فأذن له، فدخل، فقال: أيها الأمير، بلغني أنك استعملت ابني، وإني لأحب أن تسترنا، سترك الله؛ قال: قد أعفيناه. أتى محمد بن واسع رجلاً في حاجةٍ قال: أتيتك في حاجةٍ رفعتها إلى الله قبلك، فإن يأذن الله في قضائها قضيتها، وكنت محموداً؛ وإن لم يأذن في قضائها لم تقضها، وكنت معذوراً؛ قال: فقضى حاجته. قال عمارة بن مهران: قال لي محمد بن واسع: ما أعجب إلي منزلك؛ قلت: وما يعجبك من منزلي، وهو عند القبور؟ قال: وما عليك، يقلون الأذى ويذكرونك الآخرة. قال أبو عاصم: كنت أمشي مع محمد بن واسع، فأتينا على المقابر، فدمعت عيناه، ثم قال لي: يا أبا عاصم، لا يغررك ما ترى من جمودهم، فكأنك بهم قد وثبوا من هذه الأجداث، فمن بين مسرورٍ ومغمومٍ.

محمد بن الورد الدمشقي

لما احتضر محمد بن واسع جعل إخوانه يقولون: أبشر يا أبا عبد الله، فإنا نرجو لك؛ فبكى، ثم قال: يذهب بي إلى النار أو يعفو الله. قال فضالة بن دينار: حضرت محمد بن واسع، وقد سجي للموت، فجعل يقول: مرحباً بملائكة ربي، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وشممت رائحةً طيبةً لم أشم مثلها؛ ثم شخص ببصره، فمات. توفي محمد بن واسع سنة عشرين ومئة؛ وقيل: سنة ثلاثٍ وعشرين؛ وقيل: سنة سبعٍ وعشرين. قال مالك بن دينار: رأيت محمد بن واسع في الجنة، ورأيت محمد بن سيرين في الجنة، فقلت: أين الحسن؟ قالوا: عند سدرة المنتهى. محمد بن الورد الدمشقي قال أبو الفضل نصر بن أبي نصر العطار: أنشدني محمد بن الورد عند مفارقتي إياه: من البسيط ودعته بدموعي حين فارقني ... ولم أطق جزعاً للبين مد يدي فقال لي: هكذا توديع ذي أسفٍ ... بلا اعتناقٍ ولا ضم إلى جسدٍ؟ فقلت: كفي برشف الدمع في شغلٍ ... من الصبابة، والأخرى على كبدي محمد بن الوزير بن الحكم أبو عبد الله السلمي ختن أحمد بن أبي الحواري. حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته، فيلبس عليه صلاته، فلا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالسٌ ". وحدث عنه، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ".

محمد بن الوزير أبو الحسين الحافظ

محمد بن الوزير أبو الحسين الحافظ والد أبي أحمد الحسين. له شعرٌ، فمما قاله في جاريةٍ داعبته بالشيب: من الكامل قالت: أشبت؟ وإنما ... عيب الفتى هرمٌ وشيب فأجبتها: يا هذه ... هذا خضابٌ فيه ريب ما العيب إلا أن أمو ... ت ولا أشيب فذاك عيب ومن شعره يهنىء الإخشيد بعيد الفطر: من مخلع البسيط رب قليلٍ من المعاني ... موقعه موقع الكثير هنئ بالفطر كل شيءٍ ... وهنئ الفطر بالأمير محمد بن وضاح بن بزيع أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأندلسي القرطبي. قال محمد بن وضاح: سمعت سحنون بن سعيد، وذكر له عن رجلٍ يذهب إلى أن الأرواح تموت بموت الأجساد فقال: معاذ الله، هذا قول أهل البدع. وقال عنه: أنه سمع الأشهب يقول: أغنج النساء المدنيات، وأخنث النساء المكيات، وأعف النساء البصريات، وشر النساء المصريات.

محمد بن الوضيء بن بلال

لما انصرف محمد بن وضاح من آخر حجةٍ حجها، عقل لسانه عن الكلام سبعة أيام، فدعا الله عز وجل وقال: اللهم إن كنت تعلم أن في إطلاق لساني خيراً فأطلقه، فأطلق الله لسانه، ونشر بالأندلس علماً كثيراً، فكانوا يرون أن ذلك من أحد كراماته. توفي محمد بن وضاح سنة ست وثمانين، أو سنة سبعٍ وثمانين ومئتين؛ وذكر أنه ولد سنة تسعٍ وتسعين ومئة. محمد بن الوضيء بن بلال ابن فزارة أبو الوضيء السرخسي من فرس بعلبك. حدث ببعلبك عن محمد بن هاشم البعلبكي، بسنده إلى أبي سعيد، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كنتم ثلاثةً فليؤمكم أحدكم، وأحقكم بالإمامة أقرؤكم ". وحدث عنه، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ولغ الكلب في إناءٍ فاغسلوه سبعاً، ولوثوه الثامنة بالتراب ". وحدث عنه، بسنده إلى أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج صفية بنت حيي بن أخطب، وجعل عتقها صداقها. محمد بن أبي الوفا بن محمد ابن القاسم أبو عبد الله السمرقندي المقرئ، المعروف بقوت القلوب حدث بمكة عن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي، بسنده إلى أبي قتادة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رآني فقد رأى الحق ".

محمد بن الوليد بن أبان أبو جعفر

محمد بن الوليد بن أبان أبو جعفر الهاشمي مولاهم، المعروف بالقلانسي حدث عن أبي عاصم، بسنده إلى ابن عباس، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من رمانٍ من رمانكم إلا وهو يلقح بحبةٍ من رمان الجنة " ذكر أن هذا الحديث باطل. وحدث عن يوسف بن يعقوب السلمي، بسنده إلى أبي بن كعب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يلوه في الصف الأول. ضعفه قومٌ. محمد بن الوليد بن أبان بن حيان أبو الحسن العقيلي المصري سمع بدمشق وغيرها. حدث عن هانئ بن المتوكل الإسكندراني، قال: قلت لحيوة بن شريح: أراك رجلاً صالحاً، وأراك مأوى للخير، وأراك تنتقل من مكانٍ إلى مكان، ولست أرى عليك أثر عبادتك؛ فقال حيوة: ولم تسألني عن هذا؟ فقلت: أردت أن ينفعني الله بك؛ فقال: حدثني الوليد بن أبي الوليد، عن شفي بن ماتع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوصى الله تعالى إلى عيسى: أن يا عيسى انتقل من مكانٍ إلى مكانٍ لئلا تعرف فتؤذى، فو عزتي وجلالي لأزوجنك ألفي حوراء، ولأولمن عليك أربع مئة عام ".

محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل

محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الزبيدي الحمصي كان مع الزهري برصافة هشام بن عبد الملك حدث عن الزهري، بسنده إلى أم كلثوم بنت عقبة، أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً " قال: ولم يرخص في شيءٍ مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاثةٍ؛ في الحرب؛ والإصلاح بين الناس؛ وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من المهاجرات الأول اللائي بايعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان الزبيدي على بيت المال، وكان الزهري معجباً به. قال بقية: قال لنا الأوزاعي: ما فعل محمد بن الوليد؟ قلت: ولي بيت المال؛ قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون ". توفي محمد بن الوليد سنة ست وأربعين، أو سنة سبعٍ وأربعين ومئة؛ وهو شاب؛ وقيل: سنة ثمانٍ وأربعين؛ وقيل: سنة تسعٍ وأربعين. محمد بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم الأموي كان عمر بن عبد العزيز يراه أهلاً للخلافة؛ أمه أم البنين بنت عبد العزيز بن

محمد بن الوليد بن عتبة

مروان، وإليه تنسب المحمديات التي فوق الأرزة، ودير محمد الذي عند المنيحة من إقليم بيت الآبار. قال رجل لعمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، أولم يعهد من قبلك إلى من بعدك؟ إلى من كنت تعهد؟ فغضب من قوله وقال: ما سؤالك عما تعلم أني لا أخبرك به؟ ثم سكت، فلما سكت عنه الغضب تأثم من قوله، ثم قال: أتعرف محمد بن الوليد؟ قلت: نعم؛ قال: إن لي بمحمدٍ خبرتين خبرةٌ باطنةٌ وخبرةٌ ظاهرة، وهو ممن حمد ظاهره ولم يذمم باطنه، ولم يزد على هذا. عزى محمد بن الوليد عمر بن عبد العزيز في ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت عليك عمن هو في شغل مما يدخل عليك، وأعد لنزوله عدةً تلين لك حجاباً وستراً من النار؛ فقال عمر: إني لأرجو أن لا تكون رأيت جزعاً تشمئز منه، ولا غفلةً تنبه عليها؛ قال: يا أمير المؤمنين لو ترك رجلٌ تعزية أخيه لعلمه وانتباهه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين. محمد بن الوليد بن عتبة ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي العتبي من فصحاء أهل بيته. حدث عن عبد الله بن سعيد عن الصنابحي، قال: حضرنا معاوية بن أبي سفيان، فتذاكروا القوم إسماعيل وإسحاق، فقال بعض

محمد بن الوليد بن هبيرة

القوم: إسماعيل الذبيح؛ وقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح؛ فقال معاوية: سقطتم على الخبير؛ كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه أعرابي فقال: يا بن الذبيحين؛ قال: فتبسم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينكره عليه؛ فقلنا: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم، نذر لله إن سهل له أمرها أن ينحر بعض ولده، فأخرجهم فأسهم بينهم، فخرج السهم على عبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم، فقالوا: أرض ربك وافد ابنك؛ قال: ففداه بمئة ناقةٍ، فهو الذبيح وإسماعيل الذبيح. قال أبو المقدام: كانت قريش تستحسن من الخاطب الإطالة، ومن المخطوب إليه التقصير، فشهدت محمد بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، خطب إلى عمر بن عبد العزيز أخته أم عمر بنت عبد العزيز، فتكلم محمد بن الوليد بكلامٍ حار الحفظ، فقال عمر: الحمد لله ذي الكرماء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء؛ أما بعد: فإن الرغبة منك دعا إلينا، والرغبة فيك أجابت منا، وقد أحسن بك ظناً من أودعك كريمته، وأجارك ولم يجر عليك؛ ولما زوجها من محمد قال لامرأته فاطمة: علمي هذه الصبية ما كنت تعلمين أني أعجب به منك؛ قالت: أو ما تغار؟ قال: إنما الغيرة في الحرام، ليس في الحلال غيرةٌ بعد قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي وفاطمة عليهما رضوان الله وسلامه: " لا تعجلا حتى أدخل عليكما ". محمد بن الوليد بن هبيرة أبو هبيرة الهاشمي القلانسي حدث بدمشق عن أبي كلثم سلامة بن بشر بن بديل العذري، بسنده إلى أنس قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير في الصلاة. توفي أبو هبيرة سنة ست وثمانين ومئتين.

محمد بن الوليد أبو بكر الرملي

محمد بن الوليد أبو بكر الرملي المعروف بالأمي حدث بالرملة سنة سبعين ومئتين، عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حلق القفا للحجامة قال: فذكرته لابن أبي السري، فروى بإسناده إلى عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حلق القفا من غير حجامةٍ مجوسية " قال ابن أبي السري: فذكرته للوليد، فروى بإسناده إلى عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حلق القفا من غير حجامةٍ. محمد بن وهب بن سعد بن عطية أبو عبد الله السلمي الدمشقي حدث عن محمد بن حرب، بسنده إلى أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعةً، فقال: " استرقوا لها، فإن بها النظرة ". كان محمد بن وهب ثقةً. محمد بن وهب بن مسلم أبو عمرو القرشي الدمشقي حدث عن سويد، بسنده إلى أبي أيوب، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من صام رمضان وزاد ستة أيامٍ من شوال، فكأنما صام السنة كلها ".

محمد بن هارون بن إبراهيم

وحدث محمد بن وهب، عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول ما خلق الله القلم، ثم خلق النون وهي الدواة، قال: وذلك في قول الله عز وجل: " ن والقلم وما يسطرون " ثم قال له: اكتب؛ قال: وما أكتب؟ قال: ما كان وما هو كائنٌ من عملٍ أو أجلٍ أو أثرٍ؛ فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة؛ ثم ختم على في القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل فقال الجبار: ما خلقت خلقاً أعجب إلي منك، وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك فيمن أبغضت، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكمل الناس عقلاً أطوعهم لله، وأعملهم بطاعته؛ وأنقص الناس عقلاً أطوعهم للشيطان، وأعملهم بطاعته ". قالوا: وهذا بهذا الإسناد منكر؛ وكان أبو عمرو منكر الحديث. محمد بن هارون بن إبراهيم أبو جعفر الربعي البغدادي الحربي، المعروف بأبي نشيط الفلاس حدث عن أبي المغيرة الحمصي، بسنده إلى أبي طويل الممدود أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبةٍ؟ قال: " هل أسلمت؟ " قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وإنك رسوله؛ قال: " نعم، تفعل الخيرات، وتترك الشهوات، يجعلهن الله لك كلهن خيراتٍ " قال: وغدراتي وفجراتي قال: " نعم " قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى. الحاجة: الذي يقطع على الحاج إذا توجهوا؛ والداجة: الذي يقطع عليهم إذا رجعوا.

محمد بن هارون بن عبد الرحمن

توفي أبو نشيط سنة ثمان وخمسين ومئتين، وكان ثقةً. محمد بن هارون بن عبد الرحمن ابن عبيد بن زكريا أبو عبد الله العنسي الداراني حدث عن موسى بن محمد بن أبي عوف، بسنده إلى مسلم بن عبد الله الأزدي، قال: جاء عبد الله بن قرط إلى النبي صلى الله علي وسلم فقال: " ما اسمك؟ " قال: شيطان بن قرط فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنت عبد الله بن قرط ". توفي محمد بن هارون سنة أربعٍ وعشرين وثلاث مئة. محمد بن هارون بن كثير الشيباني حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله عليهم الرزق، وكانوا في كنف الرحمن ". محمد الأمين بن هارون بن محمد ابن عبد الله بن عباس أبو عبد الله؛ ويقال: أبو موسى الأمين؛ ابن الرشيد بن المهدي بن المنصور بويع له بالخلافة بعد أبيه الرشيد بعهدٍ منه، وقام ببيعته الفضل بن الربيع، وقد ببيعته رجاء الخادم، وكان قدم دمشق في خلافة أبيه سنة تسعٍ وثمانين ومئة، وجهه أبوه هارون إلى دمشق لإشخاص سليمان بن المنصور.

قال المغيرة بن محمد المهلبي: رأيت عند الحسين بن الضحاك جماعةً من بني هاشم، فيهم بعض أولاد المتوكل، فسألوه عن الأمين وأدبه، فوصف الحسين أدباً كثيراً؛ فقيل له: فالفقه؟ فإن المأمون كان فقيهاً؛ فقال: ما سمعت فقهاً ولا حديثاً إلا مرةً واحدةً فإنه نعي غلام له بمكة، فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن المنصور، عن أبيه، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مات محرماً حشر ملبياً ". ولد الأمين سنة سبعين ومئة برصافة بغداد، وقيل: سنة إحدى وسبعين ومئة؛ وكان الرشيد بايع لولديه محمد وأمه زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور؛ وعبد الله وهو المأمون، ثم القاسم؛ فملك محمد أربع سنين وسبعة أشهر وعشرين ليلةً، وولي سنة ثلاثٍ وتسعين، وقيل: سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ قتله قريش الدنداني، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين، فنصبه على رمح وتلا " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء " وكان طويلاً سميناً أبيض، وكان محمد الأمين خلع نفسه في سنة ست وتسعين ومئة حين وثب به الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان، وبويع للمأمون يومئذٍ، وقام ببيعته إسحاق بن عيسى، ومكث مخلوعاً محبوساً إلى أن قتله طاهر بن الحسين بن مصعب ببغداد، وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة؛ وقيل: ثمان وعشرين سنة. لما أتت الخلافة محمد بن هارون خطب ببغداد، فقال: أيها الناس إن المنون تراصد ذوي الأنفاس حتماً من الله، لا يدفع حلولها، ولا ينكر نزولها، فاسترجعوا قلوبكم عن الجزع على الماضي إلى البهج الباقي تعطوا أجور الصابرين وجزاء الشاكرين.

قال أحمد بن حنبل: لما دخل إسماعيل بن علية على محمد بن زبيدة أمير المؤمنين، قال له: يا بن الفاعلة أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق؟ قال: فوقف إسماعيل ينادي: يا أمير المؤمنين زلةٌ من عالمٍ؛ قال أبو عبد الله: إني لأرجو أن يرحم الله محمداً بإنكاره على إسماعيل هذا الشأن. ركب الرشيد يوماً بكراً فنظر إلى محمد الأمين يميل في سرجه؛ فقال: ما أصارك إلى هذا يا محمد؟ قال: أصارني إليه البارحة: من الخفيف عللاني بعاتقات الكروم ... واسقياني بكأس أم حكيم قال: فانصرف يا محمد؛ فلما رجع الرشيد وجه إليه بخادمٍ معه كأس أم حكيم، وكان كأساً كبيراً فرعونياً، قد جعل فيه طوق ذهبٍ، ومقبضٌ من ذهبٍ، فإذا هو مملوءٌ دنانير؛ وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: بعثت إليك بالذي أسهرك لتشرب فيه وتنتفع بما يصل معه؛ قال: فأعطى الخادم قبضةً من الدنانير، وفرق نصف ما فيه على جلسائه، وأعطى النصف جاريةً، وشرب في القدح ثلاثة أرطالٍ، رطلاً بعد رطل؛ ورده؛ فكان مبلغ الدنانير عشرة آلاف دينار. ومن شعر محمد الأمين: من المتقارب رأيت الهلال على وجهكا ... فما زلت أدعو إلهي لكا ولا زلت تحيا وأحيا معاً ... وأمنني الله من فقدكا ومن شعره قوله في خادمه كوثر، وقد أخبر بأن الناس يلومونه فيه، وفي تركه النظر في أمور الناس: من مجزوء الرمل ما يريد الناس من صب ... بٍ بمن يهوى كئيب ليس إن قيس خلياً ... قلبه مثل القلوب كوثرٌ ديني ودنيا ... ي وسقمي وطبيبي أعجز الناس الذي يل ... حى محباً في حبيب

خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب فأصابته رجمةٌ في وجهه، فجلس يبكي فوجه محمد من جاء به، وجعل يمسح الدم عن وجهه، ثم قال: من مجزوء الرمل ضربوا قرة عيني ... ومن اجلي ضربوه أخذ الله لقلبي ... من أناسٍ أحرقوه وأراد زيادةً في الأبيات فلم يواته طبعه، فقال للفضل بن الربيع: من ها هنا من الشعراء؟ قال: الساعة رأيت عبد الله بن أيوب التيمي، فطلبه، وأنشد البيتين وقال: قل عليهما؛ فقال: ما لمن أهوى شبيةٌ ... فبه الدنيا تتيه وصله حلوٌ ولكن ... هجره مر كريهٌ من رأى الناس له ال ... فضل عليهم حسدوه مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه فقال محمد: أحسنت، هذا خيرٌ مما أردت، بحياتي يا عباسي انظر فإن كان جاء على الظهر ملأت أحمال ظهره دراهم، وإن كان جاء في زورقٍ ملأته له؛ فأوقر له ثلاثة أبغلٍ دراهم. لما قتل الأمين، خرج أبو محمد التيمي إلى المأمون، وامتدحه، فلم يأذن له، فلجأ إلى الفضل بن سهل، وامتدحه فأوصله إلى المأمون، فلما سلم عليه قال له: يا تيمي: مثلما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه؟ فقال أبو محمد التيمي: نصر المأمون عبد الل ... هـ لما ظلموه نقض العهد الذي كا ... نوا قديماً أكدوه لم يعامله أخوه ... بالذي أوصى أبوه

ثم أنشده قصيدةً امتدحه بها أولها: من الطويل جزعت ابن تيمٍ أن علاك مشيب ... زربان الشباب والشباب حبيب؟ فلما فرغ منها، قال له المأمون: قد وهبتك لله ولأخي أبي العباس، يعني: الفضل بن سهل، وأمرت لك بعشرة آلاف درهم. قال أبو محمد عبد الله بن أيوب الشاعر: أنشدت الأمين أول ما ولي الخلافة: من المنسرح لا بد من سكرةٍ على طربٍ ... لعل روحاً تذال من كرب فعاطنيها صفراء صافيةً ... تضحك من لؤلؤٍ على ذهب خليفة الله أنت منتخبٌ ... لخير أم من هاشمٍ وأب فأمر لي بمئتي ألف درهم، صالحوني منها على مئة ألف درهم. دخل الحسن بن هانئ على الأمين، وبين يديه رمانة؛ فقال: صفها، ولك بكل حبةٍ دينارٌ؛ فأنشأ يقول: من الطويل ورمانةٍ شبهتها إذ رأيتها ... بثدي كعابٍ أو بحقة مرمر ململمةٍ حمراء نضد جوفها ... يواقيت حمر في ملاء معصفر لها قشر عقبانٍ ورأس مشرق ... وأوراق خيري وأغصان عنبر وفيها شفاءٌ للمريض وصحةٌ ... وفيها حديثٌ للنبي المطهر وفيها يقول الله جل ثناؤه ... فواكه رمانٍ ونخلٍ مسطر فقال الأمين: شق الرمانة واحص حبها، فإذا فيها سبع مئة حبة؛ فأعطاه بكل حبةٍ ديناراً. دخل سليمان بن المنصور على محمد الأمين، فرفع إليه أن أبا نواس هجاه، وأنه

زنديقٌ كافرٌ، حلال الدم، وأنشده من أشعاره المنكرة أبياتاً؛ فقال: يا عم أأقتله بعد قوله: من الكامل أهدي الثناء إلى الأمين محمدٍ ... ما بعده بتجارةٍ تتربص صدق الثناء على الأمين محمدٍ ... ومن الثناء تكذب وتخرص قد ينقص القمر المنير إذا استوى ... وبهاء نور محمدٍ ما ينقص وإذا بنو المنصور عد حصاهم ... فمحمدٌ ياقوتها المتخلص فغضب سليمان وقال: لو شكوت من عبد الله يعني ابن الأمين ما شكوت من هذا الكافر لوجب أن تعاقبه، فكيف منه؛ فقال: يا عم كيف أعمل بقوله: من المنسرح قد أصبح الملك بالمنى ظفرا ... كأنما كان عاشقاً قدرا قيد أشطانه إلى ملكٍ ... ما عشق الملك قبله بشرا حسبك وجه الأمين من قمر ... إذا طوى الليل دونك القمرا خليفةٌ يعتني بأمته ... وإن أتته ذنوبها اغتفرا حتى لو اسطاع من تحننه ... دافع عنها القضاء والقدرا فازداد سليمان غضباً؛ فقال: يا عم فكيف أعمل بقوله: من مجزوء المديد يا كثير النوح في الدمن ... لا عليها بل على السكن منها: تضحك الدنيا إلى ملكٍ ... قام بالآثار والسنن يا أمين الله عش أبداً ... دم على الأيام والزمن أنت تبقى والفناء لنا ... فإذا أفنيتنا فكن سن للناس الندى فندوا ... فكأن البخل لم يكن

فانقطع سليمان عن الركوب، فأمر الأمين بحبس أبي نواس؛ فلما طال حبسه، كتب إليه هذه الأبيات، واجتهد حتى وصلت إلى الأمين: من الطويل تذكر أمين الله والعهد يذكر ... مقامي وإنشاديك والناس حضر ونثري عليك بالدر يا در هاشمٍ ... فيا من رأى دراً على الدر ينثر أبوك الذي لم يملك الأرض مثله ... وعمك موسى عدله المتخير وجدك مهدي الهدى وشقيقه ... أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر وما مثل منصوريك منصور هاشمٍ ... ومنصور قحطانٍ إذا عد مفخر فمن الذي يرمي بسهميك في العلا ... وعبد منافٍ والداك وحمير تحسنت الدنيا بحسن خليفةٍ ... هو الصبح إلا أنه الدهر مسفر أمينٌ يسوس الناس تسعين حجةً ... عليه له منه رداءٌ ومئزر يشير إليه الجود من وجناته ... وينظر من أعطافه حيث ينظر مضت لي شهورٌ مذ حبست ثلاثةٌ ... كأني قد أذنبت ما ليس يغفر فإن أك لم أذنب ففيم عقوبتي؟ ... وإن أك ذا ذنبٍ فعفوك أكبر قال إبراهيم بن المهدي: وجه إلي محمد الأمين بعد محاصرة طاهر بن الحسين بغداد، فصرت إليه، وهو بقصرٍ مشرفٍ منه على دجلة ليلة أربع عشرة، فقال لي: يا عم، أما ترى طيب هذه الليلة، وصفاء الجو فيها وحسن القمر في دجلة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين طيب الله عيشك وأعز دولتك وكبت عدوك؛ واندفعت أغنيه لما أعرف من سوء خلقه؛ فقال لي: يا عم هل لك فيمن يضرب عليك؟ فقلت: ما أكره ذلك؛ فأحضر جاريةً تسمى صعب، فتطيرت من اسمها للحال التي كان عليها؛ فقال لها: غني؛ فكان أول ما غنت: من الطويل

كليبٌ لعمري كان أكثر ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرج بالدم فاقشعر منه، واقشعررت؛ فقال لها: غني غيره؛ فاندفعت تغني: من الطويل هم قتلوه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه بني هاشمٍ ردوا سلاح ابن أختكم ... فلا تنهبوه لا تحل مناهبه بني هاشمٍ إلا تردوا فإننا ... سواءٌ علينا قاتلاه وسالبه بني هاشمٍ كيف الهوادة بيننا ... وعند فلانٍ سيفه ونجائبه فاندفعت تغني؛ فقال لها: ويحك، إنما أحضرتك لأسر بك مع عمي، فقد زدتني غماً وهماً؛ فاندفعت تغني: من المنسرح أما ورب السكون والحك ... إن المنايا سريعة الدرك ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم من ملكٍ ... قد انقضى ملكه إلى ملك وملك ذي العرش دائمٌ أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشترك فقال لها: أما تحسنين غير هذا؟ فقالت: والله يا سيدي ما أطلب إلا مسرتك، ولكن لساني ما يجري عليه غير هذا فقال لها: ويحك أبيني؛ فغنت: من البسيط أبكى فراقهم عيني وأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدهر عداء فقال لها: ويلك أبيني؛ فغنت: هذا مقام مطردٍ ... هدمت منازله ودوره فرماها بعودٍ كان بين يديه، فوقع على قدح بلور كان محمد معجباً به، وكان يسميه

باسمه محمداً لاستحسانه إياه، فانكسر؛ ونهضت الجارية فانصرفت، فقال لي: يا عم فنيت الأيام وانقضت المدة؛ فإذا هاتفٌ يهتف من وراء دجلة " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فقال: سمعت يا عم؟ فقلت: يا سيدي ما سمعت شيئاً؛ ثم قمت فجلست في بعض الحجر؛ فعاد صوت الهاتف " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " فما خرجت الجمعة حتى قتل محمد الأمين. وأدركت أمه خلافته، وكانت لها آثارٌ جميلةٌ في طريق مكة، وفي مكة، وبقيت بعده؛ وكان الرشيد عقد له العهد في أول خلافته في سنة خمسٍ وسبعين ومئة، بعدما عقد لمحمد سنين وصفى الأمر لمحمد الأمين سنتين وأشهراً، وكانت الفتنة والحرب بينه وبين المأمون سنتين وخمسة أشهرٍ، أول ذلك عند تسيير الجيوش مع علي بن عيسى بن ماهان من جهة محمدٍ من بغداد إلى خراسان لحرب المأمون، عند فساد الأمر بينه وبينه، وخلعه إياه من العهد الذي كان له بعد، وتوجيه المأمون بطاهر بن الحسين في الجيش ليلقى علي بن عيسى، ومحاربته، فوصل علي بن عيسى بمن معه إلى الري ووافاه طاهر بن الحسين بمن معه فالتقوا بأكناف الري، فقتل علي بن عيسى وانفض عسكره في سنة خمسٍ وتسعين ومئة، فقوي أمر المأمون عند ذلك بخراسان، وسلم عليه بالخلافة، وضعف أمر محمد؛ ولم يزل في إدبارٍ، وجيوش المأمون تدق أصحابه في البلاد وتنفيهم عنها وتغلب المأمون عليها، ويدعى له إلى أنصار طاهر بن الحسين صاحب جيش المأمون وهرثمة الأعين من الجانب الشرقي، إلى أن قتل محمد ببغداد سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ وكان بين ورود طاهر إلى أكناف بغداد وإحاطته لمحمد وحصره إياه في مدينة أبي جعفر إلى يوم قتله أربعة عشر شهراً وتسعة عشر يوماً؛ ولم يبق في يد محمد من الدنيا شيءٌ في وقت قتله، غير الموضع الذي هو محصورٌ فيه، يخاطبه من معه فيه بالخلافة ويسلم عليه بإمرة المؤمنين؛ وسائر المواضع في يدي المأمون، قد غلب له عليها يدعى له بها؛ وكان محمد قد خلع بمدينة السلام قبل ورود طاهرٍ إليها على يدي الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان سنة ست وتسعين ومئة، وحبسه الحسين في قصر أبي جعفرٍ، وحبس معه أمه وولده، وأقام في محبسه يومين،

محمد المعتصم بن هارون الرشيد

وأخذ الحسين البيعة على جميع من حضره للمأمون بالخلافة، فبايعوا له، وطلبوا الحسين بوضع العطاء وإخراج الأموال، ولم يكن معه مالٌ فوعدهم ومناهم، ودافعهم فشغبوا عليه، وأخرجوا محمداً من محبسه فأعادوه إلى مجلسه وبايعوه بيعةً مجددةً سنة ست وتسعين، وقيل: سنة ثمانٍ وتسعين ومئة؛ وكان طويلاً جميلاً، حسن الوجه، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، أشعر سبطه، صغير العينين، به أثر جدري. محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور أبو إسحاق الهاشمي بويع له بالخلافة بعد أخيه المأمون بعهدٍ منه، قدم دمشق عدة دفعات مع أخيه المأمون، ووحده قبل الخلافة، ثم قدمها في خلافته. حدث هشام بن محمد الكلبي أنه كان عند المعتصم في أول أيام المأمون حين قدم المأمون بغداد، فذكر قوماً بسوء السير، فقلت له: أيها الأمير إن الله تعالى أمهلهم فطغوا وحلم عنهم فبغوا؛ فقال: حدثني أبي الرشيد، عن جدي المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى قومٍ من بني فلان يتبخترون في مشيهم، فعرف الغضب في وجهه، ثم قرأ: " والشجرة الملعونة في القرآن " فقيل له: أي الشجر هي يا رسول الله حتى نجتنبها؟ فقال: " ليست بشجرة نباتٍ، إنما هم بنو فلان، إذا ملكوا جاروا وإذا ائتمنوا خانوا " ثم ضرب بيده على ظهر العباس، قال: " فيخرج الله من ظهرك يا عم رجلاً يكون هلاكهم علي يديه ". قال: هذا حديثٌ منكر. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليكونن من ولده يعني العباس بن عبد المطلب ملوكٌ يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين ".

حدث المعتصم، عن المأمون، عن آبائه إلى ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تحتجموا يوم الخميس فإنه من يحتجم فيه فيناله مكروهٌ فلا يلومن إلا نفسه ". وأم المعتصم أم ولدٍ اسمها ماردة، لم تدرك خلافته، والمعتصم يقال له: الثماني، لأنه ولد سنة ثمانين ومئة، في الشهر الثامن، وهو ثامن الخلفاء، والثامن من ولد العباس، وفتح ثمانية فتوحاتٍ، وولد له ثمان بنين، وثمان بنات، ومات وعمره ثمان وأربعون سنةً، وخلافته ثمان سنين وثمانية أشهرٍ ويومان، وقتل ثمانية أعداء: بابك ومازيار وياطس ورئيس الزنادقة والأفشين وعجيفاً وقارن وقائد الرافضة. وكان المعتصم أبيض، أصهب اللحية طويلها، مربوعاً مشرب اللون. وبويع للمعتصم يوم مات المأمون سنة ثمان عشر ومئتين، ودخل بغداد على بغلٍ كميتٍ بسرجٍ مكشوفٍ وعليه قلنسوةٌ لاطئةٌ وسيفٌ بمعاليق، فأخذ على باب الشام حتى عبر الجسر، ثم دخل من باب الرصافة فأخذ يمنة حتى دخل الدار التي كان ينزلها المأمون من باب العامة. كان مع المعتصم غلامٌ معه في الكتاب، فمات الغلام، فقال له الرشيد: مات غلامك؟ قال: نعم، واستراح من الكتاب قال الرشيد: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا المبلغ؟ دعوه إلى حيث انتهى، ولا تعلموه شيئاً؛ فكان يكتب كتاباً ضعيفاً، ويقرأ قراءة ضعيفةً. قال الزبير بن بكار: لما قدمت إلى الرشيد لأحدث أولاده بالأخبار التي صنفتها، أعجل المعتصم في القصر فعثر، فكادت إبهامه تنقطع، فقام وهو يقول: من الطويل يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ... وليس بموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه ترمي برأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل كذا، وقد وهم فإن الزبير لم يكن في زمن الرشيد يقرأ عليه، فإنه كان ميتاً إذ ذاك، وإنما قرئ عليه في أيام المتوكل والذي عثر المعتز بن المتوكل.

كتب ملك الروم كتاباً إلى المعتصم يتهدده فيه، فأمر بجوابه، فلما قرئ عليه الجواب لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب؛ بسم الله الرحمن الرحيم؛ أما بعد؛ فقد قرأت كتابك، وسمعت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع " وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ". قال الخطيب: غزا المعتصم بلاد الروم في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين، فأنكى في العدو نكايةً عظيمةً، ونصب على عمورية المجانيق، وأقام عليها حتى فتحها، ودخلها عنوةً، فقتل فيها ثلاثين ألفاً وسبى مثلهم، وكان في سبيه ستون بطريقاً، وطرح النار في عمورية من سائر نواحيها فأحرقها، وجاء ببابها إلى العراق، وهو باقٍ إلى الآن، منصوبٌ على أبواب دار الخلافة، وهو الباب الملاصق مسجد الجامع في القصر. وكان المعتصم قبل وصوله عمورية خرب ما مر به من قراهم، وهربت الروم في كل وجهٍ؛ وقيل: وخرب أنقرة، وتوجه قافلاً، فضرب رقاب أربعة آلافٍ ونيفٍ من الأسارى، ولم يزل يقتل الأسارى في مسيره ويحرق ويخرب حتى ورد بلاد الإسلام؛ وأتي فيها ببابك أسيراً، فأمر بقطع يديه ورجليه، وضرب عنقه، وصلبه في سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين؛ وكانت الروم أغارت على زبطرة في سنة اثنتين وعشرين ومئتين، فقتلوا وأسروا من وجدوا بها، وخربوها، فدخل قائدٌ له في جماعةٍ في درب الحديد، ودخل المعتصم من درب الصفصاف في جماعةٍ لم تدخل أرض الروم قبلهم، ولقي أفشين الطاغية، فظفره الله به، وولى الطاغية منهزماً مفلولاً، وسار المعتصم إلى عمورية، ووافاه أفشين عليها، فأسر وغنم وسبى ما لا يحصى عدده، وشعث حائطها، وحرق وخرب

داخلها، وخرج سالماً هو وجيوشه، وخرج معه بياطس بطريقها وأسرى كثر، وأقام فيها بعد فتحه ثلاثة أيام، ورحل في الرابع وقد ظفر قبل ذلك ببابك الخرمي وأصحابه، فقدم أسيراً فأمر بقتله. ولما تجهز المعتصم لغزو عمورية حكم المنجمون على ذلك الوقت أنه لا يرجع من غزوه، فإن رجع كان مفلولاً خائباً، لأنه خرج في وقت نحسٍ، فكان من فتحه العظيم ما لم يخف، حتى وصف ذلك أبو تمام الطائي في قوله: من البسيط أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب تخرصاً وأحاديثاً ملفقةً ... ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب عجائباً زعموا الأيام مجفلةً ... عنهن في صفر الأصفار أو رجب وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب وصيروا الأبرج العليا مرتبةً ... ما كان منقلباً أو غير منقلب يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ ... ما دار في فلكٍ منها وفي قطب لو بينت قط أمراً قبل موقعه ... ما حل ما حل بالأوثان والصلب قال يحيى بن معاذ: كنت أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم، وهو يريد بلاد الروم؛ قال: فمررنا براهبٍ في صومعته فوقفنا عليه وقلنا: أيها الراهب، أترى هذا الملك يدخل عمورية؟ فقال: لا، إنما يدخلها ملكٌ أكثر أصحابه أولاد زنى؛ قال: فأتينا المعتصم فأخبرناه، فقال: أنا والله صاحبها، أكثر جندي أولاد زنى، إنما هم أتراك وأعاجم. وكان المعتصم يقول: إذا لم يعد الوالي للأمور أقرانها قبل نزولها أطبقت عليه ظلم الجهالة عند حلولها.

قال ابن داود: كان المعتصم يخرج ساعده إلي فيقول: يا أبا عبد الله عضد ساعدي بأكثر من قوتك؛ فأقول: والله يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك؛ فيقول: إنه لا يضرني؛ فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلاً عن الأسنان. وانصرف يوماً من دار المأمون إلى داره، وكان شارع الميدان منتظماً بالخيم، فيها الجند، فمر المعتصم بامرأةٍ تبكي، وتقول: ابني ابني؛ وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها؛ فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها؛ فأبى، فاستدناه فدنا منه فقبض عليه بيده، فسمع صوت عظامه، ثم أطلقه من يده، فسقط، وأمر بإخراج الصبي إلى أمه. قال عمرو بن محمد الرومي: كان على بيت مال المعتصم رجلٌ من أهل خراسان يكنى أبا حاتمٍ؛ فخرجت لي جائزةٌ فمطلني بها، وكان ابنه قد اشترى جاريةً مغنيةً اسمها قاسم، بستين ألف درهم، قال: فعملت فيها شعراً، وجلست ألاعب المعتصم بالشطرنج في يوم الجمار، وكان يشرب يوماً ويستريح يوماً ليلعب فيه، ونلعب بين يديه، فجعلت أنشده: من السريع لتنصفني يا أبا حاتمٍ ... أو لنصيرن إلى حاكم فتعطي الحق على ذلةٍ ... بالرغم من أنفك ذا الراغم يا سارقاً مال إمام الهدى ... سيظهر الظلم على الظالم ستون ألفاً في شرا قاسمٍ ... من مال هذا الملك النائم فقال لي: ما هذا الشعر؟ فتفازعت كأني أنشدته ساهياً، وتلجلجت؛ فقال: أعده؛ فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني؛ وإنما أريد أن يحرص على أن يسمعه؛ فقال: أعده ويلك؛ فأعدته؛ فقال: ما هذا؟ فقلت: أظن صاحب بيت المال مطل بعض هؤلاء الشعراء بشيءٍ له، فعمل فيه هذا الشعر؛ قال: فما معنى قاسم؟ قلت: جاريةٌ اشتراها بستين ألف درهم؛ قال: وأراني أنا الملك النائم؟ صدق والله قائل هذا الشعر، والله ما عرفته لوصلته لصدقه؛ رجلٌ مملق وليته بيت المال لتعسر رزقه

منذ سنين، من أين لابنه هذا المال؟ ثم قال لإيتاخ: قيد صاحب بيت المال وابنه حتى نأخذ منهما مئتي ألف درهم وول بيت المال غيره. قال محمد بن عمرو الدومي: لله در المعتصم ما كان أعقله كان له غلامٌ يقال له عجيب لم ير الناس مثله، وكان مشغوفاً به، فحارب بين يديه يوماً فحسن بلاؤه، فقال لي المعتصم: يا محمد جليس الرجل صديقه وذو نصحه، ولي عليك حق الرئاسة والإحسان، فاصدقني عما أسألك عنه؛ فقلت: لعن الله من يقم نفسه إلا مقام العبد الناصح الذي يرى فرضاً عليه أن يضيف كل حسنٍ إليك، وينفي كل عيبٍ عنك؛ قال: قد علمت أني دون إخوتي في الأدب، لحب أمير المؤمنين الرشيد وميلي إلى اللعب وأنا حدثٌ، فما أبالي ما قالوا، وقد قاتل عجيبٌ بين يدي، وأنت تعلم وجدي به وقد جاش طبعي بشيء قلته فإن كان مثله يجوز فاصدقني حتى أذيعه، وإلا طويته فقلت: والله لأخبرت ما أمرت؛ فأنشدني: من المجتث لقد رأيت عجيباً ... يحكي الغزال الربيبا الوجه منه كبدرٍ ... والقد يحكي القضيبا وإن تناول سيفاً ... رأيت ليثاً حريبا وإن رمى بسهامٍ ... كان المجد المصيبا طبيب ما بي من الحب ... ب لا عدمت الطبيبا إني هويت عجيباً ... هوىً أراه عجيبا فحلفت له أنه شعرٌ مليحٌ من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء، وطابت نفسه؛ فقلت له: تحتاج إلى لحنٍ فيه؛ فقال: ما أحب ذلك لئلا يمر ذكر عجيبٍ؛ قلت: فلا تذكر البيتين اللذين فيهما ذكر عجيبٍ؛ قال: أما ذا فنعم، فغنى به مخارق ووصلني بخمسين ألفاً.

ومما أنشد للمعتصم بالله: من الطويل أيا منشئ الموتى أعذني من التي ... بها نهلت نفسي سقاماً وعلت لقد بخلت حتى لو أني سألتها ... قذى العين من ساقي التراب لضنت فإن بخلت فالبخل منها سجيةٌ ... وإن بذلت أعطت قليلاً وضنت قال علي بن يحيى المنجم: لما أن استتم المعتصم عدة غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفاً، وعلق له خمسون ألف مخلاةً على فرسٍ وبرذونٍ وبغلٍ، وذلل العدو بكل النواحي أتته المنية على غفلةٍ؛ فقيل: إنه قال في حماة التي مات فيها: " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون ". قال الخطيب: ولكثرة عسكر المعتصم وضيق بغداد عنه، وتأذي الناس به بنى المعتصم سر من رأى، وانتقل إليها فسكنها بعسكره فسميت العسكر، في سنة إحدى وعشرين ومئتين. قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المعتصم في يوم خميسٍ، وهو يحتجم؛ فلما رأيته وقفت واجماً وتبين له ذلك في؛ فقال: يا حمدون لعلك ذكرت الحديث الذي حدثتك به في حجامة الخميس وكراهتها، والله ما ذكرت ذلك حتى شرط الحجام، قال: فحم من عشيته، وكانت المرضة التي مات فيها. ولما احتضر المعتصم جعل يقول: ذهبت الحيلة ليست حيلة؛ حتى أصمت. وسمع يقول: اللهم إنك تعلم أني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي.

محمد بن هارون بن شعيب

وجعل يقول: أؤخذ من بين هذا الخلق؟ وقال: لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت. وتوفي سنة ثمانٍ وعشرين ومئتين؛ وقيل: سنة سبعٍ وعشرين؛ ودفن بسر من رأى، وهو ابن ست وأربعين سنة، أو سبعٍ وأربعين سنة، أو تسعٍ وأربعين سنة. محمد بن هارون بن شعيب ابن عبد الله بن عبد الواحد ويقال: محمد بن هارون بن شعيب بن علقمة بن سعد بن مالك ويقال: محمد بن هارون بن شعيب بن حيان بن حكيم بن علقمة ابن سعد بن معاذ؛ صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري، بسنده إلى علي بن أبي طالب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس ". وحدث عن أبي نصر منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك القزويني، عن أبي سليمان داود بن سليمان، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القرآن؛ فقال: " هو كلام الله غير مخلوق ". قال أبو نصر: كان أحمد بن حنبل يقول لأصحاب الحديث: اذهبوا إلى أبي سليمان فاسمعوا منه حديث الوليد بن مسلم، فإنه لم يروه غيره؛ وأبو سليمان عندنا ثقةٌ مأمونٌ. وحدث محمد بن هارون، قال: أنشدني محمد بن عبد الله العقيلي: من الكامل إني جعلتك ناظراً في حاجتي ... وجعلت ودك لي إليك شفيعا فاطلب إليك فدتك نفسي حاجتي ... تجد النجاح إلي منك سريعا ولد محمد بن هارون بدمشق، سنة ست وستين ومئتين؛ وتوفي سنة ثلاثٍ وخمسين

محمد بن هارون بن محمد بن بكار

وثلاث مئة؛ قال: وهو الثمامي بثاء مضمومة معجمةٍ بثلاثٍ؛ من ولد ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك. محمد بن هارون بن محمد بن بكار ابن بلال أبو بكر؛ ويقال: أبو عمرو العاملي حدث عن سليمان بن عبد الرحمن، بسنده إلى أبي أمامة، قال: مر رجلٌ برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما له؟ " قالوا: كان مريضاً؛ قال: " أفلا قلت: ليهنك الطهور ". وحدث عن العباس بن الوليد الخلال، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن، ولا تجارة فيهن، وثمنهن حرامٌ " وقال: " إنما نزلت هذه الآية في ذلك " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " حتى فرغ من الآية، ثم أتبعها: " والذي بعثني بالحق ما رفع رجلٌ عقيرته بالغناء إلا بعث الله عند ذلك شيطانين يرتدفان على عاتقيه، ثم لا يزالان يضربان بأرجلهما على صدره وأشار إلى صدر نفسه حتى يكون هو الذي يسكت ". توفي سنة تسعٍ ومئتين. محمد بن هارون بن مجمع أبو الحسن المصيصي حدث عن الربيع بن سليمان، بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ غرفةً غرفةً؛ وقال: " لا يقبل الله صلاةً إلا به ". وعن محمد بن هارون أنه سمع هشام بن عمار، يقول أيام المتوكل، وهو بدمشق، وقد سأله أبو هاشم عن

محمد بن هارون بن نصر بن السندي

القرآن فقال: سألني ابن أبي داود عن القرآن فقلت: القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، وقراءة العباد للقرآن قرآنٌ، وتلاوتهم للقرآن قرآنٌ؛ فاحمرت عيناه؛ وقال: ويلك من أنت؟ فقلت: القرآن لا ينطبق إلا ما نطق به، ولا يتكلم إلا ما تكلم به، وهو غير موجودٍ إلا في قراءة القارئين، وتلاوة التالين، وألفاظ اللافظين، ونطق الناطقين. محمد بن هارون بن نصر بن السندي ابن إبراهيم أبو الفتح، ابن أخت طيب الوراق، يعرف: بشيخ الجن حدث عن حاجب بن مالك بن أركن، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الندم توبةٌ ". محمد بن هارون المقرئ حدث عن سليمان بن بنت شرحبيل، بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ " فشاربون شرب الهيم ". محمد بن هارون الدمشقي قال الحسين بن أبي طالب المصيصي: سمعت محمد بن هارون الدمشقي ينشد: من الوافر لمحبرةٌ تجالسني نهاري ... أحب إلي من أنس الصديق ورزمة كاغدٍ في البيت عندي ... أحب إلي من عدل الدقيق

محمد بن هاشم بن سعيد

ولطمة عالمٍ في الخد مني ... ألذ لدي من شرب الرحيق محمد بن هاشم بن سعيد أبو عبد الله القرشي البعلبكي حدث بدمشق سنة ست وأربعين ومئتين حدث عن الوليد بن مسلم. بسنده إلى عائشة قالت: لما دخلت ابنة الجون على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عدت بعظيمٍ، الحقي بأهلك ". وحدث عن بقية بن الوليد، بسنده إلى أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يحب الرجل له الجار السوء يؤذيه فيصبر على أذاه، ويحتسبه حتى يكفيه الله بحياةٍ أو بموتٍ ". توفي محمد بن هاشم ببعلبك سنة أربع وخمسين ومئتين، وولد سنة سبعٍ وستين ومئة. محمد بن هاشم أبو عبد الله المعروف بالأذفر حدث عن سعيد بن عبد العزيز، بسنده إلى نعيم بن همار الغطفاني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله عز وجل يقول: ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعاتٍ أول النهار أكفيك آخره ".

محمد بن هاشم أبو بكر الموصلي

محمد بن هاشم أبو بكر الموصلي الشاعر المعروف بالخالدي من أهل قريةٍ بالموصل تسمى الخالدية، وهو أخو أبي عثمان سعيد بن هاشم الشاعر؛ ومحمد الأكبر منهما، وهما شاعران محسنان متوافقان في الصحبة، متشاركان في النظم، وكانا من خواص شعراء سيف الدولة بن حمدان. فمن شعر محمد في دير مران، وزعم السري بن أحمد الرفاء الموصلي أن الشعر لكشاجم، وأن الخالدي سرقه منه: من البسيط محاسن الدير تسبيحي ومسباحي ... وخمره في الدجى صبحي ومصباحي أقمت فيه إلى أن صار هيكله ... بيتي ومفتاحه للحسن مفتاحي منادماً في قلاليه رهابنه ... راحت خلائقهم أصفى من الراح قد عدلوا ثقل أديانٍ ومعرفةٍ ... فيهم بخفة أبدانٍ وأرواح ووشحوا غرر الآداب فلسفةً ... وحكمةً بعلومٍ ذات إيضاح في طب بقراط لحن الموصلي وفي ... نحو المبرد أشعار الطرماح ومنشدٌ حين يبديه المزاح لنا ... ألمع برقٍ ترى أم ضوء مصباح وكم حثثت إلى حاناته وغدا ... شوقي يكاثر أصواتاً بأقداح حتى تخمر خماري بمعرفتي ... وصيرت ملحي في السكر ملاحي يا دير مران لا تعدم ضحىً ودجىً ... سجال غيثٍ ملث الودق سحاح إن تفن كأسك أكياسي فإن بها ... يفل جيش همومي جيش أفراحي وإن أقم سوق إطرابي فلا عجبٌ ... هذا بذاك إذا ما قام نواحي وكان السري يتعصب على الخالديين، ويهجوهما وبنسب إليهما سرقات شعره وشعر غيره.

محمد بن هاشم ويقال ابن هشام

محمد بن هاشم ويقال ابن هشام ابن شهاب أبو صالح العذري الجسريني من قرية جسرين بالغوطة حدث عن المسيب بن واضح، بسنده إلى مسروق قال: سألت ابن مسعود عن هذه الآية " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون " قال: إنا قد سألنا ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " أرواح الشهداء كطائرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث تشاء، ولها قناديلٌ معلقةٌ بالعرش تأوي إليها ". حدث أبو صالح محمد بن هاشم الدمشقي، عن محمد بن أحمد بن مالك المكتب، بسنده إلى عبد الله بن عباس، قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أيكم يعرف قس بن ساعدة الإيادي؟ " قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله؛ قال: " لست أنساه بعكاظ على جملٍ له أحمر، يخطب الناس، ويقول: ألا أيها الناس، اجتمعوا، فإذا اجتمعتم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فقولوا، فإذا قلتم فاصدقوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبرا، مهادٌ موضوعٌ، وسقفٌ مرفوعٌ، ونجومٌ تمور، وبحارٌ لا تغور، أقسم قس قسماً بالله لا كاذباً فيه، ولا آثماً، لئن كان هذا الأمر رضىً ليكونن سخطاً، إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه " ثم قال: " أيكم ينشد شعره " فأنشدوه: من مجزوء الكامل في الذاهبين الأولي ... ن من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي ولا يب ... قى من الباقين غابر

أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر فقام إليه رجلٌ طويل القامة، عظيم الهامة جهوري الصوت، كأني أنظر إلى حاجبيه وقد سقطا على عينيه فقال: وأنا قد رأيت منه عجبا؛ قال: وما الذي رأيت؟ قال: خرجت في جاهليتي أبغي بغيراً شرد مني، أقفو أثره في تنائف حقاف، ذات ضغابيس، وعرصات جثجاثٍ بين صدور جرعان وغمير حوذان، ومهمه ظلمان، ورضيع أيهقان، وبينا أنا في غوائل الفلوات أجول سبسبها وأرمق فدفدها، إذ جنني

الليل فلجأت إلى هضبةٍ في ستارتها أراك كباثٍ مخضوضلةٌ بأغصانها، كأن بريرها حب فلفلٍ في بواسق أقحوانٍ، وقد مضى من الليل ثلثه الأول، فغلبتني عيني، فرقدت، فإذا أنا بهاتفٍ يقول: من الرجز وسنان أم تسمع ما أنبيكا ... فارحل هديت وابتغي دميكا يفري قيام الآل والدلوكا ... حتى تحل منهلاً مسلوكا بيثربٍ يحظى به سنوكا ... ائت رسولاً عبد المليكا يدني إليه الحر والمملوكا ... ويقبل السوقة والملوكا رسول صدقٍ يفرج الشكوكا فاستيقظت لذلك، وأنشأت أقول: من الرجز يا أيها الطائف والليل سحم ... ماذا الذي تدعو إليه وتلم بين لنا عن صدق ما أنت زعم ... هل بعث الله رسولاً معتلم يجلو عمى الضلال عنا والتهم ... من بعد عيسى في محنات الظلم ينجي من الزيغ ويهدي من رغم فقال: ألا إنه قد بطل زور وبعث نبي بالسرور؛ ثم انقطع عني الصوت، فلا حس ولا خبر؛ فبينا أنا أفكر في أمري، وما الذي سمعت من قول الهاتف إذ طلع عمود الصبح فأرغت بعيري، فإذا هو في شجرةٍ يميس ورقها ويهشم من أغصانها، فوثبت إليها فرمتها، ثم استويت على كورها، ثم أقبلت حتى اقتحمت وادياً، فإذا أنا بشجرةٍ عادية، وعينٍ خرارةٍ، وروضةٍ مدهامة، وإذا بقس بن ساعدة جالسٌ في أصل شجرةٍ، وقد ورد على الحوض سباعٌ كثير، فكلما ورد سبعٌ قبل صاحبه ضربه قس بن ساعدة بالقضيب، ثم قال: تنح، حتى يشرب الذي ورد قبلك؛ فلما رأيت ذلك ذعرت ذعراً شديداً؛ فقال لي: لا تخف؛ فإذا بقبرين وبينهما مسجدٌ؛ فقلت: ما هذان القبران؟ فقال: هذان قبرا أخوين كانا يعبدان الله في هذا المكان، فأنا مقيمٌ بينهما أعبد الله حتى ألحق بهما؛ فقلت:

محمد بن هبة الله بن عبد السميع

ألا تلحق بقومك، فتكون معهم على خيرهم وتبكتهم على شرهم؟ فقال: ثكلتك أمك، أما علمت أن ولد إسماعيل تركت دين أبيها، واتبعت الأنداد وعظمت السدان، ثم تركني وأقبل على القبرين يبكي، ويقول: من الطويل خليلي هبا طال ما قد رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما ألم تعلما أني بسمعان مفرداً ... وما لي أنيسٌ من حبيبٍ سواكما مقيمٌ على قبريكما لست بارحاً ... أؤوب الليالي أو يجيب صداكما فلو جعلت نفسٌ لنفسٍ فداؤها ... لجدت بنفسي أن يكون فداكما فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله قساً، رحم الله قساً، أما إنه سيبعث أمةً وحده ". محمد بن هبة الله بن عبد السميع ابن علي ابن عبد الصمد بن علي بن العباس بن علي بن أحمد أبو تمام الهاشمي العباسي البغدادي النسابة الخطيب النقيب قدم دمشق سنة سبع وأربعين وخمس مئة، وخطب بها جمعةً واحدةً، وأقام بها مديدةً ورجع إلى بغداد، ثم قدم قدمةً ثانيةً ولم يطل لبثه؛ ومما أنشده، قال: أنشدنا أبو منصور الحسن بن سلامة البغدادي المعروف بابن المخلطي لنفسه: من الكامل أطع الغرام ولو دعاك إلى الردى ... واعص الملام ولو هداك إلى الهدى غش الحبيب ولا نصيحة عاذلٍ ... فالماء مهما كان فيه مسقىً للصدى أحلى الهوى ما لم تنل فيه المنى ... والحب أعدل ما يكون إذا اعتدى

محمد بن هبة الله بن علي

وإذا نظرت وجدت أصدق عاشقٍ ... من لا يمد إلى مواصله يدا تجد الوصال إلى الملال ذريعةً ... فيعاف أن يرد التسلي موردا محمد بن هبة الله بن علي أبو رضوان البغدادي الموصلي قال أبو رضوان: أنشدني قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي لعلي بن عبد العزيز الجرجاني قاضي قضاة الري: من الطويل وما زلت منحازاً بعرضي جانباً ... عن الذل أعتد الصيانة مغنما يقولون هذا منهلٌ قلت: قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما أنهنهها عن بعض ما لا يشينها ... مخافة أقوال العدى فيم أو لما وأقسم ما غراء من حسنت له ... مسافرة الأطماع إن بات معدما يقولون: فيك انقباضٌ وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرساً وأجنيه ذلةً ... إذا فاتباع الجهل قد كان أسلما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أذلوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تهجما ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمعٌ صيرته لي سلما وأقبض خطوي عن فصولٍ كثيرةٍ ... إذا لم أنلها وافر العرض مكرما

محمد بن هشام بن إسماعيل

وما كل برقٍ لاح لي يستفزني ... وما كل من في الناس أرضاه منعما ولكن إذا ما اضطرني الأمر لم أزل ... أقلب فكري منجداً ثم متهما إلى أن أرى من لا أغص بذكره ... إذا قلت: قد أسدى إلي وأنعما وكم طالبٍ ديني بنعماه لم يصل ... إليه ولو كان الرئيس المعظما وأكرم نفسي أن أضاحك عابساً ... وأن أتلقى بالمديح مذمما ولكن إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفي إثره متندما ولكنه إن جاء عفواً قبلته ... وإن مال لم أتبعه هلا وليتما فكم نعمةٍ كانت على الحر نقمةً ... وكم مغنمٍ يعتده الحر مغرما وماذا عسى الدنيا وإن جل خطبها ... ينال بها من صير الصبر مطعما محمد بن هشام بن إسماعيل ابن هشام ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ولاه ابن أخيه هشام بن عبد الملك مكة والمدينة، وأقدمه الوليد بن يزيد الشام معزولاً. أتي محمد بن هشام بامرأةٍ حملت من الزنى، وقد كانت تحت عبدٍ، فأرسل محمد إلى مكحول الدمشقي وعطاء بن أبي رباح، فسألهما عن ذلك فقال مكحول: قد سمعت أنه يحصنها ولست آمرك فيها بشيء؛ وقال عطاء: لا يحصنها. لما كان محمد بن هشام بن إسماعيل على مكة، جلس في الحجر فاختصم إليه عيسى بن عبيد الله وعثمان بن أبي بكر بن عبيد الله وعثمان بن أبي بكر بن عبيد الله الحميديان، فتوجه القضاء على أحدهما، فقال محمد بن هشام: أيا ابن الوحيد، والله لأقضين بينكما بقضاءٍ يتحدث به أهل القريتين، لأقضين بينكما قضاءً مغيرياً؛ فقال عثمان: صه ادن حبواً، أتدري من الرجل معك؟ أزهر أزهر، المتسربل المجد، معه إزاره ورداؤه؛ وقال عيسى بن عبيد الله: نوهت بماجدٍ لماجدٍ، بكر بكر، والله ما أنا بنافخ كيرٍ، ولا ضارب زيرٍ، ولو بقيت قدماي لانتثرت

منها بطحاء مكة، أنا ابن زهير دفين الحجر؛ فقال محمد بن هشام: قوموا فإنكم كنتم وحشاً في الجاهلية وما استأنستم في الإسلام؛ فقال أحد الرجلين: حقي لصاحبي، لا أريد الخصومة. يعني: زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، قبره بالحجر. كان الوليد بن يزيد مضطغناً على محمد بن هشام أشياء كانت تبلغه عنه في حياة هشام، فلما ولي الخلافة قبض عليه وعلى أخيه إبراهيم بن هشام، وأشخصا إليه إلى الشام، ثم دعا لهما بالسياط؛ فقال له: أسألك بالقرابة؛ قال: وأي قرابةٍ بيني وبينك؟ وهل أنت إلا من أشجع؟ قال: فأسألك بصهر عبد الملك؛ قال: لم تحفظه؛ فقال: يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب قرشي بالسياط إلا في حد؛ قال: ففي حد أضربك وقودٍ، أنت أول من سن ذلك على العرجي، وهو ابن عمي، وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جده، ولا نسبه بهشام، ولا ذكرت حينئذٍ هذا الخبر، وأنا ولي ثأره؛ اضرب يا غلام؛ فضربهما وأوثقهما بالحديد ووجه بهما إلى يوسف بن عمر بالكوفة، وأمره باستصفائهما وتعذيبهما إلى أن يتلفا؛ وكتب إليه: احبسهما مع ابن النصرانية يعني خالداً القسري، ونفسك نفسك إن عاش أحدٌ منهم؛ فعذبهم عذاباً شديداً وأخذ منهم مالاً عظيماً حتى لم يبق منهم موضعٌ للضرب؛ فكان محمد بن هشام مطروحاً، فإذا أرادوا أن يقيموه أخذوا بلحيته فجذبوه منها؛ ولما اشتدت عليهما الحال تحامل إبراهيم لينظر في وجه محمدٍ فوقع عليه فماتا جميعاً، ومات خالدٌ القسري معهما في يومٍ واحدٍ. قال يعقوب: ودفع الوليد إبراهيم ومحمداً ابني هشام إلى خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي، موثقين، فدخل بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة خمسٍ وعشرين ومئة، فأقامهما بالمدينة، ثم كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن محمد، أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر الثثفي، وهو عامله يومئذ على العراق، فلما قدم بهما عذبهما حتى قتلهما، وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنهما أخذا مالاً.

محمد بن هشام بن ملاس

محمد بن هشام بن ملاس أبو جعفر النميري الدمشقي حدث عن مروان بن معاوية الفزازي، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مع غلمانٍ، فسلم علينا، وأخذ بيدي فأرسلني برسالةٍ، فقالت لي أمي: لا تخبر بسر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً. وبه، قال: أهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لبيك بعمرةٍ وحج " توفي محمد بن هشام سنة سبعين ومئتين. محمد بن هميان بن محمد ابن عبد الحميد بن زيد أبو الحسين القيسي البغدادي الوكيل، المعروف بزنبيلويه قدم دمشق سنة أربعين وثلاث مئة. حدث عن الحسن بن عرفة، بسنده إلى أبي موسى، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أحد أصبر على أذىً يسمعه الله تبارك وتعالى، إنه يشرك به، ويجعل ولدٌ، ثم هو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم ". توفي محمد بن هميان سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة. محمد بن الهيثم بن حماد ابن واقد أبو عبد الله الثقفي، مولاهم، يعرف بأبي الأحوص قاضي عكبراء. سمع بدمشق وغيرها.

محمد بن ياسر بن عبد الله

حدث عن ابن أبي السري بسنده إلى يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المربد، فإذا عثمان بن عفان يقود ناقةً تحمل دقيقاً وسمناً وعسلاً؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنخ " فأناخ، ثم دعا ببرمةٍ فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فوقد تحتها حتى أدرك، أو قال: نضج، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا " وأكل منه، ثم قال: " هذا شيءٌ ندعوه فارس الخبيص ". محمد بن ياسر بن عبد الله ابن عبد الخالق أبو بكر الحداد حدث بمدينة جبيل عن هشام بن عمار، بسنده إلى علي، قال: لولا أن تنظروا لحدثتكم بموعود الله على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن قتل هؤلاء، يعني الخوارج. وحدث عنه أيضاً، بسنده إلى أبي هارون العبدي، قال: كنا نأتي أبا سعيد الخدري، فيقول: مرحباً بوصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه سيأتيكم ناسٌ من إخوانكم يتفقهون ويتعلمون، فعلموهم ثم قولوا: مرحباً مرحباً، ادنوا ". محمد بن يحيى بن الحسين بن علي ابن حمزة ابن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الغنائم الحسيني الزيدي الكوفي حدث بدمشق سنة سبعٍ وعشرين وأربع مئة، عن أبي الطيب محمد بن يحيى بن علي بن الحسين، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن الله أذن للسموات والأرض أن تتكلما لبشرتا من صام رمضان بالجنة ".

محمد بن يحيى بن حمزة بن واقد

محمد بن يحيى بن حمزة بن واقد قاضي دمشق، وليها في خلافة المأمون وبعض خلافة المعتصم. حدث عن سويد بن عبد العزيز، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الصادق المصدوق، أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يأتيه ملكٌ بأربع كلماتٍ، فيكتب أجله ورزقه وعلمه وشقي أو سعيد، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ ثم يصير إلى كتابه فيختم له بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ ثم يصير إلى كتابه فيختم له بعمل أهل الجنة ". وحدث عن أبيه، بسنده إلى نعيم بن همار الغطفاني، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يقول ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره ". كان لمحمد بن بيهس ابنةٌ، خطبها أكفائها فامتنع من تزويجها، فشكت ذلك إلى محمد بن يحيى بن حمزة وهو القاضي يومئذٍ بدمشق، فراسله فامتنع من تزويجها، فأثبتت البينة أنه كفؤٌ لها فزوجها على كرهٍ من أبيها؛ فكان ذلك سبب الحرب بين اليمانية والقيسية بدمشق، جمع ابن بيهس القيسية لهدم بيت لهيا، لأن محمد بن يحيى يماني، وكان يسكن في بيت لهيا، وجمع محمد بن يحيى اليمانية فامتنع بهم، فبقي الحرب بينهم خمسة عشر سنةً إلى قدوم عبد الله بن طاهر دمشق، وحمله ابن بيهس إلى بغداد. توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين.

محمد بن يحيى بن داود بن يحيى

محمد بن يحيى بن داود بن يحيى أبو بكر الهاشمي مولاهم، المعروف بالسماقي حدث عن أبيه عبد الله محمد بن الوزير الدمشقي، بسنده إلى يعلى بن عقبة قال: أصابتني جنابةٌ بالمدينة في شهر رمضان، فأصبحت فلم أغتسل، فلقيت أبا هريرة، فذكرت ذلك له، فقال: أفطر أفطر؛ فقلت له: إنه شهر رمضان قال: أفطر أفطر؛ فآتى مروان بن الحكم، فأرسل أبا بكر بن عبد الرحمن بن هشام إلى عائشة، فسألها عن ذلك، فقالت: قد كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبح في شهر رمضان جنباً من غير احتلامٍ فيمضي على صيامه؛ قال: فجاء أبو بكر إلى مروان فأخبره بقول عائشة، فقال له: عزمت عليك إلا لقيت أبا هريرة فتخبره بقول عائشة؛ فقال: جاري جاري؛ فقال: عزمت عليك لتلقينه، فلقيته فأخبرته بقول عائشة؛ فقال: أما إني لم أسمعه من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكن خبرني بن الفضل بن عباس. محمد بن يحيى بن عبد الله ابن خالد بن فارس بن ذؤيب أبو عبد الله الذهلي، مولاهم شيخ نيسابور. حدث عن مسلم بن قتيبة، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيد الكلام ثلاثاً لتعقل عنه. وحدث عن الوليد بن الوليد العبسي، عن الأوزاعي، قال: سئل الزهري عن رجلٍ اشترى قمحاً، أله أن يبيعه قبل أن يحوزه؟ قال: حدثني سالم، عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضربون في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين يبيعونه قبل أن يحوزه إلى رحالهم.

وحدث عن علي بن عبد الله، بسنده إلى أبي هريرة، قال: سجدنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في " إذا السماء انشقت ". قال محمد بن يحيى الذهلي: ارتحلت ثلاث رحلاتٍ، وأنفقت على العلم مئةً وخمسين ألفاً. قال يحيى بن محمد بن يحيى: دخلت على أبي في الصيف الصائف وقت القائلة، وهو في بيت كتبه وبين يديه السراج وهو يصنف، فقلت: يا أبه، هذا وقت الصلاة، ودخان هذا السراج بالنهار، فلو نفست عن نفسك؛ فقال لي: يا بني، تقول لي هذا، وأنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه والتابعين حدث خادم محمد بن يحيى، ومحمد بن يحيى يغسل على السرير، قال: خدمت أبا عبد الله ثلاثين سنةً وكنت أضع له الماء، فما رأيت ساقه قط، وأنا ملكٌ له. توفي محمد بن يحيى سنة اثنتين وخمسين ومئتين، وقيل: سنة ست وخمسين، وقيل: سنة سبعٍ وخمسين؛ والصحيح أنه توفي سنة ثمانٍ وخمسين ومئتين؛ وقد بلغ ستاً وثمانين سنةً. قال أبو عمرو الخفاف: رأيت محمد بن يحيى الذهلي في النوم، فقلت: يا أبا عبد الله، ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي؛ قلت: فما فعل علمك؟ قال: كتب بماء الذهب ورفع في عليين.

محمد بن يحيى بن علي القرشي

محمد بن يحيى بن علي القرشي ابن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد أبو المعالي بن أبي المفضل بن أبي محمد القرشي المعروف بابن الصائغ قاضي دمشق. حدث عن أبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين الفقيه، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين سنةً، وكان أمهاتي يحثثنني على خدمته، فدخل علينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحلبنا له من شاةٍ لما داجنٍ فشيب له من ماء بئرٍ في الدار، وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه، فشرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمر ناحيةً، فقال عمر: أعط أبا بكر، فناوله الأعرابي، وقال: " الأيمن فالأيمن ". ولد أبو المعالي سنة سبعٍ وستين وأربع مئة، وتوفي سنة سبعٍ وثلاثين وخمس مئة. محمد بن يحيى بن علي بن مسلم ابن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي الواعظ قدم دمشق سنة ست وخمس مئة، وعقد مجلس التذكير، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلم يحتمل طغتكين أتابك ذلك له، وأخرجه عن البلد، فمضى إلى العراق، وأقام بها مدةً، ورجع إلى دمشق رسولاً من الخليفة المسترشد في أمر الباطنية، وعاد إلى بغداد، ومات بها، وكان حنيفي الفروع، حنبلي الأصول. وتوفي سنة خمسٍ وخمسين وخمس مئة، وكان من آخر كلامه أن قال له ولده إسماعيل: هذا وقت لقائك لله، فبماذا توصينا؟ فقال: اغسلوا كل ما وقع إليكم من

محمد بن يحيى بن الفياض

كلامي في الأصول، ولا تعهدوا إلا على كتاب الله وما صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم تولين قوله: " إياك نعبد " مشاهدةٌ، ثم ما زال يكرر قوله: الله، الله، حتى لم يبق نسمع منه ثم طفئ. قال ولده إسماعيل: كان في كل يومٍ وليلةٍ من مرضه يقول: الله الله قريباً من خمسة عشر ألف مرة؛ وفي يوم وفاته أدنى السبحة وهو يقول: الله الله قريباً من خمس مئة مرةً، رحمه الله. محمد بن يحيى بن الفياض أبو الفضل الزماني البصري قدم حاجاً سنة ست وأربعين ومئتين. حدث عن عبد الأعلى يعني ابن عبد الملك الشامي عن حميد، عن قتادة، عن أنس، قال: سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مسيرٍ له رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر؛ فقال: نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على الفطرة " قال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خرج من النار " فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنمٍ، حضرت الصلاة فقام يؤذن. وحدث عن صغدي بن سنان، بسنده إلى عمران بن حصين، قال: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الحج والعمرة، ولم ينزل بعد كتابٌ ينسخه. هو منسوبٌ إلى زمان بن مالك بن صعب بن بكر بن وائل.

محمد بن يحيى بن محمد أبو سعيد

محمد بن يحيى بن محمد أبو سعيد البغدادي، المعروف بحامل كفنه حدث عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، بسنده إلى علي، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا طاعة لبشرٍ في معصية الله عز وجل ". وحدث حامل كفنه بدمشق عن عبيد الله بن محمد الوراق، قال: كان بالرملية رجل يقال له عمار، وكانوا يقولون أنه من الأبدال، فاشتكى البطن، فذهبت أعوده، وقد بلغني عنه رؤيا رآها؛ فقلت له: رؤيا حكوها عنك؛ فقال لي نعم، رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقلت: يا رسول الله ادع الله لي بالمغفرة؛ فدعا لي، ثم رأيت الخضر بعد ذلك فقلت: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله وليس بمخلوق فقلت: فما تقول في النبيذ؟ قال: انه عنه الناس؛ قال: فقلت: هو ذا أنهاهم وليس ينتهون؛ فقال: من قبل منك يقبل ومن لم يقبل فدعه؛ فقلت: ما تقول في بشر بن الحارث؟ قال: مات بشر بن الحارث يوم مات وما على ظهر الأرض أحدٌ أتقى لله منه؛ قلت: فأحمد بن حنبل؟ فقال لي: صديق؛ قلت له: فحسين الكرابيسي؟ فغلظ في أمره؛ فقلت: فما تقول في خالتي؟ فقال لي: تمرض وتعيش سبعة أيام ثم تموت؛ فلما أن ماتت قلت: حقت الرؤيا؛ فلما كان بعد رأيته فقلت له: كيف صار مثلك يجيء إلى مثلي؟ فقال لي: ببرك والديك وإقالتك العثرات. كان هذا المعروف بحامل كفنه توفي، وغسل، وكفن، وصلي عليه، ودفن؛ فلما كان في الليل جاءه نباش فنبش عنه، فلما حل أكفانه ليأخذها استوى قاعداً، فخرج النباش هارباً منه، فقام وحمل أكفانه وخرج من القبر، وجاء إلى منزله؛ وأهله يبكون، فدق الباب عليهم، فقالوا: من أنت؟ فقال: أنا فلان فقالوا له: يا هذا لا يحل لك أن

محمد بن يحيى بن محمد بن إبراهيم

تزيدنا على ما بنا؛ فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان؛ فعرفوا صوته، ففتحوا له الباب، وعاد حزنهم فرحاً، وسمي من يومئذٍ حامل كفنه. ومثل هذا: سعير بن الخمس الكوفي فإنه لما دلي في حفرته اضطرب فحلت أكفانه، فقام ورجع إلى منزله، وولد له بعد ذلك ابنه مالك بن سعير. توفي محمد بن يحيى حامل كفنه في سنة تسعٍ وتسعين ومئتين. محمد بن يحيى بن محمد بن إبراهيم أبو بكر المكي حدث عن أبي الحسن أحمد بن عمير بن يوسف بن جوصا، بسنده إلى رافع بن خديج، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ". محمد بن يحيى بن محمد أبو بكر المصري رفيق أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة. حدث بسنده إلى أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نظر إلى عورة أخيه متعمداً لم يقبل الله له صلاةً أربعين ليلةً ". محمد بن يحيى أبي محمد بن المبارك ابن المغيرة أبو عبد الله العدوي، المعروف أبوه باليزيدي أصله بصري، وقدم دمشق صحبة المعتصم حين توجه إلى مصر فأدركه أجله بمصر.

وجد بخط أبي عبد الله اليزيدي، عن عمه أبي جعفر أحمد بن محمد لأبيه محمد بن أبي محمد: من الرمل الهوى أمرٌ عجيبٌ شأنه ... تارةً يأسٌ وأحياناً رجا ليس فيمن مات منه عجبٌ ... إنما يعجب ممن قد نجا قال: وله أيضاً من السريع كيف يطيق الناس وصف الهوى ... وهو جليلٌ ما له قدر بل كيف يصفو لحليف الهوى ... عيشٌ وفيه البين والهجر قال محمد بن يزداد: كنت بباب المأمون فجاء محمد بن أبي محمد اليزيدي، فاستأذن، فقال له الحاجب: إن أمير المؤمنين قد أخذ دواءً وأمرني أن أحجب الناس عنه، قال: فأمرك أن لا تدخل إليه رقعةً؟ قال: لا؛ قال: فكتب إليه: من الوافر هديتي التحية للإمام ... إمام العدل والملك الهمام لأني لو بذلت له حياتي ... وما أحوى لقلا لإمام أراك من الدواء الله نفعاً ... وعافيةً تكون إلى تمام وأعقبك السلامة منه رب ... يريك سلامةً في كل عام أتأذن في الدخول بلا كلامٍ ... سوى تقبيل كفك والسلام فأدخل الرقعة وخرج مسرعاً، وإذن لي، فدخلت مسرعاً، فسلمت وخرجت، وأتبعني بألفي دينار.

محمد بن يحيى بن محمد السلمي

محمد بن يحيى بن محمد السلمي ابن عبد الله بن محمد بن زكريا أبو عبد الله السلمي، المعروف بابن الشميساطي، والد أبي القاسم وحدث عن أبي بكر أحمد بن سليمان بن زبان، بسنده إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ". توفي محمد بن يحيى سنة اثنتين وأربع مئة، وكان معتزلياً. محمد بن يحيى بن موسى أبو عبد الله بن أبي زكريا الإسفرايني، المعروف بابن حيويه محدثٌ مشهور ببلده حدث عن أبي حذيفة، بسنده إلى العوفي، قال: قرأت على ابن عمر هذه الآية: " الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً " قال أخذها علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أخذتها عليك، قال: " الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثم جعل من بعد ضعف قوةً ثم جعل من بعد قوة ضعفاً ". وحدث عن محمد بن عثمان، بسنده إلى سمرة، قال: أمرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نرد على الإمام، وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعضٍ، ونهانا أن نتلاعن بلعنة الله وبغضه، أو بالنار ". توفي محمد بن حيويه سنة تسعٍ وخمسين ومئتين.

محمد بن يحيى بن ياسر

محمد بن يحيى بن ياسر أبو بكر الجوبري والد عبد الرحمن حدث عن أبي بكر محمد بن خريم بن محمد بن مروان بن عبد الملك العقيلي، بسنده إلى أنس، قال: كثيراً ما كنا نسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلنا له: يا رسول الله، قد أمرنا لك وصدقنا بما حدثتنا به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها ". وفي روايةٍ: فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: " نعم " الحديث. محمد بن يحيى الأطرابلسي حدث عن الحكم بن عبد الله، بسنده إلى أم رومان، قالت: رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرةً كدت أن أنصرف منها، وقال: إياك والميل، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تمام الصلاة سكون الأطراف ". محمد بن يزداد بن سويد المروزي كاتب المأمون قدم مع المأمون دمشق؛ ومن شعره، وكان ينشده كثيراً: من الطويل

محمد بن يزيد بن سعيد

ولائمةٍ لامت على الجود بعلها ... فقلت لها: كفي فإن له نفسا نجود بإعطاء الكثير تفضلاً ... ونكره أن نعطي على غبنٍ فلسا كان محمد بن يزداد وزير المأمون خمس عشرة سنةً؛ قال: ودخلت على المأمون يوماً وقد نهض وفي يده قرطاسٌ يقرؤه؛ فقال: يا محمد تعلم ما في هذا؟ قلت: كيف أعلمه وهو في يد أمير المؤمنين؟ فقال: اقرأه؛ فأخذته فإذا فيه: من السريع إنك في دارٍ لها مدةٌ ... يقبل فيها عمل العامل أما ترى الموت محيطاً بها ... يقطع فيها أمل الآمل تعجل الذنب لما تشتهي ... وتأمل التوبة من قابل والموت يأتي بعد ذا غفلةً ... ماذا بفعل الحازم العاقل ومن شعره: من البسيط إنا لنفرح بالأيام ندفعها ... وكل يومٍ مضى نقصٌ من الأجل فاعمل لنفسك يا مغرور صالحةً ... قبل الممات وأنت اليوم في مهل توفي محمد يزداد سنة ثلاثين ومئتين. محمد بن يزيد بن سعيد أبو سعيد ويقال: أبو إسحاق، ويقال: أبو يزيد الكلاعي ويقال: مولى خولان الواسطي حدث عن عثمان بن أبي العاتكة، بسنده إلى أبي أمامة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاةً في دبر صلاةٍ، وقيل: في أثر صلاةٍ لا لغو بينهما، كتابٌ في عليين ". وحدث عن عاصم بن محمد، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال هذا الأمر في قريشٍ ما بقي من الناس اثنان ".

محمد بن يزيد بن عبد الأكبر

توفي أبو سعيد سنة ثمانٍ وثمانين ومئة، وقيل: سنة تسعين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: تسعٍ وثمانين ومئة، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومئة. قال يزيد بن هارون: رأيت محمد بن يزيد الواسطي في المنام، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي؛ قلت: بماذا؟ قال: بمجلسٍ جلسه إلينا أبو عمرو البصري، يوم جمعةٍ بعد العصر فدعا وأمنا، فغفر لنا. محمد بن يزيد بن عبد الأكبر ابن عمير بن حسان بن سليمان بن سعد أبو العباس الأزدي الثمالي البصري النحوي، المعروف بالمبرد حدث عن المغيرة، بسنده إلى مالك بن أنس، قال: لهؤلاء الشطار ملاحةٌ، كان أحدهم يصلي خلف إنسانٍ، فقرأ الإنسان " الحمد لله رب العالمين " حتى فرغ منها، ثم أرتج عليه، فجعل يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وجعل يردد ذلك، فقال الشاطر: ليس للشيطان ذنبٌ إلا أنك لا تحسن تقرأ. قال المبرد: كنا عند التوجي، فجاءه عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، فأجلسه إلى جنبه، ثم قال لي: اقرأ عليه من شعر جده جرير، فقرأت عليه قصائد فيها: من الكامل طرب الحمام بذي الأراك فشاقني ... لا زلت في فننٍ وأيكٍ ناضر فلما بلغت إلى قوله: أما الفؤاد فلا يزال موكلاً ... بهوى جمانة أو بحب العاقر

قال له التوجي: ما جمانة والعاقر؟ قال: ما يقول صاحبكم يعني أبا عبيدة؟ قال: هما امرأتان؛ فضحك؛ وقال: لا عليه، ذهب مذهباً يذهب نحوه، هما والله رملتان عند بيوتنا من عن يمينٍ وشمالٍ قال التوجي: اكتب، فلو حضر أبو عبيدة لأفاد هذا، لأنه بيت الرجل. قال المبرد: قال المفضل الضبي لأعرابي: من أين معاشك؟ قال: نرد الحاج؛ قلت: فإذا صدروا؛ فبكى، ثم قال: لو لم تعش إلا من حيث تدري لم تعش؛ فلما أردت الانصراف قال: أتفهم؟ قلت: نعم؛ قال: من الطويل هل الدهر إلا ضيقةٌ تتفرج ... وإلا جديدٌ ناضرٌ ثم ينهج أرى الناس في الدنيا كسفر تتابعوا ... على منهجٍ ثم استخفوا فأدلجوا قال المبرد: وافيت الشام وأنا حدثٌ في جماعةٍ أقرانٍ أكتب الحديث، فاجتزنا بدير مران، فقلت: أنا أحب النظر إليه؛ فدخلناه فرأينا منظراً حسناً، وإذا في بعض بيوته كهلٌ مشدودٌ، حسن الوجه، عليه أثر النعمة؛ فدنونا منه فسلمنا عليه، فرد، وقال: من أين أنتم؟ قلنا: من العراق؛ قال: بأبي أنتم، ما الذي أقدمكم هذا البلد الغليظ هواؤه الثقيل ماؤه، الجفاة أهله؟ قلنا: طلب الحديث والأدب؛ قال: حبذا تنشدوني أو أنشدكم؟ قلنا: أنشدنا، فقال: من الكامل الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد روحان لي روحٌ تضمنها ... بلدٌ وأخرى حازها بلد

وأرى المقيمة ليس ينفعها ... صبرٌ وليس يضرها جلد وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد ثم أغمي عليه وأفاق، فصاح بنا، فعدنا إليه، فقال: تنشدوني أو أنشدكم؟ فقلنا: أنشدنا، فأنشدنا: من الطويل لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم ... ورحلوها فثارت بالهوى الإبل وأبرزت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع العين ينهمل منها: إني على العهد لم أنقص مودتهم ... فليت شعري لطول العهد ما فعلوا؟ فقال فتىً من المجان: ماتوا؛ قال: فأموت أنا أيضاً؛ ثم تمطى وتمدد، فما برحنا حتى دفناه. لما عمل أبو عثمان كتاب الألف واللام، سأله كافة أصحابه عن جليله فكانوا فيه متقاربي الأحوال، ثم سأل أبا العباس يعني المبرد عن دقيقه ومعتاصه، فأحسن الجواب عنه، فقال أبو عثمان: قم فأنت المبرد، أي المثبت للحق؛ قال أبو العباس: فغير الكوفيون اسمي فجعلوه المبرد بفتح الراء، وإنما هو بكسرها. ولد المبرد سنة عشرٍ ومئتين، ومات سنة خمسٍ وثمانين ومئتين، وما رأى المبرد مثل نفسه. وكان المبرد شيخ أهل النحو، وحافظ علم العربية، وكان عالماً فاضلاً موثوقاً به في الرواية، حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر، وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: ما رأيت أحسن جواباً من المبرد في معاني القرآن فيما ليس فيه قولٌ لمتقدمٍ. قال أبو عبد الله المفجع: كان المبرد لعظم حفظه اللغة واتساعه فيها يتهم بالكذب، فتواضعنا على مسألةٍ

لا أصل لها نسأله عنها لننظر كيف يجيب، وكان قبل ذلك قد تمارينا في عروض بيت الشاعر: من الطويل أبا منذرٍ أفنيت فاستبق بعضنا فقال بعضنا: هو من البحر الفلاني، وقال آخرون: هو من البحر الفلاني، فقطعناه وتردد على أفواهنا من تقطيعه " قبعضنا " فقلت له: أيدك الله ما القبعض؟ فقال: القطن، قال الشاعر: من الوافر كأن سنامها حشي القبعضا قال: فقلت لأصحابي: هو ذا ترون الجواب والشاهد، إن كان صحيحاً فهو عجيبٌ، وإن كان اختلق الجواب وعمل الشاهد في الحال فهو أعجب. ومما مدح به المبرد: من الكامل وإذا يقال: من الفتى كل الفتى ... والشيخ والكهل الكريم العنصر والمستضاء بعلمه وبرأيه ... وبعقله؟ قيل: ابن عبد الأكبر كان سليمان بن نوفل الدئلي سيداً في كنانة، فوثب رجلٌ من أهله على أبيه، فجيء به إليه، فقال له: ما أمنك مني وجرأك علي؟ أما خشيت عقابي؟ قال: لا؛ قال: ولم؟ قال: لأنا سودناك لتكظم الغيظ، وتحلم عن الجاهل؛ فخلى سبيله. اجتمع أبو العباس بن سريج، وأبو العباس المبرد، وأبو بكر بن داود، في طريقٍ، فأفضى بهم إلى مضيقٍ، فتقدم ابن سريج وتلاه المبرد وتأخر ابن داود، فلما خرجوا إلى الفضاء التفت ابن سريج وقال: الفقه قدمني؛ وقال ابن داود: الأدب أخرني يعني حرفة الأدب فقال المبرد: أخطأتما جميعاً، إذا صحت المودة سقط التكلف والتعمل.

قال محمد بن يزيد المبرد: حدثنا بعض أصحابنا، قال: كان في زمن المأمون شيخٌ مؤذن مسجدٍ وإمامه، فكان إذا جاء زمان الورد أغلق باب المسجد ودفع مفتاحه إلى بعض جيرانه، وأنشأ يقول: من المجتث يا صاحبي اسقياني ... من قهوةٍ خندريس على جنبات وردٍ ... تذهب هم النفوس خذا من الورد حظاً ... بالقصف غير خسيس ما تنظران وهذا ... أوان حث الكؤوس فبادرا قبل فوتٍ ... لا عطر بعد عروس فلا يزال على هذا حتى تنقضي أيام الورد، فيرجع إلى مسجده ويقول: من الطويل تبدلت من وردٍ جني ومسمعٍ ... شهي ومن لهوٍ وشرب مدام وأنس بمن أهوى وصحبٍ ألفتهم ... بكأس ندامى كالشموس كرام أذاناً وإخباتاً وقوماً أؤمهم ... بصرف زمانٍ مولعٍ بغرام فذلك دأبي أو أرى الورد طالعاً ... فأترك أصحابي بغير إمام وأرجع في لهوي وأترك مسجدي ... يؤذن فيه من يشا بسلام قال محمد بن يزيد المبرد: كنت غلاماً خدناً جميلاً، وكان لي فتىً يهواني، ويقبل علي بالخير، وأقبل عليه بالشر، فاعتل علةً كنت سببها، فمات فكثر أسفي عليه، فبينا أنا نائمٌ إذا هو أقبل، فقلت: فلان؟ قال: نعم؛ فبكيت، فولى عني، وأنشأ يقول: من الوافر أتبكي بعد قتلك لي عليا ... ومن قبل الممات تسي إليا سكبت علي دمعك بعد موتي ... فهلا كان ذاك وكنت حيا

تجاف على البكاء ولا تزده ... فإني ما أراك صنعت شيا قال المبرد: ما ذكرت هذه الأبيات إلا ترحمت عليه. قال المازني للمبرد: بلغني أنك تنصرف من مجلسنا فتصير إلى المخيس، وإلى مواضع المجانين والمعالجين، فما معناك في ذلك؟ فقلت: إن لهم طرائف من الكلام؛ فقال: خبرني بأعجب ما رأيت من المجانين؛ فقلت: دخلت يوماً إلى مستقرهم فرأيت مراتبهم على قدر بليتهم، وإذا قومٌ قيامٌ قد شدت أيديهم إلى الحيطان بالسلاسل ونقبت من البيوت التي هم بها إلى غيرها مما يجاورها، لأن علاج أمثالهم أن يقوموا بالليل والنهار، لا يقعدون ولا يضطجعون، ومنهم من يجلب على رأسه وتدهن أوراده، ومنهم من ينهل ويعل بالدواء حسبما يحتاجون إليه، ورحت يوماً مع ابن أبي خميصة، وكان المتقلد للنفقة عليهم ولتفقد أحوالهم، فنظروا إليه وانا معه، فأمسكوا عما كانوا عليه، ومررت على شيخٍ منهم تلوح صلعته وتبرق للدهن جبهته، وهو جالسٌ على حصيرٍ نظيفٍ، ووجهه إلى القبلة كأنه يريد الصلاة، فجاوزته إلى غيره، فناداني: سبحان الله، أين السلام؟ من المجنون ترى أنا أم أنت؟ فاستحييت منه وقلت: السلام عليكم؛ فقال: لو كنت ابتدأت لأوجبت علينا حسن الرد عليك، على أنا نصرف سوء أدبك إلى أحسن جهاته من العذر، لأنه كان يقال: إن للداخل على القوم دهشةً، اجلس أعزك الله عندنا، وأومى إلى موضعٍ من حصيرة ينفضه، كأنه يوسع لي، فعزمت على الدنو منه، فناداني ابن أبي خميصة: إياك، إياك، فأحجمت عن ذلك، ووقفت ناحيةً أستجلب مخاطبته وأرصد الفائدة منه، ثم قال لي وقد رأى محبرةً معي: يا هذا، أرى معك آلة رجلين أرجو أن لا تكون أحدهام؛ أتجالس أصحاب الحديث الأغثاء أم الأدباء من أصحاب النحو والشعر؟ قلت: الأدباء؛ قال: أتعرف أبا عثمان المازني؟ قلت: نعم، معرفة ثابتة؛ قال: أتعرف الذي يقول فيه: من مجزوء الرمل

وفتىً من مازنٍ ... ساد أهل البصرة أمه معرفةً ... وأبوه نكره قلت: لا أعرفه؛ قال: أفتعرف غلاماً له قد نبغ، معه ذهنٌ، وله حفظٌ، قد برز في النحو، وجلس مجلس صاحبه، وشاركه فيه يعرف بالمبرد؟ قلت: أنا والله عين الخبير به؛ قال: فهل أنشدك شيئاً من عبثات شعره؟ قلت: لا أحسبه يحسن قول الشعر، قال: يا سبحان الله، أليس هو الذي يقول: من مجزوء الكامل حبذا ماء العناقي ... د بريق الغانيات بهما ينبت لحمي ... ودمي أي نبات أيها الطالب أشهى ... من لذيذ الشهوات كل بماء المزن تفا ... ح الخدود الناعمات قلت: قد سمعته ينشد هذا في مجلس الأنس؛ قال: يا سبحان الله أو يستحي أن ينشد مثل هذا حول الكعبة؟ ما تسمع الناس يقولون في نسبه؟ قلت: يقولون: هو من الأزد أزد شنؤه، ثم من ثمالة؛ قال: قاتله الله، ما أبعد غوره؛ أتعرف قوله: من الوافر سألنا عن ثمالة كل حي ... فقال القائلون ومن ثمالة فقلت محمد بن يزيد منهم ... فقالوا زدتنا بهم جهالة فقال لي المبرد خل قومي ... فقومي معشرٌ فيهم نذالة قلت: أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعذل يقولها فيه؛ قال: كذب كل من ادعى هذه غيره، هذا كلام رجلٍ لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسباً؛ قلت: أنت أعلم؛ قال: يا هذا غلبت بخفة روحك، وتمكنت بفصاحتك من استحساني وقد أخرت ما كان يجب أن أقدمه، الكنية أصلحك الله؟ قلت: أبو العباس؛ قال: فالاسم؟ قلت: محمد؛ قال: فالأب؟ قلت: يزيد؛ قال: قبحك الله، أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدمت ذكره، ثم وثب باسطاً يده لمصافحتي، فرأيت

القيد في رجله قد شد إلى خشبةٍ في الأرض، فأمنت عند ذلك غائلته؛ فقال لي: يا أبا العباس، صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع، فليس يتهيأ لك في كل وقتٍ أن تصادف مثلي على مثل هذه الحال الجميلة، أنت المبرد، أنت المبرد؛ وجعل يصفق وقد انقلبت عينه وتغيرت خلقته؛ فبادرت مسرعاً خوفاً من أن تبدر منه بادرةٌ، وقبلت قوله ولم أعاود الدخول إلى مخيس ولا غيره. أنشد أحمد بن أبي طاهر لنفسه في المبرد: من الطويل ويومٍ كحر الشوق في الصدر والحشا ... على أنه منه أحر وأرمد ظللت به عند المبرد ثاوياً ... فما زلت في ألفاظه أتبرد ومن شعر المبرد: من الخفيف لم أعاتبك بل مدحتك في الشع ... ر ويكفيك مدحتي عن عتابي أي عارٍ عليك أعظم من مد ... حٍ إذا لم يكافه بثواب قال أحمد بن مروان: أنشدنا المبرد: من الوافر إذا اعتذر الصديق إليك يوماً ... من التقصير عند أخٍ مقر فصنه عن عتابك واعف عنه ... فإن الصفح شيمة كل حر قال: وأنشدني: من الطويل تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأحوجني طول العزاء إلى الصبر إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر قال: وأنشدنا محمد بن يزيد: من الكامل بادر هواك إذا هممت بصالحٍ ... وتجنب الأمر الذي يتجنب واعمل لنفسك في زمانك صالحاً ... إن الزمان بأهله يتقلب واحذر ذوي الملق اللئام فإنهم ... في النائبات عليك ممن يخطب

قال إسماعيل بن محمد النحوي: أنشدنا محمد بن يزيد المبرد: من الطويل إذا ضاق صدري بالهموم تحللت ... لعلمي بأن الأمر ليس إلى الخلق فلا الحزم يغنيني فأركب عزمه ... ولا العجز بالإمساك ينقص من رزقي قال محمد بن يحيى الصولي: أنشدنا المبرد: من الطويل ولي حاجةٌ قد راث غمي نجاحها ... وجودك أجدى وافرٍ في اقتضائها وما لي شفيعٌ غير نفسك إنني ... اتكلت من الدنيا على حسن رأيها عطاؤك لا يفنى ويستغرق المنى ... ويبقي وجوه السائلين بمائها شكوت وما الشكوى لنفسي بعادةٍ ... ولكن تفيض النفس عند امتلائها أنشد المبرد لإبراهيم بن العباس الكاتب: من المجتث لو قيل لي: خذ أماناً ... من أعظم الحدثان لما أخذت أماناً ... إلا من الإخوان قال جعفر بن قدامة: أنشدنا المبرد: من الطويل لئن كانت الدنيا أنالتك ثروةً ... وأصبحت فيها بعد عسرٍ أخا يسر لقد كشف الإثراء منك خلائقاً ... من اللؤم كانت تحت ثوبٍ من الفقر ومن شعر محمد بن يزيد المبرد: من مجزوء الكامل تأدب غير متكلٍ ... على حسبٍ ولا نسب فإن مروءة الرجل الش ... شريف بصالح الأدب توفي المبرد سنة خمسٍ وثمانين ومئتين، وكان مولده سنة عشرٍ ومئتين.

محمد بن يزيد بن عفيف

وكان في العلم بنحو البصريين فرداً؛ ومن شعره: من السريع وصاحبٍ أثقل من أحد ... جلوسه جهدٌ من الجهد علامة المقت على وجهه ... بينةٌ مذ كان في المهد لو دخل النار انطفى حرها ... ومات من فيها من البرد محمد بن يزيد بن عفيف من أهل دمشق. حدث عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أنه قال: لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً ولا شربتم شراباً على شهوةٍ أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون في ظله أبداً، ولززتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم، وتبكون على أنفسكم؛ ثم قال: من حدث بهذا الحديث؟ لوددت أني شجرةٌ أعضد في كل عامٍ وأوكل. محمد بن يزيد بن محمد ابن عبد الصمد أبو الحسن بن أبي القاسم، مولى بني هاشم حدث عن صفوان بن صالح، بسنده إلى عوف بن مالك الأشجعي، قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجلٍ من الأنصار، فقال: " اللهم صل عليه، واغفر له، وارحمه، واعف عنه، وأكرم نزله ومنقلبه، واغسله بماءٍ وبردٍ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب النار " قال عوف: لقد رأيتني أتمنى في مقامي ذلك أن أكون مكان ذلك الميت، لما رأيت من صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه.

محمد بن يزيد بن ماجة

وحدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يسلم في ركعتي الوتر. توفي محمد بن يزيد سنة تسعٍ وستين ومئتين. محمد بن يزيد بن ماجة أبو عبد الله القزويني الحافظ، صاحب كتاب السنن حدث عن هشام بن عمار، بسنده إلى ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بعرفة، فجئت أنا والفضل على أتانٍ، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا عنها وتركناها، ثم دخلنا في الصف. وحدث عن الزبير بن بكار، عن أيوب بن سليمان بن بلال، قال: قدم سفيان الثوري المدينة فمر بالغاضري، وهو يتكلم ويضحك الناس؛ فقال له سفيان: يا شيخ، أما علمت أن لله عز وجل يوماً يخسر فيه المبطلون؟ قال: فما زالت ترى في الشيخ حتى فارق الدنيا. توفي أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة سنة ثلاثٍ وسبعين ومئتين؛ وقال: إنه ولد سنة تسعٍ ومئتين. محمد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان حدث إسماعيل بن عبيد الله أنه وجد كتاباً في دار الإمارة: من عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن يزيد، أما بعد: فقد بلغني أنك تقول: أجمع لولدي؛ واعلم أنك إن تمت وتورثهم الدنيا بما فيها وكتب الله عليهم الفقر يفتقروا، واعلم أنك إن مت ولم تورثهم شيئاً وكتب الله لهم الغنى استغنوا؛ والسلام.

محمد بن يزيد أبو بكر الرحبي

محمد بن يزيد أبو بكر الرحبي من أهل دمشق، والرحبة قريةٌ من قرى قريش كانت فخربت. حدث عن عروة بن رويم، بسنده إلى أبي عثمان الصنعاني، قال: حاضرنا مع شرحبيل بن السمط وذكر أبا عبيدة فقدم علينا سلمان، فقال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رباط يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه ". محمد بن يزيد الأنصاري مولاهم البصري كتب الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد وكتب إليه: إن أردت رجلاً مأموناً فاضلاً عادلاً ورعاً مسلماً كتوماً، تتخذه لنفسك، وتضع عنده سرك وما لا تحب أن يظهر، فاتخذ محمد بن يزيد؛ فكتب إليه عبد الملك: احمله؛ فحمله، فاتخذه عبد الملك كاتباً. قال محمد: فلم يكن يأتيه كتابٌ إلا دفعه إلي، ولا بشر شيئاً إلا أخبرني به، وكتمه الناس، ولا يكتب إلى عاملٍ إلا أعلمنيه؛ فإني لجالسٌ يوماً نصف النهار، إذا أنا بيزيد قد قدم من مصر، فقال: الإذن على أمير المؤمنين؛ قلت: ليست هذه ساعة إذنٍ، فأعلمني ما قدمت له؛ قال: لا؛ قلت: فإن كان معك كتابٌ فادفعه إلي؛ قال: لا؛ قال: فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين، فخرج فقال: ما هذا؟ قلت: رسولٌ قدم من مصر؛ قال: فخذ الكتاب؛ قلت: زعم أنه ليس معه كتاب؛ قال: فسله عما قدم فيه؛ قلت: قد سألته، فلم يخبرني؛ قال: أدخله؛ فدخل فقال: آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز؛ فاسترجع وبكى، ووجم ساعةً؛ ثم قال: يرحم الله عبد العزيز، مضى لشأنه

وتركنا وما نحن فيه، وبكى النساء وأهل الدار؛ ثم دعاني من غدٍ، فقال لي: قد مضى عبد العزيز لسبيله ولابد للناس من علمٍ وقائمٍ يقوم بالأمر من بعدي فمن ترى؟ قلت: يا أمير المؤمنين سيد الناس وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك؛ قال: صدقت وفقك الله؛ ثم من ترى أن يكون بعد؟ قلت: يا أمير المؤمنين أين تعدوها عن سليمان فتى العرب؟ قال: وفقت، أما إنا لو تركناها للوليد لجعلها لبنيه، اكتب عهد الوليد وسليمان من بعده؛ فكتبت بيعة الوليد ثم سليمان من بعده، فغضب علي الوليد فلم يولني شيئاً حين أشرت لسليمان من بعده. قال محمد بن يزيد: لما قام سليمان بن عبد الملك بعثني إلى العراق إلى المسيرين، إلى أهل الديماس الذي سجنهم الحجاج؛ قال: فأخرجتهم فيهم يزيد الرقاشي ويزيد الضبي وعابدةٌ من أهل البصرة، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم وعنفت ابن أبي مسلم بصنيعه، وكسوت كل رجلٍ منهم بثوبين؛ فلما مات سليمان ومات عمر كنت مستعملاً على إفريقية، فقدم علي يزيد بن أبي مسلم أميراً في عمل يزيد بن عبد الملك فعذبني عذاباً شديداً حتى كسر عظامي، فأتي بي يوماً أحمل في كساءٍ عند المغرب؛ فقلت: ارحمني، قال: التمس الرحمة عند غيري، لو رأيت ملك الموت عند رأسك لناذرته نفسك، اذهب حتى أصبح لك. قال: فدعوت الله عز وجل، فقلت: اللهم اذكرني ما كان مني في أهل الديماس، اذكرني يزيد الرقاشي وفلاناً وفلاناً واكفني شر ابن أبي مسلم، وسلط عليه من لا يرحمه، واجعل ذلك من قبل أن يرتد إلي طرفي، وجعلت أحبس طرفي رجاء الإجابة، فدخل عليه ناسٌ من الري فقتلوه، ثم أتوني يطلقوني؛ فقلت: اذهبوا ودعوني فإني أخاف إن فعلتم أن يروا أن ذلك من سببي؛ فذهبوا وتركوني. وحدث بطريقٍ آخر: قال: بعثني عمر بن عبد العزيز حين ولي فأخرجت من في السجون من حبس سليمان، ما خلا يزيد بن أبي مسلم فنذر دمي، فلما مات عمر ولاه يزيد بن عبد الملك إفريقية وأنا بها فأخذت فأتى بي في شهر رمضان عند الليل، فقال لي: محمد بن يزيد؟

محمد بن يزيد النصري

قلت: نعم؛ قال: الحمد لله الذي أمكنني منك بلا عهدٍ ولا عقدٍ، وطالما سألت الله أن يمكنني منك؛ فقلت: وأنا طال ما سألت الله أن يعيذني منك؛ فقال: والله ما أعاذك الله مني، لو أن ملك الموت يسابقني إليه لسبقته؛ قال: وأقيمت المغرب، فصلى ركعة وثار به الجند فقتلوه؛ وقالوا لي: خذ أي طريقٍ شئت. وقيل: كان السبب في قتل يزيد بن أبي مسلم والي إفريقية، أن كان عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج بن يوسف، فأجمع رأيهم على قتله، فقتلوه، وولوا على أنفسهم الوالي الذي كان عليهم قبل وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار، وكان في حبس يزيد بن مسلم، وكتبوا إلى يزيد بن عبد الملك: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضي الله عز وجل والمسلمين، فقتلناه وأعدنا عاملك؛ فكتب إليهم يزيد بن عبد الملك: إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم؛ وأقر محمد بن يزيد على إفريقية. محمد بن يزيد النصري من أهل المدينة، سكن دمشق. وحدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بسنده إلى رافع بن خديج، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا قطع في تمرٍ ولا كثرٍ ".

محمد بن يزيد أبو جعفر المقابري

محمد بن يزيد أبو جعفر المقابري الخراز الآدمي العابد سمع بدمشق وغيرها. حدث عن معن بسنده إلى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله أقيد العلم؟ قال: " نعم " يعني كتابةً. وحدث عن سفيان، بسنده أن عائشة رضوان الله عليها، قالت: إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم في الدنيا لحق، وقد قال الله عز وجل: " إنك لا تسمع الموتى ". وحدث عن معن، عن ابن أخي الزهري، عن عمه، قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق نضر الله وجهه: مالك لا تستعمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إني أكره أن أدنس دينهم. توفي محمد بن يزيد الآدمي سنة خمسٍ وأربعين ومئتين. محمد بن يزيد الأموي المسلمي الحصني من ولد مسلمة بن عبد الملك بن مروان. شاعر محسنٌ. هجا عبد الله بن طاهر بقصيدةٍ عارض بها قصيدته التي افتخر فيها، فلما قدم ابن طاهر الشام قصده، فلم يهرب منه واستسلم لأمره، فعفا عنه، ولحقه إلى مصر، واجتاز بدمشق، ولم يفارقه إلى أن رجع ابن طاهر إلى العراق.

محمد بن يعقوب بن أزهر بن علي

وامتدح المسلمي الحسن بن وهب بدمشق إذ كان الحسن يتولى الخراج فقال: من البسيط سقى دمشق وما ضمت جوانبها ... رخو الملاطين في أوراكه ظلع إذا ترنم فيه الرعد أزعجه ... حتى ينازع غرباً ثم يرتدع يسقي رياضاً من المعروف حاليةً ... فيهن للمجد مصطافٌ ومرتبع حيث المكارم معمورٌ مساكنها ... بآل وهبٍ وشمل المجد مجتمع كانت عواري حتى حلها حسنٌ ... فأصبحت ولها من جوده خلع محمد بن يعقوب بن أزهر بن علي ابن سعيد أبو عبد الله الطائي الحمصي قدم دمشق. حدث عن أبي حفص عمر بن علي بن الحسن بن محمد بن إبراهيم العتكي الأنطاكي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أدري تبعٌ كان لعيناً أم لا، ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم لا، ولا أدري الحدود كفارةً لأهلها أم لا ". محمد بن يعقوب بن حبيب أبو جعفر الغساني حدث عن آدم بن أبي إياس، بسنده إلى زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا ". وحدث عن أبي الجماهر محمد بن عثمان بسنده إلى أبي عمران الأنصاري، أن أم الدرداء أعطته يوم الفطر ثلاث تمراتٍ، فقالت: يا سليمان كلهن وخالف أهل الكتاب، فإنهم لا يأكلون في أعيادهم حتى يصلوا. توفي محمد بن يعقوب سنة أربع وستين ومئتين.

محمد بن يعقوب بن يوسف

محمد بن يعقوب بن يوسف ابن معقل بن سنان بن عبد الله أبو العباس المعقلي السيناني النيسابوري الأصم، مولى بني أمية محدثٌ مشهورٌ. حدث عن أبي يحيى زكريا بن يحيى المروزي، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: " وما أعددت لها؟ " فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: " فأنت مع من أحببت ". كان أبو العباس قد استكم عليه الصمم حتى كان لا يسمع نهيق الحمار، وكان محدث عصره بلا مدافعةٍ، فإنه حدث في الإسلام ستاً وسبعين سنةً، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعاته وضبط أبيه يعقوب الوراق لها، وكان يرجع إلى حسن المذهب والتدين، يصلي خمس صلواتٍ في جماعةٍ، وقيل: إنه أذن سبعين سنةً في مسجده، وكان حسن الخلق سخي النفس، وكان يقول: ولدت سنة سبعٍ وأربعين ومئتين. والمعقلي بفتح الميم والعين المهملة والقاف المكسورة. قال محمد بن عبد الله: خرج علينا أبو العباس محمد بن يعقوب رحمه الله، ونحن في مسجده وقد امتلأت السكة من أولها إلى آخرها من الناس في سنة أربع وأربعين وثلاث مئة، وكان يملي عشية كل اثنين من أصوله مما ليس في الفوائد أحاديث، فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء من كل فج عميقٍ، وقد قاموا يطرقون له، ويحملونه على عواتقهم من باب داره إلى مسجده، فلما بلغ المسجد جلس إلى جدار المسجد وبكى طويلاً ثم نظر إلى المستملي وقال: اكتب، سمعت محمد بن إسحاق الصغاني، يقول: سمعت أبا سعيد الأشج، يقول: سمعت عبد الله بن إدريس، يقول: أتيت يوماً باب الأعمش بعد موته فدققت الباب؛ فقيل:

محمد بن يعقوب الدمشقي

من هذا؟ فقلت: ابن إدريس؛ فأجابتني امرأةٌ يقال لها، برة: هاي هاي يا عبد الله بن إدريس ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب؟ ثم بكى الكثير، ثم قال: كأني بهذه السكة ولا يدخلها أحدٌ منكم، فإني لا أسمع وقد ضعف البصر وحان الرحيل، وانقضى الأجل؛ فما كان إلا بعد شهرٍ أو أقل منه حتى كف بصره، وانقطعت الرحلة، وانصرف الغرباء إلى أوطانهم، ورجع أمر أبي العباس إلى أنه كان يناول قلماً، فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان؛ ويقرأ الأحاديث التي كان يحفظها وهي أربعة عشر حديثاً وسبع حكاياتٍ وصار بأسوأ حالٍ إلى ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مئة، فتوفي أبو العباس ليلة الاثنين رحمه الله. قال أبو جعفر محمد بن موسى بن عمران: رأيت أبا العباس في المنام، فقلت: إلى ماذا انتهى حالك؟ فقال: أنا مع أبي يعقوب البويطي والربيع بن سليمان، في جوار أبي عبد الله الشافعي، نحضر كل يوم ضيافته. محمد بن يعقوب الدمشقي حدث عن محمد بن يزيد، عن جده، قال: قال لقمان: مجالسة العالم على المزابل خيرٌ من مجالسة الجاهل على الزرابي. محمد بن يعقوب ويقال محمد بن علي أبو جعفر الكليني من شيوخ الرافضة. حدث عن علي بن إبراهيم بن هاشم، بسنده إلى جعفر بن محمد، قال: قال أمير المؤمنين: إعجاب المرء بنفسه دليلٌ على ضعف عقله.

محمد بن يعقوب الحافظ

الكليني: بضم الكاف والنون بعد الياء وإمالة اللام، توفي محمد بن يعقوب سنة ثمان وعشرين وثلاث مئة. محمد بن يعقوب الحافظ قدم دمشق. حدث عن سعيد بن هاشم، بسنده إلى الحسن، قال: تخطوا رقاب هؤلاء الذين يجلسون على أبواب المسجد يوم الجمعة، فإنه لا حرمة لهم. محمد بن يعقوب أبو بكر التستري حدث عن محمد بن داود الدينوري، قال: سمعت أبا بكر المصري، يقول: خرجت من عينونه أريد الرملة، فبينا أنا أمشي إذا أنا بفقيرٍ حافي القدمين، حاسر الرأس، وعليه خرقتان متزرٌ بإحداهما مرتدٍ بالأخرى، ليس معه زادٌ ولا ركوةٌ؛ فقلت في نفسي: لو كان مع هذا ركوةٌ وحبلٌ، فإذا ورد الماء توضأ وصلى كان خيراً له؛ فلحقت به وقد اشتد الهاجرة، فقلت له: يا فتى، لو أن هذه الخرقة التي على كتفك جعلتها على رأسك تتوقى بها الشمس كان خيراً لك؛ فسكت ومشى، فلما كان بعد ساعةٍ قلت له: أنت حافٍ ما ترى في نعلٍ تلبس ساعةً وأنا ساعةً؟ فقال: أراك شيخاً كثير الفضول، ألم تكتب الحديث؟ قلت: بلى؛ قال: فلم تكتب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؟ " فسكت ومشى وانقطع الماء، وعطشت ونحن على ساحل البحر، فالتفت إلي وقال: أنت عطشان؟ قلت: لا؛ فمشى ساعةً وقد كظني العطش، ثم التفت إلي فقال: أنت عطشان؟ قلت:

محمد بن أبي يعقوب أبو بكر الدينوري

نعم، ما تقدر أن تعمل في مثل هذا الوضع؟ فأخذ الركوة مني ودخل البحر، وغرف بالركوة الماء وجاءني به، وقال: اشرب؛ فشربت ماءً أعذب من ماء النيل وأصفى لوناً، وفيه حسيسٌ؛ فقلت في نفسي: هذا ولي الله، ولكني أدعه حتى إذا وافينا المنزل سألته الصحبة. فقال: أيما أحب إليك؛ تمشي أو أمشي؟ فقلت: إن تقدم فاتني ذلك، أتقدم أنا وأجلس في بعض المواضع، فإذا جاء سألته الصحبة، فقال: يا أبا بكر إن شئت تقدم واجلس وإن شئت فتأخر، فإنك لا تصحبني؛ ومضى وتركني، فدخلت المنزل وكان لي صديقٌ بها وعندهم عليلٌ فقلت لهم: رشوا عليه من هذا الماء، فرشوا عليه فبرئ، وسألتهم عن الشخص، فقالوا: ما رأيناه. محمد بن أبي يعقوب أبو بكر الدينوري حدث عن أبي ميمون جعفر بن نصر، بسنده إلى البراء، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سره أن يتمسك بقضيب الدر الذي غرسه الله في جنة عدنٍ فليتمسك بحب علي ". محمد بن يوسف بن أحمد البغدادي أبو الحسن البغدادي الأخباري الأديب له شعرٌ متوسط. حدث عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حبيب بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكاً يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت شهيداً له وشفيعاً يوم القيامة ". حدث محمد بن يوسف بدمشق سنة سبعٍ وتسعين وثلاث مئة.

محمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف

محمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن النيسابوري الأعرج القطان حدث عن أبي إسحاق بن أحمد الحصري، بسنده إلى عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بعثت داعياً ومبلغاً، وليس إلي من الهدى شيءٌ " زاد في رواية أخرى: " وخلق إبليس قريناً وليس إليه من الضلالة شيءٌ ". توفي محمد بن يوسف سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة. محمد بن يوسف بن بشر القرشي حدث عن الوليد بن محمد الموقري، قال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة؛ قال: فمن خلفت يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح؛ قال: من العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية؛ قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا؛ فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاووس بن كيسان؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء؛ قال: إنه لينبغي، فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل الشام؟ قلت: مكحول؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: عبد نوبي أعتقته امرأةٌ من هذيل؛ قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران؛ قال: من العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك بن مزاحم؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي؛ قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قلت: إبراهيم

محمد بن يوسف بن بشر بن النضر

النخعي؛ قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من العرب؛ قال: ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها؛ قال: قلت: يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد ومن ضيعه سقط. محمد بن يوسف بن بشر بن النضر ابن مرداس أبو عبد الله الهروي الحافظ الفقيه الشافعي حدث عن العباس بن الوليد بن مزيد بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وحدث محمد بن يوسف بدمشق، عن إسماعيل بن محمد بن يوسف الثقفي، بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه الله بعلمه ". ولد الهروي سنة تسعٍ وعشرين ومئتين، وتوفي سنة ثلاثين وثلاث مئة، وقد جاوز المئة، وكان شيخاً حافظاً للحديث، وكان قد كف بصره. محمد بن يوسف بن الحكم ابن أبي عقيل الثقفي، أخو الحجاج بن يوسف كان أميراً على اليمن، ووفد عبد الملك بن مروان. حدث محمد بن ماجان أن الحجاج بعث بكف ابن الزبير مقطوعةً بعد ما قتله إلى أخيه محمد بن يوسف بصنعاء. قال حجر المدني: قال لي علي: كيف بك إذا أمرت أن تلعنني؟ قال: أو كائنٌ ذلك؟ قال: نعم؛ قلت: فكيف أصنع؟ قال: العن ولا تتبرأ مني؛ فأقامه محمد بن

يوسف إلى جنب المنبر يوم الجمعة، فقال له: العن علياً، فقال: إن الأمير محمد بن يوسف أمرني أن ألعن علياً فالعنوه لعنه الله؛ قال: فعماها على أهل المسجد وتفرقوا وما فظن له إلا رجلٌ واحد. استعمل محمد بن يوسف طاووساً باليمن، فلما فرغ قال له: ارفع حسابك؛ قال: ما لي حساب، أخذت من الغني وأعطيت الفقير. حدث وهب بن منبه، قال: صليت أنا وطاووس المغرب خلف محمد بن يوسف يعني أخا الحجاج فلما سلم قام طاووس فشفع بركعةٍ ثم صلى المغرب. كان طاووس يصلي في غداةٍ باردةٍ منعمة، فمر به محمد بن يوسف أو أبو نصر بن يحيى وهو ساجدٌ، في موكبه فأمر بساجٍ أو طيلسان مرتفعٍ وطرح عليه، فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته؛ فلما سلم نظر فإذا الساج عليه فانتفض ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله. وفي روايةٍ: أن طاووساً دخل على محمد بن يوسف في غداةٍ باردةٍ، فقعد طاووس على الكرسي، فقال: يا غلام هلم ذلك الطيلسان فألقه على أبي عبد الرحمن، فألقوه عليه، فلم يزل يحرك كتفيه حتى ألقى الطيلسان وغضب محمد بن يوسف؛ فقال له وهب بن منبه: والله إن كنت لغنياً أن تغضبه علينا، لو أخذت الطيلسان فبعته وأعطيت ثمنه المساكين؟ فقال: نعم، لولا أن يقال من بعدي: أخذه طاووس فلا تصنع فيه ما أصنع، إذاً لفعلت. قال علي بن زيد: قال طاووس: بينا أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلى جنبه واتكأني على وسادةٍ، إذ سمع ملبياً يلبي حول البيت رافعاً صوته بالتلبية؛ فقال: علي بالرجل؛ فأتي به، فقال: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين؛ قال: ليس عن الإسلام سألتك؛ قال: فعم سألت؟ قال:

سألتك عن البلد؛ قال: من أهل اليمن؛ قال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ قال: تركته عظيماً جسيماً لباساً ركاباً خراجاً ولاجاً؛ قال: ليس عن هذا سألتك؛ قال: فعم سألت؟ قال: سألت عن سيرته، قال: تركته ظلوماً غشوماً مطيعاً للمخلوق عاصياً للخالق؛ فقال له الحجاج: ما يحملك على أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟ قال الرجل: أتراه بمكانه منك أعز مني بمكاني من الله وأنا وافد بيته ومصدق نبيه، وقاضي دينه؟ قال: فسكت الحجاج، فما أحار به جواباً؛ وقام الرجل من غير أن يؤذن له، فانصرف. قال طاووس: فقمت في أثره وقلت: الرجل حكيم؛ فأتى البيت فتعلق بأستاره ثم قال: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ، اللهم اجعل لي في اللهف إلى جودك والرضى بضمانك مندوحةً عن منع الباخلين، وغنىً عما في أيدي المستأثرين، اللهم فرجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة؛ ثم دخلت في الناس فرأيته عشية عرفة، وهو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر عن مصيبتي بتركك القبول مني؛ ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمعٍ يقول: واسوءتاه منك والله وإن غفرت؛ يردد ذلك. قال عمر بن عبد العزيز: الوليد بن عبد الملك بالشام، والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر، امتلأت الأرض والله جوراً. قال ربيعة بن عطاء: قلت عند القاسم بن محمد: قاتل الله محمد بن يوسف ما أجرأه على الله؛ قال: هو أذل وألأم من أن يجترئ على الله، ولكنها الغرة؛ قل: ما أغره بالله. توفي محمد بن يوسف باليمن سنة إحدى وتسعين.

محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقي

محمد بن يوسف بن سليمان بن سليم أبو عبد الله البغدادي الجوهري حدث عن معلى بن أسد، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسافر امرأةٌ بريداً إلا ومعها محرمٌ يحرم عليها ". وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة، قال: نهينا أن يتخصر الرجل في الصلاة. وحدث عن الفضل بن موفق، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم ". توفي محمد بن يوسف الجوهري سنة خمسٍ وستين ومئتين. محمد بن يوسف بن عبد الله الدمشقي حدث عن أبي جعفر محمد بن عبد الحميد الفرغاني، بسنده إلى عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عزى مصاباً فله مثل أجره ". محمد بن يوسف بن عمر بن علي أبو عبد الله الكفرطابي نزيل شيزر ويعرف بابن المنيرة أديب فاضل فمن شعره يهنئ صاحب شيزر بولدٍ رزقه: من البسيط يا من هو الليث لولا حسن صورته ... ومن هو الغيث إلا أنه بشر

محمد بن يوسف بن محمد بن إسحاق

ومن هو السيف إلا أن مضربه ... لا ينثني ويكل الصارم الذكر ومن هو البحر إلا أن نائله ... سهل المرام وهذا نيله عسر هنيت بالولد الميمون طائره ... وعاش في ظل عز ما له قصر فقد تباشرت الخيل العتاق به ... والمشرفية والعسالة السمر علماً بأن سوف نوليها بخدمته ... فخراً يقصر عنه البدو والحضر أليس مولده منكم ومنشؤه ... فيكم وذلك فخرٌ دونه مضر لا زال عزكم ينمى ومجدكم ... يسمو وفضلكم في الناس يشتهر توفي ابن منيرة سنة ثلاثٍ وخمسين وخمس مئة، بعد الزلزلة. محمد بن يوسف بن محمد بن إسحاق ابن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو عبد الله الأفشيني قدم دمشق. روى عن أبي القاسم عبيد الله بن إسحاق بن حبابة، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحرير ثياب من لا خلاق له ". محمد بن يوسف بن نهار أبو الحسن البغدادي المقرئ سمع بدمشق. روى عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بسنده إلى ابن عباس أن أم الفضل أرسلت بلبنٍ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشربه وهو يخطب للناس بعرفة.

محمد بن يوسف بن واقد

قال محمد بن يوسف: أنشدنا أبو بكر محمد بن القاسم بن يسار الأنباري، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب: من الكامل لا تحفرن بئراً تريد أخاً بها ... فإنك فيها أنت من دونه تقع كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً ... يصبه على رغمٍ عواقب ما صنع محمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الضبي الفريابي حدث عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك، قال: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر يخطب، فقام إليه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله؛ فرفع يديه وما في السماء قزعةٌ، فما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر ينحدر على لحيته، فمطرنا يومنا والذي بعده والذي يليه إلى الجمعة، فبينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر إذ قام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه فجعل لا يشير بيده إلى ناحيةٍ إلا أفرجت حتى صارت المدينة مثل الحوبة. وحدث عن الأوزاعي، بسنده إلى فيروز الديلمي، قال: قلت: يا رسول الله نحن ممن قد علمت، وجئنا من حيث تعلم، ونزلنا بين ظهراني من تعلم، فمن ولينا؟ قال: " الله ورسوله ". وحدث عن الأوزاعي، قال: كان عندنا رجلٌ صياد، وكان يرى التخلف عن الجمعة، فخرج يوماً كما كان يخرج، فخسف به وببغلته فما رؤي منها إلا أذناها.

ذكر الفريابي أنه ولد في سنة عشرين ومئة، وتوفي بقيسارية سنة اثنتي عشرة ومئتين. قال الفريابي: رأيت في منامي كأني دخلت كرماً فيه من أصناف العنب، فأكلت من عنبه كله غير الأبيض، فلم آكل منه شيئاً، فقصصتها على الثوري، فقال: تصيب من العلم كله غير الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب، فكان الفريابي كذلك لم يجد النظر في الفرائض. قال ابن زنجويه: ما رأيت أخوف لله من إسحاق بن سليمان الرازي، وما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون، وما رأيت أخشع من أبي المغيرة عبد القدوس، وما رأيت أعقل من أبي مسهر، وما رأيت أقنع من محمد بن يوسف الفريابي، وما رأيت أشد تقشفاً من بشر بن الحارث. قال محمد بن سهل بن عسكر: خرجت مع محمد بن يوسف الفريابي في الاستسقاء، فرفع يديه فما أرسلها حتى مطرنا. قال أبو بكر محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العنبري الشيخ الصالح: دخلت على علي بن عبد العزيز بمكة، وسمعت منه ثم أردت الخروج إلى صنعاء لسماع كتب عبد الرزاق، فقال لي علي بن عبد العزيز: حدثني شيخٌ من أفاضل المسلمين قال: دخلت إلى صنعاء إلى عبد الرزاق لسماع الكتب، فكان يمتنع علي فيه ويتعاسر علي، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي، فقلت: يا رسول الله، أنا على باب عبد الرزاق منذ مدةٍ، وهو يمتنع علينا في الرواية فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى مدينة الرسول واسمع من القعنبي كتاب الموطأ لمالك بن أنس، واذهب إلى الشام واسمع من محمد بن

يوسف الفريابي كتب سفيان الثوري، وارجع إلى البصرة واسمع من أبي النعمان عارم كتب حماد بن زيد " قال: فبكرت إلى عبد الرزاق وقصصت عليه هذه الرؤيا؛ فقال: شكوتني إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقم عندنا واصبر علي حتى أقرأ لك الكتب؛ قال: فقلت: والله لا أقمت يوماً واحداً، فإني أمتثل أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال العباس بن عبد الله الترقفي: خرج علينا سفيان بن عيينة رحمه الله يوماً فنظر إلى أصحاب الحديث فقال: هل منكم أحدٌ من أهل مصر؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل الليث بن سعد؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل الرملة؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل ضمرة بن ربيعة الرملي؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل حمص؟ فقالوا: نعم؛ فقال: ما فعل بقية بن الوليد؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل دمشق؟ قالوا: نعم؛ قال: ما فعل الوليد بن مسلم؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ فقال: هل فيكم أحدٌ من أهل قيسارية؟ قالوا: نعم؛ قال: ما فعل محمد بن يوسف الفريابي؟ فقالوا: توفي رحمه الله؛ قال: فبكى طويلاً ثم أنشأ يقول: من الكامل خلت الديار فسدت غير مسودٍ ... ومن الشقاء تفردي بالسؤدد قال المصنف: هذه الحكاية ظاهرة الاختلال، لا يخفى خطؤها إلا على الجهال، فإن الليث قديم الوفاة، لا تخفى وفاته على سفيان، وأما ضمرة بن ربيعة فإنما توفي بعد سفيان، وبقية توفي قبل سفيان، وقيل: بعده؛ وتوفي سفيان سنة ثمانٍ وتسعين، والفريابي بقي بعد سفيان مدة طويلة. قال محمد بن إبراهيم المعروف بحباش: خرجت مع خالي القاسم بن عبد الوهاب إلى قيسارية لنسمع من محمد بن يوسف

محمد بن يوسف بن يعقوب بن محمد

الفريابي، فلما حضرنا ذكر عنده القول، فقال محمد بن يوسف: ما أدري ما هو، ولا له موقعٌ من قلبي؛ فقال له خالي: إن معي من يقول؛ قال: قل؛ فقال: من المتقارب تخلى الحبيب بأحبابه ... فطوبى لمن كان معنىً به قال: فبكى محمد بن يوسف، وقال: ما أرى بهذا بأساً؛ قال سفيان الثوري: لو وجدت قلبي على مزبلةٍ لجلست عليها. قال يحيى: حدث الفريابي عن أبي عيينة عن ابن نجيح، عن مجاهد: " الشعر في الأنف أمانٌ من الجذام ". وهذا حديثٌ باطلٌ، ليس له أصل. قال يحيى بن معين: الفريابي عندنا ثقةٌ، ولكنه طن على أذن الشيخ. ويقال: إن محمد بن يوسف أخطأ في خمسين ومئة حديثٍ من حديث سفيان. محمد بن يوسف بن يعقوب بن محمد ابن يحيى أبو بكر الصواف البغدادي سمع بدمشق. حدث عن أبي بكر بن ريان، بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن المؤمن يأكل في معىً واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ". توفي أبو بكر محمد بن يوسف سنة سبعٍ وستين وثلاث مئة.

محمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم

محمد بن يوسف بن يعقوب بن إبراهيم أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر الرقي حدث عن أبي محمد عبد الله بن شوذب الواسطي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً ". وحدث عن سليمان بن أحمد بن أيوب، بسنده إلى أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان يوم القيامة يجيئون أصحاب الحديث ومعهم المحابر فيقول الله عز وجل لهم: أنتم أصحاب الحديث طال ما كنتم تصلون على نبيي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انطلقوا إلى الجنة ". وفي رواية: فيقول الله: " ادخلوا الجنة على ما كان منكم طال ما كنتم تصلون على نبي في دار الدنيا ". قال الخطيب: هذا حديثٌ موضوع، والحمل فيه على الرقي. قال محمد بن يوسف: سمعت أحمد بن محمد بن الأعرابي يقول: سمعت مسلم يقول: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: إنما أمس مثلٌ، واليوم عملٌ، وغداً أملٌ. محمد بن يوسف الدمشقي حدث عن قبيصة بن ذؤيب أنه سأل عبد الرحمن بن عوف، عن السبحة عند أذان المغرب، فقال: كنا إذا صمنا صليناهما.

محمد بن يونس بن هاشم

وحدث عن قبيصة بن ذؤيب، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: كنا نركعهما إذا قمنا بين الأذان والإقامة من المغرب. محمد بن يونس بن هاشم أبو بكر المقرئ العين زربي، المعروف بالإسكاف حدث عن أبي بكر محمد بن يوسف الربعي، بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخير عادة والشر لجاجةٌ، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ". توفي محمد بن يونس سنة إحدى عشرة وأربع مئة. محمد والد هارون وفد على عمر بن عبد العزيز، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يأمر بزقاق الخمر أن تشقق وبالقوارير أن تكسر. محمد الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز، وقال: شهدت عمر بن عبد العزيز حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الله خلق خلقه ثم أرقدهم، ثم يبعثهم من رقدتهم، فإما إلى جنةٍ وإما إلى نارٍ، والله إن كنا مصدقين بذا إنا لحمقى وإن كنا مكذبين بهذا إنا لهلكى؛ ثم نزل.

محمد أبو عبد الله ويعرف باليسع

محمد أبو عبد الله ويعرف باليسع أحد الصالحين. حكى عن نفسه أنه أقام بدمشق مدةً، وقوته في الشهر أربعة دوانيق. مالك بن أدهم السلاماني شهد صفين مع معاوية وقتل يومئذٍ، وكان فارساً شاعراً، وقتل الأشتر بيده سبعةً مبترزةً؛ صالح بن فيروز العكي، ومالك بن أدهم السلاماني، ورياح بن عتيك الغساني، والأجلح بن منصور الكندي، وإبراهيم بن الوضاح الجمحي، وزامل بن عتيك الحزامي، ومحمد بن روضة الجمحي؛ وكان مالك بن أدهم خرج وهو يقول: من الرجز إني منحت مالكاً سنانيا ... أجيبه بالرمح إذا دعانيا لفارسٍ أمنحه طعانيا فشد عليه الأشتر فطعنه، فثنى السنان والتوى عليه، ثم شد على الأشتر فطعنه فمار السنان والتوى عليه، ثم شد عليه الأشتر فقتله، وأنشأ يقول: من الرجز خانك رمحٌ لم يكن خوانا ... وكان قدماً يقتل الفرسانا بوأته لخير ذي قحطانا ... لفارسٍ يخترم الأقرانا أشتر لا وغلاً ولا جبانا مالك بن أدهم بن محرز بن أسيد ابن أخشن بن رياح بن أبي خالد الباهلي وبنو باهلة أولاد معن وأولاد مالك أبيه، لأن معناً خلف على امرأة أبيه باهلة بنت صعب بن سعد العشيرة.

كان المنصور يسأل مالك بن أدهم كثيراً عن حديث عجلان بن سهيل أخي حوثرة بن سهيل، قال: كنا جلوساً مع عجلان إذ مر بنا هشام بن عبد الملك، فقال رجلٌ من القوم: قد مر الأحوال؛ قال: من تعني؟ قال: هشاماً؛ قال: تسمي أمير المؤمنين بالنبز، والله ولولا رحمك لضربت عنقك؛ فقال المنصور: هذا والله الذي ينفع مع مثله المحيا والممات. قال مالك بن أدهم: غزونا الصائفة مع معاوية بن هشام، فلما قفلنا وقدمنا وفداً إلى هشام، قدم وفد البحر، فأذن لنا هشام جميعاً فدخلنا عليه، وقام خطيبنا، فتكلم فأحسن، ثم قام خطيب البحر من الموالي فبذ خطيبنا كلاماً. قال: وقد كان بعث البحر نكبوا قبل ذلك ثلاث غزوات؛ فقال خطيب البحر في كلامه: يا أمير المؤمنين إن لكل شيء إسطاماً وإن إسطام الموالي العرب، فإن كان لك بثغرك في البحر حاجةٌ فاسطم الموالي بالعرب، فإنه أحسن لذات بيننا وأسخى لأنفسنا وأهيب لنا في صدور عدونا؛ قال هشام: صدقت ونصحت؛ فقطع البعث على الموالي والعرب. قيل: إن مالكاً بلغ مئة سنةً، وصحب المنصور، والله أعلم. نجز الجزء الثالث والعشرون من تاريخ دمشق ويتلوه في الرابع والعشرين إن شاء الله عز وجل مالك بن أسماء بن خارجة علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ في العشرين من شهر رجب الفرد سنة أربع وتسعين وست مئة أحسن الله تقضيها الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل /

مالك بن أسماء بن خارجة وفد على عبد الملك بن مروان. حدث، قال: كنت مع أبي أسماء إذ دخل رجل إلى أمير من الأمراء، فأثنى عليه وأطراه، ثم جاء إلى أبي أسماء، فجلس إليه وهو جالس في جانب الدار، فجرى حديثهما، فما برح حتى وقع فيه، فقال أسماء: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إن ذا اللسانين في الدنيا له يوم القيامة لسانان من نار. عن أبي الحسن المدائني، قال: أوفد الحجاج مالك بن أسماء بن خارجة إلى عبد الملك، فدخل عليه، فسمع صراخاً في داره، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: مات أبان بن عبد الملك في هذه الليلة. فقال مالك: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فو الله ما على ظهر الأرض أهل بيت أعظم مرزئة، ولا الله أكفى لهم بالواحد الباقي من أنفسهم منكم أهل البيت. فأعجب عبد الملك كلامه، فاستعاده، وفضله. وكان الحجاج لا يستعمل مالكاً لإدمانه الشراب، واستهتاره به، فكتب عبد الملك إلى الحجاج: إنك أوفدت إلي رجل أهل العراق، فوله وأكرمه.

عن محمد بن عبيد الله العيني، قال: كان مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري عاملاً للحجاج عل الحيرة، وكان صهراً له، فبلغه عنه شيء، فعزله، فلما ورد عليه قال: أنت القائل: " من الخفيف " حبذا ليلتي بحيث نسقى ... قهوة من شرابنا ونغنى حيث دارت بنا الزجاجة حتى ... يحسب الجاهلون أنا جننا فمررنا بنسوة عطرات ... وسماع وقرقف فنزلنا وقد مات للحجاج ابن، وأخ لمالك؛ فقال مالك: بل أنا القائل: " من الخفيف " ربما قد لقيت أمس كئيباً ... أقطع الليل عبرة ونحيبا أيها المشفق الملح حذاراً ... إن للموت طالباً ورقيبا فضل ما بين ذي الغنى وأخيه ... أن يعار الغني ثوباً قشيبا قال: فرقّ الحجاج لهذا الشعر حتى دمعت عيناه، ثم أمر بحبسه وأداء ما عليه، وبعث إلى أهل عمله: أن ارفعوا عليه كل شيء. فقال بعضهم لبعض: هذا صهر الأمير، ويغضب عليه اليوم ويرضى عنه غداً، لا تتعرضوا له. فلما دخلوا على الحجاج، دخل عليه شيخ منهم، فسأله، فقال: ما ولينا عامل أعف عن أشعارنا وأبشارنا وأموالنا منه. فضرب ثلاثمئة سوط: ثم دعا بقية أصحابه، فسألهم عنه، فلما رأوا ما أصاب الشيخ رفعوا عليه كل شيء؛ فقال الحجاج: ما تقول يا مالك فيما يقول هؤلاء؟ قال أصلح الله الأمير، مثلي ومثلك ومثل هؤلاء ومثل المضروب مثل أسد كان يخرج إلى الصيد، فصحبه ذئب وثعلب، فخرجوا يتصيدون،

فأصادوا حمار وحش، وتيساً، وأرنباً؛ فقال الأسد للذئب: من يكون القاضي ويقسم هذا بيننا؟ قال: أما الحمار فلك يا أبا الحارث، والتيس لي، والأرنب للثعلب؛ فضربه الأسد ضربة وضع رأسه بين يديه، ثم قال للثعلب: من يقسم هذا بيننا؟ قال: أنت، أصلحك الله. قال الأسد: لا، بل أنت، أنا الأمير وأنت القاضي. قال الثعلب: الحمار لك تتغذى به، والأرنب لك تتفكه به ما بينك وبين الليل، والتيس لك تتعشى به. قال الأسد: ويحك - يا أبا الحصين - ما أعدلك، من علمك هذا القضاء؟ قال: علمنيه الرأس الذي بين يديك؛ ولكن الشيخ المضروب هو الذي علم هؤلاء حتى قالوا ما سمعت؛ فضحك الحجاج، ووصل المضروب، وخلى سبيل العامل. عن أبي الحسن المدائني، قال: دخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، قال: فجلس إلي رجل من بني مرة، ثم اتكأ علي في يوم حار. قال مالك: وأقبل علي المري يحدثني حتى أكثر وغمني، ثم قال: أتدري كم قتلنا منكم في الجاهلية؟ قال: قلت: أما في الجاهلية فلا، ولكن أعرف من قتلتم منا في الإسلام. قال: من؟ قلت: أنا، قد قتلتني غماً. حدث سعيد بن سلم، قال: كان الحجاج بن يوسف ينشد ول مالك بن أسماء بن خارجة: " من المنسرح " يا منزل الغيث بعدما قنطوا ... ويا ولي النعماء والمنن يكون ما شئت أن يكون وما ... قدرت ألا يكون لم يكن لو شئت إذ كان حبها عرضاً ... لم ترني وجهها ولم ترني يا جارة الحي كنت لي سكناً ... إذ ليس بعض الجيران بالسكن أذكر من جارتي ومجلسها ... طرائفاً من حديثها الحسن ومن حديث يزيدني مقةً ... ما لحديث المحبوب من ثمن ثم يقول الحجاج: ما له، فضّ الله فاه، ما أشعره، وما أخبره!

عن مصعب بن عبد الله، ويعقوب الزهري، قالا: رأى عمر بن أبي ربيعة رجلاً يطوف بالبيت، فبهره جماله وتمامه، فسأل عنه، فقيل: مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري، فجاءه يعانقه وسلم عليه، وقال: أنت أخي. قال مالك: ومن أنا؟ ومن أنت قال: أما إنك ستعرفني، وأما أنت، فالذي تقول: " من الخفيف " إن لي عند كل نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمينا نظرة والتفاتة لك أرجو ... أن تكوني حللت فيما يلينا قال: أنت عمر. قال: أنا عمر. قال: وأنت الذي تقول: " من الكامل " طرقتك بين مسبح ومكبر ... بحطيم مكة حيث سال الأبطح فحسبت مكة والمشاعر كلها ... ورحالنا باتت بمسك تنفح قال جهم بن مسعدة: كان بين مالك بن أسماء وبين عيينة بن أسماء بن خارجة شيء، فلما عذب الحجاج بن يوسف عيينة بن أسماء قال مالك بن أسماء: " من الكامل " لما أتاني عن عيينة أنه ... عان عليه تظاهر الأقياد نحلت له نفسي النصيحة إنه ... عند الشدائد تذهب الأحقاد أنشد محمد بن إبراهيم الزبيري، لمالك بن أسماء بن خارجة: " من الخفيف " أمغطي مني على بصري في ال ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا وحديث ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحنا

مالك بن أوس الحدثان بن الحارث بن عوف

عن أبي العباس محمد بن يزيد، قال: أول ما سمعت الرياشي ينشد شعراً لمالك بن أسماء بن خارجة: " من الكامل " يا ليت لي خصاً بداركم ... بدلاً بداري في بني أسد الخص فيه تقر أعيننا ... خير من الآجر والكمد وعن الشافعي، قال: كانت لهند بنت أسماء جارية حسناء ظريفة، وكان أخواها عيينة ومالك يتعشقانها، ويكتمان ذلك، ثم إن عيينة كتب إلى أخيه مالك يستشفع به على أخته هند، فكتب مالك إلى عيينة جوابه: " من الكامل " أعيين هلا إذ كلفت بها ... كنت استغثت بفارغ العقل أقبلت ترجو الغوث من قبلي ... والمستغاث إليه في شغل فلما قرأ جواب أخيه علم أن به مثل ما به، فأمسك عن ذلك. مالك بن أوس الحدثان بن الحارث بن عوف ابن ربيعة بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن ويقال: ابن أوس بن الحدثان، وسعد بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر أبو سعيد، ويقال: أبو سعد النصري أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدث، وشهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس، والجابية من أعمال دمشق.

قال أنس بن مالك، ومالك بن أوس بن الحدثان: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يتبرز، فلم يجد أحداً يتبعه، فمر عمر فتبعه بفخارة أو مطهرة، فوجده ساجداً في سربه، فتنحى وجلس وراءه حتى رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " قد أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجداً فتنحيت عني، إن جبريل جاءني، فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشراً، ورفعه عشر درجات ". عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس الحدثان، أنه أخبره: أنه التمس صرفاً بمئة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده، فقال: حتى يجيء خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء ". عن الزهري، قال: أخبرني مالك بن الحدثان النصري، أن عمر بن الخطاب دعاه بعد أن ارتفع النهر؛ قال: فدخلت عليه، فإذا هو جالس على رمال سرير له، ليس بينه وبين الرمال فراش، متكئاً على وسادة من أدم، فقال: يا مالك، إنه قد قدم من قومك أهل أبيات قد حضروا المدينة، وقد أمرت لهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أمرت بذلك غيري. قال: اقسمه أيها المرء. فبينا أنا عنده إذا حاجبه

يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: فأدخلهم: فلبث قليلاً ثم جاءه فقال: هل لك في علي وعباس يستأذنان؟ قال: فأذن لهما، فدخلا. فقال العباس: يا أمير المؤمنين، أقض بيننا، وهما يختصمان في الصوافي التي أفاء الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أموال بني النضير، فاستبا عند عمر، فقال الرهط الذي عنده: يا أمير المؤمنين، أقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. قال عمر: تيدكم، أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نورث، ما تركناه صدقة " يريد بذلك نفسه؟ فقالوا: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعلى العباس، فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك؟ قالا: نعم. قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره، فقال الله عز وجل " " وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، والله على كل شيء قدير " فكانت هذه خالصة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حياته، ثم توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبضه فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس يذكر أن أبا بكر كما يقول - والله يعلم إنه فيها لصادق بر راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بمثل ما عمل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما عمل فيه أبو بكر وأنتما حينئذ - وأقبل على علي وعباس يذكران أني فيه كما يقولان - والله أعلم إني فيه لصادق بر راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني - يعني عباساً - تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا - يريد علياً - يريد نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نورث، ما تركناه صدقة "، فلما بدا لي

أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وبما عملت به منذ وليته، وإلا تكلماني، فقلتما: أدفعه إلينا بذلك، فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالله لا إله إلا هو الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما، فادفعاه إلي فأنا أكفيكماه. عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال: قدمنا مع عمر بيت المقدس، فدخل المسجد، فتقدم الصخرة فجعلها خلف ظهره، وقال: هذا القبلة: ثم قال: علي بعبد الله بن سلام، فأتى به، فأقبل يمشي وعليه نعلان مخصوفتان حتى وقف، وعمر يصلي، فلما فرغ عمر أقبل علي بن سلام، فقال: يا ابن سلام، أين ترى أن نجعل قبلتنا؟ قال: حيث أنت؟ واجعل الصخرة خلف ظهرك، وخالف يهود، هذه القبلة الأولى، ولكن يهود غيرت ذلك وجعلته إلى الصخرة. فقال عمر: لم لبست نعليك؟ فقال: إنما هو شيء صنعته يهود، خلع نعلها؛ قال: أنت أصدق من كعب. عن محمد بن سعد، قال: في الطبقة الثامنة من الصحابة، ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورآه، ولم يحفظ عنه شيئاً، مالك بن أوس بن الحدثان، أحد بني نصر بن معاوية، يقولون: إنه ركب الخيل في الجاهلية، ومات بالمدينة سنة اثنتين وتسعين. قال ابن أبي حاتم: مالك بن أوس بن الحدثان النصري المدني، ولا يصح له صحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد الله بن مقسم، قال: سألت مالك بن أوس بن الحدثان عن النفل؛ فقال: لقد ركبت الخيل في الجاهلية، وما أدركت الناس ينفلون إلا الخمس.

مالك بن بحدل بن أنيف

عن مالك، قال: كنت عريفاً في زمن عمر بن الخطاب. عن عبد الرحمن بن يوسف، قال: مالك بن أوس بن الحدثان ثقة. مات سنة اثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين بالمدينة. مالك بن بحدل بن أنيف ابن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن جناب بن هبل ابن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات ابن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي خال يزيد بن معاوية، وأخو حريث بن بحدل، كان من وجوه أهل الشام، وغزا مع يزيد بن معاوية القسطنطينية سنة خمسين، وسعى في البيعة ليزيد، كما ذكر الواقدي في كتاب " الصوائف ". مالك بن البرصاء وفد على معاوية بن أبي سفيان. عن رجل، قال: اجتمع عند معاوية الوليد بن عقبة، والمغيرة، وصعصعة بن صوحان، ومالك بن البرصاء، ويزيد بن معاوية، وغيرهم؛ فقال: ألا تخبرني ما المروءة يا مغيرة؟ قال: سخاوة النفس، وحسن الخلق. قال: بخ بخ، وما هي في نفسي بتلك، ألا تخبرني

مالك بن بسطام

يا وليد ما المروءة؟ قال: العفة والحرفة. قال: وكيف؟ أن تعف عما حرم الله عليك، وتحترف فيما أحل الله لك. قال: بخ، وما هي في نفسي بتلك، ألا تخبرني يا فلان ما المروءة؟ قال: المال والولد. قال: وكيف ذاك؟ قال: لا يكون المال بوال، ولا نوال إلا بمال. قال: بخ، وما هي في نفسي بتلك: حتى انتهى إلى يزيد، فقال: يا يزيد، ألا تخبرني ما المروءة؟ قال: بلى. قال: وما هي؟ قال: إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت. قال: صدقت، أنت مني وأنا منك. مالك بن بسطام العبسي الحرستاني روى عن وائلة بن الأسقع، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى بابه عثمان بن مظعون، ومعه ابن له صغير، فقال: " ابنك هذا؟ ". قال: نعم. قال: " تحبه؟ ". قال: نعم. قال: " ألا أزيدك له حباً؟ ". قال: بلى بأبي وأمي. قال: " من ترضى صبياً له صغيراً من نسله ترضاه الله يوم القيامة حتى يرضى ". مالك بن الحارث بن عبد يغوث ابن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد بن مالك بن النخع، واسمه جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك وهو مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب الأشتر النخعي شهد اليرموك، ثم سيره عثمان من الكوفة إلى دمشق، وكان من أصحاب علي، وولاه مصر، فمات قبل أن يصل إليها.

حدث، قال: لما قدم عمر بن الخطاب، بعث إلى الناس، فنودوا: الصلاة جامعة؛ عند باب الجابية، فلما صفوا، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يحق عليه ذكره، ثم قال لهم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن يد الله على الجماعة، والفذ من الشيطان، وإن الحق أصل في الجنة، وإن الباطل أصل في النار، وإن أصحابي خياركم، فأكرموهم، ثم القرن الذي يلونهم، ثم القرن الذي يلونهم، ثم يظهر الكذب والهرج ". عن محمد بن سعد، قال: في الطبقة الأولى من أهل الكوفة الأشتر، واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن مالك بن النخع، من مذحج. روي عن خالد بن الوليد، أنه كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر. وكان الأشتر من أصحاب علي بن أبي طالب، وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها، وولاه على مصر، فخرج إايها، فلما كان بالعريش شرب شربة عسل، فمات. قال الصوري: الصواب بالقلزم. عن عبد الله بن سلمة، قال: دخلنا على عمر بن الخطاب في وفد مذحج، ومعنا الأشتر، فجعل ينظر إلى الأشتر ويصرف بصره عنه، فقال: ويل لهذه الأمة منك ومن ولدك، إن للمؤمنين منك يوماً عصيباً.

عن أبي الحذيفة إسحاق بن بشر، قال: ومضى خالد يطلب عظم الناس حتى أدركهم بثنية العقاب، وهي مهبط الهابط المغرب منها إلى غوطة دمشق ليدرك عظم الناس، حتى أدركهم بغوطة دمشق، فلما انتهوا إلى تلك الجماعة من الروم، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم، فتقدم إليهم الأشتر وهو في رجلين من المسلمين، فإذا أمامهم رجل من الروم جسيم عظيم، فمضى إليه حتى وقف عليه، فاستوى هو والرومي على صخرة مستوية، فاضطربا بسيفهما، فأطر الأشتر كف الرومي، وضرب الرومي الأشتر بسيفه فلم يضره، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فوقعا على الصخرة، ثم انحدرا، وأخذ الأشتر يقول - وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه -: " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين ". قال: فلم يزل يقول ذلك حتى انتهى إلى مستوى الجبل وقرار، فلما استقر وثب على الرومي فقتله، وصاح في الناس: أن جوزوا. قال: فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتل، خلوا الثنية وانهزموا. قالوا: وكان الأشتر الأحسن في اليرموك. قالوا: لقد قتل ثلاثة عشر. عن الهيثم بن عدي، قال في تسمية العور: عن مكحول: أن شرحبيل بن حسنة أغار على ساسمة مصبحاً، فقال لمن معه من المسلمين:

صلوا على الظهر. فمر بالأشتر يصلي على الأرض. فقال: مخالف، خالف الله به. ومضى شرحبيل ومن معه فاستحوذ على ساسمة فخربها، فهي خراب إلى اليوم. وكان الأشتر ممن سعى في الفتنة، وألب على عثمان، وشهد حصره. عن طلق بن خشاف البكري، قال: لما قتل أمير المؤمنين عثمان، قدمنا المدينة، فتفرقنا، فمنا من أتى علياً، ومنا من أتى الحسن بن علي، ومنا من أتى أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، فيم قتل عثمان؟ قالت: قتل - والله - مظلوماً، قاد الله به ابن أبي بكر، وأهراق الله دم بديل على ضلالة، وساق الله إلى الأشتر هواناً في بيته، وفعل الله بفلان، وفعل بفلان. قال: فوالله ما منهم إلا أصابته دعوتها. قال المصنف: المحفوظ أن عائشة لم تكن وقت قتل عثمان بالمدينة، وإنما كانت حاجة. عن الشعبي، قال: لزم الخطام يوم الجمل سبعون رجلاً من قريش، كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام، وحمل الأشتر فاعترضه عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الأشتر فأمه، وواثبه عبد الله فاعتنقه فصرعه، وجعل يقول: اقتلوني ومالكاً: وما كان الناس يعرفونه بمالك، ولو قال: الأشتر، ثم كانت له ألف نفس ما نجا منها بشيء، وما زال يضطرب في يدي عبد الله حتى أفلت؛ وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد؛ وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير. عن زهير بن قيس، قال: دخلت مع ابن الزبير الحمام، فإذا في رأسه ضربة لو صب فيها قارورة من دهن لاستقرت. قال: تدري من ضربني هذه؟ قلت: لا. قال: ضربنيها ابن عمك الأشتر.

عن ابن إسحاق الهمذاني: أن عمار بن ياسر والأشتر دخلا على عائشة، فقال عمار: السلام عليك يا أمتاه. قالت: أمك أنا؟ قال: نعم، وإن كرهت. قالت: فمن هذا معك؟ قال: هذا الأشتر. قالت: هذا الذي أراد أن يقتل ابن أختي الزبير؟ قال الأشتر: نعم، والله لقد ضربته على رأسه بالسيف ضربة ما ظننت إلا رأسه قد سقط، فإذا هي العمامة. فقالت: أما والله لو قتلته لدخلت النار، وأذكرك الله يا عمار، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ رجل كفر بعد إسلامه، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفساً بغير نفس، فيقتل "؟ قال " اللهم نعم. عن نجاد الضبي، قال: دخل الأشتر مع ابن عباس على عائشة، وهي في قصر بني خلف، فقالت: أنت أردت قتل ابن أختي؟ فقال: معذرة إلى الله ثم إليك: " من الطويل " فوالله لولا أنني كنت طاوياً ... ثلاثاً لألفيت ابن أختك هالكا غداة ينادي والرجال تحوزه ... بأبعد صوتيه اقتلوني ومالكا ونجاه مني أكله وشبابه ... وخلوة بطن لم يكن متماسكا فقالت على أي الأمور قتلته ... أقتلاً أتى أم ردةً لا أبا لكا أم المحصن الزاني الذي حل قتله ... فقيل لها لا بد من بعض ذالكا عن عمير بن سعيد النخعي، قال: لما أراد علي أن يسير إلى الشام، إلى صفين، اجتمعت النخع، فأتوا الأشتر في منزله حتى ملؤوا عليه داره؛ فقال الأشتر: هل في البيت أو الدار إلا نخعي؟ قالوا: لا. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذه الأمة عمدت إلى خيرها - أو لخيرها - فقتلته -

يعني عثمان - ثم سرنا إلى أهل البصرة، قوم لنا عليهم بيعة فنكثوها، فنصرنا عليهم بنكثهم، وأنتم تسيرون إلى أهل الشام، قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر امرؤ أين يضع سيفه. قال يعقوب في تسمية أمراء علي بن أبي طالب يوم صفين: مالك بن الحارث الأشتر. عن الفضيل بن خديج، عن رجل من النخع، قال: رأيت إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت، قال: كنت مع علي حين بعث الأشتر يأتيه، وقد أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ: أن ائتني. فبلغه عن علي، فقال له: ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقعي، وأنا أرجو أن يفتح الله لي. فرجع يزيد إلى علي فأخبره؛ فما هو إلا أن انتهى إلينا يزيد إذ ارتفع الرهج من قبل الأشتر، وعلت الأصوات، وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق، ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام فقال له القوم: والله ما نراك أمرته إلا أن يقاتل القوم. فقال علي: ومن أين ترون ذلك؟ أرأيتموني ساررته؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك، وإلا والله اعتزلناك. فقال: ويحك يا يزيد، لأئته فقل له: أقبل إلي، فإن الفتنة قد وقعت. فأتاه يزيد فأخبره. فقال الأشتر: ألرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم. ققال الأشتر: أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت أنها ستوقع اختلافاً وفرقة، إنها مشورة عمرو بن العاص. ثم قال ليزيد: ألا ترى إلى الفتح؟ ألا ترى ما يلقون؟ ما ينبغي لنا أن ندع هذا وننصرف عنه. فقال يزيد: أتحب أنك ظفرت ها هنا وهو بمكانه الذي هو به - يعني علياً - يفرج عنه أو يسلم إلى عدوه؟ فقال الأشتر: سبحان الله، لا والله ما أحب ذلك. قال: فإنهم قد قالوا له: لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلك كما قتلنا ابن عفان. فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم، وصاح بهم: يا أهل الذل والوهن، أحين علوتم القوم ظهراً وظنوا أنكم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى

ما فيها؟ وقد - والله - تركوا ما أمر الله فيها، وسنة من أنزلت عليه، فلا تجيبوهم وأمهلوني فواقاً، فإني قد أحسنت بالفتح. فقالوا: لا والله. فقال: أمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر. قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك. قال: فحدثوني عنكم - وقد قتل أماثلكم - متى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون، أم أنتم الآن إذ أمسكتم عن القتال مبطلون؟ أم أنتم الآن محقون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم، وكانوا خيراً منكم، في النار؟ فقالوا: دعنا منك يا أشتر، قاتلناهم في الله، وندع قتالهم لله. فقال: خدعتم - والله - فانخدعتم، ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم؛ يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقاً إلى الله! أفراراً من الموت إلى الدنيا؟ يا أشباه النيب الجلالة، ما أنتم برائين بعدها عزاً أبداً، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه وسبهم، فصاح بهم علي، فكفوا، وقالوا له: إن علياً قد قبل الحكومة، ورضي بحكم القرآن. فقال الأشتر: قد رضينا بما رضي به أمير المؤمنين. عن خليفة، قال في تسمية عمال علي: ولي الجزيرة الأشتر مالك بن الحارث النخعي، ومصر ولي محمد بن أبي حذيفة ثم عزله، وولاها قيس بن سعد ثم عزله، وولى الأشتر مالك بن الحارث النخعي فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر. عن يزيد بن أبي حبيب، أنه قال: بعث علي بن أبي طالب مالكاً بعد قيس بن سعد أميراً على مصر، فسار يريد مصر، وتنكب طريق الشام، حتى نزل جسر القلزم، فصلى حين نزل من راحلته، ودعا الله وسأله إن كان في دخوله مصر خيراً أن يدخله إياها، وإلا صرفه عنها، فشرب شربة من عسل، فمات؛ فبلغ عمرو بن العاص موته فقال: إن لله جنوداً من العسل.

عن عبد الله بن جعفر، قال: كان علي قد شنف الأشتر، وكان إذا سألته شيئاً يمسني سألته بحق جعفر فأعطاني، فقلت له: إن الأشتر من علية أصحابك ودواهيهم، فلو أرسلته إلى مصر، فإن افتتحها كان ذلك، وإن قتل كنت قد استرحت منه؛ فأبى. فلم نزل به حتى فعل. قال: وكان عندي طيران من العرب فأرسلتهما معه، فلم يلبثا أن رجعا، فقلت: ما الخبر؟ فقالا: ما هو إلا أن وردنا القلزم تلقاه أهل مصر بما تتلقى به الأمراء من الأطعمة والأشربة، فطعم، وشرب شربة عسل، فمات. فدخلت إلى علي فأخبرته، فقال: لليدين والفم. عن عامر الشعبي: إن علياً كان استعمل الأشتر على مصر؛ قال: واسمه مالك بن الحارث، فخرج فأخذ طريق الحجاز، حتى مر بالمدينة، فاتبعه مولى لعثمان يقال له: نافع، فخدمه وألطفه وحف له؛ فقال له الأشتر: من أنت؟ فقال: أنا نافع مولى عمر بن الخطاب. قال: وكان الأشتر محباً لعمر بن الخطاب؛ فأدناه الأشتر وقربه، وولاه أمره كله؛ فلم يزل معه كذلك حتى نزل الأشتر عين شمس، وتلقاه أشراف أهل مصر، فتغدى الأشتر بها، فأتى بسمك فأكل منه، فأنبتت عنقه، فمات. ففتشوا متاعه فوجدوا عهده من علي في ثقله، فقرؤوه، فوجدوا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الملأ الذين عصوا الله من بعد ما عصي الله في الأرض، وضرب الجود بأرواقه على البر والفاجر، فلا حق يتربع إليه، ولا منكر يتناهى عنه.

سلام عليكم، فإني قد بعثت إليكم عبداً من عباد الله، لا نائي الضريبة، ولا كليل الحد، ولا ينام على الخوف، ولا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر، أشد على الفجار من حريق النار؛ وهو مالك بن الحارث، أخو مذحج، وإنه سيف من سيوف الله، فإن استنفركم فانفروا، وإن أمركم بالإقامة فأقيموا، فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري، وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوه؛ وعصمكم ربكم بالهدى وثبتكم باليقين، والسلام عليكم. قال عوانة بن الحكم: لما جاء نعي الأشتر ووفاته على علي بن أبي طالب، قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " لله مالك وما مالك! وهل موجود مثل مالك؟ لو كان من جبل كان فنداً، ولو كان من حجر لكان صلداً، على مثل مالك فلتبك البواكي. قال: ولما جاء معاوية نعيه ووفاته، قال: الحمد لله، إن لله جنوداً من العسل. قال ابن يونس: وكانت وفاته بالقلزم في سنة سبع وثلاثين. وقال خليفة: سنة ثمان وثلاثين، فيها ولى علي الأشتر مصر، فمات قبل أن يصل إليها، فولى محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وفيها - يعني سنة ثمان وثلاثين - مات الأشتر بن الحارث النخعي.

مالك بن خالد الدمشقي

مالك بن خالد الدمشقي روي عن مالك بن أنس، ذكره الحاكم أبو عبد الله في كتاب " مزكى الأخبار " في أسماء الرواة عن مالك بن أنس. مالك بن دينار أبو يحيى البصري الزاهد. كان أبوه من سبي سجستان. وقيل كان كابلياً، مولى امرأة من بني ناجية من بني سامة بن لؤي. ويقال: مولى خلاس بن عمرو بن المنذر بن عصر بن أصبح بن عبد الله. اجتاز بدمشق أو بأعمالها متوجهاً إلى بيت المقدس. روي عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر وعثمان وعلي، فكانوا يفتتحون القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ويقرؤون " ملك يوم الدين ". وعنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة ". عن عبد الواحد بن زيد، قال: خرجت أنا ومحمد بن واسع ومالك بن دينار، نؤم بيت المقدس، فلما كنا بين

الرصافة وحمص سمعنا منادياً ينادي من تلك الرمال: يا محفوظ، يا مستور، اعقل في ستر من أنت؛ فإن كنت لا تعقل فاحذر الدنيا؛ فإن كنت لا تحس أن تحذرها فاجعلها شوكاً، وانظر أين تضع رجلك. قال محمد بن سعد: في الطبقة الثالثة من أهل البصرة: مالك بن دينار، ويكنى أبا يحيى، مولى لامرأة من بني سامة بن لؤي، وكان ثقة قليل الحديث، وكان يكتب المصاحف، مات قبل الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة. قال مالك: أتينا أنس بن مالك، صفو كل قبيلة، أنا وثابت البناني ويزيد الرقاشي وزياد النميري وأشباهنا، فنظر إلينا فقال: ما أشبهكم بأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: رؤوسكم ولحاكم، ثم قال: والله لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، وإني لأدعو لكم بالأسحار. وقال: دخل علي جابر بن يزيد وأنا أكتب المصحف، فقال لي: مالك صنعة إلا أن تنقل كتاب الله من ورقة إلى ورقة؟ هذا والله كسب الحلال، هذا والله كسب الحلال. قال جعفر: كان مالك بن دينار يلبس إزار صوف وعباءة خفيفة، فإذا كان الشتاء ففرو وكبل وعباءة، وكان يكتب المصاحف ولا يأخذ عليها من الأجر أكثر من عمل يده، فيدفعه عند البقال فيأكله، وكان يكتب المصحف في أربعة أشهر.

عن جعفر بن سليمان، قال: كنا عند مالك بن دينار، فحضرت العصر، فقام يتوضأ، فقال ابن واسع: نعم الرجل مالك، خذوا عن مالك وثابت، وإن أبا عمران الجوني لحسن الحديث. عن أبي بكر البرقاني، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: أين بدلاء أمتك؟ قال: فأومى بيده نحو الشام. قال: فقلت: هل بالعراق منهم أحد؟ قال: " بلى، محمد بن واسع، وحسان بن أبي سنان، ومالك بن دينار ". قال مالك: خرجت يوماً إلى المقابر، فإذا شابان جالسان يكتبان شيئاً؛ فقلت لهما: رحمكما الله، من أنتما؟ فقالا: ملكان، نكتب المحبين لله. فقلت لهما. نشدتكما الله لما كتبتماني في أسفل سطر: مالك بن دينار طفيلي يحب المحبين لله. فلما كان الليل أتيت في منامي فقيل لي: كتبت فيهم، " المرء مع من أحب ". وقال: خلطت دقيقي بالرماد، فضعفت عن الصلاة، ولو قويت على الصلاة ما أكلت غيره. عن حزم، قال: دخلت على مالك بن دينار، وبين يديه آجرة عليها رغيف شعير، وملح عجين، فقال: يا أبا عبد الله ادن فكل، فإن هذا مع العافية طيب. عن سلام بن سكين، قال: دخلت على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه، فإذا البيت فيه سرير أثل

مرمول بالشريط، وعليه قطعة بوري، وإذا تحت رأسه قطعة كساء، وإذا ركوة وصاغرة؛ فرفع رأسه فأخرج من تحت رأسه رغيفين يابسين، فقعد يكسر ذينك الرغيفين في الماء، حتى إذا ظن أن الخبز قد ابتل قال: ناولني الدوخلة؛ فإذا دوخلة معلقة يابسة، فوضعتها، فأخرج منها صرة فيها ملح، وقال لي: ادن. فقلت: يا أبا يحيى، لا أشتهي. فقال: هيهات هيهات، أنت ممن غذي في الماء العذب فلا تصبر في الماء الملح. عن سلام بن أبي مطيع، قال: دخلنا على مالك بن دينار ليلاً وهو في بيت مظلم بغير سراج، وفي يده رغيف يكدمه؛ فقلنا له: أبا يحيى، ألا سراج تبصر، ألا شيء تضع عليه خبزك؟ فقال: دعوني، فوالله إني نادم على ما مضى. عن أبي بلج، قال: كان أدم مالك بن دينار كل سنة ملحاً بفلسين. عن السري بن يحيى، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: إنه لتأتي علي السنة لا آكل فيها لحماً، إلا في يوم الأضحى فإني آكل من أضحيتي لما يذكر فيه. قال المنذر أبو يحيى: رأيت مالكاً ومعه كراع من هذه الأكارع التي قد طبخت. قال: فهو يشمه ساعة بساعة. قال: ثم مر على شيخ مسكين على ظهر الطريق يتصدع، فقال: هاه يا شيخ؛ فناوله إياه، ثم مسح يده بالجدار، ثم وضع كساءه على رأسه، وذهب. فلقيت صديقاً له، فقلت: رأيت مالك اليوم كذا وكذا. قال: أنا أخبرك، كان يشتهيه منذ زمان، فاشتراه فلم تطب نفسه أن يأكله، فتصدق به.

عن جعفر ببن سليمان، قال: قال مالك بن دينار: انظر إلي، كيف ترى عقلي؟ قال: قلت: ما أرى به بأساً. قال: ما أكلت من فاكهتكم هذه منذ ثلاثون سنة، لا رطبها ولا يابسها، وما نقص من عقلي شيء، وزاد في عقولكم شيئاً. قال أزهر السمان: كان مالك يدخل أسواق البصرة ينظر إليها وإلى أشياء كثيرة، يشمها فيرجع، فيقول لنفسه: اصبري، فوالله ما أحرمتك ما رأيت إلا من كرامتك. قال مالك: من دخل بيتي فأخذ شيئاً فهو له حلال، أما أنا فلا أحتاج إلى قفل ولا إلى مفتاح؛ وكان يأخذ الحصاة من المسجد فيقول: لوددت أن هذه أجزأتني في الدنيا ما عشت، لا أزيد على مصها من الطعام والشراب. وكان يقول: لو صلح لي أن آكل الرماد لأكلته، ولو صلح لي أن أعمد إلى بوري فأقطعه باثنتين، فأتزر بقطعة وأرتدي بقطعة لفعلت. قال بشر بن الحارث: قال مالك بن دينار: أدعو وأمنوا على دعائي: اللهم لا تدخل بيت مالك من الدنيا قليلاً ولا كثيراً، قولوا: آمين. قال جعفر: سمعت مالكاً يقول: والله لقد أصبحت ما أملك ديناراً ولا درهماً ولا دانقاً، ولئن لم يكن لي عند الله خير ما كانت لي دنيا ولا آخرة. عن جعفر بن أبي شعيب، قال: كان رجل من أهل البصرة، كانت له تجارة، وكان له عقل، فترك التجارة وأقبل على العبادة، فكان يسمع الناس يقولون: مالك بن دينار، مالك بن دينار! فقال: والله لأذهبن إلى مالك هذا الذي أشغف الناس فلأنظرن ما عمله.

قال: فأتيته فإذا هو جالس في المسجد، وإذا حوله قوم يقرؤون القرآن. قال: فجلست في ناحية حتى تفرقوا، وجاء آخرون فسمعوا الحديث، فلما تفرقوا قام فصلى ركعتين أو أربعاً، ثم خرج وتبعته. فقال لي: ألك حاجة؟ قلت: نعم، أريد أن أجيء معك إلى بيتك. قال: مر. فذهب بي إلى حجرة مكنوسة نظيفة، وظل بارد طيب، وبيت مكنوس، وفيه بواري ودورق ومطهرة، وحلة فيها كسر. قلت: يا مالك، ألك امرأة؟ قال: أعوذ بالله. قلت: يا مالك، يزعم الناس أنك أزهد الناس، وأنت خريم الناعم! زاد غيره: فشهق شهقة. قال مالك: لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثة أيام أسأله: يا أبا سعيد، ما تأمرني؟ فلا يجيبني. قال: فقلت: يا أبا سعيد، أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني، والله لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي، وأشرب من أفواه الأنهار، وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله بين عباده. فقال: فأرسل الحسن عينيه باكياً، ثم قال: يا مالك، ومن يطيق ما تطيق، لكنا والله ما نطيق هذا. عن حذيفة المرعشي، قال: قيل لمالك بن دينار: ألا تتزوج؟ قال: ما لي إلا نفس واحدة، لو استطعت طلقتها، فكيف أضم إليها أخرى. عن أبي جعفر البصري، قال: جاءت امرأة إلى مالك بن دينار، فقالت: يا مالك بن دينار، عندي من المال كذا وكذا، فقد أردت أن أتزوجك فتصرف مالي هذا في أي الأنواع شئت. قال: اذهبي إلى ثابت. قالت: لا حاجة لي في ثابت، لا أريد غيرك. قال: أما علمت أني طلقت نساء الدنيا ثلاثاً؟ فأنت منهن، اذهبي.

قال الهيثم بن معاوية، حدثني شيخ لي، قال: كان رجل من الأغنياء بالبصرة، وكانت له ابنة نفيسة فائقة الجمال، فقال لها أبوها: قد خطبك بنو هاشم والعرب والموالي فأبيت، أراك تريدين مالك بن دينار وأصحابه؟ قالت: هو والله غايتي. فقال الأب لأخ له: أئت مالك بن دينار فأخبره بمكان ابنتي، وهواها له. قال فأتاه، فقال له: فلان يقرئك السلام، ويقول: إنك تعلم أني أكثر هذه المدينة مالاً، وأفشاها ضيعاً، ولي ابنة نفيسة، وقد هويتك، فشأنك وهي. فقال مالك للرجل: عجباً لك يا فلان، أما علمت أني طلقت الدنيا ثلاثاً؟. قال مالك: اشتريت لأهلي طيباً بدرهم، وإني لأحاسب نفسي فيه منذ عشرين سنة فما أجد لي مخرجاً. ذكر عبد الله بن المبارك، قال: وقع حريق بالبصرة، فأخذ مالك بطرف كسائه يجره، وقال: هلك أصحاب الأثفال. عن جعفر بن سليمان، قال: خرجت مع مالك بن دينار إلى مكة، فلما أحرم أراد أن يلبي فسقط؛ ثم أفاق فأراد أن يلبي فسقط، ثم أفاق فأراد أن يلبي فسقط. فقلت: مالك يا أبا يحيى؟ قال: أخشى القول: لبيك، فيقول: لا لبيك ولا سعديك.

وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: وددت أن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة، فيقول لي: يا مالك، وأقول: لبيك: فيأذن لي أن أسجد بين يديه سجدة فأعرف أنه قد رضي عني، فيقول: يا مالك كن اليوم تراباً. وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار قال: لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أنا أن يكون لي في الآخرة خص من قصب، وأروى من الماء، وأنجو من النار. وقال: ليتني لم أخلق، فإذا خلقن مت صغيراً، ويا ليتني إذا مت صغيراً عمرت حتى أعمل في خلاص نفسي. وقال جعفر: سمعت المغيرة بن حبيب أبا صالح ختن مالك بن دينار يقول: يموت مالك بن دينار وأنا معه في الدار لا أدري ما عمله؟ قال: فصليت معه العشاء الآخرة ثم جئت فلبست قطيفة في أطول ما يكون الليل. قال: وجاء مالك فقرب رغيفه فأكل، ثم قام إلى الصلاة، فاستفتح، ثم أخذ بلحيته فجعل يقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. فوالله ما زال كذلك حتى غلبتني عيني، ثن انتبهت فإذا هو على تلك الحال يقدم رجلاً ويؤخر رجلاً، ويقول: يا رب إذا جمعت الأولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار. فما زال كذلك حتى طلع الفجر، فقلت في نفسي: والله لئن خرج مالك بن دينار فرآني لا يبل لي عنده بالة أبداً. قال: فجئت إلى المنزل وتركته. وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعواناً لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: يا أيها الناس، النار، النار.

وقال: إن القلب إذا لم يحزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب. وفي رواية: زاد البيهقي: يريد حزن الآخرة. وقال: الحزن حزنان: فحزن حائل وحزن حامد رابغ، فالحزن الحائل حسن، وأحسن من ذلك ما حمد في البدن وربغ، فذلك لا يرى صاحبه إلا كئيباً محزوناً مغموماً حيث ما رأيته يطلب قلبه، ولو علم أن قلبه يصلح على مزبلة لأتاها، فذلك الحزن النافع. وقال: أربع من علم الشقاء؛ قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا. عن عبد الله بن مروان - وكان والله من الزاهدين في دار الدنيا - قال: دخل مالك بن دينار المقابر ذات يوم، فإذا برجل يدفن، فجاء حتى وقف على القبر، فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن، فجعل يقول: غداً مالك هكذا يصير، غداً هكذا مالك يصير، وليس له شيء يؤنسه في قبره؛ فلم يزل يقول ذلك حتى خر مغشياً عليه في جوف القبر، فحملوه وانطلقوا به إلى منزله مغشياً عليه. عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال: سمعت أبي يقول: سمعت مالك بن دينار يقول: عجباً لمن يعلم أن الموت مصيره، والقبر مورده، كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه. قال: ثم يبكى مالك حتى يسقط مغشياً عليه. قال ثابت البناني لمالك بن دينار: يا أبا يحيى وددت أني رأيتك عروساً. قال: فقال مالك: والله لو لم أر ميتاً غير الحسن لكفاني حزناً ما بقيت.

قال مالك: " من المتقارب " أتيت القبور فناديتها ... أين المعظم والمحتقر وأين المدل بسلطانه ... وأين المزكي إذا ما افتخر قال: فنوديت من بينها ولا أرى أحداً: " من المتقارب " تفانوا جميعاً فما مخبر ... وماتوا جميعاً ومات الخبر تروح وتغدو بنات الثرى ... فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا ... أمالك فيما ترى معتبر عن مهدي بن سابق، قال: كان مالك بن دينار يتمثل بهذين البيتين: " من البسيط " زرنا القبور فسلمنا فما رجعت ... لنا الجواب ولكن زدن أحزانا ومن يزرهن يرجع من زيارتها ... وقد رأى من يقين الموت تبيانا قال جعفر: كنا نخرج مع مالك بن دينار زمن الحطمة، فنجمع الموتى ونجهزهم، ثم يخرج على حمار قصير لجامه من ليف، قال: وعليه عباءة مرتدياً بها. قال: فيعظنا في الطريق، حتى إذا أشرف على القبور وأحسن بنا ثم، أقبل بصوت له محزون يقول: " من الوافر ". ألا حي القبور ومن بهنة ... وجوه في التراب أحبهنه ولو أن القبور أجبن حياً ... إذاً لأجبنني إذ زرتهنه ولكن القبور صمتن عني ... فأبت حزينة من عندهنه قال: فإذا سمعنا بصوته جئنا إليه، فيقول: إنما الخبر في الشباب. قال: ثم يجمعهم فيصلي عليهم.

عن حبان بن يسار، قال: كنا عند مالك، فجاء رجل من بني ناجية فقال: يا أبا يحيى، ذكر لي أنك ذكرتني بسوء. قال: أنت إذاً أكرم علي من نفسي. عن أبي قدامة، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: لو أن الملكين الذين يكتبان أعمالكم عدوا عليكم يتقاضيانكم أثمان الصحف التي ينسخان فيها أعمالكم لأمسكتم من فضول كلامكم، فإذا كانت الصحف من عند ربكم أفلا تربعون على أنفسكم؟. قال مالك: منذ عرفت الناس ما أبالي من حمدني ولا من ذمني، لأني لا أرى إلا حامداً مفرطاً أو ذاماً مفرطاً. قال بشر: قال رجل لمالك بن دينار: يا مرائي! قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرف اسمي غيرك. عن جعفر بن سليمان، قال: رأيت مع مالك بن دينار كلباً، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا خير من جليس السوء. وعنه، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبه كذا؟ ألست صاحبه كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائداً. عن المغيرة أبي صالح، وكان ختن مالك بن دينار، قال: قال لي مالك بن دينار: انظر يا أخي كل أخ وصديق وصاحب لا تستفيد منه خيراً في أمر دينك ففر منه.

قال مالك: لولا أن يقول الناس: جن مالك، للبست المسوح ووضعت الرماد على رأسي أنادي في الناس: من رآني فلا يعص ربه. عن الحسين بن عبد الرحمن، قال: أمر مالك امرأة بشيء، فقالت: يا شيخ النار. فبكى مالك وقال: لعلها كلمة وافقت حقاً. عن جعفر بن سليمان، قال: جاء محمد بن واسع إلى مالك بن دينار، فقال له: يا أبا يحيى، إن كنت من سكان الجنة فطوبى لك. قال: فقال مالك: ينبغي لنا إذا ذكرنا الجنة أن نخزى. قال مالك: إنما طلب العابدون بطول النصب دوام الراحة، وطلب الزاهدون بطول الزهد طول الغنى. عن الحسن الحفري، قال: خرجت أنا وزين القراء حسان بن أبي سنان نزور المقابر، فلما أشرف عليها سبقته عبرته، ثم أقبل علي فقال: يا أبا يحيى، هذه عساكر الموتى ينتظر بها من بقي من الأحياء، ثم يصاح بهم صيحة فإذا هم قيام ينظرون. قال: فوضع يده مالك على رأسه وجعل يبكي ويقول: واي أزان روز، واي أزان روز. معناه: ويلي من ذلك اليوم. قال مالك: بقدر ما تفرح للدنيا كذلك تخرج حلاوة الآخرة من قلبك. وقال: إن لكل شيء لقاحاً، وإن هذا الحزن لقاح العمل الصالح، إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن، ووالله ما اجتمعا في قلب عبد قط، حزن بالآخرة وفرح بالدنيا، إن أحدهما ليطرد صاحبه.

وقال: إن البدن إذا سقم لم ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة، كذلك القلب إذا علق حب الدنيا لم تنجع فيه المواعظ. وعن جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار أنه قال لختنة مغيرة: يا مغيرة، انظر كل أخ لك، وصاحب لك، لا تستفيد منه في دينك خيراً فانبذ عنك صحبته، فإنما ذلك لك عدو. وقال: يا مغيرة، الناس أشكال: الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والصعو مع الصعو، وكل مع شكله. قال الحكم أبو عون: كان من دعاء مالك بن دينار: أنت أصلحت الصالحين، فاجعلنا صالحين حتى نكون صالحين. عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: اتخذ طاعة الله تجارة تأتيك بالأرباح من غير بضاعة. وقال مالك: تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وإن عمله لحن كله. وقال: اصطلحنا على حب الدنيا، فلا يأمر بعضنا بعضاً، ولا ينهى بعضنا بعضاً، ولا يذرنا الله على هذا، فليت شعري أي عذاب ينزل.

عن عبد الله بن صالح، قال: مر مالك بن دينار بقصر يبنى لرجل قد ولي عملاً، فأخذ آجرتين فمضى بهما، فتبعه الذين يبنون فقالوا: اللص سرق آجرتين! فقال لهم: أعداء الله سرق هذا القصر كله لم تقولوا له شيئاً، وأنا أخذت آجرتين قلتم: السارق السارق؛ ثم رمى بهما. عن جعفر بن سليمان، قال: مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل، فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه. فهم خدمة به، فقال: دعوه. ما أراك تعرفني. فقال له مالك: ومن أعرف بك مني: أما أولك فنطفة مذرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة. فنكس الوالي رأسه ومشى. قال سري: دخل لص على مالك بن دينار فما وجد في الدار شيئاً، ومالك يراه. فجاء ليخرج، فقال له مالك: سلام. قال: وعليكم السلام. قال: أعلم أن شيئاً من الدنيا ما حصل لك، ترغب في شيء من الآخرة؟ قال: نعم قال: تطهر من ذلك المركن، وصل ركعتين؛ فصلى. ثم قال: يا سيدي اجلس إلى الصبح؛ فجلس، فلما خرج مالك بن دينار إلى المسجد والرجل جالس معه قال أصحابه؛ من هذا؟ قال: هذا جاء يسرق سرقناه. عن هاشم بن يحيى الفراء المجاشعي، قال: بينما مالك بن دينار جالس إذ جاءه رجل، فقال: يا أبا يحيى، ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين، قد أصبحت في كرب شديد. فغضب مالك وأطبق المصحف، ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أننا أنبياء؛ ثم قرأ، ثم دعا: اللهم، هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجها عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم؛ وجاء الرسل

إلى الرجل: أدرك امرأتك. فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين، قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره. عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: كفى بالمرء شراً أن لا يكون صالحاً، وهو يقع في الصالحين. وقال: لأن يترك الرجل درهماً حراماً خير له من أن يتصدق بمئة ألف درهم. عن عبد الواحد بن زيد، قال: شهدت مالك بن دينار وقيل له: يا أبا يحيى، ادع الله أن يسقينا الغيث. قال: تستبطؤون المطر؟ قالوا: نعم. قال: لكني والله أستبطىء الحجارة. عن جعفر بن سليمان الضبعي، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: بينما أنا أطوف بالبيت فإذا أنا بجويرية متعبدة متعلقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا رب، كم من شهوة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها، يا رب ما كان لك أدب إلا بالنار؛ وتبكي، فما زال ذلك مقامها حتى مطلع الفجر، فلما رأيت ذلك وضعت يدي على رأسي صارخاً أقول: ثكلت مالكاً أمه وعدمته، جويرية منذ الليلة قد بطلته! عن صدقة، قال: قرأت على عكازة مالك بن دينار: " من الخفيف " عبرات خططن في الخد سطرا ... قد قراه من ليس يحسن يقرا إن موت المحب من ألم الوج ... د وحسن البلاء يورث عذرا صبر الصبر فاستغاث به الصب ... ر فصاح المحب بالصبر صبرا

قال مالك: من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلب للناس فحوائج الناس كثيرة. وقال: إن العبد إذ طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً. وقال: إنكم في زمان أشهب، لا يبصر زمانكم إلا البصير، إنكم في زمان كثير نفاجهم قد انتفخت ألسنتهم في أفواههم، وطلبوا الدنيا بعمل الآخرة، فاحذروهم على أنفسكم، لا يوقعوكم في نسائكم، يا عالم تكاثر بعلمك، يا عالم أنت عالم تستطيل بعلمك، لو كان هذا العلم طلبته لله عز وجل لرئي ذلك فيك وفي علمك. وقال: مكتوب في التوراة: من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه، وكفى للمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة. وقال: لا يصطلح المؤمن والمنافق حتى يصطلح الذئب والحمل. وقال: مرضت حتى برسمت. قال: وكنت في ذلك عاقلاً. قال: فدخل علي الحسن يعودني وفلان وفلان. فقلت: يا أبا سعيد، لولا أني أخشى أن يكون بدعة لأمرت أهلي إذ أنا مت أن يغلوني بشريط كما يصنع بالعبد الآبق. قال: فقال الحسن: صاحبكم يهجر. قال: قال مالك: فعافى الله.

قال: فكنت مع الحسن في أهله جلوساً. قال: فقال لي: يا صاحب الشريط كنت في ظلمة من ظلمة الأرض. قال: أقبل علي يعظني، وكان معلماً. عن حصين بن القاسم، قال: قلت لعبد الواحد بن زيد: ما كان سبب موت مالك بن دينار؟ قال: أنا كنت سببه؛ سألته عن رؤيا رآها، رأى فيها مسلم بن يسار، فقصها علي، فانتفضت، فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت في جوفه، ثم هدأ، فحملناه إلى بيته، فلم يزل مريضاً يعوده إخوانه حتى مات منها؛ فهذا كان سبب موته. عن أبي عيسى، قال: دخلنا على مالك عند الموت، فجعل ينظر ويقول: لمثل هذا اليوم كان ذوب أبي يحيى. عن حزم القطيعي، قال: دخلنا على مالك بن دينار في مرضه الذي مات فيه، فرفع رأسه إلى السماء، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا لبطن ولا فرج. مات مالك بن دينار سنة سبع عشرة ومئة؛ وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومئة. وقيل: مات قبل الطاعون بيسير وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة. وقيل: سنة ست وعشرين ومئة؛ وقيل: سنة سبع وعشرين ومئة. وقيل: سنة ثلاثين ومئة. عن مهدي بن ميمون، قال: رأيت ليلة مات مالك بن دينار كأن منادياً ينادي من السماء: ألا إن مالك بن دينار أصبح من سكان الجنة. قال سهيل أخو حزم: رأيت مالك بن دينار بعد موته في منامي، فقلت: يا أبا يحيى، ليت شعري ما قدمت به؟ قال: قدمت بذنوب كثيرة محاها عني حسن الظن بالله.

مالك بن دينار

مالك بن دينار أبو هاشم الحرسي من حرس عمر بن عبد العزيز. قال المصنف: وقول البخاري ومسلم والنسائي وأبي أحمد الحاكم وهم، تابعوا فيه كلهم البخاري؛ وقد قال ابن أبي حاتم: مالك بن زياد؛ وكذلك قال البخاري في موضع آخر فرق بينهما وهو واحد. والقول الأول وهم، والله أعلم. مالك بن ربيعة ويقال: ابن حريث أبو مريم السلولي والد يزيد بن أبي مريم. له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احاديث، وسكن العراق، ووفد على معاوية وكان احد من شهد عنده على إقرار أبي سفيان أن زياد ابنه. حدث أنه سمع نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع يقول: " اللهم اغفر للمحلقين - ثلاثا - وللمقصرين - مرة - ". وقال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً، ثم حدثنا بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.

وقال: نام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجه الصبح، فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، نام فاستيقظ، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤذن فاذن، ثم صلى ركعتي، ثم أمره فأقام، فصلى الفجر. قال البغوي: ولا أعلم ابن أبي مريم غير هذه الثلاثة. حدث، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم اغفر للمحلقين " فقال رجل: يا رسول الله وللمقصرين. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الثالثة أو الرابعة: " والمقصرين ". قال مالك: ورأيتني يومئذ محلوقاً، وما يسرني بحلق رأسي يومئذ حمر النعم أو خطر عظيم. قال العلائي: وأبو مريم السلولي كان منزله بالبصرة، وكان من أهل الطائف بالجاهلية. عن عبد الله بن محمد، قال: ابو مريم مالك بن ربيعة السلولي، أبو يزيد، سكن الكوفة والبصرة روى ع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال يحيى بن معين: أبو يزيد بن ابي مريم كوفي ثقة، شهد الشجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال مالك: شهدت رسول الله صلةدى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، والهدي معكوفاً، فجاء الحارث بن هشام فقال: يا محمد جئتنا بأوباش من أوباش الناس تقاتلنا بهم؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسكت، هؤلاء خير منك وممن أخذ بأخذك، هؤلاء يؤمنون بالله ورسله ".

مالك بن زكير المري

وعن يزيد بن أبي مريم، عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا لأبيه أن يبارك له في ولده، فولد له ثمانون ذكراً. مالك بن زكير المري له ذكر في عصبية أبي الهيذام. قال مالك بن زكير المري: " من الرجز " هل فارس يدعو إلى البراز ... فالموت عندي ساكن الأهواز ها أنا ذا أهجم بارتجاز مالك بن زياد أبو هاشم، حرسي عمر بن عبد العزيز روي عن عاصم بن حميد السكوني، صاحب معاذ بن جبل، عن معاذ بن جبل، قال: أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء ليلة، فأخر بها حتى ظن الظان أن قد صلى وليس بخارج، ثم أنه خرج بعد، فقال له قائل: يا رسول الله، لقد ظننا أنك صليت ولست بخارج. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم على سائر الأمم ". قال مالك بن زياد: صلى بنا عمر بن عبد العزيز، فلما سلم أعلن فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير - ثلاث مرات - وفعل ذلك أياماً، والتفت إلينا فقال: إنما أعلنت التهليل لتعلموه وتفعلوه، فإنها من تمام الصلاة أن لا يقوم أحدكم إذا صلى وسلم حتى يقولهن ثلاث مرات.

مالك بن زيد بن مالك بن كعب بن عليم الكلبي

قال أبو هاشم: فلقيت مكحولاً فأخبرته بالذي قال أمير المؤمنين. قال: وقد أعلن به أمير المؤمنين؟ قال: قلت: نعم. قال: وفق الله أمير المؤمنين، إن كان من مخباتنا التي نخبؤها. قال عبد الغني: وهم فيه البخاري فجعله مالك بن دينار، وذكره على أثر مالك بن دينار أبي يحيى الزاهد، ولمجاورته جاء الوهم، وغفل عنه فلم يصلحه، ووهم بوهمه مسلم بن الحجاج وأحمد بن شعيب رحمة الله عليهم، ونسأل الله حسن التوفيق. مالك بن زيد بن مالك بن كعب بن عليم الكلبي أحد المشهورين، شهد وقعة مرج راهط، كان مع مروان بن الحكم فقتل يومئذ. مالك بن أبي السمح جابر بن ثعلبة ويقال: مالك بن أبي السمح بن سليمان بن أوس بن سعد بن أوس بن عمرو بن درماء ويقال: مالك بن أبي السمح بن سلمة بن أوس بن سماك بن سعد بن أوس بن عمرو بن عدي بن وائل بن عوف بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيىء أبو الوليد الطائي، ثم أحد بني درماء كان يتيماً في حجر عبد الله بن جعفر، وكانت له في بني مخزوم خؤولة، وكان قدم المدينة في حطمة أصابت طيئاً بالجبلين، فأقام بها مدة، وأخذ الغناء عن معبد، ومهر فيه، وقدم على يزيد بن عبد الملك، ثم على الوليد بن يزيد.

عن حكم الوادي، قال: قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك لجلسائه من المغنين: إني لأشتهي غناء أطول من أهزاجكم، وأقصر من الغناء الطويل. قالوا جميعاً: قد أصبته يا أمير المؤمنين، بالمدينة رجل يقال له مالك بن أبي السمح الطائي حليف لقريش، وهذا غناؤه، وهو أحسن الناس خلقاً، وأحسنهم حديثاً، قال: أرسلوا إليه. فأرسل إليه، فشخص حتى وافاه وهو بالشام، بدمشق. قال: فلما دخلنا عليه دخل معنا، فقال له الوليد: غنه. فاندفع، فضرب، فلم يطاوعه خلقه، ولم يصنع قليلاً ولا كثيراً. فقال له الوليد: قم فاخرج. قال: وأقبل علينا يعنفنا؛ وقال: ما تزالون تغرونني بالرجل وتزعمون بعض ما أشتهيه حتى أدخله وأطلعه على ما لم أكن أحب أن يطلع عليه أحد، ثم لا أجد عنده ما أريد. فقلنا له: يا أمير المؤمنين، والله ما كذبنا، ولكن عسى الرجل تغير بعدنا. قال: ولم نزل حتى استرسل، وطابت نفسه، وغنيناه حتى نام، وانصرفنا؛ فجعلنا طريقنا على مالك، فافترينا عليه، وكدنا نتناوله. فقال: ويحكم، دخلتني هيبة منعتني من الغناء ومن الكلام الذي أردته، فأعيدوني إليه فإني أرجو أن يرجع إلي خلقي وغنائي. قال: فكلمنا الوليد، فدعا به، فكان الثانية أسوأ حالاً منه في الأولى، فصاح به أيضاً، فخرج، وفعلنا كفعلنا. قال: فقال: أعيدوني إليه، فامرأته طالق، وما يملك في سبيل الله إن لم أستنزله عن سريره إن هو أنصفني. قال: فجئنا إلى الوليد فأخبرناه. قال: فقال: وعلي مثل يمينه إن هو لم يستنزلني أن انفذ فيه ما حلف به. فهو أعلم. قال: فأتيناه، فأخبرناه بمقالة الوليد ويمينه. فقال: قد رضيت. قال: فحضر معنا داراً يكون فيها إلى أن يدعى بنا، فمر به صاحب الشراب،

فأعطاه ديناراً على أن يأتيه بقدح جيشاني مملوءاً شراباً من شراب الوليد؛ فأتاه بقدح ثم بقدح ثم بقدح - بثلاثة أقداح - فأعطاه ثلاثة دنانير، ثم أدخلناه عليه، فقال له الوليد: هات. قال: فقال: لا والله أو ترجع إلي نفسي، وأطرب، وأرى للغناء موضعاً. قال: فذاك لك. قال: فاشرب يا أمير المؤمنين. قال: فشرب، وجعل هو يشرب، ويغني المغنون، حتى إذا ثمل الوليد وثمل هو سل صوتاً فأحسنه، وجاء بما نعرف، فطربنا وطرب الوليد، وتحرك، وقال: اسقني يا غلام؛ فسقي، وتغنى مالك صوتاً آخر وجاء بالعجب؛ فقال له الوليد: أحسنت، أحسنت، أحسن الله إليك. فقال: الأرض الأرض يا أمير المؤمنين. قال: ذاك لك؛ ونزل، فحياه وأحسن إليه؛ ولم يزل معه حتى قتل الوليد. قال الزبير بن بكار: ومما يروى لحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب في شبابه: " من المنسرح " لا عيش إلا بمالك بن أبي الس ... مح فلا تلحني ولا تلم أبيض كالسيف أو كما يلمع ال ... بارق في حالك الظلم يصيب من لذة الكريم ولا ... يهتك حق الإسلام والكرم يا رب ليل لنا كحاشية ال ... برد ويوم كذاك لم يدم قد كنت فيه يا مالك بن أبي الس ... مح كريم الأخلاق والشيم ليس يعاصيك إن رشدت ولا ... يجهل أي الترخيص في اللمم عن أبي غسان، قال: كان سبب وفاة مالك بن أبي السمح أنه لما كبر ضم إليه رجل من قريش يقوم عليه، ففرش له سريراً، وخرق فيه خرقاً للوضوء، فأتته الجارية يوماً ببخور، فتبخر، فوقعت الجارية بقلبه، فأهوى إليها ليقبلها، وتنحت عنه، فسقط عن السرير، فاندقت عنقه، فمات.

مالك بن شبيب الباهلي

عاش مالك حتى أدرك دولة بني العباس، رحمه الله تعالى. مالك بن شبيب الباهلي كان أميراً لهشام بن عبد الملك على ملطية. عن عبد الرحمن بن جابر، أن هشاماً تابع إغزاء معاوية بن هشام الصائفة سنتين، تفتح له فيها الفتوح، حتى توفي معاوية بن هشام، ثم ولي بعده سليمان بن هشام الصوائف سنيات لا يليها غيره، فخرج في سنة من ذلك في بعث كثيف، ووجه مقدمته في ثمانية آلاف عليها مالك بن شبيب، وأصحبه البطال وأمره بمشاورته والأخذ برأيه، فخرج معه حتى وغل في أرض الروم. قال ابن جابر: وأخبرني بعض من غزا معه أنه سمع عبد الوهاب بن بخت المكي وهو يقول: والله لقد كنا نسمع أن سرية ثمانية آلاف ونحوها يليها رجل من قيس، فيقتل ومن معه إلا الشريد وآية ذلك أنها خيل جريدة ليس معهم إلا راحلة، فانظروا هل ترون إبلاً أو راحلة؟ قال: فركب بعض أهل المجلس، فجال في العسكر، فقال: لم أر إلا راحلة عند آل فلان. قال: ولقينا العدو، فقتلوا مالكاً والبطال وعبد الوهاب بن بخت.

قال ابن جابر: فحدثني من سمع البطال يخبر مالك بن شبيب وهو بأقرن أن بطريق أقرن أرسل إليه لصهر بينه وبينه أن يأتيه حتى يكلمه بكلام لا تحتمله الرسالة. قال: فخرجت إليه حتى كلمني من بين شرافتين وهو يحسب أني أمير الجيش، قال: وفي كم أنت؟ فقلت: في كذا وكذا ألفاً؛ وزدت. فقال: ما أدري ما تقول، إلا أن أصحابك أقل مما قلت، وبيننا وبينك من الصهر ما قد علمت، وهذا إليون قد أقبل في نحو من مئة ألف، وهو يريدك لما بلغه من قلة جيشك، فما كنت صانعاً فاصنعه في يومك هذا، فإني قد أخبرتك الخبر، فانظر لنفسك ومن معك. قال: فما الرأي؟ قال: أرى أن تأتي إسناده فإنها مثغرة مفتوحة، فتدخل فيها وتشد من ثغرها وتقاتلهم من وجه واحد حتى يأتيك سليمان بن هشام بالصائفة. فقال من عند مالك من قومه: أراد - والله - العلج أن يلحق بك سماعها وعيبها. فأخذ مالك بقولهم. فقام عنه البطال، ومضى مالك يومه ذاك ومن الغد، فبينا هو يسير إذ أشرف على أرض رأى فيها سواداً، فقال: غيضة. فقال البطال: كلا، ولكنه ليون في جيشه، وما ترى من السواد الرماح وآلة الحرب. قال: الرأي؟ قال: اليوم، وقد تركته بالأمس؟ قال: الرأي أن تلقاه فتقاتله حتى يحكم الله. قال: ولقيناه، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس ووال عليهم. ثم ذكر باقي الحديث وهو مذكور في ترجمة عبد الله البطال.

مالك بن طوق بن مالك

مالك بن طوق بن مالك ابن عتاب بن زافر بن شريح بن مرة بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار التغلبي أحد أجواد العرب وممدجبهم، ولي أمره الشام والأردن في ولاية الواثق ثم في ولاية المتوكل، وقدم عليه أبو تمام وامتدحه بدمشق. قال بكر بن النطاح في مالك بن طوق " " من الطويل " أقول لمرتاد الندى عند مالك ... كفى كل هذا الخلق بعض عداته ولو خذلت أمواله جود كفه ... لقاسم من يرجوه شطر حياته ولو لم يجد في العمر قسماً لسائل ... وجاز له الإعطاء من حسناته لجاد بها من غير كفر بربه ... وأشركنا في صومه وصلاته وقول أبي جعفر محمد بن يزيد الأموي في مالك بن طوق وقد عزل عن عمله: " من الطويل " ليهنك أن أصبحت مجتمع الحمد ... وراعي المعالي والمحامي عن المجد وأنك صنت المال فيما وليته ... وفرقت ما بين الغواية والرشد فلا يحسب الأعداء عزلك مغنماً ... فإن لإلى الإصدار عاقبة الورد وما كنت إلا السيف جرد في الوغى ... فأحمد فيه ثم رد إلى الغمد

حدث أبو عبد الله نوح بن عمرو بن حوي السكسكي، قال: وجه إلي مالك بن طوق وهو أمير دمشق والأردن: بلغني أن دعبلاً عندك، فوجه به إلي. وقد كان دعبل مكنا في منزلي. فركبت إليه فخبرته أن عيني ما وقعت عليه؛ وذلك أني خفته عليه. فقال: بلى، يا أبا عبد الله، ما أردنا لمكروه وإن أفرط وتمادى في هجونا، الغلام مصير إليك بكيس فيه ألف دينار، ما برذون ندب بسرجه ولجامه فإن لا يكن عندك أحتلت في ايصاله إليه حيث كان والله أن لو هجاني إلى أن يموت ما رفعت رأساً بهجوه، وهو الذي يقول في بني خالد بن يزيد بن مزيد: " من الطويل " تراهم إذا ما جئت يوماً تجدهمو ... كأنهم أولاد طوق بن مالك حدث أبو الحسين علي بن الحسين بن السفر بن اسماعيل بن سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل، الشاعر التغلبي، حدثني أبي، عن أبيه السفر بن اسماعيل - وكان يحضر مجلس مالك بن طوق التغلبي وهو على الإمارة بدمشق، قال: كان الواثق ولى مالك بن طوق إمارة دمشق والأردن، فمات الواثق وهو عليها، فأقره المتوكل مدة ثم عزله. قال: وكان إذا جاء شهر رمضان نادى منادي مالك بن طوق بدمشق كل يوم على باب الخضراء، بعد صلاة المغرب - وكانت دار الإمارة في الخضراء في ذلك الزمان -: الإفطار رحمكم الله، الإفطار رحمكم الله. والأبواب مفتحة، فكل من شاء دخل بلا إذن وأكل، لا يمنع أحد من ذلك. قال: وكان مالك بن طوق من الأسخياء المشهورين. قال السفر بن اسماعيل: وتوفي ابن لمالك بن طوق وهو بدمشق، فدفنه في وطأة الأعراب خارج باب الصغير، فلما رجع من المقابر أمر بنصب الموائد للناس. فقال له نوح بن عمرو بن حوي

السكسكي: أيها الأمير، ليس هذا وقت أكل، هذا وقت مصيبة. فقال مالك بن طوق: المصيبة نجزع لها ما لم تقع، فإذا وقعت لم يكن لها إلا الصبر عليها. فأكل وأكل الناس. قال السفر بن اسماعيل: وحضرنا مالك بن طوق في وقت علة أصابته عندنا بدمشق، فأنشد: " من الوافر " وليس من الرزية فقد مال ... ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شخص ... يموت لموته ناس كثير قال: ودخل سهل بن بشر بن مالك بن الأخطل التغلبي على مالك بن طوق، وهو نصراني وفي عنقه صليب، فقال له مالك بن طوق: من أنت؟ فانتسب له، وعرفه أنه من ولد الأخطل الشاعر التغلبي، وأنه ابن عم الأمير. فقال له مالك بن طوق: صدقت:، أنت ابن عمي، واللحم والدم واحد، ولكن ما تقدم من الكفر فألغوه، فلا تعتقدوه، فقد جاء الحق وزهق الباطل؛ وأمر بأثواب فأحضرت، فألبسه إياها، وأمر بجائزة فدفعت إليه، ولم يفارقه حتى أسلم، وضمن له أن يجمع ولده جده فيأخذهم بالإسلام، ففعل وأسلموا كلهم بين يدي مالك بن طوق. قال: وكان السفر يقول لأبنه: يا بني، ما لبسنا الثياب السرية من الدراريع وغيرها، وضحينا الضحايا إلا من مال مالك بن طوق، وكنا ندل عليه بالعشيرة. قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي: وقفت على باب مالك بن طوق الرحبي أشهراً، فلم أصل إليه، ولم يعلم بمكاني، فلما أردت الأنصراف قلت للحاجب: أتأذن لي عليه أم أنصرف؟ فقال: أما الإذن فلا سبيل

إليه. قلت: فإيصال رقعة؟ قال: ولا يمكن هذا، ولكن هو خارج اليوم إلى بستانه، فاكتب الرقعة وارم بها، في موضع أرانيه الحاجب. فكتب: " من المتقارب " لعمري لئن حجبتني العبي ... د عنك فلن تحجب القافية سأرمي بها من وراء الجدا ... ر شنعاء تأتيك بالداهية تصم السميع وتعمي البصي ... ر ومن بعدها تسأل العافية فكتبت بها ورميت في المكان الذي أرانيه، فوقعت بين يديه، فأخذها، ونظر فيها، وقال: علي بصاحب الرقعة. فخرج الخدم، فقالوا: من صاحب الرقعة؟ قلت: أنا؛ فأدخلت عليه. فقال لي: أنت صاحب الرقعة؟ فقلت: نعم. فاستنشدها، فأنشدته، فلما بلغت: ومن بعدها تسأل العافية. قال: لا، بل نسأل العافية من قبلها؛ ثم قال: حاجتك؛ فأنشدت أقول: " من الكامل " ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي ... ماذا أصبت من الجواد المفضل إن قلت أغاني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بماله لم يجمل فاختر لنفسك ما أقول فإنني ... لابد أخبرهم وإن لم أسأل فقال: إذا - والله - لا أختار إلا أحسنها، كم أقمت ببابي؟ قلت: أربعة أشهر. قال: تعطي بعدد أيامه ألوفاً. فقبضت مئة وعشرين ألف درهم. حدث أبو الغوث ابن عبادة البحتري: أن أبا تمام حبيب بن أوس حدثه، أنه حضر مجلس مالك بن طوق، وقد عرضت عليه خيل له، فيها برذون حسن أعجب أبا تمام، فسأله أن يحمله عليه، فأراد مالك أن يولع به، فأخرجه عنه، فلما علم اختياره له قال أبو تمام، فسأله أن يحمله عليه، فأراد مالك أن يولع به، فأخرجه عنه، فلما علم اختياره له قال أبو تمام: اسمع ما جاء. فقال: وعلى هذه السرعة؟ قال: نعم؛ وأنشده: " من البسيط " اسمع مقالي وخير القول أصدقه ... وإنما لك من ذي اللب منطقة

وبابك الدهر مفتوح لطارقه ... غيري ويطرق دوني حين أطرقه إني أحبك فاسمع قول ذي ثقة ... ما المال مالك إلا حين تنفقه والناس شتى فذو لؤم وذو كرم ... والعرض سور وبذل العرف خندقه والسور ما لم يكن ذا خندق غدق ... بالماء هان على الراقي تسلقه ها قد هززت وما في الهز منقصة ... والمسك يزداد طيباً حين تنشقه بل قد كشفت قناع العتب معتذراً ... إلى السؤال فقل لي كيف أغلقه فقال له: أغلقه، واقطع القول، وخذ البرذون بسرجه ولجامه. حدث علي بن الحسين بن السفر، حدثني أبي عن أبيه. قال: لما صرف مالك بن طوق عن دمشق. قال: ففي وقت رحيله عنها خرج إلى المسجد، وجلس في القبة التي في وسط جامع دمشق، ودعا بالذين لهم عليه الديون، وكان عليه لتجار أهل دمشق ثلاثون ألف دينار، فقال لهم ولجميع الناس: إني دخلت دمشق ومعي أموال كثيرة، وهو ذا أخرج عنها وعلي ثلاثون ألف دينار، دين لحقني في بلدكم، لأني صرفت هذا المال كله في الناس في بلدكم على الغني والفقير. ثم قال للدائنين: من شاء منكم أن يقيم في موضعه وأنفذ إليه ماله فعل، ومن شاء أن يخرج معي أكرمته، ووفيته حقه، وينصرف شاكراً إن شاء الله. قال: فوفى لهم بما قال. مات مالك بن طوق في شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين، وبالرحبة كانت وفاته.

مالك بن عبد الله بن سنان

مالك بن عبد الله بن سنان ابن سرح بن وهب بن الأقيصر بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر ابن سعد بن مالك بن بشر بن وهب بن شهران بن عفرس أبو حكيم الخثعمي من أهل فلسطين. قيل: إن له صحبة، وهو المعروف بمالك السرايا، كان كثير الغزو، وقدم على معاوية برسالة عثمان، وقاد الصوائف أربعين سنة، وكسر على قبره أربعون لواء. قال أبو المصبح الأوزاعي: بينا نحن نسير في درب قلمية إذ نادى الأمير مالك بن عبد الله الخثعمي رجلاً يقود فرسه في عراض الخيل: يا أبا عبد الله، ألا تركب؟ قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار فهما حرام على النار ". وزاد في رواية: وأبو عبد الله هذا هو جابر بن عبد الله. وزاد في أخرى: أصلح لي دابتي، وأستغني عن قومي، فوثب الناس عن دوابهم، فما رأيت نازلاً أكثر من يومئذ.

عن مالك بن عبد الله الخثعمي، قال: كنا عند عثمان، فقال: من ها هنا من أهل الشام؟ فقمت. فقال: أبلغ معاوية إذا غنم غنيمة فليأخذ خمسة أسهم، فليكتب على سهم منها " لله " فليقرع، فحيث خرج فليأخذه. قال عنه العجلي: شامي، تابعي، ثقة. قال خليفة: قال ابن الكلبي: فيها - يعني سنة ست وأربعين - شتا مالك بن عبد الله، أبو حكيم، بأرض الروم. ويقال: بل شتاها مالك بن هبيرة. وقال: سنة ثمان وخمسين، فيها شتا مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم. قال الليث: وفي سنة ست وخمسين غزوة عابس بن سعيد ومالك بن عبد الله الخثعمي اصطاذنه، وذلك بعد قتل عبد الله بن قيس وكريب بن مشكم بأقريطية، فلما قتلا جعل عابس على أهل مصر، وجنادة بن أبي أمية على أهل الشام، ومالك بن عبد الله على الجماعة؛ فشتوا بإقريطية سنة الجوع من بعد مرجعهم من اصطاذنة. عن عبادة بن مكي: أن مالكاً ولي الصوائف حتى سماه المسلمون: مالك الصوائف. وعن ابن جابر: إن مالك بن عبد الله كان يلي الصوائف حتى عرفته الروم بذلك.

عن عطية بن قيس: أن رجلاً نفقت دابته، فأتى مالك بن عبد الله الخثعمي، وبين يديه برذون من المغنم، فقال: احملني أيها الأمير على هذا البرذون. فقال: ما أستطيع حمله. فقال الرجل: إني لم أسألك حمله، وإنما سألتك أن تحملني عليه. قال مالك: إنه من المغنم، والله يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة " فما أطيق حمله، ولكن سل جميع الجيش حظوظهم، فإن أعطوكها فحظي لك معها. عن رجل؛ أنهم كانوا مع مالك بن عبد الله، فأصابوا قدر حديد عظيمة؛ فقيل له: لو جعلت هذه - أصلحك الله - للصناعة. قال: لا أجعلها للصناعة، وفيها حظ اليتيم والأرملة والأعرابي. فأحلها الناس له، فقال: كيف بمن قد مات. عن نصر بن حبيب السلامي، قال: كتب معاوية إلى مالك بن عبد الله الخثعمي وعبد الله بن قيس الفزاري يصطفيان له من الخمس، فأما عبد الله فأنفذ كتابه، وأما مالك فلم ينفذه، فلما قدما على معاوية بدأه في الأذن وفضله في الجائزة؛ وقال له عبد الله: أنفذت كتابك ولم ينفذه، وبدأته في بدأه في الإذن، وفضلته في الجائزة! فقال: إن مالكاً عصاني وأطاع الله، وإنك عصيت الله وأطعتني. فلما دخل عليه مالك قال: ما منعك أن تنفذ كتابي؟ قال: ما كان أقبح بك وبي أن نكون في زاوية من زوايا جهنم تلعنني وألعنك، وتلومني وألومك، وتقول لي: هذا عملك، وأقول: هذا عملك. عن بعض من كان يلزم مالك بن عبد الله الخثعمي بأرض الروم، قال: أيقنته، فما وجدت منه ريح طيب في شيء من أرض الروم حتى أجاز الدرب قافلاً، فذكرت ذلك له. قال مالك: وحفظت مني؟ قال: نعم. قال: ما كان يسوغ لي أن أتطيب لما يهمني من أمر رعيتي حتى سلمهم الله، فلما سلمهم الله وأمنت تطيبت.

عن سليم بن عامر، قال: قام مالك في الناس وهو على الصائفة، فقال: إن قد حدثنا بجمع العدو، وإني مغذ السير اإليهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم، ثم أنا سائر بكم سيراً رفيقاً يبرأ فيه الدبر، وتسمن فيه العجفاء، ويسمن فيه الظالع. عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن أبيه، قال: غزونا مع مالك، فحاصرنا حصناً، ففتحه الله، وأصيب رجل من المسلمين، فجعل الناس يهنئونه وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح؛ وكان صائماً لم يفطر، وأصبح صائماً، والناس يعزونه وهو يقول: يا ليت الرجل لم يقتل، ويا ليت الحصن لم يفتح. عن الأوزاعي؛ أن وفداً للروم قدموا معاوية، فأمر بهم أن يدخلوا على مالك بن عبد الله، فدخلوا عليه، فتناول صاحبهم ساعد مالك كأنه يريد أن ينظر إلى ما بقي من قوته. فأجتذب مالك ساعده بقوته. قال: كيف تصنع إذا دخلت بلاد الروم؟ قال: أكون بمنزلة التاجر الذي يخرج فيلتمس وليس له هم إلا رأس ماله، فإذا أحرزه فما أصاب من شيء فهو فضل. قال: فقال الرومي لأصحابه بالرومية: ويل للروم من هذا وأصحابه، ما كان فيهم من يرى هذا الرأي. قال: وكان مالك يركب بغلاً بإكاف، وهو أمير الجيش، ويعتم على قلنسوة. عن علي بن أبي حملة، قال: ما ضرب الناقوس قط ببلد - قال: وكانوا يضربون نصف الليل - إلا وقد جمع مالك - يعني ابن عبد الله الخثعمي - ثيابه عليه، ودخل مسجد بيته يصلي. عن رجاء بن أبي سلمة، قال: أحصي صيام مالك بن عبد الله الخثعمي، فوجدوه ستين سنة.

مالك بن عدي

عن حسان مولى مالك بن عبد الله، قال: كان في ساقه عرق مكتوب " لله "، فجعلت أنظر إليه وهو يتوضأ، فقال: أي شيء تنظر؟ أما أنه لم يكتبه كاتب! مالك بن عدي سمع أبا الدرداء حين استفتاه. عن بلال بن سعد، قال: دخل ارجل الحمام وعليه برنس، فألقاه، فجاء رجل فأخذ برنسه، فخرج إليه، فأتى به أبا الدرداء، فقال: السارق سرق برنسي فأقم فيه كتاب الله. فقال أبو الدرداء: أيا مالك بن عدي، أنا بالله منك. قال: أفأدعه؟ قال أبو الدرداء: دعه. مالك بن عمارة بن عقيل وفد على عبد الملك. عن مالك بن عمارة بن عقيل، قال: كنت أجالس عبد الملك بن مروان بثناء الكعبة وهو صبي، فقال لي يوماً: يا مالك، إن أنا عشت فسترى الأعناق إلي مائلة، والآمال نحوي سامية، فإذا كان ذلك كذلك فما عليك أن تجعلني لرجائك باباً، ولأملك سبباً؛ فوالله لأملأن يديك مني عطية، ولأكسونك مني نعمة. ثم أتى على هذا دهر إلى أن أفضت الخلافة إليه، فسرت إليه من مكة، وهو مقيم بدمشق، فأقمت ببابه أسبوعاً لم يأذن لي، فلما كان يوم الجمعة بكرت إلى المسجد حتى جلست قريباً من المنبر، فلما كان وقت الصلاة إذا أنا بعبد الملك قد أقبل، فصلى ركعتين، ثم رقا المنبر؛ فأقبلت عليه بوجهي، فأعرض عني؛ ثم أقبلت عليه الثانية فأعرض عني، ثم أقبلت عليه ثالثة فأعرض عني؛ ثم خطب خطبة أوجز فيها، ثم نزل فصلى بالناس، ثم انصرف، وإني لكئيب حسران لما تجشمت من بعد الشقة؛ فبينا أنا

كذلك إذ دخل علي رجل من باب المسجد، فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقلت: ها أنا ذا. فقال: أجب أمير المؤمنين. فقمت مبادراً حتى دخلت على عبد الملك، فسلمت، فرد علي السلام، فقال: ادن مني. فدنوت، ثم قال: ادن مني حتى تجلس معي على السرير؛ ثم أقبل علي يسألني عن خبري وخبر مخلفي، وعن أهل مكة وما كان منهم، وقال لي: يا مالك، لعله قد ساءك ما رأيت مني؟ فقلت: والله لقد ساءني ذلك. فقال: لا يسؤك، إن ذلك مقام لا يجوز فيه إلا ما رأيت، وها هنا قضاء حقك. ثم أمر فأخلي لي منزل إلى جانب قصره، وأقيم فيه جميع ما أحتاج إليه، وكنت أحضر غداءه وعشاءه؛ فأقمت عنده ثلاثة أشهر، فتبين في الملل، فقال: يا مالك، أراك متململاً، لعلك قد إشتقتا إلى أهلك؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد وعدت إليهم بسرعة الأوبة. فقال: يا غلام، علي بعشر بدر، وعشرة أسفاط من دق مصر، وعشر جواري، وعشرة غلمان، وعشرة أفراس، وعشرة أبغل. فلما حضر ذلك بين يديه قال لي: يا مالك، أرأيت هذا؟ قلت نعم. قال: هو لك، أتراني ملأت يديك عطية، وكسوتك مني نعمة؟ فقلت: يا امير المؤمنين، وإنك لذاكر لذاك؟ فقال: وما خير في من لا يذكر ما وعد به، وينسى ما أوعد به؛ والله لم يكن ذلك عن شيء سمعناه ولا خبر رويناه، ولكن تخلقت أخلاقاً في الصبا، كنت لا أساري ولا أباري، ولا هتكت ستراً حظره الله علي، وكنت أعرف للأدب حقه، وأكرم العالم، فبهذه الخصال رفع الله درجتي، وبالصالحين من أهلي ألحقني، فإن أقمت يا مالك فالرحب والسعة، وإن مضيت ففي حفظ الله والدعة.

مالك بن عمرو الساعدي

مالك بن عمرو الساعدي ثم العاملي القضاعي شاعر، له أبيات يذكر فيها قتله لقاتل أخيه سماك بن عمرو بين ضمير ودمشق، تقدم ذكر أبياته في ترجمة أخيه سماك. مالك بن عوف بن سعيد ويقال: سعد بن ربيعة بن يربوع بن وائلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن أبو عي النصري كان أميراً على المشركين لما قاتلوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة حنين، ثم أسلم، وكان من المؤلفة، وأعطاه مئة من الإبل، وعقد له لواء، وشهد فتح دمشق؛ والدار التي تعرف بدار بني نصر داره. ذكر أبو الحسين الرازي، عن شيوخه الدمشقيين؛ أن الدار التي على شارع دار البطيخ الكبيرة، التي فيها البناء القديم تعرف بدار بني نصر كانت كنيسة للنصارى، فنزلها مالك بن عوف النصري أول ما فتحت دمشق، وخاصم النصارى فيها إلى عمر بن عبد العزيز فردها عليهم، فلما ولي يزيد بن عبد الملك ردها على بني نصر. ويقال: إن معاوية أقطعه إياها. وكان مالك بن عوف قائد المشركين يوم حنين، ثم أسلم.

ويقال: مالك بن عبد الله بن عوف النصري. عن ابن إسحاق حدثني أبو وجزة، قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟ فقالوا: هو بالطائف. فقال: " خبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله، وأعطيته مئة من الإبل ". فأتى مالك بذلك، فخرج إليه من الطائف؛ وقد كان مالك خاف على نفسه من ثقيف أن يعلموا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ما قال، فيحبسوه؛ فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له فأتى به الطائف، ثم خرج ليلاً، فجلس على فرسه، وركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها، فجلس عليها، ثم لحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأدركه بالجعرانة أو بمكة؛ فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مئة من الإبل، وأسلم فحسن إسلامه؛ فقال مالك بن عوف حين أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الكامل " ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتذي ... وإذا تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أبناؤها ... أم العدى فيها بكل مهند فكأنه ليث لدى أشباله ... وسط الهباءة خادر في مرصد فاستعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على من أسلم من قومه، وتلك القبائل من ثمالة وسلمة وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفاً، فلا يخرج لهم سرح إلا أغادر عليه، حتى يصيبه؛ فقال أبو محجن الثقفي: " من الرمل " هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بنو سلمة وأتانا مالك بهم ... ناقض للعهد والحرمه وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولي نقمه

وقال مالك بن عوف يذكر مسيرهم بعد إسلامه: " من البسيط " اذكر مسيركم للناس إذ جمعوا ... ومالك فوقه الرايات تختنق ومالك مالك ما فوقه أحد ... يومي حنين عليه التاج يأتلق حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم ... عليهم البيض والأبدان والدرق فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً ... حول النبي وحتى جنة الغسق حتى تنزل جبريل بنصرهم ... فالقوم منهزم منهم ومعتنق منا ولو غير جبريل يقاتلنا ... لمنعتنا إذا أسيافنا الفلق وقال مالك بن عوف: " من الكامل " منع الرقاد فما أغمض ساعة ... نعم بأجراع السدير مخضرم سائل هوازن هل أضر عدوها ... وأعين غارمها إذا لم يغرم وكتيبة لبستها بكتيبة ... فئتين منها حاسر وملام ومقدم تعيا النفوس لضيقه ... قدمته وشهود قومي أعلم فرددته وتركت إخواناً له ... يردون غمرته وغمرته الدم فإذا انجلت غمراته ورثنني ... مجد الحياة ومجد غنم يقسم كلفتموني ذنب آل محمد ... والله أعلم من أعق وأظلم وخذلتموني إذ أقاتل في البرا ... يا وخذلتموني إذ تقاتل خثعم فإذا بنيت المجد يهدم بعضكم ... لا يستوي بان وآخر يهدم

مالك بن عياض

مالك بن عياض المعروف بمالك الدار المدني مولى عمر بن الخطاب. ويقال: الجبلاني. قدم مع عمر بن الخطاب الشام، وشهد معه فتح بيت المقدس، وخطبته بالجابية. عن مالك الدار، قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب، فجاء رجل إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، استسق الله أمتك. فأتاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: " ايت عمر، فأقره السلام، وقل له: إنكم مسقون، فعليكم بالكيس ". قال: فبكى عمر، وقال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه. وعنه قال: دعاني عمر بن الخطاب يوماً، فإذا عنده صرة فيها ذهب فيها أربعمئة دينار، فقال: اذهب بهذه إلى عبيدة بن الجراح، فقل له: أرسل بهذه إليك أمير المؤمنين صله لك تعود بها على عيالك. قال: فذهب بها، فسلمت، فوجدته في مسجد بيته وهو يصلي فيه، فقلت له كما قال لي عمر، فقال: افتحها؛ ففتحت الصرة فوضعتها. فقال: ادع لي فلاناً وفلاناً ناساً من أهله، فطفق يرسلهم بها؛ اذهب بذا إلى فلان وفلان، حتى لم يبق في الصرة شيء، ثم رجعت إلى أمير المؤمنين، وقد كان أمرني أن أرجع إليه بما يصنع فيها.

مالك بن قادم

قال: فأخبرته أنه لم يبق عنده منها دينار؛ ووجدت عنده صرة مثلها، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل الأنصاري، فقل له مثل ما قلت لصاحبه، وانظر ما يصنع بها. قال: فجئته، فاستأذنت عليه، فوجدته يصلي في مسجد له في بيته، فقلت له: هذه أمر لك بها أمير المؤمنين. قال: وما هي؟ قلت: صلة تعود بها على عيالك وأهلك. قال: حلها، وضعها مكانها، ادع لي فلاناً وفلاناً، كما قال صاحبه، فلم يزل يرسل منها ويقسم حتى لم يبق في الصرة إلا دينارين، فقالت امرأته من وراء الستر في البيت: ياهذا - لزوجها - إنا مساكيين، فتقسم للناس وتدعنا، والله ما لنا شيء. قال: فإن كان ليس لك شيء فهاك هذين الدينارين. قال: فرجعت إلى عمر، فأخبرته ما رأيت؛ فقال له: والله الذي جعلهم هكذا، وجعل بعضهم من بعض. وعنه، قال: صاح علي عمر يوماً، وعلاني بالدرة، فقلت: أذكرك بالله. قال: فطرحها، وقال: لقد ذكرتني عظيماً. قال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر. مالك بن قادم ممن شهد حصار دمشق مع عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس. له ذكر.

مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي

مالك بن كعب الهمداني ثم الأرحبي وجهه علي بن أبي طالب إلى دومة الجندل لقتال مسلم بن عقبة حين بعثه معاوية إلى أهلها حين بلغه توقفهم عن البيعة لعلي، فوصل إليها، وهزم مسلم بن عقبة، ودعا أهل دومة إلى البيعة، فامتنعوا، وقالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام؛ فانصرف راجعاً إلى الكوفة. مالك بن أبي مريم الحكمي من حكم بن سعد العشيرة روى: أن عبد الرحمن بن غانم الأشعري وفد دمشق، فاجتمع إليه عصابة منا، فذكرنا الطلاء، فمنا المرخص فيه ومنا الكاره له. قال: فأتيته بعدما خضنا فيه، فقال: إني سمعت أبا مالك الأشعري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ". قال ابن أبي حاتم: مالك بن أبي مريم الحكمي، شامي.

مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن قلع

مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن قلع وقلع لقب واسمه علقمة بن عمرو بن عباد. ويقال: ابن عباد بن عمرو، وهو جحدر بن عمرو بن ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل أبو غسان الربعي. من وجوه أهل البصرة ولد على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على معاوية، وكان مالك بن مسمع سيد ربيعة في زمانه مقدماً معروفاً بذلك، حليماً رئيساً. عن قتادةبن دعامة، قال: لما وفد أهل البصرة إلى معاوية بن أبي سفيان خرج آذنه، فنظر إلى وجوه الناس، فقال للأحنف بن قيس: ادخل. فدخل، ثم أذن للمنذر بن جارود، ثم أذن لشقيق بن ثور، وفي القوم مالك بن مسمع لا يأذن له ما كان منه إلى عامله بالبصرة زياد لفعلته به في تثبيت العطاء فلم يزل يأذن لرجل رجل حتى أذن للجملة، فدخلوا وفيهم مالك، فجعل الناس يسرعون ومالك يمشي على رسله، فأخذوا أمكنتهم، وأقبل مالك يمشي حتى وقف بين يدي معاوية؛ فقال لهم عاوية: أبو غسان؟ قال: نعم. قال: ها هنا. فأجلسه معه على سريره؛ فقام رجل من بكر بن وائل، أحد بني ذهل، فقال: يا أمير المؤمنين، أتجلس هذا معك على السرير وهو عمل بعاملك على العراق ما عمل، من خروجه عليه في أمر العطاء؟ فقال أبو غسان: وما يمنع أمير المؤمنين أن يجلسني معه وأنت ابن عمي! فخرج الناس يومئذ ومالك سيدهم بحلمه، وإكرام معاوية له ومعرفته بفضله. قال حضين بن المنذر في مالك بن مسمع: " من الطويل "

مالك بن المنذر بن الجارود

حياة أبي غسان خير لقومه ... لمن كان قد قاس الأمور وجربا ونعتب أحياناً عليه ولو مضى ... لكنا على الباقي من الناس اعتبا قال ابن عياش في تسمية العور: مالك بن مسمع، ذهبت عينه يوم الجفرة بالبصرة. قال خليفة: وفيها - يعني سنة ثلاث وسبعين - مات مالك بن مسمع أبو غسان. وقال: فحدثني عبد الملك بن المغيرة، عن أبيه، قال: شهدت دار الأمارة بواسط يوم جاء قتل يزيد بن المهلب - يعني في صفر سنة اثنتين ومئة - ومعاوية بن يزيد قاعد، فأتى بعدي بن أرطاة وابنه محمد بن عدي، ومالك وعبد الملك ابني مسمع فضرب أعناقهم. وبلغني من وجه آخر، أن مالك بن مسمع توفي سنة أربع وسبعين، وكان كسن عبد الله بن الزبير. مالك بن المنذر بن الجارود واسمه بشر بن حنش بن المعلى بن الحارث بن زيد بن حارثة أبو غسان العبدي، وأمه عمرة بنت مالك بن مسمع وفد على سليمان بن عبد الملك، وشهد بيعة عمر بن عبد العزيز. عن زيد بن عبد القاهر، عمن حدثه؛ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى مالك بن المنذر: أما بعد، فإن هذا الصليب علامة من علامة أهل الشرك، لا يرون أنه يقوم لهم أمر إلا به، وقد كانوا يظهرون منه أمراً

كرهته ورأيت غيره، فلا تدعن صليباً ظاهراً إلا أمرت به أن يكسر إن شاء الله، فافعل ذلك فيما كان بأرضك من صلب أهل الشرك. عن خليفة، قال: وكان على شرطة البصرة - يعني للقسري - مالك بن المنذر بن الحارث بن الجارود العبدي. ثم عزله، وولى بلال بن أبي بردة بن أبي موسى. عن محمد بن سلام، قال: فلما قدم - يعني خالد بن عبد الله القسري - العراق أميراً، أمر شرطه مالك بن المنذر، وكان عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز يدعي على مالك فرية فأبطلها خالد، وحفر النهر الذي سماه المبارك، فانتقض عليه، فقال الفرزدق: " من الطويل " وأهلكت مال الله في غير كنهه ... على نهرك المشؤوم غير المبارك أتضرب أقواماً براء ظهورهم ... وتترك حق الله في ظهر مالك أإنفاق مال الله في غير كنهه ... ومنعاً لحق المرملات الضرائك فكتب خالد إلى مالك بن المنذر؛ أن احبس الفرزدق، فإنه هجا نهر أمير المؤمنين؛ فأرسل مالك إلى أيوب بن عيسى فقال: أئتني بالفرزدق؛ فلم يزل يعمل فيه حتى أخذه، فطلب إليهم الفرزدق أن يمروا به على بني حنيفة. فلما قيل لمالك: هذا الفرزدق، انفتح وربا. فلما أدخل عليه قال: " من الطويل " أقول لنفسي حين غصت بريقها ... ألا ليت شعري مالها عند مالك لها عنده أن يرجع الله روحها ... إليها وتنجو من عظام المهالك

وأنت ابن جباري ربيعة أدركا ... بك الشمس والخضراء ذات الحبائك فسكن مالك، وأمر به إلى السجن، فقال يهجو أيوب بن عيسى الضبي: " من الطويل " متت له بالرحم بيني وبينه ... فألفيته مني بعيداً أواصره وقلت امرؤ من آل ضبة فانتمى ... إلى غيرهم جلد استه ومناخره فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ... ولكن زنجياً غليظاً مشافره فسوف يرى الزنجي ما اكتدحت له ... يداه إذا ما الشعر غيت نوافره ثم مدح خالداً ومالكاً، وهو محبوس، مديحاً كثيراً؛ فأنشدني له يونس في كلمة طويلة: " من الكامل " يا مال هل هو مهلك ما لم أقل ... وليعرفن من القصائد قيلي يا مال هل لك في كبير قد أتت ... تسعون فوق يديه غير قليل فتجز ناصيتي وتفرج كربتي ... عني وتطلق لي يداك كبولي ولقد نمت بك في المعالي ذروة ... رفعت بناءك في أشم طويل والخيل تعلم في جديلة أنها ... تردي بكل سميدع بهلول إن ابن جباري ربيعة مالكاً ... لله سيف صنيعه مسلول وكانت أم مالك بنت مالك بن مسمع، فقال: " من الوافر " وقرم بين أولاد المعلى ... وأولاد المامعة الكرام تخمط في ربيعة بين بكر ... وعبد القيس في الحسب اللهام فلما لم ينفعه مديحه خالداً ومالكاً، قال يمدح هشام بن عبد الملك، ويعتذر إليه: " من الطويل " ألكني إلى راعي البرية والذي ... له العدل في الأرض العريضة نورا فإن تنكروا شعري إذا خرجت له ... بوادر لو يرمي بها لتفقرا ثبير ولو مست حراء لحركت ... به الراسيات الصم حتى تكوروا

إذا قال غاو من معد قصيدة ... بها حرب كانت وبالاً مدمرا لئن صبرت نفسي لقد أمرت به ... وخير عباد الله من كان أصبرا عن أبي عاصم النبيل، قال: صلى مالك بن المنذر بن الجارود، وكان على أحداث البصرة، في ثوب رقيق، فقال له عثمان البتي: لا تصل في ثوب رقيق. فلما ولى من عنده أرسل إليه فضربه عشرين سوطاً. فقال له البتي: علام تضربني؟ فقال: إنك تأمر الناس بترك الصلاة! عن أحمد بن عبيد الحرمازي، قال: قال عبد الله بن الأعور بن قراد يمدح مالك بن المنذر بن الجارود: " من الرجز يا مالك بن المنذر بن الجارود ... أنت الجواد ابن الجواد المحمود سرادق المجد عليك ممدود وقال أيضاً: " من الرجز " أنت لها منذر من بين البشر ... داهية الدهر وصماء الغير أنت لها إذ عجزت منها مضر فقال له: حكمك يا أبا سعيد مشتطا. قال: مئة. قال: اغد يا غلام فوفه إياها بالمربد. قال: قل له يجعلها بيضاء. قال: قد خبرتك، وإنما طلبت الدراهم، لك مئة ومئة حتى تبلغ ألفاً. فلامه قومه، وقالوا: حكمك سيد العرب فاحتكمت مئة درهم! فقال: والله ما ألقاني في ذلك إلا سوء عادتكم، أمدح أحدكم فيعطيني الجدي والفطيمة.

مالك بن مهران

مالك بن مهران أبو بشر من أهل دمشق. روي عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن رجل، قال: قلنا لوائلة: حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان. فغضب. وقال: إن أحدكم ليعلق الصحف في بيته ينظر فيه طرفي النهار ولا يحفظ السورة. قال: ثم أقبل على القوم يحدثهم. قال: فقلت له: حدثنا عافاك الله. قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فأقبل نفر من بني سليم، فقالوا: يا رسول الله، إن صاحبنا قد أوجب. قال: " فليعتق رقبة، فإن بكل عضو عضواً من النار ". الرجل الذي لم يسمه هو الغريف بن عياش. مالك بن ناعمة أبو ناعمة الصدفي المصري شهد الفتح بالشام، ثم شهد فتح مصر. قال ابن يونس: شهد فتح مصر، من أصحاب عمر بن الخطاب، وهو صاحب الفرس الذي يقال له: أشقر صدف، السابق المذكور. عن أشياخ مصر: أن مالك بن ناعمة قدم من اليمن بأمة - يعني أم الأشقر - فكان يعقر عليها الوحش في طريقه، فإذا نزل الناس حل عنها، ومرحها في عشب الأودية حتى يرحل، فبينا هو ذات يوم قاعد في أصحابه إذ قيل له: أدرك فرسك؛ فنظر فإذا بفحل قد خرج إليها من

مالك بن نافرة

ذلك الوادي، طويل أهلب، لم ير مثله أوثق خلقاً، فنزاها؛ وبادر ليطرده عنها، وكره عقاقها وهو في سفر، فلم يلحقه حتى نزل عنها وقد اشتملت على الأشقر. وقدم ابن ناعمة على الناس بالشام، فأقام معهم في محاربة الروم حتى وضعت فرسه الأشقر في يوم هزيمة، وجد في الطلب، فلم يزل يركض مع أمه يومه، ما تفوته حتى منعه الليل من الطلب، ثم دخل ابن ناعمة مصر فسبق الناس به. فكانوا يظنون أن أباه شيطان. مالك بن نافرة ويقال: ابن ناشرة الجذامي ختن فروة بن نفاثة الجذامي، كان بمعان من أرض البلقاء. وسمع عثمان ومعاوية، وقدم عليه. عن مالك بن النافرة، وكان رجلاً من جذام يسكن معان وما يليها، قال: كنت جالساً مع امرأتي، فدخل علي ابن عم لي وفي يده سواك يستن به، فأخذه فوضعه، فأخذته فاستنت به، فعرفت أنهما لم يصنعا ذلك إلا لميعاد بينهما، فقلت لها: جهزيني فإني أريد أن أنطلق إلى كذا وكذا؛ فقامت مسرعة فجهزتني، ثم أحقبت بعيري وتقلدت سيفي، ثم ركبت حتى أتيت وادياً، فأنخت فيه، ثم كمنت، حتى إذا كان الليل واختلط الظلام عقلت بعيري وتقلدت سيفي ثم أقبلت. قال: وفي ظهر بيتي كوة ضخمة يدخل منها الرجل، فقمت تحت الكوة، فإذا في

مالك بن الوليد

البيت سراج يزهر، وإذا هو جالس معها يحدثها، فتمالكت حتى تدخل بنية لي منها قد تحركت، فقال: أخرجي بنتك عنا؛ فأبت أن تخرج ولاذت بأمها ولزمتها، فنترها نترة وقعت على بطنها، فلم أملك نفسي أن وثبت فتسورت من الكوة، ثم دخلت عليه فضربته حتى هدأ، ثم ملت عليها فضربتها حتى هدأت. فرفع أمره إلى عثمان، فقال لطلبة الدم: تحلفون بالله خمسين يميناً؛ إن الأمر ليس كما ذكر، ونسلمه إليكم برمته، فإن أبيتم حلف خمسين يميناً أدى إليكم الدية. مالك بن الوليد المري من أصحاب الضحاك بدمشق. عن خليفة، قال: وفي سنة أربع وستين وقعة مرج راهط بالشام. قال أبو الحسن المدائني: قتل الضحاك بن قيس، وقتل من فرسان قيس ثور بن معن ومالك بن الوليد المري. مالك بن الوليد من أصحاب يزيد بن الوليد الذين قاموا بأمره حين غلب على دمشق. مالك بن هبيرة بن خالد ابن مسلم بن الحارث بن المخصف بن حاج، واسمه مالك بن الحارث بن بكر بن ثعلبة بن عقبة بن السكون أبو سعيد. ويقال: أبو سليمان السكوني له صحبة، وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، وولاه معاوية حمص، وغزا الروم،

وكانت له بدمشق دار عند الباب الشرقي، وكان بدمشق حين قتل حجر بن عدي، وكان مع مروان بن الحكم بالجابية حين بويع بالخلافة، وشهد معه المرج، وكان على الرجالة. عن مالك بن غبيرة؛ أنه كان إذا تبع جنازة واستقل أهلها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثلاثة صفوف، ثم صلى عليها، وأخبرهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما صلى على ميت ثلاثة صفوف إلا وجبت ". عن أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي، قال في تسمية من نزل حمص من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك بن هبيرة السكوني احدامراء حمص مات في ايام مروان بنالحكم وقد كان معاوية ولاه حمص في سنة ست وخمسين ونزع في المحرم سنة سبع وخمسين. وعن القاضي أبي القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي صاحب تاريخ حمص قال: مالك بن هبيرة السكوني، لم يعقب؛ أخبرني أبو أيوب البهراني بذلك، ويروى عنه مرثد بن عبد الله اليزني. وقال محمد بن عوف: قال معاوية بن أبي سفيان: ما أصبح عندي من العرب أوثق في نفسي نصحاً لجماعة المسلمين وعامتهم من مالك بن هبيرة. قال البهراني: له صحبه. وقال محمد بن عوف: ما أعلم له صحبه؛ كان معاوية ولاه حمص سنة ست وخمسين، ونزع في المحرم سنة سبع وخمسين، ومات في أيام مروان بن الحكم. وقال ابن يونس: مالك بن هبيرة السكوني يكنى أبا سعيد، يعد في أهل حمص لأنه ولي حمص

مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة

لمعاوية بن أبي سفيان، وروى عنه من أهل حمص غير واحد، وقد ذكر فيمن قدم مصر، وما عرفنا وقت قدومه. وقيل أيضاً: إنه ممن حضر فتح مصر، والله أعلم. وقال أبو عبد الله العبدي: مالك بن هبيرة السكوني، عداده في أهل مصر، له صحبة. عن ثابت بن عبيد الغساني؛ أن مالك بن هبيرة توفي أيام مروان ببيت رأس؛ فسمعت أبا مسهر يقول: أقام مروان تسعة أشهر، فهلك بدمشق. مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة ويقال: عمرو بن عمير بن هاجر بن عبد العزى بن قمير بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن عامر بن لحي بن قمعة بن إلياس بن مضر بن نزار أبو نصر الخزاعي المروزي أحد وجوه دعاة بني العباس، وفد على محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة؛ وكان المنصور حسن الرأي فيه، معظماً لقدره. روى عن إبراهيم بن محمد الإمام، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل لا يزال في صحة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غش مستشيره سلبه الله صحة رأيه ".

مالك بن يخامر

مالك بن يخامر ويقال: أخامر، الألهاني، السكسكي قيل: إن له صحبة. وهو من أهل حمص، وشهد خطبة معاوية بدمشق، وسمع من معاذ بالجابية. عن مالك بن يخامر السكسكي؛ أن قوماً دخلوا عليه يعودونه، فقالوا: إن منزلك من المدينة موضع جيد، فلو رممته. قال: إنما نحن سفر قائلون، نزلنا للمقيل، فإذا برد النهار وهبت الريح ارتحلنا، فلا أعالج منها شيئاً حتى ارتحل منها. روى عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال " ثم ضرب على فخذ الرجل الذي حدث معاذ أو منكبه، ثم قال: إن هذا لحق كما أنك ها هنا، أو كما أنك قاعد. عن مالك بن يخامر، قال: رأيت المهاجرات يذبحن أضاحيهن حول حجرة معاذ بن جبل بالجابية. عن خليفة، قال: في الطبقة الأولى من أهل الشامات: مالك بن يخامر السكسكي، مات زمن عبد الملك، حمصي. قال ابن منده وأبو نعيم: ذكر في الصحابة ولا يثبت.

مالك الفزاري

وقال عنه العجلي: شامي، تابعي، ثقة. قال أيو عبيد القاسم بن سلام: سنة تسع وستين توفي فيها مالك بن يخامر، وقيل: سنة سبعين. مالك الفزاري ممن شهد وقعة الحرة من أهل الشام، وأرسله مسرف بن عقبة المري إلى يزيد يخبره بظفره بأهل المدينة، فأجازه يزيد ورده إلى قتال ابن الزبير، فقتل في الحصر الأول مع حصين بن نمير سنة أربع وستين. مأمون بن أحمد بن علي السلمي الهروي أحد المشهورين بوضع الحديث. ذكره بعض أهل العلم، فقال: هروي كذاب. روي عن مقاتل بن سليمان، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: ما من عبد من عبادي تواضع لي عند خلقي إلا وأنا أدخله جنتي، وما من عبد من عبيدي تكبر عند حقي إلا وأنا أدخله ناري ". وبهذا الإسناد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يقول الله تعالى: ما من عبد من عبادي استحيا من الحلال إلا ابتلاه الله بالحرام ".

هذان الحديثان منكران إسناداً ومتناً، وفي إسنادهما غير واحد من المجهولين. وعن أحمد بن عبد الله الشيباني، بسنده ألى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها " قال: " علمه منها أسامي ألف حرفة من الحرف: قال: يا آدم قل لولدك: إن تصبروا عن الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين ". قال أبو حاتم محمد بن حبان: مأمون بن أحمد السلمي، من أهل هراة، كان دجالاً من الدجاجلة، ظاهر أحواله مذهب الكراهية، وباطنه مالا يوقف على حقيقته، يروي عن أهل الشام ومصر وشيوخ لم يرهم؛ خذله الله فما أجرأه على الله وعلى رسوله. وقال أبو نعيم الحافظ: مأمون بن أحمد السلمي، من أهل هراة، خبيث وضاع، يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ودحيم الموضوعات، يستحق من الله ومن الرسول ومن المسلمين اللعنة.

مبارك بن تمام بن الوليد

مبارك بن تمام بن الوليد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي كان يسكن قرية الجامع من قرى المرج. ذكره أبو الحسن أحمد بن حميد بن أبي العجائز في تسمية من كان بدمشق وغوطتها من بني أمية. وذكر امرأته مريم بنت عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك؛ وذكر ولده سفيان بن المبارك، ابن عشر سنين، ومروان بن المبارك، ابن خمس سنين؛ ومحمد بن المبارك، رضيع؛ وفاطمة بنت المبارك، فطيمة. وذكر غيره أن المبارك بن تمام قتل يوم نهر أبي فطرس. المبارك بن الزبير المشجعي حدث، قال: سمعت مكحولاً يقول: كنت جالساً في مسجد دمشق إذ دخل علينا المقداد، فركع ثم خرج، فاتبعته، فمشيت معه حتى خرج من باب الجابية. كذا قال، وأظنه أراد المقدام بن معدي كرب، فإنه تأخرت وفاته، فأما المقداد فإنه مات في خلافة عثمان، لم يدركه مكحول، والله أعلم.

المبارك بن سعيد بن إبراهيم بن العباس

المبارك بن سعيد بن إبراهيم بن العباس أبو الحسن التيميي النصيبي قاضي دمشق وخطيبها روى عن أبي الصقر محمد بن علي بن عادل، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". قال أبو محمد الكتاني: توفي شيخنا القاضي أبو الحسن مبارك بن سعيد بن إبراهيم النصيبي الخطيب آخر يوم من رجب، يوم الجمعة سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة؛ حدث عن أبي شيخ النصيبي وغيره، وحدث بكتاب " شرح الأبهري " عنه، وبكتاب " القراءات " عن ابن خالوية، كان يخطب بدمشق للمغاربة، ويقضي لهم. ذكر أبو علي الأهوازي، أنه دفن بباب الصغير. المبارك بن سعيد المبارك أبو يزيد البعلبكي روى عن ناعم بن السري، بسنده إلى أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ". المبارك بن عبد السلام بن المبارك ابن عبد السلام أبو الحسن الإمام المؤدب روي عن أبي علي الحسين بن إبراهيم بن جابر الفرائضي، بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

المبارك بن علي بن عبد الباقي بن علي

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". المبارك بن علي بن عبد الباقي بن علي أبو عبد الله البغدادي، سبط أبي الحسين أحمد بن عبد القادر بن يوسف سمع ببغداد، وقدم دمشق، فسمعت منه بها، ثم خرج عنها، وسكن ديار بكر. وكان شيخاً لا بأس به، ولم يكن عنده شيء عن شيوخه، وإنما وجد سماعه في أجزاء قدم بها ابن خاله محمد بن عبد الخالق. روي عن أبي سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، بسنده إلى ابن عمر: أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما نلبس إذا أحرمنا؟ قال: " البس الإزار والرداء والنعلين، فإن لم يكن إزار فسراويل، فإن لم يكن نعلان فخفان ". وسألت أبا عبد الله عن مولده، فقال: في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمئة. المبارك بن علي بن محمد بن علي بن خضر أبو طالب البغدادي الصيرفي البراد قدم دمشق تاجراً في سنة تسع عشرة وخمسمئة، وهو في حد الشباب، وسمع بها؛ وكان قد سمع ببغداد من جماعة؛ كتبت عنه حكاية، وعاد إلى بغداد، وعاش إلى أن علت سنه، وحدث وسمع منه جماعة. حدث عن أبي بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني، بسنده إلى بشر أبي نصر: أن عبد الملك بن مروان دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص، فسلم وجلس،

المبارك بن محمد

فلم يلبث أن نهض؛ فقال معاوية: ما أكمل مروءة هذا الفتى. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إنه أخذ بأخلاق أربعة وترك أخلاقاً ثلاثة؛ إنه أخذ بأحسن البشر إذا لقي، وبأحسن الحديث إذا حدث، وبأحسن الاستماع إذا حدث، وبأيسر المؤونة إذا خولف؛ وترك مزاح من لا يوثق بعقله ولا دينه، وترك مخالطة لئام الناس، وترك من الكلام كل ما يعتذر منه. بلغني أن أبا طالب ابن خضر توفي شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وخمسمئة. المبارك بن محمد أبو المواهب المقرىء أنشد لابن طاهر الكاتب: " من الكامل " ومعذر نقش الجمال بوجهه ... خطاً غدا بدم القلوب مضرجا لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا وأنشد لابن رشيق رحمه الله تعالى: " من الرمل " سرقت أجفانه وسني ... وأعارت سقمها بدني قلت لما تم عارضه ... فدعا قوماً إلى الفتن رب إن الشعر شينه ... فاعف عن وجهه الحسن فانثنى تيهاً يقول لي ... رب قول لم يلج أذني المبارك بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي له ذكر.

مبشر بن رزام أو بشر بن رزام

مبشر بن رزام أو بشر بن رزام تقدم ذكره في حرف الباء. مبشر بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم أمه أم ولد. متوكل بن عبد الله بن نهشل ابن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بم نزار. أبو جهمة الليثي الشاعر وفي، مجيد في الشعر، عفيف عن الخمر. وفد على معاوية وعلى ابنه يزيد بن معاوية. وليزيد يقول في قصيدة هجا فيها معن بن حمل بن جعونة الليثي الشاعر، أحد بني لقيط، وكان معن قد بدأه بالهجاء فحلم عنه، فزاده حلمه عنه جهلاً: " من الطويل " أبا خالد حنت إليك مطيتي ... على بعد منتاب وهول جنان أبا خالد في الأرض نأي ومفسح ... لذي مرة يرمي به الرجوان فكيف ينام الليل حر عطاؤه ... ثلاث لرأس الحؤل أو مءتان تناهت قلوصي بعد إسادي السرى ... إلى ملك جزل العطاء هجان ترى الناس إفواجاً ينوبون بابه ... لبكر من الحاجات أو لعوان

عن أبي عبد الله محمد بن سلام الجمحي، قال في الطبقة السابعة عشرة من الإسلاميين: المتوكل الليثي، ويكنى أبا جهمة، وكان كوفياً، وكان في عصر معاوية؛ وكان رجل من بني جشم يقال له: الهذيل بن حية صديقاً للمتوكل، ثم جفاه قليلاً، فقال المتوكل: " من الوافر " ألا أبلغ أبا قيس رسولاً ... فإني لم أخنك ولم تخني ولكني طويت الكشح لما ... رأيتك قد طويت الكشح عني وكنت إذا الخليل أراد صرمي ... قلبت لصرمه ظهر المجن كذاك قضيت للخلان إني ... أدين عليهم وأدين مني فلست بآمن أبداً خليلاً ... على شيء إذا لم يأتمني قال ابن ماكولا: وهو أشعر بني كنانة في الإسلام. حدث منيع بن العلاء السعدي، قال: قال المتوكل: " من الكامل " قتلوا حسيناً ثم هم ينعونه ... إن الزمان بأهله أطوار لا تبعدن بالطف قتلي ضيعت ... وسقى مساكن هامها الأمطار ما شرطة الدجال تحت لوائه ... بأضل ممن غره المختار أبني قسي أوثقوا دجالكم ... يجل الغبار وأنتم أحرار لو كان علم الغيب عند أخيكم ... لتوطأت لكم به الأحبار ولكان أمراً بينا فيما مضى ... تأتي به الأنباء والآثار إني لأرجو أن يكذب وحيكم ... طعن يشق عصاكم وحصار

متوكل بن الليث النضري

ويجيئكم قوم كأن سيوفهم ... بأكفهم تحت العجاجة نار لا ينثنون إذا هم لاقوكم ... إلا وهام كماتكم أعشار متوكل بن الليث النضري ويقال: المحاربي من أهل دمشق. روي عن أبي قلابة، عن عمران بن الحصين وسمرة بن جندب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أحب ما زرتم الله في مساجدكم وقبوركم البياض ". وبه. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليلبس البياض أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم ". وعن رجل، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ". متوكل بن موسى حكى عن ابن عبد السلام، قال: توفي جار لنا نصراني، فأخذت النصارى في غسله، فبينا هم في غسله إذ استوى جالساً، وقال: علي بالمسلمين، علي بالمسلمين. قال: وأتانا الصريخ. قال: فأتيناه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله. قال: ثم توفي من ساعته. قال: فولينا غسله، والصلاة عليه، ودفناه في مقابر المسلمين.

مثنى بن معاوية بن عبد الله

مثنى بن معاوية بن عبد الله أحد بني دحية، أظنه من جند حمص. شهد قتل الوليد بن يزيد، وكان من أصحابه. مجاهد بن جبر ويقال: ابن جبير أبو الحجاج المكي الفقيه المقرئ مولى عبد الله بن السائب القارئ ويقال: مولى قيس بن الحارث المخزومي قدم على سليمان بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز وشهد وفاته. روى عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل جمار نخل. عن يزيد بن أبي مريم قال: كتب إلي عبدة بن أبي لبابة أن سل مجاهداً - وكان معنا بدابق مع سليمان بن عبد الملك - عن قوله تعالى: " فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ". وعن قول الله تعالى: " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ".

فسألته، فقال له مجاهد: أما قوله: " فكأنما قتل الناس جميعاً " فإن الله يقول: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " الآية. فلو قتل الناس جميعاً لم يكن وراء هذا من عذاب الله شيء، وهو يستوجب ذاك بنفسواحدة، فهو كقوله: " فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها " فكذلك. وأما قوله: " هل من مزيد " فتقل: ليس في مزيد. عن الفضل بن ميمون، قال: سمعت مجاهداً يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين عرضة. وزاد في أخرى: أقفه على كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟. عن عكرمة بن سليمان بن كثير بن عامر مولى بني شيبة، قال: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، فلما بلغت " والضحى " قال لي: كبر مع خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك، وأخبرني أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، قال: وأخبرني أبي أنه قرأ على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره بذلك. قال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. وقال: استفرغ علمي القرآن. قال سفيان الثوري: خذوا التفسير عن أربعة؛ سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك بن مزاحم.

عن قتادة أنه قال: إن أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد، يعني التفسير. عن أبي بكر بن عياش، قال: قلت للأعمش: ما لهم يتون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب. قال ابن سعد: وكان فقيهاً، ثقة، عالماً، كثير الحديث. عن يحيى بن معين، أنه قال: مجاهد ثقة؛ وسئل أبو زرعة عن مجاهد فقال: مكي ثقة. قال العجلي: مجاهد أبو الحجاج، مكي، تابعي، ثقة، سكن الكوفة بأخرة. قال أبو عبد الرحمن النسائي فيتسمية الفقهاء من أصحاب ابن عباس: من أهل مكة: عطاء، وطاوس، ومجاهد. وسعيد بن جبير. عن سلمة بن كهيل، قال: ما رأيت أحداً يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة عطاء وطاوس ومجاهد. عن مجاهد، قال: صبحت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني. وقال: ربما أخذ لي ابن عمر بالركاب، وربما أدخل ابن عباس أصابعه في بطني.

مجاهد بن فرقد

وعن الأعمش، قال: كنت إذا رأيت مجاهداً ظننت أنه خربندج ضل حماره، فهو مهتم. وعن مجاهد، قال: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد. وقال: ذهب العلماء فلم يبق إلا المتعلمون، ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم. عن الأعمش. قال: لم يشهد مجاهد الجماجم، فقالوا له في ذلك، فقال: عده باباً من الخير تخلفت عنه. توفي مجاهد سنة مئة، وقيل: إحدى ومئة، وقيل اثنتين ومئة، وقيل ثلاث ومئة، وقيل: أربع ومئة، وقيل: سبع ومئة. وقيل: ثمان ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة بمكة. مجاهد بن فرقد أبو الأسود الصنعاني من صنعاء دمشق. وقيل إنه أطرابلسي. روى عن وائلة بن الخطاب القرشي، قال: دخل رجل المسجد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده، فتحرك له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل له: يا رسول الله، المكان واسع. فقال: " إن للمؤمن حقاً ".

مجالد مولى هشام بن عبد الملك وآذنه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث

مجالد مولى هشام بن عبد الملك وآذنه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث أبو الورد الكلابي من سادات قيس، وجهه مروان بن محمد بن مروان إلىدمشق لمحاربة من خلعه من أهلها، وقدم مع مروان دمشق. حدث أبو هاشم بن مخلد بن محمد بن صالح، قال: كان أبو الورد - واسمه مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي - من أصحاب مروان وفرسانه وقواده، فلما هزم مروان كان أبو الورد بقنسرين قدمها عبد الله بن علي فبايعه، ودخل فيما دخل فيه جنده من الطاعة، وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قواد عبد الله بن علي من الأزد مردين في مئة وخمسين فارساً، فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم، فسكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد، فخرج من مزرعة له يقال لها: زراعة بني زفر، يقال لها: خساف، وفي عدة من أهل بيته، حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل حصن مسلمة، فقاتله حتى قتله ومن معه، وأظهر التبييض والخلع لعبد الله بن علي، ودعا أهل قنسرين إلى ذلك، فبيضوا بأجمعهم؛ فلما بلغ عبد الله بن علي تبييض أهل قنسرين، خرج متوجهاً للقاء أبي الورد، وقد كان تجمع مع أبي الورد جماعة أهل قنسرين، وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر فقدم منهم ألوف وعليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا عليهم أبا محمد، ودعوا إليه، وقالوا: هو السفياني الذي كان يذكر، وهم

في نحو من أربعين ألفاً؛ فلما دنا منهم عبد الله بن علي - وأبو محمد معسكر في جماعتهم بمرج يقال له: مرج الأخرم، وأبو الورد المتولي لأمر العسكر والمدبر له، وهو صاحب القتال والوقائع - وجه عبد الله بن علي أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه، فناهضهم أبو الورد، ولقيهم فيما بين العسكرين. واستمر القتل في الفريقين، وثبت القوم وانكشف عبد الصمد ومن معه، وقتل منهم يومئذ ألوف، وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة وجماعة من معه من القواد فألتقوا ثانية بمرج الأخرم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانكشف جماعة من كان مع عبد الله ثم ثابوا وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم، وثبت أبو الورد في نحو من خمسمئة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعاً. وهرب أبو محمد ومن معه من الكلبية حتى لحقوا بتدمر، وأمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا، وبايعوه في طاعته، ثم انصرف راجعاً إلى أهل دمشق. قال: ولم يزل أبو محمد متغيباً هارباً، ولحق بأرض الحجاز، وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر على المدينة مكانه الذي تغيب فيه، فوجه إليه خيلاً، فقاتلوه حتى قتل، وأخذوا ابنين له أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد وبابنيه إلى أبي جعفر، فأمر بتخلية سبيلهما وأمنهما. وحكى الطبري عن علي بن محمد أن النعمان أبا السري حدثه وجبلة بن فروخ وسليمان بن داود وأبا عامر المروزي، قال: فاقتتلوا يوم الثلاثاء في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين ومئة وعلى ميمنة أبي محمد أبو الورد، وعلى مسيرته الأصبغ بن ذؤالة، فجرح أبو الورد، فحمل إلى أهله، فمات؛ ولحق قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقها عليهم، وقد كان أهل حمص نقضوا. وأرادوا إتيان أبي محمد، فلما بلغتهم هزيمته أقاموا.

مجلى بن الفضل بن حصن

مجلى بن الفضل بن حصن ابن أبي يعلى أبو الفرج الجهني الموصلي التاجر شيخ لقيته بنيسابور، وذكر لي أنه دخل دمشق في أيام الملك دقاق، وسمع الحديث بنيسابور، وكان يقول شعراً لا بأس به، كتبت عنه، وكان من ذوي المروءات في بني جنسه. وذكر لي بعض أصحابنا أنه منسوب إلى قرية من قرى الموصل يقال لها: جهينة. روى عن الفقيه أبي علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، بسنده إلى عائشة، قالت: لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم ". مجمع بن يحيى بن يزيد بن جارية الأنصاري الكوفي روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: سمعت معاوية إذا كبر المؤذن اثنتين كبر اثنتين؛ وإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، شهد اثنتين؛ فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله، شهد اثنتين؛ ثم التفت إلي وقال: هكذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول عند الآذان. وعم سويد بن عامر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بلوا أرحامكم ولو بالسلام ".

محارب بن دثار أبو مطرف

قال مجمع الأنصاري: رأيت عمر بن عبد العزيز غشيته رقة وعبرة، قال فرأيته غمز أنفه بأصبعه حتى ردها. عن أبي بكر الأثرم، قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن مجمع بن يحيى، قال: كوفي لا أعلم إلا خيراً. وقال ابن عمار: ثقة، روى عنه الناس. محارب بن دثار أبو مطرف ويقال: أبو النضر، ويقال: أبو كردوس. السدوسي الذهلي، الكوفي، قاضي الكوفة قدم دمشق. روى عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأتي الرجل أهله طروقاً. عن محارب بن دثار، قال: زاملت عمران بن حطان من الكوفة إلى دمشق، فما كلمني في شيء من اختلاف الناس؛ فلما انتهيت إلى باب دمشق، قال: يا محارب، حدثتني أم الدرداء الأوصابية امرأة أبي الدرداءأن خراب هذا السور على يدي رجل، آخر من مروان، فإنه يرمم ويشدد، ويبنى ويجدد، فعند ذلك خرابها وذهاب سلطانها.

قال محمد بن سعد: ولي قضاء الكوفة، وتوفي في ولاية خالد بن عبد الله، وذلك في خلافة هشام بن عبد الملك؛ وله أحادي ولا يحتجون به، وكان من المرجئة الأولى الذين كانوا يرجؤون علياً وعثمان ولا يشهدون بإيمان ولا كفر. عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عنه، فقال: ثقة. وقال العجلي: كوفي، تابعي، ثقة؛ وكان على قضاء الكوفة، فبعث إلى الحكم وحماد فأجلسهما معه، وكان إذا أشكل عليه شيء سألهما. وقال أبو حاتم: كوفي، ثقة، صدوق. وسئل أبو زرعة عنه، فقال: كوفي ثقة، مأمون. وعن خليفة، قال: أقر خالد - يعني ابن عبد الله القسري - على قضاء الكوفة الحسين بن الحسن الكندي - يعني سنة ست ومئة - ثم عزله، ثم سعيد بن أشوع الهمداني، ثم محارب بن دثار سنة ثلاث عشرة ومئة. قال سفيان: رأيت محارباً يقضي في المسجد، ولحيته بيضاء طويلة. عن خاقان بن الأهتم، قال: لما استقضي محارب بن دثار قيل للحكم بن عتيبة: ألا تأتيه؟ قال: ما أصاب

عندي خيراً فأهنته، ولا أصابته عند نفسه مصيبة فأعزيته، ولا كنت زواراً له فأتيته. عن أبي الصصهباء التيمي، قال: جئت وإذا محارب بن دثار قائم يصلي، فلما رآني أخف الصلاة، ثم جلس فجلس في مجلس القضاء، ثم بعث إلي: أمخاصم، أو مسلم، أو حاجة؟ قال؟ قلت: لا، بل مسلم. فذهب الرسول فأخبره، ثم أتاني فقال لي: قم. قال: فسلمت عليه: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس في هذا المجلس الذي ابتليتني به وقدرته علي إلا وأنا أكرهه وأبغضه، فاكفني شر عواقبه. قال: ثم أخرج خرقة نظيفة فوضعها على وجهه، فلم يزل يبكي حتى قمت. قال: فمكثت ما شاء الله، ثم ولي بعده ابن شبرمة. قال: فجئت فإذا هو قائم يصلي، فلما رآني أخف الصلاة، ثم بعث إلي: أمخاصم، أو مسلم، أو حاجة؟ قال: قلت: بل مسلم. فذهب الرسول فأخبره، ثم أتاني، وقال: قم؛ فقمت فسلمت عليه وجلست إلى جنبه، فقال: حدثني حديث أخي محارب بن دثار: فحدثته بالحديث؛ فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس في هذا المجلس الذي ابتليتني به إلا وأنا أحبه وأشتهيه، فاكفني شر عواقبه. ثم أخرج خرقة فوضعها على وجهه، فما زال يبكي حتى قمت. عن عنبسة بن الأزهر، قال: كان محارب بن دثار قاضي الكوفة قريب الجوار مني، فربما سمعته في بعض الليل يقول ويرفع صوته: أنا الصغير الذي ربيته، فلك الحمد؛ وأنا الضعيف الذي قويته، فلك الحمد؛ وأنا الفقير الذي أغنيته، فلك الحمد؛ وأنا الصعلوك الذي مولته، فلك الحمد؛ وأنا الأعزب الذي زوجته، فلك الحمد؛ وأنا الساغب الذي أشبعته، فلك الحمد؛ وأنا العاري الذي كسوته، فلك الحمد؛ وأنا المسافر الذي صاحبته، فلك الحمد؛ وأنا الغائب الذي أديته، فلك الحمد؛ وأنا الراحل الذي حملته، فلك الحمد؛ وأنا المريض الذي شفيته، فلك الحمد؛ وأنا الداعي الذي أجبته، فلك الحمد؛ ربنا فلك الحمد، ربنا حمداً كثيراً على كل حمد.

عن أبي حنيفة، قال: كنا عند محارب بن دثار، فتقدم إليه رجلان، فادعى أحدهما على الآخر مالاً فجحده المدعي عليه، فسأله البينة، فجاء رجل فشهد عليه؛ فقال المشهود عليه: لا والذي لا إله إلا هو ما شهد علي بحق، وما علمته إلا رجلاً صالحاً غير هذه الزلة، فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه علي. وكان محارب متكئاً فاستوى جالساً، ثم قال: يا ذا الرجل، سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليأتين على الناس يوم تشيب فيه الولدان، وتضع الحوامل ما في بطونها، وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم ولا ذنب عليها " فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك، وإن كنت شهدت بباطل فاتق الله، وغط رأسك، واخرج من ذلك الباب. فغطى الرجل رأسه وخرج من ذلك الباب. قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث هارون بن الجهم عن عبد الملك بن عمير القبطي وهو حديث غريب ما سمعناه إلا من حديث سعد بن الصلت. عن محمد بن الفرات، قال: سمعت محارب بن دثار يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يؤمر به إلى النار ". عن عمر بن السكن، عن من رأى رسول خالد بن عبد الله فتح باب المقصورة فجاء إلى محارب فساره بشيء أمره به خالد - وهو يومئذ قاض - فقال محارب للرسول: " إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ". عن الأعمش، قال: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فما

بقي أحد في أهلي إلا بكى، وعزلت فما بقي أح إلا بكى، فوالله ما دريت مم ذاك؟ فقلت: إن شئت أخبرتك. فقال: فأخبرني. قلت: وليت القضاء فكرهت وجزعت منه. فبكى أهلك لما رأوا من جزعك. قال: إنه لكما قلت، أو قريب مما قلت. عن سفيان، عن محارب، قال: بغض أبي بكر وعمر نفاق. وقال محارب: إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء؛ كما أن لوالدك عليك حقاً، كذلك لولدك عليك حقاً. عن سلمة بن كهيل، قال: لقي خيثمة محارب، قال: كيف حبك للموت؟ قال: ما أحبه. قال: إن ذلك بك لنقص كثير. وقال محارب: ما يمنعني أن ألبس ثوباً جديداً إلا مخافة أن يحدث في جيراني حسداً لم يكن قبل ذلك. عن عمرو بن صالح، حدثني الثقة، قال: لما بلغ محارب بن دثار موت عمر بن عبد العزيز، دعا كاتبه فقال: اكتب. فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: امحه، فإن الشعر لا يكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: " من البسيط " لو أعظم الموت خلقاً أن يواقعه ... لعدله لم يزرك الموت يا عمر كم من شريعة حق قد أقمت لهم ... كانت أميتت وأخرى منك تنتظر يا لهف نفسي ولهف الواجدين معي ... على النجوم التي تغتالها الحفر

محافظ بن علي بن النمر بن حصن

ثلاثة ما رأت عيني لهم شبهاً ... تضم أعظمهم في المسجد الحفر يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما. وأنت تتبعهم لم تأل مجتهداً ... سقياً لها سنناً بالحق تفتقر لو كنت أملك والأقدار غالبة ... تأتي رواحاً وتبياناً وتبتكر صرفت عن عمر الخيرات مصرعة ... بدير سمعان لكن يغلب القدر قال خليفة: ومحارب بن دثار الذهلي في آخر ولاية خالد - يعني مات - وذكر خليفة أن خالداً القسري عزل سنة عشرين ومئة. محافظ بن علي بن النمر بن حصن أبو الوفاء البيروتي المؤدب كتب عنه عمر بن عبد الكريم الدهستاني ببيروت سنة تسع وخمسين وأربعمئة. محبوب بن رجاء أبو الضحاك الحضاري. أخو الحسن بن رجاء كان كاتباً لأحمد بن طولون ولابنه خمارويه بن أحمد أبي الجيش، ولم يكن بمصر في زمان محبوب كاتب أنبل ولا أعظم مروءة، ولا أحسن منزلاً منه، وكان فيه أدب، فمما ذكر من شعره، وحكاه أبو العباس بن الفرات له، قوله في جارية هويها وخببها على سيدتها، ثم أخذتها من عنده: " من مجزوء الرمل "

محرر بن أبي هريرة بن عامر

أمل كان نظير الش ... شمس في بعد المكان استحطته إلى الأر ... ض وفاءات العواني ودنا حتى إذا ني ... ل بلمس وعيان استردته يد الده ... ر فعندنا في الأماني محرر بن أبي هريرة بن عامر ابن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد ابن ثعلبة بن سليم بن فهمبن غنم بن دوس الأزدي الدوسي روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال الناس يسألون حتى يقولون: كان الله قبل كل شيء، فما كان قبله؟ ". وعنه، أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " من لقي الله ولم يعمل ست خصال دخل الجنة: من لقي الله ولم يشرك به، ولم يسرق، ولم يزن، ولم يرم محصنة، ولم يعص ذا أمر، وقال بالحق، سكت أو نطق ". وعنه، عن رجل من الأنصار، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أصيب في جسده بشيء فتركه لله كان كفارة له ". روى المحرر، قال: دخل علي أبي وأنا بالشام، فقربنا إليه عشاء عند غروب الشمس، فقال: عندكم سواك؟ قال: قلت: نعم، وما تصنع بالسواك هذه الساعة؟ قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا ينام ليلة ولا يبيت حتى يستن. مات سنة مئة أو إحدى ومئة.

محرز بن أسيد بن أخشن

قال محمد بن سعد: توفي بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقد روى عن أبيه، وكان قليل الحديث. عن عثمان بن سعيد بن أبي رافع، قال: أرسلني المحرر بن أبي هريرة إلى ابن عمر، فأدركته يصلي عند دار أبي الجهم بالبلاط، فقلت: الرجل يصلي الظهر في بيته ثم يأتي المسجد والناس يصلون فيصلي معهم، فأيهما صلاته؟ قال: الأولى منهما صلاته. عن نافع قال: لقي محرر بن أبي هريرة ابن عمر، فسأله عن السمك يكون بالساحل فينضب عنه الماء. قال: فأخذت عليه المائدة، فقرأها من أولها إلى آخرها، فقال: اذهب إلى محرر فأخبره أنها له حلال. عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: اشتكى محرر بن أبي هريرة، فدعيت إليه لألقيه. قال: فذهبت وأنا متخوف أن يكره ذلك أبو هريرة. قال: فقال لي: ارقه، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " العين حق ". محرز بن أسيد بن أخشن ابن رياح بن أبي خالد بن ربيعة بن زيد بن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك - ومعن ومالك وولدهما يقال لهم: بنو باهلة، وهي أمهم، بنت صعب بن سعد العشيرة، وكان معن نكح بأهله نكاح المقت - ومالك هو ابن أعصر، واسمه مبشر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر الباهلي

محرز بن حزيب بن مسعود

شهد فتح دمشق، ثم سكن حمص، وكان أول من قتل بها رجلاً من المشركين. عن أدهم بن محرز، عن أبيه، قال: افتتحنا دمشق سنة أربع عشرة، في رجب لخمس عشرة مضت من الشهر، يوم الأحد لثلاثة عشر شهراً من إمارة عمر إلا سبعة أيام. قال: وكان أهل دمشق بعثوا إلى قيصر وهو بأنطاكية رسولاً: إن العرب قد حصرتنا وصعب علينا، وليس لنا بهم طاقة، وقد قاتلناهم مراراً فعجزنا عنهم. وذكر حديثاً طويلاً في قصة وقعة فحل. قال خليفة: وفيها - يعني سنة ثمان وسبعين - غزوة محرز بن أبي محرز ارض الروم وفتح أزقلة، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث، فأصيب فيه ناس كثير. محرز بن حزيب بن مسعود ابن عدي بن هذيم بن عدي بن جناب الكلبي رجل من أفاضل أهل الشام، بعثه يزيد بن معاوية من دمشق مع أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ردهم من دمشق إلى المدينة قيماً على حفظهم. قال ابن ماكولا: وأما حزيب بضم الحاء المهملة وفتح الزاء زآخره باء معجمة بواحدة، فهو محرز بن حزيب بن مسعود بن عدي بن جناب الكلبي، وهو الذي استنفذ مروان بن الحكم يوم المرج، هو والحراق.

محرز بن زريق بن حيان الفزاري

محرز بن زريق بن حيان الفزاري مولى بن فزارة ولي خراج دمشق وتعديلها مع هضاب بن طوق في خلافة المنصور. محرز بن شهاب بن محرز ويقال: محيريز بن سفيان بن خالد بن سفر المنقري التميمي كوفي، تابعي، قدم به عذراء مع حجر بن عدي وأصحابه، فقتل بعضهم وأطلق بعضهم، وكان محرز ممن قتل. قال خليفة: سنة إحدى وخمسين فيها قتل معاوية حجر بن عدي ومن معه محرز بن شهاب. وذكر غيره: إن ذلك سنة ثلاث وخمسين. محرز بن عبد الله أبو رجاء الشامي. ويقال: مولى هشام بن عبد الملك روى أنه سمع مكحولاً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكونوا عيابين ولا مداحين ولا طعانين ولا متماوتين ". هذا مرسل.

محرز بن عبد الله بن محرز

محرز بن عبد الله بن محرز ابن زريق بن حيان الفزاري، المازني، مولاهم حكى عن أبيه وفاة جده. قال أبو زرعة: حدثني محرز بن عبد الله بن محرز، عن أبيه، قال: توفي زريق بن حيان الفزاري بنيقية، بأرض الروم، في إمارة يزيد بن عبد الملك، من سهم أصابه، وهو ابن ثمانين سنة. محرز بن عبد الله محرز أبو القاسم التنيسي الشيخ الصالح. سمع بدمشق وبالمصيصة وبالرملة وبطبرية. روى عن عبد الملك أحمد بن إبراهيم بن محمد القرشي، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قالت المرأة لزوجها: ما رأيت منك خيراً قط، فقد حبط عملها ". محرز بن محمد بن مروان ويقال: ابن محمد بن عبد الملك، أبو مروان البعلبكي روى عن سويد بن عبد العزيز، بسنده إلى أبي موسى الأشعري، قال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ " إن بين يدي الساعة الهرج " قلنا:

محرز بن مدرك الغساني

وما الهرج؟ قال: الكرب أو القتل، قال: وما نراه إلا قتل الكفار، فقلنا: يا رسول الله، أكثر مما نقتل من الكفار؟ نقتل في المكان الواحد كذا وكذا، وفي المكان الواحد كذا وكذا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هو قتل الكفار، ولكن قتل الأمة بعضها بعضاً، حتى إن الرجل يلقاه أخوه فيقتله " قلنا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ فقال: " تنتزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلق لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء ". محرز بن مدرك الغساني شاعر من أهل دمشق، ممن شهد فتنة أبي الهيذام. ذكر له محمد بن عبد الله الوراق أشعاراً، فيما أفاده بعض أهل دمشق عن أبيه، عن جده، وأهل بيته من المزنيين. فمما ذكر من شعره: " من الطويل " سأسقي أبا الهيذام كأساً من الردى ... يظل إذا ما ذاقها وهو نائم جمعت لنا أوباش كل قبيلة ... وأنباط حوران وجاء المسالم فلا تعجلن وارقب جياداً كأنها ... سراحين تعلوها الليوث الضراغم فنحن قتلنا فارسيك كليهما ... فقامت على بور وزر المآثم قتلنا لكم بوراً وزر بن حاتم ... بمسقط داريا وأنفك راغم قال: وقال محرز بن مدرك أيضاً في قتل وريزة بن سماك العبسي، وفي قتل أهل اليمن بور بن كامل القيسي: " من الطويل " لئن كان ذاك الحيف عن غير ضربة ... ولا طعنة منهم ولا سهم ناضل لقد خرقت أسيافنا ورماحنا ... فأثرن بالأوصال بور بن كامل حملنا عليه حملة يمنية ... عركناه فيها تحتنا بالكلاكل متى ادع في غسان تلجم جيادها ... يقولون لي لبيك رام وشاول

المحسن بن أحمد

فلسنا بأنكاس إذا الحرب شمرت ... ولا نحن فيها باللئام التنابل بأسيافنا الائي شهدن حليفه ... ذوات الفلول المخلصات المناصل نصرنا بها الإسلام من كل فاجر ... جحود عنود من جميع القبائل وقال محرز بن مدرك الغساني يرثي وريزة بن سماك العبسي: " من الطويل " لقد فجعت أسياف قيس بفارس ... ضروب بنصل السيف محض الخلائق وريزة أعني ذا الوفا وذا الندى ... وعصمة قحطان غداة البوائق فجعت به كالبدر لا واهن الوى ... حمول لما يوهي فروغ العواتق وأي فتى دنيا وأي أخي ندى ... وأي ابن عم كان عند الحقائق سليل ملوك في ذؤابة مذحج ... وفي الأشعريين الكرام البطارق سأبكي أبا يحيى وريزة ما دعى ... حمام يبكي إلفه كل شارق المحسن بن أحمد أبو الفتح الشاعر يقال: إنه كان إسكافياً، مدح ابن رزقون. المحسن بن الحسين بن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين أبو طالب الحسيني، المعروف بابن النصيبي تولى القضاء بأطرابلس، وكان له أدب وعقل. بلغني أن أبا طالب المحسن بن الحسين توفي يوم الخميس بعد العصر الثامن والعشرين من المحرم سنة خمسين وأربعمئة.

المحسن بن خليل

المحسن بن خليل أبو الطيب القاضي روى عن سليمان بن محمد بن مسلم الخزاعي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم؛ رجل باع رجلاً مرابحه وكذبه، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر، ورجل منع فضل ماء عن أهل الطريق ". المحسن بن سليمان بن محمد بن الحسن ابن أبي مكرم أبو البركات الفارسي، البعلبكي، المؤدب قدم دمشق سنة خمس وثمانين وأربعمئة، وسمع بها. أنشدنا أبو الكرم وهب بن المحسن بدمشق، أنشدني أبي لنفسه، وقد عوتب في انتقاله عن بعلبك: " من البسيط " رحل قلوصك عن أرض ظلمت بها ... وجانب الذل إن الذل يجتنب وارحل إذا كانت الأوطان شاسعة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب وله، وكتب بها إلى أبي القاسم ابن مسعود: " من البسيط " قال ابن عمشون قولاً لا أصدقه ... وظن ذو الجهل ظناً لا أحققه قالوا بأنك لا تأتي إلى بلد ... طوارق الدهر بالآفات تطرقه كأنه عرض للشر منتصب ... له سهام مدى الأيام ترشقه أتى به كأسير لا حراك به ... وهل يفر من الأقدار موثقه وبي من الشوق ما لو أن أيسره ... يلقى على الصخر كان الشوق يفلقه فإن تزر تطف ناراً في جوانحه ... وإن بعدت فحر الشوق يحرقه سألت أبا الكرم وهب بن المحسن عن وفاة أبيه، فقال: في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمئة بدمشق، ودفن في مقبرة الحميريين.

المحسن بن طاهر بن المحسن بن أفلح

المحسن بن طاهر بن المحسن بن أفلح أبو الفضل الفقيه، المقرئ، المالكي، الطرسوسي، الحساب، الحريري قرأ القرآن العظيم بحرف ابن عامر، وبحرف عاصم والكسائي، وحدث. روى عن عبد الرحمن بن عثمان الشاهد، بسنده إلى ابن مسعود، قال: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوسوسة، قال: " ذاك محض الإيمان ". قال محمد بن صابر: سألت الكتاني: توفي يوم السبت الثامن عشر من ذي الحجة سنة ستين وأربعمئة، ودفن من الغد، وكان قد حدث بشيء يسير، رحمه الله. المحسن بن عبد الله بن محمد ابن عمرو بن سعيد بن محمد بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن الساطع وهو النعمان بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله وهو تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير أبو القاسم التنوخي، المعري، الحنيفي، القاضي ولد يوم الأحد لثمان وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وثلاثمئة، حدوث، وروى عنه، وقدم دمشق مجتازاً إلى الحج سنة تسع عشرة وأربعمئة، فأدركه أجله في الطريق، فمات بوادي مر ليلة الأربعاء لعشرين ليلة خلت من

المحسن بن علي بن الحسين

ذي القعدة من السنة؛ وحمل إلى مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفن بالبقيع؛ وله مصنفات ووصايا، وأشعار؛ فمن شعره ما قرأته بخط بعض ولده مع ذكر له من حسان شعره: " من السريع " انع إلى من لم يمت نفسه ... فإنه عما قليل يموت ولا تقل فات فلان فما ... في سائر العالم من لا يفوت أما ترى الأجداث مملوءة ... لما خلت من ساكنيها البيوت فاقنع بقوت حسب من لم يكن ... مخلداً في هذه الدار قوت ولا يكن نطقك إلا بما ... يعنيك أو فالذكر أو فالسكوت وله أيضاً: " من الطويل " وكل أداويه على حسب دائه ... سوى حاسدي فهي التي لا أنالها وكيف يداوي المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها المحسن بن علي بن الحسين ابن أحمد بن اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر العلوي وأمه خديجة بنت عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن إسماعيل بن الحسين بن علي بن أبي طالب. مدحه أبو الفرج الوأواء. وجده أبو عبد الله الحسين بن أحمد هو الذي سكن دمشق. ومولده بمدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان لمحسن بدمشق وجاهة ونباهة.

المحسن بن علي بن سعيد

قرأت بخط عبد المنعم بن علي بن النحوي: مات أبو جعفر محسن العلوي يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وثلاثمئة، وصلى عليه الأولى، ودفن في مقبرة إسماعيل العلوي في باب الصغير، رحمه الله. المحسن بن علي بن سعيد أبو طاهر الخلاطي، المقرئ من شعره: " من الخفيف " رب خود عرفت في عرفات ... يلبتني بحسنها حسناتي حرمت حين أحرمت نوم عيني ... واستباحت دماي بالعبرات وأفاضت مع الحجيج ففاضت ... من جفوني سوابق العبرات ثم طافت فطاف بالقلب منها ... حر شوق يزيد في الحسرات لم أنل من منى النفس لكن ... خفت بالخيف أن تكون وفاتي المحسن بن علي بن كوجك أبو عبد الله من أهل الأدب. أملى بصيدا حكايات مقطعة، روى بعضها عن أبي عبد الله بن خالويه. أملى بصيدا في شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمئة: أنشدنا ابن خالويه، أنشدنا ابن مجاهد: " من البسيط " أفدي الظباء همها السحب ... ترعى الثلوب وفي قلبي لها عشب أفدي الظباء اللواتي لا قرون لها ... وحليها الدر والياقوت والذهب فتلك من حسن عينيها وهبت لها ... عيني لو قبلت مني الذي أهب

وما أريدهما إلا لرؤيتها ... فإن تناءت فما لي فيهما أرب يا حسن ما سرقت عيني وما انتبهت ... والعين تسرق أحياناً وتنتهب إذا يد سرقت فالقطع يلزمها ... والقطع في سرق العينين لا يجب وأنشد المحسن لبعضهم: " من النسرح " ودعك الحسن فهو مرتحل ... وانصرف عن جمالك المقل ومت بعدها أمت وأحيي ... ت وكل الأمور تنتقل كم قائل لي وقد رأى كلفي ... فيك ووجدي فتاك مكتهل يرحمك الله يا غلام إذا قا ... ل لك العاشقون يا رجل قال أبو نصر بن كلاب: وحضرنا معه يوماً في محرس غرق بمدينة صيدا، وفيه قبة فيها مكتوب أسماء من حضرها، وأشعار، من جملتها: " من الخفيف " رحم الله من دعا لأناس ... نزلوا ها هنا يريدون مصرا فرقت بينهم صروف الليالي ... فتخلوا عن الأحبة قسرا فقال له قائل من جماعتنا: إن المائدة لا تقعد على رجلين، ولا تستقر إلا على ثلاثة، فأجزلنا هذين البيتين بثالث. فأطرق ساعة، ثم قال: اكتبوا: نزلوا والثياب بيض فلما ... أزف البين صرن بالدمع حمرا قال أبو نصر بن طلاب: كان بين الأستاذ وبين رجل كاتب لبني نزال إحن وبلاغات مستهجنة، أوقعت بينهما العداوة بعد وكيد الصداقة، وكان هذا الرجل يقال له: أبو المنتصر مبارك الكاتب، فهجاه الأستاذ بأشعار كثيرة، وجمعها في جزء، وكتب على ظهر الجزء شعراً له، وهو: " من المنسرح "

المحسن بن علي بن يوسف

هذا جزاء صديق ... لم يرع حق الصداقة سعى على دم حر ... محرم فأراقه قال: وأنشدنا لنفسه فيه أيضاً: " من المتقارب " مبارك بورك في الطول لك ... فأصبحت أطول من في الفلك ولولا انحناؤك نلت السما ... ء ولكن ربك ما عدلك المحسن بن علي بن يوسف أبو الفضل، المعروف بابن السويسة قال ابن صابر: كان رجلاً ديناً. مات في يوم الإثنين ودفن يوم الخميس السادس عشر من شهر ربيع الأول، من سنة اثنتين وثمانين وأربعمئة. وسألته عن مولده، فقال: ولدت في سنة عشر وأربعمئة. لم يكن الحديث من شأنه. المحسن بن محمد العباس بن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب أبو تراب بن أبي طالب الحسيني. المعروف بابن أبي الحسن نقيب الطالبين بدمشق، وولي القضاء بها بعد أخيه لأمه فخر الدولة أبي يعلى حمزة بن الحسن، نيابة عن أبي محمد القاسم بن عبد العزيز بن محمد بن النعمان، قاضي القضاة، الملقب بالمنتصر.

المحسن بن محمد

وكان أبوه طالب حافظاً للقرآن. روى عن القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم الميانجي، بسنده إلى أبي الدرداء، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أفضل شيء في الميزان الخلق الحسن ". عن عبد العزيز الكتاني، قال: وفيها - يعني سنة ست وثلاثين وأربعمئة - توفي القاضي الشريف أبو تراب المحسن بن محمد الحسيني. قال غيره: في رجب. المحسن بن محمد أبو علي الحسيني المحسن بن المحسن بن محمد بن جمهور أبو الرضا الأنصاري، الفراء، المعدل كان مستوراً في أول أمره، وصلى بالناس إماماً في جامع دمشق في ولاية المصريين، ثم خلط في آخر أمره، وتولى الأوقاف، وعمارة الأملاك السلطانية، وفعل في ذلك ما أدى إلى الإضرار بارتفاع الوقف، وطمع الجند فيه. حكى عن أبي عمرو عثمان بن أبي بكر السفاقسي، بسنده إلى أبي جعفر أحمد بن محمد، قال: كان غلام من الصيارفة يختلف إلى أحمد بن حنبل، فناوله يوماً درهمين، فقال: اشتر بهما كاغداً، فخرج الغلام، واشترى له، وجعل في جوف الكاغد خمسمئة دينار، وسده؛ فوضع بين يديه، فلما أن فتحه تناثرت الدنانير، فردها في مكانها، وسأل الغلام حتى دل عليه، فوضع بين يديه؛ فتبعه الفتى وهو يقول: الكاغد اشتريته بدراهمك خذه؛ فأبى أن يأخذ الكاغد أيضاً.

محفز

ذكر أبو محمد بن صابر، قال: توفي شيخنا أبو الرضا ليلة الأرببعاء السابع والعشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمئة. محفز ويقال: محفز بن ثعلبة بن مرة بن خالد بن عامر بن قنان بن عمرو بن قيس بن الحارث بن مالك بن عبيد بن خزيمة بن لؤي بن غالب بن فهر العائذي، القرشي وفد على يزيد بن معاوية. عن الغاز بن ربيعة الجرشي، من حمير، قال: والله إنا لعند يزيد بن معاوية - فذكر حديثاً - وقال: قال: ثم إن عبيد الله بن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزوا، وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه، ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي، من عائذة قريش، ومع شمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتى قدموا على يزيد، ولم يكن علي بن الحسين يكلم أحداً منهم كلمة حتى بلغوا، فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال: هذا محفز بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة!! قال: فأجابه يزيد بن معاوية: ما ولدت أم محفز شر وألأم. محفن الضبي قيل: إنه وفد على معاوية.

محفوظ بن الحسن بن محمد

محفوظ بن الحسن بن محمد ابن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى أبو بركات التغلي من ذوي البيوتات. روى - قراءة عليه في داره بباب توما - عن أبي القاسم نصر بن أحمد الهمذاني المؤدب، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن أهل النار -: " فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يكون الدم، حتى ترى وجوههم كهيئة الأخدود، ولو أرسلت فيها السفن لجرت ". سألت أبا البركات عن مولده، فقال: لا أحقه، غير أنه كان ليي عند موت أبي سنتان، ومات أبي بعد خروج ابن منزو من دمشق بأيام؛ فكأن مولده كان نحو سنة خمس وستين وأربعمئة. وتوفي ليلة السبت، ودفن يوم السبت الثالث من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وخمسمئة. ودفن في مقبرة باب توما، وشهدت الصلاة عليه ودفنه، رحمه الله. محفوظ بن سلطان بن المتوج بعبد الباقي أبو الوفا النجار روى عن سهل بن بشر، بسنده إلى ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصطنع خاتماً من ذهب، وكان يلبسه ويجعل فصه في باطن كفه، فصنع الناس، ثم جلس على المنبر، فنزعه، وقال: " إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل " فرمى به، وقال: " والله لا ألبسه أبداً " فنبذ الناس خواتيمهم. مات أبو الوفا في رجب سنة تسع وأربعين وخمسمئة.

محفوظ بن يعلى

محفوظ بن يعلى روى عن أبي الجماهر، عن سعيد، عن قتادة، قال: قال موسى: رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: عبد مؤمن في صورة حسنة. قال: فأيهم أبغض إليك؟ قال: عبد فاجر في صورة حسنة. محمود بن إبراهيم بن محمد ابن عيسى بن القاسم بن سميع الدمشقي أبو الحسن القرشي، الحافظ، صاحب الطبقات روى عن أبي صالح الفراء، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حذف السلام سنة ". قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه. وسئل عنه، فقال: صدوق. قال عمرو بن دحيم: مات بدمشق يوم الجمعة انسلاخ جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين ومئتين. محمود بن بوري بن طغتكين أتابك أبو القاسم بن أبي سعيد، الملقب شهاب الدين ولي إمرة دمشق بعد مقتل أخيه إسماعيل الملقب بشمس الملوك، وكانت أمه المعروفة بزمرد خاتون الغالبة على أمره والمدبرة له إلى أن تزوجها أتابك زنكي بن قسيم الدولة

محمود بن الحارث السراج محمود بن الحسن بن محمد

وخرجت إلى حلب، فكان المدبر له بعد خروجها أنر المعروف بمعين الدين أحد مماليك جده طغتكين. وابتداء ولايته في شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وخمسمئة، وكانت الأمور في أيامه تجري على استقامة إلى أن وثب عليه جماعة من خدمه في ليلة الجمعة ثالث وعشرين أو رابع وعشرين من شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمئة، فقتلوه؛ وكتب إلى أخيه محمد بن بوري صاحب بعلبك، فقدم آخر نهار يوم الجمعة، وتسلم القلعة والبلد ولم ينازعه أحد. محمود بن الحارث السراج محمود بن الحسن بن محمد أبو الحسن التركي محمود بن الحسين أبو نصر، الشاعر المعروف بكشاجم دخل دمشق وساحلها، وذكر دير مران في شعره. قال الشمشاطي: وأنشدنا الصولي للحسين بن الضحاك، ويروى لكشاجم: " من مخلع البسيط " داو خماري بكأس خمر ... وأحي سكر الهوى بسكر وروق المزج ثوب در ... وشعشع الراح ثوب تبر مدامة عتقت فجاءت ... كلمع برق وضوء فجر رقت فكانت كمثل ديني ... ومثل دمعي ومثل شعري

لا تفن عمر الزمان إلا ... ما بين قلاية وعمر يا دير مران كم غزال ... فيك وكم جنة ونهر وكم تطربت مستهاماً ... إليك إذ عيل عنك صبري وفي يميني شمول شمس ... وفي شمالي يمين بدر جلت أكف الرياح ليلاً ... بروضة خيط كل قطر ثم تجلت ضحى فأبدت ... عرائساً في حلي زهر فالورد والطل في رباه ... ما بين نظم وبين نثر كالدمع قد حاز في خدود ... حمر ووردية وصفر أحسن من يوم مهرجان ... ويوم أضحى ويوم فطر أتبعت إثم الهوى بإثم ... فيه ووزر الصبا بوزر بين شقيق صقيل خد ... وأقحوان نقي ثغر ومن دلال إذا تثنى ... رأيت عذراً ببنت خدر يدير ألحانه بحذق ... لنا وألحاظه بسحر فلست آبى ولو سقوني ... على أغانيه نيل مصر فاترك علي المدام غماً ... يضيق عنه وسيع صدري إن هي إلا نجوم سعد ... على بروج الأكف تجري وله: " من الكامل " يا كامل الأدوات فرداً في العلى ... والمكرمات ويا كثير الحاسد شخص الأنام إلى جمالك فاستعذ ... من شر أعينهم بعيب واحد وله: " من الطويل " يقولون تب والكأس في يد أغيد ... وصوت المثاني والمثالث عالي فقلت لهم لو كنت أضمرت توبة ... وأبصرت هذا كله لبدا لي

محمود بن خالد بن يزيد

محمود بن خالد بن يزيد أبو علي السلمي روى عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى عبادة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من تعار من الليل، فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: رب اغفر لي، غفر له، أو قال: دعا، فاستجيب له ". قال النسائي في أسماء شيوخه الذين روى عنهم: محمود بن خالد، دمشقي، ثقة. زاد غيره: مأمون. سأل أبو سليمان الداراني عن محمود بن خالد، فقالوا له: هو الضيعة. فقال لهم: قولوا له: اترك صغير الدنيا، فإنه يجر إلى كبيرها. قال أبو زرعة: حدثني محمود بن خالد قال: ولدت في شهر رمضان سنة ست وسبعين ومئة. ومات في شوال سنة تسع وأربعين ومئتين. وهكذا قال عمرو بن دحيم، وقال: توفي يوم الأربعاء، النصف من شوال. وقيل سنة سبع وأربعين ومئتين. قال أبو سليمان: وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. والله تعالى أعلم.

محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو

محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو ابن زيد بن عبده بن عامر بن عدي بن كعب ابن الخزرج بن الحارث الحارثي ويقال: أبو محمد، وأبو نعيم الأنصاري. وأمه جميلة بنت أبي صعصعة بن زيد بن عوف بن مبذول، من بني مازن بن النجار. رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ واجتاز بدمشق غازياً إلى القسطنطينية. عن الزهري، عن محمود بن الربيع، وكان يزعم أنه عقل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن خمس سنين، وزعم أنه قد عقل مجة مجها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وجهه من دلو معلقة في دراهم. روى عن عبادة بن الصامت، قال: أخوف ما أخاف على هذه الأمة الشرك والشهوة الخفية. قال أبو زرعة ختن عبادة: نزل بيت المقدس. عن يحيى بن معين أنه قال: محمود بن الربيع ثقة. وقال أبو مسهر: وكان بها - يعني فلسطين - من التابعين: محمود بن الربيع، وكان ختن شداد بن أوس، وكان رأس من بها من التابعين. وقال العجلي: مدني، تابعي، ثقة، من كبار التابعين. مات سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين.

محمود بن زنكي بن آق سنقر.

محمود بن زنكي بن آق سنقر. أبو القاسم بن أبي سعيد قسيم الدولة، التركي، الملك العادل نور الدين وناصر أمير المؤمنين كان جده آق سنقر قد ولاه السلطان أبو الفتح ملكشاه بن ألب أرسلان حلب، وولى غيرها من بلاد الشام، ونشأ أبوه قسيم الدولة بعده بالعراق، وندبه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان برأي الخليفة المسترشد بالله أمير المؤمنين لولاية ديار الموصل والبلاد الشامية بعد قتل آق سنقر البرسقي وموت ابنه مسعود، فظهرت شهامته في مقاتلة العدو - خذله الله - وثبوته عند ظهور متملك الروم ونزوله على شيزر حتى رجع إلى بلاده خائباً. وحاصر أبوه قسيم الدولة بدمشق مرتين فلم يتيسر له فتحها، وفتح الرها والمعرة وكفر طاب وغيرها من الحصون الشامية، واستنفذها من أيدي الكفار، فلما انقضى أجله - رحمه الله - قام ابنه نور الدين - أعزه الله - مقامه في ولاية الإسلام. ومولده على ما ذكر كاتبه أبو اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي المعري وقت طلوع الشمس من يوم الأحد سابع عشر من شوال سنة إحدى عشرة وخمسمئة؛ ولما راهق لزم خدمة والده إلى أن انتهت مدته ليلة الأحد السادس من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمسمئة على قلعة جعبر، وكان محاصراً لها، ونقل تابوته إلى مشهد الرقة فدفن بها.

وسير صبيحة الأحد الملك ألب ارسلان بن السلطان محمود بن محمد إلى الموصل مع جماعة من أكابر دولة أبيه، وقال لهم: إن وصل أخي سيف الدين غازي إلى الموصل فهي له، وأنتم في خدمته؛ وإن تأخر فأنا أقرر أمور الشام، وأتوجه إليكم. ثم قصد حلب ودخل قلعتها المحروسة على أسعد طائر وأيمن بركة، يوم الاثنين سابع ربيع الآخر، ورتب في القلعة والمدينة النواب، وأنعم على الأمراء وخلع عليهم، وكان أبن جوسلين قد عمل على أخذ الرها، وحصل في البلد، فوجه إليه الأمراء دولته حتى استنقذها منه وخرج هارباً. ولما استتبت له الأمر ظهر منه بذل الاجتهاد في القيام بأمر الجهاد. والقمع لأهل الكفر والعناد، والقيام بمصالح العباد، وخرج غازياً في أعمال تل باشر، فافتتح حصوناً كثيرة، وافتتح قلعة أفامية، وحصن البارة، وقلعة الراوندان، وقلعة تل خالد، وحصن كفر لاثا، وحصن يسرفوث بجبل بني عليم، وقلعة عزار، وتل باشر، ودلوك، ومرعش، وقلعة عين تاب، ونهر الحوز، وغير ذلك. وغزا حصن إنب فقصده الإبرنس متملك أنطاكية، وكان من أبطال العدو

وشياطينهم، فرحل عنها، ولقيه دونها فكسره وقتله وثلاثة آلاف فرنجي كانوا معه، وبقي ابنه صغيراً مع أمه بأنطاكية، وتزوجت بإبرنس آخر، فخرج نور الدين في بعض غزواته فأسر الإبرنس الثاني، وتملك أنطاكية ابن الإبرنس الأول وهو بيمنت ووقع في أسره في نوبة حارم، وباعه نفسه بمال عظيم أنفقه في الجهاد. وأظهر بحلب السنة حتى أقام شعار الدين، وغير البدعة التي كانت لهم في التأذين، وقمع بها الرافضة المبتدعة، ونشر فيها مذاهب أهل السنة الأربعة. وأسقط عنهم جميع المؤن، ومنعهم من التوثب في الفتن، وبنى بها المدارس ووقف الأوقاف، وأظهر فيها العدل والإنصاف. وقد كان صالح المعين الذي كان بدمشق وصاهره، واجتمعت كلمتهما على العدو لما وازره، وحاصر دمشق مرتين فلم يتيسر له فتحها، ثم قصدها الثالثة فتم له صلحها، وسلم أهلها إليه البلد لغلاء الأسعار، والخوف من استعلاء كلمة الكفار؛ فضبط أمورها، وحصن سورها؛ وبنى بها المدارس والمساجد، وأفاض على أهلها الفوائد، وأصلح طرقها، ووسع أسواقها، وأدر الله على رعيته ببركته أرزاقها، وبطل منها الأنزال، ورفع عن أهلها الأثقال، ومنع ما كان يؤخذ منهم من المغارم كدار بطيخ وسوق البقل، وضمان النهر والكيالة، ونهى عن شربه، وعاقب عليه بإقامة الحد والحبس، واستنقذ من العدو - خذلهم الله - ثغر بانياس، وغيره من المعاقل المنيعة كالمنيطرة وغيرها بعد الإياس. وبلغني أنه في الحرب رابط الجأش ثابت القدم، شديد الانكماش، حسن الرمي بالسهام، صليب الضرب عند ضيق المقام، يقدم أصحابه عند الكرة، ويحمي منهزمهم عند الفرة، ويتعرض بجهده للشهادة لما يرجو بها من كمال السعادة. ولقد حكى عنه بعض من خدمه مدة، ووازره على فعل الخير، أنه سمعه يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير، فالله يقي مهجته في الأسواء، ويحسن له

الظفر بجميع الأعداء؛ فلقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم، وقرب المتدينين واحترمهم، وتوخى العدل في الأحكام والقضايا، وألان كنفه وأظهر رأفته بالرعايا، وبنى في أكثر مملكته آدر العدل، وأحضرها القضاة والفقهاء للفصل، وحضرها بنفسه في أكثر الأوقات، واستمع من المتظلمين الدعاوى والبينات، طلباً للإنصاف والفصل، وحرصاً على إقامة العدل. وأدر على الضعفاء والأيتام الصدقات، وتعهد ذوي الحاجة من أولي التعفف بالصلات، حتى وقف وقوفاً على المرضى والمجانين، وأقام لهم الأطباء والمعالجين، وكذلك على جماعة العميان، ومعلمي الخط والقرآن، وعلى ساكني الحرمين، ومجاوري المسجدين، وأكرم أمير المدينة الحسين وأحسن إليه، وأجرى عليه الضيافة لما قدم عليه، وجهز معه عسكراً لحفظ المدينة، وقام لهم بما يحتاجون إليه من المؤونة، وأقطع أمير مكة إقطاعاً سنياً، وأعطى كلاً منهما ما يأكله هنياً مرياً. ورفع عن الحجاج ما كان يؤخذ منهم من المكس، وأقطع أمراء العرب الإقطاعات لئلا يتعرضوا للحجاج بالنحس، وأمر بإكمال سور مدينة الرسول، واستخرج العين التي بأحد وكانت قد دفنتها السيول، ودعي له بالحرمين، واشتهر صيته في الخافقين. وعمر الربط والخانقاهات والبيمارستانات، وبنى الجسور في الطرق والخانات، ونصب جماعة من المعلمين لتعليم يتامى المسلمين، وأجرى الأرزاق على معلميهم، وعليهم بقدر ما يكفيهم، وكذلك صنع لما ملك سنجار وحران والرها والرقة ومنبج وشيزر وحماة وحمص وبعلبك وصرخد وتدمر، فما من بلد منها إلا وله فيها حسن أثر، وما من أهلها أحد إلا نظر له أحسن نظر. وحصل الكثير من كتب العلوم ووقفها على طلابها، وأقام عليها الحفظة من نقلتها وطلابها وأربابها، وجدد كثيراً من ذي السبيل، وهدى بجهده إلى سواء السبيل. وأجهد نفسه في جهاد أعداء الله، وبالغ في حربهم، وتحصل في أسره جماعة من أمراء الفرنج - خذلهم الله - كجلوسلين وابنه، وابن ألفونش، وقومص أطرابلس، وجماعة من ضربهم.

وكان متملك الروم قد خرج من قسطنطينية وتوجه إلى الشام طامعاً في تسلم أنطاكية، فشغله عن مرامه الذي رامه بالمراسلة، إلى أن وصل أخوه قطب الدين في جنده من المواصلة، وجمع له الجيوش والعساكر، وأنفق فيهم الأموال والذخائر، فأيس الرومي من بلوغ ما كان يرجو، وتمنى منه المصالحة لعساه ينجو، فاستقر رجوعه إلى بلاده ذاهباً، فرجع من حيث جاء خائباً، ولم يقتل بالشام مع كثرة عسكره مقتلة، ولم يرع من زرع حارم ولا غيرها سنبلة، وحمل إلى بيت مال المسلمين من التحف ما حمل، ولم يبلغ أمله وضل ما عمل. وغزا معه أخوه قطب الدين في عسكر الموصل وغيرهم من المجاهدين، فكسر الفرنج والروم والأرمن على حارم، وأذاقهم كؤوس المنية بالأسنة والصوارم، فأبادهم حتى لم يفلت منهم غير الشديد الذاهل، وكانت عدتهم ثلاثين ألفاً بين فارس وراجل، ثم نزل على قلعة حارم، فافتتحها وحواها، وأخذ أكبر قرى عمل أنطاكية وسباها، وكان قبل ذلك قد كسرهم بقرب بانياس، وقتل جماعة من أبطالهم، وأسر كثيراً من فرسانهم ورجالهم. وقد كان شاور السعدي أمير جيوش مصر، وصل إلى جنابه مستجيراً لما عاين الذعر، فأحس جواره وأكرمه، وأظهر بره واحترمه، وبعث معه جيشاً كثيفاً يرده إلى درجته، فقتلوا خصمه ولم يقع منه الوفاء بما قرر من جهته، واستجاش بجيش العدو، طلباً للبقاء في السمو، ثم وجه إليه بعد ذلك جيشاً آخر، فأصر على المسامقة له وكابر، واستنجد بالعدو - خذله الله - فأنجدوه، وضمن لهم الأموال الخطيرة حتى عاضدوه، وانكفأ جيش المسلمين إلى الشام راجعاً، وحدث متملك الفرنج نفسه بملك مصر طامعاً، فتوجه إليها بعد عامين راغباً في انتهاز الفرصة، فأخذ بلبيس وخيم من مصر بالعرصة، فلما بلغه ذلك تدخل جهده في توجيه الجيش إليها وخاف من تسلط عدو الدين عليها، فلما سمع العدو - خذلهم الله - بتوجه جيشه رجعوا خائبين، وأصبح أصحابه بمصر لمن عاندهم غالبين، وأمل أهل أعمالها بحصول جيشه عندهم وانتعشوا، وزال عنهم ما كانوا قد خشوا، واطلع من شاور على المخامرة، وأنه راسل العدو طمعاً منه المظافرة، وأرسل إليهم ليردهم، ليدفع جيش المسلمين بجندهم، فلما خيف من شره ومكره، لما عرف من غدره

وختره، وانفتح الأمر في ذلك واستبان، تمارض الأسد ليقتنص الثعلبان، فجاءه قاصداً لعيادته، جارياً في خدمته على عادته، فوثب جورديك وبزغش موليا نور الدين فقتلا شاور، وأراحا العباد والبلاد من شره، وأما شاور فإنه أول من تولى القبض عليه، ومد يده الكريمة إليه بالمكروه، وصفا الأمر لأسد الدين وملك، وخلعت عليه الخلع، وحل واستولى أصحابه على البلاد، وجرت أموره على السداد، وظهر منه حميد السيرة وحسن الآثار، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار. وظهرت كلمة أهل السنة بالديار المصرية، وخطب فيها للدولة العباسية بعد اليأس، وأراح الله من بها من الفتنة ورفع عنهم المحنة، فالحمد لله على ما منح، وله الشكر على ما فتح. ومع ما ذكرت من هذه المناقب كلها، وشرحت من دقها وجلها، فهو حسن الخط والبنان، متأت لمعرفة العلوم بالفهم والبيان، كثير لمطالعتها، مائل إلى نقلها، مواظب حريص على تحصيل كتب الصحاح والسنن، مقتن لها بأوفر الأعواض والثمن، كثير المطالعة للعلوم الدينية، متبع للآثار النبوية، مواظب على الصلوات في الجماعات، مراع لأدائها في الأوقات، مؤد لفروضها ومسنوناتها، معظم لفقدها في جميع حالاتها، عاكف على تلاوة القرآن على ممر الأيام، حريص على فعل الخير من الصدقة والصيام، كثير الدعاء والتسبيح، راغب في صلاة التراويح، عفيف البطن والفرج، مقتصد في الإنفاق والخرج، متحري في المطاعم والمشارب والملابس، متبري من التباهي والتماري والتنافس، عري عن التجبر والتكبر، بريء من التنجم والتطير، مع ما جمع الله له من العقل المتين، والرأي الصويب الرصين، والاقتداء بسيرة السلف الماضين، والتشبه بالعلماء والصالحين، والاقتفاء لسيرة من سلف منهم في حسن سمعتهم، والتباع لهم في حفظ حالهم ووقتهم. حتى روى حديث المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسمعه، وكان قد استجيز له ممن سمعه وجمعه، حرصاً منه على الخير في نشر السنة والتحديث، ورجا أن يكون ممن حفظ على الأمة أربعين حديثاً كما جاء في الحديث، فمن رآه شاهد من جلال السلطنة وهيبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره.

ولقد حكى عنه من صحبه في حضره وسفره، أنه لم يكن يسمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وإن أشهى ما إليه كلمة حق يسمعها، أو إرشاد إلى سنة يتبعها. يحب الصالحين ويؤاخيهم، ويزور مساكنهم لحسن ظنه بهم، فإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم. ومتى تكررت الشكاية إليه من أحد ولاته، أمر بالكف عن أذى من تكلم بشكاته، فمن لم يرجع منهم إلى العدل، قابله بإسقاط المرتبة والعزل، فلما جمع الله له من شريف الخصال، تيسر له ما يقصده من جميع الأعمال، وسهل على يديه فتح الحصون والقلاع، ومكن له في البلدان والبقاع، حتى ملك حصن شيزر وقلعه دوسر، وهما من أحصن المعاقل والحصون، واحتوى على ما فيها من الذخر المصون، من غير سفك محجمة من دم في طلبهما، ولا قتل أحد من المسلمين بسببهما، وأكثر ما أخذه من البلدان، بتسلمه من أهله بالأمان، ووفى لهم بالعهود والأيمان، فأوصلهم إلى مأمنهم من المكان. وإذا استشهد أحد من أجناده، حفظه في أهله وأولاده، وأجرى عليهم الجرايات، وولى من كان أهلاً منهم للولايات، وكلما فتح الله عليه فتحاً وزاده ولاية، أسقط عن رعيته قسطاً وزادهم رعاية، حتى ارتفعت عنهم الظلامات والمكوس، واتضعن في جميع ولايته الغرامات والنحوس، ودرت على رعاياه الأرزاق، ونفقت عندهم الأسواق، وحصل بينهم بيمنه الاتفاق، وزال ببركته العناد والشقاق، فإن فتكت شرذمة من الملاعين، فلما علمت منه من الرأفة واللين، ولو خلط لهم شدته بلينه، لخاف سطوته الأسد في عرينه. فالله يحقن الدماء، ويسكن به الدهماء، ويديم له النعماء، ويبلغ مجده السماء، ويجري الصالحات على يديه، ويجعل منه واقية عليه، فقد ألقى أزمتنا إليه، وأحصى علم حاجتنا إليه. ومناقبه خطيرة، وممادحه كثيرة، ذكرت منها غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، وقد مدحه جماعة من الشعراء، فأكثروا، ولم يبلغوا وصف آلائه بل قصروا، وهو قليل الابتهاج بالشعر، زيادة في تواضعه لعلو القدر.

محمود بن عبد الرحمن أبي زرعة

فالله يديم على الرعية ظله، وينشر فيهم رأفته وعدله، ويبلغه في دينه ودنياه مأموله، ويتم بالسعادة والتوفيق أعماله، فهو بالإجابة جدير، وعلى ما يشاء قدير. واللع أعلم. محمود بن عبد الرحمن أبي زرعة ابن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري روى عن أبي عامر، بسنده إلى مرة بن كعب البهزي، قال: كنت جالساً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يذكر الفتن، فمر رجل مقنع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا يومئذ ومن كان معه على الحق ". قال: فقمت، فأخذت بردائه، فلفت وجهه فإذا هو عثمان بن عفان؛ فقلت بوجهه: يا نبي الله، هذا؟ قال: " هذا ". محمود بن عبد الوهاب بن عبيد ابن سلام بن رباح أبو علي القرشي، الزملكاني، مولاهم محمود بن عمرو بن سليمان ابن عمرو بن حفص بن شليلة أبو بكر وكان جد أبيه عمرو بن حفص بن شليلة محدثاً مشهوراً بدمشق. قال ابن زبر: مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة.

محمود بن محمد بن عيسى الأطرابلسي

محمود بن محمد بن عيسى الأطرابلسي حدث بأطرابلس. محمود بن محمد بن الفضل ابن الصباح بن موسى بن الليث بن أعين بن أربد بن محرز بن لأي ابن سمير بن ضباب بن حجية بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر أبو العباس التميمي، المازني، الرافقي، الأديب روى عن أبي عبد الله أحمد بن أبي غانم، بسنده إلى عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته ". وعن يزيد بن محمد بن سنان، بسنده إلى صهيب، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ". وعن عبد الله بن ثابت القاضي، بسنده إلى حمزة الزيات، قال: خرجت إلى الجبانة فإذا براهب قد أقبل من نحو الحيرة، فسلم، ثم قال: أنت حمزة الذي تقرىء الناس غدوة وعشية؟ قلت: نعم. قال: ما أثر فيك القرآن، والله إن الله ليعلم أني أريد أن أقرأ سفراً من الإنجيل منذ عشرين سنة، فإذا علمت أنه نزل من عند الله يكاد قلبي يتصدع، فلا أقدر أن أقرأ، يا حمزة لقد فضلتم على جميع الأمم بحفظكم كتابكم، فلا تطفئ المصباح فيدخل بيتك اللص - قال: لا تقطع الذكر فإنه نور القلب - وكفاك بكلام الله واعظاً. قال أبو أحمد الحاكم: أبو العباس محمود بن محمد الرافقي، سكن مدينة من مدن الثغر يقال لها: بغراس.

محمود بن وحشي بن ضباب

محمود بن وحشي بن ضباب أبو الثناء الحموي المقري شيخ كان يسمع الحديث، وقرأ القرآن بعدة روايات، وكان يؤم في مسجد أمير المؤمنين عمر الذي على درج الجامع، ويواظب على حضور مجلسي في التحديث والإملاء، وكان خيراً مستوراً، وصلى بالناس بالجامع حين مرض إسماعيل البدليسي المرضة التي عزل فيها عن الصلاة، وقدم أبو محمد بن طاوس، وكان يقرئ القرآن في حلقة الكتاني التي تعرف الآن بحلقة ابن طاوس. توفي أبو الثناء بن ضباب يوم الجمعة، العشرين من جمادى الآخرى سنة اربعين وخمسئة، ودفن من يومه بعد صلاة العصر في مقبرة باب الصغير؛ حضرت دفنه والصلاة عليه. محمود بن هود بن عمرو أبو علي البيروتي روي عن عمر بن سعيد بن أحمد، عن حامد بن يحيى البلخي، قال: كنت بمكة، فبت مغموماً، فرأيت في النوم محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقلت: سمعت أباك يخبر عن جدك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتظار الفرج من الله عبادة " قال المصنف: ولهذا الحديث الذي ذكر في المنام أصل؛ عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انتظار الفرج من الله عبادة، ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل ".

محمود الدمشقي

محمود الدمشقي لم ينسب. عن محمود الدمشقي، قال: جاء رجل إلى سفيان الثوري فشكى إليه أصابته، فقال له سفيان: ما كان بها أحد أهون عليك مني؟ قال: وكيف ذاك؟ قال: ما وجدت أحداً تشكو إليه غيري؟ قال: إنما أردت أن تدعو لي. فقال له سفيان: أمدبر أنت أم مدبر؟ قال: مدبر. قال: فارض بما يريدك. محمية بن زنيم بريد عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح بوفاة أبي بكر وتأميره أبا عبيدة، وعزل خالد. وفد عليه وهو باليرموك على ما قال سيف. وذكر غيره أن وروده عليهم وهم على حصار دمشق قبل وقعة اليرموك، وهو الصحيح. عن خالد وعبادة، قالا: قدم البريد من المدينة فأخذته الخيول - يعني باليرموك - وسألوه عن الخبر، فلم يخبرهم إلا بسلامة، وأخبرهم عن أمداد، وإنما جاء بموت أبي بكر وتأمير أبي عبيدة، فابلغوه خالداً، فأخبره خبر أبي بكر رضي الله عنه، أسره إليه، وأخبره بالذي أخبر به الجند، فقال: أحسنت فقف؛ وأخذ الكتاب فجعله في كنانته، وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمور الجند، فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول.

مخالرق بن الحارث الزبيدي الأزدي

مخالرق بن الحارث الزبيدي الأزدي كان مع معاوية بصفين أميراً يومئذ على مذحج الأردن، وكان ممن شهد في صحيفة اصطلاحه مع علي على التحكيم. مخارق بن الصباح الكلاعي كان في صحابة معاوية الذين شهدوا معه صفين، وكان صاحب لوائه. مخارق بن ميسرة بن حجير الطائي ولي غازية البحر لعمر بن عبد العزيز. روي عن عمرو بن خير الشعباني قال: كنت محاضراً كعب الأحبار على جبل دير المران، فنشر علي أربع أصابع من أصابع يده، فقال: ويل لأربع قريات من الغوطة: داريا والمزة وبيت لهيا وبيت الآبار، ولتفتننالفتن قبائل من قبائل العرب حتى لا تدعى لها داعية: عك وسلامان وخشين وشعبان؛ فسألته عن سلامان، فقال: هو سلامان بن عريب بن زهير بن أيمن. وزعم أبو معبد أنهم انقرضوا من دمشق. وخشين بن قطن بن عريب كانوا في الأوصاب فانقرضوا. مخارق الكلبي كان فيمن وجهه يزيد إلى أهل المدينة مع مسرف بن عقبة المري، واستعمله مسرف على ميسرة جيشه.

مخارق بن يحيى ين ناووس الجزار

مخارق بن يحيى ين ناووس الجزار مولى الرشيد أبو المهنا، المطرب قدم دمشق مع المأمون. حدث مخارق، قال: خدمت إبراهيم الموصلي حيناً، لا يزيدني على قباء وسراويل، فقلت له يوماً: قد بلغت من هذه الصناعة ما يناله مثلي، وقد رايتك تصف السلطان وأتباعه من هو دوني، فإن كنت قد أديت لك ما يحب لك علي فانظر لي. فقال: إذا قعد أمير المؤمنين وصفتك له. فحضر مجلس الرشيد فوصفني له، فأمر بإحضاري؛ فلما انصرف قال لي: قد ذكرتك له. قال: ثم دعا بثياب فقطع لي، ودفع إلي منطقة، ومضيت معه؛ فلما دخلنا مجلس الخليفة، وكان إذا جلس قعد على سرير وضرب بينه وبينهم ستارة، فإذا طرب دعا من يريد فأدخله وراء الستارة فأقعده معه؛ فلما أخذ المغنون والندماء مجالسهم قال لابن جامع: يا بن جامع، ما صنعت لي من الغناء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد صنعت صوتاً ما صنع أحد مثله وما سمعه مني أحد. قال: فاندفع يغني: من البسيط أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتاً يوافق نعتي بعض ما فيها قال مخارق: فأعجب به - والله - إعجاباً شديداً، وأنا واقف على باب البيت، ورأيت إبراهيم قد استرخت يداه مما دخل قلبه من الزمع، وكان - والله - هذا الصوت مما يدور في حلقي وطبعي، فتمنيت أن يعيده. فقال له هارون: أعده؛ فأعاده، فأخذته. فقلت: إن أعاده الثالثة استوى لي، وكنت أحدق به منه؛ فاستعاده ثالثة ورابعة، وما استتم الرابعة حتى سقط العود من يد إبراهيم، وحانت منه التفاتة، فنظر إلي، فأومأت

إليه: أي مالك؟ أنا والله أحذق به منه؛ فأسر إلي: ويحك، إنه أمير المؤمنين، وإن لم تحسنه فهو السيف. فأشرت إليه: أن قل له ولا تخف. فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي الذي وصفته لك أحسن غناء له منه. فغضب ابن جامع، وقال: والله يا أمير المؤمنين ولا يحذقه في سنة. فقال أمير المؤمنين: دعاني من اختلافكما، قل للغلام: ليغنه إن كان يحسنه. فاندفعت، فما مررت في مصراع من البيت حتى قطع الستارة، وقال: ها هنا ها هنا يا غلام؛ فدنوت منه حتى وقفت بين يدي السرير، فقال: اصعد. فأقعدني تحته، فغنيت الصوت مراراً، وتهلل وجه إبراهيم. وضرب أحسن ضرب وأطربه، ثم قال الرشيد: بحياتي، هل سمعته قبل يومك هذا؟ قلت: لا والله يا أمير المؤمنين. قال: يا مسرور، هات ثلاثين ألف درهم، وثلاثة مناديل في كل منديل عشرة أثواب من خز ووشي وملحم، وغير ذلك، وحملني على ثلاثة دواب، وأعطاني ثلاثة غلمان، وأجرى علي ثلاثة آلاف درهم في كل شهر؛ فلم تزل جارية لي حتى قدم المأمون فأضعفها، فهذا أول مال اكتسبته. قال مخارق: وكناني الرشيد أبا المهنا، وكان سبب تكنيته لي بأبا المهنا أنه رفع الستارة ذات يوم فقال: أيكم يغني هذا الصوت: " من البسيط " يا ربع سلمى لقد هيجت لي حزناً ... زدت الفؤاد على علاته نصبا فقلت: أنا. فقال: غنه. فغنيته، فقال: علي بهرثمة. فجزع كل واحد منا، وقلنا؛ ما معنى هرثمة بعقب هذا الصوت. فجاء هرثمة يجر سيفه، فقال له الرشيد: ما كانت كنيته مخارق الشاري الذي قتلناه قريباً؟ قال هرثمة: كنيته أبو المثنى. فقال له الرشيد: انصرف، وأقبل الرشيد فقال: قد كنيتك يا مخارق أبا المهنا لإحسانك في هذا الصوت. وأمر بإحضار مئة ألف درهم. فوضعت بين يدي. وقال: أعد؛ فأعدته، وانصرفت بالكنية وبمئة ألف درهم.

قال أبو حشيشة: أول من سمعني من الخلفاء المأمون، وهو بدمشق، وصفني له مخارق، فأمر بإشخاصي إليه، وأمر لي بخمسة آلاف درهم أتجهز بها، فلما وصلت إليه أدناني وأعجب بي، وقال للمعتصم: هذا ابن من خدمك وخدم آبائك وأجدادك يا أبا إسحاق، كان جد هذا أمية كاتب جدك المهدي على كتابة السر وبيت المال والخاتم، وحج المهدي أربع حجج وكان جد هذا زميله فيها؛ واشتهى المأمون من غناي: " من الرمل " كان ينهى فنهى حين انتهى ... وانجلت عنه غيابات الصبا خلع اللهو وأضحى مسبلاً ... للنهى فضل قميص وردا كيف يرجو البيض من أوله ... في عيون البيض شيب وجلا كان كحلاً لماقيها فقد ... صار بالشيب لعينييها قذى الشعر لدعبل. قال أبو حشيشة: وكان مخارق قد نهاني أن أغني ما فيه ذكر الشيب من هذا الشعر. عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قال: قال مخارق: أنشدت المأمون قول أبي العتاهية: " من الطويل " وإني لمحتاج إلى ظل صاحب ... يرق ويصفو إن كدرت عليه فقال لي: أعد، فأعدت سبع مرات، فقال لي: يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب، لله در أبي العتاهية ما أحسن ما قال!

حدث مخارق، قال: بينا أنا عند المأمون ذات يوم إذ قام فدخل إلى حرمه، وخرج وعيناه تذرفان، فقال: يا مخارق غن بهذين البيتين: " من الطويل " وما استطعت توديعاً له بسوى البكا ... وذلك جهد المستهام المعذب سلام على من لم يطف عند بينه ... سلاماً فأومى بالبنان المخضب فحفظتهما، وتغنيت بهما، فجعل يبكي بكاءً شديداً، ثم قال: أتدري ما قصتي؟ قلت: أمير المؤمنين أعلم. قال: إني دخلت إلى بعض المقاصير فرأيت جارية لي كنت أحبها حباً شديداً، وهي بالموت، فسلمت عليها، فلم تطق رد السلام، فأومت بأصبعها، فغلبتني العبرة، فخرجت من عندها وحضرني أن قلت لك هذين البيتين. فقلت: يطيل الله تعالى عمر أمير المؤمنين، ولا يفجعه بأحبته، ويبقيي له من يحب بقاءه، فما هو شيء يفتدى، وأمير المؤمنين يفديه جميع عبيده. عن أحمد بن محمد الطوسي، عن أبيه، قال: سمعت مخارقاً المغني قال: طفلت تطفيلة قامت على أمير المؤمنين المعتصم بمئة ألف درهم. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: سهرت مع المعتصم ليلة إلى الصبح، فلما أصبحنا قلت له: يا سيدي، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي فأخرج فأتنسم في الرصافة إلى وقت يشاء أمير المؤمنين. فأمر البوابين فتركوني. قال: فجعلت أمشي في الرصافة، فبينا أنا أمشي إذ نظرت إلى جارية كأن الشمس تطلع من وجهها، فتبعتها، ومعها زبيل مشارب، فوقفت على صاحب فاكهة فاشترت منه سفرجلة بدرهم، وكمثراة بدرهم، وتبعتها، فالتفتت فرأتني خلفها أتبعها، فقالت لي: ياابن الفاعلة - لا تكني - إلى أين؟ قلت: خلفك يا سيدتي. فقالت لي: ارجع يا ابن الفاعلة لا يراك أحد فتقتل. قال: ثم التفتت بعد فنظرت إلي. قال: فشتمتني ضعف ما شتمتني في المرة الأولى، ثم جاءت إلى باب كبير فدخلت فيه.

فجلست بحذاء الباب، فذهب عقلي، ونزلت الشمس، وكان يوماً حاراً، فلم ألبث أن جاء فتيان كأنهما صورتان على حمارين مصريين، فأذن لهما فدخلا ودخلت معهما، فظن صاحب المنزل أني جئت مع صديقيه، وظن صديقاه أن صاحب المنزل قد دعاني، وجيء بالطعام وأكلوا وغسلوا أيديهم، ثم قال لهم صاحب المنزل: هل لكم في فلانة؟ قالوا: إن تفضلت: فخرجت تلك الجارية بعينها، وقدامها وصيفة تحمل عوداً لها، فوضعته في حجرها، فغنت فطربوا وشربوا، وقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق. ثم غنت صوتاً آخر فطربوا وازداد طربهم، فقالوا: لمن هذا الصوت يا ستنا؟ فقالت: لسيدي مخارق. ثم غنت الثالث، فطربوا وهي تلاحظني وتشك في، فقالوا: لمن هذا يا ستنا؟ قالت: لسيدي مخارق. قال: فلم أصبر، فقلت لها: يا جارية شدي يدك، فشدت أوتارها وخرجت عن إيقاعها الذي تقوى عليه، فدعوت بدواة وقضيب فغنيت الصوت الذي غنته أولاً، فقاموا فقبلوا رأسي. قال أبي: وكان أحسن الناس صوتاً، وكان يوقع بالقضيب. ثم غنيت الثاني والثالث فجنوا، فكادت عقولهم تذهب، فقالوا: من أنت يا سيدنا؟ قلت: أنا مخارق. قالوا: فما سبب مجيئك؟ فقلت: طفيلي، أصلحكم الله، وخبرتهم خبري. فقال صاحب البيت لصديقيه: قد تعلمان أني أعطيت بها ثلاثين ألف درهم فأبيت أن أبيعها وأردت الزيادة، وقد نقصت من ثمنها عشرة آلاف درهم. قال صديقاه: علينا عشرون ألفاً؛ وملكوني الجارية. وقعد المعتصم فطلبني في منازل أبناء القواد فلم أصب، وتغيظ علي، وقعدت عندهم إلى العصر، وخرجت بها، فكلما مررت بموضع شتمتني فيه فقلت لها: يامولاتي أعيدي شتمك علي، فتأبى. فأحلف لتعيدنه. وأخذت بيدها حتى جئت بها إلى باب أمير المؤمنين، فدخلت ويدي في يدها، فلما رآني المعتصم سبني وشتمن، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تعجل علي، وحدثته، فضحك وقال: نكافئهم عنك يامخارق. فأمر لكل رجل منهم بثلاثين ألف درهم، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.

مختار بن فلفل

قال الجاحظ: لم أر كثلاثة رجال يبذون الناس في مذاهبهم، فإذا رأوا ثلاثة رجال انخزلوا وذابوا كما يذوب الرصاص في النار؛ هشام بن محمد السائب الكلبي كان علامه نسابة فإذا رأى الهيثم بن عدي انخزل وانقطع؛ وعلي بن الهيثم كان مفقعانياً صاحب تقعير في الكلام فإذا رأى موسى الضبي انقطع وذهب؛ وعلوية المغني كان مجيداً فيالغناء فإذا رأى مخارقاً سكت وانقطع. ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس الوراق؛ أن مخارقاً مات في شهر ربع الآخر سنة إحدى وثلاثين ومئتين، بسر من رأى. مختار بن فلفل مولى عمرو بن حريث القرشي الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز رسولاً من عامله على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن. عن عبد الله بن إدريس، قال: سمعت مختار بن فلفل، وكان من أرق محدث يحدث، وكان يحدث وعيناه تدمعان، قال: سمعته يذكر عن أنس، قال: قال رجل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير البررية. قال: " ذاك إبراهيم عليه السلام ". عن المختار بن فلفل، قال: بعثني عبد الحميد بن عبد الرحمن بفلوس قد ضربها، فيها: أمر الأمير عبد الحميد بالوفاء والعدل. فلما قرأها عمر بن عبد العزيز قال: اكسروا هذه الفلوس، واكتبوا: أمر الله بالوفاء والعدل. ذكر أبو عبد الله المختار بن فلفل فقال: كوفي، ثقة.

مخرمة بن سليمان الوالبي المدني

مخرمة بن سليمان الوالبي المدني من بني والبة حي من بني أسد بن خزيمة قدم دمشق غازياً. روى عن كريب عن عبد الله بن عباس، أنه أخبره؛ أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي خالته، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهله في طولها، فنام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلق، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى. قال: والله، فقمت فصنعت مثل الذي صنع، فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده اليمنى على رأسي، ثم أخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر واضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح. عن مخرمة بن سليمان، قال: كنا في سواحل حمص ودمشق حين خرجوا إلينا من الصائفة، وكذلك كانوا يصنعون، إذا حانت طالعتهم خرجنا. قال محمد ببن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة: مخرمة بن سليمان الوالبي قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومئة، وكان قليل الحديث. وكذا قال الواقدي في التاريخ، وقال: وهو ابن سبعين سنة. سئل عنه يحيى بن معين، فقال: مدني، ثقة.

مخرمة بن شرحبيل

مخرمة بن شرحبيل كان يتأله، وكانت اليمن تطيعه طاعة عظيمة، وقدم دمشق ليكلم يزيد بن معاوية في يزيد بن ربيعة بن مفرغ لما حبسه عباد بن زياد. مخرمة بن عبد الرحمن الدمشقي عن إسماعيل بن عبيد الله، عن مخرمة بن عبد الرحمن؛ أنه كان يمكث أربعة أشهر لا يتكلم، فإذا أراد حاجة كتبها. مخرمة بن نوفل بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب أبو صفوان، ويقال: أبو المسور، ويقال: أبو الأسود ويقال: أبو مسعود، الزهري، والد المسور بن مخرمة له صحبة، وكان من المؤلفة قلوبهم، قدم دمشق في الجاهلية، وكان في عير قريش التي خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طلبها، وكانت وقعة بدر بسببها. حدث عن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم، وكانت لدة عبد المطلب، قالت: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع وأرقت العظم، فبينا أنا راقدة - اللهم - أو مهمومة، إذا هاتف يصرخ بصوت صخل يقول: معشر قريش، أن هذا النبي المبعوث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكم، وقد أظلتكم أيامه، وهذا أوان نجومه، فحي هلا بالحيا والخصب،

ألا فانظروا رجلاً منكم وسيطاً عظاماً حساماً أبيض بضاً، أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشعر العرنين، له فخر يكظم عليه وسنة تهدى إليه، فليخلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل، فليسنوا عليهم الماء، وليمسوا من الطيب، ثم ليتسلموا الركن، ثم ليرتقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل وليؤمن القوم، فغثتم ما شئتم. فأصبحت - علم الله - مذعورة، قد اقشعر جلدي ووله عقلي، فاقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة في الحرمة والحرم، ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد؛ وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فسنوا، ومسوا، واستلموا، ثم ارتقوا أبا قبيس، وطفقوا حوله، ما يبلغ سعيهم مهلة، حتى إذا استوى بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام قد أيفع أو كرب، فرفع يديه وقال: لاهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت معلم غير معلم، ومسؤول غير مبخل، وهذه عبداؤك وإماؤك بغدران حرمك يشكون إليك سنتهم، أذهبت الخف والظلف، فاسمعن اللهم وأمطرن غيثاً مغدقاً مريعاً. فوالكعبة ما زالوا حتى تفجرت السماء بمائها، واكتظ الوادي بثجيجه؛ فسمعت شيخان قريش وجلتها عبد الله بن جدعان وحرب بن أمية وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئاً لك أبا البطحاء، أي عاش بك أهل البطحاء. وفي ذلك تقول رقيقة: " من البسيط " بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر فجاد بالماء جوني له سبل ... سحا فعاشت به الأنعام والشجر منا من الله بالميمون طائرة ... وخير من بشرت يوماً به مضر مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر عن مخرمة بن نوفل، قال: لما لحقنا بالشام أدركنا رجل من جذام فأخبرنا أن محمداً قد كان عرض لغيرنا في

بدأتنا، وأنه تركه مقيماً ينتظر رجعتنا، قد حالف علينا أهل الطريق ووادعهم. قال مخرمة: فخرجنا خائفين، نخاف الرصد، فتبعنا ضمضم بن عمرو حين فصلنا من الشام. وكان عمرو بن العاص يحدث يقول: لما كنا بالزرقاء - والزرقاء بالشام ناحية معان من أذرعات على مرحلتين - ونحن منحدرون إلى مكة -، لقينا رجلمن جذام، فقال: قد كان عرض لكم محمد في بدأتكم. فذكر الحديث بطوله. قال الزبير: وكان مخرمة من مسلمة الفتح، وكان لهسن عالية، وعلم بالنسب، كان يؤخذ عنه النسب. وقال محمد بن سعد: أسلم مخرمة عند فتح مكة، وكان عالماً بنسب قريش وأحاديثها، وكانت له معرفة بأنصاب الحرم، فكان عمر بن الخطاب يبعثه هو وسعيد بن يربوع أبو هود وحويطب بن عبد العزى وأزهر بن عبد عوف فيجددون أنصاب الحرم لعلمهم بها، وكانوا يبدون في بواديها؛ ثم بعثهم عثمان بن عفان حين ولي الخلافة فجددوا أنصاب الحرم إلا سعيد بن يربوع فإن بصره كان قد ذهب فلم يرسله معهم. عن المسور بن مخرمة، عن أبيه، قال: لقد أظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام فأسلم أهل مكة كلهم، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، حتى إن كان ليقرأ بالسجدة فيسجد ويسجدون، وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس، حتى قدم رؤوس قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف في أرضهم، فقالوا: تدعون دين آبائكم؛ فكفروا. عن ابن عباس: أن جبريل أرى إبراهيم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موضع أنصاب الحرم، فنصبها، ثم جددها قصي بن كلاب، ثم جددها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاطب، عن أبيه، قال: ذهب بصر مخرمة بن نوفل في خلافة عثمان ببن عفان، وكان قبل ذلك فيمن يجدد أنصاب الحرم معرفة بها. قال محمد بن عمر: شهد مخرمة بن نوفل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، وأعطاه من غنائم حنين خمسين بعيراً. قال: ورأيت عبد الله بن جعفر ينكر أن يكون مخرمة أخذ منها شيئاً، وقال: ما سمعت أحداً من أهلي يذكر ذلك. عن أم بكر بنت مسور؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم قسماً فأخطأ ذلك مخرمة، فقال له مخرمة: أي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كنت أرى أن تقسم قريش قسماً فتخطئني. قال: " فإني فاعل يا خالي إذا جاءني شيء ". فما لبث أن جاءه قباء من ديباج أو حرير مزرور بالذهب، فوضعه بين يديه، فجعل كلما جاء إنسان يخشى أن يسأله قال: " هذا لخالي مخرمة " حتى جاء مخرمة فأعطاه. عن عمرو، قال: كسا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخرمة حلة، وقال: ما أرى العبقري مثلها، وقال له: " إن قدمت مكة اشتراها منك صفوان بن أبي أمية أو حكيم بن حزام بأربعين أوقية ". قال فقدم مكة، فاشتراها أحدهما بذاك. عن عائشة، قالت: جاء مخرمة بن نوفل، فلما سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته قال: " بئس أخو العشيرة " فلما دخل بش به حتى خرج؛ قالت: قلت له: يا رسول الله قلت له وهو بالباب، فلما دخل بششت به حتى خرج. قالت: أظنه قال: " أعهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس من يتقى لشره ".

مخلد بن خالد بن يحيى

عن مصعب بن عثمان، قال: لما حضرت مخرمة بن نوفل الوفاة بكته ابنته فقالت: وا أبتاه، كان هيناً ليناً. فقال: من النادبة؟ فقالوا: ابنتك. قال: تعالي، فجاءت، فقال: ليس هكذا يندب مثلي، قولي: وا أبتاه كان شهماً شيظماً، كان أبياً عصياً. قال محمد بن عمر: ومات مخرمة بالمدينة سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وكان يوم مات ابن مئة وخمس عشرة. وقيل: سنة خمس وخمسين. مخلد بن خالد بن يحيى ابن محمد بن يحيى بن حمزة أبو علي الحضرمي البتلهي وقد صحف اسمه، إنما هو محمد بن خالد. روى عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن أبيه، عن جده، قال: صلى بنا المهدي أمير المؤمنين المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما هذا؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم. مخلد بن زياد أبي محمد بن عبد الله ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، السفياني كان مع أبيه إذ مضى إلى المدينة، وقتل هو وأبوه بها.

مخلد بن علي السلامي الشاعر

مخلد بن علي السلامي الشاعر أنشد مخلد بن علي: " من البسيط " ما ذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولا يرى قانعاً ما عاش منتظرا والعرف من نابه تحمد مغبته ... ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا وأنشد يهجو نوح بن عمرو بن حوي، فقال: " من السريع " أشكو ويشكو سوء حالاته ... فلست أدري أينا السائل لو كان لي شيء لآسيته ... لأنه المسكين يستاهل وأنشد: " من المتقارب " ولي صاحبان على هامتي ... قعودهما مثل حد الوتد ثقيلان ما عرفا راحة ... فهذا الصداع وهذا الرمد مخلد بن عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي ابن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، الأنصاري شهد غزوة مؤتة، ورزق بها الشهادة. لا عقب له. مخلد بن محمد بن أبي صالح أبو هاشم الحراني، مولى عثمان بن عفان كان في عسكر مروان بن محمد، وشهد دخوله دمشق وبيعته بها بالخلافة.

مخلد بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة

مخلد بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أبو خداش الأزدي أحد الأسخياء الممدوحين، وفد على عمر بن عبد العزيز يكلمه في أمر أبيه لما حبس، ومات في حياة أبيه بالشام. عن روح بن قبيصة المهلبي، عن أبيه، قال: قال يزيد بن المهلب لأبنه مخلد: يا بني، استفره الكاتب واستحد الحاجب، فإن كاتب الرجل لسانه وحاجبه وجهه. وعن الزيادي، قال: قال يزيد بن المهلب لأبنه مخلد حين ولاه جرجان: استطرف كاتبك، واستعطر حاجبك. عن شعيب بن صفوان؛ أن حمزة بن بيض دخل على مخلد بن يزيد بن المهلب - في السجن - فأنشده: " من التقارب " أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحباً يجب المرحب فقال: مرحباً. ولا تكلنا إلى معشر ... متى يعدوا عدة يكذبوا فإنك في الفرع من أسرة ... لهم خضع الشرق والمغرب وفي أدب فيهم ما نشأت ... فنعم لعمرك ما أكسبوا بلغت لعشر مضت من سني ... ك كما يبلغ السيد الأشيب فهمك فيها جسام الأمو ... ر وهم لداتك أن يلعبوا وجدت فقلت إلا سائل ... فيسأل أو راغب يرغب

فمنك العطية للسائلي ... ن وممن ينوبك أن يطلبوا قال: هات حاجتك؛ فقضاها. قال أبو الحسين: ولا أحسبه إلا قال: وأمرله بعشرة آلاف. عن عبد الرحمن بن حسن. عن أبيه؛ أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الجراح بن عبد الله: أما بعد، فإنه بلغني أنك كنت لمخلد بن يزيد، وللمهلب بن يزيد زلآل المهلب أماً فرشت فأنامت أولادها. فكتب إليه الجراح: أما بعد يا أمير المؤمنين، كتبت إلي في عهدك أن لا أوثق أحداً من خلق الله تعالى وثاقاً يمنع الصلاة، ولا أبسط على أحد من خلق الله تعالى عذاباً، فأنت - يا أمير المؤمنين - الأم التي فرشت فأنامت، لمخلد بن يزيد ولآل المهلب ولجميع رعيتك. قال: وكان قد أوثقه في سلسلة بركن. قال: فدعا مخلداً فقال: إن شئت أن تفتر عندنا على حالك التي أنت عليها، وإن شئت أن ألحقك بأمير المؤمنين، ولا أراه إلا خيراً لك. قال: فألحقني بأمير المؤمنين. قال: فدفعته إليه فأطلقه عمر بن عبد العزيز. عن قبيصة بن عمر المهلبي، قال: لما حبس عمر بن عبد العزيز يزيد بن المهلب، وقد كان فتح جرجان وطبرستان، وأخذ صول رئيساً من رؤسائهم، فأصاب أموالاً كثيرة وعروضاً كثيرة، فكتب إلى سليمان بن عبد الملك: إني قد فنحت طبرستان وجرجان، ولم يفتحهما أحد من

الأكاسرة ولا أحد ممن كان بعدهم غيري، وأنا باعث إليك بقطران عليها الأموال والهدايا يكون أولها عندك وآخرها عندي. فلما أفضت الخلافة إلى عمر بعد ذلك بيسير، وهلك سليمان، أخذه عمر بهذه العدة لسليمان، فحبسه، فقدم مخلد ابنه، فلما صار بالكوفة أتاه حمزة بن بيض في جماعة من أهل الكوفة، فقام بين يديه، فقال: أتيناك في حاجة فاقضها ... وقل مرحباً يجب المرحب الأبيات. قال: فكلمه في عشر ديات فأعطاه مئة ألف درهم، فلما دخل دمشق وأراد الدخول على عمر لبس ثياباً مستنكرة وقلنسوة لاطئة، فقال له عمر: لقد شمرت. قال: إذا شمرتم شمرنا، وإذا أسبلتم أسبلنا، ثم قال: ما بالك وقد وسع الناس عفوك حبست هذا الشيخ، فإن تكن عليه بينة عادلة فاحكم عليه، وإلا فيمينه، أو فصالحه على ضياعه. فقال يزيد بن المهلب: أما اليمين فلا تتحدث العرب أن يزيد بن المهلب صبر عليها، ولكن ضياعي فيها وفاء لما تطلب. ومات مخلد وهو ابن سبع وعشرين سنة، فقال عمر: لو أراد الله بهذا الشيخ خيراً لأبقى له هذا الفتى. وقال غيره: إن مخلد بن يزيد أصابه الطاعون فملت. وعن ابن عائشة، قال: لما مات مخلد بن يزيد بن المهلب صلى عليه عمر بن عبد العزيز، وتمثل: " من الكامل "

مخلد بن يزيد بن يعلى

بكوا حذيفة لن تبكوا مثله ... حتى تبيد قبائل لم تخلق وقيل: تمثل: " من الطويل " على مثل عمرو يهلك المرء حسرة ... وتضحي وجوه القوم مسودة غبرا ورثاه حمزة بن بيض، فقال: " من الوافر " أمخلد هجت حزني واكتئابي ... وفل عليك يوم هلكت نابي وعطلت الأسرة منك إلا ... سريرك يو تحجب بالثياب ةآخر عهدنا بك يوم يحثى ... عليك بدابق سهل التراب تركت عليك أم الفضل حرى ... تلدد في معطلة خراب تنادي والهاً بالويل منها ... وما داعيك مخلد بالمجاب أما لك أوبة ترجى إذا ما ... رجا الغياب عاقبة الإياب وليت حريبتي فمضت وذخري ... فكيف تصبري بعد احترابي أبعدك ما بقيت أبا خداش ... وقد بغضتني برد الشراب وقال الفرزدق يرثيه: " من الطويل " وما حملت أيديهم من جنازة ... وما ألبست أثوابها مثل مخلد أبوك الذي تستهزم الخيل باسمه ... وإن كان فيها قيد شهر مطرد وقد علموا إذ شد حقويه أنه ... هو الليث ليث الغيل لا بالمعرد مخلد بن يزيد بن يعلى ابن قسيم بن نجيح القرشي من أهل ناحية العبادية.

مخلد

مخلد بن يزيد أبو خداش ويقال: أبو يحيى، ويقال: أبو خالد، ويقال: أبو الحسن، القرشي الحراني سمع بدمشق وغيرها. روى عن سعيد المغني، بسنده إلى نافع عن ابن عمر، قال: سمع ابن عمر صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق؛ فوضع يديه وأعاد الراحلة إلى الطريق، وقال: رأيت رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا. وعن يحيى بن حمزة، بسنده إلى أسماء، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس على النساء أذان ولا إقامة ولاجماعة ". وعن سفيان بن سعيد الثوري، بسنده إلى علي بن أبي طالب يرفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ". سئل عنه يحيى بن معين، فقال: ثقة. مات سنة ثلاث وتسعين ومئة، رحمه الله تعالى. مخلد من أهل شهبة، من قرى حوران من أعمال دمشق، أحد الزهاد. حكى ابنه أبو حفص بن مخلد: أن أاه مخلد مرض، فكنا ربما صنعنا له الشيء مثل سميد أو شيء نعلله به، فنضعه بين يديه فيقول: ارفعوه، ما أطعم هذا ولا كرامة.

مخلص بن موحد بن أبي الجماهر

وحدث أحمد الهلالي، قال: كان مخلد يدق الخروب ويعصده في القدر مع شيء من طحين، وكان مخلد رحمه الله، لا ينحني عنه دابته، ولا يغسل أطماره، وكان أكثر ما يوصي به الوحدة، وكان قد يبس جلده على عظمه من قلة أكله ومما يجوع نفسه ويمنعها من الشهوات. وقال: كان مخلد من أهل شهبة، وله أهل وولد، وكان يعتد لأهله قوتاً يخاف مجاعة في حوران، وعدم الناس القوت فباع الشعير الذي كان استعده لأهله، فقالت له زوجته: أهلكت صبياننا، تبيع القوت في مثل هذا الوقت؟ فقال لها: نعم، حتى يذوقوا مثل ما يذوق الناس، ويتضرعوا كما يتضرع الناس، ولا يطمئنوا إلى ما عندك. مخلص بن موحد بن أبي الجماهر محمد بن عثمان أبو الجماهر، ويقال: أبو عمر التنوخي حدث عن عبد الله بن الصباح، عن أبي أسامة، قال: دخلنا على حبة العرني فأخرج تمراً وقداحاً، فقال: كلوا هذا، فلو كان عندنا غيره لجئناكم به. قال مخلص: يعني بالقداح: الفصة. وعن إسحاق بن عبد المؤمن، قال: كنت عند مروان بن محمد، فعطس رجل فقال: الحمد لله رب العالمين. فقال له مروان: تدري ما العالمين؟ قال: لا؛ فقال مروان: إن الله خلق سبعة عشر ألف عالم، أهل السموات والأرض عالم واحد، وسائر ذلك لا يعلمهم إلا الله.

مخيس بن تميم

مخيس بن تميم أبو بكر الأشجعي روى عن حفص بن عمر، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم ". عن أحمد بن الضحاك، قال: سمعت مخيس يقول: من ختم نهاره بالاستغفار صعد عمله مضيئاً وإن كان مسيئاً، ومن لم يختم نهاره بالاستغفار صعد عمله مظلماً وإن كان محسناً. مدرك بن الحارث الغامدي له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسكن دمشق. عن مدرك بن الحارث الغامدي، قال: حججت مع أبي، فلما كنا بمنى إذا جماعة على رجل، فقلت: يا أبه، ما هذه الجماعة؟ فقال: هذا الصابىء الذي بدل دين قومه؛ ثم ذهب أبي حتى وقف عليهم على ناقته، فذهبت أنا حتى وقفت عليهم على ناقتي، فإذا به يحدثهم وهم يردون عليه، فلم يزل موقف أبي حتى تفرقوا عن ملال وارتفاع من النهار؛ وأقبلت جارية في دها قدح فيه ماء، ونحرها مكشوف، فقالوا: هذه ابنته زينب، فناولته وهي تبكي، فقال لها: " خمري عليك نحرك يا بنية، ولن تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً ".

مدرك بن حصن الأسدي

مدرك بن حصن الأسدي شاعر، قال في عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: " من الكامل " قبح الإله ولا أقبح غيره ... نسباً أمت به إلى الأسوار إنا لنعلم يا سخينة أنكم ... بطن العشي مباشم الأسحار وفيها بيت ثان لم أذكره لفحش ما فيه. مدرك بن زياد له صحبة، وهو الذي قبره حجيرا وراوية. قدم مع أبي عبيدة، فتوفى بدمشق بقرية يقال لها: راوية، وكان أول مسلم دفن بها. مدرك بن أبي سعد ويقال: ابن سعد أبو سعد الفزاري روى عن حيان أبي النضر، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبادة " قلت: لبيك. قال: " اسمع ةأطع في عسرك

مدرك بن عبد الله الأزدي

ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك، إلا أن تكون معصية الله عز وجل نواحاً ". مدرك بن عبد الله الأزدي حدث، قال: نزلنا مع معاوية مصر، فنزلنا منزلاً، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أقوم في الناس، فأذن له، فقام على قوسه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " رأيت في المنام أن عمود الكتاب حمل من تحت وسادتي، فأتبعته بصري، فإذا هو كالعمود من النور، فعمد به إلى الشام، إلا وإن الإيمان إذا وقعت الفتنة بالشام " ثلاث مرات يقولها ثلاثاً. مدرك بن منيب الأزدي روى عن أبيه، قال: رأيت رسول الله في الجاهلية، وهو يقول: " أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا " فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثا عليه التراب، ومنهم من سبه؛ فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه، وقال: " يا بنية اصبري، ولا تحزني ولا تخافي على أبيك غلبة ولا ذلاً ". فقلت: من هذه؟ فقالوا: هذه زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي جارية وصيف.

مدلج بن المقدام بن زمل بن عمرو

مدلج بن المقدام بن زمل بن عمرو العذري ويقال: مدلج قال محمد بن سعد: كان شريفاً بالشام، وكانت عنده أمينة أخت خالد بن عبد الله القسري. مدلوك أبو سفيان الفزاري مولاهم له صحبة. عن مطر بن العلاء الفزاري، يقول: حدثتني عمتي آمنة أو أمية بنت أبي الشعثاء، وقطبة مولاة لنا، قالتا: سمعنا أبا سفيان مدلوكاً يقول: ذهبت مع مولاي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت معهم، فدعاني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح رأسي بيده، ودعا لي بالبركة. قالتا: فكان مقدم رأس أبي سفيان أسود ما مسته يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائره أبيض. مذعور بن الطفيل القيسي بصري، كان ممن سيره أمير المؤمنين عثمان بن عفان إلى دمشق. عن غيلان بن جرير، قال: قال مطرف: ما تحاب اثنان في الله إلا كان أشدهما حباً لصاحبه أفضلهما. قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: صدق مطرف.

قال: وقال غيلان عن مطرف: أنا لمذعور أشد حباً، وهو أفضل مني، فكيف هذا؟ فلما أمر بالرهط أن يخرجو إلى الشام أمر بمذعور فيهم. قال: فلما لقيتني فأخذ بلجام دابتي. قال: فجعلت كلما أردت أن أنصرف حبسني. قلت: إن المكان بعيد، فجعل يحبسني. فقلت: أنشدك الله ألا تتركني، فيم تحبسني؟ فلما ناشدته قال كلمة يخفيها بجهده مني: اللهم فيك. قال: فلما أصبحت قيل له: هل شعرت أنه خرج بأخيك. قال: فعرفت أنه أشد حباً إلي مني له. عن أيوب السختياني، قال: لما سير أولئك الرهط إلى الشام كان فيهم مذعور وعامر بن قيس وصعصعة بن صوجان. قال: فلما عرفوا براءتهم أمروا بالانصراف، فانصرف بعضهم وبقي بعضهم، كان فيمن أقام مذعور وعامر، وكان فيمن انحدر صعصعة بن صوجان. عن سليمان بن المغيرة، قال: قال معاوية: من جاءنا منكم يا أهل العراق فليكن مثل هذا القيسي، يعني مذعوراً. عن ثابت، قال: قال مطرف: بينا أنا مع مذعور يوماً إذا رجل يقول: هذان من أهل الجنة قال: فنظر إليه مذعور، فعرفت الكراهية في وجهه، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: اللهم تعلمنا ولا يعلمنا، اللهم تعلمنا ولا يعلمنا، ثلاثاً. عن سليمان بن المغيرة، عن أبيه، قال: كان مذعور يأتينا فيقول: هلم إلى ذكر الله. قال: فقال رجل من الحي: كل يوم لنا من مذعور جمعة. قال: فذكرت ذلك لثابت فأعجبه. وعنه، قال: قال مذعور لأختيه: ابنتي أمي، اعملا في هذا الليل والنهار، فقد أتيتما.

مذعور بن عدي العجلي

وعنه، قال: كانت لمذعور أختان هنيدة وأم صفية، فأما أم صفية فكانت تقيم الأيتام والمساكين، وأما هنيدة فكانت امرأة عابدة. قال: فقالتا له حين يخرج به: أوصنا. قال: فقال: اعملا فكأنكما قد أتيتما. قال مطرف: إن كان من هذه الأمة أحد ممتحن القلب، فإن مذعوراً ممتحن القلب. وقال: إن كان مذعور ليزورنا فيفرح به أهلنا. وعن سليمان بن المغيرة، قال: قال لي ثابت البناني: إنه ليزيدك إلي حباً قرابتك من مذعور. مذعور بن عدي العجلي من أهل العراق. يقال: إن له صحبة. شهد مع خالد بن الوليد حصار دمشق ووقعة اليرموك، وله أياد في حرب الفرس. قال سيف: وكان مذعور بن عدي على كردوس يوم اليرموك. وقال: وقدم المثنى بن حارثة ومذعور بن عدي يوم القفل من اليمامة على أبي بكر، وكانت لهما وفادة ونصيحة، فاستأذنا في غزو أهل فارس وقتالهم، وأن يتأمرا على من لحق بهما من قومهما، وقالا: فإننا وإخواننا من بني تميم قد دربنا لقيان أهل فارس، وأخذنا النصف من أحد وبني كل موسم، فأدركهما فولاهما على من تاعهما، واستعملهما

مذكور العذري

على ما عليا عليه؛ فسارا فجمعا جموعهما ثم سارا بهم حتى قدما بلاد أهل فارس، وكان أول من قدم أرض فارس لقتال أهل فارس هما حرملة وسلمى، فقدما المثنى ومذعوراً في أربعة آلاف من بكر بن وائل وعنزة وضبيعة، فنزل أحدهما بخفان ونزل الآخر بالنمارق، وعلى فرج الفرس مما يليهما شهربراز بن نيدا، فنتقا شهربراز وغلبا على فرات بادقلى إلى السيلحين، واتصل ما غلبا عليه وما غلب عليه سلمى وحرملة؛ وفي ذلكيقول مذعور بن عدي: " من الطويل " غلبنا على خفان بيداً وشيحة ... إلى النخلات السحق فوق النمارق وإنا لنرجو أن تجول خيولنا ... بشاطي الفرات بالسيوف البوارق مذكور العذري رجل له صحبة، شهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة دومة الجندل، وكان دليله إليها. عن محمد بن عمر الوافدي بسنده، قال: أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدنو إلى أرض الشام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر، وقد ذكر له أن بدومة الجندل جمعاً كثيراً وأنهم يظلمون من مر بهم من الضافطة، وكان بها سوق عظيم وتجار، وضوى إليهم قوم من العرب كثير وهم يريدون أن يدنو من المدينة، فندب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس، فخرج من الجم من المسلمين، فكان يسير الليل ويكمن النهار، وعه دليل له من بني عذرة يقال

مرثد بن حوشب الشيباني الكوفي

له: مذكور، هاد خريت؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغذاً للسير، ونكب عن طريقهم. ولما دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دومة الجندل، وكان بينه وبينه يوم أو ليلة سير الراكب المعتق، قال له الدليل: يا رسول الله إن سوائمهم ترعى عندك، فأقم لي حتى أطلع لك. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم ". فخرج العذري طليعة حتى وجد آثار النعم والشاء وهم مغربون، ثم رجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره وقد عرف مواضعهم، فسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى هجم على ماشيتهم ورعاتهم، فأصاب رسول الله من أصاب وهرب من هرب في كل وجه. وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا، ونزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بساحتهم، فلم يجد بها أحداً، فأقام بها أياماً، وبث السرايا وفرقها حتى غابوا عنه يوماً ثم رجعوا إليه ولم يصادفوا منهم أحداً، وترجع السرية بالقطعة من الإبل، إلا أن محمد بن مسلمة أخذ رجلاً منهم، فأتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن أصحابه، فقال: هربوا منك حيث سمعوا بأنك أخذت نعمهم، فعرض عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإسلام أياماً فأسلم، فرجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل على المدينة سباع بن عرفطة. قال الواقدي: غزوة دومة الجندل في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً، يعني: من مهاجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة. مرثد بن حوشب الشيباني الكوفي حدث، فقال: ما رأيت أخوف من الحسن ومن عمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما.

مرثد بن سمي الأوزاعي

مرثد بن سمي الأوزاعي ويقال: الخولاني من قراء أهل الشام، شهد اليرموك، وسكن حمص. روى عن أبي الدرداء، قال: سيأتي قوم يقرؤون هذه الآيه " الم. غلبت الروم " وإنما " غلبت الروم ". عن بعض من شهداليرموك، قال: ثم إن أبا عبيدة انصرف بوجهه على الناس، فقال: أيها الناس أبشروا، فإني رأيت فيما يرى النائم أني أتيت فحف بي قوم عليهم ثياب بيض، ثم دعوا لي رجالاً منكم أعرفهم كثيراً، فقالوا لنا: أقدموا ولا تهابوا فإنكم الأعلون. فكأنا دخلنا عسكرهم فولوا مدبرين. فقال له الناس: أصلحك الله، هذي بشرى، نامت عينك وبشرك الله بخير. قالوا: فقال له الخولاني: وأنا رأيت رؤيا أيضاً، فيما أرى بشرى، رأيت فيما يرى النائم كأنا خرجنا إليهم، فلما تواقفنا صب الله عليهم من السماء طيراً بيضاً عظاماً لها مخاليب كمخاليب الأسد، تنقض من السماء كانقضاض العقبان، فإذا حاذت الرجل ضربته ضربة يخر منها قطعاً. فكان الناس يقولون: أبشروا، قد أمدكم الله عليهم بالملائكة. قال: فتاشر المسلمون بذلك وسروا به. قال أبو عبيدة: وهذه رؤيا فحدثوا هاتين الرؤيايين بين الناس، فإن مثلها من الرؤيا تشجع المسلمين وتحسن قلوبهم وتبسطهم للقتال. قال أبو زرعة: وكان قد قرأ الكتاب. وعن جرر، قال: رأيت مرثد بن سمي، وكان ممن أدرك علي بن أبي طالب.

مرثد

عن الحسن بن عثمان، قال: وفيها - يعني سنة خمس وعشرين ومئة - مات مرثد بن سمي من أهل الشام، رحمه الله تعالى. مرثد بن نجبة بن ربيعة ابن رباح بن ربيعة بن غوث بن هلال بن شمخ بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، الفزاري أخو المسيب بن نجبة كان من أصحاب خالد بن الوليد، وشهد معه الحيرة، وفتح دمشق. وقيل: إنه قتل يومئذ على سورها وهو ممن أدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: إنه شهد اليرموك أيضاً. مرثد خصي كان لعمر بن عبد العزيز حكى أنه كا ربما خرج بالصك الصغير مثل هذا - وأشار مالك ببعض أصابعه - فيه أربعون ألف دينار جائزة لعمر بن عبد العزيز، فما يدري أحد حيث مسلكها. عن عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن أبيه، قال: بلغنا أن فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز قالت: اشتد على عمر ليلةً، فسهر وسهرنا معه، فلما أصبحنا أمرت وصيفاً لي يقال له: مرثد، قلت: يا مرثد، عن عند أمير المؤمنين، فإن كانت له حاجة كنت قريباً. فانطلقنا فضربنا برؤوسنا لطول سهرنا من الليل، فلما انتفخ النهار استيقظت وتوجهت إليه، فوجدت مرثداً خارجاً من البيت

مرجى بن حبيب بن وهيب

نائماً، فأيقظته، فقلت: يا مرثد ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني، ما عدا أن خرجت فقال: يا مرثد اخرج عني، فوالله إني لأرى ما هو بإنس ولا جان؛ فخرجت، فسمعته يتلو هذه الآية " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ". قالت: فدخلت عليه وقد وجه نفسه وأغمضها، وإنه لميت. مرجى بن حبيب بن وهيب أبو القاسم المجهر روى عن أبي القاسم على بن يعقوب بن أبي العقب، بسنده إلى أسامة بن زيد، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني والحسن فيقول: " اللهم إني أحبهما فأحبهما ". مرجى بن عبد الله ويقال: ابن الوليد بن مرثد البيروتي حدث، قال: سمعت إبراهيم الفزاري يقول: لو أن ابن عمر والأوزاعي في أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان فيهم وسطاً. وفي أخرى: لو كان الأوزاعي في أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكان فيهم وسطاً. قال مرجى: فأخبرت أبي بذلك، فقال: بل هو عندي كان يكون من كبرائهم.

مرجى بن وداع بن الأسود الراسبي

مرجى بن وداع بن الأسود الراسبي قيل: إنه دمشقي، والصحيح: إنه بصري روى عن قطن القطيعي، قال: سمع أبو بكر ابناً له يدعو بدعوة، فقال: أي بني، أنى لك هذه الدعوة؟ قال: سمعت يا أبه تدعو بها فدعوت بها. قال: فادع بها. قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو بها، وإلا فصمتا، سمعته يقول ذلك: " عوذوا بالله من الكفر والفقر وعذاب القبر ". وعن غالب القطان، قال: بينما نحن جلوس مع الحسن إذ أقبل علينا أعرابي بصوت له جهوري، كأنه من رجال شنؤة، فوقف علينا، فقال: السلام عليكم، حدثني أبي عن جدي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سلم على قومه فقد فضلهم بعشر حسنات وإن ردوا عليه ". وعنه، قال: جاءت امرأة إلى ابن سيرين فقالت: يا أبا بكر، امرأة رأت في بيتها حجرين، يخرج من رأس الحجرين حيتان، فيقوم إليهما رجلان فيحتلبان من رؤوسهما لبناً. فقال ابن سيرين: الحية لا تحتلب لبناً، إنما تحتلب السم؛ هذه امرأة عليها رجلان من رؤوس الخوارج يخبرانها أنالسنة والفطرة ما يدعوانها إليه، وإنما يدعوانها إلى الشر. فقالت المرأة: صدقت يا أبا بكر، ما زلنا نعرف مولاتنا حتى دخل عليها فلان وفلان، فأنكرناها منذ دخلا عليها. عن مرجى بن وداع الدمشقي، قال: دخلنا على عطاء السلمي وهو يوقد تحت قدر له، فقال له بعض أصحابنا: أيسرك أنك أحرقت بهذه النار ولم تبعث؟ قال: أتصدقوني؟ فوالله لوددت أني أحرقت بها ثم أحرقت بها ولم أبعث.

مرزوق بن أبي الهذيل الثقفي

قال المصنف: كذاوجدته بخط رشاً، ولعل مرجى أصله من البصرة، ونسب إلى دمشق لدخوله إليها - إن كان دخلها - أن لم يكن تصحف الراسبي بالدمشقي، والله أعلم. قال عنه يحيى: ضعيف. وقال مرة أخرى: صالح الحديث. مرزوق بن أبي الهذيل الثقفي أبو بكر. من أهل دمشق روى عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر بن الخطاب حتى سافرت معه، فذهب لحاجته، واتبعته بالإداوة، فلما جاء ناولته. قال: ثم جلس فأخذت الإداوة فجعلت أصب عليه، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان اللتان قال الله عز وجل: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما "؟ فقال: هما عائشة وحفصة. قال: ثم أنشأ عمر يحدثني، قال: إنا معشر قريش كنا نغلب النساء ونحن بمكة. فلما قدمنا المدينة إذا إخواننا من الأنصار تغلبهم نساؤهم، فأخذ نساؤنا أخلاقهم. قال: فصحت على امرأتي ذات يوم فردت علي، فأنكرت ذلك. قال: قالت: وما تنكر؟ فوالله إن المرأة من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لترد عليه وتهجره اليوم إلى الليل. فقال عمر: خبن وخسرن، من يغضب الله يغضب رسوله، فإذا هن قد هلكن. قال: فجمعت علي ثيابي ثم انطلقت حتى دخلت على حفصة، قلت: أي حفصة، إن امرأة منكن ترد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتهجره اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. قلت: أتأمن بغضب الله لغضب رسوله، فإذا إحداكن قد هلكت؟ لا تردي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا تهجرنه ولا تكثرن.

مرشد بن علي بن المقلد

وعنه، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما استخلف أبو بكر ارتد من ارتد من العرب، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله جل وعز ". فقال أبو بكر: فإن من حقه أداء الزكاة، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً مما يؤدون إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وعنه، بسنده إلى كعب بن مالك. أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنا رجع من طلب الأحزاب نزع لأمته واغتسل واستجم. قال محمد بن إسحاق: مرزوق ثقة، والحديث غريب. قال ابن عدي: وأحاديثه يحمل بعضها بعضاً، ويكتب حديثه. وقال أبو حاتم: سمعت دحيم يقول: مرزوق بن أبي الهذيل صحيح الحديث. مرشد بن علي بن المقلد ابن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو سلامة الكناني ذكر لي ولده أبو المغيث منقذ بن مرشد أنه دخل طرابلس غير مرة، وكان مولده بحلب سنة ستين وأربعمئة، وسافر إلى بغداد وأصبهان، وكانت له يد طولى في علم العربية

والكتابة والشعر، وكان حافظاً للقرآن، حسن التلاوة له، كثير الصوم، شديد البأس والنجدة في الحرب، ونسخ بخطه سبعين ختمة بخط حسن. حدثني ابنه أبو عبد الله محمد بن مرشد وكتبه لي بخطه، قال: مات عمي أبو المرهف نصر بن علي، وأوصى بشيزر لوالدي، فقال: لا وليتها ولا خرجت من الدنيا إلا كما دخلت إليها، فولاها أخاه أبا العساكر سلطان بن علي، فاصطحبنا أجمل صحبة مدة من الزمان، وأنا قد نشأنا، ولم يكن لعمي أبي العساكر ولد، فلحقه الحسد على كون أخيه له عدة من الولد، ولم يكن له سوى بنات، ثم رزق أولاداً صغاراً، فصار كلما رأى صغرهم ورأى أولاد أخيه قد سدوا مكان أبيهم تضاعف الحسد؛ فكتب إلى والدي شعراً فأجابه بقصيدة منها: " من الطويل " ظلوم أبت في الظلم إلا تماديا ... وفي الصد والهجران إلا تناهيا ولا ناسياً ما أودعت من عهودها ... وإن هي أبدت جفوة وتناسيا شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها ... فيا عجباً من ظالم جاء شاكيا وطاوعت الواشين في وطالما ... عصيت عذولاً في هواها وواشيا ومال بها تيه الجمال إلى القلى ... وهيهات أن أمسي لها الدهر قاليا ولما أتاني من قريضك جوهر ... جمعت المعاني فيه لي والمعاليا وكنت هجرت الشعر حيناً لأنه ... تولى برغمي حين ولى شبابيا وأين من الستين لفظ مفوف ... إذا رمت أدنى القول منه عصانيا ومنها: ولبيت في الحرب الضروس بمهجتي ... على حرس عمي يجيب المناديا ورصعت في علياك در مدائح ... تخال نجوم الأفق فيها قوافيا

وقلت أخي يرعى بني وأسرتي ... ويحفظ عهدي فيهم وذماميا ويجزيهم ما لم أكلفه فعله ... لنفسي فقد أعددته من تراثيا فما لك لما أن حتى الدهر صعدتي ... وثلم مني صارماً كان ماضيا تنكرت حتى صار برك قسوة ... وقربك منهم جفوة وتنائيا فأصببحت صفر الكف مما رجوته ... أرى اليأس قد عفى سبيل رجائيا على أنني ما حلت عما عهدته ... ولا غيرت هذي السنون وداديا ولا غرو عند الحادثات فإنني ... أراك يميني والأنام شماليا تهن بها عذراء لو قرنت بها ... نجوم السماء لم تغد دراريا تحلت بدر من صفاتك زانها ... كما زان منظوم اللآلي الغوانيا وعش بانياً للجود ما كان واهياً ... مشيداً من الإحسان ما كان هاويا وله قصيدة أولها: " من الطويل " لنا منك يا سلمى عذاب وتعذيب ... وجفن قريح دمعه دمعه فيك مسكوب ووعد كوعد الدهر يوشك بالغنى ... ولكنه بالمين والمطل مقطوب تجدين لي هجراً وفعلك مازح ... وتبدين لي زهداً ولي فيك ترغيب وتبدي سليمى بالصدود تأدباً ... رويدك ما بالموت يا سلم تأديب وله: " من الطويل " وما الشعر مما أرتضيه صناعة ... ولا هو من فعل الأماجد محسوب وله من قصيدة إلى أخيه أبي كامل شافع: " من البسيط " صفات مجدك تلهيني عن الغزل ... فلست أبكي على رسم ولا طلل ولا أقول إذا ما خلة صرمت ... حبالها من حبالي راجعي وصلي حسبي مديحك تسبيحاً أؤمله ... يوم القيامة عند الله يشفع لي ملكتني بأيديك التي غمرت ... فعدت في وجل منها وفي جذل

ما خاب حائز آمال بعثت بها ... إليك إلا بما يوفي على مهل وافتك غراء نظم بنت ساعتها ... تشكو تباريح وجهه غير منتحل ما إن لها في الورى كفء يماثلها ... من بعد سلطان إلا شافع بن علي صنوا البدور إماماً كل مكرمة ... عما توالى لمن في السهل والجبل وله من قصيدة أولها: " من مجزوء الوافر " تقطع قلبه أسفاً ... فأضحى للأسى هدفا وباح بكل ما أخفى ... فليس بما أجن خفا وما يجدي الجحود له ... إذا ما دمعه اعترفا زفير لا يني وحشاً ... إذا ذكر الفراق هما وعين دمعها جار ... إذا نهنهته وكفا لها دمعان وردي ... وآخر كالجمان صفا وكان الحبس كثير البسق والبراغيث، فكتب إلى أولاده حين أرادوا التوجه إليه: " من البسيط " صاحبت بالحبس ليلاً لا انقضاء له ... كأنما صبحه قد ضل أو عدما مكلماً من براغيث أظل بها ... أعض كفي من ذلي بها ندما لبست منها قميصاً لو تقمصه ... أيوب لحظة عين لاشتكى ألما وجاءني البق لا أبقاه خالقه ... مغرداً بطنين عقب الصمما فقلت: لا تقربني إنني راجل ... لم تبق في براغيث البريح ذما قال: وكتب إلى أبي مصيار: " من البسيط " رحلت عنك وأشواقي تجاذبني ... إليك والوجد يثنيني ويعطفني وغبت عني وما غيبت عن خلدي ... وبنت عنك وسري عنك لم يبن وما فراقك يا من لا نظير له ... إلا نظير فراق الروح للبدن ما بعد مثلك محمود عواقبه ... ولا التصبر عن رؤياك بالحسن

مروان بن أبان بن عبد العزيز

حكى لي أبو المغيث منقذ بن مرشد الكناني، قال: كنت عند والي رحمه الله تعالى وهو ينسخ مصحفاً، ونحن نتذاكر خروج الروم، فرفع المصحف وقال: اللهم بحق من أنزلته عليه إن قضيت بخروج الروم فخذ روحي ولا أراهم؛ فمات يوم الاثنين الثامن من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمسمئة بشيزر، ودفن في داره؛ وخرجت الروم ونزلوا على شيزر في نصف شعبان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمئة، فحاصروها أربعة وعشرين يوماً، ونصبوا عليها ثمانية عشر منجنيقاً، ثم رحلوا عنها يوم السبت تاسع شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمئة، والله أعلم. مروان بن أبان بن عبد العزيز ابن أبان بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي كان يسكن القوينصة. مروان بن إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر المخزومي مولاهم من أهل دمشق، من حفاظ القرآن. عن أبي زرعة، قال: قلت لعبد الرحمن بن يحيى: متى مات مروان بن إسماعيل بن عبيد الله؟ قال: حدثني بكر بن عبد العزيز، قال: قتل مروان بن إسماعيل بن عبيد الله مدخل عبيد الله بن علي دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومئة.

مروان بن بشير بن أبي سارة

مروان بن بشير بن أبي سارة مولى الوليد بن يزييد بن عبد الملك حكى، قال: أول ما ارتفعت به منزلة حبابة عند يزيد، أنه أقبل يوماً إلى البيت الذي هي فيه، فقام من وراء الستر، فسمعها تغني وتقول: " من الخفيف " كان لي يا يزيد حبك حيناً ... كاد يقضي عي لما التقنا فدخل عليها فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدر، فعلم أنها لم تعلم به، ولم يكن ذلك منها تعمداً، فالتقى نفسه عليها وحركت منه. مروان بن جناح أخو روح، مولى الوليد بن عبد الملك روى عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: كل صلاة بقراءة، فما أسمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسمعناكم، وما أخفاه علينا أحسبناه عليكم. قال أبو حاتم: مروان بن جناح أحب إلي من روح بن جناح، وهما شيخان يكتب حديثهما ولا يحتج بهما. قال الدارقطني عنه: لا بأس به، شامي، أصله كوفي.

مروان بن جهم بن خليفة بن بحر

عن سعيد بن عبد العزيز، قال: قال رجل لمروان بن جناح: أدامالله فرحكم. قال: " إن الله لا يحب الفرحين ". وقال يوم مات مروان بن جناح: إن كان لمن أعيان أهل المسجد. مروان بن جهم بن خليفة بن بحر ابن ضبع بن أبة بن يحمد بن مؤهشل بن عقب بن الليسرح بن سعد بن زيد ابن سرحبيل بن حجر بن زيد بن مالك بن زيد بن رعين، الرعيني، المصري شاعر، وفد على بعض خلفاء بني أمية، ولجده بحر بن ضبع وفادة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن يونس: كان بمصر، شريفاً في أيامه، وكان بليغاً فصيحاً، وله وفادة على خلفاء بني أمية، وأخباره بمصر معروفة عند أهل العلم بالأخبار. قال مروان بن جهم في شعر له يذكر فخره وفخر جده بحر بن ضبع: " من الطويل " فجدي الذي أعطى الرسول يمينه ... وحنت إليه من بعيد رواحله ببدر بني بيتاً أقامت أصوله ... على المجد بيتاً علوه وأسافله يعني ببدر قرية من قرى رعين.

مروان بن أبي حفصة

مروان بن أبي حفصة هو مروان بن سليمان يأتي بعد إن شاء الله تعالى. مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الملك، ويقال: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم، الأموي ولد في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان كاتباً لعثمان بن عفان في خلافته، وولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، ثم بويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية، وكان الضحاك بن قيس قد غلب على دمشق وتابع بها لابن الزبير، ثم دعا إلى نفسه، فقصده مروان وواقفه بمرج راهط، فقتل الضحاك، وغلب مروان على دمشق؛ وأمه أم عثمان، واسمها آمنة بنت علقمة بن صفوان. عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية في بضع عشرة ومئة من الصحابة، حتى إذا كان بذي الخليفة قلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عيناً

من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريباً من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال له: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعاً هم قاتلوك أو مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشيروا علي، أترون أننميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم ونسبيهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن ينجوا يكن عنقاً قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ ". قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله، إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فروحوا إذن ". قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين " فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا كان بفترة الجيش - قال عبد الرزاق: القترة: الغبار - فانطلق يرتكض نذيراً لقريش. وسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته، فقال الناس: خل خل، فألحت، فقالوا: خلات القصواء، خلات القصواء. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خلات القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل " ثم قال: " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". ثم زجروها فوثبت به. قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس

تبرضاً، فلم يلبث الناس أن نزحوه. فشكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العطش، فنزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه. قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه بني خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا بحذاء مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهتكم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين البيت، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم عن أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره ". فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل فسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم ما قال النببي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى قال: هل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته. فقالوا: إيته. فأتاه، فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحواً من قوله لبديل. فقال عروة: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوهاً وأرى أوباشاً من الناس خلقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.

قال: فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلما كلمه بكلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب يده بنعل السيف، فقال: أخر يدك عن لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك. فقال: وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء ". ثم إن عروة جعل يرمق صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، فإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من كنانة: دعوني آته. فقالوا: إيته. فلما أشرف على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها إليه، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: إيته؛ فلما أشرف عليهم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هذا مكرز، وهذا رجل فاجر " فجاءه، فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.

قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة، أنه لما جاء سهيل قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد سهل لكم من أمركم ". قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاباً؛ فدعي الكاتب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكتب باسمك اللهم " ثم قال: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله ". قال الزهري: وذلك لقوله: " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ". فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل؛ فكتب. فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟. فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا - يا محمد - أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نقض الكتاب بعد ". قال: فوالله إنا لا نصالحك إذاً على شيء أبداً. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأجره لي ". قال: ما أنا بمجيره لك. قال: " بلى فافعل ". قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجرناه لك. قال أبو جندل: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ - وقد عذب عذاباً شديداً في الله - فقال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ألست نبي الله؟ قال: " بلى ". قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: " بلى ". قال: قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: " إني

رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ". قلت: ألست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: " بلى "، قال: " أوأخبرتك أنك تأتيه العام؟ " قلت: لا. قال: " فإنك آتيه ومطوف به ". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزة حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله: " قوموا فانحروا، ثم احلقوا ". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس. قالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج: ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج، فلم يكلم أحداً منهم كلمة حتى فعل ذلك، فنحر بدنه، ودعا حالقه فحلق، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات " حتى بلغ " بعضهم الكوافر "، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانت له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلىالرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فجعلا يأكلان من تمر لهم، فقال أبو نصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيداً؛ فاستله الآخر فقال: أجل، إنه لجيد، والله جربت به ثم جربت به؛ فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه؛ فأمكنه منه فضربه به حتى برد، وفر الآخر حتى بلغ المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه: " لقد رأى هذا أمراً ". فلما انتهى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول.

قال: فجاءه أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويل أمة مسعر حرب لو كان له أحد " فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فحلق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى تجمعت منهم عصابة. قال: فوالله ما يسمعون بعير يخرج لقريش إلى الشام إلا اعترضوها فقتلوهم وأخذوا أموالهم؛ فأرسلت قريش إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأل بالله وبالرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فأنزل الله عز وجل: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم " حتى بلغ " حمية الجاهلية " وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحاولوا بينه وبين البيت. روى عن زيد بن ثابت، قال: شكوت إلىالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرقاً أصابني، فقال: " قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدي لي ليلتيي وأنم عيني " فقلتها، فأذهب الله عني ما كنت أجد. عن سهل بن سعد الساعدي، قال: رأيت مروان بن الحكم في المسجد جالساً، فأقبلت حتى جلست إليه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أملى عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " فجاء ابن مكتوم وهو يمليها، فقال: والله يا رسول الله لو أستطيع أجاهد لجاهدت. فأنزل الله - وفخذه على فخذه فثقلت حتى هبت أن ترض فخذي، ثم سري عنه - " " غير أولي الضرر ". قال ابن يونس: قدم مصر سنة سبع وثلاثين لغزو المغرب مع معاوية بن حديج، وقدمها أيضاً

بعدما بويع له بالخلافة في الشام في جمادى الأولى سنة خمس وستين، وخرج منها في رجب سنة خمس وستين أيضاً، وتوفي بعد ذلك بالشام في شهر رمضان سنة خمس وستين. قال الواقدي: رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يحفظ عنه شيئاً، وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثمان سنين. وقال أيضاً: الحكم بن أبي العاص أسلم في الفتح، وقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطرده من المدينة، فنزل الطائف حتى قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع إلى المدينة فمات بها في خلافة عثمان رضي الله عنه. فصلى عليه، وضرب على قبره فسطاطاً. عن أبي الحاكم، قال: رأى غير واحد من الأئمة ترك الاحتجاج بحديثه لما روي عنه بشأن طلحة بن عبيد الله. وذكر سعيد بن كثير بن عفير: أنه كان قصيراً أحمر أوقص. عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لما انهزم الناس بالبصرة يوم الجمل كان علي بن أبي طالب يسأل عن مروان بن الحكم، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر السؤال عن مروان بن الحكم. فقال: تعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش. عن قبيصة بن جابر، عن معاوية؛ أنه قال لما سأله: من ترى لهذا الأمر بعدك؟: وأما القارىء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله مروان بن الحكم. قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: مروان بن الحكم كان عنده قضاء، وكان يتبع قضاء عمر.

عن إسحاق بن أبي بردة، قال: قال لي مروان بن الحكم ولقيني فقال: يا ابن أبي موسى، أيثبت أن الجد لا ينزل عندكم بمنزلة الأب إذا لم يكن أب؟ قال: قلت: نعم. قال: لم لا تغيرون؟ قال: قلت: لو كنت أنت لم تقدر تغير. قال: فقال: أشهد على عثمان أنه شهد على أبي بكر أنه جعل الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن أب. عن شريح بن عبيد، قال: كان مروان بن الحكم إذا ذكر الاسلام قال: " من الطويل " بنعمة ربي لا بما قدمت يدي ... ولا ببراتي إنني كنت خاطئا عن سالم وهو النضر؛ أن مروان شهد جنازة، فلما صلى انصرف. قال أبو هريرة: أصاب قيراطاً وحرم قيراطاً. فأخبر بذلك، فأقبل يجري قد بدت ركبتاه، فقعد حتى أذن له. عن عياش بن عباس، قال: حدثني من حضر ابن البياع - يعني عروة بن شييم بن البياع الليثي - يومئذ - يعني يوم الدار - يبارز مروان بن الحكم، فكأني أنظر إلى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته، وتحت القباء الدرع، فضرب مروان على قفاه ضربة قطع علابي رقبته ووقع لوجهه، فأرادوا أن يدففوا عليه فقيل: أتبضعون اللحم؟ فترك. وعن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، قال: قال لي أبي بعد الدار وهو يذكر مروان بن الحكم: عباد الله، والله لقد ضربت رقبته، فما أحسبه إلا قد مات، ولكن المرأة أحفظتني، قالت: ما تصنع بلحمه أن تبضعه؟ فأخذني الحفاظ فتركته.

عن هارون بن حاتم، عن أبي بكر بن عياش، قال: ثم حج بالناس مروان بن الحكم سنة ثلاث وأربعين، ثم حج بالناس مروان بن الحكم سنة أربع وخمسين، ثم حج بالناس سنة خمس وخمسين. حدث مالك؛ أن مروان بن الحكم كان إذا ولي المدينة فقدمها، جلس في ثيابه التي قدم فيها مكانه، ثم يدعو بأهل السجن، فيقطع من يقطع، ويضرب من حل عليه الضرب، ويصلب من حل عليه الصلب، فإذا فرغ رجع إلى منزله. عن أبي يحيى، قال: كنت بين الحسن بن علي والحسين ومروان بن الحكم، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهى الحسين، حتى قال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون. قال: فغضب الحسن وقال: ويلك، قلت: أهل بيت ملعونون؟ فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت في صلبه. عن عائشة بنت سعد: أن مروان بن الحكم كان يعود سعد بن أبي وقاص، وعنده أبو هريرة وهو يومئذ قاض لمروان بن الحكم، فقال سعد: ردوه. فقال أبو هريرة: سبحان الله، كهل قريش وأمير البلد. جاء يعودك فكان حق ممشاه إليك أن ترده؟ فقال سعد: أئذنوا له، فلما دخل مروان وأبصره سعد تحول بوجهه عنه نحو سرير ابنته عائشة، فأرعد سعد وقال: ويلك يا مروان، أنه طاعتك - يعني أهل الشام - عن شتم علي بن أبي طالب. فغضب مروان، فقام وخرج مغضباً. عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعاً في حجرة عائشة، رافعاً عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج عليه مروان فقال: تصلي عند قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

فقال: إني أحبه. فقال له قولاً قبيحاً ثم أدبر؛ فانصرف أسامة ثم قال: يا مروان، إنك قد آذيتني، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله يبغض الفاحش المتفحش، وإنك فاحش متفحش. عن داود بن أبي صالح، قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فقال: أدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ". عن طارق بن شهاب. قال: أول من أخر الخطبة مروان، فقام إليه رجل فقال: يا مروان خالفت خالف الله بك. قال: يا فلان أترك ما هنالك. فقام أبو سعيد الخدري فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ". عن عمر مولى أم سلمة؛ أن مروان خطب إلى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم عمر، فقالت أم سلمى: إني لم أكن لأنكحك ما دمت أميراً - وكان أميراً على المدينة - فلما أمر سعيد بن العاص على المدينة وصرف مروان قالت أم سلمة: الآن أنكحك، فإن خير أيامك الأيام التي لا تكون فيها أميراً، فأنكحت أم عمر من مروان. عن بعض أهل المدينة، قال: وجد مروان على مولاه خيانة، قال: تخونني؟ قال: إي والله أخونك وأنت تخون معاوية. عن ابن موهب؛ أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان فكلمه في حاجة، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فوالله إن مؤونتي لعظيمة، وإني أبو عشرة وعم عشرة وأخو

عشرة؛ فلما أدبر مروان وابن عباس جالس مع معاوية على السرير، فقال معاوية: أشهد بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً، فإذا بلغوا ستة وتسعين وأربعمئة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة "؟ قال ابن عباس: اللهم نعم. وذكر حاجة لي فرد مروان عبد الملك إلى معاوية وكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك بالله يا ابن عباس أما تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا وقال: " أبو الجبابرة الأربعة "؟ قال ابن عباس: اللهم نعم. عن عوانة، قال: قدم مروان الجابية على حسان بن مالك بن بحدل في بني أمية، فقال له حسان أتيتني بنفسك إذ أبيت أن آتيك! والله لأجالدن عنك في قبائل اليمن أو أسلمها إليك. فبايع حسان وأهل الأردن لمروان على أن لا يبايع مروان إلا لخالد بن يزيد، وله إمرة حمص، ولعمرو بن سعيد وله إمرة دمشق؛ وكانت بيعة مروان بالجابية يوم الاثنين للنصف من ذي الفعدة سنة أربع وستين. قال الليث: بويع مروان في ذي القعدة في الجابية، وذلك بعد يزيد بن معاوية بثمانية أشهر، لأن يزيد مات للنصف من ربيع الأول في هذه السنة - يعني سنة أربع وستين - وفيها كنت وقعة راهط في ذي الحجة، بعد الأضحى بليلتين. قال خليفة: حدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، وأبو اليقظان وغيرهما، قالوا: قدم ابن زياد الشام وقد بايع أهل الشام مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية،

وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان، وكان من بني أمية، فبايع ابن زياد ومن كان هناك من بني أمية ومواليهم لمروان بن الحكم ومن بعده لخالد بن يزيد بن معاوية، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين، ثم ساروا إلى الضحاك الفهري، فالتقوا بمرج راهط فاقتتلوا عشرين يوماً، ثم كانت الهزيمة على الضحاك بن قيس وأصحابه، وذلك في آخر ذي الحجة سنة أربع وستين، فقتل الضحاك وناس كثير من قيس. عن محمد بن سعد، قال: قالوا: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومروان بن الحكم ابن ثمان سنين، فلم يزل مع أبيه بالمدينة حتى مات أبوها لحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان بن عفان، وكان كاتباً له، وأمر له عثمان بأموال، وكان يتأول في ذلك صلة قرابته، وكان الناس ينقمون على عثمان تقريبه مروان وطاعته له، ويرون أن كثيراً مما ينسب إلى عثمان لم يأمر به وأن ذلك عن رأي مروان دون عثمان؛ فكان الناس قد شنفوا لعثمان لما كان يصنع بمروان ويقربه، وكان مروان يحمله على أصحابه وعلى الناس ويبلغه ما يتكلمون به فيه ويتهددونه به، ويريه أنه يتقرب بذلك إليه. وكان عثمان رجلاً كريماً حيياً سليماً، فكان يصدقه في بعض ضلك ويرد عليه بعضاً؛ وينازع مروان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه، فيرده عن ذلك ويزبره. فلما حضر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشد قتال؛ وأرادت عائشة الحج وعثمان محصور. فأتاها مروان وزيد بنثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص فقالوا: يا أم المؤمنين لو أقمت، فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور، ومقامك مما يدفع الله به عنه. فقالت: قد حليت ظهري وعريتغرائزي، ولست أقدر على المقام. فأعادوا عليها الكلام، فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول: " من المتقارب " وحرق قيس علي البلا ... د حتى استعرت أجذما

فقالت عائشة: أيها المتمثل علي بالأشعار، وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحى وأنكما في البحر. وخرجت إلى مكة. قالوا: فلما قتل عثمان وصار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج معهم مروان بن الحكم، فقاتل يومئذ أيضاً قتالاً شديداً، فلما رأى انكشاف الناس نظر إلى طلحة بن عبيد الله واقفاً فقال: والله إن دم عثمان إلا عند هذا، هو كان أشد الناس عليه، وما أطلب أثراً بعد عين. ففوق له بسهم فرماه به فقتله، وقاتل مروان أيضاً حتى ارتث، فحمل إلى بيت امرأة من عنزة، فداووه وقاموا عليه، فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم. وانهزم أصحاب الجمل، وتوارى مروان حتى أخذ الأمان له من علي بن أبي طالب، فأمنه، فقال مروان: ما تقر بي نفسي حتى آتيه فأبايعه، فأتاه فبايعه، ثم انصرف مروان إلى المدينة فلم يزل بها حتى ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة، فولى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنتين وأربعين، ثم عزله وولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية، ومروان يومئذ معزول عن المدينة. ثم ولى يزيد بعد الوليد بن عتبة المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان؛ فلما وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا عثمان بن محمد وبني أمية من المدينة، فأجلوهم عنها إلى الشام وفيهم مروان بن الحكم، وأخذوا عليهم الأيمان ألا يرجعوا إليهم، وإن قدروا أن يردوا هذا الجيش الذي قد وجه إليهم مع مسلم بن عقبة المري أن يفعلوا. فلما استقبلوا مسلم بن عقبة سلموا عليه، وجعل يسائلهم عن المدينة وأهلها، فجعل مروان يخبره ويحرضه عليهم، فقال مسلم: ما ترون؟ تمضون إلى أمير المؤمنين، أو ترجعون معي؟ قالوا: بل نمضي إلى أمير المؤمنين. وقال مروان من بينهم: أما أنا فأرجع معك؛ فرجع معه مؤازراً له، معيناً له على أمره حتى ظفر بأهل المدينة، وقتلوا، وانتهبت المدينة ثلاثاً.

وكتب مسلم بن عقبة بذلك إلى يزيد بن معاوية وقد كان عقد لابنه معاوية بن يزيد بالعهد بعده، فبايع له الناس، وأتته بيعة الآفاق إلا ما كان من ابن الزبير وأهل مكة، فولى ثلاثة أشهر، فكان يأمر الضحاك بن قيس الفهري يصلي بالناس بدمشق، فلما ثقل معاوية بن يزيد قيل له: لو عهدت إلى رجل عهداً واستخلفت خليفة. فقال: والله ما نفعتني حياً فأتقلدها ميتاً؟ وإن كان خيراً فقد استكثر منه آل أبي سفيان، لا تذهب بنو أمية بحلاوتها وأتقلد مرارتها، والله لا يسألني الله عن ذلك أبداً، ولكن إذا مت فليصل علي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وليصل بالناس الضحاك بن قيس حتى يختار الناس لأنفسهم ويقوم بالخلافة قائم. فلما مات صلى عليه الوليد، وقام بأمر الناس الضحاك بن قيس، فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان على قبره، وقال: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: معاوية بن يزيد. فقال: هذا أبو ليلى، فقال أزنم الفزاري: " من البسيط " إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى غلبا واختلف الناس بالشام، فكان أول من خالف من أمراء الأجناد ودعا إلى ابن الزبير النعمان بن بشير بحمص، وزفر بن الحارث بقنسرين. ثم دعا الضحاك بن قيس بدمشق الناس سراً، ثم دعا الناس إلى بيعة ابن الزبير فأتوه، فلما علم مروان ذلك خرج يريد ابن الزبير بمكة ليبايع له ويأخذ منه أماناً لبني أمية، وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص، فلما كانوا بأذرعات وهي مدينة البثينة لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلاً من العراق، فقال

لمروان: أين تريد؟ فأخبره. فقال: سبحان الله، أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأني خبيب وأنت سيد بني عبد مناف! والله لأنت أولى بها منه. فقال مروان: فما الرأي؟ قال: أن ترجع وتدعو إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشاً ومواليها، ولا يخالفك منهم أحد. فقال عمرو بن سعيد: صدق عبيد الله، إنك لجذم قريش وشيخها وسيدها، وما ينظر الناس إلا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاويد، فتزوج أمه فيكون في حجرك، وادع إلى نفسك، فأنا أكفيك اليمانية فإنهم لا يخالفونني - وكان مطاعاً عندهم - على أن تبايع لي من بعدك. قال: نعم. فرجع مروان وعمرو بن سعيد ومن معهما، وقدم عبيد الله بن زياد دمشق يوم الجمعة، فدخل المسجد فصلى، ثم خرج فنزل باب الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك بن قيس كل يوم فيسلم عليه ثم يرجع إلى منزله؛ فقال له يواً: يا أبا أنيس، العجب لك وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزبير وتدع نفسك، وأنت أرضى عند الناس منه، فادع إلى نفسك. فدعا إلى نفسه ثلاثة أيام. فقال له الناس: أخذت بيعتنا وعهودنا لرجل ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث أحدثه! فلما رأى ذلك عاد إلى الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس وغير قلوبهم عليه، فقال عبيد الله بن زياد ومكر به؛ من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، يبرز ويجمع إليه الخيل، فأخرج عن دمشق واضمم إليك الأجناد. فخرج الضحاك فنزل المرج، وبقي عبيد الله بدمشق، ومروان وبنو أمية بتدمر، وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند خالهما حسان بن مالك بن بحدل، فكتب عبيد الله إلى مروان أن ادع الناس إلى بيعتك، واكتب إلى حسان بن مالك فليأتك، فإنه لن يردك عن بيعتك، ثم سر إلى الضحاك فقد أصحر لك. فدعا مروان بني أمية ومواليهم فبايعوه، وتزوج أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، وكتب إلى حسان بن مالك بن بحدل يدعوه أن يبايع له ويقدم عليه، فأبى، فأسقط في يدي مروان، فأرسل إلى عبيد الله، فكتب إليه عبيد الله أن اخرج إليه فيمن معك من بني أمية.

فخرج إليه مروان وبنو أمية جميعاً معه وهو بالجابية، والناس بها مختلفون، فدعاه إلى البيعة فقال حسان: والله لئن بايعتم مروان ليحسدنكم علاقة سوط وشراك نعل وظل شجرة، إن مروان وآل مروان أهل بيت من قيس - يريد أن مروان أبو عشرة وأخو عشرة - فإن بايعتم له كنتم عبيداً لهم، فأطيعوني وبايعوا خالد بن يزيد. فقال روح بن زنباع: بايعوا الكبير واستشبوا الصغير. فقال حسان بن مالك لخالد: يا ابن أختي هواي فيك وقد أباك الناس للحداثة، ومروان أحب إليهم منك ومن ابن الزبير. قال: بل عجزت. قال: كلا. فبايع حسان وأهل الأردن لمروان على أن لا يبايع مروان لأحد إلا لخالد بن يزيد، ولخالد إمرة حمص، ولعمرو بن سعيد إمرة دمشق. فكانت بيعة مروان بالجابية يوم الاثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين. وبايع عبيد الله بن زياد لمروان بن الحكم أهل دمشق، وكتب بذلك إلى مروان، فقال مروان: إن يرد الله أن يتمم لي خلافة لا يمنعنيها أحد من خلقه. فقال حسان بن مالك: صدقت. وسار مروان من الجابية في ستة آلاف حتى نزل مرج راهط، ثم لحق به من أصحابه من أهل دمشق وغيرهم من الأجناد سبعة آلاف، فكان في ثلاثة عشر ألفاً أكثرهم رجالة، ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقاً، أربعون منهم لعباد بن زياد، وأربعون لسائر الناس. وكان على ميمنة مروان عبيد الله بن زياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد. وكتب الضحاك بن قيس إلى أمراء الأجناد فتوافوا عنده بالمرج، فكان في ثلاثين ألفاً، وأقاموا عشرين يوماً يلتقون في كل يوم فيقتتلون حتى قتل الضحاك بن قيس، وقتل معه من قيس بشر كثير. فلما قتل الضحاك بن قيس وانهزم الناس، رجع مروان ومن معه إلى دمشق، وبعث عماله إلى الأجناد، وبايع له أهل الشام جميعاً، وكان مروان قد أطمع خالد بن يزيد بن معاوية ف بعض الأمر، ثم بدا له، فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز ابني مروان بالخلافة بعده.

فأراد أن يضع من خالد بن يزيد ويقصر به ويزهد الناس فيه، وكان إذا دخل عليه أجلسه معه إلى سريره، فدخل عليه يوماً فذهب ليجلس مجلسه الذي كان يجلسه، فقال له مروان وزبره: تنح يا ابن رطبة الاست، والله ما وجدت لك عقلاً. فانصرف خالد وقتئذ مغضباً حتى دخل على أمه فقال: فضحتني، وقصرت بي، ونكست برأسي، ووضعت أمري. قالت: وما ذاك؟ قال: تزوجت هذا الرجل فصنع بي كذا وكذا؛ ثم أخبرها بما قال له، فقالت: لا يسمع هذا منك أحد، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك، وادخل عليه كما كنت تدخل، واطو هذا الأمر حتى ترى عاقبته، فإني سأكفيكه وأنتصر لك منه. فسكت خالد وخرج إلى منزله، وأقبل مروان فدخل على أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة وهي امرأته، فقال لها: ما قال لك خالد، وما قلت له اليوم، وما حدثك به عني؟ فقالت: ما حدثني بشيء ولا قال لي. فقال: ألم يشكني إليك، ويذكر تقصيري به، وما كلمته به؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أجل في عين خالد، وهو أشد لك تعظيماً من أن يحكي عنك شيئاً، أو يجد من شيء تقوله، وإنما أنت بمنزلة الوالد له. فانكسر مروان، وظن أن الأمر على ما حكت له، وأنها قد صدقت. ومكث حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة، فنام عندها، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها يغممنه حتى مات. ثم قامت فشقت عليه جيبها، وأمرت جواريها وخدمها فشققن وصحن عليه وقلن: مات أمير المؤمنين فجأة. وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين. وكان مروان يومئذ ابن أربع وستين سنة، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد بعد ذلك ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر. وقد قال علي بن أبي طالب له يوماً ونظر إليه: ليحملن راية الضلال بعدما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة الكلب أنفه. وبايع أهل الشام بعده لعبد الملك بن مروان، فكانت الشام ومصر في يد عبد الملك

كما كانتا في يد أبيه، وكانت العراق والحجاز في يد ابن الزبير، وكانت الفتنة بينهما سبع سنين، ثم قتل ابن ابزبير بمكة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، واستقام الأمر لعبد الملك بن مروان بعده. وكان مروان قد روى عن عمر بن الخطاب: من وهب هبة لصلة رحم فإنه لا يرجع فيها. وروى أيضاً عن عثمان وزيد بن ثابت ويسرة بنت صفوان، وروى مروان عن سهل بن سعد الساعدي. وكان مروان في ولايته على المدينة يجمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشيرهم ويعمل بما يجمعون له عليه، فجمع الصيعان فغاير بينهما حتى أخذ أعدلهما، فأمر أن يكال به، فقيل: صاع مروان، وليست بصاع مروان إنما هي صاع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن مروان غاير بينها حتى قام الكيل على أعدلها. عن ابن وهب، قال: سمعت مالكاً يحدث أن مروان بن الحكم تذكر يوماً فقال: قرأت كتاب الله مذ أربعين سنة ثم أصبحت فيما أنا فيه من هراق الدماء وهذا الشأن. عن حرب بن زياد، قال: كان نقش خاتم مروان بن الحكم: آمنت بالعزيز الرحيم. وعن بعض أهل العلم، قال: كان آخر ما تكلم به مروان بن الحكم: وجبت الجنة لمن خاف النار. وكان نقش خاتمه: العزة لله. عن أبي هريرة: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رأيت في النوم بني الحكم - أو بني العاص - ينزون على منبري كما تنزو الفردة ". قال: فما رؤي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن سعيد بنالمسيب، قال: رأى النبي عليه السلام بني أمية على منابرهم، فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: إنما هي دنيا أعطوها؛ فقرت عينه، وهي قوله: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " أي بلاء للناس. عن عمرو بن مرة - وكانت له صحبة - قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرف كلامه فقال: " ائذنوا له، حية - أو ولد حية - عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنون، وقليل ماهم، يشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعظمون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق ". قال المصنف: هذا الإسناد فيه من يجهل حاله. عن عبد الله بن عمرو، قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: " ليدخلن عليكم رجل لعين " فوالله ما زلت وجلاً أتشوف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان - يعني الحكم -. عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا حدث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء قال هكذا - يكلح وجهه - فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت كذا ". فما زال يختلج حتى مات. عن الشعبي عن عبد الله بن الزبير أنه قال وهو على المنبر: ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عن عائشة أم المؤمنين، قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجرته، فسمع حساً فاستنكره، فذهبوا فنظروا، فإذا الحكم كان يطلع على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلعنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في صلبه، ونفاه. فأما ما روى في تفسير الشجرة الملعونة أنها بنو أمية فلم يصح. عن سعيد بن عامر، قال: قضى عمر بن عبد العزيز بقضية، فقال له رجل: خالفت جدك. ففزع فقال: أي جد؟ فقال: مروان. قال: فما التفت إليه، وكان توهمه عمر بن الخطاب. عن ابن شهاب، قال: اجتمع مروان وابن الزبير يوماً عند عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلسا في حجرتها، وعائشة في بيتها، وبينهم الحجاب، فساءلا عائشة وحدثتهما، فقال مروان: " من الطويل " من يشأ الله يخفضه بقدرته ... وليس لمن لم يرفع الله رافع فقال ابن الزبير: فوض إلى الله الأمور إذا غرت ... وبالله لا بالأقربين تدافع فقال مروان: داو ضمير القلب بالبر والتقى ... لا يستوي قلبان قاس وخاشع فقال ابن الزبير: لا يستوي عبدان عبد مصلم ... عتل لأرحام الأقارب قاطع

فقال مروان: وعبد تجافي جنبه عن فراشه ... يبيت يناجي ربه وهو راكع فقال ابن الزبير: وللخير أهل يعرفون بشكلهم ... تشير إليهم بالفجور الأصابع فسكت ابن الزبير فلم يجب مروان بشيء، فقالت عائشة: يا عبد الله، ما له لم تجب صاحبك؟ والله ما سمعت تجاول رجلين تجاولاً في نحو ما تجاولتما فيه أعجب إلي مجاولة منكما. قال ابن الزبير: إني خفت عوار القول وتخففت. قالت عائشة: إن لمروان في الشعر إرثاً ليس لك. وأنشد لمروان: " من الكامل " يا عين جودي بالدموع الذارية ... جودي فلا زلت غروبك باكيه وأبكي على خير البرية كلها ... فلقد أتتك مع الحوادث داهيه بكر النعي مع الصباح بقوله ... ينعي ربيع المسلمين معاويه فاستك مني السمع حين نعاه لي ... جزعاً عليه واستطير فؤاديه فأحببته أن لا حييت مسلماً ... ماذا تقوا اليوم أمك غاويه من المهبات وللأرامل بعده ... عند القحوط وللعتاة الطاغيه أينالندى يبكيه والحلم الذي ... شمخت بذروته الفروع الساميه عن عبد العزيز بن مروان، قال: أوصاني مروان قال: لا تجعل لداعي الله عليك حجة، وإذا وعدت ميعاداً فانزل عنده ولو ضربت به على حد السيف، وإذا رأيت أمراً فاستشر فيه أهل العلم بالله عز وجل وأهل مودتك، فأما أهل العلم فيهديهم الله إن شاء، وأما أهل مودتك فلا يسألونك نصيحة.

مروان بن الحكم الأزدي

عن أبي معشر، قال: ثم بايع أهل الشام مروان بن الحكم - يعني سنة أربع وستين - فعاش تسعة أشهر ثم مات. وقال: كان لمروان بن الحكم يوم مات إحدى وثمانون سنة. قال ابن أبي السري: ومات بدمشق وهو ابن ثلاث وستين، وصلى عليه ابنه عبد الملك، وكان قصيراً أحمر الوجه، أوقص، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يلقب خيط باطل. وذكر سعيد بن كثير بن عفير؛ أن مروان مات حين انصرف من مصر بالصنبرة، ويقال: بلد. وقد قيل: إنه مات بدمشق منصرفه من مصر، ودفن بباب الجابية وباب الصغير. مروان بن الحكم الأزدي حمصي، قدم دمشق في العسكر الذي طلب بدم الوليد بن يزيد. مروان بن سالم أبو عبد الله الغفاري القرقساني قيل: إنه دمشقي، وأظن أنه دمشقي الأصل، سكن قرقيسياء.

مروان بن سعيد بن هشام

روى عن طلحة بن عبيد الله، عن حسين بن علي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم يضره أم الصبيان ". وبه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا البحر أن يقولوا: " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " و" ما قدروا الله حق قدرة " الآية ". وعن الحجاج بن دينار، عن الحكم بن جحل، قال: مر بنا عل أمير المؤمنين بعد صلاة الغداة فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى صلاة الغداة ثم لم يتكلم حتى يقرأ " قل هو الله أحد " عشر مرات، لم يدركه ذلك اليوم ذنب، وأجير من الشيطان ". وعن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أول ما يجازى به المؤمن بعد موته أن يغفر لجميع من يتبع جنازته ". قال مسلم: أبو عبد الله مروان بن سالم البريري، كان منكر الحديث. وعن ابن أبي حاتم، قال: سألت أبي عن مروان بن سالم فقال: منكر الحديث جداً، ضعيف الحديث، ليس له حديث قائم. قلت: يترك حديثه؟ قال: لا بل يكتب حديثه. مروان بن سعيد بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي أسره مروان بن محمد مع أبيه حين خلعوه.

مروان بن سليمان بن هشام

مروان بن سليمان بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي مروان بن سليمان بن يحيى ابن أبي حفصة واسم أبي حفصة يزيد. أبو السمط، ويقال: أبو الهيذام الشاعر وأبو حفصة مولى مروان بن الحكم. مدح جماعة من الخلفاء والأمراء، فأجاد، ووفد مع عمومته على الوليد بن يزيد. قال في الوليد: " من الخفيف " إن بالشام بالموقر عزاً ... وملوكاً مباركين شهودا سادة من بني يزيد كراماً ... سبقوا الناس مكرمات وجودا هان يا ناقتي علي فسيري ... أن تموتي إذا لقيت الوليدا قال أبو بكر الخطيب: وكان أبو حفصة مولى مروان بن الحكم، أعتقه يوم الدار لأنه أبلى يومئذ بلاءً حسناً، واسمه يزيد. وقيل: إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً، أسلم على يد عثمان بن عفان، وقيل: على يد مروان بن الحكم. ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي السموأل بن عادياء، وأنه سبي من إصطخر وهو غلام، فاشتراه عثمان ووهبه لمروان بن الحكم.

ومروان بن سليمان شاعر مجود محكك للشعر، وهو من أهل اليمامة، وقدم بغداد ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقرب إلى الرشيد بهجاء العلوية في شعره، وله في معن بن زائدة مدائح ومراث عجيبة. وقيل: إنه قال الشعر وهو غلام لو يبلغ سنة العشرين. قال مصعب الزبيري: كان أبو حفصة طبيباً يهودياً، أسلم على يدي مروان بن الحكم، وكان معه يوم الدار يوم قتل عثمان، وحمله إلى العالية حين ضرب يوم الدار وكان يداويه حتى برأ. قال: والذي عند أهل المدينة لا اختلاف بينهم في ذلك، أن أبا حفصة كان مولى السموأل بن عادياء. قال مصعب: وأنا أفرق أن أقول لهم ذلك. عن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: سمعت الشافعي يقول: ليس لقريش كلها شعر جيد، وأشعرها ابن هرمة، ثم مروان بن أبي حفصة. قال الكسائي: إنما الشعر سقاء تمخض فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة. حدث محمد بن بشار، قال: رأيت مروان يعرض على أبي أشعاره، فقال له أبي: إن وفيت قيم قيم أشعارك استغنيت. حدث أبو حاتم، قال: قلت لأبي عبيدة: مروان أشعر أم بشار؟ قال: حكم بشار لنفسه بالاستظهار لأنه قال ثلاثة عشر ألف بيت ببيت جيد، ولا يكون عدد الجيد من الشعر شعراء الجاهلية والإسلام هذا العدد، وما أحسبهم برزوا في مثلها، ومروان أمدح للملوك.

قال الرياشي: سألت الأصمعي عن مرون بن أبي حفصة، فقال لي: كان مولداً ولم يكن له علم باللغة. عن الفضل بن بزيغ، قال: رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن بن زائدة في جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر وغيره، فأنشده مديحاً له، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. فقال المهدي: ألست القائل: " من الوافر " أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا وقلنا: أين نرحل بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا قد جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال؟ لا شيء لنا عندنا، جروا برجله، فجر برجله على الخلفاء في ذلك الحين في كل عام مرة. قال: فمثل بين يديه، وأنشده قصيدته التي قال: فأنصت لها حتى بلغ إلى قوله: هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أو تسترون هلالها أو تدفعون مقالة عن ربكم ... جبريل بلغها النبي فقالها شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها يعني بني علي وبني العباس.

قال: فرأيت المهدي وقد تزاحف من صدر مصلاه حتى صار على البساط إعجاباً بما سمع، ثم قال له: كم هي بيتاً؟ قال: مئة بيت. فأمر له بمئة ألف درهم. قال: فإنها لأول مئة ألف أعطيها شاعر في خلافة بني العباس. قال: فلم تلبث الأيام أن أفضت الخلافة إلى هارون الرشيد. قال: فرأيت مروان ماثلاً مع الشعراء بين يدي الرشيد، وقد أنشده شعراً، فقال له: من؟ قال: شاعرك مروان بن أبي حفصة. قال: ألست القائل - البيتين اللذين له في معن اللذين أنشدهما المهدي - خذوا بيده فأخرجوه فإنه لا شيء له عندنا. فأخرج، فلما كان بعد ذلك بيومين تطف حتى دخل، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الطويل " لعمرك لا أنسى غداة المحصب ... إشارة سلمى بالبنان المخضب وقد صدر الحجاج إلا أقلهم ... مصادر شتى موكباً بعد موكب قال: فأعجبه، فقال له: كم قصيدتك بيتاً؟ قال له: ستون - أو سبعون -، فأمر له بعد أبياتها ألوفاً، فكان ذلك رسم مروان حتى مات. عن محمد بن زياد، قال: دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي، وعنده جماعة فأنشده: " من الطويل " صحا بعد جهل واستراحت عواذله قال: فقال لي: ويحك، كم هي بيتاً؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سبعون بيتاً. قال: فإن لك عندي سبعين ألفاً. قال: فقلت في نفسي: بالنسيئة، إنا لله وإنا إليه راحعون. ثم قلت: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أبياتاً حضرت، فما في الأرض أنبل من كفيلي. قال: هات. فاندفعت فأنشدته: كفاكم بعباس أبي الفضل والداً ... فما من أب إلا أبو الفضل فاضله كأن أمير المؤمنين محمداً ... أبو جعفر في كل أمر يحاوله إليك قصرنا النصف من صلواتنا ... مسيرة شهر بعد شهر نواصله

فلا نحن نخشى أن يخيب مسرنا ... إليك ولكن أهنأ البر عاجله قال: فتبسم وقال: عجلوها. فحملت إلي من وقتها. عن الرياش، قال: قال رجل لمروان بن أبي حفصة: ما حملك على أن تناولت ولد علي في شعرك؟ قال: والله ما حملني على ذلك بغضاء لهم، ولقد مدحت أمير المؤمنين بشعري الذي أقول فيه: " من الكامل " طرقتك زائرة فحي خيالها ... بيضاء تخلط بالحياء دلالها حتى بلغت إلى قولى: هل تطمسون من السماء نجومها ... بأكفكم أم تسترون هلالها أم تدفعون مقالة عن ربه ... جبريل بلغها النبي فقالها شهدت من الأنفال آخر آية ... بتراثهم فأردتم إبطالها فذروا الأسود خوادراً في غيلها ... لا تولغن دماكم أشبالها فقال المهدي: وجب حقك على هؤلاء القوم. ثم أمر لي بخمسين ألف درهم، وأمر أولاده أن يبروني، فبروني بثلاثين ألف درهم. وعن عبيد الله بن إسحاق بن سلام، قال: خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم، فمر بزمن فسأله، فأعطاه ثلثي درهم. فقيل له: هلا أعطيته درهماً؟ فقال: لو أعطيت مئة ألف لأتممت له درهماً!. قال: وكان مروان يبخل، فلا يسرج له داره، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام.

قال عبد الله بن مصعب: دخل مروان بن أبي حفصة على أمير المؤمنين الهادي، فأنشده مديهاً له حتى إذا بلغ قوله: " من الطويل " تشابه يوماً بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل فقال له الهادي: أيما أحب إليك، ثلاثون ألفاً معجلة أو مئة ألف تدون في الدواووين؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنت تحسن ما هو أحسن من هذا، ولكنك أنسته، أفتأذن لي أن أذكرك؟ قال: نعم. قال: تعجل الثلاثون الألف وتدون المئة الألف. قال: يعجلان لك جميعاً. فحمل ذلك إليه. وقال عبد الصمد بن المعذل: دخل مروان بن أبي حفصة وسلم الخاسر ومنصور النمري على الرشيد، فأنشده قصيدته التي يقول فيها: " من الكامل " أنى يكون وليس ذاك بكائن ... لبني البنات وراثة الأعمام وأنشده سلم: " من الكامل " حضر الرحيل وشدت الأحداج وأنشده النمري قصيدته التي يقول فيها: " من البسيط " إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع فأمر لكل واحد منهم بمئة ألف درهم. فقال له يحيى بن خالد: يا أمير المؤمنين، مروان شاعرك خاصة، أقد ألحقتهم به؟ قال: فليزد مروان عشرة آلاف. قال مروان بن أبي حفصة: خرجت إلى معن بن زائدة فأنشدته: " من الكامل "

هاجت هواك بواكر الأحزان ... يوم النوى فظللت ذا أحزان فلما صرت إلى قولي: لولا رجاؤك ما تخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي: لولا رجاؤك ماتخطت ناقتي ... عرض الدبيل ولا قرى نجران قال: صدقت والله. فلما بلغت إلى قولي: مطر أبوك أبو الفوارس والذي ... بالخير حاز هجائن النعمان النعمان قال: وأنى وقع إليك هذا اليوم؟ فقلت: أصلح الله الأمير، لهو أشهر من ذلك، قال: فسر بذلك، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: " من الكامل " مسحت قطيعة وجه معن سابقاً ... لما جدا وجزى ذوو الأحساب قال: فأعجب به، وأقبل يقول في كل أيام دخلت عليه: قم يا مروان؛ فأنشده هذا الشعر. حدث العتبي، قال: قدم معن بن زائدة بغداد، فأتاه الناس وأتاه ابن أبي حفصة، فإذا المجلس غاص بأهله، فأخذ بعضادتي الباب ثم قال: " من الطويل " وما أحجم الأعداء عنكم بقية ... عليك ولكن لم يروا فيك مطمعا له راحتان الجود والحتف فيهما ... أبى الله إلا أن تضرا وتنفعا فقال معن: احتكم يا أبا السمط. فقال: عشرة آلاف. فقال معن: ربحت عليك - والله - تسعين ألفاً. أنشد ابن قتيبة لمروان بن أبي حفصة في بني مطر: " من الطويل " هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا ... أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا هم يمنعون الجار حتى كأنما ... لجارهم بين السماكين منزل

قال مروان: أنشدت معن بن زائدة أربعة أبيات فأعطاني بها أربعة آلاف دينار، فبلغت أبا جعفر فقال: ويلي على الأعرابي الجلف؛ فاعتذر إليه فقال له: يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على جودك؛ فسوغه إياها. فلما مات معن رثاه مروان بقوله: " من الطويل " ألما على معن فقولا لقبره ... سقيت الغوادي مربعاً ثم مربعا فيا قبر معن كنت أول حفرة ... من الأرض خطت للمكارم مضجعا يل قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا ولكن صممت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا ولما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا وما كان إلا الجود صورة خلقه ... فعاش زماناً ثم مات فودعا فتى عيش من معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مربعا تعز أبا العباس عنه ولا يكن ... ثوابك من معن بأن تتضعضعا تمنى رجال شأوه من ضلالهم ... فأضحوا على الأذقان صرعى وظلعا قال مروان: لقيني الناطفي فدعاني إلى عنان، فانطلقت معه، فدخل إليها قبلي فقال لها: قد جئتك بأشعر الناس مروان بن أبي حفصة - وكانت عليلة - فقالت: إني عن مروان لفي شغل؛ فأهوى بسوطه فضربها به، فقال لي: ادخل، فدخلت وهي تبكي، فرأيت الدموع تنحدر من عينيها، فقلت: " من السريع " بكت عنان مسبل دمعها ... كالدر إذ يسبق من خيطه

فقالت مسرعة: فليت من يضربها ظالماً ... تيبس يمناه على سوطه فقلت للنطاف: اعتق مروان ما يملك إن كان في الجن والإنس مثلها. حدث علي بن محمد النوفلي، قال: سمعت أبي يقول: كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللحم بخلاً حتى يقرم إليه، فإذا قرم أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله. فقيل له: نراك لا تأكل إلا الرؤوس في الصيف والشتاء، فلم تختار ذلك؟ قال: نعم، الرأس أعرف سعره فآمن خيانة الغلام، ولا يستطيع أن يغبني فيه، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه، وإن مس عيناً أو أذناً أو خداً وقفت على ذلك، وآكل منه ألواناً؛ آكل عينه لوناً، وأذنه لوناً، وغلصمته لوناً، ودماغه لوناً، وأكفى مؤونة طبخه، فقد اجتمعت لي فيه مرافق! عن جهم بن خلف، قال: أتينا اليمامة فنزلنا على مروان بن أبي حفصة، فأطعمنا تمراً، وأرسل غلامه بفلس وسكرجة يشتري به زيتاً، فلما جاء بالزيت قال: خنتني! قال: من فلس كيف أخونك؟ قال: أخذت الفلس لنفسك واستوهبت زيتاً!. عن أبي العيناء محمد بن القاسم اليمامي، قال: كان مروان بن أبي حفصة من أبخل الناس، خرج يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله: ما لي عليك إن رجعت بالجائزة؟ قال: إن أعطيت مئة ألف درهم أعطيتك درهماً. فأعطي ستين ألفاً، فدفع إليها أربعة دوانيق!. وكان قد اشترى يوماً لحماً بدرهم، فدعاه صديق له، فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق، وقال: أكره الإسراف!. وهجاه بعض الشعراء فقال: " من الطويل "

وليس لمروان على العرس غيرة ... ولكن مروناً يغار على القدر قال مروان بن أبي حفصة يرثي معن بن زائدة الشيباني: " من الوافر " مضى لسبيله معن وأبقى ... محامد لن تبيد ولن تنالا كأن الشمس يوم أصيب معن ... من الإظلام ملبسة جلالا هو الجبل الذي كانت نزار ... تهد من العدو به الجبالا وعطلت الثغور لفقد معن ... وقد يروي بها الأسل النهالا وأظلمت العراق وألبستها ... مصائبه المجللة اختلالا وظل الشام يرجف جانباه ... لركن العز حين وهى فمالا وكادت من تهامة كل أرض ... ومن نجد تزول غداة زالا فإن يعل البلاد له خشوع ... فقد كانت تطيل به اختيالا أصاب الموت يوم أصاب معناً ... من الأخيار أكرمهم فعالا وكان الناس كلهم لمعن ... إلى أن غير ابن زائدة ارتحالا ثوى من كان يحمل كل ثقل ... ويسبق فيض راحته السؤالا وما نزل الوفود بمثل معن ... ولا حطوا بساحته الرحالا وما بلغت أكف ذوي العطايا ... يميناً من يديه ولا شمالا وما كانت تجف له حياض ... من المعروف مترعة سجالا لأبيض لا يعد المال حتى ... يعم به بغاة الخير مالا فليت الشامتين به فدوة ... وليت العمر مد له فطالا ولم يك كنزه ذهباً ولكن ... سيوف الهند والحلق المذالا ومادته من الخطي سمراً ... ترى فيهن ليناً واعتدالا وذخراً من مكارم باقيات ... وفضل تقى به التفضيل نالا لئن أمست زوائد قد أذيلت ... جياد كان يكره أن تزالا

لقد كانت تصان به وتسمو ... بها عققاً ويرجعها خيالا وقد حوت النهاب فأحرزته ... وقد غشيت من الموت الطلالا زاد الخطيب: مضى لسبيله من كنت ترجو ... به عثرات دهرك أن تقالا فلست بمالك عبرات عيني ... أبت بدموعها إلا انهمالا وفي الأحشاء منك عليك حزن ... كحر النار تشتعل اشتعالا كأن الليل واصل بعد معن ... ليالي قد قرن به طوالا لقد أورثتني وبني هماً ... وأحزاناً نطيل به اشتغالا وقائلة رأت جسدي ولوني ... معاً عن عهدها قلباً فحالا رأت رجلاً براه الحزن حتى ... أضر به وأورثه خبالا أرى مروان عاد كذي نحول ... من الهندي قد فقد الصقالا فقلت لها: الذي أنكرت مني ... لفجع مصيبة أبكى وغالا وأيام المنون لها صروف ... تقلب بالفتى حالاً فحالا يرانا الناس بعدك قبل دهر ... أبى لجدودنا إلا اغتيالا فنحن كأسهم لم يبق ريشاً ... لها ريب الزمان ولا نصالا وقد كنا بحوض نداك نروى ... ولا نرد المصردة السمالا فلهف أبي عليك إذا العطايا ... جعلن من كواذب واعتلالا ولهف أبي عليك إذا الأسارى ... شكوا خلقاً بأسوقهم ثقالا ولهف أبي عليك إذا اليتامى ... غدوا شعثاً كأن بهم سلالا ولهف أبي عليك إذا المواشي ... فرت جدباً تمات به هزالا ولهف أبي عليك لكل هيجا ... لها تلقي حواملها السخالا ولهف أبي عليك إذا القوافي ... للمتدح بها ذهبت ضلالا ولهف أبي عليك لكل أمر ... يقول له النجي ألا احتيالا أقمنا باليمامة بعد معن ... مقاماً ما نريد به زيالا وقلنا أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النوال فلا نوالا

مروان بن شجاع أبو عمرو

فإن تذهب قرب رعال خيل ... عوابس قد لقيت بها رعالا وقوم قد جعلت لهم ربيعاً ... وقوم قد جعلت لهم نكالا فما شهد الوقائع منك أمضى ... وأكرم محتداً وأسد آلا سيذكرك الخليفة غير قال ... إذا هو في الأمور بلا الرجالا ولا ينسى وقائعك اللواتي ... على أعدائه جعلت وبالا ومعترك شهدت به حفاظاً ... وقد كرهت فوارسه النزالا حباك أخو أمية بالمراثي ... مع المدح اللواتي كان قالا أقام وكان نحوك كل عام ... يطيل لواسط الرحل اعتقالا فألقى رحله أسفاً وآلى ... يميناً لا يشد له حبالا ذكر إدريس بن سليمان بن أبي حفصة: أن مروان توفي سنة إحدى وثمانين ومئة، ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك، وقال غبيره: كان مولده سنة خمس ومئة. وقال يعقوب بن سفيان: سنة اثنتين وثمانين ومئة، فيها مات مروان بن أبي حفصة الشاعر النبيل، رحمه الله تعالى. مروان بن شجاع أبو عمرو الحراني الجزري مولى محمد بن مروان بن الكم، يعرف بالخصيفي كان يكون مع خلفاء بني أمية بالشام، ثم انتقل إلى بغداد، فسكنها ومات بها.

مروان بن عبد الله بن عبد الملك

روى عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفاء في ثلاث، شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهي أمتي عن الكي ". وعن خصيف، عن مجاهد، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين على المنبر يقول: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وزناً بوزن ". قال محمد بن سعد: مروان بن شجاع الخصيفي، كان من أهل الجزيرة، من أهل حران، وكان راوية لخصيف، فقدم معه بغداد فكان مؤدباً لولد موسى أمير المؤمنين، فلم يزل ببغداد حتى مات. وقال: مات ببغداد سنة أربع وثمانين ومئة. قال مروان بن شجاع الجزري: أثبتني عمر بنعبد العزيز وأنا فطيم في عشرة الدنانير. قال عنه يحيى بن معين: ثقة. مروان بن عبد الله بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي من وجوه بني مروان، كان عاملاً للوليد بن يزيد على حمص، وكان موصوفاً بالنسك والتعبد. قال علي بن محمد: كان مروان بن عبد الله بن عبد الملك عاملاً للوليد على حمص، وكان من سادة بني

مروان نبلاً وفضلاً وكرماً وجمالاً، فلما قتل الوليد بلغ أهل حمص قتله فأغلقوا أبوابها وأقاموا النوائح والبواكي حتى جاء العباس بن الوليد، فمال إلى عبد العزيز بن الحجاج، فوثب أهل حمص فهدموا دار العباس وانتهبوها، وسلبوا حرمه، وأخذوا بنيه فحبسوهم، وطلبوه، فخرج إلى يزيد ابن الوليد، وكاتبوا الأجناد، ودعوهم إلى الطلب بدم الوليد، فأجابوهم؛ فكتب أهل حمص بينهم كتاباً إلا يدخلوا في طاعة يزيد، وإن كان ولياً عهد الوليد حيين فالبيعة لهما، وإلا جعلوها لخير من يعلمون، على أن يعطيهم العطاء من المحرم إلى المحرم ويعطي الذرية، وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين، فكتب إلى مروان بن عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهو بحمص في دار الإمارة، فلما قرأه قال: هذا كتاب حضره من الله حاضر. وتابعهم على ما أرادوا. فلما بلغ يزيد بن الوليد خبرهم وجه إليهم رسلاً فيهم يعقوب بن عمير بن هانئ، وكتب إليهم: إنه ليس يدعو إلى نفسه، ولكن يدعوهم إلى الشورى. فقال عمرو بن قيس السكوني: رضينا بولي عهدنا - يعني الوليد بن يزيد - فأخذ يعقوب بن عمير بلحيته، فقال: لأيها العشمة، إنك قد فيلت وذهب عقلك، إن الذي تعني لو كان يتماً في حجرك لم يحل لك أن تدفع إليه ماله، فكيف أمر الأمة؟ فوثب أهل حمص على رسل يزيد بن الوليد، فطردوهم. وكان أمر حمص لمعاوية بن يزيد بن حصين، وليس إلى مروان بن عبد الله من أمرهم شيء. وكان معهم السمط بن ثابت، وكان الذي بينه وبين معاوية بن يزيد متباعداً، " وكان معهم أبو محمد السفياني فقال لهم: لو قد أتيت دمشق ونظر إلي أهلها لم يخالفوني ". فوجه يزيد بن الوليد مسرور بن الوليد، والوليد بن روح في جمع كبير، فنزلوا حوارين، أكثرهم بنو عامر من كلب؛ ثم قدم على يزيد سليمان بن هشام من عمان، فأكرمه يزيد، وتزوج أخته أم هشام بنت هشام بن عبد الملك. ورد عليه ما كان الوليد أخذه من أموالهم، ووجهه إلى مسرور بن الوليد والوليد بن روح، وأمرهما بالسمع والطاعة له، وأقبل أهل حمص فنزلوا قرية كانت لخالد بن يزيد بن معاوية.

مروان بن عبد الله الثقفي

وعن عمرو بن محمد بن عبد الرحمن البهراني، قالا: قام مروان بن عبد الملك، فقال: يا هؤلاء إنكم خرجتم لجهاد عدوكم، والطلب بدم خليفتكم، وخرجتم مخرجاً أرجو أن يعظم الله به أجركم، ويحسن عليه ثوابكم، وقد نجم لكم منه قرن، وسال إليكم منه عنق، إن أنتم قطعتموه اتبعه ما بعده، وكنتم عليه أجرأ، وكانوا عليكم أهون، ولست أرى المضي إلى دمشق وتخليف هذا الجيش خلفكم، فقال السمط بن ثابت: هذا والله العدو القريب الدار، يريد أن ينقض جماعنكم، وهو ممايل للقدرية. قال: فوثب الباس على مروان بن عبد الله فقتلوه وقتلوا ابنه، ورفعوا رؤوسهما للناس. وإنما أراد السمط بهذا الكلام خلاف معاوية بن يزيد، فلما قتل مروان بن عبد الله ولو عليهم أبا محمد السفياني، وأرسلوا إلى سليمان بن هشام: آنا آتوك، فأقم بمكانك. فأقام. قال: فتركوا عسكر سليمان ذات اليسار ومضوا إلى دمشق، وبلغ سليمان مضيهم، فخرج معداً، فلحقهم بالسليمانية - مزرعة لسليمان بن عبد الملك خلف عذراء من دمشق على أربعة عشر ميلاً -. عن حجاج بن فرافصة، قال: حدثني صاحب لنا يقال له: سفيان، أن مروان بن عبد الله بن عبد الملك سأل صالحاً الحكمي عن القدر، هل ذكر في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: نعم. فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أمتي لا تزال بخير متمسكة بما هي فيه حتى تكذب بالقدر ". مروان بن عبد الله الثقفي من أهل القطيفة، من ظاهر دمشق.

مروان بن عبد الملك بن سوار القرشي

مروان بن عبد الملك بن سوار القرشي من أهل الراهب، كان بدمشق. مروان بن عبد الملك بن عبد الله ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص مروان بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف أبو عبد الملك الأموي وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية قال أحمد بن سليمان الطوسي: كان عبد الملك قد أخذ على سليمان حين بايع له بولاية العهد ليبايعن لأحد ابني عاتكة؛ فأما مروان فإنه حج مع الوليد بن عد الملك، فلما كان بوادي القرى جرى جري بينه وبين أخيه الوليد بن عبد الملك مجاورة، والوليد يومئذ خليفة، فغضب الوليد فأمصه، فتفوه مروان بالرد عليه، فأمسك عمر بن عبد العزيز على فيه، فمنعه من ذلك، فقال لعمر: قتلتني، رددت غيظي في جوفي؛ فما رراحوا من وادي القرى حتى دفنوه. فله يقول الشاعر: " من الطويل " لقد غادر الركب اليمانون إذا غدوا ... بوادي القرى جلد الجناب مشيعا فسيروا فلا مروان للقوم إذ غدوا ... وللركب إذ أمسو مكلين جوعاً وقيل: إن هذه القصة جرت لمروان مع أخيه سليمان.

مروان بن عبيد الله بن مروان

مروان بن عبيد الله بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الأموي مروان بن عثمان أبو الحسن السقلي، المغربي، الفقيه له شعر لا بأس به، قدم دمشق سنة ثمان وسبعين وأربعمئة، ولقيه غيث بن علي بصور، وأنشده شيئاً من شعره. قال ابن الملحي: أبو الحسن مروان السقلي، رجل صدر إمام، زاهد فقيه عالم، أحسن الناس خطاً، وأكثرهم في العلم حظاً، وصل إلى دمشق فأنزله الشيخ الأمين أبو محمد ابن الأكفاني بمنزله، وتكفل بجميع حوائجه مدة مقامه عنده، ولم يكن يقبل الهدية، ولا له في التكسب نية، ولم يدرس أحداً، ولا كان يكاد يظهر، ولم أجتمع به إلا بعد أن استأذنته الشيخ، ففسح في حضوري، فحضرت ومعي " الجمل " وقرأن عليه منه كراسة واحدة؛ وسار إلى بغداد، واتصل بالخليفة، وغزم عليه في تعليم ولده، فدخل داره، وهناك توفي رحمه الله، وهو القائل: " من البسيط " هلمن لواعج هذا البين من جار ... لمستهام غريب دمعه جار حيران مغترب، حران مكتئب ... ذي مدمع سرب كالسيل خرار وكلما نسمت نجدية نظمت ... ريح الجنوب تباريحي وأفكاري فيض الدموع ونيران الضلوع معاً ... يا قوم كيف اجتماع الماء والنار

مروان بن عنبسة

مروان بن عنبسة أظنه ابن الفيض بن عنبسة بن عبد الملك بن مروان كان كاتباً لأبي العميطر علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية. مروان بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم الأموي له ذكر، ولا أعلم له عقباً. مروان بن محمد بن حسان أبو بكر، ويقال: أبو حفص، الأسدي الطاطري كانت داره بدمشق، بنواحي قصر الثقفيين. روى عن سليمان بن بلال، بسنده إلى عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ". وعن صدقة بن خالد، بسنده إلى أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من غسل واغتسل يوم الجمعة، وغدا وابتكر، ودنا ونصت واستمع، كان له بكل خطوة عمل سنة صيامها وقيامها ". قال مروان بن محمد: ولدت سنة سبع وأربعين ومئة، عالم الكواكب.

وقال سليمان بن أحمد: كل من يبيع الكراييس بدمشق يسمى الطاطري. قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لأحمد بن حنبل: بلغني أنك تثني على مروان بن محمد. فقال: إنه كان يذهب مذهب أهل العلم. وقال يحيى: كان الطاطري لا بأس به، وكان مرجئاً، وأهل دمشق من كان مرجئاً فعليه عمامة، ومن لم يكن مرجئاً فلا يعتم. وقال: مروان بن محمد الطاطري ثقة، وهو مرجئ، عن عبد الرحمن بن عمرو، قال: وقال لي أحمد بن حنبل: كان عندكم ثلاثة أصحاب حديث، مروان والوليد وأبو مسهر. وقال عبد الله بن معاوية بن يجيى الهاشمي: أدركت ثلاث طبقات، أحدها طبقة سعيد بن عبد العزيز ما رأيت فيهم أخشع من مروان بن محمد. وقال أبو سليمان: ما رأيت شامياً خيراً من مروان بن محمد. فقال له عبيد بن أم أبان الأنصاري: ولا معلمه سعيد بن عبد العزيز؟ قال: لا ولا معلمه. قال: ولا يحيى بن حمزة؟ قال له أبو سليمان: ولا يحيى، لأن سعيداً كان على بيت المال وكان يحيى على القضاء. قال مروان: كنت أنا وحسان نذاكر سفيان بن عيينة، وكان قد استخفى، قال: فكنا نضاحكه

مروان بن محمد بن مروان بن الحكم

في مذكراتنا. قال: فحقد علينا؛ فلما جئنا نودعه قال: اتقوا الله، وصونوا هذا العلم، ولا تكثروا الضحك. وقال: لا غنى لصاحب الحديث عن ثلاثة، صدقه، وحفظه، وصحة كتبه؛ فإن كانت فيه ثنتان وأخطأته واحدة لم يضره؛ صدق وصحة كتب ولم يحفظه، فرجع إلى كتب صحيحه لم تضره. وقال: طال الإسناد، وسيرجع الناس إلى الكتب. وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي مروان بن محمد: لا تخرج أبداً من المسجد حتى توتر، فإن مت كنت على وتر. قال الحسن بن محمد بن بكار: وتوفي أبو محمد مروان بن محمد الأسدي في سنة عشر ومئتين، وكان مولده في سنة انتثرت النجوم في سنة سبع وأربعين ومئة، فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة. مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الملك، الأموي، المعروف بالحمار، آخر خلفاء بني أمية بويع له بالخلافة بعد قتل الوليد بن يزيد، وبعد موت يزيد بن الوليد، وخلع إبراهيم بن يزيد بن عبد الملك، واستتب له الأمر في سنة سبع وعشرين ومئة، وأمه أم ولد، وداره بسوق الأكافين.

عن سالم الأفطس، قال: سألني مروان بن محمد عن تعجيل الزكاة إذا رأى لها موضعاً قبل أن تحل؛ فسألت سعيد بن حبير، فلم ير دبه بأساً. قال إسماعيل بن علي بن إسماعيل: وأمه كرديه، أم ولد يقال لها: لبابة، جارية إبراهيم بن الأشتر. وعن أبي اليقظان وغيره: ولد مروان بالجزيرة سنة اثنتين وسبعين، وأمه أمة لمصعب بن الزبير. وعن محمد بن عمر، قال: وفيها - يعني سنة ست وسبعين - ولد مروان بن محمد بن مروان. وذكر سعيد بن كثير بن عفير؛ أن مروان كان أبيض مشرباً، أزرق، ضخم الهامة، كبير اللحية، ربعة، ولم يكن يخضب بالحناء. قال خليفة: قال ابن الكلبي: وفيها - يعني سنة خمس ومئة - غزا مروان بن محمد على الصائفة اليمنى، فافتتح مدينة من أرض الروم من ناحية كمخ. وقال خلفة: سنة أربع عشر ومئة: فيها عزل هشام مسلمة بن عبد الملك عن أرمينية وأذربيجان والجزيرة، وولاها مروان بنمحمد بن مروان، مستهل الحرم. قال أبو خالد: قال أبو البراء: سار مروان في سنة أربع عشرة ومئة حتى جاوز نهر الروم، فقتل وسبى وأغار على الصقالية.

وقال: وفيها - يعني سنة سبع عشرة - بعث مروان بن محمد وهو والي أرمينية وأذربيجان بعثتين إلى جبل القبق فافتتح أحد البعثين ثلاثة حصون من اللان، ونزل البعث الآخر على تومان شاه، فنزل تومان شاه على حكن مروان بن محمد، فبعث به مروان إلى هشام بن عبد الملك، فرده هشام إلى مروان، فأعاده على مملكته. قالخليفة: سنة ثمان عشرة ومئة؛ فيها غزا مروان بن محمد من أرمينية، فدخل أرض ورتنيس من ثلاثة أبواب، فهرب ورتنيس إلى الخزر وترك القلعة، فنصب مروان عليها المجانيق، فقتل أهل خمرين ورتنيس وبعثوا برأسه إلى مروان، فنصب مروان رأس ورتنيس لأهل قلعته، فنزلوا على حكم مروان، فقتل المقاتلة وسبى الذرية. وقال: سنة تسع عشرة ومئة: فيها غزا مروان بن محمد من أرمينية غزوة السائحة، فدخل من باب أللان، فمر بأرض أللان كلها حتى خرج منها إلى بلاد الخزر، فمر ببلنجر وسمندر، وانتهى إلى البيضاء التي يكون فيها خاقان، فهرب خاقان. وقال: سنة إحدى وعشرين ومئة؛ فيها غزا مروان بن محمد من أرمينية، وهو واليها، فأتى قلعة بيت السرير، فقتل وسبى، ثم أتى قلعة ثانية، فقتل وسبى، ودخل غومسك وهو حصن فيه بيت الملك، يكون فيه ملك السرير، فخرج الملك هارباً حتى أتى حصناً يقال

له: خثرج، فيه سرير الذهب، فأقام مروان عليه شتوة وصيفةً، فصالحه على ألف رأس في كل سنة ومئة ألف مدي، وسار مروان فدخل أرض زروبكران، فصالحه ملكها، ثم سار مروان في أرض تومان فصالحه تومان ملكها، ثم أتى مروان خمرين فأبى ملكها أن يصالحه، فقاتل حصناً من حصون خمرين شهراً، فأخرب بلاد خمرين، ثم سأله خمرين الصلح فصالحه، ثم أتى مروان أرض مسدار، فافتتحها على صلح، ثم نزل مروان كيران فصالحه طبرستان وفيلان. قال محمد بنيزيد: ثم بويع مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وكنيته أبو عبد الملك، لأربع عشرة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومئة، وقتل يوم الخميس لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة. قال أبو بكر: وقتل بأرض بوصير من مصر، فكانت ولايته إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام، وكانت ولاية مروان بن محمد إلى أن بويع لأبي العباس بعد بني أمية خمس سنين وثمانية وعشرين يوماً، وتوفي وله اثنتان وستون سنة، وأمه أم ولد. قال خليفة: سنة سبع وعشرين، فيها وقعت الفتنة. قال إسماعيل بن إبراهيم: قتل الوليد بن يزيد، ومروان بن محمد بن مروان بأرمينية والياً عليها، فلما أتاه قتل الوليد دعا الناس إلى بيعة من رضيه المسلمون، فبايعوه. فلما أتاه وفاة يزيد بن الوليد دعا قيساً وربيعة ففرض لستة وعشرين ألفاً من قيس، وسبعة آلاف من ربيعة، فأعطاهم أعطياتهم، وولى على قيس إسحاق بن مسلم العقيلي، وعلى ربيعة المساور بن عقبة، ثم خرج يريد الشام، واستخلف على الجزيرة أخاه عبد العزيز بن محمد بن

مروان، فلقيه وجوه قيس، الوثيق بن الهذيل بن زفر، ويزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، وأبو الورد بن الهذيل بن زفر، وعاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي في أربعة أو خمسة آلاف من قيس، فساروا معه حتى قدم حلب وبها بشر ومسرور أبنا الوليد بن عبد الملك أرسلهما إبراهيم بن الوليد حين بلغه مسير مروان، فصاف القوم، فخرج أبو الورد بن الهذيل بن زفر في ثلاثمئة فكبروا وحملوا على مروان حتى كانوا قريباً منه، ثم حولوا وجوههم وأترستهم ولحقوا بمروان، وحمل مروان ومن معه فانهزم مسرور وبشر من غير قتال، فأخذهما مروان فحبسهما عنده، وأسر ناساً كثيراً من أصحابهما، فأعتقهم مروان، ثم سار مروان حتى أتى حمص فدعاهم إلى المسير معه والبيعة لوليي العهد الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وهما محبوسان عند إبراهيم بن الوليد بدمشق، فبايعوه وخرجوا معه حتى أتى عسكر سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد قتال شديد، وحوى مروان عسكره. وبلغ عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ما لقي سليمان وهو معسكر في ناحية أخرى، فأقبل إلى دمشق فأخرج إبراهيم بن الوليد من دمشق، ونزل باب الجابية وتهيأ للقتال، وعه الأموال على العجل، ودعا الناس فخذلوه، وأقبل عبد العزيز بن الحجاج وسليمان بن الوليد فدخلا مدينة دمشق يريدان قتل الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وهما في السجن، وجاء يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فدخل السجن فقتل يوسف بن عمر والحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وهما الحملان. ويقال: ولي قتلهما لخالد بن عبد الله، يقال له: أبو الأسد، شدخهما بالعمد، وأتاهم رسول إبراهيم فتوجه عبد العزيز بن الحجاج إلى داره ليخرج عياله، فثار به أهل دمشق فقتلوه واحتزوا رأسه، فأتوا به أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان محبوساً مع يوسف بن عمر وأصحابه، فأخرجوه فوضعوه على المنبر في قيوده، ورأس عبد العزيز بين يديه، وحلوا قيوده وهو على المنبر، فخطبهم وبايع لمروان وشتم يزيداً وإبراهيم ابني الوليد وأشياعهم، وأمر بجسد عبد العزيز فصلب على باب الجابية منكوساً، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد؛ وبلغ إبراهيم فخرج هارباً، واستأمن أبو محمد لأهل دمشق فأمنهم مروان ورضي عنهم، ثم أتى مروان يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية

وأبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ومحمد بن عبد الملك بن مروان وأبو بكر بن عبد الله بن يزيد، فأذن لهم، فكان أول من تكلم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد ين معاوية، فسلم عليه بالخلافة، وعزاه عن الوليد وابنيه الحكم وعثمان ابني الوليد. قال: وأصيب الغلامان، إنا لله، إن كان الحملين اللذين يذكران ويوصفان؛ ثم بايعوه، ثم أتى دمشق فأمر بيزيد بن الوليد فنبش وصلب، وأتته بيعة أهل الشام. وفيها: أتى إبراهيم بن الوليد مروان بن محمد بالجزيرة فخلع نفسه، فبايعه، فقبل منه وأمنه، فسار إبراهيم فنزل الرقة على شاطئ الفرات، ثم أتاه كتاب سليمان بن هشام يستأمنه، فأمنه، فأتاه فبايعه، واستقامت لمروان بن محمد. عن مصعب بن عبد الله، قال: كانت بنو أمية يرون أن الخلافة تنزع منهم إذا وليها منهم ابن أم ولد، فكانوا لا يبايعون إلا لابن صريحة، حتى أخذ مروان بن محمد الخلافة عنوة، وهو لأم ولد، فقتلته بنو العباس، وأخذت الخلافة منه. عن أبي الحكم الهيثم بن عمران العبسي، قال: سمعت رسالة مروان تقرأ بمسجد دمشق حين أمر لهم بعطاء، فعدهم وعيالهم، وهو أول عطاء أمر لهم به. أما بعد؛ فإن هذا الفيء فيء الله الذي فاءه على المسلمين بهم، وجعل فيه حقوقهم وقوتهم، وأوجب على واليهم حسن ولايته لهم، وتوفيره عليهم، وتأدية حقوقهم إليهم؛ فأمير المؤمنين يجهد لكم نفسه في جمعه واجتلابه، شديد ظلفه نفسه وولده وأهل بيته وعماله عنه، بغيض إليه انتقاص شيء من حقوقكم وأطماعكم، وتأخيرها عنكم في إبانها ما وجد إلى ذلك سبيلا، وقد أمرنا لكم بعطاء، فعدكم وعيالكم، فخذوا ذلك هنيئاً مريئاً، مباركاً لكم فيه، والسلام عليكم. عن منصور بن أبي مزاحم، قال: سمعت أبا عبيد الله يقول: دخلت على أبي جعفر المنصور يوماً، فقال لي: إني

أريد أن أسألك عن شيء، فاحلف بالله أنك تصدقني. قال: فرماني بأمر عظيم، فقلت: يا أمير المؤمنين، وأدين الله بغير طاعتك وصدقك، أو أستحل أن أكتمك شيئاً علمته؟ قال: دعني من هذا، والله لتحلفن. قال: فأشار إلي المهدي أن أفعل. فحلفت؛ فقال: ما قولك في خلفاء بني أمية؟ فقلت: وما عسيت أن أقول فيهم، إنه من كان منهم لله مطيعاً، وبكتابه عاملاً، ولسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متبعاً فإنه إمام تجب طاعته ومناصحته، ومن كان منهم على غير ذلك فلا. فقال: جئت بها - والذي نفسي بيده - عراقية، هكذا أدركت أشياخك من أهل الشام يقولون؟ قلت: لا، أدركتهم يقولون: إن الخليفة إذا استحلف غفر الله له ما مضى من ذنوبه. فقال لي المنصور: إي والله، وما تأخر من ذنوبه، أتدري ما الخليفة؟ سيله ما تقام من الصلاة، ويحج به البيت، ويجاهد به العدو. قال: فعدد من مناقب الخليفة ما لم أسمع أحداً ذكر مثله، ثم قال: والله لو عرفت من حق الخلافة في دهر بني أمية ما أعرف اليوم لرأيت من الحق أن آتي الرجل منهم حتى أضع يدي في يده، ثم أقول له: مرني بما شئت. فقال له المهدي: فكان الوليد منهم؟ فقال: قبح الله الوليد ومن أقعد الوليد خليفة. قال: فكان مروان منهم؟ فقال أبو جعفر: مروان؟ لله در مروان! ما كان أحزمه وأمرسه وأعفه عن الفيء. فلم لمتموه وقتلتموه؟ قال: للأمر الذي سبق في علم الله. كتب مروان بن محمد إلى جارية تركها بالرملة عند انزعاجه إلى مصر منهزماً " من الرمل " وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى ... فأبى ويدنيني الذي لك في صدري وكان عزيزاً أن بيني وبينك ... حجاب فقد أمسيت مني على عشر وأقواهما والله للقلب فاعلمي ... إذ زدت مثليها فصرت على شهر وأعظم من هذين والله إنني ... أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر سأبكيك لا مستبقياً فيض عبرة ... ولا طالباً بالصبر عاقبة الصبر عن أبي الحسين بن راهوية الكاتب، عن من أخبره: أن مروان بن محمد جلس يوماً وقد أحيط به، وعلى رأسه خادم له، فقال له:

ألا ترى ما نحن فيه؟ لهفي على يد ما ذكرت، ونعمة ما شكرت، ودولة ما نصرت. فقال له: يا أمير المؤمنين، من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفي حتى يظهر، وأخر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا. فقال: هذا القول أشد علي من فقد الخلافة. وعن محمد بن المبارك، قال: كان آخر ما تكلم به مروان بن محمد قال لابن هبيرة: قاتل وإلا فتلتك. فقال ابن هبيرة: بودي أنك تقدر على ذلك. وكان نقش خاتمه: رضيت بالله العظيم. عن يوسف بن مازن الراسبي، قال: قام رجل إلى الحسن بن علي، فقال: يا مسود وجه المؤمنين! فقال الحسن: لا تؤنبني رحمك الله، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلاً فرجلاً، فساءه ذلك، فنزلت: " إنا أعطيناك الكوثر " نهر في الجنة، ونزلت " إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر " تملكه بنو أمية. قال: فحسبنا ذلك، فإذا هو كما قال لا يزيد ولا ينقص. قال خليفة: وفي هذه السنة - يعني سنة اثنتين وثلاثين ومئة - بعث أبو العباس عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس لقتال مروان، وزحف مروان بمن معه من أهل الشام والجزيرة، وحشدت معه بنو أمية بأنفسهم وأتباعهم. فحدثني بشر بن بشار، عن شيخ من أهل الجزيرة، قال: خرج مروان في مئة ألف من فرسان أهل الشام والجزيرة.

قال خليفة: وقال أبو الذيال: كان مروان في مئة ألف وخمسين ألفاً، فسار حتى نزل الزابين دون الموصل، وسار عبد الله بن علي، فالتقوا يوم السبت صبيحة إحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومئة. فهزم مروان، وقطع الجسور إلى الجزيرة، فأخذ بيوت الأموال والكنوز فأتى دمشق؛ وسار عبد الله بن علي حتى دخل الجزيرة، ثم خرج واستخلف موسى بن كعب التميمي، وتوجه عبد الله بن علي إلى الشام، وأرسل أبو العباس صالح بن علي حتى اجتمعا جميعاً ثم سارا إلى دمشق فحاصروها أياماً حتى افتتحوها، وكان مروان يومئذ بفلسطين، فهرب حتى أتى مصر. قال أبوالذيال: كان مروان بمصر، فلما بلغه دخول عبد الله بن علي دمشق عبر النيل وقطع الجسر، ثم سار قبل بلاد الحبشة، ووجه عبد الله بنعلي أخاه صالح بن علي في طلب مروان، فاستعمل صالح عامر بن إسماعيل أحد بني الحارث بن كعب، وتوجه في أثر مروان فلحقه بقرية من قرى مصر يقال لها: بوصير، فقتل مروان في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة. عن يعقوب بن سفيان، قال: وهرب مروان بن محمد إلى مصر، فنزل إلى كنيسة يقال لها: بوصير، من كورة الصعيد، من آخر الليل، فأرق وسهر، فسأل بعض أهلها فقال: ما اسم هذه؟ قيل: بوصير. فتطير من ذلك - وأتقن مروان ذلك مما نزل به - فجعل يرجع ويقول: بوصير " إنا لله وإنا إليه راجعون " فيها المصير إلى الله. وأحاط عامر بن إسماعيل ببوصير، فقتلوا مروان، وحاز صالح بن علي بن عبد الله بن عباس عسكر مروان، وبعث برأس مروان إلى أبي عون، فبعث به إلى صالح بن علي يوم الأحد لثلاث من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وبعث صالح بالرأس مع خزيمة بن يزيد بن هانئ إلى أبي العباس وهو بالحيرة.

مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان

مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان ابن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر أبو عبد الله الفزاري كوفي الأصل، وسكن دمشق. روى عن إسماعيل بن أبي خالد، بسنده إلى جرير، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة ". وعن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن خراش، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله خلق كل صانع وصنعته ". قال سليمان بن الأشعث: سمعت أحمد بن حنبل ذكر أبا إسحاق الفزاري فقال: كان مروان ابن عمه، كانا من ولد أسماء بن خارجة. قال: قلت لأحمد: من أين كان مروان - أعني الفزاري -؟ قال: كان أهل الكوفة، ثم صار بمكة، ثم صار بدمشق. قال ابن سعد: كان من أهل الكوفة، ثم أتى الثغر فأقام به، ثم قدم بغداد فأقام بها ونزله، وسمع منه البغداديون، وكان ثقة، ثم خرج إلى مكة فأقام بها، فمات في عشر ذي الحجة قبل التروية بيوم سنة ثلاث وتسعين ومئة؛ وكان يوم مات ابن إحدى وثمانين سنة. قال مروان بن معاوية الفزاري: أتيت الأعمش فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: أنا مروان بن معاوية بن الحارث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري. فقال لي: لقد قسم جدك أسماء قسماً، فنسي جاراً

له، ثم استحيا أن يعطيه وقد بدأ يآخر قبله، فنقب عليه. وصب الماء صباً! أفتفعل أنت شيئاً من ذلك؟ عن سليمان بن الأشعث، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان أحفظ مروان بن معاوية، كان يحفظ حديثه كله. وقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما كان أحفظ مروان بن معاوية، كان يحفظ حديثه كله. وقال: سمعت أحمد يقول: مروان بن معاوية ثقة. وقال العجلي: مروان بن معاوية كوفي ثقة، وما حدث عن الرجال المجهولين فليس حديثه بشيء. وقال في موضع آخر: مروان بن معاوية ثقة ثبت، من فزارة، من ولد عيينة بن بدر، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يروي عن عيينة شيئاً، وما حدث عن المعروفين فصحيح، وما روى عن المجهولين ففيه ما فيه وليس بشيء. عن علي بن الحسين بن جنيد، يقول: سمعت ابن نمير يقول: كان مروان بن معاوية يلتقط الشيوخ من السكك. قال: وسألت أبي عن مروان بن معاوية الفزاري، فقال: صدوق، ولا يدفع عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين. قال مهدي بن أبي مهدي: كان في خلق الفزاري شراسة، وكان له حفاظ، وكان معيلاً شديد الحاجة، وكان الناس يبرونه، فإذا بره الإنسان كان ما دام ذلك البر عنده في منزله يعرف فيه البر والانبساط إلى الرجل.

مروان بن موسى بن نصير

قال: فنظرت فلم أجد شيئاً أبقى في منزل الرجل من الخل، ولا أرخص منه بمكة. قال: فكنت أشتري جرة من خل، فأهدي له، فأرى موقع ذلك منه؛ فإذا فني أرى منه. فأسأل جاريته: أفني خلكم؟ فتقول: نعم. فأشتري جرة فأهديها له فيعود إلى ما كان عليه. قال دحيم: ومات مروان بن معاوية في سنة ثلاث وتسعين ومئة. وقال ابن مصفى: ومروان بن معاوية توفي سنة أربع وتسعين ومئة. مروان بن موسى بن نصير وفد على سليمان بن عبد الملك. قال خليفة: ففيها - يعني سنة تسع وثمانين - أغزا موسى بن نصير ابنه مروان بن موسى السوس الأقصى، فبلغ السبي أربعين ألفاً. مروان بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي كان مع إخوته يزيد والمفضل وعبد الملك بني المهلب حتى استجاروا بسليمان بن عبد الملك، لما هربوا من الحجاج بن يوسف من العراق، فكتب فيهم سليمان من فلسطين إلى أخيه الوليد يسأله لهم الأمان، فأمنهم، فحملوا إلى الولي، فعفا عنهم.

مروان بن هشام بن عبد الملك

مروان بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس وأمه أم عثمان بنت سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان. مروان بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ولي الصائفة في خلافة أبيه الوليد. قال الوليد: وفي سنة ثلاث وتسعين غزا العباس بن الوليد الصائفة اليسرى، وغزا مروان بن الوليد الصائفة الأخرى، وخرج مسلمة من قبل الجزيرة، وبلغ الوليد بن هشام مرج الشحم. قال خليفة: وغزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة، سنة ثلاث وتسعين. قال محمد بن عمر: وفيها - يعني سنة ثلاث وتسعين - توفي مروان بن الوليد. وقال: إن الذي غزا حنجرة مروان بن عبد الملك، فالله أعلم. مروان بن يحيى بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي

مروان بن أبي حفصة

مروان بن أبي حفصة واسم أبي حفصة يزيد، مولى مروان بن الحكم الأموي، وكان مروان هذا من أصحاب عبد الملك بن مروان. زعم المدائني: أنه كان لأبي حفصة ابن يقال له: مروان، سماه مروان بن الحكم بأسمه، وليس بالشاعر، وكان شجاعاً مجرباً، وأمد به عبد الملك الحجاج، وقال له: قد بعثت إليك مولاي مروان بن أبي حفصة، وهو يعدل ألف فارس؛ فشهد معه محاربة ابن الأشعث، فأبلى بلاءً حسناً، وعقرت تحته عدة خيول، فاحتسب بها الحجاج عليه من عطائه، فشكاه إلى عبد الملك وذم الحجاج عنده، فعوضه مكان ما أغرمه الحجاج. مروان أبو عبد الملك مولى بني أسيد روى عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: أغرنا مع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حي، فمررنا بجبل فيه الحي، فأشرف علينا منهم مشرف، فقال: ما الذي ينجيكم منا؟ فقلنا: لا إله إلا الله. فقالها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حرز الجبل ومن فيه " أو قال: " ومن فيه ". مروان أبو عبد الملك الذماري القارئ، يلقب مزنة من أهل دمشق، قرأ القرآن، وولى قضاء دمشق.

مروان المغربي

روى عن يحيى بن الحارث الذماري، قال: قلت لوائلة بن الأسقع الليثي: بايعت بيدك هذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قلت: أعطنيها أقبلها؛ فأعطانيها وقبلتها. عن أيوب بن تميم القارئ، قال: كبر يحيى بن الحارث الذماري، قال: وكانت قراءة الجند على قراءة أبي عبد الملك القارئ، ولاإمام يحيى بن الحارث وعلى أبي عبد الملك قرأت، ثم أدركت يحيى بن الحارث حتى قرأت عليه، وكان يحيى يقف خلف الأئمة لا يستطيع أن يؤم من الكبر، فكان يرد عليهم إذا غفلوا. مروان المغربي وهو غير مروان بن عثمان السقلي حدث أبو عبد الله محمد بن المحسن بن أحمد السلمي، قال: مروان المغربي رجل وصل دمشق، ذكره خامل، وحاله عن الصلاح حائل، كان كثير الاختلاط بالقاضي الزكي، وكان يصله ويحسن إليه مدة مقامه بدمشق، وكان القاضي يشهد له بالفضل ووفور القسم من العلم، ويذكر أنه كان أفضل من مروان بن عثمان. مرة بن جنادة الكلبي ثم العليمي شاعر شهد صفين مع معاوية. قال: " من الكامل "

مرة الداراني مرى الرومي

ألا سألت بنا غداة تبعثرت ... بكر العراق بكل عضب مقصل برزوا إلينا بالرماح تهزها ... بين الخنادق مثل هز الصقيل والخيل تضبر في الحديد كأنها ... أشد أصابتها رياح شمأل مرة الداراني مرى الرومي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمع رسوله شجاع بن وهب، وآمن بالنبي ولم يره. حدث عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر، وهو بغوطة دمشق، فخرج من المدينة في ذ الحجة سنة ست، وذلك مرجع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية، فكتب إليه: " بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى، وآمن به وصدق به، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك ". قال: فختم الكتاب، ثم خرج به شجاع. قال: فانتهيت إلى حاجبه، فأخذه وهو يومئذ مشغول بتهيئة والألطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيلياء، حيث كشف الله عنه جنود فارس، فشكر الله. قال: فانتهيت إلى حاجبه، فأقمت عنده يومين أو ثلاثة. فقلت لحاجبه: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه. فقال حاجبه: لا تصل إليه - وكان رومياً، وكان اسمه مرى - قال: فكنت أحدثه عن صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما يدعو إليه، فيرق حتى يغلبه البكاء، ويقول: إني قرأت الإنجيل فأجد صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعينه، فكنت أراه يخرج بالشام، فأراه قد خرج بأرض القرظ، فأنا أومن به وأصدقائه، وأنا أخاف الحارث أن يقتلني؛ فكان يكرمني ويحسن ضيافتي، ويخبرني عن الحارث باليأس منه، ويقول: وهو يخاف من قيصر.

مزاحم بن خاقان

فخرج الحارث يوماً، فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه، فدفعت إليه كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأه ثم رمى به، ثم قال: ومن ينزع ملكي؟ أنا سائر إليه، ولو كان باليمن جئته، علي بالناس. فلم يزل يفرض حتى الليل، وأمر بالخيول تنعل، ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى. قال: وكتب إلى قيصر يخبره خيري وكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، فيصادف قيصر بإلياء وعنده دحية، فدفع إليه بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقرأه قيصر، ثم كتب إليه: ألا تسير إليه، وله عنه، ووافني بإيلياء. قال: ورجع الكتاب وأنا مقيم. قال: فلما جاءه جواب الكتاب دعاني فقال: متى تريد أن تخرج إلى صاحبك؟ قال: فقلت: غداً. قال: فأمر لي بمئة مثقال من ذهب، قال: ووصلني بكسوة ونفقة، وقال: أقرئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني السلام، وأخبره أني متبع دينه. قال شجاع: فقدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قال لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ". ومات ابن أبي شمر عام الفتح، ووليهم جبلة بن الأيهم، وكان ينزل الجابية، وكان آخر ملوك غسان، فأدركه عمر بن الخطاب، وأسلم فلاحي رجلاً من مزينة فلطم عينه، فجاء به إلى عمر بن الخطاب فقال: تأخذ لي بحقي. فقال عمر: ألطم عينه، فقال جبلة: عيني وعينه سواء؟ قال عمر: نعم. قال جبلة: لا أقيم بهذه الدار أبداً، فلحق بعمورية مرتداً، حتى مات على ردته؛ وكان الحارث بن أبي شمر نازلاً بجلق. مزاحم بن خاقان أحد قواد المتوكل، قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومئتين.

مزاحم بن أبي مزاحم زفر الثوري

وذكر أبو بكر أحمد بن كامل القاضي، قال: سنة أربع وخمسين ومئتين مات مزاحم بن خاقان، وكان على الحرب بمصر. مزاحم بن أبي مزاحم زفر الثوري ويقال: الضبي، الكوفي وفد على عمر بن عبد العزيز. عن مزاحم بن زفر - وكان من قوم ربيع بن خثيم - قال: قال رجل للربيع بن خثيم: أوصني. قال: ائتني بصحيفة. قال: فكتب فيها: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى أن بلغ " لعلكم تتقون ". قال: إنما أتيتك لتوصيني. قال: عليك بهؤلاء. وعنه، قال: قدمت على عمر بن العزيز، فسألني: من على قضائكم؟ قلت: القاسم بن عبد الرحمن. قال: كيف علمه؟ قلت: فيما فهم. قال: فمن أعلم أهل الكوفة؟ قلت: أتقاكم لله عز وجل. وقال: قدمت على عمر بن عبد العزيز في وفد أهل الكوفة، فسألنا عن بلدنا وأميرنا وقاضينا، ثم قال: خمس إن أخطأ القاضي منهن خصلة كانت فيه وصمة؛ أن يكون فهماً، وأن يكون حليماً، وأن يكون عفيفاً، وأن يكون صلباً، وأن يكون عالماً يسأل عما لا يعلم. روى عن مجاهد، عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أربع دنانير؛ ديناراً أعطيته مسكيناً، وديناراً أعطيته في رقبة، وديناراً أنفقته في سبيل الله، وديناراً أنفقته على أهلك، أفضلها الذي أنفقته على أهلك ".

مزاحم بن زفر بن علاج

عن يحيى بن معين، أنه قال: مزاحم بن زفر الضبي ثقة. مزاحم بن زفر بن علاج ابن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس - بكسر الجيم - بن نشبة بن ربيع بن عمرو بن عبد الله بن لؤي بن عمرو بن الحارث بن تيم الرباب بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، التيمي قدم دمشق، وحدث بها وبالعراق، وكان مزاحم فقيهاً شريفاً بالكوفة. روى عن أيوب بن حوط، عن نفيع بن الحارث، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع إخوانه، فإن الله جاعل له في دعائهم بركة ". مزاحم بن عبد الوارث بن إسماعيل بن عباد أبو الحسن البصري العطار قدم دمشق سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة، ونزل دار خديجة بنت الحسين. روى عن محمد بن زكريا الغلابي، بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قسم من الله عز وجل لا يدخل الجنة بخيل ". غريب جداً، والغلابي ضعيف. وبه، عن الغلابي: حدثني رجل أنه دخل إلى بستان بالحجاز، فيه قصر، وفيه قبر صاحب البستان، وعليه مكتوب: " من البسيط "

مزاحم بن أبي مزحم

يا من يعلل باللذات مهجته ... أما ترى رب هذا القصر مهجورا كان الأنيس ومأوى كل نتجع ... فأصبح اليوم بالبيداء مقبورا مزاحم بن أبي مزحم مولى عمر بن عبد العزيز أصله من سبي اليزيد، وسكن مكة. عن مزاحم، قال: خرجت مع عمر بن عبد العزيز في بعض أسفاره. قال: فأمر بشاة فذبحت. قال: فجاء كلب حتى قام علينا، قال: فقال عمر: مزاحميا، ألق له بضعة فإنه المحروم. وقال: قال لي عمر بن هبيرة: ما تركت لأحد من أهلي ما تركت لك. وعن سفيان الثوري، قال: قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم: إن الولادة جعلوا العيون على العوام، وإني أجعلك عيناً على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بي عنها، أو فعلاً لا تحبه، فعظني عنده، ونبهني عليه. قال عمر بن عبد العزيز: أول من أيقظني لهذا الشأن مزاحم، حبست رجلاً فجاوزت في حبسه القدر الذي يجب عليه، فكلمني في إطلاقه، فقلت: ما أنا بمخرجه حتى أبلغ في الحيطة عليه ما هو أكثر مما مر عليه. قال: فقال مزاحم: يا عمر بن عبد العزيز، إني أحذرك ليلة تمخض بالقيامة، في صبيحتها تقوم الساعة، يا عمر، ولقد كدت أنسى اسمك مما أسمع: قال

مزيد

الأمير وقال الأمير. فوالله ما هو إلا أن قال ذلك فكأنما كشفت عن وجهي غطاء، فذكروا أنفسكم - رحمكم الله - فإن الذكرى تنفع المؤمنين. قال ميمون بن مهران: ما رأيت ثلاثة في بيت خيراً من عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك ومولاه مزاحم. عن حنظلة بن عبد العزيز بن ربيع بن سبرة بن معبد الجهني، عن أبيه، عن جده، قال: قلت لعمر بن عبد العزيز وقد هلك ابنه وأخوه ومولاه مزاحم في أيام: يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلاً أصيب في أيام متوالية بأعظم من مصيبتك، ما رأيت مثل ابنك ابناً، ولا مثل أخيك أخاً، ولا مثل مولاك مولى. قال: فسكن ساعة، ثم قال لي: كيف قلت يا ربيع. فأعدتها عليه؛ فقال: لا والذي قضى عليهم بالموت ما أحب أن شيئاً من ذلك كان لم يكن، من الذي أرجوه من الله تعالى فيهم. مزيد بن حوشب بن يزيد بن رويم الشيباني أخو العوام بن حوشب حدث، قال: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تقلق إلا لهما. مزيد عن الوليد بن مسلم، قال: وأخبرني مزيد أنه كان يرى ابن أبي زكريا وأبا مخرمة وغيرهم من التابعين يغزون عليهم تباين إلى الركبتين تحت السراويلات مخافة السلب. قال: ويكرهون لبس الثياب التي لا تستر شيئاً إلا العورة.

مساحق بن عبد الله بن مساحق

مساحق بن عبد الله بن مساحق ابن عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي، العامري، ابن أخي نوفل بن مساحق مسافر بن أحمد بن جعفر أبو المعافى البغدادي، الجزري، الخطيب بتنيس قدم دمشق، وحدث بها. روى عن أبي عمر محمد بن جعفر القتات، بسنده إلى عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ". مسافر ويقال مساور الخراساني ولي دمشق في خلافة المنصور، وولاية محمدبن الأشعث بن يحيى الخراساني على دمشق، سنة أربعين ومئة. مسافع بن تميم بن نصر ابن مسافع بن عبد العزى بن جارية بن يعمر بن عوف بن حدى بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة شهد صفين مع معاوية، وكان معه لواء كنانة. قال أبو نصر بن ماكولا: وأما حدى، أوله حاء مهملة مسافع بن عبد العزى، الذي عمر فطال عمره، وهو

مسافع بن عبد الله بن شافع

شاعر، ومن ولده مسافع بن تميم بن نصر بن مسافع، كان معه لواء كنانة يوم صفين مع معاوية. مسافع بن عبد الله بن شافع ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق، من قواد أهل اليمن. عن خالدوعبادة، قالا: وبقي بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان من قواد أهل اليمن عدد، منهم مسافع بن عبد الله بن شافع. مسافع بن عبد الله بن شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر أبو سليمان القرشي، العبدري، المكي روى عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورها، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب ". وفي رواية: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الركن والمقام من ياقوت الجنة، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي ". وعن صفية بنت شيبة: أن امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارهم، قالت لعثمان بن طلحة: لم دعاك

مساور بن شهاب بن مسرور

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد خروجه من البيت؟ قال: قال لي: " إني رأيت قرني الكبش في البيت، فنسيت أن آمرك تخمرهما، فخمرهما، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل مصلياً ". قال صامت: فقلت لسفيان: هو قرن الكبش الذي فدي بنابن إبراهيم؟ قال: نعم. وحدث مسافع؛ أنه أتى عمر بن عبد العزيز ومعه ابن له، فقال: أما ابنه فأنزله دار الضيفان، قال: وأنزله معه في البيت، وكانت امرأته ذات قرابة. قالت: فصلى ليلة المغرب، ثم دخل فصلى في مسجد البيت، فبكى فأطال البكاء، فقالت له امرأته: يا أمير المؤمنين، انصرف إلى ضيفك فعشه ثم شأنك؛ فانصرف وأقبل يعتذر، وقال: يا مسافع، كيف يسيغ الرجل الطعام والشراب وليس أحد بين المشرق والمغرب يظلم بمظلمة إلا كنت أنا صاحبه؟! قال ابن سعد: وأمه أم ولد، وكان قليل الحديث. وقال العجلي: مسافع بن شيبة، حاجب الكعبة، مكي، ثقة. مساور بن شهاب بن مسرور ابن سعد بت أبي الغادية يسار بن سبع أبو الحسن المزني روى عن أبيه شهاب، عن أبيه مسرور، عن جده، عن أبيه، قال: فقد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الغادية في الصلاة، فإذا به قد أقبل، فقال: " ما خلفك عن

مساور بن عتبة الربعي

الصلاة يا أبا الغادية؟ ". فقال: ولد لي مولود يا رسول الله. فقال: " هل سميته؟ " فقال: لا. قال: " فجئ به ". فجاء به فمسح على رأسه بيده وسماه سعداً. مساور بن عتبة الربعي من وجوه أصحاب مروان بن محمد الذين خرجوا معه من الجزيرة إلى دمشق في طلب الخلافة، وكان المساور أميراً على من معه من ربيعة. مساور بن قيس بن زهير ابن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس ابن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان، العبسي وفد على الوليد بن عبد الملك يستمنحه في أيام عبد الملك، ويدل عليه بالخؤولة، فإن أم الوليد عبسية، فلم يصادف عنده ما أراد فهجاه. ذكر أبو الحسن المدائني، قال: كان جد برز العبسي - يعني جد برز بن كامل بن برز - سيداً، وقد هجاه المساور بن قيس العبسي، أتاه فلم يصله، فتحول عنه وقال: " من الوافر " ثلاثة أشهر في دار برز ... يرجى نائلاً عند الوليد فلا يشكى الكلال بدار برز ... ولكن أن تحوب فلا تعودي فإن زهد الوليد كما زعمتم ... فما ورث الزهادة من بعيد فقال عبد الملك بن مروان: ممن ورث الزهادة؟ قال: منا. قال: لو قلت غير هذا لقتلتك. وقال أيضاً: " من المتقارب " فقدت الوليد وأنفاً له ... كثيل القعود أبى أن يبولا

مسبح الداراني

فليت لنا خالداً بالوليد ... وعبد العزيز بيحيى بديلا أنحن قعدنا بأبنائنا ... أم القوم أنج منا فحولا فقال له عبد الملك: من قعد به؟ قال: نحن يا أمير المؤمنين. مسبح الداراني حدث، قال: رأيت أبا سليمان الداراني وعليه قباء أحمر وقلنسوة حمراء مقلوبة وخف أحمر. مستورد بن قدامة الباهلي من أهل العراق، وفد على معاوية، وكان ممن شهد لزياد أنه ابن أبي سفيان. مستهل بن داود التميمي روى عن عبد السلام بن مكلبة، بسنده إلى أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عزة العرب كنانة، وأركانها تميم، وخباؤها أسد، وفرسانها قيس، ولله تبارك وتعالى من أهل السموات فرسان، وفرسانه في الأرض قيس ". مستهل بن الكميت بن زيد ابن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمروبن سبيع ويقال: ابن زيد بن خنيس بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدي

مسجر السكسكي

شاعر ابن شاعر، وفد على هشام بن عبد الملك مع أبيه حين هرب من خالد القسري. ذكر أبو الفرج علي بن الحسين في كتابه، قال: وحضر المستهل بن الكميت باب عيسى بن موسى، فكان يكرمه، فبلغه أنه قد غلب عليه الشراب، فاستخف به، وكان آخر من يدخل علىعيسى بن موسى قوم يقال لهم: الراشدون، يؤذن لهم في القعود، فأدخل المستهل معهم فقال: " من المتقارب " ألم تر أني لما حضرت ... دعيت فكنت مع الراشدينا ففزت بأحسن أسمائهم ... وأقبح منزلة الداخلينا قال الأصمعي: حبس عبد الله بن علي المستهل بن الكميت، فكتب إليه: " من الطويل " لئن نحن خفنا في زمان عدوكم ... وخفناكم إن البلاء لراكد فأطلقه. مسجر السكسكي روى عن عبد الله بن مساحق، عن أبي الدرداء، قال: قلنا: يا رسول الله، ماذا يروا أمتك؟ أو ماذا ينتقم منها؟ قال: " فتن تأتي من المشرق كقطع الليل المظلم، يهلك فيها أمتي أفناداً " قلت: بأبي وأمي، وأي شيء أفناداً؟ قال: " زمراً زمراً ".

مسدد بن علي بن عبد الله

مسدد بن علي بن عبد الله ابن العباس بن حميد بن العباس بن الوليد بن أبي السجيس أبو المعمر بن أبي طالب الأملوكي، الحمصي إمام جامع حمص وخطيبها، سمع بحمص بجمشق روى عن عبد الوهاب بن الحسن الكلابي، بسنده إلى عائشة؛ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ". وعن أبي حفص عمر بن علي بن الحسين بن إبراهيم العتكي الأنطاكي، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حلف بالطلاق ولا استحلف به إلا منافق ". غريب جداً. قال أبو محمد الكتاني: توفي شيخنا أبو المعمر إمام مسجد سوق الأحد في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمئة، وكان فيه تساهل. مسرور بن صدقة أبو صدقة الحارثي من أهل دمشق. روى عن الأوزاعي، بسنده إلى أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أراد أن ينفر من منى، قال: " نحن نازلون - إن شاء الله - بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا الكفر ". يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وبني كنانة تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم، ولا يكون بينهم وبينهم شيء حتى يسلموا إليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

مسرور بن مساور بن سعد

مسرور بن مساور بن سعد ابن أي الغادية يسار بن سبع المزني روى عن جده سعد بن أبي الغادية، عن أبيه، قال: فقد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الغادية في الصلاة، فإذا به قد أقبل، فقال: " ما خلفك عن الصلاة يا أبا الغادية؟ " فقال: ولد لي مولود يا رسول الله. فقال: " هل سميته؟ " فقال: لا. قال: " فجئ به " فجاء به فمسح على رأسه، وسماه سعداً. مسرور بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو سعيد الأموي وجهه يزيد بن الوليد من دمشق في جيش لقتال أهل حمص حين قاموا بطلب دم الوليد بن يزيد، ثم استعمله يزيد على قنسرين، وأم مسرور أم ولد. وكانت داره بدمشق بناحية سوق القمح. مسروق بن عبد الرحمن وهو الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مر بن سلامان بن معمر بن عائشة، ويقال: أبو أمية الهمداني، ثم الوادعي، الكوفي وقدم الشام في طلب الحديث، ثم حضر تحكيم الحكمين بدومة الجندل.

روى عن عائشة، قالت: فتلت لهدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القلائد قبل أن يحرم. عن الشعبي، قال: خرج مسروق إلى البصرة، إلى رجل يسأله عن آية، فلم يجد عنده فيها علماً، وأخبر عن رجل من أهل الشام يقدم علينا ها هنا، ثم خرج إلى الشام، إلى ذلك الرجل في طلبها. قال أبو بكر الخطيب: يقال: إنه سرق وهو صغير، ثم وجد فسمي مسروقاً، وكان حضر مع علي حرب الخوارج بالنهروان. عن مسروق بنالأجدع، قال: كنت مع أبي موسى أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا به - بمعاوية - من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه فقال: يا مسروق بن الأجدع. قلت: لبيك أبا موسى. قال: إن الأمرة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف. عن أبي داوا، قال: مسروق بن الأجدع، كان أبوه أفرس فارس باليمن، ومسروق ابن أخت عمرو بن معد يكرب، وعمرو خاله. كان عيسى بن يونس يقول إذا حدث عن مسروق: كان ضخماً في الجاهلية، وفي الإسلام أضخم وأضخم، وكان أبوه همدان، وقادها في الجاهلية.

قال مسروق: لقيت عمر بن الخطاب، فقال لي: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع. فقال عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الأجدع: الشيطان " ولكنك مسروق بن عبد الرحمن. قال عامر: فرأيته في الديوان مكتوباً: مسروق بن عبد الرحمن. فقلت: ما هذا؟ فقال: هكذا سماني عمر. عن عامر الشعبي، قال: ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق. عن أبي الأحوس، قال: سمعت ابن مسعود يقول لمسروق: يا مسروق، أصبح يوم صومك دهيناً كحيلاً، وإياك وعبوس الصائمين، وأجب دعوة من دعاك من أهل ملتك ما لم يظهر لك منه معزاف أو مزمار، وصل على من مات منهم، ولا تقطع عليه الشهادة، واعلم أنك لو تلقى الله بأمثال الجبال ذنوباً خير لك من أن تلقاه - كلمة ذكرها - وأن تقطع عليه الشهادة؛ يامسروق، وصل عليه وإن رأيته مصلوباً أو مرجوماً، فإن سئلت فأحل علي، وإن سئلت أحلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن مرة، قال: ما ولدت همدانية مثل مسروق. قال الشعبي: أحدثك عن القوم كأنك شهدتهم، كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازي شريحاً في علم القضاء، وأما علقمة فانتهى إليه علم عبد الله بن مسعود لم يجاوزه، وأما مسروق فأخذ عن كل، وكان الربيع بن خثيم أعلمهم علماً وأورعهم ورعاً.

عن إبراهيم، قال: انتهى علم أهل الكوفة إلى ستة من أصحابه - يعني ابن مسعود - فهم اللذين كانوا يفتنون الناس ويعلمونهم ويقؤئونهم؛ علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة السلماني، والحارث بن قيس الجعفي، وعمروبن شرحبيل الهمداني. قال العجلي: مسروق بن الأجدع، يكنى أبا عائشة، كوفي، تابعي، ثقة، وكان أحد أصحاب عبد الله الذين يقرؤون ويفتون، وكان يصلي حتى ترم قدماه. قال الشعبي: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق، وكان شريح يستشير مسروقاً، وكان مسروق لا يستشير شريحاً. وقال: إن أهل بيت خلقوا للجنة فهم هؤلاء؛ الأسود وعلقمة ومسروق. قال مسروق: لا تنشر برك إلا عند من يبغيه. وقال: إني أخاف أن أقيس فتزل قدم بعد ثبوتها. قال خليفة في تسمية قضاة الكوفة في زمن معاوية: كان شريح قاضياً عليها فأحدره زياد معه إلى البصرة فقضى مسروق بن الأجدع حتى رجع شريح. وذكر أن شريحاً غاب بالبصرة سنة.

عن قمير امرأة مسروق: أن مسروقاً لم يكن يأخذ على القضاء رزقاً. قال مسروق: لأن أقضي يوماً بعدل وحق أحب إلي من أغزو في سبيل الله سنة. وعن إبراهيم بن المنتشر ابن أخي مسروق، عن أبيه؛ أن خالداً - يعني ابن عبد الله بن أسيد - كان عاملاً على البصرة، أهدى إلى مسروق ثلاثين ألفاً وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها. قال مسروق: أوثق ما أكون بالرزق حين يجيء الخادم فيقول: ما في البيت طعام ولا دقيق ولا ماء. وقال: أطيب ما أكون نفساً يوم تقول المرأة: ما عندنا درهم ولا قفيز. عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، قال: أصبح مسروق يوماً وليس لعياله رزق، فجاءته امرأته قمير، فقالت له: يا أبا عائشة، إنه ما أصبح لعيالك اليوم رزق. قال: فتبسم وقال: والله ليأتيهم الله برزق. حدث أبو إسحاق: أن كسروقاً زوج ابنته السائب - يعني ابن الأقرع - على عشرة آلاف اشترطها لنفسه، وقال: جهز امرأتك من عندك. قال: وجعلها مسروق في المجاهدين والمساكين والمكاتبين.

قال أبو وائل: كنت مع مسروق في السلسلة. فما رأيت أميراً قط كان أعف منه، ما كان يصيب إلا ماء دجلة. عن مسلم، قال: غاب مسروق إلى السلسلة سنتين، ثم قدم، فلما قدم نظر أهله في خرجه فأصابوا فأساً بغير عود، فقالوا: غبت عنا سنتين ثم جئتنا بفأس بغير عود! قال: إنا لله، تلك فأس استعرناها نسينا نردها. قال مسروق: ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت مسلماً أو معاهداً ديناراً ولا درهماً، ولكن بي هذا الجبل الذي لم يسنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر. قال: فقيل له: ما حملك على الدخول فيه؟ قال: لم يدعني شريح وزياد والشيطان حتى أدخلوني فيه. عن الشعبي، قال: استعمل زياد مسروقاً على السلسلة، فانطلق، فمات بها. فقيل له: كيف خرج من عمله؟ قال: ألم تروا إلى الثوب يبعث به إلى القصار فيجيد غسله، فكذلك خرج من عمله. وعنه، قال: لما بعث زياد مسروقاً إلى السلسلة شيعه أصحابه، فلما انصرفوا قال له شاب: يا مسروق، إنك قد أصبحت قريع القراء، وإن زينك لهم زين، وإن شينك لهم شين، فلا تحدث نفسك بفقر ولا بطول أمل. عن مسلم، قال: وكان - يعني مسروقاً - على السلسلة، فقدم إلى الكوفة، فاشترى كبشاً باثنين

وعشرين درهماً، فلم يكن عنده نقد، فاستقرضها من بعض جيرته، فدخل القصر وأنا معه، فلقيه قوم فأثنوا عليه فقالوا: جزاك الله خيراً فقد عدلت وأحسنت؛ فلم يزد على أن قرأ هذه الآية " أفمن وعدناه وعداً حسناً " حتى بلغ " ثم هو يوم القيامة من المحضرين ". قال عبيدة بن يعيش: دعا أعرابي لمسروق فقال: وقاك الله خشية الفقر وطول الأمل، ولا جعلك دريئة للسفهاء ولا شيناً على الفقهاء. قال سعيد بن جبير: لقيني مسروق فقال: يا سعيد، ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نغفر وجوهنا في هذا التراب. قال أبو إسحاق: حج مسروق فلم ينم إلا ساجداً على وجهه حتى رجع. قالت امرأة مسروق: كان - تعني مسروقاً - يصلي حتى تورم قدماه، فربما جلست نهاري أبكي مما أراه يصنع بنفسه. قال أنس بن سيرين: بلغنا بالكوفة أن مسروقاً كان يفر من الطاعون، فأمكر ذاك محمد وقال: انطلق بنا إلى امرأته نسألها. قال: فدخلنا عليها فسألناها عن ذلك، فقالت: كلا والله، ما كان يفر، ولكنه كان يقول: أيام تشاغل، فأحب أن أخلو للعبادة، وكان شيخاً يخلو للعبادة. قالت: فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه، وكان يصلي حتى تورمت قدماه.

قالت: وسمعته يقول: الطاعون والبطن والنفساء والغرق، من مات فيهن مسلماً فهي له شهادة. قال الشعبي: غشي على مسروق بن الأجدع في يوم صائف وهو صائم. وكانت عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تبنته فسمى ابنته عائشة، وكان لا يعصي ابنته شيئاً. قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب. قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرفق. قال: يا بنية، إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قال مسروق: كفى بالرجل علماً أن يخشى الله، وكفى بالرجل جهلاً أن يعجب بعمله. وقال: المرء حقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر الله. عن حمزة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: بلغني أن مسروق بن الأجدع أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة فقال: ألا أريكم الدنيا؟ هذه الدنيا أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأنضوها، سفكوا فيها دماءهم، واستحلوا فيها محارمهم، وقطعوا فيها أرحامهم. عن أبي الضحى، عن مسروق: أنه سئل عن بيت من شعر، فكرهه، فقيل له، فقال: إني أكره أن أجد في صحيفتي شعراً. عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، قال: كان مسروق بن الأجدع د شهد القادسية هو وثلاثة إخوة له، عبد الله وأبو بكر والمنتشر بنو الأجدع، فقتلوا يومئذ بالقادسية، وخرج مسروق فشلت يده وأصابته آمة.

وعن مسلم، عن مسروق؛ أنه كانت هـ آمة، فقال: ما أحب أنها ليست بي، لعلها لولم تكن بي كنت في بعض هذه. قال أبو شهاب: أظنه يعني الجيوش. قال الشعبي: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده - ولم يكن شهد معه شيئاً من مشاهده، فأراد أن يناصحهم الحديث - قال: أذكركم بالله، أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض، وأخذ بعضكم على بعض السلاح يقتل بعضكم بعضاً، فتح باب من السماء وأنتم تنظرون. ثم نزل منه ملك حتى إذا كان بين الصفين قال: " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطا إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً " أكاد ذلك حاجزاً بعضكم عن بعض؟ قالوا: نعم. قال: فوالله لقد فتح الله لها باباً من السماء، ولقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنها لمحكمة في المصاحف ما نسخها شيء. عن ابن أبي ليلة، قال: شهد مسروق النهروان مع علي، فلما قتلهم قام علي وفي يده قدوم، فضرب باباً وقال: صدق الله ورسوله. فقلت: أسمعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا شيئاً؟ قال: لا، ولكن الحرب خدعة. وعن عامر الشعبي قال: ما مات مسروق حتى استغفر الله من تخلفه عن علي. قال مسروق: ما غبطت أحداً ما غبطت مؤمناً في لحده، قد استراح من نصب الدنيا وأمن عذاب الله.

مسروق العكي

عن أبي وائل، قال: لما احتضر مسروق بن الأجدع قال: أموت على أمر لم يسنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر، أما إني لست أدع صفراء ولا بيضاء إلا ما في سيفي هذا، فبيعوه وكفنوني به. عن الفضل بن عمرو، قال: مات مسروق وله ثلاث وستون. قال المدائني: توفي مسروق سنة ثلاث وستين. وقيل: اثنتين وستين. قال ابن شهاب: حدثني ملاحة - نبطية مشركة كانت تحمل له الملح - قالت: كنا إذا قحط المطر نأتي قبر مسروق - وكان منزلها بالسلسلة - فنستسقي فنسقى؛ قالت: فننضح قبره بخمر. قالت: فأتانا في النوم فقال: إن كنتم لا بد فاعلين فبنضوح. ومات مسروق بالسلسلة بواسط رحمة الله تعالى عليه. مسروق العكي أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم له رؤية ولا رواية، وشهد وقعة اليرموك أميراً على بعض الكراديس. عن سيف بن عمر، قال: وكان مسروق بن فلان في كردوس - يعني يوم اليرموك -. وعن خالد وعبادة، قالا: وبعث - يعني أبا عبيدة - مسروقاً وعلقمة بن حكيم فكانا بين دمشق وفلسطين.

مسعدة كان من الغزاة مسعدة مولى خالد

مسعدة كان من الغزاة مسعدة مولى خالد ابن عبد الله القسري. ذكر أبو الحسين الرازي؛ أنه أبو عمرو بن مسعدة، وكان خالد استعمله على الطراز بالكوفة. مسعدة بن الحرسي القرشي من أهل دمشق. مسعود بن الأسود بن حارثة ابن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج، ويقال: عوف بن عدي بن عويج ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي، العدوي. أخو مطيع بن الأسود له صحبة، استشهد يوم مؤتة بأرض البلقاء من أطراف دمشق، وهو ابن عم مسعود بن سويد بن حارثة. حدث قال: لما سرقت المرأة القطيفة من بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظمنا ذلك، وكانت من قريش، فجئنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمناه، فقلنا: يا رسول الله، نحن نفديها بأربعين

مسعود بن سعد الجدامي

أوقية. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تطهر خير لها ". فلما سمعنا لين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انطلقنا إلى أسامة بن زيد فكلمناه، فقلنا: اشفع لنا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن هذه المرأة، نفديها بأربعين أوقية؛ فلما رأى ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا خطيباً، فقال: " يا أيها الناس، ما إكثاركم على حد من حدود الله وقع على أمة من إماء الله، فواللذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد كانت لقطعتها ". فأيس الناس، فقطع يدها. قال ابن البرقي: مسعود بن الأسود قتل يوم مؤتة في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ثمان، وأمه العجماء بنت عامر. وقال أبو سعيد ابن يونس: شهد فتح مصر، وكان ممن بايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة. وذكر الزبير بن بكار أن الذي استشهد بمؤتة ابن عمه مسعود بن سويد، وتابعه محمد بن سعد كاتب الواقدي، فلا أدري أحد القولين وهم. والله تعالى أعلم. مسعود بن سعد الجدامي وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يسكن البلقاء. عن عمرو بن أمية الضمري وغيره، قالوا: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رجع من الجديبية في ذي الحجة سنة ست أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام. فذكر الحديث إلى أن قال: وكان فروة بن عمرو الجذامي عاملاً لقيصر على عمان من أرض البلقاء، فلم يكتب إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم فروة، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه وأهدى له، وبعث من عنده رسولاً من قومه يقال له:

مسعود بن سعد الأشجعي

مسعود بن سعد؛ فقرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابه، وقبل هديته، وكتب إليه جواب كتابه، وأجاز مسعوداً باثنتي عشرة أوقية ونش، وذلك خمسمئة درهم. مسعود بن سعد الأشجعي ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستشهد يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة. ويقال: كانت في المحرم سنة أربع عشرة. مسعود بن سويد بن حارثة ابن نضلة بن عوف بن عدي بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي، القرشي له صحبة، قتل بمؤتة من أرض البلقاء شهيداً، وهو ابن عم مسعود بن الأسود. قال محمد بن سعد: وكان قديم الإسلام، وقتل يوم مؤتة شهيداً في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة. وقيل: إن الشهيد بمؤتة مسعود بن الأسود بن حارثة، فالله أعلم. مسعود بن علي بن الحسين بن مسعود أبو عمرو القاضي الأردبيلي المعروف بابن الملحي قدم دمشق، وحدث بها. روى عن أبي علي محمد بن وشاح، بسنده إلى ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليل فتوضأ، ثم صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بثلاث، ثم اضطجع، ثم قام فصلى الركعتين، ثم خرج.

مسعود بن علي

قال القاضي أبو عمرو: لما فرغت من قراءة كتاب " اللمع في أصول الفقه " على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ببغداد أنشدته: " من البسيط " إن الإمام أبا إسحاق درس لي ... ما صاغه من أصول الفقه في اللمع فسوف أشكر ما يأتيه من كرم ... علامة العلماء الألمعي معي وأنشد لنفسه: " من الوافر " أراني هدني طول الليالي ... كعنين تعانيه عجوز يقول الشافعي يجوز هذا ... وقول أبي حنيفة لا يجوز قال ابن صابر: سألت القاضي أبا عمرو مسعود بن علي عن مولده فقال: في يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين وأربعمئة. مسعود بن علي أبو البركات البغدادي قدم دمشق، وحدث بها. مسعود بن محمد بن مسعود أبو المعالي النيسابوري. الفقيه الشافعي المعروف بالقطب كان أبوه من طريثيث، وكان أديباً يقرأ عليه الأدب، ونشأ هو من صباه في طلب العلوم، وتفقه على جماعة بنيسابور، ورحل إلى مرو وتفقه عند شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المروذي، وسمع الحديث بنيسابور من شيخنا أبي محمد هبة الله بن سهل

مسعود بن أبي مسعود

السيدي وغيره، ودرس في المدرسة النظامية بنيسابور مع الشيوخ الكبار نيابة عن ابن بنت الجويني، واشتغل بالوعظ، وقدم علينا دمشق سنة أربعين وخمسمئة وعقد مجلس التذكير، وحصل له قبول، وتولى التدريس بالمدرسة المجاهدية، ثم تولى التدريس بالواوية الغربية بعد موت شيخنا أبي الفتح نصر الله بن محمد الفقيه، وكان حسن النظر، مرابطاً على التدريس، ثم خرج إلى حلب، وتولى التدريس بها مدة في المدرستين اللتين بناهما له نور الدين وأسد الدين رحمهما الله، ثم خرج من حلب ومضى إلى همذان، وتولى بها التدريس، وهو بها ألى الآن له قبول، ثم رجع إلى دمشق وتولى التدريس بالزاوية الغربية، وحدث بها إلى أن مات، وقد تفرد برئاسة أصحاب الشافعي. وكان حسن الأخلاق، كريم العشرة، متودداً إلى الناس، متواضعاً قليل التصنع. مات رحمه الله آخر يوم من شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمئة، وصلى عليه صبيحة الجمعة يوم عيد الفطر، ودفن في المقبرة التي أنشأها جوار مقبرة الصوفية غربي دمشق على الشرف القبلي. مسعود بن أبي مسعود أحد ولاة الصائفة لمعاوية. قال خليفة: وفيها - يعني سنة ست وخمسين - شتا مسعود بن أبي مسعود أرض الروم. مسعود بن مصاد أو ابن أنيف بن عبيد بن مصاد الكلبي من أهل المزة، شاعر وفارس. ذكر له أبو المظفر محمد بن أحمد بن محمد الأبيوردي النسابة فيما جمعه من نسب آل أبي سفيان: " من الوافر "

مسعود بن مطيع السجزي

ألا صرمت حبالك واستمرت ... وحلت عقدة العهد الوثيق فإن تصرم حبالي أو تبدل ... فقد يسلو الصديق عن الصديق مسعود بن مطيع السجزي سمع بدمشق. مسكين بن أنيف ويقال: ابن عامر بن أنيف الدارمي اسمه ربيعة، تقدم ذكره في حرف الراء. مسكين بن بكير أبو عبد الرحمن الحراني سمع بدمشق وحمص والعراق والجزيرة والحجاز. روى عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه بغسل واحد. وعن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: أهل ناس مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعمرة في حجة، وكنت ممن أهل بعمرة. وعن الأوزاعي، عن ابن شهاب، عن أنس؛ أن النبي شرب قائماً. قال أبو عروبة: في الطبقة الرابعة من أهل الجزيرة مسكين بن بكير الحذاءالحراني، كنيته أبو عبد الرحمن، سمعت محمد بن الحارث قال: كان أبيض الرأس واللحية.

مسلمة بن إبراهيم بن عبد الله

قال عنه يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: لا بأس به، صالح الحديث، يحفظ الحديث. قال أبو جعفر بن نفيل: مات مسكين بن بكير سنة ثمان وتسعين ومئة. مسلمة بن إبراهيم بن عبد الله ابن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص القرشي، الأموي كان يسكن الراهب خارج دمشق. مسلمة بن إبراهيم البيروتي أمه أم ولد. مسلمة بن أبي بكر بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان الأموي أمه أم ولد. مسلمة بن جابر اللخمي روى عن منبه بن عثمان، بسنده إلى جابر بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم: " أتحبون أن يكون لكم سدس الجنة؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، عرضها السموات والأرض. قال: " فخمسها؟ " قالوا: نعم. قال: "

مسلمة بن حبيب بن مسلمة الفهري

فالربع؟ " قالوا: فذاك أكبر. قال: " أرجو أن أكون أنا وأمتي نصف أهل الجنة، ثم أقاسم الأنبياء النصف الباقي ". مسلمة بن حبيب بن مسلمة الفهري كان أميراً على جند دمشق مع مسلمة بن عبد الملك في غزاة القسطنطينية. عن الوليد، قال: وأخبرني غير واحد، قالوا: لما قطع مسلمة الدرب وأفضى إلى ضواحي أرض الروم أتاه كتاب ليون بن قسطنطين، وهو عامل لصاحب قسطنطينية على الضواحي إلى مسلمة يعلمه ولاية من يلي، وأنه إن أعطاه ما يسأله قدم عليه فناصحه وقواه على فتحها؛ فقرأ مسلمة كتاب ليون على الأمراء وأهل مشورته، فاجتمع رأيهم جميعاً على إجابته إلى ما سأل، وسكت مسلمة بن حبيب بن مسلمة - وهو أمير الجند - فقال مسلمة بن عبد الملك: أيها الشيخ، مالك لا تتكلم؟ فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الروم فقال: " أصحاب صحر ونحر ومكر " وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف. فتضاحك به أمراء الأجناد، وقالوا: كبر الشيخ. وقالوا: ما عسى أن يكون عند ليون مع هذه الجموع؟ فكتب إليه مسلمة بأمانة على ما سأل؛ فقدم في اثني عشر ألفاً من أساورته، فكاتبه على مناصحته ومظاهرته على الروم ودلالته على ما فيه سبب فتح القسطنطينية على بطرقته، وتمليكه على جماعة الروم الذين يؤدون الجزية، كبطريق جرزان وأرمينية؛ فكاتبه على ذلك وأشهد عليه، وذكر الحديث في خديعة ليون مسلمة حتى جمع غلال ما حول القسطنطينية، وإشارته عليه بالخروج إلى بعض الوجوه، ومكاتبة ليور الروم ليملكوه عليهم ويخلي بينهم وبين حمل الغلال، حتى كان ذلك سبب رحيل مسلمة عن القسطنطينية.

مسلمة بن سعيد بن العاص

مسلمة بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي، الأموي وفد على عمر بن عبد العزيز، ولم أجد له ذكراً في كتاب بن بكار. عن أيوب بن سليمان الرصافي، قال: سمعت أبي يقول: لما ثقلت وطأة عمر بن عبد العزيز على بني أمية اجتمعوا ببابه منكرين لما كان منه، وفي القوم مسلمة بن عبد الملك ومسلمة بن سعيد بن العاص، فقال مسلمة بن سعيد لمسلمة بن عبد الملك: يا أبا سعيد، ما تقول في هذا الأمر الذي نحن فيه؟ فقال: أرى أنه إبراء من الأضرار نزل بكم في دنياكم نقمة عليكم بقول هذا الرجل، وما أرى لكم شيئاً تلجؤون إليه إلا الصبر إلى انقضاء مدته، فإما خلفه من كان يرى بكم ما كان يراه خلفاؤكم وإما اقتدى بسيرته فيكم، فراضكم الصبر على القناعة. فقال له مسلمة بن سعيد: أحلتنا على مدة تعتادونها، ما لي نفس تقوى على هذا، فقوموا بنا. فدخل الحاجب على عمر فأعلمه بمكانهم، فقال: قد عرفت الأمر الذي جمعهم، والله لا انصرفوا إلا بما يسود وجوههم، أدخل علي زعيمهم مسلمة بن سعيد؛ فأدخله، فسلم وجلس، فأخذ في تقريظ عمر. فقال له: دع هذا وخذ فيما جئت له. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الأمر قد أفضى بأهل بيتك إلى ما يرق لهم منه العدو. فقال له عمر: هيهات، تلك أثرة حملها المعتدون على كاهل الدين فأوقروه، إنما يتراد به في صدورهم حسرات لما أسلفوا، والله ما ازددت لهم نظراً إلا ازداد البلاء عليهم ثقلاً. فقال له مسلمة: فادفع إلينا صكاك قطائعنا من خلفائنا. فقال عمر: ذكرتني الطعن وكنت ناسياً، يا جارية ذلك الصندوق؛ فوضع بين يديه، ففتحه وجعل يخرج تلك السجلات فيحرقها كتاباً كتاباً. فقال له مسلمة: لا صبر على هذا. فقال: بلى والله تصبر عليه غير مكرم في دنيا ولا مأجور في دين. فقال له: أراحنا الله منك. فقال له عمر: لا ضير، هلم فيدي معقودة بيدك إلى أن نوافي الموسم، فأجعلها إلى المسلمين، فيكونون هم الذين يختارون

مسلمة بن سعيد بن عبد الملك

لأنفسهم. فقال له مسلمة: لا يمنعني ما يسوؤني في أهل بيتي أن أقول فيك الحق، والله لا يعدلون بها عنك. مسلمة بن سعيد بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم الأموي روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوتر بخمس ركعات، لا يفصل في شيء منهن إلا الخامسة. قال عنه أبو حاتم: أرى أحاديثه صحاحاً. وقال الدارقطني: يعتبر به. مسلمة بن عبد الله بن ربعي الجهني، الداراني، العدل روى عن خالد بن اللجلاج، عن أبيه، قال: كنا نعمل في السوق، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل فرجم، فجاء رجل فسألنا أن ندله على مكانه الذي رجم فيه، فجئنا به حتى أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، إن هذا جاء يسألنا عن ذلك الخبيث الذي رجم اليوم. فقال رسول الله: " لا تقولوا: الخبيث، فوالله لهو أطيب عند الله من المسك ".

مسلمة بن عبد الحميد الضبي

وعن عمير بن هانئ، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحلوا الله يغفر لكم ". قال مروان بن محمد: قوله: أحلوا الله، أي أسلموا لله يغفر لكم. قال عبد الرحمن بن إبراهيم. مسلمة بن عبد الله الجهني، كان على بيت المال زمن هشام، وكان أيضاً على تابوت الزكاة بدمشق. مسلمة بن عبد الحميد الضبي من أهل دمشق. مسلمة بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو سعيد، وأبو الأصبغ، يكنى بهما جميعاً، الأموي وكانت داره بدمشق في محلة القباب عند باب الجامع القبلي، وولي الموسم في أيام الوليد، وغزا الروم غزوات، وحاصر القسطنطينية، وولاه أخوه يزيد إمرة العراقين، ثم عزله، وولى أرمينية. عن مسلمة بن عبد الملك، قال: لما احتضر عمر بن عبد العزيز كنا عنده في قبة، فأومأ إلينا أن اخرجوا، فخرجنا فقعدنا حول القبة، وبقي عنده وصيف، فسمعناه يقرأ هذه الآية " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علو في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ما أنتم بإنس ولا جان، ثم خرج الوصيف فأومأ إلينا أن ادخلوا، فدخلنا فإذا هو قد قبض.

قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الملك، قال: ومسلمة بن عبد الملك، كان من رجالهم، وكان يلقب الجرادةالصفراء، وله آثار كثيرة في الحروب ونكاية في الروم. عن خليفة، قال: قال ابن الكلبي: وفي سنة ست وثمانين غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم، ففتح حصن تولق وحصن الأخرم قبل وفاة عبد الملك. وفيها - يعني سنة سبع وثمانين - غزا مسلمة بن عبد الملك فافتتح قميقم وبحيرة الفرسان، وبلغ عسكره قلوذيمانس فقتل وسبى. وفيها - يعني سنة ثمان وثمانين - غزا مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد بن عبد الملك قرى أنطاكية وطوانة من أرض الروم وشتوا عليها فجمعت لهم الروم جمعاً كثيراً، فساروا إليهم، فهزم الله الروم، وقتل منهم بشراً كثيراً يقال: خمسون ألفاً وفتح الطوانة والجرجومة. وفيها - يعني سنة تسع وثمانين - غزا مسلمة بن عبد الملك عمورية فلقي جمعاً للمشركين فهزمهم الله. وفيها - يعني سنة تسعين - غزا مسلمة بن عبد الملك سورية ففتح الحصون الخمسة التي بها. وفيها - يعني سنة إحدى وتسعين - عزل الوليد محمد بن مروان عن الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وولاها مسلمة بن عبد الملك، فغزا مسلمة سنة إحدى وتسعين الترك حتى بلغ الباب من بحر أذربيجان، ففتح مدائن وحصوناً، ودان له من وراء الباب. وفيها - يعني سنة ثلاث وتسعين - غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، فافتتح سندرة؛ وأقام الحج مسلمة بن عبد الملك.

وفيها - يعني سنة خمس وتسعين - فتح مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب من أرمينية، وهدم مدينتها وأخربها، ثم بناها مسلمة بعد ذلك وبتسع سنين؛ حدثني أبو خالد عن أبي البراء، جدثني يزيد بن أسيد، قال: غزا مسلمة سنة خمس وتسعين، وافتتح مدينتين سروان وجمران والبران ومدينة صول، حتى أتى مدينة الباب. وأغزى سليمان بن عبد الملك الصائفة مسلمة بن عبد الملك - يعني سنة ست وتسعين -. وفيها - يعني سنة سبع وتسعين - غزا مسلمة بن عبد الملك برجمة، والحصن الذي افتتح الوضاح وهو حصن ابن عوف، وافتتح مسلمة أيضاً حصن الحديد وسردا، وشتا بضواحي الروم. وفي سنة ثمان وتسعين، شتا مسلمة بضواحي الروم، وشتا عمر بن هبيرة البحر، فسار مسلمة من مشتاه حتى صار إلى القسطنطينية في البحر والبر، فجاوز الخليج وافتتح مدينة السقالبة، وأغارت خيل برجان على مسلمة، فهزمهم الله، وخرب مسلمة ما بين الخليج وقسطنطينية. عن عبيد الله بن بشر الغنوي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ". قال: فدعاني مسلمة بن عبد الملك. قال: فحدثته بهذا الحديث فغزاهم. قال الأصمعي: حاصر مسلمة بن عبد الملك حصناً، فأصابهم فيه جهد عظيم، فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد، فجاء رجل من الجند فدخله، ففتح الله عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب الثقب؟ فما وجد أحد، حتى نادى مرتين أو ثلاثاً أو أربعً. فجاء في الرابعة رجل فقال: أنا أيها الأمير صاحب النقب، آخذ عهوداً ومواثيقاً ثلاثاً؛ لا تسودوا اسمي في صحيفة، ولا تأمروا لي بشيء، ولا تشغلوني عن أمري. قال: فقال مسلمة: قد فعلنا ذلك بك. قال: فغاب بعد ذلك فلم ير؛ فكان مسلمة بعد ذلك يقول في دبر صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.

عن الأوزاعي، قال: لما غزا مسلمة بن عبد الملك الروم أخذه صداع شديد، فبعث إليه ملك الروم بقلنسوة، فقال: ضعها على رأسك، فإنها تذهب بصداعك. فقال: مكيدة؛ فأخذها فوضعها على بعض البهائم فلم ير إلا خيراً، ثم أخذها فوضعها على رأس بعض أصحابه فلم ير إلا خيراً، ثم أخذها فوضعها على رأسه فذهب الصداع عنه؛ فأمر بها ففتقت فإذا فيها كتاب فيه سبعون سطراً هذه الآية مكررة " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إن الله كان حليماً غفوراً ". قال خليفة: وفيها - يعني سنة إحدى ومئة - جمع يزيد بن عبد الملك لمسلمة بن عبد الملك العراق. وأمره بمحاربة يزيد بن المهلب. وفي آخر سنة اثنتين ومئة أو أول سنة ثلاث ومئة عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق. وفيها - يعني سنة سبع ومئة - عزل هشام بن عبد الملك الجراح بن عبد الله الحكمي عن أرمينية وأذربيجان، وولاها مسلمة بن عبد الملك، فوجه مسلمة الحارث بن عمرو الطائي. قال أبو خالد: قال أبو البراء: وغزا مسلمة من ذلك العام فأدرب من ملطية فأناخ على قيسارية، فافتتحها عنوة، وذلك لأربع خلون من شهر رمضان سنة سبع ومئة. وفيها - يعني سنة ثمان ومئة - غزا مسلمة بن عبد الملك الصائفة اليمنى. وفيها - يعني سنة تسع ومئة - غزا مسلمة بن عبد الملك وسرح الجيوش في أذربيجان، فشتوا بها. ثم عزله سنة تسع.

وفيها - يعني سنة عشر ومئة - غزا مسلمة بلاد الخزر وهي الغزاة التي تسمى غزاة الطين. وفيها - يعني سنة إحدى عشرة - عزل هشام بن عبد الملك أخاه مسلمة عن أرمينية وأذربيجان، وولى الجراح بن عبد الله الحكمي الولاية الثانية. قال: قال ابن الكلبي: وخرج مسلمة بن عبد الملك في شوال سنة اثنتي عشرة ومئة في طلب الترك في شدة من المطر والثلج حتى جاوز الباب، وخلف الحارث بن عمرو الطائي في بنيان الباب وتحصينه، وقطع له بعثاً، ثم بعث الجيوش فافتتح مدائن وحصوناً فحرق أعداء الله أنفسهم بالنار في مدائنهم؛ وقتل الجراح سنة اثنتي عشرة ومئة، فولى سعيد بن عمرو الحرشي، ثم عزله سنة ثلاث عشرة وولى مسلمة بن عبد الملك ففعل مسلمة، واستخلف مروان بن محمد، وولاها هشام مروان بن محمد في أول سنة أربع عشرة ومئة. وفيها - يعني سنة أربع عشرة ومئة - عزل هشام مسلمة بن عبد الملك عن أرمينية وأذربيجان والجزيرة وولاها مروان ن محمد بن مروان مستهل المحرم. عن العتبي، قال: دخل مسلمة إلى الوليد فاسترضاه من شيء بلغه عنه، فرضي عنه. وخرج مسلمة بعد المغرب فقال الوليد: خذوا الشمع بين يدي أبي سعيد، فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين لا سريت الليلة إلا في ضياء رضاك. قال مسلمة: إن أقل الناس هماً في الآخرة أقلهم هماً بالدنيا. وقال: ما أحمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم. وقال: مروءتان ظاهرتان: الرياس والفصاحة.

عن شيخ من باهلة، قال: كان مسلمة بن عبد الملك إذا كثر عليه أصحاب الحوائج وخاف أن يضجر قال لآذنه: ائذن لجلسائي، فيأذن لهم، فيفتن ويفتنون في محاسن الناس ومروءاتهم، فيتطرب لها ويرتاح عليها، ويصيبه ما يصيب صاحب الشراب، فيقول لأصحابه: ائذن لأصحاب الحوائج؛ فلا يبقى أحد إلا قضيت حاجته. قال المدائني: قال مسلمة لنصيب: سلني، قال: لا، لأن كفك الجزيل أكثر من مسائلتي باللسان، فأعطاه ألف دينار. قال مسلمة: الأنبياء لا يتثاءبون، ما تثاءب نبي قط. عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال: قال مسلمة بن عبد الملك: أليس قد أمرتم بطاعتنا؟ يعني " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ". قال: قلت: إن الله قد انتزعه منكم إذا خالفتم الحق، قال الله تعالى: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ". قال: فأين الله؟ قلت: الكتاب. قال: فأين الرسول؟ قلت: السنة. قال مسلمة: " من الوافر " فلو بعض الحلال ذهلت عنه ... لأغناك الحلال عن الفضول وقال في صديق كان له فمات، فجزع عليه: " من الطويل " يسخي بنفسي عن شراحيل أنني ... إذا شئت لاقيت امرءاً مات صاحبه

عن عوانة، قال: كان بين مسلمة بن عبد الملك وبين العباس بن الوليد بن عبد الملك مباعدة، فبلغ مسلمة أن العباس ينتقصه، فكتب إليه بهذه الأبيات: " من الوافر " فلولا أن أصلك حيث تنمى ... وفرعك منتهى فرعي وأصلي وإني إن رميتك هيض عظمي ... ونالتني إذا نالتك نبلي إذا أنكرتني إنكار خوف ... تضم حشاك عن شتمي وعذلي فكم من سورة أبطأت عنها ... بنى لك مجدها طلبي وجملي ومبهمة عييت بها فأبد ... حويلي عن مخارجها وفضلي كقول المرء عمرو في القوافي ... لقيس حين خالفه بفعل عذيرك من خليل من مراد ... أريد حباءه ويريد قتلي عن موسى بن زهير بن مضرس بن منظور بن زيان بن سيار، عن أبيه، قال: كنت في عسكر هشام بن عبد الملك لما مات مسلمة بن عبد الملك، فرأيت هشاما في شرطته، ونظرت إلى الوليد بن يزيد قد أقبل يجر مطرف خز عليه حتى وقف على هشام، والوليد نشوان، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عقبى من بقي لحوق من مضى، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد والمرمى، واختل الثغر فوهى، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ". فلم يحر هشام جواباً، وسكت الناس فلم يترهسم أحد بشيء، فأنشأ الوليد يقول: " من الوافر " أهيمنة حديث القوم أم هم ... نيام بعد ما متع النهار عزيز كان بينهم نبياً ... فقول القوم وحي لا يحار كأنا بعد مسلمة المرجى ... شروب طوحت هم عقار أو ألاف هجائن في قيود ... تلفت كلما جنت ظؤار

مسلمة بن علي بن خلف

فليتك لم تمت وفداك قوم ... تراخى بينهم عنا الديار سقيم الصدر أو شرف نكيد ... وآخر لا يزور ولا يزار قال: سقيمالصدر، عنى به يزيد بنالوليد الناقص. والشرف النكيد: عن به هشاماً. والذي لا يزور ولايزار: مروان بن محمد. قال خليفة: وفي سنة عشرين ومئة مات مسلمة بنعبد الملك، يوم الأربعاء في المحرم بالشام! وقيل: سنة إحدى وعشرين. مسلمة بن علي بن خلف أبو سعيد الخشني من أهل قرية البلاط من قرىدمشق. روى عن ابن جريج، عن حميد، عن أنس، قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا عود مريضاً إلا بعد ثلاث. وعن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عوف بن مالك الأشجعي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " إن بين يدي الساعة سنين خداعة يتهم فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكذاب، ويكذب فيها الصادق، ويتكلم فيها الرويبضة " قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: " السفيه ينطق في أمر العامة ". قال البخاري: مسلمة بن علي الخشني منكر الحديث.

مسلمة بن عمرو

قال ابن أنس: قدم مصر وسكنها وحدث بها، ولم يكن عندهم بذاك في الحديث، توفي بمصر قبل سنة تسعين ومئة، آخر من حدث عنه بمصر محمد بنرمح، وداره بمصر عند مسجد العيثم معروفة به. قال ابن جبان: كان ممن يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، فلما فحش ذلك بطل الاحتجاج به. مسلمة بن عمرو أبو عمرو حدث، قال: شهدت مع عمير بن هانئ جنازة، فلما دفن قلت: أشهد أنك تحب الله ورسوله. فقال لي عمير: أحسنت يا أبا عمرو، اشهدوا لأخيكم بأحسن ما تعلمون منه، فإن شهادتكم نافعة له. مسلمة بن مخلد بن الصامت ابن نار بن لوذان بن عبد ود بن ثعلبة بن الخزرجبن ساعدة بنكعب بن الخزرج بن حارثة أبو معن، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو معاوية، ويقال: أبو معمر، الأنصاري أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على معاوية، وشهد معه صفين، وكان فيها أميراً على أهل فلسطين وكانوا في الميسرة.

وقيل: إنه لم يشهد صفين ولم يفد على معاوية إلا بعد أن أخذ مصر؛ وولي إمرة مصر لمعاوية ولابنه يزيد. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: " من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مكروب فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ". قال محمد بن عمر الواقدي: وقد روى مسلمة بن مخلد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحول إلى مصر فنزلها، وكان مع أهل خربتا وكانوا أشد أهل المغرب وأعده، وكان له بها ذكر ونباهة، ثم صار إلى المدينة فمات بها في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وقال ابن يونس: من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد فتح مصر واختط بها، وولي الجند لمعاوية بن أبي سفيان ولابنه يزيد بن معاوية، توفي بالإسكندرية سنة اثنتين وستين في ذي القعدة. قال مسلمة: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وأنا ابن أربع سنين، وتوفي وأنا ابن أربع عشرة. عن الحكم بن الصلت، قال: سمعت يزيد بن شريك الفزاري يقول: أنا في زمن عمر أرعى الهم. قلت: من كان يبعث إليكم؟ قال: مسلمة بن مخلد، فكان يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيردها على فقرائنا. قال مجاهد: كنت أتحدى الناس بالحفظ، فصليت خلف مسلمة بن مخلد فقرأ بسورة البقرة، فما ترك منها واواً ولا ألفاً.

مسلمة بن نافع

قال الليث بن سعد: وف سنة اثنتين وستين توفي مسلمة بن مخلد. مسلمة بن نافع مولى سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي وهو أخو ذويد بن نافع من أهل دمشق. روى عن أخيه ذويد بن نافع، عن عبد الله بن شهاب أخي الزهري، عن أنس بن مالك، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " يا رسول الله، إن بطني حدثاً فأقم علي حد الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقتل ما في بطنك من أجلك، اذهبي حتى تضعيه " فذهبت، فلما وضعته جاءت، فقالت: يا رسول الله، قد وضعته. قال: " اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ". فذهبت فأرضعته حتى فطمته، ثم جاءت فقالت: يا رسول الله، قد فطمته. فقال: " اذهبي فأكفليه قوماً ". فذهبت ثم جاءت هي وأخت لها تماشيان، فقالت: يا رسول الله، هذه أختي تكفله؛ فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعجب منها ومن أختها، ثم أمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحفر لها، ثم قال: " إذا وضعتموها في حفرتها فليذهب رجل منكم من بين يديها كأنه يريد أن يشغلها، حتى إذا شغلها فليذهب رجل منكم من خلفها حجر عظيم فليرم به رأسها ". مسلمة بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو شاكر الأموي كان شريفاً ممدوحاً، ولي في أيام أبيه الموسم وغزو الصائفة، وأمه أم حكيم بنت

يحيى بن الحكم بن أبي العاص؛ وداره بدمشق هي المعروفة بدار أماجور لزيق الجامع من ناحية باب البريد ولزيق دار أبي الدرداء. وله يقول ابن أذينة: " من المتقارب " أتينا نمت بأرحامنا ... وجئنا بإذن أبي شاكر بإذن الذي سار معروفه ... بنجد وغار مع الغائر إلى خير خندق في ملكه ... لباد من الناس أو حاضر قال ذلك عروة بن أذينة حين سأله هشام بن عبد الملك: ما جاء بكم؟ ولذلك حديث. قال خليفة: وأقام الحج - يعني سنة تسع عشرة ومئة - مسلمة بن هشام بن عبد الملك أبو شاكر. عن الزهري: أن هشام بن عبد الملك استعمل ابنه أبا شاكر، واسمه مسلمة بن هشام، على الحج سنة ست عشرة ومئة، وأمر الزهري أن يسير معه إلى مكة، ووضع عن الزهري من ديوان مال الله سعة عشر ألف دينار، فلما قدم أبو شاكر المدينة أشار عليه الزهري أن يصنع لأهل المدينة خبزاً، وحضه على ذلك، فأقام بالمدينة نصف شهر، وقسم الخمس على أهل الديوان، وفعل أموراً حسنة، وأمره الزهري أن يهل من باب مسجد ذي الحليفة إذا انبعثت به راحلته؛ وأمره محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي أن يهل من البيداء، فأهل من البيداء. وقال خليفة: سنة عشرين ومئة غزا مسلمة بن هشاه أرض الروم.

مسلمة بن يعقوب بن إبراهيم

وفي سنة إحدى وعشرين ومئة: غزا مسلمة بن هشام على الصائفة، وسار معه هشام حتى أتى ملطية. عن أبي عكرمة، قال: لما مدح الكميت مسلمة بن هشام قال له مسلمة: لو قلت في مثل ما قال الأخطل في يزيد - يعني قصيدته الدالية - فقال الكميت: إن كنت أعطيتني ما أعطى زيد الأخطل فعلت - وكان يزيد أعطى الأخطل سبعين ألف درهم - فقال هشام: أنا أفعل؛ فعمل الكميت فيه: " من الطويل " أفي اليوم تقضي حاجة النفس أم غدا ... وما بعد بعد كان إن كان أبعدا مسلمة بن يعقوب بن إبراهيم ابن الوليد بن عبد الملك بن مروان كان يسكن قرية الجامع من قرى المرج، وامرأته أمة العزيز بنت عبد العزيز بن عبد الرحمن بن الولد بن عبد الملك. مسلمة بن يعقوب بن علي ابن محمد بن سعيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ويقال: مسلمة بن يعقوب بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، الأموي وهو الذي وثب على أبي العميطر علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية، وخلعه من الخلافة، وبايع لنفسه بدمشق في أيام المأمون.

حدث النضر بن حيى، قال: وقبل أن ينصرف ابن بيهس في علته إلى حوران، جمع رؤساء بني نمير فقال لهم: قد كان من علتي ما ترون، فارفقوا ببني مروان بن الحكم، وألطفوا بهم، وعليكم بمسلمة بن يعقوب بن علي بن محمد بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، فإنه ركيك، وهو ابن أختكم، فأعلموه أنكم لا تثقون به وتبايعونه، ثم أنشدهم: " من البسيط " كيدوا العدو بأن تبدوا مباعدتي ... ولا تنوا في الذي فيه لهم تلف وكاتبوا بما تأتون من هنة ... حتى تكون إلي الرسل تختلف فاجتمعت بنو نمير إلى مسلمة بن يعقوب فكلموه وبذلوا له البيعة، فقل منهم، وجمع مواليه وأهل بيته فدخل على أبي العميطر في الخضراء كما كان يدخل للسلام عليه، وقد أعد لحجاب أبي العميطر عدادهم، فلما سلم عليه وجلس معه في الخضراء بض على أبي العميطر فشده في الحديد، وبعث ىالرؤساء بني أمية على لسان أبي العميطر يأمرهم بالحضور فجعل كل من دخل يقال له: بايع، والسيف على رأسه، فيبايع؛ وأدنى مسلمة القيسية ولبس الثياب الحمر وجعل أعلامه حمراً، وأقطع بني أمية ضياع المرج، وجعل لكل رجل من وجوه قيس بمدينة دمشق منزلاً وولاهم، فقال له أبو العميطر يوماً، وقد دعا به وهو مقيد، فنظر إلى قيس في الثياب الحمر، ومسلمة كذلك، فقال له: لو حمرت استك كان خيراً لك؛ فأمر به فسحب. وخرج ابن بيهس من الصلة، فجمع جماعة وأقبل يريد دمشق، فقال مسلمة بن يعقوب لمن معه من هوزان: هذا صاحبكم يريد بنا ما فعل بأبي العميطر. فقالوا له: ما هو لنا بصاحب، وما يعرف غيرك، وهذه سيوفنا دونك؛ وأنشده بعضهم: " من الوافر " ستعلم نصحنا إن كان كون ... وتعلم أننا صبر كرام حماة دون ملكك غير ميل ... إذا ماجد بالحرب احتدام وسوف نريك في الأعداء ضرباً ... يطير سواعد منهم وهام وطعناً في النحور بدابلات ... طوال في أسنتها الحمام

فوثق بهم مسلمة وتزيد في برهم، وأقبل ابن بيهس حتى نزل قرية الشبعاء، وأصبح غادياً إلى مدينة دمشق، وصاح الديدبان بالسلاح، وخرج مسلمة وخرجت معه القيسية، فقاتلوا ذلك اليوم مع مسلمة قتالاً شديداً، وكثرت الجراحات في الفريقين، وانصرف ابن بيهس وقد ساء ظنه بقيس، فكتب إليه: " من الوافر " سيكفي الله وهو أعز كاف ... أمير المؤمنين ذوي الخلاف وكل مقدار في اللوح يأتي ... وكل ضبابة فإلى انكشاف وما أنا بالفقير إلى نصير ... وى الرحمن والأسل العجاف وعندي في الحوادث صبر نفس ... على المكروه أيام الثقاف وعن حق أدافع أهل جور ... وشتى بين قصد وانحراف فهابت القيسية على أنفسها، فدخلوا على مسلمة فكلموه على وجه النصيحة له، وقد أضمروا الغدر به؛ فقالوا له: نرى أن نخرج إلى ابن بيهس فنسأله الرجوع عنا وحقن الدماء بيننا، فإن فعل وإلا ثبطنا أصحابنا عنه ومن أطاعنا، واستلمنا من قدرنا عليه، فقال لهم: الصواب ما رأيتم؛ وطمع أن يفوا له، ولم يكن تهيأ لهم ما أرادوا بمدينة دمشق؛ فخرجوا إلى ابن بيهس فباتوا عنده وأحكموا الأمر معه، وصبح دمشق بالخيل والرجالة والسلالم، ونشب القتال، وصعد أصحاب ابن بيهس السور بناحية باب كيسان، فلم يشعر بهم أصحاب مسلمة إلا وهم معهم في مدينة دمشق، فأجفلوا هرباً إلى مسلمة، فدعا بأبي العميطر ففك عنه الحديد، ولبسا ثياب النساء وخرجا مع الحرم من الخضراء، وخرجا من باب الجابية حتى أتوا المزة، ودخل ابن بيهس مدينة دمشق يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة وغلب عليها، فلم يزل يحارب أهل المزة وداريا وهو مقيم بدمشق أميراً متغلباً عليها إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق سنة ثمان

المسلم بن أحمد بن الحسين

مئتين، وخرج إلى مصر، ورجع إلى دمشق سنة عشر ومئتين، وحمل ابن بيهس معه إلى العراق، ومات بها ولم يرجع إلى دمشق. قال صالح بن البختري: توفي مسلمة بن يعقوب في المزة، فصلى عليه أبو العميطر، فلما رفعت جنازته قال له أبو العميطر: رحمك الله وإن كنت قد ظلمتني وظلمت نفسك. المسلم بن أحمد بن الحسين أبو الفضل، ويقال: أو الغنايم، ويقال: أبوالقاسم الأنصاري، الكعكي، الحلاوي، المعروف ابن بخانية روى عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثما بن القاسم التميمي، بسنده إلى إسماعيل بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن جده، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سعادة ابن آدم رضاه ما يقضي الله، واستخاره الله؛ ومن شقوة ابن آدم سخطه بما يقضي الله، وتركه استخارة الله؛ ومن سعادة ابن آدم ثلاث ومن شقوته ثلاث؛ فمن سعادته المرأة الصالحة، والخادم الصالح، والمسكن الصالح؛ ومن شقوته المرأة السوء. والخادم السوء، والمركب السوء ". قال أبو بكر الخطيب: مسلم بن أمد بن الحسين، أبو القاسم الكعكي، من أهل دمشق. قال ابن الأكفاني: توفي المسلم بن أحمد في شهر رمضان من سنة ست وستين. المسلم بن إبراهيم أبو الفضل السلمي، البزاز، المعروف بالشويطر أنشد أبو الفضل البزاز: " من البسيط "

المسلم بن الحسن بن هلال بن الحسن

ما في زمانك من تأمن خيانته ... ولا صديق إذا خان الزمان وفى فعش وحيداً ولا تركن إلى أحد ... فليس في الناس خير يرتجى وكفى مات في رجب سنة خمس وخمسين وأربعمئة. المسلم بن الحسن بن هلال بن الحسن أبو الفضل بن أبي محمد الأزدي، البزاز قرأ القرآن بالسبعة، وكتب كثيراً، واستورق، ولم يحدث. قال ابن الأكفاني: توفي يوم الأربعاء، ودفن يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وستين وأربعمئة بصور، وكان حافظاً للقرآن بعدة روايات. المسلم بن الحسن بن عبد الله أبو الغنايم الرفافي روى عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عمر بن نصر، بسنده إلى أنس؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه ". قال أبو محمد الكتان: توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمئة. المسلم بن الحسين بن الحسن أبو الغنايم المؤدب كان في صاه أجير خباز، ثم حفظ القرآن، وتأدب وقال الشعر، واشتغل بتأديب الصبيان، فحسن أثره في ذلك، وظهر له اسم في إجادة التعليم والحذق بالحساب، حتى كثر زبونه، وسمعته ينشد لنفسه قصيدة رثى بها شيخنا الفقيه أبا الحسن السلمي، ولم يقع لي إلى الآن، وكان إنشاده إياها على قبره عقيب وفاته.

المسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم

ومات مسلم وهو شاب يوم الجمعة قبل الصلاة الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وخمسمئة، ودفن بعد العصر من ذلك الوم بباب الصغير. المسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم أبو المجد التنوخي الحموي شاب شاعر، قدم دمشق على ما ذكر لي أبو السر شاكر بن عبد الله التنوخي، وأنشدني له قصيدة يمدح بها أتابك زنكي بن آق سنقر نصير أمير المؤمنين، صاحب الشام، أنشده إياها بقلعة حمص. قال: وكان ملك الروم نزل شيزر وحاصرها، وأشرفت منه على الهلاك، وكان أتابك يركب كل يوم في جيشه ويقف على تل أرجزا ولا يزول عنه إلى المغرب، وملك الروم على جريجنس - جبل شرقي شيزر - ينظر إلى الجيش، فإذا قال له الفرنج: دعنا نأخذ العسكر ونمضي إليه. يقول لهم: هذا زنكي أتابك يعتبئ النهار كله في هذه المدة لأي سبب؟ إنما يريدني أركب إليه، وإذا حصلنا معه في أرض واحدة ما يبقى لنا سبيل إلى السلامة، وقد جعل تحت كل مكمن كميناً، ونحن الآن على هذه الجبل في حصن، وبيننا وبينه العاصي. وألقى الله في قلب ملك الروم منه الرعب حتى رحل عنها بعد أحد وعشرين يوماً، وطلب درب أفامية، وترك مجانيقه العظام، وتبعه أتابك إلى بعض الطريق وعاد ظافراً قد حفظ الإسلام بالشام، ورفع المجانيق إلى قلعة حلب المحروسة. فوصف مسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم، الحال فقال: " من الوافر " بعزمك أيها الملك العظيم ... تذل لك الصعاب وتستقيم رآك الدهر منه أشد بأساً ... وشح بمثلك الزمن الكريم

إذا خطرت سيوفك في نفوس ... فأول ما يفارقها الجسوم ولو أضمرت للأنواء حرباً ... لما طلعت لهيبتك الغيوم أيلتمس الفرنج لديك عفواً ... وأنت بقطع دابرها زعيم وكم جرعتها غصص المنايا ... بيوم فيه يكتهل الفطيم فسيفك في مفارقهم خضيب ... وذكرك في مواطنهم عظيم وكل محصن منهم أخيد ... وكل محضن فيهم يتيم ولما أن طلبتهم تمنى ال ... منية جوسلينهم اللئيم أقام يطوف الآفاق جبناً ... وأنت على معاقلهم مقيم فسار وما يعادله مليك ... وعاد وما يعادله سقيم يحاول أن يحاربك اختلاساً ... كما رام اختلاس الليث ريم ألم تر أن كلب الروم لما ... تبين أنه الملك الرحيم فجاء فطبق الفلوات خيلاً ... كأن الجحفل الليل البهيم وقد نزل الزمان على رضاه ... فكان لخطبه الخطب الجسيم فحين رميته بك في خميس ... تيقن أن ذلك لا يدوم وأبصر في المفاضة منك جيشاً ... فأحرف لا يسير ولا يقيم كأنك في العجاج شهاب نور ... توقد وهو شيطان رجيم أراد بقاء مهجته فولى ... وليس سوى الحمام له حميم يؤمل أن يجود بها عليه ... وأنت بها وبالدنيا كريم رأيتك والملوك لها ازدحام ... ببابك لا تزول ولا تريم تقبل من ركابك كل وقت ... مكاناً ليس تبلغه النجوم تود الشمس لو وصلت إليه ... وأين من الغزالة ما تروم أردت فليس في الدنيا منيع ... وجدت فليس في الدنيا عديم وما أحييت فينا العدل حتى ... أميت بسيفك الزمن الظلوم وصرت إلى المماليك في زمان ... به وبملك الدنيا عقيم تزخرف للأمير جنان عدن ... كما لعداء تستعر الجحيم أقر الله عينيك من مليك ... تخامر غب همته الهموم

ولا برحت لك الدنيا فداء ... وملكك من حوادثها سليم وإن تك في سبيل الله تشقى ... فعند الله أجرك والنعيم وأنشدني أبو اليسر له أبياتاً قالها في الملك العادل أبي القاسم محمود بن زنكي: " من الكامل " يا صاح هل لك في احتمال تحية ... تهدى إلى الملك الأغر جبينه قف حيث تختلس النفوس مهابة ... ويغيض من ماء الوجوه معينه فهنالك الأسد الذي امتنعت به ... وبسيفه دنيا الإله ودينه فمن المهندة الرقاق لباسه ... ومن المثقفة الدقاق عرينه تبدو الشجاعة من طلاقة وجهه ... كالرمح دل على القساوة لينه ووراء يقظته أناة مجرب ... لله سطوة بأسه وسكونه هذا الذي في الله صح جهاده ... هذا الذي في الله صح يقينه هذا الذي بخل الزمان بمثله ... والمشمخر إلى العلى عرنينه هذا عماد الدين وأبن عماده ... ثبتاً كما انشق الوشج رصينه هذا الذي تقف الملوك ببابه ... هذا الذي تهب الألوف يمينه ملك الورى ملك أغر متوج ... لا غدره يخشى ولا تلوينه إن حل فالشرف التليد أنيسه ... أو سارف فالظفر العزيز قرينه فالدهر خاذل من أراد عناده ... أبداً وجبار السماء معينه والذين يشهد إنه لمعزه ... والشرك يعلم إنه لمهينه ما زال يقسم أن يبدد شمله ... والله يكره أن تمين يمينه حتى رمى بالأهوجية ركنه ... فانهد شامخه وحض ركينه فتح الرها بالأمس فانفتحت له ... أبواب ملك لا يدال مصونه دلف الأمير لها يهب لنصره ... منها مبارك طائر ميمونه وغداً يكون له بأنطاكية ... مشهور فتح في الزمان مبينه طعن الجيوش برأيه وسنانه ... يوم اللقاء فما أبل طعينه

المسلم بن عبد الواحد بن عمرو

المسلم بن عبد الواحد بن عمرو ابن جعفر بن محمد أبو القاسم الأطرابلسي، المقرئ، المعروف بابن شفلح، خطيب جبيل حدث بجبيل من ساحل دمشق. المسلم بن عبد الواحد بن محمد بن عمرو أبو البركات، المعيوفي، الدمشقي حدث بدمشق ومصر عن أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر، بسنده إلى ابن عمر؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ". المسلم بن عبد الواحد بن محمد أبو الفضل الإيادي البزاز، المعروف بابن شقيقة المسلم بن علي بن سويد أبو الحسن قدم دمشق وحدث بها عن محمد بن سنان التنوخي، بسنده إلى محمد بن معروف المكي، عن أبيه، قال: قام رجل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فذم الدنيا، فقال له علي: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار غناء لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها، هي مسجد أحباء الله ومهبط وحيه ومبحر أوليائه، اكتبسوا فيها الجنة وربحوا فيها الرحمة، فمن ذا الذي يذمها، وقد آذنت ببينها ونادت بانقطاعها ونعت نفسها وأهلها، فيا أيها الذام الدنيا المعتل بغرورها، متى استذمت إليك الدنيا؟ ومتى غرتك؟ أبمنازل آبائك من الثرى، أم بمضاجع أمهاتك من البلى؟ كم مرضت بكفيك وعالجت بيديك تبتغي له

المسلم بن هبة الله بن مختار

الشفاء، وتستوصف له الأطباء لم تسعف له بطلبتك، مثلت له الدنيا بعيبها، وبمصرعه مصرعك غداً، لا يغني بكاؤك ولا ينفعك أحباؤك. ثم انصرف إلى القبور فقال: يا أهل القبور، يا أهل الضيق والوحدة، يا أهل الغربة والوحشة؛ أما الدور فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما الأزواج فقد نكحت؛ فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما على ذلك فلو أذن لهم في الجواب لأجابوا: إن خير الزاد التقوى. المسلم بن هبة الله بن مختار أبو الفتح الكاتب ألف رسالة في تفضيل دمشق على غيرها من البلاد، ذكر فيها بعض خواصها وبعض ما قالت الشعراء في وصفها، ولم يبلغ في ذلك كنه حقها ولم يوفها؛ فقال في أثناء الرسالة: ومن صفتها - وأظن هذه الأبيات له -: " من مجزوء الكامل " دمن كأن رياضها ... يكسين أعلام المطارف وكأنما نوارها ... يهتز بالريح العواصف طرر الوصائف يلتفت ... ن بها إلى طرر الوصائف وكأنما غدرانها ... فيها عشور في مصاحف ثم قال بعد أوراق: ولقد سافرت عن دمشق دفعات، فكان إنشادي: " من الطويل " وما ذقت طعم الماء إلا وجدته ... كأن ليس بالماء الذي كنت أعرف ولا سر صدري مذ تناءت بي الهوى ... أنيس ولا مال ولا متصرف ولم أحضر اللذات إلا تكلفاً ... وأي سرور يقتضيه التكلف مات أبو الفتح في سنة ستين وأرعمئة على ما بلغني.

مسلم بن إياس العنزي الجسري

مسلم بن إياس العنزي الجسري من أهل العراق، قدم دمشق. عن أبي عبيدة قال: أجريت الخيل بالكوفة أيام عبيد الله بن زياد في خلافة يزيد، فسق الناس حرملة بن جنادة بن جابر الجسري على فرس يقال لها: الوردة. فقال مسلم بن إاس الجسري: فخرجت إلى الشام، فلما دنوت من دمشق إذا أنا بشاب على ظهر الطريق قد صرع حمار وحش عليها، فتأملتها فعرفتها؛ فقال لي: أتعرفها؟ قلت: نعم، هذه الجسرية. فقال: هي والله، نحن افتليناها وصنعناها، وقدناها إلى الخليفة، وهي التي يقول فيها حرملة بن جنادة: " من الرجز " كيف ترى الوردة بنت الورد ... تعترق الخيل ببسط الشد منسوبة من الخيار التلد ... من إرث زيد وأبيه عبد وجابر أكرم به من جد ... نحن استللناها بفحل نهد موثق الخيل أسيل الخد ... كأنه يوم ابتدار المجد واحتل في معمعة وكد ... يحث بالزجر ووقع القد قطاة في حين غدت للورد ... فأحرزت سبقتها لم تكد مسلم بن الحارث بن مسلم ويقال: الحارث بن مسلم التميمي روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: بل روى عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

مسلم بن الحجاج بن مسلم

روى عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرية، فلما لغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي، فتلقاني الحي بالرنين، قال: قلت: قولوا: لا إله إلا الله تحرزوا، فقالوها؛ فلامني أصحابي وقالوا: حرمتنا الغنيمة عد أن بردت بأيدينا؛ فلما قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبروه بما صنعت، فدعاني، فحسن لي ما صنعت وقال: " إن الله قد كتب لك من كل إنسان منهم كذا وكذا ". ثم قال: " أما إي سأكتب لك كتاباً أوصي بك من يكون بعدي من أئمة المسلمين ". قال: فكتب لي كتاباً ختم عليه دفعه إلي، وقال لي: " إذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً: اللهم أجرني من النار - سبع مرات - فإنك إن مت من ليلتك تلك كتب الله لك جواراً من النار، فإذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحداً: اللهم أجرني من النار - سبع مرات - فإنك إن مت من يومك ذلك كتب الله لك جواراً من النار ". قال: فلما قبض الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتيت أبا بكر بالكتاب، ففضه وقرأه وأمر لي بعطاء، وختم عليه، ثم أتيت بع عمر ففضه فقرأه، وأمر لي وختم عليه، ثم أتيت به عثمان ففعل مثل ذلك. فقال ابن الحارث: فتوفي الحارث في خلافة عثمان وترك الكتاب عندنا، فلم يزل عندنا حتى كتب عمر بن عبد العزيز إلى العامل بلدنا يأمره بإشخاصي إليه بالكتاب، فقدمت عليه ففضه، فأمر لي وختم عليه، وقال: لو شئت أن يأتيك هذا وأنت في منزلك لفعلت، ولكن أحببت أن تحدثني بالحديث على وجهه. قال: فحدثته به. مسلم بن الحجاج بن مسلم أبو الحسين القشيري، النيسابوري، الحافظ صاحب الصحيح، الإمام المبرز والمصنف المميز، رحل وجمع. وصنف فأوسع، وسمع بدمشق والري والعراق والحجاز ومصر.

روى عن سهل بن عثمان العسكري، بسنده إلى ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ". وعن محمد بن مهران، بسنده إلى عباد بن تميم عن عمه، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستلقياً لظهره رافعاً إحدى رجليه على الأخرى. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه بالري، وكان ثقة من الحفاظ، له معرفة بالحديث، سئل أبي عنه فقال: صدوق. قال أبو بكر الخطيب: أحد الأئمة من حفاظ الحديث، صاحب المسند الصحيح، وآخر قدموه بغداد كان في سنة تسع وخمسين ومئتين. عن أبي عمرو المستملي: أملى علينا إسحاق بن منصور سنة إحدى وخمسين ومئتين، ومسلم بن الحجاج ينتخب عليه وأنا أستملي، فنظر إسحاق بن منصور إلى مسلم فقال: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين. قال بندار محمد بن بشار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله بن عد الرحمن الرازي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى. قال أو أحمد محمد بن عبد الوهاب - وذكر حديثه عن الحسين بن الوليد في مس الذكر - فقال: كان مسلم يعجبه هذا الحديث ويراه، ويأخذه به، وكان مسلم بن الحجاج من علماء الناس وأوعية العلم، ما علمته إلا خيراً، وكان براً، رحمنا الله وإياه، وكان أبوه الحجاج بن مسلم من مشيخة أبي رضي الله عنهما.

عن الفضل محمد بن إبراهيم، قال: سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. عن أبي عمرو بن أبي جعفر، قال: سمعت أبا العباس بن سعيد بن عقدة، وسألته عن محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري أيهما أعلم؟ فقال: كان محمد بن إسماعيل عالماً ومسلم عالم؛ فكررت عليه مراراً وهو يجيبني بمثل هذا الجواب، ثم قال لي: يا أبا عمرو، قد يقع لمحمد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام، وذاك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان، فأما مسلم فقل ما يقع لع الغلط في العلل، لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل. قال الخطيب: إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه، وحذا حذوه، ولما ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه، وقد حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، قال: سمعت أباالحسن الدارقطني الحافظ يقول: لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء. قال أبو حامد أحمد بن حمدون القصار: سمعت مسلم بن الحجاج - وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقيل بين عينيه - وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله. قال محمد بن يعقوب الأخرم: قل ما يفوت البخاري ومسلماً مما يثبت من الحديث. قال مسلم بن الحجاج: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمئة ألف حديث مسموعة.

قال ابن مندة: سمعت أبا علي الحافظ يقول: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج. قال أبو بكر الخطيب: وكان مسلم أيضاً يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه، فأخبرني محمد بن علي المقرئ، أنا محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يقول: لما استوطن محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور أكثر مسلم بن الحجاج الاختلاف إليه، فلنا وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، ونادى عليه، ومنع الناس عن الاختلاف إليه، حتى هجر وخرج من نيسابور؛ في تلك المحنة قطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زيارته، فأنهى إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديماً وحديثاً وأنه عوتب على ذلك بالعراق والحجاز ولم يرجع عنه، فلما كان في يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا. فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس، وخرج من مجلسه، وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت تلك الوحشة وتخلف عن زيارته. قال أحمد بن سلمة: عقد لأبي الحسين مسلم بن الحجاج مجلس للمذاكرة، فذكر له حديث لم يعرفه، فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن الدار: لا يدخلن أحد منكم هذا البيت. فقيل له: أهديت لنا سلة فيها تمر. فقال: فقدموها إلي. فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة يمضغها، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث. قال مكي بن عبدان: توفي مسلم بن الحجاج في سنة إحدى وستين ومئتين. وزاد غيره: عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب.

مسلم بن الحسن بن مسلم

مسلم بن الحسن بن مسلم أبو صالح الدمشقي حدث ببغداد سنة تسعين ومئتين عن محمد بن شجاع، بسنده إلى علي، قال: تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، شرهم قوم ينتحلون حبنا أهل البيت ويخالفون أعمالنا. مسلم بن ذكوان مولى يزيد بن الوليد مسلم بن ربيعة المري شاعر، فارس. عن عتاب بن محرز، قال: وقف مسلم بن ربيعة المري بدمشق على فرس مجلل، فقال: سابق لا يجاري. فابتاعه وصنعه ثم أجراه، فلم يصنع شيئاً، فباعه، ثم وقف عليه الثانية، فقال: سابق، فابتاعه، ثم صنعه، ثم أجراه، فلم يصنع شيئاً، فباعه. ثم وقف عليه الثالثة، فقال: سابق لا يخلف، فابتاعه وصنعه ثم أجراه، فسبق خيل دمشق دهره. فقال: " من الطويل " نظرت ومندوب عليه جلالة ... أمام رعاة الخيل مستقبلاً يعدو فقلت: جواد أو صبور ملازم ... على الغاية القصوى إذا بلغ الجهد فما خانني لبي لدن أن وزنته ... بالباب أقوام ولا بصري بعد

مسلم بن زياد الحمصي

مسلم بن زياد الحمصي مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحب خيل عمر بن عبد العزيز، وقد ذكرت وفوده في ترجمة عمر الدمشقي المعروف بعمردن. حدث أنس بن مالك يقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: " من قال حين يصبح: اللهم إنا أصبحنا نشهدك ونشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك، أعتق الله ربعه من النار في ذلك اليوم، فإن قالها مرتين عتق نصفه، فإن قالها ثلاثاً عتق ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربع مرات أعتقه الله ذلك اليوم من النار ". وفي رواية، قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال حين يصبح: اللهم إنا أصبحنا نشهدك ونشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك، غفر له ما أصاب في يومه من ذنب، وإن قالها حين يمسي غفر له ما أصاب تلك الليلة من ذنب ". قال مسلم بن زياد: رأيت أربعة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنس بن مالك، وفضالة بن عبيد، وأبا المنذر، وروح بن سيار أو سيار بن روح، يرخون العمائم من خلفهم وثيابهم إلى الكعبين. مسلم بن شعيب بن مسلم ويقال: ابن عبد الرحمن بن سويد، ويقال: ابن شعيب بن مسلم الأموي. مولى يزيد بن أبي سفيان. روى عن صدقة بن عبد الله، بسنده إلى عبد الله بن عمر، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ".

مسلم بن عبد الله بن ثوب

مسلم بن عبد الله بن ثوب وهو مسلم بن أبي مسلم الخولاني كان أبوه من زهاد التابعين، وأدرك عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان لمسلم هذا عقب بالأندلس من ولد ابنه هانئ بن مسلم؛ ذكر ذلك أبو محمد علي بن أحمد بن حزم. مسلم بن عبد الله الخزاعي أبو عبد الله الخزاعي، جد البطريق بن بريد الكلبي من أهل دمشق، من قراء أهل الشام. حكى عن أبي الدرداء، قال: إنكم تقولون: إنك تأمرنا، ولعمري ما أحمد لكم نفسي، ولكن علي أن آمر بالحق بلغته أو قصرت عنه، فإن أمرت به ولم أفعله كان خيراً من أسكت عنه. مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن يربوع بن غيظ ابن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، أبو عقبة المري، المعروف مسرف. أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يحفظ أنه رآه، وشهد صفين مع معاوية وكان على الرجالة، وهو صاحب وقعة الحرة، وكانت داره بدمشق موضع فندق الخشب الكبير قبلي دار البطيخ. قال ابن سميع: في الطبقة الثانية من التابعين مسلم بن عقبة، ولاه معاوية خراج فلسطين.

عن جري بن حازم، قال: لما أخرج أهل المدينة بني أمية ومروان، نزلوا حقلاً، وكتب مروان إلى يزيد بالذي كان من رأي القوم، فأمر يزيد بقبة فضربت له خارجاً من قصره، وقطع البعوث على أهل الشام مع مسلم بن عقبة المري، فلم تمضه ثالثة حتى فرغ، ثم أصبح في اليوم الثالث فعرض عليه الكتائب، وقد كان بلغه أن ابن الزبير يسميه السكير. قال: فجعلت تمر به الكتائب وهو يقول: " من الرجز " أبلغ أبا بكر إذا الجيش ابرى ... وأشرف القوم على وادي القرى أجمع نشوان من القوم ترى عن عبد الله بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: لما بلغ يزيد بن معاوية وثوب أهل المدينة وإخراجهم عامله وأهل بيته عنها، وجه إليهم مسلم بن عقبة المري - وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، كانت به النوطة - ووجه في جيش كثيف، فكلمه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة، وقال: إنما تقتل بهم نفسك. فقال: أجل، أقتل بهم نفسي، ولك عندي واحدة، آمر مسلم بن عقبة أن يتخذ المدينة طريقاً، فإن هم تركوه ولم يعرضوا له ولم ينصبوا الحرب تركهم ومضى إلى ابن الزبير فقاتله، وإن هم منعوه أن يدخلها ونصبوا له الحرب بدأ بهم فناجزهم القتال، فإن ظفر بهم قتل من أشراف له، وأنهبها ثلاثاً، ثم مضى إلى ابن الزبير. فرأى عبد الله بن جعفر أن في هذا فرجاً كبيراً، وكتب بذلك إليهم وأمرهم أن لا يعرضوا لجيشه إذا مر بهم حتى يمضي عنهم إلى حيث أرادوا؛ وأمر يزيد مسلم بن عقبة بذلك وقال له: إن حدث بك حدث فحصين بن نمير على الناس؛ فورد مسلم بن عقية المدينة فمنعوه أن يدخلها ونصبوا له الحرب، وقالوا: من يزيد؟ فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، ثم خرج يريد ابن الزبير، وقال: اللهم، إنه لم يكن قوم أحب إلي أن أقاتلهم من

قوم خلعوا أمير المؤمنين ونصبوا له الحرب، اللهم فكما أقررت عيني من أهل المدينة فأبقتني حتى تقر عيني من ابن الزبير، ومضى. فلما كان بالمشلل نزل به لموت، فدعا حصين بن نمير فقال له: يا بردعة الحمار، لولا عهد أمير المؤمنين إلي فيك لما عهدت إليه، اسمع عهدي: لا تمكن قريشاً من أذنك، ولا تزدهم على ثلاث، الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف. فأعلم الناس أن الحصين واليهم، ومات مكانه، فدفن على ظهر المشلل لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين، ومضى حصين بن نمير. عن مغيرة، قال: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، وأنه افتض منها ألف عذراء، وكان قدوم مسلم المدينة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، فأنهبوها ثلاثاً حتى رأوا هلال المحرم. عن ابن الاعرابي، قال: قال مسلم بن عقبة لرجل: والله لأقتلنك قتلة تتحدث بها العرب، فقال له: إنك والله لنتدع لؤم القدرة وسوء المثلة لأحد بهما منك. عن يزيد بن عياض، عن أبيه، قال: استؤمن لعباس بن سهل بن سعد الساعدي من مسلم بن عقبة المري يوم الحرة، فأبى مسلم أن يؤمنه؛ فأتوه به، ودعا بالغداء، فقال عباس: أصلح الله الأمير، والله لكأنها جفنة أبيك، كان يخرج عليه مطرف خز حتى يجلس بفنائه، ثم توضع جفنته بين يدي من حضر، قال: وقد رأيته؟ قال: لشد ما. قال: صدقت، كان كذلك، أنت آمن. فقيل للعباس: كان أبوه كما قلت؟ قال: لا والله، ولقد رأييته في عباءة يجرها على الشوك، ما نخاف على ركابنا ومتاعنا أن يسرقه غيره. عن ابن أخي جابر بن عبد الله، أن جابر بن عبد الله كان قد ذهب بصره، فلما كان يوم الحرة خرج فأتاه حجر،

مسلم بن عمرو بنحصين

وهو بيني وبين ابنه، فقال: حسن، تعس من أخاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: ومن أخاف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جبيني ". عن عبادة بن الصامت، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: اللهم، من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل من صرف ولا عدل ". قال ذكوان مولى مروان: شرب مسلم بن عقبة دواء بعدما أنهب المدينة، ودعا بالغداء؛ فقال له الطبيب: لا تعجل فإني أخاف عليك إن أكلت قبل أن يعمل الدواء. قال: ويحك، إنما كنت أحب البقاء حتى أشفي نفسي من قتلة أمير المؤمنين عثمان، فقد أدركت ما أردت، فليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله عز وجل قد طهرني من ذنوبي بقتل هؤلاء الأرجاس. عن جعفر بن خارجة، قال: خرج مسرف من المدينة يريد مكة، وتبعته أم ولد ليزيد بن عبد الله بمزمعة تسير وراء العسكر بيومين أو ثلاثة، ومات مسرف فدفن بثنية المشلل، وجاءها الخبر، فانتهت إليه فنبشته ثم صلبته على المشلل. وفي رواية: فأخرج وأحرق بالنار. مات مسلم في صفر سنة أربع وستين. مسلم بن عمرو بنحصين ابن أسيد بن زيد بن قضاعي الباهلي. والد قتيبة بم مسلم أمير خراسان. كان عظيم القدر عند يزيد بن معاوية، ووجهه يزيد إلى عبيد الله بن زياد بتوليته إياه الكوفة عند توجه الحسين عليه السلام إليها.

مسلم بن قرظة الأشجعي

عن عوانة، قال: كان مسلم بن عمرو الباهلي على ميسرة إبراهيم بن الأشتر، فارتث، فلما قتل مصعب أرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية أن يطلب له الأمان من عبد الملك؛ فأرسل إليه: ما تصنع بالأمان وأنت بالموت؟ قال: ليسلم لي مالي، ويأمن ولدي، قال: فحمل على سرير فأدخل على عبد الملك بن مروان، فقال عبد الملك لأهل الشام: هذا أكفر الناس لمعروف، ويحك أكفرت معروف يزيد بن معاوية عندك؟ فقال له خالد: تؤمنه يا أمير المؤمنين. فأمنه، ثم حمل فلم يبرح الصحن حتى مات. فقال الشاعر: " من الطول " نحن قتلنا ابن الحواري مصعباً ... أحا أسيد والنخعي اليمانيا قال خليفة: قال أبو اليقظان: وقتل مصعب ابنه عيسى بن مصعب، ومسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة الباهلي - يعني سنة اثنتين وتسعين -. مسلم بن قرظة الأشجعي ابن عم عوف بن مالك روى عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خياركم وخيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم؛ وشراركم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم ". قالوا: أفلا ننابذهم يا رسول الله؟ قال: " لا، ما أقاموا الصلاة الخمس؛ ألا من وليه وال فرأى معصية فليكره ما أتى من معصية الله، ألا ولا تنتزعوا يداً من طاعة ".

مسلم بن محمد أبو صالح

قال المصنف: هذا حديث جليل. مسلم بن محمد أبو صالح ويلقب أبا الصالحات القائد ولي إمرة دمشق في خلافة المعتصم، وكان من قواد المعتصم، وولي أيضاً أصبهان. وبلغني أن أبا الصالحات كان من القواد بسر من رأى، وكان من أفتى الناس وأظرفهم، وأحسنهم مروءة وطعاماً، وكان إذا دعا صديقاً له كتب إليه يسأله أن يجيبه وكل من عنده من أصدقائه، وأن يجتذب معه إليه كل من يعرفه ويأنس به، فكان منزله مألفاً للفتيان؛ وكان يضرب بالعود ضرباً حسناً، فقال له المعتصم يوماً: بلغني أنك ضارب بالعود. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: أحضروه عوداً، فأحضر، فضرب به ضرباً فارسياً حشناً استحسنه المعتصم ومن عنده؛ ثم ذهب ليخرج فقال له: تعال، خذ أبرارك معك. فضرب بيده إلى سفه وقال: هذا أبراري أيضاً. فقال العتصم: صدق والله. فأمر له بخمسين ألف درهم. مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين بأصبهان. مسلم بن مشكم أبو عبيد الله الخزاعي قيل: إنه قرأ القرآن على أبي الدرداء، ثم قرأه على عبد الله بن عامر اليحصبي. روى عن عوف بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " الرؤيا ثلاثة، منها تأويل الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ".

مسلم بن يسار

عن أبي عبيد الله، قال: رأيت أبا الدرداء وفضالة بن عبيد ومعاذ بن جبل يدخلون المسجد والناس في صلاة الغداة، فيميلون إلى بعض زوايا المسجد، فيوترون، ويدخلون مع الناس في صلاتهم. قال عنه العجلي: شامي، تابعي، ثقة، من خيار التابعين. عن الضحاك بن عبد الرحمن، قال: كنت أسمع أبا عبيد الله مسلم بن مشكم إذا انصرف بعد العشاء متوجهاً إلى منزله، يدعو أن يرزقه الله الصلاة في جماعة من الغد. مسلم بن يسار أبو عبد الله البصري، الفقيه مولى بني أمية، ويقال: مولى طلحة بن عبيد الله قدم دمشق في خلافة عبد الملك، وحدث بها. روى عن أبيه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح على الخفين: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليه، وللمقيم يوماً وليلة ". عن علي بن أبي حملة، قال: قدم علينا مسلم بن يسار دمشق، فقالوا له: يا أبا عبد الله لو علم الله أن بالعراق من هو أفضل منك لأتانا به؛ فجعل يقول: كيف لو رأيتم عد الله بن زيد الجرمي أبا قلابة؟. فما ذهبت الأيام والليالي حتى أتانا الله بأبي قلابة.

قال محمد بن سعد: وكان مسلم ثقة فاضلاً، عابداً ورعاً، قالوا: وتوفي سلم بن سار في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مئة أو إحدى ومئة. قال عبد الغني بن سعيد: مسلم بن يسار البصري والد عبد الله، وهو أحد القراء الذين خرجوا على الحجاج. وقال قتادة: كان مسلم بن يسار يعد خامس خمسة من فقهاء أهل البصرة. وقال كلثوم بن جبر: كان المتمني بالبصرة يقول: فقه الحسن، وورعابن سيرين، وعبادة طلق بن حبيب، وحلم مسلم بن يسار. وقال الواقدي: كان مسلم بن يسار لا يفضل عليه في زمانه أحد في العلم والزهد، وكان يقول: إني لأكره أن أمس فرجي بيميني، وأنا أرجو أن آخذ بها كتابي يوم القيامة. وقال الحسن: يكون الرجل عالماً ولا يكن عابداً، ويكون عابداً ولا يكون عاقلاً، وكان مسلم بن يسار عابداً عالماً عاقلاً. وقال ابن عون: أدركت هذا المسجد مسجد البصرة وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار، وسائر المسجد قصاص. قال محمد بن سلام: كان مسلم بن يسار مفتي أهل البصرة قبل الحسن، حمل عنه ابن سيرين وأبو قلابة وكلثوم بن جبر ومحمد بن واسع ثابت البناني، وكان جليلاً عند الفقهاء، وروي كلامه.

قال ابن عون: رأيت مسلم بن سار يصلي كأنه ود، لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة، ولا يحرك له ثوباً. قال جعفر بن حيان: ذكر لمسلم قلة التفاته في الصلاة، فقال: وما يدريكم أين قلبي. وقال ابن شوذب: كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته في بيته: تحدثوا فلست أسمع حديثكم. عن أبي قلابة، قال: قلت لمسلم بن يسار: أين موضع البصر في الصلاة؟ قال: موضع السجود حسن، أرأيت لو كنت بين يدي ملك ألم تحب أن يراك متخشعاً؟ وقال مكحول: رأيت سيداً من ساداتكم داخل الكعبة. فقلت: من هو يا أبا عبد الله؟ قال: مسلم بن يسار. فقلت: لأنظرن ما يصنع مسلم اليوم؛ فلما دخل قام في الزاوية التي فيها الحجر الأسود يدعو قدر أربعين آية، ثم تحول إلى الزاوية التي فيها الركن فقام يدعو قدر أربعين آية، ثم تحول إلى الزاوية التي فيها الدرجة فقام يدعو قدر أربعين آية، ثم جاء حتى قام بين العمودين عند الرخامة الحمراء فصلىركعتين، فلما سجد قال: اللهم اغفر لي ذنوبي وما قدمت يداي، اللهم اغفر لي ذنوبي وما قدمت يداي، اللهم اغفر لي ذنوبي وما قدمت يداي؛ ثم بكى حتى بل المرمر. عن عبد الله بن مسلم بن يسار، أن أباه قال: لا ينبغي للصديق أن يكون لعاناً، لو لعنت شيئاً ما تركته في بيتي؛ وكان لا يسب أحداً، وكان أشد ما يقول إذا غضب: فرق بني وبينك. قال: فإذا قال ذلك علموا أنه لم يبق بعد ذلك شيء.

عن إسحاق بن سويد، قال: صحبت مسلم بن يسار عاماً في الكعبة، فلم أسمعه يتكلم بكلمة حتى بلغنا ذات عرق. قال: ثم حدثنا فقال: بلغني أنه يؤتى بالعبد يوم القيامة ويوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول: انظروا في حسابه، فينظر في حسابه فلا توجد له حسنة؛ فيقول: انظروا في سيآته، فتوجد له سيآت كثيرة؛ فيؤمر في النار، فيذهب به إلى النار وهو يلتفت فيقول: أي رب، لم يكن هذا ظني - أو رجائي - فيك. فيقول: صدقت: فيؤمر به إلى الجنة. قال سفيان الثوري: قال رجل لمسلم بن يسار: علمني كلمة تجمع لي موعظة نافعة. قال: فأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: لا ترد بعملك غير من يملك ضرك ونفعك. قال: زدني. قال: أهمل رجاءك ولا تستعمله، واستشعر الخوف ولا تغفله. قال: زدني. قال: يوم العرض على ربك لا تنسه. قال: ثم سقط لوجهه مكباً. عن معاوية بن مرة، قال: دخلت على مسلم بن يسار، فذكر حديثاً من حديث النار، فقلت: يا أبا عبد الله، والله إنا لنرجو ونخاف. فقال ما أدري ما حسب رجاء رجل لرحمة الله وهو لا يصبر نفسه عن الشهوات عن ما حرم الله. قال: فنبهني. وكان خيراً مني. عن عبد العزيز بن عبيد الله، قال: سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على أخ له من أجل أنه ظلمه، فقال له مسلم، يا أخي لا تدع على أخيك، ولا تقطع رحمه، وكله إلى الله، فإن خطيئته هي أشد له طلباً من أعدى عدو له. قال مسلم بن يسار: ما من شيء من عملي إلا وأنا أتخوف أن يكون قد دخله ما أفسده علي ليس الحب في الله.

وقال: ما غبطت رجلاً بشيء من الدنيا، إلا جار لصالح أو مسكن واسع أو زوجة صالحة. وقال: اعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له. وقال: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. قال حماد: ذكر أيوب القراء الذين خرجوا مع ابن الأشعث، فقال: لا أعلم أحداً منهم قتل إلا رعب له من مصرعه، ولا نجا فلم يقتل إلا ندم على ما كان منه. قال: وصحب أبو قلابة مسلم بن سار إلى مكة، فقال له: يا أبا قلابة، إني أحمد إليك الله أني لم أطعن فيها برمح، ولم أرم فها بسهم، ولم أضرب فيها بسيف. قال: فقال: له: أبا عبد الله، كيف بمن رآك واقفاً فقال: هذا أبو عبد الله، والله ما وقف هذا الموقف إلا وهو على حق، فتقدم فقاتل حتى قتل؟ قال: فبكى حتى تمنيت أني لم أكن قلت شيئاً. وعن أيوب، قال: قيل لابن الأشعث: إن سرك أن يقتلوا حولك كما قتلوا حول جمل عائشة فأخرج مسلم بن يسار معك. قال: فأخرجه مكرهاً. قال خليفة: وفيها - يعني سنة مئة - مات مسلم بن يسار بالبصرة.

مسلم أبو عبد الله الخزاعي مولاهم

مسلم أبو عبد الله الخزاعي مولاهم صاحب حرس معاوية، وهو أول من ولي الحرس، وكان يدور على الحلق بدمشق، وكانت له دار في نواحي زقاق النهر. مسلم أبو سليمان والد حماد بن أبي سليمان كان مولى لمعاوية بن أبي سفيان، فأهداه إلى أبي موسى الأشعري بدومة الجندل حين التحكيم. سبي من رستاق براخوار. مسلم مولى عمر بن عبد العزيز حكى، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز وعند كاتب يكتب. قال: وشمعة تزهر، وهو ينظر في أور المسلمين. قال: فخرج الرجل فأطفئت الشمعة وجيء بسراج إلى عمر، فدنوت منه فرأيت عليه قميصاً فيه رقعة قد طبق ما بين كتفيه. قال: فنظر في أمري. عن أبي سعد الإدريسي، قال: مسلم، كان من سبي سمرقند، فوقع لابنه لعمر بن عبد العزيز، فاشتراه منها عمر بن عبد العزيز فأعتقه، ثم ولد له بعد ذلك مولود فجاء به إلى عمر بن عبد العزيز، وهو ابن شهرين، فسماه عبد الله، وفرض له في الذرية، فعاش عبد الله عشرين ومئة سنة.

مسمع بن محمد الأشعري

مسمع بن محمد الأشعري من أهل دمشق. روى عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يبغض المؤمن الذي لا زبر له ". قال جنادة: يعني الشدة في الحق. قال العقيلي: مسمع بن محمد الأشعري عن ابن أبي ذئب، لا يتابع على حديثه. مسمع ن مالك بن مسمع ابن شيبان بن شهاب بن علقمة بن عباد بن عمرو بن ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة ويقال: مسمع بن مالك بن مسمع بنقلع، وقلع لقب واسمه علقمة بن عمرو بن عباد، ويقال: ابن عباد بن عمرو بن جحدر، أبو سيار الربعي، البصري وفد على عبد الملك، وكان سيد بكر بن وائل بالبصرة. عن أبي سعيد السكري، عن غيره، قال: فولد مالك بن مسمع بن شيبان أبا غسان مسمع بن مالك، وغسان بن مالك، وشهاب بن مالك؛ فأما مسمع بن مالك فكان شريفاً سيداً حليماً لا يقدم عليه أحد من ربيعة في زمانه، وكان جواداً سخياً؛ فلما ولي عبد الملك بن مروان شكر لمالك بن مسمع ومسمع بن مالك ما كان من مالك إلى مروان، فلما أقطع مالكاً قطيعته التي بين الجسرين أقطع مسمعاً أيضاً قطيعة خلف قطيعة أبيه.

مسور بن مخرمة بن نوفل

قال خليفة: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج؛ أن ول مسمع بن مالك سجستان، فولاه، فلم يزل عليها حتى مات. عن ميمون أبي السمط مولى مسمع بن مالك، قال: كان مسمع بن مالك مع الحجاج في جميع مشاهده لا يفارقه، يوم رستق أباد ويوم ابن الأشعب ويوم الزاوية ويوم دير الجماحم، وكان منادي الحجاج يخرج فينادي: ألا إن مسمع بن مالك سيد أهل العراق. مسور بن مخرمة بن نوفل ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان، القرشي، الزهري له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث، وقدم دمشق برسالة عثمان إلى معاوية يستدعيه إليه لأجل الذين حصروه، ثم قدمها ثانية وافداً على معاوية في خلافته. عن المسور: أنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنة له، فقال له: قل له فليلقني في العتمة. قال: فلقيه، فحمد الله تعالى المسور وأثنى عليه، وقال: أما بعد؛ أما والله ما من نسب ولا سب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فاطمة مضغة مني، يقبضني ما قبضها ويبسطني ما بسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وصهري ". وعندك ابنتها، ولو زوجتك لقبضها ذلك. فانطلق عاذراً له.

قال المصنف: هذا حديث غريب، وقد روي من وجه آخر صحيح؛ عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على المنبر يقول: " إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ". قال الزبير بن بكار: وكان المسور ممن يلزم عمر بن الخطاب ويحفظ عنه، وكان من أهل الفضل والدين، ولم يزل مع خاله عبد الرحمن مقبلاً ومدبراً في أمر الشرى حتى فرغ عبد الرحمن، ثم انحاز إلى مكة حين توفي معاوية، وكره بيعة يزيد، فلم يزل هناك حتى قدم الحصين بن نمير، وحضر حصار عبد الله بن الزبير وأهل مكة، وكانت الخوارج تغشى المسور بن مخرمة وتعظمه، وينتحلون رأيه، حتى قتل تلك الأيام، أصابه حجر المنجنيق، فمات في ذلك. قال محمد بن عمر: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسور بن مخرمة ابن ثماني سنين، وقد حفظ عنه. قال أبو بكر ابن البرقي: توفي المسور بن مخرمة بمكة، أصابه حجر منجنيق وهو قائم يصلي، وذلك اليوم الذي مات فيه يزيد بن معاوية، لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين، وكان المسور يوم مات ابن اثنتين وستين سنة، صلى عليه ابن الزبير؛ وولد المسور بعد الهجرة بسنتين. قال ابن يونس: قدم مصر سنة سبع وعشرين لغزو المغرب. عن إبراهيم بن حمزة، قال: أتى عمر بن الخطاب ببرود من اليمن، فقسمها بين المهاجرين والأنصار، وكان فيها

برد فائق لها، فقال: إن أعطيته أحداً منهم غضب أصحابه ورأوا أني فضلته عليهم، فدلوني على فتى من قريش نشأ نشأة حسنة أعطيه إياها. فأسموا له المسور بن مخرمة، فدفعه إليه، فنظر إليه سعد بن أبي وقاص على المسور، فقال: ما هذا؟ فقال: كسانيه أمير المؤمنين. فجاء سعد إلى عمر فقال: تكسوني هذا البرد وتكسو ابن أخي مسوراً أفضل منه. قال له: يا أبا إسحاق، إني كرهت أن أعطيه أحداً منكم فيغضب أصحابه، فأعطيته فتى نشأ نشأة حسنة لا يتوهم فيه أني فضلته عليكم. فقال سعد: فإني قد حلفت لأضربن بالبر الذي أعطيتني رأسك. فخضع له عمر رأسه، وقال: عندك يا أبا إسحاق، وليرفق الشيخ بالشيخ. فضرب رأسه بالبرد. عن المسور: أنه خرج تاجراً إلى سوق ذي المجاز أو عكاظ، فإذا رجل من الأنصار يؤم الناس أرت أو ألثغ فأخره وقدم رجلاً، فغضب الرجل المؤخر فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إن المسور أخرني وقدم رجلاً. فغضب عمر وجعل يقول: واعجباً لك يا مسور؛ وجعل يرسل إلى بيته. فلما قدم المسور أخبر بذلك، فأتاه. فلما رآه طالعاً قال: واعجباً يا مسور. فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين، فوالله ما أردت إلا الخير. قال: وأي خير في هذا؟ فقال: إن سوق عكاظ - أو ذا المجاز - اجتمع فيها ناس كثير، عامتهم لم سمع القرآن، وكان الرجل أرت أو ألثغ فخشيت أن يتفرقوا بالقرآن على لسانه، فأخرته وقدمت رجلاً عربياً بيناً. فقال عمر: جزاك الله خيراً. عن عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة أخبره أنه قدم وافداً على معاوية بن أبي سفيان، فقضى حاجته، ثم دعاه فأخلاه، فقال: يا مسور، فافعل طعنك على الأئمة؟ قال مسور: دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له. قال معاوية: لا والله لا تكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي. قال لمسور: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له. فقال معاوية: لا براء من الذنب، فهل تعد يا مسور مما تلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر

أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان؟ قال المسور: لا والله ما نذكر إلا ما ترى من هذه الذنوب. فقال له معاوية: فإنا نعترف لله كل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم غفرها الله لك؟ قال مسور: نعم. قال: فما يجعلك برجاء المغفرة أحق مني؟ فوالله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وغيره إلا اخترت الله على سواه، وإني لعلي دين يبل فيه العمل، ويجزي فيه بالحسنات، ويجزي فيه بالذنوب، إلا أن يعفو الله عنها، وإني أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمل الله بها في إقامة الصلاة للمسلمين، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله، والأمور التي لست أحصيها عدداً فيكفي في ذلك. قال المسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر. قال عروة بن الزبير: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه. عن أم بكر بنت المسور، قالت: كان المسور بن مخرمة إذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنه سبعاً، وكان يفرق بين الأسابيع، ثم صلي لكل أسبوع ركعتين. وعنها، عن أبيها؛ أنه كان يصوم الدهر. وعنها عن أبيها؛ أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب عليه الياقوت والزبرجد، فلم يدر ما هو، فلقيه فارسي فقال: آخذه بعشرة آلاف؛ فعرف أنه شيء، فذهب به إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره خبره، فنفله إياه، وقال: لا تبعه بعشرة آلاف. فباعه له بمئة ألف فدفعها إلى المسور ولم يخمسها. عن المسور، قال: لقد وارت القبور رجالاً لو رأوني مجالسكم في هذا المجلس لاستحييت من ذلك.

عن شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، قال: لما دنا الحصين بن نمير من مكة أخرج المسور بن مخرمة سلاحاً قد حمله من المدينة ودروعاً، ففرقها في مواليه كهول، فرس، جلد، فدعاني ثم قال لي: يا مولى عبد الرحمن بن مسور. قلت: لبيك. قال: اختر درعاً من هذه الأدراع. قال: فاخترت درعاً وما يصلحها، وأنا يومئذ شاب غلام حدث. قال: فرأيت أولئك الفرس قد غضبوا وقالوا: تخير هذا الصي علينا، والله لولا الجد لتركك. قال المسور: لتجدن عنده حزماً. فلما كانت الوقعة لبس المسور سلاحه، درعاً وما يصلحها، فأحدق به مواليه ثم اكشفوا عنه، واختلط الناس، فالمسور يضرب بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأول يرتجز قدماً، ومصعب بن عبد الرحمن معه يفعلان الأفاعيل، إلى أن أحدقت جماعة منهم بالمسور، فقام دونه مواليه فذبوا عنه كل الذب، وجعل يصيح بهم ويكنيهم بكناهم، فما خلص إليه، ولقد قتلوا من أهلالشام يومئذ نفراً. وعن أم كر بنت المسور وأبي عون قالا: أصاب المسور بن مخرمة حجر من المنجنيق ضر البيت، فانفلق منه فلقة فأصابت خد المسور وهو قائم يصلي، فمرض منها أياماً، ثم هلك في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد بن معاوية، وابن الزبير يومئذ لا يسمى بالخلافة، الأمر شورى. قالت أم بكر: كنت أرى العظام تنتزع من صفحته، وما مكث إلا خمسة أيام حتى مات. عن زيد بن أسلم، قال: أغمي على المسور بن مخرمة، ثم أفاق فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أحب إلي من الدنيا وما فيها، عبد الرحمن بن عوف في الرفيق الأعلى " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً "، عبد الملك والحجاج يجران أمعاءهما في النار.

مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر

وعن شرحبيل، عن أبيه، قال: حضرنا غسل المسور، وبنوه حضور، قال: فولي ابن الزبير غسله، فغسله الغسلة الأولى بالماء القارح، والثانية بالماء والسدر، والثالثة بالماء والكافور، ووضأه بعد أن فرغ من غسله، ومضمضه وأنشقه، ثم كفناه في ثلاثة أثواب أحدها حبرة. قال: فرأيت ابن الزبير حمله بين العمودين، فما فارقه حتى صلى عليه بالحجون، وإنا لنطأ به القتلى، وأهل الشام صلوا عليه معنا، ونهانا ابن الزبير يومئذ أن نحمل معه مجمرة، ثم انتهينا إلى قبره، فنزل بنوه في قبره وابن الزبير يسله من قبل رجلي القبر. قال يحيى بن بكير: توفي المسور بن مخرمة يوم جاء نعي يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير سنة أربع وستين، وصلى عليه ابن الزبير بالحجون، وأصابه حجر منجنيق وهو يصلي في الحجر، فأقام خمسة أيام وتوفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، ولد بعد الهجرة بسنتين، وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان، وشهد عام الفتح وهو ابن ست سنين، وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثمان سنين. مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر أبو عبد الأعلى، ويقال: أبو ذرامة الغساني، والد أبي مسهر حدث مسهر بن عبد الأعلى، قال: حمل أبو بكر الصديق الحسن ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " من الرجز " وابأبي وابأبي ... تفديك نفسي وأبي والناس كلهم أبي ... فإن أبي الناس فبي قال مسهر في ابنه: " من الوافر " امحتمل بثكلى أم تطيق ... وكيف يطيق ذاك أب رفيق علاه الشيب لم يدرك له ابن ... وحادي الموت معتزم يسوق

بنيي كان لي سكناً وأنا ... على صغر شمائله تروق صغيراً كان في عيني كبيراً ... يؤمله الأقارب والصديق فسابقني إليه الموت غدواً ... وغدو الموت أبطأه سبوق فيالله صبري واحتسابي ... ونفسي من مصيبته تفوق وإشفاقي عليك من المنايا ... وهل يسطيع يدفعها الشفيق أردد غصة في القلب حلت ... وصدري عن ترددها يضيق وريح الموت ينفضه بسعف ... وفي النفس الضعيف عليه ضيق ورنت أخته وأخوه شجواً ... وأم قد أضر بها الشهيق أسكنهم وفي كبدي حريق ... وليس يسوغ في اللهوات ريق وأنشد: " من الكامل " حسدوا مروءتنا فضلل سعيهم ... ولكل بيت مروءة أعداء لسنا إذا عز الكرام لمعشر ... أزرى بفعل بنيهم الآباء قال أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر: حدثني هشام بن يحيى الغساني، قال: كان لأبيك مسهر بن عبد الأعلى خاتم نقشه: أبرمت فقم، فكان إذا ثقل عليه الرجل من جلسائه حرك خاتمه في يده ونظر إلى نفسه، ثم رمى به إلى الرجل، فيقرأ ما على خاتمه، فيقال: ما على خاتمك يا أبا عبد الأعلى، فإذا أخبره قام وكفى ثقله. قال يحيى بن معين: إبراهيم بن علي الهاشمي قتل يونس بن ميسرة بن حلبس في المسجد وهو يصلي، وقتل أبا أبي مسهر.

المسيب بن حزن بن أبي وهب

المسيب بن حزن بن أبي وهب ابن عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب أبو سعيد. وهو والد سعيد بن المسيب المخزومي له صحبة، وهم ممن بايع تحت الشجرة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً، وعن أبيه؛ وشهد اليرموك. عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد عنده أبا حهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عم، قل: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله ". قال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم، هو على ملة عبد المطلب؛ وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ". فأنزل الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ". وأنزل في أبي طالب " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ". عن ابن المسيب، عن أبيه؛ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لجده - جد سعيد -: " ما اسمك؟ " قال: حزن. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت سهل؟ " فقال: لا أغير اسماً سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت فينا حزونة بعد.

المسيب بن دارم

وعنه، عن أبيه، قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك، فلم يسمع صوت إلا رجل تحت الراية ينادي: يا نصر الله اقترب. فدنوت فإذا أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان. وعن سعيد بن المسيب، أن أباه قدم على عمر بريداً من الشام، فجعل يستخبره فقال: أتعجلون الإفطار؟ قال: نعم. فقال: أما إنهم لن يزالوا بخير ما كانوا كذلك ولم ينطعوا تنطع أهل العراق. وعنه، قال: كان المسيب رجلاً تاجراً، فدخل عليه ابن سلام، فقال: يا أبا سعيد، إنك رجل تبايع الناس، وإن أفضل مالك ما تغيب عنك، وإنه ليس المفلس الذي يفلس بأموال الناس، ولكن المفلس الذي يوقف يوم القيامة فلا يزال يؤخذ من حسناته حتى لا تبقى لح حسنة. فكان أبو سعيد مستوصياً بها. قال ابن سلام: إذا كان له حق على أحد فجاءه ببعضه قال: لا أقبل منك إلا الذي لي كله، حرصاً على الحسنات يوم القيامة. المسيب بن دارم أبو صالح البصري سمع عمر بن الخطاب الجابية. قال أبو صالح: قدم علينا عمر بن الخطاب الجابية، فقام على بعير له أحمر مقتب بقتب عليه رجل له رث. عليه عباءة قطوانية، فصاح بصوت له عال: أيها الناس؛ فثاب إليه الناس، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في مثل مقامي هذا مثل مقالتي هذه: " استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم " ثم قال شيخ بيده هكذا ثلاث فرق، " ثم يأتي بعد ذلك قوم يشهدون وإن لم يستشهدوا، ويحلفون ولا يستحلفون، إلا ومن

المسيب بن نجبة بن ربيعة

سره أن ينزل الجنة فليلزم الجماعة فإن يد الله على الجماعة، وإن الواحد شيطان، وهو من الإثنين أبعد، إلا ولا يخلون رجا بامرأة، ألا ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ". قال المسيب: رأيت عمر وفي يده درة، فضرب رأس أمة حتى سقط القناع عن رأسها، قال: فيم الأمة تسبه بالحرة؟ وقال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالاً وقال: لم تحمل على بعيرك ما لا يطيق؟ قال ابن حاتم: مات سنة ست وثمانين. المسيب بن نجبة بن ربيعة ابن رباح بن ربيعة بن عوف بن هلال بن شمخ بن فزارة بن ذبيان، الفزاري صحب علي بن أبي طالب وسمع منه، وشهد حصار دمشق، وكان في الجيش الذي جاء مع خالد بن الوليد من العراق، وكان ممن خرج في جيش التوابين الذين خرجوا للطلب بدم الحسين بن علي فقتل بعين الوردة من أرض الجزيرة سنة خمس وستين. روى عن علي بن أبي طالب، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من نبي إلا وله سبعة نجباء، وأعطيت أنا اثني عشر نجيباً ". قيل لعلي بن أبي طالب: ومن هم؟ قال علي: أنا والزبير بن العوام وأبو بكر الصديق وعمر وضمرة وجعفر ومصعب بن عمير وبلال وعمار بن ياسر والمقداد وعثمان بن مظعون - وشك سفيان في عبد الله بن مسعود -.

وعن الحسن بن علي، قال: إني رجل محارب، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحرب خدعة ". عن قيس، قال: كنت مع خالد فأقبل حتى نزل بناحية يصرى، وقسم خيله فجعل على شطرها المسيب بن نجبة وعلى الشطر الآخر رجلاً كان معه من بكر بن وائل. قال محمد بن سعد: في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، شهد القادسية، وشهد مع عل مشاهده، وقتل يوم عين الوردة مع التوابين الذين خرجوا وتابوا من خذلان الحسين، فبعث الحصين بن نمير برأس المسيب بن نجبة مع أدهم بن محرز الباهلي إلى عبيد الله بن زياد، وبعث به عبيد الله بن زياد إلى مروان بن الحكم، فنصبه بدمشق. عن سلمة بن كهيل، قال: جالست المسيب بن نجبة الفزاري في هذا المسجد عشرين سنة، وناس من الشيعة كثير، فما سمعت أحداً منهم يتكلم في أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بخير، وما كان الكلام إلا في علي وعثمان. عن أبي مخنف، قال: حدثني هذا الشيخ عن المسيب بن نجبة، قال: والله ما رأيت أشجع من إنساناً قط، ولا من العصابة التي كان فيهم، ولقد رأيته يوم عين الوردة يقاتل قتالاً شديداً ما ظننت أن رجلاً واحداً يقدر أن يبلي ما أبلى ولا نكأ في عدوه مثل ما نكأ، ولقد قتل رجالاً. قال: وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتلهم: " من الرجز " قد علمت سيالة الذوائب ... واضحة اللبات والترائب أني غداة الروع والتغالب ... أشجع من ذي لبد مواثب قصاع أقران مخوف الجانب وقال: " من الطويل " ولست كمن خان ابن عفان منهم ... ولا مثل من يعطي العهود ويغدر

المسيب بن واضح بن سرحان

ولكن نبغي جنة أتقي بها ... لعل ذنوبي عند ربي تغفر شهدت رسول الله بالحق قلما ... يبشر بالجنات والنار يندر المسيب بن واضح بن سرحان أبو محمد السلمي، الحمصي ثم التلمنسي سمع منه بصور، واجتاز بدمشق أو بساحلها في طريقه إلى صور. روى عن يوسف بن أسباط، بسنده إلى جابر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مداراة الناس صدقة ". وعن حفص بن ميسرة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: توضأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة مرة وقال: " هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به " ثم توضأ مرتين مرتين وقال: " هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر " ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً فقال: " هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي ". قال أبو نصر هبة الله بن عبد الجبار السجزي: وأما المسيب بن واضح فهو شيخ جليل ثقة من تبع الأتباع - يعني التابعين - كنيته أبو محمد الحمصي من أهل تل منس قرية بحمص. قال أو حاتم عنه: صدوق، كان يخطئ كثيراً، فإذا قيل له لم يقبل. وقال صالح بن محمد البغدادي: لا يدري أي طرفيه أطول، لا يدري أيش يقول. ويوسف بن أسباط صدوق. قال المسيب: خرجت من تل منس وأنا أريد مصر إلى ابن لهيعة، فلما صرت إلى مصر أخبرت بموته، فسمعت من إسماعيل بن عياش

مشرف بن مرجى بن إبراهيم

مات سنة ست وأربعين ومئتين، وقيل سنة سبع وأربعين ومئتين غرة المحرم، وسنه تسع وثمانون سنة، ودفن بتل منس. وكان مسنداً، وله عقب نحاس. مشرف بن مرجى بن إبراهيم أبو المعالي المقدسي، الفقيه سمع بدمشق. روى بصور سنة ثمان وثلاثين وأربعمئة عن أبي أحمد محمد بن سهل القيساري، بسنده إلى فاطمة الكبرى عليها السلام، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد صلى على محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " وإذا خرج صلى على محمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبوابفضلك ". وعن أبي الحسن محمد بن عوف بن أحمد المري، بسنده إلى أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أهل الشام أزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتل منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد ". مشكان أبو عمرو ويقال: أبو عمر، الدمشقي روى عن أبي الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني فضلت بأربع؛ جعلني وأمتي نصف في الصلاة كما تصف الملائكة، وجعل الصعيد لي وضوءاً، وجعلت الأرض كلها لي مسجداً، وأحلت لي الغنائم ". عن علي بن أبي حملة، قال: كنت في مجلس ابن أبي زكريا الدمشقي، فذكر مشكان الدمشقي - وكان جليساً

مصاد بن زهير الكلبي

لأبي الدرداء - فقالوا: إنه لرجل صالح، من رجل يحب السلطان، فقال: اللهم غفراً، لقد رأيتنا معه في القوادس في البحر، واشتد علينا، فتقلد مصحفه ثم جاءني فضرب فخذي فقال: يا ابن أبي زكريا، أي شيء تخاف؟ وددت أنها تجلجل بي وبك إلى يوم القيامة. مصاد بن زهير الكلبي من وجوه بني كلب، كان ينزل المزة، وله يقول الشاعر: " من الخفيف " حبذا ليلتي بمزة كلب ... غال عني بها الكوانين غول بت ألهو بها وعندي مصاد ... إنه لي وللكرام وصول مصعب بن أيوب حرسي كان لعمر بن عبد العزيز. قال مصعب: كنت في حرس عمر بن عبد العزيز، وكنت قائماً على رأسه إذ دخل عليه رجل من قريش من أهل المدينة ونبطي ينازعه في أرض، فاختصما إلى عمر. قال محمد بن خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط للنبطي وهو يظن أن عمر لا يأبه لما أراد: صدق أمير المؤمنين، ليكسر النبطي - ويريه أن يخصمه من يرقده عند عمر -، فأقبل عليه عمر فقال: أعندي ترفده؟ والله لقد كنت أنكر هذاقبل أن تنصل هذه - يشير بأصبعه يخطط بها لحيته - ثم قال: قم. فأقامه من المجلس، وأتبعه رسولاً يرحله من العسكر. مصعب بن الربيع الخثعمي كاتب مروان بن محمد.

مصعب بن الزبير بن العوام

عن مصعب بن الربيع الخثعمي، وهو أبو موسى بن مصعب - وكان كاتباً لمروان بن محمد - قال: لما انهزم مروان وطهر عبد الله بن علي على الشام طلبت الأمان فأمنني، فإني يوماً جالس عنده وهو متكئ، إذ ذكر مروان وانهزامه، فقال: أشهدت القتال؟ قلت: نعم. أصلح الله الأمير. فقال: حدثن عنه. قال: قلت: لما كان ذلك قال لي: احزر القوم. فقلت: إنما صاحبقلم، ولست بصاحب حرب. فأخذ يمنة ويسرة فقال لي: هم اثنا عشر ألفاً. فجلس عبد الله وقال: ماله - قاتله الله - ما أحصى الديوان يومئذ فضلاً على اثني عشر ألف رجل! مصعب بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله، الأسدي، الزبيري وفد على معاوية، وكان أخوه عبد الله بن الزبير ولاه الصرة، ثم عزله بابنه حمزة، ثن ولاها إياه ثانية وجمع له معها الكوفة. عن الحكم، أن رجلاً من عبد القيس كان يدخل على امرأة فنهاها زوجها عن ذلك وأشهد عليه أهل المجلس، فجاء يوماً فرآه في بيته، فقتله، فرفع إلى مصعب بن الزبير، فقال: لولا أن عمر عقل هذا ما عقلته، فوداه. وقال جرير بن حازم: قدم على معاوية شباب من أهل المدينة من قريش وافدين، فيهم عمرو بن سعيد

وعبد الملك بن مروان وعبد الرحمن بن أم الحكم ومصعب بن الزبير، فأنزلهم في منازل حسنة وأكرمهم، ووافق ذلك قدوم زياد عليه. فقال له معاوية: يا أبا المغيرة، إنه قدم علي شباب من قومي يزعم أهل المدية وغيرهم أنهم أفضل من وراءهم، فأت كل رجل منهم حتى تجالسه وتسأله وتبلوا ما عنده، ثم انصرف فعرفني. فجعل زياد يزور كل واحد منهم فيتحدث عنده ساعة، ومنهم من يتحدث عنده يزماً وليلة، ثم أتاه، فقال: صفهم لي ولا تسمهم؛ فقال: أما رجل منهم فبسيط اللسان، حسن العقل، لم يدع التيه فيه فضلاً، وهو خليق أن يطلب هذا الأمر فتعطيه. قال: هو - والله - عمرو بن سعيد. قال: هو هو. قال: ورجل له مثل عقله، حسن اللسان، إلا أن لصاحبه فضل حلاوة عليه، فذكر العفة ويتحظى بها، وهو خليق أن يبلغ غايته في نفسه. قال: هو - والله - عبد الملك. قال: هو هو. قال: ورجل آخر هو أحيا من فتاة مخدرة حيية، وهو أحبهم إلي، لك أن تصطنعه. قال: هذا - والله - مصعب بن الزبير. قال: هو هو. قال: وكيف رأيت عبد الرحمن؟ قال: قد غلب عليه قول الشعر وذهب به. قال: لعن الله من لا يموت دونك. قال الزبير بن بكار في تسمية ولد الزبير: ومصعب وحمزة ورملة بني الزبير، وأمهم الرباب بنت أنيف بن عبيد بن قصاد بن كعب بن عليم بن جناب بن هبل، من كلب، وكان مصعب سمى آنية النحل، من كرمه وجوده. قال الشاعر: " من الطويل " لا تحسب السلطان عاراً عقابها ... ولا ذلة عند الحفئظ في الأصل فقد قتل السلطان عمراً ومصعباً ... قريعي قريش واللذين هما مثلي

عماد بني العاص الرفع عمادها ... وقرم بن العباس آنية النحل ولي العراقين لأخيه عبد الله بن الزبير، وكان شجاعاً ممدحاً، يقول عببيد الله بن قيس الرقيات: " من الخفيف " إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء ملكه ملك عزة ليس فيها ... جبروت منه ولا كبرياء يتقي الله في الأمور وقد أف ... لح من كان همه الاتقاء وقال أحد الكلبيين يذكر ولادة من ولدوا: " من الطويل " وعبد العزيز قد ولدنا ومصعباً ... وكلب أب للصالحين ولود قال محمد بن سعد: مصعب بن الزبير بن العوام قتل بالعراق سنة اثنتين وسبعين، ويكنى أبا عبد الله ولم يكن له ابن يسمى عبد الله. قال أبو بكر الخطيب: كان من أحسن الناس وجهاً، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم كفاً، وولي إمارة العراقين وقت دعي لأخيه عبد الله بن الزبير بالخلافة، فلم يزل كذلك حتى سار إليه عبد الملك بن مروان فقتله بمسكن في موضع قريب من أوانا على نهر دجيل عند دير الجاثليق، وقبره إلى الآن معروف هناك. عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهراني، أن جميلاً نظر إلى مصعب بن الزبير على جبال عرفة فقال: إن ها هنا لفتى أكره أن تراه بثينة. قال الشعبي: ما رأيت أميراً قط على منبر أحسن من مصعب بن الزبير.

عن الوليد بن هشام، قال: كان مصعب بن الزبير يحسد الناس على الجمال، فإنه ليخطب الناس بالبصرة إذ أهل ابن جودان من ناحية الأزد، فأعرض بوجهه عن تلك الناحية إلى ناحية بني تميم، فأقبل ابن حيران من تلك الناحية، فأعرض ببصره عنها ورمى ببصره إلى مؤخر المسجد، فأقبل الحسن البصري من مؤخر المسجد، فأفف مصعب ونزل عن المنبر. عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر مصعب بن عروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا. فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة. وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم. وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له. قالخليفة: وفيها - يعني سنة سبع وستين - جمع عبد الله بن الزبير العراق لأخيه مصعب بن الزبير. وقال: سنة ثمان وستين: فيها عزل ابن الزبير ابنه حمزة عن العراق وجمعها لمصعب بن الزبير، فأقام بها - يعني الكوفة - مصعب نحواً من سنتين، ثم انحدر إلى البصرة واستخلف القباع الحارث بن عبد الله المخزومي، ثم رجع مصعب فلم يزل بها حتى قتل.

وسار مصعب يريد الشام، وسار عبد الملك يريد العراق، فأتى مصعب باجميرا أقصى عمل العراق، وأتى عبد الملك بطنان حبيب أقصى عمل الشام، وهجم عليهما الشتاء فرجعا، وكذلك كانا يفعلان في كل عام حتى قتل مصعب، وفي ذلك يقول: " من الرجز " أبيت يا مصعب إلا سيراً ... في كل عام لك باجميرا تغزو بنا ولا تفيد خيرا عن عبد الله بن أبس بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: قدم وفد من أهل العراق على عبد الله بن الزبير، فأتوه في المسجد، فسلموا عليه، فسألهم عن مصعب بن الزبير وعن سيرته فيهم، فقالوا: أحسن الناس سيرة، وأقضاهم بحق، وأعدلهم في حكم؛ وذلك يوم الجمعة، فلما صلى عبد الله بنالزبير بالناس الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم تمثل: " من الرجز " قد جربوني ثم جربوني ... من غلوتين ومن المئين حتى إذا شابوا وشيبوني ... خلوا عناني ثم سيبوني أيها الناس، إني قد سألت هذا الوفد من أهل العراق عن عاملهم مصعب بن الزبير فأحسنوا الثناء، وذكروا منه ما أحب، إن مصعباً اطبى القلوب حتى لا يعدل به، والأهواء حتى لا تحول عنه، واستمال الألسن بثنائها، والقلوب بصحتها، والأنفس بمحبتها، فهو المحبوب في خاصته، المأمون في عامته، بما أطلق الله به لسانه من الخير، وبسط به من البذل. ثم نزل.

عن علي بن زيد، قال: بلغ مصعب بن الزبير عن عريف الأنصار شيء. فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " استوصوا بالأنصار خيراً - أو قال: معروفاً - اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئتهم ". فألقى مصعب نفسه عن سريره وألزق خده بالبساط وقال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرأس والعين. فتركه. عن عبد الله بن المبارك، قال: دخل أيقف نجران على مصعب بن الزبير، فرمى إليه مصعب بشيء فشجه، فقال: له الأسقف: أعطني الأمان حتى أخبرك بما أنزل الله على عيسى بن مريم في الأنجيل. فقال له: لك الأمان. وما أنزل الله عليه؟ فقال للأسقف: أنزل الله عليه: ما للأمير وللغضب ومن عنده يطلب الحلم! وما له وللجور ومن عنده يطلب العدل! وما له وللبخل ومن عنده يطلب البذل! عز وجل من أهل العلم، قال: بلغ مصعب بن الزبير عن رجل من أهل البصرة كبر، فقال مصعب: العجب من ابن آدم، كيف يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين؟ قال أبو عبد الله بن سلمويه: أسر عبد الله بن الزبير رجلاً فأمر بضرب عنقه، فقال: أعز الله الأمير، ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة وبوجهك الذي يستضاء به فأقول: يا رب سل مصعباً فيم قتلني؟ فقال: يا غلام، اعف عنه. فقال: أعز الله الأمير، إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيش رخي. قال: يا غلام، أعطه مئة ألف. فقال: أعز الله الأمير، فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيس الرقيات منها خمسين ألفاً، فقال له: ولم؟ فقال: لقوله فيك: " من الخفيف " إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء

قال الشعبي: مر بي مصعب بن الزبير وأنا على باب داري، قال: فقال بيده هكذا. قال فتبعته. قال: فلما دخل أذن لي فدخلت عليه فتحدثت معه ساعة. ثم قال بيده هكذا، فرفع الستر، فإذا عائشة بنت طلحة امرأته. فقال: يا شعبي، رأيت مثل هذه قط؟ قال: قلت: لا، ثم خرجت. ثم لقيني بعد ذلك فقال لي: يا شعبي، تدري ما قالت لي؟ قلت: لا، قال: قالت: تجلوني عليه ولا تعطيه شيئاً. قال: فقد أمرت لك بعشرة آلاف. فأخذتها. فكان أول مال ملكته. قال الزبير بن بكار: حدثني عمي، قال: أهديت لمصعب بن الزبير نخلة ذهبية، عناقيدها من صنوف الجوهر، فدعا لها المقومين فقوموها بألفي ألف دينار، وكانت من متاع الفرس. فقال: والله ما أدري ما أصنع بها، أما إني سأعطيها رجلاً أحبه. فاستشرف لها ولده ومن حواليه، فدفعها إلى عبد الله بن أبي فروة. عن عبد الله بن نافع، قال: كان عبد الله بن الزبير لا يكسو أسماء بنت أبي بكر بكسوة إلا كساها مصعب مثلها. قال أبو عاصم النبيل: قيل لعبد الملك: شرب المصعب الشراب. فقال: والله لو كان ترك الماء مروءة عند مصعب لترك الماء. وكان عبد الله بن الزبير إذا كتب لرجل بجائزة إلى مصعب بألف درهم جعلها مصعب مئة ألف. عن الحكم، قال: أول من عرف بالكوفة مصعب بن الزبير.

قال عبد الله بن عمرا: كتبت إلى عبد الملك بن مروان، وكتبت إلى عبد الله بن الزبير، ولم يمنعني أن أكتب إلى مصعب بن الزبير إلا مخافة تزيد أهل العراق. عن سعيد، قال: جاء ابن عمر مصعب بن الزبير فسلم عليه، فقال: من أنت؟ قال: أنا ابن أخيك مصعب بن الزبير، قال: صاحب العراق؟ قال: نعم. قال ابن عمر: أسألك عن قوم خالفوا وخلعوا وقاتلوا، حتى إذا غلبوا دخلوا قصراً وتحصنوا فيه وسألوا الأمان على دمائهم فأعطوا، ثم قتلوا بعد ذلك. قال: وكم العدد؟ قال: خمسة آلاف. قال: فسبح، ثم قال: عمرك الله يا مصعب لو أن امرءاً أتى ماشية للزبير فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده أو تراه مسرفاً. قال: فسكت مصعب. فقال: أجبني. قال: نعم، إني لأعد رجلاً يذبح خمسة آلاف شاة مسرفاً. قال: أفتراه إسرافاً في البهائم، لا تعبد الله وتدري ما الله، وقتلت من وحد الله؟ أما كان فيهم مستكره يراجع به التوبة أو جاهل ترجى رجعته؟ أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك. عن عمر بن حمزة، قال: سمعت سالم بن عبد الله يسأل عبد الله بن عمر: أي ابني الزبير أشجع؟ قال: كلاهما جاءه الموت وهو ينظر إليه. عن عبد الله بن مصعب، عن أبيه، قال: لما تفرق عن مصعب جنده قال له بعض أودائه: لو اعتصمت ببعض القلاع، وكاتبت من بعد عنك من أوليائك كمثل المهل والأشتر وفلان وفلان، فإذا اجتمع لك من ترضاه لقيت القوم بأكفائهم، فقد ضعفت جداً واختل أصحابك. فلبس سلاحه وخرج فيمن بقي من أصحابه وهو يتمثل بشعر - قيل: لطريف العنبري، وكان طريف يعد بألف فارس من فرسان خراسان - فقال: " من الطويل "

علام تقول السيف يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أركب به المركب الصعبا سأحميكم حتى أموت ومن يمت ... كريماً فلا لوماً عليه ولا عتبا عن سعيد بن يزيد، قال: سار عبد الملك إلى مصعب، وسار مصعب حتى نزل الكوفة، فقال إبراهيم بن الأشتر لمصعب: ابعث إلى ابن زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ووجوه من وجوه البصرة فاضرب أعناقهم، فإنهم قد أجمعوا على أن يغدروا بك. فأبى. قال: فقال إبراهيم: فإني أخرج الآن في الخيل، فإذا قتلت فأنت أعلم. فقاتل حتى قتل. فلما التقى المصعب وعبد الملك قلب القوم ترستهم ولحقوا بعبد الملك. قال: فقتل المصعب وقتل معه ابنه عيسى وإبراهيم بن الأشتر، وخرج مسلم بن عمرو الباهلي فقال: احملوني إلى خالد بن يزيد، فحمل إليه، فاستأمن له، ووثب عبيد الله بن زياد بن ظبيان على مصعب فقتله عند دير الجاثليق على شاطئ نهر يقال له: دجيل من أرض مسكن، واحتز رأسه فذهب به إلى عبد الملك، فسجد عبد الملك لما أتى برأسه؛ وكان عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاتكاً رديئاً، فكان يتلهف ويقول: كيف لم أقتل عبد الملك يومئذ حين سجد، فأكون قد قتلت ملكي العرب!. فقال عبد الملك لحاجبه: أقص هذا الأعرابي عني أخر إذنه ما استطعت. فكان يفعل به ذلك. فجاء يوماً فأذن الحاجب للناس وحبسه حتى أخذ الناس مجالسهم، ثم أنزله، فدخل والناس حول سرير عبد الملك، فمضى حتى جلس مع عبد الملك على السرير، فغضب عد الملك فأقبل عليه فقال: يا ابن ظبيان، لقد بلغني أنك لا تشبه أباك. فقال: والله لأنا أشبه من الغراب بالغراب، والقذة بالقذة، والماء بالماء، والتمرة بالتمرة، ولكن إن شئت - يا أمير المؤمنين - أخبرتك بمن لم تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام، ولم يشبه الأخوال والأعمام. قال: ومن ذاك ويحك؟ قال: سويد بن منجوف بن ثور السدوسي، وهو قد تجالس معه. فقال عبد الملك: أكذاك يا سويد؟ قال سويد: إن ذلك ليقال -

وكان عبد الملك ولد لسعة أشهر - فلما خرجا قال ابن ظبيان: ما أحب أن لي بفطنتك حمر النعم. قال سويد: وأنا - والله - ما سرني أن لي بما قلت حمر النعم وسودها. وسار عبد الملك من فوره حتى دخل الكوفة، وعمرو بن حريث يسير بين يديه. عن جعفر بن أبي كثير، عن أبيه، قال: لما وضع رأس مصعب بن الزبير بين يدي عبد الملك بن مروان قال: " من الوافر " لقد أردى الفوارس يوم عبس ... غلاماً غير مناع المتاع ولا فرح لخير إن أتاه ... ولا هلع من الحدثان لاع ولا وقافة والخيل تعدو ... ولا خال كأنبوب اليراع فقال الذي جاء برأسه: والله - يا أمير المؤمنين - لو رأيته والرمح في يده تارة، والسيف تارة، يفري بهذا ويطعن بهذا لرأيت رجلاً يملأ القلب والعين شجاعة وإقداماً، ولكنه لما تفرقت رجاله وكثر من قصده وبقي وحده، ما زال يشهد: " من الطويل " وإني على المكروه عند حضوره ... أكذب نفسي والجفون له تنضي وما ذاك من ذل ولكن حفيظة ... أذب بها عند المكارم عن عرضي وإني لأهل الشر بالشر مرصد ... وإني لذي سلم أذل من الأرض فقال عبد الملك: كان والله كما وصف نفسه وصدق، ولقد كان من أحب الناس إلي، وأشدهم لي إلفاً ومودة، ولكن الملك عقيم. حدث أبو محلم، قال: لما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة تطلبه في القتلى، فعرفته بشامة في فخذه، فأكبت عليه، فقالت: يرحمك الله، نعم - والله - حليل المسلمة كنت، أدركك - والله - ما قال عنترة: " من الكامل "

وحليل غانية تركت مجدلاً ... بالقاع لم يعهد ولم يتثلم فتهتكت بالرمح الطويل إهانه ... ليس الكريم على القنا بمحرم عن الكلبي، قال: قال عبد الملك بن مروان يوماً لجلسائه: من أشجع العرب؟ قالوا: شبيب، قطري، فلان، فلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت حسين وعائشة بنت طلحة وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب، وولي العراقين خمس سنين فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وأعطي الأمان فأبى. ومشى بسيفه حتى مات، ذلك مصعب بن الزبير. لا من قطع الجسور مرة ها هنا ومرة ها هنا. عن عبد الملك بن عمير، قال: رأيت عجباً، رأيت رأس الحسين أتي به حتى وضع بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم رأيت رأس عبيد الله أتي به حتى وضع بين يدي المختار، ثم رأيت رأس المختار أتي به حتى وضع بين يدي مصعب بن الزبير، ثم أتي برأس مصعب حتى وضع بين يدي عبد الملك. حدث شيخ من أهل مكة سنة مئة، قال: لما قتل مصعب بن الزبير بالعراق وبلغ عبد الله بن الزبير بمكة، فظع به فأضرب عن ذكر مقتله أياماً حتى تحث به العبيد والإماء في سكك المدينة، ثم صعد ذات يوم المنبر فأسكت عليه هنيهة، فنظرت إليه فإذا جبينه يعرق، وإذا أثر الكآبة على وجهه لا تخفى، فقلت لأخ لي إلى جانبي: أما والله إنه للبيب النهد؟ قال: فلعله يريد أن يذكر مقتل سيد فتيان العرب المصعب بن الزبير، ففظع بذلك وغير ملوم. فما كان بأسرع أن قام فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر، وملك الدنيا والآخرة، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من

يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، ألا وإنه لم يذلل من كان الحق معه وإن كان فرداً، ولم يعز الله من كان من أولياء الشيطان وحزبه وإن كان معه الناس طراً، إنه أتانا خبر من قبل العراق أحزننا وأفرحنا، قتل مصعب بن الزبير رحمة الله عليه؛ فأما الذي أحزننا من ذلك قإن لفراق الحميم لوعة يجدها له حميمة عند المصيبة له، ثم يرعوي بعدها ذو الرأي إلى جميل الصبر وكريم العزاء؛ وأما الذي أفرحنا له فإنا قد علمنا أن قتله له شهادة، وأن الله جعل ذلك لنا وله خيرة، ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه منه إسلام النعام المخطم فقتل؛ وإن يقتل مصعب فقد قتل أبوه وأخوه وعمه وخاله، وكانوا الخيار الصالحين، إنا والله ما نموت حبجاً، ما نموت إلا قتلاً قتلاً، قعصاً بالرماح وموتاً تحت ظلال السيوف. ثم قال: ألا إن الدنيا عارية من الملك إلا على الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد، فإن تقبل علي الدنييا لا آخذها أخذ الأشر البطر، وإن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر. ثم نزل. قوله: أخوه، يعني المنذر بن الزبير، وعمه، يعني السائب بن العوام قتل يوم اليمامة شهيداً. وخاله، ويعني خال أبيه حمزة بن عبد المطلب. عن الزبير بن خبيب، قال: قام عبد الله بن الزبير بعد المقام الذي نعى فيه بمصعب لقد صبت بأبي الزبير. فظننت أن لا أجتبرها، ثم استمرت مريرتي، وما كنت خلواً من مصيبة عثمان، وما كان مصعب إلا فتى من فتياني؛ ثم جعل يرد البكاء وإنه ليغلبه، ويقول: " من الطويل " هم دفعوا الدنيا على حين أعرضت ... كراماً وسنوا للكرام التأسيا قتل مصعب سنة إحدى وسبعين،، وقيل: سنة اثنتين وسبعين، يوم الخميس للنصف من جمادى الأولى، وقتل معه ابنه عيسى.

مصعب بن عبد الله بن مصعب

قال عبيد الله بن قيس الرقيات يرثي مصعب بن الزبير: " من الطويل " لقد أورثت المصرين خزياً وذلة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم فما نصحت لله بكر بن وائل ... ولا صدقت يوم الحفاظ تميم فلو كان بكرياً تعطف حوله ... كتائب يغلي حمومها ويديم ولكنه ضاع الذمام ولم يكن ... بها مضري يوم ذاك حكيم جزى الله كويفي تميم ملامة ... بفعلهما إن المليم مليم فنحن بنو العلات أخلوا ظهورنا ... لذي حرمة في المسلمين حريم مصعب بن عبد الله بن مصعب ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن اللعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي أبو عبد الله الأسدي، الزبيري، المدني. قيل أنه قدم الشام غازياً. روى عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النجش. وعن عبد العزيز بن محمد، بسنده إلى عمر بن الخطاب، قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أفضل أهل الإيمان

إيماناً؟ قالوا: يا رسول الله، الملائكة. قال: " هم كذلك، ويحق لهم ذلك، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها ". قالوا: يا رسول الله، الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء. قال: " هم كذلك، ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة مع الأنبياء، بل غيرهم ". قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: " أقوام في أصلاب الرجال، يأتون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني، ويصدقون بي ولم يروني، فيجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، هؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً ". قال مصعب بن عبد الله يذكر طرفيه، ويفخر بمن ولده من قريش سواهم: " من الكامل " أني امرؤ خلطت قريش مولدي ... فحللت بين سماكهاوالفرقد ضمنت علي لهم قرابة بيننا ... حسن الثناء عليهم في المشهد تدعى قريش قبل كل قبيلة ... في بيت مرحمة وملك أيد بيت تقدمه النبي ورهطة ... متعطفين على النبي محمد فإذا تنازعت القبائل مجدها ... وتطاول الأنساب بعد المحتد وتواشجوا نسباً إلى آبائهم ... قبض الأصابع راحتاها باليد نسجت علي سداءها ولحامها ... أسد وقال زعيمها: لا تبعد وحللت حيث أحب من أنسابهم ... بين الزبير وبين آل الأسود في منتقى أسد على أحسابها ... في باذخ دون السماء ممرد وإذا يقوم خطيب قوم منهم ... يثني بمكرمة أقول له: اعدد قد شاركت أسد على أحسابها ... أهل الحفائظ منكم والسؤدد فإذا تعد لهاشم أيامها ... تعرف فضائل هاشم لا تجحد آل النبي لهم إمامة ديننا ... وصيامنا وصلاتنا في المسجد

فنمت بالرحم القريبة بيننا ... ثدي على الأدنين غير مجدد بصفية الغراء عمة أحمد ... وعقيلة النسوان بنت خويلد فتنازعوا نسباً يكون شبيهه ... علم الهدى وهداية المسترشد وإذا تعد بنو أمية فضلها ... وحلومها رجحت بقنة صندد وعلت علو الشمس في غلوائها ... حين استقل على دماغ الأصيد فتر أمية أننا أكفائها ... إذ لا يكون كفيها بالقعدد بنت الأمين وصهر أحمد منهم ... تهدى ظعينتها إلينا عن يد وشجت أمية بننا أرحامها ... فسلكن بين مصوب ومصعد وبلغن مطلباً ودرن بنوفل ... حتى اشتجرن به اشتجار الفرقد وأتين عبد الدار بين بيوتها ... حيث استقر بها طناب الموتد وورثن عبد قصي من ميراثه ... من حيث ورث يخلد ابنه أعبد وإذا تغطط بحر زهرة فارتمى ... بالموج مطرد العباب المزيد يدعون عبد مناف في حافاته ... وإذا يصاح بحارث لم يقعد يتناسخون أثيل مجد قادم ... وحديث مجد لس بالمتردد فدعوت هالة فاتخذت خيارهم ... نسباً وقلت لمن يقاسمني زد وتناظلت تيم على أحسابها ... فأخذت أكرمهم برغم الحسد من حيث شئت أتيتهم من ها هنا ... وهناك عود بدي وإن لم أبتدي أدعو بريطة إن دعوت ودونها ... بنت المصدق بالنبي المهتدي وتطاولت مخزوم حتى أشرفت ... للناس من متغور أو منجد يتأملون وجه غر سادة ... ورثوا المكارم سيداً عن سيد يتأملون وجوه غر سادة ... ورثوا المكارم سيداً عن سيد في منتهى الشرف الذي ما فوقه ... شرف وليس أثيله بمولد فدعوت عمراناً أباً فأجابني ... نسباً وشجت إليه غير المسند وإذا عدي خاطرت في مشهد ... طمت غواربها وإن لم تحشد فأتيت أسألهم لمرة حظها ... من كل مكرمة لهم أو مولد وابنا هصيص واللذان كلاهما ... في منتهى الشرف القديم المتلد

وإذا انتميت لعامر لم أنتحل ... وشركت في عرنينها والأسعد وإذا دعوت محارباً أو حارثاً ... دفعاً بكل خميلة أو فدفد فنزلت من أحمائهم بحفيظة ... وقعدت من أحسابهم في مقعد وإذا تكون لمعشر أكرومة ... أضرب بسهم قرابة لم تبعد فأحوز حوزهم بغير تنحل ... وأكون وسطهم وإن لم أشهد وعلت عروق بني الزبير من الثرى ... حتى رجعن إلى جمام المورد فمتى تقاسمنا قريش مجدها ... نهتل ولا نكتل بصاع المبدد ومتى نهب بكريمة من معشر ... تلق المراسي عندنا وتمهد صدقاتها أحسابنا وفوائد ... من طيب مكسبة عطاء الأوحد عن الحسين بن الفهم، قال: مصعب بن عبد الله، نزل بغداد، وروى عن مالك بن أنس الموطأ، وكان إذا سئل عن القرآن يقف، ويعيب من لا يقف، وتوفي ببغداد في شوال سنة ست وثلاثين ومئتين. قال أبو بكر الخطيب: مصعب بن عبد الله، عم الزبير بن بكار، سكن بغداد وحدث بها، وكان عالماً بالنسب عارفاً بأيام الناس. وقال الزبير: وكان مصعب بن عبد الله وجه قريش علماً ومروءة، وشرفاً وبياناً، وجاهاً وقدراً. قال أحمد بن حنبل: مصعب الزبيري مستثبت. وقال العباس بن مصعب بن بشير: قد أدركته ببغداد، وهو أفقه قريش في النسب.

مصعب بن المثنى العبدي

قال عنه ابن معين والدارقطني: ثقة. قال الزبير: حدثني محمد بن راشد، قال: اختلف ما بين أبي بكر بن عبد الله بن مصعب وبين أخيه مصعب بن عبد الله. فدخلت يوماً على مصعب، فوجدته يقول: " من الطويل " أيزاعم أقوام وموه بظنة ... بأن سوف تأتيني عقاربه تسري وود رجال لو تمادت بنا الخطى ... إلى الغي أو تلقي علانية تجري أبت رحم أطت لنا مرجحنة ... أماني العدى والكاشح الحسك الصدر فقل لوشاة الناس لن تذهب الرقى ... ولا عاقدات السحر ود أبي بكر قال: فترويتها، ثم خرجت حتى استأذنت على أبي بكر، فحدثته عن مدخلي على أخيه مصعب، وأنشدته شعره هذا، فرق وبكى حتى نشف دموعه بمنديل، وأمرني فجئته به. فكان ذلك صلح بينهما. قال الزبير بنبكار: وتوفي مصعب بن عبد الله ليومين خلوا من شوال سنة ست وثلاثين ومئتين، وهو ابن ثمانين سنة. مصعب بن المثنى العبدي والد موسى بن مصعب من وجوه خراسان، أوفده قتيبة بن مسلم أمير خراسان على سليمان بن عبد الملك ليقره على ولايته.

مصقلة بن هبيرة بن شبل

مصقلة بن هبيرة بن شبل ابن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ن قاسط أبو الفضل البكري من وجوه أهل العراق، كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وولي أردشيرخره من قبل ابن عباس، وعتب علي عليه في إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمه، وقيل: لأنه فدى نصارى ني ناجية بخمسمئة ألف فلم يردها كلها؛ ووفد على معاوية. عن عوانة، قال: وخرج زياد من القلعة حتى قدم على معاوية فصالحه على ألفي ألف، ثم أقبل فلقيه مصقلة بن هبيرة وافداً إلى معاوية في الطريق، فقال له: يا مصقلة متى عهدك بأمير المؤمنين؟ قال: عاماً أول. قال: كم أعطاك؟ قال: عشرين ألفاً. قال: فهل لك أن أعطيكها على أن أعجل لك عشرة آلاف، وعشرة آلاف إذا فرغت، على أن تبلغه كلاماً؟ قال: نعم. قال: قل له إذا انتهيت إليه: أتاك زياد وقد أكل بر العراق وبحره، فخدعك، فصالحته على ألفي ألف؟ والله ما أرى الذي يقال إلا حقاً. قال: نعم. ثم أتى معاوية فقال له ذلك، فقال له معاوية: وما يقال يا مصقلة؟ قال: يقال: إنه ابن أبي سفيان. فقال معاوية: وإن ذلك ليقال؟ قال: نعم. قال: أبي قائلها إلا إثماً. فزعم أنه نقد مصقلة العشرة آلاف الأخرى بعدما ادعاه معاوية. عن عمار، قال: كانت الخوارج تقول: إنعلياً سبى المسلمين، فلم يكن أحد أدرك علياً ولا ذلك إلا أبو الطفيل. قال: فلما قدمت سألت أبا الطفيل، فقال: إن علياً لم يسب مسلماً، إن علياً سبى بني ناجية وكانوا نصارى أسلموا ثم ارتدوا ثم ارتدوا عن الإسلام ورجعوا إلى النصرانية،

فقتل علي مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وباعهم من مصقلة بن هبيرة بمئة ألف، فأعطاه خمسين ألفاً وبقيت عليه خمسون، فأعتقهم مصقلة ولحق بمعاوية، فأجاز علي عتقهم. عن عبد الله بن فقيم، قال: ثم إنه - يعني معقل بن قيس - أقبل بهم - يعني نصارى بني ناجية - حتى مر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامل أردشيرخره، وهم خمسمئة إنسان، فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أبا الفضل، يا حامي الرجال، ومأوى المعضب، وفكاك العناة، امنن علينا واشترنا فأعتقنا. فقال مصقلة: أقسم بالله لاأتصدقن عليكم، إن الله يجزي المتصدقين. فبلغها عنه علي، فقال: والله لولا أني أعلمه قالها توجعاً لهم لضربت عنقه، ولو كان في ذلك تفاني تميم وبكر بن وائل. ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل بن قيس فقال له: بعني بني ناجية. فقال: نعم، أبيعكم بألف ألف فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال فأبى عليه، فلم يزل يراوضه حتى باعهم بخمسمئة ألف، ودفعهم إليه، وقال له: عجل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال: أنا باعث الآن بصدر، ثم أعث بصدر آخر، ثم كذلك حتىلا بقى منه شيء إن شاء الله؛ وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين فأخبره بما كان منه، فقال له: أحسنت وأصبت. وانتظر علي مصقلة أن يبعث إليه بالمال، فأبطأ به، وبلغ علياً أن مصقلة خلى سبيل الأسارى، ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال علي: ما أظن مصقلة إلا وقد تحمل حمالة، لا أراكم إلا سترونه عن قريب منها ملبداً؛ ثم إنه كتب إليه: أما بعد، فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمئة ألف، فابعث بها إلي ساعة يأتيك رسولي، وإلا فأقبل حين تنظر في كتابي، فإني قد تقدمت إلى رسولي إليك ألا يدعك تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال، والسلام عليك. وكان الرسول أبو جرة الحنفي، فقال له أبو جرة: إن بعثت بالمال الساعة، وإلا فاشخص إلى أمير المؤمنين. فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، فمكث بها أياماً؛ ثم أن

ابن عباس سأله المال - وكان عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس، فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى علي - فقال له: نعم، انظرني أياماً، ثم أقبل حتى أتى علياً، فأقره علي أياماً ثم سأله المال، فأدى إليه مئتي ألف، ثم إنه عجز عنها ولم يقدر عليها. قال ذهل ابن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحلة، فقدم عشاؤه، فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه. فقلت: والله ما كنت لأحملها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد. ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها - أو ابن عفان - لتركها لي، ألم تر ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مئة ألف في كل سنة. فقلت له، إن هذا لا يرى ذاك الرأي، لا والله ما هو بتارك شيئاً. فسكت ساعة، وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. وبلغ ذلك علياً فقال: ما له - برحه الله - فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. ثم سار علي إلى داره فهدمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعياً، ولعلي مناصحاً، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له: حلوان: أما بعد، فإني كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله، والسلام. فيأخذه مالك بن كعب الأرحبي، فيسرحه إلى علي، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة: " من البسيط " لا ترمين هداك الله معترضاً ... بالظن منك فما بالي وحلوانا ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا ماذا أردت إلي بإرساله سفهاً ... ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا حتى تقحمت أمراً كنت تكرهه ... للراكبين له سراً وإعلانا عرضته لعلي إنه أسد ... يمشي العرضنة من آساد خفانا قد كنت في منظر عن ذا ومستمع ... تحمي العراق وتدعى خير شيبانا

لو كنت أديت ما للقوم مصطبراً ... للحق أحييت أحيانا وموتانا لكن لحقت بأهل الشام ملتمساً ... فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا فاليوم تقرع سن العجز من ندم ... ماذا تقول وقد كان الذي كانا أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا فلما وقع الكتاب إليه علم أنه قد هلك، ولم يلبث التغلبيون إلا قليلاً حتى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان، فأتوا مصقلة فقالوا: إنك بعثت صاحبنا فأهلكته، فإما أن تحييه وإما أن تديه. فقال: أما أن أحييه فلا أستطيع، ولكن سأديه. فوداه. وبلغني أن مصقلة قال في ذلك: " من المتقارب " لعمري لئن عاب أهل العراق ... علي انتعاشي بني ناجيه لأعظم من عتقهم رقهم ... وأكفى بعتقهم عاليه وزايدت فيهم لإطلاقهم ... وغاليت إن العلى غاليه ثم إن معاوية بعد ذلك ولى مصقلة طبرستان، وبعثه في جيش عظيم، فأخذ العدو عليه المضايق، فهلك وجيشه، فقيل في المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان. عن مسلمة بن محارب، قال: مرض معاوية فأرجف به مصقلة بن هبيرة، وساعده قوم على ذلك، ثم تماثل معاوية وهم يرجفون به، فحمل زياد مصقلة إلى معاوية، وكتب إليه: إن مصقلة كان يجمع مراقاً من مراق العراق فيرجفون بأمير المؤمنين. وقد حملته إليك ليرى عافية الله إياك. فقدم مصقلة، وجلس معاوية للناس، فلما دخل مصقلة قال له معاوية: ادن، فدنا، فأخذ بيده وجيده، فسقط مصقلة، فقال معاوية: " من مجزوء الكامل " أبقى الحوادث من خلي ... لك مثل جندلة المراجم قد رامني الأقوام قب ... لك فامتنعت من النظالم فقال مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى الله منك ما هو أعظم من ذلك، حلماً وكلاً

مضارب بن حزن

ومرعى لأوليائك، وسما ناقعاً لعدوك، فمن يرومك، كانت الجاهلية وأبوك سيد المشركين، وأصبح الناس مسلمين وأنت أمير المؤمنين. وأقام مصقلة، فوصله معاوية، وأذن له فانصرف إلى الكوفة، فقيل له: كيف تركت معاوية؟ قال: زعمتم أنه لما به، والله لغمز يدي غمزة كاد يحطمها، وجبذني جبذة كاد يكسر مني غضواً. عن كليب بن خلف، قال: ثم غزا مصقلة خراسان أيام معاوية في عشرة آلاف، فأصيب وجنده بالرويان، وهي متاخمة طبرستان، فهلكوا في واد من أوديتها، أخذ العدو عليهم بمضايقة، فقتلوا جميعاً، فهو يسمى وادي مصقلة. قال: وكان يضرب به المثل: حتى يرجع مصقلة من طبرستان. والله أعلم. مضارب بن حزن أبو عبد اللهالتميمي، المجاشعي، البصري وفد على معاوية. روى عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا عدوى ولا هامة، وخير الطير الفأل، والعين حق ". وزاد في رواية: " ويوشك الصليب أن يكسر، ويقتل الخنزير، وتوضع الجزية ". قال ابن سعد: وكان قليل الحديث.

المضاء بن عيسى الكلاعي الزاهد

قال العجلي: مضارب بن حزن بصري، تابعي، ثقة. المضاء بن عيسى الكلاعي الزاهد كان يسكن راوية من قرى دمشق. روى عن شعبة، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ضبط هذا - وأشار إلى لسانه - وهذا - وأشار إلى وسطه - ضمنت له الجنة ". قال أبو عبد الرحمن السلمي: مضاء بن عيسى الشامي من أقران أبي سليمان الداراني، وكان من أهل دمشق. عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت مضاء يقول: رحم الله أقواماً زاروا إخوانهم بقلوبهم في قبورهم وهم قيام في ديارهم. قال: وسمعته يقول: لإزالة الجبال من مواضعها أهون من إزالة رئاسة قد ثبتت. وقال مضاء: من رجا شيئاً آثره على غيره. وقال: خف الله يلهمك، واعمل له لا يحوجك إلى دليل. وقال: إنما أرادوا بالزهد لتفرغ قلوبهم للآخرة. وقال: يا معشر الفقراء، أعطوا الله الرضا من قلوكم يثبتكم على فقركم.

مضرس بن عثمان الجهني

وقال: ما عرف الله من عصاه، ولا عرفه من وصفه ببخل. قال قاسم الجوعي: وأضفت بالمضاء بن عيسى، فأخرج إلي نصف رغيف عليه نصف خيارة، وقال لي: يا قاسم كل، إن كسب الحلال صعب، من درى كيف يكسب درى كيف ينفق. مضرس بن عثمان الجهني من أهل دمشق. مضر بن محمد بن خالد بن الوليد أبو محمد الأسدي، القاضي، البغدادي حدث بدمشق وبغداد. روى عن محمد بن أبان، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ". قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبل أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه " يعني الراكد. قال ابن يونس: مضر بن محمد من أهل ملطية، كان قد رحل، ثقة. وعن علي بن عمر، قال: ولي قضاء واسط، وكان رواية لحروف القراءات.

مطاع بن المطلب القيني

قال الدارقطني: هو ثقة. أنشد مضر بن محمد بن خالد الأسدي: " من البسيط " لو كان في البين إذ بانوا لهم دعة ... لكان بينهم من أعظم الضرر فكيف والبين مقرون به تعب ... تعسف البيد والإدلاج في السحر سيان إتعاب من أهوى وبينهم ... هذا لعمرك خطب غير مغتفر كأن أيدي مطاياهم إذا وخدت ... يقعن في حر وجهي أو على بصري عندي من الواحد ما لو أن أيسره ... يصب في الماء لم يشرب من الكدر قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي: ومات مضر بن محمد الأسدي سنة سبع وسبعين ومئتين. مطاع بن المطلب القيني من فرسان أهل الشام. شهد صفين مع معاوية وبارز علي بن أبي طالب، فقتله علي يومئذ. مطرف بن عبد الله بن الشخير ابن عوف بن كعب بن وقدان بن الحريش - وهو معاوية - ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو عبد الله الحرشي، البصري لأبيه صحبة، وقدم الشام ولقي بها أبا ذر. روى عن أبيه، قال:

دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وهو قائم يصلي، ولصدره أزرير كأزرير المرجل، وعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أقل ساكني الجنة النساء ". وعنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له أو لرجل: " هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟ " قال: لا. قال: " فإنه إذا أفطرت فصم يومين ". قال مطرف: أتيت الشام فإذا أنا برجل يصلي، يركع ويسجد ولا يفصل، فقلت: لو قعدت حتى أرشد هذا الشيخ؛ فقعدت، فلما قضى الصلاة قلت: يا عبد الله، أعلى شفع انصرفت أم على وتر؟ قال: قد كفيت ذاك. قلت: وما يكفيك؟ قال: الكرام الكاتبون، إني لأرجو أن لا أكون ركعت ركعة ولا سجدت سجدة إلا كتب الله لي بها حسنة، أو حط لي بها خطيئة، أو جمعهما لي جميعاً. قلت: ومن أنت يا عبد الله؟ قال: أبو ذر. قلت: ثكلت مطرفاً أمه، يعلم أبا ذر السنة! فأتيت منزل كعب، فقالوا لي: قد سأل كعب عنك؛ فلما لقيته ذكرت له أمر لأبي ذر وما قال لي، فقال مثل قوله. وقال: كان يبلغني عن أبي ذر حديث، فكنت أشتهي لقاءه، فلقيته فقلت له: يا أبا ذر، كان يبلغني عنك حديث، وكنت أشتهي لقاءك. قال: لله أبوك، فقد لقيتني. قال: قلت: حديث بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثكم قال: " إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة ". قال: فلا إخالني أكذب على خليلي، فلا إخالني أكذب على خليلي، فلا إخالني أكذب على خليلي. قال: قلت: من هؤلاء الذين يحبهم الله؟ قال: رجل غزا في سبيل الله صابراً محتسباً مجاهداً، فلقي العدو فقاتل حتى قتل، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل. ثم قرأ هذه الآية " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص ". قلت: ومن؟ قال: رجل له جار سوء، يؤذيه فيصبر على أذاه

حتى يكفيه الله إياه إما بحياة أو موت. قلت: ومن؟ قال: رجل سافر مع قوم فأدلجوا، حتى إذا كانوا من آخر الليل وقع عليهم الكرى - وهو النعاس - فضربوا رؤوسهم، ثم قام فتطهر رهبة لله ورغبة فيما عنده. قلت: فمن الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: المختال الفخور، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل " إن الله لا يحب كل مختال فخور ". قال: ومن؟ قال: البخيل المنان. قال: ومن؟ قال: التاجر الحلاف، أو البائع الحلاف. قال محمد بن سعد: في الطبقة الثانية من أهل البصرة مطرف بن عبد الله بن الشخير، وكان ثقة، له فضل وورع، ورواية، وعقل وأدب. قال أبو سليمان الداراني: لبس مطرف بن عبد الله الصوف، وجلس مع المساكين، فقيل له، فقال: إن أبي كان جباراً، فأحب أن أتواضع لربي لعله أن يخفف عن أبي تجبره. قال مطرف: لقيت علياً فقال لي: يا أبا عبد الله، ما بطأ بك؟ أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذلك لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب عز وجل. قال العجلي: مطرف بن عبد الله بن الشخير، بصري، تابعي، ثقة؛ من خيار التابعين، رجل صالح وكان أبوه من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا رجلان مطرف بن عبد الله، ومحمد بن سيرين؛ ولم ينج منها بالكوفة إلا رجلان خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي وإبراهيم النخعي. قال مطرف: إني لأستلقي من الليل على فراشي فأتدبر القرآن كله، فأعرض نفسي على أعمال أهل

الجنة فأرى أعمالهم شديدة، " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " " يبيتون لربهم سجداً وقياماً " " أم من هو قانت اناء الليل ساجداً وقائماً " فلا أرى صفتي فيهم، فأعرض نفسي على أعمال أهل النار " قالوا: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين " فأرى القوم مكذبين، فلا أراني فيهم، فأمر بهذه الآية " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم " فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتا منهم. وقال: يا إخوتي، اجتهدوا في العمل، فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديداً كما نخاف ونحاذر لم نقل: ربنا أرجعنا " نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل " نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك. وقال: لقد كاد خوف النار يحول بيني وبين أن أسأل الله الجنة. وقال: عجبت لهذا الإنسان كيف ينجو؟ وأول ركن منه ضعيف، وخلق من الطين، وجعل الخير والشر فتنة له، وجعل له نفس أمارة بالسوء، وجعل له عدو خلقه من نار ويراه من حيث لا يراه ولا له به قوام، فلو أن رجلاً طلب صيداً يرى الصيد ولا يراه، لأوشك أن يقع منه على غرة فيأخذه.

وقال: من صفا عمله صفا لسانه، ومن خلط خلط له. وقال: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع. وقال: الإنسان بمنزلة الحجر إن جعل الله فيه خيراً كان فيه، وقرأ " ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ". وقال: إن ها هنا قوماً يزعمون أنهم إن شاؤوا دخلوا الجنة وإن شاؤوا دخلوا النار، فأبعدهم الله إن هم دخلوا النار، ثم حلف مطرف بالله ثلاثة أيمان مجتهداً أن لا يدخل الجنة عبد أبداً إلا عبد شاء الله أن يدخله إياها عمداً. وقال: لو كان الخير في يد أحد ما استطاع أن يفرغه في قلبه حتى يكون الله هو الذي يفرغه في قلبه. وقال: أتى على الناس زمان وأفضلهم في أنفسهم المسارع، وأما اليوم فأفضلهم في أنفسهم المتأني. وقال: ما يسرني أني كذبت كذبة واحدة وأن لي الدنيا وما فيها. قال أبو عقيل بشير بن عقية: قلت ليزيد بن عبد الله بن الشخير أبي العلاء: ما كان مطرف يصنع إذا هاج في الناس هيج؟ قال: كان يلزم قعر بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى ينجلي لهم عما انجلت.

عن الحرمازي، قال: بلغني أن الحجاج بعث إلى مطرف بن عبد الله أيام ابن الأشعث - وكان من اعتزل أو قاتل عند الحجاج سواء - فقال له: أشهد على نفسك بالكفر. فقال: إن من خلع الخلفاء، وشق العصا، وسفك الدماء، ونكث البيعة، وأخاف المسلمين لجدير بالكفر. فقال الحجاج: يا أهل الشام، إن المعتزلون هم الفائزون. وخلى سبيله. قال مطرف: إن من أحب عباد الله إلى الله الصبار الشكور، الذي إذا ابتلي صبر وإذا أعطي شكر. وقال: الخير الذي لا شر فيه الشكر مع العافية، فكم من منعم عليه غير شاكر، وكم من مبتل غير صابر. عن زهير البابي، قال: مات ابن لمطرف بن عبد الله بن الشخير، فخرج على الحي قد رجل لمته ولبس حلته، فقيل له: أنرضى منك بهذا وقد مات ابنك؟ فقال: أتأمروني أن استكين للمصيبة؟ فوالله لو أن الدنيا وما فيها لي وأخذها الله مني ووعدني عليها شربة ماء غداً ما رأيتها لتلك الشربة أهلاً، فكيف بالصلوات والهدى والرحمة؟ عن ثابت البناني، قال: أتينا مطرف بن عبد الله في باديته، فإذا هو يلعب مع صبيان له، فلما رآنا قام إلينا ليستقبلنا، فلم يزل يحضر حتى جر إزاره. قال: فما ترك منا أحداً إلا قبله، ثم قال: بأبي أنتم، إذا كنت وحدي فإنما أنا صبي، فإذا رأيتموني ذكرتموني الآخرة. قال: ثم دخلنا بيتاً له يذكر فيه، قال: فقرأ علينا سورة من القرآن، وذكر ربه، وصلى على نبيه، ودعا بدعاء حسن تعجبنا من حسنه. قال: وقال لي: يا ثابت، أترى الله قد استجاب لنا؟ فقلت: ماشاء الله. فقال: وما يمنعه أن لا يستجيب؟ وقد اجتمعنا قوم لا بأس بنا، وقرأنا القرآن، وذكرناربنا، وصلينا على نبينا، ودعونا الله، فما يمنعه أن لا يستجيب لنا؟

قال مطرف - وذكر له أهل الدنيا -: لا تنظروا إلى خفض عيشهم ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم. عن يزيد، قال: كان مطرف يبدو، فإذا كان ليلة الجمعة جاء ليشهد الجمعة، فبينا هو يسير في وجه الصبح سطع من رأس سوطه نور له شعبتان، فقال لابنه عبد الله وهو خلفه: أتراني لو أصبحت فحدثت الناس هذا كانوا يصدقون؟ فلما أصبح ذهب. عن مطرف، أنه كان بينه وبين رجل كلام، فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم إن كان كاذباً فأمته. قال: فخر ميتاً مكانه. قال: فرفع ذلك إلى زياد، فقالوا: قتل الرجل. فقال: قتلت الرجل؟ قال: لا، ولكنها دعوة وافقت أجله. عن غيلان بن جرير، قال: حبس الحجاج مورقاً. قال: فطلبنا فأعيانا، فلقيني مطرف فقال: ما فعلتم في صاحبكم؟ قلنا: ما صنعنا شيئاً، طلبنا فأعيانا. قال: تعال فلندع. فدعا مطرف وأمنا؛ فلما كان من العشي أذن الحجاج للناس فدخلوا، ودخل أبو مورق فيمن دخل، فلما رآه الحجاج قال لحرسي: اذهب مع هذا الشيخ إلى السجن فادفع إليه ابنه. وكان مطرف يقول: اللهم إني أعوذ بك من ضر ينزل يضطرني إلى معصيتك، وأعوذ بك أن أكون عبرة للناس، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء من شأني يشنيني عندك، وأعوذ بك أن أقول شيئاً من الحق أريد به أحداً سواك، وأعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما أعطيتني مني. وكان من دعائه: اللهم إني أستغفرك بما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أف به، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي فيه ما قد علمت.

مطرف بن مالك

وقال: إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيماً لا موت فيه. وقال لما حضره الموت: اللهم خر لي في الذي قضيته علي من أمر الدنيا والآخرة. قال: وأمرهم أن يحملوه إلى قبره فختم فيه القرآن قبل أن يموت. عن محمد بن سعد، قال: قالوا: ومات مطرف في ولاية الحجاج بن يوسف العراق، بعد الطاعون الجارف، وكان الطاعون سنة سبع وثمانين، في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقال الخليفة: سنة ست وثمانين فيها مات مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي. مطرف بن مالك أبو الرباب القشيري، البصري شهد فتح تستر مع أبي موسى الأشعري، ولقي أبا الدرداء وكعب الأحبار. عن أبي الرباب القشيرش، قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده، فدخل عليه أعرابي، فقال: ما لأميركم؟ - وأبو الدرداء يومئذ أمير - قلنا: هو شاك. قال: والله ما اشتكيت قط - أو قال ما صدعت قط - فقال أبو الدرداء: أخرجوه عني، ليمت بخطاياه، ما أحب أن لي بكل وصب وصبته حمر النعم، وإن وصب المؤمن يكفر خطاياه.

وعنه، أنه شهد فتح تستر مع الأشعري، وأنا أصبنا دانيال بالسوس في بحر من صفر، وكان أهل السوس إذا استقوا استخرجوه فاستقوا به، وأصبنا معه ريطتي كتاب، وأصبنا معه ستين جرة مختومة، ففتحنا جرة من أدناها وجرة من وسطها وجرة من أقصاها فوجدنا في كل جرة عشرة آلاف - قال همام: أحسبه قال: واف - وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يقال له: نعيم. فقال: أتبيعوني هذه الربعة وما فيها؟ قلنا: إن لم يكن فيها ذهب أو ورق أو كتاب. قال: فالذي فيه كتاب الله. فكرة الأشعري ومن عنده من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيع ذلك الكتاب، فمن ثم كره بيع المصاحف لأن الأشعري وأصحاب الأشعري كرهوا بيع الكتاب، فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له ذلك الكتاب. قال أبو حسان: إن أول من وقع عليه رجل من بني العنبر يقال له: حرقوص، فأعطاه الأشعري الريطتين وأعطاه مئتي درهم؛ ثم إن الأشعري طلب إليه أن يرد عليه الريطتين فأبى، فشققها عمائم بين أصحابه. فكتب الأشعري في ذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر: إنه نبي الله، دعا الله أن لا يرثه إلا المسلمون، فصل عليه وأدفنه. وقال أبو تميمة: إن كتاب عمر بن الخطاب جاء إلى الأشعري أن اغسله بالسدر وماء الريحان. قال مطرف: ثم بدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينا أنا بقياض إذا أنا براكب، فشبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: أنعيماً؟ قال: نعم. قلت: ما فعلت نصرانيتك؟ قال: تحنفت بعدك. ثم أتينا دمشق فلقينا كعب فقال: إذا أتيتم بيت المقدس فاجعلوا الصخرة بينكم وبين القبلة؛ ثم انطلقنا ثلاثتنا حتى أتينا أبا الدرداء، فقالت أم الدرداء لكعب: ألا تعدي على أخيك يقوم الليل ويصوم النهار؟ فجعل لها من كل ثلاث ليال

ليلة، ومن كل ثلاثة أيام يوماً؛ ثم انطلقنا ثلاثتنا حتى أتينا بيت المقدس، فسمعت اليهود بنعيم وكعب فاجتمعوا، فقال كعب: إن هذا الكتاب قديم، وإنه بلغتكم فاقرؤوه. فقرأه قارئهم، فأتى على مكان فضرب به الأرض، فغضب نعيم واخذ الكتاب وقال: إن هذا كتاب قديم لا أدعكم تقرؤونه. فقالوا: إنه فعل ذلك عن غير مؤامرة منا. فلم يزالوا يطلبون إليه حتى قال: فإني أمسكه في حجري وتقرؤونه. فأمسكه في حجره وقارئهم يقرؤه حتى أتى على ذلك المكان " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " فأسلم منهم اثنان وأربعون حبراً، وذلك في خلافة معاوية، ففرض لهم معاوية وأعطاهم. فقال همام: فحدثني بسطام بن مسلم أن معاوية بن مرة حدثه أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمر بهم شهر بن حوشب فقال: على الخبير سقطتم؛ إن كعباً لما احتضر قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة يؤديها. فقال رجل: أنا. فدفع إليه ذلك الكتاب وقال: اركب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فاقذفه. فخرج من عند كعب فقال: هذا كتاب فيه علم من علم كعب، ويموت كعب فأضعه في أهلي واخبره أن قد فعلت الذي أمرتني. فأتى كعباً فقال: ما صنعت؟ قال: فعلت الذي أمرتني. قال: وما رأيت؟ قال لم أر شيئاً. فعلم كعب بالموت أنه كذب، فلم يزل يناشده ويطلب إليه حتى رد عليه الكتاب. فلما أيقن كعب بالموت قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة يؤديها؟ فقام رجل من بني عمنا قد كنا نأبنه بالقوة والورع، فدفع إليه ذلك الكتاب، وقال: اركب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فاقذفه. فركب سفينة هو وأصحاب له، فلما أتى ذلك المكان ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر حتى راى جديد الأرض، فقذفه، وهاجت، فدارت بهم السفينة حتى خشوا الغرق، ثم استقامت لهم. فأتى كعباً فقال: ما صنعت؟ فقال: فعلت الذي أمرتني. قال: فما رأيت؟ قال: فأخبره الرجل بالذي رأى فعلم كعب أنه قد صدق. وقال كعب: إنها التوراة كما أنزلها الله على موسى ما غيرت ولا بدلت. ولكن خشيت أن يتكل على ما فيها، ولكن قولوا: لا إله إلا الله، ولقنوها موتاكم.

مطر أبو خالد

مطر أبو خالد مولى أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أم خالد بن يزيد بن معاوية. وهو حمصي وكانت مولاته أم خالد بدمشق، فالأظهر أنه دخلها، والله أعلم. حكى عن كعب، أنه قال: أظلتكم فتنة كقطع الليل المظلم، لا يبقى بيت من بيوت المسلمين فيما بين المشرق والمغرب إلا دخله حرب أو خزي. فقلنا: يا أبا إسحاق ما يخلص من هذه الفتنة أحد؟ قال: يخلص منها من استظل بظل لبنان فيما بينه وبين البحر، فهم اسلم الناس من تلك الفتنة. قلنا: يا أبا إسحاق، كيف نعرف أسباب هذه الفتنة؟ قال: إذا رأيتم داري هذه تحترق. فتفقدنا ذلك، واحترقت سنة اثنتين وعشرين ومئة، وذلك مغزى كلثوم بن عياض إفريقية على البعث الثاني. مطر القرشي إن لم يكن أبو خالد فهو غيره سمع مطر القرشي أبا هريرة يقول: يهدم هذه الكنيسة - يعني كنيسة دمشق - خليفة، ويبني مكانها مسجداً. قال: فبعث إليه سليمان بن عبد الملك فزاد في عطائه. مطر بن العلاء بن أبي الشعثاء ويقال: ابن أبي الأشعث، الفزاري من أهل فذايا.

مطعم بن المقدام بن غنيم

روى عن عمته آمنة أو أمية وقطبة مولاة لهم، عن أبي سفيان مدلوك، قال: قدمت مع موالي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، فمسح على رأسي، ودعا لي البركة. قالتا: فكان مقدم رأس أبي سفيان أسود ما مسته يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر ذلك ابيض. مطعم بن المقدام بن غنيم أبو المقدام الكلاعي، الصنعاني روى عن الحسن البصري، أن معاوية قال لابن الحنظلية: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، فمن ربط فرساً في سبيل الله كانت النفقة عليها كالماد يده بالصدقة لا يقبضها " وعن نصيح العنسي، عن ركب المصري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه في غير مسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن طاب كسبه، وحسنت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ". قال يحيى: مطعم شيخ من أهل الشام، ثقة، يروي عنه الثوري. قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي يقول: حدثني الثقة المطعم بن المقدام أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما خلف عبد على أهله افضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا ".

مطلب بن عبد الله بن المطلب

وقال الاوزاعي: ما أصيب أهل دمشق بأعظم من مصيبتهم بالمطعم بن مقدام الصنعاني، وبأبي مرثد الغنوي، وبإبراهيم بن جدار العذري. مطلب بن عبد الله بن المطلب ابن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة أبو الحكم القرشي، المخزومي، المدني وفد على هشام بن عبد الملك لدين لحقه فقضاه عنه. قال الطلب: كان ابن عمر يتوضأ ثلاثاً ثلاثا، ويسند ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ابن عباس يتوضأ مرة مرة ويسند ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: خطب الناس عمر بن الخطاب بالجابية، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا كهيئة قيامي فيكم فقال: " يا أيها الناس، احفظوني في أصحابي فأنهم خير أمتي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب، فيحلف الرجل من غير أن يستلف ويشهد من غير أن يستشهد؛ فمن أراد بحبوبه الجنة فليلزم الجماعة فإن يد الله على الجماعة، وإياكم والفذ فإن الشيطان مع الفذ، وهو من الإثنين أبعد؛ لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم، فإنه لم يخل رجل بامرأة ليست بمحرم منه إلا كان ثالثهما الشيطان؛ من سرته حسنته وساءته سيئته - أو خطيئته - فهو مؤمن ". قال محمد بن سعد: في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة أهل المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي،

مطهر بن أحمد بن الوليد

وأمه ابنة الحكم بن أبي العاص بن أمية، وفد إلى هشام بهذه الخؤولة فقضى عنه سبعة عشر ألف دينار، والبئر على طريق العراق تنسب إلى المطلب هي بئره. قال المصعب: كان من وجوه قريش. وقال ابن سعد: وكان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيراً، وليس له لقي، وعامة أصحابه يدلسون. عن ابن حاتم، قال: سئل أبو زرعة عنه فقال: مديني ثقة. قال الزبير بن بكار: حدثني أبي قال: وكان الحارث بن المطلب من أبيه بموقع عجب من شدة حبه له؛ مات الحارث بن المطلب قبل أبيه، فأقام بعده أبوه سنة ثم نظر إلى مضجعه فتذكره، فقال: كان الحارث ها هنا مضجعه العام الأول، ثم سكت ساعة، ثم تنفس، ثم سقط مغشياً عليه، فما رفع إلا ميتاً. مطهر بن أحمد بن الوليد ابن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس الغساني قال ابن يونس: دمشقي قدم مصر. مطهر بن بزال ولي إمرة دمشق في أيام الملقب بالحاكم، بعد حامد بن ملهم الوالي بعد علي بن جعفر بن فلاح، ثم عزل بغلام للقائد منير، فولي مديدة يسيرة، ثم عزل بالقائد مظفر.

مطهر بن محمد بن إبراهيم

قال عبد المنعم بن علي بن النحوي: وفي يوم الجمعة لست عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة تسعين وثلاثمئة ورد السجل إلى دمشق بولاية للمطهر بن بزال دمشق وعزل غلي بن فلاح عنها، وركب المطهر إلى الجامع فصلى الجمعة، وقرئ سجله على المنبر، وتجهز علي بن فلاح للمسير إلى الحضرة، وورد مظفر سنة أربعمئة وأظهر سجلاً يذكر فيه أنه قائد الجيوش، فلما بلغ ذلك ابن بزال هرب، فبلغ ذلك مظفراً فأنفذ خلفه الخيل، فلحقوه ورجلوه عن فرسه، وضرب وجرح في يده جرحاً واحداً، وركب مظغر من وقته وخلصه منهم، ثم أخذه إليه وجعله في خيمة وقيده، وقال: ما أمرت بقتلك وإنما أمرت بأن أحاسبك على ما عندك من المال. وقيل: إنه لما كان في عشي هذا اليوم سير بابن بزال موكلاً به، ووصل الخبر إلى دمشق من بعلبك بأن المطهر بن بزال مات ببعلبك في يوم السبت لتسع خلون من شهر رمضان من هذه السنة - يعني إحدى وأربعمئة، وذلك أنه كان قد ضمن ببعلبك، وخرج إليها، فاعتل ومات. مطهر بن محمد بن إبراهيم أبو عبد الله الشيرازي، اللحافي، الصوفي سمع بدمشق. روى عن أبي العباس أحمد بن محمد بن زكريا النسوي، بسنده إلى علي بن يونس المدني، قال: كنت جالساً في مجلس مالك بن أنس حتى إذا استأذن عليه سفيان بن عيينة قال مالك: رجل صالح وصاحب سنة، أدخلوه. فلما دخل سلم، ثم قال، السلام خاص وعام، السلام عليك أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته. فقال له مالك: وعليك السلام أبا محمد ورحمة الله وبركاته. وقام إليه وصافحه، وقال: لولا أنه بدعة لعانقتك، فقال سفيان: قد عانق من هو خير منا ومنك. فقال له مالك: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفراً؟ فقال له

مطهر بن مازن العكي

سفيان: نعم. فقال مالك: ذاك خاص ليس بعام. فقال له: ما عم جعفراً يعمنا، وما خص جعفراً يخصنا إذا كنا صالحين؛ ثم قال له سفيان: يا أبا عبد الله، إن أذنت لي أن أحدث في مجلسك. فقال له مالك: نعم. فقال سفيان: اكتبوا، حدثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن جعفر بن أبي طالب لما قدم من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعتنقه، وقبل ما بين عينيه، وقال: " مرحباً بأشبههم بي خلقاً وخلقاً ". وعنه، بسنده إلى جابر، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المواقعة قبل الملاعبة. قال الخطيب: كان أحد الشيوخ الصالحين وكان ممن جاور بمدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو أربعين سنة، وقدم بغداد وسكن الرباط الذي كان عند جامع المدينة كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً توفي اللحافي بإيذج في رجب من سنة خمس وأربعين وأربعمئة، بلغتنا وفاته ونحن ببيت المقدس بعد رجوعنا من الحج. مطهر بن مازن العكي من أهل الأردن أو فلسطين، كان غزاء، وكان من فرسان أهل الشام، قتل يوم الطوانة سنة سبع وثمانين أو بعدها، وهي الغزوة التي قتل فيها أبو الأبيض. مطهر العامري شاعر كان مع مروان بن محمد حين حارب سليمان بن هشام بن عبد الملك القائم بأمر الجيش إبراهيم بن الوليد بعين الجر.

مطير

عن المدائني، قال: قال مطهر أحد بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: " من الطويل " ويوم بعين الجر أهجن جاثماً ... سليمان كاليعفور شهب الهزائم وطار عليها المخلصون لربهم ... سراعاً وبيعات الأكف السلائم فلما تمطت في العنان وواجهت ... دمشق شجرنا روسها بالعمائم مطير مولى يزيد بن عبد الملك وكان على خاتمه. حدث مطير، قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج يعزيه عن أخيه محمد بن يوسف، فكتب إليه الحجاج: يا أمير المؤمنين، ما التقيت أنا محمد منذ كذا وكذا إلا عاماً واحداً، وما غاب عني غيبة أنا لطول اللقاء منها أرجى من غيبته هذه، في دار لا يفرق فيها مؤمنان. مطيع بن إياس بن أبي مسلم أبو سلمى الكناني، الليثي، الكوفي شاعر محسن، وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان أبوه شاعراً من أهل فلسطين، من أصحاب الحجاج. قال أبو بكر الخطيب: قدم بغداد وصحب المنصور والمهدي من بعده، وكان شاعراً ماجناً، ورمي بالزندقة.

قال الأصمعي: مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة، فوقع معن في ظهر رقعته: إن شئت أثبتناك، وإن شئت مدحناك. فكره اختيار المدح وهو محتاج إلى النوال، فكتب إليه: " من الوافر " ثناء من أمير خير كسب ... لصاحب مكسب وأخي ثراء ولكن الزمان برى عظامي ... ولا مثل الدراهم من دواء زاد في رواية: فأمر له بألف دينار. قال أحمد بن أبي نعيم: قدم جدي أبو نعيم الفضل بن دكين بغداد، ونحن معه، فنزل الرملية، ونصب له كرسي عظيم، فجلس عليه ليحدث، فقام إليه رجل - ظننته من أهل خراسان - فقال: يا أبا نعيم، أتتشيع؟ قال: فكره الشيخ مقالته، فصرف وجهه، وتمثل بقول مطيع بن إياس: " من الطويل " وما زال بي حبيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حبي على الناس يسلم فلم يفقه الرجل مراده فعاد سائلاً، فقال: يا أبا نعيم أتتشيع؟ فقال الشيخ: يا هذا، كيف بليت بك؟ وأي ريح هبت بك؟ إني سمعت الحسن بن صالح قول: سمعت جعفر بن محمد يقول: حب علي عبادة، وأفضل العبادة ما كتم. وقال مطيع: " من الخفيف " حبذا عيشنا الذي زال عنا ... حبذا ذاك حين لا حبذا ذا أين هذا من ذاك سقياً لهذا ... ك ولسنا نقول سقياً لهذا زاد هذا الزمان شراً وعسراً ... عندنا إذ أحلنا بغداذا

بلذة تمطر التراب على القو ... م كما تمطر السماء الرذاذا فإذا ما أعاذ ربي بلاداً ... من عذاب كبعض ما قد أعاذا خربت عاجلاً كما خرب الل ... هـ بأعمال أهلها كلواذا عن أحمد بن علي، قال: اجتمع مطيع مع إخوان له ببغداد في يوم من أيامهم، فقال مطيع يصف مجلسهم: " من الطويل " ويوم ببغداد نعمنا صباحه ... على وجهه حوراء المدامع تطرب ببيت ترى فيه الزجاج كأنه ... نجوم الدجى بين الندامى تقلب يصرف ساقينا ويقطب تارة ... فيا طيبها مقطوبة حين يقطب علينا سحيق الزعفران وفوقنا ... أكاليل فيها الياسمين المذهب فما زلت أسقي بين صنج ومزهر ... من الراح حتى كادت الشمس تغرب وقال مطيع: " من السريع نازعني الحب مدى غاية ... بليت فيها وهو غض جديد لو صب ما للقلب من حبها ... على حديد ذاب من الحديد حبي لها صاف وودي لها ... محض وإشفاقي عليها شديد وزادني صبراً على جهد ما ... ألقى وقلبي مستهام عميد إني سعيد الجد أن نلتها ... وأنني أن مت منه شهيد وقال: " من الخفيف " إنما صاحبي الذي يغفر الذن ... ب وإن زل صاحب قل عذله ليس من يظهر المودة إفكاً ... وإذا قال خالف القول فعله وصله للصديق يوم فإن طا ... ل فيومان ثم يبتث حبله

المظفر بن أحمد بن إبراهيم

وقال: " من مجزوء الرمل " قل لعباد أخينا ... يا ثقيل الثقلاء ما رأينا جبلاً قب ... لك يمشي بالفضاء أنت كانون علينا ... ليس كانون الصلاء أنت في الصيف سموم ... وجليد في الشتاء أنت في الأرض ثقيل ... وثقيل في السماء بلغني أن مطيع بن إياس مات بعد ثلاثة أشهر مضت من خلافة موسى الهادي، وبويع الهادي في سنة تسع وستين ومئة. المظفر بن أحمد بن إبراهيم ابن الحسن بن برهان أبو الفتح المقرئ سكن دمشق، وأقرأ القرآن مدة، وكان مصنفاً في القراءات، حسن التصنيف. روى عن إبراهيم بن المولد الصوفي، بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كن ورعاً تكن أعبد الناس ". وعن محمد بن منصور الأسواري، بسنده إلى أبي بكر الصديق، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس عند الله يوم ولا ليلة تعدل اللة الغراء واليوم الأزهر " عني ليلة الجمعة ويوم الجمعة. قال ابن الأكفاني: سنة خمس وثمانين وثلاثمئة فيها توفي أبو الفتح المظفر بن أحمد.

المظفر بن أحمد بن علي بن عبد الله

المظفر بن أحمد بن علي بن عبد الله أبو بكر، ويقال: أبو نصر الدامعاني، الصوفي سمع دمشق. روى عن محمد بن ريدة، بسنده إلى عثمان بن حنيف، قال: شهدت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوتبصر؟ " فقال: يا رسول الله، إني ليس لي قائد، وقد شق علي. فقال له: " إيت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات ". قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر. قال المصنف: كذا أخرجه علي بن الخضر وحذف منه ذكر الدعوات التي هي المقصود. قال عبد الغافر في تذييله تارخ نيسابور: شيخ، مستور، معروف، صوفي، قدم نيسابور سنة إحدى وسبعين وأربعمئة، وروى الحديث، وكان قد سافر الكثير، وطاف البلاد، وزار المشاهد، وسمع الحديث بنيسابور.

المظفر بن حاجب بن مالك بن أركين.

المظفر بن حاجب بن مالك بن أركين. أبو القاسم بن أبي العباس الفرغاني روى عن محمد بن زيد بن عبد الصمد، بسنده إلى ابن عمر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أبلى بلاء فلم يجد إلا الثناء فقد شكر، وإن كتمه فقد كفر ". وقرئ عليه في سنة ثلاث وستين وثلاثمئة، عن أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي، بسنده إلى ابن عباس، قال: كان الفضل بن العباس ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له ". المظفر بن الحسن بن المهند أبو الحسن السلماسي روى عن أحمد بن عمير بن جوصا، بسنده إلى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين، فإن الميت يتأذى بجاره كما يتأذى الحي بجاره ". وعنه، بسنده إلى أنس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يتبع الميت إلى قبره أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان أهله وماله ويبقى عمله ".

المظفر بن طاهر بن محمد بن عبد الله

مات بأشنة وحمل إلى سلماس - لأنه كان محبوساً بأشنة - سنة إحدى وثمانين وثلاثمئة. المظفر بن طاهر بن محمد بن عبد الله أبو القاسم البستي، الفقيه سمع بدمشق. روى عن عبد الوهاب بن الحسن القيسي، بسنده إلى أبي بكر بن أبي جهمة، عن أبيه، قال: قال لي علي بن أبي طالب: قم إلى هؤلاء القوم فقل لهم: يقول لكم أمير المؤمنين: أتتهموني على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأشهد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا تؤموا قريشاً وائتموا بها، ولا تعلموا قريشاً وتعلموا منها، فإن أمانة الأمين من قريش تعدل أمانة أمينين، وإن علم عالم قريش مبسوط على الأرض ". المظفر بن عبد الله أبو القاسم المقرئ، المعروف بزعزاع المظفر بن عمر بن يزيد الفزاري أبو الحديد المظفر بن مرجى البغدادي روى عن ثابت بن موسى المكفوف، بسنده إلى جابر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تكثر صلاته بالليل يحسن وجهه بالنهار ".

المظفر بن مكارم الرجي

المظفر بن مكارم الرجي شاب قدم دمشق، وتفقه بها، ومدح جماعة بشعر غير فائق، ثم خرج إلى مصر فأدركه أجله بها. فمما قرأت من شعره: " من الطويل " أطالب عزمي في الصبا بالعظائم ... وأصبو إلى نيل العلا والمكارم وأرتاح نحو السيف والرمح والوغى ... وأهوى من الفتيان صيد الغمائم وما مأزق كالحبس عندي مبغض ... إذا انتثرت فيه رؤوس الضراغم يحب غبار الخيل يرجع نحوها ... إذا سد على الأفق وكش القشاعم تقول فتاة القوم هل يدرك العلا ... صبي يحلي جيده بالتمائم فعندك أثبت لا ترم ما لا تناله ... بعزم وهى من بين عز العزائم فقلت لها كيف الملام عن امرئ ... يرى خلة المعشوق جود الساطم إليك ابنة العتبي ما طلب العلا ... بعار ولا من بان مجداً بآثم ألم تعلمي أن المهارة سبق ... وأن المنايا في قضيب الصوارم المظفر أبو الفتح المنيري القائد ولي إمرة دمشق بعد المطهر بن بزال في أيام الملقب بالحاكم. قال عبد الوهاب بن جعفر الميداني: وتسلم البلد مظفر غلام منير في هذا اليوم - يعني يوم الأحد - لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعمئة، وعزل مظفر يوم الإثنين لسبع وعشرين ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعمئة، فكان جميع ما أقام ستة أشهر وتسعة أيام، وتسلمها بدار العطار في هذا اليوم.

المظفر الصويفي

المظفر الصويفي من ساكني طبريه، قدم دمشق، وكان يعلم بها مماليك طغتكين. قال أبو عبد الله محمد بن المحسن السلمي: مظفر الصويفي، وصل مع أبي عبد الله بن سيف إلى دمشق، وأقام بها إلى أن مات، وكان أتابك أمره بأن يعلم مماليكه الخط، فجلس قريباً من داره لذلك، وكان رجلاً ذكياً له شعر صالح، اعتمد على أبي سعد بن القرة الحلبي ورمى مقاليده إليه فبان له تغيره عليه، فكتب إليه هذه الأبيات، وهي طويلة منها: " من الكامل " إني أعوذ بجودك الموجود ... وبظلك المتفيأ المحدود وبحسن رأيك لا عداني إنه ... عند النوائب عدتي وعد يدي من أن أغادر في ذراك دريئة ... لسهام كل معاند وحسود الله في من الوشاة ومينهم ... لا تخلف الآمال في موعودي عطفاً أبا سعد فما يوم إذا ... لم ألق سعدك ينقضي بسعيد ما لي أراك تظن بي سوءاً كأن ... قد قلت قولاً فيك غير حميد من غير الود الصحيح ومن زوى ... ذاك الوداد عن الفتى المودود عهدي بجودك يستهل إذا اجتدي ... معروفه ويجيب إذ هو نودي فعلام تغري حاسدي وتتقي ... ما العذر من شيم الفتى المحمودي وبك اعتلى جدي وأنجح مطلبي ... ووارتنا زندي وأورق عودي والظل غير مقلص والصفوغي ... ر مكدر والمن غير زهيد ودليل عودك لي إلى ما سمته ... بشر وأن لا تلقني بصدود

معاذ بن جبل بن عمرو

معاذ بن جبل بن عمرو ابن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج أبو عبد الرحمن الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد العقبة وبدراً، وروى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث، وقدم دمشق. قال معاذ: كنت رديف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل، فقال: " يا معاذ ". قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: ثم سار ساعة فقال: " يا معاذ " قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم قال: " يا معاذ " قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: " هل تدري ما حق الله في عباده؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ". ثم سار ساعة، ثم قال: " يا معاذ " قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: " هل تدري ما حق العباد على الله إذافعلوا ذلك، إلا يعذبهم ". وزاد في أخرى: فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: " لا تبشرهم فيتكلوا ". قال أبو نعيم الحافظ: معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة وبدراً والمشاهد، إمام الفقهاء وكبير العلماء، بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاملا على اليمن وقال: " نعم الرجل معاذ " بعثه ليجبره من دينه، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثمان

وثلاثين، وقيل: ثلاث وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، كان ابن مسعود يسميه الأمة القانت، كان من أفضل شباب الأنصار حلماً وحياء، وبذلاً وسخاء، وضيء الوجه، أكحل العينين، براق الثنايا، جميلاً وسيماً، أردفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وراءه فكان رديفه، وشيعه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في مخرجه إلى اليمن، وهو راكب، وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عامله على اليمن، مات شهيداً بالشام في طاعون عمواس، لم يعقب. عن أنس، قال: جمع القرآن على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة كلهم من الأنصار، أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. قال أنس: أبو زيد أحد عمومتي. عن ابن عمر: أنه قال له بعض أصحابه: لقد أحسنت الثناء على ابن مسعود. فقال: كيف لا أحسن عليه الثناء وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خذوا القرآن من أربعة، أبي ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وابن مسعود، ولقد هممت أن أبعثهم إلى الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحوارين " فقال له علي: يا رسول الله، لو بعثت أبا بكر وعمر. قال: " إنه لا غناء عنهما، إنهما من الذين بمنزلة السمع والبصر ". عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ". عن أبي العجفاء، قال: قيل لعمر: لو عهدت. قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته، ثم لقيت الله عز وجل فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ قلت؟ سمعت عبدك ونبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

يقول: " إنه أمين هذه الأمة ". ولو أدركت معاذ بن جبل ثم وليته، ثم لقيت الله عز وجل فقال: من استخلفت على أمة محمد؟ قلت سمعت عبدك ونبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يأتي معاذ يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة "، ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته، ثم قدمت على ربي فسألني: من وليت على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك ونبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ". قال مجاهد: لما فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وسار إلى حنين استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بالناس، وخلف معاذ بن جبل يقرئهم القرآن ويفقههم. قال معاذ: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري فرددت، فقال: " أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير علم فإنه غلول، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، لقد أذعرت فامض إلى عملك ". وقال: لقد أخذ بيدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمشى ميلاً ثم قال: " يا معاذ، أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، ووفاء العهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، ورحم اليتيم، وحفظ الجوار، وكظم الغيظ، ولين الكلام، وبذل السلام، ولزوم الإمام، والفقه في القرآن، والجزع من الحساب، وقصر الأمل، وحسن العمل. وإياك أن تشتم مسلماً، وتصدق كاذباً، أو تعصي إماماً عادلاً، وأن تفسد في الأرض. يا معاذ اذكر الله عند كل شجر وحجر، وأحدث لكل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية ".

عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري السلمي - وكان فيمن بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عمال اليمن - فقال: فرق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمال اليمن في سنة عشر بعدما حج حجة التمام، وقد مات باذام، فلذلك فرق أعمالها بين شهر بن باذام، وعامر بن شهر الهمداني وعبد الله بن قيس أبو موسى، وخالد بن سعيد بن العاص، والطاهر بن أبي هالة، ويعلى بن أمية، وعمرو بن حزم؛ وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي، وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون، وبعث معاذ بن جبل معلماً لأهل اليمن وحضرموت، وقال: " يا معاذ، إنك تقدم على أهل الكتاب، وإنهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم أن مفاتيح الجنة لا إله إلا الله، وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل لا تحجب دونه، فمن جاء بها يوم القيامة مخلصاً رجحت به كل ذنب " فقال معاذ: إذا سئلت واختصم إلي فيما ليس في كتاب الله ولم أسمع منك فيه سنة؟ فقال " تواضع لله عز وجل يرفعك الله، واستدق الدنيا تلقك الحكمة، فإنه من تواضع لله عز وجل واستدق الدنيا أظهر الله الحكمة من قلبه ولسانه، ولا تقيضن ولا تقولن إلا بعلم، فإن أشكل عليك أمر فاسأل ولا تستحي، واستشر، فإن المستشير معان والمستشار مؤتمن، ثم اجتهد فإن الله عز وجل إن يعلم منك الصدق يوفقك، فإن ألبس عليك فقف وأمسك حتى تتبينه أو تكتب إلي فيه، ولا تضربن فيما تجد في كتاب الله ولا في سنتي على قضاء إلا عن ملأ، واحذر الهوى فإنه قائد الأشقياء إلى النار، وإذا قدمت عليهم فأقم فيهم كتاب الله، وأحسن أدبهم، وأقرئهم القرآن يحملهم القرآن على الحق وعلى الأخلاق الجميلة، وأنزل الناس منازلهم فإنهم لا يستوون إلا في الحدود، لا في الخير ولا في الشر على قدر ما هم عليه من ذلك، ولا تحابين في أمر الله، وأد عليهم الأمانة في الصغير والكبير، وخذ ممن لا سبيل عليه العفو، وعليك بالرفق، وإذا أسأت فاعتذر إلى الناس، وعاجل التوبة، وإذا سروا عليك أمراً بجهالة فبين لهم حتى يعرفوا، ولا تحافدهم، وأمت أمر الجاهلية إلا ما حسنه الإسلام، واعرض الأخلاق على أخلاق الإسلام ولا تعرضها على شيء من الأمور، وتعاهد الناس في المواعظ، والقصد القصد، والصلاة الصلاة فإنها قوام هذا الأمر، اجعلوها همكم وآثروا شغلها على الأشغال، وترفقوا بالناس في كل ما عليهم ولا تفتنوهم، وانظروا في وقت كل صلاة فإنه كان أرفق بهم، فصلوا بهم فيه أوله وأوسطه وآخره، صلوا الفجر في

الشتاء وغسلوا بها، وأطل في القراءة على قدر ما يطيقون، لا يملون أمر الله ولا يكرهونه، وصلوا الظهر في الشتاء مع أول الزوال، والعصر في أول وقتها والشمس حية، والمغرب حين تجب القرص، صلها في الشتاء والصيف على ميقات واحد إلا من عذر، وأخر العشاء شاتياً فإن الليل طويل، إلا أن يكون غير ذلك أرفق بهم؛ وإذا كان الصيف فأسفر فإن الليل قصير فيدركها النوام، وصل الظهر ببعدما يتنفس الظل وتبرد الرياح، وصل العصر في وسط وقتها، وصل المغرب إذا سقط القرص، والعشاء إذا غاب الشفق، إلا أن يكون غير ذلك أرفق بهم ". قال معاذ: لما بعثني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن قال لي: " كيف تقضي إن عرض القضاء؟ " قال: قلت: أقضي بما في كتاب الله. قال: " فإن لم يكن في كتاب الله؟ " قال: قلت: أقضي بما قضى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: " فإن لم يكن قضى به الرسول؟ " قال: قلت: أجتهد رأيي ولا آلو. قال فضرب صدري وقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما يرضي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". عن عاصم بن حميد السكوني: أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: " يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري ". قال: فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تبك يا معاذ، البكاء - أو إن البكاء - من الشيطان ". عن عبيد بن صخر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ودعه معاذ، قال: " حفظك الله من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، ومن فوقك ومن تحتك، ودرأ شرور الإنس والجن وشر كل دابة هو آخذ بناصيتها " فسار وساروا حتى انتهوا إلى أعمالهم. فبدأ معاذ بصنعاء ثم ثنى بالجند.

وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يبعث يوم القيامة له رتوة فوق العلماء ". عن أبي موسى: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال لهما: " يسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تنفرا " فقال له أبو موسى: إن لنا شراباً يصنع بأرضنا من العسل يقال له: البتع، ومن الشعير يقال له: المزر. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر حرام ". قال: فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: أقرؤه في صلاتي وعلى راحلتي قائماً وقاعداً ومضطجعاً، أتفوقه تفوقاً. فقال معاذ: لكني أنام ثم أقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. قال: فكأن معاذاً فضل عليه. عن أم جهيش إحدى بني جذيمة، قالت: بينا نحن بدثنية بين الجند وعدن إذ أقبل هذا، رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافينا صحن القرية، فإذا رجل متوكئ على رمحه، متقلد السيف، متعلق حجفة، متنكب قوساً وجعبة، فتكلم وقال: إني رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اتقوا الله، واعملوا بجد غير تعذير، فإنما هي الجنة والنار، خلود فلا موت وإقامة فلا ظعن، كل أمر عمل به عامل فعليه ولا له إلا ما ابتغى به وجه الله، وكل صاحب استصحبه أحد خاذله وخائنه إلا العمل الصالح، انظروا لأنفسكم فأضروا لها بكل شيء ولا تضروا بها لشيء؛ فإذا رجل موفر الرأس، أدعج أبيض، براق وضاح. عن أنس، أن معاذ بن جبل دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متكئ فقال: " كيف أصبحت يا معاذ؟ " قلت: أصبحت بالله مؤمناً. قال: " إن لكل قول مصداقاً، ولكل حق حقيقة، فما مصداق تقول؟ " قلت: يا نبي الله، ما أصبحت صباحاً قط إلا ظننت أن لا أمسي، ولا أمسيت قط إلا ظننت أني لا أصبح، وما خطوت خطوة قط إلا ظننت أن لا أتبعها أخرى، وكأني أنظر إلى أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها ومعها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله، وكأني أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة. قال: " عرفت فالزم ".

قال معاذ: لقيني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا معاذ، إني لأحبك في الله " قال: قلت: وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله. قال: " أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ". عن أبي سعيد: أن معاذ بن جبل دخل المسجد ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساجد، فسجد معاذ مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى ما سبقه. فقال له رجل: كيف صنعت؟ سجدت ولم تعتد بالركعة؟ قال: لم أكن لأرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حال إلا أحببت أن أكون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها. فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسره وقال: " هذه سنة لكم ". عن مسروق، قال: كنا عند ابن مسعود فقال: إن معاذ بن جبل كان أمة لله حنيفاً. قال: فقال له فروة بن نوفل: نسي أبو عبد الرحمن، أإبراهيم خليل الله تعني؟ قال: وهل سمعتني ذكرت إبراهيم؟ إنا نشبه معاذاً بإبراهيم، أو إن كان نشبه به. قال: فقال له رجل: ما الأمة؟ قال: الذي يعلم الناس الخير، والقانت: الذي يطيع الله ورسوله. عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، قال: كان الذين يفتون على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار، عمر وعثمان وعلي، وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. عن أشياخ، قالوا: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إني غبت عن امرأتي سنتين، فجئت وهي حبلى. فشاور عمر الناس في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين، إن كان لك عليها سبيل، فليس لك على ما في بطنها سبيل، فاتركها حتى تضع، فتركها، فولدت غلاماً قد خرجت ثنيتاه، فعرف الرجل الشبه فيه فقال: ابني ورب الكعبة. فقال عمر: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، رضي الله عنه، لولا معاذ هلك عمر.

عن أيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده، قال: كان عمر بن الخطاب يقول حين خرج معاذ بن جبل إلى الشام؛ لقد أخل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه وما كان يفتيهم به، ولقد كلمت أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه، فأبى علي وقال: رجل أراد وجهاً يرد الشهادة فلا أحبسه. فقلت: والله إن الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه وفي بيته. عن مسروق، قال: انتهى علم أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هؤلاء الستة، إلى عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. عن شهر بن حوشب، قال: كان أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له. قال أبو إدريس الخولاني: دخلت مسجد حمص، فجلست إلى حلقة فيها اثنان وثلاثون رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يقول الرجل منهم: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحدث، ثم يقول الآخر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيحدث، قال: وفيهم رجل أدعج، براق الثنايا، فإذا شكوا في شيء ردوه إليه ورضوا بما يقول فيه. قال: فلم أجلس قبله ولا بعده مجلساً مثله، فتفرق القوم وما أعرف اسم رجل منهم ولا منزله. قال: فبت بليلة ما بت بمثلها. قال: وقلت: أنا رجل أطلب العلم، وجلست إلى أصحاب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أعرف اسم رجل منهم ولا منزله! فلما أصبحت غدوت إلى المسجد فإذا أنا بالرجل الذي كانوا إذا شكوا في شيء ردوه إليه يركع إلى بعض اصطوانات المسجد، فجلست إلى جانبه، فلما انصرف قال: قلت: يا أبا عبد الله وإني لأحبك لله. فأخذ حبوتي حتى أدناني منه، ثم قال: إنك لتحبني لله؟ قال: قلت: إي والله، إني لأحبك لله. قال: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن المتحابين بجلال الله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله " قال: فقمت من عنده، فإذا أنا برجل من القوم الذين كانوا معه. قال: قلت: حديث حدثنيه الرجل. قال: أما إنه لا يقول لك إلا حقاً. قال: فأخبرته. فقال: قد سمعت ذلك، وأفضل منه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يأثر عن ربه عز وجل: " حقت محبتي للذين

يتباذلون في، وحقت محبتي للذين يتزاورون في ". قال: قلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عبادة بن الصامت. قال: قلت: من الرجل؟ قال: معاذ بن جبل. عن ابن كعب بن مالك، قال: كان معاذ بن جبل شاباً جميلاً سمحاً من خيار شباب قومه، لا يسأل شيئاً إلا أعطاه حتى دان عليه دين أغلق ماله، فكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أن يكلم له غرماءه، ففعل، فلم يضعوا له شيئاً، فلو ترك لأحد بكلام أحد لترك لمعاذ بكلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فدعاني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يبرح أن باع ماله وقسمه بين غرمائه. قال: فقام معاذ ولا مال له. قال: فلما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معاذاً إلى اليمن ليجبره. قال: فكان أول من تجر في هذا المال معاذ. قال: فقدم على أبي بكر من اليمن وقد توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه عمر وقال: هل لك أن تعطيني، تدفع هذا المال إلى أبي بكر، فإن أعطاكه فأقبله. قال: فقال معاذ: لم أدفعه إليه؛ وإنما بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليجبرني؟ فلما أبى عليه انطلق عمر إلى أبي بكر فقال: أرسل إلى هذا الرجل فخذ منه ودع له. فقال أبو بكر: ما كنت لأفعل، إنما بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليجبره، فلست آخذ من شيئاً. قال: فلما أصبح معاذ انطلق إلى عمر فقال: ما أراني إلا فاعل الذي قلت، إني رأيت البارحة في النوم أجر إلى النار وأنت آخذ بحجزتي. قال: فانطلق إلى أبي بكر بكل شيء جاء به، حتى بسوطه، وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً. قال: فقال أبو بكر: هو لك، لا آخذ منه شيئاً. عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب بعث معاذاً ساعياً على بني كلاب أو بني سعد بن ظبيان، فقسم فيهم حتى لم يدع شيئاً، حتى جاء بحلسه الذي خرج به على رقبته، فقالت له امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال من عراضة أهليهم؟ فقال: كان معي ضاغط: كان معي ضاغط. فقالت: قد كنت أميناً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، فبعث معك عمر ضاغطاً؟ فقامت بذلك في

نسائها، واشتكت عمر، فبلغ ذلك عمر فدعا معاذاً فقال: أنا بعثت معك ضاغطاً؟ فقال: لم أجد شيئاً أعتذره إليها. فضحك عمر وأعطاه شيئاً فقال: أرضها به. قال ابن جريج: فأقول: قول معاذ: الضاغط. يريد به ربه عز وجل. عن نافع، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عبيدة بن الجراح وإلى معاذ بن جبل حين بعثهما إلى الشام، أن انظروا رجالاً من صالحي من قبلكم فاستعملوهم على القضاء، وارزقوهم، وأوسعوا عليهم من مال الله عز وجل. عن مالك الدار أن عمر بن الخطاب أخذ أربعمئة دينار فجعلها في صرة ثم قال للغلام: اذهب بها إلى عبيد بن الجراح، ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع. فذهب الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين؛ اجعل هذه في بعض حوائجك. فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، ووجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، قال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل، وتله في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها إليه، قال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه، تعالي يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الخرقة إلا ديناران، قد جاء بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسر بذلك عمر وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض. عن أيوب عن أبي قلابة، أن فلاناً مر به أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أوصوني. فجعلوا يوصونه؛ وكان معاذ بن جبل في آخر القوم، فمر بالرجل فقال: أوصني يرحمك الله. فقال: إن القوم قد أوصوك فلم يألوا، وإني سأجمع لك أمرك بكلمات، فاعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من

الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فابدأ بنصيبك من الآخرة فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ثم يزول معك أين ما زلت. قال معاذ: ما خلق الله من يوم ولا ليلة إلا للعبد فيه رزق معلوم، بينه وبينه ستر، فإن أجمل في الطلب وفاه الله رزقه ولم يهتك ستره، وإن هو لم يجمل في الطلب هتك ستره ولم يزد على رزقه الذي رزقه الله شيئاً. وقال: كيف أنتم عند ثلاث؛ دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق في القرآن؟ قال: فسكتوا. فقال معاذ بن جبل: أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هدي. ومن لا فليس بنافعته دنياه، وأما زلة عالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب؛ وأما جدال منافق بالقرآن، فإن القرآن مناراً كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه. عن عون بن معمر، قال: كان معاذ بن جبل له مجلس يأتيه فيه ناس من أصحابه، فيقول: يا أيها الرجل، وكلكم رجل، اتقوا الله، وسابقوا الناس إلى الله، وبادروا أنفسكم إلى الله تعالى الموت، وليسعكم بيوتكم، ولا يضركم أن لا يعرفكم أحد. قال الأصمعي: بلغني أن معاذ بن جبل كان يقول إذا تعار في الليل من وسنه: اللهم غارت النجوم ونامت العيون وأنت حي قيوم لا تأخذك سنة ولا نوم، فراري من النار بطيء، وطلبي الجنة ضعيف، وليس عندي إلا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك. قال معاذ: اعملوا ما شئتم أن تعملوا، فلن يأخذكم الله بالعلم حتى تعملوا.

عن عبد الله بن عمر بن العاص، أنه مر بمعاذ بن جبل وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه. قال له عبد الله بن عمرو: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك. قال: فقال لي: يريد عدو الله أن يلفتني عن كلام سمعته من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال لي: تكابد دهرك في بيتك، ألا تخرج إلى المسجد فتحدث؟ وأنا سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من جاهد في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله، ومن جلس في بيته، ولم يغتب أحداً كان ضامناً على الله ". وهو يريد يخرجني من بيتي إلى المسجد. عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: خرج معاذ بن جبل يعود إنساناً، فجعل معاذ لا يمر بأذى في الطريق إلا أماطه، ومعه صاحب له فجعل صاحبه كلما رأى أذى أماطه. فقال معاذ: ما حملك على هذا؟ قال: الذي رأيتك تصنع. قال: أما إنه من أماط أذى في طريق كتبت له حسنة، ومن كتبت له حسنة دخل الجنة. قال معاذ: ما بزقت عن يميني منذ أسلمت. عن محفوظ بن علقمة، عن أبيه، أن معاذ دخل قبته فرأى امرأة تنظر من خرق في القبة فضربها. قال: وكان معاذ يأكل تفاحاً ومعه امرأته، فمر غلام له فناولته امرأته تفاحة قد عضتها، فضربها معاذ. عن عبد الله بن رافع، قال: لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف معاذ بن جبل، واشتد الوجع، فقال الناس لمعاذ: ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز. قال: إنه ليس برجز؛ ولكنه دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يختص بها الله من يشاء منكم؛ أيها الناس، أربع خلال من استطاع أن لا يدركه شيء منهن فلا تدركه. قالوا: وما هي؟ قال: يأتي زمان يظهر فيه الباطل، ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر، ويقول الرجل:

والله ما أدري على ما أنا؛ لا يعيش على بصيرة، ويعطي المال من مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله. اللهم آت معاذ نصيبهم من هذه الرحمة. فطعن ابناه، فقال: كيف تجدانكما؟ قالا " " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "، وقال: وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين. ثم طعنت امرأتاه، فهلكتا، وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول: اللهم إنها صغيرة فبارك بها، فإنك تبارك في الصغير. حتى هلك. عن عبد الرحمن بن غنم، قال: وقع الطاعون بالشام، فخطب الناس عمرو بن العاص فقال: هذا الطاعون رجز ففروا منه في الأودية والشعاب؛ فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة فغضب، فجاء يجر ثوبه، ونعلاه بيده فقال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه رحمه ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم - أو قال: ممات الصالحين - فبلغ ذلك معاذ بن جبل، فقال: اللهم اجعل نصيب آل معاذ الأوفر، فماتت ابنتاه في قبر واحد، فطعن ابنه عبد الرحمن فقال " الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " فقال معاذ: " ستجدوني إن شاء الله من الصابرين ". قال فطعن معاذ على كفه فجعل يقلبها ويقول: هي أحب إلي من حمر النعم. فإذا سري عنه قال: رب غم غمك، فإنك تعلم أني أحبك. قال: ورأى رجلاً يبكي عنده، فقال له: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم الذي كنت أصيبه منك. قال: فلا تبكه، فإن إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان في الأرض وليس بها علم فأتاه الله علماً، فإن أنا مت فاطلب العلم عند أربعة، عند عبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وعويمر أبي الدرداء. وعنه، قال: حضرت معاذ بن جبل وهو عند رأس ابن له يجود بنفسه، فما ملكنا أن ذرفت أعيننا أو انتحب بعضنا، فحرد معاذ وقال: مه؟ والله ليعلم رضاي بهذا أحب إلي من كل

غزاة غزوتها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ثم قال: ما يسرني أن لي أحداً ذهباً وأني أسخط بقضاء قضاه الله بيننا. قال: فقبض الغلام، فغمضناه، وذلك حين أخذ المؤذن في النداء لصلاة الظهر. فقال معاذ: عجلوا بجهازكم؛ فما فجأنا إلا وقد غسله وكفنه وحنطه خارجاً بسريره، قد جاز به المسجد غير مكترث لجميع الجيران ولا لمشاهدة الإخوان؛ وتلاحق الناس ثم قالوا: أصلحك الله، إلا انتظرتنا نفرغ من صلاتنا ونشهد جنازة ابن أخينا؟ فقال معاذ: إنا نهينا أن ننتظر بموتانا ساعة من ليل أو نهار، وما يزال أول الأذى فيها من بقيا الجاهلية، ثم نزل الحفرة هو وآخر، فقلت: الثالث يا معاذ. فقال: إنما يقول الثالث الذين لا يعلمون. فناولته يدي لأعينه فأبى، فقال: والله ما أدع ذلك من فضل قوة، ولكني أتخوف أن يظن الجاهل أن بي جزعاً واسترخاء عند المصيبة؛ ثم خرج فغسل رأسه، ودعا بدهن فأدهن، ودعا بكحل فاكتحل، ودعا ببردة فلبسها، وقعد في مسجده فأكثر من التبسم والتكشير، ليس به إلا ما ينوي من ذلك. ثم قال: " إنا لله وإنا إليه راجعون " في الله خلف من كل فائت، وغناء من كل عزم، وأنس من كل وحشة، وعزاء من كل مصيبة، رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً. فقلنا: وما ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: وعظني خليلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فقال: " يا معاذ، من كان له ابن وكان عليه عزيزاً، وكان به حنيناً، فأصيب به فاحتمل وصبر بمصيبته، أنزل الله الميت داراً خيراً من داره وقراراً خيراً من قراره وأهلاً خيراً من أهله، وأوجب للمصاب المغفرة والهدى والرضوان والجوار في الجنة؛ ومن أصابته فخرق فيها ثوباً فقد خرق دينه ومزقه وبدده، ومن لطم عليها وجهاً حرم الله عليه النظر إلى وجهه، ومن دعا عليها ويلاً احتجب الله من بين يديه يوم القيامة، ومن سالت دمعته من عينه لا يملكها كتب الله مصيبته له ولا عليه ". ثم أن معاذاً طعن في كفه عام عمواس، فقبلها وقال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم. قلت: يا معاذ، هل ترى شيئاً؟ قال: نعم، شكر لي ربي حسن عزائي، أتاني روح ابني يبشرني أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مئة صف من الملائكة والشهداء الصالحين يصلون على روحي ويسوقوني إلى الجنة؛ ثم أغمي عليه، فرأيته كأنه يصافح قوماً ويقول: مرحباً مرحباً، أتيتكم. قال: فقضى.

عن عبد الرحمن بن غنم، قال: أصيب معاذ بولد فاشتد جزعه، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكتب إليه: " من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل، سلام عليك، فأني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، ثم إن أنفسنا وأهالينا وأموالنا وأولادنا من مواهب الله الهنية وعواريه المستودعة، يمتع بها إلى أجل معدود، ويقبض لوقت معلوم، ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا ابتلى؛ وكان ابنك من مواهب الله الهنية وعواريه المستودعة، متعك الله به في غبطة وسرور، وقبضه بأجر الصلاة والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت، فلا تجمعن يا معاذ خصلتين: أن يحبط جزعك أجرك فتندم على ما فاتك، فلو قدمت على ثواب مصيبتك قد أطعت ربك وتنجزت موعده عرفت أن المصيبة قد قصرت عنه، واعلم يا معاذ أن الجزع لا يرد ميتاً ولا يدفع حزناً، فأحسن العزاء وتنجز الموعدة، وليذهب أسفك بما هو نازل بك فكأن قد، والسلام ". عن عمرو بن قيس، قال: بلغني أن معاذاً لما طعن، فجعل سكرات الموت تغشاه، فيفيق الإفاقة ويقول: وعزتك أنت تعلم أني لم أكن أريد البقاء في الدنيا لكر الأنهار وغرس الأشجار، ولكن لمزاحمة العلماء بالركب في المجالس عند حلق الذكر. وعن موسى بن وردان، أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي جزعاً ولكن أبكي على الجهاد في سبيل الله، وعلى فراق الأحبة. قال: ويغشاه الكرب، فجعل يقول: اخنق خنقك، فوعزتك إني أحبك. وعن الحسن البصري، قال: لما حضرت معاذاً الوفاة جعل يبكي. قال: فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت وأنت. فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا ديناً تركته بعدي، ولكن إنما هما القبضتان قبضة في النار وقبضة في الجنة، فلا أدري في أي القبضتين أنا.

معاذ بن سعد السكسكي

مات معاذ سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس بالشام بناحية الأردن، وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. عن عبد الله بن قرط، قال: حضرت وفاة معاذ بن جبل، فقال: روحوني ألقى الله مثل سن عيسى بن مريم ابن ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين سنة. معاذ بن سعد السكسكي روى عن جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، قال: سأل رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا رسول الله، ما أمد أمتك من الرخاء؟ فأسكت عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سأله فأسكت عنه، ثم سأله فقال: " أمد أمتي من الرخاء مئة سنة " قال " هل لذلك يا رسول الله من أمارة أو علامة؟ قال: " نعم، الخسف والمسخ والإرجاف وإرسال الشياطين الملجمة على الناس ". معاذ بن عبد الحميد بن حريث ابن أبي حريث القرشي مولى بني مخزوم، والد محمد وعبد الله ابني معاذ. معاذ بن عفان أبو عثمان الخواشي ساكن هراة، قدم دمشق وسمع بها. قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز: أبو عثمان معاذ بن عفان الخواشي، سكن هراة ومات بها، وكان فقيه الندى، حافظاً للحديث، فاضلاً، توفي سنة سبع وسبعين ومئتين.

معاذ بن محمد بن حمزة

معاذ بن محمد بن حمزة ابن عبد الله بن سليمان بن أبي كريمة الصيداوي حكى عن أبيه محمد بن حمزة، أن جده سليمان بن أبي كريمة نظر عموداً أو حجراً عليه مكتوب كتاباً، فلم يحسن يقرؤء، فتعلم بعد ذلك قراءة اليونانية، فقرأه فإذا عليه: بنى صيدا صيدوق بن سام بن نوح، وهي رابع مدينة بنيت بعد الطوفان. وروى عن الحسين بن السميدع، بسنده إلى أبي سعيد الخدري، أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلى أحدكم فلا يفترش ذراعه ربضة الكلب والسبع ". معاذ بن محمد بن عبد الغالب ابن عبد الرحمن بن ثوابة. أبو محمد الصيداوي روى عن أبي بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، بسنده إلى سليمان الفارسي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن ربكم حيي كريم، يستحيي أن يبسط العبد يده إليه فيردها صفراً ". وعن أبي يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة، بسنده إلى بشر بن الحارث، قال: من أحب أن يكون عزيزاً في الدنيا مكيناً في الآخرة فليجتنب أربعاً؛ لا يحدث، ولا يشهد، ولا يؤم، ولا يقبل وصية. معاذ بن محمد بن مخلد ابن مطر بن صبيح أبو سعيد العامري النسائي، المعروف بخشنام روى عن الحجي، عن محمد بن ثابت، عن نافع، قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة لابن عباس، فقضى حاجته، وكان من حديثه أنه

معاذ بن ماعص

قال: لقي رجل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كاد الرجل يتوارى في السكة، فضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على الحائط فمسح يديه جميعاً، ثم مسح وجهه، ثم ضربه بيديه فمسح ذراعيه، ثم رد على الرجل السلام، وقال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت ليس على طهر ". قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق. وقال الخطيب: سكن بغداد فحدث بها، وكان ثقة. مات في سنة ثلاث وستين ومئتين، في غرة شهر رمضان. معاذ بن ماعص ويقال: ابن معاص، بن قيس ابن خلدة بن عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن عبد بن حارثة بن مالك ابن غضب بن جشم بن الخزرج ويقال: عباد بن ماعص له صحبة، وشهد بدراً، ومات في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: إنه شهد غزوة مؤتة. عن معاذ بن ماعص جرح ببدر، فمات من جرحه بالمدينة. قال محمد بن عمر: وليس ذاك عندنا بثبت، والثبت أنه شهد بدراً وأحداً ويوم بئر معونة، وقتل يومئذ شهيداً في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة، وليس له عقب. وقال ابن شهاب: وقتل يومئذ - يعني يوم مؤتة - من بني زريق معاذ بن ماعص.

معافى بن عبد الله بن معافى

معافى بن عبد الله بن معافى ابن أحمد بن محمد بن بشير بن أبي كريمة أبو محمد الصيداوي روى عن أبيه وعمه محمد بن المعافى، بسنده إلى أنس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ". معالي بن هبة الله بن الحسن ابن علي أبو المجد ابن الحبوبي، الثعلبي، البزار سمعت منه وكان ثقة. روى عن أبي الفرج سهل بن بشر الإسفراييني، بسنده ألى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سئل عن ضالة الغنم، فقال: " هي لك أو لأخيك أو للذئب "، وسئل عن ضالة الإبل، فقال: " مالك وله؟ معه سقاؤه وحذاؤه حتى يجد ربه ". توفي أبو المجد ليلة الأربعاء سلخ شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وخمسمئة، ودفن الغد في مقبرة باب الفراديس. معالي بن هبة الله بن المفرج أبو المجد المقرئ، البزار، الشافعي، المعروف بابن الشعار كتبت عنه، وكان شيخاً خيراً، يقرئ القرآن في الجامع حسبة. روى عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، بسنده إلى عائشة، قالت: كان عتبة عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعه مني، فاقبضه إليك؛ فلما كان عام الفتح أخذه سعد، قال: ابن أخي، عهد إلي فيه؛ فقام عبد بن زمعة فقال: ابن وليدة أبي، ولد على فراشه؛ فتساوقا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

معالي بن يحيى بن خلف السلمي

هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر ". ثم قال لسودة: " احتجي منه " لما رأى من شبهه بعتبة؛ فما رآها حتى لقي الله عز وجل. سألت أبا المجد عن مولده فقال: في سنة اثنتين وخمسين وأربعمئة، وتوفي يوم الإثنين الثامن وعشرين من شهر رمضان سنة خمس وعشرين وخمسمئة، ضحى نهار، وصلي عليه في الجامع بعد العصر، ودفن من يومه بباب الصغير قرب قبر بلال. حضرت دفنه والصلاة عليه. معالي بن يحيى بن خلف السلمي رجل متأدب، كان يتعانى علم النجوم، ويقول الشعر، ويكتب خطاً حسناً، وكان يسكن درب التميمي، ويعرف بشغتر. قرأت بخطه ما كتبه إلى ابن خالي أبي الحسن علي بن محمد: " من الكامل " هضبات مجد ليس تنقصم ... وعرى علاء ليس تنفصم ومناقب عادت منورة ... بضيائها في العالم الظلم لابن الذي شهدت لمحتده ... بالفضل دون نفوسها الأمم الماجد ابن الماجدين ومن ... سمعت له كجدوده الهمم بحر من المكنون مندفق ... وحياً من المعروف منسجم في كل صالحة له قدم ... تسعى وكل فضيلة قدم وإذا تقدم للفخار فلا ... عرب تؤخره ولا عجم بعلي بن محمد شرفت ... علماء دين الله كلهم وسموا به عند الملوك على ... ما ساد علمهم وفضلهم قاض إذا تليت مناقبه ... في الجدب جادت بالحيا الديم وأخو وجود لا يلم بمن ... أسرى إلى صدقاته العدم لا تقدر الأيام تسلم من ... بعلا زكي الدين يستلم جود لكل مودع وطناً ... وحمى لكل مروع حرم

معالي الشيباني

يتقي الفواحش سمعه أنفاً ... حتى يخال بسمعه صمم مدحوه بالكرم السني علا ... وأقل ما في خلقه الكرم شهد القضاء بفضله فله ... حكم به وبعلمه حكم يا سيد الحكام دعوة ذي ... مقة بحبل وفاك يعتصم لي في علائك عدة خدم ... بمثالها يتجمل الخدم كلم إذا جليت فصاحتها ... سجدت لحسن نظامها الكلم مات معالي بن يحيى في حدود سنة ستين وخمسمئة. معالي الشيباني كان مع آل الصقيل ببعلبك. قال أبو عبد الله بن الحسن بن أحمد: معالي الشيباني، كان مختلطاً بآل الصقيل، ربي معهم وفي حجورهم، وساهم في خيرهم وشرهم، وهم في بعلبك، فلما أخذ السلطان تاج الدولة عون بن الصقيل وصار في قبضته افتداه أبوه بتسليم بعلبك إلى السلطان، وانتقل الصقيل وأولاده وجماعة كثيرة معه إلى دمشق، وأقطعوا إقطاعاً واسعاً يفيض عليهم، وعكف الصقيل وولده على الالتذاذ في جميع معانيه، فقال فيه معالي: " من مجزوء الكامل " إني لأعجب للصقي ... ل وكيف جاد ببعلبك ورضي بسكناه دمش ... ق ولعنة شتى بيك وعجبت منه كيف يض ... حك عن قليل سوف يبكي يا شيخ واظب خدمة الس ... سلطان ما الإقطاع هكي واعلم بأنك ليس تت ... رك كل ما أقطعت يزكي لا شك أنك قد تحق ... ققت الكلام بغير شك

معان بن رفاعة السلامي

معان بن رفاعة السلامي من أهل دمشق، سكن حمص. روى عن أبي خلف حازم بن عطاء الأعمى، عن أنس بن مالك، قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تجتمع أمتي على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بسواد الأعظم ". وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام ذلول لا يركبه إلا ذلول ". وعن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعد بن معاذ أن يكتوي في أكحله حين رمته بنو النضير، فاكتوى. قال مهنى بن يحيى: سألت أحمد بن حنبل عن حديث معان بن رفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدولة ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين " فقلت لأحمد: كأنه كلام موضوع. قال: لا، هو صحيح. قال أحمد: معان بن رفاعة لا بأس به، قال أبو حاتم بن حبان: معان بن رفاعة السلامي، من أهل دمشق، يروي عن الشاميين، روى عنه أهل بلده، منكر الحديث، يروي مراسيل كثيرة، ويحدث عن أقوام ومجاهيل، لا يشبه حديثه حديث الأثبات، فلما صار الغالب في روايته ما ينكره القلب استحق ترك الاحتجاج.

معان مولى يزيد بن تميم السلمي

معان مولى يزيد بن تميم السلمي حكى، أن رجلاً من بني تميم رأى في المنام كتاباً منشوراً من السماء بقلم جليل: بسم الله الرحمن الرحيم " هذا كتاب من الله العزيز الحليم، براءة لعمر بن عبد العزيز من العذاب الأليم، إني أنا الغفور الرحيم ". معاوية بن إسحاق بن عباد ابن زياد بن أبيه، المعروف بابن أبي سفيان كان يسكن جرود من إقليم معلولا. معاوية بن إسحاق روى عن يزيد بن ربيعة، عن عبد الله بن عامر الحضرمي، قال: سمعت معاوية يخطب على المنبر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ". قال المصنف: إنما يحفظ هذا عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي المقرئ. وبه، قال: سمعت معاوية يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أنا خازن فمن أعطيته عن

معاوية بن الأوس بن الأصبغ

طيب نفس مني فهو يبارك لأحدكم، ومن أعطيه عن شره نفس وشدة مسألة فهو كالآكل يأكل ولا يشبع ". معاوية بن الأوس بن الأصبغ ابن محمد بن محمد بن لهيعة أبو المستضيء السكسكي، القوفاني من أهل قرية قوفا. قال أبو المستضيء: رأيت هشام بن عمار وهو شيخ خضيب، إذا مشى أطرق إلى الأرض، لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل. معاوية بن الحارث أرسله معاوية بن أبي سفيان إلى عائشة يخبرها بوقعة صفين. عن عبد الله بن لهيعة، قال: وسار أهل الشام حين بلغهم أن علياً قد توجه لوجههم، خرج معاوية وعمرو بن العاص حتى التقوا بصفين فكان من شأنهم بها ما كان، ثم بايعوا معاوية، وكان ممن بايعه أبو هريرة، وبعث معاوية معاوية بن الحارث إلى عائشة وإلى أم حبيبة، وأمره أن يبدأ بعائشة، فيخبرهم من قتل بصفين؛ فلما دخل على عائشة - وقد غلبه الكرى - فأخبرها عن الناس، وقال: قتل عمار. قالت: ذلك كان يتبعه الناس على دينه. قال: وقتل هشام بن عتبة. قالت: كان يتبع على بأسه. قال: وقتل ابن بديل. قالت: وكان يتبع على رأيه. وجعل يخبرها حتى غلبه النوم فنام. فقالت عائشة: دعوا الرجل. فلما استيقظ خرج إلى أم حبيبة.

معاوية بن حديج بن جفنة

معاوية بن حديج بن جفنة ابن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس بن معاوية بن جعفر بن أسامة بن سعد بن أشرس بن شبيب بن السكون بن أشرس بن كندة أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نعيم، الكندي له صحبة، روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولي إمارة مصر وغزو المغرب، وهو ممن شهد اليرموك، ووفد على معاوية. روى، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان في شيء شفاء فشربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار، وما أحب أن أكتوي ". وروى عن معاوية بن أبي سفيان، أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى. قال سيف بن عمر في تسمية الأمراء يوم اليرموك: ومعاوية بن حديج على كردوس. قال أبو سعيد ابن يونس: شهد فتح مصر، وكان الوافد بفتح الإسكندرية إلى عمر بن الخطاب، وكان أعور ذهبت عينه يوم دمقلة من بلد النوبة مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة إحدى وثلاثين، ولي الإمرة على غزو المغرب سنة أربع وثلاثين، وسنة أربعين، وسنة خمسين.

قال معاوية بن حديج: من غسل ميتاً، وكفنه، وتبعه، وولي جنته، رجع مغفوراً له. عن علي بن رباح، قال: سمعت معاوية بن حديج يقول: هاجرنا على عهد أبي بكر الصديق، فبينا نحن عنده إذ طلع المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنه قدم علينا برأس نياق البطريق، ولم يكن لنا به حاجة، إنما هذه سنة العجم. عن عبد الرحمن بن شماسة، قال: غزونا مع معاوية بن حديج، فلما قفلنا دخلنا على عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت لي: يا ابن الشماسة، كيف رأيتم أميركم؟ قلت: يا أمة، خير أمير، ما مرض منا أحد إلا عاده، ولا مات له فرس إلا أبدله. قالت: أما إنه لا يمنعني ما فعل لأخي أن أخبره بما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من ولي شيئاً من أمر أمتي فرفق بهم، اللهم فأرفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم، اللهم فشق عليه ". عن علي بن أبي طلحة، قال: حججنا فمررنا بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج، فمررنا بالحسن بن علي، فقيل له: هذا معاوية بن حديج الساب لعلي بن أبي طالب. فقال: علي به. فقال: أنت الساب لعلي؟ فقال له: ما فعلت. قال: والله لئن لقيته - وما أحسبك أن تلقاه - لتجدنه قائماً على الحوض حوض محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج، حدثنيه الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد خاب من افترى. وحدث أبو قبيل، قال: لما قتل حجر بن أدبر وأصحابه، ومعاوية بن حديج بإفريقية، بلغ معاوية بن حديج قتله، قام في أصحابه فقال: يا أشقائي في الرحم، ويا أصحابي في السفر

معاوية بن خالد بن يزيد

ويا جيرتي في الحضر، أنقاتل لقريش في الملك حتى إذا استقام لهم وقعوا يقتلوننا، أم والله لئن أدركتها ثانية بمن أطاعني من أهل اليمن لأقولن لهم: اعتزلوا بنا ودعوا قريشاً يقتل بعضها بعضاً. فأيهم غلب أتبعناه. قال ابن يونس: توفي معاوية بن حديج سنة اثنتين وخمسين، وولده بمصر إلى اليوم. معاوية بن خالد بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، الأموي كان مع الوليد بن يزيد فخذله لمال جعل له. وقيل: إنه معاوية بن أبي سفيان بن يزيد بن خالد. معاوية بن خذرف بن معاوية أبو عد الرحمن، القرشي، الأموي روى عن محمد بن أحمد بن عمارة، بسنده إلى تميم الداري، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: يا رسول الله، الرجل يسلم على يدي الرجل، لمن ميراثه؟ قال: " هو أولى الناس بمحياه ومماته ". معاوية بن الريان الأموي مولى عبد العزيز بن مروان بن الحكم من أهل مصر، وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن أبي فراس مولى عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: إن في كتاب الله، أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الجنة بيدي وحظرتها على مسكر أو مدمن خمر سكير.

معاوية بن أبي سفيان بن يزيد

وحدث، أنه سمع رجلاً يسأل عطاء عن رجل له أم وامرأة، والأم لا ترضى إلا بطلاق امرأته. قال: ليتق الله في أمه وليصلها. قال: أيفارق امرأته؟ قال عطاء: لا. قال الرجل: فإنها لا ترضى إلا بذلك. قال عطاء: فلا أرضاها الله، أمر امرأته بيده، إن طلق فلا حرج، وإن حبس فلا حرج. قال ابن يونس: توفي في خلافة هشام. معاوية بن أبي سفيان بن يزيد ابن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، الأموي كان في صحابة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين قتل، وكان ميمنته، فخذله ولحق بعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك الذي وجهه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، حين جعل له عشرين ألف دينار. معاوية بن سلمة بن سليمان أبو سلمة النصري، الكوفي سكن دمشق، وحدث بها. روى عن عمرو بن قيس، بسنده إلى علي بن ربيعة، قال: أردف علي بن أبي طالب رجلاً، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله؛ فلما استوى قال: الحمد لله، وكبر ثلاثاً، وهلل ثلاثاً، ثم قال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك. فقال له الرجل: ما أضحكك

معاوية بن سليمان بن هشام

يا أمير المؤمنين؟ قال: أردفني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم فعل كما رأيتني فعلت، فضحك، فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: " ربنا تبارك وتعالى يعجب بقول عبده، يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو ". وعن نهشل، بسنده إلى عبد الله، قال: لو أن أهل العلم صانعوا العلم ووضعوه عند أهله لسادوا أهل زمانهم، ولكنهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم فهانوا عليهم؛ سمعت نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من جعل الهموم هماً واحداً، هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبته الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك ". وعن منصور بن المعتمر، بسنده إلى سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت ". قال عنه أبو حاتم: كان ثقة مستقيم الحديث. معاوية بن سليمان بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الأموي معاوية بن سلام بن أبي سلام أبو سلام الحبشي، ويقال الألهاني روى عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي مزاحم، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من تبع جنازة فصلى عليها ورجع فله قيراط، ومن تبعها حتى يقضى قضاؤها فله قيراطان ". قال: ما القيراط يا رسول الله؟ قال: " مثل أحد ".

معاوية بن صالح بن حدير

وسمع جده أبا سلام يحدث عن كعب الأحبار، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال في يومٍ: سبحان الله وبحمده، مئتي مرة، غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ". قال مروان: قلت لمعاوية بن سلام عجباً به لصدقه: إنك لشيخ كيسٌ. ذكر لأحمد بن حنبل، فقال: ثقة. وقال يحيى بن معين: معاوية بن سلام محدث أهل الشام، وهو صدوق الحديث، ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فليس بصاحب حديثٍ. بلعني أن معاوية بن سلام حياً سنة أربع وستين ومئة. معاوية بن صالح بن حدير أبو عمرو الحضرمي، الحمصي. قاضي الأندلس حدث عن جماعةٍ من أهل دمشق. روى عن جابر، عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما وعى ابن آدم وعاءً شراً من بطنٍ، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، وإن كان لا محالة فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنفسه ".

وعن ربيعة بن يزيد، أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم تزعمون أني آخركم موتاً، وإني أولكم ذهاباً، ثم تأتون بعدي أفناداً يقتل بعضكم بعضاً ". قال محمد بن سعد: وكان بالأندلس معاوية بن صالح، كان قاضياً لهم، وكان ثقةً كثير الحديث، حج من دهره حجةً واحدةً، ومر بالمدينة فلقيه من لقيه من أهل العراق. قال يحيى بن صالح الوحاظي: خرج معاوية بن صالح من حمص سنة ثلاث وعشرين ومئة. عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كنا بمكة نتذاكر الحديث، فبينا نحن كذلك إذا بإنسانٍ قد دخل فيما بيننا فسمع حديثنا، فقلت: من أنت؟ أنا معاوية بن صالح. فاحتوشناه. عن أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، قال: قال أبو عبد الله: معاوية بن صالح أصله حمصيٌّ، إلا أنه صار إلى الأندلس، كان زعموا على قضائها. قال: وقلت لأبي عبد الله: معاوية بن صالح؟ قال: هو حمصيٌّ، إلا أنه وقع إلى الأندلس، وقد سمع من عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ومن الحمصيين وحسن أمره. فقال الهيثم بن خارجة لأبي عبد الله: الحمصيون لا يروون عنه. فقال: قد روى عنه الفرج بن فضالة. قال أبو عبد الله: خرج من عندهم قديماً، صار إلى الأندلس، وإنما سمع الناس منه حين حج. فقال له الهيثم: حج سنة ثمانٍ وستين. فقال الهيثم: بلغني أنه أقام على مالك حتى كتب كتبه. فقال أبو عبد الله: قد بلعني ذاك. قال أحمد بن حنبل: وكان ثقة.

معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله

وقال العجلي: حمصيٌّ، ثقةٌ. وقال يعقوب بن شيبة: وقد حمل الناس عن معاوية بن صالح، ومنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف، ومنهم من يضعفه. توفي سنة ثمانٍ وخمسين ومئة. معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله معاوية بن عبيد الله بن يسار. أبو عبيد الله الأشعري روى عن يحيى بن معين، بسنده إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحيانه. وعن إبراهيم بن أبي العباس، بسنده إلى عوف بن مالك، قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهجير وهو موعوك، فقال: " أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه ". قال ابن يونس: قدم مصر، فكتب بها وكتب عنه، وكانت وفاته بدمشق سنة ثلاث وستين ومئتين. معاوية بن صخر أبي سفيان بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الرحمن، الأموي خال المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين، أسلم يوم الفتح.

وروي عنه أنه قال: أسلمت يوم القضية وكتمت إسلامي خوفاً من أبي، وصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه أحاديث، وروى عن أخته أم حبيبة، وولاه عمر بن الخطاب الشام، وأقره عثمان بن عفان عليها، وبنى بها الخضراء وسكنها أربعين سنة. عن ابن عباس، أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصر من شعره بمشقص. فقلنا لابن عباس: ما بلغنا هذا إلا عن معاوية. فقال: ما كان معاوية على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متهماً. عن معاوية بن أبي سفيان، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل يسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فتؤجروا ". وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اشفعوا تؤجروا ". قال أبو نعيم الحافظ: معاوية بن أبي سفيان، واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية ين عبد شمس، يكنى أبا عبد الرحمن، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أمية بن حارثة بن الأوقص من بني سليم، وأمها بنت نوفل بن عبد مناف. كان من الكتبة الحسبة الفصحة، أسلم قبيل الفتح، وقيل: عام القضية وهو ابن ثمان عشرة، عده ابن عباس من الفقهاء وقال: كان فقيهاً؛ توفي للنصف من رجب سنة ستين؛ وسنه نحو ثمانين سنة، وقيل: ثمان وسبعين. كان أبيض طويلاً، أجلح، أبيض الرأس واللحية، أصابته لقوة في آخر عمره، وكان يقول: رحم الله عبداً دعا لي بالعافية وقد رميت في أحسني وما يبدو مني، ولولا

هواي في يزيد لأبصرت رشدي؛ ولما اعتل قال: وددت أني لا أعمر فوق ثلاث؛ فقيل: إلى رحمة الله ومغفرته. فقال: إلى ما شاء وقضى، قد علم أني لم آل، وما كره الله غير. وكان عنده قميص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإزاره ورداؤه وشعره، فأوصاهم عند موته فقال: كفنوني في قميصه، وأدرجوني في ردائه، وآزروني بإزاره، واحشوا منخري وشدقي بشعره، وخلوا بيني وبين رحمة أرحم الراحمين. كان حليماً وقوراً، ولي العمالة من قبل الخلفاء عشرين سنةً، واستولى على الإمارة بعد قتل علي عشرين سنةً، فكانت الجماعة عليه عشرين سنة، من سنة أربعين إلى سنة ستين. فلما نزل به الموت قال: ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى وأني لم أل من هذا الأمر شيئاً وكان يقول لا حلم إلا التجربة وقال ابن عباس ما رأيت رجلاً هو أخلق للملك من معاوية، لم يكن بالضيق الحصر. وقال ابن عمر: ما رأيت أحداً كان أسود من معاوية. وكان يقول: ما رأيت أطمع منه. قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معاوية، إذا ملكت فأسجح " فملك الناس كلهم عشرين سنة يسوسهم بالملك، يفتح الله به الفتوح، ويغزوا الروم، ويقسم الفيء والغنيمة، ويقيم الحدود، والله لايضيع أجر من أحسن عملاً. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد رجوعه من صفين: لا تكرهوا إمارة معاوية، والله لئن فقدتموه لكأني أنظر إلى الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل. قال أبو بكر الخطيب: أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة، وكان يقول: أسلمت عام القضية، ولقيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعت عنده إسلامي، واستكتبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه عمر بن الخطاب الشام

بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فلم يزل عليها مدة خلافة عمر، وأقره عثمان بن عفان على عمله، ولما قتل علي بن أبي طالب سار معاوية من الشام إلى العراق فنزل بمسكن ناحية حربى إلى أن وجه إليه الحسن بن علي فصالحه، وقدم معاوية الكوفة، فبايع له الحسن بالخلافة، وسمي عام الجماعة. عن إسماعيل بن علي، قال: وكانت صفته - يعني معاوية - فيما حدثني البربري عن ابن أبي السري؛ طويلاً أبيض، جميلاً، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، يخضب بالحناء والكتم. عن إبراهيم بن قارط، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر بالمدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة؟ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن هذه القصة، ثم وضعها على رأٍسه فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية ثم قال: لعن الله الواصلة والموصولة، والنامصة والمنموصة، والواشمة والموشومة. عن صالح بن حسان، قال: رأى بعض متفرسي العرب معاوية وهو صبي صغير، فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند: ثكلته إن كان لا يسود إلا قومه. وعن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف، قال: نظر أبو سفيان يوماً إلى معاوية وهو غلام، فقال لهند: إن ابني هذا لعظيم الرأس، وإنه لخليق أن يسود قومه. فقالت هند: قومه فقط؟ ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة. وكانت هند تحمل معاوية وهو صغير، وتقول: " من الرجز " إن بني معرق كريم ... محبب في أهله حليم ليس بفحاش ولا لئيم ... ولا بطحرور لا سؤوم

صخر بني فهر به زعيم ... لا يخلف الظن ولا يخيم قال: فلما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف رأيت ابنك صار تابعاً لابني. فقالت: إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني. قال الزبير بن بكار: وركب البحر غازياً بالمسلمين في خلافة عثمان بن عفان إلى قبرص. قال معاوية بن أبي سفيان: لما كان عام الحديبية وصدت قريش رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البيت، ودافعوه بالراح، وكتبوا بينهم القضية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة فقالت: إياك أن تخالف أباك، وأن تقطع أمراً دونه فيقطع عنك القوت، وكان أبي يومئذ غائباً في سوق حباشة. قال: فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحديبية وإني مصدق به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، ودخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة القضية وأنا مسلم مصدق به؛ وعلم أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوماً: لكن أخوك خير منك، وهو على ديني. فقلت: لم آل نفسي خيراً. قال: فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح فأظهرت إسلامي ولقيته فرحب بي، وكتبت له. قال محمد بن عمر: وشهد معاوية بن أبي سفيان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غنائم حنين مئة من الإبل وأربعين أوقية وزنها بلال. عن جابر، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل فقال: أتخذ معاوية كاتباً ".

عن عائشة، قالت: لما كان يوم أم حبيبة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دق الباب داق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انظروا من هذا " قالوا: معاوية. قال: " ائذنوا له " فدخل وعلى أذنه قلم لم يخط به، فقال: " ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ " قال: قلم أعددته لله ولرسوله. فقال: " جزاك الله عن نبيك خيراً، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل من صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله عز وجل، كيف بك لو قمصك الله قميصاً - يعني الخلافة -؟ " فقامت أم حبيبة فجلست بين يديه فقالت: يا رسول الله، وإن الله مقمص أخي قميصاً؟ قال: " نعم، ولكن فيه هنات وهنات وهنات " فقالت: يا رسول الله، فأدع الله له. فقال: " اللهم اهده بالهدى، وجنبه الردى، واغفر له في الآخرة والأولى ". عن يزيد بن عبد الله الطبري، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت علي بن أبي طالب بخطب على منبر الكوفة وهو يقول: والله لأخرجنها من عنقي ولأضعنها في رقابكم، ألا إن خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم أنا، ما قلت ذلك من قبل نفسي، ولأخرجن ما في عنقي لمعاوية بن أبي سفيان، لقد استكتبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا جالس بين يديه، فأخذ القلم فجعله في يده، فلم أجد من ذلك في قلبي إذ علمت أن ذلك لم يكن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من الله عز وجل، ألا إن المسلم من سلم من قصتي وقصته. عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هبط علي جبريل ومعه قلم من ذهب إبريز فقال لي: إن العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يقول لك: حبيبي، قد أهديت القلم من فوق عرشي إلى معاوية بن أبي سفيان، فأوصله إليه، ومره أن يكتب آية الكرسي بخطه بهذا القلم، ويشكله ويعجمه، ويعرضه عليك، فإني قد كتبت له من الثواب بعدد كل من قرأ آية الكرسي من ساعة يكتبها إلى يوم القيامة ". فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من يأتيني بأبي عبد الرحمن؟ " فقام أبو بكر الصديق ومضى حتى أخذ بيده وجاءا جميعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلموا عليه، فرد السلام، ثم قال لمعاوية: " أدن مني يا أبا عبد الرحمن، أدن مني يا أبا عبد الرحمن ". فدنا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفع إليه القلم، ثم قال له: "

يا معاوية، هذا قلم قد أهداه إليك ربك من فوق عرشه لتكتب به آية الكرسي بخطك، وتشكله وتعجمه وتعرضه علي، فأحمد الله واشكره على ما أعطاك، فإن الله قد كتب لك من الثواب بعدد من قرأ آية الكرسي من ساعة تكتبها إلى يوم القيامة ". قال: فأخذ القلم من يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه فوق أذنه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك تعلم أني قد أوصلته إليه، اللهم إنك تعلم أني قد أوصلته إليه ثلاثاً ". قال: فجثا معاوية بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يزل يحمد الله على ما أعطاه من الكرامة ويشكره حتى أتي بطرس ومحبرة، فأخذ القلم ولم يزل يخط به آية الكرسي أحسن ما يكون من الخط، حتى كتبها وشكلها وعرضها على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا معاوية، إن الله قد كتب لك من الثواب بعدد كل من يقرأ آية الكرسي من ساعة كتبتها إلى يوم القيامة ". نجز الجزء الرابع والعشرون ويتلوه في الخامس والعشرين تتمة معاوية بن أبي سفيان اختصره على نهج ابن منظور الفقير إلى رحمة ربه إبراهيم بن حسين بن صالح، عقا الله عنه وفرغ منه صبيحة الإثنين لتسع بقين من ذي الحجة الحرام وذلك سنة تسع وأربعمئة وألف من هجرة سيد الأنام الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.

وعن سعيد بن المسيب قال: دخل أبو سفيان بن حرب على عثمان بن عفان فقال: يا أمير المؤمنين! كيف رضاك عن معاوية؟ قال: كيف لا أرضى وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: هنيئاً لك يا معاوية، لقد أصبحت أنت أميناً على خبر السماء. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الأمناء عند الله ثلاثة: جبريل، وأنا، ومعاوية. قال الخطيب: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائتمن الله على وحيه ثلاثة: جبريل في السماء: ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأرض؛ ومعاوية بن أبي سفيان. قال ابن عدي: وهذا باطل بهذا الإسناد.

وعن ابن عباس وحيان بن عبد الله الأنصاري قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأمناء عند الله سبعة. قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: القلم، واللوح، وإسرافيل، وميكائيل، وجبريل، وأنا، ومعاوية بن أبي سفيان، فإذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل للقلم: إلى من أديت الوحي؟ فيقول: إلى اللوح، فيقول الله للوح: إلى من أديت الوحي؟ فيقول: إلى إسرافيل. فيقول الله لإسرافيل: إلى من أديت الوحي؟ فيقول: إلى ميكائيل. فيقول الله لميكائيل: إلى من أديت الوحي؟ فيقول: الله أعلم إلى جبريل. فيقول الله لجبريل: إلى من أديت الوحي؟ فيقول: إلى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيقول الله لمحمد: من ائتمنت على الوحي؟ فأقول: معاوية، كذا أخبرني جبريل عنك يا رب أنك قلت: إنه أمين في الدنيا والآخرة. فيقول الله: صدق القلم، وصدق اللوح، وصدق إسرافيل، وصدق ميكائيل، وصدق جبريل، وصدق محمد، وصدقت أنا، إن معاوية أمين في الدنيا والآخرة. قال: هذا على إنكاره غير متصل الإسناد. وعن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم. فقال: أريد جوابك يا أمير المؤمنين فيها. فقال: ويحك! لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغره بالعلم غراً ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه، وكان إذا أشكل على عمر شيء قال: ها هنا علي. قم لا أقام الله رجليك. ومحا أسمه من الديوان، فبلغ ذلك علياً فقال: جزاه الله خيراً، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذني وإلا صمتا يقول له: أنت يا معاوية أحد أمناء الله، اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد. وعن واثلة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله ائتمن على وحيه جبريل وأنا معاوية، وكاد أن يبعث معاوية نبياً من كثرة حلمه وائتمانه على كلام ربي فغفر لمعاوية ذنوبه ووفاه حسابه، وعلمه كتابه، وجعله هادياً مهدياً وهدى به.

وعن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يدعو نا إلى السحور في شهر رمضان وهو يقول: هلموا إلى الغداء المبارك. قال: وسمعته يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب. وعن مسلمة بن مخلد: أنه قال لعمرو بن العاص ورأى معاوية يأكل فقال: إن ابن عمك هذا لمخضد! ثم قال: أما إني أقول ذلك وقد سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم علمه الكتاب، ومكن له في البلاد، وقه العذاب. وعن الزهري: أن معاوية كان يكتب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر إليه فأعجبه كتابه فقال: اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب. وعن عروة بن رويم قال: دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاوية فقال: اللهم أهده وأهد به، وعلمه والكتاب والحساب، وقه العذاب. وعن ربيعة بن يزيد: أن بعثاً من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد، وكان على حمص عمير بن سعد، فعزله عثمان وولى معاوية، فبلغ ذلك أهل حمص، فشق عليهم، فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لمعاوية: اللهم أجعله هادياً مهدياً، وأهده وأهد به.

وفي رواية: وأهده وأهد على يديه. قال: تكون بيعة ببيت المقدس بيعة هدى. فكانت بيعة معاوية. وعن عبد الله بن بسر قال: أستشار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وعمر في أمر أراده، فقالا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أدعوا لي معاوية. فلما وقف عليه قال: أحضروه أمركم، حملوه أمركم، أشهدوه أمركم فإنه قوي. زاد في آخر: معناه فإنه قوي أمين. وعن ابن عمر قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجلان من أصحابه فقال: لو كان معاوية عندنا لشاورناه في بعض أمرنا. فكأنهما دخلهما من ذلك شيء! فقال: إنه أوحي إلي أن أشاور ابن أبي سفيان في بعض أمري. وعن موسى بن طلحة قال: بعثني أبي أدعو له معاوية، فوجدته مشغولاً بالنساء، فقال: قل له: أفرغ ثم آتيك. فرجعت إلى أبي فأخبرته فقال: أرجع فقل له: أعجل. فرجعت فإذا هو قد أقبل، فرجعت إلى أبي فقلت: هو ذا قد جاء مقبلاً. فلما رآه قال: أما إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه لموفق الأمر أو رشيد الأمر. وعن رويم قال: جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله صارعني؛ فقام إليه معاوية فقال: يا أعرابي! أنا أصارعك. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لن يغلب معاوية أبداً. فصرع الأعرابي. قال: فلما كان يوم صفين قال علي: لو ذكرت هذا الحديث ما قاتلت معاوية.

وعن أبي هريرة قال: أردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاوية فقال له: يا معاوية! ما يليني منك؟ قال: وجهي. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وقاه الله النار. ثم قال: يا معاوية! ما يليني منك؟ قال: صدري قال: حشاه الله علماً وإيماناً ونوراً. ثم قال: يا معاوية! ما يليني منك؟ قال: بطني. قال: عصمه الله يما عصم به الأولياء. ثم قال: يا معاوية! ما يليني منك؟ قال: كلي. قال: غفر الله لك، ووقاك الحساب، وعلمك الكتاب، وجعلك هادياً مهدياً، وهداك وهدى بك. وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: معاوية أحلم أمتي وأجودها. وعن أنس بن مالك قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية جلوس عنده، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل الرطب وهم يأكلون معه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلقمهم، قال معاوية: يا رسول الله! تأكل وتلقمنا!؟ قال: نعم، هكذا نأكل في الجنة، ويلقم بعضنا بعضاً. وعن أبي موسى الأشعري قال: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم حبيبة ورأس معاوية في حجرها تفليه، فقال لها: أتحبينه؟ قالت: وما لي لا أحب أخي؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإن الله ورسوله يحبانه. وعن أبي الدرداء قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم حبيبة ومعاوية عندنا نائم على السرير، فقال: من هذا يا أم حبيبة؟ فقالت: أخي معاوية يا رسول الله. قال: فتحبينه؟ فقالت: إي والله إني لأحبه. فقال: يا أم حبيبة! فإني أحب معاوية وأحب من يحب معاوية، وجبريل وميكائيل يحبان معاوية، والله أشد حباً لمعاوية من جبريل وميكائيل. وعن ابن عباس قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بورقة آس أخضر، مكتوب عليها لا إله إلا الله، حب معاوية بن أبي سفيان فرض مني على عبادي.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشاك في فضلك يا معاوية تنشق الأرض عنه يوم القيامة وفي عنقه طوق من نار، له ثلاث مئة شعبة، على كل شعبة شيطان يكلح في وجهه مقدار عمر الدنيا. وعن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ليلين بعض مدائن الشام رجل عزيز منيع هو مني وأنا منه. فقال له رجل: من هو يا رسول الله؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضيب كان بيده في قفا معاوية: هو هذا. هذا الحديث منكر الإسناد. وعن عبد الرحمن بن عوف الجرشي قال: ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشام، قال رجل من القوم: كيف لنا بالشام يا رسول الله وفيها الروم ذات القرون؟ فقال: أجل إن فيها لأقواماً أنتم أحقر في أعينهم من القردان في أستاه الإبل. قال: ثم ذكر الشام أيضاً فقال: لعل أن يكفيناها غلام من غلمان قريش. وبيد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عصا، فأهوى بها إلى منكب معاوية. وفي حديث بمعناه: وفي يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عصا فضرب بها كتف معاوية وقال: لعل هذا إذاً كافيناها هو. عن ابن عمر قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع زوجته أم حبيبة في قبة من أدم، فأقبل معاوية فقال لها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أم حبيبة! هذا أخوك قد أقبل، أما إنه يبعث يوم القيامة عليه رداء من نور الإيمان.

وعن سعد بن أبي وقاص يقول لحذيفة: ألست شاهد يوم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاوية: يحشر يوم القيامة معاوية بن أبي سفيان وعليه حلة من نور، ظاهرها من الرحمة، وباطنها من الرضا، يفتخر بها في الجمع، لكتابة الوحي بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال حذيفة: نعم. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يخرج معاوية من قبره وعليه رداء من السندس والإستبرق، مرصع بالدر والياقوت، عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب. وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الركن والمقام، رافعاً يديه إلى السماء حتى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: اللهم حرم بدن معاوية على النار، اللهم حرم النار على معاوية. وعن مكحول قال: دفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى معاوية سهمين فقال: هذه السهمان سهم الإسلام، خذها فتلقني بهما في الجنة. فلما مات معاوية جعلا معه في قبره. ولما حلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه بمنى دفع إلى معاوية من شعره فصانه، فلما مات معاوية جعل شعر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عينيه. وعن يعيش بن هشام قال: كنت عند مالك بن أنس، فجاءه رسول أمير المؤمنين فقال له: أمير المؤمنين يقول لك: لا تحدث هذا الحديث. فقال مالك بن أنس: " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " الآية، لأحدثن به الساعة ثم لا أحدث به أبداً:

حدثني نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدي له سفرجل، فأعطي أصحابه سفرجلة سفرجلة، وأعطي معاوية ثلاث سفرجلات، قال: ألقني بهن في الجنة. وعن أبي هريرة قال: قدم جعفر بن أبي طالب من بعض أسفاره ومعه شيء من السفرجل، فأهداه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ في منزل أبي بكر الصديق - إذ دخل معاوية بن أبي سفيان فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر: أني لك هذا؟ فقال: أهداه إلي رجل شاب حسن الهيئة في بعض أسفاري، فأحببت أن أهديه إليك يا رسول الله. فأكل منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذ منه واحدة وأعطاها معاوية وقال: هاك، توافيني في الجنة مثلها. وقال: يا معاوية! من مثلك؟! أخذت اليوم من هدايا ثلاثة كلهم في الجنة، وأنت رابعهم؛ يا جعفر! هل تدري من المهدي إليك السفرجل؟ قال: لا. قال: ذاك جبريل وهو سيد الملائكة، وأنا سيد الأنبياء، وجعفر سيد الشهداء، وأنت يا معاوية سيد الأمناء. قال أبو هريرة: فو الله لا زلت أحبه بعد ذلك مما سمعت من فضله من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة. فطلع معاوية، ثم قال الغد مثل ذلك، فطلع معاوية، فقمت إليه، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله! هو هذا؟ قال: نعم يا معاوية، أنت مني وأنا منك لتزاحمني على باب الجنة كهاتين. وقال بأصبعه السبابة والوسطى يحركهما. حدث عمرو بن يحيى عن جده: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محمداً المصطفى نبي الرحمة، كان ذات يوم جالساً بين أصحابه إذ قال: يدخل عليكم من باب المسجد في هذا اليوم رجل من أهل الجنة يفرحني الله به. فقال أبو هريرة: فتطاولت لها، فإذا نحن بمعاوية بن أبي سفيان قد دخل، فقلت: يا رسول

الله! هذا هو؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم يا أبا هريرة، هو هو. يقولها ثلاثاً، ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة! إن في جهنم كلاباً زرق الأعين، على أعرافها شعر كأمثال أذناب الخيل، لو أذن الله تبارك وتعالى لكلب منها أن يبلغ السماوات السبع في لقمة واحدة لهان ذلك عليه، يسلط يوم القيامة على من لعن معاوية بن أبي سفيان. قال: هذا منقطع. وعن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة يدعى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعاوية فيوقفان بين يدي الله، فيطوق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطوق ياقوت أحمر، ويسور بثلاثة أسورة من لؤلؤ، فيأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطوق، فيطوق معاوية ثم يسوره بثلاثة أسورة، فيقول الله: يا محمد! تتسخى علي وأنا السخي، وأنا الذي لا أبخل! فيقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هي وسيدي، كنت ضمنت لمعاوية في دار الدنيا ضماناً فأوفيته ما ضمنت له بين يديك يا رب. فتبسم الرب إليهما ثم يقول: خذ بيد صاحبك وأنطلقا إلى الجنة جميعاً. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أفتقد أحداً من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان، فإني لا أراه ثمانين عاماً أو سبعين عاماً، فإذا كان بعد ثمانين عاماً أو سبعين عاماً يقبل علي على ناقة من المسك الأذفر، حشوها من رحمة الله، قوائمها من الزبرجد فأقول: معاوية؟ فيقول: لبيك يا محمد فأقول: أين كنت من ثمانين عاماً؟ فيقول: في روضة تحت عرش ربي، يناجيني وأناجيه ويحييني وأحييه ويقول: هذا عوض مما كنت تشتم في دار الدنيا. هذا حديث موضوع، باطل إسناداً ومتناً. وعن أم حبيبة قالت: دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخي معاوية راقداً على فراشه، قالت: فذهبت لأنحيه، قال: دعيه، كأني أنظر إليه في الجنة يتكئ على أريكته.

وعن ابن عباس: في هذه الآية: " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " قال: كانت المودة التي جعل الله تعالى بينهم تزويج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم حبيبة بنت أبي سفيان، فصارت أم المؤمنين، وصار معاوية خال المؤمنين. قال البيهقي: كذا في رواية الكلبي، وذهب علماؤنا إلى أن هذا حكم لا يتعدى أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهن يصرن أمهات المؤمنين في التحريم، ولا يتعدى هذا التحريم إلى إخوتهن ولا إلى أخواتهن، ولا إلى بناتهن، والله أعلم. وعن عياض الأنصاري - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحفظوني في أصحابي وأصهاري، فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة، ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله منه، ومن تخلى الله منه أوشك أن يأخذه. وعن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا لي أصحابي وصهري. وعن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن صلى العصر إلى بيت أم حبيبة فقال: يا أنس! صر إلى منزل فاطمة. وأعطاني أربع موزات فقال لي: يا أنس! واحدة للحسن، وواحدة للحسين، وأثنتين لفاطمة، وصر إلي. ففعلت، وصرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت أم حبيبة: يا رسول الله! تفاضل أصحابك من قريش، ويفتخرون على أخي بما بايعوك تحت الشجرة! فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يفتخرن أحد على أحد، فلقد بايع كما بايعوا. وخرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرجت معه فقعد على باب المسجد، فطلع أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الناس، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: يا أبا بكر! قال: لبيك يا رسول الله. قال: تحفظ من أول من بايعني ونحن تحت الشجرة؟ قال أبو بكر: أنا

يا رسول الله، وعمر، وعلي بن أبي طالب. فرفع عثمان رأسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا بكر! إذا غبت أنا فعثمان، وإذا غاب عثمان فأنا. فضحك أبو بكر وقال: عثمان يا رسول الله، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثم من؟ قال: هؤلاء الذين كانوا وكنا. قال: وأين معاوية؟ قال: لم يكن معنا بالحضرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثني بالحق نبياً لقد بايع معاوية بن أبي سفيان كما بايعتم. قال أبو بكر: ما علمنا يا رسول الله. قال: إنه في وقت ما قبض الله تعالى قبضة من الذر قال: في الجنة ولا أبالي، كنت أنت يا أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاوية بن أبي سفيان في تلك القبضة؛ ولقد بايع كما بايعتم، ونصح كما نصحتم، وغفر الله له كما غفر لكم، وأباحه الجنة كما أباحكم. وعن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي هارباً بجوعي، فقلت: أمضي إلى منزل أبي بكر، قلت: عثمان أطيب لقمة؛ فأنا مار إلى منزل عثمان إذ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على باب الزبير بن العوام يأكل طعاماً فقلت: أشهد، لأعارضن بوجهي وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعارضت بوجهي وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي: أقبل يا أبا هريرة، إني لأعرف من ضعف أسبابك ما أعرف، وبين يدي طعام طيب، أدن فكل. فدنوت فإذا هو يأكل البطيخ بالرطب، فو الله لقد أكلت بيدي وأكل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وأكل الزبير بن العوام بيده ومعاوية لا يمد يده ولا يهوي إلى الطعام، إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى رطبة طيبة أخذها ووضع عليها قطعة بطيخ ووضعها في في معاوية وقال: كل على رغم أنف الراغمين. فطالت علي ليلتي حتى أصبحت، فجئت إلى الزبير فقلت: أرأيت ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعاوية؟ قال: هو أوصاه بذلك. فقلت له: كيف كان؟ قال: جئت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله عندي طعام طيب، وقد أحببت أن تأكل منه. فأخذ بيد معاوية وقال له: هو ذا، نصير إلى منزل الزبير بن العوام، فيضع بين أيدينا طعاماً طيباً فبحقي عليك، لا تأكل حتى أطعمك بيدي. قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: لا يصح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء، وأصح ما روي في فضل معاوية حديث ابن عباس. أنه كان كاتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وأخرجه مسلم في صحيحه؛ وبعده حديث العرباض: اللهم علمه الكتاب؛ وبعده حديث ابن أبي عميرة: اللهم أجعله هادياً مهدياً. وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: بينا أنا راقد في كنيسة يوحنا - وهي يؤمئذ مسجد يصلى فيها - إذ أنتبهت في نومي، فإذا أنا بأسد يمشي بين يدي، فوثبت إلى سلاحي، فقال الأسد: مه إنما أرسلت إليك برسالة لتبلغها. قلت: ومن أرسلك؟ قال: الله أرسلني إليك لتبلغ معاوية السلام وتعلمه أنه من أهل الجنة. فقال له: ومن معاوية؟ قال: معاوية بن أبي سفيان. وفي رواية: أرسلني إليك الله لأن تعلم معاوية الرحال أنه من أهل الجنة. قلت: من معاوية؟ قال: ابن أبي سفيان. لما قدم وفد بني حنيفة على عبد الملك بن مروان قال عبد الملك: هل فيكم من حضر قتل مسيلمة؟ فقال رجل منهم: نعم. فأنشأ يحدثه بالوقعة التي كانت بينهم. قال عبد الملك: فمن ولي قتل مسيلمة؟ قال: رجل أصبح الوجه، كذا وكذا. فقال عبد الملك: قضيت والله لمعاوية. قال خالد: وكان معاوية يدعي ذلك. كان أبو هريرة يحمل الإداوة فمرض، فأخذها معاوية فحملها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع رأسه مرة أو مرتين فقال: يا معاوية! إن وليت أمراً فاتق الله وأعدل. قال: فما زلت أظن أني مبتلي بالعمل لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أبتليت. وعن الحسن قال: سمعت معاوية يخطب وهو يقول: صببت يوماً على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءه، فرفع

رأسه إلي فقال: أما إنك ستلي أمر أمتي بعدي، فإذا كان ذلك فأقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم. فما زلت أرجوها حتى قمت مقامي. وعن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي: يا معاوية! إن ملكت فأحسن. ولما قدم عمر الجابية نزع شرحبيل، وأمر عمرو بن العاص بالمسير إلى مصر، وبقي الشام على أميرين: أبو عبيدة بن الجراج ويزيد بن أبي سفيان؛ ثم توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس وأستخلف عياض بن غنم، ثم توفي يزيد بن أبي سفيان، فأمر معاوية بن أبي سفيان مكانه، ثم نعاه عمر لأبي سفيان فقال: يا أبا سفيان! أحتسب يزيد. قال: من أمرت مكانه؟ قال: معاوية. قال: وصلتك يا أمير المؤمنين رحم. فكان على الشام معاوية وعمير بن سعد حتى قتل عمر. فأقر عمر معاوية وولي عمرو بن العاص فلسطين والأردن، ومعاوية دمشق وبعلبك والبلقاء، وولي سعيد بن عامر بن حذيم حمص، ثم جمع الشام كلها لمعاوية، وأقر عثمان معاوية على الشام. ولما عزيت هند على يزيد بن أبي سفيان قيل: إن الله تعالى قد جعل معاوية خلفاً من يزيد وغيره. فقالت: أو مثل معاوية يجعل خلفاً من أحد؟! فو الله لو أن العرب

أجتمعت متوافرة ثم رمي به فيها لخرج من أي أعراضها شاء. وعزى عمر أبا سفيان بابنه يزيد، فقال له أبو سفيان: من جعلت على عمله؟ قال: جعلت أخاه معاوية؛ وأبناك مصلحان، ولا يحل لنا أن ننزع مصلحاً. وعن إسماعيل بن أمية: أن عمر بن الخطاب أفرد معاوية بالشام ورزقه ثمانين ديناراً في كل شهر. وقيل: إن الذي أفرد معاوية بالشام عثمان بن عفان. ذكر معاوية عند عمر بن الخطاب فقال: دعونا من ذم فتى قريش وابن سيدها، من يضحك في الغضب، ولا ينال على الرضا، ومن لا يأخذ ما فوق رأسه إلا من تحت قدميه. ولما خرج عمر إلى الشام وقرب من دمشق تلقاه معاوية في موكب له رز، وعمر على حمار إلى جانبه عبد الرحمن بن عوف على حمار آخر، فلم يرهما معاوية فطواهما، فقيل له: خلفت أمير المؤمنين وراءك، فرجع، فلما رآه نزل عن دابته، فأعرض عنه عمر، ومشى حتى تعلق نفسه بأرنبته، فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين! أجهدت الرجل، فقال: عمر: يا معاوية: نعم. فرفع عمر صوته فقال: ولم ويلك؟! فقال: إني في بلاد لا يمتنع فيها من جواسيس العدو، ولا بد لهم مما يرهبهم من آلة السلطان، فإن أمرتني أقمت عليه، وإن نهيتني عنه أنتهيت. فقال عمر: يا معاوية! والله ما بلغني عنك أمر أكرهه فأعاتبك عليه إلا تركتني منه في أضيق من رواجب الضرس، فإن كان ما قلت حقاً إنه لرأي أديب، وإن كان باطلاً إنها لخدعة أريب، لا آمرك به ولا أنهاك عنه. فقال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين! لأحسن الفتى المصدر فيما أوردته فيه! فقال عمر: لحسن مصادره وموارده جشمناه ما جشمناه.

وعن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا معاوية بن أبي سفيان وهو أبيض - أو أبض - الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر وكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع أصبعه على متنه ثم يرفعها عن مثل الشراك فيقول: بخ بخ! نحن إذاً خير الناس أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة! فقال معاوية: يا أمير المؤمنين! سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف. فقال عمر: سأحدثك: ما بك إلطافك نفسك بأطيب الطعام ونضيجه حتى نضرت الشمس متنيك، وذو الحاجات وراء الباب!. قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حلة فلبسها، فوجد عمر منها ريحاً كأنه ريح طيب فقال: يعمد أحدكم يخرج حاجاً تفلاً، حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة، أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما! فقال معاوية: إنما لبستهما لأن أدخل فيهما على عشيرتي - أو قومي - والله لقد بلغني أذاك هنا وبالشام، والله يعلم أني لقد عرفت الحياء فيه. ونزع معاوية الثوبين ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما. كان عمر بن الخطاب إذا رأى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وعن عمر أنه قال: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية!. دخل معاوية على عمر بن الخطاب وعليه حلة خضراء، فنظر إليها أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رأى ذلك عمر وثب إليه ومعه الدرة، فجعل ضرباً لمعاوية ومعاوية يقول: الله الله يا أمير المؤمنين! فيم فيم؟ قال: فلم يكلمه حتى رجع فجلس في مجلسه فقال له القوم: لم ضربت الفتى يا أمير المؤمنين؟! ما في قومك مثله. فقال: والله ما رأيت إلا خيراً وما بلغني إلا خير، ولكني رأيته.. وأشار بيده، فأحببت أن أضع منه.

وفي سنة تسع عشرة فتحت قيسارية؛ أميرها معاوية بن أبي سفيان وسعيد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة. وغزا معاوية قبرس سنة خمس وعشرين ومعه أمرأته فاختة ابنة قرظة. وقيل: إن قبرس وإصطخر كانا في عام واحد، سنة ثمان وعشرين وأمير قبرس معاوية بن أبي سفيان. وكان عام المضيق من قسطنطينية سنة ثنتين وثلاثين، وأميرها معاوية. وفي سنة ثلاث وثلاثين غزا معاوية ملطية وإفريطية، وحصن المرأة من أرض الروم. ولما أستخلف عثمان أفراد معاوية بالشام جميعاً. فأستقضى فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري. وشخص أبو سفيان ابن حرب إلى معاوية بالشام ومعه ابناه عتبة وعنبسة؛ فكتبت هند إلى معاوية: قد قدم عليك أبوك وأخواك فاحمل أباك على فرس، وأعطه أربعة آلاف درهم. ففعل معاوية ذلك؛ فقال أبو سفيان: أشهد بالله أن هذا لعن

رأي هند. فلما قتل عثمان كتبت نائلة ابنة الفرافصة إلى معاوية كتاباً تصف فيه كيف دخل على عثمان وكيف قتل، وبعثت إليه بقميصه الذي قتل وهو عليه، فيه دمه، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وأمر بقميص عثمان فطيف به في أجناد الشام ونعى إليهم عثمان، وأخبرهم بما أتي إليه واستحل من حرمته؛ وحرضهم على الطلب بدمه فبايعوه على الطلب بدم عثمان، وبويع علي بن أبي طالب بالمدينة، فقال له عبد الله بن العباس والحسن بن علي: اكتب إلى معاوية فأقره على عمله ولا تحركه، وأطمعه فإنه سيطمع، ويكفيك عهد الله وميثاقه أن لا أعزله. فقالا: لا تعطه عهداً ولا ميثاقاً. وبلغ ذلك معاوية فقال: والله لا ألي له شيئاً أبداً ولا أبايعه ولا أقدم عليه. وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم وأنه يبايع له. فلما بلغه خروج الزبير وطلحة إلى الجمل أمسك عن ذكره؛ فلما بلغه قتل الزبير قال: يرحم الله أبا عبد الله، أما إنه لو قدم علينا لبايعنا له، وكان أهلاً أن نقدمه لها. فلما أنصرف علي من البصرة أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلمه وعظم عليه أمر علي وسابقته في الإسلام، ومكانه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجتماع الناس عليه؛ وأراده على الدخول في طاعته والبيعة له. فأبى، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير. فأنصرف جرير إلى علي فأخبره بذلك، فذلك حين أجمع علي على الخروج إلى صفين، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، ويسأله أن يدفع إليه قتلة عثمان حتى يقتلهم به، فإنه إن لم يفعل ذلك أنهج للقوم - يعني أهل الشام - بصائرهم لقتاله. فأبى علي أن يفعل. فرجع أبو مسلم إلى معاوية، فأخبره بما رأى من علي وأصحابه. وجرت بين علي ومعاوية كتب ورسائل كثيرة، ثم أجمع علي على الخروج من الكوفة يريد معاوية بالشام. وبلغ ذلك معاوية، فخرج في أهل الشام يريد علياً، فالتقوا بصفين لسبع ليال بقين من المحرم سنة سبع وثلاثين، فلما كان هلال صفر نشبت الحرب بينهم، فاقتتلوا أيام صفين قتالاً شديداً حتى هر الناس القتال وكرهوا الحرب، فرفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه. وكان ذلك مكيدة من

عمرو بن العاص، فاصطلحوا وكتبوا بينهم كتاباً على أن يوافوا رأس الحول أذرح، ويحكموا حكمين ينظران في أمور الناس فيرضون بحكمهما، فحكم علي أبا موسى الأشعري وحكم معاوية عمرو بن العاص، وتفرق الناس. فرجع علي إلى الكوفة بالاختلاف والدغل، واختلف عليه أصحابه، فخرج عليه الخوارج من أصحابه ومن كان معه وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله. ورجع معاوية إلى الشام بالألفة واجتماع الكلمة عليه، ووافى الحكمان بعد الحول بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين. واجتمع الناس إليهما وكان بينهما كلام اجتمعا عليه في السر، ثم خالفه عمرو بن العاص في العلانية، فقدم أبا موسى فتكلم وخلع علياً ومعاوية، ثم تكلم عمرو بن العاص فخلع علياً وأقر معاوية. فتفرق الحكمان ومن كان اجتمع إليهما، وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين، وبعث معاوية على الحج سنة تسع وثلاثين يزيد بن شجرة، وبعث علي في هذه السنة على الموسم عبيد الله بن العباس فاجتمعا بمكة فسأل كل واحد منهما صاحبه أن يسلم إليه؛ فأتيا جميعاً واصطلحا على أن يصلي بالناس ويحج بهم تلك السنة شيبة بن عثمان العبدري. وكان معاوية يبعث الغارات فيقتلون من كان في طاعة علي، ومن أعان على قتل عثمان؛ فبعث بسر بن أرطاة العامري إلى المدينة واليمن ومكة يستعرض الناس، فقتل باليمن عبد الرحمن وقثماً ابني عبيد الله بن عباس. ثم قتل علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين، فحج بالناس تلك السنة المغيرة بن شعبة بكتاب افتعله من معاوية بن أبي سفيان. وصالح الحسن بن علي معاوية وسلم له الأمر، وبايعه الناس جميعاً، فسمي عام الجماعة. واستعمل معاوية المغيرة بن شعبة تلك السنة على الكوفة على صلاتها وحربها؛ واستعمل على الخراج عبد الله بن دراج مولاه، واستعمل على البصرة عبد الله بن عامر بن

كريز، واستعمل على المدينة أخاه عتبة بن أبي سفيان، ثم عزله واستعمل مروان بن الحكم سنة اثنتين وأربعين، واستعمل عمرو بن العاص على مصر، وأقر فضالة بن عبيد على قضائه بالشام، وكان يولي الحج كل سنة رجلاً من أهل بيته، ويولي الصوائف والمشاتي بأرض الروم كل سنة رجلاً. وحج بالناس معاوية سنة خمسين ومر بالمدينة وولى يزيد بن معاوية الموسم، فحج بالناس سنة إحدى وخمسين، ثم أعتمر معاوية في رجب سنة ست وخمسين، وقدم المدينة، فكان بينه وبين الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير ما كان من الكلام في البيعة ليزيد بن معاوية وقال: إني أتكلم بكلام فلا تردوا علي شيئاً فأقتلكم؛ فخطب الناس وأظهر أنهم قد بايعوا، وسكت القوم، فلم يقروا ولم ينكروا خوفاً منه. ورحل معاوية من المدينة على هذا، وأدعى معاوية زياد بن أبي سفيان فولاه الكوفة بعد المغيرة بن شعبة فكتب إليه في حجر بن عدي وأصحابه، وحملهم إليه، فقتله معاوية بالشام بمرج عذراء، وضم معاوية البصرة إلى زياد، ومات زياد فولى معاوية الكوفة والبصرة ابنه عبيد الله بن زياد. كان كعب يحدث فجاء معاوية فقال: ما هذه الأحاديث يا كعب ابن أم كعب؟ قال: نعم والله يا معاوية، إن لله داراً فيها سبعون ألف دار، على عمود من ياقوت ليس فيها صدع ولا وصل، ولا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو محكم في نفسه، أو إمام مقسط. فانظر من أيهم أنت يا معاوية. قال: فأدبر معاوية يبكي ويقول: وأني لمعاوية بالقسط!. قال مقسم بن بجرة: حججت فقدمت المدينة حين قتل عثمان، وقد بويع لعلي بن أبي طالب، فسمعت علياً يقول: أما الهجين ابن النابغة - يعني عمرو بن العاص - فهو

أهون علي من عصاي هذه - وفي يده مخصرة - فقال عبد الله بن عباس: لا تقل في أبي عبد الله إلا خيراً. قال: وأما ابن عمي معاوية فأقره على الشام، وأزيده إن شاء. هذا غريب، والمحفوظ: ما روي عن ابن عباس قال: دعاني عثمان فاستعملني على الحج، قال: فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم، ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها. فقال ابن عباس: ما هذا برأي، معاوية رجل من بني أمية، وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علي. فقال له علي: ولم؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبدا. قال الشعبي: لما قتل عثمان رضي الله عنه أرسلت أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنها إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها. فبعثوا إليها بقميصه مضرج بالدم، وبالخصلة الشعر التي نتفت من لحيته فعقدت الشعر في زر القميص، ثم دعت النعمان بن بشير فبعثت به إلى معاوية، فمضى بالقميص وبكتابها إلى معاوية. فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه. فبايعوا له. وعن الحسن قال: لقد تصنع معاوية للخلافة في ولاية عمر بن الخطاب. قال أبو صالح: كان الحادي يحدو بعثمان ويقول:

إن الأمير بعده علي ... وفي الزبير خلف مرضي فقال كعب: بل هو صاحب البغلة الشهباء - يعني معاوية. فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال: يا أبا إسحاق! تقول هذا وها هنا علي والزبير وأصحاب محمد؟! قال: أنت صاحبها. زاد في رواية: ولكن والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي هذا. فوقعت في نفس معاوية. وروي عن ذي قربات قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل: يا ذا قربات، من بعده؟ قال: الأمين - يعني أبا بكر - قيل: فمن بعده؟ قال: قرن من حديد - يعني عمر - قيل: فمن بعده؟ قال: يعني عثمان - قيل: فمن بعده؟ قال: الوضاح الأزهر المنصور - يعني معاوية. قال البغوي: رواه عثمان بن عبد الرحمن - وهو ضعيف - عن سعيد بن عبد العزيز، قال: ولا أحسب سعيد بن عبد العزيز أدرك ذا قربات. ولا أحسب ذا قربات سمع من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً. وعن عمر قال: إياكم والفرقة بعدي، فإن فعلتم فأعلموا أن معاوية بالشام، وستعلمون إذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبرها دونكم. وعن عمر: أنه قال لأهل الشورى: إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام، وبعده عبد الله بن أبي ربيعة من اليمين، فلا يريان لكم فضلاً إلا سابقتكم.

وعن عبد الملك الحمطي قال: اجتمع أهل الشام بعد قتل عثمان، فأرسلوا وفوداً إلى عبد الله بن عمر، وعلى الشام يومئذ معاوية بن أبي سفيان وما يرجوها - يعني الخلافة - قال: فلما قدموا على عبد الله بن عمر وقد اجتمع أهل الشام على - إن رضي - أن يبايعوه، فقال عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أجلب فليس منا. فمعاذ الله أن أختار الدنيا على الآخرة. فلما كرهها عبد الله بن عمر ويئسوا منه بايعوا معاوية. وعن زهدم الجرمي قال: كنا في سمر ابن عباس فقال: إني لمحدثكم بحديث ليس سر ولا علانية؛ إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان - يعني عثمان - قلت لعلي: اعتزل، فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج؛ فعصاني، وايم الله، ليتأمرن عليكم معاوية، وذلك أن الله يقول: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل، إنه كان منصوراً " لتحملنكم قريش على سنة فارس والروم، وليتمنن عليكم النصارى واليهود والمجوس، فمن أخذ منكم يومئذ بما يعرف نجا، ومن ترك وأنتم تاركون كنتم كقرن من القرون هلك فيمن هلك. وعن الحكم بن عمير الثمالي - وكانت أمه مريم بنت أبي سفيان بن حرب: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه ذات يوم: يا أبا بكر! كيف بك إذا وليت؟، قال: لا يكون ذاك أبداً. قال: فأنت يا عمر؟، قال: حجراً إذا لقيت شراً. قال: فأنت يا عثمان؟، قال: آكل وأطعم وأقسم ولا أظلم. قال: فأنت يا علي؟، قال: أقسم التمرة وأحمي الجمرة، وآكل القوت. قال: أما إنكم كلكم سيلي، وسيرى الله عملكم. قال: فأنت يا معاوية؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أنت رأس الخطم، ومفتاح

العظم، خفتاً خفتاً، يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، وتتخذ السيئة حسنة، والحسنة قبيحة؛ أجلك يسير وجرمك عظيم إلا أن يرحمك ربك عز وجل. قال ابن شهاب الزهري: لما بلغ معاوية وأهل الشام قتل طلحة والزبير، وهزيمة أهل البصرة، وظهور علي عليه السلام دعا أهل الشام معاوية للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان. فبايع معاوية أهل الشام على ذلك أميراً غير خليفة. فخرج علي على رأس أربعة عشر شهراً من مقتل عثمان بأهل العراق يأم معاوية وأهل الشام. وخرج معاوية بأهل الشام، فالتقوا بصفين، فاقتتلوا بها قتالاً شديداً لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وفيهم عبد الله ابن عمر بن الخطاب وذو الكلاع وحوشب وجابس بن سعد الطائي؛ وغلب أهل الشام على قتلي أهل العالية وفيهم عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وابنا بديل الخزاعي. وكان علي أراد أن يبعث إلى معاوية بالشام رسولاً وكتاباً، فقال له جرير بن عبد الله البجلي: ابعثني إليه فإنه لم يزل لي مستنصحاً وواداً، فآتيه فأدعوه على أن يسلم هذا الأمر لك ويجامعك على الحق، وأن يكون أميراً من أمرائك، وعاملاً من عمالك ما عمل بطاعة الله، واتبع ما في كتاب الله؛ وأدعوا أهل الشام إلى طاعتك وولايتك، وإن جلهم قومي، وقد رجوت أن لا يعصوني. فقال له الأشتر: لا تبعثه ولا تصدقه فإني لأظن هواه هواهم ونيته نيتهم. فقال له: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا. فبعثه علي إلى معاوية، فقال له حين أراد أن يوجهه: إن حولي من قد علمت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل الدين والرأي، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيك:

من خير ذي يمن. فأت معاوية بكتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا فانبذ إليه على سواء، وأعلمه أني لا أرضى به أميراً، وأن العامة لا ترضى به خليفة. فانطلق جرير حتى نزل بمعاوية فدخل عليه، فقام جرير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معاوية، فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين، وأهل الحجاز واليمن، ومصر وعمان والبحرين واليمامة، فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها: لو سال عليها سيل من أوديته غرقها، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة أمير المؤمنين علي. ودفع إليه كتابه، وكانت نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد فإن بيعتي لزمتك وأنت بالشام، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوا عليه، فلم يكن لشاهد أن يختار ولا لغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك رضي فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولي، ويصله جهنم وساءت مصيراً، وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي فيك العافية، إلا أن تعرض للبلاء، فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت الله عليك، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله. فأما تلك التي تريدها يا معاوية فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان؛ واعلم يا معاوية أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى، وقد أرسلت إليك وإلى من

قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة. فبايع ولا قوة إلا بالله. فلما قرأ معاوية الكتاب وعنده جماعة قام جرير خطيباً فحمد الله وأثنى على رسوله ثم قال: أيها الناس! إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه؟ وإن الناس بايعوا علياً غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نقضا بيعته على غير حدث، ألا وإن الدين لا يحتمل الفتن، وإن العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس بعدها، وقد بايعت العامة علياً، ولو أنا ملكنا أمورنا لم نختر لها غيره، فمن خالف هذا استعتب. فادخل يا معاوية فيما دخل الناس فيه، فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما في يديه، ولكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول، وجعل تلك الأمور موطأة، وحقوقاً ينسخ بعضها بعضا. فقال معاوية: أنظر وأنتظر وأستطلع رأي أهل الشام. وأمر معاوية منادياً فنادى: الصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس صعد المنبر فخطب، فحمد الله وقال: الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركاناً، والشرائع للإيمان برهاناً يتوقد قابسه في الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلها الشام، ورضيهم لها ورضيها لهم بما سبق من مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم أولياءه فيها، والقوام بأمره، الذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاماً، وفي أعلام الخير عظاماً، يردع الله به الناكثين، ويجمع ألفة المؤمنين، والله نستعين على ما تشعث من أمور المسلمين وتباعد بينهم بعد القرب والألفة؛ اللهم انصرنا على قوم يوقظون نائمناً

ويخيفون آمننا، ويريدون هراقة دمائنا وإخافة سبيلنا، وقد يعلم الله أنا لا نريد لهم عقاباً، ولا نهتك لهم حجاباً: غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوباً لن ننزعه طوعاً، ما جاوب الصدى، وسقط الندى، وعرف الهدى؛ حملهم على خلافنا البغي والحسد، فالله نستعين عليهم. أيها الناس! قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأني خليفة أمير المؤمنين عثمان عليكم، وأني لم أقم رجلاً منكم على خزاية قط، وإني ولي عثمان وابن عمه، وقد قال الله عز وجل في كتابه: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً " وقد علمتم أنه قتل مظلوماً، وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان. فقال أهل الشام بأجمعهم: بل نطلب بدمه. فأجابوه إلى ذلك وبايعوه ووثقوا له أن يبذلوا في ذلك أنفسهم وأموالهم أو يدركوا بثأره أو يفني الله أرواحهم قبل ذلك. وكان علي استشار الناس فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة، غير الأشتر، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ الحارثي، وهانئ بن عروة المرادي، فإنهم قالوا لعلي: إن الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنما خوفوك حرب الشام، وليس في حربهم شيء أخوف من الموت وإياه نريد. فدعا علي الأشتر وعدياً وشريحاً وهانئاً فقال: إن استعدادي لحرب الشام، وجرير بن عبد الله عند القوم صرف لهم عن غي إن أرادوه، ولكني قد أرسلت رسولاً، فوقت لرسولي وقتاً لا يقيم بعده، والرأي مع الأناة فاتئدوا، ولا أكره لكم الأعذار. فأبطأ جرير على علي حتى أيس منه. وإن جريراً لما أبطأ عليه معاوية بالبيعة لعلي كلمه في ذلك وقال له: إن هذا الأمر له ما بعده. فدعا معاوية ثقاته واستشارهم فقال له عقبة - وكان نظير معاوية -: استعن في هذا الأمر بعمرو بن العاص فإنه من عرفت، وقد اعتزل عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد اتباعاً. فكتب إليه معاوية وعمرو بفلسطين: أما بعد فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط الشام مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة، وقد قدم علي جرير بن عبد الله ببيعة علي،

فاقدم علي على بركة الله، فإني قد حبست نفسي، ولا غناء بنا عن رأيك. وإن معاوية قال لجرير: قد رأيت أن أكتب إلى صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة وأسلم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة. فقال جرير: اكتب ما شئت وأكتب معه إليه. فكتب معاوية بذلك، فلما أتى علياً كتابه عرف أنما هي خديعة منه. وكتب علي إلى جرير: أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب أن لا تكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام. وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية على الشام فأبيت ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضداً؛ فإن بايعك وإلا فأقبل. وفشا كتاب معاوية في الناس. فكتب إليه الوليد بن عقبة: من الطويل معاوي إن الشام شامك فاعتصم ... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا وحام عليها بالقنابل والقنا ... ولاتك محشوش الذراعين وانيا فإن علياً ناظر ما تجيبه ... فأهد له حرباً تشيب النواصيا وإلا فسلم إن في الأمر راحة ... لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا وإن كتاباً يا بن حرب كتبته ... على طمع جان عليك الدواهيا سألت علياً فيه مالا تناله ... ولو نلته لم يبق إلا لياليا

إلى أن ترى منه التي ليس بعدها ... بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا ومثل علي تعتريه بخدعة ... وقد كان ما جربت من قبل كافيا ولو نشبت أظفاره فيك مرة ... حذاك ابن هند بعض ما كنت حاذيا جاء أبو مسلم الخولاني وأناس معه إلى معاوية فقالوا له: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وإنه لأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه؟ وإنما أطلب بدم عثمان، فأتوه فقولوا له فليدفع إلي قتلة عثمان، وأسلم له. فأتوا علياً فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليهم. ثم إن علياً كتب إلى معاوية: أما بعد: فقد رأيت الدنيا وتصرفها بأهلها؛ ومن يقس شأن الدنيا بالآخرة يجد بينهما بالآخرة يجد بينهما بوناً بعيداً؛ ثم إنك يا معاوية قد ادعيت أمراً لست من أهله، لا في قديم ولا في حديث، ولست تدعي أمراً بيناً، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله عز وجل، ولا عهد من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه؟ من أمر دنيا دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها وأمرتك فأطعتها! فأي شيء من هذا الأمر وجدته ينجيك؟! ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية؟ وولاة هذا الأمر؟ بغير قديم حسن، ولا شرف باسق؟ فلا تمكنن الشيطان من بغيته، مع أني أعلم أن الله ورسوله صادقين فيما قالا، فأعوذ بالله من لزوم الشقاء، فإنك يا معاوية مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذاً، وجرى منك مجرى. اللهم أحكم بيننا وبين من خالفنا بالحق فأنت خير الحاكمين. فكتب إليه معاوية: أما بعد يا علي فدعني من أحاديثك واكفف عني من

أساطيرك، فبالكذب غررت من قبلك، وبالخداع استدرجت من عندك، وتوشك أمورك أن تكشف فيعرفوها ويعلموا باطلها، وإن الباطل كان مضمحلاً. فكتب إليه علي: أما بعد، فطالما دعوت أنت وكثير من أوليائك أولياء الشيطان الحق أساطير، وحاولتم إطفاءه بأفواهكم، ونبذتموه وراء ظهوركم، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ولعمري ليتمن الله نوره بكرهك؛ فعقب من دنياك المنقطعة ما طاب لك، فكأن أجلك قد انقضى، وعملك قد هوى، والسلام على من اتبع الهدى. ثم إن معاوية بعث إلى عتبة بن أبي سفيان - وكان من أسد قريش رأياً - فقال: إنا قد حبسنا جريراً حتى طمع فينا علي، وإنما حبسته لننظر ما يصنع أهل الشام، فإن تابعوني نبذت إليهم بالحرب، وإن حالفوني بعثت إليهم بالسلم؛ واعلم أن اختلاف القلوب على قدر اختلاف الصور، فلو أصبت رجلاً مصقعاً - يعني خطيباً بليغاً - جمعت أهل الشام على قلب واحد. فقال عتبة: لا يكون إلا يمانياً، وهما رجلان: أحدهما لك والآخر عليك؛ فأما الذي لك فشرحبيل بن السمط، له صحبة وهو عدو لجرير؛ وأما الذي عليك فالأشعث بن قيس، وشرحبيل خير لك من الأشعث لعلي. فعرف معاوية أن قد أتاه بالرأي. وكتب معاوية إلى شرحبيل يسأله القدوم عليه، وهيأ له رجالاً يخبرونه أن علياً قتل عثمان، منهم يزيد بن أسد البجلي، وبسر بن أرطاة، وأبو الأعور السلمي. فلما جاء كتاب معاوية إلى شرحبيل استشار أهل اليمن - وكان شرحبيل من أهل حمص - فاختلفوا عليه، فقال له عبد الرحمن بن غنم: يا شرحبيل! إن الله أراد بك خيراً، قد هاجرت إلى يومك هذا، ولن ينقطع عنك المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع من الناس، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إنه قد فشت القالة عن معاوية بقوله إن علياً قتل عثمان، فإن يك فعل فقد بايعه المهاجرون والأنصار، وهم الحكام على الناس، وإن لم يكن فعل فعلى ما يصدق معاوية على علي وهو من قد علمت

فلا تهلكن نفسك وقومك. فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية. فقدم عليه فقال: إن جريراً قدم علينا يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان، وقد حبست عليك نفسي، وإنما أنا رجل من أهل الشام، أرضى بما رضوا وأكره ما كرهوا. فقال شرحبيل: أخرج فأنظر في ذلك. فخرج شرحبيل، فلقيه النفر الذين وطأهم له معاوية، فأخبروه أن علياً قتل عثمان فقبل ذلك، فعاد إلى معاوية فقال له: يا معاوية! أبى الناس إلا أن علياً قتل عثمان، فلئن بايعت علياً ليخرجنك من الشام. فقال معاوية: ما أنا إلا رجل منكم، وما كنت لأخالف عليكم. قال: فاردد الرجل إلى صاحبه. فعرف معاوية أن شرحبيل قد ناصح، وأن أهل الشام معه. ثم إن شرحبيل أتى حصين بن نمير في منزله، فبعث حصين إلى جرير: إن رأيت أن تأتينا فإن شرحبيل عندنا. فأتاهم جرير فقال له شرحبيل: إنك أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد، فأردت أن تخلط الشام بالعراق، وقد أطريت علياً وهو القاتل عثمان، والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فقال جرير: أما قولك أني جئت بأمر ملفف، فكيف يكون ملففاً وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وقاتلوا معه طلحة والزبير؟ وأما قولك أني ألقيك في لهوات الأسد ففي لهواته ألقيت نفسك؛ وأما خلط الشام بالعراق فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل؛ وأما قولك أن علياً قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا قذف بالغيب من مكان بعيد، وإن ذلك لباطل، ولكنك ملت إلى الدنيا وأهلها، وأمر كان في نفسك. فبلغ معاوية قولهما، فبعث إلى شرحبيل فقال له: إنه قد كان من إجابتك إلى الحق ما قد وقع فيه أجرك على الله، وقبله عنك صالح الناس، وإن هذا الأمر لا يتم إلا برضى العامة، فسر في مدائن الشام، فادعهم إلى ذلك وأخبرهم بما أنت عليه. فسار شرحبيل فبدأ بأهل حمص فدعاهم إلى القيام في ذلك، وقال لهم: إن علياً قتل عثمان وحرضهم عليه وخوفهم منه، وإن معاوية ولي عثمان، فقوموا معه، فأجابه أهل

حمص إلا نفر من نسائكم وقرائهم فإنهم أبوا ولزموا بيوتهم، ثم إن شرحبيل استقوى مدائن الشام بذلك، فجعل لا يأتي قوماً إلا قبلوا ما أتاهم به. ثم إن علياً كتب إلى جرير: أما بعد، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل، ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم مخزية. فإن اختار الحرب فانبذ إليه. فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية، فأقرأه إياه، فلما علم معاوية أن أهل الشام قد تابعوه، بعث إلى جرير أن الحق بصاحبك فقد أبى الناس إلا ما ترى. فانصرف جرير إلى علي فأخبره الخبر، وإن شرحبيل قدم على معاوية بأهل الشام فقال لمعاوية: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبايعه وبايعه أهل الشام على ذلك، ثم إن معاوية قام فيهم خطيباً فقال: يا أهل الشام! إن علياً قتل خليفتكم، وفرق الجماعة، وأوقع بأهل البصرة، ولها ما بعدها، وقد تهيأ للمسير إليكم، وإيم الله لا يفل حدكم إلا قوم أصبر منكم، فاصبروا فإن الله مع الصابرين، وقد قال الله عز وجل: " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً " فأنا ولي عثمان وابن عمه، وأنتم أعواني على ذلك، فأعدوا للحرب وتهيؤوا للقاء. فقام معاوية بن حديج السكوني، وحوشب فقالوا: يا أمير المؤمنين! قد أتتنا أمدادنا على علي فإذا شئت. ولما ظهر أمر معاوية بالشام وتابعوه على أمره، دعا علي رجلاً فأمره أن يتجهز، وأن يسير إلى دمشق، وأمره إذا دخل إلى دمشق أناخ راحلته بباب المسجد، ثم يدخل المسجد ولا يحط عن راحلته من متاعها شيئاً، ولا يلقي عن نفسه من ثياب السفر شيئاً وقال له: إنك إذا فعلت ورأوا أثر الغربة والسفر عليك، سيسألونك من أين أقبلت؟ فقل من العراق، فإنك إذا قلت ذلك حشدوا إليك وسألوك ما الخبر وراءك؟

فقل لهم: تركت علياً قد نهد إليكم في أهل العراق. فإنهم سيحشدون إليك، ثم انظر ما يكون من أمرهم. قال: فسار الرجل حتى أتى دمشق، ثم دخل المسجد ولم يحلل عن راحلته ولم ينزع عنه شيئاً من ثيابه فلما دخل المسجد، عرفوا أنه غريب، وأنه مسافر، فسألوه: من أين أقبلت؟ فقال: من العراق. فحشدوا إليه فقالوا: ما الخبر وراءك؟ قال: تركت علياً قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق. فكثر الناس عليه يسألونه، وبلغ ذلك معاوية، فأرسل إلى أبي الأعور السلمي: ما هذا القادم الذي قد أظهر هذا الخبر؟ انطلق حتى تكون أنت الذي تشافهه وتسأله، ثم ائتني بالخبر، فأتاه أبو الأعور فساءله فأخبره، فأتى معاوية فأخبره بأن الأمر على ما انتهى إليك؛ فقال لأبي الأعور: ناد في الناس الصلاة جامعة. فنادى في الناس فجاء الناس فقيل لمعاوية شحن الناس المسجد وامتلأ منهم فخرج معاوية فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق فما الرأي؟ فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم ولم يرفع إليه أحد طرفه، ولم يتكلم منهم متكلم، فقام ذو الكلاع الحميري فقال: يا أمير المؤمنين! عليك الرأي وعلينا ام فعال - قال: وهي بالحميرية يعني الفعال - فنزل معاوية عن المنبر وأمر أبا الأعور السلمي أن ينادي في الناس: أن اخرجوا إلى معسكركم، فإن أمير المؤمنين قد أجلكم ثلاثاً، فمن تخلف فقد أحل بنفسه. فخرج رسول علي فرجع إليه، فأخبره الخبر، فأمر علي قنبراً فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد، وصعد علي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام، فما الرأي؟ قال: فأضب أهل المسجد يقولون: يا أمير المؤمنين! الرأي كذا، يا أمير المؤمنين! الرأي كذا. فلم يفهم علي كلامهم من كثرة من تكلم، ولم يدر

المصيب من المخطئ. فنزل عن المنبر وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. ذهب بها ابن أكالة الأكباد - يعني معاوية. قال الأعمش: حدثني من رأى علياً يوم صفين يصفق بيديه ويعض عليهما ويقول: يا عجباً! أعصى ويطاع معاوية!. وعن علي قال: قنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين ليلة دعا على حي من أحياء العرب. وقال علي: لا أزيد على قنوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقنت أربعين ليلة يدعو على معاوية بن أبي سفيان. وعن أبي عبيدة قال: قال معاوية: لقد وضعت رجلي في الركاب وهممت يوم صفين بالهزيمة، فما منعني إلا قول ابن الإطنابة حيث يقول: من الوافر أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإكراهي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي قال علي بن المديني: سمعت سفيان يقول: ما كانت في علي خصلة تقصر به عن الخلافة، ولا كانت في معاوية خصلة ينازع علياً بها. قال إبراهيم بن سويد: قلت لأحمد بن حنبل: من الخلفاء؟ قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. قلت:

فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان علي من علي رضي الله عنه، ورحم اله معاوية. قال محمد بن سعيد: ذكر قوم معاوية عند شريك، فقال بعضهم: كان حليماً. فقال: ليس بحليم من سفه الحق وقاتل علي بن أبي طالب. قال يزيد بن الأصم: لما وقع الصلح بين علي ومعاوية خرج علي فمشى في قتلاه فقال: هؤلاء في الجنة. ثم مشى في قتلى معاوية فقال: هؤلاء في الجنة، وليصير الأمر إلي وإلى معاوية، فيحكم لي ويغفر لمعاوية؛ هكذا خبرني حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أول من يختصم في هذه الأمة بين يدي الرب علي ومعاوية، وأول من يدخل الجنة أبو بكر وعمر. قال ابن عباس: كنت جالساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية إذ أقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاوية: أتحب علياً يا معاوية؟ فقال معاوية: إي والله الذي لا إله إلا هو إني لأحبه في الله حباً شديداً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها ستكون بينكم هنيهة. قال معاوية: ما يكون بعد ذلك يا رسول الله؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عفر الله ورضوانه، والدخول إلى الجنة. قال معاوية: رضينا بقضاء الله. فعند ذلك نزلت هذه الآية: " ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل مايريد ". وعن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت وجلست، فبينا أنا

جالس إذ أتي بعلي ومعاوية، فأدخلا بيتاً وأجيف عليهم الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع أن خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة. ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول غفر لي ورب الكعبة. قال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي: جاء رجل إلى عمي أبي زرعة فقال له: يا أبا زرعة! أنا أبغض معاوية. قال: لم؟ قال: لأنه قاتل علي بن أبي طالب. فقال له عمي: إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين؟. سأل رجل أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية، فأعرض عنه، فقيل له: يا أبا عبد الله! هو رجل من بني هاشم، فأقبل عليه فقال: اقرأ: " تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعلمون ". سأل النضر أبو عمر الحسن فقال: أبو بكر أفضل أم علي؟ قال: سبحان الله! ولا سواء سبقت لعلي سوابق شركه فيها أبو بكر، وأحدث علي أحداثاً لم يشركه فيها أبو بكر، أبو بكر أفضل. قال: فعمر أفضل أم علي؟ فذكر مثل قوله الأول. قال: عمر أفضل. قال: فعلي أفضل أم عثمان؟ فذكر مثل قوله الأول ثم قال: عثمان أفضل. فطمع السائل قال: علي أفضل أم معاوية؟ قال: سبحان الله! ولا سواء، سبقت لعلي سوابق لم يشركه فيها معاوية وأحدث علي أحداثاً شركه معاوية في أحداثه، علي أفضل من معاوية. قال مغيرة: لما جاء قتل علي إلى معاوية جعل يبكي ويسترجع، فقالت له امرأته: تبكي عليه وقد كنت تقاتله؟! فقال لها: ويحك! إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم.

قال معاوية: ما روى أحد في الأمور ترويتي قط، إذا استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى؛ وما باده الأمور مثل عمرو بن العاص؛ وما رميت في مصممة مثل أبي الحسن علي بن أبي طالب قط. وعن أنس بن مالك قال: تعاهد ثلاثة رهط من أهل العراق على قتل معاوية وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة: فأقبلوا بعدما بويع معاوية على الخلافة حتى قدموا إيلياء يصلون من السحر ما قدر لهم، ثم سألوا بعض من حضر المسجد من أهل الشام عن ساعة يوافون فيها خلوة أمير المؤمنين وهو لنا فارغ وقالوا: إنا رهط من أهل العراق أصابنا غرم في أعطياتنا، فنريد أن نكلم أمير المؤمنين وهو لنا فارغ. فقالوا لهم: امهلوا حتى إذا ركب دابته فاعرضوا له فكلموه، فإنه يقف عليكم حتى تفرغوا من كلامه في حاجتكم. فعجلوا ذلك، فلما خرج معاوية لصلاة الفجر كبر، فلما سجد السجدة الأولى، انبطح أحدهم على ظهر الحرسي الساجد بينه وبين أمير المؤمنين، حتى طعن معاوية في مأكمته بخنجر في يده، فانصرف معاوية وقال للناس: أتموا صلاتكم. وأخذ الرجل فأوثق منه، فدخل معاوية ودعي له الطبيب، فقال له الطبيب: إن لم يكن هذا الخنجر مسموماً فليس عليك بأس. فأعد الطبيب عقاقيره التي يشرب إن كان مسموماً، ثم أمر من يعرفها من تباعه أن يسقيه إن عقل لسانه حتى يلحس، ثم لحس الخنجر فلم يجده مسموماً، فكبر وكبر من عنده، فخرج خارجة - وهو أحد بني عدي إلى الناس من عند معاوية فقال: هذا أمر عظيم ليس بأمير المؤمنين بأس، فحمد الله وأخذ

يذكر الناس فشد عليه الحروريون الباقون بالسيف يحسبونه عمرو بن العاص، فضربه على الذؤابة فقتله، فرماه الناس بالثياب وتعاووا عليه حتى أخذوه وأوثقوه، واستل الثالث السيف فشد على أهل المسجد، فانكشف الناس، وصبر له سعيد بن مالك بن شهاب وعليه ممطر، تحته السبف مشرجاً على قائمه، فأدخل يده في الممطر يحل شرج السيف، فلم يفض لحله حتى غشيه الحروري، فنحاه لمنكبه الأيسر، فضربه الحروري ضربة خالطت سحره، ثم استل سعيد السيف فاختلف هو والحروري ضربتين، فضربه الحروري على عينه اليسرى ضربة ذهبت عينه، وضربه سعيد فطرح يمينه والسيف، ثم علاه سعيد بالسيف فقتل الحروري، ونزف سعيد فاحتمل نزيفاً، فدووي ثلاثين ليلة ثم توفي وهو يخبر من دخل عليه: أم والله لو شئت لانحزت مع الناس، ولكني تحرجت أن أوليه ظهري ومعي السيف. فدخل رجل من كلب على الذي طعن معاوية فقال: هذا طعن معاوية؟ قالوا: نعم. فامتلخ السيف فضرب عنقه، وأخذ الكلبي فسجن. وقالوا: قد اتهمت بنفسك. قال: إنما قتلته غضباً لله. فلما سئل عنه فوجد بريئاً أرسل، ودفع قاتل خارجة إلى أوليائه من بني عدي بن كعب، فقطعوا يده ورجله، وسمروا عينه، ثم حملوه حتى حلوا به العراق، فعاش كذلك حيناً، ثم تزوج امرأة فولدت له غلاماً فسمعوا به قد ولد له غلام، فقالوا: لقد عجزنا حين

يترك قاتل خارجة يولد له الغلمان. فكلموا فيه معاوية، فأذن لهم في قتله فقتلوه، وقال الحروري الذي قتل خارجة حين ذكر له أنه قتل خارجة: أما والله ما أردت إلا عمرو بن العاص. فقال عمرو حين بلغته كلمته: ولكن أراد الله خارجة. قال الدارقطني: البرك بن عبد الله الخارجي هو الذي أراد قتل معاوية، فضربه بالسيف ففلق أليته. وهو بضم الباء وفتح الراء. وعن عمر قال: هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وفي كذا، وليس فيها الطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء. قال الأسود بن يزيد: قلت لعائشة رضوان الله عليها: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخلافة!؟ قالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر؛ وقد ملك فرعون أهل مصر أربع مئة سنة. وعن هزيل بن شرحبيل قال: صعد معاوية المنبر فقال: يا أيها الناس! ومن كان أحق بهذا الأمر مني؟ وهل بقي أحد أحق بهذا الأمر مني؟. قال سعيد بن عبد العزيز: كان علي بالعراق يدعى أمير المؤمنين، وكان معاوية بالشام يدعى الأمير، فلما مات علي دعي معاوية بالشام أمير المؤمنين.

قال الليث بن سعد: بويع معاوية بإيلياء في رمضان بيعة الجماعة، ودخل الكوفة سنة أربعين، وهو عام الجماعة. وقيل كان دخوله سنة إحدى وأربعين، وبويع بأذرح، بايعه الحسن بن علي. وقيل: إن أهل الشام بايعوا معاوية سنة سبع وثلاثين. وكان نقش خاتم معاوية: لكل عمل ثواب. وقيل: لا قوة إلا بالله. وكان آخر ما تكلم به معاوية: اتقوا الله فإنه لا يقين لمن لا يتقي الله. وعن الزهري: أن معاوية عمل سنتين ما يخرم عمل عمر، ثم إنه بعد. وعن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الضحى، ثم خطبنا فقال: ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون. قال سفيان بن الليل: قلت للحسن بن علي لما قدم من الكوفة إلى المدينة: يا مذل المؤمنين. قال: لا تقل ذاك، فإني سمعت أبي يقول: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك معاوية. فعلمت أن أمر الله واقع، فكرهت أن تهراق بيني وبينه دماء المسلمين. قال الشعبي: قيل للحارث الأعور: ما حمل الحسن بن علي على أن يبايع لمعاوية وله الأمر؟ قال: إنه سمع علياً يقول: لا تكرهوا إمرة معاوية.

وعن الحارث قال: لما رجع علي من صفين علم أنه لا يملك، فتكلم بأشياء لم يكن يتكلم بها قبل ذلك، وقال أشياء لم يكن يقولها قبل ذلك، فقال: يا أيها الناس! لا تكرهوا إمارة معاوية، فو الله لو فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تندر من كواهلها كالحنظل. وعن أبي الدرداء أنه قال: لا مدينة بعد عثمان ولا رخاء بعد معاوية. ولما قدم معاوية المدينة يريد الحج دخل على عائشة فكلمها خاليين، لم يشهد كلامهما إلا ذكوان أبو عمرو مولى عائشة، فقالت له عائشة: أمنت أن أخبأ لك رجلاً يقتلك بقتلك أخي محمداً؟ قال معاوية: صدقت. فكلمها معاوية، فلما قضى كلامه تشهدت عائشة ثم ذكرت ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق، والذي سن الخلفاء بعده، وحضت معاوية على اتباع أمرهم فقالت في ذلك فلم تترك، فلما قضت مقالتها قال لها معاوية: أنت والله العالمة بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المناصحة المشفقة، البليغة الموعظة، حضضت على الخير وأمرت به، ولم تأمرينا إلا بالذي هو لنا، وأنت أهل أن تطاعي. فتكلمت هي ومعاوية كلاماً كثيراً. فلما قدم معاوية اتكأ على ذكوان، قال: والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبلغ من عائشة. ولما قدم معاوية المدينة أرسل إلى عائشة رضوان الله عليها، أن أرسلي إلي

بأنبجانية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشعره، فأرسلت به، فأخذ الأنبجانية فلبسها، وأخذ شعره، فدعا بماء فغسله فشربه وأفاض على جلده. قال الشعبي: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك. فما رد عليهم جواباً حتى دخل المدينة، فقصد المسجد وعلا المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني والله ما وليت أمركم حين وليته إلا وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة فلم أجدها تقوم بذلك، وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت عنه أشد نفوراً، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، وأين مثل هؤلاء؟ هيهات أن يدرك فضلهم أحد ممن بعدهم! رحمة الله ورضوانه عليهم، غير أني قد سلكت بها طريقاً لي فيه منفعة ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة، ومشاربة جميلة، ما استقامت السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خيركم لكم؛ والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه، فإنها ليست بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء يترى وإن قل أغثى. وإياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة، وتورث الأستئصال. وأستغفر الله لي ولكم. ثم نزل.

وعن صالح بن كيسان: أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها بعد اجتماع الناس عليه، فلقيه الحسن والحسين ورجال من قريش، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان، فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة ابنة عثمان وندبت أباها فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم، فإن لي حاجة في هذه الدار. فانصرفوا ودخل فسكن عائشة وأمرها بالكف وقال لها: يا بنة أخي، إن الناس أعطونا سلطاناً فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا وباعونا هذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا شحوا على حقهم، ومع كل إنسان منهم شيعة، وهو يرى مكان شيعتهم، فإن نكثنا به نكثوا بنا، ثم لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا، وأن تكوني ابنة عمر أمير المؤمنين خير من أن تكوني أمة من إماء المسلمين. ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك والسلام. وعن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه. فقام إليه رجل من الأنصار وهو يخطب بالسيف، فقال أبو سعيد: ما تصنع؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا رأيتم معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه. فقال له أبو سعيد: إنا قد سمعنا ما سمعت، ولكنا نكره أن يسل السيف على عهد عمر حتى نستأمره. فكتبوا إلى عمر في ذلك، فجاء موته قبل أن يجيء جوابه. وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه. قال حماد بن زيد: قيل لأيوب: إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا رأيتم معاوية على المنبر فاقتلوه. فقال: كذب عمرو. وروي عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه، فإنه أمين مأمون.

في إسناده إنكار. قال الأوزاعي: أدركت خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم سعد، وأسامة، وجابر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد، ورافع بن خديج، وأبو أمامة، وأنس بن مالك ورجال أكثر من سمينا بأضعاف مضاعفة، كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله، وأخذوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تأويله؛ ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله، منهم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز، في أشباه لهم لم ينزعوا يداً عن مجامعة في أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن سعيد بن عبد العزيز قال: لما قتل عثمان واختلف الناس، لم تكن للناس غازية ولا صائفة حتى اجتمعت الأمة على معاوية سنة أربعين، وهي سنة الجماعة. فأغزى معاوية الصوائف وشتاهم بأرض الروم، ستة عشر صائفة، تصيف بها وتشتو، ثم تقفل وتدخل معقبتها. ثم أغزاهم معاوية ابنه يزيد في سنة خمس وخمسين، في جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها. ثم قفل. قال سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب - يعني معاوية. قدم المسور بن مخرمة وافداً على معاوية، فقضى حاجته ثم دعاه، فأخلاه فقال: يا مسور! ما فعل طعنك على الأئمة؟ فقال المسور: دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له. قال معاوية: لا والله لتكلمن بذات نفسك، والذي تعيب علي. قال المسور: فلم أترك

شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له. قال معاوية - لا برئ من الذنب -: فهل تعد يا مسور ما نلي من الإصلاح في أمر العامة؟ فإن الحسنة بعشر أمثالها؛ أم تعد الذنوب وتترك الحسنات؟ قال المسور: لا والله ما نذكر إلا ما نرى من هذه الذنوب. قال معاوية: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله؟ قال مسور: نعم. قال معاوية: فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني، فو الله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكني والله لا أخير بين أمرين بين الله، وبين غيره إلا اخترت الله على ما سواه، وأنا على دين يقبل الله فيه العمل، ويجزي فيه بالحسنات، ويجزي فيه بالذنوب، إلا أن يعفو عمن شاء، فأنا أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها، وإذا رأى أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمل لله في إقامة صلوات المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله؛ والأمور التي ليست تحصيها وإن عددتها لك؛ فتفكر في ذلك، قال المسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر. قال عروة: فلم نسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا صلى عليه. قال ثابت مولى سفيان: سمعت معاوية وهو يقول: إني لست بخيركم، وإن فيكم من هو خير مني، عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم وأنعمكم لكم ولاية، وأحسنكم خلقاً. وفي رواية: أن أكون أنفعكم ولاية وأدركم حلباً. قال يونس بن حلبس: سمعت معاوية على منبر دمشق يوم الجمعة يقول: يا أيها الناس! اعقلوا قولي، فلن تجدوا أعلم بأمور الدنيا والآخرة مني، أقيموا وجوهكم وصفوفكم في الصلاة، فلتقيمن وجوهكم وصفوفكم في الصلاة، أو ليخالفن الله بين قلوبكم. خذوا على أيدي سفهائكم، فلتأخذن

على أيدي سفهائكم، أو ليسلطن الله عليكم، فليسومنكم سوء العذاب. تصدقوا، ولا يقول الرجل إني مقل، فإن صدقة المقل أفضل من صدقة الغني. إياي وقذف المحصنات، وأن يقول الرجل سمعت وبلغني، فلو قذف امرأة على عهد نوح لسئل عنها يوم القيامة. وعنه قال: سمعت معاوية على منبر دمشق يقول: يا أهل قردا! يا أهل زاكية! يا داني البثنية! الجمعة الجمعة. وربما قال: يا أهل فنن! يا قاصي الغوطة! الجمعة الجمعة، لا تدعوها. وعن أيوب بن ميسرة: أن معاوية كان يبعث حرساً من حرسه إلى كناكر وزاكية وقردا فيقول: إن هذا يوم عاشوراء، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه ونحن صائمون، فمن أحب أن يصومه فليصمه. وعن ابن أبي ملكية قال: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فأخبره بذلك، فقال: دعه فإنه قد صحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية أن ابن عباس قال: أصاب أي بني! ليس أحد منا أعلم من معاوية، هي واحدة، أو خمس، أو سبع، إلى أكثر من ذلك، الوتر ما شاء.

وفي رواية: أنه قيل لابن عباس: إن معاوية لم يوتر حتى أصبح، فأوتر بركعة. فقال: إن أمير المؤمنين عالم. وعن القاسم بن محمد قال: قال معاوية: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى الأمير جالساً فصلوا جلوساً. قال القاسم: فتعجب الناس من صدق معاوية! قال البيهقي: فهذا جعفر بن محمد يرويه ويصدق القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فيما يحكيه من تصديق الناس معاوية، والناس إذ ذاك، من بقي من الصحابة، ثم أكابر التابعين، ونحن نزعم أنه كان منسوخاً. وعن محمد بن سيرين قال: كان معاوية لايتهم في الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان معاوية قليل الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال رجاء بن حيوة: كان معاوية ينهى عن الحديث يقول: لا تحدثوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وما سمعته يروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا يوماً واحداً. وعن أبي قبيل حيي بن هانئ: أن معاوية صعد المنبر يوم الجمعة فقال عند خطبته: أيها الناس! إن المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطيناه، ومن شئنا منعناه. فلم يحبه أحد. فلما كان الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد. فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال: يا معاوية! كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال

بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخل عليه فقال القوم: هلك الرجل. ففتح معاوية الأبواب، فدخل الناس عليه، فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية للناس إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: سيكون أئمة من بعدي، يقولون فلا يرد عليهم قولهم، يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة. وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم؛ ثم تكلمت الثانية فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم. فتكلمت الجمعة الثالثة، فقام هذا الرجل فرد علي، فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم. فأعطاه وأجازه. قيل: إن هذا القائل لمعاوية هذا القول أبو بحرية عبد الله بن قيس السكوني. وعن أبي مسلم الخولاني عن معاوية: أنه خطب الناس، وقد حبس العطاء شهرين أو ثلاثة، فقال له أبو مسلم: يا معاوية! إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك ولا مال أمك. فأشار معاوية إلى الناس أن امكثوا؛ فنزل واغتسل، ثم رجع فقال: أيها الناس! إن أبا مسلم ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي ولا مال أمي، وصدق أبو مسلم، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الغضب من الشيطان والشيطان من النار، والماء يطفئ النار، فإذا غضب أحدكم فليغتسل. اغدوا على عطائكم على بركة الله عز وجل. وعن عطية بن قيس قال: خطبنا معاوية فقال: إن في بيت مالكم فضلاً عن عطائكم، وإني قاسم بينكم ذلك، فإن كان فيه قابلاً فضل قسمته عليكم، وإلا فلا عتيبة علي، فإنه ليس مالي، وإنما هو فيء الله الذي أفاء عليكم.

وعن قتادة قال: لما انتهى كتاب الحكم بن عمرو إلى زياد كتب بذلك إلى معاوية، وجعل كتاب الحكم في جوف كتابه، فلما قدم الكتاب على معاوية خرج إلى الناس فأخبرهم بكتاب زياد وصنيع الحكم فقال: ما ترون؟ فقال بعضهم: أرى أن تصلبه. وقال بعضهم: أرى أن تقطع يديه ورجليه. وقال بعضهم: أرى أن تغرمه المال الذي أعطي. فقال معاوية: لبئس الوزراء أنتم! لوزراء فرعون كانوا خيراً منكم، أتأمروني أن أعمد إلى رجل آثر كتاب الله تعالى على كتابي، وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سنتي، فأقطع يديه ورجليه؟! بل أحسن وأجمل وأصاب! فكانت هذه مما يعد من مناقب معاوية. قال أبو قبيل: كان معاوية قد جعل في كل قبيل رجلاً، وكان رجل منا يكنى أبا الجيش، يصيح في كل يوم، فيدور على المجالس: هل ولد فيكم الليلة ولد؟ هل حدث الليلة حدث؟ هل نزل بكم اليوم نازل؟ فيقولون: ولد لفلان غلام، ولفلان. فيقول: فما سمي؟ فيقال له، فيكتب، فيقول: هل نزل بكم الليلة نازل؟ فيقولون: نعم، نزل رجل من أهل اليمن، يسمونه وعياله، فإذا فرغ من القبيل كله أتى الديوان فأوقع أسماءهم في الديوان. قال عبيد بن سلمان الطابخي: كنت جالساً عند معاوية، فرأيته متواضعاً، ولم أر له سياطاً غير مخاريق كمخاريق الصبيان، من رقاع قد فتلت يفقعون بها.

قال يونس بن حلبس: رأيت معاوية في سوق دمشق، على بغلة له، وخلفه وصيف قد أردفه، عليه قميص مرقوع الجيب، وهو يسير في أسواق دمشق. قال أبو إسحاق: ما رأيت بعد معاوية مثله. قال أبو بكر: وما ذكر عمر بن عبد العزيز! وفي رواية: وما استثنى أبو إسحاق عمر بن عبد العزيز! وقال مجاهد: لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي. وعن العتبي قال: قال معاوية: لا أضع لساني حيث يكفيني مالي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي. فإذا لم أجد من السيف بداً ركبته. وعنه، قال معاوية: أفضل ما أعطي الرجل العقل والحلم، وإذا ذكر ذكر، وإذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا غضب كظم، وإذا قدر غفر، وإذا أساء استغفر، وإذا وعد أنجز. وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسود من معاوية. وعنه قال: ما رأيت أحداً كان أسود من معاوية! قال: قلت: ولا عمر؟ قال: كان عمر خيراً من معاوية، وكان معاوية أسود منه. وفي حديث: قلت: هو كان أسود من أبي بكر؟ قال: أبو بكر كان خيراً منه، وكان هو أسود منه. قلت: فهو كان أسود من عمر؟ قال: عمر والله كان خيراً منه، وكان

هو أسود منه. قلت: هو كان أسود من عثمان؟ قال: رحمة الله على عثمان، كان خيراً منه وهو أسود من عثمان. وعن ابن عباس قال: ما رأيت أحداً أخلق للملك من معاوية! كان الناس يردون منه أرجاء واد رحب، ليس بالضيق الحصر العصعص المتغضب - يعني ابن الزبير. زاد في رواية: العقص ابن الزبير. قوله: يردون منه أرجاء واد رحب: شبهه بواد واسع لا يضيق على من ورده للشرب. والرجا: حرفه وشفيره. والحصر: الممسك البخيل. والحصور: الضيق من الرجال. والعقص: السيئ الخلق، والمتلوي العسر. وفيه لغة أخرى: عكص، والشكس مثله. قال جعدة بن هبيرة لجلسائه وعواده: إني قد علمت ما لم تعلموا، وأدركت ما لم تدركوا، وإنه سيجيء بعد هذا - يعني معاوية - أمراء ليسوا من رجاله، ولا من ضربائه، ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر، حتى تقوم الساعة. هذا السلطان سلطان الله جعله، وليس أنتم تجعلونه، ألا وإن للراعي على الرعية حقاً، وللرعية على الراعي حق، فأدوا إليهم حقهم، وإن ظلموكم فكلوهم إلى الله تبارك وتعالى، فإنكم وإياهم تختصمون يوم القيامة، ألا وإن الخصم لصاحبه الذي أدى إليه الحق الذي عليه في الدنيا ثم قرأ: "

فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ". حتى بلغ: " والوزن يومئذ القسط " وكذا قرأ " القسط ". قال كعب: لن يملك أحد من هذه الأمة ما ملك معاوية. قال معاوية: أنا أول الملوك. وقال: أنا أول ملك وآخر خليفة. وعن ابن عمر قال: معاوية من أحلم الناس. قالوا: يا أبا عبد الرحمن! وأبو بكر؟ قال: أبو بكر خير من معاوية، ومعاوية من أحلم الناس. قال مسلمة بن محارب: ذكر عبد الملك يوماً معاوية فقال: ما رأيت مثل ابن هند في حلمه واحتماله وكرمه! لقد خرج حاجبه في يوم رهان إلى المقصورة، وأنا وحدي فيها، فنظر إلي، ثم دخل وخرج معاوية، فقمت إليه فتوكأ علي حتى انتهى إلى الخيل، فأرسلت، فسبق، ثم خرج في الحلبة الأخرى، وصنع مثلها فسبق، ثم خرج في الحلبة الثالثة، فخفت أن يتشاءم بي فتنحيت، فطلبني فجئت، وتوكأ علي، وأجرى الخيل فسبق، فأقبل علي فقال: يا بن مروان، هكذا القرح، هات حوائجك. قلت: ما لي حاجة. قال: عزمت عليك. فما سألته شيئاً إلا أنعم لي وأضعف.

قال قبيصة بن جابر: ما رأيت رجلاً أعظم حلماً، ولا أكثر سؤدداً، ولا ألين مخرجاً في أمر من معاوية. وقال: أيضاً: صحبت معاوية بن أبي سفيان، فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناة منه! وعن معاوية أنه قال: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أوزن من حلمي. أسمع رجل مرة معاوية كلاماً شديداً غضب منه أهله، فقيل له: لو سطوت عليه لكان له نكالاً، قال: إني لأستحي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي. قال رجل لمعاوية: يا أمير المؤمنين ما أحملك! قال: إني لأستحي أن يكون جرم رجل أعظم من حلمي. وعن سفيان قال: قال معاوية: إني لأستحي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو يكون جهل أكثر من حلمي، أو تكون عورة لا أواريها بستري. وقال معاوية: ما شيء أحمد عاقبة من جرعة غيظ أتجرعها. خرج الحسين من عند معاوية، فلقي ابن الزبير، والحسين مغضب، فذكر الحسين أن معاوية ظلمه في حق له، فقال له الحسين: أخيره في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم: أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقر بحقي ثم يسألني فأهبه له، أو يشتريه مني، فإن لم يفعل فو الذي نفسي بيده لأهتفن بحلف الفضول. فقال

ابن الزبير: والذي نفسي بيده لئن هتف به وأنا قاعد لأقومن، أو قائم لأمشين، أو ماش لأشتدن، حتى تفنى روحي مع روحك، أو ينصفك. ثم ذهب ابن الزبير إلى معاوية فقال: لقيني الحسين فخيرني في ثلاث خصال، والرابعة الصيلم. قال معاوية: لا حاجة لنا بالصيلم، إنك لقيته مغضباً، فهات الثلاث خصال. قال: تجعلني أو ابن عمر بينك وبينه. فقال: قد جعلتك بيني وبينه أو ابن عمر، أو جعلتكما جميعاً. قال: أو تقر له بحقه. قال: فأنا أقر له بحقه وأسأله إياه. قال: أو تشتريه منه. قال: فأنا أشتريه منه. قال: فلما انتهى إلى الرابعة قال لمعاوية كما قال للحسين: إن دعاني إلى حلف الفضول أجبته. قال معاوية: لا حاجة لنا بهذه. قال: وبلغني أن عبد الرحمن بن أبي بكر ومسور بن مخرمة قالا للحسين مثل قول ابن الزبير، فبلغ ذلك معاوية وعنده جبير بن مطعم، فقال له معاوية: يا أبا محمد! كنا في حلف الفضول. قال له جبير: لا. وحكى الزبير نحو هذه القصة للحسن بن علي مع معاوية. قال العتبي: قدم معاوية المدينة، فخرج إلى العقيق وخرج الناس إليه، فضربت له أبنية، فجاء

أبو غليط بن عتبة بن أبي لهب، فعمد إلى جمل أجرب، فهنأه بالقطران، وركب وأداره في الشمس حتى هرج، ثم قصد به نحو معاوية، فلما نظر إلى الأبنية حمل الجمل عليها، والناس عنده جلوس فأقبل الجمل يقطع تلك الأبنية، وفزع الناس! فقال معاوية: أيها الناس! اجلسوا، إن هذا بعض جنون آل أبي لهب. فقال أبو عليط: والله ما أنا بالمجنون، وما أتانا الجنون إلا من قبل حرب بن أمية! ما زال الشيطان يخنقه حتى مات. وكان حرب بن أمية مات مخنوقاً، ذكروا أن الجن خنقته فمات. دخل قوم من الأنصار على معاوية فقال لهم: يا معشر الأنصار! قريش لكم خير منكم لها؛ فإن يكن ذلك لقتلي أحد، فقد نلتم يوم بدر مثلهم؛ وإن يكن ذلك للأثرة، فو الله ما تركتم إلى صلتكم سبيلاً، لقد خذلتم عثمان يوم الدار، وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وصليتم بالأمر يوم صفين. فتكلم رجل منهم فقال: أقلت قريش خير لنا منا لها؟ فإن فعلوا فقد أسكناهم الدار، وقاسمناهم الأموال، وبذلنا لهم الديار، ودفعنا عنهم العدو وأنت سيد قريش، فهل لهذا عندك جزاء؟ وأما قولك إن يكن ذلك لقتلى أحد، فإن قتيلنا وحينا ثائر؛ وأما ذكرك الأثرة، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا بالصبر عليها، وأما خذلان عثمان فإن الأمر في عثمان ما كان إلا جفلى - يريد الجمع - وأما قتل أنصاره يوم الجمل فما لا يعتذر منه؛ وأما قولك إنا صلينا بالأمر يوم صفين فإنا كنا مع رجل لم نأله خيراً. وقاموا وخرجوا، فقال معاوية: ردوهم، فو الله ما فرغ من كلامه حتى ضاق بي مجلسي! أما كان فيكم رجل يجيبه؟! فردوهم فترضاهم ووصلهم. جرى بين معاوية وبين أبي الجهم كلام، حتى كان من أبي الجهم إلى معاوية كلام غمه، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: يا أبا الجهم! إياك والسلطان، فإنه يغضب غضب

الصبيان، ويعاقب عقاب الأسد، وإن قليله يغلب كثير الناس. ثم أمر له بمال، فأنشأ أبو الجهم يقول: من الوافر نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا طاف الحسن بن علي مع معاوية، فكان يمشي بين يديه فقال: ما أشبه أليتيه بأليتي هند! فسمعه معاوية، فالتفت إليه فقال: أما إنه كان يعجب أبا سفيان. قال عبد الرحمن بن أبي الحكم لمعاوية: يا أمير المؤمنين! إن فلاناً يشتمني. قال: تطأطأ لها، تمر، فتجاوزك. قال رجل لمعاوية: ما رأيت أنذل منك! قال: بلى من واجه الرجال بمثله. قال معاوية: ما يسرني بذل الكرم حمر النعم. قال معاوية: يا بني أمية! قاربوا قريشاً بالحلم، فو الله إن كنت لألقى الرجل منهم في الجاهلية فيوسعني شتماً وأوسعه حلماً، فأرجع وهو صديقي، أستنجده فينجدني، وأثور به فيثور معي، وما رفع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرماً. قال معاوية: آفة الحلم الذل.

قال معاوية: لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم. قال معاوية: العقل عقلان، عقل تجارب، وعقل نحيزة؛ فإذا اجتمعا في رجل، فذاك الذي لا يقام انفراداً له، وإذا انفردا كانت النحيزة أولاهما. قال أبو عبيدة: كان الرجل يقول لمعاوية: فو الله لتستقيمن يا معاوية، أو لنقومنك. فيقول: بماذا؟ فيقول: بالخشب. فيقول: إذاً أستقيم. قال هشام بن عروة: صلى بنا عبد الله بن الزبير الغداة ذات يوم، فوجم بعد الصلاة وجوماً لم يكن يفعله، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: لله در ابن هند! أما والله إن كنا نتخدعه فيتخادع لنا، وما ابن ليلة بأدهى منه، لله در ابن هند! أما والله إن كنا نفرقه فيتفارق لنا، وما الليث الحرب بأجرأ منه! كان والله كما قال بطحاء العذري: من المتقارب ركوب المنابر وثابها ... معن بخطبته مجهر تريع إليه فصوص الكلام ... إذا نثر الخطل المهمر

كان والله كما قالت بنت رقيقة: من الهزج ألا ابكيه ألا ابكيه ... ألا كل الفتى فيه والله لوددت أنه بقي ما بقي أبو قبيس؛ لا يتحول له عقل، ولا تنتقص له قوة. قال: فعرفنا أن الشيخ قد استوحش له. قيل لمعاوية: من أسود الناس؟ قال: أسخاهم نفساً حين يسأل، وأحسنهم في المجالس خلقاً، وأحلمهم حين يستجهل. كان معاوية يتمثل بهذه الأبيات: من الوافر فما قتل السفاهة مثل حلم ... يعود به على الجهل الحليم فلا تسفه وإن ملئت غيظاً ... على أحد فإن الفحش لوم ولا تقطع أخاً لك عند ذنب ... فإن الذنب يغفره الكريم ذكر معاوية عند ابن عباس فقال: لله تلاد ابن هند، ما أكرم حسبه! وأكرم مقدرته! والله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض، ضناً منه بأحسابنا وحسبه. قال ابن عباس: قد علمت بما كان معاوية يغلب الناس، كانوا إذا طاروا وقع، وإذا وقعوا طار. قال زياد: ما غلبني معاوية في السياسة إلا في أمر واحد، استعمل رجلاً من بني تميم، فكسر

الخراج، ولحق بمعاوية. فكتب إليه إن هذا أدب سوء، فابعث به إلي. فكتب إليه: لا يصلح أن نسوس الناس أنا وأنت بسياسة واحدة؛ فإنا إن نشتد نهلك الناس، ونخرجهم إلى أسوأ أخلاقهم، وإن لنا جميعاً أبطرهم ذلك، ولكن ألين وتشتد، وتلين وأشتد، فإذا خاف خائف وجد باباً يدخله. وفي حديث آخر: ولتكن للشدة والفظاظة والغلظة، وأكون أنا للين والألفة والرحمة. كتب عمرو بن العاص إلى معاوية يعاتبه في التأني، فكتب إليه معاوية: أما بعد؛ فإن التفهم زيادة ورشد، وإن الرشيد من رشد عن العجلة، وإن الخائب من خاب عن الأناة، وإن المتثبت مصيب، أو كاد يكون مصيباً، وإن العجل يخطئ، أو كاد يكون مخطئاً، وإنه من لا ينفعه الرفق يضره الخرق، ومن لا تنفعه التجارب لا يدرك المعالي، ولا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ ذلك إلا بقوة الحلم. قيل لمعاوية: إنا نراك تقدم حتى نقول يقبل، وتتأخر حتى نقول لا يرجع! قال: أتقدم ما كان التقدم غنماً، وأتأخر ما كان التأخر حزماً. قال بعض الشعراء: من الطويل شجاع إذا ما أمكنتني فرصة ... وإن لم يكن لي فرصة فجبان

قيل لمعاوية: من أحلم أنت أو زياد؟ قال: إن زياداً لا يترك إلا من يفترق عليه، وأنا أتركه يفترق علي ثم أجمعه. قال الشعبي: كان دهاة العرب أربعة. فذكر أحدهم معاوية: فأما معاوية فكان يدبر الأمر فيقع بعد عشرين سنة. خرج عبد الملك بن مروان ومعه نافع بن جبير بن مطعم، فوقف على راهب فذكر الراهب الخلفاء، فأطرى معاوية، فقال عبد الملك لنافع: لشد ما أطرى ابن هند! فقال نافع: إن ابن هند أصمته الحلم وأنطقه العلم، بجأش ربيط، وكف ندية. قال قبيصة بن جابر قال: لم أعاشر أحداً كان أرحب باعاً بالمعروف منك يا معاوية. وعن جويرية قال: قعد معاوية وعمرو ذات يوم، فقال معاوية: ما شيء أصبته أحب إلي من عين فوارة في أرض خوارة أصبتها من صاحبها بطيب نفسه. فقال عمرو: لكني لست هكذا، ما شيء أصبته أحب إلي من أن أصبح عروساً بعقيلة من عقائل العرب. ورجل جالس فقال: لكني لست هكذا، ما شيء أصبته أحب إلي من الفضل على الإخوان. فقال معاوية: أنا أحق بها منك لا أم لك. قال: فقد قدرت يا أمير المؤمنين. قال سعيد بن عبد العزيز: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار. بعث معاوية إلى عائشة مرة بمئة ألف، فما أمست من ذلك اليوم حتى فرقتها، فقالت مولاة لها: لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهم لحماً. فقالت: لو قلت لي قبل أن أفرقها فعلت.

قال عطاء: قدمت عائشة مكة، فأرسل إليها معاوية بطوق قيمته مئة ألف فقبلته. دخل الحسن بن علي بن أبي طالب على معاوية فقال: أما والله لأجيزنك اليوم بجائزة لم أجزها أحداً من قبلك من العرب، ولا أجيزها بعدك. قال: فأعطاه أربع مئة ألف فأخذها. دخل الحسن والحسين على معاوية فأمر لهما في وقته بمئتي ألف درهم وقال: خذاها وأنا ابن هند، ما أعطاها أحد قبلي، ولا يعطيها أحد بعدي. قال: فأما الحسن فكان رجلاً مسكيناً، وأما الحسين فقال: والله ما أعطى أحد قبلك ولا أحد بعدك لرجلين أشرف ولا أفضل منا. أرسل الحسن بن علي وابن جعفر إلى معاوية يسألانه المال. فبعث بمئة ألف درهم، أو لكل رجل منهما بمئة ألف فبلغ ذلك علياً فقال لهما: ألا تستحيان! رجل يطعن في عينه غدوة وعشية، تسألانه المال! قال: لأنك حرمتنا وجاد لنا. كان معاوية إذا تلقى الحسن بن علي قال له: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا تلقى عبد الله بن الزبير قال له: مرحباً بابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمر للحسن بن علي بثلاث مئة ألف، ولعبد الله بن الزبير بمئة ألف. أمر معاوية للحسن بن علي بمئة ألف درهم، فذهب بها إليه، فقال لمن حوله: من أخذ شيئاً فهو له. وأمر للحسين بن علي بمئة ألف فذهب بها إليه وعنده عشرة فقسمها عليهم عشرة آلاف عشرة آلاف، وأمر لعبد الله بن جعفر بمئة ألف فذهب بها إليه. فأرسلت إليه امرأته أرسل بها إلي. فأرسل إليها: تعالي أنت وجواريك، وصفقن وخذنها. ففعلن، فأخذنها. فقال معاوية: ما كان عليه لو لم يفعل هذا. فأمر لمروان بن

الحكم بمئة ألف، فذهب بها إليه فقسم خمسين ألفاً وحبس خمسين ألفاً، وأمر لعبد الله بن عمر بمئة ألف، فقسم تسعين ألفاً وحبس عشرة آلاف فقال معاوية: مقتصد يحب الاقتصاد. وأمر لعبد الله بن الزبير بمئة ألف، فذهب بها إليه الرسول فقال: من أمرك أن تجيء بها بالنهار؟ ألا جئت بها بالليل. فبلغت معاوية فقال: خب ضب، كأنك به قد رفع ذنبه فقطع. وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما يقبلان جوائز معاوية. كان لعبد الله بن جعفر من معاوية ألف ألف في كل عام ومئة حاجة، يختم معاوية على أصل الأديم ثم يقول: اكتب يا بن جعفر ما بدا لك فقضى عاماً حوائجه وبقيت حاجة لأهل الحجاز. وقدم أصبهبذ سجستان يطلب إلى معاوية أن يملكه سجستان ويعطي من قضاء حاجته ألف ألف درهم، وعند معاوية يومئذ وفد العراق: الأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومالك بن مسمع، فأتاهم الأصبهبذ فقال له الأحنف: أيسرك أن نغرك؟ قال: لا. قال: فإنا لسنا بأصحابك، ولكن ائت عبد الله بن جعفر، فإن كان بقي لك شيء من حوائجه جعله لك. فأتى ابن جعفر فذكر له حاجته. فقال: بقيت لي حاجة كانت لغيرك، فأما إذ قصدتني فهي لك. ودخل ابن جعفر على معاوية يودعه فقال: بقيت لي حاجة كنت جعلتها لأهل الحجاز فعرض فيها أصبهبذ سجستان، فأنا أحب أن تملكه. فقال معاوية: إنه يعطى على حاجته هذه ألف ألف درهم. قال أبن جعفر: فذاك أحرى أن تقضيها. فقال: قد قضيت حاجتك؛ يا سعد! اكتب له عهده على سجستان. فكتب له عهده، فأخذه ابن جعفر والدهقان على الباب ينتظر ابن جعفر، فخرج فأعطاه العهد، فحمل له الأصبهبذ إليه من غد ألف ألف درهم وسجد له، فقال له ابن جعفر: اسجد لله عز وجل، واحمل هذا المال إلى رحلك، فإنا أهل بيت لا نبيع المعروف بالمن. فبلغ معاوية فقال: لأن يكون يزيد قالها

أحب إلي من خراج العراق! أبت بنو هاشم إلا كرماً. فقال ابن الزبير الأسدي: من الوافر تواكل حاجة الدهقان قوم ... هم الشفعاء من أهل العراق الأحنف وابن مسمع والمنادى ... به حين النفوس لدى التراقي وكان المنذر المأمول منهم ... وليس الدلو إلا بالعراق وقد أعطي عليها ألف ألف ... بنجح قضائها قبل الفراق فقالوا لا نطيق لها قضاء ... وليس لها سوى الضخم السياق فدونكها ابن جعفر فارتصدها ... وقد بقى من الحاجات باق فقد أدركت ما أملت منه ... فراح بنجحها رخو الخناق وجاء المرزبان بألف ألف ... فما زلت بصاحبنا المراقي فقال خدبها إنا أناس ... نرى الأموال كالماء المراق ولسنا نتبع المعروف منا ... ولا نبغي به ثمن المذاق كان لعبد الله بن جعفر من معاوية في كل سنة ألف ألف، فاجتمع عليه خمس مئة ألف دينار، فألح عليه غرماؤه فيها فاستأجلهم إلى أن يرحل إلى معاوية فأجلوه، فرحل إليه فمر بالمدينة على ابن الزبير فقال له: إلى أين؟ قال: أردت أمير المؤمنين يصل قرابتي ويقضي ديني. قال: لتجدنه متعبساً. فقال: بالله الثقة وعليه التوكل. فقال له ابن الزبير: هل لك في صاحب صدق؟ فقال: بالرحب والسعة. فرحلا جميعاً، فاستشرف أهل الشام عبد الله بن جعفر فقالوا: قدم ابن جعفر في غير وقته. فلما وصل استأذن على معاوية فأذن له، وأجلسه عن يمينه، ثم أذن لابن الزبير فأجلسه عن يمين ابن جعفر فساءله فأنعم السؤال ثم قال: ما أقدمك يا بن جعفر؟ قال: يا أمير المؤمنين

تصل قرابتي وتقضي ديني. قال: وما دينك؟ قال: خمس مئة ألف. قال: قد فعلت. فأقبل عبد الله بن جعفر على ابن الزبير فقال: من الطويل لعمرك ما ألفيته متعبساً ... ولا ماله دون الصديق حراماً إذا ما ملمات الأمور احتوينه ... يفرج عنها كالهلال حسما فقال معاوية: كأنك مررت بابن الزبير فقال لك: أين تريد؟ فقلت: أمير المؤمنين يصل قرابتي ويقضي ديني، فقال لك لتجدنه متعبساً! فقال ابن جعفر: لا تظن إلا الخير يا أمير المؤمنين. فقال معاوية: يا ابن جعفر! من الكامل إني سمعت مع الصباح منادياً ... يا من يعين لما جد معوان طلب المروءة بالمروءة كلها ... حتى تحلق قي ذرى البنيان ما أقدمك يا بن الزبير؟ قال: يا أمير المؤمنين! تصل قرابتي وتقضي ديني. قال: وما دينك؟ قال: مئة ألف. قال: قد فعلت. ثم نهضا لقبضها فقال معاوية: يا بن جعفر، إن الألف ألف تأتيك لوقتها. قال ابن عباس لمعاوية: لا يخزيني الله ولا يسوؤني ما أبقى الله أمير المؤمنين. فأعطاه ألف ألف رقة وعروضاً وأشياء، وقال: خذها فاقسمها في أهلك. وعن قتادة قال: قال معاوية: واعجباً للحسن! شرب شربة من عسل يمانية بماء رومة فقضى نحبه! ثم قال لابن عباس: لا يخزيك الله ولا يسوؤك، ولا يخزيك في الحسن.

فقال: أما ما أبقى الله لي أمير المؤمنين، فلن يسوءني الله، ولن يخزيني. فأعطاه ألف ألف ما بين عروض وعين. فقال: اقسم هذا في أهلك. قال عبد الله بن جعفر: كنت مع معاوية في خضراء دمشق، إذ طلعت رؤوس إبل من نقب المدينة فقال: مرحباً وأهلاً بفتيان من قريش، أنفقوا أموالهم في مروآتهم وأدنوا فيها، ثم قالوا: نأتي أمير المؤمنين فيخلف لنا أموالنا، ويقضي عنا ديوننا. والله لا يحلون عنده حتى يرجعوا بجميع ما سألوا. قال: فدخلوا على معاوية وأنيخت ركابهم، فخرجوا من عنده بحوائجهم حتى عادوا إلى ظهور رواحلهم منصرفين إلى أوطانهم. ثم شهدت عبد الملك بن مروان في تيك الخضراء، إذ طلعت رؤوس إبل من نقب المدينة، فقال عبد الملك: لا مرحباً ولا سهلاً، فتيان من فتيان المدينة، أنفقوا أموالهم وأدانوا فيها. فقالوا: نأتي أمير المؤمنين فيقضي عنا ديوننا، ويقرعنا للذاتنا. والله لا يحلون عنده حتى يرجعوا كما جاؤوا. قال: ثم أمر بهم فنخس بهم. قال: فعجبت لتباعد الأمرين مع قربهما. قيل لمعاوية: أيكم كان أشرف، أنتم أو بنو هاشم؟ قال: كنا أكثر أشرافاً وكانوا أشرف واحداً، لم يكن في بني عبد مناف مثل هاشم، فلما هلك كنا أكثر عدداً وأكثر أشرافاً، وكان فيهم عبد المطلب، ولم يكن فينا مثله، فصرنا أكثر عدداً وأكثر أشرافاً، ولم يكن فيهم واحد كواحدنا، وما كان إلا كقرار العين، حتى جاء شيء لم يسمع الأولون بمثله ولا يسمع الآخرون بمثله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن مجالد بن سعيد أنه قال: رحم الله معاوية، ما كان أشد حبه للعرب! وعن ابن عباس: أن عمرو بن العاص قال لمعاوية بن أبي سفيان: رأيت فيما يرى النائم أبا بكر كئيباً حزيناً قد أخذ بضبعيه رجلان، قلت: بأبي أنت وأمي يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! ما شأنك؟ أراك كئيباً حزيناً! قال: وكل بي هذان الرجلان ليحاسباني بما ترى. وإذا صحف ليس بالكثيرة، ورأيت عمر بن الخطاب كئيباً حزيناً، وقد أخذ بضبعيه رجلان، فقلت: بأبي وأمي أنت يا أمير المؤمنين! مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: وكل بي هذان الرجلان ليحاسباني بما ترى. وإذا صحف مثل الحزورة - جبيل ليس بالضخم - ثم رأيت عثمان بن عثمان كئيباً حزيناً، فقال: وكل بي هذان يحاسباني بما ترى. وإذا صحف مثل الخندمة - جبل إذا دخلت البطحاء عن يسارك - ورأيتك يا معاوية كئيباً حزيناً وقد أخذ بضبعيك رجلان قد ألجمك العرق، فقلت: بأبي وأمي يا أمير المؤمنين! مالي أراك كئيباً حزيناً؟ فقلت: وكل بي هذان ليحاسباني بما ترى. وإذا صحف مثل أحد وثبير فقال معاوية: أما رأيت ثم دنانير مصر؟ قال العتبي: دخل عمرو بن العاص على معاوية وقد ورد عليه كتاب بعض ولاته فيه نعي رجل من السلف، فاسترجع معاوية فقال عمرو: من الوافر يموت الصالحون وأنت حي ... تخطأك المنايا لا تموت فقال معاوية: من الوافر أترجو أن أموت وأنت حي ... فلست بميت حتى تموت

انحدر عبد الله وعمرو ابنا عتبة إلى البصرة، فلقيا معاوية بالكوفة قالا: فقال لنا: يا أبناء أخي اتقيا الله، فإنها تكفي من غيرها، واشتريا بالمعروف عرضكما من الأذى، وذللا ألسنتكما بالوعد، وصدقاها منكما بالفعال، واعلما أن الطلب وإن قل أعظم من الحاجة قدراً وإن عظمت، واعلماً أن أغنى الناس من كثرت حسناته وأفقرهم من كثرت سيئاته، وأنه لا وجع أشد من الذنوب، وأن الدهر ليس بغافل عن من غفل. قيل لابن السماك: أي الأعداء لا يحب أن يعود صديقاً؟ قال: من سبب عداوته النعمة؛ يعني الحاسد. ثم قال ابن السماك: قال معاوية: كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها. قال معاوية: المروءة ترك اللذة، وعصيان الهوى. وقال معاوية: المروءة في أربع: العفاف في الإسلام، واستصلاح المال، وحفظ الإخوان، وعون الجار. وقال معاوية لبنيه: يا بني إنكم تجار قوم لا تجارة لهم غيركم، فلا يكون تجار أربح منكم، فإن أدنى ما يرجع به الخائب عنكم تخطئة ظنه فيكم. كان عبد الصمد بن علي لا يخضب، فقيل له: لو خضبت؛ قال أتشبه بشيخ من بني عبد مناف، كان له شأن، فقيل له: علي؟ قال: لم أرد علياً، إنما عنيت معاوية، كان لا يخضب. كان معاوية يقول الشعر، فلما ولي الخلافة أتاه أهله فقالوا: قد بلغت الغاية فما تصنع بالشعر؟ ثم ارتاح يوماً فقال: من الوافر سرحت سفاهتي وأرحت حلمي ... وفي على تحملي اعتراض على أني أجيب إذا دعتني ... إلى حاجاتها الحدق المراض

قال الشعبي: أول من خطب جالساً معاوية، حين كثر شحمه، وعظم بطنه. وقال ميمون: أول من جلس على المنبر معاوية، واستأذن الناس في القعود، فأذنوا له. قال إبراهيم: أول من جلس في الخطبة يوم الجمعة معاوية. قال سعيد بن المسيب: أول من أذن وأقام يوم الفطر والنحر معاوية، ولم يكن قبل ذلك أذان ولا إقامة. وعن أبي هريرة: أنه حدث خلاد بن رافع عن صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوصفها له، يكبر إذا سجد، وإذا رفع رأسه كصلاة الهاشميين. قال له خلاد: فمن أول من ترك ذلك؟ قال: معاوية. وعن ابن شهاب قال: أول من أخذ الزكاة من الأعطية معاوية بن أبي سفيان. وعن أبي كريب قال: تمتع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، وأول من نهى عنها معاوية. يعني متعة الحج. قالوا: ولم يكن للدور أبواب، كان أهل العراق وأهل مصر يأتون بقطراتهم، فيدخلون دور مكة فيربطون بها، وأول من بوب معاوية. سئل الزهري عن أول من قضى: لا يرث المسلم الكافر؟ قال: مضت السنة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر وعثمان، أن لا يرث المسلم

الكافر ولا الكافر المسلم؛ وكان معاوية أول من قضى بأن المسلم يرث الكافر، وأن الكافر لا يرث المسلم؛ ثم قضى بذلك بنو أمية بعد معاوية حتى كان عمر بن عبد العزيز، فراجع السنة الأولى، وقضى بأن لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ثم رد ذلك هشام بن عبد الملك إلى قضاء معاوية، وبنو أمية بعد. وقال الزهري: كانت السنة الأولى أن دية المعاهد كدية المسلم، فكان معاوية أول من قصرها إلى نصف الدية، وأخذ نصف الدية لنفسه. وقال ميمون: أول من وضع شرف العطاء فصيرها إلى عشرين ألفاً، وأول من قتل صبراً معاوية. وعن البراء قال: مر أبو سفيان بن حرب برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعاوية خلفه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قنة، وكان معاوية رجلاً مستهاً فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم عليك بصاحب الأسنة. قال محمد بن كعب: إنا لجلوس مع البراء في مسجد الكوفة إذ دخل قاص، فجلس فقص، ثم دعا للخاصة والعامة، ثم دعا للخليفة، ومعاوية يومئذ الخليفة، فقلنا للبراء: يا أبا إبراهيم! دخل هذا فدعا للخاصة والعامة، ثم دعا لمعاوية فلم نسمعك قلت شيئاً! فقال: إنا شهدنا وغبتم، وعلمنا وجهلتم، إنا بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحنين إذ أقبلت امرأة حتى وقفت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إن أبا سفيان وابنه معاوية أخذا بعيراً لي فغيباه علي. فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً إلى أبي سفيان بن حرب ومعاوية: أن ردا على المرأة بعيرها. فأرسلا: إنا والله ما أخذناه، وما ندري أين هو. فعاد إليها الرسول فقالا: والله

ما أخذناه وما ندري أين هو. فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رأينا لوجهه ظلالاً ثم قال: انطلق إليهما فقل لهما: بل والله إنكما صاحباه، فأديا إلى المرأة بعيرها. فجاء الرسول إليهما وقد أناخا البعير وعقلاه فقالا: إنا والله ما أخذناه، ولكن طلبناه حتى أصبناه. فقال لهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهبا. قال نبيح الغنزي: كنت عند أبي سعيد الخدري وهو متكئ، فذكرنا علياً ومعاوية، فتناول رجل معاوية، فاستوى جالساً ثم قال: كنا ننزل رفاقاً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنت في رفقة أبي بكر، فنزلنا على أهل أبيات - أو قال: بيت - قال: وفيهم امرأة حبلى، ومعنا رجل من أهل البادية، فقال لها البدوي: أيسرك أن تلدي غلاماً إن جعلت لي شاة؟ فولدت غلاماً فأعطته شاة، فسجع لها أساجيع، فذبحت الشاة وطبخت، فأكلنا منها ومعنا أبو بكر، فذكر أمر الشاة، فرأيت أبا بكر متبرزاً مستنتلاً يتقيأ، ثم أتي عمر بذلك الرجل البدوي يهجو الأنصار فقال عمر: لولا أن له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أدري ما نال فيها لكفيتكموه، ولكن له صحبة. وعن الحسن قال: قلت: يا أبا سعيد! إن ناساً يشهدون على معاوية وذويه أنهم في النار! فقال: لعنهم الله، وما يدريهم أنهم في النار؟ وعن الزهري قال: سألت سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: اسمع يا زهري من مات محباً لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وشهد للعشرة بالجنة، وترحم على معاوية، كان حقيقاً على الله عز وجل أن لا يناقشه الحساب. وعن ابن يزيد قال: ذكر معاوية عند حسن بن حي، فنالوا منه، فقال حسن: لو لم تكفوا عن

معاوية، ألا إنه كان من عمال عمر بن الخطاب، وقد كانت له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصاهرة. سئل ابن المبارك عن معاوية فقيل له: ما تقول فيه؟ قال: ما أقول في رجل قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سمع الله لمن حمده. فقال معاوية من خلفه: ربنا ولك الحمد. فقيل له: ما تقول في معاوية؟ هو عندك أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير - أو أفضل - من عمر بن عبد العزيز. سأل رجل المعافي بن عمران فقال: يا أبا مسعود! أين عمر بن عبد العزيز من معاوية؟ فغضب من ذلك غضباً شديداً وقال: لا يقاس بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد! معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا لي أصحابي وأصهاري، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي رواية: فغضب وقال: يوم من معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز عمره. ثم التفت إليه فقال: تجعل رجلاً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل رجل من التابعين! وفي رواية عن الفضل بن عنبسة: أنه سئل: معاوية أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فعجب من ذلك وقال: سبحان اللهّ أأجعل من رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كمن لم يره؟! قالها ثلاثاً. وقال عبد الله بن المبارك: معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شزراً اتهمناه على القوم، أعني على أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. جاء رجل سفيان فقال: ما تقول في شتم معاوية؟ قال: متى عهدك بشتيمة فرعون؟ قال: ما خطر ببالي. قال: ففرعون أولى بالشتم. قال الربيع بن نافع: معاوية ستر أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.

وعن أحمد بن حنبل أنه قال: إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسوء فاتهمه على الإسلام. سئل أبو عبد الله عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص، أيقال له رافضي؟ قال: إنه لم يجتر عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما يبغض أحد أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وله داخلة سوء. قال وكيع: معاوية بمنزلة حلقة الباب، من حركه اتهمناه على من فوقه. قال جعدة بن هبيرة في مرضه الذي هلك فيه لعواده وجلسائه: إني قد أدركت ما لم تدركوا، وعلمت ما لم تعلموا، إنه سيكون بعد هذا أمراء - يعني معاوية - ليسوا من ضربائه، ولا من رجاله، ليس منهم إلا أصعر أو أبتر، حتى تقوم الساعة، ألا وإن السلطان سلطان الله، جعله الله، ليس أنتم جعلتموه، ألا وإن للراعي على الرعية حقاً، وللرعية على الراعي حقاً، فأدوا إليهم حقهم، وإن ظلموكم حقكم فكلوهم إلى الله، فإنكم وإياهم مختصمون يوم القيامة، وإن الخصم لصاحبه، الذي أدى الحق الذي عليه في الدنيا. ثم قرأ: " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين، والوزن يومئذ القسط ". قال أبو جعفر الرازي: وقع إلينا شيخ بخراسان ممن لقي بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله يزيد النخوي عن آية من كتاب الله، فقرأ فلحن، فقال يزيد: تلحن؟! فقال: إني سمعت

الله عير بالذنب ولم أسمعه عير باللحن. فقال له يزيد: ما شهادتك على معاوية؟ قال: أنا على دين نوح " إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ". قال إبراهيم بن ميسرة: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية، فإنه ضربه أسواطاً. قال محمد بن الحسن: بينما أنا فوق جبل الأسود بالشام ناحية البحر إذ هتف هاتف وهو يقول: من أبغض الصديق فذاك زنديق، من أبغض عمر إلى جهنم زمر، من أبغض عثمان فذاك خصمه الرحمان، من أبغض علياً فذاك خصمه النبي، من أبغض معاوية تسحبه الزبانية، إلى نار الله الحامية، في السر والعلانية، ويرمى به في الهاوية، هكذا جزاء الرافضة، احذروا سلم العشرة، ممن سبقوا إلى الله وإلى الرسول، فهم خيرة الله من خلقه. قال الفقيه أبو طاهر الحسين بن منصور بن محمد بن يعقوب - وكان رجلاً سنياً شفعوياً، إلا أنه كان يتشيع قليلاً - قال: كنت أبغض معاوية وألعنه، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم كأنه دخل داري، وفي الدار حمام، دخل الحمام واغتسل، فلما خرج من الحمام ركب بغلة، وكان بين يديه رجل قائم أصفر اللون، فسلمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: يا أبا طاهر لا تلعنه ولا تبغضه. قلت: من هو يا رسول الله؟ قال: هو معاوية بن أبي سفيان، أخي، كاتب الوحي. قال محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب - وكان من الأبدال - قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم جالساً، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي جلوس معه،

ومعاوية قائم بين يديه، فأتي برجل، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! هذا يذكرنا وينتقصنا. فكأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهر الرجل - قال الحميدي: وكنت أعرف الرجل - فقال الرجل: أما هؤلاء فلا، ولكن هذا - يعني معاوية - فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلك! أو ليس معاوية من أصحابي؟! ويلك أو ليس معاوية من أصحابي؟! - ثلاثاً - وفي يد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حربة، فدفعها إلى معاوية وقال: جأ بهذه في لبته. فوجأ بها في لبته؛ وانتبهت، فبكرت إلي منزل الرجل، فإذا الذبحة قد طرقته ومات في الليل. قال أبو عمرو: بلغني أن هذا الرجل راشد الكندي. قال إبراهيم بن الأشعث: ما سمعت الفضيل قط ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح إلا بكى وتنفس، أو رئي فيه الحزن. وكان إذا ذكر علياً وعثمان دمعت عيناه وأكثر الترحم عليهما، وسمعته يترحم على معاوية ويقول: كان من العلماء الكبار، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن ابتلي بحب الدنيا. قال العتبي: قيل لمعاوية: أسرع إليك الشيب. فقال: كيف لا يسرع إلي الشيب، ولا أعدم رجلاً من العرب قائماً على رأسي، يلقح لي كلاماً يلزمني جوابه، فإن أنا أصبت لم أحمد وإن أنا أخطأت سارت به البرد. وعن معاوية قال: لقد نتفت الشيب كذا وكذا سنة. وكان يخرج إلى مصلاه ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، قال: وذاك من الكبر. ودخل عليه إنسان وهو يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال: هذا الذي كنتم تمنون لي.

قال يزيد بن أبي زياد: خرج معاوية حاجاً، فاطلع في بئر عادية فأصابته اللقوة، فخرج على الناس معصباً وجهه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن ابن آدم بعرض بلاء؛ إما معافى فيشكر، وإما مبتلى فيصبر، وإما معاقب بذنب؛ ولست أعتذر من إحدى ثلاث: إن ابتليت فقد ابتلي الصالحون قبلي، وآمل أن أكون منهم، ولئن عوفيت فلقد عوفي الخطاؤون قبلي، وما آمن أن أكون أحدهم، ولئن ابتليت في أحسني فما أحصي صحيحي وإما أن تكون عقوبة من ربي. زاد في غيره: ولو كان الأمر إلى نفسي ما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني، فأنا ابن بضع وستين، فرحم الله عبداً دعا لي بالعافية، فو الله لئن عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدباً على عامتكم. قال: فعج الناس يدعون له، فبكى معاوية، فلما خرجوا من عنده قال له مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين! لم بكيت؟ قال: يا مروان! كبر سني، ودق عظمي، وابتليت في أحسن ما يبدو مني، وخشيت أن تكون عقوبة من ربي، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي. وعن عبادة بن نسي قال: خطبنا معاوية بالصنبرة، قال: لقد شهد معي صفين ثلاث مئة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما بقي منهم أحد غيري، وإنما ذلك فناء قربي، وإن فناء الرجل فناء قرنه. ثم ودعنا وصعد الثنية، فكان آخر العهد به.

ومن حديثين، عن عبادة بن نسي، وثمامة بن كلثوم: أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: أيها الناس! إني من زرع قد استحصد، وقد طالت إمرتي عليكم حتى مللتموني ومللتكم، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي إلا من هو شر مني، كما كان من قبلي خيراً مني، وقد قيل: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحب لقائي؛ ويا يزيد! إذا وفى أجلي فول غسلي رجلاً لبيباً، فإن اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة، فيه ثوب من ثياب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني؛ ويا يزيد! احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وأرحم الراحمين. وفي رواية: وقطعوا تلك القلامة، واسحقوها واجعلوها في عيني، فعسى. كان أبو هريرة يمشي في سوق المدينة وهو يقول: اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم، تمسكوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان. ولما احتضر معاوية جعل يقول: من الطويل لعمري لقد عمرت في الملك برهة ... ودانت لي الدنيا بوقع البواتر وأعطيت جم المال والحكم والنهى ... وسلم قماقيم الملوك الجبابر فأضحى الذي قد كان مما يسرني ... كحلم مضى في المزمنات الغوابر فيا ليتني لم أعن في الملك ساعة ... ولم أعن في لذات عيش نواضر

وكنت كذي طمرين عاش ببلغة ... من الدهر حتى زار ضنك المقابر وتمثل وقد تعرى ورأى تحول جسمه وتغيره فقال: من مجزوء الرجز أرى الليالي مسرعات النقض حنين طولي وركبن بعضي أقعدنني من بعد طول النهض قال عمرو بن عتبة: لما اشتكى معاوية شكاته التي هلك فيها أرسل إلى أناس من بني أمية، فخص ولم يعم فقال: يا بني أمية! إنه لما قرب مالم يكن بعيداً وخفت إن يسبقكم الموت إلي سبقته بالموعظة إليكم، لا لأرد قدراً، ولكن لأبلغ عذراً؛ لو وزنت بالدنيا لرجحت بها، ولكني وزنت بالآخرة فرجحت بي، إن الذي أخلف لكم من الدنيا أمر ستشاركون فيه، أو تغلبون عليه، والذي أخلف عليكم من رأي أمر مقصور عليكم نفعه إن فعلتموه، مخوف عليكم ضرره إن ضيعتموه، فاجعلوا مكافأتي قبول وصيتي: إن قريشاً شاركتكم في نسبكم، وبنتم منها بفعالكم، فقدمكم ما تقدمتم فيه، إذ أخر غيركم ما تأخروا له، وبالله لقد جهر لي فعلمت، ونغم لي ففهمت، حتى كأني أنظر إلى أبنائكم بعدكم نظري إلى آبائهم قبلهم، إن دولتكم ستطول، وكل طويل مملول وكل مملول مخذول، فإذا انقضت مدتكم كان أول

تخاذلكم فيما بينكم، واجتماع المختلفين عليكم، فيدبر الأمر بضد الحسن الذي أقبل به، فلست أذكر عظيماً يركب منه، ولا حرمة تنتهك إلا والذي أكف عن ذكره أعظم، فلا معول عليه عند ذلك أفضل من الصبر، وتوقع النصر، واحتساب الأجر فيما دكم القوم دولتهم، امتداد الغنانين في عنق الجواد، فإذا بلغ الله بالأمر أمده، وجاء الوقت المحتوم، كانت الولة كالإناء المكفو، فعندها أوصيكم بتقوى الله الذي لم يتقه غيركم فيكم، فجعل العافية لكم والعافية للمتقين. ولما احتضر معاوية أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال، كأنه أراد أن يطيب له، لأن عمر بن الخطاب قاسم عماله. ولما كبر معاوية خرجت به قرحة في ظهره، فكان إذا لبس دثاراً ثقيلاً - والشام أرض باردة - أثقله ذلك وغمه، فقال: اصنعوا لي دثاراً خفيفاً دفياً من هذه السخال، فصنع له، فلما ألقي عليه سار إليه ساعة ثم غمه فقال: جافوه عني. ثم لبسه ثم غمه، فألقاه، ففعل ذلك مراراً ثم قال: قبحك الله من دار، ملكتك أربعين سنة، عشرين خليفة، وعشرين إمارة، ثم صيرتني إلى ما أرى! قبحك الله من دار. وقيل: إنه أصابته قرة شديدة في مرضه، فألقي عليه ثوب حواصل، فأدفأه، وخف عليه فما لبث أن ثقل عليه فقال ما قال. دخل عمرو بن سعيد على معاوية في مرضه الذي مات فيه فقال: يا أمير

المؤمنين! ما رأيت أحداً من أهل بيتك في مثل حالك إلا مات. فقال معاوية: من الوافر فإن المرء لم يخلق حديداً ... ولا هضباً توقله الوبار ولكن كالشهاب يرى ويخبو ... وحادي الموت عنه ما يحار فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار قال عبد الملك بن عمير: لما ثقل معاوية، وتحدث الناس أنه بالموت قال لأهله: احشوا عيني إثمداً، وأوسعوا رأسي دهناً، ففعلوا وبرقوا وجهه بالدهن، ثم مهد له، فجلس فقال: أسندوني. ثم قال: ائذنوا للناس فليسلموا قياماً ولا يجلس أحد. فجعل الرجل يدخل فيسلم قائماً، فرآه متكحلاً متدهناً فيقول الناس: هو لما به، وهو أصح الناس! فلما خرجوا من عنده قال معاوية: من الكامل وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لاتنفع

قال: وكان به النفاثة، فمات من يومه ذلك. ولما مرض معاوية أخرج يديه كأنهما عسيبا نخل فقال: هل الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا؟ والله لوددت أني لم أغبر فيكم إلا ثلاثاً ثم ألحق بالله عز وجل. قالوا: يا أمير المؤمنين! إلى رحمة الله ورضوانه. فقال معاوية: إلى ما شاء الله من قضاء قضاه لي، قد يعلم الله أني لم آل. ولو أراد أن يغير لغير. قال محمد بن عقبة: كان معاوية أميراً عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، فلما نزل به الموت قال: ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى وأني لم أل من هذا الأمر شيئاً. قال أبو السائب المخزومي: لما حضرت معاوية الوفاة تمثل: من الخفيف إن تناقش يكن نقاشك يا رب ... ب عذاباً لا طوق لي بالعذاب أو تجاوز تجاوز العفو فاصفح ... عن مسيء ذنوبه كالتراب قال أبو عبد الله بن المنادر: تمثل معاوية عند الموت: من المنسرح لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل الحول القلب الأريب ولا ... يدفع ريب المنية الحيل

وعن عوانة قال: لما حضرت معاوية الوفاة احتوشه أهله فقال لهم وهم يقلبونه: إنكم لتقلبون أمراً حولاً قلباً إن نجا من النار غداً. ثم قال: من البسيط: لقد جمعت لكم من جمع ذي نشب ... وقد كفيتكم الترحال والنصبا وقال أبو بردة: قال معاوية وهو يقلب في مرضه، وقد صار كأنه سعفة محترقة: أي شيخ تقلبون إن نجاه الله من النار غداً. وفي رواية: إن وقي كبة النار. قال ابن الأعرابي: تقدم رجلان إلى معاوية فادعى أحدهما على صاحبه مالاً، وكان المدعى قبله حولاً قلباً مخلطاً مزيلاً، فأنشأ معاوية يقول: من البسيط أنى أتيح لها حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقا

ثم دعا بمال، فأعطى المدعي وفرق بينهما. قال محمد بن سيرين: لما مرض معاوية نزل عن السرير، فكشف ما بينه وبين الأرض، وجعل يلزق ذا الخد مرة بالأرض، وذا الخد مرة بالأرض، ويبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك الكريم: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " فاجعلني ممن تشاء أن تغفر لهم. ولما حضر معاوية الموت تمثل: من الطويل هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع ثم قال: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة وعد بحلمك على من لا يرجو غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس من خطيئة مهرب إلا إليك. قال ابن عباس: ولما احتضر معاوية قال: يا بني! إني كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا، وإني دعوت بمشقص، فأخذت من شعره وهو في موضع كذا وكذا، فإذا أنا مت فخذ ذلك الشعر، فاحشوا به فمي ومنخري. قالوا: ولما قال ذلك تمثلت ابنته: من الطويل إذا مت مات الجود وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مصرد وردت أكف السائلين وأمسكوا ... من الدين والدنيا بخلف مجدد

كلا يا أمير المؤمنين، يدفع الله عنك. فقال معاوية متمثلا: من الكامل وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقال لمن حضره من أهله: اتقوا الله فإن الله يقي من اتقاه، ولا تقى لمن لا يتقي الله. ثم قضى رحمه الله. قال مكحول: لما حضرت معاوية الوفاة جمع بنيه وولده ثم قال لأم ولد له: أريني الوديعة التي استودعتك إياها. قال: فجاءت بسفط مختوم، مقفلاً عليه، قال: فظننا أن فيه جوهراً، فقال: إنما كنت أدخر هذا لهذا اليوم. ثم قال: افتحيه. ففتحته فإذا منديل عليه ثلاثة أثواب فقال: هذا قميص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كساني، وهذا رداء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كساني لما قدم من حجة الوداع. قال: ثم مكثت بعد ذلك ملياً ثم قلت: يا رسول الله! اكسني هذا الإزار الذي عليك. قال: إذا ذهبت إلى البيت أرسلت به إليك يا معاوية. قال: ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل به إلي، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا الحجام، فأخذ من شعره ولحيته فقلت: يا رسول الله هب لي هذا الشعر. قال: خذه يا معاوية. فهو مصرور في طرف الرداء، فإذا أنا مت، فكفنوني في قميص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأدرجوني في ردائه وأزروني بإزاره، وخذوا من شعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحشوا به شدقي ومنخري وذروا سائره على صدري، وخلوا بيني وبين رحمة أرحم الراحمين. وعن الشافعي قال: كان يزيد في بعض المواضع، فجاءه الرسول بمرض معاوية، فركب وهو يقول: من البسيط

جاء البريد بقرطاس يخب به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا وقال: إنه حضر ودخل إلى معاوية وهو مغمور. قالوا: والصحيح أن يزيد لم يدركه حياً وإنما جاء بعد موته. ولما مات معاوية أخرجت أكفانه فوضعت على المنبر، ثم قام الضحاك بن قيس الفهري خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن أمير المؤمنين معاوية كان في جد العرب، وعوذ العرب؛ وحد العرب، قطع الله به الفتنة وملكه على العباد، وسير جنوده في البر والبحر، وبسط به الدنيا، وكان عبداً من عبيد الله، دعاه الله فأجابه، فقد قضى نحبه رحمة الله عليه، وهذه أكفانه، فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره، ومخلوه وعمله فيما بينه وبين ربه، إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه، ثم هو الهرج إلى يوم القيامة، فمن أراد حضوره بعد الظهر فليحضره، فإنا رائحون به. وصلى عليه الضحاك بن قيس الفهري، وكان يزيد غائباً حين مات معاوية بحوارين، فلما ثقل معاوية أرسل إليه الضحاك، فقدم وقد مات معاوية ودفن، فلم يأت منزله حتى أتى قبره، فصلى عليه ودعا له، ثم أتى منزله فقال: من البسيط

جاء البريد بقرطاس يخب به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأن أعين من أركانها انقلعا لما انتهينا وباب الدار منصفق ... لصوت رملة ريع القلب فانصدعا من لا تزل نفسه توفي على شرف ... توشك مقادير تلك النفس أن تقعا أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه ... كانا تكونا جميعاً قاطنين معاً أغر أبلج يستسقي الغمام به ... لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا وما أبالي إذا أدركن مهجته ... ما مات منهن بالبيداء أو ظلعا ثم خطب يزيد الناس فقال: إن معاوية كان عبداً من عبيد الله، أنعم الله عليه ثم قبضع الله، وهو خير ممن بعده، ودون من قبله، ولا أزكيه على الله، هو أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئاً كان. اذكروا الله واستغفروه. فقال أبو الورد العنبري يرثي معاوية: من الوافر ألا أنعى معاوية بن حرب ... نعاة الحل للشهر الحرام نعاه الناعجات بكل فج ... خواضع في الأزمة كالسهام فهاتيك النجوم وهن خرس ... ينحن على معاوية الشآمي

وقال أيمن بن خريم: من الوافر رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا ورد شعورهن السود بيضاً ... ورد وجوههن البيض سودا فإنك لو شهدت بكاء هند ... ورملة إذ يصفقن الخدودا بكيت بكاء معولة قريح ... أصاب الدهر واحدها الفريدا قال سعيد بن حريث: لما كان الغداة التي مات معاوية في ليلتها فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن خليفة قبله في الشام غيره، فلما ارتفع النهار وهم يبكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان خليفته على دمشق الضحاك بن قيس إذ قعقع باب النحاس الذي يخرج إلى المسجد من الخضراء، فدلف الناس إلى المقصورة، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا رجل على يده اليسرى ثياب ملفوفة، فإذا هو الضحاك بن قيس، فاتكأ على المنبر بيده اليسرى، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إني قائل لكم قولاً، فرحم الله امرأ وعى ما سمع مني، تعلمون أن معاوية كان حد العرب، مكن الله له في البر والبحر، وأذاقكم معه الخفض والطمأنينة، ولذاذة العيش - وأهوى بيده إلى فيه - وإنه هلك رحمه الله وهذه أكفانه على يدي ونحن مدرجوه فيها ودافنوه وإياها، ثم هي البلايا والملاحم والفتن، وما توعدون إلى يوم القيامة. ثم دخل الخضراء، فلم يخرج إلا لصلاة الظهر، فصلى ثم أخرجوا جنازة معاوية،

فدفنوه، فلبثنا حتى كان مثل يوم الجمعة، فبلغنا أن ابن الزبير خرج بالمدينة وحارب، وكان معاوية قد غشي عليه قبل ذلك غشية، فركب به الركبان، فلما بلغ ذلك ابن الزبير خرج، ثم كان مثل ذلك اليوم الجمعة المقبلة صلى بنا الضحاك بن قيس الظهر، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعلمون أن خليفتكم يزيد بن معاوية، قد أظلكم، ونحن خارجون غداً وملتقوه، فمن أحب أن يتلقاه معنا فعل. فركبنا الصبح، وسار إلى ثنية العقاب، وما بين باب توما وبين ثنية العقاب بيت مبني بقرى إلى قرى العجم، فلما صعدنا في ثنية العقاب إذا بأثقال يزيد قد تحدرت في الثنية، ثم سرنا غير كثير، فإذا يزيد في ركب من أخواله من كلب، وهو على بختي له رحل ورائطة مثنية في عنقه، ليس عليه سيف ولا عمامة، وكان رجلاً كثير اللحم، عظيم الجسم، كثير الشحم، كثير الشعر، وقد أجفل شعره وشعث، فسلم الناس عليه وعزوه، ودنا منه الضحاك بن قيس بين أيديهم فليس منا أحد يتبين كلامه، إلا أنا نرى فيه الكآبة والحزن وخفض الصوت، والناس يعيبون منه ذلك ويقولون: هذا الأعرابي الذي ولاه أمر الناس، والله سائله عنه! وسار مقبلاً إلى دمشق فقلنا: يدخل من باب توما، حتى دنا منها فلم يفعل، ومضى مع الحائط إلى باب الشرقي، فقال الناس: يدخل من باب الشرقي، فإنه باب خالد بن الوليد الذي دخل منه حين فتح. فلما دنا من الباب أجازه إلى باب كيسان، ثم أجاز باب كيسان إلى باب الصغير، فلما وافى الباب رمى بزمام بختيته فاستناخ ثم تورك فبرك، ونزل الضحاك بن قيس، ومضى يمشي بين يديه إلى قبر معاوية، فصلى عليه وصففنا خلفه، وكبر أربعاً ثم أمر بنعليه حين خرج من المقابر فركبها حتى أتى الخضراء ثم أذن المؤذن الصلاة جامعة، لصلاة الظهر، وقد اغتسل ولبس ثياباً نقية وجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر موت معاوية قال: إن

معاوية كان يغزيكم البر والبحر، ولست حاملاً أحداً من المسلمين في البحر؛ وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتياً أحداً من المسلمين بأرض الروم؛ وإن معاوية كان يخرج لكم العطايا أثلاثاً، وأنا أجمعه لكم كله. قال: فافترقوا وما يفضلون عليه أحداً. وقف مروان بن الحكم على قبر معاوية فقال: رحمك الله يا أبا عبد الرحمن! أكل على مائدته وأطعم عليها أربعين سنة، عشرين أميراً وعشرين خليفة ثم قال: من الطويل وما الدهر والأيام إلا كما أرى ... رزية مال أو فراق حبيب فلا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب دخل علي بن عبد الله بن عباس على عبد الملك بن مروان في يوم بارد وبين يديه وقود قد ألقي عليه عود مقد دخن، فقال عبد الملك: ها هنا، إلي يا أبا محمد! فأجلسه معه فقال علي: احمد الله يا أمير المؤمنين فيما أنت فيه من الإدفاء، والناس فيما هم فيه من شدة البرد - وفي رواية: وهو في فرش قد كاد يغيب فيها - فقال: يا أبا محمد! أبعد ابن هند بالشام أربعين سنة أميراً وخليفة أمسى يهتز على قبره ينبوتة؟! ثم دعا بالغداء فتغديا جميعاً. وفي رواية: ثم هو ذاك على قبره ثمامة نابتة، وكانت خلافة معاوية عشرين سنة إلا أشهر. ودفن بين باب الجابية وباب الصغير.

وكان محارباً لأهل العراق خمس سنين، وهلك وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ومات سنة ستين. توفي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعشر سنين من التاريخ، وولي أبو بكر رضي الله عنه سنتين وأشهراً، وولي عمر رضي الله عنه عشر سنين وأشهراً، وولي عثمان رضي الله عنه ثنتي عشرة سنة، وكانت الفتنة لخمس سنين، وملك معاوية عشرين سنة. خطب معاوية فقال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين، وأنا ابن ثلاث وستين. ولكنه عمر بعد هذا حتى بلغ الثمانين، وقد قيل: إنه توفي ابن اثنتين وثمانين سنة. جاء نعي معاوية إلى ابن عباس والمائدة بين يديه فقال لغلامه: ارفع، ارفع. ثم قال: اللهم أنت أوسع لمعاوية. ثم قال: خير ممن يكون بعده، وشر ممن كان قبله. ثم قال: من الكامل جبل تزعزع ثم مال بجمعه ... في البحر لارتقت عليك الأبحر ولما نعي معاوية قال عبد الله بن الزبير: ذهب والله عز بني أمية، كان والله كما قال الشاعر: من المتقارب ركوب المنابر ذو همة ... معن بخطبته مجهر تثوب إليه هوادي الكلام ... إذا ضل خطبته المهمر وقيل: إن ابن الزبير لما بلغه خطب فقال: رحم الله ابن هند، لوددت أنه بقي لنا ما بقي من أبي قبيس حجر، على مثل ما فارقنا عليه، كان كما قال بطحاء العذري:

معاوية بن طويع

ركوب المنابر ذو همة ... معن بخطبته مجهر تثوب إليه هوادي الكلام ... إذا ضل خطبته المهمر ولد معاوية بمكة في دار أبي سفيان، وقيل: في دار عتبة بن ربيعة. معاوية بن طويع ابن جشيب اليزني الداراني حدث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل شيء للرجل حل من المرأة في صيامه، ما خلا ما بين رجليها. وعن معاوية قال: قال أبو هريرة: المروءة الثبوت في المجلس، وإصلاح المال، والغداء بأفنية البيوت. معاوية بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي وفد على يزيد بن معاوية، ثم عمر، حتى وفد على يزيد بن عبد الملك. حدث عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناس يرمون كبشاً بالنبل، فكره ذلك وقال: لا تمثلوا بالبهائم. لما حضرت عبد الله بن جعفر الوفاة دعا ابنه معاوية، فنزع شنفاً من أذنه، وأوصى إليه، وفي ولده من هو أسن منه وقال: إني لم أزل أؤهلك لها. فلما توفي عبد الله احتال معاوية بدين أبيه، وخرج يطلب فيه حتى قضاه، وقسم أموال أبيه بين ولده، ولم يستأثر بشيء عليهم.

قال جويرية: لما مات عبد الله بن جعفر أمر ابنه معاوية رجلاً فنادى: من كان له على عبد الله بن جعفر شيء فليعد بالغداة، ومن أراد أن يشتري من عقده شيئاً فليعد بالغداة. قال: فغدا التجار والغرماء، فباع عقدة وقضى دينه. ومن كانت له بينة أعطي، ومن لم يكن له بينة استحلف وأعطي. وكان عليه ألف ألف. وكان معاوية بن عبد الله مقدماً يوصف بالفضل والعلم؛ ومرض مرضة فدخل عليه قوم يعودونه فقالوا له: كيف تجدك؟ قال: إني وجدت فضل ما بين البليتين نعمة. يعني أني أبتلى ويبتلى غيري بما هو أشد منه. غنت حبابة يزيد صوتاً لابن سريج وهو: من المنسرح ما أحسن الجيد من مليكة وال ... لبات إذ زانها ترائبها فطرب يزيد وقال: هل رأيت أحداً قط أطرب مني؟ قالت: نعم، ابن الطيار معاوية بن عبد الله بن جعفر. فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك، فحمل إليه، فلما قدم أرسلت إليه حبابة: إنما بعث إليك لكذا وكذا وأخبرته، فإذا دخلت عليه وتغنيت فلا تظهرن طرباً حتى أغني الصوت الذي غنيته. فقال: سوأة! على كبر سني! فدعا به يزيد وهو على طنفسة خز، ووضع لمعاوية مثلها، وجاؤوا بجامين فيهما مسك، فوضعت إحداهما بين يدي يزيد، والأخرى بين يدي معاوية، فلم أدر كيف أصنع فقلت: أنظر كيف يصنع فأصنع مثله، فكان يقلبه فيفوح ريحه، وأفعل مثل ذلك، فدعا بحبابة، فلما غنت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي: الدخن بالنوى - يعني اللوبياء - فأمر له بصلات عدة دفعات، إلى أن خرج فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار. أنشد محمد بن سلام لمعاوية بن عبد الله بن جعفر: من الكامل

معاوية بن عبيد الله

أنس غرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام يحسبن من لين الحديث زوانياً ... ويصدهن عن الخنا الإسلام معاوية بن عبيد الله ابن يسار أبو عبيد الله الأشعري مولى عبد الله بن عضاه الأشعري، وزير المهدي ولاه هشام بن عبد الملك صدقات عذرة. حدث عن المهدي بسنده إلى ابن عباس قال: عارض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم، جزاك الله خيراً يا عم. وحدث عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه أن كعباً قدم إيلياء مرة من المرار، فرشا حبراً من أحبار يهود بضعة عشر ديناراً، على أن دله على الصخرة التي قام عليها سليمان بن داود حين فرغ من بناء المسجد، وهي مما يلي ناحية باب الأسباط، فقال كعب: قام سليمان بن داود على هذه الصخرة، ثم استقبل القدس كله، ودعا الله بثلاث، فأراه الله تعجيل إجابته إياه في دعوتين، وأرجو أن يستجيب له في الآخرة. فقال: اللهم هب " لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، إنك أنت الوهاب ". فأعطاه الله ذلك؛ وقال: اللهم هب لي ملكاً وحكماً يوافق حكمك. ففعل الله ذلك به، ثم قال: اللهم لا يأتي هذا المسجد أحد يريد الصلاة فيه إلا أخرجته من خطيئته كيوم ولدته أمه.

قال أبو عبيد الله: جاء قوم إلى المهدي يتظلمون من عباد الوصيف، فأغلظ لهم المهدي، فخرج شيخ وهو يقول: ليسمع المهدي ومن حضر، اللهم لا صبر لنا على أناتك، وأتينا هذا وأيسنا من عزل عباد، فاعزله أنت عنا يا أرحم الراحمين. قال: فمات عباد من ليلته. وصف رجل أبا عبيد الله كاتب المهدي فقال: ما رأيت أوفر من حلمه، ولا أطيش من قلمه. أبلى أبو عبيد الله مصليين وأشرع في الثالث - أو ثلاثة وأشرع في الرابع - موضع الركبتين والوجه والقدمين لكثرة صلاته؛ وكان له كل يوم كر دقيق يتصدق به على المساكين وكان يلي ذلك مولى له، فاشتد الغلاء فقال له: قد غلا السعر، فلو نقصنا من هذا. فقال: أنت شيطان - أو رسول شيطان - صيره كرين، فكان له في كل يوم كران يخبزان للمساكين. ويوم مات امتلأ الجسور، قلما يعبر عليها إلا من تبع جنازته من مواليه واليتامى والأرامل والمساكين. بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصع بألفي دينار صلة، وعشرين ثوباً، فلم يقبلها. وكتب إليه: أن لو كان قابلاً من سوى الخليفة قبلها، وكتب إليه: أصلحك الله وأمتع بك، ما لسببك ومناحتك آخيناك، ولا لاستقلال ما بعثت به والسخط له كان ردنا إياه عليك، ولكنا آخيناك ووددناك وشكرناك لفضلك ونبلك، وقسم الله لك في رأيك ومعرفتك ورعايتك حق ذوي الحقوق؛ ولقد أصبحت عندنا بالمنزل الذي لا يزيدك فيه صلة وصلتنا بها، ولا يضرك ردناها. قال عبد الأعلى بن أبي المساور: دخلت الديوان في خلافة المهدي وأبو عبيد الله جالس في صدر الديوان، فسلمت فرد علي، وما هش إلي ولا حفل بي، فجلست إلى بعض كتابه، فقلت: حدثنا الشعبي

فسمعني أبو عبيد الله فقال لي: رأيت الشعبي؟ فقلت: نعم ورأيت أبا بردة بن أبي موسى وهو خير من الشعبي! فقال: ارتفع ارتفع، كتمتنا نفسك حتى كدت أن تلحقنا ذماً لا ترحضه المعاذير. ثم أقبل علي واشتغلبي حتى فرغت من حاجتي وانصرفت بشكره. قال عمران بن شهاب الكاتب: استعنت على أبي عبيد الله في أمر ببعض إخوانه، فلما قام قال لي: لولا أن حقك حق لا يحد ولا يضاع لحجبت عنك حسن نظري، أظننتني أجهل الإحسان حتى أعلمه، ولا أعرف موضع المعروف حتى أعرفه؟! لو كان ما ينال ما عندي إلا بغيري لكنت بمنزلة البعير الذلول، عليه الحمل الثقيل، إن قيد انقاد وإن أنيخ برك، لا يملك من نفسه شيئاً. فقلت: معرفتك بمواقع الصنائع أثقب من معرفة غيرك، ولم أجعل فلاناً شفيعاً، إنما جعلته مذكراً. فقال لي: فأي اذكار لمن رعى حقك أبلغ من تسليمك عليه ومصيرك إليه؟ إنه متى لم يتصفح المأمول أسماء مؤمليه بقلبه غدواً ورواحاً لم يكن للآمل محلاً، وجرى القدر لمؤمليه على يديه بما قدر وهو غير محمود على ذلك ولا مشكور، وما لي إمام أدرسه بعد وردي من القرآن إلا أسماء رجال التأميل لي، وما أبيت ليلة حتى أعرضهم على قلبي؛ فلا تستعن على شريف إلا بشرفه، فإنه يرى ذاك عنياً لمعروفه. ومن شعر أبي عبيد الله: من البسيط لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهى عادا أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا ما قربوا أحداً إلا ونيتهم ... أن يعقبوا قربة بالغدر إبعادا

قال جعفر بن يحيى: أخبرني الفضل بن الربيع أن الموالي كانوا يشنعون أبا عبيد الله عند المهدي، ويسعون عليه عنده، وكانت كتب أبي عبيد الله تنفذ إلى المنصور بما يدبر من الأمور، ويتخلى الموالي بالمهدي، فيبلغونه عن أبي عبيد الله ويحرضونه عليه. قال الفضل: وما كانت كتب أبي عبيد الله إلى أبي تترى، يشكو الموالي وما يلقى منهم، فلا يزال يذكره عند المنصور ويخبره، ويستخرج الكتب إلى المهدي بالوصية به وترك القبول فيه، ولما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي وخلوهم به، نظر إلى أربعة رجال من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم، فضمهم إلى المهدي، فكانوا في صحابته، فلم يكونوا يدعون الموالي يتخلون به، ثم إن أبا عبيد الله كلم المهدي في بعض أموره إذ اعترض رجل من هؤلاء الأربعة في الأمر الذي تكلم فيه، فسكت أبو عبيد الله، فلم يراده وخرج، فأمر بحجبه عن المهدي، فحجبه عنه، وبلغ خبره أبي. قال: وحج أبي مع المنصور في السنة التي مات فيها، وقام أبي من أمر المهدي بما قام به من أمر البيعة وتجديدها على أهل بيت أمير المؤمنين، والقواد، والموالي؛ فلما قدم تلقيته بعد المغرب، فتجاوز منزله وترك دار المهدي ومضى إلى أبي عبيد الله، فقلت له: تترك أمير المؤمنين ومنزل أهلك وتأتي أبا عبيد الله؟! قال: يا بني! هو صاحب الرجل، وليس ينبغي أن نعامله على ما كنا نعامله عليه، ولا أن نحاسبه بما كان منا في أمره من نصرتنا له، فمضينا حتى أتينا باب أبي عبيد الله، فما زال واقفاً حتى صليت العتمة، فخرج الجاجب فثنى رجله وثنيت رجلي، فقال: إنما استأذنت لك يا أبا الفضل وحدك. قال: اذهب فأخبره أن الفضل معي. ثم أقبل علي فقال: وهذا أيضاً من ذلك. فخرج الحاجب فأذن لنا فدخلنا فإذا أبو عبيد الله في صدر المجلس على مصلى متكئ على وسادة، فقلت: يقوم إلى أبي إذا دخل عليه، فلم يقم، فقلت: يستوي جالساً، فلم يفعل، فقلت: يدعو له بمصلى، فلم يفعل، فجلس بين يديه على البساط وهو متكئ، فجعل يسائله عن مسيره وسفره وحاله، وجعل أبي يتوقع أن يسأله عما كان منه في أمر المهدي

وتجديد بيعته، فأعرض عن ذلك، فذهب أبي يبتدئ ذكره فقال: قد بلغنا نبؤكم. فذهب أبي لينهض، فقال: لا أرى الدروب إلا وقد أغلقت، فلو أقمت. فقال أبي: إن الدروب لا تغلق دوني. قال: بلى قد أغلقت. قال: فظن أبي أنه يريد أن يحبسه ليسكن من مسيره، ويريد أن يسأله. قال: فأقيم. قال: يا غلام، اذهب فهيئ لأبي الفضل في منزل محمد بن عبيد الله مبيتاً. فلما رأى أبي أنه يريد أن يخرج من الدار قال: فليس تغلق الدروب دوني. فاعتزم فقام، فلما خرجنا من الدار أقبل علي وقال: يا بني! أنت أحمق. قال: قلت: وما حمقي أنا؟ قال: تقول لي كان ينبغي لك أن لا تجيء، وكان ينبغي إذ جئنا ألا نقيم حتى صليت العتمة، وأن ترجع فتنصرف ولا تدخل، وكان ينبغي إذ دخلت فلم يقم إليك أن ترجع ولا تقيم عليه، ولم يكن الصواب إلا ما علمت كله، ولكن والله الذي لا إله إلا هو - واستغلق في اليمين - لأخلقن جاهي، ولأنفقن مالي حتى أبلغ مكروه أبي عبيد الله. ثم جعل يضطرب بجهده ولا يجد مساغاً إلى مكروهه، ويحتال الحيل، إلى أن ذكر الرجل الذي كان أبو عبيد الله حجبه، فأرسل إليه: إنك قد علمت ما ركبك به أبو عبيد الله، وقد بلغ مني كل غاية من المكروه، وقد أذعت أمره بجهدي، فما وجدت عليه طريقاً، فعندك حيلة في أمره؟ فقال: إنما يؤتى أبو عبيد الله من وجوه ثلاثة: يقال هو جاهل بصناعته، وأبو عبيد الله أحذق الناس؛ أو يقال هو ظنين في الذي يتقلده، وأبو عبيد الله أعف الناس، لو كانت بنات المهدي في حجره لكان لهن موضعاً؛ أو يقال هو يميل إلى أن يخالف السلطان، فليس يؤتى أبو عبيد الله من ذلك، إلا أنه يميل إلى القول بالقدر، وليس يتسلق عليه بذاك، ويقال هو متهم في الله، فعند أبي عبيد الله عقد وثيق، ولكن هذا كله مجتمع لك في ابنه. فتناوله الربيع فقبل بين

عينيه، ثم رب لابن أبي عبيد الله، فما زال يحتال ويدس إلى المهدي ويتهمه ببعض حرم المهدي حتى استحكم عند المهدي الظنة لمحمد بن أبي عبيد الله، فأمر فأحضر وأخرج أبو عبيد الله فقال: يا محمد! اقرأ. فذهب ليقرأ، فاستعجم عليه القرآن فقال: يا معاوية! ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن؟! قال: قد أخبرتك، ولكنه فارقني منذ سنين، وفي هذه المدة التي نأى فيها عني ما نسي القرآن. قال: قم فتقرب إلى الله بدمه. قال: فذهب يقوم فوقع، فقال العباس بن محمد: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ. ففعل، وأمر به فضربت عنقه. قال: واتهمه المهدي في نفسه، فقال له الربيع: قتلت ابنه وليس ينبغي أن يكون معك، ولا أن تثق به. قال: فأوحش المهدي. وكان الذي كان من أمره وبلغ الربيع ما أراد. قال عبد الله بن يعقوب: ضرب المهدي رجلاً من الأشعريين، فأوجعه، فتغضب أبو عبيد الله له، وكان مولى لهم وقال: القتل يا أمير المؤمنين أحسن من هذا. فقال له المهدي: يا يهودي! اخرج من معسكري لعنك الله! فقال: ما أدري إلى أين أخرج إلا إلى النار. قال: قلت يا أمير المؤمنين: من الكامل وأخو هناه مثلها يتوقع دخل الربيع على المهدي وأبو عبيد الله جالس يعرض كتباً، فقال له أبو عبيد الله: يا أمير المؤمنين! يتنحى هذا - يعني الربيع - فقال له المهدي: تنح. قال: لا أفعل. قال: كأنك تراني بالعين الأولى. قال: بل أراك بالعين التي أنت بها. قال: فلم

معاوية بن عثمان

لا تنتحي إذا أمرتك؟ قال: لا آمن أن يكون معه حديدة ينالك بها وأنت سفره المسلمين، وقد قتلت ابنه. فقام المهدي مذعوراً، وأمر بتفتيشه، فوجدوا بين جوربيه وخفيه سكيناً فردت الأشياء إلى الربيع، فجعل كاتبه يعقوب بن داود فقال فيه الشاعر: من مجزوء الكامل أدخلته فعلا علي ... ك كذاك شؤم الناصيه يعقوب يحكم في الأمو ... ر وأنت تنظر ناحيه توفي أبو عبيد الله سنة سبعين، وقيل سنة تسع وستين، وله سبعون سنة. وكان مولده في سنة مئة. معاوية بن عثمان ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي أمه كلبية، وهي الكاملة بنت زياد بن عتعت الكلبي، وعمها عوف الكلبي القائل: من الطويل تباشر أعدائي بديني ولم يكن ... ليدان ذاك الدين غير كريم سأخرج من تلك الديون مسلماً ... ومجدي لدى الأقوام غير ذميم

معاوية بن عمرو بن عتبة

معاوية بن عمرو بن عتبة ابن أبي سفيان صخر بن حرب من فصحاء قريش. وفد على هشام بن عبد الملك، وكان عند الوليد بن يزيد حين بدأ يزيد بن الوليد في الدعاء لنفسه، وكلم الوليد ناصحاً له، فقال له لما بلغه خوض الناس: يا أمير المؤمنين! إنك تبسط لساني بالأنس بك، وأكففه بالهيبة لك، وأنا أسمع ما لا تسمع، وأخاف عليك ما أراك تأمن، أفأتكلم ناصحاً، أو أسكت مطيعاً؟ قال: كل مقبول منك، وإنه فينا علم غيب، نحن صائرون إليه، ولو علم بنو مروان ما توقدون على رضف تلقونه في أجوافهم ما فعلوا، وتعود فأسمع منك. معاوية بن قرمل المحاربي يقال إن له صحبة، قال: كنت مع خالد بن الوليد حين غزا الشام، فخرجنا فرفع لنا دير، فدخلنا فقلنا: السلام عليكم. فخرج إلينا قس فقال: من أصحاب هذه الكلمة الطيبة؟ معاوية بن قرة بن إياس بن هلال ابن رئاب بن عبيد بن سواءة بن سارية أبو إياس المزني البصري، والد إياس بن معاوية وفد على عبد الملك بن مروان مع الحجاج بن يوسف. حدث معاوية بن قرة عن أبيه، أن رجلاً جاء بابنه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتحبه؟ قال: أحبك الله كما أحبه. فتوفي الصبي ففقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فقال: أين فلان؟ فقال: يا رسول الله توفي ابنه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما ترضى ألا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك؟ قالوا: يا رسول الله! أله وحده أو لكلنا؟ قال: لا بل لكلكم. قال معاوية بن قرة: سمعت عبد الله بن مغفل قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح وهو على ناقته - أو جمله وهو يحبر - وهو يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قراءة لينة. قال معاوية: لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت لكم اللحن. قال وجعل يرجع. وحدث معاوية عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة. وحدث معاوية عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل رجلاً على عمل فقال: يا رسول الله! خر لي. قال: الزم بيتك. قدم الحجاج على عبد الملك وافداً ومعه معاوية بن قرة، فسأله عبد الملك معاوية عن الحجاج فقال: إن صدقناكم قتلتمونا، وإن كذبناكم خشينا الله. فنظر إليه الحجاج، فقال له عبد الملك: لا تعرض له. فنفاه الحجاج إلى السند، وكان يذكر من بأسه. ولد أبو إياس يوم الجمل؛ وإياس يكنى أبا واثلة.

قال معاوية بن قرة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا ولبسوا من صالح ثيابهم ومسوا من طيب نسائهم، ثم أتوا الجمعة فصلوا ركعتين، ثم جلسوا يبثون العلم والسنة حتى يخرج الإمام. وقال معاوية بن قرة: أدركت سبعين رجلاً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئاً مما أنتم فيه إلا الأذان. وعن معاوية بن قرة: اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم، يعلمون بطاعتك، فرضيت عنهم، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا، وكما رزقتهم أن عموا بطاعتك فرضيت عنهم، فارزقنا أن نعمل بطاعتك وارض عنا. قال معاوية بن قرة: كنا لا نحمد ذا فضل لا يفضل عليه فضله، فصرنا اليوم نحمد ذا شر لا يفضل عنه شره. ثم قال: لا تطلب من الناس اليوم الخير، اطلب منهم كف الأذى، فمن كف أذاه عنك اليوم فهو بمنزلة من كان يعطيك الجوائز. وقال معاوية: أشد الناس حساباً يوم القيامة الصحيح الفارغ. وقال معاوية: بكاء العمل أحب إلي من بكاء العين. وقال معاوية: من يدلني على رجل بكاء بالليل، بسام بالنهار؟ جلس معاوية بن قرة ورجل من التابعين وتذاكرا، فقال أحدهما: إني أرجو وأخاف. وقال الآخر: إنه من رجا شيئاً طلبه، وإنه من خاف شيئاً هرب منه، وما حسب امرئ يرجو شيئاً لا يطلبه، وما حسب امرئ يخاف شيئاً لا يهرب منه.

قال معاوية: أن لا يكون في نفاق أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ كان عمر يخشاه وآمنه أنا؟! نظر قوم إلى معاوية بن قرة في يوم صائف، وقد أقبل من مكان بعيد وعليه عباءة له، مؤتزر بها، فقال بعضهم لبعض: ما أبو إياس من الطيبين معاقد الأزر. فسمعها الشيخ فقال: إنما طابت معاقد الأزر ممن طابت معاقده، أنهم لم يعقدوها على فجرة ولا معصية. قال محمد بن عيينة: كان معاوية بن قرة إذا أتانا في حلقتنا لم يجلس حيث نوسع له، إنما يجلس حيث ينتهي. حدث معاوية بن قرة عن أبيه قال: يا بني! إذا كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل السلام عليكم، فإنك شريكهم فيما يصيبون في ذلك المجلس. قال معاوية: جالسوا وجوه الناس، فإنهم أحلم وأعقل من غيرهم. قال معاوية: لقد أتى علينا زمان وما أحد يموت على إسلام إلا ظننا أنه من أهل الجنة، حتى إذا كان الآن خلطتم علينا. قال معاوية: دخل الموت بين الأقارب والأهل ففرق بينهم في الدنيا، فطوبى لمن جمع بينه وبين أحبابه بعد الفرقة واليأس منه! ثم يبكي.

معاوية بن محمد بن دنبويه

قال معاوية بن قرة عام مات: رأيت كأني وأبي على فرسين، فجرينا عليهما جميعاً فلم أسبقه ولم يسبقني. وعاش ستة وتسعين سنة، وقد بلغت سنه فمات في ذلك العام. وتوفي سنة ثلاث عشرة ومئة. معاوية بن محمد بن دنبويه أبو عبد الرحمن الأذري حدث عن الحسن بن جرير بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أنا أول من تنشق عنه الأرض، فأكون أول من يبعث، فأخرج أنا وأبو بكر إلى أهل البقيع، فيبعثون ثم يبعث أهل مكة، فأحشر بين الحرمين. وحدث عن أحمد بن إبراهيم بن بكار القرشي بسنده إلى كلثوم بن جوشن قال: جاء رجل عند الحسن وقد ولد له مولود، فقيل له: يهنئك الفارس! فقال الحسن: وما يدريك؟ أفارس هو؟ قالوا: كيف نقول يا أبا سعيد؟ قال: تقول: بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، ورزقت بره، وبلغ أشده. توفي معاوية سنة سبع وعشرين وثلاث مئة. معاوية بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية، أبو المغيرة القرشي الأموي أخو عبد الملك بن مروان. قال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي: لم يقل أحد في تفضيل أخ على أخيه، وهما لأب وأم، مثل قول المغيرة بن حبناء لأخيه صخر: من الوافر أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... تفاضلت الطبائع والظروف

معاوية بن مصاد بن زهير

وأمك حين تنسب أم صدق ... ولكن ابنها طبع سخيف وكان عبد الملك بن مروان إذا نظر إلى أخيه معاوية - وكان ضعيفاً - يتمثل بهذين البيتين. معاوية بن مصاد بن زهير ويقال: ابن زياد الكلبي سيد أهل المزة كان بطلاً شديداً من أبطال كلب. بايع ليزيد أكثر أهل دمشق سراً، وبايع أهل مزة غير معاوية بن مصاد، وهو سيد أهل المزة، فمضى يزيد من ليلته إلى معاوية بن مصاد ماشياً في نفير من أصحابه، وبين دمشق والمزة ميل أو أكثر، فأصابهم مطر شديد، فأتوا منزل معاوية ففتح لهم، فدخل، فقال ليزيد: الفراش أصلحك الله. قال: إن في رجلي طيناً وأكره أن أفسد بساطك. قال: الذي تريدنا عليه أفسد. وكلمه يزيد، فبايعه معاوية، ورجع يزيد إلى دمشق. وقيل: إن صاحب هذه القصة عبد الرحمن بن مصاد أخو معاوية بن مصاد. معاوية بن معدي كرب أخو إسماعيل بن معدي كرب قال عبد الحميد بن حريث: خاصمت معاوية بن معدي كرب إلى عمر بن عبد العزيز - وهو بخناصرة - فنازعته، فقال معاوية: برئت من الإسلام يا أمير المؤمنين إن كان كما قال. فقال له عمر:

معاوية بن يحيى أبو روح

إلى ما تؤول بعد الإسلام؟! والله لا كلمتك بعدها أبداً. واحتجب منه عمر بكمه. وفي سنة إحدى وتسعين فتح على معاوية بن معدي كرب موقان. معاوية بن يحيى أبو روح الصدفي الدمشقي كان على بيت المال للمهدي. حدث عن الزهري بسنده إلى أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. وحدث عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أسلم على يديه رجل فله ولاؤه. وحدث عن الزهري، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء. وحدث عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: جاءني رجل من الأنصار في لسانه ثقل، وسألني: فكان في كلامه تعتب على عثمان، فلما فرغ قلت: يا هذا! إنا كنا نتحدث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وخيرها بعد أبي بكر عمر، وخيرها بعد عمر عثمان، وإنا والله ما نرى أن عثمان أتى أمراً يستحل به دمه، ولكنه هذا المال، إن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه ذا قرابته سخطتم، وإنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم، لا يدعون لهم أميراً إلا قتلوه. قال: فأقبلت عيناه بأربع من الدمع ثم قال: اللهم إنا لا نريد أن نكون كفارس والروم. ضعفه قوم.

معاوية بن يحيى أبو مطيع الدمشقي

معاوية بن يحيى أبو مطيع الدمشقي الأطرابلسي حدث عن محمد بن عبد الرحمن بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من علم آية من كتاب الله علمه - أو باب من علم - أنمى الله أجره إلى يوم القيامة. وحدث عن الحكم بن عبد الله الأيلي بسنده إلى أم رومان قالت: رآني أبو بكر أتميل في صلاتي، فزجرني زجرة انصرف. ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا قام أحدكم في صلاته فليسكن أطرافه، ولا يتميل كما يتميل اليهود. وثقه قوم، وضعفه آخرون. معاوية بن يحيى أبو عثمان الشامي حدث عن الأوزاعي بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لله عباداً يختصهم بالنفع لمنافع العباد، فمن بخل بتلك المنافع عن العباد نقل الله تلك النعم عنهم، وحولها إلى غيرهم.

معاوية بن يزيد بن معاوية

قال معاوية بن يحيى: حدثت بهذا الحديث يزيد بن هارون فقال: لو ذهب إنسان في هذا الحديث إلى خراسان لكان قليلاً. وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعان أخاه المسلم بكلمة، أو مشى له خطوة، حشره الله عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء والرسل آمناً، وأعطاه على ذلك أجر سبعين شهيداً قتلوا في سبيل الله. وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اتقوا الحرام في البنيان فإنه أساس الخراب. معاوية بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان أبو عبد الرحمن، ويقال أبو يزيد، ويقال أبو ليلى القرشي الأموي بويع له بالخلافة بعد موت أبيه يزيد في ربيع الأول سنة أربع وستين، وكان رجلاً صالحاً ولم تطل مدته. وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم، ويقال ابنة هاشم، وهما أخوان، أبناء عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. عاش بعد أمه أربعين يوماً ولم يعهد. وله يقول الشاعر - قيل إنه عبد الله بن همام السلولي: من الوافر تلقفها يزيد عن أبيه ... فخذها يا معاوي عن يزيدا فإن دنياكم بكم اطمأنت ... فأولوا أهلها خلقاً جديدا ولما حضرت معاوية بن يزيد الوفاة قيل له: اعهد. قال: لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها؛ وإن كان خيراً فقد استكثر منه آل أبي سفيان. وقيل: إنه ولي ثلاثة أشهر، فلم يخرج إلى الناس ولم يزل مريضاً، والضحاك بن

قيس يصلي بالناس، فقيل له: اعهد. فقال: لا يسألني الله عن ذلك، ولكن إذا مت فليصل للناس الوليد بن عتبة، والضحاك بن قيس حتى يقوم بالخلافة قائم. ومات وهو ابن إحدى وعشرين سنة، أو عشرين سنة؛ وقيل: ابن ثمان عشرة سنة. وكان قد بايع له الناس إلا ما كان من ابن الزبير وأهل مكة. ولما دفن قام على قبره مروان فقال: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: معاوية بن يزيد. فقال: هذا أبو ليلى. فقال أزنم الفزاري: من البسيط إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا وكان كما قال مروان، فوثب مروان بأهل الشام على الأمة، واستعلى ابن الزبير، وخرج القراء والخوارج بالبصرة، عليهم نافع بن الأزرق، وخرج نجدة بن عامر الحنفي باليمامة، وخرج بنو ماحوز إلى الأهواز وفارس، وكان نقش خاتم معاوية بن يزيد: بالله يثق معاوية. وعن ابن معتب قال: نجد في كتاب أن خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية أربعين ليلة، سلام عليك إنك لمن الصالحين: قال ابن لهيعة: وسألته أمه بثدييها أن يستخلف أخاه

معبد بن خالد بن ربيعة بن مرين

خالد بن يزيد بن معاوية، فأبى وقال: لا أتحملها حياً وميتاً. ولما حضرته الوفاة قيل له: لو استخلفت. فقال: كفيتها حياً وأتضمنها ميتاً!؟ معبد بن خالد بن ربيعة بن مرين ابن حارثة بن ناضرة بن عمرو بن سعد أبو القاسم الجدلي، وجديلة بنت مر بن أد بن طابخة وهي أم يشكر بن عدوان حدث معبد بن خالد عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تصدقوا، فسيأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته، فيقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي فيها. وحدث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أهون أهل النار عذاباً رجل يجعل في أخمص قدميه جمراً يغلي منهما دماغه.

كان معبد ثقة وكان يقرأ في كل ليلة سبع القرآن - أو ثلث القرآن. وقال معبد: ما قمت ليلة إلا صليت حتى أصبح. لما قدم عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل مصعب بن الزبير جلس يعرض أحياء العرب، قال معبد بن خالد: فتقدمنا إليه معشر عدوان، وقدمنا رجلاً وسيماً جسيماً جميلاً، وتأخرت - وكان معبد دميماً - فقال عبد الملك بم مروان: من؟ فقال الكاتب: عدوان. فقال عبد الملك: من الهزج عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حية الأرض بغى بعضهم بعضاً ... فلم يرعوا على بعض ومنهم كانت السادا ... ت والموفون بالقرض ثم أقبل على الجميل فقال: إيه. فقال: لا أدري. فقلت من خلفه: ومنهم حكم يقضي ... فلا ينقض ما يقضي ومنهم من يجيز الحج ... ج بالسنة والفرض قال: ثم تركني عبد الملك وأقبل على الجميل فقال: من يقول هذا؟ فقال: لا أدري. فقلت من خلفه: ذو الإصبع فأقبل على الجميل وقال: لم سمي ذو الإصبع؟ قال: لا أدري. قلت من خلفه: لأن حية عضت إصبعه فقطعها. فأقبل على الجميل

معبد بن عبد الله بن عويمر

فقال: ما كان اسمه؟ فقال: لا أدري. فقلت من خلفه حرثان بن الحارث. فأقبل على الجميل فقال: من أيكم كان؟ قال: لا أدري. فقلت من خلفه: من بني ناج من الطويل أبعد بني ناج وسعيك بينهم ... فلا تتبعن عينيك من كان هالكا إذا قلت معروفاً لأصلح بينهم ... يقول وهيب لا أصالح هالكا ثم أقبل على الجميل فقال: كم عطاؤك؟ فقال سبع مئة. فقال لي: في كم أنت؟ قلت: في ثلاث مئة. فأقبل على الكاتبين فقال: حطا من عطاء هذا أربع مئة وزيداها في عطاء هذا. فرجعت وأنا في سبع مئة وهو في ثلاث مئة. توفي معبد بن خالد سنة ثمان عشرة ومئة. معبد بن عبد الله بن عويمر ويقال: معبد بن خالد، ويقال: معبد بن عبد الله ابن عكيم - الذي روى حديث الدباغ - الجهني هو أول من تكلم في القدر بالبصرة؛ استقدمه عبد الملك بن مروان دمشق لينفذه إلى ملك الروم، ثم جعله مع ابنه سعيد بن عبد الملك يودبه ويعلمه. حدث معبد الجهني عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة.

وحدث معبد الجهني قال: كنت عند عثمان فدعا بوضوء، فتوضأ، فلما فرغ قال: توضأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما توضأت، ثم تبسم فقال: هل تدرون مم ضحكت؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: إن العبد المسلم إذا توضأ فأتم وضوءه، ثم دخل في صلاته، فأتم صلاته خرج من صلاته كما يخرج من بطن أمه من الذنوب. كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن ابعث إلي عالماً أبعثه إلى ملك الروم. فبعث إليه معبداً، فلما قدم معبد حدثه أن عبد الملك بن مروان قال له: ما تقول في المكاتب؟ فإن عمر كان يقول: هو عبد ما بقي عليه شيء؛ وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: يؤدي ما بقي عليه في مكاتبته، ويكون ما بقي لولده. قلت: قضاء معاوية أحب إلي من قضاء عمر. قال: ولم؟ أليس عمر أفضل من معاوية؟ قلت: بلى، وداود أفضل من سليمان ففهمها سليمان. قال معبد الجهني: قلت لعبد الله بن عمر: رجل لم يدع من الخير شيئاً إلا عمل به، إلا أنه كان شاكاً؟ قال: هلك للنية. قال: فقلت: رجل لم يدع من الشر شيئاً إلا عمل به، غير أنه يشهد أن لا إله إلا الله. قال: عش ولا تغتر. قال: ثم لقيت ابن عباس فقلت له مثل ذلك، فقال لي مثل ذلك. اجتمع القراء إلى معبد الجهني - كان ممن شهد دومة الجندل موضع الحكمين - فقالوا

له: قد طال أمر هذين الرجلين فلو لقيتهما فسألتهما عن بعض أمرهما. فقال: تعرضوني لأمر أنا له كاره! والله ما رأيت كهذا الحي من قريش، كأن قلوبهم أقفلت بأقفال من حديد، وأنا صائر إلى ما سألتم. قال معبد الجهني: فخرجت فلقيت أبا موسى الأشعري فقلت له: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت من صالحي أصحابه، واستعملك فكنت من صالحي عماله، وقبض وهو عنك راض، وقد وليت أمر هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع. فقال لي: يا معبد! غداً يدعو الناس إلى رجل لا يختلف فيه اثنان. فقلت في نفسي: أما هذا فقد عزل صاحبه، فطمعت في عمرو، فخرجت فلقيته وهو راكب بغلته يريد المسجد، فأخذت عنانه، فسلمت عليه فقلت: أبا عبد الله! إنك قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت من صالحي أصحابه. قال: بحمد الله. قلت: واستعملك فكنت من صالحي عماله. فقال: بتوفيق الله. قلت: وقبض وهو عنك راض. فقال: بمن الله. ثم نظر إلي شزراً فقلت: وقد وليت هذه الأمة، فانظر ما أنت صانع. فخلع عنانه من يدي ثم قال لي: إيها تيس جهينة، ما أنت وهذا؟! لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، والله ما ينفعك الحق، ولا يضرك الباطل، ثم مضى وتركني. فأنشأ معبد يقول: من البسيط إني لقيت أبا موسى فأخبرني ... بما أردت وعمرو ضن بالخبر شتان بين أبي موسى وصاحبه ... عمرو لعمرك عند الفصل والخطر هذا له غفلة أبدت سريرته ... وذاك ذو حذر كالحية الذكر وكان معبد رأساً في القدرن قدم المدينة فأفسد بها ناساً. قال إبراهيم بن يعقوب السعدي: وكان قوم يتكلمون في القدر، احتمل الناس حديثهم لما عرفوا من اجتهادهم في الدين، وصدق ألسنتهم وأمانتهم في الحديث، لم يتوهم عليهم الكذب، وإن بلوا بسوء رأيهم، منهم قتادة، ومعبد الجهني هو رأسهم.

قال يحيى بن يعمر: كان رجل من جهينة فيه زهو، وكان يترقب على جيرانه، ثم إنه قرأ القرآن، وفرض الفرائض، وقص عل الناس، ثم إنه صار من أمره أنه زعم أن العمل أنف؛ من شاء عمل خيراً، ومن شاء عمل شراً. قال ابن عون: أمران أدركتهما وليس بهذا المصر منهما شيء، وأنا بين أظهركم كما ترون: الكلام في القدر، إن أول من تكلم فيه رجل من الأساورة يقال له سستوه كان لحيقا. قال: ما سمعته قال لأحد لحيقا غيره. قال: فإذا ليس له تبع عليه إلا الملاحين. ثم تكلم فيه بعده - يعني رجلاً قد كانت له مجالسة، يقال له معبد الجهني، فإذا له عليه تبع. قال: وهؤلاء الذين يدعون المعتزلة. وسستويه بالتاء. قال أبو عون: أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان، حتى نشأ ها هنا حقير يقال له سستويه البقال. وكان أول من تكلم في القدر، فقال حماد: فما ظنكم برجل يقول له ابن عون هنا حقير؟! قال يونس بن عبيد: أدركت البصرة وما بها قدري إلا سستويه ومعبد الجهني، وآخر ملعون في بني عوانة. قال الأوزاعي: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسن، كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد.

قال أنس بن مالك: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من باب البيت وهو يريد باب الحجرة سمع قوماً يتراجعون بينهم في القرآن - زاد في آخر: في القدر - ألم يقل الله عز وجل في آية كذا وكذا؟ ألم يقل الله في آية كذا وكذا؟ ففتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب الحجرة وكأنما فقئ على وجهه حب الرمان فقال: أبهذا أمرتم؟! أو بهذا عنيتم؟ إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، أمركم الله بأمر فاتبعوه، ونهاكم عن شيء فانتهوا. قال: فلم يسمع الناس بعد ذلك أحداً تكلم في القدر، حتى كان ليالي الحجاج بن يوسف، فأول من تكلم فيه معبد الجهني، فأخذه الحجاج بن يوسف فقتله. قال محمد بن زيد الألهاني: كنا في المسجد إذ مر بمعبد الجهني إلى عبد الملك بن مروان، فقال الناس: إن هذا لهو البلاء. قال: فسمعت خالد بن معدان يقول: إن البلاء كل البلاء إذا كانت الأئمة منهم. قال الحسن: إياكم ومعبد الجهني فإنه ضال مضل. قال يونس بن عبيد: أدركت الحسن وهو يعيب قول معبد يقول: هو ضال مضل. قال: ثم تلطف له معبد فألقى في نفسه ما ألقى. كان مسلم بن يسار وأصحابه يقولون: إن معبداً الجهني يقول بقول النصارى. قال ابن عون: كنا جلوساً في مسجد بني عدي، وفينا أبو السوار، فدخل معبد الجهني من بعض أبواب المسجد فقال أبو السوار: ما أدخل هذا مسجدنا؟ لا تدعوه يجلس إلينا. بينا طاوس يطوف بالبيت لقيه معبد الجهني، فقال له طاوس: أنت معبد؟ قال: نعم. فالتفت إليهم طاوس فقال: هذا معبد، فأهينوه.

وقال طاوس: احذروا معبد الجهني فإنه كان قدرياً. قال أبو الزبير المكي: مررت أنا وطاوس فإذا معبد الجهني جالس في جانب المسجد، قلت لطاوس: هذا الذي يقول في القدر ما يقول. فعدل إليه طاوس حتى وقف عليه وقال: أنت المفتري على الله القائل ما لا تعلم؟ قال معبد: يكذب علي. قال أبو الزبير: عدلنا إلى ابن عباس فذكرنا شأن من يقول في القدر، فقال ابن عباس: ويحكم! أروني بعضهم. قلنا: ما أنت صانع به؟ قال: والذي نفسي بيده، لئن أريتموني منهم أحداً لأجعلن يدي في رأسه ثم لأدقن عنقه. قال مالك بن دينار: لقيت معبد الجهني بمكة بعد ابن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل الحجاج في المواطن كلها فقال: لقيت الفقهاء والناس، لم أر مثل الحسن: ياليتنا أطعناه. كأنه نادم على قتال الحجاج. كان الحجاج يعذب معبداً الجهني بأصناف العذاب، ولا يجزع ولا يستعتب، فكان إذا ترك من العذاب يرى الذباب مقبلة تقع عليه فيصيح ويضج، قال: فيقال له، قال: أما إن هذا من عذاب بني آدم فأنا أصبر عليه، وأما الذباب من عذاب الله فلست أصبر عليه. فقتله. وقيل: إن عبد الملك قتل معبداً وصلبه بدمشق في سنة ثمانين أو بعد الثمانين.

معبد بن محمد البيروتي

معبد بن محمد البيروتي حدث ببيروت سنة سبع وثمانين ومئتين عن العباس بن الوليد بسنده إلى حسان بن عطية قال: من حلمك وعلمك ورفقك حملك ما شئت من خلقك، ولولا ذلك لم يطق حملك شيء، ومن حلمك وعلمك ورفقك وسعك ما شئت من خلقك، ولولا ذلك لم يسعك شيء، ومن حلمك وعلمك ورفقك سترك ما شئت من خلقك، ولولا ذلك لم يسترك شيء. وحدث عنه بسنده إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: كفاك من شر وشؤم صحبة الفاجر يوم؛ ثم كأنه استكثره فقال: أو نصف يوم. معبد بن وهب ويقال: ابن قطني ويقال: ابن قطن أبو عباد المديني مولى العاص بن وابصة المخزومي وقيل: مولى معاوية بن أبي سفيان وقيل مولى ابن قطن، وابن قطر مولى معاوية أحد الأدباء الفصحاء وهو الذي يضرب به المثل في جودة الغناء. وفد على الوليد، وكان مقبول الشهادة عند حكام المدينة إلى أن نادم الوليد بن يزيد فردت شهادته على ما قيل. سأل أبان القارئ معبداً المغني عن دواء الحلق فقال: حدثتني أم جميل الحدباء أنها سألت الجن عن ذلك فقالوا: دواؤها الهوان.

قال معبد: بدت لي حاجة إلى خولة بنت منظور بن زبان، وهي أم حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وأم إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، قال: فجعلت ذريعتي إليها أن غنيتها شعراً فيها وهو: من الوافر كأنك مزنة برقت بليل ... لعطشان يضيء له سناها فلم تمطر عليه وجاوزته ... وقد أشفى عليها أو رجاها قال: فاهتزت العجوز لهذا الشعر كما يهتز الغصن تحت الرياح وقالت: يا عبد آل قطن! قيل هذا الشعر في، وأنا أحسن من النار الموقدة. غدا الأحوص على امرأة لها شرف، وهي في قصرها بالعقيق، فوجد عندها معاذاً الزرقي - وكان حسن الغناء - ومعبداً المغني، وابن صياد النجاري وكان مضحكاً مليحاً، فطلب إذن عليها، فرد عن بابها فانصرف وهو يقول: من البسيط ضنت عقيلة لما جئت بالزاد ... وآثرت حاجة الثاوي على الغادي فقلت والله لولا أن تقول له ... قد باح بالسر أعدائي وحسادي قلنا لمنزلها حييت من طلل ... وللعقيق ألا بوركت من وادي إني وهبت نصيبي من مودتها ... لمعبد ومعاذ وابن صياد لابن اللعين الذي يخبى الدخان له ... وللمغني رسول السوء قواد أما معاذ فإني غير ذاكره ... كذاك أجداده كانوا لأجدادي قال: وإنما ترك معاذاً لأنه كان جلداً خاف أن يضربه، وغضب عليه معبد وقال: لا أغني بشعره أبداً. فبلغ ذلك الأحوص، فركب راحلته وحمل معه مذرعاً

فيه طلاء. فأتى معبداً وهو بالعقيق، فأعرض عنه معبد فلم يكلمه، فقال له الأحوص: يا أبا عباد أتهجرني؟! وجعلت زوجته تقول: أتهجر أبا محمد مع حسن أياديه؟! ولم تزل به حتى رضي عنه. فنزل الأحوص عن راحلته واحتمل معبداً على عنقه حتى أدخله منزله وقال: والله لأسمعن في بيتك الغناء، ولأشربن الطلاء، ولآكلن الشواء. فقال له معبد: قد والله أخزاك، هذا الشواء أكلته، وهذا الغناء سمعته، فأين الطلاء؟ قال: هو هذا خلف راحلتي أردفتها إياه فأنزله في ذلك المذرع - وهي شيء من أدم يجعل فيه النبيذ - وخذ الدنانير التي تحت وطاء الرحل فاشتر بها طعاماً. ففعل، فقالت زوجته أم كردم لمعبد: أي عدو نفسه! أتغضب على من إن جاءنا ملأنا فضلاً، وإن تولى أغدر فينا نعماً! قبح الله رأيك. فأقام الأحوص عنده حتى صلى العصر، ثم رحل إلى المدينة فمر بين الدارين في المصلى يميل بين شعبتي رحله. قال كردم بن معبد المغني مولى ابن قطن: مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد، وأنا معه، فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلامة جارية يزيد بن عبد الملك، وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السرير وهي تندب أبي وتقول: من مجزوء الرمل قد لعمري بت ليلي ... كأخي الداء الوجيع ونجي الهم مني ... بات أدفى من ضجيعي كلما أبصرت ربعاً ... خالياً فاضت دموعي قد خلا من سيد كا ... ن لنا غير مضيع لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع قال كردم: وكان يزيد أمر أبي أن يعلمها هذا الصوت، فعلمها إياه، فرثته به يومئذ، فلقد

معبد بن هلال العنزي البصري

رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه متجردين في قميصين ورداءين يمشيان بين يدي سريره، حتى أخرج من دار الوليد، لأنه تولى أمره وأخرجه من داره إلى موضع قبره. معبد بن هلال العنزي البصري حدث معبد بن هلال قال: اجتمع رهط من أهل البصرة وأنا فيهم، فأتينا أنس بن مالك وتشفعنا إليه بثابت البناني، فدخلنا عليه، فأجلس ثابتاً معه السرير؛ فقلت: لا تسلوه عن شيء غير هذا الحديث. فقال ثابت: يا أبا حمزة! إخوانك من أهل البصرة جاؤوك يسألونك عن حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشفاعة فقال: حدثنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيؤتى آدم فيقولون: يا آدم! اشفع لذريتك. فيقول: لست لها، ولكن ائتوا إبراهيم فإنه خليل الله. فيؤتى إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله. فيؤتى موسى صفوة الله، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته. فيؤتى عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأوتى، فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فأقوم بين يديه مقاماً فيلهمني فيه محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقول لي: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع. فأقول: أيرب! أمتي أمتي. فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال برة، أو مثقال شعيرة من إيمان فأخرجه. فأنطلق، فأفعل ثم أعود فأحمد بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. فأقول: أي رب! أمتي أمتي. فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال ذرة - أو مثقال خردلة - من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق، فأفعل ثم أرجع، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع. فأقول: أي رب! أمتي أمتي. فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال خردلة من إيمان فأخرجه من النار.

فلما رجعنا من عند أنس قلت لأصحابي: هل لكم في الحسن وهو مستخف في منزل أبي خليفة في عبد القيس؟ فأتيناه فدخلنا عليه فقلنا: جئنا من عند أخيك أنس، فلم نسمع مثلما حدثنا في الشفاعة. فقال: كيف حدثكم؟ فحدثناه الحديث، حتى إذا بلغنا قال: هيه. قلنا: لم يزدنا على هذا. قال: قد حدثنا هذا الحديث وهو جميع، حدثني منذ عشرين سنة، ولقد ترك شيئاً فلا أدري أنسي الشيخ أم كره أن يحدثكموه فتتكلوا. حدثني ثم قال: في الرابعة، ثم أعود فأخر له ساجداً، ثم أحمد بتلك المحامد، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. فأقول: أي رب! ائذن فيمن قال لا إله إلا الله - بها صادقاً - قال: فيقول: ليس لك، وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. قال: فأشهد على الحسن لحدثنا بهذا الحديث يوم حدث به أنس. وحدث معبد بسنده إلى عوف بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قعد إلى أبي ذر - أو قعد أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ فقال: يا رسول الله! وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قلت: يا رسول الله! ما الصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر. قلت: يا رسول الله، فما الصوم؟ قال: فرض مجزئ. فقلت: يا رسول الله! فما الصدقة؟ قال: أضعاف مضعفة وعند الله مزيد. قلت: يا رسول الله! فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، وبسر إلى سر. قلت: يا رسول الله! كم المرسلين؟ قال: ثلاث مئة وخمسة عشر الجم الغفير. قلت: أرأيت

معبد مولى الوليد بن معاوية

آدم عليه السلام كان نبياً؟ قال: نعم، ومكلماً. ثم قال: إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي. وعن معبد سمع أنساً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. معبد مولى الوليد بن معاوية قال معبد: لما مر محمد بن عبد الملك بن مروان إلى الزاب، فنظر إلى دمشق قال: ويحك يا إرم! رميت عند جرانك، وفيك تعقل العروش. معبد أبو المخارق الراهبي من أهل الراهب، محلة كانت بدمشق خارج البلد بقرب المصلى. قال: أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة: العدل في الغضب والرضا؛ والقصد في الفقر والغنى؛ وخشية الله في السر والعلانية؛ وحمد الله على كل حال. وأربع من أوتيهن فقد أوتي خير ما أوتي آل داود: قلب شاكر؛ وبدن صابر؛ ولسان ذاكر؛ وزوجة إذا نظر إليها سرته. معدان بن طلحة ويقال: ابن أبي طلحة اليعمري حدث عن أبي الدرداء، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: أما يستطيع أن يقرأ أحدكم ثلث القرآن في ليلة؟ قالوا: نحن أعجز من ذلك

وأضعف. قال: إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل " قل هو الله أحد " جزءاً من القرآن. وفي رواية: ثلاثاً من أجزاء القرآن. وحدث عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاء فأفطر، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فأخبرته فقال: أنا صببت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضوءه. وعن معدان قال: قدمت دمشق على أبي الدرداء فكان أول ما سألني عن منزلنا والقرآن، ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من ثلاثة في بدو ولا حضر لا يقيمون الصلاة إلا كان الشيطان رابعهم، فعليكم بالجماعة، فإن الذئب إنما يأخذ القاصية. قال عبادة بن نسي: كان رجل بالشام يقال له معدان، كان أبو الدرداء يقرئه القرآن، ففقده أبو الدرادء، فلقيه يوماً وهو بدابق، فقال له أبو الدرداء: يا معدان! ما فعل القرآن الذي معك؟ كيف أنت والقرآن اليوم؟ قال: قد علم الله منه فأحسن. قال: يا معدان! أفي مدينة تسكن اليوم أو في قرية؟ قال: لا، بل في قرية، قريب من المدينة. قال: مهلاً ويحك يا معدان! فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من خمسة أهل أبيات لا يؤذن فيهم بالصلاة، وتقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، وإن الذئب يأخذ الشاذة، فعليك بالمدائن، ويحك يا معدان. ضرب الوليد بن عبد الملك سالم بن أبي الجعد ومعدان بن أبي طلحة مئة سوط مئة سوط في الترفض.

معرور الكلبي

معرور الكلبي أراه جد النضر بن يحيى بن معرور. حدث عن رجل أن عثمان أمر منادياً فنادى إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر. وأقروا الأنفس حتى تزهق. معروف بن سويد مولى علي ابن عبد الله بن عباس وأبي عبد الله بن جعفر بدمشق قال معروف: كنت مع مولاي علي بن عبد الله حين مضى إلى دمش فقال وهو راكب على بغلته وقد أردفني خلفه إذ رأيته نزل عن البغلة، فجاء إلى شيخ طوال، حسن الوجه، حسن كل شيء منه، فقبل يديه ورجليه، وحمله على البغلة، ومشى تحت ركابه حتى بلغه إلى منزله، ثم حمله فأنزله وقبل يديه، وأدخله إلى منزله، وركب البغلة فقلت له: يا مولاي! من هذا الشيخ؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت: لا. فقال: هذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفر الله لمن رآني، ومن رأى من رآني، ومن رأى من رأى من رآني. فقالت أم الحسن: قد رأيت معروفاً ورأى معروف عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن جعفر رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونحن نرجو المغفرة.

معروف بن عبد الله أبو الخطاب الخياط

معروف بن عبد الله أبو الخطاب الخياط مولى عبيد الأعور مولى بني أمية حدث معروف الخياط عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بكاء الصبي إلى سنتين، يقول: لا إله إلا الله، وما كان بعد ذلك فاستغفار لأبويه؛ وما عمل من حسنة فلأبويه، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على أبويه، حتى يجري عليه القلم. قال معروف: كنت في مجلس واثلة بن الأسقع إذ أقبل رجل يشهد على بضاعة اشتراها، فلما ولى البيع والمشتري قال واثلة: ردوا علي المشتري. فلما رجع قال: اذهب خذ مالك، فقد دلس عليك. فرجع الرجل فأخذ ماله، فقيل للبائع: تدري من رده إليك؟ قال: واثلة بن الأسقع. فرجع البائع إلى واثلة، فلما قام على مجلسه قال له: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! مثلك يسعى! فقال: كذبت، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يحل لمسلم أن يطلع على دلسة على مسلم إلا أخبره بها. وحدث معروف أنه رأى واثلة يشرب الفقاع. وحدث أنه رأى أنس بن مالك خادم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب الفقاع. وحدث معروف قال: رأيت رجلاً قام إلى واثلة بن الأسقع صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما تقول في الطلاء؟ قال: اطبخه حتى يذهب ثلثاه، وزد قليلاً.

معروف بن محمد بن معروف

وقال معروف: رأيت واثلة بن الأسقع بصلي على جنائز الرجال والنساء، فيجعل الرجال يلونه والنساء أما القبلة، وإن كان رجل قام نحو صدره، وإن كانت امرأة قام حذو رأسها. وقال معروف: رأيت واثلة بن الأسقع يرتعش من الكبر، وكان يمسح رأسي ويقول: يا معروف! أخشى عليك الكبر. فعلمت أنها كلمة ألقاها الله تعالى في قلبه. معروف بن محمد بن معروف أبو المشهور النخعي الزنجاني الواعظ حدث سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة بإسناده لأبي نجيح قال: سأل رجل ابن عمر عن صيام يوم عرفة فقال: حججت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه. كان أبو المشهور يذكر أنه من ولد مالك بن الحارث، الأشتر النخعي، وهو من أهل زنجان. وطعن الناس في نسبه. معروف بن أبي معروف البلخي حدث عن جرير بن عبد الحميد بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دخلت الجنة فما فيها شجرة ولا ورقة إلا عليها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذا النورين. معروف بن أبي معروف يسرق الحديث. وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وزنت بالخلق كلهم فرجحت بهم، ثم وزن أبو بكر

معقس بن عمران بن حطان السدوسي

فرجح بهم، ثم وزن عمر فرجح بهم، ثم وزن عثمان فرجح بهم، ثم رفع الميزان قال: وهذا كالحديث الأول. معقس بن عمران بن حطان السدوسي قال: دخلت مع أبي على أم الدرداء: فسألها أبي: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأ؟ قال حدثتني عائشة قالت: جعل درج الجنة على عدد آي القرآن - وفي آخر: إنه ليقال: اقرأ وارق. فإنه ليقرأ ويرقى حتى ينفذ ما معه - فمن قرأ ثلث القرآن ثم دخل الجنة كان على الثلث من درجها، ومن قرأ نصف القرآن كان على النصف من درجها، ومن قرأ كله كان في عليين، لم يكن فوقه إلا نبي أو صديق أو شهيد. وحدث عن أم الدرداء، عن عائشة: ليس أحد ممن دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن. وحدث معقس عن عبد الله، سمع أبا ذر يقول: الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء. معقل بن سنان بن مظهر بن عركي ابن فتيان بن سبيع بن بكر بن أشجع أبو محمد ويقال أبو سنان ويقال أبو عيسى ويقال أبور.... الأشجعي له صحبة، قدم دمشق على يزيد بن معاوية، ورجع إلى المدينة ساخطاً على يزيد، وخلعه، وكان مع أهل الحرة وقتل بها. وعن عبد الله بن مسعود أنه قضى برأيه في امرأة مات زوجها، وكان تزوجها ولم يفرض لها شيئاً، أن لها

مثل صداق نسائها ولها ميراث وعليها العدة؛ ولم يكن سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدم المدينة فلقي معقل بن سنان فسأله عبد الله بن مسعود: كيف قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بروع بنت واشق الأشجعية التي مات زوجها في القليب، وكان تزوجها ولم يفرض لها شيئاً؟ فأخبره معقل بن سنان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى مثل قضائه، فقال عبد الله: الحمد لله الذي وفقني لقضائه. قال أبو سعيد: ما خلق الله بروع بنت واشق قط، ولم يقدم معقل بن سنان الأشجعي قط الكوفة. وشهد معقل الفتح مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان شاباً طرياً، وقتل يوم الحرة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، فقال الشاعر: من الطويل ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها ... وأشجع تبكي معقل بن سنان وقدم معقل المدينة في زمن عمر، ونفاه عمر عن المدينة لما قيل فيه، وكان جميلاً: من الطويل أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا فبلغ ذلك عمر فنفاه، وكانت له وفرة، فبعث إليه عمر فضم شعره. وكان معقل بن

سنان على المهاجرين يوم الحرة فقتله مسرف بن عقبة المري. وعركي: بفتح العين والراء وكسر الكاف وآخره ياء مشددة. ومظهر بظاء معجمة وهاء مشددة مكسورة. وكان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بعث معقل بن سنان ببيعة يزيد بن معاوية، فاجتمع معقل بن سنان ومسلم بن عقبة الذي يعرف بمسرف فقال معقل - وكان آنسه وحادثة إلى أن ذكر معقل يزيد بن معاوية فقال -: إني خرجت كارهاً لبيعة هذا الرجل، وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه، رجل يشرب الخمر وينكح الحرم! ونال منه فلم يترك، ثم قال لمسرف: أحببت أن أضع ذلك عندك. فقال مسرف: أما أن أذكر ذلك لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله لا أفعل، ولكن لله عهد علي وميثاق أن لا تمكني يداي منك ولي عليك مقدرة، إلا ضربت الذي فيه عيناك. فلما قدم مسرف المدينة، وأوقع بهم أيام الحرة وكان معقل يومئذ صاحب المهاجرين، فأتي به مسرف مأسوراً فقال له: يا معقل، أعطشت؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير قال: خوضوا له شربة بلوز. فخاضوها له، فشرب، فقال له: أشربت ورويت؟ قال: نعم. قال: أما والله لا تستهنئ بها، يا مفرج، قم فاضرب عنقه، ثم قال: اجلس. ثم قال لنوفل بن مساحق: قم فاضرب عنقه. فقام إليه فضرب عنقه. ثم قال: ما كنت لأدعك بعد كلام سمعته منك تطعن فيه على إمامك. فقتله صبراً. وقيل: إن مسلماً لما دعا الناس إلى البيعة قال: يا ليت شعري، ما فعل معقل بن سنان؟ وكان له مصافياً، فخرج ناس من أشجع يطلبونه، فأصابوه في قصر العرصة، وقيل أصابوه في جبل أحد، فقالوا له: الأمير يسأل عنك، فارجع إليه. قال: أنا أعلم

به منكم، إنه قاتلي. قالوا: كلا. فأقبل معهم، فقال له مسلم: أهلاً بأبي محمد، أظنك ظمآناً، وأظن هؤلاء أتعبوك. قال: أجل. قال: شوبوا له عسلاً بثلج، من العسل الذي حملتموه لنا من حوارين. فسقوه فقال: سقاك الله أيها الأمير من شراب الجنة. قال: لا جرم والله لا تشرب بعدها - لا أم لك - شراباً حتى تشرب من حميم جهنم. قال: أنشدك الله والرحم. قال: ألست القائل ليلة لقيتك بطبرية وأنت منصرف من عند أمير المؤمنين، وقد أحسن جائزتك: سرنا شهراً وحسرنا ظهراً ورجعنا صفراً، نرجع إلى المدينة، فنخلع الفاسق شارب الخمر، ونبايع رجلاً من المهاجرين أو أبناء المهاجرين؟ يا تيس أشجع! فيم غطفان وأشجع من الخلع والتأمير؟! إني عاهدت الله لا ألقاك في حرب أقدر فيها على قتلك إلا قتلتك. وأمر به فقتل، وقال لعمرو بن محرز: واره. فقال: تقتله أنت وأواريه أنا!؟ قال: نعم. قالوا: ولما أمر مسلم بقتل معقل قال: أسألك بالرحم. قال: ما عذري عند أمير المؤمنين إذاً؛ أن أقتل بني عمه وتركت بني عمي؟ وقتله. فقال عاصم الأشجعي يرثي معقلاً: من الطويل وقائلة تبكي بعين سخينة ... جزى الله خيراً معقل بن سنان فتى كان غيثاً للفقير ومعقلاً ... حريزاً لما يخشى من الحدثان وقال يذم عمرو بن محرز إذ ترك دفنه: من الطويل بني محرز هلا دفنتم أخاكم ... ولم تتركوه للضباع الخواضع تلعبتم جهلاً بلحم ابن عمكم ... وأسلمتوه للسيوف القواطع تعاوره أرماحكم وسيوفكم ... وتلك لعمر الله إحدى البدائع وقال أرطاة بن سهية يرد على عاصم: من الطويل

معلل بن خالد الهجيمي البصري

يعد علينا عاصم قتل معقل ... فما ذنبنا إن كان أجرى وأوضعا وما ذنبنا إن كان فارس بهمة ... أصاب فلم يترك لرأسك مسمعا معلل بن خالد الهجيمي البصري وفد على هشام بن عبد الملك وعنده الأبرش الكلبي، فقال له الأبرش: يا أخا تميم، لمن يقال: من الكامل لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعمان أصبح جمعهم بعمان فقال: لنا يقال، وإنكم يا معشر كلب! لتغفرن النساء، وتجزون الشاء، وتكدرون العطاء، وتؤخرون العشاء، وتبيعون الماء. فضحك هشام! فلما خرجوا قال الأبرش: يا أخا تميم! أما كانت لك بقية؟ قال: أنت بدأت. معلى بن أيوب أبو العلاء الكاتب وهو ابن خالة الفضل والحسن ابني سهل. من كتاب المأمون، قدم دمشق مع المأمون، وبقي إلى أن كتب للمتوكل، وكان ممن حضر الجامع بدمشق للكشف عن أحوال المتظلمين من التعديل والمساحة. قال المعلى بن أيوب: دخلت على المأمون فرأيته مقبلاً على شيخ شديد بياض الثوب، حسن اللحية، على رأسه لاطئة، وقد أقبل عليه المأمون، فقلت للحسن بن أبي سعيد وهو ابن خالة

المعلى، وكان حاجب المأمون على العامة: من هذا؟ فقال: ألا تعرفه؟ فقلت: لو عرفته ما سألتك عنه. قال: هذا أبو العتاهية. فأقبل عليه المأمون فقال: أنشدني أحسن شعرك في ذكر الموت. فأنشده: من مجزوء الكامل أنساك محياك المماتا ... فطلبت في الأرض الثباتا أوثقت بالدنيا وأن ... ت ترى جماعتها شتاتا وعزمت منك على الحيا ... ة وطولها عزماً بتاتا دار تواصل أهلها ... ستعود نأياً وانبتاتا إن الله يميت من ... أحيا ويحيى من أماتا يا من رأى أبويه في ... من قد رأى كانا فماتا هل فيهما لك عبرة ... أم خلت أن لك انفلاتا ومن الذي طلب التفل ... لت من منيته ففاتا كل تصبحه المني ... ية أو تبيته بياتا فلما نهض تبعته إلى آخر الصحن أو في الدهليز وكتبها عنه. قال معلى بن أيوب: دخل صديق لعبد الله بن طاهر عليه كان يعرفه قديماً، فأجلست معه على السرير وأنشد: أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأحمل للصديق على الشقيق فإن ألفيتني ملكاً عظيماً ... فإنك واجدي عبد الصديق أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق

حدث معلى بن أيوب الكاتب عن أحمد بن صالح بن أبي فنن الشاعر قال: كان محمد بن يزيد بن مزيد الشيباني أجود بني آدم في عصره، كان لا يرد طالباً ولا راغباً عن حاجته، فإن لم يحضر مال لم يقل لا، ولكن يعد، ثم يستدين وينجزه، وكان بين وعده وإنجازه كعطفة لام على ألف! قال: وأنشدني ابن أبي فنن يمدحه: من الكامل عشق المكارم فهو مشتغل بها ... والمكرمات قليلة العشاق وأقام سوقاً للثناء ولم يكن ... سوق الثناء يعد في الأسواق بث الصنائع في البلاد فأصبحت ... تجبى إليه محامد الآفاق حدث المعلى بن أيوب عن بعض الأعراب قال: إني وابن عم لي بأكناف نجد إذا نحن بنسوة كأنهن لآلئ يمشين، فأتت إلي امرأة منهن فقالت: ابنة عم لك تسألك الدنو منها لاستماع كلامها وحمل رسالتها. قلت: من هي؟ قالت: إذا رأيتها عرفتها. قال: فدنوت منهن، فإذا نسوة كأنهن الدمى حسناً! ومنهن جارية قد بذتهن جمالاً وأربت عليهن كمالاً فقالت لي: يا فتى هل لك في اكتساب أجر واتخاذ شكر؟ قلت: ما بي عما ذكرت من رغبة وإن بي من قضاء وطرك لأعظم الحاجة قالت: قل لابن عمك: من البسيط كم قد تجرعت من غيظ ومن كمد ... إذا تجدد حزن هون الماضي وكم سخطت فما باليتم سخطي ... حتى رضيت فقلتم ساخط راضي فأنشدته البيتين عنها، فتغير لونه، وأنكرت ما كنت أعرفه به. ثم قال: ارجع فقل لها: من الطويل وما هجرتك النفس ياليل إنها ... قلتك ولكن قل منك نصيبها

فأتيتها فأنشدتها، فقالت: ابتدأت فمننت، فإن شفعت فبفضلك. قلت: أفعل. قالت: قل له: من الطويل أتوك بما لا والذي سبحت له ... قريش وأعناق المطي تسوم بأمر صليت النار إن كنت قلته ... ولكن عيب الكاشحين وخيم فأتيته بالبيتين فزفر زفرة ظننت أن قلبه قد انصدع فقلت له: ويحك! بلغ بك الوجد ما أرى؟ فقال: من الطويل وجدي بها وجد الموافى بغلة ... لعشر فلم يدرك على الماء ساقيا وقد شارف الأمر الجليل فلم يجد ... على الماء إلا المعطشين الأعاديا فأنشدتها البيتين فشهقت شهقة ظننت أن فؤادها انخلع، ثم قالت: من الطويل كما لقي المهموم من علة الهوى ... وأكثر فيه الناظرون التماديا فلما استبانوا ما به عدلوا به ... عن الإلف حتى ظن أن لا تلاقيا فأودى به سقمان سقم صبابة ... وسقم هيام فهو يلقى الدواهيا فقلت لأولئك النسوة: هل لكن في إحيائهما واحتساب الأجر في الجمع بينهما؟ قلن: إي والله. ثم رفعنا أزراً على أربع عصي، فصار كالرواق، فأدخلناهما فيه وجعلنا نتساقط حديثهما، ثم خرج إلي فقلت له: كيف رأيت يومك؟ قال: أعداني إحسانها على إساءة الدهر، وأظفرني محبوبها بمكروه الأيام، فأنا مستأنف لباقي عمري في ارتياد ساعة أخرى. ثم قال: من الطويل فقل بعدها للدهر يأتي بصرفه ... وقل لليالي اصنعي ما بدا لك توفي المعلى بن أيوب سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان عفيفاً كافياً.

معلى بن سلام أبو عبد الله

معلى بن سلام أبو عبد الله القرشي الخباز الرفاء حدث معلى وعبد الرحمن الكتاني عن معروف الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يتوضأ للصلاة من نهر قلوط. وحدث معلى عن عبد الملك المغازلي قال: رأيت واثلة بن الأسقع يشرب الفقاع، ورأيت عليه عمامة سوداء. معلى بن عيسى الدمشقي حدث عن مالك بن أنس بسنده إلى عائشة قالت: ما خير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس منه؛ وما انتقم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها. معلى بن منصور أبو يعلى الرازي حدث عن صداقة بن خالد بسنده إلى بلال بن سعد، عن أبيه وكان قد أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قيل يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: أنا وأصحابي. قال: قلنا: ثم ماذا؟ قال: ثم القرن الثاني. قال: قلنا ثم ماذا؟ قال: القرن الثالث. قال ثم يجيء قوم يشهدون من قبل أن يستشهدوا، ويحلفون من قبل أن يستحلفوا ويؤتمنون فلا يفوا. وحدث عنه وعن يحيى بن حمزة بسندهما إلى أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها.

معمر بن محمد بن يزيد

قال سهل بن عمار: كنت عند المعلى بن منصور وإبراهيم بن حرب النيسابوري في أيام خاض الناس في القرآن، فدخل علينا إبراهيم بن مقاتل المروزي فذكر للمعلى أن الناس قد خاضوا في أمره. قال: في ماذا؟ قال: يقولون إنك تقول القرآن مخلوق. فقال: ما قلته، ومن قال القرآن مخلوق فهو عندي كافر. قال يحيى بن معين: كان المعلى بن منصور الرازي يوماً يصلي فوقع على رأسه كور الزنانير، فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من شدة الانتفاخ. كان معلى بن منصور ثقة صاحب سنة نبيلاً، طلبوه على القضاء غير مرة فأبى. توفي معلى بن منصور سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة ومئتين. معمر بن محمد بن يزيد أبو الهيذام الفزاري الإمام حدث عن عيسى بن إدريس البغدادي بسنده إلى ابن مسعود: أنه قال لأصحابه: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل جدد القلوب خلعان الثياب، تعرفون في السماء، وتخفون على أهل الأرض. وحدث سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة عن يحيى بن علي بن هاشم الخفاف بسنده إلى ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت عند حجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت أسمعه إذا قام من الليل يقول: سبحان الله رب العالمين الهوي! ثم يقول: سبحان الله وبحمده.

معمر بن يعمر أبو عامر

وفي طريق آخر عن ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فآتيه بوضوئه وحاجته، فكان يقوم بالليل فيقول: سبحان ربي وبحمده! سبحان ربي وبحمده الهوي، سبحان رب العالمين! سبحان رب العالمين! سبحان رب العالمين الهوي. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل لك حاجة؟ قلت: يا رسول الله أحب مرافقتك في الجنة. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. معمر بن يعمر أبو عامر الليثي الدمشقي من أهل دمشق. حدث عن معاوية بن سلام بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه. وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من وال إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمن وقي شرهما فقد وقي، وهو من التي غلبت عليه منهما. ومعمر: بضم الميم الأولى، وفتح العين، وتشديد الميم الثانية وفتحها، ويعمر: أوله ياء معجمة باثنتين تحتها.

معمر بن راشد

معمر بن راشد أبو عروة بن أبي عمرو الأزدي مولاهم البصري حدث عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير. وحدث عن الزهري، عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كوى أسعد بن زرارة من الشوكة. قال: وهذا مما غلط فيه معمر. وغلط في حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ منهن أربعاً. قال معمر: ذهبت إلى حديث الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة طلق نساءه وقسم ماله بين ولده، فبلغ ذلك عمر فقال: بلغني أنك طلقت نساءك وقسمت مالك بين ولدك، والله إني لأظن أن الشيطان فيما يسترق من السمع، سمع بموتك وألقاه في نفسك، والله إن لم ترجع نساءك وترجع في مالك ثم مت لأورثنهم منك، ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال. قال: فراجع نساءه ورجع في ماله.

قال معمر: فأخبرني أيوب أنه ما لبث سبعاً حتى مات. كان معمر بن راشد تاجراً يختلف إلى الشام، فوافى أل مروان ولهم وليمة وعرس، فاستعاروا منه متاعاً لعرسهم، فأعارهم، فلما انقضى عرسهم بروه، قال: إنما أنا عبد وكلما بررتموني به فهو لمولاي، ولكن كلموا هذا الرجل يحدثني - يعني الزهري - فكلموه، فحدثه. توفي باليمن سنة أربع وخمسين ومئة، وقيل سنة ثلاث وخمسين وقيل سنة خمسين ومئة. قال معمر: جالست قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما من شيء سمعته في تلك السنين إلا كأنه مكتوب في صدري وقال قتادة: جالست الحسن ثنتي عشرة سنة، ومثلي يجالس مثله، وصليت الصبح معه ثلاث سنين. قال ابن عيينة: قال لي ابن أبي عروبة: شرفنا معمراً، روينا عنه وهو حدث. قال: قلت: أنت شرفته؟ الله شرفه. وعن ابن جريج قال: عليكم بهذا الرجل - يعني معمراً - فإنه لم يبق من أهل زمانه أعلم منه. سئل ابن جريج عن شيء من التفسير فأجاب، فقيل له: إن معمراً قال: كذا وكذا، فقال: إن معمراً شرب من العلم بأنقع. يعني الماء الذي يجتمع على الصخر في مواضع كله طيب، فيأخذ من أيها شاء. ويقال: فلان شراب بأنقع، أي معاود للأمور التي تكره. ومنه قول الحجاج في

خطبته؛ إنكم يا أهل العراق شرابون علي بأنقع. وقال أبو زيد: يقال إنه شراب بأنقع، أي معاود للخير والشر. وقيل: أصل هذا في الطائر إذا كان حذراً ورد المنافع في الفلوات حيث لا تبلغ الغياض ولا تنصب الأشراك. ولما دخل معمر صنعاء كرهوا أن يخرج من بين أظهرهم، فقال لهم رجل: قيدوه. قال: فزوجوه. قال مالك: نعم الرجل كان معمر، لولا روايته التفسير عن قتادة!. قال معمر: لقد طلبت هذا الشأن وما لنا فيه نية، ثم رزقنا الله النية بعد. وعن معمر قال: كان يقال: إن الرجل ليتعلم العلم لغير الله فيأبى العلم عليه حتى يصير لله. وكان في معمر تشيع، وكان في أبي الأسود تشيع. توفي معمر في رمضان سنة اثنتين وخمسين ومئة. وقيل: سنة ثلاث وخمسين ومئة. وقيل: في سنة أربع وخمسين ومئة. وقيل سنة خمس وخمسين ومئة. دخل معمر على أهله فإذا عندها فاكهة، فأكل منها فقال: من أين لك هذه الفاكهة؟ قالت: أهدته لنا فلانة النواحة. فقام معمر فتقيأ.

معمر بن المثنى أبو عبيدة التيمي

وبعث إليه معن بن زائدة والي اليمن دنانير فردها وقال لأهله: لئن علم بهذا غيري وغيرك لا يجتمع رأسي ورأسك أبداً. قال عبد الرزاق: وهذه أشد. يعني الكتمان. معمر بن المثنى أبو عبيدة التيمي البصري النحوي العلامة حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصف نعله، وكنت أغزل، فنظرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نوراً! قالت: فبهت فيه، فنظر إلي فقال: مالك بهت؟ فقالت: يا رسول الله! نظرت إليك فجعل جبينك يعرقك، وجعل عرقك يتولد نوراً، فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره. قال: وما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي؟ فقال: يقول: من الكامل ومبرأ من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل قالت: فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبل بين عيني وقال: جزاك الله يا عائشة عني خيراً، ما سررت مني كسروري منك. أنشد أبو عبيدة عن يونس: من الكامل خلقان لا أرضى فعالهما ... تيه الغنى ومذلة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطراً ... وإذا افتقرت فته على الدهر

معن بن أوس بن نصر بن زيادة

واصبر فلست بواجد خلقاً ... أدنى إلى فرج من الصبر وأنشد أبو حاتم عن أبي عبيدة: من المجتث لي صاحب ليس بخلو ... لسانه من جراحي يجيد تمزيق عرضي ... على طريق المزاج ولد أبو عبيدة سنة عشر ومئة في الليلة التي مات فيها الحسن البصري. قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه. وتوفي سنة تسع ومئتين، وقيل عشر، وقيل إحدى عشر، وقيل سنة ثلاث عشرة. وله ثمان وتسعون سنة. معن بن أوس بن نصر بن زيادة ويقال: زياد بن أسحم، ويقال: ابن زيادة ابن أسعد بن أسحم بن ربيعة المزني شاعر مجيد، أدرك عمر بن الخطاب، وعاش إلى فتنة ابن الزبير، ومروان بن الحكم، وكان معاوية يفضله ويقول: كان أشعر أهل الجاهلية من مزينة وهو زهير وكان أشعر أهل الإسلام منهم ابنه كعب ومعن بن أوس. دخل معن بن أوس على معاوية فاستنشده معاوية، فأنشده: من الطويل فو الله ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول فقال له معاوية: أنشدنيها عبد الله بن الزبير. فقال معن: اشتركنا فيها يا أمير المؤمنين،

عقدت القوافي وحشا فيها الكلام. فضحك معاوية وقال: فلثوالي أيكما شاءت. قال معن: فذكرت ذلك لابن أبي عتيق فقال: والله لولا شغل معاوية بالخلافة لكنتما معه في الطين، فأيكما والت؟ قلت: إياي، أسلمها لي أبو بكر ورجع إلى حظه من قراءته وصلاته. قال ابن أبي عتيق: رجعت الإبل إلى مباركها. وكان عبد الله بن الزبير راضع بعض ولد معن بلبان قديم. فكان معن أباه من الرضاعة. سافر معن بن أوس إلى الشام، وخلف ابنته ليلى في جوار عمر بن أبي سلمة، وأم سلمة أم المؤمنين، وفي جوار عاصم بن عمر بن الخطاب، فقال له بعض عشيرته: على من خلفت ابنتك ليلى بالحجاز وهي صبية ليس لها من يكفلها؟ فقال معن: من الطويل لعمرك ما ليلى بدار مضيعة ... وما شيخها إذ غاب عنها بخائف وإن لها جارين لن يغدرا بها ... ربيب النبي وابن خير الخلائف وقد قيل: إنه قال هذين البيتين في نخله بأحوس من الأكحل وهي: لعمرك ما نخلي بحال مضيعة ... ولا ربها إن غاب عنها بخائف والبيت الثاني. وقال مصعب بن عبد الله: أراد معن بقوله: وابن خير الخلائف عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، كانت صدقة عاصم بالأكحل له قبل عاصم، فلما قدم مصعب بن الزبير من العراق يريد ابن الزبير بمكة قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لعاصم بن عمر: اذهب بنا إلى مصعب حتى نستجديه من مال العراق. فجاءه فأعطى عبد الله بن جعفر أربعين ألف دينار، وأعطى عاصم بن

عمر عشرين ألف دينار حكمه فيها فاحتكمها، فاشترى بها صدقته بالأكحل، وقد كانت قبله لعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال عبد الله بن جعفر. مالك لم تحكمني كما حكمت عاصم بن عمر؟ قال: كرهت أن تخزيني أو تبخلني. قال: لو فعلت لفعلت. ومن شعر معن بن أوس من قصيده التي أولها: من الطويل لعمرك ما أدري وإني لأوجل.................................... إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كل يعقل ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل قال محمد بن عبيد: لم يترك عروة بن الزبير ورده في الليلة التي قطعت فيها رجله، وتمثل بأبيات معن بن أوس: من الطويل لعمري ما أهويت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي كان عبد الملك يوماً في عدة من ولده وأهل بيته فقال: لينشد كل رجل منكم أشعر ما يروى من الشعر. فأنشدوه لزهير والنابغة وامرئ القيس وطرفة ولبيد، فقال عبد الملك: أشعر منهم الذي يقول - والشعر لمعن بن أوس المزني -: من الطويل وذي رحم قلمت أظفار ظغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحل به الرغم فإن أعف عنه أغض عيناً على قذى ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم

وإن أنتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدو يستهاض بها العظم صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما يستوي حرب الأقارب والسلم ويشتم عرضي بالمغيب جاهداً ... وليس له عندي هوان ولا شتم إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والإثم وإن أدعه للنصف يأب ويعصني ... ويدع لحكم جائر غيره الحكم وقد كنت أكوي الكاشحين وأشتفي ... وأقطع قطعاً ليس ينفعه الحسم وقد كنت أجزي النكر بالنكر مثله ... وأحلم أحياناً ولو عظم الجرم ولولا اتقاء الله والرحم التي ... رعايتها حق وتعطيلها ظلم إذاً لعلاه بارقي وحطمته ... بوسم سنان لا يشاكله وسم ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم يود لو أني معدم ذو خصاصة ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم ويعتد غنماً في الحوادث نكبتي ... وما إن له فيها شفاء ولا غنم أكون له إن ينكب الدهر مدرهاً ... أكالب عنه الخصم إذ عضه الخصم وألجم عنه كل أبلخ ظالم ... ألد شديد الخصم غايته الغشم فما زلت في لين له وتعطف ... عليه كما تحنو على الولد الأم وقولي إذ أخشى عليه مصيبة ... ألا اسلم فذاك الخال والرفد والعم وصبري على أشياء منه تريبني ... وكظم على غيظي وقد ينفع الكظم لأستل منه الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا حقد يضيق به الخرم

معن بن ثور بن يزيد بن الأخنس السلمي

رأيت انثلاماً بيننا فرقعته ... برفقي وإحنائي وقد يرقع الثلم وأبرأت غل الصدر منه توسعاً ... بحلمي كما يشفي بالأدوية الكلم فأطفأت نار الحرب بيني وبينه ... وأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم ومن شعر معن بن أوس بن زهير بن أبي سلمى: من البسيط ما مسني من غنى يوماً ولا عدم ... إلا وقولي عليه الحمد لله قد يرزق المرء لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي معن بن ثور بن يزيد بن الأخنس السلمي من الصدر الأول. قال حبيب بن مسلمة لمعن بن ثور السلمي: هل تدري لم اتخذت النصارى الديارات؟ قال معن: ولم؟ قال: إنه لما أحدثت الملوك في دينها البدع وضيعوا أمر النبيين وأكلوا الخنزير اعتزلوهم في الديارات، وتركوهم وما ابتدعوا، فتخلوا للعبادة. قال حبيب لمعن: فهل لك؟ قال: ليس بيوم ذاك. قتل معن بن ثور بمرج راهط سنة خمس وستين.

معن بن يزيد بن الأخنس

معن بن يزيد بن الأخنس ابن حبيب بن جرو بن زعب بن مالك بن خفاف ابن امرئ القيس، أبو يزيد السلمي له ولأبيه ولجده صحبة. وشهد معن فتح دمشق، وكان ذا بلاء في الغزو، وكان له مكان عند عمر بن الخطاب، وشهد صفين مع معاوية. قال معن بن يزيد: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأبي وجدي، وخاصمت إليه فأفلجني، وخطب علي فأنكحني. وقال معن: لا تحل غنيمة حتى تقسم على الناس كفة واحدة فإذا قسم حل لي أن أعطيك. وفي رواية أن معن بن يزيد قال: خاصمت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأفلجني. قلت له: ما كانت خصومتك؟ قال: كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال يعرفهم، فجاء ذات ليلة ومعه صرة، فظن أني بعض من يعرفه، فلما أصبح تبين له فقال: ردها. فأبيت، فاختصمنا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجاز لي الصدقة وقال: لك أجر ما نويت. وعن معن بن يزيد: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب وقال فيه: إن من البيان سحراً!. ومعن ويزيد بن الأخنس قتلا براهط، ومعن وأبوه وجده شهدوا بدراً. قال يزيد بن حبيب: ولا أعلم رجلاً هو وابنه وابن ابنه مسلمين شهدوا بدراً غيرهم.

قال: ولا أعلم ليزيد بن حبيب متابعاً على شهودهم بدراً. قال الدارقطني: زغب، بغين معجمة. قالوا: وهو غلط ظاهر، وهو زعب، بعين مهملة، مشهور. وإلى اليوم خلق منهم بالحجاز زعبيون، ولهم خفارة في طريق مكة. قال عقبة بن رافع: غزونا الصائفة وعلينا معن بن يزيد الخفافي، فنزل منزلاً حتى أشفينا على أرض العدو، فقام في الناس فحمد اله وأثنى عليه فقال: ياأيها الناس! إنا لا نريد أن نقسم الغنم والعلف، وأشباه ذلك، فخذوا منه ما أحببتم، فقد أحللناكم منه. قدم معن بن يزيد بن الأخنس السلمي في رجال من بني سليم نحواً من مئة، فقال أبو بكر: لو كانوا هؤلاء أكثر مما هم أمضيناهم. فقال له عمر: والله لو كانوا عشرة لرأيت أن تمد بهم إخوانهم، ووالله إني لأرى أن نمدهم بالرجل الواحد إذا كان ذا حزم وغناء. فقال حبيب بن مسلمة الفهري: وعندي نحو من عدتهم، رجال من أفناء القبائل، ذو رغبة في الجهاد، فاجمعنا وهؤلاء جميعاً يا خليفة رسول الله، ثم ابعثنا مدداً إخواننا من المسلمين. فقال أبو بكر: فاخرج بهم جميعاً فأنت أمير القوم حتى تقدم على إخوانك. فعسكر بهم وجمع إليه أصحابه، ومضى بهم حتى قدم على يزيد بن أبي سفيان. قال معاوية: ما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دينها من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما ولدت قرشية لقرشي

مغلس البغدادي

خيراً لها في دنياها مني. فقال معن بن يزيد السلمي: ما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دينها من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شراً لها في دنياها منك. قال: ولم؟ قال: لأنك عودتهم عادة كأني بهم قد طلبوها من غيرك، فكأني بهم صرعى في الطرق. قال: ويحك! والله إني لأكاتمها نفسي منذ كذا وكذا. دخل معاوية بن يزيد على معاوية وهو بين جاريتين تدفئانه وترفعان عنه اللحاف، فلما نظر إليه معن بكى، فقال له معاوية: ما يبكيك؟ هذا الذي كنتم تلتمسون لي. يريد البقاء. مغلس البغدادي كان شيخاً ثقة. وحدث عن هشام بن خالد بسنده إلى جابر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. مغيث بن سمي أبو أيوب الأوزاعي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان. فقالوا: صدوق اللسان قد عرفناه، فما مخموم القلب؟ قال: التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد. قالوا: فمن يليه يا رسول الله؟ قال: الذين شنؤوا الدنيا وأحبوا الآخرة. قالوا: فما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن يليه؟ قال: مؤمن في خلق حسن. وحدث مغيث بن سمي قال: صليت مع ابن الزبير صلاة الفجر، فصلى فغلس، وكان يسفر بها، فلما سلم

المغيرة بن زياد

قلت لعبد الله بن عمر: ما هذه الصلاة؟ - وهو إلى جانبي - فقال: هذه صلاتنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، فلما قتل عمر أسفر بها عثمان. مغيث: بعد الميم غين منقوطة، وتحت الياء نقطتان، وفوق الثاء ثلاث نقط. أقبل مغيث بن سمي إلى مكحول وأوسع له إلى جنبه، فأتى وجلس مقابل القبلة وقال: هذا أشرف المجالس وأجل دعوة تحضر. المغيرة بن زياد أبو هاشم البجلي الموصلي حدث عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر. وحدث عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة، عن عبادة بن الصامت قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليست لي بمال، وأرمي عنها في سبيل الله. فسألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها. وحديث عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ خاتماً من ذهب فلبسه ثلاثة أيام، ففشت خواتيم الذهب في أصحابه، فرمى به وأتخذ خاتماً من ورق، نقش فيه: محمد رسول الله، فكان في يده حتى مات، وفي يد أبي بكر حتى مات، وفي يد عمر حتى مات، وفي يد عثمان ست سنين، فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار يختم به، فأتى قليباً لعثمان فسقط فيها، كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار يختم به، فأتى قليباً لعثمان فسقط فيها، فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ خاتماً من ورق نقش فيه: محمد رسول الله.

المغيرة بن شعبة بن أبي عامر

وكان مغيرة بن زياد حسن الوجه، طويل اللحية جيد القامة، كانت له لحية وافرة، وخضابه بالحناء. ودعي إلى القضاء فلم يجب إلى ذلك، وكان ثقة. وقيل إنه كان مضطرب الحديث. وحدث بأحاديث مناكير، فطعنوا في الأحاديث التي رواها. المغيرة بن شعبة بن أبي عامر ابن مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسي، وهو ثقيف؛ أبو عيسى، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو محمد الثقفي صحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه بها، وقدم دمشق على معاوية. قال المغيرة بن شعبة: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تورمت قدماه، فقيل له: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. وعن المغيرة بن شعبة قال: لقد سرت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أكثر ما كانوا، فأصابهم عطش، قال: فوقف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أوائل الناس، فجعل إذا مر عليه أحد قال: هل معك ماء؟ فيقول: لا. حتى أتيت عليه وإني لفي آخر الناس، فقال: يا مغيرة! هل معك ماء؟ قلت: نعم. قال: هاتها، رد على أوائل الناس. قال: فجعل يصب لهم في قدح حتى شربوا كلهم قال: فبقيت أنا وهو، قال: فصب فقال: اشرب. قلت: اشرب أنت، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. قال: لا، إن الساقي يشرب آخر القوم. قال أبو إدريس الخولاني: قدم المغيرة بن شعبة دمشق فأتيته فسألته عما حضر فقال: وضأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك فمسح على خفيه.

وكان المغيرة داهية لا يشتجر في صدره أمران إلا وجد في أحدهما مخرجاً وكان يقال له مغيرة الرأي، وشهد المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم وفد ثقيف فأنزلهم عليه، فأكرمهم، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي سفيان بن حرب إلى الطائف، فهدموا الربة. قال المغيرة: وكنت أحمل وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يوماً من ذلك، توضأ ومسح على خفيه، وكنت معه في حجة الوداع، قال: ولما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثني أبو بكر إلى أهل النجير، ثم شهدت اليمامة، ثم شهدت فتوح الشام مع المسلمين، ثم شهدت اليرموك وأصيبت عيني يوم اليرموك، ثم شهدت القادسية وكنت رسول سعد إلى رستم، ووليت لعمر بن الخطاب البصرة، ففتح ميسان، ودست ميسان وأبزقباذ، ولقي العجم بالمرغاب فهزمهم، وفتح سوق الأهواز، وغزا نهر تيرى ومناذر الكبرى، فهرب من

فيها من الأساورة إلى تستر، وفتح همذان وشهد نهاوند وكان على ميسرة النعمان بن مقرن، وكان عمر كتب: إن هلك النعمان فالأمير حذيفة، فإن هلك فالأمير المغيرة. والمغيرة أول من وضع ديوان البصرة، وجمع الناس ليعطوا عليه، وولي الكوفة لعمر بن الخطاب، وقتل عمر وهو عليها، ووليها بعد ذلك لمعاوية بن أبي سفيان، فمات بها وهو وال عليها سنة خمسين وهو يومئذ ابن سبعين سنة. قال الزهري: كان من دهاة الناس في الفتنة خمسة نفر: عمرو بن العاص؛ ومعاوية؛ ومن الأنصار قيس بن سعد؛ ومن ثقيف المغيرة بن شعبة؛ ومن المهاجرين عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان مع علي رجلان: قيس وعبد الله؛ واعتزل المغيرة بن شعبة. وكانت أم المغيرة أمامة بنت الأفقم بن أبي عمرو. وقيل: أمه امرأة من بني نصر بن معاوية، وكان طوالاً، أصهب الشعر، أجعد، ضخم الهامة، عبل الذراعين، أقلص الشفتين، يخضب بالحمرة، يفرق رأسه فروقاً أربعة، مهتوماً، بعيد ما بين المنكبين، وكان أول من رشا في الإسلام، رشا يرفأ حاجب عمر. ومعتب، بضم الميم، وفتح العين المهملة وتشديد التاء المعجمة باثنتين فوقها، وبعدها باء معجمة بواحدة. قال المغيرة بن شعبة: كناني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي عيسى؛ قال زيد بن أسلم: جاء رجل فنادى: يستأذن أبو عيسى على أمير المؤمنين. فقال عمر: من أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة: أنا. فقال

عمر: وهل لعيسى من أب؟ فكناه بأي عبد الله. وعن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها فذهبت عينه. وعن المغيرة بن شعبة قال: كنا قوماً من العرب متمسكين بديننا ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس، وأهدوا له هدايا، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد. فأبيت إلا الخروج، فخرجت معهم، وليس معهم أحد من الأحلاف غيري حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فنظر إلي فأنكرني، وأمر من يسألني من أنا وما أريد؟ فسألني فأخبرته بأمرنا وقدومنا عليه، فأنزلنا في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم دعا بنا، فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه وأجلسه معه وسأله: أكل القوم من بني مالك؟ فقال: نعم، إلا رجل واحد من الأحلاف، فعرفه إياي، فكنت أهون القوم عليه، ووضعوا هداياهم بين يديه فسر بها، وأمر لهم بجوائز، وفضل بعضهم على بعض، وقصر بي فأعطاني شيئاً قليلاً لا ذكر له، وأقبل بنو مالك يشترون الهدايا لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض علي رجل منهم مواساة. وخرجوا وحملوا معهم الخمر، فكانوا يشربون وأشرب معهم وتأبى نفسي تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، وما حباهم الملك ويخبرون قومي بتقصيره بي وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، فلما كنا ببيسان تمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم ودعوني، فقلت:

رأسي يصدع، ولكن أجلس فأسقيكم. فلم ينكروا شيئاً، وجلست أسقيم وأشرب القدح بعد القدح، فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فجعلت أصرف لهم ورع الكأس، فيشربون ولا يدرون، فأهمدتهم الكأس حتى ناموا ما يعقلون، فقتلتهم جميعاً وأخذت جميع ما كان معهم، وقدمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجده جالساً في المسجد مع أصحابه، وعلي ثياب سفري فسلمت بسلام الإسلام، فنظر إلي أبو بكر بن أبي قحافة، وكان بي عارفاً فقال: ابن أخي عروة؟ قال: قلت نعم. جئت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك للإسلام. فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب، ونحن على دين الشرك فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخمسها أو يرى فيها رأيه، فإنما هي غنيمة من مشركين، وأنا مسلم مصدق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، ولا أخمسه، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه. قال: فأخذني ما قرب وما بعد وقلت: يا رسول الله! إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة قال: فإن الإسلام يجب ما كان قبله. وكان قتل منهم ثلاثة عشر إنساناً، فبلغ ذلك ثقيفاً بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. قال المغيرة: وأقمت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتمر عمرة الحديبية، في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة خرجت معه فيها، وكنت أكون مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وألزم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن يلزمه، وبعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليكلمه، فأتاه فكلمه وجعل يمس لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقنع في الحديد، فقال لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك. فقال عروة: يا محمد! من هذا؟ ما أفظه وأغلظه! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. فقال عروة: يا غدر! والله ما غلست عني سوأتك إلا بالأمس. وانصرف عروة إلى قريش فأخبرهم بما كلم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن الواقدي قال: قالوا: ولما نزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية.. فذكر القصة وفيها: فقال عروة بن مسعود الثقفي: يا معشر قريش! تتهموني؟! ألستم الوالد وأنا الولد؟ وقد استنفرت أهل عكاظ لنصركم فلما بلحوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني. فقالوا: قد فعلت؟! فقال: وإني لكم ناصح، عليكم شفيق ولا أدخر عنكم نصحاً. قال: فإن بديل جاءكم بخطة رشد لا يردها أحد أبداً إلا أخذ شراً منها، فاقبلوها منه وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده وأنظر إلى من معه، وأكون لكم عيناً آتيكم بخبره. فبعثته قريش إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل عروة بن مسعود حتى أناخ راحلته عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أقبل حتى جاءه ثم قال: يا محمد! إني تركت قومك كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل، وقد استنفروا لك الأحابيش، هم ومن أطاعهم، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: أن تجتاح قومك - فلم نسمع برجل اجتاح أصله قبلك؛ أو بين أن يخذلك من يرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس، لا أعرف وجوهم ولا أنسابهم. فغضب أبو بكر وقال: امصص بظر اللات، أنحن نخذله! فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك. وكان

عروة قد استعان في حمل دية، فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض؛ فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود. قالوا: وكان مع المغيرة لما خرج مع بني مالك وأوقع بهم حليفان له، يقال لأحدهما دمون - رجل من كندة - والآخر الشريد، وإنما كان اسمه عمرو، فلما صنع المغيرة بأصحابه ما صنع شرد فسمي الشريد فلما قتلهم ونظر إليهم دمون تغيب عنه وظن أن المغيرة إنما حمله على قتلهم السكر، فجعل المغيرة يطلب دمون ويصيح به ويقلب القتلى فلا يراه، فبكى، فلما رأى ذلك دمون خرج إليه فقال له المغيرة: ما غيبك؟ قال خشيت أن تقتلني كما قتلت القوم. قال المغيرة: إنما قتلت بني مالك لما صنع بهم المقوقس. وأخذ المغيرة أمتعتهم وأموالهم ولحق بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأسلم المغيرة، وقدم الشريد مكة، فأخبر أبا سفيان بن حرب بما صنع المغيرة ببني مالك، فبعث أبو سفيان معاوية إلى عروة بن مسعود يخبره الخبر. قال معاوية: خرجت حتى إذا كنت بنعمان قلت في نفسي: إن أسلك ذا غفار فهي أبعد وأسهل، وإن سلكت ذا العلق فهي أغلظ وأقرب؛ فسلكت ذا غفار، فطرقت عروة بن مسعود من الليل فأخبرته الخبر، فقال عروة: انطلق إلى مسعود بن عمرو المالكي، فو الله ما كلمته منذ عشر سنين، والليلة أكلمه، فخرجنا إلى مسعود، فناداه عروة، فقال: من هذا؟ فقال عروة: فأقبل مسعود إلينا وهو يقول: أطرقت عراهية أم طرقت بداهية بل طرقت بداهية

أقتل ركبهم ركبنا أم قتل ركبنا ركبهم؟ لو قتل ركبنا ركبهم ما طرقني عروة بن مسعود. فقال عروة: أصبت، قتل ركبي ركبك، يا مسعود! انظر ما أنت فاعل. فقال مسعود: إني عالم بحدة بني مالك وسرعتهم إلى الحرب. فانصرفنا، فلما أصبح قال مسعود: يا بني مالك! إنه قد كان من أمر المغيرة بن شعبة أنه قتل إخوانكم بني مالك، فأطيعوني وخذوا الدية، اقبلوها من بني عمكم وقومكم. قالوا: لا يكون ذلك أبداً، والله لا نترك الأحلاف أبداً حتى نقتلها. قال: أطيعوني واقبلوا ما قلت لكم، فو الله لكأني بكنانة بن عبد ياليل قد أقبل يضرب درعه روحتي رجليه، لا يعانق رجلاً إلا صرعه، والله لكأني بجندب بن عمرو وقد أقبل كالسيد عاضاً على سهم مفوق بالأخر، لا يشير إلى أحد بسهمه إلا وضعه حيث يريد. فلما غلبوه أعدوا القتال واصطفوا، وأقبل كنانة بن عبد يا ليل، يضرب درعه روحتي رجليه يقول: هل من مصارع؟ ثم أقبل جندب بن عمرو عاضاً سهماً مفوقاً لآخر. قال مسعود: يا بني مالك! أطيعوني. قال: الأمر إليك. فبرز مسعود بن عمرو فقال: يا عروة بن مسعود، اخرج إلي. فخرج، فلما التقيا بين الصفين قال: عليك ثلاث عشرة دية، فإن المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلاً، فاحمل بدياتهم. قال عروة: حملت بها، هي علي. فاصطلح الناس. فقال الأعشى، أخو بني بكر بن وائل: من الوافر

تحمل عروة الأحلاف لما ... رآى أمراً تضيق به الصدور ثلاث مئين عادية وألفاً ... كذلك يفعل الجلد الصبور وعن المغيرة بن شعبة قال: قام فينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً، فأخبرنا بما يكون في أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه، ونسيه من نسيه. وعن المغيرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل طعاماً ثم أقيمت الصلاة، فقام وقد كان توضأ قبل ذلك، فأتيته بماء ليتوضأ منه، فانتهرني وقال: وراءك. فساءني والله ذلك! ثم صلى؛ فشكوت ذلك إلى عمر فقال: يا نبي الله! إن المغيرة قد شق عليه انتهارك إياه، وخشي أن يكون في نفسك عليه شيء. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس عليه في نفسي شيء إلا خير، ولكن أتاني بماء لأتوضأ، وإنما أكلت طعاماً، ولو فعلت فعل الناس ذلك بعدي. وعن المغيرة قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة في سفر فقال: أمعك ماء؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء، فأفرغت عليه ماء من الإداوة، فغسل يديه ووجهه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين. فمسح عليهما. وعن المغيرة بن شعبة قال: أنا آخر الناس عهداً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما دفن خرج علي من القبر، ألقيت خاتمي فقلت: يا أبا حسن خاتمي! قال: انزل فخذ خاتمك. مرتين أو ثلاثاً، فمسحت يدي على الكفن ثم خرجت. وعن المغيرة بن شعبة قال: كنت جالساً عند أبي بكر الصديق إذ عرض عليه فرس له، فقال رجل من الأنصار: احملني عليها. فقال أبو بكر: لأن أحمل غلاماً قد ركب الخيل على غرلته -

يعني الأقلف - أحب إلي من أن أحملك عليها. فقال له الأنصاري: أنا خير منك ومن أبيك. قال المغيرة: فغضبت لما قال لأبي بكر! فقمت إليه، فأخذت برأسه، فركبته على أنفه، فكأنما كان عزلاء مزادة فتواعدني الأنصار أن يستقيدوا مني، فيبلغ ذلك أبا بكر، فقام فقال: إنه بلغني عن رجال زعموا أني مقيدهم من المغيرة، ووالله لأن أخرجهم من دارهم أقرب إليهم من أن أقيدهم من وزعة الله الذين يزعون عنه. استعمل عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة على البحرين فكرهوه، فعزله، ثم خافوا أن يرد عليهم ثانية، فقال دهقان لهم: إن ضيعتم ما آمركم لم يرد عليكم المغيرة. قالوا: مرنا بأمرك. قال: اجمعوا إلي مئة ألف درهم. قال: فجمعوا له مئة ألف، فحمله إلى عمر، فوضعه بين يديه، فقال له عمر: يا دهقان! ما هذا؟ قال: إن المغيرة اختان هذا من مال الله ودفعه إلي. فبعث عمر إلى المغيرة، فدعاه فقال: ما يقول هذا؟ قال: كذب - أصلحك الله - دفعت إليه مئتي ألف! قال: ما حملك على ذا؟ قال: العيال والحاجة؛ فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ قال الدهقان: ما دفع إلي شيئاً، ولكنا كرهناه فخفنا أن ترده علينا. قال عمر للمغيرة: ما أردت بقولك مئتي ألف؟ قال: كذب علي الخبيث فأحببت أن أخزيه. وكان فتح الأبلة على يدي عتبة بن غزوان في رجب أو شعبان سنة أربع عشرة، فلما خرج عتبة إلى عمر قال للمغيرة بن شعبة: صل بالناس، فإذا قدم مجاشع ين مسعود من الفرات فهو الأمير. فلما هلك عتبة بن غزوان كتب عمر إلى المغيرة بن شعبة بولايته

على البصرة؛ فكان عليها باقي سنة خمس وست وسنة سبع عشرة، حتى كان منه ما كان، فعزله عمر. وافتتح المغيرة بن شعبة نهر تيرى عنوة؛ وقيل: فيها جد النوشجان - وهو يومئذ صاحبها - وكان المغيرة صالحهم على ألف ألف درهم ومئة ألف درهم. ثم كفروا، فافتتحها أبو موسى بعد، وافتتحت الأهواز سنة ست عشرة، ثم كفروا. وكان المغيرة سار إلى الأهواز، فصالحه البيروان على ألفي ألف درهم وثمان مئة وسبعين ألفاً. ثم غزاهم الأشعري بعد. وفي سنة ست عشرة شهد أبو بكرة ونافع ابنا الحارث، وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة، أنهم رأوه يولجه ويخرجه، وكان زياد رابعهم وهو الذي أفسد عليهم؛ فقال أبو بكرة: والله لكأني بأثر جدري في فخذها. فقال عمر حين رأى زياداً: إني لأرى غلاماً كيساً لا يقول إلا حقاً، ولم يكن ليكتمني شيئاً. فقال زياد: لم أر ما قال هؤلاء، ولكني قد رأيت ريبة، وسمعت نفساً عالياً. فجلدهم عمر وخلى عن زياد. وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن أنزل البصرة الناس، فيكونوا بها، ويغزوا عدوهم من قريب. وقد كان عتبة خطب الناس، فكان أول خطبة خطبها بالبصرة - وكان بدرياً - فحمد الله وأثنى عليه فقال: ألا إن الدنيا قد أدبرت وتولت، وآذنت بصرم، فلم يبق

منها إلا صبابة كصبابة الإناء يصطبها أحدكم، ألا وإنكم منتقلون من هذه الدار لا محالة إلى دار مقامة، فانتقلوا بخير ما يحضرنكم، ولقد بلغني أن الحجر يلقى من شفير جهنم فلا يبلغ قعرها سبعين خريفاً، فعجبتم، والله لتملأن! لقد بلغني أن للجنة ثمانية أبواب، عرض ما بين جانبي الباب مسيرة خمس مئة عام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق الشجر وشوك القتاد حتى قرحت أشداقنا؛ ولقد التقطت يوماً تمرة فشققتها بيني وبين سعد بن أبي وقاص، وما منا اليوم رجل إلا وهو أمير على مصر من الأمصار، ألا وإنها لم تكن نبوة فتطاولت، إلا تناسخت ملكاً، وأعوذ بالله أن أكون عظيماً في نفسي، صغيراً في أعين الناس، وستجربون الأمراء بعدنا وتعرفون منهم وتنكرون؛ يغفر الله لي ولكم. قال: فبينا عتبة في خطبته إذ أقبل رجل من ثقيف - يكنى أبا عبد الله - بكتاب عمر بن الخطاب إلى عتبة بن غزوان: أما بعد فإن أبا عبد الله ذكر أنه اقتنى خيلاً بالبصرة حين لا يقتنيها أحد، فإذا أتاك كتابي هذا فأحسن جوار أبي عبد الله وأعنه على ما استعانك عليه. فكان أبو عبد الله أول من ارتبط بالبصرة فرساً واتخذه، وكان سعد بن أبي وقاص يكتب إلى عتبة بن غزوان كتاب الأمير عليه، فأنف من ذلك عتبة وكتب إلى عمر أن يقدم عليه، فأذن له واستخلف عتبة على البصرة المغيرة بن شعبة. فجاء إلى عمر فشكا إليه تسليط سعد بن أبي وقاص عليه؛ فسكت عمر عنه، فأعاد ذلك مراراً حتى أكثر عليه فقال: وما عليك يا عتبة أن تقر بالإمارة لرجل من قريش له صحبة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرف! فلما قضى حجه أمره أن يرجع إلى عمله، فأبى أن يفعل، وحلف أن لا يرجع إليه أبداً ولا يلي عملاً. فكتب عمر إلى المغيرة فاستعمله على البصرة، وأمره أن يغزو من قبله،

فغزى وافتتح نهر تيرى، ورجع فأقام بالبصرة. وكان بالبصرة امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل، وكانت امرأة حادرة، وكان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بن عبيد فهلك، فكان المغيرة يدخل عليها، فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه، حتى أساء به الظن أناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل عليه الرصد، فخرج المغيرة يوماً من الأيام حتى دخل عليها، فانطلق أبو بكرة الثقفي، ومسروح بن يسار، وزياد بن عبيد - أخو أبي بكرة لأمه، واستلحقه معاوية؛ وأم أبي بكرة وزياد سمية - وشبل بن معبد البجلي - وكان شريفاً - ولم يكن بالبصرة رجل من بجيلة غيره، ونافع بن الحارث بن كلدة؛ فأتوا الباب، فكشفوا الستر والمغيرة مع المرأة، فشهدوا أنه قد واقعها. وقيل: إن أبا بكرة والمغيرة كانا متجاورين بينهما طريق، وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما، في كل واحدة منهما كوة مقابلة للأخرى. فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته، فهبت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليسفقها فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة، فقال للنفر: قوموا فانظروا. فقالوا فنظروا، ثم قال: اشهدوا، قالوا: ومن هذه؟ قال: أم جميل بنت الأفقم - وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصة، وكانت غاشية للمغيرة، وتغش الأمراء والأشراف - فقالوا: إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه. ثم إنهم صمتوا حين قامت. فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال: لا تصل بنا. قالوا: فركب أبو بكرة إلى عمر بن الخطاب، فدخل عليه فأخبره. فزعموا أن عمر لما رآه قال: اللهم إني أسألك خير ما جاء به، وأعوذ بك من شر ما جاء به. ثم قال: أبو بكرة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: لقد جئت بسوءة، قال: إنما جاء بها المغيرة بن شعبة. وقص عليه القصة. فبعث عمر عبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري أميراً على البصرة، وعزم عليه أن يسرح المغيرة إليه وأصحابه الذين يشهدون عليه حتى يقدم. فقال أبو موسى: يا أمير المؤمنين! أعني بنفر من الأنصار،

فإني وجدت هذا الأمر لا يصلح إلا بهم، كما لا يصلح العجين إلا بالملح. فبعث معه أنس بن مالك في نفر من الأنصار. فخرج أبو موسى حتى قدم البصرة، فنزل المربد وبعث بكتاب عمر إلى المغيرة بن شعبة وفيه: ثكلتك أمك! إذا نظرت في كتابي هذا فاقدم أنت والنفر الذين سميت معك. فلما جاء الخبر إلى المغيرة أن أبا موسى قد نزل المربد قال: ما جاء الأشعري زائراً ولا تاجراً. ثم أحسن أبو موسى في أمره، ثم رحل أبو موسى النفر الذين يشهدون عليه حتى قدموا على عمر. وقد كان المغيرة أرسل إلى أبي موسى حين قدم عليه بجارية من مولدات الطائف يقال لها عقيلة، وقال: إني رضيتها لك فاتخذها لنفسك. لما قدم المغيرة والشهود على عمر سألهم، فشهد ثلاثة فأثبتوا الشهادة، وتقدم الرابع وهو زياد بن عبيد - وكان آخرهم - فشهد، فزعموا أن عمر قال: إني لأرى وجه رجل لا يخزي الله به رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادرؤوا الحدود ما استطعتم. فقال زياد لما فحصه عمر: وكع قليلاً، فكبر المغيرة وقال لأبي بكرة حين أثبت عليه الشهادة: لقد حرصت على النظر! قال أبو بكرة: أجل والله، أي عدو الله! على أن يخزيك الله بعملك الخبيث، وقال لعمر: والله لكأني أنظر إلى بثر في فخذ المرأة؛ فسأل عمر زياداً عن شهادته فقال: لقد رأيت منظراً قبيحاً ونفساً عالياً، وما رأيت الذي فيه ما فيه الأمر. فكبر عمر وجلد أبا بكرة ونافعاً وشبلاً. فقال أبو بكرة: أما والذي بعث محمداً بالحق لقد رأى زياد مثل الذي رأيت، ولكنه كتم الشهادة، وإن المغيرة لزان. فأراد عمر أن يعيد عليه الحد مرة أخرى، فقال له علي: يا أمير المؤمنين! إذن تكمل شهادته أربعة ويحل على صاحبك الرجم. فتركه وكتب إلي

أبي موسى أن لا تجالسوا أبا بكرة فإنه شيطان. فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زياداً أبداً. فولى زياد البصرة بعد ذلك، فلم يكلمه حتى مات. وقيل: إن عمر قال لأبي موسى: إني مستعملك، وإني أبعثك إلى أرض قد باض فيها الشيطان وأفرخ، فالزم ما تعرف، ولا تبدل فيستبدل الله بك. فخرج أبو موسى حتى أناخ بالبصرة، فدفع إلى المغيرة كتاب عمر، وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس أربع كلم؛ عزل فيها وعاتب واستحث وأمر: أما بعد، فإنه بلغني عنك نبأ عظيم، فبعثت أبا موسى أميراً، فسلم له ما في يديك، والعجل. وكتب إلى أهل البصرة: أما بعد، فإني قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم، وليقاتل بكم عدوكم، وليدفع عن ذمتكم، وليجبي لكم فيئكم، ثم ليقسمه فيكم، ولينقي لكم طرفكم. ورحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد بن أبي سفيان، وشبل بن معبد البجلي؛ حتى قدموا على عمر، فجمع بينهم وبين المغيرة، فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم؟ أو كيف رأوا المرأة أو عرفوها، فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر؟ أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي؟! إني والله ما أتيت إلا امرأتي - وكانت تشبهها. فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يخرجه ويدخله كالملمول في المكحلة، قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما. قال: فكيف استبنت رأسها؟ قال: تجانبت؛ ثم دعا شبل بن معبد، فشهد بمثل ذلك، قال: أستدبرتهما أم استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما. وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، قال: رأيته جالساً بين رجلي امرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين

تخفقان، واستين مكشوفتين، وسمعت حفزاناً شديداً؛ قال: هل رأيت كالملمول في المكحلة؟ قال: لا، قال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا ولكن أشبهها، قال: فتنح. وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد وقرأ: " فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " فقال المغيرة: اشفني من الأعبد، قال: اسكت أسكت الله نأمتك! والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجاري. انبثق بثق في مسهراة، فركب عمار بن ياسر في أناس من أهل الكوفة وقال: ندخل دوابنا مرابطكم فقالوا: لا. وأبو عليه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: لأبعثن عليهم رجالاً لا يمنعونه أن يدخل الدواب مرابطهم، فبعث المغيرة بن شعبة فقال: جلدة للمسلمين. يروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما تقولون في تولية ضعيف مسلم، أو قوي فاجر؟ فقال له المغيرة: المسلم الضعيف إسلامه لك، وضعفه عليك وعلى رعيتك، وأما القوي الفاجر ففجوره عليه، وقوته لك ولرعيتك. فقال له عمر: فأنت هو، وأنا باعثك يا مغيرة. فكان المغيرة على الكوفة سنة وثلاثة أشهر. وغزا أذربيجان سنة عشرين، وصالح أهلها؛ وكفروا بعد ذلك في ولاية عثمان، فغزا الأشعث بن قيس، ففتح حصوناً لهم بما جروان، ثم صالحوه على صلح المغيرة، فأمضى ذلك لهم. وعن المغيرة قال: أنا أول من رشا في الإسلام؛ قال: كنت آتي فأجلس في الباب أنتظر الدخول على

عمر، فقلت ليرفأ حاجب عمر: خذ هذه العمامة فالبسها فإن عندي أختاً لها. فكان يدخلني حتى أجلس وراء الباب؛ فمن رآني قال: إنه ليدخل على عمر في ساعة لا يدخل عليه فيها أحد. قالوا: وكان الرجل يقول للرجل: غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة! عزله عن البصرة واستعمله على الكوفة. وعن سماك بن سلمة قال: أول من سلم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة. يعني قول المؤذن عند خروج الإمام إلى الصلاة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته. وافتتح المغيرة همذان سنة أربع وعشرين، ويقال: جرير بن عبد الله افتتحها بأمر المغيرة بن شعبة. وقال أبو عبيدة: غزا حذيفة همذان، ففتحهار عنوة، ولم تكن فتحت قبل ذلك. وفي سنة اثنتين وعشرين فتحت أذربيجان، وأميرها المغيرة بن شعبة. ولما قبض سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال المغيرة بن شعبة لعلي: قم فاصعد المنبر، فإنك إن لم تصعد صعد غيرك. قال: فقال علي: والله إني لأستحي أن أصعد المنبر ولم أدفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فصعد غيره. وقال له المغيرة بن شعبة حين كانت الشورى: انزع نفسك منهم، فإنهم لن يبايعوا غيرك. وقيل: قال له حين قتل عثمان: اقعد في بيتك ولا تدع الناس إلى نفسك، فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايع الناس غيرك. قالوا: وقال المغيرة بن شعبة: لئن لم تطعني في هذه الرابعة لأعتزلنك؛ ابعث إلى معاوية عهدة ثم اخلعه بعد ذلك. فلم يفعل، فاعتزله المغيرة بن شعبة باليمن، فلما اشتغل علي ومعاوية فلم يبعثوا إلى الموسم أحداً، جاء المغيرة بن شعبة فصلى بالناس ودعا لمعاوية. وقيل: إنه افتعل كتاباً عام الجماعة بإمارة الموسم، فقدم للحج يوماً خشية أن يجيء

أمير، فتخلف عنه ابن عمر، فصار عظم الناس مع ابن عمر. قال نافع: فلقد رأيتنا ونحن غادون من منى واستقبلونا مفيضين من جمع، فأقمنا بعدهم ليلة بمنى. لقي عمار بن ياسر المغيرة بن شعبة في زقاق من سكك المدينة وهو متوشح سيفاً، فناداه: يا مغير! فقال: ما تشاء؟ فقال: هل لك في الله جل وعز؟ قال: وأين هو؟ قال: تدخل في هذه الدعوة فتسبق من معك وتدرك من سبقك. فقال المغيرة: وددت والله أني لو علمت ذلك، إني والله ما رأيت عثمان مصيباً ولا رأيت قبله صواباً، فهل لك يا أبا اليقظان أن تدخل بيتك وتضع سيفك؟ وأدخل بيتي حتى تنجلي هذه الظلمة ويطلع قمرها، فمشي مبصرين نطأ أثر المهتدين، ونجتنب سبيل الحاثرين. فقال عمار: أعوذ بالله أن أعمى بعد إذ كنت بصيراً، يدركني من سبقته، ويعلمني من علمته! فقال المغيرة: يا أبا اليقظان! إذا رأيت السيل جار فاجتنب جريته - قال: يعني بجار جاري - ولا تكن كقاطع السلسة فر من الضحل فوقع في الغمر. فقال عمار: اسمع ما أقول وانظر ما أفعل، فلن تراني إلا في الرعيل الأول. قال: واطلع عليهما علي فقال: ما يقول لك الأعور؟ إنه والله على عمد يلبس عزله، ولن يأخذ من الدين إلا ما خلطته الدنيا. فانتجاه عمر فأخبره، فقال علي: ويحك يا مغيرة! إن هذه الدعوة المودية، تودي من دخل فيها إلى الجنة، وأنا أجتاز إليهما بوهل من وهل، فإذا غشيناك فالزم بيتك. فقال له المغيرة: أنت أعلم مني وأوقر، أما إذ لم أعنك فلن أعن عليك.

وعن الزهري قال: دعا معاوية عمراً وهو بالكوفة فقال له: يا أبا عبد الله! أغن عني الكوفة، قال عمرو: فكيف ترى في مصر؟ قال: أستعمل عليها ابنك عبد الله، قال عمرو: فنعم. فبينما هم على ذلك طرقهم المغيرة بن شعبة - وكان معتزلاً بالطائف - فناجاه معاوية، فقال: أتؤمر عمرو بن العاص على الكوفة وتؤمر ابنه عبد الله على مصر، وتكون كالقاعد بين لحيي الأسد؟! فقال له معاوية: ماذا ترى؟ قال: أنا أكفيك الكوفة، قال: فافعل فقال معاوية لعمرو حين أصبح: يا أبا عبد الله! إني قد رأيت أن ابقائك واستوحشنا إليك، فقال عمرو: فنعم ما رأيت! وعرف عمرو أن المغيرة قد سبقه ونقض رأي معاوية عليه، فقال عمرو لمعاوية: ألا أدلك على أمير الكوفة؟ قال: بلى، قال: المغيرة بن شعبة، فاستعن برأيه وقوته على المكيدة واعزل عنه المال، فإن من قبلك عمر وعثمان قد فعلا به ذلك، فقال معاوية: نعم ما رأيت! فدخل مغيرة على معاوية، فقال معاوية: إني قد كنت أمرتك فجمعت لك الجند والأرض، ثم ذكرت السير قبلي، فإذا الأئمة لم يكونوا يستعملونك إلا على الجند، وكانوا يجعلون الأرض إلى غيرك، وإني قد رأيت أن لا أخالف سنة عمر وعثمان، قال المغيرة: قد قبلت. فلما خرج إلى أصحابه قال: قد عزلت الأرض عن صاحبكم، ولم يغب عن ذلك أبو عبد الله. وعن اليث قال: كان المغيرة قد اعتزل، فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه المغيرة يروزه: إني أشكو إلى الله وإليك كبر سني ونفاد أهل بيتي، وجفوة قريش عني. فكتب إليه معاوية: أما ما ذكرت من كبر سنك فإنه لم يكن يشركك فيما ذهب منك أحد؛ وأما نفاد أهل بيتك فقد توفي آل أبي سفيان، فما عدمت أحداً منهم شيئاً؛ وأما جفوة قريش عنك فهم حملوك على رقاب الناس.

فلما رأى أنه ليس عنده من الغضب إلا هذا قدم عليه، فلما دخل عليه دعا له فيما أعطاه الله من الظفر والنصر والعون على ما حمل، ثم قال: وجزاك الله عن أبي عبد الله خيراً - يريد عمرو بن العاص وكان قد أمره على مصر وأمر ابنه على العراق - فقد صنعت به وصنعت. فقال معاوية: إني والله لقد فعلت. فقال المغيرة في آخر ذلك: أي معاوية! داهية العراق، جعلت الأسد بين يديك، وشبله بين كتفيك، وجلست في الشام! هذا الذي إن نالت منه عجوز افقدته، فكيف لي به؟ قال: أكفيك. فخرج المغيرة ودخل عمرو على معاوية فقال: قد جاءك أعور ثقيف من كل طير بريشة، قال: لا تفعل يا أبا عبد الله، فإنه أول ما كلمني به بعد الدعاء لي فيما حملت ما غبطني به فيما فعلت بيني وبينك، وما عظم من حقك؛ وذكر من فضلك. فخرج عمرو وقد تفتح قلبه للمغيرة بما أخبره عنه، وذهب الذي في نفسه عليه. وأقبل عمرو إلى منزله، فوجد المغيرة بالباب، فأذن له، فدعا لهم فيما أعطاهم الله من الظفر، وما جمع من أمر أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أيديهم؛ ثم قال: عمرو بن العاص داهية العرب! جعلت شطرك بالمغرب وشطرك بالمشرق! وإنما معاوية هامة اليوم أو غد، فكيف بك إذا اختلف أمر الناس على أي سقيك تقبل، وبأيهما تهتم؟ قال: صدقت لعمر الله. ثم ذهب إلى معاوية فقال: أعف لي عبد الله من العراق. فقال معاوية: ما أنا بفاعل. فألح عليه عمرو بن العاص، وألح معاوية في الإباء، حتى قال عمرو: إن شئت فررناها جذعة. فقال معاوية: أما إذ بلغ هذا منك فقد أعفيناه لك. وأرسل معاوية إلى المغيرة بن شعبة فولاه العراق،

فذكر ذلك لعمرو فقال: خدعني. فأتى معاوية، فقال: بعثت المغيرة إلى العراق؟ قال: نعم، هذا عملك، غلبتني على عبد الله فلم أجد منه بداً. فقال عمرو: فتأمنه على المال؟ قال: ما ترى؟ قال: أرى أن تبعث على الأموال رجلاً فلا يقدم المغيرة منه على قليل ولا كثير إلا بأمرك. ففعل معاوية ذلك، فقال المغيرة حين جاءه ذلك: قد استوفى بعض الستيفاء ولم يبلغ الذي بلغنا. قال ابن شوذب: أحصن المغيرة بن شعبة أربعاً من بنات أبي سفيان، وكان آخر من تزوج بها عرج، فلما خطبها قال له معاوية: إنها ضمنة، قال: إني لست أريد أراهن عليها، إنما أردت بنات أبي سفيان. فزوجه إياها. وعن عوانة قال: ذكر عمر شيئاً، فقال المغيرة: الرأي فيه كذا كذا، فقال: وما أنت والرأي! إذا جاء الرأي غلبك عليه عمرو ومعاوية. وعن عامر قال: القضاة أربعة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري. والدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد. وفي حديث آخر: المغيرة بن شعبة لم يأخذ عقدة إلا حلها. قال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة بن شعبة، ولو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. قال المغيرة بن شعبة: ما غلبني أحد في الدنيا إلا غلام من بلحارث بن كعب، فإني خطبت امرأة فقال لي: لا تردها، فإني رأيت رجلاً يقبلها. فانصرفت عنها، فبلغني أنه تزوجها، فلقيته

فقلت: ألم تقل أنك رأيت رجلاً يقبلها؟ قال: بلى، رأيت أباها يقبلها. فإذا ذكرت ما فعل بي غاظني ذلك. خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان الفتى طريراً جميلاً، فأرسلت المرأة إليهما: لست أجيب أحداً منكما دون أن أراه وأسمع كلامه، فاحضرا إن شئتما. فحضرا، فأجلستهما حيث تراهما وتسمع كلامهما، فلما رآه المغيرة ونظر إلى جماله وشبابه وهيئته أيس منها وعلم أنها تؤثره عليه؛ فأقبل على الفتى وقال: لقد أوتيت جمالاً وحسناً وثياباً فهل عندك سوى ذلك؟ قال: نعم؛ وعدد محاسن ثم سكت، فقال له المغيرة: كيف حسابك؟ قال: ما يسقط علي منه شيء، وإني لأستدرك أدق من الخردلة، قال المغيرة: لكني أضع البدرة في زواية البيت فينفقها أهلي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها. فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي علي مثل صغير الخردلة. فتزوجت المغيرة. قيل للمغيرة بن شعبة: ما بقي من أربك؟ قال: الإفضال على الإخوان. قيل: فمن أحسن الناس عيشاً؟ قال: من عاش بعيشه غيره؛ قيل: فمن أسوأ الناس عيشاً؟ قال: من لا يعيش بعيشه أحد. قيل للمغيرة بن شعبة: إني أراك تحابي! قال: إن المعرفة تنفع عند الجمل الصؤول والكلب العقور، فكيف بالمرء المسلم؟!. وقيل: إنه قيل له: إن آذنك يؤثر بالإذن. فقال: عمره الله! إن المعرفة لتنفع عند الكلب العقور والجمل والصؤول، فكيف الحر الكريم. عرض المغيرة بن شعبة الجند بالكوفة فوجدهم أربعة آلاف، فمر به شاب من الجند، فقال: يا غلام! زد هذا في عطائه كذا وكذا، فقام شاب كان إلى جانبه فقال: أصلحك الله، هذا ابن عمي لحاً، ليس له علي فضلة في نسب ولا نجدة، فألحقني به، قال: لا،

قال: فمر من يحط من عطائي ليظن من حضر أن بك موجدة. قال: لا، إن أبا هذا كان بيني وبينه مودة، وكان لي صديقاً، وإن المعرفة لتنفع عند الجمل الصؤول والكلب العقور، فكيف بالرجل ذي المروءة والحسب!؟ وعن المغيرة بن شعبة أنه قال: اشكر لمن أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لابقاء للنعمة إذا كفرت، ولا زوال لها إذا شكرت؛ إن الشكر زيادة من المنعم وأمان من الفقر. قال المغيرة بن شعبة: خطبت امرأة فذكرتها لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: هل نظرت إليها؟ قلت: لا، قال: فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما. فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرني أن أنظر إليها. قال: فسكتا. قال: فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت: أخرج عليك إن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك أن تنظر إلي لما نظرتن وإن كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمرك أن تنظر إلي أن تنظر. قال: فنظرت إليها ثم تزوجتها. قال: فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها؛ ولقد تزوجت سبعين أو بضعاً وسبعين امرأة. قال الشعبي: لما كان يوم القادسية طعن المغيرة بن شعبة في بطنه، فجيء بامرأة من طيئ، فجعلت تخيط بطنه، فلما نظر إليها قال: ألك زوج؟ قالت: وما يشغلك ما أنت فيه من سؤالك إياي!؟ قال ابن المبارك: كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة، قال: فصففن بين يديه فقال: أنتن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن طلاق. وكان المغيرة ينكح أربعاً جميعاً ويطلقهن جميعاً. وعن المغيرة بن شعبة: أحصنت ثمانين امرأة فأنا أعلمكم بالنساء؛ كنت أحبس المرأة لجمالها، وأحبس المرأة لولدها، وأحبس المرأة لقومها، وأحبس المرأة لمالها؛ فوجدت

صاحب الواحدة إن زارت زار، وإن حاضت حاض، وإن نفست نفس، وإن اعتلت اعتل معها بانتظاره لها؛ ووجدت صاحب الثنتين في حرب، هما ناران تشتعلان؛ ووجدت صاحب الثلاث في نعم، فإذا كن أربعاً كان في نعيم لا يعدله شيء؛ ولا يقتصرن أحدكم على الواحدة، فيكون مثله ومثلها مثل أبي جفنة وامرأته أم عقار، إنه قال لها: إذا كنت خاطباً فإياك وكل مجفرة مبخرة، منتفخة الوريد، كلامها وعيد، وبصرها حديد، سفعاء فوهاء، مليلة الإرغاء، دائمة الدعاء، سلفع، لا تروى ولا تشبع، دائمة القطوب، عارية الظنبوب، حديدة الركبة، سريعة

الوثبة، شرها يفيض، وخيرها يغيض، لا ذات رحم قريبة، ولا غريبة نجيبة، إمساكها مصيبة، طلاقها حريبة، فضول مئناث، حبلها رقاب، وشرها ذباب، واغرة الضمير، عالية الهدير، شثنة الكف، غليظة الخف، لا تعتذر من علة، ولا تأوي من قلة، تأكل لما وتوسع ذماً، تفشي الأسرار، وتؤذي الأخيار، وهي مع

ذلك من أهل النار. فأجابته امرأته فقالت: بئس لعمر الله ما علمت! زوج المرأة المسلمة، قضمة حطمة، أحمر المأكمة، محزون اللهزمة، جلد عنز هرمة، وسرة متقدمة، وشعره صهباء، وأذن هدباء، ورقبة هلباء، لئيم الأخلاق، ظاهر النفاق، صاحب حقد وهم وحزن، عشرته غبن، رهين الكاس، زعيم الأنفاس، بعيد من كل خير في الناس، يسأل الناس إلحافا، وينفقه إتلافا، ووجهه عبوس، وشره

ينوس، وخيره محبوس، أشأم من البسوس، لا ألوف مفيد، ولا متلاف قصود، فهو شر أشنع، وبطر أجمع، ورأس أصلع، مجمع مضفدع، في صورة كلب وبدن إنسان، هو الشيطان، بل هو أم صئبان. ولما مات المغيرة خطب جرير فقال: أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وأن تسمعوا وتطيعوا حتى يأتيكم أمير؛ استغفروا للمغيرة بن شعبة، غفر الله له، فإنه كان يحب العافية؛ أما بعد، فإني أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبايعه بيدي هذه على الإسلام، فاشترط علي، والنصح، فو رب هذا المسجد إني لكم لناصح. قال عبد الملك بن عمير: شهدت جنازة المغيرة بن شعبة فإذا امرأة أدماء جنواء، مشرفة على النساء، وهي تندبه وتقول: من مجزوء الكامل الخل يحمله النفر ... قرماً كريم المعتصر أبكي وأنشد صاحباً ... لا عين منه ولا أثر

قد كنت أخشى بعده ... أني أساء ولا أسر أو أن أسام بخطتي ... خسف فآخذ أو أذر لله درك قد عني ... ت وأنت باقعة البشر حلماً إذا طاش الحلي ... م وتارة أفعى ذكر قلت: من هذه؟ قالوا: امرأته أم كثير بنت قطن بن عبد الله بن الحصين ذي الغصة - وإنما قيل له ذو الغصة لأنه كانت به غصة. قال عبد الملك بن عمير: رأيت زياداً واقفاً على قبر المغيرة بن شعبة وهو يقول: من الخفيف إن تحت الأحجار حزماً وعزماً ... وخصيماً ألد ذا معلاق حية في الوجار أربد لا ين ... فع منه السليم نفثه راقي توفي المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين بإجماع؛ وقد وهم بعضهم فقال: توفي بالمدائن سنة ست وثلاثين. وهو خطأ. وقيل: توفي سنة تسع وأربعين وهو ابن سبعين سنة، واستخلف ابنه عروة؛ وقيل: استخلف جرير بن عبد الله؛ فولى معاوية زياداً الكوفة مع البصرة وجمع له العراقين.

المغيرة بن عبد الله بن معرض

ومنهم من قال: إن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ماتا في خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة ثمان وخمسين. والله أعلم. المغيرة بن عبد الله بن معرض ابن عمرو بن معرض بن أسد بن خزيمة ويقال: المغيرة بن عبد الله بن الأسود بن وهب بن معرض الأسدي الكوفي المعروف بالأقيشر - بالشين المعجمة والياء والراء - إسلامي. شاعر مشهور، ولد في الجاهلية، ولقب بالأقيشر لأنه كان أحمر الوجه، أقيشر. قال عبد الملك للأقيشر: أنشدني أبياتك في الخمر. فأنشده: من الطويل تريك القذى من دونها وهي دونه ... لوجه أخيها في الإناء قطوب كميت إذا شجت وفي الكأس وردة ... لها في عظام الشاربين دبيب فقال له: أحسنت والله يا أبا معرض، ولقد أجدت وصفها، وأظنك قد شربتها، فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنه ليريبني منك معرفتك بها. قال أبو عبيدة: قدم رجل من بني سلول بكتاب على قتيبة بن مسلم، من عامله المعلى بن عمرو المحاربي على الري، فدخل قدامة بن جعدة بن هبيرة المخزومي على قتيبة فقال: ببابك ألأم العرب، سلولي رسول محاربي إلى باهلي. فتبسم قتيبة تغيظاً، ثم دعا مرداس بن

المغيرة بن عبد الله التميمي البصري

خذام الأسدي فقال: أنشدني ما قال الأقيشر لهذا بالحيرة؛ فأنشده: من الرمل رب ندمان كريم سيد ... ماجد الجدين من فرعي مضر قد سقيت الكأس حتى هرها ... لم يخالط صفوها فيها كدر قلت قم صلي فصلى قاعداً ... تتغاشاه سمادير السكر قرن الظهر مع العصر كما ... قرن الحقة بالحق الذكر ترك الطور فما يقرؤها ... وتلا الكوثر من بين السور المغيرة بن عبد الله التميمي البصري وفد على معاوية. قال من حديث: ثم قام المغيرة بن عبد الله التميمي - وكان رجلاً عظيماً طريراً، فتخطى رقاب الناس إلى معاوية، ففرح الناس بقيامه وقالوا: هذا خليق أن يخطب خطبة يعم فيها أهل مصره بخير، فلما دنا من معاوية استأذنه في المنطق فقال له: تكلم بحاجتك. فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: أصلح الله أمير المؤمنين وأمتع به، أنا من الوفد الذين قدموا من أهل العراق، ثم من البصرة، ثم أنا أحد بني تميم، المغيرة بن عبد الله المعروف الوالد والمنصب، قدمنا فلم نر من أمير المؤمنين إلا الذي نحب، من لين الحجاب وخفض الجناح، وإعطاء المسألة، واستقبال أنواع الخير، فأحب أن يتم أمير المؤمنين ويستعملني على خراسان. وكان معاوية منكساً ينكث في الأرض بقضيب، يسمع قوله، فرفع رأسه ونظر إليه فقال: عليها من يكفيك أمرها. قال: فأحب أن تستعملني على شرط البصرة، فإني بها عالم فهم مصيب، عليهم جريء. قال معاوية: كفيتها. قال: فأحب يا أمير المؤمنين أن تأمر لي بجائزة وعطائي

المغيرة بن عبد الرحمن

وكسوتي، وتكسو امرأتي فلانة قطيفة، وتكسوني برنساً. قال معاوية: أما هذا فنعم. ثم أثنى على زياد، ثم قعد. فلما خرج المغيرة أقبل عليه أهل البصرة فلاموه وقالوا: أما استحييت!؟ تسأل أمير المؤمنين أن يستعملك وأن يجيزك! والله لنرجو أن تأتي بخطبة تعم بها أهل البصرة بخير. فقال المغيرة: ويحكم، بدأت فسألت أمير المؤمنين الأمر العظيم، فلو أعطاني الذي سألت كان ذلك الذي أردت، ثم سألته الذي هو دون، فأعطانيه، فقد أصبت مع الفرض ستة آلالف درهم، ولم يصب رجل منكم درهماً. المغيرة بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ابن يقظة بن مرة بن كعب، أبو هاشم، ويقال أبو هاشم القرشي المخزومي المدني سكن الشام مدة، وغزا مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، وكان من أجواد قريش. حدث عن خالد بن الوليد أنه شكا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضيق في مسكنه فقال: ارفع البنيان إلى السماء. وكان المغيرة أعور، أصيبت عينه عام غزوة مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم. وكان المغيرة يطعم الطعام حيث ما نزل، ينحر الجزر، ويطعم من جاء؛ فجعل أعرابي يديم النظر إلى المغيرة حابساً نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة: ألا تأكل من هذا الطعام؟ ما لي أراك تديم النظر إلي؟ قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور، وأراك تطعم الطعام، وهذه صفة الدجال. فقال له المغيرة: إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.

وأم المغيرة سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة، من بني مرة بن عوف بن غطفان. وكان المغيرة في جيش مسلمة الذين احتبسوا بأرض الروم حتى أقفلهم عمر بن عبد العزيز، وذهبت عينه، ثم رجع إلى المدينة، فمات بالمدينة، وأوصى أن يدفن بأحد مع الشهداء، فلم يفعل أهله، ودفنوه بالبقيع. وقيل: إنه مات بالشام. وهو وهم. قال عبد الله بن أبي بكر المخزومي: سيم ابن أفلح مولى أبي أيوب بمنزله الذي كان لأبي أيوب الذي نزل فيه عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة خمس مئة دينار، فبلغ ذلك المغيرة بن عبد الرحمن، فأرسل إلى ناس من صديقه، وأرسل معهم إلى ابن أفلح، وقد صر ألف دينار في منديل وضعه، فلما جاؤوه قدم إليهم طعاماً، فأكلوا، فلما فرغوا قال لابن أفلح: بلغني أنك أعطيت بمنزلك خمس مئة دينار فلم تبعه. فقال: نعم. قال: أفأسومك به؟ قال: نعم. قال: والذي تحلف به لنسومنك به سومة ثم لا ننقصك منها ولا نزيدك فيها. قال: فأنصفني يا أبا هاشم. قال: إنه قد خرب ولا بد لي من هدمه وبنائه، وأشار له إلى المنديل وقال: في ذلك المنديل ألف دينار، وأنا آخذه بها، فإن كانت لك بذلك حاجة فخذ وإلا فدعه. فقال ابن أفلح: هو لك. ووثب جذلاً مستعجلاً فأخذ المنديل الذي فيه الألف دينار، فتصدق به المغيرة مكانه. ولما باع ابن أفلح المغيرة منزله الذي كان لأبي أيوب اشترى داره بالبقيع التي تعرف بدار ابن أفلح صارت لعمر بن بزيع؛ فكان المغيرة يركب إلى ضيعته بقباء، فيمر بابن

أفلح على داره بالبقيع فيقول: " فريق في الجنة وفريق في السعير " فيقول ابن أفلح: لا ذنب لي يا أبا هاشم، فتنتني بالدنانير. ولما هدم المغيرة منزله الذي نزل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي أيوب أمر بحظيرة فعملت، وضم نقصه فيها ... لنته وأعاده في المنزل حيث بناه. توفي ابن للمغيرة بن عبد الرحمن يقال له دانيال، فدفنه مع الشهداء بأحد، فلما حضرت المغيرة الوفاة أوصى أن يدفن مع الشهداء بأحد، وأوصى بألف دينار يطعم الناس ويسقون بها يوم يدفن بأحد. فحال إبراهيم بن هشام بين ولده وبين دفنه بأحد وقال: إن دفن المغيرة بأحد لم يمت شريف من قريش إلا دفن بأحد. قال صدقة بن المغيرة بن يحيى: قال أخو عبد الرحمن: فاختلف في الألف دينار فوقفت، فاستعدى فيها أبي المغيرة بن يحيى بن عمران، فرأى أن ترد على صدقته، فتجرى مجراها؛ وقال: فضلت من ماله: فقبضها أبي المغيرة بن يحيى، فكلمه ولد المغيرة بن عبد الرحمن أن ينفقها عليهم، فأبى ورفع بها في رأس عسه صدقته المفترضة وعمرها وعمر صدقته ببديع بالألف دينار. قال عبد الرحمن: أدركت ذلك، وكان المغيرة قد وقف ضيعة له، يقال لها المفترضة في أعلى إستارة على طعام يصنع بمنى في أيام الحج. فأدركتهم يطعمون من صدقته الحيس بمنى.

وكا المغيرة سخياً، وكان يعمل الخبيص بمكة على الأنطاع فيضعه الناس، ويعمل جفان الثريد فيضعها في زقاق الفول. وكان يطعم بمنى خمسة أيام الحيس، يعمل ستين وسقاً سويقاً، وستين وسقاً تمراً، وخمسة عشر راوية سمناً ووقف عليه مالاً له إلى اليوم. قال مصعب بن عثمان: عجب الناس بالكوفة لطعام المغيرة بن عبد الرحمن فقال: والله لقد اقتصرت كراهة أن يضع ذلك من أخي عمر، إذ كان يسكنها. قال أبو بكر بن عياش: رأيت ثريد المغيرة بن عبد الرحمن بالكوفة يطاف بها على العجل. قام اليسع بن المغيرة يوماً على جفنة أبيه، فأحسن ماكللها بالسنام، فنظر إليها المغيرة فأعجبته، فأعطاه ستين ديناراً، وكان ينحر في كل يوم جزوراً، وفي كل جمعة جزورين. مر إبراهيم بن هشام بثردة المغيرة بن عبد الرحمن وقد أشرفت على الجفنة، فقال لغلام للمغيرة: يا غلام! على أي شيء نصب هذا الثريد على العمد؟ قال له الغلام: لا، ولكن على أعضاد الإبل. فبلغ ذلك المغيرة، فأعتق الغلام. وكان إبراهيم بن هشام إذا مر بثريد المغيرة أمسك على أنفه، يري الناس أنها منتنة. وكان بالمدينة مجنونة يقال لها أم المشمعل تمر بالذين يصنعون السرفي بالمدينة، فتنزع درعها ثم تغمسه في مركن من مراكن السرفي، فيصاع عليها فتقول: أليس هذا حيس المغيرة؟.

كان للمغيرة بن عبد الرحمن مولى، فهلك وترك مالاً، فأتاه رجل فقال: إن هذا الذي مات أخي. قال: أعندك بينة؟ ومن أين؟ إنما ولدنا ببلدنا. قال: فنظر إليه ساعة وصوب، وأعطاه المال. فقيل له في ذلك فقال: رأيت فيه الشبه، وإنما هي نفسي، فلأن آخذ منها لغيري أحب إلي من أن آخذ لها من غيري. قال محمد بن فرقد مولى المغيرة بن عبد الرحمن: خرج أبي فرقد يوماً يسعى مع بغلة المغيرة، فمر بحرة الأعراب فقالوا له: يا أبا هاشم! فاض معروفك على الناس، فما بالنا أشقى الناس بك؟! فقال: خذوا هذا الغلام فهو لكم. فقلت: لأنا كنت أولى بذلك منهم، لخدمتي وحرمتي. فقال: يا فتيان! تبيعونه؟ قالوا: بكم تأخذه؟ قلت: آخذه بأربعين ديناراً، قالوا: هو لك. قال: والله لا أعرضك مثلها أبداً، أنت حر. وأعطاهم أربعين ديناراً. قسم المغيرة بن عبد الرحمن على مماليك أهل المدينة درحمين درهمين، فأعطى رقيق عامر بن عبد الله، فأبوا أن يأخذوا، فقال لهم عامر: خذوا من خالي فإنه جواد. أوصى أبو بكر بن عبد الله بن الزبير وأمه ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى خاله المغيرة بن عبد الرحمن بابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان معتوهاً، يعطى الثوب يلبسه فلا يلبسه، ويطعم الطعام فلا يأكله، فكان المغيرة يجعل كوا في منزل عبد الرحمن بن أبي بكر فيجعل فيها الخبر واللحم والكعك والقديد وأنواع الطعام، وجعل معاليق تعلق عليها الثياب، فيمر عبد الرحمن بالكوة فيخلس منها الطعام فيأكله، ويمر بالثوب المعلق فيختلسه فيلبسه. وسقط درهم لعبد الرحمن بن أبي بكر من يد المغيرة في كيس للمغيرة فيه ألف درهم؛ فجعل المغيرة يتغمغم ويقول: لا أعرف الدرهم، فقيل له: خذ أجود درهم فيها، فأبى وجعل الكيس له كله.

قال مصعب بن عبد الله: أخبرني ابن كليب مولانا قال: خرجت مع عامر بن عبد الله إلى الصلاة، فمر بمنزل المغيرة بن عبد الرحمن وبعير لد دبر، فصاح بجارية للمغيرة، فخرجت إليه، فأمرها أن تأتيه بما يعالج به الدبرة، ففعلت، فناولني رداءه، وغسل الدبرة وداواها، فقلت له: ما حملك على هذا وأنا كنت أكفيك لو أمرتني؟ قال: إن أمي ماتت وأنا صغير لا أعقل برها، فأردت أن أبرها ببر خالي. مات عبد الرحمن بن أبي بكر فقال المغيرة بن عبد الرحمن لعامر بن عبد الله - وورثه عامر: هذا حساب ما وليت له فانظر فيه. قال: يا خال! لا أنظر في حسابك، فأعط ما أحببت وأمسك ما شئت، وما أعطيت أو أمسكت فأنت منه في سعة. فأبى عليه المغيرة إلا الحساب، فقال له عامر لما نظر في الحساب: بقيت خلة. قال: ما هي؟ قال: تحلف على حسابك عند منبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فألاح المغيرة من اليمين وقال: تحلفني يا بن أختي؟! فقال له عامر: فما دعاك أن تأبى إلا المحاسبة؟ وتركه من اليمين. خرج المغيرة سفراً في جماعة من الناس، فوردوا غديراً ليس لهم ماء غيره، فأمر المغيرة بقرب العسل فشقت في الغدير وخيضت بمائه، وما شرب أحد حتى راحوا إلا من قرى المغيرة. كان ابن هشام بن عبد الملك يسوم المغيرة بماله ببديع من فدك فلا يبيعه إياه، إلى أن غزا معه أرض الروم، وأصاب الناس مجاعة في غزاتهم، فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال له: قد كنت تسومني بنا لي ببديع فآبى أن أبيعكه، فاشتر مني نصفه. فاشترى نصفه بعشرين ألف دينار، فأطعم بها المغيرة الناس. فلما رجع ابن هشام من غزاته، وقد بلغ هشاماً الخبر، فقال لابنه: قبح الله رأيك، أنت ابن أمير المؤمنين وأمير الجيش، تصيب

المغيرة بن عمرو

الناس معك مجاعة فلا تطعمهم، ويبيعك رجل سوقة ماله ويطعم به الناس! أخشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس؟ فالنصف المال الذي صار ببديع لابن هشام اصطفي عنهم حين ولي بنو العباس. ثم صار لسعد بن الجون الأغرابي، مولى الفضل بن الربيع. ثم اشتري لمحمد بن علي بن موسى، فهو بيد ولده إلى زمن المؤرخ. والنصف الآخر الذي بقي بيد المغيرة تصدق به، فهو بيده ولده إلى زمن المؤرخ رحمه الله. المغيرة بن عمرو حدث عن جعفر بن محمد السوسي بسنده إلى كعب قال: ما من صباح إلا وملكان يناديان، يقول أحدهما: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر. وملكان يناديان، يقول أحدهما: اللهم عجل لمنفق خلفاً. والآخر يقول: اللهم عجل لممسك تلفا. المغيرة بن فروة ويقال: فروة بن المغيرة، ويقال: ابن حكيم أبو الأزهر القرشي من أهل دمشق. حدث عبد الله بن العلاء: أنه سمع يزيد بن مالك وأبا الأزهر يحدثان عن وضوء معاوية إذ يريهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد.

المغيرة بن المغيرة

وحدث عن معاوية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صوموا الشهر وسرره. قال الأوزاعي: سرره: آخره. هو كقوله: صوموا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين. وعن أبي الأزهر قال: من ركع بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كانتا له عدل عمرة. أوصى أبو الأزهر أن تحلق عانته بعد موته، فقال مكحول: كانت هذه من كنوز أبي الأزهر. المغيرة بن المغيرة أبو هارون الربعي الرملي حدث عن أسيد بن عبد الرحمن بسنده إلى معاذ بن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً أو آذى مؤمناً فلا جهاد له. مفضل بن غسان بن المفضل ابن عمرو ويقال: ابن غسان بن خالد بن معاوية أبو عبد الرحمن الغلابي البصري حدث عن أبي داود الطيالسي بسنده إلى رجل من بكر قال: انطلقت مع أبي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فناجاه أبي دوني فقلت لأبي: ما قال لك

مفضل بن محمد بن مسعر

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال لي: إذا أردت أمر فعليك بالتؤدة، حتى يجعل الله لك فرجاً. أو قال: مخرجاً. وحدث عن أبيه بسنده إلى بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم. زاد في غيره: وقربة إلى الله، وتكفير للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد. وقال في نسب آبائه: عمرو بن خالد بن غلاب، وغلاب أمه، وهو خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة بن عمير الغلابي. مفضل بن محمد بن مسعر ابن محمد أبو المحانس التنوخي المعري الفقيه على مذهب أبي حنيفة. وكان ينوب في القضاء بدمشق عن بني أبي الجن، وولي قضاء بعلبك. وكان ينحو في مذهبه الاعتزال والتشيع. حدث في صفر سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة بسنده إلى عطية العوفي أنه سأل أبا سعيد الخدري عن قوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً " فأخبره أنها نزلت في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين، رضوان الله عليهم. توفي ابن مسعر سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وأربع مئة. ويقتضي أن يكون مولده بعد السبعين وثلاث مئة بالمعرة، وبها مات.

مفضل بن المهلب بن أبي صفرة

وذكر عنه أنه كان يضع من الشافعي رحمه الله. وصنف كتاباً ذكر فيه الرد على الشافعي فيما خالف الكتاب والسنة. وذكر أنه بلغ والده أنه ارتشى، فعزله عن الحكم ببعلبك. ولأبي المحانس رسالة في وجوب غسل الرجلين. مفضل بن المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سارق، أبو غسان، وقيل أبو حسان الأزدي قدم على سليمان بن عبد الملك. حدث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم. وفي رواية: قاربوا بين أبنائكم. وعن المفضل بن المهلب أن ملك اليمن حضرته الوفاة، فقالوا: يا ربنا! ملك العباد والبلاد. فقال: أيها الناس! لا تجلهوا، فإنكم في مملكة من لا يبالي أصغيراً أخذ منكم أم كبيراً. وعن المفضل بن المهلب أنه قال: الثقلاء ثلاثة، والرابع أشدهم علي: رجل كان يزور قوماً فاستثقلوه وسألوا الله أن يريحهم منه، فغاب عنهم أياماً، فانفسحت أبصارهم وطابت أنفسهم؛ ثم أتاهم معتذراً وقال: ما حبسني عنكم إلا الشغل. ورجل أتى رجلين وهما في حديث قد خلوا به دون الناس، فأخذ بأنفاسهما، حتى إذا بلغ منهما قال: لعلكما في حاجة وفي سر فقطعت عليكما؛ فاستحييا منه وقالا: لا. ورجل انتهى إلى حلقة قوم ورجل يحدثهم، فأقبل على الذي يليه فقال: أي شيء يحدثكم هذا؟ فرجع يسمع من هذا ويودي إلى هذا

مقاتل بن حكيم العكي

ولا يعرف أول الحديث من آخره. والرابع الشاب المتشيخ قد أرخى شعيرته. وفي سنة اثنتين ومئة بعث مسلمة بن عبد الملك في طلب آل المهلب، وقتل المفضل بن المهلب، وانهزم الناس، وقيل: إن المفضل لما قتل أخوه يزيد هرب إلى سجستان، فقتل هو وإخوانه عبد الملك، ومدرك، وزياد، ومعاوية بنو المهلب. وكان الذي تولى ذلك منهم هلال بن أحوز المازني، ولم يعرض للنساء ولم يفتشهن، وبعث بالعيال والأسارى إلى يزيد بن عبد الملك. مقاتل بن حكيم العكي من أهل مرو، كان أميراً على حران من قبل المنصور في أيام السفاح، فأسره عبد الله بن علي ووجه به إلى دمشق إلى ابن سراقه ليعتقله؛ فلما علم بهرب عبد الله بن علي سأل مقاتلاً أن يكتب له كتاباً، ثم قتله. قالوا: ولما انتهى عبد الله بن علي إلى حران أغلقوها دونه، وكان فيها مقاتل بن حكيم، قد أخذ البيعة لأبي جعفر، وشغلوه عن المسير إلى العراق، وخاف أن يقع بين عدوين، فحاصرها أربعة أشهر حتى افتتحها صلحاً، على أن لا يعرض لأحد من الناس. فلما دخلها أخذ مقاتلاً وابنه، وجماعة من القواد فوجههم إلى عثمان بن عبد الأعلى بن سراقه إلى دمشق؛ وكان خليفته عليها، فحبسهم عنده، ولم يزل مقاتل بن حكيم وخالد بن مقاتل وأصحابهما محبوسين عند عثمان حتى بلغهم الخبر بهزيمة عبد الله، فدخل إليهم عثمان بن سراقة إلى الحبس فقال لمقاتل: أريتكم إن أنا خليت عنكم وتمضون حيث شئتم، أتكتبون لي كتاباً أنه إن تغيرت بعبد الله بن علي حال أنكم لا تبتغوني بشيء كان مني، ولا تطالبوني بأمر سلف؟ قالوا: نعم، فافعل. فذهب ليأتيهم بصحيفة ودواة

مقاتل بن حيان أبو بسطام النبطي

ليكتبوا له، فسمع مقاتلاً يقول لابنه: ويحك يا خالد! أحلف حقاً أن هذا ما سألنا الأمان إلا وقد حدث في صاحبه حدث؛ وما ينبغي لنا أن نؤمنهم إلا بعد مؤامرة أمير المؤمنين ومعرفة رأيه. فاشتمل عثمان على السيف ثم دخل عليهم فقال: من أراد أمانكم فهو كلب ثم قتلهم جميعاً. وقيل: إن عبد اله بن علي قتل مقاتلاً حين استنزله من حصن حران. مقاتل بن حيان أبو بسطام النبطي البلخي مولى بكر بن وائل، ويقال: مولى بني تيم الله كان خرازاً، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وعلى هشام بن عبد الملك. حدث عن عمرة عن عائشة أنها قالت: كنا ننتبذ لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غدوة في سقاء ولا نخمره، ولا نجعل فيه عكراً، فإذا أمسى تعشى فشرب على عشائه، فإن بقي شيء فرغته أو صببته ثم نغسل السقاء فننبذ من العشي، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، فإن فضل شيء صببته أو فرغته. ثم نغسل السقاء. فقيل له: أفيه غسل السقاء مرتين؟ قال: مرتين. وحدث عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حرم الله الخمر، وكل مسكر حرام. وحدث عن قتادة عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لكل شيء قلب، وإن قلب القرآن ياسين. ومن قرأ ياسين كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات.

وحدث مقاتل عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. قال مقاتل بن حيان: كنا جلوساً عند عمر بن عبد العزيز إذ دخل عليه أبو بردة فقال: يا أمير المؤمنين! ألا أهدي لك هدية هي خير من الدنيا وما فيها؟ قال: ليس شيء من الخير وإن صغر إلا وهو خير من الدنيا وما فيها؛ لقد أنبأني أبو سلمة عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله خلق الدنيا منذ خلقها فلم ينظر إليها بعد، إلا مكان المتعبدين منها، وليس بناظر إليها إلى يوم ينفخ في الصور، ويأذن في هلاكها. مقتاً لها، ولم يؤثرها على الآخرة. قال مقاتل: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما كان ساعة دخل عليه رجل، فأقبل عليه عمر بوجهه وحدثه. فلما خرج قلت: يا أمير المؤمنين! من هذا الذي رأيتك أقبلت عليه تحدثه؟ قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم. قال: أنت رأيته؟ - مرتين أو ثلاثاً - قلت: نعم. قال: ذلك الخضر. قال: فسر بمقاتل بعد وأعجب به. وكان مقاتل بن حيان ثقة، صدوقاً، صالح الحديث. وعن مقاتل بن حيان قال: ليس لملول صديق، ولا لحسود غناء، وطول النظر في الحكمة تلقيح للعقل؛ وأهل هذه الأهواء آفة أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إنهم يذكرون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته، فيتصيدون بهذا الذكر الحسن الجهال من الناس، فيقذفون بهم في المهالك، فما أشبههم بمن يسقي الصبر باسم العسل! ومن يسقي السم القاتل باسم الترياق! فأبصرهم، فإنك إلا تكن أصحبت في بحر الماء، فقد أصبحت في بحر الأهواء، الذي هو أعمق غوراً، وأشد اضطراباً، وأكثر عواصفاً، وأبعد مذهباً من البحر وما فيه؛ فلتكن مطيتك التي تقطع التي تقطع بها سفر الضلال اتباع السنه، فإنهم هم السيارة الذين إلى الله يعمدون.

مقاتل بن سليمان أبو الحسن البلخي

قالوا: وهرب مقاتل بن حيان مولى مصقله بن هبيرة الشيباني، وزياد بن عبد الرحمن القشيري، وغالب مولى تميم، أيام أبي مسلم، فاستجاروا بزنبيل ملك الهند، فكره مقاتل المقام في أرض الشرك، وناء ثم، فخرج من هنال، فلما سار ليلتين مات. وكان مقاتل ببلخ في شهر رمضان يصلي بقوم، فيذهب قوم ويبقى قوم، فيصلي بهم ويعظهم، فما يزال هذه حاله حتى يصبح مقاتل بن سليمان أبو الحسن البلخي صاحب التفسير. حدث عن ثابت البناني بسنده إلى كعب بن عجرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من جاء بالحسنة فله خير منها " لا إله إلا الله، والسيئة: الشرك. قال: فهذه تنجي وهذه تردي. وحدث عن ابن الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تؤكل التمرتين جميعاً. وحدث مقاتل عن الضحاك، عن ابن عباس قال: قالوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله! استخلف علينا بعدك رجلاً نعرفه وننهي إليه أمرنا، فإنا لا ندري ما يكون بعدك. فقال: إن استعملت عليكم رجلاً فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي، ومعصيتي معصية الله؛ وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه كانت لكم الحجة علي يوم القيامة. ولكن أكلكم إلى الله.

جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال: لا تسألوني عن شئ مما دون العرش إلا أنبأتكم به. وكان مقاتل حافظاً للتفسير، وكان لا يضبط الإسناد، وأصله من بلخ، ولم يكن في الحديث بذاك. كان أبو جعفر المنصور جالساً، فألح عليه ذباب يقع على وجهه، وألح في الوقوع مراراً حتى أضجره فقال: انظروا من بالباب. فقيل: مقاتل بن سليمان. فقال: علي به. فلما دخل قال له: هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟ قال نعم، ليذل الله به الجبارين. فسكت المنصور. قال أبو نصير: صحبت مقاتل بن سليمان ثلاث عشرة سنة فما رأيته لبس قميصاً قط إلا لبس تحته صوفاً. قال عبد المجيد من أهل مرو: سألت مقاتل بن حيان قلت: يا أبا بسطام، أنت أعلم أو مقاتل بن سليمان؟ قال: ما وجدت علم مقاتل بن سليمان في علم الناس إلا كالبحر الأخضر في سائر البحور. ذهب رجل بجزء من أجزاء تفسير مقاتل إلى عبد الله، فأخذه عبد الله منه وقال: دعه. فلما ذهب يسترده. قال: يا أبا عبد الرحمن، كيف رأيت؟ قال: يا له من علم؟ لو كان له إسناد.

قال سفيان: سمعت مسعراً يقول لرجل: كيف رأيت الرجل؟ يعني مقاتلاً إن كان ما يجئ به علماً فما أعلمه!. الرجل هو حماد بن عمرو. قال أبو الحارث الجوزجاني: حكي لي عن الشافعي أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة: على مقاتل في التفسير؛ وعلى زهير بن أبي سلمة في الشعر؛ وعلى أبي حنيفة في الكلام. وعن الشافعي قال: من أحب الأثر الصحيح فعليه بمالك، ومن أحب الجدب فعليه بأصحاب أبي حنيفة، ومن أحب التفسير فعليه بمقاتل. وكان الشافعي يقول: كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه. وزاد في آخر: ومن أراد التجر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال الكسائي. قال يحيى بن شبل: قال لي عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل؟ قال: قلت إن أهل بلادنا كرهوه. قال: فلا تكرهنه، فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى منه. قيل لحماد بن أبي حنيفة: إن مقاتلاً أخذ التفسير عن الكلبي. قال: كيف يكون هذا وهو أعلم بالتفسير من الكلبي؟!. قعد مقاتل بن سليمان فقال: سلوني عما دون العرش إلى لوناثا فقال له رجل: آدم

حيث حج من حلق رأسه؟ فقال: ليس هذا من عملكم ولكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي. وفي رواية: أنه قام إليه رجل فقال: أرأيت الذرة أو النملة معاها في مقدمها أو مؤخرها؟ فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له. قال سفيان: فظننت أنها عقوبة عوقب بها. سئل ابن المبارك عن مقاتل بن سليمان وأبي شيبة الواسطي؟ فقال: ارم بهما، ومقاتل بن سليمان ما أحسن تقسيره لو كان ثقة!. قال يحيى بن شبل: كنت جالساً عند مقاتل بن سليمان فجاء شاب فسأله: ما تقول في قول الله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه "؟ قال: فقال مقاتل: هذا جممي. فقال: ما أدري ما جهم، إن كان عندي علم فيما أقول وإلا فقل لا أدري. قال: ويحك! إن جهماً والله ما حج هذا البيت، ولا جالس العلماء إنما كان رجلاً أعطي لساناً، وقوله تعالى: " كل شيء هالك إلا وجهه " إنما هو كل شيء فيه الروح، كما قال هاهنا لملكه سبأ " وأوتيت من كل شيء " لم تؤت إلا ملك بلادها، وكما قال: " وآتيناه من كل شيء سبباً " لم يؤت إلا ما في يده من الملك، ولم يدع في القرآن كل شئ، وكل شيء إلا سرد علينا. سئل وكيع عن كتاب التفسير عن مقاتل بن سليمان فقال: لا تنظر فيه. قال: ما أصنع به؟ قال: ادفنه. ثم قال: أليس زعموا أنه كان يفظ؟ كنا نأتيه فيحدثنا، ثم نأتيه بعد أيام فيقلب الإسناد والحديث.

وقيل عن وكيع أنه قال: كان مقاتل بن سليمان كذاباً. سأل الخليفة مقاتلاً: بلغني أنك تشبه. فقال: إنما أقول: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد " فمن قال غير ذلك فقد كذب. قال أحمد بن سيار بن أيوب يقول: مقاتل بن سليمان من أهل بلخ، تحول إلى مرو، ومات بالعراق، وهو تهم متروك الحديث، مهجور القول؛ وكان يتكلم في الصفات بما لا تحل الرواية عنه. قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير - يعني في البدعة والكذب -: جهم بن صفوان، وعمر بن صبح، ومقاتل بن سليمان. قال أبو حنيفة: أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطل، ومقاتل مشبه. وقال مرة عنهما: كلاهما مفرط، أفرك جهم حتى قال: إنه ليس بشيء؛ وأفرط مقاتل حتى جعل الله مثل خلقه. قال خارجة بن مصعب: كان جهم ومقاتل بن سليمان عندنا فاسقين فاجرين. قال خارجة: لم أستحل دم يهودي ولا ذمي، ولو قدرت على مقاتل بن سليمان في موضع لا يراني فيه أحد لقتلته. قيل لمقاتل: سمعت من الضحاك؟ قال: ربما أغلق علي وعليه باب. قال سفيان: ينبغي أن يكون أغلق عليهما باب المدينة.

قال جوبير: مات الضحاك ومقاتل بن سليمان له قرطان وهو في الكتاب. وعن المحاربي قال: مقاتل روى عنه المحابي، يقال: مقاتل دوال دوز. قال ابن عيينة: سمعت مقاتلاً يقول: إن لم يخرج الدجال الأكبر سنة خمسين ومئة فاعلموا أني كذاب. سكتوا عنه، ولم يذكره البخاري. وقال الخطيب: المحفوظ ابن دوال دوز هو ابن حيان لا ابن سليمان. قال عبد الصمد بن عبد الوارث: قدم علينا مقاتل بن سليمان فجعل يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح، ثم حدثنا بتلك الأحاديث نفسها عن الضحاك بن مزاحم، ثم حدثنا بها عن عمرو بن شعيب فقلنا له: ممن سمعتها؟ قال: عنهم كلهم. ثم قال بعد: لا والله ما أدري ممن سمعتها. قال: ولم يكن بشيء. قال الوليد: سألت مقاتل بن سليمان عن أشياء، فكان يحدثني بأحاديث، كل واحد ينقض الآخر، فقلت: بأيهم آخذ؟ قال: بأيهم شئت. قال عبيد الله كاتب المهدي: لما أتانا نعي مقاتل اشتد ذلك علي، فذكرته لأمير المؤمنين أبي جعفر فقال: لا يكبر عليك، فإنه كان يقول لي: انظر ما تحب أن أحدثه فيك حتى أحدثه.

قال أبو عبيد الله: قال لي المهدي الأموي: ألا ترى ما يقول لي هذا؟ يعني مقاتلاً - قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس. قال: قلت لا حاجة لي فيها. وعن ما لم: أنه بلغه ن مقاتلاً جاءه إنسان فقال به: إن إنساناً سألني: ما لون كلب أصحاب الكف؟ فلم أدر ما أقول له. فقال له مقاتل: ألا قلت هو أبقع، فلو قتله لم تجد أحداً يرد عليك قولك. قال نعيم بن حماد: أول ما ظهر من مقاتل من الكذب هذا، قال للرجل: يا مائق، لو قلت أصفر أو كذا أو كذا، من كان يرد عليك!. قال السعدي: مقاتل بن سليمان كان دجالاً. جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال: لا تسألوني عن شيء مادون العرش إلا أنبئكم عنه. فقال الأوزاعي لرجل: قم إليه فاسأله، ما ميراثه من جدته. فحار ولم يكن عنده جواب، فما بات فيها إلا ليلة، ثم خرج بالغداة. قال عبد الله بن المبارك: سمعت مقاتل بن سليمان يقول: الأم أحق بالصلة، والأب بالطاعة. وقيل: إن ابني المبارك لم يرو عن مقاتل إلا هذين الحرفين. وقال الكلبي: مقاتل يكذب علي. وقال وكيع: كان مقاتل كاذباً.

مقاتل بن مكوذ بن أبي نصر يمريان

قالوا: وكان مقاتل قاصاً، فترك الناس حديثه. قال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: الكذابون المعرفون بوضع الحديث على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن شعيب يعرف بالمصلوب بالشام. توفي مقاتل بن سليمان في سنة خمسين ومئة. مقاتل بن مكوذ بن أبي نصر يمريان أبو محمد المغربي السوسي المقرئ حدث عن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده إلى علي بن أبي طالب وبريدة قالا: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زياد القبور فزوروها، فغنها تذكركم الآخرة؛ ونهيتكم عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فاحبسوها ما بدا لكم؛ ونهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيها ما بدا لكم، وإياكم وكل مسكر. وحدث عن أبي علي الحسن بن علي إبراهيم خوزستان بسنده إلى أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري السابق إلى الإيمان قال: قلت يا رسول الله، ما كان في صحف موسى؟ قال: كان فيه: عجبت لمن آمن بالموت كيف يفرح بالدنيا!؟ وعجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك!؟ وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يعمل السيئات!؟ وعجبت لمن أيقن بالقدر وهو ينصب!؟ وعجبت لمن

مقاتل مولى عمر بن عبد العزيز

يرى زوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها!؟ وعجبت لمن أيقن بالجنة ولا يعمل الحسنات!؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله. قلت يا رسول الله! أوصني. قال: يا أبازد! عليك بتقوى الله فإنه رأس مالك. قال: قلت يا رسول الله زدني. قال: عليك بذكر الله وقراءة القرآن فإنه نور لك في السماء وذكر لك في الأرض. قلت: يا رسول الله زدني. قال: عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي. قلت: يا رسول الله زدني. قال: أقل الكلام إلا من ذكر الله، فإنك تغلب الشيطان. قلت يا رسول الله زدني. قال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من فوقك. قلت يا رسول الله زدني. قال: إياك وكثرة الضحك فإنه يقسي القلب ويذهب بنور الوجه. وجد بخط أبي محمد مقاتل على ظهر جزء له، لبعضهم: من الخفيف خذ كلامي محبراً وامتحنه ... وبميزان عقل رأسك زنه طاعة الله خير ما لبس الع ... د فكن طائعاً ولا تعصينه ما خلاك النفوس إلا المعاصي ... فتوق الخلاك لا تقربنه إن شيئاً هلاك نفسك فيه ... ينبغي أن تصون نفسك عنه سئل مقاتل عن مولده فقال: في ذي الحجة سنة ست عشرة وأربع مئة. وتوفي في صفر سنة خمسة وتسعين وأربع مئة بدمشق. مقاتل مولى عمر بن عبد العزيز قال عبد الله بن سعيد بن قيس الهمداني: قدمنا دمشق مع مسلمة بن عبد الملك من غزة القسطنطينية فقال عمر بن عبد العزيز: هات يا مسلمة حدثني عن بلاد الروم. فقال مقاتل مولى عمر بن عبد العزيز: سمعت يقول لعمر: ما رأيت بلاداً تشبه القسطنطينية! فذكر وصفه

مقاس الأسدي ثم الفقعسي

لها. قال مقاتل: فلما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة قال له: يا مقاتل! إنه بلغني عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الإمام العادل إذا وضع في قبره ترك علة يمينه، فإذا كان جائراً نقل من يمينه على يساره، فاطلع حتى تنظر إلي. قال: فاطلعت فرأيته على يمينه والحمد لله. قال مقاتل: رأيته قبل أن يخرج الروح من حسده وهو يضحك وهو يقول: لمثل هذا فليعمل. ثم مات رحمه الله. قالوا: إسناده ضعيف. مقاس الأسدي ثم الفقعسي شاعر له قصة مع هشام بن عبد الملك. كانت وليمة في قريش تولى أمرها مقاس الفقعسي، فاجلس عمارة الكلبي فوق هشان بن عبد الملك، فأحفظه ذلك وآلى على نفسه أنه متى أفضت إليه الخفلاة عاقبة. فلما جلس في الخلافة أمر أن يؤتى به وتقلع أضراسه وأظفار يديه، ففعل به ذلك، فأنشأ يقول: من مجزوء الرمل عذبوني بعذاب ... قلعوا جوهر رأسي ثم زادوني عذاباً ... نزعا عني طساسي بالمدى حزر لحمي ... وبأطراف المواسي قال القالي: قال أبو المياس: الطساس، الأظفار، ولم أجد واحداً من مشايخنا يعرفه. قال: ثم أخبرني رجل من أهل اليمن قال: يقال عندنا: كشهه، إذا تناوله بأطراف أصابعه. وكان أبو المياس من أروى الناس للرجز، وهو من أهل سر من رأى.

مقبل بن عبد الله

مقبل بن عبد الله ويقال معقل - وهو وهم - الكناني الفلسطيني حديث عن هانئ بن كلثوم أن صاحب جيش الشام لما فتحت الشان كتب إلى عمر بن الخطاب: إنا فتحنا أرضاً كثيرة الطعام والعلف، فكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك إلا بأمرك، فاكتب إلي بأمرك في ذلك. فكتب إليه عمر: أن دع الناس يأكون ويعلفون، فمن باع شيئاً بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين. وحدث عن عطاء بن يزيد الليثي قال: أكثر الناس عليه ذات يوم يسألون فقال: إنكم أكثرتم في أرأيت أرايت، لا تعلموا لغير الله، ترجون الثواب من الله، ولا يعجبن أحدكم علمه وإن كثر، فإنه لا يبلغ عند من عظمه الله كقائمة من قوائم ذباب. قال مقبل بن عبد الله الكناني: لست أخاف على نفسي أن أتعمد الكذب إنما أخاف على نفسي الكذب في تردادي الحديث. مقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك ابن ربيعة بن ثمامة بن مطرود، أبو الأسود ويقال أبو عمر، يوقال أبو معبد الكندي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسمي ابن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري حالفه وتبناه. وهو من المهاجرين الأولين ممن هاجر الهجرتين، وشهد بدراً واليرموك، وشهد الجانية مع عمر بن الخطاب، وكان على ربع أهل المن، وخرج مع عمر أيضاً في خرجته

الثانية التي رجع فيها من سرع اميراً على ربع اليمن. قال المقداد: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعي رجلان من أصحابي، فطلبنا هل يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد؟ فلم يضيفنا أحد، فدفع إلينا أربعة أعنز فقال: يا مقداد! خذ هذه فاحتلبها، فجزئها أربعة أجزاء، جزءاً لي، وجزءاً لك وجزءين لصاحبيك. فكنت أفعل ذلك، فلما كان ذلك ليلة شربت جزئي وشرب صاحباي جزأيهما، وجعلت جزء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقب، وأطبقت عليه فاحتبس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت لي نفسي: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دعاه أهل بيت من المدينة فتعشى معهم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحتاج إلى هذا اللبن، فلم تزل نفسي تدبرني حتى قمت إلي القعب فشربت ما فيه، فلما تقار في بطني أخذني ما قدم وما حدث، فقالت لي نفسي: يجئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جائع ظمآن، فيرفع القعب، فلا يجد فيه شيئاً، فيدعو عليك. فتجيت كأني نائم، وما كان بي نوم، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم تسليمه أسمع اليقظان ولم يوقظ النائم، فلما لم ير في القعب شيئاً رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم أظعم من أطعمنا واسق من سقانا. فاغتنمت دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذت الشفرة وأنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز فأطعمه، فضربت بيدي فوقعت على ضرعها، فإذا هي حافل، ثم نظرت إليهن جميعاً فإذا هن حفل، فحلبت في القعب حتى امتلأ، ثم أتيته وأنا أبتسم، فقال: بعض سوآتك يا مقداد. قلت يا رسول الله! اشرب ثم أخبر الخبر. ثم شرب

وشربت ما بقي ثم أخبرته فقال: يا مقداد! هذه بركة كان ينبغي لك أن تعلمني حتى نوقظ صاحبنا فنسقيهما من هذه البركة. قال: قلت يا رسول الله! إذا شربت أنت البركة وأنا فما أبالي من أخطأت. قال جبير بن نفير: جلسنا إلى المقداد بن الأسود بدمشق وهو يحدثنا وهو على تابوت، ما به عنه فضل، فقال له رجل: لو قعدت العام عن الغزو. قال: أبت البحوث - يعني سورة التوبة - قال اله عز وجل: " انفروا خفافاً وثقالا. قال أبو عثمان: بحثت المنافقين. قالوا: وكان القارئ يوم اليرموك المقداد؛ ومن السنة التي سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء - وهي الأنفال - ولم يزل الناس بعد على ذلك. قال صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل: قلت لأبي: المقداد بن الأسود، هو المقداد بن عمرو؟ قال: نعم، ولما نزل القرآن العزيز: " ادعوهم لآبائهم " قيل: المقداد بن عمرو. وكان من الرماة المذكورين من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغزا إفريقية مع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين. وكان آدم، أبطن، اصفر اللحية، أقنى، طويلاً، كثير شعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين، يصفر لحيته.

وآخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين عبد الله بن رواحة. قال عبد الله بن معسود: كان أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنعه الله عز وجل بعمه أب يطالب، وأما أبو بكر فمنعه الله عز وجل بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وقد صهروهم، فما منهم أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل، وهان على قومه، فأخذه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد. وقد طعنوا في إسناد هذا الحديث. وعن عكرمة: " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " قال: أتى شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفر معهما - سماهم - أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمد يطرد موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعسافءنا، كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا. فأتى أبو طالب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه بالذي كلموه، فأنزر الله تعالى: " وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم "، " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغادة والعشي " قال: وكانوا بلالاً، وعمار بن ياسر مولى ابن المغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيح مولى أسيد؛ ومن الحفلاء اين مسعود والمقداد بن عمرو وغيرهم. وخرج رسول الله حروف من المدينة خرجه أخرى فبلغ ودان، فنزل وبعث ستين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيدة بن الحارث بن

الملطب، وأمره أن يسير إلى جيش المشركين، فإنهم قد خرجوا من مكة، وكان معهم المقداد بن الأسود، فكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المشركين قد خرجوا من مكة يريدون أن يسيروا إلى تهامه ويدنوا من المدينة، ويرجعون. فلذلك بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبيدة بن الحارث والذين معه، فالتقوا بثينة المرأة، فارتموا بالنبل، فانحاز المسلمون على حامية، حتى هبطوا من الثنية، ثم انكفأ بعضهم على بعض، ورمى يومئذ سعد بن أبي وقاص بأسهم في أعداء الله، فأصاب بكل سهم رمى به رجلاً، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله. ويومئذ لحق المقداد بالمسلمين، وكان خرج في جيش المشركين فتوصل بهم ليلحق بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل ذلك حتى لقي المسليمن، ورجع المسلمون إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقدموا المدينة فأقاموا بها إلى ما شاء الله. وعن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاور الناس يوم بدر فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقالت الأنصار: يا رسول الله أوص فقال المقداد بن الأسود: والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، لو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد فعلنا، فشأنك يا رسول الله. وذكر الحديث. قال: وهذا الكلام محفوظ لسعد بن عبادة وهو أنصاري، وأما المقداد فله كلام آخر، وهو أن أبا أيوب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن بالمدينة: إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العبرة، لعل الله يغنمناها. فقلنا: نعم. فهرج وخرجنا، فلما سرنا يوماً أو يومين ثم قال لنا: ما ترون في القوم؟ فإنهم قد أخبروا

بمخرجكم. فقلنا: لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو، ولكنا أردنا العير. ثم قال: ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك. فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون. قال: فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا كما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم. وذكر حديثاً طويلاً. وفي رواية: إنا ها هنا قاعدون، ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن بين يديك وعن يمينك وعن شملك ومن خلفك حتى يفتح الله عز وجل عليك. وفي رواية: فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرق وجهه لذلك وسره. وفي رواية: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون. وعن علي بن قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد أيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح. وفي رواية: إلا المقداد على فرس أبلق. قال المقداد: شهدت بدراً على فرس يقال سبحة فضرب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهم، ولفرسي بسهم، فكان لي سهمان. وعن يزيد بن رومان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن معه يوم بدر إلا فرسان: فرس عليه المقداد بن عمرو حليف الأسود خال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وفرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، حليف حمزة بن عبد المطلب. وكان مع المشركين يومئذ مئة فرس؛ وقيل كانت ثلاثة أفراس، فرس عليه الزبير بن العوام. قال القاسم بن عبد الرحمن: إنه كان أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود. وعن القاسم أيضاً قال: أول من أفشى القرآن بمكة في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن مسعود؛ وأول

من بنى مسجداً يصلى فيه عمار؛ وأول من أذن من أذن بلال؛ وأول من غزا في سبيل الله المقداد؛ وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد؛ وأول من قتل من المسليمن مهجع مولى عمر بن الخطاب؛ وأول مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهينة؛ وأول من أدى الصدقة طائعين من قبل أنفسهم بنو عذرة بن سعد. وعن زر: أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان بن وهب؛ وأول من رفعت له راية في الإسلام عبد الله بن جحش؛ وأول مال خمس مال عبد الله بن جحش؛ وأول من قرأ آية من ظهر قلبه عبد الله بن مسعود، وأول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن مالك؛ وأول من قاتل على ظهر فرسه المقداد بن الأسود. وعن سعيد بن جبير قال: قتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر ثلاثة صبراً: عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث؛ وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله قال المقداد: يا رسول الله! أسيري. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه كان يقول في كتاب الله ورسوله ما يقول. قال: فأمر بقتله، فقال: يا رسول الله! أسيري. فقال: إنه كان يقول في كتاب الله ورسوله ما يقول. يقال: يا رسول الله! أسيري. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم أغن المقداد من فضلك. قال: هذا الذي أردت. قال: ففيه نزلت هذه الآية: " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إلا أساطير الأولين ". عن ابن عباس قال: هبط جبريل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد وقد طرح المسلمون أسلحتهم، وعلى ثنايا جبريل أثر النقع فقال: يا محمد! قد طرحتم أسلحتكم والملائكة تقاتل! من هذا الذي قد حملك على ظهره؟ قال: هذا طلحة بن عبيد الله. قال: أقره السلام، وأعلمه الذي قد حملك على ظهره؟ قال: هذا طلحة بن عبيد الله. قال: أقره السلام، وأعلمه أني لا أراه في هول من أهوال يوم القيامة إلا استنقذته منه؛ من هذا الذي على البحر الذي

تعجب الملائكة من فريه! قال: هذا علي بن أبي طالب. قال: إن هذه المواساة. قال: إنه مني وأنا منه. قال: وأنا منكما. يا محمد! من هذا الذي بين يديك يبقي عليك؟ قال: هذا عمار بن ياسر. قال: حرمت النار على عمار، ملئ عمار إيماناً إلى مشاشه؛ من هذا الذي عن يمينك؟ قال: هذا المقداد. قال: إن الله يحبه ويأمرك بحبه. قال سعيد بن المسيب: كانت راية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد مرط أسود كان لعائشة رضي الله عنها. فذكر الحديث، وفيه: الزبير على الرجال، ويقال: المقداد. وعن أبي كبشة الأنماري قال: لما فتح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة كان الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، وكان لامقداد بن الأسود على المجنبة اليمنى؛ فلما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة وهدأ الناس جاءا بفرسيهما، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح الغبار عن وجههما بثوبه ثم قال: إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهماً، فمن نقصهما نقصه الله. بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية وأمر عليهم المقداد، فلما رجعوا قال: كيف وجدت الإمارة يا أبا معبد؟ قال: خرجت يا رسول الله وأنا كأحدهم، ورجعت وانا أراهم كالعبيد لي. قال: كذلك الإمارة أبا معبد، إلا من وقاه الله شرها. قال: لا جرم، والذي بعثك بالحق، لا أتأمر على رجلين بعدها. وعن محمود بن لبيد قال: نادي: الفزع الفزع ثلاثاً، ثم وقف واقفاً على فرسه حتى طلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديد مقنعاً، فوقف واقفاً، فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرة، وعليه الدرع والمغفر، شاهراً سيفه، فقعد له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لواء في رمحه وقال: امض حتى تلحقك

الخيول إنا على أثرك. قال المقداد: فخرجت وأنا أسأل الله الشهادة، حتى أدرك أخريات العدو وقد آذم بهم فرس لهم، فأقتحم فارسه وردف أحد أصحابه، فآخذ الفرس المذم فإذا مهر ضرع أشقر عتيق، لم يقو على العدو، وقد عدوا عليه من أقصى الغابة فحسر، فأرتبط في عنقه قطعة وتر وأخليه، وقلت: إن مر به أحد وأخذه حثته بعلامتي فيه، فأدرك مسعدة فأطعنه بالرمح فيه اللواء فزل الرمح، وعطف علي بوجهه فطعنني وآخذ الرمح بعضدي فكسرته، وأعجزني هرباً وأنصب لوائي فقلت: يراه أصحابي ويلحقني أبو قتادة معلماً بعمامة صفراء على فرس له، فسايرته ساعة ونحن ننظر إلى دبر ابن مسعدة فاستحث فرسه فتقدم على فرسي، فبان سبقه، وكان أجود من فرسي حتى غاب عني فلا أراه، ثم ألحقه فهذا هو ينزع بردته، فصحت: ما تصنع؟ قال: خير أصنع كما صنعت بالفرس، فإذا هو قد قتل سمعدة وسجاه ببردة. ورجعنا، فإذا فرسي في يد علبة بن زيد الحارثي، فقلت: فرسي وهذه علامتي. فقال: تعال إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعله مغنماً. وخرج سلمة بن الأكوع على رجليه يعدو ويسبق الخيل مثل السبع، قال سلمة: حتى لحقت القوم، فجعلت أراميهم بالنبل وأقول حين أمرمي: خذها وانا ابن الأكوع على خيل من خيلهم، فإذا وجهت نحوي انطلقت هارباً، فأسبقها وأعمد إلى المكان

المعمور فأشرف عليه وأرمي بالنبل إذا أمكنني الرمي وأقول: من منهوك الرجز خذها وأنا ابن الأكوع اليوم يوم الرضع فما زلت أكافحهم وأقول: قفوا قليلاً يلحقكم أربابكم من المهاجرين والأنصار؛ فيزدادون علي حنقاً، فيكرون علي، فأعجزهم هرباً، حتى انتهيت بهم إلى ذي قرد ولحقنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخيول عشاء فقلت: يا رسول الله! إن القوم عطاش، أو ليس لهم ماء دون أحساء كذا وكذا؟ فلو بعثتني في مئة رجل استنقذت مما بأديديهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال النبي: ملكت فأسجح. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم ليقرون في غطفان. فحدثني خالد بن إلياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال: توافت الخيل وهم ثمانية: المقداد، وأو قتادة، ومعاذ بن ماعص، وسعد بن زيد، وأبو عياش

الزرقي، ومحرز بن نضلة، وعكاشة بن محصن، وربيعة بن أكثم. وعن ابن عباس قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد. فقال: ادعوا لي المقداد. فقال: يا مقداد! أقتلت رجلاً قال لا إله إلا الله؟ فكيف بلا إله إلا الله غداً؟ فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ست مؤمناً " إلى قوله: " وكذلك كنتم من قبل "، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمقداد: كان رجلاً مؤمناً يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة قبل. وعن الحارث بن سويد قال: كان المقداد بن الأسود في سرية فحصرهم العدو، فعزم الأمير أن لا يحسر أحد دابته، فحسر رجل دابته، لم تبلغه العزيمة، فضربه فرجع الرجل وهو يقول: ما رأيت كما لقيت قط. على المقداد فقال: ما شأنك؟ وذكر له قصته، فتقلد السيف وانطلق معه حتى انتهى إلى الأمير فقال: أقده من نفسك. فأقاده، فعفى الرجل لا سيف، فرجع المقداد وهو يقول: لأموتن والإسلام عزيز. وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " قال: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو بكر، وعمر،

وعلي، وعبد الله بم مسعود، وعثمان بن مظعون، والمقداد بن الأسود الكندي، وسالم مولى أب حذيفة بن عتبة؛ اجتمعوا في دار مظعون الجمحي، فتواثقوا أن يجبوا أنفسهم وأن يعتزلوا النساء، ولا يأكلوا لحماً ولا دسماً، وأن يلبسوا المسوح، ولا يأكلوا من الطعام إلا قوتاً، وأن يسيحوا في الأرض كهيئة الرهبان؛ فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمرهم، فتى عثمان بن مظعون في منزله فلم يجده في منزله، ولا إياهم، فقال لأمرأه عثمان أم حكيم بنت أبي أمية بن حارثة السلمية: أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ قالت: ما هو يا رسول الله؟ فأخبرها، وكرهت أن تحدث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سألها، وكرهت أن تبدي على زوجها فقالت: يا رسول الله! إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قولي لزوجك وأصحابه إذا رجعوا إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لكم: إني آكل وأشرب، وآكل اللحم والدسم، وأنام، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. فلما رجع عثمان وأصحابه أخبرته امرأته بما خبرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: لقد بلغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا فما أعجبه؟ فذروا ما ركه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونزل فيهم: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما حل الله لكم " قال: من الطاعم والشارب والجماع " ولا تعتدوا " قال: في قطع المذاكر " إن الله لا يحب لمعتدين " قال: للحلال من الحرام. وعن ثابت قال: كان عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود جالسين بتحدثان فقال له عبد الرحمن: ما يمنعك أن تزوج؟ فقال له المقداد: زوجني إنك. قال: فاغلظ له وجبهه، فسكت المقداد عنه. قال: ولم يصب أحداً منهم غم ولا غيظ ولا فتنة إلا شكى ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: وقام المقداد فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرف الغم في وجهه، فقال: ما شأنك يا مقداد؟ قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، كنت عند عبد الرحمن بن عوف جالساً فقال لي: ما منعك يا مقداد أن تزوج؟ فقلت له: زوجني أنت ابنتك، فاإلظ ي وجبهني. فقال له

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكني أزوجك - ولا فخر - ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. قال ثابت: وكان بها من الجمال والعقل والتمام مع قرابتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ضباعة بنت الزبير - وكانت تحت المقداد بن عمرو - قالت: إنما كان الناس إنما يذهبون فرطاليوم والليلة - وفي حديث: اليوم واليومين والثلاثة - فيبعرون كل تبعر الإبل، فلما كان ذات يوم خرج المقداد لحاجته، حتى أتى بقيع الخبجبة، وهو بقيع الغرقد، فدخل خربة لحاجته، فبينا هو جالس إذ أخرج جرذ من حجر ديناراً، فلما يزل يخرج ديناراً ديناراً حتى أخرج سبعة عشر ديناراً، ثم أخرج طرف خرقة حمراء، قال المقداد: فقمت فأخذتها فوجدت فيها ديناراً فقمت ثمانية عشر ديناراً، فاخذتها فخرجت بها حتى جئت بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته خبرها، قال: فقال هل أتبعك يدك الجحر؟ قال: قلت لا والذي بعثك بالحق. قال: لا صدقة فيها، بارك الله لك فيها. قالت ضباعة: فما فني آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد. وعن بريدة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أمرني الله عز وجل بحب أربعة من أصحابي. قال: وأخبرني أنه يحبهم: علي منهم، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد الكندي رضي الله عنهم. وعن علي، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا أن الجنة اشتاقت إلى أربعة من أصحابي. فأمرني ربي أن أحبهم: فانتدب صهيب، وبلال بن رباح، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر؛ فقالوا: يا رسول الله! من هؤلاء الأربعة حتى نحبهم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عمار! أنت عرفك الله المنافقين، وأما هؤلاء الأربعة فأحدهم علي بن أبي طالب، والثاني المقداد بن الأسود الكندي، والثالث سلمان الفارسي، والرابع أبو ذر الغفاري. وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لكل نبي سبعة نقباء نجباء، وإني قد أعطيت أربعة عشر نقيباً: علياً،

وابنيه، وحمزة، وجعفراً، وأبا بكر، وعمر، وابن مسعود، وحذيفة، والمقداد، وسلمان، وعماراً، وأبا ذر، وبلالاً. وفي حديث آخر: وإني أعطيت أربعة عشر وزيراً نقيباً نجيباً، وسبعة من قريش وسبعة من المهاجرين. وعن سلمان قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سلمان! امض إلى فاطمة، فإن لها إليك حاجة. فجئت، فاستأذنت عليها، فإذا هي جالسة في وسط الدار، فلما نظرت إلي تبسمت فقالت: أبشرك يا سلمان! فقلت بشرك الله بخير يا مولاتي. قالت صليت البارحة وردي، فأخذت مضجعي فبينا أنا بين النائمة واليقظانة، إذ بصرت بأبواب السماء قد فتحت، وإذا ثلاثة جوار قد هبطن من السماء، لم أر أكمل منهن جمالاً! فقلت لإحاهن: من أنت؟ قالت أنا المقدودة، خلقت للمقداد بن الأسود الكندي. فقلت للثانية: من أنت؟ قالت: أنا ذرة، خلقت لأبي ذر الغفاري. قلت للثالثة: من أنت فقالت: أنا سلمى خلقت لسلمان الفارسي. فأعجبني جمالهن! قلت: فما لعلي بن أبي طالب منكن زوجة؟ فقلن: مهلاً إن الله عز وجل يستحي منك أن يغيرك في علي بن أبي طالب، فأنت زوجته في الدنيا وزوجته في الآخرة. وعن جبير بن نفير قال: جاءنا المقداد بن الأسود لحاجة فقلنا: اجلس عافاك الله، نطلب لك حاجتك، فجلس فقال: لعجب من قوم مررت بهم آنفاً يتمنون الفتنة! وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن - فرددها ثلاثاً - ولمن ابتلى فصبر. وأيم الله، لا أشهد على أحد أنه من أهل الجنة حتى اعلم على ما يموت عليه، بعد حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لقلب ابن آدم أسرع انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياً.

وعنه قال: جلسنا إلى المقداد بن السود يوماً، فمر به رجل فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت. قال: فاستغضب المقداد، فجعلت أتعجب، ما قال الرجل إلا خيراً! ثم أقبل عليه فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى شيئاً غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟ والله لقد حضر رسول الله حروف أقوام أكبهم الله على من أخرهم في جهنم، لم يعينوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله أن أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم؟ مصدقون لما جاء به نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كفيتم البلاء بغيركم؛ والله لقد بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أشد حال بعث عليه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان يفرق به بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إن كان أرجل ليرى والده أو ولده أو جده كافراً وقد فتح الله قفل قلبه الوالد وولده، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو جده كافراً وقد فتح الله قفل قلبه لإيمان - يعني أنه إن ما يعني الكافر ودخل النار فلا تقر عينه - وهو يعلم أنه مات كان في النار؛ وإنها التي قال الله: " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ". وعن السائب بن يزيد قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص والمقداد بن الأسود، فلم أسمع أحداً منهم يتحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أني سمعت طلحة بن عبيد الله يتحدث عن يوم أحد. وعن كريمة ابنة المقداد عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت: كنت أنا وزوجي المقداد وسعد بن أبي وقاص على فراش، وعلينا خميل واحد. وعن كريمة أن المقداد أوصى للحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب، لكل واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل امرأة منهن بسبعة آلاف درهم، فقبلوا وصيته.

المقدام بن معدي كرب بن عمرو

شرب المقداد بن الأسود دهن الخروع فمات، ولما مات بكى عليه عثمان بعد موته. فقال الزبير بن العوام وقيل ابن الزبير: من البسيط لا ألفينك بعد الموت تندبني ... وفي حياتي مازودتني زادي وكانت وفاة المقداد بالجرف - على ثلاثة أميال من المدينة - فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع، وصلى عليه عثمان بن عفان سنة ثلاث وثلاثين وعرمه سبعون سنة أو نحوها. المقدام بن معدي كرب بن عمرو ابن يزيد بن سيار بن عبد الله بن وهب بن الحارث بن معاوية ويقال: المقدام بن معدي كرب بن يزيد بن معدي كرب بن سلمة ابن عبدك الله بن وهب بن الحارث، أبو كريمة، ويقال أبو يزيد ويقال أبو صالح، ويقال أبو بشر، ويقال أبو يحيى الكندي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم دمشق على معاوية. قال المقداد أبو كريمة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليلة الضيف حق واجب، فمن أصبح بفنائه فهو دين له، إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه.

قال أبو يحيى الكلاعي: أتيت المقدام في المسجد فقلت له: يا أبا يزيد! إن الناس يزعمون أنك لم تر رسول الله حروف. قال: سبحان الله! والله لقد رأيته وأنا أمشي عمي، فاخذ بأذني هذه فقال لعمي: أترى هذا يذكر أمة وأباه؟ فقلنا له: حدثنا بشيء سمعته من رسول الله. فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يحشر السقط إلى الشيخ الفاني، المؤمنون منهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة - وفي رواية: أبناء ثلاثين سنة - في خلق آدم وحسن يوسف، وقلب أيوب، مرداً مكلحين، أولي أفانين. فقلت هل: فكيف بالكافر؟ قال: يعظم للنار حتى يصير جلده أربعين باعاً، وحتى يصير أب من أنيابه مثل أحد. وعن المقدام عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من ترك كلاً فإلى الله ورسوله - وربما قال: فإلينا - ومن ترك مالاً فلوارثه، والخال وارث من لا وارث له، وأنا وارث من لا وارث له، أرثه وأعقل عنه. وفي رواية: والخال وارث من لا وارث له، يفك عنه ويرث ماله. وعن خالد بم معدان قال: وقد المقادم بن معدي كرب وعمرو بن الأسود إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: أعملت أن الحسن بن علي توفي؟ فرجع المقدام، فقال له معاوية: ارتاها مصيبة؟ فقال: ولم لا أراها مصيبة، وقد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجرة فقال: هذا مني وحسين من علي. وعن المقدام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: افلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميراً ولا جابياً ولا عريفاً.

مكحول بن دبر

توفي المقدام بن معدي كرب سنة سبع وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة بالشان. وقيل توفي سنة وثمانين. مكحول بن دبر ويقال ابن أبي مسلم بن شاذل بن سند بن سروان بن بزدك ابن يغوث بن كسرى، أبو عبد الله الكابلي من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل، وقيل لامرأة من قريش - ويقال إنه من الأنباء لم يملك - فقيه أهل دمشق. حدث مكحول عن أم أيمن قالت: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أهله: لا تشرك بالله شيئاً وإن عذبت وحرقت، أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه، لا تترك صلاة عمداً، فإنه من ترك الصلاة عمداً فقد برئت منه ذمه الله؛ إياك والخمر فإنها مفتاح كل شر، إياك والمعصية فإنها كسخط الله، لا تفر يوم الزحف وإن أصاب الناس موتان، لا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك؛ أنفق من طولك على أهل بيتك، ولا ترفع عصاك عنهم، أخفهم في الله عز وجل.

وفي حديث آخر عنه مرسلاً: وإذا كنت في قوم فكثر فيهم القتل والموت فاثبت. وكان مكحول يقول بالقدر، وكان ضعيفاً في حديثه وروايته. وكان مكحول إذا رمى يقول: أنا الغلام الهذلي. كان مولى امرأة من هذيل. وقيل: كان عبداً لسعيد بن العاص، فوهبه لمرأة من هذيل. وقيل: لامرأة من قريش فأعتقته. واختلف في ولائه، فقيل: هو لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، وكان نوبياً. وقيل: إنه من مصر، ويقال: إنه من الفرس، ومن سبي الفرس. وقيل: كان اسم أبيه سهراب. وكان مكحول يكني أبا مسلم، وكان فقيهاً عالماً. وقيل: أصله من هراة، وكان جده شاذل من أهل هراة فتزوج ابنة ملك من ملوك كابل ثم هلك عنها وهي حامل، فانصرفت إلى أهلها فولدت سهراب، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد له مكحول، فلما ترعرع سبي من صثمة فوقع إلى سعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته. وشاذل بذاك معجمة. قال مكحول: كنت لعمرو بن سعيد أو لسعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل بمصر، فانعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم قدمت المدينة المدشنة، فما خرجت منها حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم لقيت الشعبي فلم أر مثله. قال مكحول: عتقت بمصر، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فميا أرى، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بها علماً إلا حويت عيه فيما أرى، ثم أتيت الشام فعربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل، فلم أجد أحداً يخبرني عنه،

حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له زياد بن جارية جالساً على كرسي، فسألته فقال: حدثني حبيب بن مسلمة قال: شهدت رسول الله حروف نفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث. قال مكحول: طبقت الأرض كلها في طلب العلم. قال مكحول: رأيت أنساً فقلت: رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أسلم عليه ولا أسله عن شيء! فسلمت عليه وسألته. قال أبو مسهر: لم يلق مكحول أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنس بن مالك، لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً. قال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام. وعن إسماعيل بن أمية قال: قال لي مكحول: كل ما أحدثك به، أو عامة ما أحدثك به فهو عن سعيد بن المسيب أو الشعبي. قال مكحول: اختلفت إلى شريح ستة أشهر لا أسأله عن شيء، أكتفي بما أسمعه يقضي. كان سليمان بن موسى يقول: إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه، وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه

قال سعيد: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لمامات العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرة بن العاص، صار الفقه في البلدان كلها إلى الموالي، وكان فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم، وفقيه أهل اليمن طاوس، وفقيه أهل السام مكحول، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أه البصرة الحسن، وفقيه أهل الخراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله خصها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن السميب غير مدافع. وكان مكحول رجلاً أعجمياً لا يستطيع أن يقول قل. يقول كل، فكلما قال بالشام قبل منه. قال الخطيب: معناه أنه عندهم مع عجمة لسانه بمحل الأمانة وموضع الإمامة يقبلون قوله، لم يرد أنهم كانوا يحكون لفظه. جلس مكحول وعطاء بن أبي رباح يفتيان الناس، فكان لمكحول الفضل عليه، حتى بلغا جزاء الصيد، فكان عطاء أنفذ في ذلك منه. قال رجاء بن أبي سلمة: سألت الوليد بن هشام عما غيرت النار فقال: إني لست بالذي أسأل. قال: قلت على ذلك؟ قال: كان مكحول وكان ما علمت فقيهاً يتوضأ. فحج فلقي من أثبت له الحديث أنه ليس فيه وضوء، فترك الوضوء. قال مكحول: ما عملت بعد أن سئلت أكثر مما عملت قبل أن أسأل. وعن مكحول: أنه كان إذا سئل لا يحدث حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب.

قال تميم بن عطية الهنسي: كثيراً ما كنت أسمع مكحولاً يسأل فيقول: ندانم. بالفارسية: لا أدري. قيل للزهري: أقتادة أعلم عندكم أم مكحول؟ فقال: لا بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير. قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتاً في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد. وعن مكحول قال: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن إلي القضاء، ولأن ألي القضاء أحب إلي من أن ألي بيت المال. قال مكحول: إن لم يكن في مجالسة الناس ومخالطتهم خير، فالعزلة أسلم. قال مكحول: إن كان الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة. وعن مكحول قال: إياك ورفيق السوء، فإن الشر للشر خلق. قال سعيد بن عبد العزيز: رأيت في خاتم مكحول: رب أعذ مكحولاً من النار. فضة منه. قال مكحول: رأيت رجلاً يصلي، فلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يرائي ببكائه، فأحرمت البكاء سنة. وعن مكحول قال: أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً.

كان مكحول يقول: الله انفعنا بالعلم، وزينا بالحلم، وجملنا بالتقوى، وكرمنا بالعافية. قال أبو هريرة - رجل من أهل الشام -: جلسنا إلى مكحول فرأيناه مغتماً، فأقبلنا نحدثه، فما زادنا على أن قال: بأي وجه تلفون ربكم؟ زهدكم في أمر فرغبتم فيه، ورغبكم في أمر فزهدتم فيه، فبأي وجه تلقون ربكم. قال عمرة بن ميمون: كنت مع أبي ونحن نطوف بالكعبة فلقي أبي شيخ فعانقه أبي، ومع الشيخ - قال - نحو مني، فقال له أبي: من هذا؟ قال: ابني. فقال: كيف رضاك عنه؟ قال: ما بقيت خصلة يا أبا أيوب من خصال الخير إلا وقد رأيتها فيه إلا واحدة. قال: وما هي؟ قال: كنت أحب أن يموت فأوجز فيه. قال: ثم فارقه أبي. قال: فقلت لأبي: من هذا الشيخ قال: هذا مكحول. وعن ابن جابر قال: أقبل يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى مكحول في أصحابه، فلما رأيناه هممنا بالتوسعة له فقال مكحول: مكانكم، دعوة يجلس حيث أدرك، يتعلم التواضع. وعن مكحول قال: أربع من كن فيه كن له، وثلاث من كن فيه كن عليه، أما الأربعي اللائي من كن فيه كن له فالشكر، والإيمان، والدعاء، والآستغفار، قال الله عز وجل: " ما يفعل اله بغذابكم إن شكركتم وآمنتم "؛ وقال الله عز ولح: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "؛ وقال الله عز وجل: " قل ما يعبأي بكم ربي لولا جعاؤكم ". وأما الثلاث اللائي من كن فيه كن عليه: فالمكر والبغي والنكث،

قال الله عز وجل: " ومن كث فإنما ينكث على نفسه " وقال عز وجل: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله "، وقال الله عز وجل: " إنما بغيكم على أنفسكم ". كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الشام: أن انظروا الأحاديث التي رواها مكحول في الديات أن أحرقوها، قال: فأحرقت. كان الزهري ومكحول يقولان: أمروا الأحاديث كما جاءت. قال أبو عبيد مولى يلميان: ما سمعت رجاء بن حيوة يلعن أحداً إلا رجلين: يزيد بن المهلب ومكحولاً. وقال علي بن أبي حملة: كنا بأرض الروم والناس يمرون في الغلس وفينا رجل يقصض يكنى أبا شبية، فدعا فقال فيما يقول: اللهم ارزقنا طيباً، واستعملنا صالحاً. فقال مكحول وهو في القوم: إن الله لا يرزق إلا طيباً؛ ورجاء بن حيوة وعدي بن عدي ناحية لا يعلم بهما مكحول، فقال أحدهما لصاحبه: أسمعت الكلمة؟ قال: نعم. فقيل لمكحول: إن رجاء بن حيوة وعدي بن عدي قد سمعا قولك، فشق ذلك عليه فقال له عبد الله بن يزيد الدمشقي: أنا أكفيك رجاء. فلما نزل الناس العسكر جاء عبد الله بن يزيد حتى دنا من منزل رجاء كأنه يطلب أصحابه، فنظر إليه رجاء - وكان يعرفه - فعدل إليه فقال له: إني أطلب أصحابي. قال: نحن أصحابك. فجاء حتى نزل، فأجرى ذكر مكحول، فقال له رجاء: دع عنك مكحولاً، أليس هو صاحب الكلمة؟ فقال له عبد الله بن يزيد: ما تقول رحمك الله في رجل قتل يهودياً فأخذ منه ألف دينار، فكان يأكل منه حتى مات، أزرق رزقه الله إياه؟ قال رجاء: كل من عند الله. قال علي: وأنا شهدتها حين تكلما. قيل: إن مكحول لم يكن قدرياً. وقيل: كان قدرياً ثم رجع.

وعن مكحول قال: كنا أجنة في بطن أمهتنا فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا أطفالاً هلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا يفعة فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا شباباً فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم جاء الشمط - لا أبالك - فماذا ننتظر. وفي آخر بمعناه: فلن نزل ننتقل من حالة إلى حالة حتى صرنا شيوخاً - لا أبالك - فما ننتظر، أترى هل بقيت لك حالة تنتقل إليها إلا الموت؟ وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن، فيأتيه الله برزقه من قبل سرته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا سقط إلى الأرض استهل قائماً استهلالة إنكار، لمانه وقطع سرته، وحول رزقه إلى ثدي أمه من فيه، ثم حوله بعد ذلك إلى العسي له، ويتناوله بكفه، حتى إذا اتسهل وعقل خاف لرزقه؛ يا بن آدم! أنت في بطن أمك وحجرها يرزقك الله، حتى إذا عقلت ونشئت قلت رزقي؟! فما بعد العقل والسر إلا الموت أو التقل؟ ثم قرأ: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ". كتب الحسن إلى مكحول - وكان نعي له - فكان في كتابه: واعلم رحمنا الله وإياك أبا عبد الله، أنك اليوم أقرب إلى الموت يوم، عيت، ولم يزل الليل والنهار

مكلبة بن حنظلة بن حوية

سر يعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال، هيات هيات، قد صحبا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد قاموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، فأصبح الليل والنهار عضين جديدين. لم يبلهما ما مراً به، مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاباً به من مضى، وأنت نظير إخوانك وأقرانك وأشباهك مثلك كمثل جسد نزعت قوته، فلم يبق إلا حشاشة نفسه، ينظر للداعي فنعود بالله من مقته إيانا فيما نعظ به مما نقص عنه. قال عبد ربه بن صالح: دخل أصحابنا على مكحول في مرضه الذي مات فيه، فقال له: أحسن الله عافيتك يا أبا عبد الله. فقال مكحول: اللحاق بمن ترجو خيره خير من المقام عند من لا تأمن شره. وكان مكحول الغلب عليه الحزن، فدخلوا عليه في مرض موته وهو يضحك، فقيل له في ذلك، فقال: ولم لا أضحك وقد دنا فراق من كنت أحذره، وسرعة القدوم على من كنت أرجوه وأؤمله. توفي مكحول سنة اثنتي عشرة ومئة، وقيل سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة أربع عشرة، وقيل: سنة ست عشرة، وقيل: سنة ثمان عشرة. مكلبة بن حنظلة بن حوية شهد الروم وقال: إني لفي المسيرة - يعني باليرموك - إذ مر بنا الروم رجال على خيل من خيول العرب، لا يشبهون الروم، وهم أشبه شيء بنا، فما أنسى قول قائل منهم: النجاء يا معشر العرب النجاء! الحقوا بوادي القرى ويثرب وهو يقول: من مجزوء الرجز

مكي بن أحمد بن سعدويه

أكل حي منكم مغير نحن لنا البلقاء والسدير هيهات يأتي ذلك الأمير والملك المتوج المحبور قال: فاحمل عليه، وحمل علي، فاضربنا بسيفنا فلم يغنيا شيئاً، ثم إني اعتنقته فخررنا جميعاً واعتركنا ساعة، ثم تحاجزنا. قال: فيضرب بعنقه بادياً منها مثل الشراك، فمشيت إليه، فاعتمدت ذلك الموضع بسيفي، فوالله لقطعته إلى ترقوته. قال: فأقبلت إلى فرسي فإذا هو قد غار، وإذا قومي قد حبسوه علي، فأقبلت حتى أركبه. قال: وجازنا الروم. مكي بن أحمد بن سعدويه أبو بكر البرذعي أحد المحدثين. حدث عن محمد بن يوسف الهروي بسنده إلى جدامة الأسدية قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم. قال ملك: والغيلة أن يصيب الرجل امراته وهي ترضع ولدها. وحدث مكي بن أحمد عن العباس بن محمد بن منصور - يعني الفرنداباذي - بسنده إلى أبي هريرة قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل يدعو بهذه الدعوات. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد دعوت بدعوات ما دعا بهن أحد إلا استجبت له، وهو أن يقول: اللهم أستغفرك وأسألك

مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد

التوبة من مظالم كثيرة لعبادك لعي، اللهم! فأيما خلق من خلقك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها غياه - في ماله أو بدنه أو عرضه أو دمه، قد غاب أو مات، نسيته أو فرطته - عمداً أو خطأ، لا أستطيع أداءها إليه وتحللها منه، فإني أسألك يا رباه يا رباه يا رباه! يا سدياه يا سيداه سا سيداه! أسألك أن ترضهم عني يما شئت وكيف شئت، ثم تهبها لي من لدنك، إنك واسع لذلك كله، واجد له، قادر عليه، يا رب! وما تصنع بعذابي وقد وسعت رحمتك كل شيء، يا رب! وما ينقصك أن تعطيني جميع ما سألتك وأنت واحد، واجد بكل خير، وإنما أمرك لشيء إذا أردت أن تقول له كن فيكون؛ يا رب! وما عليك أن تكرمني بجنتك، ولا تهينني بعذابك، وأنت أرحم الراحمين؛ يا رب! أعطني سؤلي، وأنجز لي موعدي، إنك قلت ادعوني أستجب لكم؛ فهذا الدعاء ومنك الإجابة، غير مستكبر ولا مستنكف، راغب راهب، خاضع خاشع، مسكين راج لثوابه، خائف من عقابه، فاغفر لي إله العاليمن. توفي مكي سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد أبو السكن الحنظلي التميمي البرجمي البلخي قدم الشام ومصر وسمع بهما. حدث عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: خرجنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بير فقال رجل من القوم: أسمعنا يا عامر من هنياتك. فحدا بهم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من السائق؟ قالوا: عامر. فقال: رحمه الله. فقالوا: يا رسول الله! هلا امتعتنا به. فأصيب صبيحة ليلته، فقال القون: حبط عمله،

قتل نفسه، فلما رجعت - وهن يتحدثون أن عامراً حبط عمله - فقال: كذب من قالها، إن له لأجرين اثنين، إنه لجاهد مجاهد، وأي قتيل يزيده عليه؟ وحدث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على النجاشي، فكبر عليه أربعاً. قال مكي بن إبراهيم: رأيت كروماً بالرملة، فقيل لي: هذه كروم من غرس إبراهيم بن أدهم، يتعرف فيها البركة إلى اليوم. توفي مكي بن إبراهيم سنة أربعي عشرة ومئتين، وقيل سنة خمس عشرة، وذكر أنه ولد سنة ست وعشرين ومئة. قال مكي: حججت ستين حجة، وتزوجت ستين امرأة وجاوزت بالبيت عشر سنين وكتبت عن سبعة عشر نفساً من التابعين، ولو علمت أن الناس يحتاجون إلي لما كتبت دون التابعين عن أحد. قال مكي بن إبراهيم: حضرت مجلس بن إسحاق، فإذا هو يروي أحاديث في صفة الله تعالى، لم يتحتملها قلبي، فلم أعد إليه.

مكي بن إبراهيم بن محمد بن سهلان

قال مكي بن إبراهيم: قطعت البادية من بلخ خمسين مرة حاجاً ودفعت في كراء بيوت مكة ألف دينار ومئتي دينار ونيفاً. وكان مكي بن إبراهيم ثقة، مأموناً، ومات وقد قارب مئة سنة. مكي بن إبراهيم بن محمد بن سهلان أبو الحسن الشيرازي الحافظ حدث عن عمر بن القاسم الفرضي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا سقمت المعدة صدرت العروق بالسقم. قيل: إنه مات سنة أربع وثلاثين وأربع مئة. مكي بن جابار بن عبد الله بن أحمد أبو بكر الدينوري القاضي الحافظ حدث عن عبد الرحمن بن عمر بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتقوا النار ولو بشق تمرة. وحدث عن أبي القاسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك مروان القرشي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي.

مكي بن الحسن بن المعافي

وحدث عن محمد بن عوف بسنده إلى مكحول قال: ما من أمة يكون فيها سبعة وعشرون رجلاً فيستغفرون الله كل يوم سبعة وعشرين مرة إلا لم يصب الله تلك الأمة بعذاب العامة. توفي مكي بن جابار سنة ثمان وستين وأربع مئة. مكي بن الحسن بن المعافي ابن هارون بن علي، أبو الحزم السلمي الجبيلي، من أهل جبيل حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده إلى عبد الله بن ظالم المازني قال: كنت إلى جنب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فلما أن خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة. قال عسيد بن زيد: فقام فأخذ بيده فتبعته، فقال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم. قلت: ومنذاك؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أثبت جراء، فإنه ليس ليك إلا نبي أو صديق أو شعيد. قال له: ومن هم يا رسول الله؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك. قال: ثم سكت. قلت: من العاشر؟ قال: أنا. ذكر أبو الحزم أن مولده سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة بجبيل. وقيل سنة أربعين وأربع مئة. وتاوفي سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.

مكي بن عبد السلام بن الحسين

مكي بن عبد السلام بن الحسين ابن القاسم بن محمد، أبو القاسم النصاري المقدسي، والمرعوف بابن الرميلي قدم دمشق سنة خمس وثامنين وأربع مئة. روى عن أبي محمد عبد العزيز بن أحمد النصيبي الزاهد، بسنده إلى إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب. قال: صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل والجراحات وفيها: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المدينة حرام ما بين غير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آدة محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه عدلاً ولا صرفاً، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم. ولد مكي بن عبد السلام في عاشوراء سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة. وقتل شهيداً يوم دخلت الفرنج بيت المقدس في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.

مكي بن محمد بن الغمر

مكي بن محمد بن الغمر أبو الحسن التميمي المؤدب الوراق حدث عن أبي بكر احمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي بسنده إلى أبي هريرة عن أبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فأراد الظهور، لا يضع يده في الإناء حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين باتت يده. وحدث عن أبي الخير أحمد بن علي الحمصي بسنده إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه قال: من البسيط ما مستعير كتابي إنه علق ... بمهجتي وكذلك الكتب بالمهج في حل من نسخه إن شئت تنسخه ... وأنت في حبسه في أضيق الحرج توفي مكي بن محمد سنة ثمن عشرة وأربع مئة في رمضان. وكان ثقة مأموناً. وقيل: سنة اثنتي عشرة. ملحان بن زياد بن غطيف ويقال ملحان بن عطيف بن حارثة بن سعد بن الحشرج ابن امرئ القيس بن عدي بن أخزم أخو عدي بن حاتم الطائي لأمه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخرج إلى الشام مجاهداً، وشهد فتح دمشق، وشهد صفين مع معاوية. وكان ملحان أتى أبا بكر في جماهة من طيئ - خمس مئة أو ست مئة - فقال به: إنا

مليح بن وكيع بن الجراح

أتيناه رغبة في الجهاد وحرصاً على الخير، ونحن الحي الذي تعرف، قاتلناه معكم من ارتد منا حتى أقر بمعرفة كان ينكر؛ وقتاتلنا معك من ارتد منكم حتى أسلموا طوعاً وكرهاً، فسرحنا في آثار الناس، واختر لنا أميراً صالحاً نكون معه. وكان قدومهم على أبي بكر بعد مسير الأمراء كلهم إلى الشام، فقال له أبو بكر: قد اخترت لك أفضل أمرائنا وأقدم المهاجرين هجرة، الحق بابي عبيدة بن الجراح، فقد رضيت لك صحبته، فنعم الرفيق في السفر، ونعم الصاحب في الحضر. وقال ملحان لأبي بكر: رضيت بخيرتك التي اخترت لي. فلحقه بالشام، وشهد معه مواطنه كلها، لم يغب عن يوم منها. مليح بن وكيع بن الجراح ابن مليح بن عدي بن فرس بن حمحمة الرؤاسي الكوفي حدث عن أبيه بسنده إلى إسحاق بن عبد الله القصار قال: سألت نافعاً عن المسح على الخفين فقال: حدثني عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة. قال نافع: فقلت لابن عمر: وإن خرج من البراز؟ قال: وإن خرج من البراز يا بن أم نافع. وحدث عن أبيه بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الذين يقطعون يعني السدر يصبون على رؤوسهم صباً. وروى عن أبيه أيضاً لما قدم المدينة قال: أمرني فصليت في المسجد ركعتين ونحر بقرة أو جزوراً. وحدث عن بكر بن محمد العابد أنه قال: ينبغي أن يكون المؤمن من السخاء هكذا. وحثا بيديه. ومليح: بفتح الميم وكسر اللام، توفي سنة تسع وعشرين ومئتين. وكان ثقة.

ممطور أبو سلام الأعرج

ممطور أبو سلام الأعرج الأسود الحبشي ينسب إلى حي من اليمن لا إلى الحبشة، من أهل دمشق، بطن من حمير. حدث عن أبي أمامة عن رسول الله حروف أنه قال: ثلاثة لا يقبل منهم صرف ولا عدل: عاق، ومنان ومكذب بقدر. وحدث عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن حوضي كما بين عدن إلى عمان، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك أكاويبه كنجوم السماء، من شرب مه شربة لم يطمأ أبداً؛ وأكثر الناس وروداً عليه يوم القيامة المهاجرون. قلنا: من هم يا رسول الله؟ قال: الشعث رؤوساً الدنس ثياباً، الذين لا ينكحون المتمنعات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، الذين يعطون الحق الذين عليهم ولا يعطون كل الذي لهم. وفي رواية أخرى: ا، عمر بن عبد العزيز بعث إلى أبي سلام فحمل على البريد، فلما قدم قال: يا أمير المؤمنين! لقد شق علي محمل البريد. وحدثه حديث ثوبان. وفي آخره: فقال عمر بن عبد العزيز: لا جرم، لقد فتحت لي أبواب السدد، ونكحت المتمنعات فاطمة بنت عبد الملك، إلا أن يرحمني الله، لا جرم لا أدهن رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جلدي حتى يتسخ. انتقل أبو السود من حمص إلى دمشق وقال: البركة تضعف فيها مرتين.

منبه بن عثمان اللخمي الدمشقي

ويقال أبو سلام النوبي أيضاً، بنون مضمومة باء موحدة. قال أبو سلام: كنت إذا قدمت بيت المقدس نزلت على عبادة بن الصامت، فدخلت المسجد، فوجدته وكعباً جالسين، فسمعت كعباً يقول: إذا كانت سنة ستين فمت كان عزباً فلا يتزوج. قيل لأبي مسهر: فسمع من كعب؟ قال: نعم. منبه بن عثمان اللخمي الدمشقي حدث عن الأوزعي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا سها أحكم في صلاته فلا يدري أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس. وحدث منبه بن عثمان عن ثور بن يزيد بنده إلى النعخان بن بشير قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحلال بين والحرام بين وبين الحلال والحرام أمور مشتبهات، لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام، يدعهن المرء، يكون أشد استبراء لعرضه ودينه، ومن يقع فيهن يوشك أن يقع في الحرام، كمن يرتع إلى جانب الحمى يوشك أن يرتع في الحمى، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه. توفي منبه بن عثمان بعد سنة اثنتي عشرة بيسير، وولد سنة ثلاث عشرة ومئة. منتصر بن أبي الدرداء ذكر أن رجلاً أرسل بنتاً له في حاجة إلى السوق، فلقيها رجل صوفي، فسألها أن تكشف وجهها، فأبت، فقال: بحبك له إلا كشفت جهك. فكشفته صاح الصوفي ووقع مغشياً عليه. وجاءت الجارية إلى أبيها مذعورة فسألها عن قصتها؟ فأخبرته فأدركته الغيرة فقال قومي اسجري التنور. فسجرته، حتى إذا حمي قال لها أبوها:

منتصر بن عبد الله الدمشقي

بحبك له إلا ألقيت نفسك فيه. فاقتحمت فيه، وغط التنور عليها، حتى إذا ذهب عنه ما كان فيه قام فكشف عنها، فوجدها جالسة تمسح العرق عن وجهها، فقال لها: اخرجي يا محبة ربها. منتصر بن عبد الله الدمشقي حدث عن محمد بن عبد الله النيسابوري، عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول لينس بن عبد الأعلى: يا أبا موسى! عليك بالفقه، فإنه كالتفاح الشامي يحمل من عامه. منجى بن سليم بن عيسى بن نسطورس أبو منصور الصوري الكاتب حدث سنة وستين وأربع مئة عن أبي محمد الحسن بن محمد بن أحمد بن جميع، بسنده إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله. ولد سنة أربع وأربع مئة منخل بن منصور الجهني المشجعي نزيل عكا. حدث عن محمد بن حمير بسنده إلى عمران بن الحصين قال: قال رسول الله حروف: من غزا في البحر غزوة في سبيل الله - والله أعلم بمن يغزو في سبيله - فقد أدى إلى الله طاعته كلها، وطلب الجنة كل مطلب، وهرب من النار كل مهرب. وحدث عن مروان بن معاوية بسنده إلى عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشرب قائماً وقاعداً، ويصلي حافياً ومنعلاً، وينصرف عن يمينه وشماله في الصلاة، ويصوم في السفر ويفطري.

المنذر بن الجارود بن عمرة بن حنش

وحدث منخل المشجعي قال: رأيت في المنام قائلاً يقول لي: إن أردت أن تدخل الجنة فقل كما يقول مؤذن أفيق. قال: فصرت إلى أفيق، فلما أذن المؤذن قمت إليه فسألته عما يقول إذا أذن؟ فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد بها مع الشاهدين وأحملها عن الجاحدين، وأعدها ليوم اليدن، وأشهد أن الرسول كما أرسل، وأو القرآن كما أنزل، وأن القضاء كما قدر، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، عليها أحيا وعليها أموت، وعليها أبعث إن شاء الله. المنذر بن الجارود بن عمرة بن حنش ويقال: الجارود بن المعلى، ويقال: ابن العلاء، ويقال: إن الجارود لقب، واسمه بشر بن عمرة بن حنش بن المعلى، واسم المعلى الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة بن عوف بن أنمار. ويقال: اسم الجارود مطرف وإنما سمي الجارود لقوله: كما جرد الجارود بكر بن وائل وهو أشعث، ويقال أبو غياث، ويقال أبو الحكم العبدي، ولد على عهد

سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولأبيه الجارود صحبه، وقتل غازياً في خلافة عمر بأرض فارس - بعافية سنة إحدى وعشرين. ووفد المنذر على معاوية، وكان من وجوه أهل البصرة، وكان من أصحاب علي عليه السلام. وولي إصطخر من قبله. روت دقرة قالت: بينا أنا أطوف مع عائشة رضي الله عنها بالبيت إذ قالت لي: ناوليني ثوباً. فناولتها ثوباً فيه تصليب فقالت لي: إنا آل محمد لا نلبس ثوباً فيه تصليب. ودقرة هذه بنت من عبد القيس، وابناها عبد الله وعبد الرحمن ابنا أذنية، وكان عبد الرحمن قاضياً لابن زساد، وقضى للحجاج بالبصرة، وأخوة عبد الله بن أذنية كان لمصعب بن الزبير على فسا ودار بجردا، وهو الذي مشى في صلح بني تميم وربيعة والأزد أيام مسعود، وكان المنذر بن الجارود هطب دقرة هذه فخاف ابناها أن تزوجه فلم تفعل. قال الأصمعي: وقد الأحنف والمنذر بن الجارود على معاوية، فتهيأ المنذر في اللباس والخيل الجياد، وخرج الأحنف على قعود، وعليه بت، فكلما مر المنذر قال الناس: هذا

لأحنف بن القيس! فقال المنذر: أراني إنما تزينت لهذا الشيخ. وإنما سني الجارود لأن بلاد عبد القيس أسافت حتى بقيت للجارود شلية - والشلية: هي البقية - فبادر بها إلي أخواله من بني هند من بني شيبان، فأقام فيهم وإبله جربه، فأعدت إبلهم فهلكت، فقال الناس: جردهم بشر. فسمي الجارود. وقال الشاعر: من الطويل جردناهم بالبيض من كل جانب ... كما جرد الجارود بكر بن وائل وأم الجارود رملة بنت رويم أخت يزيد بن رويم أبو حوشب بن يزيد الشيباني. وكان الجارود شريفاً في الجاهلية، وكان نصرانياً فقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم في الوفد فدعاه إلى الإسلام، فقال الجارود: إني كنت على دين وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا ضامن لك أن قد هداك الله إلى ما هة خير منه. ثم أسلم الجارود وحسن إسلامه، وكان غير مغموص عليه، وكان الجارود قد أدرك الردة، فلما رجع قومه مع المعرور بن المنذر بن النعمان قام الجارود فشهد شهادة الحق ودعا إلى الإسلام. وله من الولد المنذر وحبيب وعتاب، وأمهم أمامة بنت النعمان من الحصفات من جذيمة. وكان ولده أشرافاً. وكان المنذر بن الجارود سيداً جواداً ولاه علي بن أبي طالب عليه السلام إصطخر. فلم يأته أحد إلا وصله، ثم ولاه عبيد الله بن زياد ثغرة الهند، فمات سنة إحدى وستين، أول سنة إحدى وستين، وهو ابن ستين سنة.

المنذر بن الزبير بن العوام بن خويلد

وقيل: إنه قتل في ولاية الحجاج، ولما ولاه عبيد الله بن زياد ثغر السند وخرج شعية عبيد الله، فتعلق لواؤه بشيء فاندق، فقال عبيد الله: إنه لله، لا يرجع والله المنذر إليكم أبداً، فمات بقصدار من أرض الهند، ولم تكن المنصورة أحدثت إذ ذاك، إنما أحدثها الحكم بن عوانة الكلبي فقال لأصحابه الشاميين: ما اسمها؟ قالوا: تدمر. فقال: دمر الله عليكم، بل اسمها المنصورة، فسميت بذلك. المنذر بن الزبير بن العوام بن خويلد ابن أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو عثمان القرشي الأسدي وأمه أسماء ذات النظاقين بنت أبي بكر وفد على معاوية، وغزا القسطنطينية مع يزيد بن معاوية، ووفد على يزيد بن معاوية قبل الحرة. وعن عبد الله بن زمعة: أنه كان ممن غزا القسطنطينة في ثلاثين رجلاً من قومه. قال: فأرسل إلينا حكيم بن حزام، فأتيناه وفينا المنذر بن الزبير وعبد الله بن وهب، وهو كثير المال فقال له: إني جعلت مالاً في سبيل الله، وإني أردت ان أبدأ بكم لقرابتكم وحركتكم. فقال له المنذر - وهو كثير المال -: ما أنت بالرجل يرد عيه عطاؤه. فقال: بارك الله فيك، والله ما عملت إنك لأحسن بني أبيك وجهاً، أعطني يدك. فأعكاه يده، فاخذها فقبلها ووضعها على وجهه وقال: إنه كما قلت فدعا بثلاثين صرة، في كل صرة ثلاث مئة، فدفع إلى كل رجل صرة. كان المنذر الزبير غاضب عبد الله بن الزبير فخرج إلى الكوفة، ثم قدم على معاوية قبل ووفاته، فاجازه بألف ألف درهم، وأقطعه موضع داره بالبصرة بالكلاء التي

تعرف بالزبير؛ وأقطعه موضع ماله بالبصرة الذي يعرف بمنذران، ومات معاوية وهو عنده قبل أن يقبض جائزته. وأوصى معاوية أن يدخل المنذر في قبره، فكان أحد من نزل في قبر معاوية، فلما أراد يزيد بن معاوية أن يدفع الجائزة إلى المنذر قيل له: تعطي المنذر هذا المال وأنت توقع خلاف أخيه لك، فتعنيه به عليك! فقال: أكره أن أرد شيئاً فعله أبي. فقيل له: أعطه ثم استسلفه منه، فإنه لا يردك عنه. فدفعه إليه ثم استسلفه منه، فأسلفه، فكان ولد المنذر يقبضون ذلك لمال بعد من ولد يزيد بن معاوية. قال مصعب بن عثمان: فأدركت صكاً في تب محمد بم المنذر بمئتي ألف درهم بقية ذلك المال. كانت دار المنذر بن الزبير التي في الكلاء وسوق الطير، وداره التي تعرف بالهراوة لسمرة بن جندب، فقال المنذر لمعاية: والله يا أمير المؤمنين لقد حان سمرة. فقال سمرة: يا أمير المؤمنين! مالي بالبصرة قيمة كيلو كذا. قال المنذر: فأنا آخذ ماله بالبصرة بمثة ألف درهم. فقال سمرة: قد قبلت. قال المنذر: اغد على مالك فاقبضه. فأعطاه مئة ألف درهم، وصارت الدور للمنذر بن الزبير. قدم المنذر بن الزبير من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية، رقاق عتاق، بعد ما كف بصرها؛ قال: فلمستها بيدها ثم قالت: أف، ردوا عليه كسوته. فشق ذلك عليه وقال: يا أمه! إنها لا تشف. قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف، فاشترى لها ثياباً مروية وقوهية فقبلتها وقالت: مثل هذا فاكسني. زوجت عائشة المنذر بن الزبير حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الرحمن غائب، فلما قدم بعثت إليه رسولها فحجبه، ثم أتته فحجبها. قال ابن أبي مليكة: فأخبرتني عائشة، فقتل لها: تريدن أن تلقينه؟ قالت: وددت. قال: قلت إنه

الآن يأتي فيطوف، فإذا فرغ من طوافه أتى الحجر ليصلي فيه، فكوني فيه. حتى إذا أتى الحجر ليصلي فيه فأخذت بثوبت فقالت له: أي أخي! قدمت، فبعثت رسولي فحجبته، وجئت إليك فحجبتني، أرغبت عن ابن الزبير؟ قال: إني لا أرغب عنه، ولكنك قضيت علي بشيء لم تشاوريني فيه. قالت: مفا الذي تريد؟ قال: أريد أن يجعل أمرها بيدي. فبعثت إلى ابن الزبير فأعلمته بذلك. قال: قد جعلت أمرها بيده. فأخرته بذلك. قال: قد أجزت ما صنعته. فوالله ما أعدى ولا أجدى بشيء. وخلف على حفصة بعد المنذر حسين بن علي بن أبي طالب. تزوج الحسن بن علي حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان المنذر بن الزبير قد هو بها فأبلغ الحسن عنها شيئاً، فطلقها الحسن، فخطبها المنذر، فأبت أن تزوجه وقالت: شهر بي. فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها فرقى إليه المنذر أيضاً شيئاً، فطلقها، ثم خطبها المنذر، فقيل: تزوجيه، فيعلم الناس أنه كان يعضهك. فتزوجته، فعلم الناس أنه كذب عليها، فقال الحسن لعاصم بن عمر: انطلق بنا حتى نستأذن المنذر فندخل على حفصة، فاستأذناه فشاور أخاه عبد الله بن الزبير فقال: دعهما يدخلان عليها. فدخلا فكانت إلى عاصم أكثر نظراً منها إلى الحسن، وكانت إليه أنشط في الحديث، فقال الحسن للمنذر: خذ بيدها. فأخذ بيدها، وقام الحسن وعاصم فخرجا، وكان الحسن يهواها، وإنما طلقها لما رقى إليه المنذر، فقال الحسن وعاصم فخرجا، وكان الحسن يهواها، وإنما طلقها لما رقي إليه المنذر، فقال الحسن يوماً لابن أبي عتيق - وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر وحفصة عمته -: هل لك في العتيق؟ قال: نعم. فخرجا، فمرا على منزل حفصة، فدخل إليها الحسن، فتحدثا طويلاً ثم خرج، ثم قال بعد ذلك بأيام لابن أبي عتيق: هل لك في العتيق؟ قال: نعم. فخرجا، فمرا بمنزل حفصة، فدخل الحسن، فتحدثا طويلاً، ثم خرج ثم قال الحسن مرة أخرى لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ فقال: يابن أم! ألا تقول: هل لك في حفصة.

كتب يزيد بن معاوية للمنذر بن الزبير: إلى عبيد الله بن زياد بإنفاذ قطائعه، فأنفذها له عبيد الله وأقطعه زياد فيها، وورد على يزيد بن معاوية خلاف عبد الله بن الزبير له وإباؤه بيعته، فكتب إلى عبيد الله بنم زياد أن عبد الله بن الزبير أبي البيعة وصار إلى الخلاف، وقبلك أخوه المنذر فاستوثق منه وابعث به إلي. فورد كتابه على عبيد الله بن زيا بذلك، فأخبر المنذر بما كتب به يزيد وقال: اختر مني إحدى خلتين: إن شئت اشتملت عليك، ثم كانت نفسي دون نفسك؛ وإن شئت فاذهب حيث شئت، وأما أكتم الكتاب ثلاث ليال، ثم أظهره وأطلبك، فإن ظفرت بك بعثتك إليه. فاختار أن يكتم الكتاب ثلاث ليال. ففعل، وخرج المنذر، فأصبح بمكة صبح ثامنة من اللالي، فقال بعض من يزجر معه: من مجزوء الرجز فاستن قبل الصبح ليلاً مبكراً حتى إذا الصبح انجلى فأسفرا أصبحن صرعى بالكثيب حسرا لو يتكلمن شكون المنذرا فسمع عبد الله بن الزبير صوت المنذر على الصفا وابن الزبير في المسجد الحرام فقال: هذا أبو عثمان حاشته الحرب إليكم. وقال: من الطويل جررت على راجي الهوادة منهم ... وقد تلحق المولى العنود الجرائر قال محمد بن الضحاك: كان المنذر بن الزبير وثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلان أهل الشام

بالنهار ويطعمانهم بالليل؛ قال: وكان منذر يقاتل مع أخيه عبد الله بن الزبير جيش الحصين بن نمير في الحصار الأول ويرتجز ويقول: من مجزوء الرجز يأبى الحواريون إلا وردا من يقتل اليوم يزود حمدا قال: وجعل يقاتل يوم قتل ويقول: من مجزوء الجرز لم يبق إلا حسبي وديني وصارم تلتذه يميني وهو على أبي قبيس، وابن الزبير محتبي في المسجد الحرام، ينظر إليه وهو لا يسمع رجز المنذر ويقول: هذا رجل يقاتل عن حسبه ودينه. فقيل: المنذر. فما زاد عبد الله على أن قال: عطب أبو عثمان. وقتل المنذر وهو ابن أربعين سنة، وقيل: إن رجلاً من أهل الشام دعا المنذر إلى المبارزة، وكان كل واحد منهما على بغلة، فخرج إليه المنذر فضرب كل واحد منهم أصاحبه ضربة خر صاحبه لها ميتاً. وقال رجل من الهرب يرثى المنذر بن الزبير ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، قتلا في حصار الحصين بن نمير: من الكمال إن الإمام ابن الزبير فإن أبي ... فذروا في بني الخطاب لستم لها أهلاً ولستم مثله ... في فضل سابقة وفضل خطاب وغدا النعي بمصعب وبمنذر ... وكهول صدق سادة وشباب قتلوا غداة قعيقعان وحبذا ... قتلاهم قتل ومن أسلاب

المنذر بن العباس بن نجيع القرشي

قتلوا حواري النبي وحرقوا ... بيتاً بمكة ظاهر الأثواب أقسمت لو أني شهدت فراقهم ... لاخترت صحبتهم على الأصحاب وقالت بنت هبار بن الأسود في قتل أخيها إسماعيل بن هبار: من البسيط قل لأبي بكر الساعي بذمته ... ومنذر مثل ليث الغابة الضاري شدا فدى لكما أمي وما ولدت ... لا توصلني إلى المخزاة والعار أبو بكر: عبد الله بن الزبير، ومنذر بن الزبير. المنذر بن العباس بن نجيع القرشي الدمشقي قال أبو حاتم سمعت المنذر بن العباس الدمشقي يتمثل: من مجزوء الكامل إن المنايا يطلع ... ن على أناس آمنينا فتذورهم شتى وقد ... كانوا جميعاً وافرينا منذر بين عبيد المدني حدث عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم بن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكسفت الشمس يومئذ فقال الناس: هذا لموت إبراهيم! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الشمس لا تنكسف لموت أحد ولا لحياته. ومات يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة عشر. قال المنذر بن عبيد: كنت لدى عمر بن عبد العزيز بدابق، إذا أتم الصلاة جمع بالناس، وإذا صلى ركعتين لم يجمع، إلا أن يمر على مدينة يجمع فيها.

المنذر بن يعلى أبو يعلى الثوري الكوفي

المنذر بن يعلى أبو يعلى الثوري الكوفي حدث عن محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب قال: كنت رجلاً مذاء فكرهت أن أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله فقال: فيه الوضوء. قال أبو يعلى: رآني ربيع خثيم وأنا تعجبني الصحف، فقال: يا أبا يعلى، ألا أطرفك بصحيفة عليها خاتم من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثم قرأ: " تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ". قال منذر الثوري: لزمت محمد بن الحنفية حتى قال بعض ولده: لقد غلبنا هذا النبطي على أبينا. وعن منذر قال: كل مالاً يبتغى به وجه الله يضمحل. قدم المنذر جمشق في صحبة محمد بن الحنفية، وكان قدومه على يزيد بن معاوية. منصور بن بشير أبي مزاحم أبو نصر التركي الكاتب مولى الأزد سمع بدمشق وبغيرها. حدث عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة، عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا فاطمة في مرضه الذي توفي فيه، فقال لها قولاً فبكت مه، ثم قال لها فضحكت. قالت عائشة: فسألتها فقالت: أول القول قال لي: إنه ميت من وجعه. فبكت، ثم قال: إنك أول من يلحق بي في الجنة، فضحكت.

منصور بن جعونة بن الحارث العامري

وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى أنس بن مالك، أن رسول الله حروف قال: ما من بلد إلا سيدخله الدجال إلا الحرمين: مكة والمدينة؛ ما من نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسون، فيسير حتى يأتي السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى فيها كافر ولا منافق إلا خرج إليه. كان أبو نصر من سبي الترك، وكان له ديوان فتركه؛ وكان ثقة صاحب سنة. وتوفي ببغداد سنة خمس وثلاثين ومئتين وهو ابن ثمانين سنة أو أكثر. منصور بن جعونة بن الحارث العامري وقد على عمر بن عبد العزيز. حدث نوفل بن الفرات: أن عمر استعمل جعونة بن الحارث على ملطية، فغزا، فأصاب وغنم ووفد ابنه على عمر، فلما أخبره الخبر قال له عمر: هل أصيب من المسلمين أحد؟ قال: لا، إلا رويجل. فغضب عمر وقال: رويجل! رويجل! مرتين؛ تجيئوني بالشاة والبقرة. ويصاب رجل من المسلمين؟! لا تلي لي أنت ولا أبوك عملاً ما كنت حياً. كان منصور بن جعونة عاملاً على الردها في آخر خلافة بني أمية، فامتنع من بيعة بني العباس، فحصره المنصور وهو عامل للسفاح على الجزيرة، فلما فتح الرها هرب منصور ثم أومن فظهر، فلما خلع عبد الله بن علي أبا جعفر ولاة شرطته، فلما هرب عبد الله إلى البصرة اختفى منصور، فدل عليه في سنة إحدى وأرعبين ومئة، فأتى به المنصور فقتله، وقيل إنه أومن من بعد هروب عبد الله فظهر، ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الإسلام فقتله لذلك.

منصور بن جمهور بن حصن

منصور بن جمهور بن حصن ابن عمرو بن خالد بن حارثة الكلبي، من قرية المزة خرج مع يزيد بن الوليد، وولاه يزيد العراقين، وجمع له المصرين: الكوفة والبصرة، وكان ممن سعى في قتل الوليد بن يزيد. وكان قدرياً ثم صار خارجياً، وكان أعرابياً جافياً غيلاني أن ولم يكن من أهل الدين، وإنما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية، وحمية لقتل يوسف بن عمر خالد القشري، فشهد لذلك قتل الوليد، فقال يزيد له لما ولاه العراق: قد وليتك العراق فسر إليه، واتق الله، واعلم أني إنما قتلت الوليد لفسقه، ولما أظهر من الجور، فلا ينبغي أن تركب مثلما قتلناه عليه. فدخل على يزيد بن الوليد يزيد بن حجرة الغساني - وكان ديناً فاضلاً ذا قدر في أهل الشام، قد قاتل الوليد ديانة، فقال: يا أمير المؤمنين! أوليت منصوراً العراق؟ قال: نعم، لبلائه وحسن معونته. قال: يا أمير المؤمنين! إنه ليس هنالك في أعرابيته وجفائه في الدين. قال: فإذا لم أول منصوراً في حسن معاونته فمن أولي؟ قال: تولي رجلاً من أهل الدين والصلاح، والوقوف عند الشبهات، والعلم بالأحكام والحدود، ومالي لا أرى أحداً من قيس يغشاك، ولا يقف ببابك؟ قال: لولا أنه ليس من شأني سفك الدماء لعاجلت قيساً، فوالله إلا ذل الإسلام. ولما غزل منصور بن جمهور عن العراق أتى السند، فغلب عليها، ونزل العسكر، وسماها المنصورة؛ وتوجه إليه أبو العباس موسى بن كعب لقتاله في سنة أربع وثلاثين ومئة، فلقيه فهزمه ومن كان معه، فمضى ومات عطشاً بالرمال. وقيل أصابه بطن، ورحل خليفة منصور لما بلغته الهزيمة بعيال منصور وثقله وعدة من ثقاته، فدخل بهم بلاد الخزر.

منصور بن رامش بن عبد الله بن زيد

منصور بن رامش بن عبد الله بن زيد أبو نصر النيسابوري قدم دمشق وحدث بها. روى عن علي بن عمر بن مهدي الحافظ بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. توفي منصور بن رامش شنة سبع وعشرين وأربع مئة، وكان رجلاً من الرجال، وداهية من الدهاة، تولى رياسة نيسابور في أيام محمود، فعدل وأنصف، وعرض عليه الأمير مسعود بن محمود الوزارة فأبى، فقلده رياسة نيسابور ثانياً، فلم يتمكن في زمانه من العدل والإنصاف، كما كان في زمان محمود، فاستعفى وقعد في البيت وأجد في العبادة. وكان ثقة. منصور بن سعيد بن الأصبغ ويقال منصور بن زيد الكلبي شاعر. حدث عن دحية بن خليفة أنه خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، ذلك ثلاثة أميال في رمضان، تم إنه أفطر وأفطر معه الناس، وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً وما كنت أظن أني أراه، أن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يقول ذلك للذين صاموا. ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك.

منصور بن عبد الله أبو القاسم الوراق

منصور بن عبد الله أبو القاسم الوراق حدث عن علي بن جابر بن بشر الأودي بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان فيمن كان قبلكم رجل مسرف على نفسه، وكان مسلماً، كان إذا أكل طعامه طرح ثقالة طعامه على مزبلة، فكان يأوي إليها عابد، فإن وجد كسرة أكلها، وإن وجد بقلة أكلها، وإن وجد عرقاً تعرقه. قال: فلم يزل كذلك حتى قبض الله عز وجل ذلك الملك فأدخله النار بذنوبه، فخرج العابد إلى الصحراء مقتصراً على مائها وبقلها، ثم إن الله عز وجل قبض ذلك العابد، فقال: هل لأحد عندك معروف تكافئه؟ قال: لا يا رب. قال: فمن أين كان معشك؟ - وهو اعلم بذلك - قال: كنت أوي إلى مزبلة ملك، فإن وجدت كسرة أكتلها، وإن وجدت بقلة أكتلها، وإن وجدت غرقاً ترعفته؛ فقبضته فخرجت إلى البرية نقتصراً على بقلها ومائها. فأمر الله عز وجل بذلك الملك فاخرج من النار حممة وفي رواية: جمرة تنفض - فأعيد مكانه كما كان، فقال: يا رب! هذا الذي كنت آكل من مزيلته. فقال الله عز وجل له: خذ بيده فأدخله الجنة، من معروف كان منه إليك لم تعلم به. أما لو علم به ما أدخلته النار. منصور بن عبد الله بن إبراهيم أبو نمصر الأصبهاني الصوفي حكى عن إبراهيم بن المولد قال: دخلت على إبراهيم القصار وهو يبكي فقلت له: مالك؟ فقال: تذكرت أيامي التي كنت فيها ف يمحل البسط وحال الأنس، وقيامي ببعض ما أوجب الله علي من حقوقه ففترت وعجزت، وأنا أدافع النهار بالليل، والليل بالنهار، وأخشى أن أكون قد سقطت م عين الله عز وجل، فبعدني من بابه، وصرت من المطرويدن؛ وأنشأ يقول: من الطويل

منصور بن علي بن منصور بن طاهر

إذا كنت تجفوني وأنت ذخيرتي ... وموضع شكواي فما أنا صانع نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هرتني إليك المضاجع أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع منصور بن علي بن منصور بن طاهر ابن محمد بن إسحاق أبو الحسني الهروي الواعظ حدث بدمشق، ذكر أنه من ولد خالد بن الوليد وليس كذلك. حدث عن أبي علي أحمد بن محمد بن منصور الخالدي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول لله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا. وأنشد المبرد في هذا المعنى من الكامل: امهد لنفسك في الحياة فإنما ... يبقى غناك لمصلح أو مفسد فإذا جمعت لفاسد لم يبقه ... وأخو الصلاح قليله لتزيد وحدث بمعرة النعمان سنة خمس وعشرين وأربع مئة، عن أب يعلي أحمد بن محمد بن منصور بن خالد بن عبد الله الخالدي، بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة. منصور بن علوان بن وهبان أبو الفتح السلمي الصيداوي المؤدب أديب حاسب، له شعر حسن، وكان كثير التبذل، يحضر مقام المصارعين، ويجلس في حلق الطرقيين. ولد بصيدا سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة وكان شافعي المذهب وله: من السريع

منصور بن عمار بن كثير

لو أن لي مالاً وجاهاً لما ... قصر في إكرامي الناس لكنها الأيام لما سطت ... ومسنى ضر وإفلاس رماني الدهر بأحداثه ... كأنني للدهر برجاس وأظهر الإخوان لي جفوة ... وبان ليم منبرهم ياس إن غبت لا يسأل عني وإن ... حضرت لا يرفع بي راس توفي أبو الفتح سنة ستين وخمس مئة بدمشق. منصور بن عمار بن كثير أبو السري السلمي الخراساني الواعظ حدث عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعيته المكاسب فعليه بمصر، وعليه بالجانب الغربي منها. وحدث عنه بسنده إلى أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن السباع. والسباع: المفاخرة بالجماع. وحدث عنه بسنده إلى عقبة بن عامر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كل طعام لا يذكر أسن اله عليه فإنما هو داء، ولا بركة فيه، وكفارة ذلك - إن كانت المائدة موضوعة - أن تسمي وتعيد يدك؛ كانت قد رفعت أن تسمي الله وتعلق أصابعك. قدم منصور بن عمار مصر وجلس يقص، فسمع الليث بن سعد كلامه، فاستحسن قصصه وفصاحته، فقال له الليث: ما لاذي أقدمك بلادنا؟ قال: طلبت

أكسبت بها ألف دينار. قال له الليث: فهي لك على قص كلامك هذا الحسن، ولا تبتذل. فأقام بمصر في جملة الليث بن سعد وفي جرايته إلى أن خرج عن مصر، فدفع له الليث ألف يدنار ودفع إليه بنو الليث أيضاً ألف دينار، فخرج وسكن بغداد ومات يها. ودخل منصور بن عمار العراق، وأقام بها؛ أوتي الحكمة، وكان سبب ذلك أنه وجد رقعة في الرض، مكتوب عليها بسم الله الرحمن الرحيم، فأخذها فلم يجد لها موضعاً فأكلها، فأوي فيما يرى النائم كأن قائلاً قال له: قد فتح عليك باب الحكمة باحترامك لتلك الرقعة. فكان بعد ذلك يتلكم بالحكمة. وكان منصور بن عمار من الواعظين الأكابر. قال منصور بن عمار: من جزع من مصائب الدنيا تحولت مصيبة في دينه. وقال منصور: أحسن لباس العبد التواضع والإنكسار؛ وأحسن لباس العارفين التقوى، قال الله تعالى: " ولباس التقوى ذلك خير " قال منصور بن عمار: قال لي رجل بالشام: يا أبا السري، عندنا رجل عائد من واسط، لا يأكل إلا من كديده، من سف الخص، ورو رأيته لوقذك النظر إليه، فهل لك أن تمضي بنا إليه؟ قلت: نعم. فأتينا فدققنا بابه فخرج وسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك. فدخلنا وإذا رجل يرى به الآخرة، وإذا قبر محفور، ووصيته قد كبها في الحائط، وكساؤه قد أعده لكفنه، فقلت: أي موقف لهذذا الخلق؟ قال: بين يدي من؟ فصاح وخر لوجهه، ثم أفاق من غشيته، فقال له صاحبي: يا أبا عباد؟ هذا منصور بن عمار. فقال: مرحباً بأخي، ما زلت إليك مشتاقاً

قال: وأراه صافحني - أعلمك أن بي داء قد أعيا المتطلب بين قبلك قديماً، فهل لك أن تتأتى به برفقك، وتلصق عليه بعض مراهمك، لعل الله أن ينفع بك؟ قلت: وكيف يعالج مثلي مثلك، وجرحي انغل من جرحك؟! فقال: وإن كان ذاك كذلك فإني مشتاق منك إلى ذلك. قلت: أما إذا أبيت، فلئن كنت تمسكنت باحتقار قبرك في بيتك، وبوصية رسمتها بعد وفاتهك، وبكفن أعددته ليوم منيتك فإن لله عباداً اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قال: فصاح صيحة ووقع في قبره، وجعل يفحص برجليه وبال، فعرفت بالبول ذهاب عقله، فخرجت إلى طحان على بابه فقلت: ادخل فأعنا على هذا الشيخ؛ فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته، فقال لي الطحان: ويحك، ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ؟ والله لا يغفر الله لك ما صنعت؛ فخرجت وتركته صريع فترة، فلما كان من الغد عدت إليه، فإذا بسلخ في وجهه، وشريط شد به رأسه لصداع وجده، فلما رآني قال: يا أبا السري! المعاودة. قلت: يكون من ذلك ما قدر. فقلت له: فأين بلغت أيها المتعبد من أحزانك؟ وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني انظر إلى أكل الفطير والصابر على خبز الشعير، يأكل ما اشتهى وسعي عليه بلحم الطير، وسقي من الرحيق المختوم! قال: فشهق شهقة، فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا. قال منصور بن عمار: حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي! وعزتك وجلالك، ما أردت مخالتفك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بمكانك جاهل، ولكن خطيئة عرضت، أعانني عليها شقائي، وغرني سترك المرخى علي، وقد عصيتك بجهدي، وخالفتك بجهلي، فالآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من أتصل إلا أن أتصل إن أنت قطعت حبلك مني، وأشباباه! فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله: " وقدوها الناس والحجارة عليها

ملائكة غلاظ شداد " الآية، فسمعت دكدكة شديدة، ثم لم أسمع بعدها شيئاً فمضيت، فلما كان من الغد رجعت في مدرجتي، فإذا بجنازة قد وضعت، وإذا بعجوز كبيرة، فسألتها عن أمر الميت - ولم تكن عرفتني - فقلت: هذا رجل لا جزاه الله إلا جزاءه، مر بابني البارحة وهو قائم، فتلا آية من كتاب لله فلما سمعها ابني تفطرت مرارته فمات. وعن محمد بن هشام قال: قال منصور بن عمار: قال لي هارون: كيف تعلمت الكلام؟ قال: قلت يا أمير المؤمنين، رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي وكأنه تفل في في وقال لي: يا منصور! قل. فأنطقت بإذن الله عز وجل. قال منصور بن عمار: لما قدمت مصر وكان الناس قد قحطوا، فلما صلوا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء، فحضرتني النية، فصرت إلى صحن المسجد فقلت: يا قوم! تقربوا إلى الله بالصدقة، فإنه ما تقرب إليه بشيء أفضل منها؛ ثم ميت بكسائي فقلت: اللهم هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي؛ فجعل الناس يتصدقون ويعطوني ويلقون على الكساء وهو جهدي وفوق طاقتي؛ فجعل الناس يتصدقون ويعطوني ويلقون على الكساء، حتى جعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها حتى فاض الكساء من أطرافه، ثم هطلت السماء فخرج الناس في الطين والمطر، فلما صليت العصر قلت: يا أهل مصر! أنا رجل غريب، ولا علم لي بفقرائكم، فأين فقهاؤكم؟ فدفعت إلى الليث بن سعد وابن لهيعة، فنظرا إلى كثرة المال فقال أحدهما لصاحبه: لا تحرك؛ فوكلوا به الثقات، حتى أصبحوا فأدلجت إلى الإسكندرية، فأقمت بها شهرين، فبينا أنا أطوف على حصنها وأكبر، إذا برجل يرمقني فقلت: مالك؟ قال: يا هذا أنت قدمت مصر؟ قلت: نعم. قال: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قلت: نعم. قال: فإنك صرت فتنة على

أهل مصر. قلت: وما ذاك؟ قال: قالوا كان ذلك الخضر، دعا فاستجيب له. قلت: ما كان الخضر، بل أنا العبد الخاطئ. فأدلجت فقدمت مصر، فلقيت الليث بن سعد، فلما نظر إلي قال: أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قلت: نعم. قال: فهل لك في المقام عندنا؟ قلت: كيف أقيم وما أملك إلا جبتي وساويلي؟! قال: قد أقطعتك خمسة عشر فداناً. ثم صرت إلى ابن لهيعة فقال لي مثل مقالته، وأقطعني خمس فدادين، فأقمت بمصر. وفي رواية آخر مثله مختصراً، أن الليث بن سعد كان إذا تكلم بمصر أحد نفاه، فتكلم منصور في المسجد، فطلبه الليث بن سعد، فتكلم بحضرته، وأعطاه ألف دينار، ثم عاوده فأعطاه خمس مئة دينار، ثم عاوده فأطعاه ثلاث مئة ثم قال: يا جارية! هات ثياب إحرام منصور. فجاءت يازار فيه أربعون ثوباً فلك. قلت: رحمك الله، اكتفي بثوبين. فقال: أنت رجل كريم فيصحبك قوم فأعطهم. وقال للجارية التي تحمل الثياب معه: وهذه الجارية لك. وفي رواية: أن الليث أعطاه ألف دينار وقال: لا يعلم بها ابني فتهون عليه. فبلغ ذلك سعيد بن الليث، فوصله بألف دينار وقال: إنما نقصتك هذا الدينار لئلا أساوي الشيخ في عطيته. قال منصور عن عمار: رأيت كأني دنوت من جحر، فخرج قبلي عشر نحلات فلدغنني، فقصصتها على أبي المثنى المعبر البصري فقال: الجد ما تقول، أعطني شيئاً. قال: إن صدقت رؤياك تصلك امرأة بعشرة آلاف، لكل نحلة ألف؛ قال منصور: فقلت لأبي المثنى: منأين قلت هذا؟ قال: لأنه ليس شيء من الخلق ينتفع ببطنه من ولد آدم إلا النساء، فإنهم ولدوا

الصديقين والأنبياء؛ والطير ليس فيها شيء ينتفع ببطنه إلا النحل. فلما كان من الغد وجهت إلي زبيدة بعشرة آلاف درهم. لقي بشر المريسي منصور بن عمار فقال له: أخبرني عن كلام الله، أهو الله أم غير الله أم دون الله؟ فقال: إن كلام الله لا ينبغي أن يقال هو الله، ولا ينبغي أن يقال هو غير الله، ولا هو دون الله، ولكنه كلامه وقوله، وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله، أي لم يقله أحد إلا الله، فرضينا حيث رضي لنفسه، واخترنا له من حيث اختار لنفسه، فقلنا: لكلام اله ليس بخالق ولا مخلوق، فمن سمى القرآن بالاسم الذي سماه الله به كان من المهتدين، ومن سماه باسم من عنده كان من الغالين فاله عن هذا وذر " الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " فإن تأبى كنت من الذين " يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ". كتب بشر المريسي إلى منصور عن عمار: بلغني اجتماع الناس عليك، وما حكي من العلم، فأخبرني عن القرآن، خالق أو مخلوق؟ فكتب إليه منصور: بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة، فإنه إن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لم يفعل فتلك أسباب الهلكة وليست لأحد على الله بعد المرسلين حجة؛ نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس به، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وما أعلم خالقاً إلا الله، وما دون الله مخلوق، والقرآن كلام الله، ولو كان القرآن خالقاً لم يكن للذين وعوه إلى الله شافعاً، ولا بالذين ضيعوه ماحلاً. فاتنه بنفسك وبالمختلفين بالقرآن إلى أسمائه التي سماه الله بها تكن من المهتدين " وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون "

ولا تسمي القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون ". وكتب بشر إلى مصور أيضاً يسأله عن قوله الله عز وجل " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى؟ فكتب إليه منصور: استواؤه غير محود، والجواب فيه تكلف، ومسألتك عن ذلك بدعة، والإيمان بجملة ذلك واجب، قال الله تعالى: " فأما الذين في قلوبهم زيغ فييتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله " وحده ثم استأنف الكلام فقال: والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب " فنسبهم إلى الرسوخ في العلم بأن قالوا لما تشابه منه عليهم: آمنا به كل من عند ربنا. فهؤلاء هم الذين أغناهم الرسوخ في العلم على الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، بما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب؛ فمدح اعترافهم بالعجز عن تأول ما لم يحيطوا به علماً، وسمي تركهم التعميق فيما لم يكلفهم رسوخاً في العلم. فاتنه رحمك الله من العلم إلى حيث انتهى بك إليه، ولا تجاوز ذلك إلى ما حظر عنك علمه، فتكون من المتكلفين، وتهلك مع الهالكين. والسلام عليك. قال منصور بن عمار في مجلس له، وقد فرغ من كلامه: لي إليكم حاجة، أريد حبة لم يزينها المطففون، ولم تخرج من أكياس المربين ولم تجر عليها أحكام الظالمين. قالوا: ما عندنا هذه. كتب بشر إلى منصور بن عمار: اكتب إلي بما من الله علينا. فكتب إليه منصور: أما بعد يا أخي، فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه، في كثرة ما نعصيه ولقد بقيت متحيراً فيما بين هاتين: لا أدري كيف أشكره بجميل ما نشر أو قبيح ما ستر.

قال منصور بن عمار: دخلت على المنصور أمير المؤمنين فقال لي: يا منصور! عظني وأوجز، فقلت: إن من حق المنعم على المنعم عليه أن لا يحول ما أنعم به عليه سبباً لمعصيته. فقال: أحسنت وأوجزت! رئي منصور بن عمار في النوم فقيل له: يا أبا السري! ما فعل الله بك؟ قال: أوثقني في عذابه وقال لي: منت تخلط، ولكني قد غفرت لك لأنك كنت تحببني إلى خلقي، قم فمجدني بين ملائكتي كما كنت تمجدني في الدنيا، فوضع لي كرسي، فمجدت الله بين ملائكته. قيل لمنصور بن عمار: تكلم بهذا الكلام ونرى منك أشياء! قال: احسبوني درة وجدتموها على كناسة، استنفعوا بالدرة ودعوا الكناسة مكانها. وكان منصور بن عمار لا يبقي له شيئان في رمضان، لا كسوة ولا دراهم، ولا طعاماً حتى يبعث به إلى إخواته المتقللين. قال سليمان بن منصور: رأيت أبي منصوراً في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: إن الرب قربني وأدناني وقال لي: يا شيخ السوء، تدري لم غفرت لك؟ قلت: لا إلهي. قال: إنك جلست للناس يوماً مجلساً فبكيتهم، فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط، فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له، ووهبتك فيمن وهبته له. قال أحمد بن العباس: خرجت من بغداد، فاستقبلني رجل عليه أثر العبادة فقال لي: من أين خرجت؟ قلت: من بغداد، هربت منها لما رأيت فيها من الفساد، خفت أن يخسف بأهلها. فقال: ارجع ولا تخف، فإن قبور أربعة من أولياء الله، هم حصن لهم من جميع البلايا. قلت: من هم؟ قال: أحمد بن حنبل، ومعروف الكرخي، وبشر الحافي، ومنصور بن عمار. فرجعت وزرت القبور ولم أحج تلك السنة.

منصور بن محمد بن أحمد بن حرب

منصور بن محمد بن أحمد بن حرب أبو نصر البخاري الحربي القاضي حدث بمرو سنة تسع وسبعين وثلاث مئة عن أبي بكر أحمد بن سليمان الدمشقي بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان قال: إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة. وورد من طريق آخر مرفوعاً إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن أبي الحسن موسى بن جعفر بن أحمد بن عثمان بن قرين بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قليل التوفيق خير من كثير العقل، والعقل في أمر الدنيا مضرة، والعقل في أمر الدين مسرة. توفي أبو نصر الحربي ببخارى وهو على الحسية سنة ثمانين وثلاث مئة. منصور بن محمد المهدي ابن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب الهاشمي وفي إمرة دمشق في أيام الأمين سنة ثلاث وتسعين ومئة، وولي البصرة في أيام الرشيد، ودعي إلى أن يبايع بالخلافة في أيام المأمون فأبى. حدث عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الباس وصيتي ووارثي.

قال منصور بن المهدي: حدثني أعمامي قال: كان المنصور يقول لبنيه: يا بني، اغسلوا أيديكم قبل الطعام فإنه أمنة من الفقر. دخل منصور بن المهدي يوماً على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه، فقال له: ما عندك فيما يقول هؤلاء؟ قال: يا أمير المؤمنين! أغفلونا في الحداثة، وشغلنا الطلب عند الكبر من اكتساب الأدب. قال: لم لا تطبه اليوم وأنت في كفاية؟ قال: أو يحسن بمثلي طلب العلم؟ فقال له المأمون: والله لأن تموت طالباً للعلم خير من أن تعيش قانعاً بالجهل. قال: يا أمير المؤمنين! إلى متى يحسن؟ قال: ما حسنت بك الحياة؛ يا منصور! اتق الله في نفسك ولا ترض بهذا، فإنه يقصر بك في المجالس، ويصغرك في أعين من يراك ويزري بك. وحدث يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد العافية ملأ الله حضنيه عافية، ومن أراد البلاء ملأ الله حضنيه بلاء. وحدث بهذا الحديث منصور بن المهدي. كان أهل دمشق قد ثاروا بمنصور بن المهدي مرة بعد مرة، إحداهن في القلة التي فقدت من مسجدهم، وكان منصور يتولى دمشق لمحمد الأمين، وكان الأمين يعجبه البلور، فدس من سرق قلة دمشق - وكانت من بلور - فلما رأى إمام جامع دمشق مكانها فارغاً انفتل من الصلاة وجاء إلى وسط القبة الكبيرة التي بحذاء المحراب، وأخذ قلنسوته، وضرب بها الأرض وصاح بأعلى صوته: سرقت قلتكم. فقال الناس: لا صلاة بعد القلة. فصارت مثلاً. وكان منصور هو الذين أمر داود بن عيسى صاحب شرطة دمشق فأخذ القلة بعث با إلى محمد الأمين؛ ووقع في دمشق فتن بسبب القلة وغيرها. فولى محمد الأمين سليمان بن أبي جعفر دمشق وأعمالها، ورجع منصور بن المهدي إلى بغداد، ولما انقضت أيام الأمين، فصارت الخلافة إلى المأمون وجه عبد الله بن طاهر إلى دمشق،

ووجه إسحاق بن إبراهيم معه، فلما ودع المأمون قال له: خذ هذه القلة التي سرقها ابن عمك من مسجد دمشق فردها عليهم. قال: فردتها عليهم ظاهراً مكشوفاً، وإنما أراد المأمون بذلك الشنعة على أخيه الأمين. وعن محمد بن عمر أن منصور بن المهدي عسكر بكلواذى سنة إحدى ومئتين. وسمي المرتضى، ودعي له على المنابر، وسلم عليه بالخلافة، فأبى ذلك وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم. وذكر وكيع بن خلف أنه رأى دنانير ضربت لمنصور بن المهدي في سنة إحدى ومئتين عليها كانت زعم مردودة، فلما ضعف منصور عن قبول ما دعي إليه من ذلك عدل بالأمر إلى إبراهيم بن المهدي فبايع الناس له بالخلافة، وسموه المبارك، وخلعوا المأمون. وأم منصور بن المهدي أم ولد يقال لها بحرية. وكان المأمون عقد العهد بعده لعلي بن موسى الرضا، وعظم ذلك على العباسيين ببغداد. توفي منصور بن المهدي سنة ست وثلاثين ومئتين.

منصور بن محمد بن علي الوليدي

منصور بن محمد بن علي الوليدي حدث عن أبي محمد عبد الله بن جعفر الطبري المعروف بالجناري بسنده إلى الجاحظ قال: ثلاثة أشياء في ثلاثة أصناف من الناس: السلامة في أصحاب الحديث، والجلادة في أصحاب الرأي، وسوؤ التدبير في العلوية. قال منصور بن محمد: أنشدوا أبو عبد الله محمد بن أحمد الحاكم بنيسابور: من الوافر وكم من أكلة منعت أخاها ... بلذة ساعة أكلات دهر وكم من طلب يسعى بشيء ... وفيه هلاكه لو كان يدري منصور بن محمد بن محمد بن محمد ابن إدريس، ويقال منصور بن محمد بن محمد بن محمد بن يحيى أبو محمد النيسابوري الحاكم الخفاف قدم دمشق سنة خمس عشرة وأربع مئة. حدث عن أبي عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا هجرة بين المسليمن فوق ثلاثة أيام. أو ثلاث ليال. وحدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد الدقاق بسنده إلى ابن عباس قال: ملعون من أكرم بالغنى وأهان بالفقر.

منصور بن نصر بن منصور

منصور بن نصر بن منصور ويقال: ابن نصر بن إبراهيم بن أبي عيسى الهاشمي من أهل دمشق قال: أنشدني بعض إخواني لعبد الله بن المبارك في إسماعيل بن علية لما تقلد القضاء: من السريع يا جاعل الدين له بازياً ... يصطاد أموال المساكين احتلت للدنيا ولذاتها ... بحلية تذهب بالدين فصرت مجنوناً بها بعدما ... كنت دواء للمجانين أين رواياتك فيمامضى ... عن ابن عون وابن سيرين وتركك الدنيا ولذاتها ... وهجر أبواب السلاطين إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حكار العلم بالطين وقال: أنشدني بعضهم: إذا جار الأمير وكاتباه ... وقاضي الأرض يدهن في القضاء فويل للأمير وكاتبيه ... وقاضي الأرض من قاضي السماء منصور أبو أمية الخصي خادم عمر بن عبد العزيز قال: رأيت عمر بن عبد العزيز وله سفط في كوة، مفتاحه في إزاره، فكان يتغفلني، فإذا نظر إلي قد نمت فتح السفط، فأخرج منه جبيبة شعر، ورداء شعر، فصلى فيهما الليل كله، فإذا نودي بالصبح نزعهما.

منهال بن عمرو أبو محمد الأسدي

منهال بن عمرو أبو محمد الأسدي مولى بني عمرو بن أسد بن خزيمة. حدث عن زاذان أبي عمر، عن البراء بن عازب قال: خرجنما مع رسول الله حروف في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد له، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلسنا حوله، كأن على رؤسنا الطير، وفي ده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثاً - ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وانقطاع من الدنيا نزل إليه ملائكة بيض الوجوه كا، وجوههم الشمس، معهم كفن من كفن الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيجلسون معه مد البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. فتخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى ياخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وتلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ماهدة الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه في الجنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي يليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسان، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، أفرشوه من الجنة وألبسوه من

الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك، فهذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير. فيقول: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة - ثلاثاً - حتى أرجع إلى أهلي ومالي. قال: وإن العبد الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في أعضائه كلها ونتزعها كما ينتزع السفود ن الصوف المبلول، فتنقطع معها العروق والعصب، فيأخذها، فإذا أخذها لم يعدوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولن: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها، فلا يفتح لها؛ ثم قرأ رسول الله حروف: " لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " قال: ثم يقول الله: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلي، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله حروف: " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسان، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فيقولان له ما دينك؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه، هاه، لا أدري. فينادي مناد من السماء: أن كذب علي عبدي، فأفرشوه

من النار وألبسوا من النار، وافتحوا له باباً إلى النار. فيدخل لعيه من حرها وسموها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه. قال: ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسؤول، هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر. فيقول: ا، اعملك السيئ. فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة. زاد في رواية عنه قوله: فإنه قد وعدناهم أن منها خلقناهم وفيها نعيدهم. فإنه ليسمع خفق نعالهم وهم مدبرون. قال ذلك في وصف المؤمن ووصف الكافر. وحدث المنهال بن عمرو بسنده إلى صفوان بن عسال المرادي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم. قال: مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفه الملائكة وتظله بأجنحتها، ثم يركب بعضها بعضاً حتى يبلغوا سماء الدنيا من حبهم ما يطلب. قال: فما جئت تطلب؟ قال صفوان: يا رسول الله! لا نزال نسافر بين مكة والمدينة، فأفقنا عن المسح على اخفين، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثلاثة أيام للمسافر، ويم وليلة للمقيم. وروى الأعمش عن المنهال بن عمرو قال: أنا والله رأيت الحسين بن علي حين حمل وأنا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف، حتى بلغ إلى قوله " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " قال: فانطق الله الرأس بلسان ذرب فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلى وحملي. عدله قوم وجرحه قوم.

منيب بن أيوب

منيب بن أيوب أطنه الأوزاعي. حدث منيب قال: أقبل غلام لعمر بن عبد العزيز بجرزة من حطب يحملها وهو يرجز تحتها فطرحها وقال: كل إنسان في راحة غيري وغيرك. فقال له عمر: ما قلت؟ قال: قلت كل إنسان في راحة غيري وغيرك. قال عمر: والله لأريحنك، اذهب فانت لله عز وجل، دعني أنا وهمي. منيب بن مدرك بن منيب الأزدي الغامدي حدث عن أبيه، عن جده قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجاهلية وهو يقول للناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. فمكنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حتى عليه التراب، ومنهم من سبه حتى انتصف النهار، وأقبلت جارية بعس من ماء، فغسل وجهه وقال: يا بنية لا تخشي على أبيك غلبة ولا ذلاً، فقلت: من هذه؟ فقالوا: هذه زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي جارية وصيفة. ومنيب أبو مدرك رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقام له صاحب الأصل ترجمة بذاته بعد ولد ولده، ولم يذكر غير هذا الحديث. منيب الأوزاعي قال الأوزاعي وسأله منيب فقال: أكل ما جاءنا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقبله؟ فقال: نقبل مه ما صدقه كتاب الله عز وجل فهو منه، وما خالفه فليس منه. قال له منيب: إن الثقال جاؤوا به. قال: فإن كان الثقات حملوه عن غير الثقات!

منيب بن الزبير أبو ذر الأزدي

منيب بن الزبير أبو ذر الأزدي قال سمعت عبادة بن نسي الكندي يحدث عن عبد الله بن سالم أنه قال: يا رسول الله، نجدكم في كتاب الله: أمة حمادون، مولد نبيهم بمكة وهجرته بطيبة. وجهادهم بالشام، يأتزرون على أنصافهم، ويطهرون أطرافهم، أصواتهم بالليل في المساجد كأصوات النحل في رهاء، يأتون يوم القيامة غراً محجلين. وحدث عن مكحول، عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يقام عن الطاعام حتى يرفع. وحدث منير أنه سمع مكحولاً يقول: بر الوالدين كفرة الكبائر، ولا يزال الرجل قادراً عل البر ما دام في فصيلته من هو أكبر منه. منير بن سنان أو سيار أبو عطيف قال أبو عطيف: سألت الأوزاعي عن أشياء من أمر الصوافي فقال: إن نظرتم في هذه الدقائق ضاقت عليكم الطرق وسرب الماء. منير بن عبد الرزاق بن إلياس أبو عمرو الأطرابلسي حدث عن أبي محمد بن جعفر بن محمد بن أبى كريمة بسنده إلى بشر بن سحيم الغفاري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم رمنادياً ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن هذه اليام أيام أكل وشرب. وأيام منى.

مؤتمن بن أحمد بن علي

مؤتمن بن أحمد بن علي ابن الحسين بن عبد الله أبو نصر بن أبي منصور الربعي البغدادي المعروف بالساجي الحافظ حدث بسنده إلى أبى هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بينا امرأتان ومعهما ابنهما إذ جاء الئب فذهب بأحدهما، فقالت هذه: إنما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فاختصمتا إلى داود عليه السلام، فأخبرتاه فقال: ائتوني بسكين أشقه بينكما. فقالت الصغرى لا، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين قبل ذلك اليوم، ما كنت أقول إلا المدية. وحدث عن شيخ الإسلام عبد الله بن محمد النصاري بسنده إلى الشافعي قال: العشرة أشكال لهم أن يغير بعضهم على بعض، والمهاجرون الأولون والأنصار لهم أن بغير بعضهم على بعض، ومسلمة الفتح أشكال، لهم أن يغير بعضهم على بعض، فإذا ذهب أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحرام على تابع إلا اتباع بإحسان، حذوا بحذو. كان الإمام عبد الله الأنصاري إذا مؤتمناً يقول: لا يمكن أحد أن يكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دام هذا حياً. مات أبو نصر المؤتمن سنة سبع وخمسمئة.

موحد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة

موحد بن إسحاق بن إبراهيم بن سلامة أبو الفرجبن البري المتعبد حكى عن أبى صالح قال: يقول المعلم: إن قوماً من أصحابنا قد اجتمعوا في مجلس على سماع، فامرني أن الآذان لهم في دخول المسجد وقال: يا بني الله! إنما هذا فضلة طرب فر رؤوسهم من الأول، فتتحرك في وقتهم، فيظنونه خوفاً أو حلالاً. قال أبو بكر محمد بن عبد الرحمن أبي المغيث القطان: سمعت أبا الفرج الموحد يقولك رأيت رب العزة في النوم، فوقفت بين يديه وقلت: يا مولاه! أسألك رضاك إن تعديت في طلبي قدري فإنك تعلم سري وإعلاني. قال فتبسم عز وجل. قال أبو بكر: فقلت لأبي الفرج: فما كان الجواب؟ قال لا يتحمل. يعني ما يمكن. توفي أبو الفرج سنة أربع وثمانين وثلاثمئة. موحد بن محمد بن عثمان أبي الجماهر التنوخي حدث عن محمد بن المغيرة بسنده إلى عروة قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبصر في الظلمة كما يبصرفي الضوء. توفي موحد سنة سبع وستين ومئتين.

موسى بن إبراهيم بن سابق

موسى بن إبراهيم بن سابق ويقال: عيسى إبراهيم بن سابق، أبو المغيث الرافقي ويقال الإفريقي ولي إمرة دمشق من قبل المعتصم، وولي حمص في خلافة المتوكل. حكى أبو المغيث قال: مات رجل من كبار الكرخ، فحضر جنازته خلق من الحلة فلما دفن الرجل قام رجل مقنع الرأس بكسائه، فنظر إلى الناس يميناً وشمالاً، فإذا خلق عظيم قد حضر جنازته، فنادى بصوت لق وحلق ند: من الهزج ألا يا عسكر الأحيا ... ء هذا عسكر الموتى أجابوا الدعوة الأولى ... وهم منتظرو الأخرى فضج الناس بالبكاء منكل جانب، ومات يومئذ خلق كثير، فسألت عن الرجل، فقيل: أبو العتاهية. قال عبد الله بن المعتز: جائني محمد بن يزيد النحوي، فأقام عندي، فجري ذكر أبي تمام فلم يوفه حقه، وكان في المجلس رجل من الكتاب ما رأيت أحفظ لشعر أب تمام منه! فقال له: يا أبا العباس! ضع في نفسك من شئت من الشعراء، ثم انظر أتحسن أن تقول مثل ما قاله أبو تمام لأبي المغيث موسى بن إبراهيم يعتذر إليه: من الطويل أتاني مع الركبان ظن طننته ... لففت له رأسي حياء من المجد لقد نكث الغر الوفاء بساحتي ... إذاً وسرحت الذم في مسرح الحمد جحدت إذا كم من يد لك شاكلت ... يد القرب أعدت مستهاماً عل البعد ومن زمن ألبستنيه كانه ... إذا ذكرت أيامه زمن الورد

موسى بن إبراهيم أبو عمران الدمشقي

وكيف وما أخللت بعدك بالحجا ... وأنت فلم تخلل بمركمة بعدي أألبس هجر القول من لو هجوته ... إذاً لهجاني عنه معروفه عندي كريم متى أمدحه أمدحه والروى ... معي ومتى مالمته لمته وحدي وإن يك جرم عن أو تك هفوة ... على خطأ مني فعذري على عمد قال محمد بن يزيد: ما سمعت أحسن م هذا قط، ما يهضم هذا الرجل حقه إلا رجل جاهل بعلم الشعر ومعرفة الكلان، أو عالم لم يتبحر شعره ولم يسمعه. موسى بن إبراهيم أبو عمران الدمشقي حدث عن أبي بكر نب عباس، بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنه قال لخازن به: كلت لأهلنا قوتهم؟ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولك كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. موسى بن إسحاق بن موسى ابن عبد الله بن مويى بن عبد الله بن يزيد، أبو بكر الأنصاري الخطمي القاضي حدث عن كثير بن الوليد بسنده إلى أنس بن مالك قال: الآخر شر حتى تقوم الساعة. ثم وضع أصعيه في أذنيه فقال: سمعت ذلك من نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا فصمتا. وحدث عن خالد بن يزيد - يعني العمري بسنده إلى أنس بن مالك أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكت إليه الحاجة فقال: أدلك على خير من ذلك؟ تهللين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتسبحينه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدينه أربعاً وثلاثين فذلك مئة خير لك من الدنيا وما فيها.

موسى بن أيوب أبو الفيض الحمصي

كان موسى بن إسحاق لا يرى متبسماً قط، فقالت له امرأته: أيها القاضي! لا يحل لك أن تحكم بين الناس، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يحل للقاضي أن يحكم بين اثنين وهو غضبان، فتبسم. قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي: حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة وثمانين ومءتين وتقدمت امرأة، فادعى وليها على زوجها خمس مئة دينار مهراً، فانكر، فقال القاضي: شهودك. فقال: قد أحضرتهم. فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة، فقام الشاهد وقالوا للمرأة: قومي. فقال الزوج: يفعلون ماذا؟ قال الوكيل: ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة ليصح عندهم معرفتها. فقال الزوج فإني أشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها. فردت المراة وأخبرت بما كان من زوجها. فقالت المراة فإني أشهد القاضي أنى قد وهبته المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. فقال القاضي: فكتب هذا في مكارم الأخلاق. توفي أبو بكر موسى القاضي سنة سبع وتسعين ومئتين. ومولده سنة عشر ومئتين. كان قاضياً على الأهواز، وأقرأ الناس القرآن وله ثمان عشرة سنة؛ واستقضي وله ثمان وعشرون سنة. موسى بن أيوب أبو الفيض الحمصي حدث عن معاوية، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كذب علي متعمداً فليتبوا مقعده من النار. قال أبو الفيض: لقيت أبا قرصافة، رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته - يعني عن الصوم في

موسى بن أيوب أبو عمران النصيبي

السفر - وكان مسلمة بن عبد الملك قال: من صام رمضان في السفر فليقض في الحضر. فقال أبو قرصافة: لو صمت في السفر ثم صمت، ما قضيت؟ موسى بن أيوب أبو عمران النصيبي ويقال الأنطاكي حدث عن الوليد بن ملسم بسنده إلى معاوية أنه قام بدير مسحل فقال: إنا رأينا الهلال يوم كذا وكذا، والصيام يوم كذا، ونحن متقدمون، فمن أحب أن يتقدم فليفعل. فقام مالك بن هبيرة السبئي فقال: يا معاوية! أراي رأيته أو شيء سمعته؟ فقال معاوية: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صوموا الشهر وسره. وحدث عنه بسنده إلى عبد الله بن عمرو، رفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة حتى يصبح. موسى بن أيوب الجسريني حدث عن عبد الواحد بن إسحاق القرشي بسنده إلى عبد الله بن عباس قال: كان في صحف إبراهيم الخليل: إن لله ثوراً ساكناً في الهواء، يستظل في أصل ذلك الثور طير الهواء، فيبيض ذلك الطير، فتهوي البيضة، فما تصل إلى الأرض حتى تفقس عن فرخ، ويطير ويعود إلى مكانه، رأس ذلك الثور رأس حية، ورجلاه رجلاً طير، لونه أبيض وأصفر وأحمر، ومن كل لون، يرفع إلى ذلك الثور في كل يوم مئة جبل من جبال الأرض يرعاها، يحبس على ذلك الثور نهر الأردن، يشربه في خمسة وعشرين ليلة من حزيران في ثلاث جرع، ويقبل ذلك الثور في صفصاف وينام على

موسى بن بغا الكبير

صفائح من فضة، يبعث الله إليه في كل يوم طائراً من طيور الجنة، يلعب بين يديه، يفرحه ويلهبه، فإذا كان يوم القيامة، فاول ما يأكل أهل الجنة من لحم حوت ومن لحم ذلك الثور، يبقر ذلك الثور بقرنه الحوت، فيأكلون من لحمه فيجدون في طعمه طعم أنهار الجنة، فيذبح الحوت الثور بريشة من ريشه، فيأكلون من لحمه فيجدون في طعمه طعم أشجار الجنة، إذا كان يوم القيامة جعل الله عز وجل حا ذلك الثور فسطاط أهل الأردن. اسم الثور اليثيا، واسم الحوت بهموت. موسى بن بغا الكبير أبو عمران أحد قواد المتوكل الذين قدموا معه دمشق. قال أبو القاسم عبيد الله بن سليمان: كنت أكتي لموسى بن بغا، وكنا بالري، وقاضيها إذ ذاك أحمد بن بديل الكوفي، فاحتاج موسى أن يجمع ضيعة هناك كان له فيها سهام ويعمرها، وكان فيها سهم ليتم، فصرت إلى أحمد بن بديل - أو فاستحضرته - وخاطبته في أن يبيع علينا حصة اليتيم، فامتنع وقال: ما باليتيم حاجة إلى البيع، ولا آمن أن أبيع ماله وهو مغن عنه، فيحدثه فامتنع وقال: ما باليتيم حاجة إلى البيع، ولا آمن أن أبيع ماله وهو مستغن عنه، فيحدث على المال حادث، فأكون قد ضيعته عليه. فقلت: إنا نعطيه في ثمن حصته ضعف قيمتها. فقال: ما هذا لي بعذر في البيع والصورة في المال إذا كثر، مثلها إذا قل. قال: فأخذته بكل لون وهو يمتنع، فأضجرني، فقلت له: أيها القاضي! لا تفعل، فإنه

موسى بن جمهور بن زريق البغدادي

موسى بن بغا. فقال لي: أعزك الله، إنه الله تبارك وتعالى، قال: فاستحيت من الله أن أعاوده بعد ذلك وفارقته، فدخلت على موسى فقال: ما عملت في الضيعة؟ فقصصت عليه الحديث، فلما سمع: إنه الله تبارك وتعالى، بكى، وما زال يكررها ثم قال له: لا تعرض لهذه الضيعة، وانظر في أمر هذا الشيخ الصالح، فإن كانت له حاجة فاقضها، فأحضرته وقلت له: إن الأمير قد أعفاك من أمر لضيعة، وذلك أني شرحت له ما جرى بيننا، وهو يعرض عليك حوائجك. فدعا له وقال: هذا الفعل أحفظ لنعمته؛ وما لي حاجة إلا إدرار رزقي، فقد تأخر منذ شهور وأضر بي ذلك. قال: فأطلقت له جارية. توفي موسى بن بغا سنة أربع وستين ومئتين. موسى بن جمهور بن زريق البغدادي ثم التنيسي السمسار حدث عن إبراهيم بن مروان الطاطري بسنده إل جابر بن عبد الله أن رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وقت الصلاة، فسكت عنه، فأذن بلال بصلاة الظهر حين دلكت الشمس، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال بالعصر حين ظننت أن ظل الرجل قد صار أطول منه، فأمره فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال المغرب حين غربت الشمس، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال العشاء حين ذهب بياض النهار، وهو أول الشفق، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال بصلاة الصبح حين طلع الفجر، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال في اليوم الثاني للظهر حين دلكت الشمس، فأمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام الصلاة حين ظننا أن ظل الرجل قد صار مصثله، ثم أذن بلال للعصر، فأخر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة حين ظننا أن ظل الرجل قد كان مثليه، ثم أمره فأقام فصلى؛ ثم أذن بلال للمغرب فأخر الصلاة حتى كاد يذهب بياض النهار، وهو

موسى بن الحسن بن عبد الله بن يزيد

أول الشفق، ثم أمره فأقام الصلاة، فصلى؛ ثم أذن بلال للعشاء حين ذهب بياض النهار وهو الشفق، فنمنا ثم قمنا مراراً، ثم خرج إلينا فقال: إن الناس قد صلوا ثم ناموت، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا أن أشق على أمتي لأخرت الصلاة إلى هذا الوقت، فصلى قبل أن ينتصف الليل، ثم أذن بالفجر حين طلع الفجر، فأخر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة حتى أسفر، ورأى الرامي نبله؛ ثم أمره فأقام الصلاة، فصلى ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال: ها أنا يا رسول الله. فقال: الوقت فيما بين هاذين الوقتين. موسى بن الحسن بن عبد الله بن يزيد أبو عمران السقلي، ويقال أبو عمرة حدث عن أبي عمر الخوضي بسنده إلى جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا ترتد بثوب واحد، ولا تشتمل به الصماء. وحدث عن معاوية بن عطاء بسنده إلى عبد الله قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخصى أحد من بني آدم. حدث بحديث في سنة اثنين وسبعين ومئتين. موسى بن الحسن بن عباد بن أبي عباد أبو السري الأنصاري النسائي ثم البغدادي المعروف بالجلاجلي حدث عن أبي عمر الخوضي بسنده إلى ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء

موسى بن الحسين بن علي

وينظر إليهن، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير بيده من خلفه، وجعل الفتى يلاحظن فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن أخي! هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له. توفي أبو السري الجلاجلي سنة سبع وثمانين ومئتين وقيل عنه: أن القعنبي قدمه في صلاة التراويح، فأعجبه صوته، فقال له: كأن صوتك صوت الجلاجل. فبقي عليه لقباً. موسى بن الحسين بن علي والد أبي الحسن بن السمسار حدث عن أبي بكر محمد بن رشيد البغدادي بسنده إلى خلف بن تميم الكوفي قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم في مركب نغزو في البحر فعصفت علينا ريح شديدة فجاء أمير المركب إليه وهو نائم في كساه، فحركه فأنبهه، فقال له: ألا ترى إلى ما نحن فيه - يعني من الريح - فشال يده فقال: اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فصار البحر كأنه الزيت. موسى بن سليمان بن موسى أبو عمرو الأموي حدث عن القاسم بن مخيمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أصاب مالاً من مأثم فوصل به رحماً، أو تصدق به، أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك جميعاً ثم قذف به في جهنم. وحدث عنه قال: إن أفضل الصلاة عند الله عز وجل صلاة الصبح من يوم الجمعة، فيها تجتمع ملائكة الليل والنهار. وحدث عنه أنه كان يقول: إذا راح الرجل إلى المسجد كانت خطاه: خطوة درجة، وخطوة كفارة، وكتب له بكل إنسان جاء من بعده قيراط قيراط.

موسى بن سهل بن عبد الحميد

موسى بن سهل بن عبد الحميد أبو عمران الجوني حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يأكل أحدكم من أضحية فوق ثلاثة أيام، فكان ابن عمر لا يأكل في اليوم الثالث من لحم هدية. مات أبو عمر سنة سبع وثلاث مئة موسى بن سهل بن قادم أبو عمران الرملي، أخو علي بن سهل حدث عن أبي الجماهر محمد بن عثمان بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم أو يتمسح بعظم أو برجيع دابة. وحدث عن علي بن عياش بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك الوضوء مما مست النار. توفي موسى بن سهل سنة إحدى وستين ومئتين، وقيل سنة اثنتين وستين ومئتين. موسى بن الصباح أبي كثير أبو الصباح الأنصاري يعرف بموسى الكبير، ويقال الواسطي ويقال الهمداني قال موسى بن أبي كثير: قال ابن عباس: إن أم هانئ حدثته أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى يوم الفتح ثماني ركعات في بيتها. فقال ابن عباس: إن كنت لأحسب أن لهذه الساعة صلاة. يقول الله: " يسبحن بالعشي والإشراق ". وحدث موسى بن أبي كثير عن زيد بن وهب، عن أبي ذر قال: طلبت خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

موسى بن صهيب

فقيل: بمكان كذا وكذا، فأتيته فوجدته عند شجرة يصلي. قال: فصلى صلاة طويلة ثم سجد حتى ظننت أنه نائم ثم انصرف، فقال لي: أبو ذر؟ قلت: ظننت أنك نائم من طول ما سجدت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطيت خمساً ل يعطهن نبي قبلي: أحل لي الغنائم؛ وبعثت إلى الأحمر والأسود والأبيض؛ ونصرت بالرعب؛ وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً؛ وأعطيت مسألة لأمتي يوم القيامة تنال من مات لا يشرك بالله شيئاً. وكان موسى من المتكلمين في الإرجاء وغيره، وهو ممن وفد إلى عمر بن عبد العزيز، فكلمه في الإرجاء، وكان يرى القدر، وكان ثقة في الحديث. وموسى بن أبي كثير سمع سعيد بن المسيب " فاسعوا إلى ذكر الله " قال: موعظة الإمام، فإذا قضيت الصلاة بعد ذلك. وقال أبو الصباح: الكلامفي القدر أبو جاد الزندقة. قال أبو عبد الله الشيباني: كنا جلوساً مع أبي جعفر، فاختصم هو وموسى بن أبي كثير طويلاً، قال أبو جعفر: هل رأيت منا ضالاً؟ قال: فقال رجل من القوم: نعم، أنت. موسى بن صهيب حدث موسى انه حضر الوليد بن بليد المري يسأل في إمرته على دمشق عن التكبير في صلاة العيد، فحدثه نفر فيهم فقهاء، فنظر إلى مكحول فقال: يا أبا عبد الله! ألا تقول؟ فقال: قد كان من الاختلاف ما قاتلوا: إن عمر بن عبد العزيز قد كفاكم من كان قبله، كبر سبعاً في الأولى وخمساً في الآخرة.

موسى بن طلحة بن عبيد الله

موسى بن طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو عيسى أو أبو محمد القرشي التيمي قيل: إنه ولد في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو سماه، ووفد على الوليد بن عبد الملك. حدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى أحدكم فليجعل بين يديه مثل آخرة الرحل، ثم يصلي ولا يبال من مر وراء ذلك. وحدث موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشاً فجمعهم، فعم وخص قال: يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار؛ يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار؛ يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار؛ إني لا أملك لم من الله شيئاً، إن لكم رحماً سأبلها ببلالها. قال عبد الملك بن مروان: دخل موسى بن طلحة على الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد: ما دخلت علي قط إلا همما بقتلك، لولا أن أبي اخبرني أن مروان قتل طلحة. وأم موسى خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة، وكان يقال للقعقاع تيار الفارت من سخائه. وتوفي موسى بن طلحة سنة ثلاث - أو أربع - ومئة وكتم من وجوه آل طلحة. وأخو موسى لأمه محمد بن أبي الجهم بن حذيفة العبدي، وأبو الجهم صاحب

رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الذي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيخميصة ألبسها فصلى فيها: شغلني النظر إلى علمها، فاذهبوا بها إلى أب يجهم بن جذيفة وأتوني بان بجانيته. وكان موسى بن طلحة يخضب بالسواد، وكان قد شد أسنانه بذهب. قال مسوسى بن طلحة: صليت مع عثمان بن عفان على جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يليه، وجعل النساء مما يلي القبلة، وكبر أربعاً. وكان موسى بن طلحة من فصحاء الناس. قال خالد بن شمير: لما ظهر الكذاب بالكوفة - يعني المختار بن أبي عبيد - هرب منه ناس من وجوه أهل الكوفة، فقدموا علينا البصرة، وكان فيمن قدم موسى بن طلحة بن عبيد الله، وكان في زمانه يرون أ، المهدي، فغشيه الناس وغشيته فيمن بغشاه من الناس، فغشينا رجلاً طيل السكوت، شديد الكآبة والحزن، إلى أن رفع رأسه يوماً فقال: والله لأن أعلم أنها فتنة لها انقضاء أحب إلي من كذا وكذا - واعظم الخطر - فقال له رجل: يا أبا محمد! ما لاذي ترهب أن يكون أعظم من الفتنة؟ قال: الهرج. قال له: وما الهرج؟ قال الذي كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثونا: القتل القتل حتى تقوم الساعة، وهم على ذلك؛ والله لوددت أنه لو كان ذلك أني على رأس جبل لا أسمع لكم صوتاً، ولا أرى لكم داعياً حتى يأتيني داعي الله. قال: ثم سكت ساعة فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن - أو قال عبد الله بن عمر إما سماه وإما كناه -: والله إني أحسبه على العهد الذي عهد إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبدل ولم يغير، والله ما استفزته قريش في فتنتها الأولى، قال: فقلت في نفسي: إن هذا ليزرني على أبيه في مقتله. قال موسى بن طلحة: كنت في سجن علي بن أبي طالب، فلما كان ذات يوم نودي بالباب: أين موسى بن طلحة؟ فقلت: هو ذا أنا، قال: أجب أمير المؤمنين. قال: فاسترجع أهل السجن،

موسى بن عامر بن عمارة

فخرجت فكنت بين يديه فقال: يا موسى بن طلحة! قلت: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: استغفر الله وتب إليه - ثلاث مرات - انطلق إلى المعسكر فما وجدت من سلاح أو ثوب أو دابة أو شيء فاقبضه واتق الله واجلس في بيتك. قال عمر بن عبد العزيز لأبي بردة: هل بقي بالكوفة أحد في مثل سنك وشرفك؟ فكأنه لم يذكر أحداً، فقيل له: بلى، موسى بن طلحة. موسى بن عامر بن عمارة ابن خريم الناعم بن عمرو بن الحارث بن خارجة، أبو عامر بن أبي الهيذام المري الخريمي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أسامة بن يزيد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب يوماً حماراً ياكاف عليه قطيفة فدكية، ردفه أسامة بن زيد يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول قبل إسلامه، وفي المجلس أخلاط من الناس والمشركين من اليهود وعبدة الأوثان، فملا عشيهم غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر ابن أبي أنفة بردائه ثم قال: لا تغبر علينا. فسلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم وقف فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن فقال ابن أبي: أيها المرء! إنه لا أحسن ما تقول، فلا تؤذنا في مجلسنا وارجع إلى رحلك. يعني فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله! اغشنا في مجلسنا، فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يقتتلون فخفضهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سكنوا، وسار حتى دخل على سعد فقال: أي سعد! ألم تسمع ما قال أبو الحباب؟ وخبرة بما كان، فقال سعد: يا رسول الله! اعف عنه واصفح، هو الذي أنول عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي أنزله عليك، وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه، ويعصبون بالعصابة، فرد الله ذلك بالحق الذي أنزله عليك.

وحدث أبو عامر عن سفيان بن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: يمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقولك يمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول للمتلاعنين: حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها. قال الرجل: يا رسول الله! مالي مالي. قال لا مال لك، إن كنت صدقت لعيها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك آيس. قال الحجاج لخريم الناعن: ما لا لعيش؟ قال: الأمن، إني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش أبداً. كان أبو الهيذام عامر بن عمارة بن خريم قد ضبط دمشق أيام الفتن، فوجه إلى الوليد بن مسلم ليحدث أبا عامر ابنه فكان الوليد يركب إليه ويحدثه فكان عند أبي عامر من كتب الوليد ما لم يكن عند الشيخين بدمشق هشام ودحيم، فلما مات هشام ودحيم أقبل إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا أبا عامر! حدثنا، فإن عندك شيئاً لا نثصيبه عند غيرك، فجلس لهم أبو عامر على كرسي، فحدثهم أول يومن والثاني والثالث، فلما كان في اليوم الرابع قام إليه رجل يكنى أبا المطيع خراساني من أصحاب الحديث، فقال له: يا أبا عامر! إن الناس يحيون أن يسمعوا ما تقول في التفضيل فقال: أبو بكر. قال: ثم من؟ قال: ثم عمر، قال: ثم من؟ قال: ثم عثمان. قال له أبو المطيع: جزاك الله خيراً، فهذه السنة وعلى هذا مضى السلف، فوضع أبو عامر سبابته في شدقه الأيسر وفقع تفقيعة عظيمة سمع صوتها، ثم قال: أوه! ما لعلي بن أبي طالب؟ وحق رسول الله لعلي بن أبي طالب خير من هؤلاء كلهم، فضحك الناس، فقال لهم أبو المطيع: ما أراد الشيخ إلا خيراً، ما أراد الشيخ إلا خيراً، وأدخل أبو الحسن سبابته في شدقه الأيسر وفقع تفقيعه عظيمة وقال: هكذا فقع أبو عامر. قال أبو الحسن: أدركت من شوخنا، من شيوخ دمشق ممن يربع بعلي بن أبي طالب، وذكر جماعة ثم قال: وأبو عامر موسى بن عامر وبقيتهم لم يكونوا يربعون. توفي أبو عامر موسى بن عامر سنة خمس وخمسين ومئتين.

موسى بن العباس بن محمد

موسى بن العباس بن محمد أبو عمران الجويني النيسابوري. رحال حدث عن محمد بن الأشعث بسنده إل عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى قائماً في التطوع فشق عليه القيام ركع ثم سجد سجدتين ثم قعد فقراً ما بدا له وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فقراً بعض ما يريد أن يقرأ، ثم يركع ويسجد. توفي موسى بن العباس سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة. موسى بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الحسني كان قد وجهه أخوه محمد بن عبد الله حين ظهر بالمدينة، وبويع له بالخلافة إلى الشام ليدعوه إلى طاعته، فوصل إلى دومة الجندل، ورجع إلى البصرة، واختفى بها حتى أخذ وحمل إلى المنصور، وقيل: إنه دخل الشام ودعاهم إلى البيعة لأخيه فلم يجيبوه، فاختفى ثم رجع. حدث عن أبيه بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج. وأم موسى هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. وحملت به أمه وهي بنت ستين سنة، يقال: لا تحمل لستين سنة إلا قرشية، ولا تحمل لخمسين سنة إلا عربية. وكان موسى بن عبد الله اخفتى بالبصرة فأخذه المنصور وعفا عنه بعد أن ضربه سبعين سوطاً.

وكان موسى آدم، وله تقول أمه هند: من مجزوء الرجز إنك إن تكون جوناً أنزعا أجدر أن تضرهم وتنفعا وتسلك العيس طريقاً مهيعا فرداً من الأصحاب أو متعسا وموسى هو الذي يقول: من الهزج تولت بهجة الدنيا ... فكل جديدها خلق وخان الناس كلهم ... فما أدري بمن أثق رأيت معالم الخيرا ... ت سدت دونها الطرق فلا حسب ولا نسب ... ولا دين ولا خلق فلست مصدق الأقوا ... م في قول وإن صدقوا وقيل: إن المنصور لما ظفر به بعد قتل أخويه محمد وإبراهيم ضربه ألف سوط فلم ينطق، فقال: عجبت من صبر هؤلاء على عقوبة السلطان! فما بال هذا الفتى الذي لم تره عين الشمس، وسمع موسى قوله فقال: من الكامل إني من القوم الذين يزيدهم ... جلداً وصبراً قسوة السلطان كتب موسى بن عبد الله إلى زوجته أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق يستدعيها إلى الخروج إليه إلى العراق فلم تفعل: من الطويل لا تتركيني بالعراق فإنها ... بلاد بها أس الخيانة والغدر

فإني زعيم أن أجيء بضرة ... مقابلة الأجداد طيبة النشر غذا انتسبت من آل شيبان في الذرا ... ومرة لم تحفل بفضل أبي بكر وقال فيها غير ذلك أيضاً، فأجابه الربيع بن سليمان: من الطويل أبنت أبي بكر تكيد بضرة ... لعمري لقد حاولت إحدى الكبائر تغط غطيط البكر شد خناقه ... وأنت مقيم بين ضوجي عبائر التقى العباس بن محمد وموسى بن عبد الله فقال له العباس: يا أبا حسن! ما رثيت به أصحابك والذين قتلوا بفخ؟ قال: قد قلت: بني عمنا ردوا فضول دمائنا ... ينم ليلكم أو لا يلمنا اللوائم فقال العباس: دماً والله لا يرد عليك أبداً. فقال وسى بن عبد الله: ذلك إذا كان الأمر لك فصدقت. قوله: ينم ليلكم؛ أي تامنون باساً والأخذ بثأرنا، وتمامون في ليلكم آمنين غير خائفين، وتستقر بكم مضاجعكم؛ والعرب تقول: ليل نائم، وسر كاتم، تريد: ليل منوم فيه، وسر مكتوم. تعرض رجل لموسى بن عبد الله فسبه فتمثل موسى ببيتي ابن ميادة: من الطويل أظنت سفاهاً من سفاهة رأيها ... أن أهجوها لما هجتني محارب فلا وأبيها إنني بعشيرتي ... ونفسي عن اك المقام لراغب

موسى بن عبد الرحمن بن موسى بن محمد

موسى بن عبد الرحمن بن موسى بن محمد ويقال ابن صالح، أبو عمران الصباغ إمام جامع بيروت. حدث عن الحسن بن جرير بسنده إلى عقبة بن عامر: أن رجلاً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الناس خير؟ قال: من يطعم الطعام، ويقرئ السلام على من عرف ومن لم يعرف. وحدث عن عثمان بان خرزاذ بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: حبب إلي النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة. موسى بن عبد العزيز بن الرماح الدمشقي حث عن سفيان بن عيينة بسنده إلى ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم صلى الله على نبينا ولعيه السلام: من الوافر تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي طعم ولون ... وفات بشاشة الوجه الصبيح قتل قابيل هابيلاً أخاه ... فواحزني على الوجه المليح فأجابه إبليس لعنه الله: من الوافر

تنح عن البلاد وساكنيها ... فبي في الخلد ضاق بك السيح وكنت بها وزوجك في رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح فما انفكت مكايدتي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفي من جنان الخلد ريح موسى بن عبد الملك بن هشام أبو الحسين الكاتب من كتاب المتوكل، ورد معه دمشق. قال موسى بن عبد الملك: رايت في النوم وأنا في الحبس قائلاً يقولك من مخلع البسيط لا زلت تعلو بك الجدد ... نعم وحفت بك السعود أبشر فقد آن ما تريد ... يبيد أعداءك المبيد لم يمهلوا ثم لم يقاتلوا ... والله يأتي بما تريد فاصبر فصبر الفتى حميد ... واشكر فمع شكرك المزيد توفي أبو الحسين بن عبد الملك بالفالج سنة سبع وأربعين ومئتين. موسى بن عقبة أبو محمد المدني مولى آل الزبير، صاحب المغازي. حدث عن أم خالد بنت خالد - قال: لم أسمع أحداً يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرها - قالت: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعوذ من عذاب القبر. كان بالمدينة شيخ يقال له شرحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد أحتاج فأسقطوا مغازيه وعلمه،

موسى بن علي بن رباح بن قصير

فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال: وإن الناس قد اجترؤوا على هذا! فدب على كبر سنه وقيد من شهد بدراً فاحداً، ومن هاجر إل أرض الحبشة والمدينة، وكتب ذلك. كان مالك إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة، فإنه أصح المغازي. قال المسور بن عبد الملك المخزومي لمالك: يا أبا عبد الله! فلان كلمني يعرض عليك وقد شهد جده بدراً. فقال مالك: لا أدري ما تقولون، من كان في كتاب موسى بن عقبة قد شهد بدراً فقد شهد بدراً، ومن لم يكن في كتاب موسى بن عقبة فلم يشهد بدراً. وعن هشام بن عروة قال: إنما كنت أجيء إلى المدينة من أجل موسى بن عقبة أنها، فلما مات موسى بن عقبة تركت المدينة، وكان مؤاخياً له، وكان هشام بن عروة إذا قدم المدينة أخلوا له مصلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي موسى بن عقبة سنة إحدى وأربعين، اثنتين وأربعين ومئة. موسى بن علي بن رباح بن قصير ابن القشيب بن يثيع بن أزدة بن حجر بن جزيلة ابن لخم بن عمرو أبو عبد الرحمن اللخمي المصري زفد على هشام بن عبد الملك من المغرب، وولي مصر للمنصور سنة تسني. حدث عن أبيه بسنده إلى عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضل ما بين صيامكم وصيام أهل الكتاب أكلة السحر. وحدث عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الحسد في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فقام به، وأحل حلاله وحرم حرامه؛

موسى بن علي بن محمد بن علي

ورجل آتاه اله مالاً، فوصل به أقرباءه ورحمه، وعمل بطاعة الله؛ تمنى أن يكون مثله. ومن تكن فيه أربع فلا يضره مازوي عنه من الدنيا: حشن خليقة، وعفاف، وصدق حديث، وحفظ أمانة. وعلي، بضم العين وفتح اللام، وكان يكره أن يقال له علي، ويقول: لا أجعل في حل من ينسبني إلى علي، أنا ابن علي بن رباح، ومن قال علي فقد اغتابني. ولد موسى بن علي سنة سبع وثمانين، وتوفي سنة ثلاث وستين ومئة بالإسكندرية. وكان رجلاً صالحاً يتقن حديثه، من ثقات المصريين. موسى بن علي بن محمد بن علي أبو عمران النحوي الصقلي حدث عن عبد بن أحمد بسنده إلى بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس: إني أحدثك حديثاً ما حدثته كل أحد، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام على باب بيت ونحن فيه فقال: الأئمة من قريش من بعدي، إن لهم عليكم حقاً، ولكم عليهم مثل ذلك، ما إن استرحموا رحموا، وإن عاهدوا اوفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن. قال أبو عمران: حفظت القرآن ولي تسع سنين، وجودته ولي إحدى عشرة سنة. وتوفي أبو عمران سنة سبعين وأربع مئة.

موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث

موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث ويقال: عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل كليم الرحمن صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم روي أن قبره بين عليه وعويله وهما محلتان كانتا بقرب مسجد القدم. ويقال إنه رئي في النوم قبره فيه، والصح أن قبره بيته بني إسرائيل وسأتي الاختلاف فيه. والأطوار التي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليها أربعة أطوار: طور سيناء وهو في البية بالقرب من بحر قلزم، والطور الذي ببيت المقدس، والطور الذي في طبرية عند أكسال، والطور الذي بدمشق، وهو جبل كوكب موضع الكنيسة الخربة، وقد بني في هذه المواضع كنائس باقية إلى الساعة إلا كنيسة كوكباً فإنها خراب. روي أنه أول نبي بعث: إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق ويعقوب بن إسحاق، ثم يوسف بن يعقوب، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهارون. وكان حاز حزا لفرعون فقال: إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم، وكان فرعون يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم حذراً لقول الحازي، وذلك قول اله عز وجل: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ومجعلهم الوارثين " إلى قوله: " يحذون " قوله: " ونجلعهم الوارثين " أي يرثوا الأرض بعد فرعون. قال: " وأوحينا إلى أم موسى " قال: قرر في نفسها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " إلى قوله: " وهم لا يشعرون " قال: لا يشعرون أن هلالاكهم على

يديه. وقوله: " لولا أن ربطنا على قلبها " قال: ربط الله على قلبها بالإيمان. وقوله: " وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً "، قال: من كل شيء إلا من ذكر موسى، و" إن كادت لتبدي به " فتقول: وابنياه. ولما أكثر فرعون القتل في بني إسرائيل، ورأى عظماء قومه ما يصنع اجتمع نفر من عظمائهم وأشرافهم وذوي السن منهم، وقال بعضهم لبعض: ألا ترون إلى الملك يذبح الصغير من بني إسرائيل، وأن الكبار يموتون بآجالهم، وقد أسرع القوابل في نساء بنس إسرائيل وأمرهن أن لا يسقط على ايديهن وليد من بني إسرائيل إلا ذبحوه، وقد ترون ما يصنع بالحبالى، وكيف يعذبهن حتى يطرحهن حتى ما في بطونهن، فيوشك أن يفني بني إسرائيل ويستأصلهم، فنصير نحن بغير خدم، وتصير الأعمال التي كانوا يكفوناها في أعناقنا، وإنما بنو إسرائيل خدمنا وخولنا؛ فانطلقوا بنا إلى الملك حتى نشير عليه برأينا. فانطلقوا حتى دخلوا على فرعون فقالوا: أيها الملك! قد أفنيت بني إسرائيل، وقطعت النسل، وإنما هم خدمك، وهم لك خول طائعون، فاستبقهم لذلك ومر أن يرفع عنهم الذبح عاماً أو عامين حتى يشب الصغار. فأمر فرعون أن يذبحوا عاماً ويستحيوا عاماً فحملت أم موسى بهارون في السنة التي لا يذبح فيها الغلمان، فولدت هارون علانية آمنة من الذبح حتى إذا كان العام القابل الذي يذبح فيه الغلمان حملت بموسى، فوقع في قلب أم موسى الهم والحزن من أجل موسى، تخشى عليه كيد فرعون، وكان هارون أكبر من موسى عليهما السلام، ولما تقارب ولاد أم موسى كانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لام موسى، فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فقالت: قد ترين ما نزل بي، ولينفعني حبك إياي اليوم، فعالجت قبالها، فلما أن وقع موسى بالأرض هالها نور بين عينيه، فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب مسوى في قلبها ثم قالت لها: يا هذه! ما جئت إليك إلا ومن رآني أقتل مولودك وأخبر فرعون، ولكن قد وجدت لابنك هذا حباً ما وجدت مثله، واحفظي ابنك، فإني أراه هو عدونا.

فلما خرجت من عندها وحراس فرعون وعيونه على القوابل ينظرون أين يدخلن وأين يخرجن؛ فإن وجدوا قابلة تداهن أو تكتم، واطلعوا على ذلك منها قتلوها والمولود، فلما خرجت القابلة من عند أم موسى أبصرها بعض العيون، فجاء غل بابها ليدخلوا على أم موسى، وكانت أخت موسى قد سجرت تنورها لتخبز، فسمعت الجلبة بالباب فقالت: يا أمتاه! هذا الحرس بالباب. فلقت موسى في خرقة، ثم سولت لها نفسها، فوضعته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع خوفاً على موسى، وكان ذلك إلهاماً من الله عز وجل لما أراد بعبده موسى، فدخلوا فإذا التنور مسجور، وإذا أم موسى لم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لين. فقالوا لها: ما أدخل عليك القابلة؟ قالت: هي مصافية لي. فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها، فرجع إليها عقلها، فقالت لأخت موسى: فأين الصبي؟ قالت: لا أدري، فسمع صوت بكاه من التنور، فانطلقت إليه، وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاماً، فاحتملت الصبي فأرضعته، وذلك قول الله عز وجل: " وأوحينا إلى أم موسى " بعد ذلك، وإنما كان هذا الوحي إلهاماً من الله " أن أرضعيه " فأرضعته ولا تخاف شيئاً، فذلك قوله: " فإذا خفت عليه " فاجعليه في التابوت ثم اقذفيه في اليم " ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ". وكانت أم موسى لما حملت به كتمت أمرها جميع الناس، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله، وذلك شيء ستره الله لم أراد أن يمن به على بني إسرائيل. فلما كانت السنة التي يولد فيها بموسى بعث فرعون القوابل وأمرهن يفتشهن النساء تفتيشاً لم يفتشنه قبل ذلك، ولم ينب بطن أم موسى ولم يتغير لونها، ولم يظهر لبنها، وكانت القوابل لا يعرضن لها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة، ولم يطلع أحد إلا أخته مريم، وأوحي الله إليها " أن أرضعيه فإذا خفت عليه " الآية، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك؛ فلما خافت عليه عملت له تابوتاً مطبقاً ومهدت له فيه، ثم ألقته في البحر ليلاً كما أمرها الله، فلما

أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل، فبصر بالتابوت فقال لمن حوله من خدمه: ائتوني بهذا التابوت، فوضع بين يديه وفتحه، فوجد فيه موسى، فلما نظر إليه فرعون قال: عبارني من الأعداء. فغاظه ذلك وقال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟! وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم، وكانت من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء، وكانت أماً للمسلمين، ترحمهم وتتصدق عليهم وتعطيهم، ويدخلون عليها، فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه: هذا الولد أكبر من ابن سنة، وإنما أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة، فدعه يكن قرة " عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون " بأن هلاكهم على يده، فاستحياه فرعون وومقه، القي الله عليه محبته ورأفته، وقال لمرأته: عسى أن ينفعك فأما أنا فلا أريد نفعه. ولو أن عدو الله قال في موسى كما قالت أسية: عسى أن ينفعنا، لنفعه الله به، ولكنه أبى، للشقاء الذيس كتبه الله عليه. وحرم الله المراضع على موسى ثمانية أيان ولياليهن، كلما أتي بمرضعة لم يقبل ثديها، فرق فرعون إليه ورحمه، وطلب له المراضع، وحزنت أم موسى وبكت عليه، حتى كانت أن تبدي به، ثم تداركها الله برحمته، وربط على قلبها، وقالت لأخته: تنكري واذهبي مع الناس فانظري ماذا يفعلون به. فدخلت أخته مع القوابل على أسية نبت مزاحم، فلما رأت وجدتهم بموسى وحبهم له ورأفتهم عليه قالت: " هل أذلكم على أهل بيت يكفلونه لكن وهم له ناصحون "؟ فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، وما عاينت وما سمعت منهم، فانطلقت أم موسى حتى انتهيت إليهم متنكرة فقالت لهم: هل تريدون ظئراً؟ قالوا: نعم. فناولوها موسى، فوضعته في حجرها، فلما شم ريح أمه عرفها فوثب إلى ثدي أمه فمصه حتى روي، فلما رده الله إلى أمه وقبل ثديها استبشرت آسية وقالت لأم موسى: إن شئت امكثي عندي ترضعين ابني هذا، فإني لم أحب حبه شيئاً قط. فقالت لها أم موسى: لا أستطيع أن أترك بيتي وولدي وزوجي وأقيم عندك، ولكن إن طابت نفسك أن تدفعيه إلي، فأذهب به إلى بيتي، فيكون عندي لا ألوه خيراً.

وذكرت أم موسى ما كان الله صنع لها في موسى فتعاسرت عليهم وعلمت أن الله مبلغ موسى ومنجز وعده. قال: فدفعت إليها ابنها، فرجعت به إلى بيتها، فبلغ من لطف الله لها ولموسى أن الله رد عليها ابنها، وعطف عليها فرعون وأهل بيته بالمنفعة حتى كأنهم كانوا من أهل بيت فرعون، من المان والسعة، فلم يزل موسى في كرامة الله عز وجل، وهو في منزل والدته، فلما ترعرع وشب وتكلم، وكانت امرأة فرعون إذا أرداته بعثت إليه، فيحمل إليها في الفرسان والخدم حتى يدخل عليها، ولما فطمته أمه ردته، فنشأ في حجر فرعون وامرأته يربيانه بأيديهما، واتخذاه ولداً، فبينا هو يلعب يوماً بين يدي فرعون، وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرببه رأس فرعون، فغضب فرعون وتطير من ضربه حتى هم بقتله، فقالت آسية: أيها الملك! لا تغضب، ولا يشقق عليك، فإنه صبي صغير لا يعقل، جربه إن شئت، اجعل في هذا الطست جراً وذهباً، فانظر على أيهما يقبض، فأمر فرعون بذلك، فلما مد موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكل به على يده فردها إلى الجمرة، فقبض عليها مويى، فألقاها في فيه، ثم قذفها حين وجد حرارتها، فقالت آسية لفرعون: أن أفل لك إنه لا يعقل شيئاً؟ فكف عنه فرعون وصدقها، وكان أمر بقتله. ويقال: إن العقدة التي كانت في لسان موسى أثر تلك الجمرة التي التقمها. ولما أرادت أم موسى أن تجل ولدها في التابوت انطلقت إلى نجار من مصر من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتاً صغيراً، فقال لها النجار: ما تصنعين بهذا التابوت؟ قالت: ابن لي أخبؤة في التابوت - وكرهت أن تكذب - قال: ولم؟ قالت: أخشى عليه كيد فرعون. فلما اشترت منه التابوت وحملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطق الكلام، وجعل يشير بيده، فلم يدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوا هذا المصاب، فضربوه حى أخرجوه، فلما انتهى إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم، فانطلق أيضاً يريد الأمناء، فأتاهم ليخربهم، فأخذ الله لسانه وبصره، فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئاً، فضربوه

وأخرجوه من عندهم لا يبصر شيئاً، فوقع في وادي يهودي فيه حيران، فجعل لله إن رد عليه لسانه وبصره أن لا يدل عليه، وأن يكون من تبعه، يحفظه حيث ما كان، فعرف الله منه الصدق، فرد عليه بصره ولسانه، فخر لله ساجداً وقال: يا رب! دلني على هذا العبد الصالح. فدله الله عليه، فخرج من الوادي فآمن به وصدق به، وعلم أن ذلك من الله. وانطلقت أم موسى بالتابوت إلى منزلها فمهدت فيه لموسى ثم لفته في الخرق، ثم أدخلته التابوت، فأطلقت عليه، فنظرت ألسحرة والكهنة إلى نجم موسى، فإذا مجمه ورزقه قد غاص في الأرض، وخفي عليهم نجمه، وذلك حين أدخلته أمه في التابوت، فخفي على الكهنة، فلما أبصروا ذلك فرحوا فرحاً شديداً، ورفعوا أصواتهم بالغناء، وأسرعوا البشارة إلى فرعون وهم يظنون أن قد ظفروا بحاجتهم، وأن موسى قد قتل فيمن قتل من ولدان بني إسرائيل فقالوا: أيها الملك! إن نجم المولود الذي تحذر مه غاص في الأرض وذهب رزقه. ففرح فرعون وذهب عنه الغم، وظن أنها ستراح منه، فأمر للكهنة والسحرة بجوائز وكسوة، وأمر بالجهاز والخروج من الإسكندرية، وكان لفرعون يومئذ ابنة، لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون، وكان بها برص شديد مسلخة برصاً، وكان فرعون جمع لها أطباء مصر والسحرة، فنظروا في أمرها وقالوا: إنها لا تبرأ إلا من قبل البحر، يؤخذ منه شيء شبه الإنسان، فيؤخذ منه ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وكذا حين تشرق الشمس، فلما كان يوم الإثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل، ومعه امرأته آسية، وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل، فبينا هي كذلك مع جواريها تنضح الماء على وجوههن وتلاعبهن، وعمدت أم موسى إلى التابوت فقذفته في النيل، فانطلق الماء بالتابوت حتى توارى عنها، فجاء الشيطان فندمها وأنساها ما كان الله عز وجل ألهمها إذ جعلته في التنور، فجعل الله عليه النار برداً وسلاماً؛ وندمت حين جعلته ي التابوت وقالت: لو ذبح ابني بين يدي كنت

أكفنه وأدفنه في التراب، وكان أحب إلي وأسلي لهمي من أن ألقيه في البحر، فيأكله دواب البحر وحيتانه، ثم ذكرها الله ما أنساها الشيطان فقالت: إن الذي خلصه من النار سيحفظه في اليم، فاحتمل النيل التابوت حتى تعلق بشجرة مما يلي فرعون، فبينا فرعون في مجلسه إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجرة، ترفعه الأمواج وتضعه، ائتوني به. فابتدروه بالسفن من كل جانب، حتى وضعوه بين يده، فعالجوا فتح التابوت فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرأن في جوف التابوت نرواً لم يره غيرها، للذي أراد الله أن يكرمها، فعالجته ففتحت التابوت، فإذا هي بصبي صغير فيمهده، فإذا نور بين عينيه، وقد جعل الله رزقه في البحر في إبهامه، وإذا إبهامه في فيه، يمصه لبناً، وألقي الله لموسى المحبة في قلب آسية، فلم يبق منها عضو ولا شعر ولا بشر إلا وقع فيه الاستبشار، فذلك قوله: " وألقيت عليك محبة مني "، وأحبه فرعون وعطف لعيه. وأقبلت ابنة فرعون، فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت ابنة فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه ولعابه فلطخت به برصها وقبلته وضمته إلى صدرها، وجعل فرعون يفعل كفعلها لما يرى من سرورهم به، فأخذته آسية فضمته إلى نفسها، فقالت الغواة من قوم فرعون: إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل، هو هذا رمي به في البحر فرقاً منك، فاقتله مه من قتلت منهم. فهم به فمنعه الله منه، فلما هم بقتله قالت إمراته آسية: لا تقتله " قرة عين لي ولك " لا تقتله " عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً " وكانت لا تلد، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها، وقال فرعون: أما أنا فلا حاجة لي فيه. فقالت لآسية: سميه. قالت سميته موشى. قيل: ولم سميته موشى؟ قالت لأنا وجدنا في الماء والشجر ف مه هو الماء وشى هو الشجر فسموه موشى، ماء وشجر.

قال قتادة في قوله: " وألقيت عليك محبة مني "، قال: كانت ملاحة في عيني موسى لم يرهما أحد قط إلا أحبه. وقال سلمة بن كهيل: " وألقيت عليك محبة مني "، قال: حببتك إلى عبادي. وقال ابن المبارك: أوحى الله تعالى إلى موسى: تدري لم ألقيت عليك محبتي؟ قال: لا يا رب. قال: لأنك اتبعت مسرتي. وقال أبو عمران الجوني: " ولتصنع على عيني " قال: تربى بعين الله عز وجل. وقال ابن عباس: في قوله: " وحرمنا عليه المراضع من قل " قال: ليس يعني النساء، ولكن يعني حلم الثدي، وكان لا يقبل ثدي امرأة، فجعل لا يقبل حلمة امرأة، فكبر ذلك على امرأة فرعون، فقالوا لها: أرسلي إلى نساء بني إسرائيل التي قتل أولادهن، لعلك تجدين من يقبل هذا الصبي ثديها منهن، فأرسلت، فجعلت تعرضهن على موسى مرضعاً بعد مرضع، فلم يقبل منهن شيئاً حتى أشفقت آسية أن يمتنع من الرضاع فيهلك، حتى جاءت أمه، فلما أن شم ريح أمه عرفها فوثب إلى ثدي أمه فمصه حتى روي. وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليلة أسري بي مررت بموسى بن عمران فنعته النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رجل - حسبته قال: مضطرب - رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة.

وفي حديث جابر مثله، ورأيت عيسى، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم إليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم - يعني نفسه - ورأيت جبريل عليه السلام، فأقرب من رأيت به شبهاً دحية. وعن ابن عباس: أن بني إسرائيل لما شب موسى نظروا إلى المبعث الذي كانوا يجدون في كتبهم، أن الله عز وجل مخلص بني إسرائيل على يديه. وقال وهب بن منبه: إنهم قالوا لموسى: إن آباءءنا أخبرونا أن الله عز وجل يفرج عنا على يدي رجل أنت شبه، فتكون لنا الأرض كما كانت أول مرة في زمن يعقوب، وإنما سخط الله علينا وملك فرعون علينا لأنا لم نطعربنا، لم نصدق رسلنا فجعل موسى يقول لهم: أبشورا يا بني إسرائيل ثم أبشروا، فإني أرجو أن يكون قد تقارب ذلك، فاتقوا الله وأطيعوه، ولا تسخطوه كما أسخطمتوه أول مرة، فلا يرضى عنكم أبداً. قالوا: يا موسى! أما تقدر أن تشفع لنا إلى فرعون بمنزلتك عنده أن يرفه عنا شهراً من العمل، فقد قرحت أيدينا ومناكبنا من نقل الحجارة وبناء المدائن، فنستريح شهراً فقد كسرت ظهورنا وذهبت قوتنا. فقال لهم موسى: فهل تعلمون يا بني إسرائيل أن الذين أنتم فيه من البلاء عقوبة من الله للذين سلف من ذنوبكم. قالوا: يا موسى! ما منا صغير ولا كبير إلا وهو يعرف ذلك، مقر على نفسه بخطيئته. قال لهم موسى! ما منا صغير ولا كبير إلا وهو يعرف ذلك، مقر على نفسه بخطيئته. قال لهم موسى: فما عليكم من الشكر إن هلك عدوكم وفرج عنكم وردوكم إلى ملككم؟ قالوا: يا موسى! وهل يكون ذلك أبداً؟ قال عسى الله أن يفعل بكم ذلك، فينظر كيف شكركم وحمدكم عند الرخاء، وصبركم عند البلاء. قال وهب: وكذلك الأنبياء يجري الله الحكمة على ألسنتهم من قبل الوحي، فقالوا: يا موسى! إذاً والله نكثر صلاتنا وصيامنا ونواسي المساكين في اموالنا ونظع الجائع، ونكسو العاري، ونطيع ربنا ورسلنا. قال موسى: يا بني إسرائيل! زعموا أن عبداً من عبيد الله غضباً عضباً في الله على قومه أنهم عبدوا الأوثان من دون الله، فعمد إلى تلك الأوثان فكسرها غضباً لله عز وجل؛ فأخذه قومه فالقوة في النار، فأمر الله النار أن تكون برداً وسلاماً، فأنجاه الله من تلك النار، لما علم من صدق نيته، قالوا:

يا موسى! هذا هو إبراهيم الخليل بن تارح هو أبو إسحاق، وهو جد يعقوب، وهو إسرائيل أبونا. فلما فرغوا من حديثهم خلابة فتى من قومه فقال لموسى: لولا أني أخاف لأخبرتك خبراً صادقاً إنك أنت الذي نرجوه، ولكنك من فرعون بمنزلة، وهو يحبك حباً شديداً. فقال له موسى: وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلهاً واحداً، لا أحلف بعزة فرعون المخلوق الضعيف إلا ما أخبرتني الخبر كله. فقال له الفتى: يا موسى! أشهد بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط أنك الذي نرجو وننتظر أن يهلك الله عدونا على يده ويفرج عنا به. قال له موسى: وإله بني إسرائيل إني لأحبكم حب الوالدة لودها وحب الأخ لأخيه؛ ولا يغرنكم حب فرعون إياي، فإن أكمن أنا ذاك أو غيري. قال: فلم يزل موسى يتآلفهم ويتآلف بهم ويتحدث معهم حتى صار موسى أحب إليهم من أبائهم وأمهاتهم، وصاروا إذا قعدوا ساعة كالغنم لا راعي لها. ثم إن موسى وأخاه ذلك الرجل في الله، وجرت بينهما المودة، ثم ثم إنه خلابه موسى لما أراد الله بذلك الفتى من السعادة، فأفشى إليه موسى سره وما هو عليه من يدنه، وأخذ عليه عهد الله وميثاقه ألا يخبر به أحداً حتى يظهر الله ذلك الأمر، فحلف الفتى بإله بني إسرائيل ليجتهدن في الأمر، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولو أحرقت بالنار. فأنبت اله موسى نباتاً حسناً حتى بلغ أشده، فآتاه الله حكماً وعلماً - يعني فهماً في دينه ودين آبائه وشرائعهم - وصار لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه، يقتدون برأيه ويجتمعون إليه، فلما عرف ما هو عليه من الحق، وبان له أم ر فرعون وما هو عليه من الباطل، وعرف عداوته له ولبني إسرائيل علم أن فراق فرعون خير له في دينه ودنياه وأخرته. فتكلم موسى بالحق وعاب المنكر، ولم يرض بالباطل والظلم والإشراك بالله، حتى ذكر ذلك منه في مدينة مصر، وما صنع بأهلها، وحتى علموا أن دينه ورأيه مخالف لهم؛ فلما اشتد عليهم أمر موسى رفعوا أمره إلى فرعون، فأمرهم فرعون أن لا يعرضوا له إلا

بخير، ونهاهم عنه حتى صار من أمر أهل مصر أنهم خافوا موسى خوفاً شديداً، وكن لا يلقى موسى أحداً منهم إلا هربوا منه حتى لا يستطيع أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل، ولا يصل إلى ظلمه ولا يسخره، وامتنعت بنو إسرائيل في كنف موسى كل الامنتاع، فلما اشتد عليهم أمر موسى نصبوا له العداوة في كل نواحي المدينة ليقتلوه، فصار من أمر موسى لا يدخل المدينة إلا خائفاً مستخفياً، فبينا موسى ذات يوم وهو داخل " المدينة على حين غفلة من أهلها " يعني عند الظهيرة وهم قائلون " فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته " يعني من شيعة موسى، والآخر " من عدوه " يعني من آل فرعون كافراً " فاسغائه الذي من شعته " وهو الإسرائيلي " على الذين من عدوه " يعني بع القطبي، وكان موسى أوتي بسطه في الخلق، وشدة في القوة، فدنا موسى منهما، فإذا هو بالفتى المؤمن الذي كان عاهده موسى وأفشى إليه سره، وقد تعلق به عظيم من عظماء الفراعنة، يريد أن يدخله على فرعون، فقال له موسى: ويحك، خل سبيله، قال له الفرعوني: هل تعلم يا موسى أن هذا الفتى سب سيدنا فرعون؟ فقال له موسة: كذبت يا خبيث؟ بل السيد الله، ولعنة الله على فرعون، فنازعه موسى فلم يخل عنه " فوكزه موسى " وكزة على قلبه " فقضى عليه " ولم يكن يريد قتله، وليس يراهما إلا الله والفتى الإسرائيلي الذي كان من شيعه موسى. فقال موسى حين قتل الرجل: " هذا من عمل الشيطان " يعني من تزيين الشيطان " إنه عدو مضل مبين، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ". وقيل: إن موسى نبي الله قال: يا رب؟ لا ترني النفس التي قتلت يوم القيامة. قال الرب: ألم أغفره لك يا موسى؟ قال: بلى، ولكن أخشى مما أرى من عذلك أن يكون لقلبي روعة يوم القيامة. قال: فجنبه ألا تراه. وعن ابن عباس قال: إن موسى كان قد جعل الله له نوراً في قلبه قبل نبوته، فلما قتل الرجل خمد ذلك

النور، فلم يحس به، فقال عند ذلك: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي. فعرف الله منه الندامة، فرد عليه النور في قلبه وغفر له، إنه هو الغفور الرحيم. وكان موسى بعد ذلك خائفاً وجلاً، حتى جاءته النبوة، فأوحى الله إليه: لو أن النسمة التي قتلتها أقرت لي ساعة من نهار أني خالقها ورازقها لأذقتك طعم العذاب، ولكنها لم تقر لي ساعة من نهار أني خالقها ورازقها، فقد غفرت لك. فاطمأن بعد ذلك. وعن ابن عباس: في قوله عز وجل: " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى " قال: جاء خربيل بن نوحابيل خازن فرعون، وكان مؤمناً يكتم إيمانه مئة سنة، وكان هو حاضر فرعون حين ائتمروا في قتل موسى. قال: فخرج فأخذ طريقاً آخر، فأخبر موسى بما ائتمروا من قتله، وأمره بالخروج وقال: " إني لك من الناصحين " فخرج موسى على وجهه، فمر براعي، فألقى كسوته واخذ منه جبة من صوف بغير حذاء ولا رداء، فمضى " خائفاً يترقب " يخاف فرعون، وهو يتحسس الأخبار ولا يدري أين يتوجه، ولا يعرف الطريق إلا حسن ظنه بربه، فذلك قوله: " عسى ربي أن يهديني سواء السبيل " فهيأ الله تعالى له قصد السبيل - يعني الطريق إلى المدينة الذي قضى عليه، وما هو كائن من أمره. فخرج نحو مدين بغير زاد ولا ظهر، قال: " رب نجني من القوم الظالمين " فتعسف الطريق يأخذ يميمناً وشمالاً، يأكل النبت من الأرض وورق الشجر حتى تشقق شدقاه، وكان يرى خضرة النبت بين جلده وأمعائه، فأصابه

الجهد والجوع حتى وقع إلى مدين، فذلك قوله عز وجل: " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " أنعامهم، وكانوا أصحاب نعم وشاء " ووجد من " دون القوم " امرأتين تذوادان " غنمها عن الماء وهما ابنتا يثروب - وهو بالعربية شعيب - فقال موسى لهما: " ما خطبكما " يقول: ما شأنكما معتزلتين بغنمكما دون القوم لا تسقيان مع الناس؟. " قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء " ونحن بعد كما ترى إمراتين ضعيفتين لا نستطيع أن نزاحم الرجال " وأبونا شيخ كبير " لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، وليس أحد يقوم بشأنه ولا يعنيه في رعاية غنمه وسقيها، فنحن نرعاها ونتكلف سقيها، وكان شعيب صاحب غنم، وكذلك الأنبياء كانوا يقتنون الغنم. قال ابن عباس: ما من بيت يكون تكون فيه شاة إلا نادى ملك من السماء: يا أهل البيت قدستم قدستم. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أعيته المكاسب فعليه بتجارة الأنبياء. يعني الغنم، إنها إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت. قال ابن عباس: لما ورد موسى ماء مدسن كان يتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال. وعن مجاهد: في قوله عز وجل حكاية عن موسى " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير: قال: ما سأل الله إلا طعاماً يأكله وقال: كان يومئذ فقيراً إلى شق تمرة، ولزق بطنه بظهره من شدة الجوع. وقيل: ما كان معه رغيف ولا درهم وقيل: سأل الله تعالى فلقاً من الخبز يشد بها صلبه من الجوع، ولقد قال ذلك وهو من

أكرم خلق الله عليه، ولقد أصابه م الجوع حتى لصق ظهره ببطنه، حتى تبين خضرة البقل من أعلى الجلد، حتى أتته الجارية. سأل رجل ابن عيينة فقال: يا أبا محمد؟ أرأيت الرجل يعمل العمل لله يؤذن أو يؤم، أو يعين أخاه، أو يعمل شيئاً من الأعمال فيعطى الشيء؟ قال: يقبله، ألا ترى موسى لم يعمل للعمالة، إنما عمل لله، فعرض له رزق من الله فقبله وقرأ: " إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء " فذهب معها، وإنما كان أول الأمر لله. ولما أبصر موسى ما بالجارية من العري وما يبدو من ساقيها قال لها موسى: امشي خلفي رحمك الله وانعتي لي الطريق بكلامك، فإنا قوم لا ننظر إلى أدبار النساء. ففعلت ما أمرها موسى، فكلما عدا موسى يميمناً أو شمالاً تقول له: على يمينك دع شمالك؛ حتى دخل على شعيب، فلما دخل عليه دعا شعيب بطعام، فوضعه بين يديه، ثم قام من عنده شعيب، وأقسم لعيه إلا ما أكلت حتى أرجع إليك. وإنما صنع ذلك شعيب حين خرج من عند موسى كراهية أن يستحي من شعيب، فلا يشبع من الطعام، فلما فرغ موسى من الطعام دعا له بلين فسقاه، ثم سأله بعد ذلك عن أمره كله وما أخرجه من بلاده، فقص عليه موسى القصص، وأخبره بالذي أخرجه من بلاده، وأخبره بنسبه وممن هو، فعلم شعيب أن موسى من أهل بيت النبوة، فقال: " لا تخف نجوت من القوم الظالمين "، المسالة. فقالت إحدى ابنتي شعيب: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ". وقيل: إن الذي قال له: " لا تخف نجوت من القوم الظالمين " ليس بشعيب، ولكنه سيد الماء يومئذ. وعن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن سئت أي الأجلين قضى

موسى؟ فقل: خيرهما وأوفرهما؛ ون سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما، وهي التي جاءت وقالت: يا أبت استأجره. قالوا: وقال لها أبوها: ما علمك بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوته فإنه رفع الحجر وحده ولا يطيق رفعه إلا عشرة، وأما أمانته فقوله: امشي خلفي وصفي لي الطريق، لا تصف الريح لي حسدك. فزاده ذلك فيه رغبة " قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك، وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين "، أي من حسن الصحبة والوفاء بما قلت. قال موسى: " ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي " قال: نعم. قال: " والله على ما نقول وكيل ". فزوجه وأقام معه يكفيه ويعلم له في رغاية غنمه. وعن أبي سعيد الخدري: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن جبريل، عن ميكائيل، عن الرفيع، عن إسرافيل، عن ذي العزة تبارك وتعالى أن موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى أتم الأجلين وأظنه عشر سنين. قال عكرمة: لقيت الحسن بن علي فصافحته، قال: التقابل مصافحة المؤمن. قال: قلت أخبرني " وأما بنعمة ربك فحدث " قال: الرجل المؤمن يعمل عملاً صالحاً فيخبر به أهل بيته، قال: قلت أي الأجلين قضى موسى، الأول أو الآخر؟ قال: الآخر. ولما رعى موسى عليه السلام على صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما قال له صاحبه: كل شاة ولدت على غير لونها فلك ولدها. قال: فعمد فوضع حبالاً على الماء، فلما رأت الحبال فزعت فجالت جولة، فولدن كلهن برقاء إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهن ذلك العام.

وعن عتبة قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً فقرأ سورة طسم، حتى إذا بلغ قصة موسى قال: إن موسى أجر نفسه ثمان سنين - أو قال عشر سنين - بعفة فرجه وطعام بطنه. وعن عتبة بن الندر - وكان من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من حدث: وإن نبي الله موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أراد فراق شعيب عليه السلام قال لامراته: سلي أباك من نتاج غنمه ما يعيشون به، فأعطاها - وفي رواية فأعطاه - ما وضعت غنمه من قالب لون ذلك العام، فوقف موسى بإزاء الحوض، فلما وردت الغدير لم تصدر شاة إلا طعن جنبها بعصاة فوضعت قوالب ألوان، فوضعت اثنتين وثلاثين ليس فيهن فشوش ولاضبوب، ولامشة تفوت الكف، ولا ثغول؛ فإن فتحتم الشام وجدتم بقايا منها وهي السامرية. الثغول: الواسعة ثقب الضرع، فلا يستمسك فيه اللبن، فيقطر من غير حلب وتنفش. والضبوب: من الضب، وهو الحلب بالإبهام؛ والضرع - وأحسب ذلك يفعل بالشاة إذا كانت ضيقة مخرج اللبن. الكمشة: القصيرة الضرع، التي يفوت ضرعها كف الحالب، فلا يتمكن من حلبها. والثغول: التي لها حلمة زائدة، يقال لها الثغل. وفي حديث عن وهب، أن شعيباً زوجة ابنته الكبرى أسفورياً، وقيل صفورياً وهي التي كان أرسلها أبوها لتعو له موسى، فأقام موسى معه يكفيه رعاية غنمه وما يحتاج إليه منه، حتى توفي بشرطه، فلما قضي موسى الأجل قال لشعيب: أريد أن أنصرف بأهلي فانظر إلى أمي وأخي وأهل بيني. قال له شعيب: يا موسى؟؟! ضع يدك على ما شئت من مالي، فإنما هو من مال الله، ثم من بكرتك؛ قال: وذلك أن الله ثمر لشعيب ماله وكثره له، ورأى شعيب البركة في منزله بدخول موسى، فقال موسى:

حبي متاع قليل أعيش به أيام حياتي، ودابة أحمل عليها ابنتك وحمار أحمل عليه زادنا ومتاعنا. قال له شعيب: وما تريد غير هذا؟ موسى: وهذا كثير. ولما أراد موسى الخروج قال له شعيب: ادخل المخدع الذي فيه العصي، فخذ منها عصا وأتني بها. فدخل، فمد يده إلى العصي، فوقعت في يده منها عصا فأخرجها، فلما أبصرها شعيب ضحك قال: ردها. فردها مكانها وخرج إلى شعيب فقال له: اذهب فأتني بعصاً أخرى، فدخل فمد يده، فوقعت تلك العصا في ديه، فأخرجها إلى شعيب فإذا هي هية. فزعم وهب أنه رده سبع مرات، كل ذلك تقع العصا في يده، فقال شعيب: يا موسى! أنت صاحبها فاتوص بعصاك خيراً واحتفظ بها، فإنك سترى منها أمراً عجيباً من أمر الله وسلطانه. فزعم وهب أنها هي التي أخرجها آدم من الجنة. قال ابن عباس: كان عصا موسى من عوسج، وكان يستظل بها من الشمس، ويستضيء بها في ظلمة الليل، ويضرب بها الحجر فيخرج الماء، ويضرب بها الأرض فتنبت له البقل، وكانت من عوسج، وما جعلت بعها عصا من عوسج. وفي رواية: ولم يسخر العوسج لأحد بعده. وعن ابن عباس: في قوله تعالى: " لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ". قال ابن عباس: أضلوا الطريق وكانوا شاتين، فلما رأى النار قال: " لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى " أهتدي به إلى الطريق، فإن لم أجد أحداً يهديني أتيتكم بنار تستدفئون بها. وعن وهب بن منبه قال: خرج موسى ومعه أهله يؤم الشام، وأكبر همه طلب أخيه هارون وأخته مريم، وهما

بأرض مصر في مملكة فرعون، وهم موسى الاجتماع لهما والرخوج من أرض مصر فسار في البرية غير عارف بطرقها ولا معالمها، غير أنه يؤم الغرب ويجع الشرق، ويرى أنه الوجه إلى أرض مصر، فلم يزل كذلك حتى ألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن في البقينة المباركة، في عشية شاتيه شديدة البرد والظلمة، فعمد إلى زنده فقحها فلم تنور شيئاً ولم تزدد إلا نداوة، وكان عهده أن زنده لا يقدح بها إلا مرة حتى تنور فيها النار، فلما آيس مه تركه. ولما عند موسى عليه الصلاة والسلام - وعلى نبينا - نحو النار التي رأى وانتهى إليها، رأى ناراً عظيمة تتوقد من فرع شجرة خضراء، سديدة الخضرة، يقال لها العليق، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظماً وتضرماً، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسناً، فأعجبته ولا يدري على ما يضع أمرها، إلا أنه ظن أهها شجرة تحترق، أوقد إليها موقد قبالها، وأنه ظن أنها تمنع النار أن تحرقا شدة خضرتها وكثرة مائها، فوقف وهو يرجو أن يسقط منها شيء يقتبسه، فلما طال ذلك عليه ارتم إليها ضغثاً من رقاق الحطب والشيح، ثم أهوى به ليقتبس من لهبها، فلما فعل ذلك مالت إليه كأنها تريده، فاخر عنها وهابها، ثم عاد فطاف بها، فلم تزل تطعمه ويطمع بها، ويطوف حولها، ثم لم يك شيء بأوشك من طرفة عين من خمودها حتى كأن لم تكن، فعند ذلك أعجبه شأنها، ونظر في أمرها وتدبر فقال: نار توق في جوف شجرة لا تحرقها! وتمنعه فلا يقتبس منها، ثم خمدوها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين! إن لهذه لشأنا! فوضع أمرها على أنها مأمورة، أو مصنوعة لا تدري لما أمرت ولا من أمرها، ولا لمن

صنعت ولا من صنعها؟ فوقف متحيراً لا يدري، أيرجع أم يقيم؟ ثم رمى بطرفه نحو فرعها، فإذا هي أشد ما كانت خضرة، وإذا خضرتها ساطعة في السماء، ينظر إليها تشتق الظلام وتجلوه، ثم لم تزل الخضرة تنور وتسفر وتبيض، حتى عاد نوراً ساطعاً ما بين السماء والأرض، فيها شعاع الشمس، تكل دونه الأبصار، فلما نظر إليها تكاد تخطف بصره، خمر عينيه بثوبه ولصق بالأرض، فعند ذلك اشتد رعبه، وهمه وأحزنه شأنها، وجعل يسمع الحس والوجس، إلا أنه يسمع شيئاً لم يسمع السامعون مثله عظماً لا يدري ما هو، فلما اشتد به الخول وبلغه الكرب، وكاد أن يخالط في عقله نودي من السجرة أن يا موسى! فأسرع الإجابة - وما ذلك منه حينئذ إلا للاستئناس بالصوت حين سمعه، لما قد بلغه من الوحشة والخوف - فقال: لبيك لبيك - مراراً - إني أسمع الصوت ولا أرى مكانك فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك، ومحيط بك، وأقرب إليك منك من نفسك. فلما سمع هذا علم موسى أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله عز وجل، قال: كذلك أنت يا إلهي، أكلامك أسمع أم رسولك؟ فقال: بل الكلام كلامي والنور نوري، وأنا رب العالمين، يا موسى! أنا الذي أكلمك فأذن مني. فجمع يديه في العصا، ثم تحامل حتى استقل قائماً وما كاد، فأرعدت فرائصه، وانكسر قلبه ولسانه، وطاش عقله، ولم يبق منه عظم يحمل آخر، وصار بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه، فبعث الله إليه ملكاً كأحسن شيء خلقه الله، فشد له عضده وظهره، ورجاه وبشره، فرجف وهو مرعوب، فلما انتهى إلى الشجرة قال له: اخلع " نعليك إنك بالواد المقدس " فخلعهما، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت فطير - يعني غير مدبوغ - فخلعهما ثم قال: " وما تلك بيمينك يا موسى، قال هي عصاي " قال: ما تصنع بها؟ - ولا أحد أعلم بذلك منه جل وعز - قال: " أوتكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى " قال: قد علمتها وكانت مآرب موسى أنها كانت

عصا له شعبتان ومحجن تحت الشعبتين، وزج في طرفها، فكان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، وإذا طالت شجرة حناها بالمحجن، وإذا أراد أن يقوس شجرة تطول لها لواها بالشعبتين، وكان إذا مشى ألقاها على عاتقه، فيعلق بها قوسه وكنانته ومرجمته وحلابه وإرادته، وزاداً إن كان مع، وإذا ارتعى في البرية التي ليس فيها ظل ركزها في الأرض، ثم أعرض زنده بين شعبتيها ثم ألقي عليها كساءه، فاستظل ما كان مرتاعاً، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل الرشاء بالمحجن؛ وكان يقاتل بها السباغ عن غنمه. فكانت هذه من مآربه التي أراد أن يقص، ولكن منعه من ذلك الخوف، فأجمع القصة بقوله: " ولي فيها مآرب أخرة، قال ألقها يا موسى " فظن موسى أنه يقول ارفضها ولا تقبض بها " فألقاها موسى على وجه الرفض، ثم حانت منه نظرة، فإذا هو بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون! في مثل بدن البختي العظيم، إلا أنه أطول منه، مسرعة تدب على قوائم قصار غلاظ شداد، قد جعلت الشعبتان له فم مثل القليب الواسع، فيها أضراس وأنياب وقد جعل له عرفاً نابتاً له شعر مثل شعر البازل، قد جعل له عينان يتوقدان ناراً، وجعل يدب كأنه يبتغي شيئاً ليأخذه، إلا أنه ليمر بالشجرة العظيمة فيطعن بناب من أنيابه في أصلها، فيجدلها، ثم يبتلعها، ويمر بالصخرة العظيمة مثل الحلقة فيبتلعها حتى أنه ليسمع تقعقع الصخرة في جوفها، فلما عاين موسى ذلك " ولى مدبراً ولم يعقب " فذهب على وجهه حتى أمعن، وظن أنه قد أعجز الحية، ثم ذكر أنه هو فاستحيا، ثم نودي يا موسى! ارجع حيث كنت. فرجع وهو شديد الخوف فقال: " خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى "، فأدركه وعليه

جبة من صوف، فلف كم جبته على يده، فقال له الملك: يا موسى! أرأيت لو أذن لها في الذي تحاذر، أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً؟ قال موسى: لا، ولكني ضعيف، خلقت من ضعف، قال له: أخرج يدك، فكشف عن يده فقال: أدخلها في فيه. فوضهعا في في الحية حتى حبس الأضراس والأنياب، ووجد ذلك بيده في موضعها الذي كان يضعها بين الشعبتين، فقبض عليها فإذا هي هصا كما كانت، قال: فال له: ادن منس سا موسى، فدنا منه فقال: أخرج يدك من جيبك فأخرجها فإذا الشعاع مثل شعاع الشمس " بيضاء من غير سوء " يعني من غير برص؛ فقال له: العصا آية، ويدك " آية أخرى، لنريك " بعدهما " من آياتنا الكبرى ". ادن مني، فإني موقفك اليوم مكاناً لا ينبغي لبش من بعدك أن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي وكنت بأقرب المنازل والأمكنة منين فاسمع قولي واحفظ وصيتي وارع عهدي، وانطلق برسالتي فإنك تسمعني وتعيني، وأنا معك أيدي ونصري، وسألبسك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري، وأنت جند من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي وأمن مكري، وغرته الدنيا حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي وعبد دوني وتمثل بي، وزعم أنه لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي لولا الحجة العذر اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار، تغضب لغضبه السماوات والرض والجبال، إن آذن للسماء حصبته، وإن آذن للأرض ابتلعته وإن آذن للجبال درمته، وإن آذن للبحار غرقته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي واستغنت بما عندي وحق ي، إني أنا الغني، غنى غيري، فبلغه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي، وإخلاص اسمي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وذكره أيامي، وقل له فيما بين ذلك قولاً ليناً لعله يتذكر أن يهشى، ولا يغرنك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي، ليس يطرف ولا ينظر ولا يتنفس إلا يإذني، وقل له أجب ربك، فإنه واسع المغفرة، قد أمهلك منذ أرعبمئة سنة في كلها أنت تبارزه بالمحاربة، وتتسمى به وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، ويلبسك العافية، لم تسقم ولم تهرم، ولم تفتقر، ولم تغلب، ولو شاء أن يعجل لك ويبتليك ويسلبك ذلك فعل، يعني بالفقر والهرم، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم. " قال

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري ". وعن ابن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يوم كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف وكساء صوف، وسراويل صوف، وكمة صوف، ونعلان من جلد حمار غير ذكي. وعن أبي قلابة قال: تدرون لم قال الله تعالى: اخلع " نعليك إنك بالواد المقدس طوى "؟ قال: كانت نعلاه من جلد حمار ميت، فأحب أن يباشر القدس بقدميه. قال وهل بن منبه: لما كلم الله تعالى موسى صلى الله على نبينا وعليه يوم الطور، كان على موسى جبة من صوف مخللة بالعيدان، مخروم وسطه بشريط ليف، وهو قائم على جبل قد أسند ظهره إلى صخرة من الجبل، فقال الله: يا موسى! إني قد أقيمك مقاماً لم يقمع أحد قلبك ولا يقومه أحد بعك، وقرتبك مني نجياً. قال موسى: إلهي! ولم أقمتني هذا المقام؟ قال: لتواضعك يا موسى. فلما سمع لذاذة الكلام من ربه نادى: إلهي! أقريب فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى! أنا جليس من ذكرني. وعن ميسرة في قوله: " وقربناه نجياً " قال: أدني حتى سمع صريف الأقلام في الألواح. وعن الحسن " تخرج بيضاء من غير سوء " قال: أخرجها كأنها والله المصباح، فعلم موسى أ، قد لقي ربه. وقيل: أخرجها كأنها الثلج.

وقال ابن عباس: كانت عليه جبة صوف، كمها إلى مرفقه، ولم يكن لها أزرار، فأدخل يده في جيبه فإذا هي بيضاء تبرق مثل النور، فخروا على وجوههم. قال الحسن: لما كلم الله موسى ضرب على قلبه بصفائح النور، ولولا ذاك أطاق كلام الله عز وجل. وعن أبي الحويرث قال: إنما كلم الله موسى بما يطيق من كلامه، لو تكلم بكلامه لم يطقه شيء. قال وهب: قرأت في بعض الكتب التي أنزل الله من السماء: إن الله قال لموسى: أتدري لأي شيء كلمتك؟ قال: لأي شيء؟ قال: لأني اطلعت في قلوب العباد فلم أر قلباً أشد حباً لي من قلبك. وقال وهب: اطلع الله على قلوب الآدميين فلم يجد قلباً أشد تواضعاً له من قلب موسى، فخصه بالكلام لتواضعه. قالوا: وأوحى الله تعالى إلى الجبال إني ملكم عليك عبداً من عبيدي، فتطاولت الجبال لتكلمه عليها، وتواضع الطور، قال: إن قدر شيء كان. قال: فكلمه عليه لتواضعه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما كلم الله عز وجل موسى عليه السلام كان يبصر حثيث النمل على الصفا في الليلة المظلمة من مسيرة عشرة فراسخ. وعن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: مكث موسى أربعين ليلة بعدما كلمه الله لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين. وفي رواية أخرى: لا ينظر أحد إلى وجهه إلا هرب من نور رب العالمين تبارك وتعالى.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كن لما لم ترج أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران خرج يقتبس ناراً فرجع بالنبوة. وعن أنسقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن موسى بن عمران ما كلم في الأرض، إنما كان يبعث إليه جبريل يجلس من الجنة، ويضع تحته كرسياً مكللاً بالجوهر، فيكلمه حيث يشاء. ومما أنشد وهب بن ناجية المري: من الخفيف كن لما لا ترجو من الأمر أرجى ... منك يوماً لما له أنت راجي إن موسى مضى ليقبس ناراً ... من ضياء رآه والليل داجي فأتى أهله وقد كلم الله ... هـ وناجاه وهو خير مناجي وكذا الأمر ربما ضاق بالمر ... ء فتتلوه سرعة الإنفراج روي أن موسى قام في بني إسرائيل بخطبة أحسن فيها فأعجب بها! فقال به بنو إسرائيل أفي الناس أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله غليه: إن في الناس من هو أعلم منك. قال: يا رب! ومن أعلم مني وقد آتيتني التوراة، فيها علم كل شيء. فأوحى الله إليه: أعلم منك عبد من عبادي، حملته الرسالة، ثم بعته إلى ملك جبار عنيد، فقطع يديه ورجليه، وجدع أنفه، فأعدت إليه ما قطع منه ثم أعدته إليه رسولاً يأتيه فولى وهو يقول: رضيت لنفسي ما رضيت لي، ولم يقل كما قلت أنت عند أول: إني أخاف أن يقتلون. وعن عائشة أنها خرجت في بعض ما كانت تعتمر، فنزلت ببعض الأعراب، فسمعت رجلاً يقول: أي أخ كان أنفع لأخيه؟ قالوا: لا ندري. قال: أنا والله أدري، قالت عائشة: فلمته في

نفسي حين لا يستثني أنه يعلم أي أخ كان أنفع لأخيه حتى قال: موسى ين سأل لأخيه النبوة. فقلت: صدقت. وعن ابن عباس في قوله: " إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " قال: هذه مقالة موسى عليه السلام. وكان هارون بمصر فقال موسى: رب إن أخي هارون رجل ضعيف وأنا أقوى منه، وقد تخوفت وهو أضعف مني فيتخوف أيضاً أو أن يطغى فيقتلنا " قال: لا تخافا إنني معكما " شاهد لكما عند فرعون، أسمع قولكما وقوله، فأرى وأنظر إليكما " فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم " وفي البنيان ونقل الحجارة، وقتل الأنبياء، واستخدام النساء وأشباه ذلك " قد جئناك بآية من ربك " يعني بعبرة، إن لم تصدقنا قلنا: " والسلام على من اتبع الهدى " يعني والسلام من ربنا على من اتبع دينه ومنهاجه " إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب " بأنا لسنا رسله " وتولى " عما جئناه، وقولا له فيما بين ذلك: يا فرعون، " هل لك إلى أن تزكى " يعني أن تصلح " وأهديك إلى ربك فتخشى " يعني فتخاف، وأره يا موسى آياتي الكبرى، وأخبر أني أنا الغفور الرحيم، وأني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى العقوبة والغضب، ولا يروعنك يا موسى ما ترى من عظمة فرعون، وشدة سلطانه، فإن ذلك بعيني، ولو شئت أن أسلط عليه أوهن خلقي وأضعفه لقتله، ولكن قد أمهلته منذ أربع مئة سنة لكتون لي الحجة عليه. وعن ابن عباس في قوله: " اذهب أنت وأخوك بآياتي " يعني باليد والعصا. قال:

ففصل برسالة ربه، وشيعته الملائكة يصافحونه، ويدعون له بالنصر والظفر على عدوه. قال وهب: أوحى الله عز وجل إلى هارون عليه السلام يبشره بنبوة موسى وأنه قادم عليه، وأنه قد جعله وزيراً ورسولاً مع موسى إلى فرعون وملئه، فإذا كان يوم الجمعة لغرة ذي الحجة، قبل طلوع الشمس، ينظر إلى شاطئ النيل، فإنها السعة التي تلتقي أنت وأخوك موسى. قال: فأقبل موسى في ذلك الوقت، وخرج هارون من عسكر بني إسرائيل، حتى التقي هو وموسى على شاطئ النيل، فلقيه فقال له موسى: انطلق بنا إلى فرعون، فانطلقا على وجوههما حتى انتهيا إلى فرعون، وهو في مدينة لها سبعة وسبعون مدينة، في كل مدينة سبعون ألف مقاتل، بين كل مدينتين الزراع والأنهار، تأتي عليهم الحقب، لا يموت منهم ميت وهو في مجلس له، يرقى فيه سبعة آلاف درجة، إذا رقي على دابته رفع لها كفلها حتى يحاذي منسجها، وإذا هبط رفع له منسجها حتى يحاذى بكفلها، لا يسعل ولا يبول ولا يمتخط ولا يتغوط إلا في كل عشرة أيام مرة. قد أنبت حول مدائنة الغياض، وألقيت فيها الأسد، وجعل ساستها يشلونها على من يشاء، ويكفونها عمن يشاء، وطرق فيما بينهما إلى أبواب مدائنه، من أخطأها ووقع في تلك الأسد مزقته، وقد جعل فرعون بني إسرائيل عساكر من وراء مدينة يعملون له، فذو القوة منهم قد قرحت عواتقهم من نقل الحجارة والطين، ومن دون ذلك قد قرحت أيديهم من العمل ومن دونهم يؤدي الخراج؛ فمن غابت له الشمس قبل أن يؤدي الذي عليه غلت يده إلى عنقه شهراً وعمل بشماله، والنساء ينسجن ثياب الكتان، فكانوا على ذلك حتى بعث الله موسى، فسبحان الله ما أعظم سلطانه وأعلى شأنه وعن ابن عباس قال: لما قال الله لموسى: " اذهب إلى فرعون إنه طغى " قال: يا رب أذهب إلى

فرعون وقد أعطيته من زينة الدينا وسلطانها فأذهب إليه في رساستي هذه؟ قال: نعم يا موسى إني معك " أسمع وأرى " فقال له موسى: فنعم يا رب. فلما قال له هامان: أما وجد ربك رسولاً غيرك في جودياك هذه، ذكر موسى قول ربه عز وجل إني معك " أسمع وأرى " قال له موسى: نعم إني رسول الله إليكم على رغم أنفك. فقال له هامان: أيها الساحر لا يغرنك طاعة الأبواب لك، وما تبصبصت لك الأسد إنما كان ذلك من كيد سحرك، سوف تعلم أنه ليس لك إله غير فرعون. قال وهب: أوحى الله إلى موسى: يا موسى؟ لو شئت أن أزينكما بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليه أن قدرته تعجز عما أوتيتما فعلت، ولكن أرغب بكما عن ذلك، وأزويه عنكما، وهكذا أفعل بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها ورجائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة، وإني لأحميهم عيشها وسلوتها كما يجنب الراعي الشفيق أبله مبارك العرة، وما ذاك لهوانهم علي، ولكنهم استكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً لم يكلمه الطمع، ولا يطعنه الهوى؛ واعلم أنه لن يتزين لي العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا، إنما هي زينة الأبرار عندي، وآنق ما يزين به العباد في عيني منها، لباس يعرفون به السكينة والخشوع، سيماهم النحول والسجود، أولئك أوليائي حقاً، فإذا

لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أن من أهان لي ولياً وأخافه فقد بادرني بالمحاربة وبادأني، وعرضني بنفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرع إلى نصرة أوليائي، أفيظن الذي يحاربني فيهم أنه يقوم لي؟ أم يظن الذي يعاديني فيهم أنه يعجزني، أم يظن الذي يبادرني إليهم أنه يسبقني أو يفوتني؟ كيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة؟ ولاأكل نصرتهم إلى غيري؛ يا موسى أنا إلهك الديان، لا تستذل الفقير ولا تغبط الغني بشيء، وكن عند ذكري خاشعاً، وعند تلاوة وحيي طامعاً، أسمعني لذاذة التوارة بصوت حزين. وعن الضحاك قال: دعا موسى حين وجه إلى فرعون، ودعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين، ودعا كل مكروب: كنت وتكون، كنت حياً، لا تموت، تنام العيون وتنكدر النجوم، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم. وعن وهب: أن موسى لما دخل على فرعون كان أمامه سلطان الله عز وجل، وعن يمينه ملائكة الله، وعن يساره ملائكة الله تبارك وتعالى، فلما رأى ذلك سرير فرعون اهتز حتى رجف عليه فرعون وتغير لونه، وجعل يقطر منه البول، ولم يستطع النظر إلى موسى، وذلك من قدرة الله أن اهتز سريره، والله يفعل ما يشاء. وعنه قال: إن موسى حين " قال رب المشرق والمغرب وما بينهما " عباد له " إن كنتم تعقلون " قال فرعون: يا موسى؟ ما عقلت هذا وما عقل أحد أن له إلهاً غيري ف " لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين " يقول: لأجلدنك في السجن أبداً. فقال له موسى: " أولو جئتك بشيء مبين " يعني باني قد جئتك بشيء مبين، يعني برهاناً بيناً يحول بينك وبين ما تريد، وتعلم صدقي وكذبك، وأينا على الحق، قال له فرعون: " فأت به إن كنت من الصادقين " قال: فهز موسى عصاه ثم

ألقاها " فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا بيضاء للناظرين " لها شعاع كشعاع الشمس، قال له فرعون: هذه يدك! فلما قالها فرعون أدخلها موسى جيبه، ثم أخرجها الثانية لها نور تكل منه الأبصار، لها نور ساطع في السماء قد أضاءت ما حولها، فدخل نورها في البيوت، وتنور منها المدينة، ويرى من الكوة، ومن وراء الحجب، فلم يستطع فرعون النظر إليها، ثم ردها موسى في جيبه ثم أخرجها فإذا هي على لونها الأول. وعن ابن عباس: كانت السحرة بضعاً وثلاثين ألفاً. وقال ابن المنكدر: كانوا ثمانين ألفاً. وقال الكلبي: كانوا اثنين وسبعين ساحراً، اثنان من آل فرعون وسبعون من بني إسرائيل. قال وهب بن منبه: إن موسى لما ألقى عصاه فصارت العصا ثعباناً أعظم ثعبان نظر إليه الناظرون، أسود مدلهم، يدب على قوائم غلاظ، فصار في مثل بدن البختي العظيم، إلا أنه أطول منه بدناً وعنقاً ومشفراً، وإن له ذنباً يقوم عليه، يشرف على حيطان المدينة رأسه وعنقه، ثم يقع على أرض، فلا يلوي على شيء إلا حطمه، ويحش بقوائمه الصخر والرخام والحيطان والبيوت حتى يرمي بعضها على بعض، فما مر بشيء إلا حطمه بكلكله، يتنفس في البيوت فيشتعل كل شيء فيه ناراً، وله عينان تتوقدان ناراً، ومنخران يخرج منهما الدخان، وقد صار له المحجن عرفاً علو ظهره، وشعره أسود

غلاظ مثل الرماح الطوال، لا يصيب منه شيء إلا قطعه، وقد جعلت الشعبتان له فم مثل القليب الواسع، يخرج منه رياح السموم، لا يصيب أحداً منهم نفحة إلا صار أسود مثل الليل الدامس، في فيه أضراس وأنياب، وفي أعلى شدقه اثنتان وسبعون ضرساً، وفي أسفله مثل ذلك، له صرير يصم من سمعه، ما يسمع الرجل كلام جليسه إذا صرت أضراسه بعضها على بعض، فإنه ليهدر مثل البعير، يتزبد شدقاه زبداً أبيض، يتطاير لعابه فلا تقع منه قطرة على أحد إلا اشتعل برصاً، فأدخل الثعبان أحد شدقيه تحت سرير فرعون، والآخر فوقه، وفرعون على سريره فسلح في ثيابه، فلما عاين الناس ذلك من أمر الثعبان، وكان قد اجتمع أهل المدينة بأسرها، فلما انهزموا ولوا ذاهبين، تزاحموا في الأبواب وتضاعفوا وضاق عليهم، فوطئ بعضهم بعضاً، فمات يومئذ خمسة وعشرون ألفاً، وقام فرعون فوقع عن سريره، وكان الله قد أملاه حتى صار آية، كان يمكث أربعين يوماً لا يخرج من بطنه شيء، ولا يحدث إلا في كل أربعين يوماً مرة، فلما كان يومئذ أحدث في ثيابه، حتى علم بذلك جلساؤه، وكان يأكل ويشرب جاهداً، لا يبصق ولا يتمخط ولا يتنخع ولايسعل، ولا تذرف عيناه، ولا يمرض ولا يصدع ولا يسقم ولا يهرم ولا يفتقر، شاب السن، والله عز وجل يملي له أربع مئة سنة، فلما كان يوم الثعبان، وعاين ما عاين أحدث وامتخط وبصق، وأخذه الصداع والمرض، واختلف بطنه أربعين مرة، فلم يزل بعد ذلك يختلف حتى مات؛ فلما عاين من أمر موسى والثعبان خاف أن يدخل قومه من ذلك الرعب مثل الذي دخله فيؤمنوا به. قال الحسن: لما عاين فرعون من أمر موسى والثعبان قال له فرعون: يا موسى! ارجع يومك هذا وكف ثعبانك هذا - يقول سراً دون أصحابه - وقال لأصحابه: " إن هذا لساحر عليم " فدعا موسى فقال له: يا موسى! ألا رفقت بالأمر، قتلت خمسى وعشرين ألفاً أبهذا أمرك ربك الذي بعثك؟ قال: يا فرعون! أنت فعلت هذا. يا فرعون! أسألك واحدة وأعطيتك أربعاً. قال: وما الذي تسألني؟ قال: أسألك أن تعبد الله ولا تشرك به

شيئاً، وأعطيتك الشباب لا تهرم، والملك لا ينازعك فيه أحد، والصحة لا تسقم، والجنة خالداً. قال فرعون، ورفع وخضع، حتى استأمر آسية بنت مزاحم فدخل عليها فقال: يا آسية! ألا ترين إلى موسى إلى ما يدعوني وما أعطاني؟ قالت: وما هو؟ قال: يدعوني إلى أن أعبد الله ولا أشرك به شيئاً، وأن لي الشباب فلا أهرم، والملك لا ينازعني فيه أحد، والصحة لا أسقم، والجنة خالداً. قالت يا فرعون! وهل رأيت أحداً يصيب هذا فيدعه؟ فخرج فدعا هامان لا يعرف له نسب، وكان إبليس يتارءى لفرعون في صورة الإنس يغويه، فقال له: أنا أذرك شاباً، قال فخضبه بالسواد، وهو أول من خضب بالسواد، فدخل على آسية فقال: يا آسية! ألا ترين، صرت شاباً. فقال: من فعل هذا بك؟ قال: هامان. قالت: ذاك إن لم ينصل. قال ابن عباس: لما قال فرعون للملأ من قومه: " إن هذا لساحر عليم " قالوا له: ابعث إلي السحرة. فقال فرعون لموسى: يا موسى! اجعل " بيننا وبينك موعداً لا نخلفه " فتجتمع أنت وهارون ويجتمع السحرة. فقال موسى: " وموعدكم يوم الزينة " ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة، وهو يوم النيروز " وأن يحشر الناس ضحى " يعني وأن يحشرهم ويجمعهم ضحى - وقيل كان يوم عاشوراء - فاجتمعت السحرة " لميقات يوم معلوم "، وقيل: " هل أنتم مجتمعون، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " فاجتمع خمسة عشر ألف ساحر، ليس فيهم ساحر إلا وهو يحسن من السحر مالا يحسن صاحبه، وكان كبراؤهم ألف ساحر، وهم الذين عملوا بالعصي والحبال، فقالوا

لفرعون: أيها الملك! ما هذا الذي يعمل به هذا الساحر فنعمل مثله؟ قال: يعمل بالعصا. قالوا: نحن نعمل. قال: اعرضوا علي سحركم، فقام الذين يعلمون بالعصي والحبال فألقوها بين يدي فرعون، وسحروا أعين الناس، فإذا حبالهم عصيهم صارت حيات وأفاعي، ففرح بذلك فرعون واستبشر، وطمع أن يظفر بموسى، وظن عصيهم وحباهلم صارت حيات، فقال لهم اجهدوا على أن تغلبوه فإنه ساحر لم ير مثله. فقالوا: " إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين "؟ يعني إن غلبنا إن لنا لمنزلة وفضيلة؟ قال فرعون: " نعم وإنكم إذاً لمن المقربين " في المجالس والدرجة عندي. فقالوا: أيها الملك واعد الرجل، فقال: قد واعدته يوم الزينة، وهو عيدكم الأكبر، ووافق ذلك يوم السبت، فخرج الناس لذلك اليوم. فقال فرعون أجمعوا " كيدكم ثم أءتوا صفاً " كل ألف ساحر صف، فكانوا خمسة وعشرين صفاً، وقيل: خمسة عشر صفاً، مع كل ساحر عمل ليس مع صاحبه، وخرج موسى وهارون، وبيد موسى عصاه في جودياءة وعباءة، حتى انتهوا إلى الصفوف، وخرج فرعون في عظماء قومه، فجلس على سريره، عليه خيمة ديباج ميل في ميل، ومعه هامان وزيره وقارون بين يديه، قد استكف له الناس، واجتمعا في صعيد واحد، وخرج الناس يقول بعضهم لبعض: ننظر من الغالب فنكون معه. فوقف موسى وهارون قبل السحرة، ف " قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً " يعني لا تقولوا على الله إلا الحق " فيسحتكم " يعني فيبعثكم " بعذاب، وقد خاب " يعني قد خسر " من افترى " قال " فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى " فصارت السحرة يناجي كل واحد صاحبه

سراً يقول: ما هذا بقول ساحر، ولكن هذا كلام من الرب الأعلى فعرفوا الحق ثم نظروا إلى فرعون وسلطانه وبهائه، ونظروا إلى موسى في كشائه وعصاه، فنكسوا على رؤوسهم و" قالوا إن هذان لساحران " ألآية. ثم قال كبيرهم: " يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى " فهم موسى أن يلقي، فأمسك الله يده، وألقى على لسانه أن ابدؤوا فألقوا. فألقى كل رجل منهم ما كان في يده من حبل أو عصاً. قيل: إنهم أخرجوا ثلاثمائة وستين وسقاً ما بين عصا وحبل، فلما ألقوا قالوا " بعزة فرعون " يعني بإلهية فرعون " إنا لنحن الغالبون " يعني القاهرون " فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم " ملؤوا الدنيا في أعينهم حيات وأفاعي، فكان أول ما خطفوا بسحرهم بصر موسى وهارون، ثم فرعون والناس، وألقى كل رجل منهم ما كان في يده، فأقبلت الحيات والأفاعي فامتلأ الوادي يركب بعضها بعضاً وهرب الناس منهم " فأوجس " موسى " في نفسه خيفة " فقال: لقد كانت هذه عصاً في أيديهم وإنها صارت حيات، فظن موسى وخاف أن تكون صارت حيات كما صارت عصاه ثعباناً، فأوحى الله إليه أني بمكان أسمع وأرى، وجاء جبريل حتى وقف عن يمينه، بين موسى وهارون، قال: " لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " فذهب عن موسى ما كان يجد. وعن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع فأبوا. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطوفان: الموت.

وقال ابن عباس: قوله: " تسع آيات " قال: اليد والعصا، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، ونقص من الثمرات. وقال لغيره: بدل " ونقص من الثمرات " والبحر. قال ابن شهاب: دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي: يا بن شهاب! أخبرني عن قول الله عز وجل " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " ما هن؟ قال: قلت: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ويده، والبحر، والطمسة، وعصاه. فقال عمر بن عبد العزيز: هكذا يكون العلم يابن شهاب. ثم قال: يا غلام! ائتني بالخريطة. فأتي بخريطة مختومة، ففكها ثم نثر ما فيها، فإذا فيها دراهم ودنانير وتمر وجوز وعدس وفول، فقال: كل يابن شهاب. فأهويت إليه، فإذا هو حجارة! فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا مما أصاب عبد العزيز بن مروان في مصر، إذ كان عليها والياً، وهو مما طمس الله عليه من أموالهم. وحدث من رأى بمصر النخلة مصروعة، وإنها لحجر. قال: ولقد رأيت ناساً كثيراً قياماً وقعوداً في أعمالهم، لو رأيتهم ما شككت فيهم قبل أن تدنو منهم أنهم أناس، وإنهم لحجارة. ولقد رأيت الرجل من رقيقهم، وإنه لحارث على ثورين وإنه وثوريه لحجارة. وعن محمد بن كعب " قال قد: أجيبت دعوتكما " قال: كان موسى يدعو وهارون يؤمن. وعن مجاهد قال: الطوفان: طاف عليهم الموت.

وقال ابن عباس: الطوفان الغرق. قال وهب بن منبه: أرسل الله عليهم الطوفان وهو الماء، فمطرت عليهم السماء ثمانية أيام ولياليهن، لا يرون فيها شمساً ولا قمراً، وفاض الماء حتى ارتفع، وامتلأت الأنهار والآبار والبيوت، فخافوا الغرق، فصرخ أهل مصر إلى فرعون بصيحة واحدة، إنا نخاف الغرق، وإنا قد هلكنا جوعاً، فأرسل فرعون إلى موسى يدعوه إليه، فأتاه، فقال له فرعون: أيها الساحر! " ادع لنا ربك بما عهد عندك " يعني عهد إليك بزعمك أنك رسوله إننا لمهتدون إنا لمبايعوك " لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل " قال موسى: لست أدعو لكم أبداً ما سميتموني ساحراً. فعند ذلك " قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك " فدعا موسى ربه، فكشف الله عنهم الطوفان، فأقلعت السماء، وابتلعت الأرض، فنبتت زروعهم وكلؤهم وخصبوا خصباً لم يروا مثله قط في أرض مصر، فلما أبصروا الخصب نكثوا العهد وكذبوا موسى وقالوا: لقد كان ماكنا نحذر من هذا الماء رحمة وخصباً، جادت زروعنا وأخصبت بلادنا، فنقضوا العهد وقالوا: يا موسى لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل، فإنا كنا جزعنا من شيء كان خيراً لنا. فأوحى الله إلى موسى أن صل ركعتين، ثم أشر بعصاك نحو المشرق والمغرب. ففعل موسى، فأرسل الله عليهم الجراد من الأفقين أمثال الغمام المظلم الأسود، حتى امتلت أرضهم، وحال الجراد بينهم وبين السماء، حتى صارت الشمس كأنها في سحاب، فلحس الجراد ما أنبت الله من الزرع والكلأ، حتى لم يذر منه شيئاً، ثم توجهت نحو النخل والشجر، فجلعت تستقبل النخلة العظيمة فتأكلها، حتى تحفرها عن عروقها، ويستقبل بعضها الشجرة العظيمة المثمرة، فيقع بعضها في أعلاها وبعضها في أسفلها. فيأكلها حتى ما يرى فيها عود ولا ورقة، ويسمع لها قضم ثم تبتلعه كما يبتلع الجمل اللقمة،

فما ينكشف الجراد عن شيء وقع عليه إلا صار ذلك المكان كأنما حرث بالبقر. قال ابن عباس: كان الجراد يأكل الأبواب والخشب، ومسامير الأبواب، ويقع في دورهم ومساكنهم، فلا يستطيع أحد منهم الخروج من بيته إلا أكله الجراد وثيابهم وشعورهم، وثبت الجراد عليهم ثمانية أيام ولياليها، لا يرون الأرض حتى ركب الجراد بعضه بعضاً ذراعاً من الأرض، فصرخ أهل مصر إلى فرعون فقالوا: يا سيدنا! إن هذا لا تقوم له حيلتنا، وكل مصيبة أهون علينا من الجوع، وإنه متى أصابنا الجوع ظهر علينا عدونا، وصار بعضنا خدماً لبعض، وإنا لم نر ساحراً قط مثله! إن سحره لم يزل يعظم حتى بلغ ما ترى، فادعه وعجل قبل الهلاك.

فأرسل فرعون إلى موسى، فأتاه فقال له: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون " نحلف لك يا موسى " لئن كشفت عنا " هذا " لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل " فدعا موسى ربه فأرسل الله ريحاً شديدة فاحتملت الجراد فألقته في البحر، وانكشفت لهم الأرض، فلما نظر أهل مصر إلى الأرض فإذا هم قد بقي من زروعهم وكلئهم ما يكفيهم عامهم ذلك، وذلك في أرض لم تصل إليه الجراد، فأتوا موسى ونكثوا العهد وقالوا: بقي لنا ما نكتفي به سنتنا هذه، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فلما علم الله ذلك من كفرهم أمر الله موسى أن امش إلى كثيب في ناحية كذا وكذا من أرض مصر، فاضربه بعصاك ثم انكته من نواحيه. فانطلق موسى إلى ذلك الكثيب فضربه بعصاه، فخرج عليهم مثل القمل - وقال بعضهم: البراغيث - والقمل هو هذا الدبى من الجراد، حتى خرج شيء لا يحصي عدده إلا الله، حتى امتلأت البيوت والأطعمة، ومنعتهم من النوم والقرار، فكان الرجل منهم لا يقر ليله ولا نهاره، ويصيح كهيئة المجنون قد اعترتهم الحكة، وأقبلت على بقية الزرع فأكلته حتى أخرجته من عروقه، فصرخ أهل مصر إلى فرعون: إنا قد هلكنا جوعاً إن لم ترسل إلى هذا الساحر يدعو لنا ربه أن يكشف عنا هذا العذاب. فأرسل فرعون إلى موسى، فأتاه فقال له: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك " يكشف عنا، وإن فعل آمنا بك وأرسلنا معك بني إسرائيل. قال موسى: قد كنت حلفت لي واعطيتني عهداً إن كشف الله عنكم لتؤمنن بي، ولترسلن معي بني إسرائيل. قال: قد كان ذلك فيما مضى، ولكن المرة ادع لنا. قال موسى: لا أدعو لكم ما سميتموني ساحراً. فقال: يا موسى! ادع لنا ربك. فدعا موسى ربه، فأمات القمل، فلم يبق منه بأرض مصر شيء، فلما أن علم القوم أنه لم يبق لهم ما يعيشون به أتوا فرعون، فجعلوا يتوامرون ماذا يصنعون بموسى؟ قال: فاتفق أمرهم على أنه ساحر، وإنما غلبهم بسحره، فدعا فرعون موسى فقال: يا موسى! إن لم نؤمن لك هل يستطيع ربك أن يفعل بنا شراً مما فعل، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فلما علم الله نكثهم أوحى إلى موسى أن يأتي البحر ثم يشير بعصاه، ففعل موسى فأرسل الله عليهم الضفادع، فتداعى بعضها بعضاً حتى أسمع أدناها أقصاها وما فوق الماء منها وما تحته، فخرج كل ضفدع خلقه الله في البحر، فلم يشعر الناس إلا والأرض مملوءة ضفادع، ثم توجهت نحو المدينة فدبت في أرضهم وبيوتهم، ومجالسهم وأجاجيرهم وفرشهم وأقبيتهم، وامتلأت الأطعمة والآنية، وكانوا لا يمشون ولا يقعدون إلا على الضفادع، وكان الرجل منهم لا يكشف عن ثوب ولا عن قدر ولا عن آنية إلا وجد فيه ضفادع ميتة، حتى إن الرجل كان ينام على فراشه مع أهله، فإذا انتبه من نومه وجد عليه من الضفادع ما لا يحصى، وقد ركب بعضها بعضاً، وجعل أهل المدينة لا يستطيعون أن، يأكلوا طعاماً من بين الضفادع. قال مجاهد: كانت الضفادع تسكن الحجرة، فلما أرسلها الله عذاباً على فرعون وقومه كانت تجيء حتى تقذف أنفسها في التنور المسجور والقدور، وهي تغلي غضباً لله، فشكر الله لها فأسكنها الماء، وجعل نقيقها النشيج.

قال وهب: فلما آذى آل فرعون القذر والنتن، وأجهدهم البلاء الذي أصابهم من الضفادع صرخوا إلى فرعون، فأرسل إلى موسى فأتاه فقال: " يا أيها الساحر ادع لنا ربك " يدفع عنا هذا الرجز فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل. قال موسى: لولا الحجة والعذر الذي وضعه الله بيني وبينك ما فعلت. قال: فدعا ربه فماتت الضفادع، فجعلوا يكنسونها من بيوتهم ودورهم وأقبيتهم، ثم ينتقلونها إلى باب المدينة، حتى جعلت ركاماً، ثم أرسل الله عليهم مطراً وابلاً، فسال بالضفادع فأكفاها في البحر، فلما كشف الله عنهم الضفادع قالوا: ما فعل هذا إلا سحره، فلو صبرنا كانت تموت الضفادع، فنكثوا وقالوا: لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فلما نكثوا أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك النيل - وهو النهر الذي يشرب به أهل مصر - ففعل موسى فتحول النيل دماً عبيطاً، يرده بنو إسرائيل فيشربون ماء عذباً صافياً، ويرده قوم فرعون فتختضب بها أيديهم دماً، فجرت أنهارهم دماً وصارت ركاياهم دماً، فلم يقدر أحد منهم على ماء يشربه، وكانوا لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغرفون من إناء إلا صار دماً، حتى قيل إن المرأة من آل فرعون كانت تخرج إلى المرأة من بني إسرائيل حين أجهدها العطش فتقول لها: اسقيني من مائك، فإني قد هلكت عطشاً. فترحمها فتغرف لها من جرتها أو قربتها فيعود الماء بإذن الله في إنائها دماً، وفي إناء الإسرائيلية ماء صافياً، حتى إن كانت المرأة من آل فرعون لتقول للمرأة من بني إسرائيل: اجعلي الماء في فيك ثم مجيه في في، فإذا مجته في فيها صار دماً. فمكثوا بذلك سبعة أيام ولياليهن، لا يقدرون على ماء حتى بلغهم الجهد. وقيل: إن آبارهم كانت قبل الدم دوداً أحمر، فاتخذ لها فرعون أكوازاً على فيها كهيئة الغرابيل يقال له البرقال، فعند ذلك صارت أنهارهم دماً، فصرخوا إلى فرعون: إنا قد هلكنا عطشاً، وإنه لا صبر لنا، وقد هلكت مواشينا وأنعامنا عطشاً. فأرسل فرعون إلى موسى فقال: بحق ربك الذي أرسلك إلينا لما دعوته أن يكشف عنا إننا لمهتدون.

وهي مدتك هذه نعطيك عهداً أن لا ننكث، ونؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل. قال موسى: يا فرعون! أليس تزعم أني ساحر وأني أصنع هذا بسحري؟ فكيف تأمرني أن أدعو ربي؟ قال: يا موسى! لا تؤاخذنا بما قد مضى، ولكن ادع لنا ربك مرتك هذه. فدعا موسى ربه، فكشف الله الرجز وشربوا من بعد الدم ماء عذباً صافياً، وما كان دعوة موسى في كل مرة إلا للحجة والعذر، والقدر الذي قدره الله، ورجاء أن يرجعوا ويوفوا بعهده، ويؤمنوا ويرسلوا معه بني إسرائيل، فلم يفوا، وعادوا إلى أمرهم، قال الله عز وجل: فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ". قالوا: وكان الطوفان ثمانية أيام حتى خافوا الغرق، وكان بين الطوفان وبين الجراد أربعون يوماً، وكان الجراد ثمانية أيام، وكان بين الجراد وبين القمل أربعون يوماً، وكان القمل ثمانية أيام، وكان بين القمل والضفادع أربعون يوماً، وكان الضفادع ثمانية أيام، وكان بين الضفادع والدم أربعون يوماً، وكان الدم ثمانية أيام. فقال الله عز وجل لموسى: " أسر بعبادي " ليلاً " إنكم متبعون ". وعن ابن عباس أن الله أمهل لفرعون بين القولين حين قال " أنا ربكم الأعلى "، وقال: " ما علمت لكم من إله غيري " فأمهله أربعين سنة فيما بين القولين، فلذلك حكم ربنا تبارك وتقدس، ثم أخذه بنكال الآخرة والأولى؛ فأما الأولى فقال: " ما علمت لكم من إله غيري "، والآخرة حين حشر الناس في أمر فرعون فقال: " أنا ربكم الأعلى ". وعن محمد بن كعب قال: لقد ذكر لي أن فرعون خرج في طلب موسى على ستمائة ألف من الخيل دهم، كلها

زرق حصان، سوى ما كان في جنده وسائر الخيل، فخرجوا في طلب موسى كما قال الله عز وجل: " فأتبعوهم مشرقين " عند طلوع الشمس ولما انتهى موسى إلى بحر القلزم، لم يكن له عنه مصرف، واطلع عليهم فرعون في جنوده من خلفهم والبحر أمامهم، فظن بنو إسرائيل الظنون، وجعلوا يلومون موسى بقول الله عز وجل: " فلما تراءى الجمعان " يعني الفريقان جند فرعون وأصحاب موسى " قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربي سيهدين " يقول: وعدني وسينجز وعدي ولا خلف لموعد الله. فقال بنو إسرائيل لموسى: لم يدعنا بأرض مصر، أرض طيبة نعيش فيها، ونخدم فرعون وقومه، ولم نر هذا البلاء، هذا البحر أمامنا، وفرعون وجنوده من خلفنا، إن ظفر بنا قتلنا، وإن اقتحمنا في البحر غرقنا، لقد لقينا في سبيلك بلاء وشدة. ولما رأى موسى قومه وما يتضرعون ويستغفرون من ذنوبهم، ويقولون: يا موسى! سل لنا ربك يضرب لنا " طريقاً في البحر يبساَ "، فقد وعدنا بذلك بمصر، فاتبعناك وصدقناك وهذا فرعون وجنوده قد دنا منك. فانطلق موسى نحو البحر فقال: إن الله أمرني أن أسلك فيك طريقاً. وضرب بعصاه البحر من قبل أن يوحى إليه، فأنطلق الله البحر فقال له: يا موسى! أنا أعظم منك سلطاناً، وأشد منك قوة، وأنا أول منك خلقاً، وعلي كان عرش ربنا، وأنا لا يدرك قعري، ولا أترك أحداً يمر بي إلا بإذن ربي، وأنا عبد مأمور لم يوح الله إلي قبل شيئاً. ودنا فرعون وجنوده. فجاء موسى إلى

قومه راجعاً، فأيس القوم، فأتاه جبريل بن يوحائيل المؤمن فقال له: يا موسى! يا نبي الله! أليس وعدك الله البحر؟ قال: نعم. قال: فلن يخلفك، فناج ربك. فبينا هو كذلك إذ جاءه خازن البحر فسلم عليه، فقال له: يا موسى! أتعرفني؟ قال: لا. قال: أنا خازن البحر. قال: فما أوحى الله إليك في أمر فرعون شيئاً؟ قال: يا موسى! والله إني لخامس خمسة من خزان الله، والله ما أدري ما الله صانع بعد بفرعون، ولقد خفي علي أمره، فإن الله وعدك وهو منجز ذلك، فتضرع إلى ربك. فتضرع موسى إلى الله وقال: يا رب! قد ترى ما يقول بنو إسرائيل وما قد كربهم، وما نزل بهم من سوء الظن، فأسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف، فرج عنا هذا الكرب، ونجنا من فرعون، وأبدل لنا مكان الخوف أمناً، كي نسبحك كثيراً ونعبدك حق عبادتك. واختلط خيل فرعون بخيل موسى، وخرج فرعون معلماً على فرس، له حصان وكانت لحيته تغطي قربوس سرجه، ولمته من خلفه تغطي مؤخر سرجه، وعليه درع من ذهب، قد علاه بالأرجوان، فلما رأى ذلك الله عز وجل مما دخل في قلب موسى وقلوب بني إسرائيل أوحى الله إلى موسى أني قد أدبت البحر أن يطيعك، فاضرب " بعصاك البحر " فضرب موسى البحر " فانفلق " اثنا عشر طريقاً، ودعا موسى أصحابه فقال لهم: هلموا فثم ثم. قال: اللهم أجعل هذا البحر غضباً ورجزاً ونقمة على فرعون وقومه، ونجنا جميعاً، فإنا جندك ونحن أهل الذنوب والخطايا. قال: فصار البحر كما قال الله اثني عشر طريقاً يابساً وهو قوله: " واترك البحر رهواً " يعني سهلاً دمثاً، لا تخاف دركاً من فرعون وجنوده، ولا تخشى البحر يغرقك ومن معك. قال: فلما كان البحر " كالطود العظيم " كل فرقة منه يعني كالجبل العظيم.

وتفرق الماء يميناً وشمالاً، وبدت الأرض يابساً، فقالت بنو إسرائيل: إنا نخاف أن يغرق بعضنا ولا يراه إخوانه، غير أنا نحب أن يكون البحر أبواباً، ليرى بعضنا بعضا، فصار لهم أبواباً ينظر بعضهم إلى بعض. وكان طول الطريق فرسخين، وعرضه فرسخاً، فأتبعه فرعون بجنوده. ولما جاز بنو إسرائيل البحر ولم يبق منهم أحد، بقي البحر على حاله، وأقبل فرعون عدو الله وهو على حصان من دهم الخيل، ووقف على شفير البحر، والبحر رهواً ساكناً على حاله، فأراد موسى أن يضرب بعصاه البحر فتركه كما كان، فأوحى الله إليه أن أترك " البحر رهواً إنهم جند مغرقون " فتركه على حاله خامداً، فلما أبصر فرعون البحر خامداً اثني عشر طريقاً يقول لجنوده: ألا ترون البحر كيف أطاعني، وإنما فعل هذا لتعظيمي وما ينشق إلا فرقاً مني لأنه علم أني سأتبع بني إسرائيل فأقتلهم، ولم يعلم عدو الله أن الله مكر به من حيث لا يشعر، فانطلق ليقتحم في البحر، وجالت الخيل فعاينت العذاب، فنفر الحصان الذي هو عليه، وجالت الخيل فأقحموها، فعاينت العذاب فلم تقتحم، وهابت أن تدخل البحر، فعرض له جبريل على فرس له أنثى ودق، فقربها من حصان فرعون، فشمها الفحل فتقدم جبريل أمام الحصان، فاتبعها الحصان وعليه فرعون، فلما أبصر جند فرعون أن فرعون دخل نادت أصحاب الخيل: يا صاحب الرمكة! على رسلك لتتبعك الخيل. فوقف جبريل حتى وافت الخيل ودخلوا البحر، وما يظن فرعون إلا أن جبريل فارس من أصحابه، فجعلوا يقولون له: أسرع الآن فقد دخلت الخيل، أسرع يسرع الخيل في إثرك. فجعل جبريل يخب إخباباً وهم في إثره لا يدركونه، حتى توسط بهم في أعمق مكان في البحر، وبعث الله عز وجل ميكائيل على فرس آخر من خلفهم يسوقهم ويقول لهم: التحقوا بصاحبكم. حتى

إذا فصل جبريل من البحر، ليس أمامه أحد من آل فرعون، وقف ميكائيل من الجانب الآخر ليس خلفه أحد، قالوا: وكان مع موسى ستمئة ألف، وأتبعهم فرعون على ألف ألف حصان سوى الإناث؛ وقيل: ألف ألف ومئتي ألف حصان؛ وقيل: إن مقاتلة بني إسرائيل يومئذ ستمئة ألف، وإن مقدمة فرعون كانوا ستمئة ألف، على خيل دهم سود غر محجلين، ليس فيها شية مخالفة لذلك، إلا أدهم أغر محجل؛ قال: فلما تتاموافيه أطبقت عليهم، فلذلك قال: " وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ". وعن أبي السبيل قال: لما انتهى موسى إلى البحر قال له: هن أبا خالد. فأخذه أفكل. يعني رعدة. وعن ابن عباس قال: قال موسى: يا رب! أمهلت فرعون أربع مئة سنة وهو يقول: " أنا ربكم الأعلى " ويكذب بآياتك ويجحد رسلك. فأوحى الله إليه: إنه كان حسن الخلق، سهل الحجاب، فأحببت أن أكافئه. قال سعيد بن جبير: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله عز وجل " وفتناك فتوناً " ما هو الفتون: استأنف النهار يا بن جبير! فإن له حديثاً طويلاً. فلما أصبحت غدوت عليه فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل لينظرون ذلك ما يشكون فيه، وقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما ملك قالوا: ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم. قال فرعون: كيف ترون؟ فذكر حديث قتل الأبناء، وما جرى على موسى، وذلك من الفتون. ثم ذكر رميه في اليم وأن الماء انتهى به إلى فرضة مستقى جواري امرأة فرعون

وأنهن أخذنه وهممن بفتح التابوت، فقال بعضهن: إن في هذا مالاً، وإن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه. فحملنه فيه. فحملنه إليها فلما فتحته رأت غلاماً، فألقى الله عليها منه محبة، فسمع الذباحون بأمره، فأقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه، وذلك من الفتون. ثم ذكر أنها استوهبته من فرعون، وطلبت له ظئراً لترضعه، فلم يأخذ ثدي أحد منهن، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، وأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس، ترجو أن تجد له ظئراً، " فبصرت به " أخته " عن جنب " والجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد، وهو إلى جنبه لا يشعر به، فقالت من الفرح: أنا " أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون " فأخذوها وقالوا: ما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك. وذلك من الفتون يا بن جبير. ثم ذكر أن أمه لما وضعته في حجرها أخذ ثديها ومصه حتى امتلأ جنباه رياً، وبشرت امرأة فرعون بذلك، وأتيت بها. فقالت لها امرأة فرعون امكثي عندي ترضعين ابني هذا. فقالت أم موسى: لا أستطيع أن أضيع بيني وولدي، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فيكون معي لا آلوه خيراً فعلت. وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها فيه فتعاسرت على امراة فرعون وأيقنت أن الله منجز وعده. فرجعت إلى بيتها بابنها في يومها، فأنبته الله نباتاً حسناً، وحفظه لما قد مضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية مجتمعين، يمتنعون به من السخرة والظم، فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى: أريني ابني. فوعدتها يوماً تريها. فقالت امرأة فرعون لخزانها وقها رمتها: لا يبقي أحد منكم اليوم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة لأرى ذلك فيه، وأنا باعثة أميناً يحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم. فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين

خرج من بيت أمه إلى أن دخل بين امرأة فرعون، فلما دخل عليها نحلته وأكرمته وفرحت به ونحلت أمه وقالت: لآتين به فرعون فلينحلنه، وليكرمنه، فدخلت به عليه، فجعلته في حجره، فتناول لحية فرعون فمدها إلى الأرض، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه؟ إنه يذلك ويعلوك ويصرعك، فأرسل إلى الذابحين ليذبحوه. وذلك من الفتون يا بن جبير. ثم ذكر حديث الجمرتين واللؤلؤتين، وأن موسى تناول الجمرتين. ثم ذكر حديث الرجلين اللذين يقتتلان والوكز، وإرسال فرعون الذباحين لتقل موسى " وجاء رجل من أقصى المدينة " من شيعة موسى فاخبره الخبر. وذلك من الفتون. وذكر باقية الحديث إلى أن اجتمع السحرة وغلبوا " وانقلبوا صاغرين، وألقي السحرة ساجدين ". قال: وامرأة فرعون بارزة متبذلة، تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظن أن ابتذالها شفقة على فرعون وأشياعه. ثم ذكر حديث الآيات، ودخول موسى البحر وأصحابه، والتقاء البحر على فرعون وقومه. ولما جاوز موسى البحر قال أصحابه: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه. فدعا ربه فأخرجه لهم ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه. ثم مروا بعد ذلك على " قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعلمون " قد رأيتم من العبر وسمعتم بما يكفيكم ومضى، فأنزلهم موسى منزلاً ثم قال لهم: أطيعوا هارون، فإني قد استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربه، فأراد أن يكلمه في ثلاثين يوماً، وقد صامهن ليلهن ونهارهن، كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول من نبات الأرض شيئاً فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ - وهو أعلم بالذي كان - قال: يا رب! إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي

طيب الريح. قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، ارجع حتى تصوم عشراً ثم ائتني، ففعل موسى ما أمر به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم للأجل ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم فقال: إنكم خرجتم من مصر، ولقوم فرعون عندكم عوار وودائع ولكم فيهم مثل ذلك، وإني أرى أن تخمسوا مالكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية، ولسنا برادي إليهم شيئاً من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا، فحفر حفيراً، وأمر كل من عنده شيء من ذلك من متاع أو حلية أن يدفنوه في تلك الحفرة ثم أوقد عليه النار فأحرقه، فقال: لا يكون لنا ولا لهم. وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جار لهم، ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضي له أن رأى أثر الرسول، فاخذ منه قبضة، فمر بهارون فقال له هارون: يا سامري! ألا تلقي ما في يدك وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك. فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر فلا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها ما أريد أن يكون. فألقاها، ودعا له هارون فقال: أريد أن تكون عجلاً. فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد، فصار عجلاً أجوف، ليس فيه روح، له خوار. قال ابن عباس: لا والله ما كان له صوت قط، إنما كان الريح يدخل من دبره ويخرج من فيه، وكان ذلك الصوت من ذلك. فتفرق بنو إسرائيل فرقاً، فقالت فرقة: يا سامري! ما هذا؟ فأنت أعلم به؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى ضل الطريق. فقالت فرقة: لا نكذب بهذا " حتى يرجع إلينا موسى " فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه، ولا عجزنا عنه حين رأيناه؛ وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى، وقالت فرقه: هذا عمل الشيطان وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق به. وأشرب قومه في قلوبهم

التصديق بما قال السامري في العجل، وأعلنوا أن لا يكذب به، فقال " لهم هارون " " يا قوم إنما فتنتم به، وإن ربكم " عز وجل ليس هكذا. قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة ثم أخلفنا، فهذه أربعون قد مضت، وقال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه. فلما كلم الله موسى وقال له ما قال، وأخبر بما لقي قومه " رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً " فقال لهم: ما سمعتم في القرآن " وأخذ برأس أخيه يجره إليه " " وألقى الألواح " من الغضب، ثم أنه عذر أخاه واستغفر له، وانصرف إلى السامري فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: قبضت " قبضة من أثر الرسول " وفطنت لها وعميت عليكم، فقذفتها " وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس إن لك موعداً لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً " ولو كان إلهاً لم يخلص إلى ذلك منه. فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، اغتبط الذي كان رأيهم فيه رأي هارون وقالوا بجماعتهم لموسى: سل بنا ربك أن يفتح باب توبة نصنعها وتكفر عنا ما عملنا، فاختار " موسى قومه سبعين رجلاً " لذلك لا يألو الخير خيار بني إسرائيل، ومن لم يشرك في العجل، فانطلق بهم ليسأل لهم التوبة، فرجفت بهم الأرض فاستحيا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قومه ووفده حين فعل بهم ما فعل، و" قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " وفيهم من كان الله قد اطلع على ما أشرب في قلبه من حب العجل وإيماناً به فلذلك رجفت بهم الأرض فقال " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي

الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ". فقال: يا رب! سألتك التوبة لقومي، فقلت إن رحمتك كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخبرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحومة. فقال الله له: إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من ولد أو والد، فيقتله بالسيف لا يبالي من قتل في ذلك الموطن. وثاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون ما اطلع الله عليهم من ذنوبهم، واعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا به، فغفر الله للقاتل والمقتول. وسار موسى بهم متوجهاً نحو الأرض المقدسة، و" اخذ الألواح " بعد ما سكت عنه الغضب، وأمرهم بالذي أمرهم أن يبلغهم من الوظائف. فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها، فشق الله عليهم الجبل " كأنه ظلة " ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بإيمانهم وهم مصغون برؤوسهم ينظرون إلى الجبل وإلى الأرض، والكتاب بأيديهم، وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون خلقهم خلقاً منكرة، ذكر من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها، فقالوا " يا موسى إن فيها قوماً جبارين " لا طاقة لنا بهم ولا " ندخلها أبداً ما داموا فيها " " فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون " من الجبارين: آمنا بموسى - قال يزيد: هكذا قرأ ابن عباس: " من الجبارين آمنا بموسى " - وخرجا إليه فقالا: نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم، فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، فادخلوا " عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ".

ويقول أناس: إنهم من قوم موسى. وزعم سعيد بن جبير أنهما من الجبارين آمنا بموسى يقول: " من الذين يخافون " إنما أعني بذلك من الذين يخافهم بنو إسرائيل. " قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون " فأغضبوا موسى فدعا عليهم، فسماهم قوماً فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم، حتى كان يومئذ، فاستجاب الله له، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين، فحرمها " عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " يصبحون كل يوم فيسيرون، ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ، وجعل بين ظهرانيهم حجراً مربعاً وأمر موسى بضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتي عشرة عيناً، في كل ناحية ثلاثة أعين وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها فلا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان منه بالأمس. روي أن الله عز وجل أهدى إلى موسى خمس دعوات، جاء بهن جبريل عليه السلام في أيام العسر وقال: يا موسى! ادع بهذه الخمس دعوات، فإنه ليس عبادة أحب إلى الله من عبادة أيام العسر، أولاهن: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. والثانية: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إلهاً أحداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً. والثالثة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً. والرابعة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. والخامسة: حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله منتهى.

فقال الحواريون - يعني لعيسى بن مريم -: ما ثواب من قال هؤلاء الكلمات؟ فقال: أما من قال الأولى مئة مرة فإنه لا يكون أحد من أهل الأرض عمل مثل ذلك ذلك اليوم، وكان أكثر العباد حسنات يوم القيامة. ومن قال الثانية مئة مرة كتبت له بها عشرة آلاف ألف حسنة، ومحي عنه بها عشرة آلاف ألف سيئة، ويفتح له بها عشرة آلاف ألف درجة، ونزل سبعون ألف ملك من سماء الدنيا رافعي أيديهم يصلون على من قالها. من قال الرابعة مئة مرة تلقاها ملك حتى يضعها بين يدي الرحمن تبارك وتعالى، وينظر الله إلى من قالها، ومن ينظر الله إليه لا يشقى، قال عيسى: أخبرني ما ثواب الخامسة؟ قال جبريل: هي دعوتي، ولم يؤذن لي أن أفسرها. وعن ابن عباس في قوله: " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم " يعني كان ابن عم موسى، وكان قارون بن يصهر بن لاوي. قالوا: وكان قارون قد خرج مع موسى منافقاً، فلم يزل على نفاقه على موسى وقومه، فأهلكه الله، وكان من بغيه أن امرأة بغية كانت تسمى بشيراً، دعاها قارون فقال لها: أعطيك مئة دينار، فانطلقي إلى محلة بني إسرائيل فقولي إن موسى أرسل إلي بهذه المئة دينار يدعوني إلى نفسه، فإذا فعلت فهذه المئة لك، وأعطيك مثلها، فانطلقت إلى محله بني إسرائيل، فهمت أن تقول ما قال لها قارون فحول الله عز وجل كلامها فقالت: إن قارون أرسل إلي بهذه الدنانير وأمرني أن أعلم الناس أن موسى أرسل إلي بها وأنه راودني عن نفسي ويعطيني مثلها أيضاً. فغضب موسى غضباً شديداً ودخل بيته، فجاء بنو إسرائيل إلى قارون - وكان أغنى أهل زمانه - قالوا: ويحك يا قارون! ما حملك على ما صنعت!؟ هذا موسى نبي الله وهو

ابن عمك وقد أهلك الله عدونا وبسط الله لك من الدينا ما لم يعطه أحداً من بني إسرائيل، فلا تفرح. يعني لا يحملنك على ما تصنع البطر، ولا تبطر إن الله لا يحب البطرين " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " يقول: لا تدع حظ آخرتك لدنياك وخذ لآخرتك من دنياك وقدم لها. قال قارون عند ذلك: " إنما أوتيته " يعني هذا المال " على علم عندي " موسى يمن علي أن الله رزقني. وكان يعلم علم الكيمياء، وهو صنعة الذهب، فخرجوا من عنده وأراد الله هلاكه، وأن يلحقه بصاحبه فرعون " فخرج على قومه في زينته " قال: خرج راكباً على برذون أشهب، عليه الأرجوان، على سرج مقدمه ذهب ومؤخره ذهب، مكلل بالدر والياقوت، وأخرج معه أربع مئة جارية، عليهن الأرجوان، في عنق كل واحدة منهن طوق من ذهب، عليهن الخفاف البيض، على بغال شهب، عليها سروج الذهب والفضة ومياثر الأرجوان، وأخرج أربع مئة غلام على أربع مئة دابة دهم وكمت، عليها سروج الذهب والفضة، عليهم ثياب الأرجون والخفاف، ثم أظهر ابن له، فحملته الرجال أمامه، وأظهر كنوزه من الدنانير والدراهم، وكانت عامة كنوزه الدنانير، فوضعها على عواتق الرجال يسير في محلة بني إسرائيل. قال قوم من بني إسرائيل وهم الذين وصفهم الله في كتابه: " قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون " من الأموال " إنه لذو حظ عظيم " يعني لذو حظ واف من الدنيا. " قال الذين أوتوا العلم " من بني إسرائيل للذين تمنوا مثل ما أعطي قارون " ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون " يعني طاعة الله والصبر عليه خير مما أعطي قارون يتباهى بأمواله. فأقبل موسى وهو شديد الغضب عليه، حنقاً حين انصرف إليه بنو إسرائيل الذين وعظوه،

وأخبروه بما هو له حظ إن فعل من الإحسان فيما أعطاه الله. قالوا: إنهم قالوا لقارون: انظر إلى ما أعطاك الله فاقسمه في فقراء قومك وأهل بيتك. قال قارون: يعينون بذلك موسى وهارون، وهما أقرب بني إسرائيل إلى مال جمعته على علم عندي من صنعه الذهب؟ والله لا أفعل. فلما سمع ذلك موسى كبر عليه وظن موسى أنما ظن قارون أني طمعت في ماله؟ فخرج موسى حين قيل له: هذا قارون قد أقبل. فقال موسى: اللهم إني أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تأمر الأرض أن تطيعين. فأوحى الله عز وجل إلى الأرض أن أطيعي عبدي موسى. فقالت الأرض - وأنطقها الله -: يا موسى! مرني فأطيعك، قال: خذي قارون وما معه. قال: فأخذت قارون ومن معه من الغلمان والجواري، وتركت أموالهم ودوابهم، فقيل لقارون: هذا موسى قد دعا عليك - وهو يسيخ في الأرض - فنادى قارون: يا موسى! أنا ابن عمك قارون فارحمني. قال موسى: خذيه. فأخذتهم الأرض إلى ركبهم، فنادى: يا موسى! إن ربك رحيم فارحمني. قال موسى: خذيهم. فأخذتهم إلى أوساطهم. قال قارون: يا موسى! أتوب وأرجع. قال: خذيهم. فأخذتهم. فلم يزل قارون يدعو موسى حتى دعاهم سبعين مرة، كل ذلك يقول للأرض: خذيهم، حتى ابتلعتهم وبقيت الأموال. فتحدث بنو إسرائيل فقالوا: إنما دعا عليه وترك الأموال لما يريدها لنفسه. فقال موسى: يا رب! وأمواله. فخسف الله بها الأرض، فهم يتجلجلون فيها إلى الأرض السابعة إلى يوم القيامة، تسيخ كل يوم على قدر قامته، فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قال الذين " تمنوا مكانه بالأمس " فإنهم تمنوا غدوة، وخسف بقارون عشية، فلما أصبحوا قال: " ويكاد الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده " " ويكأنه " يعني: ألم تر أنه " لا يفلح الكافرون ". فلما عاينوا بعد ما صنع الله بقارون خافوا على أنفسهم، قالوا " لولا أن من الله علينا لخسف بنا " فأوحى الله إلى موسى فقال: يا موسى! عبدي قارون وهو

ابن عمك، دعاك سبعين مرة فلم ترحمه! وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لو دعاني من ذلك سبع مرات لنجيته ولاستجبت به. فقال موسى: أنت الرحيم يا رب! ومنك الرحمة، وإنما اشتد غضبي لله، إنه اختار دعاء المخلوق على الخالق. قال علي بن زيد بن جدعان: سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وهو مستند إلى المقصورة، فذكر سليمان بن داود وما آتاه الله من الملك، ثم قرأ هذه الآية: " أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين " حتى بلغ " فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " ولم يقل هذا من كرامتي، ثم قال إن " ربي غني كريم " ثم ذكر قارون وما أوتي من الكنوز فقال " إنما أوتيته على علم عندي " قال: بلغنا أنه أوتي الكنوز والمال حتى جعل باب داره من ذهب، وجعل داره كلها من صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون، يطعمهم الطعام ويتحدثون عنده. وساق الحديث. وقيل: إن موسى لما أتى قومه وأمرهم بالزكاة جمعهم قارون فقال: هذا جاءكم بالصوم والصلاة وأشياء تحتملونها، أفتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ قالوا: ما نحتمل أن نعطيه أموالنا، فما ترى؟ قال: أرى أن ترسلوا إليه بغي بني إسرائيل فتأمرونها أن ترميه بأنه أرادها على نفسها. وساق الحديث. وروي عن وهب بن منبه: أن موسى لم يدخل أرض مصر، إنما بعث جندين، كل جند اثنا عشر ألفاً، فالله أعلم أي ذلك كان؛ وأما ما فسره المفسرون أنه قد رجع إلى أرض مصر لقول الله عز وجل: " كذلك وأورثناها بني إسرائيل " الجنان والعيون والزروع والكنوز والمقام الكريم التي كانت لآل فرعون.

وعن أبي يوسف - وكان يهودياً فأسلم - أن موسى لما عبر ببني إسرائيل البحر أقام بأرض الشام سنة لا يكلم ولا ينزل عليه وحي، فشق ذلك عليه، وزعم أنه كان إذا كلمه الله يمكث أربعين ليلة مبرقعاً، من رآه غشي عليه مما يغشي وجهه من النور فقام على جبل بريحاء بفلسطين، فنادى الرحمن وهو عليه فقال: إلهي! ذهب روحي، وانقطع ظهري ولم ينزل علي وحي ولا كلمة منذ سنة - وبكى بكاء شديداً - فإن كان ذلك لذنوب رأيتها من بني إسرائيل فعفوك اللهم، وإن كان لأمر رأيته مني فهذه يدي وهذه ناصيتي، خذ اليوم رضاك من نفسي. قال له: يا موسى! أتدري لم كلمتك؟ قال: إلهي أنت أعلم. قال: لم يتواضع لي عبد من ولد آدم تواضعك، فلذلك كلمتك، فبعزة وجهي لأنزلن على جبال العرب نوراً أملأ به ما بين المشرق والمغرب، ولأخرجن من ولد قادر بن إسماعيل نبياً أمياً عربياً، ولتسبحن عظيمة قريتي عروباً بتسبيح ذلك النبي وتقديسه وليحملن ذلك النور من عظيمة قريتي عروباً إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولا يبقى من ولد آدم جنس إلا جاءني منه بشر كثير، عدد نجوم السماء وتراب الأرض على جبال كوثى، وكوثى: مكة بالعبرانية كلهم يؤمن بي رباً وبه رسولاً، يكفرون بملك آبائهم ويبرؤون

منها. قال موسى: سبحانك يا رب! تقدست، لقد كرمت هذا النبي وشرفته. فقال الله له: يا موسى! إني أنتقم من عدوه في الدنيا والآخرة، وأظهر دعوته على كل دعوة وأسلطه ومن اتبعه على البر والبحر، وأخرج لهم من كنوز الأرض، وأذل من خالف شريعته في هذا العالم؛ يا موسى! العدل رتبته، والقسط زينته، بعزة وجهي لأستنقذن به فئاماً من الناس عظيماً، حتمت يوم خلقت السموات والأرض أني مسبب ذلك الأمر على يدي محمد، وقضيت أني جاعل العز في الأرض والنبوة في الأجراء والرعاء. فقال له موسى لقد كرمت هذا النبي وشرفته! أي رب! أخبرني بعلامتهم من ولد بني آدم. قال: الأرز على أنصافهم ويغسلون أطرافهم، وهم رعاة الشمس، يخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي، يقاتلون صفاً في سبيلي، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، طوبى لتلك القلوب والأرواح التي أخلصت لي لم يسيروا بأرواحهم إلى غيري قط، يصفون لي في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، فهم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من عبدة الأوثان، وهم الذين ينصروني. قال له موسى: أي رب! ما بعثت في الأنبياء مثلي، ولم تكلم منهم غيري. قال له: أما في بني إسرائيل فلا أقيم مثلك، ولكني باعث في بلعم نبياً هو مثلك. قال: أي رب، هل أنت معطيه قرباناً مثل قرباننا؟ قال: قربانهم أفضل من قربانكم، تأكل قربانكم النار، فتنطلق به، ولهم في قربانهم أجران اثنان، يذبحون لي في غداة واحدة، يذكر اسمي ويهريقون الدماء لي فآجرهم، ويطعمون اللحم إخوانهم فآجرهم. فتحت الدنيا بإبراهيم، وختمتها بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثل كتابه الذي يجيء به - فاعرفوه يا بني إسرائيل - مثل السقاء المملوء لبناً يخاض فيخرج زبده، فهو كذلك كتاب الله، يقرأ عليكم لم تسمعوا بمثله قط، فيه خبر الكتب كلها، قضاء إلهي أنه يختم بكتابه الكتب، وبشريعته الشرائع، فمن أدركه فلم يؤمن به ويدخل في شريعته فهو من إلهي ومني بريء؛ وإنهم يبنون الصوامع في مشارق الأرض ومغاربها، إذا ذكروا اسم إلهي ذكروا اسم ذلك النبي معه، لا يزول ذكره من الدنيا حتى تزول. وإن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم، لما بنى بيت المقدس صلى ركعتين ثم قال أي رب! بنيت لك بيتاً أتعبد لك فيه. فنزل عليه الوحي، قال الله: ويحك

عبدي داود! أي بيت يسعني وأي سماء تسعني وأي أرض تسعني؟ أنا أعظم من ذلك كله، وسأضرب لك مثلاً فاعقله: السموات السبع وما فيهن من الملائكة والأرض جميعاً، وما فيهن من البحار والجبال تحت عرشي بمنزلة القنديل المعلق، قال له داود: سبحانك! تقدست أنت كما شئت أن يكون! وكما قلت لنفسك وفوق ما تقول إلى خلائقك. قال الله: أجل فسبحني وقدسني، واصنع كما تصنع الأمة التي أخرتها على هذا العالم. قال له: رب! وأي أمة هي؟ قال: هي أمة أحمد. قال: أي رب! أخبرني بعلامتهم. قال: إذا فرغوا كبروني، وإذا غضبوا هللوني، وإذا تنازعوا سبحوني. وقيل: إنهم تاهوا في اثني عشر فرسخاً أربعين عاماً، وجعل لهم حجر مثل رأس الثور، يحمل على ثور، فإذا نزلوا منزلاً وضعوه، فضربه موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعصاه " فانفجرت منه اثنتا عشر عيناً " وإذا ساروا حملوه على ثور واستمسك الماء. وعن ابن وهب: أن الله عز وجل لما حرم عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض، شكوا إلى موسى فقالوا: ما نأكل؟ فقال: إن الله سيأتيكم بما تأكلون. قالوا: من أين لنا إلا أن تمطر علينا خبزاً. قال: إن الله سينزل عليكم خبزاً مخبوزاً. فكان ينزل عليهم المن، فسئل وهب: ما المن؟ قال الخبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي. قالوا: وما نأتدم؟ وهل بدلنا من اللحم؟ قال: فإن الله يأتيكم به. قالوا: من أين إلا أن تأتينا به الريح. قال: فإن الريح تأتيكم به. فكانت الريح تأتيهم بالسلوى. فسئل وهب: ما السلوى؟ قال: فإن الريح تأتيكم به. فكانت الريح تأتيهم منه، فيأخذون منه من سبت إلى سبت. قالوا فما نلبس؟ قال: لا يخلق لأحد ثوب أربعين سنة، قالوا: فما نحتدي؟ قال: لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة. قالوا: فإنه يولد فينا أولاد فما نلبسهم؟ قال: الثوب الصغير على الكبير يشب معه. قالوا: فمن أين لنا الماء؟ قال: يأتيكم به الله. قالوا: من أين إلا أن يخرج لنا من الحجر. فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر. قالوا: فيما نبصر؟ فإنها تغشانا الظلمة. فضرب له عمود من نور في وسط عسكرهم،

أضاء عسكرهم كله. قالوا: فيما نستظل؟ فإن الشمس علينا شديدة؟ قال يظلكم الله بالغمام. قال وهب بن منبه: إن الله أوحى إلى موسى أن سر ببني إسرائيل حتى تدخل الأرض المقدسة، فقد كتبتها لكم، فاخرج إليها فجاهد من فيها بمن معك من بني إسرائيل، فإني ناصركم. قال: فانطلق موسى بمن معه من بني إسرائيل فقالوا: يا موسى! إنا لا نعرف الطريق، ولا علم لنا بالأرض ومدخلها ومخرجها، ورجالها وحصونها. قال: فبعث موسى هؤلاء الاثنا عشر النقباء إلى الأرض، ليتحسسوا لهم الأرض، وأقام موسى مكانه وجعل عليهم يوشع بن نون. وكالب بن يوفنا، وكان فيما بين الشام وبينهم مفاوز ليس بها ماء ودعا لهم موسى بالرزق، فأنزل الله عليهم في مسيرهم المن والسلوى، وفجر لهن الحجارة عيوناً ماء من موضع موسى إلى أرض أريحا، وأقام موسى بمكانه، فقالت بنو إسرائيل: كيف لنا بهذا المسير البعيد الذي لا تقوى فيه على حمل الماء وصنعة الطعام؟ يعول الرجل منا أربع مئة عيل، فأي ماء يسعهم وأي طباخ يوسعهم، وأي دار تكنهم حتى تبلغهم؟ وأي خباء يسعهم؟ وإنما معناه الثياب والذهب والفضة، وليس بيننا وبين الأرض المقدسة مدائن الأسواق؛ فادع لنا ربك يكفينا مؤنة هذا السعي. فأوحى الله إلى موسى أني قد سمعت الذين قالوا، فاعلمهم أني قد أعلمتك وأعطيتك ما سألوا، فقل لهم: أما ما سألتم من الطعام، فإن الله يمطر لكم السماء بالمن - خبزاً مخبوزاً، طعمه كطعم الخبز المأدوم بالسمن والعسل - ومسخر لكم الريح فتنسف لكم طير السلوى، فتوسعكم لحماً ما أكلتم. وأما ما تحتاجون إليه من الماء فيفجر لكم من الحجر ماء رواءاً حيث نزلتم، فيوسعكم لشربكم وطهوركم؛ وأما ما أردتم من الكن والظل، فيسخر لكم الغمام فيظلكم من فوقكم ويكنكم من البرد والحر والريح. قالوا: يا موسى! نقيم حتى يرجع إلينا النقباء، فيخرجونا، فنرى

رأينا، فأمر موسى النقباء أن يسيروا، فأتوا الأرض المقدسة، وارتحل موسى ومعه بنو إسرائيل، فكان إذا نزلوا ضرب بعصاه " الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً " فكانت تجري إلى كل سبط عين تدخل عسكرهم، وكانت السماء تمطر عليهم خبز المن، مثل خبز الماء، طعمه طعم الخبز المأدوم بالسمن والعسل، وتنسف عليهم الريح طير السلوى، وتذري رأسه عنه فيصير مصفى ليس فيه ريش فيصبح في العسكر ركامان عظيمان من خبز وطير، فيأكلون ويحملون. وعن وهب: أن بني إسرائيل لما أيقنوا أن لا يرجعوا إلى مصر، ولا يدخلوا الأرض المقدسة قالوا لموسى: لابد لنا من كتاب نقرؤه، وشرائع أحكام. فسأل ربه فقال: نعم يا موسى. فواعده أن يخرج إل طور سيناء، وواعده ثلاثين يوماً؛ قال: واستخلف موسى على قومه هارون وقال: إني منصرف إليكم بعد أربعين يوماً، وآتيكم بأحكام وشرائع. قال: فانطلق موسى معه جبريل، حتى انتهى إلى طور سيناء، وطهر ثوبيه، وكلمه ربه، فلما سمع كلام ربه طمع في رؤيته فقال موسى " رب أرني أنظر إليك قال " يا موسى! " لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " يقول: أي لا تستطيع أن تنظر إلي، وسأجعل بيني وبينك علماً إن استطاع ذلك العلم النظر إلي فسوف تراني. قال ابن عباس: في قوله: " وكلم الله موسى تكليماً " قال: يعني بالتكلم مشافهة. وقال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمداً بالرؤية. وقال كعب الأحبار: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلمه موسى مرتين.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما ذهب أخي موسى إلى مناجاة ربه قال: يا موسى! ما هذا الذي في يدك؟ قال: يا رب! خاتم حديد. وفي رواية قال: شيء من حلي الرجال. قال: اجعله ورقاً، واجعل فصه من عقيق، وانقش عليه " لكل أجل كتاب ". وفي رواية قال: فيه شيء من اسمي أو من كلامي؟ قال: لا. قال ما كتب فيه " لكل أجل كتاب ". وعن كعب قال: أن الله عز وجل أعطى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به أربع آيات، ما أعطاها أحد قبله. قول الله عز وجل: " لله ما في السماوات وما في الأرض " إلى آخر السورة، وهي ثلث الكتاب، وآية الكرسي، وأعطى الله موسى غيرها حين قربه نجياً، وأمره أن يدعو بهن، فدعا فاطمأن وقوي على احتمال النبوة وحفظ ما ناجاه ربه. قال: قل يا موسى: اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا، وخلصنا منه ومن كل شر من أجل أن لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء، والبقاء دهر الداهرين أبد الآبدين أبداً آمين آمين. فدعا بهن، فاطمأن، ثم ناجاه ربه عز وجل. وقيل: إن الله عز وجل، حين ناجى موسى قال: يا موسى بن عمران! يا صاحب جبل لبنان، قم بين يدي مقام العبد الذليل المعترف بذنبه. وكان فيما علمه أن قال له: اقرأ في دبر كل صلاه آية الكرسي، فمن قرأها في دبر كل صلاة أعطيته قلوب الشاكرين، وأعمال الصديقين، وثواب النبيين، وبسطت عليه يميني بالرحمة، ولم يحجبه عن الجنة شيء إلا ملك الموت، فيقبض روحه فيدخل الجنة. زاد في رواية: فقال موسى: يا رب! من يدوام على ذلك؟ قال: يا موسى! يداوم

على ذلك نبي أو صديق أو عبد قد رضيت عنه، أو عبد أريد أن أقبله. وعن أبي هريرة قال: عرض رجل من اليهود سلعة، فأعطي بها شيئاً فأبى، ثم قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعها رجل من الأنصار فلطمه، فقال: نقول والذي اصطفى موسى على البشر، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا! فانطلق اليهودي إلى رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: با أبا القاسم! إن لي ذمة وعهداً. فقال: وما ذاك؟ قال: ما بال فلان لطمني؟! فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الأنصاري فقال: ما يقول هذا؟ قال: يا رسول الله! يقول والذي اصطفى موسى على البشر وأنت بين أظهرنا! فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وسلم حتى رئي ذلك في وجهه، ثم قال لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث، أو في أول منبعث، فإذا بموسى عليه السلام آخذ بالعرش، فما أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أو بعث قبلي، ولا يقولن أحد إني أفضل من يونس بن متى. وفي رواية: فلا أدري، أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله عز وجل. وعن عوف بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الأنبياء ليكاثرون بأممهم، وقد كثرتهم إلا موسى بن عمران، وإني لأرجو أن أكثره ولقد أوتي موسى بن عمران خصلات لم يعطهن نبي: أنه مكث يناجي ربه أربعين يوماً، لا ينبغي لمناجيين أن يتناجيا أطول من نجواهما. وأن ربك تحود بدفنه وقبره فلم يطلع عليه أحد، وهو يوم يصعق الناس قائم عند العرش، لا يصعق معهم. وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن موسى قال: يا رب! أرنا آدم الذي أخرجنا من الجنة. فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم، نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا

لك؟ قال: نعم. قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى. قال أنت نبي بني إسرائيل؟ أنت الذي كلمك الله من وراء حجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم. قال: فيم تلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبل؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك: فحج آدم موسى فحج أدم موسى. وفي رواية بمعناه: تلومني على أمر قدره الله علي أن أعمله قبل أن يخلق السموات والأرض! وفي رواية: بكم تجد الذي عملت كتب علي قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين سنة. قال فلم تلومني يا موسى؟! وعن الشعبي: في قول الله تبارك وتعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله " قال: موسى عليه السلام والصلاة " ورفع بعضهم درجات " قال: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " وآتينا عيسى ابن مريم البينات " فكان الشعبي يقول: هؤلاء أشراف الرسل يوم القيامة. وعن أنس: أن الناس ذكروا يوم القيامة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: والذي نفسي بيده، إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وإن بيدي لواء الحمد، وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر. قال: ينادي الله يومئذ آدم فيقول: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: اخرج من ذريتك بعث النار. فيقول: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين. فيخرج مالا يعلم عدده إلا الله. قال: فيأتون آدم فيقولون: يا آدم! أنت أكرمك الله، وخلقك بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسكنك جنته، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لذريتك، تحرق اليوم بالنار. فيقول آدم: ليس ذلك إلي اليوم، ولكن سأرشدكم، عليكم بنوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح! اشفع

لذرية آدم. فيقول: ليس ذلك إلي، ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته، وصنع على عينه، وألقي عليه محبة منه، موسى، وأنا معكم. فيأتون موسى، فيقولون: يا موسى! أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وصنعت على عينه، وألقي عليك محبة منه، اشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول ليس ذلك إلي اليوم، عليكم بروح الله وكلمته، وعيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت روح الله وكلمته، اشفع لذرية آدم لاتحرق اليوم بالنار. فيقول: ليس ذلك إلي اليوم، ولكن سأرشدكم، عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين، أحمد، وأنا معكم فيأتون أحمد، فيقول: يا أحمد! جعلك الله رحمة للعالمين، أحمد، وأنا معكم فيأتون أحمد، فيقول: يا أحمد! جعلك الله رحمة للعالمين، اشفع لذرية آدم لاتحرق اليوم بالنار. فأقول: نعم، أنا صاحبها. قال: فآتى حتى آخذ بحلقه الجنة، فيقال: من هذا؟ فأقول: أحمد. قال: فتفتح لي، فإذا نظرت إلى الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب شيئاً لا يفتح لأحد من الحق، ثم يقال: ارفع، سل تعط، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار. فيقول الرب جل جلاله: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه، ثم يعودون إلي يقولون: ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار. قال: فأتى حتى آخذ بحلقة الجنة، فيقال: من هذا؟ فأقول: أحمد. فيفتح لي، فإذا نظرت إلى الجبار لا إله إلا هو خررت ساجدا، فأسجد مثل سجودي أول مرة ومثله معه، فيفتح لي من الثناء على الله والتحميد مثلما فتح لي أول مرة. فيقال: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار. فيقول الرب: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فاخرجوه قال: ثم أتي حتى أصنع ما صنعت أول مرة، فإذا نظرت إلى الجبار عز جلاله خررت ساجداً، فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه، ويفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك. ثم يقال: ارفع رأسك سل تعط، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار. فيقول الرب: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه. فيخرجون مالا يعلم عدده إلا الله، ويبقى أكثر، ثم يؤذن لآدم

بالشفاعة، فيشفع لعشرة آلاف ألف، ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون، ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون، وإن المؤمن يشفع يومئذ لأكثر من ربيعة ومضر. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد، وليس أحد من أهل الجنة إلا وهم جرد مرد إلا ما كان من موسى بن عمران، فإنه له لحية تبلغ سرته. قال موسى لربه يوم الطور: أي رب! إن كلمتني فمن قبلك، وإن صليت فمن قبلك، وإن صمت فمن قبلك، وإن أرسلتني فمن قبلك، وإن بلغت رسالتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال: يا موسى! الآن علمت أنك قد شكرتني، حيث علمت أنه من قبلي. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما كلم الله موسى في الأرض كان جبريل يأتيه من حلل الجنة وبكرسي مرصع بالدر والجوهر، فيجلس عليه ويرفعه الكرسي، فيرفعه حيث شاء ويكلمه حيث شاء. قال عطاء بن السائب: كان لموسى قبة طولها ست مئة ذراع يناجي فيها ربه. وعن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله ناجى موسى بمئة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة، في ثلاثة أيام وصايا كلها، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب، فكان فيما ناجاه: يا موسى! إنه لم يتصنع لي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع، عما حرمت عليهم، ولم يتعبد العابدون بمثل البكاء من خيفتي. قال موسى: يا إله البرية كلها! ويا مالك يوم الدين، ويا ذا الجلال والإكرام، وما أعددت لهم وماذا جزيتهم؟ قال: يا موسى! أما الزاهدون في الدنيا فإني أبحتهم الجنة يتبوؤون منها

حيث يشاؤون، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإنه ليس من عبد يلقاني يوم القيامة إلا ناقشته الحساب لنفسه مما في يديه، إلا ما كان من الورعين فإني أستحييهم وأجلهم وأكرمهم وأدخلهم الجنة بغير حساب، أما البكاؤون من خيفتي فلهم الرفيق الأعلى، لا يشاركون فيه. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم قال: أي رب! عبدك المؤمن تقتر عليه في الدنيا! قال: فيفتح له باب إلى الجنة فينظر إليها، وقال: يا موسى! هذا ما أعددت له. قال موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: أي رب! وعزتك وجلالك، لو كان أقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط. قال: ثم قال موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: أي رب! عبدك الكافر يوسع عليه في الدنيا! قال: يفتح له باب من النار، فيقال: يا موسى! هذا ما أعددت له. فقال موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: أي رب! وعزتك وجلالك، لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره كأن لم ير خيراً قط. قال أبو أيوب المقرئ: كلم الله موسى مئة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة، ذكر كلمة كلمة، قال له: يابن عمران! كل خدن لا يؤازرك على طاعتي فاتخذه عدواً كائناً من كان. قال وهب بن منبه: إن الله كلم موسى في ألف مقام، وكان إذا كلمه رئي النور على وجهه ثلاثة أيام، ولم يمس موسى عليه السلام امرأة منذ كلمه ربه. وعن كعب قال: قال موسى: أقريب فأناجيك أم بعيد فاناديك؟ قال: يا موسى! أنا جليس من ذكرني. قال: يا رب! فإنا نكون من الحال على حال نعظمك ونجلك أن نذكرك عليها.

قال: وما هي؟ قال: الجنابة والغائط. قال: يا موسى! اذكرني على كل حال. وفي رواية: إني أكون على الحال التي أجلك عن أن أذكرك عليها: الخلاء والرجل من أهله. قال: يا موسى، اذكرني على كل حال. وفي رواية: الغائط، وإهراقه الماء، والجنابة، وعلى غير وضوء. وفيه قال: يا رب! كيف أقول؟ قال: تقول سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت تحميني الأذى، سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت تقيني الأذى. وعن مكحول قال: أغار الضحاك بن معد - يعني ابن عدنان - على نبي إسرائيل في أربعين رجلاً من بني معد، عليهم دراريع الصوف، خاطمي خيلهم بحبال الليف، فقتلوا وسبوا وظفروا، فقالت بنو إسرائيل: يا موسى! إن بني معد أغاروا علينا، وهم قليل، فكيف لو كانوا كثيراً، وأغاروا علينا وأنت نبينا، فادع الله عليهم. فتوضأ موسى وصلى، وكان إذا أراد من الله حاجة صلى ثم قال: يا رب! إن بني معد أغاروا على بني إسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا، فسألوني أن أدعوك عليهم. فقال الله عز وجل: لا تدع عليهم فإنهم عبادي، وإنهم ينتهون عند أول أمري، وإن فيهم نبياً أحبه وأحب أمته. قال: يا رب! ما بلغ من محبتك له؟ قال: أغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال: يا رب! ما بلغ من محبتك لأمته؟ قال: يستغفرني مستغفرهم فأغفر له، ويدعوني داعيهم فأستجب له. قال: يا رب! فاجعلهم من أمتي. قال: نبيهم منهم. قال: يا رب! فاجعلني منهم. قال: تقدمت واستأخروا. وعن كعب قال: قال موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم ناجاه ربه: أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال الله عز وجل: يا موسى! أنا جليس من ذكرني. ثم قال: يا موسى! أتريد أن أقرب من مجلسك يوم القيامة؟ فلا تنهر السائل، ولا تقهر اليتيم، وجالس

الضعفاء، وارحم المساكين، وأحب الفقراء، ولا تفرح بكثرة المال، فإن كثرة المال تفسد القلب وتقسيه؛ يا موسى! استمع وأنصت واحفظ، وأمر بني إسرائيل أن يتبعوا راكب الحمار، ابن العذارء البتول، يبعث من جبل صهيون يصنع بالآيات والعجائب، ويحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، ويبشر بالنبي العربي الأمي من ولد قيدار بن إسماعيل، يبعث من بين جبلي قدس، صاحب الجمل، صاحب الهراوة - وهي العصا - والتاج - وهي العمامة - والنعلين، يبعث في آخر الزمان على فترة من الرسل، اسمه محمد في القرآن، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوارة أحيد، افتح به وأختم، لم تلد النساء قبله ولا بعده، الأكحل العينين، الصلت الجبين، المقرون الحاجبين البادي النفقة الرجل الشعر، الشثن البنان، الحسن الثغر، المفلج الثنايا، الكث اللحية، النكاح للنساء، ذو النسل القليل، نسله من صديقة، لها في الجنة قصر من ذهب، ليس فيه صدع ولا وصل، ولا نصب ولا صخب، له منها ابنة لها فرخان مستشهدان، أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يرضون مني باليسير أعطيه إياهم، وأرضى منهم باليسير من العلم، أدخل أحدهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله، يقاتل بقضيب الحديد وتقاتل أمته بقضيب الشجر، صفهم في قتالهم كصفهم في صلاتهم، يأتزرون على أنصافهم، ويطهرون أطرافهم، جعلت لهم الأرض مسجداً وطهوراً، يصلون حيث أدركتهم صلاتهم ولو كانوا على كناسة، لمناديهم في الصلاة ذوي في جو السماء، تفتح لهم أبواب السماء، أنزل عليهم رحمتي، أشداء على الكفار، متوادون بينهم، إذا رأيتهم عرفتهم أنهم أهل ركوع وسجود، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، يقاتلون في صفوفاً وزحوفاً، ويصلون لي ركوعاً وسجوداً، وقياماً وقعوداً، أناجيلهم في صدورهم، وقربانهم في بطونهم، نساؤهم أيامى لطول غيبة أزواجهم وما هم بأيامى، وأولادهم يتامى لطول غيبة آبائهم، يطلبون الجهاد بكل أفق، رهبان الليل أسود النهار، أعطيهم من قبل أن يسألوني، وأستجب لهم من قبل أن يدعوني؛ ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم، أظهره على الدين كله ولو كره

المشركون فأفتح لهم فتحاً يسيراً، وأنصره نصراً عزيزاً، أجعله أول شافع، أول مشفع، أختم به الأنبياء، وأفتح به الشفاعة؛ يا موسى! مر بني إسرائيل أن لا يغيروا نعته، ولا يكتموا صفته، وإنهم لفاعلون. قال: فخر موسى ساجداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إلهي! لقد أكرمت هذا العبد وهذه الأمة. فقال الله: يا موسى! " إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من االشاكرين ". قالوا: ولما قرب الله موسى نجياً بطور سيناء قال: يا موسى! إذا جعلت لك قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً وزوجة تعين على الخير فلم أخزن عنك من الخير شيئاً، ومن أخزن عنه هذا فلم أفتح له من الخير شيئاً. وعن وهب قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا موسى بن عمران! إن الذي لك عندي، على قدر ما لي عندك. وعن الحسن قال: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: اتخذ طاعتي تجارة يأتك الربح من غير بضاعة. ولما كلم الله موسى اعتزل النساء وترك اللحم، فبلغ ذلك أخاه، فاعتزل النساء وترك اللحم، ثم لم يلبث أن تزوج وأكل اللحم، فقيل لموسى: إن أخاك هارون قد أكل اللحم وتزوج. قال: لكني لا أرجع في شيء تركته لله. وفي مناجاة موسى قال: رب! هذه الأمة التي أجدها في كتابي مرحومة؟ قال: تلك أمة أحمد، أعطيهم القليل فيرضون به، وأرضى منهم من العمل بالقليل، وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها، فوجد فيها ذكر هذه الأمة، قال:

يا رب! إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون المشفوع لهم فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة أنا جيلهم في صدورهم، يقرؤونه ظاهراً، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. يا رب! إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم، يؤجرون عليها، فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وإن عملها كتبت له عشر حسنات، فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد. قال: يارب! إني أجد الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم يعلمها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والآخر فيقتلون فيروز الضلالة المسيح الدجال، فاجعلها أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: يا رب! فاجعلني من أمة أحمد. فأعطى عند ذلك خصلتين. فقال: يا موسى " إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ". قال قد رضيت يا رب. وعن نوف قال: لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل ناجاه ربه عز وجل فقال: إني أبسط لكم الأرض مسجداً ووضوءاً، تصلون حيث أدركتم الصلاة، إلا في حمام أو مرباض - وفي رواية: أو مرحاض - أو عند قبر، وأجعلكم تقرؤون التوراة على ظهر ألسنتكم، ذكركم وأنثاكم، وصبيانكم. فقالوا: لا نصلي إلا في كنيسة، ولا نستطيع أن نحمل السكينة في قلوبنا،

فاجعل لنا تابوتاً تحمل فيه، ولا تقرأ التوراة إلا نظراً. قال: " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " حتى أتم الآية. قال: يا رب! اجعلني نبيهم. قال: إن نبيهم منهم. قال: رب فأخرني حتى أكون منهم. قال: إنك لن تدركهم. قال: رب جئت بوفادة قومي، فجعلت الوفادة لغيرهم. قال: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " فكان نوف يقول: احمدوا ربكم شهد غيبتكم وأخذ بسهمكم، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم. زاد في رواية أخرى، في ذكر صدقاتهم يأكلون في بطونهم، قال: وكان من قبلنا يقربون صدقاتهم فإن تقبلت منهم جاءت النار فأكلتها وإن لم تقبل منهم تركت، فجاءت السباع فأكلتها. قال الأعمش: قال الله تعالى: " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك " نودي: يا أمة محمد! قد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني. وعن المقدام بن معدي كرب أن موسى لم يزل مغطياً وجهه منذ كلمه ربه. جاء إبليس إلى موسى وهو يناجي ربه فقال له الملك: ويحك، وما ترجو منه وهو على هذه الحال يناجي ربه؟ قال: أرجو منه ما رجوت من أبيه آدم وهو في الجنة. ولما كلم الله تعالى موسى عرض إبليس على الجبل، فإذا جبريل قد وافاه فقال: اخز يا لعين، أيش تعمل ها هنا؟ قال: جئت أتوقع من موسى ما توقعت من أبيه. فقال له جبريل: اخز يا لعين. ثم قعد جبريل يبكي حيال موسى، فأنطق الله الجبة - أو

الزرمانقة - فقالت: يا جبريل، أيش هذا البكاء؟ قال: إني في القرب من الله، وإني لأشتهي أن أسمع كلام الله كما سمعه موسى. فقالت الجبة: يا جبريل! أنا جبة موسى، وأنا على جلد موسى، أنا أقرب إلى موسى أو أنت؟! والكلام هو ألطف اللغات، وهو مثل الرعد القاصف، يا جبريل، أنا لا أسمعه تسمعه أنت! بينا موسى جالس في بعض مجالسه إذ جاءه إبليس وهو في برنس يتلون عليه ألواناً، فلما دنا منه خلع البرنس ثم أقبل إلى موسى فقال: من أنت؟ قال: أنا إبليس. قال: أنت فلا مرحباً بك، وما جاء بك؟ قال: جئت لأسلم عليك لمكانك من الله ومنزلتك منه. قال: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم. قال: فأخبرني ما الذنب الذي إذا أذنب ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه، واستكبر عمله، ونسي ذنبه استحوذت عليه، وأوصيتك بثلاثة أشياء. قال: وما هي؟ قال: لا تخل بامرأة لا تحل لك، فإنه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له إلا كنت أنا صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها، ولا تعاهد لله عهداً إلا كنت صاحبه دون أصحابي، حتى أحول بينه وبين الوفاء به، ولا تهمن بصدقة إلا أمضيتها، فوالله ما هم أحد بصدقة إلا كنت أنا صاحبه دون أصحابي، حتى أحول بينه وبين الوفاء بها. ثم ولى وهو يقول: ياويله! - ثلاث مرات - علم موسى ما يحذره ابن آدم. لقي إبليس موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا موسى! أنت الذي اصطفاك الله برسالته، وكلمك تكليماً، وأنا من خلق الله، أذنبت وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلي ربي أن يتوب علي. قال موسى: نعم. فدعا موسى ربه فقال: يا موسى! قد قضيت حاجتك. فلقي موسى إبليس فقال: قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك فاستكبر

وغضب فقال: لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً! ثم قال إبليس: يا موسى! إن لك علي حقاً بما شفعت لي إلى ربك، فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن: اذكرني حين تغضب، فإن روحي في قلبك وعيني في عينك، وأجري منك مجرى الدم؛ واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف، فأذكره ولده وزوجته وأهله حتى يولي، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها. وعن مجاهد: في قوله ولقد " آتينا موسى الكتاب والفرقان " قال: الكتاب: هو الفرقان، سمي فرقاناً لأنه فرق بين الحق والباطل. وعن ابن عباس قال: لما انتهى موسى إلى ربه عز وجل لميقاته قال له: أأكتب - أو أنا أكتب - لك الألواح، وإن قومك يسجدون لغيري. قال: فما ألقى الألواح لقول ربه عز وجل حتى نظرهم بعينيه يسجدون للعجل، فلما رآهم ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: فيما أعطى الله موسى في الألواح في أول ما كتب عشرة أبواب: يا موسى! لا تشرك بي شيئاً فقد حق القول مني: لتلفحن وجوه المشركين النار، واشكر لي ولوالديك أقك المتألف، وأنسى لك في عمرك، وأحييك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها؛ ولا تقتل النفس التي حرمت إلا بالحق، فتضيق عليك الأرض برحبها، والسماء بأقطارها، وتبوء بسخطي في النار؛ ولا تحلف باسمي كاذباً ولا آثماً، فإني لا أظهر ولا أزكي من لم ينزهني ولم يعظم أسمائي؛ ولا تحسد الناس على ما أعطيتهم من فضلي، ولا تنفس عليهم نعمتي ورزقي، فإن الحاسد عدو لنعمتي، راد لقضائي، ساخط لقسمتي التي أقسم بين عبادي، ومن يكن كذلك فلست منه وليس مني، ولا تشهد بما لم يع سمعك، ويحفظ عقلك،

ويعقد عليه قلبك، فإني واقف أهل الشهادات على شهاداتهم يوم القيامة، ثم سائلهم عنها سؤالاً حثيثاً؛ ولا تسرق ولا تزن بحليلة جارك، فأحجب عنك وجهي وتغلق عنك أبواب السماء، وأحب للناس ما تحب لنفسك، ولا تذبح لغيري فإني لا أقبل من القربان إلا ما ذكر عليه اسمي، وكان خالصاً لوجهي؛ وتفرغ لي يوم السبت وفرغ لي آنيك وجميع أهل بيتك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله جعل السبت لهم عيداً، واختار لنا الجمعة فجعلها لنا عيداً. قال الضحاك: لما حرق موسى العجل وذراه في البحر، وأتاهم بكتاب الله فيه الحلال الحرام، فإذا فيه الرجم للزاني المحصن والقطع على السارق، والقصاص، قالوا: يا موسى! لا نقبل ما جئتنا به، كان العجل أحب إلينا، لا تقطعنا ولا تقتلنا ولا ترجمنا. فقال موسى: رب! إن عبادك بني إسرائيل ردوا كتابك، وكذبوا بآياتك. فأمر الله الملائكة فنتقلوا الجبل على بني إسرائيل حتى ظل به على عسكر بني إسرائيل، وحال بينهم وبين السماء، ثم قال لهم موسى: إما أن تأخذوا هذا الكتاب بما فيه، وإما أن يلقي عليكم. فقالوا " سمعنا وعصينا " يقولون سمعنا الذي تخوفنا وعصينا الذي أتينا به. وعن ابن عباس قال: ما أعلمني من أين تسجد اليهود على حواجبهم. قيل: ومن أين ذاك؟ قال: إنهم لما أبوا أن يقبلوا التوراة أرسل الله عليهم الطور من فوق رؤوسهم، فكان الرجل منهم إذا سجد يسجد على أحد حاجبيه وهو يلحظ بإحدى عينيه إلى الجبل متى يرمى به عليه. فمن ثم تسجد اليهود على حواجبها. قال: فرفع موسى الألواح فوضعها في بيت الهيكل، وكان يخرجها إليهم كل سبت فيقرؤها ولد هارون عليهم، ويدرسونها بينهم، وكان من شأن بيت الهيكل أن الله عز وجل أمر موسى حين جاوز البحر، وأمره بالمسير إلى الأرض المقدسة، ومن قبل أن يتيه الله عز وجل بني إسرائيل، أمر الله موسى أن يبني مسجداً لجماعتهم وبيتاً لقدسهم وبيتاً لقربانهم.

وعن عبد الله بن مسعود قال: لما تعجل موسى إلى ربه قال: " وما أعجلك عن قومك يا موسى، قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى " قال: فرأى رجلاً بمكان من العرش غبطه لمكانه ذلك قال: يا رب! من هذا؟ فقال: سأخبرك من عمله بثلاث: هذا رجل كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا رجل كان لا يمشي بين الناس بالنميمة، وهذا رجل كان لا يعق والديه. قال موسى: يا رب! وهل يعق أحد والديه؟ قال: نعم، يعرضهما للشتم فيشتمان. قال وهب بن منبه: إن في الألواح التي كتب الله عز وجل لموسى: يا موسى! وقر والديك، فإن من وقر والديه مددت في عمره، ووهبت له ولداً يبره، ومن عق والديه قصرت عمره، ووهبت له ولداً يعقه. وعن موسى بن سعيد قال: لما قرب الله موسى نجياً رأى عبداً تحت العرش فقال: يا رب! من هذا العبد؟ لعلي أعمل بمثل عمله. فقيل: يا موسى! هذا عبد كان براً بوالديه، وكان لا يحسد الناس، ولا يمشي بالنميمة. ومن حديث قال: يا موسى! ما جئت تبغي؟ قال: الهدى. قال: قد وجدت. قال: يا رب! اغفر لي ذنوبي ما خلا وما غبر وما بين ذلك وما أنت أعلم به مني. قال: كفيت. قال: يا رب! أي عبادك أحب إليك لو أني أعمل عمله؟ قال: الذي لا يكذب لسانه، ولا يزني فرجه، ولا يفجر قلبه. قال: سبحانك! وأي عبادك لا يغنم أولا يكذب؟ قال: يا رب! أي عبادك أحب إليك بعد هذا؟ قال: مؤمن في خلق حسن. قال: يا رب! فأي عبادك أبغض إليك؟ قال: قلب كافر في خلق شيء. قال: يا رب! فأي عبادك أبغض إليك بعد هذا؟ قال: جيفة ليل، بطال بالنهار.

أوحى الله تعالى إلى موسى: إني أعلمك خمس كلمات، وهن عماد الدين: ما لم تعلم أن قد زال ملكي فلا تترك طاعتي، وما لم تعلم أن خيراتي قد نفذت فلا تهتم لرزقك، وما لم تعلم أن عدوك قد مات - يعني إبليس - فلا تأمن ناحيته، لا تدع محاربته، وما لم تعلم أني قد غفرت لك فلا تعب المذنبين، وما لم تدخل جنتي فلا تأمن مكري. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سأل موسى ربه هو عن ست خصال قال: رب! أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: أي عبادك أعلم؟ قال: عالم لا يشبع من العلم، يجمع علم الناس إلى علمه. قال: فأي عبادك أعز؟ قال: الذي إذا قدر غفر. قال: أي عبادك أعبد؟ قال: الذي يرضى بما أوتي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس الغنى عن ظهر مال إنما الغنى عن النفس، وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شراً جعل فقره بين عينيه. وفي حديث آخر قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب سقر. وعن أبي سعيد، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن موسى سأل ربه تعالى حين أعطاه التوراة أن يعلمه دعوة يدعو بها، فأمره أن يدعو بلا إله إلا الله. فقال موسى: يا رب! كل عبادك يدعو، وأنا أريد أن تخصني بدعوة أدعوك بها. فقال تعالى وتقدس: يا موسى! لو أن السماوات وساكنها، والأرض وساكنها، والبحار وما فيها وضعوا في كفة، ووضعت له إله إلا الله في كفة لوزنت لا إله إلا الله. وفي رواية: علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به. قال: قل: لا إله إلا الله. وزاد في رواية: فكان موسى أحب عملاً أنهك لبدنه من ذلك، فأوحى الله عز وجل إليه: أغرك أني ذللت بها لسانك، لو جعلت لا إله إلا الله والسماوات والأرضون في كفة

لرجحت بهن، ولو كانت السماوات والأرضون حلقة لقصمتهن لا إله إلا الله حتى تجاورن. سأل موسى ربه عز وجل فقال: رب أي عبادك أعدل؟ قال: من أنصف من نفسه. سأل موسى ربه فقال: اللهم اجمع لي خصال الخير في كلمة واحدة. فقال: صاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به. ومن حديث: قال: يا رب! أي عبادك أخشى لك؟ قال: أعلمهم بي. وعن عطاء بن يسار قال: قال موسى: يا رب! من أهلك الذين هم أهلك، الذين تؤوي في ظل عرشك يوم القيامة؟ قال: هم البريئة أبدانهم، الظاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذكرت ذكروني ذكرتهم، يسبغون الوضوء عند المكاره، وينيبون إلى ذكري ما تنيب النسور إلى أوكارها، يكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحسب الناس، يغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حرب. زاد في آخر بمعناه: فإن النمر إذا غضب لم يبال أقل الناس أم كثروا. وفي رواية: أخبرني عن أهلك الذين هم أهلك. قال: هم المتحابون في الدين، يعمرون مساحدي ويستغفروني بالأسحار. الحديث. وعن زيد بن أسلم: أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه: من الذين يرثون دار قدسك؟ قال: يا موسى! هم النقية أبدانهم. الحديث.

وفي حديث عروة قال: يا رب! أخبرني بأكرم خلقك عليك؟ قال: الذي يسارع إلى هواي كما يسرع النسر إلى هواه، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس. الحديث. وعن بديل بن مسيرة - وكان قد قرأ الكتب - قال: إن الله تعالى أوحى إلى موسى فيما يوحي إليه أن أحب عبادي إلي الذين يمشون في الأرض بالنصيحات، والذين يمشون على أقدامهم إلى الجمعة، المستغفرين بالأسحار، أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقاباً ثم رأيتهم كففت عنهم عقابي، وإن أبغض عبادي إلي الذي يقتدي بسيئة المؤمن ولا يقتدي بحسنته. وقال موسى: يا رب! أي عبادك أحب إليك؟ قال: أكثرهم لي ذكراً. قال: رب، أي عبادك أعلم؟ قال: غلام يلتمس العلم. قال: رب: أي عبادك أحلم؟ قال: أملكهم لنفسه عند الغضب. قال: رب! أي عبادك أصبر؟ قال: أكظمهم للغيظ. وعن أبي الدرداء قال: قال موسى: يا رب! من يسكن غداً في حظيرة القدس ويستظل بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: يا موسى! أولئك الذين لا تنظر أعينهم في الزنا، ولا يبتغون في أموالهم الربا، ولا يأخذون على أحكامهم الرشا، طوبى لهم وحسن مآب. وعن محمد بن كعب القرظي قال: قال موسى: يا رب! أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكري. قال: يا رب! فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علم غيره. قال: يا رب! فأي خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس. قال: يا رب! فأي خلقك أعظم ذنباً؟ قال: الذي يتهمني. قال: يا رب! وهل يتهمك أحد؟! قال: الذي يستخيرني فلا يرضى بقضائي. قال ابن عباس: لما بعث الله موسى وكلمه، وأنزل عليه التوراة فقال: إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأطعت، ولو شئت أن لا تعصى ما عصيت، وأنت تحب أن تطاع، وأنت في ذلك تعصى، فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله تعالى إليه أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. فانتهى موسى.

خرج عمار بن ياسر إلى أصحاب له وهم ينتظرونه فقالوا: أبطأت علينا أيها الأمير. قال: أما إني سأحدثكم حديثاً، كان أخ لكم ممن كان قبلكم، وهو موسى قال: يا رب! أخبرني بأحب خلقك إليك. قال: لم؟ قال: لأحبه لك. قال: سأحدثك، رجل في طرف من الأرض يعبدني، فيسمع به أخ في طرف الأرض الأخرى لا يعرفه، فإن أصابته مصيبة فكأنما أصابته، وإن شاكته شوكة فكأنما شاكته، لا يحبه إلا لي. فذاك أحب خلقي إلي ثم قال موسى: يا رب! خلقت خلقاً فجعلتهم في النار، فأوحي الله إليه أن يا موسى ازرع زرعاً. فزرعه وسقاه، وقام عليه حتى حصده وداسه، فقال له: ما فعل زرعك يا موسى؟ قال: قد رفعته. قال: فما تركت منه؟ قال: ما لا خير فيه. قال: فإني لا أدخل النار إلا من لا خير فيه. وعن أبي بكر بن عياش قال: قال موسى: يا رب، أرني أهل صفوتك فقيل لها: انطلق إلى خربة كذا وكذا. فانطلق فإذا هو برجل ميت قد بليت أكفانه، وبدت عظامه، فقال موسى: يا رب! سألتك أن تريني أهل صفوتك فأرتني رجلاً ميتاً قد بليت أكفانه وبدت عظامه! قال: نعم يا موسى! ومع هذا فإني أخرجته من الدنيا وهو جائع. وعن جابر قال: أوحى الله إلى موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: أن ارحم عبادي المعافى مهم والمبتلى. فقال: يا رب! هذا المبتلى أرحمه لبلائه فما بال المعافى!؟ قال: لقلة شكره إياي على عافيتي إياه. وعن قتادة قال: قال موسى: يا رب! أنت في السماء ونحن في الأرض، فما علامة غضبك من رضاك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضائي وإذا استعملت عليكم شراري فهو علامة سخطي عليكم.

وعن وهب قال: قال موسى بن عمران: أي رب، أخبرني بآية رضاك عن عبدك. فأوحى الله إليه: يا موسى، إذا رأيتني أهيئ له طاعتي وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي عنه. قال: وفي بعض الكتب، أو فيما أنزل الله تعالى وتقدس: ابن آدم! إذا غضبت فاذكرني، أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك مع من أمحق، فإذا ظلمت فارض بنصري لك فإن نصري لك خير من نصرتك لنفسك. وعن كعب قال: قال الله عز وجل: يا موسى! أتريد أن أملأ مسامعك يوم القيامة مما يسرك؟ ارحم الصغير كما ترحم ولدك، وارحم الكبير كما ترحم الصغير، وارحم الغني كما ترحم الفقير، وارحم المعافى كما ترمم المبتلى، وارحم القوي كما ترحم الضعيف، وارحم الجاهل ما ترحم الحليم. وعن كعب قال: إن الرب عز وجل قال لموسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلاً فقلت: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين؛ يا موسى، إنك لن تقرب إلي بعمل من أعمال البر خير لك من الرضا بقضائي، ولن تأتي بعمل أحبط لحسناتك من البطر، وإياك والتضرع لأبناء الدنيا إذا أعرض عنك، وإياك أن تجود بدينك لدنياهم، إذاً أمر أبواب رحمتي أن تغلق دونك؛ أذن الفقراء وقرب مجالسهم منك، ولا تركن إلى حب الدنيا فإنك لن تلقاني بكبيرة من الكبائر أضر عليك من الركون إلى الدنيا. يا موسى، قل للمذنبين النادمين أبشروا، وقل للغافلين المعجبين اخسؤوا. وعن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال موسى: يا رب! وددت أني أعلم من يحبك من عبادك فأحبه. قال: إذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك فأنا أحبه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجبته عن ذلك وأنا أبغضه. وعن أبي عمران الجوني قال: أوحى الله تعالى إلى موسى: يا موسى! اذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك من ذكري،

وكن عند ذكري خاشعاً مطيعاً - زاد في آخر: وإذا دعوتني فاجعل لسانك من وراء قلبك - وإذا كنت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجني حين تناجيني بقلب وجل، ولسان صادق. وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كان فيما أعطى الله موسى في الألواح اشكر لي ولوالديك أقك المتالف، وأنسئ لك في عمرك، وأحييك حياة طيبة، وأقلبك إلى خير منها. وعن أبي الجلد قال: قرأت في مسألة موسى أنه قال: كيف لي أن أشكرك؟ وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله. فأتاه الوحي أن يا موسى الآن شكرتني. وفي رواية قال: يا رب! كيف أشكرك وكل ما بي فهو منك!؟ قال الله له: يا موسى! إن شكري أن تعلم انه مني. وعن عبد الله بن سلام قال: قال موسى: يا رب! ما الشكر الذي ينبغي لك؟ قال: فأوحى الله عز وجل إليه أن لا يزال لسانك رطباً من ذكري. قال: يا رب! إني أكون على حال أجلك أن أذكرك فيها: يا رب! فما أقول؟ قال: تقول سبحانك وبحمدك جنبني الأذى، سبحانك وبحمدك قني الأذى. وعن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب! قد أنعمت علي كثيراً فدلني أن أشكرك كثيراً، قال: اذكرني كثيراً، فإذا ذكرتني فقد شكرتني كثيراً، وإذا نسيتني فقد كفرتني. وعن عطاء قال: قال موسى: يا رب! أوصني. قال: أوصيك بي. قال: يا رب! أوصني قال:

أوصيك بي. قال: يا رب! أوصني. قال: أوصيك بأبيك. قال: يا رب! أوصيني قال: أوصيك بأمك. قال: يا رب! أوصني، قال: أوصيك بابنك. قال عطاء: فجعلت ثلثي بره لأمه وثلثاً لأبيه. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال موسى: رب! أرني متى تحبني ومتى تبغضني؟ واجعل لي في ذلك علماً أعرفه. قال: يا موسى! إن آية ما أحبك أنك إذا أردت الخير يسرتك له ويسرته لك، وإذا أردت الشر حلت بينك وبينه، وآية ما أبغضك أنك إذا أردت الخير صرفتك عنه وصرفته عنك، وإذا أردت الشر خليت بينك وبينه. قال: رب! فمتى تحبنا عامة، ومتى تبغضنا عامة؟ قال: آية ما أحبكم عامة أن أنزل عليكم المطر لحينه، وأولي عليكم خياركم؛ وآية ما أبغضكم عامة أن أنزل عليكم المطر لغير حينه، وأولي عليكم شراركم. قال: رب! أي الأعمال أحب إليك أن أعمل لك به؟ قال: تعبدني ولا تشرك بي شيئاً. قال: رب! ثم مه؟ فأعادها عليه مرة أخرى قال: ثم مه؟ قال: ثم عليك بأمك - ثلاثاً - ثم بأبيك. قال: رب! فأي الدعاء أحب إليك أن أدعوك به؟ قال: تحمدني على كل حال، وتشكر نعمتي وحسن ملئي إياك، وتسألني من الخير كله، وتستعذ بي من الشر كله، فإني على كل شيء قدير وليكن مما تستعيذني منه الجار المؤذي وصاحب الغفلة الذي إذا نسيت لم يذكرك، وإذا ذكرت لم يعنك. وعن مكحول قال: أوحى الله إلى موسى: اغسل قلبك. قال: يا رب! بأي شيء أغسله؟ قال: اغسله بالهم والحزن. وعن الحسن أن موسى سأل ربه جماعاً من الخير فقال: اصحب الناس بما تحب أن تصحب به.

وعن عبد الله بن أبي عوف قال: قال موسى: كيف يحبني خلقك كلهم؟ قال: خالق الناس بأخلاقهم، وأحسن فيما بيني وبينك. وعن سفيان قال: سأل موسى ربه فقال: يا رب! ما أعددت أوليائك؟ قال: يا موسى! غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، ففيها ما لا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر. قال سفيان: ونحن ترى أنها جنة عدن، لأنه لم يخلق بيده من الجنان شيئاً غيرها. وعن كعب الأحبار قال: أوحى الله تعالى إلى موسى في بعض ما أوحى إليه: يا موسى! لولا من يحمدني ما أنزلت من السماء قطرة، ولا أنبت من الأرض ورقة؛ لولا من يعبدني ما أهملت من يعصيني طرفة عين؛ يا موسى! إذا لقيت المساكين فسائلهم كما تسائل الأغنياء، فإن لم تفعل ذلك فاجعل كل شيء علمت - أو قال عملت - تحت التراب؛ يا موسى! أتحب أن لا ينالك من عطش يوم القيامة؟ قال: إليه! نعم. قال: فأكثر الصلاة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن المنهال بن خليفة قال: قال موسى: يا رب! إن نزلت بي حاجة فإلى من؟ قال: إلى النجباء من خلقي. وعن سفيان الثوري قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى بن عمران: يابن عمران! لأن تجعل يدك في فم تنين إلى المرفق خير لك من أن تسأل غنياً - كان فقيراً - حاجة. قال كعب الأحبار: في كتاب الله الذي أنزل على موسى: احفظ ود أبيك، لا تجفه فيطفئ الله نورك. وعن عبد الله بن عمرو قال: أوحى الله إلى موسى: أنا قاتل القتالين ومفقر الزناة.

وكان رجل يخدم موسى ويتعلم منه فاستأذنه أن يرجع إلى قريته ثم يعود إليه فأذن له، فانطلق، فجعل يقول: حدثني موسى نجي الله بكذا، حدثني موسى كليم الله بكذا. حتى كثر ماله، وجعل موسى يسأل عنه فلا يخبر عنه بشيء، فبينما موسى قاعد إذ مر به رجل يقود خرزاً، في عنقه حبل - والخرز: الأرنب الذكر - فقال: يا عبد الله! من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من قرية كذا وكذا، من قرية الرجل. قال: فتعرف فلاناً؟ قال: نعم، هو هذا الذي في يدي. قال موسى يا رب! رده إلى حاله حتى أسأله فيما صنعت به هذا؟ فأوحى الله إلي: لو سألني الذي سألتني آدم فمن دونه من البشر حتى تبلغ محمداً لم أرده إلى حاله، وإنما صنعت هذا لأنه كان يطلب الدنيا بالدين. وعن محمد بن مهاجر القاري قال: مر موسى برجل رافع يديه يدعو، فقال موسى: يا رب! عبدك يدعوك، فاستجب له، افعل به. قال: فأوحى الله إليه: يا موسى! لو رفع يديه حتى تنقطعا من آباطهما ما استجبت له حتى يرد غربالي التبن اللذين غصبهما. أوحى الله تعالى إلى موسى: كن يقظاناً مرتاداً لنفسك أخذاناً، وكل خدن لا يواتيك على مسرتي فلا تصحبنه، فإنه عدوي وأكثر من ذكري حتى تستكمل الشكر فستوجب المزيد. أوحى الله إلى موسى بن عمران: إن أول من مات إبليس، وذلك أنه أول من عصاني، وإنما أعد من عصاني من الموتى. وعن وهب قال: أوحى الله إلى موسى: إني رزقت الأحمق ليعلم العاقل أن الرزق ليس باحتيال. وعن محمد بن كعب في قول الله تعالى " واختار موسى قومه سبعين رجلاً " قال: اختار صالحيهم

سبعين رجلاً، ثم خرج بهم فقالوا: أين تذهب بنا؟ قال: أذهب بكم إلى ربي، وعدني أن ينزل علي التوراة. قالوا: فلا نؤمن بها حتى ننظر إليه. فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، فبقي موسى قائماً بين أظهرهم ليس معه منهم أحد " قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " ماذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وليس معي رجل ممن خرج معي؟ ثم قرأ: " ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " فقالوا: " هدنا إليك ". قال: فبهذا تعلقت اليهود، فتهودت بهذه الكملة. وقوله تعالى: " فاقتلوا أنفسكم " قال: قام بعضهم إلى بعض بالخناجر، فقتل بعضهم بعضاً، لا يحمي الرجل على قريب ولا بعيد، حتى لوى موسى عليه السلام بثوبه، فألقوا ما بأيدهم فكشفوا عن سبعين ألف قتيل، وإن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى أن حسبي فقد اكتفيت. زاد في حديث آخر: فكانت شهادة للمقتول وتوبة للحي. وفي حديث: فأحزن موسى وبني إسرائيل الذي كان من القتل، فاوحى الله إلى موسى: ما يحزنك؟ أما من قتل منهم فحي عندي يرزق، وأما من بقي فقد قبلت توبته. فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان أول شأن موسى نسياناً، والثانية عذراً، والثالثة فراق ما بينهما؛ ولو صبر موسى لقص الله علينا من شأنهما أكثر مما قص. وعن محمد بن كعب أن موسى ثقل عليه أمر بني إسرائيل، واشتد عليه بعض المؤنة منهم فقال له رجل:

يا نبي الله! ألا أدلك على شيء يخفف عنك أمر بني إسرائيل؟ فقال: بلى. قال: إن نبي إسرائيل اثنا عشر سبطاً، فاختر من كل سبط رجلاً فاجعله عليهم، ثم ميز من كل سبط ألفاً، فاختر من كل ألف رجلاً فاجعله عليهم فما كان بين المئة من خصومه نظر فيه صاحبهم، فإذا أشكل عليه، رفعه إلى صاحب الألف، فإن اشكل عليه رفعه إلى صاحب السبط، فإن أشكل على صاحب السبط رفعه إليك، فإنه قليل ما يأتيك من ذلك. ففعل موسى، فخف عليه شأن الناس، فقال موسى: رب! كلمني وناجني واصطفني لنفسك مثل ثم كان من خلقك من هو أعلم مني. فبعث الله طيراً إلى بحر، فشرب منه ثم قال: يا موسى! ما تقول هذا الطير نقص من هذا النهر؟ قال: لا ينقص، وماذا ينقص يا رب؟ طير وضعت خراطيمها في نهر منه! قال الله: فكما لم ينقص هذا الطير من هذا النهر شيئاً فكذلك لا ينقص ما علمتك من علمي شيئاً. قال موسى: فدلني يا رب على عبد لك أعلم مني حتى أتبعه، فألتمس من علمه. فقال الله له: خذ هذا الحوت، اذهب حيث فارقك هذا الحوت فستجد من هو أعلم منك، فخرج موسى لفتاه: " آتنا غذاءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " قال: فزع الفتى حين لم يجد الحوت وكان يتعاهده " قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فاتخذ سبيله في البحر عجبا "، قال له موسى: " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً " فلقي رجلاً قال له موسى: السلام عليك. فقال له الرجل أنى السلام بهذه الأرض؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال فابتدأه الرجل بعلم من علم الغيب قال: نبي بني إسرائيل؟ قال له موسى: نعم. قال له الرجل: إن كنت

لأتوجع لك مما كنت تلقى من فرعون " قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً، قال إنك لن تستطيع معي صبراً، وكيف نصبر على ما لم تحط به خبراً " ثم تلا الآية حتى فرغ. قال عمر بن الخطاب - ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثهم بهذا الحديث حتى فزع من القصة -: يرحم الله موسى، وددت لو أنه صبر حتى يقص علينا أيضاً من حديثهما. وعن أبي هريرة قال: قال رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: هل يصلي ربك؟ فتكابد - أو تكابر - موسى عليه السلام فقال الله عز وجل له: ما قالوا لك يا موسى؟ قال: قالوا الذي سمعت. قال: فأخبرهم أني أصلي، وأن صلاتي تطفئ غضبي. وفي حديث آخر: إن صلاتي على عبادي أن تسبق رحمتي غضبي، لولا ذلك لأهلكتهم. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكي موسى على المنبر قال: وقع في نفس موسى هل ينام الله تعالى وتقدس؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأرقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين، في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بها فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقط فيحبس إحداهما عن الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان. قال: ضرب له مثلاً أن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض. وعن راشد بن سعد قال: إن موسى لما قدم على قومه ووعد قومه أربعين ليلة قال الله: يا موسى! إن قومك قد افتتنوا من بعدك. قال: يا رب، كيف يفتتنون وقد نجيتهم من فرعون، ونجيتهم من البحر، وأنعمت عليهم وفعلت بهم! قال: يا موسى! اتخذوا بعدك عجلاً له خوار.

قال: يا رب! فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا. قال: فأنت أضللتهم. قال: يا موسى! يا رأس النبيين يا أبا الأحكام! إني رأيت ذلك في قلوبهم، فيسرته لهم. وعن وهب أنه كان يذكر من كرامة موسى على الله أن بني إسرائيل لما كثروا عليه أوحى الله إلى ألف - أو قال: سبعين نبي - يكونون أعواناً له، فلما مال إليهم الناس ورجعوا عن موسى كأنه وجد في نفسه غيرة، فأماتهم الله في يوم واحد. وعن نوف أن طول سرير عوج الذي قتله موسى ثمان مئة ذراع، وعرضه أربع مئة ذراع، وكان موسى عشرة أذرع، وعصاه عشرة أذرع، ووثبته حين وثب ثمانية - وقيل عشرة - أذرع، فضربه فأصاب كعبه فخر على نيل مصر فجسره للناس عاماً يمرون على صلبه وأضلاعه. وعن زيد بن أسلم قال: كان موسى بن عمران إذا غضب اشتعلت النار في قلنسوته. وعن ابن عباس في قوله تعالى: " إنا لن ندخلها أبداً ما داموا " إلى قوله " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " قال: لا تأس على من سميت أنه فاسق. قال ابن عباس: كانت طيرة من موسى حين قال " الفاسقين " وقال لهم: يا حمير! فقال الله عز وجل: مه عن عبادي. وعن ابن عباس قال: غضب موسى على قومه في بعض ما كانوا يسألونه، فلما نزل الحجر قال: اشربوا يا حمير! فأوحى الله إليه: أتعمد إلى عبيد من عبادي فتقول لهم يا حمير!؟ قال: فما برح موسى حتى أصابته عقوبة. كان شاب في بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام باراً بأمه عابداً يصلي ثلث

الليل، وينام الليل، ويجلس ثلث الليل عند رأس أمه، يلقنها التسبيح والتهليل، فإذا أصبح خرج إلى البرية فيحتطب ثم يدخله محلة بني إسرائيل فيبيعه ويتصدق بثلثه، ويشتري بثلثه طعاماً يكفيه وأمه يومهما، ثم يأتي بالثلث الثالث إلى أمه فتصدق به، فغبر بذلك ما شاء الله، ثم قالت له أمه ذات يوم: أي بني! إن لي بقرة ورثتها عن أبي، وإني أرسلها في البرية ترعى، ويحفظها علي إله بني إسرائيل، فاذهب في طلبها. فذهب الفتى في طلبها، ووصفتها له، وأوعزت إليه أن لا يركبها ولا يحدث فيها أمراً. وقيل: إن تلك البقرة، كانت لغلام يتيم وهي التي وصفها الله في كتابه. ولما أن أصاب الفتى البقرة ناداها فقال: أيتها البقرة! أسألك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب لما ابتعتني. فاتبعه، فتكلمت البقرة بإذن الله فقالت: يا فتى! لو سألت الله ربك أن يسير معك الجبال لفعل، لبرك بأمك ولطواعيتك لها. فمضى بالبقرة، فتعرض له إبليس لعنه الله ليركبها ويعصي أمه، فأبى، فلما عصمه الله من معصية أمه عرض له إبليس ليخدعه عنها فيشتريها منه، فسأله أن يبيعها منه يعطيه ما سأل، فأبى، فجاء بها إلى أمه، فقالت: يا بني! اذهب بها فبعها. قال: بكم؟ قالت: بستة دنانير على رضاي. فقبض الله له ملكاً أعطاه بها اثني عشر ديناراً على أن لا يستأمر أمه، فأبى، فردها إلى أمه فأخبرها الخبر، فقالت: اذهب فبعها باثني عشر ديناراً على أن تستأمرني فيها، فانطلق بها إلى السوق، فجاءه الملك فأعطاه أربعة وعشرين ديناراً على أن لا يسامر أمه، فأبى فقال: لو أعطيتني ملء مسكها ذهباً ما بعناكها إلا برضا أمي. فقال له الملك: إنك لا تبيعها حتى تعطي ملء مسكها ذهباً لبرك بأمك وطواعيتك لها - ونظر الملك خير للفتى - فقال: حتى قتل رجل في بني إسرائيل؛ وذلك أنه كان رجلاً فيهم كثير المال، لم يكن له ولد، عمد أخوان من بني إسرائيل وهما ابنا أخيه فقتلاه كي يرثانه، فألقياه إلى جانب قرية أهلها براء منه، فأصبح القتبل بين أظهرهم، فأخذوا به فعمي عليهم شأنه ومن قتله؛ قال أهل القرية الذين وجد القتيل عندهم لموسى: ادع

الله يا رسول الله لنا أن يطلعك على قاتل هذا. قال: أفعل. ففعل. قالوا له: ماذا أجابك ربك؟ قال: " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " فتضربوه ببعضها فيعيش فيخبركم من قتله إن شاء الله. فظنوا أن موسى استهزأ بهم " قالوا " يا موسى " أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال " فدعا ربه فقال " إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان " يعني لا هرمة ولا بكر عوان " بين ذلك " يعني نصف بين البكر والهرمة " فافعلوا ما تؤمرون " ثم " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين " يعني أنها صفراء الظلف والقرنين " لا شية فيها " يقول: لا وضح فيها " قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقرة تشابه علينا ". قال ابن عباس: فلو أنهم عمدوا إلى بقرة لا صغيرة ولا كبيرة فذبحوها لأجزت عنهم، ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. قال ابن عباس: كانت مدينتان في بني إسرائيل، إحداهما حصينة ولها أبواب، والأخرى خربة، فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها، وإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا أهل حدث فيما حولها حدث؟ فأصبحوا يوماً، فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم، فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا: قتلتم صاحبنا، وابن أخ له شاب يبكي عنده ويقول: قتلتم عمي. قالوا والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها، وما ندينا من دم صاحبكم هذا بشيء. فأتوا موسى، فأوحى الله إلى موسى " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " إلى قوله " فذبحوها وما كادوا يفعلون ".

وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له، وكان له أب شيخ كبير، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده، فأعطاه بها ثمناً، فانطلق معه ليفتح حانوته، فيعطيه الذي طلب، والمفتاح مع أبيه، فإذا أبوه نائم في ظل الحائط فقال: أيقظه. فقال: إني أكره أن أروعه من نومه، فانصرفا، فأعطاه ضعف ما أعطاه، فعطف على أبيه، فإذا هو أشد ما كان نوماً. فقال: أيقظه. قال: لا والله لا أوقظه أبداً ولا أروعه من نومته. قال: فلما انصرف وذهب طالب السلعة استيقظ الشيخ فقال له ابنه: يا أبتاه! لقد جاء ها هنا رجل يطلب سلعة كذا وكذا فكرهت أن أروعك من نومك. فلامه الشيخ، فعوضه الله من بره بوالده إذ نتجت بقرة من بقرة تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل، فأتوه فقالوا: بعناها. فقال: لا أبيعكموها. قالوا: نأخذها منك. قال: إن غصبتموني سلعتي فأنتم أعلم. فأتوا موسى فقال: اذهبوا فأرضوه من سلعته. فقالوا: فقالوا: حكمك. قال: حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان وتضعوا ذهباً صامتاً في الكفة الأخرى، فإذا مال الذهب أخذته. ففعلوا، أقبلوا بالبقرة إلى قبر الشيخ وهو بين المدينتين، واجتمع أهل المدينتين، وابن أخيه عند قبره يبكي، فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه يقول: قتلني ابن أخي، طال عليه عمري فأراد أخذ مالي. ومات. وقيل: إنهم اشتروا البقرة بملء جلدها إذا سلخت ذهباً قباعها إياهم، فذبحوها ثم قالوا: قد ذبحناها يا موسى! قال: فخذوا عضواً منها فاضربوه به. قال الحسن: أخذوا عضد البقرة فضربوه فقام وأوداجه تشخب دماً، فسألوه: من قتلك؟ فقال: فلان وفلان ابنا أخيه فمات. وقيل: إنهم أعطوه ملء مسكها ذهباً من مال القتيل، فاستغلق المال كله، فحرمهم الله ميراثه فجرت السنة بهن لا يرث وارث إن قتل. فقال ابنا أخيه: ما قال إنا قتلناه. فأنزل الله على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخير ما قالوا وما كان من أمرهم. فقال " وإذ قتلتم نفساً " إلى قوله " لعلكم تعقلون "، ونزلت فيما قالا: ما قال إنا قتلناه " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة " يعني من بعد ما رأيتم العبرة فهي " أشد قسوة " من الحجارة.

وعن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لقد مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبياً، منهم موسى نبي الله، حفاة عليهم العباء، يؤمون بيت الله العتيق. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً، منهم موسى - أو فيهم موسى - فكأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان وهو محرم على بعير من إبل شنوءة، مخطوم الخطام من ليف، وله ضفران. وعن ابن عباس قال: حج موسى على ثور أحمر، عليه قطوانية. وعن انس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا من الصلاة على موسى، ما رأيت أحداً من الأنبياء أحوط على أمتي منه. وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: في قوله " فلا تكن في مرية من لقائه "، قال: لقاء موسى ربه " وجعلناه هدى لنبي إسرائيل " قال موسى: هدى لبني إسرائيل. وعن زيد بن أسلم في قوله: " رسول كريم " قال موسى عليه السلام. وعن أبي هريرة وغيره في هذه الآية: " لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبراه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ".

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يكاد يرى من جلده شيء استحياء، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا: ما يستر هذا الستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أدرة، وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا. وإن موسى خلا يوماً وحده فوضع ثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر وجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! إلى أن انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً كأحسن الرجال خلقاً فبرؤوه مما قالوا، وإن الحجر قام، فأخذ بثوبه فلبسه، فطفق بالحجر ضرباً. قال: فوالله إن في الحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً. وفي رواية: أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة فينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى يغتسل وحده. الحديث. وفيه حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس. وفي حديث آخر: فنظروا إلى أحسن الناس خلقاً، وأعدل صورة. قال الملأ: قاتل الله أفاكي بني إسرائيل، فكانت براءته التي برأه الله بها. وروي عن علي رضي الله عنه في هذه الآية، قال: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، وقال بنو إسرائيل: أنت قتلته، كان أشد حباً لنا منك، وألين منك. فآذوه بذلك، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته، حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات. فبرأه الله من ذلك، فانطلقوا به ودفنوه. فلم يطلع على قبره أحد من خلق الله إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم.

وعن الحسن: أن موسى لما حضرته الوفاة، كان جالساً يقضي بين بني إسرائيل إذ نظر إلى رجل بينهم أنكره، فاشرأب مكانه، فلما رآه قام ودخل على أمه حبوراً، فقالت له: يا بني! إن هذه الساعة ما كنت تقومها فما الذي أعجلك؟ وكان نبي الله موسى إذا رأى شيئاً من بني إسرائيل يكرهه دخل على أمه فأخبرها، فقالت: هل رأيت شيئاً من بني إسرائيل تكرهه؟ قال: لا، ولكن رأيت رجلاً أنكرته، فجعلت أنظر إليه فأراه على حاله فقمت، فقالت: وما الذي ظننت؟ قال: ملك الموت جاء يقبضني. فقالت: يا بني! أفلا حققت ذلك؟ أفلا حققت ذلك؟ قال: ما فعلت. قال: فخرج موسى، فوجده على بابه. فقال: من أنت يا عبد الله؟ قال: أنا ملك الموت بعثت إليك لأقبض روحك، وأمرت بطاعتك في نفسك. قال: فهل تراجع الله في؟ قال: نعم إن شئت. قال: ثم مه؟ قال: ثم الموت. وقال مكحول: إن ملك الموت راجع ربه في موسى، فقال الله عز وجل: قل لموسى إن شئت أمهلتك عدد النجوم في السماء، وإن شئت فاضرب بيديك على مسك ثور، فما وارتا من شعره عددتها فأحييت بعددها سنين. قال: فجاءه ملك الموت فأبلغه، فقال له موسى: ثم مه؟ قال: ثم الموت، قال: ما منه بد؟ قال: لا. قال: فامض لما أمرت به، ولكن دعني فأدخل إلى أمي فأسلم عليها، وعلى زوجتي وولدي فأودعهم، قال: نعم. فدخل على أمه فأكب عليها يقبلها ويقول: يا أمتاه! قد كبرت السن، ودنا الأجل، وقد أحببت لقاء ربي، فبكت وبكى وأوصاها وعزاها، وأكب على زوجته اصفورا، فسلم عليها ثم قال: نعمة الشريكة كنت! فأوصاها، وودعها، وودع ولده وأوصاهم، فقالت زوجته: ادعو الله أن يجعلني زوجتك في الجنة. فقال: على أن لا تصغي ثوباً

حتى ترقعيه، وتدخري طعاماً لشهر. قالت: أفعل. وكانت بعد موسى تلتقط السنبل من وراء الحاصدين، وكانوا يطرحون لها الحبوب، ويحبون أن تأخذ شيئاً صالحاً، وإذا رأت ذلك وعرفت أنهم قد عرفوها تركتهم، ولحقت بمكان آخر حتى ماتت رحمها الله. ولما احتضر موسى قالت له امرأته: إني معك منذ أربعين سنة فمتعني من وجهك بنظرة، قال: وكان على وجه موسى البرقع لما غشي وجهه من نور العرش يوم تجلى ربه للجبل، فكان إذا كشف عن وجهه عشيت الأبصار، فكشف لها عن وجهه فعشي بصرها فقالت: سل الله أن يزوجنيك في الجنة. قال: إن أحببت ذلك فلا تزوجي بعدي، ولا تأكلي إلا من رشح جبينك. قال: فكانت تبرقع بعده، تتبع اللقاط. الحديث. وقالت الصفراء امرأة موسى لموسى: بأبي أنت وأمي أنا أيم منك منذ كلمك ربك. وكان موسى لم يأت الناس منذ كلمه ربه، وكان قد ألبس على وجهه حريرة أو برقع وكان أحد لا ينظر إليه إلا مات فكشف لها عن وجهه، فأخذها من غشيه مثل شعاع الشمس، فوضعت يدها على وجهها وخرت لله تعالى ساجدة، فقالت: ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة قال: ذاك إن لم تزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها. قالت: فأوصني، قال: لا تسألي الناس شيئاً. ولما نزل بموسى الموت جزع، ثم قال: إني لست أجزع للموت، ولكني أجزع أن ييبس لساني عن ذكر الله عند الموت. قال: وكان لموسى ثلاث بنات فقال: يا بناتي! إن بني إسرائيل سيعرضون عليكن الدنيا فلا تقبلن، والقطن هذا السنبل فافركنه وكلنه وتبلغن به إلى الجنة. ولما ودع موسى أمه وولده وأهله أرسل إلى يوشع فاستخلفه على الناس وخرج إلى ملك الموت، فقال له ملك الموت: يا موسى! ما بد من الموت قال له موسى: فأمض أمر الله في. قال: فخرجا من القرية فإذا هما بجبريل وميكائيل وإسرافيل قيام ينتظرونهما،

فمشوا جميعاً حتى مروا بقبر عنده قوم، عليهم العمائم البيض، فلما كانوا منهم قريباً نفحت عليهم رائحة المسك فقال موسى: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا: لعبد يحبه الله ويحب الله. فقال: هل أنتم تاركي أنزل هذا القبر فأنظر إليه؟ قالوا: نعم. فلما نزل فرجت له من القبر فرجة إلى الجنة، فجاءه من روحها وريحانها، فاضطجع موسى في القبر ثم قال: اللهم اجعلني ذلك العبد الذي تحبه ويحبك. فقبض ملك الموت روحه ثم تقدم جبريل فصلى عليه ثم أهالوا عليه ما أخرج من القبر. وعن ابن عباس أن موسى كان يستظل في عريش ويأكل ويشرب في نقير حجر، وإذا أراد أن يشرب كرع كما تكرع الدابة تواضعاً لله، وكان يلبس الصوف، فخرج ذات يوم من عريشه ليقضي حاجته لا يعلم به أحد من خلق الله، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبراً، فأقبل إليهم حتى وقف عليهم، فإذا هم يحفرون قبراً لم ير قط شيء أحسن منه، ورأى فيه خضرة وحسناً فقال لهم: يا ملائكة الله! لمن هذا القبر؟ قالوا: لعبد كريم على الله. قال: ما رأيت مضجعاً أحسن منه. قالت له الملائكة: يا صفي الله! تحب أن يكون لك هذا القبر؟ قال: وددت ذلك. قالوا: فنزل فاضجع وتوجه إلى ربك ثم تنفس أسهل نفس تنفسته قط. فنزل فاضجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس، فقبض الله روحه فسوت عليه الملائكة. علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في نصف ذي القعدة المبارك سنة أربع وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله صحبهوسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل

تتمة أخبار موسى عليه السلام قال وهب بن منبه: قام موسى فلما رأته بنو إسرائيل قامت إليه، فأما إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، فذهب حتى جاء الطور، فإذا هو بنهر أبيض فيه مثل رؤوس الكباش، كافور محفوف بالرياحين، فلما أعجبه ذلك وثب فيه فاغتسل وغسل ثوبه، ثم خرج وجفف ثيابه، ثم رجع إلى الماء فاستنقع فيه حتى جفت ثيابه، فلبسها؛ ثم أخذ نحو الكثيب الأحمر الذي هو فوق الطور، فإذا هو برجلين يحفران قبراً، فقام عليهما فقال: ألا أعينكما؟ قالا: بلى. فنزل يحفره فقال: لتحدثاني مثل من الرجل؟ فقالا: على طولك، فاضطجع فيه، فالتأمت عليه الأرض، فلم ينظر إلى قبر ينظر إلى قبر موسى إلا الرحمة فإن الله أصمها وأبكمها. وعن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكه، ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله عليه عينه، فقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله ما غطت يده، بكل شعرة سنة. فقال: أي رب! ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. قال: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق بجنب الكثيب الأحمر. وفي حديث آخر: أن موسى عرف ملك الموت، فلطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه مغاضباً، فقال: يا رب! أما ترى ما صنع بي موسى؟ ولولا منزلته منك لقبضته قبضاً عنيفاً. فقيل له: إنه ليس كذلك، ولكن ادخل إليه فخيره بين أن يضع يده على متن ثور أسود فله بكل شعرة تحت يده مدة سنة. الحديث.

قال أبو سليمان الخطابي: هذا حديث يطعن فيه الملحدون وأهل البدع ويغمزون به في رواته، ويقولون: كيف يجوز أن يفعل نبي الله موسى هذا الصنيع بملك من ملائكة الله، جاءه بأمر من أمره فيستعصي عليه ولا يأتمر له؟ وكيف تصل يده إلى الملك، ويخلص إليه صكه ولطمه؟ وكيف ينهنهه الملك المأمور بقبض روحه فلا يمضي أمر الله فيه؟ هذه الأمور خارجة عن المعقول مستحيلة من كل وجه. والجواب: أن من اعتبر هذه الأمور بما جرى به عرف البشر، واستمرت عليه عادات طباعهم، فإنه يسرع إلى استنكارها والارتياب بها لخروجها عن سوم طباع البشر، وعن سنن عاداتهم إلا أنه أمر مصدره عن قدرة الله سبحانه الذي لا يعجزه شيء، ولا يتعذر عليه أمر، وإنما هو محاولة بين ملك كريم ونبي كليم، وكل واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوام البشر ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص به من أثرة الله، واختصاصه إياه، فالمطالبة بالتسوية بينهما وبينهم فيما تنازعاه من هذا الشأن حتى يكون ذلك على أحكام طباع الآدميين وقياس أحوالهم غير واجب في حق النظر، ولله عز وجل لطائف وخصائص يخص بها من يشاء من أنبيائه وأوليائه، ويفردهم بحكمها دون سائر خلقه. وقد أعطى موسى - صلوات الله عليه - النبوة، واصطفاه بمناجاته وكلامه، وأمده حين أرسله إلى فرعون بالمعجزات الباهرة، كالعصا واليد البيضاء، وسخر له البحر فصار طريقاً يبساً جاز عليه قومه وأولياؤه، وغرق فيه خصمه وأعداؤه. وهذه أمور أكرمه الله بها وأفرده بالاختصاص بها أيام حياته، ومدة بقائه في دار الدنيا، ثم إنه لما دنا حين وفاته، وهو بشر يكره الموت طبعاً، ويجد ألمه حساً، لطف به بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه قهراً وقسراً، لكن أرسله إليه منذراً بالموت،

وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشر، فلما رآه موسى استنكر شأنه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه المركبة في الصورة البشرية التي جاء فيها، دون الصورة الملكية التي هو مجبول الخلقة عليها، ومثل هذه الأمور مما تعلل به طباع البشر، وتطيب به نفوسهم في المكروه الذي هو واقع بهم، فإنه لا شيء أشفى للنفس من الانتقام ممن يكيدها ويريدها بسوء. وقد كان من طبع موسى فيما دل عليه القرآن حمأ وحدة، وقص القرآن من وكزه القبطي الذي قضى عليه، وما كان من غضبه وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، وقد روي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً. وقد جرت سنة الدين بحفظ النفس دفع الضرر عنها. ومن شريعة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سنه فيمن اطلع على محرم قوم، من عقوبته في عينه فقال: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه. ولما نظر نبي الله موسى - صلى الله على نبينا وعليه - إلى صورة بشرية هجمت عليه من غير إذن، تريد نفسه وتقصد هلاكه، وهو لا يثبته معرفة، ولا يستيقن أنه ملك الموت ورسول رب العالمين فيما يراوده منه، عمد إلى دفعه عن نفسه بيده وبطشه، فكان في ذلك ذهاب عينه. فقد امتحن غير واحد من الأنبياء - صلوات الله على نبينا وعليهم - بدخول الملائكة عليهم في صورة البشر، كدخول الملكين على داود عله السلام في صورة الخصمين، لما أراد الله من تقريعه إياه بذنبه، وكدخولهم على إبراهيم عليه السلام حين أراوا إهلاك قوم لوط، فقال: " قوم منكرون " وقال: " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خفية ". وكان نبينا صولات الله عليه وسلامه أول ما بدئ بالوحي يأتيه الملك فيلتبس عليه أمره. ولما جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة رجل فسأله عن الإيمان لم يتبينه، فلما انصرف عنه تبين أمره فقال: هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر يدنكم. وكذلك

كان أمر موسى فيما جرى من مناوشة ملك الموت، وهو يراه بشراً، فلما عاد الملك إلى ربه مستثبتاً أمره فيما جرى عليه رد الله عليه عينه، وأعاده رسولاً إليه ليعلم نبي الله صوات الله عليه إذا رأى صحة عينه المفقوءة وعود بصره الذاهب أنه رسول الله، بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكل ذلك رفق من الله به، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه والانقياد لقضائه. قال: وما أشبه معنى قوله: ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، بترديده رسوله، ملك الموت، إلى نبيه موسى عليه السلام فيما كرهه من نزول الموت به لطفاً منه بصفيه وعطفاً عليه، والتردد على الله تعالى وتقدس غير جائز، من رسول أو شيء غيره كما شاء سبحانه، تنزه عن صفات المخلوقين، وتعالى عن نعوت المربوبين الذين يعتريهم في أمورهم الندم والبداء، وتختلف بهم العزائم والآراء " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ". قال الحسن: مات موسى عليه السلام، فلم يدر أحد من بني إسرائيل أين قبره، وأين توجه، فماج الناس في أمره فقالوا: ما نرى رسول الله رجع، ورأوه حين خرج، فلبثوا بذلك ثلاثة أيام لا ينامون الليل، يموج بعضهم في بعض، فلما كان بعد ثالثة غشيتهم سحابة على قدر محلة بني إسرائيل، وسمعوا فيها منادياً ينادي، يقول بأعلى صوته: مات موسى وأي نفس لا تموت، يكرر ذلك القول حتى فهمه الناس، فعلموا أنه قد مات، فلم يعرف أحد من الخلائق أين قبره. قالوا: وما اطلع أحد على قبر موسى إلا الرخمة، فنزع الله عقلها لكيلا تدل عليه.

قال الحسن: لو علم بنو إسرائيل قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله. قال: ومات موسى وهو ابن مئة وعشرين سنة، ومات هارون وهو ابن مئة وثمان عشرة سنة، لأنه كان أكبر من موسى بسنة، ومات قبل موسى بثلاث سنين. قال: وفي التوراة مكتوب: مات موسى كليم الله، فمن ذا الذي لا يموت؟ قال كعب: قبر موسى بدمشق. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مررت بموسى ليلة أسري بي، وهو قائم يصلي في قبره بين عالية وعويلة. قال: هما اللتان عند مسجد القدم. وقيل: إن عالية المعرفة، وعويلة عند كنيسة توما. وفي رواية: بين عالية وجرهم. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً. وعن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتيت على موسى ليلة أسري بي عن الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره. وفي رواية: مررت بأخي موسى وهو قائم يصلي في قبره. وقيل: مات موسى وهو ابن مئة وسبع عشرة سنة، ومات في سبعة أيام من آذار، ودفن في الوادي بأرض مآب.

وعن أبي إسحاق قال: قيل لموسى: كيف وجدت طعم الموت؟ قال: وجدته كسفود أدخل في جزة صوف فامتلخ، قال: يا موسى لقد هونا عليك. /

موسى بن عمران بن موسى بن هلال

موسى بن عمران أبو عمران السلمي الكفرطابي حدث عن أبيه بسنده إلى شداد بن أوس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وإن العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ". موسى بن عمران بن موسى بن هلال أبو عمران السلماسي حدث عن أبي الحسن محمد بن عمار السكسكي بسنده إلى زياد أبي السكن قال: دخلت على أم سلمة، وبيدها مغزل تغزل به، فقلت: كلما أتيتك وجدت في يدك مغزلاً! فقالت له: إنه يطرد الشيطان، ويذهب حديث النفس. وإنه بلغني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أعظمكن أجراً أطولكن طاقة ".

موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص

مات أبو عمران بأشنة سنة ثمانين وثلاث مئة وحمل تابوته إلى سلماس، ودفن فيها. موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي حدث عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نحل والد ولده نحلاً أفضل من أدب حسن ". دخل بنو عمرو بن سعيد على عبد الملك، وهم إسماعيل وسعيد وموسى فسلموا وانصرفوا، فتمثل عبد الملك: " من الطويل " أجامل أقواماً حياء وقد أرى ... صدورهم تغلي علي مراضها وأم موسى وعمران ولدي عمرو عائشة بنت مطيع بن ذي اللحية بن عبد بن عوف. موسى بن عيسى بن موسى بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي العباسي ولي الموسم وإمرة مكة والمدينة واليمن والكوفة ودمشق ومصر للرشيد هارون. قال ابن السماك لموسى بن عيسى: لتواضعك في شرفك أحب إلي من شرفك. قدم هارون الكوفة فعزل شريكاً عن القضاء، وكان موسى بن عيسى والياً على الكوفة، فقال موسى لشريك: ما صنع أمير المؤمنين بأحد ما صنع بك، عزلك عن

موسى بن عيسى بن موسى أبو عيسى

القضاء، فقال له شريك: هم أمراء المؤمنين يعزلون القضاة، ويخلعون ولاة العهود فلا يعاب ذلك عليهم، فقال موسى: ما ظننت أنه مجنون هكذا لا يبالي ما تكلم به. وكان أبوه عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر فخلعه بمال أعطاه إياه، وهو ابن عم أبي جعفر. بينما القاسم بن معن يقضي في دار بالكوفة بين الناس إذ قيل: الأمير وإخوته، يعني موسى بن عيسى، قال: ما له؟ قالوا: يخاصم إخوته، قال: وله رقعة؟ ناد من له حاجة، حتى إذا لم يبق أحد قال: أدخل الأمير وإخوته، قال: فدخل موسى يخطر حتى جلس إلى جانبه، قال: لا، مع خصمائك، يا غلام، ساو بين ركبهم، وأجلسهم بين يديه. قال موسى: ما غاظني أحد غظية، ثم علمت أنه إنما أراد وجه الله عز وجل، فأحببته. توفي موسى بن عيسى سنة ثلاث وثمانين ومئة، وسنه خمس وخمسون سنة. وقيل توفي سنة سبع وثمانين ومئة. موسى بن عيسى بن موسى أبو عيسى القرشي، ويقال: مولى قيس حدث عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه "، فقال أبو ريحانة: والله لقد أمرضني ما حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله إني لأحب الجمال حتى أجعله لشراك نعلي وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ولكن الكبر من سفه الحق وغمض الناس أعمالهم ".

موسى بن فضالة بن إبراهيم بن فضالة

موسى بن فضالة بن إبراهيم بن فضالة القرشي، والد أبي عمرو بن فضالة حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيكو بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القحطاني، فو الله بعث محمداً بالحق ما هو بدونه ". وحدث عن عمرو بن عثمان بسنده إلى سمرة بن جندب أنه قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نطمئن في الصلاة ولا نستوفز. حدث سنة تسع وثمانين ومئتين بحديث ونكره. موسى بن كعب بن عيينة بن عائشة ابن عمرو بن عادية بن الحارث بن امرئ القيس أبو عيينة التميمي أحد نقباء بني العباس الذين اختارهم محمد بن علي بن عبد الله بن عباس من أهل خراسان. ولي إمرة مصر من قبل المنصور، وصرف في سنة إحدى وأربعين ومئة. وكان المنصور حسن الرأي فيه معظماً لقدره.

موسى بن محمد بن عبد الله بن خالد

حدث عن أبيه بسنده إلى خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحرب خدعة ". كان أسيد بن عبد الله البجلي والياً على خراسان، فاتهم موسى بن كعب بأمر المسودة فأمر به فألجم بلجام، ثم كسرت أسنانه، فلما صار الأمر إلى بني هاشم أمالوا على موسى الدنيا، فكان موسى يقول: كان لنا أسنان وليس عندنا خبز، فلما جاء الخبز ذهبت الأسنان. توفي موسى بن كعب سنة إحدى وأربعين ومئة. موسى بن محمد بن عبد الله بن خالد أبو عمران الخياط السامري حدث عن محمد بن حميد بسنده إلى عائشة قالت: لما مرض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرض الذي لم يقم منه قال: " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما سماهم الله الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء ". كان أبو عمران الخياط ثقة. موسى بن محمد بن عطاء بن أيوب ويقال: ابن محمد بن زيد أبو ظاهر الأنصاري، ويقال: القرشي البلقاوي المعروف بالمقدسي حدث عن الوليد بن محمد - يعني الموقري - بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ".

موسى بن محمد بن عمران

قال إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي: جئت أبا الطاهر موسى بن محمد البلقاوي وكان ينزل سيس فقلت له: أمل علي شيئاً من حديثك، فقال: اكتب: حدثني مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى معاوية سفرجلة وقال: " القني بها في الجنة ". قال: فانصرفت فلم أعد إليه. كان أبو طاهر متروك الحديث ليس بثقة. موسى بن محمد بن عمران ابن محمد بن مصعب بن عبد الله بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام القرشي الأسدي الزبيري قاضي بلاد الجزيرة. حدث بسنده عن محمد بن عبد الملك الأسدي: أنه سأل مالك بن أنس عن امرأة أراد أن يتزوجها، وقص خبره وخبرها عليه، فقال مالك: إنها لا تحل لك في هذا الوقت، وأمره بالتربص، فأنشأ يقول: - وكانت تهواه ويهواها - " من الطويل " سأخطبها جهدي وإني لخائف ... لما قال لي خير المدينة مالك يقول وقد حلت تربص وإنما ... تربص مثلي لو علمت المهالك أحرمت تزويج المحبين بينهم ... وأنت امرؤ فيما يرى الناس ناسك

موسى بن محمد بن أبي عوف

وحدث أيضاً بسنده قال: جاء ابن سرحون السلمي إلى مالك بن أنس وأنا عنده فقال: يا أبا عبد الله، إني قلت أبياتاً من الشعر وذكرتك فيها، فاجعلني في حل وسعة، فقال له: أنت في حل مما ذكرتني، وتغير وجهه، وظن أنه هجاه. فقال: إني أحببت أن تسمعها، فقال له مالك: فأنشدني، فأنشده: " من الطويل " سلوا مالك المفتي عن اللهو والصبا ... وحب الحسان الغانيات العواتك ينبئكم أني مصيب وإنما ... أسلي هموم النفس عني بذلك فهل في محب يكتم الناس ما به ... أثام وهل في ضمة المتهالك فسري عن مالك وضحك. وحدث بسنده إلى مالك بن أنس قال: المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن. وحدث بسنده إلى مالك قال: لا خير في جواب قبل فهم. موسى بن محمد بن أبي عوف أبو عمران المزني الصفار حدث عن عون بن سلام بسنده إلى جابر بن سمرة قال: أتي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه.

موسى بن محمد أبو هارون البكاء

وحدث عن يحيى بن بكير بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لكعب: " لعلك آذاك هوامك، احلق رأسك، وافتد بصيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين أو انسك شاة ". وحدث عن عبد الله بن محمد بسنده إلى النعمان بن سعد قال: قال علي: إن في الجنة لسوقاً ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور للرجال والنساء، من اشتهى صورة دخل فيها. توفي موسى بن محمد سنة ثمان وسبعين ومئتين. موسى بن محمد أبو هارون البكاء حدث عن كثير بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بني، أكثر من الدعاء، فإن الدعاء يرد القضاء المبرم ". موسى بن مروان أبو عمران البغدادي نزيل الرقة التمار. حدث عن عطاء بن مسلم الخفاف بسنده عن علي قال شهدت أنا وأبو بكر وعمر بدراً، فكان جبريل عن يميني وميكائيل عن يمين أبي بكر، أو قال: جبريل عن يمين أبي بكر، وميكائيل عن يميني - عليهم السلام -. توفي موسى بن مروان سنة ست وأربعين ومئتين.

موسى بن نصير

موسى بن نصير أبو عبد الرحمن مولى امرأة من لخم، وقيل: إنه مولى لبني أمية، وأصله من عين التمر. ويقال: هو من إراشة من بلي، سبي أبوه من جبل الخليل من الشام في زمن أبي بكر، واسمه نصر، فصغر، وأعتقه بعض بني أمية، فرجع إلى الشام، وولد له موسى بقرية يقال لها: كفر مثرى. وهو صاحب فتوح الأندلس، وكان أعرج، وولاه معاوية البحر، وشهد مرج راهط، وغزا قبرس. وبنى هنالك حصوناً ومثابات منها حسن " يابس وال ... عوصه ". وقيل: إن موسى كان يقرأ الكتب، فوجد أمر بني أمية، فانقطع إلى مروان بالمدينة، وترقت أحواله حتى ولي الأندلس. وقدم دمشق على الوليد بن عبد الملك، وقدم معه بمائدة سليمان بن داود التي أصابها بالأندلس. وكان أميراً بإفريقية والمغرب، وليها سنة تسع وسبعين. وكان معاوية بعث لابتناء يابس من قبرس رجلين من الموالي أحدهما: موسى بن

نصير، والآخر المهاجر بن دعلج مولى خولان، وولى أبا الأعور السلمي البعث، فلما قدما عليه رأى موسى أجسم من المهاجر، فقال: ما ينبغي للسلطان أن يستعين إلا بالجسيم لهيبته. كان موسى بن نصير ممن بايع لابن الزبير، وحضر يوم المرج مع الضحاك، فلما قتل الضحاك لحق موسى بفلسطين، فكان مع نائل بن قيس يدعو إلى ابن الزبير، فأهدر مروان دمه، فاستجار موسى بعبد العزيز بن مروان، فوهبه له مروان وخرج به معه إلى مصر، وهم في طاعة ابن الزبير، وعليهم ابن جحدم، فلما بلغ أهل مصر مسير مروان خندقوا على الفسطاط خندقاً واستعدوا لحربه، وواجهوا مراكب مصر إلى سواحل الشام لتخالف إلى ذراريهم وعيالهم، وكان على تلك المراكب الأكدر بن حمام اللخمي، فبلغ مروان في العريش أن مراكب أهل مصر سارت إلى عيالات أهل الشام؛ فراعه ذلك، واستشار موسى بن نصير فقال له موسى: إن كان قد خرجوا في هذه الأيام فقد كفيتهم، فقال مروان: أزبيرية هذه يا موسى؟ قال: سيعلم أمير المؤمنين، أزبيرية هي أم مروانية، إني عالم بهذا البحر. فعقد له مروان على خيل ووجهه، فسار حتى إذا كان ببعض الأيام رأى تكدراً من النجوم ليلة، فقال: لا يبقى الله في البحر مركب إلا تكسر وذهب، فأجاز إلى عكا ويافا، فألفى مراكب أهل مصر ألقاها الريح وتكسرت، فأخذهم موسى أسرى، وهي ست مئة رجل من لخم. وجعل مروان يتلبث انتظاراً لما يأتيه من قبل موسى، وأقبل موسى بالقوم يغذ السير، فأدرك مروان بخربة القتيل بين الفرما والجفار، وأتاه بالأسرى، فأجازه مروان بألف دينار. وسار مروان، فلما كان بجرجير بلغه ما استعد به أهل مصر، فبعث إلى وجوه من

معه من أهل الشام وأهل بيته: أشيروا علي في هؤلاء الأسرى، فقال كل برأيه وموسى ساكت، فقال له مروان: ما لك يا بن نصير لا تتكلم؟! قال: أخاف يا أمير المؤمنين من الكلمة التي كانت بالأمس، قال: قل، فلست عندنا ظنيناً اليوم، قال: أرى أن تفك عانيهم، وتحسن صفادهم، وتبلغهم مأمنهم، وأن تعف عنهم، فيأتي الرجل قومه فيقول قيل ما لا يستطيعون رده من النبأ عليك، فقبل مروان مشورة موسى وفك عنهم، فقال رجل من مصر من مراد: " من الوافر " جزاك الله يا بن نصير خيراً ... فقد أحييت من قتل وأسر عشية قال مروان أشيروا ... علي برأيكم في أهل مصر فقلت بما تراه الحط نصحاً ... ولم تك مثل نعمان وعمرو فمن يكن كافراً نعماك يوماً ... فإني شاكر لك طول دهري ثم صالح مروان أهل مصر، ودخلها صلحاً سنة خمس وستين، وخرج مروان راجعاً إلى الشام، واستخلف على مصر ابنه عبد العزيز وخلف معه بشر بن مروان. وتوفي مروان بالشام، واستخلف عبد الملك، فكتب إلى أخيه بشر بن مروان وهو بمصر يوليه العراق، وكتب عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز أن أشخص مع بشر موسى بن نصير وزيراً. فخرج بشر ومعه موسى، فكان موسى على أمره كله إلى أن توفي بشر بن مروان، ورجع موسى بن نصير إلى مصر، فكان من آثر الناس عند عبد العزيز بن مروان. وفي سنة تسع وسبعين غزا موسى بن نصير المغرب فقتل وسبى، حتى انتهى إلى طبنة وطنجة، فبلغ سبيهم عشرين ألفاً، وذلك سنة إحدى وثمانين، وفي سنة اثنتين وثمانين أغزى موسى بن نصير المغيرة بن أبي بردة العبدري إلى صنهاجة.

وفي سنة ست وثمانين وجه موسى المغيرة في مراكب فافتتح أولية، وهي أول مدائن سقلية من الغرب. وفي سنة سبع وثمانين أغزى موسى ابنه عبد الله بن موسى سردانية فافتتح، وأغزى أيضاً عبد الله بن حذيفة سردانية فأصاب سبياً وغنائم، وأغزى ابن أخيه أيوب، وهو ابن حبيب، ممطورة فبلغ سبيهم ثلاثين ألفاً. وفي سنة تسع وثمانين أغزى موسى ابنه عبد الله ميورقة وسورانية، جزيرتين بين سقلية والأندلس، ففتحهما الله تعالى. وهذه الغزو تسمى غزوة الأشراف، كان معه أشراف الناس، وفيها أغزى موسى ابنه مروان السوس الأقصى فبلغ السبي أربعين ألفاً. وفي سنة ثلاث وتسعين غزا موسى بلاد المغرب، فأتى طنجة، وسار لا يأتي على مدينة فيبرحها حتى يفتحها أو ينزلون على حكمه، وسار إلى قرطبة وغرب فافتتح مدينة باجة مما يلي البحر، وافتتح مدينة البيضاء، ووجه الجيوش فجعلوا يفتحون ويغنمون. وقدم من الأندلس سنة أربع وتسعين، وأوفد وفداً إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بما فتح الله على يديه، وما معه من الأموال والتيجان، وبعث إليه بالخمس. وفي سنة تسع وسبعين أمر موسى بن نصير على إفريقية قال الليث: ولما غزا موسى بن نصير المغرب بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مئة ألف، وبعث ابن أخيه أيوب في جيش فأصاب مئة ألف،

قيل لليث: من هم؟ قال: البربر، فلما جاء كتابه بذلك قال الناس: ابن نصير أحمق، من أين له عشرون ألفاً يبعثهم إلى أمير المؤمنين مع الخمس؟ فبلغ ذلك موسى بن نصير، فقال: ابتعثوا من يقبض لهم عشرين ألفاً. فلما فتحوا الأندلس جاء إنسان فقال: ابعث معي أدلكم على كنز فبعث معه فقال انزعوا ههنا؟ فنزعوا فسال عليهم من الزبرجد والياقوت شيء لم يروا مثله قط، فلما رأوه بهتوا وقالوا: لا يصدقنا موسى بن نصير أبداً، فأرسلوا إليه فجاء، ونظر إليه، وكانت الطنفسة توجد منسوجة بقضبان الذهب، تنظم السلسلة من الذهب باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، فكان البربريان ربما وجداها فلا يستطيعان حملها، حتى يأتيا بالفأس فيضربان وسطها، فيأخذ أحدهما نصفها، والآخر نصفها. قال الليث: وسمع يومئذ مناد ينادي لا يعرفونه ولا يرونه: أيها الناس إنه قد فتح عليكم باب من أبواب جهنم. ولما دخل موسى إفريقية أقام بها أشهراً يغزو أطرافها، فلما كان من عامه ذاك في رمضان ودنا العيد، لم يشعر الناس به إلا وقد صعد المنبر، فأمر بالأبواب فأخذت على الناس فارتاعوا لذلك، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: أيها الناس فإنكم قد أصبحتم في نحور عدوكم، وبأقصى ثغر من ثغوركم، أبعده شقة، وأشده انتياطاً بدار قد شحطت عن دياركم، ومصر قد نأى عن أمصاركم، بين عدو كلب عليكم، قد قربت داره منكم. وأنتم منه بمرأى ومسمع، وكفى بالله نصيراً، وقد رأيت ضعفاً من قوتكم، ورثاثة من عدوكم، وقد عزمت على قسم فيئكم بينكم، فأن يمضه أمير المؤمنين فحقكم، وإن يكن له رأي غير ذلك أكن لديه كفيلاً، وقد أمرت لكم من مال بمعونة وهي مني لكم في كل عام، إن شاء الله.

وفي ذلك يقول زائدة بن الصلت الغساني من فرسان العرب المعدودين من أبيات: " من الرجز " قد سن موسى سنة وأثرا ... مآثراً محمودة لن تنكرا بالقيروان فاق فيها البشرا ... ما سنه من قبله فيؤثرا في سالف الدهر ولا من غبرا ... من كان ذا ملك ومن تأمرا إلا أبا بكر وإلا عمرا ... سن الذي شأى وقص الأثرا أعطى الغني حظه والأفقرا ... وسن أخرى بعدها ليذكرا سن لنا في عيده إذ أفطرا ... في كل عام سنة لن تكفرا معونة أطابها وأكثرا ... لما علا في العيد منا المنبرا كأنه البدر إذا ما أبدرا ... واحتضر الناس فجاؤوا زمرا أنهب فينا بدراً فبدرا ... فوارد أنهله وأصدرا وصادر يحمد منه الخبرا وفي سنة أربع وثمانين غزا موسى بن نصير سلوما من أرض إفريقية، فنزل على أوربة، فقاتلوه، ثم فتح الله عليه، فقتل وسبى، وبلغ السبي خمسين ومئة ألف رأس. وفي سنة خمس وتسعين، قفل موسى من إفريقية، واستخلف ابنه عبد الله، وحمل الأموال على العجل والظهر، ومعه ثلاثون ألف رأس " و" قدم على الوليد. ولما سار موسى إلى طنجة وافتتح الأندلس وأصاب فيها المائدة التي يتحدث أهل الكتاب أنها مائدة سليمان بن داود، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. قيل: إنه أخذ مع المائدة التاج الذي نزل من السماء!

وأوغل موسى في بلاد الأندلس، لم يزل يفتح مدينة حتى سرقسطة فعظم على الجند مبلغه وخافوا أن يجاوز إلى غرة، فمشوا إلى حنش بن عبد الله السبئي، فشكوا إليه أنهم يخافون أن يجتمع العدو عليهم فيهلكهم، فقام إليه حنش بعد صلاة الصبح فقال: أيها الأمير، أتأذن لي في الكلام؟ قال: تكلم أبا رشدين، قال: كنت سمعتك بإفريقية تذكر عقبة بن نافع وتقول: لقد غرر بنفسه إذ وغل في بلاد البربر حتى قتل، وتقول: أما كان له ناصح؟ وأنا ناصحك اليوم أيها الأمير، أتلتمس غنيمة افضل مما غنمت؟ أو تريد أن تطأ من أرض المشركين أكثر مما قد وطئت؟، لقد بلغك الله أن جعلك أبعد المسلمين أثراً في الجهاد، وفتح عليك ما لم يفتحه على أحد من المسلمين، وقد أحب جندك السلامة واشتاقوا إلى الأهل والولد، فانصرف راشداً أيها الأمير. فقال موسى: قد قبلت النصيحة وشكرت عليها، فأمر بالتجهز للرجوع، ورجع من هناك إلى الأندلس. سأل عمر بن عبد العزيز موسى بن نصير - وكانت بنو أمية تبعثه على الجيوش - عن أعجب شيء رآه في البحر. قال: انتهينا مرة إلى جزيرة فيها ست عشرة جرة خضراء مختومة بخاتم سليمان بن داود، فأمرت بأربعة منها فأخرجت، وأمرت بواحدة منها فثقبت، فإذا شيطان رأسه وهو يقول: والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعدها افسد في الأرض، ثم نظر فقال: ما أرى بها سليمان وملكه، فانساح في الأرض فذهب، فأمرت بالثلاث البواقي فردت إلى مكانها. وفي سنة ثلاث وتسعين أجدب أهل إفريقية جدباً شديداً، فخرج موسى بن نصير بالناس، وأمرهم بالصيام، وأمر بالولدان فجعلوا على حدة، والنساء على حدة، وأخرج الإبل والبقر والغنم، وخرج بأهل الذمة على حدة، ودعا يومئذ حتى انتصف النهار، وخطب الناس، فلما أراد أن ينزل قيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ قال: ليس هذا يوم ذاك، فسقوا سقياً كفاهم حيناً.

موسى بن نضير

قدم قيم عمر بن عبد العزيز بعلبة، وسمع أهله بذلك، فأرسلوا ابناً له صغيراً، ثم أقبل يؤم الدنانير، فقال: امسكوا يديه، ثم رفع يديه فقال: اللهم بغضها إليه كما حببتها إلى موسى بن نصير، ثم قال: خلوه فكأنما رأى بها عقارب. وقيل: عن موسى قال: والله لو انقادوا لقدتهم حتى أوقفهم على رومية، ثم ليفتحنها الله على يدي - إن شاء الله -. ودخل موسى إلى مصر سنة خمس وتسعين، وكانت أول عيره بالجيزة وآخرها بثرنوط. وسار متوجهاً إلى الشام حتى قدم على الوليد بن عبد الملك وتحين يوم الجمعة، فلما جلس الوليد على المنبر أتى موسى بن نصير وقد ألبس ثلاثين رجلاً تيجاناً على كل رجل منهم تاج وثياب ملك ملك التاج، ثم دخلوا المسجد في هيئة الملوك، وأمر بملوك الجزائر أكابر الروم فهبوا وأبناء ملوك البربر وملك الإسبان، وأقبل موسى بن نصير بالثلاثين الذين ألبسهم التيجان حتى دخل بهم مسجد دمشق، والوليد يخطب، فلما رآهم هب إليهم فأقبل حتى سلم على الوليد، ووقف الثلاثون عن يمين المنبر وشماله بالتيجان، فأخذ الوليد في حمد الله والثناء عليه والشكر بما أيده وفتح عليه ونصره، فأطال حتى فات وقت الجمعة، فصلى وانصرف، وأجاز موسى بجائزة عظيمة، وأقام موسى بدمشق حتى مات الوليد، واستخلف سليمان، وكان عاتباً على موسى فحبسه وطالبه بأموال عظيمة. ولم يزل في يده حتى حج سليمان سنة سبع وتسعين، وحج معه موسى، فمات موسى بالمدينة في هذه السنة، وقيل: توفي بوادي القرى. موسى بن نضير أبو عمران البعلبكي حدث عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: ما استسقى كبير قط فشرب صغير قبله إلى غارت عين من ماء العيون.

موسى بن وردان

موسى بن وردان أبو عمر القرشي مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري المصري القاضي وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته. حدث عن أبي هريرة: أن امرأة أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن زوجي خرج مجاهداً في سبيل الله، وأحب أن أعمل عمله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تبليغنه، قالت: بلى، فقال: تستطيعين أن تصومي ولا تفطري، وتصلي ولا تفتري؟ قالت: لا، قال: لو استطعت ما بلغت عمله. وحدث عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها، ولقنوها موتاكم ". وحدث عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل عنكم ". وحدث عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات مريضاً مات شهيداً ووقي فتان القبر، وغدي عليه وريح برزقه من الجنة ". قال موسى بن وردان: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فحدثته بأحاديث عن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكنت عنده بمنزلة، فكنت أول داخل وآخر خارج، وكنت أحدثه عمن أدركت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسألته كتاباً إلى حيان بن سريج في عشرين ألف دينار أستوفيها من ثمن فلفل يدفعها إلي. فقال عمر: لمن العشرون ألف دينار؟ فقلت: لي، فقال:

موسى بن هشام بن أحمد بن العلاء

ومن أين؟ فقلت: كنت تاجراً، فضرب بمخصرة في يده وقال: التاجر فاجر، والفاجر في النار، ثم قال: اكتبوا له إلى حيان. فلم أدخل عليه بعدها، وأمر حاجبه ألا يدخلني عليه. توفي موسى بن وردان سنة سبع عشرة ومئة. موسى بن هشام بن أحمد بن العلاء أبو عمران الوراق الدينوري حدث عن عبد الله بن هانئ بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " حبك الشيء يعمي ويصم ". وحدث عن أبي علي الحسن الموصلي بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا دخل إلى الخلاء نزع خاتمه. موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي أخو جعفر والفضل ابني يحيى ولاه الرشيد هارون دمشق والشام بأسره أيام عصبية أبي الهيذام، فقدم دمشق وأصلح بين المضرية واليمانية. قال موسى بن يحيى: كان يحيى بن خالد البرمكي يقول: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاي يدل على مقدار عقل كاتبه، والرسوم على مقدار عقل مرسله، والهدية على مقدار عقل مهديها. وفي سنة ست وسبعين ومئة هاجت العصبية بالشام، وعامل السلطان بها موسى بن

عيسى، فقتل منهم خلق، فولى الرشيد موسى بن يحيى، وضم إليه من القواد والأجناد، ومشايخ الكتاب جماعة. قال موسى بن يحيى: قال المأمون يوماً لمحمد بن داود: إني أرى إقبال هذه السنة يدل على كثرة الغلات وانحطاط الأسعار، فاكتب إلى العمال في المبادرة ببيع الغلات. فجلس محمد يومه كله يعمل كتاباً في ذلك، طوله وبالغ فيه، فلما كان من غد عرضه عليه، وقرأه حتى انتهى إلى آخره، فأخذ المأمون قلماً، واستمد من دواة بين يديه، وخط على أول سطر والثاني والثالث إلى آخره، وكتب في حاشيته: أما بعد: فإن للأمور أوائل يستدل بها على أواخرها، وأشياء يعرف بها ما تؤول إليه الحال منها، وربما أخطأت المخيلة، وكذبت الدليلة، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإن أمير المؤمنين لما دل عليه إقبال هذه السنة أن سعر الطعام سينزع، فتقدم في بيع ما استباع لك من الغلات بالسعر الذي تراه صالحاً، ولا تنفق نفقة صغيرة ولا كبيرة إلا ما أتاك به كتاب أمير المؤمنين والسلام. أصبح موسى بن يحيى يوماً مغموماً مفكراً؛ وكان سبب ذلك أن الرشيد دفع إليه جوهراً عظيماً خطره، وأمره بحفظه فحفظه يحيى في مجلسه تحت تكأته إلى أن يحرزه حيث يرى، فغلب على قلبه الشغل فنهض ونسيه مكانه، فذهب وذكره يحيى فطلبه في الموضع فلم يجده، فأبلغ ذلك منه، وذكر له أمر أبي يعقوب الزاجر، فأمر بإحضاره. وقال يحيى لمن حضره: لا ينطق أحد بكلمة فيسمعها فتفسد عليه زجره، فدخل، فقال له: مسألة حضرت أنا سائلك عنها، فانظر ما هي؟ قال: نعم وأطرق طويلاً، ثم قال: تسألني عن ضالة؟ قال: نعم، فانظر ما هي؟ فجعل يتلفت يميناً وشمالاً، ثم لمس البساط بيده، وقال: هو شيء أحمر وأخضر وأبيض، هو سموط، هو في وعاء جراب أو كيس، هو جوهر.

قال: أصبت، فمن أخذه؟ قال: أحد الفراشين، ولم يقف كما وقف في المرتين الأوليين، قال: فأين هو؟ قال: في بلاعة، ولم يقف أيضاً، فقال يحيى: انظروا كل بلاعة في الدار فاطلبوه، فنظروا فإذا في واحدة أثر قلع وإصلاح، فكشف رأسها واستخرج منها جراب فيه ذلك الجوهر. فكثر تعجب يحيى، وذهب الغم عنه وقال: يدفع إليه في وقتنا هذا خمسة آلاف درهم ويبتاع له منزل في جوارنا بخمسة آلاف درهم. فقال أبو يعقوب: أما الخمسة آلاف فإن آخذها، وأما المنزل فلن يبتاع أبداً، قال: فازداد عجباً، ثم سأله عن زجره فقال: دخلت عليك وأنت تعلم أنه لا بصر لي، وإنما يزجر الزاجر على حواسه، وأقوى حواسه بصره، ولكن زجري على سمعي، فلم أسمع شيئاً، وسألتني فأصغيت إلى كلمة أزجر عليها، فلم أجد فاشتققت الزجر من الحال التي كنت فيها فقلت: ضالة، لأنه قد ضل عني كل شيء، يمكن التعلق به، فقلت: ضالة؟ فقلت: نعم، فعلمت أني قد أصبت، ثم قلت: ما هو؟ فجاءت مسألة أخرى، فجهدت أن أسمع شيئاً أزجر عليه فلم أسمعه، فلمست بيدي البساط، فوجدت قمع تمرة مما لعله كان في أسفل خفض بعض من دخل، فقلت: هذا من النخلة، وهو يكون أخضر وأحمر وأبيض، وهو كالسموط، إذا كان في طلعه، وهذه صفة الجوهر، فقلت: جوهر في وعاء، فقلت: أصبت، ثم قلت: من أخذه؟ فسمعت نهيق حمار فزجرت عليه، والحمار علج ولا يصل إلى مجلس المولى من العلوج غير الفراشين، فقلت: فراش، فقلت: فأين هو؟ فسمعت غلاماً يخاطب آخر ويقول: صبه في البلاعة، فزجرت على قوله، فقلت: هو في البلاعة فأصبت. فقال له يحيى: فكيف قلت فيما أمرنا لك به؟ قال: أمرت بدفع الخمسة آلاف العاجلة فقال غلام في الصحن: نعم، فقلت: يصل، ثم قلت: يبتاع له منزل في جوارنا بخمسة آلاف درهم، فقال آخر في الصحن: لا، فقلت: إنها لا تصل. فانصرف أبو يعقوب بالخمسة آلاف، وشرع الوكلاء في طلب المنزل.

موسى بن يزيد بن عبد الرحمن

فبعد خمسة أيام حدث في أمر البرامكة ما حدث وبطل أمر المنزل. قال يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن ليحيى بن خالد وولده " نظير " في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة، ولقد صدق القائل: " من الرجز " أولاد يحيى أربع ... كالأربع الطبائع فهم إذا خيرتهم ... طبائع الصنائع فقلت: يا أمير المؤمنين، أما الكفاية والبلاغة والسماحة فتعرفها، ففيمن الشجاعة؟ فقال: في موسى بن يحيى، وقد رأيت أن أوليه ثغر السند. قال علي بن أبي النجم: قال لي يحيى بن خالد: صف لي ولدي، فإنك خليطهم، قال: نعم، أما الفضل: فيرضيك بفعله، وأما جعفر: فيرضيك بقوله، وأما محمد: فيفعل بحسب ما يجد، وأما موسى: فيفعل ما لا يجد. موسى بن يزيد بن عبد الرحمن أبو عمران الإسفنجي ثم النيسابوري حدث عن عمرو بن طارق بسنده إلى ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله، علي بدنة وأنا موسر فلا أجدها، قال: " اذبح شاة ". وحدث عن أزهر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أحب فطرتي فليستن بسنتي، وإن من سنتي النكاح ". توفي موسى سنة ثلاث وستين ومئتين.

موسى بن يسار الأردني

موسى بن يسار الأردني يقال: إنه من دمشق. حدث عن أبي هريرة: أن امرأة يعصف ريحها، فقال: يا أمة الخيار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما امرأة تخرج إلى المسجد يعصف ريحها لا يتقبل الله منها حتى ترجع فتغتسل ". وحدث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في العسل في كل عشرة أزق زق ". قال موسى بن يسار عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية. قال: نزلنا دابق وعلينا أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ جيش حبيب بن مسلمة أن ينة صاحب فرس خرج يريد بطريق أذربيجان، معه زبرجد وياقوت ولؤلؤ وديباج، فخرج في خيل حتى قتله في الدرب، وجاء بما معه إلى أبي عبيدة، فأراد أن يخمسه. قال حبيب بن مسلمة: أيا أبا عبيدة، لا تحرمني رزقاً رزقنيه الله، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل السلب للقاتل، فقال معاذ بن جبل: مهلاً يا حبيب، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه ". وحدث موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر: أنه كان من الماء على علوتين أو ثلاث، ولا يميل إليه وهو مسافر. قال مالك بن كعب العكي: زرنا يحيى بن حسان البكري من عسقلان إلى سناجية أنا وابن فربر وابن أدهم

موسى بن يوسف بن موسى بن راشد

وموسى بن يسار، فأتانا بطعام، فأمسك موسى يده، فقال له يحيى: كل، فقد أمنا رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا المسجد عشرين سنة يكنى بأبي قرصافة، فكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، فولد لي غلام، فأقبلت عليه فدعوته في اليوم الذي كان يصوم فيه فأفطر، قال: فمد موسى يده فأكل، وقام ابن أدهم إلى المسجد فكنسه بردائه. موسى بن يوسف بن موسى بن راشد أبو عوانة الرازي حدث عن محمد بن عتبة الكندي بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: لم يكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، لأنه تنسخ فيه أرواح الأحياء في الأموات، حتى إن الرجل يتزوج وقد رفع اسمه فيمن يموت، وإن الرجل ليحج وقد رفع اسمه فيمن يموت. وحدث عن سعيد بن أبي الربيع البصري بسنده إلى أنس بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله، ويأمن جاره بوائقه ". وحدث عن أبي الربيع الزهراني بسنده إلى عمران العمي قال: جاء رجل إلى حذيفة فقال: يا أبا عبد الله إني أخشى أن أكون منافقاً، قال: تصلي إذا خلوت، وتستغفر إذا أذنبت؟ قال: نعم، قال: اذهب، فما جعلك الله منافقاً. وحدث عن عبد الله بن ذكوان الدمشقي بسنده إلىعمار بن سعد قال: يكون في آخر هذه الأمة قوم يعظمون الله ويجلونه حتى يكفروا به وهم الجهمية. وحدث عن أبي معمر الهذلي قال: سمعت عباد بن العوام يقول: قدم علينا شريك بن عبد الله واسط، فقلت: إن عندنا قوماً ينكرون هذه

المؤمل بن أحمد بن المؤمل بن أحمد

الأحاديث: " إن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا " وما أشبهها قال: وما تنكرون؟ إنما جاء بهذه من جاء بالصلاة والسنن عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مات موسى بن يوسف القطان سنة ثلاث وثمانين ومئتين. المؤمل بن أحمد بن المؤمل بن أحمد أبو البركات المصيصي، يعرف بابن أصيبعات الفزار حدث سنة سبع وثمانين وأربع مئة عن أبي الحسن علي بن الخضر السلمي بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله: " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً "، قال: " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ". ولد أبو البركات سنة سبع وعشرين وأربع مئة بدمشق، وتوفي سنة سبع وتسعين وأربع مئة. مؤمل بن إهاب ويقال ابن يهاب بن قفل بن سدل أبو عبد الرحمن الربعي حدث عن محمد بن عبيد بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: أمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شملة قد خالف بين طرفيها، وعقدها في قفاه. وحدث عن أبي داود بسنده إلى أبي موسى الأشعري قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم ". وحدث عن عبد الله بن المغيرة بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغاً إلا الآخرة ".

وحدث عن سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال: بلغني أن ريحاً تكون في آخر الزمان وظلماً فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم قد مسخوا. قدم مؤمل بن يهاب الرملة، فاجتمع عليه أصحاب الحديث، وكان زعراً ممتنعاً، فألحوا عليه فامتنع أن يحدثهم، فمضوا بأجمعهم، وأكنوا بينهم السير، فتقدموا إلى السلطان فقالوا: إن لنا عبد سبياً، له علينا حق صحبة وتربية، وقد كان أدبنا فأحسن لنا التأديب، وآلت بنا الحال إلى الإهنة بحمل المحبرة وطلب الحديث، وإنا أردنا بيعه فامتنع علينا. فقال لهم السلطان: وكيف أعلم صحة ما ذكرتم؟ قالوا: إن معنا بالباب جماعة من حملة الآثار وطلاب العلم تكتفي بالنظر إليهم دون المسألة عنهم، وهم يعلمون ذلك. فسمع مقالتهم، ووجه خلف المؤمل بالشرط والأعوان يدعونه فتعزز؛ فجذبوه وجرروه، وقالوا: أخبرنا أنك قد استطعمت الإباق، فصار معهم إلى السلطان فقال له: ما يكفيك الإباق حتى تتعزز على سلطانك؟ احبسوه، فحبس. وكان مؤمل أصفر طوالاً خفيف اللحية، يشبه عبيد أهل الحجاز. فأقام أيام حتى علم بذلك جماعة من إخوانه، فصاروا إلى السلطان، فقالوا: إن هذا مؤمل بن يهاب في حبسك مظلوم، فقال: من ظلمه؟ قالوا: أنت، قال: ما أعرف، ومن هو مؤمل؟ قالوا: الشيخ الذي اجتمع عليه جماعة، فقال: ذاك العبد الآبق؟ قالوا: ما هو بآبق، بل هو إمام من أئمة المسلمين في الحديث، فأمر بإخراجه، وسأله عن حاله، فأخبره كما أخبره الذين جاؤوا يذكرون حاله، فصرفه، وسأله أن يحله، فلم يزل مؤمل بعد ذلك ممتنعاً امتناعه الأول حتى لحق بالله عز وجل.

المؤمل بن الفضل بن مجاهد

توفي مؤمل بن إهاب سنة أربع وخمسين ومئتين. المؤمل بن الفضل بن مجاهد ويقال: ابن الفضل بن عمير أبو سعيد الحراني حدث عن الوليد بسنده إلى أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه، أو كفه على رأسه، من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة. وحدث عن بشر بن السري بسنده إلى أبي هريرة قال: كان من تلبية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لبيك لك الحق ". المهاجر بن أبي مسلم واسم أبي مسلم: دينار مولى أسماء بنت يزيد الأنصارية الأشهلية من أهل دمشق، وهو والد عمرو ومحمد ابني مهاجر. حدث عن أسماء قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تقتلوا أولادكم سراً، فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه ". وحدث عنها قالت: مر بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا في جواري أتراب فقال: " إياكن وكفر المنعمين "، وكنت أجرأهن عليه مسألة، فقلت: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال: " لعل

المهاجر بن عبد الله الكلابي

إحداكن تطول أيمتها عند أبويها، ثم يرزقها الله زوجاً، ثم يرزقها الله ولداً، ثم تغضب الغضبة فتكفر بها فتقول: والله ما رأيت منك خيراً قط ". وحدث عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك دينارين ترك كبتين ". وحدث أنه سمع معاوية يقول: الجمعة على من آب إلى أهله. وحدث: أن معاوية كان يصلي يوم الجمعة بنهار طويل، وكان أهل القريات من مرج الصفر يشهدونها معه، ثم ينصرفون إلى أهليهم فيأتونهم قبل غروب الشمس، ومرج الصفر ثمانية عشر ميلاً، قال: يعني إلى دمشق. وحدث المهاجر أيضاً: أن معاوية كان يخطب الناس بدمشق، ويقول في خطبته: يا أهل قردا، يا أهل زاكية وأقاصي الغوطة وأداني الثنية لا تدعن الجمعة بدمشق. المهاجر بن عبد الله الكلابي كان المهاجر بن عبد الله يمشي في مسجد دمشق فيعدل عن القناديل، وقد مدحه جرير فقال: " من الكامل " إن المهاجر حين يبسط كفه ... سبط البنان طويل عظم الساعد

المهاجر بن أبي المهاجر

ولقد حكمت فكان حكمك مقنعاً ... وخلقت زين منابر ومساجد كتب أمير المؤمنين الوليد بن يزيد إلى المهاجر بن عبد الله: إني حلفت بطلاق سلمى يوم تزويجها، فإذا قرأت كتابي هذا فسل لي يحيى بن أبي كثير الطائي، واكتب إلي بما يجيبك. فلما قرأ الكتاب كتب إلى يحيى بن أبي كثير، فكتب إليه يحيى: حدثنا جماعة سماهم وذكر أسانيدهم إلى ابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب وابن عمر، وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وأبي موسى الأشعري كلهم يقولون: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك ". فكتب المهاجر إلى الوليد بما حدثه به. المهاجر بن أبي المهاجر كان حافظاً لكتاب الله. كان رأس المسجد في زمان عبد الملك وبعده عبد الله بن عامر اليحصبي، وكان يزعم أنه من حمير، وكان يغمز في نسبه، فحضر شهر رمضان؛ فقالوا: من يؤمنا؟ فذكروا رجلاً، وذكروا المهاجر بن أبي المهاجر فقال: ذلك مولى، ولسنا نريد أن يؤمنا مولى، فبلغت سليمان، فلما استخلف بعث إلى المهاجر، فقال: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان قف خلف الإمام، فإذا تقدم عبد الله بن عامر قبل أن يكبر، فخذ بثيابه، واجذبه، وقل: تأخر، فلن يتقدمنا دعي، وصل أنت بالناس؛ ففعل. المهاجر بن يزيد أبو عبد الله العامري مولاهم المدني قال مهاجر بن يزيد: بعثنا عمر بن عبد العزيز فقسمنا الصدقة فيهم، فلقد رأيتنا وإنا لنصدق من العام

مهاجر

القابل من كان يتصدق عليه، ولقد كنت أراه يكتب إلى أهله أو في الحاجة تكون له في خاصة نفسه فيأمر بالشمعة فتنحى، ويأمر بشمعة أخرى، ولقد كنت أراه يغسل ثيابه؛ فما يخرج إلينا، وما له غيرها، وما أحدث بناء، ولقد رأيت عتبة له خربت، فكلم في إصلاحها، ثم قال: يا مزاحم، هل لك أن تتركها، فتخرج من الدنيا ولم تحدث شيئاً؟ وحرم الطلاء في كل أرض. قال: وسألت عمر بن عبد العزيز عن هذا الماء الذي يوضع في الطريق، يتصدق به، أنشرب منه؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قد رأيتني وأنا وال بالمدينة، وللمسجد ماء يتصدق به، فما رأيت أحداً من أهل الفقه يزع عن ذلك أن يشرب منه. قال: ورأيته يقدم عليه بالسبي من الأخماس، فربما رأيته يضعهم في الصنف الواحد. مهاجر غير منسوب. قال: قال عمر بن عبد العزيز: احفروا لي وأعمقوا، فإن خير الأرض أعلاها، وشرها أسفلها. مهدي بن إبراهيم من أهل البلقاء حدث عن مالك بن أنس عن ابن الزبير عن جابر قال: انتهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك وعينها تبص بماء يسير مثل الشراك، قال: فشكونا العطش، فأمرهم فجعلوا فيها سهاماً دفعها إليهم فجاشت بالماء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ: "

يوشك - يا معاذ - إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جناناً ". حدث معدي بن إبراهيم بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما حضرت أبا بكر الوفاة خرجت إليه أريد أن أعرض له بطلحة، فإذا هو يحشرج، فقلت: هذا كما قال الشاعر: " من الطويل " إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر قال: أفلا تقولين - يا بنية - كما قال الله عز وجل: " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ". فقال: يا بنية، إني كنت اقطعتك مالاً بالغابة قطاعاً وقطاعين، وإنك لو كنت جددتيه واحتذتيه كل لك، وإنما اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقسموه على كتاب الله؛ فقلت: لو كان كذا لفعلت، هذه أختي أسماء، فمن الأخرى؟ قال ذو بطن: أبنت خارجة؟ لا أراها إلا جارية. ثم دعا بصحيفة فكتب فيها إلى عمر بن الخطاب، ثم قال: ابعثوا هذه إلى عمر بن الخطاب، فعند ذلك يئست من طلحة. ثم قال: يا بنية، إذا أنامت فانظروا فما وجدتموه زاد في مالي بعد إمارتي فادفعوه إلى الخليفة من بعدي، وأعلموه أني كنت أستسحها جهدي، إلا ما أصبت من لحمها وودكها.

مهدي بن جعفر بن جبهان بن بهرام

قالت: فما مات نظرت في ماله، فما وجدناه زاد فيه بعد إمارته غير خادم سرداء كانت ترضع بنيه، وغير ناضج كان يسقي عليها بعض ماله، فدعوت الخازن فبعثته بذلك إلى عمر وأعلمته ما قال. قالت: فبكى عمر، ثم قال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً. مهدي بن جعفر بن جبهان بن بهرام أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن الرملي الزاهد حدث عن عبد الرحمن بن أشرس بسنده إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليرجعن المسلمون إلى المدينة حتى يكون آخر مسالحهم بسلاح ". وحدث عن ضمرة بن ربيعة بسنده إلى عائشة أنها قالت: مرن لأزواجكن فليغسلوا عنهم أثر البول والغائط، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله توفي مهدي بن جعفر سنة سبع وعشرين ومئتين، قالوا: وهذا وهم، فإنه روي له حديث بصوم سنة ثلاثين ومئتين. وكان ثقة. قال مهدي: كان يقال للزاهد: زاهد، إن زهد في الدنيا، وزهد في الرياسة، فمن زهد في الدنيا ولم يزهد في الرياسة لم ينفعه زهده في الدنيا، ومن زهد في الرياسة كان في الدنيا أزهد.

المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق

المهلب بن أبي صفرة ظالم بن سراق ابن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي أبو سعيد الأزدي العتكي من وجوه أهل البصرة وفرسانهم وأجوادهم. غزا في خلافة عمر بن الخطاب، ووفد على يزيد بن معاوية، وولي لبني أمية ولايات، وتولى حرب الأزارقة، وكانت له معهم وقائع مشهورة. حدث عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما أراهم الليلة إلا سيبتيونكم، فإن فعلوا فشعاركم: حم لا ينصرون ". وذكر المهلب عن البراء بن عازب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنكم تلقون عدوكم غداً، فليكن شعاركم: حم لا ينصرون ". وحدث المهلب عن سمرة بن جندب قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة قال: " لا تحجب الصلاة إلا عند طلوع الشمس وعند غروبها ". قال المهلب وهو يخطب: سمعت سمرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة حين تطلع الشمس، ولا حين تسقط، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وتسقط بين قرني شيطان ". قال أبو لبد الجهضمي: كنا مع المهلب حين وفد إلى يزيد بن معاوية، فقدمنا عليه وهو بحوارين قد خرجا متنزهاً والناس في الفساطيط، فوقفنا ننتظر الإذن فأبطاً؛ فقال من قال من الناس: هو الآن يشرب، فإنا لكذلك إذ هاجت ريح؛ فاقتلعت الفسطاط، فإذا يزيد جالس وبين يديه مصحف، وهو يقرأ فيه، فقلنا: أراد الله أن يبرز عذره.

واعتل المهلب بالشام، فكان يزيد يعوده ويبعث إليه كل يوم بدواء مختوم. وحدث المهلب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تبعث ... على أهل المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا.... لها ما سقط منهم وتخلف، تسوقهم سوق الحمل الكسير ". كان أبو صفرة من أزد دبا، ودبا فيما بين عمان والبحرين، وكانوا أسلموا، وقدم وفدهم على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقرين بالإسلام، فبعث عليهم مصدقاً منهم يقال له: حذيفة بن اليمان الأزدي من أهل دبا، وكتب له فرائض الصدقات، فكان يأخذ صدقات أموالهم ويردها على فقرائهم. فلما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدوا ومنعوا الصدقة، فكتب حذيفة إلى أبي بكر بذلك، فوجه أبو بكر عكرمة بن أبي جهل، فاقتتلوا وهزمهم عكرمة وأكثر فيهم القتل، ومضى فلهم إلى حصن دبا، فتحصنوا فيه، وحصرهم المسلمون في حصنهم، فنزلوا على حكم حذيفة بن اليمان، فقتل مئة من أشرافهم، وسبى ذراريهم، وبعث بهم إلى أبي بكر - رضي الله عنه - إلى المدينة وفيهم أبو صفرة غلام لم يبلغ يومئذ، فأراد أبو بكر قتلهم، فقال عمر: يا خليفة رسول الله، قوم إنما شحوا على أموالهم، فيأبى أبو بكر أن يدعهم، فلم يزالوا موقوفين في دار رملة بنت الحارث حتى توفي أبو بكر. وولي عمر فدعاهم فقال: قد أفضى إلي هذا الأمر فانطلقوا إلى أي البلاد شئتم؛ فأنتم قوم أحرار لا يد به عليكم. فنزلوا البصرة، ورجع بعضهم إلى بلاده، فكان أبو صفرة وهو أبو المهلب ممن نزل البصرة، وشرف بها هو وولده.

كان عثمان بن أبي العاص على عمان، والحكم بن أبي العاص على البحرين، فكتب عمر إلى عثمان أن سر بأهل البحرين إلى شهرك، فقال عثمان لأهل عمان: ابغوا لي رجلاً أستخلفه، فجاؤوه بأبي صفرة، فقال: ما اسمك؟ قال: ظالم بن سراق، قال: إني أرسلت إليك، وإني أريد أن أستخلفك، فأما إذ كان اسمك هذا فلا، قال: فلا تمنعني الغزو، قال: أما هذا فنعم، فخرج معهم. نظر عرفجة بن هزيمة الأزدي البارقي إلى المهلب بن أبي صفرة يلعب مع الصبيان فقال: " من الطويل " خذوني به إن لم يسد سرواتكم ... ويبلغ حتى لا يكون له مثل وفد أبو صفرة على عمر بن الخطاب ومعه عشرة من ولده، المهلب أصغرهم، فجعل عمر ينظر إليهم ويتوسمهم، ثم قال لأبي صفرة: هذا سيد ولدك، يعني المهلب، وهو يومئذ أصغرهم. قال المهلب: حاصرنا مناذر فأصابوا سبياً، فكتبوا إلى عمر، فكتب عمر: إن مناذر قرية من قرى السواد، فردوا إليهم ما أصبتم. وفي حديث آخر: فرددناهم حتى رددنا الحبالى في بطونها الأولاد. لما سار المهلب لقي الأزارقة، فاقتتلوا إلى صلاة الظهر، ونادى منادي الأزارقة في ناحية المهلب: إن المهلب قتل، فركب المهلب لما سمعه برذوناً دريداً، فركض بين الصفين على الرايات، وإن إحدى يديه في القباء، والأخرى ليست في القباء من العجلة، وهو ينادي: أنا المهلب، أنا المهلب، فسكن الناس. وأقبل يسير على الرايات ويحضض:

أيها الناس إنما هم عبيدكم وسقاطكم، كأن الرجل يجزع إذا لقيه عبده أن يأخذه أخذاً، شدوا باسم الله إلى عدوكم. كل ذلك يريد أصحابه على أن يسيروا ولا يسيرون فقال: إن القوم سيهفون إليكم، فإذا أتوكم فثوروا في وجوههم، وارموهم بالحجارة، وأمرهم أن يأخذ كل رجل ثلاثة أحجار في مخلاته، فأقبل القوم، فجعل الرجل يرمي الرجل فيصيب وجهه فيصرعه، ويصيب وجه فرسه فيشب بفارسه فيصرعه، فقاتلوهم إلى العصر فلما اشتد القتال أخرجوا ألفي مدجج لم يشهدوا القتال، فقاتلوهم حتى اصفرت الشمس. قال: فحملوا علينا حملة ألجؤونا إلى عسكرنا، ورجعوا إلى عسكرهم، فانطلق رجل من اليحمد على فرس، فدخل عسكرهم فلم يجد فيه أحداً، فرجع إلى المهلب فقال: ذهب والله القوم، فأرسل معي رسولاً، فأرسل فوجد الأمر حقاً، وأصبحوا وقد انطلقوا، فذكر من عد القتلى لهم أربعة آلاف وثمان مئة. كتب الحجاج إلى المهلب يستبطئه في حرب الأزارقة، فكتب إليه: ما أنتظر بالقوم إلا إحدى ثلاث: إما موت شامل، أو جوع قاتل، أو فرقة، فأما غير ذلك فلا سبيل إليه. وكتب إليه يستعجله في حربهم، فكتب إليه: إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره. ولما واقف المهلب الأزارقة كان يتحرر من الثياب تحرراً شديداً فكان يسهر هو وابنه المغيرة، يدوران في أقاصي العسكر، يحرسان، فهما ليلة إذا هما برجل متلثم ستر وجهه وسائر بدنه بالحديد، أشرف عليه من أكمة فقال: أفيكم من يفهم ما نسأل عنه؟، فخاف المهلب أن تكون مكيدة، فوتر قوسه وصاح لجماعة من غلمانه وقال: قل، قال: من الذي يقول من شعرائكم: " من الكامل "

وطوى الطراد مع القياد بطونها ... طي التجار بحضرموت برودا فقال المهلب: جرير، قال: هو - والله - أشعر شعرائكم. ثم ولى، فقال المهلب: هذا قطري. لما قدم المهلب على الحجاج بعد حرب الأزارقة أجلسه على سريره وقال: هذا كما قال الشاعر: " من البسيط " فقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا فقال رجل ممن كان مع المهلب: والله لكأني أسمع قطري بن الفجاءة وهو يقول: لله در المهلب، والله ما حاربنا مثله، هو كما قال لقيط الإيادي: صونوا جيادكم واجلوا سلاحكم ... ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا وقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفاً إن رخاء العيش ساعده ... ولا إذا عض مكروه به خشعا ما زال يحلب صرف الدهر أشطره ... يكون متبعاً طوراً ومتبعا حتى استمرت على شزر مريرته ... مستحكم السن لا قحماً ولا ضرعا فأعجب الحجاج موافقة قطري إياه. وكان الحجاج قد أكرم المهلب لما قدم عليه من حرب الأزارقة، وشرفه وبلغ به

الغاية، فخرج الحجاج يوماً آخذاً بيد المهلب حتى انتهى إلى المحراب فأم الناس، ثم قال: يا أبا سعيد أنا أطول أم أنت؟ قال: الأمير أطول مني، وأنا أشخص منه. فلما انصرف من صلاته قاله له: سجستان خير ولاية أم خراسان؟ قال: سجستان، قال: وكيف؟ قال: لأنها ثغر كابل وزابلستان وإن خراسان ثغر الترك. قال: أيهما أحب إليك أن يليه رجل مثلك؟ قال: إن أمثالي في الناس لكثير، وما نحن حيث يرى الناس. قال: سر إلى سجستان، قال: غيري خير لك فيها مني، وأنا بخراسان خير لك من غيري، قال: ولم؟ قال: لأن بدو نعمة الله علي بعد في الإسلام كان في غزوي خراسان مع الغفاري، وابن أبي بكرة بسجستان خير لك مني، لأن أهلها أحبوه لحسن أياديه فيهم، وأنا بخراسان خير منه. قال: وما كنت تلي من أمر الغفاري؟ قال: كنت فيمن صحبه، فلما نزلنا بيهق، ودنونا من عدونا، قال الغفاري: هل من فوارس ينظرون لنا أمامنا، وإن أصابوا أحداً أتوا به؟ فانتدب منا مع صاحب شرطة عشرة فوارس، فلقينا عدة من عدونا، فقال أصحابي: قد عاينا طلائع القوم فانصرفوا، فقلت: وما عليكم أن نشأمهم؟ فأبوا وانصرفوا، فتقدمت، فقتل الله العشرة على يدي، ثم انصرفت برؤوسهم ودوابهم وأسلابهم، وقد كان أصحابي نعوني إلى الغفاري، فلما رآني ضحك وقال: " من المتقارب " كبا القوم عند عيان الرهان ... وقال المهلب خبط الفرس ففاز المهلب بالمكرمات ... وآب عمير بجد التعس

ثم ولاني شرطته؛ فولاه الحجاج خراسان، فكان واليها حتى هلك بها. قيل للمهلب: بم نلت ما نلت؟ قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى. قال رجل للمهلب: بم بلغت ما بلغت؟ قال: بالعلم، قال: قد رأينا من هو أعلم منك لم يبلغ ما بلغت؟ قال: ذاك علم صفة، وهذا علم وضع مواضعه، وأصيبت به فرصته، وأخرى لم أخزل بها: إيثاري فعلاً أحمد عليه دون القول به. قال أبو إسحاق: ما رأيت أميراً كان أفضل من المهلب. وقيل لأبي إسحاق: لم رويت عن المهلب؟ قال: لأني لم أر أميراً أيمن نقيبة منه ولا أسمع لنا، ولا أبعد مما نكره ولا أقرب مما نحب من المهلب. زاد في آخر بمعناه: ولا أسخى. قال أبو بكر الهذلي لأبي العباس السفاح: يا أمير المؤمنين، هل كان في أزد الكوفة مثل المهلب بن أبي صفرة؟ الذي يقول له الشاعر: " من الوافر " إذا كان المهلب من ورائي ... هدا ليلي وقر له فؤادي ولم أخش الدنية من أناس ... ولو صالوا بقوة قوم عاد وهل كان في عبد قيس الكوفة مثل الحكم بن المنذر الجارود الذي يقول له الشاعر: " من السريع "

يا حكم بن المنذر بن الجارود ... أنت الجواد ابن الجواد المحمود سرادق المجد عليك ممدود فقال له العباس: ما رأيت مثل هذه العلية. قال محمد بن سلام: كان بالبصرة أربعة، كل رجل منهم في زمانه لا يعلم في الأمصار مثله: الأحنف بن قيس في حلمه وعفافه ومنزلته من علي عليه السلام، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه وموضعه من قلوب الناس، والمهلب بن أبي صفرة وركزة أمره، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه وتحريه الحق. قال طلحة الطلحات يوماً لجلسائه: أي رجل أسخى؟ قالوا ما نعلم أحداً أسخى منك. قال: بلغني أن المهلب دخل الحمام فبعث له ببرذون وكسوة وطيب، فخرج ولبس الثياب، وتطيب بالطيب، وركب البرذون، ولم يسأل عنه، فعلمت أنه صغر في عينه فلم يسأل عنه. قدم زياد الأعجم خراسان على المهلب فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم: " من الوافر " تغني أنت في ذممي وعهدي ... بأن لن يذعروك ولن تطاري إذا غنيتي فطربت يوماً ... ذكرت أحبتي وذكرت داري فإما يقتلوك طلبت ثأراً ... بقتلهم لأنك في جواري فأخذ حبيب سهماً فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي بيني وبينك المهلب،

فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد: " من الطويل " فلله عينا من رأى كقضية ... قضى لي بها شيخ العراق المهلب قضى ألف دينار لجار أجرته ... من الطير حضان على البيض يتعب رماه حبيب بن المهلب رمية ... فأنفذه بالسهم والشمس تغرب فألزمه عقل القتيل " بن حرة " ... فقال حبيب إنما كنت ألعب فقال زياد لا يروع جاره ... وجاره جاري بل من الجار أقرب فبلغ الحجاج فقال: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها. أمر المهلب بقوم فأعظموه وسودوه، فقال رجل: ألهذا الأعور تسودون؟ والله لو خرج إلى السوق ما جاء إلا بألفي درهم، فقال لبعض من معه: أتعرف الرجل؟ قال: نعم، فأرسل إليه معه بألفي درهم وقال: أما إنك لو زدتنا في القيمة زدناك في العطية. أغلظ رجل للمهلب فسكت، فقيل له: أربى عليك وسكت؟ قال: لم أعرف مساوئه، وكرهت أن أبهته بما ليس فيه. شتم رجل المهلب فكف عنه، وقال: إني خفت أن يكرمني في ردي عليه أكثر مما نكرمه في شتمه. سمع المهلب رجلاً يغتاب رجلاً فقال: اكفف، فوالله، لا ينقى فوك من سهكها.

قال المهلب لبنيه: اتقوا زلة اللسان، فإن الرجل تزل قدمه فينتعش ويزل لسانه فيهلك. وقال المهلب: إذا سمع أحدكم العوراء فليتطأطأ بخطاه. قال المهلب: يعجبني من الرجل الكريم خصلتان: أن أرى عقله زائداً على لسانه، ولا يعجبني أن أرى لسانه زائداً على عقله. كان المهلب يقول: نعم الخصلة السخاء تسد عورة المزيف، وتلحق خسيسة الوضيع، وتحبب المزهو وتسد الخلة، والبخيل لا ينفعه عيشه، ولا يجد البخيل إلا حسوداً محتالاً. أوصى المهلب ابنه يزيد فقال: يا بني، إياك والسرعة عند مسألة " بنعم "؛ فإن أولها سهل وآخرها ثقيل في فعلها، واعلم أن " لا " وإن قبحت فربما روحت، وإن كنت من أمر تسأله عن ثقة فأطمع ولا توجب، ثم افعل، وإن علمت أن لا سبيل إليه فاعتذر؛ فإنه من لا يعذر بالعذر بنفسه ظلم. وأنشد الأخفش لرجل من طيء: " البسيط " والله والله لولا أنني فرق ... من الأمير لعاتبت ابن نبراس في موعد قاله لي ثم أخلفني ... وعداً " غدا ضرب أخماس لأسداس حتى إذا نحن ألجأنا مواعدة ... إلى الطبيعة في فقر وإبساس أجلت مخيلته عن لا فقلت له ... لوما بدأت بها ما كان من باس

وليس يرجع في لا بعد ما سلفت ... منه نعم طائعاً حر من الناس قال المهلب: ما السيف الصارم في كف الرجل الشجاع بأعز له من الصدق. كان المهلب يبعث إلى جابر بن زيد من فارس بالمال ويقبله، قال: وكنا نعيب ذلك، قال جابر: إن قوماً يعيبون هذا، وما ضر المهلب إن رددته؟ ألا أجعله في المساكين يعيشون به؟!. قال محمد بن يزيد المهلبي: سمعت أبي يقول: لم يقل المهلب بن أبي صفرة قط إلا بيتين وهما: " من البسيط " إنا إذا نسأت يوماً لنا نعم ... قالت لنا أنفس أزدية عودوا لا يوجد الجود إلا عند ذي كرم ... والمال عند لئام الناس موجود قال المهلب: ما شيء أبقي للملك من العفو، وخير مناقب الملوك العفو. قال المهلب: لأن يطيعني سفهاء قومي أحب إلي من أن يطيعني حلماؤهم. قال المهلب لبنيه: يا بني، لا تتكلوا على فعل غيركم، وافعلوا ما ينسب إليكم، ثم أنشد: " من الخفيف " إنما المجد ما بنى والد الصد ... ق وأحيا فعاله المولود مر المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار، وهو يتبختر في مشيته، فقال له مالك: أما علمت أن هذه المشية تكره إلا بين الصفين، فقال له المهلب: أما تعرفني؟ قال له مالك: أعرفك أحسن المعرفة، قال: وما تعرف مني؟ قال: أما أولك فنطفة

مهلهل بن يموت واسمه محمد بن المزرع

مدرة، وأما آخرك فجيفة قذرة، وأنت بينهما تحمل العذرة، فقال المهلب: الآن عرفتني حق المعرفة. توفي المهلب بمروروذ سنة اثنتين وسبعين، وله اثنتان وسبعون سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وثمانين، ويقال: سنة اثنتين وثمانين، ويقال: سنة ثلاث وثمانين بقرية يقال لها: ذا غول، وله ست وسبعون سنة، وكان مولده فتح مكة. مهلهل بن يموت واسمه محمد بن المزرع ابن يموت بن موسى بن يسار بن حكيم بن جبلة بن حكيم، ويقال: حصين ابن الأسود بن كعب بن عامر، أبو نضلة العبدي شاعر مليح الشعر في الغزل وغيره. قال أبو الحسين أحمد بن محمد بن العباس الأخباري: حضرت في سنة ست وعشرين وثلاث مئة مجلس تحفة القوالة جارية أبي عبد الله بن عمر البازياري، وإلى جانبي أبو نضلة، وعن يميني أبو القاسم بن أبي الحسن البغدادي، نديم ابن الحواري، فغنت تحفة: " من الخفيف " بي شغل به عن الشغل عنه ... بهواه وإن تشاغل عني ظن بي جفوة فأعرض عني ... وبدا منه ما تخوف مني سره أن أكون فيه حزيناً ... فسروري إذا تضاعف حزني فقال أبو نضلة: هذا الشعر لي، فسمعه أبو القاسم البغدادي، وكان ينحرف عن أبي نضلة فقال: قل له: إن كان الشعر له يزيد فيه بيتاً آخر، فقلت له: فقال في الحال: " من الخفيف "

مهند بن عبد الرحمن بن عبيد

هو في الحسن فتنة قد أصارت ... في هواه من كل فن ومن شعر أبي نضلة: " من البسيط " جلت محاسنه عن كل تشبيه ... وجل عن واصف في الحسن يحكيه انظر إلى حسنه واستغن عن صفتي ... سبحان خالقه سبحان باريه النرجس الغض والورد الجني له ... والأقحوان النضير النضر في فيه دعا بألحاظه قلبي إلى عظتي ... فجاءه مسرعاً طوعاً يفديه مثل الفراشة تأتي إن ترى لهباً ... إلى السراج فتلقي نفسها فيه ومن شعر أبي نضلة: " من السريع " وخمرة جاء بها شبهها ... ظلمت لا بل شبهه الخمر فبات يسقيني على وجهه ... حتى توفى عقلي السكر في ليلة قصرها طيبها ... بمثلها كم بخل الدهر ومن شعر أبي نضلة: " من الطويل " ولما التقينا للوداع ولم يزل ... ينيل لثاماً دائماً وعناقاً شممت نسيماً منه يستجلب الكرى ... ولو رقد المخمور فيه أفاقا مهند بن عبد الرحمن بن عبيد ويقال: مهدي بن عبد الرحمن بن عبيدة بن حاضر دمشقي. حدث عن عمته أم الدرداء عن أبي الدردراء قال: سجدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحدى عشرة سجدة، ليس فيها من المفصل شيء،

مهنا بن يحيى

الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدة، والفرقان وسليمان سورة النمل والسجد وص وسجدة الحواميم. وبه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الخال وارث من لا وارث له ". مهنا بن يحيى أبو عبد الله الشامي حدث عن رواد بن الجراح بسنده إلى عامر بن شهر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خذوا من قريش. وحدث عن بقية بن الوليد بسنده عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يحشر الحكارون وقتلة الأنفس إلى جهنم في درجة واحدة ". وحدث عن زيد بن أبي الزرقاء حديثاً ورد من طريق آخر عن بقية بن الوليد بسنده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على منبره: يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا إليه بالأعمال الصالحة، وصلوا الذي بينه وبينكم بكثرة ذكركم، وبكثرة الصدقة في السر والعلانية، تؤجروا واتنصروا وترزقوا، واعلموا أن الله فرض عليكم الجمعة في عامي هذا، في شهري هذا، في ساعتي هذه، فريضة مكتوبة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي إلى يوم القيامة جحوداً بها واستخفافاً بحقها، وله إمام عادل أو جائر، فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا حج له، ألا ولا صدقة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا بر له، فمن تاب تاب الله عليه، ألا لا يؤم أعرابي مهاجراً، ألا لا تؤم امرأة رجلاً ألا ولا يؤم فاجر براً إلا أن يكون سلطاناً.

ميماس بن مهري بن كامل

ميماس بن مهري بن كامل أبو رافع الصقيل القشيري الأمير والد إبراهيم بن مياس. وحدث بدمشق عن خلفة بن أحمد بن الفضل الحوفي بسنده إلى أنس قال: أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يريد سفراً، فقال: أوصني، فقال: " اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة، وخالق الناس بخلق حسن ". فلما ودعه قال: " زودك الله التقوى، وجنبك الردى، وغفر لك ذنبك، ووجهك للخير حيثما توجهت. توفي بالرحبة وعمره اثنتان وستون سنة، ويظن أنه توفي سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة. ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها خرج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بصرى لما بلغ سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً وعشرين سنة، وليس له بمكة اسم إلا الأمين، فتكاملت فيه خصال الخير. قال له أبو طالب: أنا رجل لا مالي لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجلاً من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك. وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فأرسلت إليه في ذلك. وفي حديث أنها أرسلت إليه، ولم يذكر محاورة عمه له، فقالت:

إنه دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك، وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجالاً من قومك. قال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك. فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من الشام، فنزلا سوق بصرى في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان يقال له نسطور، فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه، فقال: يا ميسرة من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال ميسرة: رجل من قريش من أهل الحرم. قال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، لا تفارقه، قال: هو هو، وهو آخر الأنبياء، فيا ليتني أدركه حين يؤمر بالخروج. وفي آخر فقال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء. ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح، فقال الرجل: احلف باللات والعزى، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حلفت بهما قط، وإني لأمرؤ أعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا - والله - نبي تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم. وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة، واشتد الحريرى ملكين يظللان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشمس، فوعي ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له. وباعوا تجارتهم، وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا فكانوا بمر الظهران قال ميسرة: يا محمد، انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك، فإنها تعرف لك ذلك. فتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في علية لها، فرأت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك.

ميسرة بن مسروق العبسي

ودخل عليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت، فقال ميسرة: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع. وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتجارتها، فربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت له ضعف ما سمت له. ميسرة بن مسروق العبسي أحد الفرسان المشهورين، شهد يوم اليرموك وهو شيخ مسن وكان ذا صلاح. يقال: إنه له صحبة ووفادة على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روي عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. قال ميسرة: قدمت بصدقة قومي طائعين ونحن على الإسلام لم نبال، وما بعث علينا أحد، حتى أدخلتها على أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فجزاني وجزى قومي خيراً، وعقد لنا لواء وقال: سيروا مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة، وأوصى بنا خالداً، فكنا إذا زحفت الزحوف نأخذ اللواء فنقاتل به بأبانين واليمامة ومع خالد بالشام، لقد نظر إلي خالد بن الوليد يوم اليرموك فصاح بأبي عبيدة بن الجراح: ادفع رايتك إلى ميسرة، ففعل ففتح الله علي. حدث وابصة العبسي عن أبيه قال: جاءنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى، فوقف علينا يدعونا إلى الإسلام، فلم يستجب له منا أحد، فقال ميسرة بن مسروق: ما أحسن كلامك وأنوره، ولكن قومي يخالفونني، وإنما الرجل بقومه.

فلما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع لقيه ميسرة بن مسروق فعرفه، فقال: يا رسول الله، ما زلت حريصاً على اتباعك منذ أنخت بنا حتى كان ما كان، ويأبى الله إلا ما ترى من تأخر إسلامي، فأسلم فحسن إسلامه، وقال: الحمد لله الذي ينقذني من النار، وكان له عند أبي بكر الصديق مكان. قال أبو وجزة: مر أبو بكر بالناس في معسكرهم بالجرف ينسب القبائل حتى مر فزارة، فقام إليه رجل منهم فقال: مرحباً بكم، فقالوا: يا خليفة رسول الله، نحن أحلاس الخيل وقد قدنا الخيول معنا، فقال: بارك الله فيكم، قالوا: فاجعل اللواء الأكبر معنا، فقال أبو بكر: لا آخذه عن موضعه، هو في بني عبس، فقال الفزاري: أتقدم علي من أنا خير منهم؟ فقال أبو بكر: اسكت يا لكع، هم خير منك، أقدم إسلاماً، ولم يرجع منهم رجل، وقد رجعت وقومك عن الإسلام. فقال العبسي - وهو ميسرة بن مسروق -: ألا تسمع ما يقول، يا خليفة رسول الله؟ فقال: اسكت، فقد كفيت. وكان ميسرة بن مسروق وأصحابه أول جيش دخل أرض الروم، دخلها في ستة آلاف فغنم وسبى، وجمعت له الروم فلقيهم فاقتتلوا قتالاً شديداً فهزمهم الله، وكانت فيهم مقتلة عظيمة. قال ابن جابر: أدركت عظامهم تلوح في مرج القنابل، وهي إحدى ملاحم الروم التي أبيروا فيها.

ميسرة مولى فضالة

ميسرة مولى فضالة حدث عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لله أشد أذناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته. وحدث ميسرة عن أبي الدرداء: أنه كان إذا ذكر حديث أبي هريرة عنده يقول: أولم يقل الله في كتابه: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ". قال أبو الدرداء: فنحن الصالحون. ميمون بن أحمد بن عمار بن نصير السلمي حدث عن نصر بن منصور الطرسوسي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. ميمون بن إبراهيم أبو إسحاق البغدادي الكاتب كان على الزبد للمتوكل. حدث عن محمد بن حماد بن سعيد الكاتب قال: كنت أجالس أبا يوسف القاضي، وكان في الحلقة رجل يطيل الصمت، فجاء إلى أبي يوسف رجل فقال: ما تقول في رجل دخل إلى بيت مظلم وفيه إنسان، فخرج وسيفه مخضب دماً والرجل الذي داخل مقتول؟ فابتدره الرجل الصامت فقال: أرأيت إن كان

ميمون بن إسماعيل الدمشقي

مع الذي داخل سيف، فخرجا ورأس كل واحد منهما في يد صاحبه؟ فنظر أبو يوسف إلى أصحابه وقال: ما كان أحسن صمته لو زين بعقل. ميمون بن إسماعيل الدمشقي حدث عن سلم بن جنادة بسنده إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس من المروءة الربح على الإخوان. ميمون بن الحسن بن سهل البصري الدباس حدث عن أبي علي الحسن بن عبد الرحمن بن إسحاق بن عواذ الأسيدي بسنده إلى أبي جزء قال: الناسخ والمنسوخ على ثلاثة أوجه: فمنه ما رفع، وما أثبت خطه وبدل حكمه، ومنه ما نسخ حكمه ونسخت تلاوته وبقي ذكره على ألسنة الناس. ميمون بن علي بن يعقوب ابن علي بن أبي البختري وهب بن وهب القرشي الأسدي من أهل صيدا. حدث عن جده أبي البختري قال: قال لي هارون الرشيد: أين أنخت لولدك من بعدك؟ قلت: يا أمير المؤمنين بالشام، قال: وأي موضع بالشام؟ قلت: بساحل دمشق بحصن يقال له صيدا، قال: وكيف أنخته الشام وهو - ذكروا - مأواة الفتن وفيه العصبية؟ فقلت له: يا أمير المؤمنين إنه بلد أرضه طعام وسماؤه إدام، قال لي: فتحملنا أن نصير إليه؟ قال: قلت: فما نحملك يا أمير المؤمنين.

ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد

ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد أبو بصير، ويقال: أبو بسر التغلبي الشاعر المعروف بالأعشى أحد فحول الشعراء، وفد على آل جفنة الغسانيين. قال يونس بن حبيب: أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأهل الحجاز والبادية يقدمون زهيراً والنابغة. وأبو بصير بباء معجمة بواحدة من تحتها وصاد مهملة مكسورة. أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه، ولم يسلم، وهو من بني بكر بن وائل. دخل حسان بن ثابت في الجاهلة بيت خمار بالشام ومعه أعشى بكر بن وائل، واشتريا خمراً وشربا، فنام حسان ثم انتبه، فسمع الأعشى يقول للخمار: كره الشيخ الغرم، فتركه حسان حتى نام ثم اشترى خمر الخمار كلها، ثم سكبها في البيت حتى سالت تحت الأعشى، فعلم أنه سمع كلامه، فاعتذر إليه. ذكر عمر بن شبة أن الأعشى وفد إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومدحه بقصيدته التي أولها: " من الطويل " ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهدا يقول لنا فيه: فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من حفاً حتى تلاقي محمدا نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تراحي وتلقي من فواضله يدا

فبلغ خبره قريشاً، فرصدوه على طريقه، وقالوا: هذا صناجة العرب، ما مدح أحداً قط إلى رفع من قدره. فلما ورد عليهم قالوا له: أين أردت أبا بصير؟ قال: أردت صاحبكم هذا لأسلم، قال: إنه ينهاك عن خلال ويحرمها، وكلها بك رافق ولك موافق، قال: وما هن؟ فقال أبو سفيان: الزنا، فقال: لقد تركني الزنا وما تركته، وماذا؟ قال: القمار. قال: لعلي إن لقيته اصبت منه عوضاً من القمار، وماذا؟ قال: الربا، قال: ما دينت ولا ادينت قط، وماذا؟ قال: الخمر قال: أوه، أرجع إلى صبابة قد بقيت في المهراس فأشربها، فقال أبو سفيان: أبا بصير، هل لك في خير مما هممت به؟ قال: وما هو؟ قال، نحن وهو الآن في هدنة، فتأخذ مئة من الإبل، وترجع إلى بلدك سنتك هذه، فننظر ما يصير إليه أمرنا، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفاً، وإن ظهر علينا أتيته، قال: ما أكره ذاك. فقال أبو سفيان يا معشر قريش، هذا الأعشى، والله لئن أتى محمداً واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره، فاجمعوا له مئة من الإبل، ففعلوا وأخذها وانطلق إلى بلده. فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره فقتله، فدفن عناك، فإذا أراد الفتيان أن يشربوا خرجوا إلى قبره، وشربوا عنده، صبوا عليه فضلات الأقداح. وعن أبي هريرة قال: رخص رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شعر الجاهلية إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت في أهل بدر، وقصيدة الأعشى في عامر وعلقمة. وفي رواية: التي يذكر فيها الخوض. جمع عبد الملك بن مروان بنيه ذات يوم ومسلمة وسليمان فاستقرأهم فقرؤوا فأحسنوا، واستنشدهم فأنشدوا فأجادوا لكل شاعر غير الأعشى، فقال لهم: قرأتم فأحسنتم، وأنشدتم فأجدتم لكل شاعر غير الأعشى، فما لكم تهجرونه؟ قد أخذ في كل فن حسن

فأحسن، وما امتدح رجلاً قط إلا تركه مذكوراً، هذا عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وهما من بيت واحد، هجا علقمة فأخمله وكان شريفاً مذكوراً، ومدح عامر بن الطفيل فرفعه. قيل لمحمد بن مروان: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا عجب، والأعشى إذا طرب. دخل الشعبي على الأخطل فوجده ثملاً وحوله لخالخ ورياحين، فقال: يا شعبي، فعل الأخطل، وذكر أمهات الشعراء. فقال الشعبي: بماذا يا أبا مالك؟ قال: بقوله: " من الكامل " وإذا تعاورت الأكف زجاجها ... نفحت فنال رياحها المزكوم فقال الشعبي: أشعر منك الذي قال: " من الوافر " من اللائي حملن على الروايا ... كريح المسك تستل الزكاما فقال له الأخطل: من يقول هذا؟ قال: الأعشى، قال: قدوس قدوس، فعل الأعشى، وذكر أمهات الشعراء. قال الخطابي: تأمل أين منزلة أحدهما من الآخر؟! لم يزد الأخطل حين احتشد على أن جعل رائحتها لذكائها تنفذ حتى تخلص إلى الرأس فينالها المزكوم، وجعلها الأعشى لحدتها وفرط ذكائها مستلة للزكام طاردة له. كان سفيان يتمثل بأبيات الأعشى: " من الطويل "

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد بما كان أرصدا أنشد ابن الأعرابي للأعشى: " من المنسرح " استأثر الله بالوفاء وبال ... عدل وولى الملامة الرجلا الشعر قلدته سلامة ذا ال ... مفضال والشيء حيثما جعلا والشعر يستثير الكريم كما اس ... تنزل رعد السحابة السبلا قال حرب: لقيت الأعشى في الجاهلية، فقلت له: ما عنيت بقولك: " من الكامل " وسبية مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريالها قال: شربتها حمراء وبلتها بيضاء. قال المازني: لما قدمت سر من رأى دخلت على الخليفة فقال: يا مازني من خلفت وراءك؟ فقلت: خلفت أخية لي أصغر مني مقام الولد، قال: فما قالت لك حين خرجت؟ قال: طافت حولي وقالت وهي تبكي: أقول لك يا أخي كما قالت بنت الأعشى لأبيها: " من المتقارب " تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم

ميمون بن مهران

أبانا فلا رمت من عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم ترانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى وتقطع منا الرحم قال: فما قلت لها؟ قال: قلت: أقول لك، يا أخية، كما قال جرير لابنته: قال أبو سعيد: الصواب: كما قال لزوجته أو حزرة: " من الوافر " ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح فقال: لا جرم أنها ستنجح، وأمر لي بثلاثين ألف درهم. ميمون بن مهران أبو أيوب مولى بني أسد فقيه أهل الجزيرة. ولد سنة أربعين، ووفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر جنازة صلى عليها كبر أربعاً. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتخذوا هذه الحمام المقاصيص فإنها تلهو عن صبيانكم من الشياطين. وعنه قال: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم. وفي رواية: وهو صائم محرم. وقد ضعف قوم هذا الحديث. حدث ميمون عن مهران قال: أتيت صفية بنت شيبة، وهي امرأة كبيرة فسألتها: هل تزوج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميمونه وهو محرم؟ فقالت: لا، ولقد تزوجها وإنهما لحلالان.

قال عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران: نحن من سبي إصطخر. قال ميمون: كانت أمي لبني نصر بن معاوية من قيس عيلان وولدت أنا وأمي حرة، وكان أبي للأزد. قال ميمون: لقد أدركت من لم يتكلم إلا الحق أو يسكت، وأدركت من لم يكن يملأ عينيه من السماء فرقاً من ربه، وقد أدركت من كنت أستحي أن أتكلم عنده. كان عمر بن عبد العزيز إذا نظر إلى ميمون بن مهران قال: إذا ذهب هذا وقرنه صار الناس من بعدهم رجاجاً. قال سليمان بن موسى: إذا أتانا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا أتانا من الشام عن مكحول قبلناه، وإذا أتانا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا أتانا من العراق عن الحسن قبلناه. زاد في غيره: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام. سأل عبد الملك بن مروان عن فقيه أهل المدينة، فقيل: سليمان بن يسار، وعن فقيه أهل مكة، فقالوا: عطاء بن أبي رباح، وعن فقيه أهل اليمن، قالوا: طاووس، وعن فقيه أهل الجزيرة، فقيل: ميمون بن مهران، وعن فقيه أهل الشام، فقيل: مكحول، وعن فقيه أهل البصرة، فقيل: الحسن بن أبي الحسن، وعن فقيه أهل الكوفة، فقيل: سعيد بن جبير، فقال: ما أراهم إلا أبناء السبايا، ومحكول من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل. قال أبو المليح: ما رأيت أحداً أفضل من ميمون بن مهران، قال له رجل يوماً: يا أبا أيوب أتشتكي؟ أراك مصفراً! قال: نعم، لما يبلغني في أقطار الأرض. قال أبو الحسن الميموني: سمعت عمي عمراً يقول: ما كان أبي يكثر الصيام ولا الصلاة، كان يكره أن يعصى الله. وعن ميمون قال: لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا تعلموا النجوم.

وعن ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس: يا ميمون، لا تشتم السلف، وادخل الجنة بسلام. قال ميمون بن مهران: رجلان لا تصحبهما: صاحب مأكل سوء وصاحب بدعة. وقال: رجلان لا تعظهما، ليس تنفعهما العظة: رجل قد لهج بكسب خبيث، وصاحب هوى قد استغرق فيه. قال فرات بن سلمان: انتهينا مع ميمون بن مهران إلى دير القائم فنظر إلى الراهب فقال لأصحابه: فيكم من بلغ من العبادة ما بلغ هذا الراهب؟ قالوا: لا، قال: فما ينفعه ذلك ولم يؤمن بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالوا: لا ينفعه شيء، قال: كذلك لا ينفع قول إلا بعمل. قال فرات بن سلمان: كنت في مسجد ملطية، فتذاكرنا هذه الأهواء، فانصرفت إلى منزلي، فألقيت نفسي فنمت، فسمعت هاتفاً يهتف: الطريق مع ميمون بن مهران. قال جعفر بن برقان: لم يكن لميمون بن مهران مجلس في المسجد يعرف. دخل ميمون بن مهران على سليمان بن عبد الملك أو هشام منزله فلم يسلم عليه بالإمرة، فقال له: يا أمير المؤمنين، لا ترى أني جهلت، ولكن الوالي إنما يسلم عليه بالإمرة إذا جلس للناس في موضع الأحكام. استعمل عمر بن عبد العزيز ميمون بن مهران على الجزيرة، على قضائها وخراجها، فكتب إليه ميمون يستعفيه، وقال: كلفتني ما لا أطيق، أقضي بين الناس، وأنا شيخ كبير ضعيف رقيق. فكتب إليه عمر: اجب من الخراج الطيب، واقض بما استبان لك، فإذا التبس عليك أمر فارفعه إلي، فإن الناس لو كانوا إذا كبر عليهم أمر تركوه ما قام دين ولا دنيا.

وقيل: إن عمر كتب إليه: إني لم أكلفك تعباً في علمك ولا في جبايتك، فاجب ما جبيت من الحلال، ولا تجمع للمسلمين إلا الحلال الطيب. قال ميمون بن مهران: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا ميمون، إني أوصيك بثلاث فاحفظهن، قلت: يا أمير المؤمنين ما هن؟ قال: لا تخل بامرأة ليس بينك وبينها محرم، وإن قرأت عليها القرآن، ولا تصاف قاطع رحم، فإن الله عز وجل لعنه في آيتين من كتاب الله: آية " في الرعد " قوله: " والذين ... يقطعون ما أمر الله به أن يوصل " إلى آخر الآية، وفي سورة " محمد " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ". ولم يذكر الثالثة. وعن ميمون قال: وددت أن إحدى عيني ذهبت لي الأخرى أستمتع بها حياتي وإني لم أل، قال: قلت: ولا لعمر بن عبد العزيز؟ قال: لا خير في العمل لعمر ولا لغيره. قال عمرو بن ميمون بن مهران: خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررت بجدول فلم يستطع الشيخ يتخطاه، فاضطجعت له فمر على ظهري، ثم قمت فأخذت بيده، فدفعنا إلى منزل الحسن، فطرق الباب، فخرجت جارية سداسية فقالت: من هذا؟ فقلت: ميمون بن مهران، فقالت: كاتب عمر بن عبد العزيز؟ قتل: نعم، قالت: يا أسفا ما يقال: إن هذا للزمان السوء؛ فبكى الشيخ، فسمع الحسن بكاءه، فخرج غليه، فاعتنقا، ثم دخلا، فقال ميمون: يا أبا سعيد، إني قد أنست من قلبي غلظة " فأتيتك لتقرأ " لي منه، فقرأ الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم: " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون "؛ فسقط الشيخ فرأيته يفحص كما تفحص الشاة

المذبوحة، فأقام طويلاً، ثم أفاق، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ، قوموا فتفرقوا. فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: له: يا أبتاه، هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا، فوكز في صدري وكزة ثم قال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو تفهمتها بقلبك لألفى لها فيه كلوماً. قال ميمون: الظالم والمعين على الظلم والمجب له سواء. قال ميمون: التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح. وقال: لا يكون الرجل تقيأ حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وقال لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، وحتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه أمن حلال ذلك أم من حرام. قال أبان بن أبي راشد القشيري: كنت إذا أردت الصائفة أتيت ميمون بن مهران أودعه، فما يزيدني على كلمتين: اتق الله، ولا يغيرك غضب ولا طمع. وعن ميمون قال: يا أصحاب القرآن، لا تتخذوا القرآن بضاعة تلتمسون به الشف يعني الربح في الدنيا، والتسموا الدنيا بالدنيا، والتمسوا الآخرة بالآخرة. وقال ميمون: لا يزال أحدكم حديث عهد بعمل صالح، فإنه أهون عليه حين ينزل به الموت أن يتذكر عملاً صالحاً قد قدمه. وكان يقول: يا معشر الشباب قوتكم اجعلوها في شبابكم ونشاطكم في طاعة الله، يا معشر الشيوخ، حتى متى؟. وعن ميمون قال: لا خير في الدنيا إلى لأحد رجلين: رجل تائب أو رجل يعمل في الدرجات. وعنه قال: من أحب أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده، فإنه قادم على ما قدم لا محالة. قال حبيب بن أبي مرزوق: رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه، فقلت له: ما هذا؟ قال: نعم فلا تخبر به أحداً.

كان ميمون إذا رأى شاباً حسن العقل ولم يكن على طريقة حسنة أكرمه وابتدأه بالسلام إذا لقيه، وجاءه وسأله عن أهله وأظهر له براً، ثم يقول له: هاهنا مريض اذهب بنا نعوده، هاهنا جنازة اذهب بنا نحضرها، فيذهب فيقول للفتى أصحابه: رأيناك مع ميمون! أي شيء تصنع أنت مع ميمون؟ فيقول لهم: قال لي كذا وكذا فذهبت معه، فإذا لقيه ميمون مع أصحابه أعرض عنه كأنه لم يره، وإذا لقيته وحده سلم عليه، فلا يزال حتى ينسك. وعن ميمون قال: ما يعجبني الذي يجد طيلساناً ثم يلبس البت إلا أن يعدم الفضل، فأما أن يلبس - يعني البت - ويضع الدراهم بعضها على بعض فلا يعجبني. وعن ميمون قال: ما أحب أني أعطيت درهماً في لهو وأن لي مكانه ألفاً، لا يخشى من فعل ذلك أن تصيبه هذه الآية: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " الآية. وعن ميمون قال: ثلاث تؤدى إلى البر والفاجر: الرحم تصلها برة كانت أو فاجرة، والعهد تفي به للبر والفاجر، والأمانة تؤديها إلى البر والفاجر. وقال ميمون: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء:..... عاهدته تفي له بعهده مسلماً كان أو كافراً، فإنما العهد لله، ومن كانت له رحم فليصلها مسلماً كان أو كافراً، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً. وعنه قال: ثلاث: المؤمن والكافر فيهن سواء: الأمانة تؤديها إلى البر والفاجر، والعارية تؤديها إلى البر والفاجر، وبر الوالدين، قال الله عز وجل: " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ". قال خلف بن حوشب: تكارينا مع ميمون بن مهران دواباً إلى مكان كذا، فقال

ميمون: لولا أن الدواب بكراء لمررنا على آل فلان. جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب إليه بنته فقال: لا أرضاها لك! قال: ولم؟ قال: لأنها تحب الحلي والحلل، قال: فعندي من هذا ما تريد، قال: فالآن الذي لا أرضاك لها. قال ميمون بن مهران: بنفسي العلماء، وجدت صلاح قلبي في مجالستهم، هي بغيتي في أرض غربة، وهم ضالتي إذا لم أجدهم. وعن ميمون قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف الفقه، ورفقك في المعيشة يكفي عنك نصف المؤونة. وقدروي هذا مسنداً بإسناد ضعيف. قال رجل لميمون: يا أبا أيوب ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فقال له ميمون: أقبل على ثنائك أيها الرجل فما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم. قال ميمون: ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا كان إسقاط المكروه عنه أحب إلي ممن أتحققه عليه، فإن قال: لم أقل، كان قوله: لم أقل أكبر عندي من بينة تشهد عليه، وإن قال: قد فعلت، ولم يعتذر، أبغضته من حيث أحببته. قيل لميمون: مالك لا تفارق أخاً لك عن قلى؟ وفي رواية: ما لك لا يفارقك أخ لك عن قلى؟ قال: لأني لا أماريه ولا أشاريه. قال جعفر بن برقان: قلت لميمون بن مهران إن فلاناً يستبطئ نفسه في زيارتك، قال: إذا ثبتت المودة فلا بأس وإن طال المكث. قال ميمون: من رضي من صلة الإخوان بلا شيء فليؤاخ أهل القبور. قال ميمون: إذا نزل بك ضيف فلا تكلف له ما لا تطيق، وأطعمه من طعام

أهلك، والقه بوجه طلق، فإنك إن تكلفت له ما لا تطيق أوشك أن تلقاه بوجه يكرهه. وعن ميمون قال: المروءة طلاقة الوجه، والتودد إلى الناس، وقضاء الحوائج. كان ميمون صاحب ضيافة، وكان له مولى يأكل معه، يقال له زياد، فيأتي الضيف، فيؤتى بالقصعة من الزبد فيقول: كل يا زياد، فلعلك ليس عند أهلك غيرها، يريد بذلك الضيف، يسمع فلا يتكل ليأكل. كتب ميمون إلى ابنه: أن أحسن معونة فلان، وأعطه من مالك، فلا يسأل الناس، فإن المسألة تذهب الحياء. قال عيسى بن كثير الأسدي: مشيت مع ميمون بن مهران حتى أتى باب دار، ومعه ابنه عمرو، فلما أردت أن أنصرف قال له عمرو: يا أبه، ألا تعرض عليه العشاء؟ قال: ليس ذلك من نيتي. وفي حديث بمعناه قال: كرهت أن أعرض عليه أمراً لم يكن في نفسي. قال يونس: كان طاعون قبل بلاد ميمون بن مهران، فكتبت إليه أسأله عن أهله؛ فكتب إلي: بلغني كتابك تسألني عن أهلي، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنساناً وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن، أما أنت فعليك بكتاب الله، فإن الناس قد لهوا عنه، يعني نسوه، واختاروا عليه الأحاديث أحاديث الرجال، وإياك والجدال والمراء في الدين، لا تمارين عالماً ولا جاهلاً، فإنك إن ماريت الجاهل خشن بصدرك ولم يطعك، وإن ماريت العالم خزن عنك علمه ولم يبال ما صنعت. قال ميمون: من أساء سراً فليتب سراً، ومن أساء علانية فليتب علانية؛ فإن الناس يعيرون ولا يغفرون، والله يغفر ولا يعير. قال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي يا جعفر في وجهي ما أكره؛ فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره. قيل لميمون بن مهران: فلان اعتق كل مملوك له، فقال: يعصون الله مرتين: يبخلون به وهو في أيديهم حتى إذا صار لغيرهم أسرفوا فيه.

كان عند ميمون بن مهران رجل من قراء أهل الشام فقال: إن الكذب في بعض المواطن خير من الصدق، فقال الشامي: لا، الصدق في كل موطن خير، فقال ميمون: أرأيت لو رأيت رجلاً يسعى وآخر يتبعه بالسيف فدخل الدار فانتهى إليك؟ فقال: أرأيت الرجل؟ ما كنت قائلاً؟ قال: كنت أقول: لا، قال: فذاك. قال ميمون: إذا أتى رجل باب سلطان فاحتجب عنه فليأت بيوت الرحمن فإنها مفتحة وليصل ركعتين وليسل حاجته. وعن ميمون قال: قال لي محمد بن مروان في الديوان: ائت قلت: لا، قال: فما يمنعك أن تكتتب في الديوان؟ فيكون لك سهم في الإسلام؛ قلت: إني لأرجو أن يكون لي سهام في الإسلام، فقال: من أين ولست في الديوان؟ قلت: شهادة أن لا إله إلا الله وحده سهم، والزكاة سهم، وصيام رمضان سهم، والحج سهم، قال محمد: ما كنت أحسب أن لأحد في الإسلام سهماً إلا من كان في الديوان. قال: قلت: هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديواناً قط، وذلك أنه سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسألة فقال: استعف يا حكيم خير لك، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: ومني، قال لا جرم، لا أسألك ولا غيرك شيئاً أبداً، ولكن ادع الله أن يبارك لي في صفقتي، يعني التجارة، فدعا له. وعن ميمون قال: لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم. قال أبو المليح: سمعت عبد الكريم يقول: لا علم لنا بكم يا أهل الرقة، من رأيناه من جانب ميمون علمنا أنه مستقيم، ومن رأيناه يكره ناحيته علمنا أنه يأخذ ناحية الأخرى، يعني الجعد. صلى ميمون بن مهران في سبعة عشر يوماً سبعة عشر ألف ركعة، فلما كان اليوم الثامن عشر انقطع في جوفه شيء فمات. توفي ميمون سنة ست عشرة ومئة بالجزيرة. وقيل: سنة سبع عشرة ومئة. وقيل: سنة ثمان عشرة. وقيل: سنة تسع عشرة ومئة.

أسماء النساء على حرف الميم

أسماء النساء على حرف الميم مريم بنت عمران بن ماتان بن أليعازر منسوبة إلى سليمان بن داود عليهما السلام، الصديقة أم عيسى عليه السلام كانت بالربوة ويقال إن قبرها بالنيرب، ولم يصح. وعن الحسن: في قوله: " إلى ربوة ذات قرار ومعين " قال: إلى أرض مستوية ذات أنهار وأشجار، يعني به أرض دمشق. واسم أم مريم حنة. وعن سعيد: في قوله: " إني نذرت لك ما في بطني محرراً "، قال: للعبادة لا يشغله عنها. وقال سفيان: قالت: يخدم الكنيسة سنة، فملا وضعت جارية قالوا: كيف تخدم الكنيسة امرأة وهي تحيض؟! فألقوا الأقلام التي كانوا يكتبون بها الوحي، فاستهموا بالأقلام أيهم يكفل مريم، فخرج سهم زكريا، وكانت خالتها عنده، فكان عيسى ويحيى ابني خالة، وكانوا من بني إسرائيل. وعن ابن عباس: في قوله عز وجل: " إن الله اصطفى آدم ونوحاً " يعني اختار من الناس

لرسالته آدم ونوحاً، " وآل إبراهيم " يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، " وآل عمران على العالمين " يعني اختارهم للنبوة وللرسالة على عالمي ذلك الزمان، فهم " ذرية بعضها من بعض " فكل هؤلاء من ذرية آدم، ثم من ذرية نوح ثم من ذرية إبراهيم، " إذ قالت امرأة عمران " ابن ماتان، واسمها حنة بنت واقوذ، وهي أم مريم، " رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً " وذلك أن حنة أم مريم كانت جاشت على الولد والمحيض، فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخاً، فتحرك نفسها للود، فدعت الله أن يهب لها ولداً، فحاضت من ساعتها، فلما طهرت أتاها زوجها، فلما أيقنت بالولد قالت: لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محرراً. وبنو ماتان من فلول بني إسرائيل من نسل داود. والمحرر لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة، ويعبد الله، ويكون في خدمة الكنيسة، ولم يكن يحرر في ذلك الزمان إلا الغلمان؛ فقالت لزوجها: ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا، وإني جعلت ما في بطني نذيرة. تقول: قد نذرت أن أجعله لله، فهو المحرر. فقال زوجها: أرأيت إن كان الذي في بطنك أنثى، والأنثى عورة كيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك، فقالت عند ذلك حنة أم مريم: " رب إني نذرت لك ما في

بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " يعني تقبل مني ما نذرت لك، فاستجب لي بأن تنجيني من هذا سالمة بعد الإجابة. " فلما وضعتها قال: رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت " وقد كنت إلهي نذرت لك ما في بطني إن نجيتني فنيجتني " وليس الذكر كالأنثى " والأنثى عورة ثم قالت: " وإني سميتها مريم "، وكذلك كان اسمها عند الله، " وإني أعذيها بك وذريتها " يعني عيسى " من الشيطان الرجيم " يعني الملعون. فاستجاب الله لها؛ فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى. قال ابن عباس: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل ولد ابن آدم ينال منه الشيطان نطفته حين يقع بالأرض بإصبعه، ولها يستهل، إلا ما كان من مريم بنت عمران وابنها عيسى، لم يصل إبليس إليها. قال ابن عباس: لما وضعتها خشيت حنة أم مريم ألا تقبل الأنثى محررة، فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم - وكان إمام القراء من ولد هارون - أيهم يأخذها، فقال زكريا: - وهو رأس الأحبار - أنا آخذها وأنا أحقهم بها، أختها عندي، يعني أم يحيى، فقالت القراء: وإن كان في القوم من هو أفقر إليها منك، ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأمها ولكنها محررة غير أنا نتاهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي " أيهم يكفل مريم " يعني أيهم يقبضها، فقرعهم زكريا. وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع، ثم غطوها، فقالوا لبعض خدم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم: أدخل يدك، فأخرج قلماً منها، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا، فقالوا: لا نرضى، ولكن نلقي الأقلام في الماء، فمن خرج قلمه في

جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها، فألقوا أقلامهم في نهر الأردن، فارتفع قلم زكريا في جرية الماء، فقالوا: نقترع الثالثة، فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها، فألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا مع الماء، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء، وقبضها عند ذلك زكريا، فذلك قوله عز وجل: " وكفلها زكريا " يعني وقبضها، ثم قال: " فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً " يعني ورباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرت، وبنى لها زكريا محراباً في بيت المقدس، وجعل بابه في وسط الحائط، لا يصعد إليها إلا بسلم، وكان استأجر لها ظئراً، فلما تم لها حولان طعمت وتحركت، فكان يغلق عليها الباب، والمفتاح معه، لا يأمن عليه أحداً، لا يأتيها بما يصلحها غيره حتى بلغت. وقيل: إنهم لما خرجوا إلى نهر الأردن، وألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام، وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين، فأخذ الجارية. أصاب بني إسرائيل أزمة، ومرين عند زكريا على حالها حتى ضعف زكريا عن حملها، فخرج على بني إسرائيل فقال: تعلمون أني قد ضعفت عن حمل ابنة عمران، فقالوا: ونحن قد جهدنا من حمل هذه السنة، فتقارعوا بينهم، فخرج السهم على رجل من بني إسرائيل نجار، يقال له: جريج، فعرفت مريم في وجهه شدة مؤونة ذلك عليه، فقالت: يا جريج، أحسن الظن بالله، فإن الله سيرزقنا. فجعل الله يرزق جريجاً لمكانها منه، فيأتيها كل يوم رزقها غدوة وعشية وهي في الكنيسة. قال ابن عباس: فكان زكريا يقوم بشأنها، فكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله من محرابها،

فتكون مع خالتها وأختها يلسفع أم يحيى، فإذا طهرت ردها إلى بيت المقدس، فكان زكريا يرى عندهم في المحراب العنب في الشتاء الشديد فيأتيها به جبريل من السماء. وعن ابن عباس قال: كان بنو إسرائيل إذا أرادوا أن يحرروا للمحراب ولد أحد منهم لم يحرروه حتى يولد، فإن كان غلاماً فشاؤوا أن يحرروه لمهنة المحراب حرروه وإن كانت جارية لم يحرروها للمحراب، وإن امرأة عمران عجلت؛ فنذرت ما في بطنها " فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى " الآية. فحملتها على خرقة وأدخلتها المحراب وقالت: أقضي ما نذرت لله علي، فقالوا: ما هذه؟ قالت: كنت عجلت ونذرت ما في بطني محرراً لمهنة المحراب، فوضعتها أنثى، فجئت لأقضي ما جعلته لله علي، قالوا: وما شأن المحراب وشأن الأنثى، فألقى الله في قلوبهم محبة مريم، فقالوا: ما كنا نقبل الأنثى، سوف نقبل هذه. قال: فوضعتها بين أيديهم وخرجت، وتشاح القوم فيها، فقال لهم زكريا: أخت هذه الجارية عندي، وأنا أحق بها أن أكفلها، وكان في المحراب جدول يجري يشربون منه ويتوضؤون فيه، فلما رأى زكريا إباءهم عليه قال: بيني وبينكم أقلامنا التي نكتب بها التوراة، يجيء كل رجل بقلمه فيلقيه في هذا الجدول، فأي قلم منها شق الماء فقد كفله الله هذه الصبية. قالوا: نعم، فجاء كل رجل منهم بقلمه، وجاء زكريا بقلمه، فألقوها في الجدول، فذهب الماء بأقلامهم، واستقبل قلم زكريا الماء فجعل يشقه، فقال لهم زكريا: معه، قالوا: قد كفلكها الله تعالى، فأنبتها الله نباتاً حسناً، فجعل لها في المحراب بيتاً لا يدخل

عليها فيه إلا بإذنها، فكان زكريا يستأذن عليها؛ فتأذن له، فيدخل عليها، يسلم عليها، فتأتيه بمكيل عندها، فتضعه بين يديه، فيجد زكريا فيه عنباً في غير حين العنب، فيقول: " يا مريم أنى لك هذا؟ ". فتقول: " هو من عند الله ". وقيل: هو ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء الرمان في غير حينه. فرغب زكريا في الولد، " فقال: إن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها " لقادر " أن يصلح لي زوجي ويهب لي منها ولداً "، فدعا ربه، فأوحى الله إليه يبشره بيحيى " قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً "، " قال: رب اجعل لي آية قال: آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً ". قال أبو الحسن: يعني هي آية البشرى، فكان زكريا إذا قام يصلي لربه أطلق لسانه فيناجيه، فإذا خرج إلى أهل المحراب اعتقل لسانه، فيشير إليهم أن صلوا كما كنتم تصلون ثلاثة أيام. فلما بلغت مريم فبينا هي في بيتها متفضلة، إذ دخل عليها رجل بغير إذن، فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: " إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً، قالت: أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً، قال: كذلك قال ربك ". قال: فجعل جبريل يردد ذلك عليها، وتقول: " أنى يكون لي غلام ". قال: وتغفلها جبريل فنفخ في جيب درعها ونهض عنها، فاستمر بها حملها، فقالت:

إن خرجت نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب، ولكن أخرج نحو المشرق حيث لا يراني أحد، فخرجت نحو المشرق. فبينا هي تمشي إذ فجئها المخاض؛ فنظرت هل تجد شيئاً تستتر به؟ فلم تر إلا جذع النخلة؛ فقالت: أستتر بهذا الجذع من الناس، وكان تحت الجذع نهر يجري، فانضمت إلى النخلة، فلما وضعته خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجداً لوجهه، وفزع إبليس فخرج فصعد فلم يجد شيئاً ينكره، وأتى المشرق فلم يجد شيئاً ينكره، ودخل الأرض فلم يجد شيئاً ينكره، وجعل لا يصبر، فأتى المغرب لينظر فلم ير شيئاً ينكره، وجعل لا يصبر، فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة، فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته، وإذا الملائكة قد أحدقوا بها وبابنها وبالنخلة، فقال: هاهنا حدث الأمر، فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي أحدث؟ فكلمته الملائكة فقالوا: هذا نبي ولد بغير ذكر، قال: نبي ولد بغير ذكر؟ قالوا: نعم. قال: أما والله لأضلن به أكثر العالمين، أضل اليهود فكفروا به، وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله. قال: وناداها ملك من تحتها " قد جعل ربك تحتك سرياً "، والسري هو النهر بكلام أهل اليمن. قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي، ولا وضعته إلا على كفي، ليس هذا الغلام، لم أعلم به حين حملته أمه، ولم أعلم به حين وضعته. قال: وكان دعاء زكريا ربه لثلاث ليال بقين من المحرم، قام زكريا فاغتسل، ثم ابتهل بالدعاء إلى الله. قال: يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء، وثمار الشتاء في الصيف، " هب لي من لدنك " يعني من عندك " ذرية طيبة " يعني تقياً، فأخبر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقصة عبده زكريا، ودعائه ربه، وإجابة الله عز وجل وتخننه

عليه، فقال جل وعز: " كهيعص. ذكر رحمة ربك عبده زكريا ". قال ابن عباس: خمسة أحرف وخمسة أسماء مقطعة، يعني بكاف: كافياً لخلقه، ها: يعني هادياً لأوليائه، يا: يعني يميناً يحلف به عباده، عين: يعني عالماً بأعمال خلقه، صاد: يعني صادقاً وعده. ووهب الله له يحيى ولم يسم يحيى قبله. وقيل: إن جبريل عليه السلام نفخ ما بين جيبها ودرعها، فمكث ما يمكث النساء، فخرجت هاربة من أهلها نحو الشرق، وخرجوا في طلبها، فجعلوا لا يلقون أحداً إلا قالوا: هل رأيت فتاة من حالها كذا وكذا؟ فلقوا راعي بقر، فقالوا: يا راعي، هل رأيت فتاة كذا وكذا؟ قال: لا، رأيت من بقري شيئاً لم أره فيما مضى في ليلتي هذه، رأيتها تسجد نحو هذا الوادي. قال: وجاءها المخاض، فساندت إلى النخلة، و" قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " حيضة بعد حيضة، فناداها جبريل من أقصى الوادي: " قد جعل ربك تحتك سرياً، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً "، قالت: لا أدري شاتية أو صائفة، " فكلي واشربي وقري عيناً "، فوضعته وقطعت سرته، ولفته في خرقة، فحملته، فأقبلوا حيث رأوها، فأقعدته في حجرها، فأعطته ثديها، فجاؤوا فقاموا عليها فقالوا: " يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً " أي عظيماً، فمن أين لك هذا؟ "

ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً، فأشارت إليه " أن كلموه " قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً " والمهد حجرها، فنزع فمه من ثديها وجلس واتكأ على يساره، فقال: " إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً " حتى بلغ " فاختلف الأحزاب " والأحزاب: الناس. وفي حديث: أن مريم خرجت إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذا هي برجل معها، وهو قوله " فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً " وهو جبريل عليه الصلاة والسلام، ففزعت منه و" قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً "، فخرجت وعليها جلبابها، فأخذ بكمها فنفخ في جيب درعها، وكان مشقوقاً من قدامها، فدخلت النفخة صدرها، فحملت. فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة لتزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم أشعرت أني حبلى؟ قالت مريم: أشعرت أيضاً أني حبلى؟ قالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني سجد للذي في بطنك، فذلك قوله: " مصدقاً بكلمة من الله " وذكرت القصة. وعن ابن عباس: في قوله: " وبراً بوالديه " قال: كان لا يعصيهما، " ولم يكن جباراً " قال: لم يكن قتال النفس التي حرم الله قتلها " عصياً " يعني لم يكن عاصياً لربه، "

وسلام عليه " يعني حين سلم الله عليه " يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ". ولما وهب الله لزكريا يحيى، بلغ ثلاث سنين، بشر الله مريم بعيسى. فبينا هي في المحراب " إذ قالت الملائكة " وهو جبريل وحده: " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك " من الفاحشة " واصطفاك " يعني اختارك " على نساء العالمين " عالم أمتها " يا مريم اقنتي لربك " يعني صلي لربك، يقول: اذكري لربك في الصلاة بطول القيام، فكانت تقوم حتى ورمت قدماها، " واسجدي واركعي مع الراكعين " يعني مع المصلين، مع قراء بيت المقدس. والقنوت: طاعة الله عز وجل. وقيل: " اقنتي لربك " سجدت حتى نزل الماء الأصفر في عينها. يقول الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " يعني بالخبر الغيب في قصة زكريا ويحيى ومريم، و" ما كنت لديهم " يعني عندهم " إذ يلقون أقلامهم " في كفالة مريم. ثم قال: يا محمد، يخبر بقصة عيسى " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا " يعني مكيناً عند الله في الدنيا ومن المقربين في الآخرة " ويكلم الناس في المهد " يعني في الخرق في محرابه " وكهلاً " ويكلمهم كهلاً إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء " ومن الصالحين " يعني من المرسلين.

وفي حديث: لما استقر حمل مريم، وبشرها جبريل؛ فوثقت بكرامة الله، واطمأنت وطابت نفساً، واشتد أزرها. وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف، وكان يخدمها من وراء الحجاب، ويكلمها، ويناولها الشيء من وراء الحجاب، وكان أول من اطلع على حملها هو، واهتم لذلك، وأحزنه، وخاف منه البلية التي لا قبل له بها، ولم يشعر من أين أتيت مريم، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان متعبداً حيكماً، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه ونشأ معها. وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المغارة التي فيها الماء، فيملأان قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة، والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك " فيعجب يوسف مما يسمع. فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها، وما وعد الله أمها أنه معيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وما سمع من قول الملائكة: " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك " فذكر الفضاء التي فضلها الله عز وجل بها، وقال: إن زكريا قد أحرزها في المحراب؛ فلا يدخل عليها أحد، وليس للشيطان عليها سبيل؛ فمن أين هذا؟ فلما رأى من تغير لونها، وظهر بطنها، عظم ذلك عليه وتحير فيه رأيه وعقله، وخاف الإثم من التهمة وسوء الظن بها. فعض لها فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قالت: إن الله خلق البذر الأول من غير نبات، وأنبت الزرع الأول من غير بذر، ولعلك تقول: لم يقدر أن يخلق الزرع الأول إلا بالبذر، ولعلك تقول:

لولا أنه استعان عليها بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يخلقه ولا ينبته. قال يوسف: أعوذ بالله أن أقول ذلك، قد صدقت، وقلت بالنور والحكمة، كما قدر أن يخلق الزرع الأول وينبته من غير بذر يقدر على أن يجعل زرعاً من غير بذر. قال لها يوسف: أخبريني فهل ينبت الشجر من ماء ولا مطر؟ قالت: ألم تعلم أن للبذر والزرع والماء والمطر والشجر خالقاً واحداً؟ فلعلك تقول: لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر! قال: أعوذ بالله أن أقول ذلك، قد صدقت وتكلمت بالنور والحكمة، فأخبريني هل يكون ولد أو حبل من غير ذكر؟ قالت: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قالت: ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر؟ قال: بلى. قال لها: فأخبريني خبرك، قالت: بشرني الله " بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم " إلى قوله: " ومن الصالحين ". فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله بسبب خير أراده بمريم، فسكت عنها، فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق، فنوديت: أن اخرجي من المحراب، فخرجت. وعن أبي وائل قال: لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية حتى قالت: " إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ". وقيل: إن مريم حملت بعيسى تسعة أشهر، وأن زكريا النجار هو القائل لها: أخبريني: هل يكون زرع من غير بذر. الحديث. وقيل: لم يكن في حمل مريم إلا أن حملت ثم وضعت.

وقيل: إنها وضعت لثمانية أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر إلا مات لئلا تسب مريم بعيسى عليه السلام. وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس شيء من الشجر يلقح غيرها، وأطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فالتمر، فليس شيء من الشجر أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران ". كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: إن رسلي أخبروني أن قبلكم شجرة تحمل مثل أذان الحمر، ثم تفلق عن مثل اللؤلؤ الأبيض ثم تغبر ثم تصير مثل الزمرد الأخضر، ثم تغبر فتصير مثل الياقوت الأحمر، ثم تينع ثم تنضج فتصير مثل الفالوذجة، فتصير عصمة للمقيم وزاداً للمسافر، فإن رسلي صدقوني فإن هذه شجرة من شجر الجنة. فكتب إليه عمر: أما بعد، فإن رسلك قد صدقوا، وهي شجرة عندنا يقال لها النخلة، وهي التي أنبتها الله على مريم حين نفست، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله، فإنما " مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين ". وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر، فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها ذلك حليماً، فإنه كان طعام مريم حيث ولدت عيسى، ولو علم الله طعاماً هو خير لها من التمر لأطعمها إياه ". وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم له، فأطعمها الجراد،

فقالت: اللهم أعشه بغير رضاع، وتابع بينه بغير شياع. قيل: ما الشياع؟ قال: الصوت. قال عمرو بن ميمون: خير الطعام للنفساء التمر والرطب يريد قوله عز وجل: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ". وعن الحسن: سأله رجل: يا أبا سعيد ما تقول في قوله عز وجل: " قد جعل ربك تحتك سرياً "، قال الحسن: عبداً صالحاً تقياً، فقال أعرابي وهو قائم يسمع إلى حديث الحسن: إنا لا نقول ذلك، ولكن نقول: سرياً يعني جدولاً نهراً صغيراً، قال الحسن: أحسنت يا أعرابي بمثلها فأفدنا. قال ابن عباس: وذلك أنه أصابها العطش، فأجرى الله لها جدولاً من الأردن، وحمل الجذع من ساعته رطباً جنياً يعني بغباره، فناداها من تحتها جبريل: " هزي إليك بجذع النخلة " ولم يكن على رأسها سعف، وكانت قد يبست منذ دهر طويل، فأحياها الله لها، وحملت، فذلك قوله: " تساقط عليك رطباً جنياً " يعني طرياً بغباره، " فكلي " من الرطب " واشربي " من الجدول " وقري عيناً " بولدك. فقالت: فكيف لي إذا سألوني: من أين هذا؟ قال لها جبريل: " فإما

ترين " يعني: فإذا رأيت " من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً " يعني صمتاً في أمر عيسى " فلن أكلم اليوم إنسياً " في أمره حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه. الحديث. فطلبوها فلما رأت قومها قد أقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به، فذلك قوله: " فأتت به قومها تحمله " أي لا تخاف ريبة ولا تهمة، فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته، وجعل التراب على رأسه وإخوتها وآل وكريا، فقالوا: " يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً " يعني عظيماً " يا أخت هارون ". وقال ابن عباس: في قوله عز وجل: " فأتت به قومها تحمله " قال: بعدما تعالت من نفاسها، بعد أربعين يوماً. وعن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل نجران، فقالوا: ألستم ترؤون: " يا أخت هارون " وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى من القرون؟ فلم أدر ما أجيبهم، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم. وعن مجاهد: في قول الله عز وجل: " يا أخت هارون " قال: كان رجل صالح في بني إسرائيل حضر جنازته أربعون ألفاً ممن اسمه هارون سواه.

وقال مجاهد: كان رجلاً صالحاص يسمى هارون بني إسرائيل، فشبهوها به فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح. وقال ابن عباس: " يا أخت هارون " إنما كانت من آل هارون. وعن ابن عباس: " ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً " يعني زانية، فأنى أتيت هذا الأخ الصالح، والأب الصالح، والأم الصالحة؟ فأشارت إليه أن كلموه فإنه سيخبركم، وإني نذرت لله صوماً ألا أكلمكم في أمره؛ فإنه سيعبر عني ويكون لكم آية وعبرة. قالوا يا عجباً " كيف نكلم من كان في المهد صبياً " يعني من هو في الخرق صبياً طفلاً لا ينطق إلا إن أنطقه الله عز وجل، فعبر عن أمه، وكان عبرة لهم، فقال: " إني عبد الله " فلما أن قالها ابتدأ يحيى - وهو ابن ثلاث سنين - فكان أول من صدق به، فقال: أنا أشهد أنك عبد الله ورسوله، لتصديق قول الله: و" مصدقاً بكلمة من الله " فقال عيسى: " آتاني الكتاب وجعلني نبياً " إليكم، " وجعلني مباركاً أينما كنت ". قال ابن عباس: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البركة التي جعلها الله لعيسى أنه كان معلماً مؤدباً حيثما توجه، فذلك قوله: " أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً "، يعني وأمرني بالصلاة والزكاة " وبراً بوالدتي ".

قال ابن عباس: حين قال: " وبراً بوالدتي " قال زكريا: الله أكبر، فأخذه فضمه إلى صدره. قال ابن شوذب: كانت لرجل جارية، وكان يطؤها سراً من أهله، فوطئها فقال لأهله: اغتسلوا فإن مريم كانت تغتسل في هذه الليلة، قال: وكانت مريم تغتسل في كل ليلة. وعن علي عليه السلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير نسائها مريم بنت عمران هي خير نسائها يومئذ وخير نسائها خديجة بنت خويلد ". وفي رواية عنه: " خير نساء لجنة مريم بنت عمران وخير نساء الجنة خديجة بنت خويلد ". وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أربع نسوة سادات عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهن عالماً فاطمة ". وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، صلوات الله عليهن أجمعين ".

وعنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وعليهن وسلم ". وعن عائشة: أنها قالت لفاطمة: أرأيت حين أكببت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبكيت، ثم أكببت فضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أكببت فأخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به، قال: " وأنت سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران "؛ فضحكت. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران ". وعن علي: أن فاطمة شكت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ألا ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأحلمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟! أما ترضي أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا ما جعل الله لمريم بنت عمران، وأن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة؟! ". وعن عمار بن سعد قال: رأت عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقطع اللحم لفاطمة وابنيها، فقالت: يا رسول الله لابنة الحمراء وحيش من رأيته تقطع اللحم، فغضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فترك عائشة لا يكلمها، وأن أم رومان كلمته فقالت: يا رسول الله إن عائشة هنة

فلا تؤاخذها، فقال: " وتدرين ما قالت؟! إنها قالت: كذا وكذا في خديجة، وقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين ". وعن عتبة بن عبيد الثمالي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أقسمت لبررت، لا يدخل الجنة قبل سابق أمتي إلا بضعه عشر رجلاً منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومريم بنة عمران ". وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، ولو علمت أن مريم ركبت الإبل ما فضلت عليها أحداً من النساء ". وعن أبي موسى أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". وعن ابن عمر قال: نزل جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أرسل به، وجلس يحدث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مرت خديجة بنت خويلد، فقال جبريل: من هذه يا محمد؟ قال: هذه صديقة أمتي، قال جبريل: معي إلياه رسالة من البر تبارك وتعالى يقرئها السلام، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب، لا نصب فيه ولا صخب. قالت: الله السلام ومنه السلام، والسلام عليكما، ورحمة الله وبركاته على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما ذلك البيت الذي من قصب؟ قال: لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم، وهما من أزواجي يوم القيامة. وعن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على خديجة وهي في الموت فقال: يا خديجة، إذا لقيت ضرائرك فاقريهن مني السلام، قالت: يا رسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكلثم أخت موسى.

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعلمت أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون " فقلت: هنيئاً لك يا رسول الله. وعن ابن أبي رواد قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خديجة في مرضها الذي توفيت فيه، فقال لها: بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراً، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون؟ قالت: وقد جعل الله ذلك بك يا رسول الله؟ قال: نعم، قالت: بالرفاء والبنين. وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصخرة صخرة بيت المقدس على نخلة، والنخلة على نخر في أنهار الجنة، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران ينظمان سموط أهل الجنة يوم القيامة ". كان من دعاء مريم أم عيسى: اللهم املأ قلبي منك فرحاً وغش وجهي منك الحياء. وكان من دعاء بعض التابعين: اللهم وأمت قلبي بخوفك وخشيتك، وأحيه بحبك وذكرك. قال يحيى بن حبيب: بلغني أن أهل بيت من بني إسرائيل كانوا أهل بيت الملك، قال: فاندست إليهم مريم إلى نسائهم فقالت: هذا الملك قد ظفر بعيسى فقتله وصلبه فما يصنع بصلبه وقد بلغ حاجته منه، فلو كلمتم صاحبكم أو من يكلمه أن يهب لي جسده، قال: فكلم، فوعدهم أن يفعل. قال: فوجد منه خلوة قال: فذكروا له أن أهل هذا البيت كانوا منقطعين إلينا، وقد ظفرت به وقتلته، وبلغت حاجتك منه فما تصنع بصلبه؟ هب لي جسده، قال: نعم، قد وهبت لك.

قال: فاستنزل ودفن، قال: وأهل الفتى الذي ألقي عليه شبه عيسى قد فقدوه وهم يبكون ولا يدرون ما فعل. فقالت مريم لأم يحيى: انطلقي بنا نزور قبر المسيح، وهم لا يرون إلا أنه عيسى. قال: فخرجتا تمشيان مستترتين، فلما أن برزتا تركتا بعض التستر. فبينما هما تمشيان إذ تسترت مريم حين دنت من القبر، وجعلت أم يحيى لا تستتر: قالت لها مريم: ما لم لا تستترين؟ قالت: وممن أتستر؟ قالت: أو ما ترين الرجل على قبر المسيح؟ قالت لها أم يحيى: ما أرى أحداً. قالت: لا، قال: فزجت مريم أن يكون جبريل، قال: ولم يكن لها عهد بجبريل بعد الوقعة الأولى، فقالت لأم يحيى: كما أنت لا تبرحي، ومضت إلى القبر، فقال لها جبريل: يا مريم، أين تريدين؟ قال: فعرفته، فقالت: أريد قبر المسيح أسلم عليه وأحدث به عهداً. قال: يا مريم، إن هذا ليس المسيح، إن الله قد رفع المسيح وطهره من الذين كفروا، ولكن هذا الفتي الذي ألقي عليه شبه عيسى، فأخذ وقتل وصلب، وعلامة ذلك أن أهله قد فقدوه فلا يدروه ما فعل، فهم يبكون عليه، فإذا كان يوم كذا وكذا فأتي غيضة كذا وكذا فإنك تلقين المسيح. قال: فرجعت إلى أختها، وصعد جبريل، فأخبرت أم يحيى أن جبريل، وما أخبرها جبريل من إتيان الغيضة، فإذا هي بعيسى في الغيضة، فلما رآها أسرع إليها فأكب عليها، وقبل رأسها، وجعل يدعو لها، كما كان يفعل، وقال: يا أمه، إن القوم لم يقتلوني، ولكن الله رفعني إليه وأذن لي في لقائك، والموت يأتيك قريباً، فاصبري واذكري الله، ثم صعد عيسى، ولم تلقه إلا تلك اللقاة حتى ماتت. وقيل: إن مريم بقيت بعد رفع عيسى خمس سنين، وكان عمرها ثلاثاً وخمسين سنة.

مرية ويقال مرية

مريّة ويقال مُرّية امرأة هشام بن عبد الملك ومروان بن محمد ويقال: إنها بنت مروان بن محمد قال الفضل بن يعقوب: كنت آلف زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وأكتب عنها أخبار أهلها، وكانت لها جارية يقال لها: كتاب، فوقعت في نفسي، فبكرت إليها يوماً وقلت: لي حاجة، قالت: سل ما أحببت، فقلت: إن كتاب جاريتك قد شغلت قلبي علي فهبيها لي؛ فقالت: اقعد أحدثك حديثاً كان أمس أنفع لك من كل كتاب على ظهر الأرض، وأنت من كتاب على وعد: كنت أمس عند الخيزران، وعادتها إذا كنت عندها أن تجلس في عتبة الرواق المقابل للإيوان، وأجلس بإزائها، وفي الصدر مجلس للمهدي معد وهو يقصدنا في كل وقت، فيجلس ساعة ثم ينهض. فبينا نحن كذلك إذ دخلت عليه جارية من جواريها اللاتي كن يحجبنها، فقالت: أعز الله السيدة، بالباب امرأة، لها جمال وخلقة حسنة، ليس وراء ما هي عليه من سوء الحال غاية، تستأذن عليك، وقد سألتها عن اسمها، فامتنعت أن تخبرني، فالتفتت إلي الخيزران، فقالت: من ترين؟ فقلت: أدخليها؛ فإنه لا بد من فائدة أو ثواب. فدخلت امرأة كأجمل النساء وأكملهن لا تتوارى، فوقفت إلى جانب عضادة الباب، فسلمت متضائلة، ثم قالت: أنا مرية بنت مروان بن محمد الأموي، فقالت زينب: وكنت متكئة فاستويت جالسة فقلت: مرية، فإياك لا حيا لله ولا قرب، والحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلك، تذكرين، يا عدوة الله، حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن لي في الدفن لإبراهيم بن محمد فوثبت عليهن وأسمعتهن ما أسمعت، وأمرت بإخراجهن، فأخرجن على الجهة التي أخرجن عليها؟

قال: فضحكت، فما أنسى حسن ثغراه وعلو صوتها بالقهقهة، ثم قالت: أي بنت عم، أي شيء أعجبك من حسن صنيع الله لي على العقوق حتى أردت أن تتأسي بي فيه؟ الله، إني فعلت بنساء من أهل بيتك ما فعلت، فأسلمني الله إليك ذليلة جائعة عريانة، فكان هذا مقدار شكرك لله على ما أولاك في، ثم قالت: السلام عليكم وولت. فصاحت بها الخيزران: ليس هذا لك، علي استأذنت، وإلي قصدت، فما ذنبي؟ فرجعت وقالت: لعمري لقد صدقت يا أخية، وكان مما ردني إليك ما أنا عليه من الضر والجهد. قالت زينب: فنهضت إليها الخيزران فتعانقها، فقالت: ما في لذلك موضع مع الحال التي أنا عليها، فقالت لها الخيزران: فالحمام إذاً، وأمرت جماعة من جواريها بالدخول معها إلى الحمام وتنظيفها. فدخلت، فطلبت ماشطة ترمي ما على وجهها من الشعر، فخرجت جارية من جواري الخيزران وهي تضحك، فقالت لها الخيزران: ما يضحكك؟ قالت: من هذه المرأة ومن تحكمها علينا وانتهارها لنا، فإنها تفعل من ذلك فعلاً ما تفعلينه أنت!. فلم تزل حتى خرجت من الحمام، فوافتها الخلع والطيب، فأخذت من الثياب ما أرادت، وتطيبت، وخرجت، فعانقتها الخيزران، وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه المهدي. فقالت لها الخيزران: هل لك في الطعام؟ فإنا لم نطعم بعد، فقالت: ما فيكن أحد أحوج إليه مني، فعجلوه. فأتي بالمائدة فجعلت تأكل غير محتشمة، وتلقمنا، وتضع بين أيدينا، ثم غسلنا أيدينا. فقالت لها الخيزران: من وراءك ممن تعنين به؟ فقالت: ما خارج هذه الدار أحد من خلق الله بيني وبينه سبب؛ فقالت الخيزران: إن كان هذا هكذا فقومي بنا حتى تختاري لنفسك مقصورة من مقاصرنا، وأحول إليها جميع ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق حتى يفرق بيننا الموت.

ملكة بنت داود بن محمد بن سعيد القرطكي

فقامت، وطفنا بها في المقاصر، واختارات أوسعها، وأنزهها، ولم نبرح حتى حول إليها جميع ما تحتاج إليه من الفرش والكساء والخزائن والرقيق، وخرجنا عنها. فقالت الخيزران: إن هذه المرأة كانت فيما كانت فيه، وقد مسها ضر، وليس يغسل ما في قلبها إلا المال، فاحملوا إليها خمس مئة ألف درهم، فحملت إليها. ووافانا المهدي، فحدثته حديثها، فوالله ما انتظر أن أعرف الجواب حتى وثب في وجهي مغضباً، فقال: زينب، الله! إن هذا مقدار شكرك الله على نعمته، وقد أمكنك الله من مثل هذه المرأة على هذه الحال التي هي عليها، فوالله لولا محلك من قلبي لحلفت ألا أكلمك أبداً، فقلت: قد اعتذرت إليها ورضيت، ثم قصصت عليه قصتها كلها، وما فعلت الخيزران بها، فقال لخدام كان معه: احمل إليها مئة بدرة، وادخل إليها أبلغها مني السلام، وقل لها: والله، ما سررت من دهر مثل سروري اليوم بمكانك، وأنا أخوك ومن يوجب حقك، فلا تدعي حاجة إلا سألتها، ولولا أني أكره أن أحشمك لصرت إليك مسلماً عليك وقاضياً لحقك. فمضى الخادم بالمال والرسالة؛ فأقبلت إلينا معه، فسلمت على المهدي، وشكرت له فعله، وأثنت على الخيزران عنده، وقالت: ما علي من أمير المؤمنين حشمة، أنا في عدد حرمه. وقعدت ساعة، ثم قامت إلى منزلها، فخلفها عند الخيزران كأنها لم تزل في ذلك القصر. فهذا الحديث خير لك من كتاب، وقد وهبت لك كتاب. ملكة بنت داود بن محمد بن سعيد القرطكي العالمة الصوفية من المعمرات

مؤمنة بنت بهلول

حدثت عن الشريف أبي إبراهيم أحمد بن القاسم بن الميمون بن حمزة بسندها إلى عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ". ولدت سنة ثلاث وأربع مئة، وتوفيت سنة سبع وخمس مئة. مؤمنة بنت بهلول إحدى النسوة العابدات. قال ابن أبي الحواري: سمعت مؤمنة تقول: إلهي وسيدي لا تجمع علي الأمرين: فقدانك والعذاب. قال: وسمعتها تقول: ما طابت الدنيا والآخرة إلا به ومعه. وقالت: الغافل ينام ولا يقوم، ولا تطيب ساعة لا يكون فيها ذكر الله عز وجل. وقالت مؤمنة: ما النعيم إلا في الأنس بالله والموافقة لتدبيره. قال ابن أبي الحواري: قالت لي مؤمنة الصغيرة: أنا في شيء قد شغل قلبي، قلت: ما هو؟ قالت: أريد أن أعرف نعمة الله علي طرفة عين، أو أعرف تقصيري عن شكر النعمة طرفة عين، فقلت لها: أنت تريدين ما لا تهتدي إليه عقولنا. مهدية بنت إبراهيم بن محمد ابن صالح بن سنان القرشي وجدت في كتاب أبيها بسنده إلى النعمان بن بشير أنه قال على منبر الكوفة، وهو يغمز أذنيه: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات متى يدعهن المرء

ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة

يكن استبرأ لعرضه ودينه، ومن يرتع فيهن يوشك أن يرتع في الحرام كالمرتع إلى جانب الحمى يوشك أن يقع في الحمى، ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه ". ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة ابن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان، وأم يزيد بن معاوية كانت لبيبة. دخل عليها معاوية ومعه حديج الخصي فاستترت منه، فقال لها معاوية: إن هذا بمنزلة المرأة، فعلام تستترين منه؟ فقالت له: كأنك ترى أن المثلة أحلت له مني ما حرم الله عليه. وحدثت ميسون عن معاوية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيكون قوم ينالهم الإخصاء، فاستوصوا بهم خيراً ". أو نحو هذا من الكلام. وميسون: بياء معجمة باثنتين تحتها، وسين غير معجمة وبالنون. ولما تزوجت ميسون معاوية، ونقلت إلى دمشق، وأسكنت قصراً من قصور الخلافة، حنت ذات يوم إلى البادية، فأنشأت تقول: - وقيل: إنه أسكنها الخضراء؛ فذكرت البداوة، وكرهت الحضارة فقالت: - " من الوافر " للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف وبكر يتبع الأظعان صعب ... أحب إلي من بغل زفوف

مية مولاة معاوية بن أبي سفيان

وخرق منن بني عمي نجيب ... أحب إلي من علج عليف وكلب ينبح الطراق عني ... أحب إلي من قط ألوف عليف: أي سمين، والقط هاهنا: السنور، والقط: الكتاب، والقط: ساعة من الليل. فقال معاوية: جعلتني علجاً وطلقها، وألحقها بأهلها. ميّة مولاة معاوية بن أبي سفيان وقف ابن الزبير على باب مية، مولاة كانت لمعاوية ترفع حوائج الناس إليه. قال عمر بن شبة: فقلت: يا أبا بكر، على مية؟ قال: نعم، إذا أعيتك الأمور من رؤوسها فأتها من أذنابها. قال: وأتى لمية عبد لرحمن بن الحكم بن أبي العاص بقرطاس فقال: فيه حاجة لي فارفعيها إلى أمير المؤمنين، فدفعته إلى معاوية، فقرأه، فقال: يا مية، ما أحسب هذا الرجل إلا كاذباً! قالت: لا يفعل يا أمير المؤمنين، ما يقول إلا حقاً، قال: أتدرين ما كتب؟ قالت: لا والله، فقرأ عليها: " من الرمل " سائلاً مية هل نبهتها ... بعدما نامت بعرد ذي عجر فتخاجب فتقاعست لها ... جلست الجازر يستجي الوتر فقال: كذب عليه لعنة الله. أسماء الرجال على

حرف النون

حرف النون نابت بن يزيد حدث عن الأوزاعي بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها أنها كانت تقول: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " مكارم الأخلاق عشر تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في الابن ولا تكون في أبيه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، يقسمها الله لمن أراد به السعادة: صدق الحديث، وصدق البأس، وإعطاء السائل، والمكافأة للصنائع، وحفظ الأمانة، وصلة الرحم، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وإقراء الضيف، ورأسهن الحياء ". ناتل بن قيس بن زيد بن حباء ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن حبيب بن ذبيان بن عوف الجذامي من أهل فلسطين. وإنما سمي جذام جذاماً لأنه جذمت إصبع من أصابعه. وكان قيس سيداً وفد إلى سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلم، وعقد له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني سعد بن مالك بن أفصى، وابنه ناتل جذام بالشام، وشهد ناتل صفين مع معاوية، وكان يومئذ على لخم وجذام. وناتل: بالتاء معجمة من فوقها بنقطتين، شامي.

قال سليمان بن يسار: تفرق الناس على أبي هريرة، فقال له ناتل أخو أهل الشام: يا أبا هريرة، حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول الناس يقضى فيه يوم القيامة رجل أتى به الله فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ فقال: قاتلت في سبيلك حتى استشهدت؛ فقال: كذبت، إنما أردت أن يقال: فلان جريء، فقد قيل، فأمر به، فسحت على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم والقرآن، فأتى به الله، فعرفه نعمه؛ فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وقرأت القرآن، وعلمته، قيل: فقال: كذبت، إنما أردت أن يقال: فلان عالم، وفلان قارئ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل آتاه الله من أنواع المال، فأتى به الله فعرفه نعمه، فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ فقال: ما تركت - ذكر كلمة معناها: من سبيل - تحب أن ينفق فيه إلا أنفقه فيه لك قال: كذبت، إنما أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ". حدث الوليد بن هشام، قال: وقع موتان في دمشق فخرج معاوية ومعه زمل بن عمرو وناتل بن قيس، قال همام بن قبيصة النميري: فأقبلت على بغلتي، فأدخلت رأسها بين معاوية وبين زمل، فضن بمكانه، ففعلت مثل ذلك بناتل، فضن بمكانه، فأرسلت عنانها خلفهم، فسمعته يقول: أنا أحدثكم عن سلفنا: ذهب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفضل لا يوصف، ثم ولي أبو بكر، فلم يرد الدنيا، ولم ترده، ثم ولي عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، ثم ولي عثمان فأرادته الدنيا وأرادها، ونالت منه، ونال منها، وايم الله، ما بلغ أحسن عملي الذي أحمد عليه ذنب عثمان الذي قتل عليه، ثم مضى، فلما أشرف على الغوطة قال: ويل أمها بستان رجل، فقلت: أرأيت أمير المؤمنين؟ يعني: لا أشبع الله بطنك تمنى الغوطة! قال: يا جباً هذه نمير تعارني في الغوطة.

بلغ معاوية في ليلة أن قيصر يعد له في الناس، وأن ناقل بن قيس الجذامي غلب على فلسطين، وأخذ بيت مالها، وأن المصريين الذي كان سجنهم هربوا، وأن علي بن أبي طالب قصد له في الناس؛ فقال لمؤذنه أذن، هذه الساعة وذلك نصف الليل، فجاءه عمرو بن العاصي، فقال: لم أرسلت إلي؟ قال: ما أرسلت إليك! قال: ما أذن المؤذن هذه الساعة إلا من أجلي، قال: رميت بالقسي الأربع. قال عمرو: أما قولك: الذين خرجوا من سجنك، فهم في سجن الله، وهم سراة لا رحلة لهم، فاجعل لمن أتاك برجل منهم أو برأسه ديته، فإنك ستوفى بهم، وانظر قيصر فوادعه وأعطه مالاً وحللاً من حلل مصر حتى يرضى منك بذلك، وانظر ناتل بن قيس فلعمري ما أغضبه الدين، وما أراد غلا ما أصاب، فاكتب إليه فهبه ذلك، فإن كانت لك قدرت عليه، وإن لم تكن لك فاجعل حدك وحديدك لهذا الذي عنده دم ابن عمك. قال: وكان القوم كلهم خرجوا من سجنه غير ابن أبرهة بن الصباح، فقال معاوية: ما منعك أن تخرج مع أصحابك؟ قال: ما منعني عنه بغض لعلي ولا حب لك، ولكن ما أقدر عليه، فخلى عنه. قال يعقوب: سار ناتل بن قيس في أربعة آلاف من قبل ابن الزبير. وقيل: إن ناتل نزل أرض فلسطين، وقيل: نزل أجنادين فالتقى القوم، فقتل ناتل وابنه ووجوه فرسان عسكره. قال الليل: ففي سنة وستين غزوة بطنان، ومقتل ناتل. قالوا: وفيها مقتل عبيد الله بن زياد وأصحابه.

ناشب بن عمرو أبو عمرو الشيباني

ناشب بن عمرو أبو عمرو الشيباني من دمشق، وقيل: إنه مدني. حدث عن مقاتل بن حبان بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به، ومن لم يفعل فهو أفضل، لأن الوضوء نور يوم القيامة مع سائر الأعمال ". وحدث عنه بسنده إلى الحسن بن علي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أكثروا الصلاة علي، فإن صلاتكم علي مغفرة لذنوبكم، واطلبوا لي الدرجة " و" الوسيلة، فإن وسيلتي عند ربي شفاعة لكم ". ناشرة بن سمي اليزني المصري أدرك حياة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد خطبة عمر بالجابية. قال ناشرة: سمعت عمر يقول يوم الجابية وهو يخطب: إن الله جعلني خازناً لهذا المال وقاسماً له، ثم قال: بل الله يقسمه، وأنا باد بأهل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أشرفهم. ففرض لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة آلاف إلى جويرية وصفية وميمونة؛ وقالت عائشة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعدل بيننا، فعدل بينهن عمر، ثم قال: إني باد بأصحابي المهاجرين الأولين، فإنا أخرجنا من ديارنا ظلماً وعدواناً، ثم أشرفهم، ففرض لأهل بدر خمسة آلاف، ولمن شهد بدراً من الأنصار أربعة آلاف، وقضى لمن شهد الحديبية ثلاثة آلاف، وقال: من أسرع في الهجرة أسرع به العطاء، ومن أبطأ في الهجرة أبطأ به العطاء، فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته. وإني أعتذر إليكم

ناصح أبو عبد الله

من خالد بن الوليد، إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطى ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان فنزعته، وأمرت أبا عبيد بن الجراح. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة فقال: والله ما اعتذرت يا عمر، لقد نزعت عاملاً استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأغمدت سيفاً سله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووضعت لواء نصبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر بن الخطاب: إنك قريب القرابة، حدث السن مغضب في ابن عمك. قال ناشرة: كنت أتبع معاذ بن جبل أتعلم منه القرآن وأخدمه، فلما كنت في المدينة صليت في المسجد، وقرأت القرآن، فمر بي رجل، فضرب كتفي فقال: ليس كما تقرأ، فلما فرغت أتيت معاذاً، فأخبرته بقول الرجل، فقال: أتعرفه؟ قلت: نعم، وأريته إياه؛ فانطلق إليه معاذ، فقال له: أخبرني هذا أنك رددت عليه ما قرأ، فقال: نعم - وهو أبي بن كعب - يا معاذ، بعثك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن، فأنزل بعدك قرآن، ونسخ بعدك قرآن، ائتني بأصحابك يعرضون علي القرآن. فقال معاذ: يا ناشرة، إن أعلم الناس بفاتحة القرآن أبي بن كعب. وفي حديث: إن أعلم الناس بفاتحة آيه وخاتمتها أبي بن كعب، وإن أقدر الناس على كلمة حكمه أبو الدرداء، وإن أعلم الناس بفريضته وأقسمه لها عمر بن الخطاب. واليزني بالزاي والنون. وكان ناشرة ثقة. ناصح أبو عبد الله مولى بني أمية حدث عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة، ثم قال له: اكتب،

ناصر بن عبد الرحمن بن محمد

قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما يكون وما هو كائن من علم أو بر أو رزق أو أجل. فكتب ما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة، فذلك قوله: " ن، والقلم وما يسطرون "، ثم ختم على القلم فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل فقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت ". وحدث عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، علي حجة الإسلام، وعلي دين، قال: " فاقض دينك ". ناصر بن عبد الرحمن بن محمد أبو الفتح القرشي المعروف بابن الراشن النجار حدث عن أبي القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي بسنده إلى عبد الله بن شفيق قال: سألت عائشة أم المؤمنين: من كان أحب الناس إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: أبو بكر، قال: قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثمن من؟ فسكتت. وحدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال: خطبنا عمر بن الخطاب قال: حذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل منافق عليم. توفي ناصر سنة خمسين وخمس مئة. ناصر بن محمد أبو المكارم المروزي البغدادي الصوفي حدث عن علان بن محمد القرمسيني بسنده إلى أنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قال: لا إلا الله دخل الجنة ".

قال ناصر: سمعت أبا بكر الشبلي يقول: الموت على ثلاثة أضرب: موت في حب الدنيا، وموت في حب العقبى، وموت في حب المولى، فمن مات في حب المولى مات عارفاً. ذكر أبو المكارم أنه لما عزم الشبلي على صحة الصداقة بقلبه له أخذ كفه بكفه فقال: إن الله تبارك اسمه قد جمع فيك كمال السعادة ولذلك واجبتك بصحة الصداقة لكمال السعادة فيك، فقلت: وما هي؟ فقال: هو ما أخبرني به الجنيد بن محمد بن الجنيد عن أستاذه أبي النون المصري رحمهم الله قال: كمال السعادة سبع خصال: صفاء التوحيد، وعبرة العقل، وكمال الخلق، وحسن الخلق، وخفة الروح، وشرف النسب، وتحقيق التواضع. ثم قال: اشكر الله يا أبا المكارم على هذه الخصال التي ركبها فيك الباري بفضله وطوله..... في الآخرة لك، إنه لطيف بالعباد. تقلد ناصر القضاء بفلسطين وبلاد القدس في سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. قال: وبقيت على العمل سبع سنين، وكانت المشاهرة أربع مئة دينار، ما خلا منها، مع العطايا، ولم أصرف عن تلك الأعمال إلا بعد أن رأيت في المنام كأن أسود هائل المنظر يظهر لي من جو السماء ويقول: ما جزاء من اصطنعك لنفسه، وأفادك من مكنون خزائنه ومخزون علم أنبيائه أن تؤثر عليه غيره؟ فاستعفيت عن العمل واعتزلت الولاية، ورحلت إلى مكة بلا زاد ولا راحلة، فحججت وجاورت، وكنت حججت ست حجج، وكانت هذه السابعة.

ناصر بن محمود بن علي

ناصر بن محمود بن علي أبو الفضائل القرشي الصائغ حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم بسنده إلى جابر قال: ليس على من ضحك في الصلاة إعادة وضوء، إنما كان ذلك لهم حين ضحكوا خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. توفي ناصر بن محمود سنة تسع وأربعين وخمس مئة. ناعم بن مرثد حدث عن الوصين بن عطاء قال: استزارني أبو جعفر، وكانت بيني وبينه خلالة قبل الخلافة، فصرت إلى مدينة السلام، فخلونا يوماً، فقال: يا أبا عبد الله ما مالك؟ قلت: الخير الذي يعرفه أمير المؤمنين، قال: وما عيالك؟ قلت: ثلاث بنيات والمرأة وخادم لهن، قال: فقال لي: أربع في بيتك؟ قلت: نعم، قال: فوالله لردد ذلك حتى ظننت أنه سيمونني، قال: ثم رفع رأسه فقال لي: أنت أيسر العرب، أربع مغازل تدور في بيتك. نافع بن جبير بن مطعم بن عدي ابن نوفل بن عبد مناف أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله القرشي المدني قدم دمشق على عبد الملك بن مروان. حدث عن أبي سريج الخزاعي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ". وفيه زيادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وجائزته يومه وليلته، والضيافة ثلاث، ولا يحل له أن يثوب عنده حتى يحرجه، فما أنفق عليه بعد ثلاث فهو صدقة ".

وحدث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها ". مر عبد الملك بن مروان بقبر معاوية ومعه نافع بن جبير فقال: نشدتك الله ما علمك به؟ قال: كان ينطقه العلم ويسكته الحلم؛ قال: صدقت. وتمثل: " من الطويل " وما الدهر والأيام إلا كما أرى ... رزية مال أو فراق حبيب ولا خير فيمن لا يوطن نفسه ... على نائبات الدهر حين تنوب قال نافع بن جبير لأبي الحارث بن عبد الله بن السائب - وكان أبو الحارث من فصحاء العرب -: ألا تذهب بنا إلى الحرة نتمخر الريح فقال له أبو الحارث: إنما تمخر الحمير، قال: نستنشئ، قال: إنما تستنشئ الكلاب، قال: فما أقول؟ قال: نتنسم الريح، فقال له نافع بن جبير: صه صه، أنا ابن عبد مناف، فألطه، فقال أبو الحارث: ألصقتك، والله، عبد مناف بالدكادك، ذهبت عليك هاشم بالنبوة وأمية بالخلافة، فتركوك بين فرثها والجبة، أنفاً في السماء وشرفاً في الماء. فقال ابن أبي عتيق لنافع: يا نافع قد كنت مرجواً قبل هذا، فقال نافع: ما أصنع بمن صح نسبه ومذق لسانه. كان نافع بن جبير يحج ماشياً وناقته أو راحلته تقاد معه مرحولة.

قال نافع بن جبير: ما صخبت بمكة قط، ولا أخرت أفضالي قط، من استقرضنيها أقرضته. وكان يقضي مناسكه على رجليه. شوى نافع بن جبير دجاجة، فجاء سائل فأعطاها إياه، فقال له إنسان في ذلك؛ فقال: إني أبغي ما هو خير منها. قيل لنافع: ألا تشد الجنازة؟ فقال: كما أنت حتى أنوي، ففكر هنيهة، ثم قال: امض. قال نافع: من لم يشهد الجنازة إلا ليراه أهلها، فلا يشهدها. وعن نافع بن جبير: أنه قيل له: إن الناس يقولون - كأنه يعني التيه - فقال: والله لقد ركبت الحمار، ولبست الشملة، وحلبت الشاة، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما فيمن فعل ذلك من الكبر شيء ". جلس نافع بن جبير إلى حلقة العلاء بن عبد الرحمن وهو يقرئ الناس، فلما فرغ، قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ قالوا: جلست لتسمع، قال: لا، ولكني جلست إليكم لأتواضع إلى الله بالجلوس إليكم. وحضرت الصلاة فقدم نافع رجلاً، فلما صلى قال: أتدري لم قدمتك؟ قال: قدمتني لأصلي بكم، قال: لا، ولكني قدمتك لأتواضع إلى الله بالصلاة خلفك. قال الحجاج لنافع بن جبير، وذكر ابن عمر، فقال الحجاج: أهو الذي قال لي: كذا وكذا، ألا أكون ضربت عنقه؟ فقال له نافع: أراد الله بك خيراً من الذي أردت بنفسك. قال الحجاج: صدقت. قال الحجاج: وعمر الذي يقول: إنه سيكون للناس نفرة من سلطانهم، فأعوذ بالله

نافع بن دريد ويقال ابن ذؤيب

أن يدركني وإياكم ذلك، أهواء متبعة، وما كان عليه لو أدرك ذلك فقال بالسيف هكذا وهكذا، وأشار سفيان عن يمينه وشماله. فقال نافع: أما إنه كان من خير أمرائكم، قال: صدقت. قدم نافع بن جبير الكوفة وبها الحجاج، فقال له الحجاج: قتلت عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مطيع، وعبد الله بن صفوان، وددت أني كنت قتلت عبد الله بن عمر. فقال له نافع: يا هذا، ما أراد الله بك خير مما أردت بنفسك، فلما خرج لقيه عنبسة بن سعيد، فقال: لا خير لك في المقام عند هذا، فقد كلمته بما كلمته به، فقال: إني لم أرده، إنما أردت الثغر. فدخل على الحجاج مودعاً، فقال له: لو أقمت عندنا. فقال: إني لم أردك إنما أردت الثغر إلى دستبا نغزو الديلم. توفي نافع بن جبير في خلافة سليمان. قالوا: في سنة تسع وتسعين. نافع بن دريد ويقال ابن ذؤيب دمشقي. قال نافع: قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك، فخرجت برجله قرحة الأكلة، فاجتمع رأي الأطباء على نشرها، وإن لم يفعل قتلته. فأرسل إلى الوليد يسأله أن يبعث إليه بالأطباء.

نافع بن علقمة النوفلي

قال: فأرسلني بهم إليه، فقالوا: نسقيك مرقداً، قال: ولم؟ قالوا: لئلا تحس بما نصنع بك، قال: بل شأنكم بها، قال: فنشروا ساقه بالمنشار، فما زال عضو من عضو حتى فرغوا منها ثم حسموها، فلم نظر إليها في أيديهم تناولها وقال: الحمد لله، أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط، ثم أمر بها فغسلت، وحنطت وكفنت، ولفت بقطيفة، ثم أرسل بها إلى المقابر. نافع بن علقمة النوفلي من دمشق. حدث عن أبي قتادة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ألا أحدثكم حديث رجلين من بني إسرائيل؟ كان أحدهما يسرف على نفسه، وكان الآخر يراه بنو إسرائيل أنه أفضلهم في الدين والعلم والخلق، ذكر عنده صاحبه فقال: لن يغفر الله له، فقال الله لملائكته: ألا أحدثكم حديث رجلين من بني إسرائيل، كان أحدهما يسرف على نفسه، وكان الآخر يراه بنو إسرائيل أنه أفضلهم في الدين والعلم والخلق، ذكر عنده صاحبه فقال: لن يغفر الله له، ألم يعلم أني أرحم الراحمين؟ ألم يعلم أن رحمتي سبقت غضبي؟ فإني قد أوجبت لهذا الرحمة، وأوجبت على هذا العذاب، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تألوا على الله ". نافع بن كيسان قيل: إن له صحبة. حدث عن أبيه أنه أخبره: أنه كان يتجر في الخمر في زمان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في زقاق يريد به التجارة، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، إني قد جئت

نافع بن مالك بن أبي عامر

بشراب جيد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها قد حرمت بعدك "، قال كيسان: فأذهب فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها قد حرمت، وحرم ثمنها "، فانطلق كيسان إلى الزقاق، فأخذ بأرجلها ثم أهرقها. وفي حديث بمعناه قال: أفلا أبيعها اليهود يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن بيعها فسق ". وحدث نافع أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ستشرب من بعدي الخمر، تسمونها بغير اسمها، يكون عونهم على شربها أمراؤهم ". وحدث نافع قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ينزل عيسى بن مريم عند باب دمشق - قال نافع: ولا أدري أي بابها يومئذ - قال: عند المنارة البيضاء، ليست ساعات من النهار، في ثوبين ممشقين كأنما يتحدر من رأسه اللؤلؤ ". وفي حديث: " عند باب دمشق الشرقي ". نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل الأصبحي المدني عم مالك بن أنس. حدث عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ". وفي رواية: " فتحت أبواب الرحمة ". قال أبو سهيل: سألني عمر بن عبد العزيز عن القدرية: ما ترى فيها؟ قلت: يا أمير المؤمنين،

نافع أبو عبد الله

استتبهم، فإن تابوا وإلا فاعرضهم على السيف. فقال عمر: ذلك رأيي فيهم. قال نافع بن مالك: قلت للزهري: أما بلغك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من طلب شيئاً من هذا العلم الذي يراد به وجه الله ليطلب به شيئاً من عرض الدنيا دخل النار؟ ". فقال الزهري: لا، ما بلغني هذا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: وكل حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغك؟ قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: عسى، قلت: فهذا في النصف الذي لم يبلغك. نافع أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمر قدم على عمر بن عبد العزيز. حدث عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ". وبه قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نسافر بالقرآن مخافة أن يناله العدو. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أعتق من عبده شركاً، فعليه أن يعتق ما بقي ". وعنه قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية إلى نجد، فبلغت سهامهم اثني عشر بعيراً، فنفلنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعيراً بعيراً.

وحدث عنه أيضاً قال: عرضني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة فأجازني. قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، وكتب به إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة، وما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال. وكان نافع من سبي كابل، افتتحها ابن عامر سنة أربع وأربعين، وكان فيه لكنة. وقيل: كان نافع من سبي نيسابور. وقيل: كان من الجيل وقيل: كان من سبي خراسان، سبي وهو صغير، فاشتراه ابن عمر. وهو نافع بن هرمز، ويقال: ابن كاوس. قال نافع: دخلت مع مولاي على عبد الله بن جعفر فأعطى بي اثني عشر ألفاً، فأبى وأعتقني، أعتقه الله من النار. وكان ابن عمر إذا جاءه بعد ذلك يقول لنافع: لا تأت معي. قال مالك: يخاف أن يفتنه ما يعطيه فيبيعه منه. وفي حديث: فدخل عبد الله على صفية فقال لها: إنه أعطاني ابن جعفر بنافع عشرة آلاف أو ألف دينار، فقالت: يا أبا عبد الرحمن فما تنتظر أن تبيعه؟ فقال: فهلا ما هو خير من ذلك؟ هو لوجه الله عز وجل. قال: فكان يخيل إلي أن ابن عمر كان ينوي قول الله عز وجل: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ".

قال أبو بكر بن حفص بن سعد بن أبي وقاص: إنه سأل سالم بن عبد الله: من أين كان ابن عمر يشعر البدن؟ قال: من الشق الأيمن، قال: ثم سألت نافعاً فقال: من الشق الأيسر، فقلت لنافع: إن سالماً أخبرني أنه كان يشعر من الشق الأيمن فقال: وهل سالم؟ إنما رأى ابن عمر يوماً وأتي ببدنتين صعبتين، فلم يستطع أن يقوم بينهما، فأشعر هذه من الشق الأيمن، وهذه من الشق الأيسر. قال: فرجعت إلى سالم، فأخبرته، فقال: صدق نافع، هو كما قال. قال: وسلوه؛ فإنه أعلمنا بحديث ابن عمر. وعن نافع قال: لقد سافرت مع ابن عمر بضعاً وثلاثين بين حجة وعمرة. وعن نافع أنه قال: من يعذرني من زهريكم هذا، يعني ابن شهاب، يأتيني فأحدثه عن ابن عمر، ثم يذهب إلى سالم بن عبد الله، فيقول: هل سمعت هذا من ابن عمر؟ فيقول له: نعم، فيحدث عن سالم، والسياق من عندي. قال محمد بن إسماعيل: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر. قال خصيف: سألت سعيد بن جبير عن الذي رواه نافع عن ابن عمر في قوله عز وجل: " فأتوا حرثكم أنى شئتم " فقال سعيد: كذب نافع، أو قال: أخطأ نافع، ثم قال لي خصيف: إن ابن عمر لم يكن يرى العزل، فأي عزل أشد مما قال نافع؟ ثم قال خصيف الأموي: إنه قال: " فإذا تطهرون فأتوهن من حيث أمركم الله " يقول: من حيث أمرت أن تعتزل في المحيض.

نافع والد المنذر بن نافع

وفي رواية: يقال: كذب العبد: أو أخطأ العبد، إنما كان ابن عمر يقول: بأنها مقبلة ومدبرة في الفرج. وفي حديث بمعناه: إن عبد الله بن عمر كان يحدث أن النساء كن يؤتين في أقبالهن وهن موليات، فقالت اليهود: من جاء امرأته وهي مولية جاء ولده أحول؛ فأنزل الله جل ثناؤه: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ". وقيل: إن نافعاً إنما حدث حديثه في إتيان الدبر بعدما كبر وذهب عقله. توفي نافع سنة ثلاث عشرة ومئة، وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: سنة ثمان عشرة، وقيل: سنة عشرين ومئة، وقيل: سنة تسع عشرة ومئة. نافع والد المنذر بن نافع مولى ابن عمر وبنت مروان بن الحكم قال نافع: خرج واثلة بن الأسقع يريد بيت المقدس، فلقيه كعب الأحبار في جيرون، فقال له: يا أبا الأسقع، أين تريد؟ قال: أردت أن أصلي في بيت المقدس إن شاء الله، فقال له: يا أبا الأسقع، أنا أدلك على موضع في مسجدنا هذا، إذا صليت فيه كان كصلاة في بيت المقدس، قال: نعم، قال: وأخذ بيده وصعد من الدرج، فأدخله المسجد، فأدخله الحنية الغربية إلى حد الباب الأصفر الذي يخرج منه الوالي، فأوقفه عندها، ثم قال له: صل ههنا، فإن صلاتك ههنا صلاتك في بيت المقدس، ثم انتزع يده من يده، ثم مضى.

نبيه بن صوان

نبيه بن صوان أبو عبد الرحمن المهري له صحبة، وشهد الجابية مع عمر. قال نبيه: قدم رجل من حمير على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام عنده، ثم مات، فقال: اطلبوا له وارثاً مسلماً، فلم يوجد؛ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادفعوا ميراثه إلى رجل من قضاعة، فدفع إلى عبد الله بن أنيس. زاد في آخر: كان أقعدهم في النسب يومئذ عبد الله بن أنيس. قال نافع: أخبرني رجل من أهل مصر أنه صلى مع عمر بن الخطاب الفجر بالجابية، فقرأ السورة التي يذكر فيها الحج، فسجد فيها سجدتين. قال نافع: فلما انصرف قال: إن هذه السورة فضلت بأن فيها سجدتين، وكان ابن عمر يسجد فيها سجدتين. قيل: إن الرجل المصري هو نبيه. وفد نبيه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح مصر، واختط بها، وكان أحد الأربعة الذين أقاموا قبلة جامع فسطاط مصر.

نجاح بن سلمة بن نجاح بن عتاب بن نهار

نجاح بن سلمة بن نجاح بن عتاب بن نهار قدم نجاح دمشق في صحبة المتوكل، وكان يتولى ديوان التوقيع له. كان رجل من دهاة الكتاب وفضلائهم ولي بعض النواحي، وكان عاملاً عليها، فطولب بالحساب فدافع به حتى انقرضت دولة المأمون والمعتصم والمتوكل والواثق، وقد ولي في هذه المدة أحد عشر وزيراً، يطالب في كل وقت ويدافع ويصانع وينسحب ويتحيل إلى أن ولي نجاح بن سلمة الوزارة، فوقع ذكره إليه ذات يوم، فسأله عنه، فقيل له: أيها الوزير، هذا رجل يطلب فلا يقدر عليه، فنظر نجاح إلى رجل بين يديه، فقال له: احلف بحق رأسي أنك تطلب هذا الرجل حيث كان، وأنك إذا رأيته لم تتركه يأكل خبزاً ولا يصلي ولا يعمل شيئاً دون إحضاره الديوان؛ - وكان الرجل يعرف بمحمد بن مسلمة الواسطي -. فحلف برأسه أن يفعل جميع ما أمر به الوزير. ومضى في طلبه، وكان جزلاً متحركاً ذا حيلة ولطف، فلم يزل يتوصل إلى أن وقع في يديه، وكان واسع الحيلة، فبذل له مالاً كثيراً فامتنع عليه فلما لم ير له فرجاً عنده، صار معه إلى دار الوزير، فصادفه قد ركب إلى دار السلطان، فجلس في بعض المواضع ينتظر رجوعه. وكان محمد بن مسلمة صفراوياً لا يصبر على الجوع، فجاع جوعاً شديداً كاد أن يتلف منه، فقال للرجل: يا هذا، أنا والله جائه، ومنزلي قريب، فصر معي لنأكل خبزاً ونرجع إلى حين يعود الوزير، فقال: لا، قال: فاشتر لي شيئاً آكله، فما معي فضة، فقال له: ما معي فضة أيضاً، قال: اقترض لي درهماً بدينار، فقال: لا أفعل، كل ذلك والرجل يفزع من اتساع تحيله، وخوف بعد حصوله أن يفلت منه.

وزاد الجوع على محمد بن مسلمة، فإذا هو بغلام كما عذر، حسن الوجه، فأومأ إليه، فجاءه فعرفه خبره، فقال له الغلام: عندي ما تأكل، قم، فأخذ بيده، وأدخله إلى بعض الصحون اتلي يجلس فيها الوزير، فأجلسه في صفة مقابلة للمجلس، وقال للغلمان: هاتوا. فأحضرت مائدة عليها من النوادر التي لم ير أحسن منها. ومن سائر ما يكون للمعد، ونقل الطعام الحار والبارد والمشوي، والرجل يأكل أكل جائع، فإذا الوزير نجاح قد دخل، فالتفت إلى الصفة، فرآه فتبسم، ومضى إلى المجلس، وقال لبعض الغلمان: امض إلى الرجل فأقره مني السلام، وقل له: بحياتي عليك إن احتشمت، وكل حتى تستوفي ما تحتاج إليه. فرد الرسول إليه، وقال: وحق رأسك، لا قصرت فيما أمرت به، وتشاغل عنه بما يحتاج إليه، والرجل يجيد الأكل، فنقل إليه من الحلوى شيء كثير، فلما فرغ وغسل يديه جاءه الغلام بالبخور فتبخر. واستدعاه الوزير، فقال له: الحساب، فأخرجه إليه، ونظر فيه ساعة، ثم قال له: بارك الله فيك، إن أستاذي في الكتبة عمرو بن مسعدة، والله الذي لا إله إلا هو إن كان يحسن يعمل مثل هذا في صحنه، وفتح الدواة، ووقع على كل فصل منه صح، صح إلى آخره، فقبل محمد بن مسلمة يده، فقال: عد إلى أهلك آمناً، وأسرع إليهم. وقام لينصرف، فلما بعد قال للغلام رده، فرده، فقال له: يا محمد، اجلس، إني لم أردك إلا لشيء أوصيك به في ثلاث حوائج لي، فقال: يأمر الوزير بما يشاء، قال: حاجتي إليك أولاً أني أعلم أن جيرانك لما غبت عنهم هذا الزمان، وأنت منسحب، منهم من بنى فزاد عليك في السمك، ومنهم من ترك خشبة في حائطك، ومنهم من حفر بئاً بقرب دارك، فبحسناتي عليك، إن استطلت عليهم بقربك مني، ومنزلتك عندي، واجعل هذه ثلث ما أردت أخذه منك. وأصدقاؤك وإخوانك ومعاشروك تقول: غبت فسبوني

وذكروني، فإذا لقيتم، فالقهم بوجه من بلغك عنهم كل جميل، وابسط خلقك لهم بسط غير متكلف، وعاشرهم بأحسن معاشرة، ولا تشمخ عليهم بما عاملوك به، واجعله ثلث ما أردت أخذه منك. واحرص كل الحرص ألا يرفع أحد من أصحاب الأخبار إلي عنك ذماً ولا مدحاً، وأخمل نفسك فتسلم، واجعل هذا ثلث ما أردت أخذه منك. وكان الوزير لما رأى " محمد بن " مسلمة يأكل، سأل عن السب، فعرفوه خبره وما عمله الغلام، وكان الغلام مملوكاً له، قريب المنزلة منه، فعتقه، ووهب له عشرة غلمان، وجعل أرزاقهم تحت يده، وحمله على عشرة براذين وخلع عليه عشر خلع. ثم كتب رقعة إلى محمد بن مسلمة بعد يومين: يا محمد، لا تنكرنا، خبرنا برك واحتفادك، واحسب ما تستحقه منا، لكن لنا في ذلك رأي يتبين لك بعد وقت آخر. فلما كان بعد مدة خاطب فيه الواثق، وعرفه صحة حسابه وفضله وثقته وشهامته؛ فقلده واسط وأعمالها، وأكسبه ثلاث مئة ألف دينار في مدة يسيرة، وكان يقول: ما بلغنا في محمد بن مسلمة ما يستحقه منا لما فعله. كان نجاح قد خص بالمتوكل، وأنس به، وعاشره، فقال المتوكل، وقد ذكره الفتح وهو مقيم بالجعفري، ويحك ألا ترى إلى نجاح، قعد بسر من رأى وتركنا ههنا؟ ابعث فأشخصه بجماعة يجيئون به على الحال التي يجدونه عليها، فوجه إليه بجماعة، فألفوه يشرب، فحملوه في ثياب بذلته، وجاؤوا به إلى المتوكل، فلما رآه قال: ويلك! تدعنا ههنا، وتمر إلى سر من رأى؟ قال: نعم يا سيدي، أدعك إذا لزمت الصحارى والخرابات وأمضي إلى معادن الأموال والخيرات، جئتك وخلفت ورائي مالاً عظيماً لائحاً يصيح: خذوني، وليس يجد من يأخذه، فقال له: عند من ويلك؟! قال: عند الحسن بن مخلد، وميمون بن غبراهيم، ومحمد بن موسى المنجم، وكان يتقلد الزرع والهندسة في الآفاق، وأحمد بن موسى وكان قد تقلد أعمالاً كثيرة.

فقال المتوكل: فما عندك في عبيد الله بن يحيى؟ فسكت، فأعاد عليه القول، وقال له: بحياتي قل ما عندك فيه. فقال: حلفتني بحياتك، ولا بد من صدقك: قد كان على طريقة مستقيمة حتى صاغ صوالجة وكرات من ثلاثين ألف درهم، فقلت له: أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يضرب بكرة جلود وصولجان خشب، وأنت تريد أن يكون ذلك من فضة؟. فالتفت إلى الفتح فقال: يا فتح، ابعث فأحضرهم كلهم. فكتب الفتح بالخبر إلى عبيد الله على ما جرى، ووجه إلى الجماعة في الحضور، فحضرت وتشاورت بينها، ورأت أنها قد بليت من نجاح ببلية لا تقاوم؛ فاتفقت على البعثة إليه بأحمد بن إسرائيل برسالتهم معاتباً على ما قاله ومقبحاً ما أتى، فأدى إليه أحمد الرسالة عن الجماعة، فقال: يا أبا جعفر، وتلومني على ما فعلت، وقد تركت الكتابة، وسمحت بمفارقة الصناعة، وصرت نديماً وملهياً، وهم لا يدعون الطعن على قطائعي، وأذاي في ضياعي، ومعارضتي في سائر أموري، والله الذي لا إله إلا هو، لا فارقتهم أو أتلفهم أو أتلف. فانصرف أحمد إلى عبيد الله والجماعة، فعرفهم، فقال عبيد الله: قد صدق في كل ما قال، فتضمن له عني كل ما يحب، واحتل في أن تأخذ رقعته إلي بالذي جرى منه على جهة الغلط ومن حمل النبيذ له على ذلك، وأنه سيصلح ما أفسد ويسعى في إزالة ما وقع في قلب أمير المؤمنين، فرجع إليه أحمد وتلطف به وضمن له، ولم يبرح حتى أخذ رقعته بذلك. ثم دخلوا جميعاً إلى المتوكل، فلما وقفوا بين يديه قال لهم ما قال نجاح، وهم بأن يدعو به ليناظرهم، فقال له عبيد الله: يا سيدي، قد كتب إلي يعتذر ويزعم أن النبيذ حمله على ما كان منه، وهذه رقعته بذلك، وهؤلاء خدم أمير المؤمنين، فإذا حدثت عليهم حادثة لم يؤخذ منهم عوض، وهم أصحاب المملكة والمتصرفون فيها، فإذا أوقع بهم فمن يقوم بالأعمال؟ ونجاح، فإنما بذل أن يضمن هذه الجماعة لينفرد وحده، ويتمكن من كتاب المملكة. وهم يضمنونه وحده بما بذل عنهم جميعاً، ولا يزول عن المملكة إلا كاتب واحد.

فاغتاظ المتوكل، وقال: إنما كذبني وغرني، وتقدم بتسليمه إليهم، وأن يخلع عليهم، فانصرفوا وهو بين أيديهم، فجمعوا بينهم صدراً من المال مال الضمان وحملوه، لأن مال نجاح لم يكن يفي بما ضمنوه عنه، وبسطوا عليه الضرب والعسف والتضييق. وسأل المتوكل عنه الفتح مرات، وبلغ الخبر خبر ضربهم إياه، فقال لعبيد الله: إن أمير المؤمنين قد سألني عن نجاح ثلاث دفعات، وقد وقفت على ضربكم إياه، ولست آمن أن يتلف فينكر علي تركي تعريفه خبره، ولا بد من إخباره به، فدفعه عن ذلك، فلم يندفع، فقال له: أنت أعلم، فخبر المتوكل أنه مضيق عليه مضروب مقيد، فقال المتوكل: لا، ولا كرامة، تقدم بإحضار الحسين بن إسماعيل بن أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان يتقلد الشرطة، بحضرته، فقال له: اقبض على نجاح فاجعله عندك، ووسع عليه، ولا يوصل إليه بسوء إلا بإذني. ففعل ذلك وحماه، فلما رأت الجماعة ذلك أيقنت بالهلاك، ولم تشك أن نجاحاً سيعمل الحيلة عليهم، ففكروا في الاحتيال عليه إلى أن وجدوا عملاً عمله الحسين بن إسماعيل في وقت تقلده فارس، ألزمه فيه عشرين ألف ألف درهم. وقيل: إنهم زوروا العمل، وادعوه على نجاح، فلما وقع في أيديهم أحضروا الحسين فأقرؤوه العمل، ثم قالوا له: أيها أحب إليك: نجاح أم نفسك؟ إما كفيتناه وإما أنفذنا هذا إلى أمير المؤمنين حتى يتقدم بمطالبتك به؛ فقال لهم: قد كفيتم. وانصرف إليه، فوضع عليه فقتله في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومئتين. فلما عرفوا خبره صاروا إلى المتوكل ليخبروه بموته، وهم وجلون مما سيرد عليهم منه، فتلقاهم الفتح، فأخبروه، فقال لهم: إنه كان البارحة في ذكره، وسيتهمكم. وجاءهم رجاء الزيادي بإزار منام المعتز، وفيه أثر احتلامه في تلك الليلة، فلما رآه عبيد الله قال: توقف قليلاً حتى أدخل قبلك، قال: أخاف أن تبشره أنت بهذه النعمة، فقال: لا والله، لا فعلت. ودخل عبيد الله والجماعة، وتوقف رجاء، فلما استقروا دخل رجاء الزيداني بالإزار، وعرفه الخبر، فخر ساجداً لله.

وابتدأ عبيد الله فهنأه، ودعا له، ووصل كلامه بأن قال: وقد طهر الله الأرض البارحة من عدو أمير المؤمنين، قال: ومن هو؟ قال: نجاح، قال: فعلتموها يا عبيد الله؟ قال: يا سيدي، هذا يوم فعلتموها أو يوم سرور وشكر وصدقة؟. ونهض وقد تشاغل المتوكل باحتلام المعتز، ودخل إلى فتيحة، فوجه الكتاب إلى فتيحة: الله الله، أشغلته عنا يومين ثلاثة؟ وانصرفوا فجمعوا صدراً من المال الذي بقي عليهم، فحملوه، وكتبوا إليه بخبره، فتناساه، ولم يعد عليهم بسببه مكروه. وذكر أن عبيد الله والكتاب عرفوا المتوكل أن نجاحاً قد ألط بالمال لنفسه بانقباض اليد عنه، وسألوه الإذن لهم في ضربه عشرة مقارع، لا يزيدون عليها فيها، ليعلم أن اليد منبسطة عليه فأذن في ذلك، وحظر تجاوزه، وإنه لما بطح أخرجت إحدى أنثييه من بين فخذيه، وتعمدت بالضرب عليها، فمات في سبعة مقارع. وكان فيمن أخذ من أبنائه عبيد الله بن مخلد، فضرب بالمقارع وحبس، وأخذ جميع ما ملكه، وكان ابنه الحسين مستتراً فظفر به فضرب وحبس، وأخذ جميع ما ملكه، وأخذ من وكيله ابن عياش عشرون ألف دينار. وقال أبو علي البصري في نجاح: " من المتقارب " لئن كان نجم نجاح هوى ... وزلت به للحضيض القدم فأصبح يحكم فيه الرجال ... وبالأمس عهدي به يحتكم لما كان ذلك حتى اشتكته ... وضجت إلى الله منه النعم وحتى لأوجس منه الثري ... خؤوفاً كما أوجس المتهم وما للشقي إذا ما اشتكى ... وأبدى تأسفه والندم أكنت ترى الله في حلمه ... وطول تأنيه لا ينتقم وهل رحم الناس إلا امرأ ... إذا ما هم استرحموه رحم

نجا بن أحمد بن عمرو بن حرب بن عبد الله

وفاتك فيها حياة الأنام ... وعصمة أموالهم والحرم وفيها فتوح على المسلمين...... فلا يرقأ الله عيناً بكتك ... ولا سحت الدمع إلا بدم نجا بن أحمد بن عمرو بن حرب بن عبد الله أبو الحسن العطار المعدل حدث عن أبي الحسن علي بن موسى بن الحسين بن التمار بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم أر للمتحابين مثل التزويج. كان نجا بن أحمد خرج لنفسه معجماً لأسماء شيوخه، فيه من الخطأ والتصحيف ما الله به عليم. قال: ومن أعجب شيء رأيته فيه أنه ذكر في باب اللام ألف من حروف المعجم حين أعوزه ذكر شيخ ابتداء اسمه لام ألف: " من الكامل " لا والذي خلق السموات العلا ... أفضل من المبعوث بالآيات خير البرية كلها وأتقاهما ... ذاك النبي محمد المبعوت قال: وهذا غاية ما يكون من الجهل، وأشنع ما يكون من سخيف الشعر والعقل. توفي أبو الحسن نجا سنة تسع وستين وأربع مئة.

نجا بن سعيد بن حمزة

نجا بن سعيد بن حمزة أبو الفوارس الصفار، المعروف بفارس بن أبي لقمة حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد أن يشرف الله تعالى له البنيان، وأن يرفع له الدرجات يوم القيامة فليعف عمن ظلمه، وليعط من حرمه، وليصل من قطعه، وليحلم عمن جهل عليه. توفي نجا سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، وكان شيخاً مستوراً، لم يكن ممن يفهم. نجبة بن الأسود الغساني شاعر مجيد جاهلي، قال في وقعة كانت بين غسان وبين الروم، وسليح ومن انحاز إليهم من نصارى العرب بين بصرى والمجفف، وهي أرض بين البرية والريف: " من الوافر " ألم يبلغك والأنباء تنمى ... بظهر الغيب ما لاقى سنيط تحلق إذ سما جذع إليه ... وجذع في أرومته وسيط بضربة ماجد كشفت غطاء ... تدر عروقه قان عبيط سنيط هذا: هو سنيط بن عوف الضجعمي ثم السليحي القضاعي كان عاملاً للروم، وكان جاء إلى غسان يستوفي منهم الإتاوة، فقتله جذع بن سنان الغساني.

نجم بن عبد المنعم بن الحسن بن الخضر

نجم بن عبد المنعم بن الحسن بن الخضر أبو الثريا الحلبي المعروف بابن أبي درهم، الشاعر كان متعصباً في السنة مظهراً لها بحلب. من شعره " من السريع " جردت سكينك ظلماً وقد ... أغناك ما جردت من مقلتيك فاقطع بها ما شئت مني سوى ... شغاف قلبي فهو ستر عليك ومن جيد شعره: " من الخفيف " أنا صاحي الفؤاد ما دمت سكرا ... ن وسكران إذا كنت صاحي وأبوه الشائم شيخ من بالس، ابن رومي الزمان في الهجو، دهان يزوق، يوقع بالعود بيده اليسرى، ولا يغيره أوتاره. نجيب بن عماد بن أحمد أبو السرايا بن أبي فراس الغنوي حدث سنة سبع وخمسين وأربع مئة عن أبي محمد بن أبي نصر بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا. كان أبو السرايا هشاً خفيف الروح، له شعر جيد، فمنه ما قال يمدح به الدريدي ويذكر قتله صالح بن مرداس. " من الخفيف " أفسدت صالحاً وأصلحت الفا ... سد أسيافك العضاب المواضي وأنالتك في حروبك والسل ... م قصارى الآراب والأغراض توفي أبو السرايا سنة تسع وخمسين وأربع مئة.

نخار بن أوس بن أبيز بن عمرو

نخار بن أوس بن أبيز بن عمرو ابن عبد الحارث بن لأي بن عبد مناف بن الحارث بن سعد بن هذيم القاضي وفد على معاوية، وكان أنسب العرب، فازدراه معاوية، وكان عليه عباءة، فكلمه، فأعرض عنه؛ فقال: يا معاوية، إن العباءة لا تكلمك، إنما يكلمك من فيها؛ فأقبل عليه. قال معاوية للنخار العذري، وكان أعلم أهل زمانه: أبغني محدثاً قال: أتبغي معي أحداً؟ قال: نعم، أستريح منك إليه، ومنه إليك، واجعله كتوماً؛ فإن الرجل إذا أمن الرجل ألقى إليه عجره وبجره. العجر في البطن، والبجر في الرأس. نشبة بن حندج بن الحسن بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح بن الحساس بن معاوية بن سفيان أبو الحارث المري من الغوطة. حدث بقصر ابن عمر سنة خمسين وثلاث مئة أنه وجد في كتاب جده الحسين بن عبد الله بسنده إلى أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اقرؤوا القرآن، فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن. حندج: بحاء مهملة مضمومة، وآخره جيم. نصر الله بن محمد بن عبد القوي أبو الفتح بن أبي عبد الله المصيصي اللاذقي الفقيه الشافعي الأصولي الأشعري سكن دمشق، وكان صلباً في السنة متجنباًلأبواب السلاطين.

نصر بن أحمد بن سهل بن الأزهر

حدث عن أبي منصور محمد بن أحمد بن علي بن شكرويه بسنده إلى عمرو بن الحارث ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخي جويرية، قال: والله ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند موته ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة. توفي أبو الفتح سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة. ومولده سنة ثمان وأربعين وأربع مئة. نصر بن أحمد بن سهل بن الأزهر أبو القاسم المدائني حدث عن أبي بكر محمد بن حريم بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج المخلص، وإذا كان ليلة مزدلفة غفر الله للتجار، وإذا كان يوم منى غفر الله للحمالي، وإذا كان عند الجمرة غفر الله للسؤال، ولا يشهد ذلك الموقف خلق ممن قال: لا إله إلا الله، إلا غفر الله له. نصر بن أحمد بن الفتح بن هارونان أبو القاسم الهمداني المؤدب حدث بسنده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة من هذا الأمر الذي نحن فيه؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله. توفي أبو القاسم نصر سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة بدمشق.

نصر بن أحمد بن محمد بن عجل

نصر بن أحمد بن محمد بن عجل أبو القاسم العجلي حدث عن أبيه بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. نصر بن أحمد بن مقاتل بن مظكود ابن أبي نصر تمريار أبو القاسم بن أبي العباس بن أبي محمد بن السوسي حدث عن أبي القاسم بن أبي العلاء بسنده إلى عبادة بن الصامت: أنه بايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا يخاف في الله لومة لائم. وحدث عن أبي الفرج سهل بن بسر بسنده إلى منصور الفقيه أنه قال: " من البسيط " يا راكب الهول والآفات والهلكه ... لا تتعبن فليس الرزق بالحركه من غير ربك في السبع العلا ملك ... ومن أقام على أرجائها ملكه سبحانه من لطيف في مشيئته ... أدار فينا بما قد شاءه فلكه أما ترى البحر والصياد منتصب ... في ليله ونجوم الليل مشتبكه قد شد أطرافه والموج يضربه ... وعينه بين عيني كلكل الشبكه حتى إذا صار مسروراً به فرحاً ... والحوت قد شك سفود الردى حنكه غدا عليك به صفواً بلا تعب ... فصرت أملك منه للذي ملكه صنعاً من الله يعطي ذا بحيلة ذا ... هذا يصيد وهذا يأكل السمكه وحدث أبو رجاء بسنده إلى أبي بكر بن سختويه " من الراجز " إن المزاح ينبت الضغينه ... وحمل ضغن في الحشا مؤونه

نصر بن إبراهيم بن نصر

وكثرة الضحك من الرعونه ... والصمت عن فضل الكلام زينه توفي نصي بن السوسي سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. نصر بن إبراهيم بن نصر ابن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي الفقيه الشافعي الزاهد كان فقيهاً فاضلاً. قدم دمشق، ولم يقبل من أحد من أهلها صلة، وكان يقتات من غلة تحمل إليه من أرض كانت له بنابلس، يجر له منها كل ليلة قرص. وكان متقللاً تاركاً للشهوات. حدث عن أبي الحسن محمد بن عوف بسنده إلى سالم عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا المنبر يقول: من جاء منكم الجمعة فليغتسل. وحدث عن عبد الله السقاء، شيخ صالح كان يجاوز الجامع ببيت المقدس، قال: كنت أقرأ كل ليلة سورة " قل هو الله أحد " مئتي مرة ولا أقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " فرأيت في بعض الليالي مئتي شاة مقطعة الرؤوس، وقائلاً يقول لي: هذه لك، فقلت فلم هي مقطعة الرؤوس؟ فقال: لأنك لم تقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم ". توفي أبو الفتح الزاهد سنة تسعين وأربع مئة، وذكر الدمشقيون أنهم ما رأوا جنازة مثل جنازته، وأقاموا على قبره سبع ليال، تقرأ كل ليلة عشرون ختمة. نصر بن الحجاج بن علاط السلمي البهزي شاعر كانت لأبيه صحبة.

قال معاوية بن أبي سفيان ذات يوم: إنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا الحديث، فانظروا من بالباب، قالوا: معن بن يزيد ونصر بن حجاج السلميان، فأذن لهما. فلما دخلا، قال: أتدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لم يبق لك رحم في العرب إلا وصلتها؛ فأردت أن تصلنا، قال: ليس لهذا بعثت إليكما، ولكنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا لذة الحديث، فقالا: فقرئنا فيما شئت من أمر الجاهلية والإسلام، فإن شئت أن نرقق لك رققنا، وإن شئت أن نصدقك صدقناك. قال: فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: أنا خير قريش لقريش، ولو أن أبا سفيان ولد الناس لكانوا أكياساً. قال: فحمد الله السلميان، ثم قالا: قد ولد الناس من هو خير من أبي سفيان آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمنهم الأحمق والكيس، وأما خير قريش لقريش فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما أنت فيه فمن ذلك، وأما أنت فشر قريش لقريش، أطغيت برها، وأكفرت فاجرها، كأنا بهم قد سألوا من بعدك ما سألوك فضربت أعناقهم، ثم ألقوا في السكك، فكانوا كالرقاق المنتفخة. فقال معاوية: هل سمع منكما هذا الكلام أحد غيري؟ قالا: لا، قال: فاخرجا، ولا يسمعنه منكما أحد. بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة يعس في زقاق من أزقة المدينة فإذا امرأة تقول: " من البسيط "

هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من أحسن الناس شعرة وأصبحه وجهاً، فأمر عمر أن يطمر شعره، ففعل، فخرجت جبهته، فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتم، فازداد حسناً؛ فقال عمر: لا، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها. فأمر له بما يصلحه، وسيره إلى البصرة، فنزل على مجاشع بن مسعود، وكان خليفة أبي موسى، وكان لمجاشع امرأة جميلة شابة، فبينا الشيخ عنده نصر بن حجاج إذ كتب في الأرض: أنا والله أحبك، فقالت هي، وهي في ناحية البيت: وأنا والله، فقال الشيخ: ما قال لك؟ فقالت: قال لي: ما أصفى لقحتكم هذه! فقال الشيخ: ما أصفى لقحتكم هذه، وأنا والله، ما هذه لهذه. أعزم عليك لما أخبرتني، قالت: إما عزمت فإنه قال: ما أحسن سوار بيتكم! فقال: ما أحسن سوار بيتكم، وأنا والله، ما هذه لهذه. ثم حانت منه التفاتة، فإذا هو بالكتاب، ثم قال: علي بغلام من المكتب، فقال: اقرأه، فقال: أنا والله أحبك. فقال: أنا والله أحبك! فقلت أنت: وأنا والله. هذه لهذه. اعتدي، تزوجها يا بن أخي إن أردت. وكانوا لا يكتمون من أمرائهم شيئاً، فأتى أبا موسى فأخبره، فقال: أقسم بالله، ما أخرجك أمير المؤمنين من خير، اخرج عنا. فأتى فارس، وعليها عثمان بن أبي العاصي الثقفي، فنزل على دهقانة، فأعجبها؛ فأرسلت إليه. فبلغ ذلك عثمان بن أبي العاصي؛ فبعث إليه، فقال: ما أخرجك أمير المؤمنين وأبو موسى من خير، اخرج عنا؛ فقال: والله، لئن فعلتم هذا لألحقن بالشرك.

فكتب عثمان إلى أبي موسى، وكتب أبو موسى إلى عمر؛ فكتب عمر أن جزوا شعره، وشمروا قميصه، وألزموه المسجد. وقيل: إن دعا بإناء أكفأه على ما كتب، ودعا كاتباً، فقرأه، فإذا هو: إني أحبك حباً، لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك. وبلغ نصراً ما صنع مجاشع، فاستحى، فلزم بيته، وضني حتى صار كالفرخ؛ فقال مجاشع لامرأته: اذهبي إليه، فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام بيدك، فأبت، فعزم عليها، فأسندته إلى صدرها، وأطعمته الطعام بيدها. فلما تحامل خرج من البصرة، وخشيت المرأة التي سمع منها عمر أن يبدر من عمر إليها شيء، فدست إليه أبياتاً: " من البسيط " قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج إني عنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجي إن الهوى زمه التقوى فحبسه ... حتى أقر بإلجام وإسراج لا تجعل الظن حقاً أو تيقنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي فبكى عمر وقال: الحمد لله الذي حبس التقوى الهوى. وأتى على نصر حين، واشتد على أمه غيبة ابنها عنها؛ فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة، فقعدت له على الطريق، فلما خرج يريد صلاة العصر، قالت: يا أمير المؤمنين، لأجاثينك بين يدي الله، ثم لأخاصمنك، أيبيت عبد الله وعاصم إلى جنبك، وبيني وبين ابني الفيافي والمفاوز والجبال؟

فقال لها: يا أم نصر، إن عبد الله وعاصماً لم تدنف بهما العواتق في خدورهن. وانصرفت، ومضى عمر إلى الصلاة، فأبرد بريداً إلى البصرة، فمكث بالبصرة أياماً، ثم نادى مناديه: من أراد أن يكتب إلى المدينة فليكتب، فإن بريد المسلمين خارج، فكتب الناس، وكتب نصر بن حجاج: سلام عليك، أما بعد يا أمير المؤمنين: " من الطويل " لعمري لئن سيرتني وحرمتني ... فما نلت من عرضي عليك حرام أأن غنت الذلفاء يوماً بمنية ... وبعض أماني النساء عرام ظننت بي الأمر الذي ليس بعده ... بقاء فما لي في الندي كلام ويمنعني مما تقول تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام ويمنعها مما تمنت صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب منا غارب وسنام فقال عمر: أما ولي إمارة فلا، وأقطعه مالاً بالبصرة وداراً. قال أبو بكر: رحم الله عمر ما كان أنظره بنور الله في ذات الله وأفرسه، كان والله كما قال الشاعر: " من الطويل "

نصر بن الحجاج القرشي

بصير بأعقاب الأمور برأيه ... كأنه له في اليوم عيناً على غد وكانت امرأة مجاشع يقال لها الخضيراء، وقيل: إنها شميلة بنت جنادة بن أبي أزيهر، حليف بني مخزوم. نصر بن الحجاج القرشي حدث عن الأوزاعي بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يبعث أهل الجنة في صورة آدم عليه السلام، ميلاد ثلاثة وثلاثين مرداً جرداً مكحلين. نصر بن الحسن بن زكريا ويقال: ابن الحسن بن القاسم أبو القاسم الجزري حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن أبي نصر بن العفيف بسنده إلى عثمان أنه توضأ فقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرة مرة. وحدث عن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بسنده إلى محارب قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خبزاً وخلاً، ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: نعم الإدام الخل. توفي أبو الفتح نصر بن الحسن سنة أربع وستين وأربع مئة.

نصر بن الحسن بن أبي القاسم

نصر بن الحسن بن أبي القاسم ابن أبي حاتم بن الأشعث أبو الليث وأبو الفتح الشاشي التنكتي التاجر حدث عن أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف المعري بسنده إلى جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا علة ولا مطر. توفي أبو الليث سنة ست وثمانين وأربع مئة، ومولده سنة ست وأربع مئة. نصر بن الحسين بن سليمة أبو القاسم الطبري حدث عن عبيد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة تقضي الصلاة وهي حائض. توفي أبو القاسم الطبري سنة ست عشرة وأربع مئة. نصر بن الحسين أبو الفتح المروزي الفقيه المقرئ الواعظ حدث بدمشق سنة خمس وثمانين وأربع مئة عن أبي عاصم الفضيل بن يحيى بن الفضيل بن محمد الفضيلي بسنده إلى جابر قال: استأذنت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا، أنا، كأنه كرهه.

نصر بن حمزة بن مالك بن الهيثم

نصر بن حمزة بن مالك بن الهيثم الخراساني ولي إمرة دمشق في خلافة المأمون. قال الفيض الغساني: صلى بنا عبد الله بن كثير القارئ، فقرأ: " وإذا قال إبراهام لأبيه "، فبعث إليه نصر بن حمزة، وكان الوالي بدمشق فخفقه بالدرة خفقات، ونحاه عن الصلاة. قال: وهذا الفعل جعل من نصر بن حمزة، فإن هذه قراءة عبد الله بن عامر قارئ أهل الشام. مات نصر بن حمزة سنة أربع وثلاثين " ومئتين ". نصر بن زكريا أبو عمرو البلخي حدث عن أبي رجاء البغلاني بسنده إلى زينب الثقفية أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً ". وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن فليتزوج من الحور العين حيث شاء: رجل اؤتمن على أمانة فأداها مخافة الله، ورجل خلى عن قاتله، ورجل قرأ في دبر كل صلاة " قل هو الله أحد " عشر مرات.

نصر بن شاكر بن عمار

نصر بن شاكر بن عمار أبو رجاء، والد أحمد بن أبي رجاء حدث عن جرير بسنده إلى عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي قال: إن تمام التحية المصافحة. وحدث عنه بسنده إلى عبد الله بن عيسى قال: كان يقول: من قرأ القرآن وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم دعا فقد التمس الخير في مظانه. وحدث عن حفص بن غياث قال: لقي أبو إسحاق السبيعي الفضيل بن عياض، فقال: والله إني لأحبك، ولولا الحياء لقبلتك. نصر بن عبد الله أبو محمد الطبراني حدث عن صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد القرشي بسنده إلى محمد بن علي عن أبيه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نهى عن متعة النساء. نصر بن علي بن المقلد ابن نضر بن منفذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم أبو المرهف الكناني ملك حصن شيزر بعد أبيه مدة طويلة. قال أبو سلامة: أنشدت أخي أبا مرهف قول الشاعر: " من الخفيف " كنت أستعمل السواد من الأم ... شاط والشعر في سواد الدياجي

نصر بن الفتح أبو القاسم السامري

أتلقى مثلاً بمثل فلما ... صار عاجاً سرحته بالعاج فلما كان من غد أنشد لنفسه: " من الخفيف " كنت أستعمل البياض من الأم ... شاط عجباً بلمتي وشبابي فاتخذت السواد في حالة الشي ... ب سلواً عن الصبا بالتصابي توفي نصر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة بشيزر. نصر بن الفتح أبو القاسم السامري الصائغ السراج المعروف بابن مدلج حدث عن أبي محمد سليمان بن شعيب بن سليمان بن كيسان بسنده إلى أبي هريرة: أنه لقي امرأة يعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار، ألمسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع فتغتسل ". حدث في سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة. نصر بن القاسم بن الحسن أبو الفتح الأنصاري المقدسي المقرئ حدث عن أبي محمد بن البري بسنده إلى علي قال: رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر وعمر ومقبلين، فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. توفي نصر بن قاسم سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.

نصر بن قتيبة

نصر بن قتيبة أبو الفتح القتبي حدث عن داود بن رشيد بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كيف بكم إذا كنتم من دينكم كرؤية الهلال؟ ". وحدث عن محمد بن كبير المصيصي بسنده إلى أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً، ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثاً. توفي نصر بن قتيبة سنة اثنتين وثلاث مئة. نصر بن الليث بن سعد أبو منصور البغدادي الوراق حدث عن يزيد بن موهب بسنده إلى عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإيمان يمان، ورجاء الإيمان في قحطان، والقسوة والجفاء فيما ولد عدنان، حمير رأس العرب ونابها، والأزد كاهلها وجمجمتها، ومذحج هامتها وغلصمتها، وهمدان غاربها وذروتها، اللهم أعز الأنصار الذين اقام الله بهم الدين، والأنصار هم الذين آووني ونصروني وآزروني وحموني، وهم أصحابي في الدنيا، وهم شيعتي في الآخرة، وأول من يدخل بحبوحة الجنة من أمتي. مات نصر بن الليث سنة سبعين ومئتين.

نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب بن منصور

نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب بن منصور أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي العطار حدث عن أبي أيوب سليمان بن أحمد الملطي بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ". وحدث عن سليمان بن أبي صلاية بسنده إلى علي عليه السلام قال: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مناديه فنادى: فمن ضيق طرقاً فلا جهاد له. وحدث عن أبي داود سليمان بن يزيد بن سليمان بسنده إلى عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج وهو معصوب الرأس، من وجع، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " يا أيها الناس، ما هذا الكتاب الذي تكتبون؟ أكتاب مع كتاب الله؟ يوشك أن يغضب الله لكتابه، فلا يدع في رق ولا في يد أحد منه شيئاً إلا أذهبه "، فقالوا: يا رسول الله، فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ؟ قال: " من أراد الله به خيراً أبقى في قلبه لا إله إلا الله ". نصر بن محمد بن عبيد الله أبو القاسم البغدادي الكاتب حدث عن أبي محمد عبيد الله بن الحسن بن عبد الرحمن القاضي بسنده إلى محمد بن النعمان بن بشير: أن النعمان قال: نحلني أبي غلاماً، فأمرتني أمي أن أذهب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشهده على ذلك، فقال: " أكل ولدك أعطيته؟ "، قال: لا، قال: " فاردده ".

نصر بن مسرور بن محمد

نصر بن مسرور بن محمد أبو الفتح الزهيري العماني من عمان مدينة البلقاء حدث عن أبي الفتح محمد بن إبراهيم بن محمد بن يزيد الطرسوسي بسنده إلى ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما من أيام، العمل فيها أفضل من هذه الأيام، يعني أيام العشر، عشر ذي الحجة، فقيل له: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء ". نصر بن منصور بن بسام قدم دمشق والمعتصم بها، وكان الفضل بن مروان وزير المعتصم يتخوفه أن يلي وزارة المعتصم. دخل أبو تمام إلى نصر بن منصور، فأنشده مديحاً له، فلما بلغ قوله: " من الطويل: أسائل نصر لا تسله فإنه ... أحن إلى الإرفاد منك إلى الرفد قال له نصر: أنا أغار على مدحك أن تضعه في غير موضعه، ولئن بقيت لأحصرن ذلك إلا على أهله، وأمر له بجائزة سنية وكسوة. فمات نصر في سنة سبع وعشرين ومئتين. سأل دعبل نصر بن منصور حاجة فلم يقضها فقال يهجو بني بسام: " من مخلع البسيط "

نصر الشيباني

حواجب كالجبال سود ... إلى عثانين كالمخالي وأوجه جهمة غلاظ ... عطل من الحسن والجمال نصر الشيباني شاعر قدم دمشق، ومن شعره: " من البسيط " يا أنجم الليل أقري من أحبهم ... مني السلام وكوني بيننا كتبا وخبريهم بأني بعد بينهم ... ما بت إلا قريح القلب مكتئبا قد ادعوا شوقهم مثلي فقلت لهم ... شوق بشوق وتسهيد الجفون ربا نصيب بن رباح أبو محجن، مولى عمر بن عبد العزيز اشتراه من بني كنانة وأعتقه، وقيل: كان مولى لخزاعة، وقيل: بل كان أبوه من العرب، وأمه نوبية؛ فجاء أسود؛ فباعه عمه ووفد على عبد الملك وغيره. قدم نصيب الكوفة، فسير إليه صديق له ولده، فقال: سلم عليه وقل له: إن رأيت أن تبدي إلي شيئاً من شعرك فعلت. قال: فأتيته في يوم جمعة وهو يصلي، فلما فرغ أديت إليه الرسالة فقال: قد علم أبوك أني لم أنشد الشعر في يوم الجمعة، ولكن تعود، ويكون ما تحب، فلما ذهبت لأنصرف دعاني فقال: أتروي الشعر؟ قلت: نعم، قال: فأنشدني لجميل، فأنشدته: " من الكامل " إني لأحفظ سركم ويسرني ... لو تعلمين بصالح أن تذكري

ويكون يوم لا أرى لك مرسلا ... أو نلتقي فيه علي كأشهر يا ليتني ألقى المنية بغتة ... إن كان يوم لقائكم لم يقدر تقضى الديون وليس ينجز عاجلاً ... هذا الغريم وليس بمعسر فقال: لله دره! ما قال أحد إلا دون قوله، ولقد ترك لنا مثالاً لا يحتذى عليه، أما أصدقنا في شعره فجميل، وأما أوصفنا لربات الحجال فكثير، وأما أكذبنا إذا قال الشعر فعمر، وأما أنا فأقول ما أعرف. قال عبد الملك بن مروان لنصيب وهو ينشد قصيدته التي يقول فيها " " من البسيط " ومضمر الكشح يطويها الضجيع به ... طي الحمالة لا جاف ولا فقر وذو روادف لا يلفى الإزار بها ... يلوى ولو كان يسعى حين يأتزر قال: من هذه يا نصيب؟ قال: بنية عم لي نوبية، لو رأيتها ما شربت من يدها الماء، قال: لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك. دخل نصيب على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أنت الذي تبتهر بالنساء وتقول فيهن؟ قال: يا أمير المؤمنين قد تركت ذاك. وكان قد نسك فأثنى عليه القوم، فقال: أما إذ أثنوا فهات حاجتك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي بنيات سويداوات أرغب بهن عن السودان، ويرغب عنه البيضان، فإن رأيت أن تفرض لهن فافعل.

قال: وجهشت الشعراء إلى عمر، فرأوا منه زهادة في الشعر، فقالوا لنصيب: أنت مولاه فكلمه، فدخل عليه نصيب، فقال: " من البسيط " الحمد لله أما بعد يا عمر ... فقد أتاك بنا الأحداث والقدر وأنت رأس قريش وابن سيدها ... والرأس يعقل فيه السمع والبصر فقال عمر: يا نصيب إياي وهذا الكلام، ولم أنا والشعر؟! فخرج نصيب فقال: لم أر لكم عنده خيراً. قال نصيب: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فقلت له: أنت أعلم بانقطاعي إلى أبيك، وميله كان إلي، فقال: إن ذاك لكذلك، قلت: فتأذن لي في الإنشاد؟ فقال: ما نحن على حال إنشاد، فلم أزل أسأله حتى أذن فأنشدته: " من الوافر " أمير المؤمنين فدتك نفسي ... ومن فوق التراب لك الفداء فقد عضتني الحاجات حتى ... تحنى الظهر واقتشر اللحاء وقد أودى بي الإقتار لولا ... غنى نفسي وشيمتي الحياء فإن أك حائلاً لوني فإني ... لعقل غير ذي سقط وعاء فقال: يا مزاحم، كم بقي عندك من بقية غلتنا بالحجاز قال: خمسون درهماً، قال: أعطه إياها. قلت: يا أمير المؤمنين، علفت راحلتي بأكثر من هذا! فقال: أعطه ثياب الجمعة، فأعطاني ثوبين أراهما مصريين. دخل نصيب على يزيد بن عبد الملك بن مروان، فقال له: حدثني ببعض ما مر عليك.

فقال: علقت جارية حمراء يعني بيضاء، فمكثت زماناً تمنيني الأباطيل. فلما ألححت عليها قالت: لا ترعني فكأنك من طوارق الليل، فقلت: وأنت كأنك من طوارق النهار، فقالت: ما أظرفك! فغضبت من قولها، فقالت: وهل تدري ما الظرف؟ الظرف العقل، ثم قالت: انصرف حتى أنظر في أمرك. فأرسلت إليها بهذه الأبيات: " من الوافر " فإن أك حالكاً فالمسك أحوى ... وما لسواد جلدي من دواء ولي كرم عن الفحشاء ناء ... كبعد الأرض من جود السماء ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلي لا يرد عن النساء فإن ترضي فردي قول راض ... وإن تأبي فنحن على السواء فلما قرأت الكتاب قالت: المال والعقل يعفيان على غيرهما، فزوجتني نفسها. قال معاذ صاحب الهروي: دخلت مسجد الكوفة، فرأيت رجلاً لم أر قط أنقى ثياباً منه، ولا أشد سواداً منه، فقلت: من أنت؟ قال: نصيب، قلت: أخبرني عنك وعن أصحابك. قال: جميل إمامنا، وعمر أوصفنا لربا الحجال، وكثير أبكانا على الأطلال والدمن، وقد قلت ما سمعت. قلت: فإن الناس يزعمون أنك لا تحسن أن تهجو. قال: فأقروا لي أني أحسن المدح؟ قلت: نعم. قال: أفتراني لا أحسن أن أجعل مكان: عافاك الله، أخزاك الله؟ قلت: بلى. قال: ولكني رأيت الناس رجلين: رجلاً لم أسأله، فلا ينبغي أن أهجوه فأظلمه،

ورجلاً سألته فمنعني، فكانت نفسي أحق بالهجاء إذ سولت لي أن أطلب منه. مر جرير بنصيب وهو ينشد، فقال له: اذهب، فأنت أشعر أهل جلدتك. وكان نصيب أسود، قال: وجلدتك، يا أبا حزرة. ومن شعره: " من الطويل " فإن تك ليلى العامرية أصبحت ... على النأي مني غير ذنبي تنقم فما ذاك من ذنب أكون اجتنيته ... إليها فتجزيني به حيث أعلم ولكن إنساناً إذا مل صاحباً ... وحاول صرفاً لم يزل يتجرم سأثني على ليلى ولست بزائد ... على أنني مثن بما كنت أعلم قال الضحاك بن عثمان: خرجت في آخر الحج فنزلت بجهة بالأبواء على امرأة فأعجبني ما رأيت من حسنها، فتمثلت قول نصيب: " من الطويل " بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب وقل في تجنيها لك الذنب إنما ... عتابك إن عاتبت فيها له عتب خليلي من كعب ألما هديتما ... بزينب لا يفقدكما أبداً كعب وقولا لها في البعاد لذي الهوى ... بعاد وما فيه لصدع الهوى شعب

فمن شاء رام الصرم أو قال ظالماً ... لصاحبه ذنب وليس له ذنب فلما سمعتني أتمثل الأبيات قالت: يا فتى، أتعرف قائل هذا الشعر؟ قلت: نعم، ذاك نصيب، قالت: نعم، هو ذاك، فتعرف زينبه؟ قلت: لا. قالت: أنا - والله - زينبه. قلت: فحياك الله. قالت: أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين، خرج إليه عام أول، ووعدني هذا اليوم، ولعلك لا تبرح حتى تراه. قال: فما برحت، فإذا أنا براكب يزول مع الركب، فقالت: ترى حيث ذلك الراكب؟ إني لأحسبه إياه. فأقبل الراكب وأناخ، فإذا هو نصيب، فنزل وسلم علي وجلس منها ناحية، وسلم عليها، وساءلها وساءلته، وسألته أن ينشدها ما أحدث من الشعر بهدها، فجعل ينشده، فقلت في نفسي: عاشقان أطالا التنائي، لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة. فقمت إلى راحلتي، فقال لي: على رسلك، أنا معك، فجلست حتى نهض، ونهضت معه، فتسايرنا ساعة، ثم قال لي: قلت في نفسك: محبان التقيا بعد طول تناء، لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة، فقلت: كان ذلك، قال: فلا ورب هذه البنية ما جلست منها مجلساً قط أقرب من مجلسي الذي رأيت، ولا كان بيننا مكروه قط. قال رجل من قريش: كنت حاجاً: ومعنا رجل، معه هوادج وأثقال وصبية وعبيد ومتاع، فنزلنا منزلاً فإذا فرش ممهدة، وبسط قد بسطت، فخرج من أعظمها هودجاً امرأة زنجية فجلست على تلك الفرش، ثم جاء زنجي فجلس إلى جنبها على الفرش، فتعجبت، فبينا أنا أنظر إليهما إذ مر بنا مارٌّ يقود إبلاً، فجعل يغني ويقول:

بزينب ألمم قبل يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب فوثبت الزنجية إلى الزنجي، فخبطته وضربته، وقالت: شهرتني في الناس، شهرك الله. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا نصيب الشاعر، وهذه زينب. أراد ابن أبي عتيق الحج، فقال لنصيب: هل توصي إلى سعدى بشيء؟ قال: نعم، ببيتين، وأنشده: من الطويل أتصبر عن سعدى وأنت صبور ... وأنت بحسن الصبر منك جدير وكدت ولم أخلق من الطير إن أرى ... سناً بارقٍ نحو الحجاز أطير فخرج ابن أبي عتيق، فوجد سعدى في مجلس لها، فقال: معي إليك رسالة، قالت: هاتها يا بن الصديق، فأنشدها البيتين، فتنفست نفساً شديداً، فقال ابن أبي عتيق: أوه، أجبتيه - والله - بأحسن من بيتيه، لو سمعها لنعق وطار، وعتق ما ملك. لما أصاب نصيب من المال ما أصاب كانت عنده أم محجن، وكانت سوداء، واشتاق إلى البياض، فتزوج امرأة سرية بيضاء؛ فغضبت أم محجن، وغارت عليه، فقال لها: يا أم محجن، ما مثلي يغار عليه، أنا شيخ كبير، وما مثلك يغار، وأنت عجوز كبيرة، وما أحد أكرم علي منك، ولا أوجب حقاً، فجوزي هذا الأمر، ولا تكدريه علي، فرضيت وقرت. ثم قال: هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة، فهو أصلح وألم للشعث؟ فقالت: نعم، فأعطاها ديناراً، وقال لها: إني أكره أن ترى بك خصاصة، أن تفضل عليك، فاعملي لها غداء بهذا الدينار. ثم أتى زوجته الجديدة، فقال: قد أردت أن أجمعك إلى أم محجن غداً، وهي

مكرمتك، وأكره أن تفضل عليك أم محجن، فخذي هذا الدينار، فأهدي لها به لئلا ترى بك خصاصة، ولا تذكري الدينار إليها. ثم أتى صاحباً له يستنصحه، فقال: إني أريد أن أجمع بين زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً، فأتني مسلماً، وإني سأستجلسك الغداء فاسألني عن أحبهما إلي، فإني سآبى أن أخبرك، وأعظم ذلك، فاحلف علي. فلما اجتمعوا وأتاه فقال: يا أبا محجن، أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك، فقال: سبحان الله! أتسألني عن هذا وهما يسمعان؟ ما سأل عن مثل هذا أحد. " قال ": فإني أقسم عليك أن تخبرني، فوالله، لا أعذرك، قال: أما إذ فعلت فأحبهما إلي صاحبة الدينار، ولا أزيدك على هذا شيئاً. فأعرضت كل واحدة منهما تضحك، وهي تظن أنه عناها بذلك القول. قال منحوف بن جبر: مررت بدار الزبير فإذا مولى لهم يكنى أبا ريحانة، وكان يخضب، فسلمت عليه، وجلست غليه، فمرت به جارية على ظهرها قربة، فقام إليها الشيخ، وقال: غنني بأبيات نصيب، فقالت: أما والقربة على ظهري فلا، قال: فأخذ القربة، ووضعها على ظهره، ثم رفعت عقيرتها وهي تقول: " من الطويل " فؤادي أسير لا يفك ومهجتي ... تقضى وأحزاني عليك تطول ولي مقلة قرحى لطول اشتياقها ... إليك وأجفاني عليك همول فديتك أعدائي كثير لشقوتي ... عليك وأشياعي لديك قليل وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول فطرب الشيخ، فوقع على الأرض، وانشقت القربة، فقالت: يا أبا ريحانة، ما هذا جزائي منك، فقال لها: ما دخل الضرر إلا علي، ودخل السوق فباع قميصه، واشترى لها قربة، ثم ملأها.

النضر بن عربي

فلقيه زيد بن الحسن العلوي، فقال: يا أبا ريحانة، أحسبك ممن قال الله عز وجل: " فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ". فقال: أرجو أن أكون ممن قال الله عز وجل: " فبشر عباد، الذين يستمعون فيتبعون أحسنه ". ومن شعر نصيب: " من البسيط " كما اشتهت خلقت حتى إذا كملت ... كما تمنت فلا طول ولا قصر جرى لها اللحم حتى عم أكعبها ... ملء الثياب فلا هبج ولا فقر ما زدت زادتك حسناً في تأملها ... وزادك الطرف حتى يرجع البصر النضر بن عربي أبو روح الباهلي مولاهم الحراني وفد على عمر بن عبد العزيز. حدث عن عكرمة عن ابن عباس قال: طرح في قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطيفة له بيضاء بعلبكية. قال النضر: دخلت على عمر بن عبد العزيز، وكان لا يكاد يتكئ، إنما هو متقبض أبداً، كأن عليه حزن الخلق. قال النضر: كنت بمكة، فرأيت الناس مجتمعين على رجل، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا

النضر بن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي

صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا عامر بن واثلة، وعليه إزار ورداء، فمسست جلده، فكان ألين شيء. وعربي: بالعين والراء والباء والياء. توفي النضر سنة ثمان وستين ومئة. النضر بن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدث عن عمار بن عمرو الجنبي قاضي مكة بسنده إلى جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ". النضر بن عمر المقرائي الحميري قال: سألت الحسن البصري: أي الرجلين أفضل: علي أم عثمان؟ فقال: شارك عثمان علياً في سوابقه، ولم يشاركه في حدثه. قلت: علي ومعاوية؟ فقال: هيهات! لم يشارك معاوية علياً في سوابقه، وشاركه في أحداثه. قال الحسن: لقد أدركت الأمراء ممن كان قبلكم، كانوا والله " وعاة " لكتاب الله وسنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جنهم الليل فقيام على أطرارفهم، يفرشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، يناجون الذي خلقهم في فكاك رقابهم، إذا عملوا الحسنة دأبوا في "

النضر بن محمد بن خالد

سترها " وسألوا الله أن يتقبلها، وإذا عملوا السيئة " تابوا " وسألوا الله أن يغفرها لهم، فوالله ما زالوا كذلك وعلى ذلك، والله ما سلموا من الذنوب، ولا نجوا إلا بالمغفرة. وأقبل على الأمير النضر بن عمرو، فقال: وأصبحت أيها الأمير مخالفاً للقوم في الهدي والسيرة، وإياك أن تمنى الأماني، فترجع فيها، فإن أخاك من صدقك ونصح لك في دينك خير لك ممن يمنيك ويغرك. النضر بن محمد بن خالد أبو محمد الأسدي البغدادي حدث بدمشق سنة اثنتين وسبعين ومئتين عن يحيى بن معين بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بادروا الصبح بالوتر ". النضر بن محمد بن بعيث أبو الفرج الأزدي البثني من أهل البثينة من نواحي دمشق. حدث عن محمد بن المنكدر بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد، وجلاؤها الاستغفار ". وحدث عن جابر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأعمالأفضل؟ قال: " سرور تدخله على مسلم ". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لأن يمتلئ جوف الرجل قيحاً أو دماً خير من أن يمتلئ شعراً مما هجيت به ".

نضلة بن عبيد ويقال ابن عمرو

وحدث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة هم حداث الله يوم القيامة: رجل لم يمش بين اثنين بمراء قط، ورجل لم يحدث نفسه بزنى قط، ورجل لم يخلط كسبه بربا قط ". وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وجع قال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس ". فصلى بالناس أبو بكر. نضلة بن عبيد ويقال ابن عمرو ويقال: ابن عائذ، ويقال: ابن عبد الله بن الحارث بن حبان بن ربيعة بن دعبل ويقال: عبد الله بن نضلة، ويقال: خالد بن نضلة أبو برزة الأسلمي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان مع معاوية بالشام، وقدم دمشق على يزيد بن معاوية، وكان عنده حين أتي برأس الحسين عليه السلام. قال أبو برزة: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: يا رسول الله إني لا أدري لعله أن تمضي وأبقى بعدك، فحدثني بشيء ينفعني الله به، قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " افعل كذا، افعل كذا، أنسيت ذلك ولم الأذى عن الطريق ". وفي رواية، قال: " انظر ما يؤذي الناس فاعزله عن طريقهم. وعن طريق الناس ".

قيل لأبي برزة الأسلمي: لم آثرت صاحب الشام على صاحب العراق؟ قال: وجدته أطوى لسره، وأملك لعنان جيشه، وأفطن لما في نفس عدوه. لما أقبل وفد الكوفة برأس الحسين عليه السلام دخلوا مسجد دمشق، فقال لهم مروان بن الحكم: كيف صنعتم؟ قالوا: ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً فأتينا والله على آخرهم، وهذه الرؤوس والسبايا؛ فوثب مروان وانصرف. وأتاهم أخوه يحيى بن الحكم، فقال: ما صنعتم؟ فأعادوا عليه الكلام، فقال: حجبتم عن محمد يوم القيامة، إن أجامعكم على أمر أبداً، ثم قام وانصرف. ودخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه. قال: فسمعت الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كثير، وكانت تحت يزيد بن معاوية، فتقنعت بثوبها وخرجت، وقالت: يا أمير المؤمنين، أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، فأعولي عليه وحدي على ابن بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصريحة قريش، عجل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله. ثم أذن للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، ومعه قضيب فنكت به في ثغره، ثم قال: إن هذا وأنا كما قال الحصين بن الحمام المري: " من الطويل " نفلق هاماً من رجال أحبة ... إلينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له: أبو برزة الأسلمي: أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟ أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً كريماً، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرشفه، أما إنك، يا يزيد، تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شفيعه، ثم قام فولى.

وشهد نضلة فتح مكة وهو الذي قتل عبد العزى بن حنظل تحت أستار الكعبة يوم الفتح لما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتله. وغزا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوات منها خيبر، وشهد فتح مكة، وحضر مع علي بن أبي طالب قتال الخوارج بالنهروان، وورد المدائن صحبته. وكان اسم أبي برزة نضلة بن نيار، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، وقال: نيار شيطان. قال أبو برزة: لما كان يوم أحد وشج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه خر مغشياً عليه، فأخذت رأسه في حجري، فلما أفاق قال: نضلة؟ قلت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: بارك الله فيك وفي ذريتك وعترتك من بعدك. وشهد أبو برزة مع علي بن أبي طالب المشاهد: الجمل وصفين والنهروان. قال الأزرق بن قيس: كنت مع أبي برزة بالأهواز فقام يصلي وعنان دابته بيده، فجعلت تنكص، وجعل أبو برزة ينكص معها، ورجل من الخوارج قاعد، فجعل يسبه، فلما صلى قال: إني سمعت مقالتك، إني غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستاً أو سبعاً، وشهدت من تيسيره، ولئن أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها فتأتي مألفها فيشق علي. قال: قلت: كم صلى العصر؟ قال: ركعتين. وفي حديث: جاء أبو برزة آخذاً بمقود برذونه أو دابته، فبينا هو يصلي انفلت المقود من يده فمضت الدابة في قبلته، وانطلق أبو برزة حتى أخذ بها، ثم رجع القهقرى، فقال رجل

كان يرى رأي الخوارج: انظروا إلى هذا الشيخ، ونال منه، إنه ترك الصلاة وانطلق إلى دابته. فلما أقبل أبو برزة قضى صلاته، فقال: إني غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات وأنا شيخ كبير، ولو أن دابتي ذهبت إلى مألفها شق ذلك علي، فصنعت ما رأيت. فقلنا للرجل: ما أرى الله إلا مخزيك، شتمت رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو برزة: كانت العرب تقول: من أكل الخبز سمن، قال: فلما فتحنا خيبر أجضناهم عن خبزة لهم، فقعدت عليها، فأكلت منها حتى شبعت، فجعلت أنظر في عطفي هل سمنت. وفي رواية: فجعل أحدنا يأكل منه الكسرة ثم يمس عطفه هل سمن؟! قال أبو برزة: لما كان حين صالح الحسن بن علي معاوية قام خطباء، كلهم لا ألون أن ينتقص علياً ويثلبه، فقال عمرو لمعاوية: مر أبا برزة فليخطب، فقال معاوية: قم يا أبا برزة فاخطب؛ فقلت: إني لا أتكلف الخطب، فقال: لتقومن، فقمت: فحمدت الله، وذكرت ما من الله به من الإسلام، وما خص به محمداً عليه السلام، ثم قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني لأرجو أن تبلغ شفاعتي حتى حاء وحكماً ". وكان نبينا أتقانا لربه، وأوصلنا لرحمه، ثم نزلت. دخل أبو برزة على عبيد الله بن زياد، فلما رآه عبيد الله " قال ": إن محدثكم

هذا لدحداح، ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيرونني بصحبة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زين غير شين، ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر فيه شيئاً؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرة ولا ثنتين، ولا ثلاثاً ولا أربعاً، ولا خمساً، فمن كذب به فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً. حدث عوف عن أبي المنهال قال: لما كان من خروج ابن زياد، ووثب مروان بالشام وابن الزبير بمكة، ووثب الذين يدعون القراء بالبصرة غم أبي غماً شديداً، وكان يثني على أبيه خيراً، قال لي: انطلق إلى هذا الرجل الذي من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي برزة الأسلمي، فانطلقت معه حتى دخلنا عليه في داره وإذا هو في ظل غلولة من قصب في يوم شديد الحر. قال: فجلسنا إليه، فكان أول شيء تكلم به قال: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش، وإنكم معين العرب، كنتم على الحال الذي قد علمتم من جهالتكم من القلة والذلة والضلالة، وإن الله نعشكم بالإسلام ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلغ بكم ما ترون، وإن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، وإن ذاك الذي بالشام، والله، ما يقاتل إلا على الدنيا، وإن ذلك الذي بمكة، والله، ما يقاتل إلا على الدنيا، وإن الذين حولكم الذين تدعونهم قراءكم، والله، ما يقاتلون إلا على الدنيا. قال: فلما لم يدع أحداً قال له أبي: فما تأمر إذاً؟ قال: لا أرى خير الناس اليوم إلا عصابة مكيدة، خماص البطون من أموال الناس، خفاف الظهور من دمائهم. فقال له أبي: حدثنا كيف يصلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، قال: وكان

يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية. قال: ونسيت ما قال في المغرب. قال: وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المئة. قال ثابت البناني: كان عائذ بن عمرو يلبس الخز ويركب الخيل، وكان أبو برزة لا يلبس الخز، ولا يركب الخيل، ويلبس ثوبين ممصرين. وفي رواية: إنه كان يلبس الصوف، فأراد رجل أن يشي بينهما، فأتى عائذ بن عمرو، فقال: ألم تر إلى أبي برزة يرغب عن لبسك وهيئتك، وتحول لا يلبس الخز ولا يركب الخيل؟ فقال عائذ: يرحم الله أبا برزة، ومن فينا مثل أبي برزة؟ ثم أتى أبا برزة، فقال: ألم تر إلى عائذ يرغب عن هيئتك وتحول يركب الخيل ويلبس الخز؟ فقال: يرحم الله عائذاً، ومن فينا مثل عائذ. وكان لأبي برزة جفنة من ثريد غدوة، وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين. قال عبد الله بن موله القشيري: كنت بالأهواز إذ مر بي شيخ ضخم على بغلة وهو يقول: اللهم ذهب قرني من هذه الأمة فألحقني بهم. فألحقته دابتي فقلت: وأنا رحمك الله، قال: وصاحبي هذا إن أراد ذلك. ثم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " خير أمتي قرني ثم الذي يلونهم ". قال: ولا أدري أذكر الثالث أم لا، " ثم يخلف

نضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة

قوم يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها " فإذا أبو برزة الأسلمي. كان أبو برزة يحدث: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر على قبر وصاحبه يعذب، فأخذ جريدة فغرسها في القبر، وقال: " عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة ". فكان أبو برزة يوصي: إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين، فمات في مفازة بين كرمان وقومس. فقالوا: كان يوصينا أن نضع في قبره جريدتين، وهذا موضع لا نصيبهما فيه. فبينما هم كذلك طلع عليهم ركب من قبل سجستان، فأصابوا معهم سعفاً، فأخذوا منه جريدتين، فوضعوهما معه في قبره. نضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة ابن عبد مناف بن عبد لدار بن قصي بن كلاب أبو الحارث القرشي العبدري ويقال: النضر، والأصح أن النضر أخوه، وقتل النضر كافراً، وكان نضير من المهاجرين المؤلفة قلوبهم. وكان النضير من أحلم الناس، وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، ومن علينا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، وقتل عليه الإخوة وبنو العم، لم

يكن بطن من قريش أعدى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منا مضرة، فكنت أوضع مع قريش في كل وجهة حتى كان عام الفتح، ثم خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حنين فخرجت مع قومي من قريش، وهم على دينهم بعد، ونحن نريد إن كانت دائرة على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نعين عليه، فلم يمكنا ذلك، فلما صار بالجعرانة فوالله إني لعلى ما أنا عليه، إن شعرت إلا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلقاني كفة كفة فقال: النضير؟ قلت: لبيك، قال: هذا خير مما أردت يوم حنين مما حال الله بينك وبينه. فأقبلت إليه سريعاً فقال: قد أنى لك أن تبصر ما أنت فيه موضع، قلت: قد أرى أنه لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم زده ثباتاً. قال النضير: فوالذي بعثه بالحث، لكأن قلبي حجر ثباتاً في الدين وبصيرة في الحق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد لله الذي هداك، فقال النضير: فوالله ما أنعم الله على أحد نعمة أفضل مما أنعم به علي حيث لم أمت على ما مات عليه قومي. ثم انصرف إلى منزله ونحن معه، فلما دخل رجعت إلى منزلي، فما شعرت إلا برجل من بني الديل يقول: يا أبا الحارث؟ قلت: ما تشاء؟ قال: قد أمر لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمئة بعير فآخذني منها فإني على دين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال النضير: فأردت ألا آخذها، وقلت: ما هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا تألفاً لي،

نضير ويقال نصير ويقال بصير

ما أريد أرتشي على الإسلام، ثم قلت: والله ما طلبتها، ولا سألتها، وهي عطية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبضتها، فأعطيت الديلي منها عشراً. ثم خرجت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلست معه في مجلسه، وسألته عن فرض الصلوات ومواقيتها، وعن شرائع الإسلام، ثم قلت: أي رسول الله بأبي أنت وأمي، لأنت أحب إلي من نفسي، فأرشدني أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: " الجهاد في سبيل الله والنفقة فيه ". كان النضر قبل يوم بدر كافراً، قتله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بالصفراء صبراً بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهاجر النضير إلى المدينة، وقتل يوم اليرموك شهيداً سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. قال الهيثم بن عدي: هاجر النضير إلى الحبشة، ثم قدم إلى مكة فارتد، ثم صحح الإسلام يوم الفتح أو بعده، واستشهد باليرموك. نضير ويقال نصير ويقال بصير مولى خالد بن يزيد بن معاوية، وقيل: مولى معاوية، وهو أظهر حدث: أن أبا ذر لما نزل الربذة أتاه رجال من قبائل شتى، فقالوا: يا

النعمان بن برزج اليماني

أبا ذر، إنا قد رأينا مكانك الذي خرجت إليه، ورأينا الذي أتى إليك، فاعقد رايتك يكلمك رجال ما شئت، فقال أبو ذر: مهلاً، يا أهل الشام، مهلاً، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه سيكون بعدي سلطان فأعزوه، فإنه من أراد ذله ثغر ثغرة في الإسلام، وليست له توبة حتى يعيدها كما كانت، وليس بفاعل ". قيل: نضير بنون مفتوحة، وضاد معجمة مكسورة، ومنهم من يقول: نصير، ومنهم من يقول: بصير بالصاد المهملة. النعمان بن برزج اليماني ممن أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يلقه. ووفد على معاوية وعلى عبد الملك. قال النعمان: صلى أبان بن سعيد بن العاص حين قدم اليمن بالناس صلاة خفيفة، ثم خطب، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وضع كل دم في الجاهلية، فمن أحدث في الإسلام حدثاً أخذناه به. وذكر أبو نعيم: أن النعمان أدرك الجاهلية، ولا نعرف له إسلاماً. عاش النعمان ثلاثين ومئة سنة، ثلاثين في الجاهلية ومئة في الإسلام.

النعمان بن بشير بن سعد ثعلبة

النعمان بن بشير بن سعد ثعلبة ابن خلاس بن زيد بن مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد الأنصاري صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه بشير ممن شهد بدراً. وكان النعمان بن بشير منقطعاً إلى معاوية، وولاه الكوفة، وولي قضاء دمشق. قال الشعبي: سمعت النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووالله لا أسمع أحداً بعده يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الحلال بين وإن الحرام بين، وإن بين ذلك أموراً مشتبهات "، وربما قال: مشتبهة، " وسأضرب لكم في ذلك مثلاً: إن الله حمى حمى وإن حمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى "، وربما قال: من يخالط الريبة يوشك أن يخسر. وأم النعمان عمرة بنت رواحة بن ثعلبة أخت عبد الله بن رواحة. وولد النعمان بن بشير بعد قدوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في الهجرة بأربعة عشر شهراً، هذا قول أهل المدينة، وأهل الكوفة يروون عنه رواية كثيرة تدل على أنه أكبر سناً من ذلك، وهو أول مولود ولد بعد الهجرة من الأنصار. توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله ثمان سنين وسبعة أشهر. وخلاس: بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام. وشهد بشير العقبة وبدراً وأحداً والمشاهد.

قال النعمان: لما ولدت أتت بي أمي عمرة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحنكني بتمرة فتلمظت منها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأنصار وحبها التمر ". وقيل: إن أمه أتت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم سابعه وعليه شعر البطن، فأبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبرك عليه، وقال: احلقوا عنه شعر البطن، فحلق رأسه ثم برك عليه وقال: عقوا عنه بشاة. وعن عاصم بن عمر بن قتادة: أن عمرة جاءت تحمل ابنها النعمان في ليفه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا بتمرة فمضغها، ثم حنكه بها، فقالت: يا رسول الله، ادع له أن يكثر ماله وولده، فقال: " أو ما ترضين أن يعيش كما عاش خاله؟ عاش حميداً، وقتل شهيداً، ودخل الجنة ". وقيل: إن بشير بن سعد جاء بالنعمان بن بشير إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، ادع لابني هذا، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما ترضى أن يبلغ ما بلغت؟ ثم يأتي الشام فيقتله منافق من أهل الشام ". وعن النعمان بن بشير: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث نعمان بقطفين، واحد له، والآخر لأمه عمرة، فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرة فقال: أتاك النعمان بقطف من عنب؟ فقالت: لا، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأذنه وقال: يا قال سماك بن حرب: استعمل النعمان بن بشير على الكوفة، فكان من أخطب من سمعت من أهل الدنيا يتكلم.

ولما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة وولاه معاوية حمص، وفد عليه أعشى همدن، قال: ما أقدمك أبا المصبح؟ قال: جئت لتصلني، وتحفظ قرابتي، وتقضي ديني. فأطرق النعمان، ثم رفع رأسه، ثم قال: والله ما من شيء، ثم قال: هه، كأنه ذكر شيئاً، فقام، فصعد المنبر فقال: يا أهل حمص - وهم يومئذ في الديوان عشرون ألفاً - هذا ابن عم لكم من أهل القرآن والشرف، قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون فيه؟ قالوا: أصلح الله الأمير، احتكم له، فأبى عليهم، قالوا: فإنا قد حكما له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، فعجلها له من بيت المال، فعجل له أربعين ألف دينار، فقبضها، ثم أنشأ يقول: " من الطويل " فلم أر للحاجات عند انكماشها ... كنعمان أعني ذا الندى ابن بشير إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور متى أكفر النعمان لا أك شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشكور ولما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة وولاه معاوية حمص، وفد عليه أعشى همدان، قال: ما أقدمك أبا المصبح؟ قال: جئت لتصلني، وتحفظ قرابتي، وتقضي ديني. فأطرق النعمان، ثم رفع رأسه، ثم قال: والله ما من شيء، ثم قال: هه، كأنه ذكر شيئاً، فقام، فصعد المنبر فقال: يا أهل حمص - وهم يومئذ في الديوان عشرون ألفاً - هذا ابن عم لكم من أهل القرآن والشرف، قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون فيه؟ قالوا: أصلح الله الأمير، احتكم له، فأبى عليهم، قالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، فعجلها له من بيت المال، فعجل له أربعين ألف دينار، فقبضها، ثم أنشأ يقول: " من الطويل " فلم أر للحاجات عند انكماشها ... كنعمان أعني ذا الندى ابن بشير إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن ... كمدل إلى الأقوام حبل غرور متى أكفر النعمان لا أك شاكراً ... وما خير من لا يقتدي بشكور وعن النعمان قال وهو على المنبر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن للشيطان مصالي وفخوخاً، وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله، والفخر بعطاء الله، والكبر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله ". وعن النعمان قال: الهلكة كل الهلكة أن تعمل بالسيئات في أزمان البلاء. وعن جبير بن نضير: أنه أتي بيت المقدس يريد الصلاة فيه، فجلس إلى رجل قد اجتمع الناس عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من أهل حمص، قال: كيف وجدتم إمارة النعمان بن بشير؟ فذكرت خيراً. قال: إذا أتيته فاقره مني السلام، وقل له: إن فضالة بن عبيد يقول لك: قوله لك، وقولك له، فقلت: ما أدري ما هذا! قال: إني سأبينه لك:

لقيته بالمدينة وهو مغبر بالجهاد، فقلت: أين تريد؟ فقال: إني ابتعت نفسي من الله أن أجاهد وأهاجر إلى الشام، ولا أزال فيها حتى يدركني الموت، فقلت له: لقد أفلحت إذاً، ولكني أرى فيك غير هذا، فقال: ما رأيك في؟ فقلت: كأني بك أتيت الشام، أتيت معاوية فانتسبت إليه، فقلت: أنا النعمان بن بشير بن سعد أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة، فتقول له أقاويل وتحدثه بالخرافات، فيستعملك على مدينة، إما أن تهلكهم وإما أن يهلكوك. كان كعب يقول: ليؤمرن على جند حمص أمير أشهل العينين طويل الأرنبة، كث اللحية، حلو اللسان، مر القلب، فليصيبنه بقارعة، فذكروا النعمان بن بشير. لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط في سنة أربع وستين في خلافة مروان بن الحكم أراد النعمان بن بشير أن يهرب من حمص، وكان عاملاً عليها، فحالف ودعا لابن الزبير فغلبه أهل حمص واحتزوا رأسه، فقالت امرأته الكلبية: ألقوا رأسه في حجري فأنا أحق به. وكانت قبله عند معاوية بن أبي سفيان، فقال لامرأته ميسون أم يزيد: اذهبي فانظري إليها، فأتتها، فنظرت، ثم رجعت، فقالت: ما رأيت مثلها، وقد رأيت خالاً تحت سرتها ليوضعن رأس زوجها تحت في حجرها، فطلقها معاوية، فتزوجها حبيب بن مسلمة، ثم طلقها، فتزوجها النعمان بن بشيرن فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها. قالوا: ولما خرج النعمان هارباً من حمص اتبعه خالد بن خلي الكلاعي فقتله، فقالت حميدة بنت النعمان ترثي أباها: " من مجزوء الكامل " ليت ابن مزنة وابنه ... كانوا لقتلك واقيه وبني أمية كلهم ... لم تبق منهم باقيه جاء البريد بقتله ... يا للكلاب العاويه يستفتحون برأسه ... دارت عليهم ثانيه

النعمان بن جميل بن أحمد

فلأبكين مسرة ... ولأبكين علانيه ولأبكينك ما حييت ... مع السباع العاديه قتل النعمان بن بشير سنة أربع وستين، وقيل: سنة خمس وستين، وقيل: سنة ست وستين. النعمان بن جميل بن أحمد ابن فضالة بن الصقر بن فضالة بن سالم بن جميل أبو قابوس اللخمي حدث عن عم أبيه أبي الحسن بن فضالة بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ستر أخاه المسلم ستره الله يوم القيامة، ومن أقال أخاه عثرته أقاله الله يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. النعمان بن أبي شمر أبو صالح البرشمي قال النعمان بن شمر: سمعت معاوية على هذا المنبر يقول: أعدوا للبلاء صبراً، فوالله إن بقي من الدنيا إلا بلاء وفتنة. النعمان بن المنذر أبو الوزير الغساني من أهل دمشق حدث عن مكحول بسنده إلى أم حبيبة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعد الظهر حرم على جهنم.

النعمان بن وداع بن عبد الله

وحدث عن سليمان بن موسى قال: سألت نافعاً عن قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي بن أبي طالب فقال: أخبرني علي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لباس القسي وهو المضلع، وعن التختم بالذهب، وعن لباس المعصفر، وعن القراءة في الركوع والسجود من الصلاة المكتوبة، فأما الصلاة التطوع فلا جناح، والركوع حتى تضع يديك على ركبتيك، والسجود حتى تضع جبهتك على الأرض. وحدث عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لعائشة أم المؤمنين هل رخص للنساء في الصلاة على الدواب؟ فقالت: ما رخص لهن في ذلك في هزل ولا جد. وقيل: في شدة ولا في رخاء. توفي النعمان بن المنذر سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وكان قدرياً. وقال أبو زرعة: كان ثقة. النعمان بن وداع بن عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن سليمان أبو عدي التنوخي المعري من شعره: " من السريع " سبح لله وآلائه ... ما في السماوات وفي الأرض لا يفقهون الناس تسبيحه ... بل بعضه يفقه عن بعض ومن شعره: " من الكامل "

نعمان الزاهد

بليت يدي وكتابها ... يبلى ولكن بعد حين وكذاك يهلك كل شي ... ء غير رب العالمين ومن شعره: " من السريع " عبدك يا ذا العرش فالطف به ... يا خير من أبلى ومن عافى من فقراء قد غنوا عفة ... لا يسألون الناس إلحافا خاف فلا يرجوك إلا امرؤ ... أمنه عدلك إذ خافا ومن شعره: " من السريع " ما أحسن التوبة إن عجلت ... من تائب والغصن غض وريق فقل لمن قد طاح في غيه ... لا بد للسكران مما يفيق يتوب إما كبراً أو تقى ... فاربح هداك الله أقرب الطريق نعمان الزاهد من أهل قرية الحميريين. قال نعمان: وسمعت أحمد بن عاصم يقول: قلت بيتاً من الشعر جمعت فيه الخير والشر كله، قلت: ما هو؟ فأنشدني: " من البسيط " لا تغضبن ولا تطمع وكن ورعاً ... واحفظ لسانك واترك فضل ما اشتبها قال: وسمعت أحمد عاصم يقول: من لم ينتهز عند إمكان الفرصة عض على الندم عند فوات الإمكان، ولا إمكان كسلامة الأبدان في الأيام الخالية، فمن أحب أن يكون في الدنيا حكيماً مؤدباً، وفي

نعمة بن هبة الله بن محمد

الآخرة ملكاً متوجباً فليقبل مني ثلاث خلال: ينفي عن قلبه سلطان الطمع بالإياس، ويميت من قلبه سورة الغضب بالتواضع له، والثالثة رأس كل خير، هي في ابتدائه ووسطه وتمامه، يؤثر دلالة العقل والعلم على جلب الهوى، يقع به الحق حيث وقع. نعمة بن هبة الله بن محمد أبو الخير الجاسمي، الفقيه من قرية جاسم. حدث نعمة: أن شيخاً من أهل قرية كفر عاقب من عمل طبرية، كان عمره زائداً على المئة من أهل الخير، له مدة سنين محتجب عن الناس، خال بعبادة الله عز وجل، حدثه أنه لما خرج داعي طبرية، لعنه الله، يلزم الناس بالاتصال، ذكر هذا الشيخ فيمن ذكر، وهرب جماعة من أهل القرية، ولم يكن في الشيخ نهضة للهرب، فبات مهموماً من ذلك، وموعده أن يجيئه الداعي من غد، وقد خاف من ذلك. فلما كان في الليل رأى في النوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين يديه عليه بن أبي طالب، يطرف بين يديه، وفي يديه قضيب أظنه لوزاً، وعليه جفنان. قال: فتقدمت إليه لأقبل يده، وأنا أعلم أنه علي بن أبي طالب، فمنعني، وقال: ابدأ بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى يمينه ويساره الحسن والحسين عليهما السلام، ومن ورائه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فجئت لأقبل بين عينيه، فأمال خده إلي، فقبلته وأنا أبكي ثم تبسم حتى رأيت ثنيته المكسورة، ثم شكوت إليه، وقلت: يا رسول الله، ما ترى قد دفع الناس إليه، وما في ما أهرب، وما أبرح؟ فقال: ما عليك مخافة.

نعمة بن الوابشي الطبراني

ثم أعدت عليه القول، فقال: لا تخف، ثم أعدت القول، وقلت: ما أطمئن، فقال لعلي عليه السلام: اكتب له أماناً. فأخذ خرقة وعوداً، وكتب رقعة أمان، ودفعه إلي، فقبلته، ثم التفت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال: ألا تنظران ما الناس فيه بسببكما؟ ثم قال: ألا أدلكم على شر البقاع؟ قالوا: نعم، فقال: هذه المدينة - وأشار ناحية بانياس - ولولا رجل في جوارها لأقلب سفلها على علوها. وانتبهت، فلما كان من الغد قيل للداعي بسببي، فقال: دعوه فلا حاجة لنا فيه. نعمة بن الوابشي الطبراني رجل من أهل طبرية، خفيف الروح، حسن الشخص، لا يتسلط عليه شيء من النقص، يحفظ الأشعار والأخبار القديمة والحديثة. أنشد لرجل من بلده: " من المنسرح " عاتبت فيما مضى سطيلة وال ... عتب قبيح بين الأخلاء قلت له لم فعلت بابن أبي ال ... خرجين فعلاً يكنى بفحشاء فقال والله ما فعلت به ... وإنه سيدي ومولائي وإنما كان ثم عربدة ... قد كسروا في غضونها بائي أعارني سيدي خريطته ... خبأت فيها بالليل شربائي

نعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن

نعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم، أبو عمرو شهد بدراً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قدم بصرى مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. حدثت أم سلمة: أن أبا بكر خرج تاجراً إلى بصرى، ومعه نعيمان وسويبط، بن حرملة، وكلاهما بدري، وكان سويبط على الزاد، فقال: أطعمني، فقال: لا، يأتي أبو بكر، وكان نعيمان رجلاً مزاحاً مضحاكاً، فقال: لأغيظنك. فذهب إلى ناس جلبوا ظهراً، فقال: ابتاعوا مني غلاماً عربياً فارهاً وهو ذو لسان، ولعله يقول: أنا حر، فإن كنتم تاركيه لذلك، فدعونين لا تفسدوا علي غلامي، فقالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص، فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم هو هذا. فجاء القوم فقالوا: قد اشتريناك، قال سويبط: هو كاذب، أنا رجل حر، فقالوا: قد أخبرنا خبرك، فطرحوا الحبل في رقبته، فذهبوا به. فجاء أبو بكر، فأخبر، فذهب هو وأصحاب له، فزدوا القلائص وأخذوه، فضحك منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه حولاً. وأم نعيمان، فكيهة بن بني النجار، ولا عقب لها، وقيل: فاطمة بنت عمرو بن عطية بن خنساء بن بني مازن بن النجار. وهو نعيمان تصغير نعمان، وشهد نعيمان العقبة الآخرة مع السبعين من الأنصار، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال عقبة بن الحارث: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنعيمان وقد شرب الخمر، وفي رواية: وهو سكران، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من في البيت، فضربوه بالأيدي والجريد والنعال، قال؛ وكنت فيمن ضربه. قال زيد بن أسلم: أتي بالنعيمان أو ابن النعيمان إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلده، ثم أتي به فجلده قال: مراراً أربعاً أو خمساً، يعني في شرب النبيذ، فقال رجل: اللهم العنه، ما أكثر ما يشرب! وأكثر ما يجلد! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله. وفي حديث آخر بمعناه عن مروان بن قيس: ثم أتي به الرابعة وعمر عنده، فقال عمر: ما تنتظر به يا نبي الله؟ هي الرابعة، اضرب عنقه، فقال رجل عند ذلك: لقد رأيته يوم بدر يقاتل قتالاً شديداً. وقال آخر: لقد رأيت له يوم بدر موقفاً حسناً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف وقد شهد بدراً؟ قال ربيعة بن عثمان: دخل أعرابي على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنعيمان: لو عقرتها فأكلناها، فإنا قد قرمنا إلى اللحم، وغرم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فعقرها النعيمان، فخرج الأعرابي، فرأى راحلته، فصاح: واعقراه يا محمد. فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: من فعل هذا؟ قالوا: النعيمان، فاتبعه يسأله عنه حتى وجده في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد حفرت لها خنادق، وعليها جريد، فدخل النعيمان في بعضها، فمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عنه، فأشار إليه رجل، ورفع صوته: ما رأيته يا رسول الله وأشار بإصبعه حيث هو. قال: فأخرجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أسقط على وجهه السعف، وتغير وجهه، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: الذين دلوك علي يا رسول الله هم الذين أمروني.

قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح عن وجهه ويضحك، ثم غرمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي. وكان نعيمان الأنصاري يدور في أسواق المدينة، فإذا دخل السوق طرفة من طرب أو فاكهة أو غير ذلك اشتراه، فأهداه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان فقيراً، فإذا كان من آخر النهار راح إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه صاحب الحق، فيقول؛ يا نبي الله، أعط هذا حقه من ثمن كذا وكذا، فيقول له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو ما أهديته إلينا يا نعيمان؟ فيقول: والذي بعثك بالحق، ما معي قليل ولا كثير، ولقد رأيته فلم تطب نفسي أن أجوزه وأدعه، أو يشتريه أحد فيأكله قبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فيضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأمر بدفع حق الرجل إليه. كان مخرمو بن نوفل بن أهيب الزهري بالمدينة، وهو شيخ كبير أعمى، وكان قد بلغ مئة وخمس عشرة سنة، فقام يوماً في المسجد يريد أن يبول، فصاح به الناس، فأتاه نعيمان فتنحى به ناحية من المسجد، ثم قال: اجلس ههنا، فأجلسه يبول، فلما أجلسه وبال، ذهب وتركه، فصاح به الناس، فلما فرغ قال: من جاء بي، ويحكم إلى هذا الموضع؟ قالوا: نعيمان بن عمرو، قال: فعل الله به وفعل، أما إن لله علي إن ظفرت به أن أضربه بعصاتي هذه ضربة تبلغ منه ما بلغت. فمكث ما شاء الله حتى نسي ذلك مخرمة، ثم أتاه يوماً وعثمان قائم يصلي في ناحية من المسجد، وكان عثمان إذا صلى لا يلتفت، فقال له: هل لك في نعيمان؟ قال: نعم، أين هو؟ دلني عليه، فأتى به حتى أوقفه على عثمان، فقال: دونك هذا هو، فجمع مخرمة يديه بعصاه فضرب عثمان فشجه. فقيل له: إنما ضربت أمير المؤمنين عثمان، فاجتمع بنو زهرة في ذلك، فقال عثمان: دعوا نعيمان، لعن الله نعيمان. توفي نعيمان في خلافة معاوية، ولم يعقب.

نعيم بن حماد بن معاوية

نعيم بن حماد بن معاوية ابن الحارث بن همام بن مسلمة بن مالك أبو عبد الله الخزاعي المروزي الأعور المعروف بالفارض صاحب ابن المبارك حدث عن ابن المبارك بسنده إلى أنس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا جاء شهر رمضان قال للناس: قد جاءكم مظهر شهر رمضان، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغل فيه الشياطين، يعد المؤمن فيه القوة للصوم والصلاة، وهو نقمة للفاجر يغتنم فيه غفلات الناس، من حرم خيره فقد حرم. وحدث عن عيسى بن يونس بسنده إلى عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتزيد أمتي عليها فرقة، ليس فيها فرقة أضر على أمتي من قوم يقيسون الدين برأيهم، فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله. وفي حديث قال: ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، شر فرقة منها قوم يقيسون الدين بالرأي، فيحلون به الحرام، ويحرمون به الحلال. وفي حديث عوف بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في آخر الزمان قوم يحلون الحرام، ويحرمون الحلال، ويقيسون الأمور برأيهم. نزل نعيم بن حماد مصر، وأشخص منها في خلافة أبي إسحاق " المعتصم " بن هارون، فسئل عن القرآن، فأبى أن يجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه، فحبس بسامراء

حتى مات في السجن في سنة ثمان وعشرين ومئتين، وقيل: سنة سبع وعشرين، وأوصى أن يدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم. أثنى عليه قوم، وضعفه قوم. قال أبو زرعة: عرضت على عبد الرحمن بن إبراهيم حديث نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم يسنده النواس بن سمعان عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة. فقال: لا أصل له. وحدث عن ابن وهب بسنده إلى أم الطفيل: أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر أنه رأى ربه في المنام في أحسن صورة، شاباً موقراً رجلاه في حصير عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب. وكان يحيى بن معين يهجن نعيم بن حماد في هذا الحديث حديث أم الطفيل في الرؤية، ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث مثل هذا الحديث. وحدث نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك بسنده إلى جبير بن مطعم: أنه سمع عمرو بن العاص يقول: لا تنقضي الدنيا حتى يملكها رجل من قحطان. فقال معاوية: ما هذا الحديث؟! سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يزال هذا الأمر في قريش لا يناوئهم فيه أحد إلا أكبه الله على وجهه ". قال نعيم بن حماد: من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه ورسوله فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيه. قال نعيم بن حماد: أنا كنت جهمياً، ولذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل.

نعيم بن سلامة السبائي

قال نعيم بن حماد: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقال لي: أنت الذي تقطع حديثي؟ قال: قلت: يا رسول الله إنه يبلغنا عنك الحديث فيه ذكر الصلاة وذكر الصيام وذكر الزكاة، فيجعل ذا في ذا، وذا في ذا، قال: فنعم إذاً. قال أحمد أظنه ابن حنبل قال لي نعيم: وضعت ثلاثة كتب على الجهمية، اكتبها. قلت: لا، قال: لم؟ قلت: أخاف أن يقع في قلبي منها شيء، قال: تركها والله خير لك، قلت: فلم تدعوني إلى شيء تركه أحب إلي؟ فأبيت أن أكتبها. ولما حمل نعيم بن حماد المحنة كبل بالحديد، وحبس، فاجتمع القوم يقولون: من يناظره؟ فاتفقوا على ابن عوف، وكان متكلمهم. فأتاه ابن عوف وأصحابه إلى السجن، فأخرج نعيم، فقال له ابن عوف: أقول أو تقول؟ قال: أقول. قال: قل. قال: أخبرني عن هذه المقالة التي دعوتم الناس إليها، هو رأيك؟ قال: نعم، قال: ورأي الخليفة؟ قال: نعم، قال: فإن رجع الخليفة ترجع أنت عنها؟ قال: نعم، قال: قم، فإنك بلا دين، دينك دين الملك فتفرقوا عنه، وأقبل أصحابه عليه، فقالوا: فضحتنا، قطعك بكلمة واحدة. ولما مات في الحبس ممتنعاً من القول بخلق القرآن جر بأقياده، فألقي في حفرته، ولم يكفن، ولم يصل عليه، فعل ذلك به صاحب ابن أبي دؤاد. نعيم بن سلامة السبائي ويقال: الشيباني. ويقال: الغساني. ويقال: الحميري مولاهم، الأردني كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز. حدث عن رجل من بني سليم، وكانت له صحبة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت، وأشبعت وأرويت، فلك الحمد غير مكفور، ولا مودع، ولا مستغنى عنك.

نعيم بن عبد الله بن أسد بن عبد بن عوف بن

قال نعيم بن سلامة: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فوجدته يأكل ثوماً مسلوقاً بملح وزيت. وفي رواية: وهو يأكل ثوماً مسلوقاً، وقد صب عليه زيتاً ودقه. وكان ابن عمر يؤتى بالحسو فيه الثوم فينحي الثوم بالملعقة ويحسو الحسو. وعن نعيم بن سلامة: أنه كان يقول في الحثو على الميت في الأولى: بسم الله، وفي الثانية: الملك، وفي الثالثة: لا شريك له. نعيم بن عبد الله بن أسد بن عبد بن عوف بن عبيد بن عويج القرشي، وهو نعيم النحام له صحبة من سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قديم الإسلام قدم دمشق قبل فتحها مع النفر الذين أرسلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى ملك الروم، وخرج إلى الشام بعد ذلك مجاهداً، فقتل يوم أجنادين، ويقال: اليرموك. قال نعيم بن النحام: نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي، فقلت: ليت المنادي قال من قعد فلا حرج عليه، فإذا منادي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في آخر أذانه: من قعد فلا حرج عليه. وفي رواية: سمعت مؤذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة باردة وأنا في لحافي، فتمنيت أن يقول: صلوا في

رحالكم، فلما بلغ (حي على الفلاح) قالوا: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمره بذلك. وأم نعيم فاختة بنت أبي حرب بن عبد شمس، وأسلم نعيم بعد ثمانية وثلاثين إنساناً، وكان هو التاسع والثلاثين من المسلمين، أسلم بمكة قبل عمر بن الخطاب. وقيل له: النحام لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " دخلت الجنة، فسمعت نحمة من نعيم فيها، وهي السعلة، وما يكون في آخر النحنحة الممدودة آخرها. وكان نعيم أقام بمكة قبل الفتح، لأنه كان ممن ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقال له قومه حين أراد الخروج إلى الهجرة وتشبثوا به: أقم ودن بأي دين شئت. فذكروا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له حين قدم عليه: قومك يا نعيم كانوا لك خيراً من قومي لي، قال: بل قومك خير يا رسول الله، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن قومي أخرجوني، وأقرك قومك، فقال نعيم: يا رسول الله قومك أخرجوك إلى الهجرة، وقومي حبسوني عنها. وكان بيت بني عدي بن كعب في الجاهلية بيت بني عويج حتى تحول في بني رزاح لعمر وزيد ابني الخطاب وسعيد بن زيد. قال عبد الرحمن بن نمير: كان عمر بن الخطاب يأتي الشفاء، فإذا رأته قالت: هذا عمر، إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وهو الباسل حقاً، ما زالت بنو عبيد تعلونا ظهراً حتى جاءنا الله بك. قال نمير: وكان نعيم النحام وأبوه من قبله يحملون يتامى بني عدي ويمونونهم.

أسلم نعيم قبل هجرة الحبشة، وكان يكتم إسلامه، وأقام بمكة، وقدم مهاجراً سنة ست، ومعه أربعون من أهله، فاعتنقه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقبله. وكان هاجر عام الحديبية، وشهد ما بعدها من المشاهد، واستشهد بأجنادين سنة خمس عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل: يوم مؤتة، وقيل: سنة أربع عشرة. وقيل: هو النحام بضم النون، وتخفيف الحاء، وأصحاب الحديث يقولونه: بفتح النون وتشديد الحاء. وقيل: إنه أسلم بعد عشرة، واسمه الذي يعرف به نعيم، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سماه صالحاً. قال عبد الله بن عمر لعمر بن الخطاب: اخطب علي ابنة صالح، قال: إن له يتامى، ولم يكن ليؤثرنا عليهم؛ فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب ليخطب عليه. فانطلق به إلى صالح: فقال: إن عبد الله بن عمر أرسلني إليك يخطب ابنتك، فقال: لي يتامى، ولم أكن لأترب لحمي وأرفع لحمكم، فإني أشهدك أني قد أنكحتها فلاناً. وكان هوى أمها إلى عبد الله بن عمر، فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا نبي الله خطب عبد الله ابنتي، فأنكحها أبوها يتيماً في حجره، ولم يؤامرها؛ فأرسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صالح فقال: أنكحت ابنتك ولم تؤامرها؟ قال: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشيروا على النساء في أنفسهن، أشيروا على النساء، وهي بكر، فقال صالح: إنما فعلت هذا لما أصدقها ابن عمر، فقال: فإن لها في مالي مثلما أعطاها. كان نعيم النحام يقوت بني عدي بن كعب شهراً شهراً لفقرائهم.

نعيم بن هبار ويقال ابن هدار

نعيم بن هبار ويقال ابن هدار ويقال: ابن همار، ويقال: ابن خمار، ويقال: ابن حمار الغطفاني صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من غطفان جذام. قال ابن هبار: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم لا تعجز من أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره ". وفي آخر: قال ربكم: أتعجز يا بن آدم أن تصلي أربع ركعات من أول النهار أكفك بها آخر يومك. وحدث نعيم عن بلال أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " امسحوا على الخمار والخفين ". وعن نعيم بن همار قال: قيل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الشهداء أفضل؟ قال: الذين لا يفلتون وجوههم في الصف حتى يقتلوا، أولئك في الغرف العلا. نفير بن مالك بن عامر ويقال: ابن يحامر، ويقال: نفير بن جبير أبو جبير، ويقال: أبو حمير الكندي الحضرمي وفد على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق.

حدث جبير بن نفير: أن أباه قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوء، قال: توضأ. فبدأ بفيه، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تبدأ بفيك، فإن الكافر يبدأ بفيه. ثم دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوء، فغسل يديه حتى نقاهما، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر، ثم مسح رأسه، وغسل رجليه. وحدث: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر الدجال، فقال: " إن يخرج وأنا فيكم فأنا محتجكم منه، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، ألا وإنه مطموس العين كأنها عين عبد العزى بن قطن الخزاعي، ألا وإني رأيته خرج خلة بين الشام والعراق، فغاب يميناً، وغاب شمالاً، يا عباد الله اثبتوا "، ثلاثاً، قيل: يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: " أربعون يوماً، يوم منها كسنة، ويوم كجمعة، وسائرها كأيامكم هذه ". قالوا: يا رسول الله، فكيف نصنع بالصلاة يومئذ؟ صلاة يوم أو نقدر؟ قال: " بل تقدرون ". وكان أبو جبير قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلمه الوضوء. وهو الذي قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكندية يعني ابنة الجون.

نفيع بن الحارث ويقال ابن مسروح

نفيع بن الحارث ويقال ابن مسروح أبو بكرة الثقفي ويقال: إن اسم أبي بكرة مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الطائف، أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حصار الطائف فأعتقه، وسكن البصرة، ووفد على معاوية. حدث أبو بكرة قال: جئت ونبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع قد حفزني النفس، فركعت دون الصف، ثم مشيت إلى الصف، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: أيكم ركع دون الصف؟ فقلت: أنا، فقال: زادك الله حرصاً، ولا تعد. كان ولد أبي بكرة يقولون: نفيع بن الحارث الثقفي، وكان أبو بكرة ينكر ذلك، وقال لابنته حين حضرته الوفاة: اندبيني ابن مسروح الحبشي. وكان رجلاً صالحاً ورعاً، ومات أبو بكرة والحسن بن علي في سنة واحدة، ومات الحسن بن علي سنة تسع وأربعين، وقيل: مات بعد الحسن بن علي سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل: مات في ولاية زياد بن أبي سفيان بالبصرة، وكان أخاه لأمه، واسمها سمية. وكان أبو بكرة عبداً بالطائف، فلما حاصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الطائف قال: أيما حر نزل إلينا فهو آمن، وأيما عبد نزل إليها فهو حر، فنزل إليه عدة من عبيد أهل الطائف فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو بكرة تدلى إليهم في بكرة فكنوه أبا بكرة، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكان أبو بكرة مسروح عبداً للحارث بن كلدة. قال أبو عثمان النهدي: سمعت سعد بن مالك وأبا بكرة يقولان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ". قال: وكان سعد بن مالك أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان أبو بكرة أول من تسور على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف. قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: أتيت عبد الله بن عمرو في بيته، فقال لي: من أنت؟ قلت: عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: من أبو بكرة؟ قلت: أما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف؟ قال: بلى، فرحب بي. حدثني رجل من ثقيف قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فلم يرخص لنا، فقلنا: إن أرضنا أرض باردة، فسألنا أن يرخص لنا في الطهور، فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدباء، فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة، فأبى، وقال: " هو طليق الله وطليق رسوله "، وكان أبو بكرة خرج إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حاصر الطائف فأسلم. أرادت ثقيف أن تدعي أبا بكرة، فقال: أنا مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو بكرة لا يعرف أبوه، فإذا عيره أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، قال: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ".

وعن عبد الرحمن بن جوشن: في قوله عز وجل: " ادعوهم لآبائهم " هو أقسط عند الله " فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين " قال: قال أبو بكرة: أنا من إخوانكم ممن لا أب له. قال عبد العزيز بن أبي بكرة: إن أبا بكرة تزوج امرأة من بني غدانة، وإنها هلكت، فحملها إلى المقابر، فحال إخوته بينها وبين الصلاة عليها، فقال لهم: لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم، قالوا: صدق صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عليها، ثم إنه دخل القبر، فدفعوه دفعاً عنيفاً، فوقع، فغشي عليه، فحملوه إلى أهله، فصرخ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت، قال عبد العزيز: وأنا يومئذ من أصغرهم. فأفاق إفاقة، فقال لهم: لا تصرخوا علي، فوالله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفس أبي بكرة، ففزع القوم، فقالوا له: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بمعروف، ولا أنهى عن منكر، وما خير يومئذ. قال الحكم الأعرج: جلب رجل خشباً من السند أو الهند، فطلبه زياد أو ابن زياد منه، فأبى أن يبيعه، فغصبه إياه، فبنى صفة مسجد البصرة، فلم يصل أبو بكرة فيها حتى قلعت. وعن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد، فاستتاب نافعاً وشبل بن معبد، فتابا، فقبل شهادتهما، واستتاب أبا بكرة، فأبى وأقام، فلم يقبل شهادته، وكان أفضل القوم. وكان أبو بكرة إذا أتاه الرجل يشهده، قال: أشهد غيري، فإن المسلمين قد فسقوني. وهذا إن صح فلأنه امتنع من أن يتوب من قذفه، وأقام عليه، ولو كان تاب منه لما ألزموه اسم الفسق.

وحدث سعد بن إبراهيم قال: يزعم أهل العراق أن القاذف لا يجلد حداً شديداً، أشهد أن أبي أخبري أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أمرت بشاة حين جلد أبو بكرة فسلخت، فلبس مسكها، فهل كان ذلك إلا من ضرب شديد؟ سأل عبيد الله بن زياد أبا بكرة: ما أعظم المصيبة؟ قال: مصيبة الرجل في دينه، قال: ليس عن هذا أسألك، قال: فموت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت المرأة حزن ساعة. وعن الحسن قال: مر بي أنس بن مالك وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا إلى الشيخ وهو مريض، فأبلغه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيد الله بن زياد على فارس؟ ألم أستعمل زواداً على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبد الرحمن على الديوان وبيت المال؟ فقال أبو بكرة: هل زاد على أن أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً، فقال الشيخ: أقعدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهداً، وأهل حروراء قد اجتهدوا فأصابوا أم أخطؤوا، قال أنس: فرجعنا مخصومين. لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى، فلما نزل به الموت، فعرف الموت من نفسه، وعرفوه منه، قال: أين طبيبكم، ليردها إن كان صادقاً، فقالوا: وما يغني الآن، قال: وقبل الآن، فجاءت ابنته أمة الله، فلما رأت ما به بكت، فقال: أي بنية، لا تبكي، قالت: يا أبه، فإذا لم أبك عليك فعلى من أبكي؟ فقال: لا تبكي، فوالذي نفسي بيده، ما على الأرض أحب إلي من أن تكون قد خرجت، من نفسي هذه، ولا نفس هذا الذباب الطائر، فأقبل على حرمان يعني ابن أبان وهو عند رأسه، فقال: ألا أخبرك مم ذلك؟ قال: حسبت والله أنه يوشك أن يجيء أمر يحول بيني وبين الإسلام.

ثم جاء أنس بن مالك فقعد بين يديه، وأخذ بيده، وقال: إن ابن أمك زياد أرسلني إليك يقرئك السلام، وقد بلغه الذي نزل بك من قضاء الله، فأحب أن يحدث بك عهداً، ويسلم عليك، ويفارقك عن رضى. فقال: أمبلغه عني؟ قال: نعم، قال: فإني أحرج عليه أن يدخل لي بيتاً، ويحضر لي جنازة، قال: لم يرحمك الله وقد كان لك معظماً، ولبيتك واصلاً؟ قال في ذلك غضبه عليه، قال: ففي خاصة نفسك ما علمته إلا مجتهداً، قال؛ فأجلسوني، فأجلس، فقال: نشدتك الله لما حدثتني عن أهل النهر، أكانوا مجتهدين؟ قال: نعم قال: فأصابوا أم أخطؤوا؟ قال: هو ذلك. قال: أضجعوني. فرجع أنس إلى زياد، فأبلغه، فركب مكانه متوجهاً إلى الكوفة، فتوفي وهو بالجلحاء، فقدم بنوه أبا برزة، فصلى عليه، " وقيل: إنه أوصى أن يصلي عليه أبو برزة ". وعن الحسن قال: لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال: اكتبوا وصيتي: فكتب الكاتب: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأنه يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون لعذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين.

نفيع أبو إسماعيل العبسي

نفيع أبو إسماعيل العبسي جد والد إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبيد بن نفيع. كان معاوية أغزى عبد الرحمن بن أم الحكم أرض الروم، فكان فيها، ووفد ابن هرقل خصياً له، يريد معاوية على الصلح، على أن يجعل له ضواحي أرض الروم، على أن يكف الجنود، ولا يغزيهم، فأجابه معاوية إلى ذلك، فأرسل معه اثني عشر رجلاً من حرسه، نفيع أبو إسماعيل أحدهم. فانطلقوا مع الخصي حتى أتوا عبد الرحمن بكتاب معاوية برأيه، فخلى سبيل من كان معه من السبي، ونفذ رسل معاوية إلى ابن هرقل. فلما دخلوا عليه وقرأ كتابه جعل ينفخ، ويقول: اضطر معاوية، أرسلت إليه، لا رجل ولا امرأة، أنا أعطيه ضواحي الروم بخدعة، أنا أعطيه ضواحي الروم؟! وقتل تسعة من الرسل، واستبقى نفيعاً وابنه فحبسهم في سجنه. وبلغ معاوية الخبر، فأمر عبد الرحمن بالمقام بأرض الروم. نمران بن عتبة الذماري دمشقي. قال نمران بن عتبة: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيام صغار، فمسحت رؤوسنا، وقالت: أبشروا بني، فإني أرجو أن تكونوا في شفاعة أبيكم، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

النمر بن قطبة

يشفع " الشهيد " في سبعين من أهل بيته. النمر بن قطبة حدث الأحنف بن قيس: وكان وافداً لأهل البصرة على معاوية وقد دخل النمر بن قطبة، وعلى النمر عباءة قطوانية، وعلى الأحنف مدرعة وشملة، فاقتحمتها عين معاوية. فقال النمر: يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها، فقال: اجلس، ثم أقبل على الأحنف، فقال: ثم مه؟ فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين أهل البصرة عدد يسير، وعظم كسير، مع تتابع من المحول واتصال من الذحول، فالغني قد أطرق، والمقل قد أملق، وبلغ منه المخنق، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر الكسير، ويسهل العسير ويصفح عن الذحول، ويداوي من المحول، ويكشف البلاء لتزول الأواء، ألا وإن للسيد نعماً فلا تخص، ومن يدعو الجفلى، ولا يدعو النقرى، إن أحسن إليه شكر، وإن أسيء إليه غفر، ثم يكون من وراء ذلك لرعيته عماداً يرفع عنهم الملمات ويكشف عنهم المعضلات. فقال له معاوية: ههنا يا أبا بحر، وتلا هذه الآية: " ولتعرفنهم في لحن القول ".

النمر بن محمد بن النمر بن عبد السلام

الجفلى: الدعوة العامة، والنقرى: الدعوة الخاصة. النمر بن محمد بن النمر بن عبد السلام أبو الحارث الحميري الحمصي الخطيب حدث أبو الحارث بالجامع سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة عن أبي علي الحسن بن عبيد الله بن سعيد الحمصي بسنده إلى أم أيمن مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصي بعض أهله، قال: لا تشرك بالله شيئاً وإن قطعت وحرقت، ولا تعق والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً، فإنه من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله، وإياك وشرب الخمر، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية، فإن المعصية تحل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف، وإذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت، ولا تنازع ذا الأمر أمره، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم أدباً، أخفهم في الله عز وجل. نمير بن أوس الأشعري قاضي دمشق حدث عن أبي الدرداء: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه ثلاثاً قال: أمرني ألا أنام إلا على وتر، وأمرني بصيام ثلاثة أيام من الشهر، وأمرني بأربع سجدات بعد ارتفاع الشمس للضحا، ثم فسرهن لي فقال: إن العبد تقبض روحه في منامه، فلا يدري أترد إليه أم لا، فيكون قد قضى فترة خير له، ومن صام ثلاثاً من الشهر فقد صام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، ويصبح العبد وعلى كل سلامى منه زكاة، قلت: يا رسول الله بأبي أنت، وما السلامى؟ قال: رأس كل عظم من جسده، فإذا صلى ركعتين بأربع سجدات، فقد أدى ما على جسده من زكاة.

وحدث نمير بن أوس أن معاوية كان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. وحدث نمير بن أوس عن أم الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان. استأجر رجل لعابين، فلعبوا له ثلاثة أيام بسبعة دراهم، فمطلهم الأجر، فأتوا نمير بن أوس، فاستعدوه عليه، فقال: إنا لا نقضي في لعب الشياطين شيئاً. قال العلاء بن الحارث: مر بي نمير بن أوس قاضي دمشق، فقال لي: يا غلام، ما كان محكول يقول في اليمين مع الشاهد الواحد؟ فقلت: كان يراه ويفتي به، فقال نمير: لكني أنا لست أراه ولا أقضي به. قال سليمان بن حبيب: سألني نمير بن أوس وهو صاحب أذربيجان عن مجوسي تزوج ابنته وأرطأ، وتوفي الرجل فأخبرته أنها ترثه بالقرابة، ولا ترثه بالنكاح. قال نمير: الآداب من الآباء، والصلاح من الله عز وجل. قال نمير بن أوس الأشعري: يا معشر الأشعريين، إياكم والدور والمزارع، فإنها توشك ألا تلاومكم وعليكم بالخيل وطول الرماح والطعن والشعر، فإنها تزول معكم حيث زلتم. توفي نمير بن أوس سنة إحدى عشرة، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين ومئة.

نمير بن الوليد بن نمير بن أوس الأشعري

نمير بن الوليد بن نمير بن أوس الأشعري حدث عن أبيه عن جده عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم أمتعنا بالإسلام وبالخير، فولا الخير ما صلينا ولا صمنا ولا حججنا ولا غزونا. وحدث عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدعاء جند من أجناد الله مجند يرد القضاء بعد أن يبرم. نوح بن حبيب أبو محمد القومسي البذشي من قرية من قرى بسطام. حدث عن عبد المجيد بن عبد العزيز بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. وحدث عن سليمان بن داود العسقلاني بسنده إلى أنس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر إلى أحد فقال: هذا جبل يحبنا ونحبه. كان نوح بن حبيب ثقة، صاحب سنة وجماعة لا يخضب، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين.

نوح بن عمرو بن حوي بن عمرو بن نافع

نوح بن عمرو بن حوي بن عمرو بن نافع ويقال: مانع بن محصن، ويقال: محصن بن حبيب أبو عبد الله السكسكي حدث عن بقية بن الوليد بسنده إلى أبي أمامة الباهلي قال: نزل جبريل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بتبوك، فقال: يا محمد، احضر جنازة معاوية بن معاوية المري، قال: فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهبط جبريل في سبعين ألف من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت، ووضع جناحه الأيسر على الأرض فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجبريل والملائكة، فلما قضى صلاته قال: يا جبريل بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزل من الله عز وجل؟ قال: بقراءته " قل هو الله أحد " قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً. كان نوح بن عمرو ينشد: " من الكامل " دع ما يريبك وانتقل ... عنه إلى ما لا يريبك فليأتينك أين كن ... ت موفراً منه نصيبك حوي: بحاء مهملة مضمومة، وآخره ياء مشددة، هو نوح بن عمرو بن حوي، توفي بعد سنة اثنتين وخمسين ومئتين. نوح بن لمك بن متوشلخ ابن إدريس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن برد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: إن قبره بالبقاع، ويقال: بمكة. وبرد: هو البارد، وهو زمانه عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام.

وسمي نوح نوحاً لطول ما ناح على نفسه، وقيل: ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى الله، فإذا كفروا بكى وناح عليهم. وفي كتب الأوائل: أن دمشق كانت دار نوح عليه السلام ومنشأ سفينته من خشب لبنان، وأنه ركب سفينته من عين الجر التي في البقاع، وهو بطن - يعني وادياً - بين جبل لبنان وجبل سنير - وأن الموضع الذي فار منه التنور بالماء خلف حائط الحصن الداخل من مدينة دمشق من ناحية جيرون على طريق باب الفراديس. قالوا: ولما كبر آدم، ورق عظمه، قال: يا رب، إلى متى أكد وأشقى؟ قال: يا آدم، حتى يولد لك ابن مجنون، فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً، وقيل: أربعين عاماً، وكان اسم نوح السكن، وإنما سمي السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه، فهو أبوهم. وكان بين آدم ونوح عشرة آباء، وبين إبراهيم ونوح عشرة آباء، وقيل: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. قال نوف الشامي: خمسة من الأنبياء من العرب: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونوح وهود وصالح وشعيب صلوات الله عليهم. وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول نبي أرسل نوح. واختلف فيه، فقال قوم: كانت نبوته وعمره من يوم ميلاده إلى أن مات ألف سنة إلا خمسين عاماً، وكان بعث في الألف الثاني.

وقيل: إن آدم لم يمت حتى ولد نوح في آخر الألف الأول من أيام الدنيا، لأن الله عز وجل وضع الدنيا على سبعة أيام، كل يوم مقدار ألف سنة من أيام الدنيا، فتلك سبعة آلاف سنة. وعاش آدم ألف سنة إلا أربعين عاماً، فمات قبل أن تمضي الألف الأولى، وبعث نوح في الألف الثاني وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فبعث وقد ذهب من الألف الثاني أربع مئة سنة وأربعون سنة، فلبث في قومه كما قال الله عز وجل: " ألف سنة إلا خمسين عاماً "، فتلك ألف سنة وثلاث مئة سنة وتسعون سنة منذ ولد إلى أن أغرق الله الدنيا، وعاش بعد ذلك تسعين سنة لتمام ألف وأربع مئة وثمانين سنة، فكان موته في الألف الثالث بعد أربع مئة سنة وأربعين سنة من الألف الثالث. وكان قد فشت في قومه المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتواً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، وكان صبوراً حليماً. ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك قعيداً، ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول: يا رب، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه، حتى إنه يكلم الرجل فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصابه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، فذلك قول الله عز وجل: " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " يقول: نفضوا ثم قاموا من المجلس، فأسرعوا المشي، وقالوا: امضوا، فإنه كذاب. واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي إلا وهو أخبث من الأول، وأعتى من الأول.

ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا قبل آبائنا، فلم يزل هكذا مجنوناً. وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون؛ فإنه قد حدثني آبائي أن هلاك على الناس على يدي هذا، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى إن الرجل يحمل ولده على عاتقه، ثم يقف به عليه، فيقول: يا بني، إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ؛ فإنه مجنون، ويكون هلاك الناس على يديه. فلما طال ذلك بهم وبه، قالوا: يا نوح، ما نراك جئتنا بشيء نعرفه، فما كثرة دعائك " إلا " بالذي يزيدنا منك بعداً وفراراً، وما أنت إلا مجنون أو مسحور. فلما طال ذلك بهم وبه، " قالوا: يا نوح، قد جادلتنا، فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا "، فإنا لن نؤمن بك و" إن كنت من الصادقين ". " قال: إنما يأتيكم به الله إن شاء " وما يحلم ربي عنكم إلا أنكم لستم عنه بمعجزين يعني لا تسبقونه إذا أرادكم، " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون ". وعن ابن عباس قال: كان للمك يوم ولد نوحاً اثنان وثمانون سنة، ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينتهي عن منكر، فبعث الله نوحاً إليهم وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فدعاهم في نبوته مئة وعشرين سنة. ثم أمر بصنعة السفينة، فصنعها وركبها، وهو ابن ست مئة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث بعد السفينة ثلاث مئة وخمسين سنة.

فولد نوح ساماً، وفي ولده بياض وأدمة، وحاماً وفي ولده سواد وبياض قليل، ويافث وفيهم الشقرة والحمرة، وكنعنا وهو الذي غرق، والعرب تسميه ياماً، وذلك قول العرب: إنما هام عمنا يام. وأم هؤلاء واحدة. وبجبل نوذ نجر نوح السفينة، ومن ثم يبدأ الطوفان. فركب نوح السفينة، معه بنوه هؤلاء، وكنائنه نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعون من بني شيث، ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة، وحمل معه " من كل زوجين اثنين ". وكان طول السفينة ثلاث مئة ذراع، بذراع جد أبي نوح، وعرضها خمسون ذراعاً، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وخرج منها من الماء ستة اذرع، وكانت مطبقة، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض. فأرسل الله المطر أربعين ليلة وأربعين يوماً، فأقبلت الوحش حين أصابها المطر، والدواب والطير كلها إلى نوح، وسخرت له، فحمل فيها كما أمره الله من كل زوجين اثنين، وحمل معه جسد آدم فجعله حاجزاً بين النساء والرجال، فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء. وخرج الماء مثل ذلك نصفين، فذلك قوله عز وجل: " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " يقول: منصب، " وفجرنا الأرض عيوناً " يقول: شققنا الأرض " فالتقى الماء على أمر قد قدر " فصار الماء نصفين، نصف من السماء، ونصف من الأرض، وارتفع الماء على طول جبل في الأرض خمس عشرة ذراعاً.

فسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتت الحرم، فلم تدخله، ودار بالحرم أسبوعاً، ورفع البيت الذي بناه آدم، رفع من الغرق، وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي، وهو جبل بالحصنين من أرض الموصل، فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السنة، وقيل بعد الستة الأشهر: " بعداً للقوم الظالمين ". فلما استوت على الجودي قيل: " يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي " يقول: احبسي ماءك " وغيض الماء " تسقته الأرض، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض. قال: فآخر ماء بقي في الأرض من الطوفان ماء بحسمى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان. ثم جف، فهبط نوح إلى قرية، فبنى كل رجل منهم بيتاً فسميت سوق الثمانين. فغرق بنو قابيل كلهم. وما بين نوح وآدم من الأنبياء كانوا على الإسلام. ودعا نوح على الأسد تقلى عليه الحمى، وللحمامة بالأنس، وللغراب بشقاء المعيشة. قال: وتزوج نوح امرأً من بني قابيل، فولدت له غلاماً، فسماه بوناطن، فولدت بمدينة بالمشرق يقال لها: تلقون شمساً.

فلما ضاقت بهم سوق ثمانين تحولها إلى بال فبنوها. وهي بين الفرات والصراة، وكانت اثني عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً، وكان بابها موضع دوران الماء فوق جسر الكوفة يسرة إذا غربت. فكثروا بها حتى بلغوا مئة ألف، وهم على الإسلام. ولما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس، ومات نوح عليه السلام. قالوا: وكان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته، يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم حتى إذا أيس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لا يغرنك، قال: يا أبه، أمكني من العصا، فأخذ العصا، ثم قال: ضعني في الأرض، فوضعه فمشى إليه بالعصا، فضربه فشجه شجة موضحة، وسالت الدماء. قال نوح: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك، فإن يكن في عبادك حاجة فاهدهم، وإن يكن غير ذلك فصيرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين، فأوحى الله إليه، وأيأسه من إيمان قومه، وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن، قال: يا نوح، " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " يعني لا تحزن عليهم. " واصنع الفلك بأعيننا " قال: يا رب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء فأعرق أهل معصيتي، وأطهر أرضي منهم. قال: يا رب، وأين الماء؟ قال: يا نوح، إني على ما أشاء قدير، قال: يا رب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر.

قال: فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه. فلما أدرك الشجر، فقطعها وجففها وأنقها، فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور؛ رأسه كعرف الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدها بدسر، يعني مسامير الحديد. وبعث الله جبريل، فعلمه صنعة السفينة، فكان جبريل الراني ونوح النجار، فيا له من ران ويا له من نجار، فكانوا يمرون به، ويسخرون به، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المجنون؟! يتخذ بيتاً يسير به على الماء! وأين الماء! ويضحكون به، وذلك قوله: " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فأوحى الله إليه أن عجل صنعة السفينة، فقد اشتد غضبي على من عصاني. فانطلق فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام ويافث وحام معه ينحتون السفينة، فجعل السفينة ست مئة ذراع طولها، وستين ذراعاً في الأرض، وعرضها ثلاث مئة ذراع وثلاثون، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعاً، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، ولم يكن في الأرض قار، ففجر الله له عين القار حيث ينحت السفينة، يغلي غلياناً حتى طلاه. فلما فرغ منها جعل له ثلاثة أبواب في جنبها، وأطبقها، فحمل فيها السباع والدواب، فألقى الله على الأسد الحمى، وشغله بنفسه عن الدواب ألا يتحرك، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليها، وجعل ولد آدم أربعين رجلاً

وأربعين امرأً في الباب الأعلى، ثم أطبق عليهما، وجعل الدرة معه في الباب الأعلى لضعفها لئلا تطأها الدواب. وقال: يا رب، ما علامة ما بيني وبين الماء؟ قال: إذا فار التنور. قالوا: وفار الماء من التنور بأرض الجزيرة من عين وردة، وركب نوح من رأس العين بالجزيرة. وقيل: إنه فار بالكوفة في مسجد الكوفة فيما يلي أبواب كندة. وقيل: إن الله أعقم رجالهم قبل الطوفان بأربعين يوماً، وأعقم نساءهم فلم يتوالدوا أربعين عاماً منذ يوم دعا نوح حتى أدرك الصغير فبلغ الحنث، وصارت لله عليهم الحجة، ثم أرسل السماء عليهم بالطوفان. وقيل: إنه عمل السفينة في ثلاث سنين، ولما حمل في السفينة من كل زوجين اثنين قال: يا رب، كيف بالأسد والأسدة، والفيل والفيلة؟ فقال له ربه: سألقي عليهم الحمى، إنها ثقيلة. ودعا ابنه، فأبى عليه، فلما فرغ من كل شيء يدخله السفينة طبق السفينة الأخرى عليهم، ولولا ذاك لم يبق في السفينة شيء إلا هدر لشدة وقع الماء حين يأتي من السماء، قال الله تعالى: " فتحنا أبواب السماء بماء منهمر ".

قال: فكان قدر كل قطرة مثل ما يجري من فم القربة، فلم يبق على ظهر الأرض شيء إلا هلك يومئذ إلا ما في السفينة، ولم يدخل الحرم منه شيء. وعن ابن عباس: في قوله: " فخانتاهما " قال: أما إنه ليس بالزنا؛ كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الضيف فتلك خيانتاهما. قال كعب لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني عن أول شجرى نبتت على الأرض، قال عبد الله: الساج، وهي التي عمل منها نوح السفينة، فقال كعب: صدقت، أنت أعلم الناس. ولما نبع الماء من حول سفينة نوح عليه السلام، خرج رجل من تلك الأمة إلى فرعون من فراعنتهم، فقال: إن هذا الذي يزعمون أنه مجنون أتاكم بما كان يعدكم، فجاء يسير في موكبه وجماعة من أصحابه حتى وقف من نوح عن بعيد، فقال: يا نوح، ما تقول؟ قال: أقول: قد أتاكم ما كنتم توعدون، قال: ما علامة ذلك؟ قال: اعطف برأس برذونك، فعطف برذونه، فنبع الماء من تحت قوائمه، فخرج يركض إلى الجبل هارباً من الماء. قالوا: وفار الماء من التنور من دار نوح من تنور يختبز فيه لبيته، وكان نوح يتوقع ذلك إذ جاءته ابنته، فقالت: يا أبه، قد فار الماء من التنور، فآمن بنوح النجارون إلا نجاراً واحداً، فقال له: أعطني أجري، قال: أعطيك أجرك على أن تركب معنا. قال: أيها المجنون، أعطني أجري، فإن وداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً سينجوني مما يريد بك إلاهك، فأخذ نوح فضة من أصحاب السفينة، فدفعها إليه، وقال: ستعلم أينا المجنون إذا حل العذاب غداً.

فأوحى الله عز وجل إليه أن " احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول "، وكان ممن سبق عليه القول امرأته والقة وكنعنان ابنه، فقال: يارب، هؤلاء حملتهم، فكيف بالوحوش والبهائم والسباع والطير؟ قال: فأنا أحشرهم عليك، فبعث جبريل فحشرهم، فجعل يضرب يديه على الزوجين، فتقع يده اليمنى على الذكر، واليسرى على الأنثى، فيدخله السفينة حتى أدخل فيه عدة ما أمره الله. فلما جمعهم في السفينة رأت البهائم والوحش والسباع العذاب، فجعلت تلحس قدم نوح وتقول: احملنا معك، فيقول: إنما أمرت: " من كل زوجين اثنين ". ولما فار الماء من التنور، والمرأة تختبز، واحتملت المرأة ولدها، ومعها ولد لها صغير، فخرجت إلى الدار، فإذا الدر قد امتلأت ماء، فدخلت البيت فإذا مثل ذلك. وحملت صبيها، فكلما بلغ منها رفعت صبيها عن ذلك الموضع. حتى وضعت صبيها على رأسها، فلما جاوز الماء منها قامتها رمت بولدها من تحتها، ثم قامت عليه، فأقسم الله عند ذلك ألا يعذب العامة بالغرق. وفي رواية أخرى: فلما بلغ الماء رفعته إلى ركبتيها، فلما بلغه الماء رفعته إلى حقوها، فلما بلغه الماء رفعته إلى صدرها، فلما بلغه الماء رفعته إلى رأسها، فلما بلغها الماء قالت به هكذا، ورفع الراوي يده فوق رأسه، فقال الله: لو كنت راحماً منهم أحداً لرحمتها للصبي. قال الزهري: بعث الله ريحاً، فحمل إليه من كل زوجين اثنين من الطير والسباع والوحش والبهائم، قالوا: واستعصت عليه الماعزة أن يدخلها السفينة، فدفعها في ذنبها، فمن ثم

انكسر ذنبها فصار معقوقفاً، وبدا حياؤها، ومضت النعجة حتى دخلت، فمسح على ذنبها، فستر حياءها. وعن مجاهد قال: مر نوح بالأسد، فضربه برجله، فخمشه الأسد، فبات ساهماً، فشكا نوح ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه: أني لا أحب الظلم. زاد في رواية: أنت بدأته. وفي حديث: أن الأسد لما حمل في السفينة جاع، فزأر زأرة خاف أهل السفينة أن يأكلهم، فشكوه إلى نوح، فشكاه نوح إلى الله تعالى، فألقى الله عليه الحمى، وكان نوح يمر به بعد ذلك فيركله برجله، ويقول له: أزبىً بانت بشرىً؟. قال: فيقول له الأسد: لا زبى. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال حين يمسي: صلى الله على نوح وعلى نوح السلام، لم تلدغه عقرب تلك الليلة. قال خالد: لما حمل نوح في السفينة ما حمل، جاءت العقرب تحجل، فقالت: يا نبي الله، أدخلني معك، قال: لا، أنت تلدغين الناس وتؤذينهم، قالت: لا، احملني معك، فلك الله على ألا ألدغ من يصلي عليك الليلة. ولما ركب نوح السفينة، وأوحى الله إلى الأرض أن أخرجي ماءك، فأخرجت بغير كيل غضباً لله، فنزل من السماء بغير كيل، فذلك قوله: " إنا لما طغى الماء " على

الخزان، فأخرجت الأرض عيونها، وانفجر حيال كل عين من السماء مثعباً. وعاينت الشياطين العذاب، فطارت بين السماء والأرض، وجاء إبليس حين حشر الله على نوح البهائم، فأخذ بذنب الحمار فلم يدخل الحمار السفينة، فدفعه نوح، فقال: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخل فرأى نوح إبليس في السفينة، فقال: ويحك من أدخلك؟ قال: أنت أدخلتني، وبإذنك دخلت إذ قلت: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخلت، قال: اخرج، فقال: إني منظور، فأمره أن يقعد على خيزران السفينة. وغرق كنعان ابنه، ووضع جسد آدم بين الرجال والنساء، فإن آدم كان أوصى ولده أن يحملوا جسده في فلك نوح، فتوارث ولده الوصية حتى حملها نوح. وقال الله لنوح: " اركبوا فيها باسم الله مجراها " حين يجري الماء " ومرساها " حين يرسو الماء. وأعطى الله نوحاً خرزتين في السفينة. ولما ركب نوح السفينة، وحمل فيها من كل زوجين اثنين، كما أمر، فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه، فقال له نوح: " ما أدخلك؟ قال: دخلت لأصيب قلوب أصحابك، فتكون قلوبهم معي، وأبدانهم معك، قال نوح: " اخرج منها يا عدو الله فإنك رجيم، " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين "، فقال إبليس: خمس أهلك بهن الناس، وسأحدثك منهن بثلاث، ولا أحدثك بالثنتين، فأوحى الله إلى نوح أنه لا حاجة بك إلى الثلاث، مره يحدثك بالثنتين، قال: فهما أهلك للناس، وهما لا يكذبان، هما

اللتان لا يخلفاني: الحسد، وبالحسد لعنت، وجعلت شيطاناً رجيماً، والحرص، أتيح آدم الجنة كلها، فأصبت حاجتي منه بالحرص. قالوا: إن نوحاً قال لإبليس: ويلك، قد غرق أهل الأرض من أجلك، قد أهلكتهم. قال له إبليس: فما أصنع؟ قال: تتوب، قال: فسل ربك هل لي من توبة؟ فدعا نوح ربه، فأوحى الله إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم، قال: قد جعلت لك توبة، قال: وما هي؟ قال: تسجد لقبر آدم، قال: تركته حياً وأسجد له ميتاً؟!. وعن ابن عباس: أن إبليس لما سرق حبلة العنب، وطلبها نوح، فلم يقدر عليها، قال لولده: التمسوا، فقال جبريل: ذهب بها إبليس، وإنا قد بعثنا إليه لتؤتى بها، وهو شريكك، فقاسمه، وأحسن مقاسمته. فجاء به الملك ومعه الحبلة، فقال له: يا إبليس بئس ما صنعت! إنك سرقت حبلة العنب، وحملتك فما كافأتني، قال: ما أنت حملتني، ولكن الله أنظرني، قال: إن لي في هذه شركة، قال: لك الثلث، ولي الثلثان، قال: ما أنصفتني. قال له جبريل: رده وأحسن مشاركته، قال: له النصف، فقال: رده، إنك تأكله غضاً وعنباً ويابساً وحلواً وحامضاً، وتشربه عصيراً. قال: فلي الثلث وله الثلثان، فرضي. وزاد في آخر: فما كان فوق الثلث فلإبليس.

وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر، وكانت العجوة من الجنة مع نوح في السفينة ". قالوا: وحمل في السفينة من كل زوجين اثنين، وحمل من الهدهد زوجين، وجعل أم الهدهد فضلاً على زوجين، فماتت في السفينة قبل أن تظهر الأرض، فحملها الهدهد، وطاف بها الدنيا ليصيب لها مكاناً ليدفنها فيه، فلم يجد طيناً ولا تراباً، فرحمه ربه، فحفر لها في قفاه قبراً، فدفنها فيه، فذلك الريش الناتئ في قفا الهدهد موضع القبر، فلذلك نتأ أقفية الهداهد. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أنزل الله سفيةً من الريح إلا بمكيال، ولا قطرة من الماء إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان، فلم يكن لهم عليه سبيل "، ثم قرأ: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية "، " وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان "، ثم تلا: " عاتية ". وعن ابن عباس قال: لولا ماء الأرض استقبل ماء السماء فرد شدته لخرق الأرض ماء السماء حتى يتركها كهيئة الغربال، فلا ينتفع بها، ولكن صنعه كيف شاء وما شاء عز وجل. وسئل ابن عباس: كيف كانوا يعرفون مواقيت الصلاة في السفينة؟ قال: أعطى الله نوحاً خرزتين، إحداهما: بياضها كبياض النهار، والأخرى سوادها كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد

هذه على قدر الساعات الاثنتي عشرة؛ فأول من قدر الساعات الاثنتي عشرة ما لا يزيد بعضها على بعض نوح في السفينة ليعرف بها مواقيت الصلاة. فسارت السفينة من مكة حتى أخذت إلى اليمن، فبلغت الحبشة، ورجعت إلى جدة، وأخذت على الروم، وجازت الروم، ورجعت على جبال أرض المقدسة، وأوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أنها تستوي على رأس جبل، فعلمت الجبال بذلك، فتطلعت، وأخرجت أصولها من الأرض، وجعل جودي يتواضع لله عز وجل. فجاوزت السفينة الجبال كلها إلى الجودي، فاستوت ورست، فذلك قوله عز وجل: " واستوت على الجودي "، فشكت الجبال إلى الله، فقالت: يا رب، تطلعنا وأخرجنا أصولنا من الأرض لسفينة نوح، وخنس جودي، فاستوت عليه، فقال الله عز وجل: إني كذلك، من تواضع لي رفعته، ومن ترفع لي وضعته. ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، وقال الله: " يا أرض ابلعي ماءك " بلغة الحبشة، فابتلعت، " ويا سماء أقلعي " أي أمسكي بلغة الحبشة، فابتلعت الأرض ماءها، وارتفع ماء السماء حتى بلغ أعنان السماء رجاء أن يعود إلى مكانه، فأوحى الله تعالى إليه: أن ارجع، فإنك رجس وغضب، فرجع الماء لملح وخم وتردد، فأصاب الناس منه الأذى أو البلاء، فأرسل الله الريح، فجمعها في مواضع، فصار زعاقاً مالحاً لا ينتفع به. وتطلع نوح فإذا الشمس قد طلعت، وبدا له البذ من السماء، وكان ذلك آية ما بينه وبين ربه عز وجل أمان الغرق. والبذ: القوس الذي يسمونه قوس قزح، ونهي أن يقال: قوس قزح، لأن قزح شيطان، وهو قوس الله.

وزعموا أنه كان عليه وتر وسهم قبل ذلك في السماء، فلما جعله الله أماناً لأهل الأرض من الغرق نزع الله الوتر والسهم. فقال نوح عند ذلك: رب إنك وعدتني أن تنجيني مع أهلي وغرقت ابني و" إن ابني من أهلي وإن وعدتك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ". يقول: ليس من أهل دينك، إن عمله كان غير صالح، و" إني أعظك أن تكون من الجاهلين " إلى الآية قال: " هبط بسلام منا ". فبعث نوح من يأتيه بخبر الأرض، فجاء الطير الأهلي، فقال: أنا، فأخذها وختم جناحها فقال: أنت مختومة بخاتمي لا تطيرين أبداً، تنتفع بك ذريتي، فبعث الغراب، فأصاب جيفة؛ فوقع عليها، فاحتبس، فلعنه، وقال له قولاً شديداً، فمن ثم يقتل في الحرم. وبعث الحمامة، وهي القمري، فذهبت، فلم تجد في الأرض قراراً، فوقعت على شجرة بأرض سبأ، فحملت ورقة زيتون، فرجعت إلى نوح، فعلم أنها لم تستمكن من الأرض. ثم بعثها بعد أيام، فخرجت حتى وقعت بوادي الحرم، فإذا الماء قد نضب، وأول ما نضب موضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء فخضبت رجليها، ثم جاءت إلى نوح، فقالت: البشرى، لتستمكن الأرض، وبشراي منك أن تهب لي الطوق في عنقي والخضاب في رجلي، وأسكن الحرم، فمسح يده على عنقها، وطوقها، ووهب لها الحمرة في رجليها، ودعا لها، وأسكنها بالحرم، وبارك عليها، فقال: بارك الله فيك وفي سبيلك، وجعلك

محببة أنيسة، فمن ثم أشغف بها الناس، ودعا لنسلها، فقال: جعل الله في نسلك شفاء للمريض، وتحفة للصحيح. ثم خرج فنزل قردى وبازبدى بأرض الموصل، وهي قرية الثمانين، لأنه نزل في ثمانين، فوقع فيهم الوباء، فماتوا إلا نوحاً وساماً وحاماً ويافث ونساءهم، ستة وسابعهم نوح، وطبقت الدنيا منهم، فذلك قوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين ". قالوا: وركب نوح السفينة أول يوم من رجب، وقال لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم، فإن من صامه منكم بعدت عليه النار مسيرة سنة، ومن صام منكم سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النار السبعة، ومن صام منكم ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منكم عشرة أيام قال الله له: سل تعطه، ومن صام منكم خمسة عشر يوماً قال الله تعالى له: استأنف العمل، فقد غفر لك ما مضى، ومن زاد زاده الله. فصام نوح في السفينة رجب وشعبان ورمضان وشوال وذا القعدة وذا الحجة وعشراً من المحرم، فأرست السفينة يوم العاشوراء، فقال نوح لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء. قال: وهو اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس، ورفع عنهم العذاب، وهو اليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل، فنجى الله فيه موسى ومن معه، وغرق فرعون وآل فرعون، وهو اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وقوله: " إنه ليس من لأهلك " قال: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.

وقال: إن سفينة نوح كانت مطبقة، وتناسل الفأر فيها، فجعلوا يقرضون الخشب، وإذا هم بين العذرة، فمسح نوح وجه الأسد، فعطس، فخرج من منخريه خنزيران، فذهب الأذى من السفينة، فأقبلا عليه يأكلانه. وقيل: إنه مسح يده اليمنى على ذنب الفيل الذكر، واليسرى على ذنب الفيل الأنثى، فسقط منهما خنزيران، من الذكر الذكر، ومن الأنثى الأنثى، وأتيا على عذرة السفينة. ومن ثم اقتنى أهل الموصل والسواد الخنازير. ولما خرج نوح من السفينة كثرت الأنهار، وغرس الشجر، وفقد حبلة العنب، فقال لولده: إني لم أكتب في كتابي هذا شيئاً إلا وقد حملته في السفينة، ولا أرى حبلة العنب. قال مجاهد: في قوله عز وجل: " وغيض الماء " قال: نقص الماء، " وقضي الأمر " قال: هلك قوم نوح، " واستوت على الجودي " قال: جبل بالجزيرة. وقيل: إنهم كانوا في السفينة مئة وخمسين يوماً، وإن الله تعالى وجه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله تعالى إلى الجودي، فاستقرت عليه. قالوا: ولما هبط نوح إلى أسفل الجودي، وابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم

وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، أحدها اللسان العربي، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض، وكان نوح يعبر عنهم. قال محمد بن كعب القرظي: في قوله عز وجل: " يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " " وليس في الأرض أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، فما بقي ظاهر من ذلك إلى يوم القيامة، لا مؤمن ولا مؤمنة، إلا دخل في السلام والبركات "، ولا بقي كافر ولا كافرة إلى يوم القيامة إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم. قال أبو أمامة: لم يتحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح، فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة، وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه، فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة، فلما رأى الله حسرته أوحى إليه: يا نوح، لا تتحسر، فإن دعوتك وافقت قدري. ولما هبط نوح من السفينة قال الله: يا نوح، هل تعلم ما صنعت وما صنعت بك؟ وفيم استجيب لك؟ ومن أهلكت من أعدائي؟ وكيف أهلكتهم؟ يا نوح، إني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فعصوني، وعبدوا غيري، واستأثروا بمعصيتي على طاعتي حتى استوجبوا غضبي، فعذبت بمعصية العاصين من لم يعصني، وأهلكت بهلاك الخاطئين جميع خلقي، فمن مثلي؟ ومن يقدر مثل قدرتي؟ وإني أقسمت بعزتي اليوم، وأي شيء مثلي؟ ومن أوفى بعهده مني؟ إني لا أعذب بالغرق العامة بعد هذا، ولا أعذب بمعصية العاصين بعدها جميع خلقي، ولكن أجعل الدنيا دولاً بين عبادي، ثم أجزيهم يوم يجمعون عندي، وإني جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي وموثقاً بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق.

وكانت القوس فيها سهم ووتر، فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده وبلاده من الغرق. ولما نضب الماء، ونبت الشجر، وخرج أهل السفينة، وتفرقوا في أعمالهم، جاء إبليس إلى نوح، فقال له: إن لك عندي يداً عظيمة، فسلني عما شئت، واستنصحني، فوالله لا أخونك ولا أغشك ولا أكذبك، فتأثم نوح بكلامه ومسائله، فأوحى الله إليه: أن كلمه وسله، فإني سأنطقه بحجة عليه، وموعظة لك. قال نوح: أي عدو الله، أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم؟ قال له إبليس: نعم الخبير سألت، إنا إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً حريصاً حسوداً جباراً عجولاً تلقفناه تلقف الأكرة، فإذا اجتمعت لنا فيه هذه الأخلاق سميناه فينا شيطاناً مريداً، لأن هذه الأخلاق رؤوس أخلاق الشياطين، وسأخبرك عن هذه الأخلاق بما نعرف: ألم تعلم أن الله أسكن أباك آدم الجنة، ثم فوضها إليه بجميع ما فيها، وحرم عليه فيها شجرة واحدة، فحمله الحرص على أن تناولها، فخرج بالحرص من جميع الجنة؟ أو لم تعلم أن قابيل بن آدم شح بأخته رغبةً عن سنة أبيه، فحمله الشح بها على أن قتل أخاه، فصيره الشح إلى القتل، والعقوق إلى النار؟ أو لم تعلم أنه هلك من هلك من قومك بالتكبر والتجبر عليك، فصاروا بذلك إلى النار؟ أو لم تعلم أن العجلة والحدة حملك على أن دعوت الله على ابنك، فغيرت دعوتك ألوان ولدك وأولاد ولدك من بعده، وورثتهم الذل والهلكة إلى يوم القيامة، ولم يكن ذنبه إليك بقدر ذلك؛ أن ضحك مما ضحك منه؟

قال له نوح: أخبرني ما اليد العظيمة التي زعمت أني اصطنعتها إليك؟ فوالله، إني لأبغضك وأبغض مسرتك وموافقتك ورضاك واصطناع الأيدي عندك. قال له إبليس - لعنه الله -: سأخبرك عن تلك اليد، إنك دعوت على جميع أهل الأرض، فألحقتهم دعوتك في ساعة واحدة بالنار، وفرغتني فصرت فارغاً مترفهاً، ولولا دعوتك لشغلت فيهم دهراً طويلاً، فأنا أعد ذلك منك يداً. قال له نوح: أفلا تتعظ بهم؟ قال له إبليس: فأين ما سبق في علم الله؟ وكان من شأن دعوة نوح على ابنه أن نوحاً لما هبط من السفينة، وعمر الأرض، فنام ذات يوم، فبدت عورته، فنظر إليه حام ابنه، فضحك، فلم يغر عليه يافث، ورأى ذلك سام فزبره وغطى عورة أبيه، فلما استيقظ أخبره بذلك. فدعا نوح حاماً، فقال: يا بني غير الله ماء صلبك، فلا تلد إلا السودان، ودعا يافث فقال: يا بني، جعل الله ذريتك عبيداً لولد سام، وقال لسام: يا بني، جعل الله منك الأنبياء والمرسلين والصالحين والملوك. فولد لحام الهند والسند والحبش والزنج والزط والنوبة وفزان وجميع السواحل للسودان. وولد ليافث الترك والصين وبربر وما وراءه، والصقالبة ويأجوج ومأجوج ومنسك وثارس ومارس وما وراءه وجابرسا وجابلقا. وولد لسام العرب والروم، وإنما سمي الشام لأن ساماً نزلها، وسمي بلقاء لأن بالق نزلها.

وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: يا رب، نعم. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته، قال: فيشهدون أن قد أبلغ، " ويكون الرسول عليكم شهيداً " " فتلا قوله: " وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ". قال: والوسط العدل. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكرم ذا سن في الإسلام كأنه قد أكرم نوحاً، ومن أكرم نوحاً في قومه فقد أكرم الله عز وجل ". وعن أبي هريرة قال: خير بني آدم - وفي رواية: سيد بني آدم - نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخيرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذكر ميمون بن مهران الأنبياء صلى الله عليهم وسلم فقال: منهم من له عزم، ومنهم من لا عزم له. وذكر: أولو العزم من الأنبياء خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم. قال وهب بن منبه: كان نوح أجمل أهل زمانه، وكان يلبس المرقع. قال: وأصابتهم مجاعة في السفينة، فكان نوح إذا تجلى لهم بوجهه شبعوا.

وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه ". وكان نوح إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله، وإذا لبس قال: الحمد لله، وإذا ركب قال: الحمد لله، فسماه الله عبداً شكوراً. وعن مجاهد: في قول الله عز وجل: " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً ". قال: لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله، ولم يمش مشياً قط إلا حمد الله، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله فأثنى الله عليه، إنه كان عبداً شكوراً. وقال قتادة: في قوله: " إنه كان عبداً شكوراً " كان إذا لبس ثوباً قال: باسم الله، وإذا أخلقه قال: الحمد لله. وقيل: إنما سمي عبداً شكوراً لأنه كان يقول: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، والحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، حتى في إحداثه يقول إذ قضى حاجة: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، ولو شاء حبسه. قال جبريل لنوح: يا أطول الأنبياء عمراً وأفضلهم شكراً، كيف رأيت الدنيا وبهجتها؟ قال: كدار لها بابان، أدخلت من الأول، وأخرجت من الآخر. وعن ابن عباس قال: لما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بوادي عسفان، فقال: يا أبا بكر، أي وادٍ هذا:

قال: وادي عسفان. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد مر به هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق ". وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام أبونا إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ". وقوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين " قال: سام وحام ويافث. وسام أبو العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل مصر. وأما يافث فأبو الخزر ويأجوج ومأجوج. وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، والخير فيهم. وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، ولا خير فيهم. وولد حام القبط والبربر، ولا خير فيهم ". وفي رواية: وولد حام بربر والقبط والسودان، ولم يقل فيهم شيئاً. قالوا: وولد سام كل حسن الضفيرة حسن الشعر. وولد حام كل أسود جعد قطط. وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين. ودعا نوح على حام أن يسود الله زرعه، ولا يعدو شعر بنيه آذانهم، وحيثما لقي ولده ولد سام استعبدوهم.

وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "، قال: كانت فيما بين نوح وإدريس ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً، وفي النساء دمامة، وكانت نساء السهل صباحاً، وفي الرجال دمامة. وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام " فآجر نفسه منه، فكان يخدمه، فاتخذ إبليس شيئاً من مثل الذي يزمر فيه الرعاء " فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حوله، فانتابوه يسمعون إليه واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال، قال: ويتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن؛ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهم ونزلوا معهن؛ فظهرت الفاحشة فيهن، فذلك قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".قال ابن عباس: بعث نوح بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا. قالوا: وأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر، فيقال: يا نبي الله، ابن بيتاً فيقول: أموت اليوم، أموت غداً. قالوا: واتخذ بيتاً من جص، وقيل: من قصب، فقيل له: لو بنيت بيتاً، فقال: هذا لمن يموت كثير.

قال وهب بن منبه: مرت بنوح خمس مئة سنة لم يقرب النساء وجلاً من الموت. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما بعث الله نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين ومئتي سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان خمسين ومئتي سنة. فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح، يا كبيرالأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت، له بابان، فدخل من واحد وخرج من الآخر ". وقيل: دخل من أحدهما وجلس هنية ثم خرج من الباب الآخر. وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني، إني آمرك بأمرين، وأنهاك عن أمرين: أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن السماء والأرض لو جعلتا في كفة، وجعلت في كفة وزنتهما، ولو جعلتا حلقة فضمتهما. وآمرك أن تقول: سبحانه الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق. قال الله عز وجل: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ". وأنهاك عن الشرك بالله، فإنه من أشرك بالله حرم عليه الجنة، وأنهاك عن الكبر، فإن أحداً لن يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ". قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، الكبر الثياب نلبسها أو الدابة أو الراحلة يركبها أحدنا، أو الطعام يجمع عليه أصحابه؟ قال: " لا، ولكن الكبر بسفه الحق وبغنص المؤمن. وسأنبئكم بالمخرج من ذلك: باعتقال الشاة، وركوب الحمار، ولبس الصوف، مجالسة فقراء المؤمنين، وأن يأكل أحدكم مع عياله ".

وفي حديث آخر مثله: وأما اللتان أوصيك بهما، فإني رأيت الله وصالح خلقه يستبشرون بهما، ورأيتهما يكثران الولوج على الله، وذكر ما تقدم في التهليل والتسبيح. وزاد: إن استطعت ألا يزال لسانك رطباً بهما فافعل. وأما اللتان أنهاك عنهما: فإني رأيت الله وصالح خلقه ينادون بهما، ورأيتهما لا يلجان على الله، وذكر الشرك والكبر. جاء رجل من الأعراب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه جبة سيجان مزررة بالذهب، فقام على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن صاحبكم هذا يرفع كل راع ابن راع، ويضع كل فارس ابن فارس، قال: فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمجامع حبته، وقال: اجلس، فإني أرى عليك ثياب من لا عقل له، فما بعث الله نبياً قبلي إلا وقد رعى، قال: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، على القراريط وأنصاف القراريط. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن نبي الله نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني موصيك بوصية وقاصها عليك، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كان حلقة مبهمة لقصمتهن، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء - وفي رواية: صلاح كل شيء - وبها يرزق كل شيء، وأنهاك عن الشرك والكبر ". قال: فقيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ هو أن يكون لأحدنا نعلان حسنان يلبسهما؟ قال: لا، أو حلة حسنة يلبسها؟ قال: لا، أو دابة فارهة

نوح بن نصر بن محمد

يركبها؟ قال: لا، أو يكون للرجل أصحاب فيجمعهم إليه، وذكر الطعام؟ قال: لا. قيل: فما الكبر؟ قال: " من سفه الحق وغمص الناس ". فإن استطعت أن تلقى الله ليس في قلبك مثقال حبة من خردل من شرك ولا كبر فافعل. وعن عبد الرحمن بن سابط قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام. قال ابن إسحاق: وعمر نوح فيما يزعم أهل التوراة بعد أن هبط من الفلك ثلاث مئة وثمانين وأربعين سنة، فكان جميع عمره ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم قبضه الله، صلى الله على نبينا وعليه وسلم. نوح بن نصر بن محمد ابن أحمد بن عمرو بن الفضل بن العباس بن الحارث أبو عصمة الفرغاني حدث أبة عصمة الفرغاني وهو يبكي بسنده عن مشايخه، كل شيخ وهو يبكي، إلى عبد الله بن عمر أو ابن عمرو وهو يبكي قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبكي حدثني جبريل وهو يبكي قال: يا محمد لن تصعد الملائكة من الأرض إلى الله بأفضل من بكاء العبيد ونوحهم على أنفسهم بالأسحار. وحدث أبو عصمة ببغداد سنة سبع عشرة وأربع مئة بسنده إلى الفضل بن دكين قال: اجتمع أصحاب الحديث على باب الأعمش فلم يخرج إليهم، فتقدم منهم ثلاثة، فقالوا: لنغضبه حتى يخرج، فصاحوا: يا سليمان الأعمش، يا سليمان الأعمش، فخرج مغضباً وهو يقول: يا فعلة، يا فعلة، فقالوا: يا أبا محمد الحسن العينين، قال الله تعالى: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " فضحك وجلس وحدثهم.

نوفل بن الفرات بن مسلم

نوفل بن الفرات بن مسلم ويقال: ابن سالم، ويقال: نوفل بن أبي الفرات أبو الجراح العقيلي مولى بني عقيل الجزري الرقي قدم على عمر بن عبد العزيز مع أبيه. حدث عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أتى بعض بني جعفر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أرسل من يشتري لي نعلاً وخاتماً وليكن فصه عقيقاً فإنه من تختم بالعقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد. نوفل بن مساحق بن عبد الله ابن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود أبو سعيد ويقال: أبو مساحق القرشي العامري كان من أشراف قريش من أهل المدينة. حدث عن أم سلمة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الرحم شجنة آخذه بحجزة الرحمن تناشده حقها، فيقول: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، ومن وصلك فقد وصلني، ومن قطعك فقد قطعني؟ ". وحدث عن سعيد بن زيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة ".

نوف بن فضالة

وحدث نوفل قال: انتحى عمر بن الخطاب وعثمان بن حنيف في المسجد والناس مختلطون بهما لا يسمع نجواهما معهما أحد، فلم يزالا يتجاولان في الرأي حتى أغضب عثمان بن حنيف عمر في بعض ما يكلمه به، فقبض عمر من حصباء المسجد قبضة، فحصب بها وجه عثمان، فشجه الحصى بجبهته آثاراً من شجاج، فلما رأى عمر كثرة انسياب الدم على لحيته قال: امسح عنك الدم، فعرف عثمان أن عمر قد ندم على ما فرط منه، فقال: يا أمير المؤمنين، لا يهولنك الذي أصبت مني، فوالله، إني لأنتهك ممن وليتني أمره من رعيتك التي استرعاك الله أكثر مما فعلت بي، فأعجب بها عمر من رأيه وحلمه، فازداد في عينه خيراً. كان نوفل بن مساحق من أشراف قريش، وكانت له ناحية من الوليد بن عبد الملك بن مروان، وكان الوليد يعجبه الحمام ويتخذ له، فأدخل نوفل بن مساحق عليه وهو عند الحمام، فقال له الوليد: إني خصصتك هذا المدخل لأنسي بك، فقال: يا أمير المؤمنين ما خصصتني ولكنك خسستني، إنما هذه عورة، وليس مثلي يدخل على مثل هذا. فسيره إلى المدينة، وغضب عليه. وكان يلي المساعي فأخذه بعض الأمراء بالحساب فقال: أين الغنم؟ فقال: أكلناها بالجر، قال: فأين الإبل؟ قال: حملنا عليها الرحال. وكان لا يرفع إلى الأمراء من المساعي شيئاً، يقسمها ويطعمها. وكان ابنه سعد بن نوفل من بعده يسعى أيضاً على الصدقات. قتل نوفل بن مساحق يوم الحرة ومعقل بن يسار ومحمد بن أبي جهم العدوي صبراً جميعاً، وهذا وهم، وإنما توفي في زمن عبد الملك في أوله. نوف بن فضالة أبو يزيد، ويقال: أبو رشيد ويقال: أبو عمرو ويقال: أبو رشدين الحميري البكالي ابن امرأة كعب الأحبار قال شرحبيل بن المسمط: حدث نوف قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ".

وأخذ شرحبيل بلحيته فقال: هذا السواد أمر الدهر. المعروف حديث شرحبيل عن عمرو بن عنبسة، ولا يعرف لنوف صحبة. وحدث نوف عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ستكون هجرة بعد هجرة، يجتاز أهل الأرض إلى مهاجراتهم، ويبقى فيها شرار أهلها لتطهر الأرض وتقذرهم نفس الله، فيبعث الله عليهم ناراً، يحشرهم مع القردة والخنازير، تقيل معهم إذا قالوا، وتروح معهم إذا راحوا، وتأكل من تخلف، وينشر أقوام بالمشرق، كلما نشأ قرن قطع قرن خرج في عراصهم الدجال ". وعن عوف البكالي قال: بايت علي بن أبي طالب، فكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء، فقال لي: أنائم أنت يا نوف، قلت: لا، بل رامق، أرمقك بعيني يا أمير المؤمنين، فقال علي: يا نوف، فطوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك الذين اتخذوا أرض الله بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، واتخذوا القرآن شعاراً، والدعاء دثاراً،

قرضوا الدنيا قرضاً قرضاً على منهاج المسيح، فإن الله أوحى إلى عبده المسيح عليه السلام أن قل لبني إسرائيل ألا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بقلوب طاهرة وأبصار خاشعة، وأيد نقية، وأخبرهم أني لا أقبل لأحد منهم دعوة، ولأحد من خلقي قبلة مظلمة. يا نوف، لا تكونن شرطياً ولا عريفاً ولا عشاراً، فإن داود خرج ذات ليلة فقال: إن هذه ساعة لا يدعو الله فيها أحد إلا استجاب له إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة.

نهار بن توسعة بن أبي عينان

وفي حديث آخر بمعناه عن نوف قال: استضفت علي بن أبي طالب في خلافته فثنى لي وسادة، وجعل يصلي مثنى حتى إذا كان في السحر قال لي: يا نوف أنائم أنت؟. وقال في آخره: إن داود قام في هذه الساعة في بني إسرائيل، فقال: إن الله يهبط في كل سحر إلى سماء الدنيا، فيغفر لكل مستغفر يستغفره إلا صاحب كوبة أو عرطبة أو مشاحن، يا نوف الكوبة الطبل، والعرطبة العود، والمشاحن: الذي يريد قتل أخيه. وعن علي أنه قال لنوف الشامي مولاه وهو بعلية على سطح: يا نوف، أنائم أم نبهان؟ قال: نبهان أرمقك يا أمير المؤمنين، قال: تدري من شيعتي؟ قال: قال: لا والله، قال: فإن شيعتي إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن مرضوا لم يعادوا. شيعتي من لم يهر هرير الكلب، ولم يطمع طمع الغراب، ولم يسأل الناس وإن مات جوعاً، إن رأى مؤمناً أكرمه، وإن رأى فاسقاً هجره، شيعتي الذين هم الذين في قبورهم يتزاورون، وفي أموالهم يتواسون، وفي الله تعالى يتباذلون. يا نوف، ذرها وذرها، حوائجهم خفيفة، أنفسهم عفيفة، قلوبهم محزونة، اختلفت بهم البلدان، ولم تختلف قلوبهم. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك، فأين أطلب هؤلاء؟ قال لي: في أطراف الأرض، هؤلاء - والله - يا نوف شيعتي، يجيء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة، وهو آخذ بحجزة ربه، وأنا آخذ بحجزته، وأهل بيتي آخذون بحجزتي، وشيعتي آخذون بحجزنا، فإلى أين يا نوف؟ إلى الجنة ورب الكعبة ثلاثاً. يا نوف، أما الليل فصافون أقدامهم، مفترشون جباههم، تجري دموعهم على خدودهم، يناجون في فكاك رقابهم. وأما النهار فحلماء نجباء كرام أبرار أتقياء. يا نوف، بشر الزاهدين، نعم ساعة الزاهدين، أما إنها ساعة لا يسأل الله فيها عبد شيئاً إلا أعطاه ما لم يكن خاسراً أو عاشراً أو ساحراً أو ضارب كوبة أو ضارب عرطبة. يا نوف، شيعتي الذين اتخذوا الأرض بساطاً، والماء طيباً والقرآن شعاراً قرضوا الدنيا قرضاً قرضاً على منهاج المسبح عيسى بن مريم عليه السلام. كان نوف البكالي إماماً لأهل دمشق، فكان إذا أقبل على الناس بوجهه قال: من لا يحبكم لا أحبه الله، ومن لا يرحمكم فلا رحمه الله. مر نوف بقرية فنادى: أيتها القرية من أخربك؟ فيقول هو، يرد على نفسه: أخربني مخرب القرى، فينادي: أيتها القرية أيتها القرية أين أهلك؟ فيقول: ذهبوا وبقيت أعمالهم. قال ابن أبي عتبة الكندي: كنا نختلف إلى نوف البكالي، إذ أتاه رجل فقال: يا أبا يزيد، رأيت لك رؤيا كأنك تسوق جيشاً، ومعك رمح طويل، في سنانه شمعة تضيء للناس. فقال نوف: لئن صدقت رؤياك لأستشهدهن. فلم يكن إلا أن خرجت البعوث مع محمد بن مروان على الصائفة، فلما حضر خروجه ذهبت أودعه، فلما وضع رجله في الركاب قال: اللهم أرمل المرأة وأيتم الولد وأكرم نوفاً بالشهادة. فغزوا، فلما انصرفوا فكانوا بقباقب خرج العدو على السرح، فكان أول من ركب فشد عليهم، فقتل رجلاً ثم رجلاً، ثم قتل. فقال بعض من معه: فانتهينا إليه وقد اختلط دمه بدم فرسه قتيلين. نهار بن توسعة بن أبي عينان ويقال: نهار بن توسعة بن تميم بن عرفجة بن عمرو بن حنتم التيمي أحد بني تيم اللات بن ثعلبة شاعر فارس من أهل خراسان، وذكر الحافظ الحاكم أنه العبدي، وردوا عليه هذا القول، لأن من يكون عبدياً لا يكون تيمياً، ومن يكون مدنياً لا يكون خراسانياً.

حدث نهار العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يسأل العبد يوم القيامة، حتى يسأله: ما منعك إن رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن عبداً حجته قال: يا رب، رجوتك وخفت الناس ". ونهار بن توسعة هو القائل ليزيد بن المهلب ويعني قتيبة بن مسلم: من البسيط كانت خراسان داراً إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح فاستبدلت قتباً جعداً أنامله ... كأنما وجهه بالخل منضوح ولما انصرف الترك إلى بلادهم بعث الجنيد سيف بن وصاف العجلي من سمرقند إلى هشام، فجبن عن المسير، وخاف الطريق، فاستعفاه فأعفاه، وبعث نهار بن توسعة وزميل بن سويد المري، وكتب إلى هشام، فدعا هشام نهار بن توسعة فسأله عن الخبر، فأخبره بما شهد، فقال نهار: من الطويل لعمرك ما حابيتني إذ بعثتني ... ولكنما عرضتني للمتالف دعوت لها قوماً فهابوا ركوبها ... وكنت أمراً ركابة للمخاوف وأيقنت إن لم يدفع الله أنني ... طعام سباع أو لطير عوائف قريني عراك، وهو أهون هالك ... عليك وقد زملته بصحائف فإني وإن آثرت منه قرابة ... لأعظم حظاً في حباء الخلائف على عهد عثمان وفدنا وقبله ... وكنا أولي مجد تليد وطارف وكان عراك معهم في الوفد، وهو ابن عم الجنيد. بينا المهلب بن أبي صفرة بخراسان في مجلسه وعنده الأزد بجماعتهم إذ أقبل نهار بن

توسعة التميمي، فقال المهلب: يا معشر الأزد، هل تدروه من الذي يقول: من الطويل جزى الله فتيان العتيك وإن نأت ... بي الدار عنهم خير ما كان جازيا هم خلطوني بالنفوس وأكرموا ال ... ثواية لما حم ما كان آتيا متاعهم فوضى فضاً في رحالهم ... ولا يحسنون الشر إلا تباديا كأن دنانيراً على قسماتهم ... إذا الموت في الأقوام كان التحاشيا قالوا: لا ندري من يقوله، قال المهلب: يقوله هذا المقبل، فقام كل رجل منهم إلى غلامه وركوبه بسرجه ولجامه، فدفعه إلى نهار، فأحصي ما أخذه يومئذ مئة وصيف ومئة برذون. دعا قتيبة نهار بن توسعة حين صالح السغد، فقال: يا نهار أين قولك؟ من الطويل ألا ذهب المعروف والعز والغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب أقاما بمرو الروذرهن ضريحه ... وقد غيبا عن كل شرق ومغرب أتعرف هذا يا نهار؟ قال: هذا حسن، وأنا الذي أقول: من الطويل وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا ... ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم

نهيك بن صريم

أعم لأهل الترك قبلاً بسيفه ... وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم ومن شعر نهار: من الطويل عتبت على سلم فلما فقدته ... وجربت أقواماً بكيت على سلم وكان نهار مداحاً للمهلب وبنيه، ولما عزل يزيد وولي قتيبة قال نهار: من البسيط فاستبدلت قتباً جعداً أنامله ثم مدح قتيبة فقال: من الطويل أتيت خراسان ابن عمرو وأهلها ... عزيز وحرب بينهم تتحرق فما زلت بالحلم الرضي وبالنهى ... وبالرفق حتى يخرجوا لك زردق فمرنا أبا حفص بما شئت إننا ... إلى كل ما تهوى نخب ونعنق وأنت لنا راع ونحن رعية ... وكفاك بالإحسان فينا تدفق ينال الذي يرجوك ما كان راجياً ... لديك ويخشاك الألد المطرق ويأمن منك الجور ما كان سامعاً ... وتأسر أعداءً مراراً وتطلق وترجو بذاك الله لا شيء غيره ... وأنت لمن عاداك بالويل تطرق فلا تأخذنا يا قتيب بما مضى ... من الجهل إن الحر يعفو ويعتق فقال: أحسنت، مقبول منك، ورضي عنه. نهيك بن صريم ويقال: ابن صريم، السكوني ويقال: اليشكري له صحبة.

نهيك بن عمرو القيسي البصري

حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم المشركين على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه، ما أدري أين الأردن يومئذ من الأرض ". وعنه في معناه عن سول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليقاتلن بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقي النهر وهم غربيه ". نهيك بن عمرو القيسي البصري قال نهيك: وفدنا إلى يزيد بن معاوية وقد ضرب له رواق في البرية، فإذا مناديه: أين وفد أهل البصرة، قد أمر لكم أمير المؤمنين بكذا، وأمر لكم بكذا، ثم خرج الثانية فقال: أين وفد أهل البصرة؟ قد أمر لكم أمير المؤمنين بكذا وأمر لكم بكذا، ثم زاد الثالثة بمثل ذلك، فقال بعضنا لبعض: ما نظنه إلا قاعداً يشرب، فجاءت ريح، فطارت بطرف الرواق، فإذا هو يقرأ في المصحف. نهيك بن بريم الأوزاعي حدث عن مغيث بن سمي قال: كان ابن الزبير يسفر بصلاة الغداة، فغلس بها ذات يوم، فالتفت إلى عبد الله بن عمر، فقلت: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذه صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر، فلما قتل عمر أسفر بها عثمان. وحدث عنه قال: كان للزبير بن العوام ألف مملوك يؤدي إليه الخراج فلا يدخل بيته من خراجهم شيئاً.

أسماء النساء على حرف النون

أسماء النساء على حرف النون نائلة بنت عمارة الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان لما تزوج معاوية نائلة قال لميسون: انطلقي فانظري إلى ابنة عمك، فنظرت إليها، فقال: كيف رأيتها؟ فقالت: جميلة كاملة، وكلن رأيت تحت سرتها خالاً، ليوضعن رأس زوجها في حجرها، فطلقها معاوية، فتزوجها حبيب بن مسلمة الفهري، ثم خلف عليها لعد حبيب النعمان لن بشير الأنصاري، فقتل ووضع رأسه في حجرها. نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص ابن عمرو، ويقال: عفير بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه قدمت على معاوية بعد قتل عثمان، فخطبها، فأبت أن تنكحه. قالت نائلة: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان قبل قتله بيوم صائماً، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب، فأبوا عليه، وقالوا: دونك الركي - وركي في الدار: التي يلقى فيها النتن - قالت: فلم يفطر. فأتيت جارات لنا على أجاجير متواصلة، وذلك في

السحر، فسألتهم الماء العذب، فأعطوني كوزاً من ماء، فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت: فنظر، فإذا الفجر طلع، فقال: إني أصبحت صائماً. فقلت: من أين، ولم أر أحداً أتاك بطعام ولا شراب؟! فقال: إني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء، فقال: اشرب، يا عثمان، فشربت حتى رويت، ثم قال: ازدد، فشربت حتى ثملت أو نهلت. ثم قال: إن القوم سيبكرون عليك، فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا، فدخلوا عليه من يومه فقتلوه. وضب أخو نائلة هو الذي حملها إلى عثمان، وكان ضب مسلماً، وكان أبوها نصرانياً، فأمر ابنه ضباً بذلك، وفي ذلك تقول نائلة لأخيها ضب: من الطويل أحقاً تراه اليوم يا ضب أنني ... مرافقة نحو المدينة أركبا لقد كان فتيان حصن بن ضمضمٍ ... وجدك ما يغني الخباء المحجبا وكل اسم في العرب فرافصة فهو مضموم الفاء إلا الفرافصة بن الأحوص، فإنه بفتح الفاء الأولى. وكان سعيد بن العاص تزوج أخت نائلة بنت الفرافصة، وهو أمير على الكوفة، فبلغ ذلك عثمان بن عفان، فكتب إليه: بلغني أنك تزوجت امرأة فأخبرني عن حسبها وجمالها. فكتب إليه: إن كان لها أخت فزوجنيها. فدعا الفرافصة فقال له: زوج أمير المؤمنين، فقال الفرافصة لابنه ضب -

وكان مسلماً، والفرافصة نصراني -: زوج أختك أمير المؤمنين، فزوجه نائلة، وحملها إليه. فلما دخلت على عثمان وضع القلنسوة عن رأسه، وبدا الصلع، فقال: لا يغمنك ما ترين، فإن من ورائه ما تحبين، قالت له: أما ما ذكرت من صلعك فإني من نسوة أحب أزواجهن إليهن السادة الصلع. ثم قال لها: إما أن تتحولي إلي أو أتحول إليك، قالت: ما قطعت من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك. فتحولت إليه، فكانت من أحظى نسائه عنده. قالوا: وتزوجها وهي نصرانية على نسائه، ثم أسلمت على يديه. ولما قتل عثمان قالت نائلة فيه: من الطويل ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصر ومالي لا أبكي وأبكي قرابتي ... وقد غيبت عني فضول أبي عمرو قال: وكانت كلب كلهم يومئذٍ نصارى. قال عثمان: فدخلت إلى جارية مثل الخلفة، فقلت: سلام عليك، قالت: وعليك السلام ورحمة الله، ونساء كلب ذلك الزمان لا يكلمن أزواجهن سنة، أو كما قال، ثم قالت: أين

أنت من شيخ أثرم هرم؟ فقالت: إني من قوم يحبون الكهولة، فسررت بذلك. قالوا: لما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره، ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي، فضربه الغافقي بجريدة معه، وضرب المصحف برجله، واستدار المصحف وانتشر، فاستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء، وجاء سودان بن حمران ليضربه، فأكبت عليه نائلة، واتقت السيف بيدها، فتعمدها ونفح أصابعها، فأطن أصابع يدها، وولت، فغمز أوراكها، وقال: إنها لكيدة العكيزة، وتضرب عثمان فقتله. وقد دخل مع القوم غلمة لعثمان لينصروه، وقد كان عثمان أعتق من كف منهم، فلما رأى سودان قد ضربه أهوى إليه فضرب عنقه، ووثب قتيرة على الغلام فقتله. وانتهبوا ما في البيت، وأخرجوا من فيه، ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى. فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فضربه، فقتله. ودار القوم فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء، وأخذ رجل ملاءة نائلة، اسمه كلثوم من تجيب، فتنحت نائلة، فقال: ويح أمك من عكيزة، ما آثمك، وبصر به غلام آخر لعثمان، فقتله. نظرت نائلة امرأة عثمان في المرآة، فأعجبها ثغرها، فأخذت فهراً فكسرت

ثناياها، وقالت: والله، لا يجليكن أحد بعد عثمان، ثم خطبها معاوية، فأبت عليه، وأنشدت: من الطويل أبى الله إلا أن تكوني غريبة ... بيثرب لا تلقين أماً ولا أبا وقيل: إنها خطبها قوم من قريش، فدعت بمرآة، فنظرت فيها، وكانت من أحسن الناس ثغراً، فأخذت فهراً فدقت به أسنانها، فسال الدم على صدرها، فبكى جواريها، وقلن لها: ما صنعت بنفسك؟ قالت: إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان، فيطلع مني رجل على ما اطلع عليه عثمان، وذلك ما لا يكون أبداً. وخرجت نائلة ليلة دفن عثمان ومعها السراج، وقد شقت جيبها، وهي تصيح: واعثماناه، واأمير المؤمنيناه، فقال لها جبير بن مطعم: أطفئي السراج فقد ترين من بالباب، فأطفأت السراج. وانتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير وخلفه حكيم بن حزام وأبو جهم ونيار بن مكرم، ونائلة، وأم البنين بنت عيينة بن حصن امرأته، ونزل في حفرته نيار وأبو جهم وجبير، وكان حكيم والمرأتان يدلونه على الرجال حتى قبر وبني عليه، وغموا قبره، وتفرقوا. حدث بعض مشايخ بني راسب قال: كنت أطوف بالبيت فإذا رجل أعمى يطوف بالبيت وهو يقول: اللهم اغفر لي، وما أراك تفعل. فقلت: أما تتقي الله؟ قال: إن لي شأناً، آليت أنا وصاحب لي لئن قتل عثمان لنلطمن حر وجهه، فدخلنا عليه ورأسه في حجر امرأته نائلة، فقال لها صاحبي: اكشفي وجهه، قالت: لم؟ قال: ألطم حر وجهه، فقالت: أما ترضى ما قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال فيه: كذا، وقال فيه: كذا. قال: فاستحيا صاحبي، فرجع. فقلت لها: اكشفي عن وجهه، قال: فذهبت تعدد علي، فلطمت وجهه، فقالت: مالك؟! يبس الله يدك، وأعمى بصرك، ولا غفر لك ذنبك.

نوار جارية الوليد بن يزيد بن عبد الملك

قال: فوالله ما خرجت للباب حتى يبست يدي وعمي بصري، وما أرى الله يغفر لي ذنبي. وفي حديث آخر بمعناه: فقالت امرأته: أشل الله يمينك، وصلى وجهك النار، فقد شلت يميني، وأنا أخاف. نوار جارية الوليد بن يزيد بن عبد الملك كانت حظيةً عنده، وهي التي أمرها أن تصلي بالناس وقد سكر، وجاءه المؤذن، فآذنه بالصلاة وحلف أن تفعل، فخرجت متلثمة عليها بعض ثيابه، فصلت بالناس ورجعت. وكان لها صنعة صالحة. أسماء الرجال على

حرف الواو

حرف الواو وابصة بن معبد بن عتبة ابن الحارث بن مالك بن الحارث بن بشير أبو سالم، ويقال: أبو الشعثاء الأسدي له صحبة. حدث وابصة قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فقال له: ألا أخذت بيد رجل فأقمته إلى جنبك أو دخلت في الصف؟ قم فأعد صلاتك. وفي رواية عنه قال: صلى رجل خلف الصف وحده، ولم يتم الصف، فرآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يعيد الصلاة. وورد أيضاً: أنه رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الصلاة. وعن وابصة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رجل صلى خلف الصفوف وحده، قال: يعيد الصلاة. حدث وابصة قال: بينا أنا في دار لي بالكوفة قاصية، وأمير المصر يومئذ عبد الله بن مسعود خليفة أمير، والخليفة عثمان، إذ رجل في بحر الظهيرة يستأذن على باب الدار الأقصى، فإذا عبد الله بن مسعود، فقلت: ما جاء بك في هذه الظهيرة؟ قال: اللهم، ألا إن

النهار طال علي، فذكرت من أتحدث إليه، فذكرتك، فجرى بيني وبينه الحديث حتى أنشأ يحدثني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن فتنةً مظلمة أو مطلمة جائية، المضطجع فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الراكب، والراكب فيها خير من المجري "، قلت: متى ذاك يا بن مسعود؟ فقال: تلك أيام الهرج حين لا يأمن الرجل جليسه، قلت: ما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تكف لسانك، وتكون حلساً من أحلاس بيتك. قال: فلما قتل عثمان طار قلبي مطاراً، فركبت حتى أتيت دمشق، فلقيت خريم بن فاتك الأسدي، فحدثني أو قال: فحدثت بحديث عبد الله بن مسعود فقال لي خريم: الله الذي لا إله إلا هو، لأنت سمعت من عبد الله؟ قلت: الله الذي لا إله إلا هو، لأنا سمعته من عبد الله، قال: فحلف لي خريم لسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما هو حدثك عبد الله. قال: فكنت على خريم أجرأ مني على عبد الله، فاستحلفته ثلاثاً بالله الذي لا إله إلا هو، لسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما حدثنيه عبد الله. وفي حديث آخر بمعناه: قلت: بم تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: " كف يدك ونفسك، وادخل دارك "، قلت: يا رسول الله أرأيت إن دخل علي داري؟ قال: " ادخل بيتك "، قلت: أرأيت إن دخل علي بيتي؟ قال: " ادخل مسجدك، فقل هكذا، وقبض بيمينه على الكوع، وقل: ربي الله، حتى تموت ".

قدم عشرة رهط من بني أسد، فيهم وابصة بن معبد الأسدي على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلموا في سنة تسع. وعن وابصة قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أريد ألا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألته عنه، فجعلت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: دعوني أدنو منه، فإنه من أحب الناس إلي أن أدنو منه، فقال: ادن يا وابصة، ادن يا وابصة، فدنوت حتى مست ركبتي ركبته، فقال: يا وابصة، أخبرك بما جئت تسألني، جئت تسألني عن البر والإثم، قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه، وجعل ينكت بها في صدري، وقال: " يا وابصة، استفت قلبك، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك ". وفي رواية عنه: " البر ما انشرح له صدرك ". ال هلال بن يساف: قدمت الرقة، فقال بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة بن معبد فقلت لصاحبي أو لأصحابي: نبدأ فننظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطية ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو قائم يصلي، يعتمد على عصاً في صلاته. فقلنا له بعد أن سلمنا عليه: ما دعاك إلى العصا؟ قال: حدثتني أم قيس بنت نحصن أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه. قال أبو رشد الأزدي: كنت آتي وابصة بن معبد، وقلما أتيته إلا أصبت المصحف موضوعاً بين يديه، ثم إن

واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل

كان ليبكي حتى أرى دموعه قد بلت الورق، فقلت له: هل سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن شيء؟ فقال: يا أبا راشد وهل تركت شيئاً إلا وقد سألت عنه حتى عن وسخ الأظفار، قال: فقلت: فماذا قال لك؟ قال: ما رابك فألقه، وما كان سوى ذلك فدعه. واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل أبو الخطاب، ويقال: أبو الأسقع، ويقال: أبو شداد ويقال: أبو قرصافة الليثي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الصفة. شهد فتح دمشق، وسكنها إلى أن توفي بها. حدث وائلة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". قال واثلة: لما نزل خالد بن الوليد مرج الصفر ركبت فرسي حتى انتهيت إلى باب الجابية، فخرجت خيل عظيمة، فأمهلتها حتى إذا كانت بيني وبين دير ابن أبي أوفى حملت عليهم من خلفهم، وكررت، فظنوا أنهم قد أحيط بمدينتهم، فانصرفوا راجعين، وشددت على عظيمهم، فدعسته بالرمح، فوقع، فضربت يدي إلى برذونه، فأخذت بلجامه، فركضت. فلما رأوني وحدي أقبلوا علي، فالتفت فإذا رجل قد بدر بين أيديهم، فرميت بالعنان على قربوس السرج، ثم عطفت عليه، فدعسته بالرمح، فقتلته، ثم عدت إلى البرذون، فاتبعوني، ثم كتلك حتى واليت بين ثلاثة، فلما رأوا ما أصنع انطلقوا راجعين.

وأتيت الصفر، ثم أتيت خالد بن الوليد، فذكرت له ما صنعت، وعنده عظيم الروم قد خرج إليه يلتمس منه الأمان لأهل المدينة، فقال له خالد: هل علمت أن الله قتل فلاناً؟ يعني خليفته، فقال بالرومية: مثانوس، يعني: معاذ الله. فأقبل واثلة إليه بالبرذون، فلما رآه عظيم الروم عرفه، فقال: أتبيع السرج؟ قال: نعم، قال: لك عشرة آلاف، فقال خالد لواثلة: بعه، فقال واثلة لخالد: بعه أنت أيها الأمير، فباعه وسلم لي سلبه كله، ولم يأخذ منه شيئاً. وفي آخر بمعناه: أتيت البيت، فربطت البرذون، ونزعت عنه سرجه، ثم أتيت خالداً. وفيه: أنه باعه البرذون وسرجه بعشرة آلاف. فلما جئت إلى منزلي إذا النساء قد أتين امرأتي فقلن لها: احذينا مما أصاب زوجك، قالت: هذا السرج، دونكن إياه. فجعلن يقلعن الفصوص بأسنانهن، فقلت: ما صنعتن؟ الخرزة خير من إحداكن. فلما أتيت بالبرذون والسرج قال: إنما أغليت لمكان السرج، فأما إذ ذهبت فصوصه فلا حاجة لي به، فسلم خالد السلب كله لي. وعن واثلة قال: لما أسلمت أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت على يديه، فقال لي: " اذهب فاحلق عنك شعر الكفر واغتسل بماء وسدر ". قالوا: وأقبل واثلة بن الأسقع، وكان ينزل ناحية المدينة حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى الصبح معه، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الصبح انصرف فتصفح وجوه أصحابه ينظر إليهم، فلما دنا من واثلة أنكره، فقال: من أنت؟ فأخبره، فقال: ما جاء بك؟ قال:

أبايع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على ما أحببت وكرهت؟ قال واثلة: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيما أطقت؟ فقال واثلة: نعم. فبايعه. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ يجهز إلى تبوك. فخرج الرجل إلى أهله، فلقي أباه الأسقع، فلما رأى حاله قال: قد فعلتها؟ قال واثلة: نعم، قال أبوه: والله، لا أكلمك أبداً. فأتى عمه وهو مول ظهره إلى الشمس، فسلم عليه فقال: قد فعلتها؟ قال: نعم، ولامه لائمة أيسر من لائمة أبيه، وقال: لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر. فسمعت أخت واثلة كلامه، فخرجت إليه، فسلمت عليه بتحية الإسلام، قال واثلة: أنى لك هذا يا أخية؟ قالت: سمعت كلامك وكلام عمك. وكان واثلة ذكر الإسلام، ووصفه لعمه، فأعجب أخته الإسلام، فأسلمت، فقال واثلة: لقد أراد الله بك يا أخية خيراً، جهزي أخاك جهاز غادٍ؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جناح السفر. فأعطته مداً من دقيق، فعجن الدقيق في الدلو، وأعطته تمراً، فأخذه، فأقبل إلى المدينة، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تحمل إلى تبوك، وبقي غرات من الناس، وهم على الشخوص، وإنما رحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك بيومين، فجعل ينادي بسوق قينقاع: من يحملني وله سهمي؟ قال: وكنت رجلاً لا رحلة بي، فدعاني كعب بن عجرة، فقال: أنا أحملك عقبةً بالليل، ويدك أسوة يدي، ولي سهمك، قال واثلة: نعم. فقال واثلة بعد ذلك: جزاه الله خيراً، لقد كان يحملني عقبتي ويزيدني، وآكل معه، ويرفع لي حتى إذا بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد إلى أكيدر الكندي بدومة الجندل، خرج كعب بن عجرة في جيش خالد، وخرجت معه، فأصبنا فيئاً كثيراً، فقسمه خالد بيننا، فأصابني ست قلائص، فأقبلت أسوقها حتى جئت بها إلى جن كعب بن عجرة، فقلت: اخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك، فاقسمها.

فخرج إلي وهو يبتسم ويقول: بارك الله لك فيها، ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئاً. وفي رواية: ما حملتك إلا لله. قال واثلة بن الأسقع: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في نفر من أصحابه يحدثهم، فجلست وسط الحلقة، فقال بعضهم: يا واثلة، قم عن هذا المجلس، فإنا قد نهينا عنه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوا واثلة، فإني أعلم ما الذي أخرجه من منزله، قلت: يا رسول الله، وما الذي أخرجني؟ قال: خرجت من منزلك تسأل عن اليقين والشك، قلت: والذي بعثك بالحق، ما أخرجني غيره. قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن البر ما استقر في الصدر واطمأن إليه القلب، والشك ما لم يستقر في الصدر ولم يطمئن إليه القلب، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون ". وعن واثلة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمسجد الخيف، فقال لي أصحابه: إليك يا واثلة، أي تنح عن وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوه، فإنما جاء يسأل. قال: فدنوت، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لتفتنا عن أمر نأخذه عنك من بعدك، قال: لتفتك نفسك، قال: وكيف لي بذلك؟ قال: " تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون "، قلت: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال: " تضع يدك على فؤادك، فإن القلب يسكن للحلال ولا يسكن للحرام، وإن الورع المسلم يدع الصغير مخافة أن يقع في الكبير "، قلت: - بأبي أنت وأمي - ما العصبية؟ قال: " الذي يعين قومه على الظلم ". قلت: فمن الحريص: قال: " الذي يطلب المكسبة من غير حلها ". قلت: فمن الورع؟ قال: " الذي يقف عند الشبهة ". قلت: فمن المؤمن؟ قال: " من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم ".

قلت: فمن المسلم؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ". قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: " كلمة حكم عند إمام جائر ". وعن واثلة بن الأسقع قال: كنا أصحاب الصفة، وما منا رجل له ثوب تام، ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقاً من الغبار، إذ أقبل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فقال: " ليبشر فقراء المهاجرين، ليبشر فقراء المهاجرين "، إذ جاء رجل عليه شارة حسنة ما أدري من رأيت رجلاً أمثل في عيني منه، فقرأ على نبي الله السلام، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتكلم بكلام إلا غلبته نفسه أن يأتي بكلام يعلو به كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أدبر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لا يحب هذا وضربه، يلوون ألسنتهم للناس لي البقرة لسانها بالرعي، كذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوههم في جهنم ". قال واثلة بن الأسقع: جئت أريد علياً فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه، فاجلس، قال: فجاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخلا، ودخلت معهما، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسناً وحسيناً، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه وأنا منتبذ، فقال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ". " اللهم هؤلاء أهلي، اللهم أهلي أحق ". قال واثلة: قلت: يا رسول الله، وأنا من أهلك، قال: وأنت من أهلي. قال: واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو.

قال يونس بن ميسرة: قلت لواثلة بن الأسقع أيام الطاعون الجارف: كيف أنت؟ قال: بخير يا بن أخي. قلت: جعلك الله بخير، قال: أما إني فعل الله ذلك بي، لقد هداني لدينه، واجتباني إلى رسوله. قال مكحول: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع، فقلنا: حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه وهم، ولا تزيد ولا نسيان، فقال: هل قرأتم من القرآن الليلة شيئاً؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فهل زدتم واواً أو ألفاً أو مثلها؟ قال: فقلنا: ما نحن له بحافظين جداً، إنا لنزيد الواو والألف وننقص، قال: فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألون حفظه وأنتم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسى ألا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا جئناكم بالحديث على معناه. وفي حديث آخر بمعناه: إنا كنا قد أمسكنا عن الأحاديث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى سمعناه يقول: " إنه لا بأس بالحديث قدمت فيه أو أخرت إذا أصبت معناه ". توفي واثلة بن الأسقع سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مئة وخمس سنين. وقيل: توفي سنة خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة، اغتيل ما بين حمص ودمشق، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدمشق. وكان آخرهم موتاً بمكة عبد الله بن عمر. وكان آخرهم موتاً بالمدينة جابر بن عبد الله. وكان آخرهم موتاً بمصر سهل بن سعد بن ساعدة.

واثلة بن الحسن

وكان آخرهم موتاً بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى. وكان آخرهم موتاً بالبصرة أنس بن مالك. وكان آخر من مات بحمص عبد الله بن بسر. واثلة بن الحسن أبو الفياض الأنصاري العرقي من أهل عرقة من نواحي دمشق. حدث عن كثير بن عبيد الحذاء بسنده إلى معاذ بن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه خيره الله من الحور العين يوم القيامة، ومن أ ... عبداً وضع الله على رأسه تاج الملك يوم القيامة. واثلة بن الخطاب القرشي العدوي له صحبة. حدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس عنده، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزحزح له، فقال: يا رسول الله، إن في المكان سعة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن للمسلم على المسلم من الحق إذا رآه أن يتزحزح له ".

واثلة بن الخطاب بن واثلة بن الأسقع

واثلة بن الخطاب بن واثلة بن الأسقع ويقال: ابن الخطاب ابن بنت واثلة بن الأسقع حدث عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة، فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل السعة، فأخذه فانطلق به فعشاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد، وأصبحنا صياماً، ثم أتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد: فانطلقنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها: هل عندها شيء؟ فما بقيت امرأة منهن إلا أرسلت بقسم ما فيها ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجتمعوا، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك، فإنهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك " فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، فإذا شاة مصلية ورغيف، فأمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله وقد ذخر لنا عنده رحمته ". وادع بن ذوللة الكلبي شاعر فارس، شهد يوم المرج مع مروان بن الحكم، ووفد على الحجاج بن يوسف، وكانت عينه أصيبت يوم المرج، فقال له الحجاج: ما الشجاعة؟ قال: غرائز يجعلها الله في الناس، قد تجد الرجل شجاعاً لا رأي له، فتلك الشجاعة الضارة لصاحبها، لأنها تقدم به في حال لا إقدام، وتحجم به في وقت لا إحجام، فيهلك ويهلك، وقد تكون الشجاعة نافعة لصاحبها إذا أقدمت به في حين الإقدام وأحجمت به في حين الإحجام، والله لقد رأيتني يوم مرج راهط وإن همام بن قبيصة النميري لواقف وقد انقض عنه أصحابه، وإنه من شجاعته لواقف لا يدري ما يصنع، ولو فر لكان الفرار يمكنه، ولكن حمي أنفاً، فحمل علي وحملت عليه، فبادرته بضربة على عاتقه

واصل بن أبي جميل

فأذريته عن دابته، ثم نزلت إليه أحتز رأسه فتفل في وجهي، ثم قال: من الطويل ألا يا بن ذات النوف أجهز على امرئ ... يرى الموت خيراً من فرار وأكرما ولا تتركني بالخساسة إنني ... أكر إذا ما النكس مثلك أحجما فأخذت رأسه، فأتيت به مروان، وقلت: هذا رأس همام بن قبيصة، قال: لأنت قتلته؟ قلت نعم، قال: فهل أعانك عليه أحد؟ قلت: نعم، الله وفراغ مدته، فقال: هو والله كما قال الشاعر: من الطويل وفارس هيجا لا يقام لبأسه ... له صولةً تزور عنها الفوارس وشدة ليث يرهب الأسد وقعها ... وتذعر منها العاويات العساعس جريء على الإقدام ليس بناكل ... ولا يزدهيه الأحوسي المقامس واصل بن أبي جميل أبو بكر السلاماني من أهل جبل الخليل عليه السلام. حدث عن مجاهد عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكره أكل سبع من الشاة: المثانة، والمرارة، والغدة، والأنثيين، والذكر، والحياء، والدم. وكان أكره الشاة إليه ذنبها.

واصل بن عبد الله السلامي

وحدث عن مجاهد قال: وجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريحاً، فقال: " ليقم صاحب الريح فليتوضأ "، فاستحيا الرجل أن يقوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ "، فاستحيا الرجل أن يقوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ فإن الله لا يستحي من الحق "، فقال العباس: يا رسول الله أفلا نقوم كلنا نتوضأ، قال: " قوموا كلكم فتوضؤوا ". وحدث واصل عن مجاهد وعطاء وطاوس والحسن: في الرجل يبيع الطعام مجازفة وهو لا يعلم كليه ولا يعلمه، فكرهوه. لما هرب الأوزاعي من عبد الله بن علي كان مختبئاً عنده، قال الأوزاعي ما تهنيت قط بضيافة أحد ما تهنيت بضيافتي عنده، كان خبأني في هري العدس، فإذا كان العشاء جاءت الجارية، فأخذت من العدس، فطبخت، ثم جاءتني به، فكان لا يتكلف لي، فتهنيت بضيافته. واصل بن عبد الله السلامي أظنه من دمشق. حدث عمن حدثه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أول ما يذهب من هذا الدين الأمانة، وآخر ما يبقى منه الصلاة، وسيصلي من لا خير فيه، وما استجاز قوم بينهم الربا إلا استوجبوا حرب الله ورسوله، ولا ظهرت فيهم المعازف والغناء إلا صمت قلوبهم، ولا ركبوا الزهو والبهاء إلا عميت أبصارهم، ولا تكبروا إلا حرموا نفع الرجاء، ولا أكلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا نكست قلوبهم حتى لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ".

واصل

واصل من أهل دمشق، إن لم يكن من تقدم فهو غيره. حدث واصل قال: أسر غلام من بني بطارقة الروم جميل، ووقع إلى الخليفة في زمن بني أمية، فسماه بشيراً، وكتب وقرأ القرآن وروى الشعر وطلب الأحاديث وحج. فلما بلغ واجتمع وسوس إليه الشيطان وذكره النصرانية، فارتد وهرب، فأتى ملك الطاغية، فسأله عن حاله وما كان فيه، وما الذي دعاه إلى دخول النصرانية، فأخبره برغبته فيه، فعظم في عين الملك، فرأسه وصيره بطريقاً من بطارقته. وكان من قضاء الله أنه أسر ثلاثون نفراً مسلمون، فدخلوا على بشير، وساءلهم رجلاً عن دينهم. وكان منهم شيخ من دمشق اسمه واصل، فساءله بشير، فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئاً، فقال بشير: مالك لا تجيبني؟ قال: لا أجيبك اليوم بشيء. قال بشير: فإني مسائلك غداً. فلما كان الغد بعث بشير فأقبل إليه الشيخ، فقال بشير: الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيء، وخلق سبع سماوات طباقاً بلا عون كان معه من خلقه، ثم دحا سبع أرضين طباقاً بلا عون كان معه من خلقه، فعجب لكم معاشر العرب حين تقولون: " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "! فسكت الشيخ: فقال له بشير، مالك لا تجيبني؟ قال: كيف أجيبك وأنا أسير في يديك؟ إن أجبتك بما تهوى أسخطت علي ربي، وهلكت في ديني، وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي، فأعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على النبيين، وما أخذ

النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ولا تمحل بي ولا تبغي بي باغية سوء، وأنك إذا سمعت الحق تنقاد له، فأعطاه بشير عهد الله. فقال الشيخ: أما ما وصفت من صفة الله فقد أحسنت الصفة، وما لم يبلغ علمك، ولم يستحكم عليه رأيك أكثر، والله أعظم وأكبر مما وصفت، ولا يصف الواصفون صفته. وأما ما ذكرت من هذين الرجلين فقد أسأت الصفة، ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان، ويبولان ويتغوطان، وينامان ويستيقظان، ويفرحان ويحزنان؟ قال: بشير: بلى. قال الشيخ: فلم فرقت بينهما؟ قال بشير: لأن عيسى بن مريم كان له روحان اثنتان في جسد واحد، روح يعلم بها الغيوب وما في قعر البحار وما ينجاب من ورق الأشجار، وروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. قال الشيخ: فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منهما؟ قال بشير: قاتلك الله ماذا تريد أن تقول إن قلت: إنها لا تعلم؟ وماذا تريد أن تقول: إن قلت: إنها تعلم؟ قال الشيخ: إن قلت: إنها تعلم، قلت: فما تعني قوتها حين لا تطرد هذه الآفات عنها؟ وإن قلت: إنها لا تعلم، قلت: فكيف تعلم الغيوب، ولا تعلم موضع روح معها في جسد واحد؟ فسكت بشير. فقال الشيخ: أسألك بالله هل عبدتم الصليب مثلاً لعيسى بن مريم أنه صلب؟ قال: نعم. قال الشيخ: فبرضاً كان منه أم بسخط؟ قال بشير: هذه أخت تلك، ماذا تريد أن تقول: إن قلت: برضاً منه؟ وماذا تريد أن تقول: إن قلت: بسخط؟ قال الشيخ: إن قلت: برضاً منه قلت: لقد قلتم قولاً عظيماً، فلم تلام اليهود إذا أعطوا ما سألوا وأرادوا؟ وإن قلت: بسخط، قلت فلم تعبد ما لا يمنع نفسه؟ ثم قال الشيخ لبشير: نشدتك بالله، هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم

ويصلي، ويبول ويتغوط، وينام ويستيقظ، ويفرح ويحزن؟ قال: نعم. قال الشيخ: لمن كان يصوم ويصلي؟ قال: لله عز وجل. ثم قال بشير: والضار النافع، ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية، أراك رجلاً قد تعلمت الكلام، وأنا رجل صاحب سيف، ولكن غداً نأتيك بمن يخزيك الله على يديه. فلما كان من الغد أحضر بشير الشيخ وعنده قس عظيم اللحية، فقال له بشير: إن هذا رجل من العرب له حلم وعقل وأصل في العرب، وقد أحب الدخول في ديننا، فكلمه حتى تنصره. فسجد القس لبشير، فقال: قديماً أتيت إلى الخير، وهذا أفضل ما أتيت إلي، ثم أقبل القس على الشيخ فقال: غداً أغطسك في المعمودية، غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمك، قال الشيخ: وما هذه المعمودية؟ قال: ماء مقدس، قال الشيخ: من قدسه؟ قال: قدسته أنا والأساقفة قبلي، قال الشيخ: فهل يقدس الماء من لا يقدس نفسه؟ فسكت القس، ثم قال: إني لم أقدسه أنا، قال الشيخ: فكيف كانت القصة؟ قال: إنما كانت سنة من عيسى بن مريم، قال الشيخ: فكيف كان الأمر؟ قال القس: إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى بن مريم بالأردن غطسة، ومسح برأسه، ودعا له بالبركة. قال الشيخ: واحتاج عيسى إلى يحيى يمسح رأسه، ويدعو له بالبركة؟ فاعبدوا يحيى، خير لكم من عيسى. فسكت القس، واستلقى بشير على فراشه، وأدخل كمه في فيه، وجعل يضحك، وقال للقس، أخزاك الله، دعوتك لتنصره، فإذا أنت قد أسلمت. وبلغ أمر الشيخ الملك، فبعث إليه، فقال: ما هذا الأمر الذي بلغني عنك، وتنقص ديني؟ قال الشيخ: إن لي ديناً كنت ساكتاً عنه، فلما سئلت عنه لم أجد بداً من الذب عنه.

قال الملك: فهل في يديك حجج؟ قال الشيخ: نعم، ادع لي من شئت يحاججني، فإن كان الحق في يدي فلم تلمني عن الذب عن الحق، وإن كان الحق في يديك رجعت إلى الحق. فدعا الملك بعظيم النصرانية، فلما دخل عليه سجد له الملك ومن عنده. قال الشيخ: أيها الملك ما هذا؟ قال: هو رأس النصرانية، ومن تأخذ النصارى دينها عنه. قال الشيخ: فهل له من ولد؟ أم هل له من امرأة؟ أم هل له عقب؟ قال الملك: أخزاك الله، هو أزكى وأطهر من أن يتدنس بالنساء، هو أزكى وأطهر من أن ينسب إليه ولد، هو أزكى وأطهر من أن يتدنس بالحيض. قال الشيخ: فأنتم تكرهون لآدمي يكون فيه ما يكون في بني آدم من الغائط والبول، والنوم والسهر، وبأحدكم من ذكر النساء، وتزعمون أن رب العالمين سكن في ظلمة البطن وضيق الرحم، ودنس بالحيض!! قال القس: هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم، فأخرجوه من حيث جاء. فأقبل الشيخ على القس فقال: عبدتم عيسى بن مريم أنه لا أب له، فهذا آدم لا أب له ولا أم، خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، فضموا آدم مع عيسى حتى يكون لكم إلهين اثنين، وإن كنتم عبدتموه لإحياء الموتى فهذا حزقيل في التوراة والإنجيل مرَّ بميت، فدعا الله عز وجل فأحياه حتى كلمه، فضموه معهما حتى يكون لكم ثلاثة. وإن كنتم عبدتموه أنه أراكم العجب، فهذا يوشع قاتل قومه حتى غربت الشمس، فقال: ارجعي بإذن الله، فرجعت اثني عشر برجاً، فضموا يوشع معهم، يكون لكم أربعة.

وإن كنتم عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء، فمع كل نفس ملكان بالليل وملكان بالنهار يعرجون إلى السماء، ما لو ذهبنا نعدهم لالتبس علينا عقولنا، واختلط علينا ذهننا، وما ازددنا في ديننا إلا تحيراً. ثم قال: أيها القس، أخبرني عن رجل حل به الموت، الموت أهون عليه أم القتل؟ قال القس: القتل، قال: فلم لم يقتل - يعني مريم - لم يقتلها؟ فما برّ أمه من عذبها بنزع النفس. قال القس: اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى، فإنه لا يدخلها أحد إلا تنصر. قال الملك: اذهبوا به. قال الشيخ: ماذا يراد بي، يذهب بي، فلا حجة علي تغصب حجتي؟ قال الملك: لن يضرك، إنما هو بيت من بيوت ربك يذكر الله فيه. قال الشيخ: إن كان هكذا فلا بأس به. فذهبوا به، فلما دخل الكنيسة وضع أصبعيه في أذنيه، ورفع صوته بالأذان، فجزعوا لذلك جزعاً شديداً، وصرخوا وأثنوه، وجاؤوا به الملك. فقال: أيها الملك أين ذهبوا بي؟ قال: ذهبوا بك إلى بيت من بيوت الله لتذكر فيه ربك. قال: فقد دخلت وذكرت فيه ربي بلساني، وعظمته بقلبي، فإن كان كلما ذكر الله في كنائسكم يصغر دينكم فزادكم الله صغاراً. قال الملك: صدق، ولا سبيل لكم عليه. قالوا: أبها الملك، لا نرضى حتى نقتله. قال الشيخ: إن قتلتموني وبلغ ذلك ملكنا وضع يده في قتل القسيسين والأساقفة، وخرب الكنائس، وكسر الصلبان ومنع النواقيس، قال: يفعل؟ قال: نعم، فلا تشكوا، ففكر في ذلك. فتركوه.

وائل بن حجر بن سعد بن مسروق

فقال الشيخ: ما عاب أهل الكتاب على أهل الأوثان؟ قال: بما عبدوا ما عملوه بأيديهم، قال: فهذا أنتم تعبدون ما عملتم بأيديكم، هذا الذي في كنائسكم، فإن كان في الإنجيل فلا كلام لنا فيه، وإن لم يكن في الإنجيل فلا تشبه دينك بدين أهل الأوثان. قال الملك: صدق، هل تجدون في الإنجيل؟ قال القس: لا، قال: فلم تشبه ديني بدين أهل الأوثان؟. قال: فأمر بنقض الكنائس، فجعلوا ينقضونها ويبكون؟. قال القس: إن هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم، فوكلوا به رجالاً وأخرجوه من حيث جاء، ولا تقطر من دمه قطرة في بلادكم، فيفسد عليكم دينكم. فأخرجوه إلى بلاد دمشق، ووضع الملك يده في قتل القسيسين والأساقفة والبطارقة حتى هربوا إلى الشام لأنه لم يجدوا أحداً يحاجه. وائل بن حجر بن سعد بن مسروق ابن وائل بن ضمعج بن وائل بن ربيعة بن وائل، وفي نسبه خلاف أبو هنيد ويقال: أبو هنيدة الحضرمي له صحبة، وقدم دمشق على معاوية. قال وائل بن حجر: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع ركبتيه قبل يديه، ويرفع يديه قبل ركبتيه. وحدث وائل قال: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ يقرأ: " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال آمين فجهر بها. وحجر: بالحاء المضمومة الجيم الساكنة، قال: ويجوز ضمها في اللغة.

ولما وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزله وأصعده معه على منبره، وأقطعه القطائع، وكتب له عهداً، وقال: هذا وائل بن حجر سيد الأقيال، جاءكم حباً لله ولرسوله. وقربه وأدناه، وبسط رداءه، وأجلسه عليه. وورد المدائن في صحبة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين خرج إلى صفين، وكان على راية حضرموت يومئذ. وقيل: بقاف مفتوحة، اسم للملك من ملوك حمير. وفي رواية أخرى: أنه لما وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح وجهه، ودعا له، ورفله على قومه. ثم خطب الناس، فقال: أيها الناس، هذا وائل بن حجر أتاكم من حاضرموت، ومد بها صوته، راغباً في الإسلام، ثم قال لمعاوية: انطلق به، فأنزله منزلاً بالحرة. قال معاوية: فانطلقت به، وقد أحرقت رجلي الرمضاء، فقلت: أردفني، قال: لست من أرداف الملوك، قلت: فأعطني نعليك أتوقى بهما من الحر، قال: لا يبلغ أهل اليمن أن سوقة لبس نعل ملك، وإن شئت قصرت عليك ناقتي، فسرت في ظلها. قال معاوية: وأنبأت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله، فقال: إن فيه لعبية من عبية الجاهلية، فلما أراد الانصراف كتب له كتاباً. قال سويد بن حنظلة: خرجنا نريد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج قوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، فخلى عنه، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له، فقال: أنت أبرهم وأصدقهم، وصدقت، المسلم أخو المسلم.

قال وائل: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان لي من وجهه ما لا أحب أن لي به من وجه رجل من بادية العرب، صليت خلفه، فكان يرفع يديه كلما كبر ووضع بين السجدتين، وسلم عن يمينه وعن شماله. وفي رواية أخرى: لما وفد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خطب الناس، وقال: ارفقوا به، فإنه حديث عهد بالملك، فقال: إن أهلي غلبوني على الذي لي، فقال: أنا أعطيك وأعطيك ضعفه. قال وائل: بلغنا ظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا في ملكٍ عظيم وطاعة، فرفضته وأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنة الله علي، فنهضت راغباً في الله وفي رسوله وفي دينه حتى قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلقيني رجال من أصحابه فبل أن ألقاه، فبشروني بما بشرهم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي رواية: فقالوا لي: قد بشرنا بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قبل أن تقدم علينا بثلاثة أيام، قالوا: قال لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة، من حضرموت طائعاً غير مكره، راغباً في الله وفي رسوله، بقية أبناء الملوك. وقال في الحديث: إنه طلع المنبر، وأصعدني معه، فقمت دونه، وقال في قوله، فقلت له: يا رسول الله قد من الله علي حين أتاني نبؤك بإتيانك رغبة في الله وفي دينك، قال: صدقت. ثم قال: اللهم بارك في وائل وفي ولده، وفي ولد ولده. ثم نزل وأنزلني معه، فدفع إلي ثلاثة كتب، وأقطعني أرضاً، أمرني أن أنزلها، وذكر حديثه مع معاوية. قال وائل: فنظرت في كتبي، فإذا الكتاب فيه:

بسم الله إلى المهاجر بن أبو أمية، إن وائل بن حجر يستسعى ويترفل على الأقوال حيث كانوا من حضرموت. وكتاب آخر لي ولأهل بيتي بحضرموت، فيه: بسم الله من محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المهاجر بن أبو أمية، لأبناء معشر وأبناء ضمعج أقوال شنوءة بما كان لهم فيها من ملك وعمران ومزاهر وعرمان وملح ومحجر، وما كان لهم من مال أثرناه بأرض اليمن، وما كان لهم من مال أثرناه بأبغث، وما كان لهم من مال بحضرموت، مني الذمة والجوار، الله جار لهم، والمؤمنون على ذلك أنصار إن كانا صادقين، يعني إن كان وائل وقومه صادقين. قوله: " ابن أبو أمية " تركه على حاله لاشتهاره، كما قيل: علي بن أبي طالب. محجر: قرية، وقيل: المحجن، ومحاجن النخل: حضائر تتخذ حولها، والاحتجار: الاحتصار للشيء، والمحجر: الحديقة، والمحاجر: الحدائق. والعرمان: المزارع، والعرنة أيضاً: الكديس، وهو حصيد الزرع إذا دق قبل أن يذرى. والمزاهر: الرياض لأنها تجمع أصناف الزهر والنبات. يستسعى: أي يتولى أمر الصدقات. ويترفل: أي يترأس.

وكتاب آخر إلي وإلى قومي فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى وائل بن حجر والأقوال العباهلة من حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، من الصدقة التيمة، ولصاحبها التيعة، لاجلب ولاجنب ولاشغار ولا وراط في الإسلام، لكل عشرة من السرايا ما تحمل القراب من التمر. من أجبى فقد أربى، وكل مسكرٍ حرام. الأقوال: يريد الملوك واحدهم قيل والعباهلة مثلها، والتيمة: الزائدة، وقيل: الأكولة، وهي الشاة التي تذبح لتؤكل، ونالتيعة: الأربعون من الشاء، والشغار: أن ينكح الرجل أخته أو أبنته، وينكحه الآخر أخته أو ابنته، فهن تذران الصداق، كانوا في الجاهلية يصنعون ذلك، والإجباء: بيع الحرث قبل صلاحه. وفي رواية أخرى: بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة: على التيعة شاة، والتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس، لاخلاط ولا وراط ولا شناق، ولا شغار، ومن أجبى فقد أربى، والعون لسرايا المسلمين، وكل مسكرٍ حرام.

وائل بن رياب بن حذيفة

قوله: تحمل القراب من التمر، الرواية هكذا بالباء، ولا موضع لها، إنما القراب قراب السيف. قال: وأراه القراف بالفاء، جمع قرف، وتجمع على قروف، وهي أوعية من جلود تحمل فيها الزاد للأسفار. والمعنى: إن عليهم أن يزودوا السرية إذا مرت بهم، لكل عشرة منهم ما يحمل في مزود. السيوب: الركاز، والوراط: الخديعة، والشناق: مادون الدية، والشناق في الشاء ماجاوز الأربعين إلى ما تصير فيه الصدقة، وكل ما أخذ فيه الشاء من صدقة الإبل فذلك الشنق، فإذا صارت ابنة مخاض ارتفع الشنق وصارت فريضة. وائل بن رياب بن حذيفة ابن مهشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأمه أم وائل بنت معمر بن جندب الجميحة. شهد الفتح بالشام، وهو أخو معمر بن رياب، ورياب بكسر الراء وبعدها ياء بثنتين من تحتها. كان رياب بن حذيفة تزوج أم وائل بنت معمر الجمحية، فولدت له ثلاثة أولاد، فتوفيت أمهم، فورثها بنوها رباعها وولاء مواليها، فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام، فماتوا في طاعون عمواس، فورثهم عمرو مكان عصبتهم. فلما رجع عمرو جاء بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: أقضي بينكم بما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان.

وثيق بن أحمد بن عثمان

قال: فقضى عمر لعمرو رباعها وولاء مواليها، وكتب له بذلك كتاباً فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وآخر، حتى إذا استخلف عبد الملك بن مروان توفي مولى لهم، وترك ألفي دينارٍ، فخاصموه إلى هشام بن إسماعيل. قال: فدفعنا إلى عبد الملك بن مروان، فأتيناه بكتاب عمر، فقال: إن كنت لأرى أن هذا من القضاء الذي لا يشك فيه، وما كنت أرى أن أمر المدينة بلغ هذا؛ أن تشكو في هذا القضاء، قال: فقضى لنا به، فلم يزل فيه بعده. وثيق بن أحمد بن عثمان أبو محمد السلمي الكفربطناني حدث عن علي بن يعقوب بن أبي العقب بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " (من قضى دين والديه بعد موتهما وأوفى نذرهما ولم يستسب لهما فقد برهما، وإن كان عاقاً بهما، ومن لم يقض دينهما ولم يوف نذرهما واستسب لهما فقد عقهما، وإن كان بهما باراً في حياتهما ". توفي وثيق سنة اثنتين وأربع مئة. وجيه بن عبد الله بن مسعر أبو المقدم التنوخي المعري شاعر، فمن شعره: من الوافر أراني والثفالة في نفادٍ ... على سفرٍ وليس لدي زاد

وحشي بن حرب

وقد بان الشباب الغض مني ... وجاء الشيب ليس له ارتداد إذا ما الزرع أخلع واستبانت ... سنابله فقد قرب الحصاد توفي أبو المقدم سنة ثلاث وخمس مئة أو أربع وخمس مئة. وحشي بن حرب أبو دسمة الحبشي مولى جبير بن مطعم النوفلي ويقال: كان عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل وحشي قاتل حمزة عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسلم على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد بن الوليد إلى اليمامة، وقدم معه الشام، وشهد اليرموك، والظاهر أنه شهد فتح دمشق. حدث وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تأكلون وأنتم متفرقون، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله على أوله واحمدوه على آخره يبارك لكم فيه ". كان وحشي أسود من سودان مكة عبداً، ولم يبلغنا أنه شهد بدراً مع المشركين، ولكنه خرج معهم إلى أحد، فقالت له ابنة الحارث بن نوفل بن عامر: إن أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر؛ إن قتلت محمداً أو حمزة أو علي بن أبي طالب. ولما فتحت حمص نزلها، ووقع في الخمر يشربها. ولبس المعصفر المصقول، فكان أول من ضرب في الخمر بالشام، وأول من ليس المعصفرات في الشام. ومات بحمص في بركة خمر.

وحدث وجشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: كان معاوية ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما يليني منك؟ قال: بطني، قال: اللهم املأه علماً وحلماً. قال: في إسناده نظر. ويقال: إنه قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وجاهد أهل الردة. قيل: إنه رمى مسيلمة الكذاب هو والأنصاري، فقتل مسيلمة من ضربتيهما. قال ابن عباس: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل وحشي مع النفر، ولم يكن المسلمون على أحدٍ أحرص منهم على وحشي؛ فهرب وحشي إلى الطائف، فلم يزل به مقيماً حتى قدم في وفد الطائف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فقال: وحشي؟! قال: نعم، قال: اجلس، حدثني كيف قتلت حمزة، فأخبره. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيب عني وجهك. قال: فكنت إذا رأيته تواريت عنه حتى خرج الناس إلى مسيلمة، فدفعت إلى مسيلمة فزرقته بالحربة، وضربه رجل من الأنصار، فربك أعلم أينا قتله. قال جعفر بن عمرو بن أمية: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار غازيين الصائفة في زمن معاوية، فلما قفلنا مررنا بحمص، وبها وحشي، فقال عبيد الله بن عدي: هل لك أن نأتي وحشياً ونسأله عن قتل حمزة، كيف كان؟ فقلت: نعم، إن شئت. فسألنا عنه، فقال لنا قائل: إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة، وهو رجل غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً غريباً وتجدا منه الذي تريدان أن تسألا عنه، وإن تجداه قد ثمل منها فانصرفا عنه.

فوافيناه شيخاً كثير السواد، رأسه مثل الثغام بفناء داره على طنفسة صاحياً. فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار: أنت؟ قال: نعم، قال: أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، وهي على بعيرها، إلى اليوم، فلما رأيتك عرفتك. فجلسنا إليه، وقلنا: أتيناك نسألك عن حديث قتلك حمزة، فقال: أنا سأحدثكم بما حدثت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت بمكة لجبير بن مطعم، وكان طعمة بن عدي عمه قتل يوم بدر، فقال: إن قتلت حمزة عم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنت حر، وكانت لي حربة أقذف بها قلماً أجلتها إلا قتلت. فخرجت مع الناس يوم أحد وإنما حاجتي قتل حمزة، فلما التقى الناس أخذت حربتي، وخرجت أنظر حمزة، وهو في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهذ الناس بسيفه هذاً، فدنا مني إلا أنه تستر مني بأصل شجرة أو صخرة، إذ بدر من الناس فلان بن عبد العزى، وفي حديث: سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال: هلم يا بن مقطعة البظور، فضربه، فوالله لكأنما أخطأ رأسه. زاد في رواية: ما رأيت شيئاً أسرع من سقوط رأسه. وكانت أمه ختانة بمكة. وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت بين كتفيه حتى خرجت من بين ثدييه، فتركته واستأخرت عنه حتى مات، رحمه الله، ثم قمت إليه حتى انتزعتها منه. ثم أتيت العسكر فقعدت فيه، فلم يكن لي حاجة بغيره، وإنما قتلته لأعتق، فلما

قدمنا مكة عتقت، وأقمت بها حتى فتحت مكة، ثم هربت إلى الطائف. فلما خرج وفد ثقيف إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضاقت علي الأرض بما رحبت، فقلت: ألحق باليمن أو بالشام، فوالله إني في غم ذلك إذ قال لي قائل: ويحك! الحق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله ما يقتل أحداً دخل في دينه، وتشهد بشهادته. فخرجت حتى قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلم يرعه إلا أني قائم على رأسه، أشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: وحشي؟! قلت: نعم، قال: اجلس فحدثني كيف كان قتلك حمزة، فجلست بين يديه، فحدثته كما حدثتكم، ثم قال: ويحك يا وحشي! غيب عني وجهك فلا أراك؛ فكنت أتنكب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفي. فلما سار المسبمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي، فلما التقى المسلمون وبنو حنيفة نظرت إلى مسيلمة، ووالله ما أعرفه، وبيده سيفه، ورجل آخر من الأنصار يريده من ناحية أخرى، وكلانا يتهيأ له، حتى إذا أمكنتني منه الفرصة دفعت إليه حربتي، فوقعت فيه وسيف الأنصاري يضربه، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير البرية بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتلت شر الناس. قال عبد الله بن عمر، وشهد اليمامة: سمعت رجلاً يصيح، يقول قتله العبد الأسود، يعني مسيلمة. وعن وحشي قال: لما أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: لا ترني وجهك. قال ابن عباس: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك وزنى " يلقى أثاماً، يضاعف له

العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً " وأنا قد صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً ". فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد: إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فلعلي لا أقدر على هذا؛ فأنزل الله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". فقال وحشي: يا محمد، أرى بعد مشيئة، فلا أدري يغفر لي أم لا، فهل غير هذا؟ فأنزل الله عز وجل: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ". قال: وحشي هذا، فجاء وأسلم، فقال الناس: يا رسول الله، إذا أصبنا ما أصاب وحشي؟ قال: هي للمسلمين عامة. وعن ابن عباس قال: جاء وحشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد جئتك مستجيراً بك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد كنت أحب أن أراك على خير جوار، فأما إذا كنت مستجيراً فأنت في جواري حتى أسمع كلام الله. قال: فإني أشركت بالله العظيم، وقتلت النفس التي حرم الله، فهل تقبل من مثلي توبة؟ فصمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجبه حتى نزل عليه القرآن: " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " إلى قوله: " يبدل الله

سيئاتهم حسنات ". فقرأها عليه؛ فقال: أرى شرطاً، فلعلي لا أعمل صالحاً، أنا في جوارك حتى تسمع كلام الله، فنزلت: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، فدعاه فقرأها عليه، فقال وحشي: فلعلي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، قال: فنزلت: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " الآية، فقال وحشي: الآن لا أرى شرطاً، فتشهد وأسلم. وقال وحشي: إنه وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اثنين وسبعين رجلاً من الحبشة، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قودني عليهم، وعقد لي راية صفراء، ذراعين في ذراعين، وفيها هلال أبيض وعذبتان سوداوان، وبينهما عذبة بيضاء، وجعل لي شعارنا: كل خير، وكان منهم ذو مخبر وذو مهدم وذو مناحب وذو دجن، فقال لهم: انتسبوا، فقال ذو مهدم: من الطويل على عهد ذي القرنين كانت سيوفنا ... صوارم يفلقن الحديد المذكرا وهود أبونا سيد الناس كلهم ... وفي زمن الأحقاب عزاً ومفخرا فمن كان يعمى على أبيه فإننا ... وجدنا أبانا العدملي المشهرا وعن وحشي: أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار والمنافقين ".

ثم قال أبو بكر: يا وحشي اخرج معه فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله، فخرجت معه. فقاتلنا كفرة العرب حتى رجعوا، ثم جاءنا كتاب أبي بكر بالمسير إلى مسيلمة الكذاب وكفار بني حنيفة؛ فمضينا لذلك، فلقيناهم، فقاتلوا قتالاً شديداً، فهزمونا ثلاث مرات، ثم ثبت الله أقدامنا في الرابعة، وصبرنا لوقع السيوف واختلافها على رؤوسنا حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها، وسمعت لها أصواتاً كأصوات الأجراس، ونصرنا الله وهزم بني حنيفة، وقتل الله مسيلمة، فلقد ضربت يومئذ بسيفي حتى غري قائمه في كفي من دمائهم، وكتبوا بفتح الله ونصره إلى أبي بكر. وصرخ يومئذ صارخ بقتل مسيلمة يقول: قتله العبد الأسود، فقلنا: قتله الله. وقال يومئذ: إنكم يا معشر المسلمين تقولون: إني قتلت حمزة، فإن أك قد قتلت خير الناس، فقد قتلت شر الناس، فهذه بهذه. وقوله تعالى: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " نزلت في قاتل حمزة. وقال وحشي: لما فتحنا اليرموك مع أبي عبيدة بن الجراح بقيت مغارة للروم فيها عدة من فرسانهم وغير ذلك لا يستطاع فتحها، فقالوا: من لها؟ فقلت: أنا لها، هل من درع؟ فأتوني بدرع فلبستها على درعي، ثم قلت: هل من درع أخرى؟ فأتوني بدرع أيضاً، فلبستها كهيئة السراويل، وشددتها علي شداً جيداً، وأخذت سيفي بيدي، وأخذت حبلاً، ووضعته في وسطي، وأمرتهم أن يدلوني في المغارة. فقالوا: يا أبا حرب، قد كبرت سنك، وما إن تجشم ذا. فقلت له: ما رحمت نفسي منذ صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلوني، فقتلت فرسانها وأحرقت من كان فيها،

وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب

ولقد كنت أسمع سيفي في رؤوسهم كالفأس في الحطب الجزل، ولقد غريت يدي على سيفي من الدم، وما أخرجته من يدي حتى أنقعته بالماء الساخن. قال: ولما قدمنا حمص مع أبي عبيدة بن الجراح برز إلي بطريق من بطارقة الروم على باب الرستن، فقتلته، ولبست ثوبه، وركبت دابته، ودخلت السوق حتى أتيت باب يهود، فضربت سلسلته بسيفي فقطعتها، فدخل الناس، فنزلت دار أصطفيس، وأنزلت أصحابي حولي. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كتب إلي كتاباً كتب: من محمد رسول الله إلى وحشي الحبشي. وعن عمر بن الخطاب قال: ما زالت لوحشي في نفسي حتى أخذ قد شرب الخمر بالشام، فجلد الحد، فحططت عطاءه إلى ثلاث مئة. وكان فرض له عمر ألفين. وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب ابن ابن المذكور آنفاً. حدث وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: شكا رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعلك تتقدم من هو أسن منك، قال: نعم، يا رسول الله، قال: فلا تفعل، قال: فترك ذلك، فأذهب الله عنه الفاقة. وحدث عن أبيه عن جده قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فمر رجل، فقال رجل: يا رسول الله، إني أحب هذا في الله، قال: أعلمته ذلك؟ فقال: لا، قال: قم فأعلمه.

وراد أبو الورد

وراد أبو الورد كاتب المغيرة ومولاه قال وراد: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فكتب إليه المغيرة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند انصرافه من الصلاة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال، وعن منع وهات، وعقوق الأمهات وعن وأد البنات. وراد بن جهير بن عبد الرزاق ابن أبي الغارات بن منصور أبو صادق الجذامي النفاثي حدث عن أبي الحسن علي بن القاسم بن الحسن البجاد بسنده إلى علي والزبير قالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ". وردان أبو عبيد ويقال أبو عثمان مولى عمرو بن العاص السهمي من سبي أصبهان، قدم دمشق في أيام معاوية. كان عمرو بن العاص ذات يوم عند معاوية، ومعه وردان مولاه، فقال لعمرو: ما بقي من لذتك، يا أبا عبد الله؟ فقال: محادثة أخي صدق مأمون على الأسرار.

فأقبل على وردان، فقال: وأنت يا أبا عثمان، ما بقي من لذتك؟ قال: النظر في وجه كريم أصابته نكبة فاصطنعت إليه فيها يداً حسنة. فقال معاوية: أنا أولى بذلك منك، فقال: أنت يا أمير المؤمنين، أقدر عليه مني، وأولى به من سبق إليه. شاعر: من الطويل وما هذه الأيام إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود فإنك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد ووردان من تابعي أهل مصر، وبه سميت السوق التي بمصر سوق وردان. وكان ثقة، وكان رومياً. يقال: إنه من روم أرمينية، أو من روم الشام، أو من روم أطرابلس الغرب. وقتل بالبرلس سنة ثلاث وخمسين، قتله الروم. وعقبه بمصر. قال جويرية بن أسماء: قال عمرو بن العاص لوردان يوم صفين: تدري ما مثلي ومثلك مثل الأبيقر إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر، لئن تأخرت لأضربن عنقك، قال: جيئوني بقيد، فوضعه في رجليه، قال: أما والله يا عبد الله لأردنك حياض الموت. وحضر وردان يوم صفين مع عمرو، فكان عمرو يرتجز: من الرجز هل يغنين وردان عني قنبراً ... أو يغنين ابن خديج مسعرا يريد قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام، ويريد مسعر بن فدكي صاحب الخوارج.

وكان وردان والياً على خراج مصر من قبل معاوية بعد موت عمرو. وكان وردان من عمرو بن العاص بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، كان لا يعمل شيئاً حتى يشاوره، وكان داهياً فهماً. كتب معاوية إلى وردان أن زد على القبط قيراطاً قيراطاً على كل إنسان. فكتب إليه وردان: كيف أزيد عليهم، وفي عهدهم ألا يزاد عليهم، يرى بذلك لأن مصر كانت عنده عنوة، فلهذا استجاز الزيادة عليهم، وكانت عند وردان صلحاً، فكره الزيادة، فلهذا اختلفا. روى عن مسلم بن محارب قال: قال معاوية: إن عمرو بن العاص احتجز دوننا خراج مصر فعزله، واستعمل أبا الأعور السلمي، فبلغ عمرو الخبر، فدعا وردان مولاه، فقال: ويحك، يا أبا عثمان! عزلنا معاوية أمير المؤمنين، قال: فمن استعمل؟ قال: أبا الأعور السلمي، فهل عندك من حيلة؟ قال: نعم، اصنع له طعاماً، ولا تنظر له في كتاب حتى يأكل، ودعنا نعمل ما نريد. فلما قدم عليه أبو الأعور، وأخرج كتاب معاوية بتسليم العمل إليه، قال له عمرو: وما نصنع بكتاب؟ لو جئتنا برسالة لقبلنا ذلك منك، دع الكتاب وكل. قال: انظر في الكتاب، قال: ما أنا بناظر حتى تأكل، فوضعه إلى جانبه، وجعل يأكل، فاستدار له وردان، فأخذ الكتاب والعهد. فلما فرغ أبو الأعور من غذائه طلب الكتاب، فلم ير شيئاً، فقال: أين كتابي؟ فقال له عمرو: أليس إنما جئتنا زائراً لنحسن إليك ونكرمك ونبرك؟ قال: استعملني أمير المؤمنين وعزلك، قال: مهلاً، لا يظهرن هذا منك، إنه قبيح، نحن نصلك ونحسن جائزتك، فرضي بالجائزة. وبلغ معاوية الخبر، فاستضحك، وأمر عمراً على مصر.

وعن ابن لهيعة قال: قال الملامس بن خزيمة الحضرمي لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إن هذا - يريد ربيعة بن حبيش الصدقي - قاتل عثمان وقرين الشيطان، وختن وردان. وكان ربيعة قد زوج ابنته من وردان. فقال معاوية: يا ربيعة، أزوجت وردان ابنتك؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، زوجت فداناً أخضر وديناراً أصفر. فقال معاوية: أف لك، أعبد عمرو؟ كان وردان بالإسكندرية، وعليها علقمة بن يزيد الغطيفي، وبالإسكندرية راهب نحو كنيسة الدقيق، وكان وردان يأتيه ويحدثه، فجاءه يوماً، فقال له الراهب: لا تمر بك ثلاثة أيام حتى تقتل. فانصرف وردان، فجلس على مجلس الصدف، فحدثهم بما قال الراهب. فلم يلبث إلا يسيراً حتى أتاهم الصارخ أن الروم قد نزلوا البرلس. فاستنفر علقمة الناس إليهم، فولى عليهم وردان، فنفر بهم إلى البرلس، فوجد الروم بها، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فاستشهد وردان ومن معه وأبو رقية اللخمي، وكان على الخراج، وعائذ بن ثعلبة البلوي، وكان على الخيل. قالوا: وكان بين يدي وردان شمعة لما خرج ليلاً، فانطفأت، فتطير بذلك. قالوا: وكان عائذ قد أمر بالمعديات فرفعت إلى البر، فقال له وردان: اردد المعديات تجز فيها من أتاك من الثغور والفسطاط. فقال له: هذا رأي العبيد، بل نرفعها ونقاتل، فيكون الفتح لنا والذكر، فلا تجبن، قال: أنا أجبن؟ ستعلم من يجبن. فاقتتلوا، وأقبل المدد، فوقفوا في العدوة لا يقدرون على المجاز، والمسلمون والروم يقتتلون، فقتل عائذ ووردان، وارتث سويد بن ملة في جمع من المسلمين، وانصرف الروم.

وردان بن صالح بن كثير

وردان بن صالح بن كثير وقيل: وردان بن كثير بن صالح بن سعد أبو عطية حدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى عائشة قالت: أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأدخلت امرأة على زوجها، ولم يعطها من صداقها شيئاً. ورقة بن نوفل بن أسد ابن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي كان ممن رغب عن عبادة الأوثان، وسأل عن الدين الحنيف. وقدم البلقاء مع زيد بن عمرو بن نفيل. وقيل: إنه أسلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقطع بإسلامه، والصحيح أن ورقة توفي أول ما تبدى جبريل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. روى ابن عباس أن ورقة قال: قلت: يا محمد كيف يأتيك الذي يأتيك، يعني جبريل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأتيني من السماء جناحاه من لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر. وكان ورقة قرأ الكتب، وكانت خديجة بن خويلد - رضوان الله عليها - تسأله عن أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقول لها: ما أراه إلا نبي هذه الأمة الذي بشر به موسى وعيسى عليهما السلام. وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا ورقة فإني أريته في ثياب بيض. وقيل: إن ورقة أنصاري، وقيل ديلي، والصحيح أنه أسدي. روي: أن خديجة انطلقت بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها،

وكان تنصر في الجاهلية، ويكتب الكتاب العربي، فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر ما رأى، فقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً أكون فيها حياً حين يخرجك قومك. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أو مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم توفي ورقة. وكان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ذهبا نحو الشام يلتمسان الدين، فأتيا على راهب، فسألاه، فقال: إن الذي تطلبان لم يجئ بعد، وهذا زمانه، وإن نبي هذا الدين يخرج من قبل تيماء. فرجعا، فقال ورقة: أما أنا فأقيم على نصرانيتي حتى يبعث هذا النبي، وقال زيد بن عمرو: أما أنا فأعبد رب هذا البيت حتى يبعث النبي. وكان زيد يأتي على بلال وهو يعذب في الله، فيقول: يا بلال، أحد أحد، والذي نفسي بيده، لئن قتلت لأتخذنك حناناً، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يبعث زيد أمة وحده، وكان زيد يأتي على الصبية وقد وئدت، فيستخرجها، فيسترضع لها حتى تشب. قال أبو ميسرة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداءً، فقد حسبت أن يكون هذا أمراً، فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر وليس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم، ذكرت خديجة حديثه له، وقالت: يا عتيق، اذهب مع محمد إلى ورقة. فلما دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أخذ أبو بكر بيده، فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك؟ فقال خديجة. فانطلقنا إليه، فقصا عليه، فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداءً خلفي: يا محمد يا محمد، فأنطلق هارباً في الأرض. فقال: لا تفعل إذا أتاك، فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني. فلما خلا ناداه: يا محمد، قل: بسم الله الرحمن الرحيم: " الحمد لله رب العالمين " حتى بلغ " ولا الضالين "، وقل: لا إله إلا الله. فأتى ورقة، فذكر ذلك له، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك. فلما توفي ورقة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير، لأنه آمن بي وصدقني، يعني ورقة. قال ابن عباس: ثم استعلن له جبريل وهو بأعلى مكة من قبل حراء، فوضع يده على رأسه وفؤاده وبين كتفيه، وقال: لا تخف، جبريل جبريل، فأجلسه معه على مجلس كريم جميل معجب، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أجلسني على بساط كهيئة الدرنوك فيه من الياقوت واللؤلؤ، فبشره برسالة الله ربه حتى اطمأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: اقرأ، قال: كيف أقرأ؟ قال: " اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم ".

فقبل الرسول رسالات ربه، وسأله أن يخفيها، واتبع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم. فلما قضي إليه الذي أمر به انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منقلباً إلى أهله، لا يأتي على حجر ولا شجر إلا سلمت عليه: سلام عليك يا رسول الله. فرجع إلى بيته، وهو موقن، قد فاز فوزاً عظيماً، فلما دخل على امرأته خديجة، قال: يا خديجة أرأيت ما كنت أراه في المنام، وأحدثك به فإنه قد استعلن لي، وإنه جبريل أرسله ربه، وأخبرها بالذي قال له وبالذي رأى وسمع، فقالت: أبشر، فوالله، لا يفعل الله بك إلا خيراً أبداً، اقبل الذي أتاك من الله فإنه حق، وأبشر رسول الله حقاً. ثم انطلقت إلى غلام لعتبة بن ربيعة يقال له: عداس، نصراني من أهل نينوى، فقالت: يا عداس، أذكرك الله إلا حدثتني هل عندك من جبريل علم؟ فلما ذكرت جبريل قال: قدوس قدوس ربنا، وما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل أوثان؟ قالت: أحب أن تحدثني بعلمك عنه. قال عداس: فإنه أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى. فرجعت خديجة فأتت عمها ورقة بن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عمرو بن نفيل. وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه الله من الدم والذبيحة على النصب وأبواب الظلم في الجاهلية، وتنصر ورقة، وقال لزيد قائم من الرهبان: إنك تلتمس ديناً ليس يوجد في الأرض اليوم، قال زيد: أي دين هو هذا الذي تزعم أنه غير موجود؟ قال دين الله دين إبراهيم. قال زيد: يا ورقة، أنا على دين إبراهيم، وأنا ساجد نحو هذه البنية التي بنى إبراهيم، فسجد نحو الكعبة في الجاهلية. ثم توفي زيد، وبقي ورقة بعد. وتعمدت خديجة إلى ورقة حين رجعت من عند عداس، فأخبرته ببعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقول عداس، فقال لها ورقة: والله، يا بنت أخي، ما أدري لعل صاحبك هو الرسول الذي ينتظر أهل الكتاب، الذي يجدونه مكتوباً عندهم، وأقسم بالله لئن كان

هو، ثم أظهر دعاءه، وأنا حي، لأبلين الله من نفسي في طاعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن مؤازرته، فمات ورقة على نصرانيته. وكانت خديجة قد ذكرت لورقة ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب يعني بحيرى، وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: إن كان هذا حقاً يا خديجة، إن محمداً لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه، فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول: حتى متى؟ وأنشد في ذلك شعراً، منها: من الطويل أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغور وبالنجدين حيث الصحاصح إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن من الأحمال قعص ذوابح يخبرنا عن كل حبر بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح وظني به أن سوف يبعث صادقاً ... كما أرسل العبدان هود وصالح وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنشور من الذكر واضح ويتبعه حيا لؤي جماعةً ... شبابهم والأشيبون الجحاجح فإن أبق حتى يدرك الناس دهره ... فإني به مستبشر الود فارح وإلا فإني يا خديجة فاعلمي ... عن أرضك في الأرض الفسيحة سائح ومما قال ورقة بن نوفل أيضاً: من الطويل

وإن يك حقاً يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيانا فأحمد مرسل وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من الله وحي يشرح الصدر منزل ومما قال في ذلك أيضاً: من البسيط يا للرجال لصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه الله من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لها بخفي الغيب من خبر جاءت لتسألني عنه لأخبرها ... أمراً أراه سيأتي الناس من أخر فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر فقلت عل الذي ترجين ينجره ... له الإله فرجي الخير وانتظري وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقاً عجباً ... يقف منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين الله واجهني ... في صورة أكملت من أعظم الصور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم ما حولي من الشجر فقلت ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف يبعث يتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلا من ولا كدر ومن حديث آخر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجاور في حراء من كل سنة، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث: التبرر، فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين. فإذا قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً، أو ما شاء الله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ ما أقول؟ " فضمني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أقرأ؟ ما أقول؟ ما أقول ذلك إلا ابتدأ منه أن يعود لمثل ما صنع "، فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " إلى " ما لم يعلم " فقرأتها كلها، ثم انتهى وانصرف عني وهببت من نومي كأنما كتبت في قلبي كتاباً، قال: ولم يك من خلق الله شيء أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما، قال: قلت: إن الأبعد - يعني نفسه - لشاعر أو مجنون، لاتحدثن عني قريش بهذا أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي فلأقتلنها، فلأستريحن. قال: فخرجت أريد ذلك حتى كنت في وسط الجبل سمعت صوتاً من السماء: يا محمد، أنت رسول الله، وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه حتى شغلني ذلك عما أردت، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف أمامي، ولا أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا مكة، ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك؛ ثم انصرف عني، وانصرفت راجعاً حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها. فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت؟ فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت أعيذك بالله يا أبا القاسم، ما كان الله ليصنع ذلك بك مع ما أعلم منك من صدق حديثك وعظم أمانتك وحسن خلقك وصلة رحمك، وما ذاك يا بن عم؟ لعلك رأيت شيئاً. قال: قلت لها: نعم، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا بن عم، واثبت فوالذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.

ثم قامت، فجمعت عليها ثيابها، وأتت ورقة بن نوفل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبرته بما قال ورقة، فسهل ذلك عنه بعض ما هو فيه. فلما مضى حواره وانصرف، صنع كما كان يصنع، وبدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة، فقال: يا بن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصراً يعلمه، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى منزله، وقد زاده ذلك من ورقة ثباتاً، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الغم. ومن حديث: أن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً على رأس خمس سنين من بناء الكعبة. فكان أول شيء اختصه الله به من النبوة والكرامة رؤيا كان يراها، فقص ذلك على زوجته خديجة، فقالت له: أبشر، فوالله، لا يفعل الله بك إلا خيراً. فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ترك كثيراً مما كانت عليه قريش تفعل بآلهتهم، وتنزه عنه. فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما بلغنا، والله أعلم - ذات يوم في حراء، كان خرج إليه فاراً كراهية أن يفعل بآلهتهم كما كانوا يفعلون، وقد خرجت قريش لتعظيم بعض آلهتهم، فبينما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حراء يتمشى إذ نزل عليه جبريل، فدنا منه، فخاغه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخافة شديدة، فوضع جبريل يده على صدره وبين كتفيه، فقال: اللهم احطط وزره، واشرح صدره، وطهر قلبه، يا محمد، أبشر، فإنك نبي هذه الأمة، اقرأ، قال له نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو خائف يرتعد: ما قرأت كتاباً قط، ولا أحسنه، وما أكتب، وما أقرأ، فأخذه

جبريل، فغته غتاً شديداً، فقال: اقرأ، فقال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أرى شيئاً أقرؤه، وما أقرأ وما أكتب، فقال له جبريل - وأجلسه على بساط كهيئة الدرنوك -: " اقرأ باسم ربك " إلى " ما لم يعلم " لا تخف يا محمد، فإنك رسول الله، ثم انصرف. وأقبل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ همه، فقال: كيف أصنع؟ وكيف أقول لقومي، ثم قام، وهو خائف. فأتاه جبريل من أمامه في صورة نفسه، فأبصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمراً عظيماً ملأ صدره، فقال له جبريل: لا تخف يا محمد، جبريل، جبريل رسول الله إلى أنبيائه ورسله، فأيقن بكرامة الله، فإنك رسول الله، ثم انصرف جبريل. وأقبل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راجعاً، فلما انتهى إلى خديجة أبصرت ما بوجهه من تغير لونه، فأفزعها ذلك، فجعلت - رضي الله عنها - تمسح عن وجهه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقول: يا بن عبد الله، لقد أصابك اليوم أمر أفزعك، يا بن عبد الله، لعله كبعض ما كنت ترى وتسمع قبل اليوم. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سمع الصوت مراراً، وأبصر الضوء، وسمع البشرى، فإذا سمع بذلك بأرض الفلاة أقبل مذعوراً، فقص ذلك على خديجة. فلما رأت خديجة أنه لا يحير إليها شيئاً أشفقت، فقالت: يا بن عبد الله، مالك لا تكلم؟ قال: يا خديجة أرأيت الذي كنت أخبرتك أني أرى في المنام، والصوت الذي كنت أسمع في البقظة، والصوت الذي كنت أهال منه؟ فإنه جبريل قد استعلن لي، وكلمني، وأقرأني كلاماً فزعت منه، ثم عاد إلي فبشرني، وأخبرني أنني نبي هذه الأمة، وأقبلت راجعاً، فمررت على شجر وحجارة وهن يسجدن لي، فقلن: السلام عليك يا رسول الله.

فقالت خديجة: أبشر، فوالله لقد كنت أعلم أن الله لن يفعل بك إلا خيراً، وأشهد أنك نبي هذه الأمة الذي تنتظره اليهود، قد أخبرني به قبل أن أتزوجك ناصح غلامي وبحيرى الراهب، وأمراني أن أتزوجك منذ أكثر من عشرين سنة. فلم تزل عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى طعم، وضحك، ثم خرجت إلى الراهب، وكان قريباً من مكة، فلما دنت منه، وعرفها قال لها: ما بالك يا سيدة نساء قريش؟ وكذلك كانت تسمى، فقالت: أقبلت إليك لتخبرني عن جبريل. قال الراهب: سبحان الله ربنا القدوس، ما بال جبريل تذكرينه يا سيدة نساء قريش في هذه الفلاة التي إنما يعبد أهلها الأوثان؟ قالت: أنشدك بنصرانيتك ومسيحك لتخبرني عنه بعلمك فيه. قال لها الراهب: يا سيدة نساء قريش، ذلك أمين الله ورسوله إلى أنبيائه ورسله الذي يرسله إليهم، وهو صاحب الرسل وصاحب موسى وعيسى بن مريم. قازدادت يقيناً، وعرفت أن الله قد أهدى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الكرامة. ثم أقبلت حتى أتت عبداً لعتبة بن ربيعة نصرانياً من أهل نينوى، يقال له عداس، قالت له: أذكرك الله يا عداس إلا حدثني عن جبريل بما تجد عندك في الكتب. فقال لها عداس: قدوس ربنا، وما شأن جبريل تذكرينه ياسيدة نساء قريش بهذه الفلاة التي إنما يعبد أهلها الأوثان؟ قالت: أنشدك الله بنصرانيتك إلا حدثتني عنه بعلمك. قال: قد ذكرتني بعظيم، فإن جبريل عبد الله ورسوله وأمينه الذي يبعثه إلى الرسل، وهو صاحب المرسلين كلهم، وهو الذي كان مع موسى بين يدي فرعون، وكان معه حين فلق البحر، وكان معه إذ كلمه ربه بطور سيناء، وكان معه في كل موطن من تلك المواطن كلها، وهو صاحب عيسى بن مريم الذي أيده به.

ثم قامت من عنده فأتت عماً لها شيخاً، يقال له ورقة بن نوفل نصرانياً، فقالت له: أذكرك الله يا بن عم، والرحم بيني وبينك، لما حدثتني عن جبريل ما هو. قال: قدوس ربنا الأعلى، مهلاً ياخديجة، لاتذكري جبريل، ولست من أهل ذكره. قالت: أذكرك الله يا بن عم، لما حدثتني عنه، فإني أرجو أن أكون قد كنت من أهل ذكره. قال: ما أنا بمخبرك عنه لما حدثتني ما أذكرك، فإنك في بلد لا يذكر فيه، ولا يدرون ما هو. قلت: فلا عليك إن ذكرتك لتكتمن علي، والصدق لي عماً أسألك عنه؟ فقال: نعم. قالت: فإن ابن عبد الله ذكر لي وهو صادق، أحلف بالله ما كذب ولا كذب أنه نزل عليه جبريل بحراء، وأنه أخبره أنه رسول هذه الأمة، وأقرأه آياتٍ أرسل الله بها إليه. فذعر ورقة وقال: إن كان جبريل قد استقرت قدماه اليوم على الأرض، لقد نزل على خير أهل الأرض، وما نزل إلا إلى نبي، وهو صاحب الأنبياء. قال: فأرسلني إلي ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله وأحدثه، فإني أخاف أن يكون غير جبريل، فإن بعض الشياطين يتشبه بغير صورته ليضل به بني آدم ويفسدهم حتى يصير الرجل بعد العقل مدلهاً مجنوناً، وأنا خائف على صاحبك أن يكون كذلك. فقامت وهي واثقة بالله ألا يفعل بصاحبها إلا خيراً، فرجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد نزل جبريل، فأنبأه بما تكلم به ورقة ومن تخيف الشياطين، فأنزل الله عز وجل: " ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون " إلى " بأيكم المفتون ": المجنون.

وقد كانت قريش إذا سمعوا بشأن محمد بما ذكر لهم الراهب وعداس قالوا: فلعله مجنون، وخاضوا في ذلك، فوافق ذلك قول ورقة بن نوفل، ففي ذلك أنزل الله عز وجل: " فستبصر ويبصرون بأيكم الفتون ". فلما رجعت خديجة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرته بالذي ذكر ورقة. فقال لها نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلا والذي اختصني بالنبوة ما بي جنون، وإنه لجبريل أتاني، فأخبرني بالذي خاضت فيه قريش وبقول ورقة، فأقرأ نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على خديجة هذه الآيات. فقالت: الحمد لله كثيراً، قد زادني هذا يقيناً مع ما كنت فيه من اليقين، ثم قالت له: أحب أن تلقى ورقة، فتخبره بهذه الآيات لعل الله يقبل بقلبه، فإنه رجل قد أعطي علماً، وهو يقرأ الكتب. فأتاه، فلما أبصره ورقة رأى له هيبة وكمالاً لم يكن يراه قبل ذلك. فقال له ورقة: يا بن أخي، حدثني: ما رأيت؟ وما قيل لك؟ فإني أرى لك هيبة لم أكن أراها، ولا أراك إلا صادقاً، فحدثني عن الذي أتاك، في نور أتاك أو في ظلمة؟ وصف لي صفته، فإنه نعت لي، ولن يخفى علي، أهو هو أو غيره، إن شاء الله. فأخبره نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصفة جبريل، وبما رأى من هيبة. فقال له ورقة: أشهد أن هذا جبريل، فحدثني ما قال لك؟ فأخبره كيف وضع يده على صدره وبين كتفيه؛ فازداد ورقة يقيناً، وأقرأ عليه الآيات التي أقرأه جبريل، وقرأ: " ن والقلم ". فقال له ورقة: أشهد أن هذا كلام الله، فهل أمرك بشيء تبلغه قومك؟ فقال له: لا.

فقال له ورقة: أمرك أمر نبوة، فإن أدرك زمانك أتبعك، أما والذي نفس ورقة بيده إن أعلنت ودعوت وأنا حي لأبلين لله في نصرتك من الصدق وحسن المودة، فأبشر يا بن عبد المطلب بما بشرك الله به. وفشا قول ورقة في قريش، فشق ذلك على قريش، وألقى الشيطان في قلوبهم أن قول هذا الرجل فساد لأمركم، وهلاك لدينكم، فكيف ترضونه وهو من فقرائكم وأصغركم؟ واحتبس جبريل على نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك ما شاء الله. فقالت قريش: ما نرى محمداً أحدث شيئاً بعد، ولو كان من الله لتتابع الحديث كما بلغنا أنه كان يفعل من كان قبله، فقد ودعه الذي كان يأتيه وقلاه. فأتاه جبريل عند ذلك، فقال: إن الله أنزل عليك يا محمد: " والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى " ففرغ من السورة كلها ومن " ألم نشرح لك صدرك "، فذكره نعمته عليه، ثم انصرف جبريل. وعن جابر قال: قيل: يا رسول الله، ورقة بن نوفل كان يستقبل الكعبة في الجاهلية ويقول: إلهي إله زيد، وديني دين زيد، ثم يسجد. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد رأيته على نهر في بطنان الجنة، عليه حلة من سندس، ورأيت خديجة على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب، لاسخب فيه ولانصب. وعن جابر قال: سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أبي طالب، هل نفعته نبوتك؟ نعم، أخرجته من غمرة جهنم إلى ضحضاح منها.

وسئل عن خديجة أنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن، فقال: أبصرتها في الجنة في بيت من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب. وسئل عن ورقة بن نوفل، فقال: أبصرته في بطنان الجنة، عليه السندس. وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل، فقال: يبعث أمةً وحده بيني وبين عيسى. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسبوا ورقة بن نوفل، فإني رأيت له جنة أو جنتين. وعن عائشة: أن خديجة سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ورقة بن نوفل، فقال: قد رأيته في المنام، فرأيت عليه ثياب بياضٍ، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه بياض. قال عروة: كان بلال لجارية من بني جمح بن عمرو، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله، فيقول: أحد، أحد، فيمر عليه ورقة بن نوفل، وهو على ذلك، فيقول: أحد، أحد، والله لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً، كأنه يقول: لأتمسحن به، وقال ورقة في ذلك: من البسيط لقد نصحت لأقوامٍ وقلت لهم ... أنا النذير فلا يغرركم أحد لا تعبدون إلهاً غير خالقكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد سبحان ذي العرش سبحاناً يعادله ... رب البرية فرد واحد صمد

سبحانه ثم سبحاناً نعوذ به ... وقبل سبحه الجودي والجمد مسخرٌ كل من تحت السماء له ... لا ينبغي أن يساوي ملكه أحد لاشيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد لم تغن عن هرمزٍ يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ دان الشعوب له ... الإنس والجن تجري بينها البرد وعن يحيى بن صيفي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من زلفت إليه يد فإن عليه من الحق ما يجزى بها، فإن لم يفعل فليظهر الثناء، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة، أما سمعت قول ورقة بن نوفل: من الكامل ارفع ضعيفك لا يحل بك ضعفه ... يوماً فتدركه العواقب قد نما يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت فقد جزى وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قال زيد بن عمرو: من الوافر عزلت الجن والجنان عني ... كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها ... ولا أطمي بني طسمٍ أدير

وريزة بن محمد بن وريزة

ولا غنماً أدين وكان رباً ... لنا في الدهر إذ حلمي صغير أرباً واحداً أم ألف ربٍّ ... أدين إذا تقسمت الأمور ألم تعلم بأن الله أفنى ... رجالاً كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قومٍ ... فيربو منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوماً ... كما يتروح الغصن المطير فقال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو: من الطويل رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حامياً بدينك رباً ليس ربٌ كمثله ... وتركك جنان الجبال كما هيا أقول إذا جاوزت أرضاً مخوفةً ... حنانيك لا تظهر علي الأعاديا حنانيك إن الجن كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا أدين لربٍّ يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر داعياً أقول إذا صليت في كل بيعةٍ ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا يقول: خلقت خلقاً كثيراً يدعون باسمك. وريزة بن محمد بن وريزة أبو هاشم الغساني الحمصي قدم دمشق. حدث عن مؤمل بن يهاب بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار.

وزير بن صبيح

أنشد وريزة لمحمد بن بكير من المنسرح يا ساعة القبر أين زواري ... إذا تفردت بين أحجاري يهجر ذكري ويحتمى وطني ... وتنقضي مدتي وآثاري يا سفر الموت أنت مرتقبٌ ... إليك أقضي وجوه أسفاري توفي وريزة بدمشق سنة إحدى وستين ومئتين. وزير بن صبيح أبو روح الثقفي من دمشق. حدث عن يونس بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من رزقه وأجله وعمله وأثره ومضجعه ". وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قول الله عز وجل: " كل يومٍ هو في شأن "، قال: " من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين ". وصبيح: بفتح الصاد وكسر الباء.

وزبر بن القاسم بن وزير

وزبر بن القاسم بن وزير أبو القاسم السلمي الجبيلي من أهل جبيل. حدث بجبيل عن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي بسنده إلى ركب المصري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طوبى لمن تواضع من غير منقصة، وذل في نفسه من غير مسكنة، وأنفق مالاً جمعه من غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ". وزير بن محمد بن الحكم أبو العباس حدث عن عمار بن مطر العنبري بسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال: سمع الله لمن حمده، في الركعة الآخرة في صلاة الغداة قال: " اللهم أنج المستضعفين من عبادك، اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين مثل سني يوسف، اللهم العن فلاناً وفلاناً - بأسمائهم - فأنزل الله تبارك وتعالى: " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ". توفي وزير بن محمد سنة خمس وستين ومئتين.

وزير بن مسافر الجرشي

وزير بن مسافر الجرشي دمشقي. أخبر عن جدته أم أبيه أنها سمعت أبا الدرداء يقول: تدفن في حواشي قبور المسلمين فإن ولدها لباقٍ وحسابها على الله عز وجل. قال أبو بكر: هذه النصرانية تموت حبلى من المسلم، ويجعل وجهها إلى دبر القبلة لأن الولد في بطن أمه يكون وجهه إلى ظهر أمه. وصيف بن عبد الله أبو علي الرومي الحافظ الأشروسي حدث عن أبي يعقوب بن إسحاق بن العنبر بسنده إلى ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن آتي البيت فأقبل أسفل الأسكفة، فقال: " قبل قدمي أمك فقد وفيت بنذرك ". وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن زياد بسنده إلى عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من الشعر حكمة ". وحدث عن سليمان بن سيف الحراني بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، قولوا: الثبات الثبات ولا قوة إلا بالله ". وحدث عن أبي بسر داود بن سليمان بسنده إلى أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار بذلك اليوم سبعين خريفاً ".

وضاح بن خيثمة

وضاح بن خيثمة قيل: إنه أحد أصحاب عمر بن عبد العزيز. قال وضاح: أمرني عمر بن عبد العزيز بإخراج من في السجن، فأخرجتهم إلا يزيد بن أبي مسلم، فنذر دمي، قال: فإني بإفريقية، قيل لي: قدم يزيد بن أبي مسلم، فهربت منه، فأرسل في طلبي، فأخذت، فأتي بي، فقال لي: وضاح، فكيف وضاح؟ قال: أما والله لطالما سألت الله أن يمكنني منك، قلت: وأنا والله لطالما استعذت بالله من شرك، قال: فوالله ما أعاذك، والله لأقتلنك ثم والله لأقتلنك، والله لو سابقني ملك الموت إلى قبض روحك لسبقته، السيف والنطع! قال: فجيء بالنطع، فأقعدت فيه، وكتفت، وقام قائم على رأسي بسيف مشهور، وأقيمت الصلاة، فخرج إلى الصلاة، فلما خر ساجداً أخذته سيوف الجند، فقتل، وجاءني رجل فقطع كتافي بسيفه، وقال: انطلق. الوضين بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع أبو كنانة الخزاعي، ويقال: أبو عبد الله أصله من بانياس، وسكن قرية كفر سوسية. حدث عن سالم عن أبيه: أنه كان يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة، ويخبر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك. وفي رواية: أنه كان يفصل بين شفعه ووتره من صلاة الليل بتسليمة، ويخبر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك بتسليمة.

وقاص بن ربيعة

وحدث عن محفوظ بن علقمة الحضرمي بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إنما العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ ". وحدث عن يزيد بن مرثد عن أبي رهم اسمه أحزاب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اصطيد صيد في بر ولا بحر إلا بتضييعه التسبيح ". الوضين دمشقي توفي سنة سبع وأربعين ومئة، وقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة نيف وخمسين. قال الوضين بن عطاء: استزارني أبو جعفر، وكانت بيني وبينه حالة قبل الخلافة، فصرت إلى مدينة السلام، فخلونا يوماً، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما مالك؟ قلت: الذي تعرف يا أمير المؤمنين، قال: وما عيالك؟ قلت: ثلاث بنات والمرأة وخادم لهم، فقال لي: أربع في بيتك؟ قلت: نعم، قال: فوالله لردد ذلك حتى ظننت أنه سيمونني، ثم رفع رأسه، فقال: أنت أيسر العرب، أربعة مغازل تدور في بيتك. وكان الوضين يرى القدر. وثقه قوم وضعفه آخرون. وقاص بن ربيعة أبو رشدين العبسي من دمشق، وقيل: من حمص.

وكيع بن الجراح بن مليح

حدث وقاص أن المستورد حدثهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن اكتسى برجل مسلم ثوباً فإن الله يكسوه مثله من نار جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام رياء وسمعة فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة ". حدث بقية عن محمد بن زياد قال: قعد وقاص بن ربيعة ورجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سماه، قال بقية: فتركت أن أسميه لأنها غيبة، فذكر النساء، قال وقاص بن ربيعة: إن امرأتي لمن أجمل النساء، وإني لأمكث الشهر والشهرين والثلاثة لا أقربها، ولأن أكون في بيت مع أسد يهارني وأهاره أحب إلي من أن تكون مكانها مرأة شابة ليس بيني وبينها محرم قال صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكني لا أقول ذلك، قال: فابتلي بيتيمة كانت في حجره، ثم تزوجها بعد. وكيع بن الجراح بن مليح ابن عدي بن فرس بن جمحة. وفي نسبه اختلاف أبو سفيان الرؤاسي الكوفي قدم دمشق. حدث وكيع عن جعفر بن برقان بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لقد هممت أن آمر بالصلاة، ثم آمر فتيتي، فيجمعوا حزم الحطب، ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة ". وحدث وكيع عن سعد بن أوس بسنده إلى شكل قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: " اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي ". وكان وكيع تقةً مأموناً عالياً رفيعاً كثير الحديث، حجة.

ولد وكيع سنة تسع وعشرين، وقيل: سنة ثمان وعشرين ومئة. قال وكيع: أتيت الأعمش، فقلت: حدثني، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: وكيع، قال: اسم نبيل ما أحسب إلا ستكون أديباً، أين تنزل من الكوفة؟ فقلت: في بني رؤاس، فقال: أين من منزل الجراح بن مليح؟ قلت: ذاك أبي، وكان على بيت المال، فقال: اذهب فجئني بعطائي وتعال حتى أحدثك بخمسة أحاديث. فجئت أبي فأخبرته، فقال: خذ نصف العطاء، واذهب به، فإذا حدثك بالخمسة فخذ النصف الآخر، واذهب به حتى تكون عشرة. قال: فأتيته بنصف عطائه فأخذه، فوضعه في كفه، ثم سكت، فقلت: حدثني، قال: اكتب، فأملى علي حديثين، قال: قلت: وعدتني خمسة، قال: فأين الدراهم كلها؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا، ولم يعلم أن الأعمش مدرب، قد شهد الوقائع، اذهب فجئني بتمامها، وتعال أحدثك بخمسة أحاديث، فجئته فحدثني بخمسة، فكان إذا كان كل شهر جئته بعطائه، فحدثني بخمسة أحاديث. قال عبد الرزاق: رأيت الثوري وابن عيينة ومعمراً ومالكاً، ورأيت ورأيت، فما رأت عيناي قط مثل وكيع. ذكر أحمد بن حنبل يوماً وكيعاً فقال: ما رات عيناي مثله قط، يحفظ الحديث جيداً، ويذاكر بالفقه فيحسن مع ورع واجتهاد، ولا يتكلم في أحد. قال علي بن خشرم: رأيت وكيعاً ما رأيت بيده كتاباً قط، إنما هو حفظ، فسألته عن أدوية للحفظ، فقال: إن علمتك الدواء استعملته؟ قلت: إي والله، قال: ترك المعاصي، ما جربت مثله للحفظ.

قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي أيهما أثبت عندك: وكيع أو يزيد؟ قال: ما منهما بحمد الله إلا ثبت، قلت: فأيهما أصلح عندك في الإيمان؟ فقال: ما منهما بحمد الله إلا مؤمن، ولكن وكيعاً لم يتلطخ بالسلطان، وما رأيت أحداً أوعى للعلم من وكيع، ولا أشبه بأهل النسك منه. قال مروان: ما رأيت فيمن لقيت أخشع من وكيع، ما وصف لي أحد قط إلا رأيته دون الصفة إلا وكيع، فإني رأيته فوق ما وصف لي. قدم رجل إلى شريك القاضي رجلاً، فادعى عليه مئة ألف دينار، فأقر به، فقال شريك: أما إنه لو أنكر لم أقبل عليه شهادة أحد بالكوفة إلا شهادة وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير. قال يحيى بن أكثم القاضي: صبحت وكيعاً في الحضر والسفر، فكان يصوم الدهر، ويختم القرآن كل ليلة. وحدث بعض من كان يلزمه قال: كان لا ينام حتى يقرأ جزأه في كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر، فيصلي الركعتين. حدث رجل من أهل بيت وكيع قال: أورثت وكيعاً أمه مئة ألف، وما قاسم وكيع ميراثاً قط. قال: وكان يؤتى بطعامه ولباسه، ولا يسأل عن شيء، ولا يطلب شيئاً، وكان لا يستعين بأحد، ولا على وضوء، كان إذا أراد ذلك قام هو. قال عبد الرحمن بن سفيان بن وكيع بن الجراح: حدثني أبي قال: كان أبي يصوم الدهر، فكان يبكر فيجلس لأصحاب الحديث إلى ارتفاع النهار، ثم

ينصرف فيقيل إلى وقت صلاة الظهر، ثم يخرج فيصلي الظهر، فيقصد طريق المشرعة التي كان يصعد منها أصحاب الروايا فيريحون نواضحهم، فيعلمهم من القرآن ما إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده، فيصلي العصر ويقرأ القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل إلى منزله، وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام، ثم يقدم إليه عشرة أرطال نبيذ، فيشرب منها ما طاب له على طعامه، ثم يجعلها بين يديه، ثم يقوم فيصلي ورده من الليل، فكلما صلى ركعتين أو أكثر من شفع أو وتر شرب منها حتى ينفذها، ثم ينام. قال إسحاق بن البهلول: قدم علينا وكيع بن الجراح، فنزل في مسجد على الفرات، فكنت أصير إليه لاستماع الحديث منه، فطلب مني نبيذاً، فجئته بمخيشته ليلاً، فأقبلت أقرأ عليه الحديث وهو يشرب، فلما نفذ ما جئت به طفأ السراج، فقلت: ما هذا؟ فقال: لو زدتنا زدناك. قال يحيى بن معين: سمعت رجلاً سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان شربت البارحة نبيذاً، فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلاً يقول لك: شربت خمراً. فقال وكيع: ذلك الشيطان. قال نعيم بن حماد: تعشينا عند وكيع أو قال: تغذينا، فقال: أي شيء تريدون أجيئكم به، نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان؟ قال: قلت: تكلم بهذا، قال: هو عندي أحل من ماء الفرات. قلت له: ماء الفرات لم يختلف فيه، وقد اختلف في هذا.

قدم وكيع مكة حاجاً، فرآه بن عياض، وكان وكيع سميناً. فقال الفضيل: ما هذا السمن وأنت راهب العراق؟ فقال له وكيع: هذا من فرحي بالإسلام. فأفحمه. قال سلم بن جنادة: جالست وكيع بن الجراح سبع سنين، فما رأيته بزق، ولا رأيته مس حصاة بيده، ولا رأيته جلس مجلسه فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله. أغلظ رجل لوكيع بن الجراح، فدخل وكيع بيتاً، فعفر وجهه في التراب، ثم خرج إلى الرجل، فقال: زد وكيعاً بدينه، فلولاه ما سلطت عليه. قال بعض المشايخ: سألت وكيعاً عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على الرشيد هارون، فقال لي: ما سألني عن هذا أحد قبلك: قدمنا، فأقعدنا بين السريرين، فكان أول من دعا به أنا، فقال: يا وكيع، إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً، وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وصالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ كبير، وإحدى عيني ذاهبة، والأخرى ضعيفة. فقال هارون: اللهم غفراً، خذ عهدك أيها الرجل وامض. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت صادقاً إنه لينبغي أن تقبل مني، وإن كنت كاذباً فما ينبغي أن تولي القضاء كذاباً. فقال: اخرج، فخرجت. ودخل ابن إدريس، وكان هارون قد وسم له من ابن إدريس وسم، يعني خشونة جانبه. فدخل فسمعنا صوت ركبتيه على الأرض حين برك، وما سمعناه يسلم إلا سلاماً خفياً، فقال له هارون: أتدري، لم دعوتك؟ قال: لا، قال: إن أهل بلدك طلبوا مني قاضياً وسموك لي فيمن سموا، وقد رأيت أن أشركك في أمانتي، وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة، فخذ عهدك وامض. فقال له ابن إدريس: ليس أصلح للقضاء؛ فنكت هارون بأصبعه، وقال له: وددت أني لم أكن رأيتك. قال له

ابن إدريس: وأنا وددت أني لم أكن رأيتك، فخرج. ثم دخل حفص بن غياث، فقال له كما قال لنا؛ فقبل عهده، وخرج. فأتانا خادم معه ثلاثة أكياس، في كل كيس خمسة آلاف دينار، فقال: أمير المؤمنين يقرئكم السلام، ويقول لكم: قد لزمتكم في شخوصكم مؤنة، فاستعينوا بهذه في سفركم. فقال وكيع: أقر أمير المؤمنين السلام، وقل له: قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين، وأنا عنهما مستغن، وفي رعية أمير المؤمنين من هو أحوج إليها مني، فإن رأى أمير المؤمنين أن يصرفها إلى من أحب. وأما ابن إدريس فصاح به: مر من ها هنا. وقبلها حفص. وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا: عافانا الله وإياك، سألناك أن تدخل في أعمالنا، فلم تفعل، ووصلناك من أموالنا، فلم تقبل، فإذا جاءك ابني المأمون فحدثه - إن شاء الله -. فقال للرسول: إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه - إن شاء الله -. ثم مضينا، فلما صرنا إلى الياسرية حضرت الصلاة، فنزلنا نتوضأ للصلاة. قال وكيع: فنظرت إلى شرطي محموم قائم في الشمس، عليه سوادة، فطرحت كسائي عليه، وقلت: تدفأ إلى أن أتوضأ. فجاء ابن إدريس فاستلبه، ثم قال لي: رحمته!؟ لا رحمك الله في الدنيا، أحد يرحم مثل ذا؟! ثم التفت إلى حفص، فقال له: يا حفص، قد علمت حين دخلت إلى سوق

أسد، فخضبت لحيتك، ودخلت الحمام أنك ستلي القضاء، لا والله، لا كلمتك حتى تموت! قال: فما كلمه حتى مات. جاء رجل إلى وكيع بن الجراح فقال له: إني أمت إليك بحرمة، قال: وما حرمتك؟ قال: كنت تكتب من محبرتي في مجلس الأعمش. قال: فوثب وكيع، فدخل منزله؛ فأخرج له صرة فيها دنانير، وقال: اعذرني فإني ما أملك غيرها. وكان وكيع لا يغضب بواحدة، فإذا غضب سكن غضبه بالتؤدة والوقار. وكان وكيع إذا أتى مسجد الجامع يوم الجمعة في يوم مطير كان يخرج ونعلاه في يده، يخوض في الطين، ثم يدخل فيصلي. فقيل له: كان يغسل قدميه؟ قال: لا. وكان لا يصحبه أحد إلى المسجد، فإن سأله أحد في الطريق كان لا يزيد على أن يقول: في الطريق؟! في الطريق؟! على التؤدة. قال وكيع: لو علمت أن الصلاة أفضل من الحديث ما حدثتكم. قيل لابن معين: قوم يقدمون عبد الرحمن بن مهدي على وكيع، فقال ابن معين: من قدم عبد الرحمن على وكيع فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. قال يعقوب بن سفيان: كان غير هذا أشبه بكلام أهل العلم، ومن يحاسب نفسه، وعلم أن كلامه من عمله لم يقل مثل هذا، وكيع خير فاضل حافظ.

وسئل أحمد بن حنبل: إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن بن مهدي بقول من نأخذ؟ فقال: عبد الرحمن يوافق أكثر، وخاصة في سفيان، - وكان معنياً بحديث سفيان -، وعبد الرحمن يسلم عليه السلف، ويجتنب شرب المسكر، وكان لا يرى أن يزرع في أرض الفرات. قال علي بن عثمان بن نفيل: قلت لأحمد بن حنبل: إن فلاناً كان يقع في وكيع وعيسى بن يونس وابن المبارك. فقال: من كذب أهل الصدق فهو الكذاب. قال يحيى بن معين: رأيت عند مروان بن معاوية لوحاً فيه أسماء شيوخ: فلان رافضي، وفلان كذا، وفلان كذا، ووكيع رافضي. قال يحيى: فقلت له: وكيع خير منك، قال: مني؟ قلت: نعم، قال: فما قال لي شيئاً، ولو قال لي شيئاً لوثب أصحاب الحديث عليه. قال: فبلغ ذلك وكيعاً، فقال: يحيى صاحبنا، قال: فكان بعد ذلك يعرف لي ويوجب. وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه، ولا يقوم أحد من مجلسه، ولا يبرى فيه قلم، ولا يبتسم أحد، فإن تحدث أو برى صاح ونهى عنه، وكذا كان يكون ابن نمير، وكان يغضب ويصيح، وإذا رأى من يبري قلماً تغير وجهه غضباً. وكان وكيع يكونون في مجلسه كأنهم في صلاة، فإن أنكر من أمرهم شيئاً انتعل ودخل. قال أحمد بن حنبل: أخطأ وكيع بن الجراح في خمس مئة حديث. قال علي بن المديني: كان وكيع يلحن، ولو حدثت عنه بألفاظه لكانت عجباً. كان يقول: حدثنا مسعر عن عيسة.

قال وكيع: من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن القرآن محدث ومن زعم أن القرآن محدث فقد كفر. قال وكيع: العاقل من عقل عن الله أمره، ليس من عقل تدبير دنياه. حدث وكيع عن ابن أبي خالد عن البهي: أن أبا بكر جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته، فأكب عليه، فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، ما أطيب حياتك، وما أطيب ميتتك. قال البهي: وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك يوماً وليلة حتى ربا بطنه. وانثنت خنصره. ولما حدث وكيع بهذا الحديث بمكة اجتمعت قريش، وأرادوا صلبه، ونصبوا خشبة ليصلبوه، فجاء سفيان بن عيينة، فقال: الله، الله، هذا فقيه أهل العراق، وابن فقيهه، وهذا حديث معروف. ثم قال ابن عيينة: لم أكن سمعت هذا الحديث إلا أني أردت تخليصه. قال علي: وسمعت هذا الحديث من وكيع بعد ما أرادوا صلبه، فتعجبت من جسارته. قال علي: وأخبرت عن وكيع أنه احتج، فقال: إن عدة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يمت، فأحب الله أن يريهم آية الموت، منهم عمر بن الخطاب. قال قتيبة: حدث وكيع بهذا الحديث في مكة سنة حج فيها الرشيد فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي رواد. فأما عبد المجيد فقال: يجب أن يقتل هذا، فإنه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فسأل الرشيد سفيان بن عيينة، فقال: لا يجب عليه القتل، رجل سمع حديثاً؛ فرواه، لا يجب عليه القتل. المدينة أرض شديدة الحر، توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين فترك

إلى ليلة الأربعاء، لأن القوم كانوا في صلاح أمر أمة محمد، واختلفت قريش والأنصار، فمن ذلك تغير. قال قتيبة: فكان وكيع إذا ذكر له فعل عبد المجيد، قال: ذلك رجل جاهل، سمع حديثاً لم يعرف وجهه، فتكلم بما تكلم. وفي حديث آخر بمعناه: أنه لما حدث بهذا رفع أمره إلى العثماني، ودخل إليه سفيان، فكلمه فيه، فأبى العثماني إلا قتله. فقال له سفيان: إني لك ناصح، إن هذا من أهل العلم، وله عشيرة، وإن أقدمت عليه أقل ما يكون أن تقوم عليك عشيرته وولده بباب أمير المؤمنين، فيشخص لمناظرتهم. فعمل فيه كلام سفيان؛ وأطلقه. قال الحارث بن صديق: فدخلت على العثماني، فقلت: الحمد لله الذي لم تقتل بهذا الرجل، وسلمك الله. فقال: يا حارث ما ندمت على شيء ندامتي على. خطر ببالي هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله حولت أبي والشهداء بعد أربعين سنة، فوجدناهم رطاباً ينثنون، لم يتغير منهم شيء. قال سعيد بن منصور: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع وابن عيينة والعثماني. وقالوا: إذا قدم المدينة فلا تتكلوا على الوالي، وأرجموه بالحجارة حتى تقتلوه. فعزموا على ذلك. فقدم بريد على وكيع ألا يأتي المدينة، ويمضي من طريق الربذة. وكان جاوز مفرق الطريقين إلى المدينة، فلما أتاه البريد رجع إلى الربذة، ومضى إلى الكوفة.

الوليد بن أحمد بن محمد بن الوليد

قال مليح بن وكيع: لما نزل بأبي الموت أخرج إلي يديه، فقال: يا بني ترى يدي ما ضربت بهما شيئاً قط. قال مليح: وحدثني داود بن يحيى بن يمان قال: رأيت رسول الله صلى عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله، من الأبدال؟ قال: الذين لا يضربون بأيديهم شيئاً، وإن وكيع بن الجراح منهم. قال علي بن عثام: مرض وكيع: فدخلنا عليه نعوده، فقال: إن سفيان الثوري أتاني، فبشرني بجواره، فإني مبادر إليه. توفي وكيع سنة ثمان وتسعين ومئة، وقيل: سنة ست وتسعين ومئة مصدره من الحج بفيد، وقيل: سنة سبع وتسعين ومئة، وهو ابن ست وستين. قال سلمة بن عفار: رأيت وكيعاً في المنام، فقلت: ما صنع بك ربك؟ قال: الجنة، قلت: بأي شيء يا أبا سفيان؟ قال: بالعلم. الوليد بن أحمد بن محمد بن الوليد أبو العباس الزوزني الواعظ حدث عن عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بسنده إلى أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يدخل بيتاً قمنا له. وحدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده إلى أم سلمة: أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: نعم، إذا خمر الدرع القدمين.

الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد

توفي الوليد سنة ست وسبعين وثلاث مئة. وقيل: سنة خمس وسبعين. الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد أبو العباس الأندلسي الغمري من أهل سرقسطة. حدث عن أبي الحسن علي بن أحمد بن زكريا بن الخصيب بسنده إلى ثوبان، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة، قيل: وما خرفة الجنة؟ قال: جناها والغمري: بالغين المعجمة. توفي الوليد بالدينور سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة. الوليد بن جميل بن قيس أبو الحجاج القرشي، وقيل: الكندي، وقيل: الكناني حدث عن القاسم عن أبي أمامة قال: ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلان، أحدهما عالم والآخر عابد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله وملائكته وأهل أرضيه يصلون على معلم الناس الخير. وفي حديث آخر: إن أهل السماء والأرض حتى الحوت في البحر يستغفرون لطالب العلم.

الوليد بن الحارث السيكسكي

وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله أن منحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله ". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة ". وبه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن صلاتين وعن صيامين وعن نكاحين وعن لباسين وعن بيعتين، وفسر ذلك. الوليد بن الحارث السيكسكي حدث عن منبه بن عثمان بسنده إلى أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله وتكفير للسيئات ومنهاة للإثم ومطردة للأذى عن الجسد. ومن هذه الترجمة وترجمة وكيع بن الجراح قال العباس بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت وكيعاً يقول كثيراً: وأي يوم لنا من الموت؟! قال يحيى: ورأيت وكيعاً أخذ في كتاب الزهد يقرؤه، فلما بلغ حديثاً منه ترك الكتاب، ثم قام فلم يحدث. فلما كان الغد، وأخذ فيه، بلغ ذلك الحديث قام أيضاً ولم يحدث، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام.

الوليد بن حماد بن جابر

قلت ليحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعض جسدي، فقال: كن كأنك غريب في الدنيا أو عابر سبيل، واعدد نفسك من أهل القبور. قال مجاهد: قال لي عبد الله بن عمر: يا مجاهد، إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، خذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً. الوليد بن حماد بن جابر أبو العباس الرملي الزيات حدث عن عبد الرحمن الحلبي بسنده إلى أنس بن مالك قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أنس، خذ الإداوة فاستعذب لنا من ماء العقيق، قال: فأخذت الإداوة، ثم استعذبت له الماء، فلحقته عند مسجد بني سالم ومعه علي، فسمعته يقول لعلي: يا علي، ما من أهل بيت كانوا في حصرة إلا سيتبعهم بعد ذلك عزة، يا علي، كل نعيم يزول إلا نعيم الجنة، وكل هم قد انقطع إلا هم أهل النار، يا علي، عليك بالصدق وإن ضرك في العاجل كان فرجاً لك في الآجل. قال: إذ نظر إلى أبي بكر وعمر يأتيان من قبل قباء، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سابقان، سابقان بالخير، حبهما إيمان، وبغضهما نفاق، أحبهما يا علي، قال: نعم، يا رسول الله، إني أحبهما، وقد والله ازددت لهما حباً، قال: أجل، فأحبهما، فإن حبهما إيمان، وبغضهما نفاق. وحدث عن سليمان بن عبد الرحمن بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " اللهم توفني إليك فقيراً، ولا تتوفني غنياً، واحشرني في زمرة المساكين يوم

الوليد بن حنيفة

القيامة؛ فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة ". وذكر في هذه الترجمة حديثاً رواه أبو محمد عبد الله بن الفضل بن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده إلى قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزل الله جبريل في أحسن ما كان يأتيني في صورة، فقال: إن الله يقرئك السلام يا محمد، ويقول لك: إني أوحيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيعي وتشددي على أوليائي كي يحبوا لقائي، فإني خلقتها سجناً لأوليائي، وجنة لأعدائي ". الوليد بن حنيفة أبو خزانة التميمي من بني ربيعة بن حنظلة. شاعر معروف من بادية البصرة. قال لقيط: قيل لأبي خزانة: لو أتيت يزيد بن معاوية لفرض لك وشرفك، وألحقك بعلية قومك، فلست دونهم. وكان أبو حزانة يومئذ غلاماً حدثاً، وكان معاوية حياً، ويزيد يومئذ أمير. فلما أكثر قومه عليه في ذلك، وفي قولهم: إنك تشرف بمصيرك إليه، قال: " من الطويل " يشرفني سيفي وقلب مجانب ... لكل لئيم باخل ومعلج

وكري على الأبطال طرفاً كأنه ... ظليم وضربي فوق رأس المدجج الأبيات. فلما أكثر قومه عليه، وعنفوه في تأخره أتى يزيد بن معاوية، فأقام ببابه شهراً، فلم يصل إليه، فرجع، وقال: والله لا يراني ما حملت عيني الماء إلا أسيراً أو قتيلاً، وأنشأ يقول: " من الطويل " فوالله لا آتي يزيد ولو حوت ... أنامله ما بين شرق إلى غرب لأن يزيداً غير الله ما به ... جموح إلى السوء مصر على الذنب فقل لبني حرب تقوا الله وحده ... ولا تسعدوه في البطالة واللعب ولا تأمنوا التغيير إن دام فعله ... ولم ينهه عن ذاك شيخ بني حرب أيشربها صرفاً إذا الليل جنة ... معتقة كالمسك تختال في القلب ويلحى عليها شاربيها وقلبه ... يهيم بها إن غاب يوماً عن الشرب وأبو حزانة بالنون: هو الوليد بن حنيفة. كان لأبي حزانة جارية، يقال لها بشاشة، وكان بها معجباً، فاضطر إلى بيعها؛ فاشتراها منه عمر بن عبيد الله بن معمر بمال كثير، فلما دفع المال إليه، وقبضها ذهبت لتدخل، فتعلق بها أبو حزانة، وأنشأ يقول: " من الطويل " تذكر من بشاشة اليوم حاجة ... أتت كمداً من حاجة المتذكر ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري أبوء بحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلباً طويل التفكر عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فقال ابن معمر: فقد شئنا، هي لك وثمنها، خذ بيدها. لما مات طلحة بن عبد الله طلحة الطلحات وهو على سجستان ولى

عبد الملك بن مروان مكانه رجلاً من قريش دميماً قصيراً، وكان طلحة جميلاً جسيماً أبيض، فقال أبو حزانة التميمي: " من الرجز " قد علم الجند غداة استعبروا ... والقبر بين الطيبين يحفر أن لن يروا مثلك حتى يحشروا ... هيهات هيهات الجناب الأخضر والنائل الغمر الذي لا ينزر ... يا طلح يا ليتك عنا تخبر أنا أتانا خزز مؤزر ... شبرين للشابر حين يشبر أنكره سريرنا والمنبر ... وقصرنا والمسجد المطهر وخلف يا طلح منك أعور قال أبو حزانة ليزيد بن المهلب: كيف أصبحت، أصلح الله الأمير؟ قال: كما تحب يا أبا حزانة، قال: لو كنت كذلك كنت قائماً مثلي، وكنت أنا قاعداً في مقعدك، وكان قميص ابني المرقوع على ابنك، والتومتان اللتان في أذن ابنك على ابني. قال يزيد: فالحمد لله الذي جعلك كذا وجعلني كذا. فقال: إلا أنني في ضيق أنتظر سعة، وأنت في سعة تنتظر ضيقاً. قدم على أبي حزانة ابن عمر الأعرابي، فدعا بغدائه، فقام الأعرابي للخلاء، فصعد سطحاً، فرأى كوة في وسط السطح، فظن أنها مخرج، فجلس، فقضى حاجته على مائدة القوم. فأمر بها أبو حزانة فرفعت، ونزل الأعرابي، فقال: أين غداؤكم؟ قال له أبو حزانة: أفسده علينا عشاؤك.

الوليد بن سريع المخزومي الكوفي

الوليد بن سريع المخزومي الكوفي مولى عمرو بن حريث وفد على سليمان بن عبد الملك. حدث عن عمرو بن حريث قال: صليت خلف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، فسمعته يقرأ: " فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس " قال: وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً. قال الوليد بن سريع: بعثني الجراح بن عبد الله، وكان خليفة يزيد بن المهلب على العراق، فبعثني إلى سليمان بن عبد الملك. وكان سليمان يسأل عن الأخبار والأمطار، وكنت لا أرتق بين كلمتين، وكانت الرسل إذ ذاك إنما بريدها الإبل، وكان الطريق على السماوة سماوة كلب. فمررت على أعرابي مشتمل بكسائه، فقلت له: هل لك في درهمين؟ قال: فكيف لي بهما؟ فناولته إياهما، وقلت: كيف أقول إذا سئلت عن المطر؟ قال: أي مطر؟ قلت: مطرنا هذا. قال: تقول: أصابنا أحسن مطر، عقد منه الثرى، واستأصل العود، وفاضت منه الغدر، على أني لم أر في ذلك وادياً دارئاً. قال: قلت: أملها علي، فكتبتها، وحفظتها

فلما أتيت باب سليمان أذن لي، وكان يؤذن لرسول صاحب العراق قبل الناس. فلما دخلت استبطأت أن يسألني عن المطر حتى سألني، فقلت له الكلام. فقال: أعد، فأعدت، فقال: إنه ليخيل إلى أمير المؤمنين أنك لست بأبي عذر هذا الكلام. قلت: أجل، والله، يا أمير المؤمنين، ما أنا بأبي عذره، ولكني كنت لا أرتق بين كلمتين، وبلغني أن أمير المؤمنين يسأل عن الأخبار والأمطار. وحدثته حديث الكلبي. فقال: قاتله الله، وقعت على ابن بجدتها، وفضلني في الجائزة والكسوة على الرسل. اختصم الوليد بن سريع وأخته كلثم إلى عبد الملك بن عمير قاضي الكوفة، فتوجه للقضاء على الوليد، فحكم عليه عبد الملك، فقال هذيل: " من الطويل " أتاه وليد بالشهود يقودهم ... على ما أدعى من صامت المال والخول يسوق إليه كلثماً وكلامها ... شفاء من الداء المخامر والخبل فأدلى وليد عند ذاك بحجة ... وكان وليد ذا كراء وذا جدل وكان لها دل وعين كحيلة ... فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل فأفتنت القطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في الحشر والطول إذا ذات دل كلمته لحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

الوليد بن سريع المحاربي

ومر بعينيه ولاك لسانه ... ورا كل شيء ما خلا شخصها جلل فلو أن من في القصر يعلم علمه ... لما استعمل القبطي فينا على عمل له حين يقضي للنساء تخاوص ... وكان وما منه التخاوص والحول فقال عبد الملك: والله إن التنحنح ليأخذني ولياً في الخلاء فإرده. وقيل لعبد الملك: القبطي: لأن بعض أمهاته كانت قبطية؛ فنسب إليها وقيل: إنما قيل له القبطي؛ لأنه كان له فرس يدعى القبطي؛ فغلب عليه. ووقف رجل لعبد الملك بن عمير القبطي، فقال له: أين عبد الملك بن عمير القبطي؟ فقال له: إن كنت تريد عبد الملك بن عمير اللخمي فهو أنا، وإن كنت تريد القبطي فها هو ذا واقف على آريه، يعني الفرس. الوليد بن سريع المحاربي روى عن سليمان بن حبيب بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار والبئر جبار، وفي الركاز الخمس " وإن ناقة لآل البراء بن عازب أفسدت على قوم حوائطهم، فتقاضوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل الحوائط حفظ حوائطهم بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل.

الوليد بن سليمان بن أبي السائب

الوليد بن سليمان بن أبي السائب أبو العباس القرشي مولاهم حدث عن علي بن يزيد بسنده إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ستكون فتن، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً إلا من أحياه الله بالعلم ". وحدث عن ربيعة بن يزيد بسنده إلى عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم وانتجى عثمان، فقال: " إن الله مقمصك بعدي قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ". وحدث عن أبي الأشعث الصنعاني قال: سمعت عبد الله بن عمرو يرويه، قال هشام: وجده يرويه قال: من قرض بيت شعر بعد العشاء لم تقبل له صلاة حتى يصبح. وروى في هذه الترجمة حديثاً عن ابن أبي السائب، يعني عبد العزيز عن أبيه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، أبايعك على أن أدخل الجنة؟ فقال: نعم، فمد يده، فبايعته، فما رأيت بناناً قط أشد بياضاً ولا ألين من كف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عبد العزيز بن الوليد قال: نهاني أبي ألا أجلس الخادم معي على المائدة، وكان إذا قامت في حاجة أمسك يده، ولا يأكل حتى تجيء الخادم. الوليد بن سليمان بن عبد الصمد بن ثابت أبو محمد الطائي الحمصي حدث عن أبي بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بسنده إلى عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية ويثيب عليها.

الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس

الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس أبو همام بن أبي بدر بن أبي همام السكوني البغدادي حدث عن أبيه بسنده إلى جابر بن سمرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني فرطكم على الحوض وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم ". وحدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي هريرة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: متى وجبت لك النبوة؟ قال: " بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ". وحدث عن عبد الله بن وهب بسنده إلى عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر، وفيما سقي بالنواضح نصف العشر. زاد في رواية: أو كان عثرياً العشر. توفي الوليد بن شجاع سنة ثلاث وأربعين ومئتين. وقيل: سنة اثنتين وأربعين. قال أبو يحيى مستملي أبي همام: رأيت أبا همام في المنام على رأسه قناديل معلقة، فقلت: يا أبا هما، بماذا نلت هذه القناديل؟ قال: هذا بحديث الحوض، وهذا بحديث الشفاعة، وهذا بحديث كذا وهذا بحديث كذا.

الوليد بن صالح الدمشقي

الوليد بن صالح الدمشقي حدث عن الوليد بن الوليد بسنده إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من مولود إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن ". الوليد بن صبح قال: صليت مع عمر بن عبد العزيز صلاة الصبح بدير سمعان، فلما سلم خرجت أتعثر بثوبي من إغلاسها. قال: ما أظن الوليد أدرك عمر بن عبد العزيز. الوليد بن أبي عائشة الرقي قدم على عمر بن عبد العزيز متظلماً في مال، فثبتت عنده البينة، وكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بدفعه إليه، فقال له: أقم، وأراجع أمير المؤمنين. قال: فأقمت أياماً، ثم أتيت خناصرة فإذا جنازة، فقلت: أصلي على هذه الجنازة، وأستريح ليلتي، ثم أغدو. قال: فجاء عمر، فصلى عليها، ثم قعد، وقعد عن يمينة رجل وعن شماله رجل، وقعدت ناحية ممسك رأس دابتي. قال: فأمطرت السماء: فجلل صاحبيه بطيلسانه، ثم نظر إلي فقال: كأن عليك

الوليد بن العباس

أثر السفر؟ قلت: نعم، قال: وممن أنت؟ قلت: من الكوفة، كتب لي أمير المؤمنين إلى عبد الحميد في مظلمة. قال: فعرفته فقمت إليه، فقال لي: أنى به؟ وقال لي: أقم حتى أراجع أمير المؤمنين، قال: وفعل؟ قلت: نعم. قال: ادعوا لي كاتباً، فجاء، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الحميد، أما بعد: فإن كنت غررتني بكسائك المرفوع وعمامتك الحرقانية ففعل الله لك وفعل، إني أكتب إليك في الشيء، فتراجعني فيه، حتى لو كتبت إليك في شاة لكتبت إلي: أعفراء هي أو سوداء؟ كأنك قد أمنت المنايا بيني وبينك، فإذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى الرجل ماله، فإن بدا لك أن تراجعني فراجعني. فلولا أني قلت: أستريح، وأريح دابتي لرجعت لحاجتي، ولم أدخل. الوليد بن العباس أظنه دمشقياً. روى عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة. الوليد بن عبد الرحمن بن هانئ وهو أبو مالك أبو العباس الهمداني أخو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك قاضي عمر بن عبد العزيز على نواحي دمشق.

الوليد بن عبد الرحمن الجرشي

حدث الوليد أن أبا إدريس الخولاني حدثهم أن النواس بن سمعان حدثهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من قلب رجل إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقيمه إن شاء ويرفعه إن شاء، والميزان بيد الرحمن، يرفع أقواماً، ويضع آخرين إلى يوم القيامة. وحدث عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجير على المسلمين بعضهم. وحدث الوليد عن أبي عبيد الله عن أبي الدرداء قال: لا وتر وراء عمود والإمام في الصلاة. توفي الوليد سنة خمس وعشرين، أو ست وعشرين، أو سبع وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. الوليد بن عبد الرحمن الجرشي حدث عن جبير بن نفير الحضرمي عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا نحواً من ثلث الليل، فلما كانت الليلة السادسة لم يقم بنا، ثم قام بنا ليلة خمس وعشرين حتى ذهب نحو من شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا قيام بقية ليلتنا هذه، فقال: إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف حسبت له بقية قيام ليلته. قال: فلما بقي أربع لم يقم بنا، فلما بقي ثلاث من الشهر أرسل إلى نسائه وأهله، فقام بنا حتى حسبنا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح.؟ قال السحور، قال: ثم لم يقم بنا بقية الشهر. والجرشي: بضم الجيم، وفتح الراء، وكسر الشين المعجمة. كلم رجل الوليد بن عبد الرحمن في حاجة وهو على الغوطة من قبل هشام بن عبد الملك، فقال: قد حلفت على مثل هذه الحاجة.

الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم

فقال له الرجل: إن لم تكن حلفت بيمين قط إلا بررتها؛ فما أحب أن أكون أول من أحنثك، وإن كنت ربما حلفت باليمين، فرأيت غيرها خيراً منها فكفرتها، فلست أحب أن أكون أهون إخوانك عليها. فقال: سحرتني، وقضى حاجته. الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو العباس الأموي بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه سنة ست وثمانين، ومولده سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين قال الزهري: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر أن يقطع يد رجل ضرب آخر بالسيف، قال: فقطع عمر لتلك، وكانت من ذنوبه التي كان يستغفر الله منها. وأم الوليد ولادة بنت العباس بن جزي بن الحارث بن زهير العبسية. كانت أم الوليد عبسية، وأم مصعب بن الزبير كلبية، فقال رجل من عبس: " من المتقارب " فليت لنا مصعباً بالوليد ... وعبد العزيز بيحي بديلاً أنحن قعدنا بأبنائنا ... أم القوم أنجب منا فحولاً

وكان الوليد أكبر أولاد عبد الملك، وكان أبوه وأمه يترفانه، فشب بلا أدب، وكان ذميماً، وإذا مشى توذف يعني بتختر، وكان شائل الأنف فقال فيه: " من المتقارب " فقدت الوليد وأنفاً له ... كنثل الفصيل أبى أن يبولا فلما ولي الخلافة دخل عليه أعرابي، فمت بصهر بينه وبين بعض قرابته، فقال: من حتنك؟ فوجم الأعرابي وقال: بعض هذه الأطباء. فقال سليمان: إنما يريد أمير المؤمنين: من ختنك؟ فقال الأعرابي: نعم، فلان. وكان الوليد طويلاً أسمر جميلاً، فيه فطس، في وجهه أثر جدري خفي، بمقدم لحيته شيب ليس في لحيته ورأسه غيره. قال روح بن زنباع: دخلت على عبد الملك بن مروان وهو مهموم؛ فقلت: ما هذه الكآبة التي بأمير المؤمنين - لا يسوءه الله ولا يخزيه -؟ قال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب؛ فلم أجد، قال: قلت: فأين أنت عن الوليد؟ قال: إنه لا يحسن النحو؛ فقال لي: رح إلي العشية، فإني سأظهر كآبة، فسلني: مم ذاك؟ وخلني والوليد. قال: فرحت إليه والوليد عنده، وقد أظهر كآبة، فقلت: ما هذه الكآبة التي بأمير المؤمنين، لا يسوءه الله، ولا يخزيه؟ قال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب: فلم أجده. قلت: فأين أنت عن ريحانة قريش وسيدها الوليد؟ قال: يا روح، إنه لا يلي أمر العرب إلا من تكلم بكلامهم.

فقام الوليد من ساعته، وجمع أصحاب النحو، ودخل إلى بيت وهم معه، وطين عليه وعليهم الباب، وأقاموا ستة أشهر، ثم خرج منه، وهو يوم خرج أجهل بالنحو منه يوم دخل، فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر. قال العتبي: لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده، وفيهم مسلمة، وكان سيدهم، فقال: أوصيكم بتقوى الله، فإنها عصمة باقية، وجنة واقية، وهي أحصن كهف وأزين خلية، ليتعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدور والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف، فبها هلك الأولون، وذل ذوو العز المعظمون، انظروا مسلمة، فاصدروا عن رأيه؛ فإنه بابكم الذي تفترقون، ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج؛ فإنه وطأ لكم المنابر، وأثبت لكم الملك، وكونوا بني أم بررة، وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحراراً وللمعروف مناراً، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم، وأشكر لما يسدى إليهم. ثم أقبل على الوليد ابنه، فقال: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك، وتخن خنين الأمة - الخنين: البكاء - ولكن شمر وأتزر، البس جلد نمر، ودلني في حفرتي، وخلني وشأني، وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة، فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا. ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد، فقال: هل تدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لترينا أثر عافية الله إياك، قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء؟ فقالا: لا، والله ما نرى أحداً أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين. قال: أولى لكما، أما والله لو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما.

ثم رفع فراشه، فإذا السيف مشهور، ولم يزل بين مقالتين حتى فاظ، مقالته الأولى: " من الوافر " فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس من عار ومقالته الثانية: الحمد لله الذي لا يبالي من أحد من خلقه، وترك صغيراً أو كبيراً. حتى مات؛ فسجاه الوليد، وكان هشام أصغر ولده، فقال: " من الطويل " وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما فلطمه الوليد، وقال: اسكت يا بن الأشجعية، فإنك أحول أكشف، تنطق بلسان شيطان، ألا قلت: " من الطويل " إذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تخمط منا ناب آخر مقرم قال مسلمة: إياكم والضجاج، فإنكم إن صلحتم صلح الناس، وإن فسدتم كان الفساد أسرع، ثم قال: " من الطويل " لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على شخصه يوم علي عصيب

فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إلي فقد عادت لهن ذنوب أتى بعد حلو العيش حتى أمره ... نكوب على آثارهن نكوب فقال سليمان: مات والله أمير المؤمنين، وصار في منزلة هو فيها والذليل الضعيف سواء. ثم صعد الوليد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إنا لله، وإنا إليه راجعون، يا لها مصيبة، ما أعظمها وأقطعها وأخصها وأعمها وأوجعها! موت أمير المؤمنين، ويا لها نعمة، ما أعظمها وأجسمها وأوجب للشكر لله علي فيها خلافته التي سرنا بها. فكان أول من عزى نفسه وهنأها. ثم قال: انهضوا فبايعوا على بركة الله، فلما بايعه الناس جلس مجلس عبد الملك، وجمع أهل بيتهم قال: " من الكامل " انفوا الضغائن والتحاسد بينكم ... عند المغيب وفي الحضور الشهد فصلاح ذات البين طول مقامكم ... إن مد في عمري وإن لم يمدد فلمثل ريب الدهر إلف بينكم ... بتواصل وتراحم وتودد وانفوا الضغائن والتخاذل بينكم ... بتكرم وتآزر وتغمد حتى تلين جلودكم وقلوبكم ... لمسود منكم وغير مسود إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد قال عبد الله بن عبد الملك بن مروان: قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين أختمه في كل جمعة،

قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: وكيف مع ما أنا فيه من الشغل؟ قلت: على ذلك؟ قال: في كل ثلاث. قال: فذكر ذلك لإبراهيم بن أبي عبلة؛ فقال: كان يختم في شهر رمضان سبع عشرة مرة. قال إبراهيم بن أبي عبلة: رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد؟ افتتح الهند والأندلس، رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد؟ هدم كنيسة دمشق، وبنى مسجد دمشق، رحم الله الوليد، وأين مثل الوليد؟ كان يعطيني قصاع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس. لما هدم الوليد بن عبد الملك كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم: إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كان حقاً فقد أخطأ أبوك، وإن كان باطلاً فقد خالفته. فكتب إليه: " وداوود وسليمان إذ يحكما في الحرث " إلى آخرها. خرج الوليد بن عبد الملك من الباب الأصفر، فوجد رجلاً عند الحائط الشرقي عند المئذنة الشرقية، يأكل وحده، فجاء فوقف على رأسه، فإذا هو يأكل خبزاً وتراباً. فقال: ما شأنك انفردت من الناس؟ قال: أحببت الوحدة. قال: فما حملك على أكل الخبز بالتراب وحده، أما في بيت المسلمين ما يجري عليك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين ولكن رأيت القنوع. قال: فمضى الوليد إلى مجلسه، وأحضره، فقال: إن لك لخبراً، أخبرني به وإلا ضربت ما فيه عيناك. قال: أنا رجل كنت جمالاً، معي ثلاثة أجمال موقرة طعاماً، حتى أتيت مرج

الصفر أريد الكسوة، فدخلت خربة أبول، فرأيت البول ينصب في شق، فاتبعته، فإذا غطاء على حفير، فنزلت، فإذا مال صبيب، فأنخت رواحلي، وفرغت أعكامي. وأوقرتها ذهباً، وغطيت الموضع. فلما سرت غير يسير وجدت معي مخلاة، فيها طعام، فنزلت الكسوة، ففرغتها، ورجعت إلى الموضع لأملأها من الذهب، فخفي عني الموضع، وأتعبني الطلب. فرجعت إلى الجمال، فلم أجدها، ولم أجد الطعام، فآليت على نفسي ألا آكل شيئاً إلا الخبز بالتراب. فقال الوليد: كم لك من العيال؟ فذكر له عياله، قال: نجري عليك من بيت المال، ولا تستعمل في شيء، فإن هذا هو المحروم. وذكر أن الإبل جاءت إلى بيت مال المسلمين، فأناخت به، فأخذها أمين الوليد، فطرحها في بيت المال. قال الوليد بن عبد الملك: لولا أن الله عز وجل ذكر آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحداً يفعل هذا. قرأ الوليد بن عبد الملك على المنبر: " يا ليتها كانت القاضية " وضم التاء، وتحت المنبر عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك، فقال سليمان: وددتها والله لو قال: يا ليتها كانت عليك، وأرحتنا منك. دخل سليمان بن عبد الملك على الوليد بن عبد الملك وهو يجود بنفسه، فلما رآه

قال: أجلسوني، أجلسوني، فقال متمثلاً: " من الكامل " وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع فقال سليمان: وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع قال عمر بن عبد العزيز: كنت فيمن نزل الوليد بن عبد الملك في قبره، فنظرت إلى ركبتيه قد جمعتا إلى عنقه، فقال ابنه: عاش والله أبي، عاش والله أبي، فقلت: عوجل أبوك ورب الكعبة، قال: فاتعظ بها عمر بعده. وفي حديث: فلما تناولناه من السرير، ووقع على أيدينا اضطرب في أكفانه، فقال ابنه: أبي أبي. قال: قلت: ويحك إن أباك ليس بحي، ولكنهم يلقون ما ترى. وقال عمر بن عبد العزيز ليزيد بن المهلب حين ولاه سليمان العراق: اتق الله يا يزيد، فإنا لما دفنا الوليد ارتكض في أكفانه. قوله: ركض في لحده: أي ضرب برجله الأرض. قيل: إن الوليد هلك بدير المران وحمل على أعناق الرجال، فدفن بباب الصغير، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكان سليمان غائباً ببيت المقدس. وتوفي الوليد سنة ست وتسعين، وكانت خلافته عشر سنين إلا أشهراً. وقيل: إنه هلك بدمشق، وصلى عليه ابنه عبد العزيز. وبويع سليمان بن عبد الملك أخوه.

الوليد بن عبيد بن يحي بن عبيد بن شملال

الوليد بن عبيد بن يحي بن عبيد بن شملال البحتري، أبو عبادة، ويكنى أيضاً أبو الحسن الطائي الشاعر من أهل منبج. شاعر، سائر القول مغلق مفتن في أنواع الشعر، تغني شهرته عن وصفه. مدح جماعة من الخلفاء والأمراء. وقدم دمشق مع المتوكل. وفي نسبه اختلاف. والبحتري: بتاء مضمومة مثناة. قال صالح بن الأصبغ التنوخي المنبجي: رأيت البحتري ههنا قبل أن يخرج إلى العراق يمدح أصحاب البصل والباذنجان، ثم كان منه ما كان. وكانت كنيته أبو الحسن، وكناه المتوكل أبا عبادة. وقيل: إنه كان يكنى بهما، فأشير عليه في أيام المتوكل أن يقتصر على أبي عبادة؛ فإنها أشهر. وامتدح البحتري أبا الجيش بن طولون بقصيدته التي يقول فيها: " من البسيط " وقد رأيت جيوش النصر منزلة ... على جنود أبي الجيش بن طولونا يوم الثنية إذ يثني بكرته ... في النقع خمسين ألفاً أو يزيدونا ويوم الثنية: هو اليوم الذي أوقع بابن أبي الساج، فانصرف عنه منهزماً. اجتمع في دار أبي عبد الله بن المعتز يوماً البحتري وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد في سنة ست وسبعين ومئتين، وقد أنشد البحتري شعراً في معنى قد قال في مثله أبو تمام،

فقال له: أنت أشعر في هذا من أبي تمام، فقال: كلا والله، ذاك الرئيس الأستاذ، والله ما أكلت الخبز إلا به، فقال له المبرد: يا أبا الحسن تأبى إلا شرفاً من جميع جواباتك. قال البحتري: أنشدت أبا تمام يوماً شيئاً من شعري، فأنشد بيت أوس بن حجر: " من الطويل " إذا مقرم منا ذرا حد نابه ... تخمط منا ناب آخر مقرم وقال: نعيت إلي نفسي، فقلت: أعيذك بالله، فقال: إن عمري ليس يطول وقد نشأ مثلك بطيئ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شبة، وهو من رهطه يتكلم؛ فقال: يا بني نعى نفسي إحسانك في كلامك؛ لأنا أهل بيت، ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله. فمات أبو تمام بعد سنة من قوله هذا. قال البحتري: أنشدت أبا تمام شعراً لي في بعض بني حميد، وصلت به إلى " مال له خطر ". فقال لي: أحسنت، أنت أمير الشعر بعدي. فكان قوله هذا أحب إلي من جميع ما حويته. أنشد رجل أبا العباس ثعلباً قول البحتري: " من الكامل " وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ... برقت مصابيح الدجى في كتبه باللفظ يقرب فهمه في بعده ... منا ويبعد نيله في قربه حكم سحائبها خلال بنانه ... هطالة وقليبها في قلبه كالروض مختلفاً بحمرة نوره ... وبياض زهرته وخضرة عشبه وكأنها والسمع معقود بها ... شخص الحبيب بدا لعين محبه

فقال أبو العباس: لو سمع الأوائل هذا الشعر ما فضلوا عليه شعراً. قال خزيمة بن أحمد الكناني: كنت في شبابي بنهر عيسى، فبت ليلة، فصليت الغداة، وقد سقط الظل على الزهرة، فاستحسنتها، ورأيت شقائق النعمان فيها، ففكرت في نفسي، وقلت: ليت شعري! من النعمان الذي نسبت هذه الريحانة إليه؟ ثم غليني النسيم؛ فنمت؛ فرأيت قائلاً يقول: النعمان ولي من أولياء الله، سأل الله أن يريه لباسه في الجنة؛ فأنبت هذه الريحانة؛ فنسبت إليه، فكان إذا رآها يقوف: رحم الله النعمان، فذكرته للبحتري، فأنشدني: " من البسيط " إن الشقيق إذا أبصرت حمرته ... فوق السواد على أغصانه الذلل كأنها دمعة قد غسلت كحلاً ... فاضت بها عبرة في وجنتي خجل قال أبو العباس بن طومار: كنت أنادم المتوكل، فكنت عنده يوماً، ومعنا البحتري، وكان بين يديه غلام حسن الوجه، يقال له راح. فقال المتوكل للفتح: إن البحتري يعشق راحاً، فنظر إليه الفتح، وأدمن النظر، فلم يره ينظر إليه. فقال له الفتح: يا أمير المؤمنين، أرى البحتري في شغل عنه؛ فقال: ذاك دليل عليه. ثم قال المتوكل: يا راح، خذ رطلاً بلوراً، فاملأه شراباً، وادفعه إليه. فلما دفعه إليه بهت البحتري ينظر إليه. فقال المتوكل: يا فتح كيف ترى؟ ثم قال: يا بحتري، قل في راح بيت شعر،

ولا تصرح باسمه، فقال: " من الرمل " حار بالود فتى أم ... سى رهيناً بك مدنف اسم من أهواه في شع ... ري مقلوب مصحف قال أحمد بن محمد الأديب البشتي المعروف بالمولى: خرجت إلى بخارى بقصيد؛ مدحت بها الشيخ أبا الفضل البلعمي، فوصلت إليه، وقد أحس بموجدة السلطان، وقد أثر ذلك فيه. فحضرت الديوان غير مرة لأصادف منه خلوة أو في المنزل، فلم أصادفها، فقرأ يوماً قصة لبعض المتصلين به، فرفع رأسه إلى الكتبة، فقال: من يحفظ منكم قول البحتري في مساعدة الزمان ومعاندته؟ فسكتوا عن آخرهم، فقمت، فقلت: أنا أحفظها، فقال: هاتها، فأنشدته: " من الطويل " خليلي إن كان الزمان مساعدي ... وآذيتماني لم يضق عنكما صدري ولكن إذا كان الزمان معاندي ... فإياكما أن تؤذياني مع الدهر فقال: أحسنت، ارفع حاجتك، فقلت: أعزك الله، معي قريض من نيسابور، فقال: هاته، فأنشدته القصيدة، فوصلني وقضى حوائجي. ومن شعره: " من المتقارب " إذا المرء لم يرض ما أمكنه ... ولم يأت من أمره أزينة وأعجب بالعجب فاقتاده ... وتاه به التيه فاستحسنه فدعه فقد ساء تدبيره ... سيضحك يوماً ويبكي سنة مرض البحتري، فوصف الطبيب له مرقدة، فقال بعض إخوانه: عندي أحذق خلق الله بها، ومضى ليوجه بها، فلم يفعل، فكتب إليه البحتري: " من البسيط "

وجدت وعدك زوراً في مرقدة ... ذكرت مبتدئاً إحكام طاهيها فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ... ولا علت كف ملق كفه فيها فاحبس رسولك عني أن يجيء بها ... فقد حبست رسولي عن تقاضيها ومن شعره: " من الكامل " وإذا أتى للمرء من أعوامه ... خمسون وهو عن الصبا لم يجنح عكفت عليه المخزيات وقلن قد ... أضحكتنا وسررتنا لا تبرح وإذا رأى إبليس صورة وجهه ... حياً وقال فديت من لا يفلح قال أبو هفان: كنا في دعوة أنا والبحتري، فلما انصرفنا قلت: لا بد أن أعيب بالبحتري؛ فقلت له: يا أبا عبادة من الذي يقول: " من المتقارب " تلبس للحرب أثوابها ... وقال أنا الفارس البحتري فلما رأى الخيل قد أقبلت ... أصيب على سرجه قد خري أنشد البحتري يوماً المتوكل قصيدة التي أولها: من مجزوء الكامل عن أي ثغر تبتسم وفيها يقول: يا جعفر بن المعتصم ... يا منعم بن المنتقم وكان إذا أنشد تبختر في إنشاده، وحرك يديه، وأشار برأسه إعجاباً بما يأتي، وقال: أحسنت والله! مالكم لا تستحسنون، وتتعجبون مما تسمعون، وكان ذلك ربما غاظ المتوكل منه، ففعل مثل ذلك وهو ينشد هذه القصيدة، وأبو العنبس الصيمري حاضر، فلما فرغ منها ردد البيت الأول، وكذلك كان يفعل في قصائده، فلما ردد قوله:

الوليد بن عبيد الدمشقي

عن أي ثغر تبتسم ... وبأي طرف تحتكم غمز المتوكل أبا العنبس أن يولع به، فقال للبحتري: " من مجزوء الكامل " عن أي سلح ترتطم ... وبأي كف تلتقم أدخلت رأسك في الرحم فولى البحتري لما سمع ذلك مغضباً، فجعل أبو العنبس يصيح من خلفه: وعلمت أنك تنهزم فضحك المتوكل، وأمر لأبي العنبس بالصلة التي أعدت للبحتري، فراح البحتري إلى أبي خالد، فقال: أنت عشير وابن عم وصديق، وقد رأيت ما جرى علي. أترى لي أن أخرج إلى منبج بغير إذن، فقد ضاع العلم وهلك. فقال: لا تفعل، والملوك تمزح بما هو أعظم من هذا. وتوجه إلى الفتح، فشكا ذلك، فأشار عليه بمثل ذلك، وعوضه، فسكن إلى ذلك، توفي البحتري سنة ثلاث وثمانين ومئتين. وقيل: سنة أربع وثمانين وعمره ثلاث وثمانون سنة، أسكت منها ثلاث سنين. وقيل: توفي سنة خمس وثمانين، ومولده سنة ست وثمانين. الوليد بن عبيد الدمشقي أحد الصالحين. كتب أبو الفيض ذو النون إلى الوليد بن عبيد الدمشقي كتاباً فيه: بسم الله الرحمن الرحيم قرأت كتابك، وفهمت ما سألتني فيه عن تعريف حالي، وما عسى أن أخبرك به من

الوليد بن عتبة بن صخر بن حرب

حالي؟ وأنا بين خصال موجعات، بكائي منهن، أربعة: حب عيني النظر، ولساني الفضول، وقلبي الرئاسة، وإجابتي لإبليس عدو الله فيما يكره الله مني، وأمرضني مثلها عين لا تبكي الذنوب المبيتة، وقلب لا يخشع عند الموعظة، وعقل رهن فهمه إلى محبة الدنيا، ومعرفة كلما قلبتها وجدني الله عز وجل أجهل، وضناي من مثلها، عدمت خير زاد، وهو التقوى، وعدمت خير خصال الإيمان، وهو الحياء، وبعت أيامي بمحبة الدنيا، وتضييعي قلباً لا أقتني مثله أبداً. الوليد بن عتبة بن صخر بن حرب ابن أمية الأموي بن أخي معاوية بن أبي سفيان ولي المدينة لعمه معاوية، ولابن عمه يزيد، وكان جواداً حليماً. وكان بدمشق لما بايع الضحاك لابن الزبير، وأنكر ذلك؛ فحبسه الضحاك. قال الوليد بن عتبة: أسر إلي معاوية حديثاً، فأتيت أبي، فقلت: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي أمراً، ولا أراه يطوي عليك، أفلا أخبرك به؟ قال: لا، إنه من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكونن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً. فقال: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكن أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. قال: فدخلت على معاوية فأخبرته ما جرى بيني وبين أبي. فقال لي: ويحك يا وليد! أعتقك أخي من رق الخطأ. قال عمرو بن العاص: لله در أمية، ما أجمع قلوبهم، وأوسع حلومهم! لشهدت معاوية دخل عليه الوليد بن عتبة وهو غلام حدث، فقلت: يا أمير المؤمنين لأفرن ابن أخيك عن عقله.

قال: تجده بعيد الغور، ساد الفور، ربيط الجأش. فدنا، فسلم، ثم سكت ملياً، فقلت: لقد أطلت سجن لسانك. قال: إنه غير مأمون الضرر إذا أطلق. قال: قلت: ما سنك؟ قال: هيهات، يا أبا عبد الله! جللنا عن هذه المحنة. قال: فضحك إلي معاوية، ثم قال: كلا يا عمرو، إن العود لمن لحائه، وإن الولد من آبائه، وهو نبتة أصل لا تخلف، وسليل فحل لا يقرف. وعن ابن عباس أنه ذكر معاوية، فقال: لله تلاد ابن هند، ما أكرم حسبه! وأكرم مقدرته، والله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ضناً منه بأحسابنا وحسبه، ثم بعث إلينا ابن أخيه الوليد بن عتبة غلاماً ابن عشرين سنة، فما ترك في السجن غارماً إلا أدى عنه، ولا عانياً إلا فكه. ثم كتب إلينا معاوية أن أرسل إلي الحسين بن علي مع شرطي حتى نبلسه. فبينا أنا عنده أرسل إليه، فأقرأه كتاب معاوية. فقال: أنت ترسل بي إليه يا بن آكلة الأكباد، فقال: أما والله، إنه لابد لك من ذلك من السمع والطاعة. فوثب الحسين، فأخذ عمامته، فاجترها إليه، وجعل الوليد يطلقها عنه كوراً كوراً، ويقول: ما أردنا أن نبلغ كل هذا منك يا أبا عبد الله. فقمت إلى الحسين، فلم أزل به حتى أخرجته، فالتفت إلى الوليد، فقال: جزاك الله خيراً، ما هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً.

ثم قال ابن عباس: " من الطويل " معاض عن العوراء لا ينطقونها ... وأهل وراثات الحلوم الأوائل وجدنا بني حرب وكانوا أعزة ... ذراً في الذرا وكاهلاً في الكواهل فبلغ ذلك معاوية، فقال: يا أهل الشام، ما كنتم صانعين لو شهدتموه؟ قالوا: لو شهدناه لقتلناه. فقال معاوية: إن ثم لدماً مصوناً عند بني عبد مناف، الوليد أعلم بأدب أهله. ولما هلك معاوية ولي المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً. كان بين الحسين بن علي وبين الوليد ين عتبة كلام في مال كان بينهما بذي المر والوليد يومئذ أمير المدينة. فقال الحسين بن علي: استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه، أقسم بالله لينصفني من حقي أو لأحدن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم لأدعون بحلف الفضول. فقال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لأحدن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعاً. فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك. فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التميمي، فقال مثل ذلك. فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي. وقيل: إنهما تنازعا في الأرض، فبينا حسين ينازعه إذا تناول عمامة الوليد عن رأسه،

فجذبها. فقال مروان بن الحكم - وكان حاضراً - ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره قال الوليد: ليس ذلك بك، ولكنك حسدتني على حلمي عنه. فقال حسين عليه السلام: الأرض لك، اشهدوا أنها له. لما توفي معاوية قدم رسول يزيد على الوليد بن عتبة، وهو على المدينة، يأمره أن يأخذ البيعة على الحسين بن علي وعلى عبد الله بن الزبير. فأرسل إليهما ليلاً حين قدم عليه الرسول، ولم يظهر موت معاوية. فقالا: تصبح، وتجمع الناس، فنكون منهم. فقال له مروان: إن خرجا من عندك لم ترهما. فنازعه ابن الزبير الكلام، وتغالظا حتى قام كل واحد منهما لصاحبه، فتناصيا، وقام الوليد فحجز بينهما حتى خلص كل واحد من صاحبه. فأخذ عبد الله بن الزبير بيد الحسين، وقال: انطلق بنا. فقاما، وتمثل ابن الزبير قول الشاعر: " من الكامل " لا تحسبني يا مسافر شحمة ... تعجلها من جانب القدر جائع فأقبل مروان على الوليد يلومه، ويقول: لا تراهما أبداً. فقال له الوليد: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا لأقطع أرحامهما. لما آتي برأس الحسين بن علي إلى عمرو بن سعيد العاص وضع بين يديه، فقال للوليد بن عتبة: قم، فتكلم. فقام، فقال: إن هذا - عفا الله عنا وعنه - حرنا بين أن يقتلنا ظالماً، أو نقتله معذورين في قتله، فصرنا إلى التي كرهنا مضطرين إليها غير مختارين لها، وتالله لوددنا أنا اشترينا له العافية منه، ولو أمكن ذلك بإغلاء الثمن، وإن عجل قوم بملامنا ليصيرن إلى عذر منا.

الوليد بن عتبة أبو العباس الأشجعي

ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على البيعة له، فأبى، وهلك تلك الليالي. وقيل: إن الوليد قدم للصلاة على معاوية بن يزيد، فأصابه الطاعون في صلاته عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت. الوليد بن عتبة أبو العباس الأشجعي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: " وكان تحته كنز لهما " قال: " ذهب وفضة " وحدث عنه بسنده إلى ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه ". توفي الوليد بن عتبة سنة أربعين ومئتين، ومولده سنة ست وسبعين ومئة. الوليد بن عقبة بن أبي معيط واسمه أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس أبو وهب الأموي له صحبة، وهو أخو عثمان لأمه، أمهما أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس كان سخياً شاعراً. واستعمله عثمان على الكوفة، وسكن الجزيرة بعد قتل عثمان، ولم يشهد شيئاً من الحروب التي جرت بين علي ومعاوية.

روى الوليد بن عقبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أناساً من أهل الجنة يتطلعون إلى أناس من أهل النار، فيقولون: بم دخلتم النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم، فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل " كان الوليد من رجال قريش وشعرائهم. وخرج يرتاد منزلاً حتى أتى الرقة، فأعجبته؛ فنزل على البليخ، وقال: منك المحشر، فمات بها. وأخوه عمارة بن عقبة، نزل الكوفة. وأبوهما عقبة بن أبي معيط، قتله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر صبراً. واستعمله عثمان على الكوفة، فرفعوا عليه أنه شرب الخمر؛ فعزله عثمان، وجلده الحد. وقال فيه الحطيئة يعذره: " من الكامل " شهد الحطيئة حين يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر خلعوا عنانك إذ جريت ولو ... خلوا عنانك لم تزل تجري فزادوا فيها من غير قول الحطيئة: نادى وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم ثملاً وما يدري ليزيدهم جزءاً ولو فعلوا ... لأتت صلاتهم على العشر أسلم الوليد يوم فتح مكة، وبعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صدقات بني المصطلق. وولاه

عمر بن الخطاب صدقات بني تغلب. وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص، ثم عزله عنها، فلم يزل بالمدينة حتى بويع علي، فخرج إلى الرقة، فنزلها، واعتزل علياً ومعاوية. ومات بالرقة، وقبره بعين الرومية على خمسة عشر ميلاً من الرقة، وكانت ضيعة له. وأم أروى أمه أم حكيم البيضاء عمة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان عقبة أبوه من شياطين قريش، أسره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، وضرب عنقه. وهو الفاسق الذي ذكره الله عز وجل بقوله: " أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ". قال الوليد: لما فتحت مكة جعل أناس من أهلها يأتون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأولادهم؛ فيمسح رؤوسهم، ويدعو لهم بالبركة، قال: فلم يمنع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسح رأسي ويدعو إلي بالبركة إلا أن أمي خلقتني بخلوق. وعن الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه، وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله، أرجع إلى قومي، فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فترسل إلي - رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رسولاً لإبان كذا وكذا ليأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله عز

وجل ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فدعا بسروات قومه، فقال لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان وقت لي وقتاً يرسل إلي رسوله؛ ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت. فانطلقوا فنأتي رسول اله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة. لما سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق، فرجع، فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي. فضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البعث إلى الحارث. وأقبل الحارث بأصحابه، إذ استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث. فلما غشيتهم قال لهم: إلى من يعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله. فقال: لا، والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته بتة، ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: منعت الزكاة، وأردت قتل رسولي. قال: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيته، ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خشيت أن يكون كانت سخطة من الله. قال: فنزلت الحجرات: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " إلى هذا المكان: " فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم ".

وقيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى بني المصطلق بعد وقعة المريسيع. قالوا: حتى إذا كان قريباً منا رجع، قال: فركبنا في أثره، وسقنا طائفة من صدقاتنا، يطلبونه بها وبنفقات يحملونها، فقدم قبلهم، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله أتيت قوماً في جاهليتهم، جدوا للقتال، ومنعوا الصدقة. فلم يغير ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزل عليه: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ". قال: وأتى المصطلقيون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على إثر الوليد بطائفة من فرائضهم يسوقونها، ما اتبعهم منها، ونفقات يحملونها، فذكروا ذلك له، وأنهم خرجوا يطلبون الوليد بصدقاتهم، فلم يجدوه، فدفعوا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان معهم، فقالوا: يا نبي الله، بلغنا فخرج رسولك؛ فسررنا بذلك، وقلنا: نتلقاه، فبلغنا رجعته، فخفنا أن يكون ذلك عن سخطة علينا. وعرضوا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يشتروا منه بقية ما تبقى. قال: فقبل منهم الفرائض، وقال: ارجعوا بنفقاتكم؛ فإنا لا نبيع شيئاً من الصدقات حتى نقبضه. وعن علي: أن امرأة الوليد بن عقبة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله، إن الوليد يضربها، قال: قولي له: قد أجارني. قال علي: فلم تلبث إلا يسيراً حتى رجعت، فقالت: ما زادني إلا ضرباً.

فأخذ هدبة من ثوبه فدفعها، فقال: قولي له: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أجارني. فلم تلبث إلا يسيراً حتى رجعت فقالت: ما زادني إلا ضرباً، فرفع يديه وقال: " اللهم عليك الوليد، أثم بي مرتين ". وفي رواية: " اللهم عليك الوليد مرتين أو ثلاثاً ". وعن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ للكتيبة منك. فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق، فنزلت: " أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ". قال: يعني بالمؤمن علياً، وبالفاسق الوليد بن عقبة. وقيل: إنها نزلت في أبيه. ولما ولي الوليد الكوفة بعد سعد، وقدم على سعد، قال له سعد: يا أبا وهب، والله ما أدري، أكست بعدي أم استحمقت أنا بعدك؟ فقال الوليد: ما كسنا بعدك ولا حمقت، ولكن القوم استأمروا عليك بسلطانهم. قال: صدقت: وخرج سعد، وأقام الوليد على الكوفة خمس سنين. كان لبيد قد جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا، فألحت عليه زمن الوليد بن عقبة. فصعد الوليد المنبر، فقال: أعينوا أخاكم، وبعث إليه بثلاثين جزوراً.

وكان لبيد قد ترك الشعر في الإسلام، فقال لابنته: أجيبي الأمير، فقالت: من الوافر إذا هبت رياح أبي عقيل ... ذكرنا عند هبتها الوليدا أبا وهب جزاك الله خيراً ... نحرناها وأطعمنا الثريدا طويل الباع أبيض عبشمي ... أعان على مروءته لبيدا بأمثال الهضاب كأن ركباً ... عليها من بني حام قعودا فعد إن الكريم له معاد ... وظني يا بن أروى أن تعودا فقال لبيد: أحسنت لولا أنك سألت، قالت: إن الملوك لا يستحى من مسألتهم، قال: وأنت في هذا أشعر. قال علقمة: كنا في جيش بالروم، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الوليد الخمر؛ فأردنا أن نحده. فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم؛ فيطمعوا فيكم؟ فبلغه، فقال: لأشربن وإن كانت محرمة، ولأشربن على رغم أنف من رغم. وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " سيلي أموركم من بعدي رجال، يطعنون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها "، فقلت: يا رسول الله فما تأمرني إن أدركتهم؟ فقال: " سألني ابن أم عبد "، ثم رفع يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه، فقال: " لا طاعة لمن عصى الله " ثلاث مرار حسبت. فلما كان الوليد بن عقبة بالكوفة أخر الصلاة يوماً، فقام ابن مسعود، فأقام الصلاة، وصلى بالناس.

فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت اليوم؟ أجاءك عهد من أمير المؤمنين؟ فسمع وطاعة، أم ابتدعت؟ فقال: ما جاءني من صاحبك أمر، ولم أبتدع، ولكن أبى الله ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا، وأنت في حاجتك ". قال حضين بن المنذر: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربعاً، وهو سكران، ثم انفتل، فالتفت إليهم، فقال: أزيدكم؟ فرفع ذلك إلى عثمان ... الحديث. وعن زر بن حبيش قال: لما أنكر الناس شرة الوليد بن عقبة فزع الناس إلى عبد الله بن مسعود، فقال لهم عبد الله بن مسعود: اصبروا، فإن جور إمام خمسين عاماً خير من هرج شهر، وذلك أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا بد للناس من إمارة برة أو فاجرة، فأما البرة فتعدل في القسم، وتقسم بينكم فيكم بالسوية، وأما الفاجرة فيبتلي فيها المؤمنين، والإمارة الفاجرة خير من الهرج "، قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل والكذب. كان عمر بن الخطاب استعمل الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة، فنزل في تغلب، وكان أبو زبيدة في الجاهلية والإسلام في بني تغلب حتى أسلم، وكانت بنو تغلب أخواله، فاضطهده أخواله ديناً له، فأخذ له الوليد بحقه، فشكرها له أبو زبيد وانقطع إليه، وغشيه بالمدينة. فلما ولي الوليد الكوفة أتاه مسلماً ومعظماً على مثل ما كان يأتيه بالجزيرة والمدينة، فنزل دار الضيفان، وتلك آخر قدمة قدمها أبو زبيد على الوليد، وقد كان ينتجعه ويرجع. وكان نصرانياً، فأسلم في آخر إمارة الوليد، وحسن إسلامه، فاستدخله الوليد، وكان عربياً شاعراً، حتى أقام على الإسلام. فأتى آت زينب وأبا مورع وجندباً وهم يحفرون له مذ قتل أبناءهم، ويصنعون له العيوب، فقال لهم: هل لكم في الوليد يشارب أبا زبيد، فثاروا في ذلك، فقال

أبو زينب وأبو مورع وجندب لأناس من أهل الكوفة: هذا أميركم وأبو زبيد خيرته وهما عاكفان على الخمر. فقاموا معهم، ومنزل الوليد في الرحبة مع عمارة بن عقبة، ليس عليه باب. فاقتحموا عليه من المسجد، وبابه إلى المسجد، فلم يفجأ الوليد إلا وهم ... فنحى شيئاً، فأدخله تحت السرير، فأدخل بعضهم يده، فأخرجه لا يؤامره، فإذا طبق، عليه تفاريق عنب، وإنما نحاها استحياء أن يروا طبقه وليس عليه إلا تفاريق. فقاموا فخرجوا على الناس، وأقبل بعضهم يلوم بعضاً، وسمع الناس بذلك؛ فأقبلوا عليهم يسبونهم ويلعنونهم، ويقولون: أقوام غضب بعضهم لعمله، وبعضهم أرغمهم الكتاب، فدعاهم ذلك إلى التجسس والخبث. فستر عنهم الوليد ذلك، وطواه عن عثمان، ولم يدخل بين الناس في ذلك شيء، وكره أن يفسد بينهم، وسكت عن ذلك، وصبر. وفي حديث آخر: أن جندباً ورهطاً معه جاؤوا إلى ابن مسعود، فقالوا: الوليد يعكف على الخمر، وأذاعوا ذلك حتى طرح على ألسن الناس، فقال ابن مسعود: من استتر منا بشيء لم نتبع عورته، ولم نهتك ستره. فأرسل إلى ابن مسعود: فأتاه، فعاتبه في ذلك، وقال: يرضى من مثلك بأن تجيب أقواماً موتورين؟ على أي شيء أستتر به؟ إنما يقال هذا للملجلج، فتلاحنا، وافترقا على تغاضب، ولم يكن بينهما أكثر من ذلك. قال محمد وطلحة: أتي الوليد بساحر، فأرسل إلى ابن مسعود يسأله عن حده، قال: وما يدريك أنه ساحر؟ قال: زعم هؤلاء النفر أنه ساحر، فقالوا: أساحر أنت؟ قال:

نعم، قالوا: وتدري ما السحر؟ قال: نعم. وثار إلى حمار، فجعل يركبه من قبل ذنبه وينزل من قبل رأسه، ومن قبل رأسه فينزل من قبل ذنبه، ويريهم أنه يخرج من فيه واسته. فقال ابن مسعود: فاقتله. فانطلق الوليد، فنادوا في المسجد أن رجلاً يلعب بالسحر عند الوليد، فأقبلوا، وأقبل جندب، واغتنمها، يقول: أين هو؟ أين هو؟ حتى أريه، فضربه. وأجمع عبد الله والوليد على حبسه حتى كتب إلى عثمان، فأجابهم عثمان أن: استحلفوه بالله ما علم برأيكم فيه، وأنه لصادق لقوله فيما ظن من تعطيل حده، وعزروه وخلوا سبيله. وتقدم إلى الناس في ألا يعملوا بالظنون، أو يقيموا الحدود دون السلطان، فإنا نقيد المخطئ، ونؤدب المصيب. ففعل ذلك به، وترك، لأنه أصاب حداً. وغضب لجندب أصحابه؛ فخرجوا إلى المدينة، فاستعفوا من الوليد، فقال لهم عثمان: تعملون بالظنون، وتخطئون في الإسلام، وتخرجون بغير إذن، ارجعوا. فرجعوا إلى الكوفة، فلم يبق موتور في نفسه إلا آتاهم، فاجتمعوا على رأي فأصدروه، فتغفلوا الوليد، وكان ليس عليه حجاب. فدخل عليه أبو زينب الأزدي وأبو مورع الأسدي، فسلا خاتمه، ثم خرجا إلى عثمان، فشهدا عليه، ومعهما نفر. فبعث إليه عثمان، فلما قدم أمر به سعيد بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله، فوالله أنهما لخصمان موتوران، فقال: لا يضرك ذلك، إنما نعمل بما ينتهي إلينا، فمن ظلم فالله ولي انتقامه، ومن ظلم فالله ولي جزائه. وقيل: إنهم لما غشوا الوليد، وله امرأتان في المخدع، بينهما وبين القوم ستر، إحداهما بنت ذي الخمار، والأخرى بنت أبي عقيل. فنام الوليد، وتفرق القوم وثبت أبو زينب أبو مورع، فتناول أحدهما خاتمه، وخرجا. فاستيقظ الوليد، وامرأتاه عند رأسه فلم ير خاتمه، فسألهما عنه، فلم

يجد عندهما منه علماً، قال: فأي القوم تخلف عنهم؟ قالتا: رجلان لا نعرفهما، ما غشياك إلا منذ قريب، قال: حلياهما. قالتا: على أحدهما خميصة، وعلى الآخر مطرف. صاحب المطرف أبعدهما منك، قال: الطوال؟ قالتا: نعم. وصاحب الخميصة أقربهما إليك، قال: القصير؟ قالتا: نعم، وقد رأيناه يده على يدك، قال: ذاك أبو زينب، والآخر أبو مورع، وقد أرادا داهية، فليت شعري ما يريدان؟ فطلبهما فلم يقدر عليهما وكان وجههما إلى المدينة فقدما على عثمان، ومعهما نفر ممن قد عزل الوليد عن الأعمال، فقالوا له: فقال: من يشهد منكم؟ قالوا: أبو زينب أبو مورع، وكاع الآخرون. فقال: كيف رأيتماه؟ قالا: كنا من غاشيته، فدخلنا عليه وهو يقيء الخمر. فقال: ما يقيء الخمر إلا شاربها. وفي حديث آخر قال: أتشهدان أنكما رأيتماه يشرب؟ فقالا: لا، وخافا، قال: فكيف؟ قالا: اعتصرنا من لحيته وهو يقيء الخمر. فبعث إليه، فلما دخل على عثمان رآهما، فقال متمثلاً: من البسيط مهما خشيت على أمر خلوت به ... فلم أخفك على أمثالها جار فحلف له الوليد، وأخبره خبرهم، فقال: نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار، فاصبر يا أخي. فأمر سعيد بن العاص، فجلده، فأورث ذلك عداوة بين ولدهما حتى اليوم. وكان على الوليد يوم أمر به أن يجلد خميصة، فنزعها عنه علي بن أبي طالب.

وفي حديث: فكلمه في ذلك علي، فقال له عثمان: دونك ابن عمك فأقم عليه الحد. قال: قم يا حسن فاجلده، قال: فيم أنت من هذا؟ ول هذا غيرك. قال: بل ضعفت ووهنت. قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده. فجعل يجلده، ويعد علي حتى بلغ أربعين، فقال: كف أو أمسك أو أرسله. جلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين، وأبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين، وكل سنة. كان الناس في الوليد فرقتين: العامة معه، والخاصة عليه، فما زال عليهم من ذلك خشوع حتى كانت صفين، فولي معاوية، فجعلوا يقولون: عنته عثمان بالباطل، فقال لهم علي: إنكم وما تعيرون بع عثمان كالطاعن نفسه ليقتل ردفه، وما ذنب عثمان من رجل قد ضربه بقولكم، وعزله؟! وما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا؟. وكان الوليد أدخل على الناس خيراً حتى كان يقسم للولائد والعبيد، ولقد تفجع عليه الأحرار والمماليك، كان يسمع الولائد وعليهن الجرار يقلن: من الرجز يا ويلنا قد عزل الوليد ... وجاءنا مجوعا سعيد ينقص في الصاع ولا يزيد ... قد جوع الإماء والعبيد والوليد بن عقبة هو الذي يقول: من الطويل بني هاشم إنا وما كان بيننا ... كصدع الصفا لا يرأب الدهر شاعبه بني هاشم كيف التعذر عندنا ... وبر ابن أروى عندكم وحرائبه بني هاشم أدوا سلاح ابن أختكم ... ولا تهبوه لا تحل مواهبه

فإلا تؤدوه إلينا فإنه ... سواء علينا قاتلاه وسالبه وأخوه عمارة بن عقبة، وله يقول الوليد: من الطويل وإن يك ظني يا بن أمي صادقاً ... عمارة لا تدرك بذحل ولا وتر تلاعب أقتال ابن عفان لاهياً ... كأنك لم تسمع بموت أبي عمرو ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصر لقي الوليد بن عقبة بجاداً مولى عثمان بن عفان بالمراض صادراً عن المدينة، والوليد قادم، فسأله عن أمر عثمان، فأخبره أنه قد قتل، فقال: من الخفيف ليت أني هلكت قبل حديث ... سل جسمي وريع منه فؤادي يوم لاقيت بالمراض بجاداً ... ليت أني هلكت قبل بجاد قدم معاوية الكوفة، فصعد المنبر، وقال: أين هو وهب؟ فقام إليه الوليد، فقال: أنشدني قولك: من الوافر ألا أبلغ معاوية بن صخر ... فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى ... تهدر في دمشق وما تريم يمنيك الخلافة كل ركب ... لأنضاء العراق بهم رسوم فإنك والكتاب إلي علي ... كدابغة وقد حلم الأديم لك الخيرات فاحملنا عليهم ... فإن الطالب الترة الغشوم وقومك بالمدينة قد أنيخوا ... فهم صرعى كأنهم هشيم فلما فرغ من إنشادها قال معاوية: من الطويل ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم ولما حضر الموت الوليد بن عقبة قال: اللهم إن كان أهل الكوفة صدقوا علي فلا تبارك لي فيما أقدم عليه، واجعل مردي شر مرد، وإن كانوا كذبوا علي فاجعله كفارة لما لا يعلمون من ذنوبي. مر مسلمة بن عبد الملك بقبر الوليد بن عقبة بالرقة، فقال: قبر من هذا؟ قيل:

الوليد بن عمر بن الدرفس الغساني

قبر الوليد بن عقبة، قال: رحم الله أبا وهب، وأثنى عليه، فقيل: قبلا من هذا الآخر؟ قيل: قبر أبي زبيد الطائي الشاعر، قال: وهذا فيرحمه الله. فقيل: إنه كان نصرانياً، قال: إنه كان كريماً. الوليد بن عمر بن الدرفس الغساني حدث عن أبيه عن جده في تفسير: " والتين " قال: والتين: مسجد دمشق، كان بستاناً لهود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه تين. " والزيتون ": هو مسجد بيت المقدس. الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي كان سليمان بن عبد الملك ربما نظر المرآة فيقول: أن الملك الشاب، فنزل مرج دابق، فمرض مرضه الذي مات فيه، وفشت الحمى في أهله وأصحابه، فدعا جارية بوضوء، فبينا هي توضئه إذ سقط الكوز من يدها، قال: ما قصتك؟ قالت: محمومة، قال: ففلان؟ قالت: محموم، قال: ففلانة؟ قالت: محمومة. قال: الحمد لله الذي جعل خليفته في أرضه، ليس عنده من يوضئه. ثم التفت إلى خاله الوليد بن القعقاع العبسي، فقال: قرب ضوءك يا وليد فإنما ... هذي الحياة تعلة ومتاع فأجابه الوليد: فاعمل لنفسك في حياتك صالحاً ... فالدهر فيه فرقة وجماع

الوليد بن كامل بن معاذ بن محمد بن أبي أمية

الوليد بن كامل بن معاذ بن محمد بن أبي أمية أبو عبيدة البجلي مولاهم الشامي الحمصي وقيل: إنه دمشقي. حدث عن المهلب بن حجر البهراني بسنده إلى المقداد بن الأسود قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى إلى سترة جعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يضمد إليها. وفي حديث عنه: ما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى إلى عمود ولا عود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يضمد له ضمداً. وحدث عن عبد الله بن بسر الحمصي قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً على بعث إلى بئر خم، فعممه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمامة سوداء.. الحديث. الوليد بن محمد أبو بشر القرشي الموقري مولى يزيد بن عبد الملك من أهل الموقر: حصن بالبلقاء. حدث عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله. وأنزل الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، وذكر قوماً استكبروا فقال: " إنهم كانوا

الوليد بن محمد بن العباس

إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون " وقال: " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها "، وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية، يوم كاتبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قضية المدة. وحدث عن الزهري عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمر بالغلمان، فيسلم عليهم، ويدعو لهم بالبركة. توفي الوليد بن محمد سنة اثنتين وثمانين ومئة. وقيل: سنة إحدى وثمانين. وكان ضعيفاً. الوليد بن محمد بن العباس ابن الوليد بن محمد بن عمر بن الدرفس أبو العباس الغساني حدث عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بسنده إلى عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة. وحدث عن قديرة بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء، قال: إن لكل شيء ذؤابة، وذؤابة الشرف الأدب، وإن لكل شيء عروة، وعروة العز الأدب. قال أبو عمرو: وكان يقال: شخص بلا أدب كجسد بلا روح. توفي الوليد بن محمد سنة ست وعشرين وثلاث مئة.

الوليد بن مروان بن عبد الله

الوليد بن مروان بن عبد الله ابن مروان بن أخي جنادة بن مروان حدث عن جنادة بن مروان بسنده إلى عبد الله بن بسر قال: أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلنا مع أبي، فقام أبي إلى قطيفة لنا قليلة الخمل، فجعلها بيده، ثم ألقاها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقعد عليها، ثم قال أبي لأمي: هل عندك شيء تطعمينا؟ فقالت: نعم، شيء من حيس، قال: فقربته إليهما، فأكلا، ثم دعا لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم التفت إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا غلام، فمسح بيده على رأسي، ثم قال: يعيش هذا الغلام قرناً. فعاش مئة سنة. الوليد بن مزيد العذؤي البيروتي حدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم برئ، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وبايع. وحدث عن سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احثوا في وجوه المداحين التراب. قال الوليد: سمعت ابن جابر يحدث عن رجل يقال له سعد: أنه أتى ابن منبه، فسأله عن الحسن بن أبي الحسن، وقال له: كيف عقله؟

الوليد بن مسلم

فأخبره، ثم قال ابن منبه: إنا لنتحدث أو نجد في الكتاب أنه ما آتى الله عبداً علماً، فعمل به في سبيل الله، فيسلبه عقله حتى يقبضه إليه. قال الوليد: قلت لأبي عمرو الأوزاعي: كتبت عنك حديثاً كثيراً، فما أقول فيه؟ قال: ما قرأته عليك وحدك فقل فيه: حدثني، وما قرأته على جماعة أنت فيهم، فقل فيه: حدثنا. وما قرأته علي وحدك فقل فيه: أخبرني. وما قرأ علي جماعة أنت فيهم، فقل فيه: أخبرنا. وما أخبرته لك وحدك، فقل فيه: خبرني. وما أخبرته لجماعة أنت فيهم، فقل فيه: خبرنا. وعن الوليد بن مزيد قال: من أكل شهوة من حلال قسا قلبه. وقال: ما ابتلي عبد من شيء أضر عليه من إطلاق اللسان. توفي الوليد سنة ثلاث ومئتين، وكان ثقة. وقيل: سنة سبع ومئتين. الوليد بن مسلم أبو العباس القرشي الفقيه، مولى بني أمية حدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قال: ثم مه؟ قال: ثم رجل في شعب من الشعاب يتقي ربه، ويذر الناس من شره. وحدث عن خالد بن يزيد بسنده إلى عقبة بن عامر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " ثم قال: ألا إن القوة الرمي.

وحدث عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسمح يسمح لك. وعن ابن جريج قال: رأيت رجلاً على المهراس يغسل فرجه، والماء يرجع فيه، فذكرت ذلك لعطاء، فقال: توضأ منه، فقلت: وقد رأيت ما رأيت؟ فقال: نعم، إن ابن عباس هو الذي أمر به، وقد علم أنه يتوضأ منه الأحمر والأسود، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اسمح يسمح لكم. توفي الوليد بن مسلم سنة أربع وتسعين ومئة. وقيل: حج في سنة أربع وتسعين، ثم انصرف، فمات في الطريق، قبل أن يصل دمشق في المحرم. وقيل: توفي سنة خمس وتسعين ومئة، وكان مولده سنة تسع عشرة ومئة. كان الوليد من الأحماس، فصار لآل مسلمة بن عبد الملك. فلما قدم بنو هاشم في دولتهم، فصاروا إلى الشام، قبضوا رقيقهم من الأحماس وغيرهم، فصار الوليد بن مسلم وأهل بيته لصالح بن علي، فوهبهم للفضل بن صالح، فأعتقهم الفضل. فركب الوليد بن مسلم إلى آل مسلمة، فاشترى نفسه منهم. قال سعيد بن مسلمة بن عبد الملك: جاءني الوليد، فأقر لي بالرق، فأعتقته. وروي عن سعيد أنه قال: أنا أعتقت الوليد بن مسلم، كان عبدي.

قال يعقوب بن سفيان: سألت هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم، فقال: رحم الله أبا العباس، كان وكان، وجعل يذكر فضله وعلمه، وورعه ومواضعه. وكان مسلم أبوه من رقيق الإمارة، وتفرقوا على أنهم أحرار. وكان للوليد أخ جلف متكبر يركب الخيل، ويركب معه غلمان له كثير، وكان صاحب صيد وتنزه، ويخرج إلى الصيد في فوارس ومطابخ. وحمل الوليد دية فأداه في بيت المال، خرج عن نفسه، إذ اشتبه عليه أمر أبيه، فوقع بينه وبين أخيه في ذلك قطيعة وجفاء، وقال: فضحتنا، وما كان حاجتك إلى ما فعلت؟. وللوليد سبعون كتاباً، ولما أخذ الوليد في التصنيف أتاه شيخ من شيوخ المسجد، فقال: يا فتى، جد فيما أنت فيه؛ فإني رأيت كأن قناديل مسجد الجامع قد طفئت، فجئت أنت فأسرجتها. قال الوليد بن مسلم: لا تأخذوا العلم من الصحفيين، ولا تقرؤوا القرآن على الصحفيين إلا ممن سمعه من الرجال، وقرأه على الرجال. قال الوليد بن مسلم: أكلت مرة فجلاً، فرأيت فيما يرى النائم كأني صرت إلى باب المسجد، فقلت: افتح الباب، فقال: من أنت؟ قلت: أنا الوليد بن مسلم، فقال: ألست أنت آكل الفجل؟ قال: وأبى أن يفتح لي الباب، قال: قلت: افتح لي لا أعود لأكله، قال: ففتح لي، قال الوليد: فما عدت لأكله. قال أبو زرعة: وكنت معجباً بأكله، إذا رأيته على الخوان لا أصبر، فما أكلته منذ سمعت هذا.

الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك

الوليد بن معاوية بن مروان بن عبد الملك ويقال: الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. ويقال: الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم. والأول أثبت. كان أميراً على دمشق في آخر أيام بني أمية حين افتتحها بنو العباس. وأمه أم ولد بربرية، وهو أصيهب قريش الذي جاء في الملاحم ذكر قتله. ويقال: إن أمه زينب بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان ختن مروان بن محمد على ابنته. كان عمر بن يزيد البصري يقول: يقتل أصيهب قريش من دمشق ومعه سبعون صديقاً هزم مروان بالزاب، ومضى حتى مر بدمشق وعليها الوليد بن معاوية بن مروان، وهو ختن لمروان متزوج بابنته أم الوليد. فمضى، وخلفه بها حتى قدم عبد الله بن علي عليه، فحاصره أياماً، ثم فتحت المدينة، ودخلها عنوة، وقتل الوليد فيمن قتل. وهدم عبد الله بن علي حائط مدينتها. وكان مدخل عبد الله بن علي دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومئة. قال عبد الأعلى بن مسهر: إن الوليد بن معاوية تحدر من الحائط من ناحية باب الفراديس وهو يقول: اللهم إني أحمدك يا إلهي على خذلانك إياي، فأتى دار ابن عروبة التي عند حمام أيوب، فقالت له عجوز: عندي مخبأ لرجل لا يوصل إليه؛ فقال له صالح بن محمد: نموت جميعاً ونحيا جميعاً.

الوليد بن موسى القرشي

ودخلت الخراسانية، فقال رجل كان معهم: آتيكم بالسلاح؟ قال: نعم، قال: فخرجت، ثم جئت فوجدت الوليد بن معاوية، وصالح بن محمد، وزرعة بن إبراهيم قد قتلوا جميعاً. ودخل عبد الله دمشق، ودخل الخضراء، فجلس مع ابنة مروان بن محمد على فراشها فاحزألت حتى ألقت نفسها على الجدار، فقال لها: يا بنت مروان، أين ابن الصناجة؟ - يعني زوجها الوليد بن معاوية -. فقالت: الرجال أعلم بالرجال. فذكر أنهم قتلوا فيها أربعة آلاف. وقيل: إن الوليد أسر من الخضراء. وقيل: إنه قتل قبل افتتاح دمشق في الفتنة التي وقعت بين أهلها في الحضرية واليمانية في هذه الحضار. الوليد بن موسى القرشي حدث عن منبه بن عثمان بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن مؤمني الجن لهم ثواب، وعليهم عقاب، فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم، فقال: على الأعراف، وليسوا في الجنة مع أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألناه: وما الأعراف؟ قال: حائط الجنة، تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار. وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشيبة نور، من خلع الشيبة فقد خلع نور الإسلام، فإذا بلغ الرجل أربعين سنة وقاه الله الأدواء الثلاثة: الجنون والجذام والبرص. وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: آجال البهائم كلها من القمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال والدواب كلها والبقر وغير ذلك، آجالها في التسبيح، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها، وليس إلى ملك الموت من ذلك شيء.

الوليد بن النضر

طعن فيه قوم، وقالوا: أحاديثه كلها مناكير. الوليد بن النضر أبو العباس المسعودي الرملي قيل: إنه من أهل دمشق. حدث عن ميسرة بن معبد بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اقتلوا الحيات، وعليكم بذي الطفيتين والأبتر: فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل. الوليد بن نمير بن أوس الأشعري كان أبوه على قضاء دمشق. حدث عن أبيه بسنده إلى أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكرموا الخبز: فإن الله سخر له بركات السماوات والأرض والحديد والبقر وابن آدم. الوليد بن الوليد بن زيد أبو العباس العبسي القلانسي من دمشق. حدث عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن الفضل بن العباس، قال: كنت رديف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة، فجاء رجل من أهل اليمن يسأله عن بعض الأمر، وخلفه امرأة ضخمة حسناء، قال: فجعلت أنظر نظراً، ففطن بي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

الوليد بن الوليد بن سمرة

فأهوى بمخصرة، فوكزني بها، وقال: يا بن أخي هذا يوم من حفظ عينيه من النظر، ولسانه أن يتكلم بما لا يحل له غفر له إلى عام قابل من هذا. وحدث عن ابن ثوبان عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من عبد صام يوماً في سبيل الله إلا زوج حوراء من الحور العين في خيمة من درة مجوفة، عليها سبعون حلة ليس منها حلة تشبه صاحبتها، على سرير من ياقوته حمراء موشحة بالدر، عليها سبعون ألف فراش، بطانتها من إستبرق، ولها سبعون ألف وصيفة لحاجاتها، وسبعون ألفاً لبعلها، مع كل وصيفة منهن سبعون ألف صحفة من ذهب، ليس منها صفحة إلا وفيها لون من الطعام ما ليس في الأخرى، يجد لذة آخرها كلذة أولها. كان الوليد يرى القدر، وكان منكر الحديث. الوليد بن الوليد بن سمرة أبو عتبة القرشي حدث عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال مكحول: لا تقصر الصلاة حتى تكون تمشي ميلاً. الوليد بن هاشم أبو العباس حدث عن معروف الخياط قال: خرجت مع واثلة بن الأسقع على حمار له أسود، عليه عمامة سوداء، قد ألقى عذبة إلى قدام، وعذبة إلى خلف حتى أتينا باب الفراديس، فشرب فقاعاً، وشربت معه.

الوليد بن هشام بن معاوية

الوليد بن هشام بن معاوية ابن هشام بن عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية أبو يعيش المعيطي القرشي حدث عن معذان بن طلحة اليعمري، قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: أخبرني بعمل أعمله؛ يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء، فسألته، فقال لي مثل ما قال ثوبان. قال رجاء بن أبي سلمة: سألت الوليد بن هشام عما غيرت النار، فقال: إني لست بالذي أسأل، قال: قلت: على ذلك، قال: كان مكحول - وكان ما علمتم فقهاً - يتوضأ. فحج فلقي من أثبت له الحديث أنه ليس فيه وضوء، فترك الوضوء. قال الوليد بن هشام: أرسلت إلى ابن محيريز أسأله عن لبس اليلامق في الحرب، قال: فأرسل إلي: أتذكر أشد كراهية لما يكره عند الصفوف، - أو قال: للقتال - حين تعرض نفسك للشهادة؟ ولى عمر بن عبد العزيز الوليد بن هشام المعيطي على جند قنسرين، والفرات بن

مسلم على خراجها، فتباغيا حتى بلغ الأمر بالوليد إلى أن هيأ أربعة نفر من كهول قنسرين، يشهدون على فرات أنه يدع الصلاة، ويفطر في شهر رمضان مقيماً صحيحاً، ولا يغتسل من الجنابة، ويأتي أهله وهي طامث. فقدمواعلى عمر بن عبد العزيز، فشهدوا بهذه الشهادة، وهم مختضبون بالحناء. فقال عمر: هذا في صلاته، فلم يصلها، إما تركها متعمداً، وإما ساهياً. ورأيتموه يفطر في شهر رمضان ولا ترون به سقاماً، ما أعلمكم أنه لا يغتسل من الجنابة، وبغشيانه أهله؟ والله ما هذا مما يشتم به، ولا سيما فرات في مثل عفافه وأمانته، يا غلام، انطلق بهؤلاء المشيخة السوء إلى صاحب الشرط، فمره فليضرب كل واحد منهم عشرين سوطاً على مفرق رأسه، وليرفق في ضربه لمكان أسنانهم، وبحسبهم من الفضيحة ما هم صائرون إليه، إن لم يتغمد الله ما كان منهم بعفوه. ثم استوثق منهم بالكفلاء حتى يكون فرات هو الآخذ بحقه منهم، أو العافي عنهم، والعفو أقرب للتقوى وأقرب إلى الله. ثم أصلح بين الوليد وفرات. قال: وقدم الوليد، ومعه رؤوس النبط بقنسرين، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى الفرات يقدم. وإنه لقاعد خلف سرير عمر إذ دخل الوليد والأنباط، فقال لهم عمر: ماذا أعددتم لأميركم في نزله لسيره إلي؟ قالوا: وهل قدم يا أمير المؤمنين؟ قال: ما علمتم؟ قالوا: لا والله. فأقبل عمر على الوليد، فقال: يا وليد، إن رجلاً ملك قنسرين وأرضها خرج يسير في سلطانه وأرضه حتى انتهى إلي لا يعلم به أحد، ولا ينفر أحداً ولا يروعه، لخليق أن يكون متواضعاً عفيفاً. قال الوليد: أجل والله يا أمير المؤمنين، إنه لعفيف، وإني له لظالم، وأستغفر الله، وأتوب إليه. فقال عمر: ما أحسن الاعتراف وأبين فضله على الإصرار.

الوليد بن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس الغساني

وردهما عمر على عملهما. فكتب إليه الوليد مرائياً خديعة منه لعمر، وتزيناً بما هو ليس عليه: إني قدرت نفقتي لشهر، فوجدتها كذا وكذا درهماً، ورزقي يزيد على ما أحتاج إليه، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحط فضل ذلك. فقال عمر: أراد الوليد أن يتزين عندنا بما لا أظنه عليه، وإن كنت عازلاً أحداً عن ظن لعزلته. ثم أمر بحط رزقه إلى الذي سأله. ثم كتب إلى يزيد بن عبد الملك - وهو ولي عهد -: إن الوليد بن هشام كتب إلي كتاباً، أكبر ظني أنه تزين بما ليس عليه، ولو أمضيت شيئاً على ظني ما عمل لي أبداً، ولكن آخذ بالظاهر، وعند الله علم الغيب، فأنا أقسم عليك إن حدث بي حدث، وأفضى إليك الأمر، فسألك أن ترد إليه رزقه، وذكر أني نقصته، فلا يظفر منك بهذا، فإنما خادع الله، والله خادعه. فلما استخلف يزيد كتب الوليد أن عمر نقصني وظلمني، فغضب يزيد، وعزله، وغرمه كل رزق جرى عليه في ولاية عمر كلها، وعزله يزيد، فلم يل له عملاً حتى هلك. الوليد بن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس الغساني حدث عن أبيه بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القطع في ربع دينار فصاعداً. الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان أبو العباس بويع له بعد عمه هشام بن عبد الملك بعهد أبيه يزيد بن عبد الملك وأم الوليد بن يزيد أم الحجاج بن محمد بن يوسف الثقفي.

واستخلف الوليد بن يزيد سنة خمس وعشرين ومئة. وقيل: سنة ست وعشرين ومئة، وهو ابن ست وثلاثين سنة وشهرين وأيام. وقيل: إنه ولد سنة سبع وثمانين، وقيل: سنة تسعين. وكان وكلاء الوليد ختموا خزائن هشام، وبيوت أمواله، فلم يوجد له كفن يكفن فيه، وكفنه خادم له. روي عم سعيد بن المسيب قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام، فسموه الوليد، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم، إنه سيكون رجل يقال له الوليد، هو أضر على أمتي من فرعون على قومه. وكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد؛ لفتنة الناس به حين خرجوا عليه، فقتلوه، فافتتحت الفتن على الأمة والهرج. وفي حديث: دخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أم سلمة، وعندها رجل، فقال: من هذا؟ قالت: أخي الوليد، قدم مهاجراً، فقال: هذا المهاجر. فقالت: يا رسول الله هذا الوليد، فأعاد وأعادت، فقال: إنكم تريدون أن تتخذوا الوليد حناناً! إنه يكون في أمتي فرعون يقال له الوليد، يسر الكفر، ويظهر الإيمان. وعرفت أم سلمة ما أراد من تحويل اسمه، فقالت: نعم يا رسول الله، هو المهاجر. قال جعدي: لو رأيته يوم بدر، وجاء مقنعاً في الحديد، لا يرى منه إلا عيناه، وقف ودعا إلى البراز، فاستشرفه الناس، فقلنا: من هذا؟ قال: أنا ابن زاد الركب، فعرفنا أنه ابن

أبي أمية، فقلنا: أيهم؟ قال: أنا ابن جذل الطعان. فعرفناه. فلم يلبث أن انصرف. وجاء فارس في مثل حاله، ووقف في مثل موقفه، فاستشرفه الناس، فقلنا من هذا؟ فقال: أنا ابن زاد الركب، فعرفنا أنه ابن أبي أمية، فقلنا: أيهم؟ فقال: أنا ابن عبد المطلب، فعرفنا أنه زهير بن أبي أمية. قال: فكان ابن عمتي أثبت مقاماً من أخيك. كانت أم المهاجر بن أبي أمية، وأم أم سلمة بنت أبي أمية عاتكة بنت جذل الطعان. وكانت أم أخيهما لأبيهما زهير بن أبي أمية عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم. وكان أبو أمية يلقب زاد الركب؛ لأنه لم يكن يترك أحداً يتزود ممن يخرج معه في سفر، ويكفي من رافقه زاده. وكان يلقب بهذا اللقب أيضاً مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. قال مروان بن أبي حفصة: قال لي هارون أمير المؤمنين: هل رأيت الوليد بن يزيد؟ قلت: نعم، قال: فصفه لي، فرمت أزحزح، فقال: إن أمير المؤمنين لا يكره ما تقول. فقلت: كان من أجمل الناس وأشعرهم وأشدهم، قال: أتروي من شعره شيئاً؟ قلت: نعم. دخلت عليه مع عمومتي، ولي جمة فينانة، فجعل يقول بالقضيب فيها، ويقول: يا غلام هل ولدتك شكر؟ - أم ولد كانت لمروان بن الحكم زوجها

أبا حفصة - فقلت: نعم، فسمعته أنشد عمومتي: من السريع ليت هشاماً عاش حتى يرى ... محلبه الأوفر قد أترعا كلنا له الصاع التي كالها ... وما ظلمناه بها أصوعا وما أتينا ذاك عن بدعة ... أحلها القرآن لي أجمعا محلبه الأوفر: معناه: الإناء الذي يحلب فيه، بكسر ميمه. والمحلب: الذي يتطيب به. محلب مثل المندل: العود. فأمر هارون بكتابتها، فكتبت. كان الزهري يقدح أبداً عند هشام بن عبد الملك في خلع الوليد بن يزيد، ويعيبه، ويذكر أموراً عظيمة لا ينطق بها حتى يذكر الصبيان أنهم يخضبون بالحناء. ويقول لهشام: ما يحل لك إلا خلعه، وكان هشام لا يستطيع ذلك؛ للعقد الذي عقد له، ولا يسوءه ما يصنع الزهري؛ رجاء أن يؤلب ذلك الناس عليه. قال أبو الزناد: فكنت يوماً عند هشام في ناحية الفسطاط، وأسمع ذرق كلام الزهري في الوليد، وأنا أتغافل، فجاء الحاجب، فقال: هذا الوليد على الباب، فأدخله، فأوسع له هشام على فراشه، وأنا أعرف في وجه الوليد الغضب والشر. فلما استخلف الوليد بعث إلي وإلى عبد الرحمن بن القاسم وابن المنكدر وربيعة، فأرسل إلي ليلة مختلياً بي، وقدم العشاء، وقال بعد حديث: يا بن ذكوان أرأيت يوم دخلت على الأحوال، وأنت عنده، والزهري يقدح في، أفتحفظ من كلامه يومئذ شيئاً؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، أذكر يوم دخلت وأنا أعرف الغضب في وجهك. قال: كان الخادم الذي رأيت على رأس هشام نقل ذلك كله إلي، وأنا على الباب قبل أن أدخل إليكم، وأخبرني أنك لم تنطق عنه بشيء. قلت: نعم، لم أنطق فيه بشيء يا أمير المؤمنين. قال: قد كنت عاهدت الله لئن أمكنني القدرة بمثل هذا اليوم أن أقتل الزهري، فقد فاتني. قال يحيى بن عبد الله بن بكير: كان الوليد بن يزيد يظن أن عند ربيعة ما كان عند الزهري، فكان يسأله، فلا يجد عنده ما أمل فيه، فسأله يوماً عن ناز له، فقال: ليس عندي فيه رواية، فقال الوليد: ولكن ذاك الذي فعل الله به في قبره وفعل، لو سقط قضيبي هذا من يدي لروى فيه شيئاً. فقلت: ولم قال هذا في الزهري، أمن سوء رأي في الزهري. فقال: نعم، كان الوليد فيه وفيه ... كان الزهري يقول لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، اخلع الوليد؛ فإن من الوفاء بعهد الله خلعك إياه. فقال: أخشى أن الأجناد يأبون ذلك. فقال الزهري: فوجهني حتى أسير في الأجناد جنداً جنداً فأخلعه، فأبى عليه. فأرسل الوليد إلى ماله ببداً وشغب، فعقر أشجاره. وخاصمه الزهري إلى عمر، وكان مال الزهري اشتراه

من قوم كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع لهم، فأخرج كتابه، وخاصم الوليد. فقال عمر للزهري: فإنه لا يحكم عليه إلا أنت، فاحكم عليه. فقال: يا أمير المؤمنين، يغرس لي مكان كل نخلة قطعها وشجرة نخلةً وشجرةً، ويعمرها حتى يبلغ ذلك مبلغ ما قطع لي، ويغرم لي مثلما كنت أستغل منها. فأجاز حكمه عليه، وألزمه ذلك. وكان الوليد يقول للزهري: إن أمكنني الله منك يوماً فستعلم. وكان الزهري يقول: إن الله أعدل من أن يسلط علي سفيهاً. قال ابن بكير: وأنكر ربيعة وأبو الزناد ذلك، وقالا: ما كان وجه الحكم ما حكم به أبو بكر الزهري. فبلغ ذلك الزهري، فقال الزهري: ذانك العلجان أفسد أهل تلك الحرة - يعني المدينة - كأنه قال: من قبل الرأي. وأغرم الوليد ابني هشام مالاً عظيماً، وعذبهما حتى ماتا في عذابه. وزاد أهل المدينة في أعطياتهم عشرة دنانير لكل إنسان، وأمر بهدم دار هشام. أراد هشام بن عبد الملك أن يخلع الوليد بن يزيد ويجعل العهد لولده؛ فقال الوليد ابن يزيد: من الطويل كفرت يداً من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن

رأيتك تبني جاهداً في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني أراك على الباقين مجنى ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني كأني بهم يوماً وأكثر قيلهم ... ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني وقال الوليد في ذلك: من الرجز يا رب أمر ذي شؤون جحفل ... قاسيت فيه جلبات الأحول وقال أيضاً حين مات هشام: من مجزوء الخفيف هلك الأحول المشو ... م فقد سرح المطر ثمت استخلف الولي ... د فقد أورق الشجر جاء الوليد بن يزيد إلى هشام بن يزيد بن عبد الملك، فلما قام الوليد قام معه مسلمة بن هشام حتى ركب. فلما ركب قال مسلمة: ما اسمك؟ قال: رباح شارزنجي. فقال هشام: قاتله الله ما أظرفه، لولا ما علمت عليه من البطالة. قال الهيثم عن عمران: سمعت الوليد بن يزيد خطيباً على المنبر، وقد زيد في أعطياتهم خمسة، فسمعته يقول: من الطويل ضمنت لكم إن لم تعقني منيةً ... بأن سحاب الفقر عنكم ستقلع قال حماد الراوية: كنت عند الوليد يوماً، فدخل عليه رجلان كانا منجمين، فقالا: نظرنا فيما أمرتنا به، فوجدناك تملك سبع سنين مؤيداً منصوراً، يستقيم لك الناس، ويجبى لك الخراج.

قال حماد: فاغتنمتها، وأردت أن أخدعه كما خدعاه؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، كذبا؛ نحن أعلم بالرواية والآثار وضروب العلوم منهما، وقد نظرنا في هذا، ونظر الناس فيه قديماً، فوجدناك تملك أربعين سنة في الحال التي وصفا. فأطرق الوليد، ثم رفع رأسه إلي، فقال: لا ما قال هذان يكسرني، ولا ما قلت يعزني، والله لأجبين هذا المال من حله جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت في غد. كان الوليد يتغدى، وابنه معه، فإذا هو يلوك لقمة يديرها؛ فقال: ويحك ألقها؛ فإنها على معدتك أشد منها على لسانك. نظر الوليد بن يزيد إلى جارية نصرانية بالمدينة من أهيأ النساء، يقال لها سفرى، فجن بها، وجعل يراسلها، وتأبى عليه، حتى بلغه أن عيداً للنصارى قد قرب، وأنها ستخرج فيه، وكان في موضع العيد بستان حسن، والنساء يدخلنه، فصانع الوليد صاحب البستان أن يدخله؛ فينظر إليها، فتابعه، وحضر الوليد وقد تقشف وغير حليته. ودخلت سفرى البستان، فجعلت تمشى حتى انتهت إليه، فقالت لصاحب البستان: من هذا؟ فقال لها: رجل مصاب، فجعلت تمازحه وتضاحكه حتى اشتفى من النظر إليها ومن حديثها. فقل لها: ويلك تدرين من ذلك الرجل؟ قالت: لا، فقيل لها: الوليد، وإنما تقشف حتى ينظر إليك، فجنت به بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها؛ فقال الوليد في ذلك: من الكامل أضحى فؤادك يا وليد عميدا ... صباً قديماً للحسان صيودا

من حب واضحة العوارض طفلةٍ ... برزت لنا نحو الكنيسة عيدا ما زلت أرمقها بعيني وامق ... حتى بصرت بها تقبل عودا عود الصليب فويح نفسي من رأى ... منكم صليباً مثله معبودا فسألت ربي أن أكون مكانه ... وأكون في لهب الجحيم وقودا قال المنصف: لم يبلغ الشيباني هذا الحد من الخلاعة إذ قال في عمرو النصراني: من الرجز يا ليتني كنت له صليباً ... فكنت منه أبداً قريبا أبصر حسناً وأشم طيباً ... لا واشياً أخشى ولا رقيبا فلما ظهر أمر الوليد، وعلمه الناس قال: من الطويل ألا حبذا سفرى وإن قيل إنني ... كلفت بنصرانية تشرب الخمرا يهون علي أن نظل نهارنا ... إلى الليل لا أولى نصلي ولا عصرا وللوليد في هذا النحو من الخلاعة والمجون وسخافة الدين ما يطول ذكره، وقد تضمن شعره من ركيك ضلاله وكفره ما شاع من أمره. حكى خمار بالحيرة قال: ما شعرت يوماً، وقد فتحت حانوتي، إذا فوارس ثلاثة متلثمون بعمام خز، أقبلوا من طريق السماوة، فقال لي أحدهم: أنت مرعيداً الخمار؟ قلت: نعم، وكنت موصوفاً بالنظافة وجودة الخمر، وغسل الأواني، فقال: اسقني رطلاً. فقمت، فغسلت يدي، ثم نقرت الدنان، ونظرت إلى أصفاها فنزلته، وأخذت قدحاً نظيفاً فملأته، ثم أخذت منديلاً جديداً، فناولته إياه، فشرب وقال: اسقني

آخر، فغسلت يدي وتركت ذلك الدن وذلك القدح وذلك المنديل، ونقرت دناً آخر، فنزلت منه رطلاً في قدح نظيف، وأخذت منديلاً جديداً، فسقيته، فشرب، وقال: اسقني رطلاً آخر، فسقيته في غير ذلك القدح، وأعطيته غير ذلك المنديل، فشرب وقال: بارك الله عليك، فما أطيب شرابك وأنظفك! فما كان رأيي أشرب أكثر من ثلاثة، فلما رأيت نظافتك دعتني نفسي إلى شرب آخر، فهاته، فناولته إياه على تلك السبيل. ثم قال: لولا أسباب تمنع من بيتك لكان حبيباً إلي أن أجبس فيه بقية يومي هذا. وولى راجعاً في الطريق الذي بدا منه، وقال: اعذرنا، ورمى إلي أحد الرجلين اللذين معه بشيء، فإذا صرة، فيها خمس مئة دينار، وإذا هو الوليد بن يزيد، أقبل من دمشق حتى شرب من شراب الحيرة، وانصرف. قال المنصف: وللوليد أشعار، ضمنها ما فجر به من خرقه وسفاهته وحمقه وخسارته، وهزله ومجونه، وسخافة دينه وركاكته، وما صرح به من الإلحاد في القرآن والكفر بمن أنزل عليه، وذكر أنه عارضها بشعره. قال صالح بن سليمان: أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق ظهر الكعبة، فهم قوم أن يفتكوا به إذا خرج. فجاؤوا إلى خالد بن عبد الله القسري، فسألوه أن يكون معهم، فأبى، فقالوا له: فاكتم علينا، فقال: أما هذا فنعم. فجاء إلى الوليد، فقال له: لا تخرج، فإني أخاف عليك، قال: ومن هؤلاء الذين تخافهم علي؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف، قال: وإن بعثت بي إلى يوسف. فيعث به إلى يوسف، فعذبه حتى قتله.

ذكر الوليد ين يزيد عند المهدي، فقال رجل في المجلس: كان زنديقاً، فقال المهدي: مه، خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق. روي عن أم الدرداء أنها قالت: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوماً لم تزل طاعة مستحق بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير الحق. وعن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثمله رجل من بني أمية. لما أحاطوا بالوليد أخذ المصحف، وقال: أقتل كما قتل ابن عمي، يعني عثمان. حدث عبد الله بن واقد الجرمي، وكان شهد قتل الوليد، قال: لما اجتمعوا على قتل الوليد قلدوا أمرهم يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وبايعه من أهل بيته عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك. فخرج يزيد بن الوليد، فأتى أخاه العباس ليلاً فشاوره في قتل الوليد، فنهاه عن ذلك. وأقبل يزيد ليلاً حتى دخل مسجد دمشق في أربعين رجلاً، فكسروا باب المقصورة، ودخلوا على واليها، فأوثقوه، وحمل يزيد الأموال على العجل إلى باب المضمار. وعقد لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، ونادى مناديه: من ابتدر إلى الوليد فله ألفان، فابتدر معه ألفا رجل. حدث يعقوب بن إبراهيم بن الوليد: أن مولى الوليد، لما خرج يزيد بن الوليد، خرج على فرس له، فأتى الوليد من يومه، فنفق فرسه حين بلغه.

فأخبر الوليد، فضربه مئة سوط، وحبسه، ثم دعا أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وأجازه، ووجهه إلى دمشق. فخرج أبو محمد، فلما أتى إلى ذنبة أقام، فوجه يزيد بن الوليد إليه عبد الرحمن بن مصاد، فسالمه أبو محمد، وبايع ليزيد بن الوليد. وأتى الوليد الخبر، وهو بالأغدف. والأغدف بن عاد، فقال له بيهس بن زميل الكلابي. ويقال: قال له يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية: يا أمير المؤمنين: سر حتى تنزل حمص؛ فإنها حصينة، ووجه الجنود إلى يزيد، فيقتل أو يؤسر. فقال عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاص: ما ينبغي للخليفة أن يدع عسكره ونساءه قبل أن يقاتل، ويعذر، والله مؤيد أمير المؤمنين وناصره. فقال يزيد بن خالد: وماذا تخاف على حرمه؟ وإنما أتاه عبد العزيز بن الحجاج، وهو ابن عمهم. فأخذ بقول ابن عنبسة، فقال له: الأبرش سعيد بن الوليد: يا أمير المؤمنين: تدمر حصينة، وبها قومي يمنعونك، فقال: ما أرى أن نأتي تدمر، وأهلها بنو عامر، وهم الذين خرجوا علي، ولكن دلني على منزل حصين. فقال: أرى أن تنزل القريتين، قال: أكرهها، قال: فهذا الهزيم. قال: أكره اسمه، قال: فهذا البخراء قصر النعمان بن بشير، قال: ويحك! ما أقبح أسماء مياهكم.

فأقبل في طريق السماوة، ونزل الريف، وهو في مئتين، فقال: من الطويل إذا لم يكن خير مع الشر لم تجد ... نصيحاً ولا ذا حاجة حين تفزع إذا ما هم جاؤوا بإحدى هناتهم ... حسرت لهم رأسي فلا أتقنع فمر في شبكة للضحاك بن قيس الفهري، وفيها من ولده وولد ولده أربعون رجلاً. فساروا وقالوا: إنا عزل، فلو أمرت لنا بسلاح، فما أعطاهم رمحاً ولا سيفاً. فقال له بيهس: إذا أبيت أن تمضي إلى حمص وتدمر، فهذا الحصن البخراء - البخراء شرقي حمص في البرية - فإنه حصين، وهو من بناء العجم فانزله. قال: فإني أخاف الطاعون، قال: الذي يراد بك أشد من الطاعون. فنزل حصن البخراء. قال: فندب يزيد بن الوليد الناس مع عبد العزيز، ونادى مناديه: من سار معه فله ألفان؛ فانتدب ألفا رجل؛ فأعطاهم ألفين ألفين، وقال: موعدكم بذنبة. فوافى بذنبة ألف ومئتان، فقال لهم: موعدكم مصنعة بني عبد العزيز بن الوليد بالبرية، فوافاه بها ثمان مئة، فسار فتلقاهم ثقل الوليد، فأخذوه، ونزلوا قريباً من الوليد.

وأتاه رسول العباس بن الوليد: إني آتيك؛ فقال الوليد: أخرجوا سريراً فأخرجوا سريراً، فجلس عليه، وقال: علي توثب الرجال وأنا أثب على الأسد والخضر الأفاعي؟ وهم ينتظرون العباس. فتلقاهم عبد العزيز، على الميمنة حوي بن عمرو، وعلى المقدمة منصور بن جمهور، وعلى الرجالة عمارة بن أبي كلثم. وركب عبد العزيز بغلاً له أدهم وبعث إليهم زياد بن حصين يدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فقتله قطري مولى الوليد. فانكشف أصحاب يزيد، فدخل عبد العزيز، فكر في أصحابه، وقد قتل من أصحابه عدة، وحملت رؤوسهم إلى الوليد وهو على باب حصن البخراء، قد أخرج لواء مروان بن الحكم الذي كان عقده بالجابية. وقتل من أصحاب الوليد يزيد بن عثمان الخشبي. وبلغ عبد العزيز مسير العباس بن الوليد، فأرسل منصور بن جمهور في خيل، وقال: إنكم تلقون العباس في الشعب ومعه بنوه، فخذوهم. فخرج منصور والخيل فإذا هم في الشعب بالعباس في ثلاثين من بنيه، فقال له: اعدل إلى عبد العزيز، فشتمهم، فقال له منصور: والله لئن تقدمت لأنفذن حصينك.

قال نوح بن عمرو: الذي لقي العباس بن الوليد يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم. فعدل به إلى عبد العزيز، فأبى عليه، فقال هل: يابن قسطنطين، لئن أبيت علي لأضربن الذي فيه عيناك، فنظر العباس إلى هرم بن عبد الله بن دحية، فقال: من هذا؟ قال يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم، فقال: أما والله إن كان لبغيضاً إلى أبيه أن يقف ابنه هذا الموقف. وعدل به إلى عسكر عبد العزيز، ولم يكن مع العباس أصحابه، وكان قد تقدمهم مع ثلاثة، فقال: إنا لله، فأتوا به عبد العزيز، فقال له: بايع لأخيك يزيد بن الوليد، فبايع، ووقف. ونصبوا راية، وقالوا: هذه راية العباس بن الوليد، وقد بايع لأمير المؤمنين يزيد بن الوليد. فقال العباس: إنا لله، خدعة من خداع الشيطان، هلك بنو مروان، فتفرق الناس عن الوليد، فأتوا العباس وبعد العزيز، وظاهر الوليد بين درعين، وأتوه بفرسين: السندي والذائد، فقاتلهم، فناداهم رجل: اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط، ارموه بالحجارة. فلما سمع ذلك دخل القصر، وأغلق الباب، وأحاط عبد العزيز وأصحابه بالقصر. فدنا الوليد من الباب، فقال: أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه؟ فقال له يزيد بن عنبسة: كلمني، قال: من أنت؟ قال: يزيد بن عنبسة، قال: يا أخل السكاسك، ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أدفع عنكم المؤن؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم زمناكم؟

فقال: ما ننقم عليك في أنفسنا، ولكنا ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله. قال: حسبك، فلعمري لقد أكثرت وأغرقت، إن فيما أحل الله لي سعة عما ذكرت. ورجع إلى الدار، فجلس، وأخذ مصحفاً، وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأ. فعلوا الحائط، فكان أول من علا الحائط يزيد بن عنبسة، فنزل إليه، وسيف الوليد إلى جنبه، فقال له يزيد: نح سيفك. فقال له الوليد: لو أردت السيف كان لي ولك حال غير هذه، فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يحبسه ويؤامر فيه، فنزل من الحائط عشرة، فضربه عبد السلام اللخمي على رأسه، وضربه السري بن زياد بن أبي كبشة على وجهه، وجروه بين خمسة ليخرجوه، فصاحت امرأة كانت معه في الدار؛ فكفوا عنه لم يخرجوه. واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه، وأخذ عقباً، فخاط الضربة التي في وجهه. وقدم بالرأس على يزيد روح بن مقبل، وقال: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الفاسق الوليد وأسر العباس. ويزيد يتغذى؛ فسجد ومن كان معه. وقدم يزيد بن عنبسة، وأخذ بيد يزيد، وقال: قم يا أمير المؤمنين، وأبشر بنصر الله. فاختلج يزيد يده من كفه، وقال: اللهم، إن كان هذا لك رضى فسددني. وقال ليزيد بن عنبسة: هل كلمكم الوليد؟ قال: نعم، كلمني من وراء الباب، وقال: أما فيكم ذو حسب فأكلمه؟ فكلمته، ووبخته، فقال: حسبك، فقد لعمر أغرقت وأكثرت، أما والله لا يرتق فتقكم، ولا يلم شعثكم، ولا تجمع كلمتكم.

قال المثنى بن معاوية: أتيت الوليد، فدخلت من مؤخر الفسطاط، فدعا بالغداء، فلما وضع يده أتاه رسول أم كلثوم بنة عبد الله بن يزيد بن عبد الملك، فأخبره أن عبد العزيز بن الحجاج قد نزل اللؤلؤة، فلم يلتفت إليه، وأتاه خالد بن عثمان، وكان على شرط، برجل من بني حارثة، فقال: إني كنت بدمشق مع عبد العزيز، وقد أتيتك بالخبر، وهذه ألف وخمس مئة قد أخذتها، وحل همياناً من وسطه، وأراه قد نزل اللؤلؤة، وهو غاد منها إليك، فلم يجبه. والتفت إلى رجل إلى جنبه، فكلمه بكلام لم أسمعه، فسألت بعض من كان بيني وبينه عما قال؛ فقال: سأله عن النهر الذي حفر بالأردن: كم بقي منه. وأقبل عبد العزيز من اللؤلؤة.. الحديث. وكان يزيد بن الوليد جعل في رأس الوليد مئة ألف. وأقبل أبو الأسد مولى خالد بن عبد الله القسري، فسلخ من جلدة الوليد قدر الكف، فأتى بها يزيد بن خالد بن عبد الله. وانتهب الناس عسكر الوليد وحراسه. ولما قتل الوليد قطعت كفه اليسرى، فبعث بها إلى يزيد، فسبقت الرأس، وصلت يوم الجمعة، ووصلت الرأس من الغد، فنصبه الناس بعد الصلاة؛ فقال يزيد بن فروة مولى بني مروان: إنما ينصب رأس الخارجي، وهو ابن عمك وخليفة، ولا آمن إن نصبته أن ترق له قلوب الناس؛ فيغضب له أهل بيته. قال: والله، إلا نصبته، فنصبه على رمح، ثم قال: انطلق، فطف به دمشق، وأدخله دار أبيه.

ففعل، وصاح الناس وأهل الدار، ثم رده إلى يزيد، فقال له: انطلق به إلى منزلك. فمكث عنده قريباً من شهر، ثم قال: ادفعه إلى أخيه سليمان، وكان أخوه سليمان ممن يسعى على أخيه. فغسل ابن فروة الرأس، ووضعه في سفط، وأتى به سليمان، فنظر إليه سليمان، فقال بعدالة: أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق. فخرج ابن فروة، فتلقته مولاة للوليد، فقال لها: ويحك! ما أشد ما شتمه! زعم أنه أراده على نفسه! قالت: كذب والله الخبيث، ما فعل، ولئن كان أراده على نفسه فقد فعل، وما كان ليقدر على الامتناع منه. ويزيد بن الوليد الذي قتل الوليد بن يزيد هو ابن عمه الذي يقال له الناقص، سار إليه في التدرية، فقتلوه بالبخراء، وقتل أهل مصر أميرهم. وقيل: إنه حمل إلى دمشق سراً، ودفن خارج باب الفراديس. وعن سيار بن سلامة أنه قال لما قتل الوليد: إنكم لترسون خبراً - يقال: بلغني رس من خبر وذرء من خبر - إن كان حقاً لا يبقى أهل بيت من وتر إلا دخل عليهم منه مكروه. قال سفيان: لما قتل الوليد كان بالكوفة رجل، يكون بالشام، وأصله كوفي، سديد عقله، قال لخلف بن حوشب لما وقعت الفتنة: اصنع طعاماً، واجمع بقية من بقي، فجمعهم، فقال سليمان الأعمش: أنا لكم النذير: كف رجل يده، وملك لسانه، وعالج قلبه. ولما قتل الوليد قال خلف بن خليفة: من الطويل

الوليد بن يزيد الخزاعي

لقد سلبت كلب وأسباب مذحج ... صدى كان يزقو ليله غير راقد تركن أمير المؤمنين بخالد ... مكباً على خيشومه غير ساجد فإن تقطعوا منا مناط قلادة ... قطعنا به منكم مناط قلائد وإن تشغلونا عن ندانا فإننا ... شغلنا الوليد عن غناء الولائد وإن سافر القسري سفرة هالك ... فإن أبا العباس ليس بشاهد فقال حسان بن جعدة الجعفري يكذب خلف بن خليفة في قوله: من البسيط إن امرأ يدعي قتل الوليد سوى ... أعمامه لمليء النفس بالكذب ما كان إلا امرأ حانت منيته ... سارت إليه بنو مروان بالعرب الوليد بن يزيد الخزاعي حدث عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثوا أهل العراق، ولا تحدثوا عنهم، وعلموهم، ولا تعلموا منهم. وهب بن الأسود ويقال: ابن مسعود الثقفي والأول أصح. وفد على مروان بن الحكم، فقال له مروان: يا وهب، ما المروءة؟ قال: العفاف في الدين، والصنيعة في المال. وقيل: إنه قال له: ما المروءة فيكم؟ قال: بر الوالدين، وإصلاح المال. وقيل: إنه قال: العفاف وإصلاح المال، فقال مروان: عل بعبد الملك وعبد العزيز، فقال: اسمعا ما يقول عمكما.

وهب بن أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق

قال: فما السؤدد بينكم؟ قال: الحلم والنائل. قال: أي بني اسمعوا. فلما استخلف عبد الملك ركب يوماً حتى انتهى إلى عين الأسد حول مدينة دمشق، فمر بغنم له، فإذا شاة جرباء، فنزل، فحسر عن ذراعه، ودعا بزيت وقطران، وأخذ الشاة؛ فقال له الراعي: تكفى يا أمير المؤمنين، فقال له: ويحك! فأين قول وهب بن مسعود لأمير المؤمنين؟! وهب بن أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق ويقال وهب بن عبد الملك بن أكيدر الكندي، ويقال: الكلبي من دومة الجندل. حدث عن أبيه قال: كتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأكيدر كتاباً، فيه أمان لهم من الظلم، ولم يكن معه خاتم، فختمه لهم بظفره. وهب بن جابر الهمداني الحيواني الكوفي حدث عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا ينبغي للمسلم أن يضيع من يقوت. قال وهب بن جابر: كنت في بيت المقدس، فجاء مولى لعبد الله بن عمرو، فقال: إني أريد أن أقيم ههنا شهر رمضان، فقال له عبد الله: تركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا، قال: فارجع، فاترك عندهم ما يقوتهم؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. وهب بن جابر ثقة.

وهب بن زمعة بن أسيد

وهب بن زمعة بن أسيد ابن أحيحة بن خلف بن وهب بن حذافة أو دهبل الجمحي، الشاعر من أهل مكة. قدم دمشق. خرج أبو دهبل يريد الغزو - وكان رجلاً جميلاً صالحاً - فلما كان بجيرون جاءته امرأة، فأعطته كتاباً، فقالت له: اقرأ هذا، فقرأه لها. ثم ذهبت، فدخلت قصراً، ثم خرجت إليه، فقالت: لو تبلغت إلى هذا القصر، فقرأت الكتاب على امرأة فيه كان لك أجر - إن شاء الله - فدخل القصر، فإذا جوار كثير، فأغلقن عليه باب القصر، وإذا امرأة جميلة قد أتته، فدعته إلى نفسها، فأبى؛ فأمرت به فحبس في بيت من القصر، وأطعم وسقي قليلاً قليلاً حتى ضعف، وكاد أن يموت، ثم دعته إلى نفسها؛ فقال: أما حرام فلا يكون ذلك أبداً، ولكن أتزوجك، قالت: نعم. فتزوجها، وأمرت به فأحسن إليه حتى رجعت إليه نفسه، فأقام معها زماناً طويلاً، لم تدعه يخرج من القصر، حتى يئس منه أهله وولده، وزوج أولاده بناته، واقتسموا ميراثه، وأقامت زوجته تبكي عليه، ولم تقاسمهم ماله، ولا أخذت شيئاً من ميراثه، وجاءها الخطاب، فأبت، وأقامت على الحزن والبكاء عليه. فقال أبو دهبل لامرأته يوماً: إنك قد أثمت في وفي ولدي؛ فأذني لي أن أخرج إليهم، وأرجع إليك. فأخذت عليه أيماناً ألا يقيم إلا سنة حتى يعود إليها، وأعطته مالاً كثيراً. فخرج إلى أهله، وأتى زوجته وما صارت إليه من الحزن، ونظر إلى ولده ممن

اقتسم ماله، فقال: ما بيني وبينكم عمل، أنتم ورثتموني وأنا حي، فهو حظكم، والله لا يشرك زوجتي فيما قدمت به أحد. وقال لزوجته: شأنك بهذا المال، فهو لك، ولست أجهل ما كان من وفائك. فأقام معها، وقال في الشامية: - ويروى لعبد الرحمن بن حسان وليس بصحيح -: من الخفبف صاح حيا الإله حياً ودوراً ... عند أصل القناة من جيرون فبتلك اغتربت في الشام حتى ... ظن أهلي مرجمات الظنون وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوا ... ص ميزت من جوهر مكنون وفيها: ثم فارقتها على خير ما كا ... ن قرين مفارقاً لقرين وبكت خشية التفرق والبي ... ن بكاء الحزين نحو الحزين فأسألي عن تذكري واكتئابي ... كل أهلي إذا هم عذلوني فلما جاء الأجل أراد الخروج إليها، فجاءه موتها؛ فأقام. كان عبد الله بن الزبير استعمل المغيرة بن عبد الله بن خالد على ناحية من اليمن، وكان المغيرة شريفاً، ووفد عليه أبو دهبل الجمحي، فقال له: من مجزوء الكامل يا ناق سيري واشرقي ... بدم إذا جئت المغيرة سيثيبني أخرى سوا ... ك وتلك لي منه يسيره إن ابن عبد الله نع ... م فتى الندى وابن العشيرة حلو الحلاوة دهثم ... جلد القوى مر المريره كفاه كفا ماجد ... حر سحائبه مطيره

وهب بن سعد بن أبي سرح

تتحليان ندى إذا ... ضنت به النفس العسيره ولأبي دهبل يمدح عبد الله الأزرق: من الكامل عقم النساء فما تلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم غض الكلام من الحياء تخاله ... ضمناً وليس بجسمه سقم خرج أبو دهبل يريد مصر، ثم رجع من الطريق. وقال في زوجته أم دهبل: من الخفيف اسلمي أم دهبل قبل هجر ... وتقص من الزمان وعصر واذكري كري المطي إليكم ... بعدما قد توجهت نحو مصر إن تكوني أنت المقدم قبلي ... وأطع يثو عند قبرك قبري قال إبراهيم بن أبي عبد الله: فرأيت قبريهما بتهامة بعليب في موضع واحد. وهب بن سعد بن أبي سرح ابن الحارث بن حبيب بن جذيمة، ويقال: وهب بن عبد الله بن أبي سرح له صحبة. شهد بدراً ومؤتة، واستشهد بها. وآخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين وهب بن سعد وسويد بن عمرو، وقتلا شهيدين يوم مؤتة سنة ثمان، وهو ابن أربعين سنة، وشهد أحداً والخندق والحديبية وخيبر.

وهب بن سلمان بن أحمد

وهب بن سلمان بن أحمد ابن عبد الله بن أحمد أبو القاسم السلمي المعروف بابن الزلف، الفقيه الشافعي حدث بسنده إلى أنس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن، والصوم جنةٌ من النار. ولد أبو القاسم سنة ثمان وتسعين وأربع مئة، وتوفي سنة تسع وأربعين وخمس مئة. وهب بن منبه بن كامل بن سيج أبو عبد الله الأبناوي الذماري الصنعاني اليماني حدث وهب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يخرج من عدن اثنا عشر ألفاً ينصرون الله ورسوله، وهم خير من بيني وبينهم. وحدث عن أخيه عن معاوية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد شيئاً، فتخرج له مسألته شيئاً فيبارك له فيه. ولد وهب سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان - رضي الله عنه -. دخل سليمان بن عبد الملك مسجد دمشق فإذا نقش في حجر، فقال لمن معه: ما هذا النقش؟ قالوا: ما ندري، قال: ابعثوا إلى أناس من النصارى واليهود.

قال: فجاؤوه بأناس، فقالوا: ما نعرف، فقيل: يا أمير المؤمنين ابعث إلى وهب بن منبه، فإنه يقرأ الكتاب. فبعث إليه، فعرفه، فإذا هو يا بن آدم لو رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طويل ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك، لو قد زلت بك قدمك، فأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، فلا أنت إلى أهلك بعائد، ولا في عملك زائد، فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة. زاد في آخر وقصرت من حرصك وحيلك، وابتغيت الزيادة في عملك. ومنبه: من أهل هراة، خرج فوقع إلى فارس أيام كسرى، وكسرى أخرجه من هراة، وهراة من خراسان، أسلم على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحسن إسلامه. عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في أمتي رجلان: أحدهما يقال له وهب، يهب الله له الحكمة والأخبار، وآخر يقال له عيلان هو شر على أمتي من إبليس. ويروى هو أضر. كان وهب تابعياً ثقة على قضاء صنعاء. قال وهب بن منبه: يقولون: إن عبد الله بن سلام كان أعلم أهل زمانه، وإن كعباً أعلم أهل زماني، أفرأيت من جمع علمهما، أهو أعلم أم هما؟ حدث كثير بن عبيد: أنه سار مع وهب حتى باتوا في دار بصعدة عند رجل من أهلها، فأنزلوا

مصابيحهم، وخرجت ابنة الرجل، فرأت عنده مصباحاً، فاطلع إليه صاحب المنزل؛ فرآه صاف قدميه في ضياء كأنه بياض الشمس. فقال الرجل: رأيتك الليلة في هيئة ما رأيت فيها أحداً، قال: وما الذي رأيت؟ قال: رأيتك في ضياء أشد من الشمس، قال: اكتم ما رأيت. قال المثنى بن الصباح: رأيت وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئاً فيه الروح، ولبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءاً. وقال وهب: لقد قرأت ثلاثين كتاباً نزل على ثلاثين نبياً. ولبث وهب أربعين سنة لا يرقد على فراش. كان وهب إذا قام إلى الوتر قال: الحمد لله، الحمد للدائم السرمد، حمداً لا يحصيه العدد، ولا يقطعه الأبد، كما ينبغي لك أن تحمد، وكما أنت له أهل، وكما هو لك علينا حق. كان وهب بن منبه يحفظ كلامه كل يوم، فإن سلم أفطر، وإلا طوى. قال الجعد بن درهم: ما كلمت عالماً قط إلا غضب، وحل حبوته غير وهب بن منبه. قال سماك بن الفضل: كنا عند عروة بن الزبير وإلى جنبه وهب بن منبه، فجاء قوم، فشكوا من عاملهم شيئاً، فتناول وهب عصاً كانت في يد عروة، فضرب بها رأس العامل حتى سال دمه؛ فضحك عروة، واستلقى على قفاه، وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب، وهو يغضب.

فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب الذي خلق الأحلام؟! إن الله تبارك وتقدس يقول: " فلما آسفونا انتقمنا منهم "، يقول: أغضبونا. قيل لوهب: كنت ترى الرؤيا تحدثنا بها، فلا نلبث أن نراها كما رأيت، قال: هيهات! ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء. قال عبد الرزاق: قلت لمعمر: إن أبي أخبرني أن وهباً ولي القضاء في زمن عمر بن عبد العزيز، قال: فلم يحمد، فممه؟ فتبسم، ثم قال - لا يرفع صوته -: فإن الحسن ولي القضاء في زمن عمر فلم يحمد، فممه؟ كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز: إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً؛ فكتب إليه: إني لا أتهم دينك ولا أمانتك، ولكني أتهم تضييعك وتفريطك، وأنا حجيج المسلمين في أموالهم، ولأشحهم عليك أن تحلف، والسلام. قال داوود بن قيس: كان لي صديق من أهل بيت خولان، يقال له أبو شمر ذو خولان، فخرجت من صنعاء أريد كرنبة، فوجدت كتاباً مختوماً، في ظهره: إلى أبي شمر ذي خولان. فجئته، فوجدته حزيناً، فسألته، فقال: قدم رسول من صنعاء، فذكر لي أن أصدقاء لي كتبوا إلي كتاباً وضيعه الرسول، قلت: فهذا الكتاب قد وجدته، فقرأه، فقلت: أقرئنيه، قال: إني أستحدث سنك، قلت: وما فيه؟ قال: ضرب الرقاب، قلت: لعله كتبه إليك ناس من أهل حروراء في زكاة مالك، قال: من أين تعرفهم؟ قلت: إني وأصحاب لي نجالس وهب بن منبه، فيقول لنا: أيها الأحداث احذروا هؤلاء الأغمار

هؤلاء الحروراء، لا يدخلوكم في رأيهم المخالف، فإنهم غرة لهذه الأمة. فدفع إلي الكتاب، فإذا فيه: إنا نوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، فإن دين الله رشد وهدى في الدنيا، ونجاة ونور في الآخرة، وإن دين الله طاعة الله، ومخالفة من خالف سنة نبيه وشريعته، فإذا جاءك كتابنا فانظر أن تؤدي ما افترض الله عليك من حقه، تستحق بذلك ولاية الله وولاية أوليائه والسلام. فقلت: إني أنهاك عنهم، قال: كيف أتبع قولك وأترك قول من هو أقدم منك؟ قلت: أفتحب أن ندخلك على وهب بن منبه؟ ومسعود بن عوف وال على اليمن، فوجدنا عند وهب نفراً من جلسائه. فقال بعضهم: من هذا الشيخ؟ فقلت: هذا أبو شمر ذي خولان، وله حاجة يريد أن يستشير أبا عبد الله في بعض أمره؛ فقام القوم. فقلت: يا أبا عبد الله إن ذا خولان من أهل القرآن وأهل الصلاح فيما علمنا، وأخبرني أنه عرض له نفر من حروراء، وقالوا له: زكاتك التي تؤديها إلى الأمراء لا تجزي عنك فيما بينك وبين الله؛ لأنهم لا يضعونها في مواضعها؛ فأدها إلينا، فإنا نضعها في مواضعها، نقسمها في فقراء المسلمين، ونقيم الحدود، ورأيت أن كلامك يا أبا عبد الله أشفى له من كلامي، وذكر لي أنه يؤدي إليهم الثمرة، للواحد مئة فرق على دوابه. فقال له وهب: يا ذا خولان، أتريد أن تكون بعد الكبر حرورياً تشهد على من هو خير منك بالضلالة؟ فماذا أنت قائل لله غداً حين يقفك الله ومن شهدت عليه؟ الله يشهد له بالإيمان، وأنت تشهد عليه بالكفر؟! والله يشهد له بالهدى وأنت تشهد عليه بالضلالة؟! فأين تقع إذا خالف رأيك أمر الله وشهادتك شهادة الله؟! أخبرني يا ذا خولان ما يقولون لك؟

فقال خولان: إنهم يأمروني ألا أتصدق إلا على من يرى رأيهم، ولا أستغفر إلا له. فقال له وهب: صدقت، هذه محنتهم الكاذبة. فأما قولهم في الصدقة: فإنه قد بلغني: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر أن امرأة من أهل اليمن دخلت النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. أفإنسان ممن يعبد الله ويوحده ولا يشرك به شيئاً أحب إلى الله من أن تطعمه من جوع أو هرة؟! والله تعالى يقول في كتابه: " ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً " الآيات، إلى قوله: " وكان سعيكم مشكوراً ". ثم قال وهب ما كاد تبارك وتعالى أن يفرغ من تعديد ما أعد الله لهم بذلك الطعام في الجنة وأما قولهم: لا تستغفر إلا لمن رأى رأيهم: أفهم خير من الملائكة؟! والله تعالى يقول: " والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض "، وأنا أقسم بالله ما كانت الملائكة ليقدروا على ذلك ولا ليفعلوا حتى أمروا به؛ لأن الله عز وجل قال: " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون "، وفسر ذلك في قوله: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا " الآيات. ألا ترى يا ذا الخولان أني قد أدركت صدر الإسلام؟ فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالاتهم، وما أظهر أحد منهم رأيه قط إلا ضرب الله عنقه، وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج، ولو أمكن الله الخوارج من رأيهم فسدت الأرض، وقطعت السبل، وقطع الحج من بيت الله الحرام، وعاد أمر الإنسان جاهلية،

وإذاً لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلاً ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضاً، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر حتى يصبح المؤمن خائفاً على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك، أو مع من يكون، غير أن الله بحكمه وعلمه ورحمته نظر لهذه الأمة؛ فجمعهم، وألف بين قلوبهم على رجل واحد ليس من الخوارج، فحقن الله به دماءهم، وستر به عوراتهم وعورات ذراريهم، وجمع به فرقتهم، وأمن به سبلهم، وقاتل به عن بيضة المسلمين عدوهم، وأقام له حدودهم، وأنصف به مظلومهم، وجاهد بظالمهم، رحمةً من الله تعالى، فقال: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " إلى " العالمين "، وقال: " اعتصموا بحبل الله جميعاً " إلى " تهتدون "، وقال تعالى: " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا " إلى " الأشهاد ". فأين هم من هذه الآية؟ فلو كانوا مؤمنين نصروا. وقال تعالى: " ولقد سبقت كلمتنا " إلى " لهم الغالبون " فلو كانوا جند الله غلبوا ولو مرة واحدة في الإسلام. وقال الله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم " حتى " لا يشركون بي شيئاً "، وقال تعالى: " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ". وأنا أشهد أن الله قد أنفذ للإسلام ما وعده من الظهور والتمكين والنصر على عدوهم ومن خالف رأي جماعتهم. أفلا يسعك يا ذا خولان من أهل التوحيد وأهل القبلة وأهل الإقرار بشرائع الإسلام وسننه وفرائضه ما وسع نبي الله نوحاً من عبدة الأصنام والكفار، إذ قال له قومه: "

أنؤمن لك واتبعك الأرذلون "؟ أو لا يسعك منهم ما وسع نبي الله وخليله إبراهيم من عبدة الأصنام إذ قال: " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " إلى " غفور رحيم "؟ أو لا يسعك ما وسع عيسى من الكفار الذين اتخذوه إلهاً من دون الله؟ إن الله قد رضي قول نوح وقول إبراهيم، وترك قول عيسى إلى يوم القيامة؛ ليقتدي به المؤمنون ومن بعدهم، يعني: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "، ولا يخالفون قول أنبياء الله ورأيهم، فمن نقتدي إذا لم نقتد بكتاب الله وقول أنبيائه ورأيهم؟ واعلم أن دخولك علي رحمة لك إن قبلت مني، وحجة عليك غداً عند الله إن تركت كتاب الله وعدت إلى رأي الحروراء. قال ذو خولان: فما تأمرني؟ فقال وهب: انظر زكاتك المفروضة، فأدها إلى من ولاه الله أمر هذه الأمة، وجمعهم عليه، فإن الملك من الله وحده وبيده، يؤتيه الله من يشاء، وينزعه ممن يشاء، فمن ملكه الله لم يقدر أحد أن ينزعه منه. فإذا أديت الزكاة المفروضة إلى ولي الأمر برئت منها، فإن كان فضل فصل به أرحامك ومواليك وجيرانك من أهل الحاجة وضيف إن ضافك. فقام ذو خولان، فقال: أشهد أني نزلت عن رأي الحرورية، وصدقت ما قلت. فلم يلبث ذو خولان إلا يسيراً حتى مات. كان وهب كتب كتاباً في القدر ثم ندم عليه. قال عمرو بن دينار: دخلت على وهب بن منبه، فقلت له: وددت أنك لم تكن كتبت في القدر كتاباً، فقال: وأنا والله لوددت كذلك. قال وهب بن منبه: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعاً وسبعين كتاباً

من كتب الأنبياء، في كلها: من جعل شيئاً من المشيئة إلى نفسه فقد كفر، فتركت قولي. وعن وهب قال: كان أهل العلم فيما مضى يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا، فرغب أهل الدنيا في علمهم؛ فيبذلون لهم دنياهم، وإن أهل العلم اليوم بذلوا علمهم لأهل الدنيا؛ فزهد أهل الدنيا في علمهم؛ فضنوا عنهم بدنياهم. وقال وهب: كان العلماء فيما خلا حملوا العم، فأحسنوا حمله، فاحتاجت إليهم الملوك وأهل الدنيا، ورغبوا في علمهم، فلما كانوا بأخرة فشت علماء، فحملوا العلم، فلم يحسنوا حمله، وطرحوا علمهم على الملوك وأهل الدنيا، فاهتضموهم واحتقروهم. وقيل: يأتون من يغلق بابه، ويظهر فقره ويكتم غناه، ويتركون من بابه مفتوح بالغداة والعشي ونصف النهار. خطب وهب الناس على المنبر، فقال: احفظوا مني ثلاثاً: إياكم وهوى متبعاً، وقرين سوء، وإعجاب المرء بنفسه. وعن وهب بن منبه قال: دع المراء والجدال من أمرك، فإنه لن تعجز أحد رجلين: رجل هو أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من هو أعلم منك؟! ورجل أنت أعلم منه، فكيف تعادي وتجادل من أنت أعلم منه، ولا يطيعك؟! فاطو ذلك عنه. وعن وهب بن منبه قال: العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والصبر أمير جنوده، والرفق أبوه، واللين أخوه. وقال وهب: المؤمن ينظر ليعلم، ويسكت ليسلم، ويتكلم ليفهم، ويخلو ليغنم. قال وهب: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء، وماله الفقه. وقال وهب لرجل من جلسائه: ألا أعلمك فقهاً لا يتعايا الفقهاء فيه؟ قال: بلى، قال: إن سئلت عن شيء عندك فيه علم فأخبر بعلمك، وإلا فقل: لا أدري.

وقال وهب: ثلاث من كن فيه أصاب البر: سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام. قال رجل لابن وهب: إني مررت بفلان وهو يشتمك، فغضب وهب وقال: أما وجد الشيطان رسولاً غيرك؟ وفي رواية: بريداً غيرك. فلم يبرح حتى جاء الرجل الشاتم، فسلم على وهب: فرد عليه السلام، وصافحه، وأخذ بيده، وضحك في وجهه، وأجلسه إلى جنبه. قال وهب بن منبه: استكثر من الإخوان ما استطعت، فإنك إن استغنيت عنهم لم يضروك، وإن احتجت إليهم نفعوك. قال وهب: ترك المكافأة تطفيف، وقال الله عز وجل: " ويل للمطففين ". وقال وهب بن منبه: إذا رأيت الرجل يمدحك بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك. وقال وهب: إخفاؤك بعض الذل خير من انتصار يزيد صاحبه قماءة. جاء رجل إلى وهب، فقال: إن الناس قد وقعوا فيما وقعوا فيه، فقد حدثت نفسي ألا أخالطهم. فقال: لا تفعل، إنه لا بد للناس منك، ولا بد لك منهم، ولهم إليك حوائج، ولك إليهم حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعاً، أعمى بصيراً، سكوتاً نطوقاً. وقال وهب: لا يكون البطال من الحكماء، ولا ترث الزناة ملكوت السماء. قال وهب: لا يكون الرجل فقيهاً كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة، ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء، وصاحب الرخاء ينتظر البلاء. جاء رجل إلى وهب، فقال: علمني شيئاً ينفعني الله به. قال: أكثر من ذكر الموت، وأقصر أملك، وحصة ثالثة إن أنت أصبتها بلغت الغاية القصوى، وظفرت بالعبادة، قال: ما هي؟ قال: التوكل.

وعن وهب قال: في حكمة الله مكتوب: من صبر على البلاء ورضي بالقضاء، وشكر النعماء، وزهد في الدنيا، فقد أرضى الله حق الرضاء. قال وهب: اعمل خيراً، ودعه على الله. قيل لوهب: لم زهدت في الدنيا؟ قال: بحرفين وجدتهما في التوراة: يا من لا يستتم سرور يوم، ولا يأمن على روحه يوماً، الحذر الحذر. وعن وهب أنه قال: إن من أعون الأخلاق على الدين الزهادة في الدنيا، وأوشكها ردى اتباع الهوى، ومن اتباع الهوى الرغبة في الدنيا، ومن الرغبة في الدنيا حب المال والشرف، ومن حب المال والشرف استحلال الحرام، ومن استحلال الحرام يغضب الله، وغضب الله الداء الذي لا دواء له إلا رضوان الله، ورضوان الله الدواء الذي لا يضر معه داء. فمن يرد أن يرضي الله يسخط نفسه. ومن لم يسخط نفسه لا يرضي ربه. إن كان كلما ثقل الإنسان شيء من أمر دينه تركه أوشك ألا يبقى معه شيء. قال وهب: مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان، إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى. وقال: لكل شيء طرفان ووسط، فإذا أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسكت بالوسط اعتدل الطرفان. وقال: عليكم بالأوسط من الأشياء. وقال وهب: الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته. وعن وهب قال: من يرحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يجهل يغلب، ومن يعجل يخطئ، ومن يحرص على الشر لا يسلم، ومن لا يدع المراء يشتم، ومن لا يكره الشتم يأثم، ومن يكره الشر يعصم، ومن يتبع وصية الله يحفظ، ومن يحذر الله يأمن، ومن يتول الله يمتع، ومن لا يسأل الله يفتقر، ومن لا يكن مع الله يخذل، ومن يستعن بالله يظفر. قال وهب: ما عند الله شيء أفضل من العقل.

قال وهب: من أخلاق العاقل عشرة أخلاق: الحلم والعلم والرشد والعفاف والصيانة والحياء والرزانة ولزوم الخير والمداومة عليه، ورفض الشر وبغضه له ولأهله، وطواعية الناصح وقبوله منه. ويتشعب من كل خصلة منها عشرة أخلاق صالحة: فالحلم يتشعب منه: حسن العاقبة، والمحمدة في الناس، وشرف المنزلة، والتسليم من السفه، وركوب الجميل من الفعل، وصحبة الأبرار، ويرتدع عن الضعة، ويرتفع من الخساسة، وينتهي إليه البر، ويقربه معالي الدرجات. والعلم يتشعب منه: الشرف وإن كان دنيئاً، والعز وإن كان مهيناً، والغنى وإن كان فقيراً، والقوة وإن كان ضعيفاً، والنبل وإن كان حقيراً، والقرب وإن كان قصياً، والجود وإن كان بخيلاً، والحياء وإن كان صلفاً، والمهابة وإن كان وضيعاً، والسلامة وإن كان سفيهاً. وينشعب من الرشد: الرشاد والهدى والبر والتقى والعبادة والقصد والاقتصاد والثواب والكرم والصدق. وينشعب من العفاف: الكفاية والاستكانة والمصادقة والموافقة والنص واليقين والسداد والرضى والراحة. وينشعب من الصيانة: الكف والورع وحسن الثناء والتزكية والمروءة والتكرم والغبطة والسرور والمسالمة والتفكير. وينشعب من الحياء: البر والرقة والمخافة والسماحة والصحة والمداومة على الخير وحسن البشاشة والمطاوعة وذل النفس. وينشعب من الرزانة: الراحة والسكون وعلو وتمكين وتأن وحظوة وتكرم. وينشعب من المداومة على الخير: الصلاح والقرار والإخبات والإنابة والسؤدد والظفر والرضى في الناس وحسن العافية.

وينشعب من كراهية الشر: حسن الأمانة، وترك الخيانة، واجتناب الشر، وحب الخير، وتحصين الفرج، وصدق اللسان، وحب التواضع لمن هو فوقه، والإنصاف لمن هو دونه، وحسن الجوار، ومجانبة خلطاء السوء. وينشعب من طاعة الناصح: زيادة في الفضل، وكمال في اللب، ومحمدة في العواقب، والسلامة من اللوم، والبعد من الطيش، واستصلاح المال، ومراقبة ما هو نازل، والاستعداد للعدو، والاستقامة على المنهاج، ولزوم الرشاد. فذلك مئة خصلة من أخلاق العاقل. ومن أخلاق الجاهل عشرة أخلاق سيئة: الطيش والسفه والضجر والعجلة والغضب والملامة والكذب وبغض الخير وحب الشر وطاعة الغاش. وينشعب من الطيش: سوء الصنيع، والمداومة على سوء صنيعه، وسوء المنزلة والصلف والردى والهوان والسفال والغل والقماء والرذل والغباء والذل. وينشعب من السفه كثرة الكلام في غير الحق فيما لا عليه ولا له. والخوض في الباطل، وصحبة الفجار، والإنفاق في السرف والاحتيال والبذخ، والمكر والخديعة والاغتيال والسباب. وينشعب من الضجر ترك الحق، والميل إلى الباطل والتردي ومتابعة الهوى، وقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وسوء اليقين، والتفريط في العمل والنسيان والهم والخيلاء. وينشعب من العجلة الخسران والندامة وقلة الفهم وسوء المنظر، وفراق الصاحب وطلاق المرأة، وتضييع المال، وشماتة العدو، واكتساب الشر، واكتساب الملامة والندامة والمذمة. وينشعب من الغضب قتل النفس ظلماً، وركوب الصديق بالقبيح، وضرب

الخادم، واقتحام في المعاصي، ومباشرة العيوب، ومصاولة الحميم ومصارمته، والأيمان الكاذبة، وفراق الأحبة ومصارمتهم، وسوء ذات البين، والتعب في طلب المعاذير. وينشعب من الملامة سوء المعاشرة، ومنابذة الصديق، وتقريب العدو، وحب الفاحشة، وبغض التقوى، وطاعة الغاش، والتجبر عند الناس، وخذلان الأصحاب، والميل إلى أهل العمى، والمسارعة إلى الشر. وينشعب من الكذب الغدر والفجور، والمقت عند ذوي الألباب وغيرهم، والفخر بالباطل، ومدحة الفاسقين، والإفراط في البذل، واختلاط العقل وحب الشقاء وأهله، وبغض السعادة وأهلها، والتهمة عند الخلق وإن صدق. وينشعب من بغض الخير طاعة الشيطان، ومعصية الرسل، والكسل عند الرشد، والمسارعة في الغي والجفاء والحقد والمذمة، والاستطالة، والتردي. وينشعب من حب الشر أكل الحرام، ومنع الصدقات، وتضييع الصدقات، والاستخفاف بالذنب، والانهماك في الطغيان والمعصية، واقتحام المهالك، واختيارالبلايا والشقاء، والثناء على أهل المنكر والرضى بصنيعهم، ومذمة الصالحين والطعن عليهم. وينشعب من طاعة الغاش: الصدود عن الخير والمعروف، والمسارعة إلى الشر والمنكر، واستحلال الفروج، وركوب الفواحش، وأذى الجيران، وبغض الإخوان، والإساءة إلى المرأة، والتواني عن النجاح، وبغض القرآن، ومعصية الرب. فتلك مئة خصلة سيئة من أخلاق الجاهل. قال وهب: كما تتفاضل الشجر بالثمار كذلك يتفاضل الناس بالعقل. قال وهب: المؤمن متفكر مذكر، من ذكر تفكر فعلته السكينة، قنع فلم يهتم، رفض الشهوات فصار حراً، ألقى الحسد، وظهرت له المحبة، زهد في كل فانٍ فاستكمل العمل؛ رغب في كل باق، فنهته المعرفة.

قال وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه، وإذا سكت فضحه عيه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يعينه، ولا علم غيره ينفعه، تود أمه أنها ثكلته، وتود امرأته أنها عدمته، ويتمنى جاره منه الوحدة، ويأخذ جليسه منه الوحشة، وأنشد لمسكين الدارمي في ذلك: من الرمل اتق الأحمق أن تصحبه ... إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رفعت منه جانباً ... حركته الريح وهناً فانخرق أو كصدع في زجاج فاحش ... هل ترى صدع زجاج يتفق وإذا جالسته في مجلس ... أفسد المجلس منه بالخرق فإذا نهنهته كي يرعوي ... زاد جهلاً وتمادى في الحمق قال وهب: طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه، طوبى لمن تواضع لله من غير مسكنة، طوبى لمن تصدق من مال جمعه من غير معصية، طوبى لأهل الضر وأهل المسكنة، طوبى لمن جالس أهل العلم والحلم، طوبى لمن اقتدى بأهل العلم والحلم والخشية، طوبى لمن وسعته السنة فلم يعدها. عن ليث بن أبي سليم قال: قال لي مجاهد: احذر الهتاتين؛ فلا تكتب عنهما: عمرو بن شعيب ووهب بن منبه. يقال: هت الحديث يهته هتاً: إذا دخل فيه ما ليس منه؛ فأزاله عن معنى الصواب. وكان معنى الهتات: المكثر من غير إصابة. حبس وهب بن منبه فواصل ثلاثاً، فقيل له: ما هذا الصوم؟ فقال: نحن في طرف من عذاب الله، قال الله عز وجل: " ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم

وهب بن وهب بن كبير

وما يتضرعون "، أحدث لنا الحبس فأخذتنا زيادة عبادة. قال صالح بن طريف الضبي: لما قدم يوسف بن عمر العراق، فأتانا خبره بخراسان بكى صالح بن طريف، فاشتد بكاؤه، وقال: ضرب وهب بن منبه حتى قتله. مات وهب بن منبه بصنعاء سنة عشر ومئة، وقيل: سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة أربع عشرة، وقيل: سنة ست عشرة، وعمره ثمانون سنة. وهب بن وهب بن كبير ابن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد أبو البختري الأسدي القاضي بالمدينة وبغداد كبير: بفتح الكاف، وكسر الباء المعجمة بواحدة. والبختري: بباء مفتوحة، وخاء معجمة، وتاء باثنتين. حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: إن أول سورة تعلمتها من القرآن " طه " وكنت إذا قلت: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا شقيت يا عائش. ولاه هارون المدينة، وجعل إليه صلاتها وحربها وقضاءها. وكان سخياً مرياً من رجال قريش، وروى منكرات. وتوفي ببغداد سنة مئتين. قال أبو البختري: لأن أكون في قوم أعلم مني أحب إلي من أن أكون في قوم أنا أعلم منهم، لأني إن كنت أعلمهم لم أستفد، وإن كنت مع من هم أعلم مني استفدت.

دخل شاعر على أبي البختري وهب بن وهب، فأنشده: من الطويل إذا افتر وهب خلته برق عارض ... تنفق في الأرضين أسعده السكب وما ضر وهباً ذم من خالف الملا ... كما لا يضر البدر ينبحه الكلب لكل أناس من أبيهم ذخيرةٌ ... وذخر بني فهر عقيد الندى وهب فاستهل أبو البختري ضاحكاً، وسر سروراً شديداً، ثم دعا عوناً له، فأسر له شيئاً، فأتاه بصرة، فيها خمس مئة دينار، فدفعها إليه. وكان إذا أعطى عطاء قليلاً أو كثيراً أتبعه عذراً إلى صاحبه، وكان يتهلل عند طلب الحاجة إليه، حتى لو رآه من لا يعرفه لقال: هذا الذي قضيت حاجته. وكان أبو البختري جواداً سمحاً. قال محمد بن يزيد النحوي: دخل رجل باذ الهيئة على قوم، وهم على شراب لهم، فحطوا مرتبته في الشراب، فقال: من المتقارب نبيذان في مجلس واحد ... لإيثار مثر على مقتر ولو كنت تفعل ذا في الطعام ... لرمت قياسك في المسكر ولو كنت تفعل فعل الكرام ... سلكت سبيل أبي البختري تتبع إخوانه في البلاد ... فأغنى المقل عن المكثر فبعث إليه أبو البختري بألف دينار. ويروى قبل البيت الأول: تأمل قبيح الذي جئته ... تجده خلوف فم الأبخر

وهذا من قبيح الهجاء، وفيه مبالغة في الذم. وفي هذا المعنى: من المتقارب رأيت نبيذان في مجلس ... فقلت لساق لنا ما السبب فقال الذي نحن في بيته ... يفضل قوماً بسوء الأدب كان أبو البختري قد مدحه الشعراء لسماحته وسعة عطائه ومكارمه وأخلاقه. وذمه الأئمة الأكابر وأعلام المحدثين، ونسبوه إلى الكذب فيما يرويه، ووضع كثيراً من الحديث الذي كان يمليه. قال أبو سعيد العقيلي - وكان من ظرفاء الناس وشعرائهم - قال: لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يرقى منبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قباء أسود ومنطقة، فقال أبو البختري: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال: نزل جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليه قباء ومنطقة محتجزاً فيها بخنجر، فقال المعافى التميمي، وقال الجازري: المعادي التميمي: من السريع ويل وغول لأبي البختري ... إذا توافى الناس للمحشر من قوله الزور وإعلانه ... بالكذب في الناس على جعفر والله ما جالسه ساعةً ... للفقه في بدو ولا محضر ولا رآه الناس في دهر ... يمر بين القبر والمنبر يا قاتل الله ابن وهب لقد ... أعلن بالزور وبالمنكر يزعم أن المصطفى أحمداً ... أتاه جبريل النقي البري عليه خف وقباً أسود ... محتجزاً في الحقو بالخنجر وقف يحيى بن معين على حلقة أبي البختري، فإذا هو يحدث بهذا الحديث عن جعفر عن أبيه عن جابر، فقال له: كذبت يا عدو الله على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فأخذني الشرط، فقلت لهم: هذا يزعم أن رسول رب العالمين نزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليه قباء، فقالوا لي: هذا - والله - قاض كذاب، وأفرجوا عني.

وهيب بن حامد بن إبراهيم بن الوليد

دخل أبو البختري على الرشيد، وهو قاض، وهارون إذ ذاك يطير الحمام، فقال: هل تحفظ في هذا شيئاً. فقال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطير الحمام. فقال هارون: اخرج عني، ثم قال: لولا أنه رجل من قريش لعزلته. قال هارون لأبي البختري: أليس أخبرتني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقول إذا رأى الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رأى بعد الزوال فهو للمستقبلة؟ فقال: لا، فقال له المأمون: بلى والله لقد حدثتنا به في البستان، قال: صدقت. قال دحيم: كذابا هذه الأمة: صاحب طبرية وصاحب صيدا، الوليد بن سلمة وأبو البختري. قال إبراهيم الحربي لأحمد بن حنبل: تعلم أحداً روى: لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح؟ قال: ما روى هذا إلا ذاك الكذاب أبو البختري. ولما بلغ عبد الرحمن بن مهدي موت أبي البختري قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. وهذا وهم، فإن ابن مهدي مات سنة ثمان وتسعين ومئة، وأبو البختري مات سنة مئتين. وهيب بن حامد بن إبراهيم بن الوليد أبو الرضا العذري حدث عن أبي القاسم عبد الله بن محمد البجلي بسنده إلى عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله يحب الرفق في الأمر كله. عبد الله بن محمد هو تمام بن محمد داسة الحنائي.

أسماء النساء على حرف الواو

أسماء النساء على حرف الواو ولادة بنت العباس بن جزي ابن الحارث بن زهير بن جذيمة، العبسية أم الوليد وسليمان زوج عبد الملك بن مروان. لما دخل عبد الملك بولادة دخل عليه أبوها من الغد، فقال: كيف وجدت أهلك؟ قال: وجدتها قد ملأتني بالدم، قال: إنها من نساء يحتسبن على أزواجهن ذلك. أسماء الرجال على

حرف الهاء

حرف الهاء هابيل بن آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الذي قتله أخوه قابيل بجبل قاسيون عند مغارة الدم. قيل: إنه كان يسكن سطرا. لما هبط آدم إلى الأرض هبطت معه حواء وإبليس، فولدت لآدم هابيل وقابيل. وكان هابيل صاحب ماشية، وكان قابيل صاحب حرث. وكان قربانهما أن يتقربا بقربان، ثم يلقيانه على وجه الأرض، حتى تأتي نار فتأكله، أو يبليه الدهر. وكان هابيل يتقرب بجلة عنمه وخيارها، وكان قابيل يتقرب بزؤان ونفاية الحنطة، فتأتي نار من السماء فتأكل قربان هابيل، ولا تقرب قربان قابيل؛ فغاظه ذلك. فلقي إبليس، فقال: يا إبليس أتقرب أنا وأخي بقربانين، فتأتي نار، فتأكل قربانه، ولا تقرب قرباني. قال له إبليس: اقتله، تكون ملكاً تبحبح في الأرض، قال: وما القتل؟ قال: إذا رأيته راقداً فآذني به.

فلما رقد هابيل أتى قابيل إلى إبليس، فآذنه، فانطلق معه حتى وقف على رأسه، فقال: خذ حجراً، فاضرب به رأسه، ففعل. فلما قتله حمله ثلاثة أيام، يطوف به الأرض، يظعن به إذا ظعن، وينزل به إذا نزل حتى بعث الله الغرابين، فاقتتلا، وقابيل ينظر إليهما، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له حتى أعمق، فدفنه، فقال الله تعالى: " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " الآيات. وعن ابن عباس قال: كان لآدم عليه السلام أربعة توءم، ذكر وأنثى من بطن، وذكر وأنثى من بطن، فكانت أخت صاحب الحرث جميلة، وكانت أخت صاحب الغنم قبيحة، فقال صاحب الحرث: أنا أحق بها، وقال صاحب الغنم: أنا أحق بها، أتريد أن تستأثر بوضاءتها علي؟ فتعال نقرب قرباناً، فإن تقبل قربانك فأنت أحق بها، وإن تقبل قرباني فأنا أحق بها. فقربا قربانهما، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض أعين أقرن، وجاء صاحب الطعام بصبرة من طعامه. فتقبل الكبش، فخزنه الله في الجنة أربعين خريفاً، وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام. فقال صاحب الحرث: " لأقتلنك "، فقال: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " فقتله، فولد آدم كلهم من ذلك الكافر. وكان آدم يزوج ذكر هذا البطن من أنثى هذا البطن الآخر، وأنثى هذا البطن من ذكر هذا البطن الآخر. كان خارج باب الساعات صخرة يوضع عليها القربان، فما تقبل منه جاءت نار، فأخذته، وما لم يتقبل بقي على حاله.

وكان هابيل صاحب غنم في سطرا، وكان قابيل في قينية صاحب زرع، وكان آدم في بيت أبيات، وكانت حواء في بيت لهيا. فجاء هابيل بكبش سمين من غنمه، فجعله على الصخرة، فأخذته النار، وجاء قابيل بقمح علث، فوضعه على الصخرة، فبقي على حاله، فحسده، وتبعه في الجبل، فأراد قتله، فلم يدر كيف يقتله، فجاء إبليس فأخذ حجراً، فجعل يضرب به رأس نفسه، فذهب، فأخذ حجراً ضرب رأس أخيه، فقتله، فصاحت حواء، فقال لها آدم: عليك وعلى بناتك، لا علي ولا على بني. قال الأوزاعي: من قتل مظلوماً كفر الله عنه كل ذنب، وذلك في القرآن: " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ". قال الزهري: الكبش الذي فدى الله به إسماعيل كان الكبش الذي قربه هابيل. وعن وهب: أن الأرض نشفت دم ابن آدم، فلعن آدم الأرض، فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دماً بعد دم هابيل إلى يوم القيامة. كان كعب الأحبار يقول: الدم الذي على جبل قاسون هو دم ابن آدم.

وعن أبي موسى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اكسر قسيكم - يعني في الفتنة - واقطعوا أوتاركم، والتزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم. وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ما يمنع أحدكم إذا جاءه من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم؟ القاتل في النار، والمقتول في الجنة. وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال عند فتنة عثمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال له الرجل: أفرأيت يا رسول الله إن دخل علي بيتي، وبسط إلي يده ليقتلني؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كن كابن آدم. قال الحسن: أول من يفر يوم القيامة من أبيه إبراهيم، وأول من يفر من أمه إبراهيم، وأول من يفر من ابنه نوح، وأول من يفر من أخيه هابيل بن آدم، وأول من يفر من صحابته نوح ولوط، وتلا هذه الآية: " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه "، فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم. قال سالم بن أبي الجعد: إن آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث عامه لا يضحك حزناً عليه، فأتى على رأس المئة، فقيل له: حياك الله وبياك، وبشر بغلام، فعند ذلك ضحك. قلت: ما بياك؟ قال: أضحكك. وقيل: إنه مكث مئة سنة لا يضحك، وقال: من الوافر تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح

هارون بن إبراهيم

تغير كل ذي لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه الصبيح قتل قابيل هابيلاً أخاه ... فواحزناً مضى الوجه المليح فأجابه إبليس: من الوافر تنح عن البلاد وساكنيها ... فبي في الأرض ضاق بك الفسيح وكنت بها وزوجك في رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح فما انفكت مكايدتي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيح فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح هارون بن إبراهيم أبو محمد - أظنه - الأهوازي بصري. حدث عن محمد عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: صلاة المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل، وصلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل. هارون بن سعيد أبو عبد الرحمن الأصبهاني المعروف بالراعي العابد حدث عن إبراهيم بن يوسف بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للكاتب إذا كتب: ضع القلم على أذنك.

هارون بن عبد الصمد بن عبدوس بن حسان

هارون بن عبد الصمد بن عبدوس بن حسان أبو موسى النيسابوري الرخي حدث عن علي بن المديني بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل له: يرحمكم الله، وليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم. توفي هارون بن عبد الصمد سنة خمس وثمانين ومئتين. هارون بن عمران بن يزيد بن خالد بن أبي جميل القرشي حدث عن أبي الجماهر محمد بن عثمان السعدي إلى أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. هارون بن عمر بن يزيد بن زياد ابن أبي زياد أبو عمر المخزومي من دمشق. حدث عن عبد الله بن يوسف بسنده إلى أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فرغ الله إلى كل عبد من علمه وأجله ورزقه وأثره ومضجعه. وحدث بسنده إلى الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فضل الله قريشاً بسبع خصال: فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبد الله إلا قرشي، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين، وهي " لإيلاف قريش " وفضلهم بأن فيهم الخلافة والحجابة والسقاية.

هارون بن محمد بن بكار بن بلال

وحدث الوليد عن مسلم بسنده إلى مالك بن أحمر: أنه لما بلغه مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوك ومكانه بها وفد إليه مالك بن أحمر، وقدم عليه بها وأسلم، فقبل إسلامه وبيعته، وسأله أن يكتب له كتاباً يدعو قومه إلى الإسلام، فكتب له كتاباً في رقعة من أدم. قال الوليد بن مسلم: فسألت سعيداً أن يقرئني كتابه، فذكر كبره وضعف بصره عن قراءته، وقال أبو أيوب بن محرز: فسله عنه فسيقرئك، قال: فلقيته، فأخرج إلي رقعة من أدم، عرضها أربع أصابع، وطولها شبر، قد كاد يتماح ما فيها، فقرأ علي أيوب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد بن عبد الله لمالك لن أحمر ولمن اتبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، واتبعوا المسلمين، وخالفوا المشركين، وأدوا الخمس من المغنم، وسهم الغارمين، وسهم كذا وكذا - انماح ذكر السهم الثاني -، وهم آمنون بأمان الله وأمان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن مبشر بن إسماعيل بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي عوف قال: لا تعادين رجلاً حتى تعرف الذي بينه وبين الله، فإن كان محسناً فيما بينه وبين الله لم يسلمه الله لعداوتك، وإن كان مسيئاً فيما بينه وبين الله كفاك عمله. حدث سنة اثنتين وعشرين ومئتين. هارون بن محمد بن بكار بن بلال العاملي حدث عن منبه بن عثمان بسنده إلى الحسن بن عبد الرحمن بن سمرة قال له: يا حسن سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تسأل الإمارة، فإنه من سألها وكل إليها، ومن ابتلي بها ولم يسألها أعين عليها.

قال عمر بن عبد العزيز: إن هذا لشيء ما سألته الله قط. حدث عن محمد بن عيسى بسنده إلى معاذ بن جبل: أنه أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ بعثه إلى اليمن، فقال: يا رسول الله أوصني، فقال احفظ لسانك. فكأن معاذاً تهاون بذلك؛ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثكلتك أمك يا بن جبل وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟! وحدث عن مروان بسنده إلى عمر بن الخطاب: أنه ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: توضأ واغسل ذكرك، ثم نم. وحدث عن محمد بن سميع بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول: دية كلب الصيد أربعون درهماً، ودية كلب الغنم شاة سمينة، ودية كلب الحرث فرق من طعام، ودية كلب الحرس فرق من تراب، ليس لقاتله أن يمنعه، وليس لصاحبه أن يرده.

1 - /هارون الرشيد بن محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو جعفر ويقال: أبو أمير المؤمنين بويع بالخلافة بعد موت أخيه موسى الهادي بعهد من أبيه المهدي. قدم الشام غير مرة للغزو. حدث هارون الرشيد عن جده المنصور عن أبيه محمد بن علي عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نكاح إلا بولي، وما كان بغير ولي فهو مردود ". قال هارون على المنبر: حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتقوا النار ولو بشق تمرة. مر الرشيد بدير مران، فاستحسنه، وهو على تل تحته رياض زعفران وبساتين، فنزله، وأمر أن يؤتى بطعام خفيف، فأتى به، فأكل، وأتي بالشراب، ودعا بالندماء والمغنين، فخرج إليه صاحب الدير، وهو شيخ كبير هرم، فسأله واستأذنه في أن يأتيه بشيء من طعام الديارات، فأذن له، فإذا أطعمه نظاف، وإدام في نهاية الحسن، فأكل منها اكثر أكله، وأمره بالجلوس فجلس يحدثه، وهو يشرب إلى أن جرى ذكر بني أمية، فقال له الرشيد: هل نزل منهم أحد؟ فال: نعم، نزل بي الوليد بن يزيد وأخوه الغمر، فجلسا في هذا الموضع، فأكلا وشربا وغنيا. فلما دب فيهما السكر وثب الوليد إلى ذلك

الجرن فملأه وشرب به، وملأه، وسقى به أخاه الغمر، فما زالا يتعاطيانه حتى سكرا، وملأه لي دراهم، فنظر إليه الرشيد، فإذا هو عظيم لا يقدر على أن يشرب ملأه، فقال: أبى بنو أمية إلا أن يسبقونا إلى اللذات سبقًا لا يجاريهم أحد فيه، ثم أمر برفع النبيذ من بين يديه وركب من وقته. كان الرشيد يقول: الدنيا أربعة منازل قد نزلت منها ثلاثة: أحدها الرقة، والآخر دمشق، والآخر الري في وسطه نهر، وعن جنبيه أشجار ملتفة متصلة، وفيما بينهما سوق. والمنزل الرابع سمرقند، وهو الذي بقي علي أنزله، وأرجو ألا يحول الحول في هذا الوقت حتى أحل به. فما كان بين هذا وبين أن توفي إلا أربعة أشهر فقط. كان أبو جعفر الرشيد ولد بالري سنة ست وأربعين ومئة، وقيل: سنة سبع وأربعين، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين ومئة. وكان سنة يحج وسنة يغزو. قال أبو السعلي: الوافر فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمر ... وفي أرض البنية فوق كور وما جاز الثغور سواك خلق ... من المستخلفين على الأمور وأم الرشيد والهادي واحدة هي الخيزران وفيها يقول الشاعر: الكامل يا خيزران هناك ثم هناك ... أمسى العباد يسوسهم ابناك

واستخلف هارون يوم مات أخوه موسى، وكان هارون أبيض، طويلاً، مسمناً، جميلاً، قد وخطه الشيب. ولما بويع الرشيد في سنة سبعين ومئة في اليوم الذي توفي فيه الهادي ولد المأمون في تلك الليلة، فاجتمعت له بشارة الخلافة، وبشارة الولد، وكان يقال: ولد في هذه الليلة خليفة، وولي خليفة، ومات خليفة. وكان ينزل الخلد. وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج حج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاث مئة رجل بالنفقة السابغة. وكان يقتفي أخلاق المنصور، ويعمل بها إلا في العطايا والجوائز، فإنه كان أسنى الناس عطية ابتداءً وسؤالاً، وكان لا يضيع عنده يد ولا عارفة. وكان لا يؤخر عطاءه، ولا يمنعه عطاء اليوم من عطاء غد. وكان يحب الفقه والفقهاء، ويميل إلى العلماء، ويحب الشعر والشعراء، ويعظم الأدب والأدباء، ويكره المراء في الدين والجدال، ويقول: إنه لخليق ألا ينتج خيراً، ويصغي إلى المديح ويحبه، ويجزل عليه العطاء ولاسيما إذا كان من شاعر فصيح مجيد. وكان نقش خاتم هارون بالحميرية، وخاتم الخاصة لا إله إلا الله. قال أبو معاوية الضرير: حدثت الرشيد هارون بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وددت إني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل. فبكى هارون حتى انتحب وقال له: يا أبا معاوية، ترى لي أن أغزو؟ قلت: يا أمير المؤمنين، مكانك في الإسلام أكبر، ومقامك أعظم، ولكن ترسل الجيوش.

قال أبو معاوية: ما ذكرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه إلا قال: صلى الله على سيدي ومولاي. وفي سنة ست وثمانين ومئة أقام الحج الرشيد هارون، وجدد البيعة لابنه محمد المخلوع، وعبد الله المأمون، وكتب بينهما شروطا، وعلق الكتاب بالكعبة. وفي سنة تسعين غزا الرشيد الروم، وفرق القواد في بلادهم، وأقام هو بطوانة، وسأله الطاغية أن ينصرف عنه، ويعطيه مالاً، فأبى، أو يعطيه فدية وخراجاً، ويبعث إليه بجزية عن رأسه ورأس ابنه، فبعث إليه ثلاثين ألف دينار جزية، وأربعة دنانير جزية عن رأسه ودينارين عن رأس ابنه. وفي سنة ثلاث وسبعين ومئة حج بالناس هارون، وهي السنة التي قسم فيها للناس صغيرهم وكبيرهم درهماً درهماً. وفي سنة ثلاث وسبعين فتحت سمالوا. وفي سنة تسعين فتح هرقلة، وقال أبو العتاهية فيها: الكامل الحمد لله اللطيف بخلقه ... إنا لنجزع والإمام صبور فتحت هرقلة بعد طول تمنع ... إني بكل مسرة مسرور وإمامنا فيها أغر محجل ... وحجوله يوم القيامة نور إن حط رحل الحج أعمل سرجه ... للغزو ينجد مرة ويغور همم لهارون الإمام بعيدة ... أبداً لهن مواسم وثغور هارون شيد كل عز كان أس ... سه له المهدي والمنصور

هارون هارون المدافع ربه ... عنه هو المحفوظ والمستور قفل الإمام وقد تكامل فيئه ... وأقام جزيته له النقفور روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون من ولد العباس ملوك يلون أمر أمتي يعز الله بهم الدين. ومن بارع شعر أبي الشيص قوله يمدح الرشيد عند هزيمة نقفور وفتح بلاد الروم من قصيد: الطويل شددت أمير المؤمنين قوى الملك ... صدعت بفتح الروم أفئدة الترك قريت سيوف الله هام عدوه ... وطأطأت بالإسلام ناصية الشرك فأصبحت مسروراً ولا تعي ضاحكاً ... وأصبح نقفور على ملكه يبكي كان أبو معاوية الضرير عند الرشيد، فجرى الحديث إلى حديث أبي هريرة أن موسى لقي آدم، فقال: أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة؟ ... الحديث، فقال رجل قرشي كان عنده من وجوه قريش: أين لقي آدم موسى؛ فغضب الرشيد وقال: النطع والسيف، زنديق والله يطعن في حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زال أبو معاوية يسكنه ويقول: كانت منه بادرة ولم يفهم يا أمير المؤمنين حتى أسكنه. وفي رواية: فغضب الرشيد وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به فحبس، فقال: والله ما هو إلا شيء خطر ببالي، وحلف بالعتق وصدقة المال ومغلظات الأيمان ما سمعت من أحد، ولا جرى بيني وبين أحد في هذا الكلام. قال: فلما عرف الرشيد ذلك قال: فأمر به فأطلق، وقال: إنما توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذي خرج منه، فيدلني عليهم فأستبيحهم، وإلا فأنا على يقين أن القرشي لا يتزندق. قال رجل من قواد هارون: دخلت على هارون وبين يديه رجل مضروب العنق، ورجل معه سيف ملطخ بالدم يمسحه على قفاه، ففزعت لما رأيته فقال: متلت هذا

الرجل لأنه كان يقول: القرآن مخلوق، تقربت إلى الله بدمه. قال أبو بكر بن عياش: قلت لهارون: يا أمير المؤمنين، انظر هذه العصابة الذين يحبون أبا بكر وعمر، ويفضلونهم فأكرمهم يعز سلطانك، ويقوى، فقال: أولست كذلك؟ أنا والله كذلك، أنا والله كذلك، أنا والله أحبهم، وأحب من يحبهم، وأعاقب من يبغضهم. جاء جنديان يسألان عن منزل أبي بكر بن عياش، قال: فقلت: ما تريدان منه؟ فقالا: أنت هو؟ قلت: نعم، فقالا: أجب الخليفة، قلت: أدخل ألبس ثوبي، قالا: ليس إلى ذلك سبيل، فأرسلت من جاءني بثيابي، ومضيت معهم إلى الرشيد بالحيرة، فدخلت عليه، فقال: لا أرنا إلا قد رعناك. إن أبا معاوية الضرير حدثني بحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون قوم بعدي ينبزون بالرافضة فاقتلوهم، فانهم مشركون، فوالله لئن كان حقاً لأقتلنهم. فلما رأيت ذلك خفت منه، فقلت: يا أمير المؤمنين، لئن كان ذلك فإنهم ليحبونكم أشد من نبي الله، وهم إليك أميل، فسري عنه، ثم أمر لي بأربع بدر، فأخذتها. ولقيني رجل منهم فقال: يا أبا بكر، أخذت الدراهم، ما عذرك عند الله؟ فقلت: عذري عند الله أني خلصت من القتل. دخل ابن السماك على هارون فقال: يا أمير المؤمنين، تواضعك في شرفك أشرف من شرفك. وقال له مرة: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل لم يجعل أحداً فوقك، فلا ينبغي أن يكون أحد أطوع لله عز وجل منك. قال ابن السماك: بعث إلي هارون فأتيته، فأخذني خصيان حتى انتهيا بي إليه في بهو، فقال لهما

هارون: ارفقا بالشيخ، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما مر بي يوم منذ ولدتني أمي أنا أنصب فيه من يومي هذا، فاتق الله يا أمير المؤمنين، واعلم أن لك مقاماً بين يدي الله أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك، فاتق الله في خلقه، واحفظ محمداً في أمته، وانصح نفسك في رعيتك، واعلم أن الله أخذ سطواته وانتقامه منأهل معاصيه بكم، فاضطرب على فراشه حتى وقع على مصلى بين يدي فراشه، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا ذل الصفة، فكيف لو رأيت ذل المعاينة، فكادت نفسه تخرج، وكان يحيى بن خالد إلى جنبه، فقال للخصيين: أخرجاه، فقد أبكى أمير المؤمنين. بعث هارون إلى محمد بن السماك، فقال له يحيى بن خالد: أتدري لم بعث إليك أمير المؤمنين؟ قال: لا أدري، قال له يحيى: بعث لما بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة، فقال له ابن السماك: أما ما بلغ أمير المؤمنين عني ذلك فبستر الله الذي ستره علي، ولولا ستره لم يبق لنا ثناء، ولا التقاء على مودة، فالستر هو الذي أجلسني بين يديك يا أمير المؤمنين. إني والله ما رأيت وجهاً أحسن من وجهك، فلا تحرق وجهك بالنار، فبكى هارون بكاء شديداً، ثم دعا بماء فاستسقى، فأتي بقدح فيه ماء، فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء؟ قال: قل ما أحببت، قال: يا أمير المؤمنين، لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك؟ قال: نعم، قال: فاشرب، بارك الله فيك. فلما فرغ من شربه قال له: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو منعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها، أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قال: نعم، قال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه؟ فبكى هارون واشتد بكاؤه، فقال يحيى بن خالد: يا بن السماك، قد آذيت أمير المؤمنين، فقال له: وأنت يا يحيى فلا تغرنك رفاهية العيش ولينه. قال يحيى بن خالد لابن السماك: إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز، ولا تكثر عليه، فدخل عليه، وقام بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك بين يدي الله مقاماً، وإن لك من مقامك منصرفاً، فانظر إلى أين منصرفك: إلى الجنة أم إلى النار، فبكى هارون حتى كاد أن يموت.

قال الفضيل بن عياض: لما قدم الرشيد بعث إلي، فذكر الحديث بطوله وقال: عظنا بشيء من علم، فقلت له: يا حسن الوجه، حساب هذا الخلق كلهم عليك، فجعل يبكي، ويشهق، قال: فرددتها عليه: يا حسن الوجه، حساب هذا الخلق كلهم عليك، فأخذني الخدم، فأخرجوني، وقالوا: اذهب بسلام. قال الأصمعي: كنت عند الرشيد يوماً، فرفع إليه في قاض كان استقضاه يقال له: عافية فكبر عليه، فأحضره، وفي المجلس جمع، فجعل يخاطبه، ويوقفه على ما رفع إليه، وطال المجلس، ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه، فإنه لم يشمته، فقال له الرشيد: ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟! فقال له عافيه: لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله، ولذلك لم أشمتك، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عطس عنده رجلان، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال: يا رسول الله، ما بالك شمت ذاك، ولم تشمتني؟ قال: لأن هذا حمد الله، فشمتناه، وأنت فلم تحمد الله فلم نشمتك، فقال له الرشيد: ارجع إلى عملك، أنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفاً جميلاً، وزبر القوم الذين رفعوا عليه. قال عبد الله بن عبد العزيز العمري: قال لي موسى بن عيسى: ينتهي إلى أمير المؤمنين الرشيد أنك تشتمه، وندعو عليه، فبأي شيء استجزت ذلك منه يا عمري؟ قال: قلت: أما في شتمه، فهو والله أكرم علي من نفسي، وأما في الدعاء عليه، فو الله ما قلت: اللهم إنه قد أصبح عبئاً ثقيلاً على أكتافنا، لا تطيقه أبداننا، وقذى في عيوننا، لا تطرف عليه جفوننا، وشجاً في أفواهنا، لا تسيغه حلوقنا، فاكفنا مؤنته، وفرق بيننا وبينه، ولكني قلت: اللهم، إن كان قد تسمى بالرشيد ليرشد، فأرشده أو لغير ذلك فراجع به، اللهم، إن له في الإسلام بالعباس على كل مسلم حقاً، وله بنبيك قرابةً ورحماً، فقربه من كل خير، وبعده من كل شر، وأسعدنا به، وأصلحه لنفسه ولنا، فقال موسى: يرحمك الله يا أبا عبد الرحمن، كذلك لعمري كان ما فعلت.

قال أبو معاوية: أكلت مع الرشيد هارون طعاماً يوماً، فصب على يدي رجل لا أعرفه، فقال الرشيد: يا أبا معاوية، هل تدري من يصب على يديك؟ قلت: لا، قال: أنا، قلت: أنت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، إجلالا للعلم. قال يحيى بن أكثم: قال لي الرشيد: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين، قال: فتعرف أجل مني؟ قلت: لا، قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... قلت: يا أمير المؤمنين، هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولي عهد المسلمين؟ قال: نعم، ويلك،، هذا خير مني لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يموت أبدا، نحن نموت ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدهر. قال يحيى بن أكثم: قال لي الرشيد: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين، قال: فتعرف أجل مني؟ قلت: لا، قال: لكني أعرفه، رجل في حلقة يقول: حدثنا فلان عن فلان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... قلت: يا أمير المؤمنين، هذا خير منك وأنت ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولي عهد المسلمين؟ قال: نعم، ويلك، هذا خير مني لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يموت أبدا، نحن نموت ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدهر. حدث أبو زرعة عن أبيه قال: كنا بالرقة وبيوتات الأموال تنقل إلى هارون الرشيد، فقدرناها أربعة آلاف وست مئة جمل، ألف وست مئة منها ذهب، وثلاثة آلاف ورق. قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد يوم الجمعة، وهو يقلم أظفاره، فقلت له في ذلك: فقال: أخذ الأظفار يو الخميس من السنة. وبلغني أن أخذها يوم الجمعة ينفي الفقر. فقلت: يا أمير المؤمنين، وتخشى أنت أيضا الفقر؟ فقال: يا أصمعي، وهل أحد أخشى للفقر مني؟ حدث إبراهيم بن المهدي قال: كنت أتغدى مع الرشيد في يوم شات، فسأل صاحب المطبخ: هل عنده برمة من لحم الجزور، فأعلمه أنه عنده ألواناً منه، فأمره بإحضاره، فقدمت إليه صحفة، فأدخل لقمة منها في فيه، وحرك لحيته عليها مرتين، فضحك جعفر بن يحيى، فسأله الرشيد عن ضحكه، وأمسك عن المضغ، فقال: ذكرت كلاماً دار بيني وبين جاريتي البارحة،

فضحكت، فقال الرشيد: هذا محال، فأخبرني بحقي عليك، قال إذا ابتلعت لقمتك حدثتك، فألقى لقمته من فيه تحت المائدة، فقال له جعفر: بكم يتوهم أمير المؤمنين أن هذا اللون يقوم عليه؟ فقال له الرشيد: أتوهمه يقوم بأربعة دراهم، فقال جعفر: إنه يقوم عليك بأربع مئة ألف درهم، قال: كيف؟ ويحك! فقال جعفر: سأل أمير المؤمنين صاحب المطبخ من أكثر من أربع سنين عن برمة من لحم جزور، فلم يجدها، فأنكر أمير المؤمنين ذلك علي وقال: لا يفت مطبخي لون يتخذ من لحم جزور في كل يوم، فأنا منذ ذلك اليوم أنحر جزوراً في كل يوم، فإن الخلفاء لا نبتاع لهم لحم الجزور من السوق، ولم يدع أمير المؤمنين بشيء من لحمها غلا يومه هذا. وكان الرشيد في أول طعامه، وكان أشد خلق الله تقززاً، فضرب الرشيد بيده اليمنى وجهه وفيها الغمر، ومد بها لحيته، ثم قال: هلكت ويلك يا هارون، واندفع يبكي، ورفعت المائدة، وطفق يبكي حتى آذنه المؤذنون بصلاة الظهر، فتهيأ للصلاة ثم أمر أن يحمل للحرمين ألفي ألف درهم يفرق في كل حرم ألف ألف، وأن يفرق في كل جانب من جانبي بغداد خمس مئة ألف درهم، وأن يفرق في كل مدينة من الكوفة والبصرة خمس مئة ألف درهم، وقال: لعل الله أن يغفر لي هذا الذنب، وصلى الظهر وعاد إلى مكانه يبكي إلى العصر، وقام فصلى، وعاد إلى مكانه إلى أن قرب ما بين العصر والمغرب، فأخبره القاسم بن الربيع أن أبا يوسف القاضي بالباب، فأذن له، فدخل، وسلم، فلم يرد عليه، وأقبل يقول: يا يعقوب، هلك هارون، فسأله عن القصة، فقال: يخبرك جعفر، وعاد لبكائه، فحدثه جعفر عن الجزور التي تنحر كل يوم، ومبلغ ما أنفق من الأموال، فقال له أبو يوسف: هذه الإبل التي كانت تبتاع كانت تترك إذا نحرت حتى تفسد وتنتن، ولا تؤكل لحومها، فيرمى بها؟ قال جعفر: اللهم، لا، قال أبو يوسف: فما كان يصنع بها؟ قال: يأكلها الحشم والموالي وعيال أمير المؤمنين، فقال أبو يوسف: الله أكبر، أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله على نفقتك، وعلى ما فتح لك من الصدقة في يومك هذا، ومن البكاء للتقية من ربك، فإني لأرجو ألا يرضى الله من ثوابه على ما داخلك من الخوف من سخطه عليك إلا بالجنة، فإنه عز وجل يقول: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " وأنا أشهد أنك خفت مقام

ربك، فسري عن الرشيد وطابت نفسه، ووصل أبا يوسف بأربع مئة ألف درهم، وصلى المغرب ودعا بطعامه وأكل، فكان غداؤه في اليوم عشاءه. قال عمرو بن بحر: اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لأحد من جد ولا هزل: وزراؤه البرامكة، لم ير مثلهم سخاء وسرواً، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، كان في عصره كجرير في عصره، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأشده تعاظماً، ومغنيه إبراهيم الموصلي واحد عصره في صناعته، وضاربه زلزل، وزامره برصوما، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير، وأسرعهم إلى كل بر، أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه، إلى أشياء من المعروف. كان عبيد الله بن ظبيان قاضي الرقة، وكان الرشيد إذ ذاك بها، فجاء رجل فاستعذر عليه من عيسى بن جعفر، فكتب إليه ظبيان: أما بعد. أبقى الله الأمير وحفظه، أتاني رجل ذكر أنه فلان بن فلان، وأن له على الأمير - أبقاه الله - خمس مئة ألف درهم، فإن رأى الأمير حفظه الله أن يحضر معه بمجلس الحكم أو يوكل وكيلاً يناظر خصمه فعل، ودفع بالكتاب إلى الرجل، فأتى به باب عيسى بن جعفر، ودفع الكتاب إلى حاجبه، فأوصله إليه، فقال: كل هذا الكتاب، فرجع إلى القاضي فأخبراه، فكتب إليه: أبقاك الله وحفظك وأمتع بك، حضر رجل يقال له فلان بن فلان، فذكر أن له عليك حقاً فصر به معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك، إن شاء الله، ووجه بالكتاب مع عونين من أعوانه، فحضرا باب عيسى، ودفعا الكتاب إليه، فغضب، ورمى به،

فانطلقا فأخبره، فكتب إليه: حفظك الله، وأبقاك، وأمتع بك، لا بد من أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين، ووجه بالكتاب مع عدلين، فقعدا على باب عيسى حتى خرج، فقاما إليه، ودفعا إليه كتاب القاضي، فلم يقرأه، ورمى به، فأبلغاه ذلك، فختم قمطره وانصرف، وقعد في بيته، فبلغ الخبر الرشيد، فدعاه، وسأله عن أمره، فأخبره بالقصة عن آخرها، حرفاً حرفاً، فقال لإبراهيم بن عثمان: صر إلى باب عيسى بن جعفر، واختم عليه أبوابه كلها، ولا يخرجن أحد، ولا يدخلن أحد عليه حتى يخرج إلى الرجل من حقه أو يصير معه إلى الحاكم، فأحاط إبراهيم بداره، ووكل بها خمسين فارساً، وغلقت أبوابه، فظن عيسى أنه قد حدث للرشيد رأي في قتله، ولم يدر ما سبب ذلك، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب، وارتفع الصياح من داره، وصرخ النساء، فأمرهن أن يسكتن، وقال لبعض غلمان إبراهيم: ويلك ما حلنا؟ فأخبره خبر ابن ظبيان، فأمر أن يحضر خمس مئة ألف درهم من ساعته، وتدفع إلى الرجل، فجاء إبراهيم إلى الرشيد، فأخبره، فقال: إذاً قبض الرجل ماله فافتح أبوابه. قال بشر بن الوليد: كنت عند أبي سفيان يعقوب بن إبراهيم القاضي، فحدثنا بحديث طريف قال: بينا أنا البارحة أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب، فخرجت فإذا هرثمة بن أعين قال: أجب أمير المؤمنين، فقلت: يا أبا حاتم، بي لك حرمة، فإن أمكنك أن تدفع بذلك إلى الغد، فلعله أن يحدث له رأي، فقال: ما لي إلى ذلك سبيل، قلت: تأذن لي أن أصب علي ماء وأتحنط؟ فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني، وإن رزق الله

العافية فلن يضر، فدخلت وفعلت ما أردت، ومضينا، فإذا مسرور واقف، فقال له هرثمة: قد جئت به. قال: فقلت لمسرور: يا أبا هاشم، هذا وقت ضيق، فتدري لم طلبني أمير المؤمنين؟ قال: لا، قلت: فمن عنده؟ قال: عيسى بن جعفر، قلت: ومن؟ قال: ما عنده ثالث، قال: مر، فإذا صرت إلى الصحن فإنه في الرواق، وهو ذلك جالس، فحرك رجلك بالأرض، فإنه سيسألك، فقل: أنا. ففعلت، فقال: من؟ قلت: يعقوب، قال: ادخل، فدخلت، فإذا هو جالس وعنده عيسى بن جعفر، فسلمت، فرد وقال: أظننا روعناك، قلت: إي والله، وكذلك من خلفي. قال اجلس، ثم التفت إلي فقال: يا يعقوب، تدري لما دعوتك؟ قلت: لا، قال: دعوتك لأشهدك على هذا، إن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع، وسألته أن يبيعها فأبى، والله لئن لم يفعل لأقتلنه، قال: فالتفت إلى عيسى، وقلت: وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين، وتنزل نفسك هذه المنزلة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فقال لي: عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي: إن علي يميناً بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك ألا أبيع هذه الجارية، ولا أهبها، فالتفت إلي الرشيد فقال: هل له في ذلك من مخرج؟ قلت: نعم، يهب لك نصفها، ويبيعك نصفها، فيكون لم يبع ولم يهب. قال عيسى: ويجوز ذلك؟ قلت: نعم. قال: فأشهدك أني قد وهبت له نصفها، وبعته النصف الباقي بمئة ألف دينار، فقال: الجارية، فأتي بالجارية وبالمال، فقال: خذها يا أمير المؤمنين، بارك الله لك فيها. قال: يا يعقوب، بقيت واحدة، قلت: ما هي؟ قال: هي مملوكة، ولا بد أن تستبرأ، ووالله إن لم أبت معها ليلتي أظن نفسي ستخرج، قلت: يا أمير المؤمنين، تعتقها، وتتزوجها، فإن الحرة لا تستبرأ، قال: فإني قد أعتقتها، فمن يزوجنيها؟ قلت: أنا، فدعا بمسرور وحسين، فخطبت وحمدت الله، ثم زوجته على عشرين ألف دينار، ودعا بالمال فدفعه إليها ثم قال: يا يعقوب، انصرف، وقال: يا مسرور، احمل إلى يعقوب مئتي ألف درهم، وعشرين تختاً ثياباً، فحمل ذلك معي. قال بشر بن الوليد: فالتفت إلى يعقوب فقال: هل رأيت بأساً فيما فعلت؟ قلت: لا، قال: فخذ منها حقك، قلت: وما حقي؟ قال: العشر، فشكرته، وذهبت

لأقوم، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت: يا أبا يوسف، بنتك تقرئك السلام، وتقول لك: ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته، وقد حملت إليك النصف منه، وخلفت الباقي لما أحتاج إليه، فقال: رديه، فوالله لا قبلتها، أخرجتها من الرق، وزوجتها أمير المؤمنين وترضى لي بهذا، فلم نزل نطلب إليه أنا وعمومتي حتى قبلها، وأمر لي منها بألف دينار. كان حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان والغالب عليه، فحبس سوار القاضي رجلاً في بعض ما يحبس فيه القضاة، فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس، فخاصمه إلى سوار فأخبره أن حماداً أخرج الرجل من الحبس، فركب سوار حتى دخل على محمد بن سليمان، وهو قاعد للناس، والناس على مراتبهم، فجلس حيث يراه محمد، ثم دعا قائداً من قواده، فقال: أسامع أنت أم مطيع؟ قال: نعم، قال: اجلس ها هنا فأقعده عن يمينه، ودعا آخر من نظرائه ففعل به ما فعل بالأول، فعل ذلك بجماعة من قواد سليمان ثم قال لهم: انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس، فنظروا إلى محمد بن سلمان فأعلموه ما أمرهم، فأشار إليهم أن افعلوا ما يأمركم، فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس، وانصرف سوار إلى منزله، فلما كان بالعشي أراد محمد بن سليمان الركوب إلى سوار، فجاءته الرسل، فقالوا: إن الأمير على الركوب إليك، فقال: ا، نحن أولى بالركوب إليه، فركب إليه، فقال: كنت على المجيء إليك يا أبا عبد الله، فقال: ما كنت لأجشم الأمير ذلك، قال: بلغني ما صنع هذا الجاهل حماد، قال: هو ما بلغ الأمير، قال: فأحب أن تهب لي ذنبه، قال: أفعل أيها الأمير، اردد الرجل إلى الحبس، قال: نعم، بالصغر له والقماء، فوجه إلى الرجل فحبسه، وأطلق حماداً، وكتب بذلك صاحب الخبر إلى الرشيد، فكتب إلى سوار يحمده على ما صنع، وكتب إلى محمد بن سليمان كتاباً غليظاً يذكر فيه حماد ويقول: الرافضي ابن الرافضي، والله لولا أن الوعيد أمام العقوبة ما أدبته إلا بالسيف ليكون عظة لغيره، ونكالاً، يفتات على قاضي المسلمين في

رأيه، ويركب هواه لموضعه منك، ويتعرض في الأحكام استهانة بأمر الله وإقداماً على أمير المؤمنين؟! وما ذلك إلا بك، وبما أرخيت من رسنه. تالله لئن عاد إلى مثلها ليجدني أغضب لدين الله، وأنتقم من أعدائه لأوليائه. كان الرشيد يقول: أنا من أهل بيت عظمت رزيتهم، وحسنت بقيتهم، رزئنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقيت فينا خلافة الله عز وجل. بينما الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي، فقال: لا، ولا نعمة عين ولا كرامة، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني فأمر أن يقول له قولاً ليناً. قال منصور بن عمار: ما رأيت أغزر دمعاً عند الذكر من ثلاثة: فضيل بن العياض، وأبو عبد الرحمن الزاهد، وهارون الرشيد. قال شعيب بن حرب: بينا أنا في طريق مكة إذ رأيت هارون الرشيد، فقلت لنفسي: قد وجب عليك الأمر والنهي، فقالت لي: لا تفعل، فإن هذا الرجل جبار، ومتى أمرته ضرب عنقك، فقلت لنفسي: لابد من ذلك. فلما دنا مني صحت: يا هارون، قد أتعبت الأمة، وأتعبت البهائم، فقال: خذوه، فأدخلت عليه، وهو على كرسي وبيده عمود يلعب به، فقال: ممن الرجل؟ قلت من أفناء الناس، قال: ممن ثكلتك أمك؟ قلت: من الأبناء، قال: ما حملك على أن تدعوني باسمي؟! قال شعيب: فورد على قلبي كلمة ما خطرت لي قط على بال، قلت: أنا أدعو الله باسمه، فأقول: يا الله، يا رحمن، لا أدعوك باسمك؟ وما تنكر من دعائي باسمك؟ وقد رأيت الله سمى في كتابه أحب

الخلق إليه محمداً، وكنى أبغض الخلق إليه: أبا لهب فقال: " تبت يدا أبي لهب " فقال: أخرجوه، فأخرجوني. قال ابن السماك: قلت للرشيد هارون: يا أمير المؤمنين، إنك تموت وحدك، وتقبر وحدك، فاحذر المقام بتن يدي الجبار، والوقوف بين الجنة والنار، فإنك لا تقدم إلا على قادم مشغول، ولا يخلف إلا جاهل مغرور، يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم حتى يؤخذ بالكظم، وتزل القدم، ويقع الندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، ولا يقبل فداء بمال، فجعل أمير المؤمنين يبكي حتى علا صوته، فالتفت إلي يحيى بن خالد فقال: قم، فقد شققت على أمير المؤمنين منذ الليلة، فقمت وأنا أسمع بكاءه. لما لقي الرشيد هارون الفضيل بن العياض، قال له الفضيل: يا حسن الوجه، أنت المسؤول عن هذه الأمة، قال مجاهد: " وتقطعت بهم الأسباب " قال: الوصل التي كانت بينهم في الدنيا، فجعل هارون يبكي. حج هارون وكان يأنس بسفيان بن عيينة، فقال لسفيان: أشتهي أن أرى الفضيل بن العياض، وأسمع كلامه، فقال له سفيان: إن علم أنك أمير المؤمنين لم ينبسط، قال: فكيف الوجه فيه؟ قال: نذهب إليه جميعاً وأنت متنكر، فمضيا، فقام سفيان على الباب، فقال: السلام عليك يا أبا علي، فقال الفضيل: من أنت؟ قال: سفيان، قال: ادخل يا أبا محمد، قال سفيان: ومن معي؟ قال: ومن معك، فدخلا، فأقبل الفضيل على سفيان فتحدثا ساعة، فقال له سفيان: يا أبا علي، هذا الفتى تعرفه؟ فنظر إليه فقال سفيان: هذا هارون أمير المؤمنين، فنظر إليه الفضيل فقال: يا حسن الوجه، قد قلدت أمراً عظيماً، فاتق الله في نفسك، وكان هارون من أحسن الناس وجهاً.

قال الأصمعي: بعث إلي الرشيد، وقد زخرف مجلسه وبالغ فيها وفي بنائها، وصنع فيها طعاماً كثيراً، ثم وجه إلى أبي العتاهية فأتاه فقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا. فأنشأ يقول: مجزوء الكامل عش ما بدا لك سالماً ... في ظل شاهقة القصور فقال: أحسنت ثم ماذا؟ فقال: يسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور فقال: ثم ماذا؟ فقال: فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور فهناك تعلم موقناً ... ما كنت إلا في غرور فبكى هارون، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره، فأحزنته، فقال هارون: دعه، فإنه رآنا في عمىً فكره أن يزيدنا عمىً. قال أبو العتاهية: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: أبو العتاهية؟ قلت: أبو العتاهية، قال: الذي يقول الشعر؟ قلت: الذي يقول الشعر، قال: عظني وأوجز، فقال: البسيط لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... وإن تمنعت بالحجاب والحرس واعلم بأن سهام الموت قاصدة ... لكل مدرع منا ومترس ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس قال: فخر مغشياً عليه.

جاء هارون الرشيد إلى باب عبد الله بن المبارك فاستأذن، فلم يأذن له، فكتب هارون في رقعة: الخفيف هل لذي حاجة إليك سبيل ... لا طويل قعوده بل قليل فكتب ابن المبارك على ظهر رقعته: أنت يا صاحب الكتاب ثقيل ... وقليل من الثقيل طويل لما حبس الرشيد أبا العتاهية جعل عليه عيناً يأتيه بما يقول، فوجده يوماً قد كتب على الحائط: الوافر أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم فأخبره بذلك الرشيد، فبكى، ودعا به، فاستحله، ووهب له ألف دينار. خرج الرشيد في بعض متنزهاته، فانفرد من الناس على نحو ميل، فرفع له خباء مضروب، فأمه، فإذا فيه أعرابي، فسلم عليه الرشيد، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا من أبغض الناس إلى الناس، فقال الأعرابي:؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أنت إذاً من معد، فمن أي معد؟ قال: من أبغض معد إلى معد، قال: أنت إذاً من مضر، فمن أي مضر أنت؟ قال: من أبغض مضر إلى مضر، قال: أنت إذاً من كنانة، فمن أي كنانة أنت؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة، قال: إذاً أنت من قريش، فمن أي قريش أنت؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش، قال: أنت إذاً من بني هاشم، فمن أي بني هاشم؟ قال: من أبغض بني هاشم إلى بني هاشم، قال: أنت إذاً من ولد العباس، فمن أي ولد العباس أنت؟ قال: من أبغض بني العباس إلى العباس، فوثب الأعرابي قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وتوافت الجيوش، فقال الرشيد: احملوه قاتله الله ما أذهنه.

قال سفيان بن عيينة: دخلت على هارون أمير المؤمنين فقال: أي شيء خبرك يا سفيان؟ فقلت: الوافر بعين الله ما تخفي البيوت ... فقد طال التحمل والسكوت فقال: يا فلان، مئة ألف لابن عيينة، تغنيه، وتغني عقبه، ولا ينقص بيت مال المسلمين من ذلك. قال شبيب: كنا في طريق مكة، فجاء أعرابي في يوم صائف شديد الحر، ومعه جارية له سوداء، وصحيفة، فقال: أفيكم كاتب؟ قلنا: نعم، وحضر غداؤنا،؟؟؟ فقلنا له: لو أصبت من طعامنا، فقال: إني صائم، فقلنا له: أفي هذا الحر الشديد، وجفاء البادية تصوم؟! فقال: إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وتكون ولا أكون فيها، وإنما لي منها أيام قلائل، وما أحب أن أغير أيامي، ثم نبذ إلينا الصحيفة، فقال: اكتب، ولا تزيدن على ما أقول حرفاً: هذا ما أعتق عبد الله بن عقيل الكلابي جارية له سوداء يقال لها: لؤلؤة ابتغاء وجه الله، وجواز العقبة العظمى، وإنه لا سبيل لي عليها إلا سبيل الولاء والمنة لله الواحد القهار، قال الأصمعي: فحدثت بهذا الحديث الرشيد، فأمر أن يشترى له ألف نسمة ويعتقون، ويكتب لهم هذا الكتاب. قال الأصمعي: قدم الرشيد هارون البصرة يريد الخروج إلى مكة، فخرجت معه، فلما صرنا بضرية فإذا أنا على شفير الوادي بصبية قدامها قصعة لها، وإذا هي تقول: الخفيف طحطحتنا طحاطح الأعوام ... ورمتنا حوادث الأيام

فأتيناكم نمد أكفاً ... لفضالات زادكم والطعام فاطلبوا الأجر والمثوبة فينا ... أيها الزائرون بيت الحرام من رآني فقد رآني ورحلي ... فارحموا غربتي وذل مقامي فأخبرت أمير المؤمنين، وأنشدته ما قالت، فعجب، فقلت: آتيك بها؟ قال: بل نذهب إليها، فوقف عليها، فقلت لها: أنشديه ما كنت تقولينه، فأنشدته ولم تهبه، فقال: يا مسرور، املأ قصعتها دنانير، فملأها حتى فاضت. قال أبو عبيدة: حج الرشيد على طريق البصرة، فمر منفرداً ومعه الفضل بن الربيع فإذا بأعرابيين على قعودين لهما، فقال أحدهما: الرجز يا أيها المجمع هماً لاتهم ... إنك إن تقض إلى الحمى تحم كيف توقيك وقد جف القلم ... وحطت الصحة منك والسقم فقال الرشيد للفضل: يا عباسي، قل للمنشد يعيد، فقال الفضل: يا صاحب الشعر، أعد، فقال: لو قال لي هذا لفعلت - يعني الرشيد - قال الفضل: فهممت بالإقبال عليه، فغمزني الرشيد بالصبر، فقلت له: ولم لا تجيبني؟ فقال لي: الطويل إذا ما رأى الناس الجواد ومقرفاً ... إذا حربا قالوا جواد ومقرف

فقال الرشيد: يا عباسي، ادع لي أقرب الخدم منك، فدعوت خادماً، فقال له الرشيد: ما معك؟ قال: أربع مئة درهم، قال: ادفعها إلى المنشد، فأخذها، فضرب الآخر بيده على كتف صاحبه ثم قال: الوافر وكنت جليس قعقاع بن عمرو ... ولا يشقى بقعقاع جليس فقال الرشيد: يا عباسي، ادع لي أقرب الخدم منك، فدعوت خادماً، قال الرشيد: ما معك؟ قال: مئتا دينار، قال: ادفعها إلى المتمثل، فدفعها إليه. قال أبو عبيدة: فسألني الفضل: ما قصة القعقاع؟ فقلت: أهدي إلى معاوية هدايا يوم المهرجان، فيها جامات ذهب وفضة، فدفع معاوية الجامات إلى جلسائه، ودفع إلى القعقاع جام ذهب، وفي القوم أعرابي لم يعط شيئاً، وهو إلى جانب القعقاع، فدفع القعقاع إليه الجام، فأخذه الأعرابي ونهض، وهو يقول: وكنت جليس قعقاع بن عمرو ... ولا يشقى بقعقاع جليس قال أبو محمد الزيدي: دخلت على الرشيد، فوجدته منكباً ينظر في ورقة فيها مكتوب بالذهب، فتبسم فقلت: فائدة، أصلحك الله، قال: نعم، وجدت هذين البيتين في بعض خزائن بني أمية فاستحسنتهما، وقد أضفت إليهما ثالثاً، وأنشدني: الطويل إذا سد باب عنك من دون حاجة ... فدعه لأخرى ينفتح لك بابها فإن قراب البطن يكفيك ملؤه ... ويكفيك سوآت الأمور اجتنابها فلا تك مبذالاً لعرضك واجتنب ... ركوب المعاصي يجتنبك عقابها قال الفضل بن الربيع: خرج الرشيد من عند زبيدة - وقد تغدى عندها ونام - وهو يضحك، فقلت: قد سرني سرور أمير المؤمنين، فقال: ما أضحك إلا تعجباً: أكلت عند هذه المرأة، ونمت، وسمعت رنة فقلت: ما هذا؟ قالوا: ثلاث مئة ألف دينار، وردت من مصر، فقالت: هبها لي يا بن عم، فدفعتها إليها، فما برحت حتى عربدت وقالت: أي خير رأيت منك!. قال الأصمعي: سمعت بيتين لم أحفل بهما، قلت: هما على كل حال خير من موضعهما من الكتاب، فإني عند الرشيد يوماً وعنده عيسى بن جعفر، فأقبل علي مسرور الكبير، فقال:

يا مسرور، كم في بيت مال السرور؟ قال: ليس فيه شيء، فقال عيسى: هذا بيت الحزن، قال: فاغتنم الرشيد، وأقبل على عيسى فقال: والله لتعطين الأصمعي سلفاً على بيت مال السرور ألف دينار، فاغتم عيسى وانكسر، فقلت في نفسي: جاء موضع البيتين فأنشدت الرشيد: الطويل إذا شئت أن تلقى أخاك معبساً ... وجداه في الماضين كعب وحاتم فكشفه عما في يديه فإنما ... تكشف أخبار الرجال الدراهم قال: فتجلى عن الرشيد وقال: يا مسرور، أعطه سلفاً على بيت مال السرور ألف دينار، قال: فأخذت بالبيتين ألفي دينار، وما كان البيتان يسويان عندي درهمين. قال الأصمعي: دخلت على هارون - ومجلسه حافل - فقال يا أصمعي، ما أغفلك عنا، وأجفاك لحضرتنا! قلت: يا أمير المؤمنين، ما ألاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، فأمرني بالجلوس فجلست، وسكت. فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت، فأقعدني حتى خلا، قال: يا أبا سعيد، ما ألاقتني؟ قلت: أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت: كفاك كف ما تليق درهما ... جوداً وأخرى تعطي بالسيف الدما فقال: أحسنت، وهكذا فكن، وقر نا في الملأ، وعلمنا في الخلاء، وأمر لي بخمسة آلاف دينار. وقيل: إنه قال له: ما لاقتتني بعدك أرض. فلما خرج الناس قال له: ما معنى: ما لا قتتني أرض؟ قال: ما استقرت بي أرض، كما يقال: فلان لا يليق شيئاً أي: لا يستقر معه شيء، وقال له: هذا حسن، ولكن لا ينبغي أن تكلمني بين يدي الناس إلا بما أفهمه، فإذا خلوت فعلمني، فإنه إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم، وإما أن أجيب بغير صواب، فيعلم الناس أني لم أفهم. قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.

مازح الرشيد أم جعفر فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر، فاغتمت لذلك، ولم تدر ما معناه، فوجهت إلى الأصمعي فسألته عن ذلك، فقال لها: الجعفر: النهر الصغير، وإنما ذهب إلى هذا، فسكنت نفسها. قال الأصمعي: دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: إني أرقب ليلتي هذه، فقلت: لم، أنام الله عين أمير المؤمنين؟ قال: فكرت بالعشق مم هو؟ فلم أقف عليه، فصفه لي حتى أخاله جسماً، قال الأصمعي: لا والله ما كان عندي قبل ذلك منه شيء، فأطرقت ملياً ثم قلت: نعم يا سيدي، إذا توافقت الأخلاق المشاكلة، وتمازجت الأرواح المتشابهة ألفيت لمح نور ساطع يستضيء به العقل، وتنير لإشراقه طباع الجناة، ويتصور من ذلك النور خلق في النفس منصباً نحو جواهرها يسمى العشق. فقال: أحسنت والله، يا غلام، أعطه، وأعطه، فأعطيت ثلاثين درهم. قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: دخلت على أمير المؤمنين الرشيد يوماً، فقال: أنشدني من شعرك، فأنشدته: الطويل وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فذلك شيء ما إليه سبيل أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً به في العالمين خليل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال خيراً أن يكون ينيل عطائي عطاء المكثرين تكرماً ... وما لي كما قد تعلمين قليل وإني رأيت البخل يزري بأهله ... ويحقر يوماً أن يقال بخيل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الفتى ... ورأي أمير المؤمنين جميل؟ فقال: لا كيف، إن شاء الله، يا فضل، أعطه مئة ألف درهم، لله در أبيات تأتينا

بها، ما أحسن فصولها، وأثبت أصولها، فقلت: يا أمير المؤمنين، كلامك أجود من شعري، قال: أحسنت، يا فضل، أعطه مئة ألف أخرى. قال الرشيد للمفضل الضبي: ما أحسن ما قيل في الذئب، ولك هذا الخاتم الذي في يدي، وشراؤه ألف وست مئة دينار؟ فقال: قول الشاعر: الطويل ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع قال: ما ألقي هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم، وحلق به إليه، فاشترته أم جعفر بألف وست مئة دينار، وبعثت به إليه وقالت: قد كنت أراك تعجب به، فألقاه إلى الضبي وقال: خذه وخذ الدنانير، فما كنا نهب شيئاً ونرجع فيه. صنع الرشيد ذات ليلة بيتاً، واضطرب عليه الثاني، فقال: علي بالعباس بن الأحنف، فأتي به في جوف الليل على حال من الذعر عظيمة، فقال له الرشيد: لا ترع، قال: وكيف لا يكون ذلك وقد طرقت في منزلي في مثل هذا الوقت؟ فلم أخرج إلا والواعية فيه وأهلي لا يشكون في قتلي، فقال: أحضرتك لبيت قلته صعب علي أن أشفعه بمثله، قال: ما هو؟ قال: مجزوء الوافر جنان قد رأيناها ... فلم نر مثلها بشرا فقال العباس: يزيدك وجهها حسناً ... إذا ما زدته نظرا إذا ما الليل مال علي ... ك بالظلماء واعتكرا

ودج فلم تر قمراً ... فأبرزها تر قمرا فقال الرشيد: أول ما يجب أن ندفع إليك ديتك، إذ نزل بك هذا الروع وبعيالك منا، فأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه. دخل العباس بن الأحنف على هارون الرشيد فقال له هارون: أنشدني أرق بيت قالته العرب، فقال: قد أكثر الناس في بيت جميل حيث يقول: الطويل ألا ليتني أعمى أصم تقودني ... بثنية لا يخفى علي كلامها فقال له هارون: أنت أرق منه حيث تقول: البسيط طاف الهوى في عباد الله كلهم ... حتى إذا مر بي من بينهم وقفا قال العباس: أنت أمير المؤمنين أرق قولاً مني ومنه حيث تقول: الوافر أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الهوى أحسنت زيدي فأعجب بقوله وضحك. قال ابن المبارك: عشق هارون جارية، فأرادها، فذكرت أن أباه كان مسها، فشغف بها هارون حتى قال: الوافر أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضى أحسنت زيدي قال: فسأل أبا يوسف عنها، فقال: أو كلما قالت جارية تصدق؟ قال:

ابن المبارك: فلا أدري ممن أعجب! من أمير المؤمنين حين رغب عنها، أو منها حين رغبت عن أمير المؤمنين، أو من أبي يوسف حين أمره بالهجم عليها. قال إبراهيم الموصلي: قال لي غلامي: بالباب رجل حائك يستأذن، فقلت: مالي ولحائك؟ قال: لا أدري غير أنه حلف بالطلاق لا ينصرف حتى يكلمك بحاجته، قال: فأذنت له، فدخل، فقلت: ما حاجتك؟ قال: أنا رجل حائك، وكان عندي بالأمس جماعة فتذاكرنا الغناء والمتقدمين فيه، فأجمع من حضر أنك رأس القوم وبندارهم وسيدهم في هذه الصناعة، فحلفت بطلاق ابنة عمي وأعز الخلق علي ثقة مني بكرمك على أن تشرب عندي غداً، وتغنيني، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تمن على عبدك بذلك فعلت، فقلت له: أين منزلك؟ قال: في دور الصحابة، قلت: فصف للغلام موضعه وانصرف، فإني رائح إليك، فوصف للغلام. فلما صليت الظهر ركبت، وأمرت الغلام أن يحمل معه قنينة وقدحاً ومصلى وخريطة العود، وصرت إلى منزله، ودخلت فقام إلي الحاكة فقبلوا أطرافي، وعرضوا علي الطعام، فقلت: قد تقدمت في الأكل، فشربت من نبيذي، وتناولت العود، فقلت: اقترح علي، فقال: غنني بحياتي: الطويل يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نسيبة والطراق يكذب قيلها فغنيت، فقال: أحسنت جعلني الله فداك، ثم قلت: اقترح، فقال: غنني بحياتي: الطويل وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ... وردا على عيني فضل ردائياً فغنيت، فقال: أحسنت جعلني الله فداك، ثم شربت وقلت: اقترح، فقال: غنني بحياتي: الطويل أحقاً عباد الله أن لست وارداً ... ولا صادراً إلا علي رقيب؟

فقلت: يا بن اللخناء، أنت بابن سريج أشبه منك بالحاكة، فغنيته، ثم قلت: والله إن عدت ثانية حلت امرأتك لغلامي قبل أن تحل لك، ثم انصرف، وجاء رسول أمير المؤمنين الرشيد فمضيت إليه من فوري، فقال: أين كنت؟ قلت: ولي الأمان؟ قال: ولك الأمان، فحدثته، فضحك وقال: هذا أنبل حائك على ظهر الأرض، ووالله لقد كرمت في أمره، وأحسنت إجابته، وبعث إلى الحائك، فاستنطقه، وساءله فاستطابه، واستظرفه، وأمر له بثلاثين ألف درهم. كتب هارون الرشيد إلى جارية له كان يحبها وكانت تبغضه: البسيط إن التي عذبت نفسي بما قدرت ... كل العذاب فما أبقت ولا تركت مازحتها فبكت واستعبرت جزعاً ... عني فلما رأتني باكياً ضحكت فعدت أضحك مسروراً بضحكتها ... حتى إذا ما رأتني ضاحكاً فبكت تبغي خلافي كما خبت براكبها ... يوماً قلوص فلما حثها بركت كأنها درة قد كنت أذخرها ... ليوم عسر فلما رمتها هلكت وأنشدوا هذه الأبيات لذؤيب. قال الأصمعي: ما رأيت أثر النبيذ في وجه الرشيد قط إلا مرة واحدة: فإني دخلت عليه أنا وأبو جعفر الشطرنجي، فرأيته خاثراً، فقال لنا: استبقا إلى بيت، بل إلى أبيات، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم. وفي رواية قال: كان الرشيد يهوى عنان جارية الناطفي، وكانت صيانته لنفسه تمنعه منها. قال الأصمعي: فما رأيته قط متبذلاً

إلا مرة، فإني دخلت إليه، وفي وجهه تخثر، وعنده أبو جعفر الشطرنجي، فقال لنا: استبقوا، فمن أصاب ما في نفسي فله عشرة آلاف درهم، فوقع في نفسي أنه يريد عنان - فقال أبو جعفر بن أبي حفص الشطرنجي بجرأة العميان: الخفيف مجلس ينسب السرور إليه ... لمحب ريحانه ذكراك فقال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرة آلاف درهم، ثم قال: قد حضرني بيت ثان، قال: هات، فأنشد: كلما دارت الزجاجة زادت ... هـ حنيناً ولوعة فبكاك قال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرة آلاف درهم. قال الأصمعي: فنزل بي ما لم ينزل بي قط مثله، إن ابن أبي حفص يرجع بعشرين ألف دهم وبفخر ذلك المجلس، وأرجع صفراً منهما جميعاً، ثم حضرني بيت، فقلت: يا أمير المؤمنين، قد حضرني ثالث، قال: هاته، فأنشأت أقول: لم ينلك المنى بأن تحضريني ... وتجافت أمنيتي عن سواك فقال: أحسنت، يا فضل، أعطه عشرين ألف درهم ثم قال هارون: قد حضرني رابع، فقلنا: إن رأى أمير المؤمنين أن ينشده فعل، فأنشأ يقول: فتمنيت أن يغشيني الله ... نعاسا لعل عيني تراك فقلنا: يا أمير المؤمنين، أنت أشعر منا، فجوائزنا لأمير المؤمنين، فقال: جوائزكما لكما، وانصرفا. قال أبو هفان: أهديت إلى الرشيد جارية في غاية الجمال والكمال، فخلا بها أياماً، وأخرج كل قينة من داره، واصطبح يوماً، فكان من حضر من جواريه للغناء والخدمة في الشراب وغيره زهاء ألفي جارية في أحسن زي، من كل نوع من أنواع الثياب والجواهر، واتصل الخبر بأم جعفر فغلظ عليها ذلك فأرسلت إلى علية تشكو إليها، فأرسلت إليها علية: لا يهولنك هذا، فوالله لأردنه، وأنا أعمل شعراً، وأصوغ فيه لحناً، وأطرحه على جواري،

فلا تدعي عندك جارية إلا بعثت بها إلي وألبسيهن فاخر الثياب والحلي ليأخذن صوتاً مع جواري، ففعلت أم جعفر ما أمرتها. فلما جاء وقت العصر لم يشعر الرشيد إلا وعلية قد خرجت عليه من حجرتها، وأم جعفر قد خرجت من حجرتها معهما زهاء ألفي جارية من جواريهما وسائر جواري القصر، وكلهن في لحن واحد هزج صنعته علية: مجزوء الرجز منفصل عني وما ... قلبي عنه منفصل يا قاطعي اليوم لمن ... نويت بعدي أن تصل فطرب الرشيد، وقام على رجليه حتى استقبل أم جعفر علية، وهو على غاية السرور، وقال: لم أر كاليوم قط، ثم قال: يا مسرور، لا يبقين في بيت المال درهم إلا نثرته، فكان مبلغ ما نثر يومئذ ست آلاف ألف درهم، وما سمع بمثل ذلك اليوم قط. دخلت أعرابية على هارون الرشيد، فأخرج إليها ماردة وكانت ذات جمال وشكل، وكان الرشيد يحبها فأنشدته الأعرابية أشعاراً تمدحه ببعضها، وأنشدها الرشيد لنفسه في ماردة: الكامل وتنال منك بحد مقلتها ... ما لا ينال بحده النصل شغلتك وهي ككل منتصر ... لاقى محاسن وجهها شغل فلوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل وإذا نظرت إلى محاسنها ... فلكل موضع نظرة قتل فقالت الأعرابية: يا أمير المؤمنين، ما أدري أيهم أحسن: الشعر، أو من قاله، أو من قيل فيه، فأمر لها بجائزة. كان الرشيد شديد الحب لهيلانة، وكانت قلبه ليحيى بن خالد، فدخل يوماً إلى يحيى قبل الخلافة، فلقيته في ممر، فأخذت بكمه فقالت: أما لنا منك يوم مرة؟ فقال لها: بلى، فكيف السبيل إلى ذلك، فقالت: تأخذني من هذا الشيخ، فقال ليحيى: أحب أن تهب لي فلانة، فوهبها له، وغلبت عليه، وكانت تكثر أن تقول: هي لانة،

فسماها هيلانة. فأقامت عنده ثلاث سنين، وماتت، فوجد عليها وجداً شديداً، وأنشد: السريع أقول لما ضمنوك الثرى ... وجالت الحسرة في صدري اذهب فلا والله ما سرني ... بعدك شيء آخر الدهر كتب هارون الرشيد إلى جاريته الخيزرانة وهي بمكة: الخفيف نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور فأجدوا في السير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا فأجابته الخيزرانة: قد أتانا الذي وصفت من الشو ... ق فكدنا وما فعلنا نطير ليت أن الرياح كن يؤدين ... إليك الذي يجن الضمير لم أزل صبه فإن كنت بعدي ... في سرور فدام ذاك السرور أنشد عمران بن موسى المؤدب لهارون الرشيد في ثلاث حظيات كن عنده وهن قصف، وضياء، وخنث: الكامل ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني؟ ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه ملكن أعز من سلطاني اشتريت للرشيد هارون جارية مدينية، فأعجب بها، وأمر الربيع أن يبعث في حمل أهلها ومواليها لينصرفوا بجوائزها، وأراد بذلك تسريتها، فوفد إلى مدينة السلام ثمانون رجلا، ووفد معهم رجل من أهل العراق استوطن المدينة كان يهوى الجارية. فلما بلغ الرشيد خبرهم أمر الفضل أن يخرج إليهم ليكتب اسم كل رجل منهم وحاجته ففعل

حتى بلغ إلى العراقي فقال له: حاجتك؟ قال: إن كتبتها وضمنت لي عرضها مع ما يعرض أنبأتك بها، فقال: أفعل ذلك، قال: حاجتي أن أجلس مع فلانة حتى تغنيني ثلاثة أصوات، وأشرب ثلاثة أرطال، وأخبرها بما تجن ضلوعي من حبها، فقال الفضل: إنه موسوس، قال: يا هذا، قد أمرت أن تكتب ما يقول كل واحد، فاكتب ما أقول، واعرضه، فإن أجبت إليه، وإلا فأنت في أوسع العذر. فدخل الفضل مغضباً، فقرأ على الرشيد ما كتب، وقال: يا أمير المؤمنين، فيهم واحد مجنون سأل ما أجل مجلس أمير المؤمنين عن التفوه به فيه، فقال: قل ولا تجزع، فقال: قال كذا وكذا، قال: قل له: بعد ثلاث احضر لينجز لك ما سألت، وأنت تتولى الاستئذان له، ودعا بخادم، وقال: امض إلى فلانة، وقل لها حضر رجل وذكر كذا وكذا، وأجبناه إلى ما سأل، فكوني على أهبة، ثم أدى الفضل الرسالة إليه، فانصرف وحضر في اليوم الثالث، وعرف الرشيد خبره، فقال: يلقى له بحيث أرى كرسي فضة، وللجارية كرسي ذهب، وتخرج إليه، ويحضر ثلاثة أرطال، فجلس الفتى والجارية بإزائه، فحدثها والرشيد يراهما، فقال للخادم: لم تدخل لتشتو وتصيف، فأخذ رطلاً، وخر ساجداً وقال: إذا شئت أن تغني فغني: الطويل خليلي عوجا بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا غداً يكثر الباركون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا فغنته، وشرب الرطل، وحادثها ساعة، فاستحثه الخادم، فأخذ الرطل بيده، وقال: غني جعلت فداك: الطويل تكلم منا في الوجوه عيوننا ... فنحن سكوت والهوى يتكلم ونغضب أحياناً ونرضى بطرفناوذلك فيما بيننا ليس يعلم فغنته، وشرب الرطل الثاني، وحادثته ساعة، فاستعجله الخادم، فخر ساجداً يبكي، وأخذ الرطل بيده، واستودعها الله، وقام على رجليه، ودموعه تستبق استباق المطر، وقال: إذا شئت غني: السريع

أحسن ما كنا تفرقنا ... وخاننا الدهر وما خنا فليت ذا الدهر لنا مرة ... عاد لنا يوماً كما كنا فغنته الصوت، فقلب الفتى طرفه، فبصر بدرج في الصحن، فأمها، وتبعه الخدم، ليهدوه الطريق، ففاتهم، وصعد الدرجة وألقى نفسه إلى الأرض على رأسه، فخر ميتاً، فقال الرشيد: عجل الفتى، ولو لم يعجل لوهبتها له. قال عمار بن كثير الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس أشد علي موتاً من هارون أمير المؤمنين، فلوددت أن الله زاد من عمري في عمره، فكبر ذلك علينا. فلما مات هارون، وظهرت تلك الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على أن القرآن مخلوق، قلنا الشيخ أعلم بما تكلم به. قال إسماعيل بن فروخ: أنشدنا أمير المؤمنين الرشيد لنفسه، وقد صعب عليه الصعود في عقبة همذان، فقال: البسيط حتى متى أنا في حل وترحال ... وطول هم بإدبار وإقبال ونازح الدار ما ينفك مغترباً ... عن الأحبة لا يدرون ما حالي بمشرق الأرض طوراً ثم مغربها ... لا يخطر الموت من حرصي على بالي ولو قنعت أتاني الرزق في دعة ... إن القنوع الغنى لا كثرة المال قال زكريا بن سعد الوصيف: كان الرشيد ذات يوم في مقيله إذ رأى في منامه كأن رجلاً وقف على باب مجلسه، فضرب بيده إلى عود من الباب ثم أنشأ يقول: الطويل

كأني بهذا القصر قد باد آهله ... وأقفر منه ربعه ومنازله وصار عميد القصر من بعد بهجة ... وملك إلى قبر عليه جنادله فلم يبق إلا ذكره وحديثه ... تبكي عليه بالعويل حلائله ثم خرج إلى طوس، فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم، فأجمع المتطببون أن دواءه الجمار، فوجه إلى دهقان حلوان، فسأل عن النخل، فقال: ليس بهذا البلد نخلة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان، فوجه إليهما من قطع إحداهما، فأكل هارون جمارها، فسكن عنه الدم، فترحل، فمر عليهما، فرأى على القائمة منهما مكتوباً: الخفيف أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من صرف هذا الزمان أسعداني وأيقنا أن نحساً ... سوف يلقاكما فتفترقان ولعمري لو ذقتما حرق الفر ... قة أبكاكما الذي أبكاني فقال هارون: عز والله علي أن أكون أنا نحسهما، ولو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو تلفت نفسي. لما حضر هارون الرشيد الوفاة جاءت إحدى جواريه إليه تبكي عند رأسه، فرفع رأسه إليها، وأنشأ يقول: السريع باكيتي من جزع أقصري ... قد غلق الرهن بما فيه لما حضرت الرشيد الوفاة كان ربما غشي عليه فيفتح عينيه، فيغشى عليه، ثم نظر إلى الربيع واقفاً على رأسه فقال: يا ربيع الطويل أحين دنا ما كنت أرجو دنوه ... رمتني عيون الناس من كل جانب فأصبحت مرحوماً وكنت محسداً ... فصبراً على مكروه مر العواقب

سأبكي على الوصل الذي كان بيننا ... وأندب أيام السرور الذواهب وأعتقل الأيام بالصبر والعزا ... عليك وإن جانبت غير مجانب قال مسرور الخادم: أمرني هارون أمير المؤمنين لما احتضر أن آتيه بأكفانه، فأتيته بها، ينتقيها على عينه، ثم أمرني، فحفرت قبره، ثم أمر فحمل إليه، فجعل يتأمله ويقول: " ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية " ويبكي، ثم تمثل ببيت شعر. قال أحمد بن محمد الأزدي: جعل هارون أمير المؤمنين يقول وهو يموت: واسوءتاه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. استخلف الرشيد هارون سنة سبعين ومئة، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومئة بطوس، ودفن بقرية يقال لها سناباذ. وأتت الخلافة ابنه محمد الأمين وهو ببغداد، وتوفي الرشيد وهو ابن ست وأربعين سنة. قال بعضهم: قرأت على خيام هارون أمير المؤمنين بعد منصرفهم من طوس، وقد مات هارون: السريع منازل العسكر معموره ... والمزل الأعظم مهجور خليفة الله بدر البلى ... تسفي على أجداثه المور أقبلت العير تباهي به ... وانصرف تندبه العير

هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد

هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور أبو جعفر، وقيل أبو القاسم أمه أم ولد اسمها قراطيس. استخلف بعد أبيه المعتصم بعهد منه. قدم دمشق مع أبيه في خلافة عمه. حدث الواثق عن أبيه عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس قال: لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله شاباً منها، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيعود الأمر فيه كما بدأ. قلت يطمع في ذلك فتيانكم، ولا يطمع فيه شيوخكم، قال: يفعل الله ما يشاء، ذلك عزم. قال رجل لابن عباس: إن ابن الزبير يزعم بأن المهدي منهم، فقال: لا ورب الكعبة، ولو كان زمانه لكنته، ولكنه من ولدي. ولد الواثق بطريق مكة سنة تسعين ومئة، وولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومئتين، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومئتين. وقيل: ولد سنة ست وتسعين ومئة. وقيل: سنة أربع وتسعين. وبويع الواثق في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسر من رأى. وورد رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم، فلم يظهر ذلك، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت. فلما كان الغد يوم السبت أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشميين والقواد والناس بحضور دار أمير المؤمنين، فحضروا، فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه، وأخذ البيعة، فبايع الناس. لما مات المعتصم، وولي الواثق كتب دعبل بن علي الخزاعي أبياتاً، وأتى بها الحاجب، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام، وقل: مديح لدعبل، فأخذ الحاجب

الطومار فأدخله على الواثق ففضه فإذا فيه: البسيط الحمد لله لا صبر ولا جلد ... ولا رقاد إذا أهل الهوى رقدوا خليفة مات لم يحزن عليه أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد فمر هذا ومر الشر يتبعه ... وقام هذا فقام الويل والنكد فطلب، فلم يوجد دخل هارون بن زياد مؤدب الواثق على الواثق، فأكرمه، وأظهر من بره ما شهر به، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله عز وجل، وأدناني من رحمة الله عز وجل. قال يحيى بن أكثم: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ما أحسن إليهم الواثق، ما مات وفيهم فقير. قال أبو عثمان المازني: كتب الواثق في حملي، فحملت، وأدخلت عليه، وهو عليل، فقال: يا بكر، لك ولد؟ قلت: لا، قال: فلك امرأة؟ قلت: لا، قال: فمن خلفت بالبصرة؟ قلت: أختي، قال: أكبر منك أم أصغر؟ فقلت: أصغر مني، قال: فما قالت المسكينة؟ قلت: قالت لي ما قالت ابنة الأعشى لأبيها: المتقارب تقول ابنتي حين جد الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم فيا أبتا لا تزل عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم ترانا إذا أضمرتك البلاد ... نجفى وتقطع منا الرحم قال: ما رددت عليها المسكينة؟ قال: رددت عليها ما قال جرير لابنته: الوافر

ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح فضحك ثم أمر لي بخمس مئة دينار. كتب محمد بن حماد إلى الواثق: الطويل جذبت دواعي النفس عن طلب الغنى ... وقلت لها كفي عن طلب النزر فإن أمير المؤمنين بكفه ... مدار رحا الأرزاق دائبة تجري فوقع: جذبك نفسك عن امتهانها دعا إلى صونك بسعة فضلي، فخذ ما طلبت هنيئاً. قال المهتدي: كنت أمشي مع الواثق في صحن داره، فقال: اكتب: الوافر تنح عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسناً فزده ستكفى من عدو كل كيد ... إذا كاد العدو ولم تكده ثم قال: اكتب: البسيط هي المقادير تجري في أعنتها ... فاصبر فليس لها صبر على الحال ومما روي من شعر الواثق: البسيط حين استتم بأرداف تجاذبه ... واخضر فوق قناع الدر شاربه وتم في الحسن فالتامت ملاحته ... وما زجت بدعاً من عجائبه كلمته بجفون غير ناطقة ... فكان من رده ما قال حاجبه قال حمدون بن إسماعيل: كان الواثق مليح الشعر، وكان يحب خادماً أهدي له من مصر، فأغضبه الواثق يوماً ثم سمعه يوماً يقول لبعض الخدم: هو يروم أن أكلمه، ما أفعل، فقال الواثق: وله فيه لحن: البسيط

إن الذي بعذابي ظل مفتخراً ... ما أنت إلا مليك جار إذ قدرا لولا هواه تجارينا على قدر ... وإن أفق منه يوماً ما فسوف يرى قال أحمد بن حمدون: كان بين الواثق وبين بعض جواريه شر، فخرج كسلان، فلم أزل أنا والفتح نحتال لنشاطه، فرآني أضحك الفتح بن خاقان، فقال: قاتل الله ابن الأحنف حيث يقول: البسيط عدل من الله أبكاني وأضحككم ... فالحمد لله عدل كل ما صنعا اليوم أبكي على قلبي وأندبه ... قلب ألح عليه الحب فانصدعا للحب في كل عضو لي على حدة ... نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا فقال الفتح: أنت يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه وأظرف. أمر الواثق ابن أبي دواد يصلي بالناس في يوم عيد، وكان عليلاً، فلما انصرف قال له: يا أبا عبد الله، كيف كان عيدكم؟ قال: كنا في نهار لا شمس فيه، فضحك، وقال: يا أبا عبد الله، أنا مؤيد بك، وكان ابن أبي دواد قد استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة، ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن. ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك القول بعد موته. قال صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي: حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جلس للنظر في أمور المتكلمين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها، فيأمر بالتوقيع فيها، وينشأ الكتاب عليها ويحرر، ويختم، ويدفع إلى صاحبه بين يديه، فسرني ذلك، واستحسنت ما رأيت منه، فجعلت أنظر إليه، ففطن، ونظر إلي،

فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مراراً ثلاثاً، إذا نظر غضضت، وإذا شغل نظرت، فقال: يا صالح، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: في نفسك منا شيء تريد أن تقوله، قلت: نعم، حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح، وانصرف الناس، وأذن لي، وهمتني نفسي، فدخلت، وجلست، فقال: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك، أو أقول أنا ما دار في نفسي أنه دار في نفسك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما تأمر به، فقال: دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا، فقلت: أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول بخلق القرآن، فورد على قلبي أمر عظيم، ثم قلت: يا نفس، هل تموتين قبل أجلك، وهل تموتين إلا مرة واحدة، وهل يجوز الكذب في جد أو هزل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت، فأطرق ملياً ثم قال: ويحك! اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعن الحق، فسر عني، وقلت: يا سيدي، ومن أولى بقول الحق منك، وأنت خليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين؟ فقال: ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدراً من أيام الواثق حتى أقدم أحمد ابن أبي دواد علينا شيخاً من أهل الشام، من أهل أذنة مقيداً، وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه، ورق له، فما زال يدينه، ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ، فأحسن، ودعا، فأبلغ وأوجز، فقال له الواثق: اجلس ناظر ابن أبي دواد على ما يناظرك عليه، فقال له الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن أبي دواد يضوى ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق، وعاد مكان الرقة له غضباً عليه، وقال: أبو عبد الله بن أبي دواد يضوى، ويضعف عن مناظرتك أنت؟! فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول، قال: افعل. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة، داخلة في عقدة الدين، فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بما قلت؟ قال: نعم، قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بعثه الله إلى عباده، هل سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما أمره الله به في أمر دينهم؟ فقال: لا، قال الشيخ: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد، فقال الشيخ: تكلم،

فسكت، فقال الشيخ للواثق: يا أمير المؤمنين، واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " كان الله عز وجل الصادق في إكمال دينه، أو أنه الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد، فقال الشيخ: أجب يا أحمد، فلم يجب، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، اثنتان، فقال الواثق: نعم. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، علمها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم جهلها؟ قال ابن أبي دواد: علمها، قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث، فقال الواثق ثلاث. قال الشيخ: يا أحمد، فاتسع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن علمها وأمسك عنها كما زعمت، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم؟ قال ابن أبي دواد: نعم، فأعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قدمت القول إن أحمد يضوى ويضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين، إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم - أو قال: فلا وسع الله عليك - فقال الواثق: نعم، إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله علينا. اقطعوا قيد الشيخ. فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه، فجاذبه الحداد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ يأخذه، فأخذه في كمه. فقال له الواثق: لم جاذبت الحداد عليه؟ قال: لأني نويت أن أوصي أن يجعل بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، أقول: يا رب، سل عبدك هذا: لم قيدني، وروع

أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك علي، وبكى الشيخ، وبكى الواثق، وبكينا، وسأله الواثق أن يجعله في حل، فقال: والله لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراماً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كنت رجلاً من أهله، فقال الواثق: لي إليك حاجة، فقال: إن كانت ممكنة فعلت، فقال الواثق: تقيم عندنا فننتفع بك، وينتفع بك فتياننا، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إن ردك إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك، وأصير إلى أهلي وولدي أكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك، قال الواثق: فتقبل منا صلةً تستعين بها على دهرك، قال: يا أمير المؤمنين، لاتحل لي، أنا عنها غني، وذو مرة، سوي، فقال: سل حاجة، قال: أو تقضيها؟ قال: نعم، قال: يخلى لي السبيل الساعة إلى الثغر، قال: قد أذنت لك، فسلم عليه وخرج. قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأحسب أن الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت. وفي حديث آخر بما معناه: وسقط ابن أبي دواد في عينه، ولم يمتحن بعد ذلك أحداً. لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين: البسيط الموت فيه جميع الخلق مشترك ... لا سوقة منهم يبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم ... وليس يغني على الإملاك ما ملكوا ثم أمر بالبسط، فطويت، وألصق خده بالأرض، وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه. حدث محمد أمير البصرة قال: كنت أحد من مرض الواثق، لما مات، فكنت واقفاً بين يديه مع جماعة إذ لحقته غشية، فما شككنا أنه مات فقال بعضنا لبعض: تقدموا، فاعرفوا خبره، فما جسر أحد منهم يتقدم، فتقدمت أنا. فلما صرت عند رأسه، وأردت أن أضع يدي على

هارون بن معاوية أبي عبيد الله الأشعري

أنفه أختبر نفسه لحقته إفاقة، ففتح عينيه، فكدت أن أموت فزعاً من أن يراني مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي، فرجعت إلى الخلف، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس، وعثرت به، فاتكأت عليه، فاندق سيفي، وكاد أن يدخل في لحمي ويجرحني، فسلمت وخرجت. فاستدعيت سيفاً ومنطقة فلبستها، وجئت حتى وقفت في مرتبتي ساعة. فتلف الواثق بلا شك، فتقدمت، فسددت لحييه، وغمضته، وسجيته، ووجهته إلى القبلة، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن، لأن جميعه مثبت عليهم، وترك وحده في البيت، وقال لي ابن أبي دواد القاضي: إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت، فكن أنت ذلك الرجل، وكنت من أخصهم به لأنه أحبني حتى لقبني الواثقي، باسمه، فحزنت عليه، فرددت باب المجلس، وجلست في الصحن عند الباب أحفظه. وكان المجلس في بستان عظيم، فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني، فدخلت أنظر ما هي، فإذا بجرذون من دواب البستان قد جاء حتى استل عين الواثق فأكلها، فقلت: لا إله إلا الله، هذه العين التي فتحها من ساعة - فاندق سيفي هيبة لها - صارت طعمة لدابة ضعيفة، وجاؤوا فغسلوه، فسألني ابن أبي دواد عن عينه فأخبرته. وكان الواثق أبيض إلى الصفرة، جسيماً، حسن الوجه، جميلاً، في عينه اليمنى نكتة بياض. هارون بن معاوية أبي عبيد الله الأشعري عم معاوية بن أبي صالح حدث عن محمد بن أبي قيس بسنده إلى أبي ليلى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تمسكوا بطاعة أئمتكم، لا تخالفوهم، فإن طاعتهم طاعة الله، وإن معصيتهم معصية الله، فإن الله بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة، والموعظة الحسنة، فمن خلفني في ذلك فهو مني وأنا منه.

هارون بن موسى بن شريك

هارون بن موسى بن شريك أبو عبد الله التغلبي المقرئ المعروف بالأخفش حدث عن سلام بن سليمان بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في الروم: " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوةً ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً " برفع الضاد من ضعف في هذا كله. قال أبو عبد الله الأخفش: دخلت مع مشايخ دمشق أعود أبا مسهر ابن عبد الأعلى بن مسهر الغساني، فسمعته يترنم لهذا البيت: الطويل يسر الفتى ما كان قدم من تقى ... إذا نزل الداء الذي هو قاتله ذكر الأخفش أنه مولده سنة مئتين، وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومئتين. وقيل: توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين. هارون بن أبي الهيذام واسم أبي الهيذام محمد بن هارون أبو يزيد العسقلاني مولى آل عثمان بن عفان قيم مسجد الرملة. حدث عن الحارث بن عبد الله بسنده إلى جابر بن سمرة قال: رأيت أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتناشدون الشعر، ويضحكون ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس معهم، يبتسم إليهم.

هارون بن يزيد الشاري النيسابوري

هارون بن يزيد الشاري النيسابوري ابن أخت مخلد بن مالك حدث عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: اللهم، عافني في قدرتك، وأدخلني في رحمتك، واقبض أجلي في طاعتك واختم لي بخير عملي، واجعل ثوابه الجنة. هاشم بن بلال ويقال: ابن سلال، ويقال: سلام بن أبي سلام، أبو عقيل الحبشي دمشقي. حدث عن سابق بن ناجية عن أبي سلام قال: رأيت رجلاً في مسجد حمص، فقيل لي: إن هذا قد خدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فلقيته، فقلت: حدثني حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتداوله بينك وبينه الرجال، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من مسلم يقول إذا أصبح ثلاثاً، وثلاثاً إذا أمسى: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة. وعقيل: بفتح العين وكسر القاف. وكان هاشم ثقة. هاشم بن خالد بن أبي جميل أبو مسعود القرشي من دمشق.

هاشم بن زايد

حدث عن عمه صالح الأوقص عن أبي جمرة عن ابن عباس قال: لا تكسروا الرمانه من رأسها، فإن فيها دودة يعتري منها الجذام. قال هاشم بن خالد: سمعت أبا سليمان الداراني يقول لأحمد بن أبي الحواري: خذ ممن جرب، ودع عنك الوصافين. وقال هاشم: سمعت أبا سليمان يقول: من لا يسأل الله يغضب عليه، فأنا أسأله لعيالي حتى الملح. وقال هاشم: سمعت أبا سليمان يقول: أيما رجل أم قوماً فسبح بهم أكثر من ثلاث فقد ظلم من خلفه، وإن نقص فقد خانهم. قال: وسمعته يقول: ما أحب أن أجعل بيني وبين القبلة مبتدعاً. قال: وسمعته يقول: لولا أن الله تبارك وتعالى أمر بالتعوذ من الشيطان الرجيم ما تعوذت به أبدا، لأنه لا يقدر لي على ضر ولا نفع. هاشم بن زايد ويقال: ابن زيد الدمشقي حدث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع، وعن الحمر الأهلية، وعن المجثمة، وأن توطأ الحبال من السبي حتى يضعن. وبه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من مس ذكره فليتوضأ. كان هاشم ضعيف الحديث.

هاشم بن سعيد البعلبكي

هاشم بن سعيد البعلبكي والد محمد بن هاشم حدث عن يزيد بن زياد البصري بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منها جميعاً، فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة. هاشم بن عتيبة بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري، المعروف بالمرقال قيل: إن له صحبة، ولم يثبت. ولد في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى عنه. وروي عنه حديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أصيبت عينه يوم اليرموك، وكان مع علي في حروبه في الجمل وصفين. وقتل بصفين. حدث هاشم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يظهر المسلمون على جزيرة العرب ". وورد في موضع آخر أن هشاماً حدث عن أبيه قال: أقبلت نحو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في جماعة فهبت أن أتقدم، فتقدمت، فسمعته يقول: " يظهر المسلمون على فارس، وتظهر فارس على الروم، ثم يظهر المسلمون على الأعور الدجال ". وأكثر ما روي هذا الحديث عن نافع بن عتبة أخي هاشم بن عتبة. فإنه روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "

تقاتلون جزيرة العرب فيفتح الله، ثم تقاتلون فارس فيفتح الله، ثم تقاتلون الروم فيفتح الله، ثم تقاتلون الدجال فيفتحه الله. " وكان جابر بن سمرة راويه عن نافع يقول: لا يخرج الدجال حتى تخرج الروم. وهاشم بن عتبة هو القائل: مشطور الرجز أعور يبغي أهله محلا قد عالج الحياة حتى ملا لا بد أن يفل أو يفلا وكان بالشام، فأمد به عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص في سبعة عشر رجلاً من جند الشام. وفيه يقول عامر بن واثلة: مشطور الرجز يا هاشم الخيرجزيت الجنه قاتلت في الله عدو السنه أفلج بما فزت به من منه وقطعت رجله يوم صفين قبل أن يقتل، فجعل يقاتل من دنا منه وهو بارك، ويتمثل: مشطور الرجز الفحل يحمي شوله معقولا كان هاشم بن عتبة يوم صفين على أربعة آلاف قد شروا بأنفسهم الموت. وكان أعور، وكانت راياتهم سوداً، وكان بإزائهم عمرو بن العاص مع معاوية، وكان هاشم يدب دبيباً، فقال عمرو: إن كان ذا دأب صاحب الرايات السود تفانت العرب اليوم،

يا وردان دونك رايتي فاجعلها عند باب الله ومحمد - ابني عمرو - فقال معاوية: أشهد لئن نقضت رايتك لينتقضن الصف، فقال: الليث يحمي شبليه، لا خير فيه بعد ابنيه، هما ابناي، ليسا ابنيك. فلما رآه يبطئ السير أتاه عمار بن ياسر فسفع رأسه بالرمح ثم قال: الرجز أكل يوم لم ترع ولم ترع ... لا خير في أعور جناب الفزع فقال عمار: من هؤلاء بإزائنا؟ فقالوا: عبد الله ومحمد ابنا عمرو، فخرج إليه عمار، فقال: يا عبد الله بن عمرو، فخرج إليه رجل، فقال: قد أسمعته، فمن أنت؟ قال: أنا عمار بن ياسر، ويحك! ما تقول لله عز وجل حين تفضي إليه؟! وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ويح لعمار، تقتله الفئة الباغية، فوالله لأقتلن اليوم. قال: أنشدك الله يا عمار أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث جاء عمرو يستعدي علي فقال: إن عبد الله يعصيني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تعص عمراً، فهذا أمر عمرو، وقد أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا أعصيه، وأنا أكره الناس لهذا. ورئي عمرو بن العاص وهو على المنبر من عجل يجر به جراً، مشرف على الناس ينظر إليهم، وهو يقول لابنه عبد الله بن عمرو: يا عبد الله، أقم الصف، قص الشارب، فإن هؤلاء أخطؤوا خطيئة قد بلغت السماء، ثم قال: علي السلاح، فألقي بين يديه مثل الحرة السوداء، ثم قال: خذ يا فلان، عليكم بالدجال هاشم بن عتبة. قال الأحنف بن قيس: أتى إلي كاتب عمار بن ياسر يؤمئذ، وبيني وبينه رجل من بني السمين فتقدمنا معه، ودنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار: احمل فداك أبي وأمي، ونظر عمار إلى رقة في الميمنة، فقال هاشم: يا عمار، إنك رجل تأخذك خفة في الحرب، وإنما

هاشم بن عمرو بن هاشم

أزحف باللواء زحفاً، وأرجو أن أنال بذلك حاجتي، وإني إن خففت لم آمن الهلكة، وقال معاوية لعمرو بن العاص: ويحك يا عمرو! أرى اللواء مع هاشم كأنه يرقل به إرقالاً، وإنه إن زحف به زحفاً إنه لليوم الأطم بأهل الشام. فلم يزل به عمار حتى حمل، فبصر به معاوية، فوجه نحوه حماة أصحابه، ومن يزن بالبأس والشدة إلى ناحيته. وكان ذلك الجمع إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، ومعه يؤمئذ سفيان قد تقلد واحداً، وهو يضرب بالآخر، فأطافت به خيل علي، فقال عمرو: ابني، ابني، فقال له معاوية: اصبر، فإنه لا بأس عليه، فقال عمرو: لو كان يزيد بن معاوية لصبرت، فلم يزل حماة أهل الشام يدعون عنه حتى نجا هارباً على فرسه، هو ومن معه. وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص: والله إن هذه لراية قاتلها ثلاث عركات، وما هذه بأرشدهن. حدث أبو إسحاق أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً خمساً أو ستاً أو سبعاً. والشك من أشعث بن سوار راويه عن أبي إسحاق. وكانت صفين سنة سبع وثلاثين. هاشم بن عمرو بن هاشم أبو عمرو البيروتي حدث عن أبيه بسنده إلى ابن عباس قال: إن السنة مضت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنه أيما عبد خرج من العدو إلينا فهو حر، وإن خرج بعد الصلح فهو عبد. "

هاشم بن محمد بن أحمد بن إسماعيل

هاشم بن محمد بن أحمد بن إسماعيل ابن سيار أبو العهد التميمي الشاعر، المعروف بالمتيم من شعره: مجزوء الخفيف كنت وحدي ومن توحد ما شاء يفعل فتأهلت والفقير بلاه التأهل زلة زلها حليم وذو الجهل يجهل ربما يجهل المغفل من حيث يعقل ومن شعره: الطويل بروحي وجسمي من يرائي ببغضتي ... ويضمر إشفاقاً علي كإشفاقي يسارقني لحظاً ويطرق خفيه ... وأسرق منه اللحظ من تحت إطراقي فيعرف أسراري وأعرف سره ... فحاجاتنا تقضى وسر الهوى باق هاشم بن مرثد بن سليمان ابن عبد الصمد - ويقال: عبد الله - بن عبد ربه بن أيوب ابن مرهوب الطبراني الطيالسي، مولى ابن عباس حدث عن مروان بن صالح بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمسة وعشرين جزءاً ". هاشم المرادي شاعر. اجتمع الطرماح الطائي وهاشم المرادي ومحمد بن عبد الله الحميري عند معاوية بن

أبي سفيان فأخرج بدرة، فوضعها بين يديه ثم قال: يا معشر شعراء العرب، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب، ولا تقولوا إلا الحق، فأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي، فقام الطرماح فوقع في علي، فقال له معاوية: اجلس، فقد علم الله نيتك، ورأى مكانك، ثم قام هاشم المرادي، فوقع فيه أيضاً، فقال له معاوية: اجلس مع صاحبك، فقد عرف الله مكانكما، فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري - وكان حاضراً -: تكلم، ولا تقولن إلا الحق، ثم قال لمعاوية: قد آليت أنك لا تعطي هذه البدرة إلا قائل الحق في علي بن أبي طالب، قال: نعم، فقام محمد بن عبد الله فتكلم ثم قال: الوافر بحق محمد قولوا الحق ... فإن الإفك من شيم اللئام أبعد محمد بأبي وأمي ... رسول الله ذي الشرف التمام أليس علي أفضل خلق ربي ... وأشرف عند تحصيل الأنام ولا ينه هي الأيمان حقاً ... فذرني من أباطيل الكلام وطاعة ربنا فيها وفيها ... شفء للقلوب من السقام علي إمامنا بأبي وأمي ... أبو الحسن المطهر من أثام إمام هدى حباه الله علماً ... به عرف الحلال من الحرام فلو أني قتلت النفس حباً ... له ما كان فيها من غرام يحل النار قوم أبغضوه ... وإن صلوا وصاموا ألف عام ولا والله ما تركوا صلاة ... بغير ولاية العدل الإمام أمير المؤمنين بك اعتمادي ... وبعدك بالأئمة اعتصامي فهذا القول لي دين وهذا ... إذا أنشدت في ملأ كلامي فقال معاوية: أنت أصدق القوم قولاً فخذ البدرة. محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام من رواة هذا الحديث كذابان رافضيان.

هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس

هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس قيل: إنه من مؤمني الجن، وممن لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر أنه لقي نوحاً، وهوداً، وصالحاً، ويعقوب، ويوسف، وإلياس، وموسى بن عمران، وعيسى بن مريم، وأنه شهد قتل هابيل بن آدم، وكان قتله بدمشق على ما ذكر. حدث عمر بن الخطاب قال: بينا نحن قعود مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده عصاً، فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: نغمة الجن ومشيتهم، من أنت؟ قال: أنا هامة بن الهيم بن لاقيس ابن إبليس، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، قال: لا، قال: فكم أتى عليك من الدهر؟ قال: قد أفنيت الدنيا وعمرها إلا قليلاً، ثم قال: كنت وأنا غلام ابن أعوام أفهم الكلام وآمر بالآثام، وآمر بإفساد الطعام، وقطيعة الأرحام، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بئس لعمر الله عمل الشيخ المتوسم، والغلام المتلوم، فقال: زدني من التعداد، إني تائب إلى الله. فإني كنت مع نوح في مسجده مع من آمن به، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم، وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، فقلت: يا نوح، إني كنت ممن شرك في دم قابيل وهابيل، فهل تجد لي من توبة؟ قال: يا هامة، نعم، مر بالخير، وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله على آدم وعلي أنه ليس من عبد تاب إلى الله بالغاً ذنبه ما بلغ إلا تاب الله عليه، فقم، وتوضأ، واسجد لله سجدتين، ففعلت من ساعتي بما أمرني به، فناداني: ارفع رأسك، فقد نزلت توبتك من السماء، فخررت لله ساجداً حولاً. وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم، وأبكاني، وقال:

لا جرم، إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وكنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، وقال: لا جرم، إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. زاد في رواية: وكنت مع إبراهيم خليل الرحمن لما ألقي في النار، فكنت بينه وبين المنجنيق حتى أخرجه الله منه. وكنت زواراً ليعقوب. وكنت مع يوسف بالمكان الأمين، وكنت آلف إلياس في الأدوية، وأنا ألقاه الآن. وإني لقيت موسى بن عمران، فعلمني من التوراة شيئاً، وقال: إني لقيت عيسى بن مريم فأقرئه مني السلام. وإني لقيت عيسى فأقرأته من موسى السلام وقال لي عيسى: إن لقيت محمداً فأقرئه مني السلام، - زاد في رواية: قد بلغت وآمنت بك -. فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عينيه بالبكاء وقال: على عيسى السلام ما دامت الدنيا، وعليك يا هامة لأدائك الأمانة، فقال هامة: يا رسول الله، افعل بي ما فعل موسى، إنه علمني من التوراة شيئاً، فعلمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة " إذا وقعت " و" المرسلات " و" عم يتساءلون " و" إذا الشمس كورت " و" الحمد " والمعوذتين، و" قل هو الله أحد " وقال: ارفع إلينا حوائجك يا هامة، ولا تدع زيارتنا. قال عمر: فقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينعه إلينا، ولست أدري أحي هو أم ميت.

هانئ بن عروة بن فضفاض

هانئ بن عروة بن فضفاض ويقال: ابن عروة بن نمران - بن عمرو بن قعاس ابن عبد يغوث الغطيفي المرادي الكوفي قال هانئ لابنه: هب لي من كلامك كلمتين: زعم وسوف. جاء عمارة بن أبي معيط إلى ابن زياد فحدث أن هانئ بن عروة جز رأسه. كان الحسين عليه السلام قدم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بخبرهم، فقدم مسلم الكوفة مستخفياً، وأتته الشيعة، فأخذ بيعته، وكتب إلى الحسين: إني قدمت الكوفة، فبايعني منهم - إلى أن كتبت إليك - ثمانية عشر ألفاً، فعجل القدوم، فإنه ليس دونها مانع. فلما أتاه كتاب مسلم أغذ السير حتى انتهى إلى زبالة، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مئة ألف، وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية فهلك، وهو عليها، فخاف يزيد ألا يقدم النعمان على الحسين، فكتب إلى عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان وهو على البصرة فضم إليه الكوفة، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها، فإن كان لك جناحان فطر حتى تسبق إليها، فأقبل عبيد الله بن زياد سريعاً، متعمماً، متنكراً حتى دخل سوق الكوفة. فلما رآه أهل السوق خرجوا يشتدون بين يديه، وهم يظنون أنه حسين، وذلك أنهم كانوا يتوقعونه، فجعلوا يقولون لعبيد الله بن زياد: يا بن رسول الله، الحمد لله الذي أراناك ويقبلون يده ورجله، فقال عبيد الله: لشد ما فسد هؤلاء، ثم دخل المسجد، وصلى ركعتين، وصعد المنبر وكشف وجهه. فلما رآه الناس مال بعضهم على بعض وأقشعوا عنه. وبنى عبيد الله بن زياد بأهله أم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وأتي في تلك الليلة

برسول الحسين أرسله إلى مسلم بن عقيل يقال له عبد الله بن بقطر فقتله، وكان قدم مع عبيد الله من البصرة شريك بن الأعور الحارثي، وكان شيعة لعلي فنزل أيضاً على هانئ بن عروة، فاشتكى شريك، فكان عبيد الله يعوده في منزل هانئ، ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به، فهيؤوا لعبيد الله ثلاثين رجلاً يقتلونه إذا دخل عليهم، وأقبل عبيد الله، فدخل على شريك يسأل به، فجعل شريك يقول: البسيط ما تنظرون بسلمى أن تحيوها ... اسقوني فلو كانت فيها نفسي. فقال عبيد الله: ما يقول؟ قالوا: يهجر، وتخشع القوم في البيت، وأنكر عبيد الله ما رأى منهم، فوثب، فخرج، ودعا مولى لهانئ بن عروة، وكان في الشرطة فسأله، فأخبره الخبر، فقال: أولى، ثم مضى حتى دخل القصر، وأرسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة، فقال: ما حملك على أن تخبر عدوي وتنطوي عليه؟! فقال: يا بن أخي، إنه جاء حق هو أحق من حقك، وحق أهل بيتك، فوثب عبيد الله، وفي يده عنزة، فضرب بها رأس هانئ حتى خرج الزج، واغترز في الحائط، ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج. وفي حديث آخر أن عبيد الله لما بنى بزوجته أرسل إلى هانئ فأتاه متوكئاً على عصاه، فقال: أكل الأمير العرس وحده، قال: أو تركتني أنتفع بعرس وقد ضممت مسلم بن عقيل، وهو عدو أمير المؤمنين؟! قال: ما فعلت، قال: لعمري لقد فعلت، وما شكرت بلاء زياد، ولا رعيت حقه وزاده فأغضبته، فانتزع عبيد الله العنزة من يده فشجه بها وحبسه حتى أتى بمسلم بن عقيل، فقتلهما جميعاً، وألقاهما من ظهر بيت، فقال عبد الله بن الزبير الأسدي يرثيه: الطويل

إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ بالسوق وابن عقيل إلى بطل قد هشم السيف رأسه ... وآخر يهوى من طمار قتيل تري جسداً قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل أصابهما أمر الإمام فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل أيركب أسماء الهماليج آمناً ... وقد طلبته مذحج بقتيل فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغاثاً أرضيت بقليل يعني أسماء بن خارجة الفزاري، كان عبيد الله بن زياد بعثه وعمرو بن الحجاج الزبيدي إلى هانئ بن عروة فأعطياه العهود والمواثيق، فأقبل معهما حتى دخل على عبيد الله بن زياد فقتله، ويعني بقوله: وآخر يهوي من طمار قتيل: عبد الله بن بقطر، لأنه قتل وألقي من فوق القصر. قالوا: ولما قتل عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل أمر بهانئ بن عروة، فأخرج فجعل ينادي: يا مذ حجاه ولا مذ حج لي، فانتهوا به إلى موضع في السوق تباع فيه الغنم، فقالوا: مد عنقك، فقال: ما أنا بمعينكم على نفسي بشيء، فضرب عنقه مولى لعبيد الله بن زياد يقال له سلمان. 18 - هانئ بن كلثوم بن عبد الله ابن شريك بن ضمضم - ويقال له: ابن حبان الكندي - ويقال: الكناني الفلسطيني قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو قتل مؤمناً متعمداً ".

قال هانئ بن كلثوم: حدثني محمود بن الربيع عن عبادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قتل مؤمناً ثم اغتبط بقتله لم يقبل منه صرف ولا عدل ". وحدث أيضاً بهذا السند عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال المؤمن صالحاً ما لم يصب دماً ". وسئل يحيى الغساني عن اغتباطه بقتله، قال: هم الذين يقتلون في الفتنة. يقتلون أحدهم، فيرى أنه على هدى. لا يستغفر الله منه أبداً. وحدث هانئ بن كلثوم عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً، فإذا أصاب دماً بلح ". قال هانئ بن كلثوم: مثل المؤمن الفقير كمثل المريض عند الطبيب العلم بدائه، تطلع نفسه إلى أشياء يشتهيها، لو أصابها أكلها، كذلك يحمى الله المؤمن من الدنيا. بعث عمر بن عبد العزيز إلى هانئ بن كلثوم يستخلفه على فلسطين: عربها وعجمها، فأبى، ومات في ولايته. فلما بلغته وفاته قال: أحتسب عند الله صحبة هانئ الجيش.

19 - هانئ أبو مالك الهمداني: من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو جد بني أبي مالك. قدم هانئ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اليمن فدعاه إلى الإسلام، فأسلم، ومسح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رأسه، ودعا له بالبركة، وأنزله على يزيد بن أبي سفيان، فأقام عنده حتى خرج في الجيش الذي بعثه أبو بكر الصديق إلى الشام فلم يرجع. 20 - هانئ أبو سعيد البربري، مولى عثمان بن عفان الأموي حدث عن عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر قال: ادعو لصاحبكم بالتثبت، فإنه الآن يسأل. وفي رواية: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من دفن الرجل قال: " استغفروا لأخيكم، وسلوا له بالتثبت فإنه الآن يسأل ". وحدث قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ". قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله، ما رأيت منظراً قد إلا القبر أفظع منه ".

هبار بن الأسود بن المطلب

هبار بن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزى - أبو الأسود - ويقال: أبو سعد القرشي الأسدي له صحبه. حدث هبار أنه زوج ابنه له - وكان عندهم كبر وغرابيل، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع الصوت، فقال: ما هذا؟ فقيل: زوج هبار ابنته، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أشيدوا النكاح، هذا النكاح لا السفاح. قيل: ما الكبر؟ قال: الكبر: الطبل، والغرابيل: الصنوج. حدث عروة أن عتبة بن أبي لهب قال: اعلموا أنه كفر بالذي " دنا فتدلى " وعتبة خارج إلى بلاد الشام، فبلغ قوله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سيرسل الله إليه كلباً من كلابه. فخرج، ونزلوا بأرض كثيرة الأبقار، ومعهم هبار بن الأسود، فعدا عليه الأسد، فأخذ برأسه فمضغه ثم لفظه فمات، فقال هبار: والله لقد رأيت الأسد شم رؤوس النفر رجلاً رجلاً حتى بلغه فأخذه، وهذا كان بالشراة من أرض الشام. كان هبار يقول: لما ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا إلى الله: كنت ممن عاداه، ونصب له وآذاه، ولا يسير قرشي مسيراً لعداوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقتاله إلا كنت معهم، وكنت مع ذلك قد وترني محمد، قتل أخوي: زمعة وعقيلاً ابني الأسود وابن أخي الحارث بن زمعة يوم بدر، فكنت أقول: لو أسلمت قريش كلها لم أسلم. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إلى زينب ابنته من يقدم بها، وعرض لها نفر من قريش فيهم هبار ينخس بها وقرع ظهرها بالرمح، وكانت حاملاً، فأسقطت، فردت إلى بيوت بني عبد مناف، فكان هبار بن الأسود عظيم الجرم في الإسلام، فأهدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمه، فكان كلما بعث سرية أوصاهم بهبار، وقال: إن ظفرتم به فاجعلوه بين حزمتين من حطب، وحرقوه بالنار، ثم يقول بعد: إنما يعذب بالنار رب النار، إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه، ثم اقتلوه.

قالوا: ثم قدم هبار بعد ذلك مسلماً مهاجراً، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل لك في هبار يسب، ولا يسب. وكان هبار في الجاهلية فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا هبار سب من سبك فأقبل عليهم هبار، فتفرقوا عنه. قالوا: فخرجت سلمى مولاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: لا أنعم الله بك عيناً، أنت الذي فعلت وفعلت، فقال: إن الإسلام محى ذلك. ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سبه، والتعرض له. قال جبير بن مطعم: كنت جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصحابه في مسجده منصرفه من الجعرانة، فطلع هبار من باب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما نظر القوم إليه قالوا: يا رسول الله: هبار بن الأسود! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد رأيته، فأراد بعض القوم القيام إليه، فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اجلس، ووقف عليه هبار، فقال: السلام عليك يا رسول الله، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ولقد هربت منك في البلاد، وأردت اللحوق بالأعاجم، ثم ذكرت عائدتك وفضلك، وبرك، وصفحك عمن جهل عليك، وكنا يا رسول الله أهل شرك فهدانا الله تعالى بك، وتنقذنا بك من الهلكة، فاصفح عن جهلي، وعما كان يبلغك عني، فإني مقر بسوآتي، معترف بذنبي. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد عفوت عنك، وقد أحسن الله بك حيث هداك للإسلام، والإسلام يجب ما كان قبله. زاد في الحديث: قال الزبير: فجعلت أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنه ليطأطىء رأسه استحياء منه مما يعتذر هبار، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: قد عفوت عنك. حدث هبار أنه فاته الحج، فقال له عمر: طفت بالبيت واسع بين الصفا والمروة ثم احلق.

هبة الله بن أحمد بن عبد الله

وروى نافع أن هبار فاته الحج، فقدم على عمر يوم النحر بمنى، فقال له عمر: ما حسبك - أو ما شغلك -؟ قال: طلبت الهلال لغير ليلته، وأنا كما ترى، وكان ضخماً، فأمر أن يطوف ويسعى ويقصر، وإن كان معه هدي أن ينحره، ثم يهل ويحج عاماً قابلاً ويهدي. هبة الله بن أحمد بن عبد الله ابن علي بن طاوس أبو محمد بن أبي البركات المقرئ الشافعي إمام جامع دمشق حدث بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان. وأنشده بسنده إلى أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم البصري المعروف بالنعيمي لنفسه: المتقارب فكن رجلاً رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا أبياً لنائل ذي ثروة ... تراه بما في يديه أبياً فإن إراقة ماء الحياة ... دون إراقة ماء المحيا توفي أبو محمد بن طاوس سنة ست وثلاثين وخمس مئة. هبة الله بن أحمد بن محمد ابن هبة الله بن علي بن فارس أبو محمد بن أبي الحسين بن أبي الفضل الأنصاري المعروف بابن الأكفاني حدث عن أبي الفتح عبد الجبار بن عبد الله بن برزة الأردستاني الجوهري الواعظ بسنده إلى أوس قال:

هبة الله بن جعفر بن الهيثم

كنا قعوداً عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصفة، وهو يقص علينا ويذكرنا إذ أتاه رجل فساره، فقال: اذهبوا، فاقتلوه. فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: اذهبوا، فخلوا سبيله، فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ثم تحرم علي دماؤهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله. وأنشده بسنده إلى أبي حكيم محمد بن إبراهيم بن السري التميمي بالكوفة: الطويل إذا رشوة من باب دار تقحمت ... على أهل بيت والأمانة فيه سعت هرباً منه وولت كأنها ... حليم تولى عن جواب سيفه ولد أبو محمد بن الأكفاني سنة أربع وأربعين وأربع مئة. وتوفي سنة أربع وعشرين وخمس مئة. هبة الله بن جعفر بن الهيثم ابن القاسم أبو القاسم البغدادي المقرئ حدث سنة خمسين وثلاث مئة عن موسى بن هارون بسنده إلى ابن عباس قال: كان ينبذ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليل، فيشربه من الغد، ومن بعد الغد، فإذا كان المساء فإن كان في الإناء شيء أمر به فأهرق. توفي هبة الله بن جعفر سنة خمسين وثلاث مئة. هبة الله بن الحسن بن هبة الله ابن عبد الله بن الحسين أخو المصنف الأكبر رحمهما الله تعالى حدث عن أبي طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف بسنده إلى المغيرة بن شعبة قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تورمت قدماه، فقيل له: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟. ولد هبة الله سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. وتوفي سنة ثلاث وستين وخمس مئة.

هبة الله بن عبد الله بن الحسن

هبة الله بن عبد الله بن الحسن ابن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الفضيل، أبو الفرج الكلاعي البزار، أخو أبي القاسم حدث عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هلال الأديب بسنده إلى أنس بن مالك قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلف أبي بكر في ثوب واحد متوشحاً به. هبة الله بن عبد الله أبو القاسم الشاوي حدث - وقد كان نيف على المئة - عن أبي بكر محمد بن أحمد بن سيد حمدويه قال: أتاني قوم من العصر، فلم أضيفهم، ولم يقفوا، فسألت عنهم، فقيل لي: قد خرجوا، فندمت، وطلعت إلى البيت وأخذت ما قسم الله، وجعلته في قفة، ولحقتهم، وقد وصلوا إلى طاحونة الرياقية، فسلمت عليهم، واعتذرت إليهم، وجئت أدفع إليهم، ما كان معي، فقالوا: يا أبا بكر، من يكون معه مثل هذا إيش يعمل بشيء، وأومأ بيده إلى الوادي، فنظرت، فإذا جميع ما في الوادي ذهب يتقد، فعرفت حال القوم، وودعتهم، ورجعت. هبة الله بن عبد الوارث بن علي ابن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن جعفر بن بوري، أبو القاسم الشيرازي الحافظ حدث عن أبي زرعة أحمد بن يحيى بن جعفر الخطيب بسنده إلى أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة.

هبة الله بن محمد بن بديع

وحدث سنة أربع وثمانين وأربع مئة عن أبي بكر محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الوصال، وصوم الصمت. وأنشده أبو القاسم عن أبي الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الأنصاري لأبي الحسن علي بن عبد الغني المقرئ: كم من أخ قد كنت أحسب شهده ... حتى بلوت المر من أخلاقه كالملح يحسب سكراً في لونه ... ويحول عند مجسه ومذاقه ورد نعي هبة الله من مرو سنة ست وثمانين وأربع مئة. هبة الله بن محمد بن بديع ابن عبد الله، أبو النجم الأصبهاني الوزير حدث عن أبي طاهر محمد بن أحمد بن محمد بسنده إلى معاذ بن جبل قال: بقينا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة العتمة حتى ظن الظان منا أنه قد صلى وليس بخارج، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: يا رسول الله، قد ظن الظان منا أنك صليت، ولست بخارج، فقال: أعتموا بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم يصلها أحد قبلكم. ولد سنة ست وثلاثين وأربع مئة بأصبهان، واستوزره رضوان بن تتش بحلب، وبعده طغتكين أتابك. وقبض عليه سنة اثنتين وخمس مئة، وخنقه، واستصفى ماله. هبة الله بن محمد بن حميد أبو عمرو الأشعري حدث عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بسنده إلى عمر أنه رأى رجلاً محرماً قد عقل راحلته، فقال: ما يحبسك؟ قال: الجمعة، قال: إن الجمعة لا تمنع من سفر، فاخرج أو اذهب.

هبة الله بن المسلم بن نصر

هبة الله بن المسلم بن نصر ابن أحمد، أبو القاسم بن الخلال الرحبي حدث عن أبي المرجى سعد الله بن صاعد بن المرجى - وهو خال أبيه - بسنده إلى ابن عمر أنه كان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والإهلال. وحدث عنه بسنده إلى أبي عمرو بن العلاء: أبني إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر ولد سنة نيف وسبعين وأربع مئة. وتوفي سنة خمس وأربعين وخمس مئة. هبيرة بن عبد الرحمن يقال: ابن غنم - الشامي ويقال: هبيرة عن عبد الرحمن بن غنم وغيره حدث عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الكذب كله إثم إلا ما نفى به مسلم، أو دفع به عن دين. وحدث عن أبي مالك؟ الأ؟؟ شعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوضوء شطر الإيمان.

هدبة بن الخشرم بن كرز

هدبة بن الخشرم بن كرز ابن أبي حية بن الكاهن، وهو سلمة بن الأسحم؟؟؟ شاعر فصيح متقدم من شعراء بادية الحجاز. هدبة: بضم الهاء وسكون الدال وفتح الباء المعجمة بواحدة. وحية: حاء مهملة وياء مشددة معجمة باثنتين من تحتها. وهو الذي قتل زيادة بن زيد، وزيادة بن زيد أحد بني الحارث بن سعد إخوة عذرة. وهو القائل: وإذا معد أوقدت نيرانها ... للمجد أغضت عامر فتقنعوا وعامر رهط هدبة بن خشرم، وهم من بني الحارث بن سعد إخوة عذرة. وكان سعيد بن العاص كره الحكم بين هدبة وعبد الرحمن بن زيد أخي زيادة بن زيد، فحملهما إلى معاوية. فنظر في القصة، ثم ردهما إلى سعيد بن العاص وهو والي المدينة لمعاوية. فلما صاروا بين يدي معاوية قال عبد الرحمن أخو زيادة: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك مظلمتي، وقتل أخي، وترويع نسوتي، فقال له معاوية: يا هدبة، قل، قال: إن هذا رجل سجاعة، فإن شئت أن أقص عليك قصتنا كلاماً أو شعراً، قال: لا، بل شعراً، فقال هذه القصيدة ارتجالاً حتى بلغ قوله: رمينا فرامينا فصادف رمينا ... منا يا رجال في كتاب وفي قدر وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... وراءك من معدى ولا عنك من قصر

فإن تك في أموالنا لم نضق بها ... ذراعاً وإن صبر فنصبر للصبر فقال له معاوية: أراك قد أقررت بقتل صاحبهم، ثم قال لعبد الرحمن: هل لزيادة ولد؟ قال: نعم، المسور، وهو غلام جفر، لم يبلغ، وأنا عمه، وولي دم أبيه، فقال: إنك لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق، والمسور أحق بدم أبيه، فرده إلى المدينة، فحبس ثلاث سنين حتى بلغ المسور. وفي حديث: فكره معاوية قتله، وضن به عن القتل. وقيل: إن سعيداً هو الذي حكم بينهما من غير أن يحملهما إلى معاوية. وعن ابن المنكدر أن هدبة أصاب دماً فأرسل إلى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن استغفري لي، فقالت: إن قتل استغفرت له. قال ابن دريد: وهو أول من أقيد بالحجاز. ولما مضي بهدبة إلى الحرة ليقتل لقيه عبد الرحمن بن حسان، فقال: أنشدني، فقال: أعلى هذه الحال؟ قال: نعم، فأنشده: ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتقلب ولا أتبغى الشر والشر تاركي ... ولكن متى أحمل على الشر أركب وحربني مولاي حتى غشيته ... متى ما يحربك ابن عمك تحرب

ومما وقف عليه من قسوته قوله: ولما دخلت السجن يا أم مالك ... ذكرتك والأطراف في حلق سمر وعند سعيد غير أن لم أبح به ... ذكرتك إن الأمر يعرض للأمر فسئل عن ذلك فقال: لما رأيت ثغر سعيد، وكان سعيد حسن الثغر جداً ذكرت به ثغرها. ويقال: إنه عرض عليه سعيد عشر ديات فأبى إلا القود، وكان ممن عرض الديات عليه الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وسائر القوم من قريش والأنصار. فلما خرج به ليقاد منه بالحرة جعل ينشد الأشعار، فقالت له حبى المدينة: ما رأيت أقسى قلباً منك، أتنشد الشعر وأنت يمضى بك لتقتل؟؟؟؟ وهذه خلفك كأنها ظبي عطشان تولول - تعني: امرأته - فوقف، ووقف الناس معه، وأقبل على حبى فقال: فما وجدت وجدي بها أم واحد ... ولا وجد حبى بابن أم كلاب رأته طويل الساعدين شمردلأ ... كما انتعتت من قوة وشباب فأغلقت حبى في وجهه الباب وسبته. ولما قدم نظر إلى امرأته فدخلته غيرة، وقد كان جدع في حربهم، فقال: فإن يك أنفي بان منه جماله ... فما حسبي في الصالحين بأجدعا

فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا ضروباً بلحييه على عظم زوره ... إذا القوم هموا بالفعال تقنعا فسألت القوم أن يمهلوه قليلاً، ثم أتت جزاراً، فأخذت منه مدية، فجدعت بها أنفها ثم أتته قبل أن يقتل مجدوعة الأنف، وقالت: ما عسى أن يكون بعد هذا؟ وقيل: إنها قالت: أهذا فعل من له في الرجال حاجة؟ فقال: الآن طاب الموت، ثم أقبل على أبويه فقال: أبلياني اليوم صبراً منكما ... إن حزناً منكما اليوم لشر ما أظن الموت إلا هيناً ... إن بعد الموت دار المستقر اصبرا اليوم فإني صابر ... كل حي لقضاء وقدر ثم قال: إذا العرش إني عائذ بك مؤمن ... مقر بزلاتي إليك فقير وإني وإن قالوا أمير مسلط وحجاب أبواب لهم صرير لأعلم أن الأمر أمرك إن تدن ... فرب وإن تغفر فأنت غفور ثم أقبل على ابن زيادة فقال: أثبت قدميك وأجد الضربة، فإني أيتمتك صغيراً، وأرملت أمك شابة، وسأل فك قيوده ففكت، فذاك حيث يقول: فإن تقتلوني في الحديد فإنني ... قتلت أخاكم مطلقاً لم يقيد زاد في غيره: فمد عنقه فضربت.

هذيل بن زفر بن الحارث بن عمرو

لما نزل بعبد الله بن شداد الموت دعا ابناً له، يقال له محمد، فأوصاه فقال: يا بني، إذا أحببت حبيباً فلا تفرط، وإذا أبغضت بغيضاً فلا تشطط، فإنه كان يقال: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، وكن كما قال هدبة العذري: وكن معقلاً للحلم واصفح عن الخنا ... فإنك راء ما عملت وسامع وأحبب إذا أحببت حباً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت بغضاً مقارباً ... فإنك لا تدري متى أنت راجع ومن شعر هدبة: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي الغريب هذيل بن زفر بن الحارث بن عمرو الكلابي شهد مع أبيه وقعة المرج، ونجا هارباً معه. وكان سيداً رئيساً. قال هشام: تبع ناس من شيعة بني أمية من باهلة وحمير زفر بن الحارث يوم مرج راهط، ومعه ابناه: الهذيل ووكيع، فقتلوا وكعياً، وعبر زفر والهذيل جسر منبج وقطعاه. قال ربيعة بن كعب: كنت مع عمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله نسير بأرض الروم، فعارضهم الهذيل بن زفر بن الحارث، فقال عمر بن عبد العزيز لسالم بن عبد الله: هل تدري من

هرم بن حيان العبدي الربعي العامري

هذا يا فلان؟ قال: لا، قال: هذا رجل طالما صبغ يده في الدماء من امرئ، فذكر صيامه وصلاته. قال سالم: إن استطاع ألا يموت فلا يمت سواء عليه صام أو لم يصم، صلى أو لم يصل. وقال عاصم بن عبد الله بن يزيد يرثيه: أتاني ورحلي بالرصافة موهناً ... وقد غار نجم والرفاق هجود كتاب كلذع النار في متن صارم ... يخب به بعد الهدو يزيد فقلت له ما في كتابك فالتوى ... ولجلج أقوالاًً وفيه صدود وقلت له إني لقيت بهذه ... كما لقيت يوم الفصيل ثمود فقال احتسب صلى الإله وحزبه ... عليه هذيلاً بان وهو حميد فقلت ولم أرجع إلى غير خالقي ... وعيني بمسفوح الدموع تجود فقل للرجال الشامتين بموته ... فسودوا كما كان الهذيل يسود كذبتم وبيت الله لا تعدوانه ... وما كان فيكم للهذيل نديد وكيف ولم يسبق لهجر ولم يقم ... لسورة جهل والرجال قعود هرم بن حيان العبدي الربعي العامري ويقال: الأزدي البصري ولي بعض حروب العجم ببلاد فارس في خلافة عمر وعثمان. وكان أحد الزهاد الثمانية. وقدم دمشق في طلب أويس القرني. وكان هرم عاملاً لعمر بن الخطاب،

وكان ثقة. وله فضل وعبادة، وكان هرم ولد أشيب منحنياً، وقد نبتت ثناياه، فلذلك سمي هرماً. وعن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر بن الخطاب، فكتب إليه، وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟ فكتب إليه هرم: يا أمير المؤمنين، والله ما أردت به إلا الخير، يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا. استعمل هرم بن حيان فظن أن قومه سيأتونه، فأمر بنار فأوقدت بينه وبين من يأتيه من القوم، فجاء قومه يسلمون عليه من بعيد، فقال: مرحباً بقومي، ادنوا، فقالوا: ما نستطيع أن ندنو منك، قد حالت النار بيننا وبينك، قال: فأنتم تريدون أن تلقوني في نار أعظم منها، في نار جهنم، قال: فرجعوا. وفي سنة ثمان عشرة حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها، فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرماً على أن خلى لهم المدينة. وجه عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان إلى قلعة بجرة - يقال لها: قلعة الشيوخ - فافتتحها عنوة، وسبى أهلها، وصالح أهل قلعة الرهبان من كازرون سنة ست وعشرين في خلافة عثمان. وعن الحسن قال: كان رجل إذا كانت له حاجة، والإمام يخطب قام، فأمسك بأنفه، فأشار إليه الإمام أن يخرج. قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلى أهله فقام إلى هرم بن حيان، وهو يخطب، فأخذ بأنفه، فأشار إليه هرم أن يذهب، فخرج إلى أهله، فأقام فيهم ثم قدم إليك وأنت تخطب، فأخذت بأنفي، فأشرت إلي أن اذهب، قال: فاتخذت هذا

دغلاً - أو كلمة نحوها - قال: اللهم، أخر رجال السوء لزمان السوء. وكان هرم يقول: اللهم، إني أعوذ بك من زمان يمرد فيه صغيرهم، ويأمل فيه كبيرهم، وتقترب فيه آجالهم. بعث عمر هرم بن حيان على الخيل فغضب على رجل، فأمر به، فوجئت عنقه، ثم أقبل على أصحابه فقال: لا جزاكم الله خيراً، ما نصحتموني حين قلت، ولا كففتموني عن غضبي. والله لا ألي لكم عملاً، ثم كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين، لا طاقة لي بالرعية، فابعث إلى عملك. بات هرم بن حيان عند حممة، فبات حممة باكياً حتى أصبح، فقال له هرم: يا أخي، ما أبكاك الليلة؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تناثر الكواكب. قال: وبات حممة عند هرم ليلة فبات هرم باكياً حتى أصبح، فقال له حممة: ما أبكاك يا أخي؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر القبور للمحشر إلى الله. وكانا إذا أصبحا غدوا، فمرا بأكورة الحدادين فنظرا إلى الحديد ينفخ عليه، فيقعان، ويبكيان، ويستجيران بالله من النار، ثم يأتيان أصحاب الرياحين، فيقفان فيسألان الله الجنة، ثم يدعوان بدعوات ثم يتفرقان. خرج هرم بن حيان وعبد الله بن عامر يريدان الحجاز، فبينما هما يسيران، ورواحلهما ترعيان إذ عرضت لهما صليانة، فابتدر لها الناقتان، فأكلتها إحداهما، فقال هرم لعبد الله بن عامر: أتحب أن تكون هذه الصليانة تأكلك هذه الناقة فذهبت؟ فقال ابن عامر: ما أحب ذلك، فإني لأرجو أن يدخلني الله الجنة، وإني لأرجو، وإني لأرجو، فقال هرم: والله لو علمت أني أطاع في نفسي لأحببت أن أكون هذه الصليانة فأكلتني هذه الناقة فذهبت.

قال هرم بن حيان: لو قيل لي: إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي، تقول: ألا صنعت؟ ألا فعلت؟. كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. قال هرم بن حيان: ما عصى الله تعالى كريم، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم. كان هرم بن حيان يخرج في شطر الليل فينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة، كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف ينام هاربها " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا الخاسرون " ثم يقرأ: " ألهاكم التكاثر " " والعصر " وكان يقول: لو أن منادياً ينادي من أهل السماء: أين خير الأرض رجوت أن أكون أنا، ولو نادى مناد: أين شر أهل الأرض خشيت أن أكون أنا هو، ولو قيل لي: إنك من أهل الجنة ما زادني ذلك إلا اجتهاداً، شكراً لربي، ولو قيل لي: إنك من أهل النار ما زادني ذلك إلا اجتهاداً كيلا ألوم نفسي إن هلكت، لأني لم أهلك إلا بعد الاجتهاد. أخذ محمود الوراق قوله: لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها: عجبت من هارب يخاف من النار ومن نومه على هربه والذي يطلب السبيل إلى الجنة أنى ينام على طلبه

هشام بن أحمد بن هشام

كم من جهول قد نال بغيته ... ومن أديب أكدى على أدبه ورب باك فوات حاجته ... وفي الفوات النجاة من عطبه قيل لهرم بن حيان: أوصه، قال: أوصيكم بالآيات الأواخر من سورة النحل: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة " إلى قوله: " والذين هم محسنون ". قيل لهرم بن حيان لما حضره الموت: أوص قال: ما أدري ما أوصي، ولكن بيعوا درعي واقضوا عني ديني، فإن لم يف فبيعوا فرسي، فإن لم يف فبيعوا غلامي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل. قال قتادة: أوصى والله بجماع من الأمر، ومن أوصى بما أوصى فقد أبلغ. قال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف. فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشت، ثم انصرفت، وأنبت العشب من يومه، وما جاوزت قبره شبراً. هشام بن أحمد بن هشام ابن عبد الله بن كثير، أبو الوليد المقرئ، مولى بني أسد بن عبد العزى. حدث بدمشق عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن أبي سلمة بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين. وحدث عن أبي جعفر محمد بن الخضر بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن عبدين تحابا في الله، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب جمع بينهما يوم القيامة، يقول: هذا الذي كنت تحبه في. توفي أبو الوليد هشام سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة.

هشام بن إسماعيل بن هشام

هشام بن إسماعيل بن هشام ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو الوليد المخزومي قدم دمشق، فتزوج عبد الملك بن مروان ابنته، وولاه المدينة، وولدت لعبد الملك هشاماً. وهشام أول من أحدث دراسة القرآن في جامع دمشق في السبع. روى هشام عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تبادروني بالركوع. وأم هشام أمة الله بنت المطلب بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث. وكان هشام بن إسماعيل من وجوه قريش. وكان مشدداً في ولايته. وكان عمر بن عبد الرحمن بن عوف لما رأى أسف عبد الملك على زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث - وكان يريد أن يتزوجها، فتزوجها عمه يحيى بن الحكم - قال له: يا أمير المؤمنين، أنا أدلك على مثلها في الجمال، وهي شريكتها في النسب، قال: من هي؟ قال: زينب بنت هشام بن إسماعيل، وهو عندك حاضر، قال: فكيف لي بذلك؟ قال: أنا لك به. قال: فأنت، فذهب عمر إلى هشام بن إسماعيل، فخطب إليه ابنته على عبد الملك، فقال هشام: تريد أن آتيه أزوجه؟ ولا يكون هذا أبداً، فقال له عمر: يا هذا، إن ابن عمك صنع ما صنع بالأمس، فأنشدك بالله أن ترد فتنة بدت للشر بينكم وبينه، ولكن تشهد العصر معه في المقصورة، فتكون وراءه، فإذا صلى انحرف

عليك فخطب، قال: نعم، فأعلم عمر عبد الملك، فراح إلى العصر في قميص معصفر، ورداء معصفر. فلما صلى العصر أقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل، فخطب إليه ابنته، فزوجه إياها، وأصدقها أربع مئة دينار. قوله: إن ابن عمك صنع ما صنع، يعني: المغيرة بن عبد الرحمن أخا زينب حتى تزوجها يحيى بن الحكم. قال الأوزاعي: كان معاوية بن أبي سفيان أول من اعتذر إلى الناس في الجلوس في الخطبة الأولى في الجمعة، ولم يصنع ذلك إلا لكبر سنه وضعفه، وكان عبد الملك بن مروان أول من رفع يديه في الجمعة، وقنت فيها، وكان المصعب بن الزبير أول من أحدث التكبير الثلاث بعد المغرب والصبح، وكان هشام بن إسماعيل أول من جمع الناس في الدراسة. قال: وقد كان عمر بن عبد العزيز يجلس في الخطبة الأولى. لما عقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان العهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان وعامله على المدينة هشام بن إسماعيل، فدعا الناس إلى البيعة لهما، فبايع الناس، وامتنع سعيد بن المسيب، وقال: حتى أنظر، فضربه هشام ستين سوطاً، وطاف به في تبان من شعر حتى بلغ به رأس الثنية. فلما كروا به قال: أين تكرون بي؟ قالوا: إلى السجن، قال: لولا أني ظننت أنه الصلب ما لبست هذا التبان، فرده إلى السجن، وحبسه، وكتب إلى عبد الملك بذلك، فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به، ويقول: سعيد كان أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عند سعيد شقاق ولا خلاف. ولما كتب عبد الملك إلى هشام بذلك قال سعيد: الله بيني وبين من ظلمني. قال عبد الله بن يزيد الهذلي: دخلت على سعيد بن المسيب السجن، فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الإهاب

على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلك قصباً رطباً، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم، انصرني من هشام. قال أبو الزناد: رمقت سعيد بن المسيب بعد جلد هشام بن إسماعيل إياه، فلما رأيته يفوته في سجود ولا ركوع، ولا زال يصلي معه بصلاته. وكان سعيد بن المسيب لا يقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل إذا خطب في الجمعة، فأمر به هشام بعض أعوانه أن يعطفه عليه إذا خطب، فأهوى العون يعطفه، فأبى سعيد، فأخذه حتى عطفه، فصاح سعيد: يا هشام، إنما هي أربع بعد أربع فلما انصرف هشام قال: ويحكم جن سعيد. فسئل سعيد: أي شيء أربع بعد أربع؟ سمعت في ذلك شيئاً؟ قال: لا، قيل: فما أردت بقولك؟ قال: إن جاريتي لما أردت المسجد قالت: إني أريت كأن موسى غطس عبد الملك في البحر ثلاث غطسات فمات في الثالثة، فأولت أن عبد الملك بن مروان مات، لأن موسى بعث على الجبارين بقتلهم، وعبد الملك جبار هذه الأمة. قال: فلم قلت: أربع بعد أربع؟ قال: مسافة مسير الرسول من دمشق إلى المدينة بالخبر. فمكثوا ثمان ليال ثم جاء رسول بموت عبد الملك. كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن حسين وأهل بيته، يخطب بذلك على المنبر، وينال من علي. فلما ولي الوليد بن عبد الملك عزله، وأمر به أن يوقف الناس، فكان يقول: لا والله ما كان أحد من الناس أهم إلي من علي بن حسين، كنت أقول: رجل صالح يسمع قوله، فوقف الناس، فجمع علي بن حسين ولده وخاصته ونهاهم عن التعرض له، وغدا علي بن حسين ماراً لحاجة، فما عرض له، فناداه هشام بن إسماعيل " الله أعلم حيث يجعل رسالته ".

هشام بن إسماعيل بن يحيى

هشام بن إسماعيل بن يحيى ابن سليم بن عبد الرحمن، أبو عبد الملك الخزاعي العطار حدث عن محمد بن شعيب بسنده إلى ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة فلبس عليه. فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟ وحدث عنه بسنده إلى حكيم بن حزام قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستقاد في المساجد، أو ينشد فيها الأشعار، أو تقام فيها الحدود. وحدث عن سهل بن هاشم بن إبراهيم بن أدهم قال: قال عمر بن الخطاب: لؤم بالرجل أن يرفع يده قبل القوم. توفي هشام سنة سبع عشرة ومئتين. وكان ثقة. قال ابن عمر: ما رأيت بدمشق أفضل من هشام بن العطار. هشام بن حبيش بن خالد بن الأشعر ويقال: الأشعر بن لوث، أبو حزام الخزاعي القديدي حدث هشام قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي الهيثم بن التيهان: المستشار مؤتمن.

هشام بن حكيم بن حزام

هشام بن حكيم بن حزام ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي له صحبة ورواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رأى هشام بن حكيم ناساً من أهل الذمة قياماً في الشمس، فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: من أهل الجزية. فدخل على عمير بن سعد - وكان على طائفة من الشام - فقال هشام: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من عذب الناس في الدنيا عذبه الله. فقال عمير: خلوا عنهم. وفي حديث آخر أنه مر بناس من أهل الذمة قد أقيموا في الشمس بالشام، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: بقي عليهم شيء من الخراج، فقال: إني أشهد إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا.. الحديث. وعن عياض بن غنم - وهو الذي فتح الجزيرة. فلما فتح داراً دعا عظيمها فضربه بالسوط حتى مات، فقال له هشام بن حكيم: أما سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشد الناس عذاباً للناس في الدنيا، وأنت تضرب هذا الرجل؟! كان هشام بن حكيم له فضل، وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليس لأحد عليه إمرة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أنكر الشيء قال: لا يكون هذا ما عشت أنا وهشام بن حكيم. ومات هشام قبل أبيه. وكان هشام بن حكيم كالسائح ما يتخذ أهلاً ولا ولداً.

هشام بن خالد بن يزيد

ودخل هشام بن حكيم على العامل بالشام يريد الوالي أن يعمل به فيتواجده ويقول له: لأكتبن إلى أمير المؤمنين بهذا، فيقوم إليه العامل فيتشبث به ويلزمه ويترضاه. كان هشام ومن معه بالشام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكانوا يمشون في الأرض بالإصلاح والنصيحة، يحتسبون. هشام بن خالد بن يزيد ويقال: زيد أبو مروان الأزرق السلامي ويقال: مولى بني أمية، ودعوته في الأزد. حدث عن الوليد بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ". قال الله عز وجل: " وأقم الصلاة لذكري ". ولد هشام بن خالد سنة ثلاث وخمسين ومئة. وكان صدوقاً. وكان يحرك الزبل في حمام ابن قنان بأربعة دوانيق كل يوم، ويمر ويشتري به ورقاً، ويكتب الحديث. وتوفي هشام سنة تسع وأربعين ومئتين. هشام بن الدرفس الغساني قال أبو مسهر: حدثني هشام بن الدرفس قال: كان على خاتم جدك أبي درامة: أبرمت، فقم، فكان إذا استثقل إنساناً ناوله الخاتم.

هشام بن سليمان الداراني

هشام بن سليمان الداراني قال هشام: قرئ على أبي سليمان الداراني: " هل أتى على الإنسان " فلما بلغ عليه: " وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً " قال: بما صبروا على ترك الشهوات في دار الدنيا، وأنشد الشيخ: كم قتيل لشهوة وأسير ... أف من مشته خلاف الجميل شهوات الإنسان تورثه الذ ... ل وتلقيه في البلاء الطويل هشام بن زياد وهو هشام بن أبي هشام أبو المقداد البصري، أخو الوليد بن أبي هشام، مولى لآل عثمان بن عفان حدث عن أبيه بسنده إلى عبد الله بن سلام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم بارك لأمتي في بكورها. قال محمد بن كعب القرظي: شهدت عمر بن عبد العزيز وهو علينا عامل بالمدينة، وهو غليظ ممتلئ الجسم. فلما استخلف وقاسى من الهم والعناء ما قاسى تغيرت حاله، فجعلت أنظر إليه، لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال لي: يا بن كعب، إنك تنظر إلي نظراً ما كنت تنظر إلي قبل! قال: لما حال من لونك، ونفى من شعرك، ونحل من جسمك، فقال: كيف لو رأيتني بعد ثالثة في قبري حين تسيل حدقتاي على وجنتي، ويسيل منخراي صديداً

ودوداً؟ كنا أشد لي نكرة، أعد علي حديثاً حدثتنيه عن ابن عباس، قال: حدثني ابن عباس ورفع ذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن لكل شيء شرفاً، وإن أشرف المجالس ما استقبل القبلة، وإنما تجالسون بالأمانة، ولا تصلوا خلف النائم، ولا المحدث، واقتلوا الحية والعقرب وإن كنتم في صلاتكم، ولا تستروا الجدر بالثياب، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذن فكأنه ينظر في النار. ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق مما في يده. ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده. قال: أفلا أنبئكم بأشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من لا يقيل العثرة، ولا يقبل المعذرة، ولا يغفر ذنباً. إن عيسى عليه السلام قام في قومه فقال: يا بني إسرائيل، لا تكلموا بالحكمة عند الجهال، فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ظالماً، ولا تكافئوا ظالماً بظلمه فيبطل فضلكم عند ربكم. يا بني إسرائيل، الأمور ثلاثة: أمر بين رشده فاتبعوه، وأمر بين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فكلوه إلى عالمه. قال هشام بن زياد: رأيت عمر بن عبد العزيز يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، ثم يستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم. وحدث هشام قال: رأيت سعيد بن المسيب يصلي في نعليه. ضعف هشاماً قوم.

هشام بن العاص بن وائل

هشام بن العاص بن وائل ابن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص، أبو مطيع كان يكنى أبا العاص فكناه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا مطيع. أخو عمرو بن العاص، وهو أصغر من عمرو. صحب سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد له بالأيمان، وخرج إلى الشام مجاهداً، فقتل يوم أجنادين. وقيل: يوم يرموك. وقد كان دخل دمشق رسولاً من أبي بكر الصديق إلى ملك الروم. قال هشام بن العاص: بعثت أنا ورجل من قريش إلى هرقل صاحب الروم، ندعوه إلى الإسلام، فقدمنا الغوطة - يعني: دمشق - ونزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: لا نكلم رسولاً، إنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فأخبره الرسول بذلك، فأذن لنا، فكلمه هشام ودعاه إلى الإسلام، وعليه ثياب سواد، فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ قال: لبستها، وحلفت ألا أنزعها حتى أخرجكم من الشام، قلنا: ومجلسك هذا، فو الله لنأخذنه منك،

ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار، ويفطرون بالليل، فكيف صومكم؟ فأخبرناهن فملأ وجهه سواداً، فقال: قوموا، وبعث معنا رسولاً إلى الملك. فخرجنا. فلما كنا قريباً من المينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا: لا والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك أنهم يأتون، فدخلنا على رواحنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، وهو على فراش، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنوا منه، فضحك، وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم، وعنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام، فقلنا له: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل عليك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنل أن نحييك بها، قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: السلام عليك، قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها، قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها، قال: كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها قال: - والله يعلم لقد تنقضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال - فهذه الكلمة التي قلتموها، حيث تنقضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنقض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك، قال: لوددت أنكم كلما قلتم ينقض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها، وألا يكون من أمر النبوة، وأن يكون من خبل الناس. ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فقمنا، فأنزلنا بمنزل حسن، ونزل كبير، فأقمنا ثلاثاً. فأرسل إلينا ليلاً، فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا، فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة

الربعة العظيمة مذهبة، فيها بيوت صغار، عليها أبواب، ففتح بيتاً وقفلاً، فاستخرج حريرة سوداء، فنشرها، وإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وليست له لحية، وله ضفيرتان أحسن ما خلق الله، قال: تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعراً. ثم فتح لنا باباً آخر، فاستخرج منه حريرة حمراء، وفيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلب الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يبتسم، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم. ثم فتح باباً آخر، فإذا صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتعرفون هذا؟ قلنا نعم، هذا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبكينا، قال: والله يعلم إنه قام قائماً ثم جلس، ثم قال: والله إنه لهو، قلنا: نعم لهو، كما ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجلته لكم، لأنظر ما عندكم. ثم فتح باباً آخر فستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد، قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارون بن عمران.

ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم، نشيط، ربعة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا لوط. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يعقوب. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن الهامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، فقال: هذا إسماعيل جد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم فتح باباً آخر، فستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن الشمس وجهه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يوسف. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، أخنس العينين، حمش الساقين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفاً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود. ثم فتح باباً آخر، فستخرج منه حريرة بيضاء، فبها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرساً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان بن داود. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل شاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا ابن مريم.؟ قلنا: لا، قال: هذا لوط. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يعقوب. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن الهامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، فقال: هذا إسماعيل جد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم فتح باباً آخر، فستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن الشمس وجهه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يوسف. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، أخنس العينين، حمش الساقين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفاً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود. ثم فتح باباً آخر، فستخرج منه حريرة بيضاء، فبها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرساً، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان بن داود. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل شاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا ابن مريم.

قلنا: من أين لك هذه الصور، لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء، لأنا رأينا صورة نبينا مثله، فقال: إن آدم سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال. ثم قال لنا: والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وأني كنت عبداً - لا يسرهم ملكه - حتى أموت. ثم أجازنا، فأحسن جائزتنا، وسرحنا، فلما أتينا أبا بكر الصديق، حدثناه بما رأينا، وما قال لنا، وما أجازنا، فبكى أبو بكر وقال: مسكين، لو أراد الله به خيراً لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم واليهود يجدون نعت محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندهم. وأم هشام بن العاص أم حرملة بنت هشام بن المغيرة. وكان قديم الإسلام بمكة. وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية وقدم مكة حين بلغه مهاجر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة يريد اللحاق به، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم بعد الخندق على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فشهد ما بعد ذلك من المشاهد. وقتل في اليرموك سنة خمس عشرة. وقيل: سنة ثلاث عشرة. وسعيد بضم السين، وفتح العين: سعيد بن سهم، وسهم بن عمرو بن هصيص هو جد السهميين. من ولده عمرو بن العاص، وأخوه هشام. قال عمر بن الخطاب: لما اجتمعنا للهجرة اتعدت وأنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص، وقلنا: الميعاد بيننا التناصب من أضاءة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض

صاحباه، فأصبحت عندها أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة، فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة، قوم قد عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا برسوله، ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل الله عز وجل فيهم: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " إلى قوله " مثوى للمتكبرين " قال عمر: فكتبتها بيدي كتاباً ثم بعثت بها إلى هشام. قال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعد فيها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم، فهمنيها، فعرفت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري، فلحقت برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقتل هشام بأجنادين في ولاية أبي بكر رضي الله عنه. كان العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مئة بدنة، وإن هشام بن العاص نحر حصته خمسين بدنة. وإن عمراً سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: أما أبوك - وكان أقر بالتوحيد - فقمت وتصدقت عنه. نفعه ذلك. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابنا العاص مؤمنان: هشام وعمرو. قال سعيد بن عمرو الهذلي: قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام، فخرج هشام بن العاص في مئتين قبل يلملم. وعن علي بن رباح قال: أقبلت الروم يوم دالي في جمع كبير من الروم ونصارى العرب، عليهم نياق

البطريق، فقال بعض القوم لبعض: إنه قد حضركم جمع عظيم، فإن رأيتم أن تناجزوا إلى نواظر الشام، إلى بيرين وقدس، وتكتبوا إلى أبي بكر فيمدكم، فقال هشام بن العاص إن كنتم تعلمون أنما النصر من عند العزيز الحكيم، فقاتلوا، وإن كنتم تنتظرون نصراً من عند أبي بكر ركبت راحلتي حتى ألق به، فقال بعض القوم: ما ترك لكم هشام بن العاص مقالاً، فقاتلوا، فقتل من المسلمين بشر كثير، وقتل هشام بن العاص، وهزم الله الروم، وقتل نياق البطريق، فمر رجل بهشام بن العاص وهو قتيل، فقال: رحمك الله، هذا الذي كنت تبتغي. قال هشام بن العاص يوم أجنادين: يا معشر المسلمين، إن هؤلاء القلعاء لا صبر لهم على السيف، فاصنعوا كما أصنع، فجعل يدخل وسطهم فيقتل النفر منهم حتى قتل. ورأى من المسلمين بعض النكوص عن العدو، فألقى المغفر عن وجهه وجعل يتقدم في نحر العدو وهو يصيح: يا معشر المسلمين، إلي إلي، أنا هشام بن العاص، أمن الجنة تفرون؟ حتى قتل. ولما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع لا يعبره إلا إنسان إنسان، فجعلت الروم تقاتل عليه، وقد تقدموا، وعبروه، فتقدم هشام بن العاص، فقاتلهم عليه حتى قتل، ووقع على تلك الثلمة فسدها. فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عمرو بن العاص: أيها الناس، إن الله قد استشهده، ورفع روحه، وإنما هو جثة، فأوطئوه الخيل، ثم أوطأه هو وتبعه الناس حتى قطعوه. فلما انتهت الهزيمة، ورجع المسلمون إلى العسكر كر عمرو بن العاص، فجمع لحمه وأعضاءه وعظامه، وحمله في نطع فواراه. ولما بلغ عمر بن الخطاب قتله قال: رحمه الله، فنعم العون كان للإسلام.

قال أبو الجهم بن حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمي ومعي شنة من ماء، فقلت: إن كان به رماق سقيته من الماء ومسحت به وجهه، فإذا أنا به ينشغ، فقلت: أسقيك؟ فأشار أي نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فأتيته فقلت: أسقيك؟ قال: نعم، فسمع آخر يقول: آه، فأشار هشام أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، ثم رجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، ثم أتيت ابن عمي فإذا هو قد مات. قال عمرو بن شعيب: علق عمرو يوم اليرموك سبعين سيفاً بعمود فسطاطه قتلوا من بني سهم. دخل عمرو إلى الطواف، فتكلم فيه نفر من قريش، فقال لهم: ما قلتم؟ قالوا: تكلمنا فيك وفي أخيك هشام: أيكما أفضل، فقال: أفرغ من طوافي وأخبركم. فلما انصرف من طوافه قال: أخبركم عني وعنه: بيننا خصال ثلاث: أمه بنت هشام بن المغيرة، وأمي أمي، وكان أحب إلى أبيه مني، وفراسة الوالد في ولده فراسته، واستبقنا إلى الله فسبقني. وفي رواية: فبات وبت يسأل الله، وأسأله إياها، فلما أصبحنا رزقها وحرمتها، ففي ذلك يبين فضله علي. 46 -

هشام بن عبد الله بن هشام

هشام بن عبد الله الكناني روى عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عن ربه عز وجل قال: " من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، ما ترددت عن شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس مؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه. ومن عبادي المؤمنين من يريد باباً من العبادة فأكف عنها، لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك. وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتنفل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، دعاني فأحببته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك. وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسطت يده أفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك. إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم، إني عليم خبير "؟؟. هشام بن عبد الله بن هشام أبو الوليد الخولاني قاضي داريا حدث عن أبي علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بسنده إلى أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه. ولا يتنفسن في الإناء ".

هشام بن عبيد الله الدمشقي

هشام بن عبيد الله الدمشقي ويقال: ابن عبد الله - بن سلمى، أبو الوليد الكلبي، ويقال: الكلابي الدمشقي حدث عن أبي خليد عتبة بن حماد بسنده إلى عائشة قالت: " لم أر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم شيئاً من السنة أكثر من صيامه في شعبان. كان يصومه كله. وحدث عنه بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا بال أحدكم فلا يستقبل القبلة بفرجه، ولا يستدبرها. قال أبو أيوب الأنصاري: فأتينا الشام فوجدنا مرايض قد بنيت على القبلة، ونحن ننحرف ونستغفر الله. هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم، أبو الوليد الأموي بويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن عبد الملك بعهد منه. وداره بدمشق الدار المعروفة بالقبابين عند باب الخواصين التي بعضها اليوم مدرسة الملك العادل نور الدين رحمه الله تعالى. قال الزهري: قال لي هشام: أبلغك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر منادياً فينادي: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ قال: قلت: نعم. وذلك قبل أن تنزل الفرائض.

كان يزيد بن عبد الملك استخلف هشام بن عبد الملك وجعل ابنه الوليد بن يزيد ولي عهده، وأخذ على هشام العهد ألا يغيره عن ولاية عهده. وعلى هشام بن عبد الملك خرج زيد بن علي بالكوفة، وهشام هو الرابع - من ولد عبد الملك بن مروان لصلبه الذين كانوا خلفاء. وكان هشام يجمع المال، ويوصف بالحزم ويبخل، وهشام الذي حفر الهني وعمله، وكان قد اتخذ طرازاً، له قدر، واستكثر منه حتى كان يحمل ما أثر فيه من طرازه على تسع مئة جمل، وحمله على ذلك أن عمر بن عبد العزيز لما أتي بثياب سليمان بن عبد الملك ومتاعه لم يعرض لما قطع من الثياب وأثر فيه، فرأى هشام أنه إمام عدل، وأن من يأتي من أهل العدل يقتدى به، فجعل يتخذ المتاع للجند، ويؤثر فيه، ويلبسه ثم يدخره لولده، وكان يستجيده ويثمن فيه. وأم هشام بن عبد الملك فاطمة بنت هشام بن إسماعيل المخزومي. واستخلف هشام سنة خمس ومئة. وأتته الخلافة وهو بالزيتونة في منزله، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، وسلم عليه بالخلافة، فركب من الرصافة إلى دمشق وهو ابن أربع وثلاثين سنة. ومات بالرصافة سنة خمس وعشرين ومئة، وهو ابن أربع وخمسين سنة، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وعشر ليال. وكان هشام جميلاً، أبيض، مسمناً، أحول، يخضب بالسواد. كان عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات، فدس من يسأل سعيد بن المسيب عنها - وكان سعيد يعبر الرؤيا، وعظمت على عبد الملك - فقال سعيد: يملك من ولده لصلبه أربعة، فكان هشام آخرهم. ولهشام يقول الوليد بن يزيد: هلك الأحوال المشو ... م فقد أرسل المطر

قال محمد بن النحاس: كان لا يدخل بيت مال هشام مال حتى يسهد أربعون قسامة، لقد أخذ من حقه، ولقد أعطى كل ذي حق حقه. شتم هشام بن عبد الملك رجلاً من أشراف الناس يوماً وهو مغضب، فوبخه الرجل، فقال له: أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في الأرض؟ فاستحيا منه، فقال له: اقتص مني، قال: إذاً أنا سفيه مثلك، قال: فخذ من ذلك عوضاُ من المال، قال: ما كنت لأفعل، قال: فهبها لله، قال: هي لله، ثم هي لك، قال: فنكس هشام رأسه، وقال: والله لا أعود أبداً إلى مثلها. قال سحبل بن محمد: ما رأيت أحداً من الخلفاء أكره إليه الدماء، ولا أشد عليه من هشام بن عبد الملك، ولقد دخله من مقتل زيد بن علي ويحيى بن زيد أمر شديد، وقال: وددت أني كنت أفتديتهما. ولقد ثقل عليه خروج زيد بن علي، فما كان شيء حتى أتي برأسه، وصلب بدنه بالكوفة. وولي ذلك يوسف بن عمر في خلافة هشام. ولما ظهر ولد العباس عمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس إلى هشام بن عبد الملك فأمر به، فأخرج من قبره، وصلبه، وقال: هذا بما فعل بزيد بن علي، وقيل: أحرقه. قعد هشام بن عبد الملك يوماً قريباً من حائط له، فيه زيتون، ومعه عثمان بن حيان المري، وهو يكلمه، إذ سمع هشام نفض الزيتون، فقال هشام لرجل: انطلق إليهم، فقل لهم: التقطوه لقطاً، ولا تنفضوه نفضاً، فتفقأ عيونه، وتكسر غصونه. وكان هشام بن عبد الملك يقول: ثلاث لا يضعن الشريف: تعاهد الصنيعة، وإصلاح المعيشة، وطلب الحق وإن قل.

قال خالد بن صفوان: قدمت على هشام بن عبد الملك، فوجدته في بركة ماء، وفي البركة كراسي عليها أصحابه جلوس، عليهم المناديل، فأمر بثيابي فنزعت، وأعطيت منديلاً، فجلست على كرسي، فقال لي: يا خالد رب خالد قد جلس مجلسك هو أشهى إلي حديثاً، وأحب إلي قرباً منك، فعلمت أنه يريد خالداً القسري، فقلت: ما يمنعك من إعادته يا أمير المؤمنين؟ قال: إنه أدل فأمل، وأوجف فأعجف، ولم يدع لذي رجعة مرجعاً، ولا إلى عودة مطمعاً. ألا أخبرك عنه يا خالد؟ ما سألني حاجة قط حتى أكون أنا الذي أعرضها عليه، قال: قلت: ذاك أحرى أن تعيده يا أمير المؤمنين، قال: كلا: إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل ثم قلت: يا أمير المؤمنين، زدني في عطائي خمسة دنانير، قال: ولم يا خالد؟ أحديث عبادة؟ أم فتحت لأمير المؤمنين فتحاً؟ قلت: لا، قال: إذاً تكثر السؤال، ولا يستطيع ذلك بيت المال، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن ابن أبي جمعة يقول: إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... حقيقة تقوى أو خليل تخالقه منعت وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يفتلتك المال إلا حقائقه فقال: هو ذاك. فقيل لخالد: لم زينت له البخل؟ قال: ليقع المنع، فتكثر اللوام. قال هشام: ما بقي علي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته، وما أتمنى إلا شيئاً واحداً: أخ أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني وبينه.

خرجت جارية لهشام بن عبد الملك، وعليها درع من لؤلؤ، فتحرش بها الأبرش الكلبي، قال: أتهبين لي هذا الدرع؟ فقالت: لأنت أطمع من أشعب، فقال هشام: وما أشعب؟ فجعلت تذكر له طرائف من طرائفه، فقال للكاتب: اكتب إلى المدينة: يرفع أشعب إلينا، فإن فيه ملهى، فكتب الكتاب، فلما قرأه هشام شقه، فقال الأبرش: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: استحييت أن يرد كتابي على أهل المدينة - دار الهجرة والسنة وأبناء المهاجرين والأنصار - يرفع إلي من عندهم مضحك، ثم أنشأ يقول: إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال ويقال: إنه لم يقل من الشعر غير هذا البيت. قال منذر بن أبي ثور: أصبنا في خزائن هشام بن عبد الملك اثني عشر ألف قميص، كلها قد أثر بها. كتب هشام بن عبد الملك إلى أبيه عبد الملك: يا أمير المؤمنين، إنه قد حدثت في ابنك خصال ثلاث: يصعد المنبر فلا يستطيع الخطبة، وتوضع المائدة بين يديه فلا ينال منها إلا اليسير، وفي قصره مئة جارية لا يكاد يصل إلى كبير شيء منهن. فكتب إليه عبد الملك: أما قولك: إنك تصعد المنبر فلا تستطيع الخطبة، فإذا صعدت فارم بطرفك إلى مواخر الناس، فإنه يهون عليك من بين يديك. وأما قولك في الطعام فمر أن يستكثر من الألوان، فإنه لا يعدمك من كل لون لقمة. وأما قولك في الجواري فعليك بكل بيضاء بضة " ذات جمال " وحسن. قال أبو المليح: كنا قعوداً ومعنا صالح بن مسمار، فقالوا: سبق هشام، فقال: إنه والله ما سبق،

ولكنه سبق، ولقد أجرى في غير ما أمر به، فقال بعضهم والله ما نشتهي أن يروى هذا عنا، قال: أبعدكم الله، والله لوددت أن الناس كلهم مثلي حتى نأتيه فنقول: اعدل في هذه الأمة، وإلا فاعتزل حتى يأتي من هو أولى بهذا المجلس منك. وكان هشام يفرح إذا سبق بالخيل فرحاً شديداً. قدم شاعر على هشام فأنشده: رجاؤك أنساني تذكر إخوتي ... ومالك أنساني بحرسين ماليا فقال هشام: ذلك أحمق لك. قال المسور بن مخرمة: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم يكن فيما تقرأ: قاتلوا في الله في آخر مرة، كما قاتلتم فيه أول مرة؟ قال: متى ذاك؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء، وبنو مخزوم الوزراء. لما بنى هشام بن عبد الملك الرصافة قال: أحب أن أخلو يوماً لا يأتيني فيه خبر غم،

فما انتصف النهار حتى أتته ريشة دم من بعض الثغور، فأوصلت إليه، فقال: ولا يوماً واحداً؟! قال الهيثم: كان هشام بن عبد الملك جباراً، فأمر أن يفرش له في قصر بين شجر وكروم، وصور من النبت، ففرش بأفخر الفرش، وأحضر ندماءه، وأمر الحجاب بحفظ الأبواب، فبينا هو جالس إذا أقبل رجل جهير الصوت، جميل، كأن الشمس تطلع من ثيابه، فشخص هشام ينظر إليه متعجباً من هيئته، فألقى إليه صحيفته، ثم ذهب، فلم ير، فإذا فيها: بئس الزاد إلى المعاد، العدوان على العباد. فأحضر الحجاب فسألهم عن الرجل، فقالوا: ما رأينا أحداً، فصرف ندماءه، وقال: تكدر علينا هذا اليوم، ولم يمض عليه بعد ذلك شهر حتى مات. قال عمر بن علي: مشيت مع محمد بن علي إلى داره، فقلت له: إنه قد طال ملك هشام وسلطانه، وقد قرب من العشرين، وقد زعم الناس أن سليمان سأل ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فزعم الناس أنها العشرون، فقال: ما أدري ما أحاديث الناس، ولكن أبي حدثني عن أبيه عن علي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لن يعمر الله ملكاً في أمة نبي مضى قبله ما بلغ بذلك النبي من العمر في أمته. فإن الله عمر نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث عشرة بمكة وعشراً بالمدينة ". قال عبد الله بن الزبير: إنه سمع علياً يقول: هلاك بني أمية على رجل، الأحول منهم. قال مسلم بن إبراهيم: يعني: هشاماً.

قال سالم كاتب هشام بن عبد الملك: خرج علينا هشام يوماً، هادلاً عنقه، مرخياً عنان دابته، مسترخية ثيابه عليه، فسار قليلاً، ثم إنه انتبه، فجذب عنان برذونه، وسوى عليه ثيابه ثم قال للربيع - وكان على حرسه -: ادع لي الأبرش بن الوليد، فأقبل عليه الأبرش، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد رأيت اليوم منك شيئاً، قال: وما هو؟ فأخبره بحاله التي خرج عليهم فيها، قال: ويحك يا أبرش! كيف لا أكون بذلك، وزعم أهل العلم بالنجوم أني أموت إلى ثلاثة وثلاثين يوماً من يومي هذا؟ فكتبت: ذكر أمير المؤمنين أنه مسافر إلى ثلاثة وثلاثين يوماً من يومي هذا وأدرجت الكتاب، وختمته. فلما كان في الليلة التي صبيحتها ثلاثة وثلاثون يوماً أتاني خادم، فقال: أدرك أمير المؤمنين، وائت بالدواء معك - وكان دواء الذبحة، يكون معه - فذهبت بالدواء إليه، فجعل يتغرغر به، وما يسكن عنه ما يجد، حتى مضى من الليل شيء، ثم قال: انصرف، ودع الدواء عندي، فقد وجدت بعض الراحة، فانصرفت إلى منزلي، فلم أنم حتى سمعت الصراخ عليه. قال هشام يوماً، وهو يسير في موكبه: يا لك دنيا! ما أحسنك! لولا أنك ميراث لآخرك، وآخرك كأولك. فلما حضرته الوفاة نظر إلى ولده يبكون حوله، فقال: جاد لكم هشام بالدنيا، وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما كسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له! كان نقش خاتم هشام: الحكم للحكم الحكيم. حبس هشام بن عبد الملك عياض بن مسلم كاتب الوليد بن يزيد، وضربه، وألبسه المسوح. فلم يزل محبوساً حتى مات هشام. فلما ثقل هشام وصار في حد لا يرجى لمن كان مثله في الحياة رهقته غشية، وظنوا أنه مات، فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان أن احتفظوا بما في أيديكم، ولا يصلن أحد إلى شيء، وأفاق هشام من غشيته، فطلبوا من

هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة

الخزان شيئاً، فمنعوهم، فقال هشام: إنا كنا خزاناً للوليد. ومات هشام من ساعته فخرج عياض من الحبس، فختم الأبواب والخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن، فكفنه غالب مولى هشام. ولم يجدوا قمقماً يسخن فيه الماء حتى استعاروه، فقال الناس: إن في هذا لعبرة لمن اعتبر. مر أعرابي بقبر هشام، وخادم له قائم عليه يقول: يا أمير المؤمنين، فعل بنا بعدك كذا وكذا. فقال له الأعرابي: إيه، لو نشر لأخبرك أنه لقي أشد مما لقيتم. كان مكحول يقول: اللهم، لا تبقني بعد هشام. وكان هلاك معاوية سنة ستين، وهلاك هشام سنة خمس وعشرين ومئة. وعن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومئة. " قال اسحاق بن البهلول: قلت لابن أبي فديك: ما معناه؟ قال: زينتها: نور الإسلام وبهجته. وفي آخر بمثله يعني بالزينة: الرجال. مات هشام من ورم أخذه في حلقه، يقال له الحرذون، بالرصافة - رصافة هشام - وعمره إحدى وستون سنة. وقيل: ثلاث وخمسون سنة. وصلى عليه الوليد بن يزيد. وقيل: صلى عليه مسلمة بن هشام. هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي الظفري خطيب دمشق، ومقرئ أهلها. أحد المكثرين الثقات.

حدث عن مالك بن أنس عن الزهري عن أنس ابن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل مكة يوم الفتح وكان على رأسه المغفر. ولد هشام بن عمار سنة ثلاث وخمسين ومئة. وكان هشام يحرك الزبل كل يوم بأربعة دوانيق، فيشتري بها ورقاً، ويكتب الحديث. وقد رويت هذه الحكاية عن هشام بن خالد. قال: وهي به أشبه. قال هشام بن عمار: باع أبي عمار بيتاً له بعشرين ديناراً، وجهزني للحج. فلما صرت إلى المدينة أتيت مجلس مالك بن أنس، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها، فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمان قيام، والناس يسألونه، وهو يجيبهم. فلما انقضى المجلس قال بعض أصحاب الحديث: سل عما معك، فقلت له: يا أبا عبد الله، ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان! يا غلام، احمله، فحملني كما حمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فقال لي مالك: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه؟ قلت: إن أبي باع منزله، ووجه بي أتشرف بك، وبالسماع منك فضربتني، فقال: اكتب، فحدثني سبعة عشر حديثاً، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني، رحمه الله. وفي آخر بمعناه: قلت له: زدني من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك وقال: اذهب. وفي آخر بمعناه قال: جئت إلى منزله، فإذا هو شديد الاحتجاب، فلقيته في الطريق، فقلت: يا أبا عبد الله، أنا غلام من أصحاب الحديث، إن رأيت أن تأمر لي بشيء أكتبه عنك، فقال لي: وحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتب على الطريق؟! وأمر بضربي. الحديث.

كان هشام بن عمار إذا مشى أطرق إلى الأرض، لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عز وجل. قال هشام بن عمر: الخلفاء الراشدون المهديون خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز. قال عبدان: كنا لا نصلي خلف هدبة من طول صلاته، يسبح في الركوع والسجود نيفاً وثلاثين تسبيحة، وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار: لحيته، ووجهه، وكل شيء منه حتى صلاته. قال عبدان: كان هشام بن عمار يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقلت له يوماً: يا أبا الوليد، خطبتك هذه لا تشبه سائر خطبك في سائر الأيام، تلك كانت أبلغ. قال: اسكت يا صبي، ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة. قال هشام يوماً في خطبته: قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق. كان هشام بن عمار ثقة، صدوقاً، كبير المحل، وكان يأخذ عن الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ. قال هشام بن عمار: سألت الله سبع حوائج، فقضى لي منها ستاً، والواحدة ما أدري ما صنع فيها: سألته أن يغفر لي ولوالدي، وهي التي لا أدري ما صنع فيها. وسألته أن يرزقني الحج ففعل. وسألته أن يعمرني مئة سنة ففعل، وسألته أن يجعلني مصدقاً على

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففعل، وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ففعل، وسألته أن أخطب على منبر دمشق ففعل، وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالاً ففعل. فقيل له: كل شيء قد عرفناه فألف دينار حلال، من أين لك؟ قال: وجه المتوكل ببعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات، فجلست، فانكشف ذكري، فرآه الغلام، قال: استتر يا عم، قلت: رأيته؟ قال: نعم، فقلت له: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله ز فلما دخل على المتوكل ضحك، فسأله، فأخبره بما قلت، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم. احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلي، فأتتني من غير مسألة، ولا استشراف نفس. قال أبو علي صالح بن محمد الحافظ: كنت عند هشام بن عمار بدمشق إذ جاءه رجل، فقال: ممن أنت؟ قال: من بني مجداف، قال: ثم من بني من؟ قال: ثم من بني سكان، قال: ثم من بني من؟ قال: من بني دقل، فقال هشام: لا أعرف هذا النسب في العرب، فضحكت. فقال هشام: مم تضحك؟ فقال: إنما هذا رجل جاء يطنز بك، فقال هشام: ما أشركم يا أهل العراق. قال أبو علي: وجاءه رجل، وقال هشام: مم أنت؟ قال: من بني لازب، فقال هشام0 لا أعرف بني لازب في العرب، ثم قال لي: تعرف بني لازب؟ قلت: إنما يسند إلى قول الله عز وجل " من طين لازب ". فضحك هشام. قال أبو بكر أحمد بن المعلى: رأيت هشام بن عمار في النوم، والمشايخ متوافرون، سليمان بن عبد الرحمن وغيره، وهو يكنس المسجد، فماتوا، وبقي هو آخرهم.

هشام بن الغاز بن ربيعة أبو العباس

توفي هشام سنة خمس وأربعين ومئتين، وهو ابن اثنتين وتسعين سنة. هشام بن الغاز بن ربيعة أبو العباس ويقال: أبو عبد الله - الجرشي دمشقي. حدث عن نافع ابن عمر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال للناس: أي يوم هذا؟ قالوا: هذا يوم النحر، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: هذا البلد بلد حرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: هذا يوم الحج الأكبر، دماؤكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم، ثم قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: فطفق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اللهم، اشهد، ثم ودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع. وحدث هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر، أنه أقرع لابنه أبي عبيد وهي امرأته، فسار مسيرة ليلتين في ليلة. فلما غربت الشمس قلنا: الصلاة، أصلحك الله، فسكت، فتركناه، وقلنا: هو أعلم. فلما اشتبكت النجوم نزل فصلى المغرب، ثم توضأ فصلى العشاء الآخرة، ثم ركب، فقال: دعوتموني إلى صلاة المغرب، وإني سرت كما سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصليت كما صلى. قال هشام بن الغاز: كنت جالساً مع مكحول في مسجد دمشق، وسليمان بن موسى في ناس ناحية، فسئل سليمان: أتقتل النصرانية المسلمة؟ فقال: لا، فقال بعض جلسائه: بلى، فالتفت إلى مكحول فقال: ألا تسمع ما يقول هؤلاء؟ يقولون: إن النصرانية تقتل المسلمة، فما

هشام بن محمد بن أحمد بن علي

تقول؟ فالتفت إلي مكحول وقال: إنه لأحمق، يسألني: تقتل النصرانية المسلمة؟ وأم القسري نصرانية، وأم نمير نصرانية! والغاز: بالزاي. والجرشي: بضم الجيم، وفتح الراء، وكسر الشين المعجمة. وكان هشام ثقة، صالح الحديث، من خيار الناس. توفي سنة ثلاث وخمسين ومئة. وقيل: سنة تسع وخمسين. وقيل: سنة ست وخمسين. وكان على بيت مال أبي جعفر. هشام بن محمد بن أحمد بن علي ابن هشام، أبو محمد التيملي الكوفي الحافظ حدث عن أبي الطيب محمد بن الحسين التيملي البزاز بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغتنموا دعاء ضعفاء أمتي، فإنه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ". وحدث عن أحمد بن محمد بن حماد الواعظ بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من الشعر حكماً، وأصدق بيت تكلمت به العرب ": ألا كل شيء ما خلا الله باطل توفي هشام بن محمد سنة اثنتين وأربع مئة. وجرحه قوم.

هشام بن محمد بن جعفر بن هشام

هشام بن محمد بن جعفر بن هشام ابن عبد ربه بن زيد بن خالد بن قيس أبو عبد الملك الكندي، وقيل: أبو الوليد أخو جعفر المعروف بابن بنت عدبس الدمشقي. حدث عن أبي عمرو عثمان بن خرزا بسنده إلى أبي جحيفة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب وهو يقول: لا يزال أمر أمتي صالحا حتى يمضي اثنا عشر خليفة. كلهم من قريش. وعدبس، بفتح العين والدال وتشديد الباء المعجمة بواحدة هو جعفر بن محمد يعرف بابن بنت عدبس، وأخوه هشام بن محمد بن جعفر بن هشام. هشام بن مصاد بن زياد أبو زياد الكلبي ثم العليمي أخو معاوية وعبد الرحمن ويزيد بني مصاد. من فرسان كلب. قال هشام بن مصاد: كنت جالسا مع عمر بن عبد العزيز نتحدث إذ بكى عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما يبكيك؟ قال: يا هشام، إن في الجسد مضغة إليها يأوي خيره وشره، فأصلحوا قلوبكم تصلحوا، فإنه لا عمل لمن لا نية له، ولا آخر لمن لا خشية له، وإن أيمن أحدكم وأشأمه لسانه، فمن حفظ لسانه أراح نفسه، وسلم المسلمون منه. وإن أقواما صحبوا سلطانهم بغير ماحق عليهم فعاشوا بخلاقهم، وأكلوا بألسنتهم، وخلفوا الأمة بالمكر والخيانة

هشام بن مطيع الدمشقي

والخديعة. ألا وكل ذلك في النار. ألا فلا يقربنا من أولئك أحد ولاسيما خالد بن عبد الله، وعبد الله بن الأهتم، فإنهما رجلان بينان وبعض البيان يشبه السحر. ألا وإن كل راع مسؤول عن رعيته، وكلأ وزير مأخوذ بجنايته، ومعروض عليه قوله، لا إقالة له فيه، فمن صحبنا بخمس، فأبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ودلنا على ما لاهتدى له من العدل، وأعاننا على الخير، وترك مالا يعنيه، وأدى الأمانة التي حملها منا ومن جماعة المسلمين فحيهلا به، ومن كان على غير ذلك ففي غير حل من صحبتنا، والدخول علينا. ثم جاء مزاحم فقال: يا أمير المؤمنين، هذا محمد بن كعب بالباب، قال: أدخله. فلما دخل - وعمر يمسح عينيه من الدموع - قال: ما الذي أبكاك يا أمير المؤمنين؟ قال هشام: فأخبرته الحديث، فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنما الدنيا سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ضرهم، ومنها خرجوا بما نفعهم، وكم من قوم قد غرهم مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت، فاستوعبهم، فخرجوا منها ملومين، لم يأخذوا منها لما أحبوا من الآخرة عدة، ولا لما كرهوا جنة، واقتسم ما جمعوا من لا يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم، فنحن محقوقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نغبطهم بها أن نخلفهم فيها، وأن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها أن نكف عنها، فاتق الله يا أمير المؤمنين، واجعل عقلك في شيئين: انظر الذي يجب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فابتغ به البدل حيث يوجد البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك، فاتق الله يا أمير المؤمنين، وافتح الأبواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم، ورد المظالم. ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله عز وجل: من إذا رضي لم يدخل رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له. هشام بن مطيع الدمشقي أحد شيوخ الصوفية. كان أحسن خلق الله كلاماً. نظر يوما إلى رجل، يساوم بغلام جميل ليشتريه، فقام ينظر حتى قطع أمره مع صاحبه، وهم أن يزن له، فجلس إلى جانبه، فقال: يا أخي، إني ما عرفتك، ولا عرفتني، ولا كلمتك، ولا كلمتني،

هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس

وقد رأيتك على أمر لم يسعني فيك إلا تسديدك، وبذل النصيحة لك، فإنه أول ما يجب للمسلم على أخيه النصيحة إذا رآه على حالة لا يرضاها، وقد رأيتك تنظر إلى هذا الغلام نظرا، لا ينظر مؤمن إلى مثله إلا من غفلة اشتغل بها عن طاعة ربه، ثم رأيتك وأنت تريد أن تزن فيه مالاً لا أدري ما أقول فيه: أحلال هو أم حرام، فلئن كان حراماً فحقيق على مثلك ألا يجمع على نفسه أمرين، وإن كان حلالاً فينبغي أن تضعه في موضع يشبع الحلال. واعلم أنه لم يصب المؤمن بمصيبة، ولا بلي ببلية أعظم عليه من نكتة تسكن في قلبه، فينقطع بها عن طاعة ربه عز وجل. هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس أبو الوليد - ويقال: أبو عثمان - الغساني حدث عن أبيه عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: القطع من ربع دينار فصاعداً. وحدث عن عروة بن رويم بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من كان وصلةً لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو تيسير عسرة أعانه الله عز وجل على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام. وفي رواية: ثبت الله قدمه يوم القيامة عند دحض الأقدام. وحدث عن أبيه قال: سمعته يقول: لا تحزنوا ابني، فقد بلغني أن الفرحة تشب الصبي.

قال إبراهيم بن هشام: أقبل رجل إلى أبي هشام بن يحيى فقال: اكتب إلى مالك بن دلهم إلى مصر يستعملني، فكتب له الكتاب. فلما عنونه كتب: من هشام بن يحيى إلى مالك بن دلهم، فقال له الرجل: ما آخذ الكتاب حتى تبدأ بمالك في العنوان، فقال: ويحك! هذا سبيلي وسبيل من أكتب إليه، فكتب له الذي أراد. فلما ورد على مالك إلى مصر قال: ما هذا كتابه، إنه عودني أنه يبدأ بنفسه في كتابه، قال له الرجل: قد أراد أن يفعل ذلك، وأنا سألته هذا، قال: لست أقبله حتى ترجع إليه، فيكتب بخطه، فرجع إلى أبي من مصر، فكتب له وبدأ بنفسه. فلما ورد الكتاب على مالك قال: الآن صح كتابه، فولاه ما أراد. كان هشام بن يحيى جليسا لسعيد بن عبد العزيز، فقال له يوما: كان عندنا صاحب شرطة يقال له عبيدة بن رياح، وكان غشوماً ظلوماً، فأتته امرأة، فقالت: إن ابني يعقني، ويظلمني، فأرسل معها الشرط، فلما صاروا بها في الطريق قالوا لها: إن أخذ ابنك ضربه أو قتله، قالت: كذا؟ قالوا: نعم، فمرت بكنيسة على بابها شماس، فقالت: خذوا هذا، هذا ابني، فقالوا له: أجب عبيدة بن رياح. فلما مثل بين يديه قال له: تضرب أمك، وتعقها؟ قال: ما هي أمي، قال: وتجحدها أيضا؟ خذوه، فضربه ضرباً وجيعاً، وأرسله، فقالت: إن أرسلته معي ضربني، فقال: هاتوه، فأركبها على عنقه وقال: كروا عليه النداء، وقولوا: هذا جزاء من يضرب أمه، ويعقها، فمر به رجل ممن يعرفه، فقال له: ما هذا؟ فقال: من لم يكن له أم فليمض إلى عبيدة بن رياح حتى يجعل له أما.

هضاب بن طوق اللخمي الكاتب

هضاب بن طوق اللخمي الكاتب ولي هضاب خراج دمشق، ومساحتها في ولاية المنصور. كان المنصور بعث المعدلين يعني: المساح إلى أجناد الشام سنة أربعين وإحدى وأربعين ومئة، فعدلوا الأراضي ما في أيدي المسلمين والأنباط على تعديل مسمى، ولم يعدل الغوطة في تلك السنة حتى بعث المنصور هضاب بن طوق ومحرز بن زريق، فعدلوا الأشربة بالغوطة، وأمرهم ألا يضعوا أيديهم على شيء من القطائع القديمة ولا الأشربة خراجا، وأن يمضوها لأهلها عشرا، ووضعوا الخراج على ما بقي منها بأيدي الأنباط، وعلى الأشربة المحدثة بعد سنة مئة إلى السنة التي عدل فيها. هقل واسمه محمد ويقال: عبد الله - ولقبه: هقل - بن زياد بن عبيد الله، ويقال: ابن عبيد أبو عبد الله السكسكي من دمشق. حدث عن الأوزاعي قال: قال عطاء عن ابن عباس أن رجلا أصابته جراحة على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصابته جنابة، فاستفتى، فأفتي بالغسل، فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قتلوه، قتلهم الله. ألم يكن شفاء العي السؤال؟ قال عطاء: فبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ذلك فقال: لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجرح أجزأه. وحدث عن هشام بن حسان القردوسي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، وليعط بيمينه، وإن

همام بن أحمد

الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويعطي بشماله، ويأخذ بشماله. وحدث عن الأوزاعي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث الأسقية. قال: وهو الشرب من أفواهها. كان هقل ثقة، حافظا، متقنا، توفي سنة تسع وسبعين ومئة. همام بن أحمد ويقال: ابن محمد - بن عبد الباقي أبو مروان القرشي، قال: ويظن أنه همام بن أبي شيبان حدث عن أبيه عن مروان بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الملك قال: لما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثير، فكتب إلى الطاغية بأن وجه إليه بأربع مئة صانع من صناع الروم، فإني أريد أن أبني مسجداً لم يبن من مضى قبلي، ولا من يكون بعدي مثله، فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش، وأخربت الكنائس في بلدي، وكنيسة بيت المقدس، وكنيسة الرها، وسائر آثار الروم في بلدي، فأراد الطاغية أن يفضه عن بنائه، ويضعف عزمه، فكتب إليه: لئن كان أبوك فهمها، وغفل عنها إنها لوصمة عليك، وإن كنت فهمتها وغيبت عن أبيك إنها لوصمة عليه، وأنا موجه إليك ما سألت، فأراد أن يعمل له جوابا، فحشر له عقلاء من الرجال في خطة المسجد، يتفكرون في ذلك، فدخل الفرزدق، فقال: ما بال الناس مجتمعين؟ فقيل له: السبب كيت وكيت، فقال: أنا أجيبه من كتاب الله. قال الله تبارك الله من قائل: " ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً " فسري عنه.

همام بن إسماعيل

همام بن إسماعيل أظنه ابن عبيد الله بن أبي المهاجر حدث عن زمعة بن يزيد عن جبير عن أبي الدرداء - قال: لا أعلمه إلا رفعه - قال: من قال في أمر مسلم ما ليس فيه ليؤذيه حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يقضى بين الناس. همام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية بن عقال بم محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم أبو فراس بن أبي خطل التميمي البصري الشاعر، المعروف بالفرزدق وفد على معاوية يطلب ميراث عمه الحتات، ووفد على الوليد بن عبد الملك، وعلى هشام بن عبد الملك، وقيل إنه لم يفد إلا على هشام. قال همام: حدثني الطرماح بن عدي الشاعر قال: لقيت نابغة بني جعدة الشاعر، فقلت له: لقيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قال: فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد بدا الغضب في وجهه، فقال: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقلت: إلى الجنة يا رسول الله، قال: أجل إن شاء الله. فلما رأيته سري عنه قلت: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذاما أورد الأمر أصدرا فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يفضض الله فاك. مرتين. قال الفرزدق: رآني أبو هريرة فقال لي: يا فرزدق، إني أراك صغير القدمين، وأنا سمعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن لي حوضا كما بين أيلة وعمان، فإن استطعت أن يكون لقدميك عليه موضع فافعل. وفي آخر بمعناه: فاطلب لهما موضعاً في الجنة، فقلت: إن لي ذنوباً كثيرة، فقال: لا تأيس، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن بالمغرب بابا مفتوحا لا يغلق - زاد في رواية -: حتى تطلع الشمس من مغربها. وفي آخر فقال: إن التوبة لا تزال تقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها. عمل عبد عمل من شيء.

وفي حديث آخر فقال: إن قدميك صغيرتان، وكم من محصنة قد قذفتها، وإن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوضاً ما بين أيلة إلى كذا وكذا، وهو قائم بذناباه يقول: إلي إلي، فإن استطعت فلا تحرمه. قال: فلما قدمت قال: ما صنعت من شيء فلا تعظمه. وللفرزدق رحلة مع أبيه، وهو صغير إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال الفرزدق: دخلت مع أبي على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبين يديه سيوف يذوقها، فقال لأبي: من أنت؟ قال: غالب بن صعصعة، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: فمت فعلت؟ قال: ذعذعتها النوائب والحقوق، فقال: ذلك خير سبيلها، من هذا معك؟ فقال: هذا ابني همام، وهو يقول الشعر، فقال: علمه القرآن، فهو خير له. سمي الفرزدق لشبه وجهه بالخبرة، وهي فرزدقة. واسمه همام. والفرزدق: الرغيف الضخم الذي تتخذ منه النساء الفتوت، ويقال للقطعة من العجين التي تبسط فيخبز منها، شبه وجهه بذلك لأنه كان غليظاً جهماً. قال الجارود: كان رجل من بني رياح يقال له: ابن وثيل - وكان شاعراً - أتى الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مئة من الإبل، وهذا مئة من الإبل إذا وردت الماء. فلما وردت الإبل قاما إليها بالسيوف يكسعان عراقيبها، فخرج الناس على الحمران والبغال

يريدون اللحم، وعلي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فخرج على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيضاء، وهو ينادي: يا أيها الناس، لا تأكلوا من لحومها، فإنه أهل لغير الله. كان بسر بن سعيد من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة، كثير الحديث، ورعا، وكان قد أتى البصرة في حاجة له، ثم أراد الرجوع إلى المدينة، فرافقه الفرزدق الشاعر. فلم يشعر أهل المدينة إلا وقد طلعا عليهم في محمل، فعجب أهل المدينة لذلك. وكان الفرزدق يقول: ما رأيت رفيقاً خيراً من بسر بن سعيد. وكان بسر يقول: ما رأيت رفيقاً خيراً من الفرزدق. قال الفرزدق: لقيت أبا هريرة بالشام، فقال لي: أنت الفرزدق؟ قلت: نعم، قال: أنت الذي يقول الشعر؟ قلت: نعم، قال: اتق وانظر، فلعلك إن بقيت أن تلقى قوماً يخبرونك أن الله لن يغفر لك فلا تقنطن من رحمة الله. قال الفرزدق: رأيت أنف عرفجة من ذهب، وكان أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفاً من فضة، فأنتن عليه، فرأيته بعد ذلك صنعه من ذهب. وزعم منصور بن سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بذلك. قال الفرزدق: خرجت من البصرة أريد العمرة، فرأيت عسكرا في البرية، فقلت: عسكر من

هذا؟ قالوا: عسكر الحسين بن علي عليه السلام، فقلت: لأقضين بحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فأتيته، فسلمت، فقال: من الرجل؟ فقلت: الفرزدق بن غالب، قال: هذا نسب قصير، فقلت: أنت أقصر مني نسباً، أنت ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي: أبو من؟ قلت: أبو فراس، فقال لي: يا أبا فراس، كيف خلقت الناس؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ قلت: من البصرة، أريد العمرة، وما سألت عنه من أمر الناس فقلوبهم معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، فاغرورقت عيناه، وقال: هكذا الناس في كل زمان أتباع لذي الدينار والدرهم، والدين لغو على ألسنتهم، فإذا فحصوا بالابتلاء قل الديانون. قال الفرزدق: لقيت حسناً، فقلت: يا أبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس لرجوت أن ينقصف أهل الموسم معك، فقال: لم آمنهم يا أبا فراس، قال: فدخلت مكة، فإذا فسطاط وهيئة، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعبد الله بن عمرو بن العاص، فأتيته، فإذا شيخ أحمر، فسلمت: فقال: من؟ قلت: الفرزدق، أترى أن أنصر حسيناً، قال: إذاً تصيب أجراً وذخراً، قلت: بلا دنيا، فأطرق ثم قال: يا بن غالب، لتتمن خلافة يزيد، فانظرن، فكرهت ما قال، فسببت يزيد ومعاوية، قال: مه، قبحك الله، فغضبت فشتمته وقمت. فلو حضره حشمه لأوجعوني. فلما قضيت الحج رجعت، فإذا عير، فصرخت، ألا بايعا الحسين، فردوا على الأفناء. قال إسماعيل بن يسار: لقي الفرزدق حسيناً، فسلم عليه، فوصله بأربع مئة دينار، فقالوا: يا أبا عبد الله، تعطي شاعراً متهتراً؟! فقال: إن خير ما أمضيت من مالك ما وقيت به عرضك، والفرزدق شاعر لا يؤمن، فقال قوم لإسماعيل: وما عسى أن يقول في الحسين، ومكانه مكانه، وأبوه وأمه من قد علمت؟ قال: اسكتوا، فإن الشاعر ملعون، إن لم يقل في أبيه وأمه قال في نفسه.

قال الفرزدق: لما خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو قلت له: إن هذا الرجل قد خرج فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها، فرحلت نحوه. فلما كنت ببعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبد الله فقلت: أين ما قلت لي؟ قال: كان رأياً رأيته. قال مغيرة: لم يكن أحد من أشراف العرب بالبادية كان أحسن ديناً من صعصعة جد الفرزدق، ولم يهاجر، وهو الذي أحيا ألف موءودة، وحمل على ألف فرس، وهو الذي افتخر به الفرزدق، فقال: المتقارب ومنا الذي منع الوائدات ... فأحيا الوئيد فلم يوأد قال صعصعة بن ناجية: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وعلمني آياً من القرآن، فقلت: يا رسول الله، إني عملت في الجاهلية أعمالاً، فهل في ذلك من أجر، قال: وما هي؟ قال: أضللت ناقتين لي عشراوين، فخرجت أبغيهما على جمل لي، فبينا أنا أسير إذ رفع لي بيتان في فضاء من الأرض، فقصدت نحوهما، فإذا في أحدهما شيخ، فقلت: هل أحسست من ناقتين عشراوين، قال: وما نارهما؟ قلت: ميسم بني دارم، قال: قد وجدتهما، وقد ولدتهما، وظأرتا على أولادهما، وقد أحيا الله بهما أهل بيت من قومك من مضر، فبينا هو يخاطبني إذ قالت امرأة من البيت الآخر: قد ولدت، قد ولدت، قال: وما ولدت؟ إن كان غلاما فقد شاركنا في قومنا، وإن كان جارية فادفناها،

قلت: وما هذه المولودة؟ قال: ابنة لي، قلت: هل لك أن تبيعنيها؟ قال: تقول لي هذا وقد أخبرتك أني من العرب من مضر؟ قلت: إني لا أشتري منك رقبتها، إنما أشتري منك روحها؟ قال: بكم؟ قلت: بناقتي، قال: على أن تزيدني بعيرك هذا، قلت: نعم، على أن ترسل معي رسولاً، فإذا بلغت أهلي دفعته إليه، ففعل. فلما بلغت أهلي دفعت الجمل للرسول، ثم فكرت ثم قلت: والله إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، وكنت لا أسمع بموءودة إلا اشتريتها بناقتين عشراوين وجمل، فجاء الإسلام وقد استحييت ثلاث مئة وستين، من الموءودة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا باب من الخير، ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام. قال: وذلك مصداق قول الفرزدق: وجدي الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد مات غالب بن صعصعة أبو الفرزدق بسيف كاظمة، فدفن على رابية، فآلى الفرزدق على نفسه أن يكون قبر أبيه مأهولاً معموراً لا يستجير به أحد إلا أجاره، ولا يلوذ به عان إلا فكه، ولا يأتيه غارم إلا أدى عنه. فلما شرعت العداوة بين الفرزدق وبين بني جعفر بن كلاب، وعزم أن يهجوهم خرجت امرأة من رؤسائهم - قيل: إنها أم ذي الأهدام نفيع - ومضت إلى سيف كاظمة، وضربت على قبر أبي الفرزدق فسطاطاً، وأقامت به أياماً. فلما رحلت عنه حملت حصيات من قبره، فأتت بها الفرزدق، فألقتها بين يديه، وقالت له: سألتك بصاحب هذه التربة إلا أعفيتني من ذكرك في هجائك في شعر، قال: ورب الكعبة اليمانية لا ذكرتك بسوء أبداً، فهاجى بني جعفر بن كلاب. فلما صار إليها قال: عجوز تصلي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها لئن نافع لم يرع أرحام أمه ... وكانت كدلو لا يزال يعيرها لبئس دم المولود مس ثيابها ... عشية نادى بالغلام بشيرها

وإني على إشفاقها من مخافتي ... وإن عقها بي نافع لمجيرها وكان رجل من بني منقر كاتب غلاماً له كان منشؤه البادية على ألف درهم على أن يؤديها إليه بعد حول، فسعى فيها، ومضى الحول، ولم يصل إليها، فخرج من البصرة متنكراً حتى أتى سيف كاظمة، فحمل من قبر غالب أبي الفرزدق حصيات وأتى بهن الفرزدق، وهو واقف بالمربد، يبيع إبلاً له، فألقاهن في حجره، وقال: إني مستجير غارم، قال: وما بك، لا أبالك؟ فأنشده: بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الردى أو أن أرد على قسر بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم يك إلا غالباً ميت يقري فقال لي استقدم أمامك إنما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق في المصر فقال له الفرزدق: مالك؟ قال: إني مكاتب، وقد عجزت، قال: وكم كتابك؟ قال: ألف درهم، قال: لك ألف لكتابك، وألف معونة لك، ولك ناقة سوداء، ولك كسوة سابغة، قال: فأعطني، قال: والله لا تريم من مكانك حتى أفي لك بما قلت، فعجل ذلك ليله. ولما وجه الحجاج بتميم بن زيد إلى السند قدم البصرة فحمل من أهلها قوماً كثيراً، وحمل معه رجلاً قصاباً، يقال له خنيس. فلما نظرت أمه إلى ذلك ركبت بعيراً لها، ولحقت بقبر غالب، فحملت منه حصيات، ثم أتت بهن الفرزدق، فألقتهن على بابه، فخرج مذعوراً، فقال: ما بك؟ قالت: ابني وواحدي، قال: وأين هو؟ قالت: مع تميم بن زيد بالسند، فدعا برجل، فقال: اكتب ما أمليه عليك، فكتب:

تميم بن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يعيا علي جوابها وهب لي خنيساً واحتسب فيه منة ... لعبرة أم ما يسوغ شرابها أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها وقد علم الأقوام أنك ماجد ... وليث إذا ما الحرب شب شبابها فلما قرأ تميم الكتاب لميدر حبيش، أم خنيس، فقال: انظروا من كان في هذا العسكر له هذا الاسم، فرجعوا به إلى الفرزدق، فأصابوا ستة نفر من خنيس وحبيش فوجه بهم إليه، وقيل إنه لما حضر إليه الستة نفر: سأل عن ابن العجوز البصرية فقال أحدهم: أنا هو، فكتب له منشور ونقل عطاؤه إلى البصرة، وكتب منشوراً: لا يزعجه أحد حتى يقول هو: قد فرغت من حاجة تميم بن زيد، وأعطاه ألف درهم، وحمله على البريد إلى البصرة، وأجاب الفرزدق عن كتابه، ووجه مع الجواب عشرة آلاف درهم ثم تأمل الخمسة الباقين، فقال: قد أتي بكم وكل واحد منكم يرجو، والرجاء ذمام، والله لا خيبت آمالكم، فكتب لكل واحد منهم منشوراً، وأمر لهم بنفقاتهم إلى مواطنهم. قال عبد الكريم: دخلت على الفرزدق، فتحرك، فإذا في رجليه قيد، فقلت: ما هذا يا أبا فراس؟! قال: حلفت ألا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن. قال جرير: نبعة الشعر الفرزدق. قال ابن شبرمة: كان الفرزدق أشعر الناس.

قال أبو عمرو بن العلاء: لم أر بدوياً أقام بالحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة بن العجاج والفرزدق، كأنهما زادا على طول الإقامة جدة وحدة. قال المبرد: قال لي الفتح بن خاقان: أيهما تقدم، الفرزدق أم جريراً؟ فقلت: كلاهما عندي غاية، وفي الذروة، وإنما أقول على قدر الخاطر: إذا أحببت المسامحة والسهولة، وقلة التكلف ملت إلى جرير، وإذا أحببت الركانة والرزانة ملت إلى الفرزدق. قال أبو يحيى الضبي: لما هرب الفرزدق من زياد حين استعدى عليه بنو نهشل في هجائه أباهم أتى سعيداً، وهو على المدينة أيام معاوية، فاستجاره فأجاره، والحطيئة وكعب بن جعيل حاضراه فأنشده الفرزدق: ترى النفر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان آلى بني عم النبي ورهط عمرو ... وعثمان الألى غلبوا فعالا قياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا فقال الحطيئة: هذا والله الشعر، لا ما تعلل به منذ اليوم أيها الأمير، فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك، ولا تفضله على غيرك، فقال: بلى والله أفضله على نفسي وعلى غيري. أدركت من قبلك وسبقت من بعدك، لئن بقيت لتبرزن علينا. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، أنجدت امك؟ قال: لا بل أبي. يريد الحطيئة: إن كانت أمك أنجدت، فإني أصبتها، فأشبهتني، فألفاه لقن الجواب فنعاه عليه

الطرماح حين هجاه فقال: فاسأل قفيرة بالمروت هل شهدت ... سوط الحطيئة بين السجف والنضد أم كان في غالب شعر فيشبهه ... شعر ابنه فينال الشعر من صدد؟ جاءت به نطفةً من شر ما اتسقت ... منه إلى شر واد شق في بلد كان الفرزدق جالساً في حلقة الحسن، فقال رجل: يا أبا سعيد، ما تقول في رجل قال فلان: طلقت امرأتي، وعتقت مملوكي، وفعلت وفعلت، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد، أجيبه؟ قال: نعم، قال الفرزدق: أو ليس قد قلت في ذلك شعراً؟ فقال: وما قلت؟ وليس كل ما قلت يؤخذ به، فقال الفرزدق: فلست بمأخوذ بشيء تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم فقال الحسن: أصاب أبو فراس، والقول ما قال أبو فراس. سأل رجل الحسن - والفرزدق عنده - عن قول الله عز وجل (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) ، فقال الفرزدق: تسأل أبا سعيد، وقد قلت بذلك شعراً؟ فقال له الحسن: ما هو؟ قال:

وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالا ومن بين بها لم تطلق فتبسم الحسن ولم يرد عليه ما قال، قال: تحل لكم السبايا أن تطؤوهن بملك اليمين من غير أن يطلقهن أزواجهن. أتى الفرزدق الحسن فقال: إني قد هجوت إبليس، فاسمع، قال: لا حاجة لنا بالقول، قال: لتسمعن أو لأخرجن، فأقول للناس: إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، فقال الحسن: اسكت، فإنك عن لسانه تنطق. قال سلام بن مسكين: كنت في حبس بلال والفرزدق معي في السجن، فقلت: يا أبا فراس، تمزق أعراض الناس، وتتناولهم بلسانك! فقال لي: اسمع ما أقول: والله إنه تبارك وتعالى أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، ومن عيني هاتين، ومن عشيرتي، أفترى الله يعذبني بعد هذا، إنه لأكرم من ذلك. قيل لابن هبيرة: من سيد أهل العراق؟ قال: الفرزدق، هجاني ملكاً ومدحني سوقة. وقال لخالد حين قدم العراق: ألا قطع الرحمن ظهر مطية ... أتتنا تخطى عن دمشق بخالد وكيف يؤم الناس من كانت أمه ... تدين بأن الله ليس بواحد وقال: نزلت بجيله واسطاً فتمكنت ... ونفت فزارة عن قرار المنزل

وقال: لعمري لئن كانت بجيلة زانها ... جرير لقد أخزى بجيلة خالد لقي الفرزدق شاب من أهل البصرة، فقال: يا أبا فراس، أسألك عن مسألة، قال: سل، قال: أيهما أحب إليك: تسبق الخير أو يسبقك؟ قال: يا بن أخي؟ لم تأل أن شددت وأحببت ألا تجعل لي مخرجاً، أفتجيبني أنت إن أجبتك؟ قال: نعم، قال: فاحلف، فغلظ عليه، ثم قال: نكون معاً، لا يسبقني ولا أسبقه. أسألك الآن؟ قال: نعم، قال: أيما أحب إليك: أن ترجع الآن على منزلك، فتجد امرأتك قابضة بكذا وكذا من رجل أو تجد رجلاً قابضاً على كذا وكذا منها؟ مر الفرزدق بمجلس لبني حرام ومعه عنبسة الفيل مولى عثمان بن عفان - وهو جد عبد الكريم بن روح - فقال: يا أبا فراس، متى تذهب إلى الآخرة؟ قال: وما حاجتك إلى ذلك؟ قال: اكتب معك إلى أبي، قال: أنا لا أذهب حيث أبوك، ابوك في النار. ولكن اكتب مع ريالوه واسطفانوس. كان أسد بن عبد الله القسري شديد التعصب، فاجتمع عنده ذات يوم جماعة من الشعراء، فيهم الفرزدق، فقال له: أنشدنا، قال الفرزدق: فعلمت أنه يكره شعري، فقلت: أيها الأمير، لو أمرت غيري لأنشدك، فقال: أنشدني، ودعني من غيرك، فأنشدته قصيدة أقول فيها: فإن الناس لولا نحن كانوا ... كما خرز تساقط من نظام

قال: فبم؟ واضطرب، ثم أقبل علي كالمهدد، فقال: أنشدنا، ودعنا من فخرك، فأنشدته: البسيط يختلف الناس ما لم نجتمع لهم ... فلا خلاف إذا ما استجمعت مضر منا الكواهل والأعناق تقدمها ... والرأس منا وفيه السمع والبصر ولا نلين لمن يبغي تهضمنا ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر فاربد وجهه، واضطرب، وقال: أي رأس منكم فيه السمع والبصر؟ قال الفرزدق: فبركت بين يديه، وقلت: على الخبير سقطت: قريش وكنانة، فلم يجد لي جواباً حين ذكرت قريشاً، ثم فكر فقال: كذبت، قريش سبط من الأسباط، وهي حيث جعلها الله أمةً وسطاً، فقلت: إن كانت قريش سبطاً، ولم تكن من مضر فهي إذاً من بني إسرائيل، فضحك الناس، وأمر بنا فأخرجنا. ولما خاصمت الفرزدق زوجته نوار إلى عبد الله بن الزبير، وطلب فسخ نكاحها قال: الطويل لعمري لقد أردى نواراً وساقها ... إلى الغور أحلام قليل عقولها أطاعت بني أم النسير فأصبحت ... على قتب يعلو الفلاة دليلها منها: وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وفيهن عن أبوالهن بسالة ... وبسطة أيد يمنع الضيم طولها فدونكها يا بن الزبير فإنها ... مولهةً يوهي الحجارة قيلها ولما طلق الفرزدق امرأته النوار ثلاثاً قال لأبي شفقل: امض بنا إلى الحسن نشهده

على طلاق النوار، قال: فقلت له: أخشى أن يبدو لك فيها، فتشهد عليك الحسن، فتجلد، ويفرق بينكما، فقال: لا بد منه، فمضيا إلى الحسن، فأخبره، فقال له الحسن: قد شهدنا عليك، ثم بدا له بعد فادعاها، فشهد عليه الحسن، ففرق بينهما، فأنشأ يقول: ندمت ندامة الكسعي لما ... مضت مني مطلقة نوار وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار فلو أني ملكت يدي وقلبي ... لكان علي للقدر اختيار ولما ماتت النوار امرأة الفرزدق أوصت أن يصلي عليها الحسن بن أبي الحسن البصري، فحضر جنازتها آجلاء أهل البصرة، والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فقال له الحسن: يا أبا فراس، ما يقول الناس؟ قال: يقول الناس: حضر الجنازة خير الناس وشر الناس، قال: ما أنا بخيرهم، ولا أنت بشرهم. يا أبا فراس، ما أغددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة. فقال الحسن بيده: نعم والله العدة. فلما صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها لدفنها، فأنشأ الفرزدق يقول: أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهاباً وأضيقا إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا يساق إلى ذل الجحيم مسربلاً ... سرابيل قطران لباساً محرقا

إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ... يذوبون من حر الصديد تمزقا فبكى الحسن ثم التزم الفرزدق، وقال: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي. شهد الحسن جنازة أبي رجاء العطاردي على بغلة، والفرزدق معه على بعيره، فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، يستشرفنا الناس، فيقولون: خير الناس، وشر الناس، فقال الحسن: يا أبا فراس، كم أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، ذاك خير من الحسن، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه يا أبا فراس، قال: الموت يا أبا سعيد، قال له الحسن: وما أعددت له يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال: إن للا إله إلا الله شروطا، فإياك وقذف المحصنة، يا أبا فراس كم من محصنة قد قذفتها، فاستغفر الله، قال: فهل من توبة أبا سعيد؟ قال: نعم. زاد في آخر بمعناه: ثم وقف الحسن ملياً ثم قال: أما أنت يا أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكابدتها، فجعل الله لك في الموت راحة طويلة، ثم أقبل على الفرزدق فقال: يا أبا فراس، كن من مثل هذا على حذر، فإنما نحن وأنت بالأثر، قال: فبكى الفرزدق ثم أنشأ يقول: فلسنا بأنجى منهم غير أننا ... بقينا قليلا بعدهم وترحلوا حدث محمد بن زياد - وكان في ديماس الحجاج زماناً حتى أطلقه سليمان حين قام - قال:

انتهيت إلى الفرزدق، وهو ينشد بمكة، بالردم مديح سليمان: وكم أطلقت كفاك من قيد بائس ... ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها كثيراً من الأسرى التي قد تكنعت ... فككت وأعناقاً عليها غلالها فقلت: أنا أحدهم، فأخذ بيدي وقال: أيها الناس، سلوه فو الله ما كذبت: قال الفرزدق يذكر ولادة برة بنت مر قريشاً - يعني: أم النضر بن كنانة: الوافر هم أبناء برة بنت مر ... فأكرم بالخؤولة والعموم فما فحل بأنجب من قريش ... وما خال بأكرم من تميم ومن شعر الفرزدق: " الكامل " إن المهالبة الذين تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق وحسن وجوه قدم جرير على عمر بن عبد العزيز، وهو يتولى المدينة، فأنزله في دار، وبعث إليه بجارية تخدمه، فقالت له: إني أراك شعثاً، فهل لك في الغسل؟ فجاءته بغسل وماء، فقال لها: تنحي عني، ثم اغتسل. ثم قدم الفرزدق فأنزله داراً وبعث إليه بجارية، فعرضت عليه مثل ذلك، فوثب عليها، فخرجت إلى عمر، فنفاه من المدينة، وأجله ثلاثاً، ففي ذلك يقول: توعدني وأجلني ثلاثاً ... كما لبثت لمهلكها ثمود

فبلغ ذلك جرير فقال: نفساك الأغر ابن عبد العزيز ... بحقك تنفى عن المسجد وشبهت نفسك أشقى ثمود ... فقالوا ضللت ولم تهتد وقد أخروا حين حل العذاب ... ثلاث ليال إلى الموعد قدم الفرزدق المدينة في سنة جدبة، فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ أميرها فقالوا: إن الفرزدق قدم في هذه السنة الجدبة التي قد حلقت أموالها، وليس عند أحد ما يعطيه، فلو أن الأمير بعث إليه وأرضاه، وتقدم إليه ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء. فبعث إليه عمر: إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة، وليس عند أحد ما يعطيه شاعراً، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم، فخذها، ولا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء. قال: فأخذها الفرزدق، ومر بعبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو جالس في سقيفة داره، وعليه مطرف خز وجبة حمراء فقال: أعبد الله أنت أحق ماش ... وساع بالجماهير الكبار فللفاروق أمك وابن أروى ... أبوك فأنت منصدع النهار هما قمرا السماء وأنت نجم ... به في الليل يدلج كل سار فخلع عليه جبته والمطرف والعمامة، ودعا له بعشرة آلاف درهم، فسمع ذلك عمر بن عبد العزيز، فبعث إليه عمر: ألم أتقدم إليك يا فرزدق ألا تعرض لأحد بمدح

ولا هجاء؟ اخرج، فقد أجلتك ثلاثاً، فإن وجدتك بعد ثلاث نكلت بك، فخرج الفرزدق وهو يقول: توعدني وأجلني ثلاثاً ... كما وعدت لمهلكها ثمود كان الحجاج يتمثل بهذا البيت من شعر الفرزدق لما مات ابنه: فما ابنك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى خنين المآتم كان شاعر من بني حرام بن سماك قد هجا الفرزدق، فأخذوه، فأتوا به الفرزدق، وقالوا له: هذا بين يديك، فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، لا عدوى، ولا قصاص، فخلى عنه وقال: فمن يك خائفاً لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حرام هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام كتب الفرزدق إلى جرير كتاباً يدعوه إلى الصلح، ويقول: ذهبت أيامنا بالباطل وكرت أيامنا، وقطعنا الدهر بشتم العشيرة، فهلم إلى الصلح، فجعل جرير يقرئ كتابه الناس، ويقول: دعاني إلى الصلح، فإذا في آخر كتابه: شهدت طهية والبراجم كلها ... أن الفرزدق نال أم جرير وقال بعض الخلفاء لجرير والفرزدق: حتى متى لا تنزعان، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، إنه يظلمني، قال: صدق، إني أظلمه، ووجدت أبي يظلم أباه. خرج الفرزدق حاجاً فمر بالمدينة، فدخل على سكينة بنت الحسين بن علي بن

أبي طالب مسلماً عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول: بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام فقال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري أحسن من هذا، فقالت: أقيموه، فخرج. فلما كان الغد عاد إليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول: لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... خزن الحديث وعفت الأسرار لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار قال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا، فأمرت به، فأخرج، فعاد إليها من الغد، وحولها جوار مولدات، كأن التماثيل عن يمينها وعن شمالها، فأبصر الفرزدق واحدة منهن، كأنها ظبية، أدماء، فمات عشقاً لها، وجنوناً بها، وقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كذلك، أشعر منك الذي يقول: إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا فقال: يا بنة رسول الله، إن لي عليك حقاً عظيماً لموالاتي لك ولآبائك، وإني صرت إليك من مكة قاصداً لك إرادة التسليم عليك، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي، وتعنيفي إياي أن أسمعك شعري ما قطع ظهري، وعيل صبري،

والمنايا تغدو وتروع، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإن أنا مت فمري من يدفني في درع هذه الجارية، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها، وأمرت له بألف درهم وكسى وطيب، وأمرت له بالجارية يجتمع إليها وقالت: يا أبا فراس، إنما أنت واحد منا - أهل البيت - لا يسؤك ما جرى، خذ ما أمرنا لك به، وأحسن إلى الجارية، وأكرم صحبتها. قال الفرزدق: فلم أزل أرى البركة بدعائها في نفسي ومالي. قال أبو عبيدة: أول حمام بني بالبصرة حمام منجاب السعدي، وإن الفرزدق كان ذات يوم على باب دربه في أطمار خز إذ مرت به امرأة نبيلة برزة، فقالت له: كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هاهنا، وأومأ إلى دربه. فلما ولجت المرأة الدرب كامشها فاحتملها، وقد علم الله ما كان بعد ذلك. وحدث بعض أهله قال: كنت عند رأس الفرزدق ألقنه الشهادة، فكنت أقول: يا أبا فراس، قل لا إله إلا الله، فيقول: يا رب قائلة يوماً وقد لعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب ثم يقول: نعم، لا إله إلا الله، إلي أن مات. ولما احتضر الفرزدق قال: أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن العتاب إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم علي من التراب قال أبو عمرو بن العلاء: حضرت الفرزدق، وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. وذلك في أول سنة عشر ومئة. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة، فاجتمع إليه الناس،

فما وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال: أطفأ الفرزدق جمرتي، وأسال عبرتي، وقرب ميتي، ثم شخص إلى اليمامة، فنعي لنا في رمضان من تلك السنة. وقيل: إن الفرزدق عاش حتى قارب المئة، ومات سنة أربع عشرة ومئة. وكان له من الولد لبطة وسبطة وخبطة وركضة، فانقرض عقبه. وقيل: إن جريراً مات بعده بأربعين يوماً. قال لبطة بن الفرزدق: رأيت أبي في النوم، فقال لي: يا بني، نفعتني الكلمة التي خاطبت بها الحسن. يعني: لما قال له: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. لما نعي الفرزدق إلى جرير، وهو بالبادية اعترض الطريق، فإذا أعرابي على قعود له، فقال له جرير: من أين؟ قال: من البصرة، قال: هل من حاسة خبر؟ قال: نعم، بينا أنا بالمربد فإذا جنازة عظيمة قد حفل لها الناس، فيها الحسن البصري، فقلت: من؟ قالوا: الفرزدق، فبكى جرير بكاءً شديداً، فقال له قومه: أتبكي على رجل يهجوك وتهجوه مذ أربعون سنة؟! قال: إليكم عني، فما تساب رجلان، ولا تناطح كيسان فمات أحدهما إلا تبعه الآخر عن قريب: لعمري لئن كان المخبر صادقاً ... لقد عظمت بلوى تميم وجلت فلا حملت بعد الفرزدق حرة ... ولاذات حمل من نفاس تعلت هو الوافد المحبو والرافع الثأى ... إذا النعل يوماً بالعشيرة زلت

همام بن قبيصة بن مسعود

همام بن قبيصة بن مسعود ابن عمير بن عامر بن عبد الله بن الحارث النميري من أصحاب معاوية. شاعر فارس. شهد صفين مع معاوية، وكان مع الضحاك بن قيس يوم مرج راهط، وقتل يومئذ، وكان همام سيد قومه. قال عمرو بن العاص لعبد الرحمن بن خالد: اقحم يا بن سيف الله، فتقدم بلوائه، وقدم أصحابه، فأقبل علي على الأشتر، فقال له: لقد بلغ لواء معاوية حيث ترى، فدونك القوم، فأخذ الأشتر لواء علي وهو يقول: إني أنا الأشتر معروف الشتر ... إني أنا الأفعى العراقي الذكر لست من الحي ربيع ومضر ... لكنني من مذحج الغر الغرر فضارب القوم حتى ردهم، فانتدب لهم همام بن قبيصة، وكان مع معاوية، فشد نحو مذحج وهو يقول: مشطور الرجز قد علمت حوراء كالتمثال ... أني إذا ما دعيت نزال أقدم إقدام الهزبر الخال ... أهل العراق إنكم من بالي حتى أنال فيكم المعالي ... أو أطعم الموت وتلكم حالي في نصر عثمان ولا أبالي فحمل عليه عدي بن حاتم الطائي وهو يقول: يا صاحب الصوت الرفيع العالي ... إن كنت تبغي في الوغى نزال فأقدم فإني كاشف عن حالي

فالتقيا، فضربه عدي، وأخذ لواءه، واقتتل الناس قتالاً شديداً، فدعا علي ببغلة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فركبها، وتعصب بعمامة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السوداء ثم نادى: أيها الناس، من يشري نفسه لله؟ من يبيع الله نفسه؟ هذا يوم له ما بعده، فانتدب معه ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفاً، فتقدمهم علي وهو يقول: دبوا دبيب النمل لا تقوتوا ... أصلحوا أمركم وبيتوا حتى تنالوا الثأر أو تموتوا فتبعه عدي بن حاتم وهو يقول: أبعد عمار وبعد هاشم ... وابن بديل فارس الملاحم نرجو البقاء ضل حكم الحاكم ... وقد عضضنا أمس بالأباهم فاليوم لا نقرع سن نادم ... ليس امرؤ من يومه بسالم وتبعه الأشتر في مذحج وهو يقول: حرب بأسباب الردى تأجج ... يهلك فيها البطل المدجج يكفيكها همدانها ومذحج وحمل الناس حملة واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه حتى أفضوا إلى معاوية، فدعا بفرسه لينجو عليه. قال معاوية: فلما وضعت رجلي في الركاب تمثلت بأبيات عمرو بن الإطنابة: أبت لي عفتي وأبى بلائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

فأقام، فنظر معاوية إلى عمرو فقال: اليوم صبر، وغداً فخر، فقال عمرو: صدقت. قدم أعرابي من بني هلال دمشق في خلافة معاوية، فأتى همام بن قبيصة النميري، فقال له رجل من بني هلال: أصابتني السنة، فأذهبت مالي، فجئت أطلب الفريضة، فكلم لي معاوية، فقال له: إن معاوية علي غضبان، ولست أدخل عليه، ولكني أكلم لك أذنه يدخلك عليه، فإذا وضع الطعام فكل، ثم علمه كلاماً يكلمه به إن لم يفرض له، فكلم له الآذن، فسأدخله. فلما وضع الطعام أكل الأعرابي ثم قام فقال: يا أمير المؤمنين، إنني من بني هلال أصابتني السنة، فأذهبت مالي، فجئت أطلب الفريضة، فقال: وكلما أصابت السنة أعرابياً أردنا أن نفرض له؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن جل من معك أهل اليمن، وقد كان فيهم ملك، فهم، لكنه صور، وقد حدثوا بأنه سيرجع إليهم، فإن رأيت إن تفرض لهذا الحي من مضر فتستظهر بهم، فافعل، فقال له معاوية: هذا كلام همام - فعرفه - أبا لدوائر تخوفاني؟! عليك وعلى همام لعنة الله ودائرة السوء، ثم أمر ففرض له. وبلغ هماماً الخبر، فقال: إن كنا لنعد عقل معاوية يفضل ألف رجل، فما زال به النساء والبنون والشفاعات حتى صار عقله إلى عقل مئة رجل. لما بلغ يزيد بن معاوية أن أهل مكة أرادواابن الزبير على البيعة، فأبى، فأرسل النعمان بن بشير الأنصاري وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير بن عوام إلى البيعة ليزيد على أن يجعل له ولاية الحجاز، أو ما شاء، وما أحب لأهل بيته من الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمروني ببيعة رجل يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويتبع الصيد؟ فقال همام: أنت أولى بذلك منه، فلطمه رجل من قريش، فرجعا إلى يزيد، فغضب، وحلف لا يقبل بيعته إلا وفي يده جامعة. قال الحجاج لوازع بن ذؤالة الكلبي: كيف قتلت همام بن قبيصة؟ قال: مر بي

همام بن محمد بن سعيد أراه

والناس منهزمون، فلو شاء أن يذهب لذهب، فلما رآني قصدني، فضربته، وضربني، وسقط، فحاول القيام، فلم يقدر، فقال وهو في الموت: تعست ابن ذات النوف أجهز على فتى ... يرى الموت خيراً من فرار وأكرما ولا تتركني بالحشاشة إنني ... صبور إذا ما النكس مثلك أحجما فدنوت منه فقال: أجهز علي، قبحك الله، فقد كنت أحب أن يلي هذا مني من هو أربط جأشاً منك، فاحتززت رأسه، وأتيت به مروان. وكان مروان يقاتل الضحاك بن قيس بمرج راهط، فجاء روح بن زنباع الجذلمي فبشره بقتل الضحاك بن قيس، وقتل همام بن قبيصة، وقتل ابن معن السلمي، وقال ابن مقبل: يا جذع آنف قيس بعد همام ... بعد المذبب عن أحسابها الحامي يعني همام بن قبيصة. همام بن محمد بن سعيد أراه ابن عبد الملك بن الأموي حدث عن ميمون بن مهران قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا ميمون، احفظ عني أربعا: لا تصحبن سلطاناً، وإن أمرته بمعروف، ونهيته عن منكر، ولا تخلون بامرأة، وإن أقرأتها القرآن، ولاتصل من قطع رحمه، فإنه لك أقطع، ولا تكلمن بكلام اليوم تعتذر منه غداً.

همام بن محمد بن أبي شيبان العبسي

همام بن محمد بن أبي شيبان العبسي حدث عن الوليد بن مسلم بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: " وكان تحته كنز لهما ". قال: ذهب وفضة. همام بن الوليد الدمشقي حدث عن صدقة بن عمر الغساني بسنده إلى الحسن قال: كان اسم كبش إبراهيم عليه السلام حرير، واسم هدهد سليمان عبقر، واسم كلب أصحاب الكهف قطمير، واسم عجل بني إسرائيل الذي عبدته بهموت. وهبط آدم بالهند، وهبطت حواء بجدة، وهبط إبليس بدست ميسان. وهبطت الحية بأصبهان. هميم بن همام بن يوسف أبو العباس الطبري حدث عن هشام بن خالد الأزرق بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن العجين وقع فيه قطرات من دم، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكله. قال الوليد: لأن النار لا تنشف الدم. وحدث عن هشام بن عمار بسنده عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما الوقوف عشية عرفة فإن الله يهبط إلى السماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً يرجون رحمتي. فلو كانت ذنوبكم كعدد

هنبل بن محمد بن يحيى بن هنبل

الرمل، وكعدد القطر أو الشجر لغفرتها لكم. أفيضوا عبادي، مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له. توفي هميم بن همام سنة ثلاث وتسعين ومئتين. هنبل بن محمد بن يحيى بن هنبل أبو يحيى السليحي الحمصي حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أبي عنبة الخولاني قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى أقلع. وحدث عن محمد بن إسماعيل بن عياش بسنده إلى جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن إبليس قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم. هنيدة من أصحاب الوليد بن عبد الملك قال الزهري: دخلت على عروة بن الزبير، وهو يكتب إلى هنيدة صاحب الوليد بن عبد الملك، وكان كتب يسأله عن قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن "، فكتب إليه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن ولي، فكان يرد الرجال، فلما هاجر النساء أبى الله ذلك - أن يردهن إذا امتحن بمحنة الإسلام، فزعمت أنها جاءت راغبة فيه - وأمره أن يرد صدقاتهن إليهم إذا حبسوا عنهم، وأن يردوا عليهم مثل الذي يرد عليهم إن فعلوا، فقال: " واسألوا ما أنفقتم ".

هني مولى عمر بن الخطاب

هني مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان عامل عمر على الحمى الذي حماه للمسلمين، وكان مع معاوية بصفين. حدث هني أن أبا بكر الصديق لم يحم شيئاً من الأرض إلا للنفع، وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حماه، فكان يحميه للخيل التي يغزا عليها. وكانت إبل الصدقة إذا أخذت عجافاً أرسل بها إلى الربذة، وما والاها ترعى هناك، ولا يحمي لها شيئاً، ويأمر أهل المياه لا يمنعون من ورد عليهم أن يشرب معهم، ويرعى عليهم. فلما كان عمر بن الخطاب، وكثر الناس، وبعث البعوث إلى الشام، وإلى مصر، وإلى العراق حمى الربدة، واستعملني على حمى الربدة. كان عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنياً على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتيني بالبينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالملأ والكلأ أيسر علي من الورق، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً. قال هني مولى عمر بن الخطاب: كنت أول شيء مع معاوية على علي، فكان أصحاب معاوية يقولون: والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون، فلما كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى فإذا

هود بن عبد الله بن رباح

عمار بن ياسر مقتول. قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إلي، فقلت: عمار بن ياسر، ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تقتله الفئة الباغية، فقلت: هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عيني مقتول، قال: فانطلق فأرينيه، فذهبت. فأوقعته عليه، فساعة رآه امتقع، ثم أعرض في شق، وقال: إنما قتله الذي خرج به. وفي رواية: إنما قتله أصحابه. هود بن عبد الله بن رباح ابن خالد بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم، ابن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو - إدريس - بن يارد بن مهلائيل بن قتبان، ابن أنوش بن شيث بن آدم نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال بعض النسابين إن هوداً هو عابر بن شالخ بن أفخشد بن سام بن نوح. قيل: إن هوداً بنى الحائط القبلي من جامع دمشق. وقيل: إن قبره به. وقيل: قبره بمكة. وقيل: قبره باليمن. وكان عاد ابن عوض بن إرم بن سام بن نوح. وكان الضحاك بن أهنوت من ولد قحطان، وهو أهنوت بن ملل بن لاوذ بن الغوث بن الفزر بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب بن قحطان بن أنمر بن الهميسع بن نايت بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارح، وهو آزر بن ناخور بن ارغوا بن اسروغ بن فالغ بن يقطن، وهو قحطان بن عابر، وهو

هود النبي - صلى الله على نبينا وعليه وسلم - ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. وأول نبي بعثه الله إدريس ثم نوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل وإسحاق ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح، وعاد وغبيل ابنا عوض بن إرم. وعن ابن عباس قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وعيسى، ومحمد صلى الله عليه وعليهم وسلم. وليس من نبي له اسمان غير عيسى المسيح، ويعقوب إسرائيل. وكان أبو هود أول من تكلم بالعربية. وولد لهود أربعة، فهم العرب: قحطان، ومقحط، وقاحط، وقالع أبو مضر. وقحطان أبو اليمن، والباقون ليس لهم نسل. وكان من قصة هود، كيف بعثه الله من بعد نوح أن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها من دون الله، وذلك إنما عبدت الأصنام العرب أصنام قوم نوح بعد نوح، فتفرقوا في عباداتهم للأوثان، وفرقوا أصنام قوم نوح بينهم، فكانت هذيل بن مدركة بن خندف اتخذوا سواعاً إلهاً يعبدونه، وكانت لهم برهاط من أرض الحجاز، وكانت كلب بن وبرة من قضاعة اتخذوا وداً إلهاً يعبدونه بدومة الجندل، وكانت أنعم من طيء، وأهل جرش من مذحج من تلك القبائل من أهل اليمن اتخذوا يعوق إلهاً يعبدونه بجرش، وكانت خيوان - بطن من همدان - بأرض همدان من اليمن، وكانت

ذو الكلاع اتخذوا بأرض حمير نسراً إلهاً يعبدونه من دون الله. وكانت قوم هود وهم عاد أصحاب أوثان، يعبدونها من دون الله اتخذوا أصناماً على مثال ود وسواع ويغوث ونسر، فاتخذوا صنماً، يقال له: صمود، وصنماً يقال له: الهبار، فبعث الله إليهم هوداً. فكان هود من قبيلة يقال لها: الخلود، وكان من أوسطهم نسباً، وأفضلهم موضعاً، وأشرفهم نفساً، وأصبحهم وجهاً، وكان في مثل أجسامهم، أبيض جعداً، بادي العنفقة، طويل اللحية، فدعاهم إلى الله، وأمرهم أن يوحدوا الله، ولا يجعلوا مع الله إلهاً غيره، وأن يكفوا عن ظلم الناس، لم يذكر أنه أمرهم بغير ذلك، ولم يدعهم إلى شريعة، ولا إلى صلاة، فأبوا ذلك وكذبوه " وقالوا من أشد منا قوة " فنزل الله " وكانوا بآياتنا يجحدون ". قال الله عز وجل: " وإلى عاد أخاهم هوداً " الآية. وكان هود من قومهم، ولم يكن أخاهم في الدين، " قال يا قوم اعبدوا الله "، يعني: وحدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، " ما لكم " يقول: ليس لكم " من إله غيره أفلا تتقون " يعني: فكيف لا تتقون؟ " واذكروا إذ جعلكم خلفاء " يعني: سكاناً في الأرض: " من بعد قوم نوح "، فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا، وقد علمتم ما أنزل بقوم نوح من النقمة حين عصوه، واذكروا ما أتى إليكم " وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله "، يعني: هذه النعم " لعلكم تفلحون " وكانت منازلهم وجماعتهم حيث بعث الله هوداً فيهم بالأحقاف. والأحقاف: الرمل، ما بين عمان إلى حضرموت باليمن كله، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها، وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله، يقول الله عز وجل: " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف "، يعني:

دكادك الرمل حيث منازلهم. روى الزهري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل ربه أن يريه رجلاً من قوم عاد، فأراه رجلاً رجلاه في المدينة ورأسه بذي الحليفة. وعن يحيى بن يعلى قال: قال هود لقومه حين أظهروا عبادة الأوثان: يا قوم، إني بعثة الله إليكم، وزعيمه فيكم، فاتقوه بطاعته، وأطيعوه بتقواه، فإن المطيع لله يأخذ لنفسه من نفسه بطاعة الله للرضا، وإن العاصي لله يأخذ لنفسه من نفسه بمعصية الله للسخط، وإنكم من أهل الأرض، والأرض تحتاج إلى السماء، والسماء تستغني بما فيها، فأطيعوه تستطيبوا حياتكم، وتأمنوا ما بعدها، وإن الأرض العريضة تضيق عن التعرض لسخط الله. وعن الضحاك قال: أمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين، وكانت الرياح عليهم من غير مطر ولا سحاب. وعن جابر بن عبد الله قال: إذا أراد الله بقوم سوءاً حبس عنهم المطر، وحبس منهم كثرة الرياح. قال: فلبثوا بذلك ثلاث سنين لا يستغفرون الله، فقال لهم هود: " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً "، يعني: برزق متتابع " ويزدكم قوة إلى قوتكم ". يعني: في الغنى والعدد " ولا تتولوا مجرمين "، فأبوا إلا تمادياً. فلما أصابهم الجهد أنفوا أن يطلبوا إلى هود أن يستسقي لهم، ونزل بهم البلاء، وجهدوا، فطلبوا إلى الله الفرج، وكان طلبتهم عند البيت الحرام، مسلمهم، ومشركهم، فتجمع بها ناس كثير مختلفة أديانها، وكلهم معظم لمكة، يعرف حرمتها ومكانتها من الله عز وجل.

وعن ابن عباس قال: كانوا إذا أتوا مكة - عظمها الله تعالى - ليسألوا الله عز وجل صعدوا الصفا ثم دعوا بحوائجهم، وسألوا الله تعالى، فيأتيهم بما سألوا. فانطلق وفد عاد فصعدوا الصفا، يقدمهم قيل بن عتر. فلما استووا على الصفا يريدون أن يسألوا، فقال قيل عاد حين دعا بإله هود: إن كان هود صادقاً فاسقنا، فإنا قد هلكنا، فإنا لم نأتك لمريض تشفيه، ولا لأسير فتفاديه، فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء، وحمراء، وسوداء، وناداه مناد من السماء: يا قيل، اختر لنفسك وقومك من هذه السحابات، قال قيل: أما البيضاء فجفاء لا ماء فيها، وأما الحمراء فعارض، وأما السوداء فهي مطلخمة، وهي أكثر ماء، فقد اخترت السوداء. فناداه مناد فقال: اخترت رماداً رمدداً، لا تبقي من آل عاد أحداً، لا والداً تترك ولا ولداً، إلا جعلته همداً، إلا بنو اللوذية الغمدا - وإنما يعني الفهدا: السام، وبنو اللوذية: بنو لقيم بن هزال بن هويلة بنت بكر، وكانوا سكاناً بمكة مع إخوانهم، لم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عاد الآخرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد - وساق الله السحابة التي اختار قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى تخرج عليهم من واد لهم يقال له: المغيث، وقيل: إن الوادي يقال له: الريان. كانوا إذا قحطوا فجاءتهم الريح من تلك الناحية مطروا. فلما رأوها جثلة من

ناحية الريان، أو المغيث استبشروا بها، فقالوا: قد جاءنا وفدنا بالمطر قالوا لهود: أين ما كنت توعدنا؟ ما قولك إلا غرور " هذا عارض ممطرنا ". يقول الله عز وجل لهود: قل لهم " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها " أي: كل شيء مرت به. فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح امرأة يقال لها: مهد. فلما تبينت ما فيها صاحت، وصعقت، فلما أفاقت قيل: ماذا رأيت يا مهد؟ قالت: رأيت ريحاً، فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها. وروى العلماء: أن الريح التي سخرها الله على عاد الجنوب العقيم، وأنه إنما أرسل عليهم منها مثل حلقة الخاتم، ولو أرسل عليهم مثل منخر الثور ما تركت على ظهر الأرض شيئاً إلا أهلكته. وعن الحارث بن حسان قال: مررت بعجوز بالربذة، منقطع بها من بني تميم، فقالت: أين تريدون، فقلنا: نريد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فاحملوني معكم، فإن لي إليه حاجة. قال: فدخلت المسجد، فإذا هو غاص بالناس، وإذا راية سوداء تخفق، فقلت: ما شأن الناس اليوم؟ فقالوا: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهاً، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل الدهناء حجازاً بيننا وبين تميم فافعل، فإنها كانت لنا خاصة، قال: فاستوفزت العجوز، وأخذتها الحمية، فقالت: يا رسول الله، أين يضطر مضطرك؟ قلت: يا رسول الله، حملت هذه، ولا أشعر أنها كائنة لي خصماً، قال: قلت: أعوذ بالله أن أكون كما قال الأول، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وماذا قال الأول؟ قال:

على الخبير سقطت، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هيه، يستطعمه الحديث، قال: إن عاداً أرسلوا وافدهم قيلاً، فنزل على معاوية بن بكر شهراً، يشكر له الخمر التي شربها عنده. قال: فمرت سحابات سود، فنودي أن خذها رماداً رمدداً، لا تذر من عاد أحداً. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نصرت بالصبا، وأهلك عاد بالدبور، وما أرسلت عليهم إلا مثل الخاتم - وفي رواية: مثل فص الخاتم -، فمرت بأهل البادية فحماتهم ومواشيهم، فجعلتهم بين السماء والأرض. فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها " قالوا هذا عارض ممطرنا " فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أرسل الله سفياً من الريح إلا بمكيال، ولا قطرة ماء إلا بميزان، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان، فلم يكن لهم عليه سلطان، ثم قرأ: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ". وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان، ثم قرأ: " ريح صرصر عاتية ". وقيل: إن الريح العقيم في الأرض السابعة. وقال عطاء بن يسار: قلت لكعب: من ساكن الأرض الثانية؟ قال: الريح العقيم. لما أراد الله أن يهلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها أن افتحوا منها بابا، قالوا: يا ربنا، مثل منخر الثور؟ قال: إذاً تكفأ الأرض بمن عليها. قال: ففتحوا منها مثل حلقة الخاتم.

وقيل: لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد، فينتقم له منهم، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب، فقال الخزان: يا رب، لن نطيقها، ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها، فأوحى الله إليها أن ارجعي، فرجعت، على قدر خرق الخاتم، وهي الحلقة، فأوحى الله تعالى إلى هود أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة، فاعتزلوا، وخط عليهم خطاً، وأقبلت الريح، فكانت لا تدخل حظيرة هود، ولا تجاوز الخط، وإنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذ به أنفسهم، وتلين على الجلود، وإنها لتمر من عاد بالظعن فتحتمله بين السماء والأرض، فتدمغهم بالحجارة. وأوحى الله إلى الحيات والعقارب أن يأخذوا عليهم الطرق، فلم تعد غادياً يجاوزهم. وعن مالك بن أنس قال: سئلت امرأة من بقية قوم عاد: أي عذاب الله رأيت أشد؟ قالت: كل عذاب شديد، وسلام الله ورحمته ليلة الريح فيها، قالت: ولقد رأيت العير تحملها الريح بين السماء والأرض. قال الضحاك بن مزاحم: لما أهلك الله عاداً، ولم يبق منهم إلا هود والمؤمنون فتنجست الأرض من أجسادهم أرسل الله عليها دكادك الرمل، فرمستهم، فكان يسمع أنين الرجل من تحت الرمل من مسيرة يوم، فقال الله عز وجل لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية " يعني بالصرصر: الباردة، كانت تقع على الجلد فتحرقه برداً حتى ينكشط عن اللحم، ثم تصير اللحم كقطع النار " عاتية " يعني: عتت على الخزان، " سخرها عليهم " يعني أنه سلطها عليهم " سبع ليال وثمانية أيام حسوماً " هبت عليهم يوم الأربعاء غدوة، وسكنت يوم الأربعاء عشية " حسوماً ": متصلات، مستقبلات، مشؤومات " فترى القوم فيها صرعى " وذلك أنهم صفوا صفوفاً، وحفروا تحت أرجلهم إلى الركب، ورمسوها

بالثرى كي لا تزيلهم الريح، فقالوا: " من أشد منا قوة " فأمهلهم الله ثمانية أيام ليعتبر عباده، فكانت الريح تعصفهم، وتضرب بعضهم بعضاً، ولا تلقيهم، فلما كان يوم الثامن دخلت من تحت أرجلهم، فاحتملتهم، فضربت بهم الأرض، فذلك قوله: " تنزع الناس " " كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ". قال وهب بن منبه: هلكت عاد، فلم يبق على الأرض منهم أحد، وما أتت الريح على شيء من النبات والشجر إلا جعلته كالرميم. فكان الرجل منهم ستين ذراعاً، وكانت هامة الرجل مثل القبة العظيمة، وكانت عين الرجل ليفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم. وكان أول من عذب الله من الأمم قوم نوح ثم عاد ثم ثمود، فكانوا هؤلاء أول من كذب المرسلين. يقول الله عز وجل: " كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون " قال: ومن بعد قوم نوح " كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون " قال: ومن بعد عاد " كذبت ثمود المرسلين " وقال عز وجل: " كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ". حدث عبد الله قال: ذكر الأنبياء عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما ذكر هود قال: ذاك خليل الله.

قال الخضر بن محمد بن شجاع الحراني: أتينا عبد الله بن المبارك بالكوفة، فأتاه رجل فقال: أرأيت الرجل يدعو، يبدأ بنفسه؟ فقال: روينا إلى ابن عباس أنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يرحمنا الله وأخا عاد. وروى أبي بن كعب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحمة الله علينا، وعلى أخي موسى. في قصة الخضر. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر الأنبياء بدأ بنفسه، فقال: رحمة الله علينا وعلى هود وصالح. وعن أبي العالية في قوله عز وجل: " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " نوح وهود وإبراهيم، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصبر كما صبر هؤلاء. وكانوا ثلاثة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رابعهم عليه السلام ورحمة الله: قال نوح: " يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله " إلى آخرها، فأظهر لهم المفارقة. وقال هود حين قالوا: " إن تقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون " فأظهر لهم المفارقة. وقال لإبراهيم: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم " إلى آخر الآية، فأظهر لهم المفارقة. وقال محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله " فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الكعبة، فقرأها على المشركين، فأظهر لهم المفارقة.

وعن ابن عباس قال: حج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما آتى وادي عسفان قال: يا أبا بكر، أي واد هذا؟ قال: هذا عسفان، قال: لقد مر بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم صلوات الله عليهم، على بكرات لهم، حمر، خطمهن الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يحجون البيت العتيق. وعن عروة بن الزبير أنه قال: ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح. ولقد حجه نوح. فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله هوداً، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات. ثم بعث الله صالحاً، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات. فلما بوأه الله لإبراهيم حجه. ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه. وعن عثمان بن أبي العاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن ابن سابط قال: بين المقام والركن وزمزم قبر تسعة وسبعين نبياً، وإن قبر هود، وشعيب، وصالح، وإسماعيل في تلك البقعة. وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مكة لا يسكنها سافك دم، ولا تاجر بربا، ولا مشاء بنميمة. قال: ودحيت الأرض من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت، وهي أول من طاف به. وهي الأرض التي قال الله: " إني جاعل في الأرض خليفةً ". وكان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه،

هود بن عطاء يمامي وقع إلى الشام

فنجا هو والصالحون معه أتاها بمن معه، فيعبدون الله حتى يموتوا فيها. وإن قبر نوح، وهود، وشعيب، وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام. قال عثمان ومقاتل: في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر تسعين نبياً منهم هود، وصالح، وإسماعيل. وقبر آدم، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف في بيت المقدس. وعن علي أنه قال لرجل من حضرموت: أرأيت كثيباً أحمر تخالطه المدرة الحمراء بذي أراك وسدر، كثير ماء، حبه كذا وكذا بين أرض حضرموت، هل رأيته؟ قال: نعم والله إنك لنعت نعت رجل رآه، قال: لا، ولكني حدثت عنه، وفيه قبر هود صلوات الله عليه وسلم، عند رأسه شجرة، إما سلم، وإما سدرة. قال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة: قبر إسماعيل، فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت، وقبر هود، فإنه في حقف تحت جبل من جبال اليمن، عليه شجرة تندى وموضعه أشد الأرض خيراً، وقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فإن هذه قبورهم بحق. وقيل: إن هوداً عمر مئة وخمسين سنة. هود بن عطاء يمامي وقع إلى الشام حدث عن أنس بن مالك عن أبي بكر قال: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ضرب المصلين.

هوذة

وحدث عن أنس قال: كان في عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يعجبنا تعبده واجتهاده، فذكرناه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسمه، فلم يعرفه، ووصفناه بصفته، فلم يعرفه، فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: هوذا، قال: إنكم لتخبرون عن رجل إن على وجهه سفعة من الشيطان، فأقبل حتى وقف عليهم، ولم يسلم، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنشدك بالله، هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل - أو خير - مني؟ قال: اللهم، نعم، ثم دخل يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا، فدخل عليه، فوجده يصلي، فقال: سبحان الله، أقتل رجلاً يصلي، وقد نهى رسول الله صلى الله عليهم وسلم عن ضرب المصلين؟ فخرج، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله، وهو يصلي، وقد نهيت عن ضرب المصلين. قال: من يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا، فدخل، فوجده واضعاً وجهه، قال عمر: أبو بكر أفضل مني، فخرج، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مه؟ قال: وجدته واضعاً وجهه لله، فكرهت أن أقتله، قال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا، قال: أنت إن أدركته، فدخل عليه فوجده قد خرج، فرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: مه؟ قال: وجدته قد خرج، فقال: لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان كان أولهم وآخرهم. قال محمد بن كعب: هو الذي قتله علي ذو الثدية. هوذة شهد بدراً مع المشركين، وأسلم بعد ذلك، ووفد على معاوية، روى الشعر. قال: قدم على معاوية رجل يقال له: هوذة، فقال له معاوية: هل شهدت

هلال بن ضيغم السلامي

بدراً؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، علي، لا لي، قال: فكم أتى عليك؟ قال: أنا يومئذ قمد قمدود، مثل الصفا والجلمود، كأني أنظر إليهم، وقد صفوا لنا صفاً طويلاً، وكأني أنظر إلى بريق سيوفهم كشعاع الشمس من خلال السحاب، فما أشفقت حتى غشيتنا عادية القوم، في أوائلهم علي بن أبي طالب، ليثاً، عبقرياً، يفري الفريا، وهو يقول: لن يأكلوا التمر ببطن مكة، لن يأكلوا التمر ببطن مكة، يتبعه حمزة بن عبد المطلب، في صدره ريشة بيضاء، قد أعلم بها، كأنه جمل يخطم بنساء، فرغت عنهما، وأحالا على حنظلة - يعني أخا معاوية - عمل ولا كفران لله زلت، فليت شعري متى أرحت، يا هوذة؟ قال: والله يا أمير المؤمنين، ما أرحت حتى نظرت إلى الهضبات من أرثد، فقلت: ليت شعري، ما فعل حنظلة؟ فقال له معاوية: أنت بذكرك لحنظلة كذكر الغني أخاه الفقير، فإنه لا يكاد يذكره إلا وسنان أو متواسناً. قالوا: ولا يصح لهوذة صحبة، لأن إسلامه كان بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هلال بن ضيغم السلامي قال الوليد: غزا صالح بن علي سنة ثلاث وأربعين ومئة بمن معه من أهل خراسان، ووجه هلال بن ضغيم السلامي - من أهل دمشق - في جماعة من أهل دمشق، فبنوا على جسر سيحان حصن أذنة.

هلال بن سراج بن مجاعة

هلال بن سراج بن مجاعة ابن مرارة بن سلمى بن زيد بن عبيد الحنفي اليمامي وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته. حدث عن أبيه قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجاعة بن مرارة أرضاً باليمامة يقال لها: الفورة. قال: وكتب له بذلك كتاباً: من محمد رسول الله للمجاعة بن مرارة، من بني سلمى، إني أعطيته الفورة، فمن حاجه فيها فليأتني. وكتب يزيد. وحدث هلال بن سراج عن أبيه عن جده مجاعة، أنه أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطلب دية أخيه، قتله بنو سدوس بن ذهل، فأخذ من ذلك طائفة، وأسلمت بنو سدوس، فجاؤوا إلى بكر بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكتب له

باثني عشر ألف صاع من صدقة اليمامة: أربعة قمح، وأربعة تمر، وأربعة شعير. وكان في كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمجاعة: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمجاعة بن مرارة من بني سلمى بن زيد، إني قد أعطيته مئة من الإبل، من أول خمس يخرج من مشركي بني سدوس بن ذهل عقبة من أخيه. قالوا: ثم إن هلال بن سراج وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما استخلف عمر، فأخذه فقبله، ووضعه على عينيه، ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث عمر بن عبد العزيز أنه قال لهلال بن سراج بن مجاعة: يا هلال، هل بقي من كهول بني مجاعة أحد؟ قال: نعم، وشكير كثير، فضحك عمر، وقال: كلمة عربية. وقوله: شكير كثير يريد أن فيهم أخداناً. وأصل الشكير: الورق الصغار ينبت في أصول الكبيرات، وهو أيضاً النبت أول ما يطلع. يقال: بدا شكير النبت: أي شيء قليل، دقيق، وكذلك هو من الشعر والوبر والصوف. وإذا شاخ الرجل دق شعره ولان وصار كالشكير. والشكير في الشجر ورق يخرج في أصل الشجرة، وقد يستعار الشكير فيسمى به صغار الأشياء. قال الراعي يذكر إبلاً: حتى إذا خشيت تبقي طرقها ... وأبى الرعاء شكيرها المنخولا يريد أخذ العمال السمان، ورد الرعاء الصغار التي قد تنحل ما فيها.

هلال بن عبد الأعلى

هلال بن عبد الأعلى ولاه عمر بن عبد العزيز قنسرين. فلما دخل عليه ليودعه قال: يا هلال، اغد علينا الغداة. فغدا عليه، فدخل ودخلت معه وبين يدي عمر المصحف يقرأ فيه. فلما سلم قال: أغدوت مودعاً؟ قال: نعم، قال: إني موصيك، فاتق الله يكفك، وخف الله يخف منك سواه، وآثر الحق، واعمل به، وإذا ورد عليك مني أمر وافق الحق فأنفذه، وإذا ورد عليك منا أمر رأيت الحق في غيره فاكتب إلينا فيه، فنعقب ما رأيت، فإن كان ما رأيت حقاً أمرناك فأنفذته، وإن كان الحق في غيره كتبنا إليك، فانتهيت إليه. وهذا النبطي - وأشار إلى رجل في الدار - فقال: ما له يا أمير المؤمنين؟ قال: استوص به، قال: يا أمير المؤمنين، أصغ عنه الجزية؟ قال: لا، إن الله جعل الجزية على من انحرفعن القبلة، ورضي بالذلة، قال: يا أمير المؤمنين، أستعين به؟ قال: لا، قال: يا أمير المؤمنين، فإن نازع إلى أحد أو خاصمه، أميل إليه، أو أحنق له؟ قال: لا، قال: فما تنفعه وصيتك فيه، فخفض له عمر القول ثم قال له: ويحك يا هلال! إن الوالي إذا شاء عدل وأحسن، وإذا شاء عدل وأساء. هلال بن عبد الرحمن القرشي مولاهم المصري ووفد على عمر بن عبد العزيز. قال هلال: بعثني حيان بن سريج إلى عمر بن عبد العزيز، وكتب معي في سبقه للخيل، فالتفت عمر إلى عراك بن مالك، فقال: يا عراك، هل سبق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيل؟ قال: قد أجراها، قال: هل علمت أنه جعل له سبقاً؟ قال: لا، قال عمر: أو لست أعلم الناس بأصحاب الخيل، ينطلقون إلى صبيان صغار فيحملونهم على خيل مضمرة قد اعترمت رؤوسها، ثم يسرحونها، فمنهم من يخر فيموت، ومنهم من تنكسر يده، فإن

هلال أبو طعمة

كانت بهم حاجة أن يجروا خيولهم فيجروها، أي بأنفسهم، ثم قال: يا عراك، أترى إجراءها من اللهو؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، قال: أفأنا كنت أنفق مال الله عز وجل في اللهو؟ فقطع السبقة عنهم. هلال أبو طعمة مولى عمر بن عبد العزيز حدث عن ابن عمر قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. وحدث هلال عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن حعفر قال: علمتني أمي أسماء بنة عميس شيئاً أمرها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقوله عند الكرب: الله ربي، لا أشرك به شيئاً. وفي رواية: الله الله ربي، لا أشرك به شيئاً. وفي رواية بسنده إلى عبد الله بن جعفر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول عند الكرب: الله الله ربي، لا شريك له. وفي حديث عن عمر بن عبد العزيز قال: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل بيته فقال: إذا أصاب أحدكم هم أو حزن فليقل سبع مرات: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً. وفي رواية عن أسماء بنت عميس قالت: جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهله فقال: إذا نزل بأحدكم غم أو هم أو سقم أو لأواء أو أزل فليقل: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً. ثلاث مرات.

هياج بن عبيد بن الحسين

هياج بن عبيد بن الحسين ويقال: ابن عبيد الله - بن الحسن، أبو محمد الفقيه الحطيني من أهل قرية حطين، قرية بين أرسوف وقيسارية. حدث هياج بن عبيد عن أبي القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل بالعراق بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: اللهم، إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والجبن، والبخل، وفتنة الدجال، وعذاب القبر. وحدث هياج عن أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عفير الهروي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً " وقال: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ". ثم ذكر الرجل يطيل السفر،

الهيثم بن أحمد بن محمد بن مسلمة

أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ قال أبو العز المبارك بن الحسن بن إبراهيم الديلمي: إنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسأله: أي موضع يقيم به، فقال: مكة، قال: فقلت: لمن أذاكر بها؟ قال: الهياج، فإنه رجل صالح. وكان هياج أوحد عصره في الزهد والورع. كان يصوم ويفطر بعد ثلاث، ويعتمر كل يوم ثلاث عمر، ويدرس عدة من الدروس، ولم يكن يدخر شيئاً، ولا يملك غير ثوب واحد، ونيف على الثمانين، يزور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل سنة ماشياً حافياً، وكذلك عبد الله بن عباس بالطائف. وكان يأكل بمكة أكلة، ويأكل بالطائف أخرى. وشكا إليه بعض أصحابه أن نعله سرقت في الطواف، فقال: يجب أن تتخذ نعلاً لا تسرق، لأنه رحمه الله منذ دخل الحرم لم يلبس نعلاً. استشهد بمكة في وقعة وقعت بين أهل السنة والرافضة، فحمله أميرها محمد بن أبي هاشم، وضربه ضرباً شديداً على كبر السن ثم حمل إلى منزله بمكة، فمات في سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة. وقيل: إنه أقام بالحرم نحو أربعين سنة لم يحدث في الحرم، وإنما كان يحدث في الحل حين يخرج للإحرام بالعمرة. وقيل: توفي هياج سنة أربع وسبعين وأربع مئة، ودفن جانب قبر الفضيل بن عياض. الهيثم بن أحمد بن محمد بن مسلمة أبو الفرج القرشي الفقيه الشافعي المقرئ، المعروف بابن الصباغ حدث عن أبي منصور محمد بن زريق بن إسماعيل بن زريق البلدي بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو يعلمون ما في شهود العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً.

الهيثم بن الأسود بن أقيش

وحدث عن جمح بن القاسم بسنده: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكبر في العيدين سبعا، وخمساً قبل القراءة. توفي أبو الفرج الصباغ سنة ثلاث وأربع مئة. الهيثم بن الأسود بن أقيش ابن معاوية بن سفيان بن هلال بن عمرو، أبو العريان النخعي المذحجي الكوفي، قدم دمشق. حدث عن عبد الله بن عمرو في قوله: " فمن تصدق به فهو كفارة له " قال: يهدم عنه مثل ذلك من ذنوبه. قال الهيثم: أتيت معاوية، ومعه على السرير رجل في وجهه غضون، فقال: من أي بلد أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: إن أرضك أرض يقال لها: دوثى، ذات نخل وسباخ؟ قلت: نعم، فقال: منها يخرج الدجال. قال الرجل - أحد رواته -: إن الذي كان معه على سريره: عبد الله بن عمرو بن العاص. وعن الهيثم: أن عبيد الله بن زياد وجهه إلى يزيد بن معاوية في حاجة، فدخل، فإذا خارجي بين يدي يزيد يخاطبه، فقال له الخارجي في بعض ما يقول: أنا سفي، فقال: والله لأقتلنك، فرآه محركاً شفتيه، فقال: يا حرسي، ما يقول؟ قال: يقول:

عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليفته أمر قال: أخرجاه، فاضربا عنقه. ودخل الهيثم بن الأسود، فقال: ما هذا؟ فأخبر، قال: كفا عنه قليلاً، قال: يا أمير المؤمنين، هب مجرم قوم لوافدهم، قال: هو لك، فأخذ الهيثم بيده، فأخرجه، والخارجي يقول: الحمد لله على أنعامه، تألى على الله فأكذبه، وغالب الله فغلبه. شهد أبوه الأسود بن أقيش القادسية، وقتل يومئذ، وكان الهيثم معه من خيار التابعين. قال عبد الملك بن مروان للهيثم بن الأسود: ما مالك؟ قال: الغنى عن الناس، والبلغة الجميلة، فقيل له: لم لم تخبره بحاجتك؟ قال: إن أخبرته أني غني حسدني، وإن أخبرته أني فقير حقرني. قال الشعبي: قلت للهيثم بن الأسود: أي الثلاثة أشعر منك ومن الأعور الشني وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت، حيث تقول أنت:

وأعلم علماً ليس بالظن أنه ... إذا زال مال المرء فهو ذليل وأن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاةً على عوراته لدليل أم الأعور الشني حيث يقول: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فهل بعد إلا صورة اللحم والدم وكائن ترى من ساكت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم أم عبد الرحمن بن حسان حيث يقول: ترى المرء مخلوقاً وللعين حظها ... وليس بأحناء الأمور بخابر وذاك كما البحر لست مسيغه ... ويعجب منه ساجياً كل ناظر الساجي: الساكن. فقال الهيثم: هيهات، الأعور أشعرنا. قال العريان بن هيثم: بعث المختار بن أبي عبيد إلى الهيثم بن الأسود، فركب إليه، وركبت معه، فأذن لأبي فدخل، ولم يلبث أن خرج، فقلت: يا أبه، ما الذي سألك عنه المختار؟ قال: يا بني، بينا أنا وهو نطوف بالكعبة إذ قال: ما يشاء رجل طريف مثلي أو مثلك يأكل الناس يحب أهل هذا البيت إلا فعل. فلما دخلت عليه قال: تذكر حديثاً تذاكرناه ونحن نطوف بالكعبة؟ قلت: نعم، قال: هل ذكرته لأحد؟ قلت: لا، قال: فانصرف راشداً، وإياك وذكره. قال عبد الملك بن عمير: دخلوا على أبي العريان يعودونه، فقالوا: كيف تجدك؟ قال: أجدني ابيض مني

الهيثم بن حميد، أبو أحمد

ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض، ولان مني ما كنت أحب أن يشتد، واشتد مني ما كنت أحب أن يلين: ألا أخبركم بآيات الكبر ... تقارب الخطو وسوء في البصر وقلة الظعم إذا الزاد حضر ... وقلة النوم إذا الليل اعتكر وكثرة النسيان فيما يذكر ... وتركي الحسناء في قيل الظهر والناس يبلون كما تبلى الشجر ألا أخبركم بجيد العنب؟ ما روي عموده، واخضر عوده، وتفرق عنقوده، ألا أخبركم بجيد الرطب؟ ما كثر لحاه، وصغر نواه، ورق سحاه الهيثم بن حميد، أبو أحمد ويقال: أبو الحارث - الغساني، مولاهم حدث عن زيد بن واقد بسنده إلى أبي الدرداء قال: أفاء الله على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبلاً، ففرقها، فقال: فقال: أبو موسى الأشعري: يا رسول الله، أجدني، فقال ثلاثاً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أفعل، قال: وبقي أربع غر الذرى، فقال: خذهن يا أبا موسى، فقال:، إني استجديتك، فمنعتني، وحلفت، فأشفقت أن يكون دخل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم، فقال: إني إذا حلفت، ورأيت أن غير ذلك أفضل كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو أفضل. وحدث الهيثم عن العلاء بن الحارث بسنده إلى أم حبيبة أم المؤمنين أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من مس فرجه فليتوضأ. وثقه قوم، وقال قوم: إنه كان ضعيفاً، قدرياً.

الهيثم بن خارجة أبو أحمد

الهيثم بن خارجة أبو أحمد ويقال: أبو يحيى الخراساني ثم البغدادي حدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى ثوبان قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصلح هذا اللحم، فأصلحته. فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة. وحدث عن مالك بن أنس بسنده إلى عائشة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد للحج. توفي سنة سبع وعشرين - أو ثمان وعشرين - ومئتين. وقيل: سنة تسع وعشرين ومئتين. وكان يتزهد. الهيثم بن رياب وفد على معاوية، ودخل هو والأحنف بن قيس عليه، والهيثم ملتف بعباء، فازدراه معاوية، فلم يملأ عينيه منه، فقال الهيثم: يا أمير المؤمنين، ليس العباء يكلمك، ولكن من فيها، فقربه إليه، وقال للأحنف: مه، فقال: يا أمير المؤمنين، قصدنا إليك نعرفك أحوالنا: إن أهل العراق يسير، وعظمهم كسير، وماؤهم زعاق، وأرضهم سبخة، فإن رأى أمير المؤمنين، أن يطيب شربهم، ويجبر كسرهم، ويكثر جمعهم، ويحفر لهم نهر يستعذبون به، فقال: ارتفع يا أبا بحر، ورفعه إلى قربه، وقضى حوائجه. الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن ابن زيد بن أسيد بن جابر بن عدي بن خالد، أبو عبد الرحمن الطائي البحتري كوفي، قدم دمشق.

حدث عن الأعمش بسنده إلى عمرو بن الحمق عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أمن رجلاً على نفسه فقتله، فأنا بريء من القاتل، وولي المقتول. وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تقرن التمرتان في الأكلة، وأن تفتش التمرة عما فيها. وحدث عن مجالد عن الشعبي قال: سألت ابن عباس أي الناس كان أول إسلاماً؟ فقال: أبو بكر الصديق. ألم تسمع قول حسان يومئذ: إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا الثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا قال يحيى بن معين: هذا الحديث بهذا السند باطل. والهيثم ليس بثقة. وجد بخط أبي العباس أحمد بن جعفر بن محمد بن حماد في آخر كتاب الدولة للهيثم بن عدي: إن الصلاة على النبي محمد ... وعلى الصحابة رحمة وسلام لا توجبن لرافضي حرمة ... إيجاب رحمته عليك حرام قال يحيى بن معين: الهيثم ليس بثقة، كان يكذب. قالت جارية للهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب. صار أبو نواس إلى مجلس الهيثم بن عدي، فجلس والهيثم لا يعرفه، فلم يستدنه، ولو يقرب مجلسه، فقام، وتبين الهيثم في وجهه الغضب، فسأل عنه، فأخبر به، فقال: إنا لله، هذه بلية لم أجنها على نفسي، قوموا بنا إليه لنعتذر، فصار إليه، فدق الباب،

الهيثم بن عمران بن عبد الله

وتسمى له، فقال: ادخل، فدخل، وهو قاعد، يصفي نبيذاً، وقد أصلح بيته بما يصلح به مثله، فقال: المعذرة إلى الله، وإليك، لا والله ما عرفتك، وما الذنب إلا لك حين لم تعرفنا بنفسك، فنقضي حقك، ونبلغ الواجب من برك، فأظهر له قبول العذر، فقال له الهيثم: أستعهدك من قول يسبق منك في، فقال: ما قد مضى فلا حيلة فيه، ولك المان فيما يستأنف، قال: وما الذي مضى جعلت فداك؟ قال: بيت مر، وأنا فيما ترى، قال: فتنشدنيه؟ فدافعه، فألح عليه، فأنشده: إذا نسبت عدياً في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب. وأنشد أبو شبل لأبي نواس في الهيثم تمام هذه الأبيات: للهيثم بن عدي في تلونه ... في كل يوم له رحل على خشب فما يزال أخا حل ومرتحلاً ... إلى الموالي وأحياناً إلى العرب له لسان يزجيه بجهوره ... كأنه لم يزل يغدى على قتب لله أنت فما قربى تهم بها ... إلا اجتلبت لها الأنساب من كثب فعاد إليه الهيثم لما بلغته الأبيات، فقال: يا سبحان الله! أليس قد جعلت لي عهداً ألا تهجوني؟ فقال: " وأنهم يقولون ما لا يفعلون ". توفي الهيثم بن عدي سنة ست ومئتين. وقيل: سنة سبع ومئتين. الهيثم بن عمران بن عبد الله ابن جرول أبي عبد الله، أبو الحكم العبسي حدث عن جده عبد الله بن أبي عبد الله قال: حل ببني إسرائيل بلاء مرة، فاجتمعوا في مجمع لهم، فقالوا لرجل من عظمائهم: قم،

الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران أبو الحكم العنسي

فادع لنا ربك، فقام: اللهم، يا رب، إنك أنزلت في التوراة التي أنزلت على موسى تأمرنا إذا ملكنا العبد أن نعتقه، وإنا عبيدك، فأعتقنا مما حل بنا. ثم قالوا لآخر: قم، فقام، فقال: اللهم، أي رب، إنك انزلت في التوراة التي انزلت على موسى أن نعفو عمن ظلمنا، وإنا قد ظلمنا أنفسنا، فاعف عنا. ثم قالوا لآخر: قم، فقام، فقال: اللهم، أي رب، إنك أنزلت في التوراة التي أنزلت على موسى تأمر إذا قام المسكين على أبوابنا ألا نرده، وإنا مساكينك، قد قمنا اليوم على بابك فلا تردنا. توفي الهيثم بن عمران سنة تسع وتسعين ومئة. الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران أبو الحكم العنسي حدث عن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع بسنده إلى عائشة رضوان الله عليها قالت: لو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم ما يحدث للنساء من بعده لمنعهن من إتيان المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل، فقلت لها: يا أم المؤمنين، ومنعت نساء بني إسرائيل المساجد؟ قالت: نعم. وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوهم. وحدث عن مروان بن محمد بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكذب، وما جرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أحد كذباً فرجع إليه ما كان يعرف منه حتى كان يظهر منه توبة.

أسماء النساء على حرف الهاء

أسماء النساء على حرف الهاء هجيمة ويقال جهيمة بنت حيي ويقال: حي - الأوصابية - ويقال: الوصابية، أم الدرداء، زوج أبي الدرداء صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأوصاب بطن من حمير، حي من اليمن، كانت زاهدة فقيهة. حدثت عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أصبح معافى بدنه، آمناً سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدني. يا بن جعشم، يكفيك منها ما سد جوعك، ووارى عورتك، وإن كان ثوباً يواريك فذاك، وإن كانت دابة تركبها فبخ. فلق الخبز، وماء الجر. وما فوق ذلك حساب عليك. قال أحمد بن حنبل: أم الدرداء الصغرى هجيمة، والكبرى خيرة بنت أبي حدرد. وهجيمة أشعرية، وهما جميعاً كانتا تحت أبي الدرداء. وكانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء، تختلف مع أبي الدرداء في برنس تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حلق القرآن تعلم القرآن حتى قال أبو الدرداء يوماً: الحقي بصفوف النساء. قال إبراهيم بن أدهم: قال أبو الدرداء لأم الدرداء: إذا غضبت أرضيتك، وإذا غضبت فأرضيني، فإنك

إن لم تفعلي ذلك فما أسرع أن نفترق، ثم قال إبراهيم بن أدهم لبقية بن الوليد - وكان يؤاخيه - يا أخي، هكذا الإخوان إن لم يكونوا كذا ما أسرع ما يفترقون. وعن أم الدرداء أنها قالت: اللهم، إن أبا الدرداء خطبني، فتزوجني في الدنيا، اللهم، فأنا أخطبه إليك، فأسألك أن تزوجنيه في الجنة. فقال لها أبو الدرداء: فإن أردت ذلك فكنت أنا الأول، فلا تتزوجي بعدي. فمات أبو الدرداء - وكان لها جمال وحسن - فخطبها معاوية، فقالت: لا والله لا أتزوج زوجاً في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة. زاد في حديث آخر: وقال عليك بالصيام، فإنه محسمة. خطب معاوية أم الدرداء فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المرأة للآخر من أزواجها "، وإني سألت أبا الدرداء يسأل الله أن يجعلني زوجته في الجنة فقال: ذلك إن لم تحدثي بعدي زوجاً. وفي حديث آخر: فقال لها معاوية: ما الذي تكرهين مني؟ فقالت: لأني سمعت عويمراً - تعني: أبا الدرداء - وهو يقول: إن المرأة لآخر زوجها، قالت: فقلت له: فلي الله عليك إن اجتهدت بعدك في العبادة ثم مت، فدخلت الجنة، فعرضت عليك لتقبلني، فقال: نعم. وفي حديث آخر: " إن المرأة لآخر أزواجها "، ولست أريد بأبي الدرداء بدلاً. وعن أم الدرداء قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي أحداً شيئاً، فقلت: إن احتجت؟ قال: تتبعي الحصادين، فانظري ما يسقط منهم، فخذيه، فاخبطيه، ثم اطحنيه، ثم اعجنيه، ثم كليه. ولا تسألي أحداً شيئاً.

قال مكحول: كانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل، وكانت فقيهة. قال عون بن عبد الله: جلسنا إلى أم الدرداء فقلنا لها: أمللناك، فقالت: أمللتموني! لقد طلبت العبادة في كل شيء، فما أصبت شيئاً أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم، ثم احتبت، وأمرت رجلاً أن يقرأ، فقرأ: " ولقد وصلنا لهم القول ". وفي رواية: فاتكأت ذات يوم، فقيل لها: لعلنا أن نكون قد أمللناك، فجلست، فقالت: أزعمتم أنكم أمللتموني! وقد طلبت العبادة بكل شيء، فما وجدت شيئاً أشفى لصدري، ولا أحرى أن أدرك ما أريد من مجالسة أهل الذكر. ويروى: من مجالسة الذكر. وكانت أم الدرداء تقول: أفضل العلم المعرفة. وعن عبد ربه بن سليمان بن عمير بن زيتون قال: كتبت لي أم الدرداء في لوحتي فيما تعلمني: تعلموا الحكمة صغاراً تعملوا بها كباراً. وإن كل زارع حاصد، ما زرع من خير أو شر. قال ابن أبي السائب: سمعت أبي يذكر أن أم الدرداء كانت تشرق إذا قرأت. قال ميمون: دخلت على أم الدرداء فرأيتها مختمرة بخمار صفيق، قد ضربت على

حاجبها، وكان فيه قصر، فوصلته بسير. قال: وما دخلت عليها في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية. وكان النساء يتعبدن مع أم الدرداء، فإذا ضعفن عن القيام في سلاتهن تعلقن بالحبال. قال إبراهيم بن أبي عبلة: رأيت أم الدرداء جالسة مع نساء المساكين في بيت المقدس، فجاء إنسان، فقسم بينهن فلوساً، فأعطى أم الدرداء فلساً، فقالت لجاريتها: اشتري لنا بهذا جروزاً، فقالت: أوليس صدقة؟ قالت: إنه إنما جاءنا عن غير مسألة. الجروز: البقل. وعن أم الدرداء قالت: إن أحدهم يقول: اللهم، ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ديناراً ولا درهماً، وبعضهم - يعني - يرزق من بعض، فإذا أتى أحدكم شيء فليقبل، فإن كان غنياً عنه فليضعه في ذي الحاجة من إخوانه، وإن كان إليه محتاجاً فليستعن به على حاجته، ولا يرد على الله تعالى رزقه الذي رزقه. وعن أم الدرداء قالت: ولذكر الله أكبر، فإن صليت فهو من ذكر الله، وإن صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شيء تحسنه فهو من ذكر الله، وكل شيء تحسنه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيح الله عز وجل.

قال ابن أبي زكريا الخزاعي: خرجنا مع أم الدرداء في سفر، فصحبنا رجل، فقالت له أم الدرداء: ما يمنعك أن تقرأ، أو تذكر الله كما يصنع أصحابك؟! فقال: ما معي من القرآن إلا سورة، وقد رددتها حتى قد أدبرتها. فقالت: وإن القرآن ليدبر؟! ما أنا بالتي أصحبك، إن شئت أن تتقدم، وإن شئت أن تتأخر. فضرب دابته، وانطلق. ثم صحبنا رجل آخر، فقال: يا أم الدرداء، دعاء كان يدعو به: اللهم، اجعلني أرجو رحمتك، وأخاف عذابك، إذ يأمنك من لا يرجو رحمتك، ولا يخاف عذابك، وأسألك الأمن يوم يخافون، فقالت لي أم الدرداء: اكتبه، فكتبته. جاء رجل إلى أم الدرداء فقال لها: إنه قد نال منك رجل عند عبد الملك، فقالت: إن نؤبن بما فينا فطالما زكينا بما ليس فينا. وكانت أم الدرداء تصلي وهي جالسة متربعة. قال سفيان: عوتبت أم الدرداء في شيء، فقيل لها: لم فعلت كذا وكذا؟ قالت: نقص الناس فنقصت كما نقصوا. قال إسماعيل بن عبيد الله: قالت لي أم الدرداء: يا بني، ما يقول الناس في الحارث الكذاب؟ قال إسماعيل: يا أمه، يزعمون أنك قد بايعته. قال: فلم تسل أم الدرداء من الذي قال لئلا يكون في صدرها غل لأحد. قال عثمان بن حيان: أكلنا مع أم الدرداء طعاماً، فأغفلنا الحمد لله، فقالت: يا بني، لا تدعوا أن تأدموا طعامكم بذكر الله، أكلاً وحمداً خير من أكل وصمت.

هند بنت أسماء بن خارجة بن حصن الفزارية

قال هزان: قالت لي أم الدرداء: يا هزان، ألا أحدثك ما يقول الميت إذا وضع على سريره؟ قال: قلت: بلى، قالت: فإنه ينادي: يا أهلاه، يا جيراناه، يا حملة سريراه، لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا تلعبن بكم كما تلعبت بي، فإن أهلي لم يحملوا عني من وزري شيئاً، ولو حاجوني اليوم عند الجبار لحجوني. ثم قالت أم الدرداء: الدنيا أسحر لقلب العبد من هاروت وماروت، وما آثرها عبد قط غلا أضرعت خده. بعث عبد الملك بن مروان إلى أم الدرداء، فكانت عنده. فلما كانت ذات ليلة قام عبد الملك من الليل، فدعا خادمه، فكأنه أبطأ عنه، فلعنه. فلما أصبح قالت له أم الدرداء: قد سمعتك الليلة لعنت خادماً! قال: إنه أبطأ عني، قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ". كانت أم الدرداء تتكىء على عبد الملك بن مروان إذا خرجت من صخرة بيت لمقدس. قال إسماعيل بن عبيد الله: كان عبد الملك بن مروان جالساً في صخرة بيت المقدس، وأم الدرداء معه جالسة حتى إذا نودي للمغرب قام عبد الملك، وقامت أم الدرداء تتوكأ على عبد الملك بن مروان حتى يدخل بها المسجد، فإذا دخلت جلست مع النساء، ومضى عبد الملك إلى المقام فصلى بالناس. هند بنت أسماء بن خارجة بن حصن الفزارية كانت زوج عبيد الله بن زياد، وهو ابتكرها. وكانا لا يفترقان في سفر ولا حضر. فقتل يوم الخازر وهو من الزاب، وهي معه، فقالت: لا يستمكن هؤلاء مني، ثم

هند بنت عتبة بن ربيعة

شدت عليها قباءة وعمامته ومنطقته، وركبت فرسه الكامل، ثم خرجت حتى دخلت الكوفة في بقية يومها، وليلتها، ليس معها أنيس. وكانت من أشد خلق الله حزناً عليه وتذكراً له، وقالت: إني لأشتاق إلى القيامة لأرى فيها عبيد الله بن زياد. ولم يكن في زمانها امرأة تشبهها جمالاً وكمالاً وعقلاً وأدباً. هند بنت عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس بن عبد مناف، العبشمية القرشية، أم معاوية بن أبي سفيان من النسوة اللائي بايعن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسلمت يوم فتح مكة، وشهدت اليرموك، وقدمت على ابنها معاوية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. روت هند امرأة أبي سفيان قالت: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا سفيان شحيح، وإنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فهل علي في ذلك حرج؟ قال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". وكانت هند تزوجها حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له أبان، ثم خلف عليها أبو سفيان بن حرب، فولدت له معاوية وعتبة. وأم هند صفية بنت أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال. وكانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان من فتيان قريش، وله بيت للضيافة، يغشاه الناس عن غير إذن فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع الفاكه، وهند فيه في القائلة، ثم خرج الفاكه، وأقبل رجل ممن كان يغشاه، فولج البيت. فلما رأى المرأة ولى هارباً، وأبصره الفاكه، وهو خارج من البيت، فأقبل إلى هند فضربها برجله، وقال: من هذا الذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحداً ولا تنبهت حتى أنبهتني، قال لها: الحقي بأبيك، وتكلم فيها الناس، فقال لها أبوها: إن الناس قد أكثروا فيك، فأنبئيني نبأك، فإن يكن الرجل عليك صادقاً دسست إليه من يقتله، فتنقطع عنك القالة، وإن يك كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن. فحافت له بما كانوا

يحلفون في الجاهلية إنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه: يا هذا، إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن. فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرجوا معهم بهند، ونسوة معها. فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند، وتغير وجهها، فقال لها أبوها: إني أرى ما بك من تنكر الحال، وما ذاك عندك غلا لمكروه، فألا كان هذا قبل أن يشتهر للناس مسيرنا؟ قالت: لا والله يا أبتاه، ما ذاك لمكروه، وإني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسماً يكون علي سبة في العرب، قال: إني سوف أختبره قبل أن ينظر في أمرك، فصفر لفرسه حتى أدلى، ثم أخذ حبة من حنطة، فأدخلها في إحليله، وأوكى عليها بسير. فلما وردوا على الكاهن أكرمهم، ونحر لهم. فلما تغدوا قال له عتبة: إنا قد جئناك في أمر، وإني قد خبأت لك خباً، أختبرك به، فانظر ما هو، قال: ثمرة في كمرة، قال: أريد أبين من هذا، قال: حبة من بر في إحليل مهر. قال: صدقت، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن فيضرب كتفها، ويقول: انهضي. حتى دنا من هند، فضرب كتفها، فقال: انهضي غير رسحاء، ولا زانية، ولتلدن ملكاً يقال له: معاوية. فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت: إليك، فو الله لأحرصن على أن يكون ذاك من غيرك. فتزوجها أبو سفيان، فجاءت بمعاوية. قالت هند لأبيها: إني امرأة قد ملكت أمري، فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي، فقال لها: ذلك لك، ثم قال لها يوماً: إنه قد خطبك رجلان من قومك، ولست مسمياً لك واحداً منهما حتى أصفه لك: أما الأول ففي الشرف الصميم، والحسب الكريم، تخالين

به هوجاً من غفلته، وذلك إسجاج من شيمته، حسن الصحابة، حسن الإجابة، إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك في ضعفه. وأما الآخر ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدار أرومته، وعز عشيرته، يؤدب أهله، ولا يؤدبونه، إن اتبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعر بهم، شديد الغيرة، سريع الطيرة، شديد حجاب القبة، إن حاج فغير منزور، وإن نوزع فغير مقهور. قد بينت لك حالهما. قالت: إما الأول فسيد مطيع لكريمته، موات لها فيما عسى - إن لم تعصم - أن تلين بعد إبائها، ويضع تحت جناحها. إن جاءت له بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، اطو ذكر هذا عني، فلا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة، إني لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة، وإني لآخذه بأدب البعل مع لزومي قبتي، وقلة تلفتي، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، الذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، الرأس لأرومتها، غير مواكل ولا زميل عند صعصعة الحوادث، فمن هو؟ قال: أبو سفيان بن حرب، قالت: فزوجه، ولا تلقني

إليه إلقاء المتسلس السلس، ولا تسمه سمة المواطس الضرس، استخر الله في السماء يخر لك بعلمه في القضاء. زاد في حديث بمعناه، وسمى فيه الرجلين: سهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب: وتزوج سهيل امرأة فولدت له غلاماً، فمر ذات يوم مع أبيه برجل يقود ناقة وشاة، فقال لأبيه: هذه بنت هذه؟ فقال: رحم الله هنداً. ومن سعر هند بنت عتبة تبكي أباها عتبة بن ربيعة: أعيني جودا بدمع سرب ... على خير خندف لم ينقلب على عتبة الخير ذي المرمات ... وذي الفضلات قريع العرب ساد الكهول فتى ناشئاً ... وساد الشباب ولما يشب تداعى له قومه غدوة ... بنو هاشم وبنو المطلب ببيض خفاف جلتها العيون ... تلوح بأيديهم كالشهب يذيقونه حد أسيافهم ... يعلونه بعدما قد سحب فمن كان في نسب خاملاً ... فنحن سلالة بيت الذهب ولسنا كجلدة رفغ البعير ... بين العجان وبين الذنب كان مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس من فتيان قريش جمالاً وسخاء وشعراً، فعشق هند بنت عتبة حتى اشتهر أمرهما، فاستحيا، وخرج إلى الحيرة ليسلوها،

فنادم عمرو بن هند، وكان له مكرماً، ثم تزوج أبو سفيان هنداً في غيبة مسافر، ثم خرج أبو سفيان إلى الحيرة تاجراً، ولقي مسافر بن أبي عمرو، فسأله مسافر عن مكة، وأخبار قريش، فأخبره ثم قال: وإني تزوجت هنداً، فأسف مسافر، ومرض حتى سقى بطنه فقال: ألا إن هنداً أصبحت منك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتها حما وأصبحت كالمسلوب جفن سلاحه ... تقلب بالكفين قوساً وأسهما فدعا له عمرو بن هند الأطباء، فقالوا: ليس له دواء إلا الكي، فقال له: ما ترى؟ قال: أفعل، فدعا له طبيباً من العياد، فأحمى مكاويه حتى صارت كالنار، ثم قال: أمسكوه لي، فقال مسافر: لست أحتاج إلى ذلك، فجعل يضع عليه المكاوي. فلما رأى الطبيب صبره هاله ذلك، وفعلها - يعني: الحدث - فقال مسافر: قد يضرط العير والمكواة في النار فأرسلها مثلاً. قال: فلم ينفعه ذلك شيئاً، فخرج يريد مكة، فأدركه الموت، بهبالة، فدفن بها، ونعي إلى أهل مكة. قال زياد بن حدير: قال معاوية: أسرجوا لي حماراً غليظ الوسط، فركبه، ومر بشيخ، فقال له:

أرأيت أبا سفيان؟ قال: نعم، رأيته حين تزوج هنداً، فأطعمنا في أول يوم لحم جزور، وسقانا خمراً، وفي اليوم الثاني لحم غنم وسقانا نبيذاً، وفي اليوم الثلث لحم طير وسقانا عسلاً، وإن كانت لذوات أزواج، فقال معاوية: كلهم كان كريماً. قال أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل، فنظر إليه، فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فأماته الله. وهو معاوية بن أبي سفيان. سافر أبو سفيان سفراً أضرت به الغربة، فاشترى جارية، فبلغ ذلك هنداً، فوجدت عليه، وكتبت إليه: يا قليل الوفاء ما كان فيما ... كان منا إليك ما ترعانا كيف يبقى لك الجديد من النا ... س إذا كنت تطرح الخلقانا فوجه أبو سفيان الجارية التي كان اشترى. جاءت هند في الأحزاب يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على حمزة بن عبد المطلب لتأكلن من كبده، فلما كان حيث أصيب حمزة، ومثلوا بالقتلى، وجاؤوا بحزة من كبده، فأخذتها تمضغها لتأكلها، فلم تستطع أن تبتلعها، فلفظتها، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الله قد حرم على النار أن تذوق لحم حمزة شيئاً أبداً ". قال محمد الراوي: وهذه شديدة على هذه المسكينة. وعن ابن مسعود قال: قال أبو سفيان يوم أحد: قد كانت في القوم مثلة، وإن كانت عن غير ملأ مني، ما أمرت، ولا نهيت، ولا أحببت، ولا كرهت، ولا أساءني، ولا سرني، قال: فنظروا فإذا خمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده، فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأكلت منها شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار.

قيل لأم عمارة: يا أم عمارة، هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن؟ فقالت: أعوذ بالله، لا والله ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم ولا بحجر، ولكن رأيت معهن الدفاف والأكبار، يضربن، ويذكرن القوم قتلى بدر، ومعهن مكاحل ومرواد، فكلما ولى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مروداً ومكحلة، ويقلن: إنما أنت امرأة. ولقد رأيتهن ولين منهزمات مشمرات - ولها عنهن الرجال أصحاب الخيل، ونجوا على متون الخيل - يتبعن الرجال على الأقدام، فجعلن يسقطن على الطريق. ولقد رأيت هند بنت عتبة، وكانت امرأة ثقيلة ولها خلق، قاعدة خاشية من الخيل، ما بها مشي، ومعها امرأة أخرى، حتى كر القوم علينا، فأصابوا ما أصابوا، فعند الله نحتسب ما أصابنا يومئذ من قبل الرماة، ومعصيتهم الرسول. وعن الزبير قال: ولد عتبة بن ربيعة أبا حذيفة بن عتبة، وكان من الهاجرين الأولين، شهد بدراً، وقتل يوم اليمامة شهيداً. وله تقول أخته هند بنت عتبة: فما شكرت أباً رباك من صغر ... حتى شببت شباباً غير محجون الأحوال الأثعل الشؤوم طائره ... أبو حذيفة شر الناس في الدين قال معاوية: سمعت أمي هنداً تقول - وهي تذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: فعلت يوم أحد ما فعلت من المثلة بعمه وأصحابه، كلما سارت قريش مسيراً فأنا معها بنفسي، حتى رأيت في النوم ثلاث ليال: رأيت كأني في ظلمة، لا أبصر سهلاً ولا جبلاً، وأرى من تلك

الظلمة انفرجت عني بضوء مكانه، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوني. ثم رأيت في الليلة الثانية كأني على الطريق، فإذا بهبل عن يميني، يدعوني، وإذا بسياف يدعوني عن يساري، وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي قال: تعالي، هلم إلى الطريق، ثم رأيت الليلة الثالثة كأني واقفة على شفير جهنم يريدون أن يدفعوني فيها، وإذا أنا بهبل يقول: ادخلي فيها، فالتفت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائي أخذ بثيابي فباعدني عن شفير جهنم، وفزعت، فقلت: هذا شيء قد بين لي، فغدوت إلى صنم في بيتنا، فجعلت أضربه، وأقول: طالما كنت معك إلا في غرور، وأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلمت، وبايعته. وفي رواية: أن هنداً لما أسلمت جعلت تضرب صنماً لها في بيتها بالقدوم فلذة فلذة، وهي تقول: كنا منك في غرور. قال عروة: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمداً، قال: قد رأيتك تكرهين هذا الحديث أمس؟؟؟؟؟؟؟ قالت: إني والله، والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين قياماً وركوعاً وسجوداً، قال: فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك، فذهبت إلى عثمان، فذهب معها، فاستأذن لها،

ودخلت وهي منقلبة، فقال: تبايعني على ألا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ول تزني، فقالت: أو هل تزني الحرة؟ قال: لا، ولا تقتلي ولدك، فقالت: إنا ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً، قال: قتلهم الله يا هند. فلما فرغ من الآية بايعته، فقالت: يا رسول الله، إني بايعتك على ألا أسرق، ولا أزني، وإن أبا سفيان رجل بخيل، ولا يعطيني ما يكفيني إلا ما أخذت منه من غير علمه، قال: ما تقول يا أبا سفيان؟ فقال أبو سفيان: أما يابساً فلا، وأما رطباً فأحله. قال: فحدثتني عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ". وعن فاطمة بنت عتبة، أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها تبايعان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما اشترط عليهن قالت هند: أو تعلم في نساء قومك من هذه الهنات والعاهات شيئاً..؟؟ الحديث. قال عبد الله بن الزبير: لما كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية البغوم بنت المعذل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهند بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش، فأتين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبطح، فبايعنه، فدخلن عليه، وعنده زوجتاه، وابنته فاطمة، ونساء من بني عبد المطلب، فتكلمت هند بنت عتبة، فقالت: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختار لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة، ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرحباً بك، فقالت: والله يا رسول الله ما كان على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وزيادة أيضاً.

ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهن القرآن، وبايعهن، فقالت هند من بينهن: يا رسول الله، نماسحك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لا أصافح النساء، إن قولي لمئة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة. ويقال: وضع على يده ثوباً، ثم مسحن على يده يومئذ. ويقال: كان يؤتى بقدح من ماء، فيدخل يده فيه، ثم يرفعه إليهن، فيدخلن أيديهن فيه. والقول الأول أثبتهما: إني لا أصافح النساء. وفي رواية: إنه لما قال: ولا تقتلن أولادكن قالت هند: وهل تركت لنا ولداً إلا قتلته يوم بدر؟ وفي حديث آخر: وفرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيعة الرجال، ثم دعا النساء، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا، وعمر أسفل منه، يبايع النساء لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً وهند مقنعة رأسها بين النساء، فقالت - ورفعت رأسها -: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وقد أعطيناك. قال: ولا تسرقن، قالت: إني لآخذ من أبي سفيان هنات، فما أدري أيحلهن أم لا، فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى، وفيما غبر فهو لك حلال. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنك لهند؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك. قال: ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم ببدر كباراً، وأنت وهم أعلم، فضحك عمر حتى استغرب. وقال: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن البهتان لشيء قبيح، ولبعض التجاوز أمثل، وما أمرتنا إلا بالرشد، ومكارم الأخلاق. قال: ولا تعصين في معروف، قالت: ما جلسنا هذا المجلس، ونحن نحب أن نعصيك في شيء. قال: ولا تزنين، قالت: أو تزني الحرة؟ فأقر النساء بما أخذ عليهن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر عمر، فبايعهن، واستغفر لهن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

زاد في آخر: والبهتان: أن تقذف المرأة ولداً من غير زوجها على زوجها، فتقول لزوجها: هو منك، وليس منه. ثم قال عند قوله: ولا يعصينك في معروف: في طاعة الله، فيما نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه من النوح، وتمزيق الثياب، وأن تخلو مع غريب في حضر أو سفر، أو تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم، ونحو ذلك. فذلك قوله: " واستغفر لهن الله إن الله غفور " لما كان في الشرك منهن " رحيم " فيما بقي. وعن جويرية قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهند يوم الفتح: كيف ترين الإسلام؟ فقالت: بأبي وأمي ما أحسنه لولا ثلاث خصال: التجبية، والخمار، وزقو هذا العبد الأسود فوق الكعبة. فقال: أما قولك: التجبية فلا صلاة إلا بركوع، وأما زقو هذا العبد فوق الكعبة فنعم عبد الله هو، وأما الخمار فأي شيء أستر من الخمار؟ فقالت: بأبي وأمي إني كنت أحب أن تعرف الفرعاء من الزعراء، قال: وكانت امرأة لها شعر. وعن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتبايعه، فنظر إلى يديها فقال لها: اذهبي فغيري يديك، قالت: فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً.. الحديث. وفي آخره: فبايعته، ثم قالت له - وعليها سواران من ذهب -: ما تقول في هذين السوارين؟ قال: جمرتان من نار جهنم. وعن أبي حصين الهذلي قال: لما أسلمت هند أرسلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدية - وهو بالأبطح - مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد - القد لبأ يجعل في جلد سخلة صغيرة - فانتهت الجارية

إلى خيمة

هند بنت معاوية بن أبي سفيان

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت، واستأذنت، فأذن لها، فدخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين نسائه: أم سلمة زوجته وميمونة ونساء من بني عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بارك الله لكم في غنمكم، وأكثر والدتها، فرجعت المولاة إلى هند فأخبرتها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسرت بذلك. وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريب، فتقول هند: هذا دعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبركته، فالحمد لله هدانا للإسلام. ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أني في الشمس أبداً قائمة، والظل مني قريب لا أقدر عليه. فلما دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منا رأيت كأني دخلت الظل. استقرضت هند بنة عتبة من عمر بن الخطاب من بيت المال أربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت إلى بلاد كلب، فاشترت، وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية، فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية - وكان أبو سفيان قد طلقها - فقال: ما أقدمك أي أمه؟! قالت: النظر إليك. أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك، فخشيت أن تخرج إليه من كل شيء، وأهل ذاك هو، فلا يعلم الناس من أين أعطيته، فيؤنبونك، ويؤنبك عمر، فلا تستقيلها أبداً، فبعث إلى أبيه وإلى أخيه بمئة دينار، وكساهما، وحملهما. فتعظمها عمرو، فقال أبو سفيان: لا تعظمها، فإن هذا عطاءً لم تغب عنه هند، ومشورةً قد حضرتها هند، ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟ قالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة. فلما أتت المدينة، وباعت شكت الوضيعة عن أمره، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، هذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه، فحبسه حتى وفته، وقال له: بكم أجازك معاوية؟ قال: بمئة دينار. ولما شخص أبو سفيان إلى معاوية بالشام، ومعه ابناه عتبة وعنبسة كتبت هند إلى معاوية سراً: قد قدم أبوك وأخواك فلا تغذم لهم فيعزلك ابن الخطاب - أي لا تعطهم الكثير، يقال: غذم لهم من المال - احمل أباك على فرس، وأعطه أربعة آلاف درهم، واحمل عتبة على بغل، وأعطه ألفي درهم، واحمل عنبسة على حمار، وأعطه ألف درهم، ففعل معاوية ذلك، فقال أبو سفيان: أشهد أن هذا رأي هند. كانت هند امرأة عاقلة جزلة. فلما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف ترين؟ صار ابنك تابعاً لابني، فقالت: إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني، فمات يزيد بالشام، فولى عمر معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية: والله يا بني إنه لقلما ولدت حرة مثلك، وقد استنهضك هذا الرجل، فاعمل بموافقه، أحببت ذلك أم كرهته. وقال له أبو سفيان: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين، سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولوك جسيماً من أمورهم، فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فيه، فإن بلغته أورثته عقبك. هند بنت معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموية ولهند ورملة ابنتي معاوية يقول عبد الرحمن بن الحكم:

أؤمل هنداً أن يموت ابن عامر ... ورملة يوماً أن يطلقها عمرو وعبد الله بن عامر بن كريز زوج هند بنت معاوية، كان قد زوجه إياها معاوية. فلما كانت ليلة البناء بها امتنعت منه امتناعاً شديداً حتى لم يقدر منها على شيء، فضربها، فبكت. فلما سمع جواريها بكاءها صخن، فسمع معاوية الصوت، فجاء مبادراً، فأخبروه، فدخل عليه، فقال: مثل هذه تضرب؟! قبح الله رأيك، وقبح ما أتيت به، اخرج عني إلى غير هذا البيت. فلما خرج قال معاوية لابنته: لا تفعلي، فإنما هو زوجك الذي أحله الله لك، أما سمعت قول الشاعر: من الخفرات البيض أما حرامها ... فصعب وأما حلها فذلول ثم خرج، ورجع زوجها إليها، فلانت له حتى نال منها حاجته. وقيل: إن معاوية لما زوج ابنته من عبد الله بن عامر بنى لها قصراً إلى جنب قصره، وجعل بينهما باباً، وأدخلها عليه، وهي بنت تسع سنين. قال: فبينا هو في المشرقة يوماً إذ مرت به حاضنتها، فقال لها: ما فعلت تلكم؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال: فإني أعزم عليك، بحقي عليك، قالت: يا أمير المؤمنين، إنها مصعت، واعتاصت عليه، فقام حافياً آخذاً بأزرار ثيابه، ودخل عليها، فسلم، والنسوة عندها، فكسرت له نمرقة فجلس، فقال: السلام عليكن يا بنية، بيض عطرات، أوانس خفرات، أما حرامهن فصعب، وأما حلالهن فسهل، به سمحات، ثم رجع إلى مجلسه، فمر به ابن عامر، فقال له: النجاء إلى أهلك، فرب صعب قد ذللته لكم، وحزن قد سهلته لكم. قال: ثم مرت به الحاضنة من الغد، فقال لها: كيف تلكم، فقالت: صارت امرأة من النساء.

هند بنت المهلب بن أبي صفرة

وكانت هند أبر شيء بعبد الله بن عامر. وكانت تتولى خدمته بنفسها، فجاءته يوماً بالمرآة والمشط، فنظر في المرآة، فالتقى وجهها ووجهه في المرآة، فرأى شبابها وجمالها، ورأى الشيب في لحيته قد ألحقه بالشيوخ، فرفع رأسه غليها وقال: الحقي بأبيك، فانطلقت إلى أبيها، فأخبرته. فقال: وهل تطلق الحرة؟ قالت: ما أتي من قبلي، وأخبرته خبرها، فأرسل إليه، فقال: أكرمتك ببنتي، ثم رددتها علي! قال: إن الله من علي بفضله، وخلقني كريماً، لا احب ان يتفضل علي أحد، وإن ابنتك اعجزتني مكافأتها، لحسن صحبتها، فنظرت فإذا أنا شيخ، وهي شابة، لا أزيدها مالاً إلى مالها، ولا شرفاً إلى شرفها، فرأيت أن أردها إليك لتزوجها فتى من فتيانك، كأن وجهه ورقة مصحف. هند بنت المهلب بن أبي صفرة وفدت على عمر بن عبد العزيز. قال زياد بن عبد الله القرشي: دخلت على هند بنت المهلب امرأة الحجاج بن يوسف، فرأيت في يدها مغزلاً، فقلت: أتغزلين وأنت امرأة أمير؟! قالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أطولكن طاقة أعظمكن أجراً، وهو يطرد الشيطان، ويذهب بحديث النفس ". قالت هند: قلت للحسن: يا أبا سعيد، ينظر الرجل إلى عنق أخته، وإلى قرطها، وإلى شعرها؟ قال: لا، ولا كرامة. قدمت هند بنت المهلب على عمر بن عبد العزيز بخناصرة، فقالت له: يا أمير المؤمنين، علام حبست أخي؟ قال: تخوفت أن يشق عصا المسلمين، فقالت له: فالعقوبة بعد الذنب أو قبل الذنب؟

قال أيوب السختياني: ما رأيت امرأة أعقل من هند بنت المهلب. قال عمران بن موسى حكاية عن هند بنت المهلب - وكانت من عقلاء الناس، قالت: شيئان لا تؤمن المرأة عليهما: الرجال والطيب. وعن هند، وذكروا عندها جابر بن زيد قالوا: إنه كان إباضياً فقالت: كان جابر أشد الناس انقطاعاً إلي وإلى أمي، فما أعلم شيئاً كان يقربني إلى الله إلا أمرني به، ولا شيئاً يباعدني عن الله إلا نهاني عنه، وما دعاني إلى الإباضية قط، ولا أمرني بها، وإن كان ليأمرني أين أضع الخمار، ووضعت يدها على الجبهة. قالت أم عبد الله أم أيوب بن صالح: كنت أدخل على هند بنت المهلب، وهي تسبح باللؤلؤ، فإذا فرغت من تسبيحها ألقته إلينا، فقالت: اقسمنه بينكن. قالت هند: إذا رأيتم النعم مستدرة فبادروا بتعجيل الشكر قبل حلول الزوال. قالت هند، وذكرت عندها امرأة بجمال: ما تحلين النساء بحلية أحسن عليهن من لب ظاهر، تحته أدب كامل. قالت هند: ما رأيت للأسرة خيراً من السكن، ولرب مسكون غليه غير طائل، والسكن على كل حال أجمع.

هند الخولانية امرأة بلال بن رباح

وقالت هند: ما رأيت لصالح النساء وشرارهن خيراً لهن من إلحافهن بأسكانهن. وقالت هند: رأيت صلاح الحرة إلفها، وفسادها بحدتها، وإنما يجمع ذلك ويفرقه التوفيق. حدث أبو زيد - وكان ثقة، رضي - قال: قالت هند: الطاعة مقرونة بالبغض، فالعاصي ممقوت، وإن مستك رحمه، ونالك معروفه. هند الخولانية امرأة بلال بن رباح مؤذن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل داريا. قيل: إن لها صحبة. حدثت امرأة بلال، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاها فسلم فقال: آثم بلال؟ فقالت: لا، فقال: لعلك غضبي على بلال، فقالت: إنه يجيئني كثيراً، فيقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما حدثك عني فقد صدقك، بلال، بلال لا يكذب، لا تغضبي بلالاً، فلا يقبل منك عمل ما غضب عليك بلال. قالت امرأة بلال: كان بلال إذا أخذ مضجعه قال: اللهم، تقبل حسناتي، وتجاوز عن سيئاتي، واعذرني بعلاتي. وفي رواية: اللهم، اغفر لي خطاياي، واعذرني لعلاتي.

هوى جارية أديبة

هوى جارية أديبة قال الأصمعي: عرضت على معاوية جارية، فأعجبته، فسأل عن ثمنها، فإذا ثمنها مئة ألف درهم، فابتاعها، ونظر إلى عمرو بن العاص، وقال: لمن تصلح هذه الجارية؟ فقال: لأمير المؤمنين، ثم نظر إلى غيره فقال له ذلك، قال: لا، فقيل: فلمن؟ قال: للحسين بن علي بن أبي طالب، فإنه أحق بها، لما له من الشرف، ولما كان بيننا وبين أبيه، فأهداها له، فأمر من يقوم عليها. فلما مضت أربعون يوماً حملها وحمل معا أموالاً عظيمة، وكسوة، وغير ذلك، وكتب: إن أمير المؤمنين اشترى جارية، فأعجبته، فآثرك بها. فلما قدمت على الحسين بن علي بن أبي طالب أعجب بجمالها، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: هوى. قال: أنت هوى كما سميت، هل تحسنين شيئاً؟ قالت: نعم، أقرأ القرآن، وأنشد الأشعار، قال: اقرئي، فقرأت: " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " قال: أنشديني، قالت: ولي الأمان؟ قال: نعم، فأنشأت تقول: أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان فبكى الحسين، ثم قال: أنت حرة، وما بعث به معاوية معك فهو لك، ثم قال لها: هل قلت في معاوية شيئاً، فقالت: رأيت الفتى يمضي ويجمع جهده ... رجاء الغنى والوارثون قعود وما للفتى إلا نصيب من التقى ... إذا فارق الدنيا عليه يعود فأمر لها بألف دينار، وأخرجها، ثم قال: رأيت أبي، أمير المؤمنين كثيراً ما ينشد: ومن يطلب الدنيا لحال تسره ... فسوف لعمري عن قليل يلومها إذا أدبرت كانت على المرء فتنة ... وإن أقبلت كانت قليلاً دوامها ثم بكى وقام إلى صلاته.

حرف الياء

حرف الياء أسماء الرجال على حرف الياء ياسين بن سهل بن محمد بن الحسن ابن محمد، أبو روح القايني الصوفي المعروف بالخشاب حدث عن أبي منصور محمد بن أحمد بن منصور القايني بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ". توفي أبو روح سنة إحدى وتسعين وأربع مئة. ياسين بن عبد الصمد بن عبد العزيز أبو عتاب الدمشقي حدث عن أبي عبد الملك محمد بن أحمد الصوري بسنده إلى أبي موسى عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لما أهبط الله آدم من الجنة علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فلثماركم من الجنة، غير أن ثمار الجنة لا تتغير. ياقوت بن عبد الله أبو الدر الرومي، التاجر حدث عن أبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني بسنده إلى سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا فقال: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار ".

يحمد أبو أمية الشعباني من دمشق

توفي ياقوت سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة. يحمد أبو أمية الشعباني من دمشق قال أبو أمية: أتيت أبا علبة الخشني فقلت: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قال: قلت: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفكم ". قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً: سألت عنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمراً لا يدان لك به فعليك نفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائك أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن كأجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله. ويحمد: بضم الياء وكسر الميم هكذا يقول المتكلفون من أهل الحديث، ومن يتسامح: بفتح الميم. يحيى بن أحمد بن بسطام أبو مضر العبسي المقرئ حدث سنة ثمان وثلاثين مئة عن أبي حفص عمر بن مضر بسنده إلى عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله يحب الرفق في الأمر كله ".

يحيى بن أحمد بن محمد بن الحسن

يحيى بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن مخلد، أبو عمرو النيسابوري المخلدي العدل حدث عن أبي بكر محمد بن حمدون بن خالد بسنده إلى ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الحسد من يحسد على خصلتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه ". توفي أبو عمرو سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة. يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو بكر بن أبي طاهر الأزدي السلماسي الواعظ قدم دمشق سنة ثمان وأربعين وخمس مئة. ولد سنة أربع وسبعين وأربع مئة. وكان معه علمان أسودان من أعلام الخليفة ينصبهما على كرسيه وقت وعظه. حدث عن أبيه بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا إيمان لمن لا يقين له، ولا يقين لمن لا دين له، ولا صلاة لمن لا إخلاص له، ولا زكاة لمن لا نية له، ولا صوم لمن لا ورع له، ولا حج لعاق للوالدين، ولا جهاد لمن كان على حقوق المسلمين، ولا توبة لمدمن الخمر، ولا دين لمن كان في قلبه زيغ وبدعة وضلالة، ولا وفاء للفاسق، ولا نور للكذوب، ولا راحة للحقود في الدنيا والآخرة، ولا سلامة للحسود في الدنيا والآخرة، وأنا منهم بريء في الدنيا والآخرة ". أنكر هذا الحديث. يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن عمر ابن شبل، أبو بكر الاسكندراني المالكي حدث عن أبي بكر أحمد بن علي الخطيب بسنده إلى أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، علمني ما أدخل به الجنة، ولا تكثر علي. قال: " لا تغضب ".

يحيى بن أسامة ويقال ابن زيد

توفي يحيى سنة أربع عشرة وخمس مئة بالإسكندرية. يحيى بن أسامة ويقال ابن زيد وهو يحيى بن أبي أنيسة، أبو زيد الجزري الرهاوي أخو زيد بن أبي أنيسة حدث عن الزهري عن أبي خزامة، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقي بها، وتقى ننتقيها، هل ذلك راد علينا من قدر الله من شيء؟ قال: إنه من قدر الله. وحدث عنه عن علي بن الحسين عن الحارث بن هشام قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وحدث عن أبي الزبير عن جابر، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة مثل حصى الخذف. توفي يحيى سنة ست وأربعين ومئة. وكان كذاباً. يحيى بن إسحاق أبو زكريا البجلي السيلحيني حدث عن عبد العزيز بن الماجشون بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله.

يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله

ويقول: يهديكم الله ويصلح بالكم ". وحدث عن جعفر بن كيسان بسنده إلى عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " فناء أمتي بالطعن والطاعون ". قال: قلت: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفته، فما الطاعون؟ قال: " غدة كغدة الجمل، المقيم فيها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف ". توفي أبو زكريا سنة عشر ومئتين. يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر، مولى بني مخزوم حدث عن أبيه بسنده إلى أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عز وجل: " كل يوم هو في شأن ". قال؛ يغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويجيب داعياً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين. وبه قال: استشهد ابن لأبي أمامة الحمصي، فكتب إليه عمر: الحمد لله على آلائه وقضائه وحسن بلائه، قد بلغني الذي ساق إلى عبد الله بن أبي أمامة من الشهادة، فقد عاش بحمد

يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن

الله في الدنيا مأموناً، وأفضى إلى الآخرة شهيداً، وقد وصل إليكم من الله خير كثير إن شاء الله. يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن ابن سمعان بن مشنج بن عمرو بن عبد العزى بن أكثم بن صيفي، أبو محمد التميمي الأسيدي المروزي قاضي القضاة للمأمون. قدم دمشق مع المأمون. حدث عن جرير بسنده إلى ابن مسعود البدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأول: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ". وحدث يحيى بن أكثم عن عبد الله بن إدريس بسنده إلى ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب وأن عمر ضرب وغرب. وورد في حديث: أن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب. ولم يذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: وهو الصواب.

وكان يحيى بن أكثم من أئمة العلم، أحد أعلام الدنيا، وقد اشتهر فضله وعلمه ورئاسته وسياسته، وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعاً. وكان المأمون ممن برع في العلم، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هو عليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه حتى قلده قضاء القضاة، وتدبير أهل مملكته، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئاً إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم. ولا نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم وابن أبي داود. خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجر فقال: أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد وجالس أبا سعيد الخدري، وجالست عمرو بن دينار وجالس جابر بن عبد الله، وجالست عبد الله بن دينار وجالس ابن عمر، وجالست الزهري وجالس أنس بن مالك؟! حتى عدد جماعة، ثم أنا أجالسكم، فقال له حدث في المجلس: أتنصف يا أبا محمد؟ قال: إن شاء الله، قال له: والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بك أشد من شقائك بنا، فأطرق وتمثل بشعر أبي نواس. خل جنبيك لرام ... وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير ... لك من داء الكلام فسئل من الحدث؟ فقالوا: يحيى بن أكثم، فقال سفيان: هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء، يعني: السلطان. صار يحيى بن أكثم إلى حفص بن غياث فتعشى عنده فأتي حفص بعس فشرب منه، ثم ناوله أبا بكر بن أبي شيبة فشرب منه، فناوله أبو بكر يحيى بن أكثم فقال له: يا أبا بكر، أيسكر كثيره؟ قال: إي والله وقليله، فلم يشرب. ولي يحيى بن أكثم القاضي البصرة، وسنه عشرون أو نحوها، فاستصغره

أهل البصرة، فقال له أحدهم: كم سنو القاضي؟ فعلم أنه قد استصغر - وفي رواية: فاستزري - فقال: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضياً على أهل مكة يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضياً على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضياً على أهل البصرة. قال: فبقي سنة لا يقبل بها شاهداً، فتقدم إليه أحد الأمناء، فقال له: أيها القاضي قد وقفت الأمور وتريثت، قال: وما السبب؟ قال: في ترك القاضي قبول الشهود، قال: فأجاز في ذلك اليوم شهادة سبعين شاهداً. قال الفضل بن محمد الشعراني: سمعت يحيى بن أكثم يقول: القرآن كلام الله. فمن قال مخلوق يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه. قال يحيى بن أكثم: وليت القضاء، وقضاء القضاة، والوزارة. وفي رواية: كنت قاضياً وأميراً ووزيراً وقاضياً على القضاة، ما سررت لشيء كسروري بقول المستملي: من ذكرت رضي الله عنك. وقال: جالست الخلفاء، وناظرت العلماء، فلم أر شيئاً أحلى من قول المستملي: من ذكرت يرحمك الله. قال إسماعيل بن إسحاق: سمعت يحيى بن أكثم يقول: اختصم إلي هاهنا في الرصافة الجد الخامس يطلب ميراث ابن ابن ابن ابنه. قال أبو العيناء عن أحمد بن أبي داود ومحمد بن منصور: كنا مع المأمون في طريق الشام، فأمر فنودي بتحليل المتعة، فقال لنا يحيى بن

أكثم: بكرا غداً إليه، فإن رأيتما للقول وجهاً فقولا، وإلا فاسكتا إلى أن أدخل، قال: فدخلنا غليه وهو يستاك ويقول، وهو مغتاظ: متعتان كانتا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى عهد أبي بكر، وأنا أنهى عنهما، ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر؟؟؟؟؟؟؟؟ فأومأت إلى محمد بن منصور ان أمسك، رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن؟ فأمسكنا، وجاء يحيى فجلس وجلسنا، فقال المأمون ليحيى: ما لي أراك متغيراً؟ قال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام، قال: وما حدث فيه؟ قال: النداء بتحليل الزنا، قال: الزنا؟؟ قال: نعم، المتعة زنا، قال: ومن أين قلت هذا؟ قال: من كتاب الله تعالى وحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال الله عز وجل: " قد أفلح المؤمنون " إلى قوله: " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " يا أمير المؤمنين، زوجة المتعة ملك يمين؟ قال: لا. قال: فهي الزوجة التي عنى الله تعالى، ترث وتورث وتلحق الولد ولها شرائطها؟ قال: لا، قال: فقد صار متجاوز هذا من العادين. وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: " أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان قد أمر بها. فالتفت إلينا المأمون فقال: أمحفوظ هذا من حديث الزهري؟ قلنا: نعم يا أمير المؤمنين، رواه جماعة منهم مالك. فقال: أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة، فنادوا بها. قال إسماعيل بن إسحاق - وقد ذكر يحيى بن أكثم -: فعظم أمره، وقال: كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله. وذكر هذا اليوم فقال له رجل: فما كان يقال؟ قال: معاذ الله ان تزول عدالة مثله بتكذب باغ وحاسد، وكانت كتبه في الفقه أجل كتب، فتركها الناس لطولها.

قال مسلم بن حاتم الأنصاري: كنا يوماً عند زهير البابي نعوده، وإذا نحن برجل يقول في الدار: يا جارية، يا غلام، فأشرف عليه بعض من كان يخدمه فقال: من هذا؟ فقال: أخبر أبا عبد الرحمن أن القاضي بالباب، فأخبره، فقال زهير: مالي وللقاضي وما للقاضي ولي قال: وقد كان جاءه قبل ذلك بيوم فحجبه، فقدم إليه رجلين من أمنائه: العيشي وإسحاق بن حماد بن زيد، وقال لهما: إني ذهبت إلى زهير فحجبني، فاغدوا عليه وكونا عنده حتى أجيء فإن أذن لي فذاك وإلا فسهلا أمري، فأقبل عليه العيشي فقال: يا أبا عبد الرحمن، قاضي أمير المؤمنين جاء يعودك إن رأيت أن تأذن له، قال يا عيشي، أنت أيضاً من هذا الضرب؟ ما للقاضي وعبادة زهير فأقبل عليه ابن حماد فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن رأيت أن تأذن له فلعله أن يسمع منك كلمة ينفعه الله بها، فما زالا بالشيخ حتى قال: ائذنوا له، فدخل وهو يومئذ كهل، وعليه كسوة عجيبة، قال: فتحسحس جميع من في البيت، وزهير لا يتحرك حتى جلس يحيى، فانكب على رأسه فقبله ثم قال: يا أبا عبد الرحمن، كيف أصبحت؟ كيف تجدك؟ قال: أنا بخير والحمد لله وأنا في عافية، قال: جعلك الله بخير يا أبا عبد الرحمن، جئتك أمس فمنعتني، وجئتك اليوم، فكدت ألا تأذن لي، بلغك عني أمر تكرهه؟ اشتكاني إليك أحد بظلم أحد من قبلي فأستغفر الله وأرجع وأتوب؟ إلى أن قال في كلامه: والله يا أبا عبد الرحمن ما تركت. فقال زهير: خذوا بيدي، فجلس، فقال: يا يحيى، من لم يدعك؟ ضربت سوطاً قط أخذ من مالك دينار قط حبست يوماً إلى الليل قط قال: لا والله، قال: ولكن ما أرى الله أتى بك من أقاصي مرو وقلدك هذه القلادة لخير يريده بك، قال: فجعل يبكي، ثم قال في آخر كلامه: يا أبا عبد الرحمن، لك حاجة توصي بها؟ قال: مالي إليك حاجة إلا أن تؤثر الله على ما سواه.

قال يحيى بن أكثم: كان لي أخ مروزي وكان يكتب إلي في الأحايين، وما كتب إلي إلا انتفعت بكتابه، فكتب إلي مرة: بسم الله الرحمن الرحيم، يا يحيى اعتبر بما ترى، واتعظ بما تسمع، قبل أن تصير عبرة للناظرين وعظة للسامعين. قال: قلت: لقد جمع فيه. لما ولي يحيى بن أكثم القضاء كتب إليه أخوه عبد الله بن أكثم من مرو وكان من الزهاد: ولقمة بجريش الملح آكلها ... ألذ من تمرة تحشى بزنبور وأكلة قربت للهلك صاحبها ... كحية الفخ دقت عنق عصفور لقي رجل يحيى بن أكثم وهو على قضاء القضاة فقال له: أصلح الله القاضي: كم آكل؟ قال: فوق الجوع ودون الشبع. قال: فكم أضحك؟ قال: حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك. قال: فكم أبكي؟ قال: لا تمل البكاء من خشية الله تعالى، قال: فكم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت؟ قال: فكم اظهر منه؟ قال: ما يقتدي بك البر الخير، ويؤمن عليك قول الناس. فقال الرجل: سبحان الله، قول قاطن وعمل ظاعن. قال يحيى بن أكثم: من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم. قال يحيى بن أكثم في رجل من القضاة كان استخف بحقوقه ثم رجع إلى خدمته: ذهبت بنضرة وجهك الأيام ... ولقد مضى زمن وأنت إمام ما كان ضرك لو ذخرت ذخيرة ... تبقى لصاحبها يد وذمام فاليوم إذ نزل البلا بك زرتنا ... هيهات ما منا عليك سلام كتب يحيى بن أكثم إلى صديق له:

جفوت وما فيما مضى كنت تفعل ... وأغفلت من لم تلفه عنك يغفل وعجلت قطع الوصل في ذات بيننا ... بلا حدث أو كدت في ذاك تعجل فاصبحت لولا أنني ذو تعطف ... عليك بودي صابر متحمل أرى جفوة او قسوة من أخي ندىً ... إلى الله فيها المشتكى والمعول فأقسم لولا ان حقك واجب ... علي وأني بالوفاء موكل لكنت عزوف النفس عن كل مدبر ... وبعض عزوف النفس عن ذاك أجمل ولكنني أرعى الحقوق واستحي ... واحمل من ذي الود ما ليس يحمل فإن مصاب المرء في أهل وده ... بلاء عظيم عند من كان يعقل قال ابن أخي دعبل: أنشدني أبي قال: أنشدنا يحيى بن أكثم: أما ترى كيف طيب ذا اليوم ... وكيف سألت مدامع الغيم وكيف يسري الندى بأدمعه ... فهب نواره من النوم لو سيم ذا اليوم لاشتراه أخ اللهو ولو كان غالي السوم ونحن ظامون في صبيحتنا ... فامنن علينا بشرب ذا اليوم جاء رجل يسأل يحيى بن أكثم فقال له: إيش توسمت في؟ أنا قاض، والقاضي يأخذ ولا يعطي، وأنا من مرو، وأنت تعرف ضيق أهل مرو، وأنا من تميم، والمثل إلى بخل تميم. لما قدم يحيى بن أكثم مع المأمون دمشق كان ينظر في أمور الناس، فدخل إليه رجل يوماً فكلمه بكلام لا يصلح، فأمر بحبسه، فركب إليه المشايخ في العشي - قال ابن ذكوان وكان فيهم -: فكلمناه وسألناه يخليه، فقال: ما أنا حبسته، فكأنا أنكرنا ذلك من قوله: قال: الحق حبسه، والحق يطلقه. كان يحيى بن أكثم وقاعة في الناس شريراً، وكان يغري المأمون بالناس، ويقع فيهم عنده، وكان يثني على عمرو بن مسعدة ويقرظه، ويذكر حسن صناعته وفراهته ويصحبه، فدخل عمرو على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن يحيى بن أكثم

يثني علي عندك، وأنا أسألك بالله أن تريه أنك قبلت شيئاً من قوله في، فإنه إنما قدم للثناء علي لوقيعة يريد يوقعها بي لديك لتصدقه فيما يقول، فضحك المأمون منه وقال: قد أمنت من ذلك فلا تخفه مني. قال المأمون يوماً ليحيى بن أكثم: أريد أن تسمي لي ثقلاء عسكري وحاشيتي، قال: اعفني من ذلك، فلست أذكر أحداً منهم، وهم لي على ما تعلم، فكيف إن جرى مثل هذا؟ قال: فإن كنت لا تفعل فاضطجع حتى أفتل مخراقاً وأضربك به وأسمي مع كل ضربة رجلاً، فإن كان ثقيلاً تأوهت وإن يك غير ذلك سكت فأعرفه، فاضطجع له يحيى وقال: ما رأيت قاضي قضاة وأميراً ووزيراً يعمل به مثل ذا، فلف له مخراقاً دبيقياً، فضربه ضربة، وذكر رجلاً، فصاح يحيى: أوه أوه يا أمير المؤمنين في المخراق؟ آخره. فضحك حتى كاد يغشى عليه، وأعفاه من الباقين. كان المأمون قد احتظى يحيى بن أكثم ورفع منزلته، وخص به خلصة باطنه، فدخل عليه يوماً وهو يتغذى، وعبد الوهاب بن علي إلى جانب المأمون، فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: هلم يا أبا محمد، يا غلام وضئه، فخرج يحيى والطويلة على رأسه ليتوضأ، فقال المأمون لعبد الوهاب: أوسع لأبي محمد، فأوسع له بينه وبين المأمون. فغسل يده ودخل، فوضع طويلته عن غير إذنه، فقال المأمون لعبد الوهاب: عد إلى مكانك، وأقعد يحيى بين يديه وكان بدء ما نقمه عليه. سئل رجل من البلغاء عن يحيى بن أكثم وابن أبي دواد أيهما أنبل؟ فقال: كان أحمد يجد مع جاريته وابنته، ويحيى يهزل مع خصمه وعدوه. قال يحيى بن معين: كان يحيى بن أكثم يكذب، جاء إلى مصر فاشترى كتب الوراقين وأصولهم فقال: أجيزوها لي.

قالوا: ولم يسمع من حفص بن غياث إلا عشرة أحاديث فنسخ أحاديث حفص كلها، ثم جاء بها معه إلى البيت. وقال إسحاق بن راهويه: ذاك الدجال - يعني يحيى بن أكثم - يحدث عن ابن المبارك. قال علي بن الحسين بن الجنيد: كانوا لا يشكون أن يحيى بن أكثم كان يسرق حديث الناس، فيجعله لنفسه. وكان يحيى بن أكثم أعور. مازح المأمون يحيى بن أكثم وقد مر غلام أمرد فقال: يا يحيى - وأومأ إلى الغلام - ما تقول في محرم اصطاد ظبياً؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا لا يحسن بإمام مثلك مع فقيه مثلي، قال: فمن القائل؟: قاض يرى الحد في الزنا ولا ... يرى على من يلوط من باس قال: من عليه لعنة الله، وفي آخر: أو ما تعرف من قاله؟ قال: لا، قال: يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول: حاكمنا يرتشي وقاضينا ... يلوط، والرأس شر ما راس لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأمة وال من آل عباس فوجم المأمون وقال: هذا مزاح قد تضمن إسماعاً قبيحاً، وأنشأ يقول: وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهراً ... فأعقبنا بعد الرجاء قنوط وهل تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضى قضاة المسلمين يلوط

زاد في آخر وقال: ينبغي أن ينفى احمد بن أبي نعيم إلى السند. والأبيات السينية: أنطقني الدهر بعد إخراسي ... لنائبات أطلن وسواسي يا بؤس للدهر لا يزال كما ... يرفع من ناس يحط من ناس لا أفلحت أمة وحق لها ... بطول نكس وطول اتعاس ترضى بيحيى يكون سائسها ... وليس يحيى لها بسواس قاض يرى الحد في الزنا ولا ... يرى على من يلوط من باس يحكم للأمرد الغرير على ... مثل جرير ومثل عباس فالحمد لله كيف قد ذهب ال ... عدل وقل الوفاء في الناس أميرنا يرتشي وحاكمنا ... يلوط والرأس شر ما راس لو صلح الدين واستقام لقد ... قام على الناس كل مقياس لا أحسب الجور ينقضي وعلى الأمة وال من آل عباس ونسبت هذه الأبيات للرياشي، وهي لأحمد بن أبي نعيم. تولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات على الأضراء، فلم يعطهم شيئاً، فطالبوه، فلم يعطهم، وقال: ليس لكم عند أمير المؤمنين شيء، فقالوا: لا تفعل يا أبا سعيد، فقال: الحبس الحبس، فحبسوا جميعاً، فلما كان الليل ضجوا، فقال المأمون: ما هذا؟ قالوا: الأضراء، حبسهم يحيى بن أكثم، قال: لم حبسهم؟ قال: كنوه فحبسهم، فدعاه، فقال: حبستهم على أن كنوك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أحبسهم على ذلك، إنما

حبستهم على التعريض قالوا لي: يا أبا سعيد، يعرضون بشيخ لائط في الحربية. قال فضلك بن العباس: مضيت أنا وداود الأصبهاني إلى يحيى بن أكثم ومعنا عشر مسائل، فألقى عليه داود خمس مسائل، فأجاب فيها أحسن جواب، فلما كان في السادسة دخل عليه غلام حسن الوجه، فلما رآه اضطرب في المسألة، ولم يقدر يجيء ولا يذهب، فقال لي داود: قم، فإن الرجل قد اختلط. لما عزل إسماعيل بن حماد عن البصرة شيعوه، فقالوا: عففت عن أموالنا ودمائنا، فقال إسماعيل: وعن أبنائكم، يعرض بيحيى بن أكثم في اللواط. كان الحسن بن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضياً، وكان عابساً كالحاً، فتقدمت إليه جارية لبعض أهل البصرة، تخاصم في ميراث، وكانت حسنة الوجه، فتبسم وكلمها، فقال عبد الصمد بن المعذل في ذلك: ولما سرت عنها القناع متيم ... تروح منها العنبري متيماً رأى ابن عبيد الله وهو محكم ... عليها لها طرفاً عليه محكماً وكان قديماً عابس الوجه كالحاً ... فلما رأى منها السفور تبسما فإن يصب قلب العنبري فقبله ... صبا باليتامى قلب يحيى بن أكثما كان سليمان الشاذكوني عند يحيى بن أكثم فجعل يعارضه في كل شيء يقول، فقال

له يحيى: يا أبا أيوب، حدثني سليمان بن حرب أن بعض مشايخ البصرة يكذب في حديثه، فقال له سليمان: أعز الله القاضي، حدثني سليمان بن حرب أن بعض قضاة المسلمين يفعل فعلاً عذب الله تعالى عليه قوماً. كان يحيى بن أكثم يحسد حسداً شديداً، وكان مفنناً، فإذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث، فإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو، فإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام، ليقطعه ويخجله، فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ، فناظره فرآه مفنناً، فقال له: نظرت في الحديث؟ قال: نعم، قال: فما تحفظ من الأصول؟ قال: أحفظ: شريك عن أبي إسحاق عن الحارث أن علياً رجم لوطياً. فأمسك فلم يكلمه بشيء. كان زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى بن أكثم القاضي، وكان غلاماً جميلاً متناهي الجمال، فقرص القاضي خده، فخجل الغلام واستحيا، وطرح القلم من يده، فقال له يحيى: اكتب ما أملي عليك ثم قال: أيا قمراً جمشته فتغضبا ... فأصبح لي من تيهه متجنبا إذا كنت للتجميش والعشق كارهاً ... فكن أبداً يا سيدي متنقبا ولا تظهر الأصداغ للناس فتنة ... وتجعل منها فوق خديك عقربا فتقتل مشتاقاً وتفتن ناسكاً ... وتترك قاضي المسلمين معذبا استعدى ابن عمار بن أبي الخصيب يحيى بن أكثم على ورثة أبيه، وكان بارع الجمال فقال له: أيها القاضي، أعدني عليهم، قال: فيمن يعديني أنا على عينيك؟ فهربت به أمه إلى بغداد، فقال لها وقد تقدمت إليه: والله لا أنفذت لكم حكماً أو لتردنه، فهو أولى بالمطالبة منك. كان يحيى بن أكثم عند الواثق، وغلام أمرد حسن الوجه من غلمان الخليفة واقف بين

يديه، فأحد النظر إليه، فتبسم، فقال له الواثق: يا يحيى، بحياتي لتبتلنه، فقال: إني وحياتك منزه. دخل ابنا مسعدة على يحيى بن أكثم، وكانا في نهاية الجمال، فلما رآهما يمشيان في الصحن أنشأ يقول: يا زائرينا من الخيام ... حياكما الله بالسلام لم تأتياني وبي نهوض ... إلى حلال ولا حرام يحزنني أن وقفتما بي ... وليس عندي سوى الكلام ثم أجلسهما بين يديه وجعل يمازحهما حتى انصرفا وقيل: إن يحيى عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات التي أنشدها لما دخل عليه ابنا مسعدة. ولما عزل يحيى بن أكثم عن القضاء بجعفر بن عبد الواحد جاءه كاتبه فقال: سلم الديوان، فقال: شاهدان عدلان على أمير المؤمنين أنه أمرني بذلك، فأخذ منه الديوان قهراً، وغضب عليه المتوكل، فأمر بقبض أملاكه، ثم أدخل مدينة السلام، وألزم منزله. وكان المتوكل قد صير يحيى بن أكثم في مرتبة أحمد بن أبي دواد وخلع عليه خمس خلع. قال إسماعيل بن إسحاق: كان يحيى بن أكثم يقول: أبرأ إلى الله عز وجل من أن يكون في شيء مما رميت به من أمر الغلمان. قال: ولقد كنت أقف على سرائره فأجده شديد الخوف لله، ولكنه كانت فيه دعابة وحسن خلق، فرمى بما رمي به. قال عبد الله بن محمود: رأيت قاضي القضاة يحيى بن أكثم بمكة يلاحظ حجاماً عليه أنف كأنه برج فقلت له: أيها القاضي، ما هذا الوقوف؟! فقال: ذرني، فإني أريد أنظر إلى هذا، كيف يستوي له مص المحجمة مع هذا الأنف. وكان رجل بين يدي الحجام، ففطن به

الحجام، فقال له: مالك تنظر إلي؟! وليس أضرب في قفا هذا بمعولي وأنت واقف، فتوارينا عنه، فإذا هو يعطف أنفه بيده اليسرى ويمسك المحجمة بيده اليمنى ويمص بفيه، فقال يحيى: أما هكذا فنعم. قال محمد بن مسلم السعدي: وجه إلي يحيى بن أكثم يوماً فصرت إليه، فإذا عن يمينه قمطرة مجلدة فجلست، فقال: افتح هذه القمطرة ففتحها، فإذا شيء خرج منها، رأسه رأس إنسان، وهو من سرته إلى أسفله خلق زاغ، وفي صدره وظهره سلعتان، فكبرت وهللت وجزعت، ويحيى يضحك، فقال لي بلسان فصيح طلق ذلق: أنا الزاغ أبو عجوه ... أنا ابن الليث واللبوه أحب الراح والريحا ... ن والنشوة والقهوه فلا عربدتي تخشى ... ولا تحذر لي سطوه ولي أشياء تستظر ... ف يوم العرس والدعوه فمنها سلعة في الظه ... ر لا تسترها الفروه وأما السلعة الأخرى ... فلو كان لها عروه لما شك جميع النا ... س فيها أنها ركوه ثم قال: يا كهل، أنشدني شعراً غزلاً، فقال لي يحيى: قد أنشدك الزاغ، فأنشده، فأنشدته: أغرك أن أذنبت ثم تتابعت ... ذنوب فلم أهجرك ثم أتوب وأكترث حتى قلت ليس بصارمي ... وقد يصرم الإنسان وهو حبيب

فصاح زاغ زاغ زاغ، وطار ثم سقط في القمطر، فقلت ليحيى: أعز الله القاضي، وعاشق أيضاً؟! فضحك، قلت له: أيها القاضي، ما هذا؟ قال: هو ما ترى وجه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين وما رآه بعد. وكتب كتاباً لم أفضضه، وأظنه ذكر في الكتاب شأنه وحاله. توفي يحيى بن أكثم سنة اثنتين وأربعين ومئتين، وقيل: غره سنة ثلاث وأربعين ومئتين. وكان قد توجه إلى الحجاز وحمل أخته معه، وعزم على أن يجاور. فلما اتصل به رجوع المتوكل له بدا له في المجاورة، ورجع يريد العراق، فمات بالربذة، ودفن بها، وله ثلاث وثمانون سنة. قال محمد بن سلم الخواص الشيخ الصالح: رأيت يحيى بن أكثم القاضي في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا شيخ السوء، لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه. فلما أفقت قال لي: يا شيخ السوء لولا شيبتك لأحرقتك بالنار، فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه. فلما أفقت قال لي: يا شيخ السوء فذكر الثالثة مثل الأوليين. فلما أفقت قلت: يا رب، ما هكذا حدثت عنك، فقال الله: وما حدثت عني - وهو أعلم بذلك - قلت: حدثني عبد الرزاق بن همام، حدثنا معمر بن راشد عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك عن نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جبريل عنك يا عظيم أنك قلت: ما شاب لي عبد في الإسلام شيبةً إلا استحييت منه أن أعذبه بالنار. فقال الله: صدق عبد الرزاق، وصدق الزهري، وصدق أنس، وصدق نبيي، وصدق جبريل. أنا قلت ذلك، انطلقوا به إلى الجنة. زاد في آخر بمعناه: إلا أنك خلطت علي في دار الدنيا

يحيى بن بختيار بن عبد الله

وقيل: إن يحيى رئي في المنام فقيل له: إلى أي شيء صرت؟ قال: إلى الجنة، قيل له: إلى الجنة؟! قال: نعم، إني رأيت رب العزة جل وعز فقال لي: يا يحيى، لولا شيبتك لعذبتك، فقلت: يا رب، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك عن محمد نبيك عن جبريل أنك قلت: إني لأستحي أن أعذب أبناء ثمانين. قال: صدق جبريل، صدق محمد نبيي، صدق أنس بن مالك، صدق قتادة، صدق معمر، صدق عبد الرزاق: إني لأستحي أن أعذب أبناء ثمانين، وكساني حلتين ورداءين وحلة خضراء. يحيى بن بختيار بن عبد الله أبو زكريا الشيرازي القرقوبي، المعروف بابن كثامة العالمة حدث عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم بسنده إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلمه صلاة الحاجة، فأمر أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم، إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه إليك بربك عز وجل في حاجتي هذه لتقضى لي، فاللهم، شفعه في. قال المقتدر أمير المؤمنين: كنت جالساً بين يدي المؤدب للتعلم إذا دخل صديق له، فبالغ في إكرامه وإعظامه، وأجلسه إلى جانبه فحادثه حتى انتهى به الحديث إلى موضع فقطعه، وأخذ يساره، فأصغيت إليهما لأسمع ما يساره به، فقال لي المؤدب: أيها السيد، ثمانية إن أهينوا فلا يلومن إلا أنفسهم: رجل أتى مائدة لم يدع إليها، والمتآمر على رب البيت في زيه، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه فيه، والمستخف بحق السلطان، والجالس في مجلس ليس هو له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمع منه، وطالب الحوائج من أعدائه، وملتمس البر من اللئام. فإياك والمعاودة إلى مثل ما فعلت.

يحيى بن بسطام بن حريث

فقلت: السمع والطاعة، لست أعاود، فقال: اكتب: أنشدني بعض إخواني: أيها الفاخر جهلاً بالنسب ... إنما الناس لأم ولأب هل تراهم خلقوا من فضة ... أم نحاس أم حديد أم ذهب فترى فضلهم في خلقهم ... هل سوى لحم وعظم وعصب إنما الفخر بعلم راجح ... وبأخلاق حسان وأدب قال: وحدثنا نصر قال: أنشدني نصر بن معروف المسافر: نل ما بدا لك أن تنال من الغنى ... إن أنت لم تقنع فأنت فقير يا جامع المال الكثير لغيره ... إن الصغير غداً يكون كبير وبه قال: وإذا ائتمنت على عيوب فاخفها ... واستر عيوب أخيك حين تطلع لا تفش سرك ما حييت إلى امرئ ... يفشي إليك سرائراً تستودع فكما تراه بسر غيرك صانعاً ... فكذا بسرك لا محالة يصنع وكتاب ربك كن به متهجداً ... إن المحب لربه لا يهجع توفي يحيى سنة سبع وخمسين وخمس مئة. وولد سنة خمس أو ست أو أربع وسبعين يحيى بن بسطام بن حريث أبو محمد الزهراني البصري حدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى تميم الداري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من قرأ بمئة آية في ليلة كتب له قنوت ليله ".

يحيى بن بشر بن كثير

وحدث عن ليث بن سعد بسنده إلى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تدخلوا على النساء "، قيل: يا رسول الله، إلا الحمو؟ قال: " الحمو الموت ". كان يحيى يذكر بالقدر. يحيى بن بشر بن كثير أبو زكريا الأسدي الحريري حدث عن معاوية بن سلام بسنده إلى ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفرها. وقال: لكم في رسول الله أسوة حسنة. وحدث عنه بسنده إلى جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن المزابنة والحقول، فقال جابر بن عبد الله: المزابنة: الثمر بالثمر، والحقل: كراء الأرض. توفي يحيى بن بشر سنة تسع وعشرين ومئتين، وكان ثقة صدوقاً. وقيل: توفي سنة سبع وعشرين ومئتين.

يحيى بن بطريق بن بشرى أبو القاسم

يحيى بن بطريق بن بشرى أبو القاسم حدث عن أبي الحسين محمد بن مكي بن عثمان بسنده إلى أبي هريرة قال: قال أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين ". توفي أبو القاسم بن بطريق في الثاني والعشرين من رمضان سنة أربع وثلاثين وخمس مئة. يحيى بن تمام بن علي أبو الحسين المقدسي المعروف بابن الرملي الخطيب حدث عن أبي عثمان محمد بن أحمد بن فدقا الإصبهاني بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يجهل، فإن جهل عليه أحد فليقل: إني امرؤ صائم ". وحدث عن ابن فدقا بإسناده إلى أبي طاهر بن أبي عبيدة عن أبيه لنفسه: إذا نحن فضلنا علياً فإننا ... روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته ... رميت بنصب عند ذكر ذوي الفضل فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما ... بحبهما حتى أغيب في الرمل توفي يحيى الخطيب سنة سبع عشرة وخمس مئة. وولد سنة خمسين وأربع مئة.

يحيى بن جابر بن حسان

يحيى بن جابر بن حسان ابن عمرو بن ثعلبة بن عدي بن ملاءة بن عوف، أبو عمرو الطائي الحمصي، قاضي حمص حدث عن عوف بن مالك الأشجعي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " تعوذوا بالله من طمع يرد إلى طبع، ومن طمع إلى غير مطمع ". وحدث عن المقدام بن معدي كرب أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه وقال: " إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، إن الله يوصيكم بالنساء خيراً، فإنهن أمهاتكم، وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتابين يتزوج المرأة وما يعلق بدنها الحبط، فما يرغب واحد منهما عن صاحبه حتى يموتا هرماً ". قال أبو سلمة: فحدثت بهذا الحديث العلاء بن سفيان الغساني فقال: لقد بلغني أن من الفواحش التي حرم الله مما بطن مما لم يتبين ذكرها في القرآن أن يتزوج الرجل المرأة، فإذا تقادم صحبتهما، وطال عهدها، ونفضت ما في بطنها طلقها من غير ريبة. وبه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ". توفي يحيى بن جابر سنة ست وعشرين ومئة، وكان صالح الحديث.

يحيى بن الحارث أبو عمرو

حدث رجل من ولد الحارث بن يزيد، حمصي، عن أبيه قال: خرجت في سحر إلى الوادي، فرأيت ركباً فقلت: ما أنتم؟ قالوا: بخير حين رحلنا من عند يحيى بن جابر من كثرة قراءته. قال يحيى بن جابر: ما عاب رجل قط رجلاً بعيب إلا ابتلاه الله بذلك العيب. يحيى بن الحارث أبو عمرو ويقال: أبو عمر - الذماري، المقرئ، إمام جامع دمشق. حدث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس الثقفي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: في الجمعة: " من غسل واغتسل، ثم ابتكر وغدا، ثم دنا من الإمام وأنصت، ولم يلغ حتى يفرغ الإمام كانت له كل خطوة خطاها كأجر سنة صيامها وقيامها ". وحدث عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الغدو والرواح إلى المساجد من الجهاد في سبيل الله ". قال يحيى بن الحارث: لقيت واثلة بن الأسقع فقلت: بايعت بيدك هذه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، قلت: فأعطنيها حتى أقبلها، قال: فأعطانيها فقبلتها. قال سويد بن عبد العزيز: سألت يحيى بن الحارث عن عدد آي القرآن قال: فأشار بيده اليمنى: سبعة آلاف ومئتين وستة وعشرين بيده اليسار.

يحيى بن حسان أبو زكريا

قال يحيى بن الحارث: حدثني من سمع عثمان بن عفان يقرأ: " إلا من اغترف غرفة بيده ". توفي يحيى بن الحارث سنة خمس وأربعين ومئة، وكان ثقة صالح الحديث. يحيى بن حسان أبو زكريا التنيسي المصري قدم دمشق. حدث عن سليمان بن بلال بسنده إلى عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الإدام أو الأدم الخل ". وبه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يجوع أهل بيت عندهم التمر ". وحدث عن يحيى بن حمزة بسنده إلى ثوبان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صيام شهر بعشرة أشهر - وفي رواية: صيام رمضان بعشرة أشهر - وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة ". يعني رمضان وستة أيام بعده. وحدث عن سليمان بن قرم عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". وكان يحيى بن حسان صاحب حديث، ثقة. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي إذا قال: أخبرنا الثقة، يريد يحيى بن حسان. وإذا قال: أخبرنا من

يحيى بن الحسين بن علي

لا أتهم يريد إبراهيم بن أبي يحيى. وإذا قال: أخبرنا بعض الناس، يريد به أهل العراق. وإذا قال: بعض أصحابنا، يريد به أهل الحجاز. لما ورد الشافعي تنيس نزل على يحيى بن حسان، وكان من المياسير، وكان طباخه لا يعيد اللون في الأسبوع إلا مرة، فأمر الشافعي الطباخ بإعادة لون استطابه. فلما وضع على المائدة تغير يحيى بن حسان، فقال الشافعي: أنا أمرته بهذا، فسري عنه، ثم قال للغلام الطباخ: أنت حر لوجه الله شكراً لانبساط أبي عبد الله الشافعي في رحلنا. توفي يحيى بن حسان سنة سبع ومئتين. وقيل: ثمان ومئتين أو تسع ومئتين. يحيى بن الحسين بن علي أبو محمد بن أبي عبد الله السعدي البخاري الفقيه حدث عن أبي نصر أحمد بن أحمد الصكاك بسنده إلى طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء، فقال: يا أبا الدرداء، احترق بيتك، فقال: ما احترق، ثم جاء رجل آخر فقال: يا أبا الدرداء، احترق بيتك، فقال: ما احترق، ثم جاء رجل آخر فقال: يا أبا الدرداء، انتهت النار، فلما انتهت إلى بيتك طفئت. قال: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل، قالوا: يا أبا الدرداء، ما ندري أي كلامك أعجب، قولك: ما احترق، أو قولك: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل، قال: ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من قالها أول النهار لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: " اللهم، إنك ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش الكريم. ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيْ علماً. اللهم، إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها. إن ربي على صراط مستقيم ".

يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية

يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس، أبو مروان الأموي، أخو مروان بن الحكم حدث عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا "، والتبيع الجذع والجذعة، ومن كل أربعين مسنة فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين، وبين الستين والسبعين، وما بين الثمانين والتسعين، فأبيت ذلك وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فأخبرت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعاً، ومن الأربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعاً، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتابيع، ومن المئة مسنة وتبيعين، ومن العشرة والمئة مسنتين وتبيعاً، ومن العشرين ومئة ثلاث مسنات أو أربع أتابيع. قال: وأمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا آخذ مما بين ذلك شيئاً إلا أن يبلغ مسنة أو جذعاً - وفي حديث: أو جذعة - وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها. كان يحيى بن الحكم عاملاً على المدينة لعبد الملك بن مروان، وكان فيه حمق، فوفد على عبد الملك بغير إذن، فقال له عبد الملك: ما أقدمك علي بغير إذني؟! من استعملت على المدينة؟ قال: أبان بن عثمان. قال: لا جرم لا ترجع إليها، فأقر عبد الملك أباناً على المدينة، وكتب إليه بعهده عليها. قدم عبد الملك حمص فأمر بإسحاق بن الأشعث فضربت عنقه صبراً، فتكلم أهل حمص، فبلغه ذلك، فنادى: الصلاة جامعة، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما حديث بلغني عنكم يا أهل الكويفة، فقام إليه عبد الرحمن بن ذي الكلاع فقال:

يحيى بن حكيم

يا أمير المؤمنين، لسنا بأهل الكويفة، ولكنا أهل الكوفة الذين قاتلنا معك مصعب بن الزبير، وأنت تقول يومئذ: والله يا أهل حمص لأواسينكم، ولو بما ترك مروان، وعليك يومئذ قباؤك الأصفر، قال: وأخرج إليه رجل من مجلس ميتم ساعداً له نحيفة، فقال: يا أمير المؤمنين، اعزل عنا سفيهك يحيى بن الحكم، وإلا بعثنا عليك بأكثره شعراً. فلما قضى خطبته التفت إلى يحيى بن الحكم فقال: ارتحل عن جوار القوم، فقد سمعت ما قال الفايشي. ومن شعر يحيى بن الحكم: لهام بجنب الطف أدنى قرابة ... من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل سمية أمسى نسلها عدد الحصى ... وبنت رسول الله ليس لها نسل! كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: كيف أنت والنساء؟ أحريص جاهد أنت؟ أو مستبق قادر؟ وعليك بذوات الدل منهن، وقليل ما هن، وكيف لنا بمثل التي يقول فيها يحيى بن الحكم: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لفاء غامضة الكعبين معطار خود من الخفرات البيض لم يرها ... بساحة الدار لا بعل ولا جار يحيى بن حكيم حدث عن الأوزاعي قال: كان الأوزاعي إذا قدم من بيروت نزل عليه بدمشق.

يحيى بن حمزة بن واقد

قال: سألت الأوزاعي عن الرجل تقام الصلاة وذكره قائم؟ قال: يضعه بين فخذيه ويدخل في الصلاة. المشهور في هذا عون بن حكيم. يحيى بن حمزة بن واقد أبو عبد الرحمن الحضرمي من بيت لهيا. قاضي دمشق. حدث عن الأوزاعي بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من بلد غلا سيدخله الدجال إلا الحرمين: مكة والمدينة، ما نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، فيصير حتى يأتي السبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى دونها كافر ولا منافق إلا خرج إليه ". كان يحيى بن حمزة يرمى بالقدر. لما قدم المنصور دمشق سنة ثلاث وخمسين استعمل يحيى بن حمزة وقال له: يا شاب، إني أرى أهل بلدك قد أجمعوا عليك، فإياك والهدية، فلم يزل قاضياً حتى مات في خلافة هارون. قال يحيى بن حمزة: ولاني المهدي القضاء وقال لي: يا يحيى، عليك بالحق والشد على يد المظلوم وقمع الظالم، فإني سمعت أبي يقول عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

يحيى بن أبي حية

قال ربك: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم، في عاجل أمره أو في آجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً يظلم فقدر أن ينتصر له فلم يفعل ". وفي رواية: " فلم ينصره ". توفي يحيى بن حمزة سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومئة، وقيل: سنة ست وسبعين ومئة. يحيى بن أبي حية واسم أبي حية حيي، أبو جناب الكلبي الكوفي حدث عن أبي جميلة الطهوي قال: سمعت علياً كرم الله وجهه يقول: احتجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال للحجام حين فرغ: كم خراجك؟ قال: صاعين، فوضع عنه صاعاً، وأمرني فأعطيته صاعاً. وحدث أبو جناب عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند هذه السارية، وهي جذع نخلة، قال: " لاعدوى ولا طيرة ولا هامة ". فقال رجل كأنه بدوي: يا أبا عبد الرحمن، أرأيت البعير تجرب الإبل، فقال له: ذلك القدر، فمن أجرب الأول؟ قال: وكانت السارية يسند إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظهره، إذا أراد أن يكلم الناس

يرفع يديه يوم الجمعة، فقالوا له: ألا نصنع لك شيئاً كقدر مقامك تجلس عليه؟ فقال: ما أبالي أن تفعلوا ثلاث مراقي. فلما تحول إليها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خارت الجذعة كما تخور البقرة، فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليها فالتزمها فسكنت. وحدث عن عبد الرحمن بن أبي يحيى عن أبيه قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه أعرابي فقال: إن لي أخاً وجعاً فقال: وما وجع أخيك؟ قال: به لمم. قال: اذهب فائتني به، فسمعته عوذه بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول البقرة، وآيتين من وسطها " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات والأرض " الآيتين، وآية الكرسي، وثلاث آيات خاتمة البقرة، وآية من آل عمران: " شهد الله أنه لا إله إلا هو " إلى آخر الآية. وآية من الأعراف: " إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض " إلى آخر الآية. وآية من سورة المؤمنين: " فتعالى الله الملك الحق " الآية. وآية من سورة الجن: " وأنه تعالى جد ربنا مااتخذ صاحبة ولا ولداً "، وعشر آيات من أول الصافات آخرهن: " من طين لازب "، وآخر سورة الحشر. و" قل هو الله أحد "، والمعوذتين. فأتى الأعرابي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قد برئ ليس به بأس.

يحيى بن أبي الخصيب زياد الرازي

قال زكريا بن عدي: كان الصلت بن بسطام التميمي يجلس في حلقة أبي جناب يدعون بعد العصر يوم الجمعة، فجلسوا يوماً يدعون، وكان قد نزل الماء في عينيه فذهب بصره، فدعوا وذكروا بصره في دعائهم. فلما كان قبل غروب الشمس عطس عطسة فإذا هو يبصر بعينيه، وإذا قد رد الله عليه بصره. قال زكريا: فقال لي ابنه: قال لي حفص بن غياث: أنا رأيت الناس عشيتئذ يخرجون من المسجد مع أبيك يهنئونه. ضعفأبا جناب قوم، ووثقه آخرون. وتوفي سنة سبع وأربعين ومئة. وقيل سنة خمسين ومئة. يحيى بن أبي الخصيب زياد الرازي ويقال البغدادي قاضي عكبرا. حدث عن محمد بن قيس المأربي بسنده إلى أبيض بن حمال قال: استقطعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الماء الذي بمأرب فأقطعنيه. فلما وليت قال له رجل: إنما أقطعته الماء العد قال: فرجعه، أو قال: فلا إذاً. وحدث عن عبد الله بن هانئ بسنده إلى عبد الله بن محيريز قال: كان عياض بن غنم على بعث من أهل الشام، ومعه مولى له، فغضب عليه فضربه فحجزه هشام بن حكيم القرشي، وكلاهما من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق عياض إلى فسطاطه غضبان، فأمهله هشام حتى إذا ذهب عنه الغضب أتاه، فاستأذن، فقال: لله أبوك! ما حملك على الذي فعلت؟! فقال هشام: أم والله ما سمعت شيئاً لم تسمعه، قال: فما سمعت؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "

يحيى بن دواد بن سيار

إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا ". وحدق عن إبراهيم بن أبي عبلة بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن نملة قرصت نبياً من الأنبياء، فأمر بقريتها فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه: من أجل نملة واحدة قتلت أمة من الأمم. كان يحيى بن أبي الخصيب ثقة، وكان من أوعية العلم. يحيى بن دواد بن سيار ابن أبي عتاب البصري حدث بدمشق عن محمد بن مسكين بن نميلة اليمامي بسنده إلى سعيد بن زيد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق ". يحيى بن راشد بن مسلم ويقال: ابن كنانة - أبو هشام الليثي الطويل، اخو عمارة بن راشد حدث عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم، ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ".

حدث عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد الدمشقي، أنهم جلسوا لابن عمر. قال: فما رأيته أراد الجلوس معنا حتى قلنا: هلم إلى المجلس يا ابا عبد الرحمن. قال: فرأيته تذمم. قال: فجلس، فسكتنا، فلم يتكلم منا أحد، فقال: ما لكم لا تنطقون؟! ألا تقولون: سبحان الله وبحمده، فإن الواحد بعشرة، والعشرة بمئة، والمئة بألف، وما زدتم زادكم الله. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ". الحديث. قال يحيى بن راشد: صليت خلف ابن الزبير الجمعة، فقرأ في الركعة الأولى: يسبح. الجمعة، وفي الركعة الثانية: " سبح اسم ربك الأعلى " حتى انتهى إلى هذا الموضع " إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ". قال يحيى بن راشد: سمعت رجلاً يحدث أنه سمع معاذ بن جبل يقول: والله، لا يدع الله العباد يوم القيامة يقومون على أقدامهم لرب العالمين حتى يسألهم عن خلال أربع: فيسألهم عما أفنوا فيه أعمارهم، وعما أبلوا فيه أجسادهم، وعما أنفقوا فيه مااكتسبوا، وعما عملوا فيما علموا. قال علي بن أبي حملة: لما قفل الناس من القسطنطينية لقيت يحيى بن راشد فقال لي: وجدت الدين الخبر.

يحيى بن أبي راشد النصري

يحيى بن أبي راشد النصري حدث أن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة قال لابنه: يا بني، إذا حضرتني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جنبي، أو جبيني، ويدك اليسرى على ذقني، فإذا قبضت فأغمضني، واقصدوا في كفني، فإنه إن يكن لي عند الله خير أبدلني به خيراً منه، وغن كنت على غير ذلك سلبني، فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن يكن لي عند الله خير وسع لي فيها، مد بصري، وغن كنت على غير ذلك ضيقها علي حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرجن معي امرأة ولا تزكوني بما ليس في، فإن الله هو أعلم بي، وإذا خرجتم بي فأسرعوا في المشي، فإنه إن يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ماهو خير لي، وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم عن رقابكم شراً تحملونه. يحيى بن أبي عمرو زرعة أبو زرعة السيباني، ابن عم الأوزاعي الفقيه حدث عن ابن الديلمي بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن سليمان بن داود لما فرغ من بنيان مسجد بيت المقدس سأل الله حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، ولا يأتي هذا المسجد أحد، لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما اثنتان فقد أعطيهما، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة. قال أبو زرعة السيباني: خرجت مع أبي، وأناس معنا إلى أبي الدرداء نعوده، فوجدناه مولياً وجهه إلى الحائط، ووجدنا أم الدرداء عند رأسه، فقال لها القوم: كيف بات أبو الدرداء؟ قالت: بات بأجر، قال: فحول وجهه إلينا وقال: ليس القول على ما قالت فوجم

يحيى بن زكريا بن أحمد

القوم لذلك، فقال: أولا تسألوني لم قلت هذا؟ قالوا: ولم قلته؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن المؤمن لا يؤجر في مرضه، ولكن يكفر عنه ". قال محمد بن حبيب: كل شيء في العرب شيبان إلا في حمير، فإن فيها سيبان بن الغوث بن سعد بن عوف ويحيى بن أبي عمرو السيباني، بسين غير معجمة، ويليها ياء معجمة باثنتين من تحتها، وباء معجمة بواحدة. قال يحيى بن أبي عمرو: مكتوب في الإنجيل: استوصوا بمن يقدم عليكم من غير بلادكم من الغرباء. توفي يحيى بن أبي عمرو سنة ثمان وأربعين ومئة. وقيل: توفي بعد الخمسين. وكان ثقة. يحيى بن زكريا بن أحمد ابن يحيى خت بن موسى أبو بكر البلخي الشاهد، ابن القاضي حدث يحيى بن زكريا أن أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن ثابت حدثهم بسنده إلى البراء بن عازب قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إذا أخذ مضجعه يقول: " إليك اللهم أسلمت نفسي، وإليك وجهت وجهي، وإليك فوضت أمري، وإليك ألجأت ظهري رغبة ورهبة، لا منجا ولا ملتجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي ارسلت ". فإن مات مات على الفطرة. توفي أبو بكر البلخي سنة تسع وأربعين وثلاث مئة.

يحيى بن زكريا بن لشوى

يحيى بن زكريا بن لشوى ويقال: زكريا بن ادن بن مسلم بن صندوق بن فخشان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صندوق بن برخيا بن شفاطنة بن ناحور بن شالوم بن يوشافاط بن انييا بن ابنا بن رخيعم بن سليمان بن داود نبي الله ابن نبيه صلى الله عليهما وأم يحيى ايشاع بنت عمران، اخت مريم بنت عمران. قيل: إنه كان بدمشق. عن ابن عباس، في قوله عز وجل: " ذكر رحمة ربك " قال: ذكره الله منه برحمة عبده زكريا كتب دعاءه فذلك قوله: " ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداءً خفياً " يعني دعا ربه دعاءً خفياً في الليل، لا يسمع أحداً ويسمع أذنيه، " قال رب إني وهن " يعني: ضعف " العظم مني واشتعل الرأس شيباً " يعني: غلب البياض السواد " ولم أكن بدعائك رب شقياً " أي: إني لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى، فتخيبني فيما بقي، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى، فكذلك لا أشقى فيما بقي، عودتني الإجابة من نفسك. " وإني خفت الموالي من ورائي " فلم يبق لي وارث، وخفت العصبة أن ترثني " فهب لي من لدنك ولياً " يعني: من عندك ولداً " يرثني " يعني: يرث محرابي وعصاي وبرنس القربان وقلمي الذي أكتب به الوحي " ويرث من آل يعقوب " النبوة " واجعله رب رضياً " يعني: مرضياً عندك.

قوله: " وكانت امرأتي عاقراً " قال ابن عباس: خاف أنها لا تلد فقال: وامرأتي عاقر، وأنت تفعل ما تشاء، فهب لي ولداً، فإذا وهبته فاجعله رب رضياً زاكياً بالعمل، فاستجاب الله له، وكانا قد دخلا في السن هو وامرأته. فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان، إذا هو برجل عليه البياض حياله، وهو جبريل عليه السلام فقال: يا زكريا، إن الله يبشرك وهو قوله: " نبشرك بغلام اسمه يحيى " واسم يحيى هو اسم من أسماء الله اشتق من يا حي، سماه الله من فوق عرشه، " لم نجعل له من قبل سمياً ". قال ابن عباس: لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولداً، نظيرها " هل تعلم له سمياً " يعني: هل تعلم له ولداً، ولم يكن لزكريا قبله ولد، ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى. قال: وكان اسمه حي، فلما وهب الله لسارة إسحاق، فكان اسمها يسارة، ويسارة من النساء التي لا تلد، وسارة من النساء الطالقة الرحم التي تلد، فسماها سارة، وحول الياء من يسارة إلى يحيى، فسماه يحيى، ثم قال: " مصدقاً بكلمة " يعني: بعيسى " من الله " وكان يحيى أول من صدق بعيسى، وهو ابن ثلاث سنين، وبين يحيى وعيسى ثلاث سنين، وهما ابنا خالة، ثم قال تعالى: " وسيدا " يعني: حليماً " وحصوراً " يعني: لا ماء له، ولا يحتاج إلى النساء. قال الحسن: فأحيا الله عز وجل ماء صلبه وألاق الجلد على العظم فسمي يحيى لما أحيا الله ماء صلبه.

وقيل: كان اسمه حي لأنه خلق من قحول، والقحول: العتي، يعني: الذي قال الله: " وقد بلغت من الكبر عتياً " يعني قحولاً، قد يبس الجلد على العظم، وانقطع ماء الصلب. وعن ابن عباس، في قوله: " كذلك قال ربك " يا زكريا " هو علي هين وقد خلقتك من قبل " أن أهب لك يحيى " ولم تك شيئاً " وكذلك أقدر أن أخلق من الكبير والعاقر " قال رب اجعل لي آية " أعرف ذلك إذا استجيب لي، فأوحى الله إليه " قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً " يعني: صحيحاً من غير خرس. قال ابن عباس: في قوله: " فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه " يعني: فحاضت، فلما طهرت طاف عليها فاستحملت، فأصبح لا يتكلم، فكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه، فإذا أراد أن يكلم الناس اعتقل لسانه، فلا يستطيع أن يتكلم، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا، دعاؤك كان دعاءً خفياً، فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال، ذلك الصوت من الشيطان ليس من جبريل، ولا من ربك فلذلك " قال رب اجعل لي آية " حتى أعرف أن هذه البشرى منك. قال الله تعالى: " آيتك " إذا جامعتها على طهر فحملت فإنك تصبح لا تستنكر من نفسك خرساً، ولا سقماً، فتصبح لا تطيق الكلام مع الناس ثلاثة أيام إلا إشارة، تومئ بيدك أو برأسك أو بالحاجبين. قال ابن عباس: كانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: " أنى يكون لي غلام " فخاف أن يكون الصوت من غير الله " فخرج علىقومه من الحراب " يعني: من مصلاه الذي كان يصلي فيه " فأوحى إليهم " بكتاب كتبه بيده " أن سبحوا بكرة وعشياً " يعني: صلاة الغداة والعصر، فقد وهب الله لي يحيى. فولد له يحيى على ما بشره الله نبياً

تقياً صالحاً، قد أنزل الله في ذلك قرآناً على نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما عنى من قصته " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " يعني: بجد وطاعة واجتهاد وشكر، وبالعمل بما فيه " وآتيناه الحكم صبياً " قال ابن عباس: ذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على الشاطئ نهر بطين وبماء، فقالوا: يا يحيى، تعال حتى نلعب، فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا؟! وعن أبي مسلم، في قوله عز وجل: " يرثني يرث من آل يعقوب " يرثني يرث مالي ويرث من آل يعقوب قال: نبياً كما كان آباؤه أنبياء. وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يرحم الله زكريا، ما كان عليه من ورثه! ويرحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد " قال قتادة: ولم يبعث نبي إلا في ثروة من قومه بعد لوط، بعث الله محمدا في ثروة من قومه. وعن مجاهد: في قوله: لم نجعل له من قبل سمياً قال: شبهاً. وقال قتادة: لم يسم أحد قبله يحيى. وعن ابن عباس، في قوله عز وجل: " وآتيناه الحكم صبياً " يعني: الفهم صغيراً وحناناً يعني: ورحمة منا وعطفاً وزكاة يعني: وصدقة على زكريا وكان تقياً يعني: مطهراً مطيعاً لله عز وجل.

وعن ابن عباس، في قوله عز وجل: " وبراً بوالديه " قال: كان لا يعصيهما " ولم يكن حباراً " قال: ولم يكن قتال النفس التي حرم الله قتلها " عصياً " يعني: لم يكن عاصياً لربه. " وسلام عليه " يعني: حين سلم الله عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حياً. قال عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل نبي يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا " ثم دلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده إلى الأرض، فأخذ عوداً صغيراً ثم قال: " وذلك أنه لم يكن له ما للرجل إلا مثل هذا العود، كذلك سماه الله " وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ". قال ابن عيينة: أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيخرج إلى دار هم، وليلة يبيت مع الموتى فيجاور جيراناً لم ير مثلهم، ويوم يبعث فيشهد مشهداً لم ير مثله قط، قال الله ليحيى بن زكريا في هذه الثلاثة مواطن: " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ". وعن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قال يحيى بن زكريا لعيسى بن مريم: أنت روح الله وكلمته، وأنت خير مني، فقال عيسى: بل أنت خير مني، سلم الله عليك، وسلمت على نفسي ". والحضور: الذي لا يأتي النساء. والسيد: الذي يطيع الله ولا يعصيه، وقيل: الحليم، وقيل: السيد: الذي يملك غضبه، وقيل: الذي لا يغلبه غضبه، وقيل: سيداً حصوراً: حليماً تقياً، وقيل: السيد: الحسن الخلق، وقيل: سيداً كريماً

على الله، وقيل: الحصور: الذي لا يأتي النساء، وهو المجبوب، وسمي حصوراً لأنه حصر عن الجماع، أي: حبس عنه ومنع منه، جاء على فعول ومعناه مفعول كما قالوا: شاة حلوب، وفرس ركوب. قال سفيان بن عيينة: خلق يحيى من غير شهوة، فجاء بغير شهوة. يريد أن خلقه كان آية من آيات الله، لم يكن عن شهوة، بشر به، ألا تراه يقول: " قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر " الآية. وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً، وخلق فرعون في بطن أمه كافراً ". وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يولد العبد مؤمناً، ويحيا مؤمناً، ويموت مؤمناً منهم: يحيى بن زكريا، ويولد العبد كافراً، ويحيا كافراً، ويموت كافراً منهم: فرعون ". وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أخي يحيى حين دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صغير، فقال: أللعب خلقنا، فكيف بمن أدرك الحنث من مقاله ". حدث هشام بن محمد عن أبيه قال: أول نبي بعث آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى بن عمران، ثم إلياس، ثم اليسع، ثم يونس بن متى، ثم أيوب، ثم داود، ثم سليمان بن داود، ثم زكريا بن لشوى من بني يهود بن يعقوب، ثم يحيى بن زكريا، ثم عيسى بن مريم، ثم النبي محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين. حدث الحارث الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن

يعملوا بهن، فكان يبطئ بهن، فقال له عيسى بن مريم: إنك أمرت بخمس كلمات تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تأمرهم بهن وإما أقوم آمرهم بهن. قال يحيى: إنك إن تسبقني بهن أخف أن أعذب أو يخسف بي، فجمع الناس في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، حتى جلس الناس على الشرفات، فوعظ الناس ثم قال: إن الله أمرني بخمس كلمات أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن - زاد في رواية: وإنه من يعمل بهن حتى يموت فإنه لا حساب عليه يوم القيامة -: أولهن ألا تشركوا بالله شيئاً، وإن مثل الشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، ثم قال: هذي داري وعملي، فاعمل وأود إلي عملك، فجعل يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يحب أن يكون له عبد كذلك، يؤدي عمله لغير سيده؟ وإن الله هو خلقكم ورزقكم فلا تشركوا بالله شيئاً. وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا نصبتم وجوهكم فلا تلتفوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده حين يصلي له، ولا يصرف وجهه عنه حتى يكون هو ينصرف. وآمركم بالصيام، فإن مثل الصائم مثل الصائم مثل رجل معه صرة مسك، فهو في عصابة ليس مع أحد منهم مسك غيره، كلهم يشتهي أن يجد ريحها، وإن فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وآمركم بالصقة. قال: مثلها كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يده إلى عنقه، فقدموه ليضربوا عنقه فقال: لا تقتلوني، فإني أفدي نفسي منكم بكذا وكذا من المال، فأرسلوه، فجعل يجمع حتى فدى نفسه منه، كذلك الصدقة. وآمركم بكثرة ذكر الله، فإن مثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدو، فانطلقوا في طلبه سراعاً حتى أتى حصناً حصيناً، فأحرز نفسه فيه، فكذلك مثل الشيطان لا يحرز العباد منه أنفسهم إلا بذكر الله ". وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "

وأنا آمركم بخمس، أمرني الله بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله فمن خرج من الطاعة قدر سبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يراجع، ومن دعا دعوة جاهلية فإنه من جثى جهنم "، فقال رجل: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: " وإن صام وصلى، فادعوا بدعوة الله الذي سماكم بها المسلمين والمؤمنين جميعاً ". زاد في رواية في معنى الصلاة: " فمثلها فيكم كمثل رجل يناجي ذا سلطان، والسلطان فوقه يسمع ما يقوله، ولا يتكلم فيه بشيء إلا شفعه فيه، وأقبل إليه بوجههن فأيكم كان يسأم من مناجاة ذي السلطان ما استوفى منه أي في حاجته قبل أن يسأم ذو السلطان "؟ قالوا: لا أحد منا، قال: " فإن الله ليس بصارف وجهه عن عبده، وهو في صلاته حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن ربه، وإن من تقرب إلى الله قيد شبر تقرب منه قيد ذراع، وإنه من تقرب إلى الله قيد ذراع تقرب الله منه قيد يده، ومن يرد الله يرده، وإن الله حليم شكور. ثم على أثرها الصدقة، فمثلها فيكم كمثل رجل يطلب بدم، فأتاه أولياء القتيل، فأخذوه ليقتلوه، فقال لهم: لا تقتلوني، وسموا رضاكم من المال ففعلوا، فأذى إليهم المال أنجماً حتى أكملها فانطلق آمناً لقومه، وانطلق آمناً لعدوه، فأيكم يخشى قومه أن يصدقن الذي له "؟ قالوا: لا أحد منان قال: " فإنها فكاك لأعناقكم من سلاسل النار يوم القيامة ". وعن ابن عباس قال: كنا في حلقة المسجد نتذاكر فضائل الأنبياء، أيهم أفضل؟ ذكرنا نوحاً وطول عبادته ربه غز وجل، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن، وذكرنا موسى مكلم الله، وذكرنا عيسى بن مريم، وذكرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل: بعثه الله إلى

الناس كافة، غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو خاتم الأنبياء. قال: فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما تذاكرون بينكم؟ قلنا: يا رسول الله، تذاكرنا فضائل الأنبياء، أيهم أفضل؟ قال: فذكرنا نوحاً وطول عبادته ربه، وذكرنا إبراهيم خليل الرحمن، وذكرنا موسى مكلم الله، وذكرنا عيسى بن مريم. قال: فمن فضلتم؟ قلنا: فضلناك يا رسول الله: بعثك الله إلى الناس كافة، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنت خاتم الأنبياء، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما إنه لا ينبغي لأحد أن يكون خيراً من يحيى بن زكريا، فقلنا: يا رسول الله، ومن أين ذلك؟ قال: أما سمعتم الله حيث وصفه بالقرآن: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً " إلى قوله: " ويوم يبعث حياً " " مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين " لم يعمل سيئة قط، ولم يهم بها. وفي رواية: فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يذكرون ذلك، فقال: " أين الشهيد ابن الشهيد يلبس الوبر، ويأكل الشجر مخافة الذنب ". قال: يريد: يحيى بن زكريا. وعن عائشة أنها قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً: يا سيد العرب، فقال: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وآدم تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، وأبوك سيد كهول العرب، وعلي سيد شباب العرب، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة يحيى وعيسى عليهم السلام ". وعن وهب قال: نادى مناد من السماء إن يحيى بن زكريا سيد من ولدته النساء، وإن جرجيس سيد الشهداء. وعن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من أحد من ولد آدم وقد أخطأ، أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، وما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما من نبي إلا أخطأ أو هم بخطيئة غير يحيى بن زكريا، فإنه لم يخطئ، ولم يهم بخطيئته ". وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " كل نبي يلقى الله بذنب قد أذنبه، يعذبه عليه إن شاء، أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا، فإنه " كان سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين " فأهوى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: " كان يكره مثل هذهالقذاة ". وفي رواية: ثم رفع شيئاً من الأرض فقال: " ما كان معه إلا مثل هذا، ثم ذبح ذبحاً ". وعن ضمرة بن حبيب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تعلت النساء عن ولد ينبغي له أن يقول: أنا أفضل من يحيى بن زكريا. لم يحك في صدره خطيئة، وله يهم بها ". وعن الحسن قال: بلغني أنه لم يكن أحد من ولد آدم إلا نال منه إبليس، وأصحاب الدنيا إلا ما كان من يحيى بن زكريا عليهم السلام. وحدث بعضهم ورفع الحديث قال: لعن الله والملائكة رجلاً تأنث، وامرأة تذكرت، ورجلاً تحصن بعد يحيى بن زكريا، ورجلاً قعد على الطريق يستهزئ من أعمى، ورجلاً شبع من الطعام في يوم مسغبة. أتي عيسى برجل زنى فأمر برجمه، فأخذوا الحجارة، فقال عيسى: لا يرجم رجل عمل عمله، قال: فألقوا الحجارة غير يحيى بن زكريا.

قال أبو سليمان: خرج عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا يتماشيان، فصدم يحيى امرأة، فقال له عيسى: يا بن الخالة، لقد أصبت اليوم خطيئة ما أظن أنه يغفر لك أبداً، قال: وما هي يا بن الخالة؟ قال: امرأة صدمتها، قال: والله ما شعرت بها، قال: سبحان الله، بدنك معي فأين روحك؟ قال: معلق بالعرش، ولو أن قلبي اطمأن إلى جبريل لظننت أني ما عرفت الله طرفة عين. وعن الشافعي أنه قال: لا نعلم أحداً أعطي طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصية إلا يحيى بن زكريا، ولا عصى الله فلم يخلط بطاعة، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح. وعن زيد بن ميسرة قال: كان طعام يحيى بن زكريا الجراد وقلوب الشجر، وكان يقول: من أنعم منك يا يحيى؟! طعامك الجراد وقلوب الشجر. وفي حديث آخر: أن يحيى كان أطيب الناس طعاماً، إنما كان يأكل مع الوحش كراهية أن يخالط الناس في معايشهم. وعن مجاهد قال: كان طعام يحيى بن زكريا العشب، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان القار على عينيه لحرقه. ولقد كانت الدموع اتخذت في وجهه مجرى. وعن خيثمة قال: كان عيسى بن مريم بن زكريا ابني خالة، وكان عيسى يلبس الصوف، وكان يحيى يلبس الوبر، ولم يكن لواحد منهما دينار ولا درهم، ولا عبد ولا أمة، ولا ما يأويان إليه، أينما جنهما الليل أويا، فلما أرادا أن يتفرقا قال له يحيى: أوصني، قال:

لا تغضب، قال: لا أستطيع إلا أن أغضب، قال: فلا تقتن مالاً، قال: أما هذه فعسى. قال يونس بن ميسرة: مر يحيى بن زكريا على دينار فقال: قبح هذا الوجه يا دينار، يا عبد العبيد، يا معبد الأحرار. قال عبد الله بن عبد الحميد: مر إبليس بيحيى بن زكريا ومعه رغيف شعير، فقال له: يا يحيى، أنت تزعم أنك زاهد، ومعك رغيف قد ادخرت، فقال له يحيى: يا ملعون، هذا هو القوت، فقال له: يا يحيى، إن أقل من القوت يكفي لمن يموت، فأوحى الله إليه: يا يحيى، اعقل إيش قال لك. روي عن يحيى بن زكريا أنه قال: لئن كان أهل الجنة لا ينامون للذة ما هم فيه من النعيم، فالصديقون كيف ينامون للذة ما هم فيه من حب الله؟! وكم بين النعمتين، وكم بينهما؟! قال يحيى لعيسى: أوصني يا بن خالة، قال: لا تشاح في ميراث، ولا تأس على ما فاتك، فقال: أنا لا أفرح بما جاءني منها، فكيف آسى على ما فاتني، فقال: لا تغضب، قال: فكيف لي بأن لا أغضب؟! وروى أن يحيى وعيسى التقيا، فقال له يحيى: يا روح الله وكلمته، ما أشد ما خلق الله؟ قال: غضب الله أشد، قال: يا روح الله وكلمته، دلني على عمل يباعد من غضب الله، قال: يباعدك من غضب الله ألا تغضب فيغضب عليك، قال: فما الذي يبدي الغضب؟ قال: التعزز والفخر والحمية. قال: يا روح الله، دلني على عمل يباعدني من النار، قال: لا تزن، قال: كيف بدء الزنا؟ قال: النظرة ثم تردفها التمني والشهوة.

قال وهيب بن الورد: فقد زكريا ابنه يحيى ثلاثة أيام، فخرج يلتمسه في البرية، فإذا هو قد احتفر قبراً، وأقام فيه يبكي على نفسه، فقال: يا بني، أنا أطلبك منذ ثلاثة أيام، وأنت في قبر قد احتفرته قائم تبكي فيه؟ فقال: يا أبه، ألست أنت أخبرتني أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين؟ فقال له: ابك يا بني، فبكيا جميعاً. وفي رواية: فقال له: يا أبت، أنت حدثتني عن جبريل صلى الله عليه مسلم أنه أخبرك أن بين يدي الجنة والنار مفازة لا يطفئ حرها إلا الدموع، فقال له: فابك يا بني. شبع يحيى بن زكريا ليلة من خبز الشعير، فنام عن جزئه حتى أصبح، فأوحى الله إليه: يا يحيى، هل وجدت داراً خيراً لك من داري؟ وجواراً خيراً لك من جواري؟ وعزتي يا يحيى، لو اطلعت إلى الفردوس اطلاعةً لذاب جسمك، وزهقت نفسك اشتياقاً، ولو اطلعت إلى جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع، وللبست الحديد بعد المسوح. وعن مجاهد: أن يحيى بكى حتى قرحت دموعه وجنتيه، فقال له زكريا: يا بني، ما يبكيك وقد سألت الله تعالى أن يهبك لي؟ فقال: إن جبريل أخبرني أن بين الجنة والنار مفاوز لا يقطعها إلا كل بكاء. وروي عن يحيى بن زكريا أنه قال: يا حوباه إني رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الجبار وضع كرسيه لفصل القضاء، فخررت ميتاً، يا حوباه، هذا إنما رآه روحي، فكيف لو عاينته معاينة. وقام رجل بهذا الكلام في مدينة من مدائن خراسان، فصعق جماعة فماتوا. وعن إبراهيم بن أدهم، أنه أقبل على بعض إخوانه بطرسوس فقال له: أتحب ان تكون لله تعالى ولياً ويكون لك محباً؟ نعم قال: دع الدنيا والآخرة لله عز وجل، قال: فماذا

أصنع؟ قال: أقبل على ربك بقلبك عليك بوجهه، فإنه بلغني أن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا: يا يحيى، إني قضيت على نفسي أن لا يحبني أحد من خلقي أعلم ذلك من نيته إلا كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، وفؤاده الذي يعقل به، فإذا كنت له كذلك بغضت إليه الاشتغال بأحد غيري، وأدمت فكرته، وأسهرت ليله، وأظمأت نهاره، أطلع عليه كل يوم سبعين نظرة، فأرى قلبه مشتغلاً بي، فأزداد من حبي في قلبه نوراً، حتى ينظر بنوري، أقربه مني، وأمسح برأسه، وأضع يدي على ألمه، فإنه لا يشكو إلي ألمه، لأنه مشغول بحبي عن ألم أوجاعه، فإنه يعرف الألم إذا فقدني من قلبه، وعندها يطلبني كما تطلب الوالدة الشفيقة ولدها إذا غاب عنها، أسمع خفقان فؤاده، فأقول: ما قال قلبه، يخفق، فيقول: حقيق على قلبي أن لا يسكن بعد إذ مننت عليه بحبك، فكيف يسكن قلبه يا يحيى وأنا جليسه، وغاية أمنيته؟! وعزتي وجلالي لأبعثنه مبعثاً يغبطه النبيون والمرسلون، ثم آمر منادياً ينادي: هذا حبيب الله وصفيه، دعاه الله إلى زيارته، فإذا جاءني رفعت الحجاب فيما بيني وبينه. فلما ذكر الحجاب صاح يحيى صيحة، فلم يفق ثلاثة أيام. قال: من لم يرض بك صاحباً فبمن يرضى؟ فكيف أصاحب خلقك، وقد دعوتني إلى مصاحبتك؟! سأل يحيى بن زكريا ربه عز وجل قال: رب، اجعلني أسلم على ألسنة الناس ولا يقولون في إلا خيراً، فأوحى الله إليه: يا يحيى، لم أجعل هذا لي، فكيف أجعله لك؟! ظهر إبليس ليحيى بن زكريا، فرأى عليه معاليق، فقال: يا إبليس، ما هذه المعاليق التي أرى عليك؟ قال: هذه الشهوات التي أصبت من بني آدم، قال: فهل لي فيها من شيء؟ قال: لا، قال: فهل تصيب مني شيئاً؟ قال: ربما شبعت فثقلناك عن الصلاة والذكر، فقال له يحيى: هل غير؟ قال: لا، قال: لا جرم والله لا أشبع أبداً. قال إبليس: ولله علي ألا أنصح مسلماً. لقي يحيى بن زكريا إبليس في صورته، فقال له يا إبليس، أخبرني بأحب الناس إليك، وأبغض الناس إليك، قال: أحب الناس إلي المؤمن البخيل، وأبغضهم إلي الفاسق السمح، قال يحيى: وكيف ذلك؟ قال: لأن البخيل قد كفاني بخله، والفاسق السخي

أتخوف أن يطلع الله عليه في سخائه فيقبله، ثم ولى وهو يقول: لولا أنك يحيى لم أخبرك. كان عيسى بن مريم أكثر من يحيى بسنتين. فبينا يحيى جالس إذ سمع زجلاً، فقال يحيى: يا روح الله، ما هذا؟ فقال عيسى: إبليس، فقال يحيى: يا روح الله، أرنيه، فقال عيسى: وما حاجتك إليه؟ هو أكذب البرية وأسحر البرية، وأخبث البرية، وأفسق البرية، قال: يا روح الله، أرنيه، فقال عيسى: يا إبليس، تبد له، فتبدى له إبليس، فإذا عليه برنس فيه أباريق من رأسه إلى قدمه، فقال له يحيى: ما هذه الأباريق؟ قال: هي اللذات التي أفتن بها الناس، قال يحيى: فأنشدك بالذي جعل عليك اللعنة إلى يوم الدين، هل أصبتني بشيء منها؟ فقال إبليس: نعم هذه، وأشار بأصبعه إلى شيء فيها عند كعبه، فقال يحيى: وما هي؟ فقال إبليس: إنك رجل تصوم، فأحبب إليك الطعام، لتنهله، فتثقل عن الصلاة، قال يحيى: أما والذي جعل عليك اللعنة إلى يوم الدين لا آكل ما عملته أيدي بني آدم حتى ألقى الله، وكان يأكل من نبت الأرض. قال وهب بن الورد: تبدى إبليس ليحيى بن زكريا فقال: إني أريد أن أنصحك، فقال: كذبت، أنت لا تنصحني، ولكن أخبرني عن بني آدم قال: هم عندنا على ثلاثة أصناف، أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا، نقبل عليه حتى نصيبه ونستمكن منه، ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه، ثم نعود له فيعود، فلا نحن نأيس منه، ولا نحن ندرك منه حاجتنا، فنحن من ذلك في عناء، وأما الصنف الآخر فهم في أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم، نتلقفهم كيف شئنا، قد كفونا أنفسهم، وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر معهم على شيء. قال يحيى: هل قدرت مني على شيء أبداً؟ قال: لا، إلا مرة واحدة، فإنك قدمت طعاماً تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت منه أكثر مما تريد، فنمت تلك الليلة، فلم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها،

فقال له يحيى: لا جرم، لا شبعت من طعام أبداً، قال له الخبيث: لا جرم، لا نصحت آدمياً بعدك أبداً. قال أبي بن كعب: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة ". قال علي بن الحسين: أقبلنا مع الحسين بن علي، فكان قلما نزلنا منزلاً إلا حدثنا حديث يحيى بن زكريا حيث قتل. قال: كان ملك مات، فترك امرأته وابنته، فورث ملكه أخوه، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه، فاستشار يحيى بن زكريا، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعملون بأمر الأنبياء، فقال له: لا تتزوجها فإنها بغى، فسمعت المرأة وعرفت أنه من قبل يحيى، فقالت: ليقتلن يحيى، أو ليخرجن من ملكه، فعمدت إلى بنتها فصنعتها، وقالت: اذهبي إلى عمك عندالملأ فإنه يدعوك ويجلسك في حجره، ويقول: سليني ما شئت، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فقولي: لا أسأل شيئاً إلا رأس يحيى بن زكريا، وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس الملأ ثم لم يمض له نزع من ملكه، ففعلت ذلك، فجعل يأتيه الموت من قتل يحيى، وجعل يأتيه الموت من خروجه من ملكه، فاختار ملكه، فقتله، فساخت بأمها الأرض. وقيل: إن زكريا حيث قتل ابنه انطلق هارباً منهم، واتبعوه حتى أتى إلى شجرة ذات ساق فدعته إليها، فانطوت عليه، وبقيت من ثوبه هدبة تلفها الريح، فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره بعدها، ونظروا بتلك الهدبة، فدعوا بالمنشار، فقطعوا الشجرة، فقطعوه معها. وعن ابن عباس قال: بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكريا في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس، فكانوا فيما يعلمونهم ينهونهم عن نكاح بنت الأخت، وكان لملكهم بنت أخت تعجبه، وكان يريد أن يتزوجها، وكان لها كل يوم حاجة يقضيها. فلما بلغ أمها أنهم نهوا عن نكاح بنت

الأخت قالت لها: إذا قال لك الملك: ألك حاجة؟ فقولي: حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا، ففعلت ذلك، فقال: سليني سوى هذا، قالت: ما أسألك إلا هذا. فلما أبت عليه، دعا بطست ودعا به فذبحه، فندرت قطرة من دمه على الأرض، فلم تزل تغلي، حتى بعث الله بخت نصر عليهم، فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن، فقتل عليه منهم سبعين ألفاً. قالوا: ولما قتله دفع إليها رأسه، فجعلته في طست من ذهب، فأهدته إلى أمها، فجعل الرأس يتكلم في الطست: إنها لا تحل له، ولا يحل لها، ثلاث مرات. فلما رأت الرأس قالت: اليوم قرت عيني، وأمنت على ملكي، فلبست درعاً من حرير، وخماراً من حرير، وملفحة من حرير، وصعدت قصراً لها، وكان لها كلاب تضربها بلحوم الناس، فجعلت تمشي على قصرها، فبعث الله عليها عاصفاً من الريح يلقيها في ثيابها، فألقتها إلى كلابها، فجعلن ينهشنها، وهي تنظر، وكان آخر ما أكلن منها عينيها. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: التي قتلت يحيى بن زكريا امرأة، ورثت الملك عن آبائها، فأتيت برأس يحيى في شيء، فوضع رأسه بين يديها، وهي على سريرها، فجعلت ترفل وجهه بقضيب في يدها، فقيل للأرض: خذيها، فأخذتها وسريرها، فذهب بها. قال: في التوراة مقتلة الأنبياء، قتلت في يوم ستين نبياً، هي في النار على منبر من نار، تصرخ، يسمع صراخها أقصى أهل النار. وقيل: إنه كان ملك دمشق هداد بن هداد وكان قد زوج ابنه ابنة أخيه أزيل ملكة صيدا، وكان حلف بطلاقها ثلاثاً ثم أراد مراجعتها، فاستفتى يحيى بن زكريا صلى الله على نبينا وعليه السلم، فقال يحيى: لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك، فحقدت عليه أزيل، وكان للملك ابنة يقال لها: هروسة، وكان يحبها حباً شديداً، وكان

يخرجها إذا قدم عليه وفود الملك، وترقى بين أيديهم، وإذا رقيت قضى لها حاجة، فقدم عليه وفود ملك الهند، فقالت أزيل لابنتها: إذا رقيت وقال: سلي حاجتك، فقولي: حاجتي رأس يحيى بن زكريا، ولا تقبلي منه إلا رأسه، وأعطتها حين أصبحت طبقاً وقالت: إذا قطع رأسه، فاجعليه فوق هذا الطبق، واحمليه، وائتيني به. فلما أصبحت دعاها الملك، فخرجت مزينة، ومعها الطبق، فضرب لها بالطبل والمزمار، ورقيت يومئذ رقياً ما رقيت قبله مثله، فقال لها أبوها: سلي حاجتك، فقالت: حاجتي رأس يحيى بن زكريا، فقال: ويحك، ما تصنعين برأس نبي من أنبياء الله؟! سلي غيره ما شئت، قالت: ما لي حاجة غيره. فإن أعطيتنيه وإلا لم أسألك شيئاً بعده، فقال من حوله من وزراء السوء: اقض حاجتها، وشفعنا في حاجتها، وما رأس يحيى ورأس غيره إلا سواء، فأكثروا عليه، وغلبوه فقال: اذهبوا، وأعطوها رأسه، فخرج السياف، والناس معه حتى أتوه، وهو يصلي في ذلك المسجد الذي عند باب جيرون، فقال يحيى للسياف: بم أمرت؟ قال: أمرت بضرب عنقك، قال: ويحك ما تعلم أني نبي الله؟! قال: بلى، ولكني مأمور، قال: شقاء جدك، وعسى أن تكون صادقاً، فضرب رأسه، فأخذت الرأس فوضعته على الطبق، فجعل يقول من فوق الطبق: إنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فلم يزل الرأس يقول ذلك وهي تمشي حتى انتهت إلى الفسقية فخسف بها، فأخذتها الأرض حتى غيبت قدميها فصاحت، ووقع الرأس والطبق عن رأسها، ثم غيبتها إلى أنصاف ساقيها وهي تصيح، فذهب الصريخ إلى أمها: أدركي ابنتك، قد خسف بها، فجاءت تسعى، فوجدتها في الأرض قد أخذتها وهي تصيح، فجعلت الأرض تغيبها حتى بلغت سرتها، ثم غيبتها حتى بلغت ثدييها، ثم غيبتها حتى بلغت منكبيها، فلما خشيت أمها أن تغيبها الأرض قالت للسياف: اقطع رأسها يكون عندي، فضرب السياف رأسها ورمى به. فلما وقع الرأس لفظتها الأرض وطرحتها. فلم يزالوا بعد ذلك في الذل، حتى بعث الله بخت نصر عقوبة لقتل يحيى بن زكريا، فدخل دمشق من باب توما، وباب شرقي، وأتى الدرج فصعد، فجلس على

الكنيسة فوجد دم يحيى يغلي، ويفور، ويسيل، فعجب لذلك، ثم قال: ما بعثت إلا لأنتصر لهذا الدم، لا أزال أقتل عليه أبداً حتى يسكن ويغيب، فدعا بكرسي، فنصبه، وجلس عليه، ثم أمر بالسيافين، فقاموا، ثم أمر بهم أن يأتوا عشرة عشرة مكتفين، فضرب أعناقهم على الدم، والدم يغلي، ويفور، ويسيل، فقتل يومه ذلك إلى الليل. ثم غدا الوم الثاني فقتل عليه حتى الليل، والدم يغلي، ويفور. ثم غدا عليه اليوم الثالث فقتل عليه خمسة وسبعين ألفاً. قالوا: هي دية كل نبي. فجاء نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: إرميا، فوقف على الدم فقال: أيها الدم، دم يحيى، فني بنو إسرائيل والناس فيك. قال: فسكن الدم، ورسب حتى غاب، فأمر بالكرسي، فرفع، ورفع السيف. قالوا: وهرب من هرب إلى بيت المقدس، فتبعهم إلى بيت المقدس حتى دخلها وخربها، وقتل فيها وسبى ثم رجع. وعن علي: في قوله عز وجل: " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب " إلى " أولاهما " قال: قتل زكريا، وقال: " فإذا جاء وعد الآخرة " مقتل يحيى. والأولى من فساد هذه الأمة مقتل عثمان، والآخرة النفس التي تباح لها قريش. وعن وهب بن منبه: أن يحيى بن زكريا لما قتل رد الله إليه روحه، وأوقفه بين يديه، فقال له: يا يحيى، هذا عملك الذي عملته، وقد أعطيتك ثواب عملك، لكل واحدة عشراً، الحسنة بعشرة أمثالها، قال: فرأى يحيى ثواب عمله، فإذا قد أعطي من الثواب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فقالالله: يا يحيى هذا عملك، وهذا ثوابه، فأين نعمائي عليك؟ ثم قال الله عز وجل للملائكة: أخرجوا نعمائي عليه، فأخرجوا نعمة واحدة من نعمه، فإذا قد استوعبت حميع أعماله والثواب، فقال يحيى: إلهي، ما هذه النعمة الجليلة العظيمة التي قد استوعبت عملي وعشرة أضعاف ثوابها؟ فقال الله عز وجل: هذه النعمة الجليلة العظيمة معرفتك بي. قال: فخر يحيى لوجهه، فقال: إلهي جازني برحمتك وبفضلك لا بعملي.

لما قتل يحيى بن زكريا أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم أن قل لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل، حتى متى تجترئون علي، وتعصونني وتعصون أمري، وتقتلون رسلي؟ وحتى متى أضمكم في كنفي كما تضم الدجاجة أولادها في كنفها؟ اتقوا ألا آخذكم بكل دم من بني آدم إلى يحيى بن زكريا، واتقوا لا أصرف وجهي عنكم فإني إن صرفت وجهي عنكم لم أقبل عليكم إلى يوم القيامة. وقيل في قتل يحيى: إن بنت الملك همت بأبيها فقالت: لو تزوجت أبي فيجتمع إلي سلطانه دون نسائه، فقالت: يا أبت تزوجني، ودعته إلى نفسها، فقال لها: يا بنية، إن يحيى بن زكريا لا يحل لنا هذا، فقالت: من لي بيحيى بن زكريا، ضيق وحال بيني وبين أن أتزوج أبي، فأغلب على ملكه ودنياه دون النساء، فأمرت اللعاب، وقالت: ادخلوا على أبي فالعبوا، وإذا فرغتم فإنه سيحكمكم، فقولوا: دم يحيى بن زكريا، ولا تقبلوا غيره، وكان الملك إذا حدث فكذب، أو وعد فأخلف، خلع واستبدل به غيره، فلما لعبوا وكثر تعجبه منهم قال: سلوني، قالوا: نسألك دم يحيى بن زكريا، قال: سلوني غير هذا، قالوا: لا نسألك غيره، فخاف على ملكه إن هو أخلفهم أن يخلع، فبعث إلى يحيى بن زكريا، وهو في محرابه يصلي، فذبحوه وحزوا رأسه، واحتمله الرجل في يده، والدم في الطست، ورأسه في يدي الذي يحمله، وهو يقول: لا يحل لك ما تريد. قال: فأعظم الناس قول الرأس وفزعوا إلى ملكهم، حتى بنوا ديراً من على رأس يحيى ودمه. قالوا: وكان ذلك قبل أن يرفع عيسى بسنة ونصف، ورفع عيسى بين أظهرهم بعد ذلك، فعند ذلك حلت بهم الوقعة الثانية. وعن ابن عباس قال: أوحى الله عز وجل إلى سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً. وعن شمر بن عطية قال: قتل على الصخرة التي في بيت المقدس سبعون نبياً، منهم يحيى بن زكريا.

يحيى بن زكريا بن يحيى

وعن قرة قال: ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي، وحمرتها بكاؤها وعن سعيد بن جبير قال: لما قتل يحيى بن زكريا عليه السلام قال بعض أصحابه لصاحب له: ابعث إلي بقيص نبي الله حتى أسمه، فإني قد عرفت أني مقتول، قال: فبعثه إليه فإذا سداه أو لحمته ليف. قال زيد بن واقد: ولقد رأيت رأس يحيى بن زكريا صلى الله عليهما، حيث أرادوا بناء مسجد دمشق، أخرج من تحت ركن من أركان القبة الذي يلي المحراب مما يلي الشرق، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير. وفي رواية عنه: أنا رأيت الرأس الذي يغلي، هو رأس يحيى بن زكريا، طري كأنما قتل الساعة. يحيى بن زكريا بن يحيى أبو زكريا النيسابوري، الحافظ الأعرج، ويحيى يلقب حيويه حدث عن محمد بن معاوية بن مالج بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً " قال أبو الدحداح: يا رسول الله، أو إن الله يريد منا القرض؟ فقال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك، قال: فناوله، قال: فإني أقرضت ربي حائطاً فيه ست مئة نخلة، ثم جاء يمشي، حتى أتى الحائط، وأم الدحداح فيه وعيالها، فنادها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك. قال: اخرجي، قد أقرضت ربي حائطاً فيه ست مئة نخلة.

يحيى بن زياد بن عبيد الله

وفي رواية: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. وحدث يحيى بن زكريا - سنة ست وثلاث مئة - عن يوسف بن موسى القطان بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الرحمن بن سمرةلا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فائت الذي هو خير، وكفر عن يمينك ". توفي أبو زكريا بمصر سنة سبع وثلاث مئة. وكان حافظاً، فاضلاً، ثقة، ثبتاً. يحيى بن زياد بن عبيد الله ابن عبد الله، واسمه عبد الحجر بن عبد المدان واسمه عمرو بن الديان واسمه يزيد بن قطن بن زياد بن الحارث، الحارثي الكوفي شاعر يتهم في دينه، وفد على الوليد بن يزيد، وكانت عمته ريطة بنت عبيد الله، زوجة محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فولدت له السفاح، فيحيى بن زياد ابن خال أبي العباس السفاح، وكان شاعراً ماجناً، ينسب إلى الزندقة، وكان صديق مطيع بن إياس، وحماد عجرد، ووالبة بن الحباب، وغيرهم من ظرفاء الكوفيين. كتب يحيى بن زكريا إلى بعض أهله يعزيه: أما بعد. فإن المصيبة واحدة إن صبرت، ومصائب إن لم تصبر، وقد مضى إلى سلف، يحسن عليهم البكاء، وبقي خلف في مثلهم العزاء، فلا الباء يرد الماضي، وبالعزاء يطيب عيش الباقي، ونحن عما قليل بهم لاحقون، فآثر الصبر، فإنه أرد الأمرين عليك، وأرجعهما بالنفع لك. كان ليحيى بن زياد غلام سوء، فقيل له: لم تمسك هذا الغلام؟ قال: لأتعلم عليه الحلم.

يحيى بن زيد بن علي

ومن شعر يحيى بن زياد يمدح قوماً بفضل الحلم: تخالهم للحلم صماً عن الخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التفاخر ومرضى إذا لاقوا حياء وعفة ... وعند المنايا كالليوث الحوادر لهم ذل إنصاف ولين تواضع ... به لهم ذلت رقاب المعاشر كأن بهم وصماً يخافون عيبه ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاذر قال مطيع بن إياس يرثي يحيى بن زياد: قد قلت للموت حين ساوره ... والموت مقدامة على البهم لو قد تدبرت ما صنعت به ... قرعت سناً عليه من ندم فاذهب بمن شئت إذ ذهبت به ... ما بعد يحيى للرزء من ألم وله يرثيه: قد راح يحيى ولو تطاوعني ال ... أقدار لم نبتكر ولم نرح يا خير من يجمل البكاء به ال ... يوم ومن كان أمس للمدح قد ظفر الحزن بالسرور وقد ... أديل مكروهه من الفرح يحيى بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي كان مع أبيه حين أقدمه هشام. قتل بخراسان، وكان صار إليها حين قتل أبوه زيد بن علي بالكوفة فقال: لكل قتيل معشر يطلبونه ... وليس لزيد بالعراقين طالب

وأمه ريطة بنت أبي هاشم، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب. قال سعد بن إبراهيم بن عبد الرحم بن عوف: خرج بنا إلى هشام بن عبد الملك، وكان أيوب بن سلمة المخزومي أحد من كتب فيه، فقدم بمن قدم الرصافة قبلنا، فوجدنا هشاماً قد استحلف أيوب ما لخالد القسري عنده مال ولا خبر مال، فخرج إلينا سالم فقال: إن أمير المؤمنين قد أمر أن يخرج بكم إلى العراق إلى يوسف بن عمر. قال سعد: فقلت: ولم لا يفعل بنا ما يفعل بصاحبنا أيوب بن سلمة؟ فنحن نرى أمير المؤمنين ونحلف له، فقال سالم: لا، إن يوسف بن عمر قد تضمن لأمير المؤمنين أن يستخرج له أموال القسري، ويخاف أمير المؤمنين إن دخل عليه في ذلك فيقول: دخلت علي فيما ضمنت لك فتفسد عليه ما ضمن له. فلا بد لكم من الذهاب إليه، فقال له زيد بن علي: والله يا سالم ما أحب أحد الحياة إلا ذل، قال: وخرج بي وبزيد حتى انتهينا إلى يوسف بن عمر بالكوفة فأدخلنا عليه، فأحسن في أمرنا وجوزنا، فخرجنا حتى نزلنا القادسية، فو الله إني وزيد لقاعدان بفناء البيت الذي نحن فيه نزول إذ رابني منه الإنسان بعد الإنسان، فيقوم إليه ويخلو به، فقال لي ابنه يحيى بن زيد: يا عم، اعلم أن أبي يريد أن يفارقك هاهنا، فلو كلمته، ولا أحب أن يعلم أني أعلمتك، قال: فجئت زيداً فقلت له: قد تعلم رأي قومك فيك، ومحبتهم لك، وعلى ودهم لو زيد في عمرك أعمارهم لسيرتك بهم وحسن رأيك، ومحبتك لهم، وقد رأيت أمراً أنكرته، وهم أهل الكوفة خدعوا أباك، وقعدوا به، وخذلوه، فأنشدك الله والرحم أن لا تفجع قومك بك. قال: وهو صامت لا يتكلم، حتى إذا فرغت من كلامي قال: يا أبا إسحاق، خرج بنا أسيرين عن غير ذنب ولا جرم ولا جناية، فشق بنا الحجاز وأرض الشام وأرض الجزيرة إلى العراق إلى تيس من ثقيف، يلعب بنا، وأنشد زيد بن علي:

بكرت تخوفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل فأجبتها إن المنية منهل ... لا بد أن أسقى بكأس المنهل إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي إذا نزلوا بضيق المنزل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل استودعك الله أبا إسحاق، أعطي الله عهداً إن أدخلت يدي في طاعة لهؤلاء ماعشت، فافترقنا وتغيب. وبلغ هشام بن عبد الملك تغيبه، فقال سالم: يا أمير المؤمنين، قد كان قال لي حيث أعلمته أنه لا بد من الشخوص إلى يوسف بن عمر: ما أحب الحياة أحد إلا ذل، فقال هشام: ويحك كيف لم تخبرني؟ والله لو أخبرتني لحقنت دمه، ولوصلت رحمه. كان زيد بن علي يقول ليحيى ابنه: أبني إما تقعدن فلا تكن ... دنس الفعال مبيض الأثواب واحذر مصاحبة الئيم فإنما ... شين الكريم فسوله الأصحاب حمل يحيى بن زيد العلوي إلى بخارى مقيداً، ونعي إليه والده، فأنشده بعض الشعراء قصيدة، فقال: دع ما تقول واسمع ما أقول وأنشأ يقول: إن يكن نالك الزمان ببلوى ... عظمت شدة عليك وجلت وتلتها قوارع داهيات ... سئمت دونها النفوس وملت فاصطبر وانتظر بلوغ مداها ... فالرزايا إذا توالت تولت ولم يعقب يحيى، وتولى قتله سلم بن أحوز المازني بالجوزجان بقرية أرغومة، وكان نصر بن سيار عامل خراسان بعث سلم بن أحوز إلى يحيى، فقتله بعد حرب شديد، وزحوف ومواقف، ثم أصاب يحيى سهم في صدغه فسقط إلى الأرض، وانكبوا

يحيى بن زيد بن يحيى

عليه، فاحتزوا رأسه، فأنفذه سلم إلى نصر، فأنفذه نصر إلى هشام، فوصل إليه وهو بالرصافة، وصلبت جثته بجوزجان. فلم يزل مصلوباً حتى ظهر أبو مسلم فوارى جسده، بعد أن تولى هو الصلاة عليه. وكتب أبو مسلم بإقامة النياحة ببلخ سبعة أيام بلياليها، فناح وبكى عليه الرجال والنساء والصبيان، وأمر أهل مرو، ففعلوا مثل ذلك، وما ولد في تلك السنة مولود بخراسان من العرب ومن له حال ونبأ إلا سمي يحيى. وقال أبو مسلم لمرار بن أنس: إنه لم يبق من قتله يحيى بن زيد أحد يعرف بعينه إلا سورة بن محمد الكندي، وهو شجى في لهاتي. وكان سورة من فرسان الكرماني، فمضى إليه مرار فقتله، فقال له أبو مسلم: اليوم ساغ لي الشراب، ودعا أبو مسلم بديوان بني أمية فجعل يتصفح أسماء قتلة يحيى بن زيد ومن سار في ذلك البعث لقتاله، فمن كان حياً قتله، ومن كان ميتاً خلفه في أهله وفي عشيرته بما يسوءه. وكان قتل يحيى بن زيد سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: سنة ست وعشرين، وقيل: في ولاية الوليد بن يزيد. يحيى بن زيد بن يحيى ابن علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسين، الحسيني، الزيدي قاضي دمشق في أيام المستنصر. حدث سنة سبع وأربعين وأربع مئة عن أبي محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في الواقعة " فشاربون شرب الهيم " بفتح الشين من " شرب ". توفي الشريف معتمد الدولة أبو الحسين يحيى بن زيد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.

يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد

يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد أبو بكر، الأزدي، الأندلسي، القرطبي المقرئ، النحوي حدث بدمشق عن أبي عبد الله بن الحطاب بسنده إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم بارك لأمتي في بكورها ". وحدث عن أبي عبد الله بسنده إلى عبد الله بن المبارك قال: أثر الحبر في ثوب صاحب الحديث أحسن من الخلوق في ثوب العروس. ولد أبو بكر سنة ست وثمانين وأربع مئة، وتوفي سنة سبع وستين وخمس مئة. وهو ثقة. يحيى بن سعيد بن العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو أيوب - ويقال: أبو الحارث - الأموي حدث يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره، أن أبا بكر استأذن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مضطجع على فراش لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى أبو بكر حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر بن الخطاب وهو على تلك الحال، فقضى حاجته ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت، فجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجمع عليه ثيابه - زاد في رواية: وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك - ثم قضيت إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا

يحيى بن سعيد بن عبد الله

رسول الله، مالك لم تفزع لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟ قال: " إن عثمان رجل حيي، وإني خفت أن لو أذنت له وأنا على حالتي تلك لا يبلغ إلي في حاجته ". قال الزهري: وليس كما يقول الكذابون: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة. كان عبد الملك قد قتل عمرو بن سعيد أخا يحيى بن سعيد، فلحق يحيى وعبد الله بن يزيد أبو خالد بن عبد الله القسري، لحقا بعبد الله بن الزبير، فلم يزالا معه حتى قتل عبد الله بن الزبير، فخرجا في الأمان، وكان في وجه يحيى رده فقال له عبد الملك: بم تنظر إلى الله إذا لقيته وقد غدرت بي بعدما عفوت عنك، قال: أنظر إليه بالوجه الذي خلقه، وأنت دفعتني إلى عدوك هدية، أخرجتني وأخفتني. كان عبد الملك بن مروان يفضل يحيى بن سعيد ويقول: ما رأيت ابن زوملة أفضل من يحيى بن سعيد. وأم يحيى مرادية. والقرشي إذا كانت أمه عربية ولم تكن من قريش قيل: ابن زوملة، وإن كانت أمه أم ولد لم يكن ابن زوملة. وقيل: إن عبد الملك قال له: إنك أشبه الناس بإبليس، قال: ولم تنكر أن يشبه سيد الإنس سيد الجن؟. يحيى بن سعيد بن عبد الله أبو سالم البهراني الحموي شيخ فاضل. ولد سنة سبع وثمانين وأربع مئة. من شعره:

يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو

ما بعد جلق في البسيطة دار ... تجري خلال قصورها الأنهار دار تلذ بها النفوس وتجتني ... من حسنها ثمر المنى الأبصار زادت بها الدنيا جمالاً بارعاً ... وزهت بحسن صفاتها الأمطار وحوت محاسن كل حسن مبدع ... فيه عقول أولي العقول تحار أحسن بربوتها إذا ما أسفرت ... شمس الربيع وغنت الأطيار وافتر ثغر الزهر من أكمامه ... وترنحت تيهاً به الأسحار وتأزرت أكمامها بخمائل ... باتت تحبر وشيها الأمطار فإذا جرى فيها النسيم تعطرت ... من طيب صائك عرفها الأقطار سقياً لجلق من مغان لم تزل ... من أفقها تتبلج الأقمار ما كان أقصر مدةً فيها انقضت ... وكذاك أعمار السرور قصار يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو ويقال: ابن قيس بن قهد، أبو سعيد الأنصاري قاضي المدينة. حدث عن أنس بن مالك قال: جاء أسيد بن الحضير الأشهلي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان قسم طعاماً، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظفر، فيهم حاجة. قال: وجل أهل ذلك البيت نوم فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تركتنا يا أسيد حتى ذهب ما في أيدينا فإذا سمعت بشيء قد جاء فاذكر لي أهل ذلك البيت قال فجاءه بعد ذلك طعام من خبير شعير أو تمر قال فقسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس وقسم في الأنصار وأجزل، وقسم في أهل ذلك البيت

فأجزل، فقال أسيد بن الحضير متشكراً: جزاك الله أي نبي الله عنا أطيب الجزاء، أو قال: خيراً. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتم معشر الأنصار فجزاكم الله أطيب الجزاء - أو قال: خيراً -، فإنكم ما علمت أعفة، صبر، وسترون بعدي أثرة في الأمر والقسم، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ". وحدث يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظهر فقام من الاثنتين، فلم يجلس فيهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك. قال يحيى بن سعيد: صحبت أنس بن مالك إلى الشام، ومعه فرس له شقراء سمينة، فاندقت فخذها، فذبحها وقسمها في الرفاق. وقال: إنه سافر معه إلى الوليد بن عبد الملك، فكان أنس يصلي عند كل أذان ركعتين. وعن يحيى بن سعيد، أنه رأى أنس بن مالك بالجابية يصلي على حمار وهو يتوجه إلى المشرق عند ارتفاع الشمس. توفي أبو سعيد سنة ثلاث وأربعين ومئة، وكان ثقة كثير الحديث. وقيل: توفي سنة أربع وأربعين، وقيل: سنة ست وأربعين ومئة. قال جرير بن عبد الحميد: سألت يحيى بن سعيد الأنصاري - وما رأيت شيخاً أنبل منه - قلت له: من أدركت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين كان قولهم في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ قال:

يحيى بن سعيد أبو زكريا الأنصاري

من أدركت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما، إنما كان الاختلاف في علي وعثمان. قال يحيى بن سعيد: إنه كان بإفريقية. قال: فأردت حاجة من حوائج الدنيا، قال: فدعوت فيها، ورغبت وتعبت واجتهدت، ثم ندمت بعد ذلك فقلت: لو كان دعائي في حاجة من حوائج آخرتي. فشكوت إلى رجل كنت أجالسه، فقال لي: لا تكره ذلك، فإن الله قد بارك لعبد في حاجة أذن له فيها بالدعاء. يحيى بن سعيد أبو زكريا الأنصاري الحمصي، العطار حدث عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن، وانقطاع من الزمن أمير، أول ما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل فيحثي له في حجره، يهمه من يقبل منه صدقة ذلك المال لما يصيب الناس من الفرج ". وحدث عن أبي الرحمن بسنده إلى حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة، في واد يقال له: برهوت، يغشى الناس فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف، هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش ". قلت: يا رسول الله، أسليمة هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: " وأين المؤمنون والمؤمنات؟ قال: " وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر، يتسافدون كما تتسافد البهائم، وليس فيهم رجل يقول: مه، مه ".

يحيى بن سليمان

يحيى بن سليمان حدث عن أبي سلام الحبشي عن ابن الديلمي قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص أريد أن أسأله عن حديثين بلغانا عنه، فوجدته أخذاً بيد رجل من قريش، قد بلغنا أنه يشرب الخمر، فقلت: كيف لي أن يخلو لي وجهه؟ قال: قلت: رحمك الله، هل سمعت في الخمر شيئاً؟ قال: نعم. فلما سمعه القرشي خلى سبيل يده، وولى منطلقاً. قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شرب الخمر رجس ورجست صلاته أربعين يوماً، فإن تاب تاب الله عليه، ثم إن عاد رجس ورجست صلاته أربعين يوماً، فإن تاب تاب الله عليه، ثم إن عاد رجس ورجست صلاته أربعين يوماً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة ". قلت: أرأيت حديثين بلغاني عنك بالشام، قال: وما هما؟ قلت: قولك جف القلم بما فيه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره فأصاب به من شاء، فمن أصابه النور يومئذ اهتدى، وإلا فلا ". قلت: فصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة؟ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " صلاة في مسجد بيت المقدس خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، ومسجدي هذا ". يحيى بن صالح أبو زكريا ويقال: أبو صالح - الوحاظي من أهل دمشق، وقيل: من أهل حمص. استقدمه المأمون إلى دمشق ليوليه قضاء حمص.

يحيى بن طالب أبو زكريا الأنطاكي

حدث عن حماد بن شعيب بسنده إلى بشر بن سحيم قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيام التشريق فقال: " لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن هذه أيام أكل وشرب ". توفي يحيى بن صالح سنة اثنتين وعشرين ومئتين، وهو ابن خمس وثمانين سنة. يحيى بن طالب أبو زكريا الأنطاكي ويقال: الطرسوسي - الأكاف حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يقرأ عشراً من آخر آل عمران كل ليلة. يحيى بن طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي حدث يحيى وعيسى ابنا طلحة عن أبيهما قال: مر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببعير قد وسم في وجهه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن أهل هذا البعير عدلوا النار عن وجه هذه الدابة ". فقلت: لأسمن في أبعد مكان من وجهها، فوسمت في عجب الذنب. حدث يحيى بن طلحة عن أمه سعدى المرية قالت: مر عمر بطلحة بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما لي أراك مكتبئاً؟ أساءتك إمرة ابن عمك؟ قال: لا، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا كانت نوراً لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحا عند الموت ". فقبض ولم أسأله، فقال: أنا أعلمها،

يحيى بن عبد الله بن أسامة

هي الكلمة التي أراد عليها عمه، يعني: لا إله إلا الله، ولو علم أن شيئاً أنجى له منها لأمره به. وفي آخر بمعناه: قال عمر: أنا سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قال الكلمة التي راودت عمي عليها فردها علي، لا يقولها عبد عند موته إلا فسح له ووجد لها روحاً حتى تخرج نفسه ". فقال طلحة: صدقت والله. يحيى بن عبد الله بن أسامة القرشي البلقاوي حدث عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان عمر بن الخطاب كثيراً مما يحدثنا عن أخبار الجاهلية وأهلها، ويقول: الأجل حصن حصين، وكهف منيع، ولقد أتت علي أحوال مهلكات نجوت منها سالماً، وكنت من أشد الناس إقداماً على ما يعجز عنه كثير من الناس، من الدخول على الملوك ومباشرة الحرب، حتى إني ونفر من أقراني من قريش دون العشرة أقدمنا على مئة رجل من ذوي البأس في بعض طريق الشام، فقد أجمعوا للقاء أقران لهم، فهجمنا عليهم ضحى، فواقعناهم حتى ذهب النهار وجاء الليل، فتحاجزنا، وما ظفروا منا بشيء، وافترق أصحابي بعد ذلك فرقتين، فمكثت في أقلهم عدداً، فأقمت أنا ومن معي بمكاننا، وغدا الآخرون عنا يريدون البحر، فذهبوا إلى الساعد، فما يعلم لأحد منهم خبر، وانطلقنا نحن إلى الشام، فقضينا أمرنا. فلما هممنا بالانصراف طعن رجل من أصحابي فمات، وسرت أنا وواحد منهم لم يبق معي غيره، فلم تنتصف الطريق بنا حتى غشينا في ليلة ظلمة سبع، فاختطفه وبقيت وحدي، فأتيت مكة فأقمت بها أياماً، ثم توجهت لبعض الأمر، فبينا أنا أسير تغولت لي الغول، فقالت لي: أين تعمد يا بن الخطاب؟ فقلت: وما عليك من ذلك؟ فاستدار وجهها حتى صار من ورائها، فرفعت السيف فأضرب به ما بين كتفيها وعنقها فأبنته، وانطلقت حتى قضيت حاجتي، وحدثت

نفسي أن لا أحد في ذلك الطريق، فأتيت على المكان الذي وقعت الغول فيه، فلم أر لها أثراً. فبينا أنا أسير سمعت صياحاً قد علا، ولا أرى أحداً، فما راعني ذلك، ولا جبنت به، وسرت حتى أتيت مكة. وكان الناس يكثرون ذكر النعمان بن المنذر ويصفون إكرامه من يأتيه من قريش، فتوجهت نحوه، فوجدته جالساً في مجلس عظيم، وقد كثر الناس فيه، فجلست حيث انتهى بي المجلس، فدعا بقوس وجعبة، فنكت السهام بين يديه، وجعل يتأمل الناس، فإذا رأى رجلاً طالهم وعلا عليهم رشقه في أذنه بسهم، فأنشبه فيه، وكنت رجلاً طويلاً. فلما رأيته فعل ذلك برجلين خفت أن يقع طرفه علي، فيجعلني ثالثاً، فتلطفت حتى خرجت، ثم عدت إلى مكة، فلبثت بها حيناً، ثم بلغني عن ملوك غسان انه من أتاه من قريش حباه وشرفه، فلم يمنعني ما شاهدته من النعمان أن توجهت حتى انتهيت إليه، فأمكث أياماً لا أصل إليه، ولا يؤذن لأحد عليه، ثم جلس جلوساً عاماً، فدخلت في جملة الناس، فإذا هو جالس في صدر مجلسه، وفي وسط داره أسطوانة طويلة، واسعة الرأس، فجعل يتأملها، ثم قال لجلسائه: أترون أنه لو أخذ رجل شاب، ظاهر الدم، حسن الجسم، فذبح على رأس هذه الأسطوانة، أكان يسيل دمه حتى يبلغ الأرض؟ فقالوا: ما نرى ذاك، وإنها لطويلة، فأمر برجل توسمه بين الناس، ونظر إليه على البعث الذي بعثه، فأصعد إلى أعلى الأسطوانة، فذبح، فسال دمه حتى بلغ ثلثها، وانحدر قليلاً، فقال: ما أراه بلغ الأرض، فلقد كانت به أدمة، ولو كان أبيض كان دمه أكثر. ثم تأمل الناس فلحظني بطرفه، فظننت أنه سيأمر بي، ثم غفل عني فتلطفت وخرجت، فعدت إلى مكة، فمكثت حيناً ثم توجهت في تجارة إلى الشام في رهط من قريش، فيهم أبو سفيان بن حرب، وكان مقصدنا غزة. فلما أتيناها وجدنا أسواقها تصرمت، وبقيت بضائعنا، فقيل لنا: لو أتيتم دمشق لأصبتم بها حاجتكم، فأتيناها، فبعنا واشترينا ما يصلح لبلادنا، وخرجنا نريد طريق بلادنا. فلما سرنا غير بعيد عرضت لي حاجة، فحللت إزاري فإذا فيه صرة، ذكرتها حين رأيتها، فيها شيء من الذهب، كانت امرأة من نساء قومي دفعته إلي، وسألتني أن أبتاع لها به بزاً، وما أشبهه،

فقلت لأصحابي: أنظروني بمكانكم إلى أن أنصرف إليكم، فقد عرضت لي حاجة لا بد من العودة فيها إلى دمشق، فأخبرتهم بأمر المرأة، فقالوا: فنحن نقيم عليك، فلا تحبسنا، فرجعت حتى أدخلها مساء، فنزلت فندقاً لأبيت فيه، وأصبح على حاجتي، فإني لنائم أتاني رجل حسن الصورة مكتهل، فحركني برجله ففتحت عيني، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: أنا رجل غريب دخلت في حاجة، فقال: انطلق معي إلى منزلي، فنهضت معه، واحسن ضيافتي، وبت عنده خير مبيت. فلما أخذت مضجعي قام يصلي الليل كله حتى أدركه الصبح، فأقبل علي، وقال: لا تخرج إلى السوق حتى أخرج معك، فتقضى حاجتك. قال: وكان كل من يخرج إلى الأسواق يحرز متاعه مخافة أن يختطف. قال: وأدرك الرجل النوم لسهره ليله، فكرهت أن أوقظه، وخفت أن أحتبس أنا عن أصحابي، فبادرت إلى السوق، فإذا أكثر أهلها لم يأتوا، فوقفت أترقب، وإذا ببطريق من الروم وجماعة من الأعوان، فرآني وعلم أني غريب، فقال لأعوانه: خذوه، فنعم خادم الكنيسة هو، فأخذوني وانطلقوا بي إلى كنيسة لهم فيها بناء قد استهدم وأعطوني مراً وقالوا: اهدم، فظللت يومي كله أعمل حتى أمسيت، فخلوني، فرجعت إلى الفندق الذي كنت فيه، وأنا بحالة سيئة، فأتاني الرجل الذي كان أضافني فقال: ما كان من أمرك؟ فأخبرته، فقال: ألم أوصك لا تخرج إلى السوق إلا معي؟ فقلت: إنك بت تصلي، وأعجلني الأمر، وكرهت أن أعجلك من منامك، فقال: انطلق الآن معي، فصار بي إلى منزله، وأحسن ضيافتي، وأوصاني ألا أصنع كما صنعت، ولا أخرج إلا معه. وأخذ في صلاته حتى إذا بان الصبح، ونام خالفته فخرجت إلى السوق، فإذا البطريق غشيني، فقال لأصحابه: هذا صاحبنا بالأمس، خذوه فأخذوني، وأعطوني المر، فما زلت أهدم حتى انتصف النهار واشتد الحر، وخلا الموضع، فجلست أستريح، فما شعرت إلا وقد هجم علي البطريق فعلاني بسوط معه حتى أوجعني، فقال: تركت العمل وجلست؟! فأبلغ مني فعله، ونظرت عن يميني وعن شمالي فإذا ليس أحد غيري وغيره، فاجتذبته فسقط إلى الأرض عن دابته،

وضربت هامته بالمر ففلقتها، وهو يستغيث، فلم يسمعه أحد، فطرحت عليه من ذلك الهدم، وخرجت من المدينة هارباً لا ألتفت ورائي حذراً من الطلب، وقصدت غير الطريق الذي فيه أصحابي. فلما أبعدت لحقني رجل من الروم يسير في بعض أمره، فكلمني بلغته فلم أعرفها واستراب بي، وألح في مخاطبتي بما لا أعلمه، وأنا أخاطبه بما لا يعلمه، ثم أومأ بيده إلى سيفه ليسله، فبادرته فغلبته عليه، وصرعته عن بغلة كان عليها وقتلته، وذهبت البغلة، وأخذت حتى وصلت إلى دير فيه جماعة نصارى فدخلته. فلما رأوني سألوني عن حالي فكنيت عنها، وقلت: بم يعرف ديركم؟ قالوا: يعرف بدير العدس، وانطلقوا إلى أسقف لهم فعرفوه خبري، فأتاني. فلما تأملني قال: أرى وجه خائف، قلت: وما ترى من خوفي؟ قال: كن كيف شئت فقد أمن الله خوفك، ولا مكروه عليك إذ وصلت إلينا، وأنزلني في بيته، وأحسن ضيافتي، ثم سألني من أنا؟ وممن أنا؟ فأخبرته، وهو يتأملني، ويعيد مسألتي. فلما أصبحت قال: ما تشاء، المقام أم الرحيل؟ فقلت: الرحيل، فجاءني بحمارة له قمراء ذات لحم وشحم، فأوكفها، وحملها خرجين، فيهما طعام وطرف وتحف، فقال لي: اركبها، وانطلق، فإنك لن تأتي على أحد من النصارى فيراك عليها إلا أحسن ضيافتك، وحفظك وجوزك، ثم أخذ بيدي، فخلا بي من وراء الدير، فقال لي: يا عمر، قد وجب حقي عليك، وأنت رجل من قوم كرام، ولي إليك حاجة، فاقضها، فقلت: اذكرها، وإني لأعجب أن تكون لمثلك إلى مثلي حاجة، وأنا رجل غريب على الحال الذي ترى، فقال: أنا رجل عندي علم من الكتاب، وقد تفرست فيك، ولن تنقضي الأيام حتى يتغير ما عليه الناس، وينتقلون إلى حالة أخرى، وتلي أنت هذه البلاد، وينفذ أمرك، وحكمك فيها وفي أهلها، وأخرج من كمه دواة وصحيفة وقال: حاجتي أن تكتب كتاباً يكون في يدي بإسقاط الجزية عن هذا الدير، ومن يسكنه، فقلت: ما كنت أراك تهزأ بي، فقال: وما كنت أراك تسيء بي الظن، والذي أنزل الإنجيل على عيسى بن مريم لحق كما قلت لك، فاكتب لي بما سألتك، فكتبت له بما سأل وانطلقت، فما أتيت على قوم من النصارى إلا ضيفوني، وجوزوني، وأرشدوني الطريق، وشيعني بعضهم إلى بعض حين رأوني على حمارة الأسقف، حتى انتهيت إلى تبوك، فإذا أصحابي نزول. فلما رأوني نهضوا إلي، وسروا بورودي، وقالوا: حبستنا

بالمكان الذي خلفتنا فيه ثلاثاً، ولما يئسنا منك سرنا، وبنا منك هم شديد، فما كان من شأنك؟ فأخبرتهم خبري غير الذي قاله لي الأسقف، فلم أذكره لهم لضعف كان في نفسي. وقال لهم أبو سفيان حين رآني راكباً على تلك الحمارة: أما ترون هذا الفتى وإقبال أمره، إنه مذ نشأ لو عمد إلى حجر لانفلق عن رزق، قال: وكان الأسقف أوصاني إذا وصلت لأصحابي، واستغنيت عن الحمارة جعلت رسنها في أحد جانبي الخرج، وأشد الخرجين عليها شداً متقناً، وأدعها بمكانها حيث كانت، ففعلت بها ذلك، فقال أبو سفيان: ما هذا؟ فقلت: ما ترى: تدع حمارة مثل هذه معرضة للصوص والسباع، فقلت: بهذا أمرني صاحبها، وهو أعلم بشأنها مني. قال: فسمى ذلك الموضع والركن الذي فيه: ركن الأتان. وأتينا مكة، ودار في نفسي ما سمعته من ذلك الأسقف، فأسررت ذلك إلى حاضنة لي ذات فهم وعلم، فقالت: يا بن الخطاب، إني لم أزل أتوسم فيك الخير، وأنت صغير، وذلك أني رأيت فيما يرى النائم وأنت تطول حتى لم أستطع النظر إلى وجهك لطولك، ثم مددت يدك اليمنى، فنلت بها السماء، فقلت في منامي: ما بال ابني؟ فقال لي قائل: إنه سينال خير الدنيا والآخرة. قال: ونحن في جاهلية لا نعرف معنى هذا الكلام، وكان بمكة رجل من أهل الكتاب يخفي أمره، ويكتم شأنه، إلا أن أكابر قريش يعرفونه ويكرمونه، وربما شاوروه في الأمر يحدث لهم، فطرقته نصف النهار، وقلت له: أغلق الباب، فإن لي بك خلوة ففعل، فقلت له: إني أذكر لك حديثين، فلا تخبر بهما أحداً، وقصصت عليه ما قال الأسقف بدير العدس، وما أخبرتني به حاضنتي من الرؤيا، فأقبل علي وقال: يا بن الخطاب، أما ما ذكر الأسقف فهو اليوم أعلم من بقي على وجه الأرض من النصارى، وما أخبرك إلا بالحق، وأما الرؤيا، فإنه سيحدث بمكة عن قريب أمر يتغير به جميع ما ترى، وقد أظل، فإذا رأيت أوائله يا بن الخطاب فأتني، فإن فيه مصداق ما أخبرك به الأسقف، فقلت: وما هو؟ فقال: لن يخفى عليك، فأول أمر تراه يحدث فهو هو. قال: فانصرفت، وأنا أتوقع ما قال، فمات بعد أيام، وظهر من ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء تحدث به قوم من قريش، وجعلوا يتذاكرونه بينهم على سبيل

يحيى بن عبد الله بن الحارث

الهزء، وقلت في نفسي: لئن كان هذا حقاً لهو الرجل الذي أخبرني به الرجل الكتابي، ولم يزل ذلك يقوى حتى أظهر الله الإسلام. قال أسلم: فلما كان في خلافة عمر توجه إلى الشام أتاه شيخ كبير، ومعه جماعة من النصارى، فسلم عليه، وقال: ما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ فقال: إن كنت صاحبي بدير العدس فإني أعرفك، قال: أنا هو، فقال عمر: إن عهدي بك، وأنت مكتهل، وقد بلغت هذه الحال، وقد أتى الله عز وجل بالإسلام، فما يمنعك من الدخول فيه، وأنت رجل من أهل الكتاب؟ وقد كنت أخبرتني بشيء، فرأيت من نبئه ما استدللت به، على أنك من علمائهم، فاعتذر في ذلك. ثم أظهر الكتاب الذي كان عمر كتبه له، فعرفه عمر، وقال: ما تسأل؟ قال: اسأل أن تمضيه لي، فقد تقدم به أمرك ووعدك، فقال: إنا يومئذ كنا وإياكم على حال قد علمتها، وقد أزالها الله، وجاءنا بغيرها، ولا بد من أحد أمرين: إما الخراج، وإما الضيافة، فاختار الضيافة، فألزمهم إياها عمر، وأسقط عن ديره الخراج على أن عليهم ضيافة من نزل هذا الدير من المسلمين إذا كان عابر سبيل ثلاثة أيام، يطعمونهم، ما يحل لهم من أوسط طعامهم، وكتب لهم بذلك كتاباً، وقال عمر: ما أعرف لأحد عندي يداً منذ كنت حتى من الله علي بالإسلام غير هذا الرجل - يعني ما كان صنعه به أسقف الدير - وعرض عليه المكافأة من ماله، فلم يقبلها، وانصرف وأصحابه راضين بما أكرمهم عمر من ضيافة المسلمين. يحيى بن عبد الله بن الحارث أبو بكر القرشي، العبدري، المعروف بابن الزجاج الكاتب حدث عن أبي بكر محمد بن هارون بن محمد بن بكار بن بلال، بسنده إلى نعيم بن همار عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله عز وجل قال: " ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره ".

يحيى بن عبد الله بن الضحاك

يحيى بن عبد الله بن الضحاك ابن بابلت، أبو سعيد الحراني، المعروف بالبابلتي، مولى بني أمية حدث عن الأوزاعي بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبل وهو صائم. وحدث عنه بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يساوم الرجل على سوم أخيه حتى يشتري أو يترك، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها، فإن المسلمة أخت المسلمة ". قيل: إن بابلت كان من أهل طخارستان من الملوك الكبار. وقيل: إنه قيل له: من أين أنت؟ قال: من الري من موضع يقال له: باب لت، فقيل له: بابلتي، فغلب عليه. وقيل: هي قرية بين حران والرقة. ضعفه قوم. وقدم يحيى بن معين حران فطمع البابلتي أن يجيئه، فوجه إليه بصرة فيها مئة دينار وطعام طيب، فرد الصرة وقبل الطعام، فقيل ليحيى يوم رحل: ما تقول في البابلتي؟ قال: إن صلته حسنة وطعامه طيب إلا أنه لم يسمع والله من الأوزاعي شيئاً. توفي سنة ثمان عشرة ومئتين، وهو ابن تسعين سنة.

يحيى بن عبد الله بن محمد

يحيى بن عبد الله بن محمد ابن سعيد، أبو زكريا حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أول ما يكفأ أمتي عن الإسلام كما يكفأ الإناء في الخمر. قال: فقلت: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفه. يحيى بن عبد الله أبو عبد الله من دمشق. حدث عن الأوزاعي بسنده إلى أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في قوله عز وجل: " خذوا زينتكم عند كل مسجد "، قال: الصلاة في النعال. يحيى بن عبد الباقي بن يحيى ابن يزيد، بن إبراهيم بن عبد الله أبو القاسم الأذني حدث عن محمد بن عبد الله بن القاسم الصغاني بسنده إلى عبادة بن الصامت قال: طلق بعض آبائي امرأته ألفاً، فانطلق بنوه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا:

يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب

يا رسول الله؛ إن أبانا طلق أمنا ألفاً، فهل له من مخرج؟ فقال: إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجاً، بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسع مئة وسبع وتسعون إثم في عنقه. وحدث عن أحمد بن إبراهيم السائح بسنده إلى شداد بن أوس الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا عزت ربيعة ذل الإسلام، ولا يزال الله يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله ما عزت مضر واليمن ". وحدث عن لوين بسنده إلى علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل الثوم، فلولا أني أناجي الملائكة لأكلته ". توفي يحيى بن عبد الله سنة اثنتين وتسعين، أو سنة ثلاث وتسعين ومئتين. يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ابن أبي بلتعة، أبو محمد ويقال: أبو بكر اللخمي المدني وفد على عبد الملك بن مروان. حدث عن أبيه عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحج على ثلاثة أنواع، فمنا من أهل بحج وعمرة معاً، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج وعمرة معاً لم يحلل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج، ومن أهل بعمرة مفردة، وطاف بالبيت والصفا والمروة حل مما حرم حتى يتقبل حجاً، ومن أهل بحج مفرد لم يحل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج.

يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد

حدث هشام بن عروة: أن رجلاً من آل حاطب بن أبي بلتعة كانت بينه وبين رجل من آل صهيب منازعة. فذكر الحديث في قتله. قال: فركب يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك، فقضى بالقسامة على ستة نفر من آل حاطب فثنى عليهم الأيمان، فطلب آل حاطب أن يحلفوا على اثنين ويقتلونهما، فأبى عبد الملك إلا ان يحلفوا على واحد فيقتلوه، فحلفوا على الصهيبي فقتلوه. قال هشام: فلم ينكر ذلك عروة، ورأى أن قد أصيب فيه الحق. توفي أبو محمد سنة أربع ومئة. يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد ابن شعيب بن إسحاق، أبو سعيد الدمشقي حدث عن محمود بن خالد بسنده إلى عروة قال: ما قنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن يستنصر. توفي أبو سعيد سنة تسعين ومئتين. يحيى بن عبد الرحمن بن عمارة ابن معلى، أبو زكريا الهمداني الدقاني من أهل قرية دقانية من قرى دمشق. حدث عن محمد بن إسحاق الأشعري بسنده إلى جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيما شاب تزوج في حداثة سنه، عج شيطانه: يا ويله! يا ويله! عصم مني ثلثي دينه ".

يحيى بن عبد الرحمن أبو شيبة

توفي أبو زكريا سنة خمس عشرة وثلاث مئة. يحيى بن عبد الرحمن أبو شيبة الكناني، ويقال: الكندي حدث عن عبد الله بن المغيرة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سيكون قوم بعدي من أمتي يقرؤون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول: لو أتيتم السلطان فأصلح من دنياكم، واعتزلتموهم بدينكم، ولا يكون كذلك، كما لا يجتنى من القتاد ولا الشوك، كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا ". يحيى بن عبد العزيز بن إسماعيل ابن عبيد الله، ابن أبي المهاجر، القرشي المخزومي حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى إسماعيل بن عبيد الله قال: قال لي عبد الملك بن مروان: أدب ولدي، فإني معطيك، قلت: كيف بذلك؟ وقد حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يأخذ على تعليم القرآن قوساً قلده الله قوساً من نار ". يحيى بن عبد العزيز أبو عبد العزيز الأردني دمشقي.

يحيى بن عبد الواحد بن سليمان

حدث عن عبد الله بن نعيم بسنده إلى أبي موسى الأشعري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عقد يوم حنين لأبي عامر الأشعري على جبل الطلب، فلما انهزمت هوازن طلبها حتى أدرك ابن دريد بن الصمة، فأسرع به فرسه، فقتل ابن دريد أبا عامر، قال أبو موسى: فشددت على ابن دريد فقتلته، وأخذت اللواء، وانصرفت بالناس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فلما رأى اللواء بيدي قال: أبا موسى، قتل أبو عامر؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فرفع يديه يدعو له، يقول: اللهم، أبا عامر اجعله في الأكثرين يوم القيامة. يحيى بن عبد الواحد بن سليمان ابن عبيد الله - ويقال: ابن عبد الواحد بن عبيد الله - بن مروان بن الحكم حدث يحيى بن عبد الواحد بن سليمان بن عبيد الله بن مروان، أن مروان لم يسبق عبد الملك إلا بالحلم. يحيى بن عبد الواحد بن علي ابن عبد الواحد بن موحد بن البري، أبو عبد الله السلمي أنشد أبو عبد الله لأبي علي الحسن بن محمد بن أبي الشخباء العسقلاني: سار فسار النوم عن ناظري ... وخيم الهم بأفكاري كأنما قلدني بعده ... كتبة جيش الفلك للساري ولم يدع لي جارياً غير ما ... قرره من دمعي الجاري

يحيى بن عتبة بن عبد السلام

يحيى بن عتبة بن عبد السلام من دمشق. وقع فيه وهم وهو: ابن عبد السلمي، وهو من حمص. حدث يحيى عن أبيه عتبة قال: دعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما اسمك؟ فقلت: عتلة بن عبد، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بل أنت عتبة بن عبد. وحدث عنه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قريظة والنضير: من أدخل هذا الحصن سهماً وجبت له الجنة. قال عتبة: فأدخلته ثلاثة أسهم. يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير ابن دينار، أبو سليمان - ويقال: أبو زكريا - الحمصي، الرجل الصالح، أخو عمرو بن عثمان حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده إلى جعفر بن أبي طالب، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه كلمات إذا نزل به كرب دعا بهن: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين.

يحيى بن عثمان أبو زكريا

قال المسيب بن واضح: رأيت في النوم كأن آتياً أتاني، فقال: إن كان بقي من الأبدال أحد فيحيى بن عثمان الحمصي. قال سلمة بن الهيذام الكلبي: كان جعفر المتوكل قد جعل عمراً ويحيى ابني عثمان بن سعيد المختارين بحمص، في أيام التعديل. قال: فقال لي يحيى: يا سلمة، من أين جئت؟ فقلت: من عند أخيك عمرو، قال: وما يعمل؟ قلت: هو قاعد وابنه يكتبان كتاباً إلى أمير المؤمنين عنك وعنه، فقال: الله حسيبهما، ما لي ولأمير المؤمنين! ما أنا وأمير المؤمنين؟! ما أمرت، ولا علمت. قال: وكان يحيى ورعاً لا يدخل في عمل السلطان، قال سلمة: فلقيني عمرو بن عثمان الغد فقال لي: يا فضولي، ما حملك على ما فعلت أمس؟! فقلت: يا أبا حفص، أردت أن أسر أخاك، فقال: يا بني، غمته، ونالنا من العتب منه ما كنا عنه أغنياء، فلا تعد لمثلها. يحيى بن عثمان أبو زكريا المعروف بالحربي حدث عن إسماعيل بن عياش بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أحدكم مرآة أخيه، فإذا رأى به شيئاً فليمطه عنه. وحدث عنه بسنده إلى أنس بن مالك ان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما من مسلم يشهر على أخيه السلاح، إلا كانا على حرف جهنم، فإن أغمدا عادا إلى الذي كانا عليه، وإن قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعاً ". توفي يحيى بن عثمان سنة ثمان وثلاثين ومئتين.

يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام

يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسيد بن عبد العزى، أبو عروة القرشي الأسدي الزبيري حدث عن أبيه أن عائشة قالت: سأل أناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكهان، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ليسوا بشيء، فقالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مئة كذبة. قوله: فيقرها بضم القاف، معناه الصب، يقال: قرت الحمامة فرخها إذا صبت في حلقه. وفد يحيى بن عروة على عبد الملك بن مروان فجلس ببابه، فسمع حاجب عبد الملك يتناول من ابن الزبير، فضرب يحيى وجه الحاجب فأدماه، فقال له عبد الملك: من فعل بك؟ قال: يحيى بن عروة، قال: أدخله، فدخل، وقد استوى عبد الملك على فراشه، فقال: ما حملك على ما فعلت بحاجبي؟ فقال له يحيى: عمي عبد الله بن الزبير كان أحسن جواراً لعمتك منك لنا، والله إن كان ليقول لها: من سب أهلك فسبي أهله، وإن كان لينهى حامته وعشيرته وحشمه أن يسمعوها فيكم قذعاً، أنا والله المعم المخول، تفرقت العرب عن عمي وخالي فكنت كما قال الشاعر:

يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدما قال: فاضطجع عبد الملك، ولم يزل كذلك يعرف فيه إكراماً ليحيى بن عروة. قال يحيى بن عروة: أنا أكرم العرب، اختلفت العرب في عمي وخالي، يعني عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم. وكان يحيى بن عروة من أشرف بني عروة، وكان يلي عبد الله في السن، وهو القائل: أشرتم بلبس الخز لما لبستم ... ومن قبل لا تدرون من فتح القرى قعوداً بأبواب الفجاج وخيلنا ... تسامي سمام الموت تكدس بالقنا فلما أتاكم فيئنا برماحنا ... تكذب مكفي بعيب لمن كفى خرج عروة إلى الوليد بن عبد الملك، فسقط ابنه يحيى عن ظهر بيت، فوقع تحت أرجل الدواب فقطعته. ومن شعر يحيى بن عروة بن الزبير: الخفيف

يحيى بن علي بن عبد العزيز

أين عمي وقبل ذاك أبوه ... وقتيل العراق بين الجسور أثروا الصبر والحياء فماتوا ... قبل دهر يشاب بالتكدير يحيى بن علي بن عبد العزيز ابن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد أبو المفضل بن أبي الحسين القرشي، المعروف بابن الصائغ قاضي دمشق: حدث عن أبي القاسم عبد الرزاق بن عبد الله بن الفضيل الكلاعي بسنده إلى عبد الله بن عمرو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استند إلى البيت، فوعظ الناس، وذكرهم، ثم قال: " لا يصلي أحكم بعد العصر حتى الليل، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ثلاثة أيام، ولا تنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها ". ولد أبو المفضل سنة ثلاث أو أربع وأربعين وأربع مئة، وتوفي سنة أربع وثلاثين وخمس مئة. وكان ثقة، فصيح اللسان، حسن المحاضرة. يحيى بن علي بن محمد بن هاشم ابن النعمان بن مرادس أبو العباس الكندي الحلبي الخفاف حدث عن عبد الملك بن دليل إمام مسجد حلب بسنده إلى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " يقول الله عز وجل: توسعت على عبادي بثلاث خصال: بعثت الدابة على الحبة

يحيى بن علي بن محمد

يعني القمح والشعير، ولولا ذلك لكنزهما ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة، وتغير الجسد من بعد الموت، ولولا ذلك لما دفن حميم حميمه، وسليت حزن الحزين ولولا ذلك لم يكن يسلو ". وحدث عن جده محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة بسنده إلى ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن القزع: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض. قدم دمشق حاجاً سنة أربع وثلاث مئة. يحيى بن علي بن محمد ابن المختفي أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسين الزيدي الحسيني حدث عن أحمد بن محمد بن عقدة بسنده إلى زيد بن علي عن أبائه قال: قام أبو بكر على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل من كاره فأقيله؟ ثلاثاً يقول ذلك، فيقول علي بن أبي طالب: لا والله، لا نقيلك ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ توفي يحيى بن علي سنة تسع وثمانين وثلاث مئة.

يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام

يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام أبو زكريا التبريزي، الخطيب، الأديب، اللغوي حدث عن أبي الحسين محمد بن محمد السراج بسنده إلى عائشة قالت: ظننت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهدي بمنى قبل أن نزور البيت. وحدث بسنده إلى حكيم بن حزام قال: نهاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أبيع ما ليس عندي. وحدث بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تأكل بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال ". وأنشد عن أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي، قال: أنشدنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن زكريا بن فارس النحوي لنفسه: المتقارب إذا كان يؤذيك حر المصيف ... ويبس الخريف وبرد الشتا ويلهيك حسن زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لي متى! قال أبو زكريا: أنشدنا أبو العلاء محمد بن علي بن حسول الهمذاني الوزير بالري لنفسه: مخلع البسيط تقعد فوقي لأي معنى ... للفضل، للهمة النفيسه!

يحيى بن علي بن محمد بن زهير

إن غلط الدهر فيك يوماً ... فليس في الشرط أن تقيسه كم فارس غصت الليالي ... به إلى أن غدا فريسه فلا تفاخر بما تقضى ... كان الخرا مرة هريسه توفي أبو زكريا سنة اثنتين وخمس مئة. يحيى بن علي بن محمد بن زهير أبو القاسم السلمي، المحتسب حدث عن أبي الفضل أحمد بن عبد المنعم ابن الكريدي بسنده إلى ابن عمر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نصح العبد لسيده، وأحسن عبادة ربه، كان له الأجر مرتين ". توفي أبو القاسم سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة، وكان مبخلاً مقتراً على نفسه، ولم يتأهل قط، فمات، فوجد له مال كثير، وذخائر مستحسنة، فأخذ السلطان ماله أجمع، لأنه لم يبق له وارث. يحيى بن عمرو بن عمارة بن راشد بن مسلم ويقال: بابن كنانة أبو الخطاب، الليثي مولاهم حدث عن ابن ثوبان بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والذي نفسي بيده لقيد سوط في الجنة خير مما بين السماء والأرض ". وبه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا هم العبد بسيئة قال الله للملائكة: إن لم يعملها فلا تكتبوها، وإن عملها فاكتبوها سيئة، وإن العبد إذا هم بالحسنة أن يعملها قال الله عز وجل للملائكة: اكتبوها حسنة، وإن عملها قال: اكتبوها عشر حسنات إلى سبع مئة ". وحدث عن ابن ثوبان بسنده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه ".

يحيى بن عمير الغساني

وحدث عن عتبة بن عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إنما الوضوء مما أخرجت القبلين. يحيى بن عمير الغساني ذكر في ترجمته أنه قال هو والنعمان بن المنذر: كنا نغزو مع مكحول، فيحمل معه ديكاً يسمى محبوب، فكان إذا صاح من الليل قام فتوضأ وصلى، ثم يقيم أصحابه فيقول: قوموا صلوا ركعتين، واذكروا الله تعالى. يحيى بن غسان الدمشقي حدث عن أيوب بن مدرك الدمشقي عن مكحول عن سعيد بن المسيب قال: نزل بي أمر أهمني، فخرجت من الليل إلى مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخلت المسجد فسمعت حركة الحصا، فالتفت فلم أر أحداً، وسمعت قائلاً يقول: ادع الله في هذا الأمر الذي يهمك، وقل: اللهم، إني أسألك بأنك لنا مالك، وأنك على كل شيء مقتدر، وأنك ما تشاء من أمر يكن، قال: فما دعوت به في شيء من أمر الدنيا إلا وقد رأيته، وأنا أرجو أن يكون ما دعوت به من أمر الآخرة على مثل ذلك إن شاء الله تعالى. يحيى بن محمد بن سهل حدث عن علي بن سهل عن ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو السيباني قال: لما بنى داود مسجد بيت المقدس نهى أن يدخل الرخام بيت المقدس، لأنه الحجر الملعون. فخر على الحجارة فلعن.

يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب

يحيى بن محمد بن صاعد بن كاتب أبو محمد البغدادي الحافظ مولى أبي جعفر المنصور حدث عن عبد الجبار بن العلاء وغيره بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سرى أحد ليلة وحده ". وحدث عن الحسن بن مدرك الطحان بسنده إلى حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على أسير، رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يأتيك من الحياء إلا خير ". وحدث عن محمد بن يحيى بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا طلاق إلا بعد نكاح ". توفي يحيى بن صاعد سنة ثمان عشرة وثلاث مئة. ومولده سنة ثمان وعشرين ومئتين. يحيى بن محمد بن عبد الحميد السكسكي البتلهي حدث عن يحيى بن أكثم بسنده إلى ابن عباس قال: ثلاثة لا أقدر على مكافأتهم ولو حرصت: رجل سقاني شربة على ظمأ، ورجل حفظني بظهر الغيب، ورجل وسع لي في مجلس. ورابع لا يكافئه عني إلا الله عز وجل: رجل بات وحاجته تلجلج في صدره غدا علي فأنزلها بي، وأنشد: الطويل

يحيى بن محمد بن علي

إذا طارقات الهم صاحبت الفتى ... وأعملن فكر الليل والليل عاكر وباكرني في حاجة لم يجد لها ... سواي ولا من نكبة الدهر ناصر فرجت بمالي همه في مقامه ... وزايله الهم الطروق المساور وكان له فضل علي بظنه ... بي الخير، إني للذي ظن شاكر يحيى بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أخو السفاح والمنصور قال شهاب بن عباد: لما استباح يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله الموصل عدا رجل من أصحابه على صبي يريد قتله، فسعى الصبي حتى ولج على جدة له، أو أم، أو عمة، فاشتملت عليه فقال: أظهريه، وإلا قتلتكما جميعاً، قالت: أنشدك الله فيه، فإنكم قد أصبتم أهله فلم يبق غيره، ولك عشرة آلاف أعطيكها الساعة، فأبى، فبذلت له كل ما تملك فأبى، ونظر إلى وعاء سقط أو حقة أو غير ذلك فنظر فإذا فيه: الوافر إذا جار الأمير وكاتبوه ... وخانوا في الحكومة والقضاء فويل للأمير وكاتبيه ... وقاضي الأرض من قاضي السماء

يحيى بن محمد بن عمران

فخرج الرجل نادماً، لم يعرض للغلام ولا لشيء مما في البيت، وتاب فأحسن التوبة. مات يحيى بن محمد بن عبد الله سنة خمس وثلاثين ومئة. يحيى بن محمد بن عمران ابن أبي الصفيراء الحلبي، البالسي حدث عن عقبة بن مكرم بسنده إلى جابر قال: سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الشؤم؟ قال: سوء الخلق. وحدث عن هشام بن عمار بسنده إلى سعد: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً أن يدخل يديه في أذنيه إذا أذن، وقال: إنه أرفع لصوتك. وحدث عن عيسى بن عبد الله العسقلاني بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة ". يحيى بن محمد بن محمد بن زياد بن زبار أبو صالح، الكلبي البغدادي حدث بدمشق سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة عن عمرو بن علي الفلاس بسنده إلى عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حلف أحدكم على يمين، ورأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، ولينظر الذي هو خير فليأته ". توفي أبو صالح سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة.

يحيى بن محمد بن المسلم

يحيى بن محمد بن المسلم أبو غانم الحلبي، المعروف بابن الحلاوي فمن شعره: مجزوء الكامل يا دهر مهلاً قد بلغ؟ ... ت مناك في تشتيت شملي وأذقتني ثكل الأحبة ... وهو غاية كل ثكل حللت فرقة شملنا ... ما أنت من قبلي بحل يا غربة أنفقت في؟ ... ها أدمعي جهد المقل وبليت شوقاً نحوهم ... وكذلك الأشواق تبلي هل لي إليهم أوبة ... ومن التعلل قول هل لي يحيى بن مبارك الصنعاني من صنعاء دمشق. حدث عن شريك بسنده إلى ابن عباس قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " شفعت في هؤلاء النفر، في أبي، وعمي أبي طالب، وأخي من الرضاعة يعني: ابن السعدية ليكونوا من بعد البعث هنا ". وحدث عن كثير بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو أن صاحب بدعة أو مكذباً بقدر قتل بين الركن والمقام صابراً محتسباً مظلوماً لم ينظر الله في شيء من أمره حتى يدخله جهنم ".

يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج

يحيى بن مسعر بن محمد بن يحيى بن الفرج أبو زكريا، التنوخي المعري حدث عن أبي غروبة بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة ". يحيى بن أبي المطاع القرشي الشامي ابن أخت بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث عن عرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موعظة، وجفت منها القلوب، وذرفت منها الأعين، فقلنا: يا رسول الله، إنك قد وعظتنا موعظة مودع، فاعهد إلينا، قال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، وسيرى من بقي بعدي منكم اختلافاً شديداً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والمحدثات، فإن كل بدعة ضلالة. ومن حديث روي عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب قال: صحبت يحيى بن أبي المطاع إلى زيزاء، فلم يزل يقرأ بنا في صلاة العشاء وصلاة الصبح في الركعة الأولى ب؟ " قل هو الله أحد " وفي الركعة الثانية ب؟ " قل أعوذ برب الفلق " و" قل أعوذ برب الناس " الحديث.

يحيى بن معين بن عون بن زياد

يحيى بن معين بن عون بن زياد ابن بسطام بن عبد الرحمن وقيل: ابن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام أبو زكريا المري مرة غطفان، مولاهم، البغدادي الحافظ حدث عن علي بن هاشم ووكيع بسنديهما إلى عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مات صاحبكم فدعوه ". وحدث عن حفص بن غياث بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أقال مسلماً عثرته أقال الله عثرته يوم القيامة ". وفي رواية: " من أقال نادماً عثرته ... ". وفي رواية: " من أقال عثرة أقاله الله يوم القيامة ". وحدث يحيى بن معين عن أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال ابن عمر: وضوء على وضوء عشر حسنات. ولد يحيى بن معين سنة ثمان وخمسين ومئة. وتوفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، وغسل على أعواد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان إماماً ربانياً، عالماً حافظاً، ثبتاً متقناً. ومَعِين: بفتح الميم وكسر العين وآخره نون. وذكر داود بن رشيد: أن معيناً أبا يحيى كان مشعبذاً، وكان يحيى من قرية نحو

الأنبار، يقال لها نقيا. ويقال: إن فرعون كان من أهل نقيا. وقيل: كان معين على خراج الزي، فمات، فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم، وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبسه. رحمة الله عليه. وعن علي أظنه ابن المديني قال: لا نعلم أحداً من لدن أدم كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. قال محمد بن نصر الطبري: دخلت على يحيى بن معين، فعددت عنده كذا وكذا سفطاً، يعني دفاتر. وسمعته يقول: كتبت بيدي ألف ألف حديث. وسمعته يقول: كل حديث لا يوجد ههنا وأشار بيده إلى الأسفاط فهو كذب. قال يحيى بن معين: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش.

وقال: سيندم المنتخب في الحديث، ولا تنفعه الندامة. قال يحيى بن معين: كنا بقرية من قرى مصر، فلم يكن معنا شيء ولا ثم شيء نشتريه. فلما أصبحنا إذا نحن بزبيل ملئ بسمك مشوي وليس عنده أحد، فسألوني عنه، فقلت: اقتسموه، فكلوه. قال يحيى: أظن أنه رزق رزقهم الله عز وجل. قال يحيى بن معين: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. وكان العباس بن محمد يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. وقال يحيى: الإيمان يزيد وينقص، وهو قول وعمل. قال علي بن المديني: دار حديث الثقات على ستة وذكرهم، ثم قال: ما شذ عن هؤلاء يصير إلى اثني عشر فذكرهم، ثم صار حديث هؤلاء كلهم إلى يحيى بن معين. قال أبو زرعة: ولم ينتفع به لأنه كان يتكلم في الناس. قال هلال بن العلاء: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم، أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والشافعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام. فأما أحمد بن حنبل فثبت في دين الله، ولولا ذلك لارتد الناس، وأما يحيى بن معين فأنفاه الكذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما الشافعي ففقه الناس في دين الله، وأما أبو عبيد ففسر الغريب من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء له علي بن المديني، وأحسنهم وضعاً لكتاب ابن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه يحيى بن معين. قال أبو حاتم الرازي إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب. قال جعفر بن محمد الطيالسي: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال لا إله إلا الله يخلق من كل كلمة منها طير منقاره من ذهب، وريشه من مرجان، وأخذ في قصة نحو من عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى، ويحيى ينظر إلى أحمد، فيقول: أنت حدثته، فقال: والله ما سمعت به إلا هذه الساعة. فلما فرغ من قصصه وأخذ قطاعه، قال له يحيى بن معين: أن تعال، فجاء متوهماً لنوال يجيزه، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط، فإن كان ولا بد والكذب فعلى غيرنا، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، فقال له يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما، قال: فوضع أحمد كمه على وجهه فقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما. قال يحيى بن معين: ما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلا تركته.

جاء رجل عجل إلى يحيى بن معين فقال: حدثني بشيء أذكرك به فقال له: اذكرني أنك سألتني أن أحدثك فلم أفعل. قال يحيى بن معين: كنت بمصر فرأيت جارية بيعت بألف دينار، ما رأيت أحسن منها صلى الله عليها، فقيل له: يا أبا زكريا، مثلك يقول هذا؟! قال: نعم، صلى الله عليها وعلى كل مليح. ومن شعر يحيى بن معين: المال ينفذ حله وحرامه ... يوماً، وتبقى في غد آثامه ليس التقي بمتق في دينه ... حتى يطيب شرابه وطعامه ويطيب ما تحوي وتكسب كفه ... ويطيب في حسن الحديث كلامه نطق النبي لنا به عن ربه ... فعلى النبي صلاته وسلامه ومن شعر يحيى بن معين أيضاً: أخلاء الرجال هم كثير ... ولكن في البلاء هم قليل فلا يغررك خلة من تؤاخي ... فما لك عند نائبة خليل سوى رجل له حسب ودين ... لما قد قاله يوماً فعول كان يحيى بن معين يحج، فيذهب إلى مكة على المدينة، ويرجع على المدينة. فلما كان آخر حجة حجها خرج على المدينة، ورجع على المدينة، فأقام بها يومين أو ثلاثة، ثم خرج حتى نزل المنزل مع رفقائه، فباتوا، فرأى في النوم هاتفاً يهتف به: يا أبا زكريا، أترغب عن جواري؟ يا أبا زكريا، أترغب عن جواري؟ فلما أصبح قال لرفقائه: امضوا فإني راجع إلى المدينة، فمضوا ورجع، فأقام بها ثلاثاً، ثم مات، فحمل على أعواد النبي صلى اله عليه وسلم، وجعلوا يقولون: هذا الذاب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب.

وقيل: إنه دخل المدينة ليلة جمعة، ومات من ليلته، فتسامع الناس بقدوم يحيى وبموته، فاجتمع العامة، وجاء بنو هاشم، فقالوا: نخرج له الأعواد التي غسل عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكره العامة ذلك، فكثر الكلام، فقال بنو هاشم: نحن أولى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منكم، وهو أهل أن يغسل عليها، فأخرج الأعواد، فغسل عليها. وفي رواية: فأخرجوا له سرير النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمل عليه فصلى عليه الوالي، ثم صلي عليه مراراً. وتوفي يحيى وسنه سبع وسبعون سنة. قال إبراهيم بن المنذر: فرأى رجل في المنام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه مجتمعين، فقيل لهم: ما لكم مجتمعين؟ فقال: جئت لهذا الرجل أصلي عليه، فإنه كان يذب الكذب عن حديثي. وقيل: إنه لما مات يحيى بن معين نادى إبراهيم بن المنذر: من أراد أن يشهد جنازة المأمون على حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليشهد. وعن ابن سيرين قال: رأيت يحيى بن معين في المنام فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: قربني، وأدناني، وزوجني ثلاث مئة حوراء، فقلت: بماذا؟ فأخرج شيئاً من كمه، فقال: بهذا، يعني: الحديث. زاد في حديث آخر مثله: وأدخلني عليه مرتين. قال بعضهم: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يرى وهو نائم، ويحيى بن معين قائم على رأسه يذب عنه

يحيى بن منقذ الفراديسي

بمذبة. فلما أصبحت أتيت يحيى فأخبرته، فقال لي: نحن نذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب. وقال يحيى بن أيوب المقدسي: رأيت كأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائم، وعليه ثوب مغطى، وأحمد ويحيى يذبان عنه. قال بعض المحدثين في يحيى بن معين: ذهب العليم بعيب كل محدث ... وبكل مختلف من الإسناد وبكل وهم في الحديث ومشكل ... يعيا به علماء كل بلاد يحيى بن منقذ الفراديسي كان شيخاً من الجند. قال: ذبحت شاةً فأكلت لحمها، فسألت مكحولاً عن جلدها؟ فقال: أليس إنما ذبحتها للحمها؟ قلت: نعم، قال: فإن جلدها من لحمها. يحيى بن موسى بن إسحاق ويقال: ابن هارون القرشي حدث عن زيد بن يحيى بن عبيد بسنده إلى أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تأتوا النساء في أدبارهن ". وبه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الجماعة أنه قال: " من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها ". حدث عن علي بن معبد بسنده إلى حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوحى الله إلي: يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين، أنذر قومك ألا يدخلوا بيتاً

يحيى بن هانئ بن عروة بن فضفاض

من بيوتي إلا بقلوب سليمة، وألسن صادقة وأيد نقية، وفروج طاهرة، ولا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحد منهم ظلامة، فإني ألعنه ما دام قائماً بين يدي يصلي، حتى ترد تلك الظلامة إلى أهلها، فإذا فعل أكون سمعه الذي يسمع به، وأكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء ". يحيى بن هانئ بن عروة بن فضفاض ويقال: قعاص المرادي الكوفي حدث عن أبي حذيفة بسنده إلى عبد الرحمن بن علقمة قال: قدم وفد ثقيف على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعهم هدية، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذه معكم، هدية أم صدقة؟ فإن الصدقة يبتغى بها وجه الله، وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة "، قالوا: لا، بل هدية، فقبلها منهم، ثم جعلوا يستفتونه، ويسألونه، فما صلى الظهر إلا مع العصر. وحدث يحيى بن هانئ عن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس يوم الجمعة، فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا أو تأخرنا، فقال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث عن نعيم بن دجاجة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا هجرة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يعني بعد وفاته. وحدث عن أبي خمير عن كعب:

يحيى بن هانئ أبو صفوان

المطر روح الأرض. وكان يحيى بن هانئ ثقة صالحاً. يحيى بن هانئ أبو صفوان الرعيني الدمشقي قال يحيى بن هانئ: ولاني عمر بن عبد العزيز الصدقة بالجزيرة، فبلغت ثمانين ألفاً، فكتب إليه عمر يأمره أن يأخذ منها الثمن، ويبعث إليه بالبقية. وحدث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: تعرف صلاح القوم بطيب عرانهم، يعني: أفنيتهم. يحيى بن هشام بن عبد الملك ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص حدث عن عبد الملك بن مروان قال: الفكرة منك في عيوبك مطردة لمكايد الشيطان لك في عيوب غيرك.

يحيى بن يحيى بن قيس بن الحارثة

يحيى بن يحيى بن قيس بن الحارثة ابن عمرو بن زيد بن عبد مناة بن الحسحاس، أبو عثمان الغساني، سيد أهل دمشق. حدث عن عمرة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " القطع في ربع دينار فصاعداً ". كان يحيى بن يحيى عالماً بالفتيا والقضاء، توفي سنة خمس وثلاثين ومئة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومئة. يقال أنه شرب شربة، فشرق بها فمات. وعن يحيى أنه نام، فاستيقظ، فقال: ما غلب علي النوم قط إلا خشيت ألا أستيقظ حتى أموت. وعن يحيى قال: امش ميلاً عد مريضاً، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخاً في الله. قال يحيى: أربع كلمات لا يقولهن عبد مؤمن بهن إلا بوأه الله بيتاً في الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الله عز وجل يقول: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " والثانية: العبد إذا أصاب ذنباً قال: أستغفر

الله، فإن عز وجل يقول: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا " إلى " أجر العاملين " والثالثة: العبد إذا مرت به نعمة من نعم الله قال: الحمد لله، فإن الله عز وجل يقول: " وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً " إلى " فنعم أجر العاملين " والرابعة: العبد إذا أصابته مصيبة رجع، فإن الله عز وجل يقول: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله " إلى " وأولئك هم المهتدون "، كان يحيى يوصي ولده وأهل بيته فقال: أنزلوا الأضياف، ولا تكلفوا لهم مؤونة، فإنكم إذا تكلفتم لهم ثقلوا عليكم، فأطعموهم مما حضر. ولما خرجت المسودة، ولم يدخلوا الشام بعد قال ابن سراقة - يعني عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة ليحيى بن يحيى -: يا أبا عثمان، هل كتبت إلى المسودة؟ فقال يحيى: لا، إني أشهد الله أن ديني واحد، ووجهي واحد، ولساني واحد، فقال له ابن سراقة: تنام، وابن هند لا ينام. يعني: أنه قد كتب إليهم، فقال له يحيى: لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون عند الله أميناً. قال يحيى بن يحيى: لما نزل عبد الله بن علي بالمسودة وحصروا دمشق، استغاث الناس بيحيى بن يحيى، فسأله الوليد بن معاوية أن يخرج إلى عبد الله بن علي ليأخذ لهم أماناً، فخرج إلى عبد الله بن علي، فأجابه إلى ذلك، فاضطرب بذلك الصوت حتى دخل المدينة، وقال الناس: الأمان، الأمان، فخرج من المدينة ناس كثير، وأصعدوا إليهم من المسودة خلقاً كثيراً، فقال له يحيى: اكتب لنا كتاباً بالأمان الذي جعلته لنا، فدعا بدواة

يحيى بن يزيد أبي حفصة

وقرطاس، ثم ضرب ببصرة نحو المدينة، فإذا الحائط قد غشيه المسودة، فقال: نح هذا القرطاس عني، فإني قد دخلتها قسراً، فقال له يحيى: لا، والله ولكن دخلتها غدراً، لأنك جعلت لنا أماناً، فخرج عليه من خرج، ودخل عليه من دخل، فإن كان كما تقول فاردد رجالك عنها، وارددنا إلى مدينتنا، فقال له عبد الله بن علي: إنه والله لولا ما أعرف من مودتك لنا أهل البيت ما استقبلتني بهذا، فقال له يحيى: إن الله جعلك من أهل بيت الحق والرحمة والبركة، الذين لا يعرف لهم ولا يقبل منهم إلا العمل بتقوى الله وطاعته، واعلم أن قرابتك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تزد حق الله عليك إلا عظماً ووجوباً، ولم تزد الناس إلا إنكاراً للمنكر ومعرفة لكل ما وافق الحق، فقال عبد الله: تنح عني، ثم تذمم عبد الله بن علي فقال: يا غلام، اذهب به إلى حجرتي، تخوفاً عليه، لأنه كان عليه قميص أبيض وعمامة، فقد سود الناس كلهم، فليس يرى على أحد شيء من البياض غيره، ثم قال عبد الله: يا غلام، اذهب بهذا العلم واركزه في داره، وناد: من دخل دار يحيى بن يحيى فهو آمن، فلم يقتل فيها أحد، ولا في الدار التي أجير من بها، وانحشروا فيها فسلموا. يحيى بن يزيد أبي حفصة مولى مروان بن الحكم كان ممدحاً، جواداً، شاعراً. دخل يحيى على الوليد بن عبد الملك لما بويع بالخلافة بعد أبيه فهنأه وعزاه وأنشد: إن المنايا لا تغادر واحداً ... يمشي ببزته ولا ذا جنه لو كان خلق للمنايا مفلتاً ... كان الخليفة مفلتاً منهنه بكت المنابر يوم مات وإنما ... بكت المنابر فقد فارسهنه لما علاهن الوليد خليفة ... قلن ابنه ونظيره فسكتنه لو غيره قرع المنابر بعده ... أنكرته فطرحنه عنهنه

يحيى أبو محمد التميمي

وقال يحيى يذكر خروج يزيد بن المهلب، ويتأسف على الحجاج: لا يصلح الناس إلا السيف إذ فتنوا ... لهفي عليك ولا حجاج للدين لو كان حياً غداة الأزد إذ نكثوا ... لم يحص قتلاهم حساب ديرين يحيى أبو محمد التميمي حدث عن العباس بن الفضل العبدي بسند إلى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا جلس غمرته ". يخلف بن عبد الله بن بحر أبو سعيد المقرئ العروضي حدث عن إبراهيم بن سعد الحبال بسنده إلى معقل بن يسار المزني قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة ". يرفا مولى عمر بن الخطاب وحاجبه قال اليرفا: قال لي عمر بن الخطاب: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم: إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإن استغنيت استعففت. وقال: قال لي عمر: إني على أمر من الناس جسيم، فإذا رأيتني قد حلفت على شيء فأطعم عني عشرة مساكين، كل مسكين نصف صاع من بر.

لما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد. فإن أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله أبا بكر العامل بالحق والآمر بالقسط، الآخذ بالعرف والسهل، القريب الوادع الحليم، فرغب إلى الله في العصمة برحمته، والعمل بطاعته، والخلود في جنته إنه على كل شيء قدير. والسلام. فخرج يرفا مولاه حتى أتى أبا عبيدة بن الجراح، فقرأ كتاب عمر، فلم يسمع فيه بيعة أحد، فدعا أبو عبيدة معاذ بن جبل، فأقرأه الكتاب، فالتفت معاذ إلى الرسول فقال: رحم الله أبا بكر، ويح غيرك، ما فعل المسلمون؟ فقال: استخلف أبو بكر عمر فقال: الحمد لله، وفقوا وأصابوا، فقال أبو عبيدة: ما منعني عن مسألته منذ قرأت الكتاب إلا مخافة أن يستقبلني فيخبرني أنه ولى غير عمر، فقال له الرسول: يا أبا عبيدة، إن عمر بن الخطاب يقول لك: أخبرني عن حال الناس، وأخبرني عن خالد بن الوليد أي رجل هو؟ وأخبرني عن يزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص كيف هما في حالهما ونصيحتهما للمسلمين، فقال: خالد خير رجل وأنصحه للإسلام، وأشده على عدوهم من الكفار، وعمرو ويزيد في نصيحتهما وجدهما كما يحب، وقال: وأخبرني عن أخويك سعيد بن زيد ومعاذ بن جبل، فقال: هما كما عهدت إلا أن السؤدد زادهما في الدنيا زهداً، وفي الآخرة رغبة. ثم قام الرسول، فقالا: أين تريد؟ قال: أرجع، فقالا: سبحان الله، انتظر حتى نكتب معك فكتبا: بسم الله الرحمن الرحيم. من أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب، سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد. فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، يا عمر، قد أصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك العدو والصديق، والضعيف والشديد، ولكل عليك حصة من العدل، فانظر كيف تكون عند ذلك يا عمر، وإنا نذكرك يوماً تبلى فيه السرائر، وتنكشف فيه العورات، وتعنت فيه الوجوه لعزة ملك قهرهم جبروته، فالناس له داخرون، يخافون، وينتظرون قضاءه، وإنه بلغنا أنه يكون في هذه الأمة رجال يكونون إخوان العلانية،

أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن ينزل كتابنا منك بغير المنزلة التي أنزلناها من أنفسنا، والسلام عليك. فمضى الرسول بالكتاب إليه، وقال أبو عبيدة لمعاذ بن جبل: والله ما أمرنا عمر أن نظهر هلاك أبي بكر للناس، وما نعاه إليهم، فما يرى أن نذكر من ذلك شيئاً دون أن يكون هو الذي يذكره، قال معاذ: نعم ما رأيت، فسكتا، فلم يذكر للناس من ذلك شيئاً. قال نافع: سمعت ابن عمر يحدث سعيد بن جبير قال: بلغ عمر بن الخطاب أن يزيد بن أبي سفيان يأكل ألوان الطعام فقال عمر لمولى له يقال له: يرفا: إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني، فأعلمه، فأتى عمر فسلم، ورجل يقرب عشاءه، فجاء بثريدة لحم، فأكل عمر معه منها، ثم قرب شواء، فبسط يزيد يده، وكف عمر، وقال: الله يا يزيد، أطعام بعد طعام؟! والذي نفس عمر بيده لئن خالفتهم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم. قال الزهري: كان عمر يأذن عليه مولاه يرفا. قال المغيرة بن شعبة: أنا أول من رشا في الإسلام، كنت آتي فأجلس بالباب أنتظر الدخول على عمر، فقلت ليرفا حاجبه: خذ هذه العمامة، فإن عندي أختاً لها لتلبسها، فكان يدخلني، أجلس وراء الباب، فمن رآني قال: إنه ليدخل على عمر في ساعة ما يدخل عليه فيها أحد. وعن المغيرة قال: قال رجل له: إن آذنك يعرف رجالاً فيؤثرهم بالإذن، قال: عذره الله، والله إن المعرفة لتبلغ عند الكلب العقور، والجمل الصؤول، فلا بك من الرجل الخير ذي الحسب؟ والله إن كنا لنصانع أرفى آذن عمر رضي الله عنه.

يزيد بن أحمد بن يزيد

يزيد بن أحمد بن يزيد ابن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن تميم، أبو عمرو السلمي، مولى نصر بن الحجاج بن علاط حدث عن أبي مسهر بسنده إلى ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم ير للمتحابين مثل التزويج ". توفي أبو عمرو سنة إحدى أو سنة اثنتين وثمانين ومئتين. يزيد بن أبان أبو عمرو الرقاشي البصري القاص من زهاد البصرة. حدث يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: ذكروا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً، فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة، ثم إن الرجل طلع عليهم، فقالوا: يا رسول الله، هذا الرجل الذي كنا نذكر، قال: فوالذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه سفعة من الشيطان، ثم أقبل فسلم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل حدثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحد خير منك؟ قال: نعم، فانطلق، فاختط مسجداً، وصفن بين قدميه يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيكم يقوم إليه فيقتله؟ قال: قال أبو بكر: أنا، فانطلق، فوجده قائماً، يصلي، فهاب أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ما صنعت؟ قال:

وجدته يا رسول الله قائماً يصلي فهبت أن أقتله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيكم يقوم إليه فيقتله؟ فقال عمر: أنا، فانطلق ففعل كما فعل أبو بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيكم يقوم إليه فيقتله؟ فقال علي: أنا، فقال: أنت إن أدركته، فانطلق، فوجده قد انصرف، فرجع إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما صنعت؟ فقال: وجدته يا رسول الله قد انصرف. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا أول قرن خرج من أمتي، لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي. وقال: إن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. قال يزيد الرقاشي: وهي الجماعة. وحدث يزيد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة ". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا يعذب اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم ". دخل يزيد الرقاشي على عمر بن عبد العزيز فقال له: عظني، فقال: أنت أول خليفة يموت يا أمير المؤمنين؟ قال: زدني، قال: لم يبق أحد من آبائك من لدن آدم إلى أن بلغت النوبة إليك وقد ذاق الموت، قال: زدني، قال: ليس بين الجنة والنار منزل، والله " إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم "، وأنت أبصر ببرك وفجورك، فبكى عمر حتى سقط عن سريره. بين المذكر وبين عمر بن عبد العزيز مدة، فالله أعلم. كان يزيد ضعيفاً قدرياً.

قال يزيد الرقاشي: أما أن أقوم الليل فلا أستطيع ذلك، فإذا نمت من الليل فاستيقظت، فنمت الثانية فلا أنام الله عيني. وقال: على الماء البارد السلام بالنهار. وجوع يزيد نفسه لله ستين سنة حتى ذبل جسمه، ونهك بدنه، وتغير لونه، وكان يقول: غلبني بطني فما أقدر له على حيلة. قال يزيد: رأيت في منامي كأني قرأت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورة. فلما فرغت قال لي - أو قيل له -: هذه القراءة، فأين البكاء؟ وكان يزيد من البكائين. قال الهيثم بن جماز: دخلت على يزيد الرقاشي في يوم شديد حره، وهو يبكي، فقال لي: ادخل يا هيثم، تعال، نبك على الماء البارد في اليوم الحار، حدثني أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " كل من ورد القيامة عطشان ". وكان يزيد يبكي حتى تسقط أشفار عينيه. وكان يقول: أتروني أتهنأ بالحياة أيام الدنيا، وأنا أعلم أن الموت مصيري؟ وقيل: إنه بكى أربعين عاماً حتى تساقطت أشفاره، وأظلمت عيناه، وتغيرت مجاري دموعه. وكان يزيد إن دخل بيته بكى، وإن شهد جنازة بكى، وإن جلس إليه إخوانه بكى، وأبكاهم، فقال له ابنه يوماً: كم تبكي يا أبت! والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا البكاء! فقال: ثكلتك أمك يا بني، وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن، أما تقرأ يا بني " سنفرغ لكم أيها الثقلان " أما تقرأ: " يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران " فجعل يقرأ عليه حتى انتهى: "

يطوفون بينها وبين حميم آن " فجعل يجول في الدار، ويصرخ، ويبكي حتى غشي عليه، فقالت للفتى أمه: يا بني، ما أردت بهذا من أبيك؟ قال: إنما أردت أن أهون عليه، لم أرد أن أزيده حتى يقتل نفسه. كان يزيد الرقاشي يقول في كلامه: إلى متى تقول: غداً أفعل كذا، وبعد غد أفعل كذا وإذا أفطرت فعلت كذا، وإذا قدمت من سفري فعلت كذا؟ أغفلت سفرك البعيد، ونسيت ملك الموت، أما علمت أن دون غد ليلة تخترم فيها أنفس كثيرة، أما علمت أن ملك الموت غير منتظر بك أملك الطويل، أما علمت أن الموت غاية كل حي؟ ثم يبكي حتى يبل عمامته، ثم يقول: أما رأيت صريعاً بين أحبابه لا يقدر على رد جوابهم، بعد أن كان جدلاً، خصماً، سمحاً، كريماً عليهم؟ أيها المغتر بشبابه، أيها المغتر بطول عمره. كان يزيد الرقاشي يقرأ هذه الآية على أصحابه: " كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق، وظن أنه الفراق " قال: تقول الملائكة بعضهم لبعض: من أي باب يرتقى بعمله فيرتقى فيه بروحه، ويقول أهله هذا والله حين فراقه، فيبكي إليهم ويبكون إليه، ولا يستطيع أن يحير إليهم جواباً. ثم بكى يزيد بكاءً شديداً. قال أبو إسحاق: دخلت على يزيد الرقاشي وقت الظهيرة في بيته، وهو يتمرغ على الرمل مثل الجرادة، ويقول: ويحك يا يزيد! من يصوم عنك؟ من يصلي عنك؟ من يترضى لك ربك من بعدك؟ ثم التفت إلي فقال: يا معشر الناس، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ من الموت موعده، والقبر بيته، والثرى فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، ثم لا يعرف منقلبه: إلى الجنة أو إلى النار، ثم يبكي، حتى تسقط أشفار عينيه.

تمنى قوم عند يزيد أماني فقال يزيد: أتمنى كما تمنيتم؟ قالوا: تمنه، فقال يزيد: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نحاسب، وليتنا إذا حوسبنا لا نعذب، وليتنا إن عذبنا لا نخلد. قال دهثم العجلي: قلت ليزيد: كيف أصبحت رحمك الله؟ قال: كيف يصبح من تعد عليه أنفاسه؟ ويحصى لانقضاء أجله؟ لا يدري على خير مقدم أم على شر، ثم ذرفت عيناه. قال يزيد الرقاشي: انظروا إلى هذه القبور سطوراً بأفناء الدور، تدانوا في خططهم، وقربوا في مزارهم، وبعدوا في لقائهم، سكنوا فأوحشوا، وعمروا فأخربوا، فمن سامع بساكن موحش، وعامر مخرب غير أهل القبور؟ قال يزيد الرقاشي: خمس يقبحن من خمس: الحرص من القراء، والعجلة من الأمراء، والفحش من ذوي الشرف، والبخل من ذوي الأموال، والفتوة من ذوي الأسنان. ولما حضر الموت يزيد الرقاشي قرأ: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة " ألا إن الأعمال محضرة، والأجور مكملة، ولكل ساع ما سعى، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت، ثم بكى، وقال: يا من القبر مسكنه، وبين يدي الله موقفه، والنار غداً مورده، ماذا قدمت لنفسك؟ ماذا أعددت لمصرعك؟ ما أعددت لوقوفك بين يدي ربك؟.

يزيد بن الأخنس بن حبيب بن جرة

يزيد بن الأخنس بن حبيب بن جرة ابن زعب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور، أبو معن السلمي، والد معن بن يزيد له صحبة. بايع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حدث يزيد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله قرآناً، فهو يقوم به الليل والنهار، ويتبع ما فيه، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني مثلما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم به، ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق ويتصدق، ويقول رجل مثل ذلك ". وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ". فقال يزيد بن الأخنس: والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا كالذباب الأصهب في الذبان. وعن يزيد بن الأخنس: أنه لما أسلم أسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم، فأنزل الله عز وجل: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " فقيل له: قد أنزل الله أنه فرق بينها وبين

يزيد بن أسد بن كرز بن عامر

زوجها إلا أن تسلم، فضرب لها أجل سنة. فلما مضت السنة إلا يوم جلست تنظر الشمس حتى إذا دنت للغروب أسلمت، وقالت: المستضعفة المستكرهة على دينها ودين آبائها. فلما دخلت في الإسلام حسن إسلامها وفقهت في الدين، فكانوا يعجبون منها، ويقولون: هذه التي استضعفت واستكرهت؟ فقالت: تعجبون مني، عجبت منكم أشد من إعجابكم، ألا سجنتم ألا ضربتم في الله؟ والله لو ظهر الإيمان على دب أشعر لخالط الناس. قال يزيد: بايعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وأبي وجدي، وخاصمت إليه فأفلجني. وعقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليزيد يوم فتح مكة لواء من الألوية الأربعة التي عقدها لبني سليم. سكن يزيد الكوفي هو وولده، وشهد معن بن يزيد يوم المرج، مرج راهط. وزغب: بكسر الزاي، وروي بالعين المهملة والغين المعجمة. وجرة: بالجيم. وشهد هو وأبوه وجده بدراً، ولا يعلم رجل وابنه وابن ابنه شهدوا بدراً غيرهم، ولم يصحح أهل المغازي شهودهم بدراً، ولم يذكروهم في البدريين، ولكن لهم صحبة. يزيد بن أسد بن كرز بن عامر ابن عبد الله بن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن بن صعب بن يشكر بن رهم أبو الهيثم القسري، البجلي جد خالد بن عبد الله القسري. شهد صفين مع معاوية. عن خالد بن عبد الله القسري عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لجده يزيد بن أسد: " أحب للناس ما تحب لنفسك ".

يزيد بن الأسود أبو الأسود

وعن أسد بن كرز سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " المريض تحات خطاياه كما يتحات ورق الشجر ". وغزا يزيد بن أسد أرض الروم، ففتح قيسارية أرض الروم، وسبى منها خمسة وأربعين ألفاً. وعن يزيد بن أسد، أنه قال عند معاوية يوم حجر بن الأدبر: أنت الجنة ونحن العدة، ولم يعطك الله بالعقوبة شيئاً إلا وقد أعطاك بالعفو أفضل منه. في كلام تكلم به. دخل عبد الله بن يزيد بن أسد على معاوية في مرضه الذي مات فيه، فرأى منه جزعاً فقال: ما يجزعك يا أمير المؤمنين؟ إن مت فإلى الجنة، وإن عشت فقد علم الله حاجة الناس إليك. قال: رحم الله أباك إن كان لناصحاً، نهاني عن قتل ابن الأدبر، يعني حجراً، ثم عاده عبد الله بن يزيد فعاد معاوية مثل ذلك القول. يزيد بن الأسود أبو الأسود ويقال: أبو عمرو - الجرشي أدرك الجاهلية وأسلم. ولم يلق سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسكن زبدين.

قيل: إنه كان يصلي العشاء الآخرة بمسجد دمشق، ويخرج إلى زبدين، فتضيء إبهامه اليمنى، فيمشي في ضوئها إلى زبدين. قال يونس بن ميسرة: قلت ليزيد بن الأسود: كم أتى عليك؟ قال: أدركت العزى تعبد في قرية قومي. والجرشي: بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة. كان يزيد بن الأسود يسير هو ورجل من أهل حمص يقال له: عمرو بن ذي الحليف في أرض الروم، فبينا هما يسيران إذ سمعا منادياً ينادي: يا يزيد بن الأسود، إنك لمن المقربين، وإن صاحبك لمن العابدين، وما نحن بكاذبين، وإنا على ذلكم من الشاهدين. قال: فكان هذا يقول لهذا: أنت نوديت. كان الأوزاعي يقول إذا ذكر هذا الحديث: إلى هذا انتهى الفضل. وعن أبي اليمان، أن يزيد بن الأسود قال لقومه: اكتبوني في الغزو، قالوا: قد كبرت، وضعفت، وليس بك غزو، قال: سبحان الله! اكتبوني في الغزو، فأين سوادي في المسلمين؟ قالوا: أما إذ فعلت فأفطر وتقو على العدو، قال: ما كنت أراني أبقى حتى أعاتب في نفسي، والله لا أشبعها من طعام ولا أوطئها من منام حتى تلحق بالذي خلقها. ولقد أدركت أقواماً من سلف هذه الأمة، قد كان الرجل إذا وقع في هوية أو وحلة نادى يا لعباد الله، فيستخرجونه ودابته مما هو فيه. ولقد وقع رجل ذات يوم

في وحلة، فنادى يا لعباد الله، فما أدركت منه إلا مفاضه في الطين، فلأن أكون أدركت من متاعه شيئاً، فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها. وكانوا يرون يزيد بن الأسود من الأبدال. ولقد حلف - وبر - ألا يضحك، ولا ينام مضطجعاً، ولا يأكل سميناً أبداً، فما رئي ضاحكاً ولا مضطجعاً ولا أكل سميناً حتى مات، رحمه الله. وعن سليم بن عامر أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون. فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي، فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية، فصعد المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم، إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم، إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد، ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب، كأنها ترس، وهبت لها ريح، فسقينا حتى كاد الناس ألا يبلغوا منازلهم. أصاب الناس قحط بدمشق، وعليها الضحاك بن قيس، فخرج بالناس يستسقي، فقال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فلم يجبه أحد، قال: أين يزيد بن الأسود؟ فلم يجبه، ثم قال: أين يزيد بن الأسود، عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام، فقام وعليه برنس، واستقبل الناس بوجهه، ورفع جانبي برنسه على عاتقيه، ثم رفع يديه ثم قال: أي رب، إن عبادك قد تقربوا بي إليك فاسقهم، فانصرف الناس وهم يخوضون الماء، فقال: اللهم، إنه شهرني فأرحني منه، فما أتت جمعة حتى قتل الضحاك. ولما وقعت الفتنة قال الناس: نقتدي بهؤلاء الثلاثة، يزيد بن الأسود،

ويزيد بن نمران وربيعة بن عمرو، فأما ربيعة فقتل براهط، وأما يزيد بن نمران فلحق بمروان، وأما يزيد بن الأسود فاعتزل. لما خرج عبد الملك إلى مصعب بن الزبير رحل معه يزيد بن الأسود. فلما التقوا قال يزيد: اللهم احجز بين هذين الجبلين، وول الأمر أحبهما إليك قال: فظفر عبد الملك. قال يونس بن حلبس: دخلنا على يزيد بن الأسود، فأخذ بيدي، ودخل عليه واثلة بن الأسقع، فأخذ بيده فمسح بها وجهه وصدره، لأنه بايع بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له واثلة: كيف ظنك بربك؟ قال: خير. قال: فأبشر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خير فخير، وإن شر فشر ". زاد في رواية: " فليظن بي ما شاء ". وفي حديث آخر أنه قال: كيف ظنك بالله؟ قال: أغرقتني ذنوب لي أشتات على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله. وفي رواية أنه قال له: كيف أصبحت؟ فقال له يزيد: في خوف لا انقطاع له، ثم أغمي عليه ملياً، ثم فتح عينيه، وقال: ورجاء فوق ذلك، فقال واثلة: الله أكبر، الله أكبر، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قال الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما أحب ".

يزيد بن أسيد بن زافر

يزيد بن أسيد بن زافر ابن أبي أسماء بن أبي السيد بن منقذ بن مالك بن عوف، ابن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور السلمي ولي إرمينية لمروان بن محمد، ووليها للمنصور، وكان شجاعاً. قال يزيد بن أسيد: إنه كان فيمن سار مع سعيد الحرشي، أو قال: ممن وجه هشام بن عبد الملك مع سعيد الحرشي. فلما دعاهم إلى لقاء خزر، الذين معهم سبقة المسلمين، فأجابوه إلى ذلك، وأرسله في فوارس طليعةً ليأتيه بخبرهم، قال: فأشرفنا على عسكرهم، فرأينا نساء المسلمين أوقدن النيران على أبواب أبنية خزر يبكين أنفسهن، ويندبن الإسلام. قال يزيد: فأرقنا ذلك، وألقينا السمع إليهم، فأتينا بما رأينا وسمعنا. قال: وذكر من شاهد ذلك اليوم، يعني: يوم قاتل ابن أسيد في ولاية بني العباس، قال: ركب ابن أسيد على بغلة شهباء وقد تعبأ الناس، ووطنوا أنفسهم على القتال، وأقبل ابن أسيد على الناس وقال: يا معشر المسلمين وأبناء المهاجرين والشهداء، إن الله قد أنعم عليكم، وأحسن إليكم أن رزقكم الأجر، وساقكم إلى هذا الموضع، وجعلكم ممن يختم عمره بالشهادة في سبيله، التي يكفر بها ذنوبكم ويدخلكم الجنة، ويزوجكم من الحور العين، قابلوا الله في هذه المواطن بالحسنى، واستحيوا أن يطلع من قلوبكم على ريبة، أو خذلان، أو فرار من الزحف، فإن الله مقبل عليكم بوجهه، وقد اطلعت عليكم الحور

يزيد بن الأصم

العين، وزخرفت الجنة، وأنتم أبناء الشهداء، ومن فتح الله بهم القلاع والمدائن والحصون وجزائر البحور، وليس موت بأكرم من القتل، فلا يحدثن إنسان نفسه أن تزول قدماه لفرار ولا هرب، فلو فعل ذلك فاعل منكم لتخطفه أهل هذا الجبل، وهذه الأمم، ولكانوا أعدى العدو له، فاستودعوا دماءكم هذه البقعة، فإنها بقعة طيبة، ساقكم الله إليها وأكرمكم بها، واعلموا أنه آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة، وإنما تقاتلون من لا يعرف الله ولا يوحده، ومن يعبد الشمس والنار، ويأكل الميتة، لا يعرف له رباً، ناداً عن التوحيد وأهله، فلتصدق نيتكم، وليحسن ظنكم بثواب ربكم وإنجاز موعده لكم، وقد استخلفت عليكم عبد الرحمن بن أسيد إن أصابتني مصيبة، ثم تقدم إلى كل جند في الصف، فكلمهم بهذا الكلام. غزا يزيد بن أسيد غزاة ذاذ قشة بناحية بحر الخزر سنة خمس وخمسين ومئة. عزل المنصور يزيد بن أسيد عن الجزيرة، وولى أخاه العباس فعسف يزيد. فقال يزيد لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين، إن أخاك أساء عزلي، وشتم عرضي، فقال أبو جعفر: يا يزيد، اجمع بين إحساني وإساءته، يعتدلان، فقال يزيد: إذا كان إحسانكم جزاء لإساءتكم كانت الطاعة منا تفضلاً. يزيد بن الأصم وهو يزيد بن عمرو - ويقال: يزيد بن عبد عمرو - بن عدس ابن معاوية بن عبادة، أبو عوف العامري. وهو ابن أخت ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابن خالة ابن عباس. حدث عن ميمونة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد جافى حتى يرى من خلفه بياض إبطيه.

قال يزيد بن الأصم: دخلت على خالتي ميمونة فوقفت في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصلي، فبينا أنا كذلك إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستحيت خالتي لوقوفي في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله، ألا ترى إلى هذا الغلام وريائه؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعيه، فلأن يرائي بالخير من أن يرائي بالشر. وفي حديث آخر عن يزيد قال: كنت غلاماً عارماً فقاتلت الغلمان يوماً فهزموني، فدخلت بيت ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقمت أصلي في المسجد، وعندها نسوة، فقال بعضهن: أما ترين ما يصنع هذا الخبيث؟ قالت: دعوه، فإن الخير بالعادة. وروى ابن الأصم عن عمه قال: كنت عند معاوية فذكر ربيعة الجرشي علياً، فقام إليه سعد، فجعل يحثي عليه التراب، وقال لمعاوية: أيذكر علي عندك؟! قال: وحثا على ربيعة التراب وقال: وعليك وعليك. قال يزيد بن الأصم: أتيت معاوية، فأجازني بجائزة، فلم أرضها، ورميت بها، فقلت: أنت الذي لم تصل الرحم. قال يزيد بن الأصم: كنت عند عبد الملك بن مروان فساءلني عن قول الله عز وجل: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض " الآية. قال يزيد: فقلت: اللهم، إني أبتغي وجهك اليوم، وذكرت حدثنيه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: التجبر في الأرض، والأخذ بغير الحق، فنكس عبد الملك برأسه، وجعل ينكت في الأرض بقضيب في يده.

قال يزيد بن الأصم: كنت جالساً عند سليمان بن عبد الملك، فجاء رجل يقال له: أيوب، كان على جسر منبج، يحمل مالاً مما يوجد على الجسر، فقال عمر بن عبد العزيز: هذا رجل مترف يحمل مال سوء. فلما قام عمر خلى سبل الناس من الجسور والمعابر. توفي يزيد بن الأصم سنة ثلاث أو أربع ومئة، وقيل: سنة إحدى ومئة. قال يزيد بن الأصم: خرجت أنا وابن طلحة بن عبيد الله التيمي، فلقيت عائشة وهي حاجة، وكان ابن طلحة ابن أخت عائشة، فمررنا بحائط من حيطان المدينة، فأصبنا منه، فبلغ ذلك عائشة فلامت ابن أختها وعاتبته، وأقبلت علي فقالت: إن مما أنعم الله عليك أن جعلك في بيت نبيه عليه السلام، فكنت في حجر ميمونة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووعظتني موعظة أبلغت إلي فيها، ثم قالت: ذهبت ميمونة، ورمي برسنك على غاربك، ثم قالت: هيهات غدر، لا ميمونة لك، ثم قالت: يرحمها الله، إن كانت لمن أتقانا لله وأوصلنا للرحم. قال ميمون بن مهران: أمرني عمر أن أسأل يزيد بن عمرو عن نكاح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميمونة فسألته فقال: نكحها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلالاً بسرف، وماتت بسرف، فذلك قبرها تحت السقيفة. زاد في آخر: قال ميمون: أتيت إلى عطاء بن أبي رباح فسمعته يخبر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبها، وهو

يزيد بن بشر السكسكي

حرام، وملكها وهو حرام. فلما انصدع من حوله حدثته بحديث يزيد بن الأصم، فقال: انطلق بنا إلى صفية بنت شيبة، فدخلنا عليها، فإذا عجوز كبيرة، فسألها عطاء عن ذلك فقالت: خطبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حلال، وملكها هو حلال، ودخل بها وهو حلال. كتب يزيد بن الأصم إلى الحسين بن علي عليهما السلام حين خرج: أما بعد. فإن أهل الكوفة قد أبوا إلا أن يبغضوك، وقل من أبغض إلا قلق، وإني أعيذك بالله أن تكون كالمغتر بالبرق، وكالمهريق ماء السراب، " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك " أهل الكوفة " الذين لا يوقنون " يزيد بن بشر السكسكي قال يزيد: بعثني عبد الملك بن مروان بكسوة إلى الكعبة، فخرجنا حتى نزلنا تيماء، فأتانا سائل فقال: تصدقوا، فإن الصدقة تدفع سبعين باباً من السوء، فقلت: من أعلم هذه القرية؟ قالوا: نسي، فأتيته، فاستأذنت على الباب، فاطلعت إلي جارية، فقلت: ههنا نسي؟ قالت: نعم، فاستأذنته، فذهبت، ثم اطلعت، فقالت: ارق، فرقيت. فلما رآني أخذ يتوضأ، فقلت: مالك لما رأيتني أخذت تتوضأ؟ قال: إن الله عز وجل قال لموسى: يا موسى، توضأ، فإن أصابك شيء وأنت على غير وضوء فلا تلومن إلا نفسك، قلت: يرحمك الله، إنه أتانا سائل، فقال: تصدقوا، فإن الصدقة تدفع سبعين باباً من السوء، قال: صدق، من هدة الجدار، ومن الغرق، وذكر أشياء من المنايا، فخرجت حتى أتيت المدينة، ولقيت عبد الله بن عمر، فسأله رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنك تحج وتعمر، ولا تغزو، فسكت عنه ثم أعادها فسكت عنه، ثم أعادها، فقال له ابن عمر: إن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله

يزيد بن بشر بن يزيد بن بشر

وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان. والجهاد والصدقة من العمل الصالح. هكذا حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زاد في آخر: قلت: وتنجي من النار؟ قال: نعم. يزيد بن بشر بن يزيد بن بشر الكلبي، دمشقي. قال يزيد: سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم، فقال: تلك دماء كف الله يدي عنها، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها. يزيد بن تميم بن حجر السلمي مولى عبيد الله بن نصر بن الحجاج بن علاط، الكاتب، كان على خراج الوليد. لما هدم الوليد كنيسة دمشق وبنى بها مسجداً التفت إلى يزيد بن تميم فقال: ابعث إلى اليهود حتى يأتوا على هدمها، ففعل، فجاء اليهود فهدموها. يزيد بن جابر الأزدي والد يزيد وعبد الرحمن. حدث عن عمرو بن عنبسة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فافعل ".

يزيد بن أبي جميل

وحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل، ولو أنه شعرة ". وفي رواية: " وإن كان مثل الخيط في الدقة ". وعن يزيد بن جابر: " واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب " قال: يقف إسرافيل على صخرة بيت المقدس ويقول: يا أيتها العظام النخرة، والجلود المتمزقة، والأشعار المتقطعة، إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الحساب. يزيد بن أبي جميل أظنه والد عمران بن يزيد، فإن كان هو فإنه يزيد بن خالد بن أبي جميل. حدث عن حجاج عن كعب قال: من البر أن تبر من كان أبواك يبران، وسيد الأبرار يوم القيامة المتباذلون، المتواصلون في الله. يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ابن أبي صفرة، الأزدي المهلبي البصري قدم دمشق صحبة المنصور، ووجهه منها والياً على المغرب. وولي مصر للمنصور، وولي المغرب للمنصور، المهدي، والهادي، وبعض أيام الرشيد قال يزيد بن حاتم: قال ابن زياد حين قدم الشام: لقد منعتني قبيلة، ما رموا دوني بسهم، ولا حجر

فقال له رجل من أسد الشراة: فمن أين جئت؟ أما والله لئن كفرتهم، لقبلك ما كفرهم أبوك. قال يزيد بن حاتم: ولاني المنصور المغرب - وهو بدمشق - وخرج معي يشيعني، فتغير لذلك أقوام منهم شبيب بن شيبة، وشبة بن عقال التميميان، ورفعا إلى المنصور كتاباً، لم يألوا فيه الحمل علينا والذكر لمساوئنا، ويخوف المنصور منا، فأقرأني المنصور كتابهما، ثم قال لي: إني لم أدفعه إليك، لتحتج وقد كفيتك الحجاج، إني لما دفعا إلي هذا الكتاب أعلمتهما أنك غائب عن الحجة، وإني أقوم بها عنك، خبرتهما ببدء أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه الناس إلى الله، وإلى دينه، وامتناعهم منه غيرك وغير قومك، فلما قبض الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج الأمر عن أهله بغيرك وغير قومك، فلما أراد الله أن يظهر حقهم أجراه على يديك، وأيدي قومك، وكان لك ولأهل بيتك حظ غبر مجهول، حتى بلغ الله في ذلك ما بلغ، وقلت لهما: أردتما أن تجعلا لأنفسكما في هذا الأمر حظاً كحظ يزيد، وحقاً كحقه، ثم عددت عليهما أمر سلم بن قتيبة، وعامر بن ضبارة، وغيرهما ممن كان يقاتل في طاعة مروان الجعدي، وقلت لهما: لولا أني لم أتقدم إليكما لأحسنت أدبكما، ولئن بلغني أنه جرى لهذا ذكر على ألسنتكما بعد يومي هذا لأوقعكن بكما، ثم دفع إلي الكتاب فشكرته على ذلك ودعوت له. فلما صرت بإفريقية وجه إلي المنصور شبيب بن شيبة في بعض ما كان يتوجه في مثله الخطباء، فلم أعرفه شيئاً من ذلك، ولم أؤاخذه، وبلغت به بعض ما أمل عندي. فلما أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلا على مودتي أهل بيتي فقلت له: ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين! ودعوت بالكتاب، فأقر، وسأل الإقالة، وحسن الصفح، فقلت له: لولا أنك ذكرت ما ذكرت، ولولا أني كرهت أنك تستغبيني، وتظن أني جاهل بك لم أوقفك على هذا، وسأل دفع الكتاب إليه، فلم آمن أن يرجع به إلى المنصور، فأمرت بتخريقه.

قال يزيد بن حاتم: كنت على باب المنصور أنا ويزيد بن أسيد إذ فتح باب القصر، وخرج إلينا خادم للمنصور، فنظر إلينا ثم انصرف عادياً، فأخرج رأسه من الستر وقال: لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم ثم انصرف ثم عاد، فأنشد ذلك ثلاث مرات، فقال يزيد بن أسيد، وتمتم: نعم نعم على رغم أنفك وأنف من أرسلك، فرجع الخادم فأبلغها المنصور، فبلغنا أنه ضحك حتى استلقى. قال صفوان بن صفوان من بني الحارث بن الخزرج: كنا مع يزيد بن حاتم فقال: استنقوا إلي ثلاثة أبيات، فقلت: أفيك؟ قال: فيمن شئتم، فكأنها كانت في كمي فقلت: لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به ... حتى لقيت يزيداً عصمة الناس لقيت أجود من يمشي على قدم ... مفضلاً برداء الجود والباس لو نيل بالمجد ملك كنت صاحبه ... وكنت أولى به من آل عباس ثم كففت، فقال: أتمم: " من آل عباس "، قلت: لا يصلح، فقال: لا يسمعن هذا منك أحد. قال الجاحظ: قال الأصمعي يوماً وقد جئته مسلماً، وذكر الشعراء المحسنين المداحين من المولدين،

فقال لي: يا أبا عثمان، ابن المولى من المحسنين المداحين، ولقد أسهرني في ليلتي هذه حسن مديحه يزيد بن حاتم حيث يقول: وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري وإذا تخيل من سحاب لامع ... سبقت مخيلته يد المستطمر فإذا صنعت صنيعة أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدر وإذا الفوارس عددت أبطالها ... عدوك في أبطالهم بالخنصر وقال ربيعة بن ثابت يمدح يزيد بن حاتم، ويهجو يزيد بن أسيد السلمي: لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم يزيد سليم سالم المال والفتى ... أخو الأزد للأموال غير مسالم فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم وهم الفتى القيسي دف ولعبة ... وهم الفتى الأزدي ضرب الجماجم فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم كان يزيد بن حاتم بإفريقية وولد له بالبصرة مولود، فأتاه بشير يبشره به فسماه المغيرة، وكان عنده المشهر التميمي فقال: بارك الله لك فيه، وبارك له في بنيه كما بارك لجده في أبيه. وكان خروج يزيد إلى إفريقية في سنة خمس وخمسين ومئة ففتحها، وتوفي بها سنة سبعين ومئة.

يزيد بن حازم أبو بكر الأزدي

يزيد بن حازم أبو بكر الأزدي الجهضمي البصري حدث عن عكرمة مولى ابن عباس قال: كان عمرو بن الجموح شيخاً من الأنصار أعرج. فلما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر قال لبنيه: أخرجوني، فذكروا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرجه وحاله، فأذن له في المقام. فلما كان يوم أحد خرج الناس فقال لبنيه: أخرجوني، فقالوا: لقد رخص لك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأذن، قال: هيهات، منعتموني الجنة ببدر وتمنعونيها بأحد؟ فخرج. فلما التقى الناس قال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت اليوم أطأ بعرجتي هذه الجنة؟ فقال: نعم، قال: فوالذي بعثك بالحق لأطأن بها في الجنة اليوم إن شاء الله، فقال لغلام له كان معه، يقال له سليم: ارجع إلى أهلك، قال: وما عليك إن أصبت اليوم خيراً معك، قال: تقدم إذاً، فتقدم العبد فقاتل حتى قتل، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. حدث يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار قال: أصبح أبو أسيد وهو يسترجع فقيل له: مالك؟ فقال: نمت عن حزبي الليلة، وكان وردي البقرة، فرأيت كأن بقرة تنطحني. وحدث عنه قال: قال أبو أسيد حين ذهب بصره: الحمد لله الذي متعني ببصري في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنظر إليه. فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأرادوا الفتنة كف علي بصري. قال جرير بن حازم: رأيت في المنام كأن رأسي في يدي أقلبه، فسألت ابن سيرين فقال: أحد من

يزيد بن حجية بن عبد الله

والديك حي؟ قلت: لا، قال: ألك أخ أكبر منك؟ قلت: نعم، قال: اتق الله وبره ولا تقطعه، وكان بيني وبين يزيد أخي شيء. توفي يزيد بن حازم سنة سبع، أو أول سنة ثمان وأربعين ومئة. يزيد بن حجية بن عبد الله ابن خالد بن حجية بن عبد الله بن عائذ شهد صفين مع علي، وكان أحد الشهود في كتاب الصلح، وكان من أصحاب علي، واستعمله على الري فجمع مالها، واحتمله، وقدم به الكوفة، فبلغ علياً، فسأله عن المال فجحده، فدفعه إلى مولاه سعد، فحبسه، فوثب يزيد على سعد فأدرجه في عباءة وهرب، فبعث علي في طلبه زياد بن خصفة، فبلغ هيت، ففاته، فرجع، فقال يزيد بن حجية: خدعت سعيداً وارتمت بي مطيتي ... إلى الشام واخترت الذي هو أفضل وغادرت سعداً مدرجاً في عباءة ... وسعد عبام مستهام مضلل منها: ولما وردت الشام أحببت أهله ... لأني بحب الصالحين موكل وأحببتهم من حب عثمان إنه ... إمام الهدى الوالي الذي هو أعدل وأبلغ علياً أنني من غدوه ... سأسعى مع الساعي عليه وأرحل وقالوا علي ليس يقتل مسلماً ... فمن ذا الذي يسحي الرقاب ويقتل أراق دماء المسلمين كأنما ... جرى بدماء الناس في القاع جدول وقال في زياد بن خصفة أبياتاً. وأتى الرقة، فنزلها، وكتب إلى معاوية يستأذنه في القدوم عليه، فكتب إليه يأذن له. ويمنيه. فارتحل إلى الشام وقال:

أحببت أهل الشام من حبي التقى ... وبكيت من جزع على عثمان أخبرت قومك أسلموك فسلمي ... واستبدلي وطناً من الأوطان أرضاً مقدسة وقوماً منهم ... أهل اليقين وتابع الفرقان فبلغ علياً الشعر، فقال: اللهم، إن ابن حجية هرب بمال المسلمين، وناصبنا مع القوم الظالمين، اللهم، اكفنا كيده، واجزه جزاء الغادرين، فأمن القوم، فقال عفاق بن أبي رهم التيمي: ويلكم، تؤمنون على ابن حجية، شلت أيديكم، فوثب عليه عنق من الناس، فضربوه، فاستنقذه زياد بن خصفة التيمي، ففارقهم عفاق، فقال زياد بن خصفة من أبيات: ولولا دفاعي عن عفاق ومشهدي ... هوت بعفاق أمس عنقاء مغرب دعوت عفاقاً للهدى فاستغشني ... وولى عفاق معرضاً وهو مغضب سنلقى إلهي من عفاق بشيعة ... إذا دعيت للناس جاءت تحزب فقال عفاق لزياد بن خصفة: لو كنت أحسن الشعر لأجبتك، ولكني أخبركم عنكم: والله لا تصيبون خيراً بعد ثلاث كن فيكم: سرتم إلى أهل الشام في بلادهم، حتى إذا علوتموهم ظهراً خدعوكم برفع المصاحف، فثنوكم عنهم، فرجعتم إلى بلادكم، فلا يعود لكم مثل ذلك الجمع أبداً. ثم بعثتم حكماً، فرجع صاحبكم خالعاً لصاحبه، ورجع صاحبهم يدعى أمير المؤمنين، فرجعتم متباغضين. ثم خالفكم قراؤكم وفرسانكم وأهل البصيرة وأهل النكاية في عدوكم، فغدوتم عليهم، فقتلتموهم، فلن تزالوا بعدهم متضعضعين. وقال يزيد بن حجية، ويقال: إن الذي قاله ضبة بن محصن العنزي: يا طول ليلي بالرقاب لم أنم ... ما إن يؤرقني حزني ولا سقمي إلا مخافة أمر كنت أحذره ... أخشى على الأصل منه زلة القدم أخشى عليهم علياً أن يكون لهم ... مثل العذاب الذي عفى على إرم ويروى: ........ مثل القعود الذي عفى على إرم

يزيد بن الحر ويقال ابن زحر

يزيد بن الحر ويقال ابن زحر ويقال: ابن الحرام - العبسي من وجوه أهل دمشق. شهد صفين مع معاوية، وكان أحد شهوده في صحيفة صلحه مع علي على تحكيم الحكمين. كتب عثمان إلى معاوية سنة ست وعشرين: أن أغز الروم رجلاً حازماً أريباً ذا سن وحنكة، فأغزى يزيد بن الحر، وكان من خيار المسلمين، وعقد له على الصائفة فغزا. لما بلغ معاوية مسير علي إليه سار معاوية نحوه، وعبأ عساكره. فلما فرغ من التعبئة، ووضع الناس مواضعهم قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، والله ما أصبت الشام إلا بالطاعة، ولا أضبط حرب العراق إلا بالصبر، ولا أحايد أهل الحجاز إلا باللطف، وقد تهيأتم، وسرتم لتمنعوا الشام، وتأخذوا العراق، وسار القوم ليمنعوا العراق ويأخذوا الشام، لعمري ما للشام رجال العراق ولا أموالها، ولا للعراق صبر أهل الشام ولا بصائرها، مع أن القوم بعدهم أعدادهم، وليس بعدكم غيركم، فإن غلبتموهم لم تغلبوا إلا من أتاكم، وإن غلبوكم غلبوا من بعدكم، والقوم لاقوكم بكيد أهل العراق، ورقة أهل اليمن، وبصائر أهل الحجاز، وقسوة أهل مصر، وإنما ينصر غداً من أبصر اليوم، فاستعينوا بالله، واصبروا " إن الله مع الصابرين ".

يزيد بن حصين بن نمير

يزيد بن حصين بن نمير ابن ناتل بن لبيد بن جعثنة السكوني الحمصي حدث يزيد بن حصين، أن رجلاً قال: يا رسول الله، أرأيت، سبأ: رجل أو امرأة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رجل، فقال: يا رسول الله ما ولد من العرب؟ قال: عشرة، فستة يمانون، وأربعة شاميون: فأما اليمانون فكنده، ومذحج، والأزد، وأنمار، والأشعرون، وأمسك في يده واحداً لم يسمه، وأما الشآمون فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان، فقال: يا رسول الله، أحمير كلهم؟ قال: هم وما كلهم. وعن يزيد بن حصين قال: قال معاذ بن جبل: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله لم يبعث نبياً قبلي إلا كان في أمته من بعده مرجئه وقدرية، يشوشون عليه أمر أمته من بعده، ألا إن الله عز وجل قد لعن المرجئة والقدرية على لسان سبعين نبياً، ألا وإن أمتي هذه لأمة مرحومة، لا عذاب عليها في الآخرة، وإنما عذابها في الدنيا إلا صنفين من أمتي لا يدخلون الجنة: المرجئة والقدرية ". كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن حصين: لا تتركن صليباً إلا محي. وكتب إليه أيضاً: وامح الصور التي أحدثت في أسواق المدينة، ثم يمسح ببياض حتى لا يرى منها شيء والسلام. توفي يزيد بن حصين سنة ثلاث ومئة. كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن حصين، أن مر الجند بالفريضة، وعليك بأهل الحاضرة، وإياك والأعراب، فإنهم لا يحضرون محاضر المسلمين، ولا يشهدون مشاهدهم.

يزيد بن الحكم بن أبي العاص

شتم رجل يزيد بن حصين فأعرض عنه فقال: أيها المعرض، إياك أعني، قال: وعنك أعرض، قال: لا تقول لي واحدة إلا قلت لك عشراً، قال: تقول لي عشراً ولا أقول لك واحدة. كان يزيد بن حصين لا يعطي، فإذا أعطى أعطى كثيراً، ويقول: أحب أن تكون مواهبي كتائب كتائب، ولا أحب أن تكون مفاتت مفاتت. أوصى يزيد بن ميسرة يزيد بن حصين حين ولي فقال: عليك بتقوى الله، والتأني في أمرك، وإياك والعجلة، وفي السجن راحة، هل تدري ما يقال لصاحب السلطان؟ أيها المسلط لا ينفخنك روح السلطان، فإنما ورثت مكان من كان قبلك، وآخر وارث مكانك غداً. يزيد بن الحكم بن أبي العاص ابن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام الثقفي البصري أمه بكرة بنة الزبرقان بن بدر. كان شاعراً مجيداً. حدث يزيد بن الحكم عن عثمان بن أبي العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد استجن جنة حصينة من سلف له ثلاثة أولاد في الإسلام ". وبه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشتدت الريح الشمال قال: " اللهم، إني أعوذ بك من شر ما أرسلت ". دعا الحجاج بن يوسف يزيد بن الحكم فولاه كور فارس، ودفع إليه عهده بها. فلما دخل إليه يودعه قال له الحجاج: أنشدني بعض شعرك، وأراد أن ينشده مديحاً له،

فأنشده قصيدة يفخر فيها ويقول فيها: وأبي الذي سلب ابن كسرى رايةً ... بيضاء تخفق كالعقاب الطائر فلما سمع الحجاج فخره غضب، ونهض، فخرج يزيد من غير أن يودعه، فقال لحاجبه: ارتجع منه العهد، فإذا رده فقل: أيهما خير لك ما ورثك أبوك أم هذا؟ فرد على الحاجب العهد، وقال: قل له: وورثت جدي مجده ونواله ... وورثت جدك أعنزاً بالطائف وخرج مغاضباً عنه، فلحق بسليمان بن عبد الملك، ومدحه بقصيدته التي أولها: أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ... إذا أقول: صحا يعتاده عيدا منها: سميت باسم امرئ أشبهت شيمته ... فضلاً وعدلاً سليمان بن داودا أحمد به في الورى الماضين من ملك ... وأنت أصبحت في الباقين محمودا لا يبرأ الناس من أن يحمدوا ملكاً ... أولاهم في الأمور الحلم والجودا قال سليمان: كم كان أجرى لك لعمالة فارس؟ قال: عشرين ألفاً، قال: فهي لك ما دمت حياً. تولى محمد بن القاسم الثقفي، وهو ابن سبع عشرة سنة، ولاه الحجاج، فقال يزيد بن الحكم: إن الشجاعة والسماحة الندى ... لمحمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سؤدداً من مولد

يزيد بن خالد بن عبد الله

وقال يزيد بن الحكم الدمشقي: شريت الصبا والجهل بالحلم والتقى ... وراجعت عقلي والحليم المراجع أبى الشيب والإسلام أن أتبع الهوى ... وفي الشيب والإسلام للمرء وازع وإني امرؤ لا أزعم البخل قوةً ... ولكنني للمال بالحمد بائع وأعلم أن الجود مجد لأهله ... وأن الذي لا يتقي الذم راضع يزيد بن خالد بن عبد الله ابن يزيد بن أسد بن كرز القسري البجلي كان أبوه أمير العراقين لهشام بن عبد الملك. فلما ولي الوليد بن يزيد اخذ خالد بن عبد الله، وسلمه إلى يوسف بن عمر الثقفي أمير العراق، فعذبه حتى مات في يده، وحبس الوليد يزيد بن خالد في عسكره، فلما قتل الوليد تخلص، فكان مع يزيد بن الوليد. فلما مات، ودخل مروان بن محمد دمشق واستوسق له الأمر اختفى. فلما وثب أهل دمشق بزامل بن عمرو عامل مروان عليهم، ولوا عليهم يزيد بن خالد، فوجه إليهم مروان من حمص أبا الورد مجزأة بن الكوثر، وعمرو بن الوضاح فهزموهم، ولجأ يزيد وأبو علاقة إلى رجل من لخم من أهل قرية المزة، فدل عليهما زاملاً، فأرسل إليهما فقتلا. قال إسحاق بن مسلم العقيلي: لقد رأيت من مروان بن محمد فعلاً ما رأيت لعربي ولا عجمي أخنى منه، ولا أرذل:

يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي

بينما نحن يوماً على مائدته إذ دخل عليه الآذن فقال: قد جيء بيزيد بن خالد بن عبد الله القسري، فقال: ليدخل، فأدخل عليه أربعة ممسكون بعضديه فاستدناه فأدني، ثم استدناه فأدني، حتى صارت ركبتاه على ركبتيه، فرفع يده من الطعام واخذ منديل المائدة فلف طرفه على أصبعه، ثم أدخلها في عين يزيد بن خالد، فوالله إن زال يكبسها حتى استخرج حدقته فضرب بها وجهه، ثم أدار يده إلى حدقته الأخرى ففعل بها مثل ذلك، وما سمعت ليزيد كلمة، غير أني رأيته حين يجيء يمسح وجهه. وفي سنة سبع وعشرين ومئة قتل يزيد بن خالد بن عبد الله القسري، قتله رجل يقال له: صعصعة من بني نمير. يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الصنعاني حدث عن واثلة بن الأسقع الليثي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من طلب علماً، فأدركه أعطاه الله فأدركه أعطاه الله أجره ما علم، وأجر ما عمل، ومن طلب علماً فلم يدركه أعطاه الله أجر ما علم، وسقط عنه أجر ما لم يعمل. كان يزيد ضعيف الحديث منكره.

يزيد بن زياد بن ربيعة

يزيد بن زياد بن ربيعة ابن مفرغ بن مصعب الحميري من آل ذي فلجان بن زرعة بن يعفر بن السميفع الكلاعي البصري، حليف آل خالد بن أسيد ابن أبي العاص، وغنما لقب جده مفرغاً لأنه راهن على سقاء لبن أن يشربه حتى فرغه. ويقال: إنه مدفوع النسب في حمير. وأن ربيعة بن مفرغ كان شعاباً بتبالة، وقيل بالمدينة. وكان يزيد شريراً هجاء للناس، فصحب عباد بن زياد، وعباد على سجستان عاملاً لعبيد الله بن زياد، وعبيد الله يومئذ على البصرة. تولى الكوفة في خلافة معاوية، فهجا ابن مفرغ عباداً، فبلغه ذلك، وكان على ابن مفرغ دين، فاستعذر عليه، فبيع ماله في دينه، وكان فيما بيع غلام له يقال له: برد، وجارية يقال لها: الأراكة، فقال ابن مفرغ من أبيات: لهفي على الرأي الذي ... كانت عواقبه ندامه تركي سعيداً ذا الندى ... والبيت ترفعه الدعامه وتبعت عبد بني علا ... ج تلك أشراط القيامه

جاءت به حبشيةً ... سكاء تحسبها نعامه من نسوة سود الوجو ... هـ ترى عليهن الدمامه وشريت برداً ليتني ... من بعد برد كنت هامه هامة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامه العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الملامه الريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في الغمامه ورمقتها فوجدتها ... كالضلع ليس لها استقامه شريت: بمعنى بعت، كأنه ندم على بيعه. ثم قدم يزيد البصرة، وكان عبيد الله وافداً على معاوية، فعرف ابن مفرغ الذي أثر في بني زياد، فأتى الأحنف بن قيس التميمي، فقال له: أجرني من بني زياد، قال: لا أجير عليهم، ولكني أكفيك شعراء بني تميم أن يهجوك، قال: أما هذا فلا أريد أن تكفنيه، فأتى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال: أجرني، فوعده، وأتى عمر بن عبيد الله بن معمر، فوعده، وأتى طلحة الطلحات فوعده، وأتى المنذر بن الجارود

العبدي، فأجاره، وكانت بحرية بنت المنذر عند عبيد الله بن زياد، وبلغ عبيد الله الذي كان من هجاء ابن مفرغ عباداً، وهو عند معاوية، فقال له: إن ابن مفرغ هجاناً، فأذن لي في قتله، فقال معاوية: أما قتله فلا، ولكن ما دون القتل. فلما قدم عبيد الله البصرة لم يكن همه إلا ابن مفرغ، فسأل عنه، فقيل له: أجاره ابن الجارود، وهو في داره، فأرسل إلى المنذر، فسأله، فأتاه. فلما دخل عليه أرسل عبيد الله الشرط إلى دار المنذر، فأخذوا ابن مفرغ، فأتوا به عبيد الله بن زياد، فلم يشعر به المنذر حتى رآه واقفاً عليه، وعلى عبيد الله، فقام المنذر إلى عبيد الله، فكلمه فيه فقال: إني أجرته، فقال له عبيد الله: يا منذر، ليمدحن أباك ويهجون أبي، وليمدحنك ويهجوني، ثم أرضى بذلك؟! لا والله، فخرج المنذر من الدار، وحبس ابن مفرغ، وأسلم إلى الحجامين، وهو حيث يقول: وما كنت حجاماً ولكن أحلني ... بمنزلة الحجام نأيي عن الأهل وهجا من أجاره وأخفره. وكان مما هجاهم به ابن زياد: شهدت بأن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع ولكن كان أمراً فيه لبس ... على وجل شديد وارتياع وقيل: إن عبيد الله أمر به، فسقي دواء، ثم حمل على حمار على إكاف، فجعل يطاف به، وهو يسلح في ثيابه، ويمر به في الأسواق، فقال للمنذر بن الجارود:

تركت قريشاً أن أجاور فيهم ... وجاورت عبد القيس أهل المشقر أناس أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من فسو العراق المبذر فأصبح جاري من جذيمة نائماً ... ولا يمنع الجيران غير المنفر وقال: أصبحت لا من بني قيس فتنصرني ... بكر العراق ولم تغضب لنا مضر ولم تكلم قريش في حليفهم ... إذ غاب ناصره بالشام واحتضروا وقال لعبد الله بن زياد: يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ منك في العظام البوالي ثم حمله عبيد الله إلى عباد، حتى قدم على معاوية، فقال: إن حمير غدت على معاوية في خمس مئة فارس دارع، فسألوه ان يهبه لهم فقال في طريقه: عدس ما لعباد عليك إمارة ... نجوت، وهذا تحملين طليق لعمري لقد نجاك من هوة الردى ... إمام وحبل للإمام وثيق سأشكر ما أوليت من حسن نعمة ... ومثلي بشكر المنعمين حقيق فلما دخل على معاوية بكى، وقال: ركب مني ما لم يركب من مسلم، على غير حدث ولا جرم. قال: أو لست القائل:

ألا أبلغ معاوية بن حرب ... مغلغلة من الرجل اليماني أتغضب أن يقال أبوك عف ... وترضى أن يقال أبوك زان فأشهد أن رحمك من زياد ... كرحم الفيل من ولد الأتان وأشهد أنها ولدت زياداً ... وصخر من سمية غير دان قال: لا، والذي عظم حق أمير المؤمنين ما قلت هذا. قال: أفلم تقل: فأشهد أن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع في أشعار كثيرة هجوت بها بني زياد؟، اذهب، فقد عفوت عنك، وعن جرمك، فانظر أي أرض شئت، فانزل. فنزل الموصل، ثم ارتاح إلى البصرة، فقدمها فنزل على عبيد الله فأمنه، ولم يزل عبيد الله والياً على البصرة حتى مات معاوية بدمشق سنة ستين، وقيل: إن الذي أطلقه يزيد بن معاوية. وقيل: إن ابن مفرغ لما طال حبسه وبلاؤه ركب طلحة الطلحات إلى الحجاز ولقي قريشاً، وكان ابن مفرغ حليفاً لبني أمية، فقال لهم طلحة: يا معشر قريش، إن أخاكم وحليفكم ابن مفرغ قد ابتلي بهذه الأعبد من بني زياد، وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم، ووالله ما أحب أن يجري الله عافيته على يدي دونكم، ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا منها، فانهضوا معي بجماعتكم إلى يزيد بن معاوية، فإن أهل اليمن قد تحركوا بالشام، فركب خالد بن عبد الله بن اسيد وأخوه أمية وعمر بن عبيد الله بن معمر ووجوه خزاعة وكنانة، وخرجوا إلى يزيد، فبينا هم يسيرون ذات ليلة إذ سمعوا راكباً يتغنى في سواد الليل بقول ابن مفرغ: إن تركي ندى سعيد بن عثما ... ن بن عفان ناصري وعديدي وإتباعي أخا الضراعة واللؤ ... م لنقص وفوت شأو بعيد

قلت والليل مطبق بعراه ... ليتني مت قبل ترك سعيد ليتني مت قبل تركي أخا النج ... دة والحزم والفعال السديد عبشمي أبوه عبد مناف ... فاز منها بتاجها المعقود ثم جود لو قيل فيه مزيد ... قلت للسائلين ما من مزيد قل لقومي لدى الأباطح من آ ... ل لؤي بن غالب ذي الجدود سامني بعدكم دعي زياد ... خطة الغادر اللئيم الزهيد كان ما كان في الأراكة واجت ... ب ببرد سنام عيشي وجيدي أوغل العبد في العقوبة والشت ... م وأودى بطارفي وتليدي فارحلوا في حليفكم وأخيكم ... نحو غوث المستصرخين يزيد فاطلبوا النصف من دعي زياد ... وسلوني بما ادعيت شهودي فدعا القوم بالراكب، فقالوا له: ما هذا الذي تغني به؟ قال: قول رجل أمره عجب، رجل ضائع بين قريش واليمن، وهو رجل البأس، قالوا: ومن هو؟ قال: ابن مفرغ، قالوا: ما رحلنا إلا فيه وانتسبوا له، فضحك وقال: فاسمعوا من قوله أيضاً وأنشدهم: لعمري لو كان الأسير ابن معمر ... وصاحبه وشكله ابن أسيد ولو انهم نالوا أمية أرقلت ... بركابها الوجناء نحو يزيد فأبلغت عذراً في لؤي بن غالب ... وأتلفت فيهم طارفي وتليدي فإن لم يغيرها الإمام بحقها ... عدلت إلى شم شوامخ صيد فناديت فيهم دعوة يمنية ... كما كان آبائي دعوا وجدودي

ودافعت حتى أبلغ الجهد عنهم ... دفاع امرئ في الخير غير زهيد فإن لم تكونوا عند ظني بنصركم ... فليس لها غير الأغر سعيد بنفسي أهلي ذاك حياً وميتاً ... نضار، وعود المرء أكرم عود فكم من مقام في قريش كفيته ... ويوم يشيب الكاعبات شديد وخصم تحاماه لؤي بن غالب ... شببت له ناري فهاب وقودي وخير كثير قد أفأت عليكم ... وأنتم رقود أو شبيه رقود قال: فاسترجع القوم لقوله، وقالوا: والله لا نغسل رؤوسنا في العرب إن لم نستقلها بفكه، فأغذوا السير إلى الشام. وبعث ابن مفرغ رجلاً من بني الحارث بن كعب فقام على سور حمص، فنادى بأعلى صوته الحصين بن نمير - وكان والي حمص - بهذه الأبيات وكان عظيم الجبهة: أبلغ لديك بني قحطان قاطبةً ... عضت بأي ... أبيها سادة اليمن أمسى دعي زياد فقع قرقرة ... يا للعجائب يلهو بابن ذي يزن والحميري طريح وسط مزبلة ... هذا لعمركم غبن من الغبن والأجبه ابن نمير فوق مفرشه ... يرنو إلى أحور العينين ذي غنن قوموا فقولوا: أمير المؤمنين لنا ... حق عليك ومن ليس كالمنن فاكفف دعي زياد عن أكارمنا ... ماذا يريد إلى الأحقاد والإحن

فاجتمعت اليمانية إلى حصين فعيروه بما قاله ابن مفرغ، فقال الحصين: ليس لي رأي دون يزيد بن أسيد ومخرمة بن شرحبيل، فأرسل إليهما: فقال لهما حصين: اسمعا ما أهدى إلي شاعركم، وقاله لكم في أخيكم - يعني: نفسه - وأنشدهم، فقال يزيد بن أسيد: فإني قد جئتكم والله بأعظم من هذا، في قوله فيما صنع به: وما كنت حجاماً ولكن أحلني ... بمنزلة الحجام نأيي عن الأهل فقال الحصين: لقد أساء إلينا أمير المؤمنين في صاحبنا مرتين: إحداهما أنه هرب إليه فلم يجره، والأخرى أنه أمر بعذابه غير مراقب لنا فيه، وقال يزيد بن أسيد: إني لأظن أن طاعتنا سوف تفسد ويمحوها ما صنع بابن مفرغ، ولقد تطلع من نفسي شيء للموت أحب إلي منه. وقال مخرمة بن شرحبيل: أيها الرجلان، اعقلا، فإنه لا معاوية لكما، واعرفا أن صاحبكما لا تقدح فيه الغلظة، فاقصدا للتضرع، فركب القوم إلى دمشق، وقدموا على يزيد بن معاوية، وقد سبقهم الرجل، فنادى بذلك الشعر يوم الجمعة على درج دمشق، فثارت اليمانية، وتكلموا، ومشى بعضهم إلى بعض، وقدم وفد القرشيين في أمره مع طلحة الطلحات، فسبقوا القرشيين، ودخلوا على يزيد. فتكلم الحصين بن نمير، وذكر بلاءه وبلاء قومه وطاعتهم، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الذي أتاه ابن زياد إلى صاحبنا لا قرار عليه، قد سامنا عبيد الله وعباد خطة خسف، وقلدانا قلادة عار، فأنصف كريمنا من صاحبه، فوالله لئن قدرنا لنعفون، وإن ظلمنا لننتصرن. وقال يزيد بن أسيد: يا أمير المؤمنين، إنا لو رضينا بمثلة ابن زياد بصاحبنا وعظيم ما انتهك منه لم يرض الله بذلك، ولئن تقربنا إليك بما يسخط الله ليباعدننا الله منك. وقد نفرت لصاحبنا نفرة طار غرابها، وما أدري متى يقع، وكل نائرة تقدح في

الملك - وإن صغرت - لم يؤمن أن تكبر، وإطفاؤها خير من إضرامها، ولا سيما إذا كانت في أنف لا يجدع، ويد لا تقطع، فأنصفنا من ابن زياد. وقال مخرمة بن شرحبيل، وكان متألهاً، عظيم الطاعة في أهل اليمن: إنه لا يد تحجزك عن هواك دون الله، ولو مثلت بأخينا، وتوليت منه ذلك بنفسك لم يقم فيه قائم، ولم يعاتبك فيه معاتب، ولكن ابني زياد استخفا بما يثقل عليك من حقنا، وتهاونا بما تكرمه منا، وأنت بيننا وبين الله، ونحن بينك وبين الناس، فأنصفنا من صاحبيك، ولينفعنا بلاؤنا عندك. فقال يزيد: إن صاحبكم أتى عظيماً، نفى زياداً عن أبي سفيان، ونفى عباداً وعبيد الله عن زياد، وقلدهم طوق المامة، وما شجعه على ذلك إلا نسبه فيكم، وحلفه في قريش، فأما إذ بلغ الأمر ما أرى، وأشفى بكم على ما أشفى، فهو لكم وعلي رضاكم. وانتهى القرشيون إلى الحاجب فاستأذن لهم، فأذن، وقال لليمانيين: قد أتتكم برى الذهب من أهل العراق، فدخلوا فسلموا، والغضب يتبين في وجوههم، فظن يزيد الظنون، وقال لهم: ما لكم آنفتق فتق؟ أم حدث حدث فيكم؟ قالوا: لا، فسكن. فقال طلحة الطلحات: يا أمير المؤمنين، ما كفى ما لقيت من زياد، حتى استعملت عليها ولده، يستثيرون لك أحقادها، ويبغضونك إليها؟ إن عبيد الله وأخاه أتيا إلى ابن مفرغ ما قد بلغك، فأنصفنا منهما إنصافاً تعلم العرب به أن لنا منك خلفاً من أبيك، فلقد خبأ لك فعلهما خبئاً عند أهل اليمن لا نحمده لك، ولا تحمده لنفسك. وتكلم خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال: يا أمير المؤمنين، إن زياداً ربا في شر حجر، ونشأ في أخبث نشوء فأثبتم نصابه في قريش وحملتموه على رقاب الناس،

فوثب ابناه على أخينا وحليفنا وحليفك، ففعلا به الأفاعيل التي بلغتك، وقد غضبت له قريش الحجاز ويمن الشام ممن لا أحب لك غضبه، فأنصفنا من ابني زياد. وتكلم أخوه أمية بنحو مما تكلم أخوه، وقال: والله يا أمير المؤمنين، لا أحط رحلي ولا أخلع ثياب سفري، أو تنصفنا من ابني زياد، أو تعلم العرب أنك قد قطعت أرحامنا، ووصلت ابني زياد بقطيعتنا، وحكمت بغير الحق لهم علينا. وقال ابن معمر: يا أمير المؤمنين، إن ابن مفرغ طالما ناضل عن عرضك وعرض أبيك وأعراض قومك، ورمى عن جمرة أهلك، وقد أتى بنو زياد فيه ما لو كان معاوية حياً لم يرض به، وهذا رجل له شرف في قومه، وقد نفروا له نفرة لها ما بعدها، فأعتبهم وأنصف الرجل، ولا تؤثر مرضاة بني زياد على مرضاة الله عز وجل. فقال لهم يزيد: مرحباً بكم وأهلاً، والله لو أصابه ابني بما ذكرتم لأنصفته منه، ولو رحلتم في جميع ما تحيط به العراق لوهبته لكم، وما عندي إلا إنصاف المظلوم، ولكن صاحبكم أسرف على القوم. وكتب يزيد ببناء داره، ورد ماله، وتخلية سبيله، وأن لا إمرة لأحد من بني زياد عليه، وقال: لولا أن في القود بعدها جرى منه فساداً في الملك لأقدته من عباد. وسرح يزيد رجلاً من حمير يقال له خمخام، وكتب معه إلى عباد: نفسك نفسك أن تسقط من ابن مفرغ شعرة، فأقيدك والله به، ولا سلطان لك ولا لأحد غيري عليه. فجاء خمخام حتى انتزعه جهاراً من الحبس بمحضر من الناس، وأخرجه. فلما دخل على يزيد قال له: يا أمير المؤمنين، اختر مني خصلة من ثلاث خصال في كلها لي فرج: إما أن تقيدني من ابن زياد، وإما أن تخلي بيني وبينه، وإما أن تقدمني فتضرب عنقي. فقال له يزيد: قبح الله ما اخترته وخيرتنيه، أما القود من ابن زياد فما كنت

لأقيدك من عامل كان عليك، ظلمته وشتمت عرضه، وعرضي معه، وأما التخلية بينك وبينه فلا، وايم الله ما كنت لأخلي بينك وبين أهلي تقطع أعراضهم، وأما ضرب عنقك فما كنت لأضرب عنق مسلم من غير أن يستحق، ولكني أفعل بك ما هو خير لك مما اخترت لنفسك، أعطيك ديتك، فإنهم عرضوك للقتل، واكفف عن ولد زياد، فلا يبلغني أنك ذكرتهم، وانزل أي البلاد شئت، وأمر له بعشرة آلاف درهم. فخرج، ونزل الموصل، فأقام بها ما شاء الله. كان أبو موسى وجه ناب بن ذي الجرة سنة عشرين وهو محاصر رامهرمز في مئتي راكب، فأتى قلعة دشتمول وهي قلعة ذي الزناق، وفيها خزائن وسلاح، فطرقهم ليلاً، وقد شربوا يومهم لعيد لهم، فأمنوا ولم يخافوا، فدب في أربعين رجلاً إلى باب الحصن وعليه حرس، لم يغلقوا الباب لغلبة السكر عليهم، فقتلوهم، ودخلوا القلعة، فوصلوا إلى ذي الزناق وقد بدر بهم وهم على دهش، فقاتلوهم فعانق ناب ذا الزناق، فعضه ذو الزناق، فقطع أصبعه، فلم يفارقه ناب وصرعه فقتله، وأعطى الآخر بأيديهم فقتلهم، وحوى ما في القلعة، فقال ابن مفرغ يمدح ناب بن ذي الجرة الحميري من أبيات: وذو الزناق أتاه في فوارسه ... في عصبة قد شروا لله أطياب إمامهم ماجد كالسيد يقدمهم ... حامي الحقيقة ماض غير مرتاب حتى توسط جمعاً بعدما نذروا ... وقد تواصوا بحراس وحجاب فعانق البش منهم حازم بطل ... وغودر القوم صرعى بين أبواب قالوا: وقيل له: ذو الزناق أنه كان إذا ظفر برجل يحاربه، أو يخافه أو جنى

جناية زنقه. وكان من فرسانهم. وكان اسم ناب عبد الجليل ولقبه ناب، فقدم على أبي بكر، فسماه عبد الرحمن. قال أبو عبيدة: لما قتل عبيد الله بن زياد، وكان يزيد بن ربيعة بن مفرغ يسهب في هجو القوم، فعاتبه الناس على ذلك وقالوا له: قد قتل الرجل، فإن أمسكت عن ذكره كان هو الأحسن لك، فقال لهم: أعتب إن شاء الله. فلما أصبح في غد ذلك اليوم، دخل المسجد وتقوض إليه الناس فأنشأ يقول: إن الذي عاش ختاراً بذمته ... ومات عبداً قتيل الله بالزاب العبد بالعبد لا أصل ولا طرف ... ألوت به ذات أظفار وأنياب أقول لما أتاني ثم مصرعه ... لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي ما شق جيب ولا ناحتك نائحة ... ولا بكتك جياد عند أسلاب هلا جموع نزار إذ لقيتهم ... كنت امرأً من نزار غير مرتاب لا من نزار ولا من خذم ذي يمن ... جلمودة ألقيت من بين ألهاب إن المنايا إذا حاولن طاغية ... هتكن منه ستوراً بعد أبواب لا تقبل الأرض موتاهم إذا دفنوا ... وكيف تقبل رجساً بين أثواب ثم عاهد الله في مجلسه على هجائهم إلى أن يموت. توفي ابن مفرغ في الطاعون في ولاية مصعب بن الزبير العراق.

يزيد بن زياد ويقال ابن أبي زياد

يزيد بن زياد ويقال ابن أبي زياد القرشي، من دمشق. حدث عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله "، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لزوال الدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق ". وحدث عن الزهري عن عروة قال: قالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود حداً، ولا ذي غمر على أخيه، ولا مجرب عليه شهادة زور، ولا التابع مع أهل البيت لهم، ولا الظنين في ولاء ولا في قرابة ". وبه قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من يخطئ في العقوبة ". كان يزيد بن زياد منكر الحديث. يزيد بن زياد القرشي البصري نزيل صور. قيل إنه دمشقي.

يزيد بن سعد أبو عثمان الحجوري

حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه، حتى يصيب منهما جميعاً، فإن إحداهما بلغة الأخرى، ولا تكونوا كلاً على الناس ". وفي رواية: " فإن الدنيا بلاغ إلى ألآخرة ". يزيد بن سعد أبو عثمان الحجوري حدث عن أبيه عن غير واحد من كبراء قومه: أن راية حجور التي هاجرت بها مع المسلمين إلى الشام قدر ذراعاً ونحوه، عذبتان حمراوان بينهما بيضاء. يزيد بن أبي سعيد مولى المهري حدث عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير، كان له مثل أجر الخارج.

يزيد بن سعيد بن ذي عصوان

وفي حديث آخر: مثل نصف أجر الخارج. قالوا: وهو الصحيح. قال يزيد بن أبي سعيد: قدمت على عمر بن عبد العزيز إذ كان خليفة بالشام، فلما ودعته قال: إن لي إليك حاجة، قلت: يا أمير المؤمنين، كيف ترى حاجتك عندي؟ قال: إني أراك إذا أتيت المدينة فسترى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقرئه مني السلام. يزيد بن سعيد بن ذي عصوان ويقال: عصوان - العنسي - ويقال: السكسكي - الداراني حدث عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى كل مؤمن ملكاً، معه كافر، فيقول الملك للمؤمن: يا مؤمن، هاك هذا الكافر، فهذا فداؤك من النار ". وحدث يزيد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه إلى حي من قريش، فرجع إليه وهو يظهر التكبير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما سعد فقد رأى عجباً، فقال: يا رسول الله، أتيتك من عند قوم، هم وأنعامهم سواء، إنما همتهم ما لبسوا على ظهورهم، وأكلوا في بطونهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا سعد، أفلا أخبرك بأعجب من ذلك؟ قوم، علموا ما جهل هؤلاء ثم جهلوا كجهلهم. فانصرف سعد، فقال: يا أهلاه، يا أهلاه، هلموا إلى بيعة في طلب نعيم لا يزول، نجهد أنفسنا. قال عبد الملك بن عمير: فبايعوه، فأدركت عجوزاً شهدت تلك البيعة، فكنا نأتيها، فلا تكاد تلتفت إلينا اشتغالاً منها بذكر الله.

يزيد بن سمرة أبو هزان الرهاوي المذحجي

يزيد بن سمرة أبو هزان الرهاوي المذحجي قيل: أنه من دمشق. حدث عن عبد الحميد بن يزيد الجذامي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا صلاة الصبح ثم سلوا الله حوائجكم البتة ". و: هزان: بالهاء المكسورة والزاي المشددة والنون. يزيد بن السمط أبو السمط الصنعاني الفقيه حدث عن الأوزاعي بسنده إلى عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان ".

يزيد بن أبي سمية أبو صخر الأيلي

وحدث عن النعمان بن المنذر عن مكحول عن عمرو بن عنبسة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ، أخطأ أو أصاب فله مثل عدل عتق رقبة. ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار ". مكحول لم يدرك عمرو بن عنبسة. قال يزيد بن السمط: خرجت مع الأوزاعي إلى بيت المقدس، فقال لي: يا أبا السمط، لا تخبر أحداً بمكاني ها هنا، ثم أتى جباً من تلك الجباب، فاستقى دلواً من ماء فتوضأ، فجاءه ناس فقالوا: يا شيخ، اتق الله، أتتوضأ في المسجد، فلم يلتفت إليهم، ثم أتى الصخرة، فجعلها وراء ظهره، وصلى ثمان ركعات. قال: ثم صلينا فيه خمس صلوات، ثم التفت إلي فقال: يا أبا السمط، هذا فعل عمر بن عبد العزيز حين دخل هذه البلدة، ولم يأت شيئاً من تلك المواطن. يزيد بن أبي سمية أبو صخر الأيلي حدث عن ابن عمر قال: سألت أم سليم - وهي أم أنس بن مالك - النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: يا نبي الله، ترى المرأة في المنام مثلما يرى الرجل؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت المرأة ذلك فأنزلت فلتغتسل ". وحدث عنه قال: سمعته يقول: ما قال في جر الإزار فهو في القميص، وجر القميص أشد من جر الإزار ". وفي رواية عن ابن عمر قال: ما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإزار فهو في القميص.

يزيد بن سنان يقال إن له صحبة

وعن يزيد بن أبي سمية قال: شهدت عمر بن عبد العزيز أقام الحد ثمانين جلدة، على رجل افترى على رجل في أرض الحرب حين خرجوا. كان أبو صخر من العباد، كان يصلي ليله أجمع ويبكي، وكانت معه في الدار امرأة يهودية ساكنة تبكي رحمةً له، فقال ليلة في دعائه: اللهم، إن هذه اليهودية قد بكت رحمةً لي، ودينها مخالف لديني، فأنت أولى برحمتي. يزيد بن سنان يقال إن له صحبة قال يزيد بن سنان: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحلف زمناً فيقول: لا وأبيك، حتى نهي عن ذلك. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحلف أحدكم بالكعبة، فإن ذلك إشراك، وليقل: ورب الكعبة ". قالوا: وأهل بيت سنان يقولون: لم يلق يزيد بن سنان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره. ويزيد بن سنان الشامي روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا تحلفوا بالكعبة ولا تحلفوا إلا بالله ".

يزيد بن شجرة أبو شجرة الرهاوي

يزيد بن شجرة أبو شجرة الرهاوي يقال: إن له صحبة. قال يزيد بن شجرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السيوف مفاتيح الجنة ". وقال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يوشك العلم أن يرفع ". يرددها ثلاثاً. قال زياد بن لبيد: بأبي أنت وأمي، وكيف يرفع العلم منا، وهذا كتاب الله بين أظهرنا قد قرأناه، ويقرأه أبناؤنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم؟! فقال: " ثكلتك أمك يا زياد بن لبيد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، أو ليس هؤلاء اليهود والنصارى عندهم التوراة والإنجيل فماذا أغنى عنهم؟! إن الله ليس يذهب بالعلم بالرفع، ولكن يذهب بحملته، لا، قل: ما قبض الله عالماً من هذه الأمة إلا كان ثغرة في الإسلام، لا تسد بمثله إلى يوم القيامة ". وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة ودخل عليها: أطعمينا، فقالت: ما عندنا طعام، فقال: أطعمينا، فقالت: والله ما عندنا طعام، ثلاثاً. فقال أبو بكر يعتذر عنها: والله إن المرأة المؤمنة لا تحلف على أن ليس عندها طعام، وهو عندها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرأة المؤمنة في النساء كالغراب الأعصم في الغربان، فإن النار خلقت للسفهاء، وإن النساء أسفه السفهاء إلا صاحبة القسط والسراج.

قال لي بقية: وهي التي تقوم على راس زوجها توضئه. وقال يزيد بن شجرة: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة، وخرج الناس، فقال الناس خيراً، وأثنوا خيراً، فجاء جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن هذا الرجل ليس كما ذكروا، ولكنكم شهداء الله في الأرض وأمناؤه على خلقه، فقد قبل الله قولكم فيه، وغفر له ما لا تعلمون. وحدث يزيد بن شجرة عن أبي عبيدة بن الجراح قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الجنة مئة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلى الجنة، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ". القبيلة التي ينسب إليها بالضم وهو: رهاء بن منبه بن حرب ليس في ضمها خلاف. قال مجاهد: كان يزيد بن شجرة رجلاً من رهاء، وكان معاوية يستعمله على الجيوش فخطبنا يوماً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، اذكروا نعمة الله عليكم، ما أحسن أثر نعمة الله عليكم، لو ترون ما أرى من بين أحمر وأصفر ومن كل لون، وفي الرحال ما فيها، إنه إذا أقيمت الصلاة فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار، فإذا التقى الصفان فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار، وزين الحور العين فيطلعن، فإذا أقبل أحدكم بوجهه إلى القتال قلن: اللهم ثبته، اللهم انصره، وإذا أدبر احتجبن عنه وقلن: اللهم اغفر له، فأنهكوا وجوه القوم، فداء لكم أبي وأمي، فإن أول قطرة تقطر من دم أحدكم يحط بها عنه

يزيد بن شجعة الحميري من دمشق.

خطاياه، كما يحط الغصن من ورق الشجرة، وتبتدره اثنتان من الحور العين، وتمسحان التراب عن وجهه، وتقولان: فدانا لك، ويقول: فدانا لكما، فيكسى مئة حلة، ولو وضعت بين أصبعي هاتين لوسعتاهما، ليست من نسيج بني آدم، ولكنها من ثياب الجنة، إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسماتكم ونجواكم وخلالكم ومجالسكم، فإذا كان يوم القيامة قيل: يا فلان، هذا نورك، يا فلان لا نور لك، وإن لجهنم جناباً من ساحل كساحل البحر، فيه هوام، حيات كالبخاتي، وعقارب كالبغال الدك أو كالدك البغال. فإذا سأل أهل النار التخفيف قيل: اخرجوا إلى الساحل، فتأخذهم تلك الهوام، شفاههم وجنوبهم، وما شاء الله من ذلك، فتكشطها، فيرجعون، فيبادرون إلى معظم النار، ويسلط عليهم الجرب، حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم، فيقال: يا فلان، هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم، فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين. توفي يزيد بن شجرة الرهاوي سنة ثمان وخمسين. غزا فأصيب هو وأصحابه. يزيد بن شجعة الحميري من دمشق. لما أتى معاوية خبر عثمان أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري، فقال: إن عثمان قد حصر، فأشر علي برجل لأمري ولا يقصر. فقال: ما أعرف ذلك غيري، فقال: أنت لها، فأشر علي برجل أبعثه على مقدمتك، لا يتهم رأيه ولا نصيحته، وعجله في سرعان الناس. قال: أمن جندي أم من غيرهم؟ فقال: من أهل الشام، فقال: إن أردته من جندي أشرت به عليك، وإن كان من غيرهم فإني أكره أن أغرك بمن لا علم لي به، قال: فهاته من جندك، قال: يزيد بن شجعة الحميري، فإنه كما تحب. فإنهم لفي ذلك غذ قدم الكتاب بالحصر، فدعاهما ثم قال لهما: النجاء، سيراً، فأعينا أميرالمؤمنين، وتعجل أنت يا يزيد، وإن قدمت يا حبيب، وعثمان حي فهو الخليفة والأمر أمره، فانفذ لما يأمرك به، وإن وجدته قد قتل فلا تدعن أحداً أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته،

يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي

وإن أتاك شيء قبل أن تصل فأقم، حتى أرى من رأيي. وبعث يزيد بن شجعة، فأمضاه على المقدمة في ألف فارس على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل، عليها الروايا، وأتبعهم حبيب بن مسلمة وهو على الناس. يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي قدم دمشق. وحدث عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: " إذا أم الرجل القوم فلا يختص بدعاء دونهم، فإن فغل فقد خانهم، ولا يدخل عينه في بيت قوم بغير إذنهم، فإن فعل فقد خانهم ". وزاد في آخر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يحل لرجل أو لامرئ أن يصلي وهو حاقن حتى يتخفف، ولا يحل لامرئ مسلم أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يحل لامرئ مسلم أن ينظر في قعر بيت، فإن نظر فقد دمر ". وحدث يزيد بن شريح عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غضبت عائشة وضع يده على منكبها فقال: اللهم، اغفر لها ذنبها، وأذهب غيظ قلبها، وأعذها من مضلات الفتن. قال يزيد بن شريح: خرجت أنا وابن عم لي نريد الصلاة في بيت المقدس، فنزلنا على كعب الأحبار بدمشق فقال: إلى أين تريد؟ قلت: أريد إيلياء، فقال: لا تقل: إيلياء، ولكن قل: بيت المقدس، صفوة الله من بلاده، وخيرته وكنزه ومقامه. يعني: فيها صفوة الله من عباده، منها تبسط الأرض، وإليها تطوى، يطلع إليها كل صلاة، فيذر عليها رحمته

يزيد بن صخر أبي سفيان بن حرب

وحنانه ثم على سائر البلدان. من خرج من بيته لا يعنيه إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه مثل يوم ولدته أمه. وحدث يزيد بن شريح عن كعب: إذا أراد الله أن يطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب. يزيد بن صخر أبي سفيان بن حرب ابن أمية بن شمس، أبو خالد الأموي شهد حصار دمشق، ووليها بعد الفتح، وشهد وقعة اليرموك. حدث أبو عبد الله الأشعري قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه ثم جلس في عصابة منهم، فجاء رجل فقام يصلي، لا يركع وينقر في سجوده، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إليه، فقال: ترون هذا؟ لو مات على هذا مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، مثل الذي يصلي، ولا يركع، وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين، فماذا تغنيان عنه. وأسبغوا الوضوء، وويل للأعقاب من النار. أتموا الركوع والسجود. رواه أيضاً يزيد بن أبي سفيان. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعمل يزيد بن أبي سفيان على صدقة أخواله بني فراس بن غنم. وشهد يزيد حنيناً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعطاه من الغنائم مئة من الإبل وأربعين أوقية، وزنها له بلال، ولم يزل يذكر بخير، وعقد له أبو بكر الصديق مع أمراء الجيوش إلى الشام، وكان يقال له: يزيد الخير. وتوفي بالشام في الطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ونعاه عمر إلى أبي سفيان، فقال: رحمه الله، فمن أمرت بعده؟ قال: معاوية، فقال: وصلتك رحم. وفي رواية: وصلت الرحم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقيل: توفي سنة تسع عشرة بعد أن فتح معاوية قيسارية. ولما استعمله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني فراس لخؤولته فيهم، قدم بمال، فلقيه أبوه أبو سفيان، وطلبه منه، فأبى أن يعطيه إياه، فقال له: فأعلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني طلبته منك. فلما دفع المال إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلمه أن أباه طلبه منه، فقال له: فعد به على أبيك. لما عقد أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان دعاه فقال له: يا يزيد، إنك شاب تذكر بخير، قد رئي منك، وذلك شيء خلوت به في نفسك، وقد أردت أن أبلوك وأستخرجك من أهلك، فانظر كيف أنت، وكيف ولايتك، فإن أحسنت زدتك، وإن أسأت عزلتك، وقد وليتك عمل خالد بن سعيد، ثم أوصاه بما يعمل به في وجهه، وقال له: أوصيك بأبي عبيدة بن الجراح خيراً، فقد عرفت مكانه في الإسلام، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح فاعرف له فضله وسابقته، وانظر معاذ بن جبل، فقد عرفت مشاهدة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتي أمام العلماء يوم القيامة برتوة، فلا تقطع أمراً دونهما، فإنهما لن يألواك خيراً، فقال يزيد: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوصهما بي، كما أوصيتني بهما، فأنا إليهما أحوج منهما إلي، قال أبو بكر: لن أدع أن أوصيهما بك، فقال يزيد: يرحمك الله، وجزاك عن الإسلام خيراً. وعن ابن عمر قال: لما عقد أبو بكر الأمراء على الشام كنت في جيش خالد بن سعيد بن العاص، فصلى بنا الصبح بذي المروة، وهو على الجيوش كلها. فإنا لعنده غذ أتاه آت فقال: قدم يزيد بن أبي سفيان، فقال خالد بن سعيد: هذا عمل عمر بن الخطاب، كلم أبا بكر في

عزلي، وولى يزيد بن أبي سفيان، فقال ابن عمر: فأردت أن أتكلم، ثم عزم لي على الصمت، قال: فتولنا إلى يزيد بن أبي سفيان، وصار خالد كرجل منهم. وعن يزيد بن أبي سفيان قال: شيعني أبو بكر حين بعثني إلى الشام فقال: يا يزيد، إنك رجل تحب قرابتك، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من ولى ذا قرابة محاباة، وهو يجد خيراً منه لم يجد رائحة الجنة. وعن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر الصديق حين بعثني إلى الشام: يا يزيد، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمرة، وذلك أكبر ما أخاف عليك، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فأمر عليهم أحداً محاباة له، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، حتى يدخله جهنم، ومن أعطى رجلاً من مال أخيه شيئاً محاباة له فعليه لعنة الله، أو قال: برئت منه ذمة الله، وإن الله دعا الناس إلى أن يؤمنوا بالله، فيكونوا في حمى الله، فمن انتهك في حمى الله شيئاً فعليه لعنة الله، أو قال: برئت منه ذمة الله ". وعن ابن عمر: أن أبا بكر بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام فمشى معهم نحواً من ميلين، فقيل له: يا خليفة رسول الله، لو انصرفت، فقال: لا إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ". ثم بدا له في الانصراف إلى المدينة، فقام في الجيوش فقال: أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا، ولا تغلوا، ولا تجتنوا، ولا تهدموا بيعة، ولا تعرقوا

نخلاً، ولا تحرقوا زرعاً، ولا تحسروا بهيمة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً، ولا صبياً صغيراً، وستجدون أقواماً قد اتخذت الشياطين أوساط رؤوسهم أفحاصاً، فاضربوا أعناقهم، وستردون بلداً يغدوا ويروح عليكم فيه ألوان الطعام، فلا يأتيكم لون إلا ذكرتم اسم الله عليه، ولا يرفع لون إلا حمدتم الله عليه. وفي آخر في آخر الحديث: وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة ولا بعيراً، إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلاً ولا تعرقنه، ولا تغلل ولا تجبن. ولما وجه أبو بكر يزيد إلى الشام أوصاه فقال: سر على بركة الله، فإذا دخلت بلاد العدو فكن بعيداً من الحملة، فإني لا آمن عليك الجرأة واستظهر في الزاد، وسر بالأدلاء، ولا تقاتل بمجروح، فإن بعضه ليس منه، واحترس من البيات، فإن في العرب غرة، وأقلل من الكلام، فإنما ما وعى عنك. فإذا أتاك كتابي فأنفذه، وإذا قدمت وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك، وأسبغ عليهم النفقة، وامنع الناس من محادثتهم، ليخرجوا جاهلين، ولا تلجن في عقوبة، ولا تسرعن إليها وأنت مكتف بغيرها، واقبل من الناس علانيتهم، وكلهم إلى الله في سرائرهم، ولا تجسس في عسكرك، فتفضحه، ولا تهملنه فتفسده، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

ومن وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام: بدأ بالصلاة إذا حل لك وقتها، ولا تشاغل عنها بغيرها، فإن الإمام تقتدي به رعيته وتعمل بعمله في نفسه، وإذا وعظت فأوجز ولا تكثر الكلام، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضاً، وإنما يغني منه ما وعي عنك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تدخرن عن المشير شيئاً فتكون إنما تؤتى من نفسك، واستبسل الناس بالدنيا، فإن ذا النية تكفيك نيته، ومن أعطيته شيئاً بشيء فف له به، ولا تتخذن حشماً تضع عنهم ما تحمله على غيرهم، فإن ذلك يضغن الناس عليك، ويستحلون به معصيتك. ولما صعد يزيد بن أبي سفيان النبر ارتج عليه فقال: يا أهل الشام، عسى الله أن يجعل بعد عسر يسراً، وبعد عي بياناً، واعلموا أنكم إلى إمام فاعل أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه. قال أبو مسلم: غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس فغنموا، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتى الرجل أبا ذر فاستعان به عليه، فقال: رد على الرجل جاريته، فتلكأ عليه ثلاثاً فقال: لئن فعلت ذاك لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد "، فقال له يزيد بن أبي سفيان: نشدتك بالله أنا منهم؟ قال: لا، قال: فرد على الرجل جاريته. رأى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان كاشفاً عن بطنه، فرأى جلدة رقيقة، فرفع عليها الدرة وقال: أجلدة كافر؟. بلغ عمر بن الخطاب أن يزيد بن أبي سفيان يأكل ألواناً من الطعام، فقال عمر لمولاه

يزيد بن صهيب أبو عثمان الفقير الكوفي

يرفا: إذا حضر عشاؤه فأعلمني. فلما حضر أعلمه، فأتاه عمر فسلم عليه فقرب عشاؤه، فجاؤوه بثريد بلحم، فأكل معه عمر، ثم قدم شواء فبسط يزيد يده، وكف عمر يده ثم قال: تالله يا يزيد أطعام بعد طعام؟ والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم. يزيد بن صهيب أبو عثمان الفقير الكوفي قال يزيد بن صهيب الفقير: سألت جابر بن عبد الله عن ركعتين في السفر أقصرهما؟ فقال جابر: لا، إن ركعتين في السفر ليست بقصر، إنما القصر ركعة عند القتال. قال: ثم أنشأ يحدث أنه كان مع رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند القتال، إذ حضرت الصلاة، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصف طائفة خلفه، وقامت طائفة وجوهها قبل وجوه العدو، فصلى بهم ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم الذين صلوا خلفه انطلقوا فقاموا مقام أولئك، فجاء أولئك، فصفوا خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى بهم ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلس، فسلم، وسلم الذين خلفه، وسلموا أولئك، فكانت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين، والقوم ركعة ركعة. ثم قرأ يزيد: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ". قال يزيد بن صهيب الفقير: كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، وكنت رجلاً شاباً، فخرجنا في عصابة ذوي عدد، نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن

عبد الله يحدث القوم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جالس إلى سارية، وإذا هو قد ذكر الجهنميين، فقلت له: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هذا الذي تحدثون، والله يقول: " إنك من تدخل النار فقد أخزيته " و" كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيوا فيها " فما هذا الذي تقولون؟ فقال: أي نبي، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعتم بمقام محمد المحمود الذي يبعثه الله فيه؟ قلت: نعم، قال: فإنه مقام محمد المحمود، الذي يخرج الله به من يخرج من النار، قال: ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه، قال: فأخاف ألا أكون حفطت ذلك غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها، قال: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم قال: فيدخلون نهراً من أنهار الجنة، فيغتسلون، فيخرجون كأنهم القراطيس البيض. قال: فرجعنا فقلنا: ويحكم! أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجعنا، ووالله ما خرج منا غير رجل واحد. وفي آخر: قال جابر: الشفاعة بينة في كتاب الله: " ما سلككم في سقر قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين ". وحدث يزيد الفقير عن أبي سعيد: سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

يزيد بن عبد الله بن رزيق

يزيد بن عبد الله بن رزيق أبو خالد القرشي حدث عن الوليد بن مسلم، بسنده إلى عائشة، أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقبلها وهو صائم. وفي رواية: كان يقبل وهو صائم. وحدث عنه بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ". يزيد بن عبد الله بن قسيط أبو عبد الله الليثي المدني حدث عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال: قرأت عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بالنجم، فلم يسجد.

يزيد بن عبد الله بن مسعدة الفزاري

وحدث عن أبي هريرة قال - وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم ". وحدث عن ابن عمر قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، وادرؤوا عنها وحدث عن ابن المسيب، أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة - وهي السمحاق - بنصف ما في الموضحة. وقال في آخر: إن العمل على غيره. وحدث يزيد بن قسيط: أنه كان عند عمر بن عبد العزيز حين أتي بأسارى من العدو، فأمرهم أن يقتلوا، فقال أسير منهم: اسقوني ماء، فقال عمر: يا ويحه! اسقوه ماء. توفي أبو عبد الله سنة اثنتين وعشرين ومئة. يزيد بن عبد الله بن مسعدة الفزاري حدث ابن عياش عن أبيه قال: كنا عند عبد الملك بن مروان، فأتاه كعب بن حامد العنسي بفتيان، فيهم ابن لعبد الرحمن بن الحكم، ومعهم بربط وشراب، فقال عبد الملك: اضرب، فإن الأب كان فاسقاً، فضرب، ثم قال: أدنوا مني البربط، فضربه بخيزرانة، فإذا له صوت منكر، فنظر في وجوه القوم، فوقعت عينه على يزيد بن عبد الله بن مسعدة، فقال له:

يزيد بن عبد الله بن موهب

يا يزيد، كيف تصنع بهذا؟ قال: تؤخذ عيدان فتوصل بالغراء، ثم يجعل عليه الحديد حتى يرقق، ويجعل له عينان، ويجعل له عويد ترفع به أوتاره، ثم يضعه الرجل على فخذه اليسرى، ثم يأخذ بيده اليمنى مضراباً، ربما كان رصاصاً أو فضة أو خوصاً، ثم يحركه بأصابع يده اليسرى، ويضربه باليمنى. وكل مملوك لي حر، وكل امرأة له طالق إن لم تكن قد عرفت منه الذي قد عرفت، فلم سألتني من بين القوم؟؟ قال: فجعل عبد الملك يتبسم. يزيد بن عبد الله بن موهب أبو عبد الرحمن القاضي كان كاتب يزيد بن عبد الملك في زمن الوليد. قال يزيد بن عبد الله: من خاف الدوائر لم يعدل، ومن أحب كثرة المال والشرف لم يعدل. وقال ابن موهب: ثلاثةً إذا لم تكن في القاضي فليس بقاض: يسأل وإن كان عالماً، ولا يسمع شكيةً من أحد وليس معه خصمه، ويقضي إذا فهم. وحدث يزيد بن موهب عن أبيه عن مالك بن عامر عن معاذ، في قضاء رمضان: أحص العدة، وصم كيف شئت. كان يزيد بن عبد الله يحسر عن ذراعيه ثم يأخذ بجلدته فيمدها، ويأخذ بيده اليمنى جلدة ذراعه اليسرى، ثم يقول: والله لأحرصن ألا أدع للدود فيك مقيلاً. كان يزيد بن عبد الله يأتي مسجد إبراهيم كل عشية جمعة على بغلته، فيرسلها تدور حوله، فإذا أراد الانصراف جاءته فركبها. وكانت له إبل يكريها إلى مصر. فلما قدمت من مصر نزلت غزة، فأكراها الجمال في

يزيد بن عبد الله أبو خالد السراج

القصير، فمكث أياماً لم يقدم عليه فقال: بلغني قدومك منذ أيام، فما الذي بطأ بك عنا؟ قال: أكريت في القصير، قال: فخلطته مع كراء مصر، أو هو على حدته؟ قال: خلطته، فأخذه فرمى به في الدار فانتهبه الناس. وكان يزيد قلد قضاء الشام كارهاً، وكان صليباً في الحكم، لا يأتي الولاة، ولا يرفع بهم رأساً، وكانت له ضيعة تسمى زيتا، وكانوا إذا خوفوه بالعزل قال: أليس في زيتا خبز وزيت؟ أرجع إليه. قربت إلى يزيد بغلته ليركبها، فوجد منها ريحاً قال: ما هذا؟ قالوا: حقناها بشراب، فلم يركبها أربعين يوماً. يزيد بن عبد الله أبو خالد السراج حدث عن مكحول عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئاً أذكر الله به كل ساعة، قال: نعم، يا أبا هريرة، قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن الباقيات الصالحات. قال: يا رسول الله، هذا كله ليس لي منه شيء، قال: قل: اللهم، اغفر لي وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني. خمسة لك وأربعة لله عز وجل. وحدث عن مكحول عن الزهري، مرفوع: من قال: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب السموات السبع، ورب العرش العظيم. قالها ثلاث مرات. كان مثل من أدرك ليلة القدر. يزيد بن عبد الله النجراني ابن أبي يزيد النجراني، يكنى أبا عبد الله من دمشق. وهو من نجران التي بحوران.

يزيد بن عبد الحميد بن عاصم

روى عن عبد الله بن عمر أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن المؤمن إذا مات تجملت المقابر لموته، فليس منها بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها، وإن الكافر إذا مات أظلمت المقابر لموته، فليس منها بقعة إلا وهي تستجير بالله ألا يدفن فيها ". قالوا: النجراني لم يدرك ابن عمر. وحدث يزيد بن عبد الله عن الحسن بن ذكوان عن ابن أبي رباح عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال: لا إله إلا الله كتب له بها عند الله عهد، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له بها مئة ألف حسنة ". وحدث عن القاسم بن عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " والذي نفسي بيده ما تنصرون، ولا ترزقون إلا بالضعفاء ". وبه قال: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت رجلاً كان في جيش، كان إذا لقوا العدو كان أولهم، وإذا أدبروا كان آخرهم، يحميهم، فإذا نزلوا كان خادمهم، أهو أفضل سهماً في النفل؟ أم رجل يجهد أن يحمل سلاحه من الضعف؟ قال: " والذي نفسي بيده لتنصرنه، أو لا ينصرون إلا به ". النجراني: بالنون والجيم. يزيد بن عبد الحميد بن عاصم أبو خالد النصري حدث عن عبيد بن محمد بن بحر العبدي عن أبي عوانة عن سليمان بن علي قال: دخل علي الحسن فقلت: يا أبا سعيد، حدثني أبي عن جدي أنه قال: يا رسول الله، اجعلني عريفاً، قال: قال له: " إن شئت، ولكن العريف في النار ".

يزيد بن عبد الرحمن الهمداني

يزيد بن عبد الرحمن الهمداني ابن أبي مالك هانئ الهمداني الفقيه قاضي دمشق. حدث عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بعث جيشاً أو سرية أوصى صاحبهم بتقوى الله، في خاصة نفسه وبمن معه من المؤمنين. ثم قال: " اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، فإذا أنت لقيت عدوك من المشركين إن شاء الله فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال، أيهم أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن قبلوا فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن هم دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم على دار المهاجرين فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المسلمين، وليس لهم في الفيء والغنيمة حتى يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ". وحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوتها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل، فسارت بي، ثم قال: انزل فصل، فنزلت فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر إن شاء الله. ثم قال: انزل فصل، فنزلت فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى، ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء، فقدمني جبريل فصليت بهم، ثم صعد بي إلى سماء الدنيا، فإذا فيها آدم، فقال لي: سلم عليه، فقال: مرحباً بابني والنبي الصالح، ثم دخلت السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة يحيى وعيسى، ثم دخلت السماء الثالثة فوجدت فيها يوسف، ثم دخلت السماء الرابعة فوجدت فيها هارون، ثم دخلت السماء الخامسة، فوجدت فيها إدريس، قال الله عز وجل: " ورفعناه مكاناً علياً " ثم صعدت السماء السادسة

فوجدت فيها موسى، ثم صعدت السماء السابعة فوجدت فيها إبراهيم، ثم صعدت فوق سبع سموات، فغشيتني ضبابة، فخررت ساجداً، فقيل لي: إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت على أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك، فمررت على إبراهيم، فلم يسألني شيئاً، ثم مررت على موسى فقال: كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فسل ربك التخفيف، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجداً، فقلت: يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي، فخفف عني عشراً، فمررت على موسى فسألني، فقلت: خفف عني عشراً، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فخفف عني عشراً، ثم قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فأتيت سدرة المنتهى، فخررت ساجداً، فقال: إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فخمس خمسين، فقم بها أنت وأمتك، فعلمت أنها من الله. فمررت على موسى، فقال لي: كم فرض عليك؟ فقلت: خمس صلوات، فقال: فرض على بني إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما. فعلمت أنها من الله ". وحدث عن خالد بن معدان عن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله، هل يتناكح أهل الجنة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم، دحاماً دحاماً، ولكن لا مني ولا منية ". توفي يزيد سنة ثلاثين ومئة بدمشق، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. قال يزيد بن أبي مالك: رأيت واثلة بن الأسقع صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم على الجنازة تسليمةً. قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحد أعلم بالقضاء من يزيد بن أبي مالك، لا مكحول، ولا غيره.

يزيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي

وعن يزيد بن أبي مالك الدمشقي: ليس من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو ينظر إلى الله يوم القيامة عياناً إلا الحكم بجور، فإنه لا يحل له أن ينظر إلى الله، وهو أعمى. وقيل: إنه كان باقياً إلى سنة ثمان وثلاثين ومئة. وفيها مات وهو ابن ثمان وسبعين سنة. يزيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أخو سعيد بن عبد العزيز. قال سعيد بن عبد العزيز: لما هلك أخي يزيد قال لي إسماعيل بن عبيد الله: عاد أبو مسلم الخولاني أبا الدرداء في مرضه الذي قبض فيه. فلما رآه أبو مسلم كبر، فقال أبو الدرداء: هكذا تقول إن الله إذا قضى قضاءً أحب أن يرضى به. يزيد بن عبد المدان واسم عبد المدان عمرو بن الديان - والديان هو الحاكم - واسمه يزيد بن قطن، أبو النصر الحارثي وفد على رسو الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد بني الحارث من أهل نجران، وأسلم. وكان وفد على الحارث بن أبي شمر الغساني بنواحي دمشق. وسمي الديان لأنه قال: اليوم دين، وغداً دين، ودين الله خير دين، وكان شريفاً شاعراً. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث خالد بن الوليد في أربع مئة من المسلمين في ربيع الأول

سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثاً، ففعل، فاستجاب له من هناك من بلحارث بن كعب، ودخلوا فيما دعاهم إليه، ونزل بين أظهرهم يعلمهم الإسلام، وشرائعه وكتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكتب بذلك إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعث به مع بلال بن الحارث المزني، فجعل بلال بن الحارث المزني يخبره عما وطئوا وإسراع بني الحارث إلى الإسلام، فكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى خالد: أن بشرهم، وأنذرهم، وأقبل ومعك وفدهم، فقدم خالد ومعه وفدهم، وفيهم يزيد بن عبد المدان، وقيس بن الحصين، فقال: من هؤلاء الذين كأنهم رجال الهند؟ فقيل: بنو الحارث بن كعب، فسلموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأجازهم بعشر أواق، وأجاز قيس بن الحصين باثنتي عشرة أوقية ونشاً، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني الحارث بن كعب، ثم انصرفوا إلى قومهم في بقية شوال، فلم يمكثوا بعد رجوعهم إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه رحمته وبركاته. وفي حديث آخر، أنها لما قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلموا، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا، فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم قال: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا، فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، ثم قال: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا، فسكتوا فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها الرابعة: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا، أربع مرات، فقال يزيد بن عبد المدان: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا، نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجروا استقدموا، نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا، نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لولا أن خالداً لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم. فقال يزيد بن عبد المدان: إنا والله يا رسول الله ما حمدناك، وما حمدنا خالد بن الوليد، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فمن حمدتم؟ قالوا: حمدنا الله الذي

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هدانا بك، فقال: صدقتم، ثم قال: كيف كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟ فقالوا: لم نغلب أحداً، قال: بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم، فقالوا: كنا نغلب يا رسول الله من قاتلنا أننا كنا ننزع عن يد، وكنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحداً بظلم، فقال: صدقتم، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بني الحارث بن كعب، قيس بن الحصين. الحديث. وقيل: إن يزيد بن عبد المدان مات قبل وفاة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يزيد بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص، أبو خالد الأموي بويع بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز بعهد من أخيه سليمان بن عبد الملك سنة إحدى ومئة. أمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية. حدث الزهري قال: كان لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان. فلما ولي معاوية بن أبي سفيان ورث المسلم من الكافر، ولم يورث الكافر من المسلم، فأخذ بذلك الخلفاء حتى قام عمر بن عبد العزيز فراجع السنة الأولى، ثم أخذ بذلك يزيد بن عبد الملك. فلما قام هشام بن عبد الملك أخذ بسنة الخلفاء. كان عبد الملك قد أخذ على سليمان حين بايع له بولاية العهد ليبايعن لأحد ابني عاتكة. فأما يزيد فبايع له سليمان بن عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز فولى الخلافة بعد عمر. وفي ولاية عمر يقول الأحوص:

لولا يزيد وتأميلي خلافته ... لقلت ذا من زمان الناس إدبار وقال الأحوص أيضاً حين ولي يزيد بن عبد الملك: آلان استقر الملك في مستقره ... وعاد بعرف حاله المتنكر وعاد رؤوس المسلمين رؤوسهم ... ورد لهم ما أصبح الناس غيروا ولد يزيد بدمشق سنة ست وستين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وسبعين، وكان جسيماً، أبيض، مدور الوجه، أفقم، لم يشب. قال ابن جابر: بينا نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك، فهممنا أن نوسع له، فقال مكحول: دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس يتعلم التواضع. قال محمد بن موسى بن عبد الله بن بشار: إني لجالس في مسجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد حج في ذلك العام يزيد بن عبد الملك، قبل أن يكون خليفة، فجلس مع المقبري ومع ابن أبي العتاب إذ جاء أبو عبد الله القراظ فوقف عليه، فقال: أنت يزيد بن عبد الملك؟ فالتفت يزيد إلى الشيخين فقال: أمدنون هذا؟ أمصاب؟ فذكروا له فضله وصلاحه. قالوا هذا أبو عبد الله القراظ صاحب أبي هريرة حتى رق له ولان، قال: نعم، أنا يزيد بن عبد الملك، فقال له أبو عبد الله: ما أجملك! إنك لتشبه أباك، إن وليت من أمر الناس شيئاً فاستوص بأهل المدينة خيراً، فأشهد على أبي هريرة حدثني عن حبي وحبه صاحب هذا البيت -

وأشار إلى بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى ناحية من المدينة، يقال لها بيوت السقيا، وخرجت معه، فاستقبل القبلة، ورفع يديه حتى إني لأرى بياض ما تحت منكبيه، فقال: " إن إبراهيم نبيك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا نبيك ورسولك أدعوك لأهل المدينة، اللهم، بارك لهم في مدهم وصاعهم، وقليلهم وكثيرهم ضعفي ما باركت لأهل مكة، اللهم، ارزقهم من ها هنا وها هنا - وأشار إلى نواحي الأرض كلها - اللهم من أرادهم بسوء فأذبه كما يذوب الملح في الماء "، ثم التفت إلى الشيخين، فقال: ما تقولان؟ فقالا: حديث معروف مروي، وقد سمعنا أيضاً أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أخافهم فقد أخاف ما بين هذين "، وأشار كل واحد منهم إلى قلبه. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما توفي عمر بن عبد العزيز، وولي يزيد بن عبد الملك، قال: سيروا بسيرة عمر، قال: فأتى بأربعين شيخاً فشهدوا له: ما على الخلفاء حساب ولا عذاب. قال ابن عياش المنتوف: كان يزيد بن عبد الملك مطعوناً عليه في دينه، فسمع المؤذن يؤذن فقال: إن كنت كاذباً فلا مت إلا مسلماً، وإن كنت صادقاً فلا مت إلا موحداً، وتلك إنما شهادتك على شهادة معلمك وسماعك. ثم قال لجارية له: غنني بشعري، هو ديني واعتقادي، قال: فغنت: تذكرني الحساب ولست أدري ... أحقاً ما تقول من الحساب فقل لله يمنعني طعامي ... وقل لله يمنعني شرابي فلما غنت قال: أحسنت، هذا ديني. قال: في إسنادها غير واحد من المجهولين.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك: احذر أن تدركك الصرعة عند الغرة، فلا تقال العثرة، ولا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت. والسلام. وكتب عمر إلى يزيد حين حضره الموت: سلام عليك، أما بعد. فإني لا أراني إلا لما بي، ولا أرى الأمر إلا سيفضي إليك، فالله الله في أمة محمد، فتدع الدنيا لمن لا يحمدك، وتفضي إلى من لا يعذرك. والسلام. كتب يزيد بن عبد الملك إلى هشام أخيه: أما بعد. فإنه بلغ أمير المؤمنين أنك استبطأت حياته، وتمنيت وفاته، ونحلت قولاً للخلافة، وليس ذلك الذي عهد إلينا عبد الملك، وأمرنا به، أمرنا بالتواصل والتزاور والاجتماع. إن الفرقة شين. فكتب الجواب: أما بعد. فإن هذا الزمان الغدر والعيش الكدر نشأت فيه ناشئة، ابتغوا الرزق من كل ناحية، ووضعوا له الأبواب، وارتقوا إليه بالأسباب، والله ما حدثت نفسي بهذا في سر ولا علانية، بل جعل الله يومي قبل يومك، فلا خير في العيش بعدك. اشتكى يزيد بن عبد الملك شكاة، وبلغه أن هشاماً سر بذلك فكتب إليه يعاتبه: تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد وقد علموا لو ينفع العلم عندهم ... متى مت ما الباغي علي بمخلد منيته تجري لوقت وحتفه ... يصادفه يوماً على غير موعد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد

كان بالمدينة جارية، يقال لها سلامة، فكتب فيها يزيد بن عبد الملك تشترى له، فاشتريت بعشرين ألف دينار، فقال أهلها: ليس نخرجها حتى نصلح من شأنها، فقال الرسل: لا حاجة لكم بذلك، معنا ما يصلحها. فخرج بها حتى أتي بها سقاية سليمان، فأنزلها رسله، فقالت: لا أخرج حتى يأتيني قوم، كانوا يدخلون علي، فأسلم عليهم، فامتلأ رحبة ذلك الموضع، ثم خرجت، فوقفت بين الناس، وهي تقول: فارقوني وقد علمت يقيناً ... ما لمن ذاق ميتةً من إياب إن أهل الحصاب قد تركوني ... موزعاً مولعاً بأهل الحصاب سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفي السباب

أهل بيت تتابعوا للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب فما زالت على ذلك تبكي، ويبكونحتى رحلت، ثم أرسلت إليهم بثلاثة آلاف درهم، ثلاثة آلاف درهم. لما مات عمر بن عبد العزيز قال يزيد: والله ما عمر بأحوج إلى الله مني، فأقام أربعين ليلة يسير بسيرة عمر، فقالت حبابة لخصي له كان صاحب أمره: ويحك! قربني منه حيث يسمع كلامي، ولك علي عشرة آلاف درهم. فلما مر يزيد بها قالت: بكيت الصبا جهداً فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد منع المحزون أن يتجلدا وهذا شعر الأحوص. فلما سمعها قال: ويحك! قل لصاحب الشرط يصلي بالناس. وقال يوماً: والله إني لأشتهي أن أخلو بها، فلا أرى غيرها، فأمر ببستان له، وأمر حاجبه أن لا يعلمه بأحد، فبينما هو معها، أسر الناس بها، إذ حذفها بحبة رمان أو بعنبة وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت فماتت، فأقامت عنده في البيت حتى جيفت ثم دفنت، فأقام أياماً ثم خرج، فوقف على قبرها فقال: فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا ... فباليأس أسلو عنك لا بالتجلد

يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر السكوني

وكل خليل راءني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد ثم رجع، فما خرج من منزله إلا على نعشه. توفي يزيد بن عبد الملك سنة خمس ومئة - وكانت ولايته أربع سنين أو حولها - بالسل، وقيل: مات بإربد من أرض البلقاء، وقيل: بناحية الجولان، فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بين باب الجابية وباب الصغير، وقيل: دفن في الموضع الذي توفي فيه، ومات وهو ابن أربعين سنة، وقيل: دون ذلك. يزيد بن عبيدة بن أبي المهاجر السكوني من دمشق. حدث عن أبي عبيد الله عن عوف بن مالك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الرؤيا ثلاثة: منها من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ". قال: فقلت له: أسمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أنا سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان يزيد بن عبيدة يدعو: اللهم، أحدث لنا خيراً، وأدمنا عليه، وقدم لنا خيراً، وأوردنا عليه. وكان يزيد بن عبيدة يقول: من أراد أن يعرف كيف وصف الجبار نفسه فليقرأ ست آيات من أول الحديد. إلى قوله: " والله عليم بذات الصدور ". وعبيدة: بفتح العين وكسر الباء.

يزيد بن عطاء ويقال ابن أبي عطاء

يزيد بن عطاء ويقال ابن أبي عطاء أبو عطاء السكسكي حدث عن معاذ بن سعد السكسكي بسنده إلى عبادة بن الصامت أن رجلاً أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ما مدة أمتك من الرخاء أو الرجاء؟ فلم يرد عليه شيئاً، حتى سأله ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبه، فانصرف الرجل، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أين السائل؟ فرد عليه، فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي، مدة أمتي من الرخاء أو الرجاء مئة سنة. قالها مرتين، قال الرجل: يا رسول الله، فهل لذلك من أمارة أو علامة أو آية؟ قال: نعم، الخسف، والرجف، وإرسال الشياطين الملجمة على الناس. وفي آخر بمثله: الخسف، والقذف، والمسخ، وإرسال الشياطين الملجمة على الناس. يزيد بن أبي عطاء غير منسوب قال: أظنه غير الذي ذكرناه قبله. حدث يزيد بن أبي عطاء أنه سمع عمر بن عبد العزيز وهو يخطب الناس على المنبر في خلافته يقول: يا أيها الناس، من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب إليه، فإنما الهلاك في الإضراب عن الاستغفار، فإني قد علمت أن الله قد وصف في رقاب أقوام خطايا قبل أن يخلقهم، لا بد لهم أن يعملوا بها، فمن ألم بذنب فليستغفر الله، وليتب إليه.

يزيد بن عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عمر بن عبد العزيز ابن مروان بن الحكم الأموي حدث عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من خرج حاجاً، أو معتمراً فله بكل خطوة حتى يؤوب إلى رحله ألف ألف حسنة، ويمحى عنه ألف ألف سيئة، ويرفع له ألف ألف درجة:. قيل: إن هذا ليس بولد عمر بن عبد العزيز الخليفة، فقد روى عن أبي عائشة يزيد بن عمر بن عبد العزيز المقراني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من عرضت له الدنيا والآخرة فأخذ الآخرة، وترك الدنيا فله الجنة، وإن أخذ الدنيا وترك الآخرة فله النار ". يزيد بن عمر بن مورق ويقال: ابن مورد، بالدال وفد على عمر بن عبد العزيز. قال يزيد بن عمر: كنت بالشام وعمر بن عبد العزيز يعطي الناس، فتقدمت إليه، فقال لي: ممن أنت؟ فقلت: من قريش. قال: من أي قريش؟ قلت: من بني هاشم. قال: من أي بني هاشم؟ قلت: مولى علي. قال: من علي؟ فسكت، قال: فوضع يده على صدره، وقال: أنا والله مولى علي بن أبي طالب، ثم قال: حدثني عدة أنهم سمعوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".

يزيد بن عمر بن هبيرة بن معية

ثم قال: يا مزاحم، كم تعطي أمثاله؟ قال: مئة أو مئتي درهم، قال: أعطه ستين ديناراً لولائه لعلي بن أبي طالب، ثم قال: إلحق ببلدك، فسيأتيك مثلما يأتي نظراءك. يزيد بن عمر بن هبيرة بن معية ابن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك ويقال: حممة بدل مالك - بن عد بن عدي بن فزارة، أبو خالد الفزاري أصله من الشام. قال ابن هبيرة: لا ينبغي للقاضي إلا أن يكون عالماً، فهماً، صارماً. ولي ابن هبيرة العراق كلها زمن بني أمية. وولد سنة سبع وثمانين، واستعمل على العراق سنة ثمان وعشرين ومئة وجمع له المصران. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة سخياً خلاف أبيه، فإن أباه كان بخيلاً، فحضر مهرجاناً فجلس يزيد في قصر الحجاج، وأمر بطعام يتخذ له، يطعمه أصحابه، وجلس على سرير في وسط الدار، وأذن لأصحابه، فدخل فيمن دخل خلف بن خليفة الأقطع، فجلس حيال وجهه يذكر بنفسه، وجاء الدهاقين بوظائف المهرجان من المال وآنية الذهب والفضة واللباس، فملؤوا بها الدار، فأقبل ابن هبيرة يقول لأصحابه:

يا فلان خذ، يا فلان خذ، ويومى لهم إلى الأشياء ويعطيهم المال، ويفعل ذلك بمن إلى جنب خلف بن خليفة، ويتعدى خلفاً، فأقبل خلف يرفع رأسه إليه، يريه نفسه. فلما كثر ذلك، ونر إلى ما في الدار ينفد قام فقال: ظللنا نسبح في المهرجان ... في الدار من حسن جاماتها فسبحت ألفاً فلما انقضت ... عجبت لنفسي وإخباتها وأشرعت رأسي فوق الرؤوس ... لأرفعه فوق هاماتها لأكسب صاحبتي صحفةً ... تغيظ بها بعض جاراتها وأبدلها بصحاف الأمير ... قوارير كانت لجداتها قال: فضحك ابن هبيرة وقال: خذ ذلك الجام، فأعطاه جام ذهب، كثير الورق، فأخذه في يده وقام وقال: أصبحت صحفة بيتي من ذهب ... وصحاف الناس حولي من خشب شفني الجام فلما نلته ... زين الشيطان لي ما في الجرب إن ما أنفقت باق كله ... يذهب الباقي ويبقى ما ذهب فضحك ابن هبيرة وقال: خذ، وخذ، وأعطاه حتى أرضاه. كان يزيد بن عمر شديد الأكل، كان إذا أصبح أتوه بعس لبن حلب على عسل، وأحياناً على سكر فيشربه، فإذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تحل الصلاة فيصلي، ثم يدخل، فيدعو بالغداء، فيأكل دجاجتين، وناهضين ونصف جدي وألواناً من اللحم، ثم يخرج، فينظر في حوائج الناس إلى نصف النهار، ثم يدخل فيدعو بالحكم وبشر ابني عبد الملك بن بشر بن مروان، وخالد بن سلمة المخزومي، وعتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن عبد الرحمن بن عنبسة في أشباههم فيتغذى، فيضع منديلاً على صدره، فيكثر الأكل، ويعظم اللقم، فإذا فرغ تفرقوا، ودخل إلى

نسائه، حتى يخرج إلى الظهر، فينظر في أمور الناس، فإذا صلى العصر وضعت الكراسي للناس، ووضع له سرير، فإذا أخذ الناس مجالسهم أتوهم بعساس اللبن والعسل وألوان الأشربة. ثم يؤتى بالطعام، فيأكل إلى المغرب. وكان يزيد جسيماً، طويلاً، سميناً، أكولاً، شجاعاً خطيباً، وكان فيه حسد. وقال في آخر: فإذا أخذ الناس مجالسهم أتوهم بعساس اللبن والعسل، وألوان الأشربة، ثم توضع السفر والطعام للعامة، ويوضع له ولأصحابه خوان مرتفع، فيأكل معه الوجوه إلى المغرب، ثم يتفرقون للصلاة، ثم يأتيه سماره فيحضرون مجلساً يجلسون فيه، حتى يدعوهم، فيسامرونه حتى يذهب عامة الليل. وكان يسأل كل ليلة عشر حوائج، فإذا أصبحوا قضيت، وكان رزقه ست مئة ألف، فكان يقسمه كل شهر في أصحابه، من قومه ومن الفقهاء، ومن الوجوه، وأهل البيوت، فقال ابن شبرمة وكان من سماره: إذا نحن أعتمنا ومال بنا الكرى ... أتانا بإحدى الراحتين عياض وعياض بوابه، كان تحت يد أبي عثمان الحاجب، وإحدى الراحتين الدخول أو الإذن بالانصراف، ولم يكن لهم مناديل. كان ابن هبيرة إذا دعا بالمنديل قام الناس. بصرت جارية لابن هبيرة بابن هبيرة وهو أمير العراق، وعليه قميص مرقوع، فضحكت، فأنشأ ابن هبيرة يقول أبيات ابن هرمة: هزئت أمامة أن رأتني مخلقاً ... ثكلتك أمك أي ذاك يروع قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع ولرب لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع

قال بيهس بن حبيب: لما جاءنا أبو جعفر نهضوا إلينا بجماعتهم، فجعلنا نقاتلهم، فكنا في القتال شعبان ورمضان وشوال، فجاءنا الحسن بن قحطبة في آخر شوال فقال: إلى متى تمدون أعينكم؟ ما بقي أحد إلا وقد دخل في طاعة أمير المؤمنين، لكم عهد الله وميثاقه إنكم آمنون على كل شيء، فقبلنا ذلك، وأتانا خازم بن خزيمة في الغد، فقال مثل ذلك، وجاءنا الحارث بن نوفل الهاشمي، وجاءنا إسحاق بن مسلم العقيلي، فقال: اليوم يعطونكم ما تريدون، فاكتتبنا بيننا وبينهم صلحاً في أول ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومئة، على ما شئنا، على أن ابن هبيرة على رأس أمره، مع خمس مئة من أصحابه، ينزل خمسين يوماً مدينة الشرقية، لا يبايع، فإذا تمت فإن شاء لحق بمأمنه، وإن شاء دخل فيما دخل فيه الناس، وما كان في أيدينا فهو لنا، ففتحنا الأبواب، فدخلوا المدينة، وجولوا فيها، ثم خرجوا، ففعلوا مثل ذلك في الغد، وفي ثالث يوم دخل علج من علوجهم، في خيل فتتبع كل دابة، عليها سمة " له " فأخذها، وقال: هذه للإمارة. فبلغ ابن هبيرة، فقال: غدر القوم ورب الكعبة، وقال لأبي عثمان: انطلق إلى أبي جعفر، فأقرئه السلام، وقل له: إن رأيت أن تأذن لنا في إتيانك، فأذن له، فركب إليه وركبنا معه نحو مئتين، حتى انتهينا إلى الرواق، فنزل ابن هبيرة وأبو عثمان وسعد فجئنا نمشي معه حتى إذا بلغنا باب الحجرة دفع الباب فإذا أبو جعفر قاعد، فقال له ابن هبيرة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، ثم أرخى الباب،

فسمعنا أبا جعفر يقول: يا يزيد، إنا بنو هاشم نتجاوز عن المسيء ونأخذ بالفضل، لست عندنا كغيرك، إن لك وفاء، وأمير المؤمنين يرغب في الصنيعة إلى مثلك، فأبشر بما يسرك، فقال له ابن هبيرة: إن إمارتكم محدثة فأذيقوا الناس حلاوتها، وجنبوهم مرارتها، تجلبوا قلوبهم، وما زلت منتظراً لهذه الدعوة ثم قام، فقال أبو جعفر: عجباً لرجل يأمرني بقتل هذا. قال بيهس: فلما كان يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ومئة، بعث أبو جعفر خازم بن خزيمة، فقتل ابن هبيرة، وكان الذي تولى قتله عبد الله بن البختري الخزاعي، وقتل رباح بن أبي عمارة مولى لبني أمية، وعبيد الله بن الحبحاب الكاتب، وقتلوا داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة، وأخرج أبا عثمان كاتب ابن هبيرة خازم بن خزيمة فقتله، وأخذ بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وأبان بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وابنين لأبان بن عبد الملك بن بشر، والحوثرة بن سهيل ومحمد بن نباتة، وقعد الحسن بن قحطبة في مسجد حسان النبطي على الدجلة مما يلي المدائن، فحملوا إليه فضرب أعناقهم، وأتى بحارث بن قطن الهلالي فأمر به إلى السجن، وطلب خالد بن سلمة المخزومي، فلم يقدر عليه فنادى مناديهم أن خالد بن سلمة آمن، فخرج بعدما قتل القوم، فقتلوه أيضاً. وقيل إن كتاب الأمان الذي كتب مكث يتشاور فيه العلماء أربعين يوماً، حتى رضيه ابن هبيرة، ثم أنفذه إلى أبي جعفر، فأنفذه أبو جعفر إلى أبي العباس فأمره بإمضائه، وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه، وكان أبو العباس لا يقطع أمراً دون أبي مسلم، وكان أبو الجهم عيناً لأبي مسلم على أبي العباس، يكتب إليه بأخباره كلها،

فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد، ولا والله لا صلح طريق فيه ابن هبيرة. وألح أبو العباس على أبي جعفر يأمره بقتل ابن هبيرة، وهو يراجعه حتى كتب إليه: والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك، ثم يتولى قتله، فأزمع على قتله، وطلب من معه فجمعهم وانطلق خازم، والهيثم بن شعبة والأغلب بن سالم في نحو مئة، فأرسلوا إلى ابن هبيرة إنا نريد حمل المال، فقال ابن هبيرة لحاجبه: يا أبا عثمان دلهم عليه، فأقاموا عند كل بيت نفراً، ثم جعلوا ينظرون في نواحي الدار ومع ابن هبيرة، ابنه داود، وكاتبه عمرو بن أيوب، وحاجبه، وعدة من مواليه، وبني له صغير في حجره، فجعل ينر نرهم فقال: أقسم بالله إن في وجوه القوم لشراً، فأقبلوا نحوه، فقام حاجبه في وجوههم فقال: وراءكم، فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه، وقاتل ابنه داود، فقتل، وقتل مواليه، ونحى الصبي من حجره، وقال: دونكم هذا الصبي، وخر ساجداً، فقتل وهو ساجد، ومضوا برؤوسهم إلى أبي جعفر. وقال أبو عطاء السندي: ألا إن عيناً لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود عشية قام النائحات وصفقت ... خدود بأيدي مأتم وخدود فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود وإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد

يزيد بن عميرة الزبيدي ويقال الكلبي

يزيد بن عميرة الزبيدي ويقال الكلبي ويقال: الكندي حدث يزيد، أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا قال: أجلسوني ثم قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من التمسهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة ". كان يزيد بن عميرة لا يجلس مجلساً للذكر إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط، تبارك اسمه، هلك المرتابون. وقال معاذ يوماً: إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والعبد، فيوشك قائل يقول: ما للناس لا يتبعوني، وقد قرأت القرآن؟! ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره. فإياكم وما يبتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق. قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ فقال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتبهات التي يقال: ما هذه

يزيد بن فروة مولى بني مروان

ولا يثنك ذلك عنه، فإنه لعله يرجع ويلقى الحق إذا سمعه، فإن على الحق نوراً. فلبثت ما شاء الله، ثم قدمت الكوفة، فطفق قراء من أهل الكوفة يقولون: يا أخا أهل الشام، أتشهد أنك مؤمن؟ فأقول: نعم، فيقولون: أتشهد أنك في الجنة؟ فأقول: لا، فبلغ الأمر عبد الله بن مسعود، فمررت به في المسجد، فقالوا: هذا الشامي الذي ذكرنا، فأرسل إلي ابن مسعود، فقال: أتشهد أنك مؤمن؟ فقلت نعم، فقال: أتشهد أنك من أهل الجنة؟ فقلت: إني أخاف الذنوب، قال: فتبسم عبد الله بن مسعود ثم قال: لو شهدت أني مؤمن ما باليت أن أشهد أني في الجنة. قال: قلت: يغفر الله لك، هذا ما كان معاذ يحذرنا من أمثالك، قال: وما حذركم معاذ؟ قال: حذرنا زيغة الحكيم وقال: إن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على فم الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق ثم قال له: ارمم نفسك، فوالله ما أنت إلا أحد الثلاثة: مؤمن أو كافر أو منافق، ثم قال: يرحم الله معاذ بن جبل، ثم ما زال بعد ليناً مقارباً في المجلس. وفي آخر مثله قال ابن مسعود: إن معاذ بن جبل " كان أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين ". يزيد بن عميرة تابعي ثقة، من كبار التابعين. يزيد بن فروة مولى بني مروان لما غلب يزيد بن الوليد على دمشق، وقتل ابن عمه الوليد، أتى يزيد

يزيد بن فضالة

برأسه فقال ليزيد بن فروة: أنصبه للناس؟ قال: قلت: لا تفعل، إنما ينصب رأس الخارجي، فحلف لينصبن، ولا ينصبه أحد غيري، فوضع على رمح، ونصبه على درج مسجد دمشق ثم قال: اذهب، فطف به في مدينة دمشق. يزيد بن فضالة أظنه ابن سالم بن جميل، أبو خالد اللخمي قال يزيد بن فضالة: أضاف رجلان بابن ثوبان، فسألا عنه، وهو في جنينة له، فأتوه. فلما راح للمغرب قال لهما: أي مشي تحبان أن أمشي؟ فمشى معهما بمشيهما. فلما صلى المغرب قال لهما: أيما أحب إليكما: تنصرفان، فتعشيان، أم تثبتان إلى العتمة؟ قالا: نثبت. فلما صلى العتمة صار معهما إلى المنزل، فجاءهم يثردة عليها دجاجة، قال: كلوا، فإنا لم نتكلف لكما، إن الله لعن المتكلفين، إنما المتكلف أن يطعمه بدين أو خيانة. يزيد بن قبيس بن سليمان أبو سهل ويقال: أبو خالد - السليحي الجبلي من أهل جبلة. حدث عن الوليد بسنده إلى أبي سلمة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أصدق كلمة قالها شاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل.........

يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي

وفي حديث آخر: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد. قبيس: بالباء المعجمة بواحدة وضم القاف. يزيد بن القعقاع أبو جعفر المخزومي المدني القارئ، مولى عبد الله بن عياش حدث يزيد بن القعقاع، أن أبا هريرة كان يصلي، فيكبر كلما خفض ورفع، وكان يرفع يديه حين يكبر يفتتح الصلاة. وحدث أيضاً قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى يسجد يمسح الحصى - لوضع جبهته - مسحاً خفيفاً. قال أبو جعفر: كنت أصلي وعبد الله بن عمر ورائي، وأنا لا أشعر، فالتفت، فوضع يده في قفاي فغمزني. كان يزيد إمام أهل المدينة في القراءة، فسمي القارئ بذلك، وكان ثقة قليل الحديث، توفي سنة ثلاثين ومئة، وقيل: سنة سبع وعشرين ومئة. حدث أبو جعفر: أنه أتي به أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صغير، فمسحت على رأسه ودعت فيه بالبركة.

قال أبو معشر: كنا في جنازة مع أبي جعفر القارئ. فلما جلسنا عند القبر بكى أبو جعفر ثم قال: حدثني زيد بن أسلم: أن أهل النار لا يتنفسون. فذلك الذي أبكاني. لما غسل أبو جعفر بعد وفاته نظروا إلى ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك من حضر أنه نور القرآن. وقيل: إنه لما حضروا حوله قال ختنه: ألا أريكم منه عجباً؟ قالوا: بلى، فكشف عن صدره، فإذا دوارة بيضاء مثل اللبن، فقالوا: هذا نور القرآن. فلما مات قالت أم ولده: إن ذلك البياض صار غرة بيضاء بين عينيه. قال سليمان بن سليمان العمري: رأيت أبا جعفر القارئ على الكعبة، فقلت: إنه. أبا جعفر؟ قال: نعم، أقرئ إخواني مني السلام، وأخبرهم أن الله جعلني مع الشهداء الأحياء المرزوقين، وأقرئ أبا حازم السلام، وقل له: يقول لك أبو جعفر: الكيس الكيس، فإن الله وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات.

1 - /يزيد بن أبي كبشة واسم أبي كبشة حيويل بن يسار بن حيي بن قرط بن سنبل بن المقلد بن معدي كرب بن عريق بن السكسك بن أشرس بن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث السكسكي من أهل بيت ليها. وكان عقبه بها، وكان عريف السكاسك. وولي العراقين للوليد بن عبد الملك، ثم خراج السند في أيام سليمان. وكان له قدر في أهل الشام. عن مسرة بن معبد اللخمي قال: صلى بنا يزيد بن أبي كبشة العصر وفي رواية: صلاة العصر ثم انصرف إلينا بعد سلامه، فقال: إني صليت وراء مروان بن الحكم، فسجد بنا مثل هاتين السجدتين، ثم انصرف إلينا، فأعلمنا أنه صلى وراء عثمان بن عفان فسجد مثل هاتين السجدتين، ثم قال لنا عثمان: إني كنت عند نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أتاه رجل، فسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، إني صليت، فلم أدر أشفعت أم وترت ثلاثاً يقولها فأجابه نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يتلاعب بكم الشيطان في صلاتكم، من صلى فلي يدر أشفع أم وتر فليسجد سجدتين، فإنهما تمام صلاته. قال أبو بردة بن أبي موسى ليزيد بن أبي كبشة واصطحبا في سفر، فكان ابن أبي كبشة يصوم في السفر، فقال أبو بردة: سمت أبا موسى مراراً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الرجل المسلم إذا مرض أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل مقيماً صحيحاً.

يزيد بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن يزيد بن ذكوان أبو القاسم

عن مجالد قال: أول من جمع له المصران: البصرة والكوفة: زياد وابنه عبيد الله بن زياد، ومصعب بن الزبير، وبشر بن مروان، والحجاج بن يوسف، ويزيد بن أبي كبشة السكسكي، ويزيد بن المهلب، ومسلمة بن عبد الملك، وعمر بن هبيرة الفزاري، وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر الثقفي، وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عمر بن هبيرة. ولم يجمع لأحد غيرهم. قال خليفة بن خياط: كتب سليمان بن عبد الملك إلى صالح بن عبد الرحمن أن يأخذ آل بني أبي عقيل، ويحاسبهم، فولى صالح بن حبيي بن المهلب حرب الهند، ويزيد بن أبي كبشة الخراج، فأقام بها يزيد بن أبي كبشة أقل من شهر، ثم مات. يزيد بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن يزيد بن ذكوان أبو القاسم مولى بن هاشم روى عن سلامة بن بشر بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما من نبي، ولا وال إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمن وقي شرها فقد وقي، وهو من التي تغلب عليه منهما. وروى عن هشام بن عمار بسنده إلى ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا ينظرن أحد منكم إلى فرج زوجته، ولا فرج جاريته إذا جامعها؛ فإن ذلك يورث العمى.

يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني

وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تربوا الكتاب، وسجوه من أسفله، فإنه أنجح للحاجة. قال محمد بن يوسف بن بشر الهروي: كنت عند الربيع في منزله إذ جاءه يزيد بن محمد بن عبد الصمد مسلماً عليه، فأقعده الربيع معه على السرير، ثم أقبل عليه، فألقى عليه مسألة من كلام الشافعي، فأجابه يزيد بن عبد الصمد بجواب غير مذهب الشافعي، فرأيت الربيع من إعجابه بأبي عبد الله الشافعي ومذهبه أن قال ليزيد بن محمد: يا أبا القاسم، ينبغي لك أن تنظر في الفقه، أو قال له: تفقه، تفقه! توفي يزيد بن محمد بن عبد الصمد سنة ست وسبعين ومائتين. وكان مولده سنة ثمان وتسعين ومائة. وثقه النسائي والدارقطني يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني عن يزيد بن مرثد أدرك ثلاثة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وواثلة بن الأسقع قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا تجشأ أحدكم، أو عطس، فلا يرفعن بهما الصوت؛ فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت. عن يزيد بن مرثد، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مشى عن راحلته عقبة فكأنما أعتق نسمة، ومن سافر منكم فليرجع إلى أهله بهدية، ولو بالحجارة في مخلاته.

عن يزيد بن مرثد، عن أبي الدرداء: أن رجلاً أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، ما عصم هذا الأمر وعراه ووثائقه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعقد بيمينه: أخلصوا عبادة ربكم، وأقيموا خمسكم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيتكم، تدخلوا جنة ربكم، ويحرك يده. وعن يزيد بن مرثد، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحسن فيما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى، وما بقي. وروى من طريقه البخاري في التاريخ أن أبا الدرداء كان يقول: ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم، والرضى بالقدر، والإخلاص والتوكل، والاستسلام للموت والمحفوظ: للرب. وقال أبو الدرداء: لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه. قال ابن ماكولا: مرثد: براء وثاء معجمة بثلاث يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني الشامي. وقال في موضع آخر: أما غفار بغين معجمة وفاء، وآخره راء: أبو غفار يزيد بن مرثد الهمداني الشامي. قاله خالد بن معدان، وقال مسلم بن الحجاج: هو أبو عثمان. قيل ليزيد بن مرثد: ما لعينك لا تجف؟ قال: لو أن الله وعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في الحمام لكان بالحري أن لا تجف دموعي، قال: قلت له: أهكذا أنت في الخلوات؟

يزيد بن أبي مريم بن أبي عطاء

قال: وما مسألتك عن هذا؟ قال: قلت: كلمة لعل الله أن ينفعني بها. قال: إني لأهم بأهلي، فأذكر منه، فأبكي، وتبكي أهلي لبكائي، وإنه ليقرب إلي الطعام، فأذكر منه ما تعلم، فأبكي، وتبكي أهلي لبكائي، والصبيان يبكون لبكائنا، وتقول أهله: يا ويحها لما خصت به من بين نساء المسلمين! وقد روي هذا الخبر عن مرثد بن عبد الله. عن الوضيين بن عطاء قال: أراد الوليد بن عبد الملك أن يولي يزيد بن مرثد القضاء، فبلغ ذلك يزيد، فلبس فروة قد قلبها، فجعل الجلد على ظهره، والصوف خارجاً، وأخذ بيده رغيفاً وعرق لحم، وخرج بلا رداء، ولا قلنسوة، ولا نعل، ولا خف، وجعل يمشي في الأسواق، ويأكل الخبر واللحم، فقيل للوليد: إن يزيد بن مرثد قد اختلط، وأخبر بما فعل، فتركه. قال يزيد بن مرثد: إذا راح أحدكم إلى الجمعة فبلغ السقليين يوحد الله حتى يخرج منها: الله أحد، الله الصمد، فسألته، فقال: هذه بقعة قلما يوحد الله فيها. يزيد بن أبي مريم بن أبي عطاء أبو عبد الله مولى سهل بن الحنظلية الأنصاري،. كانت داره بدمشق في ناحية باب الفراديس، وكان إمام مسجد الجامع بدمشق في أيام بن عبد الملك. روى عن قزعة أنه أخبره، عن أبي سعيد، وعبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي

يزيد بن أبي المساحق السلمي

هذا، ولا تسافر امرأة مسيرة يوم وفي رواية: تسافر المرأة مسيرة يوم إلا مع زوجها، أو ذي محرم من أهلها. وروى عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن أبي عبس، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار. قال يزيد بن أبي مريم: سمعت عبد الله أبا إدريس الخولاني يحدث عن معاذ بن جبل قال: لما قلت لمعاذ: إني أحبك لله أخذ بحبوتي: فاجتذبني إليه، وقال: الله إنك تحبني؟ قلت: الله إني أحبك لله، قال: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: المتحابون في الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. قال: أتسمع؟ قلت نعم، قال: إنك تجالس قوماً لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم قد غفلوا فارغب أو قال: فازعب إلى ربك عند ذلك رغبات أو زعبات. قال يزيد بن أبي مريم الأنصاري: صليت مع واثلة بن الأسقع على الجنائز، فكان إذا أتى بالرجل والمرأة جعل الرجل مما يلي الإمام، والمرأة مما يلي القبلة رأسها بإزاء ركبيته. قال يحيى بن معين، والعجلي، وأبو حاتم: يزيد بن أبي مريم ثقة توفي يزيد بن أبي مريم سنة أربع وأربعين ومائة. يزيد بن أبي المساحق السلمي مؤدب الوليد بن يزيد. كان شاعراً. قال شعراً يعظ فيه الوليد بن يزيد، وبعث به إلى النوار جارية الوليد، فغنته به، وهو: من الوافر

يزيد بن أبي مسلم أبو العلاء الثقفي

مضى الخلفاء بالأمر الحميد ... وأصبحت المذمّة للوليد تشاغل عن رعيّته بلهو ... وخالف فعل ذي الرأي الرّشيد قال: فكتب إليه الوليد: مجزوء الرمل ليت حظّي اليوم من كل ... ل معاشٍ لي وزاد قهوةٌ أبذل فيها ... طارفي ثم تلادي فيظلّ القلب فيها ... هائماً في كلّ وادي إنّ في ذلك صلاحي ... وفلاحي ورشادي يزيد بن أبي مسلم أبو العلاء الثقفي مولاهم. استكتبه الحجاج بن يوسف، وكانت فيه كفاية، ونهضة. وقدم على سليما بن عبد الملك، ثم استعمله يزيد بن عبد الملك على إفريقية. قال رقبة بن مسقلة: خرج يزيد بن أبي مسلم من عند الحجاج فقال: لقد قضى الأمير بقضية، فقال له الشعبي: وما هي؟ فقال: قال: ما كان للرجل فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة. فقال الشعبي: قضاء رجل من أهل بدر، قال: ومن هو؟ قال: لا أخبرك، قال: من هو؟ علي عهد الله وميثاقه ألا أخبره، قال: هو علي بن أبي طالب. قال: فدخل على الحجاج، فأخبره، فقال الحجاج: صدق، ويحك! إنا لم ننقم على علي قضاءه، قد علمنا أن علياً كان أقضاهم. عن نعيم بن أبي هند قال: كنت جالساً إلى يزيد بن أبي مسلم أيام الحجاج، وهو يعذب الناس، فذكر رجلاً في السجن، فبعث إليه بغيظ وغضب، فأتي به، وما أشك أنه سيقع به، فلما قام بين يديه رأيت الرجل يحرك شفتيه بشيء لم نسمعه، فرفع رأسه إليه، فقال: خلوا سبيله، أو ردوه. قال: فقمت إلى الرجل، فقلت له: شهدت هذا حين أرسل إليك بغيظ وغضب، ولا أشك أنه سيقع بك، فلما قمت بين يديه رأيتك حركت شفتيك بشيء لم

أسمعه، فأمر فيك بما ترى، فما الذي قلت؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك بقدرتك التي تمسك بها السماوات السبع أن يقع بعضهن على بعض أن تكفينيه. قال حبيب أبو الأشعث: كان يزيد بن أبي مسلم صفرياً. قال الأصمعي: لقي أعرابي بين مكة والمدينة، فسئل عن شيء، فقال: ما أرى الناس إلا بقرنائهم؛ انظروا إلى الحجاج من قيض له ابن أبي مسلم؟ وإلى فرعون من قيض له هامان؟ وانظروا إلى عمر بن عبد العزيز من قيض له رجاء بن حيوة؟ فما أرى الناس إلا بقرنائهم. قال عبيد الله: دخلت على الحجاج، قال: فأشار بيده؟ فقلت: عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي، قال: وقد فرضنا لك في كذا وكذا. قال عبيد الله: فلما مات الحجاج في بقية خلافة الوليد أقر الوليد يزيد بن أبي مسلم على العراق أربعة أشهر، فلما هلك الوليد وولي سليمان عزله وولى يزيد بن المهلب العراق فأشخصه إلى سليمان، فقدم عليه وهو بالبلقاء، فأوقفه للناس، فما أتى أحد يتظلم منه بشيء، إلا أن رجلاً من أهل المدينة أدلى بأن يزيد قد نال منه بالعراق لطمة فسأل القود منه، فأقاده، فلطمه لطمة أخضرت عينه، فلما رأى سليمان أن أحداً لا يتبعه بمظلمة أدخله عليه، وجعل يسائله عن أمور الناس، وعن سير الحجاج وأعماله، فكلما أخبره ببعض ما يكره يقول: ويحك يا يزيد، ما ترى الله صانعاً بالحجاج يوم القيامة؟! قال: فسكت يزيد، فلما أكثر عليه قال: أقول يا أمير المؤمنين إن الله سيجعله ثالثاً لأبيك وأخيك وبينهما، فإن دخلا الجنة

فعاملهما، والمنفذ لأمرهما، وإن دخلا النار فأسفل منهما. قال: فقال سليمان: ويحك يا فلان! اكتب إلى العامة أن يكفوا عن لعن الحجاج، فلا يذكروه بلعنة، ولا بصلاة. قال: وقد كان كتب إلى العامة ألا يذكروه إلا بلعنة، قال: فكانوا يفعلون. قال: وأذن له بالانصراف إلى أهله، فقدم دمشق، فتهيأ للرواح إلى المسجد، فراح معتماً حتى قام من غرب المسجد، فقام يصلي فيه، فنظر أهل المسجد الذي يلونه بعضهم إلى بعض، فقالوا: هذا ابن أبي مسلم قد صلى، وهو الآن يأتيكم للمجالسة والألفة التي كانت بينكم وبينه فقوموا إليه، فازجروه عنكم قبل أن يأتيكم، فإنكم إن أتاكم فزجرتموه كانت به عليكم شهرة وأحدوثة. قال: فقاموا إليه، فلما رآهم ظن أنهم أتوه ليسلموا عليه، ورحب بهم. فقالوا: يا هذا، إليك عنا، كنت تجالسنا، وقد فعلت بالعراق وفعلت، فلا تجالسنا، ولا تقربنا. قال: فقال بيده يحركها، وقال: فعلت وفعلت، أم والله ما أجدني آسى على شيء إلا على نفوس كثيرة تركتها في سجون العراق ألا أكون أتيت عليها. دخل يزيد بن أبي مسلم القيسي على سليمان بن عبد الملك بعد وفاة الحجاج، وكان يزيد دميماً قصيراً، فقال له سليمان: ما جاء بك؟ من استكتبك، ومن قلدك؟ قبحك الله! فقال له يزيد: يا أمير المؤمنين، نظرت إلي وقد أدبر أمري فصغر في عينك ما عظم في عين غيرك. وهم باستكتابه، فقال له عمر بن عبد العزيز: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحيي ذكر الحجاج باستكتابك كاتبه! قال: يا أبا حفص، إني كشفته فلم أجد عليه خيانة، فقال عمر: أنا أوجدك من هو أعف عن الدينار والدرهم منه، فقال سليمان: ومن هذا؟ قال: إبليس، ما مس ديناراً، ولا درهماً بيده، وقد أهلك هذا الخلق، فتركه سليمان. ولما وقف سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم للناس على درج دمشق، ونصبه للمظالم أقبل جرير على راحلته، وقال: أفرجوا عني حتى وصل إليه، ثم أنشأ يقول: من البسيط كم في وعائك من أموال موتمة ... شعث صغار وكم خربت من دار

يزيد بن معاوية بن صخر أبي سفيان

ورد عمر بن عبد العزيز ابن أبي مسلم من دابق، وقال: ليس بمثله يستعين به المسلمون على قتال عدوهم. وكان عطاؤه ألفين فحط إلى ثلاثين أو خمسة وعشرين فرجع من دابق إلى أطرابلس؛ لأنه كان سيافاً للحجاج، وكان ثقفياً. قال يعقوب: وفيها يعني سنة إحدى ومائة أمر يزيد بن أبي مسلم على إفريقية، ونزع إسماعيل بن عبيد الله. وقال خليفة: وفيها يعني سنة اثنتين ومائة وثب الجند على يزيد بن أبي مسلم، فقتلوه. يزيد بن معاوية بن صخر أبي سفيان ابن حرب بن أمية بن عبد شمس أبو خالد الأموي بويع له بالخلافة بعد أبيه بعهد منه. عن أبي خالد، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. قال الزبير بن بكار: ولد معاوية بن أبي سفيان يزيد، وأمه: ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة بن جناب. بايع له معاوية من بعده، وكان أول من جعل ولي عهد في صحته، وكان معاوية يقول: لولا هوائي في يزيد لأبصرت قصدي. وتمثل له وهو ينظر إليه: من الطويل

إن مات لم تصلح مزينة بعده ... فنوطي عليه يا مزين التّمائما وخرج الحسين بن علي إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية، فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، وهو واليه على العراق: إنه قد بلغني أن حسيناً سار إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمال، وعندها تعتق، أتعود عبداً كما تعتبد العبيد. فقتله عبيد الله بن زياد، وبعث برأسه إليه، فلما وضع بين يديه تمثل قول الحصين بن الحمام المري: من الطويل يفلّقن هاماً من رجالٍ أحبّةٍ ... إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما ويزيد الذي أوقع بأهل المدينة، بعث إليهم مسلم بن عقبة المري، فأصابهم بالحرة. ولد يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان سنة ست وعشرين. وقيل: ولد سنة سبع وعشرين في بيت راس. قال سعيد بن حريث: كان يزيد بن معاوية رجلاً كثير اللحم عظيم الجسم، كثير الشعر. وذكر سعيد بن كثير بن عفير أنه كان جميلاً، طويلاً، ضخم الهامة، مخدد الأصابع، غليظها مجدراً. قال زهير بن بشر الكلبي: تزوج معاوية ميسون بنت بحدل، فطلقها وهي حامل بيزيد، فرأت في النوم كأن

قمراً خرج من قبلها، فقصت رؤياها على أمها، فقالت: لئن صدقت رؤياك لتلدن من يبايع له بالخلافة. قال عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عتبة بن أبي سفيان. جلست ميسون بنت بحدل الكلبية ترجل ابنها يزيد بن معاوية، وميسون يومئذ مطلقة، ومعاوية وفاختة بنت قرظة ينظران إليهما، ويزيد وأمه لا يعلمان، فلما فرغت من ترجيله نظرت إليه فأعجبها، وقبلت بين عينيه، فقال معاوية بيتاً من شعر، ومضى يزيد، فأتبعته فاختة بصرها، وقالت: لعن الله سواد ساقي أمك! فقال معاوية: أقد رأيتها؟ أما والله على ذلك لما فرجت عنه وركاها خير مما تفرجت عنه وركاك وكان لمعاوية من بنت قرظة عبد الله، وكان أحمق الناس قالت فاختة: لا والله، ولكنك تؤثر هذا عليه، فقال: سوف أبين لك ذلك حتى تعرفيه قبل أن تقومي من مجلسك؛ يا غلام، ادع لي عبد الله، فدعاه، فقال له معاوية: أي بني، إني قد أردت أن أسعفك، وأن أصنع بك ما أنت أهله، فاسأل أمير المؤمنين، فلست سائلاً شيئاً إلا أعطاه، فقال: حاجتي أن تشتري لي كلباً فارهاً، وحماراً، فقال معاوية: يا بني، أنت حمار، ويشترى لك حمار! قم فاخرج. قال: كيف رأيت؟ يا غلام، ادع لي يزيد، فدعاه، فقال: يا بني، إن أمير المؤمنين قد أراد أن يسعفك، ويوسع عليك، ويصنع بك ما أنت أهله، فاسأله ما بدا لك. قال: فخر ساجداً، ثم قال حين رفع رأسه: الحمد لله الذي بلغ أمير المؤمنين هذه المدة، وأراه في هذا الرأي. حاجتي أن تعقد لي العهد من بعدك، وتوليني العام صائفة المسلمين، وتحسن جهازي، وتقويني، فتكون الصائفة أول أسفاري. وتأذن لي في الحج إذا رجعت، وتوليني الموسم، وتزيد أهل الشام عشرة دنانير لكل رجل، وتجعل ذلك بشفاعتي، وتفرض لأيتام بني جمح، وأيتام بني سهم، وأيتام بني عدي. قال: مالك ولبني عدي؟ قال: لأنهم حالفوني، وانتقلوا إلى داري. قال معاوية: قد فعلت، إذا رجعت، ذلك بك، وقبل وجهه، وقال لابنه قرظة: كيف رأيت؟؟ قالت: يا أمير المؤمنين، أوصه بي، فأنت أعلم به. ففعل. وقد روي هذا الخبر من طريق آخر، وفيه: أن عبد الله سأل مالاً، وأرضاً، وأن

يزيد قال لمعاوية: أعتقني من النار، أعتق الله رقبتك منها، فقال له: وكيف؟ قال: لأني وجدت في الأثر أنه من تلقد أمر الأمة ثلاثة أيام حرمه الله على النار؛ فاعهد إلي من بعدك. في كتاب عبد الله بن جعفر العامري قال: ذكروا أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان خطباء العرب، فسألهم عن المروءة، فقال له المغيرة بن شعبة: الدماثة، والرماثة، فقال معاوية: وكيف ذاك؟ قال: الدماثة في الأخلاق سنة أخلاقك، والرماثة حين تستهل في الحكم، فقال معاوية: بخ بخ، وليست هناك. فقال صعصعة بن صوحان: الصبر والصمت، فقال معاوية: وكيف ذاك؟ قال: أن تصبر على ما غاظك، وأن تصمت إلى حين ينبغي لك الكلام. فقال معاوية: بخ بخ، وليست هناك. فقال أبو الأسود الدؤلي: سخاء النفس، وحسن الخلق، فقال: بخ بخ، وليست هناك. فقال عمرو بن العاص: المال، والوالي، قال: وكيف ذاك؟ قال: لا يصلح المال إلا بوال، ولا وال إلا بمال، قال: بخ بخ، وليست هناك. فقال يزيد بن معاوية: أنا أخبرك، فأعرض عنه، ثم أعاد الثانية، فأعرض عنه، ثم أعاد الثالثة، فقال: وكيف ذاك؟ قال: الحلم إذا ذكرت، وإذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا عصيت غفرت، وإذا أحسنت استبشرت، وإذا أسأت استغفرت، وإذا وعدت أنجزت. فقال معاوية: بأبي أنت وأمي، أنت مني وأنا منك. وقيل: قدم وفد من وفود العرب على معاوية، فقال لهم: ما تعدون المروءة فيكم؟ قالوا: العفاف، والدين، والإصلاح في المعيشة. فقال معاوية: اسم يا يزيد. عن العتبي قال: رأى معاوية يزيد يضرب غلاماً له، فقال: سوءة لك، أتضرب من لا يستطيع أن يمتنع عليك؟! والله لقد منعتني القدرة من ذوي الإحن، وإن أحق من عفا لمن قدر!

وعن العتبي قال: وفد زياد على معاوية، فأتاه بهدايا، وأموال عظام، وسفط مملوء جوهراً لم ير مثله، فسر معاوية بذلك سروراً شديداً، فلما رأى زياد ذلك صعد المنبر، فقال: أنا والله أمير المؤمنين أقمت لك صعر العراق، وجبيت لك مالها، وألفظت لك بحرها. فقام يزيد بن معاوية، فقال: إن تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من ولاء ثقيف إلى قريش، ومن القلم إلى المنابر، ومن زياد بن عبيد إلى حرب بن أمية. فقال له معاوية: اجلس، فداك أبي وأمي! عن عطاء بن السائب قال: غضب معاوية على ابنه، فهجره، فقال له الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة؛ إن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً يملوا حياتك، ويتمنوا موتك. وروى عمرو بن جبلة هذه الحكاية، وزاد فيها: فقال معاوية: لله درك، يا أبا بحر، ثم قال معاوية: يا غلام، ائت يزيد، فأقره مني السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بمائة ألف درهم، ومائة ثوب. فقال يزيد للرسول: من عند أمير المؤمنين؟ قال: الأحنف، فقال يزيد: لا جرم، لأقاسمنه. فبعث إلى الأحنف بخمسين ألفاً، وخمسين ثوباً. عن ابن عائشة، عن أبيه قال: كان يزيد بن معاوية في حداثته صاحب شراب، يأخذ مآخذ الأحداث، فأحس معاوية بذلك، فأحب أن يعظه في رفق، فقال: يا بني، ما أقدرك على أن تصير إلى حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك، وقدرك! ثم قال له: يا بني، إني منشدك أبياتاً، فتأدب بها، واحفظها. فأنشده: من السريع أنصب نهاراً في طلاب العلى ... واصبر على هجر الحبيب القريب حتى إذا الليل أتى بالدّجى ... واكتحلت بالغمض عين الرّقيب

فباشر الليل بما تشتهي ... فإنّما الليل نهار الأريب كم فاسقٍ تحسبه ناسكاً ... قد باشر الليل بأمرٍ عجيب غطى عليه الليل أستاره ... فبات في أمن وعيش خصيب ولذّة الأحمق مكشوفةٌ ... يشفي بها كلّ عدوّ غريب عن محمد بن عمر القرشي، عمن أخبره قال: جاءت وفاة الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس بباب معاوية، فخرج الرسول، فدعا ابن عباس، فقال الناس: حدث حدثٌ بالمدينة: قال ابن عباس: فلما دخلت عليه قال: يا بن عباس، أما علمت أن حسناً هلك؟ فقلت: إذا لا يسد الله حفرة قبره، قال: ما كانت سنه؟ فقلت: ما كان ميلاده خفاء، قال: إني لأظنه قد ترك أولاداً صغاراً، قال: هم عيال من كانوا وكان في عياله، قال: أصبحت اليوم سيد قومك. قلت: ما أبقى الله أبا عبد الله حسيناً، فلا. وخرج ابن عباس، وجاء الناس يعزونه إذ رفعت الخيل، وإذا يزيد بن معاوية قد أتاه ماشياً، فلما دنا أوسع له، فلم يرتفع، وجلس بين يديه، وقال: مجلس المعزي، لا مجلس المنئ. ثم ذكر الحسن، فقال: رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وأعظم أجرك، وأحسن جزاءك، وعوضك من مصابك ما هو خير لك ثواباً، وخير عقبى. ثم قام، فأتبعه ابن عباس بصره، فقال: إذا ذهب آل حرب ذهب حلماء قريش، ثم تمثل: من الطويل مغاضٍ عن العوراء لا ينطقونها ... وأهل وارثات الحلوم الأوائل قال خليفة: وفيها يعني سنة خمسين غزا يزيد بن معاوية أرض الروم، ومعه أبو أيوب الأنصاري. قال مصعب: كانت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز عند يزيد بن معاوية، فأغزاه

معاوية إلى الطوانة، فأصابهم موم، فرجع يزيد، فقال: من البسيط إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً ... بدير سمعان عندي أمٌ كلثوم فما أبالي بما لاقت جموعهم ... بالفرقدانة من حمّى ومن موم قال: فقال معاوية: لا جرم والله، لتخرجن، وليصيبنك ما أصابهم. قال خليفة: وأقام الحج يعني سنة خمسين يزيد بن معاوية بعد أن قفل من أرض الروم. وقال أبو بكر بن عياش: ثم حج بالناس يزيد بن معاوية سنة إحدى وخمسين، ثم حج بالناس يزيد بن معاوية سنة اثنتين وخمسين، ثم حج بالناس يزيد بن معاوية سنة ثلاث وخمسين. عن عمر بن شبة قال: لما حج الناس في خلافة معاوية جلس يزيد بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه ابن عباس والحسين بن علي، فأمر بشرابه فرفع. وقيل له: إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه، وأذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب، فقال: لله در طيبك هذا ما أطيبه، وما كنت أخشى أحداً يتقدمنا في صنعة الطيب، فما هذا يا بن معاوية؟ فقال: يا أبا عبد الله، هذا طيب يصنع بالشام. ثم دعا بقدح فشربه، ثم دعا بآخر، فقال: اسق أبا عبد الله يا غلام، فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء، فلا عين عليك مني. فشرب يزيد، وقال: من الهزج ألا يا صاح للعجب ... دعوتك ثمّ لم تجب إلى القينات والشّ ... هوات والصّهباء والطّرب

وباطيةٍ مكلّلةٍ ... عليها سادة العرب وفيهن التي تبلت ... فؤداك ثم لم تثب فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يا بن معاوية تبلت! عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم والله أعلم أذكر الثالث أم لا ثم يجيء قوم يحبون السمانة، ويشهدون قبل أن يستشهدوا. عن زرارة بن أوفى قال: القرن عشرون ومائة سنة، فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قرن، فكان آخره موت يزيد بن معاوية. عن عبد الله بن عمرو قال: ملك الأرض المقدسة: معاوية وابنه. عن بكير بن الأشج: أن معاوية بن أبي سفيان قال ليزيد ابنه: كيف تراك فاعلاً إن وليت؟ قال: يمتع الله بك، قال: لتخبرني؟ قال: كنت والله يا أبه عاملاً فيهم عمل عمر بن الخطاب، قال: سبحان الله، يا سبحان الله! والله يا بني لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها! عن عبد الله بن عوف قال: أخذ الناس على معاوية حين بايعوه أن يسير بهم سيرة عمر بن الخطاب.

عن مروان بن أبي سعيد قال: قال معاوية ليزيد وهو يوصيه عند الموت: يا يزيد، اتق الله؛ فقد وطأت لك هذا الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإن يك خيراً فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك شقيت به؛ فارفق بالناس، وأغمض عما بلغك من قول تؤذى به، وتنتقص به، وطأ عليه يهنك عيشك، وتصلح لك رعيتك. وإياك والمناقشة، وحمل الغضب، فإنك تملك نفسك ورعيتك. وإياك وجفوة أهل الشرف، واستهانتهم، والتكبر عليهم. لن لهم ليناً بحيث لا يروا منك ضعفاً، ولا جوراً، وأوطئهم فراشك، وقربهم إليك، وأدنهم منك؛ فإنهم يعلون لك حقك. ولا تهنهم، ولا تستخفن بحقهم فيهينوك، ويستخفوا بحقك. وليتقوا فيك، فإذا أردت أمراً فادع ذوي السنين والتجربة من أهل الخير من المشايخ، وأهل التقوى، فشاورهم، ولا تخالفهم. وإياك والاستبداد برأيك؛ فإن الرأي ليس في صدر واحد. وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك. وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، لا تدع لهم فيها مقالاً؛ فإن الناس نزاع إلى الشر. واحضر الصلاة؛ فإنك إذا فعلت ما أوصيك به عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت في أعين الناس. واعرف شرف أهل المدينة ومكة؛ فإنهم أصلك وعشيرتك. واحفظ لأهل الشام شرفهم، فإنهم أنصارك وحماتك وجندك الذين بهم تصول، وتنتصر على أعدائك، وتصل إلى أهل طاعتك. واكتب إلى أهل أمصارك بكتاب تعدهم فيه منك المعروف؛ فإن ذلك ينشط آمالهم. وإن وفد عيك وافد من الكور كلها فأحسن إليهم، وأكرمهم؛ فإنهم لمن وراءهم. ولا تسعف قول قاذف، ولا عاجل؛ فإني رأيتهم وزراء سوء. ومن وجه آخر أن معاوية قال ليزيد: إن لي خليلاً من أهل المدينة فأكرمه. قال: ومن هو؟ قال: عبد الله بن جعفر. فلما وفد بعد موت معاوية على يزيد أضعف جائزته التي كان معاوية يعطيه إياها، وكانت جائزته على معاوية ستمائة ألف، فأعطاه يزيد ألف ألف. فقال له: بأبي أنت وأمي، فأعطاه ألف ألف أخرى. فقال له ابن جعفر: والله لا جمع أمر لأحد بعدك!

ولما خرج ابن جعفر من عند يزيد وقد أعطاه ألفي ألف رأى على باب يزيد بخاتي مبركات، قد قدمن عليه هدية من خراسان، فرجع عبد اله بن جعفر إلى يزيد، فسأله منها ثلاث بخاتي ليركب عليها إلى الحج والعمرة، وإذا وفد إلى الشام على يزيد. فقال يزيد للحاجب: ما هذه البخاتي التي بالباب؟ ولم يكن شعر بها فقال: يا أمير المؤمنين، هي أربعمائة بختية جاءتنا تحمل أنواع الألطاف وكان عليها أنواع من الأموال كلها فقال: اصرفها إلى أبي جعفر بما عليها. فكان عبد الله بن جعفر يقول: أتلومونني على حسن الرأي في هذا؟! يعني يزيد. وقد كان يزيد فيه خصاله محمودة من الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأي في الملك، وكان حسن المعاشرة. وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلاة في بعض الأوقات. عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون خلف بعد ستين سنة " أضاعُوا الصَّلاةَ، واتَّبعُوا الشَّهَواتِ فسوفَ يَلْقَون غَيّاً "، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر. قال الوليد بن قيس: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يعمل به. قال المغيرة بن شعبة: لقد وضعت رجلي معاوية في غرز طويل غيه على أمة محمد. يعني بيعة يزيد. ولما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية، فأرادوه على خلع يزيد، فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر،

ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب، فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته، وأقمت عنده، فرأيته مواظباً على الصلاة، متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، ملازماً للسنة. قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعاً لك، فقال: وما الذي يخاف مني؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. ولما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد، ثم قال: أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال له: هذه غدرة فلان. وإن من أعظم الغدر إلا يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله، ثم ينكث بيعته، فلا يخلعن أحد منكم يزيد، ولا يسرعن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيني وبينه. عن يزيد بن أسلم، عن أبيه أن ابن عمر دخل وهو معه على ابن مطيع، فلما دخل عليه قال: مرحباً بأبي عبد الرحمن، ضعوا له وسادة، فقال: إنما جئتك لأحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: من نزع يداً من طاعة فإنه يأتي يوم القيامة لا حجة له، ومن مات مفارق الجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية. قال علي بن الحسين: دخلنا دمشق بعد أن شخصنا من الكوفة، فإذا الناس مجتمعون بباب يزيد، فأدخلت عليه وهو جالس على سرير، وعنده الناس ساكتين، من أهل الشام، ومن أهل العراق والحجاز. وكنت قدام أهل بيتي، فسلمت عليه، فقال: أيكم علي بن الحسين؟

يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي

فقلت: أنا، فقلت: ادنه، فدنوت، ثم قال: ادنه، فدنوت حتى على صدري على فراشه، ثم قال: أما إنه لو أن أباك أتاني لوصلت رحمه، وقضيت ما يلزمني من عنقه، ولكن عجل عليهم ابن زياد قتله الله فقلت: يا أمير المؤمنين، أصابتنا جفوة، فقال: يذهب الله عنكم الجفوة. فقلت: يا أمير المؤمنين، أموالنا قبضت فاكتب أن ترد علينا. فكتب لنا بردها، وقال: أقيموا عندي، فإني أقضي حوائجكم، وأفعل بكم وأفعل، فقلت: بل المدينة أحب إلي، قال: قربي خير لكم، قلت: إن أهل بيتي قد تفرقوا، فنأتيهم، فيجتمعون، ويحمدون الله على هذه النعمة. فجهزنا، وأعطانا أكثر مما ذهب منا حتى الكسوة والجهاز، وسرح معنا رسلاً إلى المدينة، وأمرنا أن ننزل حيث شئنا. قال عبد الرحمن بن أبي مذعور: حدثني بعض أهل العلم قال: آخر ما تكلم به يزيد بن معاوية: اللهم لا تؤاخذني بما لم أحبه، ولم أرده، واحكم بيني وبين عبيد الله بن زياد. وكان نقش خاتمه: آمنت بالله العظيم. مات يزيد بن معاوية بحوارين من قرى دمشق، في رابع عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، ثم حمل إلى دمشق. وصلى عليه ابنه معاوية أمير المؤمنين يومئذ. يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي أخو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان الأصغر. أصله من البصرة. قال يزيد بن يزيد بن جابر: حدثني يزيد الأسد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم، ليست بهم علة، فأحرقها عليهم. قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف، الجمعة

عني أو غيرها؟ قال: صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما ذكر جمعة، ولا غيرها. عن كثير بن كثير قال: صلى بنا مكحول بفناء فسطاط ومعه يزيد بن يزيد بن جابر في نفر من أصحابه، ونحن على مسح له من شعر، فلما أهوى للسجود كشف يزيد بن يزيد المسح وسجد على الأرض. قال سفيان بن عيينة: قدم علينا يزيد بن يزيد بن جابر، وكان حسن الهيئة، حسن النحو، كان يقولون: لم يكن في أصحاب مكحول مثله. وكان يقول: يزيد بن جابر ثقة، عاقل، حافظ، من أهل الشام. وقال أبو مسهر: لما مات مكحول أحدقوا بيزيد بن يزيد، وكان رجلاً سكيتاً، فتحولوا إلى سليمان بن موسى فأوسعهم علماً. وقال هشام بن عمار: أفسد نفسه. خرج فأعان على قتل الوليد، وأخذ مائة ألف دينار. وثقه يحيى. وقال أحمد: لا بأس به، من صالحيهم. وقال غير يحيى: كان غيلانياً. مات بالشام سنة أربع وثلاثين ومائة وقيل: سنة ثلاث وثلاثين في خلافة أبي العباس، وقيل: مات بالمدينة، ولم يبلغ ستين سنة.

يزيد بن أبي يزيد مولى بسر بن أبي أرطاة

يزيد بن أبي يزيد مولى بسر بن أبي أرطاة حدث عن بسر، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يدعو: اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. يزيد بن يعلى بن الضخم أبو الضخم العنسي كان على شرطة هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد. له ذكر. يزيد بن يوسف أبو يوسف الصنعاني من صنعاء دمشق. روى عن محمد بن الوليد الزبيدي بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الوتر حق، فمن شاء أن يوتر بخمس فليفعل، ومن شاء أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليفعل. قال سعيد بن عبد العزيز: عالما هذا الجند بعد الأوزاعي، يزيد بن السمط، ويزيد بن يوسف.

يزيد ذو مصر المقرائي

قال أحمد بن حنبل: رأيت يزيد بن يوسف أبا يوسف الشامي، ورأيت عليه إزاراً أصفر، ولم أكتب عنه شيئاً. ذكره ابن سميع في الطبقة الخامسة، ولم يذكره البخاري وقال الخطيب: يزيد بن يوسف أبو يوسف الشامي. سكن بغداد. ضعفوه. يزيد ذو مصر المقرائي حمصي. من وجوه أهل الشام. وفد على معاوية بن أبي سفيان في ثلاثة آلاف، فقال له: من هؤلاء؟ قال: عبيدي وموالي، فقال معاوية: إني لأمير المؤمنين وما لي ثلاثة آلاف عبد ومولى! قال ابن ماكولا: مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة: يزيد ذو مصر. يزيد غير منسوب قال يزيد الدمشقي: قال أبو هريرة: لقد عرفت أربعين عملاً يدخل الله بها صاحبها الجنة، أعلى عمل منها منيحة عنز. يزيد أبو حفصة مولى مروان بن الحكم قيل: إنه من سبي إصطخر. اشتراه عثمان بن عفان، ووهبه لمروان، وقيل: إنه من كنانة بن عوف بن عبد مناة بن اد بن طابخة بن إلياس بن مضر، باعته عمته

يسار بن سبع أبو الغادية

لمجاعة، وادعته عكل، فلم يفسر بذلك، وزعم أنه رجل من العجم، من سبي فارس نشأ في عكل وهو صغير، وقيل: إنه كان يهودياً، فأسلم على يدي مروان، وقيل: إنه أتى مروان سنة مجاعة، فباعه نفسه. وأبو حفصة هذا هو جد والد مروان الشاعر المعروف بابن أب حفصة، وهو مروان بن سليمان بن يحيى بن يزيد أبي حفصة. وشهد أبو حفصة مع مولاه بن الحكم يوم الدار، فأحسن الغناء عنه، فأعتقه، وزوجه أم ولد له اسمها: سكر كانت له منها بنت اسمها: حفصة. شهد مع مروان يوم الجمل، ويوم مرج راهط. وكان شجاعاً شاعراً. ومن شعره: من الطويل وما قلت يوم الدار للقوم صالحوا ... أحلّ ولا اخترت الحياة على القتل ولكنّني قد قلت للقوم جالدوا ... بأسيافكم لا تخلصنّ إلى الكهل يريد بالكهل والله أعلم مروان بن الحكم، لأنه كان يذب عنه يومئذ لما سقط. يسار بن سبع أبو الغادية بالغين المعجمة ويقال: الجهني له صحبة. وقيل: لا صحبة له. وكانت داره بدمشق بناحية سوق الطير. وقيل: إنه قاتل عمار بن ياسر. قال أبو غادية: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قيل له: بيمينك؟ قال: نعم. وخطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم العقبة، فقال: أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى يوم تلقون ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد. ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

وقال أبو الغادية: قدم علينا عمر بن الخطاب الجابية وهو على جمل أورق. قال محمد بن عبد الرحمن الطفاوي: خرج أبو الغادية، وحبيب بن الحارث، وأم الغادية مهاجرين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاسلموا، فقالت المرأة: أوصني، قال: إياك وما يسوء الأذن. قال كلثوم بن جبر: كنا بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عامر، فقال: الإذن، هذا أبو الغادية، فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل عليه مقطعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال، كأنه ليس من هذه الأمة. فلما أن قعدنا قال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَن قلت: بيمينك؟ قال: نعم، فخطبنا يوم العقبة، فقال: أيها الناس، ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام الحديث. قال: وكنا نعد عمار بن ياسراً فينا حناناً، فوالله إني لبمسجد قباء إذ هو يعني يسب عثمان رضي الله عنه فلما أن كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة راجلاً، حتى إذا كان بين الصفين طعن رجلاً في ركبته بالرمح، فعثر، فانكفأ المغفر عنه، فضربه، فإذا رأس عمار. وفي رواية: كنا عبد الأعلى فإذا عنده رجل يقال له أبو الغادية، استسقى، فأتي بإناء مفضض، فأبى أن يشرب. عن أبي الغادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان، يشتمه بالمدينة، فتوعدته بالقتل، قلت: لئن

يساف بن شريح اليشكري

أمكنني الله منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرئتين والساقين، فحملت عليه، فطعنته في ركبته، فوقع، فقتلته. حدث عثمان بن أبي العاتكة: أن رومياً جاء معاوية بن أبي سفيان، فقال له: أشبب لك ناراً بالنفط وغيره تحرق بها عدوك من الروم في البحر، فقال معاوية: لا أكون أول من حرق بها، وعذب بعذاب الله، ولم يقبل منه ما عرض عليه، فهرب إلى طاغية الروم، فشبها له، ولقيت به سفنهم سفن المسلمين، فرموهم، وحرقوهم، فقال معاوية: أما إذا فعلوا فافعلوا، فغزى المسلمون بها، فكانوا يترامون بها في طياجن، فبينا رومي يرمي سفينة أبي الغادية المزني في طيجن رماه أبو الغادية بسهم، فقتله، وخر الطيجن على سفينتهم، فاحترقت بأهلها ثلاثمائة. فكانوا يقولون: رمية سهم أبي الغادية قتلت ثلاثمائة مقاتل. يساف بن شريح اليشكري قدم مع عبيد الله بن زياد دمشق. قال يساف بن شريح: لما خرج عبيد الله بن زياد من البصرة شيعته، فقال: قد مللت الخف، فأبغوني ذا حافر، فركب حماراً وتفرد وفي رواية: قد ثقل علي ركوب الإبل، فوطئوا لي على ذي حافر، فألقيت له قطيفة على حمار، فركبه، وإن رجليه لتكادان تخطان في الأرض فإنه ليسير أمامي إذ سكت سكتةً، فأبطأتها، فقلت في نفسي: هذا عبيد الله، أمير العراق أمس نائم الساعة على حمار، لو سقط منه لأبغضك قومك. فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت؟ قال: لا، قلت: فما أسكتك؟ قال: كنت أحدث نفسي.

يسرة بن صفوان بن جميل

يسرة بن صفوان بن جميل أبو صفوان ويقال: أبو عبد الرحمن اللخمي البلاطي من أهل قرية البلاط، من قرى دمشق. روى عن أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نخرج عن كل صغير وكبير، حر ومملوك صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، وأمرنا أن نخرجه قبل أن نخرج إلى الصلاة. قال أبو أحمد العسكري: يسرة تحت الياء نقطتان والسين والياء مفتوحتان. قال أبو حاتم: يسرة بن صفوان ثقة. وقال محمد بن عوف: كان رجلاً صالحاً. مات سنة ست عشرة ومائتين، ومولده سنة عشر ومائة. اليسع وهو الأسباط بن عدي ابن سويلح بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام يقال: هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام وكان مستخفياً مع إلياس بجبل قاسيون بدمشق حين هرب من أهل بعلبك، ثم ذهب معه إلى بعلبك، فلما رفع إلياس خلفه أليسع في قومه، ونبأه الله عز وجل بعد إلياس. وقيل: كان الأسباط ببانياس.

يعقوب ويقال يعبوث بن عمرو بن ضريس القضاعي ثم المشجعي

وقال الله تعالى: " وأذْكُر إسماعيلَ وألْيَسَعَ وذا الكِفْلِ "، أي اذكرهم بصبرهم وفضلهم لتسلك طريقهم، " وكُلٌّ مِنَ الأخيارِ " اختارهم الله للنبوة. عن الحسن قال: كان بعد إلياس أليسع، فمكث ما شاء الله، يدعوهم إلى الله، متمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته، حتى قبضه الله إليه، ثم خلف فيهم الخلوف، وعظمت فيهم الأحداث والخطايا وكثرت الجبابرة، فقتلوا الأنبياء. يعقوب ويقال يعبوث بن عمرو بن ضريس القضاعي ثم المشجعي شهد مع خالد بن الوليد حصار دمشق. وقيل: اسمه عبد يغوث، وقتل بأجنادين سبعة من المشركين، فأصابته طعنة، فأذن له أبو عبيدة في الرجوع إلى أهله، فرجع إليهم، فمات. يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة النيسابوري ثم الإسفرائيني الحافظ، صاحب المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم بن الحجاج. أحد الحفاظ الجوالين، والمحدثين المكثرين. دخل دمشق غير مرة، وطاف الشام، ومصر، والبصرة، والكوفة، والحجاز، وواسط، والجزيرة، واليمن، وأصبهان، وفارس، والري. روى عن بشر بن مطر بسنده إلى ابن عمر: أن عمر أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد كان ملك مائة سهم من خيبر اشتراها حتى استجمعها

فقال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد أصبت مالاً لم أصب مثله قط، وقد أردت أن أتقرب إلى الله، قال: فاحبس الأصل وسبل الثمر. وروى عن عبد الرحمن بن بشر بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صام يوماً في سبيل الله باعده الله عن النار سبعين خريفاً. أخرجه مسلم عن عبد الرحمن. وروى عن الزعفراني بسنده إلى عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر وهو صائم وأظنه قال: وكان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه. أخرجه النسائي عن الزعفراني. قال أبو عوانة: كنت بالمصيصة، فكتب إلي أخي محمد بن إسحاق، فكان في كتابه: من الوافر فإن نحن التقينا قبل موت ... شفينا النفس من مضض العتاب وإن سبقت بنا أيدي المنايا ... فكم من عاتبٍ تحت التراب فلما رجعت سألته عن ذلك، فقال: بلغني أن علي بن حجر كتب به إلى بعض إخوانه. قال الحاكم: أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم. توفي سنة ست عشرة وثلثمائة. وقال حمزة بن يوسف: توفي بجرجان في سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

يعقوب بن إسحاق بن حنش

يعقوب بن إسحاق بن حنش أبو يوسف روى عن العباس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي قال: خرج إبراهيم بن أدهم من بيروت يريد الناعمة، فتبعه رجل يشيعه، حتى إذا صار في الصنوبر، وأراد أن يرجع قال له: يا أبا إسحاق، أوصني، قال: اعلم أن الصائم الحاج المعتمر المجاهد المرابط، المراعي نفسه عن الناس، أستودعك الله. يعقوب بن إسحاق أبو يوسف اللغوي المعروف أبوه بالسكيت صاحب كتاب: إصلاح المنطق وغيره. قدم دمشق مع جعفر المتوكل. وكان مؤدب أولاد المتوكل. قال ابن السكيت: قال محمد بن السماك: من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المداراة ترك المماراة. قال أبو بكر الخطيب: يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف النحوي اللغوي. كان من أهل الفضل والدين، موثوقاً بكلامه وبروايته. وأبوه إسحاق هو المعروف بالسكيت. وحكي أن الفراء سأل السكيت عن نسبه فقال: خوزي أصلحك الله من قرى دورق، من كور الأهواز. قال محمد بن فرج: كان يعقوب بن السكيت يؤدب مع أبيه بمدينة السلام، في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب، فجعل يتعلم النحو. وحكى عن أبيه أنه حج، وطاف

بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وسأل الله أن يعلم ابنه النحو، فتعلم النحو واللغة، وجعل يختلف إلى قوم من أهل القنطرة، فأجروا له كل دفعة عشرة وأكثر حتى اختلف إلى بشر وإبراهيم ابني هارون أخوين كانا يكتبان لمحمد بن عبد الله بن طاهر فما زال يختلف إليهما، وإلى أولادهما دهراً. فاحتاج ابن طاهر إلى رجل يعلم ولده، وجعل ولده في حجر إبراهيم، ثم قطع ليعقوب رزقاً خمسمائة درهم، ثم جعلها ألف درهم. وكان يعقوب قد خرج قبل ذلك إلى سر من رأى، وذلك في أيام المتوكل، فصيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان عند المتوكل، فضم إليه ولده، وأسنى له الرزق. قال ثعلب: وقد ذكر يعقوب بن السكيت فقال: ما عرفنا له خربة قط. قال أبو الحسن الطوسي: كنا في مجلس علي اللحياني، وكان عازماً على أن يملي نوادره ضعف ما أملي، فقال يوماً: تقول العرب: مثقل استعان بذقنه، فقام إليه ابن السكيت وهو حدث فقال: يا أبا الحسن، إنما هو مثقل استعان بدفيه، يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه. فقطع الإملاء. فلما كان في المجلس الثاني أملى، فقال: تقول العرب: هو جاري مكاشري. فقام إليه يعقوب بن السكيت، فقال: أعزك الله، وما معنى مكاشري؟ إنما هو مكاسري؛ كسر بيتي إلى كسر بيته. قال: فقطع اللحياني الإملاء، فما أملى بعد ذلك شيئاً.

عن أبي سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان قال: سمعت ثعلباً يقول: عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة. وكان يقول في ابن السكيت قريباً من هذا. وقال: سمعت المبرد يقول: ما رأيت للبغداديين كتاباً أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت في المنطق. قال أحمد بن محمد بن أبي شداد: شكوت إلى ابن السكيت ضيقةً، فقال: هل قلت شيئاً؟ قلت: لا، قال: فأقول أنا. فأنشدني: من البسيط نفسي تروم أموراً لست مدركها ... ما دمت أحذر ما يأتي به القدر ليس ارتحالك في كسب الغنى سفراً ... لكن مقامك في ضيقٍ هو السفر قال ابن السكيت: كتب إلي صديق: قد عرضت لي قبلك حاجة، فإن نجحت بك، فالفاني حظي، والباقي حظك، وإن تتعذر فالخير مظنون منك، والعذر مقدم لك. قال المازني: اجتمعت مع يعقوب بن السكيت عند محمد بن عبد الملك الزيات، فقال لي محمد بن عبد الملك الزيات: سل أبا يوسف عن مسألة. فكرهت ذلك، وجعلت أتباطأ، وأدافع مخافة أن أوحشه؛ لأنه كان لي صديقاً. فألح علي محمد بن عبد الملك، وقال لي: لم لا تسأله؟ فاجتهدت في اختيار مسألة سهلة لأقارب يعقوب، فقلت له: ما وزن نكتل من الفعل من قول الله تعالى: " فأرسل معنا أخانا نَكْتَلْ "؟ فقال لي: نفعل، فقلت: فينبغي أن يكون ماضيه كتل! فقال: لا، ليس هذا وزنه، إنما هو نفتعل، فقلت له: نفتعل كم حرفاً؟ قال: هو خمسة أحرف، فقلت له: فنكتل، كم

حرفاً هو؟ قال: اربعة أحرف فقلت له: أيكون أربعة أحرف بوزن خمسة أحرف؟ فانقطع، وخجل وسكت. فقال محمد بن عبد الملك: فإنما تأخذ كل شهر ألفي درهم على أنك لا تحسن ما وزن نكتل؟ قال: فلما خرجنا قال لي يعقوب: يا أبا عثمان، هل تدري ما صنعت؟ فقلت له: والله لقد قاربتك جهدي. قال أبو الفرج: وكان يعقوب في صناعة النحو ذا بضاعة مزجاة نزرة، وقد صنف مع هذا في النحو كتاباً مختصراً لم يعد فيه القدر الذي تناله يده، وإن كان إماماً عالماً في اللغة، وقدرةً سابقاً مبرزاً في اختلاف أهلها من البصريين والكوفيين، وله فيها كتب مؤلفة حسنة، وأنواع مصنفة مفيدة. قال ابن السكيت: إن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج، فخرجت إليه جارية له شاعرة، فبكت لما رأت آلة السفر، فقال محمد بن عبد الله: مجزوء الرمل دمعةٌ كاللؤلؤ الرّطب على الخدّ الأسيل هطلت في ساعة البي ... ن من الطرف الكحيل ثم قال لها: أجيزي، فقالت: حين همّ القمر البا ... هر عنّا بالأفول إنما يفتضح العشا ... ق في وقت الرّحيل قال الخطيب: بلغني أن يعقوب بن السكيت مات في رجب من سنة ثلاث وقيل: من سنة أربع، وقيل: من سنة ست وأربعين ومائتين، وقد بلغ ثمانياً وخمسين سنةً.

يعقوب بن دينار ويقال ميمون

يعقوب بن دينار ويقال ميمون أبي سلمة، الماجشون، أبو يوسف القرشي التيمي مولى المنكدر. من أهل المدينة. وفد على عمر بن عبد العزيز في ولايته المدينة، فلما استخلف عمر قدم عليه يعقوب الماجشون، فقال له عمر: إنا تركناك حيث تركنا لبس الخز. فانصرف عنه. والماجشون هو يعقوب، وهو أخو عبد الله بن أبي سلمة. والماجشون بالفارسية هو الورد، وإنما سمي الماجشون للونه. وقال أبو الفرج الأصبهاني: الماجشون لقب لقبته به سكينة بنت الحسين، وهو اسم لون من الصبغ أصفر تخالطه حمرة، وكذلك كان لونه. ويقال: إنها ما لقبت أحداً قط بلقب إلا لصق به. وكان يعلم الغناء، ويتخذ القيان، ظاهر أمره في ذلك، وكان يجالس عروة بن الزبير. قال مصعب: كان الماجشون يعين ربيعة على أبي الزناد، لأن أبا الزناد كان معادياً لربيعة، فكان أبو الزناد يقول: مثلي ومثل الماجشون مثل ذئب كان يلج على أهل قرية، يأكل صبيانهم، فاجتمعوا له، وخرجوا في طلبه، فهرب منهم، فتقطعوا عنه إلا صاحب فخار، فألح في طلبه، فوقف له الذئب، فقال هؤلاء عذرتهم، مالي ولك؟ ما كسرت لك فخارةً قط! ثم قال أبو الزناد: أرأيت الماجشون، مالي وله؟! ما كسرت له قط كبراً ولا بربطاً. عن ابن الماجشون قال: عرج بروح أبي الماجشون، فوضعناه على سرير الغسل، وقلنا للناس: نروح به.

يعقوب بن سعيد أبو سعيد الطرميسي

فدخل غاسل إليه يغسلهن فرأى عرقاً يتحرك من أسفل قدمه، فأقبل علينا، فقال: أرى عرقاً يتحرك، ولا أرى أن أعجل عليه، فاعتللنا على الناس، وقلنا: نغدو، لم يتهيأ أمرنا على ما أردنا. فأصبحنا، وغدا عليه الغاسل، وجاء الناس، فرأى العرق على حاله، فاعتذرنا إلى الناس بالأمر الذي رأيناه. فمكث ثلاثاً على حاله، ثم إنه نشع بعد ذلك، فاستوى جالساً، فقال: ائتوني بسويق، فأتي به، فشربه، فقلنا له: أخبرنا مما رأيت، قال: نعم، إنه عرج بروحي، فصعد بي الملك، حتى أتى سماء الدنيا، فاستفتح، ففتح له، ثم هكذا في السماوات حتى انتهي به إلى السماء السابعة، فقيل له: من معك؟ قال: الماجشون، فقيل له: لم يأن له، بقي من عمره كذا وكذا سنةً. وذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس الوراق: أن يعقوب مات سنة أربع وستين ومائة. يعقوب بن سعيد أبو سعيد الطرميسي حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى المقدام بن معدي كرب الزبيدي قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له. يعقوب بن سفيان بن جوان أبو يوسف بن أبي معاوية الفارسي الفسوي الحافظ قدم دمشق غير مرة. ذكر أسماء شيوخه، وروى عن كل واحد منهم حديثاً في أربعة

أجزاء. وصنف كتاب التاريخ والمعرفة فأكثر فائدته، وصنف غيره من الكتب. وكان كثير الشيوخ واسع الرحلة. روى عن حاتم القزاز بسنده إلى أبي بكر الصديق: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أمراً قال: اللهم خر لي واختر لي. قال أبو عبد الله الحاكم: هو إمام أهل الحديث بفارس. قال يعقوب بن سفيان: كنت في رحلتي في طلب الحديث، فدخلت إلى بعض المدن، فصادفت بها شيخاً احتجت إلى الإقامة عليه للاستكثار منه، وكانت نفقتي قد قلت، وقد بعدت عن بلدي ووطني، فكنت أدمن الكتبة ليلاً، وأقرأ عليه نهاراً، فلما كان ذات ليلة كنت جالساً أنسخ في السراج، وكان شتاءً، وقد تصرم الليل، فنزل الماء في عيني، فلم أبصر السراج، ولا الكتب، ولا البيت، ولا النسخ الذي كان في يدي، فبكيت على نفسي، لانقطاعي عن بلدي، وعلى ما فاتني من العلم الذي كتبت، وما يفوتني مما كنت عزمت على كتبه. فاشتد بكائي حتى انثنيت على جنبي، فحملتني عيناي، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فناداني: يا يعبو بن سفيان، لم أنت كئيب؟ فقلت: يا سول الله، ذهب بصري، فتحسرت على ما فاتني من كتب سنتك، وعلى الانقطاع عن بلدي، فقال: أدن مني، فدنوت منه، فأمر يده على عيني، كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت، فأبصرت، وأخذت نسخي، وقعدت في السراج أكتب. قال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس، أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان أبو

يعقوب بن سلمة بن عبد الله

يوسف، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً. وذكر الثاني: يريد حرب بن إسماعيل، فقال: هو من الكتاب عني. وكان أبو يوسف يجيئني في التاريخ، ينتخب منه، وكان نبيلاً جليل القدر. فبينا أنا قاعد في المسجد إذ جاءني رجل من أهل خراسان، فقعد إلى جنبي، فقال: أنت أبو زرعة؟ قلت: نعم، فجعل يسألني عن هذه الدقائق، فقلت له: من أين جمعت هذه؟ فقال: هذه كتبناها عن أبي يوسف يعقوب بن سفيان. قال أبو بكر أحمد بن عبدان: لما قدم يعقوب بن الليث، صاحب خراسان، فارس أخبر أن هناك رجلاً يتكلم في عثمان بن عفان رضي الله عنه وأراد بالرجل يعقوب بن سفيان الفسوي؛ فإنه كان يتشيع فأمر بإشخاصه من فسا إلى شيراز، فلما أن قدم علم الوزير ما وقع في قلب السلطان، فقال: أيها الأمير، إن هذا الرجل قد قدم، ولا يتكلم في أبي محمد عثمان بن عفان شيخنا يريد السجزي وإنما يتكلم في عثمان بن عفان صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سمع ذلك قال: مالي ولأصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟؟! توهمت أنه يتكلم في عثمان بن عفان السجزي. فلم يعرض له. توفي يعقوب بن سفيان سنة سبع وسبعين ومائتين. وكان بين موت يعقوب وأبي حاتم شهر، فقدم موت يعقوب على أبي حاتم. ومات يعقوب بفسا. يعقوب بن سلمة بن عبد الله ابن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أخو أيوب، ووالد أم سلمة زوج مسلمة بن هشام بن عبد الملك التي خلف عليها أبو العباس السفاح. وفد يعقوب على هشام.

يعقوب بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي المدني

قال محمد بن علي الكوفي: كان من شأن زيد بن علي وسبب قتله، أنه وداود بن علي بن عبد الله بن عباس قدما على خالد بن عبد الله القسري زائرين له، وهو عامل لهشام بن عبد الملك على العراق، فوصلهما خالد، وأحسن جائزتهما، وانصرفا إلى الحجاز. ثم إن خالداً عزل عن العراق، وولي مكانه يوسف بن عمر الثقفي، وطالب خالد بن عبد الله بالأموال، وحبسه، وغلظ عليه وعلى كتابه، وعماله. وبلغه أن زيد بن علي، وداود بن علي كانا صارا إلى خالد، وأن خالداً دفع إليهما مالاً عظيماً على جهة الوديعة، فكتب يوسف بذلك إلى هشام، فأشخصهما هشام إليه، وسألهما عن ذلك، فأنكرا. وقد كان بلغ هشام أن خالداً استودع يعقوب بن سلمة بن عبد الله المخزومي مالاً، فأحضره بحضرة زيد وداود، وسأله عن المال كما سألهما، فأنكر، فأمرهم جميعاً بالنهوض، فلما خرجوا، وكانوا ببابه خرج إليهم حاجبه، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أستحلفك يا يعقوب بن سلمة ما لخالد عندك مال؟ قال: أقبل. فأستحلفه، وصدقه، وقال لزيد بن علي، وداود بن علي: إن أمير المؤمنين أمرني بإشخاصكما إلى يوسف بن عمر، فقالا: وكيف يكون حكمان في أمر واحد؟ فدخل الآذن على هشام، فأعلمه، فقال: قل لهما: نعم، حكمان في أمر واحد، فقال زيد: إنه ما كره قوم قط الموت إلا ذلوا. وشخصا إلى يوسف. وقد روي أن الذي اتهم بمال خالد أخوه أيوب بن سلمة. يعقوب بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي المدني قيل إنه وفد على عبد الملك بن مروان. قال يعقوب بن طلحة بن عبيد الله: قلت لعلي بن أبي طالب: أرأيت الرجل إذا مات من يرث ماله، الحي أم الميت؟ فقال علي: لا بل يرث ماله الحي، قلت: فإن طلحة قد قتل، وإنما مال طلحة لبنيه، وإنما أخذت أموالنا، وليس بمال طلحة. قال: ففاضت عيناه، ثم مسح دموعه، فقال: كيف قلت؟ قال:

قلت: ما سمعت؟ فقال علي: أجل والله إذن، إنه لمالكم، ولكني بين ظهراني قوم لست أعلم بهم منك، وإني والله لو أعطيتك مال طلحة لقالوا: أقتل طلحة حلال، وماله حرام؟ ولكن أنظرني حتى ينسى ذلك فادفعه إليك. وإنما هو مالكم. قال ابن سعد: يعقوب بن طلحة بن عبيد الله. وكان سخياً جواداً. قتل يوم الحرة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وجاء بمقتله ومصاب أهل الحرة إلى الكوفة الكروس بن زيد الطائي، ففي ذلك يقول عبد الله بن الزبير الأسدي: من الطويل لعمري لقد جاء الكروّس كاظماً ... على خبر للمسلمين وجيع حديثّ أتاني عن لؤي بن غالب ... فما رقأت ليل التّمام دموعي يخبر أن لم يبق إلا أراملّ ... وإلا دمٌ قد سال كل مريع قرومٌ تلاقت من قريشٍ فأنهلت ... بأصهب من ماء السّمام نقيع فكم حول سلعٍ من عجوزٍ مصابةٍ ... وأبيض فيّاض اليدين صريع طلوع ثنايا المجد سامٍ بطرفه ... قبيل تلاقيهم أشمّ منيع وذي سنةٍ لم يبد للشمس قبلها ... وذي صعوة غضّ العظام رضيع شباب كيعقوب بن طلحة أقفرت ... منازله من رومة فبقيع فوالله ما هذا بعيشٍ فيشتهى ... هنيٍّ ولا موتٍ يريح سريع

يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم الكلبي

قال ابن سعد: وأم يعقوب بن طلحة وأخويه: إسماعيل وإسحاق أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. قال أحمد بن محمد بن أيوب المغيري: وقدم يعني مسرفاً معقل بن سنان الأشجعي صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب عنقه صبراً، وقدم الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فضرب عنقه صبراً، وقتل أبا بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبا بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله، وابني زينب ربيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب أعناقهم صبراً. يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم الكلبي من أهل دمشق، ممن قام في قتل الوليد بن يزيد. بعثه يزيد بن الوليد بن عبد الملك إلى مروان بن محمد ليأخذ له بيعته، فمات يزيد قبل أن يبايع له مروان. يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة. من أهل المدينة. قدم الشام، وقال: رأيت السائب بن يزيد يركب بميثرة حمراء. وقال: صحبت عمر بن عبد العزيز إلى الشام، فوالله ما رأيت ساقيه، ولا صدره جهراً، وكان إذا اجتهد يمينه قال: ليس في ذلكم من شيء. قال ابن سعد وأبو حاتم ويحيى بن معين: يعقوب ثقة.

يعقوب بن علي بن يعقوب أبو إسحاق

قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، وكان ورعاً سلماً، وكان ممن يستعمل على الصدقات، ويستعين به الولاة. وكنت آتيه، فيأذن لي عليه، ثم يأمر جاريةً له فتغلق الباب، ويقول لها: لا تأذني لأحد علي، فوالله لهو كان أشد مساءلةً لي منه مني له. قال أبو الزناد: كانوا عشرةً يجلسون مجلساً واحداً، يعرفون به، منهم: يعقوب بن عتبة، فما كان أحد منهم أمرأ مروءةً منه، وما سمع له صوت قط في منزله. قال محمد بن عمر: وكان هؤلاء العشرة سناً واحدةً، فقهاء علماء: يعقوب بن عتبة، وعثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس، وعبد الله، وعبد الرحمن، والحارث بنو عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعد بن إبراهيم، والصلت بن زبيد، وصالح بن كيسان، وعبد الله بن يزيد بن هرمز، وعبد الله بن يزيد الهذلي. مات يعقوب بن عتبة بالمدينة سنة ثمان وعشين ومائة. يعقوب بن علي بن يعقوب أبو إسحاق السرخسي الصوفي ذكره عبد الغافر الفارسي في تذييله تاريخ نيسابور، وقال: هو رجل ظريف من المتصوفة شديد، مرضي الحال. سافر الكثير، وسمع الحديث، وله رباط بسرخس قبره فيه، وقد شاهدته.

يعقوب بن عمر بن قتادة بن النعمان

يعقوب بن عمر بن قتادة بن النعمان أخو عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري المدني وفد على عمر بن عبد العزيز. قال: قدمت على عمر بن عبد العزيز، فسألني عن عين قتادة بن النعمان، فقلت: رميت يوم الخندق، فقال أناس: وقعت، وقال أناس: بل سالت على خده، وتعلقت بعرق، فجاء بها إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتفل عليها، وردها مكانها، وقال: اللهم أكسه الجمال، فقال عمر بن عبد العزيز: من البسيط تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا يعقوب بن عمير بن هانئ العنسي قال عبد الجبار بن مهنا الخولاني: كان يعقوب بن عمير من جلة أصحاب يزيد بن الوليد، وكان رفيع المنزلة عنده. ولما بلغ يزيد بن الوليد ما اجتمع عليه أهل حمص من حربه، والطلب بدم الوليد وجه إليهم عشرة رهط، منهم: يزيد بن يزيد بن جابر، ويعقوب بن عمير بن هانئ، وإنهم لما قربوا منهم لقيتهم خيل أهل حمص، ومنعوهم من دخولها، وبعثوا إلى أهل حمص، فخرج إليهم نحو من خمسين رجلاً من أشرافهم، وأخرج يزيد بن يزيد بن جابر

يعقوب بن كعب بن حامد أبو يوسف

كتاب يزيد بن الوليد، فقرأه عليهم، ثم حمد الله تبارك وتعالى وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكر الوليد، فوصفه بسيء أعماله، وما نقم عليه أهل بيته، وأعلمهم أن يزيد ليس يدعوهم إلى نفسه، وإنما يدعوهم إلى الرضى من الأمة، وأن يكون أمرهم شورى بينهم، وقال: نجتمع نحن وأنتم، ونظراؤنا من أهل الشام، فننظر لأنفسنا، ونختار للمسلمين. فقال عمرو بن قيس: فإن الذي لا نرضى إلا به، ولا نقر إلا عليه تولية وليي عهدنا اللذين قد بايعناهما، ورضيت الأمة بهما، فتناول لحية عمرو، فقبض عليها، وقال: عند الله أحتسب فناء عشيرتي، وضيعة أمرهم! وقال: ذهب عقلك! وأغلظ له القول، ووثب الحمصيون، وقالوا: قتلتم خليفتنا، ليس بيننا وبينكم إلا السيف. فانصرفوا إلى يزيد، فأعلموه ما كان من أمرهم. قال: وكان يعقوب بن عمير على شرطة عبد العزيز بن الحجاج، وتوفي بداريا، ولم يعقب. يعقوب بن كعب بن حامد أبو يوسف الأنطاكي الحلبي كان رجلاً صالحاً ثقة صاحب سنة. يعقوب بن مسدد بن أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن زياد، أبو يوسف القولسي أصله من البصرة، وسكن أطرابلس، وحدث ببغداد.

يعقوب بن يوسف بن كلس

يعقوب بن يوسف بن كلس كان يهودياً من أهل بغداد خبيثاً، ذا مكر ودهاء، وفيه فطنة وذكاء. وكان في قديم أمره خرج إلى الشام، فنزل الرملة، وصار بها وكيلاً، وكسر أموال التجار وهرب إلى مصر، فرأى منه كافور الإخشيدي فطنة وسياسة، ومعرفة بأمر الضياع بمصر فقال: لو كان مسلماً يصلح أن يكون وزيراً. وطمع في الوزارة فأسلم يوم جمعة في جامع مصر. فلما عرف الوزير ابن حنزابة أمره قصده، فهرب إلى المغرب، واتصل بيهود كانوا مع الملقب بالمعز. فلما هلك الملقب بالعزيز استوزر ابن كلس في سنة خمس وستين وثلاثمائة، فلم يزل مدبراً أمره إلى أن هلك في ذي الحجة سنة ثمانين وثلاثمائة. يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان أبو الفضل الأموي مولاهم النيسابوري الوراق والد أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم قال الحاكم أبو عبد الله: كان يعقوب الوراق من أحسن الناس خطاً. مات لثلاث عشرة خلت من المحرم سنة سبع وسبعين ومائتين، وصلى عليه ابنه أبو العباس. يعقوب بن يوسف بن يعقوب ابن عبد الله أبو يوسف الشيباني النيسابوري، المعروف بالأخرم والد أبي عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ. رحل إلى مصر، وأقام بها مدة يتفقه. قال الحاكم أبو عبد الله: وقد كان أطال المقام بمصر، وكان يكاتبه أبو إبراهيم المري. وقد كان دخل على أحمد بن حنبل غير مرة. وكان ابنه يبخل بحديثه.

يعقوب مولى هشام بن عبد الملك

مات الأخرم في شعبان سنة سبع وثمانين ومائتين. يعقوب مولى هشام بن عبد الملك كان من أعيان مواليه. وكان يغزو عن هشام بن عبد الملك، ويقبض عطاء هشام مائتي دينار وديناراً يفضل به الخليفة على رعيته. يعلى بن الأشدق أبو الهيثم العقيلي من أهل بادية الطائف. حدث عن عمه عبد الله بن جراد، وزعم أنه له صحبة، وقال: أدركت عدة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو أحمد بن عدي: يعلى بن الأشدق العقيلي الجزري، يكنى أبا الهيثم، ويروي عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث كثيرة مناكير، وهو وعمه غير معروفين. قال أحمد بن علي الأبار: سألت أيوب الوزان عن يعلى بن الأشدق، فقال: كان من أهل البادية. قلت: يعلمون موضعه الذي كان يأوي إليه؟ قال: لا، قلت: فكتب عنه أحد غيركم؟ قال: أهل رحان. قال: ورأيت له ابناً كأنه أكبر منه، ورأيت له ابنه وظننت أنها أمه، فقال: هذه ابنتي ولدت لي بعد المائة. وقال: إنما كان سيارة، ولم أر أمره عنده على الصحة. وسمعته مرة يقول: لا يعرف. قال أبو وهب الحراني: سمعت يعلى بن الأشدق وقيل له: كم أتى عليك؟ قال: مائة سنة وست وعشرون، ونصف سنة.

يعلى بن أمية أبو خالد

قال أبو مسهر: قدم يعلى بن الأشدق دمشق، وكان أعرابياً، فحدث عن عبد الله بن جراد سبعة أحاديث، فقلنا: لعله حق، ثم جعله عشرة، ثم جعله عشرين، ثم جعله أربعين، وكان هو ذا يزيد. وقلت ليعلى بن الأشدق: ما سمع عمك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: جامع سفيان وموطأ مالك، وشيئاً من الفوائد. فإن كانت هذه الحكاية عن أبي مسهر صحيحة فرواية يعلى هذه النسخة لا يجوز الاشتغال بها. سئل أبو زرعة عنه، فقال: هو عندي لا يصدق، ليس بشيء، قدم الرقة فقال: رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له عبد الله بن جراد. فأعطوه على ذلك، فوضع أربعين حديثاً، وعبد الله بن جراد لا يعرف. وعده الدارقطني وغيره من المتروكين. يعلى بن أمية أبو خالد ويقال: أبو خلف التميمي له صحبة، وكان في غزوة مؤتة، وخرج مع عمر إلى الشام في سفرته التي رجع فيها من سرغ. وقال: جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثاني يوم الفتح، فقلت له: يا رسول الله، بايع أي على الهجرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبايعه على الجهاد، قد انقطعت الهجرة.

وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين بعيراً وثلاثين درعاً، فقلت: يا رسول الله، مضمونة؟ قال: نعم، والعارية مؤداة. ويعلى بن أمية هو يعلى بن منية؛ أمية أبوه، ومنية أمه، وهي منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، وكان يعلى حليف نوفل بن عبد مناف. أسلم هو وأبوه أمية، وأخوه سلمة، وأخته نفيسة. وشهد يعلى وسلمة ابنا أمية مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبوك، وشهد يعلى الطائف وحنيناً، وكان عامل عمر على نجران، وله أخبار مع علي وعثمان. وكان من أسخياء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال موسى بن عقبة: وزعموا والله أعلم أن يعلى بن أمية قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن شئت أخبرني، وإن شئت أخبرتك قال: أخبرني يا رسول الله، فأخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبرهم كله، ووصفه لهم، فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً لم تذكره، وإن أمرهم لكما ذكرت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله رفع لي الأرض حتى رأيتهم، ورأيت معتركهم قال يعلى بن أمية: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البحر من جهنم، فقيل له في ذلك، فقال: أحاط بهم سرادقها، والله لا أدخله، ولا يصيبني منه قطرة حتى أعرض على الله عز وجل. وجاء عن يعلى بن أمية أنه كان يقعد في المسجد الساعة ينوي بها الاعتكاف، وأنه كان يصلي قبل أن تطلع الشمس، فقيل له في ذلك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الشمس تطلع على وفي رواية: بين قرني شيطان. قال: فإن تطلع وأنت في أمر الله خير من أن تطلع وأنت لاه.

وقال يعلى بن أمية: سألت عمر أن يريني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا نزل عليه الوحي. فأتاه رجل بالجعرانة، ولعيه جبة بها ردع من زعفران، فقال: إني أحرمت بالعمرة، وعلي هذا، فأنزل على الني صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فستر بثوب، فقال: أيسرك أن تنظر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أنزل عليه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه، وله غطيط كغطيط البكر. وجه أبو بكر يعلى بن أمية على حولان في الردة، واستعمله عثمان على اليمن. وأول من جاء بقتل عثمان إلى مكة رجل من العرب يقال له الأخضر، وكتمهم ذلك حتى اقتضى ديناً له على الناس، فلما اقتضى دينه خرج، وخرج معه يعلى بن منية، حتى إذا كان بالبطحاء، وأخبره بقتل عثمان، فرجع يعلى، فأخبر أهل مكة. قال: وجاء يعلى بن أمية إلى عائشة، فقال: قد قتل خليفتك. قالت: برئت إلى الله ممن قتله، فقال: أظهري البراءة ممن قتله. فخرجت إلى المسجد، فجعلت تبرأ ممن قتل عثمان. قال: ولما بلغ يعلى قول عبد الله بن أبي ربيعة، وما دعا إليه من جهاز من خرج يطلب بدم عثمان خرج يعلى من داره، فقال: أيها الناس، من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه. ولما بلغ علياً ما قال يعلى وابن أبي ربيعة عرف أن عندهما مالاً من مال الله كثيراً، فقال: لئن ظفرت بابن بابن أبي ربيعة، ويعلى بن منية لأجعلن أموالهما في مال الله. قال: وقدم يعلى بن أمية بأربع مئة ألف فأنفقها في جهازهم إلى البصرة. وقال يعلى بن منية وهو مشتمل: هذه عشرة آلاف دينار وهي عين مالي أقوي بها من طلب بدم عثمان. واشترى أربع مئة بعير، فأنخاها بالبطحاء، فحمل عليها. فبلغ ذلك علياً، فقال: من أين له عشرة آلاف دينار؟ سرق اليمن. ثم جاء بها! والله لئن قدرت عليه لآخذن ما أقر به! فلما كان يوم الجمل، وانكشف الناس هرب يعلى. وروي أن علياً قال: حاربني أطوع الناس فيّ للناس؛ عائشة، وأشجع الناس؛ الزبير، وأمكر الناس؛ طلحة، وأعبد الناس؛ محمد بن طلحة، وأسخى الناس؛ يعلى بن

يعلى بن حكيم الثقفي

منية؛ كان يعطي الرجل الواحد ثلاثين ديناراً، والسلاح، والفرس على أن يقاتلني. قال يعلى بن منية: إياكم والمزاح؛ فإنه يذهب بالبهاء، ويعقب المذمة، ويذري بالمروءة. قتل يعلى بن منية سنة ثمان وثلاثين بصفين مع علي بعد أن شهد الجمل مع عائشة. ويقال: إنه تزوج بنت الزبير وبنت أبي لهب. يعلى بن حكيم الثقفي مكي سكن البصرة. وقدم الشام على عمر بن عبد العزيز، وبها مات. وقال: كانت أردية عمر بن عبد العزيز ستة أذرع وسبعاً في سبعة أشبار. قال محمد بن ذكوان: خرجت مع يعلى بن حكيم من باب المسجد الحرام، فرأى الحبشان يبولون، ثم يأتون المطهرة، فيغمسون أيديهم فيها، فقال: ألا ترى ما يصنع هؤلاء؟ قلت: بلى، قال: خرجت مع سعيد بن جبير من هذا الباب، فرأى الحبشان يصنعون كما تراهم، فقال: يا يعلى، ألا ترى ما يصنع هؤلاء؟ فقلت: بلى، قال: فإني خرجت مع ابن عباس من هذا الباب، فقال: يا سعيد، ألا ترى ما يعمل هؤلاء؟ فقلت: بلى، قال: فإني خرجت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرآهم يصنعون كما تراهم الآن، فلم ينههم. قال جرير بن حازم: بعث إلي يعلى بن حكيم بصحيفة ضخمة من الشام فيها مسائل، فقال: سل عنها قتادة، فسألته عنها، فقال: إن ذا يكثر علي، أو يشق علي، فسل سعيد بن أبي عروبة عنها، فإنه قد روى حديثي، ثم اعرضه علي، قال: فسألت سعيداً، ثم عرضته على قتادة، فما غير منه إلا يسيراً.

يعلى بن الضخم العنسي

قال يعقوب بن سفيان: يعلى بن حكيم، ويعلى بن مسلم مكيان مستقيما الحديث. وقال أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين: يعلى بن حكيم ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. قال حماد بن زيد: جاء نعي يعلى بن حكيم وكان مول لثقيف من الشام إلى أمه ولم يكن له ها هنا أحد غيرها، فكان أيوب يأتيها ثلاثة أيام بالغداة والعشي، فيقعد، وتقعد معه. ولم يزل يصلها حتى ماتت. قال: وكانت تأتي منزله، فتبيت عنده. يعلى بن الضخم العنسي كان على شرطة هشام بن عبد الملك. يعلى بن عطاء العامري ويقال: الليثي الطائفي نزيل واسط. قال ابن سعد: يعلى بن عطاء مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. وكان ثقة، وكان من أهل الطائف، وكان قدم واسط، فأقام بها في آخر سلطان بني أمية.

يعلى بن مرة بن وهب بن جابر

قال شعبة: قال لي يعلى بن عطاء: أكتبك؟ قلت: لا، قال: والله ما أفعل هذا بكل أحد، وما أعرض هذا على كل أحد. حدث يعلى بن عطاء، عن أبيه: أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذنه في الجهاد. قال شعبة: ولم يذكره عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فتهاونت به، فقال: لا تأخذ هذا عني، عن أبي، وقد ولد أبي لثلاث سنين بقين من خلافة عمر؟! مات يعلى بن عطاء الطائفي العامري بواسط سنة عشرين ومائة. أثنى عليه أبو عبد الله خيراً، ووثقه يحيى، وقال أبو حاتم الرازي: هو صالح الحديث. يعلى بن مرة بن وهب بن جابر أبو المرازم الثقفي له صحبة. وقيل: إنه قدم دمشق. قال يعلى بن مرة: مررت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا متخلق، فقال: يا يعلى، هل لك امرأة؟ قلت: لا، قال: اذهب فاغسله، ثم اغسله، ثم اغسله، ثم لا تعد. قال: فغسلته، ثم غسلته، ثم غسلته، ثم لم أعد وفي رواية: فغسلته ثم أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: طيب الرجال ما ظهر ريحه، وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه، وخفي ريحه. وفي رواية قال: اغتسلت، وتخلفت بخلوق، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح وجوهنا،

يعمر بن مسعود

فلما دنا مني جعل يجافي يده عن الخلوق، فلما فرغ قال: يا يعلى، ما حملك على الخلوق؟ أتزوجت؟ قلت: لا، قال: أذهب، فاغسله. قال: فمررت على ركية، فجعلت أقع فيها، ثم جعلت أتدلك بالتراب حتى ذهب. قال يحيى بن معين: يعلى بن مرة هو يعلى بن سيابة، يقولون: سيابة أمه، كنيته أبو المرازم. قال ابن سعد: يعلى بن مرة، أسلم، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، وبيعة الرضوان، وخيبر، وفتح مكة، والطائف، وحنيناً. وكان فاضلاً. وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الطائف بقطع أعناب ثقيف، وقال: من قطع حبلةً فله كذا وكذا من الأجر. وقال عيينة بن حصن ليعلى بن مرة: أقطع ولك أجري، فقطع خمس حبلات، ثم أخبر عيينة فقال: لك النار. فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: عيينة أولى بالنار. عن يعلى بن سيابة الثقفي قال: كنت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا وديتان، فأمرهما أن تجتمعا، فاجتمعتا، فقضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجته، واستتر بهما، ثم قال: ارجعا إلى ما كنتما. فأتيته بإداوة من ماء، فتوضأ، قال: انطلق إلى البقيع، فأتى على قبرين، فقال: يعذبان، الحديث. يعمر بن مسعود أحد صحابة عمر بن عبد العزيز. عن يعمر بن مسعود قال: صليت مع عمر بن عبد العزيز، فقال لي: إن عندنا مالاً من مال سهم المؤلفة

يعيش بن الوليد بن هشام بن معاوية

قلوبهم، وقد استخرت الله تعالى في ذلك، فرأيت أن أبعث به إلى من بمرعش، ورعبان، وزلول، ونحوها من الصقالبة، ومن أسلم حديثاً. فبعث معي، ومع رجل آخر من حرسه بوقر أو وقرين مالاً، وأمرنا أن نقسمه فيهم. يعيش بن الوليد بن هشام بن معاوية ابن هشام بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي المعيطي من أهل دمشق. وسكن قرقيسياء. قال سعيد بن عبد العزيز: نزل يعيش بن الوليد على مكحول، فأكرمه، وهياً له طعاماً، فأطعمه، وأطعم الناس، فكان يزيد بن يزيد بن جابر ممن يخدم ذلك اليوم توقيراً لمكحول. قال العجلي: يعيش بن الوليد شامي ثقة. وقال أحمد بن محمد بن عيسى في تاريخ الحمصيين: قتلته المسودة على عهد عبد الله بن علي. يغمر بن ألب سارخ أبو الندى التركي الفقيه المقرئ قال الحافظ ابن عساكر: كان أبوه جندياً، وتوفي وهو صغير، وكان يعمل في القرآن، ويلقن القرآن. كان يختلف إلى الدرس بالمدرسة الأمينية، ويلقن القرآن في المسجد الجامع، ويؤم بالناس في الصلوات الخمس في مسجد العقيبة. وكان يحفظ قطعةً صالحة من أخبار الناس وأشعارهم، وكانت له مروءة، مع ضعف ذلك، يضيف من نزل به في مسجده. وكان حسن الاعتقاد، ذا صلابة في الدين. وكان يحثني على تبييض هذا الكتاب، ويود لو أنه تم؛ حتى إنه عزم عند وجود فترة مني عنه، وانصراف همة عن تبييضه على أن يكتب إلى الملك

يلتكين التركي

العادل نور الدين قصة على لسان أصحاب الحديث، يسأله أن يتقدم إلي بإنجازه، فنهاه بعض أصحابنا عن ذلك، إلى أن يسر الله الشروع فيه بعد وفاته، والله يعين على إتمامه. ويا ليت أنه كان بقي حتى يراه، ولو كان رآه لعلم أنه أكثر مما وقع في نفسه. وكانت وفاته في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. ولما كنا في جنازته فكرت في نفسي، وقلت: والله إني لأحق من يعمر بالاهتمام بهذا التاريخ. فصرفت همتي إليه، وشرعت فيه، ويسر الله تمامه بهمة يغمر، فإنه كان صالحاً، وكان يتأسف على ترك الشروع فيه، وكان شديد الاهتمام به، يكاد يبكي إذا ذكره، ويقول: لو تم هذا الكتاب لا يكون في الإسلام كتاب مثله. يلتكين التركي كان من غلمان هفتكين أمير دمشق من قبل الطائع لله، فأهداه هفتكين للوزير ابن كلس بمصر، فاصطنع، وجرد إلى الشام في عسكر كبير، وولي إمرة دمشق، فوصل يلتكين في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، ومدبر عسكره ميشا بن القزاز اليهودي. وكانت دمشق إذ ذاك مفتتنةً بقسام الذي كان غلب عليها، وبها جيش بن صمصامة بعد موت خاله أبي محمود الكتامي، فلم يزل يلتكين يقاتل أهل البلد، حتى تفرق عن قسام من معه، واستخفى، وتسلم يلتكين البلد، وأقام به إلى أن وردت الكتب من مصر إليه أن يسلم البلد إلى بكجور صاحب حمص، ويرجع إلى مصر، لاحتياج الملقب بالعزيز إليه حين اضطرب عليه جنده من المغاربة، فاحتاج إلى جند من المشارقة يقهر به المغاربة، وذلك في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. يمان بن عفير شهد صفين مع معاوية، وكان أميراً يومئذ على حمير، وحضرموت. له ذكر.

يمكجور التركي

يمكجور التركي ولي إمرة دمشق في خلافتي: المعتز بن المتوكل، والمهتدي بن الواثق جميعاً. يموت بن المزرع بن يموت أبو بكر العبدي البغدادي الأديب ويقال: اسمه محمد سكن طبرية. وكان أخبارياً. حدث عن أبي حاتم السجستاني أن العقدي قال له: قال وكيع بن الجراح: لا يقال لرجل من المسلمين: رجيل، ولا مسيجد، ولا مصيحف. وعدد من هذا النحو أشياء كثيرة. وحدث عن اب إسحاق، عن ابن عائشة، عن بعض أصحابه: إنما قصرت أعمار الملوك لكثرة شكاية الخلق إلى الله عز وجل. قال الخطيب: يموت بن المزرع بن يموت أبو بكر العبدي، من عبد القيس. بصري قدم بغداد هو سنة إحدى وثلاثمائة، وهو شيخ كبير. وكان صاحب أخبار وملح، وآداب، وهو ابن أخت أبي عثمان الجاحظ. واسمه يموت، ثم تسمى محمداً، ويموت الغالب عليه. وخرج من بغداد إلى الشام، فمات هناك. وذكره في باب المحمدين. قال يموت بن المزرع: بليت بالاسم الذي سماني به أبي، فإني إذا عدت مريضاً، فاستأذنت عليه، فقيل: من ذا؟ قلت: أنا ابن المزرع، وأسقطت اسمي.

أنشد منصور بن إسماعيل التميمي لنفسه في يموت بن المزرع: مجزوء الرمل أنت تحيا والذي يك ... ره أن تحيا يموت أنت صنو النّفس بل أن ... ت لروح النفس قوت أنت للحكمة بيتٌ ... لا خلت منك البيوت وأنشد يموت بن المزرع لنفسه: من الوافر مهلهل قد حلبت شطور دهرٍ ... وكافحني بها الزمن العنوت وحاربت الرجال بكلّ ريعٍ ... فأذعن لي الحثالة والرّتوت فأوجع ما أجنّ عليه قلبي ... كريمٌ غتّه زمن غتوت كفى حزناً بضيعةٍ ذي قديمٍ ... وأولاد العبيد لها الجفوت وقد أسهرت عيني بعد غمضٍ ... مخافة أن تضيع إذا فنيت وفي لطف المهيمن لي عزاءٌ ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت فجب في الأرض وابغ بها علوماً ... ولا يقطعك جامحة سنوت وإن بخل العليم عليك يوماً ... فذلّ له وديدنك السكوت وقل بالعلم كان أبي جواداً ... يقال ومن أبوك فقل يموت

ينجوتكين التركي

قال ابن زبر: سنة ثلاث وثلاثمائة مات يموت بن المزرع بطبرية. وقال ابن يونس: مات بدمشق سنة أربع وثلاثمائة. ينجوتكين التركي مولى الملقب بالعزيز، ولاه العزيز إمرة دمشق، وتدبير العساكر الشامية. وقدم دمشق في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، فبقي أميراً عليها إلى أن هلك مولاه سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وولي بعده ابنه منصور الملقب بالحاكم، فعزل ينجوتكين، فتوجه ينجوتكين إلى الرملة للقاء من يجيئه من مصر، فاقتتلوا، وانهزم ينجوتكين يوم الجمعة لأربع خلون من جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. ورجع إلى دمشق بعد ثلاثة أيام من الوقعة، وطلب من أهل دمشق النصرة، فلم يجيبوه خوفاً من الحصار والغلاء، ونهبوا داره وخرج منهزماً، وتوجه إلى أذرعات إلى ابن الجراح الطائي، فلم يمنعه، وسلمه إلى سلمان بن جعفر بن فلاح الذي ندب لولاية الشام، فبعث به إلى مصر، فمن عليه منصور، وأطلقه.

ذكر من اسمه يوسف من الرجال

ذكر من اسمه يوسف من الرجال يوسف بن إبراهيم بن مرزوق بن حمدان أبو يعقوب الصهيبي الحبالي من أهل حبال، قرية بوادي موسى. رحل إلى مرو، وتفقه بها. وكان متقشفاً. وكان شافعياً ينزل مدرسة الحنفية. قتل بمرو لما دخلها خوارزم شاه. كان فقيهاً ورعاً متديناً، مشتغلاً بالعبادة والورع. ورد بغداد في سنة ست عشرة وخمسمائة، وخرج منها إلى خراسان ونيسابور، ثم قدم مرو، وسكنها إلى حين وفاته. قال الحافظ أبو سعد السمعاني في ذيل تاريخ بغداد: وكان يسمع معنا الكثير بمرو، وسمعنا شعب الإيمان لأحمد بن الحسين البيهقي. ولما قربت وفاته، وكنت غائباً بهراة في رحلتي الثانية إليها أوصى بأكثر كتبه أن توضع في الخزانة النظامية، وتكون موقوفةً على المسلمين ممن ينتفع بها، وشيء منها وضع في الخزانة التي عملها أبو الفضل الكرماني، وأوصى بالأجزاء المتفرقة التي حصلها ونسخها أن تكون عندي، وفي يدي، والله تعالى يرحمه، ويغفر له، فإنه كان نعم الصديق. وكان قليل المخالطة والمجالسة مع الناس، وفي أكثر الأوقات في مدرسة السلطان، وكان يرد الباب على نفسه ويشتغل إما بالعبادة، أو المطالعة، وكان يزورني وأزوره في بعض الأوقات. وظني أن مولده كان في حدود سنة تسعين وأربعمائة. ومات سنة أربعين وخمسمائة.

يوسف بن إبراهيم أبو الحسن الكاتب

يوسف بن إبراهيم أبو الحسن الكاتب أظنه بغدادياً. كان في خدمة إبراهيم بن المهدي. قدم دمشق سنة خمس وعشرين ومائتين. وكان من ذوي المروءات. قال: كانت بيني وبين أحمد بن محمد بن مدبر سوالف ترعى، ويحافظ عليها؛ فلما تولى مصر رأى حسن ظاهري، فظن ذلك عن أموال جمة لدي، فجدني في المطالبة، وأخرج علي بقايا لعقود انكسرت من آفات عرضت لضياعها، ولم يسمع الاحتجاج فيها، واستقصر ما أوردته، وإنما كان عن حيلة، واحتبسني مع المتضمنين، وكان يغدو في كل يوم غلام له يحجبه يعرف بفضل، فيكتب على كل رجل ما مورده في يومه، فإن شكا أنه لا يصل إلى شيء أخرجه، فحملت عليه الحجارة، وطولب أعنف مطالبة، فلم تزل الحاجة علي حتى بعت حصر داري قضاءً عما فيها، وعرضت دوري، فمنعني من بيعها، ووجه إلي: فأين تكون حرمك؟ وأنفذ إلي ورقة نسختها: يا أبا الحسن أعزك الله قد ألويت بما بقي عليك وهو ستة عشر ألف ديناراً، وآثرنا صيانتك عن خطة المطالبة هذه المدة؛ فإن أزحت العلة فيها، وإلا سلمناك إلى أبي الفوارس مزاحم بن خاقان أيده الله. فكتبت إليه رقعة أحلف فيها أني ما أملك عدد هذه حب حنطة، ولو كان لي شيء لصنت به نفسي. فإن رأى السيد رعاية السالف بيني وبينه، وستر تخلفي كان أهلاً لما يأتيه، وإن سلمني إلى هذا الرجل رجوت من الله عز وجل ما لا يخطئ من رجائه. فرجع إلي بعض غلمانه، ومعه رقعة مختومة، فاستركبني، وصار بي إلى مزاحم. فلما قرئت عليه الرقعة أدخلني عليه، وعنده كاتب له يعرف بالمروذي، فعرفني، ولم أعرفه، وكان أبوه في الحارة التي فيها داري بسر من رأى. فقال: انت كاتب إبراهيم بن المهدي؟ قلت: نعم أيد الله الأمير قال: كنت أراك وأنا صبي في حارتنا، ووالله ما طلب ابن المدبر أن يروج علي مالاً، وإنما أراد أن أقتلك بالمطالبة. وقد رأيت أن أكتب إلى أمير المؤمنين أعرفه قصور يدك عن أداء المال، وأعلمه خدمتك لسلفه، وأسأله

يوسف بن إسماعيل بن يوسف

أن يتطول بإسقاط هذه البقية عنك، فإن سهل ذلك وإلا نجمها علي وعلى رجالي حتى يقاضوا بها في كل نجم. ثم قال للمروذي: هذا رجل من مشايخي، وأم زوجته ببغداد تولت تربيتي، وقد استكتبته على أموري، وما احتاج إلى قباله من الضياع بمصر، وليس يزيلك عن رسمك. فأخذ خاتماً له كان يختم به الكتب بحضرته فأعطانيه، وسألني عن العجوز التي ربته، فقلت له: هي معي بمصر، وانصرفت من عنده إلى منزلي. فكان أول من هنأني بمحلي منه ابن المدبر، ورجعت إلى نعمتي معه في مدة يسيرة. يوسف بن إسماعيل بن يوسف أبو يعقوب الساوي الصوفي قال أبو نعيم الحافظ: قدم أصبهان في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة. كثير الحديث. قال الحاكم أبو عبد الله: أبو يعقوب الساوي كان من الصالحين. التقينا ببغداد سنة إحدى وأربعين، ثم ورد خراسان سنة ثلاث وأربعين، وأقام بنيسابور مدة، ثم خرج إلى مرو، وبقي بمرو إلى أن مات بها سنة ست وأربعين وثلاثمائة. يوسف بن أيوب بن شادي الملك الناصر صلاح الدين سلطان المسلمين، وقامع المشركين. فاتح البيت المقدس وبلاد الساحل، ومخلصها من أيدي الكافرين، رحمه الله.

يوسف بن بحر بن عبد الرحمن

يوسف بن بحر بن عبد الرحمن أبو القاسم التميمي البغدادي ثم الأطرابلسي ويقال: الجبلي، قاضي حمص بغدادي سكن حمص. ليس بالمتين عندهم. يوسف بن الحسن بن محمد أبو القاسم الزنجاني الفقيه الشافعي المعروف بالتفكري في تاريخ الحافظ أبي سعد السمعاني قال: يوسف بن الحسن بن محمد بن التفكري، أبو القاسم، من أهل زنجان. سكن باب المراتب شرقي بغداد. رحل إلى أصبهان، وقرأ على أبي نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ المعجم الكبير، والأوسط، والصغير للطبراني، ومسند أبي داود الطيالسي، وغيرها من الكتب. ثم انتقل إلى بغداد محدثاً فقيهاً، وسكنها إلى أن توفي بها. وكان ورعاً، زاهداً، عاملاً بعلمه، متنسكاً، بكاءً عند الذكر، خاشعاً، صدوقاً، متبركاً به، مشتغلاً بنفسه، مقبلاً على العبادة ونشر العلم. مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة بزنجان. قال أبو القاسم التفكري: سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الزنجاني يقول: كان هارون الرشيد بعث إلى مالك بن أنس يستحضره ليسمع منه ابناه الأمين والمأمون، فأبى عليه، وقال: إن العلم يؤتى، لا يأتي. فبعث إليه ثانياً، فقال: أبعثهما إليك يسمعان مع أصحابك، فقال مالك: بشريطة أنهما لا يتخطيان رقاب الناس، ويجلسان حيث ينتهي بهما المجلس. فحضراه بهذا الشرط. وكان يحيى بن يحيى النيسابوري يحضر المجلس، فانكسر يوماً قلمه، وبجنبه المأمون، فناوله قلماً من ذهب، أو قلماً من فضة، من مقلمة ذهب، فامتنع من قبوله، فقال له المأمون: ما اسمك؟ قال: يحيى بن يحيى النيسابوري، فقال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين. فكتب المأمون على ظهر جزئه: ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلماً في مجلس مالك فلم يقبله.

يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب

فلما أفضت الخلافة إلى المأمون بعث إلى عامله بنيسابور، وأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء. فبعث إليه يستدعيه، فقال بعض الناس: إنه يمتنع من الحضور. فأنفذ إليه كتاب المأمون، فقرئ عليه، فامتنع من القضاء. فرد إليه ثانياً وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء، وأنت من رعيته، فتأبى عليه؟! فقال: قل لأمير المؤمنين: ناولتني قلماً وأنا شاب، فلم أقبله، فتجبرني الآن على القضاء وأنا شيخ! فرفع الخبر إلى المأمون بذلك، فقال: علمت امتناعه، ولكن، ول القضاء رجلاً يختاره. فبعث إليه العامل في ذلك، فاختار رجلاً من نيسابور، فولي القضاء. قال: والرسم هناك أن يلبس القضاة السواد. فدخل ذلك القاضي على يحيى وعليه سواد، فضم يحيى فراشاً كن جالساً عليه، كراهية أن يجمعه وإياه. فقال: أيها الشيخ، ألم تخترني؟ قال: إنما قلت أختاره، وما قلت لك تقلد القضاء. قال أبو الفضل بن خيرون: توفي أبو القاسم الزنجاني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب الرازي الصوفي، صاحب ذي النون المصري زاهد معروف موصوف. قال: قلت لأحمد بن حنبل: حدثني، فقال: ما تصنع بالحديث يا صوفي؟ فقلت: لا بد حدثني، فقال: حدثنا مروان الفزاري، عن هلال بن سويد أبي المعلى، عن أنس قال: أهدي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طائران، فقدم إليه أحدهما، فلما أصبح قال: عندكم من غداء؟ فقدم إليه الآخر، فقال: من أين ذا؟ فقال بلال: خبأته لك يا رسول الله، فقال: يا بلال، لا تخف من ذي العرش إقلالاً، إن الله يأتي برزق كل غد.

وفي رواية: أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوائر ثلاثة، فأكل منها طيراً، واستخبأ خادمه طيرين، فرده إليه من الغد، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألم أنهك أن ترفع شيئاً لغد؟ إن الله يأتي برزق كل غد. قال أبو عبد الرحمن السلمي: يوسف بن الحسين، أبو يعقوب الرازي، إمام وقته، لم يكن من المشايخ على طريقته في تذليل النفس، وإسقاط الجاه. صحب ذا النون المصري، ورافق أبا سعيد الخراز في بعض أسفاره، وأبا تراب النخشبي. قال أبو القاسم القشيري: كان نسيج وحده في إسقاط التصنع، وكان عالماً أديباً. مات سنة أربع وثلاثمائة. قال يوسف بن الحسين: لأن ألقى الله بجميع المعاصي أحب غلي من أن ألقاه بذرة من التصنع. وقال: إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء. وكتب إلى الجنيد: إذا أذاقك الله طعم نفسك، فإنك، إن ذقتها، لا تذوق بعدها خيراً أبداً. وقال: رأيت آفات الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، ورفقة النسوان. وقال: كنت أيام السياحة في أرض الشام أمسك بيدي عكازة مكتوباً عليها: من السريع سر في بلاد الله سياحا ... وابك على نسك نوّاحاً وامس بنور الله في أرضه ... كفى بنور الله مصباحا

وكتب على مخلاته: من الهزج فلا يومك ينساك ... ولا رزقك يعدوك ومن يطمع في الناس ... يكن للناس مملوكا وكن سعيك لله ... فإن الله يكفيك وقال: قيل لي: إن ذا النون المصري يعرف اسم الله عز وجل الأعظم، فدخلت إلى مصر، فذهبت إليه، فبصرني وأنا طويل اللحية، ومعي ركوة طويلة، فاستبشع منظري، ولم يلتفت إلي. قال أبو الحسين الرازي: وكان يوسف بن الحسين يقال: إنه أعلم أهل زمانه بالكلام، وعلم الصوفية. فلما كان بعد أيام جاء إلى ذي النون رجل صاحب كلام، فناظر ذا النون، فلم يقم ذو النون بالحجج عليه، فاجتذبته إلي، وناظرته، فقطعته، فعرف ذو النون مكاني، فقام إلي وعانقني وجلس بين يدي، وهو شيخ وأنا شاب، وقال: اعذرني فلم أعرفك، فعذرته، وخدمته سنة واحدة، فلما كان على رأس السنة قلت له: يا أستاذ، إني قد خدمتك، وقد وجب حقي عليك، وقيل لي: إنك تعرف اسم الله الأعظم، وقد عرفتني، ولا تجد له موضعاً مثلي، فأحب أن تعلمني إياه. قال: فسكت عني ذو النون، ولم يجبني، وكأنه أومأ إلي أنه يخبرني، وتركني ستة أشهر بعد ذلك، ثم أخرج إلي من بيته طبقاً ومكبة مشدوداً في منديل وكان ذو النون يسكن في الجيزة فقال: تعرف فلاناً صديقنا من الفسطاط؟ قلت: نعم، قال: فأحب أن تؤدي هذا إليه. قال: فأخذت الطبق وهو مشدود، وجعلت أمشي طول الطريق وأنا متفكر فيه: مثل ذي النون يوجه إلى فلان

بهدية! ترى أيش هي؟ قال: فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر، فحللت المنديل، وشلت المكبة، فإذا فأرة، قفزت من الطبق، ومرت. فاغتظت غيظاً شديداً، وقلت: ذو النون يسخر بي، ويوجه مع مثلي فأرة إلى فلان!؟ فرجعت على ذلك الغيظ، فلما رآني عرف ما في وجهي، وقال: يا أحمق، إنما جربناك، ائتمنتك على فأرة فخنتني، أفاأتمنك على اسم الله الأعظم؟! وقال: مر عني فلا أراك شيئاً آخر. قال: وسمعت ذا النون يقول: من جهل قدره هتك ستره. وقال: قلت لذي النون وقت مفارقتي له: من أجالس؟ فقال: عليك مجالسة من تذكرك الله رؤيته، وتقع هيبته على باطنك، ويزيد في عملك منطقه، ويزهدك في الدنيا عمله، ولا تعصي الله ما دمت في قربه، يعظك بلسان فعله، ولا يعظك بلسان قوله. وقال: عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهر أمرك، وتبعثك على الخير صحبته، وتذكرك الله رؤيته. وقال يوسف: قيل لذي النون: ما بال الحكمة لها حلاوة من أفواه الحكماء؟ قال: لقرب عهدها بالرب عز وجل. وقيل ليوسف بن الحسين: يا أبا يعقوب، هل لك هم غد؟ قال: يا سيدي، من كثرة همومنا اليوم لا نفرغ لهم. فأجابه الجنيد: من البسيط يكفي الحكيم من التنبيه أيسره ... فيعرف الكيف والتكوين والسببا فكن بحيث مراد الحق منك ولا ... تزل مع القصد في التمكين منتصبا إن السبيل إلى مرضاته نظر ... فما عليك له يرضى كما غضبا ثم قال: من كان ظاهره عامراً فباطنه خراب، ومن كان ظاهره خراباً كان باطنه عامراً، والدليل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

قال أبو الحسين الدراج: قصدت يوسف بن الحسين الرازي من بغداد، فلما دخلت الري سألت عن منزله، فكل من أسأل يقول: أيش تفعل بذلك الزنديق؟ فضيقوا صدري، حتى عزمت على الانصراف، فبت تلك الليلة في مسجد، ثم قلتك جئت هذا البلد، فلا أقل من زيارة! فلم أزل أسأل عنه حتى دفعت إلى مسجده وهو قاعد في المحراب، بين يديه مصحف يقرأ، وإذا هو شيخ بهي، حسن الوجه واللحية، فدنوت، فسلمت، فرد السلام، وقال: من أين أنت؟ فقلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ. فقال: لو أن في بعض البلدان قال لك إنسان: أقم عندي حتى أشتري لك داراً وجارية أكان يمنعك عن زيارتي؟ فقلت: يا سيدي، ما امتحنني الله بشيء من ذلك، ولو كان لا أدري كيف كنت أكون، فقال: تحسن أن تقول شيئاً؟ قلت: نعم، وقلت: من الطويل رأيتك تبني دائماً في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدّمت ما تبني فأطبق المصحف، ولم يزل يبكي حتى ابتل لحيته وثوبه، حتى رحمته من كثرة بكائه، ثم قال لي: يا بني، تلوم أهل الري في قولهم: يوسف بن الحسين زنديق؟ من وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن، لم يقطر من عيني قطرة، وقد قامت علي القيامة بهذا البيت. قال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه يلبث فيه على لون آخر. وقال: ما صحبني متكبر قط إلا اعتراني داؤه، لأنه يتكبر، فإذا تكبر غضبت، فإذا غضبت أداني الغضب إلى الكبر، فإذا داؤه قد اعتراني.

وقال: في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه. وقال يوسف: بالأدب يفهم العلم، وبالعلم يصح لك العمل، وبالعمل تنال الحكمة، وبالحكمة يفهم الزهد، ويوفق له، وبالزهد تترك الدنيا، وبترك الدنيا ترغب في الآخرة، وبالرغبة في الآخرة تنال رضى الله عز وجل. وقيل ليوسف بن الحسين: لو تجملت قليلاً، فقال: هو ذا يطاف على بابنا بالكيزان يتبرك بنا وبدعواتنا، وأنتم تدعوني إلى التجمل! وكان كثيراً ما يقول: إلهي توبة أو مغفرة، فقد ضاقت بي أبواب المعذرة، إلهي، خطيئتي خطيئة صماء، وعاقبتي عاقبة وهماء، فلا الخطيئة أحسن الخروج منها، ولا العاقبة أهتدي للرجوع إليها، ومن شأن الكرماء الرفق بالأسراء، وأنا أسير تدبيرك. ثم يقول: من الطويل وأذكركم في السّرّ والجهر دائماً ... وإن كان قلبي في الوثاق أسير لتعرف نفسي قدرة الخالق الذي ... يدبّر أمر الخلق وهو شكور وقال: الأنس مع الله نور ساطع، والأنس مع الناس سم ناقع. وسئل عن الكرم والجود، فقال: الجود أن تتفضل بما لا يجب عليك، والكرم أن تتفضل بما يجب لك. وقيل له: ما بال المحبين يتلذذون بالذل في المحبة؟ فأنشأ يقول: من الكامل ذلّ الفتى في الحبّ مكرمةٌ ... وخضوعه لحبيبه شرف وقال: كنت عند ذي النون المصري يوماً، فجاءه رجل، فقال: ما بال المحزون إذا تكامل حزنه لا تجري دموعه؟ فقال: إذا رق سلا، وإذا انجمد سجا. ثم أطرق، ورفع رأسه يقول: من الطويل

إذا رقّ قلب درّت جفونه ... دموعاً له فيها سلوٌّ من الكمد وإن غصّ بالأشجان من طول حزنه ... علاه اصفرار اللّون في الوجه والجسد وأحمد حال الخائفين مقامهم ... على كمدٍ يضني النفوس مع الكبد لعمرك ما لذّ المطيعون لذةٌ ... ألذّ وأحلى من مناجاة منفرد قال أبو عبد الرحمن السلمي: واعتل يوسف بن الحسين الرازي، فدخل عليه بعض إخوانه، فقال له: مالك أيها الشيخ، وما الذي تجد؟ ألا ندعو لك بعض هؤلاء الأطباء؟ فأنشأ يقول: من الطويل بقلبي سقامٌ ما يداوى مريضه ... خفيّ على العوّاد باقٍ على الدهر كان مرحوم الرازي يتكلم في يوسف بن الحسين، فانتبه ليلة وهو يبكي، فقيل له: مالك؟ قال: رأيت كتاباً نزل من السماء، فلما قرب من الخلق إذا فيه مكتوب بخط جليل: هذه براءة ليوسف بن الحسين مما قيل فيه. فجاء إله، فاعتذر. وكان يوسف بن الحسين يقول: اللهم إنك تعلم أني نصحت الناس قولاً، وخنت نفسي فعلاً، فهب لي خيانة نفسي بنصيحتي للناس. وكان يتمثل كثيراً بهذا البيت: من الوافر سأعطيك الرّضى وأموت غمّاً ... وأسكت لا أغمّك بالعتاب كان آخر كلام يوسف بن الحسين: إليه دعوت الخلق إليك بجهدي، وقصرت نفسي بالواجب لك علي مع معرفتي بك، وعلمي فيك، فهبني لمن شئت من خلقك. قال: فمات، فرئي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا عبد السوء، فعلت وعصيت! فقلت: يا سيدي، لم أبلغ هذا عنك، بلغت أنك كريم، والكريم إذا قدر عفا. فقال تعالى: تملقت لي بقولك: هبني لمن شئت من خلقك، اذهب فقد وهبتك لك.

يوسف بن الحكم بن أبي عقيل

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ورئي يوسف بن الحسين في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بماذا؟ فقال: لأني ما خلطت جداً بهزل. قال عبد الله بن عطاء: مات يوسف بن الحسين سنة أربع وثلاثمائة. يوسف بن الحكم بن أبي عقيل عمرو بن مسعود بن عامر بن معتب الثقفي والد الحجاج بن يوسف الثقفي. أصله من الطائف، وخرج منها في بعث مسلم بن عقبة إلى المدينة، ثم رجع إلى دمشق، وخرج مع مروان بن الحكم منها إلى مصر. ووجهه مروان في جيش حبيش بن دلجة القيني فأسر بالربذة، ومعه ابنه الحجاج بن يوسف، فهربا سالمين، وأقاما بدمشق حتى بعث عبد الملك ابنه الحجاج إلى قتال عبد الله بن الزبير. قال أبو سعيد بن يونس: يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي من أهل الطائف. قدم مصر مع مروان بن الحكم سنة خمس وستين، ومعه ابنه الحجاج بن يوسف. وكان يوسف بن أبي عقيل فاضلاً، وقيل: إنه شهد فتح مصر، واختط بها وقيل: إن خطته مع ثقيف في السراجين، وإنه أقام بمصر، وولد له بها ابنه الحجاج بن يوسف، وخرج به صغيراً إلى الشام، ثم قدم مع مروان بن الحكم حين قدم مصر لحرب أهلها سنة خمس وستين، ولم أزل أسمع شيوخ العامة بمصر تقول: هذه الغرفة التي ولد فيها الحجاج، يعنون الغرفة التي على درب السراجين على باب الدار التي بجانب الدرب. وكان يوسف بن أبي عقيل حين قدم مع مروان بن الحكم نزل على حبيب بن أوس الثقفي.

قال كعب بن علقمة: كان يوسف بن الحكم أبو الحجاج فاضلاً، من خيار المسلمين. فبينا هو وأبوه في مجلس في المسجد فيه عمرو بن سعيد بن العاص، فمر بهم سليم بن عتر، وكان قاضي الجند، وكان من خير التابعين، فقال الحجاج: أما لو أجد هذا خلف هذا الحائط، وكان لي عليه سلطان، لضربت عنقه، إن هذا وأصحابه يثبطون عن طاعة الولاة، فشتمه والده، ولعنه، وقال له: تسمع القوم يذكرون عنه خيراً ثم تقول ما تقول؟ أما والله إن رأيي فيك أنك لا تموت إلا جباراً شقياً. قال أحمد بن عبد الله العجلي: يوسف بن الحكم أبو الحجاج ثقة، وإنما روى حديثاً واحداً عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد هوان قريش أهانه الله. قال عوانة بن الحكم: أتي الحجاج برجلين من الخوارج، فقال لأحدهما: ما دينك؟ قال: دين إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، قال: يا حرسي اضرب عنقه. ثم قال للآخر: ما دينك؟ قال: دين الشيخ يوسف بن الحكم يعني أبا الحجاج ت قال: ويحك! اخترته، لقد كان صواماً قواماً، يا حرسي، خل عنه. قال: ويحك يا حجاج، أسفهت نفسك، وأثمت بربك؟ قتلت رجلاً على دين إبراهيم، وقد قال تعالى: " ومَنْ يَرْغَبُ عن مِلَّةِ إبراهيمَ إلاّ مَنْ سَفِه نفسَه " قال: أبيت؟! يا حرسي اضرب عنقه، فانطلق به، فأنشأ يقول: رجز سبحان ربّ قد يرى ويسمع ... وقد مضى في علمه ما يصنع ولو يشا في ساعةٍ بل أسرع ... فيرسلن عليك ناراً تسطع فيترك السرير منك بلقع فضربت عنقه.

يوسف بن دوناس بن عيسى أبو الحجاج

قال علي بن أبي حملة: شهد الحجاج مع أبيه الحرة مع بعث مسلم بن عقبة. قال هشام بن إبراهيم: لما حصر الحجاج ابن الزبير، وأخذ عليه بجوانب مكة أرسل إلى أصحاب مسالحه جميعاً يوصيهم بالاحتفاظ من ابن الزبير لا يهرب، وبلغ ذلك ابن الزبير فقال: يحسبني مثله الفرار بن الفرار! أراد فرار الحجاج من الربذة مع أبيه. يوسف بن دوناس بن عيسى أبو الحجاج المغربي الفندلاوي الفقيه المالكي قدم الشام حاجاً، فسكن بانياس مدة، وكان خطيباً بها، ثم انتقل إلى دمشق واستوطنها، ودرس بها مذهب مالك، وحدث بالموطأ، وبكتاب التلخيص لأبي الحسن القابسي. كان شيخاً حسن الفاكهة حلو المحاضرة، شديد التعصب لمذهب أهل السنة، كريم النفس، مطرحاً للتكلف، قوي القلب. قال الحافظ ابن عساكر سمع أبا تراب بن قيس بن حسين البعلبكي يذكر أنه كان يعتقد اعتقاد الحشوية، وأنه كان شديد البغض ليوسف الفندلاوي لما كان يعتمده من الرد عليهم، والتنقص لهم، وأنه خرج إلى الحجاز، وأسر في الطريق، وألقي في جب، وألقي عليه صخرة، وبقي كذلك مدة يلقى إليه ما يأكل، وأنه أحس ليلة بحس، فقال: من أنت؟ فقال: ناولني يدك، فناوله يده، فأخرجه من الجب، فلما طلع إذا هو الفندلاوي، فقال: تب مما كنت عليه، فتاب، وصار من جملة المحبين له. وكان ليلة الختم في شهر رمضان يخطب خاطب في حلقته بالمسجد الجامع، ويدعو بدعاء الختم، وعنده الشيخ أبو الحسن علي بن المسلم، فرماهم بعض من كان خارج الحلقة بحجر، فلم يعرف من هو لكثرة من حضر، فقال الفندلاوي: اللهم اقطع يده. فما مضى إلا يسير حتى أخذ خضير الركابي من حلقة الحنابلة، ووجد في صندوقه مفاتيح كثيرة قد

يوسف بن رباح بن علي بن موسى

أعدها لفتح الأبواب للتلصص، فأمر شمس الملوك بقطع يديه، ومات من ذلك. قتل الفندلاوي رحمه الله يوم السبت السادس من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بالنيرب تحت الربوة. وكان قد خرج مجاهداً للفرنج خذلهم الله وفي هذا اليوم نزلوا على دمشق حماها الله، ورحلوا بكرة يوم الأربعاء الذي يليه بعده أربعة أيام من نزولهم، وكان نزولهم بأرض قينية، وكان رحيلهم لقلة العلوفة، والحذر من العساكر المتواصلة لنجدة أهل دمشق من الموصل وحلب ودفن تحت الربوة على الطريق، ثم نقل إلى مقبرة الباب الصغير، فدفن بها، وكان خروجه إليهم راجلاً. قال أحمد بن محمد القيرواني: رأيت الشيخ الإمام حجة الدين في المنام جالساً في مكانه الذي كان يدرس فيه بالجامع، فأقبلت إليه وقبلت يده، فقبل رأسي، وقلت له: يا مولاي الشيخ، والله ما نسيتك، وما أنا فيك إلا كما قال الأول: من الكامل فإذا نطقت فأنت أوّل منطقي ... وإذا سكتّ فأنت في إضماري فقال لي: بارك الله فيك. ثم قلت له: يا مولاي الشيخ الإمام، أين أنت؟ فقال: في جنات عدن، " على سُرُرٍ متقابلينَ ". يوسف بن رباح بن علي بن موسى ابن رباح بن عيسى بن رباح أبو محمد البصري المعدل من شيوخ الخطيب. قال الخطيب: كان سماعه صحيحاً، ويقال: إنه كان معتزلياً، وأقام ببغداد، ثم خرج إلى الأهواز، فولي القضاء، ومات بها. وبلغتنا وفاته في شعبان من سنة أربعين وأربعمائة.

يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن

قال ابن ماكولا: رباح بفتح الراء والباء المعجمة بواحدة. يوسف بن رمضان بن بندار أبو المحاسن الفقيه الشافعي كان أبوه قرقوبياً من أهل مراغة. وولد يوسف بدمشق، وخرج منها بعد البلوغ إلى بغداد، وتفقه بها. ثم صحب الشيخ أسعد الميهني، وأعاد له بعض دروسه. ثم ولي تدريس المدرسة النظامية ببغداد مدة. وبنيت له مدرسة بباب الأزج، ومدرسة أخرى عند الطيوريين ورحبة الجامع، وانتهت إليه رئاسة أصحاب الشافعي ببغداد في وقته. قال الحافظ ابن عساكر: حضرت مجلسه فلم يكن فيه بالمجيد، فتركته. وكان يناظر مناظرةً حسنة، وكانت فيه صلابة في الاعتقاد. وأرسله الخليفة المستنجد بالله رسولاً، فأدركته وفاته وهو في الرسالة في شوال سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وجاءنا نعيه إلى دمشق فصلي عليه بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب، ولم يخلف بعده في العراق لأصحاب الشافعي رضي الله عنه مثله. يوسف بن الزبير المكي مولى عبد الله بن الزبير ويقال: مولى الزبير وكان رضيع عبد الملك بن مروان، وكان يقرأ الكتب. قال يوسف بن الزبير: إني إلى جنب عبد الملك بن مروان، وهو تحت منبر يزيد بن معاوية، ويزيد يوصي مسلم بن عقبة، وحصين بن نمير، ويتقدم إليهما في قتال ابن الزبير، ويقول:

يوسف بن سعيد بن مسلم أبو يعقوب المصيصي

قاتلاه، ثم قاتلاه، ثم قاتلاه، فإن لجأ إلى الكعبة فخرباها عليه. قال: فرأيت عبد الملك يبكي وهو يقول: يا أمير المؤمنين، اتق الله، ولا تحل حرم الله. قال: فلما انصرفنا قلت له: أنت القائل لأمير المؤمنين كذا وكذا! والله لا يحل حرم الله، ولا يحرق الكعبة غيرك. فقال: أعوذ بالله من هذا، ما أنا وهذا!؟ لا تزال تجيء بالشيء لا أدري ما هو. قلت: أنت والله صاحبها لا يزيد، قال: فوالله ما عبرت أيام قلائل وأنا تحت منبره وهو يعهد إلى الحجاج بن يوسف، ويقول: ائت ابن الزبير فقاتله، ثم قاتله، ثم قاتله. ثم إن لجأ إلى الكعبة فحرقها عليه. قال: قلت: ألا تذكر يوم يزيد؟ فقال: دعني منك، فوالله لقد كان مني يومئذ الجد، وإنه مني الجد. يوسف بن سعيد بن مسلم أبو يعقوب المصيصي قدم دمشق. وكان بالمصيصية، وهو صدوق ثقة. ذكره الدارقطني في باب مسلم بالتشديد. يوسف بن السفر بالسين المهملة وإسكان الفاء ابن الفيض، أبو الفيض، كاتب الأوزاعي ضعفوه، واتهموه بوضع الحديث. وروي عن الأوزاعي أنه نفى مجالسته له. يوسف بن عبد الله بن سلام ابن الحارث أبو يعقوب المدني له رؤية، ولأبيه صحبة. قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ كسرةً من خبز شعير، فوضع عليها تمرةً، وقال:

هذه إدام هذه، فأكلها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أكرم الخلق على ربه. وقال: صحبت أبا الدرداء أتعلم منه، فلما حضرته الوفاة قال: آذن الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، وجئت وقد امتلأت الدار، فقال: أخرجوني، فأخرجناه، قال: أجلسوني، فأجلسناه، فذكر حديثاً. وقال: أتيت أبا الدرداء، وكان في مرضه الذي قبض فيه، فقال لي: يا بن أخي، ما جاء بك إلى هذا البلد؟ قلت: صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام، فقال أبو الدرداء: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام، فصلى ركعتين، أو أربع ركعات، مكتوبة، أو غير مكتوبة، تم فيها الركوع والسجود وفي رواية: يحسن فيهما الركوع والسجود ثم يستغفر الله إلا غفر له. قال ابن سعد: يوسف بن عبد الله بن سلام، وهو رجل من بني إسرائيل، من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم. وكان يوسف ثقةً. قال يوسف بن عبد الله بن سلام: سماني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوسف، وأقعدني في حجره، ومسح برأسي وفي رواية: ومسح على رأسي ودعا لي بالبركة. عن يحيى بن سعيد قال: غدوت مع يوسف بن عبد الله بن سلام في يوم عيد، فقلت له: كيف كانت الصلاة على عهد عمر؟ قال: كان يبدأ بالخطبة قبل الصلاة. كان يوسف بن عبد الله بن سلام ثقةً، ومات في خلافة عمر بن عبد العزيز.

يوسف بن عبد العزيز بن علي

يوسف بن عبد العزيز بن علي ابن عبد الرحمن أبو الحجاج اللخمي الميورقي الأندلسي الفقيه المالكي رحل إلى بغداد، وتفقه بها مدة، وقدم دمشق سنة خمس وخمسمائة، وعاد إلى الإسكندرية، ودرس بها مدة، وانتفع به جماعة. يوسف بن عروة بن عطية السعدي من أهل دمشق، ولي إمرة مكة لمروان بن محمد، ولم يزل عليها حتى جاءت بيعة أبي العباس. يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ابن ابن عم الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل. ولي اليمن لهشام بن عبد الملك، ثم ولاه العراقين. وأقره الوليد بن يزيد. ووفد على الوليد، وطلب أن يضم إليه خراسان، ففعل. وكانت له بدمشق دار بناحية سوق الغزل العتيق. بلغني أن يوسف بن عمر كان قد أخذ مع آل الحجاج ليعذب، ويطلب منه المال، فقال: أخرجوني أسأل، فدفع إلى الحارث بن مالك الجهضمي يطوف به، وكان مغفلاً، فانتهى إلى دار لها بابان، فقال له يوسف: دعني أدخل هذه الدار، فإن فيها عمة لي أسألها، فأذن له، فدخل، وخرج من الباب الآخر، وهرب، وذلك في خلافة سليمان بن عبد الملك. قال خليفة: ولى هشام اليمن يوسف بن عمر الثقفي، فقدمها لثلاث بقين من شهر رمضان سنة ست ومائة، فلم يزل والياً حتى كتب إليه في سنة عشرين ومائة بولايته على العراق،

فسار واستخلف ابنه الصلت بن يوسف، ثم ولاها أخاه القاسم بن عمر، فلم يزل والياً حتى مات هشام. قال: وجمع هشام العراق ليوسف بن عمر الثقفي سنة عشرين ومائة. قال الليث: في سنة عشرين ومائة نزع خلد بن عبد الله القسري وأمر يوسف بن عمر على أهل العراق. قال الأصمعي: ثم قام يزيد بن عبد الملك، فعزل يوسف، وولى منصور بن جمهور. قال البخاري: كانت ولاية يوسف بن عمر سنة إحدى وعشرين ومائة إلى سنة أربع وعشرين ومائة. عن عوانة الكلبي قال: لم يؤيد الملك بمثل كلب، ولم تقل المنابر بمثل قريش، ولم تطلب الترات بمثل تميم، ولم ترع الرعايا بمثل ثقيف، ولم تسد الثغور بمثل قيس، ولم تهج الفتن بمثل ربيعة، ولم يجب الخراج بمثل اليمن. قال يوسف بن عمر في خطبته: أتقوا الله عباد الله، فكم من مؤمل ما لا يبلغه، وجامع ما لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه. ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراماً، وورثه عدواً، واحتمل إصره، وباء بوزره، وقدم على ربه أسفاً قد خسر الدنيا والآخرة. قال أبو بكر بن عياش: بعث يوسف بن عمر إلى ابن أبي ليلى يستقضيه على الكوفة، وكانوا لا يولون على

القضاء إلا عربياً، فقال: عربي أو مولى؟ فقال: أصابتنا يد في الجاهلية، فقال: لو كذبتني في نفسك صدقتك في غيرك، لم تزل العب يصيبها هذا في الجاهلة، فقد وليتك القضاء بين أهل الكوفة، وأجريت عليك مائة درهم في الشهر، فاجلس لهم بالغداة والعشي، فإنما أنت أمين للمسلمين. قال يوسف بن عمر لأعرابي ولاه عملاً: يا عدو الله، أكلت مال الله! فقال له: فمال من آكل منذ خلقت إلى الساعة؟ والله لو سألت الشيطان درهماً واحداً ما أعطانيه! عن خالد بن سعيد قال: جاءت امرأة إلى يوسف بن عمر الثقفي، فقالت: إن ابناً لي يعقني، قال: ويفعل ذلك؟ قالت: نعم. فقال لحرسيين على رأسه: انطلقا معها حتى تأتيا به. فخرجا معها. فقيل للمرأة: ويحك! أهلكت ابنك، إن الأمير يقتله. وندموا على ما فعلت. فلقيت عبادياً أشقر أزرق، فقالت للحرسيين: خذاه، فإنه ابني! فأخذا بضبعيه، فقالا: يا عدو الله، أجب الأمير، قال: بأي جرم؟ قالا: تعق أمك، قال: إنها ليست لي بأم، فقالا: كذبت. وأدخلاه على يوسف، فلما نظر إليه قال: شقا عنه. وضربه مائة سوط، ثم قال: لا تخرج بها إلا على عنقك. فحمل المرأة على عنقه، فخرج بها؛ فلقيه عبادي آخر، وهي على عنقه، فقال: فلان، ما هذه ويلك! قال: هذه أمي رزقنيها السلطان. وخشيت المرأة أن يفطن بها، فنزلت، وأنسلت، ومضى العبادي بأسوأ ما يكون من الحال. قال المدائني: ثم قدم يوسف بن عمر على العراق، فكان يطعم كل يوم على خمسمائة خوان، وكانت مائدته وأقصى الموائد سواء، يتعهد ذلك ويتفقده.

قال بشر بن عيسى: حدثني أبي قال: ازدحم الناس عشية في دار يوسف، وهم يتعشون، فدفع رجل من أهل الشام رجلاً بقائم سيفه. ورآه يوسف فضربه مائتين، وقال: يا بن اللخناء، تدفع الناس عن طعامي!؟ ودخل عبد أسود مقيد دار يوسف، والناس يأكلون، فدفعه رجل، ونظر إليه يوسف، فصاح به: دعه. فجلس يأكل مع الناس. ودعا بالأسود حين فرغوا، فأمر بحل قيده، وأمر رجلاً أن يشتريه، وقال للأسود: إن باعك مولاك فأنت لنا، وإن لم يرد بيعك فاحضر طعامنا كل يوم. وانطلق الرجل مع المقيد، فاشتراه، فأعتقه يوسف. وقال الحجاج: حضرت طعام يوسف، فكنت أعتذر، فقال: يا حجاج، كل كما تأكل الرجال، قلت: إن غلامي جاءني بحبارى قد صاده، فأكلت منه، فقال للحاجب: لا أرى وجهه! فحجبت. وكلمت غير واحد ليشفع لي، فلم أكلم أحداً إلا قال: لا أتعرض ليوسف. فرفعت قصةً، وقعدت في أصحاب الحوائج، فلما دنوت قال: ما فعل الحبارى؟ قلت: لا آكل حبارى أبداً. فقال للحاجب: أعده كما كان. قال: فكنت أتجوع، وأحضر طعامه، فإذا رآني آكل ضحك. لما قدم يوسف بن عمر العراق، فأتاهم خبره بخراسان بكى أبو الصيداء صالح بن طريف، فاشتد بكاؤه، وقال: هذا الخبيث، شهدته ضرب وهب بن منبه حتى قتله. قال محمد بن جرير: قيل إن يزيد بن الوليد دعا مسلم بن ذكوان، ومحمد بن سعيد بن مطرف الكلبي، فقال لهما: إنه بلغني أن الفاسق يوسف بن عمر قد صار إلى البلقاء، فانطلقا فأتياني به. فطلباه فلم يجداه، فرهبا ابناً له، فقال: أنا أدلكما عليه؛ إنه انطلق إلى مزرعة له على ثلاثين ميلاً، فأخذها معهما خمسين رجلاً من جند البلقاء، فوجداه. وكان جالساً، فلما

أحس بهم هرب وترك بغلته، ففتشا، فوجدا نسوةً ألقين عليه قطيفة خز، وجلسن على حواشيها حاسرات، فجروا برجله، فجعل يطلب إلى محمد بن سعيد أن يرضي عنه كلباً، ويدفع إليه عشرة آلاف دينار، ودية كلثوم بن عمير، وهانئ بن بسر. فأقبلا به إلى يزيد، فلقيه عامل لسليمان على نوبة من نوائب الحرس، فأخذ بلحيته، فهزها، ونتف بعضها وكان من أعظم الناس لحيةً، وأصغرهم قامة فأدخلاه على يزيد، فقبض على لحية نفسه وإنها حينئذ لتجوز سرته وجعل يقول: نتف والله، يا أمير المؤمنين، لحيتي، فما بقي منها شعرة. فأمر به يزيد، فحبس في الخضراء، فدخل عليه محمد بن راشد، فقال: أما تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت، فيلقي عليك حجراً، فيقتلك؟ قال: لا والله، ما فطنت لهذا، فنشدتك الله ألا كلمت أمير المؤمنين في تحويلي إلى محبس غير هذا، وإن كان أضيق منه. فأخبرت يزيد، فقال: ما غاب عنك من حمقه أكثر، وما حبسته إلا لأوجه به إلى العراق، فيقام للناس، وتؤخذ المظالم من ماله، ودمه. قال أبو هاشم مخلد بن محمد: أرسل يزيد بن خالد القسري مولى لخالد يكنى أبا الأسد في عدة من أصحابه، فدخل السجن، فأخرج يوسف بن عمر، فضرب عنقه. وذكر أن ذلك كان في سنة سبع وعشرين ومائة. قال خليفة: وهو ابن نيف وستين سنةً.

يوسف بن عمرو الشعيثي

يوسف بن عمرو الشعيثي ثم النصري من بني نصر بن معاوية رهط أبي زرعة شاعر له ذكر في حرب أبي الهيذام. قال يوسف بن عمرو الشعيثي: من الوافر إذا خطرت هوازن عن يميني ... وذبيان الغطارف عن يساري وناديت القبائل من معدٍّ ... رأيت الأرض ترجف من حذاري وأعطتني المقادة كلّ أرض ... على قسرٍ وذلّت لاقتساري وما ركب المطايا عن عريبٍ ... كهذا الحيّ فأعلم من نزار وقال: من الرجز يا قيس عيلان بني الأحماس ... وعصمة الناس غداة الباس كواشر الأنياب والأضراس ... كشر الأسود في وجوه الناس يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس ابن سوار أبو بكر الميانجي الشافعي الفقيه قاضي دمشق، ولي القضاء بها نيابة عن القاضي أبي الحسن علي بن النعمان، قاضي نزار الملقب بالعزيز، وكان بينه وبين أبي عبد الله محمد بن الوليد القاضي منازعات في ولاية القضاء، وكان شيوخ المدينة يميلون مع الميانجي، والأحداث يميلون مع ابن الوليد. توفي في شعبان سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ومولده قبل التسعين والمائتين. وكان ثقةً نبيلاً مأموناً. انتقى عليه عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ.

يوسف بن محمد بن عروة بن محمد بن عطية

يوسف بن محمد بن عروة بن محمد بن عطية ويقال: يوسف بن عروة السعدي من أهل دمشق. كان والياً ببعلبك. ثم ولاه مروان بن محمد مكة والمدينة والطائف. يوسف بن محمد بن مقلد بن عيسى أبو الحجاج التنوخي، المعروف بابن الجماهري وتكنى بعد أبا الفتح، ويعرف بابن بنت الدونقي قال الحافظ ابن عساكر: رحل إلى بغداد وأنا بها، واستوطن بغداد، وتصوف. وكان يناظر في مسائل الخلاف، ويعقد المجلس للتذكير، ويتردد من بغداد إلى الموصل للوعظ. ثم رجع إلى دمشق في آخر عمره، وهو مريض بعلة الاستسقاء، فعدته في المنزل الذي كان فيه، فقرأ لابني أبي الفتح ثلاثة أحاديث من حفظه. وقال لنا في مرضه الذي مات فيه: أنا أبرأ إلى الله من اعتقاد التشبيه. ومات في صفر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة. يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي ابن أخي الحجاج بن يوسف. كان خال الوليد بن يزيد، فلما أفضى الأمر إليه ولاه مكة، والمدينة والطائف سنة خمس وعشرين ومائة. وحج بالناس في هذه السنة.

يوسف بن ماهك المكي الفارسي

قال خليفة: كتب الوليد إلى إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، وهو والي مكة لهشام بن عبد الملك، فقدم عليه، واستخلف على المدينة محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. فعزله الوليد، وجمعها ليوسف بن محمد بن يوسف مع مكة والطائف حتى قتل الوليد. قال يعقوب بن سفين: فلما ثارت الفتنة، وبايع أهل الآفاق ليزيد بن الوليد نزع يوسف بن محمد عن المدينة، فاستعمل عليها عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. وقد قيل: افتعل كتاباً فولي المدينة. يوسف بن ماهك المكي الفارسي وقيل: إنه يوسف بن مهران حضر وفاة عمر بن عبد العزيز، وقال: بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا رق من السماء فيه مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار. قال يوسف بن ماهك: إني عند عائشة أم المؤمنين إذ جاء رجل، فقال لها: يا أم المؤمنين، أرني مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنا نقرؤه عندنا غير مؤلف. قالت: وما يضرك أيه قرأته قبل؟ قال: فأخرج له المصحف، فأمللت أنا عليه السور يقول ابن جريج.

يوسف بن مكي بن علي بن يوسف

قال خليفة: يوسف بن ماهك من الأبناء. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. قال الحافظ أبو القاسم: فرق ابن سعد بين يوسف بن ماهك، ويوسف بن مهران، فجعلهما ترجمتين، فذكر ابن ماهك في المكيين، وذكر ابن مهران في البصريين والله أعلم. قال يعقوب بن سفيان: يوسف بن ماهك ويوسف بن مهران واحد، شعبة يقول: ابن ماهك، وحماد بن سلمة يقول: ابن مهران. وقال: يوسف بن ماهك من أهل مكة، رجل جليل. قال ابن عياش: لم يكن بعد أصحاب عبد الله بن مسعود أفقه من أصحاب ابن عباس. فكان منهم: يوسف بن ماهك. مات ابن ماهك سنة عشر، أو ثلاث عشرة، أو أربع عشرة، ومائة. وثقه يحيى. يوسف بن مكي بن علي بن يوسف أبو الحجاج الحارثي الفقيه الشافعي إمام جامع دمشق. كان أبوه حائكاً من أهل الباب الشرقي. ونشأ يوسف من صباه نشأ حسناً، فحفظ القرآن، وقرأه بروايات، وتفقه مدة طويلة عند الفقيه أبي الحسن السلمي. ثم رحل إلى بغداد، فسمع بها أبا طالب الزينبي. قال الحافظ: علقت عنه شيئاً يسيراً، وكان ثقةً مستوراً. وكان قد نصب للإمامة في جامع دمشق

يوسف بن موسى بن عبد الله

بعد موت أبي محمد بن طاوس في المحرم سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وكان قبل ذلك يؤم في مسجد العميد بن الجسطار بالباب الشرقي مدةً، ثم انتقل إلى إمامة الجامع. وكان قد كتب كتباً كثيرة من كتب العلم في الأصول والفروع. وكان إذا غاب خلفه أبو القاسم العمر الفارسي الصوفي. ولما عزم الناس على الحج سنة خمس وخمسين كان عندي في يوم عيد الفطر، فجرى ركب الحج، فقال: لو استفتيت لأفتيت، إن الخروج إلى الحج في هذا العام معصية لقلة الماء في الطريق. فما مضت إلا أيام حتى عزم على الحج، وقال: أمضي، فلعلي أموت في الطريق، فكان كما توقع في نفسه. توفي يوسف صبيحة يوم السبت السادس من صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة عند مرجعه من الحج، ودفن من يومه. يوسف بن موسى بن عبد الله ابن خالد بن حمول بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم أبو يعقوب المروروذي من أعيان محدثي خراسان، والمشهورين بالطلب والرحلة. سافر إلى العراق، والحجاز، والشام، ومصر. وكان ثقة. توفي بمروروذ منصرفه من الحج سنة ست وتسعين ومائتين. يوسف بن الهيذام بن عامر ابن عمارة بن خريم أبو عامر المري كان شيخاً صالحاً. مات ببيروت مرابطاً في سنة تسع عشرة وثلاثمائة. يوسف بن يعقوب أبو عمرو النيسابوري قال ابن يونس: قدم مصر وحدث بها سنة تسعين ومائتين.

يوشع بن نون بن أفرائيم

يوشع بن نون بن أفرائيم ابن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام وهو فتى موسى بن عمران صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والخليفة بعده على أمته. ورد مع موسى أرض كنعان بالبلقاء من نواحي دمشق. وبلغني أن يعقوب دعا لجده أفرائيم ولذريته، فولد له نون بن أفرائيم، وولد لنون يوشع بن نون. قال محمد بن إسحاق: وهو فتى موسى الذي كان معه، صاحب أمره، نبأه الله عز وجل في زمن موسى، وكان بعده نبياً. وهو الذي افتتح أريحا، وقتل من بها من الجبابرة، واستوقف الشمس في يومه الذي فتح الله له فيه، لبقية بقيت من الجبابرة، ليستأصلهم، خشي أن يحول الله بينه وبين ذلك، فوقفت له الشمس بإذن الله عز وجل حتى استأصلهم. ثم خلف بعد موسى على بني إسرائيل بأمر الله عز وجل يقيم فيهم التوراة، وأحكام الله التي حكم بها فيهم. عن عمرو بن ميمون الأزدي في قوله تعالى: " وإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ فأنجيناكم "، قال: لما أتى موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت. ففعل ذلك ثلاث مرات، وأوحى الله إلى موسى: " أَنِ أضْرِبْ بعَصَاكَ البحرَ "، فضربه، فانفلق، ثم سار موسى ومن معه، فأتبعهم فرعون في طريقهم، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم. فذلك قوله: " وأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وأنتمْ تَنْطُرُون ".

قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً، حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل، فقال: يا رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، فأوحى الله إليه: إن لي عبداً أعلم منك، قال: أي رب، وأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: يا رب، اجعل لي علماً أعلم ذلك به، قال: خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ الله فيه الروح وفي رواية: حيث يفارقك الحوت فذاك قوله تعالى: " وإذْ قال موسى لفتاه " يوشع بن نون. فبينا هو في ظل صخرة إذ تضرب الحوت وموسى نائم، قال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عليه جرية البحر حتى كان أثر في حجر وحلق إبهاميه واللتين تليانهما " لقد لَقِينا مِنْ سَفَرنا هذا نَصَبَا "، قال: قد قطع الله عنك النصب، وأخبره، فرجعا، فوجدا خضراً على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضك من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني مما علمت وذكر الحديث. عن الحسن قال: إن الله لم يقبض موسى حتى أحب الموت؛ وذلك أنه لم يكن في الأنبياء أكرم، ولا أهيب، ولا أعظم عنده من موسى، فأراد الله أن يحبب الموت إلى موسى، ويزهده في الحياة بتحويل النبوة عنه. عن محمد بن كعب القرظي أنه حين حولت النبوة إلى يوشع أحب موسى الموت، فكان يغدو ويروح يوشع على

موسى، فيقول له موسى: يا نبي الله، أحدث الله إليك اليوم شيئاً؟ فيقول يوشع: يا صفي الله، صحبتك كذا وكذا سنة، فهل سألتك عن شيء يحدث الله إليك حتى تكون أنت تبديه لي؟ فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحب الموت. عن عطاء: أوحى الله إلى موسى بن عمران أن يوشع هو القائم على الناس بعدك، فقال: يا رب، أزرع أنا، ويحصد يوشع؟ أأرعى أنا الغنم، حتى إذا صلحت واستوت صارت إلى يوشع؟! فقال الله له: إن أيام يوشع مخرجتك من الدنيا، فقال: يا رب، فأنا أكون ممن قبل يوشع، فقيل له: فاصنع به كما كان يصنع بك، فقال: نعم. وكان من رسم يوشع أن ينبه موسى للصلاة، فجاء موسى إلى باب يوشع، فقال: يا يوشع، فضرب الله على أذنه، فلم ينتبه، وجعل بنو إسرائيل يمرون على موسى، فقال: يا رب، مائة موتة أهون من ذل ساعة. وانتبه يوشع، فلما رأى موسى فرح وقال: يا نبي الله، أنت واقف ها هنا؟! ومضى موسى إلى الجبل، واتبعه يوشع، فجعل موسى يوصيه: اصنع ببني إسرائيل كذا، وافعل كذا. ثم قال له: ارجع، قال: فخلع موسى نعليه، فرمى بهما، فقال: جئني بنعلي، فذهب ليجيء بهما، فأرسل الله نوراً حال بين يوشع وموسى، فلم يصل إليه، فرجع يوشع إلى بني إسرائيل، فأخبرهم، فجاؤوا إلى الموضع من الجبل فإذا موسى قد قبض، وقد وضعت الحجارة عليه. عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان قبل موت موسى انقطع الوحي عنه، ونزل جبريل إلى يوشع. قال: وكان إذا خرج موسى إلى البيعة إلى الحكم بين بني إسرائيل توكأ على يوشع، فإذا جلس في البيعة قام يوشع على رأسه. قال: فلما نزل الوحي إلى يوشع، وخرج إلى البيعة للحكم بين بني إسرائيل توكأ على موسى، فلما أن دخل البيعة للحكم بينهم قام موسى على رأسه. قال: فقال موسى: يا رب، إني لا أطيق هذا الذل كله، فاقبضني إليك.

عن ابن عباس قال: لما أمر موسى بالمسير إلى قرية الجبارين، واسمها أريحا، فلما دنا منها بعث اثني عشر رجلاً من أصحابه رؤساء اثني عشر سبطاً، فلما دخلوا قرية الجبارين دخل منهم رجلان حائط رجل من الجبارين، فجاء، فدخل الحائط، فأبصر آثارهما، فأتبعهما حتى أخذهما، فجعلهما في كميه، ثم دخل بهما على ملكهم، فنثرهما، فلما رآهما ملك الجبارين قال: اذهبوا فاجهدوا علينا! فخرجوا حتى أتوا موسى، فأخبروه، فقال: اكتموا علينا. فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه وصديقه ويقول: اكتم علي. فأشعر ذلك في عسكرهم، ولم يكتم منهم إلا رجلان: يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وهما اللذان أنزل الله فيهما: " قال رَجُلانِ مِنَ الذين يخافونَ أَنْعَمَ اللهُ عليهما ". فقال أصحاب موسى: لسنا نقاتلهم، " فاذهبْ أنتَ وربُّك فقاتلا إنَّا ها هنا قاعدون "، فنزل: " فإنَّها مُحَرَّمةٌ عليهم أربعينَ سنةً يَتِيهون في الأرض "، فتاهوا أربعين سنة، فهلك موسى وهارون في التيه، وكل من جاوز الأربعين، فلما مرت الأربعون ناهضهم يوشع بن نون، وهو الذي قام بالأمر من بعد موسى، وهو الذي أفتتحها، وهو الذي قيل له: إن اليوم يوم الجمعة، فهموا بافتتاحها، ودنت الشمس للغروب، فخشي إن دخلت عليه ليلة السبت أن يسبتوا، فنادى الشمس: إني مأمور. وإنك مأمورة، فوقفت حتى افتتحها. قال: فوجدوا فيها من الأموال ما لم يروا مثله، فقربوه للنار فلم تأكله، فقال أفيكم غلول، فدعا رؤساء الأسباط، وهم اثنا عشر رجلاً، فبايعهم، فالتصقت يد رجل منهم بيده. فقال: الغلول في أصحابك، فبايعهم كما بايعت، فمن التصقت يده بيدك فالغلول عنده؛ فبايعهم، فالتصقت يده بيد رجل منهم، فقال: الغلول عندك، فأخرجه، فأخرج رأس بقرة من ذهب، لها عينان من ياقوت، وأسنان من لؤلؤ مرصعة فقرب مع القربان، فأتت النار، فأكلته. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الشمس لم تحبس على بشر إلا يوشع ليالي سار إلى بيت المقدس

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن نبياً من الأنبياء قاتل مدينةً، حتى إذا كاد أن يفتحها، وخشي أن تغرب الشمس فقال لها: أيتها الشمس، إنك مأمورة، وإني عبد مأمور، عزمت عليك لما ركدت علي ساعةً من النهار. قال: فحبسها الله عليه حتى فتح المدينة. وكانوا إذا أصابوا غنائم قربوها للقربان، فجاءت نار، فأكلتها، فلما أصابوا، وضعوا، فلم تجئ النار تأكلها، فقالوا: يا نبي الله، مالنا لا يتقبل منا قرباننا؟ قال: فيكم غلول، قالوا: يا نبي الله، وكيف نعلم عند من الغلول وهم اثنا عشر سبطاً؟ قال: يبايعني رأس كل سبط. فلصق كفا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكف رجل منهم، فقال: عندك الغلول؟ فقال: نعم عندي، قال: ما هو؟ قال: رأس ثور من ذهب، أعجبني، فغللته. قال: فجاء به، فوضع مع الغنائم، فجاءت النار، فأكلته. فقال كعب: صدق الله ورسوله، هكذا والله في الكتاب يعني التوراة. ثم قال: يا أبا هريرة، حدثكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي نبي كان؟ قال: لا، قال كعب: هو يوشع بن نون، فتى موسى. فحدثكم أي مدينة هي؟ قال أبو هريرة: لا، قال كعب: هي مدينة أريحا. وفي رواية قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جاهد نبي من الأنبياء مدينة عليها سبعة أسوار، فافتتح ستةً، وبقي سور منها، ودنت الشمس أن تغرب، فقال: اركدي يا شمس، فإنك مأمورة، فركدت حتى افتتحها. وكان إذا افتتح قريةً أخذ الغنائم فوضعها، فجاءت نار بيضاء، فأخذته، فعمد إلى الغنائم، فوضعها، فلم تأت النار، فقال: فيكم غلول. وكان معه اثنا عشر سبطاً، فبايع رؤوسهم، وقال: اذهبوا أنتم، فبايعوا أصحابكم، فمن لصقت يده بيد أحد منكم فليأت به، فذهبوا، فبايعوا، فالتصقت يده بيد رجلين، فاعترفا، وقالا: عندنا رأس ثور من ذهب. عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: لما أسري برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير، قالوا: فمتى تجيء، قال: يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون قد ولى النهار ولم تجئ، فدعا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزيد له في النهار ساعةً، وحبست الشمس، فلم ترد

الشمس على أحد إلا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ، وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم، ويدخل السبت، فلا يحل له قتالهم فيه، فدعا الله فرد له الشمس حتى فرغ من قتالهم. قال كعب: وكان الله كسا هارون قباء فيه اثنا عشر علماً كهيئة الكواكب، لكل سبط منهم علم، فإذا غل أحد من الأسباط تحول علم ذلك السبط عن نوره، فصار مظلماً، فيعلم أن سبط فلان قد غل. وكان ذلك القباء مع يوشع، فلما كان يوم أريحا ردت رايته، وانهزم أصحابه، وكانوا إذا غلو انهزموا. فدعا بالقباء، فنظر، فإذا علامة منها قد تغيرت، فدعا رأس ذلك السبط، فقال: ما حملكم على أن غللتم؟ قال: فطلبوا الرجل الذي غل، فأصابوه، فإذا قطيفة قد غلها، فأحرقوه وإياها بالنار. وقال غير كعب: أحرق القطيفة وكانت منسوجة بالذهب والدر، فأوحى الله إليه أن ضع الكمين وشد عليهم، فإن الله يكفيكهم. قال: فهو أول من وضع الكمين. وفتح الله عليهم، ودخلوا، فأوحى الله إلى يوشع أن اقتل جبابرتها، ولا تستبق منهم أحداً، ففعل، وأقام أربعين سنة حتى فتحت لهم بلاد الشام، وفتح يوشع إحدى وثمانين مدينة، ثم انصرف إلى بلادهم وأرضهم التي كانت وراثة آبائهم التي كتبها الله لهم، وهي الأرض المقدسة، آمنين على أنفسهم. ورفعت الحرب عن بني إسرائيل، فلبثوا أربعين سنة يوشع بين أظهرهم، وهم أحسن ما كانوا هيبة في جميع حالاتهم. قيل لعلي بن أبي طالب: هل كان للنجوم أصل؟ قال: نعم، كان نبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون، قال له قومه: لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجاله. فأوحى الله إلى غمامة، فأمطرتهم. واستنقع على الجبل ماء صاف. ثم أوحى إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثم أوحى إلى يوشع أن يرتقي هو وقومه إلى الجبل، فارتقوا، فأقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر والنجوم، وساعات الليل والنهار، فكان أحدهم يعلم متى يموت، ومتى يمرض، ومن الذي يولد له، ومن

الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثم إن داود قاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله، فكان يقتل من أصحاب داود، ولا يقتل من هؤلاء أحد. فدعا داود الله، فحبست الشمس عليهم، فزاد في النهار، فاختلطت الزيادة بالليل والنهار، فلم يعرفوا قدر الزيادة، فاختلط عليهم حسابهم. قال علي: فمن ثم كره النظر في علم النجوم. عن الوضين بن عطاء قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك مائة ألف، وأربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم. قال: يا رب، تهلك شرارهم، فما بال خيارهم؟ قال: إنهم يدخلون على الأشرار فيؤاكلونهم، ويشاربونهم، ولا يغضبون لغضبي. قال إسحاق بن بشر ثم قسم يوشع الأرض المقدسة، وما غلب عليه من الأسباط من بني إسرائيل، وقتل يوشع من ملوك بني كنعان أحداً وثلاثين ملكاً من سبعة أسباط، وكان على العماليق السميدع بن هزبر، فقتل، فقال الشاعر في ذلك: من الطويل ألم تر أنّ العملقيّ بن هزبرٍ ... بآية أمسى لحمه قد تمزّعا تداعى عليه من يهود قبائلٌ ... ثمانون ألفاً حاسرين ودرّعا ثم مات يوشع بن نون، واستخلف كالب بن يوفنا قال أبو جعفر الطبري: كان عمر يوشع بن نون مائة سنة، وستاً وعشرين سنة، وتدبيره أمر بني إسرائيل قبل أن يتوفى موسى إلى أن توفي يوشع سبعاً وعشرين سنة. وقال غير أبي جعفر: دبر يوشع أمر بني إسرائيل إحدى وثلاثين سنة، ومات وله مائة وعشر سنين، ودفن في جبل كنعان.

ذكر من اسمه يونس من الرجال

ذكر من اسمه يونس من الرجال يونس بن إبراهيم أبو الخير أظنه من أهل همذان. قدم الشام. وحكى عن راهب لقيه عند قبر شيث بالبقاع، وقال له: عظني، فقال الراهب: كل أنس دون الله وحشة، وكل طمأنينة بغير الله دهشة، وكل نعيم دون دار القرار زائل، وكل شيء سوى الله باطل. ثم قال: ثلاث بثلاث لا يدركن: الغنى بالمنى، والشباب بالخضاب، والصحة بالأدوية. يونس بن رطاجة ولي إمرة دمشق في خلافة المتوكل. يونس بن سعيد بن عبيد ابن أسيد بن عمرو بن علاج الثقفي الطائفي شاعر. كان أبوه سعيد مولى زياد بن عبيد، وهبه له الحارث بن كلدة مولى أمه سمية. قال المدائني: قدم يونس بن سعيد على معاوية وزياد على البصرة وكانت العرب تأنف إذا ادعي مولاهم فقال: يا أمير المؤمنين، ادعيت مولاي! فقال معاوية: يا بن سعيد، اتق الله، لا أتطير بك طيرةً بطيئاً وقوعها، قال: يا أمير المؤمنين، أفليس بي وبك المرجع إلى الله بعد؛ قال: بلى، فاستغفر الله، والحق بزياد بالعراق، فذاكره بما شئت. فقدم يونس البصرة، فنزل على عبد الله بن الحارث الكوسج، فأعلم زياداً بمكانه، فدعا به، فكلمه

خالياً، وأمر له بمائة ألف، وقال: اشخص إلى بلدك، فأبى، فأرسل زياد إلى الكوسج: أخرجه عنك، فإنه إن بلغني بعد ثالثة أنه عندك، أو بالبصرة قتلتك! فأخرجه، ولم يعطه شيئاً، فقال: رجز رجعن من عند زيادٍ خيّبا ... سواهماً ونصّباً ولغّباً قد كان يدعي لعبيد حقبا ... حتّى إذا العبد عثا واختضبا صار أبو سفيان للعبد أبا ... فأصبح العبد تبوّا منصبا وكان صفراً فتحول ذهبا وروي هذا الشعر لعبد الرحمن بن أم الحكم وقال يونس بن سعيد: من الطويل وقائلةٍ إمّا هلكت وقائلٍ ... قضى ما عليه يونس بن سعيد قضى ما عليه ثم ودع ماجداً ... وكلّ فتى سمح الخلائق يودي عن أبي غسان: لما بلغ يونس بن سعيد الذي كان من أمر زياد قدم على معاوية، وكلمه، وقال: يا أمير المؤمنين، إن زياداً كان عبداً لأختي فهيرة، فأعتقته، وهو مولاي، وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. فقال له معاوية: هل تركت الشرب في الدباء بعد؟ إن زياداً ليس لك بمولى، هو ابن أبي سفيان. فألح عليه يونس حتى كلمه على المنبر.

يونس بن أبي شبيب الرقي

يونس بن أبي شبيب الرقي وفد على عمر بن عبد العزيز. قال: سألت طاوساً عن مسألة، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الجزيرة، فقال: إذا كانت الوقعة بين الرقتين كانت الصيلم والفيصل. وقال: شهدت عمر بن عبد العزيز في بعض الأعياد، وقد جاء أشراف الناس حتى حفوا بالمنبر، وبينهم وبين الناس فرجة، فلما جاء عمر، وصعد المنبر سلم عليهم، فلما رأى أومأ إلى الناس أن تقدموا، فتقدموا حتى اختلطوا بهم. وقال: رأيت عمر بن عبد العزيز قبل أن يلي الخلافة، وإن حجزة إزاره غائبة في عكنه، ثم رأيته بعدما ولي الخلافة، ولو شئت أن أعد أضلاعه من بعد لعددتها. وفي رواية: شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت، وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه، ثم رأيته بعدما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت. يونس بن عبد الرحيم بن سعد ويقال: ابن أيوب العسقلاني قال أبو سعيد بن يونس: هو من أهل عسقلان. قدم مصر، وحدث بها سنة سبع وعشرين ومائتين. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: كان قدم بغداد، فتكلمو فيه، وليس بالقوي. قال عبد الخالق بن منصور: سألت يحيى بن معين عن يونس بن عبد الرحيم العسقلاني، فقال: لا أعرفه، فقلت له: إن بعض أصحاب الحديث يزعمون أنك قد ذهبت إليه، وكتبت عنه، فقال:

يونس بن محمد بن يونس بن محمد

كذبوا، لا والله، ما رأيته قط، ولا أعرفه؛ ولكن قدم علينا رجل، فزعم أن أهل بلده يسيئون فيه القول. يونس بن محمد بن يونس بن محمد أبو نصر الأصبهاني المقرئ نزيل بيت المقدس. مات سنة إحدى وستين وأربعمائة. يونس بن متى ذو النون نبي الله ورسوله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. كان من أهل الشام، من أعمال بعلبك. قيل إنه مات وهو صغير، فسألت أمه نبي الله إلياس عليه السلام، فدعا الله، فأحياه، ولم يكن لها غيره. ونبئ يونس وله أربعون سنةً، وكان من عباد بني إسرائيل، فهرب بدينه من الشام، ونزل شاطئ دجلة، فبعثه الله إلى أهل نينوى. قال إسحاق بن بشر بأسانيده: كان يونس عبداً صالحاً، لم يكن في الأنبياء أحد أكثر صلاةً منه، كان يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة قبل أن يطعم، وقلما كان يطعم من دهره. وكان يصلي كل ليلة قبل أن يأخذ مضجعه ثلاثمائة ركعة، وقلما كان يتوسد الأرض. فلما أن فشت المعاصي في أهل نينوى، وعظمت أحداثهم بعث إليهم. عن الحسن قال: كانت العجائب في بني إسرائيل، ولا يموت نبي حتى يبعث الله نبياً مكانه. وإنها كانت تكون فيهم الأنبياء الكثيرة.

قال ابن منبه اليماني: إن للنوبة أثقالاً ومؤونةً لا يحملها إلا القوي، وإن يونس بن متى كان عبداً صالحاً، وكان خلقه ضيقاً، فلما حملت عليه النبوة تفسح تحتها تفسخ الربع تحت الحمل، فرفضها من يده، وخرج هارباً، فقال الله تعالى لنبيه: " فأصْبِرْ كَمَا صَبَر أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ "، وقال: " فأصْبِرْ لحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُنْ كصاحِبِ الحُوتِ إذ نَادَى وهو مَكْظُوم ". قال علي بن عاصم: قال بعض أصحابنا: بلغني أن يونس عليه السلام كان في خلقه ضعف، والنبوة لها ثقل، فأتاه جبريل وهو قائم يصلي في المسجد، فقذفها عليه، فتفسخ تحتها. عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا ينبغي لأحد أن يقول: إني خير من يونس بن متى. عن شهر بن حوشب قال: كان يونس بن متى رجلاً من بني إسرائيل، وكان قلما رئي ساعةً تحل فيها الصلاة إلا وجد يصلي، فأتاه الرسول، فوجده يصلي في المسجد ببيت المقدس، فانفتل إليه، فقال له: إن الله يأمرك أن تأتي أهل نينوى، فتدعوهم إليه، قال: إلى أهل المدرة السوء؟ قال: نعم. فجعلت نفسه تأبى، فعاد الرسول إليه، فوجده قائماً يصلي في

المسجد، فأعاد عليه الرسالة، قال: إنما آتيهم مشياً، فأخرج إلى السوق، فاشتري حذاءً. فنهض عنه الرسول. وأبت نفسه، وجعل يقول: أولئك يجيئوني، كانوا عند بني إسرائيل أخبث أهل الأرض، لأنهم كانوا أول من غزا بيت المقدس، وقتلوا وحرقوا. فعاد إليه الرسول، فوجده قائماً يصلي في المسجد. فاستحثه، فخرج مغاضباً، وأتى البحر، فوجد سفينةً فذكر ركوبه فيها، والتقام الحوت إياه. عن ابن عباس في قوله تعالى: " إذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً "، قال: عبد أبق من ربه. ثم اجتباه. وعنه في قوله: " فَظَنَّ أَنْ لن نَقْدِرَ عليه "، يقول: ظن ألا يأخذه العذاب الذي أصابه وفي رواية: غضب على قومه، فظن أن لن نقضي عليه عقوبة، ولا بلاءً فيما صنع بقومه في غضبه عليهم، وفراره. وعن مجاهد: فظن أن لن نقدر عليه؛ أن لن نعاقبه بذنبه. وعن قتادة في قوله تعالى: " فساهَمَ، فكان من المُدْحَضِين "، قال: احتبست السفينة، فعلم القوم أنها احتبست من حدث أحدثه بعضهم، فتساهموا، فقرع يونس، فرمى بنفسه، " فالتَقَمَه الحوتُ وهو مُلِيم "، قال: وهو مسيء فيما صنع، " فلَوْلا أنَّه كان مِنَ المُسَبِّحين "، قال: كان كثير الصلاة في الرخاء، ناجاه. عن الحسن: أن يونس كان مع نبي من أنبياء بني إسرائيل، فأوحى الله إليه أن ابعث يونس إلى أهل نينوى يحذرهم عقوبتي. قال: وكانت الأنبياء تبعث بإقامة التوراة فيهم، وما أنزل الله بعد موسى كتاباً إلا الإنجيل، وزبور داود. فمضى يونس على كره منه، وكان رجلاً حديداً، شديد الغضب لله عز وجل فأتاهم، وحذرهم، وأنذرهم. فكذبوه، وردوا عليه نصيحته، ورموه بالحجارة، وأخرجوه. فانصرف عنهم. فقال له نبي بني إسرائيل: ارجع إليهم، فرجع، ففعلوا مثل ذلك ثلاث مرات، فأوعدهم العذاب، فقالوا: كذبت. قال ابن عباس: فلما أيس من إيمان قومه دعا عليهم ربه، وأوعدهم العذاب بعد

ثلاثة أيام، وأخرج أهله، ومعه ابناه صغيرين، فصعد جبلاً ينظر إلى أهل نينوى، ويترقب العذاب. قال: وعاين قوم يونس العذاب للوقت الذي وقت لهم يونس، فلما استيقنوا بالعذاب سقط في أيديهم، وعلموا أن يونس قد صدقهم، فبعث القوم إلى أنبياء كانت في بني إسرائيل، فسألوهم عما ابتلوا به، فقالوا: اطلبوا يونس يدعو لكم، فإنه هو الذي دعا عليكم، فطلبوه، فلم يقدروا عليه، فقالوا: تعالوا نجتمع إلى الله، فنتوب إليه. فخرجوا جميعاً الرجال والنساء والبهائم، وجعلوا الرماد على رؤوسهم، ووضعوا الشوك من تحت أرجلهم، ولبسوا المسوح والصوف، ثم رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء، وجأروا إلى الله، وعلم الله منهم الصدق، فقبل توبتهم. يقول الله تعالى: " فَلوْلا "، يعني: فلم يكن " قرية آمنت " عند معاينة العذاب، " فَنَفَعَها إيمانُها إلاّ قوْمَ يونسَ لمّا آمنوا كَشَفْنا عنهم عذابَ الخِزْي في الحياةِ الدنيا ". قال: وكانوا عاينوا العذاب أول يوم من ذي الحجة، ورفع عنهم يوم العاشر من المحرم. فلما رأى يونس ذلك جاءه إبليس عدو الله، فقال له: يا يونس، إنك إن رجعت إلى قومك اتهموك وكذبوك، فذهب مغاضباً لقومه، " فظَنَّ أَنْ لن نقدِرَ عليه "، فقد كذب. فانطلق يونس حتى أتى شاطئ دجلة ومعه أهله وابناه. فجاءت سفينة، فقال: احملوني، فقالوا: قد أوقرنا سفينتنا هذه، فإن شئت حملنا بعض من معك، فتلحقنا بسفينة أخرى، فتركبها. قال: فحمل أهله، وبقي يونس وابناه، فطلعت سفينة، فانطلق يونس إليها، ودنا أحد ابنيه من شاطئ دجلة، فزلت رجله، فوقع في الماء، فغرق، وجاء الذئب فاحتمل ابنه الآخر، فأكله. فجاء يونس، فوجد أحد ابنيه طافياً على الماء، والآخر قد أكله الذئب، فعلم أنها عقوبة، فركب السفينة ليلحق بأهله، فلما توسطت السفينة الماء أوحى الله إلى السفينة أن اركدي، فركدت، والسفن تمر يميناً وشمالاً، فقالوا: ما بال سفينتكم؟ قالوا: لا ندري. قال يونس: أنا أدري، فيها عبد أبق من ربه، فلا تسير حتى تلقوه. قالوا: ومن هو؟ قال: أنا، فقالوا: أما أنت فلسنا نلقيك والله، ما نرجو النجاة منها إلا بك! قال: فاقترعوا، فمن

قرع فألقوه في الماء، فاقترعوا، فقرعهم يونس، فأبوا أن يلقوه في الماء، وقالوا: إن القرعة تخطئ وتصيب. فاقترعوا الثانية، فقرعهم، فقال لهم: ألقوني في الماء، فأوحي إلى حوت كان يكون في بحر من وراء البحور أن يجيء حتى يحيط بسفينة يونس، فاخترق الحوت البحار، فاستقبل سفينة يونس، فأحاط بها، وفغر فاه، فأوحى الله إلى الحوت ألا يخدش له لحماً، ولا يكسر له عظماً، فإنه نبيي وصفيي. وقال الحوت: يا رب، جعلت بطني له مسكناً، لأحفظنه حفظ الوالدة ولدها. قال: واحتمل يونس إلى ناحية السفينة ليلقى في الماء، فانصرف الحوت إليها، فقال: انطلقوا بي إلى ناحية أخرى، فانطلقوا به، فإذا هم بالحوت، ففعلوا مثل ذلك بجميع جوانب السفينة، فقال: اقذفوني، فقذفوا به، فأخذه الحوت، وهوى به إلى مسكنه من البحر، ثم انطلق به إلى قرار الأرض، فطاف به البحار أربعين يوماً، فسمع يونس تسبيح الجن، وتسبيح الحيتان، فجعل يسمع الحس، ولا يرى ما هو، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: يا يونس، هذا تسبيح دواب البحر، فجعل يسبح ويهلل، وقال: سيدي، من الجبال أهبطتني، وفي البلاد سيرتني، وفي الظلمات الثلاث سجنتني: ظلمة الليل، وظلمة الماء، وظلمة بطن الحوت. إلهي، عاقبتني بعقوبة لم تعاقبها أحداً قبلي. فلما كان تمام أربعين ليلة وهي قدر ما كان قومه في العذاب، وأصابه الغم، " فَنَادى في الظُّلُماتِ أَنْ لا إله إلاَّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كنتُ مِنَ الظالمين "، فسمعت الملائكة بكاءه، وعرفوا صوته، فبكت الملائكة لبكاء يونس، وقالوا: يا ربنا، صوت ضعيف حزين نعرفه في مكان غريب! قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. فقالوا: يا رب، العبد الصالح الذي كان يصعد له كل يوم وليلة العمل الصالح الكثير؟ قال: نعم. قال ابن عباس: هذه عقوبته لأوليائه فكيف لأعدائه؟ فشفعت له الملائكة، فبعث الله جبريل إلى الحوت يأمره أن يقذف يونس حيث ابتلعه، قال: فجاء به إلى شاطئ دجلة، فدنا جبريل من الحوت، وقرب فاه من في الحوت، وقال: السلام عليك يا يونس، رب العزة يقرئك السلام، فقال يونس: مرحباً بصوت كنت خشيت ألا

أسمعه أبداً، ومرحباً بصوت كنت أرجوه قريباً من شدتي. ثم قال جبريل للحوت: اقذف يونس بإذن الرحمن، فقذفه مثل الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، فاحتضنه جبريل وقيل: بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة ليال وقذفه على الساحل مثل الصبي المنفوس، لم ينقص منه خلقاً، ولم يكس له عظماً. وقيل: لما أمر الحوت أن يلتقمه قال: يا رب، كنت أشقى خلقك برسولك! فبعث الله حوتاً آخر، فجعل يقول للحوت: والله لتلتقمن يونس أو لألتقمنك، فمضى الحوت لأمر الله تعالى، وقيل: أوحى الله إلى الحوت: إني لم أجعل يونس لك رزقاً، وإنما جعلت بطنك له سجناً؛ فلا تهشمن من يونس عظماً. وقيل: لما استقر في بطن الحوت قال: وعزتك، لأبنين لك مسجداً في مكان لم يبنه أحد قبلي، فجعل يسجد له. وقال تعالى: " فلوْلا أنّه كان مِنَ المُسَبِّحين "، أي من المكثرين للصلاة قبل ذلك. قال الحسن: شكر الله له صلاته قبل ذلك، فأنجاه بها. قال ميمون بن مهران: سمعت الضحاك بن قيس يقول على المنبر: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبداً ذاكراً لله، فلما أصابته الشدة دعا الله، فقال الله: " فلولا أنَّه كان مِنَ المُسَبّحين ". وكان فرعون طاغياً، فلما " أَدْرَكَه الغَرَقُ قال: آمَنْتُ "، فقال الله: " ءآلآن، وقد عَصَيْتَ قبلُ ". وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوة ذي النون الذي دعا بها في بطن الحوت: " لا إله إلاّ أنتَ سبحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظالمين "، لم يدع بها مسلم في كربة إلا استجاب الله له.

قال علي بن عثام: دعاء الأنبياء: " ربِّ إنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إليَّ مِنْ خَيْرٍ فقِير "، " إلاّ تَغْفِرْ لي وتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخاسرين "، " لا إله إلاَّ أَنْتَ سبحانَكَ إنِّي كنتُ مِنَ الظالمين ". عن سعيد بن جبير قال: لما ألقي يونس في بطن الحوت جرى به الحوت في البحور كلها سبعة أيام، ثم انتهى إلى شط دجلة، فقذفه على شط دجلة، فأنبت الله عليه شجرةً من يقطين، قال: من نبات البرية، وأرسله إلى " مائة ألفٍ أو يزيدون "، قال: يزيدون سبعين ألفاً، وقد كان أظلهم العذاب، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم، ثم عجوا إلى الله، فصرف عنهم العذاب، ومطرت السماء دماً. قال أمية بن أبي الصلت قبل الإسلام في ذلك بيتاً من شعر: من الطويل فأنبت يقطيناً عليه برحمةٍ ... من الله، لولا الله ألقي ضاحيا عن مجاهد في قوله تعالى: " وَأَنْبَتْنا عليه شَجَرةً مِنْ يَقْطِين "، قال: كل غير ذات أصل من الدباء وغيره. عن الحسن قال: وكان لها ظل واسع يستظل بها، وأمرت أن ترضعه أغصانها، فكان يرضع منها كما يرضع الصبي، ويؤوب إليه جسمه. وفي رواية أخرى عن الحسن قال: بعث الله تعالى إلى يونس وعلةً من وعل الجبل، يدر ضرعها لبناً، حتى جاءت إلى

يونس وهو مثل الفرخ، ثم ربضت، وجعلت ضرعها في في يونس، فكان يمصه كما يمص الصبي، فإذا شبع انصرفت، فكانت تختلف إليه حتى اشتد، ونبت شعره خلقاً جديداً، ورجع إلى حاله قبل أن يقع في بطن الحوت، فمرت به مارة، فكسوه كساءً فبينا هو ذات يوم نائم إذ أوحى الله إلى الشمس: أحرقي شجرة يونس، فأحرقتها، وأصابت الشمس جلده، فأحرقته، فبكى، فأوحى الله إليه: اتبكي على شيء لا ينفع، ولا يضر، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم في غداة واحدة؟ فعند ذلك عرف يونس ذنبه، فاستغفر ربه، فغفر له. وروي عن عائشة مرفوعاً: أما صلاة الفجر فتاب الله على آدم، وأما صلاة الهاجرة فتاب الله على داود، وأما العصر فتاب الله على سليمان، وأما المغرب فبشر يعقوب بيوسف، وأما العشاء فأخرج الله يونس من بطن الحوت حين اشتبكت النجوم، وغاب الشفق، فصلى لله أربع ركعات شكراً، فجعلها الله لي ولأمتي تمحيصاً، وكفارات ودرجات. وقيل: إن يونس كان آثر الصمت، فقيل له: يا نبي الله، إنا نراك تكثر السكوت؟ فقال: كثرة الكلام اسكنتني بطن الحوت. فلما خرج يونس من بطن الحوت عاتبه الله في دعائه على قومه، فقال له: آليت على نفسي أن أعذبك، فقال: عذاب الدنيا، فقال: اخطب من فلان ابنته، ففعل، فكانت تسومه سوء العذاب. قال شهر بن حوشب: كانت رسالة يونس بعدما نبذه الحوت. ولم يذهب إلى القوم إلا من بعد ما خرج من بطن الحوت. عن الحسن قال: إن يونس كان نبياً، ثم صار من بعد ما أنجاه الله من بطن الحوت نبياً رسولاً، لأن الله يقول: " وأَنْبَتْنا عليه شَجَرةً مِنْ يَقْطِين. وأرسلناه " يعني من بعد ذلك " إلى مائةِ أَلْفٍ أو يزيدون "، قال: والزيادة عشرون ألفاً، وقيل: سبعون ألفاً.

عن قتادة قال: إن يونس عليه السلام لقي راعياً من أهل نينوى بعد أن كشف الله عنهم العذاب، فقال له: أنا يونس، فقال الراعي: هات بينة على ما تقول؛ فإني من قوم إذا حدث رجل منه فكذب قتل. قال: هذه الشاة تشهد لك، وهذه الشجرة. فشهدتا له بذلك، فملكوه. وعن الحسن قال: فرجع يونس، فمر بارع من رعاة قومه، فقال له: ما فعل يونس؟ قال: لا ندي ما حاله، غير أنه كان خير الناس، وأصدق الناس؛ وأخبرنا عن العذاب فجاءنا على ما قال، فتبنا إلى الله، فرحمنا. ونحن نطلب يونس، ما ندري أين هو، ولا نسمع له بذكر. فقال له يونس: هل عندك لبن؟ قال: والذي أكرم يونس ما أمطرت السماء، ولا أعشبت الأرض منذ فارقنا يونس. فقال: ائتني بنعجة، فمسح يده على بطنها، ثم قال: دي بإذن الله، فدرت لبناً، فاحتلبها يونس، فشرب يونس والراعي، فقال له الراعي: إن كان يونس حياً فأنت هو، قال: فإني أنا يونس، فأت قومك، فأقرهم مني السلام، قال الراعي: إن الملك قد قال: من أتاني فأعلمني أنه رأى يونس، وجاءني على ذلك ببرهان جعلت له عليه ملكي، وجعلته مكاني، ولا أستطيع أبلغه ذلك إلا بحجة، فإني أخاف أن يقال لي: إنما فعلت هذا القول للملك. قال يونس: تشهد الشاة التي شربت من لبنها. فقال: ما يمنعك يا نبي الله أن تأتيهم، فتسلم عليهم؟ قال: لا يروني أبداً. وعن الحسن: أنه رجع إليهم! وذلك أن الراعي انطلق، فنادى في المدينة بصوت رفيع حزين: ألا إن رسول الله يونس بن متى قد رأيته. فاجتمع الناس، وكذبوه، فقال: إن لي بينة، واستشهد الشاة أنه رآه، فاطلق الله لسانها، فقالت: نعم، وشرب من لبني، وأمرني أن أشهد لك. ثم انطلق بهم إلى الصخرة، فقال لها: أيتها الصخرة، نشدتك بالذي كشف عنا العذاب، هل رأيت يونس؟ قالت: نعم، وأمرني أن أشهد لك، وإنه لتحت ظلي الساعة، فانحدروا في الوادي، فإذا هم بيونس قائماً يصلي، فاحتملوه، ورفعوا أصواتهم

بالبكاء والتضرع إلى الله حتى أدخلوه مدينتهم، فأنزل الله عليهم بركات السماء، وأخرج لهم من بركات الإرض، وجمع الله تعالى بين يونس وأهله، فأقام فيهم حتى أقام لهم السنن والشرائع. ثم سأل ربه أن يخرج، فيسيح في الأرض، فيتعبد حتى يلحق بالله، فأذن له، فخرج. وعمد الملك إلى الراعي الذي رأى يونس، فولاه الملك، وقال: أنت خيرنا وسيدنا. ثم لحق الملك بالنساك، فلم ير بعد ذلك يونس، ولا الملك. وقالوا للراعي: أنت خيرنا وسيدنا، ولا ينبغي أن يكون فينا أحد أرفع منك، ولا نعصي لك أمراً. فملكهم الراعي أربعين سنة. قال أبو الجلد: إن العذاب لما هبط على قوم يونس جعل يحوم على رؤوسهم مثل قطع الليل المظلم، فمشى ذوو العقول منهم إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا: إنا قد نزل بنا ما ترى فعلمنا دعاء ندعو به عسى الله أن يرفع عنا عقوبته. قال: قولوا: يا حي حين لا حي، ويا حي تحيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت. فكشف الله عنهم. قال الفضيل بن عياض: بلغني أن قوم يونس لما عاينوا العذاب قال رجل منهم: الله إن ذنوبنا قد عظمت وجلت، وأنت أعظم منها، وأجل، فافعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. قال: فكشف الله عنهم العذاب. عن عباد بن كثير والحسن قالا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تفضلوا بيني وبين إخوتي من النبيين ولا ينبغي لأحد أن يفضل على يونس بن متى. عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى على وادي الأزرق، وقال: كأني أنظر إلى موسى منهبطاً وله جؤار إلى ربه بالتلبية. ثم أتى على ثنية، فقال: كأني أنظر إلى يونس بن

متى عليه عباءتان قطوانيتان يلبي تجيبه الجبال، والله يقول له: لبيك يا يونس، هذا أنا معك. وعنه قال: كانت تلبية موسى: لبيك عبدك وابن عبدك، وكانت تلبية يونس: لبيك كاشف الكرب. عن عثمان بن الأسود بلغه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لقد مر بفم الروحاء سبعون نبياً على نوق حمر خطمها الليف، ولباسهم العباء، وتلبيتهم شتى، فمنهم يونس بن متى، يقول: لبيك فارج الكرب لبيك. قال محمد بن معاوية بن الأزرق: حدثنا شيخ لنا قال: التقى يونس وجبريل عليهما السلام فقال يونس: يا جبريل، دلني على أعبد أهل الأرض، فأتى به على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وهو يقول: متعتني بهما حيث شئت، وسلبتنيهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل، يا بارئاً رضاك. فقال يونس: يا جبريل، إنما سألتك أن ترينيه صواماً قواماً، قال جبريل: إن هذا كان قبل البلاء هكذا، وقد أمرت أن أسلبه بصره، قال: فأشار إلى عينيه، فسالتا، فقال: متعتني بهما حيث شئت، وسلبتنيهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل، يا بارئاً رضاك. فقال جبريل: هل تدعو الله، وندعو معك فيرد عليك يديك ورجليك وبصرك، فتعود إلى العبادة التي كنت فيها، قال: ما أحب ذلك، قال: ولم؟ قال: أما إذ كانت محبته في هذا فمحبته أحب إلي من ذاك. قال يونس: بالله يا جبريل، ما رأيت أحداً أعبد من هذا قط. قال جبريل: يا يونس، هذا طريق لا يوصل إلى الله عز وجل بشيء أفضل منه. عن كعب قال: إن يونس لحق بالعباد، وكانت العباد حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل خرجوا

يونس بن ميسرة بن حلبس أبو عبيد

إلى الفيافي والجبال والسواحل؛ فمنهم من كان يأكل العشب، ومنهم من كان يأكل ورق الشجر، ومنهم من يطلب الرزق طلب الطير ويجزئه من الدنيا ما يجزئ الطير، تركوا الدنيا، فلولا هؤلاء ما نظر الله إلى بني إسرائيل طرفة عين، غير أن الله كان متجاوزاً عنهم، متعطفاً عليهم، يدفع عنهم بأوليائه. قال كعب: إن يونس لم يجامع الناس بعد ذلك حتى لحق بالله. وكان شعيا تلميذ يونس، وكان عبداً صالحاً، قد اصطفاه الله، وطهره، فلما مات يونس أمر شعيا أن يفتي ببني إسرائيل، وكان إذا ملك الملك على بني إسرائيل بعث الله معه نبياً يسدده، ويرشده، ويكون فيما بينه وبين الله. قال: وشعيا هو الذي بشر بعيسى بن مريم، وبشر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فخبر بني إسرائيل أنه يكون نبي يخلق من غير ذكر، من عذراء صديقة طيبة مباركة، يركب الحمار، يكون على يديه العجائب والآيات، يبشر بنبي من بعده اسمه أحمد من ولد قيذار بن إسماعيل، مولده بمكة، ومهاجره بأرض طيبة، أمته خير أمة أخرجت للناس، يركب الجمل، ويقاتل الناس بقضيب الحديد، طيبت أمته وقدست وهم في أصلاب آبائهم، خير من مضى، وخير من بقي، يجعل الله فيهم العز والسلطان في آخر الزمان، ويظهرهم على الدين كله ولوكره المشركون. يونس بن ميسرة بن حلبس أبو عبيد ويقال: أبو حلبس، الجبلاني الأعمى أخو يزيد بن ميسرة. قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان على منبر دمشق. وروى عن معاوية بن أبي سفيان: أنه توضأ لهم وضوء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً ثلاثاً، فلما غسل رجليه أنقاهما ولم يعد لهما عدداً من الماء حتى أنقاهما. وسمع معاوية يقرأ: "

يا عيسى إنّي متَوفّيكَ ". وقال الأوزاعي: ليس تغسل الرجلين عدداً، اغسلهما، وأنقهما. قال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل الشام: يونس بن ميسرة بن حلبس. وكان ثقة. لما دخل المسودة في أول سلطان بني هاشم دمشق دخلوا مسجدها، فقتلوا من وجدوا فيه، فقتل يومئذ يونس بن ميسرة بن حلبس، وقتل يومئذ جد أبي مسهر عبد الأعلى بن مسره الغساني الدمشقي، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، في أول خلافة أبي العباس. قال الدارقطني: وأما جبلان بالباء فهي قبيلة باليمن، وهو جبلان بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم ورفع في نسبه إلى حمير، ثم قال: وإخوتهم وصاب بن سهل، إليهما ينسب الجبلانيون والوصابيون، وهما قبيلتان بحمص. منهم يونس بن ميسرة الجبلاني، وعمر بن حفص الوصابي. قال ابن ماكولا. حلبس بفتح الحاء المهملة وسكون اللام، وفتح الباء المعجمة بواحدة. وثقه العجلي، والدارقطني وابن عمار. قال محمد بن إبراهيم الكتاني الأصبهاني: قلت لأبي حاتم: ما تقول في أيوب بن ميسرة بن حلبس؟ فقال: صالح الحديث هو وأخوه يونس بن ميسرة بن حلبس. قلت لأبي حاتم: إن يونس بن ميسرة كان من

خيار المسلمين، أدرك معاوية، ونفراً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يقرئ في مسجد دمشق، وكف بصره، فلما دخل عبد الله بن علي البلد قام يدخل البيت، فكدمته دابة، فمات؟ فقال أبو حاتم: نعم. قال يونس بن ميسرة بن حلبس: خرجت عام توفي معاوية حاجاً، فإني لأسير إذ أدركني عبد الله بن عمر، فسلمن فرددت. ثم هازلني، فقال: جنادل بلادنا أكثر من جنادل بلادكم. فقلت: وثمار بلادنا أكثر من ثمار بلادكم. فقال: أجل. قلت: أخبرني عن ابن عمر؟ فقال: لو أقسمت بالله ما عمل ابن عمر منذ أسلم عملاً إلا الله لبررت. قال ابن حلبس: إن لقمان قال لابنه: يا بني ثق بالله، ثم سل في الناس: من ذا الذي وثق بالله فلم ينجه؟ يا بني، توكل على الله، ثم سل في الناس: من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟ يا بني، أحسن الظن بالله، ثم سل في الناس: من ذا الذي أحسن بالله الظن فلم يكن عند حسن ظنه به. وقال يونس بن حلبس: من عمل على غير يقين فباطل. وقال: تقول الحكم: يتعنى ابن أدم وأجدني في حرفين. يعمل خير ما يعلم، ويذر شر ما يعلم. وقال: أين إخواني؟ أين أصحابي؟ ذهب المعلمون، وبقي المتعلمون، ذهب المطعمون وبقي المستطعمون. وقال: الزهد أن يكون حالك في المصيبة، وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الخلق سواء. وقال: إذا تكلفت ما لا يعنيك لقيت ما يعنيك.

يونس بن يزيد بن أبي النجاد

وقال: حرم الله على نفس أن تموت حتى ينقطع أثرها، وحتى تأتي على آخر عملها، وحتى تستوعب آخر رزقها، وحتى ينقطع أجلها. وقال: اللهم إني أسألك حرباً في لين، وقوة في دين، وإيماناً في يقين، ونشاطاً في هدى، وبراً في استقامة، وكسباً من حلال. قال الهيثم بن عمران: كنت جالساً عند يونس بن حلبس، وكان عند غياب الشمس يدعو بدعوات فيها: اله ارزقنا الشهادة في سبيلك. فكنت أقول في نفسي: من أين يرزق هذه الشهادة وهو أعمى؟! فلما دخلت المسودة دمشق قتل. قال الهيثم: بلغني أن الخراسانيين اللذين قتلاه بكيا عليه لما أخبرا من صلاحه، وكان من آنس الناس مجلساً. قال أبو زرعة: قتل أبو حلبس سنة اثنتين وثلاثين ومائة، في شهر رمضان. يونس بن يزيد بن أبي النجاد ويقال: ابن مشكان أبو يزيد القرشي مولاهم الأيلي قدم دمشق، وصحب الزهري بالشام ثنتي عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة سنة. قال ابن سعد: وكان بأيلة: يونس بن يزيد الأيلي، وكان حلو الحديث كثيره، وليس بحجة، ربما جاء بالشيء المنكر.

قال أبو أحمد الحاكم: له أخوان: يسمى أحدهما خالداً، وهو والد عنبسة، وثانيهما يكنى أبا علي. قال يونس بن يزيد: أرسلني ابن شهاب في شيء، فلما عدت قلت لابن شهاب: ما حدثت بعدي؟ قال: يا يونس، لا تكاثر العلم مكاثرة، خذه في الليالي والأيام. وقال: سمعني الزهري أثني على عالم، فقال: ما تزيد لو رأيت عبيد الله بن عبد الله! قال خالد بن نزار: سألني الأوزاعي، فقال لي: أنت من أهل أيلة، أين أنت عن أبي يزيد؟ يعني يونس بن يزيد الأيلي فحضني عليه. كان الزهري إذا قدم أيلة نزل على يونس، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. قال عبد الله بن المبارك وذكر أصحاب الزهري: كان يونس أحفظهم للمسند. وقال: ما رأيت مثل معمر في الزهري إلا أن يونس كان آخذ للمسند. وقال: ليس أحد أعلم بحديث الزهري من معمر إلا ما كان من يونس فإنه كتب الكتب على الوجه. وقيل ليحيى بن معين: من أثبت: معمر أو يونس؟ قال: يونس أسندهما، وهما ثقتان جميعاً. وقال: أثبت الناس في الزهري مالك بن أنس، ومعمر، ويونس، وعقيل، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة.

يونس المديني الكاتب

عن يحيى بن سعيد قال: لما قدم ابن المبارك من عند معمر قلت له: اكتب لي حديث الإفك عن معمر، قال: إن شئت كتبته لك عن معمر قراءة، وإن شئت كتبته له عن يونس إملاء. قال: قلت: لا أريده. قال وكيع: لقيت يونس الأيلي، فجهدت الجهد حتى يتخلص منه حديث واحد، فلم يكن يحفظ. وقال: زاملت يونس إلى مكة، فلم يكن يحفظ شيئاً، كانت كتبه معه. وكان سيئ الحفظ. مات يونس سنة تسع وخمسين ومائة، وقيل: مات سنة ستين. وقال ابن يونس: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة. يونس المديني الكاتب قدم دمشق في خلافة هشام بن عبد الملك، ثم قدم على الوليد بن يزيد. حكي عنه أنه قال: خرجت إلى الشام في خلافة هشام ومعي جاريتي عاتكة، وقد كنت علمتها وحذقتها، وأنا أقدر منها ما أستغني به. فلما قربنا من دمشق نزلت القافلة على غدير، ونزلت ناحية منهم، فأقبل فتىً حسن الوجه والهيئة، على فرس أشقر، ومعه خادمان، وعليه ثياب وشي مذهبة، ما أدري أوجهه أحسن أم ثيابه، فسلم علي وقال: أتقبل ضيفاً؟ فقمت، فأخذت بركابه، وقد علمت أنه من أهل بيت الخلافة، ودخلني له هيبة وإجلال، وقلت: انزل سيدي، فنزل. فذكر أنه سقاه، وغناه، وغنته الجارية حتى

ظلمة العشاء الآخرة، فقال: ما أقدمك بهذه الجارية؟ قلت: أردت بيعها، قال: كم قدرت منها؟ قلت: قضاء ديني، وصلاح حالي. قال: قد أخذتها بخمسين ألف درهم، ولك بعد ذلك جائزة وكسوة ونفقة طريقك، وأن أشركك في حالي أبداً ما بقيت. قلت: قد بعتكها، قال: قد قبلت، أفتثق بي أن أحمل إليك ذلك غداً وأحملها معي، أو تكون عندك؟ قلت: قد وثقت بك، فخذها، بارك الله لك فيها. فقال لأحد خادميه: احملها على دابتك، وارتدف وراءها، واحملها معك، ففعل، وركب فرسه، وودعني. فما هو إلا أن غاب عني حتى عرفت موضع خطئي، وقلت: ماذا صنعت بنفسي؟ رجل لا أعرفه، ولا أدري من هو وهبني عرفته من أين أصل إليه؟! وجلست مفكراً، ثم قلت: الجارية برة بي، لن تتركه أو تقضي حقي. فلم أزل ليلتي أتململ حتى أصبحت، فصليت، وجلست في موضعي، ودخل أصحابي دمشق، وصهرتني الشمس، وقلت: إن دخلت لم يعرف موضعي، فأقمت، وأنفذت رحلي مع بعض أهل المدينة، وجلس في ظل جدار هناك. فلما أضحى النهار إذا أنا بأحد الخادمين قد أقبل إلي، فما أذكر أني فرحت مثل فرحي بالنظر إليه، فقال لي: أنا منذ غدوة أدور عليك في رفقتك. فقبل أن أسأله عن شيء قلت: من صاحبي؟ قال: ولي العهد الوليد بن يزيد. فسكنت نفسي. ثم قال: قم فاركب، وإذا معه دابة، فركبت، ودخلت إلى داره، فقال: من تكون؟ قلت: يونس الكاتب، قال: مرحباً بك، أما ندمت على ما كان منك البارحة؟ قلت: معاذ الله، قال: لكني ندمت على أخذها منك، وقلت: رجل غريب لا يعرفني، وقد غممته الليلة، وسفهت رأيي واستعجالي. فذكر أنه أعطاه ثمنها خمسين ألفاً، وزاده ألفي دينار وقال: هذه زيادة لحسن ظنك وثقتك بنا، وخمسمائة درهم لرسم النفقة في الطريق، والهدية للأهل، وقال: إن أفضى هذا الأمر إلي فاقصدني، فوالله لأملأن يديك، ولأغنينك ما بقيت. قال: فلما ولي الخلافة صرت إليه، فوفى بوعده، وزاد، ولم أزل معه حتى قتل.

ذكر من سمي بكنيته

ذكر من سمي بكنيته أو اشتهرت كنيته في اسمه سوى ما تقدم ذكره مرتباً على الحروف أيضاً حرف الألف أبو أحمد بن علي الكلاعي من أهل دمشق. روى عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تربوا صحفكم؛ فإنه أنجح لها، فإن التراب مبارك. وروى عن مكحول، عن واثلة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يضمن المقدم على الدابة ثلثي ما أصابت وهو راكب، ويضمن الرديف الثلث. قال أبو أحمد الحاكم: أبو أحمد الكلاعي الدمشقي، روى عنه بقية بن الوليد حديثاً لا يتابع عليه. قال الحافظ أبو القاسم: كذا ذكره الحاكم أبو أحمد فيمن لم يقف على اسمه، وعندي أنه عمر بن أبي عمر الكلاعي. روى أبو ياسر عمار بن نصر، ومحمد بن عمرو بن حنان عن بقية، عن عمر بن أبي عمر، عن أبي الزبير حديث تتريب الكتاب.

أبو أحمد بن هارون الرشيد

قال أبو طالب أحمد بن حميد: سألت أحمد بن حنبل في السجن، عن حديث يزيد بن هارون بسنده عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا كتبت كتاباً فتربه، فإنه أنجح للحاجة، قال: هذا حديث منكر. أبو أحمد بن هارون الرشيد قدم دمشق في صحبة ابن أخيه جعفر المتوكل بن المعتصم بن الرشيد مع من قدم معه من أهل بيته في سنة أربع وأربعين ومائتين. حكى عن المأمون أخي، وسمع غناء عمته علية بنت المهدي في شعرها ويروى لأبي العتاهية: من السريع مالي أرى الأنصار لي جافيه ... لم تلتفت منّي إلى ناحيه لا تنظر الناس إلى المبتلى ... وإنّما الناس مع العافية صحبي سلوا ربّكم العافيه ... فقد دهتني بعدكم داهيه صار مني بعدكم سيّدي ... فالعين من هجرانه باكيه أنشد أبو الحسن بن البراء لجذيمة بن أبي علي النحوي يخاطب أبا أحمد بن الرشيد: من المتقارب عجبت لقبلك كيف انقلب ... ومن طول حبك لي لم ذهب وأعجب من ذا وذا أنّني ... أراك بعين الرّضى في الغضب

أبو إبراهيم الدمشقي

وأذكر سالف أيّامنا ... فأبكي عليها دماً منسكب وما كنت أوّل ذي هفوةٍ ... وما كنت أوّل مولىً عتب مات أبو أحمد بن الرشيد في رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين. أبو إبراهيم الدمشقي إن لم يكن خالد بن اللجلاج فهو غيره. أبو الأبرد الدمشقي روى عنه حرب بن سيار حديثاً آخره:.. موتاً في طاعة خير من حياة في معصية. أبو الأبطال قال: بعثت إلى سليمان بن عبد الملك ومعي ست أحمال مسك، فمررت بدار أيوب بن سليمان، فأدخلت عليه، فمررت بدار ما فيها من الثياب والنجد بياض، ثم أدخلت منها إلى دار أخرى صفراء، وما فيها كذلك، ثم أدخلت منها إلى دار حمراء، وما فيها كذلك، ثم أدخلت منها إلى دار خضراء، وما فيها كذلك؛ فإذا أنا بأيوب وجارية له على سرير، ما أعرفه من الجارية. قال: ولحقني من كان في تلك الدور، فانتهبوا ما معي من المسك. ثم خرجت، فلما صرت إلى سليمان صليت العصر في مسجده، فقلت لرجل إلى جنبي: هل شهد أمير

أبو الأبيض العبسي الشامي

المؤمنين الصلاة؟ فأشار لي إلى سليمان، فأتيته، فكلمته، فقال: أنت صاحب المسك؟ قلت: نعم، قال: اكتبوا له بالموافاة. قال: ثم مررت بدار أيوب بعد سبعة عشر يوماً فإذا الدار بلاقع، فقلت: ما هذا؟ قالوا: طاعون أصابهم. أبو الأبيض العبسي الشامي من بني زهير بن جذيمة. قدم الشام مع الوليد بن عبد الملك. روى عن أنس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العصر والشمس بيضاء محلقة. قال أبو محمد بن أبي حاتم: عيسى أبو الأبيض العبسي. ثم قال في باب الكنى: سئل أبو زرعة عن أبي الأبيض الذي روى عن أنس، فقال: لا يعرف اسمه. قال الحافظ أبو القاسم: لعل ابن أبي حاتم وجد في بعض رواياته أبو الأبيض عبسي فتصفحت عليه بعيسى، والله أعلم.

قال أبو الأبيض: قال لي حذيفة: إن أقر أيامي لعيني يوم أرجع إلى أهلي، فيسألون الحاجة. والذي نفس حذيفة بيده لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير، وإن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام. وقال أبو الأبيض: رابطت أنا وصاحب لي بالبصرة، فكنت أقصر ويتم، فقضى لي أنس بن مالك عليه. قال أحمد بن عبد الله العجلي: أبو الأبيض شامي، تابعي، ثقة. قال علي بن أبي حملة: لم يكن أحد بالشام يستطيع أن يعيب الحجاج علانية إلا ابن محيريز، وأبو الأبيض العبسي. فقال الوليد بن عبد الملك لأبي الأبيض: ما للحجاج كتب يشكوك؟ لتنتهين، أو لأبعثنك إليه! قال أبو حفص عمر الجزري: كتب أبو الأبيض وكان عابداً إلى بعض إخوانه: أما بعد، فإنك لم تلكف من الدنيا إلا نفساً واحدة، فإن أنت أصلحتها لم يضرك فساد من فسد بصلاحها، وإن أنت أفسدتها لم تنتفع بصلاح من صلح بفسادها، وأعلم أنك لا تسلم من الدنيا حتى لا تبالي من أكلها من أحمر أو أسود. حدث إسماعيل بن عياش: أن رجلاً من الجيش أتى أبا الأبيض العبسي بدابق قبل نزولهم على الطوانة، فقال: رأيت في يدك قناة فيها سنان يضيء لأهل العسكر كضوء كوكب، فقال: إن صدقت رؤياك، إنها الشهادة. قال: فاستشهد في قتال أهل الطوانة.

أبو أحيحة القرشي

وحدث محمد بن يحيى الثقفي أن أبا الأبيض قال هذه الأبيات: من الطويل ألا ليت شعري هل يقولن قائلٌ ... وقد حان منهم عند ذاك قفول: تركنا، ولم نجنن من الطير لحمه ... أبا الأبيض العبسيّ وهو قتيل فعرّي أفراسي، وزنّت حليلتي ... كأن لم تكن بالأمس ذات حليل وذي أملٍ يرجو تراثي، وإنّ ما ... يصير له منه غداً لقليل وما لي تراث غير درعٍ حصينةٍ ... وأجرد من ماء الحديد صقيل وقيل: إن أبا الأبيض خرج مع العباس بن الوليد في الصائفة، فقال أبو الأبيض: رأيت كأني أتيت بتمر وزبد، فأكلته، ثم دخلت الجنة، فقال العباس: نعجل لك الزبد والتمر، والله لك بالجنة. فدعى له بتمر وزبد، فأكله. ثم لقي أبو الأبيض العدو، فقاتل حتى قتل. قال الليث: وفي سنة ثمان وثمانين غزا مسلمة، وعباس بن أمير المؤمنين طوانة. قال الوليد بن مسلم: حدثني من أصدق أن الوليد لما عزم على غزو الطوانة فذكر القصة، قال: وقتل أبو الأبيض العبسي. أبو أحيحة القرشي شهد الفتح. وكان في جيش خالد الذي قدم معه من العراق، وقال شعراً في رافع دليل خالد إلى دمشق.

أبو الأخضر

قال ابن إسحاق: قال أبو أحيحة القرشي: لله عينا رافع أنّى اهتدى ... في مهمه مشتبه يعيي السّرى والعين منه قد تغشّاها القذى ... معصوبة كأنها ملأى قذى فهو يرى بقلبه ما لا ترى ... من الصّوى تبرى له ثم الصّوى أو النّقا بعد النّقا إذا سرى ... وهو به خبرنا وما دنا وما رآه ليس بالقلب خسا ... قلبٌ حفيظ وفؤاد قد وعى فوّز من قراقرٍ إلى سوى ... والسيير زعزاع وما فيه ونى خمساً إذا ما سارها الجيش بكى ... في اليوم يومين وراحٌ وسرى ما سارها من قبله إنسٌ أرى ... هذا لعمر رافعٍ هو الهدى وقد روي بعض هذا الرجز للقعقاع بن عمرو التميمي. أبو الأخضر مولى خالد بن يزيد بن معاوية. ذكره أبو زرعة في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام.

أبو الأزهر

عن أبي عبد رب الزاهد قال: لقيت أبا الأخضر مولى خالد بن يزيد بن معاوية، فقلت له: خالد، قد علم العرب والعجم في أي ذلك وجد بناء هذه الدار يعني دار الحجارة فقال: والله سمعته يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما وضعت فيها حجراً على حجر. أبو الأزهر ابن بنت أبي النجم العجلي الراجز. كان مع جده عند سليمان بن عبد الملك بن مروان ويقال: عند عبد الملك. أبو إسماعيل مولى داود بن علي. وكان فاضلاً. قال الحافظ: الأظهر أن أبا إسماعيل هذا من مواليه بالحميمة. أبو الأسود البيروتي كان من أهل الفضل. قال الهقل، وابن شعيب، والوليد: احترقت كتب الأوزاعي. قلنا له: يا أبا عمرو، إن نسخها عند أبي الأسود وكان أبو الأسود رجلاً فاضلاً، وكان قد كتب كتب الأوزاعي، وصححها مراراً، ومنزله ببيروت عند قبلة الجامع فقال الأوزاعي: بل نحدث بما حفظنا منها. وما حدث بحرف من ذلك إلا ما كان يحفظه.

أبو أسيد

أبو أسيد بالفتح ويقال: أبو أسيد بالضم الفزاري من زهاد أهل دمشق. ذكره أبو زرعة في طبقة قدم تلي الطبقة العليا من التابعين. قال أبو بكر بن أبي داود: أبو أسيد الفزاري، أحد الأبدال. يقال: كان مستجاب الدعوة. قال سعيد بن عبد العزيز: قيل لأبي أسيد الفزاري: من أين تعيش؟ قال: فكبر الله، وحمده، وقال: يرزق الله وفي رواية: يرزق الله الكلب والخنزير ولا يرزق أبا أسيد؟! قال: ومر أبو أسيد الفزاري بسوق الرؤوس، فذكر هذه الآية: " هم فيها كالحون "، فخر مغشياً عليه. قال الوليد بن مسلم: سألت ابن جابر، فقلت: من رأيت ممن يخضب؟ قال: رأيت عبد الله بن أبي زكريا، وأبا مخرمة، وأبا أسيد، وبلال بن سعد، والقاسم بن مخيمرة، وعطية بن قيس لا يخضبون بشيء، بيض لحاهم. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو أسيد يمشي مع ابن أبي زكريا، فقال له ابن أبي زكريا: فلان يفعل كذا وكذا وفي رواية: كان من أمر الناس كذا فقال أبو أسيد: ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء. ثم أعرض عنه، فلم ير منه ما يحبه حتى فارقه. قال: وأراد ابن أبي زكريا عبادة أبي أسيد، فلم يقدر عليها. وما كان عندنا أعبد منه يعني من أبي أسيد.

أبو أوس

قال ابن أبي زكريا: وكان أبو أسيد الفزاري يغتسل كل يوم لصلاة الصبح، ثم يغدو إلى المسجد، فيصلي الصبح، ثم يجلس، فيذكر الله حتى تمكنه السبحة، ثم يقوم يركع، فلا يزال يركع حتى نصف النهار، ثم ينصرف إلى أم الدرداء، فتقوم عليه أم الدرداء بمنزلة الأمة له، فإذا سمع المؤذن راح، فلا يزال قائماً يصلي حتى العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس بعد العصر، فيذكر لله حتى المغرب، ثم يصلي المغرب، ثم يقوم، فيركع، فلا يزال راكعاً حتى ينصرف آخر النهار من العشاء الآخرة، ثم ينصرف إلى أهله، وهو مع هذا صائم. قال: وكان منزله عند باب الشرقي، فيفطر مع أهله، ثم ينام نومة، فعسى ألا ينام آخر أهل بيته حتى يستيقظ، فلا يزال قائماً يصلي حتى يصبح. قال: فجاءه ابن أبي زكريا، فقال: قد علمت أنه كان من الناس كيت وكيت. فقال أبو أسيد: ذكر الله شفاء، وذكر الناس داء. ثم لم يره ما يحب حتى فارقه. قال سعيد: فهذا أعجب إلي من عبادته. قال سعيد أو غيره: شهد أبو أسيد جنازة، فمر بعتبة باب داره، فإذا هو قد أصلح، فقال: ما نظرت إلى هذا بنهار منذ ثماني عشرة سنة. أبو أوس ذكره خليفة في الطبقة الأولى من أهل الشامات. أبو إياس الليثي قيل: إنه له صحبة، وإنه شهد عمر بالجابية.

أبو أيوب

وهو وهم، والصواب: أبو واقد الليثي، وسيأتي ذكره في حرف الواو من الكنى حين أرسله عمر إلى المرأة التي زنت. أبو أيوب مولى معاوية وحاجبه ذكر ذلك خليفة. والمعروف أبو يوسف. أبو أيوب إن لم يكن سليمان بن عبد الرحمن، فهو غيره. قال أبو أيوب الدمشقي: قال السري بن ينعم وكان من عباد أهل الشام: بؤساً لمحب الدنيا، أيحب ما أبغض الله تعالى؟ أم أبان بنت عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس بن عبد مناف أخت هند، وخالة معاوية. كانت بالشام، وشهدت الفتح مع أخيها أبي هاشم، وزوجها أبان بن سعيد بن العاص. وقتل عنها يوم أجنادين. وقيل إنه لم يكن معها سوى ليلتين حتى قتل عنها. قال موسى بن طلحة بن عبيد الله: خطب عمر بن الخطاب أم أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فأبته، فقيل لها: ولم؟ قالت: إن دخل دخل ببأس، وإن خرج خرج بيأس، قد أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه، كأنه ينظر إلى ربه بعينه. ثم خطبها الزبير بن العوام، فأبته، فقيل لها:

أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر

ولم؟ قالت: ليست لزوجه منه إلا شارة في قراملها. ثم خطبها علي، فأبت، فقيل لها: ولم؟ قالت: ليس لزوجه منه إلا قضاء حاجته، ويقول: كنت، وكنت. وكان، وكان. ثم خطبها طلحة بن عبيد الله، فقالت: زوجي حقاً! قالوا: وكيف ذلك؟ قالت: إني عارفةً بخلائقه، إن دخل دخل ضحاكاً، وإن خرج خرج بساماً. إن سألت أعطى، وإن سكت ابتدأ، وإن عملت شكر، وإن أذنبت غفر. فلما أن ابتنى بها قال علي: يا أبا محمد، إن أذنت لي أن أكلم أم أبان، قال: كلمها، قال: فأخذ سجف الحجلة، ثم قال: السلام عليك يا غريرة نفسها، قالت: وعليك السلام، قال: خطبك أمير المؤمنين، وسيد المسلمين فأبيته؟ قالت: كان ذلك. قال: وخطبك الزبير ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحد حوارييه فأبيته؟ قالت: وقد كان ذلك، قال: وخطبتك أنا، وقرابتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: قد كان ذلك، قال: أما والله لقد تزوجت أحسننا وجهاً، وأبذلنا كفاً، يعطي هكذا وهكذا. قال الزبير في تسمية ولد عتبة بن ربيعة: وولد: أبا هاشم بن عتبة، وأم أبان؛ ولدت لطلحة بن عبيد الله. وأمهم: خناس بنت مالك بن المضرب. وأخواهم لأمهم: مصعب، وأبو عزيز ابنا عمير بن هاشم بن عبد الدار بن قصي. أم أبيها بنت عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، القرشية الجعفرية كانت عند عبد الملك بن مروان بدمشق، فطلقها، فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس. عن الحسن بن الحسن قال: زوج عبد الله بن جعفر بنته، فخلا بها. قال الحسن: فلقيتها، فقلت: ما قال

لك؟ قالت: قال لي: يا بنية، إذا نزل بك الموت، أو أمر تفظعين به، فقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. فأتيت الحجاج، فقلتهن، فقال لي: لقد جئتني وأنا أريد أن أضرب عنقك، وما من أهلك الآن أحد أحب إلي منك، فسلني ما شئت. وفي قصة مطولة عن علي بن حسين، قال: كان أبو جعفر يقول: علمني أبي يعني علياً كلمات، زعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه إياهن، يقولهن عند الكرب، إذا نزل به، وقال: أي بني، لقد كتمتهن عن حسن وحسين، وخصصتك بهن، فكنا نسأله عنهن، فيكتمناهن، ويأبى أن يعلمناهن حتى زوج ابنته، فخرجنا نشيعها، حتى إذا كنا بمحيص ركبت، وودعتها، خلا بها، وهي على دابتها، فعرفت أنه يعلمها تلك الكلمات التي كان يكتمنا. ثم انصرف، وانصرفنا، حتى إذا سرنا قريباً من الميل تخلفت كأني أهريق الماء، ثم ركضت حتى أدركتها، فقلت لها: أي ابنة عم، إني قد عرفت أن أباك إنما خلا بك دوننا ليعلمك الكلمات التي كان يكتمنا. قالت: أجل، قلت: فأخبريني بهن، قالت: قد نهاني أن أخبر بهن أحداً، قلت: أسألك بالله لما أخبرتني، فلعلي لا أراك بعد هذا الوقت أبداً، قالت: خلا بي، ثم قال: أي بنية، إن أبي علمني كلمات علمه إياهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقولهن عند الكرب إذا نزل به، وقال: لقد خصصتك بهن دون حسن وحسين. وأنت تقدمين أرضاً أنت بها غريبة، فإذا نزل بك كرب، أو أصابتك شدة فقوليهن: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه، وتبارك الله رب العرش العظيم. الحمد لله رب العالمين.

حرف الباء

حرف الباء أبو البختري شهد وفاة عمر بن عبد العزيز. قال الحافظ أبو القاسم: أظن أبا البختري هذا مغراء العبدي. أبو بردة بن عوف الأزدي عراقي من التابعين. وفد على يزيد بن معاوية. أبو بردة مولى سعيد بن عبد الملك بن مروان. أبو بسرة الجهني شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية. أبو بشر التنوخي كان نصرانياً. خرج مع الروم إلى اليرموك، وحكى بعض أمر الوقعة.

أبو بشر مؤذن مسجد دمشق

أبو بشر مؤذن مسجد دمشق يقال: إنه من أهل قنسرين. مات سنة ثلاثين ومائة في خلافة مروان بن محمد. أبو بشر المروزي إن لم يكن إسحاق بن عبد الله بن كيسان، فلا أدري من هو. قال البخاري: عبد الله بن كيسان المروزي، أبو مجاهد. وله ابن يسمى إسحاق. منكر. ليس من أهل الحديث. أبو بقية راجز قدم مع المتوكل دمشق، وقال مزدوجةً يصف فيها المنازل من سامراء إلى دمشق، أولها:؟ يا نفس إن العمر في انتقاص وليس من موتك من مناص أما تخافين من القصاص ... وترغبين الفوز بالخلاص فبادري بالطاعة المعاصي إلى أن قال: ثمت سرنا سبعةً خفيفه ... فراسخاً أميالها منيفه

ثم أتينا منزل القطيفه ... فارتحل الناس مع الخليفه نؤمّ منها البلدة الشّريفه مع الإمام السيد الهمام ... أمين ذي العرش على الإسلام الكاشر السيد والقمقام ... قد سبق القوم على التمام في أيمن اليوم من الأيام

ذكر من اسمه أبو بكر

ذكر من اسمه أبو بكر أبو بكر بن أنس بن مالك بن النضر الأنصاري أمه أم ولد. وفد على عبد الملك بن مروان مع أبيه أنس بن مالك، وقال: قدم أبي من الشام وافداً، وأنا معه، فلقينا محمود بن الربيع، فحدث أبي حديثاً عن عتبان بن مالك، فقال أبي: يا بني، احفظ هذا الحديث؛ فإنه من كنوز الحديث. فلما قفلنا انصرفنا إلى المدينة، فسألنا عنه، فإذا هو حي، وإذا شيخ أعمى، فسألناه عن الحديث، فقال: نعم، ذهب بصري على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكر حديث مالك بن الدخشم. حدث حفص بن أخي أنس، عن أنس قال: انطلق أبي في أربعين رجلاً من الأنصار حتى أتى بها عبد الملك بن مروان، ففرض لنا. فلما رجع رجعنا، حتى إذا كنا بفج صلى بنا الظهر صلاة السفر ركعتين، وسلم، فدخل فسطاطه، فقام القوم يضيفون إلى ركعتيه ركعتين آخرتين، فنظر إليهم، فقال لابنه أبي بكر: ما يصنع هؤلاء القوم؟ قال: يضيفون إلى ركعتنا ركعتين آخرتين، فقال: قبح الله الوجوه، ما قبلت الرخصة، ولا أصابت السنة؛ أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن قوماً يتعمقون في الدين، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

قال ثابت البناني: كنت عند أنس بن مالك إذ قدم علينا ابن له من غزاة، يقال له: أبو بكر، فساءله، فقال: ألا أخبرك عن صاحبنا فلان؟ بينا نحن قافلون من غزاتنا، إذ ثار وهو يقول: يا أهلاه، يا أهلاه، أو: يا هؤلاء، يا هؤلاء! فثرنا إليه، فظننا أن عارضاً عرض له، فقلنا: مالك؟ فقال: إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد، فيزوجني الله تعالى من الحور العين، فلما طالت علي الشهادة قلت في سفري هذا: إن أنا رجعت هذه المرة تزوجت. فأتاني آت قبيل في المنام، فقال: أنت القائل: إن رجعت تزوجت؟ فقم، فقد زوجك الله العيناء، فانطلق إلى روضة خضراء معشبة، فيها عشر جوار، في يد كل جارية صنعة تصنعها، لم أر مثلهن في الحسن والجمال، فقلت: فيكن العيناء؟ فقلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا روضة أعشب من الأولى وأحسن، فيها عشرون جاريةً، في يد كل واحدة صنعة تصنعها، ليس العشر إليهن بشيء في الحسن والجمال. قلت: فيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك، فمضيت، فإذا بروضة، وهي أعشب من الأولى والثانية وأحسن، فيها أربعون جاريةً، في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها، ليس العشر والعشرون إليهن بشيء في الحسن والجمال. قلت: فيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا أنا بياقوتة مجوفة، فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها السرير. قلت: أنت العيناء؟ قالت: نعم، مرحباً. فذهبت أضع يدي عليها، قالت: مه، إن فيك شيئاً من الروح بعد، ولكن تفطر عندنا الليلة. قال: فانتبهت. قال: فما فرغ الرجل من حديثه حتى نادى المنادي: يا خيل الله اركبي. قال: فركبنا، فصافنا العدو؛ فإني لأنظر إلى الرجل، وأنظر إلى الشمس، فأذكر حديثه، فما أدري أرأسه سقط أولاً أم الشمس سقطت. فقال أنس: رحمه، رحمه الله. قال أحمد العجلي: أبو بكر بن أنس بن مالك: بصري، تابعي، ثقة.

أبو بكر بن حنظلة العنزي

أبو بكر بن حنظلة العنزي كان من صحابة خالد بن يزيد بن معاوية، فجفاه، فقال في ذلك شعراً. ذكره البلاذري. أبو بكر بن سعيد الأوزاعي ذكره ابن سميع في الطبقة الخامسة. وقد سمي في بعض الروايات عمراً. وقد تقدم في حرف العين. أبو بكر بن سليمان بن أبي السائب القرشي الدمشقي ذكره أبو أحمد الحاكم. أبو بكر بن عبيد بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري وفد مع جده على عبد الملك بن مروان. أبو بكر بن عبد الله بن حويطب بن عبد العزى ابن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري قدم الشام غازياً.

أبو بكر بن عبد الله بن محمد

أبو بكر بن عبد الله بن محمد ابن أبي سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري المديني قيل: إن اسمه عبد الله بن عبد الله، وقيل: محمد. قال الوليد بن مزيد: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة القرشي ثم الحسلي، وكان قدم علينا دمشق في ولاية الفضل بن صالح سنة خمس وأربعين ومائة. فذكر حديث العرنيين. قال مصعب: أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة. كان من علماء قريش. ولاه المنصور القضاء. قال الزبير: وأمه أم ولد. وذكره ابن سعد في الطبقة السادسة. وكان كثير العلم والسماع والرواية. ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. وكان يفتي بالمدينة، ثم كتب إليه، فقدم به بغداد، فولي قضاء موسى بن المهدي وهو يومئذ ولي عهد. ثم مات ببغداد سنة اثنتين وستين ومائة في خلافة المهدي وهو ابن ستين سنةً. فلما مات ابن أبي سبرة بعث إلى أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، فاستقضي مكانه، فلم يزل قاضياً مع موسى وهو ولي عهد، وخرج معه إلى جرجان. قال أبو بكر بن أبي سبرة: قال لي ابن جريج: اكتب لي أحاديث من أحاديثك جياداً. قال: فكتبت له ألف حديث، ودفعتها إليه، ما قرأها علي، ولا قرأتها عليه.

قال محمد بن عمر: ثم رأيت ابن جريج قد أدخل في كتبه أحاديث كثيرةً من حديثه يقول: حدثني أبو بكر بن عبد الله، وحدثني أبو بكر بن عبد الله يعني ابن أبي سبرة وكان كثير الحديث ليس بحجة. وأخوه محمد بن عبد الله مات في ولاية زياد بن عبيد الله، وكان ولاه قضاء المدينة. قال الخطيب: وأبو سبرة صحابي شهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً. وأبو بكر من أهل مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أخو محمد بن عبد الله بن أبي سبرة الذي تولى قضاء المدينة من قبل زياد بن عبيد الله الحارثي. قدم بغداد، وولي القضاء بها، وبها كانت وفاته. قال مصعب بن عبد الله: خرج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة على المنصور، وكان أبو بكر بن أبي سبرة على صدقات أسد وطيئ، فقدم على محمد بن عبد الله منها بأربعة وعشرين ألف دينار، دفعها إليه، فكانت قوة محمد بن عبد الله؛ فلما قتل محمد بن عبد الله بالمدينة قيل لأبي بكر: اهرب، قال: ليس مثلي يهرب. فأخذ أسيراً، فطرح في حبس المدينة، ولم يحدث فيه عيسى بن موسى شيئاً غير حبسه. فولى المنصور جعفر بن سليمان المدينة، فقال له: إن بيننا وبين أبي بكر بن عبد الله رحماً، وقد أساء، وقد أحسن، فإذا قدمت عليه فأطلقه، وأحسن جواره.

وكان الإحسان الذي ذكر المنصور من أبي بكر أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم المدينة بعدما شخص عيسى بن موسى، ومعه جند، فعاثوا بالمدينة، وأفسدوا، فوثب عليه سودان المدينة والرعاع والصبيان، فقاتلوا جنده، وطردوهم، وانتهبوهم، وانتهبوا عبد الله بن الربيع؛ فخرج عبد الله بن الربيع حتى نزل بئر المطلب يريد العراق على خمسة أميال إلى المدينة بالميل الأول وكسر السودان السجن، وأخرجوا أبا بكر، فحملوه حتى جاؤوا إلى المنبر، وأرادوا كسر حديده، فقال لهم: ليس على هذا فوت، دعوني حتى أتكلم، فقالوا له: فاصعد المنبر، فأبى، وتكلم أسفل من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم حذرهم الفتنة، وذكرهم ما كانوا فيه، ووصف عفو الخليفة عنهم، وأمرهم بالسمع والطاعة، فأقبل الناس على كلامه، واجتمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع، فضمنوا له ما ذهب منه ومن جنده، وقد كان تأمر على السودان زنجي منهم يقال له: وثيق، فمضى إليه محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، فلم يزل يخدعه حتى دنا منه، فقبض عليه، وأمر من معه فأوثقوه، فشدوه في الحديد، ورد القرشيون عبد الله بن الربيع إلى المدينة، وطلبوا ما ذهب من متاعه، فردوا ما وجدوا منه، وغرموا لجنده. وكتب بذلك إلى المنصور، فقبل منه. ورجع ابن أبي سبرة أبو بكر بن عبد الله إلى الحبس حتى قدم عليه جعفر بن سليمان، فأطلقه، وأكرمه؛ فصار بعد ذلك إلى المنصور فاستقضاه ببغداد، ومات ببغداد. قال سعيد بن عمرو: كان أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عاملاً لرباح بن عثمان بن حيان على مسعاة أسد وطيء، فلما خرج محمد بن عبد الله بن حسن جاءه أبو بكر بما صدق من مسعاه أسد وطيء، فدفع ذلك إليه، فلما قتل محمد أمر المنصور بحبس أبي بكر وتحديده. فحبس وحدد. فلما قام السودان بعبد الله بن الربيع الحارثي أخرج القرشيون أبا بكر، فحملوه على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنهى عن معصية أمير المؤمنين، وحث على طاعته. وقيل له: صل بالناس؟ فقال: إن الأسير لا يؤم. ورجع إلى محبسه. فلما ولى المنصور جعفر بن سليمان بن علي المدينة أمر بإطلاق ابن أبي سبرة، وأوصاه به، وقال له: إنه إن

كان أساء فقد أحسن. فأطلقه جعفر بن سليمان، فجاء إلى جعفر، فسأله أن يكتب له بوصاة إلى معن بن زائدة، وهو إذ ذاك على اليمن، فكتب له بوصاة إليه، فلقي الرابحي، فقال: هل لك في الخروج معي إلى العمرة؟ قال: والله ما أخرجني من منزلي إلا طلب شيء لأهلي؛ ما تركت عندهم شيئاً، قال ابن أبي سبرة: تكفاهم. فأمر لأهله بما يصلحهم، وخرج به معه. فلما قضيا عمرتهما قال للرابحي: هل لك بنا في معن بن زائدة؟ قال: حال أهلي ما أخبرتك! فخرج معه، وأمر لأهله بما يصلحهم. وقدم ابن أبي سبرة على معن والرابحي معاً، فدخل عليه ابن أبي سبرة، فدفع إليه كتاب جعفر بن سليمان، فقرأه بالوصاة به. ثم قال له معن: جعفر أقوى على صلتك مني، انصرف، فليس لك عندي شيء. فانصرف مغموماً، فلما انتصف النهار أرسل إليه، فجاءه، فقال له: يا بن أبي سبرة، ما حملك على أن قدمت علي وأمير المؤمنين عليك واجد؟ ثم سأله: كم دينه؟ فقال: أربعة آلاف دينار، فأعطاه إياها، وأعطاه ألفي دينار، فقال: أصلح بهما من أمرك. فانصرف، وأخبر الرابحي، فراح الرابحي إلى معن. فأنشده الرابحي يقول في مدح لأبي الوليد أخي المهدي الغمر: من الكامل ملكٌ بصنعاء الملوك له ... ما بين بيت الله والشّحر لو جاودته الريح مرسلةً ... لجرى بجودٍ فوق ما تجري حملت به أمٌّ مباركةٌ ... فكأنّها بالحمل ما تدري حتى إذا ما تمّ تاسعها ... ولدته أوّل ليلة القدر فأتت به بيضاً أسرّته ... يرجى لحمل نوائب الدهر مسح القوابل وجهه فبدا ... كالبدر أو أبهى من البدر فنذرن حين رأين غرّته ... إن عاش أن سيفين بالنّذر لله صوماً شكر أنعمه ... والله أهل الحمد والشكر

فنشا بحمد الله حين نشا ... حسن المروءة نابه الذكر حتّى إذا ما طرّ شاربه ... خضع الملوك لسيّدٍ فهري فإذا رمي ثغرٌ يقال له ... يا معن أنت سداد ذا الثّغر قال: أنا الوليد؛ أعطه ألف دينار، فأعطيها. فرجع إلى ابن أبي سبرة. فخرج ابن أبي سبرة إلى مكة وخرج به معه، فلما قدما مكة قال ابن أبي سبرة للرابحي: أما الأربعة الآلاف التي أعطاني معن في ديني فقد حبستها حتى أقضي بها ديني، لا أوثر عليه شيئاً، وأما ألفا الدينار اللذان أعطاني فلي منها ألف دينار، وخذ أنت ألفاً. فقال الرابحي: قد أعطاني ألف دينار! فقال: أقسمت عليك إلا أخذت. فأخذها، وقام هو والرابحي حتى بلغه أهله بالمدينة. فانصرف ابن أبي سبرة لقضاء دينه، وفضل ألف دينار، وانصرف الرابحي بألفي دينار. قال: ونمي الخبر إلى المنصور فكتب إلى معن: ما الذي حملك على أن تعطي ابن أبي سبرة ما أعطيته، وقد علمت ما فعل؟ فكتب إليه معن: إن جعفر بن سليمان كتب إلي يوصيني به، فلم أحسب جعفراً أوصاني به حتى رضي عنه أمير المؤمنين. فكتب المنصور إلى جعفر بن سليمان يبكته بذلك، فكتب إليه جعفر: إنك يا أمير المؤمنين أوصيتني به، فلم يكن من استيصائي به شيء أيسر من كتاب وصاة إلى معن بن زائدة. قال مالك: لما لقيت أبا جعفر قال لي: يا مالك، من بقي بالمدينة من المشيخة؟ قلت: ابن أبي ذئب، وابن أبي سلمة، وابن أبي سبرة. قال عبد الله بن الحارث المخزومي: كتب ابن جريج إلى ابن أبي سبرة، فكتب إليه بأحاديث من أحاديثه، وختم عليها.

قال يحيى بن معين: روى ابن جريج عن أبي بكر السبري، وكتبه منه إملاءً. قال: وكان ابن أبي سبرة قدم العراق، فجعل يقول لمن أتاه: عندي سبعون ألف حديث، فإن أخذتم عني كما أخذ ابن جريج فخذوا. قال: وكان ابن جريج أخذ عنه مناولةً. وقال يحيى القطان، ويحيى بن معين، وابن المديني، والبخاري، وأبو زرعة، والجوزجاني، والدارقطني، وغيرهم: ابن أبي سبرة ضعيف. قال أحمد بن حنبل: أبو بكر بن أبي سبرة كان يضع الحديث. قال لي حجاج: قال لي أبو بكر السبري: عندي سبعون ألف حديث في الحلال والحرام. قال أحمد: ليس بشيء، كان يضع الحديث، ويكذب. وقال: أبو بكر بن أبي سبرة لا يساوي حديثه شيئاً. قال الواقدي: تروى عنه العجائب. قال يحيى بن معين: أبو بكر بن أبي سبرة الذي يقال له: السبري، هو مديني، كان ببغداد، وليس حديثه بشيء، قدم ها هنا فاجتمع الناس عليه، فقال: عندي سبعون ألف حديث، إن أخذتم كما أخذ ابن جريج يعني عرضاً وإلا فلا.

أبو بكر بن عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

وقال ابن المديني والبخاري: أبو بكر بن أبي سبرة منكر الحديث زاد ابن المديني: هو عندي نحو ابن أبي يحيى. وقال النسائي: هو متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم. ورأيت أصحابنا يضعفونهم. قال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث. ومات ببغداد سنة اثنتين وستين ومائة، وبلغ ستين سنة. أبو بكر بن عبد الله الأسوار بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أخو أبي محمد بن عبد الله القرشي الأموي. وكان شاعراً، وكان ممن بايع مروان بن محمد بدمشق. وهو الذي يقول لولد عباد بن زياد، ونزل عليهم فاعتلوا باحتباس العطاء: من الوافر

بتنهج ليلةٌ طالت علينا ... وأخلفنا المواعد والدّعاء نناديهم ليقرونا فقالوا ... سنقريك إذا خرج العطاء ذكر الجاحظ في كتاب البخلاء، وذكر البلاذري عن المدائني: كان أبو بكر بن يزيد ذا نيقة في الطعام، وكان صاحب تنعم، فمر بقرية لعباد بن زياد بن أبي سفيان، ومعه رجل من تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة، وكانت القرية تدعى تنهج، فلم يقروهم، فقال التيمي: بتنهج ليلةٌ طالت علينا ... وأخلفنا المواعد والعشاء نناديهم ليقرونا فقالوا ... سنقريكم إذا خرج العطاء ودون عطائهم شهرا ربيع ... ونحن نسير إن متع الضّحاء أنادي خالداً والباب دوني ... وكيف يجيبك الفدم العياء ويقال: إن الأبيات لأبي بكر نحلها التيمي. فأجاب خالد بن عباد على الشعر، على أنه للتيمي فقال: من الوافر وما علم الكرام بجوع كلبٍ ... عوى والكلب عادته العواء وتيم اللات لا ترجى لخيرٍ ... وتيم اللات تفضلها النساء قال الحافظ أبو القاسم: سألت بعض من يخبر الشام عن تنهج فقال: حصن من مشارف البلقاء مما يلي البرية، وذكر أنه خراب اليوم. وقد ذكرت في ترجمة مروان بن محمد أن أبا بكر بن عبد الله كان حياً حين قدم مروان دمشق، وكان ذلك سنة سبع وعشرين ومائة.

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث

أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني الفقيه الضرير. أحد فقهاء المدينة السبعة. ويقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن. روي أنه وفد على الوليد بن عبد الملك. قال: وأنا أستبعد ذلك لأنه ضرير البصر، والمحفوظ أن دخوله عليه كان بالمدينة عام حج الوليد بعدما استخلف. ذكر أبو محمد عبد الله بن سعد القطربلي قال: روي أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قدم على الوليد بن عبد الملك، فأجلسه معه على سريره، وأقطعه أموال بني طلحة بن عبيد الله وقد كان سخط على بعضهم، فاصطفى أموالهم فلما خرج أتاه بنو طلحة، فاستأذنوا عليه، فأذن لهم، وحضره بنوه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال: إن الله قد رد عليكم أموالكم، وما قبلتها من أمير المؤمنين إلا مخافة أن تصير إلى غيري، فابعثوا من يقبضها. فقال له بنوه: أفلا تركت القوم حتى يتكلموا؟ قال: فما أتعبت عليهم بعد وجوههم. قال الزبير بن بكار: فولد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أبا بكر بن عبد الرحمن، وكان قد كف بصره، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان يسمى الراهب، وكان من سادة قريش. وكان من التابعين؛ وأمه الشريدة فاختة بنت عنبة بن سهيل بن عمرة، وإخوته لأبيه وأمه: عمر، وعثمان، وعكرمة، وخالد، ومحمد وبه كان يكنى عبد الرحمن وحنتمة ولدت لعبد الله بن الزبير بن العوام: عامراً، وموسى، وفاختة، وأم حكيم.

قال ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة: أبو بكر بن عبد الرحمن. وأمه فاختة فذكر نسبها كما سبق، ثم قال: فولد أبو بكر: عبد الرحمن، لا بقية له، وعبد الله، وعبد الملك، وهشاماً لا بقية له، وسهيلاً لا بقية له، والحارث، ومريم. وأمهم سارة بنت هشام بن الوليد بن المغيرة، وأبا سلمة لا بقية له، وعمر، وأم عمرو وهي ربيعة. وأمهم قريبة بنت عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمها أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمة بنت أبي بكر، وأمها من نسل قيس بن عاصم المنقري. قال محمد بن عمر: ولد أبو بكر في خلافة عمر بن الخطاب، وكان يقال له: راهب قريش، لكثرة صلاته، ولفضله. وكان قد ذهب بصره. وليس له اسم، كنيته اسمه. واستصغر يوم الجمل، فرد هو وعروة بن الزبير. وقد روى أبو بكر عن أبي مسعود الأنصاري، وعائشة، وأم سلمة. وكان ثقة، فقيهاً، كثير الحديث، عالماً، عالياً، عاقلاً، سخياً. قال علقمة بن وقاص الليثي: لما خرج طلحة والزبير وعائشة لطلب دم عثمان عرضوا من معهم بذات عرق، فاستصغروا عروة بن الزبير، وأبا بكر بن عبد الرحمن، فردوهما. وعن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم أهل البيت بنو الحارث بن هشام. عن بعض العلماء قال: كان يقال: ثلاثة أبيات من قريش توالت خمسة خمسة بالشرف، كل رجل منهم من أشرف أهل زمانه. فمن الثلاثة الأبيات: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة.

عن أبي الزناد أن السبعة الفقهاء الذين كان يذكرهم أبو الزناد: سعيد بن المسب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار. وقال ابن أبي الزناد: والسبعة الذين يستشيرهم الناس: فذكر مثله قال أبو الزناد: أدركت من فقهاء أهل المدينة وعلمائهم، ومن نرتضي وينتهى إلى قولهم، منهم: سعيد، وعروة، والقاسم، وأبو بكر، وخارجة، وعبيد الله، وسليمان، في مشيخة سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل. قال أحمد العجلي: أبو بكر بن عبد الرحمن: مدني، تابعي، ثقة. وذكره النسائي في تسمية فقهاء المدينة. وقال ابن خراش: هو أحد أئمة المسلمين وقال في موضع آخر: عمر، وأبو بكر، وعكرمة، وعبد الله، هؤلاء ولد الحارث بن هشام، كلهم جلة ثقات، يضرب بهم المثل. وروى الزهري عنهم كلهم إلا عمر.

عن عثمان بن محمد: أن عروة استودع أبا بكر بن عبد الرحمن مالاً من مال بني مصعب، فأصيب ذلك المال، أو بعضه. فأرسل إليه عروة أن لا ضمان عليك، إنما أنت مؤتمن. فقال أبو بكر: قد علمت أن لا ضمان علي، ولكن لم يكن لتحدث قريش أن أمانتي خربت. فباع مالاً له، فقضاه. قال هشام بن عبد الله بن عكرمة: جاء المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي إلى أبي بكر بن عبد الله يسأله في غريم ألط به، فلما جلس قال له أبو بكر: قد أعانك الله على غرمك بعشرين ألفاً؛ فقال له من كان معه: والله ما تركت الرجل يسألك؟! فقال: إذا سألني فقد أخذت منه أكثر مما أعطيه. قال مصعب بن عبد الله: ذكر أن قوماً من بني أسد بن خزيمة قدموا عليه يسألونه في دماء كانت بينهم، فاحتمل عنهم أربع ديات، ثم قال لابنه عبد الله بن أبي بكر: اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فأعلمه ما حملنا من هذه الديات، وسله المعونة. فذهب عبد الله إلى عمه، فذكر ذلك له، فقال المغيرة: أكثر علينا أبوك. فانصرف عنه عبد الله، فأقام أياماً لا يذكر لأبيه شيئاً، وكان يقود أباه إلى المسجد، فقال له أبوه يوماً: أذهبت إلى عمك؟ قال: نعم، وسكت، فعرف حين سكت عبد الله أنه لم يجد عند عمه ما يحب، فقال له أبو بكر: يا بني، لا تخبرني ما قال لك، فإن لا يفعل أبو هاشم يعني أخاه المغيرة فربما فعل، واغد غداً إلى السوق فخذ لي عينةً. فغدا عبد الله، فتعين عينةً من السوق

لأبيه، وباعها، فأقام أياماً ما يبيع أحد في السوق طعاماً، ولا زيتاً غير عبد الله من تلك العينة، فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين، فدفعها إليهم. عن عمر بن عبد الرحمن: أن أخاه أبا بكر بن عبد الرحمن كان يصوم، ولا يفطر، فدخل عليه ابنه وهو مفطر، فقال: ما شأنك اليوم مفطراً؟ قال: أصابتني جنابة، فلم أغتسل حتى أصبحت، فأفتاني أبو هريرة أن أفطر. فأرسلوا إلى عائشة سألونها، فقالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصيبه الجنابة فيغتسل بعدما يصبح، ثم يخرج رأسه يقطر، فيصلي بأصحابه، ثم يصوم ذلك اليوم. عن هشام بن عروة قال: رأيت على أبي بكر بن عبد الرحمن كساء خز. حدثنا محمد بن هلال أنه رأى أبا بكر بن عبد الرحمن لا يحفي شاربه جداً، يأخذ منه أخذاً حسناً. قال مصعب الزبيري: كان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مكفوفاً. وقد كف بصر أبي بكر بن عبد الرحمن، وكف بصر ابن عباس في آخر عمره، وهو ممن رأى جبريل. قال الواقدي: وكان عبد الملك بن مروان مكرماً لأبي بكر، مجلاً له، فأوصى الوليد وسليمان بإكرامه. وقال عبد الملك: إني لأهم بالشيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن، فأستحي منه، وأدع ذلك الأمر له.

قال الزبير: وكان أبو بكر ذا منزلة من عبد الملك، فأوصى به حين حضرته الوفاة ابنه الوليد، فقال له: يا بني، إن لي بالمدينة صديقين، فاحفظني فيهما: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبا بكر بن عبد الرحمن. قال ابن أبي سبرة: وزوج أبو بكر في غداة واحدة عشرة من بني المغيرة، وأخدمهم. قال: وتبين مالاً عظيماً فأداه في ديات تحملها. وقال صالح بن حسان: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لي في خلافته: وذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فكثروا جلالته، وهيبته، ونبله. وقال أبو عون مولى المسور بن مخرمة: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن وقد ذهب بصره يفرش له في وسط الدار، وهي دار فيها من أهل بيته، ما يفتح باب، ولا يغلق، ولا يدخل داخل ولا يخرج، ولا يمر به أحد حتى يقوم إعظاماً له. وقال عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن: قال لي أبي: يا بني، لا يفقدن مني جليسي إلا وجهي، هذا عهدي إليك، وهو عهد أبي كان إلي. قال خليفة بن خياط، وعلي بن المديني: مات أبو بكر بن عبد الرحمن سنة ثلاث وتسعين.

أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي

قال عبد الله بن جعفر: صلى أبو بكر بن عبد الرحمن العصر، فدخل مغتسله، فسقط، فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئاً. قال: فما علمت غربت الشمس حتى مات، وذلك سنة أربع وتسعين بالمدينة. قال محمد بن عمر: وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها قال غيره: مات فيها: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعلي بن الحسين. وقيل: مات أبو بكر بن عبد الرحمن سنة خمس وتسعين. قال ابن أبي فروة: دخل مغتسله فمات فيه فجاءةً. أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أخو عمر بن عبد العزيز لأبويه؛ أمهما أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. وكان أبو بكر فاضلاً، وكان الأسن منهما، وكان له ابنان: الحكم بن أبي بكر، ومروان بن أبي بكر. قال الزبير بن بكار: وولد عبد العزيز بن مروان: عمر بن عبد العزيز، وعاصماً، وأبا بكر، ومحمداً لا عقب له. وأمهم أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.

عن عبد الله بن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر قال: خرجت أنا والأحوص الأنصاري مع عبد الله بن حسن للحج، فلما كنا بقديد قلنا لعبد الله بن حسن: لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل الخزاعي فأنشدنا من شعره. فأرسل إليه، فجاءه، وأنشدنا قصيدة: من الكامل يا بيت خنساء الذي أتجنّب ... ذهب الزمان وحبّها لا يذهب أصبحت أمنحك الصّدود وإنّني ... قسماً إليك مع الصّدود لأجنب مالي أحنّ إذا جمالك قرّبت ... وأصدّ عنك وأنت مني أقرب لله درّك هل لديك معوّلٌ ... لمتيّم أو هل لودّك مطلب فلقد رأيتك قبل ذاك وإنّني ... لمتيّمٌ بهواك لو أتجنّب وأرى السّميّة باسمكم فيزيدني ... شوقاً إليك جنابك المتسبّب وأرى العدوّ يودّكم فأودّه ... إن كان ينسب منك أو يتنسّب وأخالف الواشين فيك تجمّلاً ... وهم عليّ ذوو ضغائن درّب ثم اتّخذتهم عليّ وليجةً ... حتى غضبت ومثل ذلك يغضب فلما كان القابل حج أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان، فمررنا بالمدينة، فدخل عليه الأحوص، فاستصحبه، فأصحبه؛ فلما خرج الأحوص قال له بعض من عنده: تقدم بالأحوص الشام فتعير به؟ فبعث إلى الأحوص فقال له: يا خال، إني نظرت فيما سألتني من الاستصحاب فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين بلا إذن، ولكني أستأذنه لك، فإن أذن كتبت إليك في المسير إلي. فقال الأحوص: لا والله، ما بك ما ذكرت، ولكني

سبغت عندك. ثم خرج. فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز بصلة، واستوهبه عرض أبي بكر، فوهبه له، ثم قال: من الكامل يا بيت عاتكة الذي أتعزّل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكّل إني لأمنحك الصّدود وإنّني ... قسماً إليك مع الصّدود لأميل ثم قال يعرض بأبي بكر بن عبد العزيز: ووعدتني في حاجتي فصدقتني ... ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدّلوا حتى إذا رجع الحديث مطامعي ... يأساً وأخلفني الذين أؤمّل قابلت ما صنعوا إليك برحلةٍ ... عجلى وعندك منهم متحوّل وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل فقال له عمر بن عبد العزيز: ما أراك أعفيتني ما استعفيتك به! قال أبو سعيد بن يونس: أبو بكر بن عبد العزيز بن مروان. قال أحمد بن يحيى بن وزير: توفي في رجب سنة ست وتسعين. وذكر غير ابن يونس: أن عمر كان قد رضيه للخلافة بعده، فسقي السم، فماتا معاً.

أبو بكر بن محمد بن عمرو

أبو بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم بن زيد بن لوذان ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو محمد الأنصاري الخزرجي المدني الفقيه ولي القضاء والإمرة بالمدينة والموسم لسليمان بن عبد الملك، ثم لعمر بن عبد العزيز. يقال: إن اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. قدم به على يزيد بن عبد الملك، فتزوج بنت عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، وأصدقها مالاً كثيراً، فكتب الوليد بن عبد الملك إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: إنه قد بلغ من اللؤم أن يزيد بن عبد الملك تزوج فلانة، وأصدقها مالاً كثيراً، ولا أراه فعل ذلك إلا وهو يراها خيراً منه، فقبح الله رأيه، فإذا جاءك كتابي هذا فادع عوناً، فاقبض المال منه، فإن لم يدفعه إليك فاضربه بالسياط حتى تستوفيه منه، ثم افسخ نكاحه. فأرسل أبو بكر بن محمد إلى عون، فدعاه بالمال، فقال: ليس عندي، وقد فرقته. فقال أبو بكر: إن أمير المؤمنين أمرني إن لم تدفعه لما كله أن أضربك بالسياط، ثم لا أرفعها عنك حتى أستوفيه منك. فصاح به يزيد بن عبد الملك، فجاءه، فقال له فيما بينه وبينه: كأنك خشيت أن أسلمك؟! ادفع إليه المال، ولا تعرضه لنفسك، فإنه إن دفعه إلي رددته إليك، وإن لم يدفعه إلي أخلفته لك. ففعل. فلما ولي يزيد بن عبد الملك الخلافة كتب في أبي بكر بن محمد، وفي الأحوص، فحملا إليه، لما بين أبي بكر والأحوص من العداوة وكان أبو بكر قد ضرب الأحوص وغربه إلى دهلك، وأبو بكر مع عمر بن عبد العزيز، وعمر إذ ذاك على المدينة قال: فلما صارا بباب يزيد أذن

للأحوص، فرفع أبو بكر يديه يدعو، فلم يخفضهما حتى خرج بالأحوص ملبباً، مكسور الأنف. فإذا هو لما دخل على يزيد قال له: أصلح الله أمير المؤمنين، هذا ابن حزم الذي سفه رأيك، ورد نكاحك. فقال يزيد: كذبت، عليك غضب الله، ومن يقول ذاك أكسر أنفه! فكسر أنفه، وأخرج ملبباً. قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل المدينة: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار. وأمه كبشة، وخالته عمرة بنت عبد الرحمن التي روت عن عائشة. وأبو بكر هو اسمه. قال محمد بن عمر: توفي أبو بكر بالمدينة سنة عشرين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك، وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان ثقةً كثير الحديث. وقال ابن سعد أيضاً: فولد محمد بن عمرو بن حزم: عثمان، وأبا بكر الفقيه، وأم كلثوم. وأمهم كبشة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بن عدس من بني مالك بن النجار. قال أبو نصر الكلاباذي: يقال: اسمه وكنيته واحد. ويقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. حدث عن عباد بن تميم، وعمرو بن سليم، وعمر، وعمرة. روى عنه. ابنه عبد الله، ويحيى بنت سعيد في الاستسقاء والجنائز والأنبياء.

قال يحيى بن معين وابن خراش: هو مدني ثقة. عن امرأة أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنها قالت: ما اضطجع أبو بكر على فراشه منذ أربعين سنة بالليل. قال محمد بن علي: قالوا لعمر بن عبد العزيز: استعملت أبا بكر بن حزم، غرك بصلاته! قال: إذا لم يغرني المصلون فمن يغرني؟! قال: وكانت سجدته قد أخذت جبهته وأنفه. قال صالح بن كيسان: كان المحدثون من هذه الطبقة من أهل المدينة: سليمان بن يسار، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعبيد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن هشام، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة. عن سليمان بن عبد الرحمن بن خباب قال: أدركت رجالاً من المهاجرين، ورجالاً من الأنصار من التابعين يفتون بالبلد؛ فأما المهاجرون فسعيد بن المسيب فذكرهم، وقال: ومن الأنصار: خارجة بن زيد، ومحمود بن لبيد، وعمر بن خلدة الزرقي، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف.

قال ابن وهب: حدثني مالك قال: لم يكن عند أحد بالمدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن أبا بكر كان يتعلم القضاء من أبان بن عثمان. قال مالك: وكان أبو بكر قاضياً لعمر بن عبد العزيز إذ كان عمر أمير المدينة، ولم يكن على المدينة أنصاري أميراً غير أبي بكر بن محمد. وكان قاضياً. قال: وحدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر، وكان عمر قد أمره على المدينة بعد أن كان قاضياً قال مالك: وقد ولي أبو بكر بن حزم المدينة مرتين أميراً، فكتب إليه عمر أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد. قال: فقلت لمالك: السنن؟ قال: نعم. قال: فكتبها له. قال مالك: فسألت ابنه عبد الله بن أبي بكر عن تلك الكتب، فقال: ضاعت. وكان أبو بكر عزل عزلاً قبيحاً. قال خليفة: أقام عمر بن عبد العزيز بالمدينة إلى سنة ثلاث وتسعين، ثم عزله الوليد، واستخلف على المدينة أبا بكر بن حزم، فعزله الوليد وولى عثمان بن حيان المري، فعزله سليمان وولى أبا بكر بن حزم في شهر رمضان سنة ست وتسعين حتى مات سليمان، وأقر عمر بن عبد العزيز عليها أبا بكر بن حزم. وقيل: إن محمد بن قيس بن مخرمة ولي

المدينة لعمر بن عبد العزيز. ثم عزل يزيد بن عبد الملك أبا بكر بن حزم وولاها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري. وأقام الحج أبو بكر بن حزم سنة ست وتسعين، وسنتي ولايته: تسع وتسعين، وسنة مائة. قال: وولى عمر بن عبد العزيز في إمرته على المدينة القضاء عبد الرحمن بن يزيد بن جارية. ثم عزله واستقضى أبا بكر بن حزم. ثم عزله الوليد. وولى عثمان بن حيان المري أبا بكر قضاء المدينة سنة ثلاث وتسعين. قال: وكتب هشام بن عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم فكان يصلي بالناس بالمدينة سنة تسع عشرة حتى قدم محمد بن هشام. قال علي بن محمد: أقر عثمان بن حيان أبا بكر بن حزم على القضاء. ثم عزل سليمان بن عبد الملك عثمان بن حيان وولى أبا بكر بن حزم على المدينة فاستقضى أبا طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية. وأقر عمر أبا بكر على المدينة، فأقر أبا طوالة على القضاء. ثم عزل يزيد بن عبد الملك أبا بكر عن المدينة وولى ابن الضحاك. قال ابن وهب: حدثني مالك قال: كان أبو بكر بن حزم على قضاء المدينة، وولي المدينة أميراً. قال: فقال له قائل: ما أدري كيف أصنع بالاختلاف؟ فقال أبو بكر: يا بن أخي، إذا وجدت أهل المدينة على أمر مستجمعين عليه فلا تشك فيه، إنه الحق.

عن عبد الله بن أبي بكر: أن عمر أجرى على أبيه ثمانيةً وثمانين ديناراً. قال مالك بن أنس: ولا أراه أجراها عليه إلا على حساب سعر المدينة. عن مصعب بن عثمان وغيره: أن أبا الحارث بن عبد الله بن السائب اختصم هو ورجل من قريش، فقال له أبو الحارث: أتكلمني وعندك يتيمة لك تبوكها؟ فاستعدى عليه أبا بكر بن حزم، فسأل عن البوك، فذكر له أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف على ماء يحير في عين تبوك، فقال: أنتما عليها تبوكانها منذ اليوم، يريد تثورانها. فحد أبو بكر بن حزم أبا الحارث. فقال له أبو الحارث وهو يحده: أيا بن حزم، تضربني قلاظاً؟ فقال ابن حزم: احفظ هذه الكلمة أيضاً حتى نسأل عنها. فقال له أبو الحارث: أتكلفني يا بن حزم أن أعلمك كلام مضر؟ والقلاظ: الظلم. قال: وانتهى بعد ذلك إلى أبي بكر بن حزم أن البوك خرج غير المخرج الذي حد عليه أبا الحارث، فأشهد أنه قد درأ عنه الحد. قال ابن وهب: قال لي مالك بن أنس: ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءةً، ولا أتم حالاً، ولا رأيت مثلما أولي: ولاية المدينة، والقضاء، والموسم. وكان يقول لابنه عبد الله: إني أراك تحب الحديث،

وتجالس أهله، فلا تستقبل صدر حديث إذا سمعت عجزه؛ استدل بأعجازها على صدورها. وفي رواية: يا بني؛ إنك حديث السن، وإنك تجالس الناس، فاسمع ما يسأل عنه، ولا تسأل، فإن فاتك شيء من أول الحديث تستدل على أوله بآخره. عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه رأى أبا بكر بن حزم يقضي في المسجد معه حرسيان مستنداً إلى الأسطوان على القبر. قال محمد بن عمر: فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ولى أبا بكر إمرة المدينة، فاستقضى أبو بكر على المدينة ابن عمه أبا طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم. وكان أبو بكر هو الذي يصلي بالناس، ويتولى أمرهم. أخبرنا معن، حدثنا أبو الغصن قال: لم أر على أبي بكر بن حزم على المنبر سيفاً قط، ورأيته يعتم يوم العيد، ويوم الجمعة بعمامة بيضاء. أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبو الغصن أنه رأى أبا بكر بن حزم في أصبعه اليمين خاتم فيه ياقوتة لونها لون السماء. وفي رواية: خاتم فصه ياقوتة حمراء.

أبو بكر بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي

قال يحيى بن معين: مات أبو بكر بن حزم سنة عشرين ومائة، ومات ابنه عبد الله بن أبي بكر سنة ثلاثين ومائة. هذا الذي عليه الأكثر. وقال الهيثم: مات أبو بكر سنة ست وعشرين. وقال آخر: سنة سبع عشرة. وقال غيره: سنة عشر ومائة. وقال بعضهم: سنة مائة. والله أعلم. أبو بكر بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي أمه أم ولد. ذكر البلاذري أنه هو الذي يقول: من الخفيف وإذا العبد أغلق الباب دوني ... لم يحرّم عليّ متن الطريق وذكر أن خالد بن يزيد هجاه فقال: من الوافر سمين البغل من مال اليتامى ... رخيّ البال مرزول الصّديق أبو بكر بن يزيد بن أبي بكر بن يزيد بن معاوية الأموي حفيد المقدم ذكره. كان يسكن صهيا من قرى دمشق، وكانت لجده معاوية أبو بكر بن يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الموي أمه امرأة من كلب

أبو بكر الكلبي العابد

أبو بكر الكلبي العابد كان من عباد أهل الشام قال: ابن آدم، ليس لما بقي من عمرك في الدنيا ثمن. وقال: عند الصباح يحمد القوم السرى، وعند الممات يحمد القوم التقى. أبو بكر رجل من أهل دمشق عن أبي بكر الدمشقي أن معاوية بن أبي سفيان قال: فذكر كلاماً. أبو بكر الشبلي أحد شيوخ الصوفية المعدودين، وزهادهم الموصوفين. اختلف في اسمه، فقيل: دلف بن جعبر، ويقال: ابن جحدر، ويقال: بل اسمه جعفر بن يونس. كان فقيهاً على مذهب مالك بن أنس، وكتب الحديث الكثير، ثم صدف عن ذلك، ولزم العبادة حتى صار رأساً في المتعبدين، ورئيساً للمجتهدين. وكان مقامه ببغداد، وقد زرت قبره بها. وقدم دمشق على ما بلغني في بعض الحكايات.

عن الشبلي قال: حدثنا محمد بن مهدي المصري، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، حدثنا صدقة بن عبد الله، عن طلحة بن زيد، عن أبي فروة الرهاوي، عن عطاء، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الق الله فقيراً، ولا تلقه غنياً. قال: يا رسول الله، كيف لي بذلك؟ قال: ما سئلت فلا تمنع، وما رزقت فلا تخبأ. قال: يا رسول الله، كيف لي بذاك؟ قال: هو ذاك، وإلا فالنار. وقال الشبلي: كنت وردت الشام من مكة، فرأيت راهباً في صومعة، فنظر إلي، فقلت له: يا راهب، لماذا حبست نفسك في هذه الصومعة؟ قال: ليثوب عملي، فقلت: يا راهب، ولمن تعمل؟ قال: لعيسى، قلت: وبأي شيء استحق عيسى هذه العبادة منك دون الله؟ قال: لأنه مكث أربعين يوماً لم يطعم، ولم يشرب، فقلت له: ومن يعمل ذلك يستحق العبادة له؟ قال: نعم. قال الشبلي: فقلت للراهب: فاستوفها مني. فمكثت أربعين يوماً تحت صومعته، لا آكل، ولا أشرب. فقال لي: ما دينك؟ قلت: محمدي. فنزل، وأسلم علي يدي. وحملته إلى دمشق، فقلت: اجمعوا له أشياء، فإنه قريب العهد بالإسلام. وانصرفت، وتركته مع الصوفية. قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: وقد كتبت نحو هذه الحكاية عن أبي بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني، وسقتها في ترجمته. وقد ورد وروده يعني الشبلي الشام من وجهيت آخرين:

قال أبو الحسن بن سمعون: قال لي الشبلي: كنت باليمن، وكان باب دار الإمارة رحبةً عظيمة، وفيها خلق كثير قيام ينظرون إلى منظرة، فإذا قد ظهر من المنظرة شخص أخرج يده كالمسلم عليهم، فسجدوا كلهم. فلما كان بعد سنين كنت بالشام، وإذا تلك اليد قد اشترت لحماً بدرهم، وحملته. فقلت له: أنت ذلك الرجل؟ قال: نعم، من رأى ذاك، ورأى هذا لا يغتر بالدنيا. وقال: سمعت الشبلي يقول: كنت في قافلة الشام، فخرج الأعراب فأخذوها، وأميرهم جالس يعرضون عليه. فخرج جراب فيه لوز وسكر، فأكلوا منه إلا الأمير فما كان يأكل، فقلت له: لم لا تأكل؟ قال: أنا صائم، قلت: تقطع الطريق، وتأخذ الأموال، وتقتل النفس وأنت صائم؟! قال: يا شيخ، أجعل للصلح موضعاً. فلما كن بعد حين رأيته يطوف حول البيت وهو محرم كالشن البالي. فقلت: أنت ذاك الرجل؟ فقال: ذاك الصوم بلغ بي إلى هذا. قال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي: دلف بن جعبر، ويقال: دلف بن جحدر، ويقال: دلف بن جعفر. ويقال: إن اسم الشبلي جعفر بن يونس. سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يذكر ذلك، وهكذا رأيته على قبره مكتوباً ببغداد. وأظن أن الأصح: دلف بن جحدر. وأبو بكر الشبلي أصله من أشروسنة، ومولده بسر من رأى.

سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: الشبلي من أهل أشروسنة، بها قرية يقال لها: شبلية أصله منها. وكان خاله أمير الأمراء بإسكندرية. قال السلمي: كان الشبلي مولده بسر من رأى، وكان حاجب الموفق، وكان أبوه حاجب الحجاب، وكان الموفق جعل لطعمته دماوند، ثم لما قعد الموفق وكان ولي العهد من قبل أخيه حضر الشبلي يوماً مجلس خير النساج، وتاب فيه، ورجع إلى دماوند، وقال: أنا كنت حاجب الموفق، وكان ولاني بلدتكم هذه، فاجعلوني في حل. فجعلوه في حل، وجهدوا أن يقبل منهم شيئاً، فأبى. وصار بعد ذلك واحد زمانه حالاً ونفساً. سمعت أبا سعيد السجزي يذكر ذلك كله. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: ومنهم أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي. بغدادي المولد والمنشأ، أصله من أشروسنة. صحب الجنيد، ومن في عصره، وكان نسيج وحده حالاً وظرفاً وعلماً، مالكي المذهب، عاش تسعاً وثمانين سنة، ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وقبره ببغداد. ومجاهداته في بدايته فوق الحد.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: بلغني أنه اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر، ولا يأخذه النوم. ولو لم يكن من تعظيمه للشرع إلا ما حكاه بكران الدينوري في آخر عمره لكان كثيراً. وكان الشبلي إذا دخل شهر رمضان جد في الطاعات، ويقول: هذا شهر عظمه ربي فأنا أولى من يعظمه. وقال الشبلي: مات أبي وخلف ستين ألف دينار سوى الضياع والعقار وغيرها، فأنفقتها كلها، ثم قعدت مع الفقراء حتى لا أرجع إلى مادي، ولا أستظهر بمعلوم. وقال أحمد بن عطاء: سمعت الشبلي يقول: كتبت الحديث عشرين سنةً، وجالست الفقراء عشرين سنةً. وكان يتفقه لمالك. وكان له يوم الجمعة نظرة، ومن بعدها صيحة. فصاح يوماً صيحةً تشوش ما حوله من الخلق. وكان بجنب حلقته حلقة أبي عمران الأشيب، فقال لأبي الفرج العكبري: ما للناس؟ قال؛ حردوا من صيحتك. وحرد أبو عمران وأهل حلقته. فقام الشبلي، وجاء إلى أبي عمران، فلما رآه أبو عمران قام إليه، وأجلسه إلى جنبه، فأراد بعض أصحاب أبي عمران أن يري الناس أن الشبلي جاهل، فقال له: يا أبا بكر، إذا اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة كيف تصنع؟ فأجاب بثمانية عشر جواباً. فقام أبو عمران وقبل رأسه، وقال: يا أبا بكر، أعرف منها اثني عشر، وستة ما سمعت بها قط. قال السلمي: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: لم أر في الصوفية أعلم من الشبلي، ولا أتم حالاً من الكتاني. وقال السلمي: سمعت أبا العباس محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت الشبلي يقول: أعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه، وغرق في هذه الدجلة التي

ترون سبعين قمطراً مكتوباً بخطه، وحفظ الموطأ، وقرأ بكذا وكذا قراءةً عنى به نفسه. قال أبو الخير زيد بن رفاعة الهاشمي: دخل أبو بكر بن مجاهد على أبي بكر الشبلي، فحادثه، وسأله عن حاله. فقال ابن مجاهد: نرجو الخير؛ يختم في كل يوم بين يدي ختمتان وثلاث. فقال له الشبلي: أيها الشيخ قد ختمت في تلك الزاوية ثلاثة عشر ألف ختمة إن كان فيها شيء قبل فقد وهبته لك، وإني لفي درسه منذ ثلاث وأربعين سنة ما انتهيت إلى ربع القرآن. قال أبو بكر محمد بن عمر: كنت عند أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد المقرئ، فجاء الشبلي، فقام إليه أبو بكر بن مجاهد، فعانقه، وقبل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي، تفعل هذا بالشبلي، وأنت وجميع من ببغداد يتصورونه بأنه مجنون؟؟! فقال لي: فعلت كما رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل به؛ وذاك أني رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام وقد أقبل الشبلي، فقام إليه، وقبل بين عينيه، فقلت: يا رسول الله، أتفعل هذا بالشبلي؟ قال لي: نعم، هذا يقرأ بعد صلاته: " لقد جاءكم رسولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم " الآية، ويتبعها بالصلاة علي. قال الخطيب: سمعت أبا القاسم عبيد الله بن عبد الله بن الحسن الخفاف المعروف بابن النقيب يقول: كنت يوماً جالساً بباب الطاق أقرأ القرآن على رجل يكنى بأبي بكر المعيمش، وكان ولياً لله، فإذا بأبي بكر الشبلي قد جاء إلى رجل يكنى بأبي الطيب الجلاء، وكان من أهل العلم، فسلم عليه، وأطال الحديث معه، وقام لينصرف. فاجتمع قوم إلى أبي

الطيب فقالوا: نسألك أن تسأله أن يدعو لنا، ويرينا شيئاً من آيات الله ومعهم صاحبان له فألح أبو الطيب عليه في المسألة، واجتمع الناس بباب الطاق، فرفع الشبلي يده إلى الله تعالى، ودعا بدعاء لم يفهم، ثم شخص إلى السماء، فلم يطبق جفناً على جفن إلى وقت الزوال. وكان دعاؤه وابتداء إشخاص بصره إلى السماء ضحى النهار. فكبر الناس وضجوا بالدعاء والابتهال. ثم مضى الشبلي إلى سوق يحيى، وإذا برجل يبيع حلواء، وبين يديه طنجير فيه عصيدة تغلي، فقال الشبلي لصاحب له: هل تريد من هذه العصيدة؟ قال: نعم. فأعطى الحلاوي درهماً، وقال: أعط هذا ما يريد، ثم قال: تدعني أعطيه رزقه؟ قال الحلاوي: نعم. فأخذ الشبلي رقاقة، وأدخل يده في الطنجير، والعصيدة تغلي، فأخذ منها بكفه، وطرحها على الرقاقة. ومشى الشبلي إلى أن جاء إلى مسجد أبي بكر بن مجاهد، فدخل على أبي بكر، فقام إليه، فتحدث أصحاب ابن مجاهد بحديثهما، وقالوا لأبي بكر: أنت لم تقم لعلي بن عيسى الوزير، وتقوم للشبلي؟! فقال أبو بكر: ألا أقوم لمن يعظمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقال لي: يا أبا بكر، إذا كان في غد فسيدخل عليك رجل من أهل الجنة، فإذا جاءك فأكرمه. قال ابن مجاهد: فلما كان بعد ذلك بليلتين أو أكثر رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال لي: يا أبا بكر، أكرمك الله كما أكرمت رجلاً من أهل الجنة. فقلت: يا رسول الله، بم استحق الشبلي هذا منك؟ فقال: هذا رجل يصلي كل يوم خمس صلوات يذكرني في إثر كل صلاة، ويقرأ: " لقد جاءكم رسولٌ مِنْ أَنْفُسِكُم "، الآية يفعل ذلك منذ ثمانين سنةً، أفلا أكرم من يفعل هذا؟

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر الرازي: كان أهل بغداد يقولون: عجائب الدنيا ثلاث: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جعفر. قال أبو بكر الزبير بن محمد بن عبد الله: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في الجنيد؟ قال: جمع العلم، قلت: فالشبلي؟ قال: إن صحا انتفع به كثير من الناس، قلت: فالحلاج؟ قال: استعجل. قال الشبلي: كان بدء أمري أني نوديت: يا أبا بكر، ليس لهذا أردناك، ولا بهذا أمرناك. فتركت خدمة المعتضد، ونظرت في الناسخ والمنسوخ، والتأويل والتفسير، والتحليل والتحريم. وسمعت الحديث والفقه وكتاب المبتدأ وغير ذلك، ثم أبدت علي خفقة أذهبت ما سوى الله، فإذا الله الله. وقال: كنت في أول بدايتي أكتحل بالملح، فلما زاد علي الأمر أحميت الميل فاكتحلت به. وقال: أطع الله يطعك كل شيء. قال برهان الدينوري: حضر الشبلي ليلةً ومعه صبي، فقال للصبي: قم نم، فقال الصبي: إني آنس برؤيتك، فأشتهي النظر إليك إلى أن تنام. فقال الشبلي: إن جاريتي قالت: عددت عليك ستة أشهر لم تنم فيها.

قال جعفر الفرغاني: سمعت الجنيد يقول: لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض، فإنه عين من عيون الله. قال أبو عمر الأنماطي: سمعت الجنيد يقول: لكل قوم تاج، وتاج هؤلاء القوم الشبلي. قال أبو عمرو بن علوان: سمعت الجنيد يقول: جزى الله الشبلي عني خيراً، فإنه ينوب عني في أمر الفقراء شيئاً كثيراً. قال الجنيد: إذا كلمتم الشبلي فكلموه من وراء الترس، فإن سيوف الشبلي تقطر دماً، فقال له ابن عطاء: هو هكذا يا أبا القاسم؟ قال: نعم يا أحمد، ما ظنك بشخص السيوف في وجهه، والأسنة في ظهره، والسهام عن يمينه وشماله، والنار تحت قدميه؟ قال: فزعقت. قال عبد الله بن يوسف الصباغ: كنت مع أبي في الدكان نصبغ، فلما كان يوم من الأيام خرجت فإذا على باب الدكان شيخ جالس، فقلت مازحاً: الشيخ قد صلى الظهر؟ قال: نعم، والحمد لله، قلت: أين صليت؟ قال: بمكة. فدخلت إلى أبي، فقلت: يا أبه، رجل بباب الدكان قال: صليت الظهر بمكة! فخرج أبي، فلما رآه رجع وقال: هذا الشبلي. قال أبو الحسين بن سمعون: اعتل الشبلي، فقال علي بن عيسى للمقتدر بالله: الشبلي عليل. فأنفذ إليه بطبيب يحمل إليه ما يصف له، فلما كان يوم قال الطبيب للشبلي: والله لو كان دواءك في قطعة من لحمي ما عسر علي ذلك. قال له الشبلي: دوائي في دون ذلك، قال: وما هو؟ قال:

تقطع الزنار، قال: فإذا قطعت الزنار تبرأ؟ قال: نعم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فأخبر الخليفة بذلك، فقال: أنفذنا بطبيب إلى عليل، وما علمنا أنا أنفذنا بعليل إلى طبيب. قال أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى الوزير: كان ابن مجاهد يوماً عند أبي، فقيل له: الشبلي؟ قال: يدخل. فقال ابن مجاهد: سأسكته الساعة بين يديك؛ وكان من عادة الشبلي إذا لبس شيئاً خرق فيه موضعاً، فلما جلس قال له ابن مجاهد: يا أبا بكر، أين في العلم إفساد ما ينتفع به؟ قال له الشبلي: أين في العلم " فَطَفِقَ مَسْحاً بالسُّوقِ والأعناق "؟ قال: فسكت ابن مجاهد. فقال له أبي: أردت أن تسكته فأسكتك! ثم قال له: قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت؛ أين في القرآن: الحبيب لا يعذب حبيبه؟ قال: فسكت ابن مجاهد، فقال له أبي: قل يا أبا بكر، فقال: قوله تعالى: " وقالت اليهودُ والنصارى نحنُ أبناءُ اللهِ وأحباؤه قلْ فَلِمَ يُعَذّبُكم بذنوبِكُم ". فقال ابن مجاهد: كأنني ما سمعتهما قط. قال السلمي: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: قال أبو العباس بن شريح يوماً للشبلي: يا أبا بكر، أنت مع جودة خاطرك وفهمك لو شغلته بشيء من علوم الفقه؟ فقال: أنا أشتغل بعلم يشاركني فيه مثلك؟! قال القشيري: سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سئل الشبلي، فقيل له: أخبرنا عن توحيد مجرد بلسان حق مفرد؟ فقال: ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن

أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن توهم أنه واصل فليس له حاصل، ومن رأى أنه قريب فهو بعيد، ومن تواجد فهو فاقد، وكل ما ميزتموه بأوهامكم، وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم، محدث مصنوع مثلكم. قال السلمي: سمعت عبد الله بن موسى السلامي يقول: سمعت الشبلي يقول: جل الواحد المعروف قبل الحدود وقبل الحروف. وقال الشبلي في قوله تعالى: " ادعوني أستجب لكم ": ادعوني بلا غفلة أستجب لكم بلا مهلة. قال السلمي: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول: كنت واقفاً في مجلس الشبلي في جامع المدينة ببغداد، فوقف سائل على مجلسه وحلقته، وجعل يقول: يا الله، يا جواد، فتأوه الشبلي، وصاح، وقال: كيف يمكنني أن أصف الحق بالجود، ومخلوق يقول في شكله: من الطويل تعوّد بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبضٍ لم تجبه أنامله تراه إذا ما جئته متهلّلاً ... كأنّك تعطيه الذي أنت سائله ولو لم يكن في كفّه غير روحه ... لجاد بها فليتّق الله سائله هو البحر من أيّ النّواحي أتيته ... فلجّته المعروف والجود ساحله ثم بكى وقال: بلى يا جواد، فإنك أوجدت تلك الجوارح، وبسطت تلك الهمم، ثم مننت

بعد ذلك على أقوام بالاستغناء عنهم، وعما في أيديهم، فإنك الجواد كل الجواد، فإنهم يعطون عن محدود، وعطاؤك لا حد له، ولا صفة. فيا جواد يعلو كل جواد، وبه جاد كل من جاد. وقال الشبلي: ما قلت الله قط إلا واستغفرت الله من قولي الله. قال السلمي: سمعت علي بن عبد الله البصري يقول: وقف رجل على الشبلي فقال: أي صبر أشد على الصابر؟ فقال: الصبر في الله، قال: لا، قال: الصبر لله، قال: لا، قال: الصبر مع الله، قال: لا، قال: فأيش؟ قال: الصبر عن الله، فصرخ الشبلي صرخةً كادت روحه أن تتلف. وسئل الشبلي عن المحبة، فقال: الميم محو الصفات، والحاء: حياة القلوب بذكر الله، والباء بلى الأجساد، والهاء: هيمان القلوب في ذات الله. قال بندار بن الحسين: سمعت الشبلي يقول يوم الجمعة وهو يتكلم على الناس، وقد سأله شاب فقال: يا أبا بكر، لم تقول: الله، ولا تقول: لا إله إلا الله؟ قال الشبلي: أخشى أن أؤخذ في كلمة الجحود فلا اصل إلى كلمة الإقرار. قال الشاب: أريد حجةً أقوى من هذه، فقال: يا هذا، قال الله تعالى: " قُلِ اللهُ ثمّ ذَرْهُمْ في خوضِهم يَلْعَبُون "، قال: فزعق الشاب زعقةً، فقال الشبلي: الله، فزعق ثانية، فقال الشبلي: الله، فزعق الثالثة، فمات. فاجتمع إليه أبواه، فقدماه إلى الخليفة، وادعيا عليه الدم، فقال له الخليفة: يا أبا بكر، ماذا صنعت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، روح جنت فرنت، ودربت، فعلمت، ودعيت، فأجابت، فما ذنبي؟ فصاح الخليفة ثم أفاق فقال: خليا سبيله، لا ذنب له. هذا قتيل لا دية له ولا قود.

قال السلمي: سمعت أبا بكر الأبهري الفقيه ببغداد يقول: سمعت الشبلي يقول: الانبساط بالقول مع الحق ترك الأدب، وترك الأدب يوجب الطرد، ومن لم يراع أسراره مع الحق لا يكاشف عن عين الحقيقة بذرة. قال أبو العباس الدامغاني: أوصاني الشبلي فقال: الزم الوحدة، وامح اسمك عن القوم، واستقبل الجدار حتى تموت. قال السلمي: سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: كان الشبلي يقول لمن يدخل عليه: عندك خبر، أو عندك أثر؟! وينشد: من الطويل أسائل عن سلمى فهل من مخبر ... بأنّ له علماً بها أين تنزل ثم يقول: لا وعزتك ما في الدارين عنك مخبر. وقال الشبلي: ما أحد يعرف الله، قيل: كيف؟ قال: لو عرفوه لما اشتغلوا عنه بسواه. قال أبو محمد جعفر بن محمد الصوفي: كنت عند الجنيد، فدخل الشبلي، فقال جنيد: من كان الله همه طال حزنه، فقال الشبلي: يا أبا القاسم، لا بل، من كان همه زال حزنه. قال البيهقي: قول الجنيد محمول على دار الدنيا، وقول الشبلي محمول على الآخرة، وقول الجنيد محمود على حزنه عند رؤية التقصير في نفسه في القيام بواجباته، وقول الشبلي محمول على سروره بما أعطي من التوفيق في الوقت حتى جعل الهم هماً واحداً. والله أعلم.

وسئل الشبلي عن الزهد فقال: تحويل القلب عن الأشياء إلى رب الأشياء. وقال: ليكن همك معك لا يتقدم، ولا يتأخر. وسئل: لم سموا صوفية؟ فقال: لمصافاة أدركتهم من الحق فصفوا. فمن صفا فهو صوفي. وقيل للشبلي: يا أبا بكر، أوصني، فقال: كلامك كتابك إلى ربك، فانظر ما تملي فيه. وقال: سهو طرفة عين عن الله شرك بالله. قال السلمي: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سئل الشبلي وأنا حاضر: هل يبلغ الإنسان بجهده إلى شيء من طرق الحقيقة، أو الحق؟ فقال: لا بد من الاجتهاد والمجاهدة، ولكنهما لا يوصلان إلى شيء من الحقيقة، لأن الحقيقة ممتنعة عن أن تدرك بجهد واجتهاد، فإنما هي مواهب، يصل العبد إليها بإيصال الحق إياه لا غير. وأنشد على أثره: من الطويل أسائلكم عنها فهل من مخبّرٍ ... فمالي بنعمٍ بعد مكثتنا علم فلو كنت أدري أين خيّم أهلها ... وأيّ بلاد الله أو ظعنوا أمّوا إذاً لسلكنا مسلك الريح خلفها ... ولو أصبحت نعمٌ ومن دونها النجم قال السلمي: وحكي عن بعضهم قال: كنت يوماً في حلقة الشبلي فسمعته يقول: الحق يفني بما به يبقي، ويبقي بما به يفني، ويفني بما فيه بقاء، ويبقي بما فيه فناء. فإذا أفنى عبداً عن إياه أوصله به، وأشرفه على أسراره. وبكى، وأنشد على أثره: من الوافر لها في طرفها لحظات سحرٍ ... تميت به وتحيي من تريد

وسئل الشبلي: ما علامة صحة المعرفة؟ قال: نسيان كل شيء سوى معروفه. قيل: وما علامة صحة المحبة؟ قال: العمى عن كل شيء سوى محبوبه. وقال: ليس للعارف، ولا لمحب سلوى، ولا لعبد دعوى، ولا لخائف قرار، ولا لأحد من الله فرار. قال الحسن الفرغاني: سألت الشبلي: ما علامة العارف؟ فقال: صدره مشروح، وقلبه مجروح، وجسمه مطروح. والعارف الذي عرف الله، وعرف مراد الله، وعمل لما أمر الله، وأعرض عما نهى الله، ودعا عباد الله إلى الله. والصوفي من صفا قلبه فصفا، وسلك طريق المصطفى، ورمى الدنيا خلف القفا، وأذاق الهوى طعم الجفا. والتصوف التآلف والتطرف، والإعراض عن التكلف. وقال أيضاً: هو التعظيم لأمر الله، والشفقة على عباد الله. وقال أيضاً: الصوفي من صفا من الكدر، وخلص من الغير، وامتلأ من الفكر، وتساوي عنده الذهب والمدر. وقيل له: ما علامة القاصد؟ قال: أن لا يكون للدرهم راصداً. وقيل له: في أي شيء أعجب؟ قال: قلب عرف ربه ثم عصاه. وقال: المعارف تبدو فتطمع، ثم تخفى فتؤيس، فلا سبيل إلى تحصيلها، ولا طريق إلى الهرب منها؛ فإنها تطمع الآيس، وتؤيس الطامع. وسئل: إلى ماذا تحن قلوب أهل المعارف؟ فقال: إلى بدايات ما جرى لهم في الغيب من حسن العناية. وأنشد: من الكامل

سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن ... ما كان قلبي للصبابة معهدا وقال: الدنيا خيال، وظلها وبال، وتركها جمال، والإعراض عنها كمال، والمعرفة بالله اتصال. وسئل: ما الفرق بين رق العبودية، ورق المحبة؟ فقال: كم بين عبد إذا عتق صار حراً، وعبد كلما عتق ازداد رقاً. وقال: من البسيط لتحشرنّ عظامي بعد إذ بليت ... يوم الحساب وفيها حبّكم علق وسئل: هل يتسلى المبتلى عن حبيبه دون مشاهدته؟ فأنشأ يقول: من السريع والله لو أنك توجتني ... بتاج كسرى ملك المشرق ولو بأموال الورى جدت لي ... أموال من باد، ومن قد بقي وقلت لي لا نلتقي ساعة ... اخترت يا مولاي أن نلتقي وسئل: هل يعرف المحب أنه محب؟ قال: نعم، إذا كتم حبه، ثم ظهر عليه مع كتمانه. وأنشد: من البسيط قد يسحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرّق الناس فينا قولهم فرقا فكاذبٌ قد رمى بالظن غرّكم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا

قال زيد بن رفاعة الهاشمي: سمعت أبا بكر الشبلي ينشد في جامع المدينة يوم الجمعة والناس حوله: من الطويل يقول خليلي كيف صبرك عنهم ... فقلت وهل صبر فتسأل عن كيف بقلبي هوى أذكى من النار حرّه ... وأخلى من التقوى وأمضى من السيف قال أبو جعفر الفرغاني: كنت أنا وأبو العباس بن عطاء، وأبو محمد الجريري جلوساً عند الجنيد، إذ أقبل الشبلي وهو متغير، فلم يتكلم مع أحد، وقصد الجنيد، فوقف على رأسه، وصفق بيديه، وقال: من الخفيف عوّدوني الوصال والوصل عذب ... ورموني بالصّدّ والصدّ صعب لا وحسن الخضوع عند التلاقي ... ما جزا من يحبّ الاّ يحبّ قال: فضرب الجنيد برجله الأرض وقال: هو ذاك يا أبا بكر، هو ذاك! قال عامر الدينوري: كنت جالساً عند الشبلي، فاجتاز أبو بكر بن داود الأصبهاني، فسلم عليه. فقال له الشبلي: أنت الذي أنشدت لك وحقيقة: من الخفيف موقف للرقيب لا أنساه لست أخشى.

مرحباً بالرقيب من غير وعدٍ ... جاء يجلو عليّ من أهواه لا أحبّ الرّقيب إلاّ لأني ... لا أرى من أحبّ حتى أراه فقال ابن داود: ما علمت أن لله فيها إشارة حتى نبهني الشبلي عليها. وسئل الشبلي عن حقيقة التوكل، فقال: حفظ العبد حركات همته من الطلب بما ضمنه الباري عز وجل من رزقه. وقال الشبلي: ذكر الله على الصفاء ينسي العبد مرارة البلاء. وقال: ذكر الغفلة يكون جوابه اللعن. وأنشد: من البسيط ما إن ذكرتك إلاّ همّ يلعنني ... ذكري وسري وفكري عند ذكراكا حتى كأن رقيباً منك يهتف بي ... إياك ويحك والتذكار إياكا وقال: ليس مع العالم إلا ذكر؛ قال الله تعالى: " إنْ هُوَ إلاّ ذِكْرٌ للعالَمِين ". وسئل: من أقرب أصحابك إليك؟ قال: ألهجهم بذكر الله، وأقومهم بحق الله، وأسرعهم مبادرة في مرضاة الله. قال أبو نصر محمد بن علي الطوسي: سمعت الشبلي يوماً في مجلسه، وقد غلبه حاله، جثا على ركبتيه وهو يقول: من الطويل إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا ... كفى لمطايانا بذكرك هاديا وقطع المجلس. وسمعته يوماً ينشد وهو في مثل هذه الحال: من الطويل إذا أبصرتك العين من بعد غايةٍ ... وعارض فيك الشكّ أثبتك القلب ولو أن ركباً أمّموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدلّ بك الركب فقطع المجلس أيضاً بمثل هذا.

وسئل الشبلي عن التصوف فقال: ترويح القلوب بمرواح الصفاء، وتجليل الخواطر بأردية الوفاء، والتخلق بالسخاء، والبشر في اللقاء. وقال السلمي: سمعت ... والسجزي يقولان: بلغنا أن رجلاً قال للشبلي من أصحابك؟ وهم في المسجد الجامع فقال الشبلي: مر بنا إليهم، فمر الرجل معه حتى دخل المسجد، فرأى الشبلي قوماً عليهم المرقعات والفوط، فقال؛ هؤلاء هم؟ قال: نعم. فأنشأ يقول: من الكامل أمّا الخيام فإنّها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها قال عيسى بن علي الوزير: دخل الشبلي على أبي، فدفع إليه صرة فيها أربعون ديناراً، فقال له: خذ هذه نفقة للصوفية. فأخذها وخرج. فقيل لأبي: إنه عبر على الجسر، فرأى رجلاً صوفياً قد وقف على دكان الحجام يقول له: قد احتجت إليك ساعة، أتفعل ذلك من أجل الله؟ فقال له: ادخل، فدخل إليه، فأصلح وجهه، وحلق رأسه، وحجمه، والشبلي بباب الدكان، فلما فرغ وجاء الرجل ليخرج قال الشبلي للحجام: خذ هذه الصرة أجرة خدمتك لهذا الرجل، فقال الحجام: إنما فعلت ذلك من أجل الله، فقال له: إن فيها أربعين ديناراً! فقال الحجام: ما أنا بالذي أحل عقداً عقدته بيني وبين الله بأربعين ديناراً. فلطم الشبلي وجهه وقال: كل أحد خير من الشبلي حتى الحجام. قال أحمد بن جعفر السيرواني: دخلت أنا وفقير على الشبلي، فسلمنا عليه، فقال: إلى أين تريدان؟ فقلنا: البادية، فقال: على أي حكم؟ فقال صاحبي: على حكم الفقراء، فقال: احذروا ألا تسبقكم همومكم، ولا تتأخر!

قال أبو الحسن السيرواني: فجمع لنا العلم كله في هذه الكلمة. قال أبو حاتم الطبري: سمعت أبا بكر الشبلي يقول في وصيته: وإن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة، فهي الدنيا، فإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفاً من تراب، فإنك منها خلقت، وفيها تعود، ومنها تخرج. ومتى أردت أن تنظر ما أنت فانظر إلى ما يخرج منك في دخولك الخلاء، فمن كان حاله كذلك لا يجوز أن يتطاول ويتكبر على من هو منه. قال أبو طالب العلوي: كنت مع الشبلي بباب الطاق، فجاء رجل راكب، وبين يديه غلام، فقال رجل لرجل: من هذا؟ قال: صقعان الأمير ومسخرته، فغدا الشبلي، فقبل فخذه، فرمى الرجل نفسه من الفرس فقال: يا سيدي، أحسبك ما عرفتني! قال: بلى قد عرفتك، أنت تأكل الدنيا بما تساويه، اركب، فأنت خير ممن يأكل الدنيا بالدين. قال أبو بكر الرازي: سمعت الشبلي يقول: ما أحوج الناس إلى سكرة تفنيهم عن ملاحظات أنفسهم، وأفعالهم، وأحوالهم، والأكوان وما فيها. وأنشد: من الطويل وتحسبني حيّاً وإنّي لميّت ... وبعضي من الهجران يبكي على بعضي وسئل عن متابعة الإسلام، فقال: أن تموت عنك نفسك. وقال: ليس في الوقت مرح، الوقت جد كله. وقال: من فني عن نفسه وقام الحق بتوليه لا ينكر له تقليب الأعيان، واتخاذ المفقود.

وقال: احذر أماكن الاتصال، فإنه خدع كلها، وقف بحيث وقف العوام تسلم. وقال: لا أشك إلا أني قد وصلت، ولا أشك إلا أن الوصل دوني، ولكن أبكي. ثم أنشأ يقول: من الوافر فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراق فتسخن عينه عند التنائي ... وتخسن عينه عند التلاقي وسئل الشبلي: ما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة، لأن الحيلة إما رشوة، أو قرار، وهما بعيدان عن طرق الحقيقة، فاطلب الدواء من حيث جاء الداء، فلا يقدر على شفائك إلا من أعلك وأنشد: من البسيط إنّ الذين بخيرٍ كنت تذكرهم ... هم أهلكوك وعنهم كنت أنهاكا لا تطلبن دواء عند غيرهم ... فليس يحييك إلا من توفاكا واجتاز الشبلي بدرب سليمان عند الجسر في شهر رمضان، فسمع البقلي ينادي: من كل لون. فحال لونه، وأخذه السماع، وأنشأ يقول: من المتقارب فيا ساقي القوم لا تنسني ... ويا ربّة الخدر غنّي رمل وقد كان شيء يسمّى السرور ... قديماً سمعنا به ما فعل خليليّ إن دام هذا الصّدود ... على ما أراه سريعاً قتل وفي رواية: خليليّ إن دام همّ النفوس ... على ما تراه قليلاً قبل مؤمّل دنيا لتبقى له ... فمات المؤمّل قبل الأمل

وقال الشبلي: لولا أن الله خلق الدنيا على العكس لكان منفعة الإهليلج في اللوزينج. وقال: كن مع مولاك مثل الصبي مع أمه؛ تضربه ويمسكها، ويقول: يا أمي لا أعود. وقال: ما ظنك بمعان هي شموس كلها، بل الشموس فيها ظلمة. وقيل له: يا أبا بكر، الرجل يسمع الشيء ولا يفهم معناه، فيؤاخذ عليه، لم هذا؟! فأنشأ يقول: من الرمل ربّ ورقاء هتوفٍ بالضحى ... ذات شجوٍ صدحت في فنن ذكرت إلفاً ودهراً صالحاً ... فبكت حزناً فهاجت حزني فبكائي ربما أرّقها ... وبكاها ربما أرّقني ولقد تشكو فما أفهمها ... ولقد أشكو فما تفهمني غير أنّي بالجوى أعرفها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني وقال الشبلي: الوجد اصطلام. ثم قال: الوجد عندي جحود ... ما لم يكن عن شهود وشاهد الحق عندي ... يفني شهود الوجود قال السلمي: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول: حضرت مع الشبلي ليلة في مجلس سماع، وحضره المشايخ، فغنى قوال شيئاً، فصاح

الشبلي والقوم سكوت، فقال له بعض المشايخ: يا أبا بكر، أليس هؤلاء يسمعون معك؟ مالك من بين الجماعة؟ فقام، وتواجد، وأنشأ يقول: من الكامل لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خرّوا لعزة ركّعاً وسجودا وقال: من البسيط لي سكرتان وللندمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي قال: وسمعت أبا العباس البغدادي يقول: كنا جماعة من الأحداث نصحب أبا الحسين بن أبي بكر الشبلي، وهو حدث، ونكتب الحديث، فأضافنا ليلة أبو الحسين، فقلنا: بشرط ألا يدخل علينا أبوك، فقال: لا يدخل. فدخلنا داره، فلما أكلنا إذا نحن بالشبلي وبين كل أصبعين من أصابعه شمعة، ثماني شموع. فجاء وقعد في وسطنا، فاحتشمنا منه، فقال: يا سادة عدوني فيما بينكم طست شمع. ثم قال: أين غلامي أبو العباس؟ فتقدمت إليه، فقال لي: غنّ الصوت الذي كنت تغني: من الهزج ولما بلغ الحير ... ة حادي جملي حارا فقلت احطط بها رحلي ... ولا تحفل بمن سارا فغنيته، فألفى الشموع من يده وخرج. قال أبو يعقوب الخراط: كنت في حلقة الشبلي، فبكى رجل حتى علا صوته، وبكى الشبلي وأهل الحلقة ببكائه، وأنشأ يقول: من السريع أنافعي دمعي فأبكيكا ... هيهات مالي طمع فيكا لو كنت تدري بالذي نالني ... أقصرت عن بعض تجنيكا وقيل للشبلي: كم تهلك نفسك بهذه الدعاوى، ولا تدعها! فقال: من المنسرح

إني وإن كنت قد أسأت بي ال ... يوم لراج للعطف منك غدا أستدفع الوقت بالرجاء وإن ... لم أر منكم ما أرتجي أبدا أغرّ نفسي بكم وأخدعها ... نفسٌ ترى الغيّ فيكم رشدا وسئل: هل يقع بين الإلفين تهاجر؟ فقال: يزاد رشدا، ثم أنشأ يقول: من الوافر هجرتك لا قلىً مني ولكن ... رأيت بقاء ودك في الصدود كهجر الحائمات الورد لمّا ... رأت أنّ المنية في الورود وسئل عن قوله تعالى: " وللهِ على النَّاسِ حجُّ البيتِ "، فوصفه بصفة تضبط عنه، ثم قال: من الخفيف لست من جملة المحبّين إن لم ... أجعل القلب بيته والمقاما وطوافي إجالة السرّ فيه ... وهو ركني إذا أردت استلاما قال أبو السري: وقفت يوم عيد على حلقة الشبلي، والناس عليه، فجاء حدثٌ من أولاد الوزراء حسن الوجه والزي، وكثر الناس. فلما رآه الشبلي قال: من نظر اعتباراً سلم، ومن نظر اختياراً فتن. ثم قال له: مر من عندي وإلا أخرق ثيابك. قال أبو الحسن علي بن محمد بن أي صابر الدلال: وقفت على الشبلي قي قبة الشعراء في جامع المنصور والناس مجتمعون عليه، فوقف عليه في الحلقة غلام لم يكن ببغداد في ذلك الوقت أحسن وجهاً منه يعرف بابن مسلم، فقال له: تنح، فلم يبرح، فقال له الثانية: تنح يا شيطان عنا، فلم يبرح، فقال له الثالثة: تنح، وإلا والله خرقت كل ما عليك، وكان عليه ثياب في غاية الحسن تساوي جملة كبيرة. فانصرف الفتى.

وقيل: خرج الشبلي يوماً من منزله وعليه خريق وأطمار، فقيل له: ما هذا؟ فقال: من الطويل فيوماً ترانا في الخزوز نجرّها ... ويوماً ترانا في الحديد عوابسا ويوماً ترانا في الثريد نبسه ... ويوماً ترانا نأكل الخبز يابسا وقال الشبلي: ضاق صدري ببغداد، فضاقت علي أوقاتي، فوقع لي أن أنحدر إلى البصرة، فاكتريت سمارية، وركبت فيها، فلما بلغت البصرة، وخرجت من السمارية زاد علي ما كنت أجده ببغداد أضعاف ذلك. فركبت تلك السمارية، ورجعت إلى بغداد، فلما بلغت دار الخليفة إذا جارية تغنيى له في التاج: من الطويل أيا قادماً من سفرة البحر مرحباً ... أناديك لا أنساك ما هبّت الصّبا قدمت على قلبي كما قد تركته ... كئيباً حزيناً بالصّبابة متعبا فلما سمعت غناءها طرحت نفسي في دجلة، فقيل: أدركوا الرجل! فأخذت إلى الشط، فقال المقتدر: من هذا؟ فقالوا: أبو بكر الشبلي؛ فحملت إليه، ووقفت بين يديه، فقال: يا أبا بكر، تبلغنا عنك في كل وقت أعاجيب فما هذا؟، فقصصت عليه القصة، وخرجت. وفي رواية: فصاح صيحة، ووقع في دجلة مغشياً عليه، فقال الخليفة: الحقوه، واحملوه، فحمل إلى بين يديه، فقال له: أمجنون أنت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كان من أمري كيت وكيت، فتحيرت فيما هو يجري علي. فبكي الخليفة مما رأى من حرقته. قال أبو الصقر الصوفي: دخلت على شيخ من شيوخنا أهنئه يوم عيد، فرأيت عنده نخالة وهندباء وخلاً، فشغل ذلك قلبي، فخرجت من عنده، ودخلت على أحد أرباب الدنيا، فذكرت ذلك له، فدفع إلي صرة فيها دراهم، فقال: احملها إليه.

فعدت ودخلت إليه، فأخبرته، فقال: وما الذي رأيت من حالي؟ قلت: رأيت هندباء وخلاً ونخالة. فقال: كأنك افتقدت منزلي، وكذلك لو كانت في بيتي حرمة أكنت تفتقدها؟ قم فاخرج! أشهد لا كلمتك شهراً. قال: فخرجت، فنطح الباب وجهي، ففتحته، فمسحت الدم ومشيت. فلقيني الشبلي، فقلت: يا أبا بكر، رجل مشى في طاعة الله ينطح وجهه، ما يوجب هذا؟ قال: لعله أراد أن يجيء إلى شيء صاف فيكدره. وقال للشبلي رجل: يا أبا بكر، اليوم يوم العيد، فأنشأ يقول: من البسيط الناس بالعيد قد سرّوا وقد فرحوا ... وما سررت به والواحد الصمد لمّا تيقنت أنّي لا أعاينكم ... غمّضت طرفي فلم أنظر إلى أحد قال السلمي: وبلغني أن الشبلي كان واقفاً على قبر الجنيد، فسئل عن مسألة، فنظر إلى الرجل، ونظر إلى القبر، وقال: من الطويل وإني لأستحييه والترب بيننا ... كما كنت أستحييه حين يراني وقيل له: إن فلاناً رجلاً من أصحابه مات فجاءة، فقال: من الطويل قضى الله في القتلى قصاص دمائهم ... ولكن دماء العاشقين جبار ومات أخ من إخوان الشبلي، فعز عليه، فرجع من جنازته وهو يقول: من الكامل سأودّع الإحسان بعدك والنّهى ... إذ حال منك البين والتوديع ولأستقلّ لك الدموع صبابةً ... ولو أن دجلة لي عليك دموع

وحكايات الشبلي رحمه الله كثيرة في إنشاده للشعر الحسن، والتمثل به، والطرب عليه، والتواجد من سماعه. وأنشد: من البسيط كادت سرائر سرّي أن تشير بما ... أوليتني من سرورٍ لا أسمّيه فصاح بالسر سرّ منك ترقبه ... كيف السرور بسرّ دون مبديه فظل يلحظني فكري لألحظه ... والحق يلحظني أن لا أراعيه وأقبل الحق يفني اللحظ عن صفتي ... وأقبل اللحظ يفنيني وأفنيه وقال: من الطويل وكم كذبةٍ لي فيك لا أستقلّها ... أقول لمن ألقاه إنّي صالح وأيّ صلاحٍ بي وجسمي ناحلٌ ... وقلبي مشغوفٌ ودمعي سافح وقال: من الطويل ذكرتك لا أنّي نسيتك لمحةً ... وأيسر ما في الذكر ذكر لساني وكدت بلا وجدٍ أموت من الهوى ... وهام عليّ القلب بالخفقان فلما أراني الوجد أنك حاضرٌ ... شهدتك موجوداً بكل مكان فخاطبت موجوداً بغير تكلم ... ولاحظت معلوماً بغير عيان وقال: من البسيط إنّي عجبت وما في الحبّ من عجبٍ ... فيه الهموم وفيه الوجد والكلف أرى الطريق قريباً حين أسلكه ... إلى الحبيب بعيداً حين أنصرف قال جعفر الخلدي: أحسن أحوال الشبلي أن يقال له مجنون.

وقال الشبلي: من الخفيف كلما قلت قد دنا حلّ قيدي ... قدّموني وأوثقوا المسمارا وقال لأصحابه ذات يوم: ألست عندكم مجنوناً وأنتم أصحاء؟ زاد الله في جنوني، وزاد في صحتكم. ثم قال: من البسيط قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... ما لذّة العيش إلا للمجانين وقال أيضاً: من الخفيف بي جنون الهوى وما بي جنون ... وجنون الهوى جنون الجنون قال أبو نصر الهروي: كان الشبلي يقول: إنما يحفظ هذا الجانب بي يعني من الديالمة فمات هو يوم الجمعة، وعبرت الديالمة إلى الجانب الشرقي يوم السبت. مات هو وعلي بن عيسى في يوم واحد. قال منصور بن عبد الله: دخل قوم على الشبلي في مرضه الذي مات فيه، فقالوا: كيف نجدك يا أبا بكر؟ فقال: إن سلطان حبه ... قال لا أقبل الرّشا فسلوه ت فديته ... لم بقلبي تحرشا وسأل جعفر بن نصير بكران الدينوري وكان يخدم الشبلي: ما الذي رأيت منه؟ فقال: قال لي: علي درهم مظلمة، وتصدقت عن صاحبه بألوف، فما على قلبي

شغل أعظم منه. ثم قال: وضئني للصلاة، ففعلت، فنسيت تخليل لحيته، وقد أمسك على لسانه، فقبض على يدي، وأدخلها في لحيته، ثم مات. فبكى جعفر وقال: ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة؟ وفي رواية: ما يمكن أن يقال في رجل لم يذهب عليه تخليل لحيته في الوضوء في وقت نزع روحه. وقيل: دخل عليه قوم من أصحابه وهو في الموت، فقالوا: قل لا إله إلا الله. فأنشا يقول: من المديد إنّ بيتاً أنت ساكنه ... غير محتاجٍ إلى السّرج وجهك المأمول حجتنا ... يوم يأتي الناس بالحجج لا أتاح الله لي فرجاً ... يوم أدعو منك بالفرج وقال بكير صاحب الشبلي: وجد الشبلي في يوم الجمعة آخر ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة خفة من وجع كان به، فقال: تنشط نمشي إلى الجامع؟ قلت: نعم. فاتكأ عل يدي حتى انتهيت إلى الوراقين من الجانب الشرقي، فتلقانا رجل جاء من الرصافة، فقال بكير؟ قلت: لبيك، قال: غداً يكون لي مع هذا الشيخ شأن. ثم مضينا، وصلينا، ثم عدنا. فتناول شيئاً من الغداء، فلما كان الليل مات رحمه الله فقيل: في درب السقائين رجل شيخ صالح يغسل الموتى. قال: فدلوني عليه في سحر ذلك اليوم. فنقرت الباب نقراً خفياً، فقلت: سلام عليكم، فقال: مات الشبلي؟ قلت: نعم، فخرج إلي، فإذا به الشيخ، فقلت: لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، تعجباً. ثم قلت: لي الشبلي أمس لما التقينا بك في الوراقين: غداً يكون لي مع هذا الشيخ شأن. بحق معبودك، من أين لك أن الشبلي قد مات؟ قال: يا أبله، فمن أين للشبلي أنه يكون له معي شأن من الشأن اليوم؟!

أبو بكر الوراق الصوفي

وكان موت الشبلي يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين ت وقيل: سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، ودفن في الخيزرانية. أبو بكر الوراق الصوفي من الطوافين. صحب أبا سعيد الخراز، وكان معه على ساحل بحر صيدا في حكاية تقدمت. أبو بكر الجصاص البصري الصوفي سكن دمشق، وكان له كتاب يكتب فيه عمله حسنه وسيئه. أبو بكر الدمشقي من أهل الأدب. سكن بغداد. حكى عنه علي بن هارون بن علي بن يحيى المنجم. أبو بكر بن العطار الداراني قرأت بخط عبد الوهاب بن جعفر: يوم السبت لاثنتي عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة مات أبو بكر الداراني المعروف بابن العطار المتعبد في المسجد الجامع بدمشق. مات بداريا، وأخرجت جنازته بداريا من الغد ضحى نهار بعد أن نودي له في جامع دمشق، وخرج جماعة من الناس من الأشراف والشيوخ والتجار، وغيرهم فشهدوا جنازته بداريا بلاس.

أبو بكر القلانسي

أبو بكر القلانسي قرأت بخط عبد الوهاب الميداني: في يوم الأحد سلخ شهر رمضان يعني سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة مات أبو بكر المعروف بالقلانسي الذي كان مقيماً بسطرا. وكان رجلاً مستوراً. وأخرجت جنازته في يوم الاثنين إلى باب شرقي، وشهد جنازته جماعة من الناس. أبو بكر بن الفريابي أحد الصالحين. قال عبد الوهاب: مات لإحدى عشرة خلت من رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، فأخرجت جنازته إلى باب توما العصر، وكان له مشهد عظيم. عفا الله عنا وعنه. أبو بكر الواسطي الصوفي قرأت بخط غيث بن علي: حدثت أن أبا بكر الواسطي توفي بدمشق بعد مضيه من عندنا في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وأربعمائة، وأقام بدار الحجارة نحواً من يومين لم يعلم به. ذكر هو لي رحمه الله أنه سمع من القاضي أبي عمر الهاشمي، وعلي بن بشران، وهلال الحفار، وطبقتهم. ولم يصحبه شيء من سماعه، وكان يذكر أنه شيء كثير، وما أظنه حدث. وكان يظهر لي أنه قد نيف على السبعين.

أبو بكر السمرقندي الفقيه الحنفي المعروف بالظهير

أبو بكر السمرقندي الفقيه الحنفي المعروف بالظهير قدم دمشق، وأقام بها مدة، وعقد له مجلس التدريس في الخزانة الشرقية بالشام من جامع دمشق التي جعلت مسجداً. ثم فوض إليه التدريس بمسجد خاتون إلى أن مات بدمشق في شوال سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.

كنى النساء على حرف الباء

كنى النساء على حرف الباء أم البراء بنت صفوان بن هلال من النسوة الشواعر الفصيحات. عن سعيد بن حذاقة قال: دخلت أم البراء بنت صفوان بن هلال على معاوية وعليها ثلاث دروع قد كارت على رأسها كوراً، فسلمت وجلست، فقال لها: كيف أنت يا بنت صفوان؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين، قال: كيف حالك؟ قالت: ضعفت بعد قوة، وكسلت بعد نشاط. قال: شتان بين يومك ويوم تقولين: من الكامل يا زيد دونك صارماً ذا رونق ... عضب المهزة ليس بالخوّار أسرج جوادك مسرعاً ومشمّراً ... للحرب لس مولّياً لفرار يا ليتني أصبحت ليس بعورةٍ ... فأذبّ عنه عساكر الفجّار قالت: يا أمير المؤمنين عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه، قال؛ هيهات! أما والله لو عاد لعدت، ولكنه اخترم قبلك، فكيف أبياتك فيه حين قتل؟ قالت: نسيتها. قال: هو والله حين تقولين: من الكامل يا للرجال لعظم أمر مصيبةٍ ... جلّت فليس مصابها بالزائل فالشمس كاسفة لفقد أميرنا ... خير البرية والإمام العادل

أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد

يا خير من ركب المطي ومن مشى ... فوق التراب بحافي أو ناعل حاشا النبي لقد هدمت قواءنا ... فالحق أصبح خاضعاً للباطل قاتلك الله! والله ما كان حسان يحسن هذا. ألك حاجة؟ قالت: أما الآن فلا. وقامت، فعثرت بثوبها، فقالت: تعس شانئ علي. فقال لها معاوية: يا أم البراء، زعمت ألا! قالت: هو والله ما تعلم. وخرجت، فبعث إليها بمال. أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس زوج الوليد بن عبد الملك وابنة عمه. وكانت دارها بدمشق بقرب طاحونة الثقفيين المعروفة اليوم بطاحونة القلعة. وكانت لها دار أخرى خراج باب الفراديس على يسرة المار إلى المقبرة. عن ابن أبي عبلة قال: سمعت أم البنين تقول: أف للبخل، لو كان ثوباً ما لبسته، ولو كان طريقاً ما سلكته. وعن ابن أبي عبلة قال: دخلت على أم البنين وهي تعالج قدراً لها، فقلت: ما هذا؟ فقالت: شيء اشتهاه أمير المؤمنين، فأنا أعالجه. أم البنين بنت عبد الملك بن مروان، وأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز. قال الحافظ: كذا قال: وهو وهم، وإنما أم البنين بنت عبد العزيز أخت عمر.

قال يحيى بن منصور: دخلت عزة كثير على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز فقالت لها: ما سبب قول كثير: قضى كلّ ذي دينٍ علمت غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها قالت: كنت وعدته قبلة، فتحرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها، وعلي إثمها. قال: فندمت أم البنين على قولها هذا، فأعتقت لكلمتها هذه سبعين رقبة. قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد العزيز: وأم البنين بنت عبد العزيز ولدت للوليد بن عبد الملك. وأخواها لأمها: سهيل وجعفر ابنا خارجة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العوام. وأمهم ليلى بنت سهيل بن حنظلة بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب. وعن أبي نصر بن ماكولا قال: وأما أم البنين أوله باء معجمة بواحدة وبعدها نون مكسورة خفيفة فهي: أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، أخت عمر بن عبد العزيز.

حرف التاء

حرف التاء أبو تجراة الكندي وفد على معاوية بن أبي سفيان في أمر سعد بن طلحة بن أبي طلحة العبدري مع شيبة بن عثمان الحجبي. له ذكر. عن حسن بن زيد أنه قال يوماً: قاتل الله ابن هشام ما كان أجرأه على الله، دخلت عليه مع أبي في هذه الدار يعني دار مروان وقد أره هشام أن يفرض للناس، فدخل عليه ابن لعبد الله بن جحش المجدع في الله، فانتسب له، وسأله الفريضة، فلم يبه بشيء، ولو كان أحد يرفع إلى السماء كان ينبغي له أن يرفع. ثم دخل عليه ابن أبي تجراة، وهم أهل بيت من كندة رفعوا بمكة، فقال: ابن أبي تجراة صاحب عمل عمارة بن الوليد في سفره الذي يقول فيه: من الطويل تزوّج أبا تجراة من يك أهله ... بمكة يرحل وهو للظلّ آلف فقال له: لتعلمن أن مودة أبي فائد قد نفعتك اليوم. ففرض له، ولأهل بيته. أبو تميمة مولى بني مروان الأموي حكى عن عمر بن عبد العزيز، فقال: أين منزلك؟ قال: بالعراق، قال: أوما علمت أو بلغك أنه لا ينزله أحد إلا سيق إليه قطعة من البلاء.

أبو توبة المصري

أبو توبة المصري روى عنه محمد بن أبي حميد، ووفد على عمر بن عبد العزيز. وقال: كنت عند عمر بن عبد العزيز ونحن بالإسكندرية حين استخلف. قال: فجمعني، وجمع فقهاء فقال: لا يبقين أحد منكم إلا أعلمني ما سمع في الخمر. فذكر حديث تحريم الخمر. قال الحافظ أبو القاسم: لا أعرف أن عمر بن عبد العزيز دخل الإسكندرية بعدما استخلف، وأبو توبة هذا لم أجد له ذكراً في كتاب من الكتب المشهورة، ومحمد بن أبي حميد سيء الحفظ. والله أعلم. حرف الثاء أبو الثريا الكردي ولي إمرة دمشق مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين وثلاثمائة من قبل أبي محمود المغربي أمير الشام في أيام الملقب بالعزيز، فوليها مدة يسيرة ثم عزل بأبي الفتوح جيش بن الصمصامة ولايته الثانية. أبو ثعلبة الخشنيّ اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً على ما سنورده. وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن أبي ثعلبة الخشني: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن كل ذي ناب من السباع. قال عبد الجبار بن محمد بن مهنى: ذكر أبي ثعلبة الخشني، واسمه جرثوم بن ناشر. والدليل على نزوله داريا ومقامه

بها حديث ابن جابر، عن عمير بن هانئ العنسي حيث يقول: كنا بدرايا في المسجد، ومعنا أبو ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع من روى عنه من أهل داريا. وقد قيل: إن أبا ثعلبة كان يسكن بقرية البلاط، وإن من ولده بها قوماً إلى هذا اليوم. وأرى أن ولده انتقلوا من داريا فسكنوا البلاط؛ لأن حديث ابن جابر عن عمير بن هانئ مشهور ومعروف عند أهل العلم. والله أعلم. قال سليمان بن عبد الرحمن: سألت بعض ولد أبي ثعلبة الخشني عن اسم أبي ثعلبة فقال: لاشر بن جرثوم. وعن سعيد بن عبد العزيز: اسم أبي ثعلبة جرثوم، وقيل: جرهم. وسئل هشام بن عمار عن اسمه فقال: يقولون: جرثوم بن عمرو، وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال: وقالوا: جرهم بن ناشم وفي رواية: لاشم. قال ابن زنجويه: بغلني أن اسم أبي ثعلبة جرهم بن ناشم. ومثل هذه الرواية وردت عن أحمد بن حنبل. وفي نسخة بخط أبي عمر بن حيويه كتبها عن ابن السماك: باسم بالباء والسين. وقال خليفة بن خياط: وابن البرقي: أبو ثعلبة الخشني اسمه ألا شق بن جرهم. ويقال: اسمه جرثومة بن ناشج. ويقال: اسمه جرهم.

قال محمد بن سعد: أبو ثعلبة الخشني، وخشين من قضاعة، واسم أبي ثعلبة جرهم بن ناشم. وعن أبي مسهر الدمشقي أنه قال: اسمه جرثومة بن عبد الكريم. ذكره البرديجي في الطبقة الأولى من الأسماء المفردة وسماه جرثومة. قال بقية بن الوليد: اسم أبي ثعلبة الخشني لاشومة بن جرثومة. قال أبو عيسى الترمذي: أبو ثعلبة اسمه جرثوم، ويقال: جرهم، ويقال: ناشب. ومثله من طريق النسائي وزاد: جرثوم بن ناشم. قال أبو بكر بن عيسى: وبلغني أن أبا ثعلبة أقدم إسلاماً من أبي هريرة، ولم يقاتل مع علي، ولا مع معاوية. ومات في أول إمرة معاوية. عن حميد المزني قال: إن أول صلاة صلاها المسلمون يعني بحمص في كنيسة يحنا، صلى بهم أبو ثعلبة الخشني. قال عبد الغني بن سعيد: وأما ناشر بالنون في أوله والراء المهملة في آخره فهو: ناشر والد أبي ثعلبة الخشني، جرثوم. وقيل: ناشب.

قال الواقدي: وممن نزل الشام: أبو ثعلبة. اسمه جرهم بن ناشم. وخشينة حي من قضاعة. مات سنة خمس وسبعين. قال مسلم بن الحجاج: أبو ثعلبة جرهم بن ناشم الخشني، ويقال: جرثوم. له صحبة. وقال الدارمي: لاس بن حمير. نا خليفة بن خياط قال: ومن خشين وهو وائل بن النمر بن ثعلب بن حلوان بن إلحاف بن قضاعة أبو ثعلبة الخشني. من ساكني الشام. قال أبو بكر بن البرقي: وكان ممن بايع تحت الشجرة. قال أبو نعيم الحافظ: لاشر بن حمير، ويقال: لاشومة بن جرثوم، ويقال: ناشب بن عمرو، وقيل: لاشن بن جلهم، وقيل: عرنوق بن ناشم وقيل: ناشر وقيل: جرثمة بن ناشب، وقيل: جرهم بن ناشم، وقيل: جرثوم، أبو ثعلبة الخشني. قال ابن ماكولا: أما خشين بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة فهو: خشين بن النمر بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة. وإليه ينسب أبو ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بايع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعة الرضوان، وضرب له بسهمه يوم

حنين، وأرسله إلى قومه فأسلموا. وأخوه عمرو بن جرهم أسلم على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهما من ولد لبوان بن مر بن خشين. قال أبو ثعلبة الخشني: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي: نويئبة. فقلت: يا رسول الله، نويئبة خير أو نويئبة شر؟ قال: بل نويئبة خير، لا تأكلوا الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السبع. نا أحمد بن يحيى ثعلب: قال في الحديث: نويئبة خير ونويئبة شر أي نائبة، تصغير. عن محجن بن وهب قال: قدم أبو ثعلبة الخشني على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يجهز إلى خيبر، فأسلم، وخرج معه فشهد خيبر، ثم قدم بعد ذلك سبعة نفر من خشين، فنزلوا على أبي ثعلبة، فأسلموا، وبايعوا، ورجعوا إلى قومهم. عن أبي ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله، مات لي ولدان في الإسلام، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله بفضل رحمته إياهما الجنة، فلقيني أبو هريرة فقال لي: أنت الذي قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الولدين ما قال؟ قال: قلت له: نعم. قال: لأن يكون قالها لي أحب إلي مما أغلقت عليه حمص وفلسطين. وعن أبي ثعلبة قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اكتب لي بأرض كذا وكذا لأرض

بالشام لم يظهر عليها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا؟! فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده لتظهرن عليها. قال: فكتب له بها. قال: فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض صيد، فماذا يحل لنا من ذلك، وما يحرم علينا؟ قال نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أرسلت كلبك المعلم أو المكلب، شك الراوي وذكرت اسم الله، فأخذ، أو قتل فكل، وإذا أرسلت كلبك الذي ليس بمعلم فما أدركت ذكاته فكل، وما لم تدرك ذكاته فلا تأكل، وما رد سهمك فكل. قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض أهلها أهل الكتاب، وإنا نحتاج إلى قدورهم وآنيتهم، قال: فلا تقربوها ما وجدتم بداً، فإذا لم تجدوا بداً فاغسلوها بالماء، ثم اطبخوا وأشربوا. قال: ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لحم الحمار الأهلي، وعن كل سبع ذي ناب. قال: فزعموا أنهم لما ظهروا على الشام أخرج كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأعطي ما فيه. عن أبي ثعلبة الخشني قال: كان أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل يتناجيان بينهما بحديث، فقلت لهما: ما حفظتما وصية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في! قال: وكان أوصاهما بي قالا: ما أردنا أن ننتجي بشيء دونك، إنما ذكرنا حديثاً حدثنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فجعلا يتذاكرانه، قالا: إنه بدأ هذا الأمر نبوةً ورحمةً، ثم كائن خلافةً ورحمةً، ثم كائن ملكاً عضوضاً، ثم كائن عتواً وجبرية وفساداً في الأمة؛ فيستحلون الحرير والخمر وفي رواية: الخمور والفروج والفساد في الأمة وفي رواية: وفساداً في الأرض ينصرون على ذلك، ويرزقون أيداً حتى يلقوا الله وفي رواية: ثم كانت في المواضع الثلاثة. عن إسماعيل بن عبيد الله قال: بينا أبو ثعلبة الخشني وكعب جالسين ذات يوم إذ قال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، ما من عبد تفرغ لعبادة الله إلا كفاه الله مؤونة الدنيا. قال: أشيء سمعته من

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم شيء تراه؟ قال: بل شيء أراه. قال: فإن في كتاب الله المنزل: من جمع همومه هماً واحداً، فجعله في طاعة الله كفاه الله ما همه، وضمن السماوات والأرض رزقه، فكان رزقه على الله، وعمله لنفسه، ومن فرق همومه، فجعل في كل واد هماً لم يبال الله في أيها هلك. ثم تحدثا ساعةً، فمر رجل يختال بين بردين، فقال أبو ثعلبة: يا أبا إسحاق، بئس الثوب ثوب الخيلاء. فقال: أشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم شيء تراه؟ قال: بل شيء أراه. قال: فإن في كتاب الله المنزل: من لبس ثوب خيلاء لم ينظر الله إليه حتى يضعه عنه، وإن كان يحبه. قال ناشرة بن سمي: ما رأينا أصدق حديثاً من أبي ثعلبة الخشني، لقد صدقنا حديثه في الفتنة الأولى فتنة علي. وكان أبو ثعلبة لا يأتي عليه ليلة إلا خرج ينظر إلى السماء، فينظر كيف هي، ثم يرجع، فيسجد. قال أبو زرعة: غزا أبو ثعلبة الخشني القسطنطينية مع يزيد بن معاوية سنة خمس وخمسين. عن الوليد بن مسلم أن أبا ثعلبة الخشني كان يقول: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما يخنقكم. فبينما هو في صرحة داره إذ نادى: يا عبد الرحمن وقد قتل عبد الرحمن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما أحس بالموت أتى مسجد بيته، فخر ساجداً، فمات وهو ساجد. وعن أبي الزاهرية أن ابنة أبي ثعلبة رأت أن أباها قد مات، فاستيقظت فزعةً، فنادت أمها: أين

أبي؟ قالت: في مصلاه، فنادته، فلم يجبها، فأنبهته، فوجدته ساجداً، فحركته، فوقع لحينه ميتاً. مات أبو ثعلبة الخشني بالشام سنة خمس وسبعين.

حرف الجيم

حرف الجيم أبو الجرح الغساني قال أبو الجراح: كانت أمي من ذلك السبي يومئذ يعني يوم أغار خالد بن الوليد على غسان بمرج راهط يوم قضمهم قبل افتتاحهم دمشق. قال: فلما رأت هدى المسلمين وصلاحهم وحسن صلاتهم، وما هم فيه وقع الإسلام في قلبها، فأعجبها ما رأت منهم، فأسلمت، فكانت مع المسلمين. ثم إن أبي طلبها في السبي، فوجدها، فجاء إلى المسلمين، فقال لهم: يا أهل الإسلام، إني امرؤ مسلم، وقد جئتكم مسلماً، وهذه امرأتي قد أصبتها، فإن رأيتم أن تصلوني بها، وتحفظوا حقي، وتردوا علي أهلي فعلتم. قال: وقد كانت امرأته أسلمت، وحسن إسلامها، فقال لها المسلمون: ما تقولين في زوجك، فقد جاء يطلبك، وهو مسلم؟ فقالت: إن كان مسلماً رجعت إليه، وإن لم يكن مسلماً فلا حاجة لي فيه، ولست براجعة إليه. فلما عرفت إسلامه طابت نفسها بالرجوع، فدفعوها إليه. أبو الجعد السائح بلغ في سياحته جبل لبنان من أعمال دمشق. قال أبو الجعد السائح: رأيت رجلاً حسن الوجه كأنه الشن البالي بجبال لبنان، وعليه خرقة، وما معه

أبو جعفر الصاحي

شيء، ولا عليه غير تلك الخرقة، فسمعته يقول: مجزوء الخفيف شدّة الشّوق والهوى ... تركاني كما ترى أبو جعفر الصاحي عن محمد بن شعيب قال: كان معنا رجل يقرأ في حلقة المساكين، فقال لنا يوماً: ألا أحدثكم برؤيا رأيتها؟ قلنا: وما هي؟ قال: رأيت كأن طائراً وقع على جانب القبة، ثم مثل لي أنه صار رجلاً، فقال: فلان قدري، وفلان كذا، وأبو جعفر الصاحي نعم الرجل، وابن عمرو خير من يمشي على الأرض، وأنت يا فلان ميت غداً. فلما أصبحنا قلت: أرعاه ببصري. فقمت بعدما طلعت الشمس فإذا هو جالس في الصحن يتفلى، فقال لي: اسبق تأخذ السرير قبل أن تسبق إليه! قال: ثم انصرفت إلى البيت مستخفياً. فلما كان قبل الظهر ذكرت فقلت: أيش لو ذهبت حتى أنظر مصداق رؤيا هذا الرجل؟ فرحت إلى المسجد، فلقيت من يخبرني أنه قد مات. كذا في هذه الرواية. ورواها أحمد بن أنس بن مالك عن عباس، فقال بدل أبي جعفر الصاحي: أبو جفص عثمان بن أبي العاتكة، وهو الصواب. وهذه الرواية تصحيف، تصحف أبو حفص بأبي جعفر، وتصحف القاص بالصاحي. والله أعلم. أبو جعفر الخراساني الشافعي كان بدمشق. حكى عن الأصمعي قال: دخلت المقابر فإذا أنا بامرأة تبكي ابناً لها وهي تقول: من الكامل

أبو جعفر ابن بنت أبي سعيد الثعلبي

لمّا نشا ورجوته ذخري ... وظننت أن يقوى به ظهري ويكون من أعمامه خلفاً ... ويشدّ بعد تأطّرٍ أزري رشقته عن قوسٍ بلا وترٍ ... سهم المنون بمنزلٍ قفر ما زلت حتّى ذقت لوعتها ... وأمرّ منها لوعة الصّبر قال: ورأيت أخرى تبكي ابنها وتقول: من الكامل قد كنت آمله وأرجو نفعه ... وأعيذه بالله من حسد العدى وأزال أرقيه وأنفث حوله ... حتى تغطّي الصباح أستار الدّجى حذر العيون عليه إلاّ أنّه ... لا ينفع الحذر التمائم والرّقى أبنيّ قد أبليتني قبل البلى ... قدماً وقد أنسيتني ما قد مضى أمّا الفراق فقد شربت بكأسه ... فمتى يكون حبيب نفسي الملتقى أبو جعفر ابن بنت أبي سعيد الثعلبي حكى عن عبيد بن صرد أخي ضرار بن صرد أنه سمع رجلاً من ولد الربيع من خيثم يقول: كتب الربيع بن خيثم إلى أخ له: أما بعد، فرم جهازك، وافرغ من زادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل الناس أوصياءك، ولا تجعل الدنيا من أكبر همك؛ فإنه لا عوض من تقوى الله، ولا خلف من الله. وروى عن حاجب بن أبي علقمة العطاردي قال: سمعت أبي يقول: قال مطرف بن عبد الله بن الشخير لابن أخيه: يا بن أخي، إذا كانت لك حاجة إلي فاكتب بها إلي في رقعة؛ فإني أصون وجهك عن ذل السؤال.

أبو جعفر بن ماهان الرازي

أبو جعفر بن ماهان الرازي روى عن هشام بن عمار، نا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد السكوني يقول: إن المؤمن ليقول قولاً، فلا يدعه الله وقوله حتى ينظر في عمله، فإن كان عمله موافقاً لقوله لم يدعه حتى ينظر ما نوى به، فإن سلمت له النية فبالأحرى أن يسلم له سائر ذلك. إن المؤمن ليقول قولاً يوافق قوله عمله، وإن المنافق ليقول بما نعلم، ويفعل بما ننكر. أبو جعفر الحداد الصوفي سافر، ودخل دمشق. وهو من أقران الجنيد بن محمد، ورويم بن يزيد، لقي أبا تراب النخشبي. عن أبي جعفر الحداد قال: كنت أختلف إلى الصوفية وأنا حدث، فلما كان ذلت يوم تبعني رجل يتعرض لي، فدفعته عن نفسي جهدي وطاقتي، فلازمني، حيثما مضيت وجئت وذهبت يتبعني. وخشيت أن يقطعني عن صحبة الفقراء ومجالستهم. وضاق بذلك صدري فخرجت يوماً إلى البرية، فتبعني، لا أكلمه، وهو لا يكلمني، كلما مشيت مشى، وإذا جلست جلس. فلما كان بعد ثلاثة أيام لا نأكل ولا نشرب، وجئنا إلى بئر طويل، فقلت له: لئن أنت أعفيتني منك، وانصرفت عني وإلا طرحت نفسي في هذا البئر! فلم يصدقني أني أفعل ذلك. فسكت، وجلس ناحيةً، فرميت نفسي في البئر، فوقعت على صخرة في وسط البئر، فجلست عليها، وبقي الرجل يصيح في الصحراء، وقد جعل التراب على رأسه، ويجيء كل ساعة يطلع في البئر. ثم هام على وجهه. فبقيت في البئر ثلاثة أيام على حالتي. فلما كان اليوم الرابع إذا حية عظيمة قد خرجت من ثقب في البئر، ودارت

حول البئر على رأس الماء، فقلت في نفسي: قد أمرت في بأمر، مرحباً بحكم الله. فلما بلغت إلى عندي قاءت، فرمت شيئاً أصفر، كأنه صفرة البيض على وجه الماء. ومرت الحية، ورجعت في الثقب، فقلت: هذا، ما أشك، هو رزقي، فمسسته، وإذا فيه لين، فأخذته، وتذوقته، وإذا طعمه طيب، فأكلته، فوجدت فيه شبعاً. فلما كان اليوم الثاني إذا بالحية قد خرجت من الثقب، ودارت في البئر على رأس الماء حتى بلغت إلى عندي، فقاء مثل ذلك، فأخذته، وأكلته. فأقمت على هذا ثلاثة أيام، فكأني أنست بالموضع، وغمني فوات الصلوات. فخرجت الحية يوم الرابع، وانسابت في الحائط حتى صار رأسها عند رأس البئر، وذنبها في آخر البئر، وذنبها في آخر البئر، فثبتت رأسها، فوقع لي أنها تقول: تمسك بي، فتعلقت بها، وإذا هي قد رفعتني إلى رأس البئر. وخرجت، ودخلت إلى البصرة، وجئت إلى الفقراء، فحدثتهم، فدعوا لي دعاء رأيت بركته، ثم صرت إلى أهلي، فحدثتهم بقصتي. قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو جعفر الحداد الكبير، بغدادي، من أقران الجنيد، ورويم، وكان أستاذ أبي جعفر الحداد الصغير. قال أبو جعفر الحداد: أشرف علي أبو تراب يوماً وأنا جالس على بركة في البادية، فيها ماء، ولي ستة عشر يوماً لم آكل، ولم أشرب من البركة، وأنا جالس. فقال لي: ما جلوسك؟ قلت: أنا بين العلم واليقين، أنظر من يغلب فأكون معه، فقال: سيكون لك شأن من الشأن. وقال: مكثت بضع عشرة سنة أعتقد التوكل، وأنا أعمل في السوق، وآخذ كل

يوم أجرتي، ولا أنتفع منها بشربة ماء، ولا بدخلة حمام. وكنت أجيء بأجرتي إلى الفقراء في الشونيزي، وأكون على حالي. قال أبو عمر الأنماطي: مكث أبو جعفر الحداد عشرين سنة يكتسب كل يوم ديناراً يتصدق به أو قال: ينفقه على الفقراء، وهو أشد الناس اجتهاداً، ويخرج بين العشاءين، فيتصدق من الأبواب، ولا يفطر إلا في وقت ما أحل الله عليه الميتة. وكان من رؤساء المتصوفة. قال محمد بن الهيثم: قال لي أبو جعفر الحداد: كنت أحب أن أدري كيف تجري أسباب الرزق على الخلق، فدخلت البادية بعض السنين على التوكل، فبقيت سبعة عشر يوماً لم آكل فيها شيئاً، فضعفت عن المشي، فبقيت أياماً أخر لم أذق فيها شيئاً حتى سقطت على وجهي، وغشي علي، وغلب علي القمل، شيء ما رأيت مثله، ولا سمعت به. فبينا أنا كذلك إذ مر بي ركب، فرأوني على تلك الحال، فنزل أحدهم عن راحلته، فحلق رأسي ولحيتي، وشق علي ثوبي، وتركني في الرمضاء وسار. فمر بي ركب آخر، فحملوني إلى حيهم، وأنا مغلوب، وطرحوني ناحيةً، فجاءتني امرأة، وحلبت على رأسي، وصبت اللبن في حلقي، ففتحت عيني قليلاً، فقلت لهم: أقرب المواضع منكم أين؟ قالوا: جبل الشراة. قال أبو جعفر: وحين سقطت كنت قد قبضت على حصاة، وجهدوا في البادية أن يفتحوا يدي فلم يطيقوا، وإذا هي حصاة كلما هممت برميها لم أجد إلى رميها سبيلاً، فدخلت بيت

المقدس، واجتمع حولي الصوفية والحصاة في يدي أقلبها، فأخذها مني بعض الفقراء، وضرب بها الأرض، فتفتت، وخرج منها دودة صغيرة، ثم ضرب يده إلى ورقة فأخذها ووضعها على رأس الدودة، فلم تزل تسير حتى قورت الورقة وأنا أنظر إليها، فقلت: نعم يا سيدي، لم تطلعني على سبب مجاري الأرزاق إلا بعد حلق رأسي ولحيتي! قال محمد بن الهيثم: قلت لأبي جعفر الحداد: الناس يقولون: إنك أقمت في البادية سبعين يوماً ما أكلت فيها، ولا شربت، فحدثني؛ فقال: أنا معتمد التوكل، وأرى رزقي يجري على أيدي الناس. وكنت أريد أن يجيء به الجن أو الوحش، أو يخرج من الأرض، أو ينزل من السماء؛ فاعتقدت أني أدخل البادية، فإذا رأيت سواداً عدلت عنه. فأقمت أربعين يوماً ما أكلت، ولا شربت حتى ضعفت، فجئت إلى مصنع، فأخذت ماء، فغسلت وجهي ورجلي، واسترحت، ثم وجدت نصف دبة كان فيها قطران، قد مر عليها الحر والسيول، وقد استربت، فقمت، وأخذتها، وتركتها في حجري، ودققتها بين حجرين حتى صارت مثل السويق، فاستففتها، وشربت عليها الماء، فرجعت نفسي، فقمت، وطلبت السواد، فلما أشرفت عليهم ذبحوا وخبزوا، فأكلت واسترحت. ولم أزل أعدل إلى البوادي حتى أتيت مكة، وأقبل شعر رأسي ولحيتي يتناثر حتى دخلت مكة وأنا أقرع بغير لحة، وجلست في موضع، وأقبل الصوفية يذهبون ويجيئون، وينكرون، وبعضهم يقول: هو أبو جعفر، وبعضهم يقول: لا، حتى جاءني واحد منهم، فقال لي: أنت أبو جعفر الحداد؟ فقلت: نعم، فمضى وحشر علي الصوفية، وجلسوا حولي. فقال بعضهم، يا أبا جعفر، التوكل ما هو؟ فقلت: أيما أحب إليك؛ أصفه لك علماً، أو تراه حقيقة؟ فقال: أراه حقيقة، فقلت: حفل الرؤوس واللحى!

أبو الجعيد

قال أبو جعفر الحداد: إذا رأيت ضر الفقير في ثوبه فلا ترج خيره. وقال أبو جعفر الحداد: كنت بمكة، فطال شعري، ولم يكن معي قطعة آخذ بها شعري، فتقدمت إلى مزين توسمت فيه الخير، وقلت: تأخذ شعري لله؟ قال: نعم وكرامة. وكان بين يديه رجل من أبناء، فصرفه، وأجلسني، وحلق شعري، ثم دفع إلي قرطاساً فيه دراهم، وقال: استعن بها على حوائجك. فأخذتها، واعتقدت أني أدفع إليه أول شيء يفتح علي. قال: فدخلت المسجد، فاستقبلني بعض إخواني، وقال: خذ صرة أنفذها بعض إخوانك من البصرة فيها ثلاثمائة دينار. قال: فأخذت الصرة، وحملتها إلى المزين، وقلت: هذه ثلاثمائة دينار تصرفها في بعض أمورك، فقال لي: ألا تستحي يا شيخ؟ تقول لي: احلق شعري لله، ثم آخذ عنه شيئاً. انصرف عافاك الله! قال أبو جعفر الحداد: جئت الثعلبية وهي خراب، ولي سبعة أيام لم آكل، فدخلت القبة. وجاء قوم قراء يبكون، اصابهم جهد، وطرحوا أنفسهم على باب القبة، فجاء أعرابي على راحلة، وصب تمراً بين أيديهم، فاستقبلوا الأكل، ولم يقولوا لي شيئاً، ولم يرني الأعرابي. فلما كان بعد ساعة، فإذا الأعرابي جاء وقال لهم: معكم غيركم؟ فقالوا: نعم، هذا الرجل داخل القبة. قال: فدخل الأعرابي، وقال: أيش أنت؟ لم لم تتكلم؟ مضيت، فعارضني أن قد خلفت إنساناً لم تطعمه، ولم يمكني أن أمضي، وطولت علي الطريق، لأني رجعت عن أميال. وصب بين يدي التمر الكثير، ومضى. فدعوتهم، فأكلوا، وأكلت. أبو الجعيد شهد اليرموك.

أبو جلتا البهراني

عن أبي الجعيد أنه أشار على المسلمين ببيات الروم، فقبلوا ذلك منه، فبعثوا معه خيلاً عظيمة، وأمروا أهل العسكر بإيقاد النيران. قال: فانطلق بهم أبو الجعيد على مدقة الطريق، وجسر الطريق حتى واقع عسكرهم، فقاتلوهم ملياً، فلما نشب القتال انحاز بهم في ظلمة الليل على الطريق التي أقبل عليها، والجسر. وتنادت الروم: إن العرب قد انهزمت، فخرجت الروم تراكض تؤم النيران، فتوقص منهم في وادي اليرموك أكثر من ثمانين ألفاً لا يعلم الآخر ما لقي الأول. أبو جلتا البهراني حمصي فارس. شهد حرب سليمان بن هشام بن عبد الملك لما وجهه يزيد بن الوليد لقتال عسكر أهل حمص الذين توجهوا إلى دمشق لطلب دم الوليد. وقتل أبو جلتا في ذلك الموكن بالسليمانية من قرى دمشق، بقرب عذرا. أبو الجلد التميمي عن أبي الجلدى التميمي قال: دخلت على عبد الملك بن مروان في الخصراء، وبين يديه كانون من فضة يوقد فيه بالعود الألنجوج. فقلت: زادك الله في النعمة عندي يا أمير المؤمنين، قال: أعجبك ما ترى يا أبا الجلد؟ قلت: إي والله يا أمي المؤمنين، فتمم الله ذلك برضوانه والجنة، قال: فلا يعجبك، هذا ابن هند ملك الناس أربعين سنة، عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ذاك قبره!

أبو جميع بن عمر بن الوليد

أبو جميع بن عمر بن الوليد ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي كان من أجواد بني أمية. قال الزبير بن بكار: ومن ولد عمر بن الوليد أبو جميع بن عمر بن الوليد. كان جواداً ممدحاً. يقول إبراهيم بن علي بن هرمة يمدحه: من البسيط من مبلغٌ عمراً عني بعسكره ... وقد يبلّغ عن ذي الحاجة الخبر أن قد أتى بامرئ ضخمٍ دسيعته ... أبي جميع، وأحياء بها عمر هل يفعل المرء إلاّ فعل والده ... أنّى تيّمم، والعيدان تعتصر أبو جميل القدريّ من الصدر الأول. أمر أبو إدريس الخولاني بترك مجالسته عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: لأن أسمع في ناحية المسجد بنار تحرق أحب إلي من أن أسمع ببدعة ليس لها مغير. ألا إن أبا جميل لا يؤمن بالقدر فلا تجالسوه. فانتقل من دمشق إلى حمص.

أبو جندل بن سهيل

أبو جندل بن سهيل سأل بلالاً عن المسح على الخفين بدمشق، فقال بلال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والخمار عن مكحول قال: كان الحارث بن معاوية الكندي، وأبو جندل بن سهيل يتوضآن عند مطهرة باب البريد، فذكرا المسح على الخفين، فمر بهما بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: امسحوا على الخفين والخمار. وفي رواية أخرى: امسحوا على النصيف والموق قال أبو القاسم: أبو جندل بن سهيل اسمه عبد الله بن سهيل قتل يوم اليمامة، وأبو جندل هذا سأل بلالاً بدمشق في خلافة عمر، وهو غيره. عن نافع قال: لما قدم على عمر كتاب أبي عبيدة في ضرار وأبي جندل كتب إلى أبي عبيدة في ذلك، وأمره أن يدعوهم على رؤوس الناس، فيسألهم: أحلال الخمر أم حرام؟ فإن قالوا: حرام

أبو الجنوب المؤذن المؤدب

فاجلدوهم ثمانين جلدة، واستتيبوهم، وإن قالوا: حلال فاضرب أعناقهم. فدعاهم، فسألهم، فقالوا: بل حرام، فجلدهم، فاستحيوا، فلزموا البيوت، ووسوس أبو جندل. وكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل قد وسوس إلا أن يأتيه الله عز وجل على يديك بفرج، فاكت إليه، وذكره. فكتب إليه: من عمر إلى أبي جندل: " إنَّ اللهَ لا يغفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به، ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لمَنْ يَشاءُ "، فتب، وارفع رأسك، وابرز، ولا تقنط؛ فإنه يقول: " يا عِباديَ الذينَ أَسْرَفُوا على أنفسِهم لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمةِ الله، إنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنوبَ جميعاً إنه هُوَ الغفورُ الرحيمُ ". فلما قرأه عليه أبو عبيدة تطلق، وأسفر عنه. وكتب إلى الآخرين بمثل ذلك. فبرزوا. وكتب إلى الناس: عليكم أنفسكم، من استوجب الغير فغيروا عليه. ولا تعيروا أحداً فيفشوا فيكم البلاء. قالوا: وجاشت الروم: دعونا نغزهم، فإن قضى الله تعالى بالشهادة فذاك، وإلا عمدت للذي تريد. فاستشهد ضراب بن الأزور في قوم، وبقي الآخرون فحدوا. أبو الجنوب المؤذن المؤدب مؤذن الضحاك بن قيس. عن عمر بن مهاجر: أن أبا الجنوب مؤذن الضحاك بن قيس كان معلم كتاب، فجاءه، فسلم عليه ثم قال: والله إني لأحبك أيها الأمير لله تعالى، فقال له الضحاك بن قيس: وأنا والله أبغضك لله تعالى. قال: ولم؟ قال: إنك ترتشي في التعليم، وتبغي في التأذين.

أبو الجهم بن كنانة الكلبي

أبو الجهم بن كنانة الكلبي من خاصة الحجاج بن يوسف. وفد على عبد الملك بن مروان برأس قطري بن الفجاءة الخارجي لما قتل بطبرستان، وولي عمالة الري، ثم وفد مرة أخرى على الوليد بن عبد الملك مع آل الحجاج بن يوسف بعد موته قيماً عليهم، وحافظاً لهم. أبو الجلاس العبدي كانت له قطيعة بدمشق. وكان في عقله شيء. عن عطية بن قيس قال: خرج أبو الدرداء، حتى إذا خرج، أتى الدرج، رفع يديه وأصحابه. قال: فعاب الناس ذلك عليه، وأبو الجلاس. قال: فقال أبو الدرداء: أن تعيبوا علينا أن نرفع أيدينا في الدنيا خير من أن تسلك في الأغلال يوم القيامة. قال أبو الدرداء: إنا لنعرف خياركم من شراركم. فذهب أبو الجلاس إلى معاوية، فقال: هذا أبو الدرداء يزعم أنه يعلم الغيب، يزعم أنه يعرف خيارنا من شرارنا. فبعث إليه معاوية فقال: يا أبا الدرداء، ما هذا الذي يقول أبو الجلاس؟ زعم أنك تعلم الغيب؛ أنك تعلم خيارنا من شرارنا! فقال أبو الدرداء: نعم، خيراكم الذين إذا ذكرنا أعانونا، وإذا نسينا ذكرونا. وشراركم الذين إذا لم يعينونا، وإذا نسينا لم يذكرونا، والذين يتخذون مجالس الذكر هجراً، ولا يأتون الصلاة إلا دبراً. قال: فقال معاوية لأبي الجلاس: خذها إليك حكمة غير جلاسية. حرف الحاء أبو حارثة أظنه ابن عراك بن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري.

أبو الحارث الصوفي

قال ابن عراك: مات خالد بعد سعيد بن عبد العزيز بنحو من سنة، وهو ابن تسع وثمانين سنة. يكنى أبا هاشم. أبو الحارث الصوفي حدث عن أبي الحسن علي بن خشاف، عن الجنيد قال: قال لي سري السقطي: وقفت على راهب، فناديته، فأشرف علي، فقلت: منذ كم أنت في هذه الصومعة؟ قال منذ ثلاثين سنة. قال: فقلت: فأيش ورثك الله؟ قال: فقال لي: هل رأيت وزيراً قط أخرج سر خليفته؟ قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو الحارث الدمشقي. صحب الزقاق الكبير. كان من السائحين. أبو حازم الأسدي الخناصري حكى عن عمر بن عبد العزيز، ووفد عليه إلى دمشق. قال: قدمت دمشق في خلافة عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة، والناس رائحون إلى الجمعة فقلت: إن أنا صرت إلى الموضع الذي أريد نزوله فاتتني الصلاة، ولكن أبدأ بالصلاة، فصرت إلى باب المسجد، فإذا أمير المؤمنين على الأعواد يخطب الناس، فلما بصر بي عرفني، فناداني: يا أبا حازم إلي مقبلاً. فلما أن سمع الناس نداء أمير المؤمنين بي أوسعوا لي، فدنوت من المحراب، فلما أن نزل أمير المؤمنين فصلى بالناس، التفت إلي فقال: يا أبا حازم، متى قدمت بلدنا؟ قلت: الساعة، وبعيري معقول بباب المسجد، فلما أن تكلم عرفته، فقلت: أنت عمر بن عبد العزيز؟! قال: نعم، قلت له: تالله لقد كنت عندنا بالأمس بخناصرة أميراً لعبد الملك بن مروان، فكان وجهك وضيئاً، وثوبك

نقياً، ومركبك وطيئاً، وطعتامك شهياً، وحرسك شديداً، فما الذي غيرك وأنت أمير المؤمنين؟! قال لي: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن بين أيديكم عقبة كؤوداً لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول. وفي رواية: إن بين أيديكم عقبة كؤوداً مضرسة لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول. قال: فبكى بكاء طويلاً ثم قال لي: يا أبا حازم، ألا ينبغي لي أن أضمر نفسي لتلك العقبة؟ فعسى أن أنجو منها يومئذ، وما أظن أني مع هذا البلاء الذي ابتليت به من أمور الناس بناج! ثم رقد، ثم تكلم الناس، فقلت: أقلوا الكلام، فما فعل به ما ترون إلا سهر الليل. ثم تصبب عرقاً في نوم الله أعلم كيف، ثم بكى حتى علا نحيبه، ثم تبسم، فسبقت الناس إلى كلامه، فقلت: يا أمير المؤمنين، رأيت منك عجباً، إنك لما رقدت تصببت عرقاً حتى ابتل ما حولك، ثم بكيت حتى علا نحيبك، ثم تبسمت. فقال لي: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم، من كان حولك من الناس رآه. فقال لي: يا أبا حازم، إني لما وضعت رأسي فرقدت رأيت كأن القيامة قد قامت، واجتمع الخلق، فقيل: إنهم عشرون ومائة صف ملء الأفق، أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك ثمانون " مُهْطِعين إلى الدّّاعِ "، ينتظرون متى يدعون إلى الحساب إذ نودي: أين عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق؟ فأجاب، فأخذته الملائكة، فأوقفوه أمام ربه، فحوسب، ثم نجا، فأخذ به ذات اليمين. ثم نودي بعمر، فقربته الملائكة، فأوقفوه أمام ربه، فحوسب، ثم نجا، ثم أمر به وبصاحبه إلى الجنة. ثم نودي بعثمان، فحوسب، ثم أمر به إلى الجنة. فلما قرب الأمر مني أسقط في يدي. ثم جعل يؤتى بقوم لا أدري ما حالهم، ثم نودي: أين عمر بن

أبو حديرة ويقال أبو حديرج

عبد العزيز؟ فتصببت عرقاً. ثم سئلت عن الفتيل والنقير والقطمير، وعن كل قضية قضيت بها. ثم غفر لي. فمررت بجيفة ملقاة، فقلت للملائكة: من هذا؟ قالوا: إنك إن كلمته كلمك. فوكزته برجلي، فرفع رأسه إلي، وفتح عينيه. فقلت له: من أنت؟ فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا عمر بن عبد العزيز، قال: ما فعل الله بك؟ فقلت: تفضل علي، وفعل بي ما فعل بالخلفاء الأربعة الذين غفر لهم، وأما الباقون فلا أدري ما فعل بهم، فقال لي: هنيئاً لك ما صرت إليه، قلت: من أنت؟ قال: أنا الحجاج، قدمت على الله، فوجدته شديد العقاب، فقتلني بكل قتيل قتلته، وها أنا ذا موقوف بين يدي الله أنتظر ما ينتظر الموحدون من ربهم؛ إما في جنة وإما إلى نار. قال أبو حازم: فعاهدت الله تعالى بعد رؤيا عمر بن عبد العزيز ألا أقطع على أحد بالنار ممن يموت يقول: لا إله إلا الله. أبو حديرة ويقال أبو حديرج ويقال: أبو حدير الجذامي ويقال: الأجذمي، ويقال: اللخمي. ثم من بني جذيم بن لخم أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد خطبة عمر بالجابية. عن يزيد بن أبي حبيب: أن عبد العزيز بن مروان سأل عمن شهد خطبة عمر هذه، فأخبروه بسفيان بن وهب، فأرسل إليه، فأتاه، فقال: أشهدت خطبة عمر بالجابية؟ فقال: نعم شهدتها. قال: قال عمر: قد اجتمعت هذه الموال، فأنا قاسمها على من أفاءها الله عليه إلا هذين الحيين من لخم وجذام. فقام أبو حديرة الجذامي، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين والعدل. فقال عمر: العدل أردت، والله؛ أجعل أقواماً أنهكوا الظهر، وشدوا الغرض، وساحوا في

البلاد مثل قوم مقيمين في بلادهم؟ فلو أن الهجرة كانت بصنعاء ما هاجر من لخم وجذام أحد! فقال أبو حديرة: إن الله وضعنا في بلاده بحيث شاء، ثم ساق إلينا الهجرة، فأسلمنا، وقاتلنا، ونصرنا، فذلك الذي يقطع بحظنا! فقال عمر: لكم حظكم مع المسلمين. عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه: أن عبد العزيز بن مروان قال لكريب بن أبرهة: أحضرت عمر بن الخطاب بالجابية؟ قال: لا، قال: فمن يحدثنا عنها؟ قال كريب: إن بعثت إلى سفيان بن وهب الخولاني حدثك عنها. فأرسل إليه، فقال: حدثني عن خطبة عمر بن الخطاب يوم الجابية. قال سفيان: إنه لما اجتمع الفيء أرسل أمراء الأجناد إلى عمر بن الخطاب أن يقدم بنفسه، فقدم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا المال نقسمه على من أفاء الله عليه بالعدل إلا هذين الحيين من لخم وجذام، فلا حق لهم فيه. فقام إليه أبو حديرة الأجذمي، فقال: ننشدك الله يا عمر في العدل! فقال عمر: العدل أريد: أنا أجعل أقواماً أنفقوا في الظهر، وشدوا الغرض، وساحوا في البلاد مثل قوم مقيمين في بلادهم؟ ولو أن الهجرة كانت بصنعاء أو عدن ما هاجر إليها من لخم وجذام أحد! فقام أبو حديرة، فقال: إن الله وضعنا من بلاده حيث شاء، وساق إلينا الهجرة في بلانا، فقبلناها، ونصرناها، أفذلك يقطع حقنا يا عمر؟ قال: لكم حقكم مع المسلمين. ثم قسم، فكان للرجل نصف دينار. فإذا كانت معه امرأته أعطاه ديناراً. ثم دعا ابن قاطوراء صاحب الأرض، فقال: أخبرني ما يكفي الرجل من القوت في الشهر، وفي اليوم. فأتي بالمدي والقسط، فقال: يكفيه هذان المديان في الشهر، وقسط زيت، وقسط خل.

أبو حرب اليماني المبرقع

فأمر عمر بمديين من قمح، فطحنا، ثم عجنا، ثم خبزا، ثم أدمهما بقسطين من زيت، ثم أجلس عليهما ثلاثين رجلاً، فكان كفاك شبعهم. ثم أخذ عمر المديين بيمينه، والقسط بيساره، ثم قال: الله لا أحل لأحد أن ينقصهما بعدي، اللهم فمن نقصهما فانقص من عمره. فغضب عبد العزيز وقال: إنك شيخ قد خرفت! ثم قال عمر بن الخطاب: هل من شراب؟ فقال: عندنا العسل لا يسيغ، وعندنا شراب نشربه من العنب. فدعا به عمر، فأتي به، وهو مثل الطلاء، طلاء الإبل، فأدخل عمر فيه اصبعه، ثم قال: ما أرى بهذا بأساً. أبو حرب اليماني المبرقع الذي زعم أنه السفياني. خرج على السلطان بفلسطين، ودعا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ثم قتل بناحية دمشق. قال أبو جعفر الطبري: ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين. كان فيها من الأحداث: خروج أبي حرب المبرقع اليماني بفلسطين، وخلافه على السلطان. ذكر لي بعض أصحابي ممن ذكر أنه خبر أمره أن سبب خروجه على السلطان كان لأن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها، وفيها إما زوجته، وإما أخته. فمانعته عن ذلك، فضربها بسوط معه، فاتقته بذراعها، فأصاب السوط ذراعها، فأثر فيها. فلما رجع أبو حرب إلى منزله بكت، وشكت إليه ما فعل بها، وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه. فأخذ أبو حرب سيف ومشى إلى الجندي وهو غار، فضربه حتى قتله، ثم هرب، وألبس وجهه برقعاً كيلا يعرف، فصار إلى جبل من جبال الأردن. وطلبه السلطان فلم يعرف له خبراً.

فكان أبو حرب يظهر بالنهار، فيقعد على الجبل الذي أوى إليه مبرقعاً، فيراه الرائي، فيأتيه، فيذكره، ويحرضه على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويذكر السلطان وما يأتي إلى الناس، ويعيبه. فما زال ذلك دأبه حتى استجاب له قوم من حراثي أهل تلك الناحية، وأهل القرى. وكان يزعم أنه أموي. فقال الذين استجابوا له: هذا السفياني. فلما كثرت غاشيته وتباعه من هذه الطبقة من الناس دعا أهل البيوتات من تلك الناحية، فاستجاب له منهم جماعة من رؤساء اليمانية منهم رجل يقال له: ابن بيهس، وكان مطاعاً في أهل اليمن، ورجلان آخران من أهل دمشق. فاتصل الخبر بالمعتصم، وهو عليل علته التي مات فيها، فوجه إليه رجاء بن أيوب الحضاري في زهاء ألف رجل من الجند. فلما صار إلى رجاء إليه وجده في عالم من الناس فذكر الذي أخبر بقصته أنه كان في زهاء مائة ألف فكره رجاء مواقعته، وعسكر بحذائه، حتى إذا كان أول عمارة الناس الأرضين وحراثتهم انصرف من كان من الحراثين مع أبي حرب إلى حراثته، وأرباب الأرضين إلى أراضيهم، وبقي أبو حرب في نفر في زهاء ألف أو ألفين ناجزه رجاء الحرب، فالتقى العسكران، عسكر رجاء وعسكر المبرقع، فلما التقوا تأمل رجاء عسكر المبرقع، فقال لأصحابه: ما أرى في عسكره رجلاً له فروسية غيره، وإنه سيظهر لأصحابه من نفسه بعض ما عنده من الرجلة، فلا تعجلوا عليه. قال: فكان الأمر كما قال رجاء، فما لبث المبرقع أن حمل على عسكر رجاء، فقال رجاء لأصحابه: أفرجوا له. فأفرجوا له حتى جاوزهم، ثم كر راجعاً إلى عسكره نفسه. ثم أمهل رجاء، وقال لأصحابه: إنه سيحمل عليكم مرة أخرى، فأفرجوا له، فإذا أراد أن يرجع فحولوا بينه وبين ذلك، وخذوه. ففعل المبرقع ذلك؛ حمل على أصحاب رجاء، فأفرجوا له حتى جاوزهم، ثم كر راجعاً، فأحاطوا به، وأخذوه، وأنزلوه عن دابته. قال: وقد كان قدم على رجاء حين كان ترك معاجلة المبرقع من قبل المعتصم

أبو حرة الحجازي

مستحث، فأخذ الرسول فقيده إلى أن كان من أمره وأمر أبي حرب ما كان مما ذكرنا فأطلقه. فلما قدم رجاء بأبي حرب على المعتصم عذله المعتصم على ما فعل برسوله، فقال له رجاء: يا أمير المؤمنين، وجهتني في ألف إلى مائة ألف، فكرهت أن أعاجله فأهلك ويهلك من معي، ولا نغني شيئاً، فتملهت حتى خف من معه، ووجدت فرصة، ورأيت لحربه وربه وجهاً فناهضته وقد خف من معه، وهو في ضعف ونحن في قوة، وقد جئتك بالرجل أسيراً. وفي رواية أخرى أنه خرج سنة ست وعشرين ومائة، وأنه خرج بفلسطين أو بالرملة. أبو حرة الحجازي وفد على عبد الملك بن مروان، فأمر له بمائتي درهم، فكلمه بن الزبير فيه، فزادة مائة. أبو حريش الكناني من أهل دمشق. روى عن مكحول الدمشقي قال: شهدت مع أنس بن مالك جنازة بالبصرة، فرجعت معه إلى منزله، فأتى فراشاً له، فاضطجع عليه، ثم أخذ رائطة مصرية فغطى بها وجهه، ثم بكى، قال مكحول: فقلت: ما يبكيك يا أبا النضر؟! فوالله إنك لخادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنك لبخير، وإن في بيتك لطعاماً وشراباً؟ قال: ما على هذا أبكي، أبكي على هذه الأمة، أخاف

عليها الشرك، والشهوة الخفية. قال مكحول: لا يجعل الله في هذه الأمة شركاً، قال: فقال أنس: وأنا من الأخرى أخوف. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من ركب فرسه، ثم استعرض أمتي يقتلهم بسيفه خرج من الإسلام، وأما الأخرى فانطلاق الرجل إلى جاره يخالفه في أهله. عن أبي الحريش الكناني قال: كنا في سنة خمس وثلاثين ومائة، وعبد الله بن علي يومئذ بدابق على صائفة الناس، ومعه من أهل الشام وغيرهم نحو من مائة ألف قال أبو الحريش: أظنه عام عمورية قلنا: وما ذاك يا أبا الحريش؟ قال: غزونا الصائفة مع عثمان بن حيان في خلافة يزيد بن عبد الملك حتى نزلنا على عمورية، وأقام عليها ستة وثلاثين منجنيقاً، وجد في حصارها، وقتالهم. إذ خرج رجل منا من كنانة، من أهل فلسطين إلى البراز في دير الحبيش الذي دونها، فكلمه الحبيش، وقال له في ذلك قولاً أتانا به عنه، فذهبنا به إلى عثمان بن حيان، فأخبره بمقالته، فركب معه حتى وقف على الحبيش، وأمر صاحبنا أن يكلمه، فتقدم، فكلمه، فقال: إني قد أخبرت أميرنا بمقالتك، وها هو ذا قد أحب أن يسمعه منك. قال الحبيش: أجل، هو كما قلت لك، لا تقدرون على فتحها حتى يكون الذي يبعثكم رجلاً من أهل بيت نبيكم، وحتى يكون فيكم قوم شعورهم شعور النساء، ولباسهم لبالس الرهبان، فيومئذ يفتحونها. فوالله، لكأني أنظر إليهم يدخلونها من هذا الباب، ويخرجون من ذاك. قال أبو الحريش: فعاد عثمان إلى منزله، وأمر بتحريق المجانيق، وأمر منادياً ينادي: يا أيها الناس، أصبحوا على ظهر مغيرين إلى داخل أرض الروم. ففعل الناس، فمضى، ثم قفل بنا. قال ابن ماكولا: حريش: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبالشين المعجمة.

أبو حسان بن حسان البسري

أبو حسان بن حسان البسري أخو أبي عبيد محمد بن حسان. حكى عن أخيه قال: قال لي أخي أبو عبيد البسري يوماً: يا أبا حسان، ما غمي، ولا أسفي إلا أن يجعلني ممن يعفا وفي رواية: ممن عفا عنه غداً. فقلت: يا أخي، الخلق على العفو تذابحوا، فقال: أجل، ولكن أيش يصبح لشيخ مثلي يوقف غداً بين يدي الله جل اسمه فيقال له: شيخ سوء كنت لي، اذهب، فقد عفونا عنك. أملي في الله جل اسمه أن يهب لي كل من اجتنى. وجاء ابن أبي حسان عبيد الله إليه، فقال: إني خرجت بجرة فيها سمن، فوقعت، فانكسرت، فذهب رأس مالي. فقال له: يا بني، اجعل رأس مالك رأس مال أبيك؛ فوالله ما لأبيك رأس مال في الدنيا والآخرة إلا الله عز وجل. أبو الحسن بن جعفر المتوكل ابن محمد المعتصم بن هارون الرشيد ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي قدم مع أبيه المتوكل دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وكان يعرف بابن فريدة. مات سنة اثنتين وسبعين ومائتين. أبو الحسن بعض إخوان أبي الميمون بن راشد. حكى عنه أبو الميمون قال: أنشدني أبو عبد الله الأعرابي: من الوافر إذا ضيّع أوّل كلّ أمرٍ ... أبت أعجازه إلاّ التواء

أبو الحسن الأعرابي الصوفي

وإن أتبعت رأيك رأي وغدٍ ... ضعيفٍ كان رأيكما سواء أبو الحسن الأعرابي الصوفي صاحب سياحة ورباط، صبور على الفقر، والشدائد. اجتاز بجبل لبنان من أعمال دمشق. أبو الحسن الأطرابلسي روى عن أحمد بن الفرج، نابقية، عن إبراهيم بن أدهم: إن الحكمة لتكون في جوف المنافق، فما تزال تجلجل في جوفه حتى يخرجها، فيتلقها المؤمن، فيعمل بها. أبو الحسن المعاني من أهل معان من البلقاء. أحد شيوخ الصوفية. له معاملات وكرامات. قال إبراهيم بن شيبان: خرجت مع أبي عبد الله المغربي على طريق تبوك، فلما أشرفنا على معان وكان له بمعان شيخ يقال له: أبو الحسن المعاني ينزل عليه، وما كنت رأيته قبل ذلك، وسمعت باسمه فوقع في خاطري: إذا دخلت إلى معان قلت له يصلح لنا عدساً بخلن فالتفت إلي الشيخ، فقال لي: احفظ خاطرك، فقلت له: ليس إلا خيراً. فأخذ الركوة من يدي. فجعلت أتقلب على الرمضاء وأقول: لا أعود، فلما رضي عني رد الركوة إلي، فلما دخلنا إلى معان قال لي الشيخ أبو الحسن: وما رآني قط قد عاد خاطرك على الجماعة، كل ما عندنا عدس بخل!

أبو الحسن الدمشقي

أبو الحسن الدمشقي حكى عمن حدثه قال: كان لنا شيخ قد صحبناه نتأدب به. فكنا معه، فاشتد بنا الجوع، فشكونا إليه ما نجده من شدة الجوع، فقال: ويعرض لكم الجوع؟ ثم قال: أما إنكم لا تصحبوني بعدها. ثم أخذ إزاراً، فتباعد عنا، ونحن ننظر إليه، فجعل يسفي فيه الرمل. ثم جمع طرفيه، وحمله على كتفه، وجاءنا به، فوضعه بين أيدينا، ثم قال: كلوا، فإذا هو خبز حار، فأكلنا، ومضينا، وما قدرنا نصحبه بعدها. أبو الحسن الدويدة شاعر مشهور. حج، واجتاز بدمشق في طريقه. وقيل اسمه علي بن أحمد بن محمد. ومن شعره: من البسيط ستور بيتك ذيل الأمن منك وقد ... علقتها مستجيراً أيّها الباري وما أظنّك لمّا أن علقت بها ... خوفاً من النار تدنيني من النار وها أنا جار بيتٍ قلت أنت لنا: ... حجّوا إليه، وقد أوصيت بالجار وولد له ولد على كبر، فقال: من الوافر رزقتك يا محمد بعد يأس ... وقد شابت من الرأس القرون فبعضي ضاحكٌ طرباً وبعضي ... من الإشفاق مكتئبٌ حزين مخافة أن ترّوعك الليالي ... بفقدي، أو تعاجلك المنون وله في أبي اليسر شاكر بن زيد بن عبد الواحد بن سليمان: من الرمل يا أبا اليسر غدا اليس ... ر بكفّيك دفاقا فقت في السبق إلى السّؤ ... دد والمجد البراقا

بالذي زادك ما زا ... د أعاديك احتراقا لا تقل إن لم أكن ذا ... حاجةٍ لا نتلاقى إنّما أدعوك للأم ... ر إذا اشتدّ وضاقا وله: من السريع يا سيدي خذ خبري جملةً ... وارث له مثلي له يرثى مجتمع لي باجتماعي مع ال ... قلة ما يتركني خنثى خبز شعيرٍ والثمانون وال ... عجور والرائب والقثا فهذه الأشياء لو جمّعت ... لآدمٍ لم يدن من أنثى وله: أبا الحسن استمع قولي وبادر ... إلى ما تشتهيه فدتك نفسي وكن مستشفعاً بأبي عليٍّ ... إلى ندمائنا ليتمّ أنسي فعندي عجّة تقلى بلوزٍ ... كلون التّبر من عشرٍ وخمس أجادت في صناعتها عجوز ... لها في القلي حسٌّ أيّ حسّ ولم أر قبل رؤيتها عجوزاً ... تصوغ من الكواكب عين شمس فدونكم إلي فإن يوماً ... أراكم حولها هو يوم عرسي

ذكر من اسمه أبو الحسين

ذكر من اسمه أبو الحسين أبو الحسين بن أحمد بن الطيب النصيبي الفقيه المعروف بالحكاك خرج من دمشق إلى مصر في صفر سنة خمس وسبعين وثلاثمائة مستصرخاً إلى الملقب بالعزيز، ومستحثاً له بإخراج عسكر إلى الشام بسبب العدو، أنه قد نزل على حلب. أبو الحسين بن بنان المصري الصوفي صفةً وطريقةً. صحب أبا سعيد الخراز، وعمرو بن عثمان المكي، وأبا بكر محمد بن الحسن الزقاق. قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو الحسين بن بنان. من أهل مصر. كان يبيع شقاق الصوف، وكان يجالس القوم ويخالطهم، فلما دخل أبو سعيد الخراز مصر ذكر له أمر أبي الحسين بن بنان، فقعد أبو سعيد على حانوته، فسأله أبو الحسين عن الضنة، فقال: ضنتك ألحن أو ضنة بك؟ فأنفق أبو الحسين جميع ماله على الفقراء، ولم يأخذ أبو سعيد من ماله شيئاً، ولم يأكل له لقمة، وقال: إن أكلت له لقمة لا يفلح أبداً. قال: وحكي لي عن محمد بن علي الكناني قال: ما أعلم أن أحداً خرج من الدنيا وليس في قلبه من الدنيا شيء إلا أبا الحسين بن بنان.

وادعى في أبي الحسين بن بنان: عمرو المكي، وأبو سعيد الخراز، والزقاق، كلهم قالوا: إنه صاحبه، وبه تخرج، من فضله، وحسن سيرته. وسمعت الحسن بن أحمد يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت ابن بنان يقول: تشهى علي أبو سعيد الخراز كبولاً، فحملت إليه ستين عدلاً قنباً، وقلت: إلى أن أحمل إليك آلته. قال أبو القاسم القشيري: ومنهم أبو الحسين بن بنان، ينتمي إلى أبي سعيد الخراز. من كبار مشايخ الصوفية. قال ابن بنان: كل صوفي كان هم الرزق قائماً في قلبه فلزوم العمل أقرب له، وعلامة سكون القلب إلى الله تعالى أن يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده. وفي رواية: أن يكون قوياً عند زوال الدنيا وإدبارها عنه، وفقده إياها، ويكون بما في يد الله عز وجل أقوى وأوثق منه بما في يده. وقال: اجتنبوا دناءة الأخلاق كما تجتنبوا الحرام. وقال: اتفقت مع السجزي في السفر من طرابلس، فسرنا أياماً لم نأكل شيئاً، فرأيت قرعاً مطروحاً، فأخذت آكله، فالتفت إلي الشيخ، ولم يقل شيئاً، فرميت به، وعلمت أنه كره، ثم فتح علينا خمسة دنانير، فدخلنا قرية، فقلت: يشتري لنا شيئاً لا محالة، فمر ولم يفعل. ثم قال: لعلك تقول: نمشي جياعاً ولم يشتر لنا شيئاً هوذا نوافي اليهودية قرية على الطريق وثم رجل صاحب عيال إذا دخلناها يشتغل بنا، فأدفعه إليه لينفق علينا، وعلى عياله، فوصلنا إليها، ودفع الدنانير إلى الرجل،

أبو الحسين بن حريش

ولا نفقة؛ فلما خرجنا قال لي: إلى أين؟ فقلت: أسير معك، فقال: لا، إنك تخونني في قرعة وتصحبني، لا تفعل. وأبى أن أصحبه. وقال السلمي: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: سمعت أبا علي بن الكاتب يقول: كان ابن بنان يتواجد، وكان أبو سعيد الخراز يصفق له. قال السلمي: ثم وجد ابن بنان في آخر عمره مطروحاً على تل في التيه، وهو يجود بنفسه ويقول: اربع، فهذا مربع الأحباب قلت: وقال السلمي في كتاب طبقات أئمة الصوفية: ومنهم أبو الحسين بن بنان، وهو من جلة مشايخ مصر. صحب أبا سعيد الخراز، وإليه ينتمي. مات في التيه قال أبو عثمان: كان أبو الحسين يقول: الناس يعطشون في البراري، وأنا عطشان، وأنا على شط النيل. وقال: لا يعظم أقدار الأولياء إلا من كان عظيم القدر عند الله. أبو الحسين بن حريش قاضي دمشق خلافةً لأبي عبد الله الحسين بن أبي زرعة محمد بن عثمان بن زرعة إلى أن مات ابن أبي زرعة.

أبو الحسين بن عمرو بن محمد

أبو الحسين بن عمرو بن محمد السلمي الداراني مات سنة ثمانين وأربعمائة، وكانت له يد في علوم شتى. ومات أبوه سنة ستين وأربعمائة. أبو الحسين الرائق المعري الشاعر قدم دمشق. وله فيها شعر سبق ذكره في أول الكتاب، يقول فيه من قصيدة: من الخفيف أبباب البريد أذكر وجدي ... أم بباب الجنان أم جيرون يقول فيها وهي في مدح أميرها ينجوتكين: عزماتٌ كأنّما خلقت من ... عزمات الأمير ينجوتكين يا أمير الجيوش شاعرك الرا ... ئق ربّ المثقفّ الموزون وله: من السريع وفي لي الدهر بموعودي ... وتابع النعمى بتجديد يا عمري زد في المدى فسحةً ... ويا ليالٍ ذهبت عودي وفيها: لمّا أثيرت من دمشق إلى ... وردٍ من الإنعام مورود لاذ بها سكّان جيرون عن ... وجدٍ وصبرٍ غير موجود وكان دمع القوم يجلى به ... سواد تلك الدّرج السّود وودّعت من ودّعت واغتدت ... تنصاع من بيدٍ إلى بيد تزاحم الثلج بمن حلقه ... يوقد ناراً بهوى الغيد

أبو حفص الدمشقي

أبو حفص الدمشقي كان بمصر. وأظن أن أبا حفص هذا عمر الدمشقي الذي روى عنه المصريون، والله أعلم. وحديثه عن مكحول: أن رجلاً قال لأبي أمامة الباهلي: الرجل استودعني الوديعة، أو يكون لي عليه دين يجحدني فيستودعني، أو يكون له عندي الشيء، أفأجحده؟ قال: لا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك. قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أبو حفص الدمشقي هذا مجهول، ومكحول لم يسمع عن أبي أمامة شيئاً. قاله الدارقطني. أبو حفص الدمشقي وأظنه هو عمرو بن أبي سلمة.

أبو الحكم بن أبي الأبيض العبسي

أبو الحكم بن أبي الأبيض العبسي كان من أصحاب هشام بن عبد الملك، وبعثه خطيباً إلى مصر حين قتل زيد بن علي. أبو حلحة الفزاري من أهل دمشق. شاعر له ذكر. أبو حلحلة بن الرداد الشاعر من أهل دمشق. حكى عن أبي تمام الطائي الشاعر. وذكر عن أبي بكر بن النائحة: أن أبا تمام الطائي وافى دمشق، وجاء إلى باب أبي حلحلة فاستأذن عليه، فقال أبو حلحلة لغلامه: سله من هو؟ فقال: قل له: إذا صعدت إليك عرفتك. فأذن له، فصعد، وعليه ثوب كردواني. قال: فقلت له: من أخونا؟ فقال أبو تمام: وما جئت هذا البلد يعني دمشق إلا ملتمساً لقاءك. فقلت: أحب أن تنشدني شيئاً، فقال: من الطويل شهدت لقد أقوت مغانيكم بعدي ... ومحّت كما محّت وشائع من برد

إلى آخرها. فاستحسنها. قلت: مالي أرى عليك أثر خلة، وقد جئت من مصر؟ قال: أصبت في طريقي. فقلت: قل في الأمير مالك بن طوق شعراً وكان يتقلد دمشق فقال قصيدته التي يقول فيها: من البسيط سلّم على الجزع من سلمى بذي سلم ... عليه وسمٌ من الأيام والقدم وعنيت بوصوله إلى مالك بن طوق، فاستحسن شعره، وأمر له بمائتي دينار، وتختين ثياباً، وبغلة. فقلت لأبي تمام يمدح الكروس وتبوك، فإنهما شيخا دمشق. فمدحهما بقصيدة أولها: من الكامل ضحك الزمان وكان غير ضحوك ... بكروّس حلف النّدى وتبوك فأمر له كل واحد منهما بمائة دينار، وحسنت حاله. واجتذبه نوح بن عمرو بن حوي السكسكي إليه، فامتدحه أبو تمام بقصيدته التي يقول فيها: من الكامل يوم الفراق لقد خلقت طويلا ... لم تبق لي جلداً ولا معقولا لا تدعون نوح بن عمروٍ دعوةً ... في الخطب إلاّ أن يكون جليلا قال: فبره نوح بن عمرو، وأكرم مثواه. ثم خرج من دمشق.

أبو حلخان الصوفي

أبو حلخان الصوفي دمشقي، ويقال: حلبي. قال السلمي: أبو حلخان الحلبي. دخل دمشق. يحكى عنه في الشواهد والأرواح مناكير، إن صح عنه ذلك فما هو من القوم في شيء. وكان اسمه عليا، وكنيته أبا الحسن. وأبو حلخان لقب. وأصله من فارس، ودخل بغداد بعد رجوعه من الشام، ونزل الرميلة، ولم يكن مذهبه إن صح ما يحكى عنه في قدم الأرواح مذهب الصوفية، ولكنه كان ينتمي إليهم، ويقعد معهم. سمعت الحسن بن أحمد يقول: سمعت العباس يقول: رأيت أبا حلخان الحلبي راكعاً بين يدي شخص من أول الليل إلى آخره يبكي بين يديه. وذكر القشيري بسنده قال: سمع ابن حلخان الدمشقي طوافاً ينادي: يا سعتر بري، فسقط مغشياً عليه، فلما أفاق سئل، فقال: حسبته يقول: أشنع تر بري. أبو حمزة الخراساني الصوفي من مشايخ الصوفية المعروفين. ينسب في بعض الروايات إلى دمشق، فيحتمل أن يكون سكنها، وإلا فهو من أهل خراسان، وهو معاصر الجنيد. قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو حمزة الخراساني من أقران الجنيد وأقدم منه. كان يجالس الفقراء، وأظن أن أصله جرجرائي. وقيل: كان بنيسابور من أهل محلة ملقباذ، وسكنه ينسب إليه بعد.

قال القشيري: هو من أقران الجنيد، والخراز، وأبي تراب النخشبي. وكان ورعاً ديناً. وقال السلمي في الطبقات: صحب مشايخ بغداد، وسافر مع أبي تراب النخشبي، وأبي سعيد الخراز. وهو من أفتى المشايخ وأورعهم. قال أبو حمزة: من استشعر ذكر الموت حبب إليه كل باق، وبغض إليه كل فان. وقال: العارف يدافع عيشه يوماً بيوم، ويأخذ عيشه يوماً ليوم. وقال له رجل: أوصني، فقال: هيئ زادك للسفر الذي بين يديك، فكأني بك وأنت في جملة الراحلين، وهيئ لنفسك منزلاً تنزل فيه إذا نزل أهل الصفوة منازلهم، لئلا تبقى متحسراً. وقال: انظر رسل البلايا، وسهام المنايا. وسئل عن الإخلاص، فقال: الخالص من الأعمال ما لا يحب أن يحمد عليه إلا الله عز وجل وقال: كنت قد بقيت محرماً في عباء أسافر كل سنة ألف فرسخ، تطلع علي الشمس وتغرب، كلما أحللت أحرمت.

وقال: حججت سنة من السنين، فبينا أنا أمشي في الطريق وقعت في بئر، فنازعتني نفسي أن أستغيث، فقلت: لا والله لا أستغيث. فما استممت هذا الخاطر حتى مر برأس البئر رجلان، فقال أحدهما للآخر: تعال حتى نسد رأس هذا البئر في هذا الطريق. فأتوا بقصب وبارية، فهممت أن أصيح، فقلت في نفسي: أصيح على من هو أقرب إلي منهما. فسكت حتى طووا رأس البئر، فإذا بشيء قد جاء وكشف رأس البئر وما عليها، ودلى رجليه في البئر كأنه يقول في مهمهة له: تعلق بي، من حيث كنت أفهم همهمته، فتعلقت به، فأخرجني من البئر، فنظرت إليه، فإذا هو سبع، وإذا هاتف يهتف بي وهو يقول: يا أبا حمزة، أليس ذا أحسن، نجيناك بالتلف من التلف، فمشيت وأنا أقول: من الطويل نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى ... وأغنيتني بالفهم منك عن الكشف تلطفت في أمري فأبديت شاهدي ... إلى غائبي واللّطف يدرك باللطف تراءيت لي بالغيب حتّى كأنّما ... تبشّرني بالغيب أنّك في الكفّ أراك وبي من هيبةٍ لك وحشةٌ ... فتؤنسني باللطف منك وبالعطف وتحيي محبّاً أنت في الحبّ حتفه ... وذا عجبٌ كون الحياة مع الحتف وقيل: إن صاحب هذه الحكاية أبو حمزة البغدادي، وقيل: الدمشقي. والله أعلم. قال أبو محمد الرصافي: خرج أبو حمزة، فسمع قائلاً يقول: من الكامل نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحبّ إلا للحبيب الأوّل قال: فسقط مغشياً عليه.

أبو حملة

قال القشيري: توفي أبو حمزة سنة تسعين ومائتين. قال أبو حمزة الخراساني: من نصح نفسه كرمت عليه، ومن تشاغل عن نصيحتها هانت عليه. وقال: الأنس ضيق الصدر في معاشرة الخلق. وقال: العارف يخاف زوال ما أعطي، والخائف يخاف نزول ما وعد. وقال: خف سطوة العدل، وارج رقة الفضل، ولا تأمن مكره وإن أنزلك الجنان، ففي الجنة وقع لأبيك آدم ما وقع، وقد يقطع بقوم فيها. فقال: " كُلُوا وأشْرَبُوا هَنِيئاً بما أَسْلَفْتُم في الأيَّامِ الْخَالِيةِ "، فشغلهم عنه بالأكل والشرب، ولا مكر فوق هذا، ولا حسرة أعظم منه. وقال: من خصه الله منه بنظرة شفقة فإن تلك النظرة تنزله منازل أهل السعادة، وتزينه بالصدق ظاهراً وباطناً. وقال: الصوفي من صفا من كل درن، فلا يبقى فيه وسخ المخالفة بحال. أبو حملة والد علي بن أبي حملة الدمشقي. أدرك معاوية. ذكره أبو زرعة في الطبقة الثالثة، وكذلك ابن سميع، وقال: هو مولى لقريش لأبي هاشم بن عتبة.

كنى النساء على الحاء

كنى النساء على الحاء أم حبيب بنت فلان القرشية أدركت عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت اليرموك. لها ذكر. قال أبو حذيفة البخاري: قالوا: وشد طرف من الروم على عمرو بن العاص، فانكشف هو وأصحابه حتى دخلوا أول العسكر، وهم في ذلك يقاتلون ويشدون، ولم ينهزموا هزيمة ولوا فيها الظهر. قالوا: فنزلت النساء من التل بعمدهن، يضربن وجوه الرجال. ونادت الناس ابنة ابن العاص، وقالت: قبح الله رجلاً يفر عن حليلته، وقبح الله رجلاً يفر عن كريمته. قالوا: وسمع نسوة من نساء المسلمين يقلن: فلستم ببعولتنا إن لم تمنعونا. قال: فتراد المسلمون، وزحف عمرو وأصحابه حتى عادوا إلى قريب من موقفهم. ذكر أبو مخنف هذه القصة وقال: سمعت أم حبيب بنت العاص. أم حبيب بنت أبي هاشم بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية زوج يزيد بن معاوية. كتبت إلى النعمان بن بشير تسأله عن قصة زيد بن خارجة الأنصاري الذي تكلم بعد موته، فكتب إليها بذلك. وكانت تكنى أم عبد الله بابنها عبد الله.

أم حرام بنت ملحان

أم حرام بنت ملحان واسمه مالك، ويقال: ملحان بن مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأنصارية زوج عبادة بن الصامت، وخالة أنس بن مالك. لها صحبة، وخرجت مع زوجها عبادة غازية إلى الشام. وقدمت دمشق. عن أنس بن مالك، عن خالته أم حرام بنت ملحان أنها قالت: نام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً قريباً مني ثم استيقظ، فتبسم. فقلت: يا رسول الله، ما أضحكك؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي يركبون ظهر هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية ففعل مثلها، فقالت مثل قولها، وجاوبها مثل جوابه الأول. قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين. قال: فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيةً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن أبي سفيان. فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين، فنزلوا الشام، فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، فماتت رحمها الله. قال خليفة بن خياط: أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن النجار، وهي امرأة عبادة بن الصامت. أمها مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. وذكر ابن سعد مثلما تقدم عن خليفة، وذكر تمام نسب عبادة، وقال: فولدت له محمداً، ثم خلف عليها عمرو بن قيس بن زيد بن سواد بن مالك بن

غنم بن مالك بن النجار، فولدت له: قيساً، وعبد الله. وأسلمت أم حرام، وبايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال أبو نعيم الحافظ: أم حرام بنت ملحان الأنصارية خالة أنس بن مالك، كانت تحت عبادة بن الصامت، وخرجت معه في بعض غزوات البحر، وماتت بالشام، وقبرت بقبرس، وقصتها بغلتها، فماتت. وأهل الشام يستسقون بها، يقولون: قبر المرأة الصالحة. قيل: اسمها الرميصاء، وقيل: الغميصاء أيضاً. وعن ثابت قال: قال أنس: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما هو إلا أنا وأمي، وأم حرام خالتي، فقال: قوموا فلأصل بكم في غير وقت صلاة، قال: فصلى بنا صلاةً قال رجل من القوم لثابت: أين جعل أنساً؟ قال: جعله عن يمينه قال: ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة. عن قتير حاجب معاوية، قال: كان أبو ذر يغلظ لمعاوية. قال: فأرسل إلى عبادة بن الصامت، وإلى أبي الدرداء، وإلى عمرو بن العاص، وإلى أم حرام، فأجلسهم، وقال: كلموه. فذكر حكاية. عن أبي نصر بن ماكولا قال: أما حرام بحاء مهملة وراء أم حرام بنت ملحان خالة أنس بن مالك.

أم الحكم بنت أبي سفيان صخر

قال أبو سليمان محمد بن عبد الله بن زبر: سنة سبع وعشرين قيل فيها توفيت أم حرام بنة ملحان بقبرس، سقطت عن دابتها فماتت. أم الحكم بنت أبي سفيان صخر ابن حرب ابن أمية بن عبد شمس أخت أم حبيبة لأبيها، وأخت معاوية لأبيه وأمه، أمهما هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. أدركت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت ممن أسلم يوم الفتح، وبايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحكت عن أخيها. قال الزهري: دخلت على عروة بن الزبير وهو يكتب إلى هنيدة صاحب الوليد بن عبد الملك، وكان سأله عن قول الله عز وجل: " يا أيُّها الذينَ آمنوا إذا جاءكم المؤمناتُ مهاجراتٍ فامْتَحِنُوهُنّ "، فكتب إليه: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن ولي، فكان يرد الرجال. فلما هاجر النساء أبى الله ذلك، أن يردهن إذا امتحن بمحنة الإسلام، فزعمت أنها جاءت راغبةً فيه، وأمره أن يرد صدقاتهن إليهم، إذا حبسوا عنهم، وأن يردوا عليهم مثل الذي يرد عليهم إن فعلوا، فقال: " واسألوا ما أنفقتم ". وصبحها أخواها من الغد، فطلباها، فأبى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يردها إليهما، فرجعا إلى مكة، فأخبرا قريشاً، فلم يبعثوا في ذلك أحداً، ورضوا بأن يحبس النساء، " وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم. وإن فاتكم

شيءٌ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا "، قال، إن فات أحداً منهم أهله إلى الكفار، فإن أتتكم امرأة منهم فأصبتم غنيمةً أو فيئاً فعوضوهم مما أصبتم صداق المرأة التي أتتكم. فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله، وأبى المشركون أن يقروا بذلك، وأن ما فات للمشركين على المسلمين من صداق من هاجر من أزواج المشركين " فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثلما أنفقوا " من مال المشركين في أيديكم. ولسنا نعلم امرأة من المسلمين فاتت زوجها بلحوق بالمشركين بعد إيمانها، ولكنه حكم الله، حكم الله به لأمر إن كان، والله عليم حكيم " ولا تمسكوا بعِصَم الكوافر " يعني من غير أهل الكتاب فطلق عمر بن الخطاب مليكة بنت أبي أمية، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وطلق عمر أيضاً بنت جرول الخزاعية، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة، وطلق عياض بن غنم الفهري أم الحكم بنت أبي سفيان يومئذ، فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي، فولدت له: عبد الرحمن بن أم الحكم. عن عبد الرحمن بن أم الحكم، حدثتني أمي أم الحكم أنها كانت عند معاوية حين أغمي عليه، فأفاق، فأراد أن يريهم، فقال: من الوافر وهل من خالدٍ إمّا هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار وقال ابن سعد في تسمية النساء المسلمات: أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، وأمها هند بنت عتبة بن ربيعة، تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب.

أم حكيم بنت الحارث بن هشام

وقال أبو زرعة فيمن حدث بالشام من النساء: أم الحكم بنت أبي سفيان. وذكرها في الإخوة والأخوات من ولد أبي سفيان. وذكرها ابن سميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام. أم حكيم بنت الحارث بن هشام ابن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية أمها فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد الله. أخت خالد. وهي تنسب لها قنطرة أم حكيم بمرج الصفر. لها صحبة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستأمنته لبعلها عكرمة بن أبي جهل، وخرجت معه إلى الشام غازية، فقتل عنها، فتزوجها خالد بن سعيد، وكانت يوم أحد مع زوجها قبل أن يسلما. عن عروة بن الزبير قال: كانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام عند عكرمة بن أبي جهل، وكانت فاختة بنت الوليد بن المغيرة عند صفوان بن أمية، فأسلمتا جميعاً، فأتت أم حكيم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأمنته لعكرمة فآمنه. وزادت رواية أخرى: فاستأذنته في طلبه، فأذن لها، فخرجت في طلبه، وخرج معها عبد لها رومي، فأرادها عن نفسها، فلم تزل تعده وتقربه حتى قدمت على ناس من عك، فاستعانتهم عليه، فأوثقوه لها، ثم انطلقت حتى جاءت به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثب فرحاً وما عليه رداء حتى بايعه.

وعن الزهري قال: إن نساءً من المسلمات أسلمن قبل أزواجهن، ثم أسلم أزواجهن بعدهن، فلم يفرق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم، منهن: أم حكيم بنت الوليد بن المغيرة. وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل. قال الزبير: وأم عبد الرحمن بن الحارث وأخته أم حكيم بنت الحارث فاطمة بنت الوليد بن المغيرة. وليس للحارث بن هشام ولد إلا من عبد الرحمن، ومن أم حكيم. كانت تحت عكرمة بن أبي جهل فقتل عنها يوم اليرموك شهيداً، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر شهيداً، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر، فتزوج فاطمة عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد. قال ابن سعد في تسمية النساء المسلمات المبايعات: أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقال محمد بن سعد: أنا محمد بن عمر، حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: شهد خالد بن سعيد فتح أجنادين، وفحل، ومرج الصفر. وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل فقتل عنها بأجنادين، فاعتدت عنه أربعة أشهر وعشراً، وكان يزيد بن أبي سفيان يخطبها، وكان خالد بن سعيد يرسل إليها في عدتها يتعرض للخطبة، فحطت إلى خالد بن سعيد، فتزوجها على أربعمائة دينار، فلما نزل المسلمون مرج الصفر أراد خالد أن يعرس بأم حكيم، فجعلت تقول: لو أخرت الدخول حتى يقض الله هذه الجموع. فقال خالد: إن نفسي تحدثني أني أصاب في جموعهم،

قالت: فدونك. فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر. فبها سميت قنطرة أم حكيم. وأولم عليها في صح مدخله، فدعا أصحابه على طعام، فما فرغوا من الطعام حتى صفت الروم صفوفها صفوفاً خلف صفوف، وبرز رجل منهم معلم يدعو إلى البراز، فبرز إليه أبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري، فنهاه أبو عبيدة، فبرز حبيب بن مسلمة، فقتله حبيب ورجع إلى موضعه. وبرز خالد بن سعيد، فقالت، فقتل. وشدت أم حكيم بنت الحارث عليها ثيابها وعدت، وإن عليها لردع الخلوق في وجهها، فاقتتلوا أشد القتال على النهر، فصبر الفريقان جميعاً، وأخذت السيوف بعضها بعضاً، فلا يرمى بسهم، ولا يطعن برمح، ولا يرمى بحجر، ولا يسمع إلا وقع السيوف على الحديد، وهام الرجال وأبدانهم. وقتلت أم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد بن سعيد معرساً بها. وكانت وقعة مرج الصفر في المحرم سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. وعن ابن مسهر أن عمر بن الخطاب تزوجها بعد خالد بن سعيد. قال أبو حذيفة: وكان أمر اليرموك أن الروم لما صافت سار هرقل إلى الروم حتى نزل أنطاكية ومعه المستعربة: لخم، وجذام، وبلقين، وبلي، وعاملة، وتلك القبائل من قضاعة، ومعه من أهل أرمينية اثنا عشر ألفاً، فلما نزل أنطاكية بعث القيقلان خصياً له فسار بمائة ألف، وسار في أهل أرمينية حبرجة، وسار في قبائل قضاعة جبلة بن الأيهم الغساني وسائرهم من الروم، وعلى جماعة الناس القيقلان الخصي، وسار المسلمون وهم أربعة وعشرون ألفاً عليهم أبو عبيدة بن الجراح، فالتقوا باليرموك في سنة خمس عشرة، فاقتتل الناس قتالاً شديداً، فقاتل نساء بالسيوف حتى دخل العسكر منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام.

أم حكيم بنت يحيى

أم حكيم بنت يحيى ويقال: بنت يوسف بن يحيى بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمها زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومية. امرأة شاعرة. تزوجها عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، فطلقها، ثم تزوجها هشام بن عبد الملك، فولدت له يزيد بن هشام. وإلى أم حكيم هذه ينسب سوق أم حكيم، وقصر أم حكيم الذي عند مرج الصفر. قال الزبير بن بكار: وولد يحيى بن الحكم أبا بكر بن يحيى، وأم حكيم، تزوجها عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، ثم تزوج عليها بنتاً لأبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فحظيت بنت أبي بكر عنده، وأحبها، فطلق عنها أم حكيم، فتزوجها هشام بن عبد الملك. فلما مات عبد العزيز بن الوليد تزوج هشام بن عبد الملك امرأته الأخرى بنت أبي بكر، فجمع بين امرأتيه جميعاً: أم حكيم وبنت أبي بكر، ثم طلق بنت أبي بكر عن أم حكيم، وقال لأم حكيم: أرضيتك، أقدتك منها، طلقتها عنك كما طلقك عبد العزيز عنها. فولدت أم حكيم لهشام: مسلمة، ومحمداً، ويزيد، وأم يحيى، وأم هشام، وأم أبي بكر. وأم حكيم بنة يحيى أمها زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث الموصولة. وقال الوليد بن يزيد: من الخفيف علّلاني بعاتقات الكروم ... وبكأسٍ ككأس أمّ حكيم إنها تشرب الرّساطون صرفاً ... في إناءٍ من الزّجاج عظيم

ومما يروى من شعر أم حكيم: من الطويل ألا فاسقياني من شرابكما الوردي ... وإن كنت قد انفدت فاسترهنا بردي سواري ودملوجي وما ملكت يدي ... مباحٌ لكم نهبٌ، فلا تقطعوا وردي وعن ابن دأب قال: دخل هشام بن عبد الملك على أم حكيم وهي مفكرة، فقال لها: في أي شيء أنت مفكرة يا أم حكيم؟ قالت: خير يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك لتخبرني، قالت: في قول جميل: من الطويل فما مكفهرٌ في رحى مرجحنّةٍ ... ولا ما أسرّت في معادنها النحل بأحلى من القول الذي قلت بعدما ... تمكن من حيزوم ناقتي الرّحل فليت شعري ما كانت قالت له حتى استحلاه ووصفه؟! لقد كنت أحب أن أعلم. فضحك هشام، ثم قال: هذا شيء أحب عمك يعني أباه أن يعلمه، وسأل عنه من سمع الشعر من جميل، فلم يعلمه، فقالت: إذا استأثر الله بشيء فاله عنه.

حرف الخاء

حرف الخاء أبو خالد الحرسي من حرس عبد الملك بن مروان. أبو خالد القصاع حكى عن الحسن بن يحيى الخشني قال: سمعت الحسن وسئل: ما علامته في أوليائه؟ قال: توفيقهم في دار الدنيا للأعمال التي يرضى بها عنهم. أبو خداش بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب ابن هاشم القرشي الهاشمي بن ابن عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبو خراسان بن تميم الفارسي أخو الليث بن تميم. ولي غازية البحر في خلافة الوليد وسليمان ابني عبد الملك. وكان يكون ببيروت وطرابلس من ساحل دمشق. وأثر في جهاد الروم آثاراً حسنةً.

أبو الخير الأقطع التيناتي

حدث الليث بن تميم الفارسي: أن سفن المسلمين بالشام كانت متفرقةً في ساحل الشام، فكانت طائفة منها باللاذقية بساحل حمص، وعليها سفيان الفارسي، وطائفة منها بأطرابلس ساحل دمشق أو قال: ببيروت وعليها أخي أبو خراسان الفارسي. وكان أيما رجل في كماله وبأسه قال سليمان بن أبي كريمة: ما رأيت مثله من رجال فارس فلم يزل الأمر كذلك حتى ولي الأمر عمر بن هبيرة، فعزل سفيان الفارسي أبا خراسان، وصاحب عكا عما كانوا يلون من ذلك، حملهم معه في مركبه لئلا يكون لهم الذكر دونه، وولى عليها رجالاً غيرهم. قال الوليد: وأخبرني الليث: أن ولاة غازية البحر في زمان الوليد بن عبد الملك: سحيم، وأبو خراسان، وسفيان؛ فكان سفيان الفارسي على سفن حمص بمدينة اللاذقية، وأبو خراسان على سفن دمشق بمدينة طرابلس، وسفن الأردن وفلسطين بعكا. فلما ولي سليمان بن عبد الملك ولى على جماعة سفن المسلمين من أهل الشام ومصر وإفريقية ألف سفينة عمر بن هبيرة الفزاري، فعزل عمر بن هبيرة هؤلاء النفر عن ولايتهم، وولى على ذلك غيرهم من رجال العرب. أبو الخير الأقطع التيناتي وتينات من نواحي المصيصة، نسب إليها لأنه أقام بها، وأصله من المغرب. وقيل: إن اسمه حماد بن عبد الله. وكان أسود من العباد المشهورين، والزهاد المذكورين. صحب أبا عبد الله الجلاء. وسكن جبل لبنان أيضاً من نواحي دمشق، ودخل أطرابلس. حكى عنه أبو القاسم بكر بن محمد، وأبو علي الأهوازي، وغيرهما. قال أبو عبد الرحمن السلمي: أبو الخير التيناتي. سكن جبل لبنان، وتينات على أميال من المصيصة، وأقام بها،

وكان يعرف بأبي الخير الأقطع. وله آيات وكرامات. وكان ينسج الخوص بإحدى يديه لا يدري كيف ينسجه، وكان تأوي إليه السباع، ويأنسون به. لم تزل ثغور الشام محفوظةً أيام حياته إلى أن مضى لسبيله. رحمه الله. كان أبو الخير أصله من المغرب، وله كرامات وآيات يطول شرحها. وقال في كتاب الطبقات: ومنهم: أبو الخير الأقطع، وكان أوحد في طريقته في التوكل، كان يأنس إليه السباع والهوام، وكان حاد الفراسة، مات سنة نيف وأربعين وثلاثمائة. قال أبو الخير: دخلت مدينة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا بفاقة، فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذواقاً، فتقدمت إلى القبر، وسلمت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقلت: أنا ضيفك الليلة يا رسول الله، وتنحيت، ونمت خلف المنبر، فرأيت في المنام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعلي بن أبي طالب بين يديه. فحركني علي، وقال لي: قم، قد جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقمت إليه، وقبلت بين عينيه، فدفع إلي رغيفاً، فأكلت نصفه، فانتبهت، فإذا في يدي نصف رغيف. وقال أبو الخير: لن يصفو قلبك إلا بتصحيح النية لله تعالى، ولن يصفو بدنك إلا بخدمة أولياء الله تعالى. وقال أبو الخير: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة، ومعانقة الأدب، وأداء الفرائض، وصحبة الصالحين، وخدمة الفقراء الصادقين.

وقال: حرام على قلب مأسور بحب الدنيا أن يسبح في روح الغيوب. وقال: القلوب ظروف، فقلب مملوء إيماناً، فعلامته الشفقة على جميع المسلمين، والاهتمام بما يهمهم، ومعاونتهم على ما يعود صلاحه إليهم. وقلب مملوء نفاقاً، فعلامته الحقد، والغل، والغش، والحسد. وقال: الدعوى رعونة لا يحتمل القلب إمساكها، فيلقيها إلى اللسان، فينطق بها ألسنة المقى، ولا يعرف الأعمى ما يبصره البصير من محاسنه وقبائحه. قال أبو القاسم القشيري: ومنهم أبو الخير الأقطع. مغربي الأصل. سكن تينات، وله كرامات، وفراسة حادة. كان كبير الشأن. قال أبو الحسين القيرواني: زرت أبا الخير التيناتي، فلما ودعته خرج معي إلى باب المسجد، فقال: يا أبا الحسين، أنا أعلم أنك لا تحمل معك معلوماً، ولكن احمل هاتين التفاحتين، فأخذتهما، ووضعتهما في جيبي وسرت. فلم يفتح لي بشيء ثلاثة أيام، فأخرجت واحدةً منهما، فأكلتها، ثم أردت أن أخرج الثانية فإذا هما في جيبي، فكنت آكل منهما، وتعودان، إلى باب الموصل؛ فقلت في نفسي: إنهما تفسدان علي حال توكلي إذا صارتا معلوماً لي، فأخرجتهما من جيبي بمرة، فنظرت، فإذا فقير ملفوف في عباءة يقول: أشتهي تفاحة، فناولتهما إياه، فلما عبرت وقع لي أن الشيخ إنما بعث بهما إليه، وكنت في رفقة في الطريق، فانصرفت إلى الفقير، فلم أجده. قال أبو نعيم الأصبهاني: سمعت غير واحد ممن لقي أبا الخير يقول: إن سبب قطع يده أنه كان عاهد الله ألا

يتناول بشهوة نفسه شيئاً مشتهى، فرأى يوماً بجبل لكام شجرة زعرور، فاستحسنها، فقطع منها غصناً، فتناول منها شيئاً من الزعرور، فذكر عهده، فتركه. ثم كان يقول: قطعت غصناً فقطع مني عضو. قال أبو ذر الهروي: سمعت عيسى بن أبي الخير التيناتي بمصر وكان رجلاً صالحاً وقلت له: لم كان أبوك أقطع؟ قال: ذكر لي أنه كان عبداً أسود. قال: فضاق صدري في الملك، فدعوت الله، فأعتقت، فكنت أجيء إلى الإسكندرية، فأحتطب، وأتقوت بثمنه، وكنت أدخل المسجد أقف على الحلق، وأعلم أنهم لا يعلموني شيئاً، لأني عبد أسود، فكنت أقف عليهم، فيسهل الله على لسانهم ما كنت أريد أن أسأل عنه، فأحفظه، وأستعمل ذلك. ذكرت مرةً حكاية يحيى بن زكريا وما عملوا به، فقلت في نفسي: إن الله ابتلاني بشيء في بدني صبرت. ثم خرجت إلى الثغر بطرسوس، وكنت آكل المباحات، ومعي حجفة وسيف. وكنت أغزو العدو مع الناس، فآواني الليل إلى غار هناك، فقلت في نفسي: إني أزاحم الطير في أكل المباحات، فنويت ألا مررت بعد ذلك بشجرة، فقطعت منها شيئاً، فلما أردت ذكرت، فرميته، ثم دخلت المغارة بالليل، فإذا هناك قطعوا الطريق، ودخلوا إلى الغار قبلي ولم أعلم، فلما دخلت إلى هناك، فإذا نحن بصاحب الشرطة يطلبهم، فدخل الغار، فأخذهم، وأخذني معهم، فقدموا جميعاً، فقطعوا. فلما قدمت قال اللصوص: لم يكن هذا الأسود معنا، وكان أهل الثغر يعرفونني، فغطى الله عنهم حتى قطعوا يدي، فلما مدوا رجلي قلت: يا رب، هذه يدي قطعت لعقد عقدته، فما بالي رجل؟؟! فكأنه كشف عنهم، وعرفوني، وقالوا: هذا أبو الخير! واغتموا. فلما أرادوا أن يغمسوا يدي في الزيت امتنعت، وخرجت، ودخلت الغار، وبت ليلة عظيمة، فأخذني النوم، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقلت: يا

رسول الله، فعلوا بي وفعلوا، فأخذ يدي المقطوعة، فقبلها، فأصبحت ولا أجد ألم الجرح، وقد عوفيت. وقال ابن جهضم: حدثني بكر بن محمد قال: كنت عند الشيخ أبي الخير بالتينات، فبسط محادثته لي إلى أن هجمت عليه، فسألته عن سبب قطع يده، وما كان منه، فقال: يد جنت فقطعت. فظننت أنه كانت له صبوة في حداثته في قطع طريق أو نحوه مما أوجب ذلك، فأمسكت. ثم اجتمعت معه بعد ذلك بسنين مع جماعة من الشيوخ، فتذاكروا مواهب الله لأوليائه، وأكثروا كرامات الله لهم، إلى أن ذكروا طي المسافات، فتبرم الشيخ بذلك، فقال: لم يقولون: فلان مشى إلى مكة في ليلة، وفلان مشى في يوم؟ أنا أعرف عبداً من عبيد الله حبشياً كان جالساً في جامع أطرابلس، ورأسه في جيب مرقعته، فخطر له طيبة الحرم، فقال في سره: يا ليتني كنت بالحرم، ثم أمسك عن الكلام. فتغامز الجماعة، وأجمعوا على أنه ذلك الرجل. وقال أبو القاسم بكر بن محمد: كنت عند أبي الخير التيناتي وجماعة اجتمعوا على أن يسألوه عن سبب قطع يده، فقال: يد جنت، فقطعت. فقيل: قد سمعنا منك هذا مراراً كثيرةً، أخبرنا كيف سببه؟ فقال: نعم. أنتم تعلمون أني من أهل المغرب، فوقعت في مطالبة السفر، فسرت حتى بلغت إسكندرية، فأقمت بها اثنتي عشرة سنةً، ثم سرت منها إلى أن صرت بين شطا ودمياط، فأقمت أيضاً اثنتي عشرة سنةً. فقيل له: مكانك، إلى ها هنا انتهينا، الإسكندرية بلد عامر، أمكن أن تقيم بها، بين شطا ودمياط لا زرع ولا ضرع، أي شيء كان قوتك اثنتي عشرة سنةً؟ فقال: نعم، كان في الناس خير في ذلك الزمان، وكان يخرج من مصر خلق

كثير يرابطون بدمياط، وكنت قد بنيت كوخاً على شط الخليج، فكنت أجيء من الليل إلى تحت السور، فإذا أفطر المرابطون نفضوا سفرهم خارج السور، فأزاحم الكلاب على قمامة السفر، فآخذ كفايتي، فكان هذا قوتي في الصيف. فقالوا: ففي الشتاء؟ قال: نعم، كان ينبت حول الكوخ من هذا البردي الجافي، فيخصب في الشتاء، فأقلعه، فما كان منه في التراب يخرج غضاً أبيض، فآكله، وأرمي بالأخضر الجافي. فكان هذا قوتي إلى أن نوديت في سري: يا أبا الخير، تزعم أنك لا تزاحم الخلق في أقواتهم، وتشير إلى التوكل، وأنت في وسط المعلوم جالس؟ فقلت: إلهي وسيدي ومولاي، وعزتك لا مددت يدي إلى شيء مما تنبت الأرض حتى تكون أنت الموصلي إلى رزقي من حيث لا أكون أنا أتولى فيه. فأقمت اثني عشر يوماً أصلي الفرض وأتنفل، ثم عجزت عن النافلة، فأقمت اثني عشر يوماً أصلي الفرض لا غير، ثم عجزت عن القيام، فأقمت اثني عشر يوماً أصلي جالساً، ثم عجزت عن الجلوس، فرأيت إن طرحت نفسي ذهب فرضي. فلجأت إلى الله بسري، وقلت: إلهي وسيدي ومولاي افترضت علي فرضاً تسألني عنه، وضمنت لي رزقاً فتفضل علي برزقي، ولا تؤاخذني بما اعتقدته معك، فوعزتك لأجتهدن ألا أخالف عقدي الذي عقدته معك. فإذا بين يدي رغيفان وربما قال: قرصان بينهما شيء ولم يذكر الشيء فكنت آخذه على دوار وقتي من الليل إلى الليل. ثم طولبت بالمسير إلى الثغر، فسرت حتى دخلت مصر، وكان ذلك يوم جمعة، فوجدت في صحن الجامع قاصاً يقص على الناس، وحوله حلقة، فوقفت بينهم أسمع ما يقول فذكر قصة زكريا والمنشار، وما كان من خطاب الله له حين هرب منهم، فنادته الشجرة: إلي يا زكريا، فانفرجت له، فدخلها، ثم أطبقت عليه، ولحقه العدو، فتعلق بطرف عبائه، وناداهم: إلي، فهذا زكريا! ثم أخرج لهم حيلة المنشار، فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار رأس زكريا، فأن منه أنةً، أوحى الله تعالى: يا زكريا، لئن

صعدت منك إلي أنة ثانية لأمحونك من ديوان النبوة. فعض زكريا على الصير حتى قطع بشطرين فقلت في نفسي: لقد كان زكريا صابراً، إلهي وسيدي ومولاي لئن ابتليتني لأصبرن. ثم سرت حتى دخلت أنطاكية، فرآني بعض إخواني، وعلم أني أريد الثغر، فدفع إلي سيفاً وترساً وحربةً للسبيل، فدخلت الثغر، وكنت حينئذ أحتشم من الله أن أرى وراء سور خيفة العدو، فجعلت مقامي بالنهار في غابة أكون فيها، وأخرج باللي إلى شط البحر، فأغرز الحربة على الساحل، وأشد الترس إليها محراباً، وأتقلد سيفي، وأصلي إلى الغداة، فإذا صليت الصبح غدوت إلى الغابة، فكنت فيها نهاري أجمع. فبدرت في بعض الأيام، فبصرت بشجرة بطم قد بلغ بعضه أخضر، وبعضه أحمر، قد وقع عليه الندى، وهو يبرق، فاستحسنته، وأنسيت عقدي مع الله، وقسمي به أني لا أمد يدي إلى شيء مما تنبت الأرض، فرددت يدي إلى الشجرة، فقطعت منها عنقوداً، وجعلت بعضه في فمي ألوكه، فذكرت العقد، فرميت ما في يدي، وبزقت ما في فمي، وقلت: حلت المحنة، ورميت الترس والحربة، وجلست موضعي يدي على رأسي. فما استقر جلوسي حتى دار بي فرسان، وقالوا لي: قم. فساقوني إلى أن أخرجوني إلى الساحل، فلما قدمت إلى الأمير، وكان رجلاً تركياً، قال لي: أيش أنت ويلك؟ قلت: عبد من عبيد الله، فقال للسودان: تعرفونه؟ قالوا: لا، قال: بلى، هو رئيسكم، وإنما تفدونه بنفوسكم، لأقطعن أيديكم وأرجلكم. فقدموهم، فلم يزل يقدم رجلاً رجلاً يقطع أيديهم حتى انتهى إلي آخرهم، فقال لي: تقدم، مد يدك، فمددتها، فقطعت، ثم قال لي: مد رجلك، فمددتها، فرفعت سري إلى السماء وقلت: إلهي وسيدي ومولاي، يدي جنت، رجلي أيش عملت؟! فإذا بفارس قد أقبل وقف على الحلقة، ورمى نفسه إلى الأرض، وصاح: أيش تعملون، تريدون أن تنطبق الخضراء على الغبراء؟ هذا رجل صالح يعرف بأبي الخير المناجي وكنت حينئذ أعرف بالمناجي فرمى الأمير نفسه عن فرسه، وأخذ يدي المقطوعة من الأرض يقبلها، وتعلق بي يقبل صدري، ويشهق، ويبكي، ويقول: ما علمت، سألتك بالله اجعلني في حل. فقلت: جعلتك في حل من أول ما قطعتها، هذه يد جنت فقطعت. ة من الأرض يقبلها، وتعلق بي يقبل صدري، ويشهق، ويبكي، ويقول: ما علمت، سألتك بالله اجعلني في حل. فقلت: جعلتك في حل من أول ما قطعتها، هذه يد جنت فقطعت.

وقال أبو الخير: جاورت بمكة سنة من السنين، ومر علي بها شدائد، وهمت نفسي بالسؤال، فهتف بي هاتف: أما يستحي الوجه الذي تسجد لي به أن تبذله لغير؟! فجلست. وقال أبو الخير: من أنس بالله لم يستوحش من شيء. قال أبو سعد إسماعيل بن علي الواعظ: سمعت جماعة من مشايخنا: أن يوماً صلوا خلف أبي الخير الأقطع، فلما سلم قال رجل: لحن الشيخ. ففي نصف الليل خرج إلى البراز، فرأى أسداً والشيخ يطعمه، فغشي على الرجل، فقال الشيخ: منهم من يكون لحنه في قلبه، ومنهم من يكون يلحن بلسانه. قال السلمي: سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول: دخل على أبي الخير الأقطع بعض البغداديين، وقعدوا يتكلمون بين يديه، وضاق صدره، فخرج، فلما خرج جاء السبع، ودخل البيت، فسكتوا، وانضم بعضهم إلى بعض، وتغيرت ألوانهم، فدخل عليهم أبو الخير وقال: يا سادتي، أين تلك الدعاوى؟ قال أبو القاسم القشيري: وأبو الخير التيناتي مشهور بالكرامات. حكي عن إبراهيم الرقي أنه قال: قصدته مسلماً، فصلى صلاة المغرب، فلم يقرأ الفاتحة مستوياً، فقلت في نفسي: ضاعت سفرتي. فلما سلمت خرجت للطهارة، فقصدني السبع، فعدت إليه فقلت: أن الأسد قصدني، فخرج، وصاح على الأسد. وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني؟ فتنحى. وتطهرت، فلما رجعت قال: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم القلب فخافنا الأسد. قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: بكرت يوماً إلى أبي عثمان المغربي، فقعدت معه إلى أن أذنوا لصلاة الظهر، ثم قلت:

آذيت الشيخ. قال: ثم أقبل علي فقال: أنا لا أعرف الناس، قد كان رجل بمكة يحمل إلي الطعام ثلاث سنين وأنا لا أعرف اسمه، ولكن أجدني قد أنست إليك، فاعلم أن طريق السالكين أحكم من طريق أهل الروايات؛ هذا الأسود الذي كان بالشام يعني أبا الخير الأقطع خرج إليه إبراهيم بن المولد من العراق، فوصل إليه عند المساء، فنزل، وتطهر، وصلى معه صلاة العتمة، فازدرى به لقراءته، ففطن أبو الخير لذلك، فلما جن عليه الليل أخذ إبراهيم ركوته، وذهب يجدد وضوءاً، فبينا هو على ذلك إذ جاء سبع، فوقف عليه، فترك إبراهيم ركوته وعدا إلى المسجد، فأدركه أبو الخير، فقال: مالك؟ قال: سبع! فخرج أبو الخير، وأخذ بأذن السبع. وقال: يا أبا الحارث، ألم أقل لك لا تؤذ الناس! وأخذ ركوة إبراهيم وردها إليه. قال أبو القاسم بكر بن محمد: ورد على أبي الخير رجل فقيه من العراق، فلما وجبت صلاة العشاء خرج إلى المسجد وضيفه معه، فتقدم الشيخ، فصلى بهم، وكان في لسانه عجمة الحبش، فلما فرغ من الصلاة قام الفقيه فأعاد صلاته التي صلاها خلفه، فلما كان من غد قدم الشيخ ضيفه فقال: تقدم، صل بنا الصبح، فإنك تحقق القراءة أكثر مني، فتقدم الرجل، وصلى بالشيخ والجماعة، ثم خرج الرجل بين الآجام، فإذا به يصرخ، فخرج الشيخ فدخل الأجمة، فإذا بالرجل ملقىً على ظهره، والسبع على صدره، فتقدم الشيخ إلى السبع، فأخذ أذنه وقال: ويحك تخيف ضيفي!؟ ونحاه عن صدره، فأقام الرجل مغشياً عليه ساعةً، وحمل إلى المسجد، فلما أفاق قال له الشيخ: يا هذا، لو حققت يقينك كما حققت قراءتك لكنت أحد رجال الله، ففطن الرجل وقال: أيها الشيخ التوبة، فقال: يا هذا، لا يعرج إلى السماء إلا كما نزل منها محققاً، ولي اجتهادك، فصوب يقينك كما صوبت قراءتك، ارفع سوء الظن عن عباد الله. فقال: سمعاً لك وطاعةً. قال أبو ذر الهروي: سألت عيسى بن أبي الخير: كيف كان حديث السبع معك؟ قال: كان أبي يخرج خارج الحصن، وعنده آجام كثيرة، وسباع، وكان أبي يضرب السبع ويقول: لا تؤذ أصحابي. فلما كان ذات يوم

قال: ادخل القرية فأتني بعيش، فتركت ما أمرني واشتغلت ألعب مع الصبيان بجفنة العشاء، فغضب علي، فقال: لأحملنك وأبيتنك في الأجمة، فأخذني تحت إبطه وحملني إلى أجمة بعيدة لا أهتدي للطريق منها، ورماني هناك ورجع، فلم أزل أبكي وأصيح، ثم أخذني النوم، فانتبهت قريب السحر، فإذا أنا بالسبع إلى جنبي، وأبي قائم يصلي، فلما فرغ قال له: قم فإن رزقك على الساحل. فقام السبع ومضى، ثم نمت، فلما أصبحت انتبهت وأبي قد ذهب، فخرجت من الأجمة، وعرفت الطريق، وجئت إلى أبي. قال أبو الحسن بن زيد: ما كنا ندخل على أبي الخير وفي قلبنا سؤال إلا تكلم علينا من ذلك الموضع من غير أن نسأله. قال حمزة بن عبد الله العلوي: دخلت على أبي الخير التيناتي، وكنت اعتقدت في نفسي أن أسلم عليه وأخرج ولا آكل عنده طعاماً. فلما خرجت من عنده ومشيت إذا به خلفي، وقد حمل طبقاً عليه طعام، فقال: يا فتى، كل هذا فقد خرجت الساعة من اعتقادك. قال أبو الحسن علي بن محمود الزوزني الصوفي: كان أبو الخير التيناتي صاحب مشاهدة، وكان يسميني: غلام الله، وكنت أنبسط إليه. فقلت: يا سيدي، بأيش وصلت إلى هذه الحال؟ فقال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقبل صدري، فأنا أرى من خلفي كما أرى من قدامي. قال: وسمعت العراقي يحكي: إني كنت ماضياً إلى التينات أزور الشيخ، فالتقيت بإنسان بغدادي، فقال لي: إلى أين تمضي؟ فقلت: إلى التينات أزور الشيخ، فقال: إن نقم بزيارة إليه الساعة، ندخل عليه ويقدم لنا الخبز واللبن، وأنا لا أتمكن من أكله فإني صفراوي. فدخلنا على الشيخ،

فقام ودخل إلى بيته، وجاء على يده قصعة فيها لبن وخبز، وقال: كل أنت هذا، وفي يده الأخرى رمان حلو وحامض، فتركه بين يدي البغدادي، فقال: كل أنت هذا، ثم قال لي: من أين صحبت هذا فإنه بدعي؟ وما كنت سمعت منه شيئاً. فلما كان بعد عشر سنين رأيته بتنيس وهو تاجر، وإذا به معتزلي محض. قال عبد العزيز البحراني وكان يمشي حافياً في أسفاره قال: خرجت من البصرة حافياً ونعلي بيدي، إذا وصلت إلى بلد تحظيت فيهما، وإذا خرجت حملتهما بيدي إلى أن دخلت الثغر، فلما عدت من الغزو، وأردت الخروج من الثغر أحببت أن ألقى أبا الخير التيناتي، فعدلت إلى التينات، فسألت صبياً على باب الزقاق: كيف الطريق إلى مسجد الشيخ؟ فقال: ما أكثركم! قد آذيتم هذا الشيخ الزمن، كم تأكلون خبز هذا الضعيف؟ فوقع في قلبي من قوله، فاعتقدت ألا آكل طعاماً ما دمت بتينات. وأتيته، فبت عنده ليلتين ما قدم لي شيئاً، ولا عرض علي شيئاً. فلما خرجت، وصرت بين الزيتون إذا به يصيح خلفي: قف. فالتفت، فإذا به، فقلت: انا أرجع إليك، فاستقبلته، فدفع إلي ثلاثة أرغفة ملطوخة بلبن، وقال لي: كل هذه فقد خرجت من عقدك، ثم قال: أما سمعت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الضيف إذا نزل نزل برزقه؟ فقلت: بلى، قال: فلم شغلت قلبي بقول صبي؟ فاعتذرت إليه، وسرت. وقال أبو الحسن العراقي: قدم أبو الخير تنيس، فقال لي: قم نصعد السور نكبر، فصعدت معه، ثم قلت في نفسي ونحن على السور: هذا عبد أسود قد نال ما هو فيه، فالتفت إلي وقال: " يَعْلَمُ ما في أنفسِكُمْ فاحْذَرُوه "، فلما سمعت ذلك فزعت، وغشي علي، فمر وتركني، فلما أفقت جعلت أذم نفسي، وأستغفر مما جرى في نفسي، فجاءني، فقال: " وهو الذي يقبلُ التوبةَ عَنْ عِبادِهِ ". فقمت معه.

قال أبو ذر الهروي: وسمعت عيسى بن أبي الخير، سمعت أبي يقول: الآن يدخل رجل عليه ثياب ذكرها فلما كان بعد ساعة قال أبي: بين يديه ظلمة نعوذ بالله. فلما دخل سلم عليه أبي وقال: من أين أتيت؟ قال: من الجبل الفلاني، قال: وما تعمل هناك؟ قال: أتزهد وأتعبد، قال: وأيش هذه الظلمة بين يديك؟ فقال الرجل: ليس إلا خير. فسكت، ثم رفع رأسه فقال: أعوذ بالله! أرى في عنقك رأساً، ما هذا؟ فبكى الرجل، ولطم نفسه، وقال: اعلم أني بليت في شبابي بقتل، وقد تبت من ذلك من سنين، فما الحيلة؟ قال: ارجع إلى الجبل، وأخلص النية لله، فلعله يقبل توبتك. وقال أبو الخير: كنت واقفاً أركع، فإذا أنا بإبليس اللعين قد جاء في صورة حية عظيمة، فتطوق بين يدي سجودي، فنفضته وقلت: يا لعين، لولا أنك نجس لسجدت على ظهرك. وقال: كنت بأطرابلس الشام بعد عشاء الآخرة، وقد مضى من الليل وقت، فذكرت الحرم وطيبة، فاشتد شوقي إليه، فقلت: أيش أعمل الساعة؟ فسجدت، ورفعت رأسي، فإذا أنا في المسجد الحرام. قال بكر بن محمد: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله ويعرف بابن أم راغب قال: دخلت على الشيخ أبي الخير التيناتي في مسجده، فإذا هو مع شخص يحدثه، فقال لي: يا إبراهيم، اخرج ورد الباب، فخرجت، وجلست بالباب طويلاً، وكانت بي حاجة إليه، فقلت في نفسي: إن كانا في سر فقد فرغا. ففتحت الباب، ودخلت، وإذا به جالس وحده، فقلت: حبيبي، أين الرجل الذي كان معك، فإنه لم يخرج؟ فقال: يا بني، هو لا يخرج من الباب، فقلت: من هو؟ قال: هو الخضر، فبكيت، فقال: لم تبكي؟ قلت: لو عرفته لسألته الدعاء. ثم مضت مديدة، ففتح على الشيخ نقود تركية، فقال: يا بني، لو حملت إلى الأذنة فبعته، وابتعت به حوائج ذكرها. فانحدرت، فاشتريت الحوائج، وحملتها في كساء على ظهري، فلقيت رجلاً في الطريق، فسلم علي،

وقد بقي إلى التينات ستة أميال، فقال: يا أخي قد تعبت، فناولني أحمل عنك، فناولته، فحملها، وجعل يحادثني بأخبار الصالحين حتى بلغنا التينات، فدفعها، وودعني، وقال: تقرأ على الشيخ مني السلام، فقلت: حبيبي، أقول من؟ قال: هو يعرف. فلما دخلت على الشيخ قال لي: يا إبراهيم، ما استحييت، حملته ستة أميال؟ ما حسدتك، وحسدتني على كلامه إياي؟ فبكيت، وقلت: هو هو؟ قال: هو هو ولا حيلة، تبكي إذا لم تلقه، وتبكي إذا لقيته! قال أبو ذر: سمعت عيسى يقول: كان خيثمة بن سليمان يبعث كل سنة لي شيئاً. فلما كان بعض السنين بعث لي ذلك مع رجل، فإذا بين الدراهم التي بتينات وبين الذي معه صرف، فباع ما معه بدراهم تينات، وأخذ الزيادة لنفسه، ثم جاء إلي، وأعطاني، فخرج أبو الخير إلى طرابلس من يومه، فإذا بخيثمة قد خرج إلى الصحراء لبعض شأنه، فلما رآه عرفه. وترجل له. وقبل رأسه، وقال له: ما الذي أقدمك؟ فقال: كنت تبعث لنا في كل سنة بشيء طيب، وهذا ليس بطيب، والذنب للرسول، ولكن لا تعاقبه، ولا تستعمله أبداً. وترك تلك الدراهم عنده ورجع، فرجع الرسول بعد أيام قال خيثمة: وكنت كتبت اليوم الذي رأيت فيه أبا الخير فقال: قدمت تينات وسلمت إليه ما أمرتني في يوم كذا وكذا. قال: وهو اليوم الذي جاءني أبو الخير، وبين تينات وبين طرابلس مسيرة أيام فوق العشرة، ولكن مر، فليس تصلح لخدمتي. قال أبو الخير: من أحب أن يطلع الناس على عمله فهو مراء، ومن أحب ألا يطلع الناس على حاله فهو مدع كذاب. قال أبو القاسم بكر بن محمد المنذري: سألني أبو حفص عمر بن عبد الله الأسواني عن أبي الخير التيناتي فقلت: قد نحل جسمه، فقال: قربت وفاته، قلت: من أين قلت؟ قال: ما هو بمريد فتنحله الرياضة، ولا بخائف تذيبه الهموم، وما هو إلا يصفيه حتى يقبضه إليه. قال: فوصل الخبر بعد مديدة بوفاته رحمه الله.

قال أبو القاسم: وسمعت أبا الخير التيناتي يقول: بعثت إلى الثغور، فبكيت، فقيل لي: هي محروسة ما عشت، وفلان، وفلان، وفلان طائفة من الأخيار ما بقي منهم غيري، كلهم ماتوا. قال السلمي: سمعت أبا الأزهر يقول: عاش أبو الخير التيناتي مائة وعشرين سنة، ومات سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، أو قريباً منه.

كنى النساء ممن ابتداء أسمائهن على الخاء

كنى النساء ممن ابتداء أسمائهن على الخاء أم خالد بنت عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس بن عبد مناف خالة معاوية بن أبي سفيان. ذكر دارها أبو الحسين الرازي في كتاب الدوران. أم الخيار زوج رياح بن عبيدة. حكى عنها ابنها موسى بن رياح قال: حدثتني أمي أم الخيار قالت: كنت عند فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز أحدثها، فإذا عمر بن عبد العزيز قد دخل علينا، فأتى كوز الحب، فأخذه، فاغترف، فتوضأ. ثم أقبل. فقالت له فاطمة: يا أمير المؤمنين، هذه أم الخيار، فقال: يا أم الخيار شغلنا عنك، ومضى. قالت: فقلت لها: لولا أن أحبسك الليلة عن أمير المؤمنين لبت عندك. قالت: أما إذ قلت هذا، فلا تبرحي الليلة حتى تري. فلما صلى العتمة دخل، وأدخل معه كتاب العامة، قالت: ودعا بالشمع، فلم يزل في كتابه وحسابه حتى ذهب نحو من ثلث الليل، قالت: ثم أمر بالكتاب فأقيموا، ورفع الشمع، ثم دعا بكتابه كتاب الخاصة، ودعا بسراج، فجعل يحاسبهم حتى مضى ثلث الليل الأوسط، ثم قام إلى مصلاه فصلى حتى أصبح.

أم الخير بنت الحريش بن سراقة

أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية الكوفية قدمت على معاوية، وحاورها محاورة تدل على فصاحتها وجزالتها. عن الشعبي قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى واليه بالكوفة أن أوفد علي أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية برحلة محمودة الصحبة، غير مذمومة العاقبة، واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً، وبالشر شراً. فلما ورد الكتاب عليه ركب إليها، فأقرأها إياه. قالت: أما أنا فغير راغبة عن طاعة، ولا معتلة بكذب، ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تلجلج مني بمجرى النفس، يغلي بها صدري غلي المرجل بحب البلس يوقد بجزل السمر. فلما قدمت على معاوية أنزلها بيتاً مع الحرم ثلاثة أيام، ثم أذن لها في اليوم الرابع وعنده جلساؤه، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام، وبالرغم منك دعوتني بهذا الاسم، قالت: مه يا هذا، فإن بديهة السلطان مدحضة لما يحب علمه، فقال: صدقت، كيف حالك، وكيف رأيت مسيرك؟ قالت: لم أزل في عافية وسلامة حتى أدتني إلى ملك جزل، ذي عطا، بذل، فإنا في عيش أنيق، وعند ملك رفيق. فقال معاوية: بحسن نيتي والله ظفرت بكم، وأعنت عليكم. قالت: مه يا هذا، والله لك من دحض المقال ما تردى عاقبته. قال: ليس لهذا أردناك، قالت: إنما أجري في ميدانك، إذا أجريت شيئاً أجريته؛ فسل عما بدا لك. قال: كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر؟ قالت: لم أكن والله رويته قبل، ولا رويته بعد، وإنما كانت كلمات نفثهن لساني حين الصدمة، فإن شئت أحدثت لك مقالاً غير ذلك، قال: لا أشاء، ثم التفت إلى بعض أصحابه فقال: أيكم يحفظ كلام أم الخير؟ فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير

المؤمنين كحفظي لسورة الحمد، قال: فهاته، قال: نعم، كأني بها يا أمير المؤمنين في ذلك اليوم وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: " يا أيها الناسُ اتقوا ربَّكم إنّ زَلْزَلةَ الساعةِ شيءٌ عظيم ". إن الله قد أوضح الحق، وأبان الدليل، ونور السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم في عمياء مبهمة، ولا شعواء مدلهمة، فإلى أين تريدون رحمكم الله؟ أفراراً عن أمير المؤمنين، أم رغبةً عن الإسلام، أم ارتداداً عن الحق؟! أما سمعتم الله يقول: " ولَنَبْلُوَنّكُمْ حتّى نَعْلَمَ المجاهدين منكم والصابرين، ونبلوَ أخبارَكُم ". ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنه قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك اللهم أزمة القلوب، فاجمع اللهم الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى، وأردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، إنها أحن بدرية، وضغائن أحدية، وأحقاد جاهلية، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بثارات بني عبد شمس. ثم قالت: " قاتِلُوا أَئِمّةَ الكُفْرِ إنّهم لا أَيْمان لهم لعلّهم ينتهون ". صبراً معاشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكن، وثبات من دينكم، فكأني بكم غداً قد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة. لا تدري ما يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وباعوا البصيرة بالعمى و" عمّا قَليلٍ ليُصْبِحُنّ نادمين "، حين تحل بهم الندامة، فيطلبون الإقالة، " ولاتَ حينَ مناص ". إنه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل، ومن لم يسكن الجنة نزل النار. أيها الناس، إن الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطالوا مدة الآخرة فسعوا لها. والله أيها الناس لولا أن يبطل الحق، ويظهر الظالمون، وتقوى كلمة الشيطان لما اختاروا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه. إلى

أين تريدون حرمكم الله أيها الناس عن ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزوج ابنته، وأبي ابنيه، خلق من طينته، وتفرع من نبعته، وخصه بسره، وجعله باب مدينته، وأعلم بحبه المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين، فلم يزل كذلك حتى أيده الله بمعونته، يمضي على سنن استقامة، لا يفرح لراحة اللذات بها، وهو مفلق الهام، مكسر الأصنام، صلى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وهزم الله به الأحزاب، وقتل أهل حنين، وفرق جمع هوازن. فيالها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً، وردةً وشقاقاً. قد اجتهدت في القول، وبالغت في النصيحة، وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله. فقال معاوية: والله يا أم الخير ما أردت بهذا القول إلا قتلي، ولو قتلتك ما حرجت في ذلك، فقالت: والله ما يسوؤني أن يجري الله قتلي على يدي من يسعدني الله بشقائه؟! قال: هيهات يا كثيرة الفضول.

حرف الذال

حرف الذال أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً. وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص. وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية. قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق. وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً

إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه. قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة. قال ابن سعد في الطبقة الثانية: وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين. ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً. وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان. قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً. قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.

قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن. قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه. كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه. عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.

وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر. وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها. قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً

بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون. قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا. قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من

أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم. فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.

رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك. قال أبو ذر: فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة. رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،

وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه. وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر

بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي. قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر. عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،

ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.

قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال. وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً. قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر. قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:

مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه. وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً. فذكر حديثاً. وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة. وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً. وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة. قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا

أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله. وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً. وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط

إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود. وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني. سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً. وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض. وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ. فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه. وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر. قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر. وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد. وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس. وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره

أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر. وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر. وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري. عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي. عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.

عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل. وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت. عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب. وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.

وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله. وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن. قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله

لومة لائم. عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه. عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم. فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين. قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى

قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة. وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق. وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره. عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً. قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد. وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن

الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها. وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل. قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله. قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من

جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه. فذكر نحو ما تقدم. قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة. حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.

عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا. حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا

من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه. قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة. وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:

إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت. قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال: استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.

قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد. قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني. وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني. عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك

إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي. عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه. قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه. ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام. وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.

قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء. قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه. عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين. وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه. قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم. قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت

برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه. عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد. عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟

قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك. عن رجل من بني سليم قال: جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون. فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:

ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي. عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه. عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً

نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم. قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني. عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل. وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.

عن أبي شعبة قال: مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها. وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل. عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى. عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً. قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت

معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها. قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم. قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً: بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل. قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.

قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل. قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه. وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها. وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك. وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.

وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق. قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر. وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه. قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله. وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف. قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.

قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء. وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً. قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك. عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة. عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم. وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها. عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع

خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته. عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي. عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه. عن محمد بن كعب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،

فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر. عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا

قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق. وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو

أبو ذر البعلبكي

بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني. قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره. زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار. أبو ذر البعلبكي قال الخطيب: هو مجهول. أبو الذكر حكى عنه أبو علي محمد بن هارون بن شعيب قال: أنشدنا أبو الذكر الشامي وفي نسخة الدمشقي: مجزوء الكامل وسئمت كلّ مآربي ... فكأنّ أحسنها خبيث إلاّ الحديث فإنّه ... مثل اسمه أبداً حديث أبو الذيال من ولد بلال بن سعد

حرف الراء

حرف الراء أبو راشد الحبراني اسمه أخضر بن حوط ويقال: النعمان بن بشير. من أهل حمص ويقال: إنه دمشقي. عن أبي راشد الحبراني، عن عبادة بن الصامت: أنه قام فينا عند كنيسة معاوية، فحدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: من عبد الله لا يشرك به شيئاً، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وسمع وأطاع أدخله الله من أي أبواب الجنة شاء ولها ثمانية أبواب، قال: ومن عبد الله لا يشرك به شيئاً، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وسمع، وعصى فإن الله من أمره بالخيار، إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه. كنيسة معاوية إلى جانب أنطرطوس نسبت إليه لأنه كان ينزل بها. عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: حدثنا مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فألقى إلي صحيفةً، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فنظرت، فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله، علمني ما أقول إذا أصبحت، وإذا أمسيت، فقال: يا أبا بكر، قل اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيث والشهادة، لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقرف على نفسي سوءاً، أو أجره إلى مسلم.

أبو الربيع الدمشقي

وقال: أخذ بيدي أبو أمامة قال: أخذ بيدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: يا أبا أمامة، إن من المؤمنين من يلين له قلبي. وقال: ركبت البحر عام قبرس مع ثلاثة عشر رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم: عبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد، وعمير بن سعد، ومعاوية وهو الأمير. قال أحمد بن عبد الله العجلي: أبو راشد الحبراني: شامي، تابعي، ثقة، لم يكن بدمشق في زمانه أفضل منه. قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الشام: أبو راشد الحبراني. من حمير. كان يصفر لحيته. أبو الربيع الدمشقي إن لم يكن سليمان بن عتبة فهو آخر. أبو رجاء بن أخي أبي إدريس الخولاني. عن أبي رجاء، عن أبي إدريس عمه: أنه كان بدمشق قاعداً في يوم بارد، فأراد أن يخلع خفيه فيتوضأ، فمر به بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا بلال، كيف كان نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟ قال: يمسح على الخفين والخمار، فقال: الحمد لله. وترك خفيه، ولم يخلعهما.

أبو الرضا الصياد العابد

وقال البرقاني: سألت الدارقطني، عن حديث زهير، عن حميد، عن أبي رجاء، عن عمه أبي إدريس، عن بلال في المسح فقال: تفرد فيه زهير بزيادة أبي رجاء، فقلت: يخرج هذا الحديث في الصحيح؟ فقال: نعم. أبو الرضا الصياد العابد حكى عن قاسم الجوعي قال: سمعت قاسم الجوعي يقول: العيش في ثلاثة أشياء: أولها الاستغناء عن الناس، العدو منهم والصديق، والثانية صحة البدن، والثالثة الأمن من الدين. أبو الرضا بن النحاس الحلبي شاعر قدم دمشق مرات. قال أبو عبد الله بن الملحي: هو ابن أخت أبي نصر الوزير، العالم المفيد الكاتب الشاعر المجيد. وكان أبو الرضا وصل إلى دمشق عند القبض على خاله، لأخذ خاله، فاجتمعت به، وأنشدني لخاله: من الكامل يا قلب أنت أذت لي في هجره ... وزعمت أنّك قاصرٌ عن ذكره وضمنت إنجادي عليه بسلوةٍ ... لا أتّقي فيها عواقب غدره ورجعت تطلبه وأنت أضعته ... هيهات فات الحزم فارط أمره فاستحسنت هذه الأبيات حتى غنى بها القيان، وهام بها الشيوخ والشبان. فعمل أبو الرضا: من الكامل يا طرف أنت طرحتني في حبّه ... وزعمت قلبك في هواه كقلبه حتّى إذا لفحتك نيران الجوى ... فحرمت ما أمّلته من قربه

أبو روح شيخ صالح

أنشأت تذكر ما جنيت وقلت: خذ ... قلبي المعنّى في هواه بذنبه ذق مرّ ما استحسنته وجنيته ... لا ينكر المغرور صرعة عجبه واغرق بدمعك في البكاء فربما ... قتل المتيّم نفسه من كربه قال ابن الملحي: وكتب إلي يوماً: من البسيط يا من إذا ما البليغ الحبر جاذبه ... حبل الفصاحة منسوبٌ إلى النّوك وابن الألى غمر الأحرار فضلهم ... حتى لقد أصبحوا مثل المماليك ما زلت تدأب في العلياء تعمرها ... مجاهداً في طريق غير مسلوك دعوتنا دعوةً بالأمس معجزةً ... فثنّ، لا تجعلنها بيضة الدّيك أبو روح شيخ صالح قال أحمد بن إبراهيم بن ملاس: قد رأيت أبا روح وذكر أنه كان يشبه بالأوزاعي فذكر أن أباه بلغ مائة سنة وست سنين، وأنه ذكر أنه كان بناحية عبادان من أرض البصرة، وأن المراكب كانت إذا شحنت للغزو لم يؤذن لها في المضي حتى يدخلها، فيدعو فيها بالبركة والسلامة. فذكر عن أبيه أنه صلى مع الناس صلاة العيد بالبصرة، فلما انصرف الناس ذكر الزحام والدواب، فقعد على دابته، فخف الناس، فما علم إلا بفارس قد أقبل على فرس كميت عليه قباء أبيض، فسلم عليه وقال: هل مر بك إنسان؟ قال: لا، قال: فما علم إلا بآخر قد جاء في مثل هيأته على فرس، وعليه قباء أبيض، فقال أحدهما لصاحبه: انظر من صح عمله فأجز عليه، فأخرج من قبائه كتاباً فجعل يجيز على واحد واحد.

أبو روق الدمشقي

أبو روق الدمشقي أحد المجاهيل. حدث عن محمد بن غالب بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله: رجل ذكر الله ففاضت عيناه، ورجل يحب عبداً لا يحبه إلا لله، ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها، ورجل يعطي الصدقة بيمينه فيكاد يخفيها عن شماله، وإمام مقسط في رعيته، وامرأة ذات جمال عرضت نفسها على رجل فتركها لخوف من الله، ورجل كان في سرية، فلقيهم العدو، وانكشفوا فحمى أدبارهم حتى نجا ونجوا. أبو رويحة الخثعمي قيل اسمه عبد الله بن عبد الرحمن، ويقال: ربيعة بن السكن. آخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين بلال بن رباح. وقدم الشام مع بلال، ثم سكن فلسطين. روى عنه عبد الجبار بن عبد الله الخثعمي أنه قال: قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعقد لي رايةً بيضاء، وقال لي: يا أبا رويحة، اذهب إلى قومك، فناد فيهم: من دخل تحت راية أبي رويحة فهو آمن، ففعلت. قال ابن سميع في الطبقة الأولى: أبو رويحة الفزعي، من خثعم. وذكره موسى بن سهل فيمن نزل فلسطين من الصحابة.

أم الربيع

قال محمد بن إسحاق لما دون عمر الديوان بالشام كان بلال قد خرج إلى الشام، فأقام بها مجاهداً، فقال عمر لبلال: إلى من تجعل ديوانك؟ قال: مع أبي رويحة، لا أفارقه أبداً، للأخوة التي كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقد بيني وبينه، فضمه إليه، وضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم، فهم مع خثعم إلى هذا اليوم بالشام. قال البغوي: لم يسند أبو رويحة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً. أم الربيع جدة سعيد بن عيسى. ذكرها ابن سميع في الطبقة الثانية.

حرف الزاي

حرف الزاي أبو زائد الدمشقي حكى عن جعفر بن زياد الشامي قال: هوي رجل منا جاريةً سوداء، فلامه أهله، فقال: من الوافر يكون الخال في خدٍّ قبيحٍ ... فيكسوه الملاحة والجمالا فكيف يلام إنسان على من ... يراه كلّه في العين خالا؟! أبو الزبير الدمشقي حكى عن أبيه قال: نفق فرس لرجل مع الفضل بن العباس في رفقته، فأعطاه فرساً كان يحبب إليه، فعاتبه بعض المنتصحين إليه. فقال له: أبخيلي تتنصح إلي؟ إنه كفى لؤماً أن يمنع الفضل، وتترك المواساة. والله ما رأيت الله حمد في كتابه إلا المؤثرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. أبو زرعة بن عمرو بن جرير ابن عبد الله البجلي اختلف في اسمه. فقيل: عمرو بن عمرو، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: هرم بن عمرو، وقيل: عبد الله.

روى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حببان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. وروى عن أبي هريرة قال: كان سرول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة، فقلت: بأبي أنت وأمي، رأيت سكتتك بين التكبير والقراءة، فأخبرني ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد. وفد على معاوية مع جده جرير، وقال: ما وفد جرير قط إلا وفدت معه، ولا دخل على معاوية إلا دخلت معه، ولا دخلنا عليه قط إلا ذكر قتل حجر، ثم يخرج أبو هريرة فيحدثه ويحدثنا. فحدثنا أن رب العزة عز وجل نادى محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن رحمتي سبقت غضبي، ثم أنزلت هذه الآية في سورة موسى وفرعون: " وما كنتَ بجانب الطور إذ نادَيْنا "، الآية. قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة من الفقهاء بعد أصحاب علي وعبد الله: أبو زرعة بن عمرو بن جرير. عن محمد بن عمر قال: كان لجرير ابن يقال له عمرو، وبه كان يكنى، هلك في إمارة عثمان، فولد عمرو

أبو زرعة اللخمي

ابناً سماه جريراً باسم أبيه، وغلب عليه أبو زرعة. رأى علياً، وكان انقطاعه إلى أبي هريرة، وسمع من جده أحاديث، وكان بين ذلك. وسئل يحيى بن معين عنه فقال: ثقة. وقال ابن خراش: هو كوفي صدوق ثقة. قال عمارة بن القعقاع: قال إبراهيم النخعي له: إذا حدثتني فحدثني عن أبي زرعة، فإنه حدثني بحديث، ثم سألته بعد ذلك بسنتين فما أخرم منه حرفاً. قال أبو غياث النخعي، جد حفص بن غياث: رأيت أبا زرعة بايع رجلاً فخيره بعدما وقع البيع ثلاث مرات، فسمعت أبا زرعة يقول: سمعنا أبا هريرة يقول: هذا البيع على تراض. أبو زرعة اللخمي من وجوه عسكر مسلمة بن عبد الملك الذي توجه به من دمشق لحصار القسطنطينية، وأرسله مسلمة مع البطال إلى ليون متملك الروم: أين ما كنت عاهدت الله عليه من النصيحة لنا وإدخالنا إياها؟ فقال: لئن ظن مسلمة أني أبيع ملك الروم بالوفاء له لبئس ما ظن، ولقد رأيت أن أفي له بما يستقيم، أصنع له طعاماً، وحماماً، فيدخل هو ومن أحب من أصحابه الحمام، ويصيب الطعام، ثم ينصرف راشداً. فقال: إن هذا لغير كائن، وإنا لنقول: إن الله قد احاط بكم، ولسنا نبرح دون صغار الجزية، أو يدخلناها الله عنوةً. فقال: إن دون ذلك لصغاراً وقتالاً شديداً، وكم عسى أن تصبروا؟ فقالوا نصبر.

أبو زرعة الدمشقي الصوفي

ولا بد لطعامك الذي عددت فيه أن يعفن. فقال: أوما ترى كيف دبرته؟ لم أدخله بيتاً ولا هرياً مخافةً عليه، فأما هذه السنة فنطحن ما طحنا، ونأكل ما أكلنا، ويفسد منه ما فسد. وإذا كان قابل أمرت به فطحن من آخره، فنأكل منه ما أكلنا، ويفسد منه ما فسد، وإذا كان العام الثالث أمرنا به فخبز خبز القرابين، فأكلناه حتى نأتي على آخره؛ فهذا إلى ثلاث سنين، ما قد كان أمر يحول بينكم وبين ما تريدون، ودعا بغدائه، فغداهم من كل الألوان، وآتاهم من كل الطرائف، ثم أقبل عليهم، فقال: نحن فيما تقولون من الحصار والأزل نأكل مما ترون، فادعوا بما شئتم، وتشهوا علينا. فقال البطال: أمر يسير عليك، خفيف مؤنته تدعو لنا به. قال: ما هو؟ قال: كف من تراب من خلف الخندق. فقطب وغضب، وأمر بهم فأخرجوا، وأتوا مسلمة بمقالته. أبو زرعة الدمشقي الصوفي صحب القاسم بن عثمان الجوعي. قال السلمي: هو من فتيان مشايخ الشام، كان يرجع إلى علم ودراية. فرق السلمي بينه وبين الجنبي الآتي ذكره، وهما واحد، قاله الحافظ. أبو زرعة الجنبي صحب أبا عبيد البسري، والقاسم الجوعي. وهو القائل لأبي عبيد البسري: يا أستاذ، أنا أحبك شديد المحبة، لو أمر بك ربك إلى النار، وأمر بي إلى الجنة لافتديتك بنفسي.

أبو زكار الزاهد

وقد تقدم ذلك في ترجمة أبي عبيد محمد بن حسان البسري. قال أبو زرعة الجنبي: مكرت بي امرأة قالت: ألا تدخل الدار فتعود مريضاً؟ وفي رواية: ادخل، فشل معي هذا الزبيل فلما دخلت أغلقت الباب، ولم أر أحداً، فعلمت قصدها، فقلت: اللهم سودها، فاسودت، فتحيرت، وفتحت الباب، فخرجت، وقلت: اللهم ردها إلى حالها، فرجعت إلى ما كانت. أبو زكار الزاهد من أهل حوران. ذكره أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني في كتاب: أخبار الأولياء، وذكر أنه كان من أفاضل القوم، وأحسنهم إشارةً، وله حالة مع الله جليلة، رفيعة، ظاهرة البركات. قال أحمد الهلالي، قال لي ولد أبي زكار: أقام أبي خمس عشرة سنة لازماً البيت، وكنا إذا قلنا له: قد فرغنا من الزرع، أو من الحصاد، أو من الدرس، أو نريد سفراً يقول: يا بني، لا تخبروني بشيء من أموركم، فتشغلوا قلبي. وحدث أبو بكر الهلالي، عن بعض شيوخه قال: كان أبو زكار بدمشق، فوافاه قوم من أهل قريته، فشكوا إليه شدة العطش في نفوسهم، وبهائمهم، فدعا لهم عند العصر، وعادوا إلى قريتهم، فقيل لهم: في ساعة الدعاء على ما حدثوهم ثارت سحابة، فمطروا مطراً عظيماً، امتلأت منه الجباب والأودية.

أبو الزهراء القشيري

قال الهلالي: قال لي ولد أبي زكار: لما حضرت أبي الوفاة قال لنا: إذا أنا مت فلا تعترضوا على الخراساني في أمري. فلما توفي أقبل رجل خراساني، فقرع الباب بعكاز معه، ودخل فتولى جميع أمره، وبات عندنا تلك الليلة، فأحضرنا له الطعام، وفيه خلاط، فأكل منه، ثم قدمنا له دجاجة، فقال: لا آكل إلا من لون واحد، فلم يضع يده في غير الخلاط حتى فرغ من طعامه. فودعته بكرةً، فقال لي: كيف حالك؟ فقلت له: إنني فقير، فقال: أيش تقول في البيضاء، وبراق، والمرجانية، هذه ثلاث ضياع نفيسة إن قيل لك خذها ودع شهادة أن لا إله إلا الله كنت تفعل؟ فقلت: سبحن الله! فقال: أما يستحي من له خير من البيضاء، وبراق، والمرجانية أن يشكو الفقر؟! وودعني ومضى. أبو الزهراء القشيري ممن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح دمشق، وولي صلح أهل البثنية وحوران من قبل يزيد بن أبي سفيان في خلافة عمر. وأصيبت رجل أخي أبي الزهراء بدمشق يوم دمشق. ذكر ذلك كله سيف. قال: وقال أبو الزهراء القشيري في حد عمر من شرب الخمر بالشام: من الطويل ألم تر أنّ الدّهر يعثر بالفتى ... وليس على صرف المنون بقادر صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصّهباء يوماً بصابر رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلاّنها يبكون حول المعاصر

ذكر من اسمه أبو زياد

ذكر من اسمه أبو زياد أبو زياد مولى آل دراج الجمحي عن أبي زياد مولى آل دراج: ما رأيت فنسيت فإني لم أنس أن أبا بكر الصديق كان إذا قام إلى الصلاة قام هدلاً، وأخذ بكفه اليمنى على ذراعه اليسرى لازقاً بالكوع. قال أبو زرعة: هو من أهل دمشق، داره بها. حدثني بذلك دحيم. ممن رأى أبا بكر. وذكر محمود بن سميع أن ابن دراج فلسطيني. أبو زياد أو أبو ثابت أو ثابت عن ثابت، أو عن أبي ثابت أن رجلاً دخل مسجد دمشق، فقال: اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليساً صالحاً. فسمعه أبو الدرداء، فقال: لئن كنت صادقاً فلأنا أسعد بما قلت منك؛ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " فمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِه "، قال: الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك، فذلك الهم والحزن، " ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ " قال: يحاسب حساباً يسيراً، " ومِنْهُمْ سابِقٌ بالخَيْراتِ "، قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب.

أبو زياد الدمشقي

وقال الأشجعي يعني عن سفيان عن الأعمش، عن أبي زياد. دخلت مسجد دمشق. أبو زياد الدمشقي حدث عن أبي سلام ممطور الحبشي، عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: تعلموا القرآن. فوالذي نفسي بيده إن الشيطان ليخرج من البيت يقرأ فيه سورة البقرة. أبو زياد من أهل جبيل ساحل دمشق. أبو زيد الأسدي ويقال الأزدي رجل فصيح. وفد على سليمان بن عبد الملك. عن عيسى بن يزيد بن دأب: أن أبا زيد الأزدي دخل على سليمان بن عبد الملك، وهو قاعد على دكان مبلط بالرخام الأحمر، مفروش بالديباج المطبوع الأخضر، في وسط بستان ملتف قد أثمر، ونار كل شق من الدكان ميدان ينبت الربيع، وعلى رأسه وصفاء كل واحدة منهن من صاحبتها أقمر وأزهر، وقد أشرقت الشمس، فنضرت لحسنها الخضرة، وتضاعفت الزهرة، وتغنت الأطيار، فتجاوبت، وهبت الرياح على الأشجار فتمايلت، بين أنهار فيه قد شققت، ومياه فيها قد دفقت. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فرفع رأسه، وكان مطرقاً، فقال: أبا زيد، انصات في هذا اليوم، مرحباً، فقلت:

يا أمير المؤمنين، وقد قامت القيامة، فقال: على أهل المحبة سراً، والمراسلة خفياً، قد أكلوا النعيم، فمشمشوه، وأبسطوا التفكير فقاربوه، وفتقوا أكمام الطيب فمازجوه. ثم أطرق ملياً، ثم رفع رأسه، فقال: أبا زيد، ما يطيب في يومنا هذا؟ فقلت: قهوة حمراء، في زجاجة بيضاء، تناولنيها مقدودة هيفاء، كوماء كحلاء، أشربها من يدها، وأمسح فمي بفمها. فأطرق عند ذلك ملياً تتحادر من عينيه عبرات متواليات بلا شهيق، فلما رأى الوصفاء ذلك تنحوا عنه، فقال: أبا زيد، حللت بيوم فيه انقضاء أجلك، وتصرم عمرك، لتخبرني ما أثار هذه الصفة من قلبك؟ أو لأضربن عنقك، فقد أبديت مني مكتوماً بوصفك، وأعلنت مني مستوراً بنعتك. فقلت: الأمان يا أمير المؤمنين، قال: لك ذلك فقل. فقلت: يا أمير المؤمنين، بينا أنا ذات يوم قاعد بباب سعيد بن عبد الملك إذا أنا بجارية قد خرجت من باب القصر تريد رحبته كالغزال الفالت من شبكة الصائد، وعليها ثوب سكب إسكندراني، يرى منه نور بدنها، وطي عكنها، ونقش تكتها، وتدوير سرتها. في رجلها نعل قد أشرق بياض قدمها على حمرة نعلها، تفرد ذؤابةً تضرب الحقو، وعينان مملوءتان سحراً، الغالب عليهما الفتور، بينهما أنف أقنى، كأنه قصبة در، فوقه حاجبان قد قوسا على محاجر عينيها، وطرة كالحمم على متن جبينها، وصدغان قد تعقربا، نونان على صحن خدها، وقفا كالعناقيد على سلتها. شغلني عن صفة فمها ذهاب عقلي، كأنه فم غلام قد تبرق شاربه، وهي تلون كلامها وتقول: عباد الله، ما الدواء لما لا يشتكى؟ والعلاج لما لا يسمى؟ دام الحجاب، وأبطأ الكتاب، والنفس محتبس، والروح مختلس، والنفس واهية، والأذن واعية. سلم الله على قوم عاشوا تجلداً، وماتوا كمداً. فقلت: سماوية أم أرضية، أم جنية، أم إنسية؟ فقد انتهى جمال خلقك، وكمال عقلك، وحسن منطقك. فسترت وجهها بكمها، وقالت: اعذر أيها القاعد، فما أشد الوحشة بلا مساعد، والمقاساة لخصم معاند. غلب القضاء، وقل العزاء، وبرح الخفاء،

أبو زيد الدمشقي

والله شاهد على ما ترى، ورقيب على ما يخفى. ثم ولت مدبرةً. فوالله يا أمير المؤمنين ما أستحلي طيباً إلا غصصت به، ولا أرى حسناً إلا سمج في عيني لتشكيها. فقال سليمان: كاد الجهل أن يستفزني، والصبا أن يعاودني بسحر ما رأيت، وحسن ما سمعت. أبا زيد، أتدري من تلك؟ هي الزلفاء، باعها أمير المؤمنين من أخيه بألف ألف درهم، وهي عائقة لمن باعها، وأمير المؤمنين عاشق لها. والله لا مات من يموت إلا بحسرتها، ولا يفارق الدنيا إلا بغصتها. قم أبا زيد، واكتم المفاوضة. يا غلام، نعله. وأمر بإخراجه. أبو زيد الدمشقي حكى عن عمر بن عبد العزيز قال: لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي له طبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل قد سقي السم، ولا آمن عليه الموت. فرفع عمر بصره فقال: ولا تأمن الموت أيضاً على من لم يسق السم! قال الطبيب: هل حسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قد عرفت حين وقع في بطني، قال: فتعالج يا أمير المؤمنين، فإني أخاف أن تذهب نفسك، قال: ربي خير مذهوب إليه؛ والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته، اللهم خر لعمر في لقائك. قال: فلم يلبث إلا أياماً حتى مات رحمه الله. أبو زيد الأعمى وفد على هشام بن عبد الملك، وشهد وفاته.

حرف السين

حرف السين أبو الساكن من أهل دمشق. له ذكر. قال أبو مسهر: حدثنا هشام بن يحيى بن يحيى قال: كان في مسجد دمشق رجل في عقله شيء يقال له: أبو الساكن، فمر على يحيى بن يحيى، فقال له: أنت ذو ميسرة، فمر لي بدرهمين، قال: كيف أصبحت؟ قال: بخير، قال: فلم تريد الدرهمين؟ قال: ويلي على عقلك! من أجل درهميك أقول لك إني بشر. أبو سباع روى عنه يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك أنه قال: اشتريت ناقةً من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت أدركنا واثلة وهو يجر رداءه قال: يا عبد الله، اشتريت؟ قلت: نعم، قال: هل بين لك ما فيها؟ فإن بخفها نقباً. فذكر الحديث: من باع شيئاً فلا يحل له حتى يبين ما فيه، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا أن يبينه.

أبو سبرة النخعي

أبو سبرة النخعي كوفي. سمع عمر حين كان بالشام. حدث عن فروة بن مسيك المرادي قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل؟ فأذن لي في قتالهم، وأمرني، فلما خرجت من عنده سأل عني، فقال: ما فعل الغطيفي؟ فأخبر أني قد سرت، فأرسل في أثري، فردني، فأتيته وهو في نفر من أصحابه، فقال: ادع القوم، فمن أسلم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى نحدث إليك. قال: وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ، أرض أو امرأة؟ قال: ليس بأرض، ولا امرأة، ولكنه رجل من اليمن ولد عشرةً من العرب، فتيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تشاءموا: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان. وأما الذين تيامنوا: فكندة، والأشعريون، وخثعم، وبجيلة، ومذحج وأنمار. عن أبي سبرة النخعي. أنه شهد عمر بن الخطاب حيث قدم الشام، فأتي بطعام، فأكل منه خبزاً ولحماً، ثم أتي بثوب كتان ليمسح يديه، فقال: إن هذا ثوب رجل من المسلمين! ثم غسل يديه، وصلى، ولم يتوضأ. أبو سعد بن أبي فضالة الأنصاري قيل إنه غير أبي سعد الزرقي عامر بن مسعود. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أبو سعد الحمصي

وقدم الشام، وشهد الفتوح بها. وقال: اصطحبت أنا وسهيل بن عمرو إلى الشام حين ندب أبو بكر البعوث، فقال لي سهيل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعةً خير له من عمله في أهله عمره. فأنا مقيم في سبيل الله حتى أموت، لا أرجع إلى مكة أبداً. قال خليفة بن خياط: ومن الأنصار، ممن لم يحفظ لنا نسبه إلى أقصى آبائه: أبو سعد بن أبي فضالة. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا جمع الله الأولين والآخرين. قال ابن سعد في الطبقة الثانية: أبو سعد بن أبي فضالة. قال محمد بن عمر: أراه من الأنصار، وكانت له صحبة. روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحاديث. قال: وسئل علي بن المديني عن زياد بن ميناء، روى عن أبي سعد بن أبي فضالة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله أغنى الشركاء عن الشرك، فقال: إسناده صالح يقبله القلب، ورب إسناد ينكره القلب. أبو سعد الحمصي حدث عن أبي هريرة، وحكى عن واثلة بن الأسقع، ورآه بدمشق. قال: سمعت أبا هريرة يقول:

دعاء حفظته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أدعه: اللهم اجعلني أكثر ذكرك، وأعظم شكرك، واتبع نصيحتك، وأحفظ وصيتك. عن أبي سعد قال: رأيت واثلة بن الأسقع يصلي في مسجد دمشق، فبزق تحت قدمه اليسرى على البواري، ثم عركها برجله، فقلت: تبزق في المسجد وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.

ذكر من اسمه أبو سعيد

ذكر من اسمه أبو سعيد أبو سعيد المعيطي مولاهم. كان ممن غزا مع مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية. روى عنه الوليد بن مسلم أن الناس أصابهم في حصار القسطنطينية شدة في عيشهم، وكان أهل القوة منهم يقوتون أنفسهم بخزيرة، وبقيتهم فيما لا يصفه واصف من أكل نوافق الدواب وأشباه ذلك، حتى إن قوماً أكلوا ميتاً لهم. أبو سعيد بن حبيب بن المهلب ابن أبي صفرة الأزدي ولي إمرة الأردن في خلافة السفاح. قال أبو الخطاب الأزدي: لما وجه أبو العباس أبا جعفر إلى خراسان في أخذ البيعة على أبي مسلم بمرو دخل عليه أبو جعفر، فقام إليه أبو مسلم، فاعتنقه، وأقعده على الفراش، فالتفت إلي فقال: من هذا؟ قال: ابن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة. قال: نعم، أهل بيت شرف وعز وطاعة. قال: وخرج أبو جعفر. وصرت بعد ذلك إلى العراق، فلما وقفت على أبي جعفر قال لي: يا أبا سعيد، أتذكر فعل العبد السوء بي، وسوء جواره؟! ثم تمثل: من الطويل رويداً بذي الإجرام، إنّ ذنوبه ... ستوردده عمّا قليلٍ بمعطب

أبو سعيد بن محمد

أبو سعيد بن محمد قدم دمشق من ناحية الفسطاط أبو سعيد البجلي من أهل دمشق. روى عن علي بن عروة، عمن حدثه أن عمار بن ياسر صلى بقوم، فاستخفوا صلاته، فقال: والله ما انصرفت حتى دعوت بدعاء كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ويقول: إنه لم يدعه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد صالح إلا كرم بدعائه: اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والفضل في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وبرد العيش بعد الموت، وأسألك النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين. أبو سعيد الصوفي حكى عن أبي عمر الدمشقي الصوفي. قال: سمعت أبا عمر الدمشقي يقول: من غلب عليه إحسان الصانع يستحسن صنعته.

ذكر من اسمه أبو سفيان

ذكر من اسمه أبو سفيان أبو سفيان بن أبي بكر بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي من ساكني صهبا من إقليم باناس. له ذكر في كتاب أحمد بن حميد بن أبي العجائز. وأمه أم أبان بنت خالد بن عمرو بن عثمان بن عفان. قاله الأبيوردي. أبو سفيان بن خالد بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان الأموي أمه أم ولد. ذكره أبو المظفر النسابة وغيره. أبو سفيان بن عبد الله الأموي ابن أبي سفيان ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي من أهل سميس من إقليم بيت الأبيات من الغوطة. ذكره أحمد بن حميد في تسمية من كان بدمشق وغوطتها من بني أمية. أبو سفيان بن عبد الله بن يزيد ابن معاوية ابن أبي سفيان الأموي جد المذكور آنفاً. أمه أم عثمان بنت سعيد بن العاص.

أبو سفيان بن عتبة بن ربيعة القرشي

أبو سفيان بن عتبة بن ربيعة القرشي روى عنه حريز بن عثمان قال: دخلت على معاوية وهو يحبو على أربعة، وصبي على ظهره، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كان له صبي فليتصابى له. لم أجد ذكره إلا من هذا الوجه. أبو سفيان بن عتبة الأعور ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ذكره أبو المظفر النسابة. أبو سفيان بن يزيد بن عبد الملك ابن مروان الأموي أمه أم ولد. له ذكر. أبو سفيان بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان الأموي أمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة. وهي أم أخويه: خالد ومعاوية. أبو سفيان القيني من حرس عمر بن عبد العزيز. حكى عن عمر. روى عنه عثمان بن حصين بن عبيدة بن علاق فقال: حدثنا أبو سفيان القيني قال: كنت في حرس عمر بن عبد العزيز، فكان على كل رجل منا موكل به إذا أبطأ عمر

حرف السين

آذنه، فأبطأ في يوم جمعة، فقال لي المؤذن: آذنه. فدخلت، فوجدته يعتم على مرآة، فقلت: إن المؤذن قد استبطأك، قال: نعم، حبستني هذه العمامة، أصلح خروقاً فيها وأداريها. قال: وكان عمر رجلاً مقروراً، فقال لغلامه في الشتاء: سخن لي الماء أتوضأ به. فأقام بذلك مدة، ثم قال له عمر: إني لا أدعوك بالماء إلا وجدته عندك سخناً، فأنى ذلك؟ فقال: يطبخ للعامة من الحرس وغيرهم، فيفضل الجمر، فأجعله عليه، ثم أطمره لك. قال: فكم لذلك؟ احتط وزد، قال: شهران. قال: فأمر بنفقة، فجعلت في بيت المال لموضع ما انتفع به من ذلك الجمر. حرف السين أبو سلمة الصنعاني أظنه من صنعاء دمشق. حدث عن كعب، وأظنه لم يلقه. روى عنه إسماعيل بن عياش أن كعباً كان يقول: قلة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فإنه زعة حسنة، وقلة وزر، وخفة من الذنوب. أبو سلمى راعي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: إن اسمه حريث. خدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو سلام ممطور الحبشي: حدثني أبو سلمى راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بخ، بخ لخمس! ما أثقلهن في الميزان، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله،

أبو سليمان الحرستاني

والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه. عن أبي سلام قال: كنا قعوداً في مسجد حمص، إذ مر رجل، فقالوا: هذا خدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنهضت، فسألته، فقلت: حدثنا بما سمعت من سرول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يتداوله الرجال فيما بينكما، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد مسلم يقول ثلاث مرات حين يمسي أو يصبح: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً إلا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة. قال محمود بن سميع في الطبقة الأولى: وأبو سلمى راعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حمصي. أبو سليمان الحرستاني ويقال: الخراساني روى عنه مطر بن العلاء الفزاري قال: وكان والدي مع أنس بن مالك بنيسابور إذ كان عليها والياً أميراً، فتوفي والدي، وجعل وصيته إلى أنس بن مالك، وقد احتلمت، فدفع إلي ما ترك أبي، فسمعته يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال حين يصح وحين يمسي أربع مرات: اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك أربعاً غدوةً وأربعاً عشية ثم مات دخل الجنة. أبو سليمان القرشي العامري البسري من ولد بسر بن أبي أرطاة. حدث عن غير واحد من كبراء أهل بيته أن راية بسر بن أبي أرطاة كانت بيضاء مربعة قدر ذراع في ذراع، محفوفة بسواد، مضافة إلى رمحها، إذا نظرت إليها قلت: هذه كوة سوداء.

أبو سليمان العنسي

أبو سليمان العنسي من أصحاب الأوزاعي. ويغلب على ظني أنه أبو سليمان الداراني، فإن كان هو فاسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية. أبو سهل ويقال أبو سهيل الأسود مولى مروان بن الحكم وحاجبه. كان يأذن عليه. أبو سيار ولاه عمر بن عبد العزيز بعض جباية الصدقات. قال: ولاني عمر بن عبد العزيز صدقةً، فقلت: إلى من أدفعها يا أمير المؤمنين؟ قال: إلى من مد يده إليها، فإن كان غنياً عنها فأحوجه الله إليها، وإن كان محتاجاً إليها فأغناه الله عنها. أم سعيد بنت سعيد بن عثمان ابن عفان ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموية لها ذكر. قال أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: أنا عمر بن شبة، أخبرني الطائي قال: قال القاسم بن معن: كانت أم سعيد بنت سعيد بن عثمان بن عفان عند هشام بن عبد الملك، ثم طلقها، فندم على طلاقها، فتزوجها العباس بن الوليد بن عبد الملك، ثم طلقها، وندم على

أم سعيد

طلاقها، فتزوجها عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، فدس إليها العباس أشعب بأبيات قالها، وقال له: إن أنشدتها إياها فلك ألف دينار. قال: فأتاها، فأنشدها، فقالت له: دسك العباس، وجعل لك ألف دينار، فأخبره عني ولك ألف دينار. ثم قالت: وما قال؟ فقال: قال: من الوافر أسعدة هل إليك لنا سبيلٌ ... ولا حتّى القيامة من تلاق فقالت: إن شاء الله، فقال: بلى ولعلّ دارك أن تواتي ... بموتٍ من حليلك أو فراك قالت: بفيك الحجر، قال: فأرجع شامتاً وتقرّ عيني ... ويجمع شملنا بعد انشقاق قالت: بل يشمت بك إن شاء الله. أم سعيد جدة الوزير ابن مسافر الجرشي. روى عنها الوزير ابن مسافر. ذكرها ابن سميع في الطبقة الثانية.

أم سعيد

أم سعيد أمة شاعرة حجازية. اشتراها الوليد بن يزيد وحملت إليه. قال يحيى بن عروة بن الزبير: كتب الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة: أشخص إلي معبداً والأحوص وأمرهما أن يسيرا سيراً رفيقاً، وإذا مرا على موضع يستطيبانه أقاما فيه حتى يقدما علي مسرورين جذلين. فسارا على ما وصف حتى صارا إلى قف معان بالبلقاء، وعليه قصر لبعض بني أمية، فجلسا في روضة خضراء عند واد أفيح، بإزاء القصر، فخرجت جارية من القصر بيدها جرة، فملأتها من الغدير، ثم صعدت وتغنت بشعر الأحوص، ثم طربت وكسرت الجرة. فدعاها الأحوص، فسألها عن شأنها، فقالت: كنت لآل الوحيد بمكة، فاشتراني هذا القرشي، فآثرني على جميع الناس، وأكرمني غاية الإكرام حتى قدم بي على امرأته، وهي ابنة عمه، فأنكرت ما رأت من خصوصيته إياي، وحلفت ألا ترضى إلا أن يدخلني في جملة الخوادم، ويلزمني أن أستقي كل يوم ثلاث جرار من هذا الغدير. ثم أنشأت تقول: من الخفيف إن تروني الغداة أسعى بجرٍّ ... أستقي الماء عند هذا الغدير فلقد عشت في رخاء من العي ... ش وفي كل نعمةٍ وسرور فأنشأ الأحوص يقول: من الخفيف إنّ زين الغدير من كسر الجر ... ر وغنّى غناء فحلٍ مجيد قلت من أنت يا ظريفة قالت ... كنت فيما مضى لآل الوحيد ثم قد صرت بعد ملك قريشٍ ... في بني عامرٍ لآل الوليد فغنائي لمعبدٍ ونشيدي ... لفتى الناس الأحوص الصّنديد

فتضاحكت ثم قلت أنا الأح ... وص والشيخ معبدٌ فأعيدي فأعادت وأحسنت ثم ولّت ... تتثنّى فقلت أمّ سعيد يعجز المال عن شراك ولكن ... أنت في ذمّة الإمام الوليد فلما قدم على الوليد بن يزيد كان أول شعر غناه معبد شعر الأحوص. فقال له الوليد: من قال هذا الشعر؟ ومتى صغت اللحن فيه؟ فحدثه حديث الجارية، فوجه، فاشتريت له بأرفع ثمن. /

أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة ابن عبد الله بن الوليد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشية المخزومية كانت تحت عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك، ثم خلف عليها مسلمة بن هشام بن عبد الملك، ثم تزوجها أبو العباس السفاح. لما وجه الوليد بن يزيد بن العباس بن الوليد لإحصاء ما في خزائن هشام، أمره ألا يعرض لمسلمة بن هشام؛ لأنه كان يكف أباه عن الوليد، وكان مسلمة يشرب، فلما قدم العباس كتبت إليه أم سلمة: إن مسلمة ما يفيق من الشراب، ولا يهتم بشيء مما فيه إخوته، ولا لموت أبيه. فلما راح مسلمة إلى العباس قال له: يا مسلمة، كان أبوك يرشحك للخلافة، ونحن نرجوك لغير ما بلغني عنك! وأنبه وعاتبه على الشراب، فأنكر مسلمة ذلك، وقال: من أخبرك بهذا؟ قال: كتبت إلي أم سلمة. فطلقها في ذلك المجلس، فخرجت إلى فلسطين، وبها كانت تنزل، فتزوجها أبو العباس السفاح هناك. لما خرجت مع جواريها وحشمها متبدية نحو الشراة، فبينا هي جالسة ذات يوم، مر بها أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وهو يومئذ عزب، فأرسلت إليه مولاةً لها تعرض عليه أن يتزوجها، فأبلغته الجارية السلام، وأدت إليه الرسالة. فقال: أبلغيها السلام وأخبريها برغبتي فيها، وقولي لها: لو كان عندي من المال ما أرضاه لك فعلت. فقالت لها: قولي له: هذه سبع مئة دينار أبعث بها إليك وكان لها

مال عظيم، وجوهر وحشم كثير فأتته المرأة، فعرضت ذلك عليه فأنعم لها، فدفعت إليه المال، فخطبها من أخيها، فزوجها إياه، فأرسل إليها بصداقها خمس مئة دينار، وأهدى إليها مئتين دينار، ودخل عليها. دخل خالد بن صفوان التميمي على أبي العباس، وليس عنده أحد، فقال: يا أمير المؤمنين، ما زلت مذ قلدك الله الخلافة، أطلب أن أصير إلى مثل هذا الموقف في الخلوة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإمساك الباب حتى أفرغ فعل. فأمر بذلك. فقال: يا أمير المؤمنين، إني فكرت في أمرك، وأجلت الفكر فيك، فلم أر أحداً له مثل ما قلدك أقل اتساعاً بالاستمتاع بالنساء منك، ولا أضيق فيهن عيشاً، إنك ملكت نفسك امرأة من نساء العالمين، واقتصرت عليها، فإن مرضت مرضت، وإن غابت غبت، وإن عركت عركت، وحرمت نفسك من التلذذ باستطراف الجواري، وبمعرفة اختلاف أحوالهن، والتلذذ بما يشتهى منهن. إن منهن الطويلة التي تشتهى لحسنها، والبيضاء التي تحب لروعتها، والسمراء اللعساء، والصفراء العجزاء، ومولدات المدينة والطائف واليمامة، ذوات الألسن العذبة، والجواب الحاضر، وبنات سائر الملوك، وما يشتهى من نظافتهن، وحسن أنسهن. وأطنب في صفات ضروب الجواري، وشوقه إليهن. فلما فرغ خالد قال: ويحك، ما سلك مسامعي كلام قط أحسن من هذا، أعده علي. فأعاد خالد كلامه بأحسن مما ابتدأه. فقال له: انصرف. وبقي أبو العباس متفكراً يقسم أمره، فبينا هو يفكر إذ دخلت عليه أم سلمة وكان أبو العباس حلف ألا يتخذ عليها ووفى لها فلما رأته مفكراً متغيراً قالت له: هل حدث أمر تكرهه، أو أتاك خبر ارتعت له؟ قال: لا، والحمد لله. ولم تزل تستخبره حتى أخبرها بمقالة خالد. قالت: فما قلت لابن الفاعلة؟!

فقال لها: ينصحني وتشتمينه! فخرجت إلى مواليها من البخارية فأمرتهم بضرب خالد. قال خالد: فخرجت مسروراً بما ألقيت إلى أمير المؤمنين، ولم أشك في الصلة، فأنا واقف مع الصحابة وقد أقبلت البخارية تسأل عني، فحققت الجائزة والصلة فقلت: ها أنذا. فاستبق إلي أحدهم بخشبة، فلما أهوى إلي، غمزت برذوني، ولحقني، فضرب كفله، وتعادى إلي الباقون، وأسرع برذوني ففتهم، واستخفيت في منزلي أياماً، ووقع لي أني أتيت من قبل أم سلمة. فطلبني أبو العباس فلم يجدني، فهجموا علي وقالوا: أجب أمير المؤمنين. فسبق إلي قلبي أنه الموت، وقلت: لم أر دم شيخ أضيع! فركبت إليه وأذن لي. فقال: لم أرك. فأصبته خالياً فرجع إلي عقلي، ونظرت في المجلس، وبيت عليه ستور رقاق. فقال: يا خالد، لم أرك. فقلت: كنت عليلاً. قال: إنك وصفت لي في آخر دخلة دخلتها من أمور النساء والجواري ما لم أسمع أحسن منه فأعده علي. قال: وسمعت حساً خلف الستر فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتك أن العرب إنما اشتقت اسم الضرتين من الضر، وأن أحداً لم يكن عنده من النساء أكثر من واحدة إلا كان في ضر وتنغيص. قال له أبو العباس: لم يكن هذا في الحديث! قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنسيت إذاً، فأتمم الحديث! قال: وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن. قال: برئت من قرابتي من رسول الله إن كنت سمعت هذا في حديثك. قال: وأخبرتك أن الأربع من النساء شر مجموع لصاحبه، يشيبنه ويهرمنه ويحقرنه. قال: لا والله. قلت: بلى والله. قال: أفتكذبني؟! قلت: أفتقتلني؟! نعم يا أمير المؤمنين، وأخبرتك أن أبكار الإماء رجال إلا أنهن ليست لهن خصي. قال خالد: فسمعت ضحكاً من خلف الستر. قلت: نعم، وأخبرتك أن عندك ريحانة قريش، وأنك تطمح بعينيك إلى النساء والجواري. فقيل لي من وراء الستر: صدقت والله يا عماه، بهذا حدثته، ولكنه غير حديثك، ونطق عن لسانك. فقال أبو العباس: مالك قاتلك الله؟ قال: وانسللت. فبعثت إلي أم سلمة بعشرة آلاف درهم، وبرذون وتخت.

أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية

أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية من أهل المدينة، شاعرة، وفدت على معاوية متظلمة من عامله على المدينة. حبس مروان بن الحكم غلاماً من بني ليث في جناية جناها بالمدينة، فأتته جدة الغلام أم أبيه، وهي أم سنان بنت خيثمة، فكلمته فيه، فزبرها وأغلظ لها، فخرجت إلى معاوية، فقال: يا بنة خيثمة، ما أقدمك أرضي وعهدتك تشنئين قربي وتحضين علي عدوي؟ قالت: يا أمير المؤمنين. إن لبني عبد مناف أخلاقاً ظاهرة، وأعلاماً ظاهرة لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا يتعقبون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع سنن آبائه لأنت. قال: صدقت، نحن كذلك، فكيف قولك: من الكامل عزب الرقاد فمقلتي ما ترقد ... والليل يصدر بالهموم ويورد يا آل مذحج لا مقام فشمروا ... إن العدو لآل أحمد يقصد هذا علي كالهلال تحفه ... وسط السماء من الكواكب أسعد خير الخلائف وابن عم محمدٍ ... وكفى بذلك في العدو تهدد ما زال مذ عرف الحروب مظفراً ... والنضر فوق لوائه ما يفقد قالت: قد كان يا أمير المؤمنين ذلك، وإنا لنطمع بك خلفاً. قال رجل من جلسائه: كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة: من الكامل إما هلكت أبا الحسين فلم تزل ... بالحق تعرف هادياً مهديا فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت ... فوق الغصون حمامة قمريا قد كنت بعد محمد خلفاً لنا ... أوصى إليك بنا فكنت وفيا

فاليوم لا خلف نؤمل بعده ... هيهات نمدح بعده إنسيا قالت: يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقق فيك ما ظننا، فحظك أوفر، والله ما أورثك الشناءة في قلوب المسلمين إلا هؤلاء، فادحض مقالتهم وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ازددت بذلك من الله قرباً، ومن المسلمين حباً، قال: إنك لتقولين ذلك؟! قالت: سبحان الله! والله ما مثلك مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا، كان والله علي أحب إلينا منك إذ كان حياً، وأنت أحب إلينا من غيرك إذ أنت باقٍ. قال: ممن؟ قالت: من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص. قال: وبم استحققت ذلك عليهما؟ قالت: بحسن حلمك وكرم عفوك. قال: وإنهما ليطمعان في ذلك؟ قالت: هما والله لك من الرأي على مثل ما كنت عليه لعثمان. قال: والله لقد قاربت، فما حاجتك؟ قالت: إن مروان بن الحكم تبنك بالمدينة تبنك من لا يريد البراح منها، لا يحكم بعدل، ولا يقضي بسنة، يتبع عثرات المسلمين، ويكشف عورات المؤمنين، حبس ابن ابني، فأتيته فقال كيت وكيت، فألقمته أخشن من الحجر، وألعقته أمر من الصاب والصبر، ثم رجعت إلى نفسي بالائمة، وأتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظراً، وعليه معدياً. قال: صدقت، لا أسألك عن ذنبه، ولا أسألك القيام بحجته، اكتبوا لها بإخراجه. قالت: يا أمير المؤمنين، وأنى لي بالرجعة وقد نفد زادي، وكلت راحلتي. فأمر لها براحلة موطأة، وخمسة آلاف درهم.

حرف الشين المعجمة

حرف الشين المعجمة أبو شبيب أحد الصلحاء من غوطة دمشق. حدث عمر وأبو محمد المعيوفي رحمهما الله أنهما حضرا أبا شبيب رحمه الله وكان ولياً من أولياء الله فقال لهما: نفسي تطالبني منذ ثلاثين سنة بشيء من الفريك، فلما كان في هذا اليوم أطعمتها إياه. فقلنا له: نحب أن تطعمنا منه. قال: قوموا إلى تلك القلنسوة ففيها شيء منه. قال: فقمت إلى القلنسوة فجئت بها وفيها شيء من بزر الخبيز قد فركه ونقاه. قالا: فأكلنا، فما علمنا أنا طعمنا شيئاً قط ألذ منه، كأنه قد جمع فيه طعم كل شيء طيب. قال أبو شبيب: كنا عند أبي موسى الساوي فمر له كلام حسن، فقال في آخره: أستغفر الله، إن كنا صادقين فإنا حمقى، وإن كنا كاذبين فإنا هلكى. أبو شعيب الحضرمي ويقال أبو الأشعث حدث عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار، فإن ذلك كافيه ". قال المصنف: أظنه شهد الجابية مع عمر. قال عمر بن الخطاب لكعب في فتح القدس: أين ترى أن أصلي؟ فقال: إن أخذت عني صليت خلف الصخرة، فكانت القدس

كلها بين يديك يعني المسجد الحرام فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة أسري به فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس. حدث أبو شعيب أن عمر بن الخطاب كان بالجابية، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس، فقالوا: ما اسمك؟ قال: خالد بن الوليد. قالوا: ما اسم صاحبك؟ قال: عمر بن الخطاب. قالوا: انعته لنا. فنعته. قالوا: أما أنت فلست تفتحها، ولكن عمر، فإنا نجد في الكتاب كل مدينة تفتح قبل الأخرى، وكل رجل يفتحها نعته، وإنا نجد في الكتاب أن قيسارية تفتح قبل بيت المقدس فاذهبوا فافتحوها، ثم تعالوا بصاحبكم. فكتب خالد إلى عمر بذلك، فشاور الناس. فقال: إنهم أصحاب كتاب، وعندهم علم، فما ترون؟ فذهبوا إلى قيسارية ففتحوها، وجاؤوا إلى بيت المقدس فصالحهم، فدخل عليهم وعليه قميصان سنبلاويان؛ فصلى عند كنيسة مريم، ثم بزق في أحد قميصيه. فقيل له: ابزق فيها، فإنه يشرك فيها بالله، فقال: إن كان يشرك فيها بالله، فإنه يذكر الله فيها كثيراً. ثم قال: لقد كان عمر غنياً أن يصلي عند وادي جهنم.

أبو شمر بن أبرهة بن الصباح

أبو شمر بن أبرهة بن الصباح أخو كريب بن أبرهة روي أن عبد الله بن سعد غزا الأساودة سنة إحدى وثلاثين، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فأصيبت يومئذٍ عين معاوية بن حديج، وأبي شمر بن أبرهة وحيويل بن ناشرة الكنعي، فسموا رماة الحدق، فهادنهم عبد الله بن سعد إذ لم يطقهم. فقال الشاعر من الرجز: لم تر عيني مثل يوم دمقله ... والخيل تعدو بالدروع مثقلة خرج ابن أبي حذيفة من مصر، واستخلف، وخرج معه قتلة عثمان بأعيانهم، فقذفهم معاوية في سجن له، فكسروا السجن وخرجوا، وأبى أبو شمر أن يخرج من السجن وقال: لا أكون دخلته أسيراً وأخرج منه آبقاً، فأقام في السجن. وجعل معاوية جعلاً لمن يأتيه برؤوسهم، فقتل ابن حذيفة وأصحابه. وقيل: إن أبا شمر قتل مع معاوية بصفين أبو شيبان العبسي ويقال: مولى بسر بن أرطاة. والد إبراهيم بن أبي شيبان قال أبو شيبان: دخلت على معاوية وعنده عسان من لبن اللقاح. فقال: اشرب من أيهما شئت: أما هذا فمخيض وأما هذا فبعسل، أما الذي بالعسل فيه كنا نستمشي إذ كنا بالحجاز.

أبو شيبة الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

أبو شيبة الخدري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا القسطنطينية مع يزيد بن معاوية. حدث أبو شيبة قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ". زاد في رواية: " مخلصاً ". وفي أخرى: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ". حدث مشرس عن أبيه قال: بينا نحن وقوف على القسطنطينية إذ هتف أبو شيبة، فقال: يا أيها الناس، فأقبلت إليه ومعي ناس كثير، فإذا نحن برجل متقنع على دابته، وهو يقول: يا أيها الناس، من كان يعرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو شيبة الخدري؛ صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً وجبت له الجنة "، فاعملوا ولا تتكلوا. ومات فدفناه مكانه. أبو شيبة من أصحاب عمر بن عبد العزيز قال أبو شيبة: إني لمع عمر بن عبد العزيز في دير سمعان في مجلس يرى منه الطريق، فتبين لي

الغضب في وجهه، فأمسكت عن حديثه حتى صعد إلينا كاتبه الليث بن أبي رقية. فقال: يا ليث، يحضر معك رجل من المسلمين، وأنت ترفع دابتك لا تقف عليه تسأله عن حاجته؟ قال: ما فعلته في عسكرك إلا مرة، وما عجلت إلا إليك مخافة أن تسألني عن شيء من أمر المسلمين. قال: لئن عدت لم تصحبني.

حرف الصاد المهملة

حرف الصاد المهملة أبو صالح الأشعري حدث عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحمى كير من جهنم، ما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار ". وحدث أبو صالح عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه عاد مريضاً، ومعه أبو هريرة، من وعك كان به زاد في روايةٍ فقبض على يده، فوضع يده على جبهته وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبشر، إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار ". وعن إسماعيل بن عبيد الله قال: مرضت فعادني أبو صالح الأشعري، فحدثني عن كعب الأحبار قال: الحمى كير من النار يبعثها الله على عبده المؤمن في الدنيا، فتكون حظه من نار جهنم. قال أبو صالح: أتيت بيت المقدس، فلقيت أبا ريحانة. فذكرت الحجاج فصليت عليه. فقال لي: هلكت أبا صالح ثلاثاً إني لأجد في بعض ما أنزل من الكتب، الأبتر، القصير؛ قصيره صاحب العراقين، مبدل السنة غير السنة، والملة غير الملة، يلعنه أهل السماء وأهل الأرض، ويل له وويل لمن أحبه.

أبو صالح المتعبد الدمشقي

أبو صالح المتعبد الدمشقي الذي ينتسب إليه المسجد خارج الباب الشرقي. قال أبو صالح: كنت أدور في جبل اللكام أطلب الزهاد، فرأيت رجلاً عليه مرقعة جالساً على حجر، مطرقاً إلى الأرض. فقلت له: يا شيخ، ما تصنع ها هنا؟ قال: أنظر وأرعى. فقلت له: ما أرى بين يديك إلا الحجارة، فما الذي تنظر وترعى؟ قال: فتغير لونه، ثم نظر إلي مغاضباً وقال: أنظر خواطر قلبي، وأرعى أوامر ربي، وبحق الذي أظهرك علي إلا جزت عني. فقلت له: كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضي. فقال: من لزم الباب أثبت في الخدم، ومن أكثر ذكر الذنوب أكثر الندم، ومن استغنى بالله أمن العدم. ثم تركني ومضى. وقال أبو صالح: الدنيا حرام على القلوب، حلال على النفوس، لأن كل شيء يحل لك أن تنظر إليه بعين رأسك، فيحرم عليك أن تنظر إليه بعين قلبك. وقال: البدن لباس القلب والقلب لباس الفؤاد، والفؤاد لباس الضمير، والضمير لباس السر، والسر لباس المعرفة. قال أبو صالح: أقمت ستة أيام أو سبعة لم آكل ولم أشرب، ولحقني عطش عظيم، فخرجت إلى النهر الذي من وراء المسجد، وقعدت أنظر إلى الماء، فخطر بقلبي قوله عز وجل " وكان عرشه على الماء "، فذهب ما بي من العطش، انصرفت، فأقمت تمام عشرة أيام.

أبو صفوان بن علقمة الرعيني

قال أبو صالح مفلح بن عبد الله: أقمت أربعين يوماً ما شربت، فلما مضى أربعون يوماً أخذ بيدي الشيخ أبو بكر محمد بن سيد بن حمدويه، وحملني إلى بيته، فأخرج لي ماء، وقال: اشرب، فشربت، فحكت امرأته أنه قال لها: اشربي فضلة رجل له أربعون يوماً ما شرب ماءً. قال أبو صالح: وما اطلع أحد على تركي لشرب الماء أحد إلا الله. جاء رجل إلى أبي صالح فقبل رأسه وقال: كان لي كيس فيه أربع مئة درهم ففقدته، ولم يفتح لي دكان. فقال: توضأ وصل ركعتين، فإن الله يرد عليك الكيس، فتوضأ، ودخل المسجد إلى الموضع الذي رسمه له الشيخ، فصلى ركعة، فلما قام إلى الثانية قطع الصلاة، ومضى يعدو. فقال الشيخ: قد رد عليه الكيس إلا أنه ما أتم الصلاة. فغاب ساعة ورجع، فجاء إلى الشيخ فقبل رأسه وقال: إلى الله، وإليك المعذرة، وذكرت أني كنت طمرته في زنبيل الملح، وكنت قبل أن أجيك أخرجت زنبيل الملح على باب الدكان، فخشيت أن يجيء إنسان فيأخذه. فقال له الشيخ: امض، فتمم الصلاة. توفي أبو صالح سنة ثلاثين وثلاث مئة. أبو صفوان بن علقمة الرعيني أحد الزهاد. قال أبو صفوان: شهدت عمرو بن عبيد ويونس بن عبيد يتناظران في المسجد الحرام في قول الله عز

وجل " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فقالا: قالت عائشة رضي الله عنها: كل روعة تمر بقلب ابن آدم، يخوف من شيء لا يحل به، فهو كفارة لكل ذنب هم به فلم يفعله. قال أبو سليمان الداراني لأبي صفوان: أي شيء أول حدود الزهد؟ فقال أبو صفوان: استصغار الدنيا. فقال له أبو سليمان: إذا كان هذا أوله، فأي شيء يكون أوسطه، وأي شيء يكون آخره؟ قال له أبو صفوان: إن زهد في شيء من الدنيا ثم تمنعه بعد نفسه. فإذا بلغ الغاية استصغر الدنيا. ونقل عن جماعة: أن أول الزهد إخراج قدرها من القلب، وآخره خروج قدرها حتى لا يقوم لها في القلب قدر، ولا يخطر بباله رغبة فيها، ولا زهد فيها، لأن الرغبة والزهد لا يكونان إلا فيما قام قدره في القلب. قال ابن أبي الحواري: قلت لأبي صفوان: أيهما أحب إليك: يجوع ويجلس يتفكر، أو يأكل ويقوم يصلي؟ قال: يأكل ويقوم يصلي ويتفكر في صلاته أحب إلي. قال: فحدثت به مروان، فأعجبه. وحدثت به أبا سليمان فقال: صدق أبو صفوان، التفكير في الصلاة خير منه في غير صلاة، لأنه في الصلاة عملان، وهو في غير الصلاة عمل، وعملان أفضل من عمل واحد. فحدثت به بشر بن السري، فأخذ حصاة من المسجد الحرام بمنزلة القمح فقال: لئن أنال من الجوع الذي وصفت مثل هذه أحب إلي من طواف الطائفين، وصلاة المصلين، وحج الحاجين، وغزو الغازين. قال ابن أبي الحواري: قلت لأبي صفوان: الدنيا التي ذمها الله في القرآن ينبغي للعاقل أن يتجنبها. قال:

كلما عملت في الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ما أصبت منها تريد به الآخرة فليس منها. فحدثت بها مروان فقال: الفقه على ما قال أبو صفوان. قال ابن أبي الحواري: قلت لأبي صفوان: إن نفسي تنازعني الصمت. قال: إن كنت صادقاً فتكلم فيما يعنيك، ودع ما لا يعنيك.

حرف الطاء المهملة

حرف الطاء المهملة أبو طالب عبد مناف وقيل شيبة بن عبد المطلب، شيبة الحمل بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل: إنه أسلم. قال المصنف: ولا يصح إسلامه. قدم بصري مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكى عنه. روى علي قال: سمعت أبا طالب يقول: حدثني محمد بن أخي وكان والله صدوقاً قال: قلت له: بما بعثت يا محمد؟ قال: بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. وقال أبو طالب: حدثني محمد أن الله أمره بصلة الأرحام، وأن نعبد الله وحده، ولا نعبد معه أحداً، ومحمد عندي الصدوق الأمين. قال أبو طالب: كنت بذي المجاز مع ابن أخي يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأدركني العطش، فشكوت إليه

فقلت: يا ابن أخي قد عطشت، وما قلت له ذلك وأنا أرى عنده شيئاً إلا الجزع قال: فثنى وركه ثم نزل فقال: يا عم، أعطشت؟ قال: قلت: نعم. قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا أنا بالماء، فقال: اشرب يا عم. قال: فشربت. وفي آخر قال: أرويت يا عم؟ قلت: نعم. وكان سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجر عمه أبي طالب بعد جده عبد المطلب، وإلى أبي طالب أوصى عبد المطلب برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال أبو طالب حين توجه إلى بصرى: من الطويل بكى طرباً لما رآنا محمد ... كأن لا يراني راجعاً لمعاد فبت يجافيني تهلل دمعه ... وقربته من مضجعي ووسادي فقلت له قرب قعودك وارتحل ... ولا تخش مني جفوة ببلادي وخل زمان العيس وارتحلن بنا ... على عزمة من أمرنا ورشاد ورح رائحاً في الراشدين مشيعاً ... لذي رحمٍ في القوم غير معاد فرحنا مع العير التي راح ركبها ... يؤمون من غوري أرض إياد وحتى رأوا أخبار كل مدينة ... سجوداً له من عصبة وفراد فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد زبيراً وتماماً وقد كلن شاهداً ... دريساً وهموا كلهم بفساد فقال لهم قولاً بحيراً وأيقنوا ... له بعد تكذيب وطول تعاد

كما قال للرهط الذين تهودوا ... وجاهدهم في الله كل جهاد فقال ولم يملك له النصح: رده ... فإن له أرصاد كل مضاد فإني أخاف الحاسدين وإنه ... أخو الكتب مكتوب بكل مداد قالوا: ولم يكن أحد يسود في الجاهلية إلا بمال إلا أبو طالب، وعتبة بن ربيعة. وقيل لتأبط شراً: أخبرنا عن أشراف العرب فقال: أفعل، سيد قريش ذو مالها، وإنما يسود في قريش ذو المال بالفعال. قال عمر بن الخطاب: إذا كان هذا المال في قريش فاض، وإذا كان في غيرها غاض. وكانت بيده السقاية، ثم أسلمها إلى العباس بن عبد المطلب، وكان نديمه مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس. وكان مسافر قد حبن، فخرج ليتداوى بالحيرة، فمات بهبالة. فقال أبو طالب يرثيه: من الخفيف ليت شعري مسافر ابن أبي عم ... رو، وليت يقولها المحزون كيف كانت مذاقة الموت إذ ... مت، وماذا بعد الممات يكون؟ رحل الركب قافلين إلينا ... وخليلي في مرمس مدفون بورك الميت الغريب كما بو ... رك نضر الريحان والزيتون ميت رزء على هبالة قد حا ... لت فياف من دونه وحزون مدره يدفع الخصوم بأيدٍ ... وبوجه يزينه العرنين كم خليل وصاحب وابن عمٍ ... وحميم قفت عليه المنون فتعزيت بالجلادة والصب ... ر، وإني بصاحبي لضنين

كل من كان بالأباطح والجل ... س عليه من شيبه توشين أصبحوا بعده كدابغة اله ... ناء منها معين وعطين ولما هلك مسافر نادم أبو طالب عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي. ولذلك قال عمرو بن عبد لعلي بن أبي طالب يوم الخندق حين دعاه إلى البراز: إن أباك كان لي صديقاً. وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بعثت ولي أربع عمومة، فأما العباس فيكنى بأبي الفضل، ولولده الفضل إلى يوم القيامة، وأما حمزة فيكنى بأبي يعلى، فأعلى الله قدره في الدنيا والآخرة، وأما عبد العزى فيكنى بأبي لهب، فأدخله الله النار وألهبها عليه، وأما عبد مناف فيكنى بأبي طالب، فله ولولده المطاولة والرفعة إلى يوم القيامة. وعن حبة العرني قال: رأيت علياً ضحك على المنبر ضحكاً لم أره ضحك ضحكاً أكثر منه، حتى بدت نواجذه، ثم قال: ذكرت قول أبي طالب، ظهر علينا أبو طالب، وأنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن ببطن نخلة زاد في رواية: نصلي فقال: ماذا تصنعان يا بن أخي؟ فدعاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الإسلام. فقال: ما بالذي تصنعان بأس، أو بالذي تقولان بأس، ولكن والله لا تعلوني استي أبداً. فضحك تعجباً بقول أبيه، ثم قال: اللهم لا أعرف أن عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك، لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعاً. وكان أبو طالب بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفيقاً شفيقاً، يمنعه من مشركي قريش. جاؤوه ذات صباح بعمارة بن الوليد، فقالوا له: قد عرفت حال عمارة بن الوليد في قريش،

ونحن ندفعه إليك مكان محمد، وادفعه إلينا. فقال: ما أنصفتموني، أعطيكم ابن أخي تقتلونه، وتعطوني ابن أخيكم أغذوه لكم؟! وهو الذي يقول: من الطويل عجبت لحلمٍ يا بن شيبة حادث ... وأحلام أقوامٍ لديك سخاف يقولون شايع من أراد محمداً ... بسوء، وقم في أمره بخلاف أضاميم: إما حاسد ذو خيانة ... وإما قريب منك غير مصاف فلا تركبن الدهر منك ظلامة ... وأنت امرؤ من خير عبد مناف فإن له قربى إليك وسيلة ... وليس بذي حلف ولا بمضاف ولكنه من هاشم في صميمها ... إلى أبحر فوق البحور طواف فإن غضبت فيه قريش فقل لها ... بني عمنا ما قومكم بضعاف فما قومكم بالقوم يغشون ظلمهم ... وما نحن فيما ساءكم بخفاف وقال أبو طالب: من الطويل كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ... ولما نطا عن دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم نحوكم غير عزلٍ ... يبيض حديث عهدها بالصياقل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى، عصمة للأرامل جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك قد آذانا في نادينا ومسجدنا، فانهه عنا، فقال: يا عقيل، انطلق فأتني بمحمد. فانطلقت إليه، فاستخرجته من كبسٍ أو قال: حفش يقول: بيت صغير فجاء به في الظهيرة، في شدة الحر، فجعل يطلب

الفيء يمشي فيه من شدة الحر، فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن أذاهم. فحلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببصره إلى السماء فقال: أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة. فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي، فارجعوا وفي رواية ما كذبت ابن أخي قط. قالوا: وازداد البلاء من قبل قريش على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فائتمروا بينهم أن يكلموا أبا طالب في ابن أخيه، فإن فعل، وإلا تعاقدوا على عقد ألا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يدفعوه إليهم، فكتبوا في صحيفتهم عهداً بينهم ألا يناكحوا من بني عبد المطلب، ولا يبايعوهم، ولا يجالسواهم، ولا يكلموهم حتى يدفعوا إليهم محمداً، فيقتلونه. فمشوا إلى أبي طالب، وقد كتبوا كتابهم: قالوا: يا بن عبد المطلب، أنت أفضل قريش اليوم حلماً، وأكبرهم سناً، وأعظمهم شرفاً، وقد رأيت صنع ابن أخيك، والسفهاء الذين معه، الصباة المخلطين لأمرهم، إن قومك قد نفروا إلى أمر فيه صلاح قومك، وصلاحهم لك صلاح إن فعلت، وإن أبيت فقد أبلغوا إليك في العذر، وفيه هلاكك وهلاك أهل بيتك، لا يعدوكم ذلك إلى أحد غيركم، قد كتب قومك كتاباً فيه الذي تكرهون إن أبيتم أن تدفعوا إليهم حاجتهم. قال: وما حاجتكم فيما قبلي؟ قالوا: حاجتنا أن تدفع إلينا هذا الصابئ الذي فرق كلمتنا، وأفسد جماعتنا، وقطع أرحامنا، فنقتله، ونعطيك ديته. قال: لا تطيب بذلك نفسي أن أرى قاتل ابن أخي يمشي بمكة وقد أكلت ديته. قالوا: فإنا ندفعه إلى بعض العرب فيكون هو يقتله، وندفع إليك ديته، ونعطيك أي أبنائنا شئت، فيكون لك ولداً مكان هذا الصابئ. فقال لهم: ما أنصفتموني، تقتلون ابني وأغذو أولادكم؟ أولا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لم تحن إلى غيره؟ ولكن أمر هو أجمع لكم مما أراكم تخوضون فيه، تجمعون شباب قريش، من كان منهم بسن محمد، فتقتلونهم جميعاً، وتقتلون معهم محمداً، قالوا: لا لعمر أبيك، لا لا نقتل أبناءنا وإخواننا من أجل هذا

الصابئ، ولكن سنقتله سراً أو علانية، فائتمر لذلك أمرك. فعند ذلك قال: من الطويل كذبتم وبيت الله نترك محمداً ... ولما نضارب دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض نهضاً في نحوركم القنا ... كنهض الروايا في طريق حلاحل وحتى نرى ذا الدرع يركب ردعه ... من الطعن مشي الأنكب المتحامل في قولٍ كثيرٍ يقول لهم. فلما سمعت بذلك قريش، عرفوا منه الجد، يئسوا منه، وأظهروا لبني عبد المطلب العداوة، واللفظ القبيح، والشتم، وأقسموا ليقتلنه سراً أو علانية. فلما عرف أبو طالب أن القوم قاتلوا ابن أخيه إن استطاعوا، خافهم وتتابعت معهم القبائل كلها، فلما رأى ذلك أبو طالب، جمع رهطه، فانطلق بهم، فقاموا بين الأستار والكعبة، فدعوا الله على ظلمة قومهم في قطيعتهم أرحامهم، وانتهاكهم محارمهم، وتناولهم سفك دمائهم، فقال أبو طالب: إن أبى قومنا إلا البغي علينا، فعجل نصرنا، وحل بينهم وبين الذي يريدون من قتل ابن أخي. ثم أقبل إلى جمع قريش، وهم ينظرون إليه وإلى أصحابه. فقال لهم: إنا قد دعونا رب هذا البيت على القاطع، المنتهك المحارم، والله، لتنتهن عن الذي تريدون، أو لينزلن الله بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون. قال: فأجابوه أن يا بن عبد المطلب، لا صلح بيننا وبينكم أبداً، ولا رحم، إلا على قتل الصابئ السفيه. ثم عمد فدخل الشعب بابن أخيه وبني أبيه، ومن اتبعهم من بين مؤمنٍ دخل لنصر الله ونصر رسوله، ومن بين مشركٍ يحمي أنفاً، فدخلوا شعبهم، وهو شعب أبي طالب، ناحية مكة. ودعا على قومه في شعره.

قال: هشام بن عمرو العامري؛ الذي قام في نقض الصحيفة التي كتب مشركو قريش على بني هاشم في نفر قاموا معهم، منهم: مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة. تبرؤوا من الصحيفة. وفي ذلك يقول أبو طالب: من الطويل جزى الله رهطاً من لؤي تتابعوا ... على ملأ يهدي لحزمٍ ويرشد قعوداً لدى جنب الحطيم كأنهم ... مقاولة، بل هم أعز وأمجد هم رجعوا سهل بن بيضاء راضياً ... فسر أبو بكر بها ومحمد ألم يأتكم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد أعان عليها كل صقر كأنه ... شهاب بكفي قابسٍ يتوقد جريءٍ على جل الأمور كأنه ... إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد وكان سهل بن بيضاء الفهري الذي مشى إليهم في ذلك حتى اجتمعوا عليه. قالوا: وقال أبو جهل، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والعاص بن سعيد، وأمية بن خلف: يا معشر قريش، إن هذا الأمر يزداد، وإن أبا طالب ذو رأي وشرف وسن، وهو على دينكم، وهو اليوم مدنف، فامشوا إليه، فأعطوه السواء يأخذ لكم وعليكم في ابن أخيه، فإنكم إن خلوتم بعمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وقد خالفا دينكم تكون الحرب بينكم وبين قومكم. فجاؤوا أبا طالب فقالوا: أنت سيدنا، وأنصفنا في أنفسنا، وقد رأيت هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك من تركهم آلهتنا، وطعنهم في ديننا، وقد

فرق بيننا، وأكفر آلهتنا، وسب آباءنا، فأرسل إلى ابن أخيك، فأنت بيننا عدل. فأرسل أبو طالب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاه، فقال له: هؤلاء قومك وذوو أسنانهم، وأهل الشرف منهم، وهم يعطونك السواء فلا تمل عليهم كل الميل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قولوا أسمع قولكم. فقال أبو جهل بن هشام: ترفضنا من ذكرك، ولا تكن منا ولا من آلهتنا في شيء، وندعك وربك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أعطيتكم ما سألتم، أمعطي أنتم كلمة واحدة لكم فيها خير، تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم؟ فقال أبو جهل وهو مستهزئ: نعم، لله أبوك لكلمة نعطيها وعشرة أمثالها فقال: قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له. فنفروا من كلامه، وخرجوا مفارقين له. وقالوا: " امشوا، واصبروا على آلهتكم، إن هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق إلى قوله بل لما يذوقوا عذاب ". فكان ممشاهم إلى أبي طالب لما لقوا من عمر وسمعوا منه. وعن ابن عباس في قوله عز وجل " وهم ينهون عنه وينأون عنه " قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤذى، وينأى ويجفوا عما جاء به " وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون " يعني أبا طالب. ولما حضرت أبا طالب الوفاة قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليك بأخوالك بني النجار، فإنهم أمنع الناس لما في بيوتهم. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرس، وكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالاً من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية " والله يعصمك من الناس " فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال: يا عماه، إن الله قد عصمني من الجن والأنس.

وعن أنس بن مالك قال: مرض أبو طالب، فعاده النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا بن أخي، ادع لي ربك الذي تعبده أن يعافيني. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اشف عمي. فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال، فقال: يا بن أخي، إن ربك الذي تعبده ليعطيك. قال: وأنت يا عماه، إن أطعت الله ليعطيك. وعنه قال: لما مرض أبو طالب مرضه الذي مات فيه، أرسل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادع ربك أن يشفيني، فإن ربك ليعطيك، وابعث إلي بقطاف من قطاف الجنة. فأرسل إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت يا عم، إن أطعت الله أطاعك. وعن عبد الله بن عمر، قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخاً أعمى يوم الفتح، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه؟ قال: أردت يا رسول الله أن يأجره الله، أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحاً بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك. قال: صدقت. ولما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها، قالت له قريش: يا أبا طالب، أرسل إلى ابن أخيك، فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكر شيئاً يكون لك شفاء. فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر جالساً معه، فقال: يا محمد، إن عمك يقول لك: يا بن أخي، إني كبير ضعيف سقيم، فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئاً يكون لي فيه شفاء. فقال أبو بكر: إن الله حرمهما على الكافرين. فرجع إليهم الرسول، فأخبرهم، فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولاً من عنده، فوجده الرسول في مجلسه، فقال له مثل ذلك. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله حرمهما على الكافرين، طعامها وشرابها. ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب فوجده مملوءاً رجالاً. فقال: خلوا بيني وبين عمي. قالوا: ما نحن بفاعلين، ما أنت بأحق به منا، إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك. فجلس إليه، فقال: يا عم، جزيت عني خيراً، كفلتني صغيراً وحطتني كبيراً، جزيت عني خيراً، يا عم، أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك

بها عند الله يوم القيامة. قال: وما هي يا بن أخي؟ قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قال: إنك لي ناصح، والله لولا أن نعير بها فيقال خرع عمك من الموت لأقررت بها عينك. فصاح القوم: يا أبا طالب، أنت رأس الحنيفية، ملة الأشياخ. فقال: لا تحدث بيننا قريش أن عمك جزع عند الموت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني. فاستغفر له بعد ما مات، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا، ولذوي قرابتنا؟ قد استغفر إبراهيم لأبيه، وهذا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر لعمه. فاستغفروا للمشركين حتى نزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ". وفي حديث فقالوا: قد استغفر إبراهيم لأبيه، فنزلت: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " قال: لما مات على كفره تبين أنه عدو الله. قالوا: قال أبو طالب: يا بن أخي، والله لولا رهبة أن تقول قريش دهرني الجزع، فيكون سبة عليك وعلى بني أبيك لفعلت الذي تقول، وأقررت عينك بها، لما أرى من شكرك، ووجدك بي ونصيحتك لي. ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد، وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتأمرهم بها وتدعها لنفسك؟ فقال أبو طالب: أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لتابعتك على الذي تقول، ولكني أكره أن أجزع عند الموت، فترى قريش أنني أخذتها جزعاً، ورددتها في صحتي. وقيل: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى تكذيبهم بالحق قال: لقد دعوت قومي إلى أمر ما اشتططت في القول. فقال عمه: أجل لم تشتط. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك، وأعجبه قول عمه: يا عم، لك علي كرامة، ويدك عندي حسنة، ولست أجد اليوم

ما أجزيك به، غير أني أسألك كلمة تحل لي بها الشفاعة عند ربي، أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تصيب بها الكرامة عند الممات، فقد حيل بينك وبين الدنيا، وتنزل بكلمتك هذه الشرف الأعلى في الآخرة الحديث، وزاد في آخره فأنزل الله عز وجل " أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ". وعن العباس بن عبد المطلب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، قال له نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عم، قل كلمة واحدة أشفع لك بها يوم القيامة، لا إله إلا الله. فقال: لولا أن تكون عليك وعلى بني أبيك عبد الله غضاضة لأقررت بعينيك، ولو سألتني هذه في الحياة لفعلت. قال: وعنده جميلة ابنة حرب، حمالة الحطب، وهي تقول له: يا أبا طالب، مت على دين الأشياخ قال: فلما خفت صوته، فلم يبق منه شيء: قال: حرك شفتيه، فقال العباس: فأصغيت إليه، فقال قولاً خفياً: لا إله إلا الله. فقال العباس للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن أخي قد والله قال أخي الذي سألته. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم أسمعه. وعن المسيب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، دخل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله. قال أبو جهل وعبد اله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ".

وعن علي قال: لما توفي أبو طالب أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن عمك الشيخ قد مات. قال: اذهب فواره، ولا تحدث من أمره شيئاً حتى تأتيني. فواريته ثم أتيته. فقال: اذهب فاغتسل، ولا تحدث شيئاً حتى تأتيني. فاغتسلت ثم أتيته، فدعا لي بدعوات ما يسرني بهن حمر النعم وسودها. قالوا: وكان علياً إذا غسل ميتاً اغتسل. وفي رواية أخرى: إن عمك الشيخ الضال قد مات. وفي رواية: الكافر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اذهب فواره. فقلت: والله لا أواريه. قال: فمن يواريه إن لم تواره؟ فانطلق فواره، فقلت له: والله، لا أواريه. فقال: فمن يواريه إن لم تواره؟ فانطلق فواره، ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني الحديث ثم إنه قال: دعا لي بدعوات ما أحب لي بهن ما على الأرض من شيء. وعن ابن عباس قال: عارض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنازة أبي طالب فقال: وصلتك رحم، جزاك الله خيراً يا عم. وعن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن لأبي طالب عندي رحماً سأبلها ببلاها. وعن العباس أنه سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ترجو لأبي طالب؟ قال: كل الخير أرجو من ربي. وعن علي قال: أخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموت أبي طالب فبكى، ثم قال: اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه. ففعلت، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر له أياماً، ولا يخرج من بيته، حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " قال علي: وأمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلت.

قال الحسن: لما مات أبو طالب، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن إبراهيم ليستغفر لأبيه وهو مشرك، وأنا أستغفر لعمي حتى أبلغ، فأنزل الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " يعني به أبا طالب، فاشتد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال الله عز وجل لنبيه: " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " يعني حين قال " سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا " " فلما تبين له أنه عدو الله " يعني مات على الشرك " تبرأ منه " " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " يعني بالحليم: السيد. والأواه: الدعاء إلى الله. والمنيب: المستغفر. ذهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي بن أبي طالب إلى قبر أبي طالب ليستغفرا له، فأنزل الله عز وجل: " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " فاشتد على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موت أبي طالب على الكفر، فأنزل الله على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنك لا تهدي من أحببت " يعني به: أبا طالب " ولكن الله يهدي من يشاء " يعني به العباس بن عبد المطلب. وكان العباس أحب عمومة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أبي طالب إليه، لأنه كان يتيماً في حجره. ولما مات أبو طالب عرض لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سفيه من سفهاء قريش، فألقى عليه تراباً، فرجع إلى بيته، فأتته امرأة من بناته، تمسح عن وجهه التراب وتبكي. قال: فجعل يقول: أي بنية، لا تبكين، فإن الله مانع أباك. ويقول ما بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب.

وعن أبي هريرة قال: لما مات أبو طالب ضرب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أسرع ما وجدت فقدك يا عم. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما زالت قريش كافة عني وفي رواية كاعةً عني حتى توفي أبو طالب. كاعة جمع كائع: وهو الجبان. يريد أنه كان يحوط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويذب عنه، وكانت قريش تكيع وتجبن عن أذاه. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب، وأخٍ لي كان في الجاهلية. وعن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله ما أغنيت عن عمك، فقد كان يحوطك، ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاحٍ من النار، ولولا أنا كان في الدرك الأسفل من النار. وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر عنده أبو طالب فقال: تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. وفي حديث: كان يحوطك وينفعك فهل تنفعه؟ قال: نعم، وجدته في غمرات النار، فأخرجته إلى ضحضاح. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، في رجليه نعلان من نارٍ يغلي منهما دماغه.

وفي حديث: وسئل عن خديجة لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن. قال: أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. وفي حديث: فقيل: إن فيها لضحضاحاً وغمراً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم، إن أدنى أهل النار منزلة لمن يحذى له منها نعلان من نار يغلي من وهجهما دماغه، حتى يسيل على قوائمه. وقيل: إنه ينادي. يرى أنه لا يعذب أحد عذابه من شدة ما هو فيه. وقال علي يرثي أباه أبا طالب: من الطويل أرقت لنوح آخر الليل غردا ... لشيخي ينعى والرئيس المسددا أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى ... وذا الحلم لا جلفاً ولم يك قعددا أخا الهلك خلى ثلمةً سيدها ... بنو هاشم أو تستباح وتضهدا فأمست قريش يفرحون لفقده ... ولست أرى حياً لشيء مخلدا أرادت أموراً زينتها حلومهم ... ستوردهم يوماً من الغي موردا يرجون تكذيب النبي وقتله ... وأن يفتروا بهتاً عليه ويجحدا كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم ... صدور العوالي والصفيح المهندا ويبدو منا منظر ذو كريهةٍ ... إذا ما تسربلنا الحديد المسردا فإما تبيدونا وإما نبيدكم ... وإما تروا سلم العشيرة أرشدا وإلا فإن الحي دون محمد ... بنو هاشم خير البرية محتدا فإن له منكم من الله ناصراً ... ولست بلاقٍ صاحب الله أوحدا نبي أتى من كل وحي بخطةٍ ... فسماه ربي في الكتاب محمدا أغر كنور البدر صورة وجهه ... جلا الغيم عنه ضوؤه فتعددا

أبو طالب الجعفري الفقيه

أمين على ما استودع الله قلبه ... وإن قال قولاً كان فيه مسددا توفي أبو طالب في نصف شوال في السنة العاشرة من حين تنبي سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة. وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، وهي يومئذٍ بنت خمس وستين سنة. فاجتمعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصيبتان: موت خديجة، وموت أبي طالب عمه. وقيل: إن خديجة توفيت قبل أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة. أبو طالب الجعفري الفقيه قال أبو طالب: جرى بين رجل من قريش، ورجل من الأنصار ملاحاة. فقال له القرشي: أتكلمني وأنا رجل من قريش؟ فقال له الأنصاري: من أي قريش؟ ممن أوينا ونصرنا أو ممن حاربنا فقتلنا أو ممن أسرنا فمننا؟ قال أبو طالب: فذهبت لأكلم الأنصاري، فقال أبي: اسكت، اتركهم ينتصرون لأنفسهم. قال أبو طالب الجعفري: إنه مما كان يتمثل به زيد بن علي في حربه: من السريع منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حدادا شرده الخوف وأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد قد كان في الموت له راحة ... والموت ختم في رقاب العباد

جرى بين أبي طالب الجعفري، وبين علي بن الجهم وحشة ثم أرسل أبو طالب يعتذر إليه، فكتب إليه علي: من الخفيف لم تذقني حلاوة الإنصاف ... وتعسفتني أشد اعتساف وتركت الوفاء جهلاً بما في ... هـ وأسرفت غاية الإسراف غير أني إذا رجعت إلى ح ... ق بني هاشم بن عبد مناف لم أجد لي إلى التشفي سبيلا ... بقواف ولا بغير قواف لي نفس تأبى الدنية والأش ... راف لا تعتدي على الأشراف ولأبي طالب الجعفري: من مجزوء الكلام إني أهابك أن أقو ... ل ولست أئتمن الرسولا فإذا هدت فطن الرسو ... ل ورنح السكر العقولا فانظر إلى نظري إلي ... ك فإن في نظري دليلا وابسط لسانك إن رأي ... ت إلى مؤانستي سبيلا إني أعيذك أن تكو ... ن علي ممتنعاً بخيلا أجمل فديتك في جوا ... بك إذ ظننت بك الجميلا ألهيتني بك عن سوا ... ك وصرت لي أملاً وسولا

أبو طالب الدمشقي

أبو طالب الدمشقي قال أبو طالب: كتب رجل إلى ابن له: إنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك فاجعل في الطلب، واستطب المكسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، فأكرم نفسك عن دنيا دنية، وشهوة ردية فإنك لا تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، ولا تأمن من خدع الشيطان أن تقول: متى أرى ما أكره؟ نزغت فإنه هكذا هلك من كان قبلك. أبو طاهر الدمشقي حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى النبي صلى اله عليه وسلم قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم عيد، فكبر أربعاً وأربعاً، ثم انصرف، أقبل بوجهه، وقبض إبهاميه، وأشار بأصابعه، وقال: لا تنسوا كتكبير الجنائز. أبو طعمة مولى عمر بن عبد العزيز. حدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنودي: الصلاة جامعة. فركع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين في سجدتين، ثم قام، فركع ركعتين في السجدتين، ثم جلي عن الشمس. وكانت عائشة تقول: ما سجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجوداً، ولا ركع ركوعاً أطول منه. وعن أبي طعمة قال: أتينا ابن عمر بالمدينة، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في شرب الطلاء الحلو الحلال الطيب؟ قال: اشرب، واسقني، فولى الرجل. فقال ابن عمر لرجل: أدركه، فسله، فإن قال: أحله لنا، فرده. فأدركه،

فرده، فقال: ما قلت؟ قال: كذا وكذا، فقال: وهل يقدر ابن عمر أن يحرم الحلو الحلال الطيب؟ أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لعن الله الخمر، وبائعها ومبتاعها، وساقيها، وشاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. وحدث أبو طعمة عن ابن عمر قال: قال رسول اله صلى لله عليه وسلم: " لعنت الخمر على عشرة وجوه، لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وأكل ثمنها.

حرف الظاء المعجمة

حرف الظاء المعجمة أبو ظبية السلفي الكلاعي الحمصي حدث عن أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المقة من الله، والصيت في السماء، فإذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن ربكم يحب فلاناً فأحبوه. فيحبه أهل السماء، وينزل له القبول في الأرض. وفي حديث: فينزل الله المقة على أهل الأرض وعن شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي قال: قلت: يا أبا أمامة، حديث بلغني عنك تحدث به عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء. قال أبو أمامة: لو لم أسمعه من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو ستاً أو سبعاً، لم أحدث به. قال شهر: فقلنا له: كيف سمعته؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من مسامعه وبصره، ويديه، ورجليه. فقال أبو ظبية الحمصي ووجدته عند أبي أمامة: وأنا سمعت عمرو بن عبسة يحدث بذلك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول: ما من عبد يبيت على طهر، فيذكر الله، ثم يتعار من الليل، فيدعو الله إلا أعطاه الله ما سأل من أمر الدنيا والآخرة.

وعن أبي ظبية قال: خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية في يوم الجمعة فقرأ " إذا السماء انشقت " ونزل عن المنبر. فسجد وسجد الناس معه. ظبية: بظاء معجمة، وباء موحدة، وياء باثنتين من تحتها.

حرف العين المهملة

حرف العين المهملة أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي، ختن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنته زينب قيل: اسمه لقيط. وقيل: القاسم. وقيل: مهشم. وقيل: ياسر. أمه هالة بنت خويلد، أخت خديجة، زوج سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. زوجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب، ابنته، وهي أكبر بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فولدت له علياً وأمامة. فتوفي علي بن أبي العاص وهو غلام. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أردفه ناقته عام الفتح. وقالت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي حين حضرتها الوفاة: تزوج بنت أختي أمامة بنت أبي العاص. فتزوجها علي بن أبي طالب. فمكثت عنده ثلاثين سنة، ولم تلد له شيئاً وكانت عقيماً ثم تزوجها بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث. وأبو العاص الذي بدأ فيه الجوار في ركب من قريش الذين أخذهم أبو جندل بن سهيل، وأبو بصير، وهو عتبة بن أسيد وأصحابه، فأتى بهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرى وبأموالهم، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن زينب بنت رسول الله قد أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع في ماله ومتاعه. فأدى إليهم كل شيء كان لهم. حتى إن الرجل ليأتي بالعقال من متاعهم.

وكانت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأذنت أبا العاص وهو بمكة أن تخرج إلى المدينة. فأذن لها، ثم خرج إلى الشام، فخرجت بعده إلى المدينة، فأنفر بها هبار بن الأسود فكسر ضلعاً من أضلاعها، وأدركها أبو سفيان وأصحابه فردوها إلى بيتها، فلقيتها هند بنت عتبة فقالت لها: عمل أبي خير من عملك وعمل زوجك. ثم بعث لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد، ورجلين من المهاجرين فواعدوها، وخرجت إليهم تحت الليل، فأقدموها على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعها ابنها علي وابنتها أمامة. ثم قدم أبو العاص مكة من سفره، فأراد أن يخرج إلى امرأته وولده، فأخذته قريش وقالوا: هلم بنا ننكحك بنت سعيد بن العاص. فتزوجها أبو العاص فولدت له امرأة يقال لها أمية، فتزوجت محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فهي أم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف. فما مكث أبو العاص بن الربيع مع بنت سعيد بن العاص حتى لحق بزينب بنت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبولده بالمدينة قبيل الفتح بيسير. فلما قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن، فاستخلفه علي على اليمن عام حجة الوداع. فحج عامه. وكان أبو العاص مع علي في البيت يوم بويع أبو بكر. وتوفيت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي عند أبي العاص. وكان أبو العاص بن الربيع أخاً لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مصافياً له. وكان يقال لأبي العاص: الأمين، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر غشيان أبي العاص في منزل أمه هالة بنت خويلد. وأسلم أبو العاص قبل فتح مكة. وكان يسمى جرو البطحاء يعني أنه متلد بها. أسلم

قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة، ولم يشهد مع سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً. وقيل: جيء به مربوطاً بقيد، فسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه أن يطلقوه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما ذممنا صهر أبي العاص. ويقال: قدم مهاجراً إلى المدينة بعدما أسلم بمكة، فرجع إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته زينب بالنكاح الأول. ويقال: ردها عليه بمهر جديد، ونكاح جديد. وأثنى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: إنه حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي. وأردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنها علياً يوم فتح مكة، وحمل أمامة في صلاته. وخرج أبو العاص في بعض أسفاره إلى الشام فقال: من البسيط ذكرت زينب لما وردت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما بنت الأمين جزاها الله صالحةً ... وكل بعل سيثني بالذي علما إرم: هي دمشق. وعن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استوصوا بالأسرى خيراً ". فقال أبو العاص بن الربيع: كنت مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً كنا إذا تعشينا أو تغدينا، آثروني بالخبز، وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم. حتى إن الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها إلي. وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك، ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون. ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة من جزع ظفار كانت لخديجة، وأدخلتها بها

على أبي العاص حين بنى عليها. فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرفها ورق لها، وذكر خديجة، ورحم عليها وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا إليها متاعها، فعلتم. فقالوا: نعم يا رسول الله. فأطلقوا أبا العاص، وردوا إلى زينب متاعها. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أخذ عليه أو وعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخلي زينب إليه. قال ابن إسحاق: وكان فيما شرط عليه في إطلاقه إياه، ولم يظهر ذلك منه، ولا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعلم ما هو، إلى أن خرج أبو العاص إلى مكة، وبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن حارثة، ورجلاً من الأنصار. فقال: كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها. وذلك بعد بدر بشهر. وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالاً وأمانة وتجارةً. وكانت خديجة خالته، فقالت خديجة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زوجه. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخالفها، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوجه. فلما أكرم الله رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبوته، آمنت به خديجة وبناته. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد زوج عتبة بن أبي لهب رقية أو أم كلثوم، فلما بادى قريشاً بأمر الله قالوا: إنكم قد فرغتم محمداً من بناته، فردوهن عليه، فاشغلوه بهن. فمشوا إلى أبي العاص فقالوا: فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: لا، ها الله، لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. ثم مشوا إلى الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا: طلق ابنة محمد، ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش. فقال: إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص، أو بنت سعيد بن العاص، فارقتها. فزوجوه بنت سعيد بن العاص، ففارقها ولم يكن دخل بها، وأخرجها الله من يديه كرامة لها، وهواناً عليه، وخلف عليها عثمان بن عفان. وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوباً وكان الإسلام قد فرق بين زينب وبين أبي العاص حين أسلمت، إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يقدر على أن يفرق بينهما.

قالوا: وكان الذي قدم في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع، وكان الذي أسره عبد الله بن جبير بن النعمان، أخو خوات بن جبير الأنصاري. خرج أبو العاص بن الربيع تاجراً إلى الشام وكان رجلاً مأموناً وكانت معه بضائع لقريش، فأقبل قافلاً، فلقيته سرية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستاقوا عيره وأفلت، وقدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أصابوا، فقسمه بينهم، وأتى أبو العاص فدخل على زينب فاستجار بها، فسألها أن تطلب له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ماله عليه، وما كان معه من أموال الناس. فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السرية فقال لهم: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً ولغيره مما كان معه، وهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا، وإن كرهتم فأنتم وحقكم. فقالوا: بل نرد عليه يا رسول الله. فردوا عليه ما أصابوا، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة، والرجل بالإداوة، والرجل بالحبل، فما تركوا قليلاً أصابوه ولا كثيراً إلا ردوه عليه. ثم قدم مكة، فأدى إلى الناس ما كان معهم من بضائعهم، حتى إذا فرغ قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم معي مال لم أرده عليه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيراً، قد وجدناك وفياً كريماً. فقال: أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوف أن تظنوا بي أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. قالوا في حديث: وأتي بأبي العاص من طريق الشام مربوطاً في قد، فقامت إليه زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زينب، فحلته، وكانت معه بضائع للناس، فقيل له: أسلم يكن لك ما معك، وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين. فقال: لبئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي. فكفلت عنه امرأته أن يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه، ويرجع فيسلم. ففعل، وما فرق بينهما. وقيل: إن أبا العاص لما قدم من الشام، ومعه أموال وتجارات قال أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو استقبلنا هذا الكافر فقتلناه، وأخذنا ماله. فبلغ ذلك زينب بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي امرأته، فأمنته، فاستقبله أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عزلاً. فقالوا: يا أبا العاص، هل لك أن تسلم على ما في يديك من هذه الأموال، فتسود قريشاً، وتكون أكثرهم مالاً؟ قال: ما كنت لأستقبل الإسلام بغدرة، فأتى مكة فدفع إلى كل ذي حق حقه، وأسلم، وهاجر إلى المدينة، فأقاما على نكاحهما. وقيل: إن أبا العاص لما استجار بزينب، خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الصبح، فلما كبر في الصلاة صرخت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص. فلما سلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته قال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم؛ قال: أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على الناس أدناهم. ثم دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على زينب فقال: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يقربنك فإنك لا تحلين له ولا يحل لك. وقيل: إن زينب قالت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا العاص إن قرب فابن عم، وإن بعد فأبو ولد، وإني قد أجرته. فأجاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ابن عباس: رد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينب ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سألت ربي عز وجل أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي، ولا يتزوج إلي أحد من أمتي، إلا كان معي في الجنة، فأعطاني ذلك. وعن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من تزوجت إليه أو تزوج إلي فحرمه على النار أو قال أدخله الجنة. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري.

أبو العالية

توفي أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر الصديق، وأوصى إلى الزبير بن العوام. وقيل: توفي سنة ثلاث عشرة. أبو العالية قال أبو العالية: سهرت مع عمر بن عبد العزيز ليلة فقلت: يا أمير المؤمنين ما يبقي منك تعب النهار وسهر الليل؟ قال: لا تفعل، فإن لقاء الرجال للرجال تلقيح لألبابها. أبو عامر حدث ببيروت عن أبي الدرداء أن رجلاً يقال له حرملة أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: الإيمان ها هنا، وأشار إلى لسانه، والنفاق ها هنا، وأشار إلى قلبه، ولا أذكر الله إلا قليلاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اجعل له لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً، وارزقه حبي وحب من يحبني، وصير أمره إلى خير. قال: يا رسول الله، إنه كان لي صاحب من المنافقين، وكنت رأساً فيهم، أفلا آتيك بهم؟ قال: من أتانا استغفرنا له، ومن أصر على ذنبه فالله أولى به، ولا تخرقن على أحد ستراً. أبو عامر الرحبي الحمصي قال أبو عامر: جلست في حلقة بدمشق فيها واثلة بن الأسقع، صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوقعوا في علي يشتمونه ويتنقصونه، حتى إذا افترقت الحلقة جعلت أتوقع في علي، فقال لي واثلة: أرأيت علياً؟ قلت: لا، قال: لم تقع فيه؟ قلت لأني سمعت هؤلاء يقعون فيه. قال: أفلا أخبرك عن علي؟ قال: أتيت منزله فقرعت الباب، فاستجابت لي فاطمة ابنة رسول

أبو عامر المكي

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: من ذا؟ قلت: واثلة. قالت: وما حاجتك؟ قلت: أردت أبا الحسن. قالت: ارقب؛ الساعة يأتيك. فقعدت. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على علي، فسلمنا فلما دخلا الدار دعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة بمرط فأدخل رأسه تحته، وأدخل رأس فاطمة ورأس علي ورأس الحسن والحسين تحته، ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي ثلاثاً ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " فقلت وأنا من خارج: وأنا من أهلك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأنت من أهلي. والله ما أرجو غيرها. أبو عامر المكي إن لم يكن محمد بن عبيد الله بن أبي صالح، فهو غيره. قال أبو عامر المكي: لقيت غيلان بدمشق مع نفر من قريش فسألوني أن أكلمه. فقلت: اجعل لي عهد الله وميثاقه أن لا تغضب ولا تجحد، ولا تكتم. فقال: ذلك لك. فقلت: نشدتك الله، هل في السموات أو في الأرض شيء قط من خير أو شر لم يشأه الله ولم يعلمه حتى كان؟ قال غيلان: اللهم لا، قلت: فعلم الله بالعباد أكان قبل أو أعمالهم؟ فقال غيلان: بل علمه كان قبل أعمالهم. قلت: فمن أين كان علمه بهم؟ من دار كانوا فيها قبله، جبلهم في تلك الدار غيره، وأخبره الذي جبلهم في الدار عنهم أم من دار جبلهم هو فيها، وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي؟ قال غيلان: بل من دار جبلهم هو فيها، وخلق لهم القلوب التي يهوون بها المعاصي. قلت: فهل كان يجب أن يطيعه جميع خلقه؟ قال غيلان: نعم. قلت: انظر ما تقول. قال: هل معها غيرها؟ قلت: نعم. قلت: فهل كان إبليس يحب أن يعصي الله جميع خلقه؟ قال: فلما عرف الذي أردت؛ سكت فلم يرد علي شيئاً. ثم قال: يا أبا عامر؛ هل لهؤلاء الكلمات من أصل؟ قلت: نعم، أجيك بهن من كتاب الله عز وجل، إن الله خلق جميع خلقه من أربعة أشياء، لم يخلق شيئين من شيء

أبو عابد السلمي

واحد، فجعل الطاعة في اثنين وجعل المعصية في اثنين، فاللذان فيهما الطاعة هي فيهما إلى يوم القيامة، واللذان فيهما المعصية هي فيهما إلى يوم القيامة، إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق البهائم من ماء، وخلق آدم من طين، فجعل الطاعة في الملائكة والبهائم، وجعل المعصية في الجن والإنس. قال غيلان: صدقت. أبو عابد السلمي كان يسكن خارج باب الصغير. قال: مات جار لنا نصراني، فأخذوا في غسله، فبينما هم يغسلونه إذ استوى جالساً فقال: علي بالمسلمين. قال: فأتى الصريخ فجئناه، فإذا به جالس. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ثم مات، فولينا غسله وكفنه والصلاة عليه. أبو عائشة مولى مروان بن الحكم. حدث أبو عائشة أن سعيد بن العاص دعا أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان فسألهما: كيف كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعاً كتكبيره على الجنائز. وصدقه حذيفة. فقال أبو موسى: وكذلك كنت أكبر لأهل البصرة إذ كنت عليهم أميراً.

أبو العباس

أبو العباس إن لم يكن الوليد بن مسلم فلا أدري من هو حدث سنة تسعين ومئة عن إبراهيم بن يحيى عن أبان عن عكرمة مولى بن عباس قال: كنت أنا وعطاء بن أبي رباح وطاوس على مائدة ابن عباس. فوقعت جرادة على المائدة فقال محمد بن علي بن أبي طالب: أخبرني أبي، علي بن أبي طالب أن هذه النقط السود التي في جناح الجرادة كتاب بالسريانية: إني أنا الله، إله العالمين قاصم الجبارين خلقت الجراد، وجعلته جنداً من جنودي، أهلك به من أشاء من عبادي. أبو العباس البيروتي روى عن عقبة بن علقمة بسنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم. وحدث عنه بسنده إلى جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في الدفعتين ثنتيهما كافاً راحلته يقول لمن خلفه: السكينة السكينة. أبو العباس الحنفي: قدم دمشق. حدث بسنده إلى الأصمعي قال: دخلت على العتابي وقد كان المأمون أنزله المخرم فوجدته على بند بلا متكأ وبين يديه كلب رابض، وإناء فيه شراب، وهو يشرب شربة ويلعق الكلب أخرى، فقلت

أبو العباس الوراق الدمشقي

له: رحمك الله، أنت في سنك وعملك ومحلك من أمير المؤمنين تنادم كلباً؟! فقال: دعني منك، إن هذا خلف من قرناء السوء، وهو مع هذا يصبر على قليلي وكثيري، ويحفظني في مغيبي ومشهدي، ويرفع أذاه وأذى غيره قال: فوصفه بصفة حتى تمنى أنه كلب. ثم أنشد فيه شعراً: من الخفيف ونديم كان مهجة النف ... س تخيرته على حالتيه عنده الحلم في المجالس والطا ... عة أكرم به لدى خلتيه وهو دان إذا دنوت وإن غب ... ت رعاني مكانتي حافظيه إن تناولت عرضه أو تقرب ... ت فسيان ذا وهذا لديه أقمر أزرق كأن سراجي ... ن يضيئان في سنا مقلتيه يشرب الكأس إن أمرت وإلا ... لم يكلح بسقطة عطفيه مطرق تارة وأخرى يراعي ... نبوةً للعدو عن جانبيه إن تغيبته أشاح وإلا ... لم يزل ملهياً لها مسمعيه وإذا قمت للصلاة أو الحا ... جة لم أجل عن مدى نابيه فهو خل وصاحب ونديم ... وهو دانٍ إذا دنوت إليه أبو العباس الوراق الدمشقي حدث عن الجنيد قال: سمعت محمد بن أبي الورد يقول: في ارتفاع الغفلة ارتفاع العبودية، ثم الغفلة غفلتان: غفلة رحمة، وغفلة نقمة. فأما التي هي رحمة، فلو كشف الغطاء، وشهد القوم العظمة، ما انقطعوا عن العبودية، ومراعاة السر. وأما التي هي نقمة، فهي الغفلة التي تشغل العبد عن طاعة الله بمعصيته.

أبو عبد الله الأشعري

وحدث أبو العباس عن ابن الجلاء قال: مات أبي فجعلناه على المغتسل، فكشفنا عن وجهه فإذا هو يضحك، وهو ميت. قال: والتبس على الناس أمره، فقالوا: هو حي. فجاءوا بالطيب، وغطينا وجهه، وقلنا خذ مجسه. فأخذ مجسه، فقال: هذا ميت. فكشفنا عن وجهه فرآه الطبيب ضاحكاً، فقال: لا والله ما أدري ميت أو حي!! فكلما جاء إنسان يغسله يهابه، ولا يقدر على غسله. فقام إلينا الفضل بن الحسين وكان من كبار العارفين فغسله وصلى عليه ودفنه. أبو عبد الله الأشعري من أهل دمشق. حدث أبو صالح الأشعري أن أبا عبد الله الأشعري حدثه: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبصر رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده فقال: لو مات هذا على ما هو عليه لمات على غير ملة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتموا الركوع والسجود، فإن مثل الذي يصلي، ولا يتم ركوعه ولا سجوده، مثل الجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين، لا تغنيان عنه شيئاً. قال أبو صالح: فلقيت أبا عبد الله بعد ذلك فقلت: من حدثك بهذا أنه سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: حدثني به أمراء الأجناد: خالد بن الوليد، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص أنهم سمعوه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبو عبد الله الدمشقي حدث عن أكثم بن الجون الخزاعي ثم الكعبي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أكثم بن الجون! اغز مع غير قومك يحسن خلقك، وتكرم على رفقائك. يا أكثم بن الجون! خير الرفقاء أربعة، وخير الطلائع أربعون، وخير السرايا أربع مئة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يؤتى اثنا عشر ألفاً من قلة. يا أكثم بن الجون لا ترافق إلا مئتين.

أبو عبد الله حرسي

أبو عبد الله حرسي كان لعمر بن عبد العزيز. حدث عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني حرسي معاوية أنه قدم على معاوية بطريق من الروم، يعرض عليه جزية الروم عن كل من بأرض الروم من كبير أو صغير جزية دينارين دينلرين، إلا عن رجلين: الملك وابنه، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا. فقال معاوية وهو في كنيسة من كنائس دمشق: لو صببتم لي دنانير جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة، ولا يجزى الملك وابنه؛ ما قبلتها منكم. قال الرومي: لا تماكرني، فإنه لا يماكر أحد مكراً إلا ومعه كذب. فقال معاوية: أراك تمازحني! قال الرومي: إنك اضطررتني إلى ذلك، وغزوتني في البر والبحر، والصيف والشتاء. أما والله يا معاوية لا تغلبونا لا بعدد ولا عدة، ولوددت أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج، ثم خلى بيننا، ورفع عنا وعنكم النصر حتى ترى. قال معاوية: ما له، قاتله الله؟ إنه ليعرف أن النصر من عند الله!! أبو عبد الله مولى لعمر ابن عبد العزيز حدث عن أبي بردة بن أبي موسى أنه حدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممها، ثم يدعى بعيسى، فيذكره الله نعمته عليه، فيقر بها. فيقول " يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك " الآية ثم يقول " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "؟ فينكر أن يكون قال ذلك. فيؤتى بالنصارى فيسألون، فيقولون: نعم هو أمرنا بذلك. قال: فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي

أبو عبد الله أو أبو عبيد الله الجزري

الله مقدار ألف عام، حتى يرفع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار. أبو عبد الله أو أبو عبيد الله الجزري كان من أعوان عمر بن عبد العزيز. حكى عنه قال: بعث إلي عمر بن عبد العزيز، فدفع إلي مالاً أقسمه بالرقة، وكتب إلى وابصة كتاباً يبعث معي بشرط يكفون الناس عني وقال: لا تقسم بينهم إلا على شاطئ نهر جار، فإني أخاف أن يعطشوا. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنك تبعثني إلى قوم لا أعرفهم، وفيهم غني وفقير. فقال: يا هذا، من مد يده إليك فأعطه. قال المصنف: الظاهر أن هذا خطأ، فإن وابصة لم يتأخر موته إلى خلافة عمر بن عبد العزيز. أبو عبد الله الدمشقي قال: أتى رجل الشعبي فقال: دلني على ما أسألك. قال: سل. قال: دلني على طعام حلال آكله، لا يسألني الله عنه يوم القيامة، فيحبسني في الحبس الطويل، ودلني على لباس حلال، أصلي فيه لا يكون لله علي فيه تبعة. فاسترجع الشعبي، وتفكر ساعة، ثم قال للرجل: هذه مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، تريد أن تعمل بما سألت؟ قال: ليس ذا عليك، أجب عما سألتك عنه، ولا تحبسني. فقال الشعبي: انطلق إلى ساحل البحر، فاطلب جزيرة تنبت فيها الحلفاء، فانسج منها جبة والبسها، وصم وصل، فإذا جعت فانطلق إلى ساحل البحر، فتصيد سمكة

أبو عبد الله الدمشقي

بيدك، ولا تصدها بشبكة، فكلها ولا تشوها، فإذا قدمت على الله لم يكن لله عليك فيها تبعة يسألك عنها، فما ألزمك من ذلك فخذ به الشعبي. فانطلق الرجل. وهرب الشعبي من الحجاج، فأخذ يدور في البلاد، فبينا هو بساحل البحر بعد اثنتي عشرة سنة رأى ذلك الرجل عليه مدرعة من حصر، وسمكة موضوعة في الشمس. فقال له الشعبي: أتعرفني؟ قال: نعم. قال: من أنا؟ قال: أنت الذي ترشد الناس، وتضل نفسك. قال: فبكى الشعبي. أبو عبد الله الدمشقي قال أبو عبد الله: قال عيسى بن مريم عليه السلام: الدهر ثلاثة أيام: أمس خلت عظته، واليوم الذي أنت فيه لك، وغداً لا تدري ما يكون. قال: وكان يقول: طوبى لمن كان قيله تذكراً، وصمته تفكراً، ونظره عبراً. أبو عبد الله الدمشقي قال إبراهيم بن أدهم: من دعا لمن ظلمه فرق الشيطان من ظله، ومن أحسن لمن أساء إليه، فبه تقوم الأرض، ومن كان ذا عز وتواضع فقد علم عظمة الله. وفي حديث: فقد عظم عظمة الله. أبو عبد الله بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الهاشمي كان بأرض البلقاء، وكان عابداً مجتهداً، زاهداً ليست له زوجة ولا ولد ولا مملوك. وأمه امرأة من تميم، فكان ينسب إلى بني تميم. فسعي به إلى إبراهيم بن صالح وهو على

أبو عبد الله الراهبي

الشام للمهدي فرفع إليه، فشده في الحديد، ووجه به إلى المهدي، فلما وقف بين يديه، قال له: من بني تميم؟ قال: نعم. قال: أين تسكن؟ قال: البلقاء. قال: أين منها؟ قال: الربة قال: ما لك وللربة؟ فما هي سهلة الموطئ، ولا طيبة المشتى. قال: إن كانت كذلك فإنها كما قال زهير: من الطويل على مكثريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل قال: والله، لقد مجتهم بخير وماجوك بشر. فقال: لا أحب أن أكافئ بالإساءة إلا إحساناً. قال: فما معاشك؟ قال: من الطويل نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع قال: قد أمرت لك بعشرة آلاف. قال: تكون في موضعها إلى أن أحتاج إليها. قال له عمر بن بزيع: إني لأحسبك ممن يسعى في الأرض فساداً. قال: على من يسعى بالفساد في الأرض لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقال المهدي لعمر: إياك يعني. ثم أطلقه، فأقام بالربة حتى هلك. أبو عبد الله الراهبي من أهل الراهب، محلة كانت خارج دمشق قبلي مصلى العيد. أحد الزهاد. سمع يقول: ما أخلص عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف. ومن أدخل فضلاً من الطعام، أخرج فضولاً من الكلام.

أبو عبد الله البصري

أبو عبد الله البصري قال أبو الحسن بن أبي رجاء: سألت أبا عبد الله البصري الذي كان ينزل مسجد مقرى. قال: قلت: مسألة؟ قال: سل. قلت: متى يخرج حب الدنيا من قلب العبد؟ قال: إذا ترك خدمة أهلها. أبو عبد الله الفيحي أو الفتحي قال: سمعت أحمد بن عاصم الأنطاكي يقول: تكلمت بشيء من الحكمة بين يدي هذا العمود الحجر، فقطر هذا العمود دماءً وقال: خرجنا أيام البصري إلى دير مران، ومعنا جماعة، منهم رجل في كمه محبرة، فتكلم رجل منا بشيء من الحكمة فصاحت المحبرة في كم الرجل صياحاً عالياً، وانفلقت. أبو عبد الله البرزي كان من برزة، من الغوطة، وكان يصوم الاثنين والخميس، وكان أعور، وبلغ سنه ثمانين سنة أو جاوزها. قال أبو سليمان بن زبر: يا أبا عبد الله، أي شيء كان سبب ذهاب عينك؟ فقال: أمر عجيب معجز. فقلت: حدثني به، فامتنع شهوراً، وأنا أسأله، إلى أن حدثني قال: جاءني إلى برزة، إلى بيتي رجلان من الحواة فدفعا إلي ثمن غرارة قمح، فاشتريت لهما، وطحنت، وقالا لي: اعجن لنا كل يوم ربع دقيق، وأنفق علينا كل يوم خمسة دراهم في لحم وشيءٍ حلو، ودفعا إلي خمسين

درهماً، ووهبا لي خمسين درهماً، وأقاما عندي جمعة، ثم قالا لي: في قرية برزة واد؟ فقلت: نعم. فأريتهما إياه بالنهار، فوقفا عليه، ثم خرجا إليه نصف الليل، وأنا معهما، ونزلا إلى قعره، ومشيا فيه نحو نصفه. وكان معهما دابة محملة، فحطا عنها، وأخرجا خمس مجامر، وأوقدا فيها ناراً، وجعلا في الخمس مجامر بخوراً كثيراً، حتى عجعج الوادي بالدخان، وأقبلا يعزمان، والحيات تقبل إليهما من كل مكان، فلا يعرضان لحية منها، إلى أن جاءت إليهما حية نحو ذراع، أو أطول قليلاً، وعيناها توقدان مثل الدينار، فلما رأياها فرحا واستبشرا وسرا سروراً عظيماً وقالا: من أجل هذه الحية جئنا من خراسان نسير نحو سنة فالحمد لله الذي لم يخيب سفرنا ونفقتنا. ثم قبضا الحية، وكسرا المجامر، وأخذا ميلاً فأدخلاه في عين الحية، واكتحلا به، فلما رأيتهما فعلا ذلك، قلت لهما: اكحلاني كما اكتحلتما. فقالا لي: ما يصلح لك. قلت: لا بد من ذلك. قالا: يا هذا، ما لك فائدة فيه. قلت: والله ما أزايلكما أو تكحلاني منها. فقالا: يا هذا، إنا قد مالحناك، ووجب حقك علينا، وقد أنفقنا في منزلك، وأعطيناك خمسين درهماً، وما نشتهي أن يقع بيننا وبينك شر وخصومة فيما لا فائدة لك فيه. فقلت: لئن لم تكحلاني لأصرخن بالوادي حتى يخرج فيأخذ كل ما معكما وينهبكما. فلما لم يريا لهما مني مخلصاً قالا: فنكحل عينك الواحدة. فرضيت، فكحلا عيني اليمنى، فحين وقع ذلك في عيني؛ نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة، أنظر ما تحتها كما توري المرآة ثم قالا لي: سر معنا قليلاً. فسرت حتى بعدنا عن القرية، فكتفاني وأدخل أحدهما يده في عيني فقلعها، ورمى بها، وتركاني مكتفاً، ومضيا، فلم أزل مكتفاً إلى الصبح، حتى جاءني نفر من الناس فحلوني. فهذا ما كان من خبر عيني.

أبو عبد رب

أبو عبد رب ويقال أبو عبد رب العزة، ويقال: أبو عبد ربه عبد الجبار ويقال: قسطنطين، ويقال: عبد الرحمن بن عبد الله، ويقال: ابن أبي عبد الله مولى ابن غيلان الثقفي، ويقال: مولى بني عذرة، الزاهد حدث عن معاوية أنه قال على المنبر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله. وفي حديث: إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله. كان أبو عبد رب يشتري الرقاب فيعتقها، فاشترى يوماً عجوزاً رومية فأعتقها، فقالت له: إيه، لا أدري أين آوي؟! فبعث بها إلى منزله، فلما انصرف من المسجد أتى بالعشاء فدعاها، وأكل، ثم راطنوها فإذا هي أمه، فسألها الإسلام فأبت. فكان يبلغ من برها ما يبلغ، فأتى يوماً بعد العصر، يوم الجمعة، فأخبر أنها أسلمت، فخر ساجداً حتى غربت الشمس. قال أبو عبد رب لمكحول: يا أبا عبد الله، تحب الجنة؟ قال: ومن لا يحب الجنة؟ قال: فأحب الموت، فإنك لن تدخل الجنة حتى تموت. قال أبو عبد رب الزاهد: لو أن بردى سالت ذهباً وفضة ما أتيتها لآخذ منها شيئاً، ولو قيل لي من احتضن هذا العمود مات، لقمت إليه واحتضنته. وفي رواية زاد: شوقاً إلى الله وإلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال سعيد بن عبد العزيز: ونحن نعلم أنه صادق.

كان أبو عبد رب من أكثر أهل دمشق مالاً، فخرج إلى أذربيجان في تجارة له، فأمسى إلى جانب نهر ومرعى، فنزل به، قال: فسمعت صوتاً في ناحية من المرج يكثر حمد الله، فاتبعته، فرأيت رجلاً ملفوفاً في حصير، فسلمت عليه، وقلت: من أنت؟ قال: رجل من المسلمين. قلت: فما حالك هذه؟ قال: نعمة يجب علي حمد الله عليها. قلت: وكيف، وإنما أنت في حصير؟! قال: ومالي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني، وستر عني ما أكره، فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه؟ قلت: إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل، فإنا نزول على النهر ها هنا. قال: ولم؟ قلت: لتصيب من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير. قال: ما لي فيه حاجة، وإن لي في العشب كفاية وغنى قال: فأردته على أن يتبعني فأبى. قال أبو عبد رب: فانصرفت. وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها أن لم أخلف بدمشق رجلاً في الغنى يكاثرني، وأني ألتمس الزيادة في ذلك؟! اللهم، إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه. قال: فبت، ولا يعلم أعواني بالذي أجمعت عليه، فلما كان السحر رحلوا كنحو رحيلهم فيما مضى، وقدموا دابتي فصرفتها إلى دمشق، وقلت: ما أنا بصادق التوبة إن أنا مضيت إلى منزلي. فسألني القوم فأخبرتهم، وعاتبوني على المضي فأبيت. فلما قدم تصدق بصامت ماله، وجهز في سبيل الله. قال ابن جابر: فحدثني بعض إخواني قال: ما كست رجلاً في ثمن عباءة بدانق، أعطيته ستة وهو يسأل سبعة. فلما أكثرت قال لي: ممن أنت؟ قلت من دمشق. قال: تشبه شيخاً وقف علي بالأمس، يقال له أبو عبد رب، اشترى مني سبع مائة كساء بسبعة سبعة، فما سألني أن أضع له درهماً، وبعث أعواني يحملونها له، فما زال يفرقها بين الفقراء، فما وصل إلى منزله إلا بكساء. قالوا: وتصدق بكل ماله إلا داراً له بدمشق.

أبو عبد الرحمن

قال ابن جابر: فوافيته يوماً، فسلمت عليه، فقال: يا طويل، إني أريد أن أستشيرك. قلت: اذكر. قال: خرجت من مالي، ولم يبق إلا داري هذه، وأعطيت بها كذا وكذا ألفاً، فما ترى؟ قلت: ما أدري ما بقي من عمرك، وأخاف أن تحتاج إلى الناس، وفي غلتها قوام لمعيشتك، وتسكن في طائفة منها، فتسترك وتغنيك عن منازل الناس. قال: وإن هذا لرأيك؟ قلت: نعم. قال: أصابك المثل. قلت: ما هو؟ قال: لا يخطئك من طويل حمق، أو قرحة في رجله، أفبالفقر تخوفني؟ فباعها بمال عظيم، وفرقه. فكان ذلك مع موته. فما وجدنا من ثمنها إلا قدر ثمن الكفن. مات أبو عبد رب في خلافة هشام بن عبد الملك، قبل قتل الجراح بن عبد الله. أبو عبد الرحمن روى عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عز وجل " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " قال: على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس. أبو عبد الرحمن شيخ من أهل دمشق من خيار المسلمين. قال: ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدينة دمشق فقال: هي فسطاط المؤمنين، وإليها ينحاز الأجناد الأربعة، ليقتسمن أفنيتها اقتسام اللحم.

أبو عبد الرحمن الهمذاني

أبو عبد الرحمن الهمذاني من أهل جبيل روى عن أبي عبيدة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ " قل هو الله أحد " في يوم مئة مرة، كتب عمله يومئذ عمل نبي، وكتب له بكل ثلاث منها عدل قراءة القرآن، وبني له بكل عشر منها برج في الجنة والبرج قصر وكتب له بكل حرف منها عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات في الجنة. وهي محضرة للملائكة، منفرة للشيطان، وهي صفة الله ومعرفته. أبو عبد الرحمن الأزدي ويقال له: الأسدي قال أبو عبد الرحمن: كنت أدور على حائط بيروت، فمررت برجل مدلي الرجلين في البحر وهو يكبر، فاتكأت على شرافة إلى جنبه، فقلت: يا شاب، مالك جالساً وحدك؟ قال: يا فتى، لا تقل إلا حقاً، ما كنت قط وحدي مذ ولدتني أمي، إن معي ربي حيثما كنت، ومعي ملكان يحفظان علي، وشيطان ما يفارقني، فإذا عرضت لي حاجة إلى ربي سألته إياها بقلبي، ولم أسأله بلساني، فجاءني بها.

أبو عبد الرحمن الأسدي

أبو عبد الرحمن الأسدي أظنه الأزدي المذكور قبله. قال: كنت آخذ بيد سعيد بن عبد العزيز كل اثنين وكل خميس، نأتي المقابر، فقلت له: يا عم، ماهذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة، وأي شيء هذا؟ قال: وما سؤالك عن هذا يا بن أخي؟ قلت: لعل الله أن ينفعني. فقال لي: ما قمت في صلاة قط إلا مثلت لي جهنم. أبو عبد الرحيم الدمشقي حدث عن مكحول، قال: بينا سليمان بن داود على بساط من شعر، وأصحابه حوله، إذا مرت الريح فاستقبلته، وصارت الإنس والجن أمامه، والطير تظله، وإذا حراث يحرث على جانب الطريق. فقال الحراث: لو أن سليمان بن داود عندي؛ كلمته بثلاث كلمات. فأوحى الله إلى سليمان أن ائت الحراث. فركب على فرس له، وأتاه، وقال: يا حراث، أنا سليمان فقل ما أردت أن تقول. قال: وما علمك أني أردت أن أقول؟ قال: الله أعلمني. قال: أشهد له بذلك. قال: إني رأيتك فيما أنت فيه فقلت: والله، ما سليمان في لذة لذها أمس ولا نعيم نعمه؛ وأنا في تعب تعبته أمس وفي نصب نصبته إلا سواء. لا سليمان يجد لذة ما مضى، ولا أنا أجد تعب ما مضى. قال: وأخرى قلتها. قال: وما هي؟ قلت: سليمان يموت وأنا أموت. قال: صدقت. قال: يا سليمان، لكني قلت كلمة طابت بها نفسي، قلت: سليمان يسأل غداً عما أعطي وأنا لا أسأل. قال: فخر سليمان ساجداً عن فرسه يبكي وهو يقول: يا رب، لولا أنك جواد لا تبخل؛ لسألتك أن تنزع مني ما أعطيتني. فأوحى الله إليه: يا سليمان، ارفع رأسك، فإني لم أنعم على عبد لي نعمة، فتكون تلك النعمة رضى، فأحاسبه عليها.

أبو عبيد بن أبي عمرو

أبو عبيد بن أبي عمرو حاجب سليمان بن عبد الملك، ومولاه. اختلف في اسمه. حدث عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من سبح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثا ًوثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين، وختم المئة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وفي رواية: ولو كانت أكثر من زبد البحر. أبو عثمان بن سنة الخزاعي روى عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه، وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل. فلم يحضر منهم أحد غيري. قال: فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطاً، ثم أمرني أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب، ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، وفرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الفجر، فانطلق فتبرز، ثم أتاني؛ فقال: ما فعل الرهط؟ قلت: هم أولئك يا رسول الله. فأعطاهم روثاً وعظماً زاداً، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث. وروى ابن سنة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن العلم بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ. هذا مرسل. كان أبو عثمان بن سنة قد لحق بعلي بن أبي طالب في الذين خرجوا إليه من أهل الشام، فكان يخصهم بمجلسه في حديثه دون أهل العراق. قال: فجاءنا يوماً وهو يحدثنا فقال: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية التي قال الله جل ثناؤه فيها: " إن شر الدواب عند

أبو عثمان

الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون " إلى قوله: " لعلهم يذكرون " ثم قال: إن هذه الآية في فلان وأصحابٍ له. أبو عثمان الأوقص دمشقي. حدث عن الأزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تزالون تقاتلون الكفار، حتى تقاتلوا قوماً صغار الأعين، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة. وعن أبي عثمان الدمشقي قال: أوحى الله إلى موسى بن عمران: يا موسى فبوجهي حلفت لا تدركني الأبصار، وأنا أدرك الأبصار، وأعلم أعمال العباد بالليل والنهار، ما آمنت بي خليقة إلا توكلت علي توكلها على الوالد الرحيم، بل هي بي أوثق، وبما عندي أطمع، فأعرف ما أقول لك أو دع، إني لك ناصح، وعليك مشفق، يا موسى! ضع الكلام مني إليك موضع الكلام من الوالدة الرحيمة، وكن لأمري مطيعاً، وأطلعني من نفسك على الرضا، ليكون أرضى لي عندك، ولا تطع كل مداهن غرور، واعلم بأن الدنيا دار تعز للظالمين. أبو عثمان حدث أبو عثمان عن شيخ يسمى عطية كان قد بلغ مئة سنة قال: رأيت ابن الزبير على جذع مصلوباً، وامرأة تحمل في محفة، حتى صارت إليه، فقال الناس: هذه

أمه. فرأيتها مسفرة الوجه مبتسمة، فجاء الحجاج فأحدره لها، وقال: يا أسم، إني وإياه استبقنا إلى هذا الجذع، فسبقني هو إليه. 53 - أبو عثمان النصيبي من أهل التصوف، قدم دمشق في سياحة. قال أبو إسحاق إبراهيم: كنت مجاوراً بمكة، فوقف علي أبو عثمان النصيبي فقال: يا فقير، أيما أحب إليك، أرفقك أو أحكي إليك حكاية؟ فقلت: بل حكاية. قال: كنت سائراً ببلاد دمشق، وعلي خرقتان: واحدة في وسطي، وأخرى على كتفي، فانتهيت إلى دير مران، والثلج يسقط مثل الورق، فاطلع إلي راهب من غرفة، وقد لويت عن باب الدير، فقال: بحق من خرجت من أجله إلا عدلت إلى الدير. فرجعت، فاستقبلني وأخذ بيدي، وصعدنا إلى غرفة حسنة الآلة، فأقمت عنده ثلاثاً في حسن عشرة، واستحسنته فقلت: يا راهب، أراك عاقلاً، فكيف أقمت على النصرانية؟ فقال: قد قرأت المسطور يعني القرآن ولو قضي شيء لكان. وهمت بالمسير، فرام وقوفي. فقلت: قال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الضيف ثلاثة، فما زاد فهو صدقة. فقال: صدق نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن من الضيف على صاحب البيت؟ فقلت: أراك أديباً، أسألك عن شيء؟ فقال: قل. قلت: ما صفة المحبة؟ فقال: المحبة لا صفة لها، ولكن إن أردت أن أصف لك شيئاً من أدب المحبة؟ فقلت: قل. قال: أدناه أن لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء. ونهضت فقام معي، ونزلنا إلى صحن الدير، وإذا باب مردود فقال: ادفعه. فدفعته، فإذا إنسان حسن الخلق في عنقه سلسلة مشدودة إلى السقف تمنعه من الجلوس، فقلت: ما هذا؟ فقال: كلمه. فقلت: ما اسمك يا فتى؟ قال: عبد المسيح. فقلت: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: عبد المسيح. فقلت: وما تؤلمك هذه السلسلة؟ فقال: عبد المسيح. فقلت للراهب: ما هذا؟ فقال: هذا العيان، وذاك الخبر. أو كما قال.

أبو عذبة

أبو عذبة أظنه عمرو بن سليم الحضرمي. ويقال: هو الحارث بن معاوية الحمصي. قال أبو عذبة الحمصي: قدمت على عمر بن الخطاب رابع أربعة من الشام، ونحن حجاج، فبينا نحن عنده أتاه آت من بلاد العراق، وأخبره أنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عمر عوضهم به مكان إمام كان قبله، فحصبوه. فخرج إلى الصلاة مغضباً، فسها في صلاته، ثم أقبل على الناس، فقال: من ها هنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي. فقال: يا أهل الشام، تجهزوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، ثم قال: اللهم إنهم قد لبسوا علي فلبس عليهم، وعجل لهم الغلام الثقفي، يحكم فيهم بحكم الجاهلية، ولا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. وعن أبي عذبة قال: أوشك بالرجل أن يأتي قبر حميمه فيتمعك عليه فيقول: يا ليتني كنت مكانك، فقد نجوت. قيل: عم ذلك؟ فقال: تدعون إلى ناحية عدو، فبينا أنتم كذلك إذ دعيتم من كل ناحية إلى عدو، فلا تدرون أي عدوكم تبغون، فيومئذ يكون ذلك. عذبة: بعين مفتوحة، وذال معجمة، وباء موحدة.

أبو العذراء

أبو العذراء حدث أبو العذراء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أحلو الله يغفر لكم ". أي أسلموا لله يغفر لكم. أبو العريان المخزومي كان أبو العريان بباب معاوية بعد دعوة زياد بأيام، فأقبل زياد ليدخل على معاوية، فلما رآه الناس تحسسوا له. فقال أبو العريان وكان مكفوف البصر: من هذا؟ قالوا زياد بن أبي سفيان. فقال أبو العريان: ومتى كان زياد ابن أبي سفيان؟! ما أعرف له ابناً يقال له زياد، أما والله، لرب وضيع قد رفعه الله. ونمي الكلام إلى معاوية فقال لزياد: اقطع عنك لسان أعمى بني مخزوم. فبعث إليه زياد بمال فقال: وصل الله ابن عمي، وجزاه خيراً. فمر به زياد في الغد وهو يتكلم، وتحسحس له الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: زياد. قال: أما والله قد عرفت حزم أبي سفيان في منطقه. ونمى الحديث إلى معاوية، فكتب إليه: من البسيط ما لبثتك الدنانير التي رشيت ... أن لونتك أبا العريان ألوانا أمسى زياد أصيلاً في أرومته ... وما عرفت له الحق الذي كانا لله در زياد لو تجعلها ... كانت له دون ما يخشاه قربانا فكتب إليه أبو العريان: من البسيط أما زياد فلم أظلمه نسبته ... وما أردت بما حاولت بهتانا

أبو عفير الدؤلي

أبو عفير الدؤلي شاعر. كان عند عبد الملك بن مروان، فدخل أبو الأسود الدؤلي وكان أحول، دميماً قبيح المنظر فقال له عبد الملك يمازحه: يا أبا الأسود، لو علقت عليك عوذة تدفع عنك العين، فقال: إن لك جواباً يا أمير المؤمنين، وأنشد: من البسيط أفنى الجديد الذي جاريت جدته ... كر الجديدين من آت ومنطق لم يتركا لي في طول اختلافهما ... شيئاً أخاف عليه لذعة الحريق ولئن كانت أبلتني السنون، وأسرعت إلي المنون، لما أبليت ذلك إلا في موضعه، وكنت يوم كنت فيه إلى الآنسات البيض أشهى منك إليهن في يومك هذا؛ على عجبك بنفسك، وإني اليوم لكما قال امرؤ القيس: من البسيط أراهن لا يحببن من قل ماله ... ولا من رأين الشيب فيه قوسا ولقد كنت كما قال: من الطويل يرعن إلى صوتي إذا ما سمعنه ... كما ترعوي عيظ إلى صوت أعيسا فقال له عبد الملك: قاتلك الله من شيخ ما أعظم همتك! عيظ: جمع عيظاء، الناقة الطويلة العنق. والأعيس: فحل أبيض تعلوه الشقرة.

أبو عقيل المبتلي

أبو عقيل المبتلي أحد الصالحين قال أبو عقيل: مبتدأ وراثة العابدين الفكر، ثم ورثوا من الفكر العبر، ثم ورثوا من العبر الصبر، ثم ورثوا من الصبر العمل، ثم ورثوا من العمل الانتفاع، وجاءتهم الجوائز من رب العالمين بعد ما ألفت قيام الليل. أبو علقمة بن أبي كبير الأسلمي قال أبو علقمة: لما خلص الأمر إلى عبد الملك بن مروان، بعث إلي فقال: هل أخبرك كعب الأحبار فإنه كان يخصك، ويسر إليك لمن هذا الأمر بعدي؟ فقلت: سمعته يقول: تكون الأعماق على يد الواحد والعشرين خليفة من بعدك. أبو علقمة النميري المضحك انقطع إلى أبي علقمة غلام يخدمه، فأراد أبو علقمة البكور في حوائجه، فقال له: يا غلام، أصقعت العتاريف؟ فقال له الغلام: زقفيلم. قال أبو علقمة: وما زقفيلم؟ قال: وما العتاريف؟ قال: الديوك. قال: ما صاح منها شيء بعد. جاء أبو علقمة الأعرابي إلى الحجام، فقال له: تحجمني؟ قال: نعم. قال: اشدد قضم المحاجم، وازنج ولا تربج، أجعل طعنك وخزاً، ومصك حفزاً، ولا تكرهن أبياً،

أبو علقمة أو أبو علي البيروتي

ولا تردن أتياً. فقال الحجام، قد أتى علي خمسون سنة لم أقاتل في الهرب. يعني: في الحرب. أتى أبو علقمة أبا زلازل الحذاء فقال: يا حذاء احذ لي هذا النعل. فقال: وكيف تريد أن أحذوها لك؟ قال: خصر نطاقها، وغضف معقبها، وأقب مقدمها، وعرج ونية الذؤابة بخزم دون بلوغ الرصاف وأنحل مخازمها، وأوشك في العمل. فقام أبو زلازل فتأبط متاعه، فقال أبو علقمة: إلى أين؟ قال: إلى ابن القرية ليفسر لي كلامك. أبو علقمة أو أبو علي البيروتي قال أبو علي البيروتي: شارط إبراهيم رجلاً على شيء يعمل في الأرض، فعمل أياماً، وأتاه صاحب الأرض فقال: أفسدت علي أرضي. قال إبراهيم: ما أفسدت عليك أكثر أم كرائي؟ قال: الكراء. قال: فأطرح لك من الكراء بقدر

أبو علي بن أبي التائب

ما أفسدت عليك. فقال الرجل: نعم. فولى إبراهيم، فقيل للرجل: هذا إبراهيم بن أدهم فأتاه فقال: خذ كراءك وافياً، وأجعلك في حل مما أفسدت أرضي. فقال إبراهيم: لا حاجة لي في الكراء، المسلمون عند شروطهم. قال أبو علي البيروتي: أهديت إلى إبراهيم هدية، فلم يكن عنده شيء يكافئه، فنزع فروة فجعلها في الطبق وبعث بها إليه. أبو علي بن أبي التائب قال أبو علي أنشدني سليم بن منصور بن عمار: من مجزوء الرمل أذكر الموت ولا تن ... س حلول القبر وحدك ورجوع القوم لما ... ألصقوا بالترب خدك أنت في لحدك إذ لا ... بد أن تسكن لحدك فأطع إن شئت أو فاع ... ص إذا ما شئت جهدك لك عند الله ذي العز ... م كما لله عندك أبو علي بن أبي السمراء الأطرابلسي الضرير، الشاعر. قال أحمد بن عمرو الرومي: أنشدت أبا علي بن أبي السمراء شعراً فقال: قد عارضته، وأنشد من المنسرح عجبت من عصبة نمت وسمت ... باسم التقى والنهى وهم جهله وساوس النفس علمهم ولهم ... مقالة في الحلول مفتعله تصوف القوم كي يبلغهم ... لباسهم ما تبلغ المسله

أبو علي بن أبي موسى المعدل

لو أن ما هم عليه عن رغة ... ما جعل القوم زيهم مثله لقد تأتى لهم بزيهمو ... من الورى ما تعاطى القتله إذا تأملتهم رأيتهمو ... نوكى كسالى أذلة أكله أبو علي بن أبي موسى المعدل قال أبو علي: كنت بمصر فقال بعض أصحابنا: يا أبا علي ها هنا حكاية عجيبة، قم حتى تسمعها من أحمد بن طاهر القزاز. فجئنا إليه، وسألوه أن يحكي لي حكاية أبي شعيب المقفع فقال: هذا سوقي، أيش أذكر له؟ فقيل له: احكها له، فقال: نعم، كان لنا بمصر بيت ضيافة، فجاءنا فقير يكنى بأبي سليمان، فقال: الضيافة. فأقام عندنا سبعة أيام، أكل فيها ثلاث أكلات، كل ثلاثة أيام أكلة، فسمته المقام عندنا فأبى وقال: أريد الثغر. فسألته أن لا يقطع أخباره عني، فغاب اثنتي عشرة سنة، وقدم، فقلت له: لم لم تكتب إلي؟ فقال: لم أبلغ الثغر، كنت في الرملة، فرأيت فيها شيخاً يقال له أبو شعيب؛ مبتلى، فخدمته سنة، فوقع لي أن أسأله، عن سبب بلائه، فدنوت منه، فابتدأني وقال: وما سؤالك عما لا يعنيك؟ فصبرت سنة أخرى وتقدمت إليه لأسأله، فقال لي في الثالثة: ولا بد لك؟ فقلت: إن رأيت. قال: نعم، بينا أنا أصلي بالليل في محرابي، حتى بدا لي من المحراب نور شعشعاني كاد أن يخطف بصري. فقلت: اخسأ يا ملعون، فإن ربي أجل وأعز من أن يبرز للخلق. ثم صبرت برهة، فبدا لي نور فقلت مثل ذلك، ثم بدا في الثالثة نور أشد مما بدا، فقلت: إخسأ يا ملعون. فلو برزت السماوات والأرضون والعرش والكرسي كان ربي أجل وأعز من أن يبرز للخلق. قال: ثم سمعت نداءً ملكياً من المحراب: يا أبا شعيب. قلت: لبيك، لبيك، لبيك، فقال: تحب أن أقبضك في وقتك هذا، ونجازيك على ما مضى لك؟ أو نبتليك ببلاء نرفعك به في عليين. فسكت سكتة ثم قال: بلاؤك، بلاؤك، بلاؤك. فسقطت عيني ويدي ورجلي. قال: فمكثت أخدمه اثنتي عشرة سنة. فقال لي يوماً، وكأن عينيه سكرجتان: ترى ما أرى؟ قلت: لا. قال: فتسمع ما أسمع؟ قلت: لا. قال: ادن مني. فدنوت منه، فسمعت أعضاءه تخاطب بعضها بعضاً

أبو علي القيسراني

يقول العضو لما يليه: ابرز منه. حتى برزت أعضاؤه كلها بين يديه صبة واحدة تسبح الله تعالى، وتقدمنا. فلولا أنه قد مات ماحدثتكم به. أبو علي القيسراني أحد الصلحاء كان مقيماً بأكواخ بانياس، قال ابن طبينة: اشتقت إلى أبي علي القيسراني. وكان صديقاً لي، ولي مدة ما زرته، وكان بالأكواخ فقلت: أزوره وأتبرك به، وآخذ له معي شيئاً أتحفه به فوقع في نفسي رطب فأخذت له سلاً، وسرت إليه، فلما وصلت قرعت الباب فقال: فلان. فعجبت من ذلك، وقلت: نعم. فقال: جئت لي معك الرطب؟ قلت: نعم. قال: ادخل. فلما سلمت عليه وقبلت بين عينيه، قلت: أعلمني هذه القصة، كيف هيه؟ فقال: عرض في نفسي شهوة الرطب من سنين عدة واستحييت من الله أن أسأل في ذلك أو ينطق به لساني فرأيت البارحة في منامي هاتفاً يقول: غداً يجيئك الرطب على يد فلان ولم لا تسألنا فيه؟ فانتبهت وصليت ركعتين ثم عدت إلى مضجعي، فرأيت ذلك ثانياً فانتبهت وصليت صلاة الغداة، فلما كان وقتي هذا؛ لم يقرع الباب أحد غيرك. وأمرنا أن ينكت على الأرض فأكلت معه منه، وأقمت عنده ثلاثاً. أبو عمارة الصوري من شعره من الخفيف يا ثقيلاٌ لو كان في حسناتي ... وجميع الأنام في سيئاتي لا ستقل الذنوب بل كسر ال ... ميزان من ثقله على الكفات

أبو عمران الطبري

أبو عمران الطبري أحد شيوخ الصوفية. قال أبو عمران: سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول: سمعت ذا النون بن إبراهيم الإخميمي يقول: أفضل الأعمال أربعة: الحلم عند الغضب، والسخاوة في القلة، والورع في الخلوة، وصدق القول عند من تخافه أو ترجوه. سأل بعض الفقراء أبا عمران فقال: فقير عقد على نفسه عقداً ثم يستقبله العلم بما هو أولى؟ قال: لا يرجع في عقده. قال الله تعالى: " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ". قال السلمي: توفي سنة أربع وعشرين وثلاث مئة. أبو عمر شيخ ببيروت حدث عن أبي الدرداء أن رجلاً يقال له حرملة أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: الإيمان ها هنا. وأشار بيده إلى لسانه، والنفاق ها هنا. وأشار بيده إلى قلبه، ولا نذكر الله إلا قليلاً. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، اجعل لسانه ذاكراً، وقلبه شاكراً، وارزقه حبي وحب من يحبني، وصير أمره إلى خير. فقال: يا رسول الله، إنه كان لي أصحاب من المنافقين، وكنت رأساً فيهم، أفلا أنبئك بهم؟ قال: من أتانا استغفرنا له، ومن أصر على ذنبه فالله أولى به، ولا تخرقن على أحد ستراً. وحدث عن معاذ بن جبل قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب؛ فيتهافت، يقرؤونه لايجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، أن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا؛ إنا لا نشرك بالله شيئاً.

أبو عمر الدمشقي

أبو عمر الدمشقي حدث عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم كان المرسلون؟ قال: كانوا ثلاث مئة وخمسة عشر؛ جماً غفيراً. قال: قلت: يا رسول الله آدم نبي كان؟ قال: نعم، نبياً مكلماً. قال: قلت: يا نبي الله، أي ما أنزل عليك أعظم؟ قال: " الله لا إله إلا هو الحي القيوم ". وفي آخر بسنده عن أبي ذر قال: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد، فجلست، فقال: يا أبا ذر، هل صليت؟ قلت: لا. قال: قم فصل. قال: فقمت فصليت، ثم جلست، قال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن قال: قلت: يا رسول الله، وللإنس شياطين؟ قال: نعم. قلت: يا رسول الله، الصلاة؟ قال: خير موضوع، من شاء أقل ومن شاء أكثر. قال: قلت: يا رسول الله، فالصوم؟ قال: فرض مجزئ، وعند الله مزيد. قلت: يا رسول الله، فالصدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة. قلت: يا رسول الله، فأيها أفضل؟ قال: جهد من مقل أو سر إلى فقير. قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قلت: ونبي كان؟ قال: نعم، نبي مكلم الحديث. أبو عمر الدمشقي قال: بلغني رجلاً أتى أبا ذر وهو بالربدة فقال: أنت أبو ذر؟ قال: نعم. قال: أنت جندب بن السكن؟ قال: نعم. قال: أنت تسب عثمان؟ قال: رحم الله عثمان، لا تقل في عثمان إلا خيراً. قال: أما والله ما طردك ولا نفاك إلا ولك خربات وبدعات وعورات. قال: فنظر إليه أبو ذر فقال: يا هذا، إن بيني وبين الجنة عقيبة،

أبو عمر الدمشقي

فإن أنا جزتها فوالله ما أبالي بقولك، وإن هو قصر بي دونها، فأنا أهل لما هو أشد مما قلت لي. أبو عمر الدمشقي أحد مشايخ الصوفية. كان يقول بالشواهد والصفات، وهذا مذهب لأهل الشام، ربما تكلموا بأشياء تدق في مسائل الأرواح وغيرها. قال: وهذا مكذوب على أبي عمر، لأنه أحد مشايخهم العالمين، وقد رد على الحلولية وأصحاب الشواهد والصفات مقالاتهم، وكان عالماً بعلوم الحقائق، ورد على من تكلم في قدم الأرواح والشواهد. قال أبو الفضل العباس: كان أبو عمر الصوفي يبايت أصحابنا وهو حدث على السماع، فلما كان في بعض الليالي اضطرب وخنق نفسه وأزبد ومات. فجلسنا حوله لا نعلم ما نعمل من أمره، فقال بعضنا لبعض: قطعوه إرباً إرباً ويخرج بكل قطعة منه رجل يرمي به في نهر. ثم تنفس وجلس، فقلنا له: ما شأنك؟ فقال: التوبة، إني كنت أحضر معكم وأستهزىء بما يجري من أصحابنا من الوجد، فلما قام أصحابنا الليلة، جرى في قلبي ذلك الإستهزاء، فإذا بأسود بشيع الخلقة، ومعه حربة من نار فأهوى إلي بها وقال: أتهزأ بأولياء الله؟ ثم لا أدري ما كان مني حتى الساعة، فأنا تائب إلى الله مما سلف. وهذا كان مبدأ حديث أبي عمر، ثم علا حتى صار أحد أئمة القوم. سئل أبو عمر الدمشقي: أي الخلق أعجز؟ قال: من عجز عن سياسة نفسه. قلت: أي الخلق أقوى؟ قال: من قوي على مخالفة هواه. قلت: أي الخلق أعقل؟ قال: من ترك المكونات وأقبل على مكونها. وقال أبو عمر لرجل يوصيه في سفر يريد أن يخرج إليه: يا أخي، لا تصحب غير الله، فإنه الذي يكفيك المهمات، ويشكرك على الحسنات، ويستر عليك السيئات ولا يفارقك في خطوة من الخطوات.

أبو عمرو

قال أبو عمر الدمشقي: سئل أبو عمر عن الزهد فقال: أن يزهد فيما له مخافة أن يهوى ما ليس له. كان أبو عمر يقول في قوله عز وجل للملائكة " اسجدوا لآدم ": قال: أراد به امتحانهم وأن يعريهم من شواهد أحوالهم وأفعالهم. وقال أبو عمر: الخائف من يخاف من نفسه أكثر مما يخاف من الشيطان. قال أبو عمر: كما فرض الله على الأنبياء إظهار الآيات والمعجزات ليؤمنوا بها، كذلك فرض على الأولياء كتمان الكرامات حتى لا يفتنوا بها. توفي أبو عمر سنة عشرين وثلاث مئة. وقيل: سنة أربع وعشرين، وقيل: سنة عشر وثلاث مئة. أبو عمرو ويقال: اسمه زرعة السيباني، الشامي الفلسطيني والد أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو حدث عن عقبة بن عامر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل ". وحدث عن عقبة أنه مر برجل هيئته هيئة رجل مسلم. فسلم، فرد عليه عقبة: وعليك ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: أتدري على من رددت؟ فقال: أليس برجل مسلم؟ فقالوا: لا، ولكنه نصراني. فقام عقبة فتبعه حتى أدركه، فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك.

أبو عمرو الدمشقي

أبو عمرو الدمشقي قال أبو عمر بن عبد العزيز عن جند له شيء، فكتب إليهم " الله لا إله إلا هو، ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً ". أبو عمرو بن العلاء ابن عمار بن العريان، واسمه عمرو بن عبد الله بن الحصين البصري أحد الأئمة السبعة من القراء اختلف في اسمه، فقيل: زبان بزاي بعدها باء مشددة وقيل: يحيى، وقيل: العريان، وقيل: جبر، وقيل: اسمه وكنيته. حدث عن ابن سيرين بن عبيدة عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عبيدة: قلت لعلي: أنت سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة. وحدث عن أنس عن أبي بكر الصديق أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له خرقة ينشف بها بعد الوضوء. قال أبو عمرو بن العلاء: خرجت مع جرير بن الخطفي إلى الشام فلما كنا ببعض

الطريق قال لي: يا أبا عمرو، أنشدني شعراً لأخي بني مليح فأنشدته: من الطويل وأذيتني حتى إذا ما استبيتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح تراخين عني حين لا لي مذهب ... وغادرن ما غادرن بين الجوانح فقال: يا أبا عمرو، لولا أن النخير لا يحسن بشيخ مثلي؛ نخرت نخرةً يسمعها هشام على سريره. مر أبو عمرو بن العلاء بمجلس قوم فقال رجل من القوم: ليت شعري، أعربي القوم أم مولى؟ وهو على بغلة له. فقال: النسب في مازن، والولاء للعنبر، وقال: عدس للبغلة، ومضى. قصد حمزة الزيات أبا عمرو بن العلاء إلى البصرة ليقرأ عليه، فأواه الليل بين قريتين، فإذا هاتف يهتف: أما وجد هذا موضعاً يأوي إليه هذا الموضع، سد؛ لأوذينه الليلة. قال: فأدرت حولي دارة، وقعدت في وسطها، وقرأت سورة الأنعام، فإذا بهاتف يهتف يقول: قد قرأ سورة الأنعام فاحرسه بقية ليلته. فوصل إلى البصرة، ودخل مسجد أبي عمرو بن العلاء فتغامز رجلان كانا في المسجد، فقال أحدهما: يشبه أن يكون حائكاً؛ وذلك أنه كان في خلقه دمامة، ولم يكن بالنظيف. وقال الآخر: إن كان حائكاً؛ فسيقرأ سورة يوسف. وسمع حمزة كلامهما، وخرج أبو عمرو بن العلاء فجلس في مجلسه، وجثا حمزة بين يديه، فابتدأ سورة يوسف، وكان لا يقرئ إلا عشراً عشراً، فلما قرأ عشراً منها ذهب حمزة ليقوم، فأومأ إليه أن زد، فقرأ عشراً آخر وأمسك، فأومأ إليه بيده أن زد. قال: فختمها وقام يجر كساءه وغطى به رأسه، وتعقل عند باب المسجد، ومضى راجعاً إلى الكوفة. فقال أبو عمرو لرجل عنده: الحق هذا الرجل وقل له: سألتك بالله أنت حمزة الزيات؟ فلحقه فقال له: أنت حمزة الزيات؟ قال: نعم. وانصرف إلى الكوفة. وكان أبو عمرو بن العلاء أعلم الناس بالقرآن والعربية، والعرب وأيامها، والشعر وأيام

الناس، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها، وقال فيه الفرزدق: من البسيط ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها ... حتى أتيت أبا عمرو بن عمار وكان قدوة في العلم باللغة، إمام الناس في العربية، متمسكاً بالآثار، لا يكاد يخالف في اختياره ما جاء عن الأئمة قبله، متواضعاً في علمه، ولم يزل العلماء في زمانه تعرف له تقدمه، وتقر له بفضله، وتأتم في القراءة بمذاهبه، وكان حسن الاختيار، سهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل. قال سفيان بن عيينة: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقلت: يا رسول الله، قد اختلفت علي القراءات. فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟ قال: اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء. قال شجاع بن أبي نصر: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فعرضت عليه أشياء من قراءة أبي عمرو فما رد علي إلا حرفين. قال الأصمعي: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء وبين محمد بن مسعر الفدكي. قال أبو عمرو: ما تقول؟ قال: أقول: أن الله وعد وعداً، وأوعد إيعاداً، فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده. فقال أبو عمرو: إنك رجل أعجم، لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب. إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤماً وعن الإيعاد كرماً. وأنشد: من الطويل وإني إن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي وروي مثل ذلك بينه وبين عمرو بن عبيد، وأنه كان تكلم في الوعيد سنة. فقال

أبو عمرو: إنك لألكن الفهم إذ صيرت الوعيد في أعظم شيء مثله في أصغر شيء. فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه، ولئلا يعدل عن أمره وطاعته، ووراء وعيده عفوه ووسيع كرمه، وأنشد: من الطويل ولا يرهب ابن العم مني صولة ... ولا أختتي من صولة المتهدد وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف ميعادي ومنجز موعدي فقال له عمرو: صدقت، إن العرب تمتدح الوفاء بالوعد دون الإيعاد، وقد تمتدح بالوفاء بهما، ألم تسمع قول الشاعر؟ من المنسرح إن أبا خالد لمجتمع الر ... م أي شريف الأفعال والبيت لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثأره على فوت قال عمرو: قد وافق هذا قول الله عز وجل " ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا " الآية، فقال له أبو عمرو: قد وافق الأول إخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والحديث يفسر القرآن. قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: " وباركنا عليه " في موضع، " وبركنا عليه " في موضع آخر، أتعرف هذا؟ فقال: ما أعرف إلا ما نسمع من المشايخ الأولين. قال: وقال أبو عمرو: ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصول نخل طوال.

وقال الأصمعي: قال أبو عمرو: لو أني كلما أخطأت رمي في حجري بجوزة، امتلأ حجري جوزاً. مر أبو عمر بن العلاء بالبصرة، فإذا أعدال مطروحة مكتوب عليها: لأبو فلان. فقال: يا رب، يلحنون ويرزقون؟! لما قدم الأعمش وحدث بهذا الحديث: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخولنا بالموعظة في الأيام. فقال له أبو عمرو: إنما هي يتخوننا بالموعظة. فقال الأعمش: وما يدريك؟ فقال: لو شئت لأعلمتك أن الله لم يعلمك من هذا كبير شيء. قال الأصمعي: قد ظلمه أبو عمرو، يقال يتخولنا ويتخوننا جميعاً، فمن قال: يتخولنا، يقول يستصلحنا. يقال: رجل خائل مالٍ، ومن قال: يتخوننا: قال: يتعهدنا. وأنشد لذي الرمة: من البسيط لا ينعش الطرف إلا ما تخونه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم وقال أبو بكر بن دريد: التخول والتخون: واحد. قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابياً ينشد، وكنت خرجت إلى ظاهر البصرة متفرجاً مما نالني من طلب الحجاج لي، واستخفائي منه: من الخفيف يا قليل العزاء في الأهوال ... وكثير الهموم والأوجال صبر النفس عند كل ملم ... إن في الصبر حيلة المحتال لا تضيقن في الأمور فقد تك ... شف لأواؤها بغير احتيال ربما تجزع النفوس من الأم ... ر له فرجة كحل العقال قد يصاب الجبان في آخر الص ... ف وينجو مقارع الأبطال

فقلت: ما وراءك يا أعرابي؟ فقال: مات الحجاج. فلم أدر بأيهما أفرح، بموت الحجاج أو بقوله فرجة بفتح الفاء لأني كنت أطلب شاهداً لاختياري القراءة في سورة البقرة " إلا من اغترف غرفة ". قال الأصمعي: كان نقش خاتم أب عمرو بن العلاء من الطويل وإن أمرأً دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور فسألته عن ذلك فقال: كنت في ضيعتي نصف النهار أدور فيها، فسمعت قائلاً يقول هذا البيت، فنظرت فلم أجد أحداً، فكتبته على خاتمي. وفي رواية: قلت: إنسي أم جني؟ فقال: بل جني. وفي رواية: فما أجابني، فنقشته على خاتمي. قال أبو عمرو بن العلاء: امتحنت خصال الإنسان فوجدت أشرفها صدق اللسان. قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو بن العلاء: يا عبد الملك، كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك. وكأن البحتري أخذ هذا المعنى فقال: من الكامل: وسألت من لا يستجيب فكنت في اس ... تخباره كمجيب من لا يسأل سأل رجل أبا عمرو بن العلاء حاجة فوعده بها، ثم إن الحاجة تعذرت على أبي عمرو، فلقيه الرجل بعد ذلك فقال له: يا أبا عمرو، وعدتني وعداً فلم تنجزه. فقال أبو عمرو: فمن أولى بالغم؟ قال: أنا. قال: لا، بل أنا. قال الرجل: وكيف ذلك؟ قال: لأني

وعدتك وعداً، فأبت بفرح الوعد، وأبت أنا بهم الإنجاز، فبت ليلتك فرحاً مسروراً، وبت ليلتي مفكراً مهموماً، ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة، فلقيتني مدلاً، ولقيتك محتشماً. قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: ما ضاق مجلس بي متحابين. وقال: إني لأحب أن أرى أهل ودي كل يوم مرتين. مرض أبو عمرو بن العلاء مرضة، فأتاه أصحابه إلا رجلاً منهم، ثم جاءه بعد ذلك، فقال: إني أريد أن أسامرك الليلة. فقال: أنت معافى وأنا مبتلي، والعافية لا تدعوك أن تسهر، والبلاء لا يدعني أنام، والله أسال أن يسوق إلي أهل العافية والشكر، وإلى أهل البلاء الأجر. قال الأصمعي: كان لأبي عمرو بن العلاء من غلته كل يوم فلسان: يشتري بفلس ريحاناً، وكوزاً جديداً بفلس، فيشرب فيه يومه، وإذا أمسى تصدق به، ويشم الريحان يومه، فإذا أمسى قال للجارية: جففيه ودقيه في الأشنان. كان ثقيل يجلس إلى أبي عمرو يستثقله، فكان إذا طلع دخل وتركه، وكتب إليه يستعطفه، فكتب إليه أبو عمرو: من الخفيف أنت يا صاحب الكتاب ثقيل ... وقليل من الثقيل كثير قال أبو عمرو بن العلاء: الطلاق الثلاث البت لازم له إن كانت العرب قالت أجود من هذه الأربعة أبيات: من الكامل كن للمكاره بالعزاء مقلعاً ... فلقل يوم لا ترى ما تكره فلربما استتر الفتى فتنافست ... فيه العيون وإنه لمموه ولربما خزن الكريم لسانه ... حذر الجواب وإنه لمفوه ولربما ابتسم الكريم من الأذى ... وفؤاده من حره يتأوه

ومما أنشده لأبي عمرو بن العلاء: من المتقارب. دع الهم بالرزق يا غافلاً ... فربك منه لنا قد فرغ فمالك منه إذا ما افتكرت ... بعقل صحيح سوى ما مضغ وجاز التراقي بلا مانع ... وفاتك بالجوف لما بلغ فدع ذكر دنيا تبدت لنا ... كسم الشجاع إذا ما لدغ فإني خلوت بذكري لها ... وخالفت إبليس لما نزغ فألفيتها مثل ماء الإناء ... وكلب العشيرة فيه يلغ فخليتها عن قلىً كلها ... وعللت نفسي بأخذ البلغ وأنشدوا لأبي عمرو بن العلاء: من الكامل أبني إن من الرجال بهيمةً ... في صورة الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة في ماله ... فإذا يصاب بدينه لم يغفر قال أبو سعيد الرازي: قدم علينا أبو عمرو بن العلاء الكوفة على محمد بن سليمان، فكنت أجالسه، فذكر يوماً أهل البصرة فقدمهم على أهل الكوفة فجعلت أرد عليه، وأقدم أهل الكوفة. فقال أبو عمرو: لكم حذلقة النبط وصلفها، ولنا دهاء فارس وأحلامها. فأردت أن أقول له: ولكم حدة الخوز ونزقها، فاستحييت منه. فقال لي ابن ثروان مولى قريش: لوددت أنك قلتها له، وأني غرمت ألف درهم. توفي أبو عمرو بن العلاء سنة أربع وخمسين ومئة. وقيل: سنة سبع وخمسين ومئة. قالوا: وهو ابن ست وثمانين. قال وكيع بن الجراح: قرأت على قبر أبي عمرو بن العلاء بالكوفة: هذا قبر أبي عمرو بن العلاء، مولى بني حنيفة.

أبو عمرو شيخ قدم دمشق

أبو عمرو شيخ قدم دمشق إن لم يكن يوسف بن يعقوب بن الأخوين، فهو غيره. حدث عن سعيد بن يحيى الأموي بسنده إلى معاوية بن إسحاق قال: رأيت سعيد بن جبير عند الميضأة في الغلس، وهو ثقيل اللسان، فقلت: ما لي أراك ثقيل اللسان؟ قال: ختمت القرآن البارحة مرتين ونصفاً. أبو عنبة الخولاني أسلم في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يره، وقيل: إنه سمع منه، وصلى إلى القبلتين، وقيل: إن اسمه عبد الله بن عنبة، وقيل: عمارة. حدث أبو عنبة وهو من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ممن صلى القبلتين كلتيهما، وأكل الدم في الجاهلية قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يزال الله يغرس في هذا الدين بغرس يستعملهم في طاعته. وعن أبي عنبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أراد الله بعبد خيراً عسله. قيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه. وعن أبي عنبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الله إذا أراد بعبد خيراً ابتلاه، فإذا ابتلاه اقتناه. قالوا: يا رسول الله وما اقتناه؟ قال: لم يترك له مالاً ولا ولداً.

وعن أبي عنبة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تحرجوا أمتي ثلاثاً اللهم؛ من أمر أمتي بما لم تأمرني به. فإنهم منه في حل. وعن أبي عنبة قال: حضرت عمر بالجابية قرأ " إذا السماء انشقت " على المنبر، فسجد وسجد الناس. وفي رواية: فنزل، فسجد. قال أبو عنبة: لقد أكلت الدم في الجاهلية، وتعلمت القرآن كله، لم يبق علي منه إلا آية لم أجد أحداً يقرئنيها. وقال أبو عنبة: لقد رأيتني وقد أرسلت شعري لأجزه لصنم لنا، فأخر الله ذلك حتى جزرته في الإسلام. دخل أبو عنبة المسجد وهو أعمى يقوده غلام له فقال له: إياك أن تخطى بي رقاب الناس، أجلسني في أدنى المسجد. وعن أبي عنبة قال: رب كلمة خير من إعطاء مال. وعن أبي عنبة قال: إن لله آنيةً في أرضه، وآنيته في أرضه قلوب عباده الصالحين، فأحبها إليه أرحمها وألينها. كان أبو عنبة يوماً في مجلس خولان في المسجد جالساً، فخرج عبد الله بن عبد الملك هارباً من الطاعون. فسأل عنه فقالوا: خرج يتزحزح هارباً من الطاعون. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما كنت أرى أني أبقى حتى أسمع بمثل هذا، أفلا أخبركم عن خلال كان عليها إخوانكم؟ أولها: لقاء الله، كان أحب إليهم من الشهد. والثانية: لم يكونوا يخافون عدواً قلوا أو كثروا. والثالثة: لم يكونوا يخافون عوزاً من الدنيا، كانوا واثقين بالله أن يرزقهم. والرابعة: إن نزل بهم الطاعون لم يبرحوا حتى يقضي الله فيهم ما قضى. مات أبو عنبة سنة ثماني عشرة ومئة.

أبو عنبة الأموي مولاهم

أبو عنبة الأموي مولاهم قال أبو عنبة: قلت لعمر بن عبد العزيز: أنا من مواليكم، وإن علينا بالعراق امرأ سوء. فقال لي: وما يسكنك العراق؟ لقد بلغني أن أحداً لا يسكن العراق إلا قيض له فريق من البلاء. وفي حديث أنه قال له: أين منزلك؟ قال: بالعراق. قال: أو ما بلغك أنه لا ينزله أحد إلا سيق إليه قطعة من الداء؟ أبو العلاء إن لم يكن برد بن سنان، فهو غيره. حدث عن محمد بن حجادة عن بن زيد بن حصين عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبياً. وحدث عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هلاك أمتي بالعصبية والقدرية، والرواية من غير تثبت. أبو العلاء بن العين زربي شاعر محسن. قال أبو الحسن علي بن مسهر الموصلي: جاءني أبو العلاء بن العين زربي بدمشق سنة نيف وسبعين وأربع مئة بادياً حزيناً، فسألته عن حاله فقال: إني عملت في المنام أشعاراً كثيرة، لما اهتد بها في اليقظة، فما حفظت منها شيئاً، وقد رأيت ملك الموت عليه السلام في هذه الليلة الماضية، وهو يقول لي: أنا ضيفك. فعملت في المنام هذين البيتين وحفظتهما: من الطويل

أبو عياش الدمشقي

قضى الله أن أقضي ويقضي منيتي ... ولم أقض في الدنيا مناي ومنيتي فالله ضيف زارني فقريته ... حياتي فولى ظاعناً حين ولت ثم خرج عني، فوصلني خبره بعد يومين أو ثلاثة أنه مات، إلى رحمة الله. أبو عياش الدمشقي حدث عن زجلة مولاة عاتكة عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: الإيمان إيمانان: إيمان شهادة، وإيمان أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له. أبو عيسى الدمشقي إن لم يكن موسى بن عيسى القرشي الذي تقدم في حرف الميم؛ فهو غيره. حدث عن محمد بن شهاب الزهري قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يتوضأ، وهو يفرغ الماء في وضوئه إفراغاً. فقال: لا تسرف. فقال: يا رسول الله، وفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم، في كل شيء إسراف. ابن عمار مؤذن مسجد زرا. قال: وجدت في السفر الرابع من التوراة أن الله عز وجل يقول: أنا الله الذي لا إله إلا أنا، عيني كل شيء، أرى أثر النمل في الصفا، وأرى وقع الطير في الهواء، وأعلم ما في القلب والكلى، وأعطي العبد على ما نوى.

ابن أبي العمياء

ابن أبي العمياء ويقال: أبو العمياء حدث عن أبيه قال: وفدت إلى معاوية، فنسبني فانتسبت له، فعرفني فقال: إن المعرفة نسب من الأنساب، ارفع حوائجك، قبح الله معرفة لا تنفع. عم يعلى بن عطاء العامري قال: كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن الزبير. قال: فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لابن الزبير: تعلم أني أجد في الكتاب أنك ستعنى وتعنى، وتدعى الخليفة، ولست بخليفة، وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية. عم إبراهيم بن أبي شيبان العنسي قال: إذا أدرت الرب في القدح فعلق صفرته في القدح فهو الحلال. العيشي أو العنسي صاحب إسحاق بن إبراهيم الموصلي، قدم دمشق مع المأمون. قال: قل المال بدمشق عند المأمون حتى ضاق، وشكا ذلك إلى أبي إسحاق المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين، كأنك بالمال قد وافاك بعد جمعة. وكان قد حمل إليه ثلاثون ألف ألف درهم من خراج ما كان يتولاه، فلما ورد عليه ذلك المال، قال المأمون ليحيى بن أكثم: اخرج بنا ننظر إلى هذا المال. قال: فخرجا حتى أصحرا، ووقفا ينظرانه وكان قد هيئ بأحسن هيئة، وحليت أباعره، وألبست الأحلاس الموشاة والجلال المصبغة، وقلدت العهن وجعلت البدر بالحرير الصيني الملون، وأبدت رؤوسها. قال: فنظر المأمون إلى

شيء حسن فاستكثر ذلك، وعظم في عينيه، واستشرفه الناس ينظرون إليه، ويتعجبون منه. فقال المأمون ليحيى بن أكثم: يا أبا محمد، ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين نراهم الساعة خائبين إلى منازلهم وننصرف بهذه الأموال قد ملكناها دونهم؟ إنا إذاً للئام. ثم دعا محمد بن يزداد فقال: وقع لآل فلان بألف ألف ورجله في الركاب ولآل فلان بمثلها، ولآل فلان بمثلها، فما زال كذلك حتى فرق أربعة وعشرين ألف ألف ورجله في الركاب ثم قال: ادفع الباقي إلى المعلى لعطاء جندنا. قال العيشي: فخرجت حتى قمت نصب عينيه، فلم أرد طرفي عنه إلا بلحظتي ألا يراني بتلك الحال. فقال: يا أبا محمد، وقع لهذا بخمسين ألفاً من الستة الآلاف ألفٍ الباقية، لا يختلس ناظري، فلم يأت علي ليلتان حتى أخذت المال.

أسماء النساء على حرف العين في الكنى

أسماء النساء على حرف العين في الكنى أم عاصم قيل: إن اسمها ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، القرشية العدوية، أم عمر بن عبد العزيز. حدثت عن أبيها عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الإدام الخل. حدث سالم الأفطس أن عمر بن عبد العزيز رمحته دابة، وهو غلام بدمشق، فضمته أم عاصم أمه إليها، وجعلت تمسح الدم عن وجهه، ودخل أبوه عليها على تلك الحال، فأقبلت عليه تعذله وتلومه وتقول: ضيعت ابني، ولم تضم إليه خادماً ولا حاضناً يحفظه من مثل هذا! فقال: اسكتي يا أم عاصم، فطوباك إن كان أشج بني أمية. لما أراد عبد العزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبد العزيز قال لقيمة: اجمع لي أربع مئة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. فتزوج أم عمر بن عبد العزيز. لما ماتت رقية بنت عمر بن الخطاب عند إبراهيم بن نعيم بن عبد الله، انصرف به عاصم إلى منزله، فأخرج إليه ابنتيه حفصة وأم عاصم، فقال له: اختر أيهما شئت فإنا لا نحب أن ينقطع صهرك. قال إبراهيم: لم يخف علي أن أم عاصم أجمل المرأتين، فتجاوزت عنها وقلت: يصيب بها أبوها رغبة من بعض الملوك؛ لما رأيت من جمالها، وتزوجت حفصة. فتزوج عبد العزيز بن مروان أم عاصم؛ فولدت له عمر بن

عبد العزيز، وإخوة له؛ ثم هلكت عنده، وهلك إبراهيم بن نعيم عن حفصة بنت عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان بعد مهلك أم عاصم، وحملت إليه بمصر. وكان بأيلة إنسان به خبل يقال له: شرشرين، فلما مرت به أم عاصم، تعرض لها، فأعطته وأحسنت إليه؛ ثم مرت به بعدها حفصة بنت عاصم، فتعرض لها، فلم ترفع به رأساً، فسئل: أين حفصة من أم عاصم؟ فقال: ليست حفصة من رجال أم عاصم. مر عمر بعجوز تبيع لبناً معها في سوق الليل. فقال لها: يا عجوز، لا تغشي المسلمين وزوار بيت الله عز وجل، ولا تشوبي اللبن بالماء. فقالت: نعم يا أمير المؤمنين. ثم مر بعد ذلك، فقال: يا عجوز، ألم أتقدم إليك أن لا تشوبي لبنك بالماء؟ فقالت: والله ما فعلت. فتكلمت ابنة لها من داخل الخباء، فقالت: يا أمة، أغشاً وكذباً جمعت على نفسك؟! فسمعهما عمر، فهم بمعاقبة العجوز، فتركها لكلام ابنتها، ثم التفت إلى بنيه فقال: أيكم يتزوج هذه، فلعل الله أن يخرج منها نسمة طيبة مثلها. فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها يا أمير المؤمنين. فتزوجها؛ فولدت له أم عاصم، فتزوج أم عاصم عبد العزيز بن مروان؛ فولدت له عمر بن عبد العزيز. وقيل: أن عمر بينا وهو يعس بالمدينة أعيا، فاتكأ على جدار، فإذا امرأه تقول لابنتها: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت: يا أمتاه، وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته؟ قالت: نادى مناديه: لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنتاه، قومي فامذقيه. فإنك في موضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية: ما كنت أطيعه في الملأ، وأعصيه في الخلاء. وعمر يسمع كل ذلك فقال: يا أسلم علم الباب، واعرف الموضع. ومضى في عسه. فلما أصبح قال: يا أسلم، امض إلى ذلك الموضع فانظر من القائلة والمقول لها، وهل لهم من بعل. فإذا أيم لا بعل لها، وإذا تيك أمها، ليس لهم رجل. فأخبر عمر، فجمع ولده، وقال: فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه؟ ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء؛ ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية. فزوجها من عاصم الحديث.

أم عبد الله بنت أبي هاشم

وقيل: كان عمر بمنى فعطش، فانتهى إلى عجوز، فاستسقاها ماء، فقالت: ما عندنا. فقال: لبن. فقالت: ما عندنا. فبدرت جارية فقالت لها: أتكذبين وما تستحين؟! ثم قالت لعمر: هذا السقاء يه لبن. فسأل عمر عن الجارية، فإذا أبوها ثقفي. فزوجها من عاصم، فولدت أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز، فولدت له عمر بن عبد العزيز. وقيل: إنها قالت لأمها لما أمرتها بالمذق، لا أكون ممن يعصي عمر. فقال عمر لابنه عاصم: اذهب إلى موضع كذا وكذا، وانظر جارية كذا وكذا وصفها له فإن كان لها زوج، فبارك الله لزوجها، وإن لم يكن لها زوج فتزوجها، فإني أرجو أن يخرج الله منها سليلة تسود العرب. فذهب وسأل وتزوجها. بكى عمر بن عبد العزيز، وهو صغير قد جمع القرآن، فأرسلت إليه أمه، فقالت: ما يبكيك؟ قال: ذكر الموت. فبكت أمه من ذلك. لما ورد عمر بن عبد العزيز مظالم أهل بيته، وأخذهم بالحق قال مولى لآل مروان، بربري: وأنتم أيضاً تزوجوا بنات عمر بن الخطاب. أم عبد الله بنت أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، الأموية. بنت خال معاوية. كتبت إلى النعمان بن بشير تسأله غماً ألقي على لسان زيد بن خارجة بعد موته. فكتب إليها: بسم الله الرحمن الرحيم. من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله ابنة أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة: وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه وهو يومئذٍ من أصح أهل المدينة فتوفي، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء. فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول،

أم عمر

أو يقال على لسانه: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق صدق، كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قال: عثمان أمير المؤمنين، وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضاً، فلا نظام وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره. أيها الناس، أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدن دماً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك. يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعداً للذين قتلا يوم أحد، كأنها " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته، فسألت الرهط عما سبقني من كلامه قالوا: سمعناه يقول: أنصتوا، أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب، فكشفنا عن وجهه فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان ضعيفاً في جسمه قوياً في أمر الله، صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول. أم عمر وقيل: أم عمرو بنت مروان بن الحكم لما ولي عمر بن عبد العزيز منع قرابته ما كان يجري عليهم، وأخذ منهم القطائع التي كانت في أيديهم، فشكوه إلى عمته أم عمر، فدخلت عليه فقالت: إن قرابتك شكوك، ويزعمون أنك أخذت منهم خير غيرك. قال: ما منعتهم حقاً أو شيئاً كان لهم، ولا أخذت منهم حقاً أو شيئاً كان لهم. فقالت: إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوماً عصيباً. فقال: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره.

أم عمرو زوج يزيد بن عبد الملك

قال: فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار حتى إذا احمر تناوله بشيء، فألقاه على الجنب، فنش وقتر، فقال: أي عمة، أما تأوين لابن أخيك من مثل هذا؟ فخرجت على قرابته فقالت: تزوجون آل عمر، فإذا نزع الشبه جزعتم؟! اصبروا له. وقيل: إن التي كلمته عمته فاطمة، فلا أدري، هل تكنى أم عمر أم هما جميعاً كلمتاه؟. أم عمرو زوج يزيد بن عبد الملك قال عمرو بن دينار: كنت مع سالم بن عبد الله بين مكة والمدينة، فسمع صوت جرس، فقال: ما هذا؟ فقلت: هذا أم عمرو امرأة يزيد بن عبد الملك. فقال: اذهب إليها فأقرها السلام وأخبرها أن أبي أخبرني عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعد جبريل موعداً، فأبطأ عليه جبريل، فقال: ما حبسك يا جبريل؟ فقال: إنا لا نقرب مكاناً فيه جرس ولا صورة. فقل لها فلتقطعه أو تجشه. فأتيتها، فأخبرتها فقطعته أو جشته قالت: قل له إن عندنا وسائد فيها تصاوير، فكيف نصنع بها؟ فأتيته فأخبرته بذلك، فنظر هنيهة فقال: كانوا لا يرون بما يوطأ بأساً.

حرف الغين المعجمة

حرف الغين المعجمة أبو الغريز صاحب أبي عبيد محمد بن حسان البسري الزاهد قال أبو الغريز: كنت أنا وهو، يعني أبا عبيد، في بلاد الروم، وكنا قد صافنا العدو، فوقع فرس أبي عبيد للموت، فجعلت أتقلى من عدو يواجهنا، وفرس يموت، وهو قائم يصلي، فلما التفت من صلاته قلت: في مثل هذا الموضع تصلي؟! فقال: ما أجد في قلبي شيئاً. ثم نهض الفرس فركب أبو عبيد، فقلت: لا أسأله بعدها عن شيء. أبو غسان الثقفي من أهل العراق. قدم دمشق. قال: كنت في دمشق في أصحاب اللؤلؤ فقالوا لي: رأينا ابن عمك في هذا الموضع يوسف بن عمر مقتولاً، في مذاكيره حبل وهو يجر، ثم رأينا بعد ذلك يزيد بن خالد، في مذاكيره حبل يجرره الهبرية في هذا الموضع. ابن غنيم البعلبكي حدث عم هشام بن الغاز بسنده إلى أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يزال هذا الأمر معتدلاً قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية. غنيم: بغين معجمة مضمومة، ونون مفتوحة.

الغاضري المضحك المدني

الغاضري المضحك المدني قال محمد بن إدريس الشافعي: أكل الغاضري عند يزيد بن الوليد فالوذجاً فقال له يزيد: لا تكثر منه، فإنه يقتلك فقال: منزلي والله يا أمير المؤمنين عند زقاق الجنائز، ما رأيت جنازة أحد قط قتله الفالوذج. قال ثابت بن إبراهيم: مررت بالغاضري يوماً وهو يأكل رطباً، فقال: إن أردت ادن فكل: فقلت: لا أشتهيه، فقال: يا أخي، ادن فكل، فإنه لا يمنعني أن أقسم عليه إلا أن علي يميناً أن لا أقسم على أنصاري أبداً في طعام. قلت: ولم؟ قال: مر بي رجل منهم وأنا آكل رطباً فقلت: اجلس كل. فأكل ثلاث رطبات، فأقسمت عليه ليأكلن، فأبر يميني بخمس مئة رطبة. قدم سفيان الثوري المدينة فسمع الغاضري يتكلم ببعض ما يضحك منه الناس فقال: يا شيخ، أما علمت أن لله يوماً يحشر فيه المبطلون؟ قال: فلم تزل تعترف في الغاضري حتى لقي الله عز وجل.

حرف الفاء

حرف الفاء أبو فاطمة قيل: اسمه أنيس الأزدي، ثم الدوسي، ثم الليثي. وقيل: الضمري. له صحبة. قال أبو فاطمة: كنا عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أيسركم أن تصحوا ولا تسقموا؟ فابتدرناها. فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمر الضالة، وما تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات؟ إن العبد ليكون له المنزلة عند الله ما يبلغها بشيء من عمله، حتى يبتليه ببلاء، فيبلغه تلك المنزلة. وعن أبي فاطمة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أردت أن تلقاني فأكثر من السجود. وفي رواية: إن أردت أن ترافقني فاستكثر من السجود بعدي. وعن أبي فاطمة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله. قال: عليك بالهجرة، فإنه لا مثل لها. قلت: يا رسول الله، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله قال: عليك بالجهاد، فإنه لا مثل له. قلت: يا رسول الله، أخبرنا بعمل نستقيم عليه ونعمله. قال: عليك بالصوم، فإنه لا مثل له. قلت: يا رسول الله، أخبرنا بعمل نستقيم به ونعمله. قال: عليك بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط بها عنك خطيئة. وكان أبو فاطمة قد اسودت جبهته وركبتاه من كثرة السجود.

أبو فالج الأنماري

وعن أبي فاطمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا من السجود، فإنه ليس أحد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة. أبو فالج الأنماري أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يلقه، وأسلم بعده. قال شرحبيل بن مسلم الخولاني: رأيت خمسة نفر قد صحبوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واثنين قد أكلا الدم في الجاهلية ولم يصحبا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقصون شواربهم، ويعفون لحاهم ويصفرونها: أبو أمامة الباهلي، وعبد الله بن بسر المازني، وعتبة بن عبد السلمي، والمقدام بن معدي كرب، والحجاج بن عامر الثمالي. وأما اللذان لم يصحبا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأبو عنبة الخولاني وأبو فالج الأنماري. قال أبو فالج: قدمت حمص أول ما فتحت، فعرفت أرواحها وغيومها، فإذا رأيت هذه الريح الشرقية قد دامت، والسحاب شامياً، فهيهات هيهات ما أبعد غيثها، وإذا رأيت الريح الغربية قد تحركت، ورأيت السحاب مستغدقاً فأبشر بالغيث. أبو الفرات مولى صفية أم المؤمنين. حدث عن عبد الله بن مسعود قال: في القرآن آيتان ما قرأهما عبد مسلم عند ذنب إلا غفر له. فسمع بذلك رجلان من أهل البصرة فأتياه فقال: ائتيا أبي بن كعب، فإني لم أسمع من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهما شيئاً إلا سمعه أبي، فأتيا أبياً فقال: اقرأا القرآن فإنكما ستجدانها. فقرأا حتى بلغا آل عمران " والذين إذا

أبو فروة السائح

فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " الآية " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما ". الآية فقالا: قد وجدناهما. فقال أبي: وأين؟ فقالا: في النساء وآل عمران. فقال أبي: ها هما. أبو فروة السائح قال أبو فروة: بينا أنا سائح في بعض الجبال، إذ سمعت صدى جبل، فاتبعت الصوت فإذا بهاتف يهتف، يقول: يا من آنسني بذكره، وأوحشني من خلقه، وكان لي عند مسرتي، ارحم اليوم عبرتي، وهب لي من معرفتك ما أزداد به تقرباً إليك يا عظيم الصنيعة إلى أوليائه، اجعلني اليوم من أوليائك المتقين. قال: ثم سمعت صرخة ولا أرى أحداً. فأقبلت نحوها، فإذا أنا بشيخ ساقط مغشياً عليه، ثم لم أزل عنده حتى أفاق، فقال: من أنت؟ فقلت: رجل من بني آدم. قال: إليك عني، فمنكم هربت إلى ربي. وانطلق وتركني. فقلت: رحمك الله، دلني على الطريق. فقال: ها هنا. وأومأ بيده إلى السماء. وذكر في حف القاف: أبو قرة. قال: ويقال أبو فروة، وذكر مثل ذلك. أبو الفضل الموسوس كان من أبناء النعم، وذوي الفضل، خولط في عقله. قال أبو الفرج الببغاء: كنت طول مقامي بدمشق آنس بمن يطرقني من ذوي الأقدار، ففي بعض الأيام تذاكرنا أخبار عقلاء المجانين، وفي الجماعة فتى من أولاد الكتاب، فقال لي: معنا في البلد فتى في مشاهدة حاله ما يلهيني عما نحن فيه، وهو في البيمارستان. فقلت له ما خبره؟ فقال: كان صبياً ونشأ مع جارية كانت لأخته كاملة الحسن والأدب، فألفها وألفته، فلما كبرا حجبتها عنه فمرضا جميعاً، فلما انكشف أمرهما

وهبتها له أخته، فاستأنفا عمراً جديداً، واقتصر كل منهما على صاحبه لا يعتاض بغير ما هو فيه بمسرة، ولا يزالا على ذلك. فلما كان في بعض الليالي خليا على عادتهما للأنس، فعرض للجارية خلط أدى إلى استفراغ وفواق وضيق نفس، فتلفت. فهجم على قلب الفتى ما سلب عقله، فمنع من دفنها ظناً بحدوث غشي إلى أن ظهرت أمارات الموت، فأكره على دفنها، فامتنع من الغذاء وواصل الأنس بقربها، واختلط فكره إلى أن صار يثب بمن يدنو إليه، ويسرع إلى إفساد ما يتمكن منه، وتجاوز ذلك حد ضبطه بغلمانه ومن في داره، فنقل إلى البيمارستان ليبتعد عن قبرها وعن مشاهدة الأمكنة التي كان يجتمع بها فيها، ولم يقدر على ذلك إلا بعد تقييده، فحصل هنالك مخدوماً بماله وغلمانه، وربما ثاب، فعاد إلى إفهام من يخاطبه، فما يخلو من أبيات تكتب أو حديث يستفاد منه قال: فقلت: بادر بنا إليه. فلما صرنا في الصحن، وقعت عيني على فتىً في نهاية حسن الوجه، ونظافة الثوب والآلة. فسلمت عليه فرد أحسن رد، فلما جلست تبسم وقال: الذي قصدت له علم باطن المشاهدة لا ظاهرها، قلت: هو ذاك. قال: كثر علي سؤال من يسألني عن ذلك، وتكلف الجواب فاقتصرت على أبيات جعلتها نائبة عن العرض، فسألته إنشادها، فأنشأ يقول: من السريع من منصفي من جور أزماني ... إذ وضح الحق ببرهاني كنت جليل القدر في أسرتي ... معظماً ما بين إخواني أصلح بالتحصيل والعقل ما ... يفسده الإهمال من شأني فصرت مجنوناً لأن الردى ... أفنى مسراتي بأحزاني أوحش من نور عيوني التي ... أغرت بفيض الدمع أجفاني آنس ما كنت بها أوحشت ... أوطانها من أنس أوطاني أحرز نفسي مستبداً بها ... دوني وأبقى لي جثماني ففي فمي غضب وفي عنقي ال ... غل وفي رجلي قيدان

أبو الفضل بن خيران

فانظر إلى حالي، ولا تأمن الد ... هر وإن جاد بإحسان فإنها الدنيا التي ما صفا ... سرورها قط لإنسان ثم كشف لي عن قيده لأراه، وتنفس، وتتابعت دموعه، فتبعته باكياً، فلما رأى قلقي احتبس دمعه واسترجع شهيقه، وأنشأ يقول: من مخلع البسيط ما لي داء سوى الفراق ... أما كفى الدهر ما ألاقي ما علموا حين قيدوني ... إني من الهم في وثاق ثم قال: قد آسيت بالعبرة، وشركت في الروعة والحسرة، وعرفت من ذلم موضع رعايتك، وأنا أسألك التوصل إلى تنفيس كربي بأن تسأل المتولي للمداواة إعفائي مما يلزمني شربه بما عنده أنه دوائي، ولا يعلم أي مريض أشف وعليل شغف، فإني أقاسي من ذلك ما أتمنى معه الموت. فضمنت أن أفعل له ذلك، وقلت للكاتب: يجب أن يميز هذا الرجل فيما يتداوى به. فسأل الطب عن أرفه الأدوية، فأشار جميعهم بمواصلة دهن البنفسج على رأسه، وإصلاح أغذيته، والاستكثار من الروائح الطيبة. ورتبت ذلك، ورجعت إليه وعرفته. فدعا لي وسألني المواصلة، فنهضت. فلما كان بعد أيام عرفني الكاتب بموته، فصرت إلى قبره وزرته. أبو الفضل بن خيران من شعره: من البسيط أمر بالقمر الغربي مطلعه ... فيعتريني إذا أبصرته زمع وكم هممت بترك الاجتياز له ... فلم يدعني جنون العشق والطمع أشكو إلى الله قلباً عز مطلبه ... ما إن له عن سوى الغايات مرتدع أبو الفضل الأصبهاني المتطبب له شعر حسن، فمن شعره في الشيخ أبي القاسم علي بن محمد الشميصاتي عند وفاته: من مجزوء الكامل

الفرخ من موالي بني أمية

لا فخر يا أهل الشآ ... م لكم على أهل العراق دفنت مفاخركم مع ال ... حاوي لكم قصب السباق لا تدعوا بقيا الفخا ... ر فما الشميصاتي باقي الفرخ من موالي بني أمية لما أراد جعفر المتوكل الخروج من الشام إلى العراق أحب أن يجعل طريقه على البرية لينظر إلى آثار بني أمية، ومصانعهم وكان في طريقه دير يعرف بدير حنينة فلما عزم على ذلك اتصل خبره ببعض موالي بني أمية. فقال: لأنغصت عليه نزهته بأبيات أحبرها، ثم تقدم إلى الدير، فجعل لصاحب الدير جعلاً على أن يدعه يكتب في صدر الهيكل أبياتاً فأذن له، فكتب: من الطويل أيا منزلاً بالدير أصبح ثاوياً ... تلاعب فيه شمأل ودبور كأنك لم تقطنك بيض نواعم ... ولم تتبختر في فنائك حور وأبناء أملاكي غياشم سادة ... صغيرهم عند الأنام كبير إذا نزعوا تيجانهم فضراغم ... وإن لبسوا تيجانهم فبدور على أنهم يوم اللقاء قساور ... ولكنهم عند النوال بحور وكم يصبح الصهريج والناس حوله ... عليه فساطيط لهم وخدور وحولك رايات لهم وعساكر ... وخيل لها بعد الصهيل نخير ليالي هشام بالرصافة قاطناً ... وفيك ابنه يا دير وهو أمير

إن الملك غض والخلافة لبنة ... وأنت خصيب والزمان طرير وروضك مرتاض وبيعك بائع ... ودهر بني مروان فيك قصير بمسلمة الميمون وهو الذي له ... تكاد قلوب المشركين تطير بلى فسقيت الغيث صوباً مباكراً ... إليك به بعد الرواح بكور تذكرت قومي فيكم فبكيتهم ... وإن سخياً بالبكا لجدير فعزيت نفسي وهي نفس لها إذا ... جرى ذكر قومي أنة وزفير رويدك إن اليوم معقبه غداً ... وأن صروف الدائرات تدور لعل زماناً جار يوماً عليهم ... لهم بالذي تهوى النفوس يحور فيفرح مرثاد ويأمن خائف ... ويطلق من كل الوثاق أسير فلما قرأه المتوكل قال: ما كتب هذا إلا رجل من بني أمية، يريد أن ينغص علي ما أنا فيه، فمن أتاني به فله ديته، فأتي به، وإذا هو رجل من بني أمية من دمشق، يعرف بالفرخ، فأمر المتوكل بقتله، وقال: بما قدمت يداك، وما الله بظلام العبيد. وزاد في آخره: أن المتوكل بكى بكاءً شديداً لما قرأها، وأمر بهدم الموضع، فهدم الحائط.

حرف القاف

حرف القاف أبو القاسم بعض مشيخة دمشق حدث عن بلال بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من لم يخجل كبيرنا، ويرق لصغيرنا، ويرحم ذا الرحم منا، فلسنا منه وليس منا. أبو القاسم الواسطي أحد الصلحاء قال أبو القاسم: كنت مجاوراً يبيت المقدس في المسجد، فلما كان أول ليلة من رمضان أمر السلطان بقطع صلاة التراويح، فنفرت أنا وعبد الله الخادم، وصحنا: واإسلاماه، وامحمداه. فأخذني أعوان السلطان، ولم يأخذوا عبد الله الخادم، وطرحني في الحبس، وكتب في إلى مصر، فورد بأن أضرب بالسوط، ويقطع لساني. ففعل بي ذلك وخليت. فكنت آوي في مسجد عمر رضي الله عنه في المئذنة، فبعد أسبوع رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فتفل في فمي فانتبهت ببرد ريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد زال عني ألم القطع والضرب، فقمت، وتطهرت للصلاة، وصليت ركعتين، وعدت إلى المئذنة فأذنت: الصلاة خير من النوم، فأخذني الأعوان وردوني إلى الحبس، وقيدت وحبست، وكتب إلى السلطان في سببي ثانية، فورد الكتاب: يقطع لسانه رجل ذمي، ويضرب خمس مئة سوط، ويصلب بالحياة أو يموت على الخشبة. ففعل بي ذلك، فرأيت لساني على بلاط سوق الحذائين مثل الرئة. وكان شتاء شديد وجليد فصلبت في سوق الحذائين، فما كان يمر بي أعظم من وقع الجليد على آثار الضرب، فأقمت ثلاثة أيام فهدأ أنيني، وعهدي بالحذائين يقولون: نعرف الوالي أن الرجل مات، ونحن نخشى أن ينفجر في السوق فلا يقدر أحد يعبر، فلعله يخرجه فيصلبه برا البلد.

فمضى جماعة إلى الوالي، وكان الوالي جيش بن صمصامة فقال: احملوه على نعش، واتركوه على باب داود يحمله من أراد من أصحابه، ويكفنه ويصلي عليه. قال: فألقوني على باب داود، وعنهم أني ميت، فقوم يجوزون بي فيلعنونني وأنا أسمع، وقوم يترحمون علي، إلى العشاء الآخرة، فلما كان بعد العشاء جاءني أربعة أنفس فحملوني على نعش مثل السرقة، ومضوا بي إلى دار رجل صالح من أهل القدس، من أهل القدس، من أهل القرآن والستر كي يغسلوني، ويكفنوني، ويصلوا علي، فلما صرت في الدار أشرت إليهم، فلما رأوا في الحياة حمدوا الله تعالى. فكان يصلح لي الحريرة بدهن اللوز والسكر البياض أسبوعاً، وأنا على حالة قد يئست من نفسي، وكل صالح في البلد يجيء إلي ويفتقدني، فلما كان بعد ذلك رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام والعشرة معه، فالتفت إلى رجل على يمينه فقال: يا أبا بكر، ما ترى قد جرى على صاحبك؟ فقال: يا رسول الله، فما أصنع به؟ قال: اتفل في فيه. فتفل أبو بكر الصديق في في، ومسح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهري، فزال ما كنت أجده، وانتبهت ببرد ريق أبي بكر رضي الله عنه. فناديت الرجل الذي أنا في بيته، فقام إلي، ولم يكن سمع مني كلمة منذ دخلت إلى داره. فقال: ما حالك؟ فأخبرته خبري وسألته ماء أتطهر به، فأسخن لي ماء فتطهرت طهور الآخرة، وجاءني بثياب ونفقة، وقال: هذه فتوح من إخوانك، فلبست وتطيبت. فقال لي الرجل: الله، الله في، لا يعلم أحد أنك كنت عندي فأهلك. فقلت له: لا بأس عليك. وجئت إلى منارة مسجد عمر رضي الله عنه، وأذنت الغداة: الصلاة خير من النوم، وقلت قصيدة في أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله، فما تمت إلا والعبيد أحدقوا بالمنارة، وأخذوني إلى الوالي، وأراد أن يستنطقني، ولم يكن رآني قبلها ولا رأيته، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من واسط العراق. فقال لي: يا هذا، إني عبد مملوك، وأخاف من أصحاب الأخبار أن يكتبوا بأمرك فأومر بقتلك فأخلد بك في النار، فأقل ما يجب لي عليك أن لا تقيم في بلدي ساعة واحدة. فقلت: تسمح لي ببياض هذا اليوم؟ فقال: افعل. فجئت إلى الصخرة، وأقمت بها بقية يومي، وصليت العتمة، وجاء الإخوان مودعين لي، وجاء من أحداث البلد نحو سبعين ومعهم بهيمة وسلاح نشاب، وخرجت معهم، وأتيت واسط، وأنا كل سنة أحج وأسأل عن القدس، لعله تزول دولتهم، فأرجع إلى القدس، لعلي أموت فيه.

أبو القاسم بن أبي يعلى

أبو القاسم بن أبي يعلى الشريف الهاشمي قام بدمشق ومعه جماعة من أحداث دمشق وغوطتها، وقطع دعوة المصريين، ولبس السواد، ودعا للمطيع في سنة تسع وخمسين وثلاث مئة. أبو القاسم بن رزيق البغدادي قال أبو القاسم: سمعت الشبلي ينشد: من البسيط كادت سرائر سري أن تشير بما ... أوليتني من سرور لا أسميه فصاح بالسر سر منك نرقبه ... كيف السرور يسر دون مبديه فظل يلحظني سري لألحظه ... والحق يلحظني أن لا أراعيه وأقبل الحق يفني اللحظ عن صفتي ... وأقبل اللحظ يفنيني وأفنيه أبو قتادة بن ربعي يقال اسمه الحارث بن ربعي. ويقال: نعمان بن عوف بن ربعي، وهو ابن بلدمة بن خناس الأنصاري روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني، وعليكم بالسكينة. أم أبي قتادة: كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم. وقيل: كبشة بنت عباد بن مطهر. وشهد أبو قتادة أحداً والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

حدث قيس بن سلمة عن أبيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع. وأبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي قتادة قال: خطب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشية قال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء غداً. قال أبو قتادة: وانطلق لا يلوي أحد على أحد في مسيرهم، فإني أسير إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ابهار الليل إذ نعس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمال عن راحلته. ثم سرنا حتى إذا تهور الليل مال ميلة أخرى فدعمته من غير أن أوقظه، فاعتدل على راحلته، ثم سرنا حتى إذا كان من السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين، حتى كاد أن ينجفل، فدعمته، فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة. قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: هذا مسيري منك منذ الليل. قال: حفظك الله بما حفظت به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال: أترانا نخفى على الناس؟ هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، هذا آخر قال: فاجتمعنا فكنا سبعة، فاعتزل عن الطريق، ثم وضع رأسه ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا. فكان أول من انتبه والشمس في ظهره، فقمنا فزعين، فجعل بعضنا يهمس بعضاً: ما صنعنا في تفريطنا في صلاتنا؟ فقال: ما هذا الذي تهمسون؟ قلنا: يا رسول الله، لتفريطنا في صلاتنا. فقال: أما لكم في أسوة؟ التفريط ليس في النوم، التفريط لمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت أخرى، فإذا فعل ذلك فليصلها إذا انتبه لها، ثم ليصلها الغد لوقتها. ثم نزل، ثم دعا بميضأة كانت عندي، فتوضأ وضوءاً دون وضوء، ثم قال: يا أبا قتادة، احفظ ميضأتنا هذه فسيكون لها نبأ، ثم صلى ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم صلى صلاة الفجر كما كان يصلي، ثم قال: اركبوا. فركبنا، فانتهينا إلى الناس حين تعالى النهار، أو حين حميت الشمس، وهم يقولون: يا رسول الله، هلكنا عطشاً. قال: لا هلاك عليكم. ثم نزل ثم قال:

أطلقوا لي غمري، فأطلق له. ثم دعا بالميضأة التي كانت عندي، فجعل يصب علي وأسقيهم، فلما رأى القوم ما في الميضأة تكابوا عليها فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسنوا الملأ كلكم سيروى. فجعل يصب علي فأسقيهم، حتى ما في القوم أحد إلا شرب، غيري وغير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: اشرب يا أبا قتادة. فقلت: يا رسول الله، أشرب قبل أن تشرب؟! قال: إن ساقي القوم آخرهم. فشربت وشرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عبد الله بن رباح: إني لفي مسجد الجامع أحدث هذا الحديث إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإني كنت أحد الركب تلك الليلة؟ قال: فأنتم أعلم بحديثكم، فحدث القوم. فحدثتهم، فقال: لقد شهدت تلك الليلة، ما شعرت أن أحداً حفظه كما حفظته. وعن أبي قتادة أنه قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني جيد السلاح، وجيد القلب وفرسي قوي، فأرسلني يا نبي الله يمنة ويسرة. فقال: إني أشفق عليك يا أبا قتادة. قال: ثم وقع في عينه سهم فأخرجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفل في عينه. وعن محمد بن سيرين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسل إلى أبي قتادة فقيل: يترجل. ثم أرسل إليه، فقيل: يترجل. ثم أرسل إليه، فقيل: يترجل. فقال: احلقوا رأسه، فجاء فقال: يا رسول الله، دعني هذه المرة، فوالله لأعتبنك. فكان أول ما لقي قتل مسعدة رأس المشركين. قال زيد بن أسلم: إن أبا قتادة قال حين توجه إلى اللقاح: من الرجز

ألا عليك الخيل إن ألمت ... إن لم أدافعها فجزوا لمتي قال أبو قتادة: إني لأغسل رأسي، قد غسلت أحد شقيه، إذ سمعت فرسي جروة تصهل وتبحث بحافرها، فقلت: هذه حرب قد حضرت. فقمت ولم أغسل شق رأسي الآخر، فركبت وعلي بردة لي، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيح: الفزع، الفزع. قال: وأدرك المقداد بن عمرو، فسايرته ساعة، ثم تقدمه فرسي، وكانت أجود من فرسه، وقد أخبرني المقداد وكان سبقني بقتل مسعدة محرزاً، يعني ابن نضلة. قال أبو قتادة للمقداد: أبا معبد، أنا أموت أو أقتل قاتل محرز. فضرب فرسه فلحقهم أبو قتادة، ووقف له مسعدة، وحمل عليه أبو قتادة بالقناة، فدق صلبه، ويقول: خذها وأنا الخزرجي، ووقع مسعدة ميتاً، ونزل أبو قتادة فسجاه ببردته، وجنب فرسه معه، وخرج يحضر في إثر المقداد حتى تلاحق الناس. قال أبو قتادة: فلما مر الناس نظروا إلى بردة أبي قتادة عرفوها، فقالوا: هذا أبو قتادة قتيل! واسترجع أحدهم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، ولكنه قتيل أبي قتادة، وجعل عليه بردة ليعرفوا أنه قتله، فخلوا بين أبي قتادة وبين قتيله وسلبه وفرسه، فأخذه كله. وكان سعد بن زيد يعني الأشهلي قد أخذ سلبه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا والله، أبو قتادة قتله، ادفعه إليه. قال أبو قتادة: لما أدركني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ ونظر إلي قال: اللهم، بارك له في شعره وبشره. وقال: أفلح وجهك. فقلت: ووجهك يا رسول الله. قال: قتلت مسعدة؟ قلت: نعم. قال: فما هذا الذي بوجهك؟ قلت: سهم رميت به يا رسول الله. قال: فادن مني. فدنوت منه، فبصق عليه. فما ضرب عليه قط ولا قاح. فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين، وكأنه ابن خمس عشرة سنة. قال: وأعطاني يومئذٍ فرس مسعدة وسلاحه وقال: بارك الله لك فيه.

وعن أبي قتادة قال: خرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة حنين، فلما التقينا جعل رجل من المشركين يفعل بالمين ويذر، ثم وجد غمزاً في بطنه، فخرج من الصف، فخرجت في إثره، فبدرني وفي يده سيفه وترسه، وفي يدي سيفي وترسي، فأقبل علي بوجهه فقال: أما ترى ما أصنع بأصحابك منذ اليوم؟ ارجع. فأقبلت إليه وما أكلمه، فأقبل إلي يرمي بزبد كزبد البعير، فلما دنا مني حمل علي ضربتين: ضربة اتقيتها بترسي، فعض ترسي على سيفه، وضربته ضربة على حبل عاتقه، فجافته، فلما وجد طعم الموت خلى سيفه، ثم ضمني إليه، فوالذي أكرم محمداً بما أكرمه به لولا أن نفسه عجلت؛ لظننت أن نفسي تخرج قبل نفسه. قال: ثم رجعت إلى موضعي فقاتلت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى هزمهم الله. قال: ثم جمعت الأسلاب، فكان الرجل عليه سلب كامل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من عرف سلباً فليقم فليأخذه قال: فهممت بالقيام ثم ثبت. قال: فعلت ذلك مرة أو مرتين فرمقني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا قتادة، ما لي أراك تهم بالقيام ثم تجلس؟ فقلت: لا شيء يا رسول الله. قال: أشهد لتخبرني. قلت: يا رسول الله، إن رجلاً من المشركين كان يفعل في المسلمين ويذر، فخرج من الصف، وخرجت فقتلته، وكان عليه سلب كامل؛ فلم أره يا رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أخذ سلب قتيل أبي قتادة؟ فقال رجل من الصحابة: أنا يا رسول الله، فأرضه عني. قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يقل شيئاً. فقام عمر بن الخطاب، فقال: لا والله، لا يقوم أسد من أسد الله عز وجل يقاتل في الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون غيره أسعد بسلب قتيله. فقام الرجل فجاء به، فقال: هو ذا يا رسول الله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذه يا أبا قتادة. قال أبو قتادة: فأخذته، فبعته بسبع أواق من ذهب، فاشتريت مخرفاً في بني سلمة، فكان أول مال اعتقدته في الإسلام من نائل. بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا قتادة ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان، وأمره أن يشن عليهم الغارة. فسار الليل، وكمن النهار، فهجم على حاضرٍ منهم عظيم، فأحاط به،

فصرخ رجل منهم: يا خضرة! وقاتل منهم رجال، فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا النعم، فكانت الإبل مئتي بعير، والغنم ألفي شاة، وسبوا سبياً كثيراً، وجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخمس فعزلوه، وقسموا ما بقي على أهل السرية، فأصاب كل رجل اثني عشر بعيراً، فعدل البعير بعشر من الغنم، وصارت في سهم أبي قتادة جارية وضيئة، فاستوهبها منه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوهبها له، فوهبها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لمحمية بن جزء، وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة. ولما هم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بغزو أهل مكة، بعث أبا قتادة في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم، وهي فيما بين ذي خشب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة برد، ليظن ظان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توجه إلى تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية محلم بن جثامة الليثي، فمر عامر بن الأضبط الأشجعي، فسلم بتحية الإسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله وسلبه بعيره ومتاعه، ووطب لبن كان معه، فلما لحقوا بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ نزل فيهم القرآن: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة " إلى آخر الآية. فمضوا ولم يلقوا جمعاً. فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب، فبلغهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه إلى مكة فأخذوا على يين حتى لقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسقيا. ت مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة " إلى آخر الآية. فمضوا ولم يلقوا جمعاً. فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب، فبلغهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه إلى مكة فأخذوا على يين حتى لقوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسقيا. قال أبو سعيد الخدري: أخبرني من هو خير مني أبو قتادة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية. كان أبو قتادة له على رجلٍ دين، فكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات

يوم، وثم صبي، فسأل عنه فقال: نعم، هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه: يا فلان، اخرج إلي فإني قد أخبرت أنك ها هنا. فخرج إليه، فقال: ما يغيبك عني؟ فقال: إني معسر، وليس عندي شيء. قال: آلله، إنك معسر؟ قال: نعم. قال: فبكى أبو قتادة وقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من ترك لغريمه أو محا عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة. وعن أسيد عن أبيه قال: قلت لأبي قتادة: مالك لا تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يحدث عنه الناس؟ فقال أبو قتادة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من كذب علي فليسهل لجنبه مضجعاً من النار. وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك ويمسح الأرض بيده. وفي حديث غيره: إني أخشى أن يزل لساني بشيء لم يقله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إني سمعته يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. بعث عمر بن الخطاب أبا قتادة فقتل ملك فارس بيده. قال: وعليه منطقة ثمنها خمسة عشر ألف درهم. قال: فنفلها إياه عمر. لما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما منعكم أن تلقوني؟ قالوا: لم يكن لنا دواب. قال معاوية: فأين النواضح؟ فقال أبو قتادة: عقرناها في طلب أبيك يوم بدر. ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: سترون بعدي أثرة. فقال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. قال: فاصبروا حتى تلقوه. فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك: من الوافر

أبو قنان

ألا أبلغ معاوية بن حرب ... أمير المؤمنين ثنا كلام فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام دخل أبو قتادة على معاوية وعنده عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاري، فجلس، فوقع رداء أبي قتادة على ظهر عبد الله فنفضه نفضاً شديداً. فقال أبو قتادة: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بخ، هذا عبد الله بن مسعدة بن حكمة. قال: نعم، أنا والله دفعت جفر أبي هذا في بطنه يوم أغار على سرح المدينة. أرسل مروان إلى أبي قتادة، وهو على المدينة، أن اغد معي حتى تريني مواقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. فانطلق مع مروان حتى قضى حاجته. توفي أبو قتادة سنة ثمانٍ وثلاثين في خلافة علي، وصلى عليه علي، وكبر عليه سبعاً. وقيل: توفي بالمدينة سنة خمسٍ وخمسين، وقبره ببني سلمة معروف ليس فيه خلاف. وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة. أبو قنان هو طلحة بن أبي قنان العبدري. ويقال: صالح بن أبي قنان حدث عن معاوية أنه قال: يا أهل قردا، ويا أهل خولان، الجمعة، الجمعة، فإنا إنما نحسبها لئلا تفوتكم. وقال عمرو: لتحضروها.

أبو قيس الدمشقي

قال أبو قنان: كان فضالة بن عبيد يقوم في الناس يوم الجمعة يعظهم قبل خروج معاوية، فإذا خرج جلس فضالة؛ فيخطب معاوية ويصلي. أبو قيس الدمشقي حدث عن عبادة بن نسي، عن أبي مريم، عن ثوبان مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من حافظ على الأذان سنة أوجب الجنة. وحدث عن عبادة بن أبيه أنه رأى أبا الدرداء صلى على مسح. أبو قيصر مولى عبد الملك بن مروان اشترى أبو قيصر جارية فوطئها، ثم وجد بها بخرة فأراد ردها، فقال له عمر بن عبد العزيز: يا أبا قيصر، إنما التلوم قبل الغشيان. أبو قاسم بن عثمان الجوعي حدث عن أبيه عن أبي سليمان الداراني، عن الربيع بن صبيح قال: رأيت الحسن وطاوس ومجاهداً في المسجد الحرام في حلقة، وإذا دينار وسط الحلقة؛ ما منهم أحد أخذه ولا أمر بأخذه، كلهم قام عن الحلقة وتركه.

حرف الكاف

حرف الكاف أبو كبشة السلولي قال حسان بن عطية: أقبل أبو كبشة السلولي ونحن في المسجد الحرام فقام إليه مكحول وابن أبي زكريا، وأبو مخرمة. فقال: سمعت عبد بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وحدث عن عبد الله بن عمرو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أربعون حسنة أعلاهن منحة العنز، لا يعمل العبد بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة. وحدث عن سهل بن الحنظلية قال: صلينا العصر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسيره إلى حنين، وأمر الناس فنزلوا وعسكروا، وأقبل فارس فقال: يا رسول الله، خرجت بين أيديكم حتى أشرفت على جبل كذا وكذا، فإذا بهوازن على بكرة أبيها، بظعنها ونعمها وشائها، فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله عز وجل. قدم أبو كبشة دمشق في ولاية عبد الملك، فقال له عبد الله بن عامر: ما أقدمك؟ لعلك قدمت تسأل أمير المؤمنين شيئاً. وأنا أسأل أحداً شيئاً بعد الذي حدثني سهل بن

أبو كثير المحاربي

الحنظلية؟! قال عبد الله بن عامر: وما الذي حدثك؟ قال: سمعته يقول: قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عيينة بن بدر والأقرع بن حابس فسألاه. فدعا معاوية فأمره بشيء لا أدري ما هو. فانطلق معاوية في الصحيفتين، فألقى إلى عيينة بن بدر إحداهما، وكان أحلم الرجلين، فربطها في يد عمامته، وألقى الأخرى إلى الأقرع بن حابس فقال لمعاوية: ما فيها؟ فقال: فيها الذي أمرت به. قال: بئس وافد قومي إن أنا أتيتهم بصحيفة أحملها لا أعلم ما فيها كصحيفة المتلمس. قال: ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبل على رجل يحدثه، فلما سمع مقالته أخذ الصحيفة ففضها، فإذا فيها الذي أمر به، فألقاها ثم قام وتبعته حتى مر بباب المسجد، فإذا بعير مناخ، فقال: أين صاحب البعير؟ فابتغي فلم يوجد، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم، اركبوها صحاحاً وكلوها سماناً، ثم تبعته حتى دخل منزله، فقال كالمتسخط أنفاً: إنه من يسأل الناس عن ظهر الغنى، فإنما يستكثر من جمر جهنم. فقلت: يا رسول الله، وما ظهر الغنى؟ قال: أن تعلم أن عند أهلك ما يغديهم أو يعشيهم. قال: فأنا أسأل أحداً شيئاً بعد هذا؟! أبو كثير المحاربي حدث عن خرشة بن الحارث المحاربي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنها ستكون بعدي فتن النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، فمن أتت عليه فليأخذ سيفه، ثم ليمش إلى صفاة فليضربها به حتى ينكسر، ثم ليضطجع بها حتى تجلى عما انجلت عليه. أبو كرب العراقي حدث عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن نفراً من أهل دمشق، فيهم رجل كنيته أبو كرب، كان أصاب دماً بالعراق فاستفتى جماعة من الفقهاء، فاجتمع قولهم أنهم لا يعرفون

أبو كرب

وجهاً إذا لم يعرف ولي الدم إلا أن يجاهد في سبيل الله حتى يقتل في سبيل الله. فلم يزل يغزو ويطلب القتل في الله حتى خرج مسلمة بن عبد الملك لحصار القسطنطينية، فخرج حتى إذا كان بعض الطريق خرج خارج منهم ليأتي بعنب فإذا بقبة ذهب عليها جلال أخضر حرير، وإذا فيها حوراء كان يخبر عما رأى من حسنها فقالت: إلي، فأنا زوجتك، وأنت قادم علينا يوم كذا، ومعك فلان وفلان. وسمت أولئك النفر. فانصرف الرجل ولم يأت بعنب أخبرهم بما رأى، فكتب وصيته وكتبوا. وكان مع شراحيل بن عبيدة وأصحابه، فكان من مصيبتهم ما كان، ثم أمر بانصراف الناس إلى المرج الذي رجعت إليهم فيه برجان فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل هؤلاء النفر جميعاً، فيهم أبو كرب. وأرسلت برجان النار على ذلك المرج وعلى قتلى المسلمين، فحرقت ما حرقت، وانتهت إلى أبي كرب وأصحابه، فأطافت بهم، ولم تأكل النار منهم أحداً. أبو كرب قال: كنت في القوم الذين دخلوا يريدون قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك. قال: وكنت فيمن نهب خزائنه بدمشق، فدخلت إلى خزانة لهم فرأيت فيها سفطاً مرفوعاً، فأخذته، قلت: في هذا غناي. قال: فركبت فرسي، وجعلته بين يدي، وخرجت من باب توما، فعدلت عن يميني، وفتحت قفله فإذا أنا بحريرة في داخلها رأس مكتوب على بطاقة فيها: هذا رأس الحسين بن علي. فقلت: ما لكم لا غفر الله لكم. فحفرت له بسيفي حتى واريته.

أسماء النساء على حرف الكاف

أسماء النساء على حرف الكاف أم كلثوم بنت عبد الله ابن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف زوج يزيد بن معاوية. كان معاوية قد وجه ابنه يزيد بغزو الروم، فأقام بدير سمعان، ووجه الجنود، وتلك غزوة الطوانة فأصابهم الوباء، فقال يزيد بن معاوية: من البسيط أهون علي بما لاقت جموعهم ... يوم الطوانة من حمى ومن موم إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً ... بدير سمعان عندي أم كلثوم فبلغ معاوية ما قال، فقال: أقسم بالله لتلحقن بهم حتى يصيبك ما أصابهم. فألحقه بهم. تزوج الأسوار عبد الله بن يزيد بن معاوية أم عثمان بنت سعيد بن العاص، فولدت له أبا سفيان وأبا عتبة. وهي أم سعيد، ورملة ابني خالد بن عمرو بن

عثمان، فقيل لسعيد بن خالد: اخطب أمه. فأتى أمه أم كلثوم ابنة عبد الله بن عامر يخطبها، وهي بادية بظهر ذنبة، عليها قبة نمور، اشترت غشاءها بألف دينار، فأتاها وهو غلام يرعد، فقال: أحب أن تزوجيني نفسك، وهي يومئذ كبيرة قد قيدت فاها بالذهب، فقالت: مرحباً يا بن أخي، لو كنت متزوجة أحداً من قريش لتزوجتك، إن أمك امرأة شابة، وأنا عجوز، وإن هذا شيء لا يصنعه نساء قريش أبداً، قيل لك: تزوج أمه كما تزوج أمك! انطلق يا بن أخي.

حرف اللام

حرف اللام أبو لبيد الأشعري ابن عم شهر بن حوشب، أدرك الصحابة، وكان ورعاً. حدث مطرف بن مالك قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوس، وكانوا إذا استقوا استخرجوه فاستسقوا به، وكان فيما وجدوا فيه ريطة فيها كتاب. فذكر خبر رجل نصراني يسمى نعيماً وهب الريطة إلا الكتاب، ثم في إسلامه، ثم في قراءة ذلك الكتاب حتى أتى على ذلك المكان " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " فأسلم منهم يومئذٍ اثنان وأربعون حبراً، وذلك في خلافة معاوية ففرض لهم معاوية وأعطاهم. وحدث أبو تميمة أن عمر كتب إلى الأشعري: أن اغسله بالسدر وماء الريحان، وأن تصلي عليه، فإنه نبي دعا ربه ألا يواريه إلا المسلمون. حدث معاوية بن قرة قال: تذاكرنا الكتاب إلى ما صار، فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم، إن الكتاب كان عند كعب فلما احتضر قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: قال ابن عم لي يكنى أبا لبيد: أنا. فدفع إليه الكتاب فقال: اذهب، فإذا بلغت موضع كذا وكذا فادفنه فيه. يريد البحر. فذكر الحديث في خلاف الرجل، وعلم كعب أنه لم يفعل، ثم إنه فعل،

أبو لبيد كاتب أبي زرعة

فانفرج الماء، فقذفه فيه، ورجع إلى كعب فعلم أنه صدق، فقال: إنها التوراة كما أنزلها الله. أبو لبيد كاتب أبي زرعة قال لبيد كاتب محمد بن عثمان القاضي: كانت لشريح القاضي جارية، وكان يحب أن يطأها ولا يمكنه من امرأته، فواعدها يوماً، فدخلت معه البيت، وفطنت امرأته، فأقبلت إليه، فلما أحس بها وثب فلبس قباء الجارية ولبست الجارية قميصه، وجلس كأنه يشبر البساط، فقالت له امرأته: يا عدو الله، ما هذا؟ قال: أشبر هذا البساط، زعمت الملعونة أن عرضه أكثر من طوله. قالت: فكيف صار قباها عليك، وقميصك عليها؟ قال: من هذا أعجب أنا أيضاً. أبو لهب وهو لقب، واسمه: عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وكنيته: أبو عتبه، وأبو معتب، القرشي الهاشمي عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال هبار بن الأسود: كان أبو لهب وابنه عتبة تجهزا إلى الشام، وتجهزت معهما، فقال ابنه عتبة: والله، لأنطلقن إلى محمد فلأوذينه في ربه سبحانه فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي " دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، سلط عليه كلباً من كلابك. قال: يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه. فسرنا حتى نزلنا

الشراة وهي مأسدة، فنزلنا إلى صومعة راهب، فقال الراهب: يا معشر العرب، ما أنزلكم هذه البلاد؟ فإنما يسرح الأسد فيها كما يسرح الغنم فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي. فقلنا: أجل يا أبا لهب. فقال: إن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها، ثم افرشوا حولها. ففعلنا، فجمعنا المتاع ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله، فبتنا، وأبو لهب معنا أسفل. وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع، ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت من دعوة محمد. وكناه عبد المطلب أبا لهب من حسنه، لأنه كان يتلهب من حسنه. وله يقول أبو طالب يحرضه على نصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنعه، ويعاتبه على خذلانه: من الطويل إن امرأ أبو عتيبة عمه ... لفي معزل من أن يسام المظالما أقول له وأين منه نصيحتي ... أبا معتب ثبت سوادك قائما فكناه بأبي عتيبة، وأبي معتب. وأم أبي لهب لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول. اصطرع أبو طالب وأبو لهب، فصرع أبو لهب أبا طالب، وجلس على صدره، فمد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذؤابة أبي لهب، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ غلام. فقال له أبو لهب: أنا عمك، وهو عمك، فلم أعنته علي؟! فقال: لأنه أحب إلي منك. فمن يومئذٍ عادى أبو لهب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واختبأ له هذا الكلام في نفسه. وكان أبو لهب شديد المعاداة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لما نزلت هذه الآية: " وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت عليها، فجاءني جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك. قال علي: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا علي، إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فعرفت أني إن بادأتهم بذلك، رأيت منهم ما أكره، فصمت عن ذلك حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام، وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب. ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلاً؛ يزيدون أو ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث فقدمت إليهم تلك الجفنة، فأخذ منها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال: كلوا بسم الله. فأكل القوم حتى نهلوا عنه، وما يرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها. ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسقهم يا علي. فجئت بذلك القعب، فشربوا حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لهدما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان الغد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي، عد لنا مثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم. ففعلت، ثم جمعتهم له، فصنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم فشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وأيم الله، إن الرجل منهم ليأكل مثلها،

ويشرب مثله، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني جئتكم بأمر الدنيا والآخرة. فكان ما أخفى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره واستسر به إلى أن أمر بإظهاره ثلاث سنين من مبعثه. وقال ابن عباس: صعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه. فاجتمعت إليه قريش فقالوا له: ما لك؟ قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم، أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم، بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟! فأنزل الله تعالى: " تبت يدا أبي لهب وتب " إلى آخر السورة. وفي رواية عنه أيضاً: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا آل غالب، يا لؤي، يا آل مرة، يا آل كلاب، يا آل قصي، يا آل عبد مناف، إني لا أملك لكم من الله منفعة ولا من الدنيا نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله. فقال أبو لهب: تباً لك، لهذا دعوتنا؟ فأنزل الله تعالى: " تبت يدا أبي لهب وتب ". وفي قراءة عبد الله " وقد تب " فالأول: دعاء، والثاني: خبر. كما تقول: أهلكه الله وقد أهلكه. ويقال: خسرت يداه بترك الإيمان وخسر هو. و" حمالة الحطب " كانت تنم بين الناس، فذلك حملها الحطب. يقول: تحرش بين الناس، وتوقد بينهم العداوة. و" في جيدها حبل من مسد "، هي السلسلة التي في

النار، ويقال: من مسد: هو ليف المقل. وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال مسد. قال الشاعر: من الرجز ومسدٍ أمر من أيانق وقيل: المسد: ما فتل وأحكم من أي شيء كان. والمعنى: أن السلسلة التي في عنقها فتلت من الحديد فتلاً محكماً. ويقال: المسد: العصا التي تكون في البكرة. ويقال: المسد قلادة لها من ودع. و" تبت يدا أبي لهبٍ " معناها: خسرت يدا أبي لهب، وتب: أي خسر. وما في التفسير أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عمومته، وقدم إليهم صحفة فيها طعام، فقالوا: أحدنا وحده يأكل الشاة، وإنما قدم إلينا هذه الصحفة! فأكلوا منها جميعاً، ولم ينقص منها إلا شيء يسير. فقالوا: ما لنا عندك إن اتبعناك؟ قال: لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم، وإنما تتفاضلون في الدين. فقال أبو لهب: تباً لك، ألهذا دعوتنا؟! فأنزل الله عز وجل: " تبت يدا أبي لهب وتب ". وجاء في التفسير أن امرأته أم جميل، وكانت تمشي بالنميمة. قال الشاعر: من الطويل من البيض لم تصطد على ظهر لأمةٍ ... ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب أي النميمة. وقيل: إنها كانت تحمل شوك العضاة، فتطرحه في طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

وقيل في الحبل المسد: إنه سلسلة طولها أربعون ذراعاً يعني بها أنها تسلسل في النار في سلسلة طولها سبعون ذراعاً. قال طارق المحاربي: إني بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وإذا رجل خلفه يرميه؛ قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: أيها الناس، إنه كذاب فلا تصدقوه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا محمد يزعم أنه نبي، وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب. زاد في رواية في صفة أبي لهب: أحول ذو غديرتين، تقد وجنتاه. وكان ابن كثير يقرأ " أبي لهب "، ساكنة الهاء، ونسبه أنه لغة، كالنهر والنهر، واتفقوا في الثانية على الفتح لوفاق الفواصل. وما أنذره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنار، قال أبو لهب: إن كان ما يقوله حقاً فإني أفتدي بمالي وولدي. فقال الله عز وجل: " ما أغنى عنه ماله وما كسب " أي: ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من ماله " وما كسب "، يعني ولده، لأن ولده من كسبه. ثم أوعده الله بالنار فقال: " سيصلى ناراً ذات لهب " يعني ناراً تلتهب عليه. وفي حديث آخر عن طارق بمعناه، قال: فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلما دنونا من حيطانها ونخلها، قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثياباً غير هذه، إذا رجل في طمرين له، فسلم وقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من الربذة. قال: وأين تريدون؟ قلنا: نريد هذه المدينة. قال: ما حاجتكم فيها؟ قالوا: نمتار من تمرها. قال: ومعنا ظعينة لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم. فقال: أتبيعون جملكم هذا؟ قالوا: نعم بكذا وكذا صاعاً من

تمر. قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئاً. فأخذ بخطام الجمل، فانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها. قلنا: ما صنعنا؟ ما بعنا جملنا مما نعرف، ولا أخذنا له ثمناً؟! قال: تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيت رجلاً كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم. وزاد في آخر: ولقد رأيت وجه رجلٍ لا يغدر بكم. إذ أقبل رجل فقال: أنا رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا تمركم، واشبعوا واكتالوا واستوفوا. فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا واستوفينا. ثم دخلنا المدينة فدخلنا المسجد، فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من السفلى. زاد في رواية: وابدأ بمن تعول؛ أمك وأباك وأختك وأخاك، وأدناك أدناك. إذا أقبل رجل في نفر من بني يربوع أو قال: رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، لنا في هؤلاء دماً في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا. فقال: إن أماً لا تجني على ولد ثلاث مرات. قال ابن إسحاق: وفر أبو سلمى بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم إلى أبي طالب ليمنعه، وكان خاله، فمنعه، فجاءت بنو مخزوم لتأخذه، فمنعه، فقالوا: يا أبا طالب، منعت منا ابن أخيك، أتمنع منا ابن أخينا؟ فقال أبو طالب: أمنع ابن أختي مما أمنع منه ابن أخي. فقال أبو لهب ولم يتكلم بكلام خير قط ليس يومئذ: صدق أبو طالب، لا يسلمه إليكم. فطمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع، ورجا نصره والقيام معه فقال شعراً يستجلبه بذلك: من الطويل إن امرأ أبو عتيبة عمه ... لفي روضة من أن يسام المظالما

أقول له وأين منه نصيحتي ... أبا معتب ثبت سوادك قائما ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة ... تسب بها إما هبطت المواسما وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الضيم إلا مسالما وول سبيل العجز غيرك منهم ... فإنك لم تخلق على العجز لازما ثم أقبل أبو طالب على أبي لهب حين ظاهر عليه قومه ونصب لعداوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع من نصب له. وكان أبو لهب للخزاعية. وكان أبو طالب وعبد الله أبو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والزبير لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران، فغمزه أبو طالب بأم له يقال لها: سماحيج قد شبب بها بعد ذلك حسان بن ثابت حين قاذف قريشاً. فقال أبو طالب وأغلظ له في القول: من الكامل مستعرض الأقوام يخبرهم ... غدري وما إن جئت من غدري فاجعل فلانة وابنها غرضاً ... لكرائم الأكفاء والصهر واسمع بوادر من حديث صادق ... يهوين مثل جنادل الصخر إن بنو أم الزبير وفحلها ... حملت بنا للطيب والطهر فحرمت منا صاحباً ومؤازراً ... وأخاً على السراء والضر وعن أبي رافع قال: كنا آل عباس قد دخلنا في الإسلام، وكنا نستخفي بإسلامنا، وكنت غلاماً للعباس أنحت الأقداح، فلما سارت قريش إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر وكنا نستخفي يوم بدر جعلنا نتوقع الأخبار، فقدم علينا الحيسمان الخزاعي بالخبر، فوجدنا في أنفسنا قوة، وسرنا ما جاءنا من الخبر من ظهور رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإني لجالس في صفتي زمزم أنحت

أقداحاً لي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، وبلغنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل الخبيث أبو لهب بشر يجر رجليه، قد كبته الله وأخزاه لما جاءه من الخبر حتى جلس على طنب الحجرة، فقال الناس: هذا أبو سفيان بن حرب قد قدم. فاجتمع عليه الناس، فقال: أبو لهب: هلم إلي يا بن أخي، فعندك لعمري الخبر. فجاء حتى جلس بين يديه، فقال له: يا بن أخي خبرني خبر الناس. قال: نعم، والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يضعون السلاح فينا حيث شاءوا، ووالله مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق لا والله ما تليق شيئاً يقول: ما تبقي شيئاً قال: فرفعت طنب الحجرة فقلت: تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب يده، فضرب وجهي ضربة منكرة، وثاورته وكنت رجلاً ضعيفاً فاحتملني فضرب بي الأرض، وبرك على صدري يضربني، وتقوم أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فتأخذه، وتقول: استضعفته أن غاب عنه سيده، وتضربه بالعمود على رأسه، فيفلقه شجة منكرة. وقام يجر رجليه ذليلاً، ورماه الله بالعدسة، فوالله ما مكث إلا سبعاً حتى مات، ولقد تركه ابناه في بيته ثلاثاً ما يدفنانه حتى أنتن، وكانت قريش تتقي هذه القرحة كما تتقي الطاعون، حتى قال لهما رجل من قريش: ويحكما ألا تستحيان، إن أباكما في بيته قد أنتن؛ لا تدفنانه؟! فقالا: إنا نخشى عدوى هذه القرحة. فقال: انطلقا، فأنا أعينكما عليه. فوالله ما غسلوه إلا قذفاً بالماء من بعيد؛ ما يدنون منه، ثم إنهم احتملوه إلى أعلى مكة، فأسندوه إلى جدار، ثم رضموا عليه. وعن عائشة أنها كانت لا تمر على مكان أبي لهب هذا إلا استترت بثوبها حتى تجوزه. وفي حديث عروة في الرضاع، قال عروة: وثويبة مولاة أبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله في النوم بشر حيبة فقال له: ماذا لقيت؟ فقال أبو لهب: لم

ألق بعدكم رخاءً غير أني سقيت في هذه ما؛ بعتاقي ثويبة. وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع. وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قرأ " تبت " أرجو أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة. مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال: هذه ابنة عدو الله أبي لهب. فأقبلت عليه، فقالت: ذكر الله أبي لنباهته وشرفه، وترك أباك لجهالته. ثم ذكرت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سمعت. فخطب الناس فقال: لا يؤذين مسلم بكافر. وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت " تب يدا أبي لهب وتب " أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك. قال رسول الله عليه وسلم: إنها لن تراني. وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال. وقرأ " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً " فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: يا أبا بكر، إني أخبرت أن صاحبك هجاني. فقال: لا، ورب هذا البيت ما هجاك. فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. وقيل: إن أم جميل دخلت على أبي بكر، وعنده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا بن أبي

ابن لؤلؤ الكاتب

قحافة، ما شأن صاحبك ينشد من الشعر؟ فقال: ما صاحبي بشاعر، وما يدري ما الشعر. فقالت: أليس قد قال: " في جيدها حبل من مسد " فما يدريه ما في جيدي؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل لها: ترين عندي أحداً؟ فإنها لن تراني. قال: جعل بيني وبينها حجاب. فسألها أبو بكر، فقالت: أتهزأ بي يا بن أبي قحافة؟ والله ما أرى عندك أحداً. وفي حديث بمعناه أنها قالت لأبي بكر: أنت عندي مصدق. وانصرفت. قلت: يا رسول الله: لم ترك؟ قال: لا، لم يزل ملك يسترني منها بجناحه. توفي أبو لهب سنة اثنتين من الهجرة بعد وقعة بدر بسبع ليال، ودفن بمكة، وهو ابن سبعين سنة. قال أبو الحسين عاصم بن الحسن العاصمي: من الطويل عليك بتقوى الله في كل حالة ... ولا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب ابن لؤلؤ الكاتب من دمشق، من شعره: من المديد غرر لكنهم غدر ... إن قرنت الخبر بالخبر بقر لكننا لهم ... في امتثال الأمر كالبقر يشربون الصفو من زمن ... لا يهنى فيه بالكدر

حرف الميم

حرف الميم أبو محمد الأنصار له صحبة، ويقال شهد بدراً. ويقال اسمه: قيس بن عباية بن عبيد بن الحارث بن عبيد الخولاني، حليف بني حارثة بن الحارث، من الأوس. حدث مولى لرويفع بن ثابت أن رجلاً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى جارية بربرية بمئتي دينار، فبعث بها إلى أبي محمد البدري من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان بدرياً، فوهب له الجارية البربرية، فلما جاءته قال: هذه من المجوس التي نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها، وعن الذين أشركوا. قال: فحدثت هذا الحديث رجلاً، فحدثني أن يحيى بن سعيد حدث أن ابن عم له مات بالمغرب، وكان بدرياً. حدث المخدجي، رجل من أهل الشام، كان قد لزم عبادة بن الصامت حتى أنزله منزلة العبد سيده، وكان يسافر معه إذا سافر، ويخرج معه إذا خرج، ويدخل معه إذا دخل، ليس يفرق بينهما إلا أن يدخل عبادة إلى أهله، قال المخدجي: فجئت يوماً مجلس عبادة، فلم أجده، ووجدت أبا محمد من بني النجار، من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خلفه، فالناس يسألونه، فكان فيما سألوه عنه الوتر: أواجب هو مثل المكتوبة؟ قال: نعم، فأنكرتها في نفسي، ثم قلت، حتى أسأل عبادة عنها لا أنساها. فذهبت إلى بيته فقالوا لي: أخذ على الساحل آنفاً فعقبت على إثره حتى جئته، فقلت له: إن أبا محمد جلس آنفاً في مجلسك. فسألوه عن الوتر أواجب هو مثل المكتوبة؟ قال: نعم. فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: خمس صلوات كتبها الله على عباده، من جاء بها لم يتركها ولم يضيعها استخفافاً بحقها؛ كان له عند الله عهد ألا يعذبه، ومن لم يأته بهن لم يكن له عند الله عهد. إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه.

وفي رواية: كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة. وفي حديث: بهن الجنة. قال عبد ربه: والوتر سنة أمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلاها المسلمون، لا ينبغي تركها. قوله: الوتر حق: أي واجب. يقال: حق الأمر؛ أي وجب. وقوله: كذب أبو محمد: لم يذهب به إلى الكذب الذي هو الانحراف عن الصدق، والتعمد للزور، وإنما أراد أمه زل في الرأي وأخطأ في الفتوى؛ وذلك أن حقيقة الكذب إنما تقع في الإخبار، ولم يكن أبو محمد في هذا مخبراً عن غيره، وإنما كان مفتياً عن رأيه، وقد نزه الله عز وجل أقدار الصحابة رضي الله عنهم عن الكذب وشهد لهم في محكم كتابه العزيز بالصدق والعدالة فقال: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " ولأبي محمد هذا صحبة، وهو من الأنصار من بني النجار، واسمه: مسعود بن زيد بن سبيع. قال: وقد يجري الكذب مجرى الخطأ في كلامهم، ويوضع موضع الخلف، كقولهم: كذب سمعي، كذب بصري. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل الذي وصف له العسل: صدق الله، وكذب بطن أخيك. ونظير هذا قول عمران بن حصين لسمرة بن جندب، قال سمرة في المغمى عليه: يصلي مع كل صلاةٍ صلاةً حتى يقضيها. فقال له عمران بن حصين: كذبت، ولكنه يصليها معاً؛ يريد أخطأت. ومن ذلك حديث البراء بن عازب. قال: حدث البراء بن عازب وهو غير كذوب قال: كنا خلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة، فإذا قال: سمع الله لمن حمده. لم يحن منا رجل ظهره للسجود حتى يضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبينه على الأرض. قوله: غير كذوب: أي غير مظنون به الخطأ، أو غير مجرب عليه الغلط في الرواية. يصفه بالحفظ والإتقان.

أبو محمد الكلبي

وقيل: اسم أبي محمد مسعود بن أوس. شهد بدراً وأحداً والخندق، والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب، وليس له عقب. وشهد فتح مصر. أبو محمد الكلبي حدث عن مكحول أن أبا الدرداء قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف أنت يا عويمر إذا قيل لك يوم القيامة، أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت: علمت. قيل لك: فماذا عملت فيما علمت؟ وإن قلت: جهلت. قيل لك: فما كان عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت؟ أبو محمد الدمشقي إن لم يكن الكلبي فهو غيره. حدث عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني عن مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، وتكفيراً للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد. أبو محمد الكلاعي حدث عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أهديت له هدية، وعند قوم، فهم شركاؤه فيها. أبو محمد القرشي قال: سألت الأوزاعي، فقلت: يا أبا عمرو، هذا جيش عبد الله بن علي قد جاء، فنبيعهم علفاً؟ قال: لا، ولا إبرة.

أبو محمد القرشي الدمشقي

أبو محمد القرشي الدمشقي من ولد الحارث بن عبد المطلب. حدث عن إبراهيم بن أبي عبلة وكانت له ناحية من عمر بن عبد العزيز قال: كان عطاء الخراساني يتكلم بعد الصلاة في بيت المقدس فتكلم رجل من المؤدبين، فقال رجل: من هذا؟ قال: أنا يا أبا المقدام. قال: اسكت. قال: ولم؟ قال: إنا نكره أن نسمع الخير من غير أهله. أبو محمد الطرابلسي حدث عن أبي معمر، عن الحسن قال: همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية. أبو محمد الأنصاري قال: قرأت على حجر ببيت المقدس: رأس الغنى القنوع، ورأس الفقر الخضوع. وقال: قرأت على حجر بدمشق: كلم من شئت فأنت نظيره، واستغن عمن شئت، فأنت أميره، واخضع لمن شئت، فأنت أسيره. قال: وقرأت على حجر عند جب: كل من أحوجك الدهر إليه فتعرضت له، هنت عليه.

أبو محمد بن العباس

أبو محمد بن العباس العطار الدمشقي حدث عن خالد بن يزيد بسنده، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: نعم السحور التمر، ونعم الإدام الخل، ورحم الله المتسحرين. أبو محمد المعيوفي قال علي بن محمد المعيوفي: كان عبد العزيز المطرز صاحب قلب طيب، لا يقدر أن يسمع شيئاً إلا وجد وجداً عظيماً تعود بركته على الحاضرين معه. وكان شيخنا أبو محمد المعيوفي أيضاً صاحب قلب لا تسل عنه، وفي حضور واجتماع. فكانا إذا اجتمعا، فإنما هو يوم سرور ومناحة. أبو محمد بن فضالة الفقيه حدث عن المسيب بن واضح بسنده إلى أنس بن مالك قال: كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقة، يقال لها العضباء، فكانت لا تسبق. فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين. قالوا: أسبقت العضباء يا رسول الله؟ قال: إن حقاً على الله أن لا يرفع في الدنيا شيئاً إلا وضعه. أبو محمد بن الصفر ابن السري، الخراساني، الختلي حدث سنة خمس عشرة وثلاث مئة بدمشق عن عمار بن الحسين بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رحم الله عبداً أصلح من لسانه.

أبو محمد الغزنوي الفقيه

أبو محمد الغزنوي الفقيه أنشد لابن الرومي: من الوافر رأيت الدهر يجرح ثم يأسو ... يعوض أو يسلي أو ينسي أبت نفسي الهلاع لفقد شيء ... كفى رزءاً لنفسي فقد نفسي وهو مأخوذ من قوله: من الطويل ومن عجب الدنيا بأن صروفها ... إذا سر منها جانب ساء جانب ولا تكتحل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب أبو مالك الأشعري له صحبة. واختلف في اسمه، فقيل: كعب بن عاصم وهو أظهر وقيل: عامر بن الحارث بن هانئ بن كلثوم. وقيل: الحارث بن الحارث، وقيل: عمرو. وقيل: عبيد، وهو وهم. حدث أبو مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، في أوسط أيام الأضحى: أليس هذا اليوم حرام؟ قالوا: بلى. قال: فإن حرمة ما بينكم إلى يوم القيامة كحرمة هذا اليوم. ثم قال: ألا أنبئكم من المسلم؟ من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأنبئكم من المؤمن؟ من أمنه المؤمنون على أنفسهم ودمائهم، وأنبئكم من المهاجر؟ من هجر السيئات، وهي ما حرم الله، المؤمن حرام على المؤمن كحرمة هذا اليوم، لحمه حرام عليه أن يأكله، ويغتابه بالغيب، وعرضه عليه حرام أن يخرقه، ووجهه حرام عليه أن يلطمه، وحرام عليه أن يدفعه دفعة تعنيه. قام ربيعة الجرشي في الناس فقال: يا أيها الناس، إن الله قد أحل كثيراً طيباً، وحرم قليلاً خبيثاً، فما يؤمن أحدكم أن يقع في معصية من معاصي الله، فيمسخه الله قرداً أو خنزيراً. فقال رجل من

ناحية الناس: والله ليكونن ذلك. قال: فتطاولت فإذا هو عبد الرحمن بن غنم الأشعري. فلما فرغ ربيعة قمت إليه، فإذا ربيعة قد بدرني إليه، فأخذ بيده فانتحاه فجلست قريباً منهما، فأخذا ينظران إلي المرة بعد المرة، فعلمت أن مجلسي قد ثقل عليهما، فقمت فأتيت أهلي، فما قرتني نفسي حتى رجعت إلى المسجد، وإني لأتبوأ منه مجلساً أنظر إلى أبوابه كلها، فإذا أنا به، فقمت إليه، فقلت: قد هجرت الرواح؟ قال: أجل، علمت أن المسجد ليس فيه أهله، فأحببت أن أعمره حتى يجيء أهله. فقلت: رحمك الله، يمين حلفت عليها اليوم إذ قال ربيعة: ما يؤمن أحدكم أن يقع في معصية من معاصي الله، فيمسخه الله قرداً أو خنزيراً. فحلف لا يستثني ليكونن ذلك قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك، والله يمين أخرى وما كذبني أنه سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم فيأتيهم آتٍ لحاجته فيقولون ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم عليهم، ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. وعن أبي مالك الأشعري، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليشربن أناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، وتضرب على رؤوسهم المعازف، ويخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم قردة وخنازير. حدث هشام بن الغاز، عن أبيه، عن جده قال: قال يوماً لأهل دمشق: يا أهل دمشق، والله ليكونن فيكم الخسف والمسخ والقذف. قالوا: وما يدريك يا ربيعة؟ قال: هذا أبو مالك فسلوه. قال: وكان ينزل عليه فراح به إلى المسجد. فقالوا له: ما يقول ربيعة، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في أمتي الخسف والقذف. قال: قلنا: فيم يا رسول الله؟ قال: باتخاذهم القينات وشربهم الخمور.

وحدث كعب بن عاصم، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ليس من البر الصيام في السفر. وعامر بن الحارث قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفينة. وعن حبيب بن عبيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم، صل على عبيد أبي مالك الأشعري، واجعله فوق كثير من الناس. جمع أبو مالك الأشعري قومه فقال: يا معشر الأشعريين، اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم، أعلمكم صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي صلى بالمدينة بنا. فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم، فتوضأ فأراهم كيف يتوضأ، فأخفى الوضوء إلى أماكنه، حتى لما أن فاء الفيء وانكسر الظل قام فأذن وصف الرجال في أدنى الصف، وصف الولدان خلفهم، وصف النساء خلف الولدان، ثم أقام الصلاة فتقدم، ورفع يديه وكبر، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة يسرهما، ثم كبر فركع. فقال: سبحان الله وبحمده ثلاث مرات ثم قال: سمع الله لمن حمده. ثم استوى قائماً، ثم كبر وخر ساجداً، ثم كبر فرفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم كبر فانتهض قائماً، فكان يكبر في أول ركعة ست تكبيرات، وكبر حين قام إلى الركعة الثالثة، فلما قضى صلاته أقدم إلى القوم بوجهه فقال: احفظوا تكبيري، وتعلموا ركوعي وسجودي، فإنها صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كان يصلي بنا هذه الساعة من النهار. ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قضى صلاته، أقبل إلى القوم بوجهه فقال: أيها الناس، اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله عز وجل فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس فألوى بيده إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ناس من الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله عز وجل؟! انعتهم لنا حلهم لنا شكلهم

فتروح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسؤال الأعرابي. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل، لم تتصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نوراً، وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، هم أولياء الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قال كعب بن عاصم الأشعري: ابتعت قمحاً أبيض ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي، فأتيت به أهلي، فقالوا: تركت القمح الأسمر الجيد وابتعت هذا؟ والله لقد أنكحني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياك وإنك لعيي اللسان، دميم الجسم، ضعيف البطش. فصنعت منه خبزة، فأردت أن أدعو عليها أصحابي الأشعريين، أصحاب الصفة. فقلت: أتجشأ من الشبع وأصحابي جياع؟! فأتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشكو زوجها وقالت: انزعني من حيث وضعتني. وأرسل إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمع بينهما، فحدثه حديثها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لم تنقمي منه شيئاً غير هذا؟! قالت: لا. قال: فلعلك تريدين أن تخلعي فتكوني كجيفة الحمار، أو تبغين ذا جمة فينانة، على كل جانب من قصته شيطان قاعد؟ ألا ترضين أني أنكحتك رجلاً من نفر ما تطلع الشمس على نفر خير منهم؟ قالت: رضيت. فقامت المرأة حتى قبلت رأس زوجها، فقالت: لا أفارق زوجي أبداً. وعن أبي مالك: أنه قدم هو وأصحابه في سفر، ومعه فرس أبلق، فلما أرسلوا وجدوا إبلاً كثيرة من إبل المشركين فأخذوها، فأمرهم أبو مالك أن ينحروا منها بعيراً فيستعينوا به، ثم مضى على قدميه حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره بسفره وأصحابه، والإبل التي أصابوا، ثم رجع إلى أصحابه. فقال الذين عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعطنا يا رسول الله من هذه الإبل. فقال: اذهبوا إلى أبي مالك. فلما أتوه، قسمها أخماساً، خمساً بعث به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخذ ثلث الباقي بعد الخمس، فقسمه بين أصحابه، والثلثين الباقيين بين

أبو مخرمة السعدي

المسلمين، فقسم بينهم، فجاءوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ما رأينا مثلما صنع أبو مالك بهذا المغنم! فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كنت أنا ما صنعت إلا كما صنع. وعن شريح بن عبيد الحضرمي أن أبا مالك الحضرمي لما حضرته الوفاة قال: يا سامع الأشعريين ليبلغ الشاهد منكم الغائب، أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة. توفي أبو مالك في زمن عمر بن الخطاب. وطعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة، وأبو مالك في يوم واحد. أبو مخرمة السعدي من أهل دمشق كان عبد الله بن أبي زكريا، وأبو مخرمة، وغيرهم من التابعين يغزون عليهم تبابين إلى الركبتين تحت السراويلات مخافة السلب، ويكرهون لبس التبان الذي لا يستر شيئاً إلا العورة، وكان أبو مخرمة لا يغير شيبه. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومعنا مكحول: أن رجلاً مر بكرم بأرض الروم، فقال لغلامه: أعطني مخلاتي حتى آتيهم من هذا العنب. فأخذها، ثم دفع فرسه. فبينما هو في الكرم إذا هو بامرأة على مثل سرير لم ينظر إلى مثلها قط. فلما رآها صد عنها بوجهه، فقالت: لا تصد عني، فإني زوجتك، وامض أمامك فسترى ما هو أفضل مني. فمضى، فإذا هو بأخرى مثلها فقالت له مثل ذلك. وأظنه أبا مخرمة. قال عطاء بن قرة: كنا مع أبي مخرمة فما عدا أن جاءنا من ذلك العنب، فوضعه ودعا بقرطاس ودواة

وكتب وصيته فلما رآه أبو كريب كتب وصيته، ثم قام مقاتل الليثي فكتب وصيته، ثم قام عمار بن أيوب فكتب وصيته، ثم قام عوف اللخمي فكتب وصيته، ثم لقينا برجان فما بقي من هؤلاء الخمسة أحد إلا قتل. قال: ولم نكتب نحن وصايانا فلم نقتل. قال سعيد: لا نعلم أحداً رأى الحور العين عياناً، إلا في المنام، إلا ما كان من أبي مخرمة، فإنه دخل كرماً لبعض حاجاته فرأى الحور عياناً في قبتها، وعلى سريرها، فلما رآها صرف وجهه عنها فقالت: إلي يا أبا مخرمة، فإني أنا زوجتك، وهذه زوجة فلان، وهذه زوجة فلان، فانصرف إلى أصحابه فأخبرهم، فكتبوا وصاياهم، ولم يكتب أحد وصيته إلا استشهد. قال سليمان بن حبيب: بينا أنا أطوف في سوق حمص، إذا أنا بعبد الله بن أبي زكريا، وأبي مخرمة وكان يتيماً في حجر أبي الدرداء قال: قلت: أين تريدان؟ قالا: نريد أبا أمامة. قلت: أفلا أنطلق معكما؟ قالا: بلى، إن شئت. فأتينا أبا أمامة، فدخلنا، فتحدث، ثم ذكر الكذب فعظم منه ما لم أسمع أحداً عظم منه ما عظم يومئذ أبو أمامة، ثم قال: إن الله يأمركم أن تنفقوا في سبيله، وجعل لكم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة؛ أضعاف كثير، وقال: " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه " ثم إنكم تبخلون على الله، أما والله، لقد فتحت الفتوح بأسياف ما حليتها الذهب والفضة ولكن حليتها الآنك والحديد. وفي حديث عن سليمان بن موسى قال: بينا أنا في سوق حمص في بعض ما كنت أعرو إذا أنا بعبد الله بن أبي زكريا وأبي مخرمة، قلت: أين تريدان؟ قالا: نريد أن نأتي أبا أمامة الحديث.

أبو مدرك

أبو مدرك أظنه عبد الله بن مدرك حدث عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج؛ مر علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً ونحن نتحدث فقال: ما تحدثون؟ قلنا: نتحدث عنك يا رسول الله قال: تحدثوا، وليتبوأ من كذب علي مقعده من جهنم. قال: ومضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته، وقد نكص القوم وأمسكوا عن الحديث، وهمهم ما سمعوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: ما شأنكم لا تحدثون؟ قالوا: الذي سمعنا منك يا رسول الله. قال: إني لم أرد ذلك، إنما أردت من تعمد ذلك. قال: فتحدثنا. وحدث عن عروة بن الزبير، عن أمه أسماء ابنة أبي بكر أنها قالت: ذبحنا فرساً، فأكلنا منه نحن أهل بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبو مذكور الخولاني قال أبو معيد: جاورنا شيخ من خولان كان ذا عبادة وعلم يكنى: أبا مذكور. قال: أخذ بيدي يوماً فوقف بي على طريق المزة الآخذ إلى باب دمشق، فقال: أراني أبو إدريس عائذ الله الخولاني هذا الموضع كما أريتك. فقال: يتداعى الناس بدمشق بدعوى جاهلية، تقطع فيها الأرحام، وتركب فيها الآثام، ويضاع فيها الإسلام، كأنكم بالخيل تعدو بردى في هذا النقب، لايرعون لله جلالة، ولا يخافون معاداً. قال أبو معيد فقلت للرجل: هل لذلك وقت؟ قال: نعم، أعدد خمسة ولاة من بني العباس.

أبو مرجى القرشي مولاهم الموقري

قال أبو العباس: كان هذا أمارات فتنة أبي العميطر، وهو الذي خرج بالمزة في أيام الخامس من بني العباس محمد بن زبيدة. قالوا: هذا وهم، وإنما هي فتنة أبي الهيذام. أبو مرجى القرشي مولاهم الموقري من أهل الموقر: حصن بالبلقاء من ناحية دمشق. حدث عن عبد الواحد بن قيس قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا بن آدم، لك ما نويت، وعليك ما اكتسبت، وأنت مع من أحببت، ومن مات بطريق كان من أهل ذلك الطريق. وفي حديث مثله: يا ابن آدم، لك ما قدمت، وعليك ما اكتسبت الحديث. أبو مرحوم العطار أحد الصالحين. قال يحيى بن جابر: خرجت أنا وخالد بن معدان وأبو الزاهرية، وأبو مرحوم العطار، نريد بيت المقدس فنزلنا منزلاً بفلسطين، فقال لنا رجل: إن هذه الأرض مسبعة فلا تنزلوها، فنزلنا وبيتنا فيها، فجاء السبع، فقام إليه خالد بقوسه، فقال له أبو مرحوم: أبوالقوس تقوم إليه يا خالد؟ فمشى إليه أبو مرحوم في قميصه حتى دنا منه، فقال له: أنت كلب من كلاب الله، ونحن عباد الله، جئنا نصلي في بيت المقدس، فلا تؤذ منا أحداً إلا أن يكون لك في أحدنا رزق. قال: وكأنما يكلم رجلاً، فانصرف السبع عنا مولياً، ونحن ننظر إليه.

أبو مرحوم المكي

أبو مرحوم المكي قدم من مكة على الأوزاعي ليسمع منه، فأهدى إليه طرائف من طرائف مكة. فقال له الأوزاعي: إن شئت قبلت منك، ولم تسمع مني حرفاً، وإن شئت فضم هديتك واسمع. أبو مريم الأزدي قدم أبو مريم على معاوية، فقال له معاوية: ما أقدمك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رأيت موقفك جئت أخبرك. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من ولاه الله من أمر الناس شيئاً فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم وفاقتهم، احتجب الله يوم القيامة عن حاجته وخلته وفاقته. وقيل: إنه دخل على معاوية، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من ولي من أمر الناس شيئاً، فأغلق بابه دون المسكين أو المظلوم أو ذي الحاجة، أغلق الله دونه أبواب رحمته عند حاجته وفقره أفقر ما يكون إليه. أقبل رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال له أبو مريم، غازياً، حتى بلغ الحفير واستأذن على معاوية بدمشق حين مر بها، فلم يجد أحداً يأذن له، فلما بلغ الحفير ذكر حديثاً سمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجع حتى أتى باب معاوية، فقال لبعض من عليه: أما منكم أحد رشيد يقول لأمير المؤمنين ها هنا أخوك أبو مريم؟ فقال معاوية: ويحكم! وحبستموه؟ ائذنوا له. فلما دخل عليه قال: مرحباً، ها هنا ها هنا يا أبا مريم. ثم قال: إني لم أجئك طالب حاجة، ولكني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من اغلق بابه دون ذوي الفقر والحاجة، أغلق الله عن فقره وحاجته باب السماء. فأكب معاوية يبكي، ثم قال: رد حديثك يا أبا مريم. فرده، ثم قال معاوية: ادعوا لي سعداً وكان حاجبه فدعي، فقال: يا أبا مريم، حدثه أنت كما سمعت. فحدثه أبو مريم. فقال معاوية لسعد: اللهم، إني أخلع هذا من عنقي، وأجعله في عنقك، من جاء يستأذن علي، فأذن له، يقضي الله على لساني ما قضى.

أبو مريم مولى سلامة

أبو مريم مولى سلامة شهد فتح إيلياء مع عمر بن الخطاب، فسار من الجابية فاصلاً حتى يقدم إيلياء، ثم مضى حتى يدخل المسجد، ثم مضى نحو محراب داود، ونحن معه، فدخلها، ثم قرأ سجدة ص، فسجد وسجدنا معه. أبو مريم خادم مسجد دمشق حدث عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أظنه قال: إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لتبلغوا بلداً لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، فجعل لكم الأرض، وعليها فاقضوا حوائجكم. وحدث عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى أن يبال في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه. وحدث عن أبي هريرة أنه قال: إن الملائكة يكونون يوم الجمعة على أبواب المساجد. أبو مسلم الجليلي ويقال: الجلولي والأول: أصح. من جبل الجليل. وكان من أهل الكتاب وكان معلم كعب الأحبار، وأدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يسلم، وأسلم في عهد معاوية. وقيل: في عهد عمر. وقيل: في عهد أبي بكر. قال أبو قلابة: إن أبا مسلم الجليلي أسلم على عهد معاوية، فأتاه أبو مسلم الخولاني فقال: ما منعك أن تسلم على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، حتى أسلمت الآن؟ فقال: إني وجدت في التوراة أن هذه الأمة ثلاثة أصناف، صنف يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً، وصنف يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنة،

فأردت أن أكون من الأولين، فإن لم أكن منهم كنت من الذين يحاسبون حساباً يسيراً، فإن لم أكن منهم كنت من الذين يصيبهم شيء ثم يدخلون الجنة. وفي حديثٍ آخر أنه أسلم في زمن عمر، وأنه قال في الصنف الثالث: وصنف يوقفون، فيؤخذ بهم ما شاء الله، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه، فنظرت فإذا الصنف الأول قد فاتني، وأرجو أن أكون في الصنف الثاني، وأرجو أن لا يخطئني الثالث. فهذا الذي حملني على الإسلام. كان لأبي مسلم الخولاني جار يهودي، يكنى أبا مسلم، فكان يمر به فيقول: أبا مسلم، أسلم تسلم. فيقول: إن لي ديناً خيراً من دينك. فمر به ذات يوم، وهو قائم يصلي، فلما انصرف، قال له: يا أبا مسلم، ألم أكن أدعوك إلى هذا الدين فتأبى علي؟ قال: بلى، ولكن قرأت في التوراة غير المبدلة أن هذه الأمة تأتي يوم القيامة على ثلاثة أصناف: صنف يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وصنف يحاسبون حساباً يسيراً، ويبقى صنف أوزارهم على ظهورهم كأمثال الجبال، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي، من هؤلاء؟ فتقول: هؤلاء عبادك، كانوا يشهدون أن لا إله إلا أنت. قال: فيقول تبارك وتعالى: خذوا أوزارهم وضعوها على المشركين. فيدخلون الجنة. كان أبو مسلم الجليلي يكنى أبا السموأل، فكناه أبو بكر أبا مسلم. دخل أبو مسلم الجليلي على معاوية. فقال: اضمن لي خصلة، أضمن لك ألا يظهر على أمتك عدو، امنعهم من الزرع فإنه مكتوب أن الرعب مع الزرع. دخل أبو مسلم الجليلي على معاوية قبل أن يستخلف فقال: السلام عليك أيها الأجير. فقال القوم: أيها الأمير. فأعادها. فقال معاوية: دعوا الشيخ، فإنه أعلم بما يريد. فقال: اعلم أنه ليس من راعي رعية إلا وصاحبها سائله عنها، فإن هنأ جرباها، وجبر كسراها، ورد أولاها على أخراها، ورعاها في أنف الكلأ، وسقاها صفو الماء، وفاه أجره، وإن لم يفعل لم يعطه أجره، وعاقبه.

أبو مسلم العبدي

لقي أبو مسلم الخولاني أبا مسلم الجليلي، فقال الجليلي: كيف منزلك من قومك؟ قال: إنهم ليعرفون حقي، ويعرفون شرفي. فقال الجليلي: ما هكذا تقول التوراة. فقال الخولاني: وكيف تقول التوراة؟ قال: تقول: إن أشد الناس بغضاً للمرء الصالح قومه، ومن هو بين أظهرهم. وإن أشد الناس له حباً أبعد الناس منه. فقال أبو مسلم الخولاني: صدقت التوراة، وكذب أبو مسلم. ثم قال الخولاني للجليلي: ما أدنى ما يدخل به الرجل الجنة؟ فقال الجليلي: أجد في كتاب الله العتيق أن رجلاً أتى السوق، فاشترى قميصاً سنبلانياً بخمسة دراهم فلبسه فحمد الله وجبت له الجنة، ورجل أتى أهله وهو جائع فقرب له خبز وزيت فأكل فحمد الله وجبت له الجنة، ورجل أتى السوق فاشترى دابة فركبها فحمد الله وجبت له الجنة. أبو مسلم العبدي حدث أنه رأى سلمان الفارسي، ورأى رجلاً يريد أن ينزع خفية للضوء، فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وناصيته وعمامته، وقال سلمان: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والخمار. أبو مسلم الثعلبي قال: انطلقت إلى بيت المقدس، فأتيته، ثم رجعت، حتى إذا كنت بدمشق على رأس ميلين، أدركني رجل، فسألته: من أين جئت؟ فقال: من بيت المقدس. فقلت: هل لقيت أبا أمامة؟ قال: نعم. قلت: فما حدثك؟ قال: حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما على الأرض من مسلم يتوضأ، فيحسن الوضوء لصلاة مفروضة، إلا غفر له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجلاه، أو قبضت عليه يداه، أو نظرت إليه عيناه، واستمعت إليه أذناه، ونطق به لسانه، وحدثته به نفسه. قال: قلت له: أنت سمعت هذا من

أبو مشجعة بن ربعي الجهني

أبي أمامة؟ قال: نعم. قال: قلت: دمشق علي حرام إن دخلتها حتى أرجع إلى أبي أمامة فرجعت إليه فوجدته في صحن المسجد، قاعداً يتفلى فيأخذ الدواب فيدفنها في الحصى قال: قلت: يا أبا أمامة، إني لقيت رجلاً فحدثني أنك حدثته أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ما على الأرض من مسلم يتوضأ، فيسبغ الوضوء لصلاة مفروضة، إلا غفر له في ذلك اليوم، ما مشت إليه رجلاه، أو قبضت عليه يداه، أو نظرت إليه عيناه، واستمعت إليه أذناه، ونطق به لسانه، وحدثته به نفسه. قال: فحلف بالله الذي لا إله إلا هو، لقد سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أبو مشجعة بن ربعي الجهني عم مسلمة بن عبد الله. شهد خطبة عمر بالجابية. قال أبو مشجعة: عدنا مع عثمان بن عفان مريضاً، فسمعته يقول: خاض في رحمة الله، فإذا جلس عند مريض، غمرته الرحمة. قال: قلنا له: أشيء سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: بل سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحدث أبو مشجعة عن أبي الدرداء قال: ما دعي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى لحم إلا أجاب، ولا أهدي له إلا قبله. حدث أبو مشجعة عن أبي زميل الجهني، قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الصبح قال، وهو ثانٍ رجليه: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، إن الله كان تواباً. سبعين مرة ثم يقول: سبعين، بسبع مئة، لا خير فيمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبع مئة، ثم يقول ذلك مرتين، ثم يستقبل الناس بوجهه وكان تعجبه الرؤيا، ثم يقول: هل رأى أحد منكم شيئاً؟ قال ابن زمل: فقلت: أنا يا نبي الله. قال: خير تلقاه، وشر توقاه، وخير لنا، وشر على أعدائنا، والحمد لله رب

العالمين، اقصص. فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب، والناس على الجادة منطلقين، فبينما هم كذلك إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله، يرف رفيفاً يقطر ماؤه، فيه من أنواع الكلأ. قال: فكأني بالرعلة الأولى حين أشفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فلم يظلموه يميناً ولا شمالاً. قال: فكأني أنظر إليهم منطلقين، ثم جاءت الرعلة الثانية، وهم أكثر منهم أضعافاً، فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث ومضوا على ذلك. قال: ثم قدم عظم الناس فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا: هذا حين المنزل. كأني أنظر إليهم يميلون يميناً وشمالاً. فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج فإذا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت في أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل آدم شتل أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طولاً، وإذا عن يسارك رجل ربعة تار أحمر كثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراماً له. وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقاً ووجهاً، كلكم تؤمونه تريدونه. وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف فإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعتها. قال: فانتقع لون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعة ثم سري عنه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب، فذاك ما حملتكم عليه من الهدى، وأنتم عليه.

وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها ولم تتعلق منا، ولم نردها، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا، وهم أكثر منا أضعافاً، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ونجوا على ذلك. ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يميناً وشمالاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأما أنت فمضيت على طريق صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني. وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات، وأنا في أعلاها درجة، فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفاً. وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشتل فذاك موسى عليه السلام، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه. والذي رأيت عن يساري التار الربعة، الكثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء، فذاك عيسى بن مريم نكرمه إكرام الله إياه. وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقاً ووجهاً، فذاك أبونا إبراهيم، كلنا نؤمه ونقتدي به. وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أتبعها، فهي الساعة، علينا تقوم، لا نبي بعدي، ولا أمة بعد أمتي. قال: فما سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعاً. الطريق الرحب: الواسع. واللاحب: الطريق المنقاد الذي لا ينقطع. يرف رفيفاً: يقال ذلك للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى يكاد يهتز. والرعلة: يقال للقطعة من الفرسان رعلة، ولجماعة الخيل: رعيل. وأشفوا على المرج: أشرفوا، ولا يكاد يقال: أشفى، إلا على الشر، وكذلك هو على شفى، أكثر ما يستعمل في الشر، وأكبوا رواحلهم: هكذا ورد، وإنما هو كبوا رواحلهم. وكببت الإناء: قلبته، وكبه الله لوجهه

بغير ألف وأكببته أنا على عملي، ومعنى كبوا رواحلهم: ألزموها الطريق. وكببت الجزور: عقرته. وقوله المرتع: يقال: رتعت الإبل إذا رعت، وأرتع الرجل: إذا خلى الركاب ترعى، ومنه قوله " يرتع ويلعب " والمدنيون يقرؤون " يرتع " بكسر العين، أي: يحفظ بعضنا بعضاً. ومنهم الآخذ الضغث، الضغث: الحزمة تجمعها من الخلاء ومن العيدان، أراد أن الفرقة الثانية نالت من الدنيا، وأن الأولى لم تنل شيئاً. لزموا الطريق فلم يظلموه، أي: يعدلوا عنه، وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وقوله: قالوا: هذا حين المنزل: يريد أنهم ركنوا إلى ما في المرج من الرعي، وأوطنوه، وتخلفوا عن الفرقتين المتقدمتين. وقوله: يكاد يفرع الرجال: أي يطولهم. وقوله: فانتقع لون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي تغير. يقال: امتقع وانتقع. والجيدة: امتقع. وقوله: ثم سري عنه: أي كشف ذلك عنه. قال أبو مشجعة: لما قدم عمر بن الخطاب الجابية لفرض الخراج، وذلك بعد وقعة اليرموك، قال: فشهدته دعا بكرسي من كراسي الكنيسة، فقام عليه، فقال: إن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام فينا فقال: أيها الناس، إن خياركم أصحابي، ألا ثم الذين يلونهم ألا ثم يظهر الكذب، ويكثر الحلف، حتى يحلف الرجل وإن لم يستحلف، ويشهد وإن لم يستشهد، ألا فمن أراد بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة، يد ربكم على الجماعة، ألا وإن الشيطان ذئب بني آدم، فهو مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ألا لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له إلا كان الشيطان ثالثهما، ألا من ساءته سيئاته وسرته حسناته فهو مؤمن، قمت فيكم بقد ما قام به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا. ثم ارتحل حتى نزل أذرعات. وقد ولى على الشام يزيد بن أبي سفيان. فدعا بغدائه، فلما فرغ من الثريد وضعت بين يديه قطعة أخرى، فصاح وقال: ما هذا؟

فأرسل يزيد إلى معاوية، وكان صاحب أمره. فقال معاوية: ما الذي أنكرت يا أمير المؤمنين؟ قال: ما بالي توضع بين يدي قصعة، ثم ترفع وتوضع أخرى؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنك هبطت أرضاً كثيرة الأطعمة، فخفت عليك وخامتها، فأشر إلى أيها شئت حتى ألزمكه فأشار إلى الثريد. فقال قسطنطين لمعاوية: خادماً خرجت منها. فلما فرغ من غذائه قام قسطنطين وهو صاحب بصرى بينيديه فقال: يا أمير المؤمنين، إن أبا عبيدة قد فرض علي الخراج، فاكتب لي به. فأنكر عمر ذلك. قال: وما فرض عليك؟ قال: فرض علي أربعة دراهم وعباءة على كل جلجلة يعني الجماجم فقال عمر لأبي عبيدة: ما يقول هذا؟ قال: كذب، ولكني كنت صالحته على ما ذكر ليستمتع به المسلمون في شتائهم هذا، ثم تقدم أنت فتكون الذي يفرض عليهم الخراج. فقال له عمر: أبو عبيدة أصدق عندنا منك. فقال قسطنطين: صدق أبو عبيدة وكذبت أنا. قال: فويحك، ما أردت بمقالتك؟ قال: أردت أن أخدعك، ولكن افرض علي يا أمير المؤمنين أنت علينا الآن. فجاثاه الفتى مجاثاة الخصم عامة النهار. ففرض على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى الوسط أربعة وعشرين، وعلى المفلس المدقع اثني عشر، وشرط عليهم عمر أن يشاطرهم منازلهم، وينزل فيها المسلمون، وعلى ألا يضربوا بناقوس، ولا يرفعوا صليباً إلا في جوف كنيسة، وعلى ألا يحدثوا إلا ما في أيديهم، وعلى ألا يقروا خنزيراً بين أظهر المسلمين، وعلى أن يقروا ضيفهم يوماً وليلة، وعلى أن يحملوا راجلهم من رستاق إلى رستاق، وعلى أن يناصحوهم ولا يغشوهم، وعلى ألا يمالئوا عليهم عدواً. فمن وفى لنا وفينا له ومنعناه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، ومن انتهك شيئاً من ذلك، استحللنا بذلك سفك دمه وسباء أهله وماله. فقال له قسطنطين: يا أمير المؤمنين، اكتب لي كتاباً. قال: نعم. ثم ذكر عمر فقال: أستثني عليك معرة الجيش فقال له النبطي: لك ثنياك وقبح الله من أقالك. فلما فرغ، قال له قسطنطين: يا أمير المؤمنين، قم في الناس فأعلمهم كتابك، ليتناهوا عن ظلمنا، والفساد علينا. فقام عمر فخطب خطبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما بلغ: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. قال النبطي: إن الله لا يضل أحداً. فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، شيئاً تكلم به. فعاد عمر في الخطبة،

ثم أعاد النبطي المقالة، فقال: أخبروني ما يقول؟ قالوا: إنه يقول: إن الله لا يضل أحداً. فقال عمر: والذي نفسي بيده، لئن عدت لأضربن الذي فيه عيناك. ومضى عمر في خطبته، فلما فرغ، قام قسطنطين فقال: يا أمير المؤمنين. لي إليك حاجة، فاقضها لي، فإن لي عليك حقاً. قال: وما حقك علينا؟ قال: إني أول من أقر لك بالصغار. قال: وما حاجتك؟ إن كان لك فيها منفعة فعلنا. قال: تغدى عندي أنت وأصحابك، قال: ويحك، إن ذلك يضرك. قال: ولكنها مكرمة وشرف أناله. قال: فانطق حتى نأتيك. قال: فانطلق، فهياً في كنيسة بصرى ونجدها وهيأ فيها الأطعمة، وقباب الخبيص وكانوناً عليه المجمر. فلما جاء عمر وأصحابه نزلوا في بعض البيادر، ثم خرج يمشي، وتبعه الناس، والنبطي بين يديه، ثم بدا لعمر فقال: لا يتبعني أحد. ومضى هو والنبطي، فلما دخل الكنيسة إذا هو بالستور والبسط وقباب الخبيص والمجمر. فقال عمر للنبطي: ويلك، لو نظر من خلفي إلى ما ها هنا لفسدت علي قلوبهم، اهتك ما أرى. قال: يا أمير المؤمنين، إني أحب أن ينظروا إلى نعمة الله تعالى علي. قال: إن أردت أن نأكل طعامك فاصنع ما آمرك. فهتك الستور، ونزع البسط، واخرج عنه المجمر. ثم قال: اخرج إلى رحالنا، فأتني بأنطاع، فأخذها عمر فبسطها في الكنيسة، ثم عمد إلى ذلك الخبيص وما كان هيأ، فعكس بعضه على بعض وقال له: أعندك شيء آخر؟ قال: نعم، عندنا بقل وشواء قال: ائتني به قال: فأخذه فخلط الشواء بالخبيص بعضه على بعض، وجعل يحمل بين يديه ويجعله على الأنطاع. فقال النبطي: يا أمير المؤمنين، إن هذا الطعام لا يؤكل هكذا! فقال عمر: ويل لك ولأصحابك إذا جاء من يحسن يأكل هذا. ثم قال: ادع الناس. فجاءوا، فجثوا على ركبهم فأقبلوا يأكلون، فربما وقعت اللقمة من الخبيص في فم الرجل فيقول: إن هذا طعام ما رأيناه. فيقول عمر: ويلك، أما تسمع؟ كيف لو رأيت ما رأيت. فلما فرغوا، قال النبطي لمعاوية: إن الأحبار والرهبان قد اجتمعوا، وهم يريدون أن ينظروا إلى أمير المؤمنين، وإنما عليه أخلاق وسخة، فهل لك أن تخدعه حتى ينزعها ويلبس ثياباً، حتى يقضي جمعته؟ فقال له معاوية: أما أنا فلا أدخل

في هذا بعد إذ نجوت منه أمس. فقال له النبطي: يا أمير المؤمنين، ثيابك قد اتسخت، فإن رأيت أن تعطيناها حتى نغسلها ونرمها قال: نعم. فغسل الثياب وتركها في الماء، ثم هيأ له قميصاً مروياً ورداءً قصباً. فلما حضرت الجمعة قال له عمر ائتني بثيابي. فقال له: يا أمير المؤمنين، ما جفت، ونحن نعيرك ثوبين حتى تقضي جمعتك. فقال: أرني. فلما نظر إلى القميص قال: ويحك!! كأنما رفي هذا رفواً. اغربهما عني، وائتني بثيابي. فجاء بها تقطر، فجعل يتناولها، وجعل النبطي يأخذ بطرف الثوب، وعمر بالطرف الآخر، ويعصرها، ثم دعا بكرسي من كراسي الكنيسة فقام عليه يخطب الناس، ويمسح ثيابه ويمددها قال: فسأله: أي شيء كانت ثيابه؟ قال: غزل كتان. قال: فجاءت الرهبان فقاموا وراء الناس، وعليهم البرانس تبرق بريقاً، ومعهم العصي فيها تفاح الفضة، ومعهم المواكب. فلما نظروا إلى هيئته قالوا: أنتم الرهبان؟! لا والله، ولكن هذه الرهبانية، ما أنتم عنده إلا ملوك. ثم ارتحل عمر إلى دمشق، فشاطرهم منازلهم وكنائسهم، وجعل يأخذ الحيز القبلي من الكنيسة لمسجد المسلمين، لأنها أنظف وأطهر، وجعل يأخذ هو بطرف الحبل، ويأخذ النبطي بطرف الحبل، حتى شاطرهم منازلهم. قال: فربما أن خف فأخذ الحبل منه فأعقبه. ففرغ عمر من دمشق وحمص، وبعث أبا عبيدة إلى قنسرين وحلب ومنبج، ففعل بها كما فعل عمر، ورجع عمر من حمص إلى المدينة. ولما نزل أبو عبيدة منبج بعث عياض بن غنم في عشرين فارساً، فأتى الرها وقد اجتمع بها أهل الجزيرة من الأنباط، فأتاها ابن غنم، فوقف عند بابها الشرقي على فرس أحمر محذوف قال من سمع عياضاً وهو يدعوهم إلى الإسلام: فأبوا عليه، فعرض عليهم الجزية، فأقروا وقد عرفوا شرط عمر بن الخطاب على أهل الشام فقالوا: نقر، على أن

أبو المصبح المقرائي الأوزاعي

نشترط، قال: نعم، فاشترطوا كنائسهم التي في أيديهم على أن يؤدوا خراجها وما لجأ إليها من طائر وصلمهم التي في كنيستهم الصلم: الخشبة التي يزعمون أن عيسى بن مريم صلب عليها، لم يقل صلبهم وسور مدينتهم. قال عياض: فإني أشترط أنا أيضاً. فاشترط عليهم أن يشاطرهم منازلهم وينزل فيها المسلمون، وعلى أن يحدثوا كنيسة إلا ما في أيديهم، وعلى ألا يرفعوا صليباً، ولا يضربوا بناقوس إلا في جوف كنيسة، وأن يقروا ضيف المسلمين يوماً وليلة، وعلى أن يحملوا راجل المسلمين من رستاق إلى رستاق، وعلى ألا يقروا خنزيراً بين ظهراني المسلمين، وعلى أن يناصحوا المسلمين فلا يغشوهم ولا يمالئوا عليهم عدواً، فمن وفى لنا وفينا له ومنعناه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا، ومن انتهك شيئاً من ذلك، استحللنا سفك دمه، وسباء أهله وماله. فقالوا: اكتب بيننا وبينك كتاباً، فتورك عياض على فرسه. فلما فرغ قالوا: اشهد لنا، فكتب: شهد الله وملائكته، وكفى بالله شهيداً. ودفع الكتاب إليهم. فدخل في شرطهم جميع أهل الجزيرة. وأما الأرض ففيء للمسلمين، وأنتم عمالهم فيها. في هذا الخبر أن عمر بن الخطاب جعل أهل الجزية طبقات، ففرض على أغنيائهم مقداراً من الجزية، وعلى المتوسط منهم مقداراً متوسطاً، بين ما فرض على أعلاهم طبقة، وما جعله على أدونهم في الوجد منزلة. وظهر ذلك من فعله، واستفاض في الصحابة، فلو ينكر أحد منهم ولا خالف، ثم تلاه في ذلك أئمة العلم في الأمصار. وكان الشافعي يرى أن لا يتجاوز في قدر الجزية ديناراً وعدله. أبو المصبح المقرائي الأوزاعي قال أبو مصبح الحمصي: بينا نحن نسير بأرض الروم في صائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله. فقال جابر: أصلح دابتي، واستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. فأعجب مالكاً قوله، حتى إذا كان

أبو مصعب مولى بني يزيد

حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: أي أبا عبد الله، اركب فقد حملك الله. فعرف جابر الذي أراد، فأجابه فرفع صوته فقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار. فتواثب الناس عن دوابهم، فما رأينا يوماً أكثر ماشياً منه. وحدث أبو مصبح، عن شرحبيل بن الشمط، عن عبادة بن الصامت قال: دخلنا على عبد الله بن رواحة نعوده، فأغمي عليه، فقلنا: يرحمك الله، إن كنا لنرجم لك الشهادة، وإن كنت لتحب أن تموت على غير هذا. فدخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن نذكر هذا. فقال: ففيم تعدون الشهادة؟ فأرم القوم، وتحرك عبد الله بن رواحة فقال: ألا تجيبون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثم أجابه هو فقال: نعد الشهادة القتل في سبيل الله. قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، القتل شهادة، والبطن شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والنفساء يقتلها ولدها جمعاً شهادة. المقراء: قرية بدمشق. والنهراء: سكة بالفسطاط. أبو مصعب مولى بني يزيد قال أبو مصعب: كنت أرى واثلة بن الأسقع يتغدى ويتعشى بفناء داره، ويدعوا الناس إلى طعامه. أبو معاوية الأسود الزاهد مولى بني أمية. قال القاسم بن عثمان الدمشقي: قلت ليمان بن أبي معاوية الأسود العابد: رأيت إبراهيم بن أدهم؟ فضحك وقال: وأكبر من إبراهيم بن أدهم. قلت: من؟ قال: سفيان

الثوري، ثم قال: سمعت أخي سفيان الثوري يقول: ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة، وحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه. قال يحيى بن يحيى: إن كان أحد قد بقي من الأبدال فحسين الجعفي منهم، وأبو معاوية الأسود. قال يحيى بن معين: رأيت أبا معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل ويغسلها ويلفقها ويلبسها فقيل له: يا أبا معاوية، إنك تكسى خيراً من هذا. فقال: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا إذا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة. وقال: كان أبو معاوية يخرج فيلتقط أسفل جزرة أو شيئاً مطروحاً، لقمة أو عدداً، فيجمع من هذا ثم يطبخه فيأكله. وكان رجل صدق، وكان يقول: ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا إذا جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة. ثم قال يحيى بن معين: صدق والله، ما ضر رجلاً أتقى الله على ما أصبح وأمسى من أمر الدنيا، وما الدنيا إلا كحلم. لقد حججت وأنا ابن أربع وعشرين سنة. خرجت راجلاً من بغداد إلى مكة، هذا منذ خمسين سنة، كأنما كان أمس. أغلظ رجل لأبي معاوية بالكلام وهو لا يعرفه فقال له أبو معاوية: أستغفر الله من ذنبٍ سلطك به علي. كان أبو معاوية ذهب بصرة، فإذا أراد أن يقرأ نشر المصحف فيرد الله عليه بصره، فإذا أطبق المصحف ذهب بصره. قال أبو الزاهرية: قدمت طرطوس، فدخلت على أبي معاوية الأسود وهو مكفوف البصر، وفي منزله مصحف معلق. فقلت: رحمك الله، مصحف وأنت لا تبصر؟ قال: تكتم علي يا أخي حتى أموت؟ قلت: نعم. قال: إني إذا أردت أن أقرأ فتح بصري. قال أحمد بن أبي الحوري: قلت لأبي معاوية الأسود: ما أعظم النعمة علينا في التوحيد، نسأل الله ألا يسلبناه. قال: يحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه.

أبو المعطل

وقال أبو معاوية: الله أكرم من أن ينعم بنعمة إلا أتمها، أو يستعمل بعمل إلا قبله. وقال أبو معاوية: بادر قبل نزول ما تحاذر، وقدم صالح الأعمال، ودع عنك كثرة الأشغال، لا تهتم بأرزاق من تخلف، فليست أرزاقهم تكلف. جاء قوم إلى أبي معاوية، قالوا: ادع الله لنا. قال: اللهم، ارحمني بهم، ولا تحرمهم بي. قال أبو معاوية: من كانت الدنيا أكبر همه، طال غداً في القيامة غمه؛ من خاف الوعيد لهي في الدنيا عما يريد؛ من خاف ما بين يديه، ضاق ذرعه بما في يديه؛ إن كنت يا أبا معاوية تريد لنفسك الجزيل فلا تنم بالليل ولا تقيل؛ وطن نفسك للمقال إذا وقفت غداً للسؤال. قال أبو معاوية: إن لكل شيء نتاجاً، ونتاج العمل الصالح الحزن، المحزون بأمر الله في علو من الله. قال أبو معاوية: إذا قال الرفيق للرفيق: أين قصعتي؟ فليس برفيق. خرج أبو معاوية الأسود من الشام إلى مكة، إلى فضيل بن عياض يعزيه بابنه علي، ولم يخرج لحج ولا عمرة. أبو المعطل مولى بني كلاب. أدرك معاوية وحكى عنه. قال: مر بنا أبو معاوية ونحن في المكتب يعود درة في نحوٍ من عشرة، فقال لنا المعلم: ما سلمتم على أمير المؤمنين، إذا رجع فسلموا عليه. فلما رجع قمنا إليه فقلنا: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. قال: اللهم بارك في ذراري أهل الإسلام. اللهم بارك في ذراري أهل الإسلام.

أبو معين الرازي

أبو معين الرازي اسمه الحسين بن الحسن، ويقال: محمد بن الحسين. أحد الحفاظ. حدث عن عبد الرحمن بن عبد الملك الحزامي بسنده إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له فيه من يؤذيه. قال أبو معين: أردت الحجامة يوم السبت، فقلت للغلام: ادع لي الحجام. فلما ولى الغلام ذكرت خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من احتجم يوم السبت فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه. فدعوت الغلام، ثم تفكرت فقلت: هذا حديث في إسناده بعض الضعف، فقلت للغلام: ادع لي الحجام. فدعاه فاحتجمت، فأصابني البرص، فنذرت لله نذراً لئن أذهب الله ما بي من البرص لم أتهاون في خبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيحاً أو سقيماً. فأذهب الله عني ذلك البرص. أبو المغيرة الصوفي الدمشقي قال: رأيت ثمامة بن حنظلة الصوفي وقد نظر إلى غلام، فتنفس نفساً كادت نفسه أن تخرج. فقلت له في ذلك. فقال: إني نظرت إلى وجه رددت فيه طرفي، وأجلت فيه فكري، فلم أر امرأ يمكن واصف أن يجده، ولا ممثل أن يصوره، ثم مثلته لقلبي وقد أقام في قبره ثلاثاً، فكادت نفسي تذهل، وعقلي يذهب. أبو منبه إن لم يكن عمر بن منبه. ويقال: ابن مزيد السعدي، فهو غيره. قال: قال عمر بن عبد العزيز: إن الحجاج لما بنى واسط إنما بناها إضراراً بالمصرين. يعني: الكوفة والبصرة. قال: وقد أردت أن أهدم مسجدها، وأرد كل قوم إلى وطنهم.

أبو منهال الخارجي

فقلت: يا أمير المؤمنين، إن بها قوماً ولدوا بها لا يعرفون غيرها، ومسجد جماعة يقرأ فيه القرآن. فسكت. أبو منهال الخارجي شاعر وفد على عبد الملك بن مروان. وقال لعبد الملك: من الطويل فأبلغ أمير المؤمنين رسالةً ... وذو النصح لو يدعى إليه قريب فلا صلح ما دامت منابر أرضنا ... يقوم عليها من ثقيف خطيب فإنك إن ترض بكر بن وائل ... يكن لك يوم بالعراق عصيب فإن يك منكم كان مروان وابنه ... وعمرو ومنكم هاشم وحبيب فمنا حصين والبطين وقعنب ... ومنا أمير المؤمنين شبيب فطلبه عبد الملك، فهرب، فلحق بأمية بن عبد الله فأمنه ووفد معه إلى عبد الملك، وطلب فيه فأمنه وخلى سبيله. أبو منيب الجرشي الأحدب بضم الجيم، وفتح الراء، وكسر الشين المعجمة. حدث عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم. وحدث عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث أحافظ عليهن: سبحة الضحى لا أدعها في

أبو المهاجر الدمشقي

حضر ولا سفر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، استكمل بذلك الدهر. أبو المهاجر الدمشقي روى عن أبي ذر الغفاري قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كما لا تجتني من الشوك العنب، لا تنزل الفجار منازل الأبرار، وهما طريقان فأيها أخذتم أدتكم إليه. أبو المهاصر من حرس عمر ين عبد العزيز. قال: كنت رسول عمر بن عبد العزيز إلى عماله، فبعثني بعض عماله، فلما أقبلت نظر إلي وتمثل: من الطويل أخا سفر جواب أرضٍ تقاذفت ... به فلوات؛ فهو أشعث أغبر ما ورائك؟ قلت: خيراً يا أمير المؤمنين. فسألني عن الأسعار فأخبرته، وسألني عن القاضي والوالي فأخبرته، ثم أخرجت جراب مسك بعث به إليه معي، فلما وجد ريحه أمسك أنفه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن له وزناً فليس ريحه من وزنه شيئاً. فقال: إنما ينتفع منه بريحه، فأكره أن أجد ريحه. 2159 - ابن أبي محجن الثقفي دخل ابن أب محجن على معاوية. فقال معاوية: أبوك الذي يقول: من الطويل إذا مت فادفني إلى أصل كرمةٍ ... تروي عظامي بعد موتي عروقها فقال: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. قال: ما هو؟ قال: قوله من البسيط

ابن مقبل

لا تسأل القوم: ما مالي وما حسبني ... وسائل القوم: ما حزمني وما خلقي القوم أعلم أني من سراتهم ... إذا تطيش يد الرعديدة الفرق قد أركب الهول مسدولاً عساكره ... وأكتم السر فيه ضربة العنق أعطي السنان غداة الروع حصته ... وعامل الرمح أرويه من العلق ابن مقبل شاعر، شهد صفين مع معاوية، وكان يمدح أهل الشام، ويحث على الطلب بدم عثمان، ويعرض بعلي رضي الله عنهما، وكان النجاشي في عسكر علي، فمن قول ابن مقبل للنجاشي: من الطويل ولو شهدت أم النجاشي ضربنا ... بصفين فدتنا بكل مكان ولو كنت وجه الخنفساء شهدتنا ... حملت قناة غير ذات سنان فأجابه النجاشي: من الطويل وما دفنت قتلى سليم وعامرٍ ... بصفين حتى حكم الحكمان ونجى ابن حرب سابح ذو علالة ... أجش هزيم والرماح دواني إذا قلت أطراف الرماح ينشنه ... مرته به الساقان والقدمان

أسماء النساء على حرف الميم

أسماء النساء على حرف الميم أم محمد بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كانت زوج يزيد بن معاوية. خطب يزيد بن معاوية بنت عبد الله بن جعفر ذي الجناحين إلى أبيها، فزوجه، فلما أهديت إليه من المدينة إلى الشام خرج فتلقاها، وأنشأ يقول: من الطويل جاءت بها دهم البغال وشهبها ... مسترة في جوف قر مستر مقابلة بين النبي محمد ... وبين علي والجواد بن جعفر منافية غراء جادت بودها ... لعبد مناف أغر مشهر فلما بلغت أبياته عبد الله بن جعفر قال: ما أراه ينسي نفسه في كل حال. أم مروان بنت مروان بن محمد بن مروان بن الحكم كانت مع أبيها لما خرج من دمشق هارباً إلى مصر، فلما قتل أبوها ألقي رأسه في حجرها، ثم خرجت إلى المغرب مع أخويها عبد الله وعبيد الله، ولقيت ما لقياه من الشدائد، ورجعت إلى العراق وسكنت الحيرة. وقيل: بل أتي بها إلى أبي العباس، فحبست ثم أطلقت. وكانت صابرة على المشي والعطش كصبر الرجال.

أم مسكين بنت عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب

أم مسكين بنت عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب امرأة يزيد بن معاوية. تزوج يزيد بن معاوية أم مسكين، فغارت امرأته أم هاشم، وقعدت تبكي، فقال يزيد: من الرجز مالك أم هاشم تبكين ... باعت على بيعك أم مسكين ميمونة من نسوة ميامين ... زارتك من يثرب في حوارين في منزل كنت به تكونين أم مسلم الخولانية زوج أبي مسلم الخولاني، وزوج عمرو بن عبد الخولاني بعد أبي مسلم. سئلت: أي الرجلين أفضل؟ قالت: أما أبو مسلم فإنه لم يكن يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. وأما عمرو بن عبد فإنه كان ينار عليه في محرابه، حتى إني كنت أختدم على ضوء نوره من غير مصباح. قالت أم مسلم لأبي مسلم: قد حضر الشتاء، وليس لنا كسوة ولا طعام ولا إدام ولا حذاء ولا حطب. قالت: تخبره بحاجتك وجهدنا. قال: ويحك! إني لأستحي أن أطلب حاجتنا إلى غير الله عز وجل. فلما أكثرت عليه قال: ويحك! جهزيني. قال: ثم عمد إلى المسجد فقال: إلهي، إن أم مسلم بعثتني إلى معاوية، وأنا إنما خرجت إليك، وأنت تعرف حاجتي. ومكث يومه ذلك في المسجد، فلما صلى الناس العشاء الآخرة، وخلا له المسجد جثا على ركبتيه ثم قال: اللهم، قد تعرف حالي فيما بيني وبينك، وقد سمعت مقالة أم مسلم

وقد بعثتني إلى معاوية، وأنت تعرف أي شيء طلبت وقالت، وخزائن الدنيا كلها بيدك، وإنما معاوية خلق من خلقك، وقد أعطيته ما أعطيته، وإنما أسألك من خيرك الكثير اليسير، فاكس إلهي صبياني قمصاً وخفافاً وفراء، واكس زوجتي قميصين ودرعاً وخماراً وعجل لنا الساعة براً وعدساً وزيتاً وحطباً، وارزقني برنساً خفيفاً دفيئاً أصلي لك فيه، وارزقني فرساً حصاناً وساعاً جواداً طاهر الخلق، إن طلبت العدو عليه أدركته، وإن طلبوني لم يدركوني، وعجل ذلك لي الساعة، فإن خزائنك لا تنفذ، وخيرك لا ينقص، وأنت بي عالم، قد تعلم أنك أحب إلي من سواك، فإن تعطني هذا الساعة حمدتك عليه كثيراً، وإن تمنعنيه فلك الحمد كثيراً. قال: ورجل من آل معاوية في المسجد يسمع مقالته، فخرج يشتد حتى دخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، عجباً سمعته آنفاً في المسجد، رجل يناجي ربه كما يناجي الإنسان الإنسان، يسأله في دعائه قمصاً وفراء وخفافاً وبراً وعدساً وزيتاً وحطباً وفرساً حصاناً وبرنساً خفيفاً فهل سمعت بعجب مثل هذا؟ قال: ويحك، وهل تدري من هذا؟ هذا أبو مسلم، أليس قد أحصيت ما قال؟ قال: بلى، قال: فأضعفوا له كل ما سأل، وعجلوا به الساعة إلى منزله ولا يصبحن إلا وهذا الشيء في منزله، من كل شيء اثنان. فحمل هذا كله إلا الفرس، فإنه لم يصب في مربط معاوية إلا فرس واحد على ما وصف، فلما قدمت هذه الأشياء على أم مسلم أقبلت تحسن الثناء على معاوية، وتقول: لم أزل أعاتب الشيخ في إتيانه فيأبى علي. فلما صلى أبو مسلم الغداة انصرف وهو واثق بربه. فلما أتى البيت أصابه مملوءاً سواداً، فقالت له أم مسلم: ألا ترى ما أهدى إليك أمير المؤمنين؟ قال: ويح البعداء، لقد كفرت النعمة، ولم تشكري الرازق. والله ما أتيت لمعاوية داراً، ولا كلمت له حاجباً ولا رفعت إليه حاجة، وما هذا إلا قسم من الله أهداه إلينا، فلله الحمد كثيراً كثيراً. قال أبو مسلم: يا أم مسلم، سوي رحلك، فإنه ليس على جسر جهنم معبر.

حرف النون

حرف النون أبو نصر بن أبي الفرج ابن أبي الفتح ويقال أبو نصر بن أبي الفتح كشاجم محمد بن محمود بن الحسين ابن السندي بن شاهك، الكاتب الشاعر له في وصف كتاب: من مجزوء البسيط وصاحب مؤنس إذا حضرا ... جالسني بالملوك والكبرا جسم موات تحيا النفوس به ... يجل معنىً وإن دنا نظرا ملكت منه كنزاً غنيت به ... فما أبالي ما قل أو كثرا وإن أطفل به فيا لك من ... مستحسن منظراً ومختبرا أعجب به جامعاً وإن جعلت ... عليه كف الجليس لاستترا ومن شعره: من الخفيف غبط الناس بالكتابة قوماً ... حرموا حظهم بحسن الكتابة وإذا أخطأ الكتابة حظ ... سقطت تاؤه فصارت كآبة

أبو نصر البرمكي

أبو نصر البرمكي شاعر محسن قال يصف الناعورة، وأجاد: من الكامل وكريمة غذت الرياض بدرها ... فغدت تنوب على الغمام الهامع تصل الدؤوب بليلها ونهارها ... فإذا انتهت أبدت لجاجة راجع بلباس محزون وأدمع مدنف ... ومسير مشتاق وأنة جازع فكأنها فلك يدور وعلوه ... يرمي القرار بكل نجم طالع وله في حمام: من الخفيف عدتي للمهم من أوطاري ... والتذاذي في خلوتي وسراري مجلس تؤنس النفوس به الوح ... شة إلا من صاحب مختار شامخات قبابه كسماءٍ ... طالعتنا أقمارها بنهار هو حمامنا التي نحن فيها ... جمعت من بدائع الأفكار ألفوها من كل ضد ينافي ... ضده واتفقنا للإضطرار راحة من وجود كرب وستر ... في انتهاك وجنة في نار ابن ناصح قال الأوزاعي: أتاني شعيب بن إسحاق، وابن أبي مالك وابن علاق وابن ناصح فقالوا: قد أخذنا عن أبي حنيفة شيئاً فانظر إليه، فلم يبرح بي وبهم حتى أريتهم فيما جاءوني به أنه قد أحل لهم الخروج على الأئمة.

ابن نمر

ابن نمر إما أن يكون ابناً لعبد الرحمن بن نمر اليحسبي، أو يكون محمد بن عبد الرحمن بن نمران، فسقط منه الألف والنون. حدث عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال: جعل رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلاماً له لم يكن له مال غيره حراً من بعده، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العبد فباعه ثم أعطاه صاحبه، ثم قال: أنت إلى ثمنه أحوج، والله عنه أغنى.

حرف الواو

حرف الواو أبو واثلة الهذلي حدث شهر بن حوشب الأشعري، عن رابه؛ رجل من قومه كان خلف على أمه بعد أبيه، كان شهد طاعون عمواس قال: لما اشتعل الوجع فذكر حديثاً فيه: فلما مات يعني معاذاً استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فينا خطيباً، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع، فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. فقال له أبو واثلة الهذلي: كذبت والله؛ لقد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنت شر من حماري هذا! قال: والله ما أرد عليك ما تقول، وأيم الله، لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس، وتفرقوا عنه، ورفعه الله عنهم. أبو واقد الحارث بن عوف ويقال: عوف بن الحارث، ويقال: الحارث بن مالك بن أسيد بن جابر بن عبد مناة، الليثي. له صحبة. قال أبو واقد: بينا نحن جلوس مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلقة إذ جاء ثلاثة نفر، فأما رجل فوجد فرجة في الحلقة فجلس، وأما رجل فجلس خلف الحلقة، وأما رجل فانطلق. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا أحدثكم عن خبر هؤلاء الثلاثة؟ أما هذا الذي جلس في الحلقة فرجل أوى وفي حديث: آوى إلى الله. فآواه الله، وأما الذي جلس خلف الحلقة، فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الذي أعرض، فأعرض الله عنه.

وعن أبي واقد قال: قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، والناس يجبون أسنام الإبل ويقطعون أليات الغنم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما قطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة. وعن أبي واقد أنه شهد اليرموك قال: رأيت الرجل من العدو يسقط فيموت. فقلت في نفسي: لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه سيموت. وفي حديث بمعناه: فقالت أسماء بنت أبي بكر للزبير: يا أبا عبد الله، والله إن كان الرجل من العدو ليمر يسعى فتصيب قدمه عروة أطناب خبائي فيسقط على وجهه ميتاً ما أصابه السلاح. وعن أبي واقد الليث قال: إني لمع عمر بالجابية إذ جاءه رجل فقال: عبدي زنا بامرأتي، وهي هذه تعترف، قال أبو واقد: فأرسلني عمر إليها في نفر معي فقال: سل امرأة هذا عما قال. فانطلقت، فإذا جارية حديثة السن قد لبست ثيابها قاعدة على فنائها فقلت لها: إن زوجك جاء أمير المؤمنين فأخبره أنك زنيت بعبده، فأرسلنا أمير المؤمنين نسألك عن ذلك. قال أبو واقد: إن كنت لم تفعلي فلا بأس عليك. فصمتت ساعة، فقلت: اللهم، أفرج فاها عما شئت اليوم أبو واقد القائل فقالت: والله لا أجمع فاحشة وكذباً، ثم قالت: صدق. فأمر بها عمر فرجمت. وشهد أبو واقد بدراً مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبقي بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زماناً، وخرج إلى مكة وجاور بها سنة، ومات بها. فدفن في مقبرة المهاجرين وإنما سميت مقبرة المهاجرين لأنه دفن فيها من كان هاجر إلى المدينة. حج أو جاور. وقيل: لم يشهد بدراً. والصحيح أنه أسلم عام الفتح، لأنه شهد على نفسه أنه كان مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحنين: ونحن حديثو عهد بكفر.

أبو الوزير بن النعمان

وقد روي عنه أنه قال: إني لأتبع يوم بدر رجلاً من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أن غيري قد قتله. قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه وصفهم صفوفاً يوم حنين. ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها فقال: ومع بني صخرة وليث بن سعد راية يحملها أبو واقد الليثي الحارث بن مالك. وعن أبي واقد قال: تابعنا الأعمال فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا. وعن أبي واقد قال: ما وجدنا شيئاً أعود على أخلاق الإيمان من الزهادة. وتوفي أبو واقد سنة ثمان وستين وهو ابن خمس وستين سنة. وقيل: سبعون. وقيل: خمس وثمانون. وقيل: توفي سنة خمس وستين. أبو الوزير بن النعمان ابن المنذر الغساني حدث عن أبيه، عن مكحول بسنده قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمتي على خمس طبقات، وأنا ومن معي إلى أربعين سنة أهل نبوة وهدى، والطبقة الثانية إلى ثمانين سنة أهل بر وتقى، والطبقة الثالثة إلى عشرين ومئة سنة أهل تواصل وتراحم، والطبقة الرابعة إلى ستين ومئة أهل تقاطع وتدابر، والطبقة الخامسة إلى مئتي سنة أهل هرج، فالهرب أهل هرج فالهرب.

أبو الوليد

أبو الوليد رفيق بن إبراهيم بن أدهم. قال أبو الوليد: كان إبراهيم بن أدهم وأصحابه يمنعون أنفسهم أربعاً: لذاذة الماء، والحذاء، والحمامات، ولا يجعلون في الملح إبزارات. ابن وبرة الكلبي حدث عبد الرحمن بن أزهر، قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأتى بسكران، فأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان عنده أن يضربوه بما في أيديهم، وحثى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه التراب. فلما كان أبو بكر أتى بسكران. فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ، فضرب أربعين. فروى ابن وبرة قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وطلحة، والزبير، متكئون معه في المسجد فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك، وهو يقرأ عليك السلام ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة. فقال عمر: هم هؤلاء عندك، فسلهم فقال علي: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون. فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال. فكان عمر إذا أتي بالرجل القوي المنهمك في الشراب جلده ثمانين، وإذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة جلده أربعين، ثم جلد عثمان أيضاً ثمانين وأربعين.

حرف الهاء

حرف الهاء أبو هاشم قيل اسمه خالد، ويقال: شيبة، ويقال: هاشم ويقال: عتبة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. عن أبي هريرة أنه أقبل حتى نزل بدمشق على آل أبي كلثم الدوسي، ثم أتى المسجد، فجلس في غربيه، فتذاكروا الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال: أنا أعلم لكم ذلك. فأتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان جرياً عليه فاستأذن، فدخل عليه، ثم خرج، فأخبرنا أنها صلاة العصر. قال سمرة بن سهم: دخلت على أبي هاشم بن عتبة وهو طعين، فدخل عليه معاوية يعوده فبكى. فقال معاوية: ما يبكيك، أوجع يشئزك أم على الدنيا؟ فقد ذهب صفوها. فقال: على كل لا، ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عهد إلي عهداً وددت أني اتبعته. قال: لعلك أن تدرك أموالاً تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله. فوجدت فجمعت. أسلم أبو هاشم يوم فتح مكة، وخرج إلى الشام فنزلها إلى أن مات بها. وكان ينزل دمشق وكانت ذهبت عينه يوم اليرموك.

أبو هريرة الدوسي

وكان له شارب يعقده خلف قفاه. قال حسان: فقلت: ما بال شاربك وقد جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحفاء الشوارب ما جاء؟ فقال: إني كنت أخذت شاربي، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر يده علي فقال: متى أخذت شاربك؟ قلت الساعة. قال: فلا تأخذه حتى تلقاني. فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن ألقاه، فلن آخذه حتى ألقاه. ولما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقال له أصحابه: ما يبكيك يا أبا هاشم وأنت تلحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبإخوانك؟ فقال لهم: ما ذاك أبكاني، ولكنه أبكاني هول المطلع. أبو هريرة الدوسي صاحب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. كان اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر، وكنيته أبو الأسود. فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله، وكناه بأبي هريرة. وقيل: سمي في الإسلام عبد الرحمن. وإنما كني بأبي هريرة لأنه كان يرعى غنماً لأبيه فوجد أولاد هرة. قال: فجعلتها في كمي، فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هر في صفتي فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هر وجدتها. قال: فأنت أبو هريرة. فلزمتني. وكان وسيطاً في دوس، حيث يحب أن يكون منهم. وقيل: إنه لما أسلم سمي عبد الله بن عامر بن عبد البشر، والبشر: صنم كان بأرضهم. ويقال: كان اسمه عبد نهم، وعبد غنم، ويقال: سكين ويقال: جرثوم. ويقال: عبد العزى، وقيل: سكين بن وذمة، قيل ابن مل. وقيل: ابن هانئ، وفيه اختلاف. شهد اليرموك، وقدم دمشق في خلافة معاوية، وحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن بمكانه فيعطى.

وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي. والصوم جنة، وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى الله، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وحدث أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل. وعن أبي هريرة أنه قال في بيت أم الدرداء: ثلاث هن كفر: النياحة، وشق الجيب، والطعن في النسب. وكان أبو هريرة قاضياً بالمدينة. وقيل: كان اسمه سعد بن الحارث. وقيل: كان اسمه عبد ياليل، وقيل: برير بن عشرقة، وقيل: عبد تيم. وكان ينزل ذا الحليفة، وله دار بالمدينة تصدق بها على مواليه، فباعوها بعد ذلك من عمر بن بزيع. وكان سعد بن صفيح خال أبي هريرة من أشد أهل زمانه، فكان لا يأخذ أحداً من قريش إلا قتله بأبي أزيهر الدوسي. وكان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألزمهم له. وروى عنه: ابن عباس وأنس بن مالك وابن عمر وواثلة بن الأسقع في ثمان مئة رجل أو أكثر من أهل العلم، من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحبه على شبع بطنه، فكان يده مع يده، يدور معه حيثما دار، إلى أن مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان من أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآثاره. دعا له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يحببه إلى المؤمنين من عباده.

كان إسلامه بين الحديبية وخيبر. قدم المدينة مهاجراً وأسلم والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، فشهد فتح خيبر ولم يسهم له، سكن الصفة، ولم يشتغل بالصفق في الأسواق، ولا بغرس الودي، وقطع الأعذاق. لزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، مختاراً العدم، وكان يشهد إذا غابوا، ويتحفظ إذا نسوا بسط نمرته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أفرغ فيها من حديثه فجمعها إلى صدره. فصار للعلوم واعياً، ومن الهموم خالياً. كان من الذاكرين لله كثيراً. قال محمد بن قيس: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا هر. قال: ثكلتك أمك أبا هر. والذكر خير من الأنثى. قال ابن خثيم لعبد الرحمن: صف لي أبا هريرة فقال: رجل آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين. قال قرة بن خالد: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟ قال: لا، بل كان ليناً. قلت: فما كان ثوبه؟ قال: كان أبيض. قلت: هل كان يخضب؟ قال: نعم، نحو ما ترى. وأهوى محمد بيده إلى لحيته وهو حمراء. قلت: فما كان لباسه؟ قال: نحو ما ترى. قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان. قال: وتمخط يوماً فقال: بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان؟! وعن أبي العالية قال: لما أيلم أبو هريرة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ممن أنت؟ قال: من دوس. فوضع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على جبينه ثم نفضها وقال: ما كنت أرى من دوس أحداً فيه خير. وعن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستخلف سباع بن عرفطة على المدينة. قال أبو هريرة:

وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح وراء سباع، فقرأ في السجدة الأولى سورة مريم، وفي الآخرة " ويل للمطففين " فقال أبو هريرة: فقلت: ويل لأبي فل؛ لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان: مكيال يكتال به لنفسه، ومكيال يبخس به الناس. قال قيس: أتينا أبا هريرة نسلم عليه. فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، قال: صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث سنين، فما كانت سنوات قط أعقل منهن ولا أحب إلي أن أعي ما يقول فيهن الحديث. وعن أبي هريرة قال: لقد رأيتني وأنا أصرع بين القبر والمنبر حتى يقول الناس: مجنون، وما بي جنون، إن هو إلا الجوع. وعن أبي هريرة قال: كنت في الصفة يعني من أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عجوة. فكنا نقرن التمرتين من الجوع. فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا. وعن أبي هريرة قال: كان أهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال، ووالله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، وما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما أسأله إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر أبو القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم حين رآني وقال: أبا هر! فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال: الحق. ومضى فاتبعته، ودخل منزله، فاستأذنت فأذن لي، فوجد لبناً في قدح. فقال: من أين هذا اللبن لكم؟ فقيل: أهداه لنا فلان. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله. قال: الحق إلى أهل

الصفة فادعهم لي وهم أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم فأصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك وقلت: هذا القدح بين أهل الصفة، وأنا رسوله إليهم، فسيأمرني أن لأدور به عليهم، فما عسى أن يصيبني منه، وقد كنت أرجو أن أصيب منه ما يغنيني؟! ولم يكن بد من طاعة الله وطاعة رسوله، فأتيتهم فدعوتهم، فلما دخلوا عليه، فأخذوا مجالسهم قال: أبا هر، خذ القدح فأعطهم، فأخذت القدح، فجعلت أناوله الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرده، فأناوله الآخر حتى انتهيت به إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روي القوم كلهم فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القدح، فوضعه على يده، ثم رفع رأسه إلي فتبسم وقال: أبا هر. فقلت: لبيك يا رسول الله. فقال: اقعد واشرب. فشربت. ثم قال: اشرب فشربت ثم قال: اشرب. فلم أزل أشرب، ويقول: اشرب، حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً. فأخذ القدح، فحمد الله وسمى وشرب. وعن أبي هريرة قال: كنت من أصحاب الصفة، فظللت صائماً، فأمسيت وأنا أشتكي بطني، فانطلقت لأقضي حاجتي، فجئت وقد أكل الطعام وكان أغنياء قريش يبعثون بالطعام إلى أهل الصفة فقلت: إلى من؟ فقلت: إلى عمر بن الخطاب، فأتيته وهو يسبح بعد الصلاة، فانتظرته، فلما انصرف دنوت منه فقلت: أقرئني وما أريد إلا الطعام قال: فأقرأني آيات من سورة آل عمران، فلما بلغ أهله دخل وتركني على الباب، فأبطأ. فقلت: ينزع ثيابه، ثم يأمر لي بطعام، فلم أر شيئاً، فلما طال علي قمت فمشيت، فاستقبلني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمني فقال: يا أبا هر، إن خلوف فيك شديد. فقلت: أجل يا رسول الله، لقد ظللت صائماً وما أفطرت بعد، وما أجد ما أفطر عليه. قال: فانطلق. فانطلقت معه، حتى أتى بيته، فدعا جارية له سوداء فقال: ائتنا بتلك القصعة، فأتتنا بقصعة فيها وضر من طعام أراه شعيراً قد أكل فبقي في جوانبها بعضه وهو يسير. فسميت وجعلت أتتبعه، فأكلت حتى شبعت.

قال أبو هريرة: خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع، فوجدت نفراً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا هريرة، ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع، فقمنا فدخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما جاء بكم هذه الساعة؟ فقلنا: يا رسول الله، جاء بنا الجوع. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا. فأكلت، وجعلت تمرة في حجري، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، لم رفعت هذه التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها، فإنا سنعطيك لها تمرتين، فأكلتها، فأعطاني لها تمرتين. قال أبو هريرة: أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله عز وجل فدخل داره وقنحها علي، قال: فمشيت غير بعيد، فخررت لوجهي من الجهد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على رأسي فقال: يا أبا هريرة. فقلت: لبيك يا رسول الله وسعديك قال: فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة، فعدت، فشربت منه، ثم قال: عد يا أبا هريرة. فعدت فشربت حتى استوى بطني فصار كالقدح. قال: ورأيت عمر فذكرت له الذي كان من أمري. فقلت له: ولى الله من كان أحق به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآيات، ولأنا أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون قد أدخلتك أحب إلي من أن تكون لي حمر النعم. حدث أبو هريرة أنه أتى عليه ثلاثة أيام ولياليهن صائماً لا يقدر على شيء فانصرفت وراء أبي بكر، فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه ليس عنده شيء. قال: ثم انصرفت وراء عمر عشاءً فسألني: كيف أنت يا أبا هريرة؟ فانصرفت وعلمت أنه

ليس عنده شيء. ثم انصرفت وراء علي عشاء بعد المغرب وقال: أدلك يا أبا هريرة. فقال: فأي فرح فرحت قال: فقال علي: يا بنت رسول الله اطوي بطنك الليلة، فإن عندنا ضيفاً. قال: فجاء بخبزتين مثل هاتين، وأشار بيده روح من أطراف الأصابع إلى نصف الكف. قال: وقام علي إلى المصباح كأنه يصلحه فأطفأه، وحركا أفواههما وليس يأكلان شيئاً. قال: فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل من شيء؟ قال: فخرج من تحت فخذها مزوداً مثل تيه وقال بكفه هذا من أطراف أصابعه إلى أصل الكف، وفيه كف من سويق وخمس تمرات فأكلتهن ولم يقعن مني موقعاً. قال أبو كثير: حدثني أبو هريرة وقال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. قلت: وما أعلمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أكره، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبكي فقلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى علي، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اهد أم أبي هريرة. فخرجت أعدو لأبشرها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعت خشف رجل يعني وقعها فقالت: يا أبا هريرة كما أنت، ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن مارها. فقالت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن. فقلت: يا رسول الله، أبشر فقد استجاب الله دعاءك فقد هدى أم أبي هريرة. فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم، حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم

إليهما. فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنما محمد بشر، أغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه، فأيما رجل من المسلمين آذيته أو شتمته أو جلدته، فاجعلها له قربة تقربه بها عندك يوم القيامة. قال أبو هريرة: لقد رفع علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً الدرة ليضربني بها، لأن يكون ضربني بها أحب إلي من حمر النعم، ذلك بأني أرجو أن أكون مؤمناً وأن تستجاب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوته. حدث رجل من الطفاوة قال: نزلت على أبي هريرة قال: ولم أدرك من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه، فبينا أنا عنده وهو على سريرٍ له، وأسفل منه جارية سوداء، ومعه كيس فيه حصى أو نوى يقول: سبحان الله، سبحان الله. حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه فقال لي: ألا أحدثك عني وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى قال: فإني بينما أنا أوعك في مسجد المدينة إذ دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد فقال: من أحس الفتى الدوسي؟ من أحس الفتى الدوسي؟ فقال: له قائل: هو ذاك، يوعك في جانب المسجد حيث ترى يا رسول الله. فجاء، فوضع يده علي وقال لي معروفاً. فقمت، وانطلق حتى قام في مقامه الذي يصلي فيه، ومعه يومئذٍ صفان من رجال، فأقبل عليهم فقال: إن نساني الشيطان شيئاً من صلاتي، فليسبح القوم، وليصفق النساء، فصلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينس من صلاته شيئاً. فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال: مجالسكم، هل فيكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره، ثم يخرج فيحدث فيقول: فعلت بأهلي كذا، وفعلت بأهلي كذا؟ فسكتوا، فأقبل على النساء

فقال: هل منكن من تحدث؟ فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها، وتطاولت ليراها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويسمع كلامها، فقالت: إي والله، إنهم ليتحدثون، وإنهن ليتحدثن. قال: فهل تدرون ما مثل من فعل ذلك؟ إن مثل من فعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما صاحبه بالسكة، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه. ثم قال: ألا لا يفضين رجل إلى رجل، ولا امرأة إلى امرأة، إلا إلى ولد أو والد. قال: وذكر ثالثة فنسيتها. ألا إن طيب الرجال ما وجد ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يوجد ريحه. وعن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع العلاء بن الحضرمي، فأوصاه بي خيراً، فلما فصلنا قال لي: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أوصاني بك خيراً، فانظر ماذا تحب؟ قال: قلت: تجعلني أؤذن لك، ولا تسبقني بآمين. قال: فأعطاه ذلك. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. قال: فنزع نمرة على ظهري فبسطها بيني وبينه حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها فحدثني، حتى إذا استوعبت حديثه قال: اجمعها، فصرها إليك. فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من رجل تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله ورسوله، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة. قال أبو هريرة: فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي حديث بمعناه: وبسطت ثوبي، وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث حتى انقضى حديثه، فضممت ثوبي إلى صدري. قال: فإني لأرجو أن أكون لم أنس حديثاً سمعته منه.

وعن أبي هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل حديث أبي هريرة؟! وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ما في بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون. وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلى وعى ما أقول. فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك من شيء. وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك أحاديث كثيرة فأنساها. قال: ابسط رداءك. فبسطته فغرف يديه فيه، فما نسيت بعد. وفي حديث بمعناه: وإنه حدثنا يوماً فقال: من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم قبضه إليه، لم ينس شيئاً مما سمعه مني أبداً. ففعلت، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئاً سمعته منه. وعن عطاء أنه سمع أبا هريرة، والناس يسألونه يقول: لولا آية أنزلت في سورة البقرة ما أخبرت من شيء، لولا آية قال: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". جاء رجل زيد بن ثابت فسأله عن شيء فقال: عليك بأبي هريرة. قال: بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن ندعو الله ونذكر ربنا فجلس إلينا فسكتنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. قال: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك

ما سأل صاحباي هذان، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمين. فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علماً لا ينسى. فقال: سبقكما الغلام الدوسي. وعن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننت يا أبا هريرة، لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه. قال أبي بن كعب: كان أبو هريرة جريئاً على أن يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أشياء لا يسأله عنها غيره. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا هريرة، كن ورعاً تكن من أعبد الناس، وكن قنعاً تكن من أغنى الناس، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وإياك وكثرة الضحك فإن ذلك يقسي القلب يا أبا هريرة. جاء أبو هريرة فسلم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعوده في شكواه، فأذن له، فدخل عليه فسلم وهو قائم، فوجد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متسانداً إلى صدر علي، وقد مال علي بيده على صدره، ضامه إليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسط رجليه فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادن يا أبا هريرة. فدنا، ثم قال: ادن. فدنا حتى مس أطراف أصابع أبي هريرة أطراف أصابع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال له: اجلس يا أبا هريرة، فجلس. فقال له: ادن مني طرف ثوبك. فمد أبو هريرة ثوبه. فأمسكه بيده ففتحه وأدناه من وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوصيك يا أبا هريرة، خصال لا تدعهن ما بقيت قال: نعم، أوصني بما شئت. قال له: عليك بالغسل يوم الجمعة، والبكور إليها، ولا تلغ ولا تله. أوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه صيام الدهر، وأوصيك بركعتي الفجر، لا تدعهما وإن صليت الليل كله، فإن فيهما الرغائب قالها ثلاثاً ضم إليك ثوبك. فضم ثوبه إلى صدره.

فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه يا أبا هريرة. قال ثلاثاً. وعن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاءين، فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. وفي حديث آخر: ثلاث جرب حديث، أخرجت منها رابين، ولو أخرجت الثالث خرجتم علي بالحجارة. قال أبو هريرة: لو حدثت الناس بما أعلم لرموني بالخزق: وقالوا: مجنون. الخزق: بالزاي والقاف. وعن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير: بضعة عشر رجلاً، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم. ثم يحدثهم الحديث فلا يعرفه بعضهم ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مراراً. قال: فعرفت يومئذٍ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي صالح قال: أبو هريرة لم يكن بأفضلهم، ولكنه كان رجلاً حافظاً. كان أبو هريرة يقول: رب كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه. يعني من العلم. وعن سعيد بن أبي الحسن قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كله، فأبى وقال: ارو كما روينا، فلما أبى عليه تغفله وأقعد له كاتباً لقناً ثقفاً، ودعاه، فجعل أبو هريرة يحدثه، ويكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع، ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا

حديثك أجمع؟ قال: وقد فعلت!! قال: نعم. قال: فاقرؤوه علي. فقرؤوه، فقال أبو هريرة: أما إنكم قد حفظتم، وإن تطعني تمحه. قال: فمحاه. قال أبو الزعيزعة؛ كاتب مروان بن الحكم: إن مروان دعا أبا هريرة فأقعده خلف السرير، فجعل يسأله وجعلت أكتب، حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده من وراء حجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر. وفي آخر بمعناه: فما غير حرفاً عن حرف. قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. وعن مكحول قال: تواعد الناس ليلة من الليالي قبة من قباب معاوية، فاجتمعوا فيها، فقام فيهم أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أصبح. جاء أبو هريرة إلى كعب يسأل عنه وكعب في القوم فقال كعب: ما تريد منه؟ فقال: أما وإني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون أحفظ لحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني. فقال كعب: أما إنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم أو طالب دنيا. فقال: أنت كعب؟ فقال: نعم. فقال: لمثل هذا جئتك. وعن أبي هريرة قال: ما من أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب. وقال أبو هريرة: إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب. حدث عبيد الله بن أبي جعفر عن زوج أمه أنه قال لأبي هريرة: كيف حديث كنت حدثتنيه في كذا وكذا؟ قال أبو هريرة: ما أذكر أني حدثتك هذا، فانطلق إلى البيت، فإني لا أحدث حديثاً إلا هو عندي مكتوب. فانطلقت معه، فأخرج صحيفة صغيرة فيها ذلك الحديث وحده.

قال: وجه الجمع بين هذه الحكاية والتي قبلها، أن أبا هريرة كان لا يكتب في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتكل على حفظه، لما خصه به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بسط ردائه كما تقدم. ثم كتب بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان حفظه عنه، ولولا أنه كان مكتوباً عنده لم يمكنه تقديره بوعاءين وثلاث جرب كما تقدم. أتى أبو هريرة كعباً، فجعل يحدثه ويسائله. فقال كعب: ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة. وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو لألحقنك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة. وكان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي. وقال أبو هريرة: ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قبض عمر. قال أبو سلمة: فسألته بم؟ قال: كنا نخاف السياط. وأومأ بيده إلى ظهره. وعن أبي هريرة قال: اتهمني عمر بن الخطاب قال: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم تسمع منه. هل كنت معنا يوم كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار فلان؟ قال أبو هريرة: نعم، قد علمت لأي شيء تسألني، لأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومئذٍ: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فقال عمر: حدث الآن عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شئت. وعن سعيد المقبري قال: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً فقلت له: بأي سورة قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري. فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى. قلت: ولكني أدري. قال أبو هريرة: قرأ بسورة كذا وكذا.

كان أبو هريرة إذا مر بالسوق قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو هريرة. أيها الناس، إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. فدعوا أبا هريرة يتبوأ مقعده من النار إن هو كذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الشعبي: حدث أبو هريرة، فرد عليه سعد، فتواثبا حتى قامت الحجزة، وأرتجت الأبواب بينهما. وعن نافع قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. وعن ابن عمر أنه مر بأبي هريرة وهو يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط أعظم من أحد. فقال له ابن عمر: أبا هر، انظر ما تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان؟ فقالت: اللهم نعم. فقال أبو هريرة: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غرس الودي، ولا صفق بالأسواق، إني إنما كنت أطلب من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة يعلمنيها أو أكلة يطعمنيها. فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هر كنت ألزمنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعلمنا بحديثه. وعن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من امسك كلباً إلا كلباً ضارباً أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط. فقيل له: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، قال: إن أبا هريرة رجل زراع.

قول ابن عمر هذا لم يرد به التهمة لأبي هريرة، وإنما أراد أن أبا هريرة حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع، وصاحب الحاجة أحفظ لها من غيره، ولم يخرج ابن عمر هذا مخرج الطعن على أبي هريرة، ولا ظن به التزيد في الرواية لحاجته كانت إلى حراسة الزرع، ولم يذكره إلا تصديقاً لقول أبي هريرة وتحقيقاً له. والدليل على صحة ذلك فتيا ابن عمر بإباحة اقتناء كلب الزرع بعد ما بلغه خبر أبي هريرة. وأتى ابن عمر فرأى كلباً فقال: لمن هذا الكلب؟ فقيل: لامرأتين. قال: لضرع أو لزرع؟ قال: ليس لشيء منهما. قال: مرهما فليقتلاه. وقد روى عبد الله بن معقل، وسفيان بن أبي زهير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إباحة اقتناء كلب الزرع كما رواه أبو هريرة. كان ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما يقول أبو هريرة، ولكننا نجبن ويجترئ. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه. فقال له مروان بن الحكم: أما يكفي أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع؟! قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة. فقيل لابن عمر: هل تنكر مما يقول شيئاً؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا. فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: ما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا. وعن علقمة قال: كنا عند عائشة فدخل أبو هريرة فقالت: أنت الذي يحدث أن امرأة عذبت في هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها؟ فقال: سمعته منه يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت: هل تدري ما كانت المرأة؟ إن المرأة مع ذلك كانت كافرة، وإن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر كيف تحدث. وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً.

قالت عائشة: لم يحفظ الحديث، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير من أن يمتلئ شعراً هجيت به. قال نافع: كنت مع ابن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها، ويكثر الترحم عليه، ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين. وعن عمرو قال: قال لي طاوس: امش حتى نجالس الناس. قال: فنجلس إلى رجل يقال له بشير بن كعب العدوي فقال طاوس: رأيت هذا يجلس إلى ابن عباس فيحدث، فقال ابن عباس: كأني أسمع حديث أبي هريرة. قال: لعل ابن عباس إنما شبه حديث بشير بحديث أبي هريرة في الإكثار. وقد روى ابن عباس وطاوس عن أبي هريرة، ولو كان عندهما متهماً لم يرويا عنه. وعن عروة بن الزبير أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وعن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا لها: إن أبا هريرة يقول: إن الطيرة في الدار والمرأة والفرس. فغضبت من ذلك غضباً شديداً، وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قاله. إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك. قال الإمام أبو بكر: يشبه أن تكون أم المؤمنين رضي الله عنها إنما أرادت بقولها كذب؛ إن كان

قال ما حكيتما عنه. وقد قال العامريان على أبي هريرة الباطل، لم يقل أبو هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الطيرة فيما ذكرا، بل الأخبار متواترة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا طيرة. والعامريان لا ندري من هما، ومن المحال أن يحتج برواية رجلين مجهولين، فنرد أخبار قوم ثقات حفاظ إلا أن يكون العامريان حكيا عن أبي هريرة أنه قال: الطيرة في المرأة والفرس والدار على ما تأولت الخبر في إيقاع اسم الطير على الفأل، كخبر سعد بن أبي وقاص، فلم يفهم العامريان عنه ما أراد بذكر الطيرة، ولم يعلما أنه أراد بالطير الفأل، فحكيا عنه لفظة أو همت الخطأ على من سمع اللفظة، ولم يعلم معناها. أو تكون حكاية العامريين عن أبي هريرة رويت عل ما ذكرت في كتاب النكاح إخباراً عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الشؤم في ثلاث، على إضمار شيء وحذف كلمة، لا على إثبات الشؤم في هذه الثلاث. وعن عائشة أنها قالت لأبي هريرة: إنك تحدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشياء ما سمعتها منه. فقال لها مجيباً: إنه كان يشغلك عن تلك الأحاديث المرآة والمكحلة. دخل أبو هريرة على عائشة فقالت له: أكثرت الحديث يا أبا هريرة عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: والله يا أمتاه ما كانت تشغلني عنه المكحلة ولا المرآة ولا الدهن وفي رواية والخضاب. فقالت: لعله. أتى رجل من قريش أبا هريرة في حلة يتبختر فيها فقال: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً؟ قال: والله إنكم لتؤذوننا، ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ما حدثتكم بشيء. سمعنا أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينا هو يتبختر في حلة إذ خسف به الأرض، فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة. فوالله ما أدري لعله كان من قومك أو من رهطك. قال أبو يعلى: أنا أشك.

قال أبو الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإن الوالي لغيرك فدعه يعني: حين أرادوا أن يدفن الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنك تدخل فيما لا يعنيك، إنما تريد بهذه إرضاء من هو غائب عنك يعني معاوية. قال: فأقبل عليه مروان مغضباً فقال له: يا أبا هريرة، إن الناس قد قالوا: أكثر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، وإنما قدم قبل وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيسير. فقال أبو هريرة: قدمت ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتى توفي، أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه، وأنا يومئذ مقل، وأصلي خلفه، وأغزو وأحج معه؛ فكنت أعلم الناس بحديثه، قد والله سبقني قوم بصحبته والهجرة من قريش والأنصار، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألوني عن حديثه، منهم: عمر بن الخطاب وهدي عمر هدي عمر ومنهم عثمان وعلي والزبير وطلحة، ولا والله ما يخفي علي كل حديث كان بالمدينة، وكل من أحب الله ورسوله، وكل من كانت له عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلة، وكل صاحب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أبو بكر صاحبه في الغار، وغيره قد أخرجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة أن يساكنه، فليسألني أبو عبد الملك عن هذا وأشباهه فإنه يجد عندي منه علماً كثيراً جماً. قال: فوالله إن زال مروان يقصر عنه عن هذا الوجه بعد ذلك ويتقيه ويخاف جوابه، ويحب على ذلك أن ينال من أبي هريرة ولا يكون منه بسبب، يفرق من أن يبلغ أبا هريرة وأن مروان كان من هذا بسبب فيعود له بمثل هذا، فكف عنه. قال عروة بن الزبير: قال لي أبي الزبير بن العوام: أدنني من هذا اليماني، يعني أبا هريرة، فإنه يكثر الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدث، فجعل الزبير يقول: صدق كذب، صدق كذب. قال: قلت: يا أبه، ما قولك صدق كذب؟ قال: يا بني، إما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا أشك ولكن منها ما وضعه على مواضعه، ومنها ما لم يضعه على مواضعه.

قال أبو الشعثاء: قدمت المدينة فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقلت له: تحدث عن أبي هريرة وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: إنه قد سمع، وأحدث عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحب إلي. قال بسر بن سعيد: كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول كذا وكذا، سمعت كعباً يقول كذا. فعمد الناس إلى ما روى عن كعب فجعلوه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعض ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعلوه عن كعب فمن ثم أنفي حديث أبي هريرة. قال ابن لهيعة: هو من الناس ليس من أبي هريرة. قال إبراهيم النخعي: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان من حديث جنة أو نار. وقال إبراهيم: ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة. وقال شعبة: كان أبو هريرة يدلس. قالوا: وقول إبراهيم النخعي هذا غير مقبول منه. قال عمر بن حبيب: حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة، فتنازعها الحضور وعلت أصواتهم، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدفع بعضهم الحديث، وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائل منهم: لا يصح هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن أبا هريرة متهم فيما يرويه وصرحوا بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم، فقلت أنا: الحديث صحيح عن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنظر إلي الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل لي: صاحب البريد بالباب، فدخل

فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول، وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم، إنك تعلم إني دفعت عن صاحب نبيك، وأجللت نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يطغى على أصحابه، فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه، بيده السيف وبين يديه النطع. فلما بصر بي قال: يا عمر، ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته وجادلت عليه، فيه إزراء على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى ما جاء به، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود، كله مردود وغير مقبول. فرجع إلى نفسه ثم قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله. وأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أبو هريرة: إني لأجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزءاً للقرآن، وجزءاً أنام، وجزءاً أتذكر فيه حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان أبو هريرة يصلي ثلث الليل وامرأته ثلثاً وابنته ثلثاً. قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً. فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. قال: قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث بي حدث كان لي أجر شهري. وكان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس، وقال: إنهما يومان ترفع فيهما الأعمال. وكان أبو هريرة يسبح كل يوم باثنتي عشرة ألف تسبيحة. يقول: أسبح بقدر ديتي. وكان لأبي هريرة صيحتان في كل يوم، أول النهار فيقول: ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار. فإذا كان العشي قال: ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار. فلا يسمع أحد صوته إلا استعاذ بالله من النار.

وعن أبي هريرة قال: لا تغبطن فاجراً بنعمته، فإن من ورائه طالباً حثيثاً طلبه " جهنم كلما خبت زدناها سعيرا ". قال أبو يزيد المدني: قام أبو هريرة على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقاماً دون مقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعتبة ثم قال: الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي من على أبي هريرة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحمد لله الذي أطعمني الخمير وألبسني الحبير الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيراً لها بطعام بطني وعقبة رجلي، أرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني. وعن أبي هريرة أنه صلى بالناس يوماً، فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله. وعن أبي هريرة أنه كان يقول: نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان وهي بسرة بنت غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو بهم إذا ساروا. فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً وأبا هريرة إماماً. وعن مضارب بن حزن قال: بينما أنا أسير تحت الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيراً، فقلت: من هذا؟ قال: أبو هريرة. قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكر. قلت: على ماذا؟ قال: إني كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، فكنت إذا ركب القوم سقت بهم وإذا نزلوا خدمتهم، وإذا أتيت على مكان سهل نزلت، ثم قالت: والله لا أبرح هذا المكان حتى تجعل لي عصيدة. قال: فزوجنيها الله بعد، فأنا أركب إذا ركب القوم، وأخدم إذا نزلوا، وإذا أتيت على نحو من مكانها نزلت فقلت: لا أبرح هذا المكان حتى يعصد لي عصيدة.

زاد في آخر عن أبي مصعب الجهني: قلت: يا أبا هريرة، هل سمعت من خليلك أبي القاسم شيئاً؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا عدوى ولا هامة، وخير الطير الفأل، والعين. قال إمام مسجد سعد: قدم أبو هريرة الكوفة، فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس. فذكر قرباً منه. يعني أنه كان قريباً منه، فسكت ولم يتكلم، ثم قال: إن الله وملائكته يصلون على أبي هريرة الدوسي. فتغامز القوم فقالوا: إن هذا ليزكي نفسه. ثم قال: وعلى كل مسلم ما دام في مصلاه ما لم يحدث حدثاً بلسانه أو بطنه. وعن أبي سلمة قال: قال أبو هريرة وأبو ذر: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعاً، وباب نعلمه عملنا به أو لم نعمل به أحب إلينا من مئة ركعة تطوعاً. وقالا: سمعنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا جاء طالب العلم الموت وهو على هذه الحال مات وهو شهيد. جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر، إني أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن مت عالماً خير لك من أن تموت جاهلاً. ثم جاء إلى أبي الدرداء فقال له: يا أبا الدرداء، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه. فقال له: تعلم العلم، فإنك إن توسد العلم خير من أن توسد الجهل. ثم جاء إلى أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه، فقال له أبو هريرة: تعلم العلم، فإنك لن تجد له إضاعة أشد من تركه. زاد عن آخر مثله عن أبي الدرداء: إن الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه، فيبعث العالم عالماً، والجاهل جاهلاً.

قال الحسن: كان أبو هريرة من أحسن القوم كلاماً. حدث رجل قال: أتيت على أبي هريرة وهو ساجد يقول: اللهم لا أزنين، اللهم لا أسرقن، اللهم لا أنافقن، اللهم لا أرتدن، فسكت عنه حتى فرغ وقلت: يا أبا هريرة، أوتخاف هذا وأنت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أمنت محرف القلوب؟! وما أدرى الرجل إذا أصبح على ما يمسي عليه، وإن أمسى على ما يصبح عليه؟! ثم قال: أمنت محرف القلوب؟! كان أبو هريرة يقول في آخر عمره: اللهم، إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل بكبيرة في الإسلام. يقول بعض أصحابه: يا أبا هريرة، ومثلك يقول هذا وتخافه، وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعته وأخذت عنه؟! قال: ويحكم، وما يؤمنني وإبليس حي؟! كان أبو هريرة إذا غدا من منزله لبس ثيابه ثم وقف على أمه فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، وجزاك الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً. فترد عليه: وأنت، فجزاك الله عني خيراً كما بررتني كبيرة. ثم يخرج، فإذا رجع قال مثل ذلك. ولم يحج أبو هريرة حتى ماتت أمه. لقيت أبا هريرة ابنة له فقالت: إن الجواري يعيرنني يقلن: إن أباك لا يحليك بالذهب. فقال: قولي لهن: إن أبي لا يحليني الذهب، يخشى علي حر اللهب. قال أبو هريرة: لما قدمت من البحرين قال عمر: يا عدو الله وعدو الإسلام، خنت مال الله. قال: لست بعدو الله ولا عدو الإسلام، ولكني عدو من عاداهما، ولم أخن مال الله، ولكنها أثمان خيل لي تناتجت عندي، وسهمان لي اجتمعت. قال: فكرر ذلك علي ثلاث مرات. فكل ذلك أرد عليه.

زاد في رواية: فنظروا فوجدوه كما قال، فأغرمني اثني عشر ألف درهم قال: فقمت في صلاة الغداة فقلت: اللهم اغفر لأمير المؤمنين. فأرادني بعد ذلك على العمل فقلت: لا أعمل لك. قال: أوليس يوسف كان خيراً منك وقد سأل العمل؟ قلت: إن يوسف نبي وابن نبي وأنا ابن أميمة وإني أخاف ثلاثاً واثنتين. قال: ألا تقول خمساً؟ قلت: لا، أخاف أن أقول بغير حكم، وأقضي بغير علم، وأن يضرب ظهري، ويشتم عرضي، ويؤخذ مالي. كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة. فيركب حماراً قد شد عليه برذعة. وفي رأسه خلبة من ليف فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق! قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان، فيفرون. قال أبو رافع: وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول: دع العراق للأمير. فأنظر فإذا هو ثريدة بزيت. قال ثعلبة بن أبي مالك: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك. فقلت: أصلحك الله، يكفي هذا! فقال: أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه. دث أبو الزعيزعة، كاتب مروان، قال: بعث مروان إلى أبي هريرة بمئة دينار. فلما كان الغد أرسل إليه فقال: إنه ليس إليك بعثت، وإنما غلطت. فقال: ما عندي منها شيء، وإذا خرج عطائي فاقبضوها. قال: وإنما أراد مروان أن يعلم أينفقها أم يحبسها. كان أبو هريرة يسب مروان، فإذا أعطاه سكت. قال أبو هريرة: ما من أحد من الناس يهدي إلي بهدية إلا قبلتها، فأما المسألة فإني لم أكن أسأل.

قال أبو هريرة: درهم يكون من هذا وكأنه يمسح العرق عن جبينه أتصدق به، أحب إلي من مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف من مال فلان. قال أبو الأسود: بنى رجل داراً بالمدينة فلما فرغ منها مر أبو هريرة عليها وهو واقف على باب داره فقال: قف يا أبا هريرة، ما أكتب على باب داري؟ قال وأعرابي قائم قال أبو هريرة: اكتب عليها: ابن للخراب، ولد للثكل، واجمع للوارث. فقال الأعرابي: بئس ما قلت يا شيخ. فقال صاحب الدار: ويحك، هذا أبو هريرة صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لما بنى مروان بن الحكم داره قال للبناء: انظر ما يملي عليك أبو هريرة، فاكتبه في وجه الدار. فجاء أبو هريرة فقال: اكتب: تبنون شديداً، وتأملون بعيداً، والأجل قريب. فقال البناء: والله لا أكتب هذا. فقال أبو هريرة، والله لا أزيدك ولا مروان على هذا. وقيل: إنه قال: اكتب، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تبلغون. والله لا أزيدك. سئل أبو هريرة عن المروءة فقال: ثبوته في مجلسه، والغداء والعشاء بأفنية البيوت، واستصلاح المال، ومعونة الإخوان، والذب عنهم. كان أبو هريرة من حسن خلقه يؤاكل الصبيان. قال عمر بن أبي الصهباء: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه، وإحدى رجليه على الأخرى، وهو يتغنى غناء الرهبان: من مجزوء الكامل لما رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثت ذنبا إلا لقول نبينا ... زوروا عن الأيام غبا ولقوله من زار غب ... اً منكم يزداد حبا

جاء رجل إلى أبي هريرة فقال: إني أصبحت صائماً فأكلت. قال: ذلك طعام أطعمكه الله. قال: وقال: واقعت أهلي. قال: ابن أخي، أنت لم تعود الصيام. وفي حديث آخر مثله: إلا أنه تردد في عدة بيوت. فقال له في آخرها: إنك لم تعود الصيام. كانت لأبي هريرة امرأة، فبقيت زماناً لا تشتكي، فأراد أبو هريرة أن يطلقها، ثم أنها اشتكت. فقال أبو هريرة: منعتنا هذه طلاقها بشكواها. كان رجل يؤذي أبا هريرة بلسانه، فقيل له: مات فلان. فقال: ليس في الموت شماتة، لو أخبرتموني أنه أمر على إمارة، أصاب مالاً، ولد له ولد. وعن أبي هريرة أنه كان إذا سمع أحداً يسأل: من هذه الجنازة؟ قال: هذا عبد الله دعاه فأجابه، أو أمته دعاها فأجابته، والله يعرفه، وأهله يفقدونه، والناس ينكرونه. أغدوا فإنا رائحون، أو روحوا فإنا غادون. زاد في آخر بمعناه: موعظة بليغة، وغفلة سريعة، تذهب الأول وتبقي الآخر لا عقل له. قال عبيد بن باب: كنت أصب على أبي هريرة من إداوة وهو يتوضأ، فمر به رجل فقال: أين تريد؟ قال: السوق. فقال: إن استطعت أن تشتري الموت من قبل أن ترجع فافعل. ثم قال أبو هريرة: لقد خفت الله مما أستعجل القدر. قال أبو هريرة: إذا رأيتم ستاً فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت، أخاف أن تدركني إذاً؛ إمرة السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، وكثرت الجلاوزة، ونشأ نشو يتخذون القرآن مزامير.

قال أبو سلمة: دخلت على أبي هريرة وهو وجع شديد الوجع، فاحتضنته فقلت: اللهم، اشف أبا هريرة. فقال: اللهم، لا ترجعها قالها مرتين ثم قال: إن استطعت أن تموت فمت، والله الذي نفس أبي هريرة بيده، ليأتين على الناس زمان يكون الموت أحب إلى أحدكم من الذهبة الحمراء، وليأتين على الناس زمان يمر الرجل على قبر أخيه المسلم فيتمنى أنه صاحبه. وكان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصدغي معاوية، اللهم، لا تدركني سنة ستين، وتوفي فيها أو قبلها. وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا علي فسطاطاً ولا تجعلوا معي مجمراً، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: أسرعوا بي، أسرعوا بي مرتين وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله، أين تذهبون بي؟ قال محمد بن عمرو: سمعت أبا هريرة وجئته في مرضه أعوده وهو يقول: قد قلت لأهلي إذا أنا مت فلا تعمموني ولا تقمصوني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعمم ولم يقمص. وفي حديث: إذا مت فلا تنوحوا علي، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ينح عليه الحديث. بكى أبو هريرة في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني أمسيت في صعود مهبطه على جنة ونار، فلا أدري أيتهما يؤخذ بي. دخل مروان على أبي هريرة في شكواه الذي مات فيه، فقال: شفاك الله يا أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم، إني أحب لقاءك فأحب لقائي، فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات. وفي حديث آخر قال: اللهم اشفه، اللهم عافه، اللهم ارفعه. قال: فأفاق ورفع

أبو هريرة

يديه حتى رئي بياض إبطيه، شاهراً بيديه إلى الله، ثم قال: اللهم، اشدد وأجد على نفس أبي هريرة قال: فخرجنا من عنده فما فاتنا الصوت حتى سمعنا الصائحة عليه. توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وله ثمانٍ وسبعون سنة. وقيل: توفي سنة سبع وخمسين في، وفيها ماتت عائشة قبل معاوية بسنتين. وقيل: توفي أبو هريرة وعائشة سنة ثمانٍ وخمسين. وصلى عليه الوليد بن عتبة. كتب الوليد بن عتبة إلى معاوية يخبره بموت أبي هريرة. فكتب إليه: انظر من ترك، فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم، وأولهم معروفاً، فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار، فرحمة الله عليه. أبو هريرة إمام مسجد عرفة. قال: قدم عبد الله بن صالح الحدث، فخرجت أسلم عليه، فلم أر طعاماً من حار وبارد أكثر من طعامه. فقلت له: أيها الأمير، العدس يرق القلب ويحدر الدمعة، قال: فأمر طباخه أن يصلح لنا العدس، فلما مر يوم واثنان قلت للطباخ: أين ألوانك تلك الطيبة؟ قال: هذا عملك، حدثت الأمير في العدس حديثاً فأخذ به. قال: فقمت فدخلت إليه فقلت: أصلح الله الأمير، الحديث الذي حدثتك في العدس إسناده ضعيف. قال: فضحك، ودعا الطباخ فقال: أعد لهم الطعام. أبو همام الشعباني قال أبو همام: حدثني رجل من خعثم قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فوقف ذات

أبو هنيدة

ليلة، واجتمع إليه أصحابه، فقال: إن الله أعطاني الليلة الكنزين: كنز فارس والروم، وأيدني بالملوك ملوك حمير الأحمرين، ولا ملك إلا الله، تأتون تأخذون من مال الله، وتقاتلون في سبيل الله قالها ثلاثاً أبو هنيدة أحد الغزاة، كان شهد فتح نهاوند. قال: غزونا مع بعض بني أمية، فأقمنا على عمورية أياماً قال: فخرجت يوماً في بعض حاجتي، فإذا أنا براهب قد صوت بي من صومعته: يا عبد الله. قال: قلت: ما تريد يا عدو الله؟ قال: ما أنصفت، أقول لك يا عبد الله، وتقول لي يا عدو الله؟! إني كذلك وأنت كذلك. قال: ما مقامكم على هذه؟ قال: قلت: أرجو أن نفتحها. قال: أخبرني عن خليفتكم، هو من أهل بيت نبيكم؟ إذا قيل ابن فلان كان منهم؟ قلت: لا. قال: ليس يفتح هذه المدينة إلا رجل من أهل نبيكم. كأني بهم يدخلون من هذا الباب، ويخرجون من الباب الآخر، لباسهم مثل هذا. وأخرج من صدره فإذا عليه مدرعة سوداء. قال: فانصرفت إلى صاحبي، فأخبرته، فركب إليه حتى سمع الكلام منه، ثم رجع فأمر بالرحيل.

أسماء النساء على حرف الهاء

أسماء النساء على حرف الهاء أم هارون الخراسانية من النسوة المتعبدات. كانت أستاذة أبيسليمان الداراني. قال أحمد بن أبي الحواري: صليت الغداة وجلست أذكر الله قبل طلوع الشمس، فدخل أبو سليمان الداراني، فوقف بقاسم الجوعي، فسلم عليه، وأشار إليه أن يقوم، فقام معه. فمر بي فسلم علي، وأشار إلي فقمت أنا وقاسم نمشي وراءه حتى انحدر من الدرج إلى أن أتى داراً فدخل ودخلنا معه، ففتح باب بيت ثم دخل فسلم، ودخل قاسم معه وجلست أنا على يمنة الباب، فلم نر شيئاً في البيت من ظلمته، فجلسنا ساعة، وتأملت امرأة عليها جبة صوف وخمار صوف، في يدها سبحة، فلما دخل ضوء الشمس من كوة البيت، ردت علينا السلام. فقال لها أبو سليمان: يا أم هارون، كيف أصبحت؟ قالت: كيف أصبح من قلبه في يد غيره يقول به كذا وكذا؟ وأشارت بيدها. فقال لها أبو سليمان: يا أم هارون، ما تقولين في الرجل يحب لقاء الله؟ فقالت: ويحك، ذاك رجل ثقلت عليه الطاعة وأحب الراحة منها. قال لها: فإنه أحب البقاء في الدنيا. فقالت: بخٍ بخٍ، ذاك رجل أحب الطاعة، وأحب أن يبقى لها وتبقى له، ثم سلم، وخرجنا. فقلت له: يا أبا سليمان، من هذه؟ قال: هذه أم هارون الخراسانية، أستاذتي. قال القاسم الجوعي: قلت لأم هارون: ترين أحداً يشتغل بالخوف من النيران عن الشوق إلى الجمال بالزهادة؟ فخرت مغشياً عليها حتى انكشفت مقنعتها، ثم أفاقت فتغطت وبقيت منقبضة مصفرة حتى خرجنا.

قال عبد الرحيم بن علي الأنصاري المؤذن: اتفقنا مشايخ من دمشق، فينا أحمد بن أبي الحواري وقاسم الجوعي وجماعة مشايخ، فمضينا ليلة الجمعة نبيت عند أبي سليمان الداراني، فخرجنا نريد داريا فلما بلغنا مزابل قينية إذ بأبي سليمان مقبل من داريا على حمار وهو منكس رأسه. فوقفنا ومعنا أم هارون الخراسانية وتلميذها أبو الفقر، فوقف في وسطنا. فقلنا: سلام عليك فقال: وعليكم، أين تريدون؟ قلنا: إليك أردنا. فلوى رأس حماره يريد أن يرجع، فأخذنا برأس دابته وقلنا: هذا باب الجابية، لا ندعك تمر، الحمد لله الذي جاء بك. فوقف وأحطنا به خلقاً، ثم نظر إلى أم هارون فصاح: يا قاسم، من هذه المرأة؟ فقال: امرأة خراسانية تعرف بأم هارون. فسكت ثم التفت فصاح: يا أحمد، قل لها: أتحبين الموت؟ فقالت: لا. فأطرق ساعة ثم قال: قل لها: ولم تكره لقاء الله عز وجل؟ فأطرقت ساعة ثم قالت: يا أبا سليمان، لو عاديت آدمياً لكرهت لقاءه، فكيف أريد لقاء الله وأنا عاصية له؟! فصاح أبو سليمان صيحة ووقع عن حماره. وأقبل يتمرغ في الأرض، ووقع أحمد مغشياً عليه وجماعة من المشايخ. ثم أفاق أبو سليمان فقال: يا أم هارون، إيش قلت؟ فأعادت عليه. فما زلنا وقوفاً حتى كادت الشمس أن تغيب. فحملناه على حماره ومسكناه حتى أدخلناه المدينة.

حرف الياء

حرف الياء أبو يحيى الموصلي قال أبو يحيى: أرسل إلي عبد العزيز بن مروان فقال: انظر هل ترى في ولدي خليفة؟ قال: نعم، هذا لعمر فلما استخلف بعث إليه فقال: أما تقول إن فينا مهدياً، فهل تراني ذلك المهدي؟ قال: لا، ولكنك رجل صالح. قال: الحمد لله الذي جعلني صالحاً. أبو يزيد المكي المعروف بالغريض كان الغريض عند النسوة من قريش من العبلات: الثريا وأختها أم عثمان. وكان أولاً خياطاً، وكان ظريفاً حلو اللسان، حسن الجزم، فدفعنه إلى ابن سريج ليعلمه الغناء فقبله. فلما رأى ابن سريج حذقه وحسن خلقه ووجهه وظرف لسانه وحلاوة منطقه خاف أن يبرز عليه، فنحاه عن خدمته فقلن له مواليه: هل لك أن تنوح بالمرائي؟ ففعل. فكان من أشجى الناس نوحاً، وكان يدخل المآتم، وتضرب دونه الحجب، ثم ينوح فيفتن كل من سمعه. فنهته الجن عن ذلك فانتهى، ورجع إلى الغناء، فصار غناؤه شجياً كذلك النوح. قال بعضهم: رأينا الغريض بين عمودي سرير مولاته الثريا ومعه نسوة يسعدنه وهو ينوح عليها. من الوافر

ألا يا عين مالك تدمعينا ... أمن جزع بكيت فتعذرينا أم أنت مصابة تبكين شجواً ... وشجوك مثله أبكى العيونا قال: فرأيت النساء، وقد ألهبت فيهن النيران، وجميع من مع الجنازة من الرجال والنساء. قال الزبيري: حججنا، فلما كنا بجمع سمعنا أحسن غناء، فعدل الحاج كلهم إليه، فإذا هو الغريض، فسألوه أن يغني صوتاً فأجابهم، فوقف حيث يسمع ولا يرى يغني بشعر عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف أيها الرائح المجد ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا ليت ذا الدهر كان حتماً علينا ... كل عامين حجة واعتمارا فما سمع السامعون أحسن من ذلك. وكانت الجن تقدمت إليه مراراً ألا ينوح. وقالوا: قد هربت بسكاننا عن الحرم وأخرجتهم منه. ثم تقدموا إليه ونهوه ألا يتغنى بهذا الشعر. وقالوا: قد ذهب بعقول النساء، وهو شعر عبد الله بن نمير النميري من الطويل: وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه وشهد جنازة لبعض أهله، فقيل له: تغن، فقال: هو ابن زانية إن فعل. فقالت بعض موالياته: أنت والله كذلك. فقال: وكذلك أنا؟ قلن: نعم. قال: أنتن أعلم وأعرف بي. وكان قد أمسك عن الصوت لما نهته الجن، فلما أغضبوه موالياته، غنى: من الطويل وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه تشرب لون الرازقي بياضه ... ومن زعفران خالط المسك رادعه قال: فلويت عنقه ونحن ننظر إليه، فمات في ذلك المجلس.

أبو يزيد القاضي

أبو يزيد القاضي قال: سمعت سليمان بن حبيب يقول: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أهل المدائن الحبساء في سبيل الله فلا تغلوا عليهم الأسعار، ولا تحتكروا عليهم. وفي حديث: ولا تحتكروا عليهم طعامهم. أبو يعقوب التميمي حدث عن هشام بن عمار بسنده إلى أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يعود مريضاً إلا بعد ثلاث. أبو يعقوب الدمشقي حدث عن إسحاق بن سيار عن سويد بن سعيد قال: كان رجل بسر من رأى رأى يحيى بن أكثم في النوم. قال: فقلت له: ماذا فعل الله بك؟ قال: أقامني بين يديه وقال: يا شيخ السوء! فقلت له: ما هكذا أبلغت عنك. قال: وكيف أبلغت عني؟ فقلت: هذا محمد بن عبد الله الأنصاري ذكر عن حميد عن أنس عن نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنك أنك قلت: ما من امرئٍ يشيب شيبة في الإسلام فأدخله النار إلا أن يشرك معي غيري. فقال: صدق محمد، صدق أنس، صدق حميد، صدق الأنصاري. انطلقوا بعبدي إلى الجنة. أبو يعقوب الدمشقي قال: سألت إبراهيم بن المولد عن مسامرة المحبين. فقال: ظنون وأماني، فإذا تحققت المسامرة قتلت. ثم أنشد للعباس بن الأحنف: من الوافر خيالك حين أرقد نصب عيني ... إلى وقت انتباهي لا يزول وليس يزورني صلة ولكن ... حديث النفس عنه هو الوصول

أبو يعيش

أبو يعيش كان رجل من أهل العراق يعادي أهل الشام فذكر لعمر بن عبد العزيز، فأرسل إليه فأتاه فقال: أنت أبو يعيش الذي ذكرت لي حاجتك؟ فسكت. فقال: حاجتك؟ قال: قد علمت يا أمير المؤمنين ما يقال في المسألة. قال: إلي ليست مسألة، إنما أنا خازن وقاسم. قال: عطائي أتقوى به على جهادي وأستغني به عن أصحابي قال: قد فرض الله لك، فسل. قال: علي ثماني بنات ما بين بنت إلى بنت أخ. قال: قد فرض الله لهن، فسل. قال: وعلي من الدين كذا وكذا. قال: فأمر له بخادم ونفقة. أبو يوسف حاجب معاوية قال: إنه قال لمعاوية: إن ها هنا قوماً يتحلقون بعد الضحى يذكرون الله عز وجل. قال: فإذا رأيتهم فأخبرني بهم. قال: فجاءه فأخبره. فخرج معاوية يجر رداءه عجلاً في مشيته. ثم وقف عليهم فقال: لا روع عليكم، أما إني لم ألو أن أتشبه لكم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سرعة مشيتي وجر ردائي، إني صنعت نحواً مما صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إن الله ليباهي بكم الملائكة. قال أبو يوسف: بينما أنا يوماً على باب الخضراء، وقد ارتفع معاوية للقائلة، وافترق عنه الناس، إذا برجل أناخ بعيره وقال: استأذن لي على أمير المؤمنين. فقلت: إنه ليس عليه الساعة إذن. فقال: ما بد من الدخول. فلم يزل مني كلمة ومنه كلمة حتى محكني، وارتفعت أصواتنا، فسمعنا معاوية فبعث إلي فقال: ما هذا؟ فأعلمته بالقصة. فقال معاوية: صفه لي. فوصفته. فقال: هذا فلان جاء يتظلم من عاملنا فلان. أدخله. فدخل، فإذا هو، فقال له معاوية: بيني وبينك رجل. قال: نعم. فاتفقوا على فضالة بن عبيد. فقال معاوية: يا أبا يوسف، ادع لنا فضالة. فذهبت إليه وقلت له: أجب أمير المؤمنين. قال: لماذا؟ فأخبرته فقال: قل له: قال لك فضالة: في بيته يؤتى الحكم يا معاوية. فانطلقت إليه فأخبرته فقال: صدق. فقام معاوية وذلك

أبو يوسف

الرجل، فخرج الرجل يمشي ومعاوية يمشي معه آخذ بخطام ناقته. فقال لي معاوية: تقدم يا أبا يوسف فأخبره أنا قد جئنا. فتقدمت فأخبرته، فألقى لهما وسادة وبين يديه بالعرض فدخلا عليه فقال له فضالة: اجلس أنت وخصمك. فجلسا بين يديه، فقضى على معاوية وقال: انته يا معاوية، فإنك ظالم. أبو يوسف مولى عبد الملك بن مروان. قال أبو يوسف الحاجب: إن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان فبدأ بنفسه، فغضبوا عليه قال: قلت: هكذا كان يكتب إلى معاوية، فرفضوا. أبو يونس الدمشقي قال: رأيت المقداد بن الأسود يحدث الناس يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إذا بات الضيف محروماً فحق على المسلمين نصرته حتى يأخذوا له قراه من ماله وزرعه أو زرعه وضرعه.

أسماء النساء على حرف الياء

أسماء النساء على حرف الياء أم يزيد والدة أبي الزرقاء عبد الملك بن محمد الصنعاني. حدثت أم يزيد أن أمية ذات الذنب وكان لها ذنب مخلوق في عجزها فنخسها مروان المرتعش، فضرطت، فخاصمته إلى نمير بن أوس الأشعري، فقضى لها عليه بأربعين درهماً وعباءة.

ذكر المجهولين من الرجال

ذكر المجهولين من الرجال رجل من بني مرة بن عوف يقال: مرة بن رباب، ويقال ابن ذبيان كان في غزوة مؤتة فقيل له: إن الناس يقولون: إن خالداً انهزم من المشركين. فقال: لا والله ما كان ذلك، لما قتل ابن أبي رواحة نظرت إلى اللواء قد سقط، واختلط المسلمون والمشركون، فنظرت إلى اللواء في يد خالد منهزماً اتبعناه فكانت الهزيمة. قال: وكأني أنظر إلى جعفر حين لحمته الحرب، عقر فرساً له شقراء ثم قاتل حتى قتل. رجل من أمداد حمير قال عوف بن مالك الأشجعي: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، فرافقني مددي من أهل اليمن وفي حديث آخر: رجل من أمداد حمير ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزوراً، فسأله المددي طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذ كهيئة الدرق، وفيهم رجل على فرس له أشقر، وعليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفرق بالمسلمين، وقعد له المددي خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله، فحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله على المسلمين بعث خالد بن الوليد فأخذ

رجل شهد يوم مؤتة

من السلب. قال عوف: فأتيته، فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى، ولكني استكثرته قال عوف: فقلت: لتردنه أو لأعرفنكها عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأبى أن يرده عليه. قال عوف: فاجتمعنا، فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خالد ما صنعت؟ قال: يا رسول الله، استكثرته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رد عليه ما أخذت منه. فقلت: دونك يا خالد، ألم أقل لك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذلك؟ فأخبرته، فغضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: يا خالد، لا ترد عليه، هل أنتم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أمرهم، وعليهم كذره. رجل شهد يوم مؤتة لما كان يوم مؤتة برز رجل كافر من قضاعة، يشتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبرز إليه رجل من المسلمين فقال: يا هذا، أنا فلان بن فلان وأمي فلانة وأنا من بني فلان فسبني وسب والدي وسب عشيرتي، واكفف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكأنما أغراه. فقال المسلم: لتنتهين أو لأرجلنك بسيفي. فلم ينته. فشد عليه المسلم بسيفه فضربه، وضربه القضاعي فقتله. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عجبت لرجل نصر الله ورسوله بالغيب وألفى ربه متكئاً فجلس له. قال: فأسلم ذلك القاتل، فكان يسمى الرجيل. قال: هذا منقطع، ومعناه إن صح أن الله تبارك وتقدس، تلقاه بالإكرام كما يفعل من قدم عليه من يجله ويكرمه، تعالى عن صفات الأجسام.

رجل من بني أسد

رجل من بني أسد قنسريني، له صحبة، وفد إلى معاوية. حدث خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معدي كرب، وعمرو بن الأسود، ورجل من بني الأسد من قنسرين من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على معاوية، فقال معاوية للمقدام: أما علمت أن الحسن بن علي توفي؟ قال: فاسترجع المقدام. فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ قال: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجره فقال: هذا مني وحسين من علي؟ فقال للأسدي: ما تقول أنت؟ قال: جمرة أطفأها الله. فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره، ثم قال: إن أنا صدقت فصدقني، وإن أنا كذبت فكذبني. فقال: أفعل. فقال: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم. قال: وأنشدك الله، هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم. قال: أنشدك الله، هل تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم. قال: فوالله، لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية. فقال معاوية: قد عرفت أني لن أنجو منك اليوم. قال خالد: وأمر له معاوية بمال ولم يأمر لصاحبه، وفرض لابنه قال: ففرقها المقدام على أصحابه، ولم يعط الأسدي شيئاً مما أخذ، فبلغ ذلك معاوية، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يديه، وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لنفسه. رجل من غسان له وفادة على سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم قوم من غسان على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان سنة عشر المدينة، وهم ثلاثة، قالوا: فنزلنا دار رملة بنت الحارث، فإذا وفود العرب كلهم مصدقون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا فيما بيننا: أترانا شر من يرى العرب؟ ثم أتينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمنا وصدقنا وشهدنا أن

رجل له صحبة

ما جاء به حق ولا ندري أيتبعنا قومنا أم لا، فأجازهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجوائز وانصرفوا راجعين. فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم، فكتموا إسلامهم حتى مات منهم رجلان مسلمان، وأدرك واحد منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك، فلقي أبا عبيدة فخبره بإسلامه، فكان يكرمه. رجل له صحبة قال عبد الواحد القرشي: لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي عليهما السلام، تناوله بقضيب، فكشف عن ثناياه، فوالله ما البرد بأبيض من ثناياه ثم قال: من الطويل يفلقن هاماً من رجال أعزةٍ ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما فقال له رجل عنده: يا هذا، ارفع قضيبك، فوالله لقد رأيت شفتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكانه يقبله، فرفعه متذمراً عليه، فغضب. رجل من خثعم له صحبة. قال رجل من أهل الشام يقال له عمار: أدربنا عاماً، فقلنا وفينا شيخ من خثعم، فذكر الحجاج، فوقع فيه وشتمه، فقلت له: ولم تشتمه وهو يقاتل أهل العراق في طاعة أمير المؤمنين؟! فقال: إنه هو الذي أكفرهم. ثم قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يكون في هذه الأمة خمس فتن، فقد مضت أربع وبقيت واحدة وهي الصيلم، وهي فيكم يا أهل الشام، فإن أدركتها فإن استطعت أن تكون حجراً فكنه، ولا تكن مع واحد من الفريقين، وإلا فاتخذ نفقاً في الأرض. قلت: أنت سمعت هذا من رسول

رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم. قلت: يرحمك الله، أفلا كنت أعلمتني أنك رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أسائلك. رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال القاسم بن مخيمرة: أتيت مسجد دمشق، فإذا فيه ناس جلوس يتحدثون، وإذا فيهم شيخ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلست إليهم، فتحدثنا حديثاً حسناً، ثم تفرقنا، فلما أصبحت من الغد قلت: لآتين جلسائي فأجلس معهم. قال: فلما أتيت المسجد إذا فيه الشيخ جالس وحده، فأتيته فقعدت طويلاً لا يحدثني ولا أحدثه فقلت له: ألا تحدثني؟ فإني والله لأحبك وأحب حديثك. قال: آلله؟ قلت: آلله. قال: فإنه من تحاب في الله فإنه في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله. ثم قال: يا بني أو يا بن أخي، إذا أصبحت فقل لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات فإنهن يكتبن عشر حسنات، ويمحين عشر سيئات ويكن عدل أربع نسمات من بني إسماعيل، ويكن حارساً لك من الشيطان إلى أن تمسي، فإذا أمسيت فقلهن يكن لك ذلك حتى تصبح. رجل له صحبة قال عبد الجبار الخولاني: قدم علينا رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دمشق، فرأى ما فيه الناس يعني من الدنيا فقال: وما يغني عنهم، أليس من ورائهم الفلق؟ قيل: وما الفلق؟ قال: جب في النار، إذا فتح هر منه أهل النار.

رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

رجل رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقي إلى خلافة عمر بن عبد العزيز. جاء عمر رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ها هنا رجل قد رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقام عمر وقام معه جماعة قال: أنت رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم قال: فهل سمعت منه شيئاً أو رأيته يصنع شيئاً؟ قال: لا، إلا أني رأيته عليه كركرة من الناس، ورجل يسأله عن الرؤيا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للرؤيا شبه المرأة خير، والبعير حزن، واللبن فطرة، والخضرة الجنة، والسفينة نجاة. رجل من مزينة كانت عنده قطيفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو قطيفة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إليه، فأتى بها في أديم فجعل يمسح بها وجهه. ورجل شهد اليرموك قال رجل لأبي عبيدة يوم اليرموك: إني قد أجمعت علي أمري أن أشد عليهم، فهل توصوني إلى نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء؟ فقال: تقرئه السلام وتخبره أنا قد وجدنا ما وعد الله ورسوله حقاً. رجل من أهل اليمن أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد اليرموك، فأصيبت يده. كان عمر بن الخطاب يغدي الناس يوماً، فرأى رجلاً يأكل بشماله فقال له: كل

رجل من دمشق

بيمينك. فلم يجبه، فأعاد عليه فقال: هي يا أمير المؤمنين مشغولة. فلما فرغ من طعامه دعا به فقال: ما شغل يدك اليمنى؟ فأخرجها، فإذا هي مقطوعة فقال: ما هذا؟ فقال: أصيبت يدي يوم اليرموك. قال: فمن يوضئك؟ قال: أتوضأ بشمالي، ويعين الله. قال: فأين تريد؟ قال: اليمن، إلى أم لي لم أرها مذ كذا وكذا سنة قال: أوبر أيضاً! فأمر له بخادم وخمسة أباعير من الصدقة وأوقرها له. رجل من دمشق ركب أبو الدرداء إلى المدينة في نفر من أهل دمشق، ومعهم المصحف الذي جاء به أهل دمشق ليعرضوه على أبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي وأهل المدينة، فقرؤوا على عمر بن الخطاب، فلما قرؤوا هذه الآية " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام. فقال عمر: من أقرأكم؟ قالوا: أبي بن كعب. فقال لرجل من أهل المدينة: ادع لي أبي بن كعب. وقال للرجل الدمشقي: انطلق معه. فذهبا، فوجدا أبي بن كعب عند منزله يهنأ بعيراً له بيده، فسلما. ثم قال له المديني: أجب أمير المؤمنين عمر. فقال أبي: ولم دعاني أمير المؤمنين؟ فأخبره بالذي كان. فقال أبي للدمشقي: ما كنتم تنتهون معشر الركيب أو يسترقني منكم شر. ثم جاء إلى عمر وهو مشمر، والقطران على يديه، فلما أتى عمر قال لهم: اقرؤوا. فقرؤوا: ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال أبي: أنا أقرأتهم. فقال عمر لزيد: اقرأ يا زيد. فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر: اللهم لا أعرف إلا هذا. فقال أبي: والله يا عمر، إنك لتعلم أني كنت أحضر وتغيبون، وأدعي وتحجبون، وتصنع بي! والله لأن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث أحداً بشيء.

رجل من الأزد

رجل من الأزد من ثمالة. حدث أنه رأى عمر بن الخطاب بالجابية سجد في " إذا السماء انشقت " شيخ حكى عن عمر بن الخطاب أتى عبد الملك بن مروان في خالة وعمة. فقام شيخ فقال: شهدت عمر بن الخطاب أعطى الخالة الثلث، والعمة الثلثين قال: فهم أن يكتب. ثم قال: أين زيد عن هذا؟! قاضي دمشق في خلافة عمر. قال عمر بن الخطاب لرجل قاض: من أنت؟ قال: أنا قاضي دمشق. قال: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإذا جاء ما ليس في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فإذا جاء ما ليس في سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أجتهد رأيي وأؤامر جلسائي. فقال عمر: أحسنت، وقال له: إذا جلست فقل: اللهم، إني أسألك أن أقضي بعلم، وأن أفتي بحكم، وأسألك العدل في الغضب والرضا. قال: فسار ما شاء الله أن يسير، ثم رجع إلى عمر. قال: ما رجعك؟ قال: رأيت فيما يرى النائم أن الشمس والقمر يقتتلان مع كل واحد منهما جنود من الكواكب. قال: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر. قال عمر: نعوذ بالله " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " والله لا تلي لي عملاً أبداً. قال: فيزعمون أن ذلك الرجل قتل مع معاوية بصفين.

رجل من دمشق

رجل من دمشق حج مع عمر، واستفتاه. عن أبي المليح أنه كتب إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة يسأله عن النعامة يصيبها المحرم وعن الحمار، وعن بيض النعام وعن الجرادة. فكتب إليه: في النعامة بدنة، وفي الحمار بدنة. قال: وكان عبد الله بن مسعود يقول في بيض النعام: في كل بيضة صوم يوم أو إطعام مسكين. وأصاب رجل من أهل دمشق ثلاث جرادات وهو محرم، فأعطى عن كل جرادة درهماً. فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال: إنكم كثيرة دراهمكم يا أهل دمشق، ولتمرة أحب إلي من خمسين جرادة، وقبضة طعام كانت جازية عنك. عامل لعمر بن الخطاب على أذرعات، من البلقاء. قال: قدم علينا عمر بن الخطاب، وعليه قميص من كرابيس أعطانيه، فقال: اغسله وارقعه. قال: فغسلته ورقعته، ثم قطعت عليه قميصاً قبطياً فأتيته بهما، فقلت: هذا قميصك، وهذا قميص قطعته عليه لتلبسه، فمسه فوجده ليناً، فقال: لا حاجة لنا فيه، هذا أنشف للعرق منه. رجل من بني أسد حدث أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، عن رجل من قومه قال: غزونا مع عمر بن الخطاب الشام، فنزلنا منزلاً، فجاء دهقان يستدل على عمر حتى أتاه، فلما أتاه الدهقان، سجد حين رأى عمر. فقال عمر: ما هذا السجود؟! قال: هكذا نفعل بعظمائنا. فقال عمر: اسجد للذي خلقك. قال: يا أمير المؤمنين، إني صنعت لك

رجل من الأشعريين

طعاماً لتأتيني. فقال عمر: لعل في بيتك شيئاً من زخرف العجم؟ قال: نعم. قال: لا حاجة لي في بيتك، ولكن ابعث إلي بلون واحد من طعام، ولا تزيدن عليه. وانطلق، فبعث إليه بطعام، فأكل منه عمر، فاستقبله الناس في ثياب الحرير والديباج. فقال: هذا لباس أهل الشرك، بئس ما استقبلتموني به، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا تلبسوا الديباج ولا الحرير، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، فإنها لكم في الآخرة، ولهم في الدنيا، ثم أمر بطلاء فصنع له شيء ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فشربه فوافقه، فقال: إني قد أمرت بشراب من العنب فطبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وخفت أن تقولوا أمر به عمر؛ فتشربون غيره، وإني لا آمركم إلا بمثل هذا. رجل من الأشعريين كان زوج أم شهر بن حوشب. حدث شهر بن حوشب عن رابه، رجل من قومه كان خلف على أمه بعد أبيه، كان شهد طاعون عمواس قال: لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح خطيباً فقال: يا أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه، قال: فطعن، فمات. واستخلف على الناس معاذ بن جبل، فقام خطيباً بعده، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، إن معاذاً يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه. فطعن ابنه عبد الرحمن، فمات ثم قام فدعا ربه لنفسه، فطعن في راحته، فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول: ما أحب أن لي فيك شيئاً من مال الدنيا. فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام فينا خطيباً، فقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. فقال له أبو واثلة الهذلي: كذبت والله، لقد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنت شر من حماري هذا!! قال: والله ما أرد عليك ما تقول، وأيم الله

رجل من بني تميم

لا نقيم عليه. ثم خرج وخرج الناس، وتفرقوا عنه، ورفعه الله عز وجل عنهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو، فوالله ما كرهه. رجل من بني تميم قال: كنا عند باب معاوية، وفينا أبو ذر، فقال أبو ذر: إني صائم. فلما دخلنا على معاوية، ووضعت الموائد جعل أبو ذر يأكل، وجعلت أنظر إليه، فقال: ما شأنك يا أحمر، أتريد أن تشغلني عن طعامي؟ فقال: ألم تزعم على الباب أنك صائم؟ فقال أبو ذر: بلى. ثم قال: قرأت " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر، ويذهب بمغلة الصدر. قلت: ما مغلة الصدر؟ قال: رجس الشيطان، وقد صمت ثلاثة أيام من كل شهر، فأنا صائم الدهر كله. رجل من أهل دمشق قال: أتيت أبا ذر وهو في جبل الخمر لأسأله، فرأيته وهو مكب على نويرة هو وامرأته يعالجها في يوم رشاش وقد سالت دموعه على لحيته، فلما غشيته ثارت امرأته فدخلت خباءها، وأرخت عليها سترها. فقلت: يا أبا ذر، لو أنك اشتريت خادماً يكف المؤنة عنك وعن أهلك. فقالت امرأته: قد والله قلت له. فقال أبو ذر: اللهم غفراً، أنا أبو ذر وهذا عيشي، فإن تصبري فأنا من قد عرفت، وإلا فتحت كنف الله. فقلت: يا أبا ذر، أنا رجل ليس لي فضل، وإنما هو عطائي منه فضل يدرك عطائي الآخر، وقد بقي منه شيء، أفتتخوف علي إن أدركني أجلي، وعندي منه شيء؟ فقال: والذي نفسي بيده، لو أدركك أجلك، وعندك منه فضل خر بصيصة لكويت به. قلت: يا أبا ذر، أنت في

رجلان من أهل دمشق

أربع مئة، فأين يذهب عطاؤك؟ قال: ترى هذه القرية، فإن لي فيها ثلاثين فرساً أحمل على خمسة عشر في كل عام أو قال: غزوة فإذا رجعت، أعقبتها بالأخرى، ثم نظرت إلى ما يصلحها من أعلافها وأجلتها، وأجرائها، وكلما نفق منها فرس أبدلت مكانه فرساً، ثم نظرت إلى قوتي وقوت أهلي فحبسته وتصدقت بالفضل. رجلان من أهل دمشق تنازعا، فعاثا، فاستطال أحدهما على الآخر، فعاث المستطال عليه، ثم قام فلقيه أبو الدرداء، فقال: شعرت أنك قد نصرت على صاحبك. قال: بماذا يا أبا الدرداء؟ قال: كثر ماله وولده، ومن يكثر ماله وولده تكثر شياطينه. رجل سأل أبا الدرداء وهو مريض، فقال: يا أبا الدرداء، إنك قد أصبحت على جناح فراق الدنيا، فمرني بأمر ينفعني الله به، وأذكرك به. فقال: إنك من أمة معافاة، فأقم الصلاة، وأد زكاة مالٍ إن كان لك، وصم رمضان، واجتنب الفواحش، ثم أبشر. فأعاد الرجل على أبي الدرداء، فقال له مثل ذلك. قال شعبة: أحسبه ثلاث مرات، ورد عليه ثلاث مرات. رجل رحل إلى أبي الدرداء كان فتى، زوجته أمه ابنة عمه، فعلق منها معلقاً ثم قالت له: طلقها. فقال: لا أستطيع، علقت مني معلقاً ما أستطيع طلاقها. فقالت: طعامك وشرابك علي حرام حتى تطلقها. فخرج إلى أبي الدرداء بالشام، فذكر له شأنه، فقال: ما أنا الذي آمرك أن تعق والدتك ولا آمرك أن تطلق امرأتك. فأعاد عليه فقال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظه، وإن شئت فضيعه. قال: فرجع وقد طلقها.

رجل من أصحاب أبي الدرداء

رجل من أصحاب أبي الدرداء قال: حدثنا أبو الدرداء، قال: عهد إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخوف ما أخاف على أمتي أئمة مضلون. رجل نخعي من أهل الكوفة قال: شهدت أبا الدرداء حين حضره الموت، قال: إني محدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أكن لأحدثكم به حتى أعلم أني ميت، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وعد نفسك من الموتى، واتق دعوات المظلوم، فإنها مستجابات، ومن استطاع منكم أن يشهد العشاء الآخرة وصلاة الغداة في جماعة فليفعل، ولو حبواً. رجل سمع أبا الدرداء ومعاوية زار عبد الرحمن بن غنم أبا الدرداء بحمص، فمكث عنده ليالي، فأمر بحماره فأوكف له. فقال أبو الدرداء: لا أراني إلا مشيعك. فأمر بحماره فأسرج؛ فسارا جميعاً على حماريهما، فلقيا رجلاً شهد الجمعة بالأمس عند معاوية في الجابية، فعرفهما الرجل ولم يعرفاه، فأخبرهما خبر الناس، ثم إن الرجل قال: وخبر آخر كرهت أن أخبركما، أراكما تكرهانه، فقال أبو الدرداء: فلعل أبا ذر توفي؟ قال: نعم والله، فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريباً من عشر مرات. ثم قال أبو الدرداء: " فارتقبهم واصطبر " كما قيل لأصحاب الناقة، اللهم، إن كذبوا أبا ذر فإني لا أكذبه، وإن اتهموه فإني لا أتهمه، وإن استغشوه فإني لا أستغشه، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأتمنه حين كان لا يأتمن أحداً، ويسر إليه

رجل مر بأبي الدرداء

حين لا يسر إلى أحد، أما الذي نفس أبي الدرداء لو أن أبا ذر قطع يميني ما أبغضته بعد الذي سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. رجل مر بأبي الدرداء وهو يغرس غرساً بدمشق فقال له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: لا تعجل علي، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من غرس غرساً لم يأكل منه آدمي، ولا خلق من خلق الله، إلا كان له صدقة. مولى لأبي الدرداء قال: سمعت أبا الدرداء وهو يوصي حبيب بن مسلمة فقال: إياك ودعوة المظلوم، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن العبد إذا ظلم فلم ينتصر، ولم يكن له من ينصره، فرفع طرفه إلى السماء، فدعا الله فلباه، فقال: لبيك، وإن الله يلبيه ويقول: يا عبدي أنا أنتصر لك عاجلاً وآجلاً. رجل من الأنصار دق رجل من يش سن رجل من الأنصار، فاستعدى معاوية، فقال الأنصاري لمعاوية: إن هذا دق سني، فقال معاوية: كلاً، إنا سنرضيك. قال: وألح الآخر على معاوية، أكب عليه حتى أبرمه، فقال له: شأنك بصاحبك. وأبو الدرداء جالس عند معاوية، فقال: أبو الدرداء: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من رجل يصاب بشيء من جسده، فيتصدق به إلا رفعه الله عز وجل درجة، وحط عنه بها خطيئة. قال الأنصاري لأبي الدرداء: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، سمعته أذناي ووعاه قلبي. فقال الأنصاري: فإني أدعه لله عز وجل. فقال معاوية: لا جرم واله لا تخيب. فأمر له بمال.

رجل

رجل قال: دخلت مسجد دمشق ولم أوافق فيه أحداً، فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم آمن وحدتي، وآنس وحشتي وفي آخر وارحم غربتي، وآنسني بجليس صالح تنفعني به. إذ دخل رجل فصلى ركعتين ثم جلس إلي، فإذا هو رجل له هيئة، فأخبرته بدعوتي فقال: والله يا بن أخي لئن كنت صادقاً لأنا أسر بدعوتك منك، وإن كنت ذلك الرجل الذي سألت لأحدثنك حديثاً ما حدثته أحداً قبلك، ولا أحدث به أحداً بعدك، عسى الله أن ينفعك به. سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرأ: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا " الآية. قال: فأما السابق فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يدخله الله الجنة برحمته، وأما الظالم لنفسه فأولئك الذين يوقفون يوم القيامة موقفاً كريهاً، حتى ينال منهم، ثم يطلقهم الله برحمته، فهم الذين قالوا: " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " الآية. قال: فهو حزن ذلك اليوم وذلك الموقف. قال الرجل: فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا أبو الدرداء. وفي آخر بمعناه: ويجيء الظالم، فيحبس حتى يصيبه كظ العذاب، وسوء الحساب، ثم يدخل الجنة. رجل من دمشق حدث عن عوف بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو جلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد فقال له: يا أبا ذر، هل صليت الضحى أو الضحاء؟ قال: لا. قال: قم فصّل ركعتين. فقام، فصلى ثم جلس. فقال له: يا أبا ذر، نعوذ بالله من شياطين الإنس. قال: قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟! قال: نعم. قال: يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: قلت: نعم. قال: قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. قال: قلت: يا رسول الله، فالصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر. قال: فالصوم؟ قال: فرض مجزئ. قال: فالصدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة،

رجل حدث عن عائشة

وعند الله المزيد. قال: قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل أو أسر إلى فقير. قال: قلت: فأيما أنزل آية عليك أعظم؟ قال: " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " حتى فرغ من الآية. قال: قلت: كم المرسلون؟ قال: ثلاث مئة وخمسة عشر جماً غفيراً. قال: قلت: فآدم كان نبياً؟ قال: نعم مكلماً. قال: ثم؟ قال: أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي. صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. رجل حدث عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا طعام فأكلنا منه. قالت عائشة: فدخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدرتني حفصة وكانت ابنة أبيها فقالت: يا رسول الله، أصبحت أنا وعائشة صائمتين، فأهدي لنا طعام، فأكلنا منه. قالت: فتبسم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: صوما يوماً مكانه. شيوخ من بني عنس حدثوا أنهم لما كانوا بصفين، أتوا جبل الجودي ينظرون إلى موضع السفينة منه. قال: فبينا نحن ننظر إلى آثارها، وما بقي من حديدها، إذا نحن بأبي هريرة ينظر إلى ما نظرنا إليه منها، فسلمنا عليه، فرد السلام. فقلنا له: أخبرنا عن هذه الفتنة التي نحن فيها. فقال: أما إنكم ستنصرون فيها على عدوكم، ثم سكت وسكتنا. فقال: ما لكم لا تسألوني؟ فقلنا: أخبرنا. فقال: أما إنها ستكون بعدها فتن ما هذه عندها إلا كالماء بالعسل تترككم وأنتم قليل نادمون، ولتنزلن فارس أرضها، يضطرب نشابها بين لعلع وبارق ولتنزلن الروم أرضها آمنة يضطرب نشابها، ولتخرجنكم من الشام كفراً كفراً

رجل من دمشق

إلى سنبك من الأرض يقال له حسمى جذام رجل من دمشق قال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه قدم على معاوية في خلافته؛ فدخلت المقصورة فجلست، فقال لي رجل: من أنت يا فتى؟ قلت: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قال: يرحم الله أباك، أخبرني فلان لرجل سماه أنه قال: لألحقن بأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأحدثن بهم عهداً ولأكلمنهم. فقدمت المدينة في خلافة عثمان بن عفان، فلقيتهم إلا عبد الرحمن بن عوف، أخبرت أنه بأرض له بالجرف، فركبت إليه، فإذا هو واضع رداءه، يحول الماء بمسحاة في يده، فلما رآني استحيا مني وألقى المسحاة، وأخذ رداءه، فسلمت عليه وقلت له: جئتك لأمر وقد رأيت أعجب منه، هل جاءكم إلا ما جاءنا، وهل علمتم إلا ما قد علمناه؟ فقال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما قد جاءكم، ولم نعلم إلا ما قد علمتم. قال: قلت: فما لنا نزهد في الدنيا وترغبون، ونخف في الجهاد وتتثاقلون، وأنتم سلفنا وخيارنا وأصحاب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عبد الرحمن: لم يأتنا إلا ما قد جاءكم، ولم نعلم إلا ما قد علمتم، ولكنا بلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسراء فلم نصبر. رجل من دمشق حدث عن عبد الله بن عمر أنه: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: من قال هذه الكلمات دعا بهن، فرج الله همه، وأذهب حزنه، وأطال سروره. أن يقول: اللهم، إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك وفي قبضتك، ناصيتي في يدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاءك، أسألك بأحب أسمائك إليك، وباسمك الذي سميت به

شيخ من دمشق

نفسك، وبكل اسمٍ أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن نور صدري، وربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي. شيخ من دمشق حدث عن أبي أمامة الباهلي قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثاً، وسبح ثلاثاً، وهلل ثلاثاً، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه وشركه. رجل من أهل دمشق قال أبو غالب، صاحب أبي أمامة: كنت بدمشق، ورجل ينشد المال، ورجل من التجار معي فقال: لقد ذهب لي مال ما مثله يرد. قلت: على ذلك لو أتيناه فسألناه. فأتيناه فسألناه فقال: قد وجدت مالاً وهو في المنزل. فذهب بنا إلى منزله، فلما نظر التاجر إلى خرجه قال: مالي. فدفعه إليه فقال صاحب المال: خذ منه ما شئت. قال: لا أرزؤك منه شيئاً، وما عندي عشاء ليلة، ولقد كنت من مالي في غناء. قال: فإذا هو قد لف الخرج بشريط وطرحه على حجارة البيت، وكان المال أربعين ألف دينار. قال أبو غالب: فقلت للتاجر: كيف كان أمر مالك؟ قال: أتيت باب الفرما فخشيت من العشارين، فوضعت الخرج على حمار، وخليت سبيله، فانطلق الحمار فلم أجده. رجل رحبي من الرحبة حدث أنه قعد في حلقة بدمشق فيها واثلة بن الأسقع الليثي فحدث القوم، فلما أرادوا أن يتفرقوا أخذوا في عيب علي حتى وصل ذلك إلى ذلك الرجل، وكان آخر من أراد

رجل من حجور

القيام، فتناوله واثلة بثوبه فأقعده. فقال له: أتعرف علياً، هل رأيته؟ قال: لا. قال: أفلا أحدثك عن علي؟ قال: بلى. قال: أتيت علياً أطلبه في منزله فلم أصبه، فاستجابت لي فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: من تريد؟ قلت: أبا حسن. قالت: الساعة يأتيك من هذه الناحية. قال: فجاء علي والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، يتوكأ عليه، فدخل على فاطمة وحسن وحسين، ثم دعا بمرط فغشاهم به ثم قال: اللهم، هؤلاء أهلي ثم قال: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت، ويطهركم تطهيراً " قال: قلت: يا رسول الله، وأنا فاجعلني من أهلك. قال: وأنت. قال: فوالله ما عندي شيء أرجى عندي منها. رجل من حجور حدث عن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول وسأله الوليد بن عبد الملك بدير المران: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الإيمان إلى هذين الحيين، لخمٍ وجذامٍ، وإن الكفر والجفاء في هذين الحيين: ربيعة ومضر. قال الوليد: قد سمعت هذا، فحدثني غيره، فصمت أنس. شيخ كبير من أهل دمشق كان في عصر الصحابة. قال حبان بن زيد: نفرنا مع صفوان بن عمرو وكان والياً على حمص قبل الأفسون إلى الجراجمة،

حرسي لمعاوية

فلقيت شيخاً كبيراً من أهل دمشق على رحالة قد سقط حاجباه على عينيه فيمن أغاث فسلمت عليه وقلت: يا عم، لقد أعذر الله إليك، فرفع حاجبيه فقال: يا بن أخي، إن الله استنفرنا خفافاً وثقالاً، إنه من يحبه الله يبتليه ثم يعيذه فيقتنيه، إنما يبتلي الله من عباده من صبر وشكر وذكر، ولم يعبد إلا الله. حرسي لمعاوية قال: عرضت على معاوية خيل، فقال لرجل من الأنصار يقال له ابن الحنظلية: يا بن الحنظلية، ماذا سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في الخيل؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وصاحبها معان عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها. شاب من قريش قال الأصمعي: خرجت ابنة لمعاوية صبية، وجماعة من قريش جلوس. فقال شاب من قريش: ما أكبر عجيزتها! فدخلت إلى معاوية تبكي. فقال: ما يبكيك؟ قالت: سفل بي أحد القوم الذين بالباب. فخرج عليهم معاوية وهو مغضب فقال: أيكم سفل بالصبية؟ فسكت القوم. فأعادها. فقال الشاب: أنا مازحتها يا أمير المؤمنين. فقال معاوية: أما والله لقد رأيت أمك وهي تضرب بصحنها فتؤذي جليسها وما نظرت نفسها، وإني لأعلم قريش بقريش. فقال له الرجل: مهلاً فوالله إني لأعلم قريش بقريش. فقال معاوية: واحدة بواحدة، ولكم جوائزكم. رجل من أهل البادية وفد على معاوية، كانت امرأته قالت له هي وبناته: لو أتيت أمير المؤمنين فسألته وأخبرته بما لك، لعل الله يرزقك منه شيئاً. فقال: ليس بيدي شيء. فباعوا متاعاً لهم، وتجهز إلى معاوية، فدخل عليه وقد نصب في الطريق، فرأى جماعة الناس

على معاوية، فلم يقدر على كلامه، فدار خلفه فقعد خلف السرير بين وسادتين، فجعل يخفق برأسه لما لقي من العناء في طريقه. فقال ابن بريدة: والشيخ إذا كان قاعداً كان أكثر لنومه، فنام، وتفرق الناس عن معاوية لما أمسوا، وخرج للمغرب، ثم رجع فتعشى وخرج لصلاة العشاء، والشيخ نائم لا يعلم، حتى ذهب هوي من الليل. فدخل معاوية إلى أهله فانتبه الشيخ لما أصابه برد الليل، فإذا هو بالسرج وليس في البيت غيره، فقام فخرج إلى الدار، فإذا الأبواب مغلقة، فاسترجع وقال: إنا لله، جئت أطلب الخير فالآن أوخذ بظن أني جئت أغتال أمير المؤمنين. فطلب مكاناً يختبئ فيه إلى أن يصبح فلم يجد، فدخل تحت سرير معاوية فلما ذهب هوي من الليل إذا معاوية أقبل، شيخ ضخم البطن، متوشح بملحفة حمراء، حتى قعد على السرير، والشيخ ينظر وهو يسترجع في نفسه: الآن أقتل. ثم قال معاوية: يا غلام، انطلق إلى ابنة قرظة فادعها، فجاءت تمشي ومعها جواري يسترنها حتى صعدت على السرير معه، فطرب للجواري، فكلمها معاوية ساعة ثم قال: عزمت عليك إلا نزلت فمشيت، ورمى عنها ثيابها، وبقيت في درع رقيق من قز يستبين منه جميع جسدها. فمشت فقال: أقبلي. فأقبلت. ثم قال: أدبري. فأدبرت. والشيخ ينظر، ثم أقبلت، فإذا هي ببريق عين الشيخ من تحت السرير. فصاحت وقالت: افتضحت. وقعدت وتقنعت بيديها. فقام معاوية إليها، وقال: ما لك؟ فقالت: رجل تحت السرير. فأدخل معاوية يده، فأخذ برأسه، فإذا شعرات، فجعل لا يقدر أن يقبض على شعره، فلما علم أنه شيخ كبير تركه ولبست ابنة قرظة ثيابها وانطلقت إلى بيتها، وخرج الشيخ إلى معاوية فقال: يا أمير المؤمنين لينفعني عندك الصدق. قال: هيه، فقص عليه القصة. فقال: لا بأس عليك، وجعل معاوية يضحك ويسأله فإذا أعرابي منكر لا يسأله عن شيء إلا أخبره. فلما أصبح دعا معاوية خصياً له وقال: خذ بيد الشيخ إلى ابنة قرظة فقل لها: هذا الشيخ الذي تخلاك

مولى لشقيق أو ابن شقيق

البارحة، وللخلوة نحلة، فأعطيه نحلته. فأخبرها فقالت للأعرابي: ما قصتك؟ فقص عليها القصة، فأعطته وأوقرت راحلته ثياباً وغير ذلك وقالت له: لا تقيمن في هذه البلاد، فإن رآك أحد بها نكلت بك، وخافت أن يقيم، فكلما ذكره معاوية دعاه وذكر له ما كان. ثم قال لغلام: انطلق فاحمله على الراحلة وما معه، ثم انخس به حتى تخرجه من هذه الأرض. فانطلق الأعرابي وقد أصاب حاجته. مولى لشقيق أو ابن شقيق من أهل البصرة. كان بين شقيق بن عبد الله وبين عبد الله بن شقيق حس فأخذ له زياد ساجاً بثلاثين ألف درهم، فبعث شقيق غلاماً إلى معاوية وقال: إن أتيتني منه بكتاب فأنت حر. فبلغ ذلك زياداً، فأخذ بالرصد، فقطع النهر بالسباحة، وأتى معاوية، فأخذ منه كتاباً إلى زياد برد ذلك المال، وكان زياد بالكوفة، وخليفته سمرة بن جندب على البصرة، فلما قدم على زياد كتب له إلى سمرة فقال: أصلحك الله عتقت مرتين، ولم أعتق. قال: وكيف ذلك؟ قال: اعتقني يا مولاي، وأعتقني أمير المؤمنين، وأقدم على سمرة فيقتلني. قال: أما والله إن كنت لأرجو أن أشتفي منك. قال: فكتب إلى سمرة. فلما قدم إلى زياد خيره شقيق أو ابن شقيق بين ثلاثين ألفاً وبين آنية من الفضة، فاختار الآنية. قال: فقدم تجار من دارين فباعهم إياها بالعشرة ثلاثة عشر، ثم لقي أبا بكرة فقال: ألم تر كيف غبنتهم؟ قال: وكيف؟ فذكر ذلك له. قال: أقسمت لتردنها. فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن مثل هذا.

شيخ كان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم

شيخ كان يشبه برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان معاوية يقوم لشيخ في منزله إذا دخل عليه، فقيل له: أتقوم لهذا الشيخ، وأنت أمير المؤمنين؟! قال: نعم، لأني رأيت فيه مشابهاً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنا أقوم لذلك لا له. قال: وهذا الرجل هو كابس بن ربيعة، وهو في حرف الكاف. رجل قاص من أهل الأردن. قال أبو عبيد الله: كنا مع معاوية بالجابية، وكان يخرج إليها إبان العشب، وفينا رجل يقص علينا من أهل الأردن، إذ قام رجل من ناحية الناس فقال: ألا أخبركم بكلم يهتز لها عرش الرحمن وشجر الجنة؟ قلنا: بلى. قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. يهتز لها عرش الرحمن وشجر الجنة. ثم قال في إثر ذلك: سبحان الله وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي الكبير، أعوذ بوجه الله الكريم من عذابه الأليم. رجل من تيم الله بن ثعلبة أوفد زياد إلى معاوية وفداً من أهل البصرة، فيهم رجل من بني تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل، فلما دخلوا على معاوية قام التيمي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة عليه، وإن الله إذا أراد بقوم خيراً ولي أمرهم علماؤهم، وقضى بينهم فقهاؤهم، وجعل الأموال في سمحائهم، وإذا أراد بقوم سوءاً، ولي أمرهم سفهاؤهم، وقضى في الأحكام جهلاؤهم، وجعل الأموال في بخلائهم. فاحفظ معاوية. ثم دعا له على رؤوس الناس بعطية جزيلة. فقال: خذها يا أخا بني تيم، أبخيل لنا؟ فقال: سبحان الله، إذا لم تكن بخيلاً فأخاف أن تكون

مبذراً، أو لكل الناس أعطيت كما أعطيتني؟ قال: لا، ولا يمكن هذا. فقال التيمي: فاجعل نصيبي في هذا الفيء أكثر من نصيب رجل من المسلمين. ففرق معاوية في ذلك الوفد مالاً عظيماً، وأمرهم بالشخوص إلى بلدهم، وكتب إلى زياد: لا تزال توجه إلي الرجل بعد الرجل فيقف بين يدي مؤنباً، أولى لك، فلما قرأ زياد الكتاب قال: علي نذر لأصلبن التيمي على أربع جذوع. ثم جعل ينتظر قدومه يوماً يوماً، ويعد له المراحل حتى انتهى التيمي إلى بعض المنازل، فمات به. وبلغ زياداً موته، فبعث إلى ابن أخ له من أهل البصرة فقال: عمك الحروري يؤنب أمير المؤمنين؟ فقال التميمي: أيها الأمير ما استأمرتني فيه حين أردت توجيهه، ولا ضمنت لك سقطة إن جاءت على لسانه، ولقد انتخبه بعلمك واخترته برأيك، فإن جاءتك فلا عليك بل على نفسه، وبعد، فمهما كنت صانعاً به أيها الأمير لو ظفرت به، أهو أكثر من أن تقتله؟ فقد قتله الله وكفاك أمره. فقال زياد: يا سلم، انطلق به فاحبسه الليلة حتى ينكل به غداً على رؤوس الناس. فدفعه سلم إلى غلام له فقال: امض به إلى الحبس. فمضى به الغلام، فلما كانوا في بعض الطريق أفلته الفتى وفر هارباً وأنشأ يقول: من الطويل وأيقنت أني إن لبثت ساعة ... على باب سلم سار جسمي إلى قبري جميعاً وشتى مدرجاً في عباءة ... فرأسي بعيد وهو أقرب من شبر وجاء البخاريون يبتدرونني ... عيون لهم خرز توقد كالجمر عكوف على الأبواب من يؤمروا به ... فليس براء أهله آخر الدهر عشية يدعوهم دويد ومن يجب ... دويداً فقد لاقى العظيم من الأمر ولله أيام أتين ثلاثة ... غلبن علينا القوم من كل ذي صبر تحدر فيهن المنايا تحدراً ... كأن دماء القوم من راحهم تجري وكان زياد تواعد الناس بالقتل في ثلاثة أيام، فقتل منهم خلقاً كثيراً، ودويد هذا رجل كان من البخاريين على عذاب زياد.

رجل من كلب

رجل من كلب قتل رجل من الشام امرأته، فأخذه والدها فرفعوه إلى معاوية فلم يدر ما يقول فيها، فأرسل أعرابياً من كلب إلى علي فأخبره خبرها فقال: إن شاء أهل المرأة أدوا إلى الرجل ديته ثم قتلوه، وإن أحبوا أخذوا من القاتل نصف الدية، وإنما هما امرأتان برجل. رجل شاعر من كلب أجرى معاوية الخيل فيها وفرس يقال له سالم، فقال معاوية: من الوافر رأيت لسالم خيراً وشراً ... فلا أدري لأيهما يصير فقال رجل من كلب من البادية، وكان له فرس في الحلبة يقال له المستنير: ائذن لي يا أمير المؤمنين أجبك، وأعطني الأمان. قال: فعلت. فقال الأعرابي: تصير إلى التي أشفقت منها ... إذا ما قيل جاء المستنير فجاء فرس الأعرابي سابقاً. فقال له معاوية: يا أعرابي، لقد جئت بفأل له شأن. فأعطاه سبقه أربعة آلاف درهم. رجل من المعمرين من أهل نجران. قدم على معاوية رجل من نجران، يقولون: له يوم قدم عليه مئتا سنة. فسأله عن الدنيا فقال: سنيات بلاء، وسنيات رخاء، يوم فيوم، وليلة فليلة، يولد مولود، ويهلك هالك، فلولا المولد باد الخلق، ولولا الهالك ضاقت الدنيا بمن فيها، فقال له: سل. فقال: عمر مضى فترده وأجل حضر فتدفعه. قال: لا أملك ذلك، قال: لا حاجة لي إليك ثم قال: من البسيط

رجل شاب من غسان

استرزق الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار رمساً تعفيه الأعاصير كأنه لم يكن إلا لتذكرة ... والدهر أهلكنا منه الدهارير رجل شاب من غسان قال الشعبي: كان أول من سمر من الخلفاء، واتخذ له أقوام معاوية، وكان ملك الروم في زمانه فوق بن مورق بن هرقل بن قيصر بن فوق بن مورق بن الأصفر، وكان معاوية يقول: ما أردت في الشام شيئاً قط إلا ظننت أنه معي، وكان ملك الروم يقول مثل ذلك. فسمر معاوية ليلة ثم أوى إلى فراشه فأرق فامتنع منه النوم فأراده فلو يستطعه حتى أسحر، فسمع أصوات النواقيس فآذته، فلم يزل يتململ حتى أصبح، فلما صلى الفجر وجلس أمر منادياً فنادى: من يبيعني نفسه؟ فقال شاب من غسان: أنا يا أمير المؤمنين. قال: بكم؟ قال: ثلاث ديات: دية لي، ودية أخلفها لأهلي، ودية أشتري لهم بها ضيعة. فأعطاه أربعة آلاف دينار، ثم قال: قد أجلتك ثلاثاً فتهيأ وافرغ من حوائجك ثم ائتني. ففعل، فإذا كتاب بين يدي معاوية إلى ملك الروم فقال: انطلق بهذا إلى ملك الروم، فتدخل عليه وهو جالس على سريره وبطارقته حوله وتاجه على رأسه، فإذا عاينته فضع كتابك وأدخل أصبعيك في أذنيك، فأذن وقل: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، حتى تفرغ. فخرج الغساني حتى دخل عليه، وتاجه على رأسه، وبطارقته عنده، فوضع الكتاب ورفع صوته بالأذان، فانتضوا سيوفهم وأقبلوا نحوه، فوثب عن سريره يخصر حتى حال بينهم وبينه. قال: فاستدبرني واستقبلهم ثم قال: أف لكم، كنت أظنه يقاس برأيكم فإذا رأيكم قد عجز عنكم، ارجعوا، فما رجعوا إلا بعد شر، فلما رجعوا إلى مجالسهم قال: أتدرون ما قصة هذا؟ قالوا: لا. قال: تجدون معاوية أرق فسمع أصوات النواقيس فآذته، وقد علم أن النصارى بالشام لهم أنصاف منازل

رجل لقب أم عمار

المسلمين، وأنصاف مساجدهم، وقد عاهدهم على ذلك من هو أفضل منه من أهل دينه، فلم يستطع نقضه فقال: من يبيعني نفسه، فتجدون هذا البائس انتدب لذلك، ولم يأخذ لنفسه ثمنها؟ فوجهه وأمره بما سمعتم لتستحلوا قتله ويستحل هو بذلك قتل من بالشام من النصارى، وهدم كنائسهم. قال الغساني: والله ما علمت ما أراد معاوية إلا تلك الساعة. قالوا: أيها الملك، ما تصنع به؟ قال: نحسن جائزته، ونرد جواب كتبه، فما أتت على معاوية إلا ثمانية وأربعون ليلة حتى عاد الغساني، فلما رآه معاوية قال: أفلت وانحص الذنب. قال: يا أمير المؤمنين، عرضتني للقتل. قال: أما والذي لا إله إلا هو، لو قتلك ما تركت فيما بين العريش إلى الفرات نصرانياً إلا قتلته، ولا كنيسة إلا هدمتها، ولكن اللعين كان أوفى بالذمة. رجل لقب أم عمار خطب معاوية وهو خليفة فقال في خطبته، ولم يتم البيت لأنه كان على المنبر: من الطويل إذ الناس ناس والزمان بغرة وأعاده ولم يتم البيت، فظن بعض العامة أنه أشكل عليه البيت، وأنه يريد من يتممه له. فقام وقال: وإذ أم عمار صديق مساعف فقال له: اسكت يا أم عمار، ما أردنا هذا منك. قال: فبقي عليه لقباً، فكان إذا مر بالصبيان صاحوا: يا أم عمار يا أم عمار، حتى رمي بالآجر.

أعرابي

أعرابي جرت له محاورة مع معاوية، وحلم عنه. خطب معاوية يوماً فقال: إن عاملاً لي بمكان كذا كتب إلي يذكر أن بني قشير كان منهم إليه أمر، لهممت أن أجد من كان منهم في البر فأحمله في البحر في السفن، ثم أحرقها عليهم فلا أبقي منهم أحداً. فقام إليه أعرابي، عليه عباءة يرفعها من جانب، وتسقط من آخر فقال: يا معاوية، أما والله لو أردت ذلك لجاءك مئة ألف أمرد على مئة ألف أجرد فجعلوا صدرك ترسة لرماحهم فقال: اسكت أيها الغراب الأبقع. قال: إن الغراب الأبقع يحجل إلى الرخمة البيضاء فينقر رأسها، ويستخرج دماغها، فيأكله. فأعرض عنه معاوية وأخذ في خطبته، فقال له عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، ما هذه الاستكانة؟! أما رأيت ما قال لك؟! قال: يا أبا عبد الله، لنخلين بينهم وبين ألسنتهم ما خلوا بينا وبين ملكنا. رجل من كنانة له محاورة مع معاوية. خطب معاوية بن أبي سفيان فقال: أيها الناس، إن أمير المؤمنين عثمان ولاني بعض ما ولاه الله عليه، فوالله ما خنت، ثم وليت الأمر فيما بيني وبين الله عز وجل، فهل ترون خللاً؟ فوثب رجل من كنانة أو من بكر بن وائل فقال: نعم يا معاوية خللاً كخلل المنخل. فقال: اقعد أقعد الله رجليك. كأني بك وقد ارتبطت عشرة أعنزٍ في مثل حافر عير معهن تيس تحتلبهن قال:

رجل لقي الخضر عليه السلام

والله، إن قلت ذلك، إن ثم لحسباً غير ذميم، والله ما قتلت نفساً حراماً ولا أكلت مالاً حراماً. قال: وأنى لك أن تقتل نفساً حراماً أو تأكل مالاً حراماً، أنت أذل وأخزى من ذلك، اسكت، دق الله فاك. قال: لا بل أذهب حيث لا أرى شخصك ولا أسمع صوتك. قال: أبعد وأبعد. قال: لئن طرت بك لأطيرن بك طيرة بعيداً وقوعها. قال الأعرابي: فهل إلا إلى الله ثم تقع يا معاوية، وأنا أستغفر الله. رجل لقي الخضر عليه السلام خرج رجل إلى معاوية، فلقي الخضر فقال له: لعلك تريد هذا الرجل؟ قال: نعم. قال: فإذا أردت الدخول عليه فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم اجعل بدو يومي هذا صلاحاً، وأوسطه فلاحاً، وآخره نجاحاً، وأسألك باسمك الأحد الكبير المتعال: ثم سل حاجتك. فدخل الرجل على معاوية، ونسي أن يصنع ما أمره به، فلم يلتفت إليه معاوية، فلما كان بعد صنع الذي أمر به. فقال معاوية: سحرتني والذي نفسي بيده، لقد جئتني وما أريد أن أعطيك شيئاً. فأخبره بالذي قيل له. فأعطاه وأحسن إليه. رجل أقام بباب معاوية وطال مقامه ثم أذن له فقال: يا أمير المؤمنين، انقطعت إليك بالأمل، واحتملت جفوتك بالصبر، وليس لمقرب أن يأمن ولا لمباعد أن يأنس، وكل صائر إلى حظه من رزق الله عز وجل. فقال معاوية: هذا كلام له ما بعده، فأمر بعهده له إلى فلسطين. فقال الرجل: من الوافر دخلت على معاوية بن حرب ... وكنت وقد يئست من الدخول وما أدركت ما أملت حتى ... حللت محلة الرجل الذليل

رجل من كلب

وأغضيت العيون على قذاها ... ولم أنظر إلى قال وقيل رجل من كلب دخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي في بيت مال المسلمين حقاً ولي رحم. فقال: أما ذكرت فيما لك في بيت مال المسلمين فقد عرفناه، وأما رحمك فما هي؟ قال: إن أم إلياس بن مضر كانت امرأة من كلب. فقال معاوية: وأبيك، لقد متت برحم بعيدة. وعنده ابن عباس، فقال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن الله ليعذب على قطيعة الرحم التي تلقاك إلى ثلاثين أباً، فقال له: الله عليك، لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: الله علي، لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: سل حاجتك. قال: مئة ألف أشتري بها داراً. قال: هي لك. قال: مئة ألف أقضي بها تجاراً. قال: هي لك. قال: مئة ألف أشتري بها عقاراً. قال: هي لك. قال ابن الأعرابي: يا أبه، أبرمت أمير المؤمنين. قال: فنتف رأسه بيده ثم قال: اسكت، إنما أمير المؤمنين كما قال خال بني جبار: من الوافر نميل على جوانبه كأنا ... إذا ملنا نميل على أبينا نقلبه لنخبر حالتيه ... فنخبر منهما كرماً ولينا رجل من همدان شاعر كان لمعاوية فرس يقال له البشير قد سبق عليه سوابق أهل الشام، فقيدت إليه في خلافة عثمان أفراس العرب في حلبة استعد لها معاوية، وقدم رجل من مدد همدان، فرأى الناس يحفلون نحو الحلبة. فقال لهم: ما هذا؟ فأخبر فبادر إلى معاوية بفرس يقال له المستطير، قدم راكباً عليه من اليمن فقال: أيها الأمير، قدمت الساعة من

شبام على فرسي هذا، وهو يعجبني، فسمعت بهذه الحلبة فأسرعت به. فقال له معاوية: فرسك مخبل وليس بمخبل، وهو بعد نضي وجي. فقال أنشدك الله يا بن الكرام. فأمر بفرسه فختم وأنفذ مع الخيل إلى المقوس وقعد معاوية يتشوف لها ثم أنشأ يقول: من الوافر أخاف على البشير وأتقيه ... فما أدري إلى ماذا يحور فقال الهمذاني: أتأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقال: من الوافر يحور إلى التي أرجو سناها ... إذا ما قيل هذا المستطير فضحك معاوية وصاح الناس: الخيل. الخيل، وطلع المستطير فرس الهمذاني. وكان معاوية جعل لمن سبق البشير أربعين أوقية من ذهب وفريضة في الشرف، وفرائض لعشرة رجال من قرابته أو عشيرته. فشاطر معاوية الهمذاني في فريضته ووفر عليه السبق، وفرائض عشرة من أهل بيته فقال الهمذاني: من الوافر ألا ليت الرياح إذا استطرت ... تبشر أهلنا كنفي شبام بأن المستطير أهل يهوي ... أمام الخيل في جمع السنام ولم يسكن وجاه بعد شهر ... وعشر سنين محتفر الظلام فأبت بسبقه وعلوت حداً ... على شرف الفرائض في الكرام فبعث إليه معاوية، فاشترى منه المستطير بألف دينار، فسبق عليه العرب أيامه كلها.

رجل استسقى به معاوية

رجل استسقى به معاوية خرج معاوية يستسقي فجعل يقول: قم يا فلان، قم يا فلان. فقيل له: إن في قرية كذا رجلاً مجاب الدعوة. فأرسل إليه فأتى على حماره وهو مسمط إداوةً له لئلا تأتي عليه حالة إلا وهو فيها متوضئ. فقال له معاوية: أردنا أن تستسقي لنا. فاستعفاه فلم يعفه، فأتى إداوته فأحدث وضوءاً وصلى ركعتين، واستسقى وعزم على ربه فقال: ارفعوا أيديكم. فما فرق بينهم إلا المطر حيث يصلي حتى جرى الماء من تحته. فأتاه أهل قريته فاحتملوه. فقال: اللهم، إن معاوية أقامني مقام سمعة ورياء، فاقبضني إليك. فقبض قبل الجمعة. رجل من ولد خلف الجمحي كان مع معاوية بصفين، وكان فارس أهلها، والذي رد الأشتر عن معاوية بعدما غشيه. دخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، إنا تركنا الحق عياناً، وعلي بن أبي طالب يدعو إليه في المهاجرين والأنصار، وبايعناك على ما قد علمت، ثم طاعنت عنك أشد أهل العراق بعد ما غشيك حتى إذا نلت ما رجوت وأمنت ما خفت، جعلت الدهر أربعة أيام: يوماً لسعيد بن العاص، ويوماً لمروان بن الحكم، ويوماً لعمرو بن العاص، ويوماً للمغيرة بن شعبة، وصرنا لا في عير ولا في نفير، ثم خرج من عنده وهو يقول: من الطويل أظن قريشاً باعثي الحرب مرة ... عليك ابن هند أو تجر الدواهيا أيوم لمروان ويوم لصهره ... سعيد ويوم للمغير معاويا؟ ويوم لعمرو والحوادث جمة ... وقد بلغت منا النفوس التراقيا

أتنسى بلائي يوم صفين والقنا ... رواء وكانت قبل ذاك صواديا أو الأشتر النخعي في مرجحنة ... يمانية يدعو ربيساً يمانيا وطاعنت عنك الخيل حتى تبددت ... بداد بنات الماء أبصرن بازيا تركنا علياً في صحاب محمد ... وكان إلى خير الطريقة داعيا فلما استقام الأمر من بعده ميله ... وزحزح ما تخشى ونلت الأمانيا دعوت الألى كانوا لملكك آفة ... وخلت مقامي حية وأفاعيا فبعث إليه معاوية، وعنده وجوه قريش فقال: يا بن أخي، إني مثلت بين تركي إياك وبين معاتبتك، فوجدت معاتبتك أبقى لك، وأيم الله، ما أخاف عليك نفسي ولكني أخاف عليك من بعدي، فإني رأيتك رحب الذراعين بمساءة عمل شديد التقحم عليه، فلتضق به ذرعك، ولتقل علي تقحمك، فإنك لست كلما شئت تجد من يحمل سفهك. فخرج الفتى من عنده وقد استحيا وارتدع. وأنشأ معاوية يقول: من الطويل أيا من عذيري من لؤي بن غالب ... فنخشى كلباً كاشر الناب عاويا فما لي ذنب في لؤي بن غالب ... سوى أنني دافعت عنها الدواهيا وأني لبست الجود والحلم فيهم ... وأن من رماهم بالأذى قد رمانيا فأصبحت ما ينفك صاحب سوءة ... يقوم بها بين السماطين لاهيا فإن أنا جازيت السفيه بذنبه ... فمنها يميني أفردت من شماليا وإن أنا لم أجز السفيه بذنبه ... لوى رأسه وازداد غياً تماديا فوليتهم أذني وكانت سجيتي ... ليالي لم أملك ولو كنت واليا فكم قائل إما هلكت لقومه ... وقائلة لا تبعدن معاويا وإني لكم عود ذلول موقر ... يقل الألى ينهاهم ما نها مانهانيا ألم أعف عن أهل الذنوب وأعطهم ... عطية من لايحسب المال فانيا ثم دعا بالفتى فعقد له على بعض كور الشام.

رجل

رجل كان معاوية، فقال له ليلة: ألا أخبرك عن زوجتي؟ قال: بلى. قال: ولدت إحداهما غلاماً، والأخرى جارية، فخرجت أم الغلام ترقصه وتقول: من الرجز يا ليته قد راح في الغزي ... على جواد مشرف علي فآب بالمغنم والسبي ... فألحق الفقير بالغني فرددت ذلك حتى أغضبت أم الجارية، فخرجت بابنتها تر قصها وتقول: من الرجز وما علي أن تكوني جاريه ... تمشط رأسي وتكون الفاليه وترفع الفاضل من ردائيه ... حتى إذا ما بلغت ثمانية زوجتها عتبة أو معاويه ... أصهار صدق ومهور غاليه فضحك معاوية وقال: وأبيها، إن عتبة ومعاوية عنها لمشغولان. وأمر لها بأربعة آلاف. رجل من بني عذرة أذن معاوية للناس يوماً فدخل فيهم فتى من بني عذرة، فوقف بين السماطين وقال: من الطويل معاوي يا ذا الفضل والحلم والعقل ... وذا البر والإحسان والجود والبذل أتيتك لما ضاق في الأرض مذهبي ... وأنكرت مما قد أصبت به عقلي ففرج كلأك الله عني فإنني ... لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي وخذ لي هداك الله حقي من الذي ... رماني بسهم كان أهونه قتلي وكنت أرجي عدله إذ أتيته ... فأكثر تردادي مع الحبس والكبل فطلقتها من جهد ما قد أصابني ... فهذا أمير المؤمنين من العدل

فقال معاوية: ما خطبك؟ فقال: تزوجت ابنة عم لي، وكانت لي صرمة من إبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها، فلما أصابتني نائبة الزمان رغب عني أبوها، وكانت جارية فيها الحياء والكرم فكرهت مخالفة أبيها، فأتيت عاملك ابن أم الحكم فذكرت ذلك له، وبلغه جمالها، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم، فتزوجها وأخذني فحبسني وضيق علي، فلما أصابني مس الحديد وألم العذاب طلقتها، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب، وسند المسلوب، فهل من فرج؟ ثم بكى وقال في بكائه: من المجتث وفي القلب مني نار ... والنار فيها شنار وفي فؤادي جمر ... والجمر فيه شرار والجسم مني نحيل ... واللون فيه اصفرار والعين تبكي بشجو ... فدمعها مدرار والحب داء عسير ... فيه الطبيب يحار حملت منه عظيماً ... فما عليه اصطبار فليس ليلي ليلاً ... ولا نهاري نهار فرق له معاوية، وكتب له إلى ابن أم الحكم كتاباً عظيماً، وكتب في آخره: من البسيط ركبت أمراً عظيماً لست أعرفه ... أستغفر الله من جور امرئ زاني قد كنت تشبه صوفياً له كتب ... من الفرائض أو آيات فرقان حتى أتاني الفتى العذري منتحباً ... يشكو إلي بحق غير بهتان أعطي الإله عهوداً لا أخيس بها ... أولا قربت من دين وإيمان إن أنت راجعتني فيما كتبت به ... لأجعلنك لحماً بين عقبان طلق سعاد وفارقها بمجتمع ... أشهد على ذاك نصراً وابن ظبيان فما سمعت كما بلغت من عجب ... ولا فعالك حقاً فعل إنسان فلما ورد كتاب معاوية على ابن أم الحكم، تنفس الصعداء وقال: وددت أن أمير

المؤمنين خلى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف، وجعل يؤامر نفسه في طلاقها فلا يقدر، فلما أزعجه الوفد طلقها. ثم قال: يا سعاد اخرجي، فخرجت شكلة غنجة ذات هيئة وجمال، فلما رآها الوفد قالوا: ما تصلح هذه إلا لأمير المؤمنين لا لأعرابي. وكتب جواب كتابه: من البسيط لا تحنثن أمير المؤمنين فقد ... أوفى بعهدك في رفق وإحسان وما ركبت حراماً حين أعجبني ... فكيف سميت باسم الخائن الزاني وسوف تأتيك شمس لا خفاء بها ... أبهى البرية من إنس ومن جان حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت ... أقول ذلك في سري وإعلاني فلما ورد الكتاب على معاوية قال: إن كانت أعطيت حسن النغمة مع هذه الصفة فهي أكمل البرية، فاستنطقها فإذا هي أحسن الناس كلاماً، وأكملهم شكلاً ودلاً. فقال: يا أعرابي، هل من سلو عنها بأفضل الرغبة؟ قال: نعم، إذا فرقت بين رأسي وجسدي. ثم أنشأ الأعرابي يقول: من البسيط لا تجعلني والأمثال تضرب لي ... كالمستغيث من الرمضاء بالنار اردد سعاد على حيران مكتئب ... يمسي ويصبح في هم وتذكار قد شفه قلق ما مثله قلق ... وأسعر القلب منه أي إسعار والله والله لا أنسى محبتها ... حتى أغيب في رمس وأحجار كيف السلو وقد هام الفؤاد بها ... وأصبح القلب عنها غير صبار فغضب معاوية غضباً شديداً، ثم قال لها: اختاري إن شئت أنا، وإن شئت ابن أم الحكم، وإن شئت الأعرابي. فأنشأت سعاد تقول: من الرجز هذا، وإن أصبح في أطمار ... وكان في نقص من اليسار أكبر عندي من أبي وجاري ... وصاحب الدرهم والدينار أخشى إذا غدرت حر النار

شاعر

فقال معاوية: خذها لا بارك الله لك فيها، فأنشأ الأعرابي يقول: من الرجز خلوا الطري للأعرابي ... ألم ترقوا ويحكم لما بي فضحك معاوية، وأمر له بعشرة آلاف درهم وناقة ووطاء، وأمر بها فأدخلت في بعض قصوره حتى انقضت عدتها من ابن أم الحكم، ودفعها للأعرابي. شاعر يقال له النجاشي، ويقال: هو أبو المهلهل الصدائي كان معاوية يغزي أهل اليمن دون غيرهم، فاجتمعوا بعكة، فقام رجل فقال: من الطويل ألا أيها الناس الذين تجمعوا ... بعكا، أناس أنتم أم أباعر أتترك قيس ترتعي في بلادها ... ونحن نسامي البحر، والبحر زاخر فوالله ما أدري وإني لسائل ... أهمدان تحمي ضيمها أم يحارب أم الشرف الأعلى من أولاد حمير ... بنو مالك إن تستمر المرائر أأوصى أبوهم بينهم أن تواصلوا ... وأوصى أبوكم بينكم أن تدابروا فجمع معاوية الناس على غزو البحر، وأعذر إليهم، فقال: ما أغزيكم دون قيس، إن معكم فيهم لكنانة وخندف، وإني أتيمن بكم وأعرف طاعتكم، وقيس فيهم خلاف ونكد في غزو البحر. شاعر من كلب كان في زمان معاوية، أو يزيد بن معاوية.

شاعر من طيئ

قال حين رجعت قضاعة عن الانتساب إلى معد بن عدنان وانتسب إلى قحطان، ينكر رجوعهم عن المعدية: من الوافر أزنيتم عجوزكم وكانت ... عجوزاً لا يحل لها إزار عجوزاً لو تلمسها يمان ... للاقى مثلما لاقى يسار يسار هذا: غلام يعرف بيسار الكواعب، كان غلام امرأة من العرب، فراودها عن نفسها فقالت: أنظر في ذلك، ثم عاودها وألح عليها، فدعت بموسى فجدعت أنفه، فضربت العرب المثل به. شاعر من طيئ وفد على يزيد بن معاوية فقال: أتيتك سائلاً في حمالة تحملتها عن قومي، وأنا من فرسانهم، فارددني لك شاكراً. فقال يزيد: اشدد فرسك بحزامه، واشج فاه بلجامه ثم ارم به سواد الليل في عرض الجبل، حتى يقضي الله عنك غرمك أو يحمد نجمك. فقال الرجل: والله لقد خفت هذا منك ولكني رجوت لين قلبك. وكان الرجل طويل القامة، مختلف الخلق، فأنشأ يزيد: من البسيط يا أيها الأعقف المدلي بحجته ... لا حرمة تبتغي عندي ولا نسبا شد الحزام على حيزوم محتنك ... ذي حارك ولبانٍ يملأ اللببا واعص العواذل وارم الليل عن عرض ... بذي سبيب يقاسي ليله خببا

رجل من همدان

أقب لم ينقب البيطار سرته ... ولم يدجه ولم يغمز له عصبا حتى تصادف مالاً أو يقال فتى ... لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا فقال الطائي: من البسيط يا أيها الملك المحروم سائله ... لا تقطع اليوم من سؤالك السببا قد كنت آمل سجلاً من سجالكم ... فاليوم لا فضة أرجو ولا ذهبا فاستفتح القول شد السرج معترضاً ... جور الفلاة بطرف يمعج الخببا لو كان والدك الماضي حللت به ... رد الجميل وجلى عني الكربا إن الحريب إذا ما رد مطعمه ... بخل الخليفة يوماً رده حربا فتذمم يزيد وأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان يقول بعد ذلك: وددت أني فديت ما كان من قولي حتى تصادف مالاً بما يثقل علي لأني أعلم كم من فتى فارس كريم سيهلكه هذا البيت ويحمله على طباعه عند ضيق المعيشة. قال الرحبي: وقد صدق. وقيل: إن ذلك جرى مع.... فقال عبد الملك: ردوه، فإني أحسبه قد عزم على شر. فطلب فلم يوجد، ولم يلبث عبد الملك أن خرج خارجي أسعر الأرض شراً، وألزمه غرماً ثقيلاً، وكتب إليه: يا أمير المؤمنين، أنا الذي أمرتني، فقبلت قولك. فكتب إليه أمانة، فقدم عليه، وكان من أعراب. رجل من همدان من بني وادعة، من أهل الأردن. كان في الجيش الذي وجهه يزيد بن معاوية من البلقاء لقتال أهل المدينة.

حرسي لمعاوية

قال: كنا مع مسلم بن عقبة مقدمه المدينة، فدخلنا حائطاً بذي المروة، فإذا شاب حسن الوجه والهيئة قائم يصلي، فطفنا في الحائط ساعة وفرغ من صلاته فقال لي: يا عبد الله، أمن هذا الجيش أنت؟ قلت: نعم. قال: أترمون ابن الزبير؟ قلت: نعم قال: ما أحب أن لي ما على ظهر الأرض كله وأني سرت إليه، وما على ظهر الأرض اليوم أحد خير منه. قال: فإذا هو عبد الملك بن مروان، فابتلي به حتى قتله في المسجد الحرام. حرسي لمعاوية قال: قدم على معاوية بطريق من الروم يعرض عليه جزية الروم عن كل من بأرض الروم من صغير وكبير، جزية دينارين دينارين إلا عن رجلين: الملك وابنه، فإنه لا ينبغي للملك وابنه أن يجزيا. فقال معاوية وهو في كنيسة من كنائس دمشق: لو صببتم لي دنانير جزية حتى تملؤوا هذه الكنيسة لا يجزي الملك وابنه ما قبلتها منكم. فقال الرومي: لا تماكرني، فإنه لا يماكرني أحد مكراً إلا ومعه كذب. فقال معاوية: أراك تمازحني! فقال الرومي: إنك اضطررتني إلى ذلك، غزوتني في البر والبحر والصيف والشتاء، أما والله يا معاوية ما تغلبونا بعدد ولا عدة، ولوددت أن الله جمع بيننا وبينكم في مرج ثم خلى بيننا وبينكم، ورفع عنا وعنكم النصر حتى ترى. قال معاوية: ما له قاتله الله؟ إنه ليعرف أن النصر من عند الله. مولى ليزيد بن معاوية حدث عن عائذ الله رجل من أهل الشام عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم. قلت: يا نبي الله، ونبياً كان؟ قال: نعم، جبل الله تربته، ونفخ فيه من روحه، وخلقه بيده، وكلمه قبلاً

رجل من اليمامة

رجل من اليمامة كان باليمامة رجلان أبناء عم، فكثر مالهما فوقع بينهما ما يقع بين الناس، فرحل أحدهما عن صاحبه، قال: فإني ليلة قد ضجرت برعي الإبل والغنم إذ أخذت بيد صبي لي، وعلوت الجبل، فإنا كذلك إذ أقبل السيل، فجعل مالي يمر بي ولا أملك منه شيئاً حتى رأيت ناقة لي قد علق خطامها بشجرة فقلت: لو نزلت إلى هذه فأخذتها لعلي أنجو عليها أنا وابني هذا. فنزلت فأخذت الخطام وجذبها السيل، فرجع علي غصن الشجرة فذهب بإحدى عيني، وأفلت الخطام من يدي، فذهبت الناقة، ورجعت إلى الصبي فوجدته قد أكله الذئب، فأصبحت لا أملك شيئاً فقلت: لو ذهبت إلى ابن عمي لعله يعطيني شيئاً. فمضيت إليه فقال لي: قد بلغني ما أصابك، والله ما أحب أنه أخطاك. فكان ذلك أشد علي مما أصابني. فقلت: أمضي إلى الشام فأطلب. فدخلت دمشق والناس يتحدثون أن عبد الملك بن مروان أصيب بابنٍ له فاشتد جزعه عليه. فأتيت الحاجب فقلت: إني أحدث أمير المؤمنين بحديث يعزيه عن مصيبته هذه. فاستأذن له، فدخل فحدثه فقال: قد عزيتني بمصيبتك عن مصيبتي. وأمر له بمال. قال: فعدت وتراجعت حالي. شيخ كلبي قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول: لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أن هو الذي قتل طلحة، ما تركت من ولد طلحة أحداً إلا قتلته بعثمان بن عفان.

أعرابي من كلب

أعرابي من كلب كان عبد الملك بن مروان قد ولى صدقات كلب رجلاً من بني أمية، وكانت الروم قد نزعته، وكان أشقر عصباً فدخل أعرابي جلف جاف على عبد الملك في خفة الناس فقال: يا إنسان، إنك مدبر مربوب قال: أجل، فما تشاء. قال: أحتجبت بهذه المدرة، ووليت خطابنا أصهب عصباً كالقرعوس، طمطمانياً أطوماً كأن وجهه جهوة قرد قد قشر بصرها، وكأن فاه سرم أتان قد قاشها عير فهي ترمز، إن كشرت بسر وإن خاطبت نهر، وإن بالغت زبر فلا الكلام مدفوع ولا القول مسموع، ولا الحق متبوع ولا الجور مردوع، ولنا مقام فيه ينص الخصام، وتزحف الأقدام، وينتصف المظلوم، وينعش المهضوم، ها إن ملكك هناك زائل، وعزك حائل، وناصرك خاذل، والحاكم عليك عادل. فاكبأن عبد الملك، وتضاءلت أقطاره، وترادفت عبراته في صدره. ثم قال: لله أبوك، أي ظلم نالك منا حتى أجاءك إلى هذا المقال. قال: ساعيك في السماوة، نهاره لهو، ورأيه لغو، وغضبه سطو، يجمع المناقط، يحتجن المشايط، ويستنجد العمارط. فأمر عبد الملك بصرف العامل. نفسر ذلك: العصب: الصمم. والقرعوش: والد البختية وهو لا ينجب

رجل من ولد عثمان بن عفان

ولا ينفع. والطمطماني: الأعجم. والأطموم: الذي لا يفهم ولا يفهم؛ أخذ من جلد الأطوم: وهي دابة صليبة الجلد. وقيل: هي السلحفاة. وجهوة قرد: دبره وما ولاه، وكذلك هو لكل ذي أربع، وربما استعمل في الناس. وقشر بصرها: البصر: قشرة على كل شيء. وقاشها: أي نزا عليها. والترمز: التحرك. والمشايط: الواحد: مشياط، وهو الذي يسرع إليه السمن. والمناقط: المتفرقة، ونقط هذا: أي فرقه. والعمارط: واحدها عمروط: وهو الذي لا يرى شيئاً إلا اختلسه، وهو اللص، والواني الوغد. وأكبان: دخل بعضه في بعض. وتضاءلت: أي تصاغرت. والأقطار: النواحي. وأجاءك: أي اضطرك. رجل من ولد عثمان بن عفان وفد على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أمير المؤمنين، رأيت في يومي هذا عجباً. كنت في الصيد، فبينا أنا بقفرة من الأرض إذ رأيت شخصاً سقط حاجباه على عينيه، يتوكأ على عنزة معه. فقلت له: من الشيخ؟ فقال: امض لشأنك ودع السؤال عما لا أرب لك في علمه. فازددت لما قال ذعراً، فقلت له: أتروي من شعر العرب شيئاً؟ قال: نعم، وأقول كما قالوا؛ قلت: نحو ماذا؟ فأنشدني: من البسيط أقول والنجم قد مالت أواخره ... إلى المغيب تبين نظرة حار ألمحة من سنا برق رأى بصري ... أم وجه نعمٍ بدا لي أم سنا نار بل وجه نعم بدا والليل معتكر ... فلاح من بين أثواب وأستار قال: وكنت يا أمير المؤمنين أعرف الشعر لهادر صاحب نابغة بني ذبيان فقلت: سبقك أخو ذبيان إلى هذا. فضحك ثم قال: بلفظي كان ينطق، أنا هادر بن ماهر. ثم اعتمد على عنق فرسي وقال: ذكرتني صباي. قلت: هذا الشعر من أربعمائة سنة. ثم أنشد: من المتقارب

قضاعي

وصلت القيان بعهد المسيح ... فأظهرن هجراً بقول قبيح وذاك لأني حنيت العصا ... وأبدى الزمان لصحبي كلوحي فمن لي بوجه ولا ليس لي ... بدا لا بوجه صبيح مليح ثم نظرت. فإذا الأرض منه بلقع. قال عبد الملك: لقد رأيت عجباً. قضاعي وفد على عبد الملك ناس من قضاعة. فقال رجل منهم: من الكامل والله ما ندري إذا ما فاتنا ... طلب إليك من الذي نتطلب ولقد ضربنا في البلاد فلم نجد ... أحداً سواك إلى المكارم ينسب فاصبر لعاداتنا التي عودتنا ... أولا، فارشدنا إلى من نذهب فأمر له بألف دينار. ثم وفد عليه فقال: من الطويل وربي الذي يأتي من الخير إنه ... إذا فعل المعروف زاد وتمما وليس كبانٍ حين تم بناؤه ... تتبعه بالنقض حتى تهدما فأعطاه ألفي دينار. ثم وفد عليه فقال: من الطويل إذا استعزروا كانوا معازير بالندى ... يكورن بالمعروف عوداً على بدء فقال: أحسنت. وأعطاه أربعة آلاف دينار.

أعرابي وفد على عبد الملك بن مروان

أعرابي وفد على عبد الملك بن مروان فسلم عليه، ثم قال: مرت بنا سنون ثلاثة: أما إحداها فأكلت المواشي، وأما الثانية فأنضلت اللحم، وأما الثالثة فخلصت إلى العظم، وعندك مال، فإن يكن لله فأعط عباد الله، وإن يكن لك فتصدق علينا، إن الله يجزي المتصدقين. قال: فأعطاه عشرة آلاف درهم، ثم قال: لو كان الناس يحسنون أن يسألوا هكذا ما حرمنا أحداً. أعرابي دخل على عبد الملك فقال عبد الملك: يا أعرابي، تمنه. فقال: العافية يا أمير المؤمنين. فقال: ثم ماذا؟ قال: ثم رزق في دعة ليس لأحد علي فيه منة إلا الله ولا لله علي فيه تبعة. قال: ثم ماذا؟ قال: الخمول، فإني رأيت السوء إلى ذي النباهة سريعاً. رجل من بني عذرة صنع عبد الملك بن مروان طعاماً فأكثر وأطاب، ودعا إليه الناس فأكلوا فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام، ما رأى أحد أكثر منه ولا أطيب، فقال أعرابي من ناحية القوم: أما أكثر فلا، وأما أطيب فقد أكلت أطيب منه. فطفقوا يضحكون من قوله. فأشار إليه عبد الملك، فأدني منه فقال: ما أنت بمحق فيما تقول إلا أن تخبرني بما تبين به صدقك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين، بينا أنا بهجر في تراب أحمر في أقصى حجر إذ توفي أبي، وترك كلاً وعيالاً وكان له نخل، وكان فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها، كأن ثمرها أخفاف الرباع لم ير قط أغلظ لحاءً ولا أصغر نوى، ولا أحلى حلاوة منها، وكانت تطرقها أتان وحشية قد ألفتها، تأوي بالليل تحتها، فكانت تثبت رجليها في أصلها، وترفع يديها وتقطع بفيها، فلا تترك بها إلا النبذ والمتفرق، فعظمني ذلك ووقع مني كل موقع، فانطلقت بقوسي وأسهمي، وأنا أظن أني أرجع من ساعتي، فمكثت يوماً وليلة

لا أراها، حتى إذا كان السحر أقبلت فتهيأت لها فرشقتها، فأصبتها وأجهزت عليها، ثم عمدت إلى سرتها فاحتززتها، ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رصف وعمدت إلى زندي فقدحت، وأضرمت النار في ذلك الحطب، وألقيت سرتها فيها، وأدركني النوم فلم يوقظني إلا حر الشمس في ظهري، فانطلقت إليها وكشفتها، وألقيت ما عليها من قذى ورماد، ثم قلبت مثل الملاءة البيضاء، فألقيت عليها من رطب تلك النخلة المجزعة والمنصفة فسمعت لها أطيطاً كتداعي عامر وغطفان. ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة فأضعها بين التمرتين، وأهوي بها إلى فمي فبم أحلف أني ما أكلت طعاماً قط مثله؟ فقال له عبد الملك: لقد أكلت طيباً، فممن أنت؟ قال: أنا رجل جانبتني عنعنة تميم وكشكشة ربيعة، وحوشي أهل اليمن وإن كنت منهم. قال: فمن أيهم أنت؟ قال: من أخوالك من عذرة. قال: أولئك فصحاء الناس، فهل لك علم بالشعر؟ قال: سلني عما بدا لك. قال: أي بيت أمدح؟ قال: قول جرير: من الوافر ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح قال: وجرير في القوم. فرفع رأسه وتطاول لها. قال: فأي بيت أفخر؟ قال: قول جرير: من الوافر إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضاب فتحرك جرير. ثم قال: أي بيت أهجى؟ قال: قول جرير: من الوافر

رجل فصيح

فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا قال: فاستشرف لها جرير. قال: فأي بيت أغزل؟ قال: قول جرير: من البسيط إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا قال: فاهتز جرير وطرب. ثم قال: أي شيء قالته العرب أحسن تشبيهاً؟ قال: قول جرير: من الطويل سرى نحوهم ليل كأن نجومه ... قناديل فيهن الذبال المفتل فقال جرير: جائزتي يا أمير المؤمنين للعذري. فقال عبد الملك: وله مثلها من بيت المال، ولك جائزتك يا جرير لا ننقص منها شيئاً. وكانت جائزة جرير أربعة آلاف درهم وتوابعها من الجلان والكسوة. فخرج العذري بثمانية ألف درهم ورزمة ثياب. رجل فصيح قال الزهري: دخل رجل على عبد الملك فقال له: كم عطاؤك؟ قال: مئتي درهم. قال: في كم ديوانك؟ قال: عشرون ديناراً. قال: أما علمت أني قد أمرت أن لا يتكلم أحد إلا بإعراب؟ قال: ما علمت ذلك يا أمير المؤمنين. قال: فمن العرب أنت أم من الموالي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن تكن العربية آباءً فلست منها، وإن تكن لساناً فإني منها. قال: صدقت، قال الله عز وجل " بلسان عربي مبين " فقام الرجل. فقال عبد الملك: يا زهري، ما ناظرني أحد بمناظرة إلا علوته فيها خلا هذا الرجل.

رجل

رجل دخل على عبد الملك بن مروان وهو يتغدى فقال: هلم إلى الغداء. فقال: ما في فضل. فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يكون به فضل. فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد ولكني أكره أن أصير إلى الحالة التي استقبح أمير المؤمنين. رجل أعرابي دخل على عبد الملك بن مروان وهو يأكل الفالوذج فقال: يا بن عم، ادن فكل من هذا الفالوذج، فإنه يزيد في الدماغ. قال: لو كان كما يقول أمير المؤمنين كان رأسه مثل رأس البغل. رجل وعظ عبد الملك بن مروان. قال له عبد الملك: تكلم. قال: بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام يتكلم به المتكلم عليه إلا ما كان لله؟ فبكى عبد الملك ثم قال: لم يزل الناس يتوعظون ويتواصون. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، إن للناس في القيامة جولة، لا ينجو من غصص مرارتها ومعاينة الردى فيها إلا من أرضى الله بسخط نفسه. فبكى عبد الملك وقال: لا جرم، لأجعلن هذه الكلمات مثالاً نصب عيني ما عشت. رجل من شعراء البادية عشق ابنة عمه وأمل أن يتزوجها، فأصابتهم حطمة أفسدت المال وغيرت الحال، في خلافة عبد الملك بن مروان فارتحل أهلها إلى بعض مدائن الشام وكثر خطاب الجارية، وبذل لها الرغائب، فبلغ ذلك الأعرابي، فأقبل على

قعود له، وأغذ السير، فعطب قعوده، فلم يبق معه إلا حلسه وقتبه، فأتاهم فذكر قرابة وشرفاً فقالوا: المال أحب إلينا للحال التي نحن عليها. قال: أي قوم، أما إذا أبيتم فأجلوني شهراً أو شهرين، فإن جئتكم بما تحبون وإلا فأنتم من وراء ما تريدون. وأتى باب عبد الملك فأقام ببابه شهراً لا يصل إليه، ثم أذن له فدخل وهو يقول: من البسيط ماذا يقول أمير المؤمنين لمن ... أدلى إليك بلا قربى ولا نسب مدله عقله من حب جارية ... موصوفة بكمال الدل والأدب خطبتها إذ رأيت الناس قد لهجوا ... لذكرها، والهوى يدعو إلى العطب فقلت لي حسب عال ولي شرف ... قالوا الدراهم خير من ذوي الحسب قالوا نريد ألوفاً منك أربعة ... ولست أملك غير الحلس والقتب فالنفس تعجب لما رمت خطبتها ... مني، وتضحك إفلاسي من العجب لو كنت أملك مالاً أو أحيط به ... أعطيتهم ألف قنطار من الذهب فامنن علي أمير المؤمنين بها ... واجمع بها شمل هذا البائس العزب فما وراءك بعد الله مطلب ... أنت الرجاء ومنهى غاية الطلب فأمر له عبد الملك بعشرة آلاف درهم، وما يصلح للوليمة. زاد في أخرى مثلها: ورجع إلى الشيخ فتزوج ابنته.

رجل من العراق

275 - رجل من غسان دخل على عبد الملك بن مروان فكلمه في حوائج قضاها له، فقال: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في تقبيل يدك؟ فقال: مه، أما علمت أنها من العرب مذلة، وهي من العجم خدعة؟ رجل من العراق نصب عبد الملك موائد يطعم الناس، فجلس رجل من العراق على بعض الموائد، فنظر إليه خادم عبد الملك فأنكره، فقال له: أعراقي؟ قال: نعم. قال: فجاسوس؟ قال: كلا، دعني أتهنأ بزاد أمير المؤمنين. ثم إن عبد الملك وقف على تلك المائدة فقال: من القائل: من الوافر إذا الأرط توسد أبرديه ... خدود جوازئ بالرمل عين وما معناه؟ ومن أجاب فيه أجزناه، والخادم يسمع. فقال العراقي للخادم: تحب أن أشرح لك من قائله؟ وفيما قاله؟ قال: نعم. قال: يقول عدي بن زيد في الخمر. فقال الخادم: يا أمير المؤمنين، أنا أجيبك. قال: قل. قال: يقول عدي بن زيد في الخمر. فتبسم عبد الملك. فقال له الخادم: أخطأت أم أصبت؟ قال: بل أخطأت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا العراقي لقننيه. فقال عبد الملك: أنت لقنت هذا الخادم؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فخطأ لقتنته أم الصواب؟ قال: بل الخطأ قال: ولم؟ قال: لأني كنت متحرماً بمائدتك، فوقف علي فقال: أعراقي أنت؟ قلت: نعم. قال: أنت جاسوس فقلت: دعني لا تنغصني بزاد أمير المؤمنين. قال: فكيف الصواب؟ قال: يقوله شماخ بن ضرار الثعلبي في بقر الوحش، وقد تجزأت بالخضير عن الماء. قال: صدقت. فأجازه، ثم قال: سل حاجتك؟ قال: تنحي هذا عن بابك فإن فيه مشينة.

رجل قدم على الحجاج بفتح سمرقند

رجل قدم على الحجاج بفتح سمرقند فوجهه إلى الشام. قال: قدمتها فدخلت مسجدها فجلست وإلى جانبي شيخ ضرير، فسألته عن شيء من أمر الشام، قال: إنك لغريب؟ فقلت: أجل. قال: من أي بلد أنت؟ قلت: من خراسان. قال: ما أقدمك؟ فأخبرته. فقال: والذي بعث محمداً بالحق ما افتتحتموها إلا غدراً، وأنكم يا أهل خراسان الذين تسلبون بني أمية ملكهم وتنقضون دمشق حجراً حجراً. قال: أظن الضرير يونس بن ميسرة بن حلبس. رجل مدح سليمان بن عبد الملك وأخذ في تقريظه. فقال له سليمان: على رسلك، فإني لا أحب التزكية في المشاهدة، ومديح اللقاء. فقال رجل: إني لست أمدحك، ولكني أحمد الله على النعمة فيك. فقال سليمان: بلغت بالمديح مناط الإحسان. شيخ من دمشق دخل سليمان بن عبد الملك المسجد فرآه فقال: يا شيخ، أيسرك أن تموت؟ قال: لا والله. قال: ولم وقد بلغت من السن ما أرى؟ قال: ذهب الشباب وشره، وجاء الكبر وخبره، فإذا قعدت ذكرت الله، وإذا قمت حمدت الله، فأحب أن تدوم لي هاتان الحالتان. أعرابي دخل على سليمان بن عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين، إني مكلمك بكلام فاحتمله إن كرهته، فإن من ورائه ما تحب إن قبلته، وإن كرهت أوله. قال سليمان: إنا لنجود بسعة الاحتمال على ما لا نرجو نصيحته ولا نأمن غشه، وأنت الناصح حبباً والمأمون غيباً.

رجل ظلمه وكلاء رجل من بني أمية

قال: يا أمير المؤمنين، أما إذا أمنت بادرة غضبك فأطلق لساني بما خرست به الألسن عن عظتك، تأدية لحق الله وحق رعايته وفي رواية وحق إمامتك. يا أمير المؤمنين إنه قد تكنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم فابتاعوا دنياك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب للآخرة، سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا للأمانة تضييعاً، والأمة عسفاً، وللقرى خسفاً، وأنت مسؤول عما اجترحوا، وليسوا بمسؤولين لما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبناً من باع آخرته بدنيا غيره. فقال له سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد نصحت، وأرجو الله أن يعين على ما تقلدنا وفي رواية فقال له: أما أنت فقد سللت لسانك، فهو أقطع من سيفك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين: لك لا عليك. رجل ظلمه وكلاء رجل من بني أمية له منزلة عند ملوكهم، في مال له بالحجاز، فخاصم الرجل الوكلاء إلى الوالي فمال عليه لهم. فقال: لا أرضى إلا بوالي مكة والمدينة، فصاروا إليه فكتب الأموي إلى الوالي الذي ارتفعوا إليه، فمال عليه لهم، فقال الرجل: لا أرضى إلا بأمير المؤمنين. فخرج إلى سليمان بن عبد الملك، فلم يلق بدمشق أحداً من جلساء سليمان، ولا عظيماً من عظماء دمشق إلا مال إلى الأموي عليه. فطلب الوصول إلى سليمان، فتعذر عليه ذلك، فدل على خادم خصي أنه لا يوصله إلى سليمان غيره، ولا يوصله حتى يرغبه. فقال: أجعل له مئتي دينار على أن يوصلني إليه خالياً. فاجتمعوا، وقرر له ذلك، إن قضيت حاجته أو لم تقض. فأمر الخادم الرجل بلزوم الباب، فلزمه. فدعا سليمان الخصي يوماً، وأمره أن يأتيه بوضوء، فأتاه به، فبينا الخادم يصب على سليمان إذ ملأ سليمان يده فضرب به وجه الخادم، فعرف الخادم منه طيب نفس فقال: أما هذا فتحسنه، وأما أن تعطيني أو تدع من يعطيني فلا. فقال سليمان: هل منعت من أحداً؟ قال: هذا رجل ببابك، وقد جعل لي مئتي دينار على أن يكلمك

رجل أجابه سليمان

في حالة له خالياً، قضيت الحاجة أم لم تقض. فقال له سليمان: هاته. فجاء به، وقام سليمان يصلي، ثم قعد يخطر بأصبعه ويدعو. فقال الرجل حين نظر إلى سليمان في تلك الحال: أواه، أواه، أخطأت موضع حاجتي. ورجع خارجاً، وانصرف سليمان. فقال للخصي: أين صاحبك؟ فطلبه فوجده خرج وقال: ادفعوا الدنانير للخادم فإنه وفى بما ضمن. فطلبه الخادم فلم يجده، فرجع إلى سليمان فأخبره. فقال سليمان للخادم: بساطي عليك محرم أو تجيئني بهذا الرجل. فخرج الخادم وثقاته فتفرقوا في طلبه حتى ظفروا به يقود راحلته خارجاً من باب من أبواب دمشق، فقال له الخادم: ارجع إلى أمير المؤمنين فقد طلبك. فقال: لا حاجة لي به، وقد أمرت أن تدفع إليك الدنانير. فقال له الخصي: لا بد من الرجوع إلى أمير المؤمنين. فرده على كره منه إلى سليمان فقال له سليمان: ألم أخبر أنك جعلت لهذا مئتي دينار على أن يدخلك إلي؟ فقال الرجل: قد كان ذلك. قال سليمان: أفلم أرك؟ قال: بلى. قال: فما أخرجك؟ والله إن لك لخبراً. قال: أجل، خبر ضخم العنق، إن فلاناً ظلمني في أرض بالحجاز لي، فاستعديت عليه الوالي على ناحيتنا، فمال علي له، فلم أرض بذلك، واستعديت عليه الوالي الأكبر، فمال علي، فلم أرض بذلك، وقدمت إليك فلم أجد أحداً إلا يميل له علي، فجعلت لخادمك هذا الذي جعلت له على أن يوصلني إليك، فلما أوصلني إليك رأيتك تخطر بأصبعك إلى السماء تطلب من الله حاجتك وتضرع إليه، فعقلت بفعلك موضع حاجتي، وعلمت أني أخطأت في طلبها، ولم آتها من الموضع الذي ينبغي، فرجعت أطلبها من الموضع الذي تطلب أنت حاجتك. فبكى سليمان ثم قال: إن الذي طلبت إليه حاجتك قد قضاها، وكتب إلى الأموي بكل ما أحب، وأمره برد ما يدعي عليه، وأعطاه أيضاً ما يصلح به ضيعته وذلك بعد ما وصله سليمان وكساه، وأمر له بفرائض. رجل أجابه سليمان وطلبه ليقتله فهرب، فجعلت رسله تختلف إلى منزله يطلبونه، فلم يظفر به، وجعل الرجل لا يأتي بلدة إلا قيل له: كنت تطلب ها هنا. فلما طال عليه

الأمر، وخشي ألا يفلت قال: ما أجد شيئاً خيراً من أن أذهب إلى بلاد ليس فيها له مملكة. فأقبل إلى أهله فطرقهم ليلاً فدق الباب. فقالت المرأة: من هذا؟ قال: افتحي، أنا فلان. قالت: ويحك، وما جاء بك؟ فوالله ما نأمن ولا يأمن جيراننا، ولكن الحين جاء بك. ففتحت له، وأسرجت سريعاً، ونبهت له عياله وجاءته بعشاء فتعشى، وأرادها على نفسها، فلم تمتنع عليه فواقعها وقالت: يا جارية، ضعي لمولاك في المتوضأ سراجاً، وصبي له ماء، واذهبي إلى فلان وفلان: أربعة من جيرانها، ولا يعلم الرجل. فأتت أبوابهم فطرقتها، فقالوا ما لكم، أطرقكم الليلة أحد؟ قالت: لا. قالوا: فلأي شيء بعثتك؟ قالت: ما لي علم. فدق هذا على هذا، وأتوها، ودخلوا البيت فقام إليهم، واعتنقهم، وقالوا: ما جاء بك؟ فإنا ما نأمن منازلنا، ولكن الحين جاء بك. فقال: يا قوم، لم آت بلدة إلا وجدتني أطلب فيها، فرأيت أن أدخل بلدة ليس له عليها مملكة، وجئت لأوصي هذه المرأة وصية الموت، لأني إن دخلت بلاداً غير بلاد الإسلام لم أقدر أن أخرج منها، فأوصيت إلها، وأشهدكم على ذلك. ثم ودعهم، وقاموا يخرجون. فقالوا: أيتها المرأة لأي شيء بعثت إلينا؟ فقالت: أليس تعرفون الرجل أنه زوجي؟ قالوا: بلى. قالت: فإنه قد كان منه الليلة ما يكون من الرجل إلى أهله، فاشهدوا على هذه الليلة، فإنه لا أدري ما يكون ها هنا وأشارت إلى بطنها فيقول الناس: من أين جاءت بهذا وزوجها غائب؟ فخرج القوم وهم يقولون: ما رأينا كاليوم امرأة أحسن عقلاً، ولا أقرب مذهباً. وودعوه، وخرج الرجل، ترفعه أرض وتضعه أخرى حتى ظن أنه قد خرج من مملكته. فبينا هو في صحراء ليس فيها شجر ولا ماء، إذا هو برجل يصلي. فقال: فخفته وقلت: هذا يطلبني، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: ما معه راحلة ولا دابة. فقصدت نحوه، فلما صرت بين كتفيه ركع ثم سجد ثم التفت إلي فقال: لعل هذا الطاغي أخافك؟ قلت: أجل، رحمك الله. قال: فما يمنعك من السبع؟ قلت: وما

رجل أرسل إليه عمر بن عبد العزيز

السبع يرحمك الله؟! قال: قل سبحان الله الواحد الذي ليس غيره إله، سبحان القديم الذي لا بادئ له، سبحان الدائم الذي لا نفاذ له، سبحان الدائم الذي كل يوم هو في شأن، سبحان الذي يحيي ويميت، سبحان الذي خلق ما يرى وما لا يرى، سبحان الذي علم كل شيء بغير علم. قال: قلها. فقلتها، وحفظتها، فألقى الله في قلبي الأمن، ورجعت من الطريق الذي جئت منه، فلم أر الرجل، وقصدت أهلي فقلت: لآتين باب سليمان بن عبد الملك، فأتيت بابه فإذا هو يوم إذنه للناس، فدخلت وهو قاعد على فرشه، فما عدا أن رآني، فاستوى على فرشه ثم أدناني حتى قعدت معه على الفراش، ثم قال: سحرتني؟ وساحر أيضاً مع ما بلغني عنك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أنا بساحر ولا سحرتك. قال: فكيف؟ فما ظننت أن يتم ملكي إلا بقتلك، فلما رأيتك لم أستقر حتى دعوتك فأقعدتك على فرشي وهو يضرب بيده على فخذه ثم قال: اصدقني. فأخبرته بقصتي وخوفي، وأمري كله. فقال سليمان: الخضر والله علمكها، اكتبوا له أمانه، وأحسنوا جائزته، واحملوه إلى أهله. رجل أرسل إليه عمر بن عبد العزيز فقال: كيف الحديث الذي حدثتني عن الصنابحي؟ فقال: أخبرني الصنابحي أنه لقي عمرو بن عبسة فقال: هل من حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا زيادة فيه ولا نقصان؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار، ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ أو قصر كان عدل رقبة، ومن شاب شيبة في سبيل الله كان له نوراً يوم القيامة. شيخ ضرير من الجزيرة من ملازمي المسجد. لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خرج مما كان في يده القطائع، وكان في يده

رجل من بني مروان بن الحكم

المكندس وجبل الورس باليمن وفدك وقطائع اليمامة، فخرج من ذلك كله ورده إلى المسلمين إلا أنه ترك عيناً بالسويداء كانت تأتيه غلتها كل سنة مئة وخمسين ديناراً، وأقل وأكثر، فذكر له يوماً مزاحم أن له نفقة أهله قد فنيت. فقال: حتى تأتي غلتنا، فقدم قيمه بغلته وبجراب صيحاني، وبجراب تمر عجوة، فنثره بين يديه، وسمع أهله بذلك، فأرسلوا ابناً له صغيراً فحفن له من التمر، فانصرف ولم ينشب أن سمعنا بكاءه، ويضرب، ثم أقبل يؤم الدنانير فقال: أمسكوا يديه. ورفع يديه فقال: اللهم، بغضها إليه كما حببتها إلى موسى بن نصير، ثم قال: خلوه. فكأنما يرى به عقارب. ثم قال: انظروا الشيخ الجزري المكفوف الذي يغدو إلى المسجد بالأسحار فخذوا له ثمن قائد لا كبير فيقهره ولا صغير فيضعف عنه. ففعلوا. ثم قال لمزاحم: شأنك بما بقي فأنفقه على أهلك. رجل من بني مروان بن الحكم قال عمر بن عبد العزيز لآذنه: لا يدخلن علي اليوم إلا مرواني، فلما اجتمعوا عنده، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم يا بني مروان قد أعطيتم في الدنيا حظاً وشرفاً وأموالاً، إني لأحسب شطر مال هذه الأمة أو ثلثه في أيديكم، فردوا ما في أيديكم من هذا المال. فسكتوا. قال: ألا تجيبوني؟ فسكتوا. قال: ألا تجيبوني؟ فتكلم رجل من القوم قال: لا والله لا يكون ذلك أبداً حتى يحال بين رؤوسنا وأجسادنا، والله لا نكفر آباءنا ولا نفقر أبناءنا. قال عمر: أما والله لولا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأضرعت خدودكم، قوموا عني.

مؤذن عمر بن عبد العزيز

مؤذن عمر بن عبد العزيز حدث عن مسلم بن يسار عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا غضبت أخذ بأنفها وقال: يا عويش، قولي اللهم رب النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اغفر ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن. رجل وفد على عمر بن عبد العزيز قال: أتاني آت في منامي فقال لي: إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام عدل. فجعلت أسأل كلما قام خليفة حتى قام عمر بن عبد العزيز، فأتاني ثلاث مرات في المنام، فلما كان آخر ذلك زبرني وأودعني، فرحلت إليه، فلما قدمت لقيته فحدثته الحديث فقال: ما اسمك؟ ومن أين أنت؟ وأين منزلك؟ قلت: بخراسان. قال: ومن أمير المكان الذي أنت به؟ ومن ديقك هناك ومن عدوك؟ فألطف المسألة، ثم حبسني أربعة أشهر. فشكوت إلى مزاحم، مولى عمر بن عبد العزيز فقال: إنه قد كتب فيك. قال: فدعاني بعد أربعة أشهر فقال: إني كتبت فيك فجاءني ما أسر به من قبل صديقك وعدوك، فبايعني على السمع والطاعة والعدل، فإذا تركت ذلك فليس لي عليك بيعة، فبايعته. قال: ألك حاجة؟ فقلت: لا. أنا غني في المال، إنما أتيتك لهذا. فودعته ومضيت. فقلت بيني وبين نفسي وهو يراني، وذكرت بعد أهلي وطول المسير إليهم فقلت: لو حملني على البريد. فالتفت، فرآني، فدعاني فقال: ألك حاجة؟ فقلت: نعم، شيء إن لم يثقل عليك؛ ذكرت بعد أهلي، وطول المسير فقلت: لو حملني على البريد. فقال: ما ذلك لك، ولا لنا. قال: فمكث هنية ثم قال: هل لك أن تعمل لنا عملاً وأحملك؟ فقلت: نعم. قال: لا تأت على عامل لنا إلا نظرت في سيرته، فإن كانت حسنة لم تكتب بها، وإن كانت قبيحة كتبت به. قال مزاحم: فما زال كتاب منه يجيئنا في عامل فنعزله حتى قدم خراسان.

رجل من بني أسد

رجل من بني أسد حرسي لعمر بن عبد العزيز قال: ما رأيت عمر قتل أسيراً قط إلا واحداً من الترك جيء بأسرى من الترك فأمر بهم أن يسترقوا، فقال رجل ممن جاء بهم: يا أمير المؤمنين، لو رأيت هذا لأحدهم وهو يفتك في المسلمين لكثر بكاؤك عليهم. فقال عمر: فدونك فاقتله. فقتله. رجل من حرس عمر بن عبد العزيز قال: خرج علينا عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة، فقمنا. فقال: إذا رأيتموني فلا تقوموا، ولكن توسعوا. ثم قال: أيعرف أحدكم فلان؟ فقلنا: كلنا نعرفه. قال: فليقم أحدثكم سناً، فقام أحدثنا سناً، فدعاه له، فجاء الرجل وقد تهيأ وشد عليه ثيابه. فقال عمر: إنا بعثناك في أمر عجلة من أمور المسلمين، فلا يحملك استعجالنا لك على أن تخرج حتى تصلي الجمعة، فإن اليوم الجمعة، وإذا حضرت الصلاة، فصلها لوقتها، فإنك لا محالة أن تصليها، وإن الله ذكر قوماً فقال: " أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً " ولم تكن إضاعتهم إياها أن تركوها، ولو تركوها لسماهم بتركها كفاراً. شيخ حرسي لعمر بن عبد العزيز قال: رأيت عمر حين ولي وبه من حسن اللون، وجودة الثياب والبزة، ثم دخلت عليه بعد وقد ولي فإذا هو قد احترق واسود، ولصق جلده بعظمه حتى ليس بين الجلد

حرسي لعمر بن عبد العزيز

والعظم لحم، وعبيه قلنسوة بيضاء قد اجتمع قطنها، تعلم أنها قد غسلت، وعليه سحق إنبجانية قد خرج سداها وهو على شاذكونة قد لصقت بالأرض، تحت الشاذكونة عباءة قطوانية من مشاقة الصوف، فأعطاني مالاً أتصدق به بالرقة فقال: لا تقسمه إلا على نهر جار. فقلت له: يأتيني من لا أعرف، فمن أعطي؟ قال: من مد يده إليك. حرسي لعمر بن عبد العزيز دخل رسول لبعض الولاة على عمر بن عبد العزيز، ومعه حرسي لعمر، فجعل الرسول إذا كلم عمر كلمة زجره الحرسي وانتهره، حتى فرغ من قراءة كتابه فقال: كن قريباً. ثم دخل رسول آخر ومعه ذلك الحرسي، فكلم عمر، لا يندهه ولا يمنعه، حتى فرغ من قراءة كتابه فقال: كن قريباً، ثم أرسل عمر إلى رسول الأول فقال له: أرأيت الحرسي الذي كان دخل معك، هل تعرفه؟ قال: لا. قال: إن الله قد أفطنني لمنعه إياك من الكلام فنفعك ذلك ولم يضرك، فارفع إلي حاجتك. فلم يسأله شيئاً إلا أعطاه إياه، ثم أرسل إلى الرسول الثاني فقال: هل بينك وبين الحرسي الذي دخل معك معرفة؟ قال: نعم، هو صديقي وجاري. قال: أما أنه قد حاباك، وجهد أن ينفعك فألقي في روعي لا تصيب مني شيئاً، فلولا أن تكون مني مراغمة في منع رزق، لم تصب مني شيئاً، وسآمر لك بمعروف. ثم أرسل إلى الحرسي فقال: ويلك، وليت أمر رجلين بين يدي فلم تعدل بينهما، فكيف الأمر على ما ابتليت به؟ فاختر مني أحد أمرين: إما أن تأذن لي قألقبك لقباً، وإما أن أمحوك من الحرس. قال: بل تعفيني. قال: لا. قال: فإني أختار أن تلقبني. فسماه الجانف، فكان إذا رآه يقول: ادعوا لي الجانف، فيقول: يا أمير المؤمنين! فيقول: ما سببت، هو شرطي عليك. فلم يزل كذلك حتى مات.

رجل من حرس عمر بن عبد العزيز

رجل من حرس عمر بن عبد العزيز قال: بينما عمر يسير على بغلته بخناصرة إذ جاء رجل متزر ببرد، متعصب بآخر حتى أخذ بلجام بغلته، ما ينهنهه أحد فقال: من البسيط تدعون حران مظلوماً ليأتيكم ... فقد أتاكم لعند الدار مظلوم فقال: ممن أنت؟ قال: من حضرموت. قال: ما ظلامتك؟ قال: أرضي، وأرض آبائي أخذها الوليد وسليمان فأكلاها. فنزل عمر عن دابته يتكئ حتى جلس بالأرض. فقال: من يعلم ذلك؟ قال: أهل البلد قاطبة. قال: يكفيني من ذلك شاهدا عدل. اكتبوا له إلى بلاده، إن أقام شاهدي عدل على أرضه وأرض آبائه وأجداده، فادفعوها إليه، فحسب الوليد وسليمان ما أكلا من غلتها. فلما ولى الرجل قال: هل هلكت لك من راحلة، أو أخلق لك من ثوب، أو نفد لك من زاد، أو تخرق لك من حذاء؟ فحسب ذلك، فبلغ اثنتين وثلاثين ديناراً أو ثلاثة وثلاثين ديناراً. فأتى بها من بيت المال، فكأني أنظر إليها تعد في يده. رجل ممن كان في جيش مسلمة ابن عبد الملك في غزوة القسطنطينية. وفد على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين إن بلائي كذا، ومن أمري كذا. فالتفت إلى بعض جلسائه فقال: أما يريد هؤلاء أن يسبقوا لآخرتهم شيئاً؟! رجل من العلماء قدم على عمر بن عبد العزيز. فقال: الصامت على علم كالمتكلم على علم. فقال عمر:

خصي لعمر بن عبد العزيز

إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم أفضلهما يوم القيامة حالاً وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه. قال: يا أمير المؤمنين، وكيف بفتنة المنطق؟ فبكى عمر بكاء شديداً. خصي لعمر بن عبد العزيز حدث أن عمر لم يغتسل بداره قط إلا بمئزر. مولى لعمر بن عبد العزيز حدث عن أبي بردة، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. " يوم يكشف عن ساق " قال: عن نور عظيم، يخرون له سجداً. رجل سمع عمر بن عبد العزيز وهو خليفة في يوم فطر على المنبر يقول: إن شعار هذا اليوم التحميد والتكبير والتكبير والتمجيد. ثم كبر مراراً، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، ثم يشهد للخطبة، ثم يفصل بين التشهد والتكبير. أعرابي دخل على عمر فقال: رجل من أهل البادية، ساقته الحاجة، وانتهت به الفاقة، والله سائلك عن مقامي هذا. فقال عمر: ما سمعت كلمات أبلغ من قائل، ولا أبلغ لمقول منها. شيخ حد في الشراب قال عمر بن عبد العزيز: لأجلدن في الشراب كما فعل جدي عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ثم أمر صاحب عسسه وضم إليه صاحب خبره، وقال لهما: من وجدتماه سكران

فأتياني به. فطافا ليلتهما حتى انتهيا إلى بعض الأسواق، فإذا هما بشيخ حسن الشيبة، بهي المنظر، عليه ثياب حسنة، متلوث في أثوابه سكران وهو يتغنى: من الطويل سقوني وقالوا لا تغن ولو سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنت فحركاه بأرجلهما وقالا له: يا شيخ، ما تستحي بهذه الشيبة الحسنة من مثل هذه الحال؟ فقال: ارفقا بي، فإن لي إخواناً أحداث الأسنان شربت عندهم ليلتي هذه، فلما عمل الشراب في أخرجوني، فإن رأيتما أن تعفوا عني فافعلا فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف يا شيخ ولا تعد. فقال: نعم، وأنا تائب، فلما كان في الليلة الثانية وجدا الشيخ على حاله وهو يتغنى: مجزوء الخفيف إنما هيج البلا ... حين عض السفرجلا فرماني وقال لي ... كن بعيني مبتلى ولقد قام لحظه ... لي على القلب بالقلى فحركاه بأرجلهما وقالا له: يا شيخ، أين التوبة منك؟ فقال: ارفقا بي واعلما أن إخواني الذين ذكرتهم لكما البارحة حلفوا لي في يومهم هذا أنه متى عمل الشراب لا يخرجوني، فعمل فيهم وفي فخرجت وهم لا يعلمون، فإن رأيتما أن تزيدا في العفو فافعلا. فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف. فلما طافا في الليلة الثالثة وجداه على حاله يتغنى: من الخفيف ارض عني فطالما قد سخطتا ... أنت ما زلت جافياً مذ عرفتا أنت ما زلت جافياً لا وصولاً ... بل بهذا فدتك نفسي ألفتا ما كذا يفعل الكرام بنو النا ... س بأحبابهم فلم كنت أنتا فحركاه بأرجلهما وقالا: هذه الثالثة ولا عفو. قال: أخطأتما، فإني رويت بسندي إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه. فإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله

عليه فإن شربها الثالثة لم تقبل صلاته أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الرابعة لم تقبل صلاته أربعين ليلة، ثم تاب لم يتب الله عليه، وكان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار في النار. قال: فعفو من الثالثة واجب، ومن الرابعة غير واجب. فقال صاحب العسس لصاحب الخبر: اكتم علي أمره حتى أطلقه. قال: قد فعلت. قال: انصرف. فلما كان في الليلة الرابعة وجداه على حاله يتغنى: من البسيط قد كنت أبكي وما حنت لهم لإبل ... فما أقول إذا ما حمل الثقل كأنني بك نضو لا حراك به ... تدعى وأنت عن الداعين في شغل فقلبوك بأيديهم هناك وقد ... سارت بأجمالك المهرية الذلل حتى إذا استيأسوا من أن تجيبهم ... غطوا عليك وقالوا قد قضى الرجل هذه الرابعة ولا عفو. قال: لست أسألكما عفواً بعدها، فافعلا ما بدا لكما، فحملاه فأوقفاه بحضرة عمر بن عبد العزيز، وقصا عليه قصته من أولها إلى آخرها، فأمر عمر رضي الله عنه باستنكاهه فوجد منه رائحة، فحبسه حتى أفاق، فلما كان في الغد أقام عليه الحد، فجلده ثمانين جلدة. فلما فرغ قال له عمر: أنصف يا شيخ من نفسك ولا تعد. قال: يا أمير المؤمنين، قد ظلمتني لأنني عبد، وحددتني حد الأحرار. فاغتم عمر. فقال: أخطأت علينا وعلى نفسك، أفلا أخبرتنا أنك عبد فنحدك حد العبيد؟ فلما رأى اهتمام عمر به رد عليه وقال: لا يسوءك الله يا أمير المؤمنين، ليكن لي بقية هذا الحد سلفاً عندك، لعلي أرفع إليك مرة أخرى. فضحك عمر حتى استلقى على مسنده، وكان قليل الضحك، وقال لصاحب عسسه وصاحب خبره: إذا رأيتما مثل هذا الشيخ في هيئته وعلمه وفهمه وأدبه فاحملا على أمره الشبهة، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ادرؤوا الحدود بالشبهة.

شاب

شاب دخل قوم على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرضه، وإذا فيهم شاب داثر ناحل الجسم فقال له عمر: ما الذي بلغ بك ما أرى؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أمراض وأسقام. قال: سألتك بالله إلا صدقتني. فقال: يا أمير المؤمنين، ذقت حلاوة الدنيا فوجدتها مرة، فصغر في عيني زهرتها وحلاوتها، واستوى عندي حجرها وذهبها، وكأني أنظر إلى عرش ربي، والناس يساقون إلى الجنة والنار، فأظمأت لذلك نهاري، وأسهرت ليلي، وقليل حقير كل ما أنا فيه في جنب ثواب الله وعقابه. فتى من الأنصار دخل على عمر بن عبد العزيز شيخ جليل فقال: يا أمير المؤمنين، إني دخلت مصر مع مروان، وغزوت دير الجماجم، وغزوة كذا وغزوة كذا، فتأمر لي بشيء؟ فقال: اجلس أيها الشيخ. قال: ويثور عند الشيخ يكلمه غلام من الأنصار فقال: يا أمير المؤمنين، أنا فلان بن فلان، أبي ممن شهد العقبة وبدراً وأحداً. وذكر مغازي فقال عمر: أين الشيخ؟ فقال: ها هو ذا. فقال: هذه المكارم، لا ما يعده الشيخ منذ اليوم: من البسيط تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيباً بماء فصارا بعد أبوالا قال: هذا الأنصاري هو رجل من ولد قتادة بن النعمان، كما روي أنه وفد على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: من الرجل؟ قال: من الطويل أنا ابن الذي سالت على أحد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لأول عهدها ... فيا حسن ما عيني ويا طيب ما يد

شاب من الكوفة

قال عمر بن عبد العزيز: من البسيط تلك المكارم لا قعبان من لبن البيت شاب من الكوفة كان لفاطمة ابنة عبد الملك، زوجة عمر بن عبد العزيز جارية ذات جمال فائق، وكان عمر معجباً بها قبل أن تفضي إليه الخلافة، فطلبها منها، وحرص، فأبت عليه، وغارت من ذلك، وبقيت في نفس عمر. فلما استخلف أمرت فاطمة فأصلحت الجارية وحليت، وكانت حديثاً في حسنها وجمالها، ثم قالت فاطمة: يا أمير المؤمنين، كنت معجباً بجاريتي فلانة وكنت سألتنيها ومنعتكها، وقد طابت نفسي لك بها، فدونكها. فاستبانت الفرح في وجهه وقال: ابعثي بها إلي. ففعلت، فأعجب بها وقال لها: ألقي ثوبك، فلما همت أن تفعل قال لها: على رسلك، أخبريني لمن كنت؟ ومن أين أبت لفاطمة؟ قالت: كان الحجاج أغرم عاملاً من أهل الكوفة مالاً، وكنت في رقيق ذلك العامل، فاستصفاني عنه مع رقيق له وأموال، فبعث بي إلى عبد الملك وأنا يومئذٍ صبية، فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة. قال: وما فعل العامل؟ قالت: هلك. قال: فترك ولداً؟ قالت: بلى. قال: وما حالهم؟ قالت: سيئة. قال: شدي عليك ثوبك. ثم كتب إلى عبد الحميد، عامله، أن سرح إلي فلان بن فلان على البريد. فلما قدم، قال: ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك. فلم يرفع إليه شيئاً إلا دفعه إليه، ثم دفع الجارية إليه، فلما أخذ بيدها، قال: إياك وإياها، فإنك حديث السن، ولعل أباك أن يكون قد وطأها. فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، هي لك. قال: لا حاجة لي فيها. قال: فابتعها مني. قال: لست إذن ممن ينهى النفس عن الهوى. فمضى بها الفتى، فقالت الجارية: أين موجدتك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: إنها لعلى حالها، ولقد ازدادت. فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات، رحمه الله.

رجل من مزينة

رجل من مزينة كانت عند قطيفة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إليه فأتى بها في أديم أحمر، فجعل يمسح بها وجهه. شاب من أهل العراق وفد وفد على عمر بن عبد العزيز وفيهم شاب، فتكلم الشاب، فنظر إليه عمر فحدد النظر، ثم قال: الكبر، الكبر. قال الشاب: يا أمير المؤمنين، ليس بالكبر ولا بالصغر، ولو كان بالكبر لقد كان في الناس من هو أكبر منك. قال: صدقت، فتكلم. قال: ما جئناك لرغبة ولا لرهبة. فنظر إليه عمر أيضاً فقال: أما الرغبة فقد أتتنا في منازلنا، وأما الرهبة فقد أمنا جورك، ولكنا وفد الشكر. فسري عن عمر وقال: يا فتى، أرى لك عقلاً، فعظني. قال: إن قوماً اغتروا بالله فيك فأثنوا عليك مما ليس فيك، فلا يغررك اغترارهم بالله فيك مع ما تعرفه من نفسك. فبكى عمر حتى سقط. وفي آخر بمعناه: فقال له: عظني فقال: إن من الناس ناساً غرهم الأمل، وأفسدهم ثناء الناس عليهم، فلا يغرنك من اغتر بالله فيك، فمدحك بما علم الله خلافه؛ وما قال رجل في رجل شيئاً إذا رضي إلا وهو يقول فيه على حسب ذلك إذا سخط. فتهلل وجه عمر وقال: من الطويل تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل

رجل أنصاري

رجل أنصاري قال إسماعيل بن أبي حكيم: لما مات سليمان بن عبد الملك انطلقت أنا ومزاحم إلى نفقة كانت لعمر بن عبد العزيز في رحله فغيبناها، ثم أقبلت أريد المسجد، فلقيني رجل فقال: هذا صاحبك يخطب الناس. فقلت: خليفة؟ قال: خليفة. فانتهيت إليه وهو على المنبر، فكان أول ما سمعته يقول: يا أيها الناس، إني والله ما سألتها الله في سر ولا علانية قط، فمن كره منكم فأمره إليه. فقال رجل من الأنصار: يا أمير المؤمنين، ذلك والله أسرع فيما تكره، ابسط يدك فلنبايعك. فكان أول من بايعه الأنصاري هذا. ومشى عمر في جنازة سليمان، فلما فرغ من دفنه أتى بمراكب الخلفاء فلم يركب شيئاً منها، وقال: بغلتي؟ فركض إنسان إلى العسكر، وقعد عمر حتى جيء ببغلته، فركبها ورجع. وقد كان سليمان أمر أهل مملكته أن يقودوا الخيل بسبق بينهم، فمات قبل أن يجري الحلبة، فأبى عمر أن يجريها، فقيل له: يا أمير المؤمنين، تكلف الناس مؤونات كبيرة، وقادوها من بلاد بعيدة، وفي ذلك غيظ للعدو، ولم يزالوا حتى أجرى الحلبة، وأعطى السابقين ولم يخيب المسبوقين، بل أعطاهم دون ذلك، وكان الناس لقوا جهداً من القسطنطينية من الجوع فأقفل الناس، وبعث إليهم بالطعام. رجل من البصرة وفد لأهل البصرة على عمر بن عبد العزيز، فلما أتاه قال له: ما بك؟ قال: يا أمير المؤمنين، أتيتك مستجيراً. قال: لماذا؟ قال: كبير بالعذبة، قال: وأين العذبة؟ قال: على منزلتين من البصرة. قال: فقد أخفرتك، على أن أول وارد ابن سبيل قال: ثم دنت الجمعة، فقربت من المنبر فلما صعده، حمد الله وأثنى عليه ثم قال:

رجل من عمال الحجاج

يا أيها الناس، إنكم ميتون، ثم إنكم مبعوثون، ثم إنكم محاسبون، فلئن كنتم صدقتم لقد قصرتم، ولئن كنتم كذبتم لقد هلكتم. يا أيها الناس، إن من يكون له رزق بحضيض الأرض أو بنبوة جبل يأتيه، فأجملوا في الطلب. ثم نزل. رجل من عمال الحجاج استعمله عمر بن عبد العزيز، وبلغه أنه كان عاملاً للحجاج فعزله، فجاءه يعتذر إليه، ويقلل ما عمل، فقال له عمر: حسبك من صحبة شر وشؤم يوماً أو بعض يوم. أعرابي من كلب قال الأصمعي: أراد عمر بن عبد العزيز أن يمنع الحلبة، فقيل له: سوق من أسواق العرب. قال: فتركها أربأ بها. فلما أرسلت الخيل أقبل أعرابي على فرس وهو يقول: من الرجز غاية مجد رفعت فمن لها ... نحن احتويناها وكنا أهلها لو تسفل الطير لجئنا قبلها فعثرت فرسه، فسقط، وتقدمه رجل من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بفرسه. فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما جرى. قال: قد رأيت، سبقني وإياك رجل كان أبوه سباقاً إلى الخير، رحمة الله عليه.

رجل

رجل قال في أثناء حديثه: إن أهل حمص رفعوا قصة إلى عمر بن عبد العزيز: إن مدينتنا قد خرب حصنها. فوقع في قصتهم إلى الأمير: ابنها بالعدل، ونق طرقاتها من الأذى. رجل وفد على عمر بن عبد العزيز. صلى عمر ذات يوم، فلما ذهب ليدخل، هتف به هاتف: يا أمير المؤمنين. فأقبل عليه مذعوراً فقال: ما شأنك؟ أتعذر عليك حجابي أو قال: آذني؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكني قدمت الساعة، وجئتك مبادراً قال: مبادراً ماذا؟ قال: أن تسبقني بنفسك. قال: ولم؟ قال: لأني رأيت الخير سريع الذهاب. فجلس عمر وقال: حاجتك؟ فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، اذكر لمقامي هذا مقاماً لا يشغل الله عنك فيه كثرة من تخاصم إليه من الخلائق يوم تلقاه بلا ثقة من العمل، ولا براءة من الذنب. قال: فاستبكى أو قال: بكى ثم قال: حاجتك؟ فأخبره بحاجته. رجل من أهل المدينة حدث عن أبيه أنه قدم مع محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز. فكان فيما ذاكرنا به أن قال لمحمد: يا أبا حمزة، ما ضر أخاك بسر بن سعيد التقلل والانقطاع الذي كان فيه. ثم بكى بكاءً شديداً حتى قلت: الآن يسقط. ثم قال: أما والله، لئن كان بسر صبر على القلة والعبادة، لقد صبر على معرفة وعلم بما صبر عليه.

أعرابي

أعرابي جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين، جاءت بي الحاجة، وانتهت الغاية، والله سائلك عما أقول. فقال له عمر: أعد علي ما قلت. فأعاد عليه، فنكس عمر رأسه، وأرسل عينيه حتى ابتلت الأرض بدموعه، ثم قال له: ما عيالك؟ قال: أنا وثلاث بنات لي. ففرض له في ثلاث مئة، وفرض لبناته لكل واحدة مئة درهم، وأعطاه مئة درهم. قال: هذه لك، وإذا خرج عطاء المسلمين أخذت معهم. أعرابي شاعر سرق سرقة في خلافة عمر بن عبد العزيز، فأمر عمر بقطع يده، فقال: يا أمير المؤمنين، اسمع مقالي، ثم افعل ما ترى. فقال له: قل، فأنشأ يقول: من الطويل يميني أمير المؤمنين أعيذها ... بعفوك أن تلقى نكالاً يشينها ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا ما شمال فارقتها يمينها ولو أن أهلي يعلمون لسيرت ... إليك المطايا عينها وقطينها فقال: يا أعرابي، هذا حد من حدود الله، وتركه ذنب. فقال: يا أمير المؤمنين، اجعل هذا من الذنوب التي تستغفر الله منها. فأمر بتخليته. رجل من أهل اليمامة أتى عمر بن عبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد بلغت غايتي، والله سائلك عن مقامي هذا. قال: قل. قال: عاملك باليمامة غصبني حقي، واعتدى علي في إبلي. قال: فإن الله قد عزل عنك العامل، ورد عليك ظلامتك. يا غلام، اكتب إليه. فخرج الأعرابي وهو يقول: من الرجز يا أيها المظلوم في بلاده ... ائت الأمير عمراً فناده

شاعر

خليفة الله على عباده ... لم يؤثر الدنيا على معاده قد أشبه الفاروق من أجداده شاعر رثى عمر بن عبد العزيز. لما شكى عمر شكواه الذي هلك فيه قال: اشتروا من الراهب موضع قبري. فاشتري منه موضع قبره بستة دنانير، فقام الشاعر يرثيه: من البسيط قد غادر القوم في اللحد الذي لحدوا ... بدير سمعان جريان الموازين أقول لما نعى لي ناعياً عمراً ... لا يبعدن قضاء العدل والدين بعض آل المهلب قال يزيد بن عبد الملك لبعض ولد المهلب حين أتى بهم أسرى: كيف رأيتم الله صنع بكم؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، قوم زرعتهم الطاعة وحصدتهم المعصية. شاعر مات خليفة ليزيد بن عبد الملك فقال: هل ترك من خلف؟ قالوا: ترك ابناً له. فأدخل عليه فقال: يا بني، إلى من أوصى بك أبوك؟ فأطرق ساعة حتى ظن يزيد أنه قد أفحم، ثم رفع رأسه وقال: من الخفيف إن مثلي يوصي الرجال إليه ... ليس مثلي يوصي به الآباء إنني والذي يحج له النا ... س ومن دون بيته البيداء

شيخ من ثقيف

لملي بما يؤمل في المر ... ء وإن كان في أخيك فتاء فأمر له يزيد بأرزاق أبيه. شيخ من ثقيف من أهل الحجاز، وفد على الوليد بن يزيد وهو ولي عهد في خلافة هشام. قال طريح بن إسماعيل الثقفي: كنت عند الوليد، فدعا بالشطرنج فأخذت معه فيها، فدخل الآذن فقال: بالباب رجل من أخوالك له نبل وهيئة يستأذن، فقال: أما هذا الوقت فلا، فإني مقبل على ما ترى. فقلت له: سبحان الله! يأتيك رجل من أخوالك مسلماً فتحجبه؟ قال: كيف بنا ونحن على هذه الحال؟ فقلت: ترفع الشطرنج، وتأذن له. فقال: ذاك لما اتجهت عليك! فقلت: يغطى بمنديل وتنحرف، ويدخل لحظة وينصرف. ففعل، وأذن له. فدخل رجل جسيم معتم على قلنسوة مشرفة، مشمراً ثيابه في زي الفقهاء، بين عينيه سجادة فسلم، وجلس، وقال: أيها الأمير، خرجت من المدينة أريد عسقلان للرباط بها، فأحببت أن أؤدي حق القرابة والرحم. فقال له الوليد: يا خال، كيف حفظك لمغازي أهل بلدك، لعلك تفيدنا منها أحرفاً. قال: ما أحفظ منها شيئاً. قال: فكيف علمك بالسنة ونظرك في الفرائض؟ قال: ما نظرت في شيء من ذلك. قال: فكيف روايتك لشعر قومك، وغيرهم من الشعراء؟ قال: ما أروي منه شيئاً. قال: فكيف علمك بأيام العرب، وأخبارها؟ قال: قد أغفل خالك ذلك. قال: فعسى أن يكون همك مصروفاً إلى معنى آخر من مفاكهات أهل المدينة ومزاحاتهم؟ قال: خالك يربأ بنفسه عن ذلك. قال الوليد: يا غلام، ارفع المنديل. العب يا طريح، فليس معنا أحد. رجل أتى هشام بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الملك أقطع جدي قطيعةً، فأقرها الوليد وسليمان، حتى إذا استخلف عمر رحم الله عمر نزعها. قال: إن فيك

أعرابي

لعجباً، إنك تذكر من أقطع جدك، ومن أقرها في يده، فلا ترحم عليه، وتذكر من نزعها فترحم عليه؟ قم، فإنا قد أمضينا ما صنع عمر، رحم الله عمر. أعرابي وفد على هشام بن عبد الملك يتظلم من بعض عماله فقال: إن فلاناً ممن رفعت خسيسته، وأثبت ركنه، وأعليت ذكره، وأمرته بنشر محاسنك، فطواها، وإظهار مكارمك، فأخفاها، وعمد إلى أمورك في رعيتك فتعداها، استخفافاً بالحرمة، وقلة شكر النعمة، قد أخرب البلاد، وأضاع الأجناد، وأظهر الفساد، وأخرج الناس من سعة العدل إلى ضيق الجور، حتى باعوا الطارف والتلاد، وهموا ببيع النسل والأولاد. فقال هشام: يا أعرابي، أحقاً ما تقول؟ قال: نعم، والذي بلغك أعلى مراتب الشرف، والله لو كان على سويقة من أسواق البحرين ما أجزأها، مع أنه يخلط ذلك بلؤم الحسب وذفر النسب وسوء الأدب. رجل من جلساء هشام ابن عبد الملك. قال العتبي: كان عند خالد بن عبد الله ذات ليلة فقهاء من أهل الكوفة، فيهم أبو حمزة الثمالي. قال خالد: حدثني حديثاً كحديث عشيق ليس فيه فحش. فقال أبو حمزة: زعموا أنه ذكر عند هشام بن عبد الملك غدر النساء وسرعة تزويجهن فقال هشام: يبلغني من ذلك العجب. فقال بعض جلسائه: أنا أحدثك عما بلغني. كان رجل يقال له غسان بن جهضم بن العذافر، كانت تحته ابنة عم له يقال لها أم عقبة بنت عمرو بن الأبجر، وكان لها محباً، وهي له كذلك، فلما حضره الموت، وظن أنه مفارق الدنيا قال ثلاثة أبيات، ثم قال: يا أم عقبة، اسمعي ما أقول، وأجيبيني بحق، فقد تاقت نفسي إلى مسألتك عن نفسك بعد ما تواريني التراب. فقالت: قل، فوالله لا أجيبك بكذب، ولأجعلنه آخر حظك مني. فقال وهو يبكي بكاء يمنعه من الكلام: من الخفيف

أخبريني ماذا تريدين بعدي ... والذي تضمرين يا أم عقبه تحفظيني من بعد موتي لما قد ... كان مني من حسن خلق وصحبه أم تريدين ذا جمال ومال ... وأنا في التراب في سجن غربه فأجابته ببكاء وانتحاب: من الخفيف قد سمعنا الذي تقول وما قد ... خفته يا غسان من أم عقبه أنا من أحفظ النساء وأرعاه ... لما قد أوليت من حسن صحبه سوف أبكيك ما حييت بشجو ... ومراث أقولها وبندبه فلما قالت ذلك طابت نفسه، وفي النفس ما فيها فقال: من الخفيف أنا والله واثق بك لكن ... ربما خفت منك غدر النساء بعد موت الأزواج يا خير من عو ... شر فارعي حقي بحسن الوفاء إنني قد رجوت أن تحفظي العه ... د فكوني إن مت عند الرجاء ثم مات، فلم تلبث بعده إلا قليلاً، وخطبت من كل جانب، ورغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاصلة فيها، من العقل والجمال والعفاف والحسب، فأجابتهم: من الطويل سأحفظ غساناً على بعد داره ... وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشر وإني لفي شغل عن الناس كلهم ... فكفوا، فما مثلي بمن مات يغدر سأبكي عليه ما حييت بعبرة ... تجول على الخدين مني فتكثر فأيس الناس من إجابتها، ومرت بها الأيام فنسيت عهده وقالت: من مات فات. فأجابت بعض خطابها، فتزوجها، فلما دخلت عليه جاءها غسان في النوم فقال: من الطويل غدرت ولم ترعي لبعلك حرمة ... ولم تعرفي حقاً ولم تحفظي عهدا ولم تصبري حولاً حفاظا لصاحب ... حلفت له يوماً ولم تنجزي وعدا

شيخ من الشام

غدرت به لما ثوى في ضريحه ... كذلك ينسى كل من يسكن اللحدا فانتبهت مرتاعة، مستحيية منه، كأنه بات معها في البيت، وأنكر ذلك من حضرها من نسائها، فقلن: ما دهاك؟ فقالت: ما ترك غسان لي في الحياة إرباً، ولا بعده رغبة في سرور، أتاني في منامي الساعة فأنشدني كذا وكذا. وهي تبكي بدمع غزير، فلما سمعن منها، أخذن في حديث آخر لتنسى ما هي فيه، فتغافلتهن، ثم قامت فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياء مما كادت تركب بعده من الغدر به. فقالت امرأة منهن: بلغنا أن امرأة أتاها زوجها في المنام فلامها وأنبها في مثل هذا، فأما القتل فما سمعنا به، وكانت قائلة هذا صاحبة شعر ورجز فقالت: من المجتث ماذا صنعت وماذا ... لقيت من غسان قتلت نفسك حزناً ... يا خيرة النسوان وفيت من بعد ما قد ... هممت بالعصيان إن الوفاء من الل ... هـ لم يزل بمكان فلما بلغ زوجها، ويقال له المقدام بن حبيش وكان أعجب بها فقال: ما كان لي مستمتع بعد غسان، وقال: هكذا فليكن النساء في الوفاء، وقل من يحفظ ميتاً، وإنما هي أيام قلائل حتى ينسى وعنه يسلى فقال هشام: صدق وبر، لجاد ما أدركه عقله، وحسن عزاؤه حين فاتته طلبته، وأحسنت المرأة ووفت، وأحسن الرجل وصبر. شيخ من الشام كان في صحابة هشام بن عبد الملك. سأله أبو جعفر المنصور عن تدبير هشام في بعض حروبه للخوارج، فوصف الشيخ له فقال: فعل رحمه الله كذا، وصنع رحمه الله كذا، قال له المنصور: قم، عليك لعنة الله، تطأ بساطي، وتترحم على عدوي؟ فقام وهو يقول: إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي. فقال له المنصور: ارجع يا شيخ. فرجع فقال: أشهد أنك نهيض

رجل من أصحاب هشام

حر، وغراس شريف، عد إلى حديثك. فعاد الشيخ في حديثه. فلما فرغ دعا له بمال فأخذه وقال: يا أمير المؤمنين، ما بي حاجة إليه، ولقد مات من كنت في ذكره، فما أحوجني إلى وقوف في باب أحد بعده، ولولا جلالة أمير المؤمنين وإيثار طاعته ما لبست لأحد بعده ثوباً. فقال له المنصور: مت إذا شئت، لله أنت، فلو لم يكن لقومك غيرك كنت قد أبقيت لهم مجداً مخلداً، وذكراً باقياً. وقيل: إن الربيع هو الذي قال له: كم تترحم على عدو أمير المؤمنين!! فقال له الرجل: مجلس أمير المؤمنين أحق المجالس بشكر المحسن، ومجازاة المجمل. فقال له المنصور: أحسنت بارك الله عليك، وبحسن المكافأة تستحق الصنائع وتزكو العوارف. ثم أدخله في خاصته. رجل من أصحاب هشام قال الزهري: لقد تكلم اليوم رجل عند أمير المؤمنين، ما سمعت كلاماً أحسن منه. قال له: يا أمير المؤمنين، اسمع مني أربع كلمات فيهن صلاح دينك وملكك وآخرتك ودنياك. قال: ما هن؟ قال: لا تعدن أحداً عدة وأنت لا تريد إنجازها، ولا يغرنك مرتقى سهل إذا كان المنحدر وعراً، واعلم أن للأعمال آخراً فاحذر العواقب، وأن الدهر تارات فكن على حذر. رجل علوي كان فصيح اللسان، بليغاً، استأذن على هشام بن عبد الملك فأذن له، وهو في موضع مشرف، وأمر أن يعجل به ليقطعه ذلك عن بلاغته، فلما دخل على هشام سلم. فقال: إيها تكلم. قال: حتى يذهب عني بهر الدرجة، وبهجة الخلافة.

أعرابي من بني أسد

أعرابي من بني أسد دخل على هشام بن عبد الملك فسلم ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتت علينا سنون ثلاث ذهبت بالأموال، ونحتت القلوب، وأما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فنخصت اللحم، وأما الثالثة فهاضت العظم، وفي يديك فضول أموال، فإن تك لله فبثها في عباد الله، وإن تك لهم، ففيم تحبسها عنهم؟ وإن تك لك فتصدق علينا، إن الله يجزي المتصدقين، فأمر له بعشرة آلاف درهم. فقال: والله لا أقبلها، لبئس وافد القوم أنا إذاً إن ذهبت إلى قومي غنياً وهم فقراء. فكتب هشام إلى خالد بن عبد الله القسري يحمل إلى البادية ما يكتفون به. وقيل: إن الأعرابي قال وقد أمر له هشام بمال، وقسم بين الناس مالاً فقال: أكل المسلمين له مثل هذا؟ قال: لا يقوم بذلك بيت المال. قال: فلا حاجة لي فيما آخذ من بيت مال المسلمين، ولا يأخذه غيري. فمضى وتركه. رجل بلغ هشام بن عبد الملك عنه كلام فأتى به فتكلم بحجته فقال هشام: أو تتكلم أيضاً؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل يقول: " يوم تأتي كل نفسٍ تجادل عن نفسها " أفنجادل الله جدالاً ولا تكلم أنت كلاماً؟! قال: تكلم بما أحببت. شيخ راجز من بني والبة من بني أسد. قال محمد بن حرب الهلالي: خرجت أريد مكة، فنزلت بحي من بني أسد، ثم من بني

رجل من ولد خباب

والبة، فإذا أنا بشيخ كبير السن، حسن اللباس، فسألته عن سنه، فقال: خلفت مئة وعشرين سنة. فسألته عن طعمه. فقال: ما أزيد على الصبوح والغبوق شيئاً. فسألته عن الباه فقال: أيهات، وفدت على هشام وهو في رصافته، فسألني عن طعمي، فقلت: الصبوح والغبوق، وسألني عن الباه، فقلت: إن لي لثلاث نسوة، بت عند إحداهن ليلة، وأصبحت غادياً إلى الأخرى وفي رأسي أثر الغسل، فقالت: امط عني، أفرغت ما في صلبك. فقلت: لأوفينك ما وفيتها. فلاعبتها وتوركتها، فلما أردت الإنزال أخرجته وأمسكته، فنزا الماء حتى حاذى رأسها، فقلت: أيكون هذا ممن أفرغ ما في صلبه؟ ثم تناولت عشر حصيات، فكلما صرت إلى الفراغ ناولتها حصاة، حتى أتيت على العشر، فسألتها: كم في يدك؟ فقالت تسع. فقلت: لا، بل عشر. فقالت: لا أحسب لك ما لم تصل إلي. فضحك هشام حتى استلقى على فراشه. ثم إني سألته: كيف أنت اليوم؟ فقال: إني لأظل اليومين والثلاثة، وما في الثاني طائل ثم ضرب بيده فخذه. وقال: من الرجز قد كبرت بعد شبابٍ سني ... وأضعف الأزلم مني ركني والدهر يبلي جده ويغني ... وأعرضت أم عيالي عني إذ عز عندي ما تريد مني ... وقالت الحسناء يوماً ذرني ولم ترد ذرني ولكن نكني ... لكنها عن ذاك كانت تكني رجل من ولد خباب وفد على هشام بن عبد الملك. خرج رجل من ولد سعيد بن العاص، ورجل من ولد أبي معيط

مولى لمسلمة بن عبد الملك

يريدان هشام بن عبد الملك، فلحقهم رجل من ولد خباب بن الأرت، فقيل للسعيدي: أين تنزل؟ قال: على آل أبي أحيحة. وقيل للمعيطي: أين تنزل؟ قال: على آل أبي معيط. وقيل للخبابي: أين تنزل؟ قال: لا أدري، لكني أنزل على ربي. فقعد على باب هشام، وجاءت هدايا من عند ابن الحبحاب؛ عامل مصر، فأدخلت على هشام، فأخذ الخبابي رزمة ودخل، فلما صار بين يدي هشام، انتسب له، فما أمسى حتى كتب ثلاث صحائف إلى عامل المدينة؛ صحيفة بجائزته، وصحيفة بقطيعته، وصحيفة بأرزاقه. وبقي السعيدي والمعيطي يغدوان ويروحان. مولى لمسلمة بن عبد الملك قال: حدثني مسلمة قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز بعد صلاة الفجر في بيت كان يخلو فيه بعد الفجر، فجاءته جارية بطبق فيه تمر صيحاني وكان يعجبه التمر فرفع بكفيه منه فقال: يا مسلمة، أترى لو أن رجلاً أكل هذا، ثم شرب عليه ماء، والماء على التمر طيب، أكان مجزئه إلى الليل؟ قلت: لا أدري. قال: فرفع أكثر منه، فقال: فهذا؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان كافيه دون هذا حتى ما يبالي ألا يذوق طعاماً غيره. قال: فعلام يدخل النار؟! قال مسلمة: فما وقعت مني موعظة وما وقعت مني هذه. شاعر من قريش. كانت للوليد بن يزيد جارية، يقال لها: صدوف، فغاضبها، ثم لم يطعه قلبه، فجعل يتسبب بصلحها، فدخل عليه رجل قرشي من أهل المدينة، فكلمه في حاجة وقد عرف خبره، فبرم به، فأنشده: من الكامل

شاعر

أعتبت أن عتبت عليك صدوف ... وعتاب مثلك مثلها تشريف لا تقعدن تلوم نفسك دائباً ... فيها وأنت بحبها مشغوف إن القطيعة لا يقوم بمثلها ... إلا القوي ومن يحب ضعيف الحب أملك بالفتى من نفسه ... والذل فيه مسلك مألوف قال: فضحك، وجعل ذلك سبباً لصلحها، وقضى حوائج القرشي كلها. شاعر قال الفضل بن الوضاح، صاحب قصر الوضاح: خرجت مع المنصور إلى مروان بن محمد، فصحبنا في الطريق رجل ضرير كان عنده أدب ومعرفة فاستجلاه المنصور وقال له: من تقصد؟ قال: أمير المؤمنين مروان. قال: في أي شيء؟ قال: في شعر أمتدحه به. قال: أنشدنيه. فأنشده: من الخفيف ليت شعري أفاح رائحة المس ... ك وما إن إخال بالخفيف أنسي حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس بحلوم إذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس قال المنصور: فما أتمها حتى ظننت أن العمى قد أخذني من حسدي بني أمية عليها. ثم حج المنصور سنة ثلاث وأربعين ومئة وهو خليفة، وكان قد نوى أن يمشي حتكاً وروداً، فإنه ليمشي إذ بصر بالضرير فأتي به فقال: ما صنع بك مروان؟ قال: أغناني فلا أسأل بعده أحداً شيئاً. قال: ما أعطاك؟ قال: أعطاني أربعة آلاف دينار، وعشرة

رجل من ولد أبي سفيان

غلمان، وعشر جوار، وحملني على عشر من الدواب، وأوقر لي خمسة أبغل خرثياً ثم تنفس الصعداء، وأنشأ يقول: من الكامل آمت نساء بني أمية منهم ... وبناتهم بمضيعةٍ أيتام نامت خدودهم وأسقط نجمهم ... والنجم يسقط والخدود تنام خلت المنابر والأسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام فقال له أبو جعفر المنصور: أما تعرفني؟ قال: ما أنكرك من سوء، من أنت؟ قال: أنا أمير المؤمنين المنصور. فأخذ الضرير أفكل يعني الرعدة وقال: يا أمير المؤمنين، إن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. قال: صدقت، خلوا عنه، ثم تتبعته نفسه بعد فطلبه، فكأن البيداء بادت به. رجل من ولد أبي سفيان به وضح ومرض. ذكر لعبد الله بن علي بن العباس أنه قال: أنا السفياني الذي يذهب ملك بني العباس على يده. فطلبه عبد الله فتوارى، فأمر عبد الله بإخراج نساء أبي سفيان والتماسه فيهن، فلما هتك الحرم، وافى باب عبد الله بن علي على بغل ومعه ابناه على فرسين. فقال للحاجب: عبد الله هذا جالس؟ ولم يقل الأمير. قال: لا. قال: أفتأذن في الجلوس إليك؟ قال: نعم. فنزل ونزل ولداه، فجلسوا مع الحاجب. فرأى الحاجب أحسن خلق الله حديثاً، وأحلامهم كلاماً، فغلب على قلبه، ثم عرف الحاجب جلوس عبد الله، فدخل إليه، فذكره له، ثم خرج إليه. قال: يقول: ما اسمك؟ قال: قل له رجل يأتيك بما تحب. فخرج فقال: فتشه وأدخله. فدخل، فقال له: ما لمن دلك على فلان وذكر اسمه من الجائزة؟ قال: حكمه. قال: فأنا فلان، وهذان ابناي، فما دعاك إلى أن برزت أسوق بنات عمك يراهن أنباط الشام في طلبي؟ قال عبد الله: أتدري ما قال شاعرنا؟ قال: لا. قال: فإنه يقول: من الخفيف

شيخ من كتاب بني أمية

جرد السيف وارفع السوط حتى ... لا ترى فوق ظهرها أمويا قال: شاعركم قال لكم ما تحبون، أفتدري ما قال شاعرنا؟ قال: لا. قال: إنه يقول: من البسيط شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا وأنا أعلم إن حكمت بما لا تهواه أنك لا تجيز حكمي، فتركتك. قال: اقتلوه. قال: فإن كنت فاعلاً فابني قبلي، فقتلا ثم قتل من بعدهما، رحمهم الله. شيخ من كتاب بني أمية قال عبد الله بن سوار: كنت غلاماً أكتب بين يدي يحيى بن خالد، فدخل عليه شيخ ضخم، جميل الهيئة فأعظمه يحيى وحادثه، وقال له: ما بالكم كنتم تكتبون الكتب إلى عمالكم في أموركم فلا تطيلون، وإنما الكتاب بقدر الفضل من كتبنا، ونحن نطيل إطالة لا يمكننا غير ذلك؟ فقال: اعفني. فأبى إلا أن يجيبه. فقال: وأنت غير ساخط؟ قال: نعم. قال: إن بني أمية كانت لا تكتب في الباطل أنه حق، ولا في الحق أنه باطل، ولا تعقب أمراً قد نفذ بخلافة أمر فلا يحتاجون إلى الإطالة والتلبيس وطلب المعاذير، وإنكم تكتبون في الحق أنه باطل، والباطل أنه حق. ثم تعقبون ذلك بخلافه، فلا بد لكم من الإطالة. فسئل عن الشيخ فقال: كاتب من كتاب بني أمية القدماء، من أهل الشام. رجل من دمشق جلس كعب الأحبار يوماً يقص بدمشق، فلما فرغ قال: إنا نريد أن ندعو، فمن كان منكم يؤمن بالله وكان قاطعاً إلا قام عنا، فقام فتى من القوم، فولى إلى عمةٍ له كان بينه

رجل من محارب

وبينها محرم فصالحها. فقالت: ما بدا لك؟ قال: سمعت كعباً يقول كذا وكذا، وقال كعب: إن الأعمال تعرض كل يوم خميس واثنين إلا عمل قاطع يتجلجل بين السماء والأرض. رجل من محارب سمع من كعب يقول: يلتقون بعمق عكا فيقتتلون، ثم يتهايبون وينحازون، ثم يقتتلون ثم يتهايبون حتى ينتهوا إلى عمق إنطاكية فيقيمون به لا ينهزم هؤلاء ولا هؤلاء، ويبعث المسلمون فيستمدون إلى عدن أبين، ويبعث الروم إلى من يمدهم من رومية. رجل حكى عن كعب الأحبار قال الشعبي: لما قدمت الشام نزلت بعبد العزيز بن مروان، فبينا أنا في المسجد دخل شيخ قصير أحمر أصلع فأشربوا له فقالوا: هذا علام العلماء. فجعل يجلس في الحلق، ويتنقل فيها، فقلت: اللهم جئ به. فجاء فجلس في الحلقة التي أنا فيها، فقال: حدثنا ذو الكتابين أن السماء على منكب ملك. قلت: أكذبك كتاب الله. فكادوا أن يثوروا إلي أو ثاروا إلي وقالوا: ما تريد إلى ضيف أمير المؤمنين؟ قال: فترادوا ثم قال: حدثنا ذو الكتابين أن صوراً بالمشرق وصوراً بالمغرب، فينفخ في أحدهما فيموت الناس، وينفخ في الآخر فيحيون. فقلت: أكذبك كتاب الله. فكادوا أن يثوروا أو ثاروا ثم ترادوا وقالوا: ما تريد إلى ضيف أمير المؤمنين؟ فقال: فترادؤا ثم قال: حدثنا ذو الكتابين أن صوراً بالمشرق وصوراً بالمغرب، فينفخ في أحدهما فيموت الناس، وينفخ في الآخر فيحيون. فقلت: أكذبك كتاب الله، فكادوا أن يثوروا - أثوثاروا - ما تعجبون من أن أكذب من أكذبه الله؟ زعم هذا أن السماء على منكب ملك، والله تعالى يقول: " ورفع السموات بغير عمدٍ ترونها " وزعم أن صوراً بالمشرق وصوراً بالمغرب ينفخ في أحدهما فيموت الناس، وينفخ

رجل

في الآخر فيحيون، والله تعالى يقول: " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى " إنما هو واحد. فقال لي: ممن أنت؟ فأخبرته. فقال: إما إن ذا الكتابين حدثنا أن نساءكم سيسبين فيؤتى بهن حتى يوقفن على الدرج، ويكشف عن سوقهن. فقلت: إني أرجو أن تكون الآخرة مثل الأوليين. رجل قال ربيعة بن يزيد: قعدت إلى الشعبي في خلافة عبد الملك، فحدث رجل من الصحابة أو من التابعين حدث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأطيعوا الأمراء، فإن كان خيراً فلكم، وإن كان شراً فهو عليهم، وأنتم منه براء. فقال الشعبي: كذبت. مولى لبني نمران قال: رأيت مقعداً بتبوك فسألته عن إقعاده فقال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فمررت بين يديه فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره. قال: فأقعدت. قال: وكان على أتان أو على حمار. شيخ من السكاسك حدث عن عمرو بن قيس قال: ولاني عمر الصائفة وأوصاني بتقوى الله، وبالمسلمين خيراً، وقال: إن رابطت حصناً فلا تقم عليه إلا يوماً وليلة، فإن طمعت فيه وإلا فارتحل، فإن أرادوك على ما في يديك

رجل من دمشق

من أساراهم رجلاً برجل فافده، فإن أبوا فرجل برجلين، فإن أبوا فرجل بثلاثة، فإن أبوا فأعطهم جميع ما في يدك برجل من المسلمين. رجل من دمشق حدث عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو قال: من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحداً من الخلق أعطي أفضل مما أعطي فقد حقر ما عظم الله، وعظم ما حقر الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يجهل فيمن يجهل، ولا يجد فيمن يجد، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن. شيخ من دمشق حدث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: العلم فريضة على كل مسلم. شيخ من دمشق قال: طلقت امرأة لي كان وجهها ذرباً وجسدها رحباً، فدخل علي سارق بالليل، وثيابي عند رأسي، فذهب إلى المشجب فلم يجد شيئاً، فلما رأى ذلك بسط كساءه، ثم دخل إلى خابية الدقيق، فجذبت الكساء فجعلته تحت رأسي، ثم خرج بالدقيق، فصبه في الأرض، وطلب طرفي الكساء، ثم جعل يجمعه، فلم يجد الكساء، فخرج. فقلت له:

شيخ من دمشق

أغلق الباب، لا يخرج القط. قال: من حسن صنيعك بي. قلت: ليس هذا وقت عتاب. قال: فبعت الكساء بخمسة دراهم. شيخ من دمشق كان فيمن غزا مع مروان بن محمد الخزر. قال: فسحنا في بلادهم نسبي من أدركناه، ولم نلحق لهم جمعاً، فشكوت إلى بيطار العسكر سعالاً بفرسي، فأمر لي بورق القصباء الأخضر، فذهبت أنظر، فإذا بغيضة من قصب بيننا وبينها أربعة أميال، فخرجت إلى الغيضة، فبينا أنا آخذ من الورق إذا أنا بين رؤوس القصب ببريق الأسنة خلف القصب، فقمت على سرجي لأتمكن من النظر فإذا بحرة سوداء من القنا، فعدوت على فرسي وأخبرت مروان، فدعا بعض هضائلة أرمينية فأخبرهم. فقالوا: هذا فلان الطرخان، عامل هذه البلاد، وأساورته عشرة آلاف، نحن نرى أن ضعف رأيه، ونظره لنفسه دعاه إلى أن كمن في هذه الغيضة، ليشد على ساقة العسكر. فأمر مروان قائداً من قواده ليخرج في أصحابه، فنودي في العسكر: من أراد الأجر والغنيمة فليلحق بفلان. فسار إليهم، فوقف على باب مدخل الغيضة، وأتوا بالنيران والنفط، فألقي في الغيضة، وهاجت الريح بالنار، ودخل المسلمون بالسيوف، وأهلكهم الله جميعاً حريقاً وقتلاً وأسراً، وأسرنا طرخانهم أسيراً، فضربت عنقه، ونفذ برأسه ورؤوس من أصحابه إلى هشام.

شيخ

شيخ من دمشق حدث عن موسى بن وردان وخرج إلى نفير إلى الإسكندرية فقال له أصحابه: هذا يوم الإسكندرية. قال: لا، إنما يوم الإسكندرية إذا رأيت أهل مصر قد خافوا من مسير النوبة إليهم، ورأيت أهل الفسطاط قد ضربوا عليهم الخندق، وجعلوا حرساً فيما بينهم وبين أرض النوبة. قال موسى بن وردان: وذلك أن صاحب الروم يكتب إلى صاحب النوبة وهو على النصرانية يستفزه، فيعده ذلك ويواعده وقتاً، فيعجل الروم بالخروج إلى الإسكندرية، ويبطئ النوبة عن الخروج، فإذا كان ذلك سار المسلمون إلى الإسكندرية، فيقاتلون بها، فينصرهم الله، ثم يرجعون، ويخرج عليهم النوبة. شيخ من البلقاء قال: لما التقوا بين مؤتة وعمقة تقدم زيد يسوي الصفوف فجاءه سهم غرب فقتله، وأخذ الراية جعفر. شيخ كان في عسكر الجراح بن عبد الله الحاكمي حين قاتل الترك. قال: لما قتل الجراح استعصينا، وجردنا سيوفنا، فأوجعنا في القوم، فقال لهم الطاغية: إنكم لن تصلوا إلى قتلهم حتى يقتلوا أضعافكم، فأفرجوا لهم، ثم اتبعوهم في الشجر. قال: فلحقت بالجبل، فإذا بقربه انجلى أهلها، فلقيت بيتاً فدخلته، فإذا فيه أثر نار وحطب، فأوقدت وجلست وبي جهد شديد، فلم ألبث حتى سمعت صهيل الخيل،

شيخ من موالي بني فزارة

وإذا بخيل الترك، فدخلت وأطفأت النار، وأقبل رجل فتتبع النار حتى وجدها، وظن أن في البيت أقواماً، فجعل يأخذ في زاوية، وآخذ في أخرى، ثم سل سيفه فقلت: لئن خرجت لأقطعن. فاستأسرت له، فأخذ بناصيتي وأجلسني عند النار، وأشار إلي أن أوقد، فأوقدت، ونظرني فعرفت الرقة قال: وبي جهد. فأتاني بكسر فأكلت، ثم ضربوا طبولهم، فأسرج وركب وأردفني خلفه، وتركهم حتى ساروا، وسار بي قدر أربعة أميال، ثم وقف وأشار إلي، فنزلت، وأشار إلي؛ اذهب كيف شئت. قال: فبينا نحن عند الحرسي وهو يقتل الأسارى إذ نظرت إليه فعرفته، فقلت له: أتعرفني؟ قال: نعم. فتقدمت إلى الحرسي فقصصت عليه أمري، فدعاه وكلمه الترجمان، فأخبره بمثل خبري. فقال: قد حقنا لك دمه، وبعثني وبعث به إلى هشام، فأخبره الخبر، ففرض له في قبيلي، فكان في عدادي. شيخ من موالي بني فزارة ثم لعمر بن هبيرة. حدث عن عمر بن هبيرة. قال: كنا قد بلغنا من حصارهم ما بلغنا، وكان بنا من الأزل والمرض نحواً مما بهم وأشد، وكنت نازلاً بجماعة سفن على ساحلهم مما يلي عسكر المسلمين، في مركبي، فيه مبيتي الآن، أركب إلى مسلمة فأشهد أموره، فإذا لم أركب خرجت في برد النهار إلى مجلس على تل مشرف على مراكبي وعلى عسكر المسلمين ويخرج إلي أمراء أجنادي، وأهل الهيئة منهم، فكان ذلك التل تلك الساعات لنا مجلساً، فبينا أنا ذات غداة عليه في جماعة، إذا بقارب خرج من ميناء القسطنطينية، وفيه رجال من الروم عليهم الديباج يقصد إلينا فقلت: يا رسول الطاغية إلي في أمر يكلمني به، فإن أتى في مجلسنا أشرف على رثاثة سفننا وسوء حالنا، سره ذلك وازداد قوة علينا، فقمت إلى مركبي فجلست وجلس معي أمراء أجنادي وأهل الهيئة، وأمرت أهل السفن أن يواروا ما قدروا عليه من سوء حالهم. فلما دنوا

شيخ من دمشق

نادونا بالأمان، وأقبل رسول الطاغية في أصحابه وهيئته، وصعد إلي فسلم، وأذنت له فجلس وجلسوا ثم قال: إنا بعثنا لأمر فنذكره لكم، ورأيت منكم شيئاً عرفت به سوء حالكم، وإنك أردت بقيامك عن التل ومجلسك الذي كنت فيه ألا آتيك فيه، فأشرف على رثاثة سفنكم وسوء حالكم، ثم تهيأت لي بما أرى مما ليس خلفه قوة، ولقد صرتم من حالكم إلى أسوأ مما نحن فيه، إن الملك يقرأ عليكم السلام ويقول: إنه كان من نزولكم علينا، وإقامتكم إلى هذا اليوم ما قد علمتم، وبلغ منا ومنكم، وما أنتم فيه أشد، وقد عرضت على مسلمة فدية صلح على كل إنسان بالقسطنطينية من رجل وامرأة وصبي ديناراً ديناراً على أن ترحلوا إلى بلادكم، فإن شئتم اقتسمتم هذه الدنانير بينكم مغنماً وإن شئتم ذهبتم بها إلى خليفتكم، فأدخله بيت ماله فصنع ما أراد. فأبى ذلك مسلمة علينا وسخطه، وزعم ألا يبرح دون أن نؤدي الجزية عن صغار، أو يدخله عنوة، والصغار الجزية ما لا تطيب به أنفسنا أبداً، وأنت من خليفتك ومن مسلمة، ومن علية العرب بالمنزلة التي أنت بها في الشرف والأمانة، فانظر فيما عرضته على مسلمة، فإن رأيته رأياً أشرت به عليه ورددته إليه. قال عمر بن هبيرة: أصاب مسلمة، وذلك ما أمرنا الله به ولا أخالفه فيه، وأنا عونه عليه حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فصلب على وجهه، وانصرف مغضباً. شيخ من دمشق حدث عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا الأمر في قريش يليه برهم ببرهم، وفاجرهم بفاجرهم حتى يدفعوه إلى عيسى بن مريم.

شيخ

شيخ من أهل دمشق سمع عطاء الخراساني يرويه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يأتونكم في ثمانين غاية، تحت كل غاية إثنا عشر ألفاً، الروم فيهم كالمخيلة غير أنهم الرؤوس والقادة. شيخ من قدماء الجند ممن كان يلزم الجهاد. حدث أن أهل الشام كانوا إذا غزوا الصوائف ينزلون أجناداً كما كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ساروا إلى الشام ينزلون أرباعاً، وكما كان بنو إسرائيل تنزل مع موسى عليه الصلاة والسلام وبعده أسباطاً. قال: وبين كل جند فرجة وطريق ومجال للخيل. شيخ من الجند أخبر عن أميرهم في غزاتهم أرض الروم أنه كان إذا وقف على الدرب قافلاً قال: الحمد لله الذي لم يجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجانا برحمته من القوم الكافرين. شيخ من أهل دومة الجندل حدث أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب لأكيدر هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى

شيخ من دمشق

الإسلام، وخلع الأنداد والأصنام مع خالد بن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها: إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي، وأغفال الأرض، والحلقة والسلاح، والحافر، والحصن، ولكم الضامنة من النخل، والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات، ولا يؤخذ منكم إلا عشر البتات، تقيمون الصلاة لوقتها، وتؤتون الزكاة بحقها، عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصدق والوفاء، شهد الله ومن حضر من المسلمين. الضحل: الذي فيه الماء القليل. والبور: ما ليس فيه زرع. والمعامي: ما ليست له حدود معلومة، والأغفال: مثله. ولا تعد فاردتكم: يعني ما لم تبلغ الأربعين. والحافر: الخيل. والمعين: الماء الظاهر. وقيل: الجاري. والضامنة من النخل: التي قد نبتت عروقها في الأرض، ولا يحظر عليكم النبات: لا تمنعون أن تزرعوه. ولا تعدل سارحتكم: لا تنحى عن الرعي. والنبات: النخل القديم الذي قد ضرب عروقه في الأرض ونبت. وكانت دومة وأيلة وتيماء خافوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أسلمت العرب. شيخ من دمشق كان ديدباناً يجلس على المنارة، فنظر ذات ليلة رؤيا هالته، كأنه نصب على ظهر قبة المسجد رمح فيه كتاب بين، ونصب فوق الرمح رمح فيه كتاب بين، ونصب فوق الرمح رمح وفيه كتاب بين، فإذا في الأول: إن المجرمين في سقر. وفي الثاني: طوبى لمن ابتلي فصبر. وفي الثالث: الملك لله من شاء نصر. فتاب ذلك الرجل توبة لم يكن يعرف بدمشق مثله.

شيخ من أهل دمشق

شيخ من أهل دمشق قال: كان يقال: إن دعتك نفسك يوماً إلى صحبة الرجال فلا تصحب إلا لمن صحبته زانك، وإن حملته مؤونة مانك، وإن رأى منك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن تعففت عنه ابتداك، وإن عاتبك لم يحرمك، وإن تباعدت عنه لم يرفضك. شيخ من دمشق حدث عن رجل من بني أمية قال: استعمل عمر بن عبد العزيز رجلاً على الصدقة يقال له زريق، أحمر كريه المنظر فرجع إلى عمر، ولم يأته بشيء، فقال عمر: أين ما بعثناك فيه؟ قال: أخذته من حيث أمرتني، وجعلته حيث أمرتني. فقال عمر: " ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً ". شيخ من أهل دمشق حدث عن الهذيل بن عمرو بسنده إلى علي بن أبي طالب قال: من ابتلي بزمانةٍ في جسده تمنعه من العمل كانت كفارة لذنوبه، وعمله فضلاً.

شيخ

شيخ حدث عن الأوزاعي أنه أقبل حتى نزل بأخ له، فحضر العشاء ووضع المائدة، ويد الأوزاعي تتناول، فقال الرجل: تعذرنا يا أبا عمرو، جئتنا في وقت ضيق. فرد يده في كمه، وأبى. فقال الرجل: والله ما اتخذت بعدك مالاً إلا المورث الذي تعرف، ما ذنبي؟ قال: لم أكن لأصيب طعاماً قل شكر الله عليه، أو كفرت نعمة الله عليه. رجل من أهل العلم قال: جاء كتاب من الخليفة إلى محمد بن إبراهيم، وكان على الموسم: ابعث إلي سفيان الثوري فقال له: يا أبا عبد الله، هذا كتاب أمير المؤمنين. قال: فمه؟ قال: كتب إلينا أن نبعث بك إليه. قال: السمع والطاعة. فقال للرسول: هذا سفيان بن سعيد وها هو يجيء معك، وأنت أعلم. فخرج سفيان إلى الرسول وعليه إزاران متزر بأحدهما، والآخر على كتفه. فلما بلغ الباب، قال للرسول: أعلم الأمير. فرجع معه. قال: رحمك الله، من ها هنا إلى العراق بغير نفقة؟ قال: يا أبا عبد الله، وتريد نفقة؟ قال: نعم. قال: يا غلام، هات كيساً. فجاء بكيس فيه ألف دينار قال: يا أبا عبد الله، إن أردت زدناك. قال: لا، في هذا بلاغ. فأخذ الكيس وخرج، فلما كان في بعض الطريق والرسول يذهب به إلى دار البريد مروا بخربة، فلف سفيان الكيس في إزاره، ووضعه على باب الخربة، وقال للرسول: أبصر هذا حتى أبول، ودخل فأقام الرسول ما شاء الله، فلما لم يره حمل الإزار ودخل فلم ير شيئاً، فحمل الإزار ومضى إلى محمد بن إبراهيم، فلما رآه ضحك. قال: ويلك مالك؟ قال: خدعني وقص عليه القصة فقال له: ويلك، ولم تركته؟ قال: لم أظن أنه يذهب عريان، ويدع الكيس. قال: ثكلتك أمك، إني أحسب لو كان جميع ما يملكه تركه.

رجل

رجل من أهل دمشق. قال المهدي لطازاد الرومي: أخبرني ببعض ما رأيت. قال: كنت يوماً أسير على شاطئ نهر لا ينقطع إلا من موضع فيه صعوبة، فإذا أنا برجل يصلي، فخفف من صلاته. فقلت له: كأنك أضللت أصحابك، فإن أحببت أرشدتك للطريق. فقال كالمنتهر: امض لشأنك. فقلت له: كأني أراك معجباً بنفسك، فهل لك في البراز؟ قال: نعم. ووثب على فرسٍ له أنثى، ثم أوثبها النهر فإذا هو معي، ثم تجاولنا فلم أقدر عليه لثقافته، ثم قلت له: هل لك في المصارعة؟ فقال: ذاك إليك. فألقينا السلاح، فلما تجرد ازدريته لنحافته وقلت: أنا محتمله بأهون أمر أو قاتله، أو ذاهب به أسيراً، وآخذ فرسه وسلاحه، ثم اتحدنا، فلم أصل منه إلى شيء، واعتقلني فإذا أنا تحته، ثم تناول سكيناً من خفه ليذبحني بها. فقلت له: هل لك إلى خير مما تريد بي، أن تعتقني فأكون مولاك، ولا أدع حفظك في كل مسلم أقدر عليه. فقال لي: ومن أنت؟ قلت: طازاد. فنهض عني وضربني برجله استخفافاً، ثم مال إلى النهر فغسل وجهه، ولبس سلاحه، وركب فرسه، وجاز النهر إلى الموضع الذي كان فيه. فقلت له: إني صرت مولاك فتبسم لي وأخبرني بموضعك ومنزلك. فأخبرني، وكتبته بطرف سكيني على صفة سرجي وكان طازاد رجلاً أيداً يأخذ الكبشين فيعلقهما بيده حتى يتناطحا ثم قلت له: إن من أصحابي عدة أمامك فأبقهم. فقال: امض لشأنك. ثم عرض له ناس من أصحابي فحمل عليهم، فقتل منهم أربعة، ثم أدركتهم فمنعت من بقي منهم من قتاله، وأمرت رجلاً من أصحابي أن يدخل عسكر المسلمين فيحرص على أن يسرق فرسه، ويأتيني بها. فدخل عسكرهم مستأمناً، فأقام أياماً لا يقدر على سرقتها، وذلك أنه كان يركبها نهاراً ويسرجها ليلاً، ويضع لجامها على قربوسه، ومخلاتها في رأسها ويصف قدميه حتى يصبح. فقال المهدي: بئس ما كافأته يا طازاد! فكتب المهدي إلى عامل دمشق في إقدام الرجل

رجلان سائحان في جبل البنان

عليه، فقدم، ولا علم لطازاد بأمره، فأمر المهدي بعرض الجند والرجل فيهم. فقال طازاد: يا أمير المؤمنين، ما أشبه هذا بالرجل الذي وصفت لك، فدعاه المهدي، فسأله طازاد أن يدنو منه. فأذن له، فقبل رجليه، وأذكره بلاءه عنده، فأراد المهدي صلته فلم يقبلها، وصرفه إلى بلاده. رجلان سائحان في جبل البنان خرج رجل يبتغي من فضل الله، فصحب رجلاً في الطريق فسأله عن مخرجه، فقال له خبره، فقال له الرجل: أخرجني الذي أخرجك. فانطلق بنا نلتمس الله من فضله. فخرجا في جبل لبنان يقصدان بيت المقدس، فأتيا بعض المنازل، فنزلا في قصر خرب، فانطلق أحدهما ليأتي بطعام. قال المتخلف منهما في الرحل: ألهيت نفسي، وجعلت أنظر بناء ذلك القصر وهيئته، وخرابه، واذكر سفري وتركي عيالي، فإذا بلوح من رخام تجاهي فيه مكتوب: من الكامل لما رأيتك جالساً مستقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين فارقص بها وتعر من أثوابها ... إن كان عندك بالقضاء يقين فالهم سيماه مشيب شامل ... ويكون مثوى الضر حيث يكون هون عليك وكن بربك واثقاً ... فأخو التوكل شأنه التهوين طرح الأذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون فجعلت أقرأهن وأتدبرهن إذ جاء صاحبي فقلت: ألا أعجبك؟ قال: بلى. قلت: أنظر ما على هذا اللوح. فنظر ونظرت، فلم ير لوحاً ولا شيئاً. فجعلت أطوف في القصر وأتتبع ما فيه فلم أر شيئاً.

رجل عابد

رجل عابد بأذرعات خرج أبو معاوية الأسود إلى عابد بأذرعات. قال: فأقمت عليه ثلاثة أيام لا يكلمني، فقلت: اللهم وفقه لكلامي. فأقبل علي وقال: يا أسود، من أين قدمت؟ من الحج أو من العمرة؟ أو نفدت نفقتك؟ قلت: ما جئت من حج ولا من عمرة، ولا نفدت نفقتي. قال: فما جاء بك؟ قلت: جئت لعلي أسمع منك كلمة أنتفع بها. فقال لي: يا أسود، أنت بمطربليطا النصراني أوثق منك بالله عز وجل. قلت: معاذ الله. فقال: الساعة تقر، أخبرني لو أن مطربليطا النصراني قال لك: اجعل غداءك وعشاءك عندي، أكنت واثقاً به؟ قلت: نعم. قال: فالله قد ضمن لك الغداء والعشاء، فهل ألقيت هم ذلك عنك؟ قلت: حسبي. شيخ متعبد قال ذو النون: رأيت شيخاً مجنوناً بدمشق مصفاراً، بيده ركوة وعكازة، وقد كتب على جيبه من ورائه: من السريع حتى متى يا شيخ لا تستحي ... يراك مولاك مع الغافلين ما تستحي منه وما ترعوي ... غطى خطاياك عن العالمين مشاك بين الناس في ستره ... وأنت معكوف مع الفاسقين وعلى كمه الأيمن مكتوب: من الوافر عجبت لمن ينام وذو المعالي ... ينادي يا عباد أنا البذول وهل يجد الخلائق مثل ربي ... وكل فعاله حسن جميل وعلى كمه الأيسر مكتوب: مجزوء الرمل

رجل من شرعب

إن لله عباداً ... كشفوا فيه القناعا هل رأيتم خادماً عا ... مل مولاه فضاعا سوف أرويكم حديثاً ... قد سمعناه سماعا من دنا من ربه شب ... راً دنا منه ذراعا رجل من شرعب من أهل جوسية من أعمال حمص، كان يواظب على حضور الجمعة بدمشق وشرعب قبيله من قبائل اليمن كان له بغل، وكان يدلج على بغله من جوسية وهي قريته من حمص يوم الجمعة، فيصلي الجمعة في مسجد دمشق، ثم يروح فيبيت في أهله، وكان الناس يعجبون منه، ثم إن بغله ذاك نفق، فنظروا جنبيه فإذا ليس له أضلاع إنما هو صفحتان عظماً مصمتاً. رجل كان يصحب ابن جوصاء حدث عن نفسه، أو عن شيخ حدثه أنه كان يرابط بالساحل في صخرة موسى، فبينا هو على السور ينظر إلى البحر، فرأى غراباً قد انحط على سمكة مطروحة على الشط، فأدخل في عين السمكة مخلابه ثم اكتحل به. فتعجبت من ذلك، وانحدرت إلى السمكة، وأخذت ميلاً فاكتحلت من عينها، فرأيت أشياء لم أكن أراها قبل ذلك، ورأيت عجائب، فبينا أنا يوماً في جنازة، وإذا رجل يضحك في وجوه الناس ويتلهى، فاغتظت منه، ولحقته عند انصراف الجنازة، فقلت: يا عبد الله، قف. فالتفت إلي فقال: مالك؟ فقلت: ما تستحي من الله؟ الناس في الجنازة وأنت تضحك وتتلهى في وجوه الناس؟ فقال: أنت تراني؟ فقلت: نعم، وقد رأيتك تضحك في وجوه الناس. فقال: يا هذا، أنا الأمل، بعثني الله في هذه الصورة، أضحك في وجوه الناس، وما هو ضحك، وإنما أسليهم

رجل صالح

وأبسط أملهم ليرجعوا إلى ما كانوا عليه حتى لا تخرب الدنيا، ولولا ذلك ما عمرت الدنيا. ثم غاب عني. رجل صالح من أهل دمشق. قال معروف: رأيت رجلاً في البادية شاباً، حسن الوجه، له ذؤابتان حسنتان، وعلى رأسه رداء قصب، وعليه قميص كتان، وفي رجله نعل طاق. فتعجبت منه في مثل ذلك المكان، ومن زيه. فقلت: السلام عليكم ورحمة الله. فرد علي. فقلت: الفتى من أين؟ قال: من دمشق. قلت: متى خرجت منها. قال: ضحوة النهار وبينه وبين المكان مراحل كثيرة فقلت: وأين المقصد؟ قال: مكة إن شاء الله. فعلمت أنه محمول، وقلت لنفسي: لو علم أنه يساق إلى الموت سوقاً لرفق بنفسه. فودعته، ومضى. فبعد ثلاث سنين أنا جالس في منزلي أتفكر في أمره، إذ دق الباب، فإذا بصاحبي، فسلمت عليه، وأدخلته المنزل، فرأيته منقطعاً ذاهباً، حافياً حاسراً، فقلت: أيش الخبر؟ فقال: يا أستاذ، لم تخبرني بما يفعل بمعامليه. قلت: فأخبرني ببعض خبرك. قال: نعم، لاطفني حتى أدخلني الشبكة، ثم ضربني ورماني، فمرة يلاطفني، ومرة يهينني، ومرة يجيعني، ويطعمني أخرى، فليته أوقفني على بعض أسرار أوليائه، ثم يفعل بي ما شاء. وبكى بكاء شديداً. قال معروف: فأبكاني. فقلت: فحدثني ببعض ما جرى عليك مذ فارقتني. فقال: هيهات أن أبديه، وهو يريد أن أخفيه، ولكن بدياً ما فعل بي في طريقي إليك. فقلت: ما فعل بك؟ قال: جوعني ثلاثين يوماً، ثم جئت إلى قرية فيها مقثاة قد نبذ عنها المدود والفاسد وطرح، فقعدت آكل منه، فبصر بي صاحب المقثاة، فأقبل إلي بسوط يضرب ظهري وبطني، ويقول: يا لص، ما خرب مقثاتي غيرك، منذ كم أنا أرصدك حتى وقعت عليك. فبينا هو يضربني، أقبل فارس نحوه مسرعاً، وأفلت

رجل من أهل دمشق

السوط في رأسه وقال: تعمد إلى ولي من أولياء الله تضربه وتهينه وتقول له: يا لص. فأخذ صاحب المقثاة بيدي إلى بيته، وما أبقى من الكرامة شيئاً إلا عمله، واستحلني فبينا أنا عنده لص إذ صرت ولياً. وجعل صاحب المقثاة مقثاته لله ولأصحاب معروف. فقلت له: صف لي معروفاً. فوصف لي الصفة فعرفتك بما كنت شاهدته من صفتك، فما استتم كلامه إلا وصاحب المقثاة قد جاء، وكان موسراً، فأخرج جميع ماله ودنياه وأنفقه على الفقراء، وصحب الشاب سنة وحجا، فماتا بالربدة. رجل من أهل دمشق قال: قال إبراهيم بن أدهم: أعربنا في الكلام فما نلحن، ولحنا في الأعمال فما نعرب. شيخ كان بكناكر من دمشق قال: قال موسى: سافروا وأملوا في أسفاركم البركة، فإني سافرت، وما أؤمل كل ما أتاني. شاب صالح كان ضيفاً للقاسم الجوعي. قال قاسم: وقف على غلام فسلم فرددت فقال: يا معلم الخير، كنت مع فلان بأنطاكية، فلما حضرته الوفاة قلت: أرشدني إلى من أكون معه. فقال: عليك بقاسم الجوعي فقلت: أوسعوا له. فلم يزل حتى صلينا العشاء الآخرة، فجاء معي البيت. فقلت للمرأة: قومي إلى البيت الذي بجانب الدار، فاطرحي فيه حصيراً، واجعلي فيه سراجاً، وكوز ماء وطعاماً فقد جاءنا ضيف ففعلت ذلك. فأقام عندي شهرين أقل أو أكثر

فنسيت المرأة ليلة أن تؤدي إليه سراجاً وطعاماً حتى مضى من الليل ما مضى، فأويت إلى فراشي، وأطفأت المرأة السراج، وجاءت لتأوي إلى فراشها، فذكرت أنها لم تؤد إلى الغلام طعاماً ولا سراجاً فوثبت مسرعة فقدحت وأسرجت وأخذت طعاماً وسراجاً، ومضت إلى الغلام فوجدته مستقبلاً القبلة قائماً، وقنديلاً يسرج، فمسحت عينيها، وأحدّت النظر، فإذا الغلام قائم، والقنديل يسرج، فرجعت إلى قاسم فأنبهته وأخبرته وقالت: قم حتى أريك. قال: فلبست ثوبي ومضيت معها. فقالت: إن هذا الفتى أنسيت أن أودي إليه طعاماً وسراجاً إلى هذا الوقت، وجئت فرأيته على هذه الحالة. فقلت لها: سألتك بحق كذا وكذا الذي كنت تخصيني به خصي به هذا الغلام، متى كنت أؤمل أن أرى مثل هذا؟! وهذا ولي من أولياء الله. فلما أصبحنا خرجت أنا والغلام إلى المسجد، فلم نزل حتى صلينا العشاء الآخرة، ثم نهض ونهضت، وأحببت الاعتذار إليه وأعذر المرأة وشرحت له الحال، فقال: يا قاسم، عليك السلام. فقلت له: إلى أين تريد الساعة، ولا أحد يذهب ولا يجيء. وتضرعت إليه ليبيت تلك الليلة فأجابني إلى ذلك. فقمت إلى مزود عندي فجعلت فيه فتيتاً وركوة وعشرة دراهم. وأصبحنا، فغدوت وغدا الغلام معي إلى المسجد، فلما صلينا الغداة نهض الغلام ونهضت معه، فمضينا حتى صرنا إلى الموطأة، فقلت: إلى أين تومي؟ فقال: إلى بيت المقدس، وقال: ارجع من هاهنا فقلت: خذ هذا الفتيت تشربه في الطريق، وهذه الركوة تتوضأ فيها للصلاة، وهذه العشرة دراهم ما كان عندي غيرها، ولكن يرزق الله. فقال: يا قاسم، ما لي فيها حاجة. فأقبلت أطلب إليه وأتملقه، فبعد حين أخذ الركوة، فقال: هذه أتوضأ فيها للصلاة وأذكرك بها. فقلت: فخذ هذا الفتيت وهذه الدراهم. فأدخل يده في كمه، فأخرج كفه مملوءة دنانير. ثم قال لي: يا قاسم، من كان هذا معه أيش يعمل بدراهمك؟ فأقبلت أنظر إلى الدنانير في كمه، ثم رمى بها إلى الأرض، فنطرت إلى الموضع الذي رماه والتفت فلم أر الغلام.

صديق للقاسم الجوعي

صديق للقاسم الجوعي حدث أبو عبيد أن أول حجة حجها قدم إلى دمشق، فلقى قاسم بن عثمان الجوعي، فأعلمه أنه نوى الحج فقال: إذا أردت الخروج فائتني حتى أوصى بك بعض إخواني من العراق لتصحبه في طريقك، فلما قرب وقت الحج جاء قاسم ومعه جريب فيه رطل سويق وخمسة دنانير، فقال له قاسم: ما هذا؟ قال: شيء زودته. فقدم رجل من العراق، فسلم عليه قاسم ووصاه بأبي عبيد وخرجا. قال أبو عبيد: فلما صرنا في بعض الطريق قال لي: ما هذا معك؟ فأخبرته. فقال: ضعه هاهنا، فوضعته ومضيت معه، فكنا إذا احتجنا إلى الطعام وجدناه، حتى قدمنا مكة، فلما قضينا الحج، قال لي في يوم الزيارة: إني غداً عند العصر أموت، فكفني في عباءتي هذه، وادفني. فقلت: صحبتك من الشام إلى هاهنا فلم أسألك عن اسمك، فعرفني. فقال: لا تحتاج إلى هذا، ولكن إذا صرت إلى بيت المقدس فادخل الصخرة تر شيخاً جالساً عن يمينك فهو يسلم عليك ويعرفك من أنا. قال: فلما صرت إلى بيت المقدس وجدت الشيخ، فسلم علي وعزاني برفيقي، وقال: إنه كان أحد السبعة، وإنه لما قبضه الله جعلك بدله وقال: أنا أبو العباس الخضر. قال: فكان ذلك أول شيخ رأيته. رجل متصوف قال: رأيت على صخرة منقوراً ببيروت: من السريع خذها فقد أسمعك الصوت ... بادر وإلا فهو الفوت وانهج بما شئت وعش آمناً ... آخر هذا كله الموت رجل له فضل، مستجاب الدعاء. قال أبو الحارث الأولاسي: ذكر لي عن رجل بدمشق فضل، ومعه إجابة، فصرت إليه

رجل

فقال لي: قم بنا نصير إلى الساحل، فمضينا، فنحن في الطريق إذا امرأة تصرخ في غابة، وإذا معها شرطي، قد صحر حمارها، وهو يراودها عن نفسها، فصرخت، فصاح به ال رجل مرتين أو ثلاثاً، فتهاون بكلامه ولم ينته. قال أبو الحارث: فرأيته يحرك شفتيه فإذا الشرطي يغيب في الأرض، وأنا أنظر إليه، فسقطنا جميعاً، فما أفقت إلا بعد مدة، فقمت وأنا أقول: لا إله إلا الله. فقال الرجل: لا إله إلا الله. فمضيت وقلت: ليس أصحبك بعد هذا. فقال: إيه. ورأيته مثل النادم على فعله، وبقي كأنه مستعتب من فعله. رجل صالح كان بجبل لبنان، تطوى له الأرض من يومه إلى بيت المقدس. قال أبو الحارث الأولاسي: فصرت إليه، فإذا هو رجل قد التبس سلامه. فسألته: من أين المطعم؟ فدعا بظبية كانت قريباً منه في الجبل، فجاء بها إلى صخرة فيها نقرة، فحلبها عليها، وسقاني من اللبن. رجل كان بدمشق له بغل يكريه من دمشق إلى تل الزبداني، ويحمل عليه الناس، فذكر أنه أكرى بغلة مرة من رجل يحمل عليه متاعاً له، فلما صار خارج الدرب، لقيه رجل وسأله أن يحمله على رأس الحمل بأجرته، قال: فرغبت في الكراء وحملته ولزمت المحجة فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: هل لك أن تأخذ بنا هذا الطريق فإنه مختصر ونحن عند مفرق طريقين، فقلت له: أنا لا أخبر هذا الطريق ولا أعرفه. فقال: أنا أعرفه، وقد سلكته مراراً كثيرة. قال: فأخذت الطريق، فأشرفت على موضع وعر وحش وواد عظيم هائل، واستوحشت ونظرت يمنة ويسرة فلا أرى

رجل

أحداً فبينا أنا كذلك إذ قال لي: أمسك برأس البغل حتى أنزل. فقلت له: أيش تنزل في هذا الموضع؟ مر بنا نلحق البلد بوقت فقال: خذ ويلك رأس البغل حتى أنزل، وقد أشرفت على واد عظيم، تخايل لي أن فيه أقواماً موتى. فأمسكت برأس البغل حتى نزل، ثم أخرج سكيناً عظيماً، وقصدني ليقتلني، فعدوت من بين يديه وقلت: يا هذا، خذ البغل وما عليه. فقال: هذا هو لي، وإنما أريد قتلك. فخوفته بالله، وتضرعت إليه، وبكيت، وحذرته من الله، فأبى وقال: لا بد من قتلك. فاستسلمت في يده، وقلت: دعني أصلي ركعتين، ثم افعل ما بدا لك. فقال: افعل ولا تطول. فكبرت، وأرتج علي القراءة، فلم أذكر من القرآن حرفاً، وأنا واقف متحير وهو جالس يقول: افرغ. فأجرى الله على لساني بعد وقت فقرأت " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " فإذا أنا بفارس قد أقبل من نحو الوادي، وبيده حربة، فرمى بها ال رجل فخر صريعاً. فتعلقت بالفارس وقلت: بالله، من أنت؟ فقال: أنا رسول " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " قال: فأخذت البغل والحمل، ورجعت إلى دمشق سالماً. رجل حدث أنه قرأ على قبر بدمشق: نعم المسكن لمن أحسن. شاعر من أهل نجد، كان بأذرعات. من شعره: من الطويل ألا أيها البرق الذي بات يرتقي ... ويجلو دجى الظلماء ذكرتني نجدا وهيجتني من أذرعات وما أرى ... بنجد على ذي حاجة طرب بعدا ألم تر أن الليل يقصر طوله ... بنجد وتزداد الرياح به بردا

رجل من أصحاب الحديث

رجل من أصحاب الحديث أنشد: من الكامل كم من أخ لك لم يلده أبوكا ... وأخ أبوه أبوك قد يجفوكا كم إخوة لك لم يلدك أبوهم ... وكأنما آباؤهم ولدوكا لو رمت حملهم على مكروهة ... تخشى الحتوف بها لما خذلوكا وأقارب لو عاينوك منوطاً ... بنياط قلبك ثم ما نصروكا فالناس ما استغنيت كنت أخاً لهم ... فإذا افتقرت إليهم رفضوكا شاعر من دمشق ومن شعره: من الكامل ودعوتني فأكلت عندك لقمة ... وشربت شرب من استتم خروفا وسألتني في إثر ذلك دعوة ... ذهبت بمالي تالداً وطريفا فجعلت أفكر فيك باقي ليلتي ... ما كنت تفعل لو أكلت رغيفا رجل من أصحاب الحديث أنشد: من الكامل ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلف يزن بعضهم ... بعضاً ليسكت معور عن معور صديق لأبي القاسم بن أبي العقب أنشده: من البسيط كم المقام وكم تعتافك العلل ... ما ضاقت الأرض في الدنيا ولا السبل

رجل من أهل بيروت

إن كنت تزعم أرض الله واسعة ... فيها لغيرك مرتاد ومرتحل فارحل فإن بلاد الله ما خلقت ... إلا ليسكن منها السهل والجبل الله عودني الحسنى فما برحت ... عندي له نعم تترى وتتصل إن ضاق بي بلد أبدلته عوضاً ... وإن نبا منزل بي كان لي بدل وإن تغير لي عن وده رجل ... أصفى المودة لي من بعده رجل لم يقطع الله لي من صاحب أملاً ... إلا تجدد لي من صاحب أمل لا تبتذل أبداً وجهك في طمع ... فما لوجهك ماء حين يبتذل رجل من أهل بيروت قرأ على سور صور مكتوباً: من الوافر دع الدنيا فإني لا أراها ... لمن يرضى بها دار بدار ودارك إنما اللذات فيها ... معلقة بأيامٍ قصار شاعر من المادرائيين حدث أبو الفرج عبد الواحد المخزومي قال: تأخرت بدمشق عن سيف الدولة مكرهاً، وقد سار في بعض وقائعه، فانقطعت إلى أبي بكر علي بن صالح الروذباري لتقدمه في الرياسة، وفضله، فأحسن إلي، وتوفرت على قصد المتنزهات المطروقة تسلياً وتعللاً، فقصدت دير مران، واستصحبت بعض من كنت آنس به، فنزلناه، وكنت اخترت من رهابنته من توسمت فيه رقة الطبع، وسجاحة الأخلاق، فانصرفت بي نظرة إلى بعض

الرهبان، فوجدته مترقباً لنظري، فغمزني وأومأ إلي، فأنكرت ذلك، ونهضت عجلاً، فأخرج إلي رقعة مختومة، ففضضتها فإذا فيها بأحسن خط وأوضحه: بسم الله الرحمن الرحيم، لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة إلى مولاي بين حزم يحث على الانقباض عنك، وحسن ظن يحض على التجاوز عن نفيس الحظ منك، إلى أن استنزلني الرغبة على حكم الثقة بك من غير خبرة، فرفعت بيني وبينك سجف الحشمة، فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة، وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة، والمستماح منك زورة أرتجع ما اغتصبته الأيام من المسرة، مهنأة بالانفراد إلا من غلامك. من الطويل وما ذاك عن خلق يضيق بطارق ... ولكن لأخذي باجتناب العوائق فإن صادف ما خطبته منك تقبلاً فمنه غفل الدهر عنها، وفارق مذهبه بما أهداه إلي منها، وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره من قربك، فذمام المروءة يلزمك رد هذه الرقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها. وتلو هذا الخطاب أبيات: من مجزوء البسيط هل لك في صاحب تناسى بال ... غربة أخلاقه وبالأدب أوحشه القرب فاستراح إلى ... قربك مستنصراً على النوب فإن تقبلت ما حباك به ... لم تشن الظن فيك بالكذب وإن أبى الدهر دون بغيتنا ... فكن كمن لم نقل ولم تجب فورد علي ما حيرني، وتحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة، وقلت للراهب: من هذا؟ وكيف السبيل إليه؟ فقال: أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا، وأما السبيل إلى لقائه فسهل إن شئته. قلت: دلني. قال: تتصيد عذراً تفارق أصحابك، وإذا حصلت بظاهر الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه. فرددت الرقعة وقلت: ادفعها إليه ليتأكد أنسه بي وسكونه إلي، وعرفه أن التوفر على التحيل في المصير إليه أولى من التشاغل بإصدار جواب أو قطع وقت بمكاتبة. وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به، فأنكروا ذلك، واعتذرت لهم بشيء عرض لي، واستدعيت ما أركبه، وأمرت

من يخدمني بالتوفر على خدمتهم، وقد كنا على المبيت، فاجتمعوا على تعجل الانصراف، وخرجت من الدير ومعي مملوك كنت آنس به، وتلقاني الراهب فعدل بي إلى طريق وأدخلني الدير من باب غامض، وصار بي إلى قلاية، فقرع بابها بحركات مختلفات كالعلامة، فابتدرنا منه غلام، كأن الشمس تشرق من غرته، والليل في أصداغه وطرته، وبغلالة تتم على ما تستره، فبهر عقلي، واستوقف نظري، ثم أجفل كالظبي المذعور، وتلوته والراهب إلى صحن القلاية، فإذا بيت مفروش مبسوط، فوثب إلينا منه فتى مقتبل الشبيبة، طاهر النبل، حسن الصورة متزي من اللباس بزي غلامه، فلقيني حافياً يعثر في سراويله، واعتنقني وقال: إنما استخدمت هذا الغلام في تلقيك لأجعل ما لعلك استحسنته من وجهه قبالة ما ترد عليه من قبح وجهي؛ فاستظرفت اختصاره الطريق إلى بسطي، وارتجاله النادرة على نفسه حرصاً في تأنيسي، وأفاض في شكري على المسارعة إليه، وأنا أواصله بالتعبد له، والاعتداد بتفضله. وقال: أنت مكدود بمن كان معك والتمتع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك. فاستلقيت يسيراً، ثم نهضت، فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفتها في دور أكابر الملوك. وأحضرنا خادم له طبقاً يضم ما يتخذ للعشاء. فقال لي: الأكل مني يا سيدي للجوع، ومنك للممالحة والمساعدة. فنلنا شيئاً، وأقبل الليل، وجاءنا الراهب من الأشربة بما أخبرناه. ولم يزل يناهبني نوادر الأخبار، وملح الأشعار، ويخلط ذلك من المزاح بأطرفه، ومن التودد بألطفه إلى أن توسطنا الشرب، فالتفت إلى غلامه فقال: ما مترف، إن مولاك ما ادخر عنا السرور بحضوره، وما يجب أن ندخر ممكناً في مسرته. فامتقع وجه الغلام حياء وخفراً، فأقسم عليه بحياته وأنا لا أعلم ما يريد، فمضى وجاء بطنبور، وجلس وغنى: من المجتث يا مالكي وهو ملكي ... وسالبي ثوب نسكي نزه يقين الهوى في ... ك عن تعرض شك لولاك ما زلت أبكي ... إلى الصباح وأبكي فنظر إلى الغلام وتبسم، فعلمت أن الشعر له، وكدت أطير طرباً، فاستدعيت

كيزاً، فأحضرنا الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد الحكم، فشربت وشرب، ثم قال: أنا أحب ترفيهك، ولا أقطعك عما أنت متوفر عليه، فقد عرفت الاسم والنسب والصناعة، وقد كنت أوثر أن نسم ليلتنا بشيء يكون لذكرها معلماً. فكتبت ارتجالاً: من المجتث وليلة أوسعتني ... حسناً ولهواً وأنسا ما زلت ألثم بدراً ... بها وأشرب شمسا إذ أطلع الدير سعداً ... لم يبق مذ لاح نحسا فصار للروح روحاً ... مني وللنفس نفسا فطرب على قولي: ألثم بدراً وأشرب شمساً، وعلى قولي: للروح روحاً، وللنفس نفساُ. وجذب غلامه فقبله، وقال: ما جهلت ما يجب لسيدي من التوقير، وإنما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته، فبحياتي إلا فعلت ذلك بغلامك، فاتبعت إيثاره خوفاً من احتشامه، وأخذ الأبيات، وجعل يرددها، وكتب إجازة لها: من المجتث ولم أكن لغريمي ... والله أبذل فلسا لو ارتضى لي خصمي ... بدير مران حبسا فقلت: إذا ما كان أحد يؤدي حقاً ولا باطلاً. وعرفت أنه مستتر من دين. وقال لي: قد خرج لك أكثر الحديث، فإن عذرت وإلا ذكرت الحال لتعرفها على صورتها، فتبينت ما يؤثره من كتمان نفسه، فقلت له: يا سيدي كل ما لا يتعرف بك نكرة، وقد أغنت المشاهدة من الاعتذار. وجعل يشرب وينخب علي من غير إكراه ولا حث إلى أن رأيت الشراب قد أخذ منه. وأكب على مجاذبة غلامه، فأظهرت النوم، ففرش لي إلى جانب فراشه، وقام يتفقد أمري بنفسه، فقلت: إن لي مذهباً في تقريب غلامي مني، واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من غلامه، فتبسم، وقال لي بسكره: جمع الله لك المسرة كما جمعها لي بك. وأظهرت النوم، وعاد يجاوب غلامه بأعذب الألفاظ، وأحلى معاتبة، ويخلط ذلك بمواعيد تدل على سعة حال وانبساط يد، وغلامه يقبل يده ورجله وفمه، وغلب علي النوم إلى أن أيقظني هواء السحر، فانتبهت وهما متعانقان، فأردت توديعه، وحاذرت إزعاجه، فخرجت ولقيني الخادم يريد إنباهه، فأقسمت عليه ألا يفعل، وركبت منصرفاً، ومحدثاً نفسي بالعودة إليه، ومتوهماً أن ما كنت فيه مناماً لطيبه، واعترضتني

أشغال أدت إلى اللحاق بسيف الدولة، فسرت متحسراً على ما فاتني من معرفة حقيقة خبره، ولم أزل متلهفاً على ما سلبته من فراقه، ولم أحصل على حقيقة خبر يطمعني في لقائه إلى أن عاد سيف الدولة إلى دمشق، فما بدأت بشيء قبل المصير إلى الدير، وطلبت الراهب، وسألته عن خبره، فقال: أما الآن فنعم، هذا فتى من المادرائيين، عظيم النعمة، جليل القدر، كان ضمن من السلطان بمصر ضياعاً بمال عظيم، فخاش به ضمانه وأشرف على الخروج من نعمته، فاستتر، واشتد البحث عنه، فخرج مختفياً إلى هذا البلد بزي تاجر، واستتر عند بعض إخوانه ممن أعرفه، فإني يوماً عنده إذ ظهر لي وقال لصديقه: إني أريد الانتقال إلى هذا الراهب إن كان علي مأموناً، فذكر له صديقه مذهبي، وأظهرت المسرة بما رغب فيه من الأنس بي، وأنا لا أعرفه، غير أن صديقي أمرني بخدمته، وأكد علي تأكيداً عرفت منه جلالة قدره، وحصل في قلايتي يواصل الصوم، فبعد أيام جاءنا رسول صديقنا ومعه الغلام والخادم وقد لحقا به بسفاتج وعليهما ثياب رثة، فلما نظر إلى الغلام قال: يا راهب، جاء الفطر مع إقبال العيد. ووثب إليه فاعتنقه، وقبل بين عينيه ويبكي، وأنفذ رقعة منه إلى صديق له، فحمل إلينا ألفي دينار، فدفع إليه منها ثلاث مئة دينار وقال له: ابتع لنا ما نستخدمه في هذه الضيقة. فابتاع آلة وفرشاً، ولم يزل مكباً على ما رأيت إلى أن ورد عليه غلمانه بالبغال والآلات الحسنة، وكتب أهله باجتماعهم على الإخشيد، وتعريفهم حاله، في بعده عن وطنه لضيق يده عما يطالب به، والتوقيع بحطيطة المال عنه، وبعوده إلى بلده بالكتب، فلما عمل على المسير قال لغلامه: سلم ما بقي من نفقتك إلى الراهب يصرفه في مصالح الدير إلى أن نواصل تفقده من مستقرنا. وسار وما له حسرة غيرك، ولا يشرب إلا على ما يغنيه الغلام من شعرك، وهو بمصر على أفضل حال، ما يخل بتفقدي. فتعجلت بعض السلوة بما عرفته من حقيقة خبره، وأقمت يومي عند الراهب، وانصرفت.

رجل

رجل أنشد هذا الشعر: من الوافر وجدت أخص إخواني عدوي ... إذا ما الدهر أحوجني إليه سلمت من العدو وما دهاني ... سوى من كان معتمدي عليه رجل أنشد هذا الشعر: من المديد مالك لا تفعل الجميل وقد ... صورك الله أحسن الصور ليس جمال الفتى بنافعه ... إلا بنشر الجميل في البشر شاعر كتب إلى أبي الحسن بن الران الواعظ: من المتقارب عجبت ومثلي لا يعجب ... طربت ومثلي لا يطرب لليل يكر على فجره ... وعمري بينهما يذهب وما تبت لله من زلة ... فأين من الله لي مهرب ولا خفت سطوته إذ خلوت ... بأقبح شيء له أركب فوا حزني ثم واحسرتي ... على مكسب شر ما يكسب ويا لهف نفسي على توبة ... تقرب مني الذي اطلب وكيف السبيل إلى ما طلبت ... وأنت خبير بما يطلب وقل لي يا طربي تارة ... ويا عجبي ما الذي يعجب وإني لفي شغل عنهما ... بأمر عظيم هو الأغلب فلله درك من واعظ ... يرغب فيما له يرغب

رجل

فأجابه الشيخ أبو الحسن بن الران الواعظ: من المتقارب عجبت لذي اللب إعجابه ... وأسباب غفلته أعجب فإن كنت أبصرت قصد الطريق ... يقيناً وصح لك المطلب فخذ في مسيرك ذات اليمين ... تفوز وتحظى بما تطلب وأكثر من الزاد قبل المعاد ... لعلك تنجو ولا تعطب فما الخير للمرء في لذة ... تبيد وأيامه تذهب نهار يمر وليل يكر ... ويومان بينهما تسلب وعما قليل يكون الحريص ... في القبر رهناً بما يكسب ويطلب من ذنبه مهرباً ... وهيهات عز به المهرب وأصبح في قعر مرموسه ... توعر من دونها المطلب وليس بها ضوء شمس يبين ... ولا ضوء بدر ولا كوكب فيا عجباً من فتى لاعب ... وأيدي المنون به تلعب ويضحك من عبر سنه ... وعين الزمان له تندب ويبعده العيش في كل يوم ... وأسباب منيته تقرب ويغفل عن مر أيامه ... وصرف الزمان له يلعب ويفرح للشمس إذ أشرقت ... وشمس بشاشته تغرب رجل أشد لأبي العتاهية: من مجزوء الكامل ما للمقابر لا تجي ... ب إذا دعاهن الكئيب حفر مسقفة علي ... هن الجنادل والكثيب فيهن ولدان وأط ... فال وشبان وشيب كم من خليل لم تكن ... نفسي لفرقته تطيب

شاعر

غادرته في بعضهن ... مجدلاً وهو الحبيب ولهوت عنه وإنما ... عهدي برؤيته قريب شاعر من دمشق. قال فيما جرى بدمشق سنة إحدى عشرة وأربع مئة عند فتنة ولي العهد عبد الرحيم بن إلياس: من الطويل تقضي أوان الضرب والطعن والحرب ... وجاء أوان الوزن والصفع والضرب وأضحت دمشق في مصاب وأهلها ... لهم خبر قد شاع في الشرق والغرب حريق وجوع دائم وبلية ... وخوف فقد حق البكاء مع الندب كأن دمشقاً حين تنظر أهلها ... وقد حشروا حشر القيامة للكتب فلو كان من يجني يقاد بذنبه ... لكنا براء من قياد ومن ذنب فوا أسفي أن المدينة أحرقت ... وطاف عليها طائف السخط من ربي وأضحت تلالاً قد تمحت رسومها ... كبعض ديار الكفر بالخسف والقلب وأحرقت الأبواب من كل جانب ... فأصبحت بعد الأنس ينكرها قلبي إلى أين أسعى من دمشق وأرضها ... بها جنة الفردوس للأكل والشرب وجامعها إحدى العجائب في الورى ... له الخبر المنعوت في سائر الكتب إليكم جميع المسلمين نعيتها ... وإن كنت قد أقصرت في نعتها خطبي رجل أنشد لبعضهم: من الخفيف قد سجنا نفوسنا في البيوت ... وقنعنا من دهرنا بالقوت ورضينا من الصديق إذا ما ... ناب خطب يعيننا بالسكوت أي الدفع، والمصادرة والضرائب.

ذكر المجهولات من النساء

ذكر المجهولات من النساء بنت أبي عباية كان بدمشق رجل يكنى أبا عباية، فمر ببشر بن مروان وهو جالس على درج دمشق وهو أمير عليها وبين يديه رجل يضرب بالسياط، فقال له: اتق الله يا بشر! فأمر به فجرد، وضرب بين يديه سبعة عشر سوطاً، فمات، فرثته ابنته فقالت: من الوافر وراح أبو عباية نحو بشر ... فحمله بمصرعه الذهاب وعلى أن قال ربك فاحذرنه ... فعند الله يا بشر الثواب فعز لقوله ودعا رجالاً ... يقضون الأمور وهم غضاب فأهوى بالسياط فجردوه ... فيا لك مستغيثاً لا يجاب بنت عبد الله بن زيد ابن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج دخلت على عمر بن عبد العزيز فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا بنت عبد الله بن زيد، شهد بدراً، وقتل يوم أحد فقال: من البسيط تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا سليني ما شئت. فسألته، فأعطاها ما سألت.

بنت عدي بن زيد

بنت عدي بن زيد المعروف بابن الرقاع، العاملي، شاعرة. قال الأصمعي: اجتمع ناس من الشعراء، فأتوا باب ابن الرقاع يطلبونه، فخرجت بنية له فقالت: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد أباك لنخزيه ونفضحه. فنظرت إليهم هنية، ثم قالت: من الطويل تجمعتم من كل أفق وبلدةٍ ... على واحد لا زلتم قرن واحد أم محمد بن سليمان بن أبي الدرداء حدثت عن جدتها أم الدرداء قالت: قالوا: يا رسول الله، هل يضر الغبط؟ قال: نعم، كما يضر الشجرة الخبط. قال هشام: الغبط: النعم أم مسلمة بن عبد الله الجهني حدثت عن أبي الدرداء قالت: ذكرنا الشؤم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعني فقال: إن شيئاً لا يشوم شيئاً، فإن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدار والفرس.

أم يزيد بن أبي مريم

أم يزيد بن أبي مريم مولاة سهل بن الحنظلية. حدثت عن سهل بن الحنظلية الأنصاري وكان لا يولد له، وفي أخرى: وكان عقيماً لا يولد له فقال: لئن ولد لي ولو سقط فأحتسبه أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعاً. قال: وسهل بن الحنظلية ممن بايع تحت الشجرة. أخت عبد الله بن عامر ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف خاصمت أخاها إلى معاوية، فأراد معاوية الركوب، فقال له عبد الله بن عامر: إني أخاف عليك هذه المرأة أن تؤذيك في طريقك. فلما ركب عارضته وأخذت بلجام بغلته وقالت: يا أمير المؤمنين: أعدني على شبيه البغل الذي لم يشبه أباه ولا أمه. فقال لها الضحاك بن قيس الفهري: اسكتي يا عدوة الله. قالت: يا أمير المؤمنين، من هذا؟ قال: هذا الضحاك بن قيس الفهري. قالت: هذا الذي يقول الشاعر في أبيه: من الطويل قصير القميص فاحش عند بيته ... وشر قريش في قريش مركبا فقال لها مروان: اسكتي يا عدوة الله. قالت له: يا بن الزرقاء، أما والله لو كانت أمك قرشية لحميت لي. فتطأطأ معاوية على بغلته وقال: هات حاجتك، والله لا كنت اليوم رابعاً.

امرأة لها صحبة

امرأة لها صحبة ويقال إنها امرأة حذيفة. حدثت قالت: نام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: تضحك مني يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر، مثلهم مثل الملوك على الأسرة. قالت: ثم نام ثم استيقظ أيضاً يضحك، فقالت: تضحك مني يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر فيرجعون قليلة غنائمهم، مغفوراً لهم، قالت: ادع الله لي أن يجعلني منهم، فدعا لها. قال عطاء بن يسار: فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم، وهي معنا، فماتت بأرض الروم. قالوا: كانت أم حرام من الفوج الأول الذين غزوا قبرس في خلافة عثمان، وهذه من الفوج الآخر، وإنما غزا المنذر القسطنطينية مع يزيد بن معاوية في أيام أبيه. امرأة من بني مرة قالت: كأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، ونزل عن فرس له شقراء فعرقبها، ثم مضى فقاتل حتى قتل. امرأة أدركت الصحابة كان معاوية قد قال لكعب: إن سألك أهل العراق عن شيء فلا تحدثهم. قال: فرأى امرأة شافة عند درج المسجد بدمشق. فقال: لصاحبة بني إسرائيل كانت أحسن عزاء

نسوة متعبدات

وأفضل جزاء من هذه، فقالوا: حدثنا عنها، ما كان من أمرها؟ قال: إني نهيت عن ذلك. قال: فقالوا: إنا لم نسألك عن شيء، وإنما هذا شيء جئت به أنت. قال: فحدثهم قال: كان في بني إسرائيل قاض عدل، كانت له امرأة، وكان له منها ابنان، وكانت تسفر بيته وتهيئ له طعامه، فإذا فرغ دخل مع أصحابه فأطعمهم. قال: فتردى ابناه ذات يوم في بئر، فأخرجتهما وقد ماتا. قال: فأدخلتهما المخدع، ثم سجتهما بثوب، فلما دخل طعم هو وأصحابه، ثم تطيبت له، فأصاب منها، ثم قال: أين ابناي؟ فقالت: في المخدع. قال: فدخل فأخذ بيد أحدهما، قال: قم يا بني. فقام، ثم أخذ بيد الآخر فقال: قم يا بني، فلما خرج قالت له امرأته: أي امرأة أنا عندك؟ قال: ما أعلم امرأة تكون أفضل منك. قالت: فإنهما كانا ماتا. قال: هي شكيمة شكمتها بصبرك. نسوة متعبدات كن يصحبن أم الدرداء. قال يونس بن حلبس: كنا نحضر أم الدرداء، ويحضرها نساء متعبدات يقمن الليل كله، حتى إن أقدامهن انتفخت من القيام. وكانت أم الدرداء تؤتى بألوان الطعام، فكلما جيئت بقصعتين صبتها على الأخرى وتقول: صبوا البركة بعضها على بعض. امرأة مخزومية ويقال زهرية لما سير ابن الزبير بني أمية إلى الشام كانت فيهم امرأة من بني مخزوم ناكح في بني أمية، فمرت بسوق الصفارين بدمشق، فسمعت رجلاً ينشد شعر أبي قطيفة: من الطويل

امرأة يزيد بن سنان

ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... جنوب المصلى أو كعهدي القرائن؟ وهل آدر بين العقيق عوامر ... من الحلي، أم هل بالمدينة ساكن إذا برقت نحو الحجاز سحابة ... دعا الشوق منها برقها المتيامن وما أزعجتنا رغبة عن بلادنا ... ولكنه ما قدر الله كائن فشهقت شهقة وخرجت ميتة. امرأة يزيد بن سنان شاعرة. ضرب عبد الملك بن مروان بعثاً إلى اليمن، فأقاموا سنتين حتى إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق، قال: لأعسن الليلة مدينة دمشق، ولأسمعن الناس ما يقولون في البعث الذي أغزيت فيه رجالهم، وأغرمت فيه أموالهم، فبينا هو في بعض أزقتها إذا هو بصوت امرأة قائمة تصلي، فتسمع إليها، فلما انصرفت إلى مضجعها قالت: اللهم، يا غليظ الحجب، ويا منزل الكتب، ويا معطي الرغب، ويا مؤوي العزب، ويا مسير النجب، أسألك أن تؤدي غائبي، فتكشف به همي، وتصفي به لذتي، وتقر به عيني، وأسألك أن تحكم بيني وبين عبد الملك بن مروان الذي فعل بنا هذا، فقد صير الرجل نازحاً، والمرأة متقلقلة على فراشها، ثم أنشدت تقول: من الطويل تطاول هذا الليل فالعين تدمع ... وأرقني حزن فقلبي موجع فبت أقاسي الليل أرعى نجومه ... وبات فؤادي عانياً يتقرع إذا غاب منها كوكب في مغيبه ... لمحت بعيني آخر حين يطلع إذا ما تذكرت الذي كان بيننا ... وجدت فؤادي للهوى يتقطع وكل حبيب ذاكر لحبيبه ... يرجي لقاه كل يوم ويطمع

جارية لسليمان بن عبد الملك

فذا العرش فرج ما ترى من صبابتي ... فأنت الذي يرعى أموري ويسمع دعوتك في السراء والضر دعوة ... على علة بين الشراسيف تلذع فقال عبد الملك لحاجبه: تعرف هذا المنزل؟ قال: نعم، هذا منزل يزيد بن سنان. قال: فما المرأة منه؟ قال: زوجته. فلما أصبح سأل: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالوا: ستة أشهر. قال: فأمر أن لا يمكث العسكر أكثر من ستة أشهر. جارية لسليمان بن عبد الملك شاعرة. قال سليمان بن عبد الملك يوماً والشعراء عنده: قد قلت نصف بيت فأجيزوه. قالوا: ما هو؟ فقال: من الطويل نروح إذا راحوا ونغدو إذا غدوا فلم يصنعوا شيئاً، فدخل على جارية له، فأخبرها، فقالت: كيف قلت؟ فأنشدها، فقالت: وعما قليل لا نروح ولا نغدو أم ولد لعمر بن عبد العزيز قالت: سألني عمر دهناً، فأتيته به وبمشط من عظام الفيل، فرده، وقال: هذه ميتة. قلت: وما جعله ميتة؟ قال: ويحك، من ذبح الفيل!! أم ولد لعمر بن عبد العزبز أيضاً. قال عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: دخلت علي أمي ومعي أخي يزيد بن

حاضنة لعمر بن عبد العزيز

عمر، فرأت فينا سروراً، فقالت: يا بني، ما يسركما من خلافة أبيكما؟ فوالله لا تريان سروراً في خلافته أبداً. قلنا: ولم ذلك؟ قالت: دخل علي حين صلى العشاء بالناس، وهو يبكي. قالت: فما دنا من فراش ولا ثنى له جنباً، وما زال يبكي قائماً وراكعاً وساجداً حتى خرج من عندي لصلاة الصبح. حاضنة لعمر بن عبد العزيز قالت: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا أنا مت فلا تجعلوا على كفني حناطاً. قال عاصم: شهدت عمر بن عبد العزيز قال لأمة: أراك ستلين حناطي، فلا تجعلي فيه مسكاً. امرأة من الكوفة كان لها زوج، ولها أربع بنات، فمات صاحبها وترك البنات ليس لهن مال، ولا عندهن جمال، فقيل لها: عليك بعمر بن عبد العزيز، لعله أن يلحقهن بالعطاء. قالت: فشخصت إليه، فحدثته حديثي، فقال: أدخلوها على فاطمة. فدخلت على فاطمة فما رأيت عليها خزاً ولا قزاً، ولا هروياً ولا قوهياً، فبينا أنا كذلك إذا رجل يغرف ماء من جب. فقلت لفاطمة: هذا رجل فاستتري! فقالت: هذا أمير المؤمنين. فدنا. قال: ردي علي قصتك. ففعلت، فألحقهن، وأعطاني عشرين ديناراً، فقال: استنفقي هذه. وكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن، عامله على الكوفة. فلما دخلت الكوفة قيل: مات عمر بن عبد العزيز. وقيل: لو أتيته بالكتاب عسى الله أن يسخره. قالت: فأتيته، فدفعت الكتاب إليه، فقال: رحم الله أمير المؤمنين. قرأه وبكى وبكى من حوله. ثم قال: فكيف أصنع؟ قلت: والله خرجت وهو حي، وإن هذا لكتابه. فأثبتهن في العطاء.

أم ولد لهشام بن عبد الملك

أم ولد لهشام بن عبد الملك شاعرة. بصرت بأولادها فرأتهم على غاية البهاء، وكانت شاعرة أديبة، فأنشأت تقول: من الرجز إذا خلطنا ماءنا بمائهم ... جاؤوك كالياقوت في صفائهم وحمدوا في فعلهم ورأيهم ... ونسبوا بعد إلى آبائهم فهذه الصفوة من أنبائهم امرأة متعبدة قال ذو النون المصري: كنت بجبل لبنان أتعبد، فبينا أنا يومئذ جالس أبكي إذا براهبة عليها المسوح، فأقبلت، فجعلت تبكي معي، ثم انصرفت، ومر الدهر زماناً وقد نزلت عن الجبل، فأنا جالس عند بعض إخواني من البزازين إذ أقبلت الراهبة بعينها، فوقفت علي فقالت: أيا شيخ، برئت قرحتك؟ فأبكتني، فما انتفعت بنفسي زماناً. امرأة متعبدة قال أحمد بن أبي الحواري: بينا أنا ذات يوم جالس بالشام في قبة ليس عليها باب إلا كساء مسبل، إذا أنا بامرأة تدق علي الحائط، فقلت: من هذا؟ فقالت: امرأة ضالة، دلني على الطريق رحمك الله. فقلت: عن أي الطريقين تسألين؟ فبكت ثم قالت: عن طريق النجاة. فقلت: هيهات هيهات! لا يقطع ذاك الطريق إلا بالسير الحثيث في الجد وتصحيح المعاملة، وحذف العلائق الشاغلة من أمر الدنيا والآخرة. فبكت، ثم قالت: أما علائق الدنيا ففهمتها، فما علائق الآخرة؟ فقلت: لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبياً لم يكن لك إلا ما كتب لك في اللوح المحفوظ، وإن لجهنم زفرة يوم القيامة لو كان معك عمل سبعين نبياً ما كان بد من أن

امرأة متعبدة

ترديها. قال: فصرخت صرخة، ثم قالت: سبحان من صان عليك جوارحك فلم تقطع، وسبحان من أمسك عليك قلبك فلم يتصدع. ثم سقطت مغشياً عليها. قال ابن أبي الحواري: كانت عندنا جارية من المتعبدات، فقلنا: اخرجي فانظري ما قصة هذه المرأة. فخرجت، فإذا هي قد فارقت الدنيا، وإذا في جيبها رقعة فيها مكتوب: كفنوني في أثوابي، فإن يك لي عند ربي خير فسيبدلني ما هو خير منها، وإن يك غير ذلك فبعداً لنفسي وسحقاً. قال ابن أبي الحواري: وإذا قوم قد أحاطوا بالجارية، فقلت لبعضهم: ما قصة هذه الجارية؟ فقالوا: هذه جارية كان يظهر بها شيء نظن أنها مصابة بعقلها، وكان الذي بها يمنعها من المطعم والمشرب وكانت تشكو إلينا وجعاً بجوفها، فكنا نعرض عليها الأطباء، فكانت تقول: أريد متطبباً أشكو إليه بعض ما أجد من دائي عسى أن يكون عنده شفائي. امرأة متعبدة قال أبو علي الحسن بن حبيب الإمام: كان في باب الجابية امرأة من المتعبدات فلما جاء ابن رائق وأحرق البلد، كان الحريق في بيتها يعمل وهي قائمة تصلي. فجاء إليها زوجها فقال: قد أكربتيني بصلاتك هذه، إن كان ولا بد فادعي عليهم. فقالت: يا هذا، كيف يجوز لي أن أدعو على قوم ألحقوني بدرجة الفقراء؟! عجوز حكى عنها أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك الحصائري قال: لقيتني عجوز على رأس زقاق عطاف، فقالت: يا شيخ، أنشد فيك وفي عصاك بيتين من الشعر؟ فقال: نعم. فقالت: من البسيط

شاعرة من كلب

ما زلت أرقب حبل الدهر منتظراً ... حتى بليت وحبل الدهر ممدود أقدم العود قدامي وأتبعه ... وكنت أمشي ولا يمشي بي العود شاعرة من كلب تزوجها خالد بن يزيد بن معاوية، وحملها إلى دمشق. قيل: إن خالداً خرج حاجاً، فلما رجع إذا هو بشيخ على ماء لكلب أورد إبله، ومعه ابنة له، كأنها ظبية عيطاء تعينه على سقي الإبل، من أتم النساء ما بين قرن إلى قدم، وهي في بردتين لها، قد اتزرت بواحدة، وتدرعت الأخرى. فرأى شيئاً لم ير مثله، فقال لمولى له: انطلق إلى هذا الأعرابي فاخطب علي ابنته، وأعطه ما سأل. فتزوج إياها على مئة من الإبل، وأهديت إليه في البردتين كما رآها، فلم يزدد إلا سروراً، فكانت تسامره، وتنشده أشعار قومها وتفتخر، فلما أغاظته قال: أنسيت البردتين؟ فأعرضت عنه طويلاً، ثم أنشأت تقول: من الطويل أخالد مهلاً لا يعير بالفقر ... فكم من فتى نذل الخليقة ذي وفر وآخر محمود الخليقة معوزٍ ... من المال لا يزري به لازم الفقر ومن ذات بعل في حلي مظاهر ... وترفل في بز العراق وفي العطر مذممة الأخلاق والغدر همة ... وإن مزجت منها البشاشة بالبشر حصان لها خلق ودل مبتل ... هضيم الحشا حوراء آلفة الخدر فلما قدم الشام تلقله عبد الملك بن مروان، فسأله عن سفره فأخبره، وحدثه بحديث الأعرابية وبردتيها، فانصرف عبد الملك إلى نسائه فحدثهن بذلك فقلن: يا أمير المؤمنين أن لو بعثت إلينا ببردتيها حتى ننظر إليهما. فسرح رسولاً، فلما أتى خالداً الرسول قالت: ما كنت لأفعل حتى أوجه إليه بأبيات، فإن استحسن أن ينظر إليهما فهو أعلم. فسرحت إليه: من الكامل

امرأة شاعرة

يا ابن الذوائب من أمية والذي ... أفضت إليه خلافة الجبار فيم استفزك خالد بحديثه ... حتى هممت بأن ترى أطماري مهلاً أمير المؤمنين فما الذي ... أحببت من ذاكم علي بعار فلئن رأيت سحيق شملي بالياً ... إني لمن قوم ذوي أخطار صبر على ريب الزمان أعزة ... لا يخفرون بذمة وجوار غلب إذا حمي الوطيس وجدتهم ... صبراً لدى الهيجا بني أحرار فاترك مقالة خالد وحديثه ... واحفظ مقالة معشر أخيار فوجه إليها عبد الملك بألف دينار، وقال: إنما أردنا استخراج هذا الشعر منك. امرأة شاعرة كان رجل من أهل الشام مع الحجاج، وكان يحضر طعامه، فكتب إلى أهله يخبرهم بما هو فيه من الخصب وأنه قد سمن، فكتبت إليه امرأته: من الطويل أتهدي لي القرطاس والخبز حاجتي ... وأنت على باب الأمير بطين إذا غبت لم تذكر صديقاً وإن تقم ... فأنت على ما في يديك صنين وأنت ككلب السوء في جوع أهله ... فيهزل أهل البيت وهو سمين امرأة عنسية شاعرة، من أهل داريا. قتل لها ابن اسمه عمرو بداريا في حرب أبي الهيذام، فقالت ترثيه، وقد قتلته قيس يوم داريا: من الخفيف عين بالدمع فاستهلي لعمرو ... بدموع غزيرة الهملان قتلته قيس فقرت بقتلى ... قيس عيلان مني العينان

امرأة شاعرة

قتلوه مثل الهلال جواداً ... بالعطايا، يبر بالإخوان قتلوه مثل القناة طريراً ... مائد الأصل، طيب الأردان وبعمرو فجعت، لهفي عليه ... أبداً أو ألف في الأكفان فقدته عنس الكرام وخولا ... ن، ومن مثل عنس أو خولان ليت شعري فذاك أكبر همي ... هل يقدني الزمان من عيلان عامراً عامراً فلا يغلبنكم ... عامر الغي يا بني قحطان إن يفتكم يكن معاير فيكم ... فاضحات للشيب والولدان البسوا الحلي والمجاسد يا قو ... م إذن واجلسوا مع النسوان امرأة شاعرة من نصارى بصرى قال المازني: نزلت بدير بصرى فرأيت في رهبانه فصاحة، وهم عرب منتصرة، وهم أفصح من رأيت، فقلت: ما فيكم شاعر؟ فقالوا: ما فينا إلا امرأة كبيرة السن. فقلت: جيئوني بها، فجاءت، واستنشدتها فأنشدتني لنفسها: من الطويل أيا رفقة من دير بصرى تحملت ... تؤم الحمى حييت من رفقة رشدا إذا ما بلغتم سالمين فبلغوا ... تحية من قد ظن ألا يرى نجدا وقولوا: تركنا العامري مكبلاً ... لكل هوىً من حبه مضمراً وجدا فيا ليت شعري هل أرى جانب الحمى ... وقد أنبتت أجراعه أثلاً صعدا وهل أردن الدهر ماءً وتلعةً ... كأن الصبا تجلو على متنه بردا

أخت رابعة

أخت رابعة زوج أحمد بن أبي الحواري. حدثت رابعة وكانت من متعبدات النساء قالت: دخلت على أخت لي عاتق تقرأ في المصحف، فقالت لي: يا أختي بلغني أن زوجك قد تزوج عليك. قلت: كان ذلك. قالت: لقد بلغني عنه عقل، فكيف رضي مع عقله بشغل قلبه عن الله بامرأتين؟ أما بلغك تفسير هذه الآية " إلا من أتى الله بقلب سليم "؟ قلت: لا. قالت: بلى، القلب السليم الذي يلقى الله وليس فيه غيره. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان فقال لي: يا أحمد، لي ثلاثون سنة مذ قدمت الشام ما سمعت بحديث أرفع من هذا. والله أعلم قال عبد الله محمد بن المكرم: هذا آخر مختصر تاريخ الشام، وحكاية أخت رابعة كانت قبل هذه الترجمة بعدة أسماء، وإنما أخرتها رجاء بركة قوله تعالى " إلا من أتى الله بقلب سليم " والله تعالى لا يجعل في قلوبنا غيره، ولا يحرمنا خيره، وأن يرزقنا القدوم عليه بقلب سليم، إنه هو الرؤوف الحكيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل. نجز الجزء التاسع والعشرون من مختصر تاريخ دمشق وهو آخر الكتاب علقه وما قبله عبد الله بن محمد بن المكرم بن أبي الحسن بن أحمد الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل.

§1/1